وَلَمَّا تَغَلَّبَت الرُّوْم عَلَى المَرِيَّة سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، خَرَجَ إِلَى مُرْسِيَة، ثُمَّ سَكَنَ جَزِيْرَة شُقْر (1) ، فَولِي القَضَاء وَالخطَابَة بِهَا.
وَكَانَ فِي خُلُقِه ضيق، وَكَانَ مِنْ فُرْسَان الحَدِيْث بِالأَنْدَلُسِ، بارعاً فِي لغَته، لَمْ يَكُنْ أَحَد يُجَارِيه فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَال، وَلَهُ خطب حِسَان، وَتَصَانِيف (2) ، وَسعَة علم كَثِيْر جِدّاً.
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ: هُوَ أَعْلَم أَهْل طَبَقَته بصنَاعَة الحَدِيْث، وَأَبرعهُم فِي ذَلِكَ، مَعَ مشَاركته فِي علُوْم، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلين، أَمعن النَّاس فِي الأَخْذ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عيَاد (3) : كَانَ عَالِماً بِالقُرْآنِ، إِمَاماً فِي علم الحَدِيْث، وَاقفاً عَلَى رِجَاله، لَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ مَنْ يُجَارِيه فِيْهِ، أَقرّ لَهُ بِذَلِكَ أَهْل عصره، مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي اللُّغَة وَالأَدب، وَاستقلاَله بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيْع الفُنُوْن.
قَالَ: وَكَانَ لَهُ حظّ مِنَ البلاغَة وَالبيَان، صَارِماً فِي أَحكَامه، جزلاً فِي أَموره، تَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ وَالتسمِيْع وَالعَرَبِيَّة، وَكَانَتِ الرّحلَة إِلَيْهِ فِي زَمَانِهِ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَلَهُ كِتَاب (المَغَازِي) فِي خَمْس مُجَلَّدَاتٍ، حمله عَنْهُ النَّاس.
__________
(1) هكذا هي في أصل النسخة، نعني بضم الشين المعجمة، وفي معجم البلدان لياقوت ومراصد البغدادي: (شقر) بفتح الشين، ولعله الاصوب.
(2) ذكرها ابن الابار في (التكملة) : 3 / الورقة 12 وقال: (ولم يؤلف في الحديث على كثرة مطالعته وتقييده غير مجموع في الألقاب صغير كتبته عن ابن سالم عنه) .
(3) نقل الذهبي كلام ابن عياد هذا من (تكملة) ابن الابار: الورقة 12 وتصرف به على عادته.(21/120)
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ (1) : مَاتَ بِمُرْسِيَة، فِي رَابِعَ عَشَر صفر، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَكَادَ النَّاس أَنْ يهلكُوا مِنَ الزحمَة عَلَى نَعشه.
قُلْتُ: حمل عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ اللَّخْمِيّ الدَّانِيّ أَيْضاً، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ حبُّوْنَ المِصْرِيّ، وَعَبْد اللهِ بن الحَسَنِ المَالقِي، وَأَبُو الخَطَّابِ بن دِحْيَة، وَأَخُوْهُ، وَالعَلاَّمَة أَبُو عَلِيٍّ الشَّلوبِيْن، وَخَلْق.
فَقَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ الكَلاَعِيّ فِي (شُيُوْخه) : القَاضِي، العَلاَّمَة، ابْنُ حُبَيْشٍ، آخر أَئِمَّة المُحَدِّثِيْنَ بِالمَغْرِبِ، وَالمُسَلَّمُ لَهُ فِي حِفْظِ أَغربَة الحَدِيْث وَلِسَان الْعَرَب مَعَ متَانَة الدِّيْنِ (2) ، لَقِيْتُهُ بِمُرْسِيَة، وَأَخَذت عَنْهُ مُعْظَم مَا عِنْدَهُ، وَقَرَأْت عَلَيْهِ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) ، وَسَمِعَهُ مِنِ ابْن مُغِيْث سَنَة (3) 530.
قَالَ (4) : سَمِعته عَلَى أَبِي عُمَرَ ابْن الحَذَّاء، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسَد سَنَة 395، حَدَّثَنَا ابْن السَّكن سَنَة 343، حَدَّثَنَا الفَرَبْرِيّ، عَنِ البُخَارِي ِّ-وَقَرَأْت عَلَيْهِ مصَنّف النَّسَائِيّ بِسَمَاعه مِنِ ابْن مُغِيْث- قَالَ:
قرَأْته عَلَى مَوْلَى ابْنِ الطَّلاَّعِ، وَأَخْبَرَنَا بِهِ ابْن الحَذَّاء، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَسَد، أَخْبَرَنَا حَمْزَة الكِنَانِيّ، حَدَّثَنَا النَّسَائِيّ.
__________
(1) (التكملة) 3 / الورقة 12 ونقل ابن الابار خبر وفاته وازدحام الناس في جنازته عن ابن سالم وغيره.
(2) إن هذه المقالة عن علمه ومعرفته بأغربة الحديث قالها ابن الابار في التكملة أيضا، قال: (وكان آخر أئمة المحدثين بالمغرب، والمسلم له في حفظ أغربة الحديث ولغات العرب وتواريخها ورجالها وأيامها) 3 / الورقة 12.
(3) في الأصل (53) والصحيح ما أثبتناه، وابن مغيث هو أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث القرطبي المتوفى سنة 532 (العبر: 4 / 90، والشذرات: 4 / 101) وقد ذكر المنذري أن ابن مغيث هو أسند شيوخ ابن حبيش (التكملة) 1 / 123) .
(4) يعني ابن مغيث.(21/121)
60 - ابْنُ عَوْفٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكِّيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الزُّهْرِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، صَدْرُ الإِسْلاَمِ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكِّيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عِيْسَى بنِ عَوْفِ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ حُمَيْد ابْن صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، العَوْفِيُّ، الإِسْكَنْدَرِيُّ، المَالِكِيُّ، مِنْ ذُرِّيَّة عَبْد الرَّحْمَانِ بن عَوْف -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: الأُسْتَاذ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوْشِيّ، وَبَرَعَ، وَفَاق الأَقرَان، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَاب، وَرَوَى عَنِ الطُّرْطُوْشِيّ (المُوَطَّأ) ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ.
كتب عَنْهُ: الحَافِظ السِّلَفِيّ -وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ- وَالحَافِظون: عَبْد الغَنِيِّ، وَابْن المُفَضَّلِ، وَعَبْد القَادِرِ، وَالسُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ (1) ، وَأَوْلاَد ابْنه عَبْد الوَهَّابِ، وَهُم: الحَسَن، وَعبْد اللهِ، وَعَبْد العَزِيْزِ، وَحَدَّثَ بِـ (المُوَطَّأ) مَرَّات.
تُوُفِّيَ: فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَان، سَنَة إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، وَلَهُ سِتٌّ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ الله-.
قَالَ ابْنُ الجُمَّيْزِيّ (2) فِي (مَشْيَخته) : هُوَ إِمَام عصره، وَفرِيْد دَهْره فِي
__________
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 80 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 242، وابن فرحون في الديباج: 95، وابن العماد في الشذرات: 4 / 268. وله ذكر في تذكرة الحفاظ: 4 / 1336.
(1) سمع منه (الموطأ) .
(2) هو العلامة بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم اللخمي =(21/122)
الفِقْه، وَعَلَيْهِ مدَار الفَتْوَى، مَعَ الوَرَع، وَالزّهَّادَة، وَكَثْرَة العِبَادَة.
61 - أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ بنِ أَبِي شُكْرٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
سَمِعَ (المُجْتبَى) كُلّه لِلنسَائِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن حَمْدٍ الدُّوْنِيّ، بقِرَاءة عَبْد الجَلِيْل كوتَاه (1) سَنَة 499
وَسَمِعَ (الحِلْيَة) ، وَ (المُسْتخرج عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَ (تَارِيخ أَصْبَهَان (2)) مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّاد.
وَسَمِعَ (المُعْجَم الكَبِيْر (3)) مِنَ المُجَسَّدِ (4) بنِ مُحَمَّدٍ الإِسكَاف: أَخْبَرْنَا ابْنُ فَاذشَاه (5) ، أَخْبَرَنَا الطَّبَرَانِيُّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
= المصري الشافعي المقرئ الخطيب المتوفى سنة 649 والذي سيأتي ذكره. وعن تقييد الجميزي راجع (مشتبه) الذهبي: 176.
(*) ترجم له الذهبي في (تاريخ الإسلام) ، الورقة: 105 (أحمد الثالث 2917 / 14) وقال: ورخ موته أبو رشيد الغزال.
(1) كوتاه، لقب لعبد الجليل بن محمد الأصبهاني هذا، ومعناه بالفارسية: القصير، وتوفي عبد الجليل سنة 553 (الحاجي: الوفيات، الترجمة: 156، وابن الجوزي في (المنتظم) : 10 / 182، والذهبي: (العبر) : 4 / 153) .
وقد سمعه حضورا لأنه ولد سنة 497 كما ذكر المؤلف في (تاريخ الإسلام) .
(2) الكتب الثلاثة للحافظ أبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430.
(3) لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني المتوفى سنة 360.
(4) هكذا قرأناه، وهو غير معجم وكذا في (تاريخ الإسلام) أيضا، ولم نعرفه فيما وقفنا عليه من مصادر متوفرة، وقيدناه هكذا بعد تحري المعنى المقارب، قال صاحب القاموس: (وثوب مجسد ومجسد: مصبوغ بالزعفران) .
(5) أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسين الأصبهاني المتوفى سنة 433 وكان من أعظم رواة (المعجم الكبير) للطبراني عنه (الذهبي: (تاريخ الإسلام) ، 331 (أيا صوفيا 306) ، و (العبر) : 3 / 178) .(21/123)
62 - التُّرْكُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ عَصْرِهِ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَنَالَ الأَصْبَهَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ شَيْخُ الطَّائِفَة.
سَمِعَ: أَبَا مُطِيع مُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ المِصْرِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن حَمْدٍ الدُّوْنِيّ، وَبِبَغْدَادَ: أَبَا عَلِيٍّ بنَ نَبْهَانَ، وَأَبَا طَاهِرٍ اليُوْسُفِيّ.
وَانتقَى عَلَيْهِ الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَانتهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الحَازِمِيّ، وَأَبُو المَجْدِ القَزْوِيْنِيّ، وَعِدَّة.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو المُنَجَّى ابْنُ اللَّتِّيِّ، وَالرَّشِيْد العِرَاقِيّ، وَغَيْرهُمَا بِالإِجَازَةِ.
وَهُوَ خَاتِمَة مَنْ رَوَى عَنْ: أَبِي مُطِيْعٍ، وَالدُّوْنِيِّ.
مَاتَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 160 (باريس 5921) ، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 127، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 20 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 172، ودول الإسلام: 2 / 72، والعبر: 4 / 255، والمشتبه: 672، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 78، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 110، وابن حجر في الألقاب: الورقة: 9، والسخاوي في الألقاب: الورقة: 13، وابن العماد في الشذرات: 4 / 283.
وترجم له مؤرخ العراق ابن الفوطي مرتين في تلخيصه: الأولى في الملقبين بفخر الدين (4 / الترجمة: 1922) ، والثانية في الملقبين بمحيي الدين (5 / الترجمة 733) ولم يشر في ترجمته الثانية إلى لقبه الأول. ووالده أبو منصور أحمد توفي سنة 536.
(1) شذ عن ذلك الحافظان ابن الدبيثي والزكي المنذري، فذكرا وفاته سنة 586 (تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 160 (باريس 5921) ، و (التكملة) للمنذري: 1 / الترجمة 127) =(21/124)
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَد بن حَمْزَةَ بن أَبِي الحَسَنِ ابْنِ المَوَازِيْنِيّ الدِّمَشْقِيّ، وَالفَقِيْهُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ الحضرِيّ بِالثَّغْرِ (1) ، وَقَاضِي القُضَاةِ أَبُو سَعْدٍ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ التَّمِيْمِيّ، وَعَبْد المَجِيْدِ بن الحُسَيْنِ بنِ دُلَيل الإِسْكَنْدَرَانِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ صَاف الإِشْبِيْلِيّ، وَشَيْخ الشَّافِعِيَّة أَبُو طَالِبٍ المُبَارَك ابْن المُبَارَكِ تِلْمِيْذ ابْن الخَلِّ، وَأَبُو المَعَالِي مُنْجِبُ بن عَبْدِ اللهِ المرشدِيّ رَاوِي (الصَّحِيْح) ، وَالحَافِظ يُوْسُف بن أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ.
63 - ابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ البَارِعُ، المُقْرِئُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، قَاضِي القُضَاةِ، شَرَفُ الدِّيْنِ، عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هِبَة اللهِ بنِ المُطَهِّرِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ بنِ أَبِي السَّرِيِّ
__________
= ولكن المنذري قال في نهاية ترجمته: (وقيل كانت وفاته في يوم الأربعاء السابع من شعبان سنة خمس وثمانين وخمس مئة) .
(1) يعني بالإسكندرية.
(*) ترجم له العماد الأصبهاني في القسم الشامي من الخريدة: 2 / 351، وابن الأثير في الكامل: 12 / 18، وابن الدبيثي في تاريخه: الورقة 102 (باريس 5922) ، وابن الصلاح في طبقاته، الورقة: 54، والنواوي في الطبقات: الورقة 59، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 53، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 82، والعماد في القسم الشامي من الخريدة: 2 / 351، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 22 (باريس 5922) ، والعبر: 4 / 256، ودول الإسلام: 2 / 72، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 158 - 160، والاعلام، الورقة 211، ومعرفة القراء، الورقة 173، والدمياطي في المستفاد، الورقة: 45، والصفدي في نكت الهميان: 185، وابن كثير في البداية: 12 / 334، والسبكي في الطبقات: 7 / 132، وابن الملقن في العقد، الورقة: 70، والجزري في غاية النهاية: 1 / 455، والمقريزي في السلوك: 1 / 1 / 103، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 110، والنعيمي في القضاة الشافعية: 49، وابن هداية الله في الطبقات: 80، وابن العماد في الشذرات: 4 / 283 وغيرها.(21/125)
التَّمِيْمِيُّ، الحَدِيْثِيُّ الأَصْل، المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: المُرْتَضَى الشَّهْرُزُوْرِيّ وَالِد القَاضِي كَمَال الدِّيْنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن خَمِيْس المَوْصِلِيّ، وَتلقن عَلَى: المُسَلَّمِ السَّرُوْجِيِّ.
وَتَلاَ بِالسَّبْع عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ البَارِع، وَبِالعَشْر عَلَى: أَبِي بَكْرٍ المَرْزُوْقِي، وَدعوَان بن عَلِيٍّ، وَسِبْط الخَيَّاط (1) .
وَتَفَقَّهَ بِوَاسِط مُدَّة عَلَى: القَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: أَبِي العِزِّ القَلاَنسِيّ، قَالَهُ ابْنُ النَّجَّارِ (2) .
وَعلّق بِبَغْدَادَ عَنْ: أَسْعَد المِيْهَنِيّ، وَأَخَذَ الأُصُوْل عَنْ: أَبِي الفَتْحِ أَحْمَد بن بَرْهَان (3) ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي البَرَكَات ابْن البُخَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ، وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ طَوْقٍ، وَحصّل عِلْماً جَمّاً.
وَرجع إِلَى بَلَده، فَدرّس بِالمَوْصِل، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ سَكَنَ سِنْجَار مُدَّة، وَقَدِمَ حلب سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ فَدرّس بِهَا، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ صَاحِبهَا نُوْر الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن زَنْكِي، ثُمَّ قَدِمَ مَعَهُ دِمَشْق إِذْ تَملّكهَا، وَدرّس بِالغزَالية، وَوَلِيَ نَظَرَ الأَوقَاف، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حلب، ثُمَّ وَلِي
__________
(1) أبو محمد عبد الله بن علي.
(2) راجع ما انتقاه الحسامي الدمياطي من (تاريخ) ابن النجار وسماه: (المستفاد) ، الورقة: 45.
(3) بفتح الباء الموحدة، وتوفي ابن برهان هذا سنة 530 كما في (المنتظم) لابن الجوزي: 10 / 64 (وكامل) ابن الأثير: 11 / 19، وسبط ابن الجوزي: 8 / 160، و (عقد الجمان) للبدر العيني: 16 / الورقة 89.(21/126)
قَضَاء حرَّان وَسِنْجَار وَديَار رَبِيْعَة، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَئِمَّة، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ سَنَة سَبْعِيْنَ، ثُمَّ وَلِي قَضَاءهَا سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَأَقرَأَ القِرَاءات وَالفِقْه، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ، وَعظم قدره.
أَلّف كِتَاب (صفوَة المَذْهَب فِي (1) نِهَايَة الْمطلب) وَهُوَ سَبْع مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب (الانْتِصَار) فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب (الْمُرشد) فِي مُجَلَّدين، وَكِتَاب (الذّرِيعَة، فِي مَعْرِفَةِ الشّرِيعَة) ، وَكِتَاب (التَّيْسِيْر فِي الخلاَف) أَرْبَعَة أَجزَاء، وَكِتَاب (مَآخِذ (2) النَّظَر) ، وَكِتَاب (الفَرَائِض) ، وَكِتَاب (الإِرشَاد) فِي نُصْرَة المَذْهَب، وَمَا كَمُلَ (3) .
وَبَنَى لَهُ نُوْر الدِّيْنِ مدَارس بِحَلَبَ وَحَمَاة وَحِمْص وَبَعْلَبَكَّ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ مَدْرَسَة بِحَلَبَ، وَمَدْرَسَة بِدِمَشْقَ، وَقَبْره بِهَا.
مِنْ تآلِيفه: كِتَاب (التَّنْبِيه فِي مَعْرِفَةِ الأَحكَام) ، وَكِتَاب (فَوَائِد المُهَذَّب) مُجَلَّدَان، وَصَنَّفَ جُزْءاً فِي صِحَّة قَضَاء الأَعْمَى لَمَّا أَضر، وَهُوَ خِلاَف المَذْهَب (4) ، وَفِي ذَلِكَ وَجه قوِيّ.
وَلَمَّا وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْق، نَاب عَنْهُ: القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّد ابْنُ الزَّكِيِّ، وَأَوْحَد الدِّيْنِ دَاوُد، وَكُتِبَ لَهُمَا تَقليد مِنَ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ بِالنِيَابَة، وَلَمَّا فَقَد بَصَره، قلّد السُّلْطَان القَضَاء وَلده مُحْيِي الدِّيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعزل الوَالِد، وَاسْتقلَّ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُه إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ، ثُمَّ صُرف بِمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الزَّكِيّ.
__________
(1) في (طبقات السبكي الكبرى) : (على) ، وفي (طبقاته الوسطى) : (من) .
(2) في (طبقات السبكي) : مأخذ.
(3) قال التاج السبكي: (وذهب فيما نهب له بحلب) (الطبقات: 7 / 134) .
(4) يعني: المذهب الشافعي.(21/127)
حَدَّثَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ جَمَاعَة، مِنْهُم: الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ صَصْرَى، وَالقَاضِي أَبُو نَصْرٍ بنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَعَبْد اللَّطِيْفِ بن سِيَّمَا، وَمَحْمُوْد بن (1) عَلِيِّ بنِ قَرقِين (2) ، وَصدّيق بن رَمَضَان، وَالعِمَاد أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ النَّحَّاسِ، وَالإِمَام بَهَاء الدِّيْنِ ابْن الجُمَّيْزِيّ.
وَلأَبِي سَعْدٍ نَظم جَيِّد، مِنْهُ (3) :
أَمُسْتَخْبِرِي عَنْ حَنِينِي إِلَيْهِ ... وَعَنْ زَفَرَاتِي وَفرْطِ اشتيَاقِي
لَكَ الخَيْرُ إِنَّ بِقَلْبِي إِلَيْك ... ظَماً لاَ يُرَوِّيْهِ إِلاَّ (4) التَّلاَقِي
وَلَهُ (5) :
يَا سَائِلِي كَيْفَ حَالِي بَعْد فُرْقَته ... حَاشَاكَ مِمَّا بِقَلْبِي مِنْ تَنَائِيكَا
__________
(1) في الأصل وتاريخ الإسلام: (وعلي بن قرقين) ولا يستقيم النص به، فإن الذي روى عن ابن أبي عصرون هو محمود بن علي بن قرقين، لذلك أضفنا اسمه الأول، قال زكي الدين عبد العظيم المنذري في وفيات سنة 632 من التكملة: (وفي شوال توفي الأمير الاجل أبو الثناء محمود بن علي بن قرقين بمدينة بصرى.
سمع من الامام أبي سعد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون الشافعي وغيره، وحدث) (التكملة: 6 / الترجمة 2615) ، وقال الذهبي في وفيات سنة 632 من تاريخ الإسلام الذي بخطه: (محمود بن علي بن محمود بن قرقين، الأمير الفاضل شمس الدين أبو الثناء الجندي المقرئ.
ولد بدمشق سنة أربع وستين وخمس مئة وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون..وكانت وفاته في شوال بمدينة بصرى) (الورقة 131 من نسخة الدكتور بشار المصورة عن أيا صوفيا 3012) ، وانظر: العبر: 5 / 143، والشذرات: 5 / 158.
(2) تحرف على أستاذنا العلامة الدكتور مصطفى جواد إلى (قرقير) كما في المختصر
المحتاج إليه: 2 / 160 بسبب اعتماده شذرات ابن العماد: 5 / 158.
قال الزكي المنذري: (وقرقين: بفتح القاف وسكون الراء المهملة وبعدها قاف مكسورة وياء آخر الحروف ساكنة ونون) (التكملة 6 / الترجمة 2615) وضبطه الذهبي كذلك بقلمه في تاريخ الإسلام الذي بخطه (انظر الهامش السابق) .
(3) راجع القسم الشامي من (الخريدة) : 2 / 356.
(4) في (الخريدة) : غير.
(5) (الخريدة) : 2 / 356 وغيرها.(21/128)
قَدْ أَقسَمَ الدَّمعُ لاَ يَجفو الجُفُوْنَ أَسَىً ... وَالنومُ لاَ زَارهَا حَتَّى أُلاَقيكَا
وَقَرَأْت بِخَطِّ الشَّيْخ المُوَفَّق، قَالَ: سَمِعْنَا درْسَه مَعَ أَخِي أَبِي عُمَرَ، وَانقطعنَا، فَسَمِعْتُ أَخِي يَقُوْلُ:
دَخَلت عَلَيْهِ بَعْد، فَقَالَ: لِمَ انْقَطَعتم عَنِّي؟
قُلْتُ: إِنَّ نَاساً يَقُوْلُوْنَ: إِنَّك أَشعرِيّ.
فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَنَا أَشعرِيّ.
هَذَا مَعْنَى الحِكَايَة (1) .
وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالعَشْرِ ابْن الجُمَّيْزِيّ.
تُوُفِّيَ: فِي حَادِي عَشَر رَمَضَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
64 - الصَّائِغُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، الحَافِظُ، المُسْنِدُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ حُسَيْن الأَصْبَهَانِيُّ، الصَّائِغُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ
__________
(1) نقل التاج ابن السبكي هذه الحكاية عن شيخه الذهبي، وقال معقبا: (وأخشى أن تكون الحكاية موضوعة، للقطع بأن ابن أبي عصرون أشعري العقيدة، وغلبة الظن بأن أبا عمر لا يجترئ أن يذكر هذا القول، ولا أحد يتجرأ في ذلك الزمان على إنكار مذهب الأشعري، لأنه
جادة الطريق، ولا أظن أن ابن أبي عصرون يفتخر إذ ذاك بهما ويعاتبهما على الانقطاع، وليس في الحكاية من قوله: (فسمعت أخي) ما يقرب عندي صحته، غير أنهما انقطعا عنه لكونه مخالفا لهما في العقيدة، والله يعلم سبب الانقطاع.
وكان الموفق وأبو عمر من أهل العلم والدين، لا ننكر ذلك ولا ندفعه، وإنما ننكر وندفع من شيخنا تعرضه كل وقت لذكر العقائد، وفتحه لابواب مقفلة، وكلامه فيما لا يدريه، وكان السكوت عن مثل هذا خيرا له في قبره وآخرته) (الطبقات: 7 / 134) .
قلنا: وهذا نقد ركيك من السبكي وهو جزء من كلامه في حق شيخه الذهبي الذي علمه وحفظه وجعل منه عالما، وما كان له أن يتجاوز مثل هذا التجاوز، سامحه الله.
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 97 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 246، وابن العماد في الشذرات: 4 / 273.(21/129)
وَسَمِعَ مِنْ: غَانِم البُرْجِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، وَحَمْزَة بن العَبَّاسِ العَلَوِيّ، وَجَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيّ، وَصَاعِد بن سَيَّار الدّهَّان، وَيَحيِي بن مَنْدَةَ، وَأَبِي عَدْنَانَ مُحَمَّد بن أَبِي نزَار، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق، وَإِسْمَاعِيْل الحَافِظ، وَخَلْق.
وَبِهَمَذَانَ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ، وَطَبَقَته.
وَبَشِيْرَاز مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْد الرَّحِيْمِ بن مُحَمَّدٍ الخَطِيْب، وَهِبَة اللهِ بن الحَسَنِ.
وَبِالأَهْوَاز مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحُسَيْنِ.
وَكَتَبَ، وَجَمَعَ، وَأَملَى، وَكَانَ ثِقَةً، عَالِماً.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَعَبْد الغَنِيِّ المَقْدِسِيّ، وَأَبُو نزَار رَبِيْعَة اليَمَنِيّ، وَجَمَاعَة.
وَبِالإِجَازَة: كَرِيْمَة، وَطَائِفَة.
مَاتَ: فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: الشَّيْخ حَيَاة بِحَرَّانَ، وَبَهْلَوَان بن الأَتَابك صَاحِب الْعَجم، وَكَاتِب السرّ أَبُو اليُسْرِ شَاكِر بن عَبْدِ اللهِ التَّنُوْخِيّ، وَالحَافِظ عَبْد الحَقِّ، وَالإِمَامُ أَبُو القَاسِمِ السُّهَيْلِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدٍ السِّبْيِيّ (1) الجيَّار بِمِصْرَ، وَالشَّيْخ عَبْد الرَّزَّاقِ بن نَصْرٍ النَّجَّار، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتيل، وَأَبُو الجُيُوْش عَسَاكِر بن عَلِيٍّ المُقْرِئ، وَالمُفَضَّل بن الحُسَيْنِ الحِمْيَرِيّ البَانْيَاسِيّ، وَصَاحِب حِمْص مُحَمَّد بن أَسَد الدِّيْنِ، وَالحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ مَحْمُوْد بن أَحْمَدَ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ.
__________
(1) بكسر السين المهملة وسكون الباء الموحدة وياء آخر الحروف، منسوب إلى سبية قرية من قرى الرملة ((أنساب) السمعاني و (لباب) ابن الأثير و (مشتبه) الذهبي: 347) .(21/130)
65 - الحَلاَوِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ الحُسَيْنِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُعَمَّرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي السُّعُوْدِ المُبَارَكِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ طَالِبٍ الحَرْبِيُّ، الحَلاَوِيُّ.
شيخٌ، مُعَمَّر، عَتِيْق، هَرِم، ظهر لَهُ (1) بَعْد مَوْته السَّمَاع مِنْ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ السَّرَّاج فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَفِي سَنَةِ سِتٍّ وخَمْسِ مائَةٍ مِنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ.
وَظهر لَهُ قَبْل مَوْته بِأَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً إِجَازَة أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّد بن عَبْدِ السَّلاَمِ، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ التِّكَكِيّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ الطُّيُوْرِيّ، وَطَائِفَة.
فَأَكبّ عَلَيْهِ طلبَة الحَدِيْث يَقْرَؤُونَ عَلَيْهِ بِالإِجَازَةِ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ، وَالقَاضِي أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد ابْن الفَرَّاءِ، حدّثونَا عَنْهُ.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ (2) : مَاتَ فِي التَّاسع (3) وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَعَاشَ بِضْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: مَوْلِدُهُ كَانَ بِمَكَّةَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ (4) .
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة 123 (شهيد علي) ، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 124، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 28 (باريس) 1582، والعبر: 4 / 259، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 139، وابن العماد في الشذرات: 4 / 287.
(1) الذي أظهر له السماع والاجازات هو المحدث المشهور أحمد بن سلمان بن أبي شريك المعروف بالسكر الحربي المتوفى سنة 601 كما ذكر ابن الدبيثي.
(2) تاريخه، وهو (ذيل تاريخ مدينة السلام) ، الورقة 123 (شهيد علي) .
(3) في (تاريخ) ابن الدبيثي: ليلة السبت التاسع.
(4) يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة كما في (تاريخ) ابن الدبيثي و (تكملة) المنذري.(21/131)
66 - الأَبْلَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ بختيَارَ الجَوْهَرِيُّ *
شَاعِرُ العِرَاقِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ بختيَار الجَوْهَرِيُّ، عُرِفَ بِالأَبْلَه لِغَفْلَةٍ فِيْهِ (1) .
مدح الخُلَفَاء وَالوُزَرَاء.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ الأَدِيْب، وَأَبُو الحَسَنِ القَطِيْعِيّ المُؤَرِّخ.
وَكَانَ شَابّاً ظرِيفاً، مُتَهَجِّداً، رَائِق النّظم، وَ (دِيْوَانُه) مَشْهُوْر.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، لَمْ يَبلغ السِّتِّيْنَ.
67 - القَزَّازُ نَصْرُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مُحَمَّدٍ **
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ بَغْدَادَ، أَبُو السَّعَادَاتِ نَصْرُ اللهِ ابْنُ الشَّيْخِ المُسْنِدِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ابْنِ المُسْنِدِ أَبِي غَالِبٍ مُحَمَّدِ
__________
(*) ترجم له غير واحد منهم: ابن الدبيثي في تاريخه: 1 / الترجمة 91 بتحقيق بشار، وابن الأثير في الكامل: 11 / 204، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 379، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 463، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 79 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 238، والصفدي في الوافي: 2 / 244، وابن العماد في الشذرات: 4 / 266.
(1) وقيل: لأنه كان في غاية الذكاء، وهو من أسماء الاضداد، كما قيل للاسود: كافور (وفيات) ابن خلكان: 4 / 465.
(* *) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه بدلالة المختصر المحتاج إليه: 3 / 208، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 16، وصائن الدين النعال في مشيخته: 80، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 13 (باريس 1582) ، والمشتبه: 314، والعبر: 4 / 250، ودول الإسلام: 2 / 70، والاعلام، الورقة: 210، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 106، وابن العماد في الشذرات: 4 / 276.
وترجم له ابن الفوطي في الملقبين بقوام الدين من تلخيصه: 4 / الترجمة: 3173، ونقل عن ابن الدبيثي.(21/132)
ابْنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ، البَغْدَادِيُّ، القَزَّازُ، ابْن زُرَيْق (1) الحَرِيْمِيُّ.
سَمِعَ: جدّه، وَأَبَا سَعْد بن خُشَيْش، وَأَبَا القَاسِمِ الرَّبَعِيّ، وَأَبَا الحُسَيْن ابْن الطُّيُوْرِيّ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدِ ابْنِ العَلاَّفِ، وَابْن بيَان، وَابْن نَبْهَانَ، وَشُجَاعاً الذُّهْلِيّ، وَأَبَا العِزِّ مُحَمَّد بن المُخْتَارِ، وَعِدَّةٍ.
وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (2) ، وَابْن الأَخْضَرِ، وَالعزّ مُحَمَّد بن الحَافِظِ، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالتَّقِيّ ابْن بَاسُوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ ابْن الدُّبَيْثِيّ، وَالجمال أَبُو حَمْزَةَ المَقْدِسِيّ، وَسَالِم بن صَصْرَى، وَفضل الله ابْن الجِيْلِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ ابْنِ السَّبَّاكِ، وَمُحَمَّد بن أَبِي الفُتُوْح ابْن الحُصْرِيِّ، وَعَبْد اللهِ بن عُمَرَ البَنْدَنِيْجِيّ، وَخَلْق.
وَتَفَرَّد بِإِجَازته ابْن عَبْدِ الدَّائِمِ.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ (3) : أَرَانِي مَوْلِدُهُ بِخَطِّ جدّه فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي تَاسِع عَشَرَ رَبِيْع الآخر، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ يُوْسُفَ شَيْخ الفُتوة، وَالمُحَدِّث عَبْد المُغِيْثِ بن زُهَيْرٍ، وَقَاضِي القُضَاةِ عَلِيّ بن أَحْمَدَ ابْنِ الدَّامَغَانِيّ، وَمُحَمَّد بن يَحْيَى أَبُو الفَتْحِ البَرَدَانِيّ، وَكَبِيْر الأُمَرَاء شَمْس الدِّيْنِ مُحَمَّد ابْن المقدَّم
__________
(1) قال الزكي المنذري في (التكملة) : وزريق بتقديم الزاي المضمومة وفتح الراء المهملة.
(2) ومات قبله بإحدى وعشرين سنة لأنه توفي سنة 562، وذكره في (تاريخه) الذي ذيل به على (تاريخ الخطيب) .
(3) ضاع هذا القسم من تاريخ ابن الدبيثي، ولكن راجع (مختصره) الذي للذهبي: 3 / 209، و (تلخيص) ابن الفوطي: 4 / الترجمة 3173.(21/133)
قتل بِعَرَفَةَ، وَشَيْخ المَالِكِيَّة أَبُو القَاسِمِ مَخْلُوْف بن جَارَة الإِسْكَنْدَرَانِيّ، وَشَيْخ الحَنَابِلَة نَاصِح الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ ابْنُ المَنِّي، وَالصَّدْر مَجْد الدِّيْنِ هِبَة اللهِ بن عَلِيِّ ابْنِ الصَّاحب.
68 - الثَّقَفِيُّ أَبُو الفَرَجِ يَحْيَى بنُ مَحْمُوْدِ بنِ سَعْدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الجَلِيْلُ، العَالِمُ، أَبُو الفَرَجِ يَحْيَى بنُ مَحْمُوْدِ بنِ سَعْدٍ الثَّقَفِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (1) .
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّاد كَثِيْراً -وَهُوَ حَاضِر فِي السَّنَةِ الأُوْلَى (2) - وَمِنْ حَمْزَة بن العَبَّاسِ العَلوِيّ حُضُوْراً، وَأَبِي عَدْنَانَ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي نزَار حُضُوْراً.
وَسَمِعَ مِنْ: فَاطِمَة الجُوْزدَانِيَّة، وَحَمْزَة بن مُحَمَّدِ بنِ طَبَاطَبَا، وَجده لأُمِّهِ الحَافِظ إِسْمَاعِيْل التَّيْمِيّ- وَعِنْدَهُ عَنْهُ كِتَاب (التَّرْغِيْب وَالتَّرْهِيْب) - وَمِنَ الحُسَيْن بن عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ الحسنَابَاذِيّ، وَجَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيّ، وَعِدَّة.
وَارتحل لمَا شَاخَ نَاشراً لرِوَايَاته بِأَصْبَهَانَ، وَحلب وَالمَوْصِل وَدِمَشْق.
__________
(*) ترجم له معين الدين ابن نقطة في التقييد، الورقة: 255، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 67، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 117 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 254، ودول الإسلام: 2 / 71، والاعلام، الورقة 211، وابن تغري في النجوم: 6 / 109، وابن العماد في الشذرات: 4 / 282.
(1) يعني: وخمس مئة.
(2) وقد توفي أبو علي بن أحمد الحداد هذا في سنة 515 وكان أسند من بقي بأصبهان، بل وبالدنيا (ابن الجوزي: (المنتظم) : 9 / 228 والذهبي: (معرفة القراء) ، الورقة: 149) .(21/134)
وَلَهُ أُصُوْل وَأَجزَاء اقتنَاهَا لَهُ وَالِده.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ أَبُو عُمَرَ، وَأَخُوْهُ الشَّيْخ المُوَفَّق، وَأَوْلاَدهُمَا (1) ، وَبدلٌ التَّبْرِيْزِيّ، وَالخَطِيْب عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ المَعَافِرِيّ، وَالرَّضِيّ عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالقَاضِي زَيْن الدِّيْنِ ابْن الأُسْتَاذ، وَمُحَمَّد بن طَرْخَانَ، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَالحَسَن بن سَلاَّمٍ، وَسَالِم بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَخطيب عقربَاء، وَإِسْحَاق بن صَصْرَى، وَالشَّيْخ الضِّيَاء، وَالعِمَاد عَبْد الحَمِيْدِ بن عَبْدِ الهَادِي، وَأَخُوْهُ مُحَمَّد، وَخطيب مَرْدَا، وَالضِّيَاء صَقر الحَلَبِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن خَلِيْل، وَالزِّين ابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعِدَّةٍ.
وَلَهُ قصيدَة مدح بِهَا القَاضِي الفَاضِل، مِنْهَا:
فَمَا لِي مِنْ مَوْلَى وَمُوْلٍ وَمَوْئِلٍ ... وَمَالٍ وَمَأْمُوْلٍ سوَاكُم وَعَاصِم
تُوُفِّيَ بِقُرْبِ هَمَذَان غرِيباً، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثٍ.
وَمَاتَ أَبُوْهُ أَبُو الرَجَاء فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: قَرَأْت عَلَيْهِ ثَلاَثَة أَجزَاء انتقَاهَا لَهُ حَمُوْهُ الحَافِظُ إِسْمَاعِيْل، فِيْهَا عَنِ ابْنِ عَمِّ جدّه الرَّئِيْس الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ السِّمْسَار، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ بَيَانٍ الرَّزَّاز، وَكَانَ حرِيصاً عَلَى طلب الحَدِيْث وَجَمعه، وَحَصَّلَ الكُتُب الكِبَار.
__________
(1) يعني المقادسة.(21/135)
69 - ابْنُ بَرِّيٍّ عَبْدُ اللهِ بنُ بَرِّيِّ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ المَقْدِسِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، نَحْوِي وَقْتِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ بَرِّيِّ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ بَرِّيٍّ المَقْدِسِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، النَّحْوِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقرَأَ الأَدب عَلَى: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَسَمِعَ مِنْ: مُرشد بن يَحْيَى المَدِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ الرَّازِيّ، وَعَبْد الجَبَّارِ بن مُحَمَّدٍ المَعَافِرِيّ، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ الحَضْرَمِيِّ، وَأَبِي البَرَكَات مُحَمَّد بن حَمْزَةَ العِرْقِيّ، وَابْن الحُطَيْئَة (1) ، وَعِدَّة.
وَتَصدّر بِجَامِع مِصْر لِلْعربيَّة، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، وَقُصد مِنَ الآفَاق.
__________
(*) ترجم له الأزدي في بدائع البدائه: 89، وياقوت في الارشاد: 7 / 288، وابن الأثير في الكامل: 11 / 215، والقفطي في الانباه: 110، وأبو شامة في الروضتين: 2 / 73، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة: 6، والنواوي في الطبقات، الورقة: 59، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 108، وأبوالفدا في المختصر: 3 / 75، واليمني في إشارة التعيين، الورقة: 23، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 9 (باريس 1582) ، ودول الإسلام: 2 / 68، والمشتبه: 64، والعبر: 4 / 247، والاعلام، الورقة: 210، وابن مكتوم في تلخيصه، الورقة: 91، وابن فضل الله العمري في المسالك م 23 ج 4 ورقة: 461، والسبكي في الطبقات: 7 / 121، والاسنوي في الطبقات: 1 / 267، وابن كثير في البداية: 12 / 319، وابن الملقن في العقد، الورقة: 158، وصاحب العسجد المسبوك، الورقة 94، وابن قاضي شهبة في طبقات النحاة، الورقة 162، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 28 وغيرها كما تجده مفصلا في هامش ترجمته من تكملة المنذري.
(1) في (عبر) الذهبي و (طبقات) السبكي: (الحطئة) وما أصابوا في هذا التقييد، وهي في المخطوطات تكتب (الحطية) بسبب قلبهم الهمزة إلى ياء ثم التقاء ياءين فتحذف إحداهما خطا ولكنها تلفظ، وعليه فإن الصحيح ما أثبتناه.(21/136)
قَالَ الْجمال القِفْطِيّ (1) : كَانَ عَالِماً بـ (كِتَاب سِيْبَوَيْه) وَعلله، قيّماً بِاللُّغَةِ وَشوَاهدهَا، وَإِلَيه كَانَ التَّصفّح فِي دِيْوَان الإِنشَاء، لاَ يَصدر كِتَاب إِلَى المُلُوْك إِلاَّ بَعْد تَصفّحه، وَكَانَ فِيْهِ غفلَة (2) ، وَقَدْ تَصدّر تَلاَمِذته فِي حيَاته، وَقل مَا صَنّف، وَلَهُ (جَوَاب المَسَائِل الْعشْر) ، وَ (حوَاش عَلَى الصِّحَاح) جَوَّدهَا، جَاءت فِي سِتّ مُجَلَّدَاتٍ (3) ، وَكَانَ ثِقَةً، دَيِّناً.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الغَنِيّ المَقْدِسِيّ، وَابْن المُفَضَّلِ، وَأَبُو عُمَرَ الزَّاهِد، وَأَبُو المَعَالِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بن عَلِيٍّ المُغِيرِيّ، وَمُصْطَفَى بن مَحْمُوْدٍ، وَنبأُ بن أَبِي المَكَارِمِ، وَأَبُو العَبَّاسِ القَسْطلاَنِيّ، وَابْن الجُمَّيْزِيّ، وَخَلْق.
وَكَانَ يَتحدّث ملحوناً، وَيَتبرّم بِمَنْ يَتفَاصح.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الحَسَن بن عَلِيِّ بنِ عُبَيْدَةَ الكَرخِيّ المُقْرِئ، وَعَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الأُمَوِيّ النَّاسخ، وَعَبْد الغَنِيِّ ابْن الحَافِظِ أَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ.
70 - ابْنُ المَنِّيِّ أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ فِتْيَانَ بنِ مَطَرٍ النُّهْرُوَانِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، شَيْخُ الحَنَابِلَة، نَاصِحُ الإِسْلاَمِ، أَبُو
__________
(1) (إنباه الرواة) : 2 / 111.
(2) الذي في (إنباه الرواة) : (وكان ينسب إلى الغفلة في غير العلوم العربية، حتى ما يقوم بمصالح نفسه، ويحكى عنه حكايات في التغفل أجله عنها، وعن ذكر شيء منها) .
(3) كانت هذه الحواشي على أصل نسخة من الصحاح للجوهري، ثم نقلت عن الأصل وأفردت فجاءت في ست مجلدات، وسماها من أفردها: (التنبيه والايضاح عما وقع في كتاب الصحاح) .
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 11 / 230، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 21، =(21/137)
الفَتْحِ نَصْرُ بنُ فِتْيَانَ بنِ مَطَرِ ابْنِ المنِّيِّ النُّهْرُوَانِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيّ، وَلاَزمه حَتَّى بَرَعَ فِي الفِقْه.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ البَارِع، وَالحُسَيْن بن عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وَأَبِي الحَسَنِ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَعِدَّة.
وَتَصدّر لِلْعِلْمِ، وَتَكَاثر عَلَيْهِ الطلبَة.
تَفقه عَلَيْهِ: الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالفَخْر إِسْمَاعِيْل.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو صَالِحٍ نَصْر بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمُحَمَّد بن مُقْبِل ابْن المنِّيّ وَلد أَخِيْهِ، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ وَرِعاً، عَابِداً، حسن السّمت، عَلَى مِنْهَاج السَّلَف، أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وَثقل سَمِعَهُ، وَلَمْ يَزَلْ يَدرّس إِلَى حِيْنَ وَفَاته بِمسجده بِالمَأْمُوْنِيَّة.
تُوُفِّيَ: فِي خَامِس رَمَضَان، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَحُمِلَ عَلَى الرُّؤُوس، وَتولَّى حَفِظ جِنَازَته جَمَاعَة مِنَ التّرْك لاَزدحَام الْخلق، ثُمَّ دُفِنَ بدَاره -رَحِمَهُ الله-.
__________
= وابن الدبيثي في تاريخه بدلالة المختصر المحتاج إليه: 3 / 212، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 13 (باريس، 1582) ، والعبر: 4 / 251، ودول الإسلام: 2 / 70، والاعلام، الورقة: 210، وابن كثير في البداية: 12 / 329، وابن رجب في الذيل: 1 / 358، وصاحب العسجد المسبوك، الورقة: 95، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 52، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 106، وابن العماد في الشذرات: 4 / 277.(21/138)
71 - ابْنُ بَشْكُوَال خَلَفُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الأَنْصَارِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، المُجَوِّدُ، مُحَدِّثُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو القَاسِمِ خَلَفُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مُوْسَى بنِ بَشْكُوَالَ (1) بنِ يُوْسُفَ بنِ دَاحَةَ (2) الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، صَاحِبُ (تَارِيخ الأَنْدَلُس (3)) .
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ عَبْد الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَتَّاب -فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَهُوَ أَعْلَى شَيْخ لَهُ- وَأَبَا بَحْرٍ سُفْيَان بن العَاصِ، وَأَبَا الوَلِيْدِ بن رُشْدٍ الكَبِيْر، وَأَبَا الوَلِيْدِ بن طَرِيْفٍ، وَأَبَا القَاسِمِ بن بَقِيٍّ، وَأَبَا الحَسَنِ شُرَيح بن مُحَمَّدٍ، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ ابْن العَرَبِيّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَد بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ البُطْروْجِيّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سكّرَة الصَّدَفِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْظُوْر، وَطَائِفَة.
وَمِنْ بَغْدَاد: هِبَة اللهِ بن أَحْمَدَ الشِّبْلِيّ -وَلَوِ اسْتُجِيْز لَهُ فِي صغره مِنْ بَغْدَادَ، لأَدْرَكَ الحُسَيْن بن عَلِيٍّ البُسْرِيّ- وَأَبَا بَكْرٍ أَحْمَد بن عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيّ،
__________
(*) ترجم له ابن الابار في المعجم: 82 (مدريد 1855) ، والتكملة 1 / 304، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 74 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 234، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1339، وابن خلكان في الوفيات: 2 / 240، وابن كثير في البداية: 12 / 312، والعيني في عقد الجمان: 16 / الورقة 650، وابن العماد في الشذرات: 4 / 261، وابن فرحون في الديباج: 114 وغيرهم.
(1) قيده ابن خلكان بالحروف فقال: (بفتح الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة وضم الكاف وبعد الواو ألف لام (وفيات: 2 / 241) .
(2) داحة: بفتح الدال المهملة وبعد الالف حاء مهملة مفتوحة (وفيات: 1 / 241) .
(3) يعني كتاب الصلة الذي ذيل به على (تاريخ) ابن الفرضي، وهو من المصادر المشهورة.(21/139)
وَجَعْفَر بن أَحْمَدَ السَّرَّاج، وَالرِّوَايَة رزق مَقْسُوْم.
وَقَدْ صَنَّفَ (مُعْجَماً) لِنَفْسِهِ (1) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ (2) : كَانَ متِسْع الرِّوَايَة، شَدِيد العنَايَة بِهَا، عَارِفاً بوجوههَا، حجَّة، مقدّماً عَلَى أَهْلِ وَقته، حَافِظاً، حَافلاً، أَخْبَارِيّاً، تَارِيخيّاً، ذَاكراً لأَخْبَار الأَنْدَلُس، سَمِعَ العَالِي وَالنَّازل، وَأَسند عَنْ مَشَايِخه أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَع مائَة كِتَاب مِنْ بَيْنِ كَبِيْر وَصَغِيْر (3) ، رَحل النَّاس إِلَيْهِ، وَأَخَذُوا عَنْهُ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَة، وَوصفُوهُ بصلاَح الدِّخلَة، وَسلاَمَة البَاطِن، وَصحة التَّوَاضع، وَصدق الصَّبْر لِلطَّلبَة، وَطول الاحتمَال، وَأَلّف خَمْسِيْنَ تَأْلِيْفاً فِي أَنْوَاع العِلْم (4) .
وَوَلِيَ بِإِشْبِيْلِيَة قَضَاء بَعْض جهَاتهَا، نِيَابَةً عَنِ ابْنِ العَرَبِيِّ، وَعَقَدَ الشّروط، ثُمَّ اقْتصر عَلَى إِسْمَاع العِلْم، وَعَلَى هَذِهِ الصّنَاعَة، وَهِيَ كَانَتْ بضَاعته، وَالرُّوَاة عَنْهُ لاَ يُحْصَوْنَ، مِنْهُم:
أَبُو بَكْرٍ بنُ خَيْر، وَأَبُو القَاسِمِ القَنْطَرِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ سمجُوْنَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الضَّحَّاكِ، وَكلّهُم مَاتَ قَبْلَهُ.
قُلْتُ (5) : وَمِنَ الرُّوَاة عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ رُشْدٍ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ المَجِيْدِ المَالقِيّ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الأَصْلع، وَأَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ يَزِيْدَ بنِ بَقِيٍّ، وَأَحْمَد بن عَيَّاشٍ المُرْسِيّ، وَأَحْمَد بن أَبِي حجَّة القَيْسِيّ، وَثَابِت بن مُحَمَّدٍ الكَلاَعِيّ، وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ صلتَان،
__________
(1) أي لشيوخه.
(2) (التكملة) 1 / 305.
(3) قال ابن الابار: (أخذ عن ابن عتاب وحده فوق المئة) .
(4) قال ابن الابار: (أجلها كتاب الصلة، سلم له أكفاءه كفايته فيه، ولم ينازعه أهل صناعته الانفراد به، ولا أنكروا مزية السبق إليه) (التكملة: 1 / 306) .
(5) القول للذهبي المؤلف.(21/140)
وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ ابْن الصَّفَّار، وَمُوْسَى بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ الغَرْنَاطِيّ، وَأَبُو الخَطَّابِ بن دِحْيَة، وَأَخُوْهُ أَبُو عَمْرٍو اللُّغَوِيّ، وَعَدَد كَثِيْر.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو الفَضْلِ جَعْفَر بن عَلِيٍّ الهَمْدَانِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ سِبْط السِّلَفِيّ، وَلَمْ يَخْرُج مِنَ الأَنْدَلُس.
وَمِنْ تَصَانِيْفه كِتَاب (صلَة تَارِيخ أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الفَرَضِيّ) فِي مُجَلَّدتين، وَكِتَاب (غوَامض الأَسْمَاء المبهمَة) فِي مُجَلَّدٍ يُنْبِئُ عَنْ إِمَامته، وَكِتَاب (مَعْرِفَة العُلَمَاء الأَفَاضِل) مُجَلَّدَان، (طرق حَدِيْث الْمِغْفَر) ثَلاَثَة أَجزَاء، كِتَاب (الحِكَايَات المُسْتغربَة) مُجَلَّد، كِتَاب (القربَة إِلَى اللهِ بِالصَّلاَة عَلَى نَبِيِّهِ) ، كِتَاب (المُسْتَغِيْثين بِاللهِ) ، كِتاب (ذكر مَنْ رَوَى المُوَطَّأ عَنْ مَالِكٍ) جُزْآنِ، كِتَاب (أَخْبَار الأَعْمَش) ثَلاَثَة أَجزَاء، (تَرْجَمَة النَّسَائِيّ) جُزْء، (تَرْجَمَة (1) المحَاسِبِي) جُزْء، (تَرْجَمَة (2) إِسْمَاعِيْل القَاضِي) جُزْء، (أَخْبَار ابْن وَهْبٍ) جُزْء، (أَخْبَار أَبِي المَطَرف القنَازعِي) جُزْء، (قُضَاة قُرْطُبَة) مُجَلَّد، (المُسَلْسَلاَت) جُزْء، (طرق حَدِيْث مَنْ كذب عليّ) جُزْء، (أَخْبَار ابْن المُبَارَكِ) جُزْآنِ، (أَخْبَار ابْن عُيَيْنَةَ) جُزْء ضَخْم (3) .
وَقَدْ ذَكَرَهُ: الحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ، فَاستوفَى تَرْجَمَته، فَمِنْ ذَلِكَ قَالَ:
كَانَ رَحِمَهُ الله يُؤثر الخمُوْل وَالقنوع بِالدّوْنِ مِنَ الْعَيْش، لَمْ يَتدنّس بخُطة (4) تحطّ مِنْ قدره، حَتَّى يَجد أَحَد إِلَى الكَلاَم فِيْهِ مِنْ سَبِيْل ... ، إِلَى أَنْ
__________
(1) في (تذكرة الحفاظ) : أخبار.
(2) في (تذكرة الحفاظ) : أخبار
(3) قال في (تذكرة الحفاظ) : (وغير ذلك) .
(4) الخطة في الأندلس تعني الولاية، فيقال: خطة البريد، وخطة الشرط ونحو ذلك، =(21/141)
قَالَ:
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالسَّمَاع: شَيْخنَا أَبُو الحُسَيْنِ ابْنُ السَّرَّاج، وَبِالإِجَازَة المجرّدَة: أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَلَوِيّ.
قُلْتُ: وَقَعَ لَهُ حَدِيْث سبَاعِيّ الإِسْنَاد عَنِ ابْنِ عتَّاب، عَنْ حَكَم بن مُحَمَّدٍ، عَنْ شَيْخ، عَنْ أَبِي خَلِيْفَة الجُمَحِيّ.
تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَة الله فِي: ثَامن شَهْر رَمَضَان، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة قُرْطُبَة، بِقُرْبِ قَبْر يَحْيَى بن يَحْيَى اللَّيْثِيّ الفَقِيْه.
وَفِي هَذِهِ (1) السّنَة مَاتَ: شَيْخ العِرَاق الزَّاهِد القُدْوَة أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ الرِّفَاعِيّ وَقَدْ قَارب الثَّمَانِيْنَ، وَمُسْند وَقته خطيب المَوْصِل عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ الطُّوْسِيّ عَنِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ عَاماً، وَعَالِم دِمَشْق الإِمَام قُطْب الدِّيْنِ مَسْعُوْد بن مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ الشَّافِعِيّ، وَالمُسْنِدُ أَبُو طَالِبٍ الخَضِر بن هِبَةِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ المُقْرِئ.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَظِيْمِ الحَافِظ (2) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المَالقِيّ، أَخْبَرَنَا خَلَف بن عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَتَّاب بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا حَاتِم بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ فرَاس المَكِّيّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ رَحْمُوْنَ السِنْجَارِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى الطَّوِيْل، حَدَّثَنَا مَوْلاَيَ أَنَسٌ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (طُوْبَى لِمَنْ رَآنِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي) .
__________
= والمقصود هنا أنه لم يتول من أمور الدولة ما يحط من قدره.
(1) إضافة توضيحية.
(2) يعني عبد العظيم بن عبد القوي المنذري حافظ الديار المصرية المتوفى سنة 656.(21/142)
وَقَعَ لَنَا حَدِيْث مُوْسَى الطَّوِيْل بِعُلُوّ دَرَجَتَيْنِ فِي (جُزْء طَلْحَة الكَتَّانِيّ) ، وَلَكِن مُوْسَى غَيْر ثِقَة، عَاشَ بَعْد المائَتَيْنِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ رَأَى أُمّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- (1) .
72 - صَاحِبُ حِمْصَ المَلِكُ القَاهِرُ مُحَمَّدُ بنُ شِيرْكُوْه بنُ شَاذِي
المَلِكُ القَاهِرُ، نَاصِرُ الدِّيْنِ، مُحَمَّدُ ابْنُ وَزِيْرِ الدِّيَارِ المِصْرِيَّة المَلِك أَسَد الدِّيْنِ شِيرْكُوْه بن شَاذِي بنِ مَرْوَانَ، ابْن عَمّ السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ.
__________
(1) قال الامام الذهبي في الميزان: (موسى بن عبد الله الطويل، قال ابن حبان: روى عن أنس أشياء موضوعة.
وقال ابن عدي: روى عن أنس مناكير، وهو مجهول) ثم أورد عن ابن حبان هذا الحديث كما رواه عنه إسحاق بن شاهين، وأورد له أحاديث أخر تدل على كذبه، ثم حديثه الذي ذكر فيه أنه رأى عائشة - رضي الله عنها - بالبصرة على جمل أورق في هودج أخضر، فقال الامام معلقا: (انظر إلى هذا الحيوان المتهم كيف يقول في حدود سنة مئتين إنه رأى عائشة! فمن الذي يصدقه!) وقال أيضا: (وقد كنت أظن أن هذا الطويل مات بعد المئتين بيسير، حتى رأيت له ترجمة في (تاريخ) ابن النجار، فقال: هو مولى أنس بن مالك، فارسي، أقدمه الرشيد فحدث ببغداد) (الميزان: 4 / 209 - 210) .
قلت (القائل شعيب) : لكن الحديث صحيح من غير هذا الوجه، فقد أخرجه من حديث عبد الله بن بسر: الطبراني، والحاكم 4 / 86 بلفظ (طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن رأى من رآني، ولمن رأى من رأى من رآني، وآمن بي) وفي سنده جميع بن ثوب منكر الحديث.
وأخرجه عبد بن حميد، عن أبي سعيد الخدري، وابن عساكر عن واثلة بلفظ (طوبى لمن رآني، ولمن رأى من رآني، ولمن رأى من رأى من رآني) ، وأخرجه الطيالسي وعبد بن حميد من حديث ابن عمر بلفظ (طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني) ثلاث مرات.
وأخرجه أحمد 3 / 71 من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ (طوبى لمن رآني وآمن بي، ثم طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني) وصححه ابن حبان (2302) مع أنه من رواية دراج عن الهيثم.
وأخرجه أحمد 5 / 248 و257 و264 من حديث أبي أمامة بلفظ (طوبى لمن رآني وآمن بي مرة، وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات) وصححه ابن حبان (2303)
من حديث أبي هريرة، وهو في (المسند) أيضا 3 / 155 من حديث أنس بن مالك.
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره، وقد ترجم له مفردا غير واحد منهم: السبط في المرآة: 8 / 246، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 96 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 246، والصفدي في الوافي: 3 / 154، وابن كثير في البداية: 12 / 316، =(21/143)
كَانَتْ حِمْص لوَالِده الْملك المُجَاهِد، ثُمَّ أَعْطَاهَا نُوْر الدِّيْنِ لابْنِهِ هَذَا، فَاسْتقلَّ بِهَا هُوَ وَأَوْلاَده مائَة سَنَة.
وَكَانَ نَاصِر الدِّيْنِ ذَا شَهَامَة وَشجَاعَة، بِحَيْثُ أَنَّ السُّلْطَان (1) لما مرض بِحَرَّانَ فِي شَوَّالٍ، عظم مَرضه، وَأَوْصَى، فَسَارَ مِنْ عِنْدِهِ نَاصِر الدِّيْنِ، وَمَرَّ بِحَلَبَ، وَأَخَذَ خلقاً مِنَ الأَحدَاث، وَأَنفق فِيهِم، وَقَدِمَ حِمْص، فَرَاسل أَهْل دِمَشْقَ بِأَنَّ يَتملّكهَا، فَلَمَّا عوفِي السُّلْطَان، خَنَس، ثُمَّ لَمْ يَنشَب أَن مَاتَ، فَيُقَالُ: سُقِي (2) ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي الخَمْر.
وَالمَشْهُوْر أَنَّهُ مرض مرضاً حَادّاً، فَمَاتَ يَوْمَ عرفَة، سَنَة إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ نَقلته زَوجته -وَهِيَ بِنْت عَمّه، سِتّ الشَّام، أُخْت السُّلْطَان- إِلَى تربتهَا فِي مدرستهَا الشَّامِيّة، فَدفنته عِنْد أَخِيْهَا الْملك شَمْس الدَّوْلَةِ تَوَارنشَاه.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (3) : سَكِرَ، فَأَصْبَح مَيتاً، وَتَمَلَّكَ بَعْدَ ابْنه شِيرْكُوْه، وَبلغت تركته نَحْو أَلف أَلف دِيْنَار.
73 - البَهْلَوَانُ ابْنُ الأَتَابِكِ إِلْدُكُز *
صَاحِبُ أَذْرَبِيْجَانَ وَعِرَاقِ العَجَمِ، مِنْ كِبَارِ المُلُوْكِ كَوَالِدِهِ.
__________
= وصاحب العسجد المسبوك، الورقة: 93، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 99، وابن العماد في الشذرات: 4 / 273.
(1) يعني صلاح الدين.
(2) يعني سقي سما، وقد اتهم بعض المؤرخين السلطان صلاح الدين بهذه الفعلة، فذكروا أنه وضع عليه إنسانا نادمه وسقاه.
(3) مفرج الكروب: 2 /
(*) وقد ذكرنا شيئا عنه في ترجمة والده إلدكز صاحب أذربيجان فراجعه هناك. وقد أعاد الذهبي هنا معظم المعلومات التي ذكرها هناك.(21/144)
مَاتَ أَبُوْهُ هُوَ وَسُلْطَانُه رسلاَن شَاه بنُ طغرِيل بن مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه فِي سَنَةِ وَاحِدَة، عَام سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَتملّك البَهْلَوَانُ، وَأَقَامَ فِي السّلطنَة مَعَهُ طغرِيل بن رسلاَن شَاه المَذْكُوْر خَاتمَة بقَايَا السُّلْجُوْقِيَّة، وَكَانَ مِنْ تَحْت حكم البَهْلَوَان، وَكَانَتْ أَيَّامه إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَخلّف البَهْلَوَان خَمْسَة آلاَف مَمْلُوْك، وَمِنَ الدَّوَابّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ رَأْس، وَمِنَ الأَمْوَال مَا لاَ يُعبّر عَنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ، قَوِي شَأْن طغرِيل، وَعَمِلَ مَصَافّاً مَعَ الَّذِي قَامَ بَعْد البَهْلَوَان وَهُوَ أَخُوْهُ لأُمِّهِ قزل (1) ، وَكَانَتْ دَوْلَة قزل سَبْع سِنِيْنَ.
مَاتَ البَهْلَوَان: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
74 - أَبُو اليُسْرِ شَاكِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّنُوْخِيُّ *
الصَّاحِبُ، البَلِيْغُ، البَارِعُ، شَاكِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّنُوْخِيُّ، المَعَرِّيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، كَاتِبُ السرِّ لِلمَلِكِ نُوْرِ الدِّيْنِ صَاحِبِ الشَّامِ.
أَخَذَ الأَدب عَنْ: جَدِّهِ أَبِي المَجْدِ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بحَمَاة، وَسَمِعَ، وَرَوَى شَيْئاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ صَصْرَى، وَإِبْرَاهِيْم وَلده وَالِد الشَّيْخ تَقِيّ الدِّيْنِ ابْن أَبِي اليَسر.
مَوْلِدُهُ: بشَيْزَر، سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَعَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) سيأتي ذكره منفردا في الطبقة الآتية من هذا الكتاب.
(*) ترجم له الذهبي في وفيات سنة 581 من تاريخ الإسلام، الورقة: 92 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 243، وابن العماد في الشذرات: 4 / 270.(21/145)
75 - البَاقِدَارِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي غَالِب بنِ أَحْمَدَ *
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الذَّكِيُّ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي غَالِب بنِ أَحْمَدَ بنِ مَرْزُوْقٍ البَاقِدَارِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الأَعْمَى.
قَدِمَ مِنْ قَرْيَة بَاقِدَارَ (1) .
وَتَلاَ عَلَى: غَيْر وَاحِد.
وَسَمِعَ مِنْ: سِبْط الخَيَّاط، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَابْن نَاصِر، وَخَلْق.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ (2) : انْتَهَى إِلَيْهِ مَعْرِفَة رِجَال الحَدِيْث وَحفظه، وَعَلَيْهِ كَانَ المُعْتَمَد، سَمِعْتُ غَيْر وَاحِد مِنْ شُيُوْخنَا يَصفُوْنَهُ بِالحِفْظ وَمَعْرِفَة الرِّجَال وَالمتُوْن مَعَ ضَرَره، وَقِيْلَ: كَانَ ابْن نَاصِر يُرَاجعه فِي أَشيَاء، وَيَرْجِع إِلَيْهِ.
قُلْتُ: مَاتَ كَهْلاً، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ فِي آخرهَا، وَعمّرت بِنْته عَجِيْبَة (3) ، وَانتهَى إِلَيْهَا عُلُوّ الإِسْنَادِ.
__________
(*) ترجم له ياقوت في (باقدارى) من معجم البلدان: 1 / 474، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة 153 (شهيد علي) ، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 58 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 225، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 163، وابن العماد في الشذرات: 4 / 252، وله ذكر في ترجمة والده محمد المتوفى سنة 604 من التكملة للمنذري: 3 / الترجمة 1019.
(1) هكذا هي هنا وفي (المختصر المحتاج إليه) الذي بخط الذهبي، وكذلك في نسخة عبد العظيم المنذري من تاريخ ابن الدبيثي.
وفي (معجم البلدان) لياقوت وفي ترجمة ولده محمد من (التكملة) : (باقدارى) ، قال ياقوت: بكسر القاف ودال مهملة وألف وراء مفتوحة مقصور من قرى بغداد قرب (أوانا) فكأن ابن الدبيثي والذهبي وغيرهما قد اكتفوا بفتح الراء.
(2) (ذيل تاريخ مدينة السلام) ، الورقة 153 (شهيد علي) .
(3) توفيت عجيبة سنة 647.(21/146)
76 - ابْنُ زَرْقُوْنَ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، المُقْرِئُ، بَقِيَّةُ السَّلَفِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي الطَّيِّبِ سَعِيْدِ (1) بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ البَرِّ بنِ مُجَاهِدٍ ابْن زَرْقُوْنَ (2) الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ، المَالِكِيُّ.
أَجَازَ لَهُ عَام اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَةٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَوْلاَنِيّ رَاوِي (المُوَطَّأ) ، وَفِيْهَا وُلد (3) ، وَتَفَرَّد فِي وَقْتِهِ عَنْهُ.
وَسَمِعَ بِمَرَّاكش مِنْ: أَبِي عِمْرَانَ مُوْسَى بن أَبِي تليد، فَتَفَرَّد عَنْهُ أَيْضاً (4) .
وَسَمِعَ بِسبتَة مِنَ: القَاضِي عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ الوَحِيْديّ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ المَجِيْدِ بن عيذُوْنَ (5) ، وَخَلَف بن يُوْسُفَ الأَبْرَش، وَالقَاضِي عِيَاض بن
__________
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 2 / 540، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 118، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 128 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 258، ودول الإسلام: 2 / 73، والاعلام، الورقة: 211، والصفدي في الوافي: 3 / 102، وابن الجزري في غاية النهاية: 2 / 143، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 112، وله ذكر في تذكرة الحفاظ للذهبي: 4 / 1361.
(1) في النسختين: (سعد) وهو وهم وقد ذكره باسمه الصحيح، نعني (سعيدا) كل الذين ترجموا له ومنهم الذهبي في جميع كتبه، فهذا من وهم الناسخ بلا ريب.
(2) قال المنذري: (وزرقون: لقب لسعيد والدجده، لقب به لشدة حمرته) ، وسيأتي مثل هذا في الترجمة.
(3) يعني في سنة 502 وكان مولده بشريش في ربيع الأول منها.
(4) تفرد عنه بالسماع كما ذكر المنذري في (التكملة) ، وتوفي موسى هذا سنة 517 كما ذكر ابن بشكوال في الصلة: 2 / 576.
(5) هكذا في الأصل: (عيذون) ، ووضع الناسخ فوقها كلمة (صح) فلعله (عبدون) بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وضم الدال المهملة، وهو الاسم الشائع، أما عيذون فهو اسم نادر لذا استقصاه أصحاب كتب المشتبه.
وقد ذكر الذهبي في (عيذون) من المشتبه (ص 434) شخصا واحدا هو القالي صاحب الامالي: إسماعيل بن القاسم بن عيذون. وذكر =(21/147)
مُوْسَى، وَحَدَّثَ عَنْهُم، وَعَنْ أَبِي بَحْر بن العَاصِ، وَمُحَمَّد بن شبرِيْنَ، وَأَبِي الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّد.
وَقرَأَ (التقصّي) عَلَى ابْنِ تَلِيْد، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُؤلّفه.
وَسَمِعَ (المُوَطَّأ) مِنْ عيَاض، وَلاَزمه زَمَاناً.
قَالَ الأَبَّار (1) : وَلِيَ قَضَاءَ سَبْتَة، فَشُكر، وَكَانَ مِنْ سروَات الرِّجَال، فَقِيهاً، مُبرّزاً، وَأَديباً كَامِلاً، حسن البزَّة (2) ، ليّن الجَانب، جمع بَيْنَ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (جَامِع التِّرْمِذِيّ) ، وَارْتَحَلَ النَّاس إِلَيْهِ لعلُوْه.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الرّومِيَّة النّبَاتِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن قسوم، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ حَوْطِ الله، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ النُّوْر، وَالحَافِظ ابْن خَلفُوْنَ، وَابْن دِحْيَة، وَ (3) أَخُوْهُ، وَخَلْق.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
= ابن ناصر الدين في (توضيحه) لمشتبه الذهبي شخصا آخر من أهل المغرب اسمه علي بن عبد الجبار بن سلامة بن عيذون الهذلي اللغوي المتوفى سنة 519 (2 / الورقة 135 من نسخة الظاهرية) وزاد ابن حجر في (تبصير المنتبه) فذكر ابن صاحب الامالي جعفرا القالي.
فلو كان هذا منهم لذكروه بلا ريب، فضلا عن أنه مشهور: ذكره ابن بشكوال في الصلة 1 / 382، والمراكشي في المعجب: 76، وابن سعيد في المغرب 1 / 374، وابن شاكر في الفوات: 2 / 388 وراجع هامش الكتاب الأخير ففيه مصادر أخرى، ومع ذلك قد يكون (عيذون) هو الصواب؟
(1) (التكملة) : 2 / 541.
(2) الذي في (التكملة) : (حسن الشارة والهيئة) ، ولكن قلنا غير مرة: إن الذهبي يعتمد المعنى في النقل فيغير، ويبدل الألفاظ.
(3) إضافة تقتضيها صحة النص لان المقصود هنا أنه روى عنه أبو الخطاب ابن دحية، وأخوه أبو عمر ابن دحية.(21/148)
قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ الحَافِظ: وَمِنْ شُيُوْخِي: الفَقِيْه المشَاور (1) الحَافِظ ابْن زرقُوْنَ -وَزرقُوْنَ: لقب لِسَعِيْدٍ أَبِي جدّه، لقّب بِهِ لِشِدَّة حُمْرَته- كَانَ شَيْخنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاء الحَافِظين لِلمَذْهَب (2) ، مَعَ متَانَة الأَدب، وَجَلاَلَة الْقدر، وَكرم الْخلق، وَسعَة الصَّدْر، وَاتسَاع جَانب البِرّ، لَقِيْتُهُ بِإِشْبِيْلِيَة، وَقت لقَائِي لابْنِ الجدّ، فَقَرَأْت عَلَيْهِ (المُوَطَّأ) عَنِ الخَوْلاَنِيّ إِجَازَة بِسَمَاعه مِنْ عُثْمَانَ بن أَحْمَدَ اللَّخْمِيّ، عَنْ أَبِي عِيْسَى اللَّيْثِيّ، وَقرَأْته عَلَيْهِ بِسَمَاعه سَنَة عِشْرِيْنَ عَلَى القَاضِي عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ القَيْسِيّ الوَحِيْديّ، بِسَمَاعه مِنْ مَوْلَى الطلاّع، وَقَرَأْت عَلَيْهِ (التقصّي) لابْنِ عَبْدِ البَرِّ، بِسَمَاعه بِمَرَّاكش سَنَة 516 مِنْ مُوْسَى بنِ أَبِي تليد.
قَالَ: سمِعته مِنْهُ سَنَة سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَرَأْت عَلَيْهِ (المنتقَى) لابْنِ الجَارُوْد عَنِ الخَوْلاَنِيّ، عَنْ أَبِي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ نَافِعٍ الخُزَاعِيّ، عَنْهُ، وَ (التَّيْسِيْر (3)) قرَأته عَلَيْهِ، عَنِ الخَوْلاَنِيّ، عَنِ المُؤلّف إِجَازَة، وَ (النّوَادر) لِلْقَالِي، قرَأته عَلَيْهِ بقِرَاءته عَلَى ابْنِ عَيْذُوْنَ، وَخَلَف بن فَرتُوْنَ، عَنِ الوَزِيْر أَبِي بَكْرٍ عَاصِم بنِ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ العزَّاب، عَنْ هَارُوْنَ بنِ مُوْسَى، عَنْهُ، وَبإِجَازته مِنَ الخَوْلاَنِيّ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ أَيُّوْبَ الحَدَّاد الفَقِيْه، عَنِ القَالِي، وَهَذَا نِهَايَة فِي العلوّ.
وَقَرَأْتُ (4) عَلَى ابْنِ زرقُوْنَ: أَنبأَكم أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الشِّيْرَازِيّ بِإِشْبِيْلِيَة سَمَاعاً -أَظَنّ فِي سَنَةِ
__________
(1) في الأصل: (المساور) بالسين المهملة، وهو وهم، والفقيه المشاور من مراكز الفقهاء ووظائفهم في الأندلس.
(2) يعني: المذهب المالكي.
(3) التيسير للداني، وهو من أشهر كتب القراءآت.
(4) الكلام هنا أيضا لأبي الربيع بن سالم الكلاعي.(21/149)
423- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا الكَجِّيّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْن عَوْنٍ ... ، فَذَكَر حَدِيْث: (الحَلاَل بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ ... ) (1) .
وَمَاتَ مَعَهُ: المُحَدِّثُ الرَّئِيْس أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدِ بنِ غَالِب ابْن الشرَّاط القُرْطُبِيّ، وَالمُقْرِئُ أَبُو الطَّيِّبِ عَبْد المُنْعِمِ بن يَحْيَى بنِ الخَلُوْف الغَرْنَاطِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ حُمَيْد بنِ مَأْمُوْنٍ البَلَنْسِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجدّ الإِشْبِيْلِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ أَبِي السُّعُوْدِ الحَلاَوِيّ الحَرْبِيّ فِي عَشْرِ المائَة، وَمَسْعُوْد بن عَلِيّ ابْن النَّادر، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ عَلِيِّ ابْنِ الكيَّال مُقْرِئ وَاسِط.
77 - ابْنُ مُغَاوِرٍ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، الكَاتِبُ، البَلِيْغُ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدِ
__________
(1) قال شعيب: وتمامه (وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا ولكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) أخرجه البخاري 4 / 248، 249 في البيوع: باب الحلال بين والحرام بين، وأبو داود (3229) ، والنسائي 7 / 241، 242 من طريق ابن عون، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، وأخرجه البخاري 1 / 117 - 119 في الايمان: باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم (1599) ، وأبو داود (3330) ، والترمذي (1205) ، وابن ماجه (3984) كلهم من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، وأخرجه البخاري 4 / 248، ومسلم (1599) من طريق أبي فروة الهمداني، عن الشعبي.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة 13، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 136، والتجيبي في زاد المسافر: 37، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 134 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 261، وابن العماد في الشذرات: 4 / 289.(21/150)
بنِ مُغَاورِ بنِ حَكَمِ بنِ مُغَاورٍ السُّلَمِيُّ، الشَّاطِبِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ الصَّدَفِيّ، وَهُوَ خَاتمَة أَصْحَابه.
وَسَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بن غزلُوْنَ (1) صَاحِب أَبِي الوَلِيْدِ البَاجِيّ، وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَد بن جَحْدَرٍ الأَنْصَارِيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ، وَابنَا حَوْط اللهِ، وَهَانِئ بن هَانِئ، وَأَبُو القَاسِمِ الطيّب المُرْسِيّ، وَقَالَ: هُوَ رَئِيْس البلاغَة.
وَقَالَ الأَبَّار (2) : كَانَ بَقِيَّة مَشْيَخَة الكِتَاب وَالأُدَبَاء، مَعَ الثِّقَة وَالكرم، بَلِيْغاً، مُفَوَّهاً، مدركاً، لَهُ حظّ وَافر مِنْ قرض الشّعر، وَصدق اللهجَة، طَالَ عُمُرُهُ، وَعلت رِوَايَته، حَدَّثَ بِشَاطِبَة.
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ سَالِم: لَقِيْتُه بِبَلَنْسِيَة فِي أَوَّلِ سَنَة ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ، وَأَجَازَ لِي، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بِشَاطِبَة، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ (فَوَائِد أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ) ، وَ (جُزْء ابْن عَرَفَةَ) ، وَ (عَوَالِي أَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ) ، حَدَّثَنِي ابْنُ مُغَاوِرٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ فَهْد العَلاَّف، وَآخَرُوْنَ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ مَخْلَدٍ ... ، فَذَكَر حَدِيْث: (أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيْحٌ شَحِيْحٌ ... ) (3) .
__________
(1) في الأصل: (عزلون) ، وما أثبتناه هو الصواب، وهو أبو جعفر أحمد بن علي بن غزلون الأموي التطيلي المتوفى بالعدوة سنة 524 (ابن بشكوال: الصلة: 1 / 79) .
(2) (التكملة) : 3 / الورقة 13.
(3) قال شعيب: أخرجه البخاري 5 / 373 في الوصايا: باب الصدقة عند الموت، ومسلم (1032) في الزكاة: باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، وأبو داود (2865) ، والنسائي =(21/151)
78 - أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الثِّقَةُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو مُوْسَى مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي بَكْرٍ عُمَرَ ابنِ أَبِي عِيْسَى أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي عِيْسَى المَدِيْنِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
مَوْلِدُهُ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
وَمَوْلِد أَبِيْهِ المُقْرِئ أَبِي بَكْرٍ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حرص عَلَيْهِ أَبُوْهُ، وَسَمَّعَهُ حُضُوْراً، ثُمَّ سَمَاعاً كَثِيْراً، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَطَبَقَتهِم.
وَعَمِلَ مُوْسَى لِنَفْسِهِ (مُعْجَماً) ، رَوَى فِيْهِ عَنْ أَكْثَر مِنْ ثَلاَث مائَة شَيْخ.
رَوَى عَنْ: أَبِي سَعْدٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ المُطَرِّز حُضُوْراً
__________
= 6 / 237 كلهم من طريق عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرا؟ فقال: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان) .
(*) ترجم له الجم الغفير منهم: السمعاني في (المديني) من الأنساب، وكذا ابن الأثير في اللباب، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة 74 (شهيد علي) ، وأبو شامة في الروضتين: 2 / 68، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 286، وابن منظور فيما اختاره من ذيل السمعاني، الورقة: 5، والدمياطي في المستفاد، الورقة: 11، والذهبي في كتبه: (تاريخ الإسلام) ، الورقة: 6 (باريس 1582) ، والمقتنى، الورقة: 135، والعبر: 4 / 246، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 83، والتذكرة: 4 / 1334، وابن الوردي في تاريخه: 2 / 95، والصفدي في الوافي: 4 / 246، واليافعي في المرآة: 3 / 423، والسبكي في الطبقات: 6 / 160، والاسنوي في طبقاته: 2 / 439، وابن كثير في البداية: 12 / 318، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 21، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 101 وابن العماد في الشذرات: 4 / 373.(21/152)
وَإِجَازَة (1) ، وَعَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَوَيْه، وَغَانِم بن أَبِي نَصْرٍ البُرْجِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ -فَأَكْثَر جِدّاً- وَالحَافِظ هِبَة اللهِ بن الحَسَنِ الأَبَرْقُوْهِيّ، وَالحَافِظ يَحْيَى بن مَنْدَةَ، وَالحَافِظ مُحَمَّد بن طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَأَبِي العَبَّاسِ أَحْمَد بن الحُسَيْنِ بنِ أَبِي ذَرٍّ، وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ الصَّالحَانِيّ، وَابْن عَمِّهِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ -خَاتمَة مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي طَاهِرٍ بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ- وَأَبِي غَالِبٍ أَحْمَد بن العَبَّاسِ بنِ كُوشيذ، وَإِبْرَاهِيْم بن أَبِي الحُسَيْنِ بنِ أَبرويه سِبْط الصَّالحَانِيّ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن مُحَمَّدٍ الصَّبَّاغ الدَّشْتَج (2) ، وَأَبِي الفَتْحِ إِسْمَاعِيْل بن الفَضْلِ السَّرَّاج، وَالحَافِظ أَبِي القَاسِمِ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَضْلِ التَّيْمِيّ -لاَزمَه مُدَّة، وَتَخَرَّجَ بِهِ- وَأَبِي طَاهِرٍ إِسْحَاق بن أَحْمَدَ الرَّاشتينَانِيّ (3) ، وَالوَاعِظ تَمِيْم بن عَلِيٍّ القَصَّار، وَالرَّئِيْس جَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ حَمْزَة بن العَبَّاسِ العَلَوِيِّ، وَأَبِي شُكر حَمْد بن عَلِيٍّ الحبَّال، وَأَبِي الطَّيِّبِ حَبِيْب بن أَبِي مُسْلِمٍ الطِّهْرَانِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ رَجَاء بن إِبْرَاهِيْمَ الخَبَّاز، وَطَلْحَة بن الحُسَيْنِ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ طَاهِر بن أَحْمَدَ البَزَّار، وَالحَافِظ أَبِي الخَيْرِ عَبْد اللهِ بن مَرْزُوْق الهَرَوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْد الجَبَّارِ بن عُبَيْدِ اللهِ بنِ فُورويه الدّلاَل -مِنْ أَصْحَابِ أَبِي نُعَيْمٍ- وَأَبِي
__________
(1) أحضر عليه سنة 503 وهي السنة التي توفي فيها المطرز.
(2) ويقال فيه (الدشتي) أيضا، وهو آخر من حدث عن الحافظ أبي نعيم الأصبهاني وتوفي سنة 518 (انظر وفيات الحاجي، الترجمة: 75 وتعليق المحققين عليها) .
(3) في الأصل: (الراشتياني) وما أثبتناه هو الصواب، وهو منسوب إلى (راشتينان) قرية من قرى أصبهان، قال ياقوت: (الشين معجمة ثم التاء المثناة من فوقها وياء آخر الحروف ساكنة ونون وآخره نون من قرى أصبهان ينسب إليها..ومنها أيضا أبو طاهر إسحاق بن أبي بكر أحمد
ابن محمد بن جعفر الراشتبناني ... روى عنه الحافظ أبو موسى الأصبهاني) (معجم البلدان: 2 / 733 - 734) .(21/153)
نَهْشَل عَبْد الصَّمَدِ بن أَحْمَدَ العَنْبَرِيّ، وَمَحْمُوْد بن إِسْمَاعِيْلَ الصَّيْرَفِيّ الأَشْقَر،
وَالهَيْثَم بن مُحَمَّدِ بنِ الهَيْثَم الأَشْعَرِيّ، وَخجستَة بِنْت عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيَّة، وَأُمّ اللَّيْث دَعْجَاءَ بِنْت أَبِي سهل الفَضْل بن مُحَمَّدٍ، وَفَاطِمَة بِنْت عَبْدِ اللهِ الجُوْزْدَانِيَّة.
وَارتحل، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ (1) ، وَهِبَة اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ الطَّبرِ، وَقَاضِي المَارستَان أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الحَسَنِ ابْن الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي العِزِّ بن كَادِشٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَصَنَّفَ كِتَاب (الطّوَالاَت) فِي مُجَلَّدين، يُخضَع لَهُ فِي جَمعِه، وَكِتَاب (ذِيل مَعْرِفَة الصَّحَابَة (2)) جمع فَأَوعَى، وَأَلّف كِتَاب (القُنُوت) فِي مُجَلَّدٍ، وَكِتَاب (تَتمَّة الغرِيبين (3)) يَدلّ عَلَى برَاعته فِي اللُّغَة، وَكِتَاب (اللطَائِف فِي رِوَايَة الكِبَار وَنَحْوهم عَنِ الصّغَار) ، وَكِتَاب (عَوَالِي (4)) يُنْبِئُ بتقدّمه فِي مَعْرِفَةِ العَالِي وَالنَّازل، وَكِتَاب (تَضْييع العُمُر فِي اصطنَاع المَعْرُوف إِلَى اللئَام) ، وَأَشيَاء كَثِيْرَة.
__________
(1) في الأصل: (الحسين) وهو وهم من الناسخ، وهو أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد ابن الحصين الشيباني البغدادي الكاتب مسند العراق المتوفى سنة 525، وقد روى عنه السلفي في (معجم شيوخ بغداد) ، الورقة 10 (نسخة الاسكوريال) وترجم له ابن الجوزي في المنتظم: 10 / 24، وابن الأثير في الكامل: 10 / 256 والذهبي في كتبه، والعيني في عقد الجمان: 16 / الورقة 35 وغيرهم كثير.
(2) استدرك فيه على كتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم الحافظ.
(3) كتاب (الغريبين) لأبي عبيد الهروي المتوفى سنة 401 وحققه صديقنا العالم الفاضل محمود الطناحي وظهر مجلده الأول بالقاهرة سنة 1970.
أما كتاب أبي موسى فقد سماه (المغيث في غريب القرآن والحديث) منه نسخة في مكتبة كوبرلي بتركيا وعنها صورة في معهد المخطوطات برقم 500 حديث. وهذان الكتابان هما أساس كتاب (النهاية) لابن الأثير المتوفى سنة 606.
(4) هو في (عوالي التابعين) حسب.(21/154)
وَحفظ (علُوْم الحَدِيْث) لِلْحَاكِم، وَعرضه (1) عَلَى إِسْمَاعِيْلَ التَّيْمِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَازِمِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الغَنِيّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ اللهِ الرُّهَاوِيّ، وَمُحَمَّد بن مَكِّيّ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبُو نَجِيْحٍ مُحَمَّد بن مُعَاوِيَةَ، وَالنَّاصح عَبْد الرَّحْمَانِ ابْن الحَنْبَلِيّ.
وَلَوْ سَلِمَتْ أَصْبَهَان مِنْ سَيْف التَّتَار فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، لعَاشَ أَصْحَاب أَبِي مُوْسَى إِلَى حُدُوْدِ نَيِّف وَسِتِّيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: عَبْد اللهِ بن بَرَكَات الخُشُوْعِيّ، وَطَائِفَة.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ (2) : عَاشَ أَبُو مُوْسَى حَتَّى صَارَ أَوحد وَقته، وَشَيْخ زَمَانه إِسْنَاداً وَحفظاً.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (3) : سَمِعْتُ مِنْ أَبِي مُوْسَى، وَكَتَبَ عَنِّي، وَهُوَ ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ.
وَقَالَ عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ (4) : حصّل أَبُو مُوْسَى مِنَ المَسْمُوْعَات بِأَصْبَهَانَ مَا لَمْ يَحصل لأَحدٍ فِي زَمَانِهِ، وَانضمّ إِلَى ذَلِكَ الحِفْظُ وَالإِتْقَان، وَلَهُ التَّصَانِيْف الَّتِي أَربَى فِيْهَا عَلَى المُتَقَدِّمِيْنَ، مَعَ الثِّقَة، وَالعفَّة، كَانَ لَهُ شَيْء يَسير يَتربّح بِهِ، وَيَنفق مِنْهُ، وَلاَ يَقبل مِنْ أَحَد شَيْئاً قَطُّ، أَوْصَى إِلَيْهِ غَيْر
__________
(1) العرض: من صيغ التحمل عند المحدثين ويراد بها القراءة على الشيخ، من حيث أن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ.
(2) (ذيل تاريخ مدينة السلام) ، الورقة 74 (شهيد علي) .
(3) انظر ما اختاره ابن منظور من تاريخه الذي ذيل به على الخطيب، الورقة: 5.
(4) يعني: الرهاوي.(21/155)
وَاحِد بِمَال، فِيردّه، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: فَرّقه عَلَى مَنْ تَرَى، فِيمتنع، وَكَانَ فِيْهِ مِنَ التَّوَاضع بِحَيْثُ أَنَّهُ يُقْرِئُ الصَّغِيْر وَالكَبِيْر، وَيُرشد الْمُبْتَدِئ، رَأَيْتهُ يَحفّظ الصِّبْيَان القُرْآن فِي الأَلوَاح، وَكَانَ يمْنَع مَنْ يَمْشِي مَعَهُ، فَعَلْت ذَلِكَ مرَّة، فَزجرنِي، وَتردّدت إِلَيْهِ نَحْواً مِنْ سَنَة وَنِصْف، فَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ وَلاَ سَمِعْتُ عَنْهُ سقطَة تُعَاب عَلَيْهِ.
وَكَانَ أَبُو مَسْعُوْدٍ كُوتَاه يَقُوْلُ: أَبُو مُوْسَى كنز مخفِيّ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ يَوْحن (1) البَاورِّيّ: كُنْت فِي مدينَة الخَان (2) ، فَسَأَلنِي سَائِل عَنْ رُؤْيَا، فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ.
فَقَالَ: إِنْ صدقت رُؤيَاك، يَموت إِمَام لاَ نَظير لَهُ فِي زَمَانِهِ، فَإِنَّ مِثْل هَذَا المَنَام رُئِيَ حَال وَفَاة الشَّافِعِيّ، وَالثَّوْرِيّ، وَأَحْمَد بن حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَمَا أَمسينَا حَتَّى جَاءنَا الخَبَر بِوَفَاة الحَافِظ أَبِي مُوْسَى المَدِيْنِيّ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الخُجَنْدِيّ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو مُوْسَى، لَمْ يَكَادُوا أَن يَفرغُوا مِنْهُ، حَتَّى جَاءَ مَطَر عَظِيْم فِي الحرّ الشَّدِيد، وَكَانَ المَاء قَلِيْلاً بِأَصْبَهَانَ، فَمَا انْفَصل أَحَد عَنِ المَكَان مَعَ كَثْرَة الْخلق إِلاَّ قَلِيْلاً، وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِ إِمْلاَء أَملاَهُ: أَنَّهُ مَتَى مَاتَ مَنْ لَهُ مَنْزِلَة عِنْد الله، فَإِنَّ اللهَ يَبعثُ سحَاباً يَوْم مَوْته، علاَمَة لِلمَغْفِرَة لَهُ، وَلِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ.
سَمِعْتُ شَيْخنَا العَلاَّمَة أَبَا العَبَّاسِ (3) بن عَبْدِ الحَلِيْم يُثنِي عَلَى حِفْظِ أَبِي مُوْسَى، وَيُقْدّمه عَلَى الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، بَاعْتِبَارِ تَصَانِيْفه وَنفعهَا.
__________
(1) في (تذكرة الحفاظ) : (يوحز) محرف، وباور التي نسب إليها موضع باليمن، خرج الحسين منه في طلب العلم فاستقر باصبهان وتوفي بها سنة 587 (راجع تكملة المنذري: 1 / الترجمة 137 والتعليق عليها) .
(2) الخان: موضع بأصبهان كما في (معجم) ياقوت و (مراصد) البغدادي.
(3) يعني شيخ الإسلام المجاهد الكبير ابن تيمية الحراني المتوفى مسجونا سنة 728.(21/156)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الرُّوَيْدَشْتِيّ (1) : تُوُفِّيَ أَبُو مُوْسَى فِي تَاسع جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: كَانَ حَافِظ المَشْرِق فِي زَمَانِهِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: حَافِظ المَغْرِب أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الأَزْدِيّ مصَنّف (الأَحكَام) ، وَعَالِم الأَنْدَلُس الحَافِظُ أَبُو زَيْد عَبْد الرَّحْمَانِ بن عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِصبغ الخَثْعَمِيّ السُّهَيْلِيّ المَالقِيّ الضّرِير صَاحِب (الرّوض الأُنُف) ، وَمُسْنِد الوَقْت أَبُو الفَتْحِ عُبَيْد اللهِ بن عَبْدِ اللهِ بنِ شَاتيل الدَّبَّاس بِبَغْدَادَ، وَحَافِظ أَصْبَهَان الإِمَامُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الصَّائِغ، وَمُسْنِد دِمَشْق أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ نَصْرٍ النَّجَّار، وَأَبُو المَجْدِ الفَضْل بن الحُسَيْنِ البَانْيَاسِيّ، وَشَيْخ حرَّان الزَّاهِد الشَّيْخ حَيَاة بن قَيْسٍ الأَنْصَارِيّ، وَشَيْخ الإِسْكَنْدَرِيَّة الفَقِيْهُ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْل بن عَوْفٍ الزُّهْرِيّ عَنْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَمُحَدِّث مَكَّة أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ المَيَانَشِيّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ (2) بنُ عَلِيِّ بنِ فَضْلٍ الحَنْبَلِيّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بن نَجْم الوَاعِظ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المَدِيْنِيّ الحَافِظ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَان وَبِهِ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، وَحَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رَزِيْنٍ الخَيَّاط، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بن جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عطيَة بن قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن غَنْمٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو عَامِرٍ، أَوْ أَبُو
__________
(1) منسوب إلى (رويدشت) ويقال لها أيضا (روذدشت) قرية من قرى أصبهان (معجم البلدان لياقوت: 2 / 831، 875) ، وتصحفت في (طبقات) السبكي إلى (الرويديني) .
(2) توفي سنة 699 (الذهبي: (معجم الشيوخ)) : 2 / الورقة 52) .(21/157)
مَالِك الأَشْعَرِيّ -وَاللهِ مَا كَذَبَنِي-:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لَيَكُوْنَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّوْنَ الحِرَ وَالحَرِيْرَ وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ تَرُوْحُ عَلَيْهِم سَارِحَةٌ، فَيَأْتِيْهِم رَجُلٌ لِحَاجَةٍ، فَيَقُوْلُوْنَ لَهُ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ -تَعَالَى- وَيَضَعُ العِلْمَ عَلَيْهِم، وَيُمْسَخُ آخَرُوْنَ قِرَدَةً وَخَنَازِيْرَ) .
رَوَاهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ هِشَامٍ تَعليقاً، فَقَالَ: وَقَالَ هِشَام.
وَأَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، مِنْ طرِيقِ بِشْر بن بَكْرٍ التِّنِّيْسِيّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، بنَحْوهِ.
المعَازف: اسْمٌ لِكُلِّ آلاَت الملاَهِي الَّتِي يُعزَف بِهَا، كَالزمر، وَالطنبور، وَالشّبّابَة، وَالصُّنوج.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ بِطَرَابُلس، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بن نَجْم الوَاعِظ سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الحَافِظ بِأَصْبَهَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ العَطَّار، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْد، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
رَجَعَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَة تَبُوْك، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ المَدِيْنَةِ، قَالَ: (إِنَّ بِالمَدِيْنَةِ لأَقْوَاماً مَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ وَلاَ سِرْتُمْ مِنْ مَسِيْرٍ إِلاَّ كَانُوا مَعَكُم فِيْهِ) .
قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَهُمْ بِالمَدِيْنَةِ؟
فَقَالَ: (نَعَمْ، خَلَّفَهُمُ العُذْرُ) (2) .
__________
(1) قال شعيب: هو في صحيحه 10 / 51، 56، فقال: وقال هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد وصله الطبراني في (الكبير) 1 / 167 / 1، والبيهقي 10 / 221، وابن عساكر 19 / 79 / 2 من طرق عن هشام بن عمار به، وطريق أبي داود التي ذكرها المصنف وهي عنده برقم (4039) سندها صحيح، وهي متابعة جيدة لهشام بن عمار وصدقة بن خالد.
(2) قال شعيب: إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 6 / 34، 45 في الجهاد: باب من حبسه =(21/158)
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : انْتَشَر علم أَبِي مُوْسَى فِي الآفَاق، وَنفع الله بِهِ المُسْلِمِيْنَ، وَاجْتَمَعَ لَهُ مَا لَمْ يَجتمع لغَيْره مِنَ الحِفْظ، وَالعِلْم، وَالثِّقَة، وَالإِتْقَان، وَالصَّلاَح، وَحسن الطّرِيقَة، وَصحَة النَّقْل، قَرَأَ القُرْآنَ بِالرِّوَايَات، وَتَفَقَّهَ لِلشَّافِعِيِّ، وَمهر فِي النَّحْوِ وَاللُّغَة، وَكَتَبَ الكَثِيْر، رَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَحَجّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسَنَة اثْنَتَيْنِ وأَرْبَعِيْنَ (2) .
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ لطَالب: الزمِ الحَافِظ أَبَا مُوْسَى، فَإِنَّهُ شَابّ مُتْقِن.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الرُّوَيْدَشْتِيّ: صَنّف الأَئِمَّة فِي مَنَاقِب شَيْخنَا أَبِي مُوْسَى تَصَانِيْف كَثِيْرَة.
79 - عَبْدُ المُغِيْثِ بنُ زُهَيْرِ بنِ زُهَيْرِ بنِ عَلَوِيٍّ الحَرْبِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الزَّاهِدُ،
__________
= العذر عن الغزو، من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن حميد، عن أنس، وأخرجه 8 / 95، 96 في المغازي من طريق أحمد بن محمد، عن عبد الله بن المبارك، عن حميد الطويل، عن أنس، وأخرجه ابن ماجه (2764) من طريق محمد بن المثنى، عن ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، وأخرجه أبو داود (2508) من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن حميد، عن موسى بن أنس، عن أنس.
ويرى البخاري أن حذف موسى بن أنس من السند أصح، وخالفه الاسماعيلي في ذلك، فقال: حماد عالم بحديث حميد.
مقدم فيه على غيره.
وقال الحافظ في (الفتح) 6 / 35: ولا مانع من أن يكونا محفوظين، فلعل حميدا سمعه من موسى عن أبيه، ثم لقي أنسا، فحدثه به، أو سمعه من أنس، فثبته فيه ابنه موسى. وانظر تمام كلامه فيه.
وفي الباب عن جابر عند مسلم (1911) ، وابن ماجه (2765) .
(1) الدمياطي: (المستفاد من ذيل تاريخ بغداد) ، الورقة 11.
(2) يعني: وخمس مئة.
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 169، وابن الأثير في الكامل: 11 / 230، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 189 (باريس 5922) ، وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 2 (ظاهرية) ، والذهبي في وفيات سنة 583 من تاريخ الإسلام، والعبر: 4 / 249، =(21/159)
الصَّالِحُ، المُتَّبَعُ، بَقِيَّةُ السَّلَفِ، أَبُو العِزِّ بنُ أَبِي حَرْبٍ البَغْدَادِيُّ، الحَرْبِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْس مائَة (1) .
وَعُنِي بِالآثَار، وَقرَأَ الكُتُب، وَنسخ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، مَعَ الوَرَع، وَالِدّين، وَالصِّدْق، وَالتمسك بِالسُّنَن، وَالوقع فِي النُّفُوْس، وَالجَلاَلَة.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبَا العِزِّ بن كَادِشٍ، وَهِبَة اللهِ بن الطَّبرِ، وَأَبَا غَالِب ابْن البَنَّاء، وَقَاضِي المَارستَان، وَعدداً كَثِيْراً.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَأَفَاد الطلبَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ المُوَفَّق، وَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَحَمْد بن صُدَيْقٍ، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالحَافِظ مُحَمَّد ابْن الدُّبَيْثِيّ، وَطَائِفَة.
وَقَدْ أَلّفَ (جُزْءاً) فِي فَضَائِل يَزِيْد، أَتَى فِيْهِ بعَجَائِب وَأَوَابد، لَوْ لَمْ يُؤَلّفه لَكَانَ خَيراً (2) ، وَعَمِلَهُ ردّاً عَلَى ابْنِ الجَوْزِيّ، وَوَقَعَ بَيْنهُمَا عدَاوَة (3) .
وَلعَبْد المُغِيْثِ غلطَات تَدُلُّ عَلَى قلّة عِلْمه: قَالَ مرَّةً: مُسْلِم بن يَسَارٍ صَحَابِيّ، وَصحّح حَدِيْثَ الاستلقَاء، وَهُوَ مُنْكَر، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:
__________
= والاعلام، الورقة: 210، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 11، وابن كثير في البداية: 12 / 328، وابن رجب في الذيل: 1 / 354، والغساني صاحب العسجد، الورقة 94، والسائح في المناقب، الورقة: 2، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 51، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 106، وابن العماد في الشذرات: 4 / 275.
(1) قال المنذري في (التكملة) : تخمينا.
(2) قال شعيب: قال المؤلف رحمه الله في (الميزان) 4 / 440 في ترجمة يزيد: مقدوح في عدالته، ليس بأهل لان يروى عنه.
وقد عده شيخ الإسلام في (منهاج السنة) 2 / 251 من الفساق، كما أنه اعترف 2 / 253 بما فعله بأهل المدينة في وقعة الحرة من استباحة دمائهم وأموالهم ونسائهم، وقال: وهذا هو الذي عظم إنكار الناس عليه من فعل يزيد، ولهذا قيل للامام أحمد: أتكتب الحديث عن يزيد؟ قال: لا ولا كرامة، أليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل.
(3) أورد الزين ابن رجب في الذيل تفاصيل هذه العداوة.(21/160)
إِذَا رددنَاهُ، كَانَ فِيْهِ إِزرَاء عَلَى مَنْ رَوَاهُ!
وَقَدْ حفرَ لَهُ قَبْراً بِقُرْبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ دِمَشْقَ تَاجراً بِمَالٍ لِسَعْدِ الخَيْرِ (1) ، فَحَدَّثَ بِهَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي (تَارِيْخِهِ) .
حكَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ شَيْخُنَا، قَالَ: قِيْلَ: إِنَّ الخَلِيْفَةَ النَّاصِرَ لَمَّا بَلَغَهُ نَهْيُ عَبْدِ المُغِيْثِ عَنْ سَبِّ يَزِيْدَ، تَنَكَّرَ، وَقَصَدَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَتَبَالَهَ عَنْهُ، وَقَالَ: يَا هَذَا! إِنَّمَا قَصَدْتُ كَفَّ الأَلْسِنَةِ عَنْ لَعْنِ الخُلَفَاءِ، وَإِلاَّ فَلَو فَتَحْنَا هَذَا، لَكَانَ خَلِيْفَةُ الوَقْتِ أَحَقَّ بِاللَّعْنِ؛ لأَنه يَفْعَلُ كَذَا، وَيَفْعَلُ كَذَا ... ، وَجَعَلَ يُعَدِّدُ خَطَايَاهُ، قَالَ: يَا شَيْخُ! ادْعُ لِي، وَقَامَ.
تُوُفِّيَ عَبْدُ المُغِيْثِ: فِي المُحَرَّمِ (2) ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
80 - ابْنُ المَوَازِيْنِيِّ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ حَمْزَةَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ حَمْزَةَ ابْنِ المُحَدِّثِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ ابْن المَوَازِيْنِيِّ، الدِّمَشْقِيُّ، المُعَدَّلُ.
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) يعني المحدث المشهور سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري البلنسي.
(2) في الثالث والعشرين منه كما ذكر المنذري وابن الدبيثي وغيرهما، ودفن من يومه بباب حرب.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 183 (باريس 5921) ، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 71، وابن الفوطي في تلخيصه: 5 / الترجمة 738، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 20 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 181، والعبر: 4 / 255، والاعلام، الورقة 211، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 110، وابن العماد في الشذرات: 4 / 283.(21/161)
سَمِعَ مِنْ: جدّه أَبِي الحَسَنِ، وَوَالِدَتِه شُكْرِ بِنْت سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ.
وَأَجَازَ لَهُ مِنْ أَصْبَهَانَ: أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد.
وَارتحل، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَمُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللهِ الرُّطَبِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَسَعِيْد ابْن البَنَّاءِ، وَطَائِفَة.
وَخَرَّجَ، وَجَمَعَ، وَسَكَنَ بِسَفْحِ قَاسيُوْن، وَأَنشَأَ زَاويَة، وَكَانَ مُقْبِلاً عَلَى شَأْنه، مُؤثراً لِلْعُزلَة، موَاسياً لِلْفُقَرَاء، خَرَّجَ لِنَفْسِهِ (مَشْيَخَة) حَسَنَة، فِيْهَا عَنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَابْن الطَّلاَّيَةِ، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَعَبْدُ الحَقِّ بنُ خَلَفٍ، وَالبَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَخَطِيْب مَرْدَا، وَالعِمَادُ ابْنُ عَبْدِ الهَادِي، وَالعِمَاد عَبْد اللهِ ابْن النَّحَّاسِ، وَالزِّين ابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَخَلْق.
قَالَ الضِّيَاء: كَانَ دَيِّناً، خَيِّراً، قَدِ انحنَى، سَمِعْنَا مِنْهُ أَكْثَر (الحِلْيَة) .
مَاتَ: فِي المُحَرَّم، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.(21/162)
الطَّبَقَةُ الحِادِيَةُ والثَّلاَثُوْنَ
81 - ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ أَبُو الفَتْحِ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ المَحْمُوْدِيُّ *
الإِمَامُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو الفَتْحِ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المَحْمُوْدِيُّ، الجَعْفَرِيُّ، ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ.
نُسبَ إِلَى جَدِّ وَالِدتِه شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّابُوْنِيِّ الصُّوْفِيِّ المُقْرِئِ، وَكَانَ يَسكنُ بِالجَعْفَرِيّةِ بِبَغْدَادَ، فَنُسِبَ إِلَيْهَا.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْس مائَة تَقَرِيْباً.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: أَبِي العِزِّ القَلاَنسِيِّ.
وَسَمِعَ: هِبَةَ اللهِ بنَ الحُصَيْنِ، وَجَمَاعَةً.
وَصَحِبَ حَمَّاداً الدَّبَّاسَ، وَعَلِيَّ بنَ مَهْدِيٍّ البَصْرِيَّ، وَكَانَ لَهُ زَاوِيَةٌ بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ عَلَم الدِّيْنِ، وَابْن المُفَضَّلِ الحَافِظ، وَطَائِفَة.
__________
(*) هو جد المؤرخ المحدث جمال الدين أبي حامد بن علي بن محمود المحمودي المعروف بابن الصابوني صاحب (تكملة إكمال الإكمال) المتوفى سنة 680.
وقد ترجم له أبو شامة في الروضتين: 2 / 68، والذهبي في المختصر المحتاج إليه: 3 / 181، وتاريخ الإسلام، الورقة: 7 (باريس 1582) ، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 22.
ويكنى بأبي الثناء أيضا، وراجع مقدمة العلامة الدكتور مصطفى جواد لتكملة حفيده ابن الصابوني: 35 فما بعد.(21/163)
وَكَانَ يُلَقَّبُ: جَمَال الدِّيْنِ.
وَقِيْلَ لِجدِّه عَلِيّ بن أَحْمَدَ: المَحْمُوْدِيّ، لاتِّصَالِه بِالسُّلْطَانِ مَحْمُوْدٍ السَّلْجُوْقِيِّ.
قَدِمَ أَبُو الفَتْحِ (1) ، فَزَارَهُ نُوْرُ الدِّيْنِ، وَسَأَلَهُ الإِقَامَةَ بِدِمَشْقَ، فَقَالَ: قصدِي زِيَارَة ضَرِيْحِ الشَّافِعِيِّ، فَجَهَّزَهُ سَنَة بِضْع وَسِتِّيْنَ، فِي صُحْبَة الأَمِيْر نَجْم الدِّيْنِ أَيُّوْب، وَصَارَ صديقاً لَهُ، فَكَانَ وَلدَاهُ السُّلْطَانَان صَلاَح الدِّيْنِ وَسَيْفُ الدِّيْنِ يَحْتَرِمَانِ أَبَا الفَتْحِ، وَيَرْعيَانِهِ.
وَبَعَثَ الشَّيْخُ عُمَرُ المَلاَّء (2) زَاهِدُ المَوْصِلِ إِلَى أَبِي الفَتْحِ هَذَا يَطلُبُ مِنْهُ الدُّعَاء (3) .
مَاتَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
82 - ابْنُ الصَّاحِبِ مَجْدُ الدِّيْنِ هِبَةُ اللهِ *
المَوْلَى الكَبِيْرُ، مَجْدُ الدِّيْنِ، هِبَةُ اللهِ ابْنُ الصَّاحِبِ أُسْتَاذِ دَارِ المُسْتَضِيْءِ.
أَحَدُ مَنْ بَلَغَ أَعْلَى الرُّتَبِ، وَصَارَ يُوَلِّي، وَيَعزل، وَأَظهر الرّفض، ثُمَّ
__________
(1) يريد قدومه إلى دمشق.
(2) هو معين الدين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الملاء الموصلي (ابن الفوطي في (تلخيصه) : 5 / الترجمة 1485) وتكلم فيه ابن رجب في (الذيل) : 1 / 335.
(3) انظر تفاصيل ذلك عند أبي شامة في (الروضتين) : 2 / 68.
(*) أخباره في التواريخ المستغرقة لعصره، وترجم له ابن الأثير في الكامل: 11 / 230، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 15، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 77، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 107 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 251، ودول الإسلام: 2 / 68، والغساني في العسجد المسبوك، الورقة 94، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 53، وابن العماد في الشذرات: 4 / 275.(21/164)
وَلِي حجَابَة بَاب النُّوْبِيِّ، وَلَمْ يَزَلْ فِي ارْتقَاءٍ حَتَّى قُتِلَ (1) ، وَعُلِّقَ رَأْسُهُ بِبَغْدَادَ.
خَلَّفَ تَركَة ضَخْمَةً فِيْهَا مِنَ العَيْن أَلف أَلف دِيْنَار، وَمِنَ الفِضَّة جُمْلَةً، وَمِنَ الأَمتعَة وَالعقَارِ مَا لاَ يُوْصَفُ، فَتركت الأَملاَكُ لأَوْلاَدِهِ.
طُلِبَ إِلَى دَارِ الخِلاَفَةِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ الشّحنَةُ يَاقُوْتٌ فِي الدِّهْلِيْزِ، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ قَدْ تَمرَّدَ، وَسَفَكَ الدِّمَاءَ، وَسَبَّ الصَّحَابَةَ، وَعَزَمَ عَلَى قَلْبِ الدَّوْلَةِ، فَقَصَمَهُ اللهُ.
83 - ابْنُ مُنْقِذٍ أَبُو المُظَفَّرِ أُسَامَةُ بنُ مُرْشِدِ بنِ عَلِيٍّ الكِنَانِيُّ *
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، العَلاَّمَةُ، فَارِسُ الشَّامِ، مَجْدُ الدِّيْنِ، مُؤَيِّدُ الدَّوْلَةِ، أَبُو المُظَفَّرِ أُسَامَةُ ابْنُ الأَمِيْرِ مُرْشِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُقَلَّدِ بنِ نَصْرِ بنِ مُنْقِذٍ الكِنَانِيُّ، الشَّيْزَرِيُّ.
وُلِدَ: بِشَيْزَرَ، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ 499 نُسْخَةَ أَبِي هُدْبَة مِنْ عَلِيِّ بنِ سَالِمٍ السِّنْبِسِيِّ.
__________
(1) وذلك في التاسع عشر من شهر ربيع الأول سنة 583.
(*) ترجم له العماد الأصبهاني في القسم الشامي من الخريدة: 1 / 499، وياقوت في إرشاده: 2 / 173، وابن عساكر في تاريخ دمشق (التهذيب: 2 / 400) ، وابن خلكان في الوفيات: 1 / 195، وابن منظور في مختار ذيل السمعاني، الورقة: 151، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 108 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 252، ودول الإسلام: 2 / 71، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 51، والصفدي في الوافي: 8 / 378، وابن كثير في البداية: 12 / 331، والغساني في العسجد، الورقة: 95، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 64، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 107، وابن العماد في الشذرات: 4 / 279، وحاجي خليفة في سلم الوصول، الورقة: 174 وغيرهم.(21/165)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو المَوَاهِبِ، وَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَابْنه؛ الأَمِيْر مُرْهَفٌ، وَعَبْد الصَّمَدِ بن خَلِيْل الصَّائِغ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن أَبِي سُرَاقَة، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الكَافِي الصَّقَلِّيّ.
وَلَهُ نَظْمٌ فِي الذِّرْوَةِ كَأَبِيْهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (1) : ذُكِرَ لِي أَنَّهُ يَحفظُ مِنْ شعر الجَاهِلِيَّة عَشْرَة آلاَف بَيْت.
قُلْتُ: سَافر إِلَى مِصْرَ: وَكَانَ مِنْ أُمرَائِهَا الشِّيْعَة، ثُمَّ فَارقهَا، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْر، وَحضر حُرُوْباً أَلّفهَا فِي مُجَلَّدٍ فِيْهِ عبر.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي طَيء فِي (تَارِيْخِهِ (2)) : كَانَ إِمَامِيّاً، حسن العقيدَة، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُدَارِي عَنْ مَنْصِبه، وَيُتَاقِي، وَصَنَّفَ كتباً مِنْهَا (التَّارِيْخ البَدْرِيّ) ، وَلَهُ (دِيْوَان) كَبِيْر (3) .
قُلْتُ: عَاشَ سَبْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ بِدِمَشْقَ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) راجع (مختار) ابن منظور، الورقة 151.
(2) توفي سنة 630 وكتابه الذي ينقل الذهبي منه هو تاريخ الشيعة، قال: (وهو مسودة في عدة مجلدات نقلت منه كثيرا) .
انظر (تاريخ الإسلام) ، الورقة 103 - أيا صوفيا 3012، وكتاب الدكتور بشار عواد عن (الذهبي ومنهجه) ، ص 420.
(3) قال شعيب: وله كتاب (المنازل والديار) وقد توليت تحقيقه وتخريج نصوصه والتعليق عليه، وقدمت له بترجمة للمصنف، وتم طبعه بدمشق سنة 1385 هـ، وموضوع الكتاب طريف لا نعلم أحدا أفرده بالتأليف، وهو البكاء على المنازل العافية، والاطلال الدارسة، حفزه إلى جمعه كما ذكر في مقدمته ما نال بلاده وأوطانه من الخراب، وما أصابها من الزلازل التي أبادت أسرته تحت أنقاض حصن سيجر، وما توالى عليه بعد ذلك من نكبات مستمرة.(21/166)
وَلَهُ:
مَعَ الثَّمَانِيْنَ عَاثَ الضَّعْفُ فِي جَسَدِي ... وَسَاءنِي ضَعْفُ رِجْلِي وَاضْطِرَابُ يَدِي
إِذَا كَتَبتُ فَخطِّي خطُّ مُضطَربٍ ... كخطِّ مُرْتَعِشِ الكفَّيْنِ مُرْتَعِدِ
فَاعجَبْ لضَعْفِ يَدِي عَنْ حَمْلهَا قَلَماً ... مِنْ بَعْدِ حَطْمِ القنَا فِي لبَّةِ الأَسَدِ
فَقُلْ لِمَنْ يَتَمَنَّى طولَ مُدَّتِه: ... هَذِي عَواقِبُ طولِ الْعُمر وَالمُدَدِ
وَمَاتَ ابْنُهُ الكَبِيْرُ عضد الدَّوْلَة مُرْهَفٌ (1) بن أُسَامَةَ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، عَنْ ثَلاَث وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ شعر رَائِق.
رَوَى عَنْهُ: الزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالقوْصِيّ، وَجَمَعَ مِنَ الكُتُب مَا لاَ يُوْصَف.
84 - الحَازِمِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ عُثْمَانَ بنِ حَازِمٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، النَّاقِدُ، النَسَّابَةُ، البَارِعُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ عُثْمَانَ بنِ حَازِمٍ الحَازِمِيُّ، الهَمَذَانِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) راجع القسم الشامي من (خريدة) العماد: 1 / 571، و (إرشاد) ياقوت: 2 / 175، 180، 197، و (تكملة) المنذري: 4 / الترجمة: 1451 والتعليق عليها.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 147 (باريس 5921) ، وابن الصلاح في الطبقات، الورقة: 25، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 45، وأبو شامة في الروضتين: 2 / 137، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 294، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 19 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 254، ودول الإسلام: 2 / 71، والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 144، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1363، والمشتبه: 202، والصفدي في الوافي: 5 / 88، والسبكي في الطبقات: 7 / 13، وابن كثير في البداية: 12 / 332، وابن الملقن في العقد، الورقة: 160، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 63، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 109، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية، الورقة: 61، وابن هداية الله في طبقاته: 80، وابن العماد في الشذرات: 4 / 282، وابن الغزي في ديوان الإسلام، الورقة: 32.(21/167)
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ حُضُوْراً، وَلَهُ أَرْبَع سِنِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ: شَهْرَدَار بن شِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيّ، وَأَبِي زُرْعَةَ بن طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ الحَافِظ، وَأَبِي العَلاَءِ العَطَّار، وَمَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ عَبْد الحَقِّ اليُوْسُفِيّ، وَعَبْد اللهِ بن الصَّمد العَطَّار، وَشُهْدَة الكَاتِبَة، وَأَبِي الفَضْلِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ خَطِيْب المَوْصِل، وَأَبِي طَالِبٍ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الكَتَّانِيّ الوَاسِطِيّ، وَمُحَمَّد بن طَلْحَةَ البَصْرِيّ المَالِكِيّ بِهَا، وَأَبِي العَبَّاسِ أَحْمَد بن يَنَال التّرْك، وَأَبِي الفَتْحِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ الخِرَقِيّ، وَأَبِي مُوْسَى مُحَمَّد بن أَبِي عِيْسَى المَدِيْنِيّ، وَأَقرَانهم بِالعِرَاقِ وَأَصْبَهَان وَالجَزِيْرَة وَالشَّام وَالحِجَاز.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَبَرَعَ فِي الحَدِيْثِ، خُصُوْصاً فِي النَّسَبِ، وَاسْتَوْطَنَ بَغْدَاد.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّبَيْثِيّ (1) : تَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ فِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَجَالَس العُلَمَاء، وَتَمَيَّزَ، وَفَهِم، وَصَارَ مِنْ أَحْفَظ النَّاس لِلْحَدِيْثِ وَلأَسَانِيْده وَرِجَاله، مَعَ زُهْد، وَتعبّد، وَرِيَاضَة، وَذِكْرٍ، صَنَّف فِي الحَدِيْثِ عِدَّة مُصَنَّفَات، وَأَملَى عِدَّة مَجَالِس، وَكَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظ، حُلْو المذَاكرَة، يغلبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَة أَحَادِيْثَ الأَحكَام، أَملَى طرق الأَحَادِيْث الَّتِي فِي (المُهَذَّب) لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَسندهَا، وَلَمْ يُتِمَّه.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ النَّجَّار فِي (تَارِيْخِهِ (2)) : كَانَ الحَازِمِيُّ مِنَ الأَئِمَّةِ الحُفَّاظ، العَالِمِين بِفقه الحَدِيْث وَمعَانِيه وَرِجَاله، أَلّف كِتَاب (النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ) ، وَكِتَاب (عجَالَة الْمُبْتَدِئ فِي النَّسَبِ) ، وَكِتَاب (المُؤتلف
__________
(1) (ذيل تاريخ مدينة السلام) ، الورقة 147 (باريس 5921) .
(2) يعني (التاريخ المجدد) ، ولم يصل إلينا هذا القسم منه.(21/168)
وَالمُخْتَلِف فِي أَسْمَاء البُلْدَان) .
وَأَسند أحَادِيث (المُهَذَّب) ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، زَاهِداً، عَابِداً، وَرِعاً، مُلاَزِماً لِلْخلوَة وَالتصنِيف وَبثّ العِلْم، أَدْركه الأَجل شَابّاً، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَانِم الحَافِظ يَقُوْلُ:
كَانَ شَيْخنَا الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ يُفضّل أَبَا بَكْرٍ الحَازِمِيَّ عَلَى عَبْدِ الغَنِيِّ المَقْدِسِيّ، وَيَقُوْلُ:
مَا رَأَينَا شَابّاً أَحْفَظ مِنَ الحَازِمِيّ، لَهُ كِتَاب فِي (النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ) دَالٌّ عَلَى إِمَامته فِي الفِقْه وَالحَدِيْث، لَيْسَ لأَحدٍ مِثْلُه.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الأَئِمَّة يذكر أَنَّ الحَازِمِيّ كَانَ يَحفظ كِتَاب (الإِكمَال (1)) فِي المُؤتلف وَالمُخْتَلِف وَمُشْتَبِهِ النِّسْبَة، كَانَ يُكرَّر عَلَيْهِ، وَوجدتُ بِخَطِّ الإِمَام أَبِي الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ، وَهُوَ يَسْأَل الحَازِمِيَّ: مَاذَا يَقُوْلُ سَيِّدُنَا الإِمَامُ الحَافِظُ فِي كَذَا وَكَذَا؟ وَقَدْ أَجَابَ أَبُو بَكْرٍّ الحَازِمِيّ بِأَحْسَنِ جَوَابٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ النَّجَّار: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ المُقْرِئَ جَارنَا يَقُوْلُ -وَكَانَ صَالِحاً-:
كَانَ الحَازِمِيّ -رَحِمَهُ الله- فِي رِبَاط البَدِيْع، فَكَانَ يَدخل بَيْته فِي كُلِّ لَيْلَة، وَيطَالع، وَيَكْتُبَ إِلَى طُلُوْع الفَجْر.
فَقَالَ البَدِيْعُ لِلْخَادِمِ: لاَ تدفع إِلَيْهِ اللَّيْلَة بزراً لِلسِّرَاجِ لَعَلَّهُ يَسْتَرِيح اللَّيْلَة.
قَالَ: فَلَمَّا جنّ اللَّيْل، اعْتذر إِلَيْهِ الخَادِم لأَجْل انقطَاع الْبزْر، فَدَخَلَ بَيْته، وَصفّ قَدَمَيْهِ يُصَلِّي، وَيَتلو، إِلَى أَنْ طلع الفَجْر، وَكَانَ الشَّيْخ قَدْ خَرَجَ ليعرف خَبَره، فَوَجَده فِي الصَّلاَةِ.
مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الحَازِمِيّ: فِي شَهْر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْس
__________
(1) للامير ابن ماكولا، وهو مشهور قتل سنة 475، وهو كتاب ضخم حقق منه المرحوم الشيخ عبد الرحمان المعلمي اليماني ستة أجزاء طبعت في الهند، وبقي الجزء السابع بدون تحقيق، ثم طبع بعناية الأستاذ نايف العياش.(21/169)
مائَة، وَلَهُ سِتٌّ وَثَلاَثُوْنَ سَنَة.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحمْد أَقُش (1) الافتخَارِيِّ (2) ، أَخبركُم عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدِّمْيَاطِيّ الخَطِيْب سَنَة سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ ذَاكر بِقِرَاءتِي، أَخبركُم حَسَن بن أَحْمَدَ القَارِئ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَزَّاز، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا غَسَّان بن مُضَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْلَمَة،
قَالَ:
سَأَلت أَنَس بن مَالِكٍ: أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَفتح بِالحَمْد للهِ رَبّ العَالِمِين؟
فَقَالَ: إِنَّك لَتسَأَلنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظه، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَد قَبْلك.
قُلْتُ: أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ (3) .
__________
(1) هكذا في النسختين، وفي (تاريخ الإسلام) الذي بخط الذهبي المؤلف: (أقوش) وكذلك في معجم شيوخه الكبير، وهو أمر جائز كأنهم استعاضوا عن الواو بالضمة.
قال الذهبي في معجم شيوخه: (أقوش بن عبد الله أبو الحمد الكرجي الافتخاري.
شيخ عاقل مليح الخط نسخ جملة ونظر في أمر التربة الكاملية.
ولد في سنة ثلاثين وست مئة تقريبا..مات في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وست مئة) (م 1 الورقة: 37) .
وقال في وفيات سنة 699 من (تاريخ الإسلام) ، وهو بخطه: (أقوش الاجل حسام الدين أبو الحمد الافتخاري الشبلي..وسمع بدمياط كتاب (الناسخ والمنسوخ) للحازمي من الجلال الدمياطي..وقرأت عليه (الناسخ والمنسوخ) (الورقة: 288 - أيا صوفيا 3014) .
(2) في الأصل: (الافتجاري) وفي ب: مهملة غير منقوطة، والصواب ما أثبتناه كما يظهر من الهامش السابق.
(3) قال شعيب: أخرجه الدارقطني 1 / 316 من طريق أبي بكر يعقوب بن إبراهيم البزاز، بهذا الإسناد، وقال: إسناد صحيح، وعلق عليه شمس الحق بقوله: قال الشيخ العلامة عبد الغني الزبيدي في بعض تعليقاته: رواه عن أبي مسلمة شعبة، وحماد بن زيد، وبشر بن المفضل، ويزيد ابن زريع، وعباد بن العوام، وعباد بن عباد، فلم يذكروا فيه أمر البسملة، وإنما فيه الصلاة في النعلين، لكن تابع غسان عليه ابن علية عند أحمد، فلعل أنسا نسي أخيرا، وأظن أن الحفاظ من أصحاب أبي مسلمة لم يرووا عنه الجملة الأولى لنكارتها، إذ يبعد أن ينسى أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحفظ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتدئ صلاته مع رواية قتادة الحافظ عنه ما يخالف
ذلك قطعا.
وأخرجه أحمد 3 / 166 من طريق غسان بن مضر به.(21/170)
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ، وَهُوَ ظَاهِر فِي أَنَّ أَبَا مَسْلَمَةَ سَعِيْد بن يَزِيْدَ سَأَلَ أَنساً عَنِ الصَّلَوَات الخَمْس، أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَفتح -يَعْنِي: أَوّلَ مَا يُحرمُ بِالصَّلاَةِ- بدُعَاء الاستِفْتَاحِ أَمْ بِالاسْتِعَاذَة، أَمْ بِالحَمْد للهِ رَبّ العَالِمِين؟
فَأَجَابَهُ: أَنَّهُ لاَ يَحفظ فِي ذَلِكَ شَيْئاً.
فَأَمَّا الْجَهْر وَعدمه بِالبسملَة (1) ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ مِنْ حَدِيْثِ قَتَادَة، وَغَيْره، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا لاَ يَجهرُوْنَ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ (2) .
وَقَدْ رَوَى عَنِ الحَازِمِيّ: المُقْرِئُ تَقِيّ الدِّيْنِ ابْن بَاسُوَيْه (3) الوَاسِطِيّ، وَالفَقِيْه عَبْد الخَالِقِ النَّشْتَبْرِيّ (4) ، وَجَلاَل الدِّيْنِ عَبْد اللهِ بن الحَسَنِ
__________
(1) اختصر الذهبي تصنيفا في هذا الموضوع للحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي المتوفي سنة 463 وسماه الذهبي: (ذكر الجهر بالبسملة مختصرا) بقيت نسخة منه بدار الكتب الظاهرية بدمشق المحروسة ضمن مجموع برقم 55 (انظر كتاب: الذهبي ومنهجه: 226) .
(2) قال شعيب: أخرجه البخاري 2 / 188 في صفة الصلاة: باب ما يقول بعد التكبير بلفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله) ، وأخرجه الترمذي (246) ، وعنده: (القراءة) بدل (الصلاة) ، وزاد: عثمان.
وأخرجه مسلم (399) بلفظ: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) .
ورواه أحمد 3 / 264، والطحاوي 1 / 119، والدارقطني: 119، وقالوا فيه: (فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم) ، ورواه ابن حبان في (صحيحه) ، وزاد: (ويجهرون بالحمد لله رب العالمين) وفي لفظ للنسائي 2 / 135، وابن حبان: (فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم) ، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في (مسنده) : فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين.
وفي لفظ للطبراني في (معجمه) وأبي نعيم في (الحلية) ، وابن خزيمة في (صحيحه) (498) ، والطحاوي 1 / 119: (وكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم) ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم في الصحيح جمع.
(3) في (طبقات) السبكي: 7 / 13: (ماسويه) مصحف.
(4) منسوب إلى نشتبرى، قال ياقوت: (الفتح ثم السكون وتاء مثناة من فوق ثم باء موحدة =(21/171)
الدِّمْيَاطِيّ الخَطِيْب، وَآخَرُوْنَ.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: الأَمِيْر الكَبِيْر مُؤَيِّد الدَّوْلَةِ مَجْد الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ أُسَامَة بن مُرْشِد بن مُنْقِذ الكِنَانِيّ الشَّيْزَرِيّ الشَّاعِر، عَنْ سَبْع وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَأَبُو المُقيم ظَاعن بن مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيّ الخَيَّاط، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بن عَلِيِّ بنِ سُوَيْدَة التَّكرِيتِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حُبَيْش الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القبَائِل عَشِيرُ بن عَلِيٍّ الجَبَلِيّ بِمِصْرَ، وَشَمْس الأَئِمَّة عِمَاد الدِّيْنِ عُمَر بن بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ البُخَارِيّ شَيْخ الحَنَفِيَّة، وَتَاج الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ المَسْعُوْدِيّ المُحَدِّث، وَشَاعِر العِرَاق أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ابْن التَّعَاويذِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ صَدَقَة الحَرَّانِيّ السَّفَّار، وَأَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّد بن المُطَهَّر بن يَعْلَى الفَاطِمِيّ الهَرَوِيّ، وَالعَبْد الصَّالِح مُحَمَّد بن أَبِي المَعَالِي بن قَايد الأَوَانِيّ، وَيَحْيَى بن مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيّ، وَالمُبَارَك بن أَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ.
85 - الجَابِرِيُّ أَبُو العَلاَءِ عُمَرُ بنُ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدٍ *
شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، نُعمَانُ الزَّمَانِ، القَاضِي عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو العَلاَءِ عُمَرُ ابْنُ العَلاَّمَةِ شَيْخِ المَذْهَبِ شَمْسِ الأَئِمَّةِ أَبِي الفَضْلِ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدٍ
__________
= وراء مفتوحة مقصورة، قرية كبيرة ذات نخل وبساتين تختلط بساتينها ببساتين شهرابان من طريق خراسان من نواحي بغداد، خرج منها جماعة منهم الملقب بالحافظ، لا لأنه محدث، أبو محمد عبد الخالق بن الانجب بن المعمر بن الحسن بن عبيد الله النشتبري، تفقه على الشيخ أبي طالب المبارك بن المبارك ابن الخل..) (معجم البلدان: 4 / 784) .
(*) ترجم له كمال الدين ابن الفوطي في الملقبين بعماد الدين من (تلخيصه) : 4 / الترجمة 1159 نقلا عن شيخه وشيخ الذهبي أبي العلاء محمود بن أبي بكر الفرضي الحنفي المتوفى سنة 700، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 113 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 253 كما ترجمت له كتب علماء الحنفية.(21/172)
الأَنْصَارِيُّ، الجَابِرِيُّ، البُخَارِيُّ، الزَّرَنْجَرِيُّ.
وَزَرَنْجَرَى (1) : مِنْ قرَى بُخَارَى.
تَفقّه بِأَبِيْهِ، وَببرْهَانِ الأَئِمَّة ابْنِ مَازَةَ، وَسَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مِنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي سَهْل الأَبِيْوَرْدِيّ، عَنِ ابْنِ حَاجِب الكَاشَانِيّ (2) .
تَفقّه بِهِ: شَمْس الأَئِمَّة أَبُو الوحدَةِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الستَار الكُرْدِيّ، وَالمُفْتِي جَمَال الدِّيْنِ عُبَيْد اللهِ بن إِبْرَاهِيْمَ المَحْبُوبِيّ، وَصدر العَالَم مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَازَةَ.
وَعُمِّر نَحْو التِّسْعِيْنَ، وَانتهت إِلَيْهِ رِئَاسَة الحَنَفِيَّة.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
86 - المَسْعُوْدِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، اللُّغَوِيُّ، المُتَفَنِّنُ، تَاج الدِّيْنِ، أَبُو سَعِيْدٍ،
__________
(1) ويقال فيها: زرنكرى.
(2) وتمام السند: عن الفربري، عن البخاري.
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 20، ومعجم البلدان: 1 / 743، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 60 (شهيد علي) ، والقفطي في الانباه: 3 / 166، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 41، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 390، وابن النجار في التاريخ المجدد كما دل عليه المستفاد للحسامي الدمياطي، الورقة: 9، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 18 (باريس، 158) ، والعبر: 4 / 253 والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 67، وابن مكتوم في تلخيصه، الورقة: 218، والاسنوي في الطبقات 1 / 252، والصفدي في الوافي: 3 / 233، والسبكي في الطبقات: 6 / 123، والدنجي في الفلاكة: 88، وابن قاضي شهبة في طبقات النحاة، الورقة: 70، وابن حجر في لسان الميزان: 5 / 256، والسيوطي في البغية: 1 / 158، وابن العماد في الشذرات: 4! 280، وابن الغزي في ديوان الإسلام، الورقة: 21.
وذكره السمعاني في (الحمدويي) من =(21/173)
وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابْنُ المُسْنِدِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَسْعُوْدٍ المَسْعُوْدِيُّ، البَنْجَدِيْهِيُّ، المَرْوَزِيُّ، الصُّوْرِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَبْدَ السَّلاَّم بن أَحْمَدَ بِكبرِهِ، وَمَسْعُوْدَ بنَ مُحَمَّدٍ الغَانِمِيّ، وَأَبَا النَّضْرِ الفَامِيّ، وَأَبَا الوَقْت عَبْد الأَوَّل، وَأَبَا المُظَفَّر التُّرَيْكِيّ البَغْدَادِيّ، وَابْن رِفَاعَةَ السَّعْدِيّ، وَمَسْعُوْد الثَّقَفِيّ، وَعَبْد الصَّبُوْرِ بن عَبْدِ السَّلاَمِ، وَالحَافِظ السِّلَفِيّ، وَعِدَّة.
وَأَملَى بِمِصْرَ مَجَالِس فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ.
وَأَدّب الْملك الأَفْضَل ابْن السُّلْطَان.
وَعَمِلَ شرحاً كَبِيْراً لِلمَقَامَات، وَاقتنَى كتباً كَثِيْرَة، وَليّنه المُحَدِّثُونَ (1) .
قَالَ المُنْذِرِيّ (2) : كتب عَنْهُ السِّلَفِيّ أَنَاشيد، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ: ابْن المُفَضَّلِ، وَآخَرُوْنَ.
قُلْتُ: وَزَينُ الأُمَنَاءِ، وَالتَّاج القُرْطُبِيّ، وَالنُّوْر البَلْخِيّ، وَأَمثَالهُم.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ خَلِيْل (3) : لَمْ يَكُنْ فِي نَقله بثِقَة وَلاَ مَأْمُوْنٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (4) : كَانَ مِنَ الفُضَلاَء فِي كُلِّ فَن، وَمِنْ أَظرف
__________
= الأنساب وتابعه ابن الأثير في اللباب، ونسبته بالمسعودي إلى جده مسعود كما ذكر المنذري وغيره.
(1) لذلك تناوله ابن حجر في (لسانه) : 5 / 256.
(2) (التكملة) : 1 / الترجمة 41.
(3) يعني في (معجم شيوخه) ، ولم يصل إلينا.
(4) انظر (المستفاد) ، الورقة: 9.(21/174)
المَشَايِخ، وَأَحْسَنهم هَيْئَة، وَأَجْمَلهم لباساً، سَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ، وَطَائِفَة، وَأجَاز لَهُ أَبُو العِزِّ بن كَادِشٍ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوَقَفَ كتبه بِالسُّمَيْسَاطِيَّةِ (1) .
87 - ابْنُ التَّعَاوِيْذِيِّ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
رَئِيْسُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ (2) التَّعَاوِيْذِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الأَدِيْبُ، سِبْطُ المُبَارَكِ (3) بنِ المُبَارَكِ التَّعَاوِيْذِيِّ (4) .
كَانَ وَالِدُهُ مِنْ غلمَان بنِي المُظَفَّر، وَكَانَ هُوَ كَاتِباً بدِيْوَان المقَاطعَات.
وَ (دِيْوَانه (5)) مُجَلَّدَان.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ بنِ وَارِثٍ.
__________
(1) رباط ينسب إلى أبي القاسم علي بن محمد السميساطي المتوفى بدمشق سنة 453، وكان قد وقف داره التي كانت ملاصقة للجامع على فقراء المسلمين (انظر " معجم البلدان " لياقوت: 3 / 152) .
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة 59 (شهيد علي) ، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 60، وأبو شامة في الروضتين: 2 / 123، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 466، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 80، وابن الوردي في تاريخه: 2 / 100، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 114 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 253، والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 66، والصفدي في الوافي: 4 / 11، ونكت الهميان: 259، وابن كثير في البداية: 12 / 329، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 53، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 105، وابن العماد في الشذرات: 3 / 281، وابن الغزي في ديوان الإسلام، الورقة: 26 وغيرهم.
(2) كان اسمه نشتكين فسماه ابنه عبيد الله.
(3) كان هذا مشهورا توفي سنة 553.
(4) نسبة إلى كتابة التعاويذ.
(5) طبع ديوانه.(21/175)
أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ (1) ، وَرثَى عينِيه وَأَيَّام شبَابه، وَنظمه فَائِق.
عَاشَ خَمْساً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
88 - ابْنُ الدَّهَّانِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَسْعَدَ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ *
العَلاَّمَةُ، مُهَذِّبُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَسْعَدَ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الشَّاعِرُ، المُدَرِّسُ بِحِمْصَ.
لَهُ (دِيْوَان) صَغِيْر (2) ، وَنظمه بَدِيْع.
دخل إِلَى مِصْرَ، وَمدح ابْن رُزِّيْك بقصيدَة، مِنْهَا (3) :
أَأَمدَحُ التُّرْكَ أَبغِي الفَضْلَ عِنْدَهُمُ ... وَالشِّعْرُ مَا زَالَ عِنْد التُّرْكِ مَتْرُوْكَا
وَمدح السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ بقصيدَة طنانَة، مِنْهَا (4) :
قُلْ لِلبخيلَةِ بِالسَّلاَمِ تَوَرُّعاً: ... كَيْفَ استَبَحْتِ دَمِي وَلَمْ تَتَوَرَّعِي (5)
__________
(1) سنة 579.
(*) ترجم له العماد في القسم الشامي من الخريدة: 2 / 279، وابن عساكر في تاريخ دمشق (تهذيب: 7 / 292) ، وابن الأثير في الكامل: 11 / 212، والقفطي في إنباه الرواة، 2 / 103، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 57، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 92 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 243، وابن كثير في البداية: 12 / 317، والسبكي في الطبقات: 7 / 120 وسقطت ترجمته من النسخة، والاسنوي في الطبقات: 2 / 440، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 21، وابن العماد في الشذرات: 4 / 270، ومقدمة الدكتور عبد الله الجبوري لديوانه.
(2) نشره بعد تحقيقه الدكتور عبد الله الجبوري ببغداد سنة 1978.
(3) انظر تمام القصيدة في الديوان (التكملة) ، ص 219 - 223.
(4) هي أول أول قصيدة في ديوانه: 25 - 34.
(5) البيت رقم 11 من القصيدة المذكورة.(21/176)
وَزَعَمْتِ أَنْ تَصِلِي لعَامٍ قَابلٍ ... هَيْهَاتَ أَنْ أَبقَى إِلَى أَنْ تَرْجِعِي (1)
أَبَدِيْعَةَ (2) الحُسْنِ الَّتِي فِي وَجههَا ... دُوْنَ الوُجُوهِ عنَايَةٌ لِلمُبدعِ
مَا كَانَ ضَرَّكِ لَوْ غَمَزْتِ بحَاجِبٍ ... يَوْمَ (3) التَّفَرُّقِ أَوْ أَشَرْتِ بِأُصبَعِ
فَتَيَقَّنِي (4) أَنِّي بِحُبِّكِ مُغْرَمٌ ... ثُمَّ اصنَعِي مَا شِئْتِ بِي أَنْ تَصْنَعِي
وَلَهُ (5) :
يُضحِي يُجَانِبُنِي مُجَانبَةَ العِدَى ... وَيبَيْتُ وَهْوَ إِلَى الصَّبَاحِ نَدِيمُ
وَيَمُرُّ بِي يَخشَى الرَّقيبَ فَلفظُهُ ... شَتْمٌ، وَغَنْجُ لحَاظِهِ تَسْلِيمُ
تُوُفِّيَ فِي: شَعْبَان، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
89 - ابْنُ الجَدِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى الفِهْرِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، الخَطِيْبُ، الأَفْوَهُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ فَرَجِ بنِ الجَدِّ الفِهْرِيُّ، اللَّبْلِيُّ، ثُمَّ الإِشْبِيْلِيُّ، المَالِكِيُّ.
__________
(1) البيت 17 من قصيدة الديوان وفيه رواية أخرى:
ووعدتني إن عدت عود وصالنا * هيهات ما أبقى إلى أن ترجعي
(2) في الديوان: (وبديعة) وهو البيت 12 من القصيدة.
(3) في الديوان: (عند) .
وهو البيت 16 منها.
(4) في الديوان: (وتيقني) وهذا هو البيت 21 منها.
(5) انظر (تكملة الديوان) : 230.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 2 / 542، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 123، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 129 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 258، والاعلام، الورقة: 211، والصفدي في الوافي: 3 / 335، وابن قاضي شهبة في طبقات النحاة، الورقة: 32، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 112، وابن العماد في الشذرات: 4 / 286.(21/177)
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بقُرْطُبَة: أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ عتَّاب، وَأَبَا بَحْرٍ بن العَاصِ، وَأَبَا الوَلِيْدِ بن رُشْدٍ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَبإِشْبِيْلِيَة: أَبَا بَكْرٍ بنَ العربِيّ، وَأَبَا الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّد، لَكنّه امْتَنَع مِنَ الرِّوَايَة عَنْهُمَا.
وَبحث (سِيْبَوَيْه (1)) عَلَى أَبِي الحَسَنِ ابْن الأَخْضَرِ، وَأَخَذَ عَنْهُ كتب اللُّغَة.
وَسَمِعَ (صَحِيْح مُسْلِم) مِنْ: أَبِي القَاسِمِ الهَوْزَنِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الشَّرِيْشِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زرقُوْنَ، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ الغَزَّال، وَأَبُو عَلِيٍّ الشَّلَوْبِيْن، وَأَبُو الخَطَّابِ بن دِحْيَة، وَيَحْيَى بن أَحْمَدَ السَّكُوْنِيّ اللَّبْلِيّ، وَعَدَد كَثِيْر.
وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، انْتَهَت إِلَيْهِ رِئَاسَة الحِفْظ فِي الفُتْيَا، وَقَدِمَ لِلشُوْرَى مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، وَعظم جَاهه، وَنَال دُنْيَا عرِيضَة، وَلَمْ يَكُنْ يَدْرِي فَنّ الحَدِيْث، لَكنّه عَالِي الإِسْنَاد فِيْهِ.
وَكَانَ أَحَدَ الفصحَاء البلغَاء، امْتحن فِي كَائِنَة لَبْلَة، وَقُيّد، وَسجن، وَكَانَ فَقِيْه عصره، تخرّج بِهِ أَئِمَّة.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ (2) ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ: وَمِنْ أَعيَان شُيُوْخِي الإِمَامُ الحَافِظُ الصَّدْر الكَبِيْر أَبُو بَكْرٍ بن الجَدِّ فَقِيْه الأَنْدَلُس، وَحَافِظهَا، وَزعيمهَا، غَيْر مُنَازَع وَلاَ مُدَافَع، انْتَهَت إِلَيْهِ رِئَاسَة الفِقْه أَزْيد مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً، مَعَ الجَلاَلَة الَّتِي تُجَاوز مدَاهَا، وَالخلال الَّتِي التزمَ أَهدَاهَا، وَكَانَ فِي غَزَارَة الحِفْظ، وَمتَانَة مَادَّة العِلْم عِبْرَة مِنَ الْعبر، وَآيَة مِنَ الآيَات، سَمِعْتُ عَلَيْهِ (جَامِع التِّرْمِذِيّ) ،
__________
(1) يعني كتاب سيبويه.
(2) كانت وفاته بإشبيلية ليلة يوم الخميس الرابع عشر من شوال كما ذكر ابن الابار وغيره.(21/178)
وَأَشيَاء -رَحِمَهُ الله-.
وَذَكَرَهُ ابْنُ رشيد، فَقَالَ: بَحْر الفِقْه وَحبره، وَفَقِيْه الأَنْدَلُس فِي وَقْتِهِ، وَحَافِظ المَذْهَب لاَ يدَانِيه أَحَد، مَعَ الذّهن الثَّاقب، وَسرعَة الجَوَاب، وَالبرَاعَة فِي العَرَبِيَّة، وَقَدْ حلف أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بن عليّ التُّجِيْبِيّ أَنَّ ابْنَ الجَدِّ أَحْفَظ مِنِ ابْنِ القَاسِمِ، وَقَدْ أَكْثَر عَنْ أَبِي الحَسَنِ ابْن الأَخْضَرِ، وَمَعَ إِمَامته قلّ مَا صَنّف.
90 - ابْنُ الفُرَاوِيِّ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، الأَصِيْلُ، مُسْنِدُ خُرَسَانَ، أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْن فَقِيْهِ الحَرَمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ الفُرَاوِيُّ، الصَّاعدِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (1) .
وَسَمِعَ مِنْ: جدّه، وَعَبْد الغَفَّارِ بن مُحَمَّدٍ الشيروئِيّ (2) ، وَأَبِي نَصْرٍ ابْن القُشَيْرِيّ، وَالعَبَّاس بن أَحْمَدَ الشَّقَّانِيّ، وَظرِيف بن مُحَمَّدٍ الحِيْرِيّ، وَطَائِفَة.
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 184 (باريس 5922) وذكر أنه سمع منه بمكة والمدينة أيام الحج سنة 579، وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 26 (ظاهرية) ، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 148، والنعال في مشيخته: 107 وهو الشيخ السابع والعشرون فيها، والحسامي الدمياطي في المستفاد، الورقة: 51، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 134 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 262، ودول الإسلام: 2 / 73، والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 90، وابن العماد في الشذرات: 4 / 288.
(1) في شهر ربيع الأول منها كما ذكر ابن الدبيثي والمنذري.
(2) نسبة إلى أحد أجداده شيرويه، وتوفي سنة 510 (راجع وفيات الحاجي الترجمة 22 والتعليق عليها) .(21/179)
وَحَجّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ.
حَدَّثَ بِنَيْسَابُوْرَ، وَبَغْدَاد، وَالحَرَمَيْنِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ، وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً سَمِعْنَاهَا، وَهُوَ مِنْ بَيْت الرِّوَايَة وَالعدَالَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُكْرَّمُ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَالفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المُلَقَّبُ بِالبُخَارِيِّ، وَالتَّقِيُّ بنُ بَاسُوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القُرْطُبِيُّ، وَالنَّفِيْسُ مُحَمَّدُ بنُ رَوَاحَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الأُمَوِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الدُّبَيْثِيُّ، وَالتَّاجُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ وَالِدُ المُسْنِدِ أَبِي الفَتْحِ مَنْصُوْرِ ابْنِ الفُرَاوِيِّ، وَجدُّ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ.
وَفُرَاوَةُ -بِالضَّمِّ وَالفَتْحِ-: بُلَيدَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ خُوَارِزْم.
تُوُفِّيَ عَبْدُ المُنعمِ فِي: أَواخِرِ شَعْبَان، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ عَاماً، وَنَزَلَ النَّاسُ بِمَوْتِهِ دَرَجَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ بُونُه العَبْدَرِيُّ بِالمُنَكَّبِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ ابْنِ الخِرَقِيِّ اللَّخْمِيُّ الفَقِيْهُ، وَصَاحِبُ حَمَاةَ تَقِيُّ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ شَاهنشَاه بنِ أَيُّوْبَ، وَنجمُ الدِّينِ مُحَمَّدُ ابْنُ المُوَفَّقِ الخَبُوْشَانِيُّ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ، وَقُتِلَ: الشِّهَابُ السُّهْرَوَرْدِيُّ الفَيْلَسُوْفُ، وَشَيْخُ القُرَّاءِ يَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ الحَرْبِيُّ.
91 - ابْنُ عَيَّادٍ أَبُو عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْدَلُسِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، أَبُو عُمَرَ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ
__________
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة 141، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة =(21/180)
أَبِي زَيْدِ ابْنِ عَيَّادٍ (1) الأَنْدَلُسِيُّ، اللّرييُّ (2) .
تَلاَ عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنِ هُذَيْلٍ، وَأَبِي مَرْوَانَ ابْنِ الصَّيْقَلِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ، وَطَارِقِ بنِ يَعِيْشَ، وَعِدَّةٍ.
وَكَانَ حجَّةً، ثَبْتاً، مَعْنِيّاً بصنَاعَةِ الحَدِيْثِ، مُكْثِراً إِلَى الغَايَةِ، بَصِيْراً بِترَاجمِ الرِّجَالِ.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ، مِنْهَا: (شرحُ الْمُنْتَقَى لابْنِ الجَارُوْدِ) ، وَ (شرحُ كِتَابِ الشِّهَابِ) ، وَكِتَابُ (الكفَايَةِ فِي مَرَاتِبِ الرِّوَايَةِ) ، وَ (الأَرْبَعِيْنَ فِي الحشرِ) ، وَ (الأَرْبَعِيْنَ فِي العِبَادَاتِ) .
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُحَمَّدٌ، وَأَبُو الحَجَّاجِ بنُ عَبْدَةَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ غلبُوْنَ.
استُشْهِدَ فِي كَائِنَةِ لريَّةَ، عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَذَلِكَ يَوْمَ العِيْدِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
92 - حَيَاةُ بنُ قَيْسِ بنِ رَجَّالِ بنِ سُلْطَانٍ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، شَيْخُ حَرَّانَ وَزَاهِدُهَا، حَيَاةُ بنُ قَيْسِ
__________
= 61 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، ومعرفة القراء: 442 وتصحف فيه اللريي إلى (اللدي) ، والعبر: 4 / 226 وتصحف فيه عياد إلى (عباد) ، وابن الجزري في غاية النهاية: 2 / 397 وتصحف فيه إلى (اللدي) أيضا، وابن العماد في الشذرات: 4 / 254.
(1) قال ابن الجزري في (غاية النهاية) : بتشديد الياء آخر الحروف.
(2) قال ابن الابار: من أهل كرية.
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 91 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، =(21/181)
بنِ رَجَّالِ بنِ سُلْطَانٍ الأَنْصَارِيُّ، الحَرَّانِيُّ.
صَاحِبُ أَحْوَالٍ، وَكَرَامَاتٍ، وَتَأَلُّهٍ، وَإِخْلاَصٍ، وَتعفُّفٍ، وَانقباضٍ.
كَانَتِ المُلُوْكُ يَزورُوْنَهُ وَيَتبرَّكُوْنَ بلقَائِهِ، وَكَانَ كلمَةَ وِفَاقٍ بَيْنَ أَهْلِ بلدِهِ.
قِيْلَ: إِنَّ السُّلْطَانَ نُوْرَ الدِّيْنِ زَارَهُ، فَقوَّى عَزْمَهُ عَلَى جِهَادِ الفِرنْج، وَدَعَا لَهُ، وَإِنَّ السُّلْطَانَ صَلاَحَ الدِّيْنِ زَارَهُ، وَطلبَ مِنْهُ الدُّعَاءَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِترْكِ قصدِ المَوْصِلِ، فَلَمْ يَقبلْ، وَسَارَ إِلَيْهَا فَلَمْ يظفرْ بِهَا.
وَكَانَ الشَّيْخُ حَيَاةُ قَدْ صَحِبَ الشَّيْخَ حُسَيْناً (1) البَوَارِيَّ، تِلْمِيْذَ مُجَلِّي بنِ يَاسينَ، وَكَانَ مُلاَزِماً لزَاويتِهِ بِحَرَّانَ، مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، لَمْ تَفُتْهُ جَمَاعَةٌ إِلاَّ مِنْ عُذرٍ شرعِيٍّ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ بشوشَ الوَجْهِ، ليِّنَ الجَانبِ، رحيمَ القَلْبِ، سخيّاً، كَرِيْماً، صَاحِبَ ليلٍ، وَتَبَتُّلٍ، لَمْ يُخَلِّفْ بِحَرَّانَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَهُ (سيرَةٌ) فِي مُجَلَّدٍ كَانَتْ عِنْدَ ذُرِّيَتِهِ.
تُوُفِّيَ: فِي لَيْلَةِ الأَرْبعَاءِ، سَلْخَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-.
93 - أَبُو الحَسَنِ سِنَانُ بنُ سَلْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ البَاطِنِيُّ *
رَاشِدُ الدِّينِ، كَبِيْرُ الإِسْمَاعِيْلِيَّة وَطَاغوتُهُم، أَبُو الحَسَنِ سِنَانُ بنُ
__________
= والعبر: 4 / 243، وابن العماد في الشذرات: 4 / 269.
(1) في الأصل حسين ولعله سبق قلم.
(*) أخباره وسيرته في التواريخ المستوعبة لعصره مثل الكامل لابن الأثير والمرآة لسبط ابن الجوزي وغيرهما.
وقد أفرد الذهبي له ترجمة في تاريخ الإسلام، الورقة: 148 - 152 فصل =(21/182)
سَلْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ، البَاطِنِيُّ، صَاحِبُ الدَّعوَةِ النِّزَارِيَّةِ.
كَانَ ذَا أَدبٍ وَفضِيْلَةٍ، وَنظَرٍ فِي الفَلْسَفَةِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَفِيْهِ شَهَامَةٌ وَدهَاءٌ وَمكرٌ وَغَوْرٌ، فَذَكَر رَسُوْلٌ لَهُ وَهُوَ سَعْدُ الدِّينِ عَبْدُ الكَرِيْمِ، قَالَ: حَكَى الشَّيْخُ سنَانٌ قَالَ: وَردْتُ الشَّامَ، فَاجتزْتُ بِحَلَبَ، فَصَلَّيْتُ العصرَ بِمشهدٍ عَلَى ظَاهِرِ بَابِ الجنانِ، وَثَمَّ شَيْخٌ مُسِنٌّ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ الشَّيْخُ؟
قَالَ: مَنْ صِبيَانِ حلبَ.
قُلْتُ: الدَّعوَةُ النِّزَارِيَّةُ (1) نسبَةٌ إِلَى نزَارِ ابْنِ خَلِيْفَة العُبَيْدِيَّةِ المُسْتَنْصِرِ (2) ، صَيَّرَهُ أَبُوْهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ (3) ، وَبثَّ لَهُ الدُّعَاةَ، فَمنهُم صَبَّاحٌ جدُّ أَصْحَابِ الْأَلْمُوتِ، أَحَدُ شيَاطينِ الإِنْسِ، ذُو سَمْتٍ، وَذلقٍ (4) ، وَتَخَشُّعٍ، وَتنَمُّسٍ، وَلَهُ أَتْبَاعٌ.
دَخَلَ الشَّامَ وَالسَّوَاحِلَ فِي حُدُوْدِ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ مرَامُهُ، فَسَارَ إِلَى العَجَمِ، وَخَاطبَ الغُتْمَ (5) الصُّمَّ، فَاستجَابَ لَهُ خَلْقٌ، وَسَلَخَهُم، وَحَلَّهُم، وَكثرُوا، وَأَظهرُوا شغلَ السِّكِّين، وَالوثَوْبَ عَلَى الكِبَارِ، ثُمَّ قصدَ قَلْعَةَ الْأَلْمُوتِ بقَزْوِيْنَ، وَهِيَ مَنِيعَةٌ بِأَيدِي قَوْمٍ شجعَان، لَكنَّهُم جهلَةٌ فُقَرَاءُ، فَقَالَ لَهُم: نَحْنُ قَوْمٌ عُبَّادٌ مسَاكينُ،
__________
= فيها القول على نشأة الدعوة النزارية وتطورها (نسخة أحمد الثالث 2917 / 14) ، وانظر: العبر: 4 / 269.
(1) انظر تاريخ الدولة الفاطمية لاستاذنا المرحوم حسن إبراهيم حسن: ص 367 فما بعد (ط (3) القاهرة 1964) ، ومادة (الموت) في دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 371 فما بعد.
(2) مات المستنصر العبيدي سنة 487 كما هو مذكور مشهور في تواريخ عصره.
(3) في الأصل و (ب) : (عدة) لعلها من سبق القلم، وفي (تاريخ الإسلام) : (وكان نزار قد بايع له أبوه وبث له الدعاة) .
(4) في الأصل: (دلق) بالمهملة، ولا يستقيم المعنى بها.
(5) الغتم: جمع أغتم، وهو الذي لا يفصح شيئا.
وفي (تاريخ الإسلام) : وتكلم مع أهل الجبال والغتم الجهلة من تلك الاراضي.(21/183)
فَأَقَامُوا مُدَّةً، فَمَالُوا إِلَيْهِم، ثُمَّ قَالَ: بِيعُونَا نِصْفَ قلعتِكُم بِسَبْعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَفَعلُوا، فَدَخَلوهَا، وَكثرُوا، وَاستولَى صَبَّاحٌ عَلَى القَلْعَةِ، وَمَعَهُ نَحْوُ الثَّلاَثِ مائَةٍ، وَاشْتُهِرَ بِأَنَّهُ يُفْسدُ الدِّينَ، وَيَحلُّ مِنَ الإِيْمَانِ، فَنهدَ لَهُ ملكُ تِلْكَ النَّاحيَةِ، وَحَاصَرَ القَلْعَةَ مَعَ اشتغَالِهِ بلعبِهِ وَسُكْرِهِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ اليَعْقُوْبِيُّ مِنْ خوَاصِّ صَبَّاح: أَيش يَكُوْنُ لِي عَلَيْكُم إِنْ قتلتُهُ؟
قَالُوا: يَكُوْنُ لَكَ ذُكْرَان فِي تسَابيحنَا.
قَالَ: رضيتُ، فَأَمرهُم بِالنُّزَولِ ليلاً، وَقسَمَهُم أَربَاعاً فِي نوَاحِي ذَلِكَ الجَيْشِ، وَرتَّب مَعَ كُلِّ فِرقَةٍ طُبُولاً، وَقَالَ: إِذَا سَمِعتُم الصَّيحَةَ فَاضربُوا الطُّبولَ، فَاختبطَ الجَيْشُ، فَانْتهزَ الفرصَةَ، وَهجم عَلَى الملكِ فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ، وَهَرَبَ العَسْكَرُ، فَحَوَتِ الصَّبَّاحيَّةُ الخيَامَ بِمَا حَوَتْ، وَاسْتغنَوا، وَعظُمَ البَلاَءُ بِهِم، وَدَامت الألموتُ لَهُم مائَةً وَسِتِّيْنَ عَاماً، فَكَانَ سنَان مِنْ نُوَّابِهِم.
فَأَمَّا نِزَارٌ فَإِنَّ عَمَّتهُ عَمِلَتْ عَلَيْهِ (1) ، وَعَاهدَتِ الأُمَرَاءَ أَنْ تُقيمَ أَخَاهُ صَبِيّاً، فَخَافَ نِزَارٌ، فَهَرَبَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ وَحُرُوْبٌ، ثُمَّ قُتِلَ، وَصَارَ صَبَّاحٌ يَقُوْلُ: لَمْ يَمتْ، بَلِ اخْتَفَى، وَسيظهرُ، ثُمَّ أَحبلَ جَارِيَةً وَقَالَ لَهُم: سيظهرُ مِنْ بطنِهَا، فَأَذعنُوا لَهُ، وَاغتَالُوا أُمَرَاءَ وَعُلَمَاءَ (2) خبطُوا عَلَيْهِم، وَخَافتْهُمُ المُلُوْكُ، وَصَانَعوهُم بِالأَمْوَالِ.
وَبَعَثَ صَبَّاحٌ الدَّاعِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ إِلَى الشَّامِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَقوِيَ أَمرُهُ، وَاستجَابَ لَهُ الجبليَّةُ الجَاهِلِيَّةُ، وَاسْتولَوا عَلَى قَلْعَةٍ مِنْ جبلِ السّماقِ.
__________
(1) يعني عملت ضده، وفي (تاريخ الإسلام) : خافت منه.
(2) ذكر الذهبي في (تاريخ الإسلام) أن الاغتيال بالسكاكين سنة سنها لهم علي اليعقوبي.(21/184)
ثُمَّ هَلَكَ هَذَا الدَّاعِي، وَجَاءَ بَعْدَهُ سنَان، فَكَانَ سخطَةً وَبلاَءً، مُتَنَسِّكاً، متخَشِّعاً، وَاعِظاً، كَانَ يَجلسُ عَلَى صخرَةٍ كَأَنَّهُ صخرَةٌ لاَ يَتحرَّكُ مِنْ سِوَى لِسَانِهِ، فَربطهُم، وَغَلَوا فِيْهِ، وَاعتقدَ مِنْهُم بِهِ الإِلهيَّةَ، فَتبّاً لَهُ وَلجهلِهِم، فَاستغوَاهُم بسحرٍ وَسيمِيَاء، وَكَانَ لَهُ كتبٌ كَثِيْرَةٌ، وَمُطَالَعَةٌ، وَطَالَتْ أَيَّامُهُ.
وَأَمَّا الألموتُ (1) فَوَلِيهَا بَعْدَ صَبَّاحٍ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ بَعْدَهُ حَفِيْدُهُ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الَّذِي أَظهرَ شعَارَ الإِسْلاَمِ، وَنبذَ الانحَلاَلَ تَقيَّةً، وَزَعَمَ أَنَّهُ رَأَى الإِمَامَ عَلِيّاً، فَأَمرَهُ بِإِعَادَةِ رُسومِ الدِّينِ، وَقَالَ لخوَاصِّهِ: أَلَيْسَ الدِّين لِي؟
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: فَتَارَةً أَضعُ عَلَيْكُم التَّكَالِيفَ، وَتَارَةً أَرفضُهَا.
قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطعنَا، وَاستحضرَ فُقَهَاءَ وَقُرَّاءَ لِيُعَلِّمُوهُم (2) ، وَتَخَلَّصُوا بِهَذَا مِنْ صولَةِ خُوَارِزْمشَاه.
نعم، وَكَانَ سنَان قَدْ عَرَجَ مِنْ حجَرٍ وَقَعَ عَلَيْهِ فِي الزَّلْزَلَةِ الكَبِيْرَةِ، زَمَنَ نُوْرِ الدِّيْنِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مُحِبُّوهُ عَلَى مَا حَكَى المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ ليقتلُوْهُ، فَقَالَ: وَلِمَ تَقتلونِي؟
قَالُوا: لِتعُوْدَ إِلَيْنَا صَحِيْحاً، فَشَكَرَ لَهُم وَدَعَا (3) ، وَقَالَ: اصبرُوا عَلَيَّ -يَعْنِي: ثُمَّ قَتَلَهُم بِحِيلَةٍ-.
وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحلَّهُم مِنَ الإِسْلاَمِ، نَزلَ فِي رَمَضَانَ إِلَى مَقْثَأَةٍ (4) ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَأَكلُوا مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ العَدِيْمِ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَخْبَرَنِي شَيْخٌ أَدْرَكَ سنَاناً أَنَّهُ كَانَ بَصْرِيّاً،
__________
(1) انظر عن هذه القلعة وتاريخها دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 371 (ط. الجديدة) .
(2) في الأصل: (يعلموهم) .
(3) يعني: (ودعا لهم)) كما في (تاريخ الإسلام) .
(4) المقثأة: الموضع الذي يزرع فيه القثاء.(21/185)
يُعلِّمُ الصِّبْيَانَ، وَأَنَّهُ مرَّ وَهُوَ طَالعٌ إِلَى الحُصُونِ عَلَى حِمَارٍ، فَأَرَادَ أَهْلُ إِقمِينَاسَ (1) أَخَذَ حِمَارِهِ، فَبعدَ جُهْدٍ تركوهُ، ثُمَّ آلَ أَمرُهُ إِلَى أَنْ تَملَّكَ عِدَّةَ قِلاعٍ.
أَوْصَى يَوْماً أَتْبَاعَهُ فَقَالَ: عَلَيْكُم بِالصَّفَاءِ بَعْضُكُم لبَعْضٍ، لاَ يَمنعَنَّ أَحَدُكُم أَخَاهُ شَيْئاً لَهُ، فَأَخَذَ هَذَا بِنْتَ هَذَا، وَأَخَذَ هَذَا أُخْتَ هَذَا سِفَاحاً، وَسَمَّوا نُفُوْسَهُم الصُّفَاةُ، فَاسْتدَعَاهُم سنَانٌ مرَّةً وَقَتَلَ خلقاً مِنْهُم.
قَالَ ابْنُ العَدِيْمِ: تَمَكَّنَ فِي الحُصُونِ، وَانقَادُوا لَهُ، وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ الهوَّارِيِّ أَنَّ صَلاَحَ الدِّيْنِ سَيَّرَ رَسُوْلاً إِلَى سنَانٍ يَتهدَّدُهُ، فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: سَأُرِيكَ الرِّجَالَ الَّذِيْنَ أَلقَاهُ بِهِم، فَأَشَارَ إِلَى جَمَاعَةٍ أَنْ يَرمُوا أَنْفُسَهُم مِنْ أَهْلِ الحصنِ مِنْ أَعلاَهُ، فَأَلقَوا نُفُوْسَهُم، فَهلكُوا.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَحلَّ لَهُم وَطءَ أُمَّهَاتِهِم وَأَخوَاتِهِم وَبنَاتِهِم، وَأَسقطَ عَنْهُم صومَ رَمَضَانَ.
قَالَ: وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي غَالِبٍ بنِ الحُصَيْنِ أَنَّ فِي مُحَرَّمٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ هَلَكَ سنَانٌ صَاحِبُ الدَّعوَةِ بِحصنِ الكَهْفِ، وَكَانَ رَجُلاً عَظِيْماً، خفِيَّ الكيدِ، بعيدَ الهِمَّةِ، عَظِيْمَ المخَارِيقِ، ذَا قدرَةٍ عَلَى الإِغوَاءِ، وَخديعَةِ القُلُوْبِ، وَكتمَانِ السِّرِّ، وَاستخدَامِ الطَّغَامِ وَالغَفَلَةِ فِي أَغرَاضِهِ الفَاسِدَةِ.
وَأَصلُهُ مِنْ قُرَى البَصْرَةِ، خدَمَ رُؤسَاءَ الإِسْمَاعِيْلِيَّة بِأَلَمُوت، وَرَاضَ نَفْسَهُ بعلُوْمِ الفلاسفَةِ، وَقرَأَ كَثِيْراً مِنْ كُتُبِ الجَدَلِ وَالمغَالطَةِ، وَرَسَائِلِ إِخْوَانِ الصَّفَاءِ، وَالفَلْسَفَةِ الإِقنَاعِيَّةِ المُشَوَّقَةِ لاَ المُبَرْهَنَةِ، وَبَنَى بِالشَّامِ حُصُوْناً، وَتوثَّبَ عَلَى حصُوْنٍ، وَوَعَّرَ مسَالِكَهَا، وَسَالَمَتْهُ الأَنَامُ، وَخَافتْهُ المُلُوْكُ مِنْ أَجْلِ هجومِ أَتْبَاعِهِ بِالسِّكِّينِ، دَام لَهُ الأَمْرُ نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَقَدْ سَيَّرَ إِلَيْهِ
__________
(1) قرية كبيرة من أعمال حلب في جبل السماق ذكر ياقوت أن أهلها إسماعيلية.(21/186)
دَاعِي الدُّعَاةِ مِنْ قَلْعَةِ أَلَمُوْتَ جَمَاعَةً غَيْرَ مَرَّةٍ ليقتلُوْهُ لاِستبدَادِهِ بِالرِّئَاسَةِ، فَكَانَ سنَانٌ يَقتلُهُم، وَبَعْضُهُم يَخدعُهُ، فَيَصِيْرُ مِنْ أَتْبَاعِهِ.
قَالَ: وَقَرَأْتُ عَلَى حُسَيْنٍ الرَّازِيِّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعِيْنُ الدِّينِ مَوْدُوْد الحَاجِبُ أَنَّهُ حضَرَ عِنْدَ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، فَخلا بِسنَانٍ وَسَأَلَهُ.
فَقَالَ: نشَأتُ بِالبَصْرَةِ، وَكَانَ أَبِي مِنْ مقدَّمِيهَا، فَوَقَعَ هَذَا الأَمْرُ فِي قَلْبِي، فَجرَى لِي مَعَ إِخْوَتِي أَمرٌ، فَخَرَجتُ بِغَيْرِ زَادٍ وَلاَ رَكُوْبٍ، فَتوصَّلْتُ إِلَى الأَلَمُوت، وَبِهَا إِلْكِيَا (1) مُحَمَّدُ بنُ صَبَّاحٍ، وَلَهُ ابْنَانِ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ، فَأَقعدنِي مَعَهُمَا فِي المَكْتَبِ، وَكَانَ يَبُرُّنِي بِرَّهُمَا، وَيُسَاوينِي بِهِمَا، ثُمَّ مَاتَ.
وَوَلِيَ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، فَنفَّذَنِي إِلَى الشَّامِ، فَخَرَجْتُ مِثْلَ خُرُوْجِي مِنَ البَصْرَةِ، وَكَانَ قَدْ أَمرَنِي بِأَوَامرَ، وَحمَّلَنِي رَسَائِلَ، فَدَخَلتُ مَسْجِدَ التَّمَّارِيْنَ بِالمَوْصِلِ، ثُمَّ سِرْتُ إِلَى الرَّقَّةِ، فَأَدَّيْتُ رسَالَتَهُ إِلَى رَجُلٍ، فَزوَّدنِي، وَاكترَى لَهُ بَهيمَةً إِلَى حلبَ، وَلقيتُ آخرَ برسَالتِهِ، فَزوَّدنِي إِلَى الكهفِ، وَكَانَ الأَمْرُ أَنْ أُقيمَ هُنَا، فَأَقَمْتُ حَتَّى مَاتَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَاحِبُ الأَمْرِ.
فَولِيَ بَعْدَهُ خوَاجَا عليّ بِغَيْرِ نصٍّ، بَلْ بَاتِّفَاقِ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ الرَّئِيْسُ أَبُو مَنْصُوْرٍ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَالرَّئِيْسُ فَهْدٌ، فَبعثَوا مَنْ قتلَ خوَاجَا، وَبَقِيَ الأَمْرُ شُوْرَى، فَجَاءَ الأَمْرُ مِنَ الأَلموت بِقَتْلِ قَاتِلِهِ، وَإِطلاَقِ فَهْدٍ، وَقُرِئت الوصيَّةُ عَلَى الجَمَاعَةِ، وَهِيَ:
هَذَا عهدٌ عهدنَاهُ إِلَى الرَّئِيْسِ نَاصِرِ الدِّيْنِ سنَان، وَأَمَرْنَاهُ بقِرَاءتِهِ عَلَى الرِّفَاقِ وَالإِخْوَانِ، أَعَاذَكُمُ اللهُ مِنَ الاخْتِلاَفِ وَاتِّبَاعِ الأَهوَاءِ، إِذْ ذَاكَ فِتْنَةُ الأَوَّلِينَ، وَبلاَءُ الآخرِيْنَ، وَعبرَةٌ لِلمعتبرِيْنَ، مَنْ تَبرَّأَ مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ وَأَعْدَاءِ وَليِّهِ وَدِيْنِهِ، عَلَيْهِ مُوَالاَةُ أَوْلِيَاءِ اللهِ، وَالاَتحَادُ بِالوحدَةِ سُنَّةُ جَوَامِعِ الكَلِمِ،
__________
(1) إلكيا: الرئيس.(21/187)
كلمَةِ اللهِ وَالتَّوحيدِ وَالإِخْلاَصِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، عُرْوَةُ اللهِ الوُثقَى، وَحبلُهُ الْمَتِين، أَلاَ فَتمسَّكُوا بِهِ، وَاعتصمُوا بِهِ، فَبِهِ صلاَحُ الأَوِّلِينَ، وَفلاَحُ الآخرِيْنَ، أَجْمِعُوا آرَاءكُم لِتعَلِيْمِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِنصٍّ مِنَ اللهِ وَوَليِّهِ، فتلقُّوا مَا يُلْقِيهِ إِلَيْكُم مِنْ أَوَامِرِهِ وَنوَاهيهِ بقبولٍ، فَلاَ وَرَبّكَ لاَ تُؤمنُوْنَ حَتَّى تُحَكِّمُوْهُ فِيمَا شَجَرَ بَيْنكُم، ثُمَّ لاَ تَجدُوا فِي أَنْفُسِكُم حَرَجاً مِمَّا قضَى، وَتسلِّمُوا تسليماً (1) ، فَذَلِكَ الاَتّحَادُ بِالوحدَةِ الَّتِي هِيَ آيَةُ الحَقِّ، المُنْجِيَةُ مِنَ المهَالكِ، المُؤدِّيَةُ إِلَى السَّعَادَةِ، إِذِ الكَثْرَةُ علاَمَةُ البَاطِلِ، المُؤدِّيَةُ إِلَى الشَّقَاوَةِ المُخزِيَةِ، فَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ زوَالِهِ، وَبِالوَاحِدِ مِنْ آلهَةٍ شَتَّى، وَبِالوحدَةِ مِنَ الكَثْرَةِ، وَبِالنَّصِّ وَالتَّعَلِيْمِ مِنَ الأَدوَاءِ وَالأَهوَاءِ، وَبِالحَقِّ مِنَ البَاطِلِ، وَبِالآخِرَةِ البَاقيَةِ مِنَ الدُّنْيَا المَلْعُوْنَةِ، إِلاَّ مَا أُرِيْدَ بِهِ وَجهُ اللهِ، فَتزوَّدُوا مِنْهَا لِلأُخْرَى، وَخيرُ الزَّادِ التَّقْوَى، أَطيعُوا أَمِيْرَكُم، وَلَوْ كَانَ عبداً حبشيّاً.
قَالَ ابْنُ العَدِيْمِ: كتب سنَانٌ إِلَى صَاحِبِ شَيْزَرَ يُعَزِّيهِ بِأَخِيْهِ:
إِنَّ المنَايَا لاَ تَطَا بِمنسمٍ ... إِلاَّ عَلَى أَكتَافِ أَهْلِ السُّؤْدُدِ
فَلَئِنْ صَبْرتَ فَأَنْتَ سَيِّدُ مَعْشَرٍ ... صَبْرُوا وَإِنْ تَجْزَعْ فَغَيْرُ مُفَنَّدِ
هَذَا التَّنَاصُرُ بِاللِّسَانِ وَلَوْ أَتَى ... غَيْرُ الحِمَامِ أَتَاكَ نَصْرِي بِاليَدِ
وَهِيَ لأَبِي تَمَّامٍ.
وَكَتَبَ سنَانٌ إِلَى صَلاَحِ الدِّيْنِ:
يَا لِلرِّجَالِ لأَمرٍ هَال مَقْطَعُهُ ... مَا مَرَّ قَطُّ عَلَى سَمعِي تَوَقُّعُهُ
فَإِذَا الَّذِي بِقِرَاعِ السَّيْفِ هَدَّدَنَا ... لاَ قَامَ مَصْرَعُ جَنْبِي حِيْنَ تَصْرَعُهُ
قَامَ الحَمَامُ إِلَى البَازِي يُهَدِّدُهُ ... وَاسْتَيْقَظَتْ لأُسُوْدِ البَرِّ أَضْبُعُهُ
__________
(1) مأخوذ من الآية 65 من سورة النساء: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) .(21/188)
وَقفْتُ عَلَى تَفصيلِ كِتَابِكُم وَجُمَلِهِ، وَعَلِمْنَا مَا هدَّدنَا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَعملِهِ، فَيَا للهِ العجبُ مِنْ ذُبَابَةٍ تَطنُّ فِي أُذنِ فِيلٍ، وَبعوضَةٍ تُعَدّ فِي التَّمَاثيلِ، وَلَقَدْ قَالهَا مِنْ قَبْلِكَ قَوْمٌ فَدمَّرْنَا عَلَيْهِم، وَمَا كَانَ لَهُم مِنْ نَاصِرِيْنَ، أَلِلْحقِّ تدحضُونَ، وَللبَاطِلِ تَنصرُوْنَ؟! وَسيعلَمُ الَّذِيْنَ ظلمُوا أَيَّ منقَلَبٍ يَنقَلْبُوْنَ.
وَلَئِنْ صَدَرَ قَوْلُكَ فِي قطعِ رَأْسِي، وَقلعِكَ لقلاعِي مِنَ الجِبَالِ الرَّواسِي، فَتلكَ أَمَانِيّ كَاذِبَةٌ، وَخيَالاَتٌ غَيْرُ صَائِبَةٍ، فَإِنَّ الجَوَاهِرَ لاَ تَزولُ بِالأَعْرَاضِ، كَمَا أَنَّ الأَرْوَاحَ لاَ تضمحِلُّ بِالأَمرَاضِ.
وَإِنْ عُدْنَا إِلَى الظَّاهِرِ وَعدلْنَا عَنِ البَاطِنِ، فَلنَا فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ: (مَا أُوذِيَ نَبِيٌّ مَا أُوذِيْت (1)) وَقَدْ علمتَ مَا جرَى عَلَى عترَتِهِ وَشيعَتِهِ، فَالحَالُ مَا حَالَ، وَالأَمْرُ مَا زَالَ، وَقَدْ علمْتُم ظَاهِرَ حَالِنَا، وَكَيْفِيَّةَ رِجَالِنَا، وَمَا يَتمنَّوْنَهُ مِنَ الفَوتِ، وَيَتقرَّبُوْنَ بِهِ مِنْ حيَاضِ المَوْتِ، وَفِي المَثَلِ: أَو لِلبطِّ تُهّدِّدُ بِالشَّطِّ؟ فَهيّئ لِلبلاَيَا أَسبَاباً، وَتَدرَّعْ لِلرَّزَايَا جِلبَاباً، فَلأَظهرَنَّ عَلَيْكَ مِنْكَ، وَتَكُوْنُ كَالبَاحثِ عَنْ حَتْفِهِ بظلفِهِ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بعزِيزٍ، فَكُنْ لأَمرنَا بِالمرصَادِ، وَاقرَأْ أَوَّلَ النَّحْلِ (2) وَآخرَ صَ (3) .
قَالَ النَّجْمُ ابْنُ إِسْرَائِيْلَ: أَخْبَرَنِي المنتَجَبُ بنُ دَفْتَرخوَان، قَالَ:
أَرْسَلنِي صَلاَحُ الدِّيْنِ إِلَى سنَانٍ حِيْنَ قفزُوا عَلَى صَلاَحِ الدِّيْنِ المَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَمعِي القُطْبُ النَّيْسَابُوْرِيُّ يُهَدِّدُهُ، فَكَتَبَ عَلَى طُرَّةِ كِتَابِهِ: جَاءَ الغُرَابُ إِلَى البَازِي يهدِّدُهُ ... ، وَذَكَرَ الأَبيَاتَ، وَقَالَ: هَذَا جَوَابُهُ، إِنَّ صَاحِبَكَ يَحكمُ عَلَى ظَاهِرِ جُندِهِ، وَأَنَا أَحكمُ عَلَى باطنِ جُندِي، وَسترَى دَليلَهُ، فَدَعَا عَشْرَةً
__________
(1) روي بأسانيد ضعيفة من حديث أنس وبريدة وجابر، انظر (الجامع الصغير) وشرحه 5 / 430 - 431.
(2) (أتى أمر الله..) .
(3) (ولتعلمن نبأه بعد حين) .(21/189)
مِنْ صِبيَانِ القَاعَةِ، فَأَلقَى سِكِّيناً فِي الخَنْدَقِ، وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ هَذِهِ فَليقَعْ خلْفَهَا، فَتبَادرُوا جَمِيْعاً خلفهَا وَثْباً، فَتقطَّعُوا، فَعُدْنَا، فَصَالَحَهُ صَلاَحُ الدِّيْنِ.
وَذَكَرَ قُطْبُ الدِّيْنِ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَنَّ سنَاناً سَيَّرَ رَسُوْلاً إِلَى صَلاَحِ الدِّيْنِ، فَلَمْ يَجِدْ مَعَهُ مَا يَخَافُهُ، فَأَخلَى لَهُ المَجْلِسَ سِوَى نَفرٍ، فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ حَتَّى يَخْرُجُوا، فَأَخْرَجَهُم كلَّهُم سِوَى مَمْلُوْكَيْنِ، فَقَالَ: أُمِرْتُ أَنْ لاَ أُؤَدِّي إِلاَّ خَلْوَةً.
قَالَ: هَذَانِ مَا يخرجَانِ، فَإِنْ أَدَّيْتَ وَإِلاَّ فَقُم، فَهُمَا مِثْلُ أَوْلاَدِي، فَالْتَفَتَ إِلَيهُمَا، وَقَالَ: إِذَا أَمرتُكُمَا عَنْ مَخْدُومِي بِقَتْلِ هَذَا السُّلْطَانِ أَتقتلاَنِهِ؟
قَالاَ: نَعم، وَجَذَبا سَيْفَهُماً، فَبُهِتَ السُّلْطَانُ، وَخَرَجَ أَحَدُهُمَا مَعَ الرَّسُولِ، فَدَخَلَ السُّلْطَانُ فِي مرضَاةِ سنَانٍ، وَمِنْ شِعْرِهِ:
مَا أَكْثَرَ النَّاسَ وَمَا أَقلَّهُمُ ... وَمَا أَقلُّ فِي القَلِيْلِ النُّجَبَا
ليتَهُم إِذْ لَمْ يَكُوْنُوا خُلِقُوا ... مُهَذَّبِيْنَ صَحِبُوا مُهَذَّبا
مَاتَ سنَانٌ -كَمَا قُلْنَا-: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
94 - الطَّالْقَانِيُّ أَبُو الخَيْرِ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ يُوْسُفَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الوَاعِظُ، ذُو الفُنُوْنِ، رضِيُّ الدِّينِ، أَبُو الخَيْرِ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ يُوْسُفَ الطَّالْقَانِيُّ، القَزْوِيْنِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
__________
(*) ترجم له السمعاني في (الطالقاني) من الأنساب، وتابعه ابن الأثير في اللباب، وزاد فذكر وفاته لتأخرها عن وفاة السمعاني، وابن جبير في رحلته: 197، وابن نقطة في التقييد، الورقة: 92، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 163 (باريس 5921) ، والسبط في المرآة: 8 / 443، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة: 224، والنعال في مشيخته: 116، وأبو شامة في الذيل: 6، والذهبي في تاريخ الإسلام: الورقة 163 أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: =(21/190)
مَوْلِدُهُ بقَزْوِيْنَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى ملكدَاذ بنِ عَلِيٍّ العُمَرَكِيِّ (1) ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَتفقَّهَ بِمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيِّ، وَعَبْدِ الغَافِرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهِبَةِ اللهِ السَّيِّدِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَعَبْدِ المُنْعِمِ ابْنِ القُشَيْرِيِّ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ الخُوَارِيِّ، وَسَمِعَ: الكُتُبَ الكِبَارَ.
وَدَرَّسَ بقَزْوِيْنَ وَبِبَغْدَادَ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ البَطِّيِّ، وَوَعَظَ، وَنَفَقَ سُوْقهُ، ثُمَّ درَّسَ بِالنّظَامِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ إِمَاماً فِي المَذْهَبِ، وَالأُصُوْلِ، وَالتَّفْسِيْرِ، وَالخلاَفِ، وَالتَّذْكيرِ، وَحَدَّثَ (بصَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، وَ (مُسْنَدِ ابْنِ رَاهَوَيْه) ، وَ (تَارِيخِ الحَاكِمِ) ، وَ (السُّنَنِ الكَبِيْرِ) ، وَ (دَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ) ، وَ (البَعْثِ) لِلْبَيْهَقِيِّ (2) ، وَأَملَى مَجَالِسَ، وَوعظَ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ لحُسْنِ سَمْتِهِ، وَحَلاَوَةِ مَنْطِقهِ، وَكَثْرَةِ مَحْفُوْظَاتِهِ، وَكثُرَ التَّعصّبُ لَهُ مِنَ الأُمَرَاءِ وَالخَوَاصِّ، وَأَحَبَّهُ العوَامُّ، وَكَانَ يَجلسُ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَبِالنّظَامِيَّةِ، وَتحضرُهُ أُمَمٌ.
ثُمَّ عَادَ
__________
= 4 / 271، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 174، والاعلام: 211، والسبكي في طبقاته: 6 / 7، وابن كثير في البداية: 13 / 9، وابن الملقن في العقد، الورقة: 69، وابن الجزري في غاية النهاية: 1 / 39، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 186، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 134 وراجع هامش التكملة تجد مصادر أخرى.
(1) نسبة إلى (عمرك) وهو عمر، وتزيد الاعاجم كافا في مثل هذه الأسماء فيقولون: أحمدك، وعليك، وعمرك وهلم جرا، ثم ينسبون إليها، وتوفي ملكداذ هذا سنة 535 وكان من كبار الشافعية.
(2) يعني الكتب الثلاثة للبيهقي.
أما البعث فاسمه الكامل هو (البعث والنشور) وهو من الكتب التي اختصرها الذهبي مؤلف الكتاب (الذهبي ومنهجه: 232) .(21/191)
سَنَة ثَمَانِيْنَ إِلَى بلدِهِ (1) ، وَكَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ وَالصَّلاَةِ، دَائِمَ الذِّكرِ، قَلِيْلَ المَأكل، يَشتملُ مَجْلِسُهُ عَلَى التَّفْسِيْرِ، وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِيْنَ، بِلاَ سجعٍ وَلاَ تَزويقٍ وَلاَ شِعرٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ فِي رِوَايَتِهِ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْمٍ مَعَ دوَامِ الصَّوْمِ، وَيُفْطِرُ عَلَى قرصٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (2) : أَملَى عِدَّةَ مَجَالِسَ، وَكَانَ مُقْبِلاً عَلَى الخَيْرِ، كَثِيْرَ الصَّلاَةِ، لَهُ يَدٌ بَاسِطَةٌ فِي النَّظَرِ، وَاطِّلاعٌ عَلَى العلُوْمِ، وَمَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ، كَانَ جَمَّاعَةً لِلْفنُوْنِ -رَحِمَهُ الله- رُدَّ إِلَى بلدِهِ، فَأَقَامَ مُشْتَغِلاً بِالعِبَادَةِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) .
وَقَالَ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ (4) : حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَزَالُ لِسَانُهُ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللهِ، مَاتَ فِي الثَّالِثِ وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّمِ.
وَأَنْبَأَنَا مَحْفُوْظُ (5) ابْنُ البُزُوْرِيِّ فِي (تَارِيْخِهِ (6)) ، قَالَ: أَبُو الخَيْرِ
__________
(1) نقل ابن النجار عن شيخه الزاهد أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة المتوفى سنة 607 أن القزويني إنما ترك بغداد بسبب ما أظهره مجد الدين هبة الله علي ابن الصاحب من الرفض فيها، فقال أبو الخير القزويني لابن سكينة: معاذ الله أن أقيم ببلدة يجهر فيها بسبب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) (طبقات السبكي: 6 / 11) .
(2) (ذيل تاريخ مدينة السلام) ، الورقة 164 163 (باريس 5921) .
(3) هذه رواية ابن الدبيثي والمنذري وابن الأثير ومن تابعهم، أما ابن النجار، فقد أرخ وفاته في سنة 589، وتابعه الذين نقلوا عنه، ومنهم ابن الملقن في (العقد المذهب) وغيره، وأشار الذهبي في (تاريخ الإسلام) إلى هذا الاختلاف.
(4) (التكملة) : 1 / الترجمة 224.
(5) هو محفوظ بن معتوق بن أبي بكر الصدر أبو بكر ابن البزوري البغدادي السفار، ذكره الذهبي في (معجم شيوخه) وذكر أنه توفي سنة 694 (2 / الورقة: 28) ، وترجم له في وفيات السنة من (تاريخ الإسلام) (أيا صوفيا 3014) .
(6) تاريخه هذا هو الذيل على (المنتظم) لابن الجوزي، وقد مدحه الذهبي، ونقل عنه كثيرا في تاريخ الإسلام وغيره من كتبه، قال: (وصنف تاريخا كبيرا ذيل به على المنتظم لابن =(21/192)
هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَعَظَ بِبَابِ بدْرٍ الشَّرِيْفِ.
قُلْتُ: هَذَا مَوْضِعٌ كَانَ رُبَّمَا حضَرَ فِيْهِ وَعظَهُ الخَلِيْفَةُ المُسْتَضِيْءُ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ، وَتحضرُ الأُمَمُ، فَكَانَ هُوَ يَعظُ مرَّةً، وَابْنُ الجَوْزِيِّ مرَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو البَقَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وَالمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَبَالَغَ فِي تَعَظِيْمِهِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ ابْن الدُّبَيْثِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي السَّهْلِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ المُوَفَّقُ: كَانَ يَعملُ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَا يَعجزُ المُجْتَهِدُ عَنْهُ فِي شَهْرٍ، وَظهرَ التَّشَيُّعُ فِي زَمَانِهِ بِسَبَبِ ابْنِ الصَّاحبِ، فَالتمسَ العَامَّةُ مِنْهُ عَلَى المِنْبَرِ يَوْمَ عَاشُورَاء أَنْ يَلعَنَ يَزِيْدَ، فَامتنعَ، فَهمُّوا بِقَتْلِهِ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُرَعْ، وَلاَ زَلَّ، وَسَارَ إِلَى قَزْوِيْنَ، وَضَجَعَ (1) لَهُم ابْنُ الجَوْزِيِّ.
وَلأَبِي الخَيْرِ وَلدَانِ متخَلِّفَانِ، دخلاَ فِي الكذِبِ وَالزَّوْكَرَةِ وَالغربَةِ.
95 - ابْنُ صَدَقَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَرَّانِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
= الجوزي رأيت منه ثلاث مجلدات سلمت في خزانته التي في قريته بسفح قاسيون وكان فيها جملة كتب مفيدة) (الورقة: 239 - أيا صوفيا 3014) .
وقوله: (سلمت) يشير إلى تلف هذا الكتاب النفيس في الوقعة الغازانية سنة 699 (انظر القسم الخاص بالحوادث من (تاريخ الإسلام) ، الورقة: 198 من نسخة حلب رقم 1220) .
(1) أي مال إليهم ووافقهم، وهذه عادة ابن الجوزي - سامحه الله -.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 85 (شهيد علي) ، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة: 43، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 18 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 254، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 93، والاعلام، الورقة: 211، والدمياطي في المستفاد، الورقة: 10، وابن العماد في الشذرات: 4 / 282. وله ذكر في تذكرة الحفاظ للذهبي: 4 / 1355، والنجوم لابن تغري بردي: 6 / 109.(21/193)
حَسَنِ بنِ صَدَقَةَ الحَرَّانِيُّ، البَزَّازُ، السَّفَّارُ، المَعْرُوفُ قَدِيْماً بِابْنِ الوَحْشِ (1) .
شيخٌ، مُعَمَّرٌ، معتبَرٌ، دَيِّنٌ، تردَّدَ إِلَى خرسَانَ وَغَيْرِهَا فِي التِّجَارَةِ.
وَسَمِعَ فِي كهولتِهِ سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ مِنَ الفُرَاوِيِّ (2) (الصَّحِيْحَ) ، وَغَيْرَهُ، وَلَهُ إِحْدَى وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ، وَأَخُوْهُ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ، وَالبَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالضِّيَاءُ الحَافِظُ، وَالحَسَنُ بنُ سَلامٍ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَبُو المَعَالِي ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَابْن سَعْدٍ، وَخَطِيْبُ مَرْدَا، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الهَادِي، وَالعِمَادُ عَبْدُ اللهِ ابْنُ النَّحَّاسِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الصَّقَلِّيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَآخَرُوْنَ.
وَرَوَى ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ عَنِ ابْنِ الأَخْضَرِ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (3) : بَنَى بِدِمَشْقَ مَدْرَسَةً، وَوقفَهَا عَلَى الحَنَابِلَةِ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ (4) ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِدِمَشْقَ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: لاَ وَجُوْدَ لِلمَدْرَسَةِ.
__________
(1) قيده الزكي المنذري في (التكملة) ، فقال: بفتح الواو وكسر الحاء المهملة وبعدها شين معجمه.
(2) يعني محمد بن الفضل الفراوي المتوفى سنة 530، وكان سماعه منه بنيسابور.
(3) راجع (المستفاد) للدمياطي، الورقة: 10.
(4) قال ابن الدبيثي في (تاريخه) : (كتب إلينا أبو المواهب الحسن بن أبي الغنائم (يعني ابن صصرى) السلمي بخطه من دمشق يخبرنا أن مولد أبي عبد الله محمد بن علي بن صدقة..وأنه توفي ليلة الثلاثاء سادس عشر ربيع الأول) (الورقة: 85 شهيد علي) .
وقال ابن النجار - كما دل على ذلك المستفاد - أن وفاته في السادس عشر من شهر ربيع الآخر.
قلنا: وابن صصرى أعلم بأهل بلده ومن استكنها.(21/194)
96 - ابْنُ قَائِدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي الأَوَانِيُّ *
القُدْوَةُ، العَارِفُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي بنِ قَايدٍ (1) الأَوَانِيُّ.
زَاهِدٌ، خَاشعٌ، ذُو كَرَامَاتٍ، وَتَأَلُّهٍ، وَأَورَادٍ، أُقعدَ مُدَّةً.
قَدِمَ أَوَانَا (2) وَاعِظٌ باطنِيٌّ، فَنَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَحُمِلَ هَذَا فِي مِحَفَّتِهِ، وَصَاحَ بِهِ: يَا كلبُ انزلْ، وَرجمَتْهُ العَامَّةُ، فَهَرَبَ، وَحَدَّثَ سنَاناً (3) بِمَا تَمَّ عَلَيْهِ، فَنَدَبَ لَهُ اثْنَيْنِ، فَأَتيَاهُ، وَتعَبَّدَا مَعَهُ أَشْهُراً، ثُمَّ قَتَلاَهُ (4) ، وَقَتَلاَ خَادِمَهُ وَهربا فِي البسَاتينِ، فَنكرهمَا فَلاَّحٌ، فَقَتَلَهُمَا بِمرِّهِ، ثُمَّ نَدِمَ لَمَّا رَآهُمَا بِزِيقِ الفَقْرِ، ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُمَا اللَّذَانِ قَتَلاَ الشَّيْخَ بصفتِهِمَا، ثُمَّ أُحرِقَا.
فَقِيْلَ: إِنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ اللهِ الأُرْمَوِيَّ (5) شَاهَدَ ذَلِكَ.
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة 154 (شهيد علي) ، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة: 52، وابن الساعي في أخبار الزهاد، الورقة: 3، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 116 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والمشتبه: 516، وابن ناصر الدين في توضيح المشتبه، الورقة: 34 (سوهاج) ، والصفدي في الوافي: 4 / 352، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 63.
(1) قيده المنذري بالحروف فقال: (بالقاف والياء آخر الحروف وآخره دال مهملة) وانظر (المشتبه) : 516.
(2) بفتح الهمزة وتخفيف الواو وبعد الالف نون قرية من نواحي دجيل شمالي بغداد مما يلي الموصل (" تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 154 شهيد علي، " ومعجم البلدان " لياقوت: 1 / 395) .
(3) يعني راشد الدين سنان بن سلمان كبير الاسماعيلية.
(4) كان ذلك في يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 584 كما ذكر ابن الدبيثي في (تاريخه) والمنذري في (التكملة) ، وكأنه فات المؤلف أن يذكر التاريخ.
(5) الشيخ عبد الله بن يونس الارموي الزاهد، كان من زهاد دمشق المشهورين وله زاوية معروفة بجبل قاسيون، توفي كهلا في شوال سنة 631 كما ذكر الذهبي وغيره.(21/195)
97 - الخِرَقِيُّ مُعِيدُ الأَمِيْنِيَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ *
الإِمَامُ الصَّالِحُ، مُعِيْدُ الأَمِيْنِيَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ المُسَلَّمِ اللَّخْمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، ابْنُ الخِرَقِيِّ (1) ، الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ مَعَ الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ (2) .
وَسَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ ابْنَ المَوَازِيْنِيِّ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَابْن قُبَيْس، وَطَاهِر بن سَهْلٍ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: الشَّيْخ المُوَفَّق، وَالضِّيَاء، وَالبَهَاء، وَابْن خَلِيْل، وَأَخُوْهُ؛ إِبْرَاهِيْم الآدَمِيّ، وَخَطِيْب مَرْدَا، وَابْن سَعْدٍ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَخَلْق.
ابْنُ الحَاجِبِ: عَنِ ابْنِ نُقْطَة، عَنِ ابْنِ الأَنْمَاطِيّ:
أَنَّ الخِرَقِيّ رَاوِي نُسْخَة أَبِي مُسْهِرٍ، لَمْ يُوجد بِهَا أَصله، إِنَّمَا سَمِعْتُ بِقَوْلِهِ عَنِ ابْن المَوَازِيْنِيّ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: كَانَ فَقِيْهاً عدلاً صَالِحاً، يَتلو كُلّ يَوْم وَليلَة
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 141، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 153، وابن الصابوني في تكملة إكمال الإكمال: 123، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 31 (باريس، 1582) ، والعبر: 4 / 261، والمشتبه: 226، والسبكي في الطبقات: 7 / 153، وابن الملقن في العقد، الورقة: 159، وابن ناصر الدين في توضيح المشتبه: 1 / الورقة: 193 (الظاهرية) ، والمناوي في الكواكب الدرية: 2 / 88، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 116، وابن العماد في الشذرات: 4 / 289.
(1) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء نسبة إلى بيع الخرق والثياب، قيده بذلك الذهبي في (المشتبه) وابن ناصر الدين في (توضيحه) وضبطه محققا (طبقات) السبكي بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة، كأنهم نسبوه إلى (خرق) قرية من قرى مرو، ولم يكن ذلك كذلك، قال الذهبي في (المشتبه) : (وبخاء مكسورة..وعبد الرحمان بن علي الخرقي الدمشقي، روى نسخة أبي مسهر بقوله) (ص 226) .
(2) يعني في السنة نفسها، وإلا فإن الحافظ أبا القاسم ابن عساكر ولد في مستهل السنة والخرقي هذا ولد في منتصف شعبان منها كما صرح المنذري في (التكملة) وغيره.(21/196)
ختمَة، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ ابْن الصَّابُوْنِيّ فِي كِتَابِهِ إِلَيَّ (1) : أَعَاد بِالأمينِيَّة لجَمَال الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ، وَأَضرّ فِي الآخَرِ، وَأُقعد، فَاحتَاج إِلَى وَضوء فِي اللَّيْلِ وَمَا عِنْدَهُ أَحَد، فَذُكِرَ أَنه قَالَ: بَيْنَا انَا أَتَفَكر، إِذَا (2) بِنُوْرِ مِنَ السَّمَاء دَخَلَ البَيْت، فَبصُرْت بِالمَاءِ، فَتوضَّأْت، حَدَّثَ بَعْض إِخْوَانه بِهَذَا، وَأَوْصَاهُ أَنْ لاَ يُخْبِر بِهِ إِلاَّ بَعْد مَوْته.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
98 - قزل عُثْمَانُ بنُ إِلْدُكُزَ *
السُّلْطَانُ أَرْسَلاَن قزل، وَاسْمُهُ عُثْمَانُ ابْنُ المَلِكِ إِلْدُكُز صَاحِبِ
__________
(1) أبو حامد محمد بن علي بن محمود، جمال الدين المحمودي المعروف بابن الصابوني المتوفى سنة 680 صاحب (تكملة إكمال الإكمال) الذي ذيل به على كتاب الحافظ ابن نقطة المتوفى سنة 629، وحققه وطبعه شيخنا العلامة المرحوم الدكتور مصطفى جواد.
وقد أشار الذهبي إلى إجازته من ابن الصابوني هذا، وقد استجازه له أخوه من الرضاعة علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم ابن العطار
(654 - 724) في سنة مولده، نعني مولد الذهبي سنة 673، قال الذهبي في (معجم شيوخه) الكبير مترجما لابن الصابوني: (محمد ابن الامام علم الدين علي بن محمود بن أحمد، الامام الحافظ المحدث شيخ الطلبة جمال الدين أبو حامد ابن الصابوني المحمودي الشافعي الدمشقي شيخ دار الحديث النورية..جمع ذيلا في المختلف والمؤتلف فجوده..وأجاز لي مروياته في عام مولدي سنة ثلاث وسبعين) .
ويظهر لنا أن عبارة: (في كتابه إلي) تعود إلى ابن الحاجب وليس للذهبي، بالرغم من أن ابن الحاجب توفي قبله بخمسين سنة، حيث توفي عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد ابن الحاجب الاميني الدمشقي سنة 630.
ويبدو هذا الامر لأول وهلة غريبا لكن سرعان ما يزول الاستعجاب حينما نقرأ ما يذكره الذهبي في ترجمة ابن الصابوني من معجم شيوخه فيقول: (سمع منه الحافظ عمر ابن الحاجب وذكره في معجمه) (م 2 الورقة 55 (، وقال في (تاريخ الإسلام) عندما ترجم لابن الصابوني: (..وهو من رفاق ابن الحاجب والسيف ابن المجد وابن الدخميسي وابن الجوهري في الطلب فطال عمره وعلت رواياته..سمع منه عمر ابن الحاجب والقدماء) (الورقة: 77 - أيا صوفيا 3014) .
وهذا النص في ترجمة ابن الخرقي من (تكملة إكمال الإكمال) : 124.
(2) في (تكملة) ابن الصابوني: إذا أنا.
(*) تقدم ذكره في ترجمة أبيه إلدكز وأخيه محمد المعروف بالبهلوان، وترجم له الذهبي في =(21/197)
أَذْرَبِيْجَانَ بَعْدِ أَخِيْهِ البَهْلَوَان.
ثُمَّ تَملّك هَمَذَان وَأَصْبَهَان وَالرَّيّ، وَقوِي عَلَى سُلْطَانِهِ طُغْرل، وَأَخَذَهُ وَحَبَسَهُ، وَسَارَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَصلبَ جَمَاعَة مِنَ الشَّافِعِيَّة، وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ بِالسّلطنَة، وَتَمَكَّنَ.
وَكَانَتْ دَوْلَته سَبْع سِنِيْنَ، ثُمَّ قُتِل غيلَة عَلَى فِرَاشه، وَمَا عُرِف مَنْ قَتله، وَذَلِكَ فِي شَعْبَان، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
99 - عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، المُجَوِّدُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ سَعِيْدٍ الأَزْدِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ، المَعْرُوفُ فِي زَمَانِهِ: بِابْنِ الخَرَّاطِ.
مَوْلِده -فِيمَا قَيده أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ-: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الحَكَم بن بَرَّجَانَ، وَعُمَر بن أَيُّوْبَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ مُدِير، وَأَبِي الحَسَنِ طَارِق بن يَعِيْشَ، وَالمُحَدِّث طَاهِر بن عَطِيَّةَ، وَطَائِفَة.
سكن مدينَة بِجَايَة وَقت الفِتْنَة الَّتِي زَالت فِيْهَا الدَّوْلَة اللّمتُونِيَّة بِالدَّوْلَة المُؤْمِنِيَّة (1) ، فَنَشَر بِهَا عِلْمَه، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَاشتهر اسْمه، وَسَارَتْ
__________
= تاريخ الإسلام، الورقة 135 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 262، والغساني في العسجد، الورقة: 97، وابن العماد في الشذرات: 4 / 289.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة 38، والنووي في تهذيب الأسماء: 1 / 292، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 93 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 243، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1350، وابن شاكر في الفوات: 2 / 256، وابن العماد في الشذرات: 4 / 271، والغبريني في عنوان الدراية: 20، وابن ناصر الدين في التبيان، الورقة: 147.
(1) نسبة إلى بني عبد المؤمن.(21/198)
بِـ (أَحكَامه الصُّغْرَى) ، وَ (الوسطَى) الرُّكبَان.
وَلَهُ (أَحكَام كُبْرَى) ، قِيْلَ: هِيَ بِأَسَانِيْده -فَاللهُ أَعْلَم-.
وَوَلِيَ خطَابَة بِجَايَة.
ذكره الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَلَنْسِيّ الأَبَّار، فَقَالَ (1) :
كَانَ فَقِيْهاً، حَافِظاً، عَالِماً بِالحَدِيْثِ وَعِلَلِهِ، عَارِفاً بِالرِّجَال، مَوْصُوَفاً بِالخَيْرِ وَالصَّلاَح، وَالزُّهْد، وَالوَرَع، وَلزوم السُّنَّة، وَالتقلّل مِنَ الدُّنْيَا، مشَاركاً فِي الأَدب وَقول الشِّعر، قَدْ صَنّف فِي الأَحكَام نُسْخَتَيْنِ كُبْرَى وَصغرَى، وَسبقه إِلَى مِثْل ذَلِكَ الفَقِيْهُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ أَبِي مَرْوَانَ الشَّهِيْد بلبْلَة، فَحظِيَ الإِمَام عَبْد الحَقِّ دُوْنَهُ.
قُلْتُ: وَعَمِلَ (الْجمع بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) بِلاَ إِسْنَاد عَلَى تَرْتِيْب مُسْلِم، وَأَتْقَنَهُ، وَجَوَّده.
قَالَ الأَبَّار (2) : وَلَهُ مصَنّف كَبِيْر جمع فِيْهِ بَيْنَ الكُتُب السِّتَّة، وَلَهُ كِتَاب (الْمُعْتَل مِنَ الحَدِيْثِ) ، وَكِتَاب (الرّقَاق (3)) ، وَمُصَنَّفَات أُخَر.
قُلْتُ: وَلَهُ كِتَاب (العَاقبَة) فِي الْوَعْظ وَالزُّهْد.
وَقَالَ الأَبَّار: وَلَهُ فِي اللُّغَة كِتَاب حَافل ضَاهَى بِهِ كِتَاب (الغرِيبين) لأَبِي عُبَيْدٍ الهَرَوِيّ، حَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَة مِنْ شُيُوْخنَا.
وَقَالَ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ بِبجَايَة، بَعْد مِحْنَة نَالَتْهُ مِنْ قِبَل الدَّوْلَة، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة إِحْدَى (4) وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: خَطِيْب بَيْت المَقْدِسِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
__________
(1) (التكملة) : 3 / الورقة 38.
(2) نفسه
(3) يعني (الرقائق) .
(4) الذي في النسخة الخطية من (تكملة) ابن الابار: (اثنتين) (3 / الورقة 38) .(21/199)
المَعَافِرِيُّ، وَأَبُو الحَجَّاجِ ابْن الشَّيْخ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ نَقيْمَش، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ غَالِبٍ الأَزْدِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ العَزَفِيُّ (1) ، وَآخَرُوْنَ.
وَصَنَّفَ الحَافِظُ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحِمْيَرِيّ الكُتَامِيّ الفَاسِيّ المَشْهُوْرُ بِابْنِ القَطَّان كِتَاباً نَفِيساً فِي مُجَلَّدتين سَمَّاهُ: (الوَهْمُ وَالإِيهَام، فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْخلَل فِي الأَحكَام الكُبْرَى لِعَبْدِ الحَقِّ) يُنَاقشه فِيْهِ فِيمَا يَتعلّق بِالعلل وَبِالجَرْح وَالتَعْدِيْل، طَالعتُهُ، وَعلّقت مِنْهُ فَوَائِد جَلِيْلَة (2) .
وَمِنْ مَسْمُوْع الحَافِظ عَبْد الحَقِّ (صَحِيْح مُسْلِم) يَحملُه عَنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ عَطِيَّةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ بشر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكّرَة الصَّدَفِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ بنُ دِلْهَاث العُذْرِيّ، أَخْبَرَنَا الرَّازِيّ بِإِسْنَادِهِ.
فَهَذَا نُزول بِحَيْثُ أَنَّ ابْنَ سكّرَة فِي إِزَاء المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَشيخنَا القَاسِم الإِرْبِلِيّ فِي طَبَقَة ابْن بِشْر هَذَا، وَصَاحِبه ابْن عَطِيَّةَ وَنَحْنُ فِي الْعدَد سَوَاء، فَكَانَ عَبْدَ الحَقّ سَمِعَهُ مِنَ المِزِّيّ وَالبِرْزَالِيّ (3) -وَاللهُ أَعْلَمُ-.
__________
(1) قال الذهبي في (المشتبه)) : وبزاي رئيس سبتة الأمير العالم أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد اللخمي العزفي، كان زاهدا إماما مفتيا متفننا، ألف كتاب المولد وجوده، مات سنة 633) (ص: 453) .
(2) كان ابن القطان قد أقام بمراكش عند بني عبد المؤمن وكان رأس العلماء بها، وتوفي سنة 628 (ابن القاضي: (جذوة الاقتباس) : 298، والذهبي في (تاريخ الإسلام) ، الورقة: 72 (أيا صوفيا 3012 وابن ناصر الدين في (التبيان) ، الورقة: 152) .
وقد وقع ابن القطان نفسه بأوهام كثيرة في رده، قال الذهبي في (تاريخ الإسلام) : (طالعت جميع كتابه ((الوهم والإيهام) الذي عمله..يدل على تبحره في فنون الحديث وسيلان ذهنه، ولكنه تعنت، وتكلم في حال رجال فما أنصف) (الورقة: 72 - أيا صوفيا 3012) ، وقال ابن ناصر الدين في (التبيان) بعد أن ذكر كتابه: (ولابن القطان فيه وهم كثير نبه أبو عبد الله الذهبي في منتقى منه كبير) (الورقة: 152) ويرى الدكتور بشار أن الذهبي أفرد الرد على ابن القطان في كتاب خاص، منه مختصر في دار الكتب الظاهرية بدمشق (انظر كتابه: الذهبي ومنهجه: 173 - 175) .
(3) لو شك في هذا النزول بعد العلم أن البرزالي توفي سنة 739 وتوفي المزي سنة 742، =(21/200)
وَقَدْ أَنْبَأَنَا (بِالأَحكَام الصُّغْرَى) : الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَارُوْنَ فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا مِنَ المَغْرِب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي نَصْرٍ بِسَمَاعه مِنَ المصَنّف أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد الحَقِّ.
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي تَرْجَمَة عَبْد الحَقِّ: كَانَ يُزَاحم فُحُوْل الشُّعَرَاء، وَلَمْ يُطلق عنَانَه فِي نطقِه.
قُلْتُ: مَا أَحلَى قَوْله وَأَوعظه إِذْ قَالَ:
إِنَّ فِي المَوْتِ وَالمعَادِ لُشغلاً ... وَادِّكَاراً لذِي النُّهَى وَبلاغَا
فَاغتَنِمْ خطتَينِ قَبْل المنَايَا ... صِحَّةَ الجِسْم يَا أَخِي وَالفرَاغَا (1)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ التَّبْرِيْزِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ السَّخَاوِيُّ سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مَجْد الدِّيْنِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ غَالِب الأَزْدِيّ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق الأزديّ، أَخْبَرَنا أَبُو القاسمِ عبدُ الرَّحمان بنُ محمَّدٍ، أَخْبَرَنا أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ التَّمِيْمِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيّ المُقْرِئ، وَغَيْرهُ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الخُزَاعِيّ، أَخْبَرَنَا الهَيْثَمُ بنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيّ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي عُتبَة يُحدِّث عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ:
__________
= وقال الذهبي: (فنحن في إسناد الصحيح أعلى من الحافظ عبد الحق بدرجة) (تذكرة: 4 / 1352) .
(1) نقل الذهبي هذين البيتين من (التكملة) الابارية: 3 / الورقة 38 وأوردهما ابن شاكر في الفوات: 2 / 257(21/201)
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئاً، عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ (1) .
وَأَنْبَأَنَاهُ عَالِياً أَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُطَّلِب بن هَاشِمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو شُجَاعٍ عُمَر بن مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَة، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الخُزَاعِيّ ... ، فَذَكَره.
100 - صَاحِبُ حَمَاةَ عُمَرُ بنُ شَاهِنْشَاه بنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي *
المَلِكُ المُظَفَّرُ، تَقِيُّ الدِّيْنِ عُمَرُ ابْنُ الأَمِيْرِ نُوْرِ الدَّوْلَةِ شَاهنشَاه بنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي صَاحِبُ حَمَاةَ، وَأَبُو أَصْحَابهَا.
كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً مِقْدَاماً جَوَاداً مُمَدَّحاً، لَهُ موَاقفُ مَشْهُوْدَة مَعَ عَمّه السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ، وَكَانَ قَدِ استنَابه عَلَى مِصْرَ، وَلَهُ وَقُوف بِمِصْرَ وَالفَيُّوْم.
وَسَمِعَ مِن: السِّلَفِيّ، وَابْن عَوْف، وَرَوَى شَيْئاً مِنْ شِعْرِهِ.
وَكَانَ لمَا مَرِض السُّلْطَان بِحَرَّانَ، قَدْ همَّ بِتملّك مِصْر، فَلَمَّا عُوفِي،
__________
(1) قال شعيب: إسناده صحيح، وهو في (الشمائل) برقم (351) للترمذي، وأخرجه البخاري 6 / 421 في الأنبياء: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، و10 / 434 في الأدب: باب الحياء، ومسلم (2320) في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: باب كثرة حيائه، كلهم من طريق شعبة، عن قتادة،
عن عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس، عن أبي سعيد.
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره ولا سيما كتب ابن شداد وابن الأثير والسبط وابن كثير وغيرها، وترجم له ابن خلكان ترجمة جيدة في الوفيات: 3 / 456، وسبط ابن الجوزي: 8 / 684، وأبوالفدا في المختصر: 3 / 84، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 134 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 262، ودول الإسلام: 2 / 73، وابن كثير في البداية: 12 / 346، والمقريزي في السلوك: ج (ق) ص 107، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 113، وابن العماد في الشذرات: 4 / 289 وغيرهم.(21/202)
طلبهُ إِلَى الشَّامِ، فَامْتَنَعَ، وَعَزَمَ عَلَى اللُّحُوق بِمَمْلَكَة قرَاقوش وَبوزبا اللذِيْن تَملّكَا أَطرَاف المَغْرِب، وَشرع فِي السفَرِ، فَأَتَاهُ الفَقِيْه المقدَّم عِيْسَى الهكَّارِيُّ، فَثنَى عَزْمه، وَأَخْرَجه إِلَى الشَّامِ، فَصفح عَنْهُ عَمُّه، وَلاَطفه (1) ، وَأَعْطَاهُ حَمَاة، ثُمَّ المَعَرَّة، وَسلميَّةَ وَكفرطَاب، وَمَيَّافَارِقِيْن، وَحرَّان، وَالرُّهَا، وَسَارَ إِلَى مَيَّافَارِقِيْن ليتسلّمهَا فِي سَبْع مائَة فَارِس.
وَكَانَ ملكاً عَالِي الهِمَّة، فَقصد حَانِي، فَحَاصَرَهَا، وَأَخَذَهَا، فَغَضِبَ صَاحِب خِلاَط بَكتمر، وَسَارَ لِحَرْبِهِ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَالتَقَوا، فَانْهَزَم بِكتمر، وَسَاقَ المُظَفَّر، فَنَازل خِلاَط، فَلَمْ يَنَل شَيْئاً لقلّة جُنْده، فَترحَّل، فَأَتَى مَنَازَكِرد، فَحَاصَرَهَا مُدَّة، فَأَتَاهُ أَجَلُهُ عَلَيْهَا فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ شَابّاً، وَنُقِلَ، فَدُفِنَ بحَمَاة، وَكَانَ مِنْ أَعيَان مُلُوْك زَمَانه (2) .
وَتملّك حَمَاة بَعْدهَا: ابْنه؛ الْملك المَنْصُوْر مُحَمَّد، وَكَانَ لَهُ صيت كَبِيْر فِي الشَّجَاعَة.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي اليَوْمِ: الأَمِيْر حُسَام الدِّيْنِ مُحَمَّد (3) بن لَاجِين ابْن أُخْت السُّلْطَان، وَدُفِنَ بِالشَّامِيّة مَدْرَسَة أُمّه (4) .
__________
(1) تلقاه عمه السلطان الهمام صلاح الدين عند مرج الصفر في شعبان سنة 582 وطيب خاطره.
(2) وقد وصل كتاب نعيه إلى السلطان الناصر الصابر صلاح الدين في اليوم الحادي عشر من شوال سنة 587 وهو يواجه العدو الصليبي - خذله الله - وكان في محنة شديدة عند حصار عكا واستيلاء الفرنج الصليبين عليها وتخريب عسقلان في رمضان من السنة، فتألم السلطان لموته.
(3) ذكرته معظم الكتب التي ذكرناها في ترجمة تقي الدين عمر، وكان بطلا شجاعا ومن أعوان خاله السلطان المجاهد صلاح الدين الكبار، ففجع به.
(4) أمه كما هو معروف هي ست الشام بنت أيوب، وقد أنشأت الشاميتين: البرانية والجوانية، وقد دفن حسام الدين بالشامية البرانية بمحلة العونية (راجع البداية لابن كثير: 12 / 347) .(21/203)
101 - الخبُوْشَانِيُّ أَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بنُ مُوَفَّقِ بنِ سَعِيْدٍ *
الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، الزَّاهِدُ، نَجْمُ الدِّيْنِ، أَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بنُ مُوَفَّقِ بنِ سَعِيْدٍ الخبُوْشَانِيُّ (1) ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
تَفَقَّهَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَبَرَعَ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : فَكَانَ يَسْتَحضر كِتَابهُ (الْمُحِيط) وَهُوَ ستّةَ عشرَ مُجَلَّداً.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ (3) : وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَحَدَّثَ عَنْ: هبَة الرّحمَان ابْن القُشَيْرِيّ.
وَقَدِمَ مِصْر، فَأَقَامَ بِمسجدٍ (4) مُدَّة، ثُمَّ بِتربَةِ
__________
(*) ترجم له ابن أبي الدم الحموي في (التاريخ المظفري) الورقة 224، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 414، والمنذري في التكملة: 1 / الترجمة 154، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 239، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 136 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 / 262، والصفدي في الوافي: 5 / 99، والسبكي في الطبقات: 7 / 14، والاسنوي في طبقاته: 1 / 493، وابن كثير في البداية: 12 / 347، وابن الملقن في العقد، الورقة: 71، وطبقات الأولياء، الورقة: 36، وابن الفرات في تاريخه: 2 / الورقة 25، والمقريزي في السلوك: ج (ق) ص 107، وابن حجر في الألقاب، الورقة: 45، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 133، وابن عبد الهادي في معجمه للشافعية، الورقة، 62، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 189، والمناوي في الكوكب: 2 / 100، وابن العماد في الشذرات: 4 / 288.
(1) قيده المنذري والسبكي وابن السمعاني في (الأنساب) وابن الأثير في (اللباب) بضم الخاء المعجمة والباء الموحدة، وفتح ياقوت الخاء المعجمة كما في (معجم البلدان) : 2 / 300 وتابعه في ذلك ابن عبد الحق في (مراصد الاطلاع) .
(2) (وفيات الأعيان) : 4 / 239، وكتاب (المحيط) لمحمد بن يحيى المتوفى سنة 548، وقول الذهبي: (وهو ستة عشر مجلدا) لا ينطبق عليه وفيه نظر، وهو ينطبق على كتاب (تحقيق المحيط) الذي ألفه الخبوشاني على (المحيط) ذكر ابن خلكان أنه رآه فهذا وهم من الذهبي رحمه الله.
(3) (التكملة) : 1 / الترجمة 154.
(4) هكذا في الأصل، وفي (تكملة) المنذري: (وأقام بالمسجد المعروف به بالقاهرة)(21/204)
الشَّافِعِيّ، وَتبتَّل لإِنشَائِهَا، وَدرَّس بِهَا، وَأَفتَى، وَصَنَّفَ.
وَخبُوشَان مِنْ قرَى نَيْسَابُوْر.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : كَانَ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ يُقرِّبه، وَيَعتقد فِيْهِ، وَرَأَيْت جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا يَصفُوْنَ فَضله، وَدينه، وَسلاَمَة بَاطِنه.
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: سكنَ السُّمَيْسَاطِيَّة، وَعرف الأَمِيْر نَجْم الدِّيْنِ أَيُّوْب، وَأَخَاهُ، وَكَانَ قشفاً فِي الْعَيْش، يَابساً فِي الدّين، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَصعدُ إِلَى مِصْرَ، وَأُزِيل ملك بنِي عُبيد اليَهودِيّ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَنَزَلَ بِالقَاهِرَةِ، وَصرّح بِثَلْبِ أَهْل القَصْر، وَجَعَلَ سبّهم تَسْبِيحه، فَحَارُوا فِيْهِ، فَنفذُوا إِلَيْهِ بِمَال عَظِيْم، قِيْلَ: أَرْبَعَة آلاَف دِيْنَار، فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: وَيْلَك، مَا هَذِهِ البدعَة؟!
فَأَعجله، فَرمَى الذَّهَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَضَرَبَه، وَصَارَت عِمَامَته حلقاً، وَأَنْزَله مِنَ السّلم (2) ، وَمَاتَ العَاضد، وَتهيّبوا الخطبَة لِبَنِي العَبَّاسِ، فَوَقَفَ الخبُوْشَانِيّ بعَصَاهُ قُدَّام المِنْبَر، وَأَمر الخَطِيْب بِذَلِكَ، فَفَعَل، وَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ الخَيْر، وَزُيّنت بَغْدَاد.
وَلَمَّا بَنَى مَكَان الشَّافِعِيّ، نبش عِظَام ابْن الكِيْزَانِيّ، وَقَالَ: لاَ يَكُوْن صدِّيْق وَزِنْدِيْق مَعاً.
فَشدّ الحَنَابِلَة عَلَيْهِ، وَتَأَلَّبُوا، وَصَارَ بَيْنهُم حملاَتٌ حربيَة، وَغلبهُم.
وَجَاءَ العَزِيْز (3) إِلَى زِيَارته، وَصَافحه، فَطَلبَ مَاء، وَغسل يَده، وَقَالَ: يَا وَلدِي إِنَّك تَمسّ العنَان، وَلاَ يَتوقَّى الغلمَان.
قَالَ: فَاغسلْ وَجهك، فَإِنَّك مَسَحْت وَجهك.
قَالَ: نَعَمْ، وَغَسَلَهُ.
__________
(1) (وفيات الأعيان) : 4 / 240
(2) في (طبقات) السبكي، 7 / 15: وأنزله من السلم وهو يرمي بالدنانير على رأسه ويسب أهل القصر.
(3) يعني الملك العزيز.(21/205)
وَكَانَ أَصْحَابُه يَأْكلُوْنَ بِسَببِهِ الدُّنْيَا، وَلاَ يَسْمَعُ فِيهِم، وَهُم عِنْدَهُ مَعْصُوْمُوْنَ.
وَكَانَ مَتَى رَأَى ذِمِّياً رَاكِباً، قصد قتلَهُ، فَظَفِرَ بوَاحِد طيبٍ يُعرف بِابْنِ شُوعَة، فَأَندر عينه بعَصَاهُ، فَذَهَبت هدراً.
وَقِيْلَ: الْتمس مِنَ السُّلْطَان إِسقَاط ضرَائِب لاَ يَمكن إِسقَاطهَا، وَسَاء خلقه، فَقَالَ: قُمْ لاَ نَصرك الله! وَوكزه بعَصَاهُ، فَوَقَعت قَلَنْسُوَته، فَوجم لِذَلِكَ، ثُمَّ حضَر وَقْعَة، فَكُسِر، فَظَنّ أَنَّهُ بدعَائِهِ (1) ، فَجَاءَ وَقبل يَدَيْهِ، وَسَأَلَهُ الْعَفو.
وَجَاءهُ حَاجِب نَائِب مِصْر المُظَفَّر تَقِيِّ الدِّيْنِ عُمَر، وَقَالَ لَهُ: تَقِيُّ الدِّيْنِ يُسلِّم عَلَيْك.
فَقَالَ الخبُوْشَانِيّ (2) : قل: بَلْ شَقِيّ الدِّيْنِ لاَ سلَّم الله عَلَيْهِ.
قَالَ: إِنَّهُ يَعتذرُ، وَيَقُوْلُ: لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ لبيع المِزْرِ (3) .
قَالَ: يَكْذِب.
قَالَ: إِنْ كَانَ ثَمَّ مَكَانٌ، فَأَرنَاهُ.
قَالَ: ادْنُ.
فَدنَا، فَأَمسك
__________
(1) قال التاج السبكي: (وانظر إلى كلام الذهبي هنا في تاريخه وقوله: ظن السلطان أن ذلك بدعوته. ولو كانت هذه الحكاية لمن هو على معتقده من المبتدعة لهول أمرها) (الطبقات: 7 / 16) وهو جزء من تحامل التاج السبكي على شيخه الذهبي في غير موضع من كتابه، وما كان ينبغي له أن يفرط مثل هذا الإفراط بحيث قال في الخبوشاني هذا: (والذي نقوله: إنه لا ينبغي أن يسمع كلامه في حنفي ولا شافعي، ولا تؤخذ تراجمهم من كتبه، فإنه يتعصب عليهم كثيرا) .
والعجب أن السبكي شحن كتابه بالنقل من كتب الذهبي، ومنها هذه الترجمة فتأمل قوله وتطبيقه - سامحه الله -.
(2) إضافة من عندنا يقتضيها السياق ولتوضيح المعنى.
(3) المزر: بكسر الميم، نبيذ يتخذ من الذرة، وقيل: من الشعير أو الحنطة كما في النهاية لابن الأثير: 4 / 324 وكأنه يشبه (البيرة) في أيامنا.
وكان لتقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين مواضع يباع فيها المزر على ما قيل، فكتب الشيخ الخبوشاني ورقة إلى صلاح الدين يذكر له هذا، فسيرها صلاح الدين إلى ابن أخيه وطلب منه ارضاء الشيخ، فركب إليه، وطلب منه حاجبه أن يقف بباب مدرسة الخبوشاني ريثما يهيئ له الأمور فتحادث مع الشيخ بهذا الحديث المذكور (انظر (تاريخ الإسلام) (وطبقات) السبكي وغيرهما) .(21/206)
بِشعرِهِ، وَجَعَلَ يَلطمُ عَلَى رَأْسه، وَيَقُوْلُ: لَسْتُ مزَاراً فَأَعْرف موَاضِع المِزْرِ، فَخلَّصوهُ مِنْهُ.
وَعَاشَ عُمُره لَمْ يَأْخُذْ دِرْهَماً لمَلِكٍ، وَلاَ مِنْ وِقْفٍ، وَدُفِنَ فِي الكِسَاء الَّذِي صَحبه مِنْ بَلَده، وَكَانَ يَأْكُل مِنْ تَاجر صَحِبَه مِنْ بَلَده.
وَأَتَاهُ القَاضِي الفَاضِل لزِيَارَة الشَّافِعِيّ، فَرَآهُ يَلقِي الدّرس، فَجَلَسَ وَجَنْبه إِلَى القَبْرِ، فَصَاحَ: قُمْ قُمْ، ظهْرك إِلَى الإِمَام؟!
فَقَالَ: إِنْ كُنْت مُسْتَدبرَهُ بقَالبِي، فَأَنَا مُسْتَقْبِلُه بِقَلْبِي.
فَصَاح فِيْهِ، وَقَالَ: مَا تُعُبِّدنَا بِهَذَا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعقل.
قُلْتُ: مَاتَ الخبُوْشَانِيّ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
102 - السُّهْرَوَرْدِيُّ شِهَابُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ حَبَشِ بنِ أَمِيْرَكَ *
العَلاَّمَةُ، الفَيْلَسُوْفُ، السِّيْمَاوِيُّ، المَنْطِقِيُّ، شِهَابُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ حَبَشِ (1) بن أَمِيْرك (2) السُّهْرَوَرْدِيُّ، مَنْ كَانَ يَتَوَقَّدُ ذكَاءً، إِلاَّ أَنَّهُ قَلِيْل الدِّيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُصِيْبعَة (3) : اسْمه عُمَر، وَكَانَ أَوحد فِي حكمه الأَوَائِل،
__________
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 269، وابن خلكان في الوفيات: 6 / 268، وابن أبي أصيبعة في الطبقات: 2 / 167، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 138 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 290 واليافعي في مرآة الجنان: 3 / 434، والغساني في العسجد: الورقة 97، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 114، وابن العماد في الشذرات 4 / 290 وغيرهم.
وطبع غير كتاب من كتبه، وعني بدراسته والكتابة عنه المعنيون بالدراسات الفلسفية عموما والاسلامية الاشراقية خصوصا.
(1) قيدها ابن خلكان بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة (وفيات: 6 / 273) .
(2) يعني أمير - بالتصغير - والاعاجم يضيفون الكاف في آخر مثل هذه الأسماء للتصغير مثل أحمدك، وعمرك، وعليك، ونحوها.
(3) (طبقات الاطباء) : 2 / 167.(21/207)
بارعاً فِي أُصُوْل الفِقْه، مُفْرِط الذّكَاء، فَصِيْحاً، لَمْ يُنَاظر أَحَداً إِلاَّ أَربَى عَلَيْهِ.
قَالَ الفَخْر المَارْدِيْنيّ (1) : مَا أَذكَى هَذَا الشَّابّ وَأَفصحه! إِلاَّ أَنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ لَكَثْرَة تَهوُّره وَاستهتَارِه.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ نَاظر فُقَهَاء حلب، فَلَمْ يُجَاره أَحَد، فَطَلَبَهُ الظَّاهِر، وَعَقَدَ لَهُ مَجْلِساً، فَبَان فَضلُه، فَقرَبّه الظَّاهِر، وَاختصَّ بِهِ، فَشَنَّعُوا، وَعملُوا محَاضِر بكُفره، وَبعثَوهَا إِلَى السُّلْطَانِ، وَخوَّفُوهُ أَنْ يُفْسِد اعْتِقَاد وَلده، فَكَتَبَ إِلَى وَلده بِخَطِّ الفَاضِل (2) يَأْمره بِقَتْلِهِ حتماً، فَلما لَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَتله، اخْتَار لِنَفْسِهِ أَنْ يُمَات جوعاً، فَفَعَل ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ (3) ، بِقَلْعَة حلب، وَعَاشَ سِتّاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصِيْبعَة: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ صَدَقَة الحَكِيْم، قَالَ:
خَرَجْنَا مِنْ بَاب الْفرج مَعَهُ، فَذَكَرنَا السّيمِيَاء، فَقَالَ: مَا أَحْسَن هَذِهِ الموَاضِع!
فَنظرنَا مِنْ نَاحِيَة الشَّرْق جَوَاسق مبيضَة كَبِيْرَة مزخرفَة، وَفِي طَاقَاتهَا نسَاء كَالأَقمَار وَمغَانِي، فَتعجّبنَا، وَانذهلنَا، فَبقينَا سَاعَة، وَعدنَا إِلَى مَا كُنَّا نَعهده، إِلاَّ أَنِّي عِنْد رُؤْيَة ذَلِكَ، بقيت أُحسّ مِنْ نَفْسِي كَأَنَّنِي فِي سِنَةٍ خفِيَّة، وَلَمْ يَكُنْ إِدرَاكِي كَالحَالَة الَّتِي أَتحقّقهَا مِنِّي.
وَحَدَّثَنِي عجمِيّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ بِالقَابُوْنِ (4) ، فَقُلْنَا: يَا مَوْلاَنَا! نُرِيْد (5) رَأْس غنم.
فَأَعْطَانَا
__________
(1) منقول من (طبقات الاطباء) أيضا.
(2) يعني القاضي الفاضل.
(3) سيأتي القول بأن مقتله كان في أوائل سنة 587.
(4) قرية على باب دمشق في طريق من يتوجه إلى حلب.
(5) في الأصل: (تريد) والتصحيح من (تاريخ الإسلام) و (وفيات) ابن خلكان.(21/208)
عَشْرَة درَاهِم، فَاشترَينَا بِهَا رَأْساً، ثُمَّ تَنَازعنَا نَحْنُ وَالتُّرُكْمَانِيّ (1) ، فَقَالَ الشَّيْخُ: روحُوا بِالرَّأْس، أَنَا أُرْضيه.
ثُمَّ تَبِعَنَا الشَّيْخُ، فَقَالَ التُّرُكْمَانِيّ (2) : أَرْضنِي.
فَمَا كلّمه، فَجَاءَ، وَجذب يَده، فَإِذَا بِيَدِ الشَّيْخ قَدِ انْخَلَعَتْ مِنْ كتفه، وَبقيت فِي يَد ذَاكَ، وَدَمهَا يَشخب، فَرمَاهَا، وَهَرَبَ، فَأَخَذَ الشَّيْخ يَده بِاليد الأُخْرَى، وَجَاءَ، فَرَأَينَا فِي يَدِهِ مِنْدِيله لاَ غَيْر.
قَالَ الضِّيَاء صَقر (3) : فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ قَدِمَ السُّهْرَوَرْدِيّ، وَنَزَلَ فِي الحلاَويَّة (4) ، وَمُدَرِّسهَا الافتخَار الهَاشِمِيّ، فَبحث، وَعَلَيْهِ دَلَق (5) وَلَهُ إِبرِيق وَعُكَّاز، فَأَخْرَج لَهُ الافتخَار ثَوْب عتابِيّ (6) ، وَبقيَاراً (7) ، وَغلاَلَة، وَلباساً مَعَ ابْنه إِلَيْهِ، فَقَالَ: اقْض لِي حَاجَة.
وَأَخْرَج فَصّاً كَالبيضَة، وَقَالَ: نَاد لِي عَلَيْهِ.
قَالَ: فَجَاب خَمْسَة وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَطَلَعَ بِهِ العَرِيْف إِلَى الظَّاهِر، فَدَفَعَ فِيْهِ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَجَاءَ وَشَاوره، فَغَضِبَ، وَأَخَذَ الفصّ، وَضَرَبَه بِحجر فَتّنه، وَقَالَ: خُذِ الثِّيَابَ، وَقبّل يَد وَالِدك، وَقُلْ لَهُ: لَوْ أَردنَا
__________
(1) كأن التركماني في هذه الحكاية هو صاحب الغنم.
(2) أصل الحكاية: أن رفيقا للتركماني لم يقبل بهذا البيع، فلحق الجماعة، وطلب منهم أن يأخذوا رأس غنم أصغر من الذي أعطاهم رفيقه الأول لاعتقاده بأن صاحبه ما عرف يبيعهم، وعليه فإن هذا التركماني غير ذاك الأول (راجع (وفيات) ابن خلكان: 6 / 269) .
(3) هو ضياء الدين أبو محمد صقر بن يحيى بن سالم بن عيسى بن صقر الكلبي الحلبي الشافعي المتوفى سنة 653، ذكره الذهبي في سنة وفاته من (تاريخ الإسلام) (أيا صوفيا 3013)
وو (العبر) : 5 / 214.
والنص منقول من طبقات الاطباء أيضا.
(4) يعني المدرسة الحلاوية.
(5) الدلق شيء يلبس، وفي (تاريخ الإسلام) : (فحضر وبحث وهو لابس دلق) .
(6) هكذا في النسختين (وتاريخ الإسلام) والصواب فيها: (ثوبا عتابيا) وكأن الذهبي نقل الحكاية كما هي.
(7) قال الفيروزآبادي في (بقر) من القاموس: (والبقير المشقوق كالمبتور، وبرد يلبس يشق فيلبس بلا كمين كالبقيرة) .(21/209)
الْمَلْبُوس مَا غلبنَا، وَأَمَّا السُّلْطَان، فَطَلبَ العَرِيْف، وَقَالَ: أُرِيْد الفَصّ.
قَالَ: هُوَ لابْن الافتخَار.
فَنَزَلَ السُّلْطَان إِلَى المَدْرَسَة، ثُمَّ اجْتمع بِالسُّهْرَوَرْدِيّ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ، وَصَارَ لَهُ شَأْن عَظِيْم، وَبحث مَعَ الفُقَهَاء، وَعجَّزهُم ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَأَفتَوا فِي دَمه، فَقِيْلَ: خُنِقَ، ثُمَّ بَعْد مُدَّة حَبَس الظَّاهِر جَمَاعَة مِمَّنْ أَفْتَى، وَصَادرهَم.
وَحَدَّثَنِي السَّدِيْد مَحْمُوْدُ بنُ زقَيْقَةَ (1) ، قَالَ: كُنْتُ أَتمشَّى مَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ فِي جَامِع مَيَّافَارِقِيْن، وَعَلَيْهِ جُبَّة قصِيْرَة، وَعَلَى رَأْسه فُوطَة، وَهُوَ بزربول كَأَنَّهُ خَرْبَنْدَا (2) .
وَللشِهَاب شعر جَيِّد (3) .
وَلَهُ كِتَاب (التلويحَات اللوحيَة وَالعرشيَة) ، وَكِتَاب (اللَّمْحَة) ، وَكِتَاب (هيَاكل النُّوْر) ، وَكِتَاب (المعَارج وَالمطَارحَات) ، وَكِتَاب (حِكْمَة الإِشرَاق) ، وَسَائِرهَا لَيْسَتْ مِنْ علُوْم الإِسْلاَم.
وَكَانَ قَدْ قرَأَ عَلَى الْمجد الجِيْلِيّ بِمَرَاغَة، وَكَانَ شَافِعِيّاً، وَيُلَقَّبُ بِالمُؤَيَّد بِالملكوت.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (4) : وَكَانَ يُتَّهَم بِالانحَلاَل وَالتعطيل، وَيَعتقد مَذْهَب الأَوَائِل اشْتهر ذَلِكَ عَنْهُ، وَأَفتَى عُلَمَاء حلب بِقَتْلِهِ، وَأَشدُّهُم الزِّين
__________
(1) قال الذهبي في (المشتبه) : (وبزاي - ابن زقيقة الطبيب سديد الدين محمود بن عمر الشيباني المعروف بابن زقيقة، له شعر جيد، روى عنه منه القوصي في معجمه) (ص: 322) ، وذكره ابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه) : 2 / الورقة 35 من نسخة الظاهرية، وترجم له الذهبي في وفيات سنة 635 من (تاريخ الإسلام) ، الورقة 169 (أيا صوفيا 3011)
(2) كلمة فارسية تعني: حارس الحمار وجمعها خربندكان، ومعناها في ذلك الوقت: الحمار.
ونقل هذا الحديث ابن أبي اصيبعة في طبقاته، فلفظة (حدثني) تعود إليه. وأما (الزربول) فشئ يلبس في الرجل.
(3) أورد ابن خلكان طائفة منه في (الوفيات) .
(4) (وفيات) : 6 / 272.(21/210)
وَالمجد ابْنَا جَهْبَل.
قُلْتُ: أَحْسَنُوا وَأَصَابُوا.
قَالَ المُوَفَّق يَعِيْش النَّحْوِيّ (1) : لمَا تَكلّمُوا فِيْهِ، قَالَ لَهُ تِلْمِيْذه: إِنَّك تَقُوْلُ: النُّبُوَّة مكتسبَة، فَانزح بِنَا.
قَالَ: حَتَّى نَأْكل بِطِّيخ حلب، فَإِنَّ بِي طرفاً مِنَ السّلّ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى قَرْيَة بِهَا بِطِّيخ، فَأَقمنَا أَيَّاماً، فَجَاءَ يَوْماً إِلَى محفرَة لِتُرَاب الرَّأْس، فَحَفَر حَتَّى ظهر لَهُ حصَى، فَدهنَه بِدهن مَعَهُ، وَلفَّه فِي قُطْن، وَحمله فِي وَسطه أَيَّاماً، ثُمَّ ظهر كُلّه يَاقُوْتاً أَحْمَر، فَبَاع مِنْهُ، وَوهب أَصْحَابه، وَلَمَّا قُتِل كَانَ مَعَهُ مِنْهُ.
قُلْتُ: كَانَ أَحْمَق، طيَّاشاً، مُنحلاًّ.
حكَى السَّيْف الآمِدِيّ (2) عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ بُدَّ لِي أَنْ أَملك الدُّنْيَا.
قُلْتُ: مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟
قَالَ: رَأَيْتُ (3) كَأَنِّيْ شَرِبت مَاء البَحْر.
قُلْتُ: لَعَلَّ يَكُوْن اشتهَار علمك.
فَلَمْ يَرْجِع عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَوجدته كَثِيْرَ العِلْمِ، قَلِيْل العَقْل، وَلَهُ عِدَّةُ مُصَنَّفَات.
قُلْتُ: قُتِلَ فِي أَوَائِل سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
103 - صَاحِبُ الرُّوْمِ قِلْجُ أَرْسَلاَنَ بنُ مَسْعُوْدٍ السَّلْجُوْقِيُّ *
السُّلْطَانُ، عِزُّ الدِّيْنِ، قِلْجُ أَرْسَلاَن ابْنُ السُّلْطَانِ مَسْعُوْدِ بنِ قِلْجَ أَرْسَلاَنَ بنِ
__________
(1) الموفق يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي المتوفى سنة 643، ذكره الذهبي في (تاريخ الإسلام) و (العبر) : 4 / 181.
(2) أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الاصولي المتوفى سنة 631، ولعل الذهبي نقل هذه الحكاية عن ابن خلكان أيضا: 6 / 272
(3) يعني في المنام.
(*) من السلاطين المشهورين وأخباره في التواريخ المستوعبة لعصره لا سيما كامل ابن =(21/211)
سُلَيْمَانَ بنِ قُتُلْمش بنِ إِسْرَائِيْلَ بنِ بيغو بنِ سَلْجُوْقٍ السَّلْجُوْقِيُّ، التُّرُكْمَانِيُّ، مَلِكُ الرُّوْم.
فِيه عَدْلٌ فِي الجُمْلَةِ، وَسدَادٌ، وَسيَاسَةٌ.
امتدَّت أَيَّامه، وَهُوَ وَالِدُ الَسْتِّ السُّلْجُوْقِيَّة (1) زَوْجَة الإِمَام النَّاصِر.
كَانَتْ دَوْلَته تِسْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً -وَقِيْلَ: بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً- وَشَاخ، وَقوِيَ عَلَيْهِ بَنُوْهُ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (2) : كَانَ لَهُ مِنَ البِلاَد قُوْنيَة، وَأَقْصَرَا، وَسيوَاس، وَملطيَة، وَكَانَ ذَا سيَاسَة وَعدل، وَهَيْبَة عَظِيْمَة، وَغَزَوَات كَثِيْرَة.
وَلَمَّا كبر، فَرّق بلاَده عَلَى أَوْلاَده، ثُمَّ حجر عَلَيْهِ ابْنه قُطْب الدِّيْنِ، فَفَرّ مِنْهُ إِلَى ابْنِهِ الآخر، فَتبّرم بِهِ، ثُمَّ خدَمه وَلده كيخسرو، وَنَدِمَ عَلَى تَفرِيق بلاَده.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِقُوْنِيَة، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي مُنْتَصف شَعْبَان.
قُلْتُ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ قُتِل سرّاً -وَلَمْ يَصِحَّ-.
وَتسلطنَ بَعْدَهُ ابْنه: غِيَاث الدِّيْنِ كيخسرو.
وَمَاتَ مَلِكْشَاه بنُ قِلج أَرْسَلاَن بَعْد أَبِيْهِ بِيَسِيْرٍ، وَتَمَكَّنَ كيخسرو، وَهُوَ وَالِدُ السُّلْطَان كيكَاوس.
__________
= الأثير. وترجم له سبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 420 وأبو شامة في الروضتين: 2 / 209 والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 143 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 267 وغيرهم. ويقال فيه: قليج.
(1) هي سلجوقي خاتون المعروفة بالخلاطية المتوفاة سنة 584 (ابن الأثير في (الكامل) : 12 / 11، المنذري في (التكملة) : 1 / الترجمة 42 وغيرهم) .
(2) (الكامل) : 12 / 40(21/212)
104 - النُّمَيْرِيُّ أَبُو المُرْهفِ نَصْرُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ حَسَنٍ *
الأَمِيْرُ، الأَدِيْبُ، أَبُو المُرْهفِ نَصْرُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ حَسَنٍ النُّمَيْرِيّ.
وَأُمّه بَنَّةُ بِنْتُ سَالِم بن مَالِكٍ ابْن صَاحِب المَوْصِل بَدْرَان بن مقلّد العُقَيْلِيّ.
وُلِدَ: بِالرَّافقَة، بَعْد الخَمْسِ مائةٍ (1) .
وَقَالَ الشّعر وَهُوَ مُرَاهِق، وَلَهُ (دِيْوَان) .
ضعف بَصَره بِالجُدَرِيّ (2) .
ثُمَّ اختلفتْ عَشِيرَتُه، وَاختلّ نِظَامهُم، فَقَدِم بَغْدَاد، وَحفظ القُرْآن، وَتَفَقَّهَ لأَحْمَدَ، وَأَخَذَ النَّحْو عَنِ ابْنِ الجَوَالِيْقِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَجَمَاعَة.
__________
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 208، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 421، وأبو شامة في الروضتين: 2 / 211، وابن خلكان في وفيات الأعيان: 5 / 383، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 144 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 213، المنذري في التكملة: 1 / الترجمة 166، والصفدي في نكت الهميان: 300، وابن كثير في البداية: 12 / 352، وابن رجب في الذيل: 1 / 374، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 158، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 118، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة 41، وابن العماد في الشذرات: 4 / 295.
(1) نقل ابن رجب عن أبي الحسن القطيعي أن النميري قال له: (ولدت يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمس مئة بالرافقة بقرب رقة الشام) (الذيل: 1 / 374) وذكر المنذري مثل هذا في مولده (التكملة، الترجمة: 166) فلا معنى بعد هذا لقول الذهبي (بعد الخمس مئة) .
(2) كان عمره آنذاك أربع عشرة سنة، وقد بلغ به ضعف البصر أنه ما كان يرى إلا ما قرب منه، ثم قدم بغداد لمعالجة بصره، فآيسه الاطباء منه، فعمي، وأقام بها كما في الذيل لابن رجب وغيره.(21/213)
وَصَحِبَ الصَّالِحِيْنَ، وَمدح الخُلَفَاء، وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ (1) .
رَوَى عَنْهُ: عُثْمَان بن مُقْبلٍ، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَابْن الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَعَلِيّ بن يُوْسُفَ الحمامِيّ، وَكَانَتْ لأَبِيْهِ قَلْعَة نَجْمٍ (2) .
وَهُوَ القَائِلُ (3) :
يُزَهِّدُنِي فِي جَمِيْع الأَنَامِ ... قِلَّةُ إِنْصَافِ مَنْ يَصْحَبُ
وَهَلْ عَرَفَ النَّاسُ ذُو نُهْيَةٍ (4) ... فَأَمسَى لَهُ فِيهِم مَأْرَبُ (5)
هُمُ النَّاسُ مَا لَمْ يُجَرِّبْهُمُ ... وَطُلْسُ الذِّئَابِ (6) إِذَا جُرِّبُوا
وَلَيْتَكَ تَسْلَمُ حَال (7) البِعَادِ ... مِنْهُم، فَكَيْفَ إِذَا قُرِّبُوا (8) ؟
وَلَهُ (9) :
أُحِبُّ عَلِيّاً وَالبتُولَ وَوُلْدَهَا ... وَلاَ أَجحَدُ الشَّيْخَيْنِ حَقَّ التَّقَدُّمِ
وَأَبرَأُ مِمَّنْ نَال عُثْمَانَ بِالأَذَى ... كَمَا أَتَبَرَّا مِنْ وَلاَء ابْنِ مُلجِمِ
وَيُعْجِبُنِي أَهْلُ الحَدِيْثِ لصدقِهِم ... مدَى الدَّهْرِ فِي أَفعَالِهِم وَالتَّكَلُّمِ
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) قوله: (بأخرة) فيه نظر وقد ذكرنا في التعليق السابق أنه أصيب بالعمى وهو لما يزل يافعا، وقال ياقوت في (إرشاد الاريب) : (أضر بالجدري صغيرا) : 7 / 208 فتأمل ذلك! (2) قلعة مشهورة تطل على شرقي الفرات بالقرب من منبج.
(3) انظر (ذيل) ابن رجب 1 / 376.
(4) في (الذيل) لابن رجب: نهبة.
(5) في (الذيل) لابن رجب: مرغب.
(6) في (الذيل) لابن رجب: الذباب.
(7) في (الذيل) لابن رجب: عند.
(8) في (الذيل) لابن رجب: يقربوا.
(9) قال هذه الابيات حينما سئل عن مذهبه واعتقاده، وقد أورد ابن رجب الابيات الثلاثة وفيها اختلاف.(21/214)
105 - ابْنُ مُجْبَرٍ أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ الفِهْرِيُّ *
شَاعِرُ زَمَانِهِ، الأَوْحَدُ، البَلِيْغُ، أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ بنِ مُجْبَرٍ الفِهْرِيُّ، المرْسِيُّ، ثُمَّ الإِشْبِيْلِيُّ.
مدح المُلُوْك، وَشَهِدَ لَهُ بِقَوَّة عَارضته، وَسلاَمَة طبعه، وَفحُوْلَة نَظمه، قصَائِدُه الَّتِي سَارَتْ أَمثَالاً، وَبعدت منَالاً.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ حَسَّانٍ، وَغَيْرهُ.
بَالغ ابْن الأَبَّار فِي وَصْفِهِ (1) .
وَمَاتَ: بِمرَّاكش، لَيْلَة النَّحْر، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، كَهْلاً (2) .
وَقِيْلَ: سَنَةَ سَبْعٍ.
وَلَهُ هَذِهِ (3) :
أَترَاهُ يَتْرُكُ العَذَلا (4) ... وَعَلَيْهِ شَبَّ وَاكتهلاَ
كَلِفٌ بِالغِيْدِ مَا عَلِقَتْ (5) ... نَفْسُهُ السُّلْوَانَ مُذ عَقَلا
__________
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / 132، وابن خلكان في ترجمة يعقوب بن عبد المؤمن سلطان المغرب: 7 / 13، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 146 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 267، وابن شاكر في الفوات: 4 / 275، والمقري في نفح الطيب: 3 / 237 وغيرهم.
(1) قال ابن الابار: (وكان في وقته شاعر الأندلس، بل شاعر المغرب غير مدافع) .
(2) قوله (كهلا) فيها نظر فقد ذكر ابن الابار وابن خلكان وابن شاكر وغيرهم أنه توفي وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.
(3) هذه أبيات من قصيدة طويلة ذكر ابن خلكان أنها تتكون من مئة وسبعة أبيات وقد أورد منها هو اثنين وثلاثين بيتا، وأورد ابن شاكر في فواته 29 بيتا منها.
وذكر الذهبي في (تاريخ الإسلام) أن لابن مجبر ديوانا أكثره مدائح في ابن عبد المؤمن ونقل هذه القصيدة.
(4) في (وفيات) ابن خلكان (وفوات) ابن شاكر: (الغزلا) .
(5) في (وفيات) ابن خلكان: عقلت.(21/215)
غَيْرُ رَاضٍ عَنْ سَجِيَّةِ مَنْ ... ذَاقَ طَعْمَ الحُبِّ ثُمَّ سَلاَ
نَظَرَتْ عَيْنِي لِشِقْوَتِهَا ... نَظرَاتٍ وَافَقَتْ أَجلاَ
غَادَةً لَمَّا مَثَلْتُ لَهَا ... تَرَكَتْنِي فِي الهَوَى مَثَلاَ
خَشِيْتُ (1) أَنِّي سَأُحْرِقُهَا (2) ... إِذْ رَأَتْ رَأْسِي قَدِ اشتَعلاَ
ليتنَا نَلْقَى (3) السُّيُوفَ وَلَمْ ... نلقَ تِلْكَ الأَعْيُن النُّجلاَ
أَشرَعُوا الأَعْطَافَ مَائِسَةً (4) ... حِيْنَ أَشرعنَا القَنَا الذُّبلاَ
نُصِرُوا بِالحُسْنِ فَانْتَهبُوا ... كُلَّ قَلْبٍ بِالهَوَى خُذِلاَ
منهَا:
ثُمَّ قَالُوا (5) : سَوف نَترُكُهَا ... سَلَباً لِلْحبِّ أَوْ نَفلاَ
قُلْتُ: أَوَمَا وَهِيَ عَالقَةٌ (6) ... بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ فَلاَ
وَلَهُ:
دَعَا الشَّوْقُ قَلْبِي وَالركَائِبَ وَالركْبَا ... فَلبَّوا جَمِيْعاً وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ لبَّى
وَمِنْهَا:
يَقُوْلُوْنَ: دَاوِ القَلْبَ يَسْلُ عَنِ الهَوَى ... فَقُلْتُ: لَنِعْمَ الرَّأْيُ لَوْ أَنَّ لِي قَلْبَا
106 - الحَضْرَمِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مُحَمَّدٍ *
قَاضِي الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) ابن خلكان وابن شاكر: حسبت.
(2) ابن شاكر: سأحزنها.
(3) ابن خلكان وابن شاكر: خضنا.
(4) ابن خلكان وابن شاكر: ناعمة.
ومعنى مائسة: متبخترة.
(5) ابن خلكان وابن شاكر: قالت (6) ابن خلكان وابن شاكر: أما وهي قد علقت.
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة 206، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: =(21/216)
مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الحَضْرَمِيُّ، العَلاَئِيُّ -نسبَةً إِلَى العَلاَء بن الحَضْرَمِيّ صَاحِب رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّقَلِّيُّ، ثُمَّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، المَالِكِيُّ، الفَقِيْهُ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعَة عَشْرَة وَخَمْس مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ عِدَّة أَجزَاء.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُفَضَّلِ الحَافِظ، وَعَبْد الغَنِيِّ الحَافِظ، وَابْن روَاج، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن علاّس القصديرِيّ، وَعَلِيّ بن عُمَرَ بنِ ركَاب، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .
أَخُوْهُ:
107 - أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ، المَالِكِيُّ، مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ.
رَوَى عَنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ بنِ خِيرَة، وَيُوْسُف بن مُحَمَّدٍ الأُمَوِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ رِفَاعَةَ.
وَدرَّس، وَسَمَاعه مِنَ الرَّازِيّ حُضُوْرٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: وُلِدت فِي أَوَّلِ (2)
__________
= 154 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر، 4 / 269، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 214، وابن العماد في الشذرات: 4 / 297.
(1) في الثامن والعشرين من شعبان كما ذكر المنذري في (التكملة) ترجم له المنذري في (التكملة) ، الترجمة: 79، والذهبي في (تاريخ الإسلام) ، الورقة 118 (أحمد الثالث 2917 / 14) .
(2) في الثاني والعشرين من المحرم من السنة كما ذكر المنذري.(21/217)
سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ (1) .
رَوَى عَنْهُ: جَمَاعَة، وَهُوَ أَقدمُ شَيْخ لقِيه التقِيُّ ابْن الأَنْمَاطِيّ.
مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبُوْهُمَا الشَّيْخ أَبُو القَاسِمِ آخرَ مَنْ حَدَّثَ بِالإِجَازَةِ عَنِ الحبَّال (2) .
وَكَانَ جَدّهُمَا مِنْ مَشَايِخ السِّلَفِيّ، فَهُم بَيْت علم وَرِوَايَة.
108 - سُلْطَانُ شَاه مَحْمُوْدُ بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ أَتْسِزَ الخُوَارِزْمِيُّ *
صَاحِبُ مَرْو، مَحْمُوْدُ بنُ خُوَارِزْمشَاه أَرْسَلاَن بنِ أَتْسِز بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكِيْن الخُوَارِزْمِيُّ، أَخُو السُّلْطَانِ عَلاَءِ الدِّيْنِ خُوَارِزْمشَاه تَكش.
تَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ سَنَة 548، وَجَرَتْ لَهُ حُرُوْب وَخُطُوب.
وَكَانَ أَخُوْهُ قَدْ ملَّكه أَبُوْهُ بَعْض خُرَاسَان، فَحشد، وَأَقْبَلَ، وَحَارَبَ أَخَاهُ، وَكَانَ كَفَرَسَي رهَان فِي الْحزم وَالعَزْم وَالشَّجَاعَة وَالرَّأْي.
حضر مَحْمُوْد غيرَ مَصَافٍّ، وَاسْتعَان بِالخَطَا، وَافتَتَح مُدناً، وَقَدْ أَسَرَ أَخُوْهُ تَكش وَالِدَة مَحْمُوْد، وَذبحهَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى خَزَائِن أَبِيْهِ.
__________
(1) والرازي هذا هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي، توفي في جمادى الأولى سنة 525.
(2) مات الحبال سنة 482 وهو صاحب (وفيات الشيوخ) انظر كتاب: المنذري وكتابه (التكملة) : 219.
(*) أخباره في التواريخ المستغرقة لعصره ولا سيما الكامل لابن الأثير والمرآة للسبط وقسم الحوادث من تاريخ الإسلام وغيرها، وترجم له غير واحد منهم الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 152 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 268، وابن العماد في الشذرات: 4 / 297، والغساني في العسجد، الورقة: 98 وغيرهم.(21/218)
وَلهُم سِيَرٌ وَأَحْوَال.
وَقِيْلَ: إِنَّ مَحْمُوْداً طَرَدَ الغُزَّ عَنْ مَرْو، وَتَملّكهَا، ثُمَّ تحزَّبُوا عَلَيْهِ، وَكسروهُ، وَقتلُوا فُرْسَانه، فَاسْتنجد بِالخَطَا، وَأَقْبَلَ بِعَسْكَر عَظِيْم، وَأَخْرَج الغُزّ عَنْ سَرْخَس وَنسَا وَمرو، وَأَبِيْوَرْد، وَتَملَّك ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّهُ كَاتِب غِيَاث الدِّيْنِ الغُوْرِيّ، ليُسَلِّم إِلَيْهِ هَرَاة، وَبَعَثَ إِلَيْهِ الغِيَاث يَأْمرُهُ أَنْ يَخطُب لَهُ، فَأَبَى، وَشنَّ الغَارَات، وَظلم، وَتَمرَّد، فَأَقْبَل الغُوْرِيّ لِحَرْب مَحْمُوْد، فَتقهقر، وَجَمَعَ، فَتحزَّب لَهُ غِيَاث الدِّيْنِ وَأَخُوْهُ صَاحِب الهِنْد شِهَاب الدِّيْنِ، ثُمَّ الْتَقَى الجمعَان، فَتفلَّلَ جمع مَحْمُوْد، وَتحصَّن هُوَ بِمَرْو، فَبَادر أَخُوْهُ تَكش، وَآذَى مَحْمُوْداً، وَضَايقه حَتَّى كَلَّ، وَخَاطر، وَسَارَ إِلَى خدمَة الغِيَاث، فَبَالغ فِي احْتِرَامه، وَأَنْزَله مَعَهُ، فَبَعَثَ تَكش إِلَى الغِيَاث يَأْمُرُه بَاعتقَالِ أَخِيْهِ، فَأَبَى، فَبَعَثَ يَتوعَّده، فَتَهَيَّأَ الغِيَاث لقَصده.
وَأَمَّا مَحْمُوْد فَمَاتَ فِي سَلْخِ رَمَضَان، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَأَحْسَن الغِيَاث إِلَى أَجنَاد مَحْمُوْد، وَاستخدمهُم.
109 - أَبُو مَدْيَنَ شُعَيْبُ بنُ حُسَيْنٍ الأَنْدَلُسِيُّ *
الزَّاهِدُ، شَيْخُ أَهْلِ المَغْرِبِ، كَانَ مِنْ أَهْلِ حصنِ منتُوجت (1) ، مِنْ عَمل إِشْبِيْلِيَة.
جَال، وَسَاح، وَاسْتَوْطَنَ بِجَايَة مُدَّة، ثُمَّ تِلِمْسَان.
__________
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة: 199، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 170 (أحمد الثالث 2917 / 14) .
(1) هكذا في الأصل، وفي نسخة (التكملة الابارية) ، وهي نسخة دقيقة نفيسة: (منتوجب) - بالباء الموحدة -(21/219)
ذكره الأَبَّار بِلاَ تَارِيخ وَفَاة، وَقَالَ (1) : كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَمَل وَالاجتهَاد، مُنْقَطِع القرِيْنَ فِي العِبَادَةِ وَالنُّسك.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ بتِلِمْسَان، فِي نَحْو التِّسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ آخر كَلاَمه: الله الحيّ، ثُمَّ فَاضت نَفْسه.
قَالَ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ العَرَبِيِّ: كَانَ أَبُو مَدْيَنَ سُلْطَانَ الوَارِثِيْنَ، وَكَانَ جمَال الحُفَّاظ عَبْدُ الحَقِّ الأَزْدِيّ قَدْ آخَاهُ بِبجَايَة، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَيَرَى مَا أَيَّده الله بِهِ ظَاهِراً وَبَاطِناً، يَجد فِي نَفْسِهِ حَالَة سَنِيَّةً لَمْ يَكُنْ يَجِدُهَا قَبْل حُضُوْر مَجْلِس أَبِي مَدْيَن، فَيَقُوْلُ عِنْدَ ذَلِكَ: هَذَا وَارِث عَلَى الحقيقَة.
قَالَ مُحْيِي الدِّيْنِ: كَانَ أَبُو مَدْيَن يَقُوْلُ:
مِنْ علاَمَات صِدْق المرِيْد فِي بدَايته انْقطَاعه عَنِ الخلْقِ، وَفرَارُه، وَمِنْ علاَمَات صِدْق فَرَاره عَنْهُم وَجُوْدُه لِلْحقِّ، وَمِنْ علاَمَات صدق وَجُوْده لِلْحقِّ رُجُوْعه إِلَى الخلْقِ، فَأَمَّا قَوْل أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيّ: لَوْ وَصلُوا مَا رَجَعُوا، فَلَيْسَ بِمنَاقض لِقَوْل أَبِي مَدْيَن، فَإِنَّ أَبَا مَدْيَن عَنَى رُجُوْعهُم إِلَى إِرشَاد الْخلق -وَاللهُ أَعْلَمُ-.
110 - ابْنُ بُنَانٍ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ *
المَوْلَى، الفَاضِلُ، الأَثِيْرُ، ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) (التكملة) : 3 / الورقة 119، وقال: ذكره أبو الصبر السبتي وأبو عبد الله بن عبد الحق التلمساني.
(*) ترجم له ابن الأثير في التاريخ الباهر: 85، 89، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 110 (شهيد علي) ، والقفطي في الانباه: 3 / 209، والمنذري في التكملة، الترجمة: 525، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 95 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 122، والعبر: 4 / 294، وابن مكتوم في تلخيصه، الورقة: 230، والصفدي في الوافي: 1 / 281، وابن شاكر في الفوات: 3 / 259، والغساني في العسجد، الورقة: 104، والدلجي في الفلاكة: 89، وابن ناصر الدين في التوضيح، الورقة: 112 =(21/220)
أَبِي الطَّاهِرِ مُحَمَّدِ بنِ بُنَانٍ (1) الأَنْبَارِيُّ (2) الأَصْل، المِصْرِيُّ، الكَاتِبُ، وَلَدُ القَاضِي الأَجلِّ أَبِي الفَضْلِ.
وُلِدَ: بِالقَاهِرَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي صَادِق مُرْشِد المَدِيْنِيّ، وَوَالِده، وَأَبِي البَرَكَات مُحَمَّد بن حَمْزَةَ العِرْقِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن هِبَةِ اللهِ بنِ عُرْس (3) .
وَتَلاَ عَلَى: أَبِي العَبَّاسِ بنِ الحُطيئَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّرِيْف مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ الحُسَيْنِيّ الحَلَبِيّ، وَالرَّشِيْد أَبُو الحُسَيْنِ العَطَّار، وَجَمَاعَة سِوَاهُمَا.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ (4) : قَدِمَ بَغْدَادَ رَسُوْلاً مِنْ صَاحِب اليَمَن سَيْف الإِسْلاَم (5) ، فَحَدَّثَ بِـ (السيرَة (6)) عَنْ وَالِده، عَنِ الحبَّال، وَحَدَّثَ بِ (صِحَاح الجَوْهَرِيّ (7)) ، وَكتبُوا عَنْهُ مِنْ شِعْرِهِ.
__________
= (سوهاج) ، والمقريزي في السلوك: ج (ق) ص 154، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 159، وابن الفرات في تاريخه: 8 / 76، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 176، وابن العماد في الشذرات: 4 / 327، والزبيدي في التاج: 9 / 145.
(1) قيدته؟ ؟ كتب المشتبه بالباء الموحدة والنون، ونصحف في (الفلاكة) للدلجي و (النجوم الزاهرة) و (حسن المحاضرة) و (الشذرات) إلى (بيان) وهو تصحيف لا يحتاج إلى برهان.
(2) تصحف في (الفلاكة) للدلجي إلى (الابياري) وفي (حسن المحاضرة) إلى (الانماري) وفي (التاج) للسيد الزبيدي إلى (الديناري) فتأمل ذلك!
(3) بضم العين وسكون الراء المهملتين بعدهما سين مهملة، قيده المنذري في (التكملة) .
(4) (ذيل تاريخ مدينة السلام) ، الورقة: 110 (شهيد علي) .
(5) يعني طغتكين بن أيوب.
(6) يعني السيرة التي لعبد الملك بن هشام.
(7) بروايته عن ابن البركات محمد بن الحسين العرقي. قال ابن الدبيثي: (وسمعها منه =(21/221)
وَقَالَ المُنْذِرِيّ (1) : سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَة مِنْ رُفقَائِنَا، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَخطُّه فِي غَايَة الجوْدَة، وَلِيَ دِيْوَان النَّظَر فِي الدَّوْلَة المِصْرِيَّة، وَتَقَلَّب فِي الْخَدَم، وَعَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: كَانَ أَسْمَر، طُوَالاً، رقيقاً، لَهُ أَدب وَترَسُّل، وَكَانَ صَاحِبَ الدِّيْوَان، وَالقَاضِي الفَاضِل مِمَّنْ يغشَى بَابَه، وَيَمتدحه، وَيَفخَرُ بِالوُصُوْل إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءت الدَّوْلَة الصَّلاَحيَّة، قَالَ الفَاضِل: هَذَا رَجُل كَبِيْرَ القَدْرِ، يَنْبَغِي أَنْ يُجرَى عَلَيْهِ مَا يَكفِيه، وَيَجْلِس فِي بَيْته.
فَفُعَل ذَلِكَ، ثُمَّ تَوجّه إِلَى اليَمَنِ، وَوزر بِهَا، وَترسّل إِلَى بَغْدَادَ، فَعظّم، وَبجّل، وَلَمَّا صرت إِلَى مِصْرَ، وَجَدْت ابْنَ بُنَانٍ فِي ضَنْك، وَعَلَيْهِ دَيْن ثَقِيل، أَدَّى أَمره إِلَى أَنْ حَبسه الحَاكِم بِالجَامِع، وَكَانَ يَنْتقص بِالقَاضِي الفَاضِل، وَيَرَاهُ بِالعين الأُوْلَى (2) ، فَقَصَّر الفَاضِل فِي حقّه، وَكَانَ الدَّيْن لأَعْجَمِيّ، فَصَعِدَ إِلَيْهِ إِلَى سطح الجَامِع، وَسفّه عَلَيْهِ، وَقبض عَلَى لِحْيته وَضَرَبَه، فَفَرّ، وَأَلقَى نَفْسه مِنَ السّطح، فَتهشّم، فَحُمِلَ إِلَى دَارِهِ، وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّام، فَسيّر الفَاضِل لِتجهيزه خَمْسَةَ عَشَرَ دِيْنَاراً مَعَ وَلده، ثُمَّ إِنَّ الفَاضِل مَاتَ بَعْدَ ثَلاَثَة أَيَّام فُجَاءةً.
مَاتَ ابْن بُنَانٍ: فِي ثَالِث رَبِيْع الآخر، سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
= خلق من أهل بغداد ولم أكن بها يومئذ) (الذيل، الورقة: 110) ، وكان قدومه إلى بغداد في سنة 582 ذكر ذلك ابن الدبيثي أيضا.
(1) (التكملة) ، الترجمة: 525 وتصرف في النص على عادته ومنها قوله: (وعاش تسعا وثمانين سنة) فإن الزكي المنذري لم يذكر مثل هذه العبارة، بل ذكر أنه ولد بالقاهرة سنه 507، وأنه توفي في ليلة الثالث من شهر ربيع الآخر سنة 596 فطرح الذهبي ذلك من هذا، واستخرج عمره، ونسبه إلى المنذري! وهذه طريقته رحمه الله.
(2) يعني حينما كان ابن بنان صاحب سلطان بالدولة المصرية.(21/222)
وَكَانَ فِيْهَا القَحط بِمِصْرَ وَالفنَاء، وَخَرُبَ الإِقْلِيْم، وَجلاَ أَهْله، وَأَكلُوا المَيْتَة وَالآدَمِيّين، وَهلكُوا؛ لأَن النّيل كسر مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ ذرَاعاً وَأَصَابع.
وَقِيْلَ: مَا كملَ الثَّلاَثَة عشر (1) - فَللهِ الأَمْر-.
111 - ابْنُ حَيْدَرَةَ مُحَمَّدُ بنُ حَيْدَرَةَ بنِ عُمَرَ الزَّيْدِيُّ *
الشَّرِيْفُ، أَبُو المُعَمَّرِ مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي المَنَاقِبِ حَيْدَرَةَ ابْنِ الإِمَامِ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيُّ، العَلَوِيُّ، الكُوْفِيُّ.
عَاشَ: تِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ: أَبِي الغَنَائِم النَّرْسِيّ، وَرَوَى عَنْ: جَدِّهِ (2) ، وَعَنْ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ، وَابْن خَلِيْل.
قَالَ تَمِيْم البَنْدَنِيْجِيّ: كَانَ رَافِضِيّاً.
__________
(1) قال ابن تغري بردي الاتابكي: (الماء القديم لم يذكر لقلته. وكان مبلغ الزيادة في هذه السنة اثنتي عشر ذراعا وإحدى وعشرين أصبعا) .
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه: 1 / 251 بتحقيق الدكتور بشار، والمنذري في التكملة، الترجمة: 421، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 72 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 282، والصفدي في الوافي: 3 / 32، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 14، وابن العماد في الشذرات: 4 / 315.
(2) توفى سنة 539، وترجم له ابن النجار في (تاريخه) وأثنى عليه ثناءا جميلا، ونقل عن السلفي قوله: (الشريف عمر هذا أديب نحوي، وفي المذهب زيدي، وكان يفتي في الكوفة على مذهبه، وسمع معنا على جماعة من شيوخنا الكوفيين.
وكان من عقلاء الرجال حسن الرأي في الصحابة، مثنيا عليهم، متبرءا ممن تبرأ منهم) (التاريخ المجدد، الورقة: 85 - 86 ظاهرية) ، وقد سمع منه أيضا الحافظ ابن عساكر، وذكره في (معجم شيوخه) .(21/223)
قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ (1) وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْنُ بَوْش، وَصَاحِب اليَمَن سَيْف الإِسْلاَم طُغْتِكِيْن بن أَيُّوْبَ، وَمُقْرِئ وَاسِط ابْن البَاقِلاَّنِيّ، وَالوَزِيْر جلاَل الدِّيْنِ عُبَيْد اللهِ بن يُوْنُسَ الأَزَجِيّ، وَقَاضِي القُضَاةِ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي البَرَكَات هِبَة اللهِ بن البُخَارِيّ الشَّافِعِيّ، وَالشَّيْخ عُمَر الكُمَيْمَاتِيّ الزَّاهِد، وَمُحَمَّد بن سيّدهُم الدِّمَشْقِيّ ابْن الهَرَّاس، وَأَبُو الفَتْحِ نَاصِر بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَتْحِ الويرج (2) القَطَّان.
112 - أَبُو طَالِبٍ الكَرْخِيُّ المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ بنِ المُبَارَكِ *
الإِمَامُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، وَصَاحِبُ الخَطِّ المَنْسُوْبِ، أَبُو طَالِبٍ المُبَارَك بن المُبَارَكِ بن المُبَارَكِ الكَرْخِيُّ، صَاحِبُ أَبِي الحَسَنِ ابْنِ
__________
(1) إضافة يقتضيها السياق، وصحة الوفاة يظهر أنها سقطت من الأصل، علما بأن الناسخ وضع قبالتها تاريخ الوفاة بالرقم: 593.
(2) في الأصل: (الوريرح) وهو سبق قلم من الناسخ، والتصحيح من (تاريخ الإسلام) ، الورقة: 191 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، و (العبر) : 4 / 282، وجاء في (النجوم) : الوترح. وانظر أيضا: (التكملة) للمنذري، الترجمة: 412، وابن نقطة في (التقييد) ، الورقة: 216.
والويرج كما في المعاجيم الفارسية: السوسن الاصفر أو النيلوفر، فلعله عرف بذلك، وتوفي أبو الفتح سنة 593 وسيأتي ذكره في موضعه من هذا الكتاب (الترجمة: 159) .
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 6 / 230، وابن الأثير في الكامل: 12 / 18، والمنذري في التكملة، الترجمة: 89، والنعال في مشيخته: 92 وهو الشيخ الحادي والعشرون فيها، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 24 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 257، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 177، والسبكي في الطبقات: 7 / 275، والاسنوي في طبقاته: 2 / 353، وابن كثير في البداية: 12 / 334، ابن الملقن في العقد، الورقة: 159، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 78، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 110 - 111، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية، الورقة: 74، وابن العماد في الشذرات: 4 / 284.(21/224)
الخَلِّ، وَهُوَ (1) المُبَارَكُ بنُ أَبِي البَرَكَاتِ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَقَاضِي المَارستَان.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ البَنْدَنِيْجِيّ، وَغَيْرهُ.
كَانَ ذَا جَاه وَحِشْمَة، لِكَوْنِهِ أَدَّب أَوْلاَد النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: شَهِدَ عِنْد قَاضِي القُضَاةِ أَبِي القَاسِمِ الزَّيْنَبِيّ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ درّس بِمَدْرَسَة شَيْخه ابْنِ الخَلِّ بَعْدَهُ (2) ، ثُمَّ (3) وَلِي النّظَامِيَّة فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ (4) ، وَكَانَ إِمَامَ وَقته فِي العِلْمِ وَالِدّين وَالزُّهْد وَالوَرَع، لاَزم ابْنَ الخَلِّ حَتَّى بَرَعَ فِي المَذْهَب وَالخلاَف ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ مِنَ الوَرَع وَالزُّهْد وَالعفَّة وَالنزَاهَة وَالسَّمْت عَلَى طرِيقَة اشْتهَرَ بِهَا، وَكَانَ أَكْتَب أَهْل زَمَانِهِ لطرِيقَة ابْنِ البوَّاب، وَعَلَيْهِ كتب الظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ.
__________
(1) (وهو) يعني المترجم له، ذكرنا ذلك خوف اللبس من أن يتوهم القارئ أن ذلك يعود لابن الخل.
أما أبو الحسن ابن الخل، فهو: محمد بن المبارك بن محمد العكبري المتوفى سنة 552، وكان من كبار فقهاء الشافعية، ذكره ابن الجوزي في المنتظم: 10 / 179، وابن الأثير في الكامل: 11 / 88، والذهبي في كتبه ومنها العبر: 4 / 150، والسبكي في طبقاته: 6 / 176، وابن كثير في البداية: 12 / 237، والبدر العيني في عقد الجمان: 16 / الورقة: 293 وغيرهم.
(2) هي المدرسة المعروفة أيضا بالمدرسة الكمالية، نسبة إلى منشئها كمال الدين أبي الفتوح حمزة بن علي المعروف بابن البقشلام أو البقشلان المتوفى سنة 556، وكان ابن الخل هو الذي رتب فيها مدرسا، لذلك عرفت به أيضا (راجع ابن الجوزي في (المنتظم) : 10 / 179، 199، 203 والمصادر التي ذكرناها في الهامش السابق لترجمة ابن الخل) .
(3) تولى قبل ذلك أيضا التدريس بالمدرسة الثقتية التي كانت على دجلة تحت دار الخلافة، وهي منسوبة إلى ثقة الدولة ابن الدريني المتوفى سنة 549 (انظر (تكملة) المنذري وتعليقنا عليها) .
(4) وبقي مدرسها إلى حين وفاته.(21/225)
قَالَ: وَكَانَ ضنِيناً بِخَطِّهِ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ إِذَا شَهِدَ وَكَتَبَ فِي فُتْيَا، كسر الْقَلَم، وَكَتَبَ بِهِ خطّاً رديّاً.
قُلْتُ: درّس، وَأَفتَى، وَدَرَّسَ بِالنّظَامِيَّةِ بَعْد أَبِي الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الحَازِمِيّ.
وَعَاشَ: نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ بن يُوْسُفَ: كَانَ رَبّ علم وَعَمل وَعفَاف وَنُسُك، وَكَانَ نَاعم الْعَيْش، يَقوم عَلَى نَفْسِهِ وَبدنه قيَاماً حَكِيْماً، رَأَيْتهُ يُلْقِي الدّرس، فَسَمِعْتُ مِنْهُ فَصَاحَة رَائِعَة، وَنغمَة رَائِقَة، فَقُلْتُ: مَا أَفصح هَذَا الرَّجُل!
فَقَالَ شَيْخنَا ابْنُ عُبَيْدَةَ النَّحْوِيّ: كَانَ أَبُوْهُ عوَّاداً، وَكَانَ هُوَ مَعِي فِي الْمكتب، فَضَرَبَ بِالعُوْد، وَأَجَاد، وَحذق، حَتَّى شَهِدُوا لَهُ أَنَّهُ فِي طَبَقَة مَعْبَد، ثُمَّ أَنِف، وَاشْتَغَل بِالخطّ، إِلَى أَنْ شَهِدَ لَهُ أَنَّهُ أَكْتَب مِنَ ابْنِ البوَّاب، وَلاَ سِيَّمَا فِي الطُّومَار وَالثُّلُث، ثُمَّ أَنِف مِنْهُ، وَاشْتَغَلَ بِالفِقْه، فَصَارَ كَمَا تَرَى، وَعلّم وَلَدَي النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ (1) ، وَأَصلحَا مدَاسه (2) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: تُوُفِّيَ فِي ثَامن ذِي القَعْدَةِ، سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ فِي عصر هَذَا اليَوْم لِلصَّلاَة بِالجَمَاعَة بِالرِّبَاط، فَلَمَّا تَوجّه لِلصَّلاَة، عرضت لَهُ سعلَة، وَتتَابعت، فَسَقَطَ، وَحُمِلَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَمَاتَ فِي وَقْتِهِ، وَحضره خلق كَثِيْر -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ-.
__________
(1) وهما الاميران: أبو نصر محمد الذي تولى الخلافة بعد أبيه وعرف بالظاهر، وأبو الحسن علي الذي مات شابا، وكان يعلمهما الخط.
(2) فانظر - وفقك الله - إلى مكانة العلماء حينما يقوم أولاد الخليفة المؤهلون لتولي الخلافة بإصلاح مداس أستاذهم، فأي تقدير بعد هذا؟ ! رضي الله عنهم.(21/226)
113 - القَاضِي الفَاضِلُ مَحْمُوْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ التَّمِيْمِيُّ *
هُوَ العَلاَّمَةُ، صَاحِبُ الطّرِيقَةِ، أَبُو طَالِبٍ مَحْمُوْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ التَّمِيْمِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ، تِلْمِيْذُ مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّدِ (1) بنِ يَحْيَى الشَّهِيْدِ.
لَهُ تَعليقَة فِي الخلاَف باهرَة جِدّاً، وَكَانَ عجباً فِي إِلقَاء الدّروس.
تخرّج بِهِ أَئِمَّة، وَكَانَ آيَةً فِي الْوَعْظ، صَاحِب فُنُوْن.
أَرَّخ ابْن خَلِّكَانَ مَوْته: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
114 - ابْنُ أَبِي حَبَّةَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ **
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ، أَبُو يَاسِرٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ هِبَةِ اللهِ ابْنِ أَبِي يَاسِرٍ عَبْدِ
__________
(*) ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان: 5 / 174، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 124 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والسبكي في الطبقات: 7 / 286، وابن العماد في الشذرات: 4 / 284.
ووجود عنوان (القاضي الفاضل) فيه نظر لما يسببه من لبس بالقاضي الفاضل الأديب المشهور، فضلا عن أن أحدا ممن ترجم له لم يذكر أنه يعرف بالفاضل، ولا ذكر الذهبي مثل ذلك في (تاريخ الإسلام) ، فلعله من وهم الناسخ، وكان الرجل يعرف ب (القاضي) مجردا، وراجع ما علقنا عليه في ترجمة القاضي الفاضل البيساني رقم الترجمة 175.
(1) الامام المشهور صاحب (المحيط في شرح الوسيط) وغيره. وعرف بالشهيد لأنه قتل على أيدي الغز الذين أغاروا على تلك البلاد في عهد السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي، وكان مقتله سنة 548 (السبكي في الطبقات: 7 / 25) .
(* *) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 159، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة 154 (باريس 5922) ، وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 74 (ظاهرية) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 165، والنعال في مشيخته: 110، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 37 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 266، والمشتبه: 213، والاعلام، الورقة: 211، وابن العماد في الشذرات: 4 / 293 والزبيدي في (حب) من التاج.(21/227)
الوَهَّابِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي حَبَّةَ (1) البَغْدَادِيُّ، الطَّحَّانُ، رَاوِي (المُسْنَد) بِحَرَّانَ.
سَمِعَ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبَا غَالِب ابْن البَنَّاء، وَأَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّدَ ابْنَ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَهِبَة اللهِ ابْن الطَّبَر، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ المَزْرَفِيّ، وَعِدَّة.
وَكَانَ فَقيراً، قَانِعاً، مُتَعَفِّفاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: البَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن صُدَيْقٍ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ النَّجَّار، وَأَهْل حرَّان.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار (2) : كَانَ لاَ بَأْسَ بِهِ، صَبُوْراً عَلَى فَقره.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ (3) : كَانَ فَقيراً، صَبُوْراً، صَحِيْح السَّمَاع.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَدْرَكَهُ الأَجَلُ بِحَرَّانَ، فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ العِرَاقِيّ الحَنْبَلِيّ المُقْرِئ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ بِدِمَشْقَ، وَإِسْمَاعِيْل الجَنْزَوِيُّ الشُّرُوْطِيّ، وَمُفْتِي وَاسِط أَبُو عَلِيٍّ الحَسَن (4) ابْن الإِمَام أَبِي جَعْفَرٍ هِبَة اللهِ ابْن البُوقِيّ الشَّافِعِيّ، وَالمُحَدِّث
__________
(1) قيده الزكي المنذري في (التكملة) ، فقال: بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة وفتحها وتاء تأنيث.
(2) (التاريخ المجدد) ، الورقة: 74 (ظاهرية) .
(3) (ذيل تاريخ مدينة السلام) ، الورقة 154 (باريس 5922) .
(4) في الأصل (الحسين) ما أثبتناه هو الذي أجمعت عليه المصادر، ومنها (تكملة) المنذري، الترجمة: 171، و (إكمال الإكمال) لابن نقطة، الورقة: 53 (ظاهرية) ، و (تاريخ) ابن الدبيثي، الورقة: 20 (باريس 5922) ، و (تاريخ الإسلام) للذهبي، الورقة: 36 (باريس 1582) ، و (المختصر المحتاج إليه) أيضا: 2 / 28، و (الوافي) للصفدي: 11 / الورقة: 45، و (طبقات) السبكي: 7 / 72.(21/228)
الصَّالِح أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ يُوحنَّ اليَمَانِيّ عَنْ نَيِّف وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالوَزِيْر المُنْشِئُ مُوَفَّق الدِّيْنِ خَالِد بن مُحَمَّدِ بنِ نَصْر ابْن القَيْسَرَانِيّ الحَلَبِيّ بِهَا، وَالمُسْنِدُ أَبُو مَنْصُوْرٍ طَاهِر بن مكَارِم المَوْصِلِيّ المُؤَدِّب رَاوِي (مُسْنَد المُعَافَى) ، وَالشَّيْخ أَبُو جَعْفَرٍ عُبَيْد اللهِ بن أَحْمَدَ ابْنِ السمِين، وَالأَمِيْر الكَبِيْر سَيْف الدِّيْنِ عَلِيّ بن أَحْمَدَ ابْنِ الْملك أَبِي الهيجَا الهكَّارِيّ المشطوبُ، وَقَاسم بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ بِمِصْرَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فَارِس بن أَبِي القَاسِمِ بنِ فَارِس الحَفَّار الحَرْبِيّ، عَنْ بِضْع وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَصَاحِب الرُّوْم عِزّ الدِّيْنِ قليج (1) أَرْسَلاَن بن مَسْعُوْدٍ السَّلْجُوْقِيّ، وَالنَّسَّابَة أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّد بن أَسْعَد الجَوَّانِيُّ الشَّرِيْف بِمِصْرَ، وَآخَرُوْنَ (2) .
115 - رَجَبُ بنُ مَذْكُوْرِ بنِ أَرْنَبٍ أَبُو الحُرَمِ الأَزَجِيُّ *
الشَّيْخُ، الأُمِّيُّ، أَبُو الحُرَمِ (3) الأَزَجِيُّ، الأَكَّاف (4) .
شَيْخٌ، صَحِيْح السَّمَاع، عَالِي الرِّوَايَة، عرِيّ مِنَ الفضِيْلَة.
__________
(1) قلنا سابقا: إنها تكتب (قليج) و (قلج) .
(2) انظر التفاصيل في (تاريخ الإسلام) ، الورقة: 140 فما بعد (أحمد الثالث 2917 / 14) و (تكملة) المنذري، التراجم: 162 - 184.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 52 (باريس 5922) وذكر أنه سمع منه، والمنذري في التكملة، الترجمة: 209، والنعال في مشيخته: 113، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 41 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 69، والاعلام، الورقة: 211، والمشتبه: 114.
(3) قيده المنذري في (التكملة) ، والنعال في (مشيخته) ، فقالا: بضم الحاء والراء المهملتين.
كما قيده الذهبي في (المشتبه) وابن ناصر الدين في (توضيحه) وابن حجر في (تبصير المنتبه) وغيرهم.
(4) يقال هذا لمن يعمل أكاف البهائم.(21/229)
سَمِعَ: أَبَا العِزِّ بن دكَاش، وَقَرَاتِكِيْن بن أسعد، وَهِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبَا غَالِب ابْن البَنَّاء، وَعَلِيّ بن المُوَحّد، وَعِدَّة، وَتَفَرَّد بِأَجزَاء.
سَمِعَ مِنْهُ: عُمَر بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَمَاتَ قَبْلَهُ بِمُدَّة (1) .
وَرَوَى عَنْهُ: سَالِم بن صَصْرَى، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَابْن الدّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ أَخُو ثَعْلَب (2) .
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: سُلْطَان الوَقْت صَلاَح الدِّيْنِ، وَالشَّيْخ سنَان صَاحِب حصُوْن الإِسْمَاعِيْلِيَّة، وَطُغدِي بن ختلغ الأَمِيْرِيّ المُقْرِئُ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بن عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ كوثر المُحَارِبِيّ الغَرْنَاطِيّ، وَصَاحِب المَوْصِل عِزّ الدِّيْنِ مَسْعُوْد الأَتَابكِيّ، وَالمُكْرَّم (3) بن هِبَةِ اللهِ بنِ مُكرَّم الصُّوْفِيّ.
وَالِد كَرِيْمَةَ:
116 - عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيِّ بنِ خَضِرٍ الأَسَدِيُّ *
العَدْلُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيِّ بنِ خَضِرٍ الأَسَدِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ،
__________
(1) مات قبله بأربعة عشر عاما لأنه توفي سنة 575.
(2) أبو الحسن ثعلب المتوفى سنة 579، وكان ثعلب هو الأكبر.
وقد ترجم له صائن الدين النعال البغدادي في (مشيخته) : 68، والذهبي في (تاريخ الإسلام) ، الورقة 78 (أحمد
الثالث 2917 / 14) ، و (المشتبه) : 114، و (المختصر المحتاج إليه) : 1 / 270، وابن حجر في (لسان الميزان) : 2 / 82.
(3) قيده المنذري في (التكملة) كما ضبطناه (الترجمة: 203) ، وقال الذهبي في (المشتبه) : (وبالتثقيل..ومكرم بن هبة الله بن مكرم..) (ص: 611) .
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 226، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: =(21/230)
الدِّمَشْقِيُّ، الشُّرُوْطِيُّ، وَيُعْرَفُ: بِالحَبَقْبَق (1) ، وَهُوَ أَخُو الحَافِظ أَبِي المَحَاسِن عُمَر بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَأَبُو الشيختين: كَرِيْمَة، وَصَفِيَّة.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَمَال الإِسْلاَمِ عَلِيّ بنِ المُسَلَّمِ، وَيَاقُوْت الرُّوْمِيّ، وَنَصْر بن مُحَمَّدٍ المصِّيْصِيّ، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: أَخُوْهُ، وَوَلَدَاهُ عَلِيّ وَكَرِيْمَة، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَبُو الحَجَّاجِ بنِ خَلِيْل.
مَاتَ: فِي ثَالِث صفر، سَنَة تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
117 - قَاضِي خَانَ حَسَنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمُوْدٍ البُخَارِيُّ *
هُوَ العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، أَبُو المَحَاسِنِ حَسَنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمُوْدٍ (2) البُخَارِيُّ، الحَنَفِيُّ، الأُوْزْجَندِيُّ (3) ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ (4) .
__________
= 51 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 272، وابن العماد في الشذرات: 4 / 301.
(1) في (تكملة) المنذري: المعروف بابن الحبقبق.
* ترجم له كمال الدين ابن الفوطي في الملقبين بفخر الدين من تلخيصه: 4 / الترجمة: 2061 ولم يذكر تاريخ وفاته، وترجم له الذهبي في المتوفين على التقريب من أهل الطبقة التاسعة والخمسين من تاريخ الإسلام، الورقة: 172 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والقرشي في
الجواهر: 1 / 205، وابن العماد في الشذرات: 4 / 308 واللكنوي في الفوائد: 64، وذكر بعضهم أن وفاته سنة 592.
(2) في (تلخيص) ابن الفوطي: ابن أبي محمود.
(3) في الأصل: (الاور حيدي) وهو وهم من الناسخ، والتصحيح من (تاريخ الإسلام) وغيره ويقال فيه الاوزكندي، نسبة إلى أوزكند - بالضم والواو والزاي ساكنتان - أو أوزجند، بلد بما وراء النهر من نواحي فرغانة.
(4) طبع من كتبه (الفتاوى) أربعة أجزاء، وله عدة تصانيف، راجع (أعلام) الزركلي: 2 / 238.(21/231)
سَمِعَ الكَثِيْر مِنَ: الإِمَام ظَهِيْر الدِّيْنِ الحَسَن بن عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَمِنْ: إِبْرَاهِيْمَ بن عُثْمَانَ الصَّفَّارِيّ، وَطَائِفَة.
وَأَملَى مَجَالِس كَثِيْرَة رَأَيْتُهَا.
رَوَى عَنْهُ: العَلاَّمَة جَمَال الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن أَحْمَدَ الحَصِيْرِيّ، أَحَد تَلاَمِذته.
بَقِيَ إِلَى سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَإِنَّهُ أَملَى فِي هَذَا العَام.
118 - المَرْغِيْنَانِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ *
العَلاَّمَةُ، عَالِمُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، برْهَانُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ المَرْغِيْنَانِيُّ، الحَنَفِيُّ، صَاحِب كِتَابَي (الهدَايَة) ، وَ (البدَايَة) فِي المَذْهَب.
كَانَ فِي هَذَا الْحِين، لَمْ تَبْلُغْنَا أَخْبَاره، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ -رَحِمَهُ الله-.
__________
(*) ترجم له الذهبي في المتوفين على التقريب من أهل الطبقة التاسعة والخمسين من تاريخ الإسلام، ثم عثر على وفاته بعد ذلك كما يبدو، لكنه أبقى الترجمة في موضعها ولم يحولها إلى مكانها الصحيح، قال: (توفي رحمه الله ليلة الثلاثاء لاربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وخمس مئة) (الورقة: 172 - أحمد الثالث 2917 / 14) .
وترجمه أيضا القرشي في الجواهر: 1 / 383، واللكنوي في الفوائد: 141 وغيرهما من الكتب المعنية بتراجم الحنفية.
وكتاباه: (بداية المبتدئ) وشرحه المعروف بكتاب (الهداية في شرح البداية) مطبوعان مشهوران عند أهل المذهب.
وهو منسوب إلى (مرغينان) من نواحي فرغانة، لذا يقال فيه: الفرغاني المرغيناني.(21/232)
119 - الجُوَيْنِيُّ أَبُو عَلِيٍّ حَسَنُ بنُ عَلِيٍّ *
الكَاتِبُ، المُجَوِّدُ، الأَوْحَدُ، أَبُو عَلِيٍّ حَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجُوَيْنِيُّ، الأَدِيْبُ، الشَّاعِرُ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ اللعيبَةِ.
قَالَ العِمَاد (1) : هُوَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَاد، لَهُ الخطُّ الرَّائِق، وَالفَضْل الفَائِق، وَاللَّفْظ الشَّائِق، وَالمَعْنَى اللاَئِق، لَهُ فَصَاحَةٌ وَلَسَن، وَخطّ كَاسْمِهِ حسنٌ، مِنْ نُدمَاء الأَتَابكِ زَنْكِي، ثُمَّ ابْنه، ثُمَّ سَافر إِلَى مِصْرَ، وَلَيْسَ بِهَا مَنْ يَكتب مِثْله.
قُلْتُ: مدح صَلاَح الدِّيْنِ وَالفَاضِل.
__________
(*) ترجم له العماد الأصبهاني في القسم العراقي من الخريدة، ج: 3 مجلد: 2 ص 58 - 63، وياقوت في إرشاد الاريب: 3 / 156 وذكر أن وفاته لعشر خلون من صفر سنة 586، وابن خلكان في وفيات الأعيان: 2 / 131، وذكر أنه توفي سنة 584 أو 586 وجاء تعليق في هامش إحدى نسخ الوفيات: (الصحيح أنه توفي سنة ست وثمانين لاني رأيت جزءا بخطه ذكر أنه كتبه في سنة خمس وثمانين، وأن عمره حينئذ إحدى وثمانون سنة ونصف) .
قلنا: وكان المنذري، شيخ ابن خلكان، قد ترجم له في وفيات سنة 584 من (التكملة) ، فقال: (وفي التاسع من صفر توفي
الشيخ الفاضل أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الجويني الكاتب بالقاهرة) (الترجمة: 34) .
وترجمه أيضا ابن الفوطي في الملقبين بفخر الكاتب من (تلخيصه) نقلا من (بغية الطلب في تاريخ حلب) لكمال الدين ابن العديم، وسماه (الحسن بن إبراهيم بن علي) وذكر أنه توفي في صفر سنة 586.
والطريف أن المؤلف الذهبي ترجم له مرتين في تاريخ الإسلام لم يذكر فيهما أنه توفي سنة 586، الأولى في وفيات سنة 582، وقال فيه (الحسن بن إبراهيم بن علي) ، ونقل ترجمته ووفاته من الذيل على المنتظم لشيخه ابن البزوري المتوفى سنة 694 لقوله: (توفي في هذه السنة فيما أنبأني ابن البزوري) (الورقة: 100 - أحمد الثالث 2917 / 14) ، ثم ترجم له ثانية في وفيات سنة 584 نقلا من (تكملة) المنذري (الورقة: 110 من النسخة السابقة) ، وكان المنذري قد أورد رواية على التمريض تشير إلى وفاته سنة 586، إذ قال في آخر ترجمته من.
(التكملة) : (وقيل: إنه توفي سنة ست وثمانين) ، فالراجح وفاته سنة 586 وكأن المؤلف رجح ذلك، فذكره هنا مؤكدا من غير ذكر رواية أخرى.
(1) (الخريدة) - قسم شعراء العراق ج 3 م 2 ص: 58.(21/233)
قَالَ العِمَاد (1) : حَدَّثَنِي سَعْدٌ الكَاتِبُ بِمِصْرَ، قَالَ:
كَانَ الجُوَيْنِيُّ صَدِيْقِي، وَكَانَ يَشرب الخَمْر، فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ كَانَ يَكتب مصحفاً، وَبَيْنَ يَدَيْهِ مِجْمَرَة (2) وَقنِينَة خمر، وَلَمْ يَكُنْ بقربِي مَا أُندِّي بِهِ الدوَاة، فَصببت مِنَ القنِينَة فِي الدوَاة، وَكَتَبت وَجهَة، وَنشَّفْتُهَا عَلَى المِجْمَرَةِ، فَصعدت شرَارَةٌ أَحرَقَتِ الخطَّ دُوْنَ بَقِيَّة الورقَة، فَرعبتُ، وَقُمْت، وَغسلت الدوَاة وَالأَقلاَم، وَتبت إِلَى اللهِ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
120 - الجَنْزَوِيُّ أَبُو الفَضْلِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ، الفَاضِلُ، المُحَدِّثُ، الفَرَضِيُّ، الشُّرُوْطِيُّ، العَدْلُ، أَبُو الفَضْلِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي القَاسِمِ الجَنْزَوِيُّ الأَصْل، الدِّمَشْقِيُّ، الكَاتِبُ، وَيُقَالُ فِيْهِ: الجَنْزِيُّ، وَالكَنْجِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، فَهُوَ أَسنّ مِنَ الحَافِظ ابْنِ عَسَاكِرَ بِسَنَةٍ.
__________
(1) لم نجد هذا النص في المطبوع من (الخريدة) قسم شعراء العراق حين ترجم له العماد.
(2) المجمرة: بكسر الميم الأولى: اسم الشئ الذي يوضع فيه الجمر.
(*) ترجم له ياقوت في (جنزة) من معجم البلدان: 2 / 132، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 245 (باريس 5921) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 168، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 35 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 242، والعبر: 4 / 266، والمشتبه: 183، والاعلام، الورقة: 211، والسبكي في الطبقات: 7 / 52، والاسنوي في طبقاته: 1 / 370، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 116، وابن العماد في الشذرات: 4 / 293.(21/234)
تَفَقَّهَ عَلَى: جَمَال الإِسْلاَمِ (1) ، وَأَبِي الفَتْحِ المِصِّيْصِيّ (2) .
وَسَمِعَ مِن: الأَمِيْن هِبَة اللهِ ابْن الأَكْفَانِيِّ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَطَاهِر بن سَهْلٍ، وَيَحْيَى بن بِطْرِيْقٍ، وَطَبَقَتهِم.
وَاعتنَى بِالرِّوَايَة، وَكَتَبَ، وَرَحَلَ، فَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي البَرَكَات هِبَة اللهِ ابْن البُخَارِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بن مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ، وَالحَافِظ أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَالحَسَن بن إِسْحَاقَ البَاقَرحِيّ، وَهِبَة اللهِ بن الطَّبرِ، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَالقَاسِم ابْن عَسَاكِرَ، وَابْن الأَخْضَرِ، وَعَبْد القَادِرِ الرُّهَاوِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَالشَّيْخ الضِّيَاء، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالتَّاج القُرْطُبِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن الخُشُوْعِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن خَلِيْل، وَالعِمَاد بن عَبْدِ الهَادِي، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَخَلْق.
وَجَنْزَة مِنْ مدن أَرَّان، وَهُوَ إِقْلِيْم صَغِيْر، بَيْنَ أَذْرَبِيْجَان وَأَرْمِيْنِيةَ.
كَانَ مِنْ كِبَارِ الشُّهُود وَالمُحَدِّثِيْنَ.
مَاتَ: فِي سَلْخِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ عَاماً وَشهرَان -رَحِمَهُ الله-.
121 - ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) يعني علي بن المسلم السلمي.
(2) أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 102 (باريس 5922) ، والمنذري في =(21/235)
أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ.
مِنْ بَيْت الرِّوَايَة وَالكِتَابَة.
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ -أَوْ جُمَادَى الأُوْلَى- سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بَيَانٍ، وَمِنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ نَبْهَانَ -وَهُوَ فِي الخَامِسَة- وَمُحَمَّد بن عَبْدِ البَاقِي الدُّوْرِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ بن يُوْسُفَ، وَجَعْفَر بن الْمُحسن السَّلَمَاسِيّ، وَجدِّه، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ المَقْدِسِيّ، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَالجلاَل عَبْد اللهِ بن الحَسَنِ قَاضِي دِمْيَاط، وَعَلِيّ بن عَبْدِ اللَّطِيْفِ ابْنِ الخِيَمِيّ، وَمُحَمَّد بن نفيسٍ الزَّعيْمِيّ، وَأَحْمَد بن شكرٍ الكِنْدِيّ، وَعِدَّة.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الأَخْضَرِ: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَمِنْ أَبِيْهِ وَجدّه.
قُلْتُ: مَاتَ فِي تَاسع رَبِيْع الأَوّل، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْل (جَزْءَ ابْنِ عَرَفَةَ) ، وَهُوَ وَالِدُ مُسْنِدِ وَقته الفَتْح بن عَبْدِ السَّلاَمِ.
وَقَالَ فِيْهِ الحَافِظ ابْن النَّجَّار: كَانَ شَيْخاً نبيلاً، وَقُوْراً، مِنْ ذَوِي الهيئَات، وَأَوْلاَد الرُّؤَسَاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، حَدَّثَ بِالكَثِيْرِ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ النَّفِيْس بن مُنْجِبٍ يَقُوْلُ: كَانَ ثِقَةً، يَتشيَّع.
__________
= التكملة، الترجمة: 190، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 152 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 160، والعبر: 4 / 269.(21/236)
122 - صَاحِبُ المَوْصِلِ مَسْعُوْدُ بنُ مَوْدُوْدِ بنِ زنْكِي التُّرْكِيُّ *
المَلِكُ، عِزُّ الدِّيْنِ، أَبُو المُظَفَّرِ مَسْعُوْدُ ابْنُ المَلِكِ مَوْدُوْدِ بنِ الأَتَابكِ زَنْكِي بن آقْسُنْقُر الأَتَابكِيُّ، التُّرْكِيُّ، الَّذِي عَمِلَ المَصَافَّ مَعَ صَلاَحِ الدِّيْنِ عَلَى قرُوْنِ حَمَاة، فَانْكَسَرَ مَسْعُوْدٌ سَنَة سَبْعِيْنَ، ثُمَّ وَرِثَ حلب، أَوْصَى لَهُ بِهَا ابْنُ عَمِّهِ الصَّالِح إِسْمَاعِيْل، فَسَاق، وَطلع إِلَى القَلْعَة، وَتَزَوَّجَ بوَالِدَة الصَّالِح، فَحَارَبَهُ صَلاَح الدِّيْنِ، وَحَاصَرَ المَوْصِل ثَلاَث مَرَّاتٍ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ، ثُمَّ تَصَالَحَا، وَكَانَ مَوْتُهُمَا مُتَقَارِباً (1) .
تعَلَّل (2) مَسْعُوْد، وَبَقِيَ عَشْرَة أَيَّام لاَ يَتَكَلَّم إِلاَّ بِالشَّهَادَة وَالتِلاَوَة، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ، اسْتغْفر، وَخُتم لَهُ بِخَيْر.
وَكَانَ يَزور الصَّالِحِيْنَ، وَفِيْهِ حلم وَحيَاء وَدين وَقيَام ليل، وَفِيْهِ عدل.
مَاتَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَرْجَمَة صَاحِب المَوْصِل عِزّ الدِّيْنِ مَسْعُوْد بن مَوْدُوْد (3) : لَمَّا سَارَ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ مِنْ مِصْرَ، وَأَخَذَ دِمَشْق بَعْد مَوْتِ نُوْر الدِّيْنِ، خَاف مِنْهُ صَاحِب المَوْصِل غَازِي، فَجَهَّزَ أَخَاهُ مسعُوْداً هَذَا لِيَردَّ صَلاَح الدِّيْنِ عَنِ البِلاَد، فَترحّل صَلاَح الدِّيْنِ عَنْ حلب فِي رَجَبٍ سَنَة
__________
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره ولا سيما الكامل لابن الأثير، والتاريخ الباهر له أيضا: 181 - 189.
وقد ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 155 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 269، وأكثر نقله في هذه الترجمة من وفيات الأعيان لابن خلكان: 5 / 203 - 209.
وراجع أيضا البداية لابن كثير: 13 / 7، وشذرات ابن العماد: 4 / 297.
(1) انظر التفاصيل في (وفيات الأعيان) لابن خلكان: 5 / 203 - 207.
(2) كان ذلك بعلة الاسهال كما سيأتي.
(3) (الوفيات) : 5 / 203 فما بعد، وتصرف بالنص على عادته.(21/237)
سَبْعِيْنَ، وَأَخَذَ حِمْص، فَانضمّ الحلبيّون مَعَ مَسْعُوْد، وَعَرَفَ بِذَلِكَ صَلاَح الدِّيْنِ، فَسَارَ، فَوَافَاهُم عَلَى قرُوْنَ حَمَاة، فَترَاسلُوا فِي الصُّلح، فَأَبَى مَسْعُوْد، وَظَنّ أَنَّهُ يهْزم صَلاَح الدِّيْنِ، فَالتَقَوا، فَانكسر مَسْعُوْد، وَأُسِرَ عِدَّة مِنْ أُمَرَائِهِ فِي رَمَضَانَ، وَأُطلقُوا، وَعَاد صَلاَح الدِّيْنِ، فَنَزَلَ عَلَى حلب، فَصَالَحَ ابْن نُوْر الدِّيْنِ عَلَى بذل المَعَرَّة وَكفرطَاب وَبَارِيْنَ، فَترحّل، ثُمَّ تَسَلَّطن بِالمَوْصِل مَسْعُوْد، فَلَمَّا احتُضر وَلد نُوْر الدِّيْنِ، أَوْصَى بِحَلَبَ لمَسْعُوْد ابْن عَمِّهِ، وَاسْتخلف لَهُ الأَمْرُ، فَبَادر إِلَيْهَا مَسْعُوْد، فَدَخَلهَا فِي شَعْبَان سَنَةَ 77، وَتَمَكَّنَ، وَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الصَّالِح، وَأَقَامَ بِهَا نَحْو شَهْرَيْنِ، ثُمَّ خَاف مِنْ صَلاَح الدِّيْنِ، وَأَلحّ عَلَيْهِ الأُمَرَاء بِطَلب إِقطَاعَات، فَفَارق حلب، وَاستنَاب عَلَيْهَا مُظَفَّرَ الدِّيْنِ ابْن صَاحِب إِرْبِل (1) ، ثُمَّ اجْتمع بِأَخِيْهِ زَنْكِي (2) ، فَقَايضه عَلَى حلب بِسِنْجَار، وَتحَالفَا، وَقَدِمَ زَنْكِي، فَتملّك حلب فِي المُحَرَّم سَنَةَ 78، وَردّ صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى مِصْرَ، فَبلغَتْهُ الأُمُوْر، فَكرّ رَاجِعاً، وَبَلَغَهُ أَنّ مسعُوْداً رَاسل الفِرنْج يَحثّهُم عَلَى حَرْب صَلاَح الدِّيْنِ، فَغَضِبَ وَسَارَ، فَنَازل حلب فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَمَانٍ، ثُمَّ ترحّل بَعْد ثَلاَث، فَانحَاز إِلَيْهِ مُظَفَّر الدِّيْنِ ابْن صَاحِب إِرْبِل، وَقوَّى عَزْمه عَلَى قصد مَمَالِك الجَزِيْرَة، فَعدَّى الفُرَات، وَأَخَذَ الرَّقَّة، وَالرُّهَا، وَنَصِيْبِيْن، وَسَرُوج، ثُمَّ نَازل المَوْصِل فِي رَجَبٍ، فَرَآهَا منِيعَة، فَنَزَلَ عَلَى سِنْجَار أَيَّاماً، وَافْتَتَحَهَا، فَأَعْطَاهَا لِتقِيّ الدِّيْنِ عُمَر صَاحِب حَمَاة، ثُمَّ نَازل المَوْصِل فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، فَنَزَلت إِلَيْهِ أُمّ مَسْعُوْد فِي نِسْوَة، فَمَا أَجَابهنّ، ثُمَّ نَدِم، وَبذلت الموَاصِلَةُ نُفُوْسهُم فِي القِتَال ليَالِي، فَأَتَاهُ مَوْتُ صَاحِب خِلاَط
__________
(1) صاحب إربل آنذاك هو زين الدين، وقد تولى مظفر الدين إمارة إربل بعد أبيه وكان مشهورا وعرف بمظهر الدين كوكبري.
(2) يعني عماد الدين زنكي.(21/238)
شَاه أَرمن (1) ، وَتَملُّكُ مَمْلُوْكهِ بَكتمر، فَلاَن بَكتمر أَنْ يُملِّكَ صَلاَحَ الدِّيْنِ خِلاَط (2) ، وَيَكُوْن مِنْ دَوْلَته، وَتردَّدت الرسُلُ.
وَأَقْبَلَ بَهْلَوَان صَاحِب أَذْرَبِيْجَان ليَأْخذ خِلاَط، فَرَاوَغ بِكتمر المَلِكَين، وَنَزَلَ صَلاَحُ الدِّيْنِ عَلَى مَيَّافَارِقِيْن، فَجدَّ فِي حصَارهَا إِلَى أَنْ فَتحهَا، وَأَخَذَهَا مِنْ قُطْب الدِّيْنِ الأُرتقِيِّ، وَكرَّ إِلَى المَوْصِل، فَتمرَّض مُدَّة، وَرقَّ، وَصَالِح أَهْل المَوْصِل، وَحَلَفَ لَهُم (3) ، وَتَمَكَّنَ حِيْنَئِذٍ مَسْعُوْد، وَاطمَأَنَّ، إِلَى أَنْ مَاتَ بَعْدَ صَلاَح الدِّيْنِ بِأَشهر بعلَّة الإِسهَال، وَدُفِنَ بِمدرسته الكُبْرَى، وَتَملّك بَعْدَهُ ابْنه نُوْر الدِّيْنِ مُدَّة، ثُمَّ مَاتَ عَنِ ابْنَيْنِ: القَاهِر مَسْعُوْد، وَالمَنْصُوْر زَنْكِي.
123 - الشِّيْرَازِيُّ أَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الرَّحَّال، أَبُو يَعْقُوْبَ (4) يُوْسُفُ
__________
(1) هو ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن سكمان القطبي.
(2) أصل النص عند ابن خلكان: فسير إلى السلطان، وأطمعه في خلاط، وقرر معه تسليمها إليه، وأن يعوضه عنها ما يرضيه.
(3) كان السلطان - رضي الله عنه - قد مرض مرضا شديدا أشرف فيه على الموت، قال ابن كثير: (ثم نذر لئن شفاه الله من مرضه هذا ليصرفن همته كلها إلى قتال الفرنج، ولا يقاتل بعد ذلك مسلما، وليجعل أكبر همه فتح بيت المقدس، ولو صرف في سبيل الله جميع ما يملكه من الاموال والذخائر، وليقتلن البرنس صاحب الكرك بيده لأنه نقض العهد وتنقص الرسول - صلى الله عليه وسلم) (البداية: 12 / 316) وقد بر بوعده إلى حين وفاته.
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 84، وابن الدبيثي كما دل عليه المختصر المحتاج إليه: 3 / 231، وابن النجار كما دل عليه تلخيص ابن الفوطي 4 / الترجمة 653 في الملقبين بعضد الدين.
وترجم له ابن الفوطي مرة أخرى في الملقبين بمجير الدين من تلخيصه: 5 / الترجمة 648 ونقل هنا من تاريخ ابن الدبيثي.
وترجم له أيضا الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 25 (باريس 1582) ، والتذكرة: 4 / 1356، والاعلام، الورقة 211، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 111، وابن العماد في الشذرات: 4 / 284.
(4) في (تكملة) المنذري و (تاريخ) ابن الدبيثي كما دل عليه (المختصر المحتاج =(21/239)
بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الشِّيْرَازِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ (1) ، صَاحِبُ (الأَرْبَعِيْنَ البَلَدِيَّة) .
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِبَغْدَادَ.
فَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَيَحْيَى بن عَلِيٍّ الطّراح، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبِي سَعْدٍ بنِ البَغْدَادِيّ الحَافِظ.
ثُمَّ طلب بِنَفْسِهِ، فَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ المَلِكِ الكَرُوْخِيّ، وَابْن نَاصِر، وَبِالكُوْفَةِ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ غَبْرَة، وَبكرمَان مِنْ: أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَبِالبَصْرَةِ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ سَلِيخٌ (2) ، وَبِوَاسِط مِنْ: أَحْمَد بن بختيَار المَنْدَائِيّ، وَبِهَرَاةَ مِنَ: المُعَمَّر عَبْد الجَلِيْل بن أَبِي سَعْدٍ، وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الطُّوْسِيّ، وَبِبَلْخَ مِنْ: أَبِي شُجَاع البِسْطَامِيّ، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ الحَمَّامِيّ، وَبِهَمَذَانَ مِنْ: نَصْر البَرْمَكِيّ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بن هِلاَلٍ.
وَكَانَ ذَا رحلَة وَاسِعَةٍ، وَمَعْرِفَة جيدَة، وَصدق، وَإِتْقَان.
وَثَّقَهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ.
وَكَتَبَ عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى.
وَكَانَ حُلْوَ المُحَاضِرَة، ظرِيفاً، دمثَ الأَخلاَق.
__________
= إليه) : أبو محمد، ويقال أبو العز، وفي (تلخيص) ابن الفوطي نقلا عن محب الدين ابن النجار: أبو الفرج لكن ابن الدبيثي حينما ذكر حديثا بإسناده إليه، قال: حدثنا أبو يعقوب، فلعله كانت له كل هذه الكنى كما لكثيرين غيره من أهل هذا العصر (انظر المصادر في الهامش الآتي) .
(1) كان شيخا برباط أرجوان والدة الخليفة المقتدي بأمر الله، بشرقي بغداد.
(2) قيده الذهبي في (المشتبه) : 367.(21/240)
تَوَصَّلَ، وَسَادَ، وَذَهَبَ رَسُوْلاً عَنْ دِيْوَان العَزِيْز إِلَى المُلُوْكِ، وَكَثُرَ مَالُهُ، وَرَوَى شَيْئاً يَسيراً.
تُوُفِّيَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدْ أَجَادَ تَأْلِيْف (الأَرْبَعِيْنَ) ، وَهِيَ فِي مُجَلَّدٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْن حَبَابَةَ (1) ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ (2) ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَادَ رَجُلاً قَدْ صَارَ مِثْلَ الفَرخ ... ، الحَدِيْثَ (3) .
124 - ابْنُ الفَخَّارِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَلَفٍ الأَنْدَلُسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، المُجَوِّدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) قال الذهبي في (المشتبه) : (وبمهملة مفتوحة وموحدة خفيفة..وأبو القاسم عبيد الله بن حبابة صاحب البغوي) (ص: 206) .
(2) انظر (مشتبه) الذهبي: 652.
(3) قال شعيب: إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2688) في الذكر والدعاء، وأحمد 3 / 107 عن ابن أبي عدي، والترمذي (3487) عن سهل بن يوسف، كلاهما عن حميد، عن ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟) قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، لا تطيقه، أولا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) قال: فدعا الله، فشفاه.
وأخرجه مسلم من طريق عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس، ومن طريق سالم بن نوح العطار، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 2 / 547، والمنذري في تكملته، الترجمة: 242، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 168 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 274، =(21/241)
إِبْرَاهِيْمَ بنِ خَلَفٍ الأَنْدَلُسِيُّ، المَالقِيُّ، ابْنُ الفَخَّارِ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ الرُّعَيْنِيّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيّ، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ ابْن العَرَبِيّ، وَأَبَا مَرْوَانَ بن مسرَّة، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ القُرَشِيّ، وَطَبَقَتهُم.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ (1) : كَانَ صدراً فِي الحُفَّاظ، مقدّماً، مَعْرُوْفاً بِسَرْد المتُوْن وَالأَسَانِيْد، مَعَ مَعْرِفَة بِالرِّجَال، وَحفظ لِلْغَرِيْب (2) ، سَمِعَ مِنْهُ جلَّة، وَحَدَّثَنِي (3) عَنْهُ أَئِمَّة.
سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَان بن حَوْط الله يذكر عَنِ ابْنُ الفَخَّارِ: أَنَّهُ حَفِظ فِي شبِيْبته (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) ، فَأَمَّا فِي مُدَّة لقَائِي (4) إِيَّاهُ، فَكَانَ يذكر (صَحِيْح مُسْلِم) .
وَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالوَرَع وَالفَضْل، مُسلَّماً لَهُ فِي جَلاَلَة القَدْر، وَمتَانَة العدَالَة، طُلب إِلَى حضَرَة السُّلْطَان بِمَرَّاكش ليُسْمَعَ عَلَيْهِ بِهَا، فَتُوُفِّيَ هُنَاكَ فِي شَعْبَان، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ: وَمِنْ شُيُوْخِي ابْن الفَخَّارِ، مُسَلَّم لَهُ فِي جَلاَلَة الْقدر، وَمتَانَة الأَمَانَة وَالعدَالَة، اخْتصَّ بِابْنِ العربِي، وَأَكْثَر عَنْهُ، لَقِيْتُهُ برِبَاط الفَتْح، قَرَأْت عَلَيْهِ وَعَلَى ابْن حُبَيْش، وَابْن عُبَيْدِ اللهِ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا ابْن العربِي، أَخْبَرَنَا طِرَادٌ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
__________
= وتذكرة الحفاظ: 4 / 1355، وابن قاضي شهبة في طبقات النحاة، الورقة: 2، وابن العماد في الشذرات: 4 / 303.
(1) (التكملة) : 2 / 547 - 548.
(2) في (تكملة) ابن الابار: وذكر الغريب.
(3) في (التكملة الابارية) : وحدث عنه أئمة.
(4) الكلام لأبي سليمان بن حوط الله.(21/242)
وَفِيْهَا مَاتَ: الشَّاطِبِيّ، وَأَبُو الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبُو المُظَفَّرِ عَبْد الخَالِقِ بن فَيْرُوْز الجَوْهَرِيّ، وَوَالِد كَرِيْمَة، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِكِ بنِ بُوْنُه (1) أَخُو عَبْدِ الحَقِّ.
وَلَهُ إِجَازَة مِنِ ابْنِ سكَّرَة.
125 - ابْنُ بَوْشٍ يَحْيَى بنُ أَسْعَدَ بنِ يَحْيَى البَغْدَادِيُّ
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، الرَّحَّالةُ، أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بنُ أَسْعَدَ بنِ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَوْشٍ (2) البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، الخَبَّازُ.
سَمِعَ بِإِفَادَة خَاله (3) مِنْ: أَبِي طَالِبٍ بن يُوْسُفَ، وَأَبِي الغَنَائِم مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ البَاقَرحِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ بنِ الطُّيُوْرِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ عُبَيْد اللهِ بن عَبْدِ المَلِكِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَأَبِي البَرَكَات هِبَة اللهِ ابْن البُخَارِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَد بن هِبَةِ اللهِ ابْنِ النَّرْسِيِّ، وَأَبِي العِزِّ بن كَادِشٍ،
__________
(1) قيده الذهبي في (المشتبه) : 104 كما قيدناه هنا.
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة 223، وإكمال الإكمال، الورقة: 61 (ظاهرية) ، وابن الدبيثي في تاريخه كما دل عليه المختصر المحتاج إليه: 3 / 238، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 455، والمنذري في التكملة، الترجمة: 405، وأبو شامة في ذيل الروضتين: 12، والنعال البغدادي في مشيخته: 133، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 74 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 283، ودول الإسلام: 2 / 77، والاعلام، الورقة: 211، وابن ناصر الدين في توضيحه، الورقة: 125 (سوهاج) ، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 214، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 140، وابن العماد في الشذرات: 4 / 315.
(2) قيده ابن نقطة في (البوشي) من (إكمال الإكمال) ، وقال المنذري في (التكملة) :
(بفتح الباء الموحدة وسكون الواو وبعدها شين معجمة) .
(3) خاله هو أبو الحسن علي بن أبي سعد الخباز المتوفى سنة 562، ترجم له ابن الجوزي في (المنتظم) : 10 / 221، وسبطه في المرآة: 8 / 271، والعيني في (عقد الجمان) : 16 / الورقة: 400 وغيرهم.(21/243)
وَعَلِيّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّيْنَوَرِيّ، وَهِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبِي عُبَيْدِ اللهِ البَارِع، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ بيَان، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَأَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ سَمَاعه صَحِيْحاً، وَبوركَ فِي عُمُرِه، وَاحتيجَ إِلَيْهِ، وَحَدَّثَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ علم.
قُلْتُ: مَنْ سَمَاعه (المُسْنَد) كُلّه عَلَى ابْنِ الحُصَيْنِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالتَّقِيّ بن بَاسُوَيْه، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ الصَّوَّاف، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ القَادِرِ البَنْدَنِيْجِيّ، وَتَمِيْم بن مَنْصُوْرٍ الرُّصَافِيّ، وَجَعْفَر بن ثنَاء ابْن القُرطبَان، وَدَاوُد بن شُجَاعٍ، وَعَلِيّ بن فَائِزَة، وَعَلِيّ بن الأَخْضَر، وَفضل الله الجِيْلِيّ، وَعَلِيّ بن مَعَالِي الرُّصَافِيّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الجَوْزِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَاليَلْدَانِيّ، وَابْن المُهَيْر الحَرَّانِيّ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ (1) .
وَكَانَ يُعطَى عَلَى الرِّوَايَة لفقرِه فِي بَعْضِ الوَقْت.
مَاتَ: فِي ثَالِث ذِي القَعْدَةِ فُجَاءةً، غصّ بلُقمَة، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
__________
(1) شدد شيخنا العلامة الدكتور مصطفى جواد - رحمه الله - الياء (المختصر المحتاج إليه: 3 / 239) ، وما أصاب، أو لعله سبق قلم منه، وهذا هو أحمد بن أبي الخير سلامة الحنبلي شيخ الذهبي المشهور المتوفى سنة 678 وقد مر التعريف به.(21/244)
126 - الطَّرَسُوْسِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَتْحِ الطَّرَسُوْسِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الفَقِيْهُ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي صَفَرِهَا.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَمُحَمَّد بن طَاهِر، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق، وَمَحْمُوْد بن إِسْمَاعِيْلَ الأَشْقَر، وَأَبِي نَهْشَل عَبْد الصَّمَدِ العَنْبَرِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى عَبْد اللهِ بن عَبْدِ الغَنِيِّ، وَيُوْسُف بن خَلِيْلٍ، وَطَائِفَة.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
مَاتَ: فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ سَلاَّمٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُوْدِيَ بِالصَّلاَةِ جَامِعَة.
__________
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة 484، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 203 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 / 287، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 154، وابن العماد في الشذرات: 6 / 320.(21/245)
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنِ ابْنِ رَاهَوَيْه، عَنْ يَحْيَى، بِهِ.
127 - الكَاغَدِيُّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ *
القَاضِي، الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، الخَطِيْبُ، أَبُو الفَضَائِل عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ، الكَاغَدِيُّ، المُعَدَّلُ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق، وَإِسْمَاعِيْل الإِخشيذ، وَفَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُف بن خَلِيْل، وَهُوَ أَحَد العَشْرَة الَّذِيْنَ أَدْركهُم مِنْ أَصْحَابِ الحَدَّاد.
أَجَازَ لِشيخنَا أَحْمَدَ بنِ سَلاَمَةَ.
وَتُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو طَاهِرٍ عَلِيّ بن سَعِيْدِ بنِ فَاذشَاه بِأَصْبَهَانَ، وَهُوَ أَحَد العَشْرَة (2) .
128 - ابْنُ البَاقِلاَّنِيِّ عَبْدُ اللهِ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عِمْرَانَ الرَّبَعِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، البَارِعُ، مُسْنِدُ القُرَّاءِ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
__________
(1) 2 / 442 في الكسوف: باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف.
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 451، والذهبي في تاريخ الإسلام الورقة: 74 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 284، والاعلام، الورقة: 211، وابن العماد في الشذرات: 4 / 317.
(2) يعني من أصحاب الحداد الذين أدركهم الحافظ ابن خليل.
(* *) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 130، وابن الأثير في الكامل: 12 / 54، وابن =(21/246)
مَنْصُوْرِ بنِ عِمْرَانَ بنِ رَبِيْعَةَ الرَّبَعِيُّ، الوَاسِطِيُّ، ابْنُ البَاقِلاَّنِيِّ.
وُلِدَ: فِي أَوَّلِ سَنَة خَمْس مائَة.
وَتَلاَ بِالعَشْر عَلَى: أَبِي العِزِّ القَلاَنسِيّ، وَعَلِيّ بن عَلِيِّ بنِ شيرَان، وَسِبْط الخَيَّاط.
وَسَمِعَ مِنْ: خَمِيْسٍ الحَوْزِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ البَارِع، وَهِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبِي العِزِّ بن كَادِشٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ المَزْرَفِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ نَصْر اللهِ بن الجَلَخْت، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ (1) ، وَابْن عَسَاكِرَ (2) أَنَاشيدَ، وَكَانَ شَاعِراً، مُحسناً.
وَحَدَّثَ عَنْهُ، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالعشر: التَّقِيُّ ابْنُ بَاسُوَيْه، وَالمُرَجَّى بن شقيرَة، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بن الدُّبَيْثِيّ، وَالحُسَيْن بن أَبِي الحَسَنِ بنِ ثَابِتٍ الطِّيْبِيّ، وَالإِمَامُ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَوَلَده؛ مُحْيِي الدِّيْنِ يُوْسُف، وَالشَّرِيْف الدَّاعِي، وَقُصِدَ مِنَ الآفَاق لِعُلُوِّ الإِسْنَادِ.
__________
= الدبيثي في تاريخه، الورقة: 109 (باريس 5922) ، والسبط في المرآة: 8 / 453، والمنذري في التكملة، الترجمة: 381، وأبو شامة في الذيل: 12، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 70 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 281، والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 172، ودول الإسلام: 2 / 77، ومعرفة القراء، الورقة: 176، والغساني في العسجد، الورقة: 101، وابن الجزري في غاية النهاية: 1 / 460، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 214، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 146، وابن العماد في
الشذرات: 4 / 314.
(1) ومات قبله بأكثر من ثلاثين سنة.
(2) ومات قبله باثنتين وعشرين سنة.(21/247)
قَالَ الدُّبَيْثِيّ (1) : انْفَرد بِالعَشْرَةِ عَنْ أَبِي العِزِّ، وَادَّعَى رِوَايَة شَيْء مِنَ الشّواذِّ، فَتكلّم النَّاس فِيْهِ، وَوقفُوا فِي ذَلِكَ، وَكَانَ عَارِفاً بوُجُوه القِرَاءات.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ المُحسِن بن أَبِي العَمِيد الصُّوْفِيّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ بَعْدَ وَفَاة ابْنِ البَاقِلاَّنِيّ كَأَنَّ مَنْ يَقُوْلُ لِي: صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُوْنَ وَليّاً للهِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة (2) : حَدَّثَ (بسُنَن أَبِي دَاوُدَ) عَنِ الفَارِقِيّ، وَسَمَاعه مِنْهُ سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ.
وَقَالَ المُحَدِّثُ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الوَاسِطِيّ: قرَأَ ابْنُ البَاقِلاَّنِيّ عَلَى أَبِي العِزِّ بِـ (الإِرشَاد (3)) وَمَا سِوَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَزوره.
تُوُفِّيَ ابْنُ البَاقِلاَّنِيّ: فِي سَلْخِ رَبِيْع الآخر، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
129 - النَّوْقَانِيُّ أَبُو المَفَاخِرِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ بنِ أَبِي نَصْرٍ *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، أَبُو المَفَاخِرِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ بنِ أَبِي نَصْرٍ
__________
(1) (الذيل) ، وهو تاريخه، الورقة: 109 (باريس 5922) .
(2) (التقييد) ، الورقة: 131 من نسخة الأزهر.
(3) يعني كتاب (الارشاد) للخليلي.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 52، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 180 (باريس 5921) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 309، وأبو شامة في الذيل: 10، وابن الصابوني في تكملة إكمال الإكمال: 351، وابن الفوطي في الملقبين بفخر الدين من تلخيصه: 4 / الترجمة: 2389 ونقل ترجمته من تاريخ القاضي تاج الدين يحيى بن القاسم التكريتي، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 68 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 165، والصفدي في الوافي: 4 / 171، والسبكي في طبقاته: 7 / 29، والاسنوي في طبقاته: 2 / 499، وابن كثير في البداية: 13 / 13، وابن الملقن في العقد، الورقة: 164، وابن ناصر الدين في التوضيح، الورقة 79 (سوهاج) .(21/248)
النَّوْقَانِيُّ (1) ، الشَّافِعِيُّ.
تَفقّه: بِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب وَالخلاَف، ثُمَّ سَكَنَ بَغْدَاد، وَأَخَذُوا عَنْهُ طرِيقتَه، ثُمَّ درّس بِمَدْرَسَة أُمّ خَلِيْفَة النَّاصِر، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّة بِالتَّفْسِيْر.
تخرّج بِهِ أَئِمَّة، وَكَانَ ذَا صلاَح، وَصيَانَة، وَمُلاَزمَة لِلْعِلْمِ، مَعَ سخَاء، وَمُروءة، وَبَذْلٍ، وَقنَاعَة.
حَدَّثَ (بِالأَرْبَعِيْنَ) الَّتِي لابْنِ يَحْيَى، وَكَانَ شَيْخاً مَهِيْباً.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَانِ بن عُمَرَ الغَزَّال، وَغَيْرهُ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ الفَقِيْه نَصْر بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ غَيْرَ مَرَّةٍ يُثنِي عَلَى النَّوْقَانِيّ ثنَاء كَثِيْراً، وَيَصفُ خلقَه وَبذله لِتَلاَمِذته، وَغزَارَة عِلْمه، وَسعَة فَهمه.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَسَمِعْتُ الفَقِيْه مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ بنِ الدَّبَّاس يُثنِي عَلَى النَّوْقَانِيّ، وَيَقُوْلُ: كَانَ وَليّاً للهِ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِنوقَان.
وَتُوُفِّيَ: قَافلاً مِنْ حجّه بِالكُوْفَةِ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) وجدنا النون الأولى من النوقاني مفتوحة في أصل النسخة، وكأن الذهبي أخذ برأي الذين فتحوها ومنهم أبو سعد السمعاني في (الأنساب) .
وقيدها ياقوت بالضم في (معجم البلدان) وتابعه ابن عبد الحق في (مراصد الاطلاع) ، وقال الزكي المنذري في ترجمة أبي المفاخر هذا من (التكملة) : ونوقان التي نسب إليها هي إحدى مدينتي طوس، وهي بضم النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الالف نون) ثم قال: وقد حكي فتح النون الأولى.(21/249)
130 - ذَاكِرُ بنُ كَامِلِ بنِ أَبِي غَالِبٍ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ البَغْدَادِيُّ، الخَفَّافُ.
سَمِعَهُ أَخُوْهُ المُبَارَك الحَافِظ مِنَ: الحَسَنِ مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ البَاقَرحِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ ابْنِ المَهْدِيِّ، وَالمُعَمَّر بن مُحَمَّدٍ البيِّع، وَأَبِي سَعْدٍ ابْن الطُّيُوْرِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبِي طَالِبٍ بن يُوْسُفَ، وَأَبِي العِزِّ القَلاَنسِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ البَاقِي الدُّوْرِيّ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ بيَان، وَعَبْد الغَفَّارِ الشّيروبِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَأَبُو طَاهِرٍ الحِنَّائِيّ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّسِيْب، وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَتَفَرَّد، وَكَانَ صَالِحاً خَيّراً، قَلِيْل الكَلاَم، ذَاكراً الله، يَسرد الصَّوْم، وَيَتقوّت مِنْ عَمَله، وَكَانَ أُمِّيّاً لاَ يَكتب.
حَدَّثَ عَنْهُ: سَالِم بن صَصْرَى، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الجَلِيْلِ، وَعَلِيّ بن مَعَالِي الرُّصَافِيّ، وَعِدَّة.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ: مَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، لِمَكَان اسْمه.
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 95، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 49 (باريس 5922) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 278، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 60 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 66، والعبر: 4 / 276، والاعلام، الورقة: 211، والصفدي في الوافي: 8 / الورقة 56، وابن العماد في الشذرات: 4 / 306.(21/250)
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: مُسْندُ بَغْدَادَ مُحَمَّد بن الدِّيْنَةِ.
تُوُفِّيَ: فِي سَادس رَجَب، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ بن الزِّبْرِقَانِ الأَصْبَهَانِيّ فِي عَشْرِ المائَة، وَشَيْخ القُرَّاء شُجَاع بن مُحَمَّدِ بنِ سيّدهُم المُدْلِجِيُّ بِمِصْرَ، وَمُقْرِئ بَغْدَاد أَبُو جَعْفَرٍ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الوَاسِطِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْد اللهِ الحَجْرِيّ، وَأَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الأَصفهبذ بِأَصْبَهَانَ، وَأَبُو الحَسَنِ نَجبَة (1) بن يَحْيَى الرُّعَيْنِيّ المُقْرِئُ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ يَحْيَى بن عَلِيِّ بنِ الخَرَّاز (2) الحَرِيْمِيّ مِنْ شُيُوْخ ابْن خَلِيْل، سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ ابْنَ المَهْدِيّ.
131 - الحَجْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُعَمَّرُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ ذِي النُّوْنِ الرُّعَيْنِيُّ، الحَجْرِيُّ (3) ، الأَنْدَلُسِيُّ، المَرِيِّيُّ، المَالِكِيُّ، الزَّاهِدُ، نَزِيْلُ سَبْتَة.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) قيده ابن الصابوني في (تكملة إكمال الإكمال) : 337، وابن ناصر الدين في (توضيحه) الورقة 142 من النسخة السوهاجية.
(2) ترجمه المنذري في (التكملة) ، الترجمة: 299 وقيد (الخراز) بالحروف فقال: بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء المهملة وفتحها وبعد الالف زاي.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 2 / 865، والمنذري في التكملة، الترجمة: 261، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 173 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1370، والعبر: 4 / 277، وابن العماد في الشذرات: 4 / 307.
(3) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم، نسبة إلى حجر بن ذي رعين.(21/251)
وَسَمِعَ (صَحِيْح مُسْلِم) مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زُغَبْيَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ وَرد، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ مَوْهَب، وَلقِي (1) أَبَا الحَسَنِ بنَ مُغِيْث -لقِيه بقُرْطُبَة- وَأَبَا القَاسِمِ بن بَقِيٍّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنِ مَكِّيّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيّ -سَمِعَ مِنْهُ (سُنَن النَّسَائِيّ) عَالِياً- وَأَبَا بَكْرٍ ابْن العَرَبِيّ، وَأَبَا الحَسَنِ شُرَيحاً، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالسَّبْعِ، وَقرَأَ عَلَيْهِ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَعُنِي بِالحَدِيْثِ، وَتَقدَّم فِيْهِ.
قَالَ الأَبَّار (2) : كَانَ غَايَة فِي الوَرَع وَالصَّلاَح وَالعدَالَة، وَلِي خطَابَة المَرِيَّة، وَدعِي إِلَى القَضَاء، فَأَبَى، وَلَمَّا تغلّب العَدُوّ، نَزح إِلَى مُرْسِيَة، وَضَاقت حَاله، فَتحوّل إِلَى فَاس، ثُمَّ إِلَى سَبْتَة، فَتصدّر بِهَا، وَبَعُد صِيْتُهُ، وَرَحَلَ إِلَيْهِ النَّاس، وَطُلِب إِلَى السُّلْطَانِ بِمَرَّاكش ليَأْخذ عَنْهُ، فَبقِي بِهَا مُدَّة، وَرجع، حَدَّثَنَا عَنْهُ عَالِم مِنَ الجُلَّة (3) ، سَمِعْتُ أَبَا الرَّبِيْع بن سَالِمٍ يَقُوْلُ:
صَادف وَقت وَفَاته قَحط، فَلَمَّا وُضِعت جِنَازَته، تَوسّلُوا بِهِ إِلَى اللهِ، فَسُقُوا، وَمَا اخْتلف النَّاسُ إِلَى قَبْره مُدَّة الأُسْبُوْع إِلاَّ فِي الْوَحل.
قَالَ: وَهُوَ رَأْس الصَّالِحِيْنَ، وَرسيسُ الأَثْبَاتِ الصَّادقين، حَالَفَ عُمُره الوَرَع، وَسَمِعَ مِنَ العِلْمِ الكَثِيْر، وَأَسَمِع (4) ، وَكَانَ ابْن حُبَيشٍ شَيْخنَا كَثِيْراً مَا يَقُوْلُ: لَمْ تُخرِج المَرِيَّة أَفْضَل مِنْهُ، وَكَانَ (5) زَمَاناً يُخْبِر أَنَّهُ يَموت فِي
__________
(1) إضافة يقتضيها السياق، وهي في (تاريخ الإسلام) .
(2) (التكملة) : 2 / 869 - 871 وقد اختصر الذهبي النص وانتقى منه بأسلوبه.
(3) في (التكملة الابارية) : (حدث عنه عالم من الجلة الاعلام بالاندلس والعدوة، فيهم عدة من شيوخنا وغيرهم) .
(4) من قوله: (وقال) إلى هذا الموضع لم أجده في المطبوع من (التكملة) الابارية، فكأنه ساقط منها
(5) نقل ابن الابار خبر الرؤية عن شيخه أبي الربيع بن سالم.(21/252)
المُحَرَّم لرُؤْيَا رَآهَا، فَكَانَ كُلّ سَنَة يَتَهَيَّأَ، قَرَأْت (1) عَلَيْهِ (صَحِيْح مُسْلِم) فِي سِتَّة أَيَّام وَكتباً، ثُمَّ سمَّاهَا.
قُلْتُ: تَلاَ بِالسَّبْع أَيْضاً عَلَى: يَحْيَى بنِ الخَلُوْف، وَأَبِي جَعْفَرٍ بن البَاذش.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّارِّيّ، وَأَكْثَر عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ فَرْتُوْنَ: ظَهَرَتْ لأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ كَرَامَات، حَدَّثَنَا شَيْخنَا الرَّاويَة مُحَمَّد بن الحَسَنِ بنِ غَاز، عَنْ بِنْت عَمّه -وَكَانَتْ صَالِحَة، وَكَانَتِ اسْتُحِيضَت مُدَّة- قَالَتْ:
حُدِّثْتُ بِمَوْتِ ابْن عُبَيْدِ اللهِ، فَشقّ عليّ أَنْ لاَ أَشْهَده، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ وَلياً مِنْ أَوليَائِك، فَأَمسِك عَنِّي الدَّم حَتَّى أُصَلِّي عَلَيْهِ، فَانقطع عَنِّي لوقتِهِ، ثُمَّ لَمْ أَره بَعْد (2) .
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ غَازِي المَذْكُوْر، وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عيشُوْنَ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ اليَتيم الأَنْدَرَشِيّ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ اليَحْصَبيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّفَّار (3) القُرْطُبِيّ، وَشَرَف الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللهِ المُرْسِيّ، وَأَبُو الخَطَّابِ بن دِحْيَة، وَأَخُوْهُ؛ أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحْرِز الزُّهْرِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن القَاسِمِ السَّرَّاج، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بن الفَخَّارِ الشَّرِيْشِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ فَطرَال، وَأَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُف بن مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن عَامِرٍ
__________
(1) خبر قراءة ابن الابار لصحيح مسلم على المترجم في ستة أيام وغيره من الكتب الأخرى لا وجود له في المطبوع من (التكملة) ، فالترجمة في المطبوع من (التكملة) ناقصة بلا ريب، فليعلم ذلك.
(2) أورد ابن الابار هذه الحكاية في (التكملة) عن صاحبه ابن فرتون عن ابن غازي: 2 / 871.
(3) في الأصل: (بن أبي الصفار) والتصحيح من (تاريخ الإسلام) .(21/253)
الطُّوْسِيّ (1) -بِفَتح الطَّاء- وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ بن الجِرْجِ (2) ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيّ الَّذِي بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سِتِّيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنِي عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ الحَافِظُ (3) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَنْصَارِيّ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الحَجْرِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَقِيٍّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ البِطْرَوْجِيّ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الفَقِيْه، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَمّ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ بن يَحْيَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْن عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ الَّذِي تَفُوْتُهُ صَلاَةُ العَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلهُ وَمَالهُ (4)) .
مَاتَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ: فِي المُحَرَّم -وَقِيْلَ: فِي أَوَّلِ صفر- سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَتْ جِنَازَته مَشْهُوْدَة بِسبتَة.
وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ (5) فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) انظر (مشتبه) الذهبي: 421.
(2) قال الذهبي في (المشتبه) : (الجرج: محمد بن إبراهيم بن الجرج، حدثنا عنه المعين بن أبي العباس بالثغر) (ص: 146) ، وقيده ابن ناصر الدين بالحروف في (توضيحه) 1 / الورقة: 125 من نسخة الظاهرية.
(3) يعني الدمياطي شيخ الذهبي، المتوفى سنة 705.
(4) قال شعيب: هو في (الموطأ) 1 / 11، 12 في وقوت الصلاة: باب جامع الوقوت، ومن طريق مالك أخرجه البخاري 2 / 24 في المواقيت: باب إثم من فاتته العصر، ومسلم (626) في المساجد: باب التغليظ في تفويت صلاه العصر.
وقوله (وتر أهله وماله) هو بنصب (أهله) عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر، وأضمر في (وتر) نائب الفاعل العائد على (الذي فاتته) فالمعنى: أصيب بأهله وماله، وهو متعد إلى مفعولين.
وقيل: (وتر) هنا بمعنى (نقص) ، فعلى هذا يجوز نصب (أهله) ورفعه، لان من رد النقص إلى الرجل نصب، وأضمر ما يقوم مقام الفاعل، ومن رده إلى الأهل، رفع.
(5) كان على المؤلف أن يذكر ذلك بعد ذكر مولده الأول في صدر الترجمة، أما إيراده هذه =(21/254)
قَالَ طَلْحَةُ بنُ مُحَمَّدٍ: ثَلاَثَةٌ مِنْ أَعْلاَم المَغْرِب فِي هَذَا الشَّأْن: ابْن بَشْكُوَال، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خَيْر، وَابْن عُبَيْدِ اللهِ.
وَقَالَ ابْنُ سَالِمٍ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُوْن، فَحِي هلاَ بِابْن عُبَيْدِ اللهِ.
وَقَالَ ابْنُ رشيد: كَانَ يجمعُ إِلَى الزُّهْد وَالحِفْظ المشَاركَة فِي أَنْوَاع مِنَ العِلْمِ -رَحِمَهُ الله-.
وَقَالَ ابْنُ رشيد: وَقِيْلَ: مَكَثَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لاَ يَحضُر الجُمُعَة لعذرٍ بِهِ، ثُمَّ أَنْكَر ابْن رشيد هَذَا، وَقَالَ: لَمْ يَنقطع هَذِهِ المُدَّة كُلّهَا عَنِ الجُمُعَة.
قُلْتُ: كَأَنَّهُ انْقَطَع بَعْض ذَلِكَ لِكبره وَسنّه، وَكَانَ أَهْلُ سَبْتَة يَتغَالَوْنَ فِيْهِ، وَيَتبرّكُوْن برُؤْيته -رَحِمَهُ الله-.
132 - المُجِيْرُ مَحْمُوْدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَلِيٍّ الوَاسِطِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الأُصُوْلِيُّ، كَبِيْرُ الشَّافِعِيَّة، مُجِيْرُ (1) الدِّيْنِ، أَبُو القَاسِمِ مَحْمُوْدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ الوَاسِطِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
__________
= الرواية هنا وبالصيغة التي ذكرها (وقيل بل ولد) فإنه يثير اللبس. أما صاحب هذه الرواية، فهو ابن فرتون كما جاء في (التكملة) الابارية: 2 / 870.
(*) ذكره ابن الأثير في وفيات سنة 592 من الكامل، وترجم له ابن الدبيثي في تاريخه بدلالة المختصر المحتاج إليه: 3 / 184، والمنذري في التكملة، الترجمة 363، وأبو شامة في ذيل الروضتين: 10، وابن الفوطي في الملقبين بمجير الدين من تلخيصه: 5 / الترجمة: 643 من الميم، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 184 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 280، والاعلام، الورقة: 211، والسبكي في الطبقات: 7 / 287، وابن الملقن في العقد المذهب، الورقة: 73، والغساني في العسجد، الورقة 101، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية، الورقة: 79، وابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية، الورقة: 55 (باريس 2102) ، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 140، وابن العماد في الشذرات: 4 / 311.
(1) قال الزكي المنذري في (التكملة) : والمجير بضم الميم وكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها راء مهملة.(21/255)
تَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي مَنْصُوْرٍ الرَّزَّاز (1) ، وَغَيْرهِ.
وَأَخَذَ الكَلاَم عَنْ: أَبِي الفُتُوْح مُحَمَّد بن الفَضْلِ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، وَعَبْد السَّيِّد الزَّيْتُوْنِيّ، وَبَرَعَ، وَتَقدّم، وَفَاق الأَقرَان، وَكَانَ يُضْرَبُ بذكَائِهِ المَثَل.
وُلِدَ: سَنَةَ 517.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ الحُصَيْن، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَجَمَاعَة.
وَقَدِمَ دِمَشْق، فَدرّس، وَنَاظر، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَاب، ثُمَّ سَارَ إِلَى شيرَاز، فَدرّس بِهَا، وَبعَسْكَر مُكْرَمٍ، وَوَاسط، ثُمَّ دَرَّسَ بِالنّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَخلعَ عَلَيْهِ بِطرحَة، ثُمَّ بُعِثَ رَسُوْلاً إِلَى هَمَذَان، فَأَدْرَكه الأَجْل.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (2) : بَرَعَ فِي الفِقْه حَتَّى صَارَ أَوحد زَمَانه، وَتَفَرَّد بِمَعْرِفَة الأُصُوْل، قَرَأْت عَلَيْهِ (3) ، وَمَا رَأَيْتُ أَجْمَع لفنُوْن العِلْم مِنْهُ، مَعَ حسن العبَارَة، نُفذ رَسُوْلاً إِلَى خُوَارِزْمشَاه، فَمَاتَ فِي طرِيقه بِهَمَذَانَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَرَوَى ابْنُ النَّجَّارِ، عَنِ ابْنِ خَلِيْل، عَنْهُ.
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: كَانَ طُوَالاً، ذَكِيّاً، دَقِيق الْفَهم، غوَّاصاً عَلَى المَعَانِي، يَشتغل سرّاً بِالمنطق وَفنُوْنِ الحِكْمَة عَلَى أَبِي البَرَكَات صَاحِب (الْمُعْتَبر) ، وَكَانَ بَيْنَ المُجِيْر وَبَيْنَ ابْن فَضْلاَنَ مُنَاظَرَة كَمُحَارَبَة، وَكَانَ المُجِيْر يَقطعُهُ كَثِيْراً.
وَلَهُ بُنِيت بِدِمَشْقَ الجَارُوْخِيَّة (4) .
__________
(1) تفقه على الرزاز بالمدرسة النظامية ببغداد.
(2) انظر (المختصر المحتاج إليه) : 3 / 184.
(3) قرأ عليه ابن الدبيثي الأصول وعلم الكلام.
(4) يعني المدرسة الجاروخية.(21/256)
133 - ابْنُ فَضْلاَنَ يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ *
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى الوَاثِقُ (1) بنُ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ بنِ هِبَة اللهِ بنِ بَرَكَةَ البَغْدَادِيُّ.
قَالَ لَهُ ابْن هُبَيْرَةَ: لاَ يَحسُنُ أَنْ تَكتب بخطّك إِلَى الخَلِيْفَة: الوَاثق، لأَنَّه لقَب خَلِيْفَة.
قَالَ: فَكَتَبتُ يَحْيَى.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
سَمِعَ: أَبَا غَالِب ابْن البَنَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْل بن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَمِنْ أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْل فِي (مُعْجَمِهِ) ، فَسَمَّاهُ وَاثقاً، وَابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَجَمَاعَة.
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 224، وابن الأثير في الكامل: 12 / 65، والمنذري في التكملة، الترجمة: 491، وأبو شامة في ذيل الروضتين: 15، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 11، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 84 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 246، والعبر: 4 / 289، واليافعي في مرآة الجنان: 3 / 479، والسبكي في الطبقات: 7 / 322، وابن كثير في البداية: 13 / 21، وابن الملقن في العقد المذهب، الورقة: 74، والغساني في العسجد، الورقة: 103، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 239، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 153، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية، الورقة: 100، وابن العماد في الشذرات: 4 / 321، وهو والد الفقيه الكبير قاضي القضاة محمد مدرس المستنصرية المتوفى سنة 631.
(1) لأنه كان يسمى (الواثق) كما سيأتي وليس هذا من ألقابه، فهو يلقب: جمال الدين، وقد ذكره السبكي باسم (واثق) وقال: وأورده ابن باطيش والحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي في (معجمه) كما أوردناه.
(2) قال المنذري في (التكملة) : (ومولده في أواخر سنة خمس عشرة أو أوائل محرم سنة ست عشرة وخمس مئة.
وقيل: كان مولده في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وخمس مئة (الترجمة: 491) .(21/257)
وَكَانَ بارعاً فِي الخلاَف وَالنَّظَر، بَصِيْراً بِالقوَاعد، ذَكِيّاً، يَقظاً، لبِيْباً، عذب العبَارَة، وَجيهاً، مُعظَّماً، كَثِيْر التَلاَمِذَة، ارْتَحَلَ إِلَى ابْن يَحْيَى (1) صَاحِب الغَزَّالِيّ مرَّتين، وَوَقَعَ فِي السَّفَرِ، فَانْكَسَرَ ذِرَاعه، وَصَارَت كَفَخِذِهِ، ثُمَّ أَدّته الضَّرُوْرَة إِلَى قطعهَا مِنَ الْمرْفق، وَعَمِلَ محضراً بِأَنَّهَا لَمْ تُقطع فِي رِيْبَة.
فَلَمَّا نَاظر المُجِيْر مرَّة، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَنقطع فِي يَد المُجِيْر، فَقَالَ: يُسَافر أَحَدُهُم فِي قطع الطَّرِيْق، وَيدّعِي أَنَّهُ كَانَ يَشتغل، فَأَخْرَجَ ابْن فَضلاَن الْمحْضر، وَأَخَذَ يُشنّع عَلَى المُجِيْر بِالفَلْسَفَة.
وَكَانَ ابْنُ فَضلاَن ظرِيف المُنَاظَرَة، ذَا نغمَاتٍ موزونَة، يَشير بِيَدِهِ بِوَزْن مَطَرب أَنِيق، يَقِفُ عَلَى أَوَاخِر الْكَلم خوَفاً مِنَ اللّحن.
قَالَهُ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ يُدَاعبنِي كَثِيْراً، ثُمَّ رُمِيَ بِالفَالِج فِي أَوَاخِرِ عُمُره -رَحِمَهُ الله-.
قُلْتُ: وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ الرَّزَّاز، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، وَسَمِعَ بِخُرَاسَانَ مِنْ: أَبِي الأَسْعَد القُشَيْرِيّ، وَعُمَر بن أَحْمَدَ ابْنِ الصَّفَّار.
درّس بِمَدْرَسَة دَار الذّهب، وَقَدْ تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى مُحَمَّدِ ابْنِ العَالِمَة، وَكَانَ عَلَى دُرُوسِهِ إِخبَات وَجَلاَلَة.
مَاتَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
134 - ابْنُ كُلَيْبٍ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَرَّانِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الأَمِيْنُ، مُسْنِدُ العَصْرِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ
__________
(1) يعني محمد بن يحيى النيسابوري صاحب (المحيط) الذي عرفنا به سابقا.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 67، وابن نقطة في التقييد، الورقة: 162، وابن =(21/258)
عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ سَعْدِ بنِ صَدَقَةَ بنِ خَضِرِ بنِ كُلَيْبٍ الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، التَّاجِرُ، الآجُرِّيُّ؛ لسكنَاهُ فِي درب الْآجر.
وُلِدَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْس مائَة.
وَسَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بن بَيَانٍ، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ نَبْهَانَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ بَدْرَان، وَأَبَا عُثْمَانَ بن مَلَّة، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ طَاهِر الخَازن، وَأَبَا الخَطَّاب الفَقِيْه، وَصَاعِد بن سَيَّار، وَنُوْر الهُدَى أَبَا طَالب الزَّيْنَبِيّ.
وَلقِي بِالإِجَازَةِ: أَبَا عَلِيٍّ ابْنَ المَهْدِيّ، وَأَبَا العِزِّ مُحَمَّد بن المُخْتَارِ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ البَاقِي الدُّوْرِيّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بن يُوْسُفَ، وَالمُبَارَك بن الحُسَيْنِ الغسَّال، وَابْن بيَان، وَابْن نَبْهَانَ أَيْضاً.
وَلَهُ (مَشْيَخَة) مرويَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَابْن النَّجَّار، وَعُمَر بن بَدْرٍ، وَأَبُو مُوْسَى ابْن الحَافِظِ، وَاليَلْدَانِيّ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ الحَرَّانِيّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الجَوْزِيّ، وَشَيْخ الشُّيُوْخ عَبْد العَزِيْزِ بن مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيّ، وَشَمْس الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْط ابْن الجَوْزِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَبِالإِجَازَة: ابْن أَبِي اليُسْر، وَالقُطْب ابْن عصرُوْنَ، وَالخَضِر بن
__________
= الدبيثي في تاريخه، الورقة 158 (باريس 5922) ، وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 28 (ظاهرية) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 523، وأبو شامة في ذيل الروضتين: 18، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 26، وابن خلكان في وفياته: 3 / 227، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 93 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 293، ودول الإسلام: 2 / 78، وابن كثير في البداية: 13 / 23، والغساني في العسجد، الورقة: 104، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 241، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 159، وابن العماد في الشذرات: 4 / 327.(21/259)
حَمُّوَيْه، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ، وَالعزّ عَبْد العَزِيْزِ بن الصَّيْقَلِ، وَمُحَمَّد بن أَبِي الدِّيْنَة.
وَانتهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ، وَمتِّع بحوَاسّه وَذهنه، وَكَانَ صَبُوْراً، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ.
دخل مِصْر مَعَ أَبِيْهِ، وَسَكَنَ دِمْيَاط مُدَّة، وَحَجّ سَبْع مَرَّاتٍ، وَفَاتته عرفَة فِي الثَّامِنَة، تَعوّق بِالبَحْر.
قَالَ المُنْذِرِيّ فِي (الوفِيَات (1)) : سَمِعْتُ قَاضِي القُضَاةِ أَبَا مُحَمَّدٍ الكِنَانِيّ، سَمِعْتُ ابْنُ كُلَيْبٍ يَقُوْلُ:
تَسَرَّيْتُ بِمائَة وَثَمَان وَأَرْبَعِيْنَ جَارِيَة.
قَالَ: وَكَانَ يُخَاصم أَوْلاَده فِي ذَلِكَ السِّنّ، فَيَقُوْلُ: اشترُوا لِي جَارِيَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (2) : أَلحق الصّغَار بِالكِبَار، وَمُتِّع بصحّته، وَذهنه، وَحسن صُوْرته، وَحُمْرَةِ وَجهه، وَكَانَ لاَ يَملّ مِنَ السَّمَاع، كتب (جُزْء ابْن عَرَفَةَ) بِخَطِّهِ، وَلَهُ بِضْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً بِخَطّ مَلِيح، وَحَدَّثَ بِهِ مِنْ لَفظه، وَكَانَ مِنْ أَعيَان التُّجَّار، ذَا ثروَة وَاسِعَة، ثُمَّ تَضَعْضع، وَاحتَاج إِلَى الأَخْذ، وَبَقِيَ لاَ يُحَدِّث (بِجُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ) إِلاَّ بدِيْنَار، وَكَانَ صَدُوْقاً، قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً.
تُوُفِّيَ: لَيْلَة (3) السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) الترجمة: 523.
(2) (التاريخ المجدد) ، الورقة: 29 (ظاهرية) .
(3) قال ابن النجار: (صبيحة يوم الاثنين السابع والعشرين..وحضرت الصلاة عليه بالمدرسة النظامية) (التاريخ، الورقة: 29 ظاهرية) .(21/260)
135 - جَاكِيْرُ مُحَمَّدُ بنُ دُشَمَ الكُرْدِيُّ *
الزَّاهِدُ، مِنْ كِبَارِ مَشَايِخِ العِرَاقِ، صَاحِبُ أَحْوَالٍ وَتَأَلُّهٍ وَتَعَبُّدٍ، صَحِبَ الشَّيْخ عَلِيّاً الهِيْتِيَّ، وَغَيْرَهُ.
وَجَاكِيْر لقب، وَاسْمه: مُحَمَّد بن دُشَمَ (1) الكُرْدِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، لَمْ يَتزوَّج، وَتُذكر عَنْهُ كَرَامَات، وَلَهُ زَاويَة كَبِيْرَة بقَرْيَة رَاذَان، عَلَى برِيْد مِنْ سَامَرَّاء.
وَجلس فِي المَشْيَخَة بَعْدَهُ أَخُوْهُ أَحْمَد، وَبعد أَحْمَد وَلده الغرسُ، وَبعد الْغَرْس ابْنه مُحَمَّد.
136 - الشَّاطِبِيُّ القَاسِمُ بنُ فِيْرُّه بنِ خَلَفِ بنِ أَحْمَدَ الرُّعَيْنِيُّ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، العَامِلُ، القُدْوَةُ، سَيِّدُ القُرَّاءِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو القَاسِمِ القَاسِمُ بنُ فِيْرُّه (2) بنِ خَلَفِ بنِ أَحْمَدَ الرُّعَيْنِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ،
__________
(*) ترجم له الذهبي في وفيات سنة 590 من العبر: 4 / 275.
(1) في العبر: رستم.
(* *) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 5 / 184، وابن الابار في التكملة: 3 / الورقة: 101، والمنذري في التكملة، الترجمة 237، وأبو شامة في ذيل الروضتين: 7، وابن خلكان في وفياته: 4 / 71، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 167 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 273، ودول الإسلام: 2 / 76، ومعرفة القراء، الورقة 178، والاعلام، الورقة: 211، والصفدي في نكت الهميان: 228، والسبكي في الطبقات: 7 / 170، والاسنوي في طبقاته: 2 / 113، وابن كثير في البداية: 13 / 10، وابن الملقن في العقد، الورقة: 159، والجزري في غاية النهاية: 2 / 20، وابن قاضي شهبة في طبقات النحاة، الورقة 242، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 195، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 236، وبغية الوعاة: 2 / 260، والمقري في نفح الطيب: 1 / 339، وابن العماد في الشذرات: 4 / 301.
(2) قيده الذهبي والصفدي وابن خلكان والسبكي وغيرهم، قالوا: بكسر الفاء وسكون =(21/261)
الشَّاطِبِيُّ، الضَّرِيْرُ، نَاظِمُ (الشَّاطبيَّةِ) ، وَ (الرَّائِيَّةِ) .
مَنْ كَنَّاهُ أَبَا القَاسِمِ كَالسَّخَاوِيِّ وَغَيْرهِ، لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اسْماً سِوَاهَا.
وَالأَكْثَرُوْنَ عَلَى أَنَّهُ أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِمُ.
وَذكرَهُ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ فِي (طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ) .
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَلاَ بِبلدِه بِالسّبعِ عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي العَاصِ النَّفْرِيّ، وَرَحَلَ إِلَى بَلَنْسِيَة، فَقَرَأَ القِرَاءاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَعَرضَ عَلَيْهِ (التَّيْسِيْرَ) ، وَسَمِعَ مِنْهُ الكُتُب، وَمِنْ: أَبِي الحَسَنِ ابْنِ النِّعْمَةِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَاشِرٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَعُلَيْمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَارْتَحَلَ لِلْحَجِّ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذَكَاءً، لَهُ البَاعُ الأَطولُ فِي فَنِّ القِرَاءاتِ وَالرّسمِ وَالنَّحْوِ وَالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ، وَلَهُ النَّظمُ الرَّائِقُ، مَعَ الوَرَعِ وَالتَّقْوَى وَالتَأَلُّهِ وَالوَقَارِ.
اسْتَوْطَنَ مِصْر، وَتَصدّرَ، وَشَاعَ ذِكْرُهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ بنُ خَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الجنجَالِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ وَضَّاحٍ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الجُمَّيْزِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ قَارِئُ مُصحفِ الذَّهَبِ.
وَقرَأَ عَلَيْهِ بِالسَّبْعِ: أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ يُوْسُفَ المَقْدِسِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ سَعِيْدٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القُرْطُبِيُّ، وَأَبُو
__________
= الياء آخر الحروف وتشديد الراء وضمها، قال الصفدي: وهذا في لغة اللطيني (اللاتيني) من أعاجم الأندلس ومعناها الحديد، وانظر كتاب (الاعلام) للمرحوم العلامة خير الدين الزركلي: 6 / 14 ففيه كلام جيد على هذا الموضوع.(21/262)
الحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، وَالزَّيْنُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الكُرْدِيُّ، وَالسَّدِيْدُ عِيْسَى بنُ مَكِّيٍّ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ شُجَاعٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (1) : أَخْبَرَنَا السَّخَاوِيُّ:
أَنَّ سَبَبَ انتِقَالَ الشَّاطِبِيِّ مِنْ بَلدِه أَنَّهُ أُرِيْدَ عَلَى الخَطَابَةِ، فَاحتجَّ بِالحَجِّ، وَتركَ بَلَدَهُ، وَلَمْ يَعد إِلَيْهِ تَوَرُّعاً مِمَّا كَانُوا يُلزمُوْنَ الخُطَبَاءَ مِنْ ذِكرهِمُ الأُمَرَاءَ بِأَوْصَافٍ لَمْ يَرهَا سَائِغَةً، وَصبرَ عَلَى فَقرٍ شَدِيدٍ، وَسَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ، فَطَلَبَهُ القَاضِي الفَاضِلُ لِلإِقْرَاءِ بِمَدْرَسَتِه، فَأَجَابَ عَلَى شُرُوْطٍ، وَزَار بَيْتَ المَقْدِسِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ السَّخَاوِيُّ: أَقطعُ بِأَنَّهُ كَانَ مكَاشَفاً، وَأَنَّهُ سَأَلَ اللهَ كَفَّ حَالِه.
قَالَ الأَبَّارُ (2) : تَصَدَّرَ بِمِصْرَ، فَعظمَ شَأْنُه، وَبعُدَ صِيتُه، انتهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الإِقْرَاءِ، وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ، فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَلَهُ أَوْلاَدٌ رَوَوْا عَنْهُ، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا الشَّاطِبِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ هُذَيْلٍ بِحَدِيْثٍ ذكرتُهُ فِي (التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ (3)) .
وَجَاءَ عَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقرَأُ أَحَدٌ قصيدتِي هَذِهِ إِلاَّ وَيَنْفَعُهُ الله، لأَنَّنِي نَظمتُهَا للهِ.
وَلَهُ قصيدَةٌ دَاليَّةٌ نَحْو خَمْسِ مائَةِ بَيْتٍ، مَنْ قرَأَهَا، أحَاطَ عِلْماً بِـ
__________
(1) (ذيل الروضتين) : 7.
(2) (التكملة) : 3 / الورقة 101 من نسخة الأزهر.
(3) يعني (تاريخ الإسلام) (الورقة: 168 - أحمد الثالث 2917 / 14) .(21/263)
(التَّمْهِيْدِ) لابْنِ عَبْدِ البَرِّ.
وَكَانَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ (المُوَطَّأُ) ، وَ (الصَّحِيْحَانِ) ، يُصحِّحُ النّسخَ مِنْ حِفْظِهِ، حَتَّى كَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ يَحفَظُ وَقْرَ بعيرٍ مِنَ العلُوْمِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : قِيْلَ: اسْمُهُ وَكُنْيَتُه وَاحِدٌ، وَلَكِنْ وجدت إِجَازَات أَشيَاخِه لَهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِم.
وَكَانَ (2) نَزِيْلَ القَاضِي الفَاضِلِ، فَرتَّبَهُ بِمَدْرَسَتِه لإِقْرَاءِ القُرْآنِ، وَلإِقْرَاءِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَكَانَ يَتجنَّبُ فضولَ الكَلاَمِ وَلاَ يَنطقُ إِلاَّ لِضرُوْرَةٍ، وَلاَ يَجْلِسُ لِلإِقْرَاءِ إِلاَّ عَلَى طهَارَةٍ.
137 - ابْنُ صَصْرَى الحَسَنُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مَحْفُوْظٍ التَّغْلِبِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، البَارِعُ، الرَّئِيْسُ، النَّبِيْلُ، أَبُو المَوَاهِبِ الحَسَنُ ابْنُ العَدْلِ أَبِي البَرَكَاتِ هِبَةِ اللهِ بنِ مَحْفُوْظِ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ، البَلَدِيُّ الأَصْل، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ اسْمه نَصْر اللهِ، فَغَيَّرَه.
__________
(1) (وفيات الأعيان) : 4 / 73.
(2) المصدر السابق: 4 / 72 وتصرف فيه تصرفا كبيرا.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة، 20 (باريس 5922) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 126، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 85 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 27، والعبر: 4 / 258، ودول الإسلام: 2 / 73، والاعلام، الورقة: 211، والمشتبه: 115، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1358، والصفدي في الوافي: 11 / الورقة: 45، واليافعي في المرآة: 3 / 432، وابن ناصر الدين في التوضيح، الورقة: 144، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 112، وابن العماد في الشذرات: 4 / 285، والكتاني في الرسالة: 74 وغيرهم.(21/264)
سَمِعَ مِنْ: جدّه، وَالفَقِيْه نَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ المِصِّيْصِيّ -فَهُوَ أَكْبَر شَيْخ لَهُ- وَمِنْ: عَبْدَان بن زَرِّيْنَ (1) ، وَعَلِيّ بن حَيْدَرَة، وَنَصْر بن مُقَاتِلٍ، وَالحُسَيْن بن البُنِّ، وَأَبِي يَعْلَى بن الحُبُوبِيّ، وَحَمْزَة بن كَرُّوْس، وَحَمْزَة بن أَسَدٍ القَلاَنسِيّ، وَعِدَّة.
وَلاَزَمَ الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، وَأَكْثَر عَنْهُ، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَعنِي بِهَذَا الشَّأْن جِدّاً.
وَارْتَحَلَ، وَسَمِعَ بحَمَاة: مُحَمَّد بن ظفر الحُجَّة، وَبِحَلَبَ مِنْ: أَبِي طَالِبٍ ابْن العَجَمِيّ، وَبِالمَوْصِل: الحَسَن بن عَلِيٍّ الكَعْبِيّ، وَيَحْيَى بن سعدُوْنَ، وَسُلَيْمَان بن خَمِيْس، وَبِبَغْدَادَ: هِبَة اللهِ الدَّقَّاق، وَابْن البَطِّيِّ، وَعِدَّة، وَبِهَمَذَانَ: أَبَا العَلاَءِ العَطَّار، وَغَيْرهُ، وَبِأَصْبَهَانَ: مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مَاشَاذه، وَأَبَا رشيد عَبْد اللهِ بن عُمَرَ، وَعِدَّة، وَبتِبْرِيْز: حفدَة العَطَّارِيّ.
وَجَمَعَ (المُعْجَم (2)) ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَصَنَّفَ فِي (فَضَائِل الصَّحَابَة) ، وَ (عَوَالِي ابْن عُيَيْنَةَ) ، وَ (فَضَائِل القُدْس) ، وَ (ربَاعِيَات التَّابِعِيْنَ) ، وَقَدِ احْتَرَقت كتبه بِالكلاّسَة، ثُمَّ إِنَّهُ وَقَفَ خزَانَة أُخْرَى.
وَثَّقَه أَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّبَيْثِيّ، وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا بِالإِجَازَةِ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي الحُسَيْن بن هِبَةِ اللهِ بنِ مَحْفُوْظ، أَخْبَرَنَا أَخِي أَبُو المَوَاهِبِ،
__________
(1) قيده الذهبي في (المشتبه) : 316.
(2) يعني: (معجم شيوخه) ، وذكر المؤلف في (تاريخ الإسلام) أنه في ستة عشر جزءا.(21/265)
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ المصِّيْصِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ اليَزْدِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْر، حَدَّثَنَا زُهَيْر، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ ختن رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخِي جُوَيْرِيَّة، قَالَ:
وَاللهِ مَا ترك رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْد مَوْتِهِ دِيْنَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَلاَ عبداً وَلاَ أَمَة وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بغلته البيضَاء، وَسلاَحه، وَأَرْضاً جَعَلهَا صَدَقَة.
رَوَاهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ (1) .
أَبُوْهُ:
138 - الرَّئِيْسُ أَبُو البَرَكَاتِ ابْنُ صَصْرَى الحَسَنُ بنُ هِبَةِ اللهِ التَّغْلِبِيُّ *
تَفَقَّهَ، وَقَرَأَ القُرْآنَ، وَلَهُ صَدَقَةٌ وَبرٌّ.
كَانَ يَخْتِم فِي رَمَضَانَ ثَلاَثِيْنَ ختمَة.
رَوَى عَنْ: جَمَال الإِسْلاَمِ، وَيَحْيَى بن بِطْرِيْقٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ، وَشَهِدَ عَلَى القَضَاءِ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
__________
(1) قال شعيب: 5 / 267 في الوصايا: باب الوصايا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (وصية الرجل مكتوبة عنده) وأخرجه النسائي 6 / 229 في الاحباس بلفظ: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته الشهباء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها في سبيل الله) وفي الباب عن عائشة عند مسلم (1635) ، وأبي داود (3863) ، والنسائي 6 / 240 قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما، ولا شاة، ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء.
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 50 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، وابن ناصر الدين في توضيح المشتبه، الورقة: 44 (سوهاج) .(21/266)
جَدُّهُ:
139 - مَحْفُوْظُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنُ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ *
قِيْلَ: يُكْنَى أَبَا البَرَكَات، مِنْ رُؤسَاء البَلَد وَعدولِهُم.
سَمِعَ: جُزْءاً فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ نَصْر بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ.
سَمِعَ مِنْهُ: الحَافِظُ ابْن عَسَاكِرَ، وَابْنه البَهَاء، وَوَلَده؛ أَبُو المَوَاهِبِ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ تُوْمَا.
140 - طُغْرِلُ شَاه بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ طُغْرِلَ بنِ مُحَمَّدٍ التُّرْكِيُّ **
المَلِكُ طُغْرِل شَاه بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ طُغْرِل بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه التُّرْكِيُّ، آخرُ مُلُوْكِ السُّلْجُوْقِيَّة المَلِكْشَاهية.
خَرَجَ عَلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر، فَالتقَاهُ الجَيْش، عَلَيْهِم ابْن يُوْنُسَ الوَزِيْر، فَانْهَزَمُوا، وَأُسِرَ الوَزِيْر، ثُمَّ نَدب النَّاصِر خُوَارِزْمشَاه لِحَرْبِهِ، فَالتقَاهُ عَلَى الرَّيّ، فَقُتِل طُغْرِل فِي المَصَافّ، وَكَانَ مِنْ ملاَح زَمَانه وَشجعَانهم.
__________
(*) ترجم له الذهبي في وفيات 545 من (تاريخ الإسلام) ، الورقة: 319 (أيا صوفيا 3010) وهو بخطه.
(* *) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره ولا سيما الكامل لابن الأثير والمرآة للسبط وعقد الجمان للعيني، وراجع السبط في المرآة: 8 / 444 - 445، وأبو شامة في الذيل: 6، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 165 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 272، والغساني في العسجد، الورقة: 99، وابن العماد في الشذرات: 4 / 301، وغيرهم.(21/267)
قُتِلَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ، وَدخلُوا إِلَى بَغْدَادَ بِرَأْسِهِ وَسنَاجقه المُنَكَّسَة.
وَكَانَ حَاكماً عَلَى أَذْرَبِيْجَان وَهَمَذَان وَعِدَّة مَدَائِن، ملّكوهُ وَهُوَ صَبِيّ.
141 - الجَمَّالُ مَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو الحَسَنِ مَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ الأَصْبَهَانِيُّ، الجَمَّالُ، الخَيَّاطُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَمَحْمُوْد بن إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبَا نَهْشَل عَبْد الصَّمَدِ، وَحَمْزَة بن العَبَّاسِ العَلَوِيّ.
وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ: غَانِم البُرْجِيّ، وَأَجَازَ لَهُ مِنْ نَيْسَابُوْر عَبْدُ الغَفَّارِ الشيرويِيّ صَاحِب أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ.
وَعُمِّرَ دَهْراً، وَتَفَرَّد، وَرَحَلَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ العُثْمَانِيّ، وَأَبُو مُوْسَى بن عَبْدِ الغَنِيِّ، وَأَبُو الحَجَّاجِ بنِ خَلِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن سَلاَمَةَ.
مَاتَ: فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّال، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 496، قال: والجمال: بفتح الجيم وتشديد الميم وفتحها وبعد الالف لام، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 79 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 288، وابنتغري بردي في النجوم: 6 / 154، وابن العماد في الشذرات: 4 / 321.(21/268)
142 - الرَّارَانِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ خَلِيْلُ بنُ بَدْرِ بنِ ثَابِتِ بن رَوْحٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، شَيْخُ الشُّيُوْخِ، أَبُو سَعِيْدٍ خَلِيْلُ بنُ أَبِي الرَّجَاءِ بَدْرِ بنِ أَبِي الفَتْحِ ثَابِتِ بنِ رَوْحِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَصْبَهَانِيُّ، الرَّارَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَمَحْمُوْد بن إِسْمَاعِيْلَ الأَشْقَر، وَجَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى بن عَبْدِ الغَنِيِّ، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَحَفِيْدته لَيْلَة الْبَدْر بِنْت مُحَمَّد، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ، وَكَانَ مِنْ مُرِيْدِي حَمْزَة بن العَبَّاسِ العَلَوِيّ.
مَاتَ: فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
143 - ابْنُ يَاسِيْنَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ صَالِحِ بنِ يَاسِيْنَ المِصْرِيُّ **
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الصَّالِحُ، العَابِدُ، أَبُو طَاهِرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي التُّقَى
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في (الراراني) من إكمال الإكمال (ظاهرية) ، والتقييد، الورقة: 92، والمنذري في التكملة، الترجمة: 530، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 215 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 291، والاعلام، الورقة: 211، والمشتبه: 296، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 158، وابن العماد في الشذرات: 4 / 323.
(* *) ترجم له ابن نقطة في إكمال الإكمال، الورقة: 66 (ظاهرية) ، والمنذري في التكملة، =(21/269)
صَالِحِ بنِ يَاسِيْنَ بنِ عِمْرَانَ المِصْرِيُّ، الشَّارِعِيُّ، الشَّفِيْقِيُّ؛ نِسبَةً إِلَى خدمَة شفِيق الْملك، الجبلِيّ، نسبَة إِلَى سُكنَى جبل مِصْر، البنَّاء.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ (مَشْيَخته) بِإِفَادَة الرُّدَينِيّ الزَّاهِد.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ بِمِصْرَ عَنِ الرَّازِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَالحَافِظ الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْل، وَأَخُوْهُ يُوْنُس، وَأَبُو الحَسَنِ السَّخَاوِيّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ الحَاجِبِ، وَالشِّهَاب القوْصِيّ، وَالرّضِيّ عَبْد الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدٍ، وَخَطِيْب مَرْدَا، وَالزَّيْن أَحْمَدَ بن عَبْدِ المَلِكِ، وَإِسْمَاعِيْل بن ظفر، وَالمعين أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ، وَعَبْد اللهِ بن علاَّق، وَالرَّشِيْد يَحْيَى العَطَّار، وَإِسْمَاعِيْل بن عِزُونَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
تُوُفِّيَ: فِي ثَانِي عشر ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
لَمْ يُجِزْ لابْنِ أَبِي الخَيْرِ.
144 - أَحْمَدُ بنُ طَارِقِ بنِ سِنَانٍ أَبُو الرِّضَا الكَرْكِيُّ *
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو الرِّضَا الكَرْكِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ،
__________
= الترجمة: 557، وابن الصابوني في تكملته: 225، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 89 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 291، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 158، وابن العماد في الشذرات: 4 / 323.
(*) ترجم له ياقوت في معجم البلدان: 4 / 361، وابن نقطة في (الكركي) من إكمال الإكمال (ظاهرية) ، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 189 (باريس 5921) ، والمنذري في =(21/270)
التَّاجِرُ، الشِّيْعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَمَوْهُوْب ابْن الجَوَالِيْقِيّ، وَهِبَة اللهِ بن أَبِي شَرِيْكٍ، وَمُحَمَّد بن طِرَاد، وَابْن نَاصِر، وَسَعْد الخَيْر، وَعِدَّة.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: نَاصِر بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ النَّجَّار، وَأَبِي القَاسِمِ ابْن البُنِّ، وَطَائِفَة، وَبِالثَّغْر (1) مِنَ: السِّلَفِيّ، وَبِمِصْرَ مِنِ: ابْنِ رِفَاعَة، وَعِدَّة.
وَحَدَّثَ فِي هَذِهِ البِلاَد، وَكَتَبَ الكَثِيْر.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ (2) : كَانَ حرِيصاً عَلَى السَّمَاع، وَعَلَى تَحْصِيل الأَجزَاء، مَعَ قلّة مَعْرِفَته، وَكَانَ ثِقَةً.
قُلْتُ: أَبُوْهُ مِنْ كَرْك نُوْح، قَيَّدَهُ بِالسُّكُوْن ابْن نُقْطَة، وَالمُنْذِرِيّ.
وَأَمَّا كَرَك الشّوبك، فَبالتحرِيك.
رَوَى عَنْهُ: الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَقبلهما الحَافِظ ابْن المُفَضَّلِ.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاء: كَانَ شِيْعِيّاً، غَالياً.
__________
= التكملة، الترجمة: 367، وابن الفوطي في الملقبين بموفق الدين من تلخيصه: 5 / الترجمة 1890 من الميم، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 63 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 186، والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 / 278، والمشتبه: 55، والدلجي في الفلاكة: 89، وابن حجر في اللسان: 1 / 188، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 140، وابن العماد في الشذرات: 4 / 308.
(1) يعني الإسكندرية.
(2) (الذيل) ، وهو تاريخه، الورقة: 189 (باريس 5921) .(21/271)
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: لَمْ يَزَلْ يَطلُبُ، وكَانَ يُوَادُّنِي، وَكَانَ صديقاً طيب المَعَاشرَة، إِلاَّ أَنَّهُ غَال فِي التَّشَيُّع، شَحِيح مُقتِر، يَشْتَرِي مِنْ لقم المكديين، وَيَتبَعُ المُحَدِّثِيْنَ ليَأكل مَعَهُم، وَلاَ يُوِقِدُ ضوءاً، خلَّف تَجَارَة بِثَلاَثَة آلاَف دِيْنَار، وَمَاتَ وَحْدَه، وَلَمْ يُعلَمْ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الجِيْلِيّ: كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، مَعَ فَسَاد دينه.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة (1) : خَبِيْث الاعْتِقَاد، رَافضِيّ.
وَقِيْلَ: أَكَلت الفَأر أَنفه وَأُذُنَيْه.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ جَدُّهُ قَاضِي كرْك نُوْح.
وَفِيْهَا مَاتَ: قَاضِي قُرْطُبَة أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن حُرَيْثٍ اللَّخْمِيّ عَنْ نَحْو الثَّمَانِيْنَ، وَأَبُو طَاهِرٍ إِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمَديَّة العُكْبَرِيّ أَخُو عَبْدِ اللهِ مِنْ أَصْحَابِ ابْن الحُصَيْن، وَبلقيس بِنْت سُلَيْمَان بن النّظَام، وَعَبْد الخَالِقِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ الصَّابُوْنِيّ الخَفَّاف، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ المهَّاد، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدٍ الجلاَلِيّ البَغْدَادِيّ عَنْ مائَة عَام، وَشَاعِر وَقته أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ فَارِسٍ ابْن المُعَلِّم الوَاسِطِيّ فِي عَشْرِ المائَة، وَوزِيْر العِرَاق مُؤيّد الدِّيْنِ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ابْن القَصَّاب، وَأَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّد بن مَعَالِي بن شدقينِي، وَالإِمَام فَخْر الدِّيْنِ مُحَمَّد بن أَبِي عَلِيٍّ النُّوْقَانِيّ صَاحِب الغَزَّالِيّ، وَالإِمَام مُجِيْر الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن المُبَارَكِ بن عَلِيٍّ البَغْدَادِيّ صَاحِب أَبِي مَنْصُوْرٍ الرَّزَّاز، وَيُوْسُف بن مَعَالِي الكَتَّانِيّ المُقْرِئ.
__________
(1) (إكمال الإكمال) ، في (الكركي) من نسخة الظاهرية.(21/272)
145 - ابْنُ حَمَدِيَّةَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ العُكْبَرِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمَديَّةَ العُكْبَرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا العِزِّ بن كَادِشٍ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ البَارِع، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَأَبَا عَلِيٍّ ابْنَ السِّبْط، وَأَبَا بَكْرٍ المَزْرَفِيّ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَطَائِفَة.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ أَرْبَع وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) .
وَمَاتَ مَعَهُ فِي صَفَرٍ بَعْد أَيَّام أَخُوْهُ:
146 - أَبُو طَاهِرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ **
وَكَانَ قَدْ كَتَبَ بِخَطِّهِ، وَرَوَى الكَثِيْر عَنِ: ابْنِ الحُصَيْن، وَزَاهِرٍ، وَهِبَةِ
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 52 في ترجمة أخيه إبراهيم، والورقة: 131 (نسخة الأزهر) ، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 103 (باريس 5922) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 310، والصائن النعال البغدادي في مشيخته، وهو الشيخ السابع والثلاثون فيها: 123، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 180 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 163، والمشتبه: 249، والزبيدي في (حمد) من التاج: 2 / 340.
(1) قال ابن الدبيثي في (تاريخه) : (سألت أبا منصور هذا عن مولده فلم يحققه، وقال: أنا أكبر من أخي إبراهيم بسنتين، وسألت إبراهيم عن مولده، فقال: في سنة عشر وخمس مئة،
فيكون مولده في سنة ثمان وخمس مئة على ما ذكره) (الذيل، الورقة: 103 - باريس 5922) .
(* *) لقبه كمال الدين، ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 52، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 264 (باريس 5921) ، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 499، والنعال =(21/273)
اللهِ الشُّرُوْطِيِّ، وَأَبِي غَالِبٍ المَاوَرْدِيِّ.
رَوَى عَنْهُ أَيْضاً: ابْن الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل.
وَنيَّف هَذَا عَلَى الثَّمَانِيْنَ.
وَلَمْ أَرهُمَا أَجَازَا لأَحْمَدَ بن سَلاَمَةَ.
147 - الصَّابُوْنِيُّ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ (1) ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي الفَتْحِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ ابْنِ الصَّابُوْنِيِّ، البَغْدَادِيُّ، الخَفَّافُ.
وُلِدَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ
__________
= في مشيخته: 126 وهو الشيخ التاسع والثلاثون فيها، والمنذري في التكملة، الترجمة: 316، وابن الفوطي في تلخيصه: 5 / الترجمة: 206 من الكاف، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 178 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والمشتبه: 249، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 234، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 208 وذكر المنذري أنه ولد في الحادي عشر من شعبان سنة 510.
(*) ترجم له ياقوت في معجم البلدان: 4 / 397، وابن نقطة في التقييد، الورقة: 163، وإكمال الإكمال، الورقة: 48 (ظاهرية) ، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 151 (باريس 5922) ، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 450، والمنذري في التكملة: الترجمة: 366، والنعال في مشيخته: 128 وهو الشيخ الأربعون فيها، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 180 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والمشتبه: 566، والعبر: 4 / 279، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 208، وابن العماد في الشذرات: 4 / 309.
(1) في النسختين: (عبد الحق) وهو وهم ظاهر جدا وقع به الناسخ بلا ريب وتبعه صاحب النسخة الموجودة في أحمد الثالث برقم 2910 / 2 مما يقطع بنقله عن النسخة الأخرى، وإلا فان الذهبي المؤلف نفسه قد ذكره باسم (عبد الخالق) في جميع كتبه الأخرى.(21/274)
البُخَارِيّ، وَهِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَقَرَاتِكِيْن بن أَسْعَد، وَأَبِي العِزِّ بن كَادِشٍ، وَأَحْمَد بن أَحْمَدَ المتوكلِيِّ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَهِبَة اللهِ بن الطَّبرِ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: ابْنُ الأَخْضَر، وَوَلَده؛ عَلِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ؛ كَانَ شَيْخاً صَدُوْقاً، لاَ بَأْسَ بِهِ، عسراً فِي الرِّوَايَة.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
148 - ابْنُ بُوْنُهْ عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ بُوْنُه العَبْدَرِيُّ *
الشَّيْخُ الفَاضِلُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ بُونُه بنِ سَعِيْدٍ العَبْدَرِيُّ، المَالقِيُّ، المَعْرُوف: بِابْنِ البَيْطَار، نَزِيْلُ مدينَة المُنَكَّب مِنْ مَدَائِن الأَنْدَلُس.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَتَّاب، وَأَبِي بَحْر بن العَاصِ، وَغَالِب بن عَطِيَّةَ، وَابْن مُغِيْث، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ البَاذش.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ.
رَوَى عَنْهُ: هَانِئ بنُ هَانِئ، وَابْنَا حَوْط اللهِ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ، وَابْن دِحْيَة، وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة 38، والمنذري في التكملة، الترجمة: 160، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة، 133 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والمشتبه 104، وابن ناصر الدين في توضيحه، الورقة: 130 ونقل ترجمته من كتاب الوفيات لابن دحية.(21/275)
قَالَ الأَبَّار (1) : سَمَّعَهُ أَبُوْهُ صغِيراً، وَرَحَلَ بِهِ، فَأَورثه ذَلِكَ نباهَة.
وَقَالَ ابْنُ سَالِم: هُوَ الشَّيْخُ، الرَّاويَة، العَدْل، الثِّقَة، أَبُو مُحَمَّدٍ الغَرْنَاطِيّ، أَخذتُ عَنْهُ.
تُوُفِّيَ: بِالمُنَكَّب، سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
عَاشَ: ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
149 - ابْنُ مَأْمُوْنٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ الأُمَوِيُّ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، النَّحْوِيُّ، المُحَدِّثُ، قَاضِي بَلَنْسِيَة، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حُمَيْدِ (2) بنِ مَأْمُوْنٍ الأُمَوِيّ مَوْلاَهُم، البَلَنْسِيُّ، ثُمَّ الغَرْنَاطِيُّ.
أَخذ القِرَاءات عَنِ: ابْن هذِيل، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَمُرَة (3) .
وَأَخَذَ بِجَيَّانَ علُوْم اللِّسَان عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ مَسْعُوْدٍ الخُشَنِيّ، وَسَمِعَ
__________
(1) (التكملة) : 3 / الورقة: 38.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 2 / 539، والمنذري في التكملة، الترجمة: 112، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 128 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، ومعرفة القراء، 174، والجزري في غاية النهاية: 2 / 108، والسيوطي في البغية: 1 / 68 وفيه: إن وفاته سنة 587، وهو وهم.
(2) قال المنذري في (التكملة) : وحميد بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وآخره دال مهملة.
(3) في (تكملة) ابن الابار: سحرة - بالحاء المهملة بدل الميم - ولعله تصحيف، فقد ذكره الابار في (تكملته) ، قال: (محمد بن فرج بن جعفر بن خلف القيسي من أهل الثغر الشرقي وسكن غرناطة ويعرف بابن أبي سمرة، ويكنى أبا عبد الله) وأشار إلى أنه توفي بعد سنة 535 وراجع (غاية) ابن الجزري 2 / 228.(21/276)
بِالمَرِيَّةِ مِنَ: القَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد الحَقِّ بن غَالِبِ بن عَطِيَّةَ المُحَارِبِيّ، وَطَائِفَة.
حمل عَنْهُ أَبُو الرَّبِيْع بن سَالِمٍ، وَقَالَ: أَتقن (كِتَاب سِيْبَوَيْه) تَفقُّهاً وَتَفهُّماً عَلَى ابْنِ (1) أَبِي رُكب الخُشَنِيّ، ثُمَّ تَصَدَّرَ بِمُرْسِيَة لِلإِقْرَاءِ وَالعَرَبِيَّة، وَكَانَ فِي النَّحْوِ إِمَاماً مُقدَّماً، سَمِعْتُ مِنْهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) وَغَيْرهُ عَنْ شُرَيْح بِفَوْت، وَ (التَّيْسِيْر) ، وَ (الكَافِي) ، وَ (التَّلْخِيص) لأَبِي مَعْشَرٍ سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ ثُعْبَان، بِسَمَاعه مِنْ أَبِي مَعْشَرٍ.
قُلْتُ: وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُغِيْث.
قَالَ ابْنُ سَالِم: تُوُفِّيَ بِمُرْسِيَة، صَادراً عَنْ حضَرَة الْملك، فِي سَابع عشر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ إِلَى جَنْبِ أَبِي القَاسِمِ ابْن حُبَيْشٍ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
150 - بُكْتَمُرُّ المَلِكُ سَيْفُ الدِّيْنِ *
صَاحِبُ خِلاَط، المَلِكُ سَيْفُ الدِّيْنِ، مَمْلُوْكُ المَلِكِ ظَهِيْرِ الدِّيْنِ شَاه أَرمن.
__________
(1) إضافة نعتقد أنها سقطت من الأصل ولا يستقيم الاسم من غيرها، فهذا هو أبو بكر محمد بن مسعود المعروف بابن أبي ركب المتوفى سنة 544، ذكره ياقوت في إرشاده: 7 / 106 وابن الابار في (المعجم) : 157 وغيرهم وراجع كتاب العالمة الفاضلة الدكتورة خديجة الحديثي: كتاب سيبويه وشروحه: 217 - 218.
(*) أخباره مفصلة عند ابن الأثير في الكامل، وله أخبار في كتاب الفتح القدسي للعماد الأصبهاني وغيره.
وترجم له الكثير منهم الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 147 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 268، والسبط في المرآة: 8 / 423، وأبوالفدا في المختصر: 3 / 93، وابن كثير في البداية: 13 / 7، وابن العماد في الشذرات: 4 / 297.(21/277)
استولَى عَلَى أَرْمِيْنِيةَ، وَكَانَ مُحَارِباً لِلسُّلْطَانِ صَلاَح الدِّيْنِ، فَلَمَّا بلغَه مَوْته، أَمر بِضَرْب البشَائِر، وَعَمِلَ تختاً، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَسَمَّى نَفْسه عَبْد العَزِيْزِ، وَتلقّب بِالسُّلْطَان المُعْظَّم صَلاَح الدِّيْنِ، فَمَا أَمهله الله، وَقُتِلَ غيلَة بَعْد شَهْر، فِي أَوَّلِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، خَرَجَ عَلَيْهِ خشدَاشه، وَزوج بِنْته الأَمِيْر هزَار دِيْنَارِي، ثُمَّ تَملّك بَعْدَهُ، وَلقّبَهُ بَدْر الدِّيْنِ (1) ، فَبقِي خَمْس سِنِيْنَ، وَمَاتَ، فَملّكُوا مُحَمَّد بن بُكْتَمُر، ثُمَّ قَبَض عَلَى نَائِبه شُجَاع الدِّيْنِ، ثُمَّ ثَار أُمَرَاء، وَخنقُوا مُحَمَّداً، وَتَملّك بلبَان سَنَة، ثُمَّ تسلّمهَا الأَوْحَدُ ابْن الْملك العَادل.
151 - صَلاَحُ الدِّيْنِ وَبَنُوْهُ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المَلِكُ النَّاصِرُ، صَلاَحُ الدِّيْنِ، أَبُو المُظَفَّرِ يُوْسُفُ ابْنُ الأَمِيْرِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي بنِ مَرْوَانَ بنِ يَعْقُوْبَ الدُّوِيْنِيُّ (2) ، ثُمَّ التِّكرِيتِيُّ (3) المَوْلِد.
__________
(1) يعني الأمير هزار ديناري زوج ابنته.
(*) سيرته مشهورة طبقت الآفاق لما له من الايادي البيض على الإسلام وأهله، ومنها فتح
البيت المقدس وتخليصه من براثن الصليبيين، فرضي الله تعالى عنه وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وقلما يخلو كتاب تاريخ من أخباره ممن تناولوا عصره، فانظر التعليق على التكملة للمنذري، الترجمة: 189.
(2) وبعضهم فتح الدال من (دوين) ، منهم ياقوت في (معجم البلدان) ، وقد وجدت الذهبي يفتحها في بعض الأحيان، ويضمها في أكثرها كما هو مثبت بخطة في (تاريخ الإسلام) . وقد وجدناها في أصل النسخة مضمومة فأبقيناها.
(3) قيدها ياقوت بفتح التاء وذكر أن العامة تكسرها، وقيدها السمعاني بالكسر، ولم يشر إلى فتحها.
فكأن الشائع هو الكسر، وبه أخذ السمعاني، ولا يزال الناس يكسرون التاء حتى يومنا هذا، فهذا هو المرجح، ومما يقويه أن ابن الأثير حينما اختصر (الأنساب) لم يذكر رواية أخرى، وهو العارف بها.(21/278)
وُلِدَ فِي: سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ إِذْ أَبُوْهُ نَجْم الدِّيْنِ مُتَوَلِّي تِكرِيتَ نِيَابَةً.
وَدُوِيْنُ: بُليدَة بِطرف أَذْرَبِيْجَان مِنْ جِهَةِ أَرَان وَالكَرَجِ، أهلهَا أَكرَادٌ هَذَبَانِيَّة.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَالفَقِيْه عَلِيّ ابْن بِنْت أَبِي سَعْدٍ، وَأَبِي الطَّاهِر بن عَوْف، وَالقُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ، وَحَدَّثَ.
وَكَانَ نُوْر الدِّيْنِ (1) قَدْ أَمَّرَه، وَبعثَه فِي عَسْكَره مَعَ عَمّه أَسَد الدِّيْنِ شِيرْكُوْه، فَحكم شِيرْكُوْه عَلَى مِصْرَ، فَمَا لَبِثَ أَنْ تُوُفِّيَ، فَقَامَ بَعْدَهُ صَلاَح الدِّيْنِ، وَدَانت لَهُ العَسَاكِر، وَقهر بنِي عُبَيْد، وَمحَا دَوْلَتهُم، وَاسْتَوْلَى عَلَى قَصْر القَاهِرَة بِمَا حوَى مِنَ الأَمتعَة وَالنّفَائِس، مِنْهَا الْجَبَل اليَاقُوْت الَّذِي وَزنهُ سَبْعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً؛ قَالَ مُؤلِّف (الكَامِل) ابْن الأَثِيْر (2) : أنَا رَأَيْتهُ وَوزنته.
وَخلاَ القَصْر مِنْ أَهْلِهِ وَذخَائِره، وَأَقَامَ الدعوَة العَبَّاسِيَّة.
وَكَانَ خليقاً لِلإِمَارَة، مَهِيْباً، شُجَاعاً، حَازِماً، مُجَاهِداً، كَثِيْر الغَزْو، عَالِي الهِمَّة، كَانَتْ دَوْلَته نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَتَمَلَّكَ بَعْدَ نُوْر الدِّيْنِ، وَاتَسَعت بلاَده.
وَمنذ تسلطَنَ، طَلّق الخَمْر وَاللَّذَات، وَأَنشَأَ سوراً عَلَى القَاهِرَة وَمِصْر (3) ، وَبَعَثَ أَخَاهُ شَمْس الدِّيْنِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ، فَافْتَتَحَ برقَة، ثُمَّ
__________
(1) يعني نور الدين محمود بن زنكي.
(2) (الكامل) : حوادث سنة 567، 11 / 369 (ط. بيروت) وأصل النص: (وزنه سبعة عشر درهما، أو سبعة عشر مثقالا، أنا لا أشك، لأنني رأيته ووزنته) .
(3) يعني فسطاط مصر، وكانت لفظة (مصر) وحتى اليوم تطلق على الفسطاط.(21/279)
افْتَتَحَ اليَمَن، وَسَارَ صَلاَح الدِّيْنِ، فَأَخَذَ دِمَشْق مِنِ ابْن نُوْر الدِّيْنِ (1) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ حَاصر عَزَاز (2) ، وَوَثَبَتْ عَلَيْهِ البَاطِنِيَّة، فَجرحوهُ.
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ كَسرته الفِرنْج عَلَى الرَّمْلَة، وَفَرَّ فِي جَمَاعَةٍ، وَنجَا.
وَفِي سَنَةِ خَمْس التقَاهُم وَكسرهُم (3) .
وَفِي سَنَةِ سِتّ أَمر بِبنَاء قَلْعَة الْجَبَل.
وَفِي سَنَةِ ثَمَان عَدَّى الفُرَات، وَأَخَذَ حرَّان، وَسَرُوْج، وَالرَّقَّة، وَالرُّهَا، وَسِنْجَار، وَالبِيْرَة، وَآمِد، وَنَصِيْبِيْن، وَحَاصَرَ المَوْصِل، ثُمَّ تَملّك حلب، وَعوّض عَنْهَا صَاحِبهَا زَنْكِي بِسِنْجَار، ثُمَّ إِنَّهُ حَاصر المَوْصِل ثَانِياً وَثَالِثّاً، ثُمَّ صَالَحَه صَاحِبُهَا عِزّ الدِّيْنِ مَسْعُوْد، ثُمَّ أَخَذَ شَهْرزور وَالبوازِيج (4) .
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ فَتح طبريَّة، وَنَازل عَسْقَلاَن، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَة حِطِّيْن بَيْنَهُ وَبَيْنَ الفِرنْج، وَكَانُوا أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، فَحَال بَيْنهُم وَبَيْنَ المَاء عَلَى تلّ، وَسلّمُوا نُفُوْسهُم، وَأُسِرَتْ ملوكهُم، وَبَادر، فَأَخَذَ عكَّا وَبَيْرُوْت وَكَوْكَب، وَسَارَ فَحَاصَر القُدْس، وَجدّ فِي ذَلِكَ فَأَخَذَهَا بِالأَمَان.
__________
(1) هو الملك الصالح إسماعيل.
(2) بلدة تقع شمالي حلب، وفيها قلعة حصينة، وقد حاصرها السلطان ثمانية وثلاثين يوما. (انظر تفاصيل ذلك في (الكامل) لابن الأثير: 11 / 194 - 195) .
(3) قد أسر فيها صاحب الرملة وصاحب طبرية، وتعرف هذه الوقعة بمرج العيون.
(4) راجع (معجم البلدان) لياقوت و (مراصد الاطلاع) عن هذه الامكنة وغيرها مما يرد ذكره، وهي معروفة فيها.(21/280)
وَسَارَ عَسْكَر لابْنِ أَخِيْهِ تَقِيّ الدِّيْنِ عُمَر فَأَخذُوا أَوَائِل المَغْرِب، وَخطبُوا بِهَا لِبَنِي العَبَّاسِ.
ثُمَّ إِنَّ الفِرنْج قَامت قيَامتهُم عَلَى بَيْتِ المَقْدِس، وَأَقْبَلُوا كَقَطِيع اللَّيْل المُظْلِم برّاً وَبَحْراً وَأَحَاطُوا بعكَّا ليستردّوهَا وَطَال حصَارهُم لَهَا، وَبَنَوا عَلَى نُفُوْسهم خَنْدَقاً، فَأَحَاط بِهِم السُّلْطَان، وَدَام الحصَار لَهُم وَعَلَيْهِم نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ شَهْراً، وَجَرَى فِي غُضُون ذَلِكَ ملاَحم وَحُرُوْب تُشيِّب النَّوَاصي، وَمَا فَكُّوا حَتَّى أَخَذُوهَا، وَجَرَتْ لَهُم وَللسُلْطَان حُرُوْب وَسِير.
وَعِنْدَمَا ضَرِسَ الفرِيقَان، وَكُلّ الحزبَان، تَهَادن الملتَان.
وَكَانَتْ لَهُ همَّة فِي إِقَامَة الجِهَاد، وَإِبَادَة الأَضدَاد مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا لأَحدٍ فِي دَهْر.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ فِي حِصَار عزَاز (1) : كَانَتْ لجَاولي خيمَة كَانَ السُّلْطَان يَحضر فِيْهَا، وَيَحضّ الرِّجَال، فَحضر باطنِيَّة فِي زيِّ الأَجْنَاد، فَقفز عَلَيْهِ وَاحِد ضربه بِسكين لَوْلاَ المِغْفَرُ الزَّرَدُ (2) الَّذِي تَحْت القلنسوَة، لِقتله، فَأَمسكَ السُّلْطَان يَد البَاطِنِيّ بيدَيْهِ، فَبقِي يَضربُ فِي عُنُق السُّلْطَان ضرباً ضَعِيْفاً، وَالزَّرَدُ تَمنع، وَبَادر الأَمِيْر بَازكوج، فَأَمسك السِّكِّين، فَجرحته، وَمَا سيَّبهَا البَاطِنِيّ حَتَّى بَضَّعُوْهُ، وَوَثَبَ آخر، فَوَثَبَ عَلَيْهِ ابْن منكلاَن، فَجرحَه البَاطِنِيُّ فِي جنبه، فَمَاتَ، وَقُتِلَ البَاطِنِيّ، وَقفز ثَالِث، فَأَمسكه الأَمِيْر عَلِيُّ بن أَبِي الفَوَارِسِ، فَضمَّه تَحْتَ إِبطه (3) ، فَطعَنَه صَاحِب حِمْص (4) ، فَقَتَلَهُ،
__________
(1) (مفرج الكروب) : 2 / 44 - 45.
(2) زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.
(3) في (مفرج الكروب) : من تحت إبطيه.
(4) يعني ناصر الدين ابن أسد الدين شيركوه.(21/281)
وَركب السُّلْطَانُ إِلَى مُخيَّمه، وَدَمُه يَسِيْل عَلَى خَدّه، وَاحتجب فِي بَيْت خشب، وَعرض جُنْده، فَمَنْ أَنْكَره، أَبعدَهُ.
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: أَتيت، وَصَلاَح الدِّيْنِ بِالقُدْس، فَرَأَيْت ملكاً يَملأَ العُيُون روعَة، وَالقُلُوْب مَحَبَّة، قَرِيْباً بعيداً، سهلاً، محبَّباً، وَأَصْحَابه يَتشبَّهون بِهِ، يَتسَابقُوْنَ إِلَى المَعْرُوف، كَمَا قَالَ -تَعَالَى* -: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} [الحِجْرُ: 47] وَأَوّل لَيْلَة حضَرتُهُ وَجَدْت مَجْلِسه حَفْلاً بِأَهْلِ العِلْمِ يَتَذَاكَرُوْنَ، وَهُوَ يُحْسنُ الاستمَاع وَالمشَاركَة، وَيَأْخذ فِي كَيْفِيَة بِنَاء الأَسْوَار، وَحفر الخنَادق، وَيَأْتِي بِكُلِّ مَعْنَىً بَدِيْع، وَكَانَ مهتماً فِي بِنَاء سورِ بَيْتِ المَقْدِسِ وَحفْر خَنْدَقه، وَيَتولَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَيَنْقل الحجَارَة عَلَى عَاتقه، وَيَتَأَسَّى بِهِ الخلقُ حَتَّى القَاضِي الفَاضِل، وَالعِمَاد إِلَى وَقت الظُّهْر، فِيمدُّ السمَاط، وَيسترِيح، وَيَرْكبُ الْعَصْر، ثُمَّ يَرْجِع فِي ضوء المشَاعل، قَالَ لَهُ صَانِع: هَذِهِ الحجَارَة الَّتِي تُقْطَع مِنْ أَسفل الخَنْدَق رخوَة.
قَالَ: كَذَا تَكُوْن الحجَارَة الَّتِي تلِي القرَار وَالنّدَاوَة، فَإِذَا ضربَتْهَا الشَّمْس، صَلُبَت.
وَكَانَ يَحفظ (الحمَاسَة) ، وَيظَنّ أَن كُلّ فَقِيْه يَحفظهَا، فَإِذَا أَنْشَدَ، وَتَوَقَّفَ، اسْتطْعمَ فَلاَ يُطعَم، وَجَرَى لَهُ ذَلِكَ مَعَ القَاضِي الفَاضِل، وَلَمْ يَكُنْ يَحفظُهَا، وَخَرَجَ، فَمَا زَالَ حَتَّى حَفِظهَا، وَكَتَبَ لِي صَلاَح الدِّيْنِ بِثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً فِي الشَّهْر، وَأَطلق أَوْلاَده لِي روَاتب، فَأُشْغلت بِجَامِعِ دِمَشْقَ.
وَكَانَ أَبُوْهُ ذَا صلاَحٍ، وَلَمْ يَكُنْ صَلاَح الدِّيْنِ بِأَكْبَر أَوْلاَده.
وَكَانَ صَلاَح الدِّيْنِ شِحْنَة دِمَشْق، فَكَانَ يَشرَب الخَمْر، ثُمَّ تَابَ، وَكَانَ مُحببّاً إِلَى نُوْر الدِّيْنِ يُلاعبُه بِالكُرَة.(21/282)
وَكَانَتْ وَقعته بِمِصْرَ مَعَ السُّودَان، وَكَانُوا نَحْو مائَتَيْ أَلف، فَنُصِر عَلَيْهِم، وَقَتَلَ أَكْثَرهُم.
وَفِي هَذِهِ الأَيَّام اسْتولَى ملك الخَزَر عَلَى دُوِيْن، وَقتلَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً.
حُمَّ صَلاَح الدِّيْنِ، فَفَصده مَنْ لاَ خَبَرَة لَهُ، فَخَارت القُوَّة، وَمَاتَ، فَوَجَد النَّاسُ عَلَيْهِ شبيهاً بِمَا يَجدُوْنَهُ عَلَى الأَنْبِيَاء، وَمَا رَأَيْتُ ملكاً حَزِنَ النَّاس لِمَوْتِهِ سِوَاهُ، لأَنَّه كَانَ مُحببّاً، يُحِبُّه البِرّ وَالفَاجر، وَالمُسْلِم وَالكَافِر، ثُمَّ تَفرّق أَوْلاَده وَأَصْحَابه أَيَادِي سَبَأ، وَتَمزّقُوا.
وَلَقَدْ صدق العِمَاد فِي مَدحه حَيْثُ يَقُوْلُ:
وَلِلنَّاسِ بِالمَلِكِ النَّاصِرِ الصَّلاَ ... حِ صَلاَحٌ وَنَصْرٌ كَبِيْرُ
هُوَ الشَّمْسُ أَفلاَكُهُ فِي البِلاَ ... دِ وَمَطْلَعُهُ سَرْجُهُ وَالسَّرِيْرُ
إِذَا مَا سَطَا أَوْ حَبَا وَاحْتَبَى ... فَمَا اللَّيْثُ مِنْ حَاتِمٍ مَا ثَبِيْرُ
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : بَلَغَنِي أَنّ صَلاَح الدِّيْنِ قَدِمَ بِهِ أَبُوْهُ وَهُوَ رضيعٌ، فَنَاب أَبُوْه بِبَعْلَبَكَّ إِلَى آخذهَا أَتَابك زَنْكِي (2) ، وَقِيْلَ: إِنَّهُم خَرَجُوا مِنْ تَكرِيت فِي لَيْلَةِ مَوْلِد صَلاَح الدِّيْنِ، فَتطيَّرُوا بِهِ، فَقَالَ شِيرْكُوْه أَوْ غَيْره: لَعَلَّ فِيْهِ الخَيْر وَأَنْتُم لاَ تَعلمُوْنَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ (3) :
وَكَانَ شِيرْكُوْه أَرْفَع مَنْزِلَةً عِنْد نُوْر الدِّيْنِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُقدَّمَ جيوشِهِ.
__________
(1) (وفيات) : 7 / 143 - 145.
(2) أصل الخبر عند ابن خلكان: (فلما فتح عماد الدين زنكي بعلبك، جعل نجم الدين دزدارها) والدزدار كلمة أعجمية بمعنى حافظ القلعة، وهو الوالي، فجعلها الذهبي هنا (نائب) .
(3) (الوفيات) : 7 / 146 فما بعد، وقد تصرف الذهبي بالنص تصرفا كبيرا، فلخص، وغير وقدم وأخر على عادته، لكنه احتفظ بالمعنى، وهذه طريقته، رحمه الله، وهي طريقة مربكة.(21/283)
وَوَلِيَ صَلاَح الدِّيْنِ وِزَارَة العَاضد، وَكَانَتْ كَالسلطنَة (1) ، فَولِي بَعْد عَمّه سَنَة 564، ثُمَّ مَاتَ العَاضد سَنَة 67، فَاسْتقلَّ بِالأَمْرِ مَعَ مدَارَاة نُوْر الدِّيْنِ وَمرَاوَغته، فَإِنَّ نُوْر الدِّيْنِ عزم عَلَى قصد مِصْر؛ ليُقيم غَيْر صَلاَح الدِّيْنِ، ثُمَّ فَتَر، وَلَمَّا مَاتَ نُوْر الدِّيْنِ، أَقْبَل صَلاَح الدِّيْنِ ليُقيم نَفْسه أَتَابكاً لولد نُوْر الدِّيْنِ، فَدَخَلَ البَلَد بِلاَ كلفَة، وَاسْتَوْلَى عَلَى الأُمُوْر فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعِيْنَ، وَنَزَلَ بِدَارِ العَقِيْقِيّ، ثُمَّ تسلّم القَلْعَة، وَشَال الصَّبيّ مِنَ الْوسط ثُمَّ سَارَ، فَأَخَذَ حِمْص، ثُمَّ نَازل حلب، وَهِيَ الوقعَة الأُوْلَى، فَجَهَّزَ السُّلْطَانُ غَازِي مِنَ المَوْصِل أَخَاهُ عِزّ الدِّيْنِ مسعُوْداً فِي جَيْش، فَرحّله، وَقَدِمَ حِمْص، فَأَقْبَل مَسْعُوْد وَمَعَهُ الْحَلَبِيُّونَ، فَالتقوا عَلَى قرُوْن حَمَاة، فَانْهزم مَسْعُوْد، وَأُسِرَ أُمَرَاؤُهُ، وَسَاقَ صَلاَح الدِّيْنِ، فَنَازل حلب ثَانِياً، فَصَالَحُوْهُ بِبذْلِ المَعَرَّة وَكفرطَاب، وَبلغ غَازِي كَسْرَةُ أَهْله وَأَخِيْهِ، فَعبر الفُرَات، وَقَدِمَ حلب، فَتلقَاهُ ابْن عَمِّهِ الْملك الصَّالِح، ثُمَّ التَقَوا هُم وَصَلاَح الدِّيْنِ، فَكَانَتْ وَقْعَة تلّ السُّلْطَان، وَنُصِرَ صَلاَح الدِّيْنِ أَيْضاً، وَرجع صَاحِب المَوْصِل.
ثُمَّ أَخَذَ صَلاَح الدِّيْنِ مَنْبِج وَعزَاز، وَنَازل حلب ثَالِثاً، فَأَخرجُوا إِلَيْهِ بِنْت نُوْر الدِّيْنِ، فَوَهَبهَا عزَاز.
وَرد إِلَى مِصْرَ، وَاسْتنَاب عَلَى دِمَشْقَ أَخَاهُ صَاحِب اليَمَن تُوْرَانْشَاه، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، فَالتَقَى الفِرنْج، فَانْكَسَرَ.
ثُمَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ نَازل حلب، وَأَخَذَهَا، وَعوّض عَنْهَا عِمَاد الدِّيْنِ زَنْكِي بِسِنْجَار وَسَرُوج، وَرتّب بِحَلَبَ وَلده الْملك الظَّاهِر.
ثُمَّ حَاصر الكَرَك، وَجَاءت إِمدَادَات الفِرنْج.
__________
(1) يعني من حيث الصلاحيات والقوة.(21/284)
وَفِي شَعْبَان سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ نَازل صَلاَح الدِّيْنِ المَوْصِل، وَتردّدت الرُّسُل بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبهَا عِزّ الدِّيْنِ، وَتَمرّض، وَتَأَخّر إِلَى حرَّان، وَاشتدَّ مَرضه، وَحلفُوا لأَوْلاَده بِأَمره (1) ، وَأَوْصَى عَلَيْهِم أَخَاهُ العَادل (2) ، ثُمَّ مرّ بِحِمْصَ، وَقَدْ مَاتَ صَاحِبهَا نَاصِر الدِّيْنِ مُحَمَّد (3) ، ابْن عَمِّهِ، فَأَعْطَاهَا لوَلَده المُجَاهِد شِيرْكُوْه وَلَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً.
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ افْتَتَحَ صَلاَح الدِّيْنِ بلاَد الفِرنْج، وَقهرهُم، وَأَبَاد خَضْرَاءهُم، وَأَسَرَ ملوكهُم عَلَى حطّين.
وَكَانَ قَدْ نَذر أَن يَقتُل أَرنَاط (4) صَاحِب الكَرَك، فَأَسره يَوْمَئِذٍ، كَانَ قَدْ مرّ بِهِ قَوْم مِنْ مِصْرَ فِي حَال الهُدنَة، فَغَدَرَ بِهِم، فَنَاشدُوْهُ الصُّلح، فَقَالَ مَا فِيْهِ اسْتخفَافٌ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَتَلَهُم، فَاسْتحضر صَلاَح الدِّيْنِ المُلُوْك، ثُمَّ نَاول الْملك جفرِي (5) شربَة جلَّاب ثَلج، فَشرب، فَنَاول أَرنَاط، فَشرب، فَقَالَ السُّلْطَان لِلتَرْجمَان: قل لجفرِي: أَنْتَ الَّذِي سقيتَهُ، وَإِلاَّ أَنَا فَمَا سقَيْتُه.
ثُمَّ اسْتحضر البرِنْس أَرنَاط فِي مَجْلِس آخر، وَقَالَ: أَنَا أَنْتصر لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْكَ.
ثُمَّ عرض عَلَيْهِ الإِسْلاَم، فَأَبَى، فَحلَّ كتفه بِالنِيمجَاه (6) ، وَافتَتَح عَامَهُ مَا لَمْ يَفتحْهُ ملكٌ، وَطَار صِيْتُهُ فِي الدُّنْيَا، وَهَابته المُلُوْك.
ثُمَّ وَقَعَ النّوح وَالمَأَتم فِي جزَائِر البَحْر وَإِلَى رومِيةَ، وَنُودِيَ بِالنّفِير إِلَى
__________
(1) يعني حلف الناس لاولاد صلاح الدين وذلك بسبب اشتداد المرض عليه.
(2) يريد: جعله وصيا عليهم.
(3) قيل: مات من كثرة شرب الخمر، وقيل إن السلطان دس له من سمه، وكلها إشاعات ترد عند المؤرخين.
(4) هو الأمير رينو دي شاتيلون = Prince Renaud de Chatillon
(5) وهو: Geoffri de Lusignan
(6) النيمجاه: خنجر مقوس يشبه السيف القصير، وهو معرب (نيمجه) (راجع تعليق المرحوم الشيال على سيرة صلاح الدين: 79 وراجع مستدرك دوزي) .(21/285)
نُصْرَة الصّليب، فَأَتَى السُّلْطَانَ مِنْ عَسَاكِر الفِرنْج مَا لاَ قِبَلَ لَهُ بِهِ، وَأَحَاطُوا بعكَّا (1) .
وَقَالَ آخر: أَوّل فُتُوْحَاته الإِسْكَنْدَرِيَّة فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، وَقَاتَلَ مَعَهُ أَهْلُهَا لَمَّا حَاصَرَتْهُم الفِرنْج أَرْبَعَة أَشْهُرٍ، ثُمَّ كشَفَهُم عَنْهُ عَمُّه أَسَد الدِّيْنِ، فَتركهَا، وَقَدِمَا الشَّام.
ثُمَّ تَملّك وِزَارَة العَاضد، وَاستتبَّ لَهُ الأَمْرُ، وَأَبَاد آل عُبَيْدٍ وَعَبِيْدَهُم، وَتَملّك دِمَشْق ثُمَّ حِمْص، وَحَمَاة، وَحلب، وَآمِد، وَمَيَّافَارِقِيْن، وَعِدَّة بلاَد بِالجَزِيْرَةِ، وَدِيَار بَكْرٍ.
وَبَعَثَ أَخَاهُ، فَافْتَتَحَ لَهُ اليَمَن، وَسَارَ بَعْض عَسْكَره، فَافْتَتَح لَهُ بَعْض المَغْرِب، وَلَمْ يَزَلْ سُلْطَانه فِي ارتقَاء إِلَى أَنْ كَسَرَ الفِرنْج نَوْبَة حطّين.
ثُمَّ افْتَتَحَ عكَّا، وَبَيْرُوْت، وَصيدَا، وَنَابُلُس، وَقيسَارِيَّة، وَصَفُّورِيَّة، وَالشَّقِيْف، وَالطُّور، وَحَيْفَا، وَطَبَرِيَّة، وَتبنِيْنَ، وَجُبَيْل، وَعَسْقَلاَن، وَغزَّة، وَالقُدْس، وَحَاصَرَ صُوْر مُدَّة، وَافتَتَح أَنطَرْطُوسَ، وَهُوْنِيْنَ، وَكَوْكَب، وَجَبَلَة، وَاللاَّذِقِيَّة، وَصِهْيَوْن، وَبلاَطُنُس، وَالشُّغْرَ، وَبَكَاس، وَسُرمَانِية، وَبُرزَية (2) ، وَدربسانَ (3) ، وَبَغْرَاس، ثُمَّ هَادن بُرْنُس أَنطَاكيَة، ثُمَّ افْتَتَح الكَرَك بِالأَمَانِ، وَالشَّوْبَك، وَصَفَدَ، وَشَقِيْف أَرنوْنَ، وَحضَرَ عِدَّة وَقعَات.
وَخَلَّفَ مِنَ الأَوْلاَدِ: صَاحِبَ مِصْر الْملك العَزِيْز عُثْمَان، وَصَاحِب حلب الظَّاهِر غَازِياً، وَصَاحِب دِمَشْق الأَفْضَل عَلِيّاً، وَالملك المعزَّ فَتح الدِّيْنِ إِسْحَاق، وَالملك المُؤَيَّد مسعُوْداً، وَالملك الأَعزّ يَعْقُوْب، وَالملك المُظَفَّر
__________
(1) إلى هنا انتهى أخذ المؤلف عن ابن خلكان.
(2) هكذا هي مقيدة بالاصل، وفي (معجم البلدان) لياقوت: برزوية - بالفتح وضم الزاي، وسكون الواو وفتح الياء، والعامة يقولون: برزية.
(3) هكذا في الأصل، وفي (سيرة ابن شداد) (ص: 93، 248) : (دربساك) وفي (الكامل) لابن الأثير: درب ساك.(21/286)
خَضِراً، وَالملك الزَّاهر مُجِيْر الدِّيْنِ دَاوُد، وَالملك المُفَضَّل قُطْب الدِّيْنِ مُوْسَى، وَالملك الأَشرف عزِيز الدِّيْنِ مُحَمَّداً، وَالملك المُحْسِن جمَال المُحَدِّثِيْنَ ظَهِيْر الدِّيْنِ أَحْمَدَ، وَالمُعَظَّم فَخْر الدِّيْنِ تُوْرَانْشَاه، وَالملك الجَوَاد رُكْن الدِّيْنِ أَيُّوْب، وَالملك الغَالِب نصِيْر الدِّيْنِ مَلِكْشَاه، وَعِمَاد الدِّيْنِ شَاذِي، وَنصرَة الدِّيْنِ مَرْوَان، وَالملك المُظَفَّر أَبَا بَكْرٍ، وَالسَّيِّدَة مُؤنسَة زَوْجَة الْملك الكَامِل.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: يُوْنُس الفَارِقِيُّ، وَالقَاضِي العِمَاد الكَاتِب.
مرِضَ بِحُمَّى صفرَاوية، وَاحتدّ الْمَرَض، وَحَدَثَ بِهِ فِي التَّاسع رعشَةٌ وَغِيبَة، ثُمَّ حُقِنَ مرَّتين، فَاسْترَاح، وَسرب، ثُمَّ عرق حَتَّى نفذَ مِنَ الفِرَاش، وَقضَى فِي الثَّاني عشر.
تُوُفِّيَ: بِقَلْعَة دِمَشْق، بَعْد الصُّبْح، مَنْ يَوْم الأَرْبعَاء، السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفر، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
مَحَاسِنُ صَلاَح الدِّيْنِ جَمَّة، لاَ سِيَّمَا الجِهَاد، فَلَهُ فِيْهِ اليَد البيضَاء بِبذل الأَمْوَال وَالخيل المُثَمَّنَة لِجندِه.
وَلَهُ عقلٌ جَيِّد، وَفهمٌ، وَحزمٌ، وَعَزَمٌ.
قَالَ العِمَاد: أَطلق فِي مُدَّة حِصَار عكَّا اثْنَيْ عَشَرَ أَلف فَرَس، قَالَ: وَمَا حضَر اللِّقَاء إِلاَّ اسْتَعَار فَرساً، وَلاَ يَلبس إِلاَّ مَا يَحلّ لُبْسُهُ كَالكتان وَالقطن، نَزَّه المَجَالِس مِنَ الْهزْل، وَمحَافلُهُ آهلَةٌ بِالفُضَلاَء، وَيُؤثِرُ سَمَاع الحَدِيْث بِالأَسَانِيْد، حليماً، مُقيلاً لِلْعثرَة، تَقيّاً نَقيّاً، وَفِيّاً صفِيّاً، يُغضِي وَلاَ يغضبُ، مَا ردَّ سَائِلاً، وَلاَ خجَّلَ قَائِلاً، كَثِيْرُ البِرِّ وَالصَدَقَات، أَنْكَر عليَّ تحليَةَ دوَاتِي بفِضَّة، فَقُلْتُ: فِي جَوَازه وَجهٌ ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، وَمَا رَأَيْتهُ صَلَّى إِلاَّ فِي جَمَاعَةٍ.(21/287)
قُلْتُ: وَحضر وَفَاته القَاضِي الفَاضِل.
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ القُرْطُبِيّ إِمَام الكلاّسَة (1) : إِنَّنِي انتهيتُ فِي القِرَاءةِ إِلَى قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحَشْرُ: 22] فَسَمِعْتُ صَلاَح الدِّيْنِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: صَحِيْح.
وَكَانَ ذِهْنه قَبْل ذَلِكَ غَائِباً (2) ، ثُمَّ مَاتَ، وَغسَّلَه الخَطِيْب الدَّوْلَعِيّ، وَأُخْرِج فِي تَابوت، فَصَلَّى عَلَيْهِ القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الزَّكِيّ، وَأُعيد إِلَى الدَّارِ الَّتِي فِي البُسْتَان الَّتِي كَانَ مُتَمرِّضاً فِيْهَا، وَدُفِنَ فِي الصُّفَّة، وَارتفعت الأَصوَات بِالبُكَاء، وَعظُم الضّجيج، حَتَّى إِنَّ العَاقل ليُخيَّل لَهُ أَنَّ الدُّنْيَا كُلّهَا تَصيح صَوْتاً وَاحِداً، وَغَشِي النَّاس مَا شغلهُم عَنِ الصَّلاَة عَلَيْهِ، وَتَأَسَّف النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى الفِرنْج لِما كَانَ مِنْ صدق وَفَائِهِ.
ثُمَّ بَنَى وَلده الأَفْضَل قُبَّةً شمَالِي الجَامِع، وَنقلَهُ إِلَيْهَا بَعْد ثَلاَث سِنِيْنَ، فَجَلَسَ هُنَاكَ لِلْعزَاء ثَلاَثاً.
وَكَانَ شَدِيد القوَى، عَاقِلاً، وَقُوْراً، مَهِيْباً، كَرِيْماً، شُجَاعاً.
وَفِي (الرَّوْضَتين) لأَبِي شَامَة (3) : أَنَّ السُّلْطَان لَمْ يُخلِّف فِي خزَانته مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّة إِلاَّ سَبْعَة وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً، وَدِيْنَاراً صُوْرِيّاً، وَلَمْ يُخَلِّف مِلْكاً وَلاَ عقَاراً -رَحِمَهُ الله- وَلَمْ يَخْتلف عَلَيْهِ فِي أَيَّامِهِ أَحَد مَنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ النَّاسُ يَأْمنُوْنَ ظلمَه، وَيَرجُوْنَ رِفْدَه، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَصِلُ عطَاؤُه إِلَى الشّجعَانِ، وَإِلَى العُلَمَاءِ، وَأَربَابِ البيوتَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ لمبطلٍ وَلاَ لمَزَّاحٍ عِنْدَهُ نصِيْب.
__________
(1) كان الشيخ أبو جعفر قد استدعي ليبيت عنده يقرأ القرآن، ويلقنه الشهادة عند حضور الوفاة، وتوفي أبو جعفر هذا سنة 596، وستأتي ترجمته (رقم: 156) .
(2) وتمام الخبر أن القاضي الفاضل جاءه عند أذان الصبح، وكان في آخر رمق، فلما قرأ القارئ (لا إله إلا هو عليه توكلت) ، تبسم، وتهلل وجهه، وأسلم روحه إلى ربه سبحانه.
(3) (الروضتين) .(21/288)
قَالَ المُوَفَّق: وُجِدَ فِي خزَانته بَعْد مَوْته دِيْنَارٌ وَثَلاَثُوْنَ دِرْهَماً، وَكَانَ إِذَا نَازل بَلَداً، وَأَشرف عَلَى أَخذهِ، ثُمَّ طلبُوا مِنْهُ الأَمَان، آمنهُم، فِيتَأَلَّم لِذَلِكَ جَيْشه، لفوَات حظِّهم.
قَالَ القَاضِي بَهَاء الدِّيْنِ ابْن شَدَّاد (1) : قَالَ لِي السُّلْطَان فِي بَعْضِ محَاورَاته فِي عقد الصُّلح: أَخَاف أَنْ أصَالِحَ، وَمَا أَدْرِي أَيش يَكُوْن مِنِّي، فِيقوَى هَذَا العَدُوّ، وَقَدْ بقيَتْ لَهُم بلاَدٌ، فِيخرجُوْنَ لاستعَادَة مَا فِي أَيدِي المُسْلِمِيْنَ، وَترَى كُلّ وَاحِد مِنْ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي أَخَاهُ وَأَولادَهم- قَدْ قَعَدَ فِي رَأْس تَلِّهِ -يَعْنِي قَلعته- وَيَقُوْلُ: لاَ أَنْزِلُ، وَيهلك المُسْلِمُوْنَ.
قَالَ ابْنُ شَدَّادٍ: فَكَانَ -وَاللهِ- كَمَا قَالَ، اخْتلفُوا، وَاشْتَغَل كُلُّ وَاحِدٍ بِنَاحِيَتِه، وَبَعُدَ، فَكَانَ الصُّلحُ مصلحَةً.
قُلْتُ: مِنْ لُطفِ الله لمَا تَنَازع بَنُوْ أَيُّوْب، وَاخْتَلَفُوا يَسَّر الله بِنقصِ همَّة الأَعْدَاء، وَزَالت تِلْكَ الشَّهَامَة مِنْهُم.
وَكَتَبَ القَاضِي الفَاضِل تَعزِيَةً إِلَى صَاحِب حلب (2) : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأَحزَاب: 21] ، {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيْمٌ} [الحَجّ: 1] كَتَبتُ إِلَى مَوْلاَنَا الْملك (3) الظَّاهِر أَحْسَنَ الله عزَاءهُ، وَجَبَر مُصَابَهُ، وَجَعَلَ فِيْهِ الخلفَ مِنَ السَّلَف فِي السَّاعَة المَذْكُوْرَة (4) ، وَقَدْ زُلْزِلَ المُسْلِمُوْنَ زلزَالاً شدِيداً، وَقَدْ حضَرَتِ الدُّمُوعُ المَحَاجر، وَبَلَغتِ
__________
(1) (السيرة) : 235 (ط.
الدكتور الشيال القاهرة 1964) .
(2) هو ولده الملك الظاهر، وقد أوردها ابن خلكان وغيره.
(3) ابن خلكان: (مولانا السلطان الملك) .
(4) ابن خلكان: (وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة) فهو يحذف: (من السلف) .(21/289)
القُلُوْبُ الحنَاجر، وَقَدْ وَدَّعتُ أَبَاك وَمخدومِي وَدَاعاً لاَ تلاَقِي بَعْدَهُ (1) ، وَقبَّلتُ وَجهَهُ عَنِّي وَعنكَ، وَأَسلَمْتُهُ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ (2) مغلوبَ الحيلَةِ، ضَعِيْفَ القُوَّةِ، رَاضياً عَنِ اللهِ، وَلاَ حُوْل وَلاَ قوّة إِلاَّ بِاللهِ.
وَبِالبَاب مِنَ الجُنُوْد المجنّدَة، وَالأَسلحَة المعمدَة (3) مَا لَمْ يَدْفَعِ البَلاَء، وَلاَ مَا (4) يَردُّ القَضَاء، تَدْمَع (5) العينُ، وَيَخشعُ القَلْبُ، وَلاَ نَقُوْل إِلاَّ مَا يَرضِي الرّبَّ، وَإِنَّا بِك يَا يُوْسُف لمحزونُوْنَ (6) .
وَأَمَّا الوصَايَا، فَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهَا، وَالآرَاءُ، فَقَدْ شَغَلنِي المصَابُ عَنْهَا، وَأَمَّا لاَئِح الأَمْر، فَإِنَّهُ إِن وَقَعَ اتِّفَاقٌ، فَمَا عدِمْتُم إِلاَّ شَخْصَهُ الكَرِيْم، وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ، فَالمصَائِبُ المستقبلةُ أَهونُهَا مَوْته (7) .
وَلِلْعَلَم الشَّاتَانِيِّ (8) فِيْهِ قصيدَة، مطلعهَا:
أَرَى النَّصْرَ مَقْرُوْناً بِرَايَتِكَ الصَّفْرَا ... فَسِرْ وَاملِكِ الدُّنْيَا فَأَنْت بِهَا أَحْرَى
__________
(1) ابن خلكان: وقد.
(2) ابن خلكان: إلى الله تعالى.
(3) ابن خلكان: المعدة.
(4) ابن خلكان: ملك.
(5) ابن خلكان: وتدمع.
(6) ابن خلكان: وإنا عليك محزونون يا يوسف.
(7) يضيف ابن خلكان: وهو الهول العظيم، والسلام.
(8) هو علم الدين أبو علي الحسن بن سعيد بن عبد الله الشاتاني الأديب، ينسب إلى قلعة شاتان بلدة بنواحي ديار بكر.
ولد سنة 510، وقدم بغداد، وتفقه بالمدرسة النظامية، وسمع الشيوخ، وسافر إلى دمشق غير مرة، واستوطن الموصل، وتوفي سنة 579 كما في (تاريخ الإسلام) للذهبي، الورقة: 78 (أحمد الثالث 2917 / 14) و (طبقات) السبكي: 7 / 61.
وترجم له العماد في القسم الشامي من الخريدة: 2 / 361، وأبو شامة في الروضتين: 1 / 271، وياقوت في (شاتان) من معجم البلدان: 3 / 226 وابن الفوطي في تلخيصه: 4 / الترجمة: 837 وتصحف فيه وفاته إلى سنة 599، وغيرهم.
وقد وقعت نسبته في أصل مخطوطتنا: الساتاني - بالسين المهملة - وهو تصحيف.(21/290)
وَبَعَثَ إِلَيْهِ ابْن التَّعَاوِيْذِيّ (1) بِقَصِيدَتِهِ الطنَّانَة الَّتِي أَوَّلهَا (2) :
إِنْ كَانَ دِيْنُكَ فِي الصَّبَابَةِ دينِي ... فَقِفِ المَطِيَّ برَمْلَتَي يَبرِيْنِ
وَالْثِمْ ثَرَىً لَوْ شَارَفَتْ بِي هُضْبَهُ ... أَيدِي المَطِيِّ لَثَمْتُهُ بِجفُونِي
وَأَنْشَدَ فُؤَادِي فِي الظِّبَاءِ مُعَرِّضاً ... فَبِغَيْر غِزْلاَنِ الصَّرِيْمِ جُنُوْنِي
وَنَشيدَتِي بَيْنَ الخيَامِ وَإِنَّمَا ... غَالَطْتُ عَنْهَا بِالظِّبَاءِ العِينِ
للهِ مَا اشتَمَلَتْ عَلَيْهِ فتاتُهُم (3) ... يَوْمَ النَّوَى مِنْ لُؤْلُؤٍ مَكنُوْنِ
مِنْ كُلِّ تَائِهَةٍ عَلَى أَترَابهَا ... فِي الحُسْنِ (4) غَانِيَةٍ عَنِ التّحْسِيْن
خَوْدٍ يُرَى (5) قَمَرُ السَّمَاءِ إِذَا رَنَتْ (6) ... مَا بَيْنَ سَالفَةٍ لَهَا وَجَبِيْنِ (7)
يَا سُلْمَ إِنْ ضَاعَت عُهُودِي عِنْدكُم ... فَأَنَا الَّذِي استَوْدَعْتُ غَيْرَ أَمِيْنِ
هَيْهَاتَ مَا لِلبيْضِ فِي وُدِّ امْرِئٍ ... أَرَبٌ وَقَدْ أَربَى عَلَى الخَمْسِيْنِ
لَيْتَ البَخِيْلَ (8) عَلَى المُحِبِّ بِوَصْلِهِ ... لَقِنَ السَّمَاحَةَ مِنْ صَلاَحِ الدِّيْنِ
152 - العَزِيْزُ عُثْمَانُ بنُ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ *
السُّلْطَانُ، المَلِكُ العَزِيْزُ، أَبُو الفَتْحِ عِمَادُ الدِّيْنِ، عُثْمَانُ ابْنُ
__________
(1) يقصد: سبط ابن التعاويذي، ولم يكن الرجل ابنا للتعاويذي وهذه من عادات الذهبي - رحمه الله - وكثيرا ما يقول (قال ابن الجوزي) ويقصد به سبطه يوسف.
(2) الديوان: 420 - 424 (طبعه مرغليوث بمصر 1903) .
وقد بعثها إليه حين كان السلطان بدمشق سنة 575.
(3) كذا في الأصل، وفي الديوان: قبابهم.
(4) الديوان: بالحسن.
(5) الديوان: تري.
(6) الديوان: بدت.
(7) الديوان: ما بين سالغة وبين جبين.
(8) الديوان: الضنين.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 58، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 460، =(21/291)
السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ (1) بنِ أَيُّوْبَ، صَاحِبُ مِصْر.
وُلِدَ فِي: سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَابْن عَوْف.
وَتَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَكَانَ لاَ بَأْسَ بِسِيرَتِهِ.
قَدِمَ دِمَشْق، وَحَاصَرَ أَخَاهُ الأَفْضَل.
نَقَلْتُ مَنْ خطِّ الضِّيَاء الحَافِظ، قَالَ: خَرَجَ إِلَى الصّيد، فَجَاءته كتب مِنْ دِمَشْقَ فِي أَذِيَّة أَصْحَابنَا الحَنَابِلَة -يَعْنِي فِي فِتْنَة الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ- فَقَالَ: إِذَا رَجَعنَا مِنْ هَذِهِ السّفرَة، كُلّ مَنْ كَانَ يَقُوْلُ بمقَالَتهُم أَخرجنَاهُ مِنْ بلدنَا.
قَالَ: فَرمَاهُ فَرَس، وَوَقَعَ عَلَيْهِ، فَخسفَ صَدْرَهُ، كَذَا حَدَّثَنِي يُوْسُف بن الطُّفَيْل، وَهُوَ الَّذِي غسّله.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ (2) : عَاشَ ثَمَانِياً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، مَاتَ فِي العِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: دُفِنَ بقبَّة الشَّافِعِيّ -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-.
وَأُقيم بَعْدَهُ وَلدٌ لَهُ صَبِيّ (3) ، فَلَمْ يَتُمَّ ذَلِكَ.
__________
= والمنذري في التكملة، الترجمة: 467، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 6، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 251، وابن الفوطي في تلخيصه: 4 / الترجمة: 595، وأبو الفداء في تاريخه: 3 / 100، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 78 (باريس 1582) ، والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 / 286، ودول الإسلام: 2 / 78، وابن كثير في البداية: 13 / 18، والمقريزي في السلوك: 1 / 143، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 146، وابن العماد في الشذرات: 4 / 319، وغيرهم.
(1) في الأصل: (ابن يوسف) وهو وهم جد ظاهر.
(2) (التكملة) ، الترجمة: 467.
(3) كان عمره تقديرا عشر سنين، واسمه محمد، ولقبه ناصر الدين.(21/292)
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: كَانَ العَزِيْز شَابّاً، حسن الصُّوْرَة، ظرِيف الشَّمَائِل، قويّاً، ذَا بَطش، وَأَيد، وَخفَّة حركَة، حييّاً، كَرِيْماً، عَفِيْفاً عَنِ الأَمْوَال وَالفُرُوْج، بلغَ مِنْ كَرمه أَنَّهُ لَمْ تَبق لَهُ خزَانَة، وَلاَ خَاصٌّ، وَلاَ بركٌ، وَلاَ فَرَس.
وَبيوت أُمرَائِهِ تَفِيض بِالخيرَات، وَكَانَ شُجَاعاً مِقْدَاماً، بلغَ مِنْ عفّته أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلاَم تركِيّ بِأَلف دِيْنَار يُقَالُ لَهُ: أَبُو شَامَةَ، فَوَقَفَ، فَرَاعَهُ حُسْنُه، فَأَمَرَه أَنْ يَنْزع ثيَابه، وَجَلَسَ مِنْهُ مَجْلِس الخَنَا، فَأَدْرَكه تَوفِيقٌ، فَأَسرع إِلَى سَرِيَّة لَهُ، فَقضَى وَطرَه ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَمَّا عفّتُهُ عَنِ المَال، فَلاَ أَقدِرُ أَنْ أَصفَ حِكَايَاته فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (1) : كَانَتِ الرَّعِيَّةُ يُحبُّونَهُ مَحَبَّة عَظِيْمَةً شَدِيْدَةً، وَكَانَتِ الآمَال مُتَعَلِّقَة بِأَنَّهُ يسدُّ مسدَّ أَبِيْهِ، وَلَمَّا سَارَ أَخُوْهُ الأَفْضَل مَعَ العَادل، وَنَازلاَ بِلْبِيْسَ، وَتَزَلْزَلَ، بذلت لَهُ الرَّعِيَّة أَمْوَالهَا، فَامْتَنَعَ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (2) : وَحُكِي عَنْهُ أَنّ عَبْد الكَرِيْمِ ابْنَ البَيْسَانِيّ أَخَا القَاضِي الفَاضِل كَانَ يَتولَّى البُحَيْرَة مُدَّة، وَحصَّل (3) ، وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ، فَعُزِل، وَكَانَ مزوَّجاً بِبنت ابْن مُيَسَّرٍ، فَأَسَاء عشرتهَا لسُوء خلقه، فَتوجّه أَبُوْهَا، وَأَثْبَت عِنْد قَاضِي الإِسْكَنْدَرِيَّةِ ضَرَرهَا، وَأَنَّهُ قَدْ حَصَرهَا فِي بَيْت، فَمَضَى القَاضِي بِنَفْسِهِ، وَرَام أَنْ يَفتح عَنْهَا، فَلَمْ يَقدِرْ، فَأَحضر نَقَّاباً، فَنقبَ البَيْت، وَأَخْرَجهَا، ثُمَّ سدَّ النَّقبَ، فَهَاجَ عَبْدُ الكَرِيْمِ، وَقصد الأَمِيْر جهَاركس بِمِصْرَ، وَقَالَ:
هَذِهِ خَمْسَة آلاَف دِيْنَار لَكَ، وَأَرْبَعُوْنَ أَلف دِيْنَار لِلسُّلْطَانِ، وَأُوَلَّى قَضَاء الإِسْكَنْدَرِيَّة. فَأَتَى العَزِيْز ليلاً، وَأَحضرَ
__________
(1) (مفرج الكروب) : 3 / 83.
(2) نفسه: 3 / 84.
(3) يعني حصل أموالا جزيلة(21/293)
الذّهب، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: ردَّ عَلَيْهِ مَالَه، وَقُلْ لَهُ: إِيَّاك وَالعَوْد إِلَى مِثْلهَا فَمَا كُلُّ ملكٍ يَكُوْن عَادِلاً، أَنَا مَا أَبيع أَهْل الإِسْكَنْدَرِيَّة بِهَذَا المَال.
قَالَ جهَاركس: فَوجمتُ، وَظهَرَ عليَّ، فَقَالَ: أَرَاك أَخذْتَ شَيْئاً؟
قُلْتُ: نَعم، خَمْسَة آلاَف دِيْنَار.
قَالَ: أَعْطَاك مَالاً يَنفعُ مرَّةً، وَأَنَا أُعْطيكَ مَا تَنْتَفعُ بِهِ مَرَّات.
ثُمَّ وَقَّعَ لِي بِإِطلاَق طُنبذَة (1) ، كُنْتُ أَسْتَغلُّهَا سَبْعَة آلاَف دِيْنَار.
قُلْتُ: تَملّك دِمَشْق، وَأَنشَأَ بِهَا العَزِيْزِيَّة إِلَى جَانب تربَة أَبِيْهِ.
وَخلّف وَلده النَّاصِرَ مُحَمَّداً، فَحلفُوا لَهُ، فَامْتَنَعَ عمَّاهُ المُؤَيَّد وَالمعزّ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُمَا الأَتَابكيةُ، ثُمَّ حَلَفَا، وَاخْتَلَفت الآرَاء، ثُمَّ كَاتِبُوا الْملك الأَفْضَل مِنْ مِصْرَ، فَخَرَجَ مِنْ صَرْخَدُ إِلَيْهِم فِي عِشْرِيْنَ رَاكِباً.
ثُمَّ جرت أُمُوْر، وَأَقْبَلَ العَادلُ، وَتَمَكَّنَ، وَأَجلس ابْنه الكَامِل، وَضَعُفَ حَال الأفضلِ، وَعُزِلَ النَّاصِرُ، وَانضمَّ إِلَى عَمّه بِحَلَبَ.
153 - الأَفْضَلُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ * (2)
__________
(1) اسم مكان، وراجع كلاما جيدا عليها للمرحوم الدكتور الشيال في تعليقه على (مفرج الكروب) : 3 / 86 هامش 3.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 176، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 637، والمنذري في التكملة، الترجمة: 2020، وأبو شامة في الذيل: 145، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 419، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 142، والذهبي في دول الإسلام: 2 / 96، والعبر: 5 / 91، والصفدي في الوافي: 12 / 234، وابن كثير في البداية: 13 / 108، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 262، والمقريزي في السلوك 1 / 116، وابن العماد في الشذرات: 5 / 101 وغيرهم.
(2) في الأصل: (أبو الفتح عثمان) ، وهو وهم واضح جدا لعله من سبق القلم، والصحيح ما أثبتناه من جميع المصادر ومنها (تاريخ الإسلام) للذهبي، وهو بخطه (الورقة: =(21/294)
تَمَلَّكَ دِمَشْقَ، ثُمَّ حَارَبَهُ العَزِيْزُ أَخُوْهُ، وَقَهَرَهُ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ العَزِيْزُ، أَسْرَعَ الأَفْضَلُ إِلَى مِصْرَ، وَنَابَ فِي المُلْكِ، وَسَارَ بِالعَسْكَرِ المِصْرِيِّ، فَقصد دِمَشْق، وَبِهَا عَمُّه العَادل، قَدْ بَادرَ إِلَيْهَا مِنْ مَارْدِيْن قَبْل مجِيْء الأَفْضَل بيَوْمَيْنِ، فَحَصَرَهُ الأفضلُ، وَأحرق الحوَاضر وَالبسَاتين، وَعَمِلَ كُلّ قَبِيح، وَدَخَلَ البَلَد، وَضجَّتِ الرَّعِيَّة بشعَاره، وَكَانَ مَحْبُوباً، فَكَادَ العَادلُ أَنْ يَسْتَسلِمَ، فَتمَاسك، وَشدَّ أَصْحَابه عَلَى أَصْحَابِ الْأَفْضَل، فَأَخرجُوْهُم، ثُمَّ قَدِمَ الظَّاهِر وَمَعَهُ صَاحِب حِمْص، وَهمُّوا بِالزّحف، فَلَمْ يَتَهَيَّأَ أَمرٌ، ثُمَّ سَفُل أَمر الأَفْضَل، وَعَاد إِلَى صَرْخَدُ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى سُمَيْسَاط، وَقنَع بِهَا، وَفِيْهِ تَشيّع بِلاَ رفض.
وَلَهُ نَظْمٌ وَفضِيْلَة، وَإِلَيه عهد أَبُوْهُ بِالسلطنَة لمَا احتُضِر، وَكَانَ أَسنّ إِخْوَته، وَهُوَ القَائِلُ فِي عَمّه العَادل:
ذِي سنَّةٍ بَيْنَ الأَنَامِ قَدِيْمَةٍ ... أَبَداً أَبُو بَكْرٍ يَجُورُ عَلَى عليّ
وَقَدْ كتب مِنْ نَظمه إِلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر -وَفِي النَّاصِر تَشيّع-:
مَوْلاَيَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَصَاحِبَهُ ... عُثْمَانَ قَدْ غَصَبَا (1) بِالسَّيْفِ حقَّ عَلِي
وَهُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ وَلاَّهُ وَالِدُه ... عَلَيْهِمَا وَاسْتقَامَ الأَمْرُ حِيْنَ وَلِي
فَخَالفَاهُ وَحَلاَّ عَقْدَ بَيْعَتِهِ ... وَالأَمْرُ بَيْنهُمَا وَالنَّصُّ فِيْهِ جَلِي
فَانظر إِلَى حَظِّ هَذَا الاسْم كَيْفَ لقِي ... مِنَ الأَوَاخِرِ مَا لاَقَى مِنَ الأُوَلِ
فَأَجَابوهُ مِنَ الدِّيْوَان:
وَافَى كِتَابُكَ يَا ابْنَ يُوْسُفَ مُعْلِناً ... بِالودِّ يُخْبِرُ أَنْ أَصْلَكَ طَاهِرُ
__________
= 23 - أيا صوفيا 3012)
(1) في الأصل: (عصيا) والتصحيح من (تاريخ الإسلام) ، وابن خلكان.(21/295)
غَصَبُوا عَلِيّاً حَقَّهُ إِذْ لَمْ يَكُنْ ... بَعْدَ الرَّسُول لَهُ بطَيْبَةَ نَاصِرُ (1)
فَابِشِرْ، فَإِنَّ غداً عَلَيْهِ حسَابهُم ... وَاصبرْ، فَنَاصِرُكَ الإِمَامُ النَّاصِرُ (2)
مَاتَ الأَفْضَل: فُجَاءةً، بِسُمَيْسَاط، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ مُوْسَى، وَلُقّب بِلَقَبِهِ، وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهِيَ (3) قَلْعَةٌ عَلَى الفُرَات قَرِيْبَة مِنَ الكختَا (4) ، وَقَدْ دَثَرَتِ الآنَ.
عَاشَ سِتّاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ ترسُّلٌ وَفضِيْلَة وَخطّ مَنْسُوْب.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ ابْن الأَثِيْرِ (5) : وَكَانَ مِنْ مَحَاسِن الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي المُلُوْك مِثْل.
كَانَ خَيّراً، عَادِلاً، فَاضِلاً، حليماً، كَرِيْماً -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
يَا مَنْ يُسَوِّدُ شَيْبَه (6) بِخِضَابهِ ... لَعَسَاهُ فِي أَهْلِ الشَّبِيْبَةِ يَحصُلُ
هَا فَاخْتَضِبْ بِسوَادِ حَظِّي مرَّةً ... وَلَكَ الأَمَانُ بِأَنَّهُ لاَ يَنْصُلُ
154 - الظَّاهِرُ غَازِي بنُ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ *
سُلْطَانُ حَلَبَ، المَلكُ الظَّاهِرُ، غِيَاثُ الدِّيْنِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ غَازِي
__________
(1) ابن خلكان: (بعد النبي له بيثرب) . وفي (تاريخ الإسلام) : بعد النبي له بطيبة.
(2) قال الذهبي في (تاريخ الإسلام) : (وقيل، ولم يصح، أنه جرد سبعين ألفا لنصرته، فجاء الخبر أن الامر قد فات فبطل التجريد) .
(3) يعني سميساط.
(4) هكذا في الأصل ولم يذكرها ياقوت.
وفي (تاريخ الإسلام) الذي بخط المؤلف: (وهي قلعة على الفرات بين قلعة الروم وملطية) (الورقة: 24 - أيا صوفيا 3012)
(5) (الكامل) : 12 / 176
(6) في (تاريخ الإسلام) : شعره.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 129، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 579، =(21/296)
ابْنُ السُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ يُوْسُفَ بنِ أَيُّوْبَ.
مَوْلِدُهُ: بِمِصْرَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ، وَعَبْد اللهِ بنِ بَرِّيٍّ النَّحْوِيِّ، وَالفَضْلِ ابْنِ البَانْيَاسِيِّ، وَحَدَّثَ.
تَمَلَّكَ حَلَبَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ بَدِيْعَ الحُسْنِ فِي صِبَاهُ، مَليحَ الشَّكلِ فِي رجولِيَّتِهِ، لَهُ عقلٌ وَغورٌ وَدهَاءٌ وَفكرٌ صَائِبٌ.
كَانَ يُصَادِقُ مُلُوْكَ الأَطرَافِ وَيباطِنُهُم، وَيُوهمهُم أَنَّهُ لولاَهُ، لَقَصَدَهُم عَمُّه العَادلُ، وَيوهِمُ عَمَّه أَنَّهُ لولاَهُ، لَتعَامَلَ عَلَيْهِ المُلُوْكُ، وَلشقُّوا العصَا.
وَكَانَ كَرِيْماً مِعْطَاءً، يُتْحِفُ المُلُوْكَ بِالهدَايَا السنِيَّة، وَيُكرم الرُّسُلَ وَالشُّعَرَاءَ وَالقُصَّادَ.
وَكَانَ عَمُّه يَرْعَى لَهُ لِمَكَان بِنْتِهِ، فَمَاتَتْ، فَزَوَّجَهُ بِأُخْتِهَا وَالِدَةِ ابْنِهِ الملكِ العَزِيْزِ، فَلَمَّا وَلَدَتْ، زُيِّنَتْ حَلَبُ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ، وَأَنفَقَ عَلَى وِلاَدَتِهِ كرَائِمَ الأَمْوَالِ، وَكَانَ قَدِ انضمَّ إِلَيْهِ إِخْوَتُهُ وَأَولاَدُهُم، فَزوَّج ذكرَانَهُم بِإِنَاثِهِم، بِحَيْثُ أَنَّهُ عَقَدَ بَيْنَهُم فِي يَوْم نَيِّفاً (1) وَعِشْرِيْنَ عقداً.
__________
= والمنذري في التكملة، الترجمة: 1469، وأبو شامة في ذيل الروضتين: 94، وابن العبري في تاريخه: 231، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 6، وابن واصل في مفرج الكروب: 2 / 178، 3 / 237، وابن الفوطي في تلخيصه: 4 / الترجمة: 1781 في الملقبين بغياث الدين، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 123، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 202 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 46، وابن كثير في البداية: 13 / 71، والمقريزي في السلوك ج ق 1 ص: 185، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 355، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 218، وابن العماد في الشذرات: 5 / 55 وغيرهم.
(1) في الأصل: نيف.(21/297)
وَعَمَّرَ أَسوَارَ حَلَبَ أَكمَلَ عمَارَةٍ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ عبثَ بِالشَّاعِر الحلِّيِّ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ الحِلِّيُّ: أَنظِمُ؟ يُعَرِّضُ بِالهجَاءِ.
فَقَالَ الظَّاهِرُ: أَنْثُرُ؟ وَقبضَ عَلَى السَّيْف.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (1) : كَانَ مَهِيْباً سَائِساً، فَطناً، دَوْلَتُهُ معمورَةٌ بِالعُلَمَاءِ، مُزَيَّنَةٌ بِالمُلُوْكِ وَالأُمَرَاءِ، وَكَانَ مُحسناً إِلَى الرعيَّةِ، وَشَهِدَ مُعْظَمَ غَزَوَاتِ وَالِدِهِ، وَكَانَ يَزورُ الصَّالِحِيْنَ، وَيَتفقَّدهُم، وَلَهُ ذكَاءٌ مُفْرِطٌ، مَاتَ بِعلَّةِ الذَّربِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : أَوْصَى فِي مَوْتِهِ بِالمُلْكِ لِولدِهِ مِنْ بِنْتِ العَادِلِ، وَأَرَادَ أَنْ يُرَاعِيْهَا إِخْوَتُهَا، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لأَحْمَدَ، ثُمَّ لِلْمَنْصُوْرِ مُحَمَّدِ ابْنِ أَخِيْهِ المَلِكِ العَزِيْزِ، وَفوَّضَ القَلْعَةَ إِلَى طغرِيل الخَادِمِ الرُّوْمِيِّ، تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: كَانَ يُفِيقُ، وَيَتشهَّدُ، وَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ بِكَ أَسْتجيرُ.
وَرثَاهُ شَاعِرُهُ رَاجِحٌ (3) الحلِّيُّ، فَقَالَ (4) :
سَلِ الخَطْبَ إِنْ أَصْغَى إِلَى مَنْ يُخَاطِبُهُ ... بِمَنْ عَلِقَتْ أَنْيَابُهُ وَمَخَالِبُهْ
نشدتُكَ عَاتِبْهُ عَلَى نَائِبَاتِهِ ... وَإِنْ كَانَ لاَ يَلْوِي عَلَى مَنْ يُعَاتِبُهْ (5)
إِلَى (6) اللهِ أَرمِي بِطَرْفِي ضَلاَلَةً ... إِلَى أُفْقِ مَجْدٍ قَدْ تَهَاوَتْ كَوَاكِبُهْ
__________
(1) يعني: سبط ابن الجوزي، وانظر (المرآة) : 8 / 579.
(2) (ذيل الروضتين) : 94.
(3) توفي راجح بن إسماعيل بن أبي القاسم الأسدي الحلي سنة 627 وهو من الشعراء المشهورين.
(4) أوردها ابن خلكان بطولها وهي سبعة وأربعون بيتا:
(5) ابن خلكان: وإن كان نائي السمع عمن يعاتبه.
(6) ابن خلكان: لي الله.(21/298)
فَمَا لِي أَرَى الشَّهْبَاءَ قَدْ حَال صُبْحُهَا ... عليَّ دُجَىً لاَ تَسْتَنِيرُ غَيَاهِبُهْ!؟
أَحَقّاً حِمَى الغَازِي الغِيَاثِ بنِ يُوْسُف ... أُبِيحَ وَعَادَتْ خَائِبَاتٍ مَوَاكِبُهْ؟
وَهَل (1) مُخْبرِي عَنْ ذَلِكَ الطَّوْدِ؟ هَلْ وَهَتْ ... قَوَاعِدُهُ أَمْ لاَنَ لِلْخطبِ جَانِبُهْ؟
155 - ابْنُ يُوْنُسَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يُوْنُسَ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، جَلاَلُ الدِّيْنِ، أَبُو المُظَفَّرِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يُوْنُسَ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، الفَقِيْهُ.
تَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي حِكِيْمٍ النّهْرُوَانِيِّ، وَقرَأَ الأُصُوْل وَالكَلاَم عَلَى صَدَقَة بن الحُسَيْنِ، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات بِهَمَذَانَ عَلَى أَبِي العَلاَءِ العَطَّار.
وَسَمِعَ مِنْ: نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَجَمَاعَة.
ثُمَّ دَاخَل الكُبَرَاء إِلَى أَنْ تَوكَّل لأُمِّ النَّاصِر، ثُمَّ ترقَّى أَمرُه (2) إِلَى أَنْ وَزر فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ.
ثُمَّ سَارَ بِالجُيُوْش لِحَرْب طُغْريِل آخِر السُّلْجُوْقِيَّة، فَعمل مَعَهُ مَصَافّاً، فَانْكَسَرَ الوَزِيْر، وَتَفلّل جَمْعُه، وَأُسِرَ هُوَ وَأُخِذَ إِلَى تَورِيز (3) ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى المَوْصِل، وَجَاءَ بَغْدَاد مُتَستِّراً، وَلَزِمَ بَيْته مُدَّة، ثُمَّ ظهر، فَولِي نَظَرَ الخزَانَة، ثُمَّ الأُسْتَاذ دَارِية فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ، فَلَمَّا وَزر
__________
(1) ابن خلكان: فمن
(*) انظر أخباره وترجمته عند ابن الأثير في الكامل والسبط في المرآة لا سيما: 8 / 438، وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 116 (ظاهرية) ، وأبو شامة في الذيل: 9، والذهبي في كتبه لا سيما تاريخ الإسلام، الورقة: 71 (باريس 1582) ، وابن رجب في الذيل: 1 / 392، وغيرهم. وجاء في الأصل: (عبد الله) وهو وهم.
(2) صار بعد ذلك ناظرا في ديوان الزمام في رجب سنة 582 (عن ابن النجار) .
(3) هي تبريز المدينة المشهورة بأذربيجان.(21/299)
المُؤَيَّد ابْنُ القَصَّاب عَام تِسْعِيْنَ، قَبَضَ عَلَى ابْن يُوْنُسَ، وَسَجَنَهُ، فَلَمَّا مَاتَ ابْن القَصَّاب عَام اثْنَتَيْنِ، رُمِي ابْن يُوْنُسَ فِي مطمورَةٍ، فَكَانَ آخِر العَهْد بِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : كَانَ يَدْرِي الكَلاَم، صَنّف كِتَاباً فِي الأُصُوْل (2) ، فَسَمِعَهُ مِنْهُ الفُضَلاَءُ.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ القَطِيْعِيّ، وَابْن دلف، وَلَمْ يَكُنْ فِي وِلاَيته مَحْمُوْداً.
قيل: مَاتَ فِي السِّردَاب، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
156 - الفُرَاتِيُّ أَبُو القَاسِمِ يَعِيْشُ بنُ صَدَقَةَ الضَّرِيْرُ *
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، أَبُو القَاسِمِ يَعِيْشُ بنُ صَدَقَةَ الفُرَاتِيُّ الضَّرِيرُ، صَاحِبُ ابْنِ الخَلِّ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: الشَّرِيْف أَبِي البَرَكَاتِ عُمَر بن إِبْرَاهِيْمَ.
وَسَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: التَّقِيُّ بن بَاسُوَيْه، وَابْن الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل،
__________
(1) (التاريخ المجدد) ، الورقة: 117 (ظاهرية) .
(2) في (تاريخ) ابن النجار: الأصول ومقالات الناس.
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 55، والمنذري في التكملة، الترجمة: 410، والنعال البغدادي في مشيخته: 135 وهو الشيخ الرابع والاربعون فيها، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 74 (باريس 1582) ، والمشتبه: 501، والصفدي في نكت الهميان: 312، والسبكي في الطبقات: 7 / 338، وابن الملقن في العقد المذهب، الورقة: 165، والغساني في العسجد، الورقة: 101، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية، الورقة: 112.(21/300)
وَاليَلْدَانِيّ، وَبِالإِجَازَة: أَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ.
وَهُوَ مَنْسُوْب إِلَى نَهْر الفُرَات.
وَكَانَ إِمَاماً صَالِحاً، رَأْساً فِي المَذْهَب وَالخلاَف، تخرّج بِهِ الفُقَهَاء، وَدرّس بِالثِّقَتيَّة، وَبِالكَمَاليَّة، وَكَانَ سَدِيْد الفتَاوَى، قوِيّ المُنَاظَرَة، كَبِيْرَ القَدْرِ.
مَاتَ: فِي ذِي القعدَة، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ وَأَسنّ.
157 - الفَارِسِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُسَلَّمِ بنِ أَبِي الجُوْدِ *
الزَّاهِدُ، العَابِدُ، شَيْخُ العِرَاقِ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُسَلَّمِ (1) بنِ أَبِي الجُوْدِ الفَارِسِيُّ، العِرَاقِيُّ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَة الفَارِسيَّة (2) .
قَرَأَ القُرْآنَ وَتَفَقَّهَ: عَلَى أَبِي البَدْرِ الكَرْخِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ بَاسُوَيْه، وَابْن الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَاليَلْدَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مُنْقَطِع القرِيْن، صَوَّاماً، قَوَّاماً، مُتبتّلاً، خَاشعاً، صَحِبَ الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَكَانَ يُقصَدُ بِالزِّيَارَة، زَارَه الخَلِيْفَة النَّاصِر بقرِيته، بَالغ
__________
(*) ترجم له ياقوت في معجم البلدان: 2 / 359، 3 / 838، وابن الأثير في الكامل: 12 / 58، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 18 (باريس 5922) ، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 456، وأبو شامة في الذيل: 13، والمنذري في التكملة، الترجمة: 424، وابن الساعي في أخبار الزهاد، الورقة: 49، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 75 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج: 2 / 26، ودول الإسلام: 2 / 77، والعبر: 4 / 283، والمشتبه: 191، والصفدي في الوافي: 11 / الورقة: 37، وابن رجب في الذيل: 1 / 395، والغساني في العسجد، الورقة: 102، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 222، وابن العماد في الشذرات: 4 / 316، والقنوجي في التاج: 213.
(1) قيده المنذري في (التكملة) فقال: بضم الميم وفتح السين وتشديد اللام وفتحها. (وانظر (المشتبه) : 589) (2) قرية من قرى نهر عيسى.(21/301)
فِي تَعَظِيْمه وَتوقيره ابْن الجَوْزِيّ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ، وَكَانَ يَدْرِي الفِقْه وَالفَرَائِض، وَتُذْكَر عَنْهُ كَرَامَات وَتَأَلُّهٌ -رَحِمَهُ الله-.
158 - طَاهِرُ بنُ مَكَارِمَ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعْدٍ المَوْصِلِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ المَوْصِلِيُّ، القَلاَنسِيُّ، البَقَّالُ، المُؤَدِّبُ.
سَمِعَ (مُسْنَدَ المُعَافَى بنِ عِمْرَانَ) مِنْ أَبِي القَاسِمِ نَصْر بن أَحْمَدَ بنِ صَفْوَانَ سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: عِزّ الدِّيْنِ عَلِيّ ابْن الأَثِيْرِ، وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن خَلِيْل، وَغَيْرهُمَا.
تُوُفِّيَ: بِالمَوْصِل فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
159 - مُسْلِمُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ أَبُو مَنْصُوْرٍ، ابْنُ السِّيْحِيِّ المَوْصِلِيُّ ** (1)
__________
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 173، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 142 (أحمد الثالث 2917 / 14) .
(* *) ترجم له ابن نقطة في (السيحي) من إكمال الإكمال، والمنذري في التكملة، الترجمة: 465، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 206 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، المشتبه: 350.
وقيد المنذري اسمه في (التكملة) ، فقال: ومسلم، بضم الميم وسكون السين المهملة وبعد اللام المكسورة ميم.
(1) في الأصل: (الشيحي) مصحف.
وقد قيده ابن نقطة في (إكمال الإكمال) والمنذري في (التكملة) ، قال: والسيحي، بكسر السين والحاء المهملتين بينهما ياء آخر =(21/302)
آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي البَرَكَاتِ مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ خَمِيْس.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْل، وَالتَّقِيُّ اليَلْدَانِيّ، وَجَمَاعَة لقيهُم الدِّمْيَاطِيّ (1) .
تُوُفِّيَ: فِي مُنْتَصف المُحَرَّم، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
160- أَبُو جَعْفَرٍ القُرْطُبِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَتِيْقٍ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي بَكْرٍ عَتِيْقِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَنْدَلُسِيُّ، الفَنَكِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ، وَإِمَامُ الكَلاَّسَةِ (2) ، وَأَبُو إِمَامِهَا.
مَوْلِده: سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ بقُرْطُبَة مِنَ: الحَافِظ أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ كِتَاب (المُوَطَّأ) بقِرَاءة وَالِده بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِسَمَاعه مِنَ الخَوْلاَنِيّ، بِسَمَاعه مِنَ القبحطَالِيّ.
__________
= الحروف، وقال الذهبي في المشتبه: وبمهملتين بينهما ياء: أبو منصور مسلم بن علي ابن السيحي الموصلي، راوي مسند المعافى عن أبي البركات بن خميس، سمعناه من البهاء ابن النحاس، عن ابن خليل، عنه، قيده ابن نقطة.
(1) يعني شرف الدين عبد المؤمن بن خلف المتوفى سنة 705.
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة: 1 / 90، والمنذري في التكملة، الترجمة: 545، وأبو شامة في الذيل: 17، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 90 (باريس 1582) ، ومعرفة القراء، الورقة: 180، والاعلام، الورقة: 211، والعبر: 4 / 291، والصفدي في الوافي: 7 / 205، وابن الملقن في العقد المذهب، الورقة: 161، وابن الجزري في غاية النهاية: 2 / 205، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 247، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 158، وابن الغزي في الديوان، الورقة: 227، وابن العماد في الشذرات: 4 / 323.
وأبو جعفر هذا هو الذي استدعي لقراءة القرآن ليلة وفاة صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه، وهو الذي طلب منه تلقينه الشهادة كما مر في ترجمة السلطان.
(2) يعني: مدرسة الكلاسة، قال الصفدي: وكان يصلي إماما بالكلاسة.(21/303)
وَتَلاَ بِالسَّبْع عَلَى: ابْن صَافٍ، وَبِمَكَّةَ عَلَى: رَجُلٍ مِنْ تَلاَمِذَة أَبِي العِزِّ القَلاَنسِيّ، وَبِالمَوْصِل عَلَى: ابْن سعدُوْنَ.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنِ: ابْن عَسَاكِرَ، وَأَبِي نَصْرٍ اليُوْسُفِيّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَخَلْق.
وَنسخ شَيْئاً كَثِيْراً.
وَكَانَ دَيِّناً، صَالِحاً، قَانِتاً للهِ، بَصِيْراً بِالقِرَاءات.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ تَاج الدِّيْنِ مُحَمَّد وَإِسْمَاعِيْل، وَابْن خَلِيْل، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ (1) .
وَفَنَكُ: مِنْ أَعْمَالِ قُرْطُبَة (2) .
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ -رَحِمَهُ الله-.
161 - العِرَاقِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ المُسَلَّمِ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ المُسَلَّمِ (3) المِصْرِيُّ،
__________
(1) وأجاز لمحب الدين ابن النجار البغدادي كما ذكر الصفدي في (الوافي) .
(2) قيدها المنذري بالحروف، فقال: وفنك، بالفاء والنون المفتوحتين وآخره كاف حصن أو قرية من أعمال قرطبة ولم يذكرها ياقوت في (معجم البلدان) ، ولا ذكر السمعاني من ينسب إليها في كتابه (الأنساب) ، فاستدرك هذه النسبة ابن الأثير في (اللباب) : 2 / 225.
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 532، وابن الصابوني في تكملته: 296، وابن خلكان في الوفيات: 1 / 33، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 90 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 291، والصفدي في الوافي: 6 / 151، واليافعي في مرآة الجنان: 3 / 484، والسبكي في الطبقات: 7 / 37، والمقريزي في السلوك ج ق 1 ص: 153، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 73، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 190، وابن العماد في الشذرات: 4 / 223، وحاجي خليفة في سلم الوصول، الورقة: 35.
(3) قيده ابن خلكان كما قيدناه بضم الميم وتشديد اللام. ولم يذكره الذهبي في =(21/304)
الشَّافِعِيُّ، الخَطِيْبُ، المَشْهُوْرُ بِالعِرَاقِيِّ (1) .
وُلِدَ: بِمِصْرَ، سَنَة عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَارْتَحَلَ، فَتَفَقَّهَ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب عَلَى: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الأُرْمَوِيّ تِلْمِيْذ الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ تَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي الحَسَنِ ابْنِ الخَلِّ، وَتَفَقَّهَ بِمِصْرَ عَلَى: القَاضِي مُجَلِّيّ بن جُمَيْعٍ، وَتَصَدَّرَ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَاب، وَوَلِيَ خطَابَة جَامِع مِصْر.
وَصَنَّفَ شَرْحاً (لِلمُهَذَّب) مُفِيْداً (2) .
وَهُوَ جدّ العَلاَّمَة العَلَمِ العِرَاقِيِّ لأُمِّهِ.
وَكَانَ عَلَى سدَادٍ وَأَمر جَمِيْل.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى.
وَلَهُ نَظْمٌ وَفَضَائِل.
162 - السَّاوِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ *
الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ ابْن الشَّيْخ أَبِي
__________
= (المشتبه) : 588 - 589 فيستدرك عليه.
(1) قال الزكي المنذري في (التكملة) : (ورحل إلى بغداد، وتفقه بها..وأقام بها مدة، فقيل له العراقي لاقامته بالعراق تلك المدة) .
وذكر غيره أنه كان يعرف ببغداد بالمصري.
(2) ذكر الصفدي أنه في عشرة أجزاء (يقصد: مجلدات) .
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 152، والمحب ابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 106 (ظاهرية) وقال: كتبت عنه، وكان ثقة نبيلا لم أر مثله في معناه) وتصحف فيه تاريخ وفاته إلى سنة 576 وهو من أوهام الناسخ بلا ريب.
وترجم له أيضا المنذري في التكملة، الترجمة: 515 وذكر أنه أجاز له إجازة مطلقة، وأنه كان آخر من بقي من بيت الساوي ولا عقب له.
وورخه ابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 23، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: =(21/305)
الفَتْحِ السَّاوِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَنَفِيُّ، نَائِبُ الحُكْمِ بِبَغْدَادَ (1) ، وَكَانَ حَمِيْدَ السِّيْرَةِ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْن الحُصَيْنِ، وَهِبَة اللهِ بن الطَّبرِ، وَجَمَاعَة.
وَعَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَالبَغْدَادِيّون.
مَاتَ: فِي المُحَرَّم، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
163 - الوَيْرَجُ نَاصِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَتْحِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو الفَتْحِ نَاصِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَتْحِ الأَصْبَهَانِيُّ، المُقْرِئُ، القَطَّانُ، المَعْرُوفُ: بِالوَيْرَجِ.
صدوقٌ وَمُكْثِر.
سَمِعَ مِنِ: ابْنِ الإِخْشيذِ (2) ، وَجَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيّ، وَابْن (3)
__________
= 94 (باريس 1982) ، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 186 - 187، والقرشي في الجواهر: 1 / 341، والتميمي في الطبقات السنية: 2 / الورقة: 605.
(1) الذي استنابه هو قاضي القضاة أبو الحسن علي بن أحمد الدامغاني الحنفي وذلك سنة 580، وبقي إلى حين وفاة ابن الدامغاني في ذي القعدة سنة 583.
وحينما ولي أبو القاسم عبد الله بن الحسين ابن الدامغاني القضاء ببغداد في سنة 586 استناب القاضي ابن الساوي أيضا مدة
ولايته إلى أن عزل في رجب سنة 594 فلزم منزله إلى حين وفاته.
ذكر ذلك ابن النجار في (تاريخه) (الورقة: 107 من مجلد الظاهرية) .
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 216، والمنذري في التكملة، الترجمة: 214، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 74 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 282، والغساني في العسجد المسبوك، الورقة: 101، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 143، وابن العماد في الشذرات: 4 / 315 وقد مر ذكر وفاته في الترجمة (108) من هذا الكتاب وتكلمنا هناك على (الويرج) .
(2) ابن الاخشيذ هو أبو الفتح إسماعيل بن الفضل السراج.
(3) يعني محمد بن أبي ذر الصالحاني.(21/306)
أَبِي ذَرٍّ، وَفَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة، وَسَعِيْد بن أَبِي الرَّجَاءِ.
وَعَنْهُ: أَبُو الجنَاب الخِيْوَقِيّ، وَأَبُو رَشِيْدٍ الغَزَّال، وَابْن خَلِيْلٍ، وَآخَرُوْنَ.
أَنْبَأَنِي أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ: أَنَّ نَاصِراً سَمِعَ (مُسْنَد أَبِي حَنِيْفَةَ) لابْنِ المُقْرِئِ، وَكِتَاب (معَانِي الآثَار) لِلطّحَاوِيّ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ الإِخْشيذِ بِسَمَاعه لِلأَوَّل مَنِ ابْن عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَللكِتَاب الثَّانِي مِنْ مَنْصُوْر بن الحُسَيْنِ، عَنِ ابْن المُقْرِئ عَنْهُ، وَسَمِعَ (المُعْجَم الكَبِيْر) مِنْ فَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ثَامن ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
164 - ابْنُ رُشْدٍ الحَفِيْدُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ *
العَلاَّمَةُ، فَيْلَسُوْفُ الوَقْتِ، أَبُو الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ ابْنِ شَيْخِ المَالِكِيَّةِ أَبِي الوَلِيْدِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ رُشْدٍ القُرْطُبِيُّ.
مَوْلِده: قَبْل مَوْت جدّه بِشهر، سَنَة عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
عرض (المُوَطَّأ) عَلَى أَبِيْهِ.
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي مَرْوَانَ بن مسرَّة، وَجَمَاعَة، وَبَرَعَ فِي الفِقْه، وَأَخَذَ الطِّبّ
__________
(*) ترجم له غير واحد منهم: ابن الابار في التكملة: 2 / 533، والمنذري في تكملته، الترجمة: 469، وابن سعيد في المغرب: 104، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 202 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 287، والصفدي في الوافي: 2 / 114، والغساني في العسجد المسبوك، الورقة: 103، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 154، وابن العماد في الشذرات: 4 / 320 وغيرهم.
وألف الكثير من الباحثين المحدثين في سيرته، وتناوله المعنيون بالفلسفة في كتبهم لما عرف له من الاثر الواضح في الفلسفة العالمية.(21/307)
عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بن حَزْبُول (1) ، ثُمَّ أَقْبَل عَلَى علُوْم الأَوَائِل وَبلاَيَاهُم، حَتَّى صَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي ذَلِكَ.
قَالَ الأَبَّار (2) : لَمْ يَنشَأْ بِالأَنْدَلُسِ مِثْله كَمَالاً وَعلماً وَفضلاً، وَكَانَ مُتَوَاضِعاً، مُنْخَفض الجنَاح، يُقَالُ عَنْهُ: إِنَّهُ مَا ترك الاشتغَال مُذْ عَقَلَ سِوَى لَيْلَتَيْنِ: لَيْلَة مَوْت أَبِيْهِ، وَليلَة عرْسه، وَإِنَّهُ سوّد فِي مَا أَلّف وَقيّد (3) نَحْواً مِنْ عَشْرَة آلاَف وَرقَة، وَمَال إِلَى علُوْم الحكمَاء، فَكَانَتْ لَهُ فِيْهَا الإِمَامَة، وَكَانَ يُفزَع إِلَى فُتْيَاهُ فِي الطِّبّ، كَمَا يُفزَع إِلَى فُتيَاهُ فِي الفِقْه، مَعَ وَفور العَرَبِيَّة، وَقِيْلَ: كَانَ يَحفظ (دِيْوَان أَبِي تَمَّام) ، وَ (المتنبِي (4)) .
وَلَهُ مِنَ التَّصَانِيْف: (بدَايَة المُجْتَهِد) فِي الفِقْه، وَ (الكُليَّات) فِي الطِّبّ، وَ (مُخْتَصَر المُسْتصفَى) فِي الأُصُوْل، وَمُؤلَّف فِي العَرَبِيَّة (5) .
وَوَلِيَ قَضَاءَ قُرْطُبَة، فَحُمِدَت سيرَته.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصِيْبعَة فِي (تَارِيخ الحكمَاء (6)) : كَانَ أَوحد فِي الفِقْه وَالخلاَف، وَبَرَعَ فِي الطِّبّ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي مَرْوَانَ بن زهر مَوَدَّة.
وَقِيْلَ: كَانَ رَثَّ البِزَّة، قوِيّ النَّفْس، لاَزم فِي الطِّبّ أَبَا جَعْفَرٍ بنَ هَارُوْنَ مُدَّة، وَلَمَّا كَانَ المَنْصُوْرُ صَاحِب المَغْرِب بقُرْطُبَة، اسْتدعَى ابْن رُشْدٍ، وَاحْتَرَمه كَثِيْراً، ثُمَّ نَقَمَ عَلَيْهِ بَعْدُ -يَعْنِي: لأَجْل الفَلْسَفَة-.
وَلَهُ (شرح أُرْجُوزَة ابْنِ سِيْنَا) فِي الطِّبّ، وَ (المُقَدِّمَات) فِي الفِقْه، كِتَاب (الحيوَان) ،
__________
(1) هكذا هي مقيدة في الأصل ومضبوطه، وفي التكملة لابن الابار: جريول.
(2) (التكملة) 2 / 554.
(3) في (التكملة) لابن الابار: (وانه سود في ما صنف وقيد وألف وهذب واختصر)
(4) في (التكملة) : (كان يحفظ شعري حبيب والمتنبي ويكثر التمثل بهما في مجلسه ويورد ذلك أحسن إيراد) .
(5) قال ابن الابار: (وكتابه في العربية الذي وسمه بالضروري، وغير ذلك)
(6) (عيون الانباء في طبقات الاطباء) : 2 / 75 فما بعد.(21/308)
كِتَاب (جَوَامع كتب أَرِسْطُوطَاليس) ، (شرح كِتَاب النَّفْس) ، كِتَاب (فِي الْمنطق) ، كِتَاب (تَلْخِيص الإِلاَهيَات) لنِيَقُوْلاَوس، كِتَاب (تَلْخِيص مَا بَعْد الطّبيعَة) لأَرِسْطُو، كِتَاب (تَلْخِيص الاسْتقصَات) لجَالينوس، وَلخّص لَهُ كِتَاب (المِزَاج) ، وَكِتَاب (القوَى) ، وَكِتَاب (الْعِلَل) ، وَكِتَاب (التعرِيف) ، وَكِتَاب (الحُمّيَات) ، وَكِتَاب (حِيْلَة الْبُرْء) ، وَلخّص كِتَاب (السَّمَاع الطّبيعِي) ، وَلَهُ كِتَاب (تَهَافت التّهَافت) ، وَكِتَاب (منَاهج الأَدلَّة) أُصُوْل، وَكِتَاب (فَصل المَقَالِ، فِيمَا بَيْنَ الشرِيعَة وَالحِكْمَة مِنَ الاتصَال) ، كِتَاب (شرح القيَاس) لأَرِسْطُو، (مَقَالَة فِي العَقْل) ، (مَقَالَة فِي القيَاس) ، كِتَاب (الْفَحْص فِي أَمر العَقْل) ، (الْفَحْص عَنْ مَسَائِل فِي الشّفَاء) ، (مَسْأَلَة فِي الزَّمَان) ، (مَقَالَة فِيمَا يَعتقده المشَّاؤُون وَمَا يَعتقده المُتَكَلِّمُوْنَ فِي كَيْفِيَة وَجُوْد العَالَم) ، (مَقَالَة فِي نَظَرَ الفَارَابِيّ فِي الْمنطق وَنظر أَرِسْطُو) ، (مَقَالَة فِي اتّصَال العَقْل المفَارق لِلإِنْسَان) ، (مَقَالَة فِي وَجُوْد المَادَّة الأُوْلَى) ، (مَقَالَة فِي الرّدّ عَلَى ابْن سينَا) ، (مَقَالَة فِي المِزَاج) ، (مَسَائِل حكمِيَّة) ، (مَقَالَة فِي حركَة الفَلَك) ، كِتَاب (مَا خَالف فِيه الفَارَابِيّ أَرِسْطُو) .
قَالَ شَيْخ الشُّيُوْخِ ابْن حَمُّوَيْه: لَمَّا دَخَلتُ البِلاَد، سَأَلت عَنِ ابْن رُشْدٍ، فَقِيْلَ: إِنَّهُ مهجُور فِي بَيْته مِنْ جِهَةِ الخَلِيْفَة يَعْقُوْب، لاَ يَدخل إِلَيْهِ أَحَد؛ لأَنَّه رُفِعت عَنهُ أَقْوَال رديَّة، وَنُسبت إِلَيْهِ العلُوْم المهجورَة، وَمَاتَ محبوساً بدَاره بِمَرَّاكش، فِي أَوَاخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ فِي صَفَرٍ (1) .
وَقِيْلَ: رَبِيْع الأَوّل (2) ، سَنَة خَمْس.
__________
(1) هذه هي رواية ابن الابار في (التكملة) والمنذري في (تكملته) .
(2) أورد ابن الابار هذه الرواية عن ابن فرقد.(21/309)
وَمَاتَ السُّلْطَان بَعْدَهُ بِشهر.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَوْط الله، وَسَهْل بن مَالِكٍ، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى عَنْه (1) .
165 - ابْنُ مَلاَّحِ الشَّطِّ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدٍ القَصْرِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُسْنِدُ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى القَصْرِيُّ، البَوَّابُ، وَيُعْرَفُ: بِابْن ملاَّح الشَّطّ.
كَانَ يَسكن بقَصْر عَلِيّ بن عِيْسَى الهَاشِمِيّ.
سَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي البَرَكَاتِ يَحْيَى بن حُبَيْش الفَارِقِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَعِدَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَتَبْتُ عَنْهُ كَثِيْراً، وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً، حسن الأَخلاَق، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، لاَ يَسأَم، وَلاَ يَضجر، وَكَانَ بوَّاباً بِمَدْرَسَة أُمّ الخَلِيْفَة (2) ، سَأَلت عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: أَذْكُر خِلاَفَة المُسْتَظْهِر (3) ، مَاتَ شَيْخنَا: فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) موقف الذهبي من الفلاسفة معروف، وهو صدى لتكوينه الفكري.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 126 (باريس 5922) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 581، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 103 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 298، والمختصر المحتاج إليه: 212، وابن العماد في الشذرات: 4 / 331.
(2) أم الخليفة الناصر لدين الله، وهي زمرد خاتون، وقد أوقفت هذه المدرسة على الفقهاء الشافعية بجوار تربتها عند مقبرة الشيخ معروف الكرخي ببغداد.
(3) توفي المستظهر كما هو معروف في التواريخ سنة 512.(21/310)
قُلْتُ: لَعَلَّهُ جَاوَزَ التِّسْعِيْنَ (1) .
وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْل، وَالضِّيَاء، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيُّ (2) ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة: ابْنُ أَبِي الخَيْرِ، وَالقُطْبُ ابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَالفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ.
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، وَالمُحَدِّثُ تَمِيْمُ ابْنُ البَنْدَنِيْجِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ ابْنِ الطَّوِيْلَةِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ ابْنِ الفَرَسِ الأَنْصَارِيُّ الغَرْنَاطِيّ شَيْخُ المَالِكِيَّةِ، وَالوَاعِظُ عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيُّ، وَالعِمَادُ الكَاتِبُ، وَشَيْخُ المَالِكِيَّةِ أَبُو المَنْصُوْرِ ظَافِرُ بنُ الحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ بِمِصْرَ، وَالأَمِيْرُ بَهَاءُ الدِّيْنِ قَرَاقُوْشُ الخَادِمُ الأَبْيَضُ مَوْلَى شِيرْكُوْه الَّذِي بَنَى سُورَ مِصْرَ وَقَلْعَةَ الجَبَلِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الفَارفَانِيّ أَخُو عَفِيْفَةَ، وَالمُقْرِئُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الكَالِ الحِلِّيُّ، وَأَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ المَقْرُوْنُ اللَّوْزِيّ، المُقْرِئُ.
166 - صَاحِبُ المَغْرِبِ المَنْصُوْرُ أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المُلَقَّبُ بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ المَنْصُوْرُ، أَبُو يُوْسُفَ
__________
(1) وقال المنذري في (التكملة) : (ويقال: إنه قارب المئة) .
(2) قال نجيب الدين عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني (587 - 672) في مشيخته التي من تخريج جمال الدين ابن الطاهري الحنفي: (أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمان بن أبي الكرم محمد بن أبي ياسر هبة الله بن محمد بن عيسى القصري البواب المعروف بابن ملاح الشط البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع ببغداد في ذي القعدة من سنة خمس وتسعين وخمس مئة، قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد ابن الحصين قراءة عليه وأنا أسمع في شعبان من سنة أربع وعشرين وخمس مئة ... (وذكر حديثا) (الورقة: 12 من نسخة الخزانة الملكية بالرباط، رقم 3649) .
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره ولا سيما التواريخ المعنية بالمغرب والاندلس مثل =(21/311)
يَعْقُوْبُ ابْنُ السُّلْطَانِ يُوْسُفَ ابْنِ السُّلْطَانِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ القَيْسِيُّ، الكُوْمِيُّ، المَغْرِبِيُّ، المَرَّاكُشِيُّ، الظَّاهِرِيُّ، وَأُمّه أَمَةٌ رُومِيَّة اسْمهَا سَحَر (1) .
عقدُوا لَهُ بِالأَمْرِ سَنَة ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عِنْد مهلك أَبِيْهِ، فَكَانَ سنُّه يَوْمَئِذٍ ثِنْتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ تَامّ القَامَة، أَسْمَر، صَافِيَا، جَمِيْل الصُّوْرَة، أَعْيَن، أَفوَهَ، أَقنَى، أَكحلَ، سمِيناً، مُسْتدير اللِّحْيَة، جهورِيَّ الصَّوت، جزل العبَارَة، صَادِق اللَّهجَة، فَارِساً، شُجَاعاً، قوِيّ الفرَاسَة، خَبِيْراً بِالأُمُوْر، خليقاً لِلإِمَارَة، يَنطوِي عَلَى دين وَخير وَتَأَلُّه وَرزَانَة.
عمل الوزَارَة لأَبِيْهِ، وَخبَرَ الخَيْر وَالشَّرّ، وَكشف أَحْوَال الدَوَاوِيْن.
وَزَرَ لَهُ عُمَرُ بن أَبِي زَيْدٍ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ ابْن الشَّيْخِ عُمَر إِيْنتِي، ثُمَّ ابْن عَمّ هَذَا مُحَمَّد الَّذِي تَزَهَّد، وَاخْتَفَى، ثُمَّ أَبُو زَيْد الهنتَانِيُّ (2) ، وَزِيْر وَلده مِنْ بَعْدِه.
وَكَتَبَ لَهُ السّرّ: ابْن مَحْشُوَّة (3) ، ثُمَّ ابْن عَيَّاشٍ (4) الأَدِيْب.
__________
= البيان المغرب، والحلل الموشية، وروض القرطاس، وأعمال الاعلام، والاستقصا، ونفح الطيب، وغيرها، ومن التواريخ المشرقية: الكامل لابن الأثير، والمرآة لسبط ابن الجوزي، وتاريخ الإسلام للذهبي، وغيرها.
وقد ترجم له السبط في المرآة ترجمة جيدة: 8 / 464 فما بعد، وابن خلكان في الوفيات: 7 / 3 - 19 وغيرهم (انظر التعليق على وفيات الأعيان، والاعلام للعلامة المرحوم الزركلي: 9 / 267) .
وقد نقل الذهبي معظم الترجمة من كتاب (المعجب) لعبد الواحد المراكشي: 336 فما بعد.
(1) في (المعجب) للمراكشي: (ساحر) .
(2) أبو زيد عبد الرحمان بن موسى بن يوجان الهنتاني.
(3) أبو الفضل جعفر المعروف بابن محشوة.
(4) أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان بن عياش.(21/312)
وَقضَى لَهُ: ابْنُ مضَاء (1) ، ثُمَّ الوَهْرَانِيّ (2) ، ثُمَّ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَقِيٍّ (3) .
وَلَمَّا تَملَّك، كَانَ حَوْلَهُ منَافسُوْنَ لَهُ مِنْ عُمُومَته وَإِخْوَته، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى سَلاَ، وَبِهَا تَمَّت بيعتُه، وَأَرْضَى آله بِالعَطَاء، وَبَنَى مدينَة تلِي مَرَّاكش عَلَى البَحْر (4) ، فَمَا عَتمَ أَن خَرَجَ عَلَيْهِ عَلِيّ بن غَانِيَة الملثّم، فَأَخَذَ بِجَايَة، وَخَطَبَ لِلنَاصِر العَبَّاسِيّ، فَكَانَ الخَطِيْب بِذَلِكَ عَبْد الحَقِّ مصَنّف (الأَحكَام) ، وَلَوْلاَ حُضُوْر أَجَله، لأَهْلكه المَنْصُوْر (5) .
ثُمَّ تَملّك ابْن غَانِيَة قَلْعَة حَمَّاد، فَسَارَ المَنْصُوْر، وَاسْتردّ بِجَايَة، وَجَهَّزَ جَيْشه، فَالتقَاهُم ابْن غَانِيَة، فَمزّقهُم، فَسَارَ المَنْصُوْر بِنَفْسِهِ، فَكسر ابْن غَانِيَة، وَذَهَبَ مُثْخَناً بِالجرَاح، فَمَاتَ فِي خيمَةِ أَعرَابيَة (6) ، وَقَدَّمَ جَيْشُه عَلَيْهِم أَخَاهُ يَحْيَى، فَانحَاز بِهِم الَىالصّحرَاء مَعَ الْعَرَب، وَجَرَتْ لَهُ حُرُوْب طَوِيْلَة، وَاسْتردّ المَنْصُوْر قَفْصَة (7) ، وَقَتَلَ فِي أَهْلهَا، فَأَسرف، ثُمَّ قتل عَمَّيه سُلَيْمَان وَعُمَر صَبْراً (8) ، ثُمَّ نَدِم، وَتزَهَّد، وَتَقشّف، وَجَالِس الصُّلَحَاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَمَال إِلَى الظَّاهِر، وَأَعرض عَنِ المَالِكِيَّة، وَأَحرق مَا لاَ يُحصَى مِنْ كُتُب الفُرُوْع.
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ (9) : كُنْت بفَاس، فَشهدْتُ الأَحمَال يُؤْتَى
__________
(1) أبو جعفر أحمد بن مضاء القرطبي.
(2) أبو عبد الله محمد بن مروان الوهراني.
(3) أبو القاسم أحمد بن محمد ابن بقي.
(4) هي مدينة رباط الفتح، انظر تفاصيل ذلك في المعجب: 341.
(5) قد مرت ترجمة ابن غانية، وترجمة عبد الحق الاشبيلي في هذا الكتاب، وانظر تفاصيل هذه الأمور في (المعجب) : 342 - 347.
(6) (المعجب) : 349.
(7) انظر التفاصيل في (المعجب) : 349.
(8) (المعجب) : 352 - 354.
(9) (المعجب) : 354.(21/313)
بِهَا، فَتُحرق، وَتهدَّد عَلَى الاشتغَال بِالفُرُوْع، وَأَمر الحُفَّاظ بِجمع كِتَاب فِي الصَّلاَةِ مِنَ (الكُتُب الخَمْسَة) ، وَ (المُوَطَّأ) ، وَ (مُسْنَد ابْن أَبِي شَيْبَةَ) ، وَ (مُسْنَد البَزَّار) ، وَ (سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ) ، وَ (سُنَن البَيْهَقِيّ) ، كَمَا جَمَع ابْن تُوْمَرْت فِي الطّهَارَة.
ثُمَّ كَانَ يُمْلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ عَلَى كِبَارِ دَوْلَته، وَحَفِظَ ذَلِكَ خلق، فَكَانَ لِمَنْ يَحفظُه عَطَاء وَخِلْعَة ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ قصدهُ مَحْو مَذْهَب مَالِك مِنَ البِلاَد، وَحَمَلَ النَّاس عَلَى الظَّاهِر، وَهَذَا الْمَقْصد بِعَيْنِهِ كَانَ مقْصد أَبِيْهِ وَجدّه، فَلَمْ يُظْهِرَاهُ، فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَن ابْن الجَدِّ أَخْبَرَهُم، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ يُوْسُف، فَوَجَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ كِتَاب ابْن يُوْنُسَ، فَقَالَ: أَنَا أَنظر فِي هذَة الآرَاء الَّتِي أُحْدثَت فِي الدِّيْنِ، أَرَأَيْت المَسْأَلَة فِيْهَا أَقْوَال، فَفِي أَيِّهَا الحَقّ؟ وَأَيُّهَا يَجِبُ أَنْ يأْخذَ بِهِ المقلِّد؟
فَافْتتحت أُبَيِّن لَهُ، فَقطع كَلاَمِي، وَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى المُصْحَف، أَوْ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) ، أَوْ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى السَّيْف.
قَالَ يَعْقُوْبُ: يَا مَعْشَر الموحِّدين، أَنْتُم قبَائِل، فَمَنْ نَابه أَمر، فَزِع إِلَى قَبيلَته، وَهَؤُلاَءِ -يَعْنِي: طلبَة العِلْم (1) - لاَ قبيل لَهُم إِلاَّ أَنَا، قَالَ: فَعظمُوا عِنْد الموحِّدين.
وَفِي سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ: غَزَا الفِرنْج، ثُمَّ رَجَعَ، فَمَرِضَ، وَتَكلّم أَخُوْهُ أَبُو يَحْيَى فِي الْملك، فَلَمَّا عوفِي، قَتَلَه، وَتهدَّد القَرَابَة (2) .
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ: انْتقضت الهدنَة، فَتَجَهَّز، وَعرض جُيُوشه بِإِشْبِيْلِيَة،
__________
(1) يعني طلبة علم الحديث.
(2) راجع تفاصيل ذلك في (المعجب) : 356 - 358.(21/314)
وَأَنفق الأَمْوَال، فَقَصَدهُ أَلْفُنْش (1) ، فَالتَقَوا، وَكَانَ نصراً عزِيزاً، مَا نَجَا أَلْفُنش إِلاَّ فِي شُريذِمَة، وَاسْتُشْهِدَ مِنَ الكِبَارِ جَمَاعَة، وَاسْتَوْلَى يَعْقُوْب عَلَى قلاع، وَنَازل طليطلَة، ثُمَّ رَجَعَ، ثُمَّ غَزَا، وَوَغل، بِحَيْثُ انْتَهَى إِلَى أَرْضٍ مَا وَصلت إِلَيْهَا المُلُوْك، فَطَلبَ أَلْفُنْش المهَادنَة، فَعُقدتْ عشراً، ثُمَّ رَدَّ السُّلْطَان إِلَى مَرَّاكش بَعْد سَنَتَيْنِ، وَصرَّح بِقصد مِصْر.
وَكَانَ يَتولَّى الصَّلاَة بِنَفْسِهِ أَشْهُراً، فَتعوَّق يَوْماً، ثُمَّ خَرَجَ، وَهُم يَنْتظرُوْنَهُ، فَلاَمهُم، وَقَالَ: قَدْ قَدَّمَ الصَّحَابَة عَبْد الرَّحْمَانِ بن عَوْف لِلْعذر، ثُمَّ قرّر إِمَاماً عَنْهُ (2) .
وَكَانَ يَجلسُ لِلْحَكَمِ، حَتَّى اخْتصم إِلَيْهِ اثْنَانِ فِي نِصْفِ (3) ، فَقضَى، ثُمَّ أَدَّبهُمَا، وَقَالَ: أَمَّا كَانَ فِي البَلَد حكَّام؟
وَكَانَ يَسْمَع حَكَم ابْن بَقِيٍّ مِنْ وَرَاء السّتر، وَيدخل إِلَيْهِ أُمنَاء الأَسواق، فَيَسْأَلهُم عَنِ الأُمُوْر.
وَتَصدّق فِي الغَزْوَة المَاضيَة (4) بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَكَانَ يَجْمَع الأَيْتَام فِي العَامِ، فَيَأْمُر لِلصبِيِّ بدِيْنَار وَثَوْب وَرَغِيْف وَرُمانَة.
وَبَنَى مَارستَان مَا أَظَنّ (5) مِثْله، غرس فِيْهِ مِنْ جَمِيْع الأَشجَار، وَزخرفَه، وَأَجرَى فِيْهِ المِيَاهَ، وَرتَّب لَهُ كُلّ يَوْم ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً لِلأَدويَة، وَكَانَ يَعُوْد المَرْضَى فِي الجُمُعَة.
__________
(1) ويكتب: (الادفنش) أيضا، وهو ألفونس الثامن ملك قشتالة.
(2) (المعجب) : 361.
(3) يعني في نصف درهم.
(4) وهي الغزوة الثانية سنة 592.
(5) القول لعبد الواحد بن علي المراكشي: 364.(21/315)
وَوَرَدَ عَلَيْهِ أُمَرَاء مِنْ مِصْرَ، فَأَقطع وَاحِداً تِسْعَة آلاَف دِيْنَار (1) .
وَكَانَ لاَ يَقُوْلُ بالعِصْمَة فِي ابْن تُوْمَرْت (2) .
وَسَأَل فَقِيْهاً (3) : مَا قَرَأْت؟
قَالَ: تَوَالِيف الإِمَام (4) .
قَالَ: فَزَوَرَنِي (5) ، وَقَالَ: مَا كَذَا يَقُوْلُ الطَّالب! حُكْمك أَنْ تَقُوْلَ: قَرَأْت كِتَاب اللهِ، وَقَرَأْت مِنَ السّنَّة، ثُمَّ بَعْد ذَا قُل مَا شِئْت.
قَالَ تَاج الدِّيْنِ ابْن حَمُّوَيْه: دَخَلت مَرَّاكش فِي أَيَّامِ يَعْقُوْب (6) ، فَلَقَدْ كَانَتِ الدُّنْيَا بسيَادته مجملَة، يُقصَد لِفَضْلِهِ وَلعدله وَلبذله وَحسن مُعْتَقده، فَأَعذب موردِي، وَأَنجح مقصدِي، وَكَانَتْ مَجَالِسُه مُزَيَّنَة بِحُضُوْرِ العُلَمَاء وَالفُضَلاَء، تُفتتَح بِالتِّلاَوَة ثُمَّ بِالحَدِيْثِ، ثُمَّ يَدعُو هُوَ، وَكَانَ يُجِيْد حَفِظ القُرْآن، وَيَحفظ الحَدِيْث، وَيَتكلَّم فِي الفِقْه، وَيُنَاظر، وَيَنسبونه إِلَى مَذْهَب الظَّاهِر.
وَكَانَ فَصِيْحاً، مَهِيْباً، حسن الصُّوْرَة، تَامّ الخلقه، لاَ يُرَى مِنْهُ اكفهرَار، وَلاَ عَنْ مَجَالِسه إِعرَاض، بزِيّ الزُّهَّاد وَالعُلَمَاء، وَعَلَيْهِ جَلاَلَة المُلُوْك، صَنّف فِي العِبَادَات، وَلَهُ (فَتَاو) ، وَبَلَغَنِي أَنَّ السودَان قَدَّمُوا لَهُ
__________
(1) انظر تفاصيل ذلك في (المعجب) : 365 - 366.
(2) كانت العامة تعتقد أن ابن تومرت هو المهدي.
(3) هذا الفقيه هو أبو بكر بن هاني الجياني، وأصل الحكاية مفصلة عند عبد الواحد في (المعجب) وهو الذي رواها عن هذا الفقيه: 369.
(4) يعني ابن تومرت.
(5) في أصل (المعجب) : فنظر إلي نظرة المغضب.
(6) زار تاج الدين عبد الله بن عمر بن حمويه المغرب سنة 593 وعاش في بلاط الموحدين وكان على صلة وثيقة بيعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وبقي هناك إلى سنة 600 فدون مذكراته في كتاب نقل منه الذهبي كثيرا في كتبه (الذهبي ومنهجه: 408) وقد وقف عليه ابن خلكان أيضا سنة 668 ونقل منه في (الوفيات) (راجع (الوفيات) : 7 / 5) وتوفي تاج الدين هذا سنة 642 (السبط في (المرآة) : 8 / 748 والمقري في (نفح الطيب) : 2 / 707 وكتب الذهبي في سنة وفاته) .(21/316)
فِيلاً، فَوصلهُم، وَردّه، وَقَالَ: لاَ نُرِيْد أَن نَكُوْن أَصْحَاب الفِيْل.
ثُمَّ طوّل التَّاج فِي عدله وَكرمه، وَكَانَ يَجْمَع الزَّكَاة، وَيُفرّقهَا بِنَفْسِهِ، وَعَمِلَ مكتباً لِلأَيتَام، فِيْهِ نَحْو أَلف صَبِيّ، وَعَشْرَة مُعَلِّمُوْنَ.
حَكَى لِي بَعْض عُمَّاله: أَنَّهُ فَرّق فِي عيد نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ أَلْفَ شَاة.
وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ (1) : كَانَ مُهتّماً بِالبنَاء، كُلّ وَقت يُجدِّد قَصْراً أَوْ مدينَة، وَأَنَّ الَّذِيْنَ أَسلمُوا كرهَا أَمرهُم بِلبْس كحلِيّ وَأَكمَام مُفرِطَة الطّول، وَكلوتَاتّ ضَخْمَة بشعَة، ثُمَّ أَلْبَسَهُم ابْنه العَمَائِم الصُّفْر، حمل يَعْقُوْب عَلَى ذَلِكَ شكّه فِي إِسلاَمهِم، وَلَمْ تَنعقد عِنْدنَا ذِمَّة ليَهُوْدِيّ وَلاَ نَصْرَانِيّ مُنْذُ قَامَ أَمر المَصَامِدَة، وَلاَ فِي جَمِيْع المَغْرِب كنِيسَة، وَإِنَّمَا اليَهُوْد عِنْدنَا يُظهرُوْنَ الإِسْلاَم، وَيُصلُّوْنَ، وَيُقرِئون أَولاَدَهُمُ القُرْآنَ جَارِيْنَ عَلَى مِلَّتنَا (2) .
قُلْتُ: هَؤُلاَءِ مُسْلِمُوْنَ، وَالسَّلاَم.
وَكَانَ ابْن رُشْدٍ الحَفِيْد (3) قَدْ هذّب لَهُ كِتَاب (الحيوَان (4)) ، وَقَالَ: الزُّرَافَة رَأَيْتُهَا عِنْد ملك البَرْبَر، كَذَا قَالَ غَيْر مُهتبل، فَأَحنَقَهُم هَذَا، ثُمَّ سَعَى فِيْهِ مَنْ يُنَاوئه عِنْد يَعْقُوْب، فَأَرَوهُ بِخَطِّهِ حَاكياً عَنِ الفَلاَسِفَة أَنَّ الزُّهرَة أَحَد الآلهَة، فَطَلَبَهُ، فَقَالَ: أَهَذَا خطّك؟
فَأَنْكَر، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ مَنْ كتبه، وَأَمر الحَاضِرِيْنَ بِلَعْنِهِ، ثُمَّ أَقَامَه مُهَاناً، وَأَحرق كتب الفَلْسَفَة سِوَى الطِّبّ وَالهندسَة.
وَقِيْلَ: لَمَّا رَجَعَ إِلَى مَرَّاكش، أَحَبّ النَّظَر فِي الفَلْسَفَة، وَطلب
__________
(1) (المعجب) : 383، ولكن النص الذي يشير إلى اهتمامه بالبناء لم يقله عبد الواحد، ولعله من استنتاج الذهبي لما ذكره عبد الواحد من الابنية: 341.
(2) ثم قال: (والله أعلم بما تكن صدورهم وتحويه بيوتهم) ..
(3) قد مرت ترجمته قبل قليل.
(4) كتاب (الحيوان) لارسطاطاليس.(21/317)
ابْنَ رُشْدٍ ليُحسن إِلَيْهِ، فَحضر، وَمَاتَ، ثُمَّ بَعْد يَسير مَاتَ يَعْقُوْب.
وَقَدْ كتب صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى يَعْقُوْبَ يَسْتَنجد بِهِ فِي حِصَار عكَّا، وَنفّذ إِلَيْهِ تَقدمَةً، وَخضع لَهُ، فَمَا رضِي لِكَوْنِهِ مَا لقّبه بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، وَلَقَدْ سمح بِهَا، فَامْتَنَعَ مِنْهَا كَاتبه القَاضِي الفَاضِل (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّ يَعْقُوْب أَبطل الخَمْر فِي مَمَالِكه، وَتوعّد عَلَيْهَا فَعدمت، ثُمَّ قَالَ لأَبِي جَعْفَرٍ الطَّبِيْب: ركِّب لَنَا ترِيَاقاً، فَأَعوزَه خمر، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تلطّف فِي تَحْصِيله سرّاً، فَحرص، فَعَجِزَ، فَقَالَ الْملك: مَا كَانَ لِي بِالتِّرْيَاق حَاجَة، لَكِن أَردت اخْتبَار بلاَدِي.
قِيْلَ: إِنَّ الأَدفنش كتب إِلَيْهِ يُهدِّده، وَيُعنِّفه، وَيطلب مِنْهُ بَعْض البِلاَد، وَيَقُوْلُ: وَأَنْت تُمَاطل نَفْسك، وَتُقدِّم رِجْلاً، وَتُؤخِّر أُخْرَى، فَمَا أَدْرِي الجبنُ بَطَّأَ بِك، أَوِ التَّكذِيب بِمَا وَعدك نَبِيّك؟
فَلَمَّا قرَأَ الْكتاب، تَنمَّر، وَغَضِبَ، وَمزّقه، وَكَتَبَ عَلَى رقعَة مِنْهُ: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُوْدٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ... } الآيَةَ [النَّمْلُ: 37] ، الجَوَابُ مَا تَرَى لاَ مَا تسَمِع.
وَلاَ كُتْب إِلاَّ المشرفِيَّةُ عِنْدنَا ... وَلاَ رُسْل إِلاَّ لِلْخَمِيْسِ العَرَمْرَمِ
ثُمَّ اسْتنْفرَ سَائِر النَّاس، وَحشد، وَجَمَعَ حَتَّى احتوَى دِيْوَانُ جَيْشه
__________
(1) كان ذلك في أواخر 587، وكان السفير شمس الدين عبد الرحمان بن منقذ حيث وصل هناك في العشرين من ذي الحجة، وبقي إلى عاشوراء من المحرم سنة 588، وكان طلب صلاح الدين يتلخص في إرسال مراكب في البحر تكون عونا للمسلمين على مراكب الصليبيين، وكان القاضي الفاضل قد نصح صلاح الدين بعدم الارسال، لكنها كانت محاولة، وفشلت.
وقد أورد أبو شامة نص الكتاب الذي أرسله السلطان من إنشاء القاضي الفاضل، وأراد أن يذكر فيه لقب (أمير المؤمنين) ، لكن القاضي الفاضل امتنع خوفا من إغضاب العباسيين.
(وانظر ابن كثير في (البداية) : 12 / 339، وابن واصل في (مفرج الكروب) : 2 / 496) .(21/318)
عَلَى مائَة أَلْف، وَمِنَ المطَّوِّعَة مِثْلهُم، وَعدَّى إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَتمّت المَلْحَمَة الكُبْرَى، وَنَزَلَ النَّصْر وَالظفر، فَقِيْلَ: غنمُوا سِتِّيْنَ أَلْفَ زرديَّة.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: قُتِلَ مِنَ العَدُوّ مائَة أَلْف وَسِتَّة وَأَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، وَمِنَ المُسْلِمِيْنَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً.
وَذكره أَبُو شَامَةَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ (1) : وَبعد هَذَا فَاختلفت الأَقْوَال فِي أَمره، فَقِيْلَ: إِنَّهُ ترك مَا كَانَ فِيْهِ، وَتَجرّد، وَسَاح، حَتَّى قَدِمَ المَشْرِق مُتَخفِّياً، وَمَاتَ خَامِلاً، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ مَاتَ بِبَعْلَبَكَّ، وَمِنْهُم مَنْ يَقُوْلُ: رَجَعَ إِلَى مَرَّاكش، فَمَاتَ بِهَا، وَقِيْلَ: مَاتَ بِسَلاَ، وَعَاشَ بِضْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: إِلَيْهِ تُنسب الدَّنَانِيْر اليَعْقُوْبيَّة.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : حَكَى لِي جمع كَبِيْر بِدِمَشْقَ أَن بِالبِقَاعِ بِالقُرْبِ مِنَ الْمجْدَل قَرْيَة يُقَالُ لَهَا: حَمَّارَة، بِهَا مشْهد يُعرف بِقَبْر الأَمِيْر يَعْقُوْب ملك المَغْرِب، وَكُلّ أَهْل تِلْكَ النَّاحيَة متفقُوْنَ عَلَى ذَلِكَ.
قيل: الأَظهر مَوْته بِالمَغْرِبِ، فَقِيْلَ: مَاتَ فِي أَوَّلِ جُمَادَى الأُوْلَى، وَقِيْلَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ مَاتَ مِثْل هَذَا السُّلْطَان فِي مقرّ عزّه، لَمْ يُخْتَلَفْ هَكَذَا فِي وَفَاتِهِ -فَاللهُ أَعْلَم- لَكِن بُوْيِع فِي هَذَا الْحِين وَلده مُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ المُؤْمِنِيّ.
__________
(1) (الروضتين) ، حوادث سنة 587.
(2) (وفيات) : 7 / 10.(21/319)
167 - صَاحِبُ غَزْنَةَ مُحَمَّدُ بنُ سَامِ بنِ حُسَيْنٍ الغُوْرِيُّ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، غِيَاثُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ سَامِ بنِ حُسَيْنٍ الغُوْرِيُّ، أَخُو السُّلْطَانِ شِهَابِ الدِّيْنِ الغُوْرِيِّ.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ ابْن البُزُوْرِيِّ (1) : كَانَ ملكاً عَادِلاً، وَللمَال باذلاً، فَكَانَ محسناً إِلَى الرَّعِيَّةِ، رَؤُوْفاً بِهِم، كَانَتْ بِهِ ثُغُور الأَيَّام باسمَة، وَكلّهَا بوجُوْده موَاسم.
قرّب العُلَمَاء، وَأَحَبّ الفُضَلاَء، وَبَنَى المَسَاجِد وَالرُّبُط وَالمدَارس، وَأَدرّ الصَّدَقَات، وَبَنَى الخَانَات.
قُلْتُ: كَانَ ابْتدَاء دَوْلَتهِم مُحَارَبَتَهُم لسُلْطَانِهِم بَهْرَامَ شَاه بنِ مَسْعُوْدٍ السُبُكْتِكِيْنِيِّ، وَكَانَ رَأْس أَهْل الغوْر عَلاَء الدِّيْنِ الحُسَيْن بن الحَسَنِ، فَهَزمه بَهْرَامُ شَاه غَيْرَ مَرَّةٍ، وَقَتَلَ إِخْوَته، ثُمَّ تَمَكَّنَ عَلاَء الدِّيْنِ، وَتسلطن، وَأَمّر ابْنَي أَخِيْهِ غِيَاث الدِّيْنِ وَشِهَاب الدِّيْنِ ابْنَي سَام، ثُمَّ قَاتلاَهُ، وَأَسرَاهُ، ثُمَّ تَأَدّبا مَعَهُ، وَردَّاهُ إِلَى ملكه، فَخضع، وَصَاهرهُمَا عَلَى بنِيه، وَجَعَلهُمَا وَلِيَّي عَهْده، فَلَمَّا مَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، تَسَلَّطن غِيَاث الدِّيْنِ المَذْكُوْر، وَاسْتَوْلَى عَلَى غَزْنَة، ثُمَّ قَهره الغُزّ، وَاسْتولُوا عَلَى غَزْنَة خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
ثُمَّ نَهَضَ شِهَاب الدِّيْنِ، وَهَزَمَ الغُزَّ، وَقَتَلَ مِنْهُم خَلاَئِق، وَافتَتَح البِلاَد
__________
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره، وترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 75، والمنذري في التكملة، الترجمة: 759، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 105، وابن الفوطي في تلخيصه: 4 / الترجمة: 1799، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 34، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 259 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 308، ودول الإسلام: 2 / 80، وابن كثير في البداية: 13 / 34، والغساني في العسجد، الورقة: 108، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 184، وابن العماد في الشذرات: 4 / 342، وغيرهم.
(1) في (الذيل) على (المنتظم) ، ولم يصل إلينا، وتوفي ابن البزوري سنة 694.(21/320)
الشَّاسعَة، وَقصدَ لَهَا، وَردّ بِهَا خسرو شَاه بنَ بَهْرَامَ شَاه آخر مُلُوْك الهِنْد السُبُكْتِكِيْنِيَّة، فَأَخَذَهَا سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَأَمّن خسرو شَاه، ثُمَّ بعثَه مَعَ وَلده، وَأَسلمهُمَا إِلَى أَخِيْهِ، فَسجنهُمَا، وَكَانَ آخِر العَهْد بِهِمَا، وَكَانَ دَوْلَتهُم أَزْيد مِنْ مائَتَيْ عَام.
وَيُقَالُ: بَلْ مَاتَ خسرو كَمَا قَدَّمْنَا فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنه مَلِكْشَاه، فَيُحرَّر هَذَا.
وَحكم الغُوْرِيّ عَلَى الهِنْد وَالأَقَالِيم، وَتلقّب بِقَسِيم أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، ثُمَّ سَارَ الأَخوَان، وَافْتَتَحَا هَرَاة وَبُوْشَنْج وَغَيْر ذَلِكَ، ثُمَّ حَشَدت مُلُوْك الهِنْد، وَعملُوا المَصَافّ، وَانكسر المُسْلِمُوْنَ، وَجُرِحَ شِهَاب الدِّيْنِ، وَسقط، ثُمَّ جمع، وَالتَقَى الهِنْد، فَاسْتَأصلهُم، وَطوَى المَمَالِك.
نعم (1) ، وَكَانَ غِيَاث الدِّيْنِ وَاسِع البِلاَد، مُظَفَّراً فِي حُرُوْبه، وَفِيْهِ دهَاء، وَمكر، وَشجَاعَة، وَإِقدَام.
وَتمرّض بِالنِّقْرِس.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَسقط مُكُوسَ بلاَده، وَكَانَ يَرْجِع إِلَى فَضِيْلَة وَأَدب.
وَكَانَ يَقُوْلُ: التعصّب فِي المَذَاهِب قَبِيح.
وَقَدِ امْتَدَّتْ أَيَّامه، وَتَمَلَّكَ بَعْدَ عَمّه، وَلَهُ غَزَوَات وَفُتُوْحَات.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ السُّلْطَان شِهَاب الدِّيْنِ مُدَّة، ثُمَّ قُتِلَ غِيلَة، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنُ أَخِيْهِ السُّلْطَان غِيَاث الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن مُحَمَّد، ثُمَّ تَملّك غُلاَمهُم السُّلْطَان تَاج
__________
(1) هذا الاستعمال قد شاع عند المؤرخين المتأخرين.(21/321)
الدِّيْنِ إِلْدُز (1) ، وَاستولَى عَلَى مَدَائِن، وَعظُم أَمره، ثُمَّ قُتِلَ فِي مَصَافّ.
وَلهذه المَمْلَكَة جُيُوش عَظِيْمَة جِدّاً.
أَخُوْهُ:
168 - السُّلْطَانُ شِهَابُ الدِّيْنِ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ سَامٍ *
قتلته البَاطِنِيَّة فِي شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (2) : قَتَلَ صَاحِبُ الهِنْدِ شِهَابَ الدِّيْنِ بِمخيَّمه بَعْد عَوْده مِنْ لُهَاوور، وَذَلِكَ أَنَّ نَفراً مِنَ الكُفَّارِ الكوكرِيَّة لزمُوا عَسْكَره ليغتَالُوْهُ، لِمَا فَعل بِهِم مِنَ الْقَتْل وَالسّبْي، فَتفرّق خوَاصّه عَنْهُ لَيْلَة، وَكَانَ مَعَهُ مِنَ الخَزَائِن مَا لاَ يُوْصَف؛ ليُنفقهَا فِي العَسَاكِر لِغَزْو الخَطَا، فَثَار بِهِ أَولئك، فَقتلُوا مِنْ حَرسه رَجُلاً، فَثَارت إِلَيْهِ الْحَرس عَنْ موَاقفهِم، فَخلاَ مَا حَوْل السّرَادِق، فَاغتنم أَولئك الوَقْت، وَهجمُوا عَلَيْهِ، فَضربوهُ بِسكَاكينهِم، وَنَجوا، ثُمَّ ظُفِرَ بِهِم، وَقُتِلُوا، وَحَفِظَ الوَزِيْر وَالأُمَرَاء الأَمْوَال، وَصَيَّرُوا السُّلْطَان فِي مِحَفَّة، وَدَارُوا حَوْلهَا بِالحشمِ وَالصّنَاجق، وَكَانَتْ خَزَائِنه عَلَى أَلْفَي جمل وَمائَتَيْنِ، فَقَدمُوا كِرْمَان، فَخَرَجَ إِلَيْهِم الأَمِيْر تَاج الدِّيْنِ إِلْدُز (3) ، فَشَقَّ ثيَابه، وَبَكَى،
__________
(1) في الأصل: (إلدكز) والتصحيح من تاريخ الإسلام وكامل ابن الأثير وغيرهما.
(*) سيرته مشهورة، وأخباره كثيرة مبثوثة في الكتب التاريخية المستغرقة لعصره، وترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 88 - 90، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 170، 171، 187، وأبوالفدا في المختصر: 3 / 112، والذهبي في تاريخ الإسلام: م 18 ق 1 ص: 100 (تحقيق الدكتور بشار) والعبر: 5 / 4، ودول الإسلام: 2 / 81 والمنذري في التكملة، الترجمة: 927، والسبكي في الطبقات: 8 / 60، وابن كثير في البداية: 13 / 43، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 191، وابن العماد في الشذرات: 5 / 7 وغيرهم.
(2) (الكامل) : 12 / 88.
(3) في الأصل: (الدكز) والتصحيح من الحاشية (وتاريخ) ابن الأثير (وتاريخ الإسلام) .(21/322)
وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَتطلّع تَاج الدِّيْنِ إِلَى السّلطنَة، وَدُفن شِهَاب الدِّيْنِ بِتربَة لَهُ بغَزْنَة، وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، جَيِّد السّيرَة، يَحكم بِالشّرع.
بَلَغَنَا أَن فَخْر الدِّيْنِ الرَّازِيّ وَعظ مرَّة عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا سُلْطَان العَالم، لاَ سُلْطَانك يَبْقَى، وَلاَ تَلْبِيس الرَّازِيّ يَبْقَى {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ، وَأَنَّ المُسْرِفِيْنَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غَافر: 43] .
قَالَ: فَانْتحب السُّلْطَان بِالبُكَاء.
وَكَانَ شَافِعِيّاً كَأَخِيْهِ، وَقِيْلَ: كَانَ حنفِيّاً.
169 - ابْنُ القَصَّابِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، مُؤَيّدُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ القَصَّابِ البَغْدَادِيُّ.
مِنْ رِجَالِ الدَّهْر شَهَامَة، وَهَيْبَة، وَحَزْماً، وَغوراً، وَدهَاء، مَعَ النّظم وَالنّثر وَالبلاغَة.
نَاب فِي الوزَارَة، وَخدم فِي دِيْوَان الإِنشَاء (1) ، وَسَارَ فِي العَسَاكِر، فَافْتَتَحَ هَمَذَان وَأَصْبَهَان، وَحَاصَرَ الرَّيّ، وَرجع، فَولِي الوزَارَة (2) ، وَسَارَ
__________
(*) ترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 52، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 87 (شهيد علي) ، وسبط ابن الجوزي في المرآة، 8 / 95، والمنذري في التكملة، الترجمة: 349، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 66 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 96، والصفدي في الوافي: 4 / 168، وابن كثير في البداية: 13 / 12، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 209، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 136، وابن العماد في الشذرات: 4 / 311.
(1) كان ذلك في رمضان سنة 584 كما ذكر ابن الدبيثي.
(2) قال ابن الدبيثي في (تاريخه) : (وفي رجب سنة تسعين وخمس مئة مثل بباب الحجرة الشريفة، وشرف بخلع جميلة، ولبس خلعة الوزارة، وتقدم. بمخاطبته بالوزير) .(21/323)
فِي جَيْش عَظِيْم إِلَى هَمَذَان، فَجَاءهُ المَوْت فِي شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ جَاوَزَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ أَبُوْهُ قصَّاباً عجمِيّاً بسُوْق الثُّلاَثَاء، ثُمَّ نَبَشَه خُوَارِزْمشَاه مِنْ قَبْره، وَقطعَ بِهِ، وَطَافَ بِهِ عَلَى رمحٍ بِخُرَاسَانَ.
170- ابْنُ المَقْرُوْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي المَعَالِي ابْنِ المَقْرُوْنِ البَغْدَادِيُّ، اللَّوْزِيُّ، مِنْ مَحَلَّةِ اللَّوْزِيَّة (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَجَوَّد القِرَاءات عَلَى: أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ كِتَاب (الجعديَات) بكمَاله.
وَقرَأَه عَلَيْهِ الزِّين ابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيّ ابْن الصَّبَّاغ، وَأَبِي الفَتْحِ البَيْضَاوِيّ، وَسِبْط الخَيَّاط، وَأَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَأَقرَأَ الكِتَاب العَزِيْز سِتِّيْنَ عَاماً، وَكَانَ مُحقّقاً
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 180 (باريس 5921) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 588، والنجيب عبد اللطيف الحراني في مشيخته التي من تخريج ابن الظاهري، الورقة: 14 وهو الشيخ الرابع فيها، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 57، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 107 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 300، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 165، والمشتبه: 560، ومعرفة القراء، الورقة: 177، وابن الجزري في غاية النهايه: 2 / 259، وابن العماد في الشذرات: 4 / 333.
(1) محلة كانت مشهورة بشرقي بغداد.(21/324)
لِحُرُوفِهِ، عَامِلاً بِحُدُوْده، يَأْكُل مِنْ كسب يَده، وَيَتعفّف وَيَتعبّد، وَيَأْمر بِالمَعْرُوف، وَلاَ يَخَاف فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم.
لقّن الأَوْلاَد وَالآبَاء وَالأَجدَاد.
قرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات خلق، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَقَالَ: نِعْمَ الشَّيْخ.
كَانَ دفنُهُ بِصُفَّةِ بِشْرٍ الحَافِي.
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْل، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: لَقَّنَ خلقاً لاَ يُحصَوْنَ، وَحُمِلَت جِنَازَته عَلَى الرُّؤُوس، مَا رَأَيْتُ جمعاً أَكْثَر مِنْ جمع جِنَازَته.
قَالَ: وَكَانَ مُسْتَجَاب الدعوَة، وَقُوْراً، مَاتَ فِي سَابع عشر رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَمِنْ مَرْوِيَّاته (الْجمع بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) لِلْحُمَيْدِيِّ، تحمَّله عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الغَنَوِيّ، عَنِ المُؤلف، قرَأَه عَلَيْهِ العِزّ مُحَمَّد بن عَبْدِ الغَنِيِّ سَنَة سِتٍّ (1) .
أَجَازَ مَرْوِيَّاته: لأَحْمَدَ بن سَلاَمَةَ، وَعَلِيّ ابْن البُخَارِيِّ، وَجَمَاعَة.
171 - ابْنُ زُهْرٍ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الإِيَادِيُّ *
العَلاَّمَةُ، جَالِيْنُوس زَمَانِهِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زُهْرِ بنِ
__________
(1) يعني، ست وتسعين وخمس مئة.
(*) ترجم له الجم الغفير منهم: أبو الخطاب ابن دحية في المطرب: 206، وعبد الواحد =(21/325)
عَبْد المَلِكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْوَانَ بنِ زُهْرٍ الإِيَادِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
أَخَذَ الطِّبّ عَنْ: جَدِّهِ أَبِي العَلاَءِ، وَعَنْ: أَبِيْهِ، وَبلغ الغَايَة وَالحظّ الوَافر مِنَ اللُّغَة، وَالأَداب، وَالشّعر، وَعلوِّ المرتبَة فِي الْعِلَاج عِنْد الدَّوْلَة، مَعَ السّخَاء وَالجُود وَالحِشْمَة.
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ دِحْيَة، وَأَبُو عَلِيٍّ الشَّلَوْبِيْن.
قَالَ الأَبَّار (1) : كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الجَدِّ يُزكّيه، وَيَحْكِي عَنْهُ أَنَّهُ يَحفظ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مَتْناً وَإِسْنَاداً.
مَاتَ: بِمَرَّاكش، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ (2) : مَكَانه مكين فِي اللُّغَة، وَموردُه معِين فِي الطِّبّ، كَانَ يَحفظ شعر ذِي الرُّمَّةِ وَهُوَ ثلث اللُّغَة، مَعَ الإِشرَاف عَلَى جَمِيْع أَقْوَال أَهْل الطِّبّ، مَعَ سموّ النّسب، وَكَثْرَة النّشَب، صَحِبته زَمَاناً، وَلَهُ أَشعَار حلوَة، وَقَدْ رَحل أَبُو جدّه إِلَى المَشْرِق، وَوَلِيَ رِيَاسَة الطِّبّ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ بِمِصْرَ، ثُمَّ بِالقَيْرَوَان، ثُمَّ نَزل دَانِيَة، وَطَار ذِكْرُهُ.
قُلْتُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا يُقَالُ لَهُ: الحَفِيْد، كَمَا يُقَالُ لِصديقِهِ ابْن رُشْدٍ: الحَفِيْد، وَكَانَ فِي رُتْبَة الوُزَرَاء.
وَقِيْلَ: كَانَ دَيِّناً، عدلاً، قوِيّ
__________
= المراكشي في المعجب: 145، وابن الابار في التكملة: 2 / 555، وابن أبي أصيبعة في عيون الانباء: 2 / 67، وياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 21، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 434، والذهبي في كتبه ومنها تاريخ الإسلام، الورقة 204 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 288، والصفدي في الوافي: 4 / 39، والمقري في نفح الطيب: 2 / 247، وابن العماد في الشذرات: 4 / 320، وغيرهم، وهو صاحب الموشح المشهور: أيها الساقي إليك المشتكى.
(1) (التكملة) : 2 / 555 - 556.
(2) (المطرب من أشعار أهل المغرب) : 206 (القاهرة: 1954) .(21/326)
النَّفْس، مليح الشّكل، يَجرّ قوساً قويّاً، وَلَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، فَمِنْهُ:
للهِ مَا فَعَلَ الغَرَامُ بِقَلْبِهِ ... أَوْدَى بِهِ لَمَّا أَلَمَّ بلبِّهِ
يَأْبَى الَّذِي لاَ يَسْتَطيع لِعُجبِهِ ... رَدَّ السَّلاَمِ وَإِنْ شككْتَ فَعُجْ بِهِ
ظَبْيٌ مِنَ الأَترَاك مَا تَرَكَتْ ضنىً ... أَلحَاظُه مِنْ سَلْوَةٍ لِمُحِبِّهِ
إِنْ كُنْت تُنْكِرُ مَا جنَى بِلحَاظِهِ ... فِي سَلْبِهِ يَوْم الغُوَيْرِ فَسَل بِهِ
يَا مَا أُمَيْلَحَهُ! وَأَعذَبَ رِيقَهُ! ... وَأَعَزَّهُ وَأَذَلَّنِي فِي حُبِّه!
بَلْ مَا أُلَيْطِفَ وَْردَةً فِي خَدِّهِ! ... وَأَرَقَّهَا! وَأَشَدَّ قَسْوَةِ قَلْبِهِ!
172 - ابْنُ زُرَيْقٍ الحَدَّادُ المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، شَيْخُ المُقْرِئِين، أَبُو جَعْفَرٍ المُبَارَكُ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي الفَتْحِ المُبَارَكِ بنِ أَحْمَدَ بنِ زُرَيْقٍ الوَاسِطِيُّ، ابْنُ الحَدَّادِ، إِمَامُ جَامِعِ وَاسِط بَعْدَ وَالِدِهِ.
مَوْلِده: سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
تَلاَ عَلَى: أَبِيْهِ، وَمَهَرَ، ثُمَّ سَافر مَعَهُ إِلَى بَغْدَادَ فِي سَنَةِ 532، فَقَرَأَ بِهَا بِـ (الْمُبْهِج (1)) وَغَيْره عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط.
وَسَمِعَ مِنْ: قَاضِي المَارستَان، وَإِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَطَائِفَة، وَبِوَاسِط مِنْ: عَلِيِّ بنِ شيرَان، وَالقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ،
__________
(*) ترجم له المنذري في التكملة، الترجمة: 544، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 33، وابن الفوطي في الملقبين بمحيي الدين من تلخيصه: 5 / الترجمة: 819 من الميم، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 224 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 295، والمختصر المحتاج: 3 / 177، ومعرفة القراء، الورقة: 177، والجزري في غاية النهاية: 2 / 41، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 159، وابن العماد في الشذرات: 4 / 328.
(1) (المبهج في القراءات السبع) لسبط الخياط من أشهر كتب القراءة المروية، لدينا نسخة مصورة منه.(21/327)
وَجَمَاعَة.
وَتَفَرَّد عَنِ: ابْن شيرَان الفَارِقِيّ، وَتَفَرَّد بِإِجَازَةِ خَمِيْس الحَوْزِيّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد ابْن غُلاَم الهَرَّاس أَبِي عَلِيٍّ، وَرَزِيْن بن مُعَاوِيَةَ العَبْدَرِيّ، وَأَجَازَ لَهُ أَيْضاً: أَبُو طَالِبٍ بنُ يُوْسُفَ، وَعَبْد اللهِ ابْن السَّمَرْقَنْدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْس بن مُنْجِبٍ، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَإِبْرَاهِيْم بن مَحَاسِنَ، وَابْن الدُّبَيْثِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات: الشَّرِيْف مُحَمَّد بن عُمَرَ الدَّاعِي، وَغَيْرهُ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مِنْ أَعيَان القُرَّاء المَوْصُوْفِيْن بجُوْدَة القِرَاءة، وَحسن الأَدَاء، وَطيب الصّوت، وَكَانَ بَقِيَّة الأَكَابِر، وَهُوَ صَدُوْقٌ، مُتَدّين.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَزُرَيْقٌ: أَوّله زَاي.
173 - البُنْدَارُ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ القَاسِمِ الحَرِيْمِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ القَاسِمِ بنِ مَنْصُوْرٍ الحَرِيْمِيُّ، البُنْدَارُ، أَخُو عَبْدِ الجَبَّارِ.
سَمِعَ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَأَبَا المَوَاهِب بن مُلُوْك، وَهِبَة اللهِ الحَرِيْرِيّ، وَقَاضِي المَارستَان.
وَسَمِعَ بِالرَّيِّ: عَبْد الرَّحْمَانِ بن أَبِي القَاسِمِ الحَصِيْرِيّ.
__________
(*) ترجم له معين الدين ابن نقطة في التقييد، الورقة: 164، وإكمال الإكمال، الورقة: 42 (ظاهرية) ، وابن الدبيثي في الذيل، وهو تاريخه، الورقة: 152 (باريس 5922) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 500، والصائن النعال البغدادي في مشيخته: 137 وهو الشيخ الخمس والاربعون فيها، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 13، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 79 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 286، وابن العماد في الشذرات: 4 / 319.(21/328)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَابْن النَّجَّار، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ صَالِحاً، زَاهِداً، كَثِيْر العِبَادَة، حسن السّمْت، عَلَى مِنْهَاج السَّلَف، كَأنَّ النُّوْر يَلوح عَلَى وَجهه، وَيَجد النَّاظر إِلَيْهِ رَوْحاً فِي نَفْسِهِ، مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً (1) .
وَفِيْهَا مَاتَتْ: أَسْمَاء (2) بِنْت مُحَمَّد ابْن البَزَّازِ (3) الدِّمَشْقيَّة، وَأُخْتهَا
__________
(1) باعتبار أن مولده سنة 511.
وقال الزكي المنذري في (التكملة) : إنه ولد في إحدى الجمادين سنة 512.
وسأله ابن الدبيثي فأجاب بهذا التاريخ (الورقة 152 من نسخة باريس 5922) ولكن ابن الدبيثي ورفيقه ابن نقطة نقلا عن أبي بكر محمد بن المبارك بن مشق قوله: مولد عبد الخالق ابن البندار في ليلة الأربعاء ثامن عشر جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وخمس مئة (انظر أيضا التقييد، الورقة: 164) .
وقد أورد الزكي المنذري الرواية التي تؤيد مولده سنة 511 على التمريض حيث صدرها بقوله: (وقيل) وقد تابع الصائن النعال المتوفى سنة 659 الزكي المنذري في الروايتين.
(2) هكذا ذكرها المؤلف في وفيات سنة 595، وقد ترجم لها الزكي المنذري في وفيات سنة 594 من (التكملة) ، قال: (وفي ليلة الثالث عشر من ذي الحجة توفيت الشيخة أسماء بنت محمد بن الحسن بن طاهر الدمشقية.
سمعت من قاضي دمشق أبي المفضل يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي، وأبي محمد عبد الكريم بن حمزه السلمي، وحدثت) (الترجمة: 457) .
والطريف أن الذهبي ترجم لها في (تاريخ الإسلام) مرتين وبترجمتين فيهما بعض الاختلاف، وكأنه - والله أعلم - لم يعرف أنها تكررت عليه، الأولى في وفيات سنة 594 قال: (أسماء بنت محمد بن الحسن بن طاهر ابن البزاز الدمشقية.
سمعت من عبد الكريم بن حمزة جدها وأبي المفضل يحيى بن علي القاضي.
روى عنها يوسف بن خليل، وولدها زين الامناء أبو البركات، والشهاب إسماعيل القوصي، وآخرون.
وتوفيت في ثالث عشر ذي الحجة.
وهي أخت آمنة والدة قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي محمد ابن الزكي) .
(الورقة: 193 - أحمد الثالث 2917 / 14) .
والترجمة الثانية في وفيات سنة 595، قال: (أسماء ابنة أبي
البركات محمد بن الحسن ابن البزاز الدمشقية.
روت عن جدها لامها أبي المفضل يحيى بن علي القاضي.
وعنها سبطها النسابة عز الدين محمد بن أحمد، ويوسف بن خليل، والشهاب القوصي.
وتزوجت بابن خالتها محمد أخي الحافظ ابن عساكر.
وتوفيت في دي الحجة) (الورقة: 198 من النسخة المذكورة) .
(3) في الأصل: (الران) وهو تحريف، والتصحيح من (تاريخ الإسلام) وترجمة أختها آمنة في (التكملة) ، الترجمة: 497 قال: (وتعرف ببنت البزاز) .(21/329)
آمِنَة (1) وَالِدَة القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّد ابْن الزَّكِيِّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو الفَرَجِ ثَابِت بن مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيّ (2) ، وَدُلَف بن أَحْمَدَ بنِ قُوْفَا (3) ، وَطَرْخَان بن مَاضِي الشَّاغُوْرِيّ الَّذِي أَمّ بِالملك نُوْر الدِّيْنِ، وَصَاحِب مِصْر الْملك العَزِيْز ابْنُ صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَأَتَابك المَوْصِل مُجَاهِد الدِّيْنِ قَيْمَاز الرُّوْمِيّ الخَادِم، وَالفَيْلَسُوْف أَبُو الوَلِيْدِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ رُشْدٍ القُرْطُبِيّ الحَفِيْد صَاحِب المُصَنَّفَات، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيّ، وَطَبِيْب الوَقْت أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زُهْرٍ الإِشْبِيْلِيّ، وَمُسْلِم بن عَلِيٍّ السِّيْحِيّ (4) المَوْصِلِيّ، وَمَنْصُوْر بن أَبِي الحَسَنِ الطَّبَرِيّ الوَاعِظ، وَشَيْخ الشَّافِعِيَّة جَمَال الدِّيْنِ يَحْيَى بن عَلِيِّ بنِ فَضلاَن البَغْدَادِيّ، وَيَعْقُوْب صَاحِب المَغْرِب.
174 - خُوَارِزْمشَاه عَلاَء الدِّيْنِ تَكشُ بنُ أَرْسَلاَنَ بنِ أَتْسِز *
السُّلْطَانُ، عَلاَءُ الدِّيْنِ، تَكش بنُ أَرْسَلاَن بنِ أَتْسِز بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكيْن.
__________
(1) راجع الهامش السابق، (وتاريخ الإسلام) ، الورقة: 198 وذكر أنها أوقفت رباطا بدمشق.
(2) هذا الرجل منسوب إلى مدينة جي بأصبهان (انظر (التكملة) ، الترجمة: 493 وتعليقنا عليها) .
(3) قيده المنذري فقال: بضم القاف وسكون الواو وفتح الفاء (الترجمة: 494) وقيده قبله ابن نقطة في (إكمال الإكمال) في (قوفا) منه (نسخة دار الكتب المصرية) ، وانظر (مشتبه) الذهبي: 536.
(4) في الأصل: (الشيحي) بالشين المعجة، والصحيح ما أثبتناه، وقد تكلمنا عليه في ترجمته مما مضى من هذا الكتاب، فراجعها (الترجمة: 155) .
(*) أخباره مبثوثة في التواريخ المستوعبة لعصره، وترجم له ابن الأثير في الكامل: 12 / 66، والنسوي في سيرة السلطان جلال الدين، في غير موضع منها، والسبط في المرآة: 8 / 471، =(21/330)
قَالَ أَبُو شَامَةَ (1) : هُوَ مِنْ وَلد طَاهِر بن الحُسَيْنِ الأَمِيْر.
قَالَ: وَكَانَ جَوَاداً، شُجَاعاً، تَملّك الدُّنْيَا مِنَ السّند وَالهِنْد وَمَا وَرَاء النَّهْر إِلَى خُرَاسَانَ إِلَى بَغْدَادَ، فَإِنَّهُ كَانَ نُوَّابه فِي حُلْوَان، وَكَانَ جُنْده مائَة أَلْف، هزم مَمْلُوْكُه عَسْكَر الخَلِيْفَة، وَأَزَال هُوَ دَوْلَة السّلاجقَة، وَكَانَ حَاذِقاً بِلعب العُوْد (2) ، هَمّ بِهِ باطنِيّ، فَأرعد، فَأَخَذَهُ، وَقرّره، فَأَقرّ، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ يُباشر الحَرْب بِنَفْسِهِ، وَذَهَبت عينه بِسهْم (3) .
عزم عَلَى قصد بَغْدَاد، وَوصل دِهِسْتَان، فَمَاتَ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ ابْنه مُحَمَّد، وَلُقّب عَلاَء الدِّيْنِ بِلَقَبِهِ.
قَالَ لَنَا ابْن البُزُوْرِيّ (4) : كَانَ تَكش عِنْدَهُ آدَاب وَمَعْرِفَة بِمَذْهَب أَبِي حَنِيْفَةَ، بَنَى مَدْرَسَة بِخُوَارِزْم، وَلَهُ المقامَات المَشْهُوْرَة، حَارب طُغْرِيْلَ وَقتله، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْن القَصَّابِ الوَزِيْر، فَكَانَ قَدْ نَفّذ إِلَيْهِ تَشرِيفاً مِنَ الدِّيْوَان، فَرَدَّهُ، ثُمَّ نَدم، وَاعتذر، وَبُعِثَ إِلَيْهِ بتشرِيف، فَلبِسَه.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ بِشهر ستَانَةَ، فَحَمَلَهُ وَلده مُحَمَّد،
__________
= وأبو شامة في الذيل: 17، والمنذري في التكملة، الترجمة: 546، وابن الساعي في الجامع: 9 / 34، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 103، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 215 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 292، ودول الإسلام: 2 / 78، وابن كثير في البداية، 13 / 11، والصفدي في الوافي: 8 / الورقة: 36، والشعور بالعور، الورقة: 139، والغساني في العسجد، الورقة: 104، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 742، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 159، وابن الفرات في تاريخه، الورقة 76 من المجلد الثامن، والتميمي في الطبقات السنية: 1 / الورقة: 670 وغيرهم.
(1) الذيل على (الروضتين) : 17
(2) أصل النص في (الروضتين) : وكان حاذقا بعلم الموسيقى يقال: لم يكن في زمانه ألعب منه بالعود.
(3) لذلك ذكره الصلاح الصفدي مع العور كما مر في تخريج ترجمته.
(4) في (الذيل على المنتظم) ، وقلنا سابقا: إنه لم يصل إلينا، وقد أشار الذهبي في ترجمته إلى أن معظم كتابه تلف أثناء الاعتداءات الغازانية على بلاد الشام.(21/331)
فَدَفَنَه بِمَدْرَسَته، بِخُوَارِزْم، وَقِيْلَ: مَاتَ بِالخوَانِيق.
175 - العِجْلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ أَحْمَدَ *
رَأْسُ الشِّيْعَةِ، وَعَالِمُ الرَّافِضَّةِ، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِدْرِيْسَ العِجْلِيُّ، الحِلِّيُّ.
صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، مِنْهَا كِتَاب (الحَاوِي، لِتحَرِيْرِ الفَتَاوِي) ، وَكِتَاب (السّرَائِر (1)) ، وَكِتَاب (خلاَصَة الاستدلاَل) ، وَمَنَاسِك، وَأَشيَاء فِي الأُصُوْل وَالفُرُوْع.
أَخَذَ عَنِ: الفَقِيْه رَاشِد (2) ، وَالشَّرِيْف شَرَف شَاه.
وَلَهُ بِالحِلَّةِ شهْرَة كَبِيْرَة وَتَلاَمِذَة (3) ، وَلبَعْض الجَهَلَة فِيْهِ قصيدَة يُفضّله فِيْهَا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ إِمَامنَا.
__________
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 236 (أحمد الثالث 2917 / 14) .
وذكره ابن الفوطي في الملقبين بفخر الدين من تلخيصه: 4 / الترجمة: 2331، وتناوله ابن حجر بلسانه: 5 / 65، وترجمت له بعض الكتب المتأخرة المعنية بتراجم الشيعة مثل الخوانساري في روضات الجنات والحر العاملي في أمل الآمل، وانظر تعليق شيخنا العلامة المرحوم مصطفى جواد على ترجمته في (التلخيص) لابن الفوطي.
(1) هكذا ورد في الأصل، ولعل الاصح أن يكون النص كما جاء في (تاريخ الإسلام) : (كتاب الحاوي لتحرير الفتاوي ولقبه بكتاب السرائر) .
ومنه يظهر أنه كتاب واحد لا كتابان.
وقد ذكر ابن الفوطي أن له من التصانيف كتاب (السرائر) وما ذكر الحاوي مما يشير إلى أنهما واحد.
ثم قال الذهبي في (تاريخ الإسلام) : (وهو كتاب مشهور بين الشيعة) .
وقال شيخنا العلامة في تعليقه على ترجمته من تلخيص ابن الفوطي: وكتابه السرائر كثير النسخ في خزائن الكتب الخاصة والعامة منه نسخة بمكتبة البلدية بالإسكندرية.
(2) في (تاريخ الإسلام) : راشد بن إبراهيم.
(3) ثم قال في (تاريخ الإسلام) : (ولم يكن للشيعة في وقته مثله) .(21/332)
مَاتَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
176 - صَاحِبُ اليَمَنِ طُغْتِكِيْنُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي *
سَيْفُ الإِسْلاَمِ، طُغْتِكِيْنُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي.
كَانَ أَخُوْهُ المَلِك المُعَظَّم تُوْرَانْشَاه قَدِ افْتَتَح اليَمَن سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْد عَامَيْنِ، وَاستنَاب عَنْهُ، وَقَدِمَ دِمَشْق، ثُمَّ بَعَثَ صَلاَح الدِّيْنِ أَخَاهُ سَيْفَ الإِسْلاَم إِلَى اليَمَنِ سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَتملّك اليَمَن كُلّه، وَحَارَبَ الزَّيْدِيَّة، وَبعد أَعْوَام أَخَذَ صَنْعَاء، وَكَانَتْ دَوْلَته أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا احتُضر، سلطن مَمْلُوْكه بُوْزَبَا، وَمَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، ثُمَّ تَملّك وَلده المُعِزّ، وَقَتَلَ بُوْزَبَا وَجَمَاعَة مِنْ مَمَالِيْك أَبِيْهِ، وَحَارَبَ رَأْس الزَّيْدِيَّة، وَهزمه، وَأَنشَا بِزَبِيْد مَدْرَسَة، وَادّعَى أَنَّهُ أُموِيّ، وَرَام الخِلاَفَة (1) ، وَلَهُ (دِيْوَان شعر) ، فَقَتَلَهُ أُمَرَاؤُهُ الأَكرَاد (2) ، وَملّكُوا أَخَاهُ النَّاصِر أَيُّوْب بن طُغْتِكِيْن.
__________
(*) أخباره في التواريخ المستوعبة لعصره لا سيما تلك التي عنيت ببلاد اليمن كما تجده عند الجعدي في طبقاته: 184، 223، 224، 229، 230، 236، وابن الأثير في كامله: 12 / 54 وما قبلها، وقد ذكره ياقوت في معجم البلدان عند كلامه على مدينة المنصورة التي أنشأها باليمن: 4 / 664.
وترجم له السبط في المرآة: 8 / 453، وابن خلكان في الوفيات: 2 / 523، والمنذري في التكملة، الترجمة 404، وابن واصل في مفرج الكروب: 2 / 105، وأبو الفداء في المختصر: 3 / 98، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 187 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 281، ودول الإسلام: 2 / 77، والاعلام، الورقة: 211، وابن كثير في البداية 13 / 15، والخزرجي في العقود اللؤلؤية: 1 / 29، والمقريزي في السلوك: ج 1 ق 1 ص: 140، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 215، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 141 وغيرهم.
وقيد ابن خلكان اسمه بالحروف.
(1) وتلقب بالهادي.
(2) كان ذلك سنة 598 كما في غير واحد من التواريخ.(21/333)
177 - ابْنُ دُوْستَ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ أَبِي البَرَكَاتِ إِسْمَاعِيْلَ البَغْدَادِيُّ *
ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي سَعْدٍ مُحَمَّدِ بنِ دُوستَ شَيْخُ الشُّيُوْخِ، أَبُو الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ الأَصْلِ، البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، أَخُو شَيْخِ الشُّيُوْخِ صَدْرِ الدِّيْنِ عَبْد الرَّحِيْمِ الَّذِي مَاتَ بِالرَّحْبَة.
كَانَ أَبُو الحَسَنِ شَيْخاً عَامِيّاً، بليداً، عَرِيّاً مِنَ العِلْمِ.
سَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَإِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَلِيّ بن عَلِيٍّ الأَمِيْن (1) ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَطَائِفَة.
وَتَمَشْيَخَ برِبَاط جدّه بَعْد أَخِيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ، وَقَدْ حَجَّ، وَركب البَحْر، وَقَدِمَ مِصْر وَبَيْت المَقْدِسِ زَائِراً وَدِمَشْق.
وَحَدَّثَ، فَأَدْرَكته المنِيَّة بِدِمَشْقَ، فِي رَابِعَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
ذكر هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ: ابْنُ النَّجَّار، وَرَوَى عَنْهُ: هُوَ، وَابْن خَلِيْل، وَاليَلْدَانِيّ، وَعُثْمَان ابْن خَطِيْبِ القَرَافَةِ، وَفَرَج الحَبَشِيّ، وَعَبْد اللهِ وَعَبْد الرَّحْمَانِ ابْنَا أَحْمَدَ بنِ طِعَانٍ (2) ، وَالقَاضِي صَدْر الدِّيْنِ ابْن سَنِيِّ الدَّوْلَةِ، وَابْن عَبْدِ
__________
(*) ترجم له ابن الدبيثي في الذيل، الورقة: 160 (باريس 5922) ، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 473، والمنذري في التكملة، الترجمة: 558، وأبو شامة في الذيل: 17، وابن الساعي في الجامع المختصر: 9 / 37، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 92 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 293، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 247، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 159، وابن العماد في الشذرات: 4 / 327.
(1) يعني ابن سكينة.
(2) قيده الذهبي في (المشتبه) (ص: 421) بكسر الطاء وفتح العين المهملة كما قيدناه =(21/334)
الدَّائِم، وَابْن أَبِي اليُسْرِ، وَالكَمَال بن عَبْدٍ، وَعَدَد كَثِيْر.
وَبِالإِجَازَة: أَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيّ (1) : كَانَ بليداً لاَ يَفهم، قَالَ مرَّة -فِيمَا بَلَغَنِي- لِمَنْ قصدهُ فِي سَمَاع جُزْء: امْضِ بِهِ إِلَى ابْن سُكَيْنَةَ يُسْمِعْك عَنِّي، فَإِنِّي مَشْغُوْل (2) .
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْن كُلَيْبٍ، وَالإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ القُرْطُبِيّ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ البَخِيْلِ، وَالعَلاَّمَة أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَنْصُوْرٍ العِرَاقِيّ الخَطِيْب، وَإِسْمَاعِيْل بن صَالِحِ بنِ يَاسِيْنَ الشَّارعِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الفَارِسِيّ الزَّاهِد، وَخَلِيْل بن أَبِي الرَّجَاءِ الرَّارَانِيّ، وَخُوَارِزْمشَاه تَكش، وَالقَاضِي الفَاضِل، وَالوَجِيْه عَبْد العَزِيْزِ بن عِيْسَى اللَّخْمِيّ (3) بِالثَّغْرِ (4) ، وَالقَاضِي عُبَيْد (5) اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ السَّاوِيّ (6) ، وَالفَقِيْه عَسْكَر بن خَلِيْفَةَ الحَمَوِيّ، وَالنّظام مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ
__________
= وقال: (طعان: أحمد بن ناصر بن طعان، وابناه، ذكروا في الطريقي) .
وكان قال في الطريقي منه (ص: 419) (وبفاء..وأحمد بن ناصر بن طعان أبو العباس الطريفي البصروي ثم الدمشقي، وابناه: عبد الرحمان وعبد الله..) .
(1) (الذيل) ، الورقة: 160 (باريس 5922) .
(2) وقال أيضا: وسمع منه قوم لا يبحثون عن أحوال الشيخ، ولا ينظرون في أهلية الرواية، تكثيرا للعدد، وقد رأيته، وتركب السماع منه
(3) طمست هذه اللفظة في الأصل بسبب تلويث أصاب النسخة، وعرفناها من (تكملة) المنذري، الترجمة: 516.
(4) يعني: بالإسكندرية.
(5) في الأصل: (عبد) والتصحيح من ترجمته التي مرت في هذا الكتاب؟ ؟ المصادر التي
ذكرناها هناك.
(6) في الأصل: (الساوسي) وهو وهم من الناسخ بلا ريب.(21/335)
بن الظَّرِيْفِ البَلْخِيّ، وَالأَمِيْر ابْن بُنَانٍ، وَالشِّهَاب مُحَمَّد بن مَحْمُوْدٍ الطُّوْسِيّ شَيْخ الشَّافِعِيَّة بِمِصْرَ.
178 - ابْنُ زَبَادَةَ أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ هِبَةِ اللهِ الوَاسِطِيُّ *
الصَّاحِبُ الأَثِيْرُ، رَئِيْسُ دِيْوَانِ الإِنشَاءِ، قَوَامُ الدِّيْنِ، أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ زَبَادَةَ (1) الوَاسِطِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
كَانَ رَبّ فُنُوْنٍ: فَقه، وَأُصُوْل، وَكَلاَم، وَنظم، وَنثر، سَارَتِ الركبَان بِترسله المُؤنّق.
وَلِي المنَاصب الجَلِيْلَة.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبِي القَاسِمِ عَلِيّ ابْن
__________
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 280، وابن الأثير في الكامل: 12 / 58، وأبو شامة في الذيل: 14، والمنذري في التكملة، الترجمة: 458، وابن خلكان في الوفيات: 6 / 244 وابن الفوطي في: الملقبين بقوام الدين من تلخيصه: 4 / الترجمة: 3197، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 197 (أحمد الثالث 2917 / 14) والعبر: 4 / 284، والمشتبه: 343 والاعلام: الورقة 211، وابن كثير في البداية: 13 / 17، والغساني في العسجد، الورقة 102، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 217، وابن العماد في الشذرات: 4 / 318، والزبيدي في (زبد) من التاج: 2 / 363.
(1) تصحف في (كامل) ابن الأثير (وذيل الروضتين) لأبي شامة و (البداية) لابن كثير إلى (زيادة) بالايء آخر الحروف، وقيده بالحروف المنذري، وابن خلكان في (الوفيات) ،
والذهبي في (المشتبه) وابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه) .
قال المنذري في ترجمته من (التكملة) : (بفتح الزاي وبعدها باء موحدة مفتوحة وبعد الالف دال مهملة وتاء تأنيث) .
وقال ابن خلكان:) هو القطعة من الزباد الذي يتطيب النسوان به، والله أعلم)(21/336)
الصَّبَّاغِ، وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَرَّجَانِيّ الشَّاعِر، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ ابْنِ الجَوَالِيْقِيِّ، وَأَخَذَ عَنْهُ العَرَبِيَّة.
وَلِي نَظَرَ وَاسِط، وَوَلِيَ حجَابَة الحجَاب، ثُمَّ الأسْتَاذدَارِيَة، ثُمَّ نُقل إِلَى كِتَابَةِ السّرِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَغَيْرهُمَا.
وَكَانَ دَيِّناً، صَيِّناً، حَمِيْد السّيرَة، وَهُوَ القَائِلُ:
لاَ تغبِطَنَّ وَزِيْراً لِلمُلُوْكِ وَإِنْ ... أَنَالَهُ الدَّهْرُ مِنْهُم فَوْقَ هِمَّتِهِ
وَاعلمْ بِأَنَّ لَهُ يَوْماً تَمورُ بِهِ الـ ... أَرْضُ الوقورُ كَمَا مَارت بهيبتِهِ (1)
هَارُوْنُ وَهُوَ أَخُو مُوْسَى الشّقيقُ لَهُ ... لَوْلاَ الوزَارَةُ لَمْ يَأْخُذْ بِلحيتهِ
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْن الدُّبَيْثِيّ، أَنْشَدَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ زَبَادَةَ، أَنْشَدَنِي القَاضِي الأَرَّجَانِيّ لِنَفْسِهِ:
وَمَقْسُوْمَة العَيْنَيْنِ مِنْ دَهَشِ النَّوَى ... وَقَدْ رَاعهَا بِالعِيْسِ رَجَعَ حُدَاءِ
تُجِيْبُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهَا تَحِيَّتِي ... وَأُخْرَى تُرَاعِي أَعْيُنَ الرُّقَبَاءِ
وَلَمَّا (2) بَكَتْ عَيْنِي غَدَاةَ رَحِيْلِهِم (3) ... وَقَدْ رَوَّعتْنِي فُرقَةُ القُرَنَاءِ
بَدَتْ فِي مُحَيَّاهَا خيَالاَتُ أَدْمُعِي ... فَغَارُوا وَظنُّوا أَنْ بَكتْ لبُكَائِي
تُوُفِّيَ ابْنُ زَبَادَةَ: فِي سَابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً وَأَشْهُر (4) .
__________
(1) ابن خلكان: لهيبته.
(2) ابن خلكان: (فلما) وهو قد نقل عن ابن الدبيثي أيضا.
وذكر قبل هذا البيت: رأت حولها الواشين طافوا فغيضت * لهم دمعها واستعصمت بحياء
(3) ابن خلكان: وداعهم.
(4) ذكر ابن الدبيثي والمنذري وغيرهما أنه ولد في الخامس والعشرين من صفر سنة 522، هكذا أجاب ابن زبادة عندما سأله ابن الدبيثي.(21/337)
179
- القَاضِي (1) الفَاضِلُ أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَلِيٍّ *
المَوْلَى، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ البَلِيْغُ، القَاضِي الفَاضِلُ، مُحْيِي الدِّيْنِ، يَمِيْنُ المَمْلَكَةِ، سَيِّدُ الفُصَحَاءِ، أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ
__________
(1) إضافة نعتقد أنها كانت في الأصل وهو مشهور بما أثبتناه في جميع المصادر ومنها كتب الذهبي، قال في العبر في ذكر وفيات سنة 596: (والقاضي الفاضل، أبو علي عبد الرحيم..) ومثل ذلك في (تاريخ الإسلام) ، الورقة: 217 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، و (الاعلام) ، الورقة: 211.
وقال ابن خلكان في (الوفيات) ... (المعروف بالقاضي الفاضل الملقب مجير الدين) : 3 / 158 وقال العماد الكاتب الأصبهاني: وتمت الرزية الكبرى وفجيعة أهل الدين والدنيا بانتقال القاضي الفاضل من دار الفناء..) ، ومن هنا تبين اشتهاره بذلك، ولعلنا نعتقد أن هذه الشهرة ب (القاضي الفاضل) قد قفزت في النسخة الخطية من (سير أعلام النبلاء) إلى ترجمة القاضي الأصبهاني أبي طالب محمود بن علي ابن أبي طالب التميمي الأصبهاني المتوفى سنة 585 والذي مرت ترجمته في الرقم: 113 ولم يعرف هذا التميمي الأصبهاني (بالقاضي الفاضل) فتأمل ذلك وقدر سبب إضافتنا.
(*) أخباره في التواريخ التي تناولت الفترة الصلاحية المباركة مثل كامل ابن الأثير والنوادر السلطانية لابن شداد والروضتين لأبي شامة ومفرج الكروب لابن واصل والقسم الخاص بالحوادث من تاريخ الإسلام ونحوها. وترجم له العماد ترجمة رائعة في القسم المصري من الخريدة: 1 / 35 فما بعد، وابن الجوزي في التنقيح، الورقة 102، وياقوت في معجم البلدان: 1 / 788 وابن نقطة في إكمال الإكمال، الورقة: 61 (ظاهرية) ، وابن أبي الدم الحموي في التاريخ المظفري، (الورقة: 228، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 472، وأبو شامة في الذيل: 17، والمنذري في التكملة، الترجمة،: 526، وابن الساعي في الجامع: 9 / 28، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 158، والذهبي في كتبه ومنها تاريخ الإسلام، العبر، ودول الإسلام، والاعلام، والإشارة، والسبكي في طبقاته: 7 / 166، وابن كثير في البداية: 13 / 24، وابن الملقن في العقد، الورقة: 162، والغساني في العسجد، الورقة: 162، والفاسي في العقد الثمين: 5 / 422، والمقريزي في السلوك: ج 1 ق 1 ص: 153، وابن قاضي شبهة في طبقات النحاة، الورقة: 185، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 247، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 74 وكثيرون غيرهم.
وفي نهاية الارب للنويري وصبح الاعشى للقلقشندي وفريدة العماد وكتب التاريخ مجموعة من رسائله، وطبع ديوانه في القاهرة سنة 1961.(21/338)
الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ المُفَرِّجِ (1) اللَّخْمِيُّ، الشَّامِيُّ، البَيْسَانِيُّ الأَصْلِ، العَسْقَلاَنِيُّ المَوْلِدِ، المِصْرِيُّ الدَّارِ، الكَاتِبُ، صَاحِبُ دِيْوَانِ الإِنشَاءِ الصَّلاَحِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
سَمِعَ فِي الكُهُوْلَةِ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَأَبِي الطَّاهِر بنِ عَوْفٍ، وَعُثْمَانَ بنِ فَرَجٍ العَبْدَرِيِّ،
وَرَوَى: اليَسِيْرَ.
وَفِي انتسَابِهِ إِلَى بيسَانَ تَجوُّزٌ، فَمَا هُوَ مِنْهَا، بَلْ قَدْ وَلِيَ أَبُوْهُ القَاضِي الأَشرفُ أَبُو الحَسَنِ قَضَاءهَا.
انتهتْ إِلَى القَاضِي الفَاضِلِ برَاعَة التَّرسُّلِ، وَبلاغَة الإِنشَاءِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ الفَنِّ اليَدُ البيضَاءُ، وَالمَعَانِي المبتكرَةُ، وَالبَاعُ الأَطولُ، لاَ يُدركُ شَأؤُهُ، وَلاَ يُشَقُّ غُبَارُهُ مَعَ الكَثْرَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3) ، يُقَالُ: إِنَّ مسوَّدَاتِ رَسَائِلِهِ مَا يَقَصْرُ عَنْ مائَةِ مُجَلَّدٍ، وَلَهُ النَّظْمُ الكَثِيْرُ، وَأَخَذَ الصّنعَةَ عَنِ المُوَفَّقِ يُوْسُفَ بنِ الخَلاَّلِ صَاحِبِ الإِنشَاءِ لِلْعَاضدِ (4) ، ثُمَّ خدمَ بِالثَّغْرِ مُدَّةً، ثُمَّ طلبَهُ وَلدُ الصَّالِحِ بنِ رُزّيْكٍ،
__________
(1) في (تكملة) المنذري و (وفيات) ابن خلكان: (الفرج) .
وجاء في (العقد الثمين) للفاسي: (عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن المفرج بن الحسين بن أحمد بن المفرج بن أحمد) وذكر أن ابن خلكان نسبه كما نسبه، ولم يكن قوله دقيقا فالذي عند ابن خلكان مختلف عما أورده.
(2) كان مولده بعسقلان في الخامس عشر من جمادى الآخرة من السنة.
(3) (وفيات) : 3 / 158 - 162.
(4) فصل ابن خلكان ذلك في ترجمة الموفق الخلال من (وفيات الأعيان) : 7 / 219 - 221.(21/339)
وَاسْتخدمَهُ فِي دِيْوَانِ الإِنشَاءِ.
قَالَ العِمَادُ: قضَى سعيداً وَلَمْ يُبْقِ عَملاً صَالِحاً إِلاَّ قدَّمَهُ، وَلاَ عهداً فِي الجَنَّةِ إِلاَّ أَحْكَمَهُ، وَلاَ عقْدَ بِرٍّ إِلاَّ أَبرمَهُ، فَإِنَّ صَنَائِعَهُ فِي الرِّقَابِ وَأَوقَافَهُ متجَاوزَةُ الحسَابِ، لاَ سِيَّمَا أَوقَافُهُ لفكَاكِ الأَسرَى، وَأَعَانَ المَالِكيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ بِالمَدْرَسَةِ وَالأَيْتَامَ بِالكُتَّابِ، كَانَ لِلْحُقُوقِ قَاضِياً، وَفِي الحَقَائِق مَاضياً، وَالسُّلْطَانُ لَهُ مُطِيعٌ، مَا افْتَتَحَ الأَقَالِيمَ إِلاَّ بِأَقَاليد آرَائِهِ، وَمقَاليد غِنَاه وَغَنَائِهِ، وَكُنْتُ مِنْ حَسَنَاتِهِ محسوباً، وَإِلَى آلاَئِهِ مَنْسُوْباً، وَكَانَتْ كِتَابَتُهُ كَتَائِبَ النَّصْرِ، وَيَرَاعتُهُ رَائِعَة الدَّهْرِ، وَبرَاعتُهُ بارِيَةً لِلبرِّ، وَعبَارتُهُ نَافثَة فِي عُقَدِ السِّحْرِ، وَبلاغتُهُ لِلدَّولَةِ مُجَمِّلَة، وَللمَمْلَكَةِ مُكَمِّلَة، وَلِلْعصرِ الصَّلاَحِيِّ عَلَى سَائِرِ الأَعصَارِ مُفَضَّلَة، نسخَ أَسَاليبَ القُدَمَاءِ بِمَا أَقدَمَهُ مِنَ الأَسَاليْبِ، وَأَعرَبَهُ مِنَ الإِبدَاعِ، مَا أَلْفَيْتهُ كرَّرَ دُعَاءً فِي مكَاتَبَةٍ، وَلاَ رددَّ لفظاً فِي مخَاطبَةٍ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَإِلَى مَنْ بَعْدَهُ الوِفَادَةُ؟ وَمِمَّنِ الإِفَادَةُ؟ وَفِيْمَنِ السيَادَة؟ وَلِمَنِ السعَادَةُ؟
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : وَزَرَ لِلسُّلْطَانِ صَلاَحِ الدِّيْنِ بن أَيُّوْبَ
فَقَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سنَاء الْملك قصيدَةً مِنْهَا:
قَالَ الزَّمَانُ لغَيْرِهِ لَوْ رَامَهَا (2) ... تَرِبَتْ يَمِيْنُكَ لَسْتَ مِنْ أَربَابِهَا (3)
اذهَبْ طرِيقَكَ لَسْتَ مِنْ أَربَابِهَا ... وَارْجِعْ وَرَاءكَ لَسْتَ مِنْ أَترَابِهَا (4)
__________
(1) لم ترد قصيدة ابن سناء الملك هذه في ترجمة القاضي الفاضل من الوفيات، ولا في مكان آخر من كتاب ابن خلكان، ونحن نعتقد أن ترجمة القاضي الفاضل في الوفيات ناقصة بلا ريب.
وراجع ديوان ابن سناء الملك (دار الكاتب العربي القاهرة 1969) 2 / 22 - 25.
(2) في الديوان: إذ رامها.
(3) في الديوان: من أترابها.
(4) في الديوان: من اصحابها.(21/340)
وَبِعِزِّ سيِّدِنَا وَسَيِّدِ غَيرِنَا (1) ... ذلَّتْ مِنَ الأَيَّامِ شَمْسُ صِعَابِهَا
وَأَتَتْ سعَادتُهُ إِلَى أَبْوَابِهِ ... لاَ كَالَّذِي يَسْعَى إِلَى أَبْوَابِهَا
فَلْتَفْخَرِ الدُّنْيَا بِسَائِسِ مُلْكِهَا ... مِنْهُ وَدَارسِ علمِهَا وَكِتَابِهَا
صوَّامِهَا قوَّامِهَا علاَّمِهَا ... عَمَّالِهَا بِذَّالِهَا وَهَّابِهَا
وَبَلَغَنَا أَنَّ كُتُبَهُ الَّتِي ملكَهَا بلغَتْ مائَة أَلْفِ مُجَلَّدٍ، وَكَانَ يُحصِّلُهَا مِنْ سَائِرِ البِلاَدِ (2) .
حكَى القَاضِي ضِيَاءُ الدِّيْنِ ابْنُ الشَّهْرُزُوْرِيِّ أَنَّ القَاضِي الفَاضِلَ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ العَادلَ أَخَذَ مِصْرَ، دَعَا بِالموتِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَدعيَهُ وَزِيْرُهُ ابْنُ شُكْرٍ، أَوْ يُهِينَهُ، فَأَصْبَحَ مَيْتاً، وَكَانَ ذَا تَهجُّدٍ وَمعَامِلَةٍ.
وَلِلْعِمَادِ فِي (الخريْدَةِ (3)) : وَقبلَ شروعِي فِي أَعيَانِ مِصْرَ، أُقَدِّمُ ذِكْرَ (4) مَنْ جَمِيْعُ أَفَاضِلِ العصرِ (5) كَالقطرَةِ فِي بحرِهِ (6) ، المَوْلَى القَاضِي الفَاضِلُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَهُوَ كَالشَّرِيعَةِ المحمَّدِيَّةِ، نسخَتِ الشَّرَائِعَ، يَخترعُ الأَفكَارَ، وَيَفترِعُ الأَبكَارَ (7) ، هُوَ ضَابطُ المُلكِ بآرَائِهِ، وَرَابطُ السِّلكِ بآلاَئِهِ، إِنْ شَاءَ أَنشَأَ فِي يَوْمٍ (8) مَا لَوْ دُوِّنَ لَكَانَ لأَهْلِ الصِّنَاعَةِ خَيْرَ
__________
(1) في الديوان: وسيد غزنا، وأشار محققه في هامشه إلى أن بعض النسخ المخطوطة ورد فيها كما ورد هنا.
(2) وهذا النص لم يرد في المطبوع من (وفيات الأعيان) أيضا، وراجع ما ذكرناه في الهامش السابق.
ونعتقد أن حكاية القاضي ضياء الدين ابن الشهرزوري التي ستأتي بعد هذه الفقرة منقولة من (الوفيات) أيضا.
(3) القسم المصري 1 / 35 فما بعد.
(4) الزيادة من (الخريدة) 1 / 35.
(5) في (الخريدة) : أفاضل الدهر، وأماثل العصر.
(6) في (الخريدة) : في تيار بحره، بل كالذرة في أنوار فجره، وهو المولى الاجل ...
(7) في (الخريدة) : ويفترح الابكار، ويطلع الانوار، ويبدع الازهار، وهو ضابط ...
(8) في (الخريدة) : في يوم واحد، بل في ساعة واحدة مالو دون..(21/341)
بِضَاعَةٍ، أَيْنَ قُسٌّ مِنْ فَصَاحتِهِ، وَقيسٌ (1) فِي حَصَافتِهِ، وَمَنْ حَاتِمٌ وَعَمْرٌو فِي سمَاحتِهِ وَحمَاستِهِ (2) ، لاَ مَنَّ فِي فَعلِهِ، وَلاَ مَيْنَ فِي قَوْلِهِ، ذُو الوَفَاءِ وَالمُروءةِ وَالصَّفَاءِ وَالفتوَّةِ، وَهُوَ مِنَ الأَوْلِيَاءِ الَّذِيْنَ خُصُّوا بِالكرَامَةِ، لاَ يَفترُ مَعَ مَا يَتولاَّهُ مِنْ نوَافلِ صَلاَتِهِ، وَنوَافلِ صِلاَتِهِ، يَتلو كُلَّ يَوْمٍ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَنَا أُوثِرُ أَنْ أُفرِدَ لنظمِهِ وَنثرِهِ كِتَاباً.
قِيْلَ: كَانَ القَاضِي أَحَدبَ، فَحَدَّثَنِي شَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَاضِلِيُّ (3) أَنَّ القَاضِي الفَاضِلَ ذهبَ فِي الرُّسليَّةِ إِلَى صَاحِبِ المَوْصِلِ، فَأُحْضِرَتْ فَوَاكهُ، فَقَالَ بَعْضُ الكِبَارِ مُنَكِّتاً: خيَارُكُم أَحَدبُ، يُوَرِّي بِذَلِكَ.
فَقَالَ الفَاضِلُ: خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خيَارِكُم.
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ (4) : رَكَنَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ رُكُوناً تَامّاً، وَتَقدَّمَ عِنْدَهُ كَثِيْراً، وَكَانَ كَثِيْرَ البِرِّ، وَلَهُ آثَارٌ جَمِيْلَةٌ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ سَابعِ رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتسعِينَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) في (الخريدة) : وأين قيس.
(2) في (الخريدة) : وحماسته.
فضله بالافضال حال، ونجم قبوله في أفق الاقبال عال، لا من في فعله، ولا مين في قوله، ولا خلف وعده، ولا بطء في رفده، الصادق الشيم، السابق بالكرم، ذو الوفاء والمروءة، والصفاء والفتوة، والتقى والصلاح، والندى والسماح، منشر رفات العلم وناشر راياته، وجالي غيابات الفضل وتالي آياته، وهو من أولياء الله الذين خصوا بكرامته، وأخلصوا لولايته، قد وفقه الله للخير كله، وفضل هذا العصر على الاعصار السالفة بفضله ونبله، فهو مع ما يتولاه من أشغال المملكة الشاغلة ومهامه المستغرقة في العاجلة لا يغفل عن الآجلة ... الخ.
(3) هو شيخ القراء جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن داود العسقلاني ثم الدمشقي الفاضلي المتوفى سنة 692 وكان من شيوخ الذهبي البارزين في القراءات، وكان متصدرا للاقراء بتربة أم الصالح (الذهبي: (معجم الشيوخ) : 1 / الورقة: 27، و (معرفة القراء) : 562 -
563، وابن الجزري في (غاية النهاية) : 2 / 71.
(4) (التكملة) ، الترجمة: 526.(21/342)
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانُوا ثَلاَثَةَ إخوَةٍ:
أَحَدهُم: خدَمَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَخلَّفَ مِنَ الخوَاتِيمِ صنَادِيقَ، وَمِنَ الحُصْرِ وَالقُدُورِ بُيُوتاً مَمْلُوْءةً، وَكَانَ مَتَى سَمِعَ بِخَاتمٍ سَعَى فِي تحصيلِهِ.
وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ لَهُ هَوَسٌ مُفْرِطٌ فِي تحصيلِ الكُتُبِ، عِنْدَهُ نَحْوُ مائَتَيْ أَلف كِتَاب.
وَالثَّالِثُ القَاضِي الفَاضِلُ: كَانَ ذَا غرَامٍ بِالكِتَابَةِ وَبِالكُتُبِ أَيْضاً، لَهُ الدِّينُ وَالعفَافُ وَالتُّقَى، موَاظِبٌ عَلَى أَورَادِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامِ وَالتِّلاَوَةِ، لَمَّا تَملَّكَ أَسَدُ الدِّيْنِ أَحضرَهُ، فَأُعْجِبَ بِهِ، ثُمَّ اسْتخلَصَهُ صَلاَحُ الدِّيْنِ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ قَلِيْلَ اللَّذَّاتِ، كَثِيْرَ الحَسَنَاتِ، دَائِمَ التَّهَجُّدِ، يَشتغلُ بِالتَّفْسِيْرِ وَالأَدبِ، وَكَانَ قَلِيْلَ النَّحْوِ، لَكنَّهُ لَهُ دُرْبَةٌ قويَّةٌ، كتبَ مِنَ الإِنشَاءِ مَا لَمْ يَكتبْهُ أَحَدٌ، أَعْرِفُ عِنْدَ ابْنِ سنَاء الملكِ مِنْ إِنشَائِهِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، وَعِنْدَ ابْنِ القَطَّانِ عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، وَكَانَ مُتَقَلِّلاً فِي مطعَمِهِ وَمنكحِهِ وَملبسِهِ، لباسُهُ البيَاضُ، وَيَرْكُبُ مَعَهُ غُلاَمٌ وَركَابِيٌّ، وَلاَ يَمكِّنُ أَحَداً أَنْ يَصحبَهُ، وَيُكْثِرُ تَشييعَ الجَنَائِزِ، وَعيَادَةَ المَرْضَى، وَلَهُ مَعْرُوفٌ فِي السِّرِّ وَالعَلاَنِيَةِ، ضَعِيْفُ البُنْيَةِ، رقيقُ الصُّوْرَةِ، لَهُ حَدْبَةٌ يُغَطِّيهَا الطَّيْلَسَانُ، وَكَانَ فِيْهِ سُوءُ خُلُقٍ، يُكْمِدُ بِهِ نَفْسَهُ، وَلاَ يضرُّ أَحَداً بِهِ، وَلأَصْحَابِ العِلْمِ عِنْدَهُ نفَاقٌ يُحْسِنُ إِلَيْهِم، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ انتقَامٌ مِنْ أَعدَائِهِ إِلاَّ بِالإِحسَانِ أَوِ الإِعرَاضِ عَنْهُم، وَكَانَ دَخْلُهُ وَمَعْلُوْمُهُ فِي العَامِ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ سِوَى مَتَاجر الهِنْدِ وَالمَغْرِبِ، تُوُفِّيَ مَسْكُوتاً (1) ، أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَى المَوْتِ عِنْدَ تَوَلِّي الإِقبالِ، وَإِقبالِ الإِدبارِ، وَهَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ للهِ بِهِ عنَايَة.
__________
(1) يعني: فجاءة، وهو ما يعرف في عصرنا بالسكتة القلبية.(21/343)
قَالَ العِمَادُ: تَمَّتِ الرَّزِيَّةُ بَانتقَالِ القَاضِي الفَاضِلِ مِنْ دَارِ الفنَاءِ إِلَى دَارِ البقَاءِ، فِي مَنْزِلِهِ بِالقَاهِرَةِ، فِي سَادسِ رَبِيْعٍ الآخَرَ، وَكَانَ لَيْلَتَئِذٍ صَلَّى العشَاءَ، وَجَلَسَ مَعَ مُدَرِّسِ مَدْرَسَتِهِ، وَتحدَّثَ مَعَهُ مَا شَاءَ، وَانفصلَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَحِيْحاً.
وَقَالَ لغُلاَمِهِ: رَتِّبْ حوَائِجَ الحَمَّامِ، وَعرفنِي حَتَّى أَقضِي مُنَى المَنَامِ، فَوَافَاهُ سَحَراً، فَمَا اكترَثَ بصوتِهِ، فَبَادَرَ إِلَيْهِ وَلدُهُ فَأَلفَاهُ وَهُوَ سَاكِتٌ باهِتٌ، فَلبثَ يَوْمَهُ لاَ يُسْمَعُ لَهُ إِلاَّ أَنِيْنٌ خفِيٌّ، ثُمَّ قضَى -رَحِمَهُ الله-.
قيل: وَقَفَ مُنَجِّمٌ عَلَى طَالعِ القَاضِي، فَقَالَ: هَذِهِ سعَادَةٌ لاَ تَسَعُهَا عَسْقَلاَنُ.
حفظَ القُرْآنَ، وَكَتَبَ ختمَةً، وَوقفَهَا، وَقرَأَ (الجمعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) عَلَى ابْنِ فَرحٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الحُمَيْدِيِّ، وَصَحِبَ أَبَا الفَتْحِ مَحْمُوْدَ بنَ قَادوس المنشِئ، وَكَانَ مَوْتُ أَبِيْهِ سَنَة 46 (1) ، وَكَانَ لَمَّا جرَى عَلَى أَبِيْهِ نَكبَةً اتَّصَلَتْ بِمَوْتِهِ، ضُرِبَ وَصُودِرَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْء، وَمَضَى إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَصَحِبَ بنِي حديدٍ، فَاسْتَخدمُوْهُ.
قَالَ جَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ نُبَاتَةَ: رَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَعَاليقِ القَاضِي: لَمَّا رَكِبْتُ البَحْرَ مِنْ عَسْقَلاَنَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، كَانَتْ مَعِي رزمَةٌ فِيْهَا ثِيَابٌ، وَرزمَةٌ فِيْهَا مُسَوَّدَاتٌ، فَاحتَاجَ الرُّكَّابُ أَنْ يُخَفِّفُوا، فَأَردتُ أَنْ أَرمِي رزمَةَ المُسَوَّدَاتِ، فَغلِطْتُ وَرَمَيْتُ رزمَةَ القِمَاشِ.
وَذَكَرَ القَاضِي ابْنُ شَدَّادٍ أَنَّ دَخْلَ القَاضِي كَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِيْنَ (2) دِيْنَاراً (3) .
__________
(1) يعني: 546.
(2) في الأصل: (خمسون) .
(3) لعل الاصح: (مئة وخمسين) وهو ما نعتقده، ليتوافق مع الذي ذكره المؤرخون بأن دخله قرابة الخمسين ألف دينار في السنة.(21/344)
180- العِمَادُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
القَاضِي، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، المنشِئُ، البَلِيْغُ، الوَزِيْرُ، عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَامِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَلُه الأَصْبَهَانِيُّ، الكَاتِبُ، وَيُعْرَفُ بِابنِ أَخِي العَزِيْزِ (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِأَصْبَهَانَ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَنَزَلَ بِالنّظَامِيَّةِ، وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ عَلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ سَعِيْدِ بنِ الرَّزَّازِ.
وَأَتقنَ العَرَبِيَّةَ وَالخِلاَفَ، وَسَادَ فِي عِلْمِ التَّرَسُّلِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّيِّدِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَالمُبَارَكِ بنِ
__________
(*) ترجم له ابن الجوزي في التلقيح، الورقة: 102، وياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 81، وابن الأثير في الكامل: 12 / 71، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 126 (باريس 5921) وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 504، والمنذري في التكملة، الترجمة: 605، وابن الساعي في الجامع: 9 / 61، وابن خلكان في الوفيات: 5 / 147، وابن الفوطي في تلخيصه: 4 / الترجمة: 1240، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 105 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 299، ودول الإسلام: 2 / 79، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 122،
والصفدي في الوافي: 1 / 132، وابن نباته في الاكتفاء، الورقة: 85، والسبكي في الطبقات: 6 / 178، وابن كثير في البداية: 13 / 30، وابن الملقن في العقد، الورقة: 164، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 88 وغيرهم، وانظر مقدمات أقسام الخريدة: العراقية والشامية والمصرية ففيها تفصيل.
(1) العزيز هو أبو نصر أحمد بن حامد بن محمد المستوفي المتوفى سنة 526 ذكره ابن الدبيثي في (تاريخه) ، الورقة: 184 (باريس 5921) ، وابن ناصر الدين في (توضيحه) ، الورقة: 32 (سوهاج) والعيني في (عقد الجمان) : 16 / الورقة: 44 وغيرهم.(21/345)
عليٍّ السّمذِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الأَشْقَرِ.
وَأَجَازَ لَهُ الفُرَاوِيُّ مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَابْنُ الحُصَيْنِ مِنْ بَغْدَادَ، وَرجعَ إِلَى أَصْبَهَانَ مُكِبّاً عَلَى العِلْمِ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، وَالخطيرُ فُتُوْحُ بنُ نُوْحٍ، وَالعِزُّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عُثْمَانَ الإِرْبِلِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ مَرْوِيَّاتِهِ لِشيخِنَا أَحْمَدَ بنِ أَبِي الخَيْرِ.
وَأَلُه: فَارِسِيٌّ، مَعْنَاهُ عُقَابٌ، وَهُوَ بِفَتحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ وَسكُوْنِ الهَاءِ.
اتَّصلَ بِابْنِ هَبِيرَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، وَاتَّصلَ بِالدَّوْلَةِ، وَخدمَ بِالإِنشَاءِ الملكَ نُوْرَ الدِّيْنِ.
وَكَانَ يُنشِئُ بِالفَارِسِيِّ أَيْضاً، فَنفّذَهُ نُوْرُ الدِّيْنِ رَسُوْلاً إِلَى المُسْتَنْجِدِ، وَوَلاَّهُ تدرِيسَ العِمَادِيَّةِ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ رتَّبَهُ فِي إِشرَافِ الدِّيْوَانِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ نُوْرُ الدِّيْنِ أُهْمِلَ، فَقصدَ المَوْصِلَ، وَمَرِضَ ثُمَّ عَادَ إِلَى حَلَبَ وَصَلاَحُ الدِّيْنِ مُحَاصِرٌ لَهَا سَنَة سَبْعِيْنَ، فَمدحَهُ وَلَزِمَ رِكَابَهُ، فَاسْتكتبَهُ وَقرَّبَهُ، فَكَانَ القَاضِي الفَاضِلُ يَنقطعُ بِمِصْرَ لمُهِمَّاتٍ، فَيَسُدُّ العِمَادَ فِي الخدمَةِ مَسَدَّهُ.
صَنّفَ كِتَابَ (خريْدَة القَصْرِ وَجرِيْدَة العصرِ) ذيلاً عَلَى (زِينَةِ الدَّهْرِ) لِلْحظيرِيِّ، وَهِيَ ذيلٌ عَلَى (دميَةِ القَصْرِ وَعصرَةُ أَهْلِ العصرِ) لِلبَاخَرْزِيِّ، الَّتِي ذَيَّلَ بِهَا عَلَى (يَتيمَةِ الدَّهْرِ) لِلثعَالبِيِّ، الَّتِي هِيَ ذَيلٌ عَلَى (البَارِعِ) لِهَارُوْنَ بنِ عَلِيٍّ المُنَجِّمِ، فَالخريْدَةُ مشتملٌ عَلَى شُعَرَاءِ زَمَانِهِ مِنْ بَعْدِ الخَمْسِ مائَة (1) ، وَهُوَ عشرُ مُجَلَّدَاتٍ.
__________
(1) قوله من بعد الخمس مئة فيه نظر، وإنما أراد فيه تقديرا، وإلا فإنه ترجم لبعض من توفي قبلها (راجع ما كتبه شيخنا محمد بهجة الاثري في مقدمة القسم العراقي من الخريدة تحليلا لهذا الموضوع: 1 / 96 فما بعد) .(21/346)
وَلَهُ: (البَرْقُ الشَّامِيُّ) سَبْع مُجَلَّدَاتٍ، وَ (الفَتْحُ القُسِّيُّ فِي الفَتْحِ القُدْسِيِّ) مجلدَانِ، وَكِتَابُ (السَّيْلُ وَالذَّيلُ) مُجَلَّدَانِ، وَ (نُصْرَةُ الفَتْرَةِ (1)) فِي أَخْبَار بنِي سَلْجُوْق، وَ (دِيْوَانُ رَسَائِل) كَبِيْرٌ، وَ (دِيْوَانُهُ) فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ.
وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الفَاضِلِ مخَاطبَاتٌ وَمُكَاتَبَاتٌ.
قَالَ مَرَّةً لِلْفَاضِلِ مِمَّا يُقرَأُ مَنْكوساً: سِرْ فَلاَ كَبَا بِكَ الفَرَسُ.
فَأَجَابَهُ بِمِثْلِهِ، فَقَالَ: دَامَ عُلاَ العِمَادِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : وَلَمْ يَزَلِ العِمَادُ عَلَى مَكَانِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ صَلاَحُ الدِّيْنِ، فَاخْتَلَّتْ أَحْوَالُهُ، فَلَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى تَصَانِيْفِهِ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: حَكَى لِي العِمَادُ، قَالَ: طلبنِي كَمَالُ الدِّيْنِ لنِيَابتِهِ فِي الإِنشَاءِ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرفُ الكِتَابَةَ.
قَالَ: إِنَّمَا أُرِيْدُ مِنْكَ أَنْ تُثْبِتَ مَا يَجرِي، فَتُخْبِرنِي بِهِ.
فَصِرْتُ أَرَى الكُتُبَ تُكْتَبُ إِلَى الأَطرَافِ، فَقُلْتُ: لَوْ طُلبَ مِنِّي أَنْ أَكْتُبَ مِثْلَ هَذَا، مَا كُنْتُ أَصْنَعُ؟
فَأَخَذتُ أَحْفَظُ الكُتُبَ، وَأُحَاكيهَا، وَأُروِّضُ نَفْسِي، فَكَتَبتُ إِلَى بَغْدَادَ كُتُباً، وَلَمْ أُطلِعْ عَلَيْهَا أَحَداً.
فَقَالَ كَمَالُ الدِّيْنِ يَوْماً: ليتنَا وَجَدْنَا مَنْ يَكْتُبُ إِلَى بَغْدَادَ، وَيُرِيْحُنَا.
فَقُلْتُ: أَنَا، فَكَتَبتُ، وَعرضْتُ عَلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ، وَاستكتَبَنِي، فَلَمَّا تَوجَّهَ أَسَدُ الدِّيْنِ إِلَى مِصْرَ المَرَّةَ الثَّالِثَةَ، صَحِبتُهُ.
قَالَ المُوَفَّقُ: وَكَانَ فِقْهُهُ عَلَى طَرِيْقِ أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ، وَيَوْمَ تدرِيسِهِ تسَابقَ الفُقَهَاءُ لسَمَاعِ كَلاَمِهِ، وَحُسْنِ نُكَتِهِ، وَكَانَ بطيءَ الكِتَابَةِ، لَكنَّهُ دَائِمَ العملِ، وَلَهُ تَوسُّعٌ فِي اللُّغَةِ لاَ النَّحْوِ، تُوُفِّيَ بَعْدَ مَا قَاسَ مُهَانَاتِ ابْنِ شُكرٍ،
__________
(1) تمام عنوانه: (نصرة الفترة وعصرة القطرة) وانظر مقدمة الشيخ الاثري: 1 / 73.
(2) (وفيات) : 5 / 152.(21/347)
وَكَانَ فَرِيْدَ عصرِهِ نَظماً وَنثراً، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَجْلِسِ ابْنِ شُكْرٍ مزحوماً فِي أُخرِيَاتِ النَّاسِ.
وَقَالَ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ (1) : كَانَ العِمَادُ جَامِعاً لِلْفَضَائِلِ: الفِقْهِ، وَالأَدبِ، وَالشِّعْرِ الجيِّدِ، وَلَهُ اليَدُ البيضَاءُ فِي النَّثْرِ وَالنَّظمِ، صَنَّفَ تَصَانِيْفَ مُفِيْدَةً، وَللسُلْطَانِ الملكِ النَّاصِرِ مَعَهُ مِنَ الإِغضَاءِ وَالتَّجَاوزِ وَالبَسْطِ وَحُسْنِ الخُلُقِ مَا يُتَعَجَّبُ مِنْ وُقوعِ مِثْلِهِ، تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمقَابرِ الصُّوْفِيَّةِ -رَحِمَهُ الله-.
أَنْبَأَنِي مَحْفُوْظُ ابْنُ البُزُوْرِيِّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، قَالَ:
العِمَادُ إِمَامُ البُلَغَاءِ، شَمْسُ الشُّعَرَاءِ، وَقُطْبُ رَحَى (2) الفُضَلاَءِ، أَشرقَتْ أَشعَّةُ فَضَائِلِهِ وَأَنَارَتْ، وَأَنجدَتِ الرُّكبَانُ بِأَخْبَارِهِ وَأَغَارَتْ، هُوَ فِي الفَصَاحَةِ قُسُّ دَهْرِهِ، وَفِي البلاغَةِ سحبَانُ عصرِهِ، فَاقَ الأَنَامَ طُرّاً، نَظماً وَنثراً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، حَدَّثَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجعدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ذِبيَان- هُوَ خَلِيْفَةُ بنُ كَعْبٍ- قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُوْلُ: لاَ تُلْبِسُوا نسَاءكُمُ الحَرِيْرَ (3) ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلبَسْهُ فِي الآخِرَةِ) (4) .
__________
(1) (التكملة) ، الترجمة: 605.
(2) في الأصل: (رجا) .
(3) سقطت من الأصل، واستدركت من مصادر التخريج، ومذهب ابن الزبير هذا قد انفرد به ولم يتابعه عليه أحد، والإجماع على خلافه لثبوت النص في إباحته للنساء انظر (الفتح) 10 / 249 وما بعدها (ش) .
(4) قال شعيب: إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2069) (11) في اللباس من طريق =(21/348)
وَمِنْ نَظمِهِ فِيمَا أَجَازَ لَنَا ابْنُ سَلاَمَةَ عَنْهُ:
يَا مَالِكاً رَقَّ قَلْبِي ... أَرَاكَ مَالِكَ رِقَّه
هَا مُهْجَتِي لَكَ خُذْهَا ... فَإِنَّهَا مُسْتَحقَّه
فَدَتْكَ نَفْسِي بِرِفْقٍ ... فَمَا أُطِيْقُ المَشَقَّه
وَيَا رَشِيْقاً أَتَانِي ... مِنْ سَهْمِ عَيْنَيْهِ رَشْقَه
لِصَارِمِ الجَفْنِ مِنْهُ ... فِي مُهْجَتِي أَلْفُ مَشْقَه
وَخَصْرُهُ مثلُ مَعْنَىً ... بَلاَغِيٍّ فِيْهِ دِقَّه
وَلَهُ مِنْ قصيدَةٍ:
كَالنَّجْمِ حِيْنَ هَدَا كَالدَّهْرِ حِيْنَ عَدَا ... كَالصُّبْحِ حِيْنَ بَدَا كَالعَضْبِ حِيْنَ بَرَى
فِي الحُكْمِ طَوْدُ عُلاً فِي الحِلْمِ بَحْرُ نُهَىً ... فِي الجُوْدِ غَيْثُ نَداً فِي البَاسِ لَيْثُ شَرَا
وَلَهُ مِنْ أُخْرَى:
وَلِلنَّاسِ بِالمَلِكِ النَّاصِرِ الصَّلاَحِ ... صلاَحٌ وَنَصْرٌ كَبِيْر
هُوَ الشَّمْسُ أَفلاَكُهُ فِي البِلاَدِ ... وَمَطْلَعُهُ سَرْجُهُ وَالسَّرِيْر
إِذَا مَا سطَا أَوْ حَبَا وَاحْتَبَى ... فَمَا اللَّيْثُ؟ منْ حَاتِمٌ؟ مَا ثَبِيْر؟
وَارْتَحَلَ فِي مَوْكِبٍ فَقَالَ فِي القَاضِي الفَاضِلِ:
أَمَّا الغُبَارُ فَإِنَّهُ ... مِمَّا أَثَارَتْهُ (1) السَّنَابِكْ
فَالجَوُّ مِنْهُ مُظْلِمٌ ... لَكِنْ تَبَاشِيْرُ السَّنَا بِكْ
__________
= ابن أبي شيبة عن عبيد بن سعيد، عن شعبة، وأخرجه النسائي 8 / 200 في الزينة من طريق محمود ابن غيلان، عن النضر بن شميل، عن شعبة..وأخرجه البخاري 10 / 243 في اللباس: باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه، من طريق علي بن الجعد، عن شعبة عن أبي ذبيان خليفة بن كعب، قال: سمعت ابن الزبير يقول: سمعت عمر يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة) .
(1) في (الوافي) للصفدي: (أنار به) ، وفي (إرشاد) ياقوت: (أنارته) .(21/349)
يَا دَهْرُ لِي عَبْدُ الرَّحِيْـ ... ـمِ فَلَسْتُ أَخْشَى مَسَّ نَابِكْ
181 - الدَّوْلَعِيُّ عَبْدُ المَلِكِ بنُ زَيْدِ بنِ يَاسِيْنَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، المُفْتِي، خَطِيْبُ دِمَشْقَ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ، عَبْدُ المَلِكِ بنُ زَيْدِ بنِ يَاسِيْنَ بنِ زَيْدِ بنِ قَائِدٍ (1) التَّغْلِبِيُّ (2) ، الأَرْقَمِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الدَّوْلَعِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ عَبْدِ المَلِكِ الكَرُوْخِيِّ (جَامِعَ أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيِّ) ، وَسَمِعَ: (سُنَنَ النَّسَائِيِّ) مِنْ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوَيْه اليَزْدِيِّ (3) .
وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ، وَبَرَعَ وَسَكَنَ دِمَشْقَ، وَسَمِعَ بِهَا مِنَ: الفَقِيْهِ
__________
(*) ترجم له ياقوت في معجم البلدان: 2 / 624، وابن الأثير في الكامل: 12 / 74، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 138 (باريس 5922) ، وسبط ابن الجوزي في المرآة، 8 / 511، والمنذري في التكملة، الترجمة: 657، وأبو شامة في الذيل: 31، وابن الساعي في الجامع: 9 / 89، والنووي في تهذيبه لطبقات ابن الصلاح، الورقة: 67 وهذه الترجمة من مستدركاته على ابن الصلاح، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 112 (باريس، 158) ، والعبر: 4 / 303، والسبكي في طبقاته: 7 / 187، وابن كثير في البداية: 13 / 33، وابن الملقن في العقد المذهب، الورقة: 73 ونقل من طبقات الشافعية لهبة الله ابن باطيش المتوفى سنة 655، والتقي الفاسي في ذيل التقييد، الورقة: 211، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 275، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 181 وغيرهم.
(1) في (طبقات) السبكي: (فايد) مصحف، وقيده الزكي المنذري في (التكملة) ، قال: (بالقاف وبعد الالف ياء آخر الحروف مكسورة ودال مهملة) .
(2) في (طبقات) السبكي: (الثعلبي) وليس بشيء فالرجل كان تغلبيا، وقيده الزكي المنذري بالحروف، قال: بفتح التاء ثالث الحروف وسكون الغين المعجمة وبعد اللام المفتوحة باء موحدة.
(3) في الأصل: (الأزدي) تصحيف من الناسخ أو سهو، والتصحيح من (تاريخ =(21/350)
فَضْلِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المصِّيْصِيِّ، وَعُمِّرَ دَهْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبُو الحَجَّاجِ بنِ خَلِيْلٍ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالتَّقِيُّ بنُ أَبِي اليُسْرِ (1) ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ أَبِي الخَيْرِ، وَلِيَ خطَابَةَ دِمَشْقَ دَهْراً، وَدرَّسَ بِالغَزَاليَّةِ، وَكَانَ مُتَصَوِّناً، حُمَيْدَ الطَّرِيقَةِ.
مَاتَ: فِي ثَانِي عشرَ رَبِيْعٍ الأَوّلِ، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَالدَّوْلَعِيَّةُ: مِنْ قُرَى المَوْصِلِ.
وَوَلِيَ خطَابَةَ دِمَشْقَ بَعْدَهُ ابْنُ أَخِيْهِ وَتِلْمِيْذُهُ الإِمَامُ جَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَضْلِ الدَّوْلَعِيُّ، وَاقفُ المَدْرَسَةِ الَّتِي بجيرُوْنَ، وَبِهَا دُفِنَ عَامَ خَمْسَةٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
= الإسلام) للذهبي، قال: (علي بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن محمويه، الامام أبو الحسن اليزدي الفقيه الشافعي المقرئ المحدث الزاهد، نزيل بغداد، ولد بيزد في سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة ظنا) وذكر أنه توفي في التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 551 (الورقة: 220 أحمد الثالث 2917 / 14) ، وقال السمعاني في (اليزدي) من (الأنساب) بعد أن ذكر عددا ممن نسب إلى هذه المدينة: (..ومن المتأخرين الاخوان الامامان علي ومحمد ابنا أحمد بن الحسين بن محمويه اليزديان، نزلا بغداد، وكانا من الدين والعلم والورع بمكان.
سمعت منهما) (الورقة: 599 من نشرة مرغليوث) ، وذكره الذهبي في (العبر) : 4 / 143، والسبكي في (الطبقات) : 7 / 211، وابن الجزري في (غاية النهاية) : 1 / 517، وابن تغري بردي في (النجوم) : 5 / 324، وابن العماد في (الشذرات) : 4 / 159.
(1) هكذا يجب أن يقيد، نعني بضم الياء آخر الحروف، كما وجدناه مقيدا بخط المؤلف في غير موضع من (تاريخ الإسلام) .
وفي (طبقات) السبكي قيده صديقانا العالمان الفاضلان المحققان البارعان الطناحي والحلو بفتح الياء والسين وما أصابا، نعم، يوجد من يقيد هكذا ممن ذكرتهم كتب المشتبه، ولكن ليس هذا التقي (راجع (طبقات) السبكي: 7 / 188) .(21/351)
182 - السِّبْطُ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي سَعْدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ ابنِ أَبِي سَعْدٍ المُظَفَّرِ بنِ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ الأَصْلِ، البَغْدَادِيُّ، المَرَاتِبِيُّ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ رِضْوَانٍ، وَأَبِي العِزِّ بنِ كَادِشٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ المَزْرَفِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الفَرَّاءِ، وَأَبِي غَالِبٍ بنِ البَنَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، وَطَائِفَةٍ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (1) : هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاعِ، فِيْهِ تسَامُحٌ فِي الأُمُوْرِ الدِّينِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ غَيْرَ مَرْضِيِّ السِّيرَةِ فِي دِيْنِهِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ اليَلْدَانِيُّ، وَالنَّجِيْبُ الحَرَّانِيُّ (2) ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: الفَخْرُ عَلِيٌّ (3) ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ.
__________
(*) ترجم له سبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 512، والمنذري في التكملة، والترجمة: 640، وأبو شامة في الذيل: 30، وابن الساعي في الجامع: 9 / 85، والدمياطي في المستفاد، الورقة: 74، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 111 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 306، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 276، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 181، وابن العماد في الشذرات: 4 / 338.
(1) (المختصر المحتاج إليه) : 3 / 122.
(2) (المشيخة) ، الورقة: 34.
(3) يعني ابن البخاري.(21/352)
تُوُفِّيَ: فِي العِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّمِ، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : كَانَ فَهماً، ذَكِيّاً، حَفظَةً لِلنَّوَادِرِ، عَمِلَ مَرَّةً شطْرنجاً وَزْنُهُ خَرُوبتَانِ، وَرزَّةٌ مِنْ عَاجٍ وَأَبنوس، ثُمَّ كَبُرَ وَسَاءَ خُلُقُهُ، وَكَانَ يَتعَاسَرُ، وَيَسُبُّ أَبَاهُ الَّذِي سَمَّعَهُ، وَفِيْهِ قِلَّةُ دِيْنٍ، اللهُ يُسَامِحُهُ.
183 - الطَّاوُوْسِيُّ أَبُو الفَضْلِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ العِرَاقِيِّ *
العَلاَّمَةُ، رُكْنُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَضْلِ العِرَاقِيُّ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ العِرَاقِيِّ، القَزْوِنِيُّ، الطَّاوُوْسِيُّ، المُتَكَلِّمُ، صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ المَشْهُوْرَةِ فِي الجَدَلِ، كَانَ رَأْساً فِي الخِلاَفِ وَالنَّظَرِ، مفحِماً لِلْخُصُوْمِ.
أَخَذَ عَنِ: الرَّضِيِّ النَّيْسَابُوْرِيِّ الحَنَفِيِّ صَاحِبِ الطَّرِيقَةِ.
صَنَّفَ ثَلاَثَ تَعَاليقَ، وَبَعُدَ صِيْتُهُ، وَرحلُوا إِلَيْهِ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ بِهَمَذَانَ.
وَمِنْ تَلاَمِذتِهِ: القَاضِي نَجْمُ الدِّيْنِ ابْنُ رَاجِحٍ.
184 - الحَرْبِيُّ أَبُو عَلِيٍّ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ **
الإِمَامُ، الوَاعِظُ، المُسْنِدُ، الأَدِيْبُ، أَبُو عَلِيٍّ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ
__________
(1) (المستفاد من ذيل تاريخ بغداد) ، الورقة: 74.
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 276 (أحمد الثالث 2917 / 14) . والعبر: 4 / 313 وفيه: (أبو الفضل العراقي عزيز بن محمد ابن العراقي) .
(* *) ترجم له ابن نقطة في إكمال الإكمال، الورقة 67، وابن الدبيثي في الذيل، الورقة: =(21/353)
الحَرْبِيُّ، ابْنُ النَّوَّامِ.
سَمِعَ: هِبَةَ اللهِ بنَ الحُصَيْنِ، وَالقَاضِي أَبَا الحُسَيْنِ بنَ أَبِي يَعْلَى.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالفَخْرُ عليٌّ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
185 - ابْنُ الزَّيْنَبِيِّ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ *
الرَّئِيْسُ الصَّالِحُ، الخَاشعُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ ابْنُ قَاضِي القُضَاةِ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ ابْنِ الإِمَامِ قَاضِي القُضَاةِ نُوْرِ الهُدَى أَبِي طَالِبٍ (1) الزَّيْنَبِيِّ.
سَمِعَ مِنْ: قَاضِي المَارستَان، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ.
__________
= 197 (باريس 5922) ، وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 114 (باريس) ، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 503، وابن الساعي في الجامع: 9 / 70، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 235 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 298، والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 102، وابن ناصر الدين في التوضيح، الورقة: 151 (سوهاج) ، وابن العماد في الشذرات: 4 / 329 وكناه ابن النجار أبا حفص.
(*) ترجم له ابن الدبيثي في الذيل، الورقة: 88 (شهيد علي) ، والمنذري في التكملة، الترجمة: 645، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 115 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 97.
(1) أبو طالب هذا هو الحسين بن محمد بن علي.(21/354)
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْنَا مِنْهُ، وَكَانَ صَالِحاً، مُتَدَيِّناً، صَدُوْقاً، خَاشعاً، افْتَقَرَ فِي الآخِرِ فَقراً مُدْقِعاً، فَصبرَ وَاحتسبَ، وَلَمْ يَكُنْ يَعرفُ شَيْئاً مِنَ العِلْمِ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
186 - الخُشُوْعِيُّ أَبُو طَاهِرٍ بَرَكَاتُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَاهِرٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الشَّامِ، أَبُو طَاهِرٍ بَرَكَاتُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ طَاهِرِ بنِ بَرَكَاتِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدِّمَشْقِيُّ، الخُشُوْعِيُّ، الأَنْمَاطِيُّ، الرَّفَّاءُ، الذَّهَبِيُّ؛ نِسبَةً إِلَى مَحَلَّةِ (1) حَجر الذَّهب.
وُلِدَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ ابْن الأَكْفَانِيِّ- فَأَكْثَر- وَمِنْ: عَبْدِ الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَطَاهِر بن سَهْلٍ، وَابْن قُبَيْس المَالِكِيّ، وَابْن طَاوُوْسٍ، وَجَمَال الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ، وَعِدَّةٍ.
أَجَازَ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادِ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَأَبُو صَادِق المَدِيْنِيّ، وَالفَرَّاءُ (2)
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة 67، والمنذري في التكملة، الترجمة 655، وأبو شامة في الذيل: 28 والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 110 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 302، ودول الإسلام: 2 / 79، وابن كثير في البداية: 13 / 32، والغساني في العسجد، الورقة: 107، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 97، والفاسي في ذيل التقييد، الورقة: 149، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 253، وابن تغري بردي في النجوم: 5 / 181، وابن العماد في الشذرات: 4 / 335.
(1) في النسختين: (مجلد) وهو من وهم الناسخ بلا ريب، والتصحيح من (تاريخ الإسلام) ، قال: (لكونه يسكن بمحلة حجر الذهب) .
(2) هذا الفراء الذي أجاز له من مصر هو أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الموصلي الفراء(21/355)
مِنْ مِصْرَ، وَمُحَمَّد بن بَرَكَات السَّعِيْدِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ الفَحَّامِ، وَالرَّازِيّ (1) ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ الحَرِيْرِيُّ صَاحِب (المَقَامَات) فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (2) ، وَأَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ ابْنُ المَهْدِيِّ، وَعِدَّة.
وَرَوَى الكَثِيْر، وَتَفَرَّد (3) ، وَتَكَاثرُوا عَلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ إِبْرَاهِيْم، وَعَبْد العَزِيْزِ، وَعَبْد اللهِ، وَسِتُّ العَجَمِ، وَسِتُّهُم، وَالشَّيْخ المُوَفَّق، وَعَبْد القَادِرِ الرُّهَاوِيّ، وَالبَهَاء عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ التِّلِمْسَانِيّ، وَالزَّيْن ابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالشِّهَاب القوْصِيّ، وَحَفِيْد الشَّيْخ بَرَكَات بن إِبْرَاهِيْمَ، وَالخَطِيْب دَاوُد بن عُمَرَ، وَعُبَيْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ طِعَانٍ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَانِ، وَعَلِيّ بن المُظَفَّر النُّشْبِيّ (4) ، وَابْنه (5) مُحَمَّدٌ، وَالخَطِيْبُ عِمَادُ الدِّيْنِ عَبْد الكَرِيْمِ ابْن الحَرَسْتَانِيّ، وَفَرَج الحَبَشِيّ، وَفِرَاس ابْن العَسْقَلاَنِيِّ، وَالشَّيْخ الفَقِيْه مُحَمَّد
__________
(1) يعني: محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي.
(2) يعني وخمس مئة.
(3) تفرد بالسماع من ابن الاكفاني المار ذكره، كما تفرد بالاجازة من الحريري وابن الفحام وأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي.
(4) في الأصل: (البشتي) وهو من أوهام الناسخ، قال الذهبي المؤلف في (المشتبه) : والنشبي من نشبة بطن من قيس، هو المحدث علي بن المظفر بن القاسم النشبي الدمشقي، سمع الخشوعي وطبقته، وأسمع أولاده أبا بكر محمدا وأبا العز مظفرا، وحدثوا.
كتب عنهم الدمياطي (ص: 74) .
وقال ابن ناصر الدين الدمشقي مقيدا بالحروف: بنون مضمومة في أوله ثم شين معجمة ساكنة ثم موحدة مكسورة) (1 / الورقة: 57 من نسخة الظاهرية) .
وقول الذهبي إن نشبة بطن من قيس فيه نظر، فنشبة هذا هو نشبة بن ربيع بن عمرو من تيم الرباب.
وقد ذكره المؤلف الذهبي صحيحا في حرف الشين من (المشتبه) : 348 فقال: (والمحدث علي بن المظفر النشبي، وأولاده من ولد نشبة بن ربيع: بطن من تيم الرباب) .
(5) يعني محمد بن علي بن المظفر النشبي.(21/356)
اليُوْنِيْنِيّ، وَالتَّاج مُظَفَّر ابْن الحَنْبَلِيّ، وَابْن عَمِّهِ (1) ؛ يَحْيَى ابْن النَّاصِحِ، وَيُوْسُف بن يَعْقُوْبَ الإِرْبِلِيّ، وَيُوْسُف بن مَكْتُوْم الحبَّال، وَأَيُّوْب بن أَبِي بَكْرٍ الحَمَّامِيّ، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الأَنْصَارِيّ، وَالمَجْد مُحَمَّد بن عَسَاكِرَ، وَالتَّقِيّ ابْن أَبِي اليُسْرِ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ القُنَّبِيْطِيّ (2) ، وَالكَمَال عَبْد العَزِيْزِ بن عَبْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَبِالإِجَازَة: القُطْب بن عَصْرُوْنَ، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَالفَخْرُ عَلِيّ، وَعِدَّة.
قَالَ القُوْصِيّ: كَانَ أَعلاَهُم إِسْنَاداً مَعَ تَوَاضع وَافر، وَدين ظَاهِر، وَمُروءة تَدُلُّ عَلَى أَصلٍ طَاهِر، لاَزمته إِلَى حِيْنَ مَوْته.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (3) : سَمَاعَاتُه وَإِجَازَاتُه صَحِيْحَةٌ.
قُلْتُ: مَا ظهرتْ لَهُ إِجَازَةُ الحَدَّاد إِلاَّ بَعْد مَوْته، وَقَدْ خَبَّط القُوْصِيُّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَلَيْهِ بِهَا جُمْلَةً.
وَقَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ فِي نَسَبِ الخُشُوْعِيِّ (4) : الفُرْشِيُّ يَعْنِي بِالفَاءِ، وَقَالَ: قَالَ وَالِدُهُ إِبْرَاهِيْمُ:
كَانَ جدُّنَا الأَعْلَى يَؤُمّ بِالنَّاسِ، فَمَاتَ فِي المِحْرَاب (5) ، وَالفُرْشِيُّ: نِسبَة إِلَى بَيْعِ الفُرُشِ.
__________
(1) يعني ابن عم التاج مظفر.
(2) منسوب إلى القنبيط وبيعه.
(3) (التقييد) ، الورقة: 67.
(4) (التكملة) ، الترجمة: 656.
(5) خلط الذهبي نص المنذري بعضه ببعض فأصبح صعب الفهم وأصله: (وسئل أبوه أبو إسحاق إبراهيم: لم سموا الخشوعيين؟ فقال: كان جدنا الأعلى يؤم بالناس، فتوفي في المحراب، فسمي الخشوعي.
والفرشي: بضم الفاء وسكون الراء المهملة وبعدها شين معجمة نسبة إلى بيع الفرش) .(21/357)
قُلْتُ: وَقَدْ ضَبطه بِالقَاف ابْن خَلِيْل وَالضِّيَاء، وَترك جَمَاعَة هَذِهِ النّسبَة لِلْخلف الوَاقع فِيْهَا (1) .
وَقَدْ رَوَى عِدَّة مِنْ آبَائِهِ وَأَوْلاَده.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدْ رَوَى كتباً كِبَاراً بِالسَّمَاعِ وَبِالإِجَازَةِ.
187 - ابْنُ الزَّكِيِّ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ *
قَاضِي دِمَشْقَ، مُحْيِي الدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي مُحَمَّد ابْنُ القَاضِي عَلِيِّ
__________
(1) لم يشر الذهبي المؤلف إلى هذا الاختلاف في (المشتبه) (ص: 504) إذ قال: (وبفاء وسكون إلى بيع الفرش: أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي الفرشي، قاله ابن الأنماطي وغيره) ولم يستدرك ابن حجر في ((التبصير) عليه شيئا يذكر ((التبصير) 3 / 1165) .
وقد قيده ابن خلكان كما قيده شيخه المنذري الذي أعلمناك بتقييده، وقال: (والانماطي الذي يبيع الفرش أيضا..ولقيت ولده بالديار المصرية وكان يتردد إلي في كثير من الاوقات، وأجازني جميع مسموعاته وإجازاته من أبيه) ((الوفيات) : 1 / 270) قلنا: والمنذري فيما نعتقد كان عارفا بما يضبط إذا عرفنا أن الخشوعي قد كتب له بالاجازة من دمشق في صفر سنة 595 ثم كتب له بها مرة أخرى في ذي القعدة من السنة، وهو قد يكون كتب له هذه النسبة بخطه في الاجازة.
ولكن انظر إلى ما يقوله علامة الشام ابن ناصر الدين تعليقا على قول الذهبي في (توضيحه) لكتاب (المشتبه) ، قال: قلت: وذكر ابن خلكان أن نسبته إلى قريش تصحيف. انتهى.
وقد وجدته منسوبا بالقاف بخط ناقله أبي طاهر الخشوعي المذكور: علي بن محمد بن عبد الله بن أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي القرشي.
وبالقاف هو المشهور عند الجمهور، وما أجود ما ذكره أبو الفتح عمر ابن الحاجب الاميني في (مشيخته) وقال فيما وجدته بخطه: إبراهيم بن بركات بن إبراهيم بن طاهر بن بركات بن إبراهيم بن علي بن محمد ابن أحمد ابن العباس بن هاشم القرشي ابن الفرشي المعروف بالخشوعي.
انتهى. (2 / الورقة: 197 من نسخة الظاهرية) قلنا: لم نجد قولا لابن خلكان في المطبوع من (الوفيات) يشير إلى قوله بتصحيف (القرشي) والذي نخلص منه أن الرجل كان قرشي النسب وينسب إلى بيع الفرش أيضا، هذا إذا صحح ما ذكره ابن الحاجب الاميني عن نسبه، فأخذت كل طائفة بنسبة وتركت الأخرى، نظن!
(*) بيت الزكي من بيوتات دمشق المعروفة، وهم أخوال حافظ الشام، ومؤرخه ابن عساكر، =(21/358)
بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ الزَّكِيِّ القُرَشِيُّ (1) ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
مِنْ بَيْت كَبِيْر، صَاحِب فُنُوْن وَذكَاء، وَفقه وَآدَاب وَخُطَبٍ وَنظم.
وَلِيَ القَضَاءَ وَالِده زَكِيّ الدِّيْنِ (2) ، وَجدّه مَجْد الدِّيْنِ (3) ، وَجدّ أَبِيْهِ الزَّكِيّ (4) ، وَوَلِيَ القَضَاءَ وَلدَاهُ زَكِيّ الدِّيْنِ الطَّاهِر (5) ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ يَحْيَى بن مُحَمَّد (6) .
__________
= فإن محمد بن يحيى ابن الزكي جد المترجم هو خاله.
ترجمه المنذري في التكملة، الترجمة: 671، وأبو شامة في الذيل: 31، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 229، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 114 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 305، ودول الإسلام: 2 / 79، والصفدي في الوافي: 4 / 169، والسبكي في طبقاته: 6 / 157، وابن كثير في البداية: 13 / 32، وابن الملقن في العقد، الورقة: 164، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 275، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 181، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 98، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية، الورقة: 46، والنعيمي في القضاة: 52، وابن العماد في الشذرات: 4 / 337، والقنوجي في التاج: 111.
وكان هذا القاضي العالم الفاضل بمعية السلطان الهمام صلاح الدين يوسف عند فتح بيت المقدس أعاده الله إلى الإسلام سنة 583، فكان أول من خطب بالمسجد الاقصى المبارك وأتى بتلك الخطبة البديعة المفتتحة بتحميدات الكتاب العزيز التي خشعت لها قلوب المؤمنين يومئذ، وفاضت دموعهم من الفرح بنصر الله، وكان له من العمر يومئذ ثلاث وثلاثون سنة، لذا قلما يخلو كتاب تناول الفترة الصلاحية المباركة من ذكر له بسبب تلك الخطبة المشهورة.
(1) قد شكك أبو شامة في نسبتهم إلى قريش وإلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في كلام أورده في (الذيل) خلاصته أن الحافظ ابن عساكر ترجم لغير واحد منهم ولم يذكر لهم نسبا متصلا بعثمان بن عفان.
وأنه لو كانت نسبتهم صحيحة، لما خفيت على الحافظ ابن عساكر، ولو كان يعرفها.
لما أغفل ذكر هذه المنقبة لاجداده وأمه وأخواله (الذيل: 31) .
وما يقوم مثل هذا الاغفال دليلا قاطعا على عدم صحة النسبة.
(2) توفي سنة 564 كما في (تاريخ الإسلام) وغيره، وكانت وفاته ببغداد، ودفن بمقابر الحنابلة بباب حرب.
(3) توفي سنة 537 (وانظر مقالا للدكتور بشار عن: ابن عساكر في بغداد) .
(4) توفي سنة 534 كما في (تاريخ الإسلام) وغيره، وهو المعروف بابن الصائغ.
(5) واسمه أحمد بن محمد، وتوفي سنة 617 كما في (تاريخ الإسلام) وغيره.
(6) توفي سنة 668 كما في (تاريخ الإسلام) وغيره. وقد تولى من أولاده القضاء أيضا: =(21/359)
وَكَانَ صَلاَح الدِّيْنِ يُعزّه وَيَحترمه، ثُمَّ وَلاَّهُ القَضَاء سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ مَدحه بقصيدَة فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ مِنْهَا ذَلِكَ:
وَفَتْحُكَ القَلْعَة الشَّهبَاء فِي صَفَرٍ ... مُبَشِّراً بِفُتُوْحِ القُدْسِ فِي رَجَبِ
فَاتَّفَقَ فَتح القُدْس فِي رَجَبٍ بَعْد أَرْبَع سِنِيْنَ (1) ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ تَبَشِيْر ابْن بَرَّجَانَ (2) فِي: {آلم، غُلِبَتِ الرُّوْمُ} [الرُّوْمُ: 1 وَ2] .
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3) : وَجَدْته حَاشيَة لاَ أَصلاً (4) .
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
__________
= إمام الدين عبد العزيز بن يحيى المتوفى سنة 699، وبهاء الدين يوسف بن يحيى المتوفى سنة 685.
(1) كان فتح حلب كما هو معروف في التواريخ في صفر سنة 579 وفتح البيت المقدس أعاده الله في رجب سنة 583.
(2) قيده ابن خلكان بالحروف، فقال: بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء وبعدها جيم وبعد الالف نون، وقال: هو أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمان اللخمي، وإنه توفي بمدينة مراكش سنة 536، وله تفسير القرآن الكريم على طريقة المتصوفة (الوفيات: 4 / 237) .
(3) الوفيات: 4 / 230.
(4) قيل: إن ابن برجان هذا تنبأ بفتح البيت المقدس في سنة 583 وشاع هذا الامر شيوعا كبيرا حتى قيل: إن السلطان الشهيد نور الدين كان يأمل أن يبقى حيا إلى هذه السنة ليتم على يديه هذا الفتح العظيم، ولكن انظر ما قاله ابن خلكان في الشك بقول ابن برجان، وفيما إذا كان قد قال مثل هذا أصلا حينما قال: (وقيل لمحيي الدين: من أين لك هذا؟ فقال: أخذته من تفسير ابن برجان في قوله تعالى (آلم. غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) ولما وقفت أنا على هذا البيت وهذه الحكاية لم أزل أتطلب تفسير ابن برجان حتى وجدته على هذه الصورة، لكن كان هذا الفصل مكتوبا في الحاشية بخط غير الأصل، ولا أدري هل كان من أصل الكتاب ام هو ملحق به، وذكر له حساب طويلا وطريقا في استخراج ذلك حتى حرره من قوله (بضع سنين) (وانظر ما جاء بهامش المختار من (وفيات الأعيان) فيما نقله المحقق الفاضل الدكتور إحسان عباس ففيه تأييد لما قاله ابن خلكان: (الوفيات) : 4 / 230 هامش 2) .(21/360)
188 - ابْنُ أَبِي المَجْدِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الحَرْبِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي المَجْدِ بنِ غَنَائِم الحَرْبِيُّ، العَتَّابِيُّ، الإِسْكَافُ.
رَاوِي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) عَنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَيَرْوِي أَيْضاً عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ ابْنِ الفَرَّاءِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَشَرَف الدِّيْنِ عَبْد العَزِيْزِ الأَنْصَارِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَعَدَد كَثِيْر مِنْ مَشْيَخَةِ الدِّمْيَاطِيّ.
حَدَّثَ بِـ (المُسْنَدِ) غَيْرَ مَرَّةٍ بِبَغْدَادَ، وَبِالمَوْصِل، وَقَدْ أَجَازَ لِسَعْد الدِّيْنِ الخَضِرِ بنِ حَمُّوَيه، وَلقُطْب الدِّيْنِ ابْن عَصْرُوْنَ، وَلِلْفَخْرِ ابْن البُخَارِيّ.
وَاسم جدّه صَاعِد.
مَاتَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بِالمَوْصِل، فِي ثَانِي عَشَر المُحَرَّم، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ -رَحِمَهُ الله-.
وَمَاتَ: أَبُوْهُ أَحْمَد (1) بن صَاعِد فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ أَخُو المُقْرِئ عُمَر بن عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيّ لأُمِّهِ، وَقَدْ سَمِعَا
__________
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة، 131، وابن النجار في التاريخ المجدد كما دل عليه المستفاد لابن ايبك الدمياطي، الورقة: 41، والمنذري في التكملة، الترجمة: 638، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 213 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 302، والاعلام، الورقة: 211، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 133، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 181، وابن العماد في الشذرات: 4 / 335.
(1) انظر (تاريخ الإسلام) الورقة: 218 (أحمد الثالث 2917 / 14) .(21/361)
مِنِ ابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيّ، وَالمُبَارَكِ بنِ الطُّيُوْرِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَهِمَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، فَجَعَلَه أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ الحَرْبِيّ، وَظنّه أَخاً لِعُمَرَ مِنْ أَبِيْهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : رَوَى لَنَا عَنْهُ ابْن الأَخْضَرِ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ البَزَّاز، وَكَانَ صَالِحاً وَرِعاً، حَافِظاً لِكِتَابِ اللهِ، كَثِيْر البُكَاء، يَؤمّ بِالنَّاسِ، وَيَغْسِل الموتَى حسبَة، مَكَثَ عَلَى ذَلِكَ زَمَاناً.
189 - اللَّبَّانُ أَبُو المَكَارِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ *
القَاضِي، العَالِمُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو المَكَارِمِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي عِيْسَى مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ المُحَدِّثِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّيْمِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الشُّرُوْطِيُّ، ابْنُ اللَّبَّان (2) .
وُلِدَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ.
وَقَالَ مرَّة: سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَهُوَ مِنْ تَيْمِ اللهِ بنِ ثَعْلَبَةَ.
وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، حَكَاهُ: الحَافِظُ الضِّيَاء.
__________
(1) (المستفاد) للدمياطي، الورقة: 41.
(*) ترجمه ابن نقطة في التقييد، الورقة: 44، والمنذري في التكملة، الترجمة: 626، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 225 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 297، ودول الإسلام: 2 / 79، والاعلام، الورقة: 211، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 179، وابن العماد في الشذرات: 4 / 329.
(2) قال المؤلف في (تاريخ الإسلام) : (ونقلت نسبه من خطه) قلنا: وهو موافق لما ذكره الزكي المنذري في (التكملة) .(21/362)
وَهُوَ مُكْثِر عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّاد، وَتَفَرَّد بِإِجَازَة عَبْد الغَفَّارِ الشّيروبِيّ الرَّاوِي عَنْ أَصْحَابِ الأَصَمّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: العِزّ مُحَمَّد، وَأَبُو مُوْسَى وَلد الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَإِسْمَاعِيْل بن ظفر، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَأَبُو رَشِيْدٍ الغَزَّال، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَة: أَحْمَد بن سَلاَمَةَ، وَالفَخْر ابْن البُخَارِيّ، وَطَائِفَة.
مَاتَ: فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
190- الكَرَّانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي زَيْدٍ بنِ أَبِي نَصْرٍ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي زَيْدٍ بنِ أَبِي نَصْرٍ الكَرَّانِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الخَبَّازُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَعَاشَ مائَةَ عَام.
سَمِعَ: الحَدَّاد، وَمَحْمُوْداً الأَشْقَرَ، وَفَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّة.
حَدَّثَ عنَة: بَدَلٌ التَّبْرِيْزِيّ، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَابْن خَلِيْل، وَابْن ظفر، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ: لابْنِ أَبِي الخَيْرِ، وَابْن البُخَارِيّ.
مَاتَ: فِي ثَالِثِ شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ.
__________
(*) ترجمه المنذري في التكملة، الترجمة: 617، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 238 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 299، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 180، وابن العماد في الشذرات: 4 / 322.(21/363)
وَكرَّانُ (1) : مَحَلَّةٌ بِأَصْبَهَانَ.
191 - ابْنُ الفَرَسِ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، شَيْخُ المَالِكِيَّةِ بغَرْنَاطَةَ فِي زَمَانِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ الفَرَسِ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ المُنْعِمِ ابْنُ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ (2) الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَجدّه العَلاَّمَة أَبَا القَاسِمِ، وَبَرَعَ فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، وَشَارك فِي الفَضَائِل، وَعَاشَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَسَمِعَ: أَبَا الوَلِيْدِ بن بَقْوَةَ، وَأَبَا الوَلِيْدِ بن الدَّبَّاغ، وَتَلاَ بِالسَّبْع عَلَى ابْنِ هذِيل، وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَكِّيٍّ، وَأَبُو الحَسَنِ بن مَوْهَبٍ.
بلغَ الغَايَة فِي الفِقْه.
قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ (3) : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بن الجَدِّ- وَنَاهيكَ بِهِ- يَقُوْلُ غَيْر مرَّة:
مَا أَعْلَم بِالأَنْدَلُسِ أَحْفَظ لِمَذْهَب مَالِك مِنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ الفَرَسِ بَعْد أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ.
__________
(1) وقيدها المنذري بالحروف فقال: وهي بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة وفتحها وبعد الالف نون.
(*) ترجمه ابن الابار في التكملة: 3 / الورقة: 40، واليمني في إشاره التعيين، الورقة: 30، والمنذري في التكملة، الترجمة: 627، والذهبي في تاريخ الإسلام: الورقة: 234 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والنباهي في المرقبة العليا: 110، والغساني في العسجد المسبوك، الورقة: 106، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 180 والسيوطي في البغية: 2 / 116 وتصحفت فيه وفاته إلى 599.
(2) كذا في الأصل (وتاريخ الإسلام) ، وفي (تكملة) ابن الابار، وهي نسخة متقنة، وفي (تكملة) المنذري: محمد.
(3) نقله عنه ابن الابار في (تكملته) .(21/364)
قَالَ الأَبَّار (1) : أَلّف فِي أَحكَام القُرْآن كِتَاباً مِنْ أَحْسَن مَا وُضِع فِي ذَلِكَ.
قِيْلَ: أَصَابه فَالِج وَخَدَرٌ غَيَّر حَفِظه قَبْل مَوْته بِعَامَيْنِ، فَتُرك الأَخْذُ عَنْهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَحْيَى العَطَّار، وَعَبْد الغَنِيِّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ الدَّانِيّ الكَاتِب، وَالشَّرَف المُرْسِيّ؛ سَمِعَ مِنْهُ (المُوَطَّأ) .
192 - أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُفَسِّرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مَفْخَرُ العِرَاقِ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمَّادِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ القَاسِمِ بنِ النَّضْرِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الفَقِيْهِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ابْنِ الفَقِيْهِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ خَلِيْفَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، القُرَشِيُّ،
__________
(1) (التكملة) : 3 / الورقة: 40.
(*) ترجم له الجم الغفير منهم على سبيل المثال: ابن نقطة في التقييد، الورقة: 141، وابن الأثير في الكامل: 12 / 71، وابن الدبيثي في الذيل، الورقة: 122 (باريس 5922) ، وابن أبي الدم في التاريخ المظفري، الورقة: 229، وسبطه في المرآة: 8 / 481، والمنذري في التكملة، الترجمة: 608، والنعال في المشيخة: 140، وأبو شامة في الذيل: 21، وابن الساعي في الجامع: 9 / 65، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 140، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 98 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 297، ودول الإسلام: 2 / 79، والمختصر المحتاج إليه 2 / 205، والتذكرة: 4 / 1342، وابن كثير في البداية: 13 / 28، والدمياطي في المستفاد، الورقة: 6، وابن رجب في الذيل: 1 / 399، والغساني في العسجد، الورقة 106، والجزري في غاية النهاية: 1 / 375، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة 261 وكثير غيرهم.(21/365)
التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الوَاعِظُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ -أَوْ عَشْرٍ- وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَوُّلُ شَيْءٍ سَمِعَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ البَارِع، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَحْمَد بن أَحْمَدَ المُتَوَكِّلِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَالفَقِيْه أَبِي الحَسَنِ ابْن الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَة اللهِ بن الطَّبَرِ الحَرِيْرِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَزْرَفِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّد بن الحَسَنِ المَاوَرْدِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ الخَطِيْب، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَيَحْيَى ابْن البَنَّاءِ، وعَلِيّ بن المُوَحِّد، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ، وَبدر الشِّيْحِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الزَّوْزَنِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ الحَافِظ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن المُبَارَكِ الأَنْمَاطِيّ الحَافِظ، وَأَبِي السُّعُوْدِ أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ المُجْلِي، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ زُرَيْقٍ القَزَّاز، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَابْن نَاصِر، وَابْن البَطِّيِّ، وَطَائِفَة مَجْمُوْعهُم نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ شَيْخاً، قَدْ خَرَّجَ عَنْهُم (مَشْيَخَة) فِي جُزْءيْنِ (1) .
وَلَمْ يَرْحَلْ فِي الحَدِيْثِ، لَكنه عِنْدَهُ (مُسْنَد الإِمَام أَحْمَد) ، وَ (الطَّبَقَات لابْنِ سَعْدٍ) ، وَ (تَارِيْخ الخَطِيْب) ، وَأَشيَاء عَالِيَة، وَ (الصَّحِيْحَانِ) ، وَالسُّنَنُ الأَرْبَعَةُ، وَ (الحِلْيَة) ، وَعِدَّة توَالِيف وَأَجزَاء يُخَرِّج مِنْهَا.
__________
(1) منها نسخة مصورة في مكتبة المجمع العلمي العراقي.(21/366)
وَكَانَ آخِر مَنْ حَدَّثَ عَنِ الدِّيْنَوَرِيِّ وَالمُتَوَكِّلِيّ.
وَانتفع فِي الحَدِيْثِ بِمُلاَزِمَة ابْن نَاصِر، وَفِي القُرْآن وَالأَدب بِسِبْط الخَيَّاط، وَابْن الجَوَالِيْقِيِّ، وَفِي الفِقْه بطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ الصَّاحب العَلاَّمَة مُحْيِي الدِّيْنِ يُوْسُفُ أُسْتَاذ دَار المُسْتَعْصِمِ بِاللهِ، وَوَلَده الكَبِيْر عَلِيّ النَّاسِخ، وَسِبْطهُ الوَاعِظ شَمْس الدِّيْنِ يُوْسُف بن قُزْغُلِيّ الحَنَفِيّ صَاحِب (مِرَآة الزَّمَانِ) ، وَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَبِالإِجَازَةِ: الشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَانِ، وَابْن البُخَارِيِّ، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ، وَالخَضِر بن حَمُّوْيَه، وَالقُطْب ابْن عَصْرُوْنَ.
وَكَانَ رَأْساً فِي التَّذْكِير بِلاَ مدَافعَة، يَقُوْلُ النَّظم الرَّائِق، وَالنّثر الفَائِق بديهاً، وَيُسهِب، وَيُعجِب، وَيُطرِب، وَيُطنِب، لَمْ يَأْت قَبْله وَلاَ بَعْدَهُ مِثْله، فَهُوَ حَامِل لوَاء الْوَعْظ، وَالقيِّم بِفنونه، مَعَ الشّكل الحَسَن، وَالصّوت الطّيب، وَالوقع فِي النُّفُوْس، وَحُسْن السِّيْرَةِ، وَكَانَ بَحْراً فِي التَّفْسِيْر، علاَّمَة فِي السّير وَالتَّارِيْخ، مَوْصُوَفاً بِحسن الحَدِيْث، وَمَعْرِفَة فُنونه، فَقِيْهاً، عليماً بِالإِجْمَاعِ وَالاخْتِلاَف، جَيِّد المشَاركَة فِي الطِّبّ، ذَا تَفنُّن وَفَهم وَذكَاء وَحفظ وَاسْتحضَار، وَإِكْبَابٍ عَلَى الْجمع وَالتَّصْنِيْف، مَعَ التَّصَوُّنِ وَالتَّجَمُّلِ، وَحسن الشَّارَةِ، وَرشَاقَة العبَارَة، وَلطف الشَّمَائِل، وَالأَوْصَاف الحمِيدَة، وَالحرمَة الوَافرَة عِنْد الخَاص وَالعَام، مَا عَرَفْتُ أَحَداً صَنَّفَ مَا صَنَّفَ.
تُوُفِّيَ أَبُوْهُ وَلَهُ ثَلاَثَة أَعْوَام، فَرَبَّتْهُ عَمَّتُه. وَأَقَارِبُه كَانُوا تُجَّاراً فِي(21/367)
النُّحاسِ، فَرُبَّمَا كتبَ اسْمَهُ فِي السَّمَاعِ عَبْد الرَّحْمَانِ بن عَلِيٍّ الصَّفَّار.
ثُمَّ لمَا تَرَعْرَعَ، حَملته عَمَّته إِلَى ابْنِ نَاصِر، فَأَسمعَهُ الكَثِيْر، وَأَحَبّ الْوَعْظ، وَلهج بِهِ، وَهُوَ مُرَاهِق، فَوَعَظ النَّاس وَهُوَ صَبِيّ، ثُمَّ مَا زَالَ نَافق السُّوق مُعظَّماً مُتغَالياً فِيْهِ، مُزدحماً عَلَيْهِ، مضروباً بِروَنق وَعظه المَثَل، كَمَالُه فِي ازديَاد وَاشتهَار، إِلَى أَن مَاتَ -رَحِمَهُ الله وَسَامَحَهُ- فَلَيْتَهُ لَمْ يَخُض فِي التَّأْوِيْل، وَلاَ خَالف إِمَامه.
صَنّف (1) فِي التَّفْسِيْر (المغنِي) كَبِيْر، ثُمَّ اخْتصره فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، وَسَمَّاهُ (زَاد المَسِيْر) ، وَلَهُ (تذكرَة الأَرِيب) فِي اللُّغَة مُجَلَّد، (الوُجُوه وَالنَّظَائِر) مُجَلَّد، (فُنُوْن الأَفنَان) مُجَلَّد، (جَامِع المسَانِيْد) سَبْع مُجَلَّدَاتٍ وَمَا اسْتَوْعَبَ وَلاَ كَادَ، (الحدَائِق) مُجَلَّدَان، (نَقْي النّقل) مُجَلَّدَان، (عُيُون الحِكَايَات) مُجَلَّدَان، (التّحقيق فِي مَسَائِل الخلاَف) مُجَلَّدَان، (مُشكل الصِّحَاح) أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، (المَوْضُوْعَات) مُجَلَّدَان، (الوَاهيَات) مُجَلَّدَان، (الضُّعَفَاء) مُجَلَّد، (تَلْقِيح الْفُهُوم) مُجَلَّد، (الْمُنْتَظِم فِي التَّارِيْخ) عَشْرَة مُجَلَّدَاتٍ، (المَذْهَب فِي الْمَذْهَب) مُجَلَّد، (الانتصَار فِي الخلاَفِيَات) مُجَلَّدَان، (مَشْهُوْر المَسَائِل) مُجَلَّدَان، (اليَواقيت) وَعظ، مُجَلَّد، (نَسِيم السّحر) مُجَلَّد، (الْمُنْتَخب) مُجَلَّد، (الْمُدْهِشُ) مُجَلَّد، (صفوَة الصّفوَة) أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، (أَخْبَار الأَخيَار) مُجَلَّد، (أَخْبَار النِّسَاء) مُجَلَّد، (مُثِير العَزْم السَّاكن) مُجَلَّد، (الْمقْعد الْمُقِيم) مُجَلَّد، (ذَمّ الهَوَى) مُجَلَّد، (تَلْبِيس إِبليس) مُجَلَّد.
__________
(1) ألف صديقنا العالم الفاضل الأستاذ عبد الحميد العلوجي كتابا في مصنفاته طبع ببغداد سنة 1965 وتتبع أسماءها ونسخها والمطبوع منها ورتبها على حروف المعجم ووضع لكل كتاب رقما، ولم يكن رأى كتابنا هذا لكنه اعتمد كتب الذهبي الأخرى.(21/368)
(صيد الخَاطر) ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ، (الأَذكيَاء) مُجَلَّد، (المغفّلين) مُجَلَّد، (منَافِع الطِّبّ) مُجَلَّد، (صبَا نَجد) مُجَلَّد، (الظرفَاء) مُجَلَّد، (الْمُلَهَّب) مُجَلَّد، (الْمُطْرِب) مُجَلَّد، (منتهَى المشتهَى) مُجَلَّد، (فُنُوْن الأَلبَاب) مُجَلَّد، (الْمُزْعِج (1)) مُجَلَّد، (سلوَة الأَحزَان) مُجَلَّد، (مِنْهَاج القَاصدين) مُجَلَّدَان، (الوَفَا بفَضَائِل المُصْطَفَى) مُجَلَّدَان، (مَنَاقِب أَبِي بَكْرٍ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب عُمَر) مُجَلَّد، (مَنَاقِب عليّ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب إِبْرَاهِيْم بن أَدْهَمَ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب الفُضَيْل) مُجَلَّد، (مَنَاقِب بشر الحَافِي) مُجَلَّد، (مَنَاقِب رَابِعَة) جُزْء، (مَنَاقِب عُمَر بن عَبْدِ العَزِيْزِ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ) جُزْءانِ، (مَنَاقِب الحَسَن) جُزْءانِ، (الثَّوْرِيّ) مُجَلَّد، (مَنَاقِب أَحْمَد) مُجَلَّد، (مَنَاقِب الشَّافِعِيّ) مُجَلَّد، (مُوَافِق المرَافق) مُجَلَّد، مَنَاقِب غَيْر وَاحِد جُزْء جُزْء، (مُخْتَصَر فُنُوْن ابْن عَقِيْل) فِي بَضْعَة عشر مُجَلَّداً، (مَنَاقِب الْحَبَش) مُجَلَّد، (لِبَاب زِين الْقَصَص) ، (فَضل مَقْبَرَة أَحْمَد) ، (فَضَائِل الأَيَّام) ، (أَسبَاب البدَايَة) ، (وَاسطَات الْعُقُود) ، (شُذُورِ الْعُقُود فِي تَارِيخ الْعُهُود) ، (الخوَاتيم) ، (المَجَالِس اليَوسفِيَّة) ، (كُنُوز الْعُمر) ، (إِيقَاظ الوسنَان بِأَحْوَال النّبَات وَالحيوَان) ، (نَسِيم الرّوض) ، (الثبَات عِنْد المَمَاتَ) ، (المَوْت وَمَا بَعْدَهُ) مُجَلَّد، (دِيْوَانه) عِدَّة مُجَلَّدَاتٍ، (مَنَاقِب مَعْرُوف) ، (العزلَة) ، (الرِّيَاضَة) ، (النَّصْر عَلَى مِصْرَ) ، (كَانَ وَكَانَ) فِي الْوَعْظ، (خطب اللَّآلِئ) ، (النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ) ، (موَاسم الْعُمر) ، (أَعْمَار الأَعيَان) ، وَأَشيَاء كَثِيْرَة تركتهَا، وَلَمْ أَرَهَا.
__________
(1) العلوجي، رقم: 453 وفيه (المنزع) وقال: ذكره الذهبي في (تاريخ الإسلام) .
قلنا: ولكنه (المزعج) أيضا في (تاريخ الإسلام) ولعله سبق قلم من أستاذنا المرحوم مصطفى جواد الذي نقل عنه.
وذكره الذهبي في (تذكرة الحفاظ) أيضا.(21/369)
وَكَانَ ذَا حظّ عَظِيْم وَصيت بعيد فِي الْوَعْظ، يَحضر مَجَالِسه المُلُوْك وَالوُزَرَاء وَبَعْض الخُلَفَاء وَالأَئِمَّة وَالكُبَرَاء، لاَ يَكَاد المَجْلِس يَنقص عَنْ أَلوف كَثِيْرَة، حَتَّى قِيْلَ فِي بَعْضِ مَجَالِسه: إِن حُزر الْجمع بِمائَةِ أَلْف.
وَلاَ رِيب أَنَّ هَذَا مَا وَقَعَ، وَلَوْ وَقَعَ، لَمَا قدر أَنْ يُسْمِعَهُم، وَلاَ المَكَان يَسعهُم.
قَالَ سِبْطه أَبُو المُظَفَّرِ (1) : سَمِعْتُ جَدِّي عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ:
بأُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ كَتَبتُ أَلْفَي مُجَلَّدَةٍ، وَتَاب عَلَى يَدَيَّ مائَةُ أَلْفٍ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيَّ عِشْرُوْنَ أَلْفاً (2) ، وَكَانَ يَخْتِم فِي الأُسْبُوْع، وَلاَ يَخْرُج مِنْ بَيْته إِلاَّ إِلَى الجُمُعَةِ أَوِ المَجْلِس.
قُلْتُ: فَمَا فَعَلَتْ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ؟!
ثُمَّ سرد سِبْطه تَصَانِيْفه، فَذَكَر مِنْهَا (3) كِتَاب (المُخْتَار فِي الأَشعَار) عشر مُجَلَّدَاتٍ، (درَة الإِكليل) فِي التَّارِيْخ، أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، (الأَمثَال) مُجَلَّد، (المَنْفِعَة فِي المَذَاهِب الأَرْبَعَة) مُجَلَّدَان، (التبصرَة فِي الْوَعْظ) ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ، (رُؤُوْس القوَارِير) مُجَلَّدَان ... ، ثُمَّ قَالَ:
وَمَجْمُوْع تَصَانِيْفه مائَتَانِ وَنَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ كِتَاباً.
قُلْتُ: وَكَذَا وُجِدَ بِخَطِّهِ قَبْل مَوْتِهِ أَنَّ تَوَالِيفه بَلَغَتْ مائَتَيْنِ وَخَمْسُوْنَ تَأْلِيْفاً.
وَمِنْ غرر أَلْفَاظه:
__________
(1) (مرآة الزمان) : 8 / 482.
(2) هكذا هي في (تاريخ الإسلام) و (التذكرة) ، وفي المطبوع من (المرآة) : وأسلم على يدي ألف يهودي ونصراني.
والظاهر أن لفظة (عشرون)) سقطت من المطبوعة.
(3) (المرآة) : 8 / 483 - 489.(21/370)
عقَارب المنَايَا تَلْسَع، وَخُدرَانُ جِسْمِ الأَمَالِ يَمنَعُ، وَمَاء الحَيَاة فِي إِنَاء الْعُمر يَرشح.
يَا أَمِيْرُ: اذْكُر عِنْد القدرَة عَدْلَ الله فِيك، وَعِنْد العقوبَة قدرَةَ الله عَلَيْك، وَلاَ تَشفِ غَيظَك بِسَقَم دينك.
وَقَالَ لِصديق: أَنْتَ فِي أَوسع الْعذر مِنَ التَأخُّر عَنِّي لثقتِي بِك، وَفِي أَضيقِه مِنْ شَوْقِي إِلَيْك.
وَقَالَ لَهُ رَجُل: مَا نِمتُ البَارِحَة مِنْ شَوْقِي إِلَى المَجْلِس، قَالَ: لأَنَّك تُرِيْد الفرجَة، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي اللَّيْلَة أَنْ لاَ تَنَام.
وَقَام إِلَيْهِ رَجُل بغِيض، فَقَالَ: يَا سيّدِي، نُرِيْد كلمَة ننقلهَا عَنْكَ، أَيُّمَا أَفْضَل أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيُّ؟
فَقَالَ: اجْلِسْ.
فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ، فَأعَاد مقَالَته، فَأقعده، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: اقعدْ، فَأَنْتَ أَفْضَل (1) مِنْ كُلِّ أَحَد.
وَسَأَله آخر أَيَّام ظُهُوْر الشِّيْعَة، فَقَالَ: أَفْضَلُهُمَا مَنْ كَانَتْ بِنْتُهُ تَحْتَه.
وَهَذِهِ عبَارَة مُحْتَمَلَة تُرضِي الفَرِيْقَيْنِ.
وَسَأَله آخرُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ: أُسبح أَوْ أَسْتَغْفِر؟
قَالَ: الثَّوْب الْوَسخ أَحْوَج إِلَى الصَّابُوْنِ مِنَ الْبخُور.
وَقَالَ فِي حَدِيْث (أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّيْنَ إِلَى السَّبْعِيْنَ (2)) : إِنَّمَا
__________
(1) يعني من الفضول، إذ السؤال عن الأفضل فضول، وإلا فكيف يكون هذا أفضل من كل أحد بغير المعنى الذي ذكرناه (وانظر حاشية (التذكرة) : 4 / 1345) .
(2) قال شعيب: وتمامه: (وأقلهم من يجوز ذلك) أخرجه الترمذي (3555) ، وابن ماجه (4236) ، والخطيب في (تاريخه) 6 / 397 و12 / 42 من طريق الحسن بن عرفة، أخبرنا عبد الرحمان بن محمد المحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي =(21/371)
طَالت أَعَمَّار الأَوَائِل لطول البَادِيَة، فَلَمَّا شَارف الركب (1) بلد الإِقَامَة، قِيْلَ: حُثُّوا المَطِيّ.
وَقَالَ: مَنْ قنع، طَاب عيشه، وَمِنْ طمع، طَالَ طَيشه.
وَقَالَ يَوْماً فِي وَعظه:
يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ تَكلّمت، خفت مِنْكَ، وَإِن سكتّ، خفت عَلَيْك، وَأَنَا أُقدّم خوفِي عَلَيْك عَلَى خوفِي مِنْكَ، فَقول النَّاصح: اتَّقِ الله، خَيْرٌ مِنْ قَوْل القَائِل: أَنْتُم أَهْل بَيْت مغْفُور لَكُم.
وَقَالَ: يَفتخر فِرْعَوْن مِصْرَ بِنهر مَا أَجرَاهُ، مَا أَجرَأَه!
وَهَذَا بَاب يَطول، فَفِي كُتُبِه النفَائِس مِنْ هَذَا وَأَمثَاله.
وَجَعْفَر الَّذِي هُوَ جَدُّهُ التَّاسع: قَالَ ابْنُ دِحْيَة: جَعْفَر هُوَ الجَوْزِيّ، نُسب إِلَى فُرْضَةٍ مِنْ فُرَضِ البَصْرَة يُقَالُ لَهَا: جَوْزَةُ.
وَقِيْلَ: كَانَ فِي دَارِهِ جوزَة لَمْ يَكُنْ بِوَاسِط جوزَة سِوَاهَا.
وَفرضَة النَّهْر: ثلمتُهُ، وَفرضَة البَحْر: محطُّ السُّفُنِ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ (2) : جَدِّي قَرَأَ القُرْآنَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيّ الحَنْبَلِيّ، وَابْن الفَرَّاء.
قُلْتُ: وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى سِبْط الخَيَّاط.
__________
= هريرة. وهذا سند حسن كما قال الترمذي، وصححه ابن حبان (2467) ، والحاكم 2 / 427، ووافقه الذهبي، وله طريق آخر عند أبي يعلى الموصلي في (مسنده) 311 / 1، وسنده حسن.
(1) في (المرآة) : (المركب) مصحف.
(2) (المرآة) : 8 / 481.(21/372)
وَعنِي بِأَمره شَيْخه ابْن الزَّاغونِيّ، وَعَلّمه الوَعْظَ، وَاشْتَغَل بِفنُوْن العلُوْم، وَأَخَذَ اللُّغَة عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن الجَوَالِيْقِيِّ، وَرُبَّمَا حضَر مَجْلِسه مائَة أَلْف، وَأَوقع الله لَهُ فِي القُلُوْب الْقبُول وَالهَيْبَة.
قَالَ (1) : وَكَانَ زَاهِداً فِي الدُّنْيَا، متقلّلاً مِنْهَا، وَكَانَ يَجلسُ بِجَامِع القَصْر وَالرُّصَافَة وَببَاب بدر وَغَيْرهَا ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَمَا مَازح أَحَداً قَطُّ، وَلاَ لعِب مَعَ صَبِيّ، وَلاَ أَكل مِنْ جِهَةِ لاَ يَتيقّن حلّهَا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ فِي (تَارِيْخِهِ (2)) : شَيْخنَا جَمَال الدِّيْنِ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ فِي فُنُوْن العلُوْم مِنَ التَّفْسِيْر وَالفِقْه وَالحَدِيْث وَالتَّوَارِيخ وَغَيْر ذَلِكَ، وَإِلَيه انْتَهَت مَعْرِفَة الحَدِيْث وَعلُوْمه، وَالوُقُوْف عَلَى صَحِيْحه مِنْ سَقِيمه، وَكَانَ مِنْ أَحْسَن النَّاس كَلاَماً، وَأَتمّهم نَظَاماً، وَأَعذبهم لِسَاناً، وَأَجْوَدهم بيَاناً، تَفَقَّهَ عَلَى الدِّيْنَوَرِيّ، وَقرَأَ الْوَعْظ عَلَى أَبِي القَاسِمِ العَلَوِيّ، وَبورك لَهُ فِي عُمُرِه وَعِلْمه، وَحَدَّثَ بِمُصَنّفَاته مرَاراً، وَأَنْشَدَنِي بِوَاسِط لِنَفْسِهِ:
يَا سَاكنَ الدُّنْيَا تَأَهَّبْ ... وَانتَظِرْ يَوْمَ الفِرَاقِ
وَأَعِدَّ زَاداً لِلرَّحيلِ ... فَسَوْفَ يُحدَى بِالرِّفَاقِ
وَابكِ الذُّنُوبَ بِأَدمُعٍ ... تَنهَلُّ مِنْ سُحُبِ المآقِي
يَا مَنْ أَضَاعَ زَمَانَهُ ... أَرَضِيْتَ مَا يَفنَى بِباقِ
وَسَأَلته عَنْ مَوْلِده غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيَقُوْلُ: يَكُوْن تَقَرِيْباً فِي سَنَةِ عَشْرٍ.
وَسَأَلت أَخَاهُ عُمَر، فَقَالَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ تَقَرِيْباً.
__________
(1) نفس المصدر السابق: 8 / 824.
(2) (الذيل) ، الورقة: 122 - 123 (باريس 5922) ، ونقل الذهبي بتصرف على عادته، ونقل السبط هذا النص في (المرآة) أيضا: 8 / 482 - 483.(21/373)
وَمِنْ تَوَالِيْفِهِ (التَّيْسِيْر فِي التَّفْسِيْر) مُجَلَّد، (فُنُوْن الأَفنَان فِي علُوْم القُرْآن) مُجَلَّد، (وَرد الأَغصَان فِي معَانِي القُرْآن) مُجَلَّد، (النّبعَة فِي القِرَاءات السَّبْعَة) مُجَلَّد، (الإِشَارَة فِي القِرَاءات المُخْتَارَة) جُزْء، (تذكرَة الْمُنْتَبِه فِي عُيُون الْمُشْتَبه) ، (الصّلف فِي المُؤتلف وَالمُخْتَلِف) مُجَلَّدَان، (الخطَأ وَالصَّوَاب مِنْ أَحَادِيْث الشِّهَاب) مُجَلَّد، (الفَوَائِد المنتقَاة) سِتَّة وَخَمْسُوْنَ جُزْءاً، (أُسود الغَابَة فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَة) ، (النقاب فِي الأَلقَاب) مُجَيْلِيْد، (المُحْتَسب فِي النَّسَبِ) مُجَلَّد، (المُدَبَّج) مُجَلَّد، (المُسَلْسَلاَت) مجيليد، (أَخَاير الذّخَاير) مُجَلَّد، (المجتَنى (1)) مُجَلَّد، (آفَة المُحَدِّثِيْنَ) جُزْء، (الْمُقْلِق) مُجَلَّد، (سلوَة الْمَحْزُون فِي التَّارِيْخ) مُجَلَّدَان، (الْمجد العضدِي (2)) مُجَلّد، (الفَاخر فِي أَيَّامِ النَّاصِر) مُجَلَّد، (الْمُضِيء بِفضل المُسْتَضِيْء (3)) مجيليد، (الأَعَاصر فِي ذَكَرَ الإِمَام النَّاصِر) مُجَلَّد، (الفَجْر النُّوْرِيّ (4)) مُجَلَّد، (المَجْدُ الصَّلاَحِيُّ (5)) مُجَلَّد، (فَضَائِل الْعَرَب) مُجَلَّد، (كَفّ التَّشبيه بِأَكَفّ أَهْل التنزِيه) مجيليد، (البدَايع الدَّالة عَلَى وَجُوْد الصَّانع) مجيليد، (مُنْتَقَدٌ الْمُعْتَقد) جُزْء، (شَرَف الإِسْلاَمِ) جُزْء، (مَسْبُوك الذّهب فِي الفِقْه) مُجَلَّد، (البلغَة فِي الفِقْه) مُجَلَّد، (التَّلْخِيص فِي الفِقْه) مُجَلَّد، (البَاز الأَشْهَب) مُجَلَّد، (لقطَة العَجْلاَن) مُجَلَّد، (الضّيَا فِي الرّدّ عَلَى إِلْكِيَا)
__________
(1) وانظر العلوجي، رقم: 343 حيث أورد الاختلافات في العنوان، والرقم: 345.
(2) أظنه قصد بذلك: عضد الدين أبو الفرج محمد بن عبد الله ابن رئيس الرؤساء الوزير الكبير الذي مرت ترجمته في هذا الكتاب.
(3) هو الكتاب المشهور (المصباح المضئ) الذي حققته الفاضلة ناجية عبد الله إبراهيم، وطبع ببغداد سنة 1976.
(4) لعله في سيرة السلطان الشهيد نور الدين محمود بن زنكي المتوفى سنة 569.
(5) لعله في سيرة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رضي الله عنه.(21/374)
مُجَلَّد.
(الجَدَل) ثَلاَث أَجزَاء، (دَرْء الضّيم فِي صَوْم يَوْم الْغَيْم) جُزْء، (المَنَاسِك) جُزْء، (تَحْرِيْم الدُّبُر) جُزْء، (تَحْرِيْم المتعَة) جُزْء، (الْعدة فِي أُصُوْل الفِقْه) جُزْء، (الفَرَائِض) جُزْء، (قيَام الليَل) ثَلاَثَة أَجزَاء، (منَاجزَة الْعُمر) جُزْء، (السّتر الرّفِيع) جُزْء، (ذَمّ الْحَسَد) جُزْء، (ذَمّ الْمُسكر) جُزْء، (ذَكَرَ القصَاص) مُجَلَّد، (الحُفَّاظ) مُجَلَّد، (الآثَار العَلَوِيَّة) مُجَلَّد، (السهُم المصِيْب) جُزْآنِ، (حَال الحلاّج) جُزْآنِ، (عطف الأُمَرَاء عَلَى العُلَمَاء) جُزْآنِ، (فُتُوْح الفُتُوْح) جُزْآنِ، (إِعلاَم الأَحْيَاء بِأَغلاَط الإِحيَاء) جُزْآنِ، (الْحَث عَلَى العِلْم) مُجَلَّد، (المُسْتدرك عَلَى ابْنِ عَقِيْل) جُزْء، (لفتَة الْكبد) جُزْء، (الْحَث عَلَى طلب الوَلَد) جُزْء، (لقط المنَافِع فِي الطِّبّ) مُجَلَّدَان، (طب الشُّيُوْخ) جُزْء، (الْمُرْتَجل فِي الْوَعْظ) مُجَلَّد، (اللطَائِف) مُجَلَّد، (التّحفه) مُجَلَّد، (المَقَامَات) مُجَلَّد، (شَاهِد وَمَشْهُوْد) مُجَلَّد، (الأَرج) مُجَلَّد، (مغَانِي المَعَانِي) مجيليد، (لُقَط الجمَان) جُزْآنِ، (زوَاهر الجَوَاهِر) مجيليد، (المَجَالِس البدرِية) مجيليد، (يَوَاقيت الْخطب) جُزْآنِ، (لآلَىء الْخطب) جُزْآنِ، (خطبَ الْجمع) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الموَاعِظ السُّلْجُوْقِيَّة) ، (اللُؤْلُؤة) ، (اليَاقُوتَة) ، (تَصديقَات رَمَضَان) ، (التعَازِي الملوكيَّة) ، (روح الرّوح) ، (كُنُوز الرّموز) .
وَقِيْلَ: نَيّفت تَصَانِيْفه عَلَى الثَّلاَثِ مائَةٍ.
وَمِنْ كَلاَمه: مَا اجْتَمَع لامْرِئٍ أَملُهُ، إِلاَّ وَسَعَى فِي تَفرِيطه أَجَلُهُ.
وَقَالَ عَنْ وَاعِظ: احذرُوا جَاهِل الأَطبَّاء، فَرُبَّمَا سَمَّى سُمّاً، وَلَمْ يَعرف المُسَمَّى.
وَكَانَ فِي المَجْلِسِ رَجُل يُحسن كَلاَمه، وَيُزَهْزِهُ لَهُ، فَسَكَتَ يَوْماً، فَالتفت إِلَيْهِ أَبُو الفَرَجِ، وَقَالَ: هَارُوْنُ لَفْظك معينٌ لِمُوْسَى نطقِي، فَأَرْسِلْهُ(21/375)
مَعِي رِدْءاً.
وَقَالَ يَوْماً: أَهْل الكَلاَم يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي السَّمَاءِ رَبّ، وَلاَ فِي المُصْحَف قُرْآن، وَلاَ فِي القَبْرِ نَبِيّ، ثَلاَث عورَات لَكُم.
وَحضر مَجْلِسَه بَعْض المخَالفِيْن، فَأَنْشَدَ عَلَى المِنْبَرِ:
مَا لِلْهوَى العُذْرِيّ فِي ديَارنَا ... أَيْنَ العُذَيْب مِنْ قُصُوْر بَابِلِ (1)
وَقَالَ- وَقَدْ تَوَاجد رَجُل فِي المَجْلِسِ-: وَاعجباً، كلّنَا فِي إِنشَاد الضَّالة سَوَاء، فَلِمَ وجدْتَ أَنْتَ وَحْدَكَ (2) :
قَدْ كَتَمْتُ الحبَّ حَتَّى شفَّنِي ... وَإِذَا مَا كُتِمَ الدَّاء قَتَلْ
بَيْنَ عَيْنَيْكَ علاَلاتُ الكَرَى ... فَدَعِ النَّومَ لرَبَّاتِ الحَجَلِ
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِ الشَّيْخ أَبِي الفَرَجِ كرَّاسَة فِي (تَارِيخ الإِسْلاَم) .
وَقَدْ نَالَتْهُ مِحْنَة فِي أَوَاخِرِ عُمُره، وَوَشَوْا بِهِ إِلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر عَنْهُ بِأَمر اخْتُلف فِي حَقِيْقته، فَجَاءَ مَنْ شَتَمَه، وَأَهَانه، وَأَخَذَه قبضاً بِاليد، وَختم عَلَى دَاره، وَشتّت عيَاله، ثُمَّ أُقعد فِي سَفِيْنَة إِلَى مدينَة وَاسِط، فَحُبس بِهَا فِي بَيْتٍ حرجٍ، وَبَقِيَ هُوَ يغسل ثَوْبه، وَيطبخ الشَّيْء، فَبقِي عَلَى ذَلِكَ خَمْس سِنِيْنَ مَا دَخَلَ فِيْهَا حَمَّاماً.
قَامَ عَلَيْهِ الرُّكْن عَبْدُ السَّلاَّم بن عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَكَانَ ابْنُ الجَوْزِيِّ لاَ يُنْصِف الشَّيْخَ عَبْد القَادِرِ،
__________
(1) قال سبطه معلقا على هذه الحكاية وهذا البيت: (قلت: وهذا البيت يقتضي المدح لهم لأنه شبههم بالهوى العذري وكذا العذيب وقصور بابل كلها أماكن ممدوحة، وإنما يقال جنس المعنى من نظائر هذا البيت:
أتظهرون: نهارا بين أظهرنا * أما نهاكم سليمان بن داود
(2) يعني: ثم أنشد هذين البيتين.(21/376)
وَيَغضّ مِنْ قدره، فَأَبغضه أَوْلاَده، وَوزر صَاحِبهُم ابْنُ القَصَّاب، وَقَدْ كَانَ الرُّكْن رَدِيء الْمُعْتَقد، متفلسفاً، فَأُحرقت كتبه بِإِشَارَة ابْن الجَوْزِيّ، وَأُخِذت مَدْرَسَتهُم، فَأُعْطيت لابْنِ الجَوْزِيّ، فَانسمّ الرُّكْن، وَقَدْ كَانَ ابْن القَصَّاب الوَزِيْر يَترفّض، فَأَتَاهُ الرُّكْن، وَقَالَ: أَيْنَ أَنْتَ عَنِ ابْن الجَوْزِيّ النَّاصِبِيِّ؟ -وَهُوَ أَيْضاً مِنْ أَوْلاَد أَبِي بَكْرٍ- فَصرَّف الرُّكْنَ فِي الشَّيْخ، فَجَاءَ، وَأَهَانه، وَأَخَذَهُ مَعَهُ فِي مركب، وَعَلَى الشَّيْخ غلاَلَةٌ بِلاَ سرَاويل، وَعَلَى رَأْسه تخفِيفَة، وَقَدْ كَانَ نَاظر وَاسِط، شِيْعِيّاً أَيْضاً، فَقَالَ لَهُ الرُّكْن: مكّنِّي مِنْ هَذَا الفَاعِل لأَرمِيه فِي مطمورَة.
فَزجره، وَقَالَ: يَا زِنْدِيْق، أَفْعَل هَذَا بِمُجَرَّد قَوْلك؟ هَاتِ خطّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، وَاللهِ لَوْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِي، لبذلت روحِي فِي خِدْمَته.
فَردَّ الرُّكْنُ إِلَى بَغْدَادَ.
وَكَانَ السَّبَبُ فِي خَلاَص الشَّيْخ: أَن وَلده يُوْسُف نشَأَ وَاشْتَغَل، وَعَمِلَ فِي هذَة المُدَّة الْوَعْظ وَهُوَ صَبِيّ، وَتوصّل حَتَّى شفعت أُمُّ الخلِيفة، وَأَطلقت الشَّيْخ، وَأَتَى إِلَيْهِ ابْنه يُوْسُف، فَخَرَجَ، وَمَا ردّ مِنْ وَاسِط حَتَّى قرَأَ هُوَ وَابْنه بِتَلْقِينِهِ بِالعشر عَلَى ابْنُ البَاقِلاَّنِيّ، وَسنّ الشَّيْخ نَحْو الثَّمَانِيْنَ، فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الهِمَّة العَالِيَة.
نَقَلَ هَذَا: الحَافِظ ابْن نُقْطَةَ، عَنِ القَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ (1) .
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ فِي تَأْلِيْف لَهُ: كَانَ ابْن الجَوْزِيّ لطيف الصّورَة، حُلْو الشَّمَائِل، رَخِيم النّغمَة، مَوْزُون الحَرَكَات وَالنّغمَات، لذِيذ المفَاكهة، يَحضر مَجْلِسه مائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُوْنَ، لاَ يَضيّع مِنْ زَمَانه شَيْئاً، يَكتب فِي اليَوْمِ أَرْبَع كَرَارِيْس، وَلَهُ فِي كُلِّ علم مشَاركَة، لَكنّه كَانَ فِي التَّفْسِيْر مِنَ الأَعيَان، وَفِي الحَدِيْثِ مِنَ الحُفَّاظِ، وَفِي التَّارِيْخ مِنَ المتوسّعين، وَلَدَيْهِ فَقه كَاف، وَأَمَّا السّجع الوعظِيّ، فَلَهُ فِيْهِ ملكَة قويّة، وَلَهُ
__________
(1) انظر (التقييد) ، الورقة: 141(21/377)
فِي الطِّبّ كِتَابُ (اللقط) مُجَلَّدَان.
قَالَ: وَكَانَ يُرَاعِي حِفْظ صحّته، وَتلطيف مِزَاجه، وَمَا يُفِيد عَقْله قُوَّة، وَذهنه حدَّة.
جلّ غذَائِهِ الفرَارِيج وَالمزَاوير، وَيَعتَاض عَنِ الفَاكهة بِالأَشرِبَة وَالمعجونَات، وَلباسه أَفْضَل لِبَاس: الأَبيض النَّاعم المطيّب، وَلَهُ ذِهْن وَقَّاد، وَجَوَاب حَاضِر، وَمجُوْن وَمدَاعبَة حلوَة، وَلاَ يَنفكّ مِنْ جَارِيَة حسنَاء، قَرَأْت بِخَطِّ مُحَمَّد بن عَبْدِ الجَلِيْلِ الموقَانِيّ (1) : أَنَّ ابْنَ الجَوْزِيّ شَرِبَ البَلاَذُر، فَسَقَطت لِحْيته، فَكَانَتْ قصِيْرَة جِدّاً، وَكَانَ يَخضبهَا بِالسَّوَاد إِلَى أَنْ مَاتَ.
قَالَ: وَكَانَ كَثِيْرَ الغَلَطِ فِيمَا يُصنّفه، فَإِنَّهُ كَانَ يَفرغ مِنَ الكِتَاب وَلاَ يَعتبره.
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ لَهُ أَوهَام وَأَلوَان مِنْ ترك المرَاجعَة، وَأَخَذَ العِلْم مِنْ صحف، وَصَنَّفَ شَيْئاً لَوْ عَاشَ عُمراً ثَانِياً، لَمَا لحق أَنْ يُحرّره وَيُتقنه.
قَالَ سِبْطه (2) : جلس جَدِّي تَحْت تربَة أُمّ الخلِيفة عِنْد مَعْرُوف الكَرْخِيّ، وَكُنْت حَاضِراً، فَأَنْشَدَ أَبيَاتاً، قطع عَلَيْهَا المَجْلِس، وَهِيَ:
الله أَسْأَلُ أَنْ يُطَوِّلَ مُدَّتِي ... لأَنَالَ بِالإِنعَامِ مَا فِي نِيَّتِي (3)
__________
(1) في الأصل (الموفاني) وهم من الناسخ.
ومحمد بن عبد الجليل الموقاني هذا ترجم له الذهبي في وفيات سنة 664 من (تاريخ الإسلام) ، وقال: (وكتب بخطه الكثير من الحديث والآداب..وله مجاميع مفيدة) (الورقة: 263 - 264 أيا صوفيا 3013) وانظر: (العبر) : 5 / 278 و (شذرات) ابن العماد: 5 / 27 والذي نعرفه عن الموقاني هذا أنه لم يعرف له تأليف والظاهر أن الذهبي كان ينقل من مجاميعه لذلك يقول (قرأت بخط) كما هو هنا وكما هو في الورقة: 6 من مجلد أيا صوفيا 3011.
وقال الصلاح الصفدي: (وكتب وحدث، وكان يشتري الكتب النفيسة للانتفاع والمتجر، وكانت له معرفة ويقظة) (الوافي) : 3 / 216.
(2) (المرآة) : 8 / 499 - 502.
(3) لم يرد في المطبوع من (المرآة) غير هذا البيت، وهذا يقوي الرأي بأن المطبوع باسم =(21/378)
لِي هِمَّةٌ فِي العِلْمِ مَا إِنْ مِثْلُهَا ... وَهِيَ الَّتِي جَنَتِ النُّحُوْلَ هِيَ الَّتِي
خُلِقَتْ مِنَ العلْقِ العَظِيْمِ إِلَى المُنَى ... دُعِيَتْ إِلَى نَيْلِ الكَمَالِ فَلبَّتِ
كَمْ كَانَ لِي مِنْ مَجْلِسٍ لَوْ شُبِّهَتْ ... حَالاَتُه لَتَشَبَّهَتْ بِالجَنَّةِ
أَشتَاقُهُ لَمَّا مَضَتْ أَيَّامُهُ ... عُطْلاً وَتُعذَرُ نَاقَةٌ إِن حَنَّتِ
يَا هَلْ لِليلاَتٍ بِجَمْعٍ عَوْدَةٌ*؟ ... أَمْ هَلْ عَلَى وَادِي مِنَىً مِنْ نَظرَةِ؟
قَدْ كَانَ أَحلَى مِنْ تَصَارِيفِ الصَّبَا ... وَمِنَ الحَمَامِ مُغَنِّياً فِي الأَيكَةِ
فِيْهِ البَدِيْهَاتُ الَّتِي مَا نَالهَا ... خلقٌ بِغَيْرِ مُخَمَّرٍ وَمُبَيَّتِ
فِي أَبيَات.
وَنَزَلَ، فَمَرِضَ خَمْسَة أَيَّام، وَتُوُفِّيَ لَيْلَة الجُمُعَة، بَيْنَ العِشَاءيْنِ، الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي دَارِهِ بقَطُفْتَا.
وَحكت لِي أُمِّي أَنَّهَا سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ قَبْل مَوْته: أَيش أَعمل بطوَاويس؟ - يُرَدِّدهَا- قَدْ جبتُم لِي هَذِهِ الطّوَاويس.
وَحضر غسله شَيْخنَا ابْن سُكَيْنَة وَقت السّحر، وَغلّقت الأَسواق، وَجَاءَ الْخلق، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو القَاسِمِ عليّ اتفَاقاً، لأَنَّ الأَعيَان لَمْ يَقدرُوا مِنَ الوُصُوْل إِلَيْهِ، ثُمَّ ذهبُوا بِهِ إِلَى جَامِع المَنْصُوْر، فَصلُّوا عَلَيْهِ، وَضَاق بِالنَّاسِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، فَلَمْ يَصل إِلَى حفرته بِمَقْبَرَة أَحْمَد إِلَى وَقت صَلاَة الجُمُعَة، وَكَانَ فِي تَمُّوْز، وَأَفطر خلق، وَرَمَوا نُفُوْسهُم فِي المَاء ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَمَا وَصل إِلَى حفرته مِنَ الْكَفَن إِلاَّ قَلِيْل- كَذَا قَالَ- وَالعهدَة عَلَيْهِ (1) ، وَأُنْزِل فِي الحُفْرَة، وَالمُؤَذِّن يَقُوْلُ: الله أَكْبَر، وَحزن عَلَيْهِ الْخلق،
__________
= المجلد الثامن من (المرآة) انما هو مختصره، أو أن أحدهم حذف منه.
وقد أورد الذهبي في (تاريخ الإسلام) بعضها وهي ثلاثة أبيات: الأول والثاني والرابع (الورقة: 231 أحمد الثالث 2917 / 14) .
وأوردها ابن رجب كاملة: 1 / 428 وهي أحد عشر بيتا.
(1) وقال في (تاريخ الإسلام) : (وهذا من مجازفة أبي المظفر) وقد وصف الذهبي =(21/379)
وَبَاتُوا عِنْد قَبْره طول شَهْر رَمَضَان يَخْتِمُوْنَ الختمَات، بِالشّمع وَالقَنَادِيْل، وَرَآهُ فِي تِلْكَ الليَلة المُحَدِّث أَحْمَد بن سَلْمَانَ السُّكَّرُ (1) فِي النَّوْمِ، وَهُوَ عَلَى مِنْبَر مَنْ يَاقُوْت، وَهُوَ جَالِس فِي مَقْعَد صدق وَالمَلاَئِكَة بَيْنَ يَدَيْهِ (2) .
وَأَصْبَحنَا يَوْم السَّبْت عَملنَا العزَاء، وَتَكلّمت فِيْهِ، وَحضر خلق عَظِيْم، وَعملت فِيْهِ المرَاثِي (3) ، وَمِنَ العَجَائِب أَنَا كُنَّا بَعْد انْقَضَاء العزَاء يَوْم السَّبْت عِنْد قَبْره، وَإِذَا بِخَالِي مُحْيِي الدِّيْنِ قَدْ صعد مِنَ الشّطّ، وَخلفه تَابوت، فَقُلْنَا: نَرَى مَنْ مَاتَ، وَإِذَا بِهَا خَاتُوْن أُمّ مُحْيِي الدِّيْنِ، وَعهدِي بِهَا لَيْلَة وَفَاة جَدِّي فِي عَافِيَة، فَعد النَّاس هَذَا مِنْ كرامَاته، لأَنَّه كَانَ مغرَىً بِهَا.
وَأَوْصَى جدّه أَنْ يُكتب عَلَى قَبْرَه:
يَا كَثِيْرَ العَفْوِ عَمَّنْ ... كَثُرَ الذَّنْبُ لَدَيْهِ
جَاءكَ المُذْنِبُ يَرْجُو الـ ... ـصَّفْحَ عَنْ جُرْمِ يَدَيْهِ
أَنَا ضَيْفٌ، وَجزَاءُ الـ ... ـضَّيْفِ إِحْسَانٌ إِلَيْهِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ (4) بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّق الدِّيْنِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بن عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الوَزَّان، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الأَزْدِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
__________
= السبط بالمجازفة في غير موضع من كتبه.
(1) توفي سنة 601.
(2) تمام الخبر: والحق سبحانه حاضر يسمع كلامه.
(3) لم يقل السبط (وعملت فيه المراثي) لكنه أورد قصيدة في رثائه للناصر العلوي الموسوي من أهل مشهد موسى بن جعفر عليهما السلام، وهي المعروفة بالكاظمية.
(4) عماد الدين أبو محمد عبد الحافظ بن بدران بن شبل بن طرخان النابلسي الحنبلي الزاهد شيخ الذهبي المتوفى سنة 98 ذكره الذهبي في (معجم شيوخه) : 1 / الورقة: 70، وفي وفيات سنة 698 من (تاريخ الإسلام) (أيا صوفيا 3014) .(21/380)
المَدِيْنِيّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ الحِمْصِيّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيْلَةَ وَالفَضِيْلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوْداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) (1) .
وَأَنْبَأَنَاهُ عَلِيّاً بدَرَجَات: عَبْد الرَّحْمَانِ (2) بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ البَلَدِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ مِثْله، لَكِن زَادَ فِيْهِ:
(إِلاَّ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ) ، فَكَأنَّ شَيْخِي سَمِعَهُ مِنْ أَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ الإِسْمَاعِيْلِيّ الفَقِيْه.
وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بنُ طَرْخَان، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّق الدِّيْنِ، قَالَ:
ابْنُ الجَوْزِيِّ إِمَام أَهْل عصره فِي الْوَعْظ، وَصَنَّفَ فِي فُنُوْن العِلْم تَصَانِيْف حَسَنَة، وَكَانَ صَاحِبَ فُنُوْن، كَانَ يَصَنّف فِي الفِقْه، وَيدرّس، وَكَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، إِلاَّ أَننَا لَمْ نَرض تَصَانِيْفه فِي السُّنَّةِ، وَلاَ طرِيقته فِيْهَا، وَكَانَتِ العَامَّة يُعظّمونه، وَكَانَتْ تَنْفلتُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الأَوقَات كَلِمَات تُنكر عَلَيْهِ فِي السُّنَّةِ، فَيُستفتَى عَلَيْهِ فِيْهَا، وَيَضيق صَدْره مِنْ أَجَلهَا.
__________
(1) قال شعيب: إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 2 / 77 و78 في الاذان: باب الدعاء عند النداء، و8 / 303 في تفسير سورة الاسراء: باب (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) من طريق علي بن عياش بهذا الإسناد، وأخرجه أبو داود (529) ، والترمذي (211) ، وابن ماجه (722) من طرق عن علي بن عياش به، والمقام المحمود: هو الشفاعة يوم القيامة، لان الخلائق يحمدون ذلك المقام.
(2) هو عبد الرحمان بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي، قاضي القضاة شمس الدين أبو الفرج (682 597) ذكره الذهبي في (معجم شيوخه) : 1 / الورقة: 76، وفي سنة وفاته من (تاريخ الإسلام) (أيا صوفيا: 3014) .(21/381)
وَقَالَ الحَافِظُ سَيْف الدِّيْنِ ابْن المَجْدِ (1) : هُوَ كَثِيْر الوَهْمِ جِدّاً، فَإِنَّ فِي (مَشْيَخته) مَعَ صغرهَا أَوْهَاماً: قَالَ فِي حَدِيْث: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى، عَنِ الفَضْلِ بنِ هِشَامٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَإِنَّمَا هُوَ: عَنِ الفَضْلِ بنِ مُسَاوِر، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ.
وَقَالَ فِي آخَرَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْر، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَبَينَهُمَا أَبُو النَّضْرِ، فَأَسقطه.
وَقَالَ فِي حَدِيْث: أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَم، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ.
وَقَالَ فِي آخَرَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنِ الأُوَيْسِيّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ فِي آخَرَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِنَّمَا هُوَ: حَدَّثَنَا حَاتِم.
وَفِي آخَرَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُشَارِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ: أَبُو طَالِبٍ.
وَقَالَ: حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَفَّانَ بن كَاهِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ: هِصَّان (2) بن كَاهِلٍ.
وَقَالَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ: آدَم.
وَفِي وَفَاةِ يَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَابْن خُضَيْرٍ، وَابْن المُقَرّبِ ذكر مَا خُولِفَ فِيْهِ (3) .
قُلْتُ: هذَة عُيُوب وَحشَة فِي جُزْءيْنِ.
قَالَ السَّيْف: سَمِعْتُ ابْنَ نُقْطَةَ يَقُوْلُ:
قِيْلَ لابْنِ الأَخْضَرِ: أَلاَ تُجيب عَنْ بَعْض أَوهَام ابْن الجَوْزِيّ؟
قَالَ: إِنَّمَا يُتَتَبَّع عَلَى مَنْ قلّ غَلَطه، فَأَمَّا هَذَا، فَأَوْهَامُهُ كَثِيْرَة.
__________
(1) كان السيف هذا من الحفاظ المتيقظين الأذكياء مع أنه لم يعش غير ثمان وثلاثين سنة (605 - 643 هـ) .
(2) بكسر الهاء وتشديد الصاد المهملة وفتحها، قيده المزي في (تهذيب الكمال) وابن حجر في (التقريب) ، والذهبي وغيرهم، ويقال فيه: ابن كاهن - بالنون أيضا.
(3) وهؤلاء الثلاثة من شيوخه.(21/382)
ثُمَّ قَالَ السَّيْفُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُعتَمَدُ عَلَيْهِ فِي دِيْنِهِ وَعِلْمِهِ وَعَقْلِهِ رَاضياً عَنْهُ.
قُلْتُ: إِذَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلاَ اعْتِبَار بِهِم.
قَالَ: وَقَالَ جَدِّي (1) : كَانَ أَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ حَمْدِيٍّ يُنكر عَلَى أَبِي الفَرَجِ كَثِيْراً كَلِمَات يُخَالِف فِيْهَا السُّنَّة.
قَالَ السَّيْف: وَعَاتَبَه أَبُو الفَتْحِ ابْنُ المَنِّيِّ فِي أَشيَاء، وَلَمَّا بَان تَخْلِيطه أَخيراً، رَجَعَ عَنْهُ أَعيَان أَصْحَابنَا وَأَصْحَابه.
وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ العَلْثِيّ يُكَاتِبهُ، وَيُنْكِر عَلَيْهِ.
أَنْبَأَنِي أَبُو مَعْتُوْقٍ مَحْفُوْظ بن مَعْتُوْق ابْن البُزُوْرِيّ فِي (تَارِيْخِهِ) فِي تَرْجَمَة ابْن الجَوْزِيّ يَقُوْلُ:
فَأَصْبَح فِي مَذْهَبِهِ إِمَام يُشَار إِلَيْهِ، وَيَعقد الخنصرُ فِي وَقْتِهِ عَلَيْهِ، درّس بِمَدْرَسَة ابْن الشّمحل (2) ، وَبمَدْرَسَة الجهَة بَنَفْشَا (3) ، وَبمَدْرَسَة الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ (4) ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ مدرسَة بِدَرْب دِيْنَار (5) ، وَوَقَفَ
__________
(1) يعني جد السيف ابن المجد، وهو موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي العلامة المشهور.
(2) قال ابن الجوزي في ترجمة أبي حكيم إبراهيم بن دينار النهرواني من (المنتظم) .
10 / 201) : (وأعطي المدرسة التي بناها ابن الشمحل بالمأمونية وأعدت درسه فبقي نحو شهرين فيها وسلمت بعده إلي فجلست فيها للتدريس، وله مدرسة بباب الازج كان مقيما بها فلما احتضر أسندها إلي) وتوفي أبو حكيم هذا سنة 556 كما هو مشهور.
(3) ابتدأ التدريس بها في يوم الخميس الخامس والعشرين من شعبان سنة 570 (انظر التفاصيل في (المنتظم) : 10 / 252 - 253.
و (بنفشا) هذه هي حظية الخليفة المستضئ وتكتب أيضا (بنفشة)) .
(4) تسلمها ابن الجوزي بعد حرق كتب عبد السلام ابن الشيخ عبد القادر على عهد الوزير ابن يونس، وهي قصة مشهورة.
(5) درس فيها في الثالث من محرم سنة 570 (" المنتظم ": 10 / 250)(21/383)
عَلَيْهَا كتبه، بَرَعَ فِي العلُوْم، وَتَفَرَّد بِالمَنْثُوْر وَالمنظوم، وَفَاق عَلَى أُدبَاء مصره، وَعلاَ عَلَى فُضلاَء عصره، تَصَانِيْفه تَزِيد عَلَى ثَلاَث مائَة وَأَرْبَعِيْنَ مُصَنّفاً، مَا بَيْنَ عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً إِلَى كرَّاس، وَمَا أَظَنّ الزَّمَان يَسمح بِمِثْلِهِ، وَلَهُ كِتَاب (الْمُنْتَظِم) ، وَكِتَابُنَا ذَيْلٌ عَلَيْهِ.
قَالَ سِبْطه أَبُو المُظَفَّرِ (1) : خَلَّفَ مِنَ الوَلَدِ عَلِيّاً، وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ مُصَنَّفَات وَالِده، وَبَاعهَا بيع العبيد، وَلِمَنْ يَزِيْد، وَلَمَّا أُحْدِر وَالِده إِلَى وَاسِط، تَحَيّل عَلَى الكُتُب بِاللَّيْلِ، وَأَخَذَ مِنْهَا مَا أَرَادَ، وَبَاعهَا وَلاَ بِثمن المدَاد، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ هَجره مُنْذُ سِنِيْنَ، فَلَمَّا امْتحن، صَارَ أَلَباً عَلَيْهِ (2) .
وَخلّف يُوْسُف مُحْيِي الدِّيْنِ، فَولِي حسبَة بَغْدَاد فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَترسّل عَنِ الخُلَفَاء، إِلَى أَنْ وَلِي فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ أُسْتَاذ دَارِية الخِلاَفَة (3) .
وَكَانَ لجدِّي وَلد، أَكْبَرُ أَوْلاَده اسْمه عَبْد العَزِيْزِ، سَمَّعَهُ مِنَ الأُرْمَوِيّ وَابْن نَاصِر، ثُمَّ سَافر إِلَى المَوْصِل، فَوَعَظ بِهَا، وَبِهَا مَاتَ شَابّاً (4) ، وَكَانَ لَهُ بنَات: رَابِعَةُ أُمِّي، وَشَرَف النِّسَاءِ، وَزَيْنَب، وَجَوْهَرَة، وَسِتّ العُلَمَاءِ الصّغِيرَة.
193 - لُؤْلُؤٌ العَادِلِيُّ *
الحَاجِبُ، مِنْ أَبْطَالِ الإِسْلاَمِ، وَهُوَ كَانَ المَنْدُوْبُ لِحَرْبِ فِرنج الكَرَك الَّذِيْنَ سَارُوا لأَخْذِ طيبَة، أَوْ فِرنج سِوَاهُم سَارُوا فِي البَحْر المَالح، فَلَمْ يَسِرْ
__________
(1) (المرآة) : 8 / 502 - 503.
(2) ومات سنة 630 كما ذكر المؤرخون.
(3) قتله هولاكو صبرا عند احتلاله بغداد وتدميره لها سنة 656.
(4) سنة 554.
(*) ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 249 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 304، والمنذري في التكملة، الترجمة: 650، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 99، وابن العماد في الشذرات: 4 / 336.(21/384)
لُؤْلُؤ إِلاَّ وَمَعَهُ قُيُود بَعْددهُم، فَأَدْرَكهُم عِنْد الْفَحْلَتَيْنِ (1) ، فَأَحَاط بِهِم، فَسلّمُوا نُفُوْسهُم، فَقيّدهُم، وَكَانُوا أَكْثَر مِنْ ثَلاَث مائَة مقَاتل، وَأَقْبَلَ بِهِم إِلَى القَاهِرَة، فَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً.
وَكَانَ (2) شَيْخاً أَرمنِيّاً، مِنْ غلمَان العَاضد، فَخدم مَعَ صَلاَح الدِّيْنِ، وَعُرف بِالشَّجَاعَة وَالإِقدَام، وَفِي آخِرِ أَيَّامه أَقْبَل عَلَى الخَيْر وَالإِنفَاق فِي زَمَنِ قَحط مِصْر، وَكَانَ يَتَصَدَّق فِي كُلِّ يَوْم بِاثْنَيْ عشرَ أَلف رَغِيْف مَعَ عِدَّة قُدُور مِنَ الطَّعَام.
وَقِيْلَ: إِنَّ الملاعِين (3) التجؤُوا مِنْهُ إِلَى جبل، فَترَجَّل، وَصعد إِلَيْهِم فِي تِسْعَة أَجنَاد، فَأَلقَى فِي قُلُوْبهم الرّعب، وَطَلَبُوا مِنْهُ الأَمَان، وَقُتلُوا بِمِصْرَ، تَولَّى قتلهُم العُلَمَاء وَالصَّالِحُوْنَ.
تُوُفِّيَ لُؤْلُؤ -رَحِمَهُ الله-: بِمِصْرَ، فِي صَفَرٍ، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
194 - حَمَّادُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ حَمَّادِ بنِ الفَضْلِ الحَرَّانِيُّ * (4)
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو الثَنَاءِ
__________
(1) ياقوت: (معجم البلدان) : 3 / 854
(2) نقل الذهبي هذا الكلام عن عبد اللطيف البغدادي كما نص على ذلك في (تاريخ الإسلام) .
(3) هنا عاد المؤلف إلى الكلام على الصليبيين الذين أرادوا احتلال المدينة المنورة.
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 90، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 38 (باريس 5922) ، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 511، والمنذري في التكملة، الترجمة: 690، وأبو شامة في الذيل: 29، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 110 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 302، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 51، وابن كثير في البداية: 13 / 33، وابن رجب في الذيل: 1 / 434، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 181، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 98، وابن العماد في الشذرات: 4 / 335، والقنوجي في التاج: 213.
(4) هذا في النسختين و (الذيل) لابن رجب.
وفي (تكملة) المنذري و (الذيل) لابن الدبيثي و (المختصر المحتاج إليه) للذهبي: (فضيل) بالتصغير ولعله هو الاصوب لقول =(21/385)
الحَرَّانِيُّ، التَّاجِرُ، السَّفَّارُ.
رَحل إِلَى مِصْرَ وَالعِرَاق وَخُرَاسَانَ، وَكَتَبَ، وَخَرَّجَ، وَأَفَاد، وَلَهُ نَظْمٌ، وَأَدب، وَسيرَة حمِيدَة.
رَوَى عَنْ: إِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ -وَهُوَ أَكْبَر شُيُوْخه- وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَسَعِيْد ابْن البَنَّاءِ، وَأَبِي النَّضْرِ الفَامِيّ، وَسَالِم بن عَبْدِ اللهِ العُمَرِيّ، وَعَبْد السَّلاَّم بن أَحْمَدَ الإِسكَاف، وَابْن رِفَاعَةَ، وَالسِّلَفِيّ، وَابْن البَطِّيِّ، وَخَلْق.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُلَيْمِيّ، وَابْن أُخْته؛ مُحَمَّد بن عِمَاد، وَالتَّاج ابْن أَبِي جَعْفَرٍ، وَطَائِفَة.
وَأَجَازَ: لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
وَكَانَ لَهُ عَمل جَيِّد فِي الحَدِيْثِ.
قَالَ ابْن النَّجَّارِ: قَرَأْت بِخَطِّ حَمَّاد الحَرَّانِيّ: مَوْلِدِي بَعْد سِتِّيْنَ يَوْماً مِنْ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ بِحَرَّانَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَحْمَد بن تَزمش الخَيَّاط، وَأَسَعْد بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي غَانِم الثَّقَفِيّ الفَقِيْه أَخُو زَاهِر، عَنْ ثَلاَث وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَأَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ، وَالمُحَدِّثُ الشَّرِيْف جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ العَبَّاسِيّ شَابّاً، وَسَعْد بن طَاهِرٍ المزدقَانِيّ الأَمِيْر، وَأَبُو بَحْرٍ صَفْوَان بن إِدْرِيْسَ المُرْسِيّ الكَاتِب أَحَد البلغَاء الكِبَار، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي المَجْدِ الحَرْبِيّ رَاوِي (المُسْنَد) ، وَالقَاضِي عَبْد الرَّحْمَانِ بن أَحْمَدَ ابْنِ العُمَرِيِّ عَنْ بِضْع وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَزَيْن القُضَاةِ عَبْد
__________
= المنذري في نسبه بعد ذلك (الفضيلي) ، علما بأنه قد كتب بالاجازة للمنذري من حران في رجب سنة 596.(21/386)
الرَّحْمَانِ بن سُلْطَان القُرَشِيّ الزكوِيّ، وَعَبْد الرَّحِيْمِ بن أَبِي القَاسِمِ الجُرْجَانِيّ الشَّعْرِيّ أَخُو زَيْنَب، وَخَطِيْب دِمَشْق ضِيَاء الدِّيْنِ الدَّوْلَعِيّ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ يَعِيْش البَغْدَادِيّ، وَقَاضِي القُضَاةِ مُحْيِي الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّد بن الزَّكِيِّ، وَأَبُو الهمَامِ مَحْمُوْد بن عَبْدِ المُنْعِمِ التَّمِيْمِيّ، وَهِبَة اللهِ بن الحَسَنِ ابْنِ السِّبْطِ، وَأَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ البُوصِيْرِيّ.
195 - الشِّهَابُ الطُّوْسِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، شِهَابُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخُرَاسَانِيُّ، الطُّوْسِيُّ، صَاحِبُ الفَقِيْهِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَعَظُمَ قَدْرُهُ، وَصَاهر قَاضِي القُضَاةِ أَبَا البَرَكَاتِ ابْنَ الثَّقَفِيِّ، ثُمَّ حَجَّ، وَأَتَى مِصْر سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَنَزَلَ بِالخَانقَاه (1) ، وَتردّد إِلَيْهِ الفُقَهَاء.
__________
(*) ترجم له سبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 475، والمنذري في التكملة، الترجمة: 551، وأبو شامة في الروضتين: 2 / 240، والذيل: 18، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 90 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 294، والصفدي في الوافي: 5 / 9، وابن نباتة في الاكتفاء، الورقة: 100، والسبكي في الطبقات: 6 / 396، وابن كثير في البداية: 13 / 24، وابن الملقن في العقد المذهب، الورقة: 73، والغساني في العسجد، الورقة: 104، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 245، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 159، والسخاوي في الألقاب، الورقة: 87، وابن عبد الهادي في معجم الشافعية، الورقة: 59 والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 189، وابن العماد في الشذرات: 4 / 327 وغيرهم.
(1) يعني خانقاه سعيد السعداء بالقاهرة.(21/387)
وَرَوَى عَنْهُ: الإِمَام بَهَاء الدِّيْنِ ابْن الجُمَّيْزِيِّ، وَشِهَاب الدِّيْنِ القُوْصِيّ.
ثُمَّ درّس بِمَنَازِل العِزّ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، وَكَانَ جَامِعاً لِلْفنُوْن، غَيْر مُحتفلٍ بِأَبْنَاء الدُّنْيَا، وَعظ بِجَامِع مِصْر مُدَّة (1) .
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ (2) : قِيْلَ: إِنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ، فَكَانَ يَرْكُب بِالسّنجق وَالسُّيوف المسلّلَة وَالغَاشيَة وَالطّوق فِي عُنُق البَغْلَة، فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَسَافر إِلَى مِصْرَ، وَوعظ، وَأَظهر مَقَالَة الأَشْعَرِيّ، فَثَارت الحنَابلة، وَكَانَ يَجرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْن الدِّيْنِ ابْن نُجَيَّةَ كَبِيْرهُم العَجَائِب وَالسّبُّ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّمَا أَفْضَلُ دَم الحُسَيْن، أَوْ دَم الحَلاَّجِ؟
فَاسْتعظم ذَلِكَ، قَالُوا: فَدم الحَلاَّج كتب عَلَى الأَرْضِ: الله، الله، وَلاَ كَذَلِكَ دَمُ الحُسَيْن؟!
قَالَ: المتَّهم يَحتَاج إِلَى تَزكية!
قُلْتُ: لَمْ يَصحَّ هَذَا عَنْ دَم الحَلاَّج، وَليسَا سَوَاء: فَالحُسَيْن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- شَهِيد قُتِلَ بِسيف أَهْل الشَّرّ، وَالحَلاَّج فَقُتل عَلَى الزَّنْدَقَة، بِسيف أَهْل الشّرع.
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: كَانَ طُوَالاً، مَهِيْباً، مِقْدَاماً، سَادّ الجَوَاب فِي المحَافل، أَقْبَل عَلَيْهِ تَقِيّ الدِّيْنِ عُمَر، وَبَنَى لَهُ مَدْرَسَة، وَكَانَ يُلقِي الدّرس مِنْ كِتَاب، وَكَانَ يَرتَاعه كُلّ أَحَد، وَهُوَ يَرتَاع مِنَ الخُبُوْشَانِيّ، وَيَتضَاءل لَهُ، وَكَانَ يَحمق بظرَافَة، وَيَتيه عَلَى المُلُوْك بلباقَة، وَيُخَاطب الفُقَهَاء بصرَامَة، عرض لَهُ جُدَرِيّ بَعْد الثَّمَانِيْنَ عَمّ جَسَده، وَجَاءَ يَوْم عيد،
__________
(1) ذكر الزكي المنذري في (التكملة) أنه شاهده يعظ بهذا الجامع.
(2) (الذيل على الروضتين) : 18(21/388)
وَالسُّلْطَان بِالمَيْدَان، فَأَقْبَل الطُّوْسِيّ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُنَادٍ يُنَادِي: هَذَا ملك العُلَمَاء، وَالغَاشيَة عَلَى الأَصَابع، فَإِذَا رَآهَا المُجَّان، قرَأَوا: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيْثُ الغَاشِيَةِ} [الغَاشِيَةُ: 1] فَتفرّق الأُمَرَاء غَيظاً مِنْهُ.
وَجَرَى لَهُ مَعَ العَادل وَمَعَ ابْن شكر قضَايَا عَجِيْبَة، لما تَعرضُوا لأَوقَاف المدَارس، فَذبّ عَنِ النَّاس، وَثبت.
قَالَ ابْن النَّجَّارِ: مَاتَ بِمِصْرَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَحمله أَوْلاَد السُّلْطَان عَلَى رِقَابِهِم -رَحِمَهُ الله-.
196 - السَّدِيْدُ أَبُو المَنْصُوْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ دَاوُدَ بنِ مُبَارَكٍ *
إِمَامُ الطِّبِّ، بقرَاطُ العَصْرِ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو المَنْصُوْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ دَاوُدَ بنِ مُبَارَكٍ.
أَخَذَ الفنّ عَنْ: أَبِيْهِ الشَّيْخ السَّدِيْد (1) ، وَعدلاَنَ بن عَيْن زَرْبِيّ.
وَسَمِعَ بِالثَّغْرِ (2) مِنِ ابْنِ عَوْفٍ، وَصَارَ رَئِيْس الأَطبَّاء بِمِصْرَ، وَخدم ملوكهَا (3) ، وَأَخَذَ عَنْهُ الأَطبَّاء، وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا، وَخدم العَاضد صَاحِب مِصْر، وَطَالَ عُمُرُهُ.
أَخَذَ عَنْهُ: شَيْخ الأَطبَّاء النَّفِيْس بن الزُّبَيْرِ، فَرَوَى عَنْهُ: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ أَبِيْهِ عَلَى الْآمِر العُبَيْدِيّ.
وَحَكَى: ابْنُ أَبِي أُصَيْبِعَةَ، عَنْ أَسَعْدِ الدِّيْنِ: أَنَّ السَّديْد حَصَلَ لَهُ فِي نَهَار
__________
(*) ترجم له ابن أبي أصيبعة في عيون الانباء: 2 / 109، والذهبي في العبر: 4 / 279، وابن العماد في الشذرات: 4 / 309.
(1) وقد غلب على شرف الدين أبي منصور هذا لقب أبيه (السديد) فعرف به أيضا.
(2) يعني الإسكندرية.
(3) من الآمر بأحكام الله إلى العاضد آخرهم.(21/389)
ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ خَتَنَ وَلَدَيِ الحَافِظ لِدِيْنِ اللهِ، فَحصَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ نَحْو خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَار.
وَكَانَ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ يَحترمه، وَيَعتمد عَلَى طبّه.
مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: اسْمه دَاوُد.
197 - البُوْصِيْرِيُّ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ سُعُوْدٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّة، أَمِيْن الدِّيْنِ، أَبُو القَاسِمِ سَيِّدُ الأَهْلِ، هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ سعُوْدِ بنِ ثَابِتِ بنِ هَاشِمِ بنِ غَالِبٍ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، المُنَسْتِيْريُّ (1) الأَصْلِ، البُوْصِيْرِيُّ (2) ،
__________
(*) ترجم له ياقوت في (بوصير) من معجم البلدان: 1 / 760، والمنذري في التكملة، الترجمة: 647، وابن خلكان في الوفيات: 6 / 67، وأبو الفداء في تاريخه: 3 / 107، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 116 (باريس، 1582) ، والعبر: 4 / 306، ودول الإسلام: 2 / 79، والفاسي في ذيل التقييد، الورقة: 259، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 276، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 182، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 176، وابن العماد في الشذرات: 4 / 338، وابن الغزي في ديوان الإسلام، الورقة: 21 وغيرهم.
(1) منسوب إلى (المنستير) بضم الميم وفتح النون وسكون السين المهملة وكسر التاء ثالث الحروف، موضع بين المهدية وسوسة بإفريقية كما في معجم البلدان ووفيات ابن خلكان وغيرهما، ولكن قال ياقوت في (بوصير) من معجم البلدان: 1 / 760: (كتب إلي أبو الربيع سليمان بن عبد الله التميمي المكي في جواب كتاب كتبته إلى من حلب أسأله عنه (يعني البوصيري) فقال: سألت ابن الشيخ البوصيري عن سلفه ونسبه وأصله وأخبرني أنهم من المغرب من موضع يسمى المنستير، قال: وبالمغرب موضعان يسميان المنستير أحدهما بالاندلس بين لقنت وقرطاجنة في شرق الأندلس والآخر بقرب سوسة من أرض إفريقية بينه وبينها اثنا عشر ميلا، قال: ولم يعرفني والدي من أيهما نحن) .
(2) منسوب إلى بوصير قوريدس من أعمال البهنسا من صعيد مصر كما ذكر المنذري وابن خلكان وغيرهما.(21/390)
المِصْرِيُّ، الأَدِيْبُ، الكَاتِبُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مَعَ السِّلَفِيّ مِنْ: أَبِي صَادِق مُرْشِد بن يَحْيَى المَدِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن بَرَكَات السَّعِيْدِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ ابْنِ الفَرَّاءِ، وَالفَقِيْه سُلْطَان بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ، وَالخفرَة بِنْت فَاتكٍ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الحَطَّابِ الرَّازِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ ابْنُ الفَرَّاءِ.
وَسَمِعَ مِنَ الرَّازِيّ أَيْضاً، وَمِنَ السِّلَفِيّ، وَحَدَّثَ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُفَّاظ: عَبْد الغَنِيِّ، وَابْن المُفَضَّلِ، وَالضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَأَبُو الحَسَنِ السَّخَاوِيّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ ابْنُ الحَافِظِ، وَخَطِيْب مَرْدَا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مَكَارِم، وَأَبُو عَمْرٍو ابْنُ الحَاجِبِ، وَإِسْمَاعِيْل بن عَزُّوْنَ، وَإِسْمَاعِيْل بن صَارم، وَعَبْد اللهِ بن علاق، وَعَبْد الغَنِيِّ بن بَنِينَ، وَعَدَد كَثِيْر.
وَأَجَازَ لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، بَلْ وَأَجَازَ لِمَنْ أَدْرَكَ حيَاته، نَقل ذَلِكَ المُحَدِّث حَسَن بن عَبْدِ البَاقِي الصَّقَلِّيّ فِيمَا قرَأَه بِخَطِّهِ المُحَدِّث أَحْمَد بن الجَوْهَرِيّ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاء: كَانَ قَدْ ثقُلَ سَمْعَهُ، وَكَانَ يَسْمَع بِأُذُنِهِ اليُسْرَى أَجْوَد، وَكَانَ شرساً، شَاهِدته وَشيخنَا عَبْد الغَنِيِّ يَقرَأُ عَلَيْهِ مِنَ البُخَارِيّ حَدِيْث (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ (1)) فَقَالَ: لَيْسَ فِيْهَا (يُحْيِي وَيُمِيْتُ) .
__________
(1) قال شعيب: أخرجه البخاري 2 / 275 في صفة الصلاة: باب الذكر بعد الصلاة، وفي الدعوات: باب الدعاء بعد الصلاة، وفي الرقاق: باب ما يكره من قيل وقال، وفي القدر: باب =(21/391)
تُوُفِّيَ البُوْصِيْرِيُّ، فِي ثَانِي صفر، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
198 - ابْنُ مُوَقَّى عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مَكِّيٍّ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مَكِّيٍّ بنِ حَمْزَةَ بنِ مُوَقَّى بنِ عَلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، السَّعْدِيُّ، الثَّغْرِيُّ، المَالِكِيُّ، التَّاجِرُ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ عَلاَّسٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ (مَشْيَخته) ، وَأَجَازَ لَهُ، وَهُوَ خَاتمَة أَصْحَابه.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ، وَالزَّيْن مُحَمَّد بن أَحْمَدَ ابْنِ النَّحْوِيِّ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ اللَّخْمِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ ابْنِ النَّحَّاسِ، وَأَخُوْهُ؛ مَنْصُوْر، وَجَعْفَر بن تَمَّام، وَالحُسَيْن وَعَبْد اللهِ ابْنَا أَحْمَدَ بنِ خُلَيْد الكِنَانِيّ، وَالحَسَن بن عُثْمَانَ المُحْتَسِب، وَهِبَة اللهِ بن رُوَيْنَ، وَعُثْمَان بن هِبَةِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، وَآخَرُوْنَ، آخِرُهُم: ابْنُ عَوْفٍ.
__________
= لا مانع لما أعطى الله، وفي الاعتصام: باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه، ومسلم (593) في المساجد: باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وأبو داود (1505) ، والنسائي 3 / 70 من حديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ، وقد جاء لفظ (يحيى ويميت) في حديث أبي أيوب عند أحمد 5 / 420: لكن في القول إذا أصبح، وإذا أمسى، وإسناده صحيح.
(*) ترجمه المنذري في التكملة، الترجمة: 722، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 118 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 307، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 183، والسيوطي في حسن المحاضرة: 4 / 307.(21/392)
قَالَ الحَافِظُ عَبْد العَظِيْمِ المُنْذِرِيّ (1) : لَمْ يَزَلْ صَحِيْح السَّمْع وَالبصر وَالجَسَد إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَصدّق مِنْ ثلثه بِأَلف دِيْنَار بَعْد مَوْته.
تُوُفِّيَ: فِي سَلْخِ رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعَة وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قَحْطَبَة الفَرْغَانِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ ابْنُ أُشْنَانَة، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ دَهْبَل بن كَارِهٍ الحَرِيْمِيّ، وَقَاضِي فَاس أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى التَّادَلِيّ الفَاسِيّ، وَعَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عليَّانَ الحَرْبِيّ، وَالوَاعِظ زَيْن الدِّيْنِ عَلِيّ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَجَا الحَنْبَلِيّ بِالشَّارع، وَعَلِيّ بن حَمْزَةَ الكَاتِب بِمِصْرَ، وَعَلِيّ بن خَلَف بن مَعْزُوْز بِالمُنْيَةِ، وَالسُّلْطَان غِيَاث الدِّيْنِ مُحَمَّد بن سَام بن حُسَيْنٍ الغُوْرِيّ، وَقَاضِي القُضَاةِ بِبَغْدَادَ ضِيَاء الدِّيْنِ القَاسِم بن يَحْيَى الشّهروزِيّ ثُمَّ قَاضِي حمَاة، وَالزَّاهِد الكَبِيْر أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرَشِيّ الأَنْدَلُسِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي جَمْرَةَ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ (2) ، وَشِهَاب الدِّيْنِ مُحَمَّد بن يُوْسُفَ الغَزْنَوِيّ بِالقَاهِرَةِ، وَالمُبَارَك ابْن المَعْطُوْشِ، وَمَحْمُوْد بن أَحْمَدَ العَبْدَكَوِيّ، وَمَسْعُوْد بن عَبْدِ اللهِ بنِ غَيْثٍ الدَّقَّاق، وَيُوْسُف بن الطُّفَيْل الدِّمَشْقِيّ.
199 - ابْنُ نُجَيَّةَ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَجَا الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الرَّئِيْسُ الجَلِيْلُ، الوَاعِظُ، الفَقِيْهُ، زَيْنُ الدِّيْنِ، أَبُو
__________
(1) (التكملة) ، الترجمة: 722.
(2) واسمه محمد بن أحمد بن عبد الملك، وسيأتي في الرقم: 202.
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 178، وإكمال الإكمال، الورقة: 63 ظاهرية،(21/393)
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَجَا بنِ غَنَائِمَ الأَنْصَارِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، نَزِيْلُ الشَّارعِ بِمِصْرَ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ نُجَيَّةَ.
وُلِدَ: بِدِمَشْقَ، سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ قُبَيْسٍ المَالِكِيِّ، وَمِنْ خَالِهِ: شَرَفِ الإِسْلاَمِ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الحَنْبَلِيِّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الأَشْقَرِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيِّ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَمَوْهُوْبِ بنِ الجَوَالِيْقِيِّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ (جَامِعَ أَبِي عِيْسَى) مِنْ: عَبْدِ الصَّبُوْرِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الهَرَوِيِّ.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَافِظِ عَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ، وَسَعْدِ الخَيْرِ الأَنْصَارِيِّ، وَتَزَوَّجَ بَابْنتِهِ المُسْنِدَةِ فَاطِمَةَ.
كتب عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ حكَايةً (1) .
وَوعظَ بِجَامِعِ القَرَافَةِ مُدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ البَهَاءِ، وَأَبُو
__________
= وابن الدبيثي في الذيل، وهو تاريخه، الورقة: 18 (باريس 5922) ، وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 147 من مجلد الظاهرية، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 515، والمنذري في التكملة، الترجمة: 742، وأبو شامة في الذيل: 34، وابن الساعي في الجامع: 9 / 110، وابن الصابوني في تكملة إكمال الإكمال: 335، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 119 (باريس، 158) ، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 118، والعبر: 4 / 307، والمشتبه: 112، وابن كثير في البداية: 13 / 34، وابن رجب في الذيل: 1 / 436، والغساني في العسجد، الورقة: 108، وابن ناصر الدين في التوضيح، الورقة: 141 (سوهاج) وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 183، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 264 وغيرهم.
(1) في (معجم شيوخ بغداد) .(21/394)
سُلَيْمَانَ ابْنُ الحَافِظِ، وَالزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ بنُ بَنِينَ، وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ أَيْضاً.
وَبِالإِجَازَةِ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ صدراً، مُحْتَشِماً، نبيلاً، ذَا جَاهٍ، وَرِيَاسَةٍ، وَسُؤْدُدٍ، وَأَمْوَالٍ، وَتَجمُّلٍ وَافرٍ، وَاتِّصَالٍ بِالدَّولةِ.
تَرَسَّلَ لنُوْرِ الدِّيْنِ إِلَى الدِّيْوَانِ العَزِيْزِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : كَانَ مليحَ الوعظِ، لطيفَ الطَّبعِ، حلوَ الإِيرَادِ، كَثِيْرَ المَعَانِي، مُتَدَيِّناً، حَمِيْدَ السِّيرَةِ، ذَا مَنْزِلَةٍ رفِيعَةٍ، وَهُوَ سِبْطُ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : كَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ، مُعَظَّماً عِنْدَ صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَهُوَ الَّذِي نَمَّ عَلَى الفَقِيْهِ عُمَارَةَ اليَمَنِيِّ وَأَصْحَابِهِ بِمَا كَانُوا عزمُوا عَلَيْهِ مِنْ قَلْبِ الدَّوْلَةِ، فَشنقَهُم صَلاَحُ الدِّيْنِ، وَكَانَ صَلاَحُ الدِّيْنِ يُكَاتِبُهُ وَيُحضِرُهُ مَجْلِسَهُ، وَكَذَلِكَ وَلدُهُ الملكُ العَزِيْزُ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَانَ وَاعِظاً مُفَسِّراً، سَكَنَ مِصْرَ، وَكَانَ لَهُ جَاهٌ عَظِيْمٌ، وَحُرمَةٌ زَائِدَةٌ، وَكَانَ يَجرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّهَابِ الطُّوْسِيِّ العَجَائِبُ، لأَنَّه كَانَ حَنْبَليّاً، وَكَانَ الشِّهَابُ أَشعرِيّاً وَاعِظاً، جلسَ ابْنُ نُجَيَّةَ يَوْماً فِي جَامِعِ القرَافَةِ، فَوَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَاعَةٍ سقفٌ، فَعملَ الطُّوْسِيُّ فَصْلاً ذَكَرَ فِيْهِ: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِم} [النَّحْلُ: 26] .
جَاءَ يَوْماً كلبٌ يَشقُّ الصُّفوفَ فِي مَجْلِسِ ابْنِ نُجَيَّةَ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ هُنَاكَ، وَأَشَارَ إِلَى جهَةِ الطُّوْسِيِّ.
__________
(1) (التاريخ المجدد) ، الورقة 147 ظاهرية.
(2) (الذيل) : 34.(21/395)
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ السِّبْطُ (1) : اقتنَى ابْنُ نُجَيَّةَ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً، وَتنعَّمَ تَنعُّماً زَائِداً، بِحَيْثُ أَنَّهُ كَانَ فِي دَارِهِ عِشْرُوْنَ جَارِيَةً لِلْفِرَاشِ، تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ أَلفَ دِيْنَارٍ وَأَكْثَرَ (2) ، وَكَانَ يُعمَلُ لَهُ مِنَ الأَطعمَةِ مَا لاَ يُعمَلُ لِلمُلُوْكِ، أَعْطَاهُ الخُلَفَاءُ وَالمُلُوْكُ أَمْوَالاً جَزِيْلَةً.
قَالَ: وَمَعَ هَذَا مَاتَ فَقيراً، كفَّنَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ.
قَالَ المُنْذِرِيُّ (3) : مَاتَ فِي سَابعِ رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَمَاتَتْ بَعْدَهُ زوجتُهُ فَاطِمَةُ بِسَنَةٍ (4) .
200 - عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بن عَلِيِّ بنِ طَلْحَةَ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، أَبُو الحَسَنِ بنُ أَبِي الفُتُوْحِ الكَاتِبُ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَوَلِيَ الحجَابَةَ بِبَابِ النّوْبِيِّ، وَكَانَ يَكتبُ خَطّاً بَدِيْعاً، وَسَكَنَ مِصْرَ.
__________
(1) (مرآة الزمان) : 8 / 515.
(2) لا يوجد في المطبوع من (المرآة) ما يشير إلى هذا (الأكثر) بل اكتفى بالقول: تساوي كل جارية ألف دينار.
(3) (التكملة) ، الترجمة: 742.
(4) سيأتي ذكرها بعد قليل (الترجمة: 209)
(*) ترجمة ياقوت في إرشاد الاريب: 5 / 204، وابن الدبيثي في الذيل، الورقة: 139 من مجلد كيمبرج، والمنذري في التكملة، الترجمة: 739، وابن الساعي في الجامع: 9 / 106، وابن الفوطي في الملقبين بعلم الدين من تلخيصه: 4 / الترجمة: 868، والذهبي في المختصر المحتاج إليه: 3 / 124، وتاريخ الإسلام، الورقة: 119 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 308، والصفدي في الوافي: 12 / الورقة: 53، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 176، وابن العماد في الشذرات: 342.(21/396)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَخَطِيْبُ مَرْدَا، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ أَبُوْهُ وَكيلاً لِلمُسْترشدِ بِاللهِ.
مَاتَ عليٌّ فِي: غرَّةِ شَعْبَان، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِمِصْرَ.
كَانَ أَبُوْهُ (1) أَخَا المُسْترشدِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَبَلَّغَهُ أَعْلَى المَرَاتِبِ، وَبعدَهُ تَزَهَّدَ، وَلَزِمَ العِبَادَةَ، وَبَنَى مَدْرَسَةً لِلشَافِعِيَّةِ، وَحَدَّثَ عَنِ ابْنِ بيَانٍ الرَّزَّازُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
201 - ابْنُ المَارستَانِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ *
الصَّدْرُ الكَبِيْرُ، الأَدِيْبُ، البَلِيْغُ، أَبُو بَكْرٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرِ بنِ حُمْرَةَ (2) التَّيْمِيُّ (3) .
__________
(1) إضافة إلى ذكره في ترجمة ولده علي فقد ترجم له ابن الجوزي في المنتظم: 10 / 202، وابن الأثير في الكامل: 11 / 113، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 236، والذهبي في كتبه، وابن كثير في البداية: 12 / 245، والعيني في عقد الجمان: 16 / الورقة: 343 وغيرهم.
وكان لقبه كمال الدين، لذا عرفت مدرسته بالكمالية وكانت بباب العامة.
(*) ترجمه ابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 99 من مجلد الظاهرية وحط عليه، والمنذري في التكملة، الترجمة: 754، وأبو شامة في الذيل: 34، وابن الساعي في الجامع: 9 / 112، وابن الفوطي في التلخيص: 4 / الترجمة 2195، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 118 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه 2 / 187، وابن كثير في البداية: 13 / 35، وابن رجب في الذيل: 1 / 442، والغساني في العسجد، الورقة: 108، وابن حجر في اللسان: 4 / 108، وابن العماد في الشذرات: 4 / 339، ومقدمة المجلد الأول من ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (بغداد 1974) : 17 - 19.
(2) في الأصل: (حمزة) وهو وهم من الناسخ، قال الزكي المنذري في التكملة: وحمرة بضم الحاء المهملة وسكون الميم وبعدها راء مهملة وتاء تأنيث
(3) قال محب الدين ابن النجار في (التاريخ المجدد) : (هكذا كان يذكر نسبه ويوصله إلى أبي بكر الصديق، ورأيت المشايخ الثقات من أصحاب الحديث وغيرهم ينكرون نسبه هذا =(21/397)
قرَأَ الفِقْهَ وَالآدَابَ، وَصَنَّفَ وَسَادَ، إِلاَّ إِنَّهُ زَوَّرَ لِنَفْسِهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ الأُرْمَوِيِّ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ البَطِّيِّ وَطَبَقَتِهِ، وَقرَأَ الكَثِيْرَ، وَحصَّلَ، وَقرَأَ الطِّبَّ وَالفَلْسَفَةَ، وَعَمِلَ الكِتَابَةَ، ثُمَّ نُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى ابْنِ البَهْلوَانِ، فَمَاتَ بتَفْلِيْسَ، فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ كَذَّاباً.
202 - ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأُمَوِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ المَغْرِبِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُوْسَى بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَليدِ بنِ أَبِي جَمْرَةَ الأُمَوِيُّ، مَوْلاَهُم الأَنْدَلُسِيُّ، المُرْسِيُّ.
سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ وَالِدِهِ، مِنْ ذَلِكَ: (التَّيْسِيْر) لأَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، بِإِجَازتِهِ مِنَ الدَّانِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَسودَ، وَمِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو بَحْرٍ سُفْيَانُ بنُ العَاصِ، وَالفَقِيْهُ أَبُو الوَلِيْدِ ابْنُ رُشْدٍ، وَأَبُو الحَسَنِ شُرَيحٌ، وَخَلْقٌ.
وَقَدْ عرضَ (المُدَوَّنَةَ) عَلَى أَبِيْهِ.
__________
= ويقولون إن أباه وأمه كانا يخدمان المرضى بالمارستان التتشي في أسفل البلد.
وكان أبوه عاميا مشهورا بفريج - تصغير أبي الفرج - عاميا لا يفهم شيئا، وأنه سئل عن نسبه فلم يعرفه، وأنكر ذلك) (الورقة: 99 - 100 من مجلد الظاهرية) .
(*) ترجم له ابن الابار في التكملة ترجمة حافلة: 2 / 561 - 566، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة 260 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 309، وابن العماد في الشذرات: 4 / 342.(21/398)
قَالَ الأَبَّارُ (1) : عُنِيَ بِالرَّأْيِ وَحفظهُ، وَوَلِيَ خُطَّةَ الشُّوْرَى، وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ (2) وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتَقلَّدَ قَضَاءَ مُرْسِيَةَ وَشَاطِبَةَ مَرَّاتٍ، وَكَانَ بَصِيْراً بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَعَاكفاً عَلَى نشرِهِ، فَصِيْحاً، حَسَنَ البيَانِ، عدلاً، جزلاً، عرِيقاً فِي النَّباهَةِ وَالوجَاهَةِ.
صَنَّفَ كِتَابَ (نَتَائِج الأَفكَارِ (3) فِي معَانِي الآثَارِ) أَلَّفَهُ عِنْدَمَا أَوقعَ السُّلْطَانُ بِالمَالِكِيَّةِ، وَأَمرَ بِإِحرَاقِ (المُدَوَّنَةِ) ، وَلَهُ (إِقليدُ الإِقليدِ (4) ، المُؤدِّي إِلَى النَّظَرِ السَّديْدِ) .
قرَأَ عَلَيْهِ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَوْطِ اللهِ (المُوَطَّأَ) بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ قِرَاءةً، وَتَكلَّمَ فِيْهِ بَعْضُ النَّاسِ بكَلاَمٍ لاَ يَقدَحُ فِيْهِ (5) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ عَاتٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ زُلاَلٍ، وَكَتَبَ إِلَيَّ بِالإِجَازَةِ وَأَنَا ابْنُ عَامَيْنِ، وَهُوَ أَعْلَى شُيُوْخِي إِسْنَاداً.
مَاتَ: بِمُرْسِيَةَ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بنُ سَالِمٍ: ظهرَ مِنْهُ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ اضطرَابٌ طَرَّقَ الظِّنَّةَ إِلَيْهِ، وَأَطلَقَ الأَلسَنَةَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ سَمِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ (التَّيْسِيْرَ) مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ جوبر بِسَمَاعِهِ مِنْهُ.
__________
(1) (التكملة) : 2 / 562
(2) الذي قاله الابار: وسنه لا يزيد على إحدى وعشرين.
(3) هكذا في النسختين، وفي المطبوع من (التكملة) : (الابكار)
(4) هكذا هو، وفي (التكملة الابارية) و (تاريخ الإسلام) للذهبي: (التقليد)
(5) تكلم ابن الابار في هذا كلاما جيدا يدل على غزارة علم وفضل فراجعه.(21/399)
203 - الهَاشِمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، مِنَ الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءِ، لَهُ كَرَامَاتٌ فِيمَا يُقَالُ وَأَحْوَالٌ.
نزلَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَصحِبَهُ الصَّالِحُوْنَ.
صحِبَ جَمَاعَةً، وَلَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ وَشُهْرَةٌ.
مَاتَ فِي: ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ -رَحِمَهُ الله-.
204 - ابْنُ المَعْطُوْشِ أَبُو طَاهِرٍ المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ الحَرِيْمِيُّ **
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو طَاهِرٍ المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ بنِ هِبَةِ اللهِ ابْنِ المَعْطُوْشِ (1) الحَرِيْمِيُّ، البَغْدَادِيُّ، العَطَّارُ، أَخُو أَبِي القَاسِمِ المُبَارَكِ.
وُلِدَ فِي: رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(*) ترجمه المنذري في التكملة، الترجمة: 752، وابن خلكان في الوفيات: 4 / 305، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 122 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 309، والصفدي في الوافي: 2 / 78، والعليمي في الانس الجليل: 2 / 488، والمناوي في الكواكب: 2 / 98، وابن العماد في الشذرات: 4 / 342.
(* *) ترجمه ابن نقطة في التقييد، الورقة: 198، والمنذري في التكملة، الترجمة: 726، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 122، (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 310، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 178، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 184، وابن العماد في الشذرات: 4 / 343.
(1) قيده الزكي المنذري فقال في (التكملة) : (بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الطاء المهملة وبعد الواو الساكنة شين معجمة)(21/400)
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ المَهْدِيِّ، وَأَبِي الغَنَائِمِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ المُهْتَدِيّ بِاللهِ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِجَمِيْعِ (المُسْنَدِ) ، وَأَبِي المَوَاهِبِ أَحْمَدَ بنِ مُلُوْكٍ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ آخرُ مَنْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ المَهْدِيِّ، وَابْنِ المُهْتَدِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَاليَلْدَانِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْبُ (1) ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ أَبِي الخَيْرِ، وَالفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ.
قَالَ ابْن الدُّبَيْثِيِّ (2) : سَمَاعُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَكَانَ يَقِظاً، فَطِناً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (3) : تُوُفِّيَ فِي عَاشرِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ شَيْخاً مُتيقِّظاً، لطيفَ الطَّبعِ، مليحَ النَّادرَةِ، سرِيعَ الجَوَابِ، مِنْ مَحَاسِنِ النَّاسِ، قَرَأَ القُرْآنَ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ بِنَفْسِهِ، وَقرَأَ عَلَى المَشَايِخِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ، وَعُمِّرَ حَتَّى تَفَرَّدَ بِأَكْثَر مَرْوِيَّاتِهِ، وَحَدَّثَ بـ (مُسْنَدِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ) مَرَّاتٍ، وَكَانَتِ الرِّحلةُ إِلَيْهِ، وَمتَّعَهُ اللهُ بِسَمْعِهِ وَبصرِهِ وَعقلِهِ إِلَى حِيْنِ وَفَاتِهِ، وَكَانَ مُكْرِماً لِمَنْ يَقصدُهُ مِنَ الطَّلبَةِ، بَسَّاماً، مزَّاحاً.
__________
(1) يعني النجيب عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني وقد ذكره في (مشيخته) .
(2) انظر (المختصر المحتاج إليه) : 3 / 178.
(3) (التقييد) ، الورقة: 198.(21/401)
205 - العِجْلِيُّ أَبُو الفُتُوْحِ أَسَعْدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ خَلَفٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُفْتِي العَجَمِ، مُنْتَخَبُ الدِّينِ، أَبُو الفُتُوْحِ أَسَعْدُ بنُ أَبِي الفَضَائِلِ مَحْمُوْدِ بنِ خَلَفِ بنِ أَحْمَدَ العِجْلِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الفَقِيْهُ، الشَّافِعِيُّ، الوَاعِظُ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسمِعَ مِنْ: فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةَ (المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ) وَبَعْضَ (الكَبِيْرِ) أَوْ جَمِيْعَهُ (1) ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الحَافِظِ، وَغَانِمِ بنِ أَحْمَدَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ فِي الكُهُوْلَة مِنِ: ابْنِ البَطِّيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو نِزَارٍ رَبِيْعَةُ اليَمَنِيُّ، وَالحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ لابْنِ أَبِي الخَيْرِ، وَابْنِ البُخَارِيِّ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، لَهُ تَصَانِيْفُ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (2) : كَانَ زَاهِداً، لَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِالمَذْهَبِ، وَكَانَ يَأْكُلُ
__________
(*) ترجمه ابن نقطة في التقييد، الورقة: 64، وابن الأثير في الكامل: 12 / 83، وابن الدبيثي في الذيل، الورقة: 213 (شهيد علي) ، المنذري في التكملة، الترجمة: 770، وابن الفوطي في الملقبين بمنتخب الدين من تلخيصه: 5 / الترجمة: 1713 من الميم، والذهبي في المختر المحتاج إليه: 1 / 251 والعبر: 4 / 311، وتاريخ الإسلام، الورقة: 124 (باريس 1582) ، والسبكي في الطبقات: 8 / 126، وابن خلكان في الوفيات: 1 / 208، وابن كثير في البداية: 13 / 39، وابن الملقن في العقد المذهب، الورقة: 78، والغساني في العسجد، الورقة: 110، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 186، وابن الفرات في تاريخه: 9 / الورقة: 9، والمصنف في الطبقات: 82، وحاجي خليفة في سلم الوصول: الورقة: 182، وابن العماد في الشذرات: 4 / 344.
(1) وهما اللذان للحافظ أبي القاسم الطبراني.
(2) (الذيل) ، الورقة: 213، من مجلد شهيد علي.(21/402)
مِنَ النَّسْخِ، وَعَلَيْهِ كَانَ المعتمَدُ فِي الفَتْوَى بِأَصْبَهَانَ.
وَقَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : هُوَ أَحَدُ الفُقَهَاءِ الأَعيَانِ، لَهُ كِتَابٌ فِي شَرْحِ مُشكلاَتِ (الوجِيْزِ) ، وَ (الوسيطِ) لِلْغزَالِيِّ، وَكِتَابُ (تَتمَّة التَّتِمَّة) ، تُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ، فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفرٍ، سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: شَيْخُنَا هَذَا كَانَ إِمَاماً، مُصَنِّفاً، أَملَى وَوعظَ، ثُمَّ تَرَكَ الوعظَ، جمعَ كِتَاباً سَمَّاهُ (آفَاتِ الوُعَّاظِ) ، سَمِعْتُ مِنْهُ (المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ) لِلطَّبَرَانِيِّ.
206 - الصَّفَّارُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُعَمَّرُ، فَخرُ الإِسْلاَمِ، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ ابْنُ العَلاَّمَةِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ ابْنِ فَقِيْهِ خُرَاسَانَ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ حَبِيْبِ ابْنِ الصَّفَّارِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدِّهِ لأُمِّهِ الإِمَامِ أَبِي نَصْرٍ ابْن القُشَيْرِيّ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ.
وَسَمِعَ مِنَ: الفُرَاوِيِّ (2) (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) ، وَمِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ
__________
(1) (وفيات) : 1 / 209.
(*) ترجم له ابن نقطة في التقييد، الورقة: 130، والمنذري في التكملة، الترجمة: 817، وابن الساعي في الجامع: 9 / 133، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 266 أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 312، ودول الإسلام: 2 / 80، والسبكي في الطبقات: 8 / 156، وابن الملقن في العقد، الورقة: 162، والغساني في العسجد، الورقة: 110، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 187، وابن العماد في الشذرات: 4 / 345.
(2) يعني محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي.(21/403)
مُحَمَّدٍ الخُوَارِيِّ، وَزَاهِرِ بنِ طَاهِرٍ، وَالحَافِظِ عَبْدِ الغَافِرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَسَهْلِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَالفَضْلِ الأَبِيْوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ صَاعِدٍ، وَمِنْ أَبِيْهِ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَدَلٌ التِّبْرِيْزِيُّ، وَنجمُ الدِّينِ أَبُو الجَنَّابِ الخَيْوَقِيُّ، وَأَبُو رَشِيْدٍ الغَزَّالُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ ظَفَرٍ، وَالقَاسِمُ بنُ أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارُ وَلَدُهُ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، وَطَائِفَةٌ.
وَكَانَ مِنَ الأَئِمَّةِ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ: (سُنَنُ الدَّارَقُطْنِيِّ) بفُوَيْتٍ مَعْلُوْمٍ عَلَى أَبِي القَاسِمِ الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَبِيْوَرْدِيِّ، بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ النّوْقَانِيِّ، بِسَمَاعِهِ مِنْهُ.
وَسَمِعَ (السُّنَنَ الكَبِيْرَ) مِنْ زَاهِرِ بنِ طَاهِرٍ.
وَسَمِعَ (سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ) مِنْ عَبْدِ الغَافِرِ: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الحَاكمِيُّ، وَسَمِعَ (السُّنَنَ) ، وَ (الآثَارَ) مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ.
أَنْبَأَنِي أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيُّ، قَالَ: مَجْدُ الدِّيْنِ أَبُو سَعْدٍ ابْنُ الصَّفَّارُ إِمَامٌ عَالِمٌ بِالأُصُوْلِ، فَقِيْهٌ ثقَةٌ، سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَمَّتَهُ عَائِشَةَ، وَجَدَّتَهُ دُرْدَانَةَ أُخْتَ عَبْدِ الغَافِرِ، وَهِبَةَ اللهِ السَّيِّدِيَّ، وَسَهْلَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ المَسْجِدِيَّ، وَعِدَّةً.
قَالَ المُنْذِرِيُّ (1) : مَاتَ فِي سَابِع عَشَرَ رَمَضَان (2) ، سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ.
__________
(1) (التكملة) ، الترجمة: 817.
(2) هكذا ورد في النسخة وهو وهم إن كان المؤلف يريد دقة النقل، فالذي في (التكملة) : (شعبان) وليس فيه اجتهاد لان (التكملة) مرتبة حسب قدم الوفاة. ولم يذكر =(21/404)
207 - القَاسِمُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ، ابْنُ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، العَالِمُ، الرَّئِيْسُ، بَهَاءُ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِمُ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ مُحَدِّثِ العَصْرِ ثِقَةِ الدِّيْنِ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَة اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ عَسَاكِرَ، وَمَا علمتُ هَذَا الاسْم (1) فِي أَجدَادِهِ، وَلاَ مَنْ لُقِّبَ بِهِ مِنْهُم.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ: الفُرَاوِيّ، وَزَاهِر، وَقَاضِي المَارستَان، وَالحُسَيْن بن عَبْدِ المَلِكِ، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن القُشَيْرِيّ، وَابْنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الطَّبَرِ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيّ، وَهِبَة اللهِ بن سَهْلٍ السَّيِّدِيّ، وَعبد
__________
= المؤلف تحديدا لوفاته في (تاريخ الإسلام) ، لكنه قال في (العبر) : (توفي في شعبان أو رمضان) . والذي وقفت عليه في النسخة الخطية من (التقييد لابن نقطة وهي نسخة الأزهر: (السابع) من شعبان، وفي (الجامع المختصر) لابن الساعي: السادس عشر من شعبان.
وعليه فإن الذي جاء أعلاه وهم بلا ريب.
(*) ترجمه ابن نقطة في التقييد، الورقة: 194، والمنذري في التكملة، الترجمة: 767، وابن أبي الدم الحموي في التاريخ المظفري، الورقة: 230، وأبو شامة في الذيل: 47، وابن الساعي في الجامع: 9 / 128، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 278 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1368، والعبر: 4 / 314، ودول الإسلام: 2 / 80، والسبكي في الطبقات: 8 / 352، وابن كثير في البداية: 13 / 38، وابن الملقن في العقد، الورقة: 163، والفاسي في ذيل التقييد، الورقة: 250، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 186، وابن العماد في الشذرات: 4 / 347، والكتاني في الرسالة: 48.
وترجم له ابن خلكان في ترجمة والده الحافظ أبي القاسم من الوفيات: 3 / 311.
(1) يعني: (عساكر) ، والقدماء المعاصرون له لم يذكروا لهم هذا فكانوا يقولون عن والده (علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي) أو الشافعي، منهم رفيقه أبو سعد السمعاني والزكي المنذري وابن الدبيثي وغيرهم.(21/405)
الجَبَّار الخُوَارِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ البِلاَد، لقيهُم وَالِده، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ حُضُوْراً، وَلاَ لأَبِيْهِ وَعَمِّهِ الصَّائِن.
سَمِعَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ مِنْ: جَمَال الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ السُّلَمِيّ، وَجدّ أَبِيْهِ القَاضِي الزَّكِيّ يَحْيَى بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَيَحْيَى بن بِطْرِيْقٍ، وَنَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ المصِّيْصِيِّ، وَأَبِي الدُّرّ يَاقُوْت الرُّوْمِيّ، وَهِبَة اللهِ بن طَاوُوْس، وَأَبِي طَالِبٍ عَلِيّ بن أَبِي عَقِيْلٍ، وَأَبِي الفُتُوْح أُسَامَة بن مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ العَلَوِيِّ، وَأَبِي الكَرَمِ يَحْيَى بن عَبْدِ الغَفَّارِ عَنْ رِزْق اللهِ، وَخَال أَبِيْهِ أَبِي المَعَالِي مُحَمَّد بن يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، وَنَاصِر بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيّ، وَالخَضِر بن الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَان، وَعَبْدَان بن زَرِّيْنَ (1) الدُّوِيْنِيّ، وَيَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيّ، وَالحَافِظ أَبِي سَعْدٍ ابْنِ السَّمَّان، وَأَبِيْهِ؛ أَبِي القَاسِمِ الحَافِظ، فَأَكْثَر إِلَى الغَايَة، فَإِنَّنِي مَا علمت أَحَداً سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ أَكْثَر مِنْ هَذَا الابْنِ، حَتَّى وَلاَ ابْن الإِمَامِ أَحْمَد، لَعَلَّ القَاسِم سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ ثَلاَثَة آلاَف جُزْء.
وَسَمِعَ مِنْ: عَمّه الصَّائِن، وَمِنْ: أَبِي يَعْلَى ابْنِ الحُبُوْبِيِّ، وَحَمْزَة بن كَرُّوْسٍ، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن عَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَبِي الْحَدِيد، وَأَبِي البَرَكَاتِ الخَضِر بن عَبْدٍ الحَارِثِيّ، وَنَصْر بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِل، وَأَخِيْهِ؛ عَلِيّ بن أَحْمَدَ، وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَعْفَرٍ، وَفَضَائِل بن الحَسَنِ، وَأَبِي العشَائِر مُحَمَّد بن خَلِيْل، وَالوَزِيْر الفَلَكِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ غَالِب بن أَحْمَدَ، وَنَصْر بن قَاسم المَقْدِسِيّ المُلَقِّن، وَحُفَّاظ بن الحَسَنِ الغَسَّانِيّ، وَمَحْفُوْظ بن صَصْرَى التَّغْلِبِيّ، وَمُحَمَّد بن كَامِلٍ بن دَيْسَمٍ، وَعَلِيّ بن
__________
(1) قال الذهبي في (المشتبه) : (رزين - جماعة. وبزاي مفتوحة ثم مشددة..وعبدان بن زرين الدويني شيخ ابن أبي لقمة) (ص: 315 - 316) .(21/406)
الحُسَيْن بن أَشلِيهَا، وَحَمْزَة بن الحَسَنِ بنِ مُفَرِّجٍ الأَزْدِيّ، وَأَبِي طَاهِرٍ رَاشِد بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ ابْنِ النَّبِيْهِ، وَعَلِيّ بن زَيْدٍ، وَعَلِيّ بن هِبَةِ اللهِ بنِ خَلْدُوْنَ، وَهِبَة اللهِ بن الْمُسلم الرَّحَبِيّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَهُوَ أَوسع رِوَايَة وَسَمَاعاً مِنْ أَبِي الفَرَجِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، وَلَهُ عَمل جَيِّد، وَلَكِن ابْن الجَوْزِيّ أَعْلَم مِنْهُ بِكَثِيْر بِالرِّجَال وَالمتُوْن وَبعدَة فُنُوْن، وَكُلّ مِنْهُمَا لَمْ يَرْحَلْ، بَلْ قنع أَبُو مُحَمَّد بِبلده وَوَالِده، وَنَاهيك بِذَلِكَ، وَقنع أَبُو الفَرَجِ بِبَغْدَادَ.
نعم (1) ، وَحَجّ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ 555، فَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ: مَسْعُوْد بن الحُصَيْنِ، وَأَحْمَد بن المُقَرِّبِ، وَأَبِي النَّجِيْب السُّهْرَوَرْدِيّ، وَفَخْرِ النِّسَاءِ شُهْدَة.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَبِالحِجَاز، وَبَيْت المَقْدِسِ، وَدِمَشْق.
وَكَتَبَ مَا لاَ يُوْصَف كَثْرَة بِخَطِّهِ العَدِيْم الجوْدَة، وَأَملَى، وَصَنَّفَ، وَنُعِتَ بِالحِفْظ وَالفهمِ، وَلَكِنّ خطّه نَادر النَّقْط وَالشّكل.
جمع كِتَاباً كَبِيْراً فِي الجِهَادِ، وَمَا قَصَّر فِيْهِ، وَمُجَلَّداً فِي فَضَائِل القُدْس، وَمُجَلَّداً فِي المَنَاسِك، وَكِتَاباً فِي مَنْ حَدَّثَ بِمَدَائِنِ الشَّامِ وَقُرَاهَا، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ مُوَافقَات وَأَبَدَالاً وَسُبَاعِيَات، وَأَملَى عِدَّة مَجَالِس، وَرَوَى الكَثِيْر، وَتَفَرَّد بِأَشيَاء عَالية.
ذكره العِزُّ النَّسَّابَةُ، فَقَالَ: كَانَ أَحَبَّ مَا إِلَيْهِ المُزَاحُ.
__________
(1) هذا من أسلوب الذهبي الشائع ويريد به استدراكا على قوله أولا إنه لم يرحل وإنه قنع ببلده ووالده.(21/407)
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (1) : هُوَ ثِقَةٌ، لَكِنّ خطّه لاَ يُشبِه خطّ أَهْل الضَّبْط.
وَذَكَرَ المُحَدِّث عَبْد الرَّحْمَانِ بن مُقَرّبٍ، عَنْ نَدَى العُرضِيّ، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى بَهَاء الدِّيْنِ القَاسِمِ، فَقُلْتُ: عَنِ ابْنِ لَهِيْعَة، فَردّ عليّ بِالضمِّ (2) !
قُلْتُ: ذكر مُحَدِّث (3) أَنَّهُ اجْتَمَع بِالمَدِيْنَةِ بِبَهَاء الدِّيْنِ القَاسِم، فَسَأَلَهُ أَنْ يُحَدِّثهُ، فَرَوَى لَهُ مِنْ حِفْظِهِ أَحَادِيْث، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَابل تِلْكَ الأَحَادِيْث بِأَصلهَا، فَوَافَقت، وَبمثل هَذَا يُوْصَف المُحَدِّث فِي زَمَانِنَا بِالحِفْظ.
وَبَلَغَنِي: أَنَّ الحَافِظ بَهَاء الدِّيْنِ وَلِي بَعْد أَبِيْهِ مَشْيَخة النّورِيَّة، فَمَا تَنَاول مِنَ الجَامكيَّة شَيْئاً، بَلْ كَانَ يُعْطِيه لِمَنْ يَرحل فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ، وَعَبْد القَادِرِ الرُّهَاوِيّ، وَيُوْسُف بن خَلِيْل، وَوَلَده؛ عِمَاد الدِّيْنِ عَلِيّ بن القَاسِمِ، وَأَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَالتَّاج القُرْطُبِيّ، وَفتَاهُ فَرَج، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَعَبْد الغَنِيِّ بن بَنِينَ، وَبَدَل بن أَبِي المُعَمَّر التَّبْرِيْزِيّ، وَالزَّيْن خَالِد بن يُوْسُفَ، وَالمَجْد مُحَمَّد بن عَسَاكِرَ، وَالتَّقِيّ
__________
(1) (التقييد) ، الورقة: 194 وأصل العبارة فيه: (وكان ثقة في الحديث مكرما للفقراء، وكتب كثيرا إلا أن خطه لا يشبه خط أهل الضبط والإتقان)
(2) يعني ضم اللام من لهيعة.
(3) هذا المحدث هو أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي المتوفى سنة 611، وقد روى هذه الحكاية لتلميذه الحافظ أبي محمد عبد العظيم المنذري حينما سأله: أقول حدثنا القاسم بن علي الحافظ بالكسر نسبة إلى والده؟ فقال له أبو الحسن المقدسي: بالضم فإني اجتمعت به بالمدينة فأملى علي..الخ (تاريخ الإسلام، الورقة: 278 أحمد الثالث 2917 / 14) .
وقال المنذري في ترجمته من (التكملة) : (ولقيه شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي بالحجاز وكان يذكره بالحفظ وكان القاسم أيضا يثني على شيخنا)(21/408)
إِسْمَاعِيْل بن أَبِي اليُسْرِ، وَالنُّشْبِيّ، وَوَلَده (1) أَبُو بَكْرٍ، وَالكَمَال عَبْد العَزِيْزِ بن عَبْدِ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن زَين الأُمَنَاءِ، وَفرَاس بن عَلِيٍّ العَسْقَلاَنِيّ، وَعِمَاد الدِّيْنِ عَبْد الكَرِيْمِ بن الحرستَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة: أَحْمَد بن سَلاَمَةَ الحَدَّاد، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَطَائِفَة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، وَابْن سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنِ القَاسِمِ بن عَلِيٍّ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُفَضَّل يَحْيَى بن عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا حَيْدَرَة بن عَلِيٍّ المُعَبِّر، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ حَذْلَم، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنِي عُقْبَة بن مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ:
شَهِدت عَلِيّاً وَعُثْمَان بَيْنَ مَكَّة وَالمَدِيْنَة، وَعُثْمَان يَنْهَى عَنِ المتعَة، وَأَنْ لاَ يُجْمَع بَيْنهُمَا، وَأَبَى عَلِيٌّ ذَلِكَ، أَهَلَّ بِهِمَا، فَقَالَ: لبّيك بعُمْرَة وَحجَّة مَعاً.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَنْهَى النَّاسَ، وَأَنْت تَفْعَلُه؟!
فَقَالَ: لَمْ أَكن أَدع سُنَّة رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَوْل أَحَد مِنَ النَّاس.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (2) ، وَفِيْهِ: أَن مَذْهَب الإِمَام عَلِيّ كَانَ يَرَى مُخَالَفَة وَلِيّ
__________
(1) يعني ولد النشبي، وهو أبو بكر محمد بن علي بن المظفر بن القاسم النشبي الدمشقي، وقد تكلمنا عليهم فيما مر.
(2) قال شعيب: 5 / 148 في الحج: باب القران، من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن أبي عامر، عن شعبة بهذا الإسناد، ورجاله ثقات.
وأخرج أحمد 1 / 92 بإسناد قوي عن عبد الله بن الزبير، قال: والله إنا لمع عثمان بن عفان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام فيهم حبيب بن مسلمة الفهري إذ قال عثمان - وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج -: إن أتم للحج والعمرة أن لا يكونا في أشهر الحج، فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين، كان أفضل، فإن الله تعالى قد وسع في الخير، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في بطن الوادي يعلف بعيرا، قال: فبلغه الذي قال عثمان، فأقبل حتى وقف على عثمان، فقال: أعمدت إلى سنة سنها رسول الله صلى الله عليه =(21/409)
الأَمْر لأَجْل متَابعَة السُّنَّة، وَهَذَا حسن لِمَنْ قَوِيَ، وَلَمْ يُؤْذِهِ إِمَامه، فَإِنْ آذَاهُ، فَلَهُ ترك السّنَّة، وَلَيْسَ لَهُ ترك الْفَرْض، إِلاَّ أَنْ يَخَافَ السَّيْفَ.
أَخْبَرَنِي ابْنُ رَافِعٍ: أَنَّهُ قرَأَ بِخَطِّ عِمَاد الدِّيْنِ عَلِيّ بن القَاسِمِ الحَافِظ تَرْجَمَة لأَبِيْهِ (1) ، فَقَالَ:
كَانَ وَالِدِي بَهَاء الدِّيْنِ مِنَ الأَئِمَّةِ وَالعُلَمَاء حِيْنَ بلغَ حدّ السَّمْعِ، سَمَّعَهُ عَمَّاهُ الحَافِظُ أَبُو الحُسَيْنِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ مِنَ المَشَايِخ الأَعيَان، ثُمَّ قَدِمَ أَبُوْهُ -يَعْنِي مِنَ الرّحلَة- سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ (2) ، فَأَسْمَعَهُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَتَقْرُبُ عِدَّةُ مَشَايِخه مِنْ مائَة شَيْخ، تَفَرَّد بِالرِّوَايَة عَنْ أَكْثَرِهِم، وَلَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ، وَيَكْتُب، وَيُؤَلِّف.
قَالَ: وَحَجّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، فَسَمِعَ بِمَكَّةَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَوْلاَ تَبييضُه لِكِتَابِ التَّارِيْخ، وَنقله مِنَ المسوّدَة، لَمَّا قدر الشَّيْخ الكَبِيْر -يَعْنِي وَالِده- عَلَى إِتقَانه، وَلاَ جَوَّده، فَإِنَّهُ حِيْنَ فَرغ مِنْ تَسْوِيده، عجز عَنْ نَقله، وَتَجديده، وَضَبْطِ مَا فِيْهِ مِنَ المشْكِلِ، وَتَحدِيده، كَأنَّ نَظره قَدْ كَلَّ، وَبصره قَدْ قلّ، فَلَمْ يَزَلْ وَالِدِي يَكتب، وَيَنْقله مِنَ الأَورَاق الصّغَار وَالظُهُوْر، وَيهذّب إِلَى أَنْ نَجز مِنْهُ نَحْو مائَة وَخَمْسِيْنَ جُزْءاً، وَكَأنَّ بَيْنَهُمَا نَفرَة، فَكَانَ لاَ يَحضر السَّمَاع تِلْكَ المُدَّة، فَحكَى لِي وَالِدِي، قَالَ:
ضَاق صَدْرِي، فَأَتَيْتُ الوَالِد لَيْلَة النِّصْف فِي المنَارَة الشَّرْقِيَّة، وَزَال مَا فِي قَلْبه.
وَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ القُرْطُبِيّ كَثِيْراً يَقُوْلُ: عِنْد غَيبَة وَالِدك عَنْهُ: جزَاهُ الله عَنِّي خَيراً، فَلولاَهُ مَا تَمّ التَّارِيْخ، هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ.
__________
= وسلم ورخصة رخص الله تعالى بها للعباد في كتابه، تضيق عليهم فيها، وتنهى عنها، وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار، ثم أهل بحجة وعمرة معا، فأقبل عثمان على الناس رضي الله عنه، فقال: وهل نهيت عنها؟ إني لم أنه عنها، إنما كان رأيا أشرت به، فمن شاء أخذ به، ومن شاء تركه.
(1) نقل منها أيضا ابن نقطة في (التقييد) .
(2) هذه هي رحلته الثانية وكانت مخصصة لمشرق العالم الإسلامي وقد مر ببغداد عند رجوعه فمكث فيها قليلا (انظر: ابن عساكر في بغداد، للدكتور بشار عواد معروف) .(21/410)
قُلْتُ: يُقَالُ: إِنَّ الحَافِظ أَبَا القَاسِمِ حَلَفَ أَنَّهُ لاَيُكَلِّم ابْنَهُ حَتَّى يَكتبَ التَّارِيْخَ، فَكَتَبَهُ، وَلَمَّا عَمل بَهَاءُ الدِّيْنِ كِتَاب (الجِهَاد) سَمِعَهُ مِنْهُ كُلّه السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ.
قَالَ: فَدعوت فِي أَوله وَآخره بِفَتح بَيْت المَقْدِسِ، فَاسْتجَاب الله ذَلِكَ، وَلَهُ الْحَمد، وَفتح بَيْت المَقْدِسِ فِي السَّادِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَنَا حَاضِرٌ فَتحه.
تُوُفِّيَ الحَافِظ بَهَاء الدِّيْنِ: فِي تَاسع صفر، سَنَة سِتّ مائَة، وَكَانَتْ جِنَازَته مَشْهُوْدَة.
208
- شُمَيْمٌ * أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ (1) بنُ الحَسَنِ بنِ عَنْتَرَ الحِلِّيُّ
الأَدِيْبُ.
شَاعِرٌ، لغوِيٌّ، مُتَقَعِّرٌ، رقيعٌ، أَحْمَقُ، قَلِيْلُ الخَيْر.
لَهُ عِدَّةُ تَوَالِيف أَدبيَّة، فِيْهَا الغثُّ وَالسَّمِينُ.
__________
(*) ترجمه ياقوت في إرشاد الاريب: 5 / 129، وابن الدبيثي في تاريخه، الورقة: 137 من مجلد كيمبرج، وابن النجار في التاريخ المجدد، الورقة: 102 - 112 ظاهرية، والقفطي في إنباه الرواة: 2 / 243، والمنذري في التكملة، الترجمة: 883، وأبو شامة في الذيل: 52، وابن الساعي في الجامع: 9 / 157، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 339، وابن سعيد في الغصون: 5، والذهبي في تاريخ الإسلام: م 18 ق 1 ص: 68 (تحقيق الدكتور بشار) ، والعبر: 5 / 2، وابن مكتوم في التلخيص، الورقة: 133، والصفدي في الوافي: 12 / الورقة: 30، وابن كثير في البداية: 13 / 41، والدلجي في الفلاكة: 90، وابن قاضي شهبة في طبقات النحاة، الورقة: 208، وابن الفرات في تاريخه: 9 / الورقة: 14، والسيوطي في البغية: 2 / 156، وابن العماد في الشذرات: 5 / 4 وغيرهم.
(1) في الأصل (الحسن بن علي) وهو وهم جدواضح من الناسخ صححناه من كتب الذهبي الأخرى ومصادر ترجمته المذكورة.(21/411)
كَانَ كَثِيْرَ الدّعَاوَى، مُقيم الفُشَار (1) ، يَشتم أَبَا تَمَّامٍ وَأَبَا العَلاَءِ، وَيزرِي بِامْرِئِ القَيْسِ، فَهُوَ فِي عدَاد مَجَانِيْنِ الفُضَلاَءِ.
حطّ عَلَيْهِ ابْن المُسْتوفِي وَابْن النَّجَّارِ وَغَيْرهُمَا، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّم فِي الأَنْبِيَاء، وَيستخفّ بِمعجزَاتِهِم، وَأَنَّهُ عَارض القُرْآن، وَكَانَ إِذَا تلاَهُ، يَخشع وَيسجد فِيْهِ.
أَخَذَ عَنْ: ملك النُّحَاة أَبِي نزَار، وَعَنِ ابْنِ الخَشَّاب.
وَأَلّفَ (حمَاسَة) مِنْ أَشعَاره خَاصَّة، وَيَنْدُرُ لَهُ المَعْنَى الجيّد، وَلَعلَّهُ تَابَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ بِالمَوْصِل، عَنْ أَزْيَدَ مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
209 - بِنْتُ سَعْدِ الخَيْرِ، فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيِّ *
الشَّيْخَةُ، الجَلِيْلَةُ، المُسْنِدَةُ، أُمُّ عَبْدِ الكَرِيْمِ فَاطِمَةُ بِنْتُ المُحَدِّثِ التَّاجِرِ أَبِي الحَسَنِ سَعْدِ الخَيْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيِّ، البَلَنْسِيِّ.
مَوْلِدهَا: بِأَصْبَهَانَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَتْ (2) حُضُوْراً فِي الثَّالِثَة مِنْ فَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة جُمْلَةً مِنْ
__________
(1) في الأصل: (مقم الفشا) ولعل ما أثبتناه هو الصواب أو قريب منه * مرت ترجمة زوجها ابن نجية قبل قليل (الترجمة: 199) .
وقد ترجم لها ابن الدبيثي في الذيل بدلالة المختصر المحتاج إليه: 3 / 269، والمنذري في التكملة، الترجمة: 773، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 277 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والعبر: 4 / 314 وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 187، وابن العماد في الشذرات: 4 / 347، ولها ذكر في تذكرة الحفاظ للذهبي: 4 / 1369، وتكملة ابن الصابوني: 338.
(2) قال أفقر العباد بشار بن عواد: رأيت سماعها لكتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي مثبتا بخط والدها الحافظ سعد الخير على نسخة مكتبة البلدية عند رحلتي إليها سنة 1385، وكان تاريخ السماع سنة 529، ظنا إن لم يكن يقينا.(21/412)
(المُعْجَم الكَبِيْر) ، وَحَضَرت بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ عَلَى: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ.
وَسَمِعَتْ بَعْدُ مِنْ: أَبِيْهَا، وَمِنْ: هِبَة اللهِ بن الطَّبَرِ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَيَحْيَى بن حُبَيْشٍ الفَارِقِيّ، وَيَحْيَى ابْن البَنَّاءِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَإِسْمَاعِيْل السَّمَرْقَنْدِيّ (1) ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهَا خلق.
وَحدّثت بِدِمَشْقَ، وَبِمِصْرَ.
تَزوَّج بِهَا الرَّئِيْس زَيْن الدِّيْنِ ابْن نُجَيَّةَ الوَاعِظ، وَسَكَنَ بِهَا بِدِمَشْقَ، ثُمَّ بِمِصْرَ، وَرَأَت عِزّاً وَجَاهاً.
حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن مُقَرّبٍ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ ابْنِ الوَزَّان الحَنَفِيّ، وَمُحَمَّد ابْن الشَّيْخِ الشَّاطِبِيّ، وَالحَافِظ الضِّيَاء، وَخَطِيْب مَرْدَا، وَعَبْد اللهِ بن عَلاَّنَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَرَوَى عَنْهَا بِالإِجَازَةِ: الحَافِظ زَكِيّ الدِّيْنِ عَبْد العَظِيْمِ، وَقَالَ: تُوُفِّيَت فِي ثَامن رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشت ثَمَانِياً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَأَجَازت لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ سلامَة (2) .
210 - النَّوْقَانِيُّ، أَبُو المَكَارِمِ فَضْلُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو المَكَارِمِ فَضْلُ اللهِ ابْنُ المُحَدِّثِ
__________
(1) هكذا ولعل الاصح قوله: ابن السمرقندي.
(2) وهو آخر من روى عنها بالاجازة في الدنيا.
صرح الذهبي بذلك في زياداته على (المختصر المحتاج إليه) .
(*) ترجمه الذهبي في (تاريخ الإسلام) ، الورقة: 277 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، والسبكي في (الطبقات) : 8 / 348.(21/413)
العَالِمِ أَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ النَّوْقَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وَنَوْقَانُ -بِالفَتْح-: وَهِيَ مدينَة صغِيرَة هِيَ قصبَة طُوْس.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبَادر أَبُوْهُ، فَأَخَذَ لَهُ الإِجَازَة مِنْ مُحْيِي السُّنَّةِ أَبِي مُحَمَّدٍ البَغَوِيِّ بِمَرْوِيَّاته.
وَسَمِعَ (الأَرْبَعِيْنَ الصُّغْرَى) لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِيّ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ (مُسْنَد الشَّافِعِيّ) .
وَتَفَقَّهَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى صَاحِب الغَزَالِيّ، حَتَّى بَرَعَ فِي المَذْهَب، وَدرّس، وَأَفتَى، وَسَاد، وَتَقدَّمَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو رَشِيْدٍ الغَزَّال، وَغَيْرهُ.
وَأَجَازَ لِلإِمَامِ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَانِ بن أَبِي عُمَرَ، وَلِلْفَخْرِ عليّ مَرْوِيَّاته.
قَالَ لَنَا أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ: مرِض بِنَيْسَابُوْرَ، فَحُمِلَ إِلَى نَوْقَانَ، فَمَاتَ بِهَا، فِي سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: نَروِي تَوَالِيف مُحْيِي السُّنَّةِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْر إِجَازَة، عَنْهُ، عَنْ مُحْيِي السُّنَّةِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: العَلاَّمَة أَسَعْد بن مَحْمُوْدٍ العِجْلِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن عَلِيِّ بنِ وَكَّاسٍ القَطَّان، وَبقَاء بن عُمَرَ بنِ حُنَّدٍ الأَزَجِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ جَابِر بن مُحَمَّدِ بنِ اللِّحْيَة الحَمْوِيّ، وَصَاحِب الرُّوْم رُكْن الدِّيْنِ سُلَيْمَان بن قلج أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِيّ، وَشُجَاع بن مَعَالِي بن شدقينِي الغَرَّاد، وَالإِمَامُ أَبُو سَعْدٍ ابْنُ(21/414)
الصَّفَّارِ، وَأَبُو حَامِدٍ عَبْد اللهِ بن مُسْلِمِ بنِ ثَابِتٍ النَّخَّاس، وَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَعَبْد المَلِكِ بن مَوَاهِب الوَرَّاق، وَالرُّكْن الطَّاوُوْسِيّ صَاحِب الطّرِيقَة بقَزْوِيْن، وَفَاطِمَة بِنْت سَعْد الخَيْر، وَبَهَاء الدِّيْنِ القَاسِم ابْن الحَافِظِ، وَمُحَمَّد بن صَافِي النَّقَّاش، وَضِيَاء الدِّيْنِ مُحَمَّد بن يُوْسُفَ الآمُلِيّ المُقْرِئ، وَصنعَة الْملك هِبَة اللهِ بن حَيْدَرَةَ.
211 - الأَرْتَاحِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدِ بنِ حَامِدٍ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، الصَّالِحُ، الخَيِّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابْنُ الشَّيْخِ الصَّالِحِ أَبِي الثَّنَاءِ (1) حَمْدِ بنِ حَامِدِ بنِ مُفَرِّجِ بنِ غِيَاثٍ الأَنْصَارِيُّ، الشَّامِيُّ، الأَرْتَاحِيُّ (2) ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الأَدَمِيُّ.
وُلِدَ تَقَرِيْباً: سَنَة سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ مَرْوِيَّاته: أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الفَرَّا سَنَة ثمَانِي عَشْرَةَ، فَرَوَى بِهَا كَثِيْراً، وَتَفَرَّد بِهَا، وَسَمِعَ فِي كبره مِنْ: عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ الأَرْتَاحِيّ، وَالمُبَارَك ابْن الطَّبَّاخِ بِمَكَّةَ.
وَهُوَ مِنْ بَيْت القُرْآن، وَالحَدِيْث، وَالصَّلاَح.
__________
(*) ترجم له ياقوت في (أرتاح) من معجم البلدان: 1 / 190، والمنذري في التكملة، الترجمة: 900، والذهبي في تاريخ الإسلام: م 18 ق 1 ص: 79 (بتحقيق الدكتور بشار وهو الذي سنعتمده للمتوفين بين 601 و610) ، والعبر: 5 / 2، ودول الإسلام: 2 / 81، وابن رجب في الذيل: 2 / 38، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 188، وابن العماد في الشذرات: 5 / 46، والقنوجي في التاج: 218.
(1) في الأصل: (البناء) وهو وهم ظاهر جدا.
(2) نسبة إلى (أرتاح) حصن من أعمال حلب.(21/415)
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُفَّاظ: عَبْدُ الغَنِيِّ، وَابْنُ المُفَضَّلِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ صَدْر الدِّيْنِ ابْن دِرْبَاس، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مَكَارِم، وَالكَمَال الضّرِير، وَالنَّظام عُثْمَان بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن رَشِيق، وَالمعين أَحْمَدَ بن زَيْن الدِّيْنِ، وَالخَطِيْب عَبْد الهَادِي القَيْسِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ مُهَلْهل، وَأَحْمَد بن حَامِدٍ الأَرْتَاحِيّ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ إِلَى ابْن بِنْتِهِ وَقَرَابَته لاَحقِ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ قَاسم بن أَحْمَدَ بنِ حَمْدٍ الأَرْتَاحِيّ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لأَحْمَدَ بن أَبِي الخَيْرِ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاء: كَانَ ثِقَةً، ديِّناً، ثَبْتاً، حَسَن السِّيْرَةِ، لَمْ نَعلم لَهُ شَيْئاً عَالِياً سِوَى إِجَازَة الفَرَّاءِ، وَكَانَ لاَ يَمَلُّ مِنَ التَّسْمِيْعِ -رَحِمَهُ الله-.
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ (1) : سَمِعْتُ مِنْهُ بِإِفَادَة أَبِي (2) ، تُوُفِّيَ: فِي العِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَان، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
(1) (التكملة) ، الترجمة: 900
(2) الذي في (التكملة) : (وهو أول شيخ سمعت منه الحديث بإفادة والدي) .(21/416)
الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلاَثُوْنَ
212 - ابْنُ كَامِلٍ يُوْسُفُ بنُ المُبَارَكِ بنِ كَامِلٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو الفُتُوْحِ يُوْسُفُ ابْنُ المُحَدِّثِ أَبِي بَكْرٍ المُبَارَكِ بنِ كَامِلِ بنِ أَبِي غَالِبٍ البَغْدَادِيُّ، الخَفَّافُ، المُقْرِئُ.
سَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ القَاضِي (1) ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّاز (2) ، وَإِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَيَحْيَى ابْن الطّرَاح، وَخَلْق.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَاليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْبُ، وَأَخُوْهُ؛ العِزّ عَبْد العَزِيْزِ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ: لِلزكِيّ المُنْذِرِيّ (3) ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ.
وَكَانَ أُمِّيّاً لاَ يَكتب، قَالَهُ ابْنُ النَّجَّار، وَقَالَ: هُوَ صَالِحٌ، حَافِظٌ
__________
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 877، ومشيخة النجيب عبد اللطيف، الورقة: 77 - 79، وتلخيص ابن الفوطي: 4 / الترجمة 807 ونقل عن ابن النجار، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 88 - 89، والمختصر المحتاج إليه، الورقة: 125، والعبر: 5 / 3، والنجوم الزاهرة: 6 / 188، وشذرات الذهب: 5 / 6.
(1) محمد بن عبدا لباقي الأنصاري.
(2) عبد الرحمان بن محمد القزاز.
(3) اجاز له من بغداد في شهر ربيع الأول سنة 596 كما صرح في (التكملة) .(21/417)
لِكِتَابِ اللهِ، وَلاَيعرف شَيْئاً مِنَ الفِقْهِ، عَسِرٌ فِي الرِّوَايَة، سَيِّئ الْخلق، مُتَبَرِّمٌ بِالسَّمَاع، كُنَّا نلقَى مِنْهُ شِدَّة، وَكَانَ فَقيراً مُدْقعاً، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاء النّظامِيَة، وَكَانَ يأْخذ عَلَى الرِّوَايَة.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ (1) ، وَسَمِعَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ (2) وَثَلاَثِيْنَ.
مَاتَ: فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ (3) مِنْ رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ (4) .
213 - ابْنُ الخُرَيْفِ، ضِيَاءُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ السَّقْلاَطُوْنِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَلِيٍّ ضِيَاءُ بنُ أَحْمَدَ (5) بنِ الحَسَنِ ابْنِ الخُرَيْفِ (6) السَّقْلاَطُوْنِيُّ، النَّجَّارُ.
مُكْثِرٌ عَنْ قَاضِي المَارستَان (7) .
__________
(1) يعني: وخمس مئة، وبه جزم النجيب عبد اللطيف في مشيخته (الورقة: 79) .
(2) الذي في تاريخ الإسلام: لثلاث وثلاثين.
(3) الذي في (تكملة) المنذري: ليلة الخامس والعشرين.
(4) ودفن بمقبرة الشونيزي في الجانب الغربي من بغداد عند والده.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 113 - 114، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 87 (باريس 5922) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة 932، ومشيخة النجيب عبد اللطيف، الورقة: 84 - 86، ومشتبه الذهبي: 231، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 103، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 116 - 117 والعبر: 5 / 5، والنجوم الزاهرة: 6 / 191، وشذرات الذهب: 5 / 8.
(5) قال ابن الدبيثي: (ويقال: المبارك مكان أحمد) (تاريخه، الورقة: 87 باريس 5922) .
(6) قيده الزكي المنذري فقال: (بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها فاء) (التكملة: 2 / 87.
(7) قال المنذري: (وكان جازا للقاضي أبي بكر محمد بن عبدا لباقي فسمع منه الكثير لقربه منه) (التكملة 2 / 86) .(21/418)
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ ابْنِ الفَرَّاءِ، وَابْن السَّمَرْقَنْدِي، وَكَانَ أُمِّياً.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدُّبَيْثِيّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالنَّجِيْب، وَأَخُوْهُ العِزّ.
وَأَجَازَ لِلْفخر عليّ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى (1) وَسِتّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: يُوْسُف بن كَامِلٍ الخَفَّاف، وَمُحَمَّد بن حَمْدٍ الأَرْتَاحِيّ، وَشُميم الحِليّ، وَمُحَمَّد بن الخصِيْب.
214 - البُسْتَنبَانُ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ أَيُّوْبَ الحَرْبِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ أَيُّوْبَ الحَرْبِيُّ، الفَلاَّحُ، البَقْلِيُّ (2) ، البُسْتَنْبَان (3) ، وَتَفْسِيْرُه النَّاطور.
سَمِعَ مِنْ: هِبَة اللهِ بن الحُصَيْنِ، وَتَفَرَّد بِالسَّمَاع مِنْ: أَبِي العِزّ بن
__________
(1) كذا ورد وهو الذي اختاره المؤلف هنا بدلالة ذكر وفاة الخفاف والارتاحي وشميم وابن الخصيب، وهو عندي سبق قلم من المؤلف لان الجميع اتفقوا على أنه توفي شوال من سنة اثنتين وست مئة، بعد ما ذكره المؤلف في تاريخ الإسلام وغيره من أنه توفي سنة اثنتين.
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 94 (باريس 5922) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة 878، والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 157، ومشيخة النجيب، الورقة: 79 - 82، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 61، والمختصر المحتاج: 2 / 147، والعبر: 5 / 2، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين، الورقة: 104، والنجوم الزاهرة: 6 / 188، وشذرات الذهب: 5 / 3.
(2) منسوب إلى زراعة البقل وبيعه.
(3) قيده المنذري وابن ناصر الدين بالحروف، قال المنذري: بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وفتح التاء ثالث الحروف وسكون النون وبعدها باء موحدة وبعد الالف نون، ويقال فيه أيضا: البستان بان: بإثبات الالف.(21/419)
كَادش (1) .
وَعَاشَ: سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَرَوَى عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة: ابْن أَبِي الخَيْرِ، وَالفَخْر عليّ.
مَاتَ: فِي رَبِيْع الأَوَّلِ (2) ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ.
215 - القَصْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الجَلِيْل بنُ مُوْسَى الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القَصْرِيُّ، مِنْ أَهْلِ قَصْرِ عَبْدِ الكَرِيْمِ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ، وَفتح بن مُحَمَّدٍ المُقْرِئ.
قَالَ الأَبَّار: كَانَ مُتَقَدِّماً فِي علم الكَلاَم، مشَاركاً فِي فُنُوْن، عمل (تَفْسِيْر القُرْآن) ، وَكِتَاب (شعب الإِيْمَان) ، وَكِتَاب (المَسَائِل وَالأَجوبَة) ، وَأَشيَاء، كَانَ صَاحِبَ زُهْد وَتبتّل.
__________
(1) أحمد بن عبيد الله بن محمد بن كادش.
(2) في سلخ ربيع الأول كما نص المنذري في (التكملة) ، وذكر أنه دفن بمقبرة باب حرب في الجانب الغربي من بغداد.
(*) التكملة لابن الابار: 3 / الورقة: 42 (نسخة الأزهر) ، وسوف يعيده المؤلف في هذه الطبقة (الترجمة:) ويذكر وفاته سنة 608 من غير أن يفطن إلى هذا. وكان المؤلف قد ترجمه في تاريخ الإسلام في وفيات سنة 601 ثم أعاد ترجمته في سنة 608 وألحق ترجمته على حواشي النسخة، وكتب بخطه على ترجمته له في سنة 601 (يحول) وأضاف بعد نهاية الترجمة قوله: (مات سنة ثمان) .
فحولته حينما نشرت ذلك القسم من تاريخ الإسلام (18 / 1 / 316 317) والطريف أن الابار ذكر وفاته في (التكملة) سنة 608، على أن ما نقله الذهبي هنا عنه لم أعثر عليه في ترجمته من (التكملة) فلعله ذكره في موضع آخر؟(21/420)
أَجَازَ لأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَوْط اللهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ.
216 - ابْنُ خَطِيْب المَوْصِلِ، أَحْمَدُ بنُ عَبْد اللهِ الطُّوْسِيُّ *
الشَّيْخُ، الخَطِيْبُ، أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ ابْنُ خَطِيْبِ المَوْصِلِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدّه أَبِي نَصْرٍ الخَطِيْب، وَأَبِي البَرَكَاتِ بن خَمِيْس، وَبِبَغْدَادَ مِنْ عَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيّ، وَغَيْرِهِ، وَوَلِيَ خِطابة المَوْصِل زَمَاناً، وَخِطابَة حِمْص مُدَيدَة، وَرجع وَحَدَّثَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَجدّه وَعَمّه عَبْد الرَّحْمَانِ، وَأَخُو عَبْدِ الرَّحْمَانِ عَبْد الوَهَّابِ، وَعَبْد المُحْسِنِ أَخُو هَذَا.
رَوَى عَنْهُ: ابْن خَلِيْلٍ، وَالتَّقِيُّ اليَلْدَانِيّ.
وَأَجَازَ: لابْنِ أَبِي الخَيْرِ، وَغَيْرهِ.
مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتّ مائَةٍ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ (1) .
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 191 (باريس 5921) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 946، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 50 - 51، والمختصر المحتاج: 1 / 188، والوافي بالوفيات: 7 / 85 - 86.
(1) الذي ذكر أنه توفي في سنة 601 هو ابن النجار البغدادي وقد تابعه المؤلف على هذا، وكان قد ذكر وفاته سنة 602 في تاريخ الإسلام) ثم طلب تحويلها إلى سنة 601 حينما ترجح له ذلك.
أما الذين ذكروا وفاته سنة 602 فهم: ابن الدبيثي في تاريخه والزكي المنذري في (التكملة) ومن تابعهما.
وقد تابع صلاح الدين الصفدي المحب ابن النجار فذكر وفاته سنة 601 لأنه نقل ترجمته من كتابه وأورد له شيئا من شعره.(21/421)
217 - التَّقِيُّ الأَعْمَى *
مُدَرِّسُ الأَمِينِيَّة (1) ، إِمَامٌ، مُفتٍ، خَبِيرٌ بِالمَذْهَبِ، ابْتُلِي بِأَخْذِ مَالِهِ، فَاتَّهَمَ بِهِ شَخْصاً يَقرَأُ عَلَيْهِ وَيَقوده، فَنَالَ النَّاس مِنْهُ، فَتَسَوْدَنَ، وَشَنَقَ نَفْسَه بِالمئذنَةِ الغربيَة، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ (2) .
وَدرَّس بِالأَمِينِيَّةِ الْجمال المِصْرِيّ (3) بَعْدَه.
218 - الفَرَّاءُ أَبُو المَفَاخِرِ خَلَفُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدٍ **
مُفْتِي أَصْبَهَان، أَبُو المَفَاخِرِ خَلَفُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، الفَرَّاءُ، الشَّافِعِيُّ.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْل بن الإِخشيذ، وَابْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيّ.
وَعَنْهُ: ابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء.
وَأَجَازَ لِلشَّيْخِ (4) ، وَلابْنِ البُخَارِيّ، وَابْن شَيْبَان (5) .
__________
(*) ذيل الروضتين لأبي شامة: 54 - 55، والعبر: 5 / 4، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 93 94، ونكت الهميان: 323 - 324، وطبقات السبكي: 8 / 345 - 346، وطبقات الاسنوي، الورقة: 24، والبداية لابن كثير: 13 / 44، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 166، وشذرات الذهب: 5 / 7.
واسمه: عيسى بن يوسف بن أحمد الغرافي، منسوب إلى الغراف، البلد والنهر المشهورين بالعراق حتى اليوم.
(1) منسوبة إلى أمين الدولة كمشتكين بن عبد الله المتوفى سنة 541 (الدارس للنعيمي: 1 / 177، ومنادمة الاطلال لبدران: 86 - 87) .
(2) ذكر أبو شامة أنه وجد مشنوقا في يوم الخميس السابع من ذي القعدة من السنة.
(3) كان الجمال المصري آنذاك وكيل بيت المال بدمشق.
(* *) تاريخ الإسلام: 18 / 1 / 99.
(4) يعني شمس الدين عبد الرحمان المقدسي.
(5) كما أجاز لابن أبي الخير.(21/422)
مَاتَ: فِي شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
219 - سِبْطُ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ المُسَلَّمِ *
المُفْتِي، شَرَفُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ المُسَلَّم السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مُدَرِّس الأَمِينِيَّة، وَيُعْرَف جدّه أَبُو الحَسَنِ: بِابْنِ بِنْت الشَّهْرُزُوْرِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ (1) .
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي العشَائِر الكُرْدِيّ (2) ، وَحَمْزَة ابْن الحُبُوْبِيِّ، وَخَالِهِ الصَّائِن ابْن عَسَاكِرَ (3) ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ شُهْدَة.
وَحَدَّثَ بِمِصْرَ وَبِبَغْدَادَ، وَكَانَ طَوِيْل البَاع فِي المُنَاظرة، فَصِيْحاً، بَلِيْغاً.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيُّ.
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 158 (كيمبرج) ، والتاريخ المجدد لابن النجار، الورقة: 8 (من مجلد باريس) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 924، وذيل الروضتين: 54، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 113 - 114، والمختصر المحتاج، الورقة: 99، وطبقات الاسنوي، الورقة: 160، والوافي بالوفيات: 12 / الورقة: 181، والبداية والنهاية: 13 / 44، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 153، 166، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 290، وذكره السبكي في (الطبقات الكبرى) لكن لم يبق غير اسمه وترجم له ترجمة جيدة في طبقاته الوسطى (انظر هامش الكبرى: 8 / 298) .
(1) وخمس مئة، هكذا ذكره ابن الدبيثي والمنذري ومنهما أخذ الذهبي، ولكن قال المحب ابن النجار: (بلغني أن مولد شيخنا أبي الحسن الفقيه كان في المحرم سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة بدمشق) (تاريخه المجدد، الورقة: 8) وبه أخذ السبكي في طبقاته الوسطى.
(2) أبو العشائر محمد بن الخليل القيسي.
(3) هبة الله بن الحسن، وهو أخو الحافظ أبي القاسم صاحب التاريخ المشهور، وقد سمع منه أيضا.(21/423)
قَالَ القُوْصِيُّ: أَخْبَرَنَا مُفْتِي الشَّام شَرَف الدِّيْنِ بِمَدْرَسَته الأَمِينِيَّة.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (1) : سَكَنَ حِمْص مُنْذُ أُخرج مِنْ دِمَشْقَ، وَكَانَ مُدَرِّس الأَمِينِيَّة وَالزَّاويَة المقَابلَة لِلبَرَادَة، وَكَانَ عَالِماً بِالمَذْهَب (2) وَالخلاَف، مَاهراً.
قُلْتُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ (3) ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ، بِحِمْصَ غرِيباً.
220 - مُحَمَّدُ بنُ كَامِلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَسَدٍ التَّنُوْخِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو المَحَاسِنِ التَّنُوْخِيُّ، المَعَرِّيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّاهدُ.
سَمِعَ مِنْهُ: الفَخْر ابْن البُخَارِيِّ الجُزْء السَّادِس مِنَ (الحِنائِيَات) فِي الخَامِسَة، بِسَمَاعه فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ مِنْ طَاهِر بن سَهْل (4) .
__________
(1) ذيل الروضتين: 54.
(2) يعني مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه.
(3) في التاسع من جمادى الآخرة، كما نص على ذلك ابن الدبيثي والمنذري والذهبي في كتبه الأخرى وغيرهم.
(*) مشيخة ابن البخاري، الورقة: 3 فما بعد، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 144 - 145، والعبر: 5 / 7.
(4) وهو ثاني شيخ في مشيخته التي من تخريج ابن الظاهري الحنفي، وحقه أن يكون أول شيخ فيها لولا أن قدم عليه والده لاحقيته، لان محمدا هذا هو أقدم شيوخ ابن البخاري وفاة، قال في مشيخته: (أخبرنا الشيخ المعدل أبو المحاسن محمد بن كامل بن أحمد بن أسد التنوخي المعري ثم الدمشقي بقراءة شيخنا الحافظ أبي الفتح محمد بن الحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي وأنا حاضر في الخامسة في شهر شعبان من سنة ست مئة، وليس على وجه الأرض أحد يروي عنه سواي، أخبرنا أبو محمد طاهر بن سهل.. (ثم أورد عنه حديثا من الحنائيات) .(21/424)
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: ابْن خَلِيْل، وَالضِّيَاء، وَجَمَاعَة.
مَاتَ: فِي رَبِيْع الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
221 - المَاكِسِيْنِيُّ أَبُو الحُرَمِ مَكِّيُّ بنُ رَيَّانَ *
العَلاَّمَةُ، إِمَامُ العَرَبِيَّة، صَائِنُ الدِّيْنِ، أَبُو الحُرَمِ مَكِّيُّ بنُ رَيَّانَ بنِ شَبَّةَ (1) بنِ صَالِحٍ المَاكِسِيْنِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، المُقْرِئُ، الضَّرِيرُ.
عمِي وَلَهُ ثَمَانِ سِنِيْنَ، وَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ أَنْ تَلاَ بِالسَّبْع، وَتَأَدّب عَلَى يَحْيَى بنِ سَعْدُوْنَ القُرْطُبِيّ (2) ، فَمهر فِي النَّحْوِ عَلَى: ابْنِ الخَشَّاب، وَعَلَى: أَبِي الحَسَنِ بنِ الْعصار، وَالكَمَال الأَنْبَارِيّ، وَتَقدّم فِي الآدَاب؛ تخرّج بِهِ عُلَمَاء المَوْصِل.
وَكَانَ ذَا تَقوَى وَصلاَح، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَتعصّب لأَبِي العَلاَءِ المَعَرِّيّ؛ لاتِّفَاقِهِمَا فِي الأَدب وَالعمَى بِالجُدَرِيّ.
__________
(*) ارشاد الاريب لياقوت: 7 / 176، والكامل لابن الأثير: 12 / 108، وإنباه الرواة: 3 / 320 - 322، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 981، وذيل الروضتين لأبي شامة: 58 59، والجامع لابن الساعي: 9 / 216 - 217، ووفيات الأعيان: 5 / 278 - 280، ومسالك الابصار لابن فضل الله 4 / 2 / الورقة: 339 - 345، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 149 - 150، والعبر: 5 / 8، وتلخيص ابن مكتوم، الورقة: 254، ونكت الهميان: 46، وغاية النهاية: 2 / 309، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة، الورقة: 253، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 299، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 23، وبغية الوعاة: 2 / 299 - 300، وشذرات الذهب: 5 / 11.
(1) ذكر أبو شامة - ونقل عنه بدر الدين العيني - أنه ربما يقع تصحيف في اسم أبيه وجده، وقال: فاعلم أن اسم أبيه أوله راء مهملة بعدها ياء وآخره نون واسم جده أوله شين معجمة بعدها باء موحدة.
(2) وسمع منه كتاب (الموطأ) رواية يحيى بن يحيى، ولكن وقع فيه وهم في الإسناد من جهة شيخه يحيى بن سعدون القرطبي، ذكر ذلك المنذري في (التكملة) .(21/425)
قَدِمَ فِي أَوَاخِرِ عُمُره، وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ السَّخَاوِيّ كِتَاب (أَسرَار العَرَبِيَّة) لِشيخه كَمَال الدِّيْنِ، وَكَانَ مَعَ برَاعته فِي القِرَاءات وَاللُّغَة يَدْرِي الفِقْه وَالحسَاب وَأَشيَاء.
كَانَ أَحَدَ الأَذكيَاء (1) .
رَوَى عَنْهُ: القُوْصِيّ، وَضِيَاء الدِّيْنِ، وَابْن أَخِيْهِ (2) ؛ الفَخْر عَلِيّ، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات وَالِد المُوَفَّق الكوَاشِي (3) .
تُوُفِّيَ: بِالمَوْصِل، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَاهز السَّبْعِيْنَ.
222 - عَبْدُ الرَّزَّاقِ ابْنُ شَيْخِ الإِسْلاَمِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ أَبِي صَالِحٍ الجِيْلِيُّ
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ،
__________
(1) وقد نبزه وتكلم فيه الجمال القفطي، فقال: واجتاز بحلب وأنابها، واجتمعنا فرأيت كلامه لم يكن في غاية الجودة والتحقيق، وكان إذا حوقق في أمر مما يجري من أنواع الأدب نزق وأظهر الغضب فرارا من العي عن الجواب، ورأيته يعيب على صاحب (الصحاح) أشياء يعفى عن مثلها، ويهمل من معايبه ما هو أشد من ذلك مما واخذه به العلماء) .
قلت: هذا تحامل شديد من القفطي على هذا العالم الجليل الذي اثنى عليه جملة كبيرة من مترجميه، وأين هذا من قول ياقوت الحموي (وقرأ عليه أهل الموصل وتخرج به أعيان أهلها..رأيته..وكان حرا كريما صالحا صبورا على المشتغلين يجلس لهم من السحر إلى أن يصلي العشاء الآخرة، وكان من احفظ الناس للقرآن ناقلا للسبع، نصب نفسه للاقراء فلم يتفرغ للتأليف، وكان يقرأ عليه الجماعة القرآن معا كل واحد منهم بحرف وهو يسمع عليهم كلهم ويرد على كل واحد منهم) .
وقال عز الدين ابن الأثير: (كان عارفا بالنحو واللغة والقراءات، لم يكن في زمانه مثله) . اللهم نسألك العافية!
(2) يعني ابن أخي الضياء.
(3) وأجاز للزكي المنذري من دمشق في شوال سنة 602.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 146، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 159 - 160 (باريس 5922) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 980، ومشيخة النعال البغدادي، الشيخ الخمسون، وذيل الروضتين: 58، ومشيخة النجيب عبد اللطيف، الورقة: 87، والجامع لابن الساعي: 9 / 214 - 215، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 133 - 134، والعبر: 5 / 6، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1385 - 1387، والمختر المحتاج، الورقة: 81، والبداية والنهاية: =(21/426)
أَبُو بَكْرٍ الجِيْلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الزَّاهِدُ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ صِرْمَا، وَابْن نَاصِر، وَأَبِي الكَرَمِ ابْنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَعُنِي بِهَذَا الشَّأْن، وَكَتَبَ الكَثِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَالضِّيَاء، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ: لِلشَّيْخِ شَمْس الدِّيْنِ، وَأَحْمَد بن شَيْبَان، وَخَدِيْجَة بِنْت رَاجِح، وَالفَخْر عَلِيّ.
وَيُقَالُ لَهُ: الحَلْبِيُّ؛ نِسبَة إِلَى مَحَلَّة الحَلْبَةِ (1) .
وَقَالَ الضِّيَاء: لَمْ أَرَ بِبَغْدَادَ فِي تيقُّظه وَتحرِّيه مِثْله.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : كَانَ زَاهِداً، عَابِداً، ثِقَة، مُقْتَنِعاً بِاليَسِيْر.
وَقَالَ ابْن النَّجَّارِ: كتب لِنَفْسِهِ كَثِيْراً، وَكَانَ خطّه رديئاً.
قَالَ: وَكَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، ثِقَة، حسن المَعْرِفَة، فَقِيْهاً، وَرِعاً، كَثِيْر العِبَادَة، مُنْقَطِعاً فِي مَنْزِلِهِ، لاَ يَخْرُج إِلاَّ إِلَى الجُمُعَةِ، وَكَانَ مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، مكرماً لِلطَّلبَة، سخيّاً بِالفَائِدَة، ذَا مُروءة، مَعَ قلّة ذَات يَده، صَابراً عَلَى فَقره عَلَى مِنْهَاج السَّلَف،
__________
= 13 / 46، والذيل لابن رجب: 2 / 40 - 41، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 298 - 299، والنجوم الزاهرة: 6 / 192، وقلائد التادفي: 43 - 44، وشذرات الذهب: 5 / 9 - 10 والتاج المكلل: 218.
(1) بالجانب الشرقي من بغداد.
(2) الذيل: 58.(21/427)
وَكَانَتْ جِنَازَته مَشْهُوْدَة، وَحُمِلَ عَلَى الرُّؤُوس -رَحِمَهُ الله-.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، فِي سَادِسِه (1) ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَمُحَمَّد بن مَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَمَكِّيّ بن رَيَّانَ المَاكِسِيْنِيّ.
223 - صَاحِبُ الرُّوْمِ سُلَيْمَانُ بنُ قِلْج أَرْسَلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ *
السُّلْطَانُ رُكْنُ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ ابْنُ السُّلْطَانِ قِلْج أَرْسَلاَن بنِ مَسْعُوْدِ بنِ قِلْج أَرْسَلاَن بنِ سُلَيْمَانَ السَّلْجُوْقِيُّ.
مرض بِالقُوْلَنْج، فَهَلكَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتّ مائَة، وَكَانَتْ دَوْلَته ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ قَبْل مَوْته بِأَيَّام قَدْ غدر بِأَخِيْهِ صَاحِب أَنقرَة الَّتِي يُقَالُ لَهَا الآنَ أَنكورِيَة.
قَالَ المُؤَيَّد الحَمْوِيّ: كَانَ يَمِيْل إِلَى مَذْهَب الفَلاَسِفَة، وَيُقَدِّمهُم.
وَملّكُوا بَعْدَهُ وَلده قِلْج أَرْسَلاَن، فَلَمْ يَتمّ ذَلِكَ.
224 - ابْنُ الفَاخِرِ مُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرٍ الأَصْبَهَانِيُّ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، الأَدِيْبُ الكَامِل، بَقِيَّة المَشَايِخ، مُخْلِصُ
__________
(1) في ليلة السادس منه كما ذكر المنذري في (التكملة) .
(*) الكامل لابن الأثير: 12 / 81 - 82، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 860، والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 130، وتاريخ ابن العبري: 228، المختصر لأبي الفدا: 3 / 111، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة: 181، والبداية والنهاية: 13 / 37 - 38، والسلوك للمقريزي: 1 / 163 وغيرها.
(* *) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 150 (باريس 5921) ، وعقود الجمان لابن الشعار: 6 / الورقة: 208 - 208، 254، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 961، وتلخيص مجمع =(21/428)
الدِّيْنِ (1) ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الفَاخِرِ القُرَشِيُّ، العَبْشَمِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
وَسَمِعَ مِنْ: فَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة حُضُوْراً، وَمِنْ: جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَإِسْمَاعِيْل الإِخشيذ، وَابْن أَبِي ذَرٍّ (3) ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَالحُسَيْن بن عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وَزَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَعِدَّة.
وَأَملَى بِبَغْدَادَ، وَكَانَ رَئِيْساً، مُحْتَشِماً، مُحَدِّثاً، مُفِيْداً، مُتَفَنِّناً، بَصِيْراً بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، لَهُ صُوْرَة كَبِيْرَة فِي الدَّوْلَة.
رَوَى عَنْهُ: ابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ (4) ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ: لِلبُرْهَان ابْن الدَّرَجِيِّ، وَابْن البُخَارِيِّ.
مَاتَ: بَشِيْرَاز، فِي رَبِيْع الأَوَّلِ (5) ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ لاَ يُجِيْز المَنَاكِيْر وَالمَوْضُوْعَات (6) .
__________
= الآداب: 4 / الترجمة: 438، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 146 - 147، والمختصر المحتاج: 1 / 147، والعبر: 5 / 7، وطبقات السبكي: 5 / 43، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 173، والنجوم الزاهرة: 6 / 193، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، الورقة: 60، وشذرات الذهب: 5 / 11.
(1) ويلقب (فخر الدين) أيضا، وقد ذكره ابن الفوطي في الملقبين بذلك من تلخيصه (4 / الترجمة: 438) .
(2) في ليلة الخامس والعشرين من جمادى الآخرة من السنة، كما في تكملة المنذري.
(3) أبو بكر محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني.
(4) الحافظ: هو عبد الغني المقدسي المتوفى سنة 600 هـ.
(5) ولكن ذكر المنذري وابن النجار أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الآخر من السنة، وذكر المنذري أنه توفي بأصبهان عند قدومه إليها من شيراز.
(6) يعني: يمتنع من إجازة المناكير والموضوعات.(21/429)
225 - الصَّيْدَلاَنِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرٍ *
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الوَقْتِ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْرِ بنِ أَبِي الفَتْحِ حُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَالويه الأَصْبَهَانِيُّ، الصَّيْدَلاَنِيُّ، سِبْطُ حُسَيْنِ بنِ مَنْدَةَ.
وَلد: لَيْلَة النَّحْر، سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ حُضُوْراً فِي الثَّالِثَة شَيْئاً كَثِيْراً مِنْ أَبِي عَلِيٍّ (1) ، وَكَانَ يُمكنه السَّمَاع مِنْهُ، فَمَا اتَّفَقَ.
وَحَضَرَ: مَحْمُوْدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الأَشْقَرَ، وَعَبْدَ الكَرِيْمِ بنَ عَلِيٍّ فَورجَة، وَحَمْزَةَ بنَ العَبَّاسِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ الفَضْلِ الأُمَوِيَّ، وَجَعْفَرَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيَّ، وَأَبَا عَدْنَان مُحَمَّدَ بنَ أَبِي نِزَارٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: فَاطِمَة بِنْت عَبْدِ اللهِ (2) (المُعْجَم الكَبِيْر) لِلطَّبَرَانِيِّ بكمَاله، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَتَفَرَّد بِالرِّوَايَة عَنِ المَذْكُوْرِيْنَ سِوَى فَاطِمَة.
وَكَانَ يُعرف: بِسِلَفَةَ.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الضِّيَاء- فَأَكْثَر وَبَالَغَ- وَمُحَمَّد بن عُمَرَ العُثْمَانِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن الحَافِظِ، وَبَدَل التَّبْرِيْزِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ الزَّنْجَانِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَحَسَن بن يُوْنُسَ سِبْط دَاوُد بن مَعْمَرٍ، وَعَبْد اللهِ بن يُوْسُفَ ابْن اللَّمْطِ، وَأَبُو الخَطَّابِ بن دِحْيَة، وَخَلْق.
__________
(*) تكملة المنذري: 2 / الترجمة: 990، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 140 - 141، ودول الإسلام: 2 / 82، والعبر: 5 / 7، وذيل التقييد للفاسي، الورقة: 20، والنجوم الزاهرة: 6 / 193، وشذرات الذهب: 5 / 10 - 11.
(1) أبو علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني المتوفى سنة 515.
(2) الجوزدانية المتفردة بروايته عن ابن ريذة عن المؤلف.(21/430)
وَأَجَازَ: لابْنِ الدَّرَجِيِّ، وَابْن البُخَارِيِّ، وَابْن شَيْبَان، وَطَائِفَة (1) .
تُوُفِّيَ: فِي سَلْخِ رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فِيمَا قَرَأْت بِخَطِّ الضِّيَاء.
226 - حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ فَرَجِ بنِ سَعَادَةَ *
بَقِيَّةُ المُسْنَدينَ، أَبُو عَلِيٍّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الرُّصَافِيُّ، المُكَبِّرُ، رَاوِي (المُسْنَدِ (2)) كُلِّهِ عَنْ هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَسَمَاعُهُ لَهُ بِقِرَاءةِ ابْنِ الخَشَّابِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ أَحَادِيْث مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ المُؤَمِّلِ، وَكَانَ يُكبِّرُ بِجَامِعِ المَهْدِيِّ، وَيُنَادِي فِي الأَملاَكِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَالتَّاجُ القُرْطُبِيُّ، وَالمُوَفَّقُ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأَبارِيُّ (3) ، وَالصَّدْرُ البَكْرِيُّ، وَخَطِيْبُ مَرْدَا، وَالتَّقِيُّ بنُ أَبِي اليُسْرِ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَالشَّيْخُ الفَخْرُ، وَغَازِي ابْنُ الحَلاَوِيِّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
(1) ومنهم: أحمد بن أبي الخير، والشيخ شمس الدين عبد الرحمان بن أبي عمر، والكمال عبد الرحيم، وإسماعيل العسقلاني.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 91، والكامل لابن الأثير: 12 / 116، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 39 (باريس 5922) ، ومرآة الزمان: 8 / 536 - 537، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 998، وذيل الروضتين لأبي شامة: 62، والجامع لابن الساعي: 9 / 245 - 246، ومشيخة النجيب عبد اللطيف الحراني، الورقة: 91 - 93، ومشيخة ابن البخاري، الورقة: 10، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 157 - 158، والعبر: 5 / 10، والمختصر المحتاج: 2 / 54، ودول الإسلام: 2 / 83، والبداية لابن كثير: 13 / 50، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 311 - 312، والنجوم الزاهرة: 6 / 195، وشذرات الذهب: 5 / 12.
(2) مسند الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
(3) لأنه كان خطيب بيت الابار.(21/431)
قَالَ أَبُو شَامَةَ (1) : كَانَ فَقِيراً جِدّاً، رَوَى (المُسْنَدَ) بِإِرْبِلَ، وَبِالمَوْصِلِ، وَدِمَشْقَ، وَكَانَ يَمرض بِالتخم، كَانَ السُّلْطَانُ يَعملُ لَهُ الأَلوَانَ.
وَقَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: كَانَ أَبُوْهُ قَدْ وَقَفَ نَفْسَه عَلَى مصَالِحِ المُسْلِمِيْنَ، وَالمَشْيِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِم، وَكَانَ أَكْثَرَ هَمِّهِ تَجهيزُ المَوْتَى عَلَى الطُّرُقِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (2) : حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
لَمَّا وُلِدتُ، مَضَى أَبِي إِلَى الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيِّ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ وُلِدَ لِيَ ابْنٌ، مَا أُسَمِّيْهِ؟
قَالَ: سَمِّهِ حَنْبَلَ، وَإِذَا كَبِرَ سَمِّعْهُ (مُسْنَدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ) .
قَالَ: فَسمَّانِي كَمَا أَمرَهُ، فَلَمَّا كَبِرْتُ، سَمَّعَنِي (المُسْنَدَ) ، وَكَانَ هَذَا مِنْ بَركَةِ مَشُوْرَةِ الشَّيْخِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (3) : كَانَ دَلاَّلاً فِي بَيعِ الأَملاَكِ، سُئِلَ عَنْ مَوْلِدِه، فَذَكَرَ مَا يَدلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَتُوُفِّيَ بَعْد عَوْدِه مِنَ الشَّامِ، فِي لَيْلَةِ الجُمُعَةِ، رَابِع (4) مُحَرَّمٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: سَمِعْتُ مِنْهُ جَمِيْعَ (المُسْنَدِ) بِبَغْدَادَ، أَكْثَرُهُ بِقِرَاءتِي عَلَيْهِ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ مَجْلِساً، وَلَمَّا فَرغْتُ (5) ، أَخذتُ أُرَغِّبُهُ فِي السَّفَرِ إِلَى الشَّامِ، فَقُلْتُ: يَحصلُ لَكَ مَالٌ، وَيُقْبِلُ عَلَيْكَ وُجُوهُ النَّاسِ وَرُؤَسَاؤُهُم.
فَقَالَ: دَعْنِي؛ فَوَاللهِ مَا أُسَافرُ لأَجْلِهِم، وَلاَ لِمَا يَحصلُ مِنْهُم، وَإِنَّمَا أُسَافرُ
__________
(1) ذيل الروضتين: 62.
(2) التقييد، الورقة: 91.
(3) ذيل تاريخ مدينة السلام، الورقة: 39 (باريس 5922) .
(4) الذي في تكملة المنذري: (ليلة الرابع عشر) ومثله في مشيخة النجيب عبد اللطيف الحراني حيث ذكر أنه توفي في اليوم الثالث عشر من المحرم.
(5) يعني من سماعه.(21/432)
خدمَةً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْوِي أَحَادِيْثَه فِي بَلَدٍ لاَ تُرْوَى فِيْهِ.
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: اجْتَمَعَ لَهُ جَمَاعَةٌ لاَ نَعلمُهَا اجْتَمَعتْ فِي مَجْلِسِ سَمَاعٍ قَبْلَ هَذَا بِدِمَشْقَ، بَلْ لَمْ يَجتمعْ مِثْلُهَا لأَحدٍ مِمَّنْ رَوَى (المُسْنَدَ) .
قُلْتُ (1) : أَسْمَعُهُ مَرَّة بِالبَلَدِ، وَمرَّةً بِالجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ.
وَفِيْهَا مَاتَ: عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ سُلْطَانَ المُقْرِئُ، وَسِتُّ الكَتَبَةِ بِنْتُ الطَّرَّاحِ.
227 - ابْنُ القَارِصِ الحُسَيْنُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بنِ حَسَنٍ الحَرِيْمِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، العَالِمُ، المُقْرِئُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بنِ حَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ الحَرِيْمِيُّ، الضَّرِيرُ، المَعْرُوفُ: بِابْنِ القَارِصِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ شَيْئاً مِنَ (المُسْنَدِ (2)) ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَبِي حَنِيْفَةَ الإِمَامِ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الخَزَّازِ، وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ.
وَأَجَازَ: لِلْفَخْرِ ابْنِ البُخَارِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (3) : قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى المُبَارَكِ بنِ أَحْمَدَ بنِ النَّاعُوْرَةِ،
__________
(1) القول للذهبي.
(*) تكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1070، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 189، والمختصر المحتاج: 2 / 43، والمشتبه: 493، والعبر: 5 / 12، والنجوم الزاهرة: 6 / 196 - 197، وشذرات الذهب: 5 / 14، وتصحف في (الشذرات) إلى (الفارض) وقد قيده المنذري في (التكملة) والذهبي في (المشتبه) .
(2) مسند الامام أحمد رضي الله عنه.
(3) قول ابن النجار هذا لم يورده المؤلف في (تاريخ الإسلام) .(21/433)
وَسَمِعَ أَكْثَرَ (المُسْنَدِ) مِنِ ابْنِ الحُصَيْنِ، وَكَانَ صَالِحاً، حَسَنَ الأَخْلاَقِ.
تُوُفِّيَ: فِي التَّاسِعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً.
228 - سِتُّ الكَتَبَةِ نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ *
اسْمُهَا: نِعْمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيِّ ابْنِ الطَّرَّاحِ.
سَمِعَتْ مِنْ جَدِّهَا: كِتَابَ (الكِفَايَةِ (1)) لِلْخَطِيْبِ، وَكِتَابَ (البُخَلاَءِ (2)) لَهُ، وَكِتَابَ (الجَامِعِ (3)) ، وَكِتَابَ (السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ (4)) ، وَكِتَابَ (القُنُوْتِ) ، وَأَشيَاءَ.
وَسَمِعَتْ مِنْ: أَبِي الشُّجَاعِ البِسْطَامِيِّ.
وَأَجَازَ لَهَا: مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيّ، وَالفُرَاوِيّ.
حَدَّثَ عَنْهَا: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَاليَلْدَانِيّ، وَالمُنْذِرِيّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْر عَلِيّ (5) ، وَجَمَاعَة.
__________
(*) مرآة الزمان: 8 / 539، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1008، وذيل الروضتين: 63، والمختصر المحتاج إليه، الورقة: 131، والمشتبه: 581، والعبر: 5 / 10، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 161، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 313، والنجوم الزاهرة: 6 / 195، وشذرات الذهب: 5 / 12.
(1) الكفاية في علم الرواية، طبع في الهند.
(2) طبع ببغداد بتحقيق الدكتور أحمد مطلوب ورفاقه.
(3) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، وسماعها على نسخة الإسكندرية، وطبع بأخرة.
(4) وقد طبع حديثا.
(5) قال فخر الدين ابن البخاري في مشيخته التي من تخريج ابن الظاهري الحنفي: (أخبرتنا الشيخة المسندة أم عبد الغني ست الكتبة نعمة..قدمت علينا قراءة عليها وأنا أسمع في جمادى الأولى في سنة إحدى وست مئة بدمشق.. (الورقة: 124) .(21/434)
وَلدت سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) ، وَقِيْلَ (2) : سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَتُوُفِّيَتْ: بِدِمَشْقَ، فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
229 - عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي المُطَهّرِ القَاسِمِ بنِ الفَضْلِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، الرّحلَةُ، أَبُو القَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ، الصَّيْدَلاَنِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَجَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيّ، وَفَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة، وَإِسْمَاعِيْل الإِخشيذ، وَابْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيّ.
وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ: عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّشْتَج صَاحِب أَبِي نُعَيْمٍ، وَعُمِّرَ دَهْراً، فَإِنَّ مَوْلِدُهُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشَرَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظَان؛ الضِّيَاء وَابْن خَلِيْلٍ، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ: لِلشَّيْخِ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَانِ، وَالكَمَال عَبْد الرَّحِيْمِ، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ، وَأَحْمَد بن شَيْبَان، وَالفَخْر عَلِيّ.
تُوُفِّيَ: بِأَصْبَهَانَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ كِتَابَةً، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ
__________
(1) الذي قال ذلك هو الشهاب القوصي في معجمه.
(2) هذا قول عبد العظيم المنذري في (التكملة) .
(*) تاريخ الإسلام: 18 / 1 / 198، والعبر: 5 / 13.
ولم يترجمه المنذري في تكملته مع أنه ترجم أخاه أبا الفضائل الفضل بن القاسم المتوفى في الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة 587 (1 / الترجمة: 143) .(21/435)
القَاسِم، أَنَّ عَبْد الوَاحِدِ بن مُحَمَّد أَخْبَرَهُم فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ (1) حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الخَطْمِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْب، قَالَ:
دُعِي عَبْد اللهِ بن يَزِيْدَ (2) إِلَى طَعَامٍ، فَلَمَّا جَاءَ، رَأَى البَيْتَ مُنَجَّداً، فَقعد خَارِجاً، وَبَكَى، وَقَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَطَالَعَتْ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا ثَلاَثاً- أَيْ أَقْبَلَتْ-) .
ثُمَّ قَالَ: (أَنْتُمْ خَيْرٌ أَمْ إِذَا غَدَتْ عَلَيْكُمْ قَصْعَةٌ وَرَاحَتْ أُخْرَى، وَيَغْدُو أَحَدُكُم فِي حلَّةٍ وَيَرُوْحُ فِي أُخْرَى، وَتَسْتُرُوْنَ بُيُوْتَكُم كَمَا تُسْتَرُ الكَعْبَةُ) .
قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَفَلاَ أَبْكِي؟ وَقَدْ رَأَيتكُم تَسْتُرُوْنَ بيوتكُم كَمَا تُسْتر الكَعْبَة.
النَّسَائِيُّ فِي (اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) ، عَنْ هِلاَلِ بنِ العَلاَءِ، عَنْ عَفَّانَ.
230 - ابْنُ المُنَجَّى أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّى بنِ بَرَكَاتٍ التَّنُوْخِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَابِلَة، وَجِيْهُ الدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّى بنِ أَبِي المُنَجَّى بَرَكَاتِ بنِ المُؤَمَّلِ التَّنُوْخِيُّ، المَعَرِّيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ أَنْ تَفَقَّهَ (3) عَلَى شَرَفِ الإِسْلاَمِ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ
__________
(1) يعني وخمس مئة.
(2) عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري الصحابي.
(*) تكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1099، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 219 - 220، والعبر: 5 / 17، وذيل ابن رجب: 2 / 49 - 50، وسلم الوصول لحاجي خليفة، الورقة: 182، وشذرات الذهب: 5 / 18 - 19، والتاج المكلل للقنوجي: 219 - 220.
(3) تفقه على مذهب الامام أحمد بن حنبل.(21/436)
الحَنْبَلِيِّ، فَتَفَقَّهَ أَيْضاً عَلَى: الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَالشَّيْخ أَحْمَد الحَرْبِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ (1) ، وَأَنُوشْتِكِيْن الرَّضْوَانِيّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: نَصْر بن مُقَاتِل، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَالزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ (2) ، وَالفَخْر ابْن البُخَارِيِّ، وَجَمَاعَة.
وَلأَجْلِهِ بَنَى الرَّئِيْس مِسْمَار مَدْرَسَته (3) ، وَوقفهَا عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَته.
وَلَهُ: شعر جَيِّد، وَمَعْرِفَة تَامَّة، وَجَلاَلَة وَافرَة.
أَلَّفَ: كِتَاب (النِّهْايَةِ فِي شَرْحِ الهِدَايَةِ) فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب (الخُلاَصَةِ فِي المَذْهَبِ) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَفِي أَوْلاَدِهِ عُلَمَاء وَكُبَرَاء.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ (4) ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ حرَّان فِي دَوْلَةِ الْملك نُوْر الدِّيْنِ.
وَمَاتَ أَخُوْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ عَنْ غَيْر عَقِبٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ مُقَاتِلٍ.
__________
(1) محمد بن عمر الارموي.
(2) يعني الشيخ الشمس عبد الرحمان بن أبي عمر المقدسي.
(3) وهي المدرسة المسمارية بدمشق.
(4) لكن الزكي المنذري ذكر أنه توفي في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة.(21/437)
231 - المَنْدَائِيُّ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بختيَارَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القَاضِي، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ ابْنُ القَاضِي أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ بختيَار بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَنْدَائِيُّ، الوَاسِطِيُّ.
وُلِدَ: بِوَاسِطَ، فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ (1) .
وَاعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَقَدِمَ بِهِ (2) ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ كَثِيْراً، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ البَارِعِ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الطَّبَرِ، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المُجْلِي، وَالحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ العَبْدَرِيِّ، وَمكِيِّ البُرُوْجِرْدِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ البَيْهَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ المَزْرَفِيِّ، وَقَاضِي المَارستَانِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بنِ خَيْرُوْنَ، وَعِدَّةٍ.
وَقَدْ وَلِيَ أَبُوْهُ قَضَاءَ الكُوْفَةِ، فَسَمَّعَهُ بِهَا مِنْ: أَبِي البَرَكَاتِ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيِّ.
وَبِوَاسِطَ مِنْ: أَبِي الكَرَمِ نَصْرِ اللهِ بنِ الجَلَخْتِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الجُلاَّبِيِّ، وَالمُبَارَكِ بنِ نَغُوْبَا.
وَتَلاَ بِهَا عَلَى: أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الآمِدِيِّ، وَابْنِ تركَانَ.
وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن الرَّزَّاز.
وَتَأَدَّبَ عَلَى: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْنِ الجَوَالِيْقِيِّ.
__________
(*) الكامل لابن الأثير: 12 / 118، وتاريخ ابن الدبيثي: 1 / 142 - 145 (بتحقيقنا) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1064، والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 277 - 278، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 206 - 257، والمختصر المحتاج: 1 / 18، ومعرفة القراء، الورقة: 183 - 184، والمشتبه: 624، والعبر: 5 / 14، والوافي للصفدي: 2 / 116، والبداية لابن كثير: 13 / 52، وغاية النهاية: 2 / 56، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 316، والنجوم الزاهرة: 6 / 196، وشذرات الذهب: 5 / 17.
(1) يعني: وخمس مئة.
(2) إلى بغداد.(21/438)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ، وَفُتُوْحُ بنُ نُوْحٍ الجُوَيْنِيُّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ: لابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ، وَالقَاضِي عَبْدِ الوَاحِدِ الأَبْهَرِيِّ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (1) : كَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، جَيِّدَ الأُصُوْلِ، صَحِيْحَ النَّقْلِ، متيقِّظاً، صَارَ أَسنَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ، عَقْلاً وَخُلُقاً وَمَوَدَّةً.
وَقَالَ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ (2) : كَانَ بَقِيَّةَ السَّلَفِ، وَشَيْخَ القُضَاةِ وَالشُّهُودِ، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ بـ (المُسْنَدِ) كَامِلاً، وَكَانَ يَعرف مَا يُقرَأُ عَلَيْهِ.
وَسُئِلَ عَنْ مَعْنَى المَاندَائِيِّ (3) ، فَقَالَ: كَانَ أَجدَادِي قَوْماً مِنَ العجَمِ تَأَخَّرَ إِسلاَمُهُم، فَسُمُّوا بِذَلِكَ، وَهُوَ البَاقِي بِالفَارِسيَّةِ.
مَاتَ: فِي ثَامنِ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بدَارِهِ، وَخُتمت عِنْدَهُ عِدَّةَ خِتَمٍ -رَحِمَهُ الله- وَقَدْ نَابَ مُدَّةً فِي قَضَاءِ وَاسِطَ.
كتبَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الحَازِمِيُّ، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِبَغْدَادَ بِالكَثِيْرِ (4) ، وَثَّقَهُ ابْنُ النَّجَّارِ.
__________
(1) ذيل تاريخ مدينة السلام: 1 / 143.
(2) التكملة: 2 / الترجمة: 1064.
(3) هكذا وردت بالالف، وهو جائز أيضا. وقد تحرفت في المصادر الأخرى تحريفات كثيرة كما في البداية لابن كثير وغاية النهاية والشذرات وغيرها.
(4) ومات الحازمي قبله بإحدى وعشرين سنة.(21/439)
232 - ابْنُ مَشِّق أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، الفَاضِلُ، المُحَدِّثُ، مُفِيْدُ بَغْدَادَ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ البَغْدَادِيُّ، البَيِّعُ، عُرِفَ بِابْنِ مَشِّق.
وُلِدَ: سَنَةَ 533، وَسَمَّعَهُ وَالِدُهُ، ثُمَّ طَلَبَ بِنَفْسِهِ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ الأَشْقَرِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ الأُرْمَوِيَّ، وَسَعِيْدَ ابْنَ البَنَّاءِ، وَسَعْدَ الخَيْرِ الأَنْدَلُسِيَّ، فَمَنْ بَعْدَهُم.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ، وَالنَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَطَائِفَةٌ.
وَأَجَازَ: لِلْفخرِ عَلِيٍّ، وَلإِسْمَاعِيْلَ العَسْقَلاَنِيِّ، وَكَانَ صَدُوْقاً، مُتودِّداً، جَمِيْلَ السِّيرَةِ.
قَالَ الدُّبَيْثِيُّ (1) : لَمْ يَرْوِ إِلاَّ اليَسِيْرَ، وَقَدْ عَملَ (المُعْجَمَ (2)) ، وَبلغَتْ أَثبَاتُهُ سِتَّ مُجَلَّدَاتٍ، وَاختلطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بنَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، حَتَّى كَانَ لاَ يَأْتِي بِشَيْءٍ عَلَى وَجهِ الصِّحَّةِ، فَتركَهُ النَّاسُ.
مَاتَ: فِي حَادِي عشرَ شَعْبَان، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَالقَاضِي صَدْرُ الدِّيْنِ ابْنُ دِرْبَاسٍ، وَشَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو الجُودِ اللَّخْمِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحَرِيْمِيُّ ابْنُ
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 141 - 142 (باريس 5921) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1067، ومشيخة النجيب عبد اللطيف، الورقة: 96 - 97 وهو الشيخ الثاني والخمسون فيها. والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 279 - 280، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 159، والمختصر المحتاج: 1 / 140، والعبر: 5 / 14، والوافي بالوفيات: 4 / 382، والنجوم الزاهرة: 6 / 196، وشذرات الذهب: 5 / 18، وتاج العروس: 7 / 71.
(1) ذيل تاريخ مدينة السلام، الورقة: 142 (باريس 5922) .
(2) كان هذا (المعجم) من مصادر ابن الدبيثي في تاريخه، ولا نعرف اليوم له نسخة.(21/440)
القَارصِ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي المُطَهَّرِ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ.
233 - حَمْزَةُ بنُ عَلَيِّ بنِ حَمْزَةَ بنِ فَارِسٍ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو يَعْلَى ابْنُ القُبَّيْطِيِّ (1) ، الحَرَّانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، أَخُو المُحَدِّثِ أَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: أَبِيْهِ، وَسِبْط الخَيَّاطِ (3) ، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَعُمَرَ بنِ ظَفَرٍ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ اليَزْدِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ تَوْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ السَّلاَّلِ، وَعَلِيِّ بن الصَّبَّاغِ، وَأَبِي سَعْدٍ البَغْدَادِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَكَتَبَ وَتعبَ وَحصَّلَ الأُصُوْلَ، لَكِنِ احترقَتْ كتُبُهُ، وَكَانَ مليحَ الكِتَابَةِ، مُتْقِناً، إِمَاماً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَعِدَّةٌ.
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 89، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 36 - 37 (باريس 5922) ، ومرآة الزمان: 8 / 526 - 527، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 939، وذيل الروضتين: 54، والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 189، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 97 - 98، والعبر: 5 / 4، والمختصر المحتاج: 2 / 50، والوافي بالوفيات: 11 / الورقة: 142، وغاية النهاية لابن الجزري: 1 / 264، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة 290، والنجوم الزاهرة: 6 / 290، وشذرات الذهب: 5 / 7.
(1) قيده المنذري في (التكملة) فقال: بضم القاف وفتح الباء الموحدة وتشديدها وسكون الياء آخر الحروف وبعدها طاء مهملة مكسورة.
(2) في رمضان، كما ذكر غير واحد.
(3) سبط الخياط هو: أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ المشهور.(21/441)
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : أَكْثَرتُ عَنْهُ، وَلاَزمتُهُ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ مِنْ كُتُبِ القِرَاءاتِ وَالأَدبِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، مَوْصُوَفاً بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وَطيبِ النَّغْمَةِ، يَقصُدُهُ النَّاسُ فِي التَّرَاويحِ، مَا رَأَيْتُ قَارِئاً أَحلَى نَغمَةً مِنْهُ، وَلاَ أَحْسَنَ تَجويداً، مَعَ عُلُوِّ سِنِّهِ، وَانقلاعِ ثَنِيَّتِهِ، وَكَانَ تَامَّ المَعْرِفَةِ بوُجُوهِ القِرَاءاتِ وَعِلَلِهَا، وَحَفِظَ أَسَانِيْدَهَا وَطُرُقهَا، وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَة بِالحَدِيْثِ، وَكَانَ دَمِثاً، لطيفاً، متودِّداً، وَكَانَ فِي صِبَاهُ مِنْ أَحْسَنِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَظرفِهِم، مَعَ صيَانَةٍ وَنزَاهَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الشُّيُوْخِ صُوْرَةً، وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِي وَصْفِهِ؛ فَأَنْشَدَنِي يَحْيَى بنُ طَاهِرٍ، أَنْشَدَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ لِنَفْسِهِ فِي حَمْزَةَ بنِ القُبَّيْطِيِّ:
تَمَلَّكَ مُهْجَتِي ظَبْيٌ غَرِيرٌ ... ضَنِيتُ بِهِ وَلَمْ أَبْلُغْ مُرَادِي
فَتَصْحِيْفُ اسْمِهِ فِي وَجْنَتَيْهِ ... وَمِنْ رِيقٍ بِفِيْهِ وَفِي فُؤَادِي
قَرَأْتُ عَلَى حَمْزَةَ بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ تَوبَةَ، حَدَّثَنَا الخَطِيْبُ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
تُوُفِّيَ: فِي ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: الضِّيَاءُ بنُ الخُرَيفِ، وَسُلْطَانُ غَزْنَةَ الشِّهَابُ الغُوْرِيُّ.
234 - ابْنُ الخَصِيْبِ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي الرِّضَا بنِ الخَصَيْبِ بنِ زَيْدٍ القُرَشِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
__________
(1) قول ابن النجار هذا كله لم يورده المؤلف في كتابه (تاريخ الإسلام) .
(*) تكملة المنذري: 2 / الترجمة: 861، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 78، والنجوم الزاهرة: 6 / 188، وشذرات الذهب: 5 / 6.(21/442)
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ (1) .
وَسَمِعَ مِنْ: جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ (2) ، وَأَبِي طَالِبٍ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَقِيْلٍ الصُّوْرِيِّ، وَنَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَقْدِسِيُّ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ الكَافِي، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي بَكْرٍ الوَاعِظُ الحَمْوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَلَّمِ بنِ أَبِي الخوفِ، وَيُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ القُوْصِيُّ، وَخَالِدٌ النَّابلسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ العَامِرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ: لأَحْمَدَ بنِ سَلاَمَةَ الحَدَّادِ، وَالفَخْرِ ابْنِ البُخَارِيِّ، وَالكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
وَثَّقَهُ بَعْضُهُم، وَضَعَّفَهُ ابْنُ خَلِيْلٍ، وَمَا فَسَّرَ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتَّ مائَةٍ، فِي ثَالِثِ المُحَرَّمِ، وَكَانَ يُعرَفُ قَدِيْماً بِسِبْطِ زِيدٍ المُحْتَسِبِ.
235 - عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيٍّ المَقْدِسِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الصَّادِقُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، الأَثَرِيُّ (3) ، المُتَّبَعُ،
__________
(1) مولده في السادس عشر من رجب سنة 525 كما في تكملة المنذري.
(2) علي بن المسلم السلمي.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 158، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 179 (باريس 5922) ، ومرآة الزمان: 8 / 519 - 522، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 778، وذيل الروضتين: 46، والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 140، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد، الورقة: 49 - 50، وتاريخ الإسلام: الورقة: 127 (باريس 1582) والمختصر المحتاج، الورقة: 86، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1372 - 1381، والعبر: 4 / 313، ودول الإسلام: 2 / 80، والبداية والنهاية: 13 / 38 - 39، والذيل لابن رجب: 2 / 5 - 34، والعسجد المسبوك، الورقة: 110، والفلاكة للدلجي: 68 - 69، وحسن المحاضرة: 1 / 165، وشذرات الذهب: 4 / 345 - 346 وغيرها، وهو صاحب (الكمال في أسماء الرجال) الذي هذبه المزي وزاد عليه زيادات نفيسة، فانظر مقدمتنا للمجلد الأول من (تهذيب الكمال) .
(3) نسبة إلى عنايته بالاثر على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم.(21/443)
عَالِمُ الحُفَّاظِ، تَقِيُّ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرِ بنِ رَافِعِ بنِ حَسَنِ بنِ جَعْفَرٍ المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْليُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ المَنْشَأ، الصَّالِحيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ (الأَحكَامِ الكُبْرَى) ، وَ (الصُّغْرَى) .
قَرَأْتُ سِيرتَهُ فِي جُزْءيْنِ، جَمْعِ الحَافِظِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ المَقْدِسِيِّ (1) ، عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَحْمَدَ البَنَّاءِ، بِسَمَاعِهِ عَامَ سِتَّةٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ مِنَ المُؤلّفِ، فَعَامَّةُ مَا أَوْرَدَهُ فَمِنْهَا.
قَالَ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ (2) وَخَمْسِ مائَةٍ بِجُمَّاعِيلَ، أَظنُّهُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، قَالَتْ وَالِدتِي (3) : هُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيْهَا الشَّيْخِ المُوَفَّقِ (4) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالمُوَفَّقُ وُلِدَ فِي شَعْبَان.
سَمِعَ الكَثِيْرَ بِدِمَشْقَ، وَالإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَبَيْتَ المَقْدِسِ، وَمِصْرَ، وَبَغْدَادَ، وَحَرَّانَ، وَالمَوْصِلَ، وَأَصْبَهَانَ، وَهَمَذَانَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ.
سَمِعَ: أَبَا الفَتْحِ ابْنَ البَطِّيِّ، وَأَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ رَبَاحٍ الفَرَّاءَ، وَالشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ الجِيْلِيَّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ هِلاَلٍ الدَّقَّاقَ، وَأَبَا زُرْعَةَ المَقْدِسِيَّ (5) ، وَمَعْمَرَ بنَ الفَاخِرِ، وَأَحْمَدَ بنَ المُقَرَّبِ، وَيَحْيَى بنَ ثَابِتٍ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ
__________
(1) توفي الضياء سنة 643 وكتب مجموعة سير للمقادسة.
ونقل ابن رجب عن الضياء أن ممن كتب سيرة له أيضا: مكي بن عمر بن نعمة المصري.
(2) ولكن قال الزكي المنذري: (وذكر عنه بعض أصحابه على أن مولده سنة أربع وأربعين وخمس مئة) .
وذكر ابن النجار في تاريخه - على ما نقل ابن رجب - أنه سأل الحافظ عبد الغني عن مولده، فقال: إما في سنة ثلاث أو في سنة أربع وأربعين وخمس مئة، وأنه قال: الاظهر أنه سنة أربع.
(3) الكلام للضياء.
(4) ابن قدامة المتوفى سنة 620.
(5) طاهر بن محمد.(21/444)
النَّقُّوْرِ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الغَنِيِّ البَاجِسْرَائِيَّ، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ، وَالحَافِظَ أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيَّ (1) ، فَكَتَبَ عَنْهُ نَحْواً مِنْ أَلفِ جزءٍ.
وَبِدِمَشْقَ: أَبَا المَكَارِمِ بنَ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَأَبَا المَعَالِي بنَ صَابرٍ، وَعِدَّةً.
وَبِمِصْرَ: مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بَرِّيٍّ، وَطَائِفَةً.
وَبِأَصْبَهَانَ: الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى المَدِيْنِيَّ، وَأَبَا الوَفَاءِ مَحْمُوْدَ بنَ حَمَكَا، وَأَبَا الفَتْحِ الخِرَقِيَّ، وَابْنَ يَنَال التُّرْك (2) ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الصَّائِغَ، وَحَبِيْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الصُّوْفِيَّ.
وَبِالمَوْصِلِ: أَبَا الفَضْلِ الطُّوْسِيَّ، وَطَائِفَةً.
وَلَمْ يَزَلْ يَطلبُ، وَيَسْمَع، وَيَكْتُبُ، وَيسهَرُ، وَيدأَبُ، وَيَأْمرُ بِالمَعْرُوفِ، وَيَنَهى عَنِ المُنْكَرِ، وَيَتقِي اللهَ، وَيَتعبَّدُ، وَيَصُوْمُ، وَيَتهجَّدُ، وَيَنشرُ العِلْمَ، إِلَى أَنْ مَاتَ.
رَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ مرَّتينِ، وَإِلَى مِصْرَ مرَّتينِ، سَافرَ إِلَى بَغْدَادَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ (3) ، فَكَانَا يَخْرُجَانِ مَعاً، وَيَذْهَبُ أَحدُهُمَا فِي صُحْبَة رفِيقِهِ إِلَى دَرْسِهِ وَسَمَاعِهِ، كَانَا شَابَّيْنِ مُخْتَطّين (4) ، وَخوَّفَهُمَا النَّاسُ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَكَانَ الحَافِظُ مَيْلُهُ إِلَى الحَدِيْثِ، وَالمُوَفَّقُ يُرِيْدُ الفِقْهَ، فَتفقَّهَ الحَافِظُ، وَسَمِعَ المُوَفَّقُ مَعَهُ الكَثِيْرَ، فَلَمَّا رَآهُمَا العُقَلاَءُ عَلَى التَّصَوُّنِ وَقِلَّةِ المُخَالَطَةِ أَحَبُّوهُمَا، وَأَحْسَنُوا إِلَيهُمَا، وَحصَّلاَ عِلْماً جمّاً، فَأَقَامَا بِبَغْدَادَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، وَنَزَلاَ أَوَّلاً عِنْد الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَأَحْسَنَ إِلَيهِمَا، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ قُدُومِهِمَا بخَمْسِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ اشْتَغَلاَ بِالفِقْهِ وَالخِلاَفَةِ عَلَى ابْنِ المنِّي.
وَرَحَلَ الحَافِظُ إِلَى السِّلَفِيِّ (5) فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، فَأَقَامَ مُدَّةً، ثُمَّ رحلَ أَيْضاً إِلَى السِّلَفِيِّ سَنَةَ
__________
(1) ذكر المنذري أن عبد الغني سمع من السلفي بالإسكندرية.
(2) أبو العباس أحمد بن أبي منصور أحمد بن محمد بن ينال.
(3) يعني وخمس مئة.
(4) يعني: أول ظهور الشعر في وجهيهما.
(5) كان السلفي آنذاك مقيما بالإسكندرية.(21/445)
سَبْعِيْنَ، ثُمَّ سَافرَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، وَحَصَّلَ الكتُبَ الجيِّدَةَ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ لَيْسَ بِالأَبيضِ الأَمهَقِ (1) ، بَلْ يَمِيْلُ إِلَى السُّمرَةِ، حسن الشَّعْرِ، كَثّ اللِّحْيَةِ، وَاسِع الجبينِ، عَظِيْم الخَلْقِ، تَامّ القَامَةِ، كَأَنَّ النُّوْر يَخْرُجُ مِنْ وَجهِهِ، وَكَانَ قَدْ ضعُفَ بصرُهُ مِنَ البُكَاءِ وَالنَّسْخِ وَالمُطَالَعَةِ.
قُلْتُ (2) : حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَالحَافِظُ عِزُّ الدِّيْنِ مُحَمَّدٌ، وَالحَافِظُ أَبُو مُوْسَى عَبْدُ اللهِ، والفَقِيْهُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَوْلاَدُهُ، وَالحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَالخَطِيْبُ سُلَيْمَانُ بنُ رَحْمَةَ الأَسْعَرْدِيُّ، وَالبَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ، وَالشَّيْخُ الفَقِيْهُ مُحَمَّدُ اليُوْنِيْنِيُّ، وَالزَّيْنُ ابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَأَبُو الحَجَّاجِ بنُ خَلِيْلٍ، وَالتَّقِيُّ اليَلْدَانِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ القَلاَنسِيُّ، وَالوَاعِظُ عُثْمَانُ بنُ مَكِّيٍّ الشَّارعِيُّ (3) ، وَأَحْمَدُ بنُ حَامِدٍ الأَرْتَاحِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ القوِيِّ بنِ عَزُّوْنَ، وَأَبُو عِيْسَى عَبْدُ اللهِ بنُ عَلاَّقٍ الرَّزَّازُ، وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً سَعْدُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُهَلْهَلٍ الجينِيُّ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: شَيْخُنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ الحَدَّادُ.
تَصَانِيْفُهُ:
كِتَابُ (المِصْبَاح فِي عُيونِ الأَحَادِيْثِ الصِّحَاحِ) مشتملٌ عَلَى أَحَادِيْثِ (
__________
(1) الامهق: الابيض لا يخالطه حمرة وليس بنير لكنه كالجص، كما في القاموس المحيط.
(2) القول للامام الذهبي.
(3) منسوب إلى (الشارع) ظاهر القاهرة.(21/446)
الصَّحِيْحَيْنِ) ، فَهُوَ مُسْتخرَجٌ عَلَيْهِمَا بِأَسَانِيْدِهِ، فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ جُزْءاً (1) ، كِتَابُ (نِهَايَة المُرَادِ (2)) فِي السُّنَنِ نَحْوُ مائَتَيْ جزءٍ لَمْ يَبَيِّضْهُ، كِتَابُ (اليَواقيت) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (تُحْفَة الطَّالبينَ فِي الجِهَادِ وَالمُجَاهِدِيْنَ) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (فَضَائِل خَيْرِ البرِيَّةِ (3)) أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، كِتَابُ (الرَّوْضَة) مُجَلَّدٌ (4) ، كِتَابُ (التَّهجُّد) جُزْآنِ، كِتَابُ (الفَرَج) جزآنِ، كِتَابُ (الصِّلاَت إِلَى الأَمْوَاتِ (5)) جزآنِ، (الصِّفَات) جزآنِ، (مِحْنَة الإِمَامِ أَحْمَدَ) جُزْآنِ (6) ، (ذَمّ الرِّيَاءِ) جُزْء، (ذَمّ الغِيبَةِ) جُزْء، (التَّرغِيب فِي الدُّعَاءِ) جُزْء، (فَضَائِل مَكَّةَ) أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، (الأَمْر بِالمَعْرُوفِ) جزءٌ، (فَضل رَمَضَانَ) جُزْء، (فَضل الصَّدَقَةِ) جُزْء، (فَضل عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ) جزءٌ، (فَضَائِل الحَجِّ) جزءٌ، (فَضل رَجَب) ، (وَفَاة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جزءٌ، (الأَقسَام الَّتِي أَقسمَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، كِتَابُ (الأَرْبَعِيْنَ (7)) بِسندٍ وَاحِدٍ، (أَرْبَعِيْنَ مِنْ كَلاَمِ رَبِّ العَالِمِينَ) ، كِتَابُ (الأَرْبَعِيْنَ) آخرُ، كِتَابُ (الأَرْبَعِيْنَ) رَابعُ، (اعْتِقَاد الشَّافِعِيِّ) جزءٌ، كِتَابُ (الحِكَايَاتِ) سَبْعَةُ أَجزَاءٍ، (تَحَقِيْق مُشْكِلِ الأَلْفَاظِ (8)) مجلَّدَيْنِ، (الجَامِعُ الصَّغِيْرِ فِي الأَحكَامِ (9)) لَمْ يَتِمَّ، (ذِكْر القُبُوْرِ) جزءٌ، (الأَحَادِيْث وَالحِكَايَات) كَانَ
__________
(1) المراد بالجزء هنا هو الجزء الحديثي، وهو بحدود عشرين ورقة.
(2) نهاية المراد من كلام خير العباد.
(3) اسمه الكامل: الآثار المرضية في فضائل خير البرية.
(4) ذكر ابن رجب أنه في أربعة أجزاء.
(5) الاسم الاكمل كتبه ابن رجب: (الصلات من الاحياء إلى الاموات) .
(6) ذكر ابن رجب أنه ثلاثة أجزاء.
(7) يعني: أربعين حديثا.
(8) عنوانه الكامل: (غنية الحفاظ في تحقيق مشكل الألفاظ) كما ذكر ابن رجب.
(9) هو: (الجامع الصغير لاحكام البشير النذير) .(21/447)
يَقرؤهَا لِلْعَامَّةِ، مائَة جزءٍ، (مَنَاقِب عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ) جزءٌ، وَعِدَّةُ أَجزَاءٍ فِي (مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ) ، وَأَشيَاءَ كَثِيْرَةً جِدّاً مَا تَمَّتْ، وَالجَمِيْعُ
بِأَسَانِيْدِهِ، بِخَطِّهِ المَلِيْحِ الشَّدِيدِ السُّرعَةِ، وَ (أَحكَامه الكُبْرَى) مُجَلَّدٌ، وَ (الصَّغرَى) مُجَيْلِيْدٌ، كِتَابُ (دُرَر الأَثرِ) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (السَّيرَة) جزءٌ كَبِيْرٌ، (الأَدعيَة الصَّحيحَة) جزءٌ، (تَبيين الإِصَابَةِ لأَوهَامٍ حصلَتْ لأَبِي نُعَيْمٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ) جُزْآنِ، تَدُلُّ عَلَى برَاعتِهِ وَحفظِهِ، كِتَابُ (الكَمَال فِي مَعْرِفَةِ رِجَالِ الكُتُبِ السِّتَّةِ (1)) فِي أَرْبَعَةِ أَسفَارٍ، يَرْوِي فِيْهِ بِأَسَانِيْدِهِ.
فِي حِفْظِهِ:
قَالَ ضِيَاءُ الدِّيْنِ: كَانَ شَيْخُنَا الحَافِظُ لاَ يَكَادُ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثٍ إِلاَّ ذَكَرَهُ وَبَيَّنَهُ، وَذَكَرَ صِحَّتَهُ أَوْ سقمَهُ، وَلاَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ إِلاَّ قَالَ: هُوَ فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ الفُلاَنِيُّ، وَيذكرُ نسبَهُ، فَكَانَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ الحَافِظِ أَبِي مُوْسَى (2) ، فَجرَى بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ منَازعَةً فِي حَدِيْثٍ، فَقَالَ: هُوَ فِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) .
فَقُلْتُ: لَيْسَ هُوَ فِيْهِ.
قَالَ: فَكَتَبَهُ فِي رُقْعَةٍ، وَرفعهَا إِلَى أَبِي مُوْسَى يَسْأَلُهُ، قَالَ: فَنَاوَلَنِي أَبُو مُوْسَى الرُّقْعَةَ وَقَالَ: مَا تَقُوْلُ؟
فَقُلْتُ: مَا هُوَ فِي (البُخَارِيِّ) ، فَخجِلَ الرَّجُلُ.
قَالَ الضِّيَاءُ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ بِمَرْوَ كَأَنَّ البُخَارِيَّ بَيْنَ يَدَي الحافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ يَقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ جزءٍ، وَكَانَ الحَافِظُ يَردُّ عَلَيْهِ، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ.
وَسَمِعْتُ (3) إِسْمَاعِيْلَ بنَ ظَفَرٍ يَقُوْلُ:
قَالَ رَجُلٌ لِلْحَافِظ عَبْدِ الغَنِيِّ:
__________
(1) عبد الغني هو أول من جمع رجال الكتب الستة في مصنف واحد، نعم، ألف الحافظ ابن عساكر (المعجم المشتمل) لكنه خصصه لشيوخ أصحاب الكتب الستة فقط.
(2) يعني محمد بن أبي بكر المديني الأصبهاني.
(3) الكلام للحافظ الضياء، ومثله الأقوال الآتية.(21/448)
رَجُلٌ حلفَ بِالطَّلاَقِ أَنَّكَ تَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
فَقَالَ: لَوْ قَالَ أَكْثَرَ لصدَقَ!
وَرَأَيْتُ الحَافِظَ عَلَى المِنْبَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: اقرَأْ لَنَا مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ، فِيقرَأُ أَحَادِيْثَ بِأَسَانِيْدِهِ مِنْ حِفْظِهِ.
وَسَمِعْتُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَانِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا يَقُوْلُ: إِنَّ الحَافِظَ سُئِلَ: لِمَ لاَ تَقرَأُ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ؟
قَالَ: أَخَافُ العُجْبَ.
وَسَمِعْتُ خَالِي أَبَا عُمَرَ (1) أَوْ وَالِدِي، قَالَ: كَانَ الملِكُ نُوْرُ الدِّيْنِ بنُ زَنْكِي يَأْتِي إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَسْمَعُ الحَدِيْثَ، فَإِذَا أَشْكَلَ شَيْءٌ عَلَى القَارِئ قَالَهُ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى السِّلَفِيِّ، فَكَانَ نُوْرُ الدِّيْنِ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْنَ ذَاكَ الشَّابُّ؟
فَقُلْنَا: سَافرَ.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الشَّيْبَانِيَّ، سَمِعْتُ التَّاجَ الكِنْدِيَّ يَقُوْلُ:
لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ.
وَسَمِعْتُ أَبَا الثَّنَاءِ مَحْمُوْدَ بنَ هَمَّامٍ، سَمِعْتُ الكِنْدِيَّ يَقُوْلُ: لَمْ يَرَ الحَافِظُ مِثْلَ نَفْسِهِ.
شَاهَدْتُ بِخَطِّ أَبِي مُوْسَى المَدِيْنِيِّ عَلَى كِتَابِ (تَبيينِ الإِصَابَةِ) الَّذِي أَملاَهُ عَبْدُ الغَنِيِّ- وَقَدْ سَمِعَهُ أَبُو مُوْسَى، وَالحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ الصَّائِغُ، وَأَبُو العَبَّاسِ التّرك-:
يَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى عفَا اللهُ عَنْهُ: قَلَّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا يَفهَمُ هَذَا الشَّأْنَ كفَهْمِ الشَّيْخِ الإِمَامِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الغَنِيِّ المَقْدِسِيِّ، وَقَدْ وُفِّقَ لِتبيينِ هَذِهِ الغلطَات، وَلَوْ كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمثَالُهُ فِي الأَحْيَاءِ لَصَوَّبُوا فَعلَهُ، وَقَلَّ مَنْ يَفهَمُ فِي زَمَانِنَا مَا فَهِمَ زَادَهُ اللهُ عِلْماً وَتوفِيقاً.
__________
(1) ستأتي ترجمة أبي عمر بعد قليل، وتوفي سنة 607 وهو زاهد المقادسة.(21/449)
قَالَ أَبُو نِزَارٍ رَبِيْعةُ الصَّنْعَانِيُّ: قَدْ حضَرْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى، وَهَذَا الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، فَرَأَيْتُ عَبْدَ الغَنِيِّ أَحْفَظَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ الغَنِيِّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ الجَوْزِيِّ فَقَالَ: وُرَيْرَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَسَّانِيُّ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ وَزِيْرَةُ.
فَقَالَ: أَنْتُم أَعْرفُ بِأَهْلِ بلدِكُم.
فِي إِفَادَتِهِ وَاشتِغَالِهِ:
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ- رحمَهُ اللهُ- مُجْتَهِداً عَلَى الطَّلَبِ، يُكرِمُ الطَّلبَةَ، وَيُحسِنُ إِلَيْهِم، وَإِذَا صَارَ عِنْدَهُ طَالبٌ يَفهَمُ أَمرَهُ بِالرِّحلَةِ، وَيَفرحُ لَهُم بِسَمَاعِ مَا يَحصِّلُونَهُ، وَبسَبَبه سَمِعَ أَصْحَابُنَا الكَثِيْرَ.
سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ الحَدِيْثَ فِي الشَّامِ كُلِّهِ إِلاَّ بِبركَةِ الحَافِظِ، فَإِنَّنِي كُلَّ مَنْ سَأَلتُهُ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، وَهُوَ الَّذِي حَرَّضَنِي.
وَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ يَقُوْلُ عِنْدَ (1) مَوْتِهِ: لاَ تُضَيِّعُوا هَذَا العِلْمَ الَّذِي قَدْ تَعِبْنَا عَلَيْهِ.
قُلْتُ (2) : هُوَ رَحَّلَ ابْنَ خَلِيْلٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَرَحَّلَ ابْنَيْهِ العِزَّ مُحَمَّداً، وَعَبْدَ اللهِ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ صغِيراً، وَسَفَّرَ ابْنَ أُخْتِهِ مُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنَ عَمِّهِ عَلِيَّ بنَ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَحرَّضَنِي عَلَى السَّفَرِ إِلَى مِصْرَ، وَسَافَرَ مَعَنَا ابْنُهُ أَبُو سُلَيْمَانَ
__________
(1) (عند) مكررة بالاصل، وليس بشيء.
(2) القول للامام الذهبي.(21/450)
عَبْدُ الرَّحْمَانِ ابْنُ عشرٍ، فَبَعَثَ مَعَنَا (المُعْجَمَ الكَبِيْرَ) لِلطَّبَرَانِيِّ، وَكِتَابَ (البُخَارِيِّ) ، وَ (السِّيرَةَ) ، وَكَتَبَ إِلَى زَيْنِ الدِّيْنِ عَلِيِّ بن نجَا يُوصِيهِ بِنَا، وَسَفَّرَ ابْنَ ظَفَرٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَزوَّدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى هَذَا.
قَالَ الضِّيَاءُ: لَمَّا دخلنَا أَصْبَهَانَ فِي سفرتِي الثَّانِيَةِ كُنَّا سَبْعَةً، أَحَدُنَا الفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَافِظِ، وَكَانَ طِفْلاً، فَسمِعنَا عَلَى المَشَايِخِ، وَكَانَ المُؤَيَّدُ ابْنُ الإِخْوَةِ عِنْدَهُ جُمْلَةٌ مِنَ المَسْمُوْعَاتِ، وَكَانَ يَتشدَّدُ عَلَيْنَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَحَزِنْتُ كَثِيْراً، وَأَكْثَرَ مَا ضَاقَ صَدْرِي لثَلاَثَةِ كُتُبٍ: (مُسْنَدِ العَدَنِيِّ) ، وَ (مُعْجَمِ ابْنِ المُقْرِئ) ، وَ (مُسْنَدِ (1) أَبِي يَعْلَى) ، وَقَدْ كُنْتُ سَمِعْتُ عَلَيْهِ فِي النَّوبَةِ الأُوْلَى (مُسْنَدَ العَدَنِيِّ) لَكِنْ لأَجْلِ رِفْقَتِي، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ الحَافِظَ عَبْدَ الغَنِيِّ قَدْ أَمسَكَ رَجُلاً وَهُوَ يَقُوْلُ لِي: أُمَّ هَذَا، أُمَّ هَذَا، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ ابْنُ عَائِشَةَ بِنْتِ مَعْمَرٍ.
فَلَمَّا استيقظْتُ قُلْتُ: مَا هَذَا إِلاَّ لأَجْلِ شَيْءٍ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ يُرِيْدُ الحَدِيْثَ، فَمضيتُ إِلَى دَارِ بَنِي مَعْمَرٍ، وَفتَّشْتُ الكُتُبَ، فَوَجَدْتُ (مُسْنَدَ العَدَنِيِّ) سَمَاع عَائِشَةَ مِثْلَ ابْنِ الإِخْوَةِ، فَلَمَّا سَمِعْنَاهُ عَلَيْهَا قَالَ لِي بَعْضُ الحَاضِرِيْنَ: إِنَّهَا سَمِعَتْ (مُعْجَمَ ابْنِ المُقْرِئ) فَأَخذنَا النُّسْخَةَ مِنْ خَبَّازٍ، وَسَمِعنَاهُ، وَبعدَ أَيَّامٍ نَاولنِي بَعْضُ الإِخْوَانِ (مُسْنَدَ (2) أَبِي يَعْلَى) سَمَاعهَا، فَسمِعنَاهُ.
__________
(1) في الأصل (معجم) وكتب فوقها (مسند) وفي آخر الحكاية (معجم) أيضا.
قال بشار: و (مسند) هو الصحيح لان مسند أبي يعلى الموصلي كان مما اشتهر بروايته ابن الاخوة كما سيأتي في ترجمته من هذا الكتاب، قال المؤلف في ترجمة ابن الاخوة الآتية: (ومن مسموعاته:
مسند أبي يعلى، ومسند العدني، ومسند الروياني) وتوفي ابن الاخوة سنة 606، هذه واحدة، أما الأخرى فإن المؤلف ذكر مثل ذلك في ترجمة عائشة بنت معمر القرشية الاصبهانية المتوفاة سنة 607، وقد قال ابن نقطة في (التقييد) (الورقة: 232) : (سمعنا منها مسند أبي يعلى الموصلي بسماعها من سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي، وكان سماعها صحيحا بإفادة أبيها) .
(2) في الأصل: (معجم) وراجع التعليق السابق.(21/451)
مَجَالِسُهُ:
كَانَ -رَحِمَهُ الله- يَقرَأُ الحَدِيْثَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ وَليلَة الخَمِيْسِ، وَيَجْتَمِع خلق، وَكَانَ يَقرَأُ وَيَبْكِي وَيُبْكِي النَّاسَ كَثِيْراً، حَتَّى إِنَّ مَنْ حَضَرَه مَرّة لاَ يَكَاد يَتركه، وَكَانَ إِذَا فَرَغَ دَعَا دُعَاءً كَثِيْراً.
سَمِعْتُ شَيْخَنَا ابْنَ نَجَا الوَاعِظ بِالقَرَافَةِ يَقُوْلُ عَلَى المِنْبَرِ: قَدْ جَاءَ الإِمَامُ الحَافِظُ، وَهُوَ يُرِيْد أَنْ يَقرَأَ الحَدِيْثَ، فَاشْتَهَى أَنْ تَحضرُوا مَجْلِسه ثَلاَث مَرَّات، وَبعدهَا أَنْتُم تَعرفُوْنَهُ وَتحصل لَكُم الرّغبَة، فَجَلَسَ أَوّل يَوْم، وَحَضَرتُ، فَقَرَأَ أَحَادِيْث بِأَسَانِيْدهَا حِفْظاً، وَقرَأَ جُزْءاً، فَفَرح النَّاس بِهِ، فَسَمِعْتُ ابْنَ نَجَا يَقُوْلُ: حَصَلَ الَّذِي كُنْت أُرِيْده فِي أَوَّلِ مَجْلِس.
وَسَمِعْتُ بَعْضَ مِنْ حضَر يَقُوْلُ: بَكَى النَّاس حَتَّى غُشِي عَلَى بَعْضهِم، وَكَانَ يَجلسُ بِمِصْرَ بِأَمَاكن.
سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ هَمَّامٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الفَقِيْهَ نَجْمَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَنْبَلِيَّ يَقُوْلُ وَقَدْ حضَر مَجْلِس الحَافِظ:
يَا تَقِيّ الدِّيْنِ، وَاللهِ لَقَدْ حَملتَ الإِسْلاَم، وَلَوْ أَمكننِي مَا فَارقتُ مَجْلِسك.
أَوْقَاتُهُ:
كَانَ لاَ يُضيِّع شَيْئاً مِنْ زَمَانه بِلاَ فَائِدَة، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الفَجْر، وَيلقّن القُرْآن، وَرُبَّمَا أَقرَأَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ تلقيناً، ثُمَّ يَقوم فَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي ثَلاَث مائَة رَكْعَة بِالفَاتِحَة وَالمعوّذتين إِلَى قَبْل الظُّهْر، وَيَنَام نَوْمَة، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْر، وَيَشتغل إِمَّا بِالتّسمِيْع، أَوْ بِالنّسخ إِلَى المَغْرِب، فَإِنْ كَانَ صَائِماً، أَفطر، وَإِلاَّ صَلَّى مِنَ المَغْرِب إِلَى العشَاء، وَيُصَلِّي العشَاء، وَيَنَام إِلَى نِصْف اللَّيْل أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَامَ كَأَنَّ إِنْسَاناً يُوقظه، فَيُصَلِّي لَحْظَةً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي إِلَى قُرب(21/452)
الفَجْر، رُبَّمَا تَوضَأَ سَبْع مَرَّاتٍ أَوْ ثَمَانِياً فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ:
مَا تَطِيبُ لِي الصَّلاَة إِلاَّ مَا دَامت أَعضَائِي رطبَة، ثُمَّ يَنَام نَوْمَة يَسِيْرَة إِلَى الفَجْر، وَهَذَا دَأْبُهُ.
أَخْبَرَنِي خَالِي مُوَفَّق الدِّيْنِ، قَالَ (1) :
كَانَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ جَامِعاً لِلْعِلْمِ وَالعمل، وَكَانَ رفِيقِي فِي الصِّبَا، وَكَانَ رفِيقِي فِي طَلَبِ العِلْمِ، وَمَا كُنَّا نَسْتَبِق إِلَى خَيْر إِلاَّ سبقنِي إِلَيْهِ إِلاَّ القَلِيْل، وَكمّل الله فَضِيْلته بَابتلاَئِه بِأَذَى أَهْل البدعَة وَعدَاوتهِم، وَرِزْقِ العِلْم، وَتحصيل الكُتُب الكَثِيْرَة، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُعمَّر (2) .
قَالَ أَخُوْهُ الشَّيْخ العِمَاد: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشدّ محَافِظَة عَلَى وَقته مِنْ أَخِي.
قَالَ الضِّيَاء: وَكَانَ يَسْتَعْمَل السّوَاك كَثِيْراً حَتَّى كَأَنَّ أَسْنَانه البَرَدُ.
سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ سَلاَمَةَ التَّاجِر الحَرَّانِيّ يَقُوْلُ:
كَانَ الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ نَازلاً عِنْدِي بِأَصْبَهَانَ، وَمَا كَانَ يَنَام مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً، بَلْ يُصَلِّي وَيَقرَأُ وَيَبْكِي.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: أَضَافَنِي رَجُلٌ بِأَصْبَهَانَ، فَلَمَّا تَعَشَّينَا، كَانَ عِنْدَهُ رَجُل أَكل مَعَنَا، فَلَمَّا قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ لَمْ يصل، فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟
قَالُوا: هَذَا رَجُل شَمْسِيّ (3) .
فَضَاق صَدْرِي، وَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: مَا أَضفتَنِي إِلاَّ مَعَ كَافِر!
قَالَ: إِنَّهُ كَاتِب، وَلَنَا عِنْدَهُ رَاحَة، ثُمَّ قُمْت بِاللَّيْلِ أُصَلِّي، وَذَاكَ
__________
(1) ذكر الحافظ الضياء أنه سأل خاله الموفق عن عبد الغني، وأنه كتب هذا بخطه وأنه قرأه عليه (ذيل ابن رجب: 2 / 11) .
(2) تمام الحكاية: (حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها) (ذيل ابن رجب: 2 / 11) .
(3) يعني: يعبد الشمس.(21/453)
يَسْتَمع، فَلَمَّا سَمِعَ القُرْآن تَزَفَّر، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْد أَيَّام، وَقَالَ: لَمَّا سَمِعتك تَقرَأُ، وَقَعَ الإِسْلاَم فِي قَلْبِي.
وَسَمِعْتُ نَصْر بن رِضْوَان المُقْرِئ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى سِيرَةِ الحَافِظ، كَانَ مُشْتَغِلاً طول زَمَانه.
قِيَامُهُ فِي المُنْكَرِ:
كَانَ لاَ يَرَى مُنْكراً إِلاَّ غَيَّرَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، وَكَانَ لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم.
قَدْ رَأَيْتُهُ مرَّة يهرِيق خمراً، فَجبذ صَاحِبُهُ السَّيْف فَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ، وَأَخَذَهُ مَنْ يَدِهِ، وَكَانَ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ، وَكَثِيْراً مَا كَانَ بِدِمَشْقَ يُنكِرُ (1) وَيَكسر الطَّنَابِيرَ وَالشَّبابَات.
قَالَ خَالِي المُوَفَّق: كَانَ الحَافِظ لاَ يَصبر عَنْ إِنْكَار المُنْكَر إِذَا رَآهُ، وَكُنَّا مرَّة أَنْكَرنَا عَلَى قَوْم، وَأَرقنَا خمرهُم، وَتضَارَبْنَا، فَسَمِعَ خَالِي أَبُو عُمَرَ، فَضَاق صَدْره، وَخَاصمنَا، فَلَمَّا جِئْنَا إِلَى الحَافِظِ طَيَّبَ قُلُوْبنَا، وَصوّب فِعلنَا، وَتَلاَ: {وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ، وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ (2) } .
وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَحْمَدَ الطَّحَّان، قَالَ: كَانَ بَعْض أَوْلاَد صَلاَح الدِّيْنِ قَدْ عُملت لَهُم طنَابِير، وَكَانُوا فِي بُستَان يَشربُوْنَ، فَلقِي الحَافِظ الطّنَابِير، فَكسرهَا.
قَالَ: فَحَدَّثَنِي الحَافِظ، قَالَ: فَلَمَّا كُنْت أنَا وَعَبْد الهَادِي عِنْد حمَّام كَافُوْر، إِذَا قَوْم كَثِيْر مَعَهُم عصيّ، فَخففت المشِي، وَجَعَلت أَقُوْل: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ، فَلَمَّا صرت عَلَى الجِسْر، لحقُوا صَاحِبِي، فَقَالَ: أَنَا مَا كسرت لَكُم شَيْئاً، هَذَا هُوَ الَّذِي كسر.
قَالَ: فَإِذَا فَارِس يَركض،
__________
(1) يعني: ينكر المنكر.
(2) لقمان: 17.(21/454)
فَترَجَّل، وَقبَّل يَدِي، وَقَالَ: الصِّبْيَان مَا عَرَفُوك.
وَكَانَ قَدْ وَضَع الله لَهُ هَيْبَة فِي النُّفُوْس.
سَمِعْتُ فَضَائِلَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ المَقْدِسِيَّ يَقُوْلُ:
سمِعتهُم يَتحدثُونَ بِمِصْرَ: أَنَّ الحَافِظ كَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَى العَادل، فَقَامَ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّانِي، جَاءَ الأُمَرَاء إِلَى الحَافِظ مِثْل سركس وَأُزكش، فَقَالُوا: آمنَّا بِكَرَامَاتك يَا حَافِظ.
وذكرُوا أَنَّ العَادل قَالَ: مَا خفتُ مِنْ أَحَد مَا خفت مِنْ هَذَا.
فَقُلْنَا: أَيُّهَا الْملك، هَذَا رَجُل فَقِيْه.
قَالَ: لَمَّا دَخَلَ مَا خُيّل إِلَي إِلاَّ أَنَّهُ سَبعٌ.
قَالَ الضِّيَاء: رَأَيْت بِخَطِّ الحَافِظ: وَالملك العَادل اجْتَمَعت بِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ إِلاَّ الجَمِيْل، فَأَقْبَل عَلَيّ، وَقَامَ لِي، وَالتزَمَنِي، وَدعوت لَهُ، ثُمَّ قُلْتُ: عِنْدنَا قصُوْر هُوَ الَّذِي يُوجب التَّقْصِير.
فَقَالَ: مَا عِنْدَك لاَ تَقصِيْر وَلاَ قصُوْر، وَذَكَرَ أَمر السّنَّة، فَقَالَ: مَا عِنْدَك شَيْء تُعَاب بِهِ لاَ فِي الدِّيْنِ وَلاَ الدُّنْيَا، وَلاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاسدين.
وَبَلَغَنِي بَعْد عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ بِالشَّامِ وَلاَ مصر مِثْل فُلاَن، دَخَلَ عليّ، فَخُيّل إِلَيَّ أَنَّهُ أَسد، وَهَذَا بِبركَة دعَائِكم وَدُعَاء الأَصْحَاب.
قَالَ الضِّيَاء: كَانُوا قَدْ وَغَروا عَلَيْهِ صدر العَادل، وَتَكلّمُوا فِيْهِ، وَكَانَ بَعْضهُم أَرْسَل إِلَى العَادل يَبذل فِي قتل الحَافِظ خَمْسَة آلاَف دِيْنَار.
قُلْتُ: جرّ هَذِهِ الفِتْنَة نَشْر الحَافِظ أَحَادِيْث النُّزَول وَالصِّفَات، فَقَامُوا عَلَيْهِ، وَرَمَوْهُ بِالتّجسيم، فَمَا دَارَى كَمَا كَانَ يُدَارِيهِم الشَّيْخ المُوَفَّق.
سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابنَا يَحكِي عَنِ الأَمِيْر دِرباس: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الحَافِظ(21/455)
إِلَى الْملك العَادل، فَلَمَّا (1) قضَى الْملك كَلاَمه مَعَ الحَافِظ، جَعَلَ (2) يَتَكَلَّم فِي أَمر مَارْدِيْن وَحصَارهَا، فَسَمِعَ الحَافِظ، فَقَالَ: أَيش هَذَا، وَأَنْت بَعْدُ تُرِيْد قِتَال المُسْلِمِيْنَ، مَا تَشكر الله فِيمَا أَعْطَاك، أَمَا ... أَمَا (3) ؟!
قَالَ: فَمَا أَعَاد وَلاَ أَبدَى.
ثُمَّ قَالَ الحَافِظُ وَقُمْت مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَيش هَذَا؟ نَحْنُ كُنَّا نخَاف عَلَيْك مِنْ هَذَا، ثُمَّ تَعْمَل هَذَا الْعَمَل؟
قَالَ: أَنَا إِذَا رَأَيْت شَيْئاً لاَ أَقدر أَن أَصْبِر، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ الطَّحَّانِ، قَالَ:
كَانَ فِي دَوْلَةِ الأَفْضَلِ جَعَلُوا المَلاَهِي عِنْد الدَّرَجِ (4) ، فَجَاءَ الحَافِظ فَكسّر شَيْئاً كَثِيْراً، ثُمَّ صعد (5) يَقرَأُ الحَدِيْث، فَجَاءَ رَسُوْل (6) القَاضِي يَأْمره بِالمشِي إِلَيْهِ لينَاظره فِي الدُّفّ وَالشَّبَّابَة، فَقَالَ: ذَاكَ عِنْدِي حَرَام، وَلاَ أَمْشِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قرَأَ الحَدِيْث.
فَعَاد الرَّسُول، فَقَالَ: لاَ بُدَّ مِنَ المشِي إِلَيْهِ، أَنْتَ قَدْ بطّلت هَذِهِ الأَشيَاء عَلَى السُّلْطَان.
فَقَالَ الحَافِظُ: ضَرَبَ الله رقبته وَرقبَة السُّلْطَان.
فَمَضَى الرَّسُول وَخفنَا، فَمَا جَاءَ أَحَد.
وَمِنْ شَمَائِله:
قَالَ الضِّيَاء: مَا أَعْرف أَحَداً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ رَآهُ إِلاَّ أَحَبّه وَمَدَحَهُ كَثِيْراً؛ سَمِعْتُ مَحْمُوْد بن سَلاَمَةَ الحَرَّانِيّ بِأَصْبَهَانَ، قَالَ:
كَانَ الحَافِظ يَصطف النَّاس
__________
(1) إضافة من (تاريخ الإسلام) وطبقات ابن رجب 2 / 13 والظاهر أن الناسخ قد ذهل عن إثباتها.
(2) يعني: العادل.
(3) تحرفت في الذيل لابن رجب إلى: (إماما) .
(4) يعني: درج جيرون.
(5) (صعد المنبر) كما في الذيل لابن رجب.
(6) شطح قلم الناسخ فكتب (رسول الله) .(21/456)
فِي السُّوق يَنظُرُوْنَ إِلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ بِأَصْبَهَانَ مُدَّة وَأَرَادَ أَنْ يَملكهَا، لملكهَا.
قَالَ الضِّيَاء: وَلَمَّا وَصل إِلَى مِصْرَ، كُنَّا بِهَا، فَكَانَ إِذَا خَرَجَ لِلْجمعَة لاَ نَقدر نَمْشِي مَعَهُ مِنْ كَثْرَة الْخلق، يَتبركُوْن بِهِ، وَيَجْتَمِعُوْنَ حَوْلَهُ، وَكُنَّا أَحَدَاثاً نَكْتُب الحَدِيْث حَوْلَهُ، فَضحكنَا مِنْ شَيْءٍ، وَطَال الضحك، فَتبسَّم وَلَمْ يَحْرَد (1) عَلَيْنَا، وَكَانَ سخيّاً، جَوَاداً، لاَ يَدّخر دِيْنَاراً وَلاَ دِرْهَماً مهمَا حصَّل أَخْرَجَهُ، لَقَدْ سَمِعْتُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَخْرُج فِي اللَّيْلِ بِقفَاف الدّقيق إِلَى بيُوت مُتَنَكِّراً فِي الظّلمَة، فَيُعْطِيهم وَلاَ يُعرَف، وَكَانَ يُفتح عَلَيْهِ بِالثِّيَاب، فَيُعْطِي النَّاس وَثَوْبه مرقّع.
قَالَ خَالِي الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ: كَانَ الحَافِظ يُؤثر بِمَا تَصل يَده إِلَيْهِ سِرّاً وَعَلاَنِيَّة ... ، ثُمَّ سرد حِكَايَات فِي إِعطَائِهِ جُمْلَةَ دَرَاهِمَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ بدر بن مُحَمَّدٍ الجَزَرِيّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكرم مِنَ الحَافِظ؛ كُنْت أَسْتدين يَعْنِي لِأطْعم بِهِ الفُقَرَاء، فَبقِي لِرَجُلٍ عِنْدِي ثَمَانِيَة وَتِسْعُوْنَ دِرْهَماً، فَلَمَّا تَهَيَّأَ الوَفَاء، أَتَيْتُ الرَّجُل، فَقُلْتُ: كَمْ لَكَ؟
قَالَ: مَا لِي عِنْدَك شَيْء!
قُلْتُ: مَنْ أَوَفَاهُ؟
قَالَ: قَدْ أُوفِي عَنْكَ، فَكَانَ وَفَّاهُ الحَافِظُ وَأَمره أَنْ يَكتم عَلَيْهِ.
وَسَمِعْتُ سُلَيْمَان الأَسْعَرْدِيّ يَقُوْلُ:
بعثَ الأَفْضَل ابْن صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى الحَافِظ بنفقَة وَقمح كَثِيْر، فَفَرَّقه كُلّه.
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ العِرَاقِيّ؛ حَدَّثَنِي مَنْصُوْرٌ الغَضَارِيُّ (2) ، قَالَ:
شَاهَدْتُ الحَافِظَ فِي الغَلاَءِ بِمِصْرَ وَهُوَ ثَلاَث لَيَالٍ يُؤثر بعشَائِهِ وَيطوِي.
__________
(1) الحرد: الغضب.
(2) ويقال في نسبته (الغضائري) ، نسبة إلى الغضار، وهو الاناء الذي يؤكل فيه.(21/457)
رَأَيْت يَوْماً قَدْ أُهدِيَ إِلَى بَيْت الحَافِظ مشْمش فَكَانُوا يفرقُون، فَقَالَ مِنْ حِينه: فَرِّقُوا* {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّوْنَ (1) } .
وَقَدْ فُتح لَهُ بِكَثِيْر مِنَ الذَّهب وَغَيْرِهِ، فَمَا كَانَ يَترك شَيْئاً حَتَّى قَالَ لِي ابْنه أَبُو الفَتْحِ: وَالِدِي يُعطِي النَّاس الكَثِيْر، وَنَحْنُ لاَ يَبعثَ إِلَيْنَا شَيْئاً، وَكُنَّا بِبَغْدَادَ.
مَا ابْتُلِيَ الحَافِظُ بِهِ:
قَالَ الضِّيَاء: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْد الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، سَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ:
سَأَلت الله أَنْ يَرْزُقنِي مِثْل حَال الإِمَام أَحْمَد، فَقَدْ رزقنِي صلاَته قَالَ: ثُمَّ ابْتُلِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُوذِي.
سَمِعْتُ الإِمَام عَبْد اللهِ بن أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ (2) بِأَصْبَهَانَ يَقُوْلُ:
أَبُو نُعَيْمٍ (3) قَدْ أَخَذَ عَلَى ابْنِ مَنْدَةَ (4) أَشيَاء فِي كِتَابِ (الصَّحَابَة) ، فَكَانَ الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى (5) يَشتهِي أَنْ يَأْخذ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ الَّذِي فِي الصَّحَابَة، فَمَا كَانَ يَجسر، فَلَمَّا قَدِمَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، أَشَارَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، قَالَ: فَأَخَذَ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ نَحْواً مِنْ مائَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ مَوْضِعاً، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ الصَّدْر (6) الخُجَنْدِيّ،
__________
(1) آل عمران: 92.
(2) توفي سنة 605 بأصبهان، وهو شامي، منسوب إلى (الجبة) قرية من أعمال طرابلس الشام، وقال ياقوت في (جبة) من (معجم البلدان) : (كذا كان ينسب نفسه وهو خطأ، والصواب: الجبي) انظر المعجم: 2 / 32، والتقييد لابن نقطة، الورقة: 131، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1059 وغيرها.
(3) صاحب (تاريخ أصبهان) و (الحلية) المتوفى سنة 430.
(4) أبو عبد الله محمد بن إسحاق المتوفى سنة 395.
(5) المديني الأصبهاني المتوفى سنة 581.
(6) صدر الدين أبو بكر محمد بن عبد اللطيف بن محمد الأزدي الأصبهاني المتوفى بأصبهان سنة 592، وبيتهم ممن ينتسب إلى المهلب بن أبي صفرة الأزدي (انظر الكامل لابن =(21/458)
طلب عَبْد الغَنِيِّ، وَأَرَادَ هَلاَكه، فَاخْتَفَى.
وَسَمِعْتُ مَحْمُوْد بن سَلاَمَةَ يَقُوْلُ: مَا أَخرجنَا الحَافِظ مِنْ أَصْبَهَان إِلاَّ فِي إِزَار، وَذَلِكَ أَن بَيْت الخُجَنْدِيّ أَشَاعِرَة، كَانُوا يَتعصّبُوْنَ لأَبِي نُعَيْمٍ، وَكَانُوا رُؤسَاء البَلَد.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِالمَوْصِل نَسْمَع (الضُّعَفَاء) لِلْعُقَيْلِيّ، فَأَخذنِي أَهْل المَوْصِل وَحَبَسُونِي، وَأَرَادُوا قتلِي مِنْ أَجْل ذكر شَيْء فِيْهِ (1) ، فَجَاءنِي رَجُلٌ طَوِيْل وَمَعَهُ سَيْف، فَقُلْتُ: يَقتلنِي وَأَسْترِيح.
قَالَ: فَلَمْ يَصنع شَيْئاً، ثُمَّ أَطلقونِي، وَكَانَ يَسْمَع مَعَهُ ابْنُ البَرْنِيِّ الوَاعِظ (2) ، فَقلع الْكرَّاس الَّذِي فِيْهِ ذَلِكَ الشَّيْء، فَأَرْسَلُوا، وَفتشُوا الكِتَاب، فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً، فَهَذَا سَبَب خَلاَصه.
وَقَالَ: كَانَ الحَافِظ يَقرَأُ الحَدِيْث بِدِمَشْقَ، وَيَجْتَمِع عَلَيْهِ الْخلق، فَوَقَعَ الْحَسَد، فَشرعُوا عَملُوا لَهُم وَقتاً لقِرَاءة الحَدِيْث، وَجَمَعُوا النَّاس، فَكَانَ هَذَا يَنَام وَهَذَا بِلاَ قَلْب (3) ، فَمَا اشتفَوْا، فَأَمرُوا النَّاصِح ابْن الحَنْبَلِيِّ (4)
__________
= الأثير: 12 / 52، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 72 (شهيد علي) ، وتكملة المنذري: 1 / الترجمة: 334 والتعليق عليها.
(1) يعني من أجل ذكر الامام أبي حنيفة فيه.
(2) إما أن يكون المقصود هو أبو الفرج ذاكر الله بن إبراهيم البغدادي الحربي القارئ المذكر المتوفى ببغداد سنة 601 (التكملة: 2 / الترجمة: 869) ، أو هو أخوه أبو منصور المظفر بن إبراهيم المتوفى ببغداد سنة 607 (التكملة: 2 / الترجمة: 1170) وعندي أن الأول أشبه لأنه كان مذكرا.
(3) يعني أنهم كانوا يجمعون الناس من غير اختيارهم، فكان بعضهم ينام، وكان البعض يحضر وقلبه غير حاضر.
(4) أبو الفرج عبد الرحمان بن نجم بن عبد الوهاب الأنصاري الشيرازي الدمشقي المتوفى سنة 634.(21/459)
بِأَنْ يَعظ تَحْت النّسر (1) يَوْمَ الجُمُعَةِ وَقت جُلُوْس الحَافِظ.
فَأَوّل ذَلِكَ: أَنَّ النَّاصح وَالحَافِظ أَرَادَا أَنْ يَخْتلفَا الوَقْت، فَاتفقَا أَنَّ النَّاصح يَجْلِس بَعْد الصَّلاَة، وَأَنْ يَجْلِس الحَافِظ الْعَصْر، فَدسُّوا إِلَى النَّاصح رَجُلاً نَاقص العَقْل مِنْ بَنِي عَسَاكِر، فَقَالَ لِلنَّاصح فِي المَجْلِسِ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّك تَقُوْلُ الْكَذِب عَلَى المِنْبَرِ.
فَضُرِبَ، وَهَرَبَ (2) ، فَتمت مكيدتهُم، وَمَشَوا إِلَى الوَالِي، وَقَالُوا: هَؤُلاَءِ الحَنَابِلَة قصدهُم الفِتْنَة، وَاعْتِقَادهُم يُخَالِف اعْتِقَادنَا ... ، وَنَحْو هَذَا.
ثُمَّ جَمعُوا كبرَاءهُم، وَمضُوا إِلَى القَلْعَة إِلَى الوَالِي، وَقَالُوا: نشتهِي أَنْ تحضر عَبْد الغَنِيِّ، فَانحدر إِلَى المَدِيْنَةِ خَالِي المُوَفَّق، وَأَخِي الشَّمْس البُخَارِيّ، وَجَمَاعَة، وَقَالُوا: نَحْنُ ننَاظرهُم.
وَقَالُوا لِلْحَافِظ: لاَ تَجِئْ، فَإِنَّك حدّ (3) ، نَحْنُ نَكفِيك.
فَاتَّفَقَ أَنَّهُم أَخذُوا الحَافِظ وَحْدَه، وَلَمْ يَدر أَصْحَابنَا، فَنَاظروهُ، وَاحتدّ، وَكَانُوا قَدْ كَتَبُوا شَيْئاً مِنَ الاعْتِقَاد، وَكتبُوا خُطُوطهُم فِيْهِ، وَقَالُوا لَهُ: اكْتُبْ خطّك.
فَأَبَى، فَقَالُوا لِلوَالِي: الفُقَهَاء كلّهُم قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ يُخَالِفهُم.
وَاسْتَأَذنوهُ فِي رفع مِنْبَره (4) ، فَبَعَثَ الأَسرَى (5) ، فَرفعُوا مَا فِي جَامِع دِمَشْق مِنْ مِنْبَر وَخزَانَة وَدَرَابزِين (6) ، وَقَالُوا: نُرِيْد أَنْ لاَ تَجعل فِي الجَامِع إِلاَّ صَلاَة الشَّافِعِيَّة.
وَكسّرُوا مِنْبَر الحَافِظ، وَمَنَعونَا مِنَ الصَّلاَةِ، فَفَاتتنَا صَلاَة الظُّهْر.
__________
(1) يعني تحت قبة النسر من جامع دمشق الأموي.
(2) نقل ابن رجب عن الضياء أن هذا الرجل قد خبئ في الكلاسة بعد هروبه.
(3) يعني حاد، من الحدة، وهو ما يعتري الإنسان من النزق والغضب.
(4) وكان الوالي لا يفهم شيئا، نقل ذلك ابن رجب عن الحافظ الضياء.
(5) هكذا في الأصل وفي الذيل لابن رجب، والظاهر أنه اسم لجماعة من أعوان الوالي من الشرطة أو الجيش.
(6) الدرابزين: كلمة أصلها يونانية، وهو حاجز على جانبي السلم أو غيره يستعين به الصاعد ويحميه من السقوط (انظر المحيط ومعجم دوزي: 4 / 313) .(21/460)
ثُمَّ إِنَّ النَّاصح جمع البَنَويَّة (1) ، وَغَيْرهُم، وَقَالُوا: إِنْ لَمْ يخلونَا نُصَلِّي بِاخْتِيَارهِم، صلّينَا بِغَيْرِ اخْتيَارهِم.
فَبَلَغَ ذَلِكَ القَاضِي، وَكَانَ صَاحِبَ الفِتْنَة، فَأَذن لَهُم، وَحمَى الحَنَفِيَّة مقصُوْرتهُم بِأَجنَاد، ثُمَّ إِنَّ الحَافِظ ضَاق صَدْره وَمَضَى إِلَى بَعْلَبَكَّ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّة، فَقَالَ لَهُ أَهْلهَا: إِنِ اشْتهيت جِئْنَا مَعَكَ إِلَى دِمَشْقَ نؤذِي مَنْ آذَاكَ، فَقَالَ: لاَ.
وَتوجّه إِلَى مِصْرَ، فَبقِي بِنَابُلُسَ مُدَّة يقرأُ الحَدِيْث، وَكُنْتُ أَنَا بِمِصْرَ، فَجَاءَ شَابّ مِنْ دِمَشْقَ بِفَتَاو إِلَى صَاحِب مِصْر الْملك العَزِيْز وَمَعَهُ كتب أَنَّ الحَنَابِلَة يَقُوْلُوْنَ كَذَا وَكَذَا مِمَّا يُشنِّعُوْنَ بِهِ عَلَيْهِم.
فَقَالَ -وَكَانَ يَتصيد-: إِذَا رَجَعنَا أَخرجنَا مِنْ بلاَدنَا مَنْ يَقُوْلُ بِهَذِهِ المَقَالَة.
فَاتَّفَقَ أَنَّهُ عدَا بِهِ الْفرس، فَشب بِهِ، فَسَقَطَ، فَخُسِف صَدْره، كَذَلِكَ حَدَّثَنِي يُوْسُفُ بنُ الطُّفَيْل شَيْخنَا وَهُوَ الَّذِي غسّله، فَأُقيم ابْنه صَبِيّ، فَجَاءَ الأَفْضَل مِنْ صَرْخَدُ، وَأَخَذَ مِصْر، وَعَسْكَر، وَكرّ إِلَى دِمَشْقَ، فَلقِي الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ فِي الطَّرِيْق، فَأَكْرَمَه إِكرَاماً كَثِيْراً، وَنفّذ يُوصي بِهِ بِمِصْرَ، فَتُلُقِّي الحَافِظ بِالإِكرَام، وَأَقَامَ بِهَا يُسْمِع الحَدِيْث بِموَاضِع، وَكَانَ بِهَا كَثِيْر مِنَ المخَالفِيْن، وَحصر الأَفْضَل دِمَشْق حصراً شدِيداً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ، فَسَافر العَادل عَمُّه خَلفه، فَتملّك مِصْر، وَأَقَامَ، وَكثر المخَالفُوْنَ عَلَى الحَافِظ، فَاسْتُدعِي، وَأَكْرَمَهُ العَادل، ثُمَّ سَافر العَادل إِلَى دِمَشْقَ، وَبَقِيَ الحَافِظ بِمِصْرَ، وَهُم يَنَالُوْنَ مِنْهُ، حَتَّى عزم الْملك الكَامِل عَلَى إِخرَاجه (2) ، وَاعْتُقِل فِي دَار أُسْبُوْعاً، فَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
مَا وَجَدْت رَاحَة فِي مِصْر مِثْل تِلْكَ اللَّيَالِي.
قَالَ: وَكَانَتِ امرَأَة فِي دَار إِلَى جَانب تِلْكَ الدَّار، فَسمِعتهَا تَبْكِي، وَتَقُوْلُ:
بِالسِّرِّ الَّذِي أَودعته قَلْبَ مُوْسَى حَتَّى قَوِيَ
__________
(1) تحرفت في الذيل لابن رجب إلى: (السوقة) .
(2) كان الملك الكامل أشعريا جلدا.(21/461)
عَلَى حمل كَلاَمك.
قَالَ: فَدعوت بِهِ، فَخلصتُ تِلْكَ اللَّيْلَة.
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَنِيِّ، حَدَّثَنِي الشُّجَاع بن أَبِي زكرِي (1) الأَمِيْر، قَالَ:
قَالَ لِي الْملك الكَامِل يَوْماً: هَا هُنَا فَقِيْه قَالُوا إِنَّهُ كَافِر.
قُلْتُ: لاَ أَعْرفه.
قَالَ: بَلَى، هُوَ مُحَدِّث.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ؟
قَالَ: هَذَا هُوَ.
فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْملك، العُلَمَاء أَحَدهُم يَطلب الآخِرَة، وَآخر يَطلب الدُّنْيَا، وَأَنْت هُنَا بَاب الدُّنْيَا، فَهَذَا الرَّجُل جَاءَ إِلَيْك أَو تَشَفَّع يطْلب شَيْئاً (2) ؟
قَالَ: لاَ.
فَقُلْتُ: وَاللهِ هَؤُلاَءِ يَحسدُوْنَهُ، فَهَلْ فِي هَذِهِ البِلاَد أَرْفَع مِنْكَ؟
قَالَ: لاَ.
فَقُلْتُ: هَذَا الرَّجُل أَرْفَع العُلَمَاء كَمَا أَنْتَ أَرْفَع النَّاس.
فَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً كَمَا عَرَّفْتَنِي، ثُمَّ بعثَتُ رقعَة إِلَيْهِ أُوصيه بِهِ، فَطَلبنِي، فَجِئْت، وَإِذَا عِنْدَهُ شَيْخ الشُّيُوْخِ ابْن حَمُّوَيْه، وَعِزّ الدِّيْنِ الزّنجَارِيّ (3) ، فَقَالَ لِي السُّلْطَان: نَحْنُ فِي أَمر الحَافِظ.
فَقَالَ: أَيُّهَا الْملك، القَوْم يَحسدُوْنَهُ، وَهَذَا الشَّيْخ بَيْنَنَا -يَعْنِي: شَيْخ الشُّيُوْخِ- وَحلفته هَلْ سَمِعْتَ مِنَ الحَافِظ كَلاَماً يُخْرِج عَنِ الإِسْلاَم؟
فَقَالَ: لاَ وَاللهِ، وَمَا سَمِعْتُ عَنْهُ إِلاَّ كُلَّ جَمِيْلٍ، وَمَا رَأَيْتهُ.
وَتَكلّم ابْن الزّنجَارِيّ، فَمدح الحَافِظ كَثِيْراً وَتَلاَمِذته، وَقَالَ: أَنَا أَعْرفهُم، مَا رَأَيْتُ مِثْلهُم.
فَقُلْتُ: وَأَنَا أَقُوْل شَيْئاً آخر: لاَ يَصل إِلَيْهِ مكروهٌ حَتَّى يُقْتَل مِنَ الأَكرَاد ثَلاَثَة آلاَف.
قَالَ: فَقَالَ: لاَ يُؤذَى الحَافِظ.
فَقُلْتُ: اكْتُبْ خطّك بِذَلِكَ، فَكَتَبَ.
__________
(1) تصحفت في الذيل لابن رجب إلى (ذكرى) .
(2) اختصر الامام الذهبي العبارة على عادته وأصلها (فهذا الرجل جاء إليك أو أرسل إليك شفاعة أو رقعة يطلب منك شيئا؟) .
(3) تصحفت في الذيل لابن رجب إلى (الزنجاني) ، وهو عز الدين عثمان بن عبد العزيز الزنجاري الأمير (انظر تلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي: 4 / الترجمة 300) .(21/462)
وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابنَا يَقُوْلُ: إِنَّ الحَافِظ أُمِر أَنْ يَكتبَ اعْتِقَادَه، فَكَتَبَ: أَقُوْل كَذَا؛ لِقَوْل الله كَذَا، وَأَقُوْل كَذَا؛ لِقَوْل الله كَذَا ولِقَوْل النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَا، حَتَّى فَرغ مِنَ المَسَائِل الَّتِي يُخَالِفُوْنَ فِيْهَا.
فَلَمَّا رَآهَا الكَامِل، قَالَ: أَيش أَقُوْل فِي هَذَا يَقُوْلُ بقول الله وَقول رَسُوْله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟!
قُلْتُ (1) : وَذَكَرَ أَبُو المُظَفَّرِ الوَاعِظ فِي (مِرَآة الزَّمَانِ) ، قَالَ: كَانَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ يَقرَأُ الحَدِيْث بَعْد الجُمُعَة، قَالَ: فَاجْتَمَعَ القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ، وَالخَطِيْب ضِيَاء الدِّيْنِ، وَجَمَاعَة، فَصعدُوا إِلَى القَلْعَة، وَقَالُوا لوَالِيهَا: هَذَا قَدْ أَضلّ النَّاس، وَيَقُوْلُ بالتّشبيه.
فَعقدُوا لَهُ مَجْلِساً، فَنَاظرهُم، فَأَخذُوا عَلَيْهِ موَاضِع، مِنْهَا: قَوْلُهُ: لاَ أُنزهه تَنزِيهاً يَنفِي حَقِيْقَة النُّزَول، وَمِنْهَا: كَانَ اللهُ وَلاَ مَكَان، وَلَيْسَ هُوَ اليَوْم عَلَى مَا كَانَ، وَمِنْهَا: مَسْأَلَة الْحَرْف وَالصّوت، فَقَالُوا: إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ، فَقَدْ أَثْبَت لَهُ المَكَان، وَإِذَا لَمْ تنَزهه عَنْ حقِيْقَة النُّزَول، فَقَدْ جوزت عَلَيْهِ الانتقَالَ، وَأَمَّا الْحَرْف وَالصّوت فَلَمْ يَصحَّ عَنْ إِمَامك (2) ، وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّهُ كَلاَم اللهِ، يَعْنِي غَيْر مَخْلُوْق.
وَارتفعت الأَصوَات، فَقَالَ وَالِي القَلْعَة الصَّارم برغش: كُلّ هَؤُلاَءِ عَلَى ضلاَلَة وَأَنْت عَلَى الحَقِّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَأَمر بِكسّر مِنْبَره.
قَالَ: وَخَرَجَ الحَافِظ إِلَى بَعْلَبَكَّ، ثُمَّ سَافر إِلَى مِصْرَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَأَفتَى فُقَهَاء مِصْر بِإِباحَة دَمه، وَقَالُوا: يُفسد عقَائِد النَّاس، وَيذَكَرَ التّجسيم.
فَكَتَبَ الوَزِيْر بنفِيه إِلَى المَغْرِب، فَمَاتَ الحَافِظ قَبْل وُصُوْل الكِتَاب.
__________
(1) القول للامام الذهبي.
(2) يعني الامام أحمد بن حنبل.(21/463)
قَالَ: وَكَانَ يُصَلِّي كُلّ يَوْم وَليلَة ثَلاَث مائَة رَكْعَة، وَيَقوم اللَّيْل، وَيَحْمِل مَا أَمكنه إِلَى بيُوت الأَرَامل وَاليتَامَى سرّاً، وَضَعف بَصَره مِنْ كَثْرَة البُكَاء وَالمُطَالَعَة، وَكَانَ أَوحد زَمَانه فِي علم الحَدِيْث.
وَقَالَ أَيْضاً: وَفِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ كَانَ مَا اشْتُهِرَ مِنْ أَمر الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَإِصرَاره عَلَى مَا ظهر مِنِ اعْتِقَاده، وَإِجمَاع الفُقَهَاء عَلَى الفُتْيَا بتكفِيره، وَأَنَّهُ مُبْتَدِع لاَ يَجُوْزُ أَنْ يُترك بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ، فَسَأَلَ أَنْ يُمهل ثَلاَثَة أَيَّام لِيَنْفَصِل عَنِ البَلَد، فَأُجيب.
قُلْتُ: قَدْ بلوتُ عَلَى أَبِي المُظَفَّرِ المجَازفَة وَقِلَّة الوَرَع فِيمَا يُؤرّخه -وَاللهُ الموعدُ -وَكَانَ يَترفّض، رَأَيْت لَهُ مُصَنّفاً فِي ذَلِكَ فِيْهِ دَوَاهٍ (1) ، وَلَوْ أَجْمَعت الفُقَهَاء عَلَى تَكفِيره -كَمَا زَعَم- لَمَا وَسعهُم إِبقَاؤُه حيّاً، فَقَدْ كَانَ عَلَى مقَالَته بِدِمَشْقَ أَخُوْهُ الشَّيْخ العِمَاد وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَأَخُوْهُ القُدْوَةُ الشَّيْخ أَبُو عُمَرَ، وَالعَلاَّمَة شَمْس الدِّيْنِ البُخَارِيّ، وَسَائِر الحَنَابِلَة، وَعِدَّة مِنْ أَهْلِ الأَثر، وَكَانَ بِالبَلَدِ أَيْضاً خلق مِنَ العُلَمَاءِ لاَ يُكفّرُوْنَهُ، نَعم، وَلاَ يُصرّحُوْنَ بِمَا أَطْلَقَهُ مِنَ العبَارَة لَمَّا ضَايقوهُ، وَلَوْ كَفّ عَنْ تِلْكَ العبَارَات، وَقَالَ بِمَا وَردت بِهِ النّصوص لأَجَاد وَلسلم، فَهُوَ الأَوْلَى، فَمَا فِي تَوسيع العبَارَات المُوهِمَة خَيْر، وَأَسوَأ شَيْء قَالَهُ: أَنَّهُ ضللَ العُلَمَاء الحَاضِرِيْنَ، وَأَنَّهُ عَلَى الحَقِّ، فَقَالَ كلمَة فِيْهَا شَرّ وَفسَاد وَإِثَارَة لِلبلاَء، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْع وَغفر لَهُم، فَمَا قصدهُم إِلاَّ تَعَظِيْم البَارِي- عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الطّرفِيْن، وَلَكِنَّ الأَكمل فِي التعَظِيْم وَالتنزِيه الوُقُوْف مَعَ أَلْفَاظ الكِتَاب وَالسّنَّة، وَهَذَا هُوَ مَذْهَب السَّلَف -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-.
__________
(1) قد تكلم الذهبي في سبط ابن الجوزي وكرر ذلك في غير ما موضع من كتبه ولا سيما (تاريخ الإسلام) وانظر ترجمته في (السير) و (تاريخ الإسلام) .(21/464)
وَبِكُلِّ حَال: فَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالعِلْم وَالتَأَلّه وَالصّدع بِالْحَقِّ، وَمَحَاسِنه كَثِيْرَة، فَنَعُوذ بِاللهِ مِنَ الهَوَى وَالمِرَاء وَالعصبيَّة وَالافترَاء، وَنبرَأُ مِنْ كُلِّ مُجَسِّم وَمُعطِّل (1) .
مِنْ فِرَاسَةِ الحَافِظِ وَكَرَامَاتِهِ:
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاء: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوْسَى بن عَبْدِ الغَنِيِّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ وَالِدِي بِمِصْرَ وَهُوَ يذكر فَضَائِل سُفْيَان الثَّوْرِيّ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِن وَالِدِي مِثْله.
فَالْتَفَت إِلَيَّ، وَقَالَ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ أَولئك؟
سَمِعْتُ نَصْر بن رِضْوَان المُقْرِئ يَقُوْلُ: كَانَ مِنْبَر الحَافِظ فِيْهِ قِصَر، وَكَانَ النَّاسُ يُشرفُوْنَ إِلَيْهِ، فَخطر لِي لَوْ كَانَ يُعَلَّى قَلِيْلاً، فَترك الحَافِظ القِرَاءة مِنَ الجُزْء، وَقَالَ:
بَعْضُ الإِخْوَان يَشتهِي (2) أَنْ يُعَلَّى هَذَا المِنْبَر قَلِيْلاً، فَزَادُوا فِي رِجْلَيْهِ.
__________
(1) هذا هو رأي الامام الذهبي، وهو الصواب، إذ لا فائدة في الدخول في كل هذه المتاهات، وقد قال في (تاريخ الإسلام) ردا على السبط: (قلت: وإجماع الفقهاء على الفتيا بتكفيره كلام ناقص وهو كذب صريح إنما أفتى بذاك بعض الشافعية الذين تعصبوا عليه، وأما الشيخ موفق الدين وأبو اليمن الكندي شيخا الحنفية والحنابلة فكانا معه، ولكن نعوذ بالله من الظلم والجهل) (الورقة: 273 أحمد الثالث) .
وقال ابن رجب: (قرأت بخط الامام الحافظ الذهبي ردا على من نقل الاجماع على تكفيره: أما قوله (أجمعوا) فما أجمعوا بل أفتى بذلك بعض أئمة الأشاعرة ممن كفروه وكفرهم هو، ولم يبد من الرجل أكثر مما يقوله خلق من العلماء الحنابلة والمحدثين من أن الصفات الثابتة محمولة على الحقيقة لا على المجاز، أعني أنها تجري على مواردها لا يعبر عنها بعبارات أخرى كما فعلته المعتزلة أو المتأخرون من الأشعرية، هذا مع أن صفاته تعالى لا يماثلها شيء (الذيل: 2 / 24) .
(2) تحرفت العبارة في (الذيل) لابن رجب بفعل عدم فهم ناشر الكتاب للحكاية فجاءت كما يأتي: (فقال بعض الاخوان: نشتهي..) .
والمقصود ببعض الاخوان هنا هو (نصر بن رضوان المقرئ) .(21/465)
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَخُو اليَاسَمِيْنِيّ، قَالَ:
كُنْتُ يَوْماً عِنْد وَالِدك، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَشتهِي لَوْ أَنَّ الحَافِظ يُعْطِينِي ثَوْبه حَتَّى أُكفَّن فِيْهِ.
فَلَمَّا أَردت القِيَام، خلع ثَوْبه الَّذِي يَلِي جَسَده وَأَعْطَانِيه، وَبَقِيَ الثَّوْب عِنْدنَا، كُلُّ مَنْ مَرِضَ تَرَكَوهُ عَلَيْهِ، فَيُعَافَى.
سَمِعْتُ الرَّضِيّ عَبْد الرَّحْمَانِ المَقْدِسِيّ (1) يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ الحَافِظ بِالقَاهِرَةِ، فَدَخَلَ رَجُل، فَسَلَّمَ، وَدفعَ إِلَى الحَافِظ دِيْنَارَيْنِ، فَدَفَعهُمَا الحَافِظ إِلَيَّ، وَقَالَ: مَا كَأَنَّ قَلْبِي يَطيب بِهِمَا.
فَسَأَلت الرَّجُل: أَيش شغلك؟
قَالَ: كَاتِب عَلَى النّطرُوْنَ (2) -يَعْنِي: وَعَلَيْهِ ضمَان-.
حَدَّثَنِي فَضَائِل بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْر بِجَمَّاعِيْل، حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّي بَدْرَان بن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ الحَافِظ -يَعْنِي فِي الدَّار الَّتِي وَقفهَا عَلَيْهِ يُوْسُف المسجّف -وَكَانَ المَاء مَقْطُوْعاً، فَقَامَ فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ: امْلأْ لِي الإِبرِيق.
فَقضَى الحَاجَة، وَجَاءَ فَوَقَفَ، وَقَالَ: مَا كُنْت أَشتهِي الوُضُوْء إِلاَّ مِنَ البركَةِ.
ثُمَّ صَبَر قَلِيْلاً، فَإِذَا المَاء قَدْ جرَى، فَانْتظر حَتَّى فَاضت البركَة، ثُمَّ انْقَطَع المَاء، فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: هَذِهِ كرَامَة لَكَ.
فَقَالَ لِي: قل: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، لَعَلَّ المَاء كَانَ محتبساً، لاَ تَقُلْ هَذَا!
وَسَمِعْتُ الرَّضِيَّ عَبْد الرَّحْمَانِ يَقُوْلُ:
كَانَ رَجُل قَدْ أَعْطَى الحَافِظ جَامُوْساً فِي البَحْرَةِ (3) ، فَقَالَ لِي: جِئْ بِهِ،
__________
(1) هو عبد الرحمان بن محمد بن عبد الجبار المقدسي.
(2) النطرون بمصر ماء يجمد مثل الملح وعليه ضمان (الذيل لابن رجب: 2 / 28) .
(3) قال الفيروزآبادي: (والبحرة، والمنخفض من الأرض، والروضة العظيمة، ومستنقع الماء) والظاهر أنه اسم مكان قرب دمشق.(21/466)
وَبِعْهُ.
فَمضيت، فَأَخَذتهُ، فَنفر كَثِيْراً، وَبَقِيَ جَمَاعَة يَضحكُوْن مِنْهُ.
فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ بِبركَة الحَافِظ سهّل أَمره، فَسُقته مَعَ جَامُوْسَيْنِ، فَسهُل أَمره، وَمَشَى فَبعته بقَرْيَة.
وَفَاتُهُ:
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ (1) : مَرِضَ أَبِي فِي رَبِيْع الأَوَّلِ مرضاً شدِيداً مَنعه مِنَ الكَلاَم وَالقِيَام، وَاشتدَّ سِتَّةَ عشرَ يَوْماً، وَكُنْت أَسْأَلُهُ كَثِيْراً: مَا يَشتهِي؟ فَيَقُوْلُ: أَشتهِي الجَنَّة، أَشتهِي رَحْمَة الله.
لاَ يَزِيْد عَلَى ذَلِكَ، فَجِئْته بِمَاء حَارّ، فَمدَّ يَده، فَوضأته وَقت الفَجْر، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! قُمْ صلّ بِنَا، وَخفّف.
فَصَلَّيْت بِالجَمَاعَة، وَصَلَّى جَالِساً، ثُمَّ جلَسْت عِنْد رَأْسه، فَقَالَ: اقْرَأْ يَس.
فَقرَأتهَا، وَجَعَلَ يَدعُوا وَأَنَا أُؤمّن، فَقُلْتُ: هُنَا دَوَاء تَشْرَبُهُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ! مَا بَقِيَ إِلاَّ المَوْت.
فَقُلْتُ: مَا تَشتهِي شَيْئاً؟
قَالَ: أَشتهِي النَّظَر إِلَى وَجه الله- سُبْحَانه-.
فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ عَنِّي رَاض؟
قَالَ: بَلَى وَاللهِ (2) .
فَقُلْتُ: مَا تُوصي بِشَيْءٍ؟
قَالَ: مَا لِي عَلَى أَحَد شَيْء، وَلاَ لأَحدٍ عَلَيَّ شَيْء.
قُلْتُ: تُوصينِي؟
قَالَ: أُوصيك بتَقْوَى الله، وَالمحَافِظَة عَلَى طَاعته، فَجَاءَ جَمَاعَة يَعُوْدُوْنَهُ، فَسلّمُوا، فَردّ عَلَيْهِم، وَجَعَلُوا يَتحدثُونَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ اذكرُوا الله، قَوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله.
فَلَمَّا قَامُوا، جَعَلَ يذَكَرَ الله بِشفتيه، وَيُشِيْر بِعَيْنَيْهِ، فَقُمْت لأنَاول رَجُلاً كِتَاباً مِنْ جَانب المَسْجَد، فَرَجَعت وَقَدْ خَرَجت روحه -رَحِمَهُ الله- وَذَلِكَ يَوْم الاثْنَيْنِ، الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتِّ
__________
(1) انظر الذيل لابن رجب: 2 / 28 - 29. وقد اختصرها الذهبي على عادته في اختصار الاخبار وعنايته بالمعنى العام.
(2) وتمام جوابه: (أنا عنك راض وعن أخوتك وقد أجزت لك ولاخوتك ولابن أختك إبراهيم) .(21/467)
مائَةٍ، وَبَقِيَ لَيْلَة الثُّلاَثَاء فِي المَسْجَدِ، وَاجْتَمَعَ الْخلق مِنَ الغَدِ، فَدَفَنَّاهُ بِالقرَافَة (1) .
قَالَ الضِّيَاء: تَزَوَّجَ الحَافِظ بِخَالتِي رَابِعَة ابْنَة خَاله الشَّيْخ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَة، فَهِيَ أُمّ أَوْلاَده مُحَمَّد وَعَبْد اللهِ وَعَبْد الرَّحْمَانِ وَفَاطِمَة، ثُمَّ تسرَّى بِمِصْرَ.
قُلْتُ: أَوْلاَده عُلَمَاء:
فَمُحَمَّدٌ: هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ الإِمَام الرَّحَّال عِزّ الدِّيْنِ أَبُو الفَتْحِ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ كَهْلاً، وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ.
وَعَبْد اللهِ: هُوَ المُحَدِّثُ الحَافِظُ المُصَنِّف جَمَال الدِّيْنِ أَبُو مُوْسَى، رَحل وَسَمِعَ مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، وَخَلِيْلٍ الرَّارَانِيِّ، مَاتَ كَهْلاً، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَعَبْد الرَّحْمَانِ: هُوَ المُفْتِي أَبُو سُلَيْمَانَ ابْنُ الحَافِظِ، سَمِعَ مِنَ البُوْصِيْرِيّ وَابْن الجَوْزِيِّ، عَاشَ بِضْعاً وَخَمْسِيْنَ، تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
مِن المَنَامَاتِ:
أَوْرَد لَهُ الشَّيْخ الضِّيَاء عِدَّة مَنَامَات، مِنْهَا:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يُوْنُسَ المَقْدِسِيّ الأَمِيْن يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنِّيْ بِمسجد الدَّيْرِ (2) ، وَفِيْهِ رِجَال عَلَيْهِم ثِيَابٌ بِيْضٌ، وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُم مَلاَئِكَةٌ، فَدَخَلَ
__________
(1) تمام الخبر - كما نقله ابن رجب عن الضياء -: (مقابل قبر الشيخ أبي عمرو بن مرزوق في مكان ذكر لي خادمه عبد المنعم أنه كان يزور ذلك المكان ويبكي فيه إلى أن يبل الحصى، ويقول: قلبي ارتاح إلى هذا المكان) .
(2) يعني دير المقادسة بسفح قاسيون من دمشق.(21/468)
الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، فَقَالُوا بِأَجْمَعهِم: نشْهد بِاللهِ إِنَّك مِنْ أَهْلِ اليَمِين، مرَّتين أَوْ ثَلاَثاً.
سَمِعْتُ الحَافِظَ عَبْد الغَنِيِّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ وَأَنَا أَمْشِي خَلفه إِلاَّ أَنّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَجُلاً.
سَمِعْتُ الرَّضِيَّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قَائِلاً يَقُوْلُ: جَاءَ الحَافِظ مِنْ مِصْرَ، فَمضيتُ أَنَا وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرٍو العِزّ ابْن الحَافِظِ إِلَيْهِ، فَجِئْنَا إِلَى دَار، فَفُتِحَ البَاب، فَإِذَا الحَافِظ عَلَى وَجهه عَمُود مِنْ نور إِلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا وَالِدته فِي تِلْكَ الدَّار.
سَمِعْتُ الشَّيْخ الصَّالِح غشيم بن نَاصِر المِصْرِيّ، قَالَ:
لَمَّا مَاتَ الحَافِظ، كُنْت بِمَكَّةَ، فَلَمَّا قَدمتُ، قُلْتُ: أَيْنَ دُفِنَ؟
قِيْلَ: شرقِي قَبْر الشَّافِعِيّ، فَخَرَجت، فَلقيت رَجُلاً، فَقُلْتُ: أَيْنَ قَبْر عَبْد الغَنِيِّ؟
قَالَ: لاَ تسَأَلنِي عَنْهُ، مَا أَنَا عَلَى مَذْهَبه، وَلاَ أُحبّه.
فَتركته، وَمشيت، وَأَتيت قَبْر الحَافِظ، وَترددت إِلَيْهِ، فَأَنَا بَعْضُ الأَيَّام فِي الطَّرِيْق، فَإِذَا الرَّجُل، فَسَلَّمَ عليّ، وَقَالَ: أَمَا تَعرفنِي؟ أَنَا الَّذِي لَقِيتك مِنْ مُدَّة، وَقُلْتُ لَكَ كَذَا وَكَذَا، مَضَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة، فَرَأَيْت قَائِلاً يَقُوْلُ لِي: يَقُوْلُ لَكَ فُلاَن وَسَمَّانِي: أَيْنَ قَبْر عَبْد الغَنِيِّ؟ فَتَقُوْلُ: مَا قُلْت؟! وَكرّر القَوْل عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنْ أَرَادَ الله بِك خَيراً فَأَنْت تَكُوْن عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: فَلَو كُنْت أَعْرف مَنْزِلك، لأَتيتك.
سَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى ابْنَ الحَافِظِ، حَدَّثَنِي صنِيعَة الْملك هِبَة اللهِ بن حَيْدَرَةَ، قَالَ:
لَمَّا خَرَجت لِلصَّلاَة عَلَى الحَافِظ، لَقِيَنِي هَذَا المَغْرِبِيُّ (1) ، فَقَالَ: أَنَا غَرِيْب، رَأَيْت البَارِحَة كَأَنِّيْ فِي أَرْض بِهَا قَوْم عَلَيْهِم ثِيَاب بيض، فَقُلْتُ: مَا
__________
(1) كان رجلا مغربيا معه، فهو يشير إليه.(21/469)
هَؤُلاَءِ؟ قِيْلَ: مَلاَئِكَة السَّمَاء نَزلُوا لِمَوتِ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ، فَقُلْتُ: وَأَيْنَ هُوَ؟ فَقِيْلَ لِي: اقعدْ عِنْد الجَامِع حَتَّى يَخْرُج صنِيعَة الْملك، فَامض مَعَهُ.
قَالَ: فَلقيته وَاقفاً عِنْد الجَامِع.
سَمِعْتُ الفَقِيْه أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَنِيِّ سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَخَاك الكَمَال عَبْد الرَّحِيْمِ -وَكَانَ تُوُفِّيَ تِلْكَ السّنَة- فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا فُلاَنُ، أَيْنَ أَنْتَ؟
قَالَ: فِي جَنَّة عدن.
فَقُلْتُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ الحَافِظُ أَوِ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ.
فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَأَمَّا الحَافِظ فُكُلُّ لَيْلَة جُمُعَة يُنْصب لَهُ كُرْسِيّ تَحْت الْعَرْش، وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْث، وَيُنْثَرُ عَلَيْهِ الدُّرُّ وَالجَوْهَر، وَهَذَا نَصِيْبِي مِنْهُ، وَكَانَ فِي كُمِّه شَيْء.
سَمِعْتُ الشَّيْخ عَبْد اللهِ بن حَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الكُرْدِيّ بِحَرَّانَ يَقُوْلُ:
قَرَأْت فِي رَمَضَانَ ثَلاَثِيْنَ ختمَة، وَجَعَلت ثوَاب عشر مِنْهَا لِلْحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ترَى يَصل هَذَا إِلَيْهِ؟
فَرَأَيْت فِي النَّوْمِ كَأَنَّ عِنْدِي ثَلاَثَة أَطباق رطب، فَجَاءَ الحَافِظ، وَأَخَذَ وَاحِداً مِنْهَا.
وَرَأَيْتهُ مرَّة، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ؟
قَالَ: إِنَّ اللهَ بقَى عَلَيَّ وِرْدِي مِنَ الصَّلاَةِ، أَوْ نَحْو هَذَا.
سَمِعْتُ القَاضِي الإِمَام عُمَر بن عَلِيٍّ الهَكَّارِيّ بِنَابُلُسَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ الحَافِظَ كَأَنَّهُ قَدْ جَاءَ إِلَى بَيْت المَقْدِسِ، فَقُلْتُ: جِئْتَ غَيْرَ رَاكِبٍ، فَعل اللهُ بِمَنْ جِئْتِ مِنْ عِنْدِهِم!
قَالَ: أَنَا حَمَلَنِي النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ عَبْد الحَافِظِ بن بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الفَقِيْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّوْذَرْجَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ الحبَّال، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ(21/470)
الفَابَجَانِيّ (1) ، حَدَّثَنَا جَدِّي عِيْسَى بن إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا آدَم بن أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَيَّان، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السُّجُوْدَ (2) ، فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: يَا وَيْلَهُ! أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُوْدِ، فَسَجَدَ، فَلَهُ الجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُوْدِ، فَعَصَيْتُ، فَلِيَ النَّارُ) (3) .
236 - ابْنُ السَّاعَاتِيِّ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخُرَاسَانِيُّ *
عَيْنُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رُسْتُمٍ، بَهَاءُ الدِّيْنِ الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، ابْنُ السَّاعَاتِيِّ.
كَانَ أَبُوْهُ يَعملُ السَّاعَاتِ، فَتَجنَّدَ بَهَاءُ الدِّيْنِ، وَمدحَ المُلُوْكَ، وَسَكَنَ مِصْرَ، وَقَالَ النَّظْمَ الفَائِقَ، وَهُوَ أَخُو الطَّبِيْبِ الأَوحدِ فَخْرُ الدِّيْنِ رَضْوَانُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ.
بلغَ (دِيْوَانُ البَهَاءِ) مجلَّدَتَيْنِ (4) ، وَانتخَبَ مِنْهُ دِيْوَاناً صغِيراً (5) ،
__________
(1) نسبة إلى (فابجان) قرية من قرى أصبهان.
(2) في صحيح مسلم (السجدة) ومعناه آية السجدة.
(3) حديث صحيح رواه الامام مسلم في الايمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة (81) عن زهير بن حرب، عن وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
ورواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش، بهذا الإسناد مثله غير أنه قال: (فأبيت على النار) وفي رواية أبي كريب (يا ويلي) بدلا من (يا ويله) .
ورواه الامام أحمد في (المسند) 2 / 443 عن وكيع ويعلى ومحمد، عن عبيد، عن الأعمش، به.
(*) تكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1033، ووفيات الأعيان: 3 / 395 - 396، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 171، والعبر: 5 / 11، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة: 158 - 165، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 29 - 30، وعيون الانباء: 2 / 184، وشذرات الذهب: 5 / 13 - 14، وروضات الجنات: 89.
(4) حققه الأستاذ أنيس المقدسي اللبناني.
(5) سماه (مقطعات النيل) كما ذكر ابن خلكان.(21/471)
وَهُوَ القَائِلُ (1) :
وَالطَّلُّ فِي سِلْكِ الغُصُوْنِ كَلُؤْلُؤٍ ... رَطْبٍ يُصَافِحُهُ النَّسِيْمُ فَيَسْقُطُ
وَالطَّيْرُ تَقْرَأُ وَالغَدِيْرُ صَحِيْفَةٌ ... وَالرِّيْحُ تَكْتُبُ وَالغَمَامُ يُنَقِّطُ
تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ (2) سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً (3) .
وَأَمَّا أَخُوْهُ فَتَقَدَّمَ بِالطِّبِّ إِلَى أَنْ وَزَرَ لِلملكِ المُعْظَّمِ، وَكَانَ يُنَادِمُهُ بِلَعِبِ العُوْدِ.
237 - عَبْدُ المُجِيْبِ بنُ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ زُهَيْرِ بنِ زُهَيْرٍ *
المَوْلَى الكَبِيْرُ، الصَّالِحُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ.
سَمَّعَهُ عَمُّهُ عَبْدُ المُغِيْثِ (4) مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ اليُوْسُفِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَعَبْدِ الصَّبُوْرِ الهَرَوِيِّ.
وَقَدِمَ رَسُوْلاً عَلَى العَادلِ سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ، وَزَارَ البَيْتَ المُقَدَّسِ، وَكَانَ كَثِيْرَ التّلاَوَةِ، يَتلُو فِي اليَوْمِ خَتمَةً.
__________
(1) الديوان: 2 / 4.
(2) يوم الخميس الثالث والعشرين منه، ودفن بسفح المقطم.
(3) هذا ما ذكره ولده حينما سأله ابن خلكان إذ قال: (وعمره إحدى وخمسون سنة وستة أشهر واثنا عشر يوما) ، ولكن قال الزكي المنذري في (التكملة) : (وهو ابن ثمان وأربعين سنة وسبعة أشهر واثني عشر يوما) .
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 190 - 191 (باريس 5922) ، ومرآة الزمان: 8 / 537 - 538، والتكملة لوفيات النقلة: 2 / الترجمة: 999، وذيل الروضتين: 62، والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 254 - 255، ومشيخة النجيب الحراني، الورقة: 93 - 94، ومشيخة ابن البخاري، الورقة: 14، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 167 - 168، والعبر: 5 / 10، والمختصر المحتاج إليه، الورقة: 88، وعقد الجمان للبدر العيني: 17 / الورقة: 312، والنجوم الزاهرة: 6 / 195، وشذرات الذهب: 5 / 12 - 13.
(4) تقدم ذكره وتوفي سنة 583.(21/472)
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالدُّبَيْثِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالنَّجِيْبُ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَغَيْرُهُم.
تُوُفِّيَ: بحَمَاةَ، فِي المُحَرَّمِ (1) ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
238 - أَبُو الجُودِ غِيَاثُ بنُ فَارِسِ بنِ مَكِّيٍّ اللَّخْمِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَقِّقُ، شَيْخُ المُقْرِئِينَ، أَبُو الجُودِ غِيَاثُ بنُ فَارِسِ بنِ مَكِّيٍّ اللَّخْمِيُّ، المُنْذِرِيُّ، المِصْرِيُّ، الفَرَضِيُّ، النَّحْوِيُّ، العَرُوضِيُّ، الضَّرِيرُ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: الشَّرِيْفِ الخَطِيْبِ أَبِي الفُتُوْحِ الزَّيْدِيِّ (2) ، وَسَمِعَ مِنْهُ وَمِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رِفَاعَةَ.
وَتَلاَ أَيْضاً عَلَى: اليَسَعِ بنِ حَزْمٍ الغَافِقِيِّ بِمَا فِي (التَّيْسِيْرِ (3)) ، عَنْ أَبِيْهِ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ بنِ نَجَاحٍ.
وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ دَهْراً، وَانتشرَ أَصْحَابُهُ، مِنْهُم: الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّيْنِ السَّخَاوِيُّ، وَعَبْدُ الظَّاهِرِ بنُ نشوَانَ، وَالفَقِيْهُ زِيَادَةُ (4) ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ الحَاجِبِ، وَالمُنْتَجبُ الهَمَذَانِيُّ،
__________
(1) في سلخ المحرم.
(*) التكملة لوفيات النقلة: 2 / الترجمة: 1073، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 203 - 204، ومعرفة القراء الكبار، الورقة: 184، ودول الإسلام: 2 / 83، والعبر: 5 / 13 - 14، ونكت الهميان: 225، وغاية النهاية لابن الجزري: 2 / 4، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة، الورقة: 236 - 237 وقد سقطت بداية ترجمته من هذه النسخة الفريدة ولم يبق إلا القسم الأخير منها، والنجوم الزاهرة: 6 / 196، وبغية الوعاة: 1 / 237، وشذرات الذهب: 5 / 17، وديوان الإسلام لابن الغزي، الورقة: 27.
(2) ناصر بن الحسن الزيدي.
(3) لأبي عمرو الداني.
(4) زيادة بن عمران.(21/473)
وَعَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ بنُ أَحْمَدَ اللُّورَقِيُّ، وَالكَمَالُ العَبَّاسِيُّ الضَّرِيرُ، وَأَبُو عَلِيٍّ مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الضَّرِيرُ، وَالتَّقِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مرهفٍ النَّاشرِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مرهفٍ النَّاشرِيُّ (1) ، وَأَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ هِبَةِ اللهِ المِلَنْجِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
ذَكَرَهُ الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ فِي (الوفَياتِ) فَقَالَ (2) : أَقرَأَ النَّاسَ دَهْراً (3) ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ، وَأَكْثَرُ المتصدِّرِيْنَ لِلإِقْرَاءِ بِمِصْرَ أَصْحَابُهُ، وَأَصْحَابُ أَصْحَابِهِ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَقَرَأْتُ القِرَاءاتِ فِي حيَاتِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ (4) ، وَلَمْ يَتيسَّرْ لِي القِرَاءةُ عَلَيْهِ، وَكَانَ دَيِّناً، فَاضِلاً، بارعاً فِي الأَدبِ، حَسَنَ الأَدَاءِ، لَفَّاظاً، مُتَوَاضِعاً، كَثِيْرَ المُروءةِ، لاَ يُطْلَبُ مِنْهُ قَصْدُ أَحَدٍ فِي حَاجَةٍ إِلاَّ يُجِيبُ، وَرُبَّمَا اعتذرَ إِلَيْهِ المشفوعُ إِلَيْهِ وَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ يُطْلَبُ مِنْهُ العَوْدُ إِلَيْهِ فَيَعُوْدُ إِلَيْهِ، تَصَدَّرَ بِالجَامِعِ العَتِيْقِ بِمِصْرَ، وَبمسجدِ الأَمِيْرِ مُوسك، وَبِالفَاضِليَّةِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي تَاسعِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ (5) -رَحِمَهُ الله-.
239 - ابْنُ دِرباسٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عِيْسَى بنِ دِرباسٍ المَارَانِيُّ *
قَاضِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ، الإِمَامُ الأَوْحَدُ، صَدْرُ الدِّيْنِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ المَلِكِ
__________
(1) هكذا في الأصل، وما نظنه الا تكرارا، على أننا لا نعرف للتقي الناشري أنه كان يكنى بأبي الفتح، فالمشهور في كنيته أنه (أبو القاسم) فهو أبو القاسم عبد الرحمان بن مرهف بن عبد الله ابن يحيى بن ناشرة الناشري الشافعي المصري المقرئ الحاذق المتوفى سنة 661.
(2) 2 / الترجمة: 1073.
(3) في التكملة: (مدة طويلة) ، وهذا من عادة الامام الذهبي في التصرف.
(4) في التكملة: (على من قرأها عليه) .
(5) تصرف الذهبي في النص تصرفا كثيرا من حيث التقديم والتأخير وأخذ المعاني.
(*) التكملة لوفيات النقلة: 2 / الترجمة: 1062، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 196 - =(21/474)
بنُ عِيْسَى بنِ دِرباسِ بنِ فِيْرِ بنِ جَهْمِ بنِ عَبْدُوْسٍ المَارَانِيُّ، الكُرْدِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ: بِأَعْمَالِ المَوْصِلِ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ تَقَرِيْباً.
وَبَنُو مَارَانَ: إِقَامتُهُم بِالمرُوجِ، تَحْت المَوْصِلِ.
رَحَلَ فِي طَلَبِ الفِقْهِ، وَاشْتَغَلَ بِحَلَبَ عَلَى: أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ المُرَادِيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيِّ، وَالحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
وَبِمِصْرَ مِنْ: عَلِيٍّ ابْنِ بِنْتِ أَبِي سَعْدٍ (1) ، وَخَرَّجَ لَهُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ (2) أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً.
رَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ، وَقَالَ (3) : كَانَ مَشْهُوْراً بِالصَّلاَحِ وَالغَزْوِ، وَطَلَب العِلْمَ، يُتَبَرَّكُ بآثَارِهِ لِلمَرْضَى.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ وَفضلاَئِهِم، وَفِي أَقَارِبِهِ وَذُرِّيَّتِهِ جَمَاعَةٌ فَضلاَءُ، وَروَاةٌ.
تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ: فِي خَامِسِ شَهْرِ رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
__________
= 197، والعبر: 5 / 13، والبداية والنهاية: 13 / 52، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 165، والسلوك للمقريزي: 1 / 1 / 170، ورفع الإصر لابن حجر، الورقة: 75 (باريس 21149) ، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 316 - 317، والنجوم الزاهرة: 6 / 196، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 33، وحسن المحاضرة: 1 / 190، وأصول التاريخ والأدب لمصطفى جواد: 14 / 296 - 297.
(1) علي بن إبراهيم بن المسلم الأنصاري، وكان سماعه منه في جمادى الآخرة سنة 568.
(2) علي بن المفضل المقدسي المتوفى سنة 611.
(3) التكملة: 2 / الترجمة: 1062.(21/475)
وَأَخُوْهُ: القَاضِي ضِيَاءُ الدِّيْنِ عُثْمَانُ (1) بنُ عِيْسَى، مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، نَابَ فِي الحُكْمِ بِالقَاهِرَةِ، وَتَفَقَّهَ بِإِرْبِلَ عَلَى: الخَضِرِ بنِ عَقِيْلٍ، وَبِدِمَشْقَ عَلَى: ابْنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَبَرَعَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَشرحَ (المُهَذَّبَ (2)) شَرْحاً شَافِياً فِي عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَات إِلَى آخرِهِ (3) ، وَشَرَحَ كِتَابَ (اللُّمَعِ (4)) ، وَأَفتَى، وَدرَّسَ.
تُوُفِّيَ فِي: ذِي القَعْدَةِ (5) ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ وَالِدُ المُحَدِّثِ الرَّحَّالِ إِبْرَاهِيْمَ (6) بنِ عُثْمَانَ بنِ دِرْباسٍ.
240 - الجِلْيَانِيُّ أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ *
العَلاَّمَةُ، الطَّبِيْبُ، الزَّاهِدُ، المتَصَوُّفُ، الأَدِيْبُ، أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ المُنْعِمِ
__________
(1) ترجمة المنذري في التكملة: 2 / الترجمة: 935، وابن خلكان في وفياته: 3 / 242 - 243، والاسنوي في طبقاته، الورقة: 24، والسبكي: 8 / 337 - 338، وابن
الفرات في تاريخه: 9 / الورقة: 19، والسيوطي في حسن المحاضرة: 1 / 408، وابن العماد في الشذرات: 5 / 7 وغيرهم.
وترجمة المؤلف في تاريخ الإسلام (18 / 1 / 110 - 111) .
(2) لأبي إسحاق الشيرازي المتوفى سنة 476.
(3) سماه: (الاستقصاء لمذاهب الفقهاء) .
ذكر ذلك ابن خلكان وغيره.
(4) للشيرازي أيضا، وهذا الشرح في مجلدين.
(5) في الثاني عشر منه.
(6) توفي سنة 622.
(*) عيون الانباء للموفق ابن أبي أصيبعة: 3 / 259 - 265، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 134 - 135، 419، وفوات الوفيات لابن شاكر: 2 / 35 - 37، ونفح الطيب للمقري: 2 / 654، وفي أعلام الزركلي ترجمة جيدة له.
وقد ذكره الامام الذهبي في وفيات سنة 603 من تاريخ الإسلام، واعاده في ذكر المتوفين على التقريب في آخر الطبقة من غير إشارة، وهذا التاريخ في وفاته نقله المؤلف من تاريخ المحب ابن النجار البغدادي، وأشار إليه في (تاريخ الإسلام) ومع ذلك ذكره في وفيات سنة 603 متابعا في ذلك ابن الابار مع أن رواية ابن الابار أوردها على التمريض حيث قال: بلغني أنه توفي سنة ثلاث وست مئة أو نحوها) .
ولكن يظهر أن الذهبي قد تابع هناك الشهاب القوصي الذي ذكر أنه توفي بدمشق في ذي الحجة سنة 603.
وقد ترجمه العماد في القسم الشامي من (الخريدة) .(21/476)
بنُ (1) عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ الغَسَّانِيُّ، المَغْرِبِيُّ.
وَجِلْيَانة: مِنْ قُرَى غَرْنَاطَةَ.
سَكَنَ دِمَشْقَ، وَنَزَلَ بِنظَامِيَّةِ بَغْدَادَ، وَدَخَلَ فِي علُوْمِ البَاطِنِ، وَلَهُ شِعْرٌ رَائِقٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ بسِرِّهِ (2) .
مَاتَ فِي: ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى السَّبْعِيْنَ (3) .
241 - ابْنُ أَبِي رُكَبٍ مُصْعَبُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُشَنِيُّ *
العَلاَّمَةُ، اللُّغَوِيُّ، إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو ذَرٍّ مُصْعَبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُشَنِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الجَيَّانِيُّ، النَّحْوِيُّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي رُكَبٍ (4) .
أَخَذَ عَنْ: وَالِدِهِ الأُسْتَاذ أَبِي بَكْرٍ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ طَاهِرٍ الخِدَبّ، وَسَمِعَ مِنْهُمَا، وَمِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ النُّمَيْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
أَقرَأَ العَرَبِيَّةَ دَهْراً، وَلَهُ مصَنَّفٌ فِي شَرْحِ غَرِيْبِ (السِّيْرَةِ (5)) ، وَمصَنَّفٌ كَبِيْرٌ فِي شرحِ (سِيْبَوَيْه) ، وَكِتَابُ (شرحِ الإِيضَاحِ) ، وَ (شَرْح الجُمَلِ) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَكَانَ مُحْتَشِماً، مَهِيْباً، وَقُوْراً، مليحَ الشَّكْلِ، كَانَ
__________
(1) إضافة مني كأنها سقطت من النسخة.
(2) وقال في تاريخ الإسلام: (نفسه في نظمه نفس اتحادي) .
(3) قال في تاريخ الإسلام: (عاش اثنتين وسبعين سنة) .
(*) التكملة لابن الابار: 2 / 700 - 702، والمغرب لابن سعيد: 2 / 55، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 179 - 180، والعبر: 5 / 11، وبغية الوعاة: 2 / 287 - 288، وشذرات الذهب: 5 / 14.
(4) جمع ركبة.
(5) مطبوع مشهور.(21/477)
الوُزَرَاءُ وَالأَعيَانُ يَمشُوْنَ إِلَى مَجْلِسِهِ، وَإِذَا رَكِبَ مَشَوا مَعَهُ، يُقرِئُ النَّهَارَ كُلَّهُ، وَبَعْضَ اللَّيْلِ.
قَالَ الأَبَّارُ (1) : أَخَذَ عَنْهُ جِلَّةٌ، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ يُنْكِرُ سَمَاعَهُ مِنَ النُّمَيْرِيِّ، وَلِيَ خطَابَةَ إِشْبِيْلِيَةَ، ثُمَّ قَضَاءَ جَيَّانَ، ثُمَّ سَكَنَ فَاسَ مُدَّةً، وَبَعُدَ صِيْتُهُ.
وَقِيْلَ (2) : عُزِلَ مِنْ قَضَاءِ جَيَّانَ، وَأُهِيْنَ لِتِيهِهِ، وَيُقَالُ: ارْتشَى.
مَاتَ: بفَاس، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ.
242 - المِيْرَتُلِيُّ أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ حُسَيْنٍ *
الإِمَامُ العَارِفُ، زَاهِدُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ حُسَيْنِ بنِ مُوْسَى بنِ عِمْرَانَ القَيْسِيُّ، المِيْرتُليُّ، صَاحِبُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُجَاهِدِ.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ مُنْقَطِعَ القَرِيْن فِي الزُّهْدِ وَالعِبَادَةِ وَالوَرَعِ وَالعُزْلَةِ، مشَاراً إِلَيْهِ بِإِجَابَةِ الدَّعوَةِ، لاَ يُعدَلُ بِهِ أَحَدٌ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ آثَارٌ مَعْرُوْفَةٌ مَعَ الحظِّ الوَافرِ مِنَ الأَدبِ وَالنَّظمِ فِي الزُّهْدِ وَالتَّخويفِ، وَكَانَ مُلاَزِماً لمسجدِهِ بِإِشْبِيْلِيَةَ يُقرِئُ، وَيُعَلِّمُ، وَمَا تَزَوَّجَ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ حَوْطِ اللهِ، وَبَسَّامُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو زَيْدٍ بنُ
__________
(1) التكملة: 2 / 701 - 702.
(2) الذي قال ذلك هو غير ابن الابار.
(*) التكملة لابن الابار: 2 / 687، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 180 - 181 - وهو منسوب إلى (ميرتلة) حصن من أعمال باجة.(21/478)
مُحَمَّدٍ (1) ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ (2) .
243 - ابْنُ الشَّيْخِ أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ البَلَوِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُجَابُ الدَّعوَةِ، أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ غَالِبٍ البَلَوِيُّ، المَالقِيُّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّيْخِ.
حملَ القِرَاءاتِ عَنِ ابْن الفَخَّارِ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنَ: السُّهَيْلِيِّ، وَابْنِ قرْقُول، وَالسِّلَفِيِّ، وَعَبْدِ الحَقِّ الأَزْدِيِّ، وَالعُثْمَانِيِّ.
وَعَنْهُ: أَبُو الرَّبِيْعِ بنُ سَالِمٍ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ قطرَالٍ، وَابْنُ حَوْطِ اللهِ.
وَكَانَ رَبَّانِيّاً، مُتَأَلِّهاً، قَانِتاً للهِ، كَثِيْرَ الغَزْوِ، يُعَدُّ مِنَ الأَبْدَالِ، وَفحُوْلِ الرِّجَالِ.
تَلاَ بِالسَّبْعِ، وَأَقرَأَ وَأَفَادَ.
تُوُفِّيَ: بِمَالَقَةَ، عَنْ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
244 - النَّفِيْسُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ أَحْمَدَ **
القُطْرُسِيُّ الشَّاعِرُ، صَاحِبُ (الدِّيْوَان) ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ
__________
(1) عبد الرحمان بن محمد.
(2) في أول جمادى الأولى من السنة.
(*) التكملة لوفيات النقلة: 2 / الترجمة: 1044، وصلة الصلة لابن الزبير: 217، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 183 - 184.
وذكره السيد الزبيدي في أول تاج العروس، وهو صاحب كتاب (ألف باء) المطبوع المشهور في مجلدين.
(* *) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 957، وبغية الطلب لابن العديم: 1 / الورقة: 233 - 235، ووفيات الأعيان: 1 / 164 - 167، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي: 4 / الترجمة: 958، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 120، والفلاكة للدلجي: 112، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 22 - 23، وسلم الوصول لحاجي خليفة، الورقة: 97. وقد تصحف =(21/479)
بنِ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ.
مِنْ فُحُوْلِ الشُّعَرَاءِ، وَلَهُ فِقهٌ وَيدٌ فِي علُوْمِ الفلاسفَةِ، وَهُوَ القَائِلُ:
يَا رَاحِلاً وَجَمِيْلُ الصَّبْرِ يَتبَعُهُ ... هَلْ مِنْ سَبِيْلٍ إِلَى لُقيَاكَ يَتَّفِقُ
مَا أَنْصَفَتْكَ جُفُونِي وَهِيَ دَامِيَةٌ ... وَلاَ وَفَى لَكَ قَلْبِي وَهُوَ يَحترقُ (1)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّ مائَةٍ (2) بِقُوْص.
245 - ابْنُ سَنَاءِ المُلْكِ هِبَةُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ المِصْرِيُّ *
القَاضِي الأَثيرُ، البَلِيْغُ، المُنشِئُ، أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ ابْنِ القَاضِي سنَاءِ المُلْكِ مُحَمَّدِ بنِ هِبَةِ اللهِ المِصْرِيُّ، الشَّاعِرُ المَشْهُوْرُ.
قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: الشَّرِيْفِ أَبِي الفُتُوْحِ (3) ، وَالنَّحْوَ عَلَى: ابْنِ بَرِّيٍّ (4) ،
__________
= القطرسي في (تلخيص) ابن الفوطي إلى (القرطبي) وهو تصحيف قبيح، قال العلامة ابن خلكان في (الوفيات) : (والقطرسي: بضم القاف وسكون الطاء المهملة وضم الراء وبعدها سين مهملة - هذه النسبة كشفت عنها كثيرا ولم أقف لها على حقيقة غير أنه كان من أهل مصر، ثم أخبرني بهاء الدين زهير بن محمد الكاتب الشاعر أن هذه النسبة إلى جده قطرس، وكان صاحبه وروى عنه شيئا من شعره) .
(1) في وفيات ابن خلكان: (محترق) .
وهذان البيتان لم يذكرهما المؤلف في (تاريخ الإسلام (فانظر بعد لمن قال بأن (السير) مختصر للتاريخ وتدبر ما كتبنا في مقدمة السير من هذه الطبعة.
(2) في الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة، ذكر ذلك المنذري.
(*) خريدة القصر: 1 / 64 فما بعد (القسم المصري) ، والتكملة لوفيات النقلة: 2 / الترجمة: 1209، ووفيات الأعيان: 6 / 61، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 120، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 335 - 337، والعبر: 5 / 29 - 30، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 335 - 336، والنجوم الزاهرة: 6 / 204، وشذرات الذهب: 5 / 35 - 36.
(3) ناصر بن الحسن الزيري.
(4) أبو محمد عبد الله بن بري النحوي.(21/480)
وَسَمِعَ مِنَ: السِّلَفِيِّ، وَلَهُ (دِيْوَانٌ) مَشْهُوْرٌ، وَمُصَنَّفَاتٌ أَدبيَّةٌ، وَكَتَبَ فِي دِيْوَانِ التَّرَسُّلِ مُدَّةً.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : هُوَ هِبَةُ اللهِ ابْنُ القَاضِي الرَّشِيْدِ أَبِي الفَضْلِ جَعْفَرِ ابْنِ المعتمدِ سنَاءِ المُلْكِ السَّعْدِيِّ، كَانَ أَحَدَ الرُّؤَسَاءِ النُّبَلاَءِ، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّنَعُّمِ، وَافرَ السَّعَادَةِ، لَهُ رَسَائِل دَائِرَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القَاضِي الفَاضِلِ، وَهُوَ القَائِلُ (2) :
وَلَوْ أَبصرَ النَّظَّامُ جَوْهَرَ ثَغْرِهَا ... لَمَا شَكَّ فِيْهِ أَنَّهُ الجَوْهَرُ الفَرْدُ
وَمَنْ قَالَ إِنَّ الخَيْزُرَانَةَ قَدُّهَا ... فَقُوْلُوا لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ يَسْمَعَ القَدُّ
وَلَهُ (3) :
وَمَلِيَّةٍ بِالحُسْنِ يَسْخَرُ وَجْهُهَا ... بِالبَدْرِ يَهْزَأُ رِيْقُهَا بِالقَرْقَفِ
لاَ شَيْءَ أَحْسَنَ (4) مِنْ تَلَهُّبِ خَدِّهَا ... بِالمَاءِ إِلاَّ حُسْنُهَا وَتعَفُّفِي
وَالقَلْبُ يَحْلِفُ أَنْ سَيَسْلُو ثُمَّ لاَ ... يَسْلُوا وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفِ
تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ (5) ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً (6) .
246 - عفِيفَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ *
ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنِ بنِ
__________
(1) وفيات الأعيان: 6 / 61.
(2) وانظر كذلك ديوانه: 225 - 226.
(3) راجع ديوانه، وهي من قصيدة طويلة في مدح الملك الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي وتهنئته بالعافية من المرض.
(4) في الديوان: أعجب.
(5) ذكر المنذري في (التكملة) أنه توفي في العشر الأول من رمضان.
(6) قال الزكي المنذري: (ومولده سنة خمس وأربعين وخمس مئة) .
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 232، والتكملة لوفيات النقلة: 2 / الترجمة: 1132، =(21/481)
مِهْرَان الشَّيْخَةُ الجَلِيْلَةُ، المُعَمَّرَةُ، مُسْنِدَةُ أَصْبَهَانَ، أُمُّ هَانِي الأَصْبَهَانِيَّةُ، الفَارفَانِيَّةُ (1) - بفَائَيْنِ-.
وُلِدت: سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَتْ آخر مَنْ حَدَّثَ بِالسَّمَاعِ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّشْتَجِ (2) ، وَسَمِعَتْ أَيْضاً مِنْ: حَمْزَةَ بنِ العَبَّاسِ العَلَوِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَحْمَدَ الأُشْنَانِيِّ، وَفَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ؛ سَمِعَتْ مِنْهَا (المُعْجَمَ الكَبِيْرَ) بكمَالِهِ، وَ (المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ (3)) ، وَ (الفِتَنَ) لنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَأَجَازَ لَهَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ (4) .
وَسَمِعْتُ أَيْضاً مِنْ: جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيِّ، وَانْتَهَى إِلَيْهَا عُلُوُّ الإِسْنَادِ.
وَقَدْ أَجَازَ لَهَا مِنْ بَغْدَادَ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ المَهْدِيِّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبُو سَعْدٍ ابْنُ الطُّيُوْرِيِّ، وَأَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، وَطَائِفَةٌ (5) .
__________
= وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 226، والعبر: 5 / 17، والنجوم الزاهرة: 6 / 200، وشذرات الذهب: 5 / 19 - 20.
وقيد محقق (العبر) اسمها بالتصغير (عفيفة) وأظنه من الوهم فلم نحفظ مثل ذلك ولم تذكره كتب المشتبه ولا ذكرت قرينة له.
(1) منسوبة إلى فارفان، قرية من قرى أصبهان، قيدها الزكي المنذري في (التكملة) فقال: (وهي بفتح الفاء وسكون الراء المهملة والالف وفتح الفاء الثانية وسكون الالف وآخرها نون) ، ولكن قيدها ياقوت بكسر الراء المهملة.
(2) عبد الواحد الدشتج آخر من حدث عن أبي نعيم الحافظ وكانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة 518.
(3) اللذان للطبراني.
(4) مات أبو علي الحداد سنة 515.
(5) قال الذهبي في (تاريخ الإسلام) : (نقلت إجازة البغاددة لها من خط شيخنا المزي) .(21/482)
حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو مُوْسَى بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ، وَالرَّفِيعُ إِسْحَاقُ الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ، وَقَالَ (1) : سَمِعْتُ مِنْهَا (المُعْجَمَ الكَبِيْرَ) ، وَ (الفِتَنَ) لِنُعَيْمٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهَا بِالإِجَازَةِ: أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالبُرْهَان ابْنُ الدَّرَجِيِّ، وَابْنُ شَيْبَانَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ الشِّهَابِ بنِ رَاجِحٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وُلِدت فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ عَشْرٍ، وَمَاتَتْ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: تُوُفِّيَتْ فِي رَبِيْعٍ الآخَرِ، أَوْ جُمَادَى الأُوْلَى.
أَنْبَأَنَا ابْنُ سَلاَمَةَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، عَنْ عفِيفَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ سَنَةَ 517، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ سَنَةَ 429، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (لَبَّيْكَ) بِحجَّة وَعُمْرَةٍ مَعاً.
247 - أَبُو هُرَيْرَةَ وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ الهَمَذَانِيُّ المُؤَذِّنُ *
رَجُلٌ صَالِحٌ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارِ.
سَمِعَ مِنْ: هِبَةِ اللهِ ابْنِ أُخْتِ الطَّوِيْلِ، وَالأُرْمَوِيِّ، وَابْنِ نَاصِرٍ (2) .
__________
(1) التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، الورقة: 372.
(*) تاريخ الإسلام: 18 / 1 / 214.
(2) قال المؤلف في (تاريخ الإسلام) : (وحدث ببغداد قبل الثمانين، وأجاز لابن البخاري، وغيره.(21/483)
مَاتَ: بِالكَرَجِ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
248 - ابْنُ الإِخْوَةِ هِشَامُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ، المُؤَيَّدُ، أَبُو مُسْلِمٍ هِشَامُ (1) ابْنُ المُحَدِّثِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ الإِخْوَةِ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ المُعَدَّلُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
وَبَكَّرَ بِهِ وَالِدُهُ أَبُو الفَضْلِ، فَسَمَّعَهُ حُضُوْراً مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَالحُسَيْنِ الخَلاَّلِ، وَمُحَمَّدِ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدُوْيَه.
وَسَمِعَ مِنْ: غَانِمِ بنِ خَالِدٍ، وَطَائِفَةٍ وَبِهَمَذَانَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ هِبَةِ اللهِ بنِ الفَرَجِ، وَنَصْرِ بنِ المُظَفَّرِ.
وَبِبَغْدَادَ مِنَ: القَاضِي الأُرْمَوِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ الحَاسِبِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَجَمَاعَةٌ، وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ الدَّرَجِيِّ، وَالكَمَالُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَعِدَّةٌ.
وَعَاشَ تِسْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ: (مُسْنَد أَبِي يَعْلَى) ، وَ (مُسْنَد العَدَنِيِّ) ، وَ (مُسْنَد الرُّوْيانِيِّ (3)) ، وَلَكِنْ غَالِبُ ذَلِكَ حُضُوْرٌ، وَكَانَ ثِقَةً فِي نَفْسِهِ.
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 222، والكامل لابن الأثير: 12 / 120، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1109، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 253، والعبر: 5 / 19، والنجوم الزاهرة: 6 / 198، وشذرات الذهب: 5 / 23.
(1) قال المنذري في (التكملة) : (وكان يقول: اسمي هشام، والمؤيد لقب لي، والمشهور في سماعاته ببغداد وغيرها: المؤيد.
وهو ممن ينسب إلى بيت الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وبيتهم معروف ببغداد بالكتابة والأدب والرواية) .
(2) مولده باصبهان.
(3) انظر التقييد لابن نقطة، الورقة: 222.(21/484)
مَاتَ فِي: جُمَادَى الآخِرَةِ (1) ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: المُعَمَّرُ إِدْرِيْسُ بنُ مُحَمَّدٍ آل وَالوَيه العَطَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ -يَرْوِي عَنِ: ابْنِ أَبِي ذَرٍّ- وَشَيْخُ الحَنَابِلَةِ القَاضِي وَجِيْهُ الدِّيْنِ أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّى التَّنُوْخِيُّ بِدِمَشْقَ، وَشَيْخُ الأُصُوْليَّةِ العَلاَّمَةُ فَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حُسَيْنٍ الرَّازِيُّ المُتَكَلِّم ابْن خَطِيْبِ الرَّيِّ، وَالعَلاَّمَةُ مَجْدُ الدِّيْنِ المُبَارَكُ بنُ الأَثِيْرِ الجَزَرِيُّ، وَإِمَامُ جَامِعِ أَصْبَهَانَ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ المُضَرِيُّ، عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً -يَرْوِي عَنِ: ابْنِ أَبِي ذَرٍّ، وَالخَلاَّلِ- وَالمُعَمَّرَةُ عفِيفَةُ الفَارفَانِيَّة.
249 - ابْنُ مَمَّاتِي أَبُو المَكَارِمِ أَسَعْدُ بنُ الخَطِيْرِ المِصْريُّ *
القَاضِي، أَبُو المُكَارِمِ أَسَعْدُ ابْنُ الخَطيرِ مُهَذَّبِ بنِ مِينَا ابْنِ مَمَّاتِي، المِصْريُّ، الكَاتِبُ، نَاظرُ النُّظَّارِ بِمِصْرَ.
لَهُ مُصَنَّفَاتٌ عِدَّةٌ، وَنظمٌ رَائِقٌ، فَنظمَ (كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ) ، وَنظمَ سِيرَةَ صَلاَحِ الدِّيْنِ، خَاف مِنِ ابْنِ شُكُرٍ، فَسَارَ إِلَى حَلَبَ، وَلاَذَ بِمَلِكِهَا، فَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى (2) .
__________
(1) في الخامس والعشرين منه، كما صرح المنذري وغيره.
(*) خريدة القصر للعماد: 1 / 10 (القسم المصري) ، وإرشاد الاريب لياقوت: 2 / 244 - 256 وإنباه الرواة: 1 / 231 - 234، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1107 ووفيات الأعيان: 1 / 210، والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 301 - 305، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 220 - 221، وتلخيص ابن مكتوم، الورقة: 41 - 42، والبداية لابن كثير: 13 / 53، والسلوك للمقريزي: 1 / 1 / 173، والخطط: 3 / 260 - 261 وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 317 - 320، والنجوم الزاهرة: 6 / 178، وحسن المحاضرة: 1 / 242 - 243، وسلم الوصول لحاجي خليفة، الورقة: 180 - 181، وشذرات الذهب: 5 / 20 وراجع مقدمة كتابه (قوانين الدواوين) .
(2) هذا هو قول المنذري في (التكملة) حيث ذكر أنه توفي في سلخ جمادى الآخرة وقال المؤلف في (تاريخ الإسلام) : (في سلخ جمادى الآخرة) ولعله سبق قلم إذ ذكر ياقوت الحموي أنه توفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى ايضا.(21/485)
وَمَاتَ أَبُوْهُ فِي: سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَكَانَ نَاظرَ الجَيْشِ.
250 - ابْنُ الرَّبِيْعِ يَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ العُمَرِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، ذُو الفُنُوْنِ، مَجْدُ الدِّيْنِ، أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى ابْنُ الإِمَامِ الفَقِيْهِ أَبِي الفَضْلِ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ حَرَّازٍ العُمَرِيُّ، الوَاسِطِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ.
وُلِدَ: بِوَاسِطَ، سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ (1) .
وَقرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: جدِّهِ لأُمِّهِ أَبِي يَعْلَى مُحَمَّدِ بنِ سَعْدِ بنِ تُركَانَ، وَعلَّقَ الخلاَفَ بِبلدِهِ عَنِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى ابْنِ الفَرَّاءِ الصَّغِيْرِ، إِذْ وَلِيَ قَضَاءَ وَاسِطَ.
وَسَمِعَ فِي صِغَرِهِ كَثِيْراً مِنْ: أَبِي الكَرَمِ بنِ الجَلَخْتِ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الجُلاَّبِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الآمِدِيِّ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَتفَقَّهَ بِهَا عَلَى: مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ أَبِي النَّجِيْبِ (2) ، وَتَفَقَّهَ أَيْضاً عَلَى: أَبِيْهِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ هِبَةِ اللهِ بنِ البُوْقِيِّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ: مِنِ ابْنِ نَاصِرٍ (3) ، وَأَبِي الوَقْتِ (4) ، وَعَبْدِ الخَالِقِ بنِ يُوْسُفَ.
وَسَارَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَتفقَّهَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَبَرَعَ
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 225، والكامل لابن الأثير: 12 / 120، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1126، وذيل الروضتين: 69، والجامع المختصر: 9 / 297 - 299، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 256 - 257، والعبر: 5 / 20، ودول الإسلام: 2 / 84، وطبقات الشافعية للاسنوي، الورقة: 184، وطبقات السبكي: 5 / 165، والبداية لابن كثير: 13 / 53 - 54، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 76، وغاية النهاية لابن الجزري: 2 / 370، والنجوم الزاهرة: 6 / 199، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، الورقة: 106، وطبقات المفسرين: 43، وشذرات الذهب: 5 / 23 - 24.
(1) في ليلة السابع من شهر رمضان سنة 528، كما ذكر المنذري.
(2) عبد القاهر بن عبد الله السهروردي.
(3) أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي.
(4) أبو الوقت عبد الأول ين عيسى السجزي.(21/486)
فِي العِلْمِ. وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي البَرَكَات (1) ابْن الفُرَاوِيِّ، وَعَبْدِ الخَالِقِ ابْن الشَّحَّامِيِّ.
وَمَضَى رَسُوْلاً مِنَ الدِّيْوَانِ إِلَى صَاحِبِ غَزْنَةَ، فَحَدَّثَ هُنَاكَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَبلغَ مِنَ الحِشْمَةِ وَالجَاهِ رُتْبَةً عَالِيَةً.
قَالَ الدُّبَيْثِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ، عَالِماً بِالمَذْهَبِ، وَبِالخلاَفِ، وَالتَّفْسِيْرِ، وَالحَدِيْثِ، كَثِيْرَ الفُنُوْنِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ عَالِماً بِالتَّفْسِيْرِ، وَالمَذْهَبِ، وَالأَصْلَيْنِ، وَالخلاَفِ، دَيِّناً، صَدُوْقاً.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ مُعِيْدَ ابْنِ فَضلاَنَ، وَكَانَ أَبرعَ وَأَقومَ بِالمَذْهَبِ، وَعِلْمَ القُرْآنَ مِنِ ابْنِ فَضلاَنَ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا صُحْبَةٌ جَمِيْلَةٌ، لَمْ أَرَ مِثْلَهَا بَيْنَ اثْنَيْنِ قَطُّ؛ فَكُنَّا نَسْمَعُ الدَّرْسَ مِنَ الشَّيْخِ، فَلاَ نَفهمُهُ لَكَثْرَةِ فَرَاقِعِهِ، ثُمَّ نَقومُ إِلَى ابْنِ الرَّبِيْعِ، فَكمَا نَسْمَعَهُ نَفهمُهُ، وَكَانَتِ الفُتْيَا تَأْتِي ابْنَ فَضلاَنَ، فَلاَ يَكتُبُ حَتَّى يُشَاور ابْنَ الرَّبِيْعِ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ الرَّبِيْعِ تدرِيسَ النِّظَامِيَّةِ، وَنُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى خُرَاسَانَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيْق.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَجَازَ لِلشَّيْخِ (2) ، وَلِلْفَخْرِ عليٍّ.
وَتُوُفِّيَ فِي: أَوَاخِرِ شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ زَاهِرِ بنِ طَاهِرٍ.
__________
(1) عبد الله بن محمد.
(2) يعني: الشيخ شمس الدين عبد الرحمان بن أبي عمر المقدسي.(21/487)
251 - الجُبَّائِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الحَسَنِ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الحَسَنِ بنِ أَبِي الفَرَجِ الشَّامِيُّ، الجُبَّائِيُّ، مِنْ قَرْيَة الجُبَّةِ (1) ، مِنْ أَعْمَالِ طَرَابُلسَ.
كَانَ أَبُوْهُ نَصْرَانِيّاً، فَأَسْلَمَ هُوَ فِي صِغَرِهِ (2) ، وَحفظَ القُرْآنَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، فَصحِبَ الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ الطّلاَيَةِ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي الخَيْرِ البَاغْبَانِ، وَمَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَحصَّلَ الأُصُوْلَ، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ أَصْبَهَانَ، وَكَانَ ذَا قبولٍ وَمَنْزِلَةٍ، وَصِدْقٍ، وَتَأَلُّهٍ، وَهُوَ مِنْ جُبَّةِ بشَرّى.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، رَوَى الكَثِيْرَ.
252 - ابْنُ الأَثِيْرِ المُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ **
القَاضِي، الرَّئِيْسُ، العَلاَّمَةُ، البَارِعُ، الأَوحدُ، البَلِيْغُ، مَجْدُ الدِّيْنِ، أَبُو السَّعَادَاتِ
__________
(*) معجم البلدان: 2 / 32 والتقييد لابن نقطة، الورقة: 131، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1059، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 192 - 193، والعبر: 5 / 12 - 13، والذيل لابن رجب: 2 / 44 - 47، وقلائد التاذفي: 129 - 130، وشذرات الذهب: 5 / 15 - 16، والتاج المكلل للقنوجي: 219.
(1) ما بين الحاصرتين إضافة من (تاريخ الإسلام) للمؤلف.
(2) نقل المؤلف في (تاريخ الإسلام) عن المترجم قوله: (كنا نصارى فمات أبي ونحن صغار فقدر الله أن وقعت حروب فخرجنا من القرية، وكان فيها جماعة مسلمون يقرؤون القرآن فأبكي إذا سمعتهم، قال: فأسلمت وعمري إحدى عشرة سنة) .
(* *) إرشاد الاريب لياقوت: 6 / 238 - 249، وإكمال الإكمال لابن نقطة، الورقة: 7 - 8 (ظاهرية) ، والكامل لابن الأثير: 12 / 120، وإنباه الرواة: 3 / 257 - 260، وعقود الجمان لابن الشعار: 6 / الورقة: 15 - 18، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1129، وذيل الروضتين لأبي شامة: 69، والجامع المختصر: 9 / 299 - 301، ووفيات الأعيان: 4 / 141 - 143، وتلخيص مجمع الآداب 5 / الترجمة: 439، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 118 - 119، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 246 - 248، والعبر: 5 / 19، ودول الإسلام، =(21/488)
المُبَارَكُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ، الجَزَرِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ، الكَاتِبُ، ابْنُ الأَثِيْرِ، صَاحِبُ (جَامِعِ الأُصُوْلِ) ، وَ (غَرِيْبِ الحَدِيْثِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
مَوْلِدُهُ: بجَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ، فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَنَشَأَ بِهَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى المَوْصِلِ، وَسَمِعَ مِنْ: يَحْيَى ابْنِ سعدُوْنَ القُرْطُبِيِّ، وَخَطِيْبِ المَوْصِلِ (1) ، وَطَائِفَةٍ.
وَرَوَى: الكُتُبَ نَازلاً، فَأَسنَدَ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) ، عَنِ ابْنِ سرَايَا، عَنْ أَبِي الوَقْتِ، وَ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) ، عَنْ أَبِي يَاسِرٍ بنِ أَبِي حَبَّةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، عَنِ التُّنْكُتِيِّ، عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ عَبْدِ الغَافِرِ، ثُمَّ عَنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ إِجَازَةً، عَنِ الفُرَاوِيِّ، وَ (المُوَطَّأَ) ، عَنِ ابْنِ سَعدُوْنَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَتَّابٍ، عَنِ ابْنِ مُغِيْثٍ، فَوَهِمَ، وَ (سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيَّ) بِسَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ، وَ (سُنَنَ النَّسَائِيِّ) ، أَخْبَرَنَا يَعِيْشُ بنُ صَدَقَةَ، عَنِ ابْنِ مَحْمُوَيْه.
ثُمَّ اتَّصَلَ بِالأَمِيْرِ مُجَاهِدِ الدِّيْنِ قَيْمَاز (2) الخَادِم، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ مَخْدُومَهُ، فَكَتَبَ الإِنشَاءَ لِصَاحِبِ المَوْصِلِ عِزِّ الدِّيْنِ مَسْعُوْدٍ الأَتَابكِيِّ، وَوَلِيَ دِيْوَانَ
__________
= 2 / 84، وتلخيص ابن مكتوم، الورقة: 241، وطبقات الاسنوي، الورقة: 24، وطبقات السبكي: 5 / 153 - 154، والبداية والنهاية: 13 / 54، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 166، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة، الورقة: 254 - 246، والألقاب لابن حجر، الورقة: 3، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 72، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 39 - 40، وبغية الوعاة: 2 / 274 - 275، وشذرات الذهب: 5 / 22 - 23 وغيرها. وفي ترجمته هذه زيادات عما في (تاريخ الإسلام) .
(1) أبو الفضل عبد الله بن أحمد.
(2) وتكتب أيضا: قايماز.(21/489)
الإِنشَاءِ، وَعَظُمَ قدرُهُ، وَلَهُ اليَدُ البيضَاءُ فِي التَّرَسُّلِ، وَصَنَّفَ فِيْهِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فَالِجٌ فِي أَطرَافِهِ، وَعجِزَ عَنِ الكِتَابَةِ، وَلَزِمَ دَارَهُ، وَأَنشَأَ رِبَاطاً فِي قَرْيَة وَقَفَ عَلَيْهِ أَملاَكَهُ، وَلَهُ نَظْمٌ يَسيرٌ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ (1) : قرَأَ الحَدِيْثَ وَالعِلْمَ وَالأَدبَ، وَكَانَ رَئِيْساً مُشَاوَراً، صَنَّفَ (جَامِعَ الأُصُوْلِ) ، وَ (النِّهَايَةَ) ، وَ (شرحاً لمُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ) ، وَكَانَ بِهِ نَقرسٌ، فَكَانَ يُحْمَلُ فِي مَحَفَّةٍ، قرَأَ النَّحْوَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سَعِيْدِ ابْنِ الدَّهَّانِ، وَأَبِي الحرَمِ مَكِّيٍّ الضَّرِيرِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَمَّا حَجَّ سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ (2) ، وَحَدَّثَ وَانتفعَ بِهِ النَّاسُ، وَكَانَ وَرِعاً، عَاقِلاً، بَهِيّاً، ذَا بِرٍّ وَإِحسَانٍ، وَأَخُوْهُ عِزُّ الدِّيْنِ عليٌّ، صَاحِبُ (التَّارِيْخِ) ، وَأَخُوْهُمَا الصَّاحبُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ، مُصَنِّفُ كِتَاب (المَثَلِ السَّائِرِ) .
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3) : لمَجْدِ الدِّيْنِ كِتَابُ (الإِنصَافِ فِي الْجمع بَيْنَ الكَشْفِ وَالكَشَّافِ) تَفسيرَي الثَّعْلَبِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ، وَلَهُ كِتَابُ (المُصْطَفَى المُخْتَارِ فِي الأَدعيَةِ وَالأَذكَارِ) ، وَكِتَابٌ لطيفٌ فِي صِنَاعَةِ الكِتَابَةِ، وَكِتَابُ (البَدِيْعِ فِي شرحِ مقدِّمَةِ ابْنِ الدَّهَّانِ) ، وَلَهُ (دِيْوَانُ رَسَائِلَ) .
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالإِمَامُ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَامضِ شَيْخُ البَاجربقِيّ، وَطَائِفَةٌ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّيْنِ ابْنُ البُخَارِيِّ (4) .
__________
(1) ذيل الروضتين: 69.
(2) أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب الحراني.
(3) وفيات الأعيان: 4 / 141.
(4) توفي ابن البخاري سنة 690 ومشيخته مشهورة.(21/490)
قَالَ ابْنُ الشَّعَّارِ (1) : كَانَ كَاتِبُ الإِنشَاءِ لدولَةِ صَاحِبِ المَوْصِلِ نُوْرِ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن شَاه بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مَوْدُوْدٍ، وَكَانَ حَاسِباً، كَاتِباً، ذكيّاً ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ (الفرُوْقِ فِي الأَبنِيَةِ) ، وَكِتَابُ (الأَذوَاءِ وَالذَّوَاتِ) ، وَكِتَابُ (المُخْتَارِ فِي مَنَاقِبِ الأَخيَارِ) ، وَ (شرحُ غَرِيْبِ الطِّوَالِ) قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَشدِّ النَّاسِ بُخلاً.
قُلْتُ: مَنْ وَقَفَ عقَارَهُ للهِ فَلَيْسَ بِبخيلٍ، فَمَا هُوَ بِبخيلٍ، وَلاَ بجَوَادٍ، بَلْ صَاحِبُ حزمٍ وَاقتصَادٍ -رَحِمَهُ الله-.
عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ بِالمَوْصِلِ (2) .
حكَى أَخُوْهُ العِزُّ، قَالَ: جَاءَ مَغْرِبِيٌّ عَالَجَ أَخِي بِدُهْنٍ صَنَعَهُ، فَبَانَتْ ثَمَرَتهُ، وَتَمَكَّنَ مِنْ مَدِّ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ لِي: أَعْطِهِ مَا يُرْضِيهِ وَاصرِفْهُ.
قُلْتُ: لِمَاذَا، وَقَدْ ظَهَرَ النُّجْحُ؟
قَالَ: هُوَ كَمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنِّي فِي رَاحَةٍ مِنْ تَرْكِ هَؤُلاَءِ الدَّوْلَةِ، وَقَدْ سَكَنَتْ نَفْسِي إِلَى الانقطَاعِ وَالدَّعَةِ، وَبِالأَمسِ كُنْتُ أُذَلُّ بِالسَّعِي إِلَيْهِم، وَهنَا فَمَا يَجيئونِي، إِلاَّ فِي مشُوْرَةٍ مُهِمَّةٍ، وَلَمْ يَبْقَ مِنَ العمرِ إِلاَّ القَلِيْلُ (3) .
253 - ابْنُ رَوْحٍ أَبُو الفَخْرِ أَسَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الجَلِيْلُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو الفَخْرِ أَسَعْدُ بنُ سَعِيْد
__________
(1) في عقود الجمان: 6 / 15.
(2) في سلخ ذي الحجة، ودفن برباطه، ذكر ذلك المنذري.
(3) تصرف الذهبي تصرفا كبيرا في هذا النص، وانظر وفيات الأعيان: 4 / 143.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 56، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1175، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 263، والعبر: 5 / 21، ودول الإسلام: 2 / 85، والنجوم الزاهرة: 6 / 203، وشذرات الذهب: 5 / 24 - 25.(21/491)
بنِ مَحْمُوْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ رَوْحٍ الأَصْبَهَانِيُّ التَّاجِرِ، ابْن أَبِي الفُتُوْحِ (1) .
مَوْلِدُهُ فِي: سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
سَمِعَ مِنْ: فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ (مُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ الكَبِيْرَ) بفَوَتٍ، وَ (المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ) ، فَكَانَ آخر أَصْحَابِهَا مَوْتاً، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالضِّيَاءُ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَالجمال أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ: لِلبُرْهَان ابْنِ الدَّرَجِيِّ، وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَالكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَابْنِ شَيْبَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ ابْنِ الزَّينِ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ، وَالتَّقِيِّ ابْنِ الوَاسِطِيِّ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ نُقْطَةَ (3) : أَبُو الفَخْرِ أَسَعْدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ رَوْحِ بنِ الفَرَجِ التَّاجِرُ، أَرَانَا مَوْلِدَهُ وَهُوَ (4) فِي ثَانِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ عَشْرَةٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، قَالَ: وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَابعِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، بِأَصْبَهَانَ، وَانغلَقَ بِوَفَاتِهِ بَابُ عُلُوِّ حَدِيْثِ الطَّبَرَانِيِّ، وَكَانَ آخِر مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ الحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي تَوَالِيفِهِ.
__________
(1) هذه هي كنية والده.
(2) بأصبهان.
(3) التقييد، الورقة: 56، وتصرف الذهبي في العبارة على عادته فأخذ معناها.
(4) إضافة من (تاريخ الإسلام) دفعا للبس، وأصل كلام ابن نقطة: (أخرج لنا مولده في كتاب وهو في ثاني ذي الحجة سنة سبع عشرة وخمس مئة) .(21/492)
254 - أَبُو المَجْدِ زَاهِرُ بنُ أَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنِ حَامِدٍ الثَّقَفِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الصَّالِحُ، المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو المَجْدِ زَاهِرُ بنُ أَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنِ حَامِدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ حُضُوْراً مِنْ: جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيِّ، وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ أَبِي ذَرٍّ (1) صَاحِبِ أَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ الصَّيْرَفِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ الحَافِظِ، وَرَوَى الكَثِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَالجمال أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ: لِلْكمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَلِلشَّيْخِ (2) ، وَلابْنِ شَيْبَانَ، وَابْنِ الدَّرَجِيِّ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ، وَالتَّقِيِّ ابْنِ الوَاسِطِيِّ، وَغَيْرِهِم.
وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ: فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ شَيْخاً، صَالِحاً، أَضرَّ عَلَى كِبَرٍ، وَكَانَ صَبُوْراً لِلطَّلبَةِ، مُكْرِماً لَهُم.
قُلْتُ: سَمِعَ (مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيِّ) مِنْ طرِيقِ ابْنِ المُقْرِئِ
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 97، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1173، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 269، والعبر: 5 / 22، ودول الإسلام: 2 / 85، والنجوم الزاهرة: 6 / 202، وشذرات الذهب: 5 / 25.
(1) أبو بكر محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني الأصبهاني.
(2) الشيخ شمس الدين عبد الرحمان بن أبي عمر المقدسي.(21/493)
عَلَى الخَلاَّلِ، وَ (مُسْنَدَ الرُّوْيَانِيِّ) .
تُوُفِّيَ: فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَبُو الفَخْرِ أَسَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ بِأَصْبَهَانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بن سُكَيْنَةَ بِبَغْدَادَ، وَالشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ المَقْدِسِيُّ الزَّاهِدُ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَصَاحِبُ المَوْصِلِ نُوْرُ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن الأَتَابكِيُّ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ مَعْمَرٍ.
255 - مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّاعدِيُّ *
ابْنِ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، العَدْلُ، المُسْنِدُ، أَبُو الفَتْحِ، وَأَبُو القَاسِمِ (1) ، ابْنُ مُسْنِدِ وَقتِهِ أَبِي المَعَالِي ابْنِ المُحَدِّثِ أَبِي البَرَكَاتِ ابْنِ فَقِيْهِ الحرَمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، الصَّاعدِيُّ، الفُرَاوِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي: رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَجدَّهُ، وَأَكْثَرَ عَنْ جدِّ أَبِيْهِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ مُحَمَّدٍ الخُوَارِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيَّ، وَوَجِيْهَ الشَّحَّامِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالزَّكِيُّ البِرْزَالِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَحِ، وَالشَّرَفُ المُرْسِيُّ، وَالرَّضِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ البُرْهَان، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ هِلاَلَةَ، وَجَمَاعَةٌ.
__________
(*) معجم البلدان لياقوت: 3 / 866 - 867، والتقييد لابن نقطة: 207 - 208، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1202، وذيل الروضتين لأبي شامة: 80، والمستفاد للدمياطي، الورقة: 71، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 332 - 334، والمختصر المحتاج، الورقة: 113، والعبر: 5 / 29، ودول الإسلام: 2 / 85، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 335، والنجوم الزاهرة: 6 / 204، وشذرات الذهب: 5 / 34.
(1) وأبو بكر، ذكر ذلك المنذري.(21/494)
وَأَجَازَ: لِلْجمَالِ يَحْيَى ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ، وَللزَّكِيِّ عَبْدِ العَظِيْمِ، وَللشَّمْسِ بنِ عَلاَّنَ، وَلِلْفَخْرِ عليٍّ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (1) : كَانَ شَيْخاً، ثِقَةً، مُكْثِراً، صَدُوْقاً، سَمِعْتُ مِنْهُ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) بِسَمَاعِهِ مِنْ وَجيهٍ الشَّحَّامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيِّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ شَاه، وَ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) ، وَسَمِعَهُ مرَاراً، وَرَأَيْتُ سَمَاعَهُ بِالمُجَلَّدِ الأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ بـ (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ (2) .
وَحَدَّثَنِي رَفِيقُنَا ابْنُ هِلاَلَةَ قَالَ: كَانَ شَيْخُنَا مَنْصُوْرٌ يَرْوِي (غَرِيْبَ الحَدِيْثِ) لِلْخطَّابِيِّ عَنْ جَدِّهِ بفَوَتٍ، فَقرَأْنَاهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلتُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ -أَوْ قَالَ بُخَارَى- وَجَدْتُ بَعْضَ نُسْخَةٍ بـ (غَرِيْبِ الخَطَّابِيِّ) ، وَفِيْهَا القدرُ الَّذِي يَفوتُ مَنْصُوْر، وَفِيْهِ سَمَاعُهُ بِغَيْرِ تِلْكَ القِرَاءةِ، وَغَيْرِ التَّارِيْخِ، وَهَذَا مِمَّا يَدلُّ عَلَى صِدْقِ الشَّيْخِ، وَأَنَّهُ أَكْثَرَ مِنَ الكُتُبِ المُطَوَّلَةِ عَنْ جَدِّهِ.
قَالَ (3) : وَسَمِعَ (تَفْسِيْرَ الثَّعْلَبِيِّ) مِنْ عَبَّاسَةَ العَصَّارِيِّ.
وَقَالَ لِي ابْنُ هِلاَلَةَ: رَأَيْتُ أَصلَ البَيْهَقِيِّ بـ (السُّنَنِ الكَبِيْرِ) ، وَقَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُ أَجزَاءٌ متفرِّقَةٌ، فَجَمِيْعُ مَا وَجَدْتُ قرَأتهُ عَلَيْهِ، وَبَاقِي الكِتَابِ بِالإِجَازَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً.
ثُمَّ قَالَ: وَمَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ.
قُلْتُ: وَقَدْ حَجَّ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ مَعَ وَالِدِهِ.
__________
(1) التقييد، الورقة: 207 - 208.
(2) فيكون سماعه حضورا.
(3) يعني ابن نقطة.(21/495)
قَرَأْتُ وَفَاتَهُ فِي ثَامنِ شَعْبَان، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، بِخَطِّ الحَافِظِ الضِّيَاءِ، لَيْلَةَ وُصُوْلِهِ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَفَاتَهُ الأَخْذُ عَنْهُ (1) .
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي البقَاءِ العَاقُوْلِيُّ، وَالخَضِرُ بنُ كَامِلٍ السَّرُوْجِيُّ المُعَبِّرُ، وَالقُدْوَةُ الشَّيْخُ عُمَرُ البَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ نُوْحٍ الغَافِقِيُّ المُقْرِئُ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنَعَةَ المَوْصِلِيُّ، وَالقَاضِي هِبَةُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ سنَاءِ المُلْكِ الأَدِيْبُ، وَيُوْنُسُ بنُ يَحْيَى الهَاشِمِيُّ بِمَكَّةَ، وَالقُدْوَةُ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُوْسَى القَصْرِيُّ.
256 - صَاحِبُ المَوْصِلِ أَرْسَلاَنُ شَاه ابْنُ عِزِّ الدِّيْنِ *
المَلِكُ العَادِلُ (2) ، نُوْرُ الدِّيْنِ، أَرْسَلاَنُ شَاه ابْنُ عِزِّ الدِّيْنِ مَسْعُوْدِ بنِ مَوْدُوْدِ بنِ الأَتَابكِ زَنْكِي.
كَانَتْ دَوْلَتُهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً (3) ، وَكَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، فِيْهِ عَسْفٌ وَشُحٌّ.
تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً، وَبَنَى مَدْرَسَةً كَبِيْرَةً مزخرفَةً، مرِضَ مُدَّةً، وَمَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
(1) وبه قال ابن نقطة والزكي المنذري.
(*) الكامل لابن الأثير: 12 / 121 - 122، والتاريخ الباهر له: 189 - 201، ومرآة الزمان: 8 / 546، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1162، وذيل الروضتين لأبي شامة: 70، وبغية الطلب لابن العديم: 2 / الورقة: 195 - 196، وتاريخ ابن العبري: 229، ووفيات الأعيان: 1 / 193 - 194، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 111، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 261، والعبر: 5 / 21، ودول الإسلام: 2 / 184، والبداية لابن كثير: 13 / 57، 61، والسلوك للمقريزي: 1 / 1 / 172، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 333، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة: 157، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 48، والنجوم الزاهرة: 6 / 200، وشذرات الذهب: 5 / 24.
(2) هكذا لقب نفسه، وكان ظالما، نسأل الله العافية.
(3) تقريبا، وإلا فإنه ملك سبع عشرة سنة وأحد عشر شهرا.(21/496)
وَكَانَ سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، فِيْهِ دهَاءٌ، وَلَهُ سَطوَةٌ عَلَى الأُمَرَاءِ، وَكَانَ مَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ الأَثِيْرِ مُلاَزِماً لَهُ، فَيَأْمرُهُ بِالخَيْرِ، فَيُطيعُهُ، وَصَيَّرَ مَمْلُوْكَهُ لُؤْلُؤاً أُسْتَاذَ دَارِهِ.
257 - الجُزُولِيُّ أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ *
إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يَلَلْبَختِ (1) بنِ عِيْسَى اليَزْدَكَنْتِيُّ (2) ، الجُزُولِيُّ، البَرْبَرِيُّ، المَرَّاكُشِيُّ.
حَجَّ وَلاَزَمَ ابْنَ بَرِّيٍّ، وَأَتقنَ عَنْهُ: العَرَبِيَّةَ، وَاللُّغَةَ، وَسَمِعَ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَتَصَدَّرَ بِالمَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ.
وَكَانَ إِمَاماً لاَ يُجَارَى، اعْتَنَى بـ (مُقَدِّمَتِهِ) الأَذكيَاءُ، وَشرحوهَا.
تُوُفِّيَ: بِأَزمُورٍ- مِنْ عمَلِ مَرَّاكش- سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتٍّ.
وَوَلِيَ خطَابَةَ مَرَّاكش، وَكَانَ فِي طلبِهِ بِمِصْرَ فَقيراً، يَخْرُجُ إِلَى القُرَى، فَيُصَلِّي بِهِم، وَأَخَذَ مَذْهَبَ مَالِك بِمِصْرَ، عَنِ الفَقِيْهِ ظَافرٍ، وَقَدْ طوَّلْتُ تَرْجَمَتَهُ فِي (التَّارِيْخِ (3)) .
وَقِيْلَ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ عشرٍ.
__________
(*) إنباه الرواة: 2 / 378، والصلة لابن الزبير: 53، والتكملة لابن الابار: 3 / الورقة: 85 (مع الغرباء) ، ووفيات الأعيان: 3 / 488 - 491، وتاريخ ابن الوردي: 2 / 132، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 283 - 286، والعبر: 5 / 24، 25، وبغية الوعاة: 2 / 236 - 237، وشذرات الذهب: 5 / 26، وراجع التعليق على انباه الرواة، وبروكلمان: 1 / 376 من الأصل، 1 / 541 من الذيل (بالالمانية) ودائرة المعارف الإسلامية: 6 / 449 - 450 (من الترجمة العربية) .
(1) قيده ابن خلكان بالحروف فقال: بفتح الياء المثناة من تحتها واللام وسكون اللام الثانية وفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وبعدها تاء مثناة من فوقها، وهو اسم بربري.
(2) هكذا هي مقيدة في الأصل، بل ومجودة التقييد بخط المؤلف في (تاريخ الإسلام) ونجد فيها النون مقدما على التاء في حين قدم ابن خلكان التاء على النون وقيدها بالحروف، وهي نسبة إلى فخذ من جزولة.
(3) يعني تاريخ الإسلام.(21/497)
258 - ابْنُ يُوْنُسَ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الإِرْبِلِيُّ *
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنَعَةَ الإِرْبِلِيُّ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ.
تَفقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَبِبَغْدَادَ عَلَى: أَبِي المَحَاسِنِ بنِ بُنْدَارٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَسَمِعَ وَعلاَ صِيتُهُ، وَصَنَّفَ، وَتَخَرَّجَ بِهِ خَلْقٌ، وَصَنَّفَ (المحيطَ) ، وَأَشيَاءَ، وَكَانَ وَرِعاً، نَزِهاً، قَشِفاً، شَدِيدَ الوُسوَاسِ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
259 - الأَصْبَهَانِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ **
الإِمَامُ، المُتَفَنِّنُ، الوَاعِظُ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ مَجْدُ الدِّيْنِ، المَغْرِبِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ المَوْلِدِ، المَعْرُوفُ بِالأَصْبَهَانِيِّ لإِقَامتِهِ بِهَا خَمْسَةَ أَعْوَامٍ، فَقَرَأَ الفِقْهَ لِلشَّافِعِيِّ، وَالخِلاَفَ، وَالجَدَلَ، وَالتَّصَوُّفَ، وَالأُصُوْلَ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ مَاشَاذَة، وَأَبَا رُشْدٍ بنَ خَالِدٍ، وَالسِّلَفِيَّ، وَتَحَوَّلَ فِي الأَنْدَلُسِ، وَسَكَنَ غَرْنَاطَةَ.
__________
(*) الكامل لابن الأثير: 12 / 143، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 176 (باريس 5921) ، ومرآة الزمان: 8 / 558، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1198، وذيل الروضتين: 80، ووفيات الأعيان: 4 / 253 - 255، وتلخيص مجمع الآداب: 4 / الترجمة: 1263، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 120، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 162، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 330 - 332، والعبر: 5 / 28 - 29، وطبقات الاسنوي، الورقة: 188، وطبقات السبكي: 5 / 45 - 46، والبداية لابن كثير: 13 / 62، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 75 - 76، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، الورقة: 59، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 335، ومعجم الشافعية، الورقة: 68، وشذرات الذهب: 5 / 34.
(* *) تاريخ الإسلام للذهبي: 18 / 1 / 337 - 339 وما هنا هو مختصرها.(21/498)
قَالَ ابْنُ مُسْدِيّ: قرَأَ عَلَيَّ جزءَ (عروسِ الأَجزَاءِ) مِمَّا سَمِعَهُ بِأَصْبَهَانَ، وَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ تَكُوْنُ لَكَ رِحلَةٌ وَجَولاَن.
قَالَ: وَسَمَاعُهُ مِنْ مَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيِّ سَنَةَ سِتِّيْنَ (1) ، وَلَمَّا نَزلَ غَرْنَاطَةَ تركَ الوعظَ، وَلَهُ تَعليقَةٌ فِي الخلاَفِ بَيْنَ أَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَقُحِطْنَا، فَنَزَلَ الأَمِيْرُ إِلَى شيْخِنَا هَذَا وَقَالَ: تُذَكِّرُ النَّاسَ، فَلَعَلَّ اللهَ يُفرِّجُ، فَوَعَظَ، فَورَدَ عَلَيْهِ وَارِدٌ، فَسَقَطَ، وَحُمِلَ، فَمَاتَ بَعْدَ سَاعَةٍ، فَلَمَّا أُدْخِلَ حفرتَهُ، انفتحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَسَالَتِ الأَوديَةُ أَيَّاماً.
قُلْتُ: مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ بغَرْنَاطَةَ.
260- بِنْتُ مَعْمَرٍ أُمُّ حَبِيْبَةَ عَائِشَةُ بِنْتُ الحَافِظِ مَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ *
الشَّيْخَةُ، المُعَمَّرَةُ، المُسْنِدَةُ، أُمُّ حَبِيْبَةَ عَائِشَةُ بِنْتُ الحَافِظِ مَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ القُرَشِيَّةُ، العَبْشَمِيَّةُ، الأَصْبَهَانِيَّةُ.
سَمِعَتْ حُضُوْراً مِنْ: فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةَ، وَسَمَاعاً كَثِيْراً مِنْ: زَاهِرِ بنِ
__________
(1) يعني وخمس مئة، وقد أنكر أهل الأندلس عليه روايته عن مسعود الثقفي، وقالوا: إن مسعودا يروي عن الخطيب واستبعدوا هذا، ومنهم أبو الربيع بن سالم، إذ كان أبو الربيع قد كتب إلى أبي الحسن بن المفضل المقدسي قبل الست مئة أن يأخذ له إجازة من يروي عن الخطيب، فأجابه: ليس ببلادنا من يروي ذلك، فأكد ذلك إنكاره.
وقد رد الذهبي على هذا الامر بقوله بأن أبا الحسن بن المفضل إنما عنى بقوله (بلادنا) : الإسكندرية ومصر، وقال: (ابن سالم حافظ، وقد خفي عنه هذا واعتمد بظاهر ما عندهم من النزول، بل كان بعد الست مئة وجد ما هو أعلى من روايات الخطيب، كان بأصبهان من يروي عن رجل عن الحافظ أبي نعيم الذي هو من شيوخ الخطيب، وكان بالعراق من يروي عن رجل عن ابن غيلان، وبخراسان من يروي عن رجل عن عبد الغافر) .
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 232، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1149، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 271، والعبر: 5 / 22، والنجوم الزاهرة: 6 / 202، وشذرات الذهب: 4 / 25.(21/499)
طَاهِرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ نُقْطَةَ، وَالشَّيْخُ الضِّيَاءُ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ العِزِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَتْ: لِلشَّيْخِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَابْنِ شَيْبَانَ، وَالكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَالفَخْرِ عَلِيٍّ (1) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ: سَمِعْنَا مِنْهَا (مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيِّ) بِسَمَاعِهَا مِنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ الصَّيْرَفِيِّ، وَكَانَ سَمَاعُهَا صَحِيْحاً بِإِفَادَةِ أَبيهَا.
تُوُفِّيَتْ عَائِشَةُ فِي: شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
261 - فَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ *
العَلاَّمَةُ الكَبِيْرُ، ذُو الفُنُوْنِ، فَخْرُ الدِّيْنِ، مُحَمَّدُ بنُ عمَرَ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ،
__________
(1) وللزكي المنذري في ذي القعدة سنة 606.
(*) الكامل في التاريخ: 12 / 120، والتاريخ المظفري لابن أبي الدم، الورقة: 230، وتاريخ الحكماء: 291 - 293، ومرآة الزمان: 8 / 542 - 543، وعقود الجمان لابن الشعار: 6 / الورقة: 54 - 60، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1121، وذيل الروضتين: 68، وعيون الانباء: 3 / 34 - 45، والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 306 - 308، وتاريخ ابن العبري: 240، ووفيات الأعيان: 4 / 248 - 252، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 118، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 232 - 244، ودول الإسلام: 2 / 84، والعبر، وميزان الاعتدال وغيرها من كتبه، والوافي بالوفيات: 4 / 248 - 259، وطبقات السبكي: 5 / 33 - 40، والبداية لابن كثير: 13 / 55 - 56، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 74 - 75، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة، الورقة: 48، ولسان ابن حجر: 4 / 426، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 322 - 324، والنجوم الزاهرة: 6 / 197 - 198، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، الورقة: 47 - 48، ولصديقنا الدكتور محسن عبد الحميد كتاب (الرازي مفسرا) .(21/500)
البَكْرِيُّ، الطَّبَرَستَانِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، المُفَسِّرُ، كَبِيْرُ الأَذكيَاءِ وَالحُكَمَاءِ وَالمُصَنِّفِيْنَ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَاشْتَغَلَ عَلَى أَبِيْهِ الإِمَامِ ضِيَاءِ الدِّيْنِ خَطِيْبِ الرَّيِّ، وَانتشرَتْ تَوَالِيفُهُ فِي البِلاَدِ شرقاً وَغرباً، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، وَقَدْ سُقْتُ تَرْجَمَتَهُ عَلَى الوَجْهِ فِي (تَارِيخِ الإِسْلاَمِ) .
وَقَدْ بدَتْ مِنْهُ فِي تَوَالِيفِهِ بلاَيَا وَعظَائِمُ وَسِحْرٌ وَانحرَافَاتٌ عَنِ السُّنَّةِ، وَاللهُ يَعْفُو عَنْهُ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ عَلَى طرِيقَةٍ حَمِيدَةٍ، وَاللهُ يَتولَّى السّرَائِرَ.
مَاتَ: بِهَرَاةَ، يَوْمَ عِيْدِ الفِطْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، وَقَدِ اعترَفَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، حَيْثُ يَقُوْلُ (1) :
لقد تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الكَلاَمِيَّةَ، وَالمنَاهجَ الفلسفِيَّةَ، فَمَا رَأَيَّتُهَا تشفِي عليلاً، وَلاَ تروِي غليلاً، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طرِيقَةَ القُرْآنِ، أَقرَأُ فِي الإِثْبَاتِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتوَى (2) } ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ (3) ... } ، وَأَقرَأُ فِي النَّفْي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (4) } ، وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجرِبَتِي عرفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي.
__________
(1) هذا جزء من وصيته التي أوصى بها لما احتضر لتلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني، وقد أوردها المؤلف في (تاريخ الإسلام) ، كما أوردها التاج السبكي في (طبقات الشافعية)
وغيره.
(2) طه / 5.
(3) فاطر / 10.
(4) الشورى / 11.(21/501)
262 - ابْنُ سُكَيْنَةَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، القُدْوَةُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مَفْخَرُ العِرَاقِ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ، أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْن الشَّيْخِ الأَمِيْنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ سُكَيْنَةَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وَسُكَيْنَةُ: هِيَ وَالِدَةُ أَبِيْهِ.
مَوْلِدُهُ فِي: شَعْبَان (1) ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ: أَبِيْهِ- فَرَوَى عَنْهُ (الجَعْدِيَّاتِ) - وَهِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ -يَرْوِي عَنْهُ (الغَيْلاَنِيَّاتِ) - وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المَاوَرْدِيِّ، وَزَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ، وَقَاضِي المَارستَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيِّ الزَّاهِدِ، وَعِدَّةٍ، بإِفَادَةِ ابْنِ نَاصِرٍ (2) .
ثُمَّ لاَزمَ أَبَا سَعْدٍ البَغْدَادِيَّ المُحَدِّثَ (3) ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَسَمِعَ مَعَهُ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 159 - 160، والكامل لابن الأثير: 12 / 122، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 156 - 157 (باريس 5922) ، والتاريخ المجدد لابن النجار، الورقة: 64 - 66 (ظاهرية) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1146، وذيل الروضتين: 70، ومشيخة النجيب الحراني، الورقة: 101 - 105، وهو الشيخ الخامس والخمسون فيها، وأخبار الزهاد لابن الساعي، الورقة: 92 - 94، والمختصر المحتاج إليه، الورقة: 80، ومعرفة القراء، الورقة: 181 - 182، والعبر: 5 / 23، ودول الإسلام: 2 / 85، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 272 - 276، وطبقات الاسنوي، ورقة: 121، والبداية والنهاية: 13 / 61، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 165، وغاية النهاية: 1 / 480، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهية، الورقة: 57، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 309 - 331، وغيرها.
(1) في ليلة العاشر منه، كما ذكر ابن الدبيثي والمنذري وغيرهما.
(2) أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي.
(3) يريد به: أبا سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني المروزي التميمي صاحب كتاب (الأنساب) ، وقوله: (البغدادي) ، غير جيد، لأنه لم يشتهر بذلك، لكنه قال في (تاريخ الإسلام) : (ثم لازم أبا سعد ابن السمعاني لما قدم وسمع معه الكثير من أبي منصور بن زريق القزاز) ، وهذا أحسن.(21/502)
السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ تَوْبَةَ، وَشَيْخِ الشُّيُوْخِ أَبِي البَرَكَاتِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ -وَهُوَ جدُّهُ لأُمِّهِ- وَعِدَّةٍ.
وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ عنَايَةً قويَّةً، وَبِالقِرَاءاتِ، فَبَرَعَ فِيْهَا، وَتَلاَ بِهَا عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ مَحْمُوَيْه، وَأَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيِّ.
وَأَخَذَ الْمَذْهَب (1) وَالخلاَفَ عَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن الرَّزَّاز، وَالعَرَبِيَّة عَنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ.
وَصَحِبَ جدَّهُ أَبَا البَرَكَاتِ، وَلَبِسَ مِنْهُ (2) ، وَلاَزَمَ ابْنَ نَاصِرٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ عِلْمَ الأَثرِ (3) ، وَحفظَ عَنْهُ فَوَائِدَ غزِيْرَةً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (4) : شَيْخُنَا ابْنُ سُكَيْنَةَ شَيْخُ العِرَاقِ فِي الحَدِيْثِ، وَالزُّهْدِ، وَحُسْنِ السَّمْتِ، وَمُوَافِقَةِ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ، عُمِّرَ حَتَّى حَدَّثَ بِجَمِيْعِ مَرْوِيَّاتِهِ، وَقصدَهُ الطُّلاَّبُ مِنَ البِلاَدِ، وَكَانَتْ أَوقَاتُهُ مَحْفُوْظَةٌ، لاَ تَمضِي لَهُ سَاعَةٌ إِلاَّ فِي تِلاَوَةٍ، أَوْ ذِكْرٍ، أَوْ تَهجُّدٍ، أَوْ تَسْمِيْعٍ، وَكَانَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ مَنَعَ مِنَ القِيَامِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَجِّ وَالمُجَاوِرَةِ وَالطَّهَارَةِ، لاَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلاَّ لِحُضُوْرِ جُمُعَةٍ أَوْ عيدٍ أَوْ جَنَازَةٍ، وَلاَ يَحضُرُ دورَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فِي هَنَاءٍ، وَلاَ عَزَاءٍ، يُدِيمُ الصَّوْمَ غَالِباً، وَيستعملُ السُّنَّةَ فِي أَمورِهِ، وَيُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ، وَيُعَظِّمُ العُلَمَاءَ، وَيَتوَاضَعُ لِلنَّاسِ، وَكَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُوْلُ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُمِيتَنَا مُسْلِمِيْنَ، وَكَانَ ظَاهِرَ الخشوعِ، غزِيْرَ الدَّمعَةِ، وَيَعتذرُ مِنَ البُكَاءِ وَيَقُوْلُ: قَدْ كَبِرْتُ وَلاَ أَملِكُهُ، وَكَانَ اللهُ قَدْ أَلْبَسَهُ رِدَاءً جَمِيْلاً مِنَ البَهَاءِ، وَحُسْنِ الخِلْقَةِ، وَقَبُولِ الصُّوْرَةِ، وَنورِ الطَّاعَةِ، وَجَلاَلَةِ العِبَادَةِ، وَكَانَتْ لَهُ فِي القُلُوْبِ
__________
(1) يعني مذهب الامام الشافعي - رضي الله عنه -.
(2) يعني: لبس منه خرقة التصوف.
(3) أي الحديث الشريف على قائله أفضل الصلاة والسلام.
(4) التاريخ المجدد لمدينة السلام، الورقة: 64 - 66 (ظاهرية) .(21/503)
مَنْزِلَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَمَنْ رَآهُ انتفَعَ برُؤْيتِهِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِ البَهَاء وَالنُّوْر، لاَ يُشْبَعُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، لَقَدْ طُفْتُ شرقاً وَغرباً، وَرَأَيْتُ الأَئِمَّةَ وَالزُّهَّادَ فَمَا رَأَيْتُ أَكملَ مِنْهُ، وَلاَ أَكْثَرَ عبَادَةً، وَلاَ أَحْسَنَ سَمْتاً، صَحِبتُهُ قَرِيْباً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، ليلاً وَنَهَاراً، وَتَأَدَّبْتُ بِهِ، وَخَدَمْتُهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ (1) بِجَمِيْعِ رِوَايَاتِهِ، وَسَمِعْتُ
مِنْهُ أَكْثَرَ مَرْوِيَّاتِهِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، عَلَماً مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ! سَمِعَ مِنْهُ الحُفَّاظُ: عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الزَّيْدِيُّ، وَالقَاضِي عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَالحَازِمِيُّ، وَطَائِفَةٌ مَاتُوا قَبْلَهُ.
وَسَمِعْتُ ابْنَ الأَخْضَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ وَعُنِيَ بِهِ غَيْرُ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن سُكَيْنَة.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ نَاصِرٍ يَجْلِسُ فِي دَارِهِ عَلَى سرِيرٍ لطيفٍ، فُكُلُّ مَنْ حضَرَ عِنْدَهُ يَجْلِسُ تَحْت، إِلاَّ ابْن سُكَيْنَةَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ القَاسِمِ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ فِي ذِكْرِ مَشَايِخِهِ: ابْنُ سُكَيْنَةَ كَانَ عَالِماً عَامِلاً، دَائِمَ التَّكرَارِ لِكِتَابِ (التَّنْبِيْهِ (2)) فِي الفِقْهِ، كَثِيْرَ الاشتغَالِ بـ (المُهَذَّب) ، وَ (الوسيطِ) ، لاَ يُضيِّعُ شَيْئاً مِنْ وَقتِهِ، وَكُنَّا إِذَا دَخَلْنَا عَلَيْهِ يَقُوْلُ: لاَ تَزِيدُوا عَلَى (سَلام عَلَيْكم) مَسْأَلَةً؛ لَكَثْرَةِ حِرْصِهِ عَلَى المُبَاحثَةِ، وَتَقرِيرِ الأَحكَامِ.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (3) : سَمِعَ بِنَفْسِهِ، وَحصَّلَ المَسْمُوْعَاتِ، ثُمَّ سَمَّى فِي شُيُوْخِهِ: أَبَا البَرَكَاتِ عُمَرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيَّ، وَأَبَا شُجَاعٍ البِسْطَامِيَّ.
__________
(1) يعني القرآن الكريم، كما في تاريخ ابن النجار.
(2) الذي لأبي إسحاق الشيرازي، وهو من أشهر كتب الشافعية.
(3) ذيل تاريخ مدينة السلام، الورقة: 106 - 157 (باريس 5922) .(21/504)
قَالَ: وَحَدَّثَ بِمِصْرَ، وَالشَّام، وَالحِجَاز، وَكَانَ ثِقَةً، فَهْماً، صَحِيْحَ الأُصُوْلِ، ذَا سَكِيْنَةٍ وَوقَارٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَابْنُ الصَّلاَحِ، وَأَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ (1) ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ غَنِيْمَةَ الإِسكَافُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَسْكَرٍ الطَّيِّبُ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ ابْنُ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ السَّاوجِيُّ، وَبَكْرُ بنُ مُحَمَّدٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَعَامِرُ بنُ مَكِّيٍّ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ؛ ابْنَا عَلِيِّ بنِ أَبِي الدَّينَةِ، وَالمُوَفَّقُ عَبْدُ الغَافِر بنُ مُحَمَّدٍ القَاشَانِيُّ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ بنُ مَكِّيٍّ، وَمَكِّيُّ بنُ عُثْمَانَ بنِ الهُبْرِيِّ، وَيُوْنُسُ بنُ جَعْفَرٍ الأَزَجِيُّ، وَالنَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ شَيْبَانَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالكَمَالُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ ابْنِ المُكَبِّرِ (2) .
وَقَدْ قَدِمَ ابْنُ سُكَيْنَةَ دِمَشْقَ رَسُوْلاً فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ (3) ، وَسَمِعَ مِنْهُ: التَّاجُ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ (4) : وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ تُوُفِّيَ ابْنُ سُكَيْنَةَ، وَحضرَهُ أَربَابُ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: مَاتَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخَرِ -رَحِمَهُ الله-.
__________
(1) الحافظ هو: عبد الغني المقدسي صاحب كتاب (الكمال) المشهور.
(2) ابن المكبر هذا هو شيخ المستنصرية ببغداد.
(3) يعني وخمس مئة على عهد الخليفة الهمام الناصر لدين الله العباسي.
(4) الذيل: 70 والذهبي يتصرف في النقل.(21/505)
263 - ابْنُ الزَّنْفِ مُحَمَّدُ بنُ وَهْبِ بنِ سَلْمَانَ السُّلَمِيُّ *
الشَّيْخُ، تَاجُ الدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ ابْنُ الفَقِيْهِ أَبِي القَاسِمِ وَهْبِ بنِ سَلْمَانَ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ الزَّنْفِ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: نَصْرِ اللهِ المصِّيْصِيِّ، وَأَبِي الدُّرِّ يَاقُوْت الرُّوْمِيِّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ- لَقِيَهُ بِبَغْدَادَ- وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالفَخْرُ ابْنُ البُخَارِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَان (1) ، سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً (2) .
264 - صَاحِبُ غَزْنَةَ مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّد بنِ سَامٍ الغُوْرِيُّ **
السُّلْطَانُ، غِيَاثُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ ابْنُ السُّلْطَانِ الكَبِيْرِ غِيَاثِ الدِّيْنِ مُحَمَّدِ بنِ سَامٍ الغُوْرِيُّ.
مِنْ كِبَارِ مُلُوْكِ الإِسْلاَمِ، اتَّفَقَ أَنَّ خُوَارِزْمشَاه عَلاَء الدِّيْنِ هزمَ الخَطَا مَرَّاتٍ، ثُمَّ وَقَعَ فِي أَسرِهم مَعَ بَعْضِ أُمَرَائِهِ، فَبَقِيَ يَخدُمُ ذَلِكَ الأَمِيْرَ كَأَنَّهُ مَمْلُوْكهُ، ثُمَّ قَالَ الأَمِيْرُ لِلَّذِي أَسرَهُمَا: نَفِّذْ غِلْمَانَكَ إِلَى أَهْلِي لِيَفْتَكُّونِي بِمَالٍ.
فَقَالَ: فَابْعَثْ مَعَهُم غُلاَمَكَ هَذَا لِيَدُلَّهُم، فَبعثَهُ وَنجَا عَلاَء الدِّيْنِ بِهَذِهِ الحيلَةِ، وَقَدِمَ، فَإِذَا أَخُوْهُ عَلِيٌّ شَاه نَائِبُهُ عَلَى خُرَاسَانَ قَدْ هَمَّ بِالسَّلْطَنَةِ،
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 154 - 155 (باريس 5921) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1115، والمختصر المحتاج: 1 / 153، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 245، وقيد المنذري الزنف تقييد الحروف، فقال: بفتح الزاي وسكون النون.
(1) في العشرين منه.
(2) ذكر الزكي المنذري أنه ولد في ليلة السابع والعشرين من رجب سنة 533.
(* *) سيرته مشهورة وانظر الكامل لابن الأثير: 12 / 267 (بيروت) ، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 213، وترجمه هنا أوسع مما في تاريخ الإسلام.(21/506)
فَفَزع، فَهَرَبَ إِلَى غِيَاثِ الدِّيْنِ، فَبَالَغَ فِي إِكرَامِهِ، فَجَهَّزَ عَلاَء الدِّيْنِ مُقَدَّماً، اسْمُهُ أَمِيْر ملك، فَحَارَبَ غِيَاث الدِّيْنِ إِلَى أَنْ نَزَلَ إِلَيْهِ بِالأَمَانِ، فَجَاءَ الأَمْرُ بِقَتْلِهِ، وَبِقَتْلِ عَلِيّ شَاه، فَقُتِلاَ مَعاً بَغْياً وَعُدْوَاناً، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
265 - صَاحِبُ الجَزِيْرَةِ مُعِزُّ الدِّينِ سَنْجَرُ بنُ غَازِي بنِ مَوْدُوْدٍ *
المَلِكُ، مُعِزُّ الدِّيْنِ سَنْجَر ابْنُ المَلِكِ غَازِي بنِ مَوْدُوْدِ بنِ الأَتَابكِ زَنْكِي بنِ آقْسُنْقُر، صَاحِبُ جَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ.
كَانَ ظَالِماً، غَاشماً لِلرَّعِيَّةِ وَللجُنْدِ، وَالحرِيْمِ، سجنَ أَوْلاَدَهُ بِقَلْعَةٍ، فَهَرَبَ وَلَدُهُ غَازِي إِلَى المَوْصِلِ، فَأَكْرَمَهُ صَاحِبُهَا، وَقَالَ: اكْفِنَا شَرَّ أَبيكَ، فَرَجَعَ وَاخْتَفَى، ثُمَّ تَسَلَّقَ وَاخْتَفَى عِنْدَ سُرَيَّةٍ (1) ، فَسترَتْ عَلَيْهِ، وَسَكِرَ أَبُوْهُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ ابْنُهُ فِي الخلاَءِ، فَقَتَلَهُ، فَلَمْ يُمَلِّكُوهُ، بَلْ مَلَّكُوا أَخَاهُ مَحْمُوْداً، وَدخلُوا عَلَى غَازِي فَمَانَعَ عَنْ نَفْسِهِ، فَقتلُوْهُ، وَرُمِيَ، وَتَمَكَّنَ مَحْمُوْدٌ فَقتَلَ أَخَاهُ الآخرَ مَوْدُوْداً.
وَقِيْلَ: بَلْ تَملَّكَ غَازِي يَوْماً وَاحِداً، ثُمَّ أُخِذَ.
وَيُحْكَى مِنْ عُسْفِ سَنْجَر وَقِلَّةِ دِيْنِهِ عَجَائِبَ، طَالَتْ أَيَّامُهُ، وَقُتِلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
266 - ابْنُ طَبَرْزَذَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَمَّرٍ البَغْدَادِيُّ **
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ الكَبِيْرُ، الرِّحْلَةُ، أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَمَّر بنِ
__________
(*) سيرته مشهورة في التواريخ المستوعبة لعصره، وله ترجمة في ذيل الروضتين: 67، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 117، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 191 - 192، والعبر: 5 / 12، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة: 191، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 316 - 317، وغيرهما.
(1) تصغير: سرية.
(* *) التقييد لابن نقطة، الورقة: 157، والكامل لابن الأثير: 12 / 122، وتاريخ ابن =(21/507)
أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى بنِ حَسَّانٍ البَغْدَادِيُّ، الدَّارَقَزِّيُّ، المُؤَدِّبُ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ طَبَرْزَذَ.
وَالطَّبَرْزَذ- بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ-: هُوَ السُّكَّرُ.
مَوْلِدُهُ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمَّعَهُ أَخُوْهُ المُحَدِّثُ المُفِيْدُ أَبُو البَقَاءِ مُحَمَّدٌ كَثِيْراً.
وَسَمِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَحصَّلَ أُصُوْلاً، وَحفظهَا.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ الحُصَيْنِ، وَأَبَا غَالِب ابْن البَنَّاءِ، وَأَبَا المَوَاهِبِ بنَ مُلُوْكٍ، وَأَبَا القَاسِمِ هِبَةَ اللهِ الشُّرُوْطِيَّ، وَأَبَا الحَسَنِ ابْنَ الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ الطَّبَرِ، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ (1) ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ القَزَّازَ، وَابْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَابْنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا البدْرِ الكَرْخِيَّ، وَأَبَا سَعْدٍ الزَّوْزَنِيَّ، وَعَبْدَ الخَالِقِ بنَ البَدِن، وَأَبَا الفَتْحِ مُفْلِحاً الدُّومِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ طِرَادٍ، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالضِّيَاءُ مُحَمَّدٌ، وَالزَّكِيُّ عَبْدُ العَظِيْمِ،
__________
= الدبيثي، الورقة: 200 - 202 (باريس 5922) ، والتاريخ المجدد لابن النجار، الورقة: 119 - 120 (باريس) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1158، وذيل الروضتين: 70 - 71، وقد اختلطت ترجمته فيه بترجمة أبي عمر المقدسي المتوفى في السنه نفسها، ووفيات الأعيان: 3 / 452، ومشيخة النجيب الحراني، الورقة: 106 - 109، وهو الشيخ الثامن والخمسون فيها، والمستفاد للحسام الدمياطي، الورقة: 63، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 280 - 283، والمختصر المحتاج، الورقة: 91، والعبر: 5 / 24، ودول الإسلام: 2 / 85، والبداية لابن كثير: 13 / 61، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 231، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 48، والنجوم الزاهرة: 6 / 201، وشذرات الذهب: 5 / 26، والتاج المكلل: 94 - 95.
وقيد ابن خلكان: طبرزذ بالحروف فقال: (بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة، وسكون الراء وفتح الزاي وبعدها ذال معجمة) .
وهذه الترجمة أوسع من الترجمة التي في (تاريخ الإسلام) بحيث لا مناسبة بينهما، فراجع ما ذكرناه في تقديمنا لهذا الكتاب من أن (السير) ليس مختصرا لتاريخ الإسلام.
(1) محمد بن عبد الباقي الأنصاري المعروف بقاضي المارستان.(21/508)
وَالصَّدْرُ البَكْرِيُّ، وَالكَمَالُ ابْنُ العَدِيْمِ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، وَالجمال مُحَمَّدُ بنُ عَمرُوْنَ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَأَخُوْهُ عُمَرُ، وَالمَجْدُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالتَّقِيُّ بنُ أَبِي اليُسْرِ، وَالجمال البَغْدَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الكَهَفِيُّ، وَالقُطْبُ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَالفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ نِعمَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ يلكويه الكَاتِبُ، وَالمُؤَيَّدُ أَسَعْدُ بنُ القَلاَنسِيُّ، وَالبَهَاءُ حَسَنُ بنُ صَصْرَى، وَطَاهِرٌ الكَحَّالُ، وَالجمال يَحْيَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَالكَمَالُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ، وَغَازِي الحَلاَوِيُّ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ خَطيبِ المِزَّةِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُحَسَّنِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَسَاكِرَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ، وَشَامِيَّةُ بِنْتُ البَكْرِيِّ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شُكر، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ رَاجِحٍ (1) ، وَسِتُّ العربِ الكِنْديَّةُ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالكَمَالُ الفُويره.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (2) : سَمِعَ (السُّنَنَ (3)) مِنْ أَبِي البَدرِ الكَرْخِيِّ بَعْضَهَا، وَمِنْ مُفلِحٍ الدُّومِيِّ بَعْضَهَا، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، وَسَمِعَ (الجَامِعَ (4)) : مِنْ أَبِي الفَتْحِ (5) الكَرُوْخِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُكْثِرٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ، ثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ، تُوُفِّيَ فِي تَاسعِ رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ حربٍ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: وَردَ دِمَشْقَ، وَازدحَمَتِ الطَّلَبَةُ عَلَيْهِ، وَتَفَرَّدَ بِعِدَّةِ مَشَايِخَ، وَكَتَبَ كُتُباً وَأَجزَاءً، وَكَانَ مُسْنِدَ أَهْلِ زَمَانِهِ.
__________
(1) يعني: بنت ابن راجح، وهو الاصح.
(2) التقييد، الورقة: 157.
(3) يعني سنن أبي داود.
(4) جامع الترمذي، والذهبي يتصرف بالنصوص كثيرا حتى لقد كاد يلبس هنا!
(5) في الأصل: (ابن أبي الفتح) ، وليس بشيء،(21/509)
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (1) : كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً عَلَى تخلِيطٍ فِيْهِ، سَافرَ إِلَى الشَّامِ، وَحَدَّثَ فِي طرِيقِهِ بِإِرْبِلَ، وَبِالمَوْصِلِ، وَحَرَّانَ، وَحلبَ، وَدِمَشْقَ، وَعَاد إِلَى بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَجَمَعْتُ لَهُ (مَشْيَخَةً) عَنْ ثَلاَثَةٍ وَثَمَانِيْنَ شَيْخاً، وَحَدَّثَ بِهَا مرَاراً، وَأَملَى مَجَالِسَ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَعَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً وَسَبْعَةَ أَشهرٍ.
قُلْتُ: يُشيرُ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ بِالتَّخليطِ إِلَى أَنَّ أَخَا ابْنِ طَبَرْزَذ ضَعِيْفٌ، وَأَكْثَرُ سَمَاعَاتِ عُمَرَ بقِرَاءةِ أَخِيْهِ، وَفِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : تُوُفِّيَ ابْنُ طَبَرْزَذ، وَكَانَ خليعاً، مَاجناً، سَافرَ بَعْدَ حَنْبَلٍ (3) إِلَى الشَّامِ، وَحصَلَ لَهُ مَالٌ بِسَبَبِ الحَدِيْثِ، وَعَادَ حَنْبَلٌ فَأَقَامَ يَعمل تَجَارَةً بِمَا حصَّلَ، فَسلَكَ ابْنُ طَبَرْزَذ سَبِيلَهُ فِي استعمَالِ كَاغَدٍ وَعتَّابِيٍّ، فَمَرِضَ مُدَّةً وَمَاتَ، وَرجعَ مَا حصَلَ لَهُ إِلَى بَيْتِ المَالِ كحَنْبَلٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (4) : هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ الحُصَيْنِ، وَابْنِ البَنَّاءِ، وَابْنِ مُلُوْكٍ، وَهِبَةِ اللهِ الوَاسِطِيِّ، وَابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ ابْنَي أَحْمَدَ بنِ دُحْرُوجٍ، وَعَلِيِّ بنِ طِرَادٍ، وَطُلِبَ مِنَ الشَّامِ فَتوجَّهَ إِلَيْهَا، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً طَوِيْلَةً، وَحصَّلَ مَالاً حسناً، وَعَادَ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَقَامَ يُحَدِّثُ، سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ يَعرِفُ شُيُوْخَهُ، وَيذكُرُ مَسْمُوْعَاتِهِ، وَكَانَتْ أُصُوْلُهُ بِيَدِهِ، وَأَكْثَرُهَا بِخَطِّ أَخِيْهِ، وَكَانَ يُؤدِّبُ الصِّبْيَانَ، وَيَكْتُبُ خَطّاً حسناً، وَلَمْ يَكُنْ يَفهَمُ شَيْئاً مِنَ العِلْمِ، وَكَانَ مُتَهَاوِناً بِأُمُوْرِ الدِّينِ، رَأَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ يَبولُ مِنْ قيَامٍ،
__________
(1) ذيل تاريخ مدينة السلام، الورقة: 202 (باريس 5922) .
(2) الذيل: 70 - 71.
(3) حنبل بن عبد الله بن فرج الرصافي المتوفى سنة 604.
(4) التاريخ المجدد، الورقة: 120 (باريس) .(21/510)
فَإِذَا فَرغَ مِنَ الإِرَاقَةِ، أَرْسَلَ ثَوْبَهُ وَقَعَدَ مِنْ غَيْرِ اسْتنجَاءٍ بِمَاءٍ وَلاَ حجرٍ.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ يُرَخِّصُ بِمَذْهَبِ مَنْ لاَ يُوجِبُ الاستنجَاءَ.
قَالَ: وَكُنَّا نَسْمَعُ مِنْهُ يَوْماً أَجْمَع، فَنصلِّي وَلاَ يُصَلِّي مَعَنَا، وَلاَ يَقومُ لِصَلاَةٍ، وَكَانَ يَطلبُ الأَجرَ عَلَى رِوَايَةِ الحَدِيْثِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سوءِ طرِيقتِهِ، وَخَلَّفَ مَا جمعَهُ مِنَ الحُطَامِ، لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ حَقّاً للهِ- عَزَّ وَجَلَّ-.
وَسَمِعْتُ القَاضِي أَبَا القَاسِمِ ابْنَ العَدِيْمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْز بنَ هِلاَلَةَ يَقُوْلُ- وَغَالِبُ ظَنِّي أَنَّنِي سَمِعتُهُ مِنِ ابْنِ هِلاَلَةَ بِخُرَاسَانَ، قَالَ-:
رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ طَبَرْزَذ فِي النَّوْمِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَزرقُ، فَقُلْتُ لَهُ: سَأَلتُكَ بِاللهِ مَا لَقِيْتَ بَعْدَ مَوْتِكَ؟
فَقَالَ: أَنَا فِي بَيْتٍ مِنْ نَارٍ دَاخِلَ بَيْتٍ مِنْ نَارٍ.
فَقُلْتُ: وَلِمَ؟
قَالَ: لأَخْذِ الذَّهَب عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَ الذَّهَبَ وَكنَزَهُ وَلَمْ يُزَكِّهِ، فَهَذَا أَشَدُّ مِنْ مُجَرَّدِ الأَخْذِ، فَمَنْ أَخَذَ مِنَ الأُمَرَاءِ وَالكِبَارِ بِلاَ سُؤَالٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَهَذَا مغتَفَرٌ لَهُ، فَإِنْ أَخَذَ بِسُؤَالٍ رُخِّصَ لَهُ بِقَدْرِ القُوْتِ، وَمَا زَادَ فَلاَ، وَمَنْ سَأَلَ وَأَخَذَ فَوْقَ الكِفَايَةِ ذُمَّ، وَمَنْ سَأَلَ مَعَ الغِنى وَالكفَايَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الأَخْذُ، فَإِنْ أَخَذَ المَالَ وَالحَالَة هَذِهِ وَكَنَزَهُ وَلَمْ يُؤَدِّ حقَّ اللهِ، فَهُوَ مِنَ الظَّالِمِينَ الفَاسِقينَ، فَاسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَكُنْ خَصْماً لِرَبِّكَ عَلَى نَفْسِكَ.
وَأَمَّا تركُهُ الصَّلاَةَ فَقَدْ سَمِعت مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ ابْنَ الظَّاهِرِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ طَبَرْزَذ لاَ يُصَلِّي (1) .
__________
(1) قال بشار بن عواد: ابن الظاهري لم يعاصر ابن طبرزذ، فقد ولد بعد وفاة ابن طبرزذ بتسع عشرة سنة، أعني سنة 626، وهو إنما سمع أو قرأ ذلك واعتقده، فهذا لا يقوي الحجة، رحمهم الله تعالى.(21/511)
وَأَمَّا التَّخليطُ مِنْ قَبيلِ الرِّوَايَةِ فَغَالِبُ سَمَاعَاتِهِ مَنُوطٌ بِأَخِيْهِ المُفِيْدِ أَبِي البقَاءِ، وَبقِرَاءتِهِ وَتسمِيْعِهِ لَهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَالَ عُمَرُ بنُ المُبَارَكِ بنِ سهلاَنَ:
لَمْ يَكُنْ أَبُو البَقَاءِ بنُ طَبَرْزَذ ثِقَةً، كَانَ كَذَّاباً يَضعُ لِلنَّاسِ أَسْمَاءهُم فِي الأَجزَاءِ، ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِم، عَرَفَ بِذَلِكَ شَيْخُنَا عَبْدُ الوَهَّابِ (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصِرٍ وَغَيْرُهُمَا.
قُلْتُ: عَاشَ أَبُو البَقَاءِ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ أَبُو حَفْصٍ بنُ طَبَرْزَذ فِي تَاسعِ رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِبَابِ حربٍ -وَاللهُ يُسَامحُهُ- فَمعَ مَا أَبدَيْنَا مِنْ ضَعْفِهِ قَدْ تَكَاثرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَانتشرَ حَدِيْثُهُ فِي الآفَاقِ، وَفرِحَ الحُفَّاظُ بعَوَالِيْهِ، ثُمَّ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي تَزَاحمُوا عَلَى أَصْحَابِهِ، وَحَمَلُوا عَنْهُم الكَثِيْرَ، وَأَحْسَنُوا بِهِ الظَّنَّ، وَاللهُ الْموعد، وَوَثَّقَهُ ابْنُ نُقْطَةَ.
__________
(1) يعني ابن سكينة الامين الذي تقدمت ترجمته قبل قليل.(21/512)
الجُزءُ الثَّانِي وَالعِشْرُونَ
1 - الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ المَقْدِسِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، الفَقِيْهُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، البَرَكَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ بنِ مِقْدَامِ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْلِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الزَّاهِدُ، وَاقِفُ المَدْرَسَةِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِقَرْيَةِ جَمَّاعِيْلَ مِنْ عَمَلِ نَابُلُسَ، وَتَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَأَخُوْهُ وَقَرَابَتُهُ مُهَاجِرِيْنَ إِلَى اللهِ، وَتَرَكُوا المَالَ وَالوَطَنَ لاسْتِيْلاَءِ الفِرَنْجِ، وَسَكَنُوا مُدَّةً بِمَسْجِدِ أَبِي صَالِحٍ بِظَاهِرِ بَابِ شَرْقِي ثَلاَثَ سِنِيْنَ، ثُمَّ صَعَدُوا إِلَى سَفْحِ قَاسِيُوْنَ، وَبَنُوا الدَّيْرَ المُبَارَكَ
__________
(*) كتب ابن أخته الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة 643.
سيرته (ضمن مجموع بالظاهرية برقم 83، الورقة: 43 39) وقد أخذ الذهبي القسم الأكبر من ترجمة أبي عمر في " تاريخ الإسلام " من هذا الجزء، وهي ترجمة حافلة: 18 / 1 / 286 - 300.
ولأبي عمر هذا ترجمة في مرآة الزمان للسبط: 8 / 546 - 553، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1174، وذيل الروضتين: 71 - 72، والعبر: 5 / 25، ودول الإسلام: 2 / 85، والوافي بالوفيات: 2 / 116، والبداية والنهاية: 13 / 58 - 61، وذيل طبقات الحنابلة: 2 / 52 - 61، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 331، والنجوم الزاهرة: 6 / 201 - 202، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 48، وشذرات الذهب: 5 / 27 - 30 وغيرها.(22/5)
وَالمَسْجِدَ العَتِيْقَ، وَسَكَنُوا ثَمَّ، وَعُرِفُوا بِالصَّالِحِيَّةِ نِسْبَةً إِلَى ذَاكَ المَسْجِد.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا المَكَارِمِ بنَ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَأَبَا الفَهْمِ بنَ أَبِي العَجَائِزِ، وَعِدَّةً، وَبِمِصْرَ: ابْنَ بَرِّيّ، وَإِسْمَاعِيْلَ الزَّيَّاتَ، وَكَتَبَ وَقَرَأَ، وَحَصَّلَ وَتَقَدَّمَ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَمِنَ الأَوْلِيَاءِ المُتَّقِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدْ جَمَعَ لَهُ الحَافِظُ الضِّيَاءُ (سِيْرَةً) فِي جُزْءيْنِ، فَشَفَى وَكَفَى، وَقَالَ (1) :
كَانَ لاَ يَسْمَعُ دُعَاءً إِلاَّ وَيَحْفَظُهُ فِي الغَالِبِ، وَيَدْعُو بِهِ، وَلاَ حَدِيْثاً إِلاَّ وَعَمِلَ بِهِ، وَلاَ صَلاَةً إِلاَّ صَلاَّهَا.
كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي النِّصْفِ (2) مائَةَ رَكْعَةٍ وَهُوَ مُسِنٌّ، وَلاَ يَتْرُكُ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ وَقْتِ شُبُوبِيَتِهِ.
وَإِذَا رَافَقَ نَاساً فِي السَّفَرِ نَامُوا وَحَرَسَهُم يُصَلِّي.
قُلْتُ: كَانَ قُدْوَةً، صَالِحاً، عَابِداً، قَانِتاً للهِ، رَبَّانِيّاً، خَاشِعاً، مُخْلِصاً، عَدِيْمَ النَّظِيْرِ، كَبِيْرَ القَدْرِ، كَثِيْرَ الأَوْرَادِ وَالذِّكْرِ، وَالمُرُوْءَةِ وَالفُتوّةِ وَالصِّفَاتِ الحَمِيْدَةِ، قَلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مِثْلَهُ.
قِيْلَ: كَانَ رُبَّمَا تَهَجَّدَ، فَإِنْ نَعَسَ ضَرَبَ عَلَى رِجْلَيْهِ بِقَضِيْبٍ حَتَّى يَطِيْرَ النُّعَاسُ.
وَكَانَ يُكْثِرُ الصِّيَامَ، وَلاَ يَكَادُ يَسْمَعُ بِجَنَازَةٍ إِلاَّ شَهِدَهَا، وَلاَ مَرِيْضٍ إِلاَّ عَادَهُ، وَلاَ جِهَادٍ إِلاَّ خَرَجَ فِيْهِ، وَيَتْلُو كُلَّ لَيْلَةٍ سُبعاً مُرَتَّلاً فِي الصَّلاَةِ، وَفِي النَّهَارِ سُبعاً بَيْنَ الصَّلاَتَيْن، وَإِذَا صَلَّى
__________
(1) انظر الجزء الذي في الظاهرية برقم 83 (مجموع) .
(2) يعني في نصف شعبان.(22/6)
الفَجْرَ، تَلاَ آيَاتِ الحَرْسِ وَيس وَالوَاقِعَةَ وَتَبَارَكَ، ثُمَّ يُقْرِئُ وَيُلَقِّنُ إِلَى ارْتفَاعِ النَّهَارِ، ثُمَّ يُصَلِّي الضُّحَى فَيُطِيْل، وَيُصَلِّي طَوِيْلاً بَيْنَ العِشَائَينِ، وَيُصَلِّي صَلاَةَ التَّسْبِيْحِ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، وَيُصَلِّي يَوْمَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ بِمائَةِ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، فَقِيْلَ: كَانَتْ نَوَافِلُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ رَكْعَةً.
وَلَهُ أَذْكَارٌ طَوِيْلَةٌ، وَيَقْرَأُ بَعْدَ العِشَاءِ آيَاتِ الحَرْسِ، وَلَهُ أَوْرَادٌ عِنْدَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ، وَتَسَابِيْحُ، وَلاَ يَتْرُكُ غُسْلَ الجُمُعَةِ، وَيَنْسَخُ (الخِرَقِيَّ) مِنْ حِفْظِهِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِالفِقْهِ وَالعَرَبِيَّةِ وَالفَرَائِضِ.
وَكَانَ قَاضِياً لِحَوَائِجِ النَّاسِ، وَمَنْ سَافَرَ مِنَ الجَمَاعَةِ يَتَفَقَّدُ أَهَالِيْهِم، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُوْنَهُ فِي القَضَايَا، فَيُصْلِحُ بَيْنَهُم، وَكَانَ ذَا هَيْبَةٍ وَوَقْعٍ فِي النُّفُوْسِ.
قَالَ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ: رَبَّانَا أَخِي، وَعَلَّمَنَا، وَحَرَصَ عَلَيْنَا، كَانَ لِلْجَمَاعَةِ كَالوَالِدِ يَحْرِصُ عَلَيْهِم وَيَقومُ بِمَصَالِحِهِم، وَهُوَ الَّذِي هَاجَرَ بِنَا، وَهُوَ سَفَّرَنَا إِلَى بَغْدَادَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُوْمُ فِي بِنَاءِ الدَّيْرِ، وَحِيْنَ رَجَعْنَا زَوَّجَنَا، وَبَنَى لَنَا دُوْراً خَارِجَ الدَّيْرِ، وَكَانَ قَلَّمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ غَزَاةٍ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: لَمَّا جَرَى عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ مِحْنَتَهُ (1) ، جَاءَ أَبَا عُمَرَ الخَبَرُ، فَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَلَمْ يُفقْ إِلاَّ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَصَدَّقُ بِبَعْضِ ثِيَابِهِ، وَتَكُوْنُ جُبَّتُهُ فِي الشِّتَاءِ بِلاَ قَمِيْصٍ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ بِسَرَاوِيْلِهِ، وَكَانَتْ عِمَامَتَهُ قُطْعَةً بِطَانَةً، فَإِذَا احْتَاجَ أَحَدٌ إِلَى خِرقَةٍ، قَطَعَ لَهُ مِنْهَا، يَلْبَسُ الخَشِنَ، وَيَنَامُ عَلَى الحَصِيْرِ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ بِالشَّيْءِ وَأَهْلُهُ مُحْتَاجُوْنَ إِلَيْهِ.
وَكَانَ ثَوْبُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ، وَكُمُّهُ إِلَى رُسْغِهِ، سَمِعْتُ أُمِّي تَقُوْلُ:
مَكَثْنَا زَمَاناً لاَ يَأْكُلُ أَهْلُ الدَّيْرِ إِلاَّ مِنْ بَيْتِ أَخِي أَبِي عُمَرَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِذَا لَمْ
__________
(1) قد تقدم ذكر خبر محنة الشيخ الحافظ عبد الغني في ترجمته فراجعها.(22/7)
تَتَصَدَّقُوا مَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْكُم، وَالسَّائِلُ إِنْ لَمْ تُعْطُوْهُ أَنْتُم أَعْطَاهُ غَيْرُكُم.
وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي خَيْمَةٍ عَلَى حِصَارِ القُدْسِ، فَزَارَهُ المَلِكُ العَادِلُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَلَسَ سَاعَةً، وَكَانَ الشَّيْخُ يُصَلِّي، فَذَهَبُوا خَلْفَهُ مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ يَجِئْ، فَأَحْضَرُوا لِلْعَادِلِ أَقْرَاصاً، فَأَكَلَ وَقَامَ، وَمَا جَاءَ الشَّيْخُ.
قَالَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ لَيْسَ عِنْدَهُ تَكَلُّفٌ غَيْرَ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ.
قَالَ الشَّيْخُ العِمَادُ: سَمِعْتُ أَخِي الحَافِظَ (1) يَقُوْلُ:
نَحْنُ إِذَا جَاءَ أَحَدٌ اشْتَغَلنَا بِهِ عَنْ عَمَلِنَا، وَإِنّ خَالِي أَبُو (2) عُمَرَ فِيْهِ لِلدُّنْيَا وَالآخِرَة يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يُخلي أَوْرَادَهُ.
قُلْتُ: كَانَ يَخْطُبُ بِالجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ، وَيُبْكِي النَّاسَ، وَرُبَّمَا أَلَّفَ الخُطْبَةَ، وَكَانَ يَقْرَأُ الحَدِيْثَ سَرِيعاً بِلاَ لَحْنٍ، وَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يَرْجِع مِنْ رِحلَتِه إِلاَّ وَيَقرَأُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنْ سَمَاعِه، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ بِخَطِّه المَلِيْحِ كَـ (الحِلْيَةِ) ، وَ (إِبَانَةِ ابْنِ بَطَّةَ) ، وَ (مَعَالِم التَّنْزِيلِ) ، وَ (المُغْنِي) ، وَعِدَّة مَصَاحِف.
وَرُبَّمَا كَتَبَ كرَّاسَينِ كِبَاراً فِي اليَوْمِ، وَكَانَ يَشفعُ بِرقَاع يَكتُبُهَا إِلَى الوَالِي المُعْتَمِد وَغَيْرِهِ.
وَقَدِ اسْتَسقَى مَرَّة بِالمَغَارَةِ، فَحِيْنَئِذٍ نَزَلَ غَيث أَجرَى الأَوديَة، وَقَالَ: مُذْ أَمَمْتُ مَا تركتُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ.
وَقَدْ سَاق لَهُ الضِّيَاءُ كَرَامَاتٍ وَدَعَوَاتٍ مُجَابَاتٍ، وَذَكَرَ حِكَايَتَيْنِ فِي أَنَّهُ قُطِّبَ (3) فِي آخِرِ عُمُرِهِ.
وَكَانَ إِذَا سَمِعَ بِمُنكَرٍ اجْتهدَ فِي إِزَالَتِه، وَيَكْتُبُ فِيْهِ
__________
(1) يعني عبد الغني المقدسي.
(2) كذا في الأصل، وهي على الحكاية.
(3) يعني صار قطبا للصوفية، وانظر أيضا تاريخ الإسلام: 18 / 1 / 294 - 295.(22/8)
إِلَى المَلِكِ، حَتَّى سَمِعنَا عَنْ بَعْضِ المُلُوْكِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الشَّيْخُ شَرِيكِي فِي مُلكِي.
وَكَانَ لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ، صَبِيْحَ الوَجْهِ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، نَحِيْفاً، أَبيضَ، أَزرقَ العَينِ، عَالِي الجَبهَةِ، حَسَنَ الثَّغْرِ، تَزَوَّجَ فِي عُمُرِه بِأَرْبَع (1) ، وَجَاءهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ، أَكْبَرهُم: عُمَرُ، وَبِهِ يُكْنَى، وَأَصْغَرهُم: عَبْد الرَّحْمَنِ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
أَلَمْ تَكُ مَنْهَاةً عَنِ الزّهو أَنَّنِي ... بَدَا لِي شَيْبُ الرَّأْسِ وَالضَّعْفُ وَالأَلَمْ
أَلَمَّ بِيَ الخَطْبُ الَّذِي لَوْ بَكَيْتُهُ ... حَيَاتِيَ حَتَّى يَنْفَدَ الدَّمْعُ لَمْ أُلَمْ
وَقَدْ مَاتَ ابْنُه عُمَرُ، فَرَثَاهُ بِأُرْجُوزَةٍ حَسَنَةٍ (2) .
تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ، فَقَالَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: حَزَرْتُ الجَمْعَ بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قُلْتُ: وَرَثَاهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ ابْنُ المَزْدَقَانِيِّ.
وَتُوُفِّيَ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ: عَشِيَّةَ الاثْنَيْنِ، فِي الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ سِيْرَتَهُ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) .
2 - ابْنُ القُبَّيْطِيِّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمْزَةَ بنِ فَارِس، ابْنُ
__________
(1) هن: فاطمة عمة الحافظ الضياء وكانت أسن منه، وطاووس امرأة من بيت المقدس، وفاطمة الدمشقية، وآمنة بنت أبي موسى وهي أم الشيخ عبد الرحمان بن أبي عمر.
(2) وهي طويلة أورد منها ثلاثة أبيات في " تاريخ الإسلام ".
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 90 (شهيد علي) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1243 وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 368 - 369، والعبر: 5 / 32، والمختصر المحتاج: 1 / 99، والوافي بالوفيات: 4 / 158 - 159، وشذرات الذهب: 5 / 38.
وقيد المنذري القبيطي فقال: بضم القاف وتشديد الباء الموحدة وفتحها وبعدها ياء آخر الحروف وطاء مهملة وياء النسبة.(22/9)
القُبَّيْطِيِّ البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ، أَخُو حَمْزَةَ.
وُلِدَ: سَنَةَ 528، وَسَمِعَ: الحُسَيْن سِبْط الخَيَّاط، وَأَخَاهُ؛ الإِمَام أَبَا مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ ابْنِ السَّلاَّلِ، وَعَلِيّ ابْن الصَّبَّاغِ، وَأَبَا سَعْد ابْن البَغْدَادِيّ، وَالأُرْمَوِيّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَتَفَرَّد، وَحَدَّثَ بِالكَثِيْرِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ صَدُوْقاً، مَرضيّاً، حُفَظَةً لِلْحِكَايَات وَالأَشعَار.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى (1) ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
3 - ابْنُ كَامِلٍ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ كَامِلٍ البَغْدَادِيُّ، الوَكِيْلُ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي القَاسِمِ هِبَة اللهِ بن عَبْدِ اللهِ الشُّرُوْطِيّ، وَبدر الشِّيْحِيّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ.
وَلَهُ إِجَازَة ابْن الحُصَيْن.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ،
__________
(1) في الثامن والعشرين منه، كما ذكر المنذري.
(*) تاريخ ابن الدبيثي: الورقة: 171 (باريس 5921) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1156، ومشيخة النجيب عبد اللطيف الحراني، الورقة: 105 وهو الشيخ السابع والخمسون فيها، وتاريخ الإسلام للذهبي: 18 / 1 / 301، والمختصر المحتاج: 1 / 157، والعبر: 5 / 26، والوافي بالوفيات: 5 / 154، والنجوم الزاهرة: 6 / 202، وشذرات الذهب: 5 / 30.(22/10)
وَأَخُوْهُ العِزّ عَبْد العَزِيْزِ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَاز: لابْنِ شَيْبَان، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالكَمَال ابْن المُكَبِّر.
وَكَانَ بَصِيْراً بِالحكوَمَاتَ، صَاحِب قبُول وَشُهرَة بِذَلِكَ.
مَاتَ: فِي خَامِس رَجَب، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
4 - المُعَبِّرُ أَبُو العَبَّاسِ الخَضِرُ بنُ كَامِلِ بنِ سَالِمٍ الدِّمَشْقِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ، أَبُو العَبَّاسِ الخَضِرُ بنُ كَامِلِ بنِ سَالِمِ بنِ سُبَيْعٍ (1) الدِّمَشْقِيُّ، السَّرُوْجِيُّ، الدَّلاَلُ، المُعَبِّرُ.
سَمِعَ: مِنَ الفَقِيْهِ نَصْرِ اللهِ المَصِّيْصِيِّ، وَأَبِي الدُّرّ يَاقُوْت الرُّوْمِيّ، وَبِبَغْدَادَ مِنَ: الحُسَيْن بن عَلِيٍّ سِبْط الخَيَّاط.
وَرَوَى الكَثِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالزّكيَّان: البِرْزَالِيّ وَالمُنْذِرِيّ، وَالقُوْصِيّ، وَاليَلْدَانِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ (2) ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ (3) .
5 - القَصْرِيُّ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، العَارِفُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 42 (باريس 5922) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1213، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 314 - 315، والمختصر المحتاج: 2 / 57، والنجوم الزاهرة: 6 / 205، وشذرات الذهب: 5 / 33.
(1) قيده المنذري في " التكملة ".
(2) في الثاني والعشرين منه.
(3) قال المنذري: ومولده في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.
(* *) تقدمت ترجمته في هذه الطبقة فراجع كلامنا عليه هناك برقم (215) .(22/11)
الجَلِيْلِ بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِ الجَلِيْلِ الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيّ، الأَنْدَلُسِيّ، القُرْطُبِيّ، المَشْهُوْرُ بِالقَصْرِيِّ؛ لِنُزولِه بقَصْر عَبْد الكَرِيْمِ، وَهُوَ قَصْر كتَامَة؛ بلد بِالمَغْرِبِ الأَقْصَى.
رَوَى (المُوَطَّأ) عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ حُنَيْنٍ صَاحِب ابْن الطّلاع، وَصَحِبَ بِالقَصْر أَبَا الحَسَنِ الحَسَن بن غَالِبٍ الزَّاهِد، وَلاَزمه، وَسَاد فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَكَانَ مُنْقَطِع القَرِيْنِ.
صَنّف (التَّفْسِيْر) ، وَ (شرح الأَسْمَاء الحُسْنَى) ، وَكِتَاب (شُعب الإِيْمَان) .
وَكَلاَمه فِي الحَقَائِق رفِيع، بَدِيْع، مَنُوط بِالأَثر فِي أَكْثَر أَموره، وَرُبَّمَا قَالَ أَشيَاء باجْتِهَاده وَذوقه، وَاللهِ يغْفر لَهُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ: كَلاَمه فِي طرِيقَة التَّصَوُّف سهل، مُحَرَّر، مَضْبُوْط بِظَاهِرِ الكِتَاب وَالسّنَّة، وَلَهُ مشَاركَة فِي عُلُوْم وَتَصرّف فِي العَرَبِيَّة، خُتِم بِهِ التَّصَوُّف بِالمَغْرِبِ، وَرُزقَ مِنْ عَلِيِّ الصِّيتِ وَالذِّكر الجَمِيْل مَا لَمْ يُرْزَق كَبِيْر أَحَد.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ الغَافِقِيّ، وَغَيْرهُمَا.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ بِسبتَة، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
6 - يُوْنُسُ بنُ يَحْيَى الهَاشِمِيُّ الأَزَجِيُّ القَصَّارُ المُجَاوِرُ
سَمِعَ: الأُرْمَوِيَّ، وَابْن الطَّلاَّيَةِ، وَابْن نَاصِر، وَعِدَّة.
وَرَوَى: بِأَمَاكنَ.
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 226 - 227، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1203، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 340، والعبر: 5 / 30، وذيل التقييد للتقي الفاسي، الورقة: 271، وإتحاف الورى لابن فهد: 3 / 63، وشذرات الذهب: 5 / 36.(22/12)
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالتَّاج ابْن القَسْطَلانِيِّ، وَيَعْقُوْب بن أَبِي بَكْرٍ الطَّبَرِيّ.
تُوُفِّيَ: بِمَكَّةَ، سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ (1) .
7 - ابْنُ عَاتٍ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ أَحْمَدَ النَّفْزِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ البَارِعُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ عَاتٍ النَّفْزِيُّ (2) ، الشَّاطِبِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَاهُ؛ العَلاَّمَة أَبَا مُحَمَّدٍ، وَأَبَا الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَالحَافِظ عُلَيْم بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَافِظ أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيّ بِالثَّغْرِ، وَأَبَا الطَّاهِر بن عَوْف، وَعَاشر بن مُحَمَّدٍ، وَعِدَّة.
وَكَانَ مِنْ بَقَايَا الحُفَّاظ المُكْثِرِيْنَ.
كَانَ الحَافِظ عَلِيّ بن المُفَضَّلِ يذكرهُ بِكَثْرَة الحِفْظ، وَالمَيْل إِلَى تَحْصِيْلِ المعَارِف (3) .
__________
(1) في الثامن من صفر على الاصح، وقد ذكره المنذري فيمن توفي في الحادي عشر من شعبان، ثم قال في آخر الترجمة: " وقيل: إن وفاته كانت في الثامن من صفر من السنة، وهو الاشبه ".
قلت: وهذا هو الذي قال به ابن نقطة، والذهبي في " تاريخ الإسلام " نقلا عن ابن مسدي، وبه أخذ الفاسي في " ذيل التقييد " وابن فهد في " اتحاف الورى ".
وذكر غير واحد ومنهم المنذري أنه ولد سنة 538.
(*) المرقبة العليا للنباهي: 116، والتكملة لابن الابار:: 1 / 101 - 102، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1232، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 344 - 345، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1389 - 1390، والعبر: 5 / 31، وشذرات الذهب: 5 / 36 - 37.
(2) تصحفت في " شذرات الذهب " إلى " النقري "، وقيدها المنذري بالحروف، قال: " ونفزة: بفتح النون وسكون الفاء وفتح الزاي وبعدها تاء تأنيث، قبيلة كبيرة ".
(3) نقل المؤلف هذا الكلام من المنذري.(22/13)
قَالَ الأَبَّارُ (1) : كَانَ أَحَدَ الحُفَّاظِ، يَسْرُدُ المتُوْنَ، وَيَحْفَظُ الأَسَانِيْدَ عَنْ ظَهْرِ قَلْب، لاَ يخلّ مِنْهَا بِشَيْءٍ، مَوْصُوَفاً بِالدّرَايَة وَالرِّوَايَة، غَالِباً عَلَيْهِ الوَرَع وَالزُّهْد، يَلْبَس الْخشن، وَيَأْكُل الجَشِب (2) ، وَرُبَّمَا أَذّن فِي المَسَاجِدِ، لَهُ تَصَانِيْف دَالَّة عَلَى سعَة حَفِظه، مَعَ حظّ مِنَ النّظم وَالنَّثْر.
أَجَاز لِي (3) ، وَحدّثونَا عَنْهُ.
قَالَ (4) : وَتُوُفِّيَ غَازِياً، فَشهد وَقْعَة العِقَاب الَّتِي أَفضت إِلَى خرَاب الأَنْدَلُس بِالدَّائِرَة عَلَى المُسْلِمِيْنَ فِيْهَا، فَعُدم أَبُو عُمَرَ فِي صَفَرٍ، سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: رَبِيْعَة اليَمَنِيّ المُحَدِّث، وَأَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ المُعَزّمِ، وَشَيْخ النَّحْو أَبُو الحَسَنِ بنُ خَرُوْف الإِشْبِيْلِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ ابْن القُبَّيْطِيّ، وَالقُدْوَة مَحْمُوْد بن عُثْمَانَ النَّعَّال.
8 - رَبِيْعَةُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى الحَضْرَمِيُّ
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الأَوْحَدُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ الثِّقَةُ، أَبُو نِزَار الحَضْرَمِيُّ، اليَمَنِيُّ، الصَّنْعَانِيُّ، الذِّمارِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) التكملة: 1 / 101 وتصرف في النقل فأخذ المعنى.
(2) الجشب: ما غلظ من الطعام.
(3) وذلك في ذي القعدة سنة 608.
(4) التكملة: 1 / 102.
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة 1246، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 349 - 350، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1393 - 1394، وطبقات الاسنوي، الورقة: 175، وطبقات السبكي: 5 / 55 - 56، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 165، والنجوم الزاهرة: 6 / 207، وبغية الوعاة: 1 / 566 - 567، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 52، وشذرات الذهب: 5 / 37.(22/14)
تَفقّه بظفَار عَلَى: الفَقِيْه مُحَمَّد بن حَمَّادٍ، وَغَيْرهِ.
وَركب البَحْر إِلَى كيش وَالبَصْرَة، وَارْتَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّة، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي السَّعَادَاتِ الفَقِيْه.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المُطَهَّر القَاسِم بن الفَضْلِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَرَجَاء بن حَامِد، وَإِسْمَاعِيْل بن شَهْرَيَار، وَعَبْد اللهِ بن عَلِيٍّ الطَّامِذِيّ، وَمُحَمَّد بن سَهْلٍ المُقْرِئ، وَعَبْد الجَبَّارِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالِحَانِيّ، وَهِبَة اللهِ بن حَنَّةَ (1) ، وَمَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَعِدَّة.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَشُهْدَة، وَبِالثَّغْر (2) مِنَ: السِّلَفِيّ، وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ المُبَارَك بن الطَّبَّاخِ.
وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَبِمِصْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ، وَالمُنْذِرِيّ، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ النُّشبِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ المُنْذِرِيّ (3) : كَانَتْ أُصُوْله أَكْثَرهَا بِاليَمَنِ، وَهُوَ أَحَد مَنْ يَفهَم هَذَا الشَّأْن مِمَّنْ لَقِيْتُهُ، وَكَانَ عَارِفاً بِاللُّغَةِ مَعْرِفَة حَسَنَة، كَثِيْر التِلاَوَة، كَثِيْر التّعبد وَالانْفِرَاد.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ أَبُو نِزَار إِمَاماً، عَالِماً، حَافِظاً، ثِقَةً، أَديباً، شَاعِراً، حَسَن الخطّ، ذَا دين وَورع.
مَوْلِدُهُ؛ بِشِبَامَ (4) مِنْ قُرَى حضَرموت.
مَاتَ: فِي ثَانِي عَشَر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
(1) قيده الذهبي في المشتبه: 212.
(2) يعني: ثغر الإسكندرية.
(3) التكملة: 2 / الترجمة: 1246.
(4) بكسر الشين المعجمة: انظر معجم البلدان.(22/15)
وَقَالَ القُوْصِيّ: أَنْشَدَنَا أَبُو نِزَار لِنَفْسِهِ:
بِبَيْتِ لِهْيَا (1) بِسَاتِيْنٌ مُزَخْرَفَةٌ ... كَأَنَّهَا سُرِقَتْ مِنْ دَارِ رِضْوَانِ
أَجْرَتْ جَدَاوِلُهُ ذَوْبَ اللُّجينِ عَلَى ... حَصَىً مِنَ الدُّرِّ مخلُوْطٍ بِعِقْيَانِ
وَالطَّيرُ تَهتِفُ فِي الأَغصَانِ صَادحَةً ... كضَارِبَاتِ مَزَامِيْرٍ وَعِيدَانِ
وَبَعْدَ هَذَا لِسَانُ الحَالِ قَائِلَةٌ: ... مَا أَطْيَبَ العَيشَ فِي أَمْنٍ وَإِيْمَانِ
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي نِزَار بِالإِجَازَةِ: أَحْمَد بن سَلاَمَةَ، وَالفَخْر عَلِيّ.
9 - الحَصَّارُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى الدَّانِيُّ *
الإِمَامُ، مُقْرِئُ الوَقْتِ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَوْنِ اللهِ الدَّانِيُّ، ثُمَّ المُرْسِيُّ، الحَصَّارُ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ (2) .
وَذَكَرَ أَنَّهُ تَلاَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدٍ.
وَرَحَلَ، فَتلاَ بِالسَّبْع عَلَى: أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ الكَثِيْر، وَمِنِ: ابْنِ النِّعمَة، وَابْن سعَادَة.
تَلاَ عَلَيْهِ: مُحَمَّد بن جوبر، وَالعَلَمُ أَبُو القَاسِمِ (3) ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ مُشِليُوْن، وَعِدَّة.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
(1) بيت لهيا: قرية مشهورة بغوطة دمشق، والنسبة إليها بتلهي.
(*) التكملة لابن الابار: 1 / 100 - 101، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 342 - 344، ومعرفة القراء، الورقة: 185، والعبر: 5 / 30، وغاية النهاية لابن الجزري: 1 / 90، وشذرات الذهب: 5 / - 36.
وقد أقحم أحدهم ترجمته في نسخة مكتبة البلدية بالإسكندرية من " التكملة " المنذرية فراجع تعليقنا على التكملة 2 / 242 (من الطبعة الثانية الرضوانية) .
(2) يعني وخمس مئة.
(3) القاسم بن أحمد الأندلسي.(22/16)
لَيَّنَهُ: أَبُو الرَّبِيْعِ الكَلاَعِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: سَمِعَ فِي صغره مِنْ أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ، وَجَمَعَ السَّبْع عَلَى ابْنِ سَعِيْد.
وَقَالَ الأَبَّارُ: لَمْ يَكُنْ أَحَد يُدَانِيه فِي الضَّبْط وَالتّجويد، أَخَذَ عَنْهُ الآبَاء وَالأَبْنَاء، اضْطَرَب بِأَخَرَةٍ، فَأَسند عَنْ جَمَاعَةٍ أَدْركهُم، وَكَانَ بَعْض شُيُوْخنَا يُنكر عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ مُشِليُوْن: كَانَ الحَصَّارُ يَنسخ (التَّيْسِيْر) فِي أُسْبُوْع، وَيَقتَات بِثمنِهِ، وَكَانَ وَرِعاً.
قُلْتُ: أَكْثَر عَنْهُ الأَبَّار، وَقوَّاهُ، لَكنّه مَا سَمَّى فِي شُيُوْخه ابْنَ سَعِيْدٍ الدَّانِيّ.
10 - زَاهِرُ بنُ رُسْتُمَ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، القُدْوَةُ، أَبُو شُجَاعٍ الأَصْبَهَانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المُجَاوِرُ، إِمَامُ المَقَامِ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَعَلَى: أَبِي الكَرَمِ (1) صَاحِب (المِصْبَاح) .
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 97، وتاريخ ابن الدبيثي: الورقة: 55 - 56 (باريس 5922) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة 1268، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 350 - 351، ومعرفة القراء، الورقة: 187، والمختصر المحتاج: 2 / 74، والعبر: 5 / 31 - 32، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة: 77، العقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 235، وغاية النهاية: 1 / 288، والعقد الثمين للفاسي: 2 / الورقة: 189، والنجوم الزاهرة: 6 / 207، واتحاف الورى لابن فهد: 3 / الورقة: 65، وشذرات الذهب: 5 / 37.
(1) المبارك بن الحسن ابن الشهرزوري.(22/17)
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّد ابْن الدَّايَةِ، وَسِبْط الخَيَّاط، وَطَائِفَة.
وَتَفَقَّهَ، وَصَحِبَ الزُّهَّاد، وَجَاور مُدَّة، ثُمَّ انْقَطَع، وَعجز.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة (1) : ثِقَة، صَحِيْح الأَخْذِ لِلْقِرَاءات وَالحَدِيْث.
قَالَ الزَّكِيّ المُنْذِرِيّ (2) : لَمْ يَتفق لِي السَّمَاع مِنْهُ، وَأَجَاز لِي، وَتُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ (3) ، سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء مُحَمَّد، وَالنَّجِيْب عَبْد اللَّطِيْفِ، وَابْن القَسْطَلانِيّ التَّاج، وَآخَرُوْنَ.
11 - ابْنُ نُوْحٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ الغَافِقِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ نُوْحٍ الغَافِقِيُّ، البَلَنْسِيُّ.
تَلاَ عَلَى: ابْنِ هذِيل.
وَسَمِعَ مِنْ جَمَاعَة، وَتَفَقَّهَ بِابْنِ عِقَال، وَحفظ (المُدَوَّنَة) ، وَأَخَذَ النَّحْو عَنِ: ابْنِ النِّعمَة.
وَأَجَاز لَهُ: أَبُو مَرْوَانَ بنُ قُزْمَانَ، وَالسِّلَفِيّ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّة، خطبَ بِبَلَنْسِيَة، وَكَانَ ذَا دُعَابَة.
__________
(1) التقييد، الورقة: 97.
(2) التكملة: 2 / الترجمة: 1268.
(3) في التاسع منه، والذهبي يتصرف.
(*) التكملة لابن الابار: 2 / 582 - 584، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1214، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 325 - 326، ومعرفة القراء، الورقة: 185 - 186، والعبر: 5 / 28، وغاية النهاية: 2 / 103، والنجوم الزاهرة: 6 / 204، وبغية الوعاة: 1 / 58 - 59.
وشذرات الذهب: 5 / 34.(22/18)
تَلاَ عَلَيْهِ بِالسَّبْع: أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ، وَعَلَم الدِّيْنِ اللورقِيّ، وَطَائِفَة.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ (1) ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ صَاحِبَ فُنُوْن.
12 - صَاحِبُ الرُّوْمِ غِيَاثُ الدِّيْنِ كَيخُسْرُو بن قِلْجَ رِسْلاَنَ *
السُّلْطَانُ غِيَاثُ الدِّيْنِ كيخسرو بنِ قِلْج (2) رسلاَنَ (3) السَّلْجُوْقِيُّ، قَتله ملك الأَشكرِيِّ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنه كيكَاوس.
وَكَانَتْ أَيَّام كيخسرو تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَبعد أَرْبَع سِنِيْنَ، أَسرت التُّرُكْمَان ملك الأشكرِي، وَأَتَوا بِهِ إِلَى كيخسرو، فَأَرَادَ قَتله، فَبذل فِي نَفْسِهِ أَمْوَالاً وَقلاعاً لَمْ يَملكهَا المُسْلِمُوْنَ قَطُّ، فَقبل ذَلِكَ.
13 - ابْنُ شُنَيْفٍ الحُسَيْنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ الحُسَيْنِ الدَّارَقَزِّيُّ **
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ الخَيِّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ شُنَيْفِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّارَقَزِّيُّ، الأَمِيْنُ.
__________
(1) في السادس منه على ما ذكره ابن الابار.
(*) ذيل الروضتين: 80.
(2) ويقال فيه: " قليج " وهو السيف بالتركية.
(3) ويقال فيه " أرسلان "، وهو الاسد بالتركية.
(* *) إكمال الإكمال لابن نقطة، الورقة 13 (ظاهرية) ، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 25 (باريس 5922) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1280، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 388، والمختصر المحتاج 2 / 34 - 35، والعبر: 5 / 35، وشذرات الذهب: 5 / 42.
وقيده المنذري فقال: " وشنيف: بضم الشين المعجمة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفاء ".(22/19)
وُلِدَ: سَنَةَ 525.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَمِنْ: هِبَة اللهِ ابْن الطَّبَرِ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَبْد المَلِكِ بن عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زُرَيْقٍ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَالضِّيَاء، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ، وَالخَطِيْب شرف بن قَارُوْنَ الهَاشِمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَاز: لِلْفخر عَلِيّ، وَللكمَال الفُوَيْرِه (1) .
وَكَانَ أَمِيناً لِلْقُضَاةِ بِمحلّته وَمَا يَلِيهَا هُوَ وَأَبُوْهُ، وَكَانَ مِنْ صلحَاء الحَنَابِلَة.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (2) : كَانَ ثِقَةً مِنْ بَيْت حَدِيْث، أَخذتُ عَنْهُ، وَنِعْمَ الشَّيْخ كَانَ، تُوُفِّيَ فِي ثَالِثَ عَشَرَ المُحَرَّمِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ (3) .
14 - ابْنُ المُعَزِّمِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الهَمَذَانِيُّ *
الفَقِيْهُ، أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي زَيْدٍ بنِ المُعَزِّمِ الهَمَذَانِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي عَلِيٍّ، وَالبَدِيْع أَحْمَد بن سَعْدٍ العِجْلِيّ، وَهِبَة اللهِ ابْن أُخْت الطَّوِيْل، وَعِدَّة، وَانْفَرَدَ عَنِ العِجْلِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَالرَّفِيع الهَمَذَانِيّ، وَالشَّرَف المُرْسِيّ، وَالصَّدْر البَكْرِيّ، وَعِدَّة.
__________
(1) الفويره: من الفراهية.
(2) ذيل تاريخ مدينة السلام، الورقة: 25 (باريس 5922) .
(3) ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب.
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة 1236، وتاريخ الإسلام للذهبي: 18 / 1 / 355 - 356، والعبر: 5 / 32، وشذرات الذهب: 5 / 37، وقيده المنذري بالحروف، فقال: " والمعزم: بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الزاي وكسرها وبعدها ميم ".(22/20)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ (1) وَسِتِّ مائَةٍ.
15 - العَاقُوْلِيُّ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي البَقَاءِ *
الإِمَامُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي البَقَاءِ العَاقُوْلِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: أَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: ابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَالنَّجِيْب، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَغَيْرهُم.
مَاتَ: يَوْم التّرويَة، سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.
16 - ابْنُ مَنْدَوَيْه عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ أَبِي غَالِبٍ الأَصْبَهَانِيُّ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، بَقِيَّة السَّلَفِ، أَبُو مَسْعُوْدٍ (2) عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ
__________
(1) كذا قال، وهو وهم والله أعلم، فقد ذكر المنذري أنه توفي في الثامن عشر من شهر ربيع الأول سنة تسع وست مئة، وهو الذي أخذ به المؤلف في " تاريخ الإسلام " فذكره في وفيات سنة 609 ولم يذكر خلافا في ذلك، ولا ذكره غيره.
(*) إكمال الإكمال لابن نقطة، الورقة: 56 (ظاهرية) وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 167 - 168 (باريس 5921) ، وتاريخ بغداد للبنداري، الورقة: 28، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1217، ومشيخة النجيب الحراني: الورقة: 110 - 112 وهو الشيخ التاسع والخمسون فيها، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 309، والمختصر المحتاج: 1 / 179، ومعرفة القراء، الورقة: 187، والمشتبه: 85، والعبر: 5 / 27، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين، الورقة: 103 (سوهاج) ، وغاية النهاية: 1 / 45 - 46، والنجوم الزاهرة: 6 / 205، وشذرات الذهب: 5 / 32.
(* *) التقييد لابن نقطة، الورقة: 170 - 171، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1298، وذيل الروضتين: 86، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 394 - 395، والنجوم الزاهرة: 6 / 210، وشذرات الذهب: 5 / 42.
(2) قال المنذري: أبو بكر، ويقال: أبو مسعود.(22/21)
أَبِي غَالِبٍ بنِ أَبِي المَعَالِي بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ مَنْدَوَيْه الأَصْبَهَانِيُّ، السَّريجَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي كبره مِنْ: نَصْر بن المُظَفَّر، وَمِنْ: أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ.
وَحَدَّثَ (بِالصَّحِيْحِ) وَبأَجزَاءٍ عَالِيَةٍ بِدِمَشْقَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الزَّكِيَّانِ؛ البِرْزَالِيُّ وَالمُنْذِرِيُّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَالقُوْصِيّ، وَالمُحْيِي بن عَصْرُوْنَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ المِزِّيّ، وَعَلِيّ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ صَصْرَى، وَالفَخْر عَلِيّ، وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو حَفْصٍ ابْن القَوَّاس.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة (1) : ثِقَة صَالِحٌ، صَحِيْح السَّمَاع، سَمِعْتُ مِنْهُ بِدِمَشْقَ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، سَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَا علمت عَلَى مَنْ قرَأَ، وَكَانَ يَدْرِي القِرَاءات.
وَبَعْضُهُم قيّد السُّرِيْجَانِيّ بِضم السّين، وَكسر الرَّاء، وَنُوْنَ سَاكنَة (2) - فَاللهُ أَعْلَم -.
وَفِيْهَا مَاتَ: تَاجُ الأُمَنَاءِ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَسَاكِرَ، وَخَطِيْبُ قُرْطُبَة أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الحِمْيَرِيّ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، وَالفَخْر إِسْمَاعِيْل بن عَلِيٍّ الأَزَجِيّ الحَنْبَلِيّ المُتَكَلِّم المُصَنِّف غُلاَم ابْن المنِّيّ، وَزَيْنَب بِنْت إِبْرَاهِيْم القَيْسِيَّة زَوْجَة الدَّوْلَعِيّ، وَالوَزِيْر مُعِزّ الدِّيْنِ
__________
(1) التقييد، الورقة: 171.
(2) هذا نقله المؤلف من رواية أوردها المنذري على التمريض بعد أن قيده التقييد الأول: وقد قيدها ياقوت في معجم البلدان بضم السين المهملة مع ياء آخر الحروف، وقال: " بلفظ تثنية سريج تصغير سرج - بالجيم - من قرى أصبهان ".(22/22)
سَعِيْد بن حَدِيْدَةَ الأَنْصَارِيّ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ هَبَل الطَّبِيْب مُهَذَّب الدِّيْنِ.
17 - عَيْنُ الشَّمْسِ بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَرَجِ أُمُّ النُّوْرِ الثَّقَفِيَّةُ *
الأَصْبَهَانِيَّةُ، مُسْنِدَةُ وَقْتِهَا.
سَمِعَتْ حُضُوْراً فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ (1) مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الإِخْشِيْذِ، وَسَمِعَتْ (جُزْءَ أَبِي الشَّيْخِ) مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالِحَانِيّ، وَتَفرّدت فِي الدُّنْيَا عَنْهُمَا.
وَكَانَتْ صَالِحَة، عفِيفَة، مِنْ بَيْت الرِّوَايَة وَالإِسْنَاد.
حَدَّثَ عَنْهَا: الضِّيَاء مُحَمَّد، وَالزَّكِيّ البِرْزَالِيّ، وَالتَّقِيّ ابْن العِزّ، وَعِدَّة (2) .
وَبِالإِجَازَةِ: الشَّمْس عَبْد الوَاسِع الأَبْهَرِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالشَّمْس ابْن الزَّيْنِ، وَطَائِفَة، وَعَاشَتْ تِسْعِيْنَ عَاماً.
تُوُفِّيَت: فِي نِصْفِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَنْبَأَنِي عَبْدُ الوَاسِعِ، عَنْ عَيْنِ الشَّمْسِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي ذَرٍّ سَنَةَ 526، أَخْبَرْنَا ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ القَبَّابُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ هَارُوْنَ الأَشْعَرِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ القَادِسِيّ بِعُكْبَرَا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بنِ سُلَيْمَانَ، بِخَبَرٍ مَوْضُوْعٍ.
وَمِنْ سَمَاعهَا عَلَى ابْنِ أَبِي ذَرٍّ كِتَاب (الدِّيَاتِ) لابْنِ أَبِي عَاصِمٍ،
__________
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1288، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 403، والعبر 5 / 36، والنجوم الزاهرة: 6 / 209، وشذرات الذهب: 5 / 42.
(1) وخمس مئة.
(2) بل قال في تاريخ الإسلام: " وعامة الرحالة ".(22/23)
وَ (التَّوبَة) ، وَ (عَوَالِي القَبَّابِ) ، وَ (أَحَادِيْث بَكْر بن بَكَّارٍ) ، وَ (جُزْء أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ غَيْر جَابِر) ، وَأَشيَاء.
18 - ابْنُ نَغُوْبَا عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ الوَاسِطِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو المُظَفَّرِ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ نَغُوْبَا الوَاسِطِيُّ، مِنْ أَوْلاَدِ المَشَايِخِ.
سَمِعَ: نَصْر اللهِ بن الجَلَخْت، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجُلاَّبِيّ، وَبِبَغْدَادَ مِنَ الأُرْمَوِيّ (1) ، وَعَبْد البَاقِي بن أَحْمَدَ ابْنِ النَّرْسِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَنَا، وَكَانَ صَدُوْقاً مِنَ المُعَدَّلِيْنَ بِوَاسِطَ، مَاتَ بِهَا فِي رَمَضَانَ (2) ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْنُ المُفَضَّلِ الحَافِظ، وَابْن الأَخْضَرِ الحَافِظ، وَمُحَمَّد بن مَعَالِي بن غَنِيْمَةَ الحَنْبَلِيّ، وَعَبْد اللَّطِيْفِ الخُوَارِزْمِيّ، وَآخَرُوْنَ.
19 - التُّجِيْبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ التُّجِيْبِيُّ، المُرْسِيُّ، مُحَدِّثُ تِلِمْسَانَ.
__________
(*) إكمال الإكمال لابن نقطة، الورقة: 59 (ظاهرية) ، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 149 (كيمبرج) ، وتاريخ الإسلام، الورقة: 92 - 93 (أيا صوفيا 3010) ، والمختصر المحتاج، الورقة: 97.
(1) محمد بن عمر، أبو الفضل.
(2) في السادس عشر منه، كما ذكر المنذري، وذكر المنذري وغيره أنه ولد في جمادى الآخرة سنة 532.
(* *) التكملة لابن الابار: 2 / 588 - 591 وهي ترجمة حافلة، وتاريخ الإسلام، 18 / 1 / 406، 407، وغاية النهاية: 2 / 164.(22/24)
أَخَذَ القِرَاءات وَجَوَّدَهَا عَنْ: أَبِي أَحْمَدَ بنِ مُعْطٍ المُرْسِيّ، وَأَبِي الحَجَّاجِ الثَّغْرِيّ، وَابْن الفَرَسِ، وَحَجَّ، وَطَوَّل الغَيْبَةَ، وَأَكْثَر عَنْ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَكَتَبَ عَنْ مائَةٍ وَثَلاَثِيْنَ نَفْساً، وَعَمِلَ (المُعْجَم (1)) ، وَكَانَ يَقُوْلُ:
دَعَا لِي السِّلَفِيُّ بِطُولِ العُمُرِ، وَقَالَ لِي: تَكُوْنُ مُحَدِّثَ المَغْرِبِ - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
وَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ عَمَّارٍ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) ، وَسَمِعَ بِبَجَايَةَ مِنْ عَبْدِ الحَقِّ الحَافِظِ.
ارْتَحَلَ إِلَيْهِ الطَّلَبَةُ وَأَكْثَرُوا عَنْهُ.
قَالَ الأَبَّارُ (2) : كَانَ عَدْلاً، خَيِّراً، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، ضَابطاً، وَغَيْرُهُ أَضْبَطُ مِنْهُ، رَوَى عَنْهُ أَكَابِر أَصْحَابنَا وَبَعْض شُيُوْخنَا لِعُلُوِّ إِسْنَادِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَأَجَاز لِي، وَأَلَّفَ (أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً فِي الموَاعِظ) ، وَ (أَرْبَعِيْنَ فِي الفَقْر وَفضله) ، وَ (أَرْبَعِيْنَ فِي الْحبّ للهِ) ، وَ (أَرْبَعِيْنَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، وَتَصَانِيْفَ أُخَرَ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) قال ابن الابار: " أكثر فيه من الآثار والحكايات والاخبار، ووقع إليه بخطه في سنة 640 بتونس فكتبته على الانتخاب والاقتضاب وضمنت هذا الكتاب ما نسبته إليه (التكملة: 2 / 589) .
(2) التكملة: 2 / 589.(22/25)
20 - ابْنُ خَرُوْفٍ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الإِشْبِيْلِيُّ *
إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ خَرُوْفٍ الإِشْبِيْلِيُّ، مُصَنِّفُ (شَرْحِ سِيْبَوَيْه) وَغَيْر ذَلِكَ.
تَخَرَّجَ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ الخِدَبّ، وَتَصَدَّرَ لِلإِفَادَة.
مَاتَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْعٍ.
وَهُوَ مِنْ نُظَرَاءِ الجُزُوْلِيِّ، كَبِرَ، وَأَسَنَّ.
21 - تَاجُ الأُمَنَاءِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ.
رَوَى عَنْ: عَمَّيْهِ؛ الصَّائِنِ (1) وَالحَافِظِ (2) ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ، وَنَصْر بن مُقَاتِل، وَأَبِي العشَائِر الكُرْدِيّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ الفَلَكِيّ، وَأَبِي المَكَارِمِ بن هِلاَلٍ.
وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ (مَشْيَخَةً) ، وَكَانَ عَالِماً، جَلِيْلاً، وَلِي مَنَاصِبَ كِبَاراً.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ العِزّ (3) النَّسَّابَة، وَالضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيّ،
__________
(*) التكملة لابن الابار: 3 / الورقة: 71 (نسخة الأزهر) ، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 362، 402.
وقد ترجمه الذهبي في سنة تسع وست مئة من " تاريخ الإسلام " وأحال على هذه الترجمة في سنة عشر، والذي ذكر وفاته سنة تسع هو ابن الابار.
(* *) التقييد لابن نقطة، الورقة: 44، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1305 وذيل الروضتين: 86، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 377، والعبر: 5 / 33، والبداية والنهاية: 13 / 66، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 232، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 345، والنجوم الزاهرة: 6 / 210، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 56، وشذرات الذهب: 5 / 40.
وهو المعروف بابن عساكر.
(1) أبو الحسن هبة الله بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر.
(2) أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ المشهور.
(3) عز الدين محمد بن أحمد.(22/26)
وَالمُسَلَّم بن عَلاَّنَ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي رَجَبٍ (1) ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ ثَمَان وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَهُوَ جَدُّ شَيْخِنَا أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ.
22 - أَبُو جَعْفَرٍ ابنُ يَحْيَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ الحِمْيَرِيُّ *
خَطِيْبُ قُرْطُبَةَ وَعَالِمُهَا، أَبُو جَعْفَرٍ (2) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَحْيَى الحِمْيَرِيُّ، الكُتَامِيُّ، القُرْطُبِيُّ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ.
وَرَوَى عَنْ: يُوْنُسَ بنِ مُغِيْثٍ، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيٍّ، وَشُرَيحِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ المَازَرِيِّ إِجَازَةً.
وَسَمِعَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ مَكِّيٍّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ نَجَاحٍ، وَحَمَلَ السَّبْعَ عَنْ عَيَّاشِ بنِ فَرَجٍ، وَغَيْرِهِ، وَتَفَرَّدَ، وَتَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ مُدَّةً، وَكَانَ إِمَاماً فِي العَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مُسْدِيّ بِالإِجَازَةِ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الوَزْغِيِّ (3) .
وَمَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً.
__________
(1) في الثاني من رجب من السنة.
(*) التكملة لابن الابار: 1 / 102 - 103، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1325 وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 378 - 379، وغاية النهاية: 1 / 99 - 100، وبغية الوعاة: 1 / 355.
(2) وقال المنذري: " أبو العباس " ويفهم من بغية السيوطي أنها كنية أخرى.
(3) هذا ذكره المنذري فنقله الذهبي منه وإن لم يشر.(22/27)
23 - المُطَرِّزِيِّ، أَبُو الفَتْحِ نَاصِرُ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ عَلِيٍّ *
شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ، أَبُو الفَتْحِ نَاصِرُ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ عَلِيٍّ الخُوَارِزْمِيُّ، الحَنَفِيُّ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ (المُقَدِّمَةِ اللَّطيفَةِ (1)) .
كَانَ رَأْساً فِي فُنُوْنِ الأَدبِ، دَاعِيَةً إِلَى الاعتزَالِ.
أَخَذَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَالمُوَفَّقِ بنِ أَحْمَدَ خَطِيْبِ خُوَارِزْمَ.
وَسَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَعْدٍ التَّاجِرِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَلَهُ عِدَّةُ تَصَانِيْف، مِنْهَا: (شرحُ المَقَامَاتِ) .
حَملُوا عَنْهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ.
وُلِدَ عَامَ تُوُفِّيَ الزَّمَخْشَرِيّ.
وَمَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَرُثِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ قصيدَةٍ.
24 - غُلاَمُ ابْنِ المَنِّيِّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيٍّ الأَزَجِيُّ **
العَلاَّمَةُ، الأُصُوْلِيُّ، الفَيْلَسُوْفُ، فَخْرُ الدِّيْنِ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ
__________
(*) إرشاد الاريب لياقوت: 7 / 202 - 230، وإنباه الرواة: 3 / 339 - 340، وإشارة التعيين، الورقة: 55 - 56، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1300، ووفيات الأعيان: 5 / 369 - 371، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 414 - 415، والمختصر المحتاج، الورقة: 119، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد، الورقة: 72، وتلخيص ابن مكتوم، الورقة: 260، والجواهر المضية للقرشي: 2 / 190، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة، الورقة: 256، وبغية الوعاة: 2 / 311، وتاج التراجم: 79، وطبقات ابن طاش كبري زادة: 106، والطبقات السنية للتميمي: 3 / الورقة: 1033 - 1308، وطبقات الزيله لي، الورقة: 220، وفوائد اللكنوي: 218 - 219.
وهو منسوب إلى تطريز الثياب.
(1) في النحو.
(* *) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 246 (باريس 5921) ، ومرآة الزمان: 8 / 565 - =(22/28)
الأَزَجِيُّ، المَأْمُوْنِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ العَلاَّمَةِ نَاصِحِ الإِسْلاَمِ، ابْن المَنِّيِّ (1) .
مَوْلِدُهُ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَسَمِعَ (مَشْيَخَةَ شُهْدَةَ) مِنْهَا، وَسَمِعَ مِنْ لاَحِقِ بنِ كَارِهٍ، وَأَشغلَ بِمسجدِ المَأْمُوْنِيَّةِ بَعْدَ شَيْخِهِ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ القَصْرِ، لِلنَّظَرِ، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً.
لَهُ تَصَانِيْفُ فِي المَعْقُوْلِ، وَتعليقَةٌ فِي الخلاَفِ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَرُتِّبَ نَاظراً فِي دِيْوَانِ المطَبّقِ، فَذُمَّتْ سِيرتُهُ، فَعُزِلَ وَبَقِيَ محبوساً مُدَّةً، وَأُخْرِجَ، وَتَمرَّضَ أَشْهُراً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: برَعَ الفَخْرُ إِسْمَاعِيْلُ فِي المَذْهَبِ وَالأَصْلينِ وَالخلاَفِ، وَكَانَ حَسَنَ العبَارَةِ، مقتدراً عَلَى ردِّ الخُصُوْمِ، كَانَتِ الطَّوَائِفُ مجمعَةً عَلَى فَضلِهِ وَعلمِهِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَمْ يَكُنْ فِي دِيْنِهِ بِذَاكَ، حَكَى لِي ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ فِي معرِضِ المدحِ لَهُ: أَنَّهُ قرَأَ المنطقَ وَالفَلْسَفَةَ عَلَى ابْنِ مرقشٍ النَّصْرَانِيِّ، فَكَانَ يَتردَّدُ إِلَى البَيْعَةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ منْ أَثقُ بِهِ أَنَّ الفَخْرَ صَنَّفَ كِتَاباً سَمَّاهُ (نوَامِيسُ الأَنْبِيَاءِ) ، يذكرُ فِيْهِ أَنَّهُم كَانُوا حُكمَاءَ كهُرمسَ وَأَرِسْطُو، فَسَأَلتُ بَعْضَ تَلاَمِذتِهِ الخَصِيصينَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَمَا أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: كَانَ مُتَسَمِّحاً فِي
__________
= 567، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1287، وذيل الروضتين: 84 - 85، وتلخيص مجمع الآداب: 4 / الترجمة: 1993، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 383 - 385، والمختصر المحتاج: 1 / 244، والبداية والنهاية: 13 / 65، وذيل طبقات الحنابلة: 2 / 66 - 68، ولسان الميزان: 1 / 323 - 324، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 344، والنجوم الزاهرة: 6 / 210، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 56، والألقاب للسخاوي، الورقة: 117، وشذرات الذهب: 5 / 40 - 41، والتاج المكلل: 222 - 223.
(1) نصر بن فتيان ابن المني.(22/29)
دِيْنِهِ، متلاعباً بِهِ، وَلَمَّا ظهرَتِ الإِجَازَةُ لِلنَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ، كتبَ ضَرَاعَةً يَسْأَلُ فِيْهَا أَنْ يُجَازَ، فَوَقَّعَ النَّاصِرُ فِيْهَا: لاَ يَصلُحُ لِلرِّوَايَةِ، فَطَالَ مَا كَانَتِ السّعَايَاتُ بِالنَّاسِ تَصَدُرُ مِنْهُ إِلَيْنَا، ثُمَّ شُفِعَ فِيْهِ، فَأُجِيْزَ لَهُ، وَكَانَ دَائِماً يَقعُ فِي رُوَاةِ الحَدِيْثِ وَيَقُوْلُ: هُم جُهَّالٌ لاَ يَعرفُوْنَ العُلُوْمَ العَقليَّةَ، وَلاَ معَانِي الحَدِيْثِ الحَقِيْقيَّةِ، بَلْ هُم مَعَ اللَّفْظِ الظَّاهِرِ، سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَلاَ كَلَّمتهُ كلمَةً، مَاتَ فِي ثَامنِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ (1) ، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ: الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّيْنِ ابْنُ تَيْمِيَةَ.
25 - ابْنُ جرجٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ القُرْطُبِيُّ *
المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي المَطَرِّفِ بنِ سَعِيْدِ بنِ جرجٍ (2) القُرْطُبِيُّ الَّذِي سَمِعَ (مصَنَّفَ النَّسَائِيَّ) مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الطَّيْلَسَانِ، وَأَجَازَ لابْنِ مَسْدِيّ، وَعَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسَائِيِّ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ.
__________
(1) وتابعه في ذلك سبط ابن الجوزي في " المرآة " وأبو شامة في " ذيل الروضتين " أما ابن الدبيثي والمنذري فقالا: في الثامن من شهر ربيع الآخر، وبه أخذ المؤلف في " تاريخ الإسلام " متابعا الحافظ ضياء الدين المقدسي، ولم يذكر غيره.
(*) التكملة لابن الابار: 1 / 104، وتاريخ الإسلام، الورقة: 90 (أيا صوفيا: 3011) .
(2) تصحف في المطبوع من التكملة الابارية إلى: " خرج ".(22/30)
26 - ابْنُ الأَخْضَرِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَحْمُوْدٍ الجُنَابَذِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، المُعَمَّرُ، مُفِيْدُ العِرَاقِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي نَصْرٍ مَحْمُوْدِ بنِ المُبَارَكِ بنِ مَحْمُوْدٍ الجُنَابَذِيُّ الأَصْلِ، البَغْدَادِيُّ، التَّاجِرُ، البَزَّازُ، ابْنُ الأَخْضَرِ.
وُلِدَ: سَنَةَ 524، وَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ.
سَمِعَ: القَاضِي أَبَا بَكْرٍ (1) ، وَأَبَا القَاسِمِ ابْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَيَحْيَى ابْنَ الطّرَاحِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ تَوبَةَ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيَّ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبَا سَعْدٍ ابْنَ البَغْدَادِيِّ، وَأَبَا الفَضْلِ الأُرْمَوِيَّ، وَأَبَا الفَضْلِ بنَ نَاصِرٍ، وَابْنَ البَطِّيِّ.
وَصَنَّفَ وَجَمَعَ وَكَتَبَ عَنْ أَقرَانِهِ، وَحَدَّثَ نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ عَاماً، وَكَانَ ثِقَةً، فَهْماً، خَيِّراً، دَيِّناً، عَفِيْفاً.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (2) : لَمْ أَرَ فِي شُيُوْخِنَا أَوفرَ شُيُوْخاً مِنِ ابْنِ الأَخْضَرِ، وَلاَ أَغزَرَ سَمَاعاً، حَدَّثَ بِجَامِعِ القَصْرِ سِنِيْنَ كَثِيْرَةً.
__________
(*) معجم البلدان: 2 / 121، والتقييد لابن نقطة، الورقة: 153 - 154، والكامل لابن الأثير: 12 / 126، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 147 (باريس 5922) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة 1372، وذيل الروضتين: 88، وكشف الغمة للاربلي: 109، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 122، وتاريخ الإسلام، الورقة: 188 (باريس 1582) ، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1383 - 1385، المختصر المحتاج، الورقة: 78، ودول الإسلام: 2 / 86، والذيل لابن رجب: 2 / 79 - 82، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 350، والنجوم الزاهرة: 6 / 211، وشذرات الذهب: 5 / 46 - 47، وديوان الإسلام لابن الغزي، الورقة: 12، والتاج المكلل: 223 - 224.
وهو منسوب إلى الجنابذ قرية من قرى نيسابور، قيدها المنذري.
(1) محمد بن عبدا لباقي الأنصاري.
(2) تاريخه، الورقة: 147 (باريس 5922) .(22/31)
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (1) : كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ السَّمَاعِ، صَحِيْحَ الأُصُوْلِ، مِنْهُ تَعلَّمْنَا وَاسْتفدْنَا، وَمَا رَأَينَا مِثْلَهُ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَزَيْنُ الدِّيْنِ خَالِدٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَعَلِيُّ بنُ مِيْرَانَ، وَالعَفِيْفُ عَلِيُّ بنُ عدلاَنَ المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الدَّارِيُّ الخَلِيْلِيّ، وَالجمَالُ يَحْيَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالنَّجِيْبُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَأَخُوْهُ العِزُّ، وَالمِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، وَعَلَمُ الدِّيْنِ أَبُو القَاسِمِ الأَنْدَلُسِيُّ، وَإِسْرَائِيْلُ بنُ أَحْمَدَ القُرَشِيُّ، وَابْنُهُ عَلِيُّ ابْنُ الأَخْضَرِ.
وَأَجَازَ: لِلْكمَالِ الفُوَيره.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَأَوَّلُ طلبِهِ مِنِ: ابْنِ نَاصِرٍ، وَالأُرْمَوِيِّ، وَمَا زَالَ يَسمَعُ حَتَّى قرَأَ عَلَى شُيُوْخِنَا، كتبَ كَثِيْراً لِنَفْسِهِ، وَتورِيقاً لِلنَّاسِ فِي شبَابِهِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً فِي حَلْقَتِهِ، وَفِي حَانُوْتِهِ لِلبزِّ فِي خَانِ الخَلِيْفَةِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، مَا رَأَيْتُ فِي شُيُوْخِنَا مِثْلَهُ فِي كَثْرَةِ مَسْمُوْعَاتِهِ، وَحُسْنِ أُصُوْلِهِ، وَحفظِهِ، وَإِتقَانِهِ، وَكَانَ أَمِيناً، ثخينَ السَّتْرِ، مُتَدَيِّناً، ظرِيفاً، مَاتَ فِي سَادسِ شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَلَّفَ كِتَاباً فِيْمَنْ حَدَّثَ هُوَ وَابْنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكِتَاب (مَنْ حَدَّثَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (2)) مُجَلَّدٌ، وَكِتَاب (مَشْيَخَة) لأَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ فِي مُجَلَّدٍ، وَحَدَّثَ بِذَلِكَ.
__________
(1) التقييد، الورقة: 154.
(2) " المقصد الارشد في ذكر من روى عن الامام أحمد " ذكر ابن رجب أنه في مجلدين.(22/32)
27 - ابْنُ مَنِيْنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَعَالِي البَغْدَادِيُّ *
الصَّالِح الخَيِّرُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَعَالِي (1) بنِ غَنِيْمَةَ بنِ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، الأُشْنَانِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ (2) ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ مَوْتاً بِبَغْدَادَ، وَمِنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ، وَأَبِي البدرِ الكَرخِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الدُّبَيْثِيُّ، وَقَالَ (3) : كَانَ خَيِّراً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالجمَال يَحْيَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ النَّنِّ (4) ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: الكَمَالُ الفُوَيره، وَطَائِفَةٌ.
مَاتَ: فِي الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ. .
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 148 (باريس 5922) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1443، وتاريخ الإسلام، الورقة: 193 (باريس: 1582) ، والمختصر المحتاج إليه، الورقة: 78، والمشتبه: 488، والبداية والنهاية: 13 / 70، والنجوم الزاهرة: 6 / 215، وشذرات الذهب: 5 / 50.
وقيد المنذري منينا بالحروف فقال: " بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون مفتوحة ".
(1) في الأصل: " معاني " وليس بشيء، والتصحيح من كتب الذهبي الأخرى وتواريخ ابن الدبيثي والمنذري وغيرهما.
(2) محمد بن عبدا لباقي الأنصاري المعروف بقاضي المارستان.
(3) تاريخه، الورقة: 148 (باريس: 5922) .
(4) هو شيخ الذهبي بالاجازة محمد بن عبد الله بن النن البغدادي، قيده في المشتبه، له: 649.(22/33)
28 - الكِنْدِيُّ أَبُو اليُمْنِ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ بنِ زَيْدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، وَشَيْخُ العَرَبِيَّةِ، وَشَيْخُ القِرَاءاتِ، وَمُسْنِدُ الشَّامِ، تَاجُ الدِّيْنِ، أَبُو اليُمْنِ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ بنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ بنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ بنِ سَعِيْدِ بنِ عصْمَةَ بنِ حِمْيَرٍ الكِنْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ، النَّحْوِيُّ، اللُّغَوِيُّ، الحَنَفِيُّ.
وُلِدَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَحفظَ القُرْآنَ وَهُوَ صَغِيْرٌ مُمَيِّزٌ، وَقرَأَهُ بِالرِّوَايَاتِ العَشْرِ، وَلَهُ عَشْرَةُ أَعْوَامٍ، وَهَذَا شَيْءٌ مَا تَهَيَّأَ لأَحدٍ قَبْلَهُ، ثُمَّ عَاشَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ فِي القِرَاءاتِ، وَالحَدِيْثِ؛ فَتلاَ عَلَى أُسْتَاذِهِ وَمُعَلِّمِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ، ثُمَّ قرَأَ عَلَى أَقْوَامٍ، فَصَارَ فِي دَرَجَةِ سِبْطِ الخَيَّاطِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، فَتلاَ بـ (الكفَايَةِ فِي القِرَاءاتِ السِّتِّ) عَلَى المُعَمَّرِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الطَّبَرِ، مِنْ تَلاَمِذَةِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الخَيَّاطِ، وَتَلاَ بـ (المِفْتَاحِ) عَلَى
__________
(*) خريدة القصر: 1 / 101 - 102 (القسم الشامي) وإرشاد الاريب: 4 / 222، والتقييد لابن نقطة، الورقة: 98، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 54 - 55، (باريس: 5922) وإنباه الرواة: 2 / 10 - 14، وإشارة التعيين، الورقة: 36 - 37، ومرآة الزمان: 8 / 572 - 577، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1498، وذيل الروضتين: 95 - 99، ووفيات الأعيان: 2 / 339 - 342، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 104، وتاريخ الإسلام، الورقة: 109 - 112 (أيا صوفيا: 3011 بخطه) ، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 71 - 72، ودول الإسلام: 2 / 87 والمشتبه: 649، والجواهر المضية: 1 / 246، وتلخيص ابن مكتوم، الورقة: 71 - 72 والوافي بالوفيات: 8 / الورقة: 103 - 105، ومرآة الجنان لليافعي: 4 / 25 - 27، والبداية والنهاية 3 / 71 - 72، وغاية النهاية: 1 / 293، وذيل التقييد، الورقة: 162 - 163، والفلاكة للدلجي: 92، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة، الورقة: 143 - 145، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 360 - 362، والنجوم الزاهرة: 6 / 216، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 79، وبغية الوعاة: 1 / 570 - 573، وشذرات الذهب: 5 / 54 - 55، وروضات الجنات: 300.(22/34)
مُؤلِّفِهِ ابْنِ خَيْرُوْنَ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى خَطِيْبِ المُحَوَّلِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ الطَّبَرِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ القَزَّازِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ تَوْبَةَ، وَأَخِيْهِ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَإِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَطَلْحَةَ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ سِبْطِ الخَيَّاطِ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّيِّدِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي القَاسِمِ الكَرُوْخِيِّ، وَالمُبَارَكِ بنِ نَغُوْبَا، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ اليُوْسُفِيِّ، وَيَحْيَى ابْنِ الطَّرَّاحِ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَيْضَاوِيِّ، وَعِدَّةٍ.
خَرَّجَ لَهُ عَنْهُم مَشْيَخَةً المُحَدِّثُ أَبُو القَاسِمِ عليٌّ حَفِيْدُ ابْنِ عَسَاكِرَ (1) .
وَقرَأَ النَّحْوَ عَلَى: أَبِي السَّعَادَاتِ ابْنِ الشَّجَرِيِّ، وَسِبْطِ الخَيَّاطِ، وَابْنِ الخَشَّابِ.
وَأَخَذَ اللُّغَةَ عَنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ ابْنِ الجَوَالِيْقِيِّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الحديدِ، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَالِبِ شُيُوْخِهِ، وَأَجَازَ لَهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَتردَّدَ إِلَى البِلاَدِ وَإِلَى مِصْرَ وَالشَّامِ يَتَّجِرُ، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ دِمَشْقَ، وَرَأَى عِزّاً وَجَاهاً، وَكثُرَتْ أَمْوَالُهُ، وَازدحَمَ عَلَيْهِ الفُضَلاَءُ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَكَانَ حَنْبَليّاً، فَانْتقلَ حَنَفِيّاً، وَبَرَعَ فِي الفِقْهِ، وَفِي النَّحْوِ، وَأَفتَى، وَدرَّسَ، وَصَنَّفَ، وَلَهُ النَّظْمُ، وَالنَّثْرُ، وَكَانَ صَحِيْحَ السَّمَاعِ، ثِقَةً فِي نَقلِهِ، ظرِيفاً، كَيِّساً، ذَا دُعَابَةٍ وَانطبَاعٍ.
قرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَاتِ: عَلَمُ الدِّيْنِ السَّخَاوِيَّ -وَلَمْ يُسنِدْهَا عَنْهُ - وَعَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ بنُ أَحْمَدَ الأَنْدَلُسِيُّ، وَكَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ فَارِسٍ، وَعِدَّةٌ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَالحَافِظُ عَبْدُ القَادِرِ، وَالشَّيْخُ المُوَفَّقُ، وَابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَالضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ،
__________
(1) رتبها على حروف المعجم، على ما صرح ابن خلكان.(22/35)
وَالزَّيْنُ خَالِدٌ، وَالتَّقِيُّ بنُ أَبِي اليُسْرِ، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، وَالقَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ العِمَادِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَمُؤَمِّلُ البَالِسِيُّ، وَالصَّاحِبُ كَمَالُ الدِّيْنِ العَدِيْمِيُّ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ عَصرُوْنَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَيُوْسُفُ ابْنُ المُجَاوِرِ، وَسِتُّ العربِ بِنْتُ يَحْيَى مَوْلاَهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ ابْن القَوَّاسِ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبَوَا حَفْصٍ؛ ابْنُ القَوَّاسِ، وَابْنُ العَقِيمِيِّ (1) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (2) : أَسلمَهُ أَبُوْهُ فِي صِغَرِهِ إِلَى سِبْطِ الخَيَّاطِ، فَلقَّنَهُ القُرْآنَ، وَجَوَّدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَفَّظَهُ القِرَاءاتِ وَلَهُ عشرُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَسَافَرَ عَنْ بَغْدَادَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَأَقَامَ بِهَمَذَانَ سِنِيْنَ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ عَلَى سَعْدٍ الرَّازِيِّ، بِمَدْرَسَةِ السُّلْطَانِ طُغْرل، ثُمَّ إِنَّ أَبَاهُ حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ، فَعَادَ أَبُو اليُمْنِ إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ تَوجَّهَ إِلَى الشَّامِ، وَاسْتَوْزَرَهُ فَرُّوخشَاه، ثُمَّ بَعْدَهُ اتَّصَلَ بِأَخِيْهِ تَقِيِّ الدِّيْنِ عُمَرَ، وَاختصَّ بِهِ، وَكثُرَتْ أَمْوَالُهُ، وَكَانَ المَلِكُ المُعَظَّمُ يَقرَأُ عَلَيْهِ الأَدبَ، وَيَقصدُهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَيُعَظِّمُهُ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ يَصلُنِي بِالنَّفَقَةِ، مَا رَأَيْتُ شَيْخاً أَكملَ مِنْهُ عَقْلاً، وَنُبْلاً، وَثِقَةً، وَصِدقاً، وَتَحَقِيْقاً، وَرزَانَةً، مَعَ دمَاثَةِ أَخلاَقِهِ، وَكَانَ بَهِيّاً، وَقُوْراً، أَشْبَهَ بِالوُزَرَاءِ مِنَ العُلَمَاءِ، لِجَلاَلَتِهِ، وَعُلُوِّ مَنْزِلتِهِ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالنَّحْوِ، أَظنُّهُ يَحفظُ (كِتَابَ سِيْبَوَيْه) ، مَا دَخَلتُ عَلَيْهِ قَطُّ إِلاَّ وَهُوَ فِي يَدِهِ يُطَالِعُهُ، وَكَانَ فِي مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ رفِيعٍ، يَقْرَؤُهُ بِلاَ كُلْفَةٍ، وَقَدْ بلغَ التِّسْعِيْنَ، وَكَانَ قَدْ مُتِّعَ بِسَمْعِهِ وَبصرِهِ وَقوَّتِهِ،
__________
(1) بقي ابن العقيقي الأديب هذا إلى شوال سنة 699 وقد ترجمه المؤلف في وفيات السنة من " تاريخ الإسلام " وهو أبو حفص عمربن إبراهيم العقيمي.
(2) ضاع هذا القسم من تاريخ ابن النجار فيما ضاع من الكتاب.(22/36)
وَكَانَ مليحَ الصُّوْرَةِ، ظرِيفاً، إِذَا تَكَلَّمَ ازدَادَ حَلاَوَةً، وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ وَالبَلاغَةُ الكَامِلَةُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
تُوُفِّيَ، وَحَضَرتُ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: كَانَ يَرْوِي كُتُباً كِبَاراً مِنْ كُتُبِ العِلْمِ.
وَرَوَى عَنْهُ (كِتَابَ سِيْبَوَيْه) : عَلَمُ الدِّيْنِ القَاسِمُ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (1) : وَردَ مِصْرَ، وَكَانَ أَوحدَ الدَّهْرِ، فَرِيْدَ العصرِ، فَاشتملَ عَلَيْهِ عِزُّ الدِّيْنِ فَرُّوخشَاه، ثُمَّ ابْنُهُ الأَمجدُ، وَتردَّدَ إِلَيْهِ بِدِمَشْقَ الملكُ الأَفْضَلُ، وَأَخُوْهُ المُحْسِنُ، وَابْنُ عَمِّهِ المُعَظَّم.
قَالَ ضِيَاءُ الدِّيْنِ ابْنُ أَبِي الحَجَّاجِ الكَاتِبُ، عَنِ الكِنْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ القَاضِي الفَاضِلِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَرُّوخشَاه، فَجرَى ذِكْرُ شَرْحِ بَيْتٍ مِنْ دِيْوَانِ المتنبِّي، فَذَكَرْتُ شَيْئاً، فَأَعْجَبَهُ، فَسَأَلَ القَاضِي عَنِّي، فَقَالَ:
هَذَا العَلاَّمَةُ تَاجُ الدِّيْنِ الكِنْدِيُّ، فَنهضَ وَأَخَذنِي مَعَهُ، وَدَامَ اتِّصَالِي بِهِ.
قَالَ: وَكَانَ المُعَظَّم يَقرَأُ عَلَيْهِ دَائِماً، قرَأَ عَلَيْهِ: (كِتَابَ سِيْبَوَيْه) ، فَصّاً وَشرحاً، وَكِتَابَ (الحمَاسَةِ) ، وَكِتَابَ (الإِيضَاحِ) وَشَيْئاً كَثِيْراً، وَكَانَ يَأْتيه مَاشياً مِنَ القَلْعَةِ إِلَى دربِ العجَمِ، وَالمُجَلَّدُ تَحْتَ إِبِطِهِ.
وَنَقَلَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) أَنَّ الكِنْدِيَّ قَالَ: كُنْتُ قَاعِداً عَلَى بَابِ ابْنِ الخَشَّابِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ يَمْشِي فِي جَاون خشب، سَقَطت رِجْلُهُ مِنَ الثَّلْجِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (3) : كَانَ الكِنْدِيُّ مُكْرِماً لِلْغربَاءِ، حسن الأَخْلاَقِ، وَكَانَ
__________
(1) ذيل الروضتين: 96.
(2) وفيات الأعيان: 2 / 340 ونقله عن أحد أصحاب الكندي ولم يسمه.
(3) التقييد، الورقة: 98.(22/37)
مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا المُشْتَغِلينَ بِهَا، وَبإِيثَارِ مُجَالَسَةِ أَهْلِهَا، وَكَانَ ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ وَالقِرَاءاتِ - سَامَحَهُ اللهُ - (1) .
وَقَالَ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ (2) : كَانَ الكِنْدِيُّ إِمَاماً فِي القِرَاءةِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، وَانْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِهِ لأَجْلِ الدُّنْيَا (3) ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى السُّنَّةِ، وَصَّى إِلَيَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَالوُقُوْفِ عَلَى دفنِهِ، فَفَعَلتُ.
وَقَالَ القِفْطِيُّ (4) : آخرُ مَا كَانَ الكِنْدِيُّ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ (5) ، وَسَكَنَ حَلَبَ مُدَّةً، وَصَحِبَ بِهَا الأَمِيْرَ حسنَ ابْنَ الدَّايَةِ النُّوْرِيَّ (6) وَالِيَهَا، وَكَانَ يَبتَاعُ الخليعَ (7) مِنَ الملبُوسِ، وَيَتَّجِرُ بِهِ إِلَى الرُّوْمِ، ثُمَّ نَزلَ دِمَشْقَ، وَسَافَرَ مَعَ فَرُّوخشَاه إِلَى مِصْرَ، وَاقتنَى مِنْ كُتُبِ خَزَائِنهَا عِنْدَمَا أُبِيعَتْ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ ليِّناً فِي الرِّوَايَةِ، مُعْجَباً بِنَفْسِهِ فِيمَا يذكرهُ وَيَرْوِيْهِ، وَإِذَا نُوظِرَ جَبَهَ بِالقبيحِ، وَلَمْ يَكُنْ موفَّقَ القلَمِ، رَأَيْتُ لَهُ أَشيَاءَ بَارِدَةً (8) ، وَاشْتُهِرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَحِيْحَ العقيدَةِ.
قُلْتُ: مَا علمْنَا إِلاَّ خَيراً، وَكَانَ يُحبُّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَأَهْلَ الخَيْرِ،
__________
(1) سامحه الله بسبب مجالسته لاهل الدنيا وإيثارهم.
(2) موفق الدين ابن قدامة المقدسي المتوفى سنة 620.
(3) يعني إلى مذهب الحنفية، ولم يثبت أنه انتقل إليه لاجل الدنيا فقد مر أنه درسه في أول شبيبته بهمذان مدة سنين على سعد الرازي بمدرسة السلطان طغرل، فكأنه رآه الاحق بالاتباع، وكل إنسان يرى ما يرى وما وراء ذلك إن شاء الله إلا حسن إسلام، فكان ماذا؟ (4) إنباه الرواة: 2 / 11.
(5) وخمس مئة.
(6) تحرفت في إنباه القفطي إلى: " النووي ".
(7) الخليع من الثياب: الخلق.
(8) في الأصل: " نادرة " والتصحيح من خط الذهبي في " تاريخ الإسلام "، وأصل كلام القفطي: " ... أشياء قد ذكرها لا تخلو من برد في القول وفساد في المعنى واستعجال فيما يخبر به ".(22/38)
وَشَاهَدتُ لَهُ فُتْيَا فِي القُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى خَيْرٍ وَتَقرِيرٍ جَيِّدٍ، لَكنَّهَا تُخَالِفُ طرِيقَةَ أَبِي الحَسَنِ (1) ، فَلَعَلَّ القِفْطِيّ قصدَ أَنَّهُ حَنْبَلِيُّ العَقْدِ، وَهَذَا شَيْءٌ قَدْ سَمُجَ القَوْلُ فِيْهِ، فُكُلُّ مَنْ قصدَ الحَقَّ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ فَاللهُ يغفرُ لَهُ، أَعَاذنَا اللهُ مِنَ الهَوَى وَالنَّفْسِ.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: اجْتَمَعتُ بِالكِنْدِيِّ، وَجَرَى بَيْنَنَا مُبَاحثَات، وَكَانَ شَيْخاً، بَهِيّاً، ذكيّاً، مُثْرِياً، لَهُ جَانبٌ مِنَ السُّلْطَانِ، لَكنَّهُ كَانَ مُعْجَباً بِنَفْسِهِ، مُؤذِياً لِجليسِهِ.
قُلْتُ: أَذَاهُ لِهَذَا القَائِل أَنَّهُ لقَّبَهُ بِالمَطْحن.
قَالَ: وَجَرَتْ بَيْنَنَا مبَاحثَات، فَأَظهرنِي اللهُ عَلَيْهِ فِي مَسَائِل كَثِيْرَةٍ، ثُمَّ إِنِّيْ أَهملْتُ جَانبَهُ.
وَمِنْ شعرِ السَّخَاوِيِّ فِيْهِ:
لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ عَمْرٍو (2) مِثْلُهُ ... وَكَذَا الكِنْدِيُّ فِي آخِرِ عَصْرِ
فَهُمَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو إِنَّمَا ... بُنِيَ النَّحْوُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرِو
وَلأَبِي شُجَاعٍ ابْنِ الدَّهَّانِ فِيْهِ:
يَا زَيْدُ زَادَكَ رَبِّي مِنْ مَوَاهِبِهِ ... نُعْمَى يُقَصِّرُ عَنْ إِدرَاكِهَا الأَمَلُ
لاَ بَدَّلَ (3) اللهُ حَالاً قَدْ حَبَاكَ بِهَا ... مَا دَارَ بَيْنَ النُّحَاةِ الحَالُ وَالبَدَلُ
النَّحْوُ أَنْتَ أَحقُّ العَالِمِينَ بِهِ ... أَلَيْسَ باسْمِكَ فِيْهِ يُضْرَبُ المَثَلُ؟
__________
(1) الأشعري.
(2) أي سيبويه.
(3) في وفيات ابن خلكان: " لا غير ".(22/39)
وَمِنْ شِعْرِ التَّاجِ الكِنْدِيِّ:
دَعِ المُنَجِّمَ يَكبُو فِي ضَلاَلَتِهِ ... إِنِ ادَّعَى عِلْمَ مَا يَجرِي بِهِ الفَلَكُ
تَفَرَّدَ اللهُ بِالعِلْمِ القَدِيْمِ فَلاَ الـ ... إِنْسَانُ يَشْرَكُهُ فِيْهِ وَلاَ المَلَكُ
أَعدَّ لِلرِّزْقِ مِنْ أَشرَاكِهِ شَرَكاً ... وَبِئسَتِ العُدَّتَانِ: الشِّرْكُ وَالشَّرَكُ
وَلَهُ:
أَرَى المَرْءَ يَهْوَى أَنْ تَطُولَ حَيَاتُهُ ... وَفِي طُولِهَا إِرهَاقُ ذلٍّ وَإِزهَاقُ
تَمَنَّيْتُ فِي عصرِ الشَّبِيْبَةِ أَنَّنِي ... أُعَمَّرُ وَالأَعَمَّارُ لاَ شَكَّ أَرزَاقُ
فَلَمَّا أَتَى مَا قَدْ تَمَنَّيْتُ سَاءنِي ... مِنَ العُمْرِ مَا قَدْ كُنْتُ أَهوَى وَأَشتَاقُ
يُخَيَّلُ فِي فِكرِي إِذَا كُنْتُ خَالياً ... رُكُوبِي عَلَى الأَعْنَاقِ وَالسَّيْرُ إِعنَاقُ
وَيُذْكِرُنِي مرُّ النَّسِيْمِ وَرَوُحُهُ ... حفَائِرَ تَعْلُوهَا مِنَ التُّربِ أَطْبَاقُ
وَهَا أَنَا فِي إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ حِجَّةً ... لَهَا فِيَّ إِرعَادٌ مَخُوفٌ وَإِبرَاقُ
يَقُوْلُوْنَ تِرْيَاقٌ لِمِثْلِكَ* نَافِعٌ ... وَمَالِيَ إِلاَّ رَحْمَةُ اللهِ تِرْيَاقُ
وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
لَبِسْتُ مِنَ الأَعَمَّارِ تِسْعِيْنَ حِجَّةً ... وَعِنْدِي رَجَاءٌ بِالزِّيَادَةِ مُولَعُ
وَقَدْ أَقْبَلَتْ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ بَعْدَهَا ... وَنَفْسِي إِلَى خَمْسٍ وَسِتٍّ تَطَلَّعُ
وَلاَ غَرْوَ أَنْ آتِي هُنَيْدَةَ (1) سَالِماً ... فَقَدْ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ مَا يَتَوَقَّعُ
وَقَدْ كَانَ فِي عَصْرِي رِجَالٌ عَرَفْتُهُم ... حَبَوْهَا وَبِالآمَالِ فِيْهَا تَمَتَّعُوا
وَمَا عَافَ قَبْلِي عَاقِلٌ طُولَ عُمْرِهِ ... وَلاَ لاَمَهُ مَنْ فِيْهِ لِلْعَقْلِ مَوْضِعُ
قَالَ الأَنْمَاطِيُّ: تُوُفِّيَ الكِنْدِيُّ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، سَادِسَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَأَمَّهُم عَلَيْهِ قَاضِي القُضَاةِ جَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، ثُمَّ
__________
(1) الهنيدة: اسم للمئة الابل خاصة.(22/40)
أَمَّهُم بِظَاهِرِ بَابِ الفَرَادِيْسِ: شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ جَمَالُ الدِّيْنِ الحَصِيْرِيُّ، ثُمَّ أَمَّ بِالجَبَلِ: مُوَفَّقُ الدِّيْنِ شَيْخُ الحَنْبَليَّةِ، وَشَيَّعَهُ الخَلْقُ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةٍ لَهُ، وَعُقِدَ لَهُ العَزَاءُ تَحْتَ النَّسْرِ (1) يَوْمَيْنِ.
29 - ابْنُ حَوْطِ اللهِ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الأَنْصَارِيُّ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، مُحَدِّثُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ حَوْطِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، الحَارِثِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الأُنْدِيُّ، أَخُو الحَافِظِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى: أَبِيْهِ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ هُذَيْلٍ بَعْضَ (الإِيْجَازِ (2)) فِي قِرَاءةِ وَرْشٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ (3) ، وَالسُّهَيْلِيِّ (4) ، وَابنِ الجَدِّ (5) ، وَابْنِ زَرْقُوْنَ (6) ، وَابْنِ بَشْكُوَالَ، وَخَلْقٍ.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَأَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيُّ مِنْ دِمَشْقَ.
__________
(1) يعني قبة النسر بجامع دمشق الأموي.
(*) المرقبة العليا للنباهي: 112، والتكملة لابن الابار: 2 / 883 - 885 والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة 1445، وتاريخ الإسلام، الورقة: 193 (باريس: 1582) وتذكرة الحفاط: 4 / 1397 - 1399، وبغية الوعاة: 2 / 44، وشذرات الذهب: 5 / 50، ونفح الطيب: 2 / 1165.
(2) هو كتاب " ايجاز البيان " لأبي عمرو الداني، وقد سمع من ابن هذيل النصف الأول منه.
(3) عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله بن حبيش.
(4) عبد الرحمان بن عبد الله السهيلي.
(5) أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد.
(6) أبو عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون.(22/41)
رَوَى شَيْئاً كَثِيْراً، وَأَلَّفَ كِتَاباً فِي رِجَالِ الكُتُبِ الخَمْسَةِ: خَ م د ت س (1) .
وَكَانَ مُنشِئاً، خَطِيْباً، بَلِيْغاً، شَاعِراً، نَحْويّاً، تَصَدَّرَ لِلْقِرَاءاتِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَأَدَّبَ أَوْلاَدَ المَنْصُوْرِ بِمَرَّاكُش، وَنَالَ عِزّاً وَدُنْيَا وَاسِعَةً، وَوَلِيَ قَضَاءَ قُرْطُبَةَ وَأَمَاكِنَ، وَحُمِدَ.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
30 - العِزُّ ابْنُ الحَافِظِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ الجَمَّاعِيْليُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ المُفِيْدُ، الرَّحَّالُ، عِزُّ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ تَقِيِّ الدِّيْنِ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ الجَمَّاعِيْليُّ، المَقْدِسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الصَّالِحِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
مَوْلِدُهُ: بِالدَّيْرِ الصَّالِحِيِّ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ.
وَارْتَحَلَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيلَ، وَنَصْرِ اللهِ القَزَّاز، وَمَنْ بَعْدَهُمَا.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: نَاصِحِ الإِسْلاَمِ ابْنِ المَنِّيِّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي الصَّقْرِ، وَالخَضِرِ بنِ طَاوُوْسٍ،
__________
(1) كتبها المؤلف بالرقوم وهي: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
وقال ابن الابار: نزع فيه منزع أبي نصر الكلاباذي "، لم يكمله.
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 73 (باريس: 5921) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1501، وذيل الروضتين: 99، وتلخيص مجمع الآداب: 4 / الترجمة: 436، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1401 - 1402، وتاريخ الإسلام، الورقة: 117 - 119 (أيا صوفيا: 3011 بخطه) ، والمختصر المحتاج: 1 / 82، والوافي بالوفيات: 3 / 266 - 267، والبداية والنهاية: 13 / 74، وذيل طبقات الحنابلة: 2 / 90 - 92، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 357 - 358، والنجوم الزاهرة: 5 / 56 - 57، وشذرات الذهب: 5 / 56 - 57، والتاج المكلل: 225.(22/42)
وَأَقدَمُ شَيْخٍ لَهُ: أَبُو الفَهْمِ بنُ أَبِي العَجَائِزِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْنَا مِنْهُ وَبِقِرَاءتِهِ كَثِيْراً، وَكَتَبَ كَثِيْراً، وَحَصَّلَ الأُصُوْل، وَاسْتَنسَخَ، وَكَانَ يُعِيرُنِي الأُصُوْلَ، وَيُفِيدُنِي، وَيَتَفَضَّلُ إِذَا زُرْتُهُ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ مَتْناً وَإِسْنَاداً، عَارِفاً بِمَعَانِيهِ وَغَرِيْبِهِ، مُتْقِناً لِلأَسْمَاءِ مَعَ ثِقَةٍ وَعِدَالَةٍ، وَأَمَانَةٍ وَدِيَانَةٍ، وَكيس وَتَودُّدٍ، وَمُسَاعِدَةٍ لِلْغُربَاءِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: كَانَ حَافِظاً، فَقِيْهاً، ذَا فُنُوْنٍ، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ قِرَاءةً وَأَسْرَعَهَا، وَكَانَ غَزِيْرَ الدَّمعَةِ عِنْدَ القِرَاءةِ، ثِقَةً، مُتْقِناً، سَمْحاً، جَوَاداً.
قُلْتُ: وَارْتَحَلَ بِأَخِيْهِ أَبِي مُوْسَى، فَسَمِعَا بِأَصْبَهَانَ مِنْ: مَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، وَعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغَدِيِّ، وَأَبِي المَكَارِمِ اللَّبَّانِ، وَعِدَّةٍ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: سَافَرَ العِزُّ مَعَ عَمِّهِ الشَّيْخِ العِمَادِ، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ عَشرَ سِنِيْنَ، فَاشْتَغَلَ بِالفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالخِلاَفِ، وَكَانَ يَقرَأُ لِلنَّاسِ الحَدِيْثَ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ بِمَسْجِدِ دَارِ بطِّيْخٍ، ثُمَّ انتَقَلَ إِلَى الجَامِعِ، إِلَى مَوْضِعِ أَبِيْهِ، فَكَانَ يَقرَأُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَطُلِبَ إِلَى المَلِكِ المُعَظَّمِ، فَقَرَأَ لَهُ فِي (المُسْنَدِ) عَلَى حَنْبَلٍ (1) وَأَحَبَّهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي المَجْلِسِ بِالجَامِعِ، وَطَلَبَ مِنْهُ مَكَاناً لِلْحَنَابِلَةِ بِالقُدْسِ، فَأَعْطَاهُ مَهْدَ عِيْسَى، وَكَانَ يُسَارِعُ إِلَى الخَيْرِ، وَإِلَى مَصَالِحِ الجَمَاعَةِ، وَكَانَ لاَ يَكَادُ بَيْتُهُ يَخلُو مِنَ الضُّيُوفِ.
ثُمَّ سَرَدَ لَهُ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ عِدَّةَ مَنَامَاتٍ رُؤِيَتْ لَهُ، تَدُلُّ عَلَى فَوزِهِ.
وَقَدْ رَثَاهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ.
وَمَاتَ: فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
(1) حنبل بن عبد الله الواسطي ثم البغدادي الرصافي المكبر المتوفى سنة 604.(22/43)
وَحَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالقُوْصِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ.
وَسَمِعنَا بِإِجَازَتِهِ عَلَى أَبِي حَفْصٍ ابْنِ القَوَّاسِ، وَخَطُّهُ كَبِيْرٌ مَلِيحٌ رَشِيقٌ، لِي جَمَاعَةُ أَجزَاءٍ بِخَطِّهِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَصَاحِبُ حَلَبَ المَلِكُ الظَّاهِرُ، وَالقَاضِي ثِقَةُ المُلْكِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَلِّي المِصْرِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الزُّهْرِيُّ الإِشْبِيْلِيُّ صَاحِبُ شُرَيْحٍ، وَالصَّائِنُ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الدِّمْيَاطِيُّ.
31 - ابْنُ وَاجِبٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ القَيْسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الخَطَّابِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ وَاجِبِ بنِ عُمَرَ بنِ وَاجِبٍ القَيْسِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، البَلَنْسِيُّ، المَالِكِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَجَاز لَهُ: القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، وَالحَافِظُ يُوْسُفُ ابْنُ الدَّبَّاغِ، وَلَحِقَ أَبَا مَرْوَانَ بنَ قُزْمَانَ فَسَمِعَ مِنْهُ، وَأَكْثَرَ عَنْ جَدِّهِ وَعَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ - وَتَلاَ عَلَيْهِ - وَأَبِي الحَسَنِ بنِ النِّعْمَةِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الفَرَسِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ بَشْكُوَالَ، وَابْنِ زَرْقُوْنَ، وَعِدَّةٍ.
قَرَأْت فِي (فَهْرَسَةٍ) عَلَيْهَا خَطُّ أَبِي الخَطَّابِ بنِ وَاجِبٍ: تَلَوْتُ
__________
(*) التكملة لابن الابار: 1 / 106 - 108، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1543، وتاريخ الإسلام، الورقة: 121 - 122 (أيا صوفيا: 3011) وشذرات الذهب: 5 / 57.(22/44)
(بِالتَّيْسِيْر) وَقَرَأْتُهُ، وَلَمْ أَقْرَأْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الإِدغَامِ الكَبِيْرِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ هُذَيْلٍ، وَقَرَأْت عَلَيْهِ (إِيْجَازَ البَيَانِ) ، وَ (التَّلْخِيْصَ) ، وَ (المُحْتَوَى) ، وَعِدَّةَ كُتُبٍ فِي القِرَاءاتِ لِلدَّانِيِّ.
وَسَمِعْتُ عَلَيْهِ: كِتَابَ (جَامِعِ البَيَانِ) ، وَكِتَابَ (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) لَهُ، وَكَانَ وَقتُ تِلاَوَتِي عَلَيْهِ يَمْتَنِعُ مِنَ الإِقْرَاءِ بِالإِدْغَامِ الكَبِيْرِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ الأَبَّارِ (1) : هُوَ حَامِلُ رَايَةِ الرِّوَايَةِ بِشَرقِ الأَنْدَلُسِ، حَصَّلَ العَرَبِيَّةَ عَلَى ابْنِ النِّعْمَةِ، وَكَانَ مُتْقِناً، ضَابِطاً، مُتَقلِّلاً مِنَ الدُّنْيَا، عَالِيَ الإِسْنَادِ، وَرِعاً، قَانِتاً، تَعلُوْهُ خَشْيَةٌ لِلمَوَاعِظِ، مَعَ عِنَايَةٍ كَامِلَةٍ بِصِنَاعَةِ الحَدِيْثِ، وَبصرٍ بِهِ، وَذِكْرٍ لِرِجَالِهِ، وَمُحَافِظَةٍ عَلَى نَشْرِهِ، وَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيْهِ، وَلِيَ قَضَاءَ بَلَنْسِيَةَ وَشَاطِبَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَجَمَعَ مِنْ كُتُبِ الحَدِيْثِ وَالأَجزَاءِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَرُزِقتُ مِنْهُ قَبُولاً، وَبِهِ اخْتِصَاصاً، فَمُعْظَمُ رِوَايَتِي قَدِيماً عَنْهُ، تُوُفِّيَ بِمَرَّاكُش، فِي رِحْلَتِهِ إِلَيْهَا لاسْتِدْرَارِ جَارٍ (2) لَهُ مِنْ بَيْتِ المَالِ انْقَطَعَ، فَتُوُفِّيَ فِي سَادِسِ رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَكْثَر عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُشليون، وَمُحَمَّدُ بنُ جوبر، وَابْنُ عَمِّيْرَةَ المَخْزُوْمِيُّ، وَابْنُ مَسْدِيّ المُجَاوِرُ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ (3) -رَحِمَهُ اللهُ-.
32 - ابْنُ جُبَيْرٍ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكِنَانِيُّ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرٍ الكِنَانِيُّ،
__________
(1) التكملة: 1 / 106 - 108، بتصرف.
(2) في الأصل: " جاري ".
(3) وهو ابن سبع وسبعين سنة، إذ مولده ببلنسية سنة 537، ذكر ذلك ابن الابار.
(*) زاد المسافر للتجيبي: 72، والتكملة لابن الابار: 2 / 598، وعقود الجمان لابن =(22/45)
البَلَنْسِيُّ، ثُمَّ الشَّاطِبِيُّ، الكَاتِبُ البَلِيْغُ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ؛ الإِمَامِ الرَّئِيْسِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الأَصِيْلِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَيْشِ المُقْرِئِ صَاحِبِ أَبِي دَاوُدَ، وَحَمَلَ عَنْهُ القِرَاءاتِ.
وَلَهُ إِجَازَة أَبِي الوَلِيْدِ ابْنِ الدَّبَّاغِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ.
نَزَلَ غَرْنَاطَةَ مُدَّةً، ثُمَّ حَجَّ، وَرَوَى بِالثَّغْرِ وَبِالقُدْسِ.
قَالَ الأَبَّارُ: عُنِيَ بِالآدَابِ، فَبَلَغَ فِيْهَا الغَايَةَ، وَبَرَعَ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَدُوِّنَ شِعرُه، وَنَال دُنْيَا عَرِيضَةً، وَتَقدَّمَ، ثُمَّ زَهِدَ، لَهُ ثَلاَثُ رِحلاَتٍ إِلَى المَشْرِقِ (1) ، مَاتَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: الزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالكَمَالُ الضَّرِيْرُ، وَأَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ المِلَنْجِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ الخَلِيْلِيّ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدْ سَمِعَ بِمَكَّةَ مِنَ المَيَانَجِيِّ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ.
وَمِنْ نَظْمِهِ:
تَأَنَّ فِي الأَمْرِ لاَ تَكُنْ عَجِلاً ... فَمَنْ تَأَنَّى أَصَابَ أَوْ كَادَا
وَكُنْ بِحَبْلِ الإِلَهِ مُعْتَصِماً ... تَأْمَنُ مِنْ بَغْيِ كَيْدِ مَنْ كَادَا
__________
= الشعار: 6 / الورقة: 63 - 67، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1550، وتاريخ الإسلام، الورقة: 132 (أيا صوفيا 3011) ، ومعرفة القراء، الورقة: 188، والاحاطة لابن الخطيب: 2 / 168، وغاية النهاية: 2 / 60، وذيل التقييد للفاسي، الورقة: 4 - 5، والنجوم الزاهرة: 6 / 214، وجذوة الاقتباس: 172، ونفح الطيب: 1 / 515 - 575، وشذرات الذهب: 5 / 60 - 61.
وهو صاحب الرحلة الفائقة المطبوعة المشهورة.
(1) كانت الرحلة الأولى في أواخر سنة 578، ثم الثانية ابتدأها في تاسع ربيع الأول سنة 585، أما الثالثة فكانت سنة 601.(22/46)
فَكَمْ رَجَاهُ فَنَالَ بُغْيَتَهُ ... عَبْدٌ مُسِيْءٌ لِنَفْسِهِ كَادَا
وَمَنْ تَطُلْ صُحْبَةُ الزَّمَانِ لَهُ ... يَلْقَ خُطُوْباً بِهِ وَأَنْكَادَا
33 - العِمَادُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيٍّ المَقْدِسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، الفَقِيْهُ، بَرَكَةُ الوَقْتِ، عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو إِسْحَاقَ (1) إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ سُرُوْرٍ المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْليُّ، نَزِيْلُ سَفْحِ قَاسِيُوْنَ، وَأَخُو الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ.
وُلِدَ: بِجَمَّاعِيْلَ، سَنَةَ (2) 543، وَهَاجَرُوا بِهِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، وَلَهُ ثَمَانِ سِنِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنِ عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ، وَأَبِي المَعَالِي بنِ صَابِرٍ.
وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ (3) مِنْ: صَالِحِ ابْن الرّخلَةِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَشُهْدَةَ، وَعَبْدِ الحَقِّ، وَعِدَّةٍ، وَبِالمَوْصِلِ مِنْ أَبِي الفَضْلِ الخَطِيْبِ.
وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى: ابْنِ المَنِّيِّ، وَتبصَّرَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ،
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 261 (باريس 5921) ، ومرآة الزمان: 8 / 586 - 592، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1564، وذيل الروضتين: 104 - 105، وتلخيص مجمع الآداب: 4 / الترجمة: 937، وتاريخ الإسلام، الورقة: 122 - 126 (أيا صوفيا: 3011) ، والمختصر المحتاج: 1 / 231، والوافي بالوفيات: 5 / الورقة: 48، والبداية والنهاية: 13 / 77، وذيل طبقات الحنابلة: 6 / 93 - 106، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 371 - 372، والنجوم الزاهرة: 6 / 220، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 82، وشذرات الذهب: 5 / 53 - 60، والتاج المكلل: 227 225.
(1) وأبو إسماعيل، ذكر ذلك المنذري.
(2) وقال المنذري: سنة أربع وأربعين وخمس مئة.
(3) ببغداد.(22/47)
وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ زَيْنِ الأُمَنَاءِ، وَوَلَدُهُ؛ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ العِمَادِ، وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالشَّمْسُ مُحَمَّدُ ابْنُ الكَمَالِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: كَانَ لَيْسَ بِالآدَمِ (1) كَثِيْراً، وَلاَ بِالطَّوِيْلِ، وَلاَ بِالقَصِيْرِ، وَاسِعَ الجَبْهَةِ، مَعرُوْقَ الجَبِيْنِ، أَشهَلَ العَيْنِ، قَائِمَ الأَنْفِ، يَقُصُّ شَعْرَهُ، وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ، سَافَرَ إِلَى بَغْدَادَ مَرَّتَيْنِ، وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَ (غَرِيْبَ) العُزَيْرِيِّ (2) - فِيْمَا قِيْلَ - وَحَفِظَ الخِرَقِيَّ، وَأَلقَى الدَّرسَ مِنَ (التَّفْسِيْرِ) ، وَمِنَ (الهِدَايَةِ) ، وَاشْتَغَلَ فِي الخِلاَفِ، شَاهَدتُهُ يُنَاظِرُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَكَانَ عَالِماً بِالقِرَاءاتِ وَالنَّحْوِ وَالفَرَائِضِ، قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيِّ، وَأَقرَأ بِهَا، وَصَنَّفَ (الفُرُوْقَ فِي المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ) ، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الأَحكَامِ لَمْ يُتِمَّهُ، وَلاَ كَانَ يَتفرَّغُ لِلتَّصْنِيفِ مِنْ كَثْرَةِ اشتِغَالِهِ وَإِشْغَالِهِ، أَقَامَ بِحَرَّانَ مُدَّةً، فَانْتَفَعُوا بِهِ، وَكَانَ يَشغَلُ بِالجبَلِ إِذَا كَانَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ بِالمَدِيْنَةِ، فَإِذَا صَعِدَ المُوَفَّقُ، نَزَلَ هُوَ وَأَشْغَلَ (3) ، فَسَمِعْتُ الشَّيْخَ المُوَفَّقَ يَقُوْلُ:
مَا نَقدِرُ نَعمَلُ مِثْلَ العِمَادِ، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَرُبَّمَا كَرَّرَ عَلَى الطَّالِبِ مِنْ سَحَرٍ إِلَى الفَجْرِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ يَجلِسُ فِي جَامِعِ البَلَدِ مِنَ الفَجْرِ إِلَى العِشَاءِ، لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ لِحَاجَةٍ، يُقْرِئُ القُرْآنَ وَالعِلْمَ، فَإِذَا فَرَغُوا، اشْتَغَلَ بِالصَّلاَة، فَسَأَلْتُ الشَّيْخَ مُوَفَّقَ الدِّيْنِ عَنْهُ، فَقَالَ:
كَانَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِنَا، وَأَعْظَمِهِم
__________
(1) الآدم من الناس: الأسمر.
(2) بالعين المهملة وزاي ثم ياء آخر الحروف وبعد راء مهملة ثم ياء النسبة، وقال الذهبي في المشتبه: " العزيزي: غريب القرآن المختصر، هكذا قد سار في الآفاق، وصوابه: العزيري: زاي ثم راء بلا شك " (ص: 459) .
(3) يعني في المدينة.(22/48)
نَفْعاً، وَأَشَدِّهِم وَرَعاً، وَأَكْثَرِهِم صَبْراً عَلَى التَّعْلِيْمِ، وَكَانَ دَاعِيَةً إِلَى السُّنَّةِ، أَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يُعلِّمُ الفُقَرَاءَ، وَيُقْرِئُهُم، وَيُطْعِمُهُم، وَيَتَوَاضَعُ لَهُم، كَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ تَوَاضُعاً، وَاحْتِقَاراً لِنَفْسِهِ، وَخَوْفاً مِنَ اللهِ، مَا أَعْلَمُ أَنَّنِي رَأَيْتُ أَشدَّ خَوْفاً مِنْهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ للهِ، يُطِيلُ السُّجُوْدَ وَالرُّكُوْعَ، وَلاَ يَقبَلُ مِمَّنْ يَعْذُلُهُ، وَنُقِلَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: لَمْ أَرَ أَحَداً أَحْسَنَ صَلاَةً مِنْهُ وَلاَ أَتَمَّ، بِخُشُوْعٍ وَخُضُوْعٍ، قِيْلَ: كَانَ يُسبِّحُ عَشْراً يَتَأَنَّى فِيْهَا، وَرُبَّمَا قَضَى فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ صَلَوَاتٍ عِدَّةٍ، وَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً، وَيُفْطِر يَوْماً، وَكَانَ إِذَا دَعَا، كَانَ القَلْب يَشْهَدُ بِإِجَابَة دُعَائِهِ مِنْ كَثْرَةِ ابْتِهَالِهِ وَإِخْلاَصِهِ، وَكَانَ يَمضِي يَوْمَ الأَرْبعَاءِ إِلَى مَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيْرِ عِنْدَ الشُّهَدَاء، فَيَدْعُوا وَيَجْتَهِدُ سَاعَةً طَوِيْلَةً.
وَمِنْ دُعَائِهِ المَشْهُوْرِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَقْسَانَا قَلْباً، وَأَكْبَرِنَا ذَنْباً، وَأَثْقَلِنَا ظَهْراً، وَأَعْظَمِنَا جُرْماً.
وَكَانَ يَدْعُو: يَا دَلِيلَ الحَيَارَى، دُلَّنَا عَلَى طَرِيْقِ الصَّادِقِيْنَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِيْنَ.
وَكَانَ إِذَا أَفْتَى فِي مَسْأَلَة، يَحتَرِزُ فِيْهَا احتِرَازاً كَثِيْراً.
قَالَ (1) : وَأَمَّا زُهْدُهُ، فَمَا أَعْلَم أَنَّهُ أَدخَلَ نَفْسَه فِي شَيْءٍ مِنْ أَمر الدُّنْيَا، وَلاَ تَعرَّضَ لَهَا، وَلاَ نَافَسَ فِيْهَا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى سُلْطَانٍ وَلاَ وَالٍ، وَكَانَ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللهِ، ضَعِيْفاً فِي بدنه، لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم، أَمَّاراً بِالمَعْرُوف، لاَ يَرَى أَحَداً يُسِيْءُ صَلاَتَهُ، إِلاَّ قَالَ لَهُ (2) وَعَلَّمَهُ.
__________
(1) الكلام كله للشيخ الضياء.
(2) في الأصل: " وله " وليس بشيء.(22/49)
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَتَى فُسَّاقاً، فَكَسَرَ مَا مَعَهُم، فَضَرَبُوهُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ الوَالِي ضَرْبَهُم، فَقَالَ: إِنْ تَابُوا وَلاَزمُوا الصَّلاَةَ، فَلاَ تُؤْذِهِم، وَهُم فِي حِلٍّ، فَتَابُوا.
قَالَ الضِّيَاءُ: سَمِعْتُ خَالِي مُوَفَّقَ الدِّيْنِ يَقُوْلُ:
مِنْ عُمُرِي أَعْرِفُهُ -يَعْنِي: العِمَادَ- مَا عَرَفْتُ أَنَّهُ عَصَى اللهَ مَعْصِيَةً.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ مَحَاسِنَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ (1) يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخُ العِمَادُ جَوْهَرَةَ العَصرِ.
ثُمَّ قَالَ الضِّيَاءُ: أَعْرفُ وَأَنَا صَغِيْرٌ أَنَّ جَمِيْعَ مَنْ كَانَ فِي الجَبَلِ يَتَعَلَّمُ القُرْآنَ كَانَ يَقرَأُ عَلَى العِمَادِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ يَبعثُ بِالنَّفَقَةِ سِرّاً إِلَى النَّاسِ، وَيَأْخُذُ بِقَلْبِ الطَّالِبِ، وَلَهُ بِشْرٌ دَائِمٌ.
وَحَدَّثَنِي (2) الشَّيْخُ المُقْرِئُ عَبْدُ اللهِ بنُ حَسَنٍ الهَكَّارِيُّ بِحَرَّانَ، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَائِلاً يَقُوْلُ لِي: العِمَادُ مِنَ الأَبْدَالِ، فَرَأَيْتُ خَمْسَ لَيَالٍ كَذَلِكَ.
وَسَمِعْتُ التَّقِيَّ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ ابْن الحَافِظِ (3) يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الشَّيْخَ العِمَادَ فِي النَّوْمِ عَلَى حِصَانٍ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي الشَّيْخَ، إِلَى أَيْنَ؟
قَالَ: أَزُورُ الجَبَّارَ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ فِي (المِرْآةِ (4)) : كَانَ الشَّيْخُ العِمَادُ يَحضُرُ مَجْلِسِي
__________
(1) التنوخي.
(2) القول للحافظ الضياء.
(3) عبد الغني المقدسي.
(4) 8 / 588 587.(22/50)
دَائِماً، وَيَقُوْلُ:
صَلاَحُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ فَتَحَ السَّاحِلَ، وَأَظهَرَ الإِسْلاَمَ، وَأَنْتَ (1) يُوْسُفُ أَحيَيتَ السُّنَّةَ (2) بِالشَّامِ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (3) : يُشير أَبُو المُظَفَّرِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يُورد فِي الوَعْظِ كَثِيْراً مِنْ كَلاَمِ جَدِّهِ (4) وَمِنْ خُطَبِهِ مَا يَتَضمَّنُ إِمْرَارَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَمَا صَحَّ مِنَ الأَحَادِيْثِ عَلَى مَا وَردَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى تَأْوِيْلٍ وَلاَ تَشْبِيهٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمَشَايِخُ الحَنَابِلَةِ العُلَمَاءُ هَذَا مُخْتَارُهُم، وَهُوَ جَيِّدٌ، وَشَاهَدتُ العِمَادَ مُصَلِّياً فِي حَلْقَةِ الحَنَابِلَةِ مِرَاراً، وَكَانَ مُطِيلاً لأَرْكَانِ الصَّلاَةِ قِيَاماً وَرُكُوْعاً وَسُجُوداً، كَانَ يُصَلِّي إِلَى جُرَانتين (5) ، ثُمَّ عَمِلَ المِحْرَابَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: تُوُفِّيَ العِمَادُ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - لَيْلَةَ الخَمِيْسِ، سَابِعَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَشَاءَ الآخِرَةِ، فَجْأَةً، وَكَانَ صَلَّى المَغْرِبَ بِالجَامِعِ وَكَانَ صَائِماً، فَذَهَبَ إِلَى البَيْتِ، وَأَفطَرَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ، وَلَمَّا أُخْرِجَتْ جِنَازَته، اجْتَمَعَ خَلْقٌ، فَمَا رَأَيْتُ الجَامِعَ إِلاَّ كَأَنَّهُ يَوْمُ الجُمُعَةِ مِنْ كَثْرَةِ الخَلْقِ، وَكَانَ الوَالِي يَطْرُدُ الخَلْقَ عَنْهُ، وَازْدَحَمُوا حَتَّى كَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَهْلِكَ، وَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَكْثَرَ خَلْقاً مِنْهَا.
وَحُكِي عَنْهُ: أَنَّهُ لَمَّا جَاءهُ المَوْتُ جَعَلَ يَقُوْلُ:
يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيْثُ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَتَشَهَّدَ.
__________
(1) تصحيف في المطبوع من المرآة إلى " وابن ".
(2) كلمة " السنة " سقطت من النسخة التي طبعت عليها " المرآة "، وحاول المصحح استدراكها فما نجح.
(3) ذيل الروضتين: 105.
(4) أبو الفرج عبد الرحمان ابن الجوزي.
(5) الجرانة: حجر منقور.(22/51)
قَالَ: وَزَوْجَاتُهُ أَرْبَعٌ، مِنْهُنَّ: غَزِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ البَاقِي، وَلَدَتْ لَهُ: قَاضِي مِصْرَ شَمْسَ الدِّيْنِ، وَالعِمَادَ أَحْمَد.
34 - ابْنُ الجَلاَجِلِيِّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ البَغْدَادِيُّ *
التَّاجِرُ، الرَّئِيْسُ، المُقْرِئُ، كَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ الجَلاَجِلِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ أَبِي شَرِيْكٍ، وَابْنِ البَطِّيِّ.
وَتَلاَ بِرِوَايَاتٍ عَلَى: أَبِي الحَسَنِ البَطَائِحِيِّ، وَأَبِي السَّعَادَاتِ الوَكِيْلِ؛ تِلْمِيْذِ أَبِي البَرَكَاتِ الوَكِيْلِ.
وَسَمِعَ مِنَ: السِّلَفِيِّ، وَجَال مِنْ مِصْرَ إِلَى الهِنْدِ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِي التِّجَارَةِ، وَكَانَ صَادِقاً، كَيِّساً، مُحْتَشِماً، حُفَظَةً لِلْحِكَايَاتٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، وَابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ الزَّيْنِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعِدَّةٌ.
تُوُفِّيَ: فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (1) وَسِتِّ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 91 (شهيد علي) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1425، ذيل الروضتين: 99، وتاريخ الإسلام، الورقة: 195 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج 1 / 100 - 101، والبداية والنهاية: 13 / 74، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 395، والنجوم الزاهرة: 6 / 215، وشذرات الذهب: 5 / 53.
وعرف بابن الجلاجلي لان جده كان حسن الصوت بالقرآن، ذكر ذلك المنذري نقلا عن شيخه علي بن المفضل المقدسي، أما الذي قاله محققو كتاب " النجوم الزاهرة " من أنه منسوب إلى جلاجل من جبال الدهناء، فلا وجه له من الصحة.
(1) ذكره أبو شامة في وفيات سنة 613 وتابعه على ذلك ابن كثير والعيني، والاول أصح، وهو الذي قال به ابن الدبيثي ومن تبعه، وهو أعلم بأهل بلده.(22/52)
35 - ابْنُ الصَّيْقَلِ مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الهَاشِمِيُّ *
الشَّرِيْفُ، أَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الهَاشِمِيُّ، ابْنُ الصَّيْقَلِ.
سَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ الطَّرَائِفِيِّ، وَالأُرْمَوِيِّ (1) .
وَعَنْهُ: الدُّبَيْثِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالمِقْدَادُ القَيْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَوَلِيَ نَقَابَةَ العَبَّاسِيِّيْنَ بِالكُوْفَةِ، وَوَلِيَ حِجَابَةَ بَابِ النُّوْبِيِّ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى (2) ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
36 - يَحْيَى بنُ يَاقُوْتٍ أَبُو الفَرَجِ الفَرَّاشُ **
الشَّيْخُ، أَبُو الفَرَجِ الفَرَّاشُ.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ ابْنَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ تَوْبَةَ، وَيَحْيَى ابْنَ الطَّرَّاحِ، وَابْنَ عَبْدِ السَّلاَمِ (3) ، وَجَاوَرَ، وَرَتَّبَ شَيْخاً بِالحَرَمِ وَمِعْمَاراً (4) .
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَوْدُوْدٍ نَزِيْلُ مِصْرَ، وَعِدَّةٌ.
__________
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1401، وتاريخ الإسلام، الورقة: 106 (أيا صوفيا: 3011) ، وشذرات الذهب: 5 / 53.
(1) أبو الفضل محمد بن عمر.
(2) في السادس عشر منه، كما ذكر المنذري.
(* *) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1406، وتاريخ الإسلام، الورقة: 106 (أيا صوفيا 3011) ، والمختصر المحتاج، الورقة: 129، والنجوم الزاهرة: 6 / 214، وشذرات الذهب: 5 / 53.
(3) أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام.
(4) لذلك عرف بالحرمي أيضا.(22/53)
ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ (1) ، وَبِهَا مَاتَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ (2) ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ سِنٍّ عَالِيَةٍ (3) .
37 - ابْنُ مُجَلِّي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الرَّمْلِيُّ *
الإِمَامُ، القَاضِي، ثِقَةُ الملكِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ ابْنُ القَاضِي الإِمَامِ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَلِّي بنِ حُسَيْنٍ الرَّمْلِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الخَطِيْبُ.
سَمِعَ: ابْنَ رِفَاعَةَ (4) ، وَأَبَا الفُتُوْحِ الخَطِيْبَ (5) ، وَنَاب فِي القَضَاءِ (6) .
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً (7) .
رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَشَرَفُ الدِّيْنِ عُمَرُ بنُ صَالِحٍ السُّبْكِيُّ، وَمُحَمَّدُ ابْن الخِيَمِيّ الشَّاعِرُ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) من مكة المكرمة.
(2) في الثامن والعشرين منه.
(3) كان مولده سنة 525، كما ذكر المنذري.
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1511، وتاريخ الإسلام، الورقة: 201 (باريس 1582) ، وذيل التقييد للفاسي، الورقة: 178.
ولفظ " المجلي " قيده المنذري في التكملة، فقال: بضم الميم وفتح الجيم وتشديد اللام وكسرها.
(4) أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي.
(5) ناصر بن الحسن بن إسماعيل الزيدي.
(6) بمصر وبجيزة الفسطاط.
(7) ولد سنة 541 كما ذكر المنذري، فيكون عمره اثنتين وسبعين سنة.(22/54)
38 - الزُّهْرِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الإِشْبِيْلِيُّ *
مُسْنِدُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الزُّهْرِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
سَمِعَ (البُخَارِيَّ) مِنْ: أَبِي الحَسَنِ شُرَيْحِ بنِ مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) ، وَعُمِّرَ، وَتَفَرَّدَ، وَتَنَافَسُوا فِي الأَخْذِ عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ سَيِّدِ النَّاسِ الحَافِظُ.
تُوُفِّيَ: فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ (2) .
وَقِيْلَ (3) : بَقِيَ إِلَى سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَلَمْ يَصِحَّ.
وَشَيخُهُ يَرْوِي الصَّحِيْحَ عَنْ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الحَافِظِ.
39 - عَبْدُ السَّلاَمِ ابْنُ الفَقِيْهِ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيُّ **
الرُّكْنُ، أَبُو
__________
(*) التكملة لابن الابار: 3 / الورقة: 15 (مجلد الأزهر) ، وتاريخ الإسلام، الورقة: 113 (أيا صوفيا 3011) .
(1) سمعه حضورا بإفادة أبيه، فمولده قبيل الثلاثين وخمس مئة.
(2) ذكر ذلك ابن الابار نقلا عن صاحبه أبي بكر ابن سيد الناس.
(3) الذي قال ذلك هو ابن مسدي في معجمه، كما ذكر المؤلف في حاشية بخطه في " تاريخ الإسلام ".
(* *) الكامل لابن الأثير: 12 / 126، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 142 (باريس 5922) ، ومرآة الزمان: 8 / 571، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1348، وذيل الروضتين: 88، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 122، وتاريخ الإسلام، الورقة: 188 - 187 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه، الورقة: 76، وفوات الوفيات: 1 / 571، والبداية والنهاية: 13 / 68، والذيل لابن رجب: 2 / 71 - 73، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 346 - 349، وقلائد التاذفي: 45، وشذرات الذهب: 5 / 45 - 46 والتاج المكلل: 223.(22/55)
مَنْصُوْرٍ، الفَاسِدُ العَقيدَةِ، الَّذِي أُحرِقَتْ كُتُبُه، وَكَانَ خِلاًّ لِعَلِيِّ ابْنِ الجَوْزِيِّ يَجْمَعهُمَا عَدَمُ الوَرَعِ!
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ، وَابْنِ البَطِّيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرّبِ، وَمَا سَمِعُوا مِنْهُ شَيْئاً.
دَرَّسَ بِمَدْرَسَةِ جَدِّهِ، وَوَلِيَ أَعْمَالاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: ظَهَرَ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ بتَخيُّرِ الكَوَاكِبِ وَمُخَاطَبَتِهَا بِالإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّهَا مُدبِّرَةٌ، فَأُحضِرَ، فَقَالَ: كَتَبتُهُ تَعجُّباً لاَ مُعْتَقِداً، فَأُحرِقَتْ مَعَ كُتُبِ فَلسَفِيَّةٍ بِخَطِّهِ فِي مَلأٍ عَظِيْمٍ، سَنَةَ 588، وَأُعْطِيَتْ مَدَارِسُه لابْنِ الجَوْزِيِّ، فَهَذَا كَانَ السَّبَبَ فِي اعتِقَالِ ابْنِ الجَوْزِيِّ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ بِوَاسِطَ؛ وَلِيَ وَزِيْرٌ شِيْعِيٌّ، فَمكَّنَ الرُّكْنَ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، وَبَعدَ سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ أُعِيدَ إِلَى الرُّكْنِ الْمدَارِس، ثُمَّ رتّب عَمِيداً بِبَغْدَادَ، وَمُسْتَوْفِياً لِلمكس، وَتَمَكَّنَ، فَظَلَمَ وَعَسَفَ، ثُمَّ حُبِسَ وَخَمَلَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ ظَرِيفاً، لَطِيفَ الأَخْلاَقِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَاسِدَ العَقِيدَةِ.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
40 - السَّائِحُ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ الهَرَوِيُّ *
الزَّاهِدُ، الفَاضِلُ، الجَوَّالُ، الشَّيْخُ، عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ الهَرَوِيُّ، الَّذِي طَوَّفَ
__________
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترحمة: 1368، وتكملة ابن الصابوني: 205 - 206، ووفيات الأعيان: 3 / 346 - 348، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 122، وتاريخ الإسلام، الورقة: 94 (أيا صوفيا 3011) ، والمشتبه: 345، والوافي بالوفيات: 12 / الورقة: 13، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 350، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 61، وشذرات الذهب: 5 / 49، ونهر الذهب للغزي: 2 / 293.(22/56)
غَالِبَ المَعْمُور، وَقَلَّ أَنْ تَجِدَ مَوْضِعاً مُعْتَبَراً إِلاَّ وَقَدْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَيْهِ.
مَوْلِدُهُ: بِالمَوْصِلِ، وَاسْتَوْطَنَ فِي الآخِر حَلَبَ، وَلَهُ بِهَا رِبَاطٌ.
وَجَمَعَ تَوَالِيفَ وَفَوَائِدَ وَعَجَائِبَ.
وَكَانَ حَاطِبَ لَيْلٍ، دَخَلَ فِي السِّحْرِ وَالسِّيمِيَاءِ، وَنفقَ عَلَى الظَّاهِر صَاحِبِ حَلَبَ، فَبَنَى لَهُ مَدْرَسَةً، فَدرَّسَ بِهَا، وَخَطَبَ بِظَاهِرِ حَلَبَ، وَكَانَ غَرِيْباً مُشَعْوِذاً، حُلْوَ المُجَالَسَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : كَادَ أَنْ يُطبِقَ الأَرْض بِالدَّوَرَانِ بَرّاً وَبَحْراً وَسَهْلاً وَوَعْراً، حَتَّى ضُرِبَ بِهِ المَثَلُ، فَقَالَ ابْنُ شَمْسِ الخِلاَفَةِ فِي رَجُلٍ (2) :
أَوْرَاقُ كِذْبَتِهِ (3) فِي بَيْتِ كُلِّ فَتَىً ... عَلَى اتِّفَاقِ مَعَانٍ وَاخْتِلاَفِ رَوِي
قَدْ طَبَّقَ الأَرْضَ مِنْ سَهْلٍ إِلَى جَبَلٍ ... كَأَنَّهُ خَطُّ ذَاكَ السَّائِحِ الهَرَوِيّ
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (4) : كَانَ عَارِفاً بِأَنْوَاعِ الحِيَلِ وَالشَّعْبَذَةِ، أَلَّفَ خُطَباً وَقدَّمهَا لِلنَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ، فَوَقَّعَ لَهُ بِالحُسبَةِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ، فَبقِيَ لَهُ شَرَفٌ بِهَذَا التَّوقِيعِ مَعَهُ، وَلَمْ يُباشرْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْ عَبْدِ المُنْعِمِ ابْنِ الفُرَاوِيِّ سُبَاعِيَّاتِهِ.
وَرَأَيْتُ لَهُ كِتَاب المَزَارَاتِ وَالمَشَاهِدِ الَّتِي عَايَنَهَا (5) ، وَدَخَلَ إِلَى جَزَائِرِ الفِرَنْجِ، وَكَادَ أَنْ يُؤْسَرَ.
وَقَبرُهُ فِي قُبَّةٍ بِمَدْرَسَتِهِ بِظَاهِرِ حَلَبَ.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ.
__________
(1) وفيات الأعيان: 3 / 346 - 347.
(2) كان يستجدي الناس بأوراقه.
(3) في وفيات الأعيان: كديته.
(4) مفرج الكروب:
(5) اسمه: " الاشارات إلى معرفة الزيارات "، وهو مطبوع مشهور.(22/57)
41 - ابْنُ الصَّبَّاغِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُمَيْدٍ الصَّعِيْدِيُّ *
الشَّيْخُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُمَيْد ابْن الصَّبَّاغِ الصَّعِيْدِيُّ.
انتَفَعَ بِهِ خَلقٌ، وَكَانَ حَسَنَ التَّربِيَةِ لِلمُرِيْدِين، يَتفقَّدُ مَصَالِحهم الدِّينِيَّةَ، وَلَهُ أَحْوَالٌ وَمَقَامَاتٌ وَتَأَلُّهٌ.
قَالَ الحَافِظُ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ: اجْتَمَعْتُ بِهِ بِقَنَا (1) ، وَتُوُفِّيَ بِهَا، وَهِيَ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ، فِي نِصْفِ شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
42 - ابْنُ البَنَّاءِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهُوْبٍ البَغْدَادِيُّ **
الشَّيْخُ، الزَّاهِدُ، العَالِمُ، نُوْرُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي المَعَالِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهُوْبِ بنِ جَامِعِ بنِ عَبْدُوْنَ البَغْدَادِيُّ، الصُّوْفِيُّ، ابْنُ البَنَّاءِ.
صَحِبَ الشَّيْخَ أَبَا النَّجِيْبِ (2) .
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ نَاصِرٍ، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُوزُرِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَنَصْرِ بنِ نَصْرٍ، وَعِدَّةٍ.
__________
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة 1417، وتاريخ الإسلام، الورقة: 103 (أيا صوفيا: 3011) ، ودول الإسلام: 2 / 87، والوافي بالوفيات: 12 / الورقة: 56، والنجوم الزاهرة: 6 / 215، وحسن المحاضرة: 1 / 245 وقلائد التاذفي: 130 - 131، وشذرات الذهب: 5 / 52 - 53.
(1) وذلك سنة 606.
(* *) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 56 (شهيد علي) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1438، وتلخيص مجمع الآداب: 4 / الترجمة: 2362 ثم أعاده في الترجمة 2364، وتاريخ الإسلام، الورقة: 195 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 61 - 62، والعقد الثمين: 2 / 9291 ونقل من مشيخة الرشيد العطار، والنجوم الزاهرة: 6 / 215، وشذرات الذهب: 5 / 53.
(2) السهروردي.(22/58)
وَحَدَّثَ: بِمَكَّةَ، وَمِصْرَ (1) ، وَالشَّامِ، وَبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ بلكويه، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالقُطْبُ الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ البُخَارِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لِشَيخِنَا: عُمَرُ ابْنُ القَوَّاسِ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (2) : شَيْخٌ حَسَنٌ كَيِّسٌ، صَحِبَ الصُّوْفِيَّةَ، وَتَأَدَّبَ بِهِم، وَسَمِعَ كَثِيْراً، وَقَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ زَمَاناً، ثُمَّ تَوجَّهَ إِلَى مِصْرَ، ثُمَّ إِلَى دِمَشْقَ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنْ أَعيَانِ الصُّوْفِيَّةِ وَأَحْسَنِهِم شَيْبَةً وَشَكلاً لاَ يَمَلُّ جَلِيسُهُ مِنْهُ.
مَاتَ: فِي مُنْتَصَفِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِالسُّمَيْسَاطِيَّةِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ أَجزَاءً عَدِيدَةً.
43 - المِلَنْجِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي القَاسِمِ *
المُحَدِّثُ المُفِيْدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي القَاسِمِ المِلَنْجِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، القَطَّانُ، المُؤَدِّبُ (3) .
__________
(1) قال المنذري في " التكملة ": " سمعت منه بمكة شرفها الله تعالى سنة ست وست مئة، ثم قدم علينا مصر سنة سبع وست مئة ونزل بالخانقاه السعيدية بالقاهرة، وحدث بها، وسمعت منه بها ".
(2) ذيل تاريخ مدينة السلام، الورقة: 56 (شهيد علي) .
(*) معجم البلدان: 4 / 638، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 132 (باريس 5921) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1405، وتاريخ الإسلام، الورقة: 106 (أيا صوفيا 3011) ، والمختصر المحتاج: 1 / 129، وتاج العروس 2 / 102.
(3) تصحف في " معجم البلدان " إلى: " المؤذن ".(22/59)
وُلِدَ: نَحْوَ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ الحَمامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي نَصْرٍ بنِ هَاجَرَ، وَحَجَّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُفَضَّلِ الحَافِظُ - وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَالحَافِظُ الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَجَاز: لابْنِ البُخَارِيِّ.
وَكَانَ حَافِظاً، مُكْثِراً، مُكرِماً لِلطَّلبَةِ، ذَا مُرُوءةٍ، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَمِلَنْجَةَ: مَحلَّةٌ، أَوْ قَرْيَةٌ مِنْ أَصْبَهَانَ.
44 - ابْنُ ظَافِرٍ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ ظَافِرِ بنِ الحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ *
صَاحِبُ كِتَابِ (الدُّوَلِ المُنْقَطِعَةِ (1)) ، العَلاَّمَةُ البَارِعُ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابْنُ العَلاَّمَةِ أَبِي المَنْصُوْرِ ظَافِرِ بنِ الحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ، الأُصُوْلِيُّ، المُتَكَلِّمُ، الأَخْبَارِيُّ.
أَخَذَ الفِقْهَ وَالكَلاَمَ عَنْ أَبِيْهِ، وَجَوَّدَ العَرَبِيَّةَ، وَشَاركَ فِي الفَضَائِلِ.
وَكَانَ فَطِناً، طَلِقَ العِبَارَةِ، سَيَّالَ الذِّهنِ، جَيِّدَ التَّصَانِيْفِ، درَّسَ بِمَدْرَسَةِ المَالِكِيَّةِ بِمِصْرَ بَعْدَ وَالِدِه، وَترسَّلَ إِلَى الخَلِيْفَةِ، وَوَزَرَ لِلمَلِكِ الأَشْرِفِ
__________
(*) إرشاد الاريب لياقوت: 5 / 228، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1482، وتاريخ الإسلام، الورقة (أيا صوفيا 3011) والوافي بالوفيات: 11 / الورقة: 77 - 79، وفوات الوفيات: 2 / 106، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 80.
(1) قال بشار: نسخة معروفة في دور الكتب لكنه لم يطبع بعد، وقد رأيت نسخة منه بدار التحف البريطانية وعلقت منها فوائد عند رحلتي إليها في سنة 1383، وقد تكلم فيه على الدولة الساجية، والطولونية، والاخشيدية، والعبيدية، والصنهاجية، والعباسية بالرغم من أنها لم تكن قد انقطعت في زمانه، وهذه النسخة محفوظة برقم 3685 شرقي.(22/60)
مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِصْرَ، وَوَلِيَ وَكَالَةَ السُّلْطَانِ، وَلَهُ كِتَابُ (الدُّوَلِ المُنْقَطِعَةِ) ، فَأَتَى فِيْهِ بِنفَائِس، وَلَهُ كِتَابُ (بَدَائِعِ البَدَائِهِ (1)) ، وَكِتَابُ (أَخْبَارِ الشَّجْعَانِ) ، وَ (أَخْبَارِ آلِ سَلْجُوْقٍ) ، وَكِتَابُ (أَسَاسِ السِّيَاسَةِ) ، وَلَهُ نَظْمٌ حَسنٌ.
أَخَذَ عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَأَقْبَلَ فِي الآخَرِ عَلَى الحَدِيْثِ، وَأَدمَنَ النَّظَرَ فِيْهِ.
عَاشَ: ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ (2) .
45 - ابْنُ صَاحِبِ الأَحْكَامِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الأَنْصَارِيُّ *
العَدْلُ، العَالِمُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الأَنْصَارِيُّ، الغَرْنَاطِيُّ.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، فُجَاءةً، مِنْ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قَالَ الأَبَّارُ: رَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ شُرَيْحِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الحَكَمِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ غَشَلْيَانَ، وَابْن رِضَى -يَعْنِي: إِجَازَةً-.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي:
__________
(1) مطبوع مشهور.
(2) في ليلة النصف من شعبان منها، وذكر ذلك المنذري.
(*) التكملة لابن الابار: 2 / 597 - 598، وتاريخ الإسلام، الورقة: 133 (أياصوفيا 3011) .(22/61)
هُوَ أَحَدُ الأَعْلاَمِ بِبِلاَدِه، قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ خَلَفِ بنِ يَبْقَى، وَأَجَاز لَهُ: ابْنُ العَرَبِيِّ.
قُلْتُ: لابْنِ غَشَلْيَانَ إِجَازَةٌ مِنَ الخِلَعِيِّ، وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ صَاحِبِ الأَحْكَامِ هَذَا لأَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الطَّنْجَالِيِّ شَيْخِ أَثِيْرِ الدِّيْنِ أَبِي حَيَّانَ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِي: سَمِعْتُ مِنْهُ أَجزَاءً، وَأَخَذَ عِلمَ الوَثَائِقِ عَنْ خَالِهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى البَكْرِيِّ.
ابْنُ مَسْدِي: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ سَنَةَ 611، أَخْبَرْنَا ابْنُ يَبْقَى، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ الغَسَّانِيُّ بِالقَيْرَوَانِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ القَابِسِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ مِسْكِيْنٍ، حَدَّثَنَا سحْنُوْن، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بِحَدِيْث، ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَسْدِي: هَذَا أَعْلَى الأَسَانِيْدِ إِلَى القَابِسِيِّ.
قُلْتُ: صَدقَ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَقَطَ رَجُلٌ؟!
46 - الجَاجَرْمِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي الفَضْلِ السَّهْلِيُّ *
العَلاَّمَةُ، مُصَنِّفُ (الكِفَايَةِ (1)) ، أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي الفَضْلِ السَّهْلِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مُعِيْنُ الدِّيْنِ، مُفْتِي نَيْسَابُوْرَ.
وَلَهُ كِتَاب (إِيْضَاحِ الوَجِيْزِ) ، مُجَلَّدَانِ.
تَخرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ.
__________
(*) وفيات الأعيان: 4 / 256، وتاريخ الإسلام، الورقة: 117 (أيا صوفيا: 3011) ، والعبر: 5 / 46، وطبقات السبكي: 5 / 19، وشذرات الذهب: 5 / 56.
(1) قال ابن خلكان: " وهو في غاية الايجاز مع اشتماله على أكثر المسائل التي تقع في الفتاوى وهوفي مجلد واحد ".(22/62)
وَمَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَبُليدَةُ جَاجَرْمَ: بَيْنَ جُرْجَانَ وَنَيْسَابُوْرَ.
47 - أَبُو تُرَابٍ يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي تُرَابٍ الكَرْخِيُّ *
الفَقِيْهُ، أَبُو تُرَابٍ يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي تُرَابٍ الكَرْخِيُّ، اللَّوْزِيُّ (1) ، الشَّافِعِيُّ، الرَّافضِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: أَبِي الحَسَنِ ابْنِ الخَلِّ.
وَسَمِعَ مِنَ: الأُرْمَوِيِّ، وَالكَرُوْخِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَحَدَّثَ: بِدِمَشْقَ، وَبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ الخَلِيْلِ، وَالقُوْصِيُّ، فَقَالَ القُوْصِيُّ: أَخْبَرَنَا المُفْتِي قَوَامُ الدِّيْنِ يَحْيَى مُعِيْدُ العِمَاد الكَاتِب، أَخْبَرْنَا ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (2) : دَخَلتُ عَلَيْهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَرَأَيْتُهُ مُختلاًّ؛ زَعَمَ أَنَّ المَلاَئِكَةَ تَنزِلُ عَلَيْهِ بِثِيَابٍ خُضْرٍ، فِي هَذَيَانٍ طَوِيْلٍ، وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ كَانَ إِذَا ضَجِرَ لَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ (التِّرْمِذِيّ) يَشتمهُم بِفُحشٍ.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ هِلاَلَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي تُرَابٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 125 - 126، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة:، 1548 وتاريخ الإسلام، الورقة: 214 (باريس 1582) ، وطبقات الاسنوي، الورقة: 148، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 169.
(1) نسبة إلى محلة اللوزية، محلة مشهورة كانت بشرقي بغداد.
(2) التقييد، الورقة: 126.(22/63)
أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنَ المَغْرِبِ. فَبَكَى، وَقَالَ: لاَ رَضِيَ اللهُ عَنْ صَلاَحِ الدِّيْنِ، ذَاكَ فَسَادُ الدِّيْنِ، أَخرجَ الخُلَفَاءَ مِنْ مِصْرَ ... ، وَجَعَلَ يَسُبُّهُ، فَقُمْتُ.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ (1) ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
48 - البَنْدَنِيْجِيُّ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ *
الحَافِظُ، مُفِيْدُ بَغْدَادَ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ كَرَمٍ البَنْدَنِيْجِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، المُعَدَّلُ، أَخُو المُحَدِّثِ تَمِيْمٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ المَادِحِ، وَهَلُمَّ جَرَّا.
وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازِلَ، وَبَالَغَ عَنْ غَيْرِ إِتْقَانٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالزَّكِيُّ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَاليَلْدَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَلَهُ عِنَايَةٌ بِالأَسْمَاءِ، وَنَظَرٌ فِي العَرَبِيَّةِ، وَكَانَ فَصِيْحاً، طَيِّبَ القِرَاءةِ، امْتُحِنَ بِأَنْ شَهِدَ فِي سِجلٍّ بَاطِلٍ، فَصُفِعَ عَلَى حِمَارٍ، وَحُبِسَ مُدَّةً فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَخَمَلَ.
__________
(1) في الثالث عشر منه، كما صرح المنذري في " التكملة ".
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 161 (باريس 5921) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1622، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة: 215 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج: 1 / 173، والوافي بالوفيات: 5 / الورقة: 114 - 115، وذيل طبقات الحنابلة: 2 / 108 - 109، وغاية النهاية: 1 / 37 - 38، والنجوم الزاهرة: 6 / 226، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، الورقة: 2، وشذرات الذهب: 5 / 62، والتاج المكلل: 227 - 228.
(2) في شهر ربيع الأول منها، كما ذكر ابن الدبيثي والمنذري.(22/64)
وَكَانَ أَخُوْهُ تَمِيْمٌ قَدِ اسْتَجَازَ لِلإِمَامِ النَّاصِرِ جَمَاعَةً، فَأَظهرَ الإِجَازَةَ، فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَ فِي أَخِيْهِ، وَأَنَّهُ مَا شَهِدَ بِزُوْرٍ مَحْضٍ، بَلْ رَكنَ إِلَى قَوْلِ القَاضِي مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ العَبَّاسِيِّ (1) ، وَأَنَّ الأُسْتَاذَ دَارَ ابْنَ يُوْنُسَ تَعصَّبَ عَلَيْهِ، فَأَعَادَهُ النَّاصِرُ إِلَى العَدَالَةِ، وَقَبِلَهُ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الدَّامَغَانِيِّ بِلاَ تَزْكِيَةٍ (2) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكُنْتُ أَرَاهُ كَثِيْرَ التَّحَرِّي، لاَ يُسَامِحُ فِي حَرْفٍ.
قَالَ: وَمَعَ هَذَا، فَكَانَتْ أُصُوْلُه مُظْلِمَةً، وَكَذَا خَطُّهُ وَطِبَاقُهُ، وَكَانَ سَاقِطَ المُرُوءةِ، وَسِخَ الهَيْئَةِ، يَدُلُّ حَالُهُ عَلَى تَهَاوُنِهِ بِالأُمُوْرِ الدِّيْنِيَّةِ، وَتُحْكَى عَنْهُ قَبَائِحُ، فَسَأَلْتُ شَيْخَنَا ابْنَ الأَخْضَرِ عَنْهُ وَعَنْ أَخِيْهِ، فَصَرَّحَ بِكَذِبِهِمَا.
أَخُوْهُ:
- أَبُو القَاسِمِ تَمِيْمُ بنُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ الأَزَجِيُّ
مُفِيْدُ الجَمَاعَةِ، كَانَ أَصْغَرَهُمَا.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ (3) .
__________
(1) توفي سنة 595 وهو الذي كان قاضي القضاة آنذاك.
(2) معتمدا تزكيته الأولى التي قبل بها سنة 576، كما في تاريخ ابن الدبيثي.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 67 - 68، وإكمال الإكمال، الورقة: 40 (ظاهرية) ، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 287 (باريس 5921) ، والتكملة للمنذري: 1 / الترجمة: 592، والجامع المختصر لابن الساعي: 9 / 57 - 58، وتاريخ الإسلام، الورقة: 97 (باريس 1582) ، والعبر: 4 / 297، والمختصر المحتاج: 1 / 267، والذيل لابن رجب: 1 / 399، ولسان الميزان: 2 / 71 - 72، والنجوم الزاهرة: 6 / 180، وشذرات الذهب: 4 / 329.
(3) ذكر المنذري أنه ولد سنة 544 أو 545 فروايته الأخيرة على التمريض، وذكر ابن رجب أنه ولد سنة 543 تقريبا ونقل ذلك عن أبي الحسن القطيعي صاحب تاريخ بغداد، وقال ابن النجار فيما نقل ابن رجب أيضا: قرأت بخطه: قال: ولدت في رجب سنة أربع وأربعين وخمس مئة.(22/65)
وَسَمِعَ كَأَخِيْهِ مِنِ: ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَهِبَة اللهِ الشِّبْلِيِّ، وَمَنْ بَعْدَهُم.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَأَفَادَ الغُربَاءَ، وَكَانَ خَبِيْراً بِالمَرْوِيَّات وَبِالشُّيُوْخِ، وَلَهُ فَهْمٌ، وَلَيْسَ بِذَاكَ المُتْقِنِ.
رَوَى عَنْهُ: الدُّبَيْثِيُّ، وَاليَلْدَانِيُّ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، كَهْلاً.
وَمَاتَ الأَوَّلُ: شَيْخاً، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
49 - عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُفَرِّجِ بنِ حَاتِمِ بنِ حَسَنِ بنِ جَعْفَرٍ المَقْدِسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفْتِي، الحَافِظُ الكَبِيْرُ المُتْقِنُ، شَرَفُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ ابْنُ القَاضِي الأَنْجَبِ أَبِي المَكَارِمِ المَقْدِسِيُّ، ثُمَّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، المَالِكِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِالثَّغْرِ عَلَى: الفَقِيْهِ صَالِحِ ابْنِ بِنْتِ مُعَافَى، وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ السَّلاَمِ بنِ عَتِيْقٍ السَّفَاقُسِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ أَحْمَدَ بنِ المُسَلَّمِ اللَّخْمِيِّ.
وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ (1) ، وَسَمِعَ مِنْهُم، وَمِنَ الحَافِظ أَبِي طَاهِرٍ
__________
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1354، ووفيات الأعيان: 3 / 290 - 292، وتاريخ الإسلام، الورقة: 93 - 94 (أيا صوفيا 3011) ، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1390 - 1392، والعبر: 5 / 38 - 39، ودول الإسلام: 2 / 86، وترجمه الصفدي مرتين في الوافي بالوفيات الأولى باسم علي بن الانجب (12 / 1 / الورقة 11 / 12) والثانية باسم علي بن المفضل (12 / 1 الورقة: 207 - 209) ، والبداية والنهاية: 13 / 68، والنجوم الزاهرة: 6 / 212، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 62 - 63، وحسن المحاضرة: 1 / 165، وشذرات الذهب: 47 - 48، والتاج المكلل: 82.
(1) يعني مذهب الامام مالك بن أنس.(22/66)
السِّلَفِيّ، وَلَزِمَه سَنَوَاتٍ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَانقطَعَ إِلَيْهِ، وَأَسمَعَ وَلَدَهُ مُحَمَّداً مِنْهُ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنَ: القَاضِي أَبِي عُبَيْدٍ نِعْمَةَ بنِ زِيَادَةِ اللهِ الغِفَارِيِّ؛ حَدَّثَهُ بِأَكْثَرِ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) ، عَنْ عِيْسَى بنِ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيِّ ثُمَّ السَّرْوِيِّ (1) ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ (لِلصَّحِيْحِ) سِوَى قِطعَةٍ مِنْ آخِرِهِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: بَدْرٍ الخُذَادَاذِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خَلَفِ اللهِ المُقْرِئِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّيٍّ النَّحْوِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ الكَامِلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الرَّحْبِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ بِالثَّغْرِ وَمِصْرَ وَالحَرَمَيْنِ.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَتَصَدَّرَ لِلإِشْغَالِ، وَنَابَ فِي الحُكمِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ مُدَّةً، ثُمَّ درَّسَ بِمَدْرَسَتِهِ الَّتِي هُنَاكَ مُدَّةً، ثُمَّ إِنَّهُ تَحَوَّلَ إِلَى القَاهِرَةِ، وَدرَّسَ بِالمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا الصَّاحِبُ ابْنُ شُكْرٍ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ.
وَكَانَ مُقَدَّماً فِي المَذْهَبِ، وَفِي الحَدِيْثِ؛ لَهُ تَصَانِيْفُ مُحرَّرَةٌ، رَأَيْتُ لَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ كِتَابَ (الصِّيَامِ) بِالأَسَانِيْدِ، وَلَهُ (الأَرْبَعُوْنَ فِي طَبَقَاتِ الحُفَّاظِ) ، وَلَمَّا رَأَيْتُهَا، تَحَرَّكتْ هِمَّتِي إِلَى جَمْعِ الحُفَّاظِ وَأَحْوَالِهِم.
وَكَانَ ذَا دِيْنٍ وَوَرَعٍ وَتَصَوُّنٍ وَعَدَالَةٍ وَأَخلاَقٍ رَضِيَّةٍ وَمُشَاركَةٍ فِي الفَضْلِ قَوِيَّةٍ.
ذَكَرَهُ تِلْمِيْذُهُ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيُّ، وَبَالَغَ فِي تَوقِيْرِهِ وَتَوْثِيْقِهِ، وَقَالَ (2) :
رَحَلَ إِلَى مِصْرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَسَمِعَ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ
__________
(1) منسوب إلى سراة بني شبابة، وهو أبو مكتوم عيسى ابن الحافظ أبي ذر عبد الرحمان بن أحمد الهروي ثم السروي الحجازي المشهور برواية " صحيح البخاري " عن أبيه أبي ذر، وتوفي سنة 497 كما في العبر والشذرات وغيرهما في سنة وفاته.
(2) التكملة: 2 / الترجمة 1354 بتصرف.(22/67)
الرَّحْبِيَّ ... ، وَسَمَّى جَمَاعَةً، وَكَانَ مُتوَرِّعاً، حَسَنَ الأَخْلاَقِ، جَامِعاً لِفنُوْنٍ، انْتَفَعتُ بِهِ كَثِيْراً.
قُلْتُ: لَوْ كَانَ ارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ وَالمَوْصِلِ، لَلَحِقَ جَمَاعَةَ مُسْنَدِيْنَ، وَمَتَى خَرَجَ عَنِ السِّلَفِيِّ، نَزَلَتْ رِوَايَتُهُ، وَقَلَّتْ.
أَجَاز لَهُ مِنَ المَغْرِب: مُسْنِدُ وَقْتِهِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ حُنَيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ، قَالَ بَعْضُ الفُضَلاَءِ لِمَا مَرُّوا بِنَعْشِهِ: رَحِمَك الله أَبَا الحَسَنِ، قَدْ كُنْتَ أَسْقَطْتَ عَنِ النَّاس فُرُوضاً - يُرِيْدُ: لِنُهُوضِهِ بِفنُوْنٍ مِنَ العِلْمِ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُنْذِرِيُّ، وَالرَّشِيْدُ الأُرْمَوِيُّ، وَزَكِيُّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيُّ، وَمَجْدُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ وَهْبٍ القُشَيْرِيُّ، وَالعَلَمُ عَبْدُ الحَقِّ ابْن الرَّصاصِ، وَالشَّرَفُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ نَصْرٍ الفِهْرِيُّ اللُّغَوِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ بلكويه الصُّوْفِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عُثْمَانَ القَابِسِيُّ المُحْتَسِبُ، وَالجَمَالُ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الهَوَارِيّ، وَالقَاضِي شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو حَفْصٍ السُّبْكِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُرْتَضَى بنِ أَبِي الجُوْدِ، وَالشِّهَابُ إِسْمَاعِيْلُ القُوْصِيُّ، وَالنَّجِيْبُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّفَاقُسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الخَالِقِ بنِ طَرْخَانَ الأُرْمَوِيُّ، وَالمُحْيِي عَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ الدَّمِيْرِيِّ، وَعِدَّةٌ.
وَرَوَى لِي عَنْهُ بِالإِجَازَةِ يُوْسُفُ ابْن القَابِسِيِّ: لَمْ أُدْرِكْ أَحَداً سَمِعَ مِنْهُ فِي رِحلَتِي.
قَالَ زَكِيُّ الدِّيْنِ المُنْذِرِيُّ: تُوُفِّيَ فِي مُسْتَهَلِّ شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ المُقَطَّمِ.(22/68)
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ فِيْهَا: شَيْخُ الحَنَابِلَةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَعَالِي بنِ غَنِيْمَةَ البَغْدَادِيُّ ابْنُ الحَلاَوِيِّ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَمُسْنِدُ الأَنْدَلُسِ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي المُطَرِّفِ بنِ جَرْجٍ القُرْطُبِيُّ وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً -سَمِعَ (سُنَنَ النَّسَائِيِّ) بِكَمَالِه مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيِّ عَالِياً - وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ ابْن القُرْطُبِيِّ الأَنْصَارِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، سَمِعَ ابْنَ الجَدِّ، وَالحَافِظُ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ البَلِّ الوَاعِظُ، وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ السَّائِحُ الهَرَوِيُّ.
وَمِنْ نَظْمِ ابْنِ المُفَضَّلِ (1) :
أَيَا نَفْسُ بِالمَأْثُوْرِ عَنْ خَيْرِ مُرْسَلٍ ... وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِيْنَ تَمَسَّكِي
عَسَاكِ إِذَا بَالَغْتِ فِي نَشْرِ دِينِهِ ... بِمَا طَابَ مِنْ نَشْرٍ لَهُ أَنْ تَمَسَّكِي
وَخَافِي غَداً يَوْمَ الحِسَابِ جَهَنَّماً ... إِذَا نَفَحَتْ نِيْرَانُهَا أَنْ تَمَسَّكِ
50 - ابْنُ القُرْطُبِيِّ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ البَارِعُ، الحُجَّةُ، النَّحْوِيُّ، المُحَقِّقُ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، المَالقِيُّ، المَشْهُوْرُ: بِابْنِ القُرْطُبِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَاختصّ بِأَبِي زَيْدٍ (2) السُّهَيْلِي، وَلاَزمهُ.
__________
(1) انظر وفيات ابن خلكان: 3 / 291.
(*) التكملة الابارية: 2 / 879 - 882، والتكملة المنذرية: 2 / 1379، وتاريخ الإسلام، الورقة 187 (باريس 1582) ، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1396 - 1397، وبغية الوعاة: 2 / 37، وشذرات الذهب: 5 / 48.
(2) وفي تاريخ الإسلام " بأبي القاسم " وكله صحيح، فإن عبد الرحمان بن عبد الله =(22/69)
وَسَمِعَ أَيْضاً: أَبَاهُ؛ الإِمَام أَبَا عَلِيٍّ، وَأَبَا بَكْرٍ بن الجَدِّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ زَرْقُوْنَ، وَأَبَا القَاسِمِ بن حُبَيْش، وَطَبَقَتهُم، فَأَكْثَر وَجَوَّد.
وَأَجَاز لَهُ: أَبُو مَرْوَانَ بنُ قُزْمَانَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ هُذَيْل، وَطَائِفَة، وَعنِي بِهَذَا الشَّأْن.
قَالَ الأَبَّارُ (1) : كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَة التَّامَّة بصنَاعَة الحَدِيْث وَالبصر بِهَا، وَالإِتْقَان، وَالحِفْظ لأَسْمَاء الرِّجَال، وَالتَّقَدُّم فِي ذَلِكَ، مَعَ المَعْرِفَة بِالقِرَاءات، وَالمشَاركَة فِي العَرَبِيَّة، وَقَدْ نُوْظِر عَلَيْهِ فِي (كِتَاب سِيْبَوَيْه) .
وَرِث برَاعَة الحَدِيْث عَنْ أَبِيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَد يُدَانِيه فِي الحِفْظِ وَالجرح وَالتعديل إِلاَّ أَفرَاد مِنْ عصره.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَوْط اللهِ: المُحَدِّثُونَ بِالأَنْدَلُسِ ثَلاَثَة:
أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ، وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِث، فَيَرَوْنَهُ عَنَى نَفْسه.
قُلْتُ: لَمْ يَكُنْ أَبُو القَاسِمِ المَلاَّحِيّ الحَافِظ بِدُونِهِمْ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ القُرْطُبِيّ ذَا عَظَمَة فِي النُّفُوْس عِنْد الخَاصَّة وَالعَامَّة، أَخَذَ النَّاس عَنْهُ، وَانتفعُوا بِهِ.
مَاتَ: بِمَالَقَة، خَطِيْباً بِهَا، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ (2) ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
= السهيلي المتوفى سنة 581 يكنى: أبا زيد، وأبا القاسم، وأبا الحسن، كما هو معروف في مصادر ترجمته، ومنها " تاريخ الإسلام " والشذرات.
(1) التكملة: 2 / 881.
(2) ذكر الابار أنه توفي فجر يوم السبت السابع من الشهر.(22/70)
51 - الرُّهَاوِيُّ عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، الجَوَّالُ، مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ القَادِرِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ (1) الرُّهَاوِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، السَّفَّارُ، مِنْ مَوَالِي بَعْضِ التُّجَّارِ.
وُلِدَ: بِالرُّهَا، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَنَشَأَ بِالمَوْصِلِ.
ثُمَّ أَعتقه مَوْلاَهُ، وَحُبّب إِلَيْهِ سَمَاع الحَدِيْث، وَلقِي بقَايَا المُسْنَدين، وَأَكْثَر عَنْهُم، وَتَمَيَّزَ، وَصَنَّفَ، وَكَانَ رَدِيء الكِتَابَة، لَمْ يُتْقِن وَضْعَ الخطّ.
سَمِعَ مِنْ: مَسْعُوْد بن الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، وَالحَسَن بن العَبَّاسِ الرُّسْتمِيّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَرَجَاء بن حَامِدٍ المَعْدَانِيّ، وَمَحْمُوْد بن عَبْدِ الكَرِيْمِ فُورجَة، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الصَّمَدِ بن مَرْدَوَيْه، وَمَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَإِسْمَاعِيْل بن شَهْرَيَار، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ عَبْد الرَّحِيْمِ الحَاجِّيّ (2) ، وَخَلْق
__________
(*) معجم البلدان: 2 / 877 وتصحف فيه اسمه إلى " عبد القاهر "، والتقييد لابن نقطة، الورقة: 146 - 147، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 187 (باريس: 5922) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1399، وذيل الروضتين: 90، وتاريخ الإسلام، الورقة: 193 (باريس 1582) ، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1387 - 1389، ودول الإسلام: 2 / 87، والاعلام بوفيات الاعلام، الورقة: 212، والمختصر المحتاج، الورقة: 85، والمستفاد للحسامي الدمياطي، الورقة: 50، ومرآة الجنان: 4 / 23، والبداية والنهاية: 13 / 69، وذيل طبقات الحنابلة: 2 / 86 82، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 353 - 354، والنجوم الزاهرة: 6 / 214، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 169، وشذرات الذهب: 5 / 50 - 51.
(1) كذا في الأصل، وفي تكملة المنذري والبداية لابن كثير: " عبد الرحمان " ولم نجد من ذكره هكذا، ولم يذكر المؤلف في جميع تواريخه الأخرى غير اسمه واسم أبيه، والظاهر أن " عبد الرحمان " هو الصواب.
(2) روى عنه كتاب " الوفيات " من تأليفه، وهو الذي نشرته بالاشتراك مع استاذي الدكتور أحمد ناجي القيسي ببغداد سنة 1966.(22/71)
بِأَصْبَهَانَ، وَعَبْد الجَلِيْل بن أَبِي سَعْدٍ المُعَدَّل بهَرَاة، وَهُوَ أَكْبَر شَيْخ لَهُ.
وَقَعَ حَدِيْث (1) البَغَوِيّ وَابْن صَاعِد عَالِياً، وَسَمِعَ بِهَمَذَانَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ طَاهِر بن مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر المَقْدِسِيّ، وَمُحَمَّد بن بُنَيْمَانَ، وَالحَافِظ أَبِي العَلاَءِ العَطَّار، وَطَائِفَة.
وَبِمَرْوَ مِنْ: مَسْعُوْد بن مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيّ، وَغَيْره.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ.
وَبسِجِسْتَان مِنْ: أَبِي عَرُوْبَةَ عَبْد الهَادِي بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزَّاهِد.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الرَّحْبِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَفَخْر النِّسَاءِ شُهْدَة، وَخَلْق.
وَبِوَاسِط مِنْ: هِبَة اللهِ بن مَخْلَد الأَزْدِيّ، وَأَبِي طَالِبٍ الكَتَّانِيّ.
وَبِالمَوْصِل مِنْ: خَطِيْبهَا أَبِي الفَضْلِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ ابْنِ الطُّوْسِيِّ، وَيَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيّ المُقْرِئ.
وَبِدِمَشْقَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ بَرَكَةَ الصِّلْحِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ عَلِيّ بن الحَسَنِ الحَافِظ.
وَبِالإِسْكَنْدَرِيَّة مِنَ: الحَافِظ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ.
وَبِمِصْرَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الرَّحْبِيّ، وَعَبْد اللهِ بن بَرِّيّ النَّحْوِيّ.
وَعَمِلَ (أَرْبَعِي البُلْدَان) المتبَاينَة الأَسَانِيْد وَلوَاحقهَا وَمتعلقَاتهَا، فَجَاءت فِي مُجَلَّدَيْنِ (2) دلّت عَلَى حِفْظِهِ وَنُبله، وَلَهُ فِيْهَا أَوهَام: تَكرّر عَلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ (3) ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحَيْرِيّ (4) ، وَجَمَعَ كِتَاباً كَبِيْراً سَمَّاهُ (المَادح وَالممدوح) فِيْهِ ترَاجم جَمَاعَة مِنَ الحُفَّاظِ وَالأَئِمَّة، أَصله تَرْجَمَة شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيّ.
ذكره: ابْن نُقْطَة، فَقَالَ (5) : كَانَ عَالِماً، ثِقَة، مَأْمُوْناً، صَالِحاً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ
__________
(1) هكذا في الأصل، وهو يعني: وقع له عنه حديث البغوي..الخ.
(2) في تاريخ الإسلام: " في مجلد ضخم ".
(3) أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، مشهور، وهو من رجال " التهذيب ".
(4) منسوب إلى جده بحير، وكان شيخا جليلا ثقة صدوقا توفي سنة 451، كما في أنساب السمعاني وغيره.
(5) التقييد، الورقة: 146.(22/72)
عسراً فِي الرِّوَايَة، لاَ يُكثر عَنْهُ إِلاَّ مَنْ أَقَامَ عِنْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو الحَجَّاجِ بن خَلِيْل: كَانَ حَافِظاً، ثَبْتاً، كَثِيْر السَّمَاع، كَثِيْر التَّصنِيف، مُتْقِناً، خُتِمَ بِهِ علمُ الحَدِيْث.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ (1) : كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً، رَاغِباً فِي الانْفِرَاد عَنْ أَربَاب الدُّنْيَا.
وَقَالَ شِهَاب الدِّيْنِ أَبُو شَامَةَ (2) : كَانَ صَالِحاً، مَهِيْباً، زَاهِداً، نَاسِكاً، خشن الْعَيْش، وَرِعاً.
وَأَثْنَى عَلَيْهِ ابْن النَّجَّارِ، وَعظّمه، وَتَرْجَمَه (3) .
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نُقْطَة، وَزَكِيّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيّ، وَضِيَاء الدِّيْنِ المَقْدِسِيّ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ النَّجَّار، وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن خَلِيْلٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الصَّرِيْفِيْنِيّ، وَشِهَاب الدِّيْنِ القُوْصِيّ، وَجمَال الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن سَالِمٍ الأَنْبَارِيّ، وَزَيْن الدِّيْنِ بن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَجمَال الدِّيْنِ يَحْيَى بن الصَّيْرَفِيّ، وَعَبْد اللهِ بن الوَلِيْدِ المُحَدِّثُ البَغْدَادِيّ، وَعَامِر القَلْعِيّ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الصَّيْقَلِ، وَخَلْق آخِرُهُم مَوْتاً المُعَمَّر العَلاَّمَة نَجْم الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ حَمْدَان، وَمَعَ فَضله وَحفظه فَغَيْرُه أَحْفَظ مِنْهُ وَأَتقن.
حَدَّثَ قَدِيْماً، وَوَلِيَ مَشْيَخَة الحَدِيْث (4) .
__________
(1) التكملة: 2 / الترجمة: 1399.
(2) ذيل الروضتين: 90.
(3) بقيت ترجمته فيما اختاره الحسامي الدمياطي في " المستفاد ".
(4) ولي مشيخة دار الحديث المظفرية بالموصل، وهي مما أنشئ قبل الكاملية بمصر فيرد
بذلك على من ادعى أن الكاملية كانت ثاني دار عملت للحديث بعد النورية (انظر التكملة المنذرية: 2 / الترجمة 1399) .(22/73)
وَتُوُفِّيَ: بِحَرَّانَ، فِي ثَانِي شَهْر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: شَيْخ الصّعيد الإِمَامُ القُدْوَةُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حُمَيْدٍ ابْن الصَّبَّاغ، وَمُسْنَد العِرَاق أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَعَالِي بن مَنِيْنَا، وَالشَّيْخ كَمَال الدِّيْنِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ ابْن الجَلاَجِلِيّ السَّفَّار، وَمُسْنَد مَكَّة يَحْيَى بن يَاقُوْت الفَرَّاش، وَالمُسْنَدُوْنَ بِبَغْدَادَ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بن الدَّبِيْقِيّ البَزَّاز، وَأَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ ابْن السَّبَّاك الصُّوْفِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ المَنْصُوْرِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بن سَعِيْدِ بنِ الصَّيْقَلِ الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ سُلَيْمَان بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيّ -رَحِمَهُمُ الله-.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا الحَافِظ عَبْد القَادِرِ بن عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّيَّان، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ السِّمْسَار، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّاجِر، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَذْعُور، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِر، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
أَتيت أَبَا بَكْرٍ أَسأله، فَمنعنِي، ثُمَّ أَتيته أَسْأَله، فَمنعنِي، فَقُلْتُ: إِمَّا أَنْ تَبخل، وَإِمَّا أَنْ تعطينِي.
فَقَالَ: أَتُبَخِّلنِي! وَأَيُّ دَاءٍ أَدوَأ مِنَ البُخْل؟! مَا أَتيتَنِي مِنْ مرَّة إِلاَّ وَأَنَا أُرِيْد أَنْ أَعْطيك أَلْفاً.
قَالَ: فَأَعْطَانِي أَلْفاً وَأَلفاً وَأَلفاً.
إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ أَبِي بَكْرٍ البُحْتُرِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن ركَاب المُعَلِّم:
أَخْبَرَكُمَا أَحْمَد بن عَبْدِ الدَّائِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْد الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ كُوْفِيّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ وَاقِدٍ الطَّائِيّ،(22/74)
حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ:
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت أَنَا وَيَتيم كَانَ عِنْدَنَا خلف رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمّ سُلَيم مِنْ وَرَائِنَا (1) .
52 - ابْنُ البَلِّ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ الدُّوْرِيُّ *
الإِمَامُ، الوَاعِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرِ بنِ البَلِّ الدُّوْرِيُّ.
وُلِدَ: بِالدُّور، مِنْ نوَاحِي دُجَيْل، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَاشْتَغَل، وَتَفنّن.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ بِالدّور فِي سَنَةِ 531، وَمِنِ: ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَسَعِيْد ابْن البَنَّاءِ، وَابْن نَاصِر، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ ابْن النَّجَّارِ، وَقَالَ: صَارَ شَيْخ الوعَّاظ، وَكثر لَهُ الْقبُول، وَوعظ عِنْد قَبْر مَعْرُوف، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْن الجَوْزِيِّ منَافرَات، وَلِكُلّ مِنْهُمَا متعصبُوْنَ وَأَتْبَاع، وَلَمْ يَزَلِ الدُّوْرِيّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ خَاصم وَلدُهُ غُلاَماً لأُمّ النَّاصِر، وَبدَا مِنَ الشَّيْخ مَا اشتدَّ بِهِ الأَمْر، فَمُنِعَ مِنَ الْوَعْظ، وَأُمِرَ بِلُزُوم بَيْته،
__________
(1) قال شعيب: ورواه البخاري في الصلاة (727) و (874) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وعبد الله بن محمد المسندي، ورواه النسائي في الصلاة عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان الزهري، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة، عن إسحاق، عن أنس بن مالك، قال: صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي وأم سليم خلفنا (وانظر تحفة الاشراف للمزي: 1 / 82)
(*) إكمال الإكمال لابن نقطة، الورقة: 41، والكامل لابن الأثير: 12 / 106، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 90 - 91 (شهيد علي 1870) ، وعقود الجمان لابن الشعار: 6 / الورقة: 89 - 91، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1357، وذيل الروضتين: 88، وتاريخ الإسلام، الورقة: " 189 (باريس: 1582) ، والمختصر المحتاج: 1 / 10، والوافي بالوفيات: 4 / 180 - 181، والذيل لابن رجب: 2 / 74 - 76، وتوضيح المشتبه، الورقة: 146 (سوهاج) ، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 349 - 350، وشذرات الذهب: 5 / 28.(22/75)
فَبقِي كَذَلِكَ إِلَى حِيْنَ وَفَاته، وَكَانَ فَاضِلاً، مُتَدَيِّناً، صَدُوْقاً، أَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
يَتُوبُ عَلَى يَدِي قَوْمٌ عُصَاةٌ ... أَخَافَتْهُم مِنَ البَارِي ذُنُوبُ
وَقَلْبِي مُظْلِمٌ مِنْ طٌولِ مَا قَدْ ... جَنَى فَأَنَا عَلَى يَدِ مِنْ أَتُوبُ؟
كَأَنِّيْ شَمْعَةٌ مَا بَيْنَ قَوْمٍ ... تُضِيءُ لَهُم وَيَحْرِقُهَا اللَّهِيبُ
كَأَنِّيْ مِخْيَطٌ يَكسُو أُنَاساً ... وَجِسْمِي مِنْ مَلاَبِسِه سَليبُ
مَاتَ: فِي ثَانِي عَشَر شَعْبَان، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ (1) بنُ الحُسَيْنِ ابْن البَلِّ المُجَلِّدُ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ قَبْله، سَمَّعَهُ مِنِ: ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَابْن نَاصِر، وَجَمَاعَة.
53 - العَمِيْدِيُّ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ، رُكْنُ الدِّيْنِ، صَاحِب (الجُسْتِ) وَالطَّرِيقَة، أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ - وَقِيْلَ: اسْمُه أَحْمَدُ - العَمِيْدِيُّ، السَّمَرْقَنْدِيُّ، الحَنَفِيُّ.
كَانَ مُبرزاً فِي الخلاَف وَالنَّظَر، وَهُوَ أَحَد الأَرْبَعَة الَّذِيْنَ اشتهرُوا مِنْ تَلاَمِذَة الرَّضِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ: هَذَا، وَالرُّكْن الطَّاوُوْسِيّ، وَالرُّكْن زَادَا، وَالرُّكْن فُلاَن - نَسِيْنَا اسْمَهُ -.
__________
(1) ترجمة ابن نقطة في إكماله، الورقة: 41 (ظاهرية) ، وابن الدبيثي في تاريخه الورقة: 138 - 139 (كيمبرج) ، والمنذري في تكملته: 2 / الترجمة: 1241، والذهبي في تاريخ الإسلام: 18 / 1 / 361، والمختصر المحتاج، الورقة: 86، وابن ناصر الدين في توضيحه لمشتبه الذ هبي، الورقة: 146 (سوهاج) .
(*) تكرر على المؤلف رحمه الله من غير أن يشعر إذ سيعيده بعد قليل في الطبقة نفسها بترجمة مختصرة عن هذه (الترجمة: 70) ، وقد ترجمه المؤلف في تاريخ الإسلام، الورقة: 145 (أيا صوفيا: 3011) ، والعبر: 5 / 57 كما ترجمته كتب طبقات الحنفية.(22/76)
وَصَنَّفَ العَمِيْدِيُّ (جُسْتَهُ) المَشْهُوْر، وَكِتَاب (الإِرْشَاد) ، وَاعْتَنَى بِشَرْحِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ أَحْمَد الخوئِي، وَالبَدْرُ المَرَاغِيّ الطَّوِيْل، وَأَوْحَد الدِّيْنِ الدُّوْنِيّ، وَنَجْم الدِّيْنِ ابْن المَرَندِيّ.
وَتَخَرَّجَ بِالعَمِيْدِيِّ الأَصْحَاب، مِنْهُم: نظَام الدِّيْنِ أَحْمَد ابْن الشَّيْخ جَمَال الدِّيْنِ مَحْمُوْد الحَصِيْرِيُّ، وَكَانَ طَيِّبَ الأَخْلاَقِ، مُتَوَاضِعاً.
مَاتَ: بِبُخَارَى، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَيْسَ عِلْمه مِنْ زَادِ المَعَادِ.
54 - القَاهِرُ مَسْعُوْدُ بنُ أَرْسَلاَنَ شَاه بنِ مَسْعُوْدٍ *
صَاحِبُ المَوْصِلِ، المَلِكُ القَاهِرُ، عِزُّ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ مَسْعُوْدُ ابْنُ السُّلْطَانِ أَرْسَلاَن شَاه بنُ مَسْعُوْدِ بنِ مَوْدُوْدِ بنِ زَنْكِي.
تَسَلَّطن بَعْد أَبِيْهِ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَهُوَ أَمرد، وَكَانَ ذَا كرمٍ وَحلمٍ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَخذته حمَّى، ثُمَّ فَارقته، ثُمَّ عَاودته بِقَيْء
__________
(*) سيرته مشهورة تناولته الكتب التاريخية المستوعبة لعصره، وله ترجمة في: الكامل لابن الأثير: 12 / 137 - 138، ومرآة الزمان: 8 / 601، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1590، وذيل الروضتين: 114، وتاريخ ابن العبري: 631، وتلخيص مجمع الآداب: 4 / الترجمة: 496 ثم عاد وترجمه في لقب القاهر (4 / الترجمة: 2700) ، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 125، وتاريخ الإسلام، الورقة: 221 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 55 - 56، ودول الإسلام: 2 / 88، والبداية والنهاية: 13 / 81، والسلوك للمقريزي: 1 / 1 / 201، والنجوم الزاهرة: 6 / 225، وتاريخ ابن الفرات، 9 / الورقة: 93، وشذرات الذهب: 5 / 62 - 63.(22/77)
كَثِيْر وَكرب متتَابع، ثُمَّ برد، ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَ حليماً، كَافّاً عَنِ الأَذَى، مُقْبِلاً عَلَى لذَّاته، تَأَلَّم النَّاس لِمَوْتِهِ، وَأَوْصَى بِالمُلْكِ إِلَى ابْنِهِ نُوْر الدِّيْنِ رسلاَن (1) شَاه، وَلَهُ عشر سِنِيْنَ، وَمُدبّر دَوْلَته بَدْر الدِّيْنِ لُؤْلُؤ، فَتعلّل مُدَّة، وَمَاتَ فِي العَامِ، فَأَقَامَ لُؤْلُؤ أَخَاهُ صغِيراً لَهُ ثَلاَث سِنِيْنَ، وَبَقِيَ هُوَ الكُلّ.
55 - ابْنُ سَيِّدِهِم أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيِّدِهِم بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ سَرَايَا الأَنْصَارِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، ابْنُ الهَرَّاسِ، الوَكِيْلُ، الجَابي.
سَمَّعَهُ وَالِده مِنْ: أَبِي الفَتْحِ نَصْر اللهِ المَصِّيْصِيّ، وَنَصْر بن مُقَاتِل.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ، وَالشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
56 - سِتُّ الشَّامِ خَاتُوْنُ **
أُخْتُ السَّلاَطِيْنِ، أَوْلاَدِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي، وَاقفَة
__________
(1) وتكتب أيضا بالالف: أرسلان.
(*) تكرر على المؤلف - رحمه الله تعالى - إذ سيعيد ترجمته بعد قليل في الطبقة نفسها باختلاف يسير (الترجمة: 66) ، ولابي الفضل هذا ترجمة في: تكملة المنذري: 2 / الترجمة: 1686، وتاريخ الإسلام، الورقة: 224 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 60، والنجوم الزاهرة: 6 / 246، وشذرات الذهب: 5 / 66.
(* *) مرآة الزمان: 8 / 606 - 607، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1711، وذيل الروضتين: 119، وتاريخ الإسلام، الورقة: 226 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 61، ودول الإسلام: 2 / 90، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة: 116، والبداية والنهاية: 13 / 84 - 85، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 168، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 400، والنجوم الزاهرة: 6 / 146، وشذرات الذهب: 5 / 67.(22/78)
المَدْرَسَتين، فَدُفنت بِالبَرَّانِيَة (1) .
لهَا برّ، وَصَدَقَات، وَأَمْوَالٌ، وَخَدَمٌ. وَهِيَ شَقِيْقَةُ المُعَظَّم تُوْرَانْشَاه.
تُوُفِّيَت: فِي ذِي القَعْدَةِ (2) ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
57 - ابْنُ حَمُّوَيْه مُحَمَّدُ بنُ عُمَر بنِ عَلِيٍّ الجُوَيْنِيُّ *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، صَدْرُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي الفَتْحِ عُمَرَ بنِ عَلِيّ ابْنِ العَارِفِ مُحَمَّدِ بنِ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ بجُوَين (3) ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ مَحْمُوْد بن عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيّ صَاحِب (التّعليقَة) ، وَبِدِمَشْقَ عَلَى القُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَأَفتَى.
وَتَزَوَّجَ بِابْنَة القُطْب، فَأَولدهَا الأُمَرَاء الكُبَرَاء: عِمَاد الدِّيْنِ عُمَر، وَفَخْر الدِّيْنِ يُوْسُف، وَكَمَال الدِّيْنِ أَحْمَدَ، وَمُعِيْن الدِّيْنِ حسن.
درّس بِالشَّافِعِيّ، وَمشهد الحُسَيْن، وَترسّل عَنِ الكَامِل إِلَى الخَلِيْفَة، فَمَرِضَ بِالمَوْصِلِ، وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الوَقْت، وَنَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَالحَسَن بن أَحْمَدَ
__________
(1) يعني: الشامية البرانية، انظر التفاصيل في كتاب خطط دمشق للمنجد.
(2) في السادس عشر منه، كما ذكر المنذري في " التكملة ".
(*) إكمال الإكمال لابن نقطة، الورقة: 84 (ظاهرية) ، والكامل لابن الأثير: 12 / 165، والتكملة: 3 / الترجمة: 1747، وذيل الروضتين: 125، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 133، وتاريح الإسلام، الورقة: 241 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 70 - 71، والوافي بالوفيات: 4 / 159، وطبقات السبكي: 5 / 40، والبداية والنهاية: 13 / 93، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 170، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 407، والنجوم الزاهرة: 6 / 251، وتاريخ ابن الفرات: 10 / الورقة: 23 - 24، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، الورقة: 48، وحسن المحاضرة: 1 / 191، وشذرات الذهب: 5 / 77.
(3) جوين: ناحية من نواحي نيسابور، وقد سأله المنذري عن مولده فقال: في شوال سنة 543.(22/79)
المُوسيَابَادِيِّ، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ حَسَنَ السّمْت، كَثِيْر الصَّمْت، كَبِيْرَ القَدْرِ، غزِيْر الفَضْل، صَاحِب أَورَاد وَحلم وَأَنَاة.
58 - ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، المُفْتِي، المُعَمَّر الصَّالِح، مُسْنِدُ الشَّامِ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، قَاضِي القُضَاةِ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَضْلِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَنْصَارِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، مِنْ ذُرِّيَّة سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وُلِدَ: فِي أَحَد الرَّبِيْعين، سَنَة عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَبعدهَا مِنْ: عَبْدِ الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَطَاهِر بن سَهْلٍ، وَجَمَال الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، وَالفَقِيْه نَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ، وَهِبَة اللهِ بن طَاوُوْس، وَعَلِيّ بن قُبَيْس المَالِكِيّ، وَمَعَالِي ابْن الحُبُوْبِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ الأَسَدِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ المُرَادِيّ، وَجَمَاعَة.
وَلَهُ (مَشْيَخَة) فِي جُزْء مروِيّ.
وَقَدْ أَجَاز لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيّ، وَهِبَة اللهِ بن سَهْلٍ السَّيِّدِيّ، وَزَاهِر
__________
(*) معجم البلدان: 2 / 241، والتقييد لابن نقطة، الورقة: 64، ومرآة الزمان: 8 / 589 - 592، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1568، وذيل الروضتين: 105 - 106، وتاريخ الإسلام، الورقة: 211 - 212 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 50 - 51، ودول الإسلام: 2 / 82، وطبقات الاسنوي، الورقة: 77، والبداية والنهاية: 13 / 78، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 76 - 77، وذيل التقييد للفاسي، الورقة: 200، والسلوك للمقريزي: 1 / 1 / 188، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 372 - 373، والنجوم الزاهرة: 6 / 220، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 83، القضاة الشافعية للنعيمي: 60 - 63، وشذرات الذهب: 5 / 60.(22/80)
بن طَاهِر، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن الأُسْتَاذ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَإِسْمَاعِيْل القَارِئ، وَطَائِفَة.
وَحَدَّثَ (بدَلاَئِل النُّبُوَّة) لِلْبَيْهَقِيّ، وَ (بصَحِيْح مُسْلِم) ، وَأَشيَاء.
وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَأَفتَى وَدرّس، وَعُمَّر دَهْراً، وَتَفَرَّد بِالعَوَالِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِبِ بن صصرَى، وَعَبْد الغَنِيِّ المَقْدِسِيّ، وَعَبْد القَادِرِ الرُّهَاوِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَالبِرْزَالِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالقُوْصِيّ، وَالزَّكِيّ عَبْد العَظِيْمِ، وَكَمَال الدِّيْنِ ابْن العَدِيْم، وَالنَّجِيْب نَصْر اللهِ الصَّفَّار، وَزَيْن الدِّيْنِ خَالِد، وَالجمَال عَبْد الرَّحْمَنِ بن سَالِمٍ الأَنْبَارِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَأَبُو حَامِدٍ ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالبُرْهَان ابْن الدَّرَجِيِّ، وَيُوْسُف بن تَمَّام، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن الأَنْمَاطِيّ، وَمُحَمَّد وَعُمَر ابْنَا عَبْد المُنْعِمِ القَوَّاس، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ العَامِرِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَرْخَان، وَالشَّمْس عَبْد الرَّحْمَنِ (1) ابْن الزِّين، وَالشَّمْس ابْن الزِّين (2) ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ المِزِّيّ، وَالقَاضِي شَمْس الدِّيْنِ مُحَمَّد بن العِمَادِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ ابْن الوَاسِطِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: العِمَاد عَبْد الحَافِظِ بن بَدْرَانَ، وَعَائِشَة بِنْت المجْد.
وَكَانَ إِمَاماً، فَقِيْهاً، عَارِفاً بِالمَذْهَبِ، وَرِعاً، صَالِحاً، مَحْمُوْد الأَحكَام،
__________
(1) عبد الرحمان ابن الزين أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 689.
(2) هكذا في الأصل، ولعله أراد به: شمس الدين بن أبي عمر المقدسي الذي ذكر في " تاريخ الإسلام " أنه روى عنه، وإلا فإن قوله و" الشمس ابن الزين " ينصرف إلى الأول " عبد الرحمان بن أحمد بن عبد الملك "، فلا بد أنه قصد بأحدهما " عبد الرحمان بن أبي عمر ".(22/81)
حَسَن السِّيْرَةِ، كَبِيْرَ القَدْرِ.
رَحَلَ إِلَى حَلَب، وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى المُحَدِّث الفَقِيْه أَبِي الحَسَنِ المُرَادِيّ، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِدِمَشْقَ، نِيَابَة عَنْ أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، ثُمَّ إِنَّهُ وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ اسْتَقلاَلاً فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة (1) : هُوَ أَسندُ شَيْخ لقينَا مِنْ أَهْلِ دِمَشْق، حسن الإِنصَات، صَحِيْح السَّمَاع.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : دَخَلَ بِهِ أَبُوْهُ مِنْ حرستَا، فَنَزَلَ بِبَابِ تُوْمَا يؤمّ بِمسجد الزَّيْنَبِيّ، ثُمَّ أَمّ فِيْهِ ابْنه جَمَال الدِّيْنِ، ثُمَّ انْتقل جَمَالُ الدِّيْنِ فَسَكَنَ بدَاره بِالحُوَيرَة، وَكَانَ يُلاَزم الجَمَاعَة بِمَقْصُوْرَة الخضِر، وَيُحَدِّث هُنَاكَ، وَيَجْتَمِع خلق، مَعَ حسن سَمْته، وَسكونه، وَهيبته، حَدَّثَنِي الشَّيْخ عِزّ الدِّيْنِ بن عَبْدِ السَّلاَمِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَفْقَه مِنْهُ، وَعَلَيْهِ كَانَ ابْتدَاء اشتغَاله، ثُمَّ صَحِبَ فَخْر الدِّيْنِ ابْن عَسَاكِرَ، فَسَأَلته عَنْهُمَا، فَرجّح ابْن الحَرَسْتَانِيّ، وَكَانَ حَفِظ (الْوَسِيط) لِلْغزالِيّ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَلَمَّا وَلِي مُحْيِي الدِّيْنِ القَضَاء لَمْ يَنب ابْن الحَرَسْتَانِيّ عَنْهُ، وَبَقِيَ إِلَى أَنْ وَلاَّهُ العَادل القَضَاء، وَعزل الطَّاهِر، وَأَخَذَ مِنْهُ العَزِيْزِية، وَالتَّقويَّة، فَأَعْطَى العَزِيْزِية ابْن الحَرَسْتَانِيّ مَعَ القَضَاء، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ العَادل، وَكَانَ يَحكم بِالمُجَاهِدية، وَنَاب عَنْهُ وَلده العِمَاد، ثُمَّ ابْن الشِّيْرَازِيّ، وَشَمْس الدِّيْنِ ابْن سَنِيّ الدَّوْلَة، وَبَقِيَ سَنَتَيْنِ وَسَبْعَة أَشهر، وَمَاتَ، وَكَانَتْ لَهُ جَنَازَة عَظِيْمَة، وَقَدِ امْتَنَع مِنَ القَضَاء، فَأَلحُّوا عَلَيْهِ، وَكَانَ صَارِماً، عَادِلاً، عَلَى طرِيقَة السَّلَف فِي لِبَاسه وَعفته.
__________
(1) التقييد، الورقة: 64.
(2) ذيل الروضتين: 105 - 106.(22/82)
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (1) : كَانَ زَاهِداً، عَفِيْفاً، وَرِعاً، نَزِهاً، لاَ تَأْخذه فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم، اتَّفَقَ أَهْلُ دِمَشْقَ عَلَى أَنَّهُ مَا فَاتته صَلاَة بِجَامِع دِمَشْق فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ إِذَا كَانَ مَرِيْضاً، ثُمَّ سَاق حِكَايَات مِنْ مَنَاقِبه وَعدله فِي قضَايَاه، وَأُتِيَ مرَّة بِكِتَاب، فَرمَى بِهِ، وَقَالَ: كِتَابُ اللهِ قَدْ حكم عَلَى هَذَا الكِتَاب، فَبَلَغَ العَادل قَوْله، فَقَالَ: صدق، كِتَاب اللهِ أَوْلَى مِنْ كِتَابِي، وَكَانَ يَقُوْلُ لِلْعَادل: أَنَا مَا أَحكم إِلاَّ بِالشّرع، وَإِلاَّ فَأَنَا مَا سَأَلتك القَضَاء، فَإِنْ شِئْت فَأَبصر غَيْرِي.
قَالَ أَبُو شَامَةَ: ابْنه العِمَاد هُوَ الَّذِي أَلحّ عَلَيْهِ حَتَّى تَولَّى القَضَاء.
وَحَدَّثَنِي ابْنه، قَالَ: جَاءَ إِلَيْهِ ابْن عُنَيْن، فَقَالَ: السُّلْطَان يُسلّم عَلَيْك وَيُوْصِي بِفُلاَن، فَإِنَّ لَهُ محَاكمَة.
فَغَضِبَ، وَقَالَ: الشّرع مَا يَكُوْن فِيْهِ وَصيَّة.
قَالَ المُنْذِرِيّ (2) : سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ مَهِيْباً، حَسَن السّمت، مَجْلِسه مَجْلِس وَقَار وَسَكِيْنَة، يُبَالِغ فِي الإِنصَات إِلَى مَنْ يَقرَأ عَلَيْهِ.
تُوُفِّيَ: فِي رَابع (3) ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَهُوَ فِي خَمْس وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: القُدْوَة الشَّيْخ العِمَاد المَقْدِسِيّ، وَأَبُو الخَطَّابِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ وَاجِب البَلَنْسِيّ، وَالشَّيْخ ذِيَال الزَّاهِد، وَالمُحَدِّث عَبْد اللهِ بن عَبْدِ الجَبَّارِ العُثْمَانِيّ، وَعَبْد الخَالِقِ بن صَالِحِ بنِ ريْدَان المِسكِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُبَيْرٍ الكِنَانِيّ، وَالمُعَمَّر مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ سَعَادَةَ
__________
(1) يعنى سبط ابن الجوزي، والذهبي يتصرف.
(2) 2 / الترجمة: 1568.
(3) هذا ما ذكره المنذري، وأما ياقوت في " معجم البلدان " وابن نقطة في " التقييد " فإنهما ذكرا أنه توفي في الخامس من الشهر.(22/83)
الشَّاطِبِيّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ هِبَة اللهِ بن أَحْمَدَ الكهفِيّ، وَالفَقِيْهُ أَبُو تُرَاب يَحْيَى بن إِبْرَاهِيْمَ الكَرْخِيّ.
59 - العَطَّارُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ *
الشَّيْخُ، الأَمِيْرُ، المُسْنِدُ، الدَّيِّنُ، أَبُو القَاسِمِ، شَمْسُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ السُّلَمِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الصَّيْدَلاَنِيُّ، العَطَّارُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَابْن البَطِّيِّ.
وَحَدَّثَ (بِالصَّحِيْحِ (2)) ، وَ (عَبْد (3)) ، وَ (الدَّارِمِيّ) ، وَكَانَ يذكر أَنَّهُ مِنْ وَلد أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيّ، سَكَنَ دِمَشْقَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ لَهُ دكانَ بِظَاهِر بَاب الفَرَادِيْس لِلْعطر، وَكَانَ صَدُوْقاً، مُتَدَيِّناً، مرضِيّ الطّرِيقَة.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة (4) : شَيْخ صَالِحٌ، ثِقَة، صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: هُمَا (5) ، وَالضِّيَاء، وَالمُنْذِرِيّ، وَالقُوْصِيّ، وَالزَّيْن خَالِد، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ النُّشبِيّ، وَالرَّشِيْد العَامِرِيّ، وَالمحيِي بن
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 23، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 191 - 192 (باريس 5921) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1616، وبغية الطلب: 1 / الورقة: 228 - 229، وتايخ الإسلام، الورقة: 216 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 55، والمختصر المحتاج: 1 / 88، والنجوم الزاهرة: 6 / 226، وشذرات الذهب: 5 / 62.
(1) في الثامن عشر من شهر ربيع الآخر من السنة، ذكر ذلك المنذري.
(2) صحيح البخاري.
(3) يعني " مسند عبد بن حميد " وانظر إلى اختصار الامام الذهبي وتصرفه! (4) التقييد، الورقة: 23.
(5) يعني: ابن النجار وابن نقطة.(22/84)
عصرُوْنَ، وَالفَخْر عَلِيّ ابْن البُخَارِيِّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَالجمَال ابْن الصَّابُوْنِيّ، وَالعَلاَء بن صَصْرَى، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ، وَعِدَّة.
وظَهْر لِشيخنَا العِزِّ أَحْمَد ابْن العِمَادِ بَعْد مَوْته بَعْض كِتَاب (الدَّارِمِيّ) سَمِعَهُ مِنْهُ حُضُوْراً.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: عُمَر بن القَوَّاس.
مَاتَ: فِي سَابِعَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بقَاسِيُوْن.
وَفِيْهَا مَاتَ: الرُّكْن العَمِيْدِيّ -صَاحِب (الجُسْت) ، وَ (الطّرِيقَة) تِلْمِيْذ الرَّضِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ، اسْمه: أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيّ الحَنَفِيّ - وَالمَلِك العَادل، وَصَاحِب المَوْصِل المَلِك القَاهِر مَسْعُوْد، وَصَاحِب الرُّوْم كيكَاوس، وَالشِّهَاب فِتيَان بن عَلِيٍّ الشَّاغُوْرِيّ الشَّاعِر صَاحِب (الدِّيْوَان) ، وَزَيْنَب الشَّعْرِيَّة، وَأَبُو الفُتُوْحِ البَكْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
60 - الشَّعْرِيَّةُ أُمُّ المُؤَيَّدِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ *
الشَّيْخَةُ الجَلِيْلَةُ، مُسْنَدَةُ خُرَاسَانَ، أُمّ المُؤَيَّد حُرَّة نَاز زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَهْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدُوْسٍ الجُرْجَانِيَّة الأَصْلِ، النَّيْسَابُوْرِيَّةُ، الشَّعْرِيَّةُ.
سَمِعْتُ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي بَكْرٍ القَارِئ، وَفَاطِمَة بِنْت
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة 232 - 233، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1648، ووفيات الأعيان 2 / 344 - 345، وتاريخ الإسلام، الورقة 217 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 56، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة 106، وذيل التقييد للفاسي، الورقة 284، والنجوم الزاهرة: 6 / 226 وشذرات الذهب: 5 / 63، والتاج المكلل للقنوجي: ص 48 - 49.(22/85)
زَعْبَل، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن القُشَيْرِيّ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَأَخِيْهِ؛ وَجيه، وَأَبِي المَعَالِي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الفَارِسِيّ، وَعَبْد الجَبَّارِ بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن شَاه، وَفَاطِمَة بِنْت خلف الشَّحَّامِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن الفُرَاوِيّ، وَعَبْد الرَّزَّاقِ الطَّبَسِيّ.
وَأَجَاز لَهَا: عَبْد الغَافِر بن إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو القَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيّ النَّحْوِيّ.
وَسَمِعَتِ (الصَّحِيْح) مِنَ: الفَارِسِيّ، وَوَجِيْه.
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ هِلاَلَة، وَابْن نُقْطَة، وَالبِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن الصَّلاَح، وَالمُرْسِيّ، وَإِبْرَاهِيْم الصَّرِيْفِيْنِيّ، وَمُحَمَّد بن سَعْدٍ الهَاشِمِيّ، وَالصَّدْر البَكْرِيّ، وَابْن النَّجَّارِ.
وَسَمِعْتُ بِإِجَازتهَا مِنْ جَمَاعَة.
وَكَانَتْ صَالِحَة، مُعَمَّرة، مكَثْرَة.
تُوُفِّيَت: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، بِنَيْسَابُوْرَ.
61 - ابْنُ الدَّهَّانِ المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ بنِ سَعِيْدٍ الوَاسِطِيُّ *
العَلاَّمَةُ، وَجِيْه الدِّيْنِ، أَبُو بَكْرٍ المُبَارَكُ بنُ المُبَارَكِ ابنِ أَبِي الأَزْهَرِ سَعِيْدِ بنِ
__________
(*) إرشاد الاريب لياقوت: 6 / 231 - 238، والكامل لابن الأثير: 12 / 129، وإنباه الرواة: 3 / 254 - 256، وإشارة التعيين، الورقة: 43، ومرآة الزمان: 8 / 573، وعقود الجمان لابن الشعار: 6 / الورقة 12 - 15، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1421، وذيل الروضتين: 90 - 91، ووفيات الأعيان: 4 / 152 - 153، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 123، وتاريخ الإسلام، الورقة: 196 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 43، وتلخيص ابن مكتوم، الورقة: 240، ومسالك الابصار: 4 / الورقة: 345 - 347، ونكت الهميان: 233 - 234، وطبقات السبكي: 5 / 148، والبداية والنهاية: 13 / 69 - 70، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 162، وغاية النهاية: 2 / 41، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة، الورقة: =(22/86)
أَبِي السَّعَادَاتِ الوَاسِطِيُّ، النَّحْوِيُّ، الضَّرِيْرُ.
حفظ القُرْآن، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى جَمَاعَة.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ شَابّاً، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَأَحْمَد بن المُبَارَكِ المُرَقَّعَاتِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ ابْنِ الخَشَّابِ، وَلزمه فِي العَرَبِيَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قرَأَ الأَدب عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ نَصْر بن مُحَمَّدٍ المُؤَدِّب، وَقَدِمَ بَغْدَادَ مَعَ وَالِده، فَسكنهَا، وَقرَأَ الأَدب عَلَى ابْنِ الخَشَّاب، وَقرَأَ جُمْلَةً مِنْ كُتُب النَّحْو وَاللُّغَة وَالشّعر عَلَى أَبِي البَرَكَاتِ الأَنْبَارِيّ مِنْ حِفْظِهِ، وَذَكَرَ لِي أَنَّهُ قرَأَ نِصْف (كِتَاب سِيْبَوَيْه) مِنْ حِفْظِهِ عَلَيْهِ أَيْضاً، وَأَنَّهُ كَانَ يَحْفَظ فِي كُلِّ يَوْم كُرَّاساً فِي النَّحْوِ وَيَفهمه وَيُطَارح فِيْهِ، حَتَّى بَرَعَ، وَكَانَ يَتردَّد إِلَى مَنَازِل الصُدُوْر لإِقْرَاء الأَدب، وَكَانَ شَدِيد الذّكَاء، ثَاقب الفَهم، كَثِيْر المَحْفُوْظ، مُضطلعاً بعلُوْم كَثِيْرَة: النَّحْو، وَاللُّغَة، وَالتّصرِيف، وَالعروض، وَمعَانِي الشّعر، وَالتَّفْسِيْر، وَيَعْرِف الفِقْه وَالطِّبّ وَعلم النُّجُوْم وَعُلُوْم الأَوَائِل.
قُلْتُ: لَوْ جهل هَذَيْنِ الْعلمين لَسَعِدَ (1) .
قَالَ: وَلَهُ النّظم وَالنَّثْر، وَيُنشَئ الْخطب وَالرَّسَائِل بِلاَ كلفَة وَلاَ رويَّة، وَيَتكلَّم بِالتّركيَّة وَالفَارِسيَّة وَالرومِيَّة وَالأَرْمَنِيَّة وَالحَبَشِيَّة وَالهنديَّة وَالزّنجيَّة بكَلاَم
__________
= 244 - 245، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة 355، والنجوم الزاهرة: 6 / 214، وتاريخ ابن الفرات: 9 / الورقة: 70 - 71، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، الورقة: 73 - 74، وبغية الوعاة: 2 / 273 - 274، وشذرات الذهب: 5 / 53، وغيرها.
(1) يعني علم النجوم وعلوم الاوائل.(22/87)
فَصيح عِنْد أَهْل ذَلِكَ اللِّسَان، وَكَانَ حليماً، بَطِيء الغَضَب، مُتَوَاضِعاً، دَيِّناً، صَالِحاً، كَثِيْر الصَّدَقَة، متفقّداً لِلْفُقَرَاء وَالطّلبَة؛ تَفَقَّهَ أَوَّلاً لأَبِي حَنِيْفَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافِعِيّاً بَعْد عُلُوِّ سنّه، وَوَلِيَ تدرِيس النَّحْو بِالنّظَامِيَّة، إِلَى أَنْ مَاتَ، قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتح فَمِي بِالعِلْمِ، لأَنْ أُمِّي أَسلمتَنِي إِلَيْهِ وَلِي عشر سِنِيْنَ، فَكُنْت أَقرَأُ عَلَيْهِ القُرْآن وَالفِقْه وَالنَّحْو، وَأُطَالع لَهُ ليلاً وَنَهَاراً، وَإِذَا مَشَى، كُنْت آخذاً بِيَدِهِ، وَكَانَ ثِقَةً، نبيلاً، أَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
أَيُّهَا المَغْرُوْر بِالدُّنْيَا انتبِه ... إِنَّهَا حَالٌ ستفنَى وَتحوْلُ
وَاجتهِدْ فِي نِيلِ مُلْكٍ دَائِمٍ ... أَيُّ خَيْرٍ فِي نَعيمٍ سَيَزُولُ
لَوْ عَقلْنَا مَا ضَحِكْنَا لَحْظَةً ... غَيْر أَنَّا فُقِدَتْ مِنَّا العُقُوْلُ
قَالَ: مَوْلِدُهُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ (1) ، وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ (2) ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَكُنْت بِنَيْسَابُوْرَ.
قُلْتُ: فِيْهِ نَظم المُؤَيَّد ابْن التَّكرِيتِيّ (3) :
وَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي الوَجِيْهَ رِسَالَةً (4) ... وَإِنْ كَانَ لاَ تُجْدِي لَدَيْهِ الرَّسَائِلُ
تَمَذْهَبْتَ لِلنُّعْمَانِ بَعْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ ... وَذَلِكَ لَمَّا أَعْوَزَتْك المآكِلُ
وَمَا اخْتَرتَ رَأْي الشَّافِعِيّ دِيَانَةً ... وَلَكِنَّمَا تَهوَى الَّذِي هُوَ حَاصِلُ
وَعَمَّا قَلِيْلٍ أَنْتَ لاَ شَكَّ صَائِرٌ ... إِلَى مَالِكٍ فَافْطَنْ لِمَا أَنَا قَائِلُ!
__________
(1) هذا قول ابن النجار، أما المنذري فقال: مولده بواسط في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.
وقد سقطت كلمة " ثلاثين " من إرشاد ياقوت ونكت الهميان للصفدي فصار مولده فيهما سنة 502.
(2) في ليلة السادس والعشرين منه، على ما ذكره المنذري.
(3) هذه الابيات الأربعة مشهورة ذكرتها معظم الكتب التي ترجمت له، وهي تروى باختلاف عما هنا، لكن المعني واحد.
(4) في الأصل: بن سالم، وهو تحريف.(22/88)
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: تخرّج بِالوَجِيْه جَمَاعَة فِي النَّحْوِ وَكَانَ هُذَرَة (1) ، كَتَبْتُ عَنْهُ أَنَاشيد.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ الزَّكِيّ البِرْزَالِيّ.
وَأَجَاز لِشيخنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ.
62 - البَكْرِيُّ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّرِيْفُ، العَالِمُ الصَّالِحُ، الزَّاهِدُ، فَخْرُ الدِّيْنِ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْروك القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
لَوْ سَمِعَ عَلَى قدر سنّه لَلَحِق إِسْنَاداً عَالِياً؛ فَإِنَّ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ وَهُوَ كَبِيْر مِنْ: أَبِي الأَسْعَد هبَة الرَّحْمَانِ ابْن القُشَيْرِيّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ: الحُسَيْن بن خَمِيْس المَوْصِلِيّ.
وَبِالثَّغْر -مَعَ وَلده- مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَبِمَكَّةَ، وَمِصْر، وَدِمَشْق، وَجَاور مُدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ، وَحَفِيْده؛ صَدْر الدِّيْنِ أَبُو عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيْم ابْن الدَّرَجِيِّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْر عَلِيّ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَجَمَاعَة.
__________
(1) ويقال فيه: " هذرة " كما في القاموس للفيروز أبادي.
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 132 (باريس 5921) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1597، وتكملة ابن الصابوني: 291 - 292، وتاريخ الإسلام، الورقة: 220 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج: 1 / 129 - 130، والعقد الثمين للفاسي: 2 / 337 -
338، والنجوم الزاهرة: 6 / 226.(22/89)
تُوُفِّيَ: فِي حَادِي عشر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
وَمَاتَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ: رفِيقُه الشَّيْخ مُحَمَّد (1) بن عَبْدِ الغَفَّارِ الهَمَذَانِيّ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، حَدَّثَ عَنِ السِّلَفِيّ.
63 - ابْنُ مُلاَعِبٍ دَاوُدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الفَاضِلُ، المُسْنِدُ، رَبِيْبُ الدِّيْنِ، أَبُو البَرَكَاتِ دَاوُدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ ثَابِتِ بنِ مُلاعِبٍ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، الوَكِيْلُ عِنْدَ القُضَاةِ.
وُلِدَ: فِي أَوَّلِ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ، وَنَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَالحَافِظ ابْن نَاصِر، وَأَبِي بَكْرٍ ابْن الزَّاغُوْنِيّ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَأَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ (2) ، وَأَحْمَد بن بختيَار المَنْدَائِيّ، وَطَائِفَة، وَسَكَنَ دِمَشْق.
حَدَّثَ عَنْهُ: الشَّيْخ المُوَفَّق، وَالضِّيَاء، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيّ، وَأَبُو
__________
(1) ترجمة الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 145 (أيا صوفيا 3011) ضمن ترجمة ابن عمروك، وذكرته معظم الكتب التي ترجمت للبكري أيضا.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 94، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 47 (باريس 5922) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1682، وبغية الطلب: 2 / الورقة: 276 - 277، وذيل الروضتين: 119 ثم أعاده في سنة 617 ص: 121 ولقبه في المرة الأولى " ربيب الدين " ثم لقبه في الثانية " زين الدين "، وتاريخ الإسلام، الورقة: 225 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 60، والمختصر المحتاج: 2 / 62 - 63، ودول الإسلام: 2 / 90، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة: 40، والنجوم الزاهرة: 6 / 246، وتاريخ ابن الفرات: 10 / الورقة: 2، وشذرات الذهب: 5 / 67.
(2) في الأصل: " السهروردي " وليس بشيء، فهو أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري، مشهور.(22/90)
مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ، وَالسَّيْف أَحْمَد ابْن المَجْدِ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن الأَنْمَاطِيّ، وَالفَخْر عَلِيّ بن أَحْمَدَ، وَالشَّمْس ابْن الكَمَال، وَالشَّمْس ابْن الزِّين، وَالتَّقِيّ ابْن الوَاسِطِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن حَمْدٍ، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَةِ: عُمَرُ ابْن القَوَّاس، وَالعِمَادُ بنُ بَدْرَانَ.
وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ، لَكِنَّ غَالِبه فِي السَّنَةِ الخَامِسَة (1) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ أَبُوْهُ دِيْوَانِياً (2) ، فَاعْتَنَى بِهِ، وَكَانَ متيقظاً، متودداً، صَحِيْح السَّمَاع، وَلَهُ مُروءة وَنَفْس حَسَنَة يُحَدِّث مِنْ أُصُوْله.
مَاتَ: فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ (3) ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُوْن.
64 - العُكْبَرِيُّ أَبُو البَقَاءِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، النَّحْوِيُّ البَارِعُ، مُحِبُّ الدِّيْنِ، أَبُو البَقَاءِ عَبْدُ اللهِ بنُ
__________
(1) يعني حضورا بإفادة والده.
(2) في الأصل: " ديوانا " والتصحيح من عندنا لان المؤلف نقل عن ابن النجار في " تاريخ الإسلام " قوله: " كان أبوه متولي كتابة من قبل الديوان فأسمعه واعتنى به، وحصل له الاجزاء ".
(3) هذا قول ابن النجار أما المنذري فذكر وفاته في رجب من السنة، وعلق على هذا الكمال ابن العديم في " بغية الطلب "، فقال: " هكذا قال عبد العظيم أنه توفي في رجب، ووجدت فيما علقته من الفوائد: توفي داود بن أحمد بن ملاعب بدمشق يوم السبت الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ".
والظاهر ان المنذري نقل تاريخ وفاته من تاريخ ابن الدبيثي الذي قال: " وبلغنا أنه توفي بدمشق في رجب سنة 616 والله أعلم " ورواية ابن الدبيثي مستعملة على التمريض كما هو بين من قوله: " وبلغنا "، فيظهر أن قول ابن النجار ومن تابعه هو الاصوب، والله أعلم.
(*) معجم البلدان: 3 / 705، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 90 - 91 (باريس 5922) ، وإنباه الرواة: 2 / 116 - 118، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1662، وذيل الروضتين: 119 - 120، ووفيات الأعيان: 3 / 100 - 101، وتلخيص مجمع الآداب: 5 / =(22/91)
الحُسَيْنِ ابنِ أَبِي البَقَاءِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ العُكْبَرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، الضَّرِيْرُ، النَّحْوِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الفَرَضِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قرَأَ بِالرِّوَايَات عَلَى: عَلِيِّ بنِ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيّ، وَالعَرَبِيَّة عَلَى: ابْنِ الخَشَّاب، وَأَبِي البَرَكَاتِ بن نَجَاح.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: القَاضِي أَبِي يَعْلَى الصَّغِيْر مُحَمَّد بن أَبِي خَازِم، وَأَبِي حِكِيْمٍ النَّهْروانِيّ، وَبَرَعَ فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، وَحَاز قَصب السّبق فِي العَرَبِيَّة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْن البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ، وَجَمَاعَة، وَتخرّج بِهِ أَئِمَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْت عَلَيْهِ كَثِيْراً مِنْ مُصَنّفَاته، وَصَحِبته مُدَّة طَوِيْلَة، وَكَانَ ثِقَةً، مُتَدَيِّناً، حَسَن الأَخلاَق، مُتَوَاضِعاً، ذكر لِي أَنَّهُ أَضرّ فِي صِبَاهُ مِنَ الجُدَرِيّ.
ذِكْرُ تَصَانِيْفِهِ:
صَنَّفَ (تَفْسِيْرَ القُرْآن) ، وَكِتَابَ (إِعرَابِ القُرْآن) ، وَكِتَابَ (إِعرَابِ
__________
= الترجمة 675، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 131، وإشارة التعيين لليمني، الورقة: 119 - 120 وتاريخ الإسلام، الورقة: 226 (باريسس 1582) ، ودول الإسلام: 2 / 90، والعبر: 5 / 61 والاعلام بوفيات الاعلام، الورقة: 213، والمختصر المحتاج 2 / 140 - 142، وتلخيص ابن مكتوم، الورقة: 92، والمستفاد للحسامي، الورقة: 41، نكت الهميان: 178 - 180، ومرآة الجنان: 4 / 32 - 33، والبداية والنهاية: 13 / 85 والذيل ولابن رجب: 2 / 109 - 120، والعسجد المسبوك، الورقة 129، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة، الورقة: 165 - 166، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 397 - 398، والنجوم الزاهرة: 6 / 246، وتاريخ ابن الفرات: 10 / الواقة: 2 - 3، وبغية الوعاة: 2 / 38 - 40، وشذرات الذهب: 5 / 67 - 69، وديوان الإسلام، الورقة: 15، والتاج المكلل: 228 وغيرها.(22/92)
الشَّواذ) ، وَكِتَابَ (مُتَشَابه القُرْآن) ، وَ (عدد الْآي) ، وَ (إِعرَاب الحَدِيْث) جُزْء، وَلَهُ (تَعليقَة فِي الخلاَف) ، وَ (شرح لهِدَايَة أَبِي الخَطَّابِ) ، وَكِتَاب (المرَام فِي المَذْهَب) ، وَمصَنّف فِي الفَرَائِضِ، وَآخر، وَآخر، وَ (شرح الفَصِيْح) ، وَ (شرح الحمَاسَة) ، وَ (شرح المَقَامَات) ، وَ (شرح الْخطب) ، وَأَشيَاء سمَّاهَا ابْن النَّجَّارِ وَتركتهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَالضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وَالجمَال بن الصَّيْرَفِيّ، وَجَمَاعَة.
قِيْلَ: كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يصنِّف كِتَاباً، جمع عِدَّة مُصَنّفَات فِي ذَلِكَ الفنّ، فَقُرِئت عَلَيْهِ، ثُمَّ يُمْلِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَ يُقَالُ: أَبُو البَقَاءِ تِلْمِيْذ تَلاَمِذته؛ يَعْنِي هُوَ تَبع لَهُم فِيمَا يقرؤُونَ لَهُ وَيَكْتُبونه.
وَقَدْ أَرَادُوْهُ عَلَى أَنْ يَنْتقل عَنْ مَذْهَب أَحْمَد، فَقَالَ، وَأَقسم: لَوْ صببتُم الذَّهب الذَّهب عليَّ حَتَّى أَتوَارَى بِهِ، مَا تركتُ مَذْهَبِي.
تُوُفِّيَ العَلاَّمَة أَبُو البَقَاءِ: فِي ثَامن رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَكَانَ ذَا حظّ مِنْ دين وَتعبُّد وَأَورَاد.
65 - ابْنُ النَّاقِدِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ ابنُ أَبِي الرِّضَا أَحْمَد بن مَسْعُوْدٍ، ابْنُ النَّاقِدِ، البَغْدَادِيُّ، الجَصَّاصُ.
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 154، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 149 (باريس 5922) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1704، وتاريخ الإسلام، الورقة: 227 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج، الورقة: 78، والعبر: 5 / 62، وغاية النهاية: 1 / 392، والنجوم الزاهرة: 6 / 247، وشذرات الذهب: 5 / 69.(22/93)
تَلاَ بِالرَّاويَات عَلَى: أَبِي الكَرَمِ الشَّهْرُزُوْرِيّ، وَعُمَر الحَرْبِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ ابْن البَغْدَادِيّ، وَابْن نَاصِر، وَأَمَّ بِمسجد الفَاعُوس.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالعَشْر: عَبْد الصَّمَدِ بن أَبِي الجَيْش، وَغَيْرهُ.
وَرَوَى عَنْهُ: الضِّيَاء المَقْدِسِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَدُوْقاً، فَاضِلاً، صَالِحاً، سَدِيْد السّيرَة، حَسَن الأَخلاَق، قَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
66 - ابْنُ سَيِّدِهِم أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيِّدهم بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ سرَايَا الأَنْصَارِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الوَكِيْلُ، الجَابِي، ابْن الفَرَّاش (1) .
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ نَصْر اللهِ بن مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيّ، وَنَصْر بن مُقَاتِل.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاء، وَالزَّكِيّ المُنْذِرِيّ، وَالتَّقِيّ اليَلْدَانِيّ، وَابْن أَبِي عُمَرَ، وَابْن البُخَارِيِّ.
وَأَجَاز لِشيخنَا عُمَرُ ابْنُ القَوَّاسِ، وَكَانَ مِنْ بَقَايَا المَشْيَخَة.
__________
(*) تكرر على المؤلف - رحمه الله تعالى - من غير أن يشعر وقد مر قبل قليل (الترجمة: 55) فراجع تعليقنا هناك.
(1) هكذا في الأصل، وقد تقدم أنه " ابن الهراس "، وهو الصحيح، فقد ذكر ذلك المؤلف في ترجمته من " تاريخ الإسلام "، وكذلك ذكره المنذري في ترجمته من " التكملة "، وفي ترجمة والده محمد بن سيدهم المتوفى في الثالث من ذي الحجة سنة 593 (التكملة: 1 / الترجمة: 411) ، وقد يكون عرف بذلك أيضا وإن كنا لم نجد لذلك أصلا.(22/94)
مَاتَ: فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
67 - رَيْحَانُ أَبُو الخَيْرِ بنُ تِيْكَانَ بنِ مُوْسَكَ الكُرْدِيُّ *
شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو الخَيْرِ رَيْحَانُ بنُ تِيْكَانَ بنِ مُوْسَكَ الكُرْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَرْبِيُّ، الضَّرِيْرُ.
كَانَ يمكنهُ السَّمَاع مِنِ ابْنِ الحُصَيْن.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيّ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَالمُبَارَك بن أَحْمَدَ الكِنْدِيّ، وَجَمَاعَة.
وَعَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاء، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ، وَابْن الصَّيْرَفِيّ، وَأَجَاز لِلْكمَال عَبْد الرَّحْمَانِ المُكَبِّر، فَتَفَرَّد بِإِجَازته.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ (1) ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَقَدْ قَارب المائَة (2) .
68 - الشَّقُوْرِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ **
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى الغَافِقِيُّ، القُرْطُبِيُّ، الشَّقُوْرِيُّ.
__________
(*) إكمال الإكمال لابن نقطة، الورقة: 68، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 51 - 52 (باريس 5922) ، ومرآة الزمان: 8 / 606، والتكملة للمنذري: 2 / 1655، وتاريخ الإسلام، الورقة: 225 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 60، والمختصر المحتاج: 2 / 68، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة: 76، ونكت الهميان: 153، وغاية النهاية: 1 / 286، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين، الورقة: 58 (سوهاج) ، وشذرات الذهب: 5 / 67.
(1) في الرابع عشر أو الخامس عشر منه، كما ذكر المنذري.
(2) لأنه ولد قبل العشرين وخمس مئة.
(* *) التكملة لابن الابار: 3 / الورقة: 72 (نسخة الأزهر) ، وتاريخ الإسلام، الورقة: =(22/95)
أَجَاز لَهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَهُوَ صَغِيْر: أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، وَالقَاضِي عِيَاض، وَالمُفَسِّرُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَطِيَّةَ، وَجَمَاعَة تَفَرَّد عَنْهُم.
وَتَلاَ بِالسبع عَلَى أَبِيْهِ، وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ عَمِّهِ؛ مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَتَأَدّب بشَقُوْرَةَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي يدَاس، وَتَلاَ عَلَيْهِ أَيْضاً بِالرِّوَايَات، وَعُمِّر، وَرَحَلَ إِلَيْهِ الطّلبَة، وَنَزَلَ قُرْطُبَة.
قَالَ الأَبَّارُ: كَانَ ثِقَةً، صَالِحاً، كَفّ بِأَخَرَةٍ، وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي، وَغَيْرهُ: رَوَى الكَثِيْر بِالإِجَازَةِ، وَعزمت عَلَى الرّحلَة إِلَيْهِ، فَبَلَغَنِي مَوْته، فَعدلت إِلَى إِشْبِيْلِيَة، وَمَاتَ بِمَوْته بِالأَنْدَلُسِ إِسْنَاد كَبِيْر.
قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَلقِي أَبُو حَيَّانَ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ بِالإِجَازَةِ.
وَمَاتَ فِيْهَا: أَحْمَد بن سَلْمَانَ بن الأَصْفَر الحَرِيْمِيّ، وَالخَاتُوْن سِتّ الشَّام ابْنَة العَادل وَاقفَة الشَّامِيّة، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن مُحَمَّدِ بنِ يَعِيْش الأَنْبَارِيّ الكَاتِب، وَالتَّقِيّ عَبْد الرَّحْمَانِ بن نَسِيم الدِّمَشْقِيّ المُحَدِّث، وَمُدَرِّس المَالِكِيَّة برْهَان الدِّيْنِ عَلِيّ بن علوش بِدِمَشْقَ، وَحَفِيْد ابْن عَسَاكِرَ الإِمَامُ الحَافِظُ عِمَاد الدِّيْنِ عَلِيّ بن القَاسِمِ ابْن الحَافِظ جرِيحاً بَعْد عَوْدِهِ مِنْ خُرَاسَانُ، وَآخَرُوْنَ.
__________
= 157 (أيا صوفيا: 3011) ، وغاية النهاية لابن الجزري: 1 / 521.
والشقوري: بفتح الشين المعجمة وضم القاف، نسبة إلى شقورة من نواحي قرطبة، وهكذا هي مقيدة بالاصل وفي " أنساب " السمعاني و" لباب " ابن الأثير و" معجم البلدان " لياقوت، وشذ الجزري فقال: " بضم المعجمة والقاف " ولم أجد لقوله مستندا.(22/96)
69 - ابْنُ الرَّزَّازِ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ البَغْدَادِيُّ *
العَدْلُ الجَلِيْلُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ أَبِي المَنْصُوْر سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ ابْن الرَّزَّازِ البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ (الصَّحِيْح) مِنْ: أَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَسَمِعَ مِنْ نَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيّ، وَنَجِيْب الدِّيْنِ المِقْدَاد، وَجَمَاعَة.
وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ المِقْدَاد عَنْهُ.
مَاتَ: فُجَاءةً، فِي ثَانِي المُحَرَّم، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، بِبَغْدَادَ.
وَسَمِعْتُ (الصَّحِيْح) بكمَاله مِنَ الحَافِظ الكَبِيْر أَبِي الحَجَّاجِ يُوْسُف ابْن الزَّكِيّ الكَلْبِيّ بِسَمَاعه مِنَ النَّجِيْب القَيْسِيّ، عَنْهُ.
70 - العَمِيْدِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ **
العَلاَّمَةُ، سَيْفُ النَّظرِ، رُكْنُ الدِّيْنِ، أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ - أَوْ أَحْمَدُ - بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، العَمِيْدِيُّ، الحَنَفِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (الجُسْت) .
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 109، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 69، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1650، وتاريخ الإسلام، الورقة: 226 (بايس 1582) ، والعبر: 5 / 61، والمختصر المحتاج: 2 / 95 - 96، والنجوم الزاهرة: 6 / 246، وشذرات الذهب: 5 / 67.
(* *) تكرر على المؤلف من غير أن يشعر إذ سبق أن ترجمه قبل صفحات فراجعه هناك (الترجمة: 53) .(22/97)
كَانَ بارِعاً فِي الخلاَفِ، لَهُ طرِيقَةٌ مَشْهُوْرَةٌ فِي المُبَاحَثَةِ.
اشْتَغَل عَلَى الرَّضِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَلَهُ كِتَاب (الإِرْشَاد) شَرحه جَمَاعَة.
اشْتَغَل عَلَيْهِ: نَظَام الدِّيْنِ ابْن الحَصِيْرِيّ، وَغَيْرهُ.
مَاتَ: بِبُخَارَى، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَيْسَ علمه مِنْ زَادِ المعَاد.
71 - ابْنُ شَاسٍ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ نَجْمٍ الجُذَامِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، جَلاَلُ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ نَجْمِ بنِ شَاسِ بنِ نِزَارِ بنِ عَشَائِرَ بنِ شَاسٍ الجُذَامِيُّ، السَّعْدِيُّ، المِصْرِيُّ، المَالِكِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (الجَوَاهِر الثَّمِينَةِ، فِي فِقْهِ أَهْل (1) المَدِيْنَةِ) .
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ بَرِّي النَّحْوِيّ، وَدرَّس بِمِصْرَ، وَأَفتَى، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَاب، وَكِتَابه المَذْكُوْر وَضَعه عَلَى تَرْتِيْب (الوجِيْز) لِلْغزَالِيّ.
وَجَوَّده، وَنقَّحه، وَسَارَتْ بِهِ الرُّكبَان، وَكَانَ مُقْبِلاً عَلَى الحَدِيْث، مُدمناً لِلتفقُّه فِيْهِ، ذَا وَرع، وَتحرٍّ (2) ، وَإِخْلاَص، وَتَأَلّه، وَجِهَاد.
وَبعد عَوْده مِنَ الحَجّ، امْتَنَع مِنَ الفَتْوَى إِلَى حِيْنَ وَفَاته، وَكَانَ مِنْ بَيْت حِشْمَة وَإِمْرَةٍ.
__________
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1677، وفيات الأعيان: 3 / 61 - 62، والذخيرة السنية: 56، وتاريخ الإسلام، الورقة: 227 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 61 - 62، ودول الإسلام: 2 / 90، والبداية والنهاية: 13 / 86، والديباج المذهب لابن فرحون: 1 / 443، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 399، وحسن المحاضرة: 1 / 214، وشذرات الذهب: 5 / 69، وشجرة النور: 165.
(1) المشهور الذي ذكرته الكتب الأخرى ومنها تكملة المنذري: " عالم ".
(2) في الأصل: " وتحري ".(22/98)
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ المُنْذِرِيّ، وَوصفه بِأَكْثَر مِنْ هَذَا، وَقَالَ:
مَاتَ غَازِياً بِثغر دِمْيَاط، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، أَوْ فِي رَجَبٍ، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ الوزِيْرِيّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَظِيْمِ الحَافِظ، أَخْبَرْنَا ابْنُ شَاس، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَرِّيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَادِق المَدِيْنِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الغَسُوْلِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُسَاوِر الوَرَّاق، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ حُرَيْث، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِمَامَةً سَوْدَاء.
أَخْرَجَهُ: ت ق (1) ، عَنْ رِجَالِهِمَا، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
72 - الافْتِخَارُ عَبْدُ المُطَّلِبِ بنُ الفَضْلِ القُرَشِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، كَبِيْرُ الحَنَفِيَّة، افْتِخَارُ الدِّيْنِ، أَبُو هَاشِمٍ عَبْدُ المُطَّلِبِ بنُ الفَضْلِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بن عَبْدِ المَلِكِ بنِ صَالِحِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَلْخِيُّ، ثُمَّ الحَلَبِيُّ، الحَنَفِيُّ.
__________
(1) أخرجه الترمذي في الشمائل (108) ، وابن ماجة (1104) في الاقامة باب ما جاء في الخطبة يوم الجمعة، و (2821) في الجهاد: باب لبس العمائم في الحرب.
كما أخرجه إضاقة لما ذكر المؤلف الامام أحمد في " المسند " 4 / 307، والامام مسلم (1359) في الحج: باب جواز دخول مكة بغير إحرام، وأبو داود (4077) في اللباس: باب في العمائم، والنسائي في الزينة باب لبس العمائم الحرقانية: وراجع تحفة الاشراف للمزي: 8 / 143 - 144 من مسند عمرو بن حريث، والتعليق على "، زاد المعاد " لابن القيم: 1 / 135.
(*) تاريخ الإسلام، الورقة: 156 - 157 (أيا صوفيا، 3011) ، والعبر: 5 / 62، والجواهر المضية: 1 / 329، وشذرات الذهب: 5 / 69، وغيرها، ولم يذكره المنذري في " التكملة " مع شهرته هذه.(22/99)
تَفقّه بِمَا وَرَاء النَّهْرِ، وَسَمِعَ بِسَمَرْقَنْدَ وَبَلْخَ وَتِلْكَ الدِّيَارِ مِنَ: القَاضِي عُمَر بن عَلِيٍّ المَحْمُوْدِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ عَبْد الرَّشِيْد الولوَالجِي، وَالأَدِيْب عُمَر بن عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن بِشْرٍ البَلْخِيّ النَّقَّاش، وَالإِمَام أَبِي شُجَاع البِسْطَامِيّ، وَطَائِفَة.
وَأَفتَى، وَنَاظر، وَصَنَّفَ، وَقَدْ درّس بِالحلاَويَّة، وَصَنَّفَ شرحاً (لِلْجَامِع الكَبِيْر) فِي المَذْهَب.
وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَئِمَّة، وَكَانَ شَرِيْفاً، سَرِيّاً، وَرِعاً، دَيِّناً، وَقُوْراً، صَحِيْح السَّمَاع، عَلِيّ الإِسْنَاد.
حَدَّثَ عَنْهُ خلق، مِنْهُم: تَقِيّ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الحَوْرَانِيّ الزَّاهِد، وَالبِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَالعِمَاد أَحْمَد بن يُوْسُفَ الحَنَفِيّ، وَالمُؤَيَّد إِبْرَاهِيْم بن يُوْسُفَ القِفْطِيّ، وَأَبُو المَكَارِمِ إِسْحَاق بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ ابْن العَجَمِيّ، وَأَخُوْهُ؛ مُحَمَّد، وَابْن عَمِّهِ؛ القُطْب مُحَمَّد، وَالعُوْنُ سُلَيْمَان ابْن العَجَمِيّ، وَالمُحَدِّث عُبَيْد اللهِ بن عُمَرَ ابْن العَجَمِيّ، وَالكَمَال أَحْمَد ابْن النَّصِيْبِيّ، وَعَبْد اللهِ بن الأَوْحَدِ الزُّبَيْرِيّ، وَعِدَّة.
مَاتَ: بِحَلَبَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَرّخه: الشَّيْخ الضِّيَاء.
وَسَمِعْتُ عَلَى زَيْنَب الكِنْدِيَّة بِإِجَازته.
73 - ابْنُ الجَرَّاحِ تَاجُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ المِصْرِيُّ *
الأَدِيْبُ، المُنْشِئُ، تَاجُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ مَنْصُوْر ابْن الجَرَّاحِ المِصْرِيُّ، صَاحِبُ الخَطِّ الأَنِيقِ، وَالتَّرسُّلِ البَدِيْعِ.
__________
(*) عقود الجمان لابن الشعار: 10 / الورقة 98 والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1685، ووفيات الأعيان: 6 / 254 - 258، وتاريخ الإسلام: الورقة: 231 (باريس 1582) ، وشذرات الذهب: 5 / 71 - 72.(22/100)
خدم مُدَّة، وَرَوَى عَنِ السِّلَفِيّ، وَلَهُ لغزٌ: مَا شَيْء قَلْبه حَجَر، وَوجهه قمر، إِن نُبِذَ اعْتَزل البَشَر، وَإِن أَجعتَه رضِي بِالنّوَى، وَانطوَى عَلَى الخوَى، وَإِن أَشْبَعْتَهُ قَبَّل الْقدَم وَصَحِبَ الْخَدَم، وَإِن غلَّفتَه ضَاع، وَإِنْ أَدَخَلته السُّوق أَبَى أَنْ يُبَاع (1) ، وَإِن شدّدت ثَانِيَة وَحذفت رَابعه، كدرَ الحَيَاة، وَخفّف الصَّلاَة، وَأَحَدث وَقت الْعَصْر الضَّجر، وَوَفت الفَجْر الْخدر، وَإِنْ فَصلتَه دَعَا لَكَ وَبقَّى، مَا إِن ركبته هَالكَ، وَرُبَّمَا كثّر مَالك، وَأَحْسَن بعُوْن المسَاكين مآلك.
قَوْله: قَلْبه حجر أَي جَلْمَد، وَالمسَاكين أَهْل السَّفِيْنَة فِي البَحْر (2) .
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَهُ خَمْسٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
74 - اليُوْنِيْنِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَعْفَرٍ *
الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَسَدُ الشَّامِ، الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ جَعْفَرٍ اليُوْنِيْنِيُّ.
كَانَ شَيْخاً، طَوِيْلاً، مَهِيْباً، شُجَاعاً، حَادّ الحَال، كَانَ يَقوم نِصْف اللَّيْل إِلَى الفُقَرَاء، فَمَنْ رَآهُ نَائِماً وَلَهُ عصَا اسْمهَا العَافِيَة ضربَه بِهَا، وَيَحْمِل الْقوس وَالسِّلاَح، وَيلبس قُبعاً مِنْ جِلْدِ مَاعز بِصُوْفه، وَكَانَ أَمَّاراً بِالمَعْرُوف، لاَ يهَاب
__________
(1) بعد هذا في وفيات ابن خلكان: " وإن أظهرته جمل المتاع وأحسن الامتناع ".
(2) إشارة إلى قوله تعالى: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) (الكهف: 79) .
وحل اللغز: أنه الدملج الذي تلبسه النساء، إذ إنك حينما تقلب " دملج " تصير " جملد ".
وانظر شرح ما ورد في هذا اللغز كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان.
(*) مرآة الزمان: 8 / 612 - 617، وذيل الروضتين: 125 - 128، وتاريخ الإسلام، الورقة: 164 - 168 (أيا صوفيا 3011 بخطه) ، والعبر: 5 / 67 - 68، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 408 - 409، وشذرات الذهب: 5 / 73 - 75، قال الذهبي في تاريخ الإسلام: " وقد جمع مناقبه خطيب زملكا أبو محمد عبد الله ابن العز عمر المقدسي ".(22/101)
المُلُوْك، حَاضِر القَلْب، دَائِم الذّكر، بعيد الصِّيْت.
كَانَ مِنْ حدَاثته يَخْرُج وَيَنطرح فِي شَعْرَاء (1) يُونِيْن، فِيردّه السّفَّارَة إِلَى أُمّه، ثُمَّ تَعبّد بِجَبل لُبْنَان، وَكَانَ يَغْزُو كَثِيْراً.
قَالَ الشَّيْخُ عليّ القَصَّار: كُنْت أَهَابه كَأَنَّهُ أَسد، فَإِذَا دَنَوْت مِنْهُ، وَدِدْت أَنْ أَشقّ قَلْبِي وَأَجعله فِيْهِ.
قِيْلَ: إِنَّ العَادل أَتَى وَالشَّيْخ يَتوضَأَ، فَجَعَلَ تَحْتَ سجَادته دَنَانِيْر، فَرَدَّهَا، وَقَالَ:
يَا أَبُو (2) بَكْرٍ كَيْفَ أَدْعُو لَكَ وَالخُمُوْر دَائِرَة فِي دِمَشْق، وَتبيع المَرْأَة وَقيَة يُؤْخَذ مِنْهَا قرطيس؟
فَأَبطل ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: جلس بَيْنَ يَدَيْهِ المُعَظَّمُ، وَطلب الدُّعَاء مِنْهُ، فَقَالَ:
يَا عِيْسَى، لاَ تَكُنْ نحس (3) مِثْل أَبيك، أَظهر الزّغل (4) ، وَأَفسد عَلَى النَّاسِ المعَامِلَة.
حكَى الشَّيْخ عَبْد الصَّمَدِ، قَالَ: وَاللهِ مُذْ خدمت الشَّيْخ عَبْد اللهِ، مَا رَأَيْتهُ اسْتند وَلاَ سَعَل وَلاَ بَصَق.
قد طوّلت هَذِهِ التَّرْجَمَة فِي (التَّارِيْخ الكَبِيْر) ، وَفِيْهَا كَرَامَات لَهُ وَرِيَاضَات وَإِشَارَات، وَكَانَ لاَ يَقوم لأَحدٍ تَعْظِيْماً للهِ وَلاَ يَدّخر شَيْئاً؛ لَهُ ثَوْب خَام، وَيلبس فِي الشِّتَاء فَرْوَة، وَقَدْ يُؤثِر بِهَا فِي الْبرد، وَكَانَ رُبَّمَا جَاع وَيَأْكُل مِنْ وَرق الشَّجَر.
__________
(1) الشعراء بوزن الصحراء: الشجر الكثير.
(2) هكذا في الأصل وفي تاريخ الإسلام بخط الذهبي، فهي على الحكاية.
(3) هكذا في الأصل وفي تاريخ الإسلام بخط الذهبي، وصوابها " نحسا " لكن أبقيناها لأنها من كلام الشيخ.
(4) العملة المغشوشة.(22/102)
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (1) : كَانَ الشَّيْخ شُجَاعاً، مَا يُبالِي بِالرِّجَال قلُّوا أَوْ كثرُوا، وَكَانَ قَوْسه ثَمَانِيْنَ رطلاً، وَمَا فَاتته غَزَاة، وَقِيْلَ: كَانَ يَقُوْلُ لِلشَّيْخِ الفَقِيْه تِلْمِيْذه: فِيَّ وَفِيك نَزلت: {إِنَّ كَثِيْراً مِنَ الأَحْبَار وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُوْنَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ (2) } [التَّوبَة: 34] .
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَهُوَ صَائِم، وَقَدْ جَاوَزَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
وَلأَصْحَابِهِ فِيْهِ غُلُوّ زَائِد، وَقَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً، وَالشَّيْخ أَبُو عُمَرَ (3) أَجَلّ الرَّجُلين.
75 - الغَزْنَوِيُّ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ *
الوَاعِظُ، أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الغَزْنَوِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ 532 (4) .
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ صِرْمَا، وَالأُرْمَوِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ ابْن البَغْدَادِيّ.
__________
(1) مرآة الزمان: 8 / 615 - 616.
(2) وتمام الحكاية أنه كان يقول لتلميذه: أنا من الرهبان وأنت من الاحبار.
(3) المقدسي المتوفى سنة 607.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 11، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة: 208 - 209 (باريس 5921) ، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1838، وتاريخ الإسلام، الورقة 213 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج: 1 / 200 - 201، وميزان الاعتدال: 1 / 122 - 123، ولسان الميزان: 1 / 232.
(4) في التاسع في ذي القعدة سنة 532 كما ذكر ابن الدبيثي والمنذري.(22/103)
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (1) : لَمْ يحبّ الرِّوَايَة لمِيْله إِلَى غَيْر ذَلِكَ وَشنآنه (2) ، وَلَمْ يَكُنْ مَحْمُوْد الطّرِيقَة.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ فَاسِد العقيدَة، يَعِظ وَيَنَال مِنَ الصَّحَابَةِ، شَاخَ وَافتقر وَهَجره النَّاسُ، وَكَانَ ضجوراً عسراً مُبِغضاً لأَهْل الحَدِيْث، انْفَرد برِوَايَة (جَامِع التِّرْمِذِيّ) ، وَ (بِمَعْرِفَة الصَّحَابَة) لابْنِ مَنْدَة، وَكَانَ يُسَمِّع بِالأُجْرَة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: لَيْث (3) ابْن نُقْطَة، وَمُحَمَّد بن الْهَنِي، وَمُحَمَّد بن مَسْعُوْدٍ العَجَمِيّ المَوْصِلِيّ، وَالشَّيْخ عَبْد الصَّمَدِ بن أَبِي الجَيْش.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة (4) : هُوَ مَشْهُوْر بَيْنَ العوَام برذَائِل وَنقَائِص مِنْ شَرِبَ وَرفض، ثُمَّ سُئِلَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَمَّنْ يَقُوْلُ: القُرْآن مَخْلُوْق، فَقَالَ: كَافِر، وَعَمَّنْ يَسُبّ الصَّحَابَة، فَقَالَ: كَافِر، وَعَمَّنْ يَسْتَحلّ شرب الخَمْر - وَقِيْلَ: إِنَّهُم يَعنونك بِذَلِكَ - فَقَالَ: أَنَا برِيْء مِنْ ذَلِكَ، وَكَتَبَ خطّه بِالبَرَاءة.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ تَابَ وَارعوَى.
وَمِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ كَثِيْراً: الشَّيْخ جَمَال الدِّيْنِ يَحْيَى ابْن الصَّيْرَفِيّ.
تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
76 - الطُّوْسِيُّ أَبُو الحَسَنِ المُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، رَضِيُّ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ
__________
(1) تاريخه، الورقة: 209 (باريس 5921) .
(2) أي بغضه، وفي تاريخ الإسلام وتاريخ ابن الدبيثي: " وشنئه له ".
(3) ليث هذا هو ابن الحافط أبي بكر ابن نقطة.
(4) التقييد، الورقة: 11.
(*) التكملة للمنذري: 3 / الترجمة: 1765، وفيات الأعيان: 5 / 345 - 346، =(22/104)
المُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي صَالِحٍ الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ (صَحِيْح مُسْلِم) فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ مِنَ الفُرَاوِيّ (1) .
وَسَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مِنْ: وَجيه (2) ، وَأَبِي المَعَالِي الفَارِسِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن شَاه.
وَ (المُوَطَّأ (3)) مِنْ: هِبَة اللهِ السَّيِّدِيّ (4) سِوَى الفَوَت العَتِيْق.
وَسَمِعَ (تَفْسِيْر الثَّعْلَبِيّ (5)) مِنْ: عبَّاسَة (6) العَصَّارِيّ، وَأَكْثَر (الْوَسِيط) لِلوَاحِدِي مِنْ عَبْدِ الجَبَّارِ الخُوَارِيّ، وَ (الغَايَة) لابْنِ مهرَان مِنْ زَاهِر بن طَاهِر، وَ (الأَرْبَعِيْنَ) لِلْحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ مِنْ فَاطِمَة بِنْت زَعْبَل، وَ (جُزْء ابْن نَجيد) ، وَأَشيَاء تَفَرَّد بِهَا، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ الأَقطَار.
وَكَانَ ثِقَةً، خَيّراً، مُقْرِئاً، جَلِيْلاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: العَلاَّمَةُ جَمَالُ الدِّيْنِ مَحْمُوْدُ ابْنُ الحَصِيْرِيّ، وَابْنُ الصَّلاَح، وَالقَاضِي الخُوئِي، وَابْنُ نُقْطَة، وَالبِرْزَالِيُّ، وَابْنُ النَّجَّارِ،
__________
= والمختصر لأبي الفدا: 3 / 153، وتاريخ الإسلام، الورقة: 242 - 243 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 71، ودول الإسلام: 2 / 91، وغاية النهاية: 2 / 325، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 403 - 408، والنجوم الزاهرة: 6 / 251، وتاريخ ابن الفرات: 10 / الورقة: 25، وشذرات الذهب: 5 / 78 والتاج المكلل: 134 - 135.
(1) أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي.
(2) ابن طاهر بن محمد الشحامي.
(3) برواية أبي مصعب.
(4) تصحف في وفيات الأعيان إلى " السندي " ووضع المحقق الصحيح في الهامش! (5) تصحف في " التكملة " المنذرية إلى " العلي " أظنه من الطبع وهو ظاهر بين، فليصحح.
(6) هذا لقبه واسمه محمد بن محمد الطوسي.(22/105)
وَالضِّيَاءُ وَالمُرْسِيُّ، وَالصَّرِيْفِيْنِيُّ، وَالمَجْدُ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ الصُّوْرِيّ، وَشَمْسُ الدِّيْنِ زكِي البَيْلَقَانِيّ، وَمُفَضَّلُ القُرَشِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُمَرَ البَاذَبِينِيُّ، وَالكَمَالُ بنُ طَلْحَة، وَخَلْقٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: تَاج الدِّيْنِ العَصْروِيّ (1) ، وَابْن عَسَاكِرَ، وَعَبْد الوَاسِع الأَبْهَرِيّ، وَزَيْنَب الكِنْدِيَّة.
تُوُفِّيَ: فِي العِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ.
وَقَدْ أَجَاز لَهُ مِنْ بَغْدَادَ: قَاضِي المَارستَان، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز.
وَفِيْهَا مَاتَ: الزَّاهِد الشَّيْخ عَبْد اللهِ اليُوْنِيْنِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَانِ بن أَحْمَدَ بنِ هديَّة الوَرَّاق، وَالمُحَدِّث عَبْد العَزِيْزِ بن هِلاَلَة، وَعَبْد العَظِيْمِ بن عَبْدِ اللَّطِيْفِ الشَّرابِيّ، وَأَمِيْر مَكَّة قَتَادَة بن إِدْرِيْسَ الحَسَنِيّ، وَخُوَارِزْم شَاه عَلاَء الدِّيْنِ مُحَمَّد بن تِكِش، وَصَاحِب حَمَاة المَنْصُوْر بن مُحَمَّدِ بنِ تَقِيّ الدِّيْنِ عُمَر، وَوزِيْر العِرَاق النَّصِيْر بن مَهْدِيٍّ العَجَمِيّ، وَالأَمِيْر عِمَاد الدِّيْنِ ابْن المَشْطُوب.
حكَى (2) الأَشرف أَحْمَد ابْن القَاضِي الفَاضِل: حَدَّثَنِي المُحِبّ عَبْد العَزِيْزِ بن هِلاَلَة، قَالَ:
رَأَيْتُ كَأنَّ المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ قَدْ مَاتَ وَدَفَنَّاهُ، فَلَمَّا انْصرف النَّاس وَشق القَبْر وَخَرَجَ مِنْهُ النَّار وَهُوَ يُنَادِي: يَا مُحِبّ مَا تبصر مَا أَنَا فِيْهِ؟
قُلْتُ: وَلِمَ يُفْعَلْ بِك هَذَا؟
قَالَ: لأَخذ الذّهب عَلَى حَدِيْث رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
__________
(1) هو تاج الدين ابن أبي عصرون، وهذه النسبة من ابتداع الذهبي رحمه الله، ومثلها قوله: كمال الدين " العديمي " لابن العديم.
(2) لا أستبعد أن يكون المؤلف قد اضاف هذه الفقرة بأخرة فألحقها الناسخ في هذا الموضع، وكان من الاحسن أن يضعها قبل ذكر من توفي سنة وفاة المترجم، وهي مما لم يرد في " تاريخ الإسلام ".(22/106)
ثُمَّ حَدَّثَ المُحِبّ بِمَنَام رَآهُ لابْنِ طَبَرْزَد هُوَ فِي (تَارِيْخ ابْن العَدِيْم) .
77 - السَّمْعَانِيُّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، المُحَدِّثُ، فَخْرُ الدِّيْنِ، أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ ابْن السَّمْعَانِيِّ المَرْوَزِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي ذِي القَعْدَةِ، وَاعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ اعتنَاء كليّاً، وَرَحَلَ بِهِ، وَأَسمَعَهُ مَا لاَ يُوْصَف كَثْرَة.
وَسَمِعَ بِعُلُوّ: (صَحِيْح البُخَارِيِّ) ، وَ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) ، وَ (جَامِع أَبِي عِيْسَى) ، وَ (سُنَن النَّسَائِيّ) ، وَ (مُسْنَد أَبِي عَوَانَةَ) وَ (تَارِيْخ الفَسَوِيّ) .
وَسَمِعَ: (الحِلْيَة) ، وَ (مُسْنَد الهَيْثَم) ، وَ (صَحِيْح مُسْلِم) وَكَثِيْراً مِنْ (مُسْنَد السَّرَّاج) .
وَخَرَّجَ أَبُوْهُ لَهُ عَوَالِي فِي سِفْرَيْنِ، وَأَشغله بِالفِقْه وَالحَدِيْث وَالأَدب، وَحصّل مِنْ كُلِّ فَنّ، وَانتهت إِلَيْهِ رِيَاسَة الشَّافِعِيَّة بِبلده، وَكَانَ مُعَظَّماً محترماً، قَالَهُ ابْن النَّجَّارِ.
قَالَ: وَعَمِلَ لَهُ أَبُوْهُ (مُعْجَماً) فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ جُزْءاً.
قُلْتُ: أَعْلَى شَيْخ لَهُ: أَبُو تَمَّام أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ العَبَّاسِيّ التَّاجِر، حَدَّثَهُ (بصفَة المُنَافِق) بِنَيْسَابُوْرَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ابْن المُسْلِمَةِ.
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 148، وتلخيص مجمع الآداب: 4 / الترجمة: 2168، وتاريخ الإسلام: الورقة: 235 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 3 / 28 - 29، والعبر: 5 / 68 - 69، ميزان الاعتدال: 2 / 606، ولسان الميزان: 4 / 6، وشذرات الذهب: 5 / 75، وغيرها.(22/107)
وَسَمِعَ مِنَ: الرَّئِيْس أَسَعْد بن عَلِيٍّ المهروِي، وَوَجِيْه الشَّحَّامِيّ، وَالحُسَيْن بن عَلِيٍّ الشَّحَّامِيّ، وَأَبِي الفُتُوْح عَبْد اللهِ بن عَلِيٍّ الخَركوشِيّ، وَالجُنَيْد القَايِنِيّ، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَأَبِي الأَسْعَد ابْن القُشَيْرِيّ، وَجَامع السَّقَّاء، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بن أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَمُحَمَّد بن مَنْصُوْرٍ الحُرْضِيّ، وَأَبِي طَاهِرٍ مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ (1) ، وَأَبِي الفَتْحِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُشمهينِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ بنِ تَمِيْمٍ الطَّائِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَعْدٍ الشِّيْرَازِيّ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الشَّامَاتِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَاحِدِ المَغَازِلِيّ، وَمُحَمَّد بن جَامِعٍ خَيَّاط الصُّوف، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ السَّنْجَبَسْتِيّ (2) ، وَسَعِيْد بن عَلِيٍّ الشُّجَاعِيّ، وَأَبِي البَرَكَاتِ عَبْد اللهِ بن الفُرَاوِيّ، وَعَبْد السَّلاَمِ الهَرَوِيّ بكبرَة، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْدِ الخَالِقِ بن الشَّحَّامِيّ، وَعُمَر بن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَعُثْمَان بن عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَخَلْق بِبُخَارَى، وَسَمَرْقَنْد، وَهرَاة، وَنَيْسَابُوْر، وَمرو، وَأَمَاكن عِدَّة.
وَحَجّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَرجع.
رَوَى الكَثِيْر، وَرَحَلَ الطّلبَة إِلَيْهِ.
سَمِعَ مِنْهُ: الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الحَازِمِيّ وَمَاتَ قَبْلَهُ بدَهْر، وَالبِرْزَالِيّ، وَابْن الصَّلاَح، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن هِلاَلَة، وَالشَّرَف المُرْسِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الْمُحسن الغَرَّافِيّ، وَجَمَاعَة.
__________
(1) بالنون والجيم نسبة إلى سنج: قرية كبيرة من قرى مرو، وهو مترجم في الجزء العشرين برقم (192) .
(2) نسبة إلى سنج بست، بين نيسابور وسرخس.(22/108)
وَبِالإِجَازَةِ: تَاج الدِّيْنِ ابْن عصرُوْنَ، وَالشَّرَف ابْن عَسَاكِرَ، وَزَيْنَب الكِنْدِيَّة.
وَكَانَ صَدْراً مُعَظَّماً مُكَمَّلاً، بَصِيْراً بِالمَذْهَبِ، لَهُ أَنسَةٌ بِالحَدِيْثِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلاَح: قَرَأْت عَلَيْهِ فِي (أَرْبَعِيْنَ) ابْن الفُرَاوِيّ فِي حَدِيْث كَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ البُخَارِيّ، فَقَالَ: لَيْسَ لَكَ بعَال، وَلَكِنَّهُ البُخَارِيّ نَازل.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمَاعَاته بخُطُوط المَعْرُوْفِيْن صَحِيْحَة، فَأَمَّا مَا كَانَ بِخَطِّهِ، فَلاَ يَعتمد عَلَيْهِ، كَانَ يَلحق اسْمه فِي الطّباق (1) .
قُلْتُ: عُدم فِي دُخُوْل التَّتَار فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ فِي أَوَّلِ سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ (2) ، وَكَانَ أَخُوْهُ الصَّدْر أَبُو زَيْد مُحَمَّد رَسُوْلاً مِنْ جِهَةِ خُوَارِزْم شَاه إِلَى الخَلِيْفَة.
78 - ابْنُ الصَّفَّارِ القَاسِمُ بنُ عَبْد اللهِ بنِ عُمَرَ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُسْنِدُ الجَلِيْلُ، أَبُو بَكْرٍ القَاسِمُ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الفَقِيْهِ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ابْنُ الصَّفَّارِ، الشَّافِعِيُّ، مُفْتِي خُرَاسَانَ.
مَوْلِدُهُ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ جدّه، وَمِنْ: وَجيه الشَّحَّامِيّ، وَعَبْد اللهِ ابْن الفُرَاوِيّ، وَمُحَمَّد
__________
(1) بسبب هذا القول وضعه الذهبي في " الميزان "، وتناوله الحافظ ابن حجر في " اللسان ".
(2) وأغرب ابن الفوطي فذكر أنه توفي سنة 615.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 194، والتكملة للمنذري: 3 / الترجمة: 1860، وتاريخ الإسلام، الورقة: 247 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 74 - 75، وطبقات السبكي: 5 / 148، والنجوم الزاهرة: 6 / 253، وشذرات الذهب: 5 / 81 - 82.(22/109)
بن مَنْصُوْرٍ الحُرْضِيّ، وَهبَة الرَّحْمَانِ ابْن القُشَيْرِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ العصَائِدِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن إِسْمَاعِيْلَ الصَّيْرَفِيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَالصَّرِيْفِيْنِيّ، وَابْن الصَّلاَح، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، وَالمُرْسِيّ، وَالبَكْرِيّ، وَعُمَر الكَرْمَانِيّ، وَجَمَاعَة.
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو الفَضْلِ ابْن عَسَاكِرَ، وَابْن أَبِي عَصْرُوْنَ، وَزَيْنَب بِنْت كندِي.
وَمِنْ مَسْمُوْعَاته: (مُسْنَد أَبِي عَوَانَةَ) مِنْ أَبِي الأَسْعَد ابْن القُشَيْرِيّ، وَكِتَاب (الزُّهرِيات) لِلذُّهلِيّ مِنْ وَجيه.
وَنقَلْتُ مَنْ خطّ الإِسْفَرَايِيْنِيّ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُفْتِي خُرَاسَان شِهَاب الدِّيْنِ القَاسِم ابْن الصَّفَّار ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً، ثُمَّ قَالَ:
مَا رَأَيْتُ فِي خُرَاسَان مِنَ المَشَايِخ مِثْل شِهَاب الدِّيْنِ هَذَا حلماً وَعلماً وَمَعْرِفَة بِالمَذْهَبِ، سَمِعْتُ أَنَّهُ درّس (الْوَسِيط) لِلْغزَالِيّ أَرْبَعِيْنَ مرَّة دَرْسَ العَامَّة سِوَى درْس الخَاصَّة.
قَالَ: وَدَخَلت التّرك نَيْسَابُوْر فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَلَمْ يَتمكنُوا مِنْ دُخُوْلهَا، قُتل مقدمهُم بِسهم غرْب، فَرجعُوا عَنْهَا، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَأَخَذوهَا، وَأَخربُوْهَا، وَقتلُوا رِجَالهَا وَنسَاءهَا إِلاَّ مَنْ شَاءَ الله، وَاسْتُشْهِدَ شَيْخنَا القَاسِم ابْن الصَّفَّار فِيهِم.
79 - مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيِّ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، مُفِيْدُ أَصْبَهَان.
__________
(*) التكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1282، وتاريخ الإسلام: 18 / 1 / 408، والعبر: 5 / 36، والذيل لابن رجب: 2 / 65 - 66، وشذرات الذهب: 5 / 42 - 43.(22/110)
سَمِعَ: أَبَا الخَيْرِ البَاغَبَان، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الرُّسْتُمِيّ، وَمَسْعُوْد بن الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، وَمَحْمُوْداً فورجَة، وَأَبَا المُطَهَّر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَطَبَقَتهُم.
وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَجَمَعَ، وَخَرَّجَ، وَحَدَّثَ.
رَوَى عَنْهُ: ضِيَاء الدِّيْنِ المَقْدِسِيّ، وَزَكِيّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيّ، وَطَائِفَة مِنَ الرّحَّالَة.
وَأَجَاز: لابْنِ شَيْبَان، وَالفَخْر ابْن البُخَارِيِّ، وَالبُرْهَان ابْن الدّرَجِيِّ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّم، سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ.
80 - نَجْمُ الدِّيْنِ الكُبْرَى أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ الخُوَارِزْمِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، الشَّهِيْدُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، نَجْمُ الكُبَرَاءِ - وَيُقَالُ: نَجْمُ الدِّيْنِ الكُبْرَى (1) - الشَّيْخ، أَبُو الجَنَّابِ أَحْمَد بن عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ الخُوَارِزْمِيُّ، الخِيْوَقِيُّ (2) ، الصُّوْفِيُّ.
وَخِيْوَق (3) : مِنْ قُرَى خُوَارِزْم.
طَاف فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ العَطَّار، وَمُحَمَّد بن بُنَيْمَانَ، وَعَبْد المُنْعِمِ ابْن الفُرَاوِيّ،
__________
(*) تاريخ الإسلام، الورقة: 180 - 181 (أيا صوفيا 3011) ، والعبر: 5 / 73 - 74، وشذرات الذهب: 5 / 79 - 80 وغيرها.
(1) قال الذهبي في " تاريخ الإسلام ": " سمعت أبا العلاء الفرضي يقول: إنما هو نجم الكبراء ثم خفف وغير وقيل: نجم الدين الكبرى ".
هذه رواية أبي العلاء، أما ابن العماد فنقل في " شذرات الذهب " حكاية أخرى في لقبه فقال: " وسبق أقرانه في صغره إلى فهم المشكلات والغوامض فلقبوه: الطامة الكبرى، ثم كثر استعماله فحذفوا " الطامة " وأبقوا " الكبرى ".
قلنا: وأبو العلاء الفرضي أدرى بما يقول وبتلك النواحي.
(2) ضم محقق الجزء الخامس من العبرياء " الخيوقي " فما أصاب.
(3) هذا هو اختيار المؤلف - أعني بكسر الخاء - أما ياقوت فقال: " بفتح أوله وقد يكسر " فكأن الكسر عنده ضعيفا.(22/111)
وَطَبَقَتهم، وَعُنِي بِالحَدِيْثِ، وَحصّل الأُصُوْل.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ هِلاَلَة، وَخَطِيْب دَارَيَّا شَمخ، وَنَاصِر بن مَنْصُوْرٍ العُرْضِيّ، وَسَيْف الدِّيْنِ البَاخَرْزِيّ - تِلْمِيْذه - وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة (1) : هُوَ شَافعِيّ، إِمَام فِي السُّنَّةِ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: طَاف البِلاَد، وَسَمِعَ، وَاسْتَوْطَنَ خُوَارِزْم، وَصَارَ شَيْخ تِلْكَ النَّاحيَة، وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَسُنَّة، ملجَأ لِلْغربَاء، عَظِيْم الجَاه، لاَ يَخَاف فِي اللهِ لُوْمَة لاَئِم.
وَقَالَ ابْنُ هِلاَلَة: جلَسْتُ عِنْدَهُ فِي الخلوَة مرَاراً، وَشَاهِدت أُمُوْراً عَجِيْبَة، وَسَمِعْتُ مَنْ يُخَاطبنِي بِأَشيَاء حَسَنَة.
قُلْتُ: لاَ وُجُوْد لِمَنْ خَاطبك فِي خَلْوَتِك مَعَ جُوعِك الْمُفرط، بَلْ هُوَ سَمَاع كَلاَم فِي الدِّمَاغ الَّذِي قَدْ طَاش وَفَاش وَبَقِيَ قَرعَة كَمَا يتمّ لِلمُبَرْسَم (2) وَالمغمور بِالحُمَّى وَالمَجْنُوْن، فَاجزِم بِهَذَا، وَاعَبد اللهِ بِالسُّنَن الثَّابتَة، تُفْلِح!
وَقِيْلَ: إِنَّهُ فَسّر القُرْآن فِي اثْنَيْ عَشَرَ مُجَلَّداً، وَقَدْ ذهب إِلَيْهِ فَخْر الدِّيْنِ الرَّازِيّ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَنَاظر بَيْنَ يَدَيْهِ فَقِيْهاً فِي مَعْرِفَةِ الله وَتوحيده، فَأَطَالاَ الجِدَال، ثُمَّ سَأَلاَ الشَّيْخ عَنْ علم المَعْرِفَة، فَقَالَ: هِيَ وَاردَات ترد عَلَى النُّفُوْس، تَعجز النُّفُوْس عَنْ ردّهَا، فَسَأَلَهُ فَخْر الدِّيْنِ: كَيْفَ الوُصُوْل إِلَى إِدرَاك ذَلِكَ؟
قَالَ: بِتَرْكِ مَا أَنْتَ فِيْهِ مِنَ الرِّئَاسَة، وَالحظوظ.
قَالَ: هَذَا مَا أَقْدِر عَلَيْهِ.
وَأَمَّا رَفِيْقُهُ فَزَهِدَ، وَتَجَرَّدَ، وَصَحِبَ الشَّيْخَ.
__________
(1) لابد أنه ترجمه في " التقييد " ولكني لم أجده في نسختي، وهي ناقصة في هذا الموضع.
(2) البرسام: علة يهذي فيها.(22/112)
نَزَلَتِ التَّتَارُ عَلَى خُوَارِزْم فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، فَخَرَجَ نَجْم الدِّيْنِ الكُبْرَى فِيْمَنْ خَرَجَ لِلْجِهَاد، فَقَاتلُوا عَلَى بَابِ البَلَد حَتَّى قتلُوا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - وَقُتِلَ الشَّيْخ وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ (1) .
وَفِي كَلاَمه شَيْء مِنْ تَصُوف الحكمَاء (2) .
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ نَافِع الهندِيّ، أَخْبَرَنَا مَوْلاَيَ سَعِيْد بن المُطَهَّر (3) ، أَخْبَرَنَا أَبُو الجَنَّابِ أَحْمَد بن عُمَرَ سَنَة 615، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي العَلاَءِ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ سَالِمٍ، عَنْ نُوْح بن أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
سُئِلَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ هَذِهِ الآيَة: {لِلَّذِيْنَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (4) } ، قَالَ: (لِلَّذِيْن أَحْسَنُوا العَمَلَ فِي الدُّنْيَا الحُسْنَى، وَهِيَ الجَنَّة، وَالزِّيَادَة: النَّظَر إِلَى وَجه الله الكَرِيْم) .
نوح تَالِف، وَسَلْم ضَعَّفُوهُ (5) .
__________
(1) حينما أراد الكفار التتار دخول البلد، نادى الشيخ نجم الدين وأصحابه الباقون: الصلاة جامعة، ثم قال: قوموا نقاتل في سبيل الله، ودخل البيت ولبس خرقة التصوف التي ألبسها له شيخه، وحمل على العدو فرماهم حتى بالحجارة، ثم أصابه سهم في صدره قتله، رضي الله عنه وعن الشهداء المدافعين عن بيضة الإسلام ضد الكافرين والمارقين والمشعوذين والدجالين.
(2) قال المؤلف في " تاريخ الإسلام ": " وكان شيخنا عماد الدين الحزامي يعظمه ولكن في الآخر أراني كلاما فيه شيء من لوازم الاتحاد، وهو إن شاء الله سالم من ذلك، فإنه محدث معروف بالسنة والتعبد كبير الشأن، ومن مناقبه أنه استشهد في سبيل الله ... قتلوا مقبلين غير مدبرين ".
(3) الباخرزي.
(4) يونس / 26.
(5) انظر ميزان الاعتدال: 2 / 185 وأورده السيوطي في " الدر المنثور " ونسبه لأبي الشيخ وابن منده والدارقطني في الرؤية وابن مردويه واللالكائي وابن النجار.
وقال المؤلف في " تاريخ الإسلام ": هذا حديث منكر انفرد به سلم بن سالم البلخي، وهو ضعيف باتفاق ".(22/113)
وَفِيْهَا مَاتَ: الوَاعِظ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الغَزْنَوِيّ صَاحِب الكَرُوْخِيّ، وَطَاغوت الإِسْمَاعِيْلِيَّة ضلاَل الدِّيْنِ (1) حَسَن بن عَلِيٍّ الصَّبَّاحِيّ بِالألموت، وَالشِّهَاب مُحَمَّد بن رَاجِحٍ الحَنْبَلِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَانِ الوَاسِطِيّ التَّاجِر، وَمُوْسَى بن عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيّ، وَهِبَة اللهِ بن الخَضِر بن طَاوُوْس، وَالقَاسِم بن عَبْدِ اللهِ ابْن الصَّفَّار، وَمُسْنِد هَرَاة أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّاز.
81 - أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ السَّاعِدِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الصَّدُوْقُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، حَافِظُ الدِّيْنِ، أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَسَعْدَ بنِ صَاعِدٍ السَّاعِدِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، الهَرَوِيُّ، البَزَّازُ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بهَرَاة.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَبعدهَا مِنْ: جدّه لأُمِّهِ؛ عُبَيْد اللهِ بن أَبِي عَاصِمٍ، وَتَمِيْم بن أَبِي سَعِيْدٍ الجُرْجَانِيّ، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ الفُضَيْلِيّ، وَيُوْسُف بن أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ الزَّاهِد، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ المُضَرِيّ، وَعَبْد الرَّشِيْد حَفِيْد أَبِي عُمَرَ المَلِيْحِيّ، وَعِدَّة.
وَلَهُ (مَشْيَخَة) فِي جُزْء.
وَقَدْ حضَر فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ عَلَى: مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الفَامِيّ.
وَسَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مِنْ: خَلَف بن عَطَاءٍ، بِسَمَاعه مِنْ أَبِي عُمَرَ المَلِيْحِيّ.
__________
(1) لقبه الصحيح: " جلال الدين "، والذهبي إنما ذكر له هذا اللقب من عنده لضلاله، وإن قال بعضهم: إنه أظهر شعائر الإسلام بأخرة، لكن المستقري لتاريخه يظهر له أنه إنما فعل ذلك لاسباب سياسية، أعاذنا الله من الضلال.
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة: 168، وتاريخ الإسلام، الورقة: 184 - 185 (أيا صوفيا: 3011) ، والعبر: 5 / 74، والشذرات: 5 / 81.(22/114)
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة (1) : سَمِعَ (مُسْنَد أَبِي يَعْلَى) مِنْ تَمِيْم، قَالَ لِي يَحْيَى بن عَلِيٍّ المَالقِيّ: كَانَ لَهُ فَوت فِيْهِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ خَوْلَة مِنَ الهِنْد إِلَى هَرَاة، فَأَخْرَجَ لَنَا المُجَلَّدَة الَّتِي فِيْهَا سَمَاعه، فَتَمَّ لَهُ الكِتَاب.
قَالَ: وَيَرْوِي كِتَاب (الأَنْوَاع وَالتّقَاسيم (2)) .
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَالمُرْسِيّ، وَالبَكْرِيّ، وَعَبْد الحَقِّ المَنْبِجِي، وَالصَّرِيْفِيْنِيّ، وَمَشْهُوْر النِّيرَبَانِي.
وَسَمِعْتُ بِإِجَازته مِنْ جَمَاعَة، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ.
قَالَ الضِّيَاء: قتلته التّركُ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ (3) .
العَادِلُ وَبَنُوْهُ:
82 - أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي الدُّوِيْنِيُّ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المَلِكُ العَادِل، سَيْفُ الدِّيْنِ، أَبُو المُلُوْكِ، وَأَخُو المُلُوْكِ، أَبُو
__________
(1) التقييد، الورقة: 168.
(2) الذي في كتاب ابن نقطة: " التقاسيم والانواع "، وهو لأبي حاتم ابن حبان البستي المتوفى سنة 354.
(3) قال ابن نقطة: " وانقطعت عنا أخبار البلاد من سنة عشرة ولم تبلغنا وفاته ".
قال بشار: وابن خولة استشهد أيضا بدخول الكفار التتار إلى هراة.
(*) سيرته مشهورة في تواريخ عصره، وفي الكتب التي تناولت سيرة أخيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين رضي الله عنه، وله ترجمة في " الكامل " لابن الأثير وأخبار كثيرة في غير موضع منه، وفي مرآة الزمان: 8 / 594 - 598، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1596، وذيل الروضتين: 113، ووفيات الأعيان: 5 / 74 - 79، ومفرج الكروب لابن واصل (في غير موضع) ، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 126 - 127، وتاريخ الإسلام، الورقة: 221 - 223 (باريس 1582 -) والوافي بالوفيات: 2 / 235 - 238، والبداية والنهاية: 13 / 79 - 80، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 168، والسلوك للمقريزي: 1 / 1 / 190 - 194، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 375 - 380 وغيرها كثير.(22/115)
بَكْرٍ مُحَمَّد ابْنُ الأَمِيْرِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي بنِ مَرْوَانَ بنِ يَعْقُوْبَ الدُّوِيْنِيُّ الأَصْل، التَّكرِيتِيُّ، ثُمَّ البَعْلَبَكِّيّ المَوْلِد.
وُلِدَ بِهَا إِذْ وَالِده يَنوب بِهَا لِلأَتَابَك زَنْكِي بن آقْسُنْقُر فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
كَانَ أَصْغَر مِنْ أَخِيْهِ صَلاَح الدِّيْنِ بعَامَيْنِ، وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ - فَاللهُ أَعْلَم -.
نشَأَ فِي خدمَة المَلِك نُوْر الدِّيْنِ، ثُمَّ شَهِدَ المَغَازِي مَعَ أَخِيْهِ.
وَكَانَ ذَا عقل وَدَهَاء وَشجَاعَة وَتؤدة وَخبرَة بِالأُمُوْر، وَكَانَ أَخُوْهُ يَعتمدُ عَلَيْهِ وَيَحترمه، اسْتنَابه بِمِصْرَ مُدَّة ثُمَّ ملّكه حَلَب، ثُمَّ عوّضه عَنْهَا بِالكَرَك وَحرَّان، وَأَعْطَى حَلَب لوَلَده الظَّاهِر.
قِيْلَ: إِنَّ العَادل لَمَّا سَارَ مَعَ أَخِيْهِ (1) ، قَالَ: أَخذت مِنْ أَبِي حُرْمدَان (2) ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِذَا أَخذتم مِصْر امْلَأْهُ لِي ذهباً.
فَلَمَّا جَاءَ إِلَى مِصْرَ، قَالَ: وَأَيْنَ الحرمدَان؟
فَملأته درَاهِم، وَجَعَلت أَعلاَهُ دَنَانِيْر، فَلَمَّا قَلَّبَهُ، قَالَ: فَعَلت زَغَل (3) المِصْرِيّين.
وَلَمَّا نَاب بِمِصْرَ، اسْتحبّه صَلاَح الدِّيْنِ فِي الحَمْل، حَتَّى قَالَ: يُسَيِّر الحَمْل مِنْ مَالنَا أَوْ مِنْ مَاله، فَشقّ عَلَيْهِ، وَحكَاهَا لِلْقَاضِي الفَاضِل، فَكَتَبَ جَوَابه: وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السُّلْطَان، فَتلك لفظَة مَا الْمَقْصُود بِهَا مِنَ المَالِك النُّجعَة بَلْ قصد بِهَا الكَاتِب السَّجعَة، وَكم مِنْ كلمَةٍ فَظَّة وَلفظَة فِيْهَا غلظَة جَبَرت عِيّ
__________
(1) يعني إلى مصر صحبة عمهما أسد الدين شيركوه.
(2) من الفارسية " خرمدان " بالخاء المعجمة لكنها غالبا ما ترد بالحاء المهملة بالعربية،
وهي حقيبة من الجلد - يحملها الرجل على جنبه ويضع فيها أوراق ودراهمه وغير ذلك كما في معجم دوزي (3 / 150 من الترجمة العربية) .
(3) الزغل: الغش.(22/116)
الأَقلاَم، وَسدت خلل (1) الكَلاَم، وَعَلَى المَمْلُوْكِ الضَّمَان فِي هَذِهِ النُّكْتَة، وَقَدْ فَات لِسَان القَلَم أَيّ سَكْتَة.
قُلْتُ: وَكَانَ سَائِساً، صَائِب الرَّأْي، سعيداً، اسْتولَى عَلَى البِلاَد، وَامتدت أَيَّامه، وَحكم عَلَى الحِجَاز، وَمِصْر، وَالشَّام، وَاليَمَن، وَكَثِيْر مِنَ الجَزِيْرَة، وَدِيَار بَكْرٍ، وَأَرْمِيْنيَةَ.
وَكَانَ خَلِيقاً لِلمُلك، حَسَن الشّكل، مَهِيْباً، حليماً، دَيِّناً، فِيْهِ عِفَّة وَصَفح وَإِيثَار فِي الجُمْلَةِ.
أَزَال الخُمُوْر وَالفَاحشَة فِي بَعْضِ أَيَّام دَوْلَته، وَتَصدَّق بِذَهَب كَثِيْر فِي قَحط مِصْر، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ كَفَّن مِنَ الموتَى ثَلاَث مائَة أَلْف، وَالعُهدَة عَلَى سِبْط الجَوْزِيّ فِي هَذِهِ (2) .
وَسيرته مَعَ أَوْلاَد أَخِيْهِ مَشْهُوْرَة، ثُمَّ لَمْ يزَلْ يرَاوَغهم وَيلقِي بَيْنهُم حَتَّى دحَاهُم، وَتَمَكَّنَ وَاسْتَوْلَى عَلَى مَمَالِك أَخِيْهِ، وَأَبعد الأَفْضَل إِلَى سُمَيسَاط، وَودَع (3) الظَّاهِر وَكَاسر عَنْهُ لَكُوْن بِنْته زَوجته، وَبَعَثَ عَلَى اليَمَنِ حَفِيْده المَسْعُوْد أَطسز (4) ابْن الكَامِل، وَنَاب عَنْهُ بِمَيَّافَارِقِيْن ابْنه الأَوْحَدُ، فَاسْتولَى عَلَى أَرْمِيْنِيَةَ.
ثُمَّ إِنَّهُ قسّم المَمَالِك بَيْنَ أَوْلاَده، وَكَانَ يصيّف بِالشَّامِ غَالِباً وَيَشتو بِمِصْرَ.
جَاءته خِلَع السّلطنَة مِنَ النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ، وَهِيَ: جُبَّة سَوْدَاء بِطرز ذهب وَجَوَاهر فِي الطّوق، وَعِمَامَة سَوْدَاء مَذَهَّبَة، وَطوْق، وَسيف، وَحصَان
__________
(1) زيادة من وفيات ابن خلكان.
(2) المرآة: 8 / 595 وقد نبه الذهبي على مجازفة سبط ابن الجوزي غير مرة، وهذه منها، فقد قال في " تاريخ الإسلام " معلقا على هذه الحكاية: " هذا خسف من لا يتقي الله فيما يقوله ".
(3) أي: ترك.
(4) ويقال فيه " آتسز " بالتاء، و" آت " بالتركية " اسم " " سز ": بلا، فيكون: بلا اسم.(22/117)
بِمركب ذهب، وَعَلَم أَسود، وَعِدَّة خلع لبنِيه مَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ (1) ، فَقُرِئ تَقليده عَلَى كُرْسِيّ، قرَأَه وَزِيْره، وَخوطب فِيْهِ: بِالعَادل شَاه أَرمن ملك المُلُوْك خَلِيْل أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ.
وَخَافَ مِنَ الفِرَنْج، فَصَالَحَهُم، وَهَادَنَهُم، وَأَعْطَاهُم مَغَلّ الرَّملَة (2) وَلدّ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِم يَافَا، فَقَوِيَتْ نُفُوْسهُم - فَالأَمْر للهِ -.
ثُمَّ أَمَرَ بِتَجْدِيْدِ قَلْعَة دِمَشْق، وَأَلْزَمَ كُلّ مَلك مِنْ آلِهِ (3) بِعِمَارَةِ بُرْج فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَعَمَّرَ عِدَّةَ قِلاعٍ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ أَعْمَق إِخْوَته فِكْراً، وَأَطولهُم عُمْراً، وَأَنظرهُم فِي الْعَوَاقِب، وَأَحبهُم لِلدِّرْهَمِ، وَكَانَ فِيْهِ حِلْمٌ وَأَنَاةٌ وَصَبْرٌ عَلَى الشَّدَائِدِ، سَعِيْد الجَدّ (4) ، عَالِي الكَعْب، مُظَفَّراً، أَكُوْلاً، نَهِماً، يَأْكُلُ مِنَ الحَلْوَاء السُّكَّرِيَّة رَطْلاً بِالدِّمَشْقِيّ، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّلاَةِ، وَيَصُوْمُ الخَمِيْس، يُكْثِرُ الصَّدَقَة عِنْد نَزول الآفَات، وَكَانَ قَلِيْلَ الْمَرَض، لَقَدْ أُحضر إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ حملاً مِنَ الْبِطِّيخ، فَكسر الجَمِيْع، وَبَالَغَ فِي الأَكل، فَحمّ يَوْماً، وَكَانَ كَثِيْرَ التّمتع بِالجَوَارِي، وَلاَ يَدخل عَلَيْهِنَّ خَادِماً إِلاَّ دُوْنَ البلوَغ.
نجب لَهُ عِدَّةُ أَوْلاَد سلطنهُم، وَزوّج بنَاته بِمُلُوْك الأَطرَاف.
وَقَدِ اُحْتِيلَ عَلَى الْفَتْك بِهِ مَرَّات، وَيُسَلِّمُهُ الله.
__________
(1) شهاب الدين عمر المشهور المتوفى سنة 632، وانظر تفاصيل هذا الامر في مفرج الكروب لابن واصل: 3 / 180 - 182.
(2) في الأصل: " الرحلة " محرف، وهذا الصلح معروف كان في سنة 601 ذكره ابن واصل في " مفرج الكروب " وغيره.
(3) يعني: من أهل بيته، وانظر مفرج الكروب: 3 / 182.
(4) الجد: الحظ أو البخت.(22/118)
وَكَانَ شَدِيدَ المُلاَزَمَة لخدمَة أَخِيْهِ صَلاَح الدِّيْنِ، وَمَا زَالَ يَتحيّل حَتَّى أَعْطَاهُ العَزِيْز دِمَشْق، فَكَانَتِ السَّبَب فِي أَنْ تَملّك البِلاَد، وَلَمَّا جَاءهُ بِمَنْشُوْرهَا ابْن أَبِي الحَجَّاجِ أَعْطَاهُ أَلف دِيْنَار، ثُمَّ جرت أُمُوْر يَطول شرحهَا وَقِتَال عَلَى المُلك، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ التّعب وَالحَرْب جِهَاد للْفرنج لأَفلح.
وَتملّك ابْنه الأَوْحَدُ خِلاَط، فَقتل خلقاً مِنْ عَسْكَرهَا.
قَالَ المُوَفَّقُ: فَقَالَ لِي بَعْض خواصة: إِنَّهُ قَتَل فِي مُدَّةٍ ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلْفاً مِنَ الخَواص كَانَ يَقتلهُم ليلاً وَيلقيهم فِي الْآبَار، فَمَا أُمهِلَ وَاختل عقلُه وَمَاتَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ أَبُوْهُ مُعَزِّماً ظنَّه جُنَّ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ الأَشرف ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَرَدَ العَادل وَرمَاح الفِرَنْج فِي أَثره حَتَّى وَصل دِمَشْق وَلَمْ يَدخلهَا، وَشجعه المُعْتَمِد، وَأَمَّا الفِرَنْج فَظنُّوا هزِيمته مكيدَة، فَرجعُوا بَعْدمَا عَاثُوا، وَقصدُوا دِمْيَاط (1) ، وَقِيْلَ: عرض لَهُ ضَعْف وَرعشَة، وَاعْتَرَاهُ وَرم الأُنثيين (2) ، فَمَاتَ بِظَاهِر دِمَشْق.
كَانَتْ خزَانته بجَعْبَر وَبِهَا وَلدُه الحَافِظ ثُمَّ نَقلهَا إِلَى دِمَشْقَ، فَحصلت فِي قبضَة وَلده المُعَظَّم، وَكَانَ قَدْ مكر وَحسّن لأَخِيه العصيَان فَفَعَل، فَبَادر أَبُوْهُ وَحَوَّل الأَمْوَال.
وَقَدْ حَدَّثَ العَادل بِجُزْء السَّابِع مِنْ (المَحَامِلِيَّات) عَنِ السِّلَفِيّ، رَوَاهُ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الصَّالِح إِسْمَاعِيْل، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن النُّشبِيّ، وَمَاتَ وَفِي خزَانته سَبْع مائَة أَلْف دِيْنَار عيناً.
تُوُفِّيَ: بعَالقين، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَدفن
__________
(1) انظر التفاصيل في مفرج الكروب لابن واصل: 3 / 254 - 261.
(2) الانثيين: الخصيتين.(22/119)
بِالقَلْعَة أَرْبَع سِنِيْنَ فِي تَابوت، ثُمَّ نَقل إِلَى تُرْبَته.
وَخَلَّفَ عِدَّةَ أَوْلاَد: الكَامِل صَاحِب مِصْر، وَالمُعَظَّم صَاحِب دِمَشْق، وَالأَشرف صَاحِب أَرْمِيْنِيَةَ ثُمَّ دِمَشْق، وَالصَّالِح عِمَاد الدِّيْنِ، وَشِهَاب الدِّيْنِ غَازِياً صَاحِب مَيَّافَارِقِيْن، وَآخرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُم: تَقِيّ الدِّيْنِ عَبَّاس، وَعَاشَتْ بِنْته مُؤنسَة بِنْت العَادل بِمِصْرَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَحدثت بِإِجَازَة عفِيفَة (1) .
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : كَانَ مَائِلاً إِلَى العُلَمَاء، حَتَّى لصَنف لَهُ الرَّازِيّ كِتَاب (تَأسيس التَّقْدِيس (3)) ، فَذَكَر اسْمه فِي خُطْبَتِهِ.
83 - المُعَظَّمُ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي الدُّوِيْنِيُّ *
السُّلْطَانُ، المَلِكُ، المُعَظَّم ابْنُ العَادِلِ المَذْكُوْر، هُوَ شَرَفُ الدِّيْنِ عِيْسَى بنُ مُحَمَّدٍ الحَنَفِيُّ، الفَقِيْهُ، صَاحِبُ دِمَشْقَ.
__________
(1) كان للعادل ستة عشر ولدا سوى البنات على ما ذكر ابن واصل.
(2) وفيات الأعيان: 5 / 76.
(3) ولشيخ الإسلام ابن تيمية رد مطول نفيس عليه، وقد طبع في الرياض في مجلدين واسمه " بيان تلبيس الجهمية ونقض بدعهم الكلامية ".
(*) سيرته مشهورة وله ذكر في معظم الكتب التاريخية المستوعبة لعصره، وله ترجمة في الكامل لابن الأثير: 12 / 195، ومرآة الزمان: 8 / 644 - 652، والتكملة للمنذري: 3 / الترجمة: 2171، وذيل الروضتين: 125، ووفيات الأعيان: 3 / 494 - 496، وتاريخ ابن العبري: 243 - 244، ومفرج الكروب: 4 / 208 - 224، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 145، وتاريخ الإسلام، الورقة: 45 - 46 (أيا صوفيا 3012) ، والعبر: 5 / 100، ودول الإسلام: 2 / 299، والجواهر المضية: 1 / 402، ونثر الجمان: 2 / الورقة: 4 - 6، والبداية والنهاية: 13 / 121 - 122، والسلوك للمقريزي: 1 / 1 / 224، والنجوم الزاهرة: 6 / 267 - 268، وحسن المحاضرة: 1 / 219، وتاج التراجم: 49، والطبقات السنية للتميمي: 2 / الورقة: 973 - 984، وشذرات الذهب: 5 / 115 - 116، وطبقات الزيله لي: الورقة: 23، والفوائد البهية: 151 - 153.(22/120)
مَوْلِدُهُ: بِالقَصْر مِنَ القَاهِرَة، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَنَشَأَ بِدِمَشْقَ، وَحفظ القُرْآن، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب، وَعُنِي (بِالجَامِع الكَبِيْر) ، وَصَنَّفَ لَهُ شرحاً كَبِيْراً بِمعَاونَة غَيْره، وَلاَزَمَ التَّاج الكِنْدِيّ، وَتردّد إِلَيْهِ إِلَى درب الْعَجم مِنَ القَلْعَة، وَتحت إِبطه الكِتَاب، فَأَخَذَ عَنْهُ (كِتَاب سِيْبَوَيْه) ، وَكِتَاب (الحُجَّة فِي القِرَاءات) ، وَ (الحمَاسَة) ، وَحفظ عَلَيْهِ (الإِيضَاح) ، وَسَمِعَ (مُسند الإِمَامِ أَحْمَد بنِ حَنْبَلٍ) ، وَلَهُ (دِيْوَان شعر) سَمِعَهُ مِنْهُ القُوْصِيّ فِيمَا زَعَمَ.
وَلَهُ مصَنّف فِي الْعرُوض، وَكَانَ رُبَّمَا لاَ يُقيم الْوَزْن، وَكَانَ يَتعصّب لمَذْهَبه، قَدْ جَعَلَ لِمَنْ عرض (المُفَصّل) مائَة دِيْنَارٍ صُوْرِيّة وَلِمَنْ عرض (الجَامِع الكَبِيْر) مائَتَيْ دِيْنَار (1) .
وَحَجّ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَأَنشَأَ البِرَك، وَعَمِلَ بِمُعَان دَار مَضيف وَحمَّاماً.
وَكَانَ يَبحث وَيُنَاظر، وَفِيْهِ دَهَاء وَحزم، وَكَانَ يُوْصَف بِالشَّجَاعَة وَالكرم وَالتَّوَاضع؛ سَاق مرَّة إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة فِي ثَمَانِيَة أَيَّام عَلَى فَرَس وَاحِد، وَاعد القُصَّاد وَأَصْحَاب الأَخْبَار، وَكَانَ عَلَى كَتِفِهِ الفِرَنْج، فَكَانَ يظلم، وَيدير ضمَان الخَمْر لِيَسْتَخْدِمَ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَرْكَب وَحْدَه مرَاراً ثُمَّ يَلحقه ممَاليكه يَتطَاردُوْنَ، وَكَانَ يُصَلِّي الجُمُعَة فِي تربَة عَمّه صَلاَح الدِّيْنِ، ثُمَّ يَمْشِي مِنْهَا يَزور قَبْر أَبِيْهِ.
قَرَأْت بِخَطّ الضِّيَاء الحَافِظ: كَانَ المُعَظَّم شُجَاعاً فَقِيْهاً يَشرب الْمُسكر، وَأَسّس ظلماً كَثِيْراً، وَخرب بَيْت المَقْدِسِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (2) : وَكَانَ عَالِماً بِعِدَّة عُلُوْم، نَفق سُوْق العِلْم فِي أَيَّامِهِ،
__________
(1) هذا ليس من التعصب، بل هو من الاحترام والتقدير.
(2) الكامل: 12 / 195.(22/121)
وَقصدهُ الفُقَهَاء، فَأَكْرَمَهُم، وَأَعْطَاهُم، وَلَمْ يسمع مِنْهُ كلمَة نَزقَة، وَيَقُوْلُ:
اعْتِقَادِي فِي الأُصُوْلِ مَا سطّره الطَّحَاوِيّ (1) ، وَأَوْصَى أَنْ لاَ يُبْنَى عَلى قَبْرِهِ، وَلَمَّا مرض، قَالَ: لِي فِي قَضِيَّة دِمْيَاط مَا أَرْجُو بِهِ الرَّحْمَة (2) .
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (3) : كَانَ جُنْده ثَلاَثَة آلاَف فَارِس فِي نِهَايَة التَّجَمُّل، وَكَانَ يُقَاوم بِهِم إِخْوَته، وَكَانَ الكَامِل يَخَافه، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَخطب لِلْكَامِل فِي بلاَده وَيَضرب السّكة باسمه، وَكَانَ لاَ يَرْكَب فِي غَالِب أَوقَاته بِالعصَائِب، وَيلبس كلوتَة صَفْرَاء بِلاَ عِمَامَة (4) ، وَرُبَّمَا مَشَى بَيْنَ العوَام حَتَّى كَانَ يُضرب المَثَل بِفعله، فَمَنْ فَعل شَيْئاً بِلاَ تَكلّف، قِيْلَ: هَذَا بِالمُعَظَّمِيِّ (5) .
وَتردد مُدَّة فِي الفِقْه إِلَى الحَصِيْرِيّ حَتَّى تَأَهّل لِلْفُتْيَا.
تُوُفِّيَ: فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ لَهُ دِمَشْق وَالكَرَك وَغَيْر ذَلِكَ، وَحلفُوا بَعْدَهُ لابْنِهِ النَّاصِر دَاوُد.
84 - الأَشْرَفُ أَبُو الفَتْحِ مُوْسَى شَاه أَرْمَنَ ابْنُ العَادِلِ *
صَاحِبُ دِمَشْقَ، السُّلْطَانُ، المَلِكُ، الأَشْرَفُ، مُظَفَّرُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ مُوْسَى شَاه أَرْمَنَ ابْنُ العَادِلِ.
__________
(1) ونعم الاعتقاد.
(2) أبلى الملك المعظم عيسى بلاءا حسنا وجاهد الصليبيين جهادا عظيما في نوبة دمياط التي كانت من أشد الحملات خطرا على الأمة فنسأل الله سبحانه أن يتجاوز عنه بعض ما أخطأ، وهو محق في مقالته هذه.
(3) مفرج الكروب: 4 / 209 - 210 بتصرف كبير.
(4) ذكر القلقشندي أن الايوبين تابعوا الاتابكية في لبس الكلوتات الصفر بغير عمائم (انظر صبح الاعشى: 4 / 5) .
(5) الذي في مفرج الكروب: قيل: قد فعل بالمعظمي.
(*) مرآة الزمان: 8 / 711 - 717، والتكملة للمنذري: 3 / الترجمة: 2775، وذيل الروضتين: 165، ووفيات الأعيان: 5 / 330 - 336، والحوادث الجامعة: 105 - 106، =(22/122)
وُلِدَ: بِالقَاهِرَةِ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَهُوَ مِنْ أَقرَانِ أَخِيْهِ المُعَظَّمِ.
وَرَوَى عَنِ: ابْنِ طَبَرْزَد.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنَيُّ.
وحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: القُوْصِيُّ فِي (مُعْجَمِهِ) .
وَسَمِعَ (الصَّحِيْحَ) فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ مِنِ: ابْنِ الزُّبَيْدِيِّ.
تَملَّكَ القُدْسَ أَوَّلاً، ثُمَّ أَعْطَاهُ أَبُوْهُ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَملَّكَ خِلاَطَ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ، ثُمَّ تَملَّكَ دِمَشْقَ بَعْدَ حِصَارِ النَّاصِرِ بِهَا، فَعَدَلَ، وَخَفَّف الجَوْرَ، وَأَحَبَّتْهُ الرَّعِيَّةُ.
وَكَانَ فِيْهِ دِينٌ وَخَوفٌ مِنَ اللهِ عَلَى لَعِبِهِ.
وَكَانَ جَوَاداً، سَمحاً، فَارِساً، شُجَاعاً، لَديهِ فَضِيْلَةٌ.
وَلَمَّا مرَّ بِحَلَبَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ (1) ، تَلقَّاهُ الملكُ الظَّاهِرُ ابْنُ عَمِّهِ، وَأَنْزَلَه فِي القَلْعَةِ، وَبَالَغَ فِي الإِنفَاقِ عَلَيْهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ يَوْماً، فَلَعَلَّهُ نَابَهُ فِيْهَا لأَجله خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ، ثُمَّ قَدَّمَ لَهُ تَقدِمَةً وَهِيَ: مائَة بُقْجَةٍ مَعَ مائَةِ مَمْلُوْكٍ فِيْهَا فَاخِرُ الثِّيَابِ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ رَأْساً مِنَ الخيلِ، وَعِشْرُوْنَ بَغلاً وَقطَارَان جِمَال، وَعِدَّة خِلَعٍ لِخوَاصِّه وَمائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَشيَاءُ سِوَى ذَلِكَ.
وَمِنْ سَعَادتِه أَنَّ أَخَاهُ الملكَ الأَوْحَدَ صَاحِبَ خِلاَطٍ مَرِضَ، فَعَادَهُ الأَشْرَفُ،
__________
= والمختصر لأبي الفدا: 3 / 167 - 168، وتاريخ الإسلام، الورقة: 170 - 173 (أيا صوفيا 3012) ، والعبر: 5 / 146، ودول الإسلام: 2 / 104، ونثر الجمان للفيومي: 2 / الورقة: 86 - 92، والبداية والنهاية: 13 / 146 - 149، ونزهة الانام لابن دقماق، الورقة: 26 - 27 والنجوم الزاهرة: 6 / 300 - 301، والسلوك: 1 / 1 / 256، وشذرات الذهب: 5 / 175 - 177 وغيرها من كتب التاريخ.
(1) انظر تفاصيل ذلك في " مفرج الكروب ": 3 / 183 - 187.(22/123)
فَأَسَرَّ الطَّبِيْبُ إِلَيْهِ: إِنَّ أَخَاكَ سَيَمُوتُ.
فَمَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ، وَاسْتَوْلَى الأَشْرَفُ عَلَى أَرْمِيْنِيَةَ.
وَكَانَ مَلِيْحَ الهَيْئَةِ، حُلوَ الشَّمَائِلِ، قِيْلَ: مَا هُزِمتْ لَهُ رَايَةٌ.
وَكَانَ لَهُ عُكُوفٌ عَلَى المَلاَهِي وَالمُسْكِرِ - عفَا الله عَنْهُ - وَيُبَالغ فِي الخُضوعِ لِلْفُقَرَاءِ وَيَزورُهُم وَيُعْطِيهِم، وَيُجِيْزُ عَلَى الشِّعرِ، وَيَبعثُ فِي رَمَضَانَ بِالحلاَوَات إِلَى أَمَاكنِ الفُقَرَاءِ، وَيُشَاركُ فِي صَنَائِعَ، وَلَهُ فَهْمٌ وَذَكَاءٌ وَسِيَاسَةٌ.
أَخرَبَ خَانَ العُقَيْبَة، وَعَمِلَهُ جَامِعاً (1) .
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (2) : فَجلَسْتُ فِيْهِ، وَحَضرَ الأَشْرَفُ، وَبَكَى، وَأَعتقَ جَمَاعَةً، وَعَمِلَ مَسْجِدَ بَابِ النَّصْرِ، وَدَارَ السَّعَادَةِ، وَمَسجدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَامِعَ جَرَّاحٍ، وَدَاري الحَدِيْثِ بِالبَلَدِ وَبِالسَّفحِ وَالدَّهشَةِ، وَجَامِعَ بَيْت الأَبَّارِ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (3) : كَانَ الأَشْرَف يَحضُرُ مَجَالِسِي بِحَرَّانَ، وَبِخِلاَطٍ، وَدِمَشْقَ، وَكَانَ مَلِكاً عَفِيْفاً، قَالَ لِي: مَا مَددتُ عَيْنِي إِلَى حَرِيْمِ أَحَدٍ، وَلاَ ذَكرٍ وَلاَ أُنْثَى، جَاءتْنِي عَجُوْزٌ مِنْ عِنْدِ بِنْتِ صَاحِبِ خِلاَطٍ شَاه أَرْمَن بِأَنَّ الحَاجِبَ عَلِيّاً (4) أَخَذَ لَهَا ضَيعَةً، فَكَتَبتُ بِإِطلاَقهَا.
فَقَالَتِ العَجُوْزُ: تُرِيْدُ أَنْ تَحضُرَ بَيْنَ يَدَيْكَ.
فَقُلْتُ: بِاسْمِ اللهِ، فَجَاءتْ بِهَا، فَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ قَوَامهَا، وَلاَ أَحْسَنَ مِنْ شَكلِهَا، فَخَدَمَت، فَقُمْتُ لَهَا، وَقُلْتُ: أَنْتَ فِي هَذَا البَلدِ وَأَنَا لاَ
__________
(1) قال شعيب: ولا يزال عامرا إلى يومنا هذا، ويسمى جامع التوبة، ويقع شمال الجامع الأموي، والمحلة التي فيها المسجد تسمى العقيبة.
(2) مرآة الزمان: 8 / 714.
(3) نفسه: 8 / 711 - 712.
(4) هكذا في الأصل المخطوط ومرآة الزمان، وصوابها: " عليا ".(22/124)
أَدْرِي؟
فَسَفرتْ عَنْ وَجْهٍ أَضَاءتْ مِنْهُ الغُرفَةُ، فَقُلْتُ: لاَ، اسْتَترِي.
فَقَالَتْ: مَاتَ أَبِي، وَاسْتَوْلَى عَلَى المَدِيْنَةِ بُكْتَمر، ثُمَّ أَخَذَ الحَاجِب قرِيتِي، وَبقيت أَعيش مِنْ عَمل النّقش وَفِي دَار بِالكرَاء.
فَبكيت لَهَا، وَأَمرت لَهَا بِدَار وَقمَاش، فَقَالَتِ العَجُوْز: يَا خوند، أَلاَ تَحْظَى اللَّيْلَة بِك؟
فَوَقَعَ فِي قَلْبِي تغَيُّر الزَّمَان وَأَنَّ خِلاَط يَملكهَا غَيْرِي، وَتَحْتَاج بِنْتِي أَنْ تَقعد هَذِهِ القعدَة، فَقُلْتُ: مَعَاذَ اللهِ، مَا هَذَا مِنْ شيمتِي.
فَقَامَتِ الشَّابة بَاكيَة تَقُوْلُ: صَان الله عواقبك.
وَحَدَّثَنِي: أَن غُلاَماً لَهُ مَاتَ فَخلّف ابْناً كَانَ مليح زَمَانه، وَكُنْت أُتَّهم بِهِ، وَهُوَ أَعزّ مِنْ وَلد، وَبلغ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ ضَرَبَ غُلاَماً لَهُ فَمَاتَ، فَاسْتغَاث أَوليَاؤُه، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِم ممَاليكِي، حَتَّى بذلُوا لَهُم مائَة أَلْف، فَأَبوا إِلاَّ قَتله، فَقُلْتُ: سلّمُوْهُ إِلَيْهِم.
فَسلمُوْهُ، فَقتلُوْهُ.
وَقضيته مَشْهُوْرَة بِحَرَّانَ؛ أَتَاهُ أَصْحَاب الشَّيْخ حَيَاة (1) ، وَبدّدُوا الْمُسكر مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَسَكَتَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: بِهَا نصرت.
وَقَدْ خلع عليّ مرَّة، وَأَعْطَانِي بَغْلَة وَعَشْرَة آلاَف دِرْهَم.
وَحَدَّثَنِي الفَقِيْه مُحَمَّد اليُوْنِيْنِيّ (2) ، قَالَ: حَكَى لِي فَقير صَالِح، قَالَ: لَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، رَأَيْتهُ فِي ثِيَاب خُضر، وَهُوَ يَطير مَعَ الأَوْلِيَاء.
وَلَهُ شعر - فِيْمَا قِيْلَ -.
قَالَ: وَكُنْت أَغشَاه فِي مَرَضِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَعدَّ لِلقَاء الله فَمَا يَضر، فَقَالَ: لاَ وَاللهِ بَلْ يَنفع، فَفَرَّق البِلاَد، وَأَعتق ممَاليكه نَحْو مائَتَيْنِ، وَوَقَفَ دَار السعَادَة وَالدَّهشَة عَلَى بِنْته.
__________
(1) الحراني الصوفي المشهور.
(2) هذا كلام السبط، وقد تصحف " اليونيني في " المرآة " إلى: " البرناني " وقد حدثه بهذه الحكاية ببعلبك سنة 645.(22/125)
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: خَلَّف بِنْتاً، فَتَزَوَّجَهَا المَلِكُ الجَوَاد، فَلَمَّا تَسَلْطن عمّهَا الصَّالِح فَسخ نِكَاحهَا، وَلأَنَّهُ حلف بِطَلاَقهَا عَلَى شَيْءٍ فَعله، ثُمَّ زوّجهَا بِوَلَدِهِ المَنْصُوْر مُحَمَّد، فَدَامت فِي صُحبته إِلَى اليَوْمِ.
وَكَانَ لِلأَشرف مَيْل إِلَى المُحَدِّثِيْنَ وَالحَنَابِلَة؛ قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: وَقعت فِتْنَة بَيْنَ الشَّافِعِيَّة وَالحَنَابِلَة بِسَبَب العقَائِد.
قَالَ: وَتعصّب الشَّيْخ عِزّ الدِّيْنِ بن عَبْدِ السَّلاَمِ عَلَى الحَنَابِلَة، وَجَرَتْ خَبطَة، حَتَّى كتب عِزّ الدِّيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى الأَشْرَف يَقع فِيهِم، وَأَنَّ النَّاصح سَاعِد عَلَى فَتح بَاب السَّلاَمَة لعَسْكَر الظَّاهِر وَالأَفْضَل عِنْدَمَا حَاصرُوا العَادل، فَكَتَبَ الأَشْرَف: يَا عِزّ الدِّيْنِ، الفِتْنَة سَاكنَة لَعَنَ اللهُ مثيرهَا، وَأَمَّا بَاب السَّلاَمَة فَكمَا قِيْلَ:
وَجُرْم جَرَّهُ سُفَهَاء ُقَوْمٍ ... فَحَلَّ بِغَيْرِ جَانِيهِ العَذَابُ
وَقَدْ تَابَ الأَشْرَف فِي مَرَضِهِ وَابتهل، وَأَكْثَر الذّكر وَالاسْتِغْفَار.
قُلْتُ: مرض مَرَضَيْنِ مُخْتَلِفيْن فِي أَعلاَهُ وَأَسفله، فَقِيْلَ: كَانَ الجرَائِحِي يُخْرِج مِنْ رَأْسِهِ عِظَاماً، وَهُوَ يَحمد الله.
وَلَمَّا احتُضِر، قَالَ لابْنِ موسك: هَاتِ وَديعتِي، فَجَاءَ بِمئزر صُوْف فِيْهِ خِرقٌ مِنْ آثَار المَشَايِخ، وَإِزَار عَتِيْق، فَقَالَ: يَكُوْن هَذَا عَلَى بَدَنِي أَتقِي بِهِ النَّار، وَهَبَنِيه إِنْسَان حَبَشِيّ مِنَ الأَبْدَال كَانَ بِالرُّهَا (1) .
وَقَالَ ابْنُ حَمُّوَيْه: كَانَ بِهِ دمَامل فِي رَأْسه وَمَخْرَجِه، وَتَأَسّف الْخلق عَلَيْهِ.
قُلْتُ: كَانَ يُبَالِغ فِي تَعْظِيْم الشَّيْخ الفَقِيْه (2) ، تَوضأَ الفَقِيْه يَوْماً، فَوَثَبَ
__________
(1) المرآة: 8 / 716، بتصرف.
(2) يعني: اليونيني.(22/126)
الأَشْرَف، وَحلّ مِنْ تَخْفِيْفَته، وَرمَاهَا عَلَى يَدِي الشَّيْخ ليُنَشِّف بِهَا، رَأَى ذَلِكَ شَيْخنَا أَبُو الحُسَيْنِ، وَحكَاهُ لِي.
مَاتَ: فِي رَابع المُحَرَّم، سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ آخر كَلاَمه: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله - فِيْمَا قِيْلَ -.
85 - الكَامِلُ مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ بنِ أَيُّوْبَ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المَلِكُ الكَامِلُ، نَاصِرُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ، أَبُو المَعَالِي، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِب مِصْرَ وَالشَّامِ وَمَيَّافَارِقِيْنَ وَآمد وَخِلاَط وَالحِجَازَ وَاليَمَن وَغَيْر ذَلِكَ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَهُوَ مِنْ أَقرَان أَخويه المُعَظَّم وَالأَشْرَف، وَكَانَ أَجلّ الثَّلاَثَة، وَأَرْفَعهم رُتْبَة.
أَجَاز لَهُ: عَبْد اللهِ بن بَرِّيّ النَّحْوِيّ.
وَتملّك الدِّيَار المِصْرِيَّة أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، شطرهَا فِي أَيَّامِ وَالِده، وَكَانَ عَاقِلاً، مَهِيْباً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : مَال عِمَاد الدِّيْنِ ابْن الْمَشْطُوبَ وَأُمَرَاء إِلَى خلع
__________
(*) مرآة الزمان: 8 / 705 - 709، وعقود الجمان لابن الشعار: 7 / الورقة: 240، والتكملة للمنذري: 3 / الترجمة: 2822، وذيل الروضتين: 166، ووفيات الأعيان: 5 / 79 - 92، وتاريخ ابن العبري: 205، والحوادث الجامعة: 107، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 168 - 169، وتاريخ الإسلام، الورقة: 166 - 167 (أيا صوفيا: 3012) ، والعبر: 5 / 144، والوافي بالوفيات 1 / 193 - 197، ونثر الجمان للفيومي: 2 / الورقة 93 - 94، والبداية والنهاية: 13 / 149، ونزهة الانام لابن دقماق، الورقة: 28، والسلوك: 1 / 2 / 194 - 261، والنجوم الزاهرة: 6 / 227، وحسن المحاضرة: 2 / 33 - 38، وشذرات الذهب: 5 / 171 - 173 وانظر كتابنا " المنذري وكتابه التكملة ": 126 فما بعد.
(1) الوفيات: 5 / 79 بتصرف.(22/127)
الكَامِل وَقت نَوْبَة دِمْيَاط وَسلطنَة أَخِيْهِ إِبْرَاهِيْم الفَائِز، وَلاَح ذَلِكَ لِلْكَامِل، فَدَارَى حَتَّى قَدِمَ إِلَيْهِ المُعَظَّم، فَأَفضَى إِلَيْهِ بسرّه، فَجَاءَ المُعَظَّم يَوْماً إِلَى خيمَة ابْن الْمَشْطُوبَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَخضعَ، فَقَالَ: ارْكَبْ نَتحدّث، فَرَكِبَ، وَتحدثَا حَتَّى أَبعد بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا فُلاَن، هَذِهِ البِلاَد لَكَ، فَنرِيْد أَنْ تَهبهَا لَنَا، وَأَعْطَاهُ نَفَقَة، وَوكّل بِهِ أَجنَاداً إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ جهَّز الفَائِز ليطْلب عَسْكَر الجَزِيْرَة نَجدَة، فَتُوُفِّيَ الفَائِز بِسِنْجَار.
قَالَ ابْنُ مَسْدِي: كَانَ مُحِبّاً فِي الحَدِيْثِ وَأَهْله، حرِيصاً عَلَى حِفْظِهِ وَنقله، وَلِلْعلم عِنْدَهُ سُوْق قَائِمَة عَلَى سُوْق، خَرَّج لَهُ الشَّيْخ أَبُو القَاسِمِ ابْن الصَّفْرَاوِيّ أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً سَمِعَهَا مِنْهُ جَمَاعَة.
وَحَكَى عَنْهُ مكرم الكَاتِب: أَنْ أَبَاهُ اسْتَجَاز لَهُ السِّلَفِيّ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي: وَقفت أَنَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَجَاز لِي وَلابْنِي.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ (1) : أَنشَأَ الكَامِل دَار الحَدِيْث بِالقَاهِرَةِ، وَعَمَّر قُبَّة عَلَى ضَرِيْح الشَّافِعِيّ، وَوَقَفَ الوُقُوْف عَلَى أَنْوَاع البِرّ، وَلَهُ الموَاقف المَشْهُوْرَة فِي الجِهَادِ بدِمْيَاط المُدَّة الطَّوِيْلَة، وَأَنفق الأَمْوَال، وَكَافح الفِرَنْج برّاً وَبَحْراً، يعرف ذَلِكَ منْ شَاهده، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَعزّ الله الإِسْلاَم، وَخذل الكُفْر.
وَكَانَ مُعَظِّماً لِلسُنَّة وَأَهْلهَا، رَاغِباً فِي نشرهَا وَالتّمسك بِهَا، مُؤثراً لِلاجتمَاع بِالعُلَمَاء وَالكَلاَم مَعَهُم حضَراً وَسفراً.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ شَهْماً، مَهِيْباً، عَادِلاً، يَفهَم وَيبحث.
قِيْلَ: شكَا إِلَيْهِ ركبدَار أَنْ أُسْتَاذه اسْتخدمه سِتَّة أَشْهُرٍ بِلاَ جَامكيَة (2) ، فَأَمر الجُنْدِي
__________
(1) التكملة: 3 / الترجمة 2822.
(2) الجامكية: الراتب.(22/128)
بخدمَة الرّكبدَار، وَحَمَلَ مَدَاسه سِتَّة أَشْهُرٍ، وَكَانَتِ الطّرق آمِنَة فِي زَمَانِهِ لِهَيْبَتِهِ، وَقَدْ بَعَثَ ابْنه المَسْعُوْد، فَافْتَتَحَ اليَمَن، وَجَمَعَ الأَمْوَال، ثُمَّ حَجَّ، فَمَاتَ، وَحُمِلت خَزَائِنه إِلَى الكَامِل.
قَالَ البَهَاء زُهَيْر (1) :
وَأُقْسِمُ إِنْ ذَاقَتْ بَنُو الأَصْفَرِ الكَرَى ... لَمَا حَلُمَتْ إِلاَّ بِأَعْلاَمِكَ الصُّفْرِ
ثَلاَثَة أَعْوَامٍ أَقَمْتَ وَأَشْهُراً ... تُجَاهِدُ فِيْهِ لاَ بِزَيْدٍ وَلاَ عَمْرو
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: اسْتَوْزَر صَفِيّ الدِّيْنِ أَوَّلاً، فَلَمَّا مَاتَ، لَمْ يَسْتَوْزِر أَحَداً، كَانَ يَتولَّى الأُمُوْر بِنَفْسِهِ، وَكَانَ مَهِيْباً، حَازِماً، مدبّراً، عَمَرت مِصْر فِي أَيَّامِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَسَائِل مِنَ الفِقْه وَالنَّحْو يُوردهَا، فَمَنْ أَجَابَ فِيْهَا، حظِي عِنْدَهُ، وَجَاءته خلع السّلطنَة عَلَى يَد السُّهْرَوَرْدِيّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَالتقليد بِمِصْرَ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، وَهِيَ: جُبَّة وَاسِعَة الكُم بِطرز ذهب، وَعِمَامَة، وَطوق وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَمِنْ همّته أَنَّ الفِرَنْج لَمَّا أَخذُوا دِمْيَاط (2) ، أَنشَأَ عَلَى برِيْد مِنْهَا مدينَة المَنْصُوْرَة، وَاسْتوطنهَا مُرَابِطاً حَتَّى نَصره الله، فَإِنَّ الفِرَنْج طمعُوا فِي أَخْذِ مِصْر، وَعَسْكَرُوا بِقُرْبِ المَنْصُوْرَة، وَالْتَحَمَ القِتَال أَيَّاماً، وَأَلحّ الكَامِل عَلَى إِخْوَته بِالمجِيْء، فَجَاءهُ أَخوَاهُ الأَشْرَف وَالمُعَظَّم فِي جَيْش لجب، وَهَيْئَة تَامَّة، فَقوِي الإِسْلاَم، وَضَعفت نُفُوْس الفِرَنْج، وَرسلهُم تَتردد، وَبَذَلَ لَهُم الكَامِل قَبْل مجِيْء النّجدَة القُدْس وَطبرِيَّة وَعَسْقَلاَن وَجبلَة
__________
(1) انظر ديوانه.
(2) انظر تفاصيل ذلك في الكتب المستوعبة للعصر، ومنها مرآة الزمان (8 / 603 فما بعد) ، والحوادث من تاريخ الإسلام، والنجوم (6 / 238 - 244) وغيرها.(22/129)
وَاللاَّذِقِيَّة وَأَشيَاء عَلَى أَنْ يَردّوا لَهُ دِمْيَاط، فَأَبَوا، وَطَلَبُوا مَعَ ذَلِكَ ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار ليعمرُوا بِهَا أَسوَار القُدْس، وَطَلَبُوا الكَرَك، فَاتّفقَ أَن جَمَاعَة مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَجّرُوا مِنَ النِّيل ثلمَة عَلَى مَنْزِلَة العَدُوّ، فَأحَاط بِهِم النِّيل فِي هيجَانه، وَلاَ خِبرَة لَهُم بِالنِّيل، فَحَال بَيْنهُم وَبَيْنَ دِمْيَاط، وَانقطعت المِيْرَة عَنْهُم، وَجَاعُوا وَذلوا، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِ الأَمَان عَلَى تَسْلِيم دِمْيَاط، وَعَقدَ هدنَة، فَأُجيبُوا، فَسلمُوا دِمْيَاط بَعْد اسْتَقرَارهم بِهَا ثَلاَث سِنِيْنَ - فَلله الْحَمد -.
وَلَمَّا بلغَ الكَامِل مَوْتُ أَخِيْهِ المُعَظَّم جَاءَ وَنَازل دِمَشْق، وَأَخَذَهَا مِنَ النَّاصِر، وَجَعَلَ فِيْهَا الأَشْرَف، وَلَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، بَادر الكَامِل إِلَى دِمَشْقَ وَقَدْ غلب عَلَيْهَا أَخُوْهُ إِسْمَاعِيْل، فَانْتزعهَا مِنْهُ، وَاسْتقر بِالقَلْعَة، فَمَا بلغَ رِيقَه حَتَّى مَاتَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، تَعلّل بسعَال وَإِسهَال، وَكَانَ بِهِ نِقْرِسٌ، فَبُهِتَ الخَلْقُ لَمَّا سَمِعُوا بِمَوْته، وَكَانَ عَدْلُه مشوباً بِعُسف؛ شنقَ جَمَاعَة مِنَ الجُنْد فِي بطيحَة (1) شعير.
وَنَازل دِمَشْق، فَبَعَثَ صَاحِبُ حِمْص لَهَا نَجدَة خَمْسِيْنَ نَفْساً، فَظَفِرَ بِهِم، وَشنقهُم بِأَسرهِم.
قَالَ الشَّرِيْف العِمَاد البصروِيّ: حُكيَ لِي الخَادِم، قَالَ:
طلب مِنِّي الكَامِل طَستاً ليتقيّأ فِيْهِ، فَأَحضَرته، وَجَاءَ النَّاصِر دَاوُد، فَوَقَفَ عَلَى البَابِ ليعُوْده، فَقُلْتُ: دَاوُد عَلَى البَابِ.
فَقَالَ: يَنْتظر مَوْتِي؟!
وَانزعج، وَخَرَجتُ، فَنَزَلَ دَاوُد إِلَى دَار سَامَة، ثُمَّ دَخَلتُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَوَجَدته قَدْ مَاتَ وَهُوَ مَكْبُوبٍ عَلَى المِخَدَّة.
__________
(1) مكيال للحبوب كما يظهر، وفي: تاريخ الإسلام " بخطه: " في أكيال شعير أخذوه ".(22/130)
وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: حَكَى لِي طبِيْبهُ، قَالَ: أَخَذَه زكَام، فَدَخَلَ الحَمَّام، وَصبّ عَلَى رَأْسه مَاء شَدِيد الحرَارَة اتِّبَاعاً لما قَالَ ابْنُ زَكَرِيَّا الرَّازَيّ (1) : إِن ذَلِكَ يَحلّ الزُّكمَة فِي الحَال، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطلاَقه، قَالَ: فَانصَب مِنْ دِمَاغه إِلَى فَمِ المَعِدَةِ مَادَةٌ، فَتورمت، وَعرضت الحُمَّى، وَأَرَادَ القيءَ، فَنَهَاهُ الأَطبَّاء، وَقَالُوا: إِنْ تَقيَّأ هَلَكَ، فَخَالف، وَتَقيَّأ.
وَقَالَ الرَّضِيّ الحَكِيْم: عرضت لَهُ خوَانِيق انفقأَت، وَتَقيَّأ دماً وَمِدَّة، ثُمَّ أَرَادَ الْقَيْء ثَانِياً، فَنَهَاهُ وَالِدِي، وَأَشَارَ بِهِ آخر، فَتقيَّأ، فَانصب ذَلِكَ إِلَى قصبَة الرِّئَة سدّتهَا، فَمَاتَ.
قَالَ المُنْذِرِيّ (2) : مَاتَ بِدِمَشْقَ، فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي تَابوت.
قُلْتُ: ثُمَّ بَعْد سَنَتَيْنِ عُمِلت لَهُ التُّرْبَة، وَفتح شُبَّاكهَا إِلَى الجَامِع.
وَخلّف ابْنَيْنِ: العَادل أَبَا بَكْرٍ، وَالصَّالِح نَجْم الدِّيْنِ، فَملّكُوا العَادل بِمِصْرَ، وَتَملّك الجَوَاد دِمَشْق، فَلَمْ تَطل مُدّتهُمَا.
86 - الأَوْحَدُ أَيُّوْبُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ بنِ أَيُّوْبَ الدُّوِيْنِيُّ *
المَلِكُ الأَوْحَدُ، نَجْمُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ، أَيُّوْبُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ.
تَمَلَّكَ خِلاَط وَنَوَاحيهَا خَمْس سِنِيْنَ، فَظَلَمَ وَعَسَفَ وَسَفَكَ الدِّمَاءَ، فَابْتُلِيَ
__________
(1) أبو بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب المشهور المتوفى سنة 311.
(2) التكملة: 3 / الترجمة 2822.
(*) ذكره ابن واصل في حوادث سنة 607 من " مفرج الكروب "، وترجمه الذهبي مرتين في تاريخه الأولى سنة 607 (الورقة 46 من نسخة أيا صوفيا 3011) ، والثانية سنة 609 (في الورقة: 68 من المجلد المذكور) ، وقد تابع في الأولى ابن واصل، وسيرته في الموارد التي تناولت سيرة أبيه الملك العادل، وانظر العبر: 5 / 31.(22/131)
بِأَمْرَاضٍ مُزَمَنَةٍ، فَتمنَّى المَوْت، فَمَاتَ قَبْلَ الكُهُوْلَة، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَمْلَكته أَخُوْهُ الأَشْرَف.
وَقَدْ مرّ مِنْ أَخْبَاره فِي تَرْجَمَة أَبِيْهِ، وَأَنَّهُ قتل ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلف نسمَة بِخِلاَط، مَاتَ ملكُهَا بَلْبَان، فَسَارَ الأَوْحَدُ مِنْ مَيَّافَارقين، وَافتَتَح مُوش (1) ، وَكَسَر بَلْبَان، فَاسْتنجد بصَاحِب أَرْزَن الرُّوْم طُغْرِل شَاه، وَهزمَا الأَوْحَد، لَكِن غدر طُغْرِل بِبلبَان فَقَتَلَهُ، وَقصد خِلاَط، فَقَاتلُوْهُ فَردّ خَائِباً، فَكَاتَبوا الأَوْحَد، فَسَارَ، وَتَسَلَّمَ البِلاَد، وَتَمَكَّنَ، فَلَمَّا مَاتَ تَملّك أَرْمِيْنِيَةَ أَخُوْهُ الأَشْرَف، فَعَدَلَ، وَأَحْسَن السِّيْرَةِ.
مَاتَ الأَوْحَدُ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ، وَكَانَ طَاغِيَة الكُرْج قَدْ حَاصر خِلاَط سَنَة سِتٍّ، وَركب سكرَاناً فِي عِشْرِيْنَ نَفْساً، وَتَقرّب إِلَى البَلَد فَأُسر فِي الحَال، فَذلّ، وَبَذَلَ فِي نسفه عِدَّة قلاع وَمائَة أَلْف دِيْنَار وَإِطلاَق خَمْسَة آلاَف أَسير، وَشرط أَنْ يَزوّج بِنْته بِالأَوْحَد، وَعقدت الهدنَة بَيْنهُمَا ثَلاَثِيْنَ سَنَةً (2) .
87 - الحَافِظُ نُوْرُ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن شَاه ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ *
المَلِكُ الحَافِظُ، نُوْرُ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن شَاه ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ سَيْفِ الدِّيْنِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِب قَلْعَة جَعْبَر.
أَقَامَ بجَعْبَر مُدَّة، وَكَانَ كَثِيْرَ الأَمْوَال، خَاف فِي أَوَاخِرِ أَيَّامه مِنَ
__________
(1) بلدة من نواحي خلاط.
(2) انظر تفاصيل ذلك في الحوادث من: تاريخ الإسلام "، الورقة 226 (مجلد أيا صوفيا 3011) .
(*) أخباره مع أخبار أبيه الملك العادل، وترجمه الذهبي في " تاريخ الإسلام " الورقة: 221 (أيا صوفيا 3012) .(22/132)
الخُوَارِزْمِيَّة؛ لأَنَّهُم أَغَارُوا مَرَّات عَلَى أَعْمَاله، فَسَلَّمَ جَعْبَر لِصَاحِب حَلَب المَلِك العَزِيْز، وَعوَّضه عَنْهَا بعِزَاز مِنْ أَعْمَالِ حَلَب، فَقَدِمَ حَلَب عَلَى أُخْته الصَّاحبَة، ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ بعِزَاز، فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَهْلاً، وَنُقِلَ، فَدُفِنَ بِالفِرْدَوْس بِظَاهِر حَلَب، فَمَاتَتْ أُخْته الصَّاحبَة الخَاتُوْن ضَيْفَة (1) بِنْت المَلِك العَادل وَزَوْجَة المَلِك الظَّاهِر غَازِي ابْن عَمِّهَا، وَوَالِدَة صَاحِب حَلَب المَلِك العَزِيْز، وَكَانَتْ نبيلَة مُعَظَّمَة نَافذَة الأَوَامر، تُوُفِّيَت سَنَة أَرْبَعِيْنَ، بِحَلَبَ، عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَبِحَلَبَ وُلدت حِيْنَ تَملّكهَا وَالِدهَا، وَقَدْ تَزَوَّجَ الظَّاهِر قَبْلهَا بِأُخْتهَا السّت غَازِيَة، فَأَولدهَا أَيْضاً، وَمَاتَتْ، وَكَانَتِ الصَّاحبَة ديّنَة، عَادلَة، سَائِسَة، تبَاشر الْملك بِنَفْسِهَا لصِغَر وَلدهَا، وَكَانَتْ كَثِيْرَة البِرّ وَالصَّدَقَات.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَت: الجهَة الأَتَابَكيَّة تُركَان (2) بِنْت صَاحِب المَوْصِل عِزّ الدِّيْنِ مَسْعُوْد بن مَوْدُوْد بن زَنْكِي زَوْجَة السُّلْطَان المَلِك الأَشْرَف بِدِمَشْقَ، وَدفنت بِتربتهَا عِنْد الجسْر الأَبيض.
وَفِيْهَا مَاتَتِ: السّت الفِيروزجيَّة عَائِشَة (3) أُخْت الإِمَام المُسْتَضِيء، وَعَمّة الإِمَام النَّاصِر، عَاشت ثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَتْ فِي ذِي الحِجَّةِ، فِي أَوَّلِ دَوْلَة ابْن ابْن ابْن ابْن أَخِيْهَا المُسْتَعْصِم ابْن المُسْتَنْصِر ابْن الظَّاهِر ابْن النَّاصِر (4) .
88 - المُظَفَّرُ شِهَابُ الدِّيْنِ غَازِي ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ *
السُّلْطَانُ، المَلِكُ المُظَفَّر، شِهَابُ الدِّيْنِ غَازِي ابْنُ المَلِكِ العَادلِ أَبِي بَكْرٍ
__________
(1) تاريخ الإسلام، الورقة: 223 من المجلد المذكور.
(2) ترجمها الذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 222 (أيا صوفيا 3012) ، والعبر: 5 / 129 والنعيمي في الدارس: 1 / 129.
(3) تاريخ الإسلام، الورقة: 223 - 224 من المجلد المذكور.
(4) ولي المستعصم الخلافة سنة 640.
(*) مرآة الزمان: 8 / 768 - 770، وتاريخ الإسلام، الورقة: 62 - 63 (أيا صوفيا: =(22/133)
بن أَيُّوْبَ صَاحِب خِلاَط وَمَيَّافَارقين وَحصن مَنْصُوْر وَغَيْر ذَلِكَ.
وَكَانَ ملكاً جَوَاداً، حَازِماً، شَهْماً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، حُلْو المحَاضَرَة، حَسَن الجُمْلَة، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، وَقَدْ حَجَّ فِي تَجمّل زَائِد عَلَى درب العِرَاق.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنه المَلِك الكَامِل نَاصِر الدِّيْنِ مُحَمَّد بن غَازِي الشَّهِيْد.
وَإِنَّمَا جمعت هُنَا بَيْنَ هَؤُلاَءِ المُلُوْك اسْتطِرَاداً، وَإِلاَّ فَطَبَقَاتهُم متبَاينَة - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقَدْ قَتَلَ هولاَكو نَاصِر الدِّيْنِ هَذَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ عتُوّاً وَغَدراً - فرَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فَلَقَدْ كَانَ دَيِّناً وَمُجَاهِداً، ثَبْتٌ فِي الحصَار إِلَى أَنْ تَفَانت رِجَاله، وَأَهْلكهُم الْجُوع، وَقَاتلت مَعَهُ النِّسَاء، وَستَأْتِي تَرْجَمَته - إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى -.
89 - الصَّالِحُ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ المَلِكِ العَادِلِ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ *
السُّلْطَانُ، المَلِكُ الصَّالِحُ، عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو الخِيَشِ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ الملكِ العَادِلِ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي صَاحِب دِمَشْقَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ بِالسَّابِعِ مِنْ (المَحَامِلِيَّاتِ) ، قَرَأَهُ عَلَيْهِ: السَّيْفُ ابْنُ المَجْدِ، وَكَانَ لَهُ مَيْلٌ إِلَى المقَادسَةِ وَإِحسَانٌ.
__________
= 3013) ، والعبر: 5 / 187، وعقد الجمان للعيني: 18 / الورقة 291، وشذرات الذهب: 5 / 233 وغيرها.
(*) تلخيص مجمع الآداب: 4 / الترجمة: 998، وتاريخ الإسلام، الورقة: 85 (أيا صوفيا: 3013) ، وعقد الجمان للعيني: 18 / الورقة: 327.(22/134)
تَمَلَّكَ بُصْرَى وَبَعْلَبَكَّ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى دِمَشْقَ أَعْوَاماً، فَحَارَبَهُ صَاحِبُ مِصْرَ ابْنُ أَخِيْهِ، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ طَوِيْلَةٌ، مَا بَيْنَ ارْتفَاعٍ وَانخفَاضٍ.
وَكَانَ قَلِيْلَ البَخْتِ، بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً، شَدِيدَ البَطشِ، مَلِيْحَ الشَّكلِ، كَانَ فِي خدمَة أَخِيْهِ الأَشْرَف، فَلَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، تَوثَّبَ عَلَى دِمَشْقَ، وَتَملَّكَ، فَجَاءَ أَخُوْهُ السُّلْطَان الملكُ الكَامِلُ، وَحَاصَرَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ دِمَشْقَ، وَرَدَّهُ إِلَى بَعْلَبَكَّ.
فَلَمَّا مَاتَ الكَامِلُ، وَتَمَلَّكَ الجَوَادُ ثُمَّ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّيْنِ، وَسَارَ نَجْمُ الدِّيْنِ يَقصِدُ مِصْرَ، هجمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيْلُ بِإِعَانَةِ صَاحِبِ حِمْصَ المُجَاهِد، فَتَمَلَّكَ دِمَشْقَ ثَانِياً فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ (1) ، فَبقِيَ بِهَا إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، وَحَارَبَهُ الصَّالِحُ بِالخُوَارِزْمِيَّةِ، وَاسْتعَانَ هُوَ بِالفِرَنْجِ (2) ، وَبَذَلَ لَهُم الشَّقِيْفَ وَغَيْرَهَا، فَمُقِتَ لِذَلِكَ،
وَكَانَ فِيْهِ جور.
وَاسْتقضَى عَلَى النَّاسِ الرَّفِيْعَ الجِيْلِيَّ، وَتَضَرَّرَ الرَّعِيَّةُ بِدِمَشْقَ فِي حِصَارِ الخُوَارِزْمِيَّةِ حَتَّى أُبيع الخُبز رِطل بِسِتَّةِ دَرَاهِم، وَالجبن وَاللَّحْم بِنسبَة ذَلِكَ، وَأَكلُوا المَيْتَةَ، وَوَقَعَ فِيهِم وَبَاء شَدِيد.
قَالَ المُؤَيَّدُ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَارَ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّيْنِ مِنْ دِمَشْقَ ليَأْخُذَ مِصْرَ، فَفَرّ إِلَيْهِ عَسْكَر مِنَ المِصْرِيّينَ، وَكَانَ اسْتنَاب بِدِمَشْقَ وَلدَهُ المُغِيْث عُمَر، وَكَاتَبَ عَمَّهُ إِسْمَاعِيْل يَسْتَدعيه مِنْ بَعْلَبَكَّ، فَاعْتذَرَ، وَأَظهَرَ أَنَّهُ مَعَهُ، وَهُوَ عَمَّال فِي السرِّ عَلَى دِمَشْقَ، وَفَهِم ذَلِكَ نَجْمُ الدِّيْنِ أَيُّوْب، فَبَعَثَ طَبِيْبَهُ سَعْد الدِّيْنِ إِلَى بَعْلَبَكَّ متفرِّجاً، وَبَعَثَ مَعَهُ قَفَص حمَام نَابُلُسِيّ، ليُبطِق (3)
__________
(1) انظر التفاصيل في ذيل الروضتين: 169، وحوادث سنة 637 من تاريخ الإسلام (أيا صوفيا 3012) .
(2) انظر ذيل الروضتين: 174.
(3) من " البطاقة " وهي الرسالة التي ترسل بواسطة الحمام.(22/135)
إِلَيْهِ بِأَخْبَار إِسْمَاعِيْل، فَعَلِمَ إِسْمَاعِيْل بِمجيئِهِ، فَاسْتحضَرَهُ، وَاحْتَرَمه، وَاختلس الحَمَامَ مِنَ القَفَصِ، وَوَضَعَ مَكَانهَا مِنْ حمَام بَعْلَبَكَّ، ثُمَّ صَارَ الطَّبِيْب يُبْطق: إِنَّ عَمّك قَدْ جمع وَعَزَمَ عَلَى قصد دِمَشْق، فَيُرسل الطَّير، فَيقع فِي الحَال بِالقَلْعَة، وَيقرأُ ذَلِكَ إِسْمَاعِيْل، ثُمَّ يَكتب عَلَى لِسَانِ الطَّبِيْب: إِن عَمّك قَدْ جمع ليُعَاضِدَك وَهُوَ قَادِمٌ إِلَيْكَ.
وَيُرسل ذَلِكَ مَعَ طيرٍ نَابُلُسِيٍّ، فَيفرح نَجْم الدِّيْنِ، وَيَعرِضُ عَنْ مَا يَسْمَع، إِلَى أَنْ رَاحت مِنْهُ دِمَشْق، وَأَمَّا الصَّالِح إِسْمَاعِيْل، فَترك دِمَشْق بَعْد ذَاكَ الحصَار الطَّوِيْل، وَقنع بِبَعْلَبَكَّ.
وَفِي (مُعْجَمِ القُوْصِيِّ) فِي تَرْجَمَة الأَشْرَاف: فَأَخُوْهُ إِسْمَاعِيْل نَصَرَ الكَافِرِيْنَ، وَسلَّم إِلَيْهِم القِلاع، وَاسْتَوْلَى عَلَى دِمَشْقَ سرقَةً، وَحَنَثَ فِي يَمِيْنه، وَقَتَلَ مِنَ المُلُوْك وَالأُمَرَاء مَنْ كَانَ يَنفع فِي الجِهَادِ، وَصَادَرَ عَلَى يَدِ قُضَاتِهِ العِبَاد، وَخَرَّبَ الأَملاَك، وَطَوَّلَ ذَيلَ الظُّلم، وَقَصَّر ذَيلَ العَدْلِ، وَظَنَّ أَنَّ الفَلَك لَهُ مُسْتمِر، فَسَقَطَ الدَّهْر لِغَفْلَتِه، وَأَرَاهُ بَلاَيَا ... ، وَطَوَّل القُوْصِيُّ.
ثُمَّ ذَهَبت مِنْهُ بَعْلَبَكَّ وَبُصْرَى، وَتلاشَى أَمرُه، فَمَضَى إِلَى حَلَب، وَافداً عَلَى ابْنِ ابْنِ أُخْتِه، وَصَارَ مِنْ أُمَرَائِهِ، وَأَتَى بِهِ، فَتملّكُوا دِمَشْق، فَلَمَّا سَارُوا ليَأْخذُوا مِصْرَ، غُلِبَ الشَّامِيُّوْنَ، وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم المَلِك الصَّالِح، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَسُجِنَ بِالقَاهِرَةِ، وَمَرُّوا بِهِ عَلَى تُربَة السُّلْطَان نَجْم الدِّيْنِ أَيُّوْب، فَصَاحت البَحْرِيَّةُ: يَا خَوَنْد، أَيْنَ عينُك تَنظر إِلَى عَدوك؟!
قَالَ الخَضِرُ بنُ حَمُّوَيْه: وَفِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ أَخرجُوا الصَّالِح ليلاً، وَمَضَوْا بِهِ إِلَى الْجَبَل، فَقتلُوْهُ، وَعُفِيَ أَثرُهُ.
قُلْتُ: كُفِّر عَنْهُ بِالقتل.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: لَمَّا أَتَوا بِالصَّالِح بُكْرَة الوَاقعَة، أُوْقِف إِلَى جَانبِ المُعِزِّ،(22/136)
فَقَالَ لِحُسَامِ الدِّيْنِ ابْن أَبِي عَلِيٍّ: يَا خَوَنْد، أَمَا تُسَلِّم عَلَى المَوْلَى الْملك الصَّالِح؟!
قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ، وَسَلَّمتُ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: رَأَيْتُ الصَّالِح يَوْم دُخُوْل الجَيْش مَنْصُوْرِيْنَ وَهُوَ بَيْنَ يَدَي المُعِزّ، فَحكَى لِي ابْنُ أَبِي عَلِيٍّ، قَالَ:
قُلْتُ لِلصَّالِحِ: هَلْ رَأَيْت القَاهِرَة قَبْل اليَوْم؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَنَا صَبِيٌّ، ثُمَّ اعتقلُوْهُ أَيَّاماً، فَقِيْلَ: خنقوهُ كَمَا خَنَقَ الجَوَاد.
وَكَانَ مَلِكاً شَهْماً، مُحْسِناً إِلَى جُنْدِه، كَثِيْرَ التَّجَمُّل، وَكَانَ أَبُوْهُ العَادل يُحبّ أُمَّ هَذَا، وَلَهَا تربَة وَمَدْرَسَة بِدِمَشْقَ.
وَمِنْ أَوْلاَده: الملكُ المَنْصُوْر مَحْمُوْد الَّذِي سَلْطَنَهُ أَبُوْهُ بِدِمَشْقَ، وَالملك السَّعِيْد عَبْد المَلِكِ وَالِد الْملك الكَامِل، وَالملك المَسْعُوْد وَالِد صَاحِبنَا نَاصِر الدِّيْنِ.
وَوزر لَهُ أَمِيْنُ الدَّوْلَة أَبُو الحَسَنِ بنُ غَزَال السَّامرِيّ ثُمَّ المُسلمَانِيِّ الطَّبِيْب وَاقف أَمِينِية بَعْلَبَكَّ، وَكَانَ رقيقَ الدِّيْنِ، ظَلُوْماً، يَتَفَلْسَفُ، شُنِقَ بِمِصْرَ فِي هَذِهِ الفِتْنَة، وَتركَ أَمْوَالاً عَظِيْمَةً، وَمِنَ الكُتُبِ نَحْو عَشْرَة آلاَف مُجَلَّدٍ (1) .
90 - صَاحِبُ الرُّوْمِ كيكَاوس بنُ كيخُسْرُو السَّلْجُوْقِيُّ *
السُّلْطَانُ، المَلِكُ الغَالِب، عِزُّ الدِّيْنِ كيكَاوس ابْنُ السُّلْطَان كيخسرو بنِ
__________
(1) قال سبط ابن الجوزي: " وهو الذي كان سببا لزوال دولته وإخماد جمرته، وقد ذكرنا فظائعه مفرقة في السنين، فسبحان من أراح منه المسلمين، وما كان مسلما ولا سامريا، بل كان يتستر بالاسلام، ويبالغ في هدم شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم " (المرآة: 8 / 784) .
وراجع ترجمته في تاريخ الإسلام، الورقة: 86 (أيا صوفيا 3013) .
(*) الكامل لابن الأثير: 12 / 347 - 350 (بيروت) ، ومرآة الزمان: 8 / 593، 598، وذيل الروضتين: 109، ومفرج الكروب لابن واصل: 3 / 263 - 264، وتاريخ الإسلام، الورقة: 144 (أيا صوفيا: 3011) وغيرها من كتب التواريخ المستوعبة لعصره.(22/137)
قِلْج رِسْلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ، التُّرُكْمَانِيُّ، القِتِلْمِشِيُّ، صَاحِب قُوْنِيَةَ وَأَقْصَرَا وَمَلَطْيَةَ.
وَهُوَ أَخُو السُّلْطَان كَيْقُبَاذ.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (1) : كَانَ جَبَّاراً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، كَسَرَهُ الملكُ الأَشْرَف لَمَّا قَدِمَ ليَأْخذ حَلَب وَقتَ مَوْت الْملك الظَّاهِر غَازِي، فَاتَّهَم أُمَرَاءهُ أَنَّهُم مَا نصحُوا فِي القِتَال، وَكَذَا جَرَى، فَسَلَق جَمَاعَة فِي الْقُدُور، وَحرَّق آخرِيْنَ، فَأَخَذَهُ الله فُجَاءةً وَهُوَ مَخْمُوْر، وَقِيْلَ: ابْتُلِي وَتَقطّع بدنُه، وَكَانَ أَخُوْهُ كَيْقُبَاذ فِي سجنه، فَأَخرجُوهُ، وَملَّكوهُ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقِيْلَ: هُوَ الَّذِي طَمَّعَ الفِرَنْجَ فِي دِمْيَاطَ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (2) : لَمَّا قصد كيكَاوس حَلَب، أَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعين بِالأَفْضَل صَاحِب سُمَيْسَاطَ، فَإِنَّهُ يَخطب لَكَ، فَطَلَبَهُ، فَحَضَرَ، فَاحْتَرَمه، وَاتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى أَنَّ مَا تَملَّكَاهُ مِنْ حَلَب لِلأَفْضَل، ثُمَّ يَقصدَان حَرَّان، وَالرُّهَا، وَغَيْرَهُمَا، فَتكُوْن لِكيكَاوس، وَتحَالفَا عَلَى ذَلِكَ، فَملكَا أَوَّلاً قَلْعَة رعبَان، وَتسلَّمَهَا الأَفْضَل، وَنَازلاَ تل بَاشر، فَأَخذوهَا، فَلَمْ يُسلمهَا كيكَاوس لِلأَفْضَل، فَنفر مِنْهُ وَلَمْ يَثِق بِهِ، وَأنجدَ الأَشْرَف أَهْل حَلَب فِي عرب طَيء، وَكَاتَبَ كيكَاوس أُمَرَاء حَلَب وَاسْتمَالَهُم، وَانضمَّ إِلَى الأَشْرَف مَانِعٌ فِي عَرَبِ الشَّامِ.
قُلْتُ: مَانع هُوَ وَالِدُ جَدِّ مُهَنَّا بنِ عِيْسَى بنِ مُهَنَّا بنِ مَانِعٍ.
ثُمَّ أَخَذَ كيكَاوس مَنْبِج، فَوَقَعت الْعَرَب عَلَى مُقَدِّمَة كيكَاوس، فَانْهَزَم
__________
(1) المرآة: 8 / 598.
(2) مفرج الكروب: 3 / 263 - 264.(22/138)
الرُّوْمِيُّوْنَ، فَطَار لُبُّ كيكَاوس، وَانْهَزَم، فَتبعه الأَشْرَف يَتخطَّف جُنْده، وَاسْترد رعبَان وَتل بَاشر.
وَقِيْلَ: مَاتَ كيكَاوس بِالخوَانِيق، فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
91 - خُوَارِزْمْشَاه مُحَمَّدُ بنُ إِيْلَ رِسْلاَنَ بنِ أَتْسِزَ الخُوَارِزْمِيُّ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، عَلاَءُ الدِّيْنِ، خُوَارِزْمشَاه مُحَمَّدُ ابْنُ السُّلْطَانِ خُوَارِزْمشَاه إِيْل رِسْلاَن ابْنِ خُوَارِزْمشَاه أَتْسِزَ ابْنِ الأَمِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكِيْن الخُوَارِزْمِيُّ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (1) : نَسَبُ عَلاَء الدِّيْنِ يَنْتهِي إِلَى إِيلتَكين (2) مَمْلُوْك السُّلْطَان أَلب أَرْسَلاَن بن جغرِيبك السَّلْجُوْقِيّ.
قُلْتُ: قَدْ سُقت مِنْ أَخْبَاره فِي (التَّارِيْخ الكَبِيْر) فِي الحوَادث، وَأَنَّهُ أَبَاد ملوكاً، وَاسْتَوْلَى عَلَى عِدَّة أَقَالِيم، وَخَضَعَت لَهُ الرِّقَاب، وَقَدْ حَارب الخَطَا غَيْرَ مَرَّةٍ، فَانْهَزَم جَيْشُهُ فِي نَوْبَة وَثبتَ هُوَ، فَأُسر هُوَ وَأَمِيْر؛ أَسَرَهُمَا خَطائِيّ، فَصَيَّرَ نَفْسَهُ مَمْلُوْكاً لِذَلِكَ الأَمِيْر، وَبَقِيَ يَقف فِي خِدْمَته، فَقَالَ الأَمِيْر لِلْخَطَائِيِّ: ابْعَثْ رَسُوْلَكَ مَعَ غُلاَمِي هَذَا إِلَى أَهْلِي لِيُرسلُوا مَالاً فِي فكَاكِي، فَفَعَل وَتَمَّت الحِيلَة، وَعَادَ خُوَارِزْمشَاه إِلَى مُلكِه، ثُمَّ عرف
__________
(*) أخباره مشهورة جدا في جميع الكتب التاريخية المستوعبة لعصره قلما يخلو منها كتاب، ومن أكثرها أهمية ما جاء في غير موضع من " الكامل " لابن الأثير ومرآة الزمان وتاريخ الإسلام وغيرها، وله ترجمة مفردة في مصادر عدة منها: الكامل: 12 / 358 فما بعد، وذيل الروضتين: 122، وتاريخ الإسلام، الورقة: 172 - 177 (مجلدا أيا صوفيا 3011 وهي ترجمة رائقة بخطه) وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 412 - 418، والنجوم الزاهرة: 6 / 248، وأغرب السبط فترجمه في حوادث سنة 615 من " المرآة " 8 / 598 - 600 وهو من الاوهام الواضحة.
(1) مفرج الكروب: 4 / 34 - 35.
(2) في المطبوع من مفرج الكروب: بلتكين.(22/139)
الخطَائِي، فَسَارَ مَعَ ذَلِكَ الأَمِيْر إِلَى خدمَة السُّلْطَان، فَأَكْرَمَه، وَأَعْطَاهُ أَشيَاء.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ عَلِيّ ابْن الأَثِيْرِ (1) : كَانَ صَبُوْراً عَلَى التَّعب وَإِدمَان السَّير، غَيْر مُتَنَعِّم وَلاَ مُتَلَذِّذٍ، إِنَّمَا نَهمَته الْملك، وَكَانَ فَاضِلاً، عَالِماً بِالفِقْه وَالأُصُوْل، مُكرِماً لِلْعُلَمَاء يُحبّ منَاظرتهُم، وَيَتبرّك بِأَهْلِ الدِّيْنِ، قَالَ لِي خَادم الحُجْرَة النَّبويَّةِ: أَتيتُه فَاعْتنقنِي، وَمَشَى لِي، وَقَالَ: أَنْتَ تخْدم حُجْرَة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
قُلْتُ: نَعم، فَأَخَذَ يَدِي، وَأَمَرَّهَا عَلَى وَجهه، وَأَعْطَانِي جُمْلَةً.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (2) : أَفنَى مُلُوْكَ خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهْر، وَأَخلَى البِلاَد، وَاسْتقلَّ بِهَا، فَكَانَ سَبَباً لِهَلاَكه، وَلَمَّا نَزل هَمَذَانَ، كَاتَبَ ابْنُ القُمِّيّ نَائِبُ الوزَارَة أُمَرَاءهُ وَوعدَهُم بِالبِلاَد، فَرَامُوا قَتله، فَعرفَ، وَسَارَ إِلَى مَرْو، وَكَانَ مَعَهُ مِنَ الخَطَا سَبْعُوْنَ أَلْفاً، وَكَانَ خَاله مِنْهُم، فَنمَّ عَلَيْهِ، فَاخْتَفَى، فَنهبُوا خَزَائِنه، فَيُقَالُ: كَانَ فِيْهَا عَشْرَة آلاَف دِيْنَار، وَلَهُ عَشْرَة آلاَف مَمْلُوْك، فَرَكِبَ إِلَى جَزِيْرَةٍ هَارباً.
قُلْتُ: تَسَلَّطن فِي سَنَةِ 596.
وَقَالَ المُوَفَّقُ: كَانَ أَبُوْهُ تِكش (3) أَعْوَر قمِيئاً، كَثِيْر اللّعب بِالملاَهِي، بَعَثَ بِرَأْس طُغْرِل إِلَى بَغْدَادَ، وَطلب السّلطنَة، فَتحركت الخَطَا، فَاحتَاج أَنْ يَرِدَ خُوَارِزْمَ، فَتولَّى بَعْدَهُ ابْنه مُحَمَّد، وَكَانَ مُحَمَّدٌ شُجَاعاً، شَهْماً، مغوَاراً، غَزاءً، سعيداً، يَقطع المسَافَات الشَّاسعَة بسرعَة، وَكَانَ هَجَّاماً،
__________
(1) الكامل: 12 / 371 (بيروت) بتصرف.
(2) مرآة الزمان: 8 / 599.
(3) وجدت التاء مكسورة بخط المؤلف في غير موضع من " تاريخ الإسلام "، وقيدها محققو مفرج الكروب بالفتح وما أظنهم أصابوا.(22/140)
فَاتكاً، أُتِيَ بِرَأْس أَخِيْهِ فَلَمْ يَكترث (1) ، وَكَانَ قَلِيْلَ النّوم، طَوِيْل النّصب، يَخدم أَصْحَابه، وَيَحرس، وَثيَابه وَعِدَّة فَرسه لاَ تَبلغ دِيْنَاراً، وَكَانَ كَثِيْرَ الإِنفَاق، لَهُ مُشَاركَة لِلْعُلَمَاء، صَحِبَ الفَخْر الرَّازِيّ قَبْل المُلْكِ، وَلَكِنَّهُ أَفسده العُجْب، وَالثِّقَة بِالسَّلاَمَة، وَاسْتهَانَ بِالأَعْدَاء، وَكَانَ يَقُوْلُ: (مُحَمَّدٌ يَنْصر دِينَ مُحَمَّدٍ) ، قطع خُطبَة الخَلِيْفَة وَجَاهر، وَأَرَادَ أَنْ يَتشبه بِالإِسْكَنْدَر، وَأَيْنَ الوَلِيّ (2) مِنْ رَجُلٍ تُركِيّ، فُكُلُّ ملك لاَ يَكُوْن قصدهُ إِقَامَة الحَقّ فَهُوَ وَشيك الزّوَال، جَاهر هَذَا أُمَّة الخَطَا، فَنَازلهُم بِأُمَّة التّتر، وَاسْتَأْصلهُم إِلاَّ مَنْ خدم مَعَهُ، ثُمَّ انْتقل إِلَى التّتر.
ثُمَّ ذَكَرَ المُوَفَّق أَشيَاء، وَقَالَ: فَكَانَتْ بلاَد مَا وَرَاء النَّهْر فِي طَاعَة الخَطَا، وَمُلُوْك بُخَارَى وَسَمَرْقَنْد يُؤدُّوْنَ الأَتَاوَة إِلَى الخَطَا، وَكَانَتْ هَذِهِ الأُمَمُ سَدّاً بَيْنَ تُرك الصّين وَبيننَا، فَفَتَحَ هَذَا السَّد الْوَثِيق، وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يُقَاوِمُه، فَانْتقلَ إِلَى كِرْمَان، ثُمَّ العِرَاق، ثُمَّ أَذْرَبِيْجَان، وَطمع فِي الشَّام وَمِصْر، وَكَانَ عَلَيْهِ سهلاً لَوْ قدّر، بَات صَاحِب حَلَب ليله مَهْمُوْماً لما اتَّصل بِهِ مِنْ أَخْبَار هَذَا وَطمعه فِي الشَّام، وَقِيْلَ عَنْهُ: إِنَّهُ يَبْقَى أَرْبَعَة أَيَّام عَلَى ظَهْرِ فَرسه لاَ يَنْزِل، إِنَّمَا يَنْتقل مِنْ فَرَس إِلَى فَرَس، وَيطوِي البِلاَد، وَيهجم المَدِيْنَة فِي نَفر يَسير، ثُمَّ يُصبِّحه مِنْ عَسْكَره عَشْرَة آلاَف، وَيُمسِّيه عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَرُبَّمَا هَجَمَ البَلَد فِي مائَة، فَيقضِي الشُّغل قَبْلُ، قتل عِدَّة مُلُوْك، وَإِنَّمَا أَخْذُه البِلاَد بِالرُّعْبِ وَالهَيْبَةِ.
وَبعد مَوْت الظَّاهِر غَازِي، جَاءَ
__________
(1) قال المؤلف في تاريخ الإسلام: " فأول ما فتك بأخيه فأحضر رأسه إليه وهو على الطعام فلم يكترث ".
(2) يعني به: الاسكندر، فقد قال في تاريخ الإسلام نقلا عن الموفق: " فإن الاسكندر مع فضله وعدله وإظهاره كلمة التوحيد كان في صحبته ثلاث مئة حكيم يسمع منهم ويطيع ... فقد علم بالتجربة والقياس أن كل ملك ... الخ.(22/141)
رَسُوْله إِلَى حَلَب، فَقَالَ: سُلْطَانُ السَّلاَطِيْن يُسلِّم عَلَيْكُم، وَيَعتب إِذْ لَمْ تُهنِّئوهُ بِفَتح العِرَاق وَأَذْرَبِيْجَان، وَإِنَّ عدد جَيْشه سَبْعُ مائَةِ أَلْفٍ.
ثُمَّ تَوجّه رَسُوْله إِلَى العَادل بِدِمَشْقَ يَقُوْلُ: تعَالَ إِلَى الخدمَة، فَقَدِ ارْتضينَاك أَنْ تَكُوْن مُقَدَّم الرّكَاب! فَبقِي النَّاس يهزؤون مِنْهُ.
وَسَمِعنَا أَنَّهُ جَعَلَ صَاحِب الرُّوْم أَمِيْر عَلَم لَهُ وَالخَلِيْفَة خَطِيْباً لَهُ! وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة أَوْلاَد: جَلاَل الدِّيْنِ الَّذِي قَامَ بَعْدَهُ، وَغِيَاث الدِّيْنِ تترشَاه، وَقُطْب الدِّيْنِ أَزلاغ، وَرُكْن الدِّيْنِ غُورشَاه يَحْيَى، وَكَانَ أَحْسَنهُم، وَضُربت النَّوبَة بِأَمره لَهُم فِي أَوقَات الصَّلَوَات الخَمْس، عَلَى عَادَة المُلُوْك السَّلْجُوْقيَّة، وَانْفَرَدَ هُوَ بنَوْبَة الإِسْكَنْدَر، فَيَضرب وَقت المَطْلع وَالمَغِيب، وَكَانَتْ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ دبدبَة مِنَ الذّهب الْمُرَصَّع بِالجَوْهَر.
وَأَمَّا المُلُوْك الَّذِيْنَ كَانُوا فِي خِدْمَته، فَكَانَ يُذلهم وَيُهينهُم، وَجَعَلهُم يَضربُوْنَ لَهُ طبُول الذَّهَب (1) ، ثُمَّ إِنَّهُ نَزل بِهَمَذَانَ، وَانتشرت جُمُوْعه، فَاختلت عَلَيْهِ بلاَد مَا وَرَاء النَّهْر، فَرَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَهْلكهُم الثَّلج، وَلَمَّا أَبَاد أُمَّتَيّ الخَطَا وَالتَّتَر وَهُم أَصْحَاب تُركستَان وَجَنْد وَتَنْكُت ظَهرت أُمَّة يُسَمَّوْنَ التّتر أَيْضاً، وَهُم صنفَان، وَطمعُوا فِي البِلاَد، فَجمعَ، وَعَزَمَ عَلَى لِقَائِهِم، فَوَقَعَ جِنْكِزْ خَان رَأْس الطمغَاجيَّة عَلَى كَمِينه، فَطَحنوهُ، وَانْهَزَم جَلاَل الدِّيْنِ ابْنه إِلَيْهِ، وَخيل إِلَيْهِ تَعس الجدّ أَنَّ فِي أُمَرَائِهِ مُخَامِرِيْنَ، فَمسَّكهُم، وَضربَ مَعَ التَّتَار مَصَافّاً بَعْد آخر، فَتطحطح، وَردّ إِلَى بُخَارَى مُنْهَزِماً.
ثُمَّ جَاءَ مِنْ بُخَارَى ليجْمَع العَسَاكِر بِنَيْسَابُوْرَ، فَأَخَذت التَّتَار بُخَارَى، وَهجمُوا خُرَاسَان، فَفَرَّ، فَمَا وَصلَ إِلَى الرَّيِّ إِلاَّ وَطلاَئِعُهُم عَلَى رَأْسه، فَانْهَزَم إِلَى قَلْعَة بَرَجِيْنَ، وَمَعَهُ ثَلاَث مائَة فَارِس عُرَاة مَضَّهُم الْجُوع، فَاسْتطعمُوا مِنْ أَكرَادٍ، فَلَمْ
__________
(1) في تاريخ الإسلام أوضح مما هنا وهو: " يجعل طبول الذهب في أعناق الملوك وهم قيام يضربون ".(22/142)
يَحتفلُوا بِهِم، ثُمَّ أَعْطوهُم شَاتين وَقصعتِي لَبَن، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نهَاوَنْد، ثُمَّ إِلَى مَازِندرَان، وَقعقعَة سلاَحهُم قَدْ ملأَت سَمْعَهُ وَبصره، فَنَزَلَ بِبحيرَة هُنَاكَ، فَانسَهَلَ، وَطَلَبَ دوَاءً، فَأَعوزه الخُبز، وَمَاتَ.
وَقِيْلَ: كَانَ عِدَّة جَيْشه فِي الدِّيْوَان ثَلاَث مائَة أَلْف فَارِس، وَقِيْلَ: إِنَّهُ اسْتولَى عَلَى نَحْو أَرْبَع مائَة مدينَة، وَكَانَتْ أُمُّه تُرْكَانُ فِي عظمَةٍ مَا سُمِعَ قَطُّ بِمِثْلِهَا، وَفِي جَبَرُوت، فَأَسرهَا جِنْكِزْ خَان، وَذَاقت ذُلاًّ وَجُوعاً، وَفِي الآخَرِ دَاخَلَهُ رُعب زَائِد مِنَ التَّتَارِ، كَبَسَهُ التَّتَار، فَبَادر إِلَى مركب، فَوَقَعت عِنْدَهُ سهَامهُم، وَخَاضُوا فَمَا قدرُوا، وَكَانَ هُوَ فِي علَّة ذَات الْجنب:
أَتَتْهُ المَنِيَّةُ مُغْتَاظَةً ... وَسَلَّتْ عَلَيْهِ حُسَاماً ثَقِيلا
فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُ حُمَاةُ الرِّجَالِ ... وَلَمْ يُجْدِ فِيل عَلَيْهِ فَتِيلا
كَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالشَّامِتِينَ ... وَيُفْنِيهِمُ الدَّهْرُ جيلاً فَجِيلا
مَاتَ: فِي الجَزِيْرَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكُفِّن فِي عِمَامَةٍ لفِرَّاشِهِ.
وَكَانَتْ أُمُّه تُجيد الخَطَّ، وَتُعَلِّم، اعْتَصَمْت بِاللهِ وَحْدَه، وَحُكمهَا يُسَاوِي حكم ابْنهَا، فَمنْ أَلْقَابِهَا: عِصْمَةُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ أَلْغِ تُرْكَان سَيِّدَةُ نِسَاء العَالِمِينَ.
وَكَانَتْ سَفَّاكَةً لِلدّمَاء، وَهِيَ مِنْ بنَات مُلُوْك التُّرك، وَلَهَا مِنَ الأَمْوَال وَالجَوَاهِر مَا يَقصر الوَصْف عَنْهُ، فَأخذت التَّتَار الجَمِيْع، وَمِمَّا أخذُوا لابنهَا صُنْدُوْقين كَانَ هُوَ يَقُوْلُ: فِيْهِمَا مَا يُسَاوِي خَرَاج الأَرْضِ.
92 - فِتْيَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ فِتْيَانَ الدِّمَشْقِيُّ الشَّاغُوْرِيُّ *
الأَدِيْبُ الأَوْحَدُ، شَاعِرُ دِمَشْقَ، شِهَابُ الدِّيْنِ فِتْيَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ فِتْيَانَ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّاغُوْرِيُّ.
__________
(*) خريدة القصر: 1 / 247 (القسم الشامي) ، ومعجم البلدان: 3 / 63، والتكملة =(22/143)
حَدَّثَ عَنِ: الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
رَوَى عَنْهُ: القُوْصِيُّ، وَاليَلْدَانِيُّ، وَبِالإِجَازَةِ: عُمَرُ ابْنُ القَوَّاسِ.
وَكَانَ حَنَفِيّاً، أَدَّبَ بَعْضَ أَوْلاَد المُلُوْك، وَمَدَحَ الكِبَارَ.
وَمَاتَ: فِي المُحَرَّمِ (1) ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَهُوَ القَائِلُ (2) :
قَدْ أَجْمَدَ الخَمْرَ كَانُوْنٌ بِكُلِّ قَدَحْ ... وَأَخْمَدَ الجَمْرَ فِي الكَانُوْنِ حِيْنَ قَدَحْ
يَا جَنَّةَ الزَّبَدَانِي أَنْتِ مُسْفِرَةٌ ... بِحُسْنِ وَجْهٍ إِذَا وَجْهُ الزَّمَانِ كَلَحْ
فَالثَّلجُ قُطْنٌ عَلَيْكِ السُّحب تَنْدِفُهُ ... وَالجَوُّ يَحْلُجُهُ وَالقَوْسُ قَوْسُ قُزَحْ
وَلَهُ مِنْ قصيدَةٍ طَوِيْلَةٍ بَدِيْعَةٍ:
يَا رُبَّ بِيضٍ سَلَلْنَ البِيضَ مِنْ حَدَقٍ ... سُودٍ وَمِسْنَ كَأَعْطَافِ القَنَا الذُّبُلِ
هِيفِ الخُصُوْرِ نَقِيَّاتِ الثُّغُوْرِ أَثِيـ ... ـثَاتِ (3) الشُّعُورِ هَجَرْنَ الكُحْلَ لِلْكَحَلِ
مِثْلَ الشُّمُوسِ انْجَلَى عَنْهَا الغَمَامُ إِذَا ... غَازَلْنَنَا (4) مِنْ وَرَاءِ السِّجْفِ وَالكِلَلِ
93 - السَّامَرِّيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ*
شَيْخُ الحَنَابِلَةِ، قَاضِي سَامرَّاءَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
= للمنذري: 2 / الترجمة: 1578، ووفيات الأعيان: 4 / 24 - 26، وتاريخ الإسلام، الورقة: 219 (باريس 1582) ، ومطالع البدور للغزولي: 1 / 28، والنجوم الزاهرة: 6 / 225، وبغية الوعاة: 2 / 243، وشذرات الذهب: 5 / 63 - 64.
(1) في سحر الثاني والعشرين منه، كما ذكر المنذري في " التكملة ".
(2) قال ذلك في " الزبداني " وكان قد أقام بها مدة.
(3) اثيثات: كثيفات.
(4) في الأصل: " غازللنا "، وليس بشيء.
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 57 (شهيد علي) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة =(22/144)
إِدْرِيْسَ بنِ سُنَيْنَةَ السَّامَرِّيُّ، صَاحِبُ (المُسْتوعِبِ) .
مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ، صَنَّفَ، وَأَشغلَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، لَكِنْ لَمْ يَرْوِ شَيْئاً، وَلِيَ قَضَاءَ سَامرَّاءَ مُدَّةً، وَتَركَهُ.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ (1) ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
94 - العِمَادُ ابْنُ عَسَاكِرَ *
الحَافِظُ المُفِيْدُ، المُحَدِّثُ، عِمَادُ الدِّيْنِ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ ابْنُ الحَافِظِ بَهَاءِ الدِّيْنِ القَاسِمِ ابْنِ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الخِرَقِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ الجَنْزَوِيِّ، وَالأَثِيْرِ بنِ بُنَان، وَالمُؤَيَّدِ الطُّوْسِيِّ، وَعَبْدِ المُعِزِّ الهَرَوِيِّ.
وَارْتَحَلَ إِلَى العِرَاقِ وَإِلَى خُرَاسَانَ، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَخَرَّجَ (المَشْيَخَة) لأَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، وَكَانَ مُجدّاً فِي الطَّلَبِ، أَدْرَكَهُ الأَجَلُ بَعْد عَوْدِه مِنْ خُرَاسَانَ؛
__________
= 1681، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 230 (باريس 1582) ، والذيل لابن رجب: 2 / 121 - 122، وشذرات الذهب: 5 / 70 - 71، والتاج المكلل للقنوجي: ص 228 - 229.
(1) قال المنذري: " توفي في ليلة السابع والعشرين من رجب ".
(*) الكامل لابن الأثير: 12 / 147، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة 1667، وذيل الروضتين لأبي شامة: ص 120.
ثم ذكره في وفيات سنة 617 في ص 121، والتلخيص لابن الفوطي: 4 / الترجمة 1147، والمختصر لأبي الفداء: 3 / 131، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 228 - 229 (باريس 1582) ، والعبر 5 / 62 - 63 والصفدي الوافي بالوفيات، 12 / الورقة 137، وطبقات السبكي: 5 / 126، والبداية النهاية: 13 / 85، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة 166، وعقد الجمان للعيني، 17 / الورقة 397 - 398، والنجوم الزاهرة 6 / 246، وتاريخ ابن الفرات، 10 / الورقة 3، وشذرات الذهب 5 / 69 - 70.(22/145)
خَرَجتْ عَلَيْهِ حَرَامِيَّةٌ، وَجُرِحَ، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِبَغْدَادَ.
وَأَقَامَ بِخُرَاسَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَقَدْ خَرَّجَ (الأَرْبَعِيْنَ) لِنَفْسِهِ، وَحَدَّثَ بِهَا سَنَة سِتِّ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْهُ: تَاجُ الأُمَنَاءِ، وَأَخُوْهُ؛ الفَقِيْهُ فَخْرُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالتَّاجُ ابْنُ القُرْطُبِيِّ، وَقَدْ رَثَاهُ العِزُّ النَّسَّابَةُ بِأَبيَاتٍ، مِنْهَا:
صَاحِبِي هَذِهِ دِيَارُ سُعَادٍ ... فَتَرَفَّقْ وَمُنَّ بِالإِسْعَادِ
عُجْ عَلَيْهَا نَقْضِي لبَانَاتِ قَلْـ ... ـبٍ مُسْتَهَامٍ أَصْمَاهُ حُبُّ سُعَادِ
قَرَأْتُ بِخَطِّ عُمَرَ بنِ الحَاجِبِ: سَأَلتُ العِزَّ ابْن عَسَاكِرَ عَنِ العِمَادِ، فَقَالَ:
كَانَ يَتشيَّعُ، وَكُنْت أَنقمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلاَ جَرَمَ أَنَّهُ قُصِفَ.
قُلْتُ: عَاشَ خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ وَسَامَحَهُ -.
أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَخِي عَبْدُ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِيْهِ الحَسَنِ بِحَدِيْثٍ مِنْ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) .
95 - صَاحِبُ حَمَاةَ المَنْصُوْرُ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ شَاهِنْشَاه بنِ أَيُّوْبَ *
المَلِكُ المَنْصُوْرُ، نَاصِرُ الدِّيْنِ، مُحَمَّدُ ابْنُ المَلِكِ المُظَفَّرِ تَقِيِّ الدِّيْنِ عُمَرَ
__________
(*) سيرته مشهورة في كتب التاريخ وانظر: عقود الجمان لابن الشعار، 6 / الورقة 151 - 157، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1775، وذيل الروضتين لأبي شامة: ص 124، ومفرج الكروب لابن واصل: 4 / 77 - 86، والمختصر لأبي الفداء 3 / 132، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 241 - 242 (باريس 1582) ، والعبر 5 / 71، والوافي بالوفيات: 4 / 259 - 260، وفوات الوفيات لابن شاكر 2 / 498 - 499، والبداية والنهاية: 13 / 93، والسلوك =(22/146)
بنِ شَاهنشَاه بنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي صَاحِب حَمَاة، وَأَبُو مُلُوكِهَا.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الطَّاهِر بنِ عَوْفٍ بِالثَّغْرِ مَعَ عَمِّ أَبِيْهِ صَلاَحِ الدِّيْنِ، وَأَلَّفَ (تَارِيخاً) كَبِيْراً فِي مُجَلَّدَات.
وَكَانَ شُجَاعاً، مُحِبّاً لِلْعُلَمَاءِ، يُقَرِّبُهُم وَيعْطِيهِم.
رَوَى عَنْهُ: القُوْصِيُّ فِي (مُعْجَمِهِ) ، وَكَانَتْ دَوْلَته ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ هَزَمَ الفِرَنْجَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ زوج بِنْت السُّلْطَان الْملك العَادل، وَجَاءته مِنْهَا أَوْلاَده، وَمَاتَتْ، فَبَالغَ فِي حُزنه عَلَيْهَا، حَتَّى إِنَّهُ لَبِسَ عِمَامَةً زَرقَاءَ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ (1) : وَلَمَّا وَرد السَّيْف الآمِدِيّ حَمَاةَ، بَالغَ فِي إِكرَامِه، وَاشْتَغَلَ عَلَيْهِ، وَأَلَّفَ (طَبَقَات الشُّعَرَاءِ) ، وَكِتَابَ (مِضْمَارِ الحَقَائِقِ) نَحْوَ عِشْرِيْنَ مُجَلَّدَةً، وَجَمَعَ فِي خزَانَتِه مِنَ الكُتُبِ مَا لاَ مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي خِدْمَتِه مَا يُنَاهزُ مائَتَي مُعَمَّمٍ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالأُدَبَاءِ وَالنُّحَاةِ وَالمُنَجِّمِينَ وَالفَلاَسِفَةِ وَالكَتَبَةِ، وَكَانَ كَثِيْرَ المُطَالَعَةِ وَالبحث، بَنَى سوراً لِحَمَاةَ وَلِقَلعَتِهَا، وَكَانَ مَوْكِبُه جَلِيْلاً تُجْذَبُ بَيْنَ يَدَيْهِ السُّيوفُ الكَثِيْرَةُ، يُضَاهِي مَوْكِبَ عَمِّه العَادِلِ، وَجُمِعَ نَظْمُهُ فِي (دِيْوَانٍ) ، ثُمَّ أَوْرَد مِنْهُ ابْن وَاصِلٍ قَصَائِدَ جَيِّدَةً.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنُه قِلْج رِسْلاَنَ تِسْعَةَ أَعْوَامٍ، وَتَلقَّبَ بِالملكِ النَّاصِرِ (2) .
وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ المَلِكِ المُعَظَّمِ، فَعَزَلَهُ الكَامِلُ، وَوَلَّى أَخَاهُ المَلِكَ المُظَفَّر، وَسَجَنَ قِلْجَ رِسْلاَنَ حَتَّى مَاتَ بِمِصْرَ.
__________
= للمقريزي ج 1 / 1 / 205، وعقد الجمان للعيني، 17 / الورقة 409 - 410، والنجوم الزاهرة 6 / 250، وشذرات الذهب 5 / 77 - 78، وتاريخ حماة للصابوني: ص 84.
(1) مفرج الكروب: 4 / 78 فما بعد، بتصرف كبير.
(2) مفرج الكروب: 4 / 86 فما بعد.(22/147)
96 - الصَّلاَحُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عُثْمَانَ بنِ مُوْسَى الكُرْدِيُّ *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، صَلاَحُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ عُثْمَانَ بنِ مُوْسَى الكُرْدِيُّ، الشَّهْرُزُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، وَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّيْنِ أَبِي عَمْرٍو بنِ الصَّلاَحِ.
تَفقَّهَ عَلَى: أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَغَيْرِهِ، وَبَرَعَ، وَدرَّسَ بِالأَسَدِيَّةِ بِحَلَبَ.
تَفقَّه بِهِ: وَلدُهُ، وَغَيْرُهُ.
مَاتَ: بِحَلَبَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
97 - ابْنُ وَهْبَانَ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ النَّفِيْسِ السُّلَمِيُّ **
الإِمَامُ، الحَافِظُ المُفِيْدُ، الفَقِيْهُ، الشَّاعِرُ، أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ النَّفِيْسِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ وَهْبَانَ السُّلَمِيُّ، الحَدِيْثِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا الفَتْحِ بنَ شَاتيلَ، وَنَصْرَ اللهِ القَزَّازَ، وَفَارِساً الحَفَّارَ، وَأَبَا الفَتْحِ المَنْدَائِيَّ، وَالمُؤَيَّدَ الطُّوْسِيَّ، وَأَبَا رَوْحٍ، وَأَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ، وَبِمِصْرَ وَأَصْبَهَانَ، وَخُرَاسَانَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيُّ، وَقَالَ (1) : كَانَ حَادَّ القَرِيْحَةِ، فَقِيْهاً، أَدِيْباً، شَاعِراً، وُلِدَ بِحَدِيْثَة النُّوْرَةِ، بِقُرْبِ هِيْتَ.
__________
(*) تاريخ الإسلام، الورقة: 183 (أيا صوفيا: 3011) .
(* *) تكملة المنذري: 3 / الترجمة 1858، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 245 - 246 (باريس 1582) ، والمستفاد للدمياطي، الورقة 47، والذيل لابن رجب 2 / 128 - 130، وشذرات الذهب 5 / 80 - 81.
(1) التكملة: 3 / الترجمة: 1858.(22/148)
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : كَانَ حَافِظاً، ثِقَةً، مُتْقِناً، ظَرِيْفاً، كَيِّساً، مُتَوَاضِعاً، لَهُ النَّظمُ وَالنَّثرُ، اصطَحَبْنَا مُدَّةً، وَأَفَادَنِي (2) الكَثِيْرَ، سَكَنَ خُوَارِزْمَ إِلَى أَنْ أَحرَقَهَا التَّتَارُ، وَعُدِمَ خَبَرُهُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَرْو، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
قُلْتُ: وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ أَسرتِ التَّتَارُ الحَافِظَ المُفِيْدَ عَبْدَ العَزِيْزِ (3) بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ تَمِيْمٍ الشَّيْبَانِيَّ الدِّمَشْقِيَّ أَحَدَ الطَّلَبَةِ المَشْهُوْرِيْنَ، وَعُدِمَ خَبَرُهُ.
98 - يَاقُوْتُ الكَبِيْرُ أَمِيْنُ الدِّيْنِ المَوْصِلِيُّ المَلِكِيُّ *
صَاحِبُ الخطِّ الفَائِقِ، أَمِيْنُ الدِّيْنِ المَوْصِلِيُّ، المَلِكِيُّ، مِنْ مَوَالِي السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه بنِ سَلْجُوْقِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيُّ.
بَرَعَ فِي العَرَبِيَّة، وَتَقدَّمَ فِيْهَا، وَانْتَهَى إِلَيْهِ حُسن الكِتَابَةِ، نَسَخَ بِـ (الصِّحَاح (4)) عِدَّة نُسَخٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَوْلاَد الرُّؤَسَاءِ، ثُمَّ شَاخَ، وَتغَيَّرَ خَطُّهُ.
__________
(1) انظر المستفاد منه الذي اختاره الدمياطي الحسامي، الورقة: 47.
(2) في الأصل: " وأفلاني "، وليس بشيء.
(3) تاريخ الإسلام، الورقة: 184 (أيا صوفيا: 3011) .
(*) إرشاد الاريب: 7 / 267 - 268، والكامل لابن الأثير: 12 / 405 (بيروت) ، ووفيات الأعيان: 6 / 119 - 122، وتاريخ الإسلام، الورقة: 191 (أياصوفيا: 3011) ، والنجوم الزاهرة: 5 / 283 (وفي اثناء ترجمة أبي الدرياقوت الرومي مولى ابن البخاري المتوفى سنة 543) .
(4) يعني: صحاح الجوهري، وقد قال المؤلف في " تاريخ الإسلام ": " ونسخ نسخا عديدة بكتاب الصحاح للجوهري كل نسخة في مجلد واحد، وهي ميسرة الوجود عند الأعيان، وكانت النسخة تباع بمئة دينار ".(22/149)
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (1) : لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مَنْ يُؤَدِّي طَرِيقَةَ ابْنِ البَوَّابِ مِثْلَهُ.
مَاتَ: بِالمَوْصِلِ، فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَمَدَحَهُ النَّجِيْبُ الوَاسِطِيُّ بِقَصِيدَةٍ.
99 - مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ بنِ أَبِي صَالِحٍ الجِيْلِيُّ *
ابْنُ الشَّيْخِ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ القَادِرِ بن أَبِي صَالِحٍ الجِيْلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، ضِيَاء الدِّيْنِ، أَبُو نَصْرٍ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي القَاسِمِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَأَبِي الفَتْحِ ابْنِ البَطِّيِّ، وَكَانَ يَسكُنُ بِالعُقَيْبَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَعُمَرُ بنُ الحَاجِبِ، وَالسَّيْفُ أَحْمَدُ بنُ المَجْدِ، وَالقُوْصِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ سِبْطُ عَبْدِ الحَقِّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ نُوْرٍ، وَالصَّفِيُّ إِسْحَاقُ الشَّقْرَاوِيُّ، وَيُوْسُفُ الغَسُوْلِيُّ، وَالعِزُّ أَحْمَدُ بنُ العِمَادِ، وَالعِمَادُ عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَخَلْقٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبْتُ عَنْهُ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ مَطْبُوْعاً لاَ بَأْسَ بِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ خَالياً مِنَ العِلْمِ.
__________
(1) الكامل: 12 / 405.
(*) تكملة المنذري: 3 / الترجمة 1815، وتاريخ الإسلام للذهبي: الورقة 250 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 75، ودول الإسلام: 2 / 93، والنجوم الزاهرة: 6 / 252، وتاريخ ابن الفرات: 1 / الورقة 26، والقلائد للتاذفي 44، وشذرات الذهب: 5 / 82 - 83، السنون الضائعة لمصطفى جواد: 59.(22/150)
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ ظرِيفاً، رَقَّ حَالُه، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ المَرضُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، أَوَّلَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ آخِرَ أَوْلاَدِ أَبِيْهِ وَفَاةً، وَكَانَ يُرمَى بِرَذَائِلَ لاَ تَلِيقُ بِمِثْلِهِ، قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيُّ: عِنْدَهُ دُعَابَةٌ.
قُلْتُ: سَمِعْتُ مِنْ طَرِيقِه المُنْتَقَى مِنْ أَجزَاءِ (المُخَلِّصِ) ، وَالثَّانِي مِنْ (حَدِيْثِ زغبَةَ) ، وَمُنتقَى مِنْ (مُسْنَدِ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ) ، وَ (جُزْء أَبِي الجَهْمِ) .
100 - ابْنُ طَاوُوْسٍ أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ الخَضِرِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ الأَمِيْنُ، سَدِيْدُ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي طَالِبٍ الخَضِرِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ البَغْدَادِيُّ الأَصْلِ، الدِّمَشْقِيُّ.
مِنْ بَيْتِ العِلْمِ وَالرِّوَايَةِ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
وَسَمِعَ فِي الخَامِسَة مِنَ: الفَقِيْهِ نَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: نَاصِرِ بنِ مُحَمَّدٍ القُرَشِيِّ، وَالخَضِرِ بنِ عَبْدَانَ، وَعَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ المُرَادِيِّ، وَنَصْرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُنِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ ارْتَحَلَ إِلَيْهِ.
وَكَانَ عَسِراً فِي الرِّوَايَة، لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنِ أصلٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ التِّلاَوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْرِي فَنَّ الحَدِيْثِ.
__________
(*) تكملة المنذ ري: 3 / الترجمة 1810، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 250 - 251 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 76، والنجوم الزاهرة: 6 / 252، وتاريخ ابن الفرات: 1 / الورقة 26، وشذرات الذهب: 5 / 83.(22/151)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْن النَّجَّارِ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النُّشبِيُّ (1) ، وَالعِمَادُ مُحَمَّدُ بنُ صَصْرَى، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ.
وَسَمِعْنَا بِإِجَازَتِهِ مِنْ: أَبِي حَفْصٍ ابْنِ القَوَّاسِ.
مَاتَ: فِي سَابِعِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخُوْهُ:
101 - الشَّيْخُ أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ الخَضِرِ الصُّوْفِيُّ *
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَحَمْزَةَ بنِ كَرَوَّس، وَابْنِ عَسَاكِرَ، وَكَانَ قَلِيْلَ العِلْمِ.
رَوَى عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالجَمَالُ ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَابْنُ المُجَاوِرِ، وَعَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانُ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ (2) ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
102 - ثَابِتُ بنُ مُشَرِّفِ بنِ أَبِي سَعْدٍ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَغْدَادِيُّ **
ثَابِتُ بنُ مُشَرِّفِ بنِ أَبِي سَعْدٍ ثَابِتِ - أَوْ مُحَمَّدِ - بنِ إِبْرَاهِيْمَ، الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو سَعْدٍ
__________
(1) من ولد نشبة بن ربيع بطن من تميم كما في مشتبه الذهبي (348) ، وتوهم الذهبي في الصفحة (74) من المشتبه فذكر أن نشبة بطن من قيس. وانظر توضيح ابن ناصر الدين: 1 / الورقة: 57، وفي الأصل: البشتي.
(*) تكملة المنذري: 3 / الترجمة 2210، وبغية الطلب لابن العديم: 1 / الورقة 73، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 49 (أيا صوفيا 3012) والعبر 5 / 102، والنجوم الزاهرة 6 / 270، وشذرات الذهب 5 / 116.
(2) قال ابن العديم في بغية الطلب: " ... ان شيخنا أبا المعالي..توفي في رابع شهر رمضان سنة خمس وعشرين وست مئة ".
(* *) التقييد لابن نقطة، الورقة 68، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة 290 (باريس 5921) ، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة: 1906، وتاريخ الإسلام للذهبي الورقة 252 - =(22/152)
البَغْدَادِيُّ، الأَزَجِيُّ، المِعمارُ، البَنَّاءُ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ شِسْتَانَ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَسَعِيْدِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَاصِرٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ العَبَّاسِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ التُّرَيْكِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ الوَاثِقِ، وَنَصْرِ بنِ نَصْرٍ العُكْبَرِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ نَاقَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الرُّطَبِيِّ.
وَسَمِعَ بِإِفَادَة أَبِيْهِ، وَبِنَفْسِه.
وَأَجَاز لَهُ: وَجِيْهٌ الشَّحَّامِيُّ، وَأَبُو البَرَكَاتِ ابْنُ الفُرَاوِيِّ، وَكَانَ عَمُّهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي سَعْدٍ الخَبَّازُ مِنْ أَعْيَانِ الطَّلبَةِ بِبَغْدَادَ.
وَشِسْتَان: بِكَسرِ أَوَّلِه، وَرَأَيْتُ بَعضَهُم ضَمَّهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالصَّاحِبُ عُمَرُ بنُ العَدِيْمِ، وَوَلَدُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَانِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ بنِ الدَّبَّابِ، وَالكَمَالُ أَحْمَدُ ابْنُ النَّصِيْبِيِّ، وَطَائِفَةٌ؛ حَدَّثَ بِحَلَبَ وَبِدِمَشْقَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (1) : كَانَ صَعبَ الأَخْلاَقِ، ظَاهِرَ العَامِيَّةِ، سَمِعْتُ عَامَّةَ الطَّلبَةِ يذمُّونه.
قَالَ المُنْذِرِيُّ (2) : مَاتَ فِي خَامِس ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
= 253 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 76 - 77، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 269 - 270، والنجوم الزاهرة: 6 / 254، وشذرات الذهب: 5 / 84 - 85.
(1) التقييد، الورقة: 68.
(2) التكملة: 3 / الترجمة 1906.(22/153)
103 - مِسْمَارُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، ابْنُ العُوَيْسِ
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُقْرِئ، الصَّالِحُ الخَيِّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو بَكْرٍ ابْنُ العُوَيْسِ النَّيَّار، بَغْدَادِيٌّ مَشْهُوْرٌ.
نَزلَ المَوْصِلَ، وَأَقرَأ القُرْآنَ، وَحَدَّثَ، وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: أَبِي الفَضْلِ الأُرْمَوِيِّ، وَابْنِ نَاصِرٍ، وَسَعِيْدِ ابْنِ البَنَّاءِ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ، وَابْنِ نَاقَةَ، قِيْلَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّ الوَزِيْرَ ابْنَ هُبَيْرَةَ لَقَّبَهُ بِمِسْمَارٍ؛ كَانَ يَجلسُ لِلسَّمَاعِ وَهُوَ صَبِيٌّ لاَ يَكَادُ يَتحرَّكُ، فَقَالَ: كَأَنَّهُ مِسمَارٌ، وَكَانَ مَشْهُوْراً بِالخَيْرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَرُكْنُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ قرطَاي الإِرْبِلِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ بَزْوَانَ (1) ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مَنْصُوْرٍ الأَثَرِيُّ، وَسَيِّدَةُ بِنْتُ دِرْبَاسٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَجَازَ: لِلْعِمَادِ بنِ سَعْدٍ، وَلِعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الدَّائِمِ (2) .
مَاتَ: بِالمَوْصِلِ، فِي ثَانِي عَشَرَ شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ (3) .
__________
(*) اكمال الإكمال لابن نقطة: مادة (بشمار ومسمار) الورقة 38 (ظاهرية) ، والتقييد
له، الورقة 212، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1890، وتلخيص ابن الفوطي: 4 / الترجمة 783 ولقبه عفيف الدين، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 255 - 256 (باريس 1582) والعبر: 77، والمختصر المحتاج إليه، الورقة 116، والنجوم الزاهرة 6 / 253.
(1) قيده الحافظ ابن ناصر الدين في " بزوان " من توضيحه لمشتبه الذهبي.
(2) وأجاز للزكي المنذري غير مرة، منها من شهر ربيع الأول سنة 608، كما ذكر في " التكملة ".
(3) قال المنذري في " التكملة ": " ومولده ببغداد في جمادى الآخرة، وقيل: في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة ".(22/154)
وَفِيْهَا مَاتَ: شَيْخُ اليُوْنُسِيَّةِ الزَّاهِدُ يُوْنُسُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مُسَاعِدٍ القُنَبِّيُّ (1) المَارْدِيْنِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ (2) بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَدِيْدٍ الكِنَانِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَابْنُ الأَنْمَاطِيِّ المُحَدِّثُ، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَالمُقْرِئُ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَبِي رَجَاءٍ البَلَوِيُّ الوَاديَاشِيُّ، وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ إِدْرِيْسَ البَعْقُوْبِيُّ الزَّاهِدُ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ ابْن النَّبِيْهِ المِصْرِيُّ الشَّاعِرُ صَاحِب (الدِّيْوَانِ) ، وَالحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الغَافِقِيُّ المَلاحِيُّ، وَالإِمَامُ أَبُو الفُتُوْحِ ابْنُ الحُصْرِيِّ.
__________
(1) منسوب إلى القنية - بضم القاف وفتح النون وتشديد الياء آخر الحروف - تصغير قناة، وهي من أعمال دارا من نواحي ماردين، قيدها ابن خلكان في وفياته، ووجدتها مجودة التقييد بخط الذهبي في ترجمة يونس المذكور في تاريخ الإسلام (الورقة 201 من مجلد أيا صوفيا 3011) .
(2) تكملة المنذري: 3 / الترجمة: 1880، وتاريخ الإسلام، الورقة: 193 (أيا صوفيا 3011) .
وهو كناني من ولد سراقة بن مالك بن جشم.(22/155)
الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلاَثُوْنَ
104 - ابْنُ رَاجِحٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفٍ المَقْدِسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الفَقِيْهُ، المُنَاظِرُ، شِهَابُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ رَاجِحِ بنِ بِلاَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ عِيْسَى المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْليُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ ظَنّاً بِجَمَّاعِيْلَ.
وَتربَّى بِالدَّيْرِ بقَاسيُوْنَ، وَأَخَذَهُ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ مَعَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ إِلَى السِّلَفِيِّ، فَسَمِعَ مِنْهُ كَثِيْراً، وَرجعَ فَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ الخَشَّابِ، وَشُهْدَةَ والطَّبَقَة.
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 41 (شهيد علي) ، ومرآة الزمان: 8 / 622 - 623، وعقود الجمان لابن الشعار: 6 / الورقة 245، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1791، وذيل الروضتين لأبي شامة: 130، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 248 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 75، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 44 - 45، والوافي بالوفيات: 3 / 45 - 46، والبداية والنهاية: 13 / 96، والذيل لابن رجب: 2 / 124 - 125، وعقد الجمان للعيني 17 / الورقة 426، والنجوم الزاهرة: 6 / 251، وتاريخ ابن الفرات: 1 / الورقة 24، وشذرات الذهب: 5 / 82.(22/156)
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَجَمَاعَةٍ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَاشْتَغَلَ عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ.
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: صَارَ أَوحد زَمَانِهِ فِي عِلْمِ النَّظَرِ، وَكَانَ يَقطعُ الخُصُوْمَ، وَيَذْهَبُ فَيُنَاظرُ الحَنَفِيَّةَ، وَيَتَأَذَّوْنَ مِنْهُ، وَقَدْ أَلْبَسَهُ شَيْخُهُ ابْنُ المَنِّيِّ طَرْحَةً، ثُمَّ إِنَّهُ مَرِضَ وَاصفرَّ حَتَّى قِيْلَ: هُوَ مَسْحُوْرٌ، وَكَانَ كَثِيْرَ الخَيْرِ، وَالصَّلاَةِ، سلِيمَ الصَّدْرِ، رَأَيتُهُم بِجَمَّاعِيْلَ، يُعَظِّمُونَهُ، وَلاَ يَشكُّوْنَ فِي وِلاَيتِهِ وَكَرَامَاتِهِ.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ جَمَّاعِيْلَ، مِنْهُم: خَالِي عُمَرُ بنُ عَوَضٍ، قَالَ: وَقعَتْ فِي جَمَّاعِيْلَ فِتْنَةٌ، فَخَرَجَ بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ بِالسُّيوفِ، وَكَانَ ابْنُ رَاجِحٍ عِنْدنَا، قَالُوا: فَسَجَدَ وَدَعَا، قَالُوا: فَضَرَبَ بَعْضُهُم بَعْضاً بِالسُّيوفِ، فَمَا قطعَتْ شَيْئاً، قَالَ عُمَرُ: فَلَقَدْ رَأَيتَنِي ضربْتُ بسيفِي رَجُلاً، وَكَانَ سَيْفاً مَشْهُوْراً، فَمَا قطعَ شَيْئاً، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا بِبركَةِ دعَائِهِ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ فِي (مُعْجَمِهِ) : هُوَ إِمَامٌ، مُحَدِّثٌ، فَقِيْهٌ، عَابِدٌ، دَائِمُ الذِّكْرِ، لاَ تَأْخذُهُ فِي اللهِ لُوْمَةُ لاَئِمٍ، صَاحِبُ نَوَادِرٍ وَحِكَايَاتٍ، عِنْدَهُ وَسْوَسَةٌ زَائِدَةٌ فِي الطَّهَارَةِ، وَكَانَ يُحَدِّثُ بَعْدَ الجُمُعَةِ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَتْ أَعدَاؤُهُ تَشهَدُ بفضلِهِ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ (1) : كَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، متحرِّياً فِي العِبَادَاتِ، حَسَنَ الأَخْلاَقِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: الضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ
__________
(1) التكملة: 3 / الترجمة 1791.(22/157)
عَبْدِ الدَّائِمِ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَابْنُ الكَمَالِ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالعِمَادُ عَبْدُ الحَافِظِ، وَالعزُّ ابْنُ العِمَادِ، وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنُ الفَرَّاءِ، وَخَلْقٌ.
قَرَأْتُ وَفَاتَهُ بِخَطِّ الضِّيَاءِ: فِي التَّاسعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفرٍ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
105
- صَاحِبُ الأَلموتِ * إِلكِيَا (1) جَلاَلُ الدِّيْنِ حَسَنٌ الإِسْمَاعِيْلِيُّ
ابْنُ الأَمِيْرِ (2) ابْنِ إِلكيَا حَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ، الإِسْمَاعِيْلِيُّ، رَأْسُ الإِسْمَاعِيْلِيَّةِ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ.
وَكَانَ قَدْ أَظهرَ شِعَارَ الإِسْلاَمِ مِنَ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ (3) ، فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ شَمْسُ الشُّموسِ، عَلاَءُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ، فَطَالَتْ أَيَّامُهُ إِلَى أَنْ أَخَذَهُ هولاَكُو، وَهدمَ الأَلموتَ.
__________
(*) أخباره مبثوثة في التواريخ المستوعية لعصره وخاصة كامل ابن الأثير ومرآة السبط وتواريخ الذهبي وغيرها، وترجمته في الكامل لابن الأثير: 12 / 167، ومختصر أبي الفدا: 3 / 137، وتاريخ الإسلام، الورقة: 244 (باريس 1582) ، والوافي بالوفيات: 11 / الورقة: 54، والبداية والنهاية لابن كثير: 13 / 96، وشذرات الذهب: 5 / 84.
وذكره المنذري في آخر وفيات سنة 618 من " التكملة " (3 / الترجمة: 1859) .
(1) إلكيا: لفظ فارسي معناه الرئيس أو الكبير.
(2) فراغ في الأصل، والظاهر عن الذهبي تركه لعدم معرفة اسم والد الحسن هذا، وما عرفه، ولم تذكر المصادر التي اطلعت عليها اسم أبيه، لكنها ذكرت انه حفيد الحسن بن الصباح المتوفى سنة 518.
(3) على عهد الخليفة الناصر لدين الله العباسي، والظاهر أن ذلك كان لاسباب سياسية بحتة، ولذلك نعته الذهبي في غير ما موضع من كتبه " ضلال الدين " بدلا من " جلال الدين ". وسيأتي خبره في ترجمة الناصر من هذا الكتاب.(22/158)
106 - الوَاسِطِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ أَبِي العِزِّ *
الشَّيْخُ، المُقْرِئُ، أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ أَبِي العِزِّ الوَاسِطِيُّ، السَّفَّارُ.
شيخٌ مُعَمَّرٌ، يَحْتَمِلُ سنُّهُ السَّمَاعَ مِنِ: ابْنِ الحُصَيْنِ، وَفَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّة.
وَإِنَّمَا سَمِعَ - وَقَدْ كَبِرَ - مِنْ: أَبِي الوَقْتِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ العَبَّاسِيِّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ ابْنِ التُّرَيْكِيِّ، وَحَدَّثَ فِي أَسفَارِهِ بِدِمَشْقَ وَحَلَبَ وَالمَوْصِلِ وَإِرْبِلَ وَبَغْدَادَ.
وَلَهُ اعتنَاءٌ مَا، وَتُعرَفُ سَمَاعَاتُهُ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ زَينِ الأُمَنَاءِ، وَحَدَّثَ بـ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) بِالمَوْصِلِ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَلَهُ مائَةُ سَنَةٍ وَسَنَةٌ.
107 - قَتَادَةُ بنُ إِدْرِيْسَ الحَسَنِيُّ
صَاحِبُ مَكَّةَ.
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 60 (شهيد علي) ، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1817، وتلخيص ابن الفوطي: 4 / الترجمة 756 ولقبه عفيف الدين، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 249 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 68، وأهل المئة فصاعدا، الورقة 14، وتاريخ ابن الفرات، 1 / الورقة 25.
(* *) الكامل لابن الأثير: 12 / 165، ومرآة الزمان: 8 / 617 - 618، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1749، وذيل الروضتين لأبي شامة: 123، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 237 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 69، والعقد الثمين للفاسي، 3 / الورقة 8 - 13 (7 / 39 - 61 من المطبوع) ، والسلوك للمقريزي: ج 1 / القسم 1 / 206، والنجوم الزاهرة: 6 / 49 - 50، وشذرات الذهب: 5 / 76، وخلاصة ابن زيني دحلان: 22. وله ترجمة في شفاء الغرام: 2 / 198، وتاريخ العصامي: 4 / 208.(22/159)
امتدَّتْ أَيَّامُهُ (1) ، رُبَّمَا جَارَ وَظلَمَ وَعسفَ، وَأَخَذَ المَدِيْنَةَ عَلَى يدِ ابْنِهِ حسن، فَقتلَ حسنٌ صَاحِبَهَا عَمَّهُ، ثُمَّ خَنَقَ أَبَاهُ قَتَادَةَ هَذَا، ثُمَّ قتلَ عَمَّهُ الآخرَ.
وَلِقَتَادَةَ شعرٌ جَيِّدٌ، وَعُمِّرَ تِسْعِيْنَ سَنَةً (2) .
108 - العُثْمَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الغَالِب بنِ نَصْرٍ *
المُحَدِّثُ، الجَوَّالُ الصَّالِحُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ الغَالِب بنِ نَصْرٍ الأُمَوِيُّ، العُثْمَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
مَوْلِدُهُ: بِبَيْتِ لِهْيَا، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ ابْنِ المَوَازِيْنِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ ابْنِ الخِرَقِيِّ، وَعِدَّةٍ، وَبِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ كُلَيْبٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ: خَلِيْلٍ الرَّارَانِيِّ، وَمَسْعُوْدٍ الجَمَّالِ، وَعِدَّةٍ.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارِ، وَبِمِصْرَ، وَالثَّغْرِ.
وَكَانَ دَيِّناً، وَرِعاً، أَمِيناً، كتبَ الكَثِيْرَ، وَرَوَى أَكْثَرَ مَرْوِيَّاتِهِ، وَلَهُ مَنَامَاتٌ عَجِيْبَةٌ.
__________
(1) ولي امرة مكة عشرين سنة أو نحوها على الخلاف في مبدأ ولايته هل هو سنة 597 أو سنة 598 أو سنة 599.
(2) ذكر المنذري أنه توفي في أواخر جمادى الآخرة من سنة 617، وذكر أبو شامة في " ذيل الروضتين " والذهبي في " تاريخ الإسلام " وابن كثير أنه توفي في جمادى الأولى من السنة المذكورة.
أما ابن الأثير فذكر انه توفي في جمادى الآخرة سنة 618، وهي الرواية التي ذكرها المنذري في آخر ترجمته، على التمريض.
(*) تكملة المنذري: 3 / الترجمة 1784، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 249 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 75، وتاريخ ابن الفرات: 1 / الورقة 24.(22/160)
رَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالكَمَالُ ابْنُ النَّصِيْبِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: بطيبَةَ، فِي نِصْفِ المُحَرَّمٍ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
109 - ابْنُ الحَمَّامِيِّ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، الوَاعِظُ الصَّالِحُ، تَقِيُّ الدِّيْنِ، أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَرَجِ الهَمَذَانِيُّ، ابْنُ الحَمَّامِيِّ (1) .
وُلِدَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَقْتِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ حُضُوْراً، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي العَلاَءِ العَطَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ بُنَيْمَانَ، وَلحقَ بِأَصْبَهَانَ أَبَا رشيدٍ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَسَعْدَ بنِ يَلْدركَ، وَابْنَ شَاتيلَ، ثُمَّ قدِمَهَا بُعَيدَ السِّتِّ مائَةٍ، فَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ سُكَيْنَةَ، وَعِدَّةٍ.
وَكَانَ مُحَدِّثَ وَقتِهِ بِهَمَذَانَ، وَكَبِيْرَهَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حضَرتُ مَجْلِسَ إِملاَئِهِ، وَكَانَ لَهُ القبولُ التَّامُّ، وَالصِّيْتُ الشَّائِعُ، وَيَتبرَّكُوْنَ بِهِ.
قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ وَحُفَّاظِهِ، وَلَهُ المَعْرِفَةُ بفقْهِ الحَدِيْثِ، وَلغتِهِ وَرِجَالِهِ، وَكَانَ فَصِيْحاً، حلوَ العبَارَةِ، منقِّحَ الأَلْفَاظِ، مَعَ تَعبُّدٍ وَزُهْدٍ، وَكَانَ أَمَّاراً بِالمَعْرُوفِ، نَاصِراً لِلسُّنَّةِ، مُتَوَاضِعاً، متودِّداً، سَمْحاً، جَوَاداً، اسْتولَتِ التَّتَارُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ عَلَى هَمَذَانَ، فَبَرَزَ لقِتَالِهِم بِابْنِهِ عُبَيْدِ اللهِ، فَاسْتُشْهِدَا.
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 138 (باريس 5921) ، وتكملة المنذري: 3 / الرجمة 1818، وتلخيص ابن الفوطي: ج 4 / الترجمة 1253 ولقبه عماد الدين. فلعله لقب ثان له.
وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 249 - 250 (باريس 1582) ، والمختصر المحتاج إليه: 1 / 135 - 136، والوافي بالوفيات: 4 / 391 - 392، والنجوم الزاهرة: 6 / 252 - 253.
(1) قيد المنذري، فهو بتشديد الميم.(22/161)
قُلْتُ: أَجَازَ لِشُيُوْخِنَا الشَّرَفِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَالتَّاجِ بنِ عَصرُوْنَ.
وَرَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَالعِمَادُ عَلِيُّ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَآخَرُوْنَ.
عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
110 - المَلاَّحِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ البَارِعُ المُتْقِنُ، الأَوْحَدُ، أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُفَرِّجٍ الغَافِقِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، المَلاَّحِيُّ.
وَالمَلاَّحَةُ: قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ غَرْنَاطَةَ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ كوثرٍ، وَأَبِي خَالِدٍ بنِ رِفَاعَةَ، وَعَبْدِ الحَقِّ بنِ بُونُه، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ سمجُوْنَ، وَطَبَقَتِهِم.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ زَرْقُوْنَ، وَأَبُو زَيْدٍ السُّهَيْلِيُّ، وَأَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَالخُشُوْعِيُّ.
قَالَ الأَبَّارُ (1) : كتبَ عَنِ الكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَبَالَغَ عُمُرَهُ فِي الاسْتكثَارِ، وَكَانَ حَافِظاً لِلرُّوَاةِ، عَارِفاً بِأَخْبَارِهِم، وَجَمَعَ تَارِيخاً فِي عُلَمَاءِ إِلبِيرَةَ، وَكِتَاب (الأَنسَاب (2)) ، وَ (أَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً) ، بلغَ فِيْهَا غَايَة الاحْتِفَالِ، وَشُهِدَ لَهُ بحفظِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ، وَزَادَ عَلَى مَنْ تَقدَّمَهُ، وَلَهُ اسْتدرَاكٌ عَلَى ابْنِ عَبْدِ البَرِّ
__________
(*) التكملة لابن الابار: 2 / 609 - 610، وتاريخ الإسلام، الورقة 198 (أيا صوفيا 3011) ، والوافي بالوفيات: 4 / 68، وشذرات الذهب: 5 / 86.
(1) التكملة: 2 / 610 بتصرف.
(2) هو المعروف بالشجرة، وفيه انساب العرب والعجم.(22/162)
فِي الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مُكْثِراً عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الفَرَسِ، أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ، وَكَانَ أَهْلاً لِذَلِكَ.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
111 - ابْنُ الحُصْرِيِّ أَبُو الفُتُوْحِ نَصْرُ بنُ أَبِي الفَرَجِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ المُتْقِنُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، شَيْخُ الحَرَمِ، وَإِمَامُ الحطيمِ، بُرْهَانُ الدِّيْنِ، أَبُو الفُتُوْحِ نَصْرُ بنُ أَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي الفَرَجِ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، ابْنُ الحُصْرِيِّ.
وُلِدَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقرَأَ بِالرِّوَايَاتِ، وَهُوَ حَدَثٌ عَلَى: أَبِي الكَرَمِ ابْنِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الوَقْتِ السِّجْزِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ العَلَوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ التُّرَيْكِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ المَادِحِ، وَهِبَةِ اللهِ الشِّبْلِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ الدَّقَّاقِ، وَابْنِ البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَمَنْ بَعْدَهُم، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَكَانَ ثِقَةً، فَهماً، يَقظاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قرَأَ (1) بِالرِّوَايَاتِ الكَثِيْرَةِ عَلَى جَمَاعَةٍ، كَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة 214، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1862، وذيل الروضتين لأبي شامة: 133، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 256 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 77، والمختصر المحتاج إليه، الورقة 119، وطبقات القراء، الورقة 190، ودول الإسلام: 1 / 93، والمستفاد للدمياطي، الورقة 72، والبداية والنهاية: 13 / 99، والذيل لابن رجب: 2 / 130 - 132، والعقد الثمين للفاسي، ج 4 / الورقة 70، وذيل التقييد له، الورقة 434، وغاية النهاية للجزري: 2 / 338، وعقد الجمان للعيني، 17 / الورقة 434، والنجوم الزاهرة: 6 / 253، وشذرات الذهب: 5 / 83، والتاج المكلل للقنوجي: 229.
(1) في الأصل: " قرأت " وليس بشيء.(22/163)
الزَّاغُوْنِيِّ، وَالشَّهْرُزُوْرِيِّ، وَمَسْعُوْدِ بنِ الحُصَيْنِ، وَسَعْدِ اللهِ ابْنِ الدَّجَاجِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ مَحْمُوَيْه اليَزْدِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ (1) : قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبِي الكَرَمِ، وَأَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ السَّمِينِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَاشْتَغَلَ بِالأَدبِ، وَسَمِعَ مِنْ خلقٍ، وَلَمْ يَزَلْ يسمع وَيَقرَأُ، وَيُفِيدُ إِلَى أَنْ شَاخَ، وَجَاورَ أَزيدَ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ، ثُمَّ قصدَ اليَمَنَ فَأَدْرَكَهُ الأَجْلُ بِالمَهْجَمِ (2) ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ (3) .
وَقَالَ الدُّبَيْثِيُّ (4) : كَانَ ذَا مَعْرِفَةٍ بِهَذَا الشَّأْنِ، خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، فَجَاورَ، وَأَمَّ الحَنَابِلَةَ، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ ثِقَةً، وَعِبَادَةً.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ شَيْخُنَا الحَافِظُ أَبُو الفُتُوْحِ بِالمَهْجَمِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: الدُّبَيْثِيُّ، وَالضِّيَاءُ، وَالبِرْزَالِيُّ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ النَّاصِر اليَمَنِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ خَلِيْلٍ العَسْقَلاَنِيُّ الفَقِيْهُ، وَتَاجُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ القَسْطَلاَنِيِّ، وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَقَالَ: كَانَ إِمَاماً فِي
__________
(1) التكملة: 3 / الترجمة: 1862.
(2) من أعمال زبيد باليمن.
(3) ممن ذكر وفاته في المحرم المنذري والضياء كما سيأتي. أما ابن نقطة وابن الدبيثي فهما اللذان ذكرا وفاته في ذي القعدة.
وقال المنذري أيضا: " وقيل: كانت وفاته في شهر ربيع الآخر ".
وجزم به ابن مسدي في معجمه على ما ذكره التقي الفاسي في " العقد الثمين " وذكر أنه اثبت الأقوال عنده، وقد أشار المؤلف إلى قول ابن مسدي في آخر الترجمة.
(4) لم أقف حتى الآن على هذا القسم من تاريخ ابن الدبيثي، ولكنها بقيت في المختصر المحتاج إليه.(22/164)
القِرَاءاتِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالشَّيْخُ رَضِيُّ الدِّيْنِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّغَانِيُّ، وَنَجِيْبُ الدِّينِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ حَافِظاً، حُجَّةً، نبيلاً، جمَّ العِلْمِ، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ، وَأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، كَثِيْرَ العِبَادَةِ وَالتَّهجُّدِ وَالصَّوْمِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: كَانَ أَحَدَ الأَئِمَّةِ الأَثْبَاتِ، مشَارٌ إِلَيْهِ بِالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، قصدَ اليَمَنَ فَمَاتَ بِالمهجمِ، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَلَهُ شعرٌ جَيِّدٌ فِي الزُّهْديَّاتِ.
وَعَاشَ وَلدُهُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ (1) إِلَى رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ: المِصْرِيُّونَ، وَالبِرْزَالِيُّ بِإِجَازَةِ أَبِي رَوْحٍ، وَالمُؤَيَّدُ، وَكَانَ يذكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِيْهِ، يُقَالُ: قَارَبَ المائَةَ (2) .
112 - ابْنُ قُدَامَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ المَقْدِسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَلاَّمَةُ، المُجْتَهِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، أَبُو
__________
(1) تاريخ الإسلام، الورقة: 167 (أياصوفيا 3014) .
(2) كذا قال، وفي تاريخ الإسلام: " وكان من أبناء الثمانين، وقيل: بل جاوز التسعين ".
(*) معجم البلدان: 2 / 113 - 114، والتقييد لابن نقطة، الورقة 132، ومرآة الزمان: 8 / 627 - 630، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1944، وذيل الروضتين لأبي شامة: 139، وتلخيص ابن الفوطي: 5 / الترجمة 1962، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 259 (باريس 1582) (= الورقة 204 - 213 أيا صوفيا بخطه) ، والعبر: 5 / 79، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 134 - 135، ودول الإسلام: 2 / 93، وفوات الوفيات: 1 / 433 - 434، والبداية والنهاية: 13 / 99 - 101، والذيل لابن رجب: 2 / 133 - 149، وذيل التقييد للفاسي، الورقة 170، وعقد الجمان للعيني، 17 / الورقة 440، وشذرات الذهب: 5 / 88 - 92، والتاج المكلل للقنوجي: 229 - 231.(22/165)
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ بنِ مِقْدَامِ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْليُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الصَّالِحيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ (المُغْنِي) .
مَوْلِدُهُ: بِجَمَّاعِيْلَ، مِنْ عَملِ نَابُلُسَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي شَعْبَانَ.
وَهَاجَرَ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ، وَلَهُ عشرُ سِنِيْنَ، وَحفظَ القُرْآنَ، وَلَزِمَ الاشتغَالَ مِنْ صِغَرِهِ، وَكَتَبَ الخطَّ المَلِيْحَ، وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَأَذكيَاءِ العَالَمِ.
وَرَحَلَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ فِي طَلَبِ العِلْمِ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَدْرَكَا نَحْوَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً مِنْ جَنَازَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَنَزَلاَ عِنْدَهُ بِالمَدْرَسَةِ، وَاشْتَغَلاَ عَلَيْهِ تِلْكَ الأَيَّامَ، وَسَمِعَا مِنْهُ، وَمِنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ الحَسَنِ الدَّقَّاقِ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ بنِ طَاهِرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرّبِ، وَعَلِيِّ ابْنِ تَاجِ القُرَّاءِ، وَمَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الرَّحبِيِّ، وَحَيْدَرَةَ بنِ عُمَرَ العَلَوِيِّ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الحُسَيْنِ البَارِزِيِّ، وَخَدِيْجَةَ النَّهْرَوَانِيَّةِ، وَنفِيسَةَ البَزَّازَةِ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَالمُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدٍ البَادرَائِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ، وَأَبِي شُجَاعٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَادَرَائِيِّ، وَأَبِي حنفِيَةَ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الخَطِيْبيِّ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ.
وَتَلاَ بِحرفِ نَافِعٍ عَلَى أَبِي الحَسَنِ البَطَائِحِيِّ، وَبحرفِ أَبِي عَمْرٍو عَلَى أُسْتَاذِهِ أَبِي الفَتْحِ بنِ المنِّيِّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَعِدَّةٍ.
وَبِالمَوْصِلِ مِنْ: خَطِيْبِهَا أَبِي الفَضْلِ الطُّوْسِيِّ.
وَبِمَكَّةَ مِنَ: المُبَارَكِ بنِ الطَّبَّاخِ، وَلَهُ مَشْيَخَةٌ سَمِعْنَاهَا.(22/166)
حَدَّثَ عَنْهُ: البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ، وَالجمَالُ أَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو شَامَةَ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالعِزُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الخَالِقِ، وَالعِمَادُ بنُ بَدْرَانَ، وَالعِزُّ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ الفَرَّاءِ، وَالعزُّ أَحْمَدُ ابْنُ العِمَادِ، وَأَبُو الفَهْمِ بنُ النّميسِ، وَيُوْسُفُ الغسوْلِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ الوَاسِطِيِّ، وَخَلْقٌ آخِرُهُم مَوْتاً التَّقِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، يَرْوِي عَنْهُ بِالحُضُوْرِ أَحَادِيْثَ (1) .
وَكَانَ عَالِمَ أَهْلِ الشَّامِ فِي زَمَانِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ إِمَامَ الحَنَابِلَةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، غزِيْرَ الفَضْلِ، نَزِهاً، وَرِعاً، عَابِداً، عَلَى قَانُوْنِ السَّلَفِ، عَلَيْهِ النُّوْرُ وَالوَقَارُ، يَنْتفعُ الرَّجُلُ برُؤِيتِهِ قَبْلَ أَنْ يسمع كَلاَمَهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ، وَمُفْتِي الأُمَّةِ، خصَّهُ اللهُ بِالفَضْلِ الوَافرِ، وَالخَاطرِ المَاطرِ، وَالعِلْمِ الكَامِلِ، طَنَّتْ (2) بذِكرِهِ الأَمصَارُ، وَضنَّتْ بِمِثْلِهِ الأَعصَارُ، أَخَذَ بِمجَامِعِ الحَقَائِقِ النَّقْليَّةِ وَالعقليَّةِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَهُ المُؤلفَاتُ الغزِيْرَةُ، وَمَا أَظَنُّ الزَّمَانَ يَسمحُ بِمِثْلِهِ، مُتَوَاضِعٌ، حسنُ الاعْتِقَادِ، ذُو أَنَاةٍ وَحلمٍ وَوقَارٍ، مَجْلِسُهُ معمورٌ بِالفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَكَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ، دَائِمَ التَّهجُّدِ، لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يُرَ مِثْلُ نَفْسِهِ.
وَعَمِلَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ (سيرتَهُ) فِي جُزأَيْنِ، فَقَالَ: كَانَ تَامَّ القَامَةِ، أَبيضَ، مُشْرِقَ الوَجْهِ، أَدعجَ، كَأنَّ النُّوْرُ يَخْرُجُ مِنْ وَجهِهِ لِحُسْنِهِ، وَاسِعَ الجبينِ،
__________
(1) وهي قطعة من " موطأ " مالك، كما ذكر في " تاريخ الإسلام ".
(2) غير منقوطة في الأصل، وما أثبتناه من " تاريخ الإسلام " بخط المؤلف.(22/167)
طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ، قَائِمَ الأَنفِ، مَقْرُوْنَ الحَاجِبَيْنِ، صَغِيْرَ الرَّأْسِ، لطيفَ اليَدينِ وَالقدمَينِ، نحيفَ الجِسْمِ، مُمَتَّعاً بحوَاسِّهِ.
أَقَامَ هُوَ وَالحَافِظُ بِبَغْدَادَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ، فَأَتقنَا الفِقْهَ وَالحَدِيْثَ وَالخلاَفَ، أَقَامَا عِنْدَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ خَمْسِيْنَ (1) لَيْلَةً، وَمَاتَ، ثُمَّ أَقَامَا عِنْدَ ابْنِ الجَوْزِيِّ، ثُمَّ انتقلاَ إِلَى رِبَاطِ النَّعَّالِ، وَاشْتَغَلاَ عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ، ثُمَّ سَافرَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمَعَهُ الشَّيْخُ العِمَادُ، وَأَقَامَا سَنَةً.
صَنَّفَ (المغنِي) عشرَ مُجَلَّدَاتٍ، وَ (الكَافِي) أَرْبَعَةً، وَ (الْمقنع) مُجَلَّداً، وَ (العُمدَة) مُجيليداً، وَ (القنعَة) فِي الغَرِيْبِ مجيليدٌ (2) ، وَ (الرَّوْضَة) مُجَلَّدٌ، وَ (الرَّقَّة) مُجَلَّدٌ، وَ (التَّوَّابينَ) مُجَلَّدٌ، وَ (نسب قُرَيْشٍ) مجيليدٌ، وَ (نسب الأَنْصَارِ) مُجَلَّدٌ، وَ (مُخْتَصَر الهِدَايَة) مجيليدٌ، وَ (الْقدر) جزءٌ، وَ (3) (مَسْأَلَة العُلُوِّ) جزءٌ، وَالمتحَابِّينَ) جزءٌ، وَ (الاعْتِقَاد) جزءٌ، وَ (البُرْهَان) جزءٌ، وَ (ذمّ التَّأَْوِيْلِ) جزءٌ، وَ (فَضَائِل الصَّحَابَةِ) مجيليدٌ، وَ (فضل العشرِ) جزءٌ، وَ (3) (عَاشُورَاء) أَجزَاءٌ، وَ (3) (مَشْيَخته) جُزآنِ، وَ (وصيَّته) جزءٌ، وَ (3) (مُخْتَصَر العللِ لِلْخلالِ) مُجَلَّدٌ، وَأَشيَاءُ.
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ، فَأَلقَى عليَّ مَسْأَلَةً، فَقُلْتُ: هَذِهِ فِي الخِرَقِيِّ، فَقَالَ: مَا قَصَّرَ صَاحِبُكُم المُوَفَّقُ فِي شرحِ الخِرَقِيِّ.
__________
(1) وضع فوقها " كذا " دلالة على اعتراضه عليها، لأنه سبق أن قال بأنه أدرك أربعين ليلة من حياة الشيخ عبد القادر.
(2) كذا بالرفع، وكذلك التي ستأتي، ويصح ذلك إذا أراد أنه " في مجيليد " أو " هو مجيليد "، ولكنه كان عليه أن يوحد.
(3) إضافة منا.(22/168)
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- إِمَاماً فِي التَّفْسِيْرِ (1) ، وَفِي الحَدِيْثِ وَمشكلاَتِهِ، إِمَاماً فِي الفِقْهِ، بَلْ أَوحد زَمَانِهِ فِيْهِ، إِمَاماً فِي علمِ الخلاَفِ، أَوحدَ فِي الفَرَائِضِ، إِمَاماً فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ، إِمَاماً فِي النَّحْوِ وَالحسَابِ وَالأَنجمِ السَّيَّارَةِ وَالمَنَازِلِ.
وَسَمِعْتُ دَاوُدَ بنَ صَالِحٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ ابْنَ المنِّيِّ يَقُوْلُ -وَعِنْدَهُ الإِمَامُ المُوَفَّقُ -: إِذَا خَرَجَ هَذَا الفَتَى مِنْ بَغْدَادَ احتَاجَتْ إِلَيْهِ.
وَسَمِعْتُ البَهَاءَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ المَنِّيِّ يَقُوْلُ للموفَّقِ: إِنْ خَرَجتَ مِنْ بَغْدَادَ لاَ يَخلُفُ فِيْهَا مِثْلُكَ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَحْمُوْدٍ الأَصْبَهَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَى أَحَدٌ مِثْلَ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ.
وَسَمِعْتُ المُفْتِي أَبَا عُبَيْدِ اللهِ عُثْمَانَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ عَنِ المُوَفَّقِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَانَ مُؤيّداً فِي فَتَاويهِ.
وَسَمِعْتُ المُفْتِي أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مَعَالِي بنِ غَنِيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا أَعْرفُ أَحَداً فِي زَمَانِنَا أَدْرَكَ دَرَجَةَ الاجْتِهَادِ إِلاَّ المُوَفَّقَ.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا عَبْدِ اللهِ اليُوْنِيْنِيَّ يَقُوْلُ: أَمَّا مَا علمتُهُ مِنْ أَحْوَالِ شَيْخِنَا وَسيِّدِنَا مُوَفَّقِ الدِّيْنِ، فَإِنَّنِي إِلَى الآنَ مَا أَعْتَقِدُ أَنَّ شَخْصاً مِمَّنْ رَأَيْتُهُ حصَلَ لَهُ مِنَ الكَمَالِ فِي العُلُوْمِ وَالصِّفَاتِ الحَمِيْدَةِ الَّتِي يَحصُلُ بِهَا الكَمَالُ سِوَاهُ، فَإِنَّهُ كَانَ كَامِلاً فِي صُوْرتِهِ وَمَعْنَاه مِنْ حَيْثُ الحُسْنِ، وَالإِحسَانِ، وَالحلمِ وَالسُّؤْدُدِ، وَالعُلُوْمِ المُخْتَلِفَةِ، وَالأَخْلاَقِ الجَمِيْلَةِ، رَأَيْتُ مِنْهُ مَا يَعجزُ عَنْهُ كِبَارُ
__________
(1) وجدنا خطأ فوق " في التفسير " كأنها علامة حذف، ولكننا ابقيناها لما نقل عنه في " تاريخ الإسلام " من قوله: " وكان رحمه الله إماما في القران وتفسيره ".(22/169)
الأَوْلِيَاءِ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نَعمَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ) .
فَقُلْتُ بِهَذَا: إِنَّ إِلهَامَ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنَ الكَرَامَاتِ، وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ مَا يَتَعَدَّى إِلَى العبَادِ، وَهُوَ تَعَلِيْمُ العِلْمِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَحْسَنُ مَا كَانَ جِبِلَّةً (1) وَطبعاً؛ كَالحلمِ، وَالكرمِ، وَالعقلِ، وَالحيَاءِ، وَكَانَ اللهُ قَدْ جَبَلَهُ عَلَى خُلُقٍ شَرِيْفٍ، وَأَفرغَ عَلَيْهِ المَكَارِمَ إِفرَاغاً، وَأَسبغَ عَلَيْهِ النِّعَمَ، وَلطفَ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ المُوَفَّقُ لاَ يُنَاظِرُ أَحَداً إِلاَّ وَهُوَ يَتبَسَّمُ.
قُلْتُ: بَلْ أَكْثَرُ مَنْ عَايَنَّا لاَ يُنَاظرُ أَحَداً إِلاَّ وَيَنْسَمُّ (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّ المُوَفَّقَ نَاظرَ ابْنَ فَضلاَن الشَّافِعِيَّ الَّذِي كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي المُنَاظَرَةِ، فَقطعَهُ.
وَبَقِيَ المُوَفَّقُ يَجْلِسُ زَمَاناً بَعْد الجُمُعَةِ لِلمُنَاظَرَةِ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الفُقَهَاءُ، وَكَانَ يُشغلُ (3) إِلَى ارْتفَاعِ النَّهَارِ، وَمِنْ بَعْدِ الظُّهْرِ إِلَى المَغْرِبِ وَلاَ يَضجَرُ، وَيَسَمَعُوْنَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُقرِئُ فِي النَّحْوِ، وَكَانَ لاَ يَكَادُ يَرَاهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَحَبَّهُ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ الضِّيَاءُ:
وَمَا علمتُ أَنَّهُ أَوجعَ قَلْبَ طَالبٍ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تُؤْذِيْهِ بِخُلُقِهَا، فَمَا يَقُوْلُ لَهَا شَيْئاً، وَأَوْلاَدُهُ يَتضَاربُوْنَ، وَهُوَ لاَ يَتَكَلَّمُ.
وَسَمِعْتُ (4) البَهَاءَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ احتمَالاً مِنْهُ.
__________
(1) الجبلة: الخلقة، ومنه قوله تعالى: (والجبلة الأولين) (الشعراء: 184) .
(2) من السم - بفتح السين وضمها - وهو نتيجة لما كان يراه الذهبي بين أهل عصره من الضيق بالمناظرة العلمية.
(3) الاشغال: التدريس، وهو غير " الاشتغال " بمعنى الطلب، وهذه اصطلاحات معروفة عند المتأخرين.
(4) السماع للضياء، هو والذي بعده من الحكايات.(22/170)
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ حَسَنَ الأَخْلاَقِ، لاَ يَكَادُ يَرَاهُ أَحَدٌ إِلاَّ مُتَبَسِّماً، يَحكِي الحِكَايَاتِ، وَيَمزحُ.
وَسَمِعْتُ البَهَاء يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخُ فِي القِرَاءةِ يُمَازِحُنَا، وَيَنبَسِطُ، وَكَلَّمُوْهُ مرَّةً فِي صبيَانَ يَشتغلُوْنَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هُم صبيَانٌ، وَلاَ بُدَّ لَهُم مِنَ اللَّعِبِ، وَأَنْتُم كُنْتُم مِثْلَهُم، وَكَانَ لاَ يُنَافِسُ أَهْلَ الدُّنْيَا، وَلاَ يَكَادُ يَشْكُو، وَرُبَّمَا كَانَ أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ يُؤثِرُ.
وَسَمِعْتُ البَهَاءَ يَصِفُهُ بِالشَّجَاعَةِ، وَقَالَ: كَانَ يَتقدَّمُ إِلَى العَدُوِّ وَجُرِحَ فِي كفِّهِ، وَكَانَ يُرَامِي العَدُوَّ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ يُصَلِّي بخشوعٍ، وَلاَ يَكَادُ يُصَلِّي سُنَّةَ الفَجْرِ وَالعِشَاءيْنِ إِلاَّ فِي بَيْتِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي بَيْنَ العِشَاءيْنِ أَرْبَعاً (بِالسَّجْدَةِ) ، وَ (يس) ، وَ (الدُّخَانِ) ، وَ (تبَاركَ) ، لاَ يَكَادُ يُخِلُّ بهنَّ، وَيَقومُ السَّحَرَ بِسُبْعٍ، وَرُبَّمَا رفعَ صَوْتَهُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوتِ.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ اليُوْنِيْنِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ شنَاعَةَ الخَلْقِ عَلَى الحَنَابِلَةِ بِالتَّشْبِيْهِ، عزمتُ عَلَى سُؤَالِ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ، وَبقيتُ أَشهراً أُرِيْدُ أَنْ أَسألَهُ، فَصعدتُ مَعَهُ الجبلَ (1) ، فَلَمَّا كُنَّا عِنْدَ دَارِ ابْنِ مُحَارِبٍ قُلْتُ: يَا سيِّدِي، وَمَا نطقتُ بِأَكْثَرَ مِنْ سيِّدِي، فَقَالَ لِي: التَّشبيهُ مُسْتحيلٌ.
فَقُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لأَنَّ شرطَ التَّشبيهِ أَنْ نَرَى الشَّيْءَ، ثُمَّ نُشَبِّهُهُ، من الَّذِي رَأَى اللهَ ثُمَّ شبَّهَهُ لَنَا؟!
وَذَكَرَ الضِّيَاءُ حِكَايَاتٍ فِي كَرَامَاتِهِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : كَانَ إِمَاماً عَلَماً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، صَنَّفَ كُتُباً
__________
(1) يعني: جبل قاسيون، حيث الصالحية، وفيها ديارهم.
(2) ذيل الروضتين: 139.(22/171)
كَثِيْرَةً، لَكِنَّ كَلاَمَهُ فِي العقَائِدِ عَلَى الطَّرِيقَةِ المَشْهُوْرَةِ عَنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَمْ يُوَضِّحْ لَهُ الأَمْرَ فِيْهَا عَلَى جَلاَلَتِهِ فِي العِلْمِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِمعَانِي الأَخْبَارِ.
قُلْتُ: وَهُوَ وَأَمثَالُهُ متعجِّبٌ مِنْكُم مَعَ عِلْمِكُم وَذكَائِكُم، كَيْفَ قُلْتُم! وَكَذَا كُلُّ فِرقَةٍ تَتعجَّبُ مِنَ الأُخْرَى، وَلاَ عجبَ فِي ذَلِكَ، وَنرجُو لِكُلِّ مَنْ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي تَطلُّبِ الحَقِّ أَنْ يُغفرَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ المَرْحُوْمَةِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَجَاءهُ مِنْ بِنْتِ عَمَّتِهِ مَرْيَمَ (1) : المجدُ عِيْسَى، وَمُحَمَّدٌ، وَيَحْيَى، وَصَفِيَّةُ، وَفَاطِمَةُ، وَلَهُ عقِبٌ مِنَ المجدِ، ثُمَّ تَسَرَّى بِجَارِيَةٍ، ثُمَّ بِأُخْرَى، ثُمَّ تَزَوَّجَ عِزِّيَّةَ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ، وَانْتَقَلَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ يَوْمَ السَّبْتِ، يَوْمَ الفِطْرِ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ الخلقُ لاَ يُحصَوْنَ، تُوُفِّيَ بِمَنْزِلِهِ بِالبَلَدِ، قَالَ: وَكُنْتُ فِيْمَنْ غَسَّلَهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ النَّرْسِيِّ، أَخبركُم الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ التِّكَكِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَدَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الشَّطَوِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المِنْهَالِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ قُسَيْمٍ (3) ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَمَّا أَهبطَ اللهُ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ طَافَ بِالبَيْتِ سَبْعاً، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ
__________
(1) يعني زوجته مريم.
(2) الشطوي هذا منسوب إلى الثياب الشطوية وبيعها، وهي منسوبة إلى شطا من أرض مصر.
(3) ويقال فيه، وهو الاشهر: سليمان بن يسير - بالتصغير - وهو نخعي بالولاء كوفي ضعيف روى له ابن ماجة.
وتناوله الذهبي في " الميزان " 2 / 228 - 229.(22/172)
المقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ سِرِّي وَعلاَنِيتِي، فَاقبل معذِرَتِي، وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطنِي سُؤْلِي ... ) الحَدِيْثَ.
113 - ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ البَارِعُ، مُفِيْدُ الشَّامِ، تَقِيُّ الدِّيْنِ، أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُحْسِنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ هِبَةِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ.
قَالَ: وُلِدْتُ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ: القَاضِي مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الحَضْرَمِيَّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ البُوْصِيْرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ اللَّبَنِيَّ، وَشُجَاعَ بنَ مُحَمَّدٍ المُدْلِجِيّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الأَرْتَاحِيَّ، وَعِدَّةً.
وَارْتَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ، فَسكنَهَا، وَأَكْثَرَ عَنْ: أَبِي الطَّاهِرِ الخُشُوْعِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَالطَّبَقَةِ.
وَسَمِعَ بِالعِرَاقِ مِنْ: أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَةَ، وَحَنْبَلِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَرجعَ بحَنْبَلٍ، فَأَسمَعَ (المُسْنَدَ) بِدِمَشْقَ، وَكَتَبَ العَالِي وَالنَّازلَ بِخَطِّهِ الأَنِيقِ الرَّشيقِ، وَحصَّلَ الأُصُوْلَ، وَبَالَغَ فِي الطَّلَبِ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: كَانَ ثِقَةً، حَافِظاً، مبرِّزاً، فَصِيْحاً، وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، حصَّلَ مَا لَمْ يُحَصِّلْهُ غَيْرُهُ مِنَ الأَجزَاءِ وَالكُتُبِ، وَكَانَ سَهلَ
__________
(*) مرآة الزمان: 8 / 622، وتكملة المنذري: 3 / 1881، وذيل الروضتين لأبي شامه: 131 - 133، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 252 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 76، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1403 - 1405، ودول الإسلام: 2 / 93، والبداية والنهاية: 13 / 96، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 167 - 168، والفلاكة والمفلوكون: 71، وعقد الجمان للعيني، 17 / الورقة 426 - 427، والنجوم الزاهرة: 6 / 254، وحسن المحاضرة: 1 / 165 - 166، وشذرات الذهب: 5 / 84، وديوان ابن الغزي، الورقة 12.(22/173)
العَارِيَةِ، وَعِنْدَهُ فِقْهٌ، وَأَدبٌ، وَمَعْرِفَةٌ بِالشِّعرِ، وَأَخْبَارِ النَّاسِ، وَكَانَ يُنْبَزُ بِالشَّرِّ، سَأَلتُ الحَافِظَ الضِّيَاءَ عَنْهُ، فَقَالَ: حَافِظٌ ثِقَةٌ، مُفِيْدٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كَثِيْرُ الدُّعَابَةِ مَعَ المُرْدِ.
قُلْتُ: لَهُ مجَامِيْع مُفِيْدَةٌ، وَآثَارٌ كَثِيْرَةٌ، وَضبطٌ لأَشيَاءَ، وَكَانَ أشعَرِيّاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَالكَمَالُ الضَّرِيْرُ، وَالصَّدْرُ البَكْرِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي الكُهُوْلَةِ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: اشْتَغَلَ مِنْ صِبَاهُ، وَتَفَقَّهَ، وَقرَأَ الأَدبَ، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَقَدِمَ دِمَشْقَ، ثُمَّ حَجَّ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّ مائَةٍ، فَذَهَبَ إِلَى العِرَاقِ، وَكَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ وَافرَةٌ، وَجدٌّ وَاجْتِهَادٌ، وَسرعَةُ قلمٍ، وَاقتدَارٌ عَلَى النَّظْمِ وَالنَّثرِ، وَلَقَدْ كَانَ عَدِيْمَ النَّظِيْرِ فِي وَقْتِهِ، كتبَ عَنِّي، وَكَتَبتُ عَنْهُ.
وَقَالَ الضِّيَاءُ: بَاتَ فِي عَافِيَةٍ، فَأَصْبَحَ لاَ يَقدِرُ عَلَى الكَلاَمِ أَيَّاماً، ثُمَّ مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ القُرَشِيُّ، أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الشِّيْرَازِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ البُوْصِيْرِيُّ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
114 - ابْنُ أَبِي الرَّدَّادِ الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ حُسَيْنٍ المِصْرِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ ابنُ أَبِي الفَخْرِ يَحْيَى بنِ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ
__________
(*) تكملة المنذري: 3 / الترجمة 1948، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 258 =(22/174)
الرَّحْمَانِ بنِ أَبِي الرَّدَّادِ المِصْرِيُّ، وَيُدعَى مُحَمَّداً.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ تَبَقَّى بِمِصْرَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ رِفَاعَةَ.
رَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ عَبْدُ العَظِيْمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُم مَوْتاً عَبْدُ الرَّحِيْمِ ابْنُ الدَّمِيْرِيِّ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، كَاتِباً، صَالِحاً، زَمِنَ (1) وَلَزِمَ بَيْتَهُ.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
115 - الزَّنَاتِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ عَيَّاشٍ *
شَيْخُ المَالِكِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ عَيَّاشٍ الزَّنَاتِيُّ، الغَرْنَاطِيُّ، وَيُعْرَفُ أَيْضاً بِالكَمَّادِ.
كَانَ إِمَاماً، مُفْتِياً، قَائِماً عَلَى (المدوّنَةِ (2)) ، تخرَّجَ بِهِ فُقَهَاءُ غَرْنَاطَةَ.
قَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: نَاظرتُ عَلَيْهِ فِي (المدوّنَةِ) ، وَبحثتُ عَلَيْهِ (المُوَطَّأَ) ، سَمِعَ مِنْ: أَبِي خَالِدٍ بنِ رِفَاعَةَ، وَابْنِ كوثَرٍ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى السَّبْعِيْنَ.
__________
= (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 78 - 79، وحسن المحاضرة: 1 / 176، وشذرات الذهب: 5 / 88.
(1) من الزمانة: وهي: العاهة.
(*) تاريخ الإسلام، الورق: 187 (أيا صوفيا: 3011) وقد ألحقه المؤلف بأخرة فهو موجود بخطه في أعلى الورقة من " تاريخ الإسلام "، ولم يذكره ابن الابار في " التكملة ".
(2) للامام مالك بن أنس.(22/175)
116 - البَيِّعُ أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ الأَزَجِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ ابنُ أَبِي المُعَمَّرِ يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الأَزَجِيُّ، البَيِّعُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ تَقَرِيْباً (1) .
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الوَقْتِ عَبْدِ الأَوَّلِ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ الشِّبْلِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ قَفَرْجَلَ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ.
وَعَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ الضِّيَاءِ الحَافِظِ: مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (2) : سَمِعَ (الصَّحِيْحَ) ، وَ (الدَّارِمِيَّ) ، وَ (منتخبَ (3) عَبْدٍ) مِنْ أَبِي الوَقْتِ، وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ كَثِيْرٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَأَلحقَ اسْمُهُ فِي نُسْخَةِ مُحَمَّدِ بنِ السَّرِيِّ التَّمَّارِ، فِي طَبَقَةِ عَلِيِّ بنِ الزَّاغُوْنِيِّ، وَفِي (جزءِ لُوَيْن) عَلَى فورجَة، وَمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِشَيْءٍ مِنْ
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة 95، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة 55 (باريس 5922) ، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1996، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 73، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين، الورقة 51 في باب (نخالة) وقد ذكر أن هذا لقب له.
(1) قال ابن نقطة في " التقييد ": " ذكر لي أن مولده سنة ست أو سبع وأربعين وخمس مئة، الشك منه ".
(2) التقييد، الورقة 95.
(3) في الأصل: " ومنتجب "، وما اثبتناه من التقييد لابن نقطة، قال: " سمع صحيح البخاري ومسند الدارمي والمنتخب من مسند عبد بن حميد بن عبد الأول ". والذهبي، كما أشرنا غير مرة، يعتمد المعنى عند النقل فيغير ويختصر.(22/176)
ذَلِكَ الملحَقِ (1) ، وَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ (2) ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَأَبُوْهُ مِمَّنْ يَرْوِي عَنِ: ابْنِ الحُصَيْنِ، وَابْنُ (3) عَمِّهِ هُوَ الوَزِيْرُ جَلاَلُ الدِّيْنِ بنُ يُوْنُسَ.
117 - ابْنُ إِدْرِيْسَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الرَّوْحَائِيُّ *
الشَّيْخُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ الرَّوْحَائِيُّ، البَعْقُوْبِيُّ، صَاحِبُ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ.
سَمِعَ: مِنْهُ، وَمِنَ الشَّيْخِ عَلِيِّ ابْنِ الهِيْتِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخُ يَحْيَى بنُ الصَّرْصَرِيِّ، وَصَحِبَهُ، وَبَالَغَ فِي تَوقِيرِهِ، وَتبجِيلِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ مِثْلَهُ، وَالكَمَالُ عَلِيُّ بنُ وَضَّاحٍ، وَالبدرُ سُنْقُرُ شَاهٍ النَّاصِرِيُّ، وَالشَّيْخُ عليٌّ الخَبَّازُ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَرَجِ ابْن الدَّبَّابِ (4) .
__________
(1) تتمة كلام ابن نقطة: " ... البتة، ولا قرأه عليه أحد، ولكن حمله على ذلك الشره وحب الرواية، نسأل الله العافية ".
(2) الذي قاله ابن نقطة: " وتوفي يوم الاثنين خامس عشر شهر رمضان..".
(3) إضافة مني لا يصح الكلام من غيرها، ولا أدري هل الوهم من الذهبي أم من كاتب النسخة، لان يونس والد الوزير عبيد الله المنعوت بالجلال هو عمه، فيكون الوزير ابن عم له، وهو عبيد الله بن يونس بن أحمد بن عبيد الله البغدادي.
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 176 (كيمبرج) ، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1904، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 254 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 77، والمختصر المحتاج إليه، الورقة 102، وطبقات الأولياء لابن الملقن، الورقة 43، والنجوم الزاهرة: 6 / 253، وشذرات الذهب: 5 / 85.
(4) إنما سمي جدهم الدباب لأنه كان يمشي على التؤدة والسكون، ذكر الذهبي ذلك في تاريخ الإسلام نقلا عن شيخه أبي العلاء الفرضي، وقيده المنذري في التكملة (3 / الترجمة: 1902) .(22/177)
وَذَكَرَهُ ابْنُ نُقْطَةَ، لَكِنْ كَنَّاهُ أَبَا مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: كَانَ شَيْخَ وَقتِهِ، صَاحِبَ قُرْآنٍ وَأَدبٍ وَفضلٍ وَإِيثَارٍ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمَاعُهُ صَحِيْحٌ.
مَاتَ: فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ بِالرَّوْحَاءِ، وَدُفِنَ برِبَاطِهِ، وَقبرُهُ يُزَارُ.
وَالرَّوْحَاءُ: قَرِيْبَةٌ مِنْ بَعْقُوبَا، عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ بَغْدَادَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
118 - ابْنُ النَّبِيْهِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ المِصْرِيُّ *
الشَّاعِرُ البَلِيْغُ، صَاحِبُ (الدِّيْوَانِ) ، كَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنِ بنِ يُوْسُفَ بنِ يَحْيَى المِصْرِيُّ.
مدحَ آلَ أَيُّوْبَ، وَسَارَ شعرُهُ، وَانقطعَ إِلَى الملكِ الأَشْرَفِ، وَسَكَنَ نَصِيْبِيْنَ، وَبِهَا مَاتَ، فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ بَقِيَ إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ (1) .
وَفِي نَظْمِهِ مبَالغَاتٌ تُفضِي بِهِ إِلَى الكُفْرِ بِاللهِ، لاَ أَرَى ذِكْرَهَا.
119 - يُوْنُسُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مُسَاعِدٍ الشَّيْبَانِيُّ المُخَارقِيُّ **
الجَزَرِيُّ، القُنَيِّيُّ، الزَّاهِدُ، أَحَدُ
__________
(*) عقود الجمان لابن الشعار: 4 / الورقة: 153 - 169، وتاريخ الإسلام، الورقة 197 (أيا صوفيا 301) والعبر: 5 / 84، وفوات الوفيات: 3 / 66 - 73 (ط. إحسان عباس) ، والنجوم الزاهرة: 6 / 243، وحسن المحاضرة: 1 / 566 وحقق ديوانه ونشره الدكتور عمر أسعد في بيروت سنة 1969 فراجع مقدمته.
(1) ذكره الذهبي في وفيات سنة 619 من " تاريخ الإسلام "، وفي وفيات سنة 621 من " العبر ".
(* *) وفيات الأعيان: 7 / 256 - 257، وتاريخ الإسلام، الورقة: 201 (أيا صوفيا =(22/178)
الأَعْلاَمِ، شَيْخُ اليُونُسِيَّةِ، أُولِي الزَّعَارَةِ، وَالشَّطْحِ، وَالخَوَاثَةِ (1) ، وَخفَّةِ العَقْلِ.
كَانَ ذَا كَشْفٍ وَحَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَبِيْرُ عِلْمٍ، وَلَهُ شطحٌ وَشعرٌ ملحُوْنٌ، يَنظمُهُ عَلَى لِسَانِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَبَعْضُهُ كَأَنَّهُ كَذِبٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ، فَلاَ يغترُّ المُسْلِمُ بكشفٍ وَلاَ بحَالٍ وَلاَ بِإِخبَارٍ عَنْ مُغَيَّبٍ، فَابْنُ صَائِدٍ (2) وَإِخْوَانُهُ الكهنَةُ لَهُم خَوَارِقُ، وَالرُّهبَانُ فِيهِم مَنْ قَدْ تَمزَّقَ جوعاً وَخلوَةً وَمرَاقبَةً عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ وَلاَ تَوحيدٍ، فَصفَتْ كُدُورَاتُ أَنْفُسِهِم، وَكَاشفُوا، وَفَشَرُوا، وَلاَ قُدْوَةَ إِلاَّ فِي أَهْلِ الصَّفْوَةِ، وَأَربَابِ الوِلاَيَةِ المنوطَةِ بِالعِلْمِ وَالسُّنَنِ، فَنسأَلُ اللهَ إِيْمَانَ المُتَّقِيْنَ، وَتَأَلُّهَ المخلصينَ، فَكَثِيْرٌ مِنَ المَشَايِخِ نَتوقَّفُ فِي أَمرِهِم حَتَّى يَتبرهَنُ لَنَا أَمرُهُم، وَبِاللهِ الاسْتعَانَةُ.
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ يُوْنُسُ: بِالقُنَيَّةِ، سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَالقُنَيَّةُ (3) : قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ دَارَا، مِنْ نوَاحِي مَارْدِيْنَ.
120 - الفَارِسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ *
الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ، فَخْرُ الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ بنِ
__________
= 3011) ، والعبر: 5 / 77 - 78، ومرآة الجنان: 4 / 46، والمواعظ والاعتبار للمقريزي: 2 / 435، وجامع كرامات الأولياء: 2 / 296، وتنبيه الدارس للنعيمي: 2 / 213، وشذرات الذهب: 5 / 87.
(1) أظنه من " الخوث " وهو استرخاء البطن والامتلاء، كما في القاموس المحيط.
(2) ابن صائد هذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أبان الرسول كذبه.
(3) قيدها ابن خلكان على تصغير " قناة ".
(*) تكملة المنذري: 3 / الترجمة 2080، وتلخيص ابن الفوطي: 4 / الترجمة 2307، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 24 (أيا صوفيا 3012) ، والعبر: 5 / 91، والمشتبه: 183، والوافي بالوفيات: 2 / 9، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة 172، وذيل التقييد للفاسي، الورقة 20، والعقد الثمين: ج 1 / الورقة 104، والفلاكة والمفلوكون: 78، =(22/179)
طَاهِرٍ الشِّيْرَازِيُّ، الخَبْرِيُّ (1) ، الفَيروزآبَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ.
لَهُ تَصَانِيْفُ فِي إِشَارَاتِ القَوْمِ، فِيْهَا انحرَافٌ بَيِّنٌ عَنِ السُّنَّةِ، وَكَانَ حلوَ الإِيرَادِ، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، وَافرَ الجَلاَلَةِ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ: السِّلَفِيِّ، وَكَتَبَ وَحصَّلَ، وَبِدِمَشْقَ مِنِ ابْنِ عَسَاكِرَ.
رَوَى عَنْهُ: البِرْزَالِيُّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَطَائِفَةٌ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ ابْنُ القيِّمِ.
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: صَاحِبُ رِيَاضَاتٍ وَمَقَامَاتٍ وَمعَامِلاَتٍ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ بذِيءَ اللِّسَانِ، كَثِيْرَ الوَقِيْعَةِ فِي النَّاسِ وَالجرأَةِ، وَكَانَ عِنْدَهُ دُعَابَةٌ فِي غَالِبِ الوَقْتِ.
قُلْتُ: وَلَهُ مَيْلٌ شَدِيدٌ إِلَى الصُّوَرِ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ حِكَايَةً لابْنِ مَعِيْنٍ، فَسبَّهُ، وَنَال مِنْهُ، وَصَنَّفَ فِي الكَلاَمِ، وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، جَاورَ مُدَّةً، ثُمَّ انْقَطَعَ بِمَعْبَدِ ذِي النُّوْنِ المِصْرِيِّ، وَعُمِّرَ دَهْراً، إِلَى أَنْ مَاتَ فِي سَادسَ عشرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
__________
= والنجوم الزاهرة: 6 / 263، وتاريخ ابن الفرات، 10 الورقة 66، معجم الشافعية لابن عبد الهادي، الورقة 28، حسن المحاضرة: 1 / 259، وشذرات الذهب: 5 / 101.
(1) هو من خبر شروشين، من عمل شيراز، ذكر ذلك المنذري نقلا عن فخر الدين هذا.
وهذا الموضع قيده أبو سعد السمعاني في " الأنساب " وابن الأثير في " اللباب " وياقوت في " معجم البلدان " والذهبي في " المشتبه "، وشذ عنهم البكري في " معجم ما استعجم " فقيده بفتح الباء، والذين ذكرناهم أعلم منه.(22/180)
قَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: لَهُ تَوَالِيفُ كَثِيْرَةٌ، وَأَسنَدَ فِيْهَا، وَلَمْ يَسلَمْ مِنْ مزَالِقِ الأَقدَامِ فِي ذَلِكَ الإِقدَامِ، وَحسَّنَ الظَّنَّ بِأَقْوَامٍ، فَتَبِعَهُم، وَتورَّطَ مَعَهُم.
قُلْتُ: خطبَةُ كِتَابِهِ (برق النّقَاء) : الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَودعَ الخُدودَ وَالقُدودَ الحُسْنَ وَاللَّمَحَاتِ الحُورِيَّةِ السَّالبَةِ إِلَيْهَا أَرْوَاحَ الأَحرَارِ.
121 - أَبُو المَجْدِ خَزْعلُ بنُ عَسْكَرِ بنِ خَلِيْلٍ الشَّنائِيُّ *
العَلاَّمَةُ الأَوْحَدُ، تَقِيُّ الدِّيْنِ، أَبُو المَجْدِ خَزْعلُ بنُ عَسْكَرِ بنِ خَلِيْلٍ الشَّنائِيُّ (1) ، المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ المُقْرِئُ، النَّحْوِيُّ، اللُّغَوِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
سَمِعَ مِنَ: السِّلَفِيِّ، وَقرَأَ بِبَغْدَادَ عَلَى: الكَمَالِ الأَنْبَارِيِّ أَكْثَرَ تَصَانِيْفِهِ.
وَأَقرَأ بِالقُدْسِ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ، وَأَمَّ بِمشهَدِ عَلِيٍّ، وَعَقَدَ الأَنكحَةَ، وَاتَّسْعَتْ حَلْقَتُهُ بِالعَزِيْزِيَّةِ.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو شَامَةَ، وَالكِبَارُ، وَكَانَ رَأْساً فِي العَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يُعَظِّمُ الحَدِيْثَ، وَيَحضُّ عَلَى حِفْظِهِ، وَعِنْدَ الطَّلاَقِ لاَ يَأْخذ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، وَيُؤثِرُ بِمَا أَمكنَهُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، وَلَهُ سِتٌّ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
__________
(*) تكملة المنذري: 3 / الترجمة 2114، بغية الطلب لابن العديم، 5 / الورقة 147 - 148 وقال في كنيته: (أبو محمد) ، ثم قال: وقيل: (أبو المجد) . وذيل الروضتين لأبي شامة: 149، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 30 - 31 (أيا صوفيا 3012) ، والوافي بالوفيات: 8 / الورقة 13، والنجوم الزاهرة: 6 / 266، وتاريخ ابن الفرات، 1 / الورقة 83، وبغية الوعاة: 1 / 550.
(1) في الأصل: " الشناني "، والتصحيح من تكملة المنذري وخط الذهبي في " تاريخ الإسلام " وغيرهما، وهي نسبة إلى أزد شنوءة، كما في أنساب السمعاني ولباب ابن الأثير.(22/181)
122 - قَاضِي حَرَّانَ عَبْدُ اللهِ بنُ نَصْرِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الحَرَّانِيُّ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ نَصْرِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدٍ الحَرَّانِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَارْتَحَلَ، وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ، وَبَرَعَ، وَسَمِعَ مِنْ: شُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَعَبْدِ الحَقِّ، وَعِيْسَى الدُّوْشَابِيِّ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةِ، وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ بِوَاسِطَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ الكَتَّانِيِّ، وَابْنِ البَاقِلاَنِيِّ.
وَأَقرَأ بِبلدِهِ، وَحكمَ وَحَدَّثَ وَصَنَّفَ (1) .
حَدَّثَنَا عَنْهُ: سِبْطُهُ أَبُو الغَنَائِمِ، وَالشِّهَابُ الأَبَرْقُوْهِيُّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
123 - القَزْوِيْنِيُّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ **
الشَّيْخُ، الزَّاهِدُ، السَّائِحُ، أَبُو المَنَاقِبِ مُحَمَّدُ ابْنُ العَلاَّمَةِ الكَبِيْرِ أَبِي الخَيْرِ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّالْقَانِيُّ، القَزْوِيْنِيُّ.
أَقَامَ بِبَغْدَادَ مَعَ أَبِيْهِ مُدَّةً، ثُمَّ بَعدَهُ، وَتزَهَّدَ، وَلَبِسَ الصُّوفَ، وَجَالَ فِي الجَزِيْرَةِ، وَالشَّامِ، وَالرُّوْمِ، وَمِصْرَ، وَارتبطَ عَلَيْهِ مُلُوْكٌ وَكُبَرَاء، وَكَانَ يَقُوْلُ:
__________
(*) تاريخ الإسلام، الورقة: 41 (أيا صوفيا 3012 بخطه) ، والعبر: 5 / 98 - 99، والذيل لابن رجب: 2 / 171 - 173، وغاية النهاية لابن الجزري: 2 / 462، شذرات الذهب: 5 / 133.
(1) منها " التذكير " في قراءة السبعة، ومنها " مفردات " في قراءة الأئمة.
(* *) التدوين للرافعي، الورقة 36، وتاريخ ابن الدبيثي، الورقة 19 (شهيد علي) ، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 2138، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 35 (أيا صوفيا 3012) .(22/182)
أَنَا لاَ أَقْبَلُ مِنْهُم شَيْئاً إِلاَّ مَا أُنفِقُهُ فِي أَبْوَابِ الخَيْرِ، وَكَانَ فَقيراً مجرَّداً.
أَخرجَ إِلَى ابْنِ النَّجَّارِ (أَرْبَعينَات) جمعهَا، رَوَى فِيْهَا عَنْ أَبِي الوَقْتِ سَمَاعاً، وَعَنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الموسيَابَاذِي صَاحِبِ أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، ثُمَّ ظهرَ كذِبُهُ وَادِّعَاؤُهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ، وَمَزّقُوا مَا كَتَبُوا عَنْهُ، وَافتُضِحَ.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: خَرَّجَ عَنْ أَبِي الوَقْتِ حَدِيْثَ السَّقِيْفَةِ بِطُوْلِهِ، رَكَّبَهُ عَلَى سَنَدِ بَعْضِ الثّلاَثِيَّاتِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ يَحكِي أَنَّ أَبَا المَنَاقِبِ كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ المُلُوْكُ زَائِرِيْنَ، وَعرضُوا عَلَيْهِ مَالاً لَمْ يَقبلْهُ، وَيَقُوْلُ: قَدْ عزَمَنَا عَلَى اسْتَعمَالِ بُسْطٍ لبَيْتِ المَقْدِسِ، فَإِنْ أَردْتُم أَنْ تَبذلُوا لِذَلِكَ، فَنَعَمْ، فَيُعْطُونَهُ، فَحصَّلَ جُمْلَةً، وَتَمزَّقَتْ، وَمَا بُورِكَ لَهُ، ثُمَّ كَسَدَتْ سُوقُهُ، وَاشْتُهِرَ نِفَاقُهُ، سَأَلتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ.
فَقَالَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، أَوْ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
أَخُوْهُ:
124 - الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الشَّافِعِيُّ *
جَعَلَهُ أَبُوْهُ مُعِيدَ النِّظَامِيَّةِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الأَزْهَرِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيِّ شَيْئاً مِنْ (مُسْنَدِ مُسَدَّدٍ) ، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الرُّوْمِ، ثُمَّ عُزِلَ، وَسَكَنَ إِرْبِلَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ رَسُوْلاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ جَمَاعَةً يَرمونَهُ بِالكَذِبِ، وَيذمُّونَهُ.
__________
(*) تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 19 (شهيد علي) ، وتكملة المنذري: 2 / الترجمة 1528، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 213 (باريس 1582) ، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي، الورقة 23.(22/183)
مَاتَ: بِالرُّوْمِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ سِتُّوْنَ سَنَةً.
125 - ابْنُ حَوْطِ اللهِ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بنُ سُلَيْمَانَ *
الإِمَامُ، العَالِمُ الصَّالِحُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عُمَرَ بنِ حَوْطِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، الحَارِثِيُّ، البَلَنْسِيُّ، الأُنْدِيُّ.
وَأُنْدَةُ: مِنْ عَملِ بَلَنْسِيَّةَ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.
وَنَزَلَ مَالقَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ حُبَيْشٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ بَشْكُوَالَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ حُمَيْدٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زَرْقُوْنَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ الفَخَّارِ، وَعَبْدِ الحَقِّ بنِ بُونُه، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَخَلْقٍ.
وَرَحَلَ وَجَمَعَ وَحصَّلَ، وَأَجَاز لَهُ: أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
قَالَ الأَبَّارُ (1) : شُيُوْخُهُ يَزِيدُوْنَ عَلَى المائَتَيْنِ، وَكَانَتِ الرِّوَايَةُ أَغَلَب عَلَيْهِ مِنَ الدِّرَايَةِ، وَكَانَ هُوَ وَأَخُوْهُ أَوسعُ أَهْلِ الأَنْدَلُسِ رِوَايَةً فِي وَقتهِمَا، مَعَ الجَلاَلَةِ وَالعدَالَةِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَرِعاً، مُنْقَبِضاً، وَلِيَ قَضَاءَ الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءَ،
__________
(*) تكملة ابن الابار: 1 / 316 - 318، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1975، والعبر: 5 / 82 وتاريخ الإسلام، الورقة: 3 (أيا صوفيا 3012) ، وشذرات الذهب: 5 / 94.
(1) التكملة: 1 / 317.(22/184)
ثُمَّ قَضَاءَ بَلَنْسِيَّةَ، وَبِهَا لَقِيْتُهُ، وَتُوُفِّيَ عَلَى قَضَاءِ مَالقَةَ فِي سَادسِ رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِي - وَرَوَى عَنْهُ -: لَمْ أَرَ أَكْثَرَ بَاكياً مِنْ جِنَازَتِهِ، وَحُمِلَ نَعشُهُ عَلَى الأَكُفِّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
126 - ابْنُ عَبْدِ السَّمِيْعِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ *
الإِمَامُ العَدْلُ، المَأْمُوْنُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ وَاسِطَ، أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّمِيْعِ ابنِ أَبِي تَمَّامٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّمِيْعِ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، الوَاسِطِيُّ، المُعَدَّلُ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَتَلاَ عَلَى: أَبِي السَّعَادَاتِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي حُمَيدٍ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ السُّمَاتِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ جدِّهِ، وَمِنْ: مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي زَنْبَقَةَ، وَخَلْقٍ بِوَاسِطَ، وَهِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الشِّبْلِيِّ، وَابْنِ البَطِّيِّ، وَابْنِ تَاجِ القُرَّاءِ، وَالشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، وَعِدَّةٍ.
وَكَتَبَ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَكَانَ صَدْراً، نبيلاً، عَالِماً، ثِقَةً، حسنَ النَّقْلِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الطَّاهِرِ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَبِي الجَيْشِ،
__________
(*) التقييد لابن نقطة، الورقة 142، تاريخ ابن الدبيثي، الورقة 127 (باريس 5922) ، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1962، والعبر: 5 / 83، ومعرفة القراء: الورقة 190 وتاريخ الإسلام، الورقة: 4 - 5 (أيا صوفيا 3012) ، وغاية النهاية: 1 / 377، والنجوم الزاهرة: 6 / 260، وتاريخ ابن الفرات، 1 / الورقة: 43، وشذرات الذهب: 5 / 94 - 95.(22/185)
وَعزُّ الدِّينِ الفَارُوْثِيُّ، وَابْنُ الدُّبَيْثِيِّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ.
مَاتَ: فِي سَادسِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
وَلَهُ أَرْجُوزَةٌ فِي الاعْتِقَادِ، يَتطرَّقُ إِلَيْهَا الانتقَادُ، وَيُلَقَّبُ بِالشِّينَاتِيِّ - كَمَا نُظِمَ فِيْهِ -:
شَرَفُ الدِّيْنِ شَيْخُنَا شَافعِيٌّ ... شَاعِرٌ شَاهِدٌ شَرِيْفٌ شُرُوْطِيّ
وَلَهُ كِتَابُ (لُبَاب المَنْقُوْلِ فِي فَضَائِلِ الرَّسُولِ) ، وَكِتَابُ (فَضَائِل الأَيَّامِ وَالشُّهورِ) ، وَكِتَابُ (تَعبِير الرُّؤيَا) ، وَ (النُّخَب فِي الخُطَبِ) ، وَأَشيَاءُ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ عَبْدِ السَّمِيْعِ إِذْناً -إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً -بِوَاسِطَ، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، بقِرَاءةِ أَبِي عَلَيْهِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ (1) ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
سيَكُوْنُ أَقْوَامٌ يَخضِبُوْنَ بِالسَّوَادِ كحوَاصِلِ الحَمَامِ، لاَ يَرِيحُوْنَ رَائِحَةَ الجَنَّةِ.
وَبِهِ: إِلَى البَغَوِيِّ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ الرَّقِّيُّ، فَذَكَرَهُ مَرْفُوْعاً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (2) ، عَنْ أَبِي تَوبَةَ (3) ،
__________
(1) هو عبد الكريم بن مالك الجزري.
(2) في الترجل، باب ما جاء في خضاب السواد (4212) .
(3) هو الربيع بن نافع الحلبي.(22/186)
وَالنَّسَائِيُّ (1) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الحَلَبِيِّ، كِلاَهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ (2) مَرْفُوْعاً.
127 - ابْنُ عَسَاكِرَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، القُدْوَةُ، المُفْتِي، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، فَخْرُ الدِّيْنِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عمَّيهِ؛ الصَّائِنِ، وَالحَافِظِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بنِ أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيِّ، وَحَسَّانِ بنِ تَمِيْمٍ، وَأَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلاَلٍ، وَدَاوُدَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَالِدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَسْعَدَ العِرَاقِيِّ، وَابْنِ صَابِرٍ، وَعِدَّةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِالقُطْبِ النَّيْسَابُوْرِيِّ، وَتَزَوَّجَ بِابْنتِهِ، وَجَاءهُ وَلدٌ مِنْهَا، سَمَّاهُ مَسْعُوْداً، مَاتَ شَابّاً.
دَرَّسَ بِالجَارُوْخِيَّةِ، ثُمَّ بِالصَّلاَحيَّةِ بِالقُدْسِ، وَبِالتَّقَوِيَّةِ بِدِمَشْقَ، فَكَانَ يُقِيْمُ بِالقُدْسِ أَشْهُراً، وَبِدِمَشْقَ أَشهراً، وَكَانَ عِنْدَهُ بِالتَّقَوِيَّةِ فُضلاَء البلدِ،
__________
(1) في الزينة 8 / 138، قال شعيب: وإسناده قوي.
(2) عبيد الله بن عمرو الرقي.
(*) الكامل لابن الأثير: 12 / 172، ومرآة الزمان: 8 / 630 - 631، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1935، وذيل الروضتين لأبي شامة: 136 - 139، ووفيات الأعيان: 3 / 135، وتلخيص ابن الفوطي: 4 / الترجمة 2160، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 263 (باريس 1582) ، والعبر: 5 / 80 - 81، ودول الإسلام: 2 / 93، وفوات الوفيات: 1 / 544، وطبقات السبكي: 5 / 66 - 71، والبداية والنهاية: 13 / 101، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة 76، وعقد الجمان للعيني، 17 / الورقة 440 والنجوم الزاهرة: 6 / 256، وشذرات الذهب: 5 / 92 - 93، والتاج المكلل للقنوجي: 164.(22/187)