وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ - وَسَمِعَ مِنْهُ (مُوطَّأَ القَعْنَبِيّ) - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَابْنُ نَاصر، وَعبدُ الخَالِق اليُوسفِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المرقَّعَاتِي، وَعُمَرُ بن بُنيمَان، وَأَخُوْهُ أَحْمَد، وَشُهْدَة الكَاتِبَة، وَخَلْق.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: الفَقِيْهُ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي: ثَابِتٌ ثَابِتٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُوْن ديِّنٌ كَيِّسٌ خَيِّرٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ ثَابِتٌ يُعْرَفُ بِابْنِ الحمَامِي.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مِنْ أَعيَان القُرَّاء وَثِقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ، سَمِعَ الكَثِيْرَ بِنَفْسِهِ، وَكَتَبَ بِخطِّه، وَرَوَى أَكْثَر مَسْمُوْعَاتِهِ.
وَقِيْلَ: كَانَ جَدُّهُ إِبْرَاهِيْمُ حَمَّامِيّاً بِالدِّيْنَوَرِ.
قُلْتُ: أَوَّلُ سَمَاعه فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
125 - السَّمَرْقَنْديُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الرَّحَّالُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قَاسم بن جَعْفَرٍ السَّمَرْقَنْدي، الكُوَخْمِيثنِي.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(*) المنتخب: الورقة: 54 ب، تذكرة الحفاظ: 4 / 1230، 1231، شذرات الذهب: 3 / 394 - 395، الرسالة المستطرفة: 125.(19/205)
وَصَحِبَ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ المُسْتغفرِيَّ الحَافِظ، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ.
وَسَمِعَ: عَبدَ الصَّمد العَاصِمِي، وَحَمْزَةَ بنَ مُحَمَّدٍ الجَعْفَرِيّ، وَأَبَا حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَأَبَا سَعْد الكَنْجَرُوذِيَّ، وَأَمْثَالَهُم، وَأَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ مَنْصُوْرٌ الكَاغَدي، وَلَمْ يَرْحَلْ إِلَى العِرَاقِ، وَقَدْ جَمَعَ وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَوجيهٌ الشَّحَّامِي، وَأَبُو الأَسَعْد بن القُشَيْرِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَامِعٍ خَيَّاط الصُّوف، وَالجُنَيْد القَاينِيُّ (1) ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلت عَنْهُ إِسْمَاعِيْل الحَافِظ، فَقَالَ: إِمَامٌ حَافظٌ، سَمِعَ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ النسفِي فِي كِتَابِ (القنْد) :هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ، قِوَامُ السُّنَّة أَبُو مُحَمَّدٍ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْر، لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مِثْلُهُ فِي فَنِّه فِي الشَّرْق وَالغرب، لَهُ كِتَاب (بَحر الأَسَانِيْد فِي صِحَاح المسَانِيْد) جمع فِيْهِ مائَة أَلْف حَدِيْث، فَرتَّب وَهذَّب، لَمْ يَقع فِي الإِسْلاَمِ مِثْلُه، وَهُوَ ثَمَان مائَة جُزْء.
وَقَالَ عَبدُ الغَافِر فِي (السِّيَاق) :أَبُو مُحَمَّدٍ عَدِيمُ النَّظيرِ فِي حِفْظِهِ، اسْتَوْطَنَ بِنَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ مُكْثِرٌ عَنِ المُسْتغفرِي، مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) تصحف في الأصل إلى " الفايني " بالفاء، وقاين: بلدة قريبة من طبس بين نيسابور وأصبهان كما تقدم في التعليق ص 159، وترجمة الجنيد سترد في الجزء العشرين برقم (181) .(19/206)
126 - ابْنُ مَرْدَوَيْه أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابنِ الحَافِظ الكَبِيْر أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى بن مَرْدَوَيْه بن فُورَك بن مُوْسَى الأَصْبَهَانِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة، قَالَهُ يَحْيَى بنُ مَندَة.
سَمِعَ: أَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدَ بنَ سُلَيْمَانَ الوَكِيْل، وَأَبَا عَلِيٍّ غُلاَمَ محسن، وَعُمَرَ بن عَبْدِ اللهِ بن الهَيْثَمِ الوَاعِظ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي عَلِيٍّ الذَّكوَانِي، وَالحُسَيْنَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الجمَّال، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ قولويه التَّاجِر، وَأَحْمَدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الثَّقَفِيّ الوَاعِظ، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن فَاذشَاه، وَالنَّاسَ، وَلَمْ يَرْحَلْ.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَتَبنَا عَنْهُ كَثِيْراً، وَكَانَ ثِقَةً جَلِيْلاً، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كتبُوا عَنِّي فِي مَجْلِس أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ.
وَرَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ غَانِمٍ، وَجَمَاعَةٌ، وَحَفِيْدُه عَلِيّ بن عَبْدِ الصَّمَدِ بن أَحْمَدَ.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَفهم الحَدِيْثَ، رَأَيْتُ لَهُ جُزْءاً فِيْهِ طُرُقُ: (طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ (1)) يَدلّ عَلَى مَعْرِفَته، وَلَمْ يُدْرِكِ السَّمَاع مِنْ جدِّه.
مَاتَ: بِسُوذرجَان مِنْ قُرَى أَصْبَهَان، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ
__________
(*) العبر: 3 / 350، تذكرة الحفاظ: 4 / 1212، عيون التواريخ: 13 / 139، طبقات الحفاظ: 445، 446، شذرات الذهب: 3 / 408.
(1) هو حديث حسن بطرقه وشواهده، فقد قال الحافظ المزي: روي هذا الحديث من طرق تبلغ رتبة الحسن، قال السيوطي: وهو كما قال، فإني رأيت له خمسين طريقا، وقد جمعتها في جزء. وانظر مصادر تخريجه في الجامع الصغير.(19/207)
تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَمَاتَ حَفِيْدُه المَذْكُور سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ بَعْدهَا، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
قَرَأْنَا عَلَى عِيْسَى بنِ يَحْيَى، أَخبركُم مَنْصُوْرُ بنُ سَنَد، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ الوَاعِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ العَسَّال، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رُسْتَه، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ المُسْتَلِم بن سَعِيْدٍ، عَنِ الحَكَمِ بنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَا مِنْ وَلَدٍ بَارٍّ يَنْظُرُ إِلَى وَالِدِهِ نَظْرَةَ رَحْمَةٍ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِكُلِّ رَحْمَةٍ حَجَّةٌ مَبْرُوْرَةٌ) ، قِيْلَ: وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مائَةُ رَحمَةٍ (1) ؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِنَّ اللهَ أَطْيَبُ وَأَكْثَرُ (2)) .
هَذَا مُنْكَرٌ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ البَردَانِي، وَالمُحَدِّثُ أَبُو بَكْرٍ سِبْط ابْن مَرْدَوَيْه، وَالسُّلْطَان بَرْكْيَا رُوْق بن مَلِكْشَاه (3) ، وَثَابِت بن بُنْدَار البَقَّال (4) ، وَفقيهُ الْحرم الحُسَيْنُ بن عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ (5) ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ خَلَفٍ العَبْسِيّ بقُرْطُبَة (6) ، وَفَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ
__________
(1) في " الجامع الكبير " " مرة ".
(2) إسناده ضعيف جدا، ومحمد بن حميد هو ابن حيان التميمي الرازي، قال البخاري: فيه نظر، وكذبه أبو زرعة، وقال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب من ابن حميد ومن ابن الشاذكوني، وشيخه زافر بن سليمان كثير الاوهام، وقد أورده السيوطي في " الجامع الكبير " 2 / 732 ونسبه للحاكم في تاريخه، وابن النجار.
(3) تقدمت ترجمته برقم (116) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (124) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (123) .
(6) ترجمته في " الصلة ": 1 / 423.(19/208)
الشّعرَانِي، وَنَصْرُ اللهِ بن أَحْمَدَ الخُشنَامِي (1) ، وَالشَّرِيْفُ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ السَّلاَم.
127 - الحَبَّالُ أَبُو البَقَاءِ المُعَمَّرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، أَبُو البَقَاءِ المُعَمَّرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن إِسْمَاعِيْلَ الكُوْفِيّ، الحَبَّال، الخَزَّاز - بِمُعْجَمَاتٍ - وَيُعْرَفُ بِخُرَيْبَه.
وُلِدَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي نَجَاح بن نَذِيْرٍ المُحَارِبِيّ، وَزَيْدِ بن أَبِي هَاشِمٍ العَلَوِيِّ، وَأَبِي الطَّيِّب أَحْمَدَ بن عَلِيٍّ الجَعْفَرِيّ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، لَكنَّه اشْتهر.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي الحُلْوَانِيّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَكَثِيْرُ بنُ سَمَالِيق، وَعبدُ الخَالِق اليُوسفِي، وَابْنُ نَاصر، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ، ثِقَةٌ، صَحِيْحُ السَّمَاع، انْتَشَرت عَنْهُ الرِّوَايَة، وَعُمِّرَ حَتَّى رَوَى كَثِيْراً، وَبُورِكَ لَهُ فِيمَا سَمِعَ، سَأَله هزَارسب عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: سَنَة عَشْرٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ طرخَان، وَالحُسَيْن بن خُسرو: سَأَلنَاهُ عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (91) .
(*) العبر: 3 / 354، عيون التواريخ: 13 / 154، النجوم الزاهرة: 5 / 193، شذرات الذهب: 3 / 410.(19/209)
قُلْتُ: حَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَبِالكُوْفَةِ، وَبِهَا مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
128 - الطَّبَرِيّ (آخَرُ) أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
العَلاَّمَةُ، مُفْتِي الشَّافعيَّة، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الطَّبَرِيّ، الحَاجِّيّ، البزَّازِيُّ.
قَدِمَ بَغْدَاد فِي الصِّبَا، وَسَكَنَهَا، وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّب، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنَ الجَوْهَرِيّ، وَلَزِمَ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ حَتَّى أَحكم المَذْهَبَ وَالأُصُوْل وَالخلاَف، وَشَهِدَ عِنْد أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامغَانِي، وَدرَّس بِالنَّظَامِيَة سَنَة (483) ، ثُمَّ قَدِمَ بَعْد أَشهر عَبْدُ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الفَامِي الشِّيرَازِي، فَتقرر أَنْ أُشرك بَيْنَهُمَا فِي التَّدرِيس، فَدرَّسَا مُديدَةً، ثُمَّ صُرِفَا بتوليَة الغَزَّالِي، فَلَمَّا حَجَّ الغزَّالِي سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَذَهَبَ إِلَى الشَّامِ وَطوَّل الغيبَة، وَلِيَ الطَّبَرِيُّ تَدرِيس النِّظَامِيَة فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ، ثُمَّ فَارق بَغْدَاد بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَعْوَام، وَسَارَ إِلَى أَصْبَهَانَ لِودَائِع كَانَتْ عِنْدَهُ.
رَوَى عَنْهُ: هِبَة اللهِ بن السَّقَطِيّ شَيْئاً.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِأَصْبَهَانَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
129 - دُقَاقُ أَبُو نَصْرٍ بنُ تُتُشَ بنِ أَلب آرسلاَنَ السَّلْجُوْقِي **
صَاحِبُ دِمَشْقَ، شَمْسُ المُلُوْك، أَبُو نَصْرٍ دُقَاق ابْن السُّلْطَان تَاج الدَّوْلَة
__________
(*) الكامل: 10 / 352.
(* *) الكامل: 10 / 375 - 377، دول الإسلام: 2 / 27، العبر: 3 / 347، تتمة المختصر: 2 / 26، عيون التواريخ: 13 / 122، مرآة الزمان: 8 / 7 - 8، البداية =(19/210)
تُتُش ابْن السُّلْطَان أَلب آرسلاَن السُّلْجوقِي، التُّركِي.
تَمَلَّك بَعْد مَقْتَل أَبِيْهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَكَانَ فِي حلب، فَطَلَبَهُ خَادِمُ أَبِيْهِ وَنَائِبُ قَلْعَة دِمَشْق سرّاً مِنْ أَخِيْهِ رضوَان صَاحِب حلب، فَبَادر دُقَاق وَجَاءَ، فَتَمَلَّك، ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ زوجُ أُمِّهِ طُغْتِكين الأَتَابك (1) بِقَتْلِ خَادمه المَذْكُور سَاوتكين لِتمكنه، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَقْبَل رضوَان أَخُوْهُ مُحَاصراً لدِمَشْق، فَلَمْ يَقدر عَلَيْهَا، فَترحَّل، ثُمَّ اسْتَقلَّ دُقَاق، ثُمَّ عرض لَهُ مَرَضٌ تَطَاولَ بِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي ثَامِنَ عَشَرَ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَكَانَتْ دَوْلَته عشر سِنِيْنَ.
فَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّه سَمَّتْه، رَتَّبت لَهُ جَارِيَة سَمَّته فِي عُنْقُودِ عِنَب نخسته بِإِبرَة مَسْمُوْمَة، ثُمَّ نَدِمَت أُمُّه، وَتَهرَّى جوفُه، وَدُفِنَ بِخَانقَاه الطّوَاويس (2) .
وَعمد الأَتَابك طُغْتِكِين، فَأَقَامَ فِي اسْم الْملك طِفْلاً لدُقَاق بَعْدَ أَنِ اسْتَحْضَرَ مِنْ سجن قَلْعَة بَعْلَبَكَّ أَخاً لِدُقَاق اسْمه أَرتَاش، وَسَلطَنهُ، ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثَة أَشْهُرٍ تَخيَّل أَرتَاش مِنَ الأَتَابك، وَفَرَّ إِلَى بغدوين الفِرَنْجِي صَاحِب القُدْسِ، فَمَا أَعَانه، فَتَوَجَّه إِلَى العِرَاقِ عَلَى الرّحبَة، فَجَاءهُ الأَجَلُ، فَعمدَ الأَتَابك إِلَى الطِّفل المَذْكُور، فَنصبه مُديدَةً، ثُمَّ تَملَّك، وَامتدت أَيَّامُه (3) .
__________
= والنهاية: 12 / 163 - 164، النجوم الزاهرة: 5 / 189، شذرات الذهب: 3 / 405، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 46، 340.
(1) الاتابك: لفظه تركية مركبة من أتا: وهو الاب، وبك: وهو الأمير، وأول من لقب بذلك: هو نظام الملك وزير ملكشاه، حين فوض إليه هذا تدبير المملكة سنة 465 هـ، وليس للاتابك وظيفة ترجع إلى حكم وأمر ونهي، وغايته رفعة المحل، وعلو المقام، وكان الاتابك يكلف من قبل السلطان الحاكم بالوصاية على واحد أو أكثر من أبنائه الذين لم يبلغوا سن الرشد، انظر " وفيات الأعيان ": 1 / 365، وصبح الاعشى: 4 / 18.
(2) في " وفيات الأعيان ": 1 / 296: ودفن في مسجد بحكر الفهادين بظاهر دمشق الذي على نهر بردى.
(3) انظر ابن خلكان: 1 / 296.(19/211)
وَكَانَ قَدْ وَزَرَ لدُقَاق أَبُو القَاسِمِ الحَسَن بن عَلِيٍّ الخُوَارزمِي، وَقَدْ كَانَ عمل مَصَافّاً بِقُرْبِ حلب مَعَ أَخِيْهِ، فَتفلَّلَ جَمعُه، وَرُدَّ إِلَى دِمَشْقَ.
130 - صَاحِبُ خُرَاسَان أَرْسَلاَن أَرغون بنُ أَلب أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِي *
السُّلْطَان أَرْسَلاَن أَرغون ابنُ السُّلْطَان أَلب أَرْسَلاَن السَّلجوقِي.
لَمَّا مَاتَ أَخُوْهُ السُّلْطَان مَلِكْشَاه، بَادر هَذَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى خُرَاسَانَ، وَتَمَكَّنَ، وَكَانَ ظَالِماً شَرِسَ الأَخلاَق، كَثِيْرَ العقوبَة لِخَاصكيته، فَدَخَلَ عَلَيْهِ غُلاَمٌ لَهُ، فَأَنْكَر عَلَيْهِ أَرغون تَأَخُّره عَنِ الخدمَة، فَاعْتذر، فَلَمْ يَقبلْ لَهُ عُذراً، وَكَانَ وَحْدَه، فَشدّ الغُلاَمُ عَلَيْهِ بِسكِّين، فَقَتَلَهُ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَانَتْ دَوْلَتُه أَرْبَعَ سِنِيْنَ، فَعَلِمَ بِمَقْتَله السُّلْطَانُ بَرْكْيَا رُوْق بن مَلِكْشَاه، فَسَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَخطبُوا لَهُ أَيْضاً بِبلاَد مَا وَرَاء النَّهْر، وَاسْتنابَ عَلَى خُرَاسَانَ أَخَاهُ الْملك سَنْجَر الَّذِي امْتَدَّتْ أَيَّامُهُ.
وَكَانَ أَرْسَلاَن قَدْ تَملَّك بَلخ وَمروَ وَتِرمِذَ، وَظلمَ وَغَشَم، وَخرَّب سُورَ نَيْسَابُوْر وَغَيْرهَا مِنَ المَدَائِن، وَوزر لَهُ عمَادُ المُلك بن نِظَام المُلك، ثُمَّ قبضَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ ثَلاَثَ مائَة أَلْف دِيْنَار، وَذَبَحَهُ.
131 - ابْنُ السَّوَادِي أَبُو الحُسَيْنِ المُبَارَك بن مُحَمَّد **
الإِمَامُ، المُفْتِي، أَبُو الحُسَيْنِ المُبَارَك بن مُحَمَّدِ بنِ السَّوَادِي الوَاسِطِيّ،
__________
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 262، 264، العبر: 3 / 326 - 327، تتمة المختصر: 2 / 18، عيون التواريخ: 13 / 57 - 58، البداية والنهاية: 12 / 154، النجوم الزاهرة: 5 / 161، شذرات الذهب: 3 / 394.
(* *) طبقات السبكي: 5 / 311 - 312.(19/212)
الشَّافِعِيّ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْر، مُدَرِّسٌ، مُنَاظِرٌ، مُتَصَوِّنٌ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ نَظيفٍ المِصْرِيّ.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَطَاهِرُ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعُمَرُ بن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَعبدُ الخَالِق الشَّحَّامِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: إِمَامٌ عديمُ النَّظِير، يَتجَمل، يَتقنَّع بِقَلِيْلِ تِجَارَةٍ، تَفَقَّهَ بِالقَاضِي أَبِي الطَّيِّب.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
132 - ابْنُ الطُّيُورِيِّ المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، المُفِيْدُ، بَقِيَّةُ النَّقَلَة المُكْثِرِيْنَ، أَبُو الحُسَيْنِ المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيّ، الصَّيْرَفِيّ، ابْنُ الطُّيورِي.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، ثُمَّ أَبَا الفَرَجِ الطنَاجِيرِي، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَابْن غَيْلاَنَ، وَأَبَا الحَسَنِ العَتِيْقِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ، وَعَلِيِّ بن أَحْمَدَ الفَالِيّ، وَأَبَا طَالب العُشَارِي،
__________
(*) الأنساب: 4 / 209، المنتظم: 9 / 154، التقييد: الورقة: 197 أ - 197 ب، الكامل: 10 / 439، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 356، ميزان الاعتدال: 3 / 431، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 223 - 226، عيون التواريخ: 13 / 194 - 195، لسان الميزان: 5 / 9 - 11، شذرات الذهب: 3 / 412، الرسالة المستطرفة: 69.(19/213)
وَعدداً كَثِيْراً، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ أَبَا عَلِيٍّ الشَّامُوخِي، وَغَيْره، وَجَمَعَ وَخَرَجَ، وَسَمِعَ مَا لاَ يُوصف كَثْرَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَعبدُ الخَالِق اليُوسفِي، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو المَعَالِي الحُلْوَانِيّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، وَعبدُ الحَقِّ بن يُوْسُفَ، وَخطيبُ المَوْصِلِ، وَأَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ العَلَوِيّ النقيبُ، وَبَشَرٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مُحَدِّثاً مُكْثِراً صَالِحاً، أَمِيناً صَدُوْقاً، صَحِيْحَ الأُصُوْل، صَيِّناً وَرِعاً وَقُوْراً، حَسنَ السَّمتِ، كَثِيْرَ الخَيْرِ، كتب الكَثِيْرَ، وَسَمِعَ النَّاسُ بِإِفَادَتِه، وَمَتَّعَهُ اللهُ بِمَا سَمِعَ حَتَّى انْتَشَرت عَنْهُ الرِّوَايَةُ، وَصَارَ أَعْلَى البَغْدَادِيِّيْنَ سَمَاعاً، أَكْثَرَ عَنْهُ وَالِدِي، وَكَانَ المُؤْتَمَنُ السَّاجِيّ يَرمِيه بِالكَذِبِ، وَيُصَرِّح بِذَلِكَ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ مَشَايِخِنَا الثِّقَات يُوَافقُ المُؤْتَمَنَ، فَإِنِّي سَأَلتُ مِثْلَ عَبْد الوَهَّابِ وَابْنِ نَاصرٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ ثَنَاءً حَسناً، وَشَهِدُوا لَهُ بِالطَّلب، وَالصِّدْقِ، وَالأَمَانَة، وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ، سَمِعْتُ سَلْمَان الشَّحَام يَقُوْلُ: قَدِمَ أَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيُّ، فَانقَطَعنَا عَنْ مَجْلِس ابْنِ الطُّيورِي أَيَّاماً، فَلَمَّا جِئْنَا ابْنَ الطُّيورِي، قَالَ: مَا قَطَعكُم عَنِّي؟
قُلْنَا: قَدِمَ فُلاَنٌ كُنَّا نَسْمَعُ مِنْهُ.
قَالَ: فَأَيشٍ أَعْلَى مَا عِنْدَهُ؟
قُلْنَا: حَدِيْث البَكَّائِيّ، فَقَامَ الشَّيْخُ أَبُو الحُسَيْنِ، وَأَخْرَجَ لَنَا شَدَّةً (1) مِنْ حَدِيْثِ البَكَّائِيِّ، وَقَالَ: هَذِهِ سَمَاعِي مِنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ الطَّنَاجِيْرِي عَنْهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَأَظُنُّنِي سَمِعتُهَا مِنِ ابْنِ نَاصرٍ.
__________
(1) أي مجموعة من الصحف التي كتب بها حديث البكائي مشدودة بعضها إلى بعض.(19/214)
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَةَ الصَّدَفِيُّ: هُوَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الثِّقَةُ أَبُو الحُسَيْنِ، كَانَ ثَبْتاً فَهماً، عَفِيْفاً مُتْقِناً، صَحِبَ الحُفَّاظ وَدُرِّبَ مَعَهُم، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ الخَاضبَةِ يَقُوْلُ: شَيخُنَا أَبُو الحُسَيْنِ مِمَّنْ يُسْتَشفَى بِحَدِيْثِهِ.
وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ فِي إِملاَئِه: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ الثَّبْتُ الصَّدُوْقُ أَبُو الحُسَيْنِ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ: هُوَ مُحَدِّثٌ مُفِيدٌ وَرِعٌ كَبِيْرٌ، لَمْ يَشْتَغِلْ قَطُّ بِغَيْرِ الحَدِيْثِ، وَحصَّلَ مَا لَمْ يُحَصِّلْه أَحَدٌ مِنْ كُتُب التَّفَاسير وَالقِرَاءات وَاللُّغَة، وَالمسَانِيْد وَالتَّوَارِيخ وَالعلل وَالأَدبيَّات وَالشّعر، كُلُّهَا مَسْمُوْعَةٌ، رَافَقَ الصُّوْرِيَّ، وَاسْتفَادَ مِنْهُ، وَالنَّخشبِيَّ، وَظَاهِراً (1) النَّيْسَابُوْرِيَّ.
كَتَبَ عَنْهُ: مَسْعُوْدٌ السِّجْزِيُّ، وَالحُمَيْدِيّ، وَجَعْفَر بن الحَكَّاك، وَأَكْثَرُوا عَنْهُ.
وَقَالَ الأَمِيْرُ أَبُو نَصْرٍ: هُوَ صَدِيقُنَا أَبُو الحُسَيْنِ يُعرفُ بِابْنِ الحَمَامِي - مُخفَّفٌ - سَمِعَ خلقاً، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ وَالعَفَافِ وَالصَّلاَحِ (2) .
قَالَ ابْنُ سُكَّرَةَ: ذَكرَ لِي شَيْخُنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَن عِنْدَهُ نَحْوَ أَلفِ جُزْءٍ بِخَطِّ الدَّارَقُطْنِيِّ، أَوْ أُخْبِرْتُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِيْنَ مُصَنَّفاً لاِبْنِ أَبِي الدُّنْيَا.
انتقَى السِّلَفِيّ عِدَّةَ أَجزَاءٍ مِنَ الفَوَائِدِ وَالنَّوَادِرِ عَلَى ابْنِ الطُّيُورِيِّ (3) ،
__________
(1) بالظاء المعجمة ضبطه المؤلف في " المشتبه ": 2 / 416، وهو لقب له، واسمه عبد الصمد.
(2) الإكمال: 3 / 287.
(3) في لسان الميزان: 5 / 10: وأكثر عنه السلفي، وانتقى عليه مئة جزء تعرف بالطيوريات.
قلت: ومنه نسخة في ظاهرية دمشق تحت رقم 320 حديث، في 286 ورقة، مكتوبة بخط نسخي معتاد.(19/215)
وَكَتَبَ الحَدِيْثَ ابْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ اليُونَارْتِي: هُوَ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، كَثِيْرُ الأُصُوْل، يُحِبُّ العِلْمَ وَأَهْلَه، وَقَدْ وَصَفُوهُ بِالمَعْرِفَة، وَسَعَةِ الرِّوَايَة، وَكَانَ دَيِّناً صَالِحاً - رَحِمَهُ اللهُ (1) -.
مَاتَ: فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْس مائَة، عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
133 - أَبُو الفَتْحِ الحَدَّادُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُقْرِئُ، مُسْنِدُ الوَقْت، أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الأَصْبَهَانِيّ، الحَدَّادُ، التَّاجِرُ، سِبْطُ الحَافِظ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَندَه.
تَفَرَّدَ بِإِجَازَة إِسْمَاعِيْل بن يَنَال (2) المَحْبُوبِيّ صَاحِبِ ابْن مَحْبُوب (3) .
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ النَّقَّاش، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدَكويه، وَأَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَزدَاد غُلاَمِ مُحسنٍ، وَأَبِي سهلٍ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ الفَقِيْه، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الدشتِي، وَأَبِي سَعِيْدٍ الحَسَنِ بن مُحَمَّد
__________
(1) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 154: وكان مكثرا، صالحا، أمينا، صدوقا، متيقظا، صحيح الأصول، رصينا ورعا، حسن السمت، كثير الصلاة، سمع الكثير، ونسخ بخطه، ومتعه الله بما سمع حتى انتشرت عنه الرواية، حدثنا عنه أشياخنا، وكلهم أثنوا عليه ثناء حسنا، وشهدوا له بالصدق والأمانة مثل عبد الوهاب، وابن ناصر، وغيرهما، وذكر عن المؤتمن أنه كان يرميه بالكذب، وهو شيء ما وافقه فيه أحد.
(*) المنتظم: 9 / 151، الكامل في التاريخ: 10 / 439، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 355، معرفة القراء: 368 - 369، الوافي بالوفيات: 7 / 323، غاية النهاية: 1 / 101 - 102، النجوم الزاهرة: 5 / 195، شذرات الذهب: 3 / 410.
(2) في الأصل " بنان " وهو تحريف، والتصحيح من " مشتبه " المؤلف: 2 / 672.
(3) أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي التاجر المروزي المتوفى سنة 340 هـ راوية كتاب الجامع للترمدي.
تقدمت ترجمته في الجزء الخامس عشر رقم (315) .(19/216)
بن حسنُويه، وَعبدِ الوَاحِد بن أَحْمَدَ البَاطِرْقَاني، وَأَبِي الفَرَجِ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بن شَهْرَيَارَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ.
وَأَجَازَ لَهُ أَيْضاً: أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الطَّرَازِيُّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخِرَقِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَصَدَقَةُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَشَاكِرٌ الأَسْوَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ قرَأَ القِرَاءاتِ عَلَى أَبِي عُمَرَ الخِرَقِي (1) ، وَبِمَكَّةَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الكَارَزِينِي، فَكَانَ خَاتِمَةَ أَصْحَابه مَوْتاً.
تَلاَ عَلَيْهِ السِّلَفِيّ لعَاصِم إِلَى الحَوَامِيمِ (2) .
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسِ مائَة.
134 - القَزْوِيْنِيُّ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بن الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، الخَيِّر، أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ ابنُ المُفْتِي أَبِي حَاتِمٍ مَحْمُوْد بن الحَسَنِ الأَنْصَارِيّ، القَزْوِيْنِيّ، الآمُلِي، الَّذِي أَملَى بِالمَدِيْنَةِ النّبويَة عَلَى السِّلَفِيّ.
__________
(1) هو محمد بن أحمد بن عمر بن يوسف الأصبهاني الخرقي، مترجم في " طبقات القراء ": 2 / 77، وقد تصحف في " الوافي بالوفيات ": 7 / 323 إلى الحرفى.
(2) الحواميم: السور المفتتحة ب (حم) ، والجادة أن يقال: آل حاميم، وذوات حاميم، قال الجوهري: ولا تقل: حواميم، فإنه من كلام العامة، وليس من كلام العرب، وقال أبو عبيدة: الحواميم سور في القرآن على غير القياس، وأنشد: آل حاميم، وبالحواميم التي قد سبعت قال: والاولى أن تجمع بذوات حاميم.
وقال أبو حاتم: قال العامة في جمع حم، وطس: حواميم وطواسين، والصواب: ذوات حم، وذوات طس، وذوات ألم.
(*) العبر: 4 / 2، عيون التواريخ: 13 / 233، مرآة الجنان: 3 / 171، طبقات الاسنوي: 2 / 301، شذرات الذهب: 4 / 3.(19/217)
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَمَنْصُوْرَ بنَ إِسْحَاقَ، وَسَهْلَ بنَ رَبِيْعَةَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصِرٍ، وَشُهْدَةُ، وَابْنُ الخَلِّ.
مَاتَ: بآمُلَ، فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرٍو البَحيرِي المُحَدِّث (1) ، وَصَاحِبُ إِفْرِيْقِيَة تَمِيمُ بن المُعِزّ بن بَادِيس، وَأَبُو عَلِيٍّ التَّكَكِيُّ (2) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدُّونِي (3) ، وَأَبُو سَعْدٍ الأَسَدِيّ، وَصَاحِب الحِلَّةِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ صَدَقَةُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ دُبَيْسٍ الأَسَدِيّ (4) قُتِلَ.
135 - ابْنُ بِشرُويه أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُفِيْدُ، الصَّدُوْق، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ بنِ بِشرُويه الأَصْبَهَانِيّ.
قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ حَسْنَكُويَه، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ مُصْعَب التَّاجِر، وَالهَيْثَم بنَ مُحَمَّدٍ الخَرَّاط، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ شَهْرَيَارَ، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظَ، وَأَبَا ذَرٍّ الصَّالحَانِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الجَلاَّبَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: هِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَعِدَّةٌ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (173) .
(2) سترد ترجمته برقم (160) .
(3) مترجم برقم (147) .
(4) سترد ترجمته برقم (165) .
(*) تبصير المنتبه: 1 / 91، النجوم الزاهرة: 5 / 163، الاستدراك لابن نقطة 1 / 36 / 1.(19/218)
قَالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ بِالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالفَرَائِضِ، كَتَبتُ بِانتخَابِهِ كَثِيْراً، وَأَكْثَرنَا عَنْهُ لِثِقَتِه وَمَعْرِفَتِه.
قُلْتُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
136 - البَرَدَانِيُّ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، مُفِيدُ بَغْدَاد، أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ البَرَدَانِيُّ (1) ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا طَالِبٍ بنَ غَيْلاَنَ، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيَّ، وَأَبَا طَالِبٍ العُشَارِيَّ (2) ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ القَزْوِيْنِيّ الزَّاهِدَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيَّ،
__________
(*) سؤالات السلفي لخميس الحوزي: 72، الأنساب: 2 / 136، المنتظم: 9 / 144، اللباب: 1 / 135، العبر: 3 / 350، تذكرة الحفاظ: 4 / 1232، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 67 - 68، الوافي بالوفيات: 7 / 322، عيون التواريخ: 13 / لوحة 139، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 94 - 95، شذرات الذهب: 3 / 408.
(1) ضبطها السمعاني وياقوت بفتح الباء كما في الأصل، وانفرد ابن الأثير في " اللباب " فضبطها بضم الباء، وهي نسبة إلى بردان: قرية من قرى بغداد على سبعة فراسخ منها قرب صريفين، وفيها يقول جحظة:
ادفع ورود الهم عنك بقهوة * مخزونة في حانة الخمار
جازت مدى الاعمار فهي كأنها * عند المذاق تزيد في الاعمار
يسعى بها خنث الجفون منعم * في خده ماء النضارة جار
في رقة البردان بين مزارع * محفوفة ببنفسج وبهار
بلد يشبه صيفه بخريفه * رطب الاصائل بارد الاسحار
(2) بضم العين المهملة، وفتح الشين المعجمة، وهو لقب جد أبي طالب، لقب به لأنه كان طويلا، من قولهم: ثوب عشاري: إذا كان طوله عشرة أذرع، وقد سمع المترجم من العشاري وهو في الثامنة من عمره، فإنه ولد سنة 426، وسمع منه سنة 433 هـ وهو أول سماعه كما في " ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 94 لابن رجب.(19/219)
وَعَبْدَ العَزِيْزِ الأَزَجِي، وَالقَاضِي أَبَا يَعْلَى، وَعبدَ الصَّمد بن المَأْمُوْن، وَالخَطِيْبَ، وَعِدَّة، وَلَمْ يَرْحَلْ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ أَحَدَ المَشْهُوْرِيْنَ فِي صنعَةِ الحَدِيْث، وَكَانَ حَنْبَليّاً، اسْتَملَى لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى (1) ، حَدَّثَنَا عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ الحَافِظ.
قُلْتُ: جَمعَ مُجلَّداً فِي المَنَامَاتَ النّبويَةِ، سَمِعْنَا (مُنتَقَاهُ) عَلَى الأَمِيْنِ الصَّفَّار، عَنِ السَّاوِي، عَنِ السِّلَفِيّ، عَنْهُ، وَقَدْ سَأَله السِّلَفِيّ، عَنْ تَبيِين أَحْوَالِ جَمَاعَةٍ، فَأَجَابَ وَأَجَادَ.
قَالَ السِّلَفِيُّ: هُوَ كَانَ أَحْفَظ وَأَعْرف مِنْ شُجَاعٍ الذُّهْلِيّ، وَكَانَ ثِقَةً نَبِيلاً، لَهُ مُصَنَّفَاتٌ (2) .
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: عَلِيُّ بن طِرَادٍ الوَزِيْرُ، وَأَحْمَدُ بنُ المُقَرَّبِ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ دُوْسْتَ العَلاَّف إِجَازَةً سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَفِيْهَا مَاتَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا حَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بنُ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بن مَعْبَدِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ
__________
(1) في " ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 95: قال أبو الحسين في " الطبقات ": سمع درس الوالد سنين، وسمع منه الحديث الكثير، وكان أحد المستملين عليه بجامع المنصور.
(2) ونقل السلفي في سؤالاته: ص 72 عن خميس الحوزي الحافظ، قال: كان أبو علي بن البرداني أحد الحفاظ الأئمة الذين يعلمون ما يقولون.(19/220)
أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَشَفَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السِّتْرَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوْبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟) ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤيَا الصَّالِحَة) ... ، وَذَكَرَ باقِي الحَدِيْثِ، وَهُوَ غَرِيْبٌ فَرْدٌ (1) .
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه كلهُم مِنْ حَدِيْثِ إِسْمَاعِيْل بن جَعْفَرٍ (2) ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
مَاتَ البَرَدَانِي: فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَبُوْهُ شَيْخ مُحَدِّث.
وَفِيْهَا مَاتَ: السُّلْطَانُ رُكْنُ الدَّوْلَةِ أَبُو المُظَفَّرِ بَرْكْيَا رُوْقُ (3) ابْن السُّلْطَان مَلِكْشَاه بنِ أَلب آرسلاَن السَّلجُوقِي شَابّاً لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَبَقِيَ فِي
__________
(1) الغريب الفرد: هو الذي انفرد به راو واحد، وإن تعددت الطرق إليه، وحكمه أنه إذا كان الراوي ثقة ضابطا كان الحديث صحيحا، وإن كان متوسطا في الضبط والحفظ، كان الحديث حسنا، وإن كان غير ضابط لما يرويه كان الحديث ضعيفا، والغالب على الحديث الغريب الضعف، ومنه الصحيح كالافراد المخرجة في " الصحيحين " أو أحدهما مثل حديث عمر " إنما الاعمال بالنيات "، وحديث أبي هريرة: " كلمتان حبيبتان إلى الرحمان، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم "، وحديث ابن عمر " نهى عن بيع الولاء وهبته "، وحديث أبي هريرة: " الايمان بضع وسبعون شعبة ".
(2) هذا وهم من المصنف رحمه الله، فقد أخرجه من طرق إسماعيل بن جعفر، مسلم (479) (208) في الصلاة: باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، والنسائي: 2 / 217، 218، في الافتتاح: باب الامر في الاجتهاد بالدعاء في السجود، وأما أبو داود وابن ماجة فلم يخرجاه من طريق إسماعيل بن جعفر، وإنما هو عندهما (876) و (3899) من طريق سفيان بن عيينة، عن سليمان بن سحيم، وكذلك أخرجه مسلم (479) (207) ، والنسائي: 2 / 189، 190، وأحمد 1 / 219.
ونص الحديث بتمامه عند مسلم: " يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عزوجل، فأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ".
(3) تقدمت ترجمته برقم (117) .(19/221)
المُلك اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ حُرُوْب تُشيِّب الأَطفَالَ، مَاتَ بِبَرُوْجِرْد.
وَفِيْهَا مَاتَ: صَاحِبُ مَاردين، وَجدُّ مُلُوْكهَا الملكُ سَقمَانُ بن أَرتُقَ التُّركمَانِيُّ (1) .
137 - الخَيَّاطُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُقْرِئُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ البَغْدَادِيّ، الخَيَّاط، الزَّاهِدُ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِ مائَة، فَلَو سَمِعَ فِي صِبَاهُ، لأَدْرَكَ أَصْحَاب القَاضِي المَحَامِلِيّ، وَلَوْ تَلاَ وَهُوَ حَدَثٌ، لِلْحقَ أَبَا الحَسَنِ بنَ الحمَامِي.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بن بِشْرَان، وَعبد الغَفَّار المُؤَدِّب، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن عُمَرَ بنِ الأَخْضَر، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ القَزْوِيْنِيّ.
وَتَلاَ عَلَى: أَبِي نَصْرٍ بن مَسْرُوْرٍ، وَغَيْرِهِ.
جَلس لِتعَلِيْم كِتَابِ اللهِ دَهْراً، وَتَلاَ عَلَيْهِ أُمم.
وَرَوَى عَنْهُ: سِبْطَاهُ؛ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ، وَالحُسَيْنُ بن نَاصرٍ،
__________
(1) وقد ألم به مرض الخوانيق الذي كان يعتريه دائما وهو ماض في طريقه لمحاربة الفرنج في طرابلس، ومنعهم من الوصول إلى دمشق، فأشار عليه أصحابه أن يعود إلى حصن كيفا فامتنع، وقال: بل أسير، فإن عوفيت تممت ما عزمت عليه، ولا يراني الله تثاقلت عن قتال الكفار خوفا من الموت، وإن أدركني أجلي، كنت شهيدا سائرا في جهاد، فساروا، فاعتقل لسانه يومين، ومات في صفر، وبقي ابنه إبراهيم في أصحابه، وجعل في تابوت، وحمل إلى حصن كيفا، وسترد ترجمته برقم (144) .
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 415، دول الإسلام: 2 / 28، العبر: 3 / 353، معرفة القراء: ص: 370، 371، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 153 - 154، البداية: 12 / 166، طبقات القراء: 2 / 74 - 75، شذرات الذهب: 3 / 406 - 407.(19/222)
وَالسِّلَفِيّ، وَخَطِيبُ المَوْصِلِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ البَاجِسْرَائِي (1) ، وَسَعدُ الله بنُ الدَّجَاجِي، وَعِدَّة.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: صَالِحٌ، ثِقَةٌ، عَابِدٌ، مُلَقِّنٌ، لَهُ وِردٌ بَيْنَ العِشَاءيْنِ بِسُبْعٍ (2) ، وَكَانَ صَاحِبَ كرَامَات.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَتْ لَهُ كرَامَات.
وَقَالَ آخر: كَانَ إِمَامَ مَسْجِدِ ابْنِ جَرْدَة بِالحرِيْم (3) ، لَقَّن العُمْيَان دَهْراً للهِ، وَكَانَ يَسْأَلُ لَهُم، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِم، بِحَيْثُ إِنَّ ابْنَ النَّجَّار نَقل فِي (تَارِيْخِهِ) أَنَّ أَبَا مَنْصُوْرٍ الخَيَّاط بلغَ عَدَدُ مَنْ أَقرَأَهُم مِنَ العُمْيَان سَبْعِيْنَ أَلْفاً، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ بِخَطِّ أَبِي نَصْرٍ اليُونَارتِي الحَافِظ.
قُلْتُ: هَذَا مُسْتحيلٌ، وَالظَّاهِر أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكتب نَفْساً، فَسَبَقَه القَلَمُ فَخَطَّ أَلْفاً (4) ، وَمَنْ لَقَّنَ القُرْآنَ لِسَبْعِيْنَ ضَرِيراً، فَقَدْ عَمِلَ خَيْراً كَثِيْراً.
وَنَقَلَ السِّلَفِيّ عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَيسرِ العُكْبَرِيِّ، قَالَ: لَمْ أَرَ أَكْثَرَ خلقاً مِنْ جَنَازَة أَبِي مَنْصُوْرٍ، رَآهَا يَهُوْديٌّ، فَاهْتَالَ (5) لَهَا وَأَسْلَمَ.
وَقَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ: مَا رَأَيْتُ مِثْل يَوْم صُلِّيَ عَلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ مِنْ كَثْرَة الْخلق.
__________
(1) نسبة إلى باجسرا: بليدة شرقي بغداد على عشرة فراسخ منها، قريبة من بعقوبا.
(2) أي أنه كان يقرأ بين العشائين سبعا كاملا من القرآن.
(3) أي بحريم دار الخلافة ببغداد.
(4) رد ابن الجزري في " الطبقات ": 2 / 74 نقد الذهبي لهذا الخبر بما ينهض حجة فراجعه.
(5) من الهول، وهو المخافة من الامر لا يدري ما يهجم عليه منه، والجمع أهوال، ويقال: هلته فاهتال: إذا أفزعته ففزع.(19/223)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: رُؤي بَعْد مَوْته، فَقَالَ: غَفَرَ اللهُ لِي بِتعليمِي الصِّبْيَان الفَاتِحَةَ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ بن الكُرَيْدِي بِدِمَشْقَ، وَأَبُو سَعْدٍ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بن أَبِي صَادِق الحِيْرِيّ، وَأَبُو الفوَارس عُمَرُ بنُ المُبَارَكِ الحُرْفِي المُحْتَسِبُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الوَاسِطِيُّ ابْنُ الجَمَّارِي (1) ، وَأَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بن الوَكِيْل المُقْرِئُ، وَأَبُو البَقَاءِ الحَبَّال.
138 - مُهَارشُ بنُ مُجَلِّي بنِ عُكيث أَبُو الحَارِثِ *
الأَمِيْرُ، أَبُو الحَارِثِ، مُجيرُ الدّين، مِنْ وُجُوه الْعَرَب (2) بِعَانَة وَالحَدِيْثَةِ (3) ، ذُو بِرٍّ وَصَدَقَاتٍ، وَصَلاَةٍ، وَخيرٍ، أَجَارَ القَائِمَ بِأَمرِ الله فِي فِتْنَة البسَاسيرِي (4) ، وَآوَاهُ إِلَيْهِ سَنَةً فِي ذِمَامِهِ إِلَى أَنْ عَادَ إِلَى
__________
(1) ضبطه ابن نقطة بضم الجيم وتشديد الميم، وبعد الالف راء مكسورة، وفي سؤالات السلفي لخميس الحوزي: ص 30، أنه حدث بمسند مسدد ووثقه.
(*) المنتظم: 9 / 148، الكامل لابن الأثير: 10 / 416، وفيات الأعيان: 5 / 269 في ترجمة المقلد بن المسيب، و1 / 193 في ذكر البساسيري، عيون التواريخ: 13 / 153، البداية: 12 / 166، النجوم الزاهرة: 5 / 193.
(2) من أمراء بني عقيل.
(3) عانة: على فراسخ من الانبار، وهي مشرفة على الفرات، وبقربها الحديثة وتعرف بحديثة الفرات، وحديثة النورة، وبها قلعة حصينة في وسط الفرات والماء يحيط بها.
(4) هو أرسلان بن عبد الله أبو الحارث البساسيري - نسبة إلى بلد بسا وهي بالعربية فسا وأهل فارس ينسبون إليها هكذا - تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (70) وهو مقدم الاتراك ببغداد، ويقال: إنه كان مملوك بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه، وكان الخليفة القائم بأمر الله قد قدمه على جميع الاتراك، وقلده الأمور بأسرها، وخطب له على منابر العراق وخوزستان، فعظم أمره، وهابته الملوك، ثم طغى وبغى وعتا وخرج على الامام القائم سنة 450 هـ، وخطب للمستنصر العبيدي =(19/224)
مَقَرِّ عِزِّه، فَكَانَ يَخدِمُ الخَلِيْفَةَ بِنَفْسِهِ.
وَلَهُ، وَكَتَبَ بِهَا إِلَى القَائِم:
لَوْلاَ الخَلِيْفَةِ ذُو الإِفْضَالِ وَالمِنَنِ ... نَجْلُ الخلاَئِف آل الْفَرْض وَالسُّنَنِ
مَا بِعْتُ قَوْمِي وَهُمْ خَيْرُ الأَنَامِ وَقَدْ ... أَصْبَحْتُ أَعْرِفُ بَغْدَاداً وَتَعْرِفُنِي
مَا يَسْتَحِقُّ سِوَايَ مِثْلَ مَنْزِلَتِي ... مَا دَامَ عَدْلُكَ هَذَا اليَوْم يُنْصِفُنِي
وَهِيَ طَوِيْلَة (1) .
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
139 - ابْنُ سِوارٍ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، مُقْرِئُ العصرِ، أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ سِوارٍ (2) البَغْدَادِيّ، المُقْرِئ، الضّرِيرُ، أَحَدُ الحُذَّاق.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقرَأَ بِالروَايَات عَلَى: عُتْبَة بن عَبْدِ
__________
= صاحب مصر، فراح القائم إلى الأمير مهارش بن المجلي العقيلي صاحب الحديثة وعانة، فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة، حتى جاء طغرلبك السلجوقي، وقاتل البساسيري وقتله، وعاد القائم بعد ذلك إلى بغداد وكان دخوله إليها في مثل اليوم الذي خرج منها وبينهما سنة كاملة، وكانت قتلة البساسيري يوم الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وأربع مئة، وطيف برأسه في بغداد، وصلب قبالة باب النوبي.
انظر " المنتظم " 8 / 190 وما بعدها، ووفيات الأعيان: 1 / 192، 193، والعبر: 3 / 225، والكامل في التاريخ: 9 / 640 - 650، والشذرات: 3 / 287، والوافي بالوفيات: 8 / 340، والبداية: 12 / 76 - 84.
(1) انظر عيون التواريخ: 13 / 77 / 1.
(*) المنتظم: 9 / 135، معجم الأدباء: 4 / 46 - 48، دول الإسلام: 2 / 26، العبر: 3 / 343، معرفة القراء: 1 / 362 - 363، الوافي بالوفيات: 7 / 204 - 205، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 119 - 120، البداية: 12 / 163، طبقات القراء: 1 / 86، النجوم الزاهرة: 5 / 187، شذرات الذهب: 3 / 403، تاج العروس: 3 / 284.
(2) سوار بكسر السين والتخفيف كما في الأصل، مشتبه المؤلف: 1 / 376، وضبط في معجم الأدباء: 4 / 46 خطأ بفتح السين وتشديد الواو.(19/225)
الْملك العُثْمَانِيّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ صَاحِب أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِي، وَعَبْدِ اللهِ بن مَكِّيٍّ السَّواق، وَأَبِي الفَتْحِ بن شِيطَا، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنَ مَسْرُوْرٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ الشَّرْمَقَانِي، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ العَطَّار، وَعَلِيِّ بن مُحَمَّدٍ الخَيَّاط، وَحَسَنِ بنِ غَالِبٍ الحَرْبِيِّ، وَفَرَجِ بنِ عُمَرَ الوَاسِطِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ: مُحَمَّد بن عبد الوَاحِد بن رِزْمَةَ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الحَرَّانِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، وَأَبِي القَاسِمِ التَّنُوخِيِّ، وَآخرِيْنَ.
قرَأَ عَلَيْهِ بِالسَّبْع وَغَيْرهَا: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَمُحَمَّد بن الْخضر المحَوَّلِي، وَذَكْوَانُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو الْكَرم الشَّهْرُزُورِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاط.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ المُقرَّبِ.
قَالَ ابْنُ سُكَّرَةَ: حَنَفِيٌّ، ثِقَةٌ، خَيِّرٌ، حَبَسَ نَفْسَه عَلَى الإِقْرَاء وَالتَّحْدِيْثِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ نَاصرٍ: ثِقَةٌ، نَبِيلٌ، مُتْقِنٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ ثِقَةً، أَمِيناً، مُقْرِئاً، حَسنَ الأَخْذ، ختم عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كِتَابَ اللهِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الكَثِيْرَ مِنَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ: سَمِعْتُ مِنْهُ مُعْظَمَ كِتَابِ (المُسْتَنِيْرِ (2)) لَهُ،
__________
(1) وسمع منه كتابه " المستنير ".
(2) في القراءات العشر، وانظر إسناد ابن الجزري في رواية هذا الكتاب عن المؤلف في النشر 1 / 82.(19/226)
وَلَهُ فَوتٌ مِنْ آخِرِهِ (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ ابْنُ سِوارٍ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِبَغْدَادَ، وَأَوَّلُ مَا تَلاَ كَانَ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
140 - الشَّعْبِيُّ أَبُو المُطرِّفِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ قَاسِمٍ *
شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو المُطَرِّفِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ قَاسِمٍ الشَّعْبِيُّ، المَالِقِيُّ، مُفْتِي بلدِهِ.
سَمِعَ مِنْ: قَاسم المَأْمُوْني بِالمَرِيَّة، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عِيْسَى المَالِقِي، وَلَهُ إِجَازَةٌ مَنْ يُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ بن شُعيث، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرهُ.
وَلِيَ قَضَاءَ بَلَده، ثُمَّ سجنه أَمِيْرُهَا تَمِيمٌ لأَمْرٍ بَلَغَه، فَلَمَّا اسْتولَى ابْنُ تَاشفِيْن، دعَاهُ لِلْقَضَاءِ فَأَبَى، وَأَشَارَ بِأَبِي مَرْوَانَ بنِ حَسُّوْنٍ، فَكَانَ أَبُو مَرْوَانَ لاَ يُبْرِمُ أَمراً دُوْنَهُ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَبَعُدَ صيتُه.
مَاتَ: فِي رَجَب، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ خَمْس وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
مَاتَ هُوَ وَابْن الطَّلاَّع (2) فِي جُمُعَة.
__________
(1) وذكره أبو بكر بن العربي في شيوخه، فقال: واقف على اللغة، مذاكر، ثقة، فاضل.
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي بين أيدينا.
(2) انظر عيون التواريخ: 13 / لوحة 126، والعبر: 3 / 349، وشذرات الذهب: 3 / 407.(19/227)
141 - السَّرَّاجُ أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، البَارعُ، المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخ، أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيّ، السَّرَّاج، القَارِئ، الأَدِيْب.
قَالَ: وُلِدَتُ فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ فِي أَوِّلِ الَّتِي تلِيهَا.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، ثُمَّ سَمِعَ بِنَفْسِهِ مِنْ أَحْمَد بن عَلِيٍّ التَّوَّزِي، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بن سَنبك، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَعُبَيْدِ الله بن عُمَرَ بنِ شَاهِيْنٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِ بنِ المُقْتَدِر، وَأَبِي طَالِبٍ الغَيْلاَنِي، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ التَّنُوخِي، وَأَبِي الفَتْحِ بن شِيطَا، وَعِدَّة بِبَغْدَادَ.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَافِظ أَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيِّ مُسَلْسَلَ الأَوَّليَّةِ (1) بِمَكَّةَ، وَمِنْ
__________
(*) المنتظم: 9 / 151 - 152، معجم الأدباء: 7 / 153 - 162، الكامل في التاريخ: 10 / 439، وفيات الأعيان: 1 / 357 - 358، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 355، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 93 - 95، الوافي بالوفيات: 11 / 92، 93، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 166 - 169، مرآة الزمان: 8 / 13، مرآة الجنان: 3 / 162، طبقات الاسنوي: 2 / 45 - 46، البداية: 12 / 168، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 100 - 103، النجوم الزاهرة: 5 / 194، بغية الوعاة: 1 / 485، كشف الظنون: 492، 957، شذرات الذهب: 3 / 411 - 412، بروكلمان: 1 / 594.
(1) وهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " فهذا الحديث رواه العلماء والحفاظ بالاسناد المتصل إلى سفيان بن عيينة، وكل شيخ في الإسناد يرويه عن من سبقه، ويقول: هو أول حديث سمعته منه، ثم بعد سفيان بن عيينة تقف سلسلة الاولية، فيرويه سفيان بدونها، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عمرو، قال الحافظ في " شرح النخبة ": ومن رواه مسلسلا إلى منتهاه فقد وهم.
وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.(19/228)
مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَرْدَسْتَانِيِّ.
وَبِمِصْرَ مِنَ: الشَّيْخ عَبْد العَزِيْزِ بن الحَسَنِ الضَّرَّاب، وَطَائِفَة.
وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَالخَطِيْب؛ وَخَرَّج لَهُ شَيْخُهُ الخَطِيْبُ خَمْسَةَ أَجزَاء مَشْهُوْرَةٍ سَمِعْنَاهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ ثَعْلَب، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْد الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصر، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَسَلْمَان الشَّحَّامُ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الخلّ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِي، وَأَبُو الفَضْلِ خطيبُ المَوْصِلِ، وَشُهْدَةُ بِنْت الإِبَرِي (1) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
كتب بِخطه الكَثِيْر، وَصَنَّفَ كِتَاب (مَصَارع العشَاق (2)) ، وَكِتَاب (حكم الصِّبْيَان) ، وَكِتَاب (مَنَاقِبِ الحَبَشِ) ، وَنظم الكَثِيْر فِي الفِقْه، وَفِي الموَاعِظ وَاللُّغَة، وَشِعرُه حُلْوٌ عذب فِي فُنُوْنِ القرِيض، انْتخب السِّلَفِيّ عَلَيْهِ مِنْ أُصُوْله ثَلاَثِيْنَ جُزْءاً.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَمِصْر، وَدِمَشْق، وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْخُهُ أَبُو إِسْحَاقَ الحَبَّال.
قَالَ شُجَاع الذُّهْلِيّ: كَانَ صَدُوْقاً، أَلَّف فِي فُنُوْنٍ شَتَّى.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي: هُوَ شَيْخ فَاضِل، جَمِيْلٌ وَسيم، مَشْهُوْر يَفْهَمُ، عِنْدَهُ لُغَة وَقِرَاءاتٌ، وَكَانَ الغَالِبُ عَلَيْهِ الشِّعْرُ، نَظمَ كِتَاب (التَّنبيه) لأَبِي إِسْحَاقَ (3) ، وَنظم منسِكاً.
__________
(1) وهي آخر من حدث عنه، قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 151: وآخر من حدث عنه شهدة بنت الابري، قرأت عليها كتابه المسمى بمصارع العشاق بحق سماعها منه.
(2) وجعله أجزاء، وكتب على كل جزء أبياتا من نظمه، فكان على الجزء الأول: هذا كتاب مصارع العشاق * صرعتهم أيدي نوى وفراق تصنيف من لذع الفراق فؤاده * وتطلب الراقي فعز الراقي
(3) هو إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة 472 هـ، تقدمت ترجمته في الثامن عشر =(19/229)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِي: ثِقَةٌ، عَالِمٌ، مُقْرِئٌ، لَهُ أَدَبٌ ظَاهِرٌ، وَاختصَاص بِأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ مِمَّنْ يُفتَخرُ برُؤْيَته وَروَايَاتِهِ لِديَانته وَدِرَايته، لَهُ تَوَالِيفُ مفِيدَة، وَفِي شُيُوْخه كَثْرَة، أَعلاَهُم ابْنُ شَاذَانَ.
وَقَالَ حَمَّادٌ الحَرَّانِيّ: سُئِلَ السِّلَفِيّ عَنِ السَّرَّاج، فَقَالَ: كَانَ عَالِماً بِالقِرَاءات، وَالنَّحْو، وَاللُّغَة، ثِقَةً، ثَبْتاً، كَثِيْرَ التَّصنِيف (1) .
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، عَالِماً فَهماً صَالِحاً، نَظم كُتباً كَثِيْرَة، مِنْهَا كِتَاب (المُبْتَدَأِ) لِوَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَكَانَ قَدِيماً يَسْتَملِي عَلَى الخَلاَّلِ وَالقَزْوِيْنِيِّ، مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسِ مائَة.
قَالَ السِّلَفِيّ: أَنشدنَا السَّرَّاجُ لِنَفْسِهِ:
للهِ دَرُّ عِصَابَةٍ ... يَسْعَوْنَ فِي طَلَبِ الفَوَائِدْ
يُدْعَوْنَ أَصْحَابَ الحَدِ ... يثِ بِهِمْ تَجَمَّلَتِ المَشَاهِدْ (2)
طَوْراً تَرَاهُمْ بِالصَّعِيـ ... ـدِ وَتَارَةً فِي ثَغْرِ آمِدْ
__________
= رقم (237) ، والتنبيه في فروع الفقه الشافعي، ولعلي بن عبد الرحمن بن داود بن الجراح فيه:
سقيا لمن ألف التنبيه مختصرا * ألفاظه الغر واستقصى معانيه
إن الامام أبا إسحاق صنفه * لله والدين لا للكبر والتيه
رأى علوما عن الافهام شاردة * فحازها ابن علي كلها فيه
(1) وقال ابن النجار فيما نقله ابن رجب في " الذيل ": 1 / 102: كتب بخطه الكثير، وكانت له معرفة بالحديث والأدب، وحدث بالكثير على استقامة وسداد ببغداد والشام ومصر، وسمع منه الأئمة الكبار والحفاظ، وكان متدينا حسن الطريقة مع ظرفه ولطف أخلاقه.
(2) تحرفت " تجملت " في " ذيل الطبقات ": 1 / 103 إلى " تجلت ".(19/230)
يَتَّبَّعُوْنَ مِنَ العُلُو ... مِ بِكُلِّ أَرْضٍ كُلَّ شَارِدْ
وَهُمُ النُّجُوْمُ المُقْتَدَى ... بِهِم إِلَى سُبُلِ المَقَاصِدْ (1)
142 - جَيَّاشٌ أَبُو فَاتِكٍ بنُ نَجَاحٍ الحَبَشِيُّ *
هُوَ صَاحِبُ اليَمَن وَأَبُو أَصْحَابه، الملكُ، أَبُو فَاتك جيَّاش بن نَجَاح الحَبَشِيّ، مَوْلَى حُسَيْن بن سَلاَمَةَ النُّوبِي مَوْلَى آلِ زِيَادٍ مُلُوْكِ اليَمَنِ.
كَانَ أَبُوْهُ قَدِ اسْتَولَى عَلَى اليَمَنِ، وَأَبَادَ أَضدَادَه، وَتَمَكَّنَ إِلَى أَنْ ظَهرَ الصُّلَيْحِي (2) ، وَتَمَلَّك وَمَكَر بنجَاح، فَسمَّه، فَهَرَبَ أَوْلاَدُه، وَلَحِقُوا بِالحَبَشَةِ، وَرَأسُهُم سَعِيْدُ بنُ نَجَاحٍ الأَحْوَل، وَتَكلَّمَ الكُهَّانُ بِأَنَّ هَذَا الأَحْوَلَ يَقتُلُ الصُّلَيحِيَّ، وَصُوِّرت لِلصُّلَيحِي صُوْرَةُ الأَحْوَلِ عَلَى جَمِيْعِ أَحْوَالِهِ، وَاسْتشعر مِنْهُ، فَترقَّت هِمتُهُ، وَجَاءَ مِنَ الحَبَشَة فِي خَمْسَة آلاَفِ حَرْبَةٍ،
__________
(1) ومن شعره وهو في مصارع العشاق: 1 / 103:
بان الخليط فأدمعي * وجدا عليهم تستهل
وحدا بهم حادي الفرا * ق عن المنازل فاستقلوا
قل للذين ترحلوا * عن ناظري والقلب حلوا
ودمي بلا جرم أتي * ت غداة بينهم استحلوا
ما ضرهم لو أنهلوا * من ماء وصلهم وعلوا
(*) تاريخ اليمن لعمارة: 295، طبقات فقهاء اليمن: 104، خريدة القصر: 3 / 223، المشتبه: 140، الوافي بالوفيات: 11 / 228، كشف الظنون: 1777، بلوغ المرام: 16 - 17، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 181.
(2) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الصليحي، رأس الدولة الصليحية، وأحد من ملكوا اليمن عنوة، صحب عامر بن عبد الله الرواحي أحد دعاة العبيديين، فمال إلى مذهبهم، ويقول المقريزي: إنه صار إماما فيه، وجعل يحج دليلا بالناس، ويتألف منهم من يتوسم فيه الاقبال عليه حتى كان له ستون نصيرا من مختلف القبائل، حالفوه بمكة في سنة 429، وتكاثر جمعه، فلم تكن سنة 455 هـ حتى ملك اليمن كله ... ثم قتله سعيد الاحول سنة 473 هـ بثأر أبيه تقدمت ترجمته في الثامن عشر رقم (173) .(19/231)
فَكَبَسَ الصُّلَيحِي بِالمهْجم مُخيَّمَه، فَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ أَخَاهُ، وَعِدَّةً، وَأَخَذَ خَزَائِنه، وَكَانَتْ عَظِيْمَة، وَجَمَعَ بَعْضَ آلِ الصُّلَيحِي، فَقَتَلَهُم رَمْياً بِالحرَاب، وَتَملَّك زَبِيْدَ، وَعلَّق الرَّأْس، فَقَالَ العُثْمَانِيُّ شَاعِر:
نَكِرَتْ مِظَلَّتُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَرُحْ ... إِلاَّ عَلَى المَلِكِ الأَجَلِّ سَعِيْدِهَا
مَا كَانَ أَقْبَحَ وَجْهَهُ فِي خَالِهَا ... مَا كَانَ أَحْسَنَ رَأْسَهُ فِي عُوْدِهَا
سُوْدُ الأَرَاقِمِ قَاتَلَتْ أُسْدَ الشَّرَى ... يَا رَحْمَتَا لأُسُودِهَا مِنْ سُوْدِهَا (1)
ثُمَّ بَعْدَ سَنَةٍ، حشد مُكَرَّمُ بنُ الصُّليحِي (2) ، وَأَقْبَلَ مِنْ صَنْعَاء، فَالْتَقَوْا، فَانْكَسَرَ السُّودَانُ، وَانْهَزَمَ الأَحْوَلُ، وَنَزَلُوا السُّفُنَ، وَاسْتَرَدَّ مكرَّم زَبِيْدٍ، وَخَلَّصَ أُمَّهُ، ثُمَّ فُلِجَ، فَفَوَّضَ الأُمُوْرَ إِلَى زَوجَتِهِ الحُرَّةِ سَيِّدِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى اللَّهْوِ مَعَ فَالِجِه إِلَى أَنْ هَلَكَ سَنَة (484) ، وَعهد بِالملك إِلَى ابْنِ عَمِّهِ السُّلْطَان سَبأِ بنِ أَحْمَدَ، وَكَانَ الحَرْب بَيْنَهُ وَبَيْنَ آل نَجَاح سِجَالاً، وَكَتَبَ خَلِيْفَةُ مِصْر إِلَى الحُرَّة: قَدْ زوَّجْتُكِ بِأَمِيْر الأُمَرَاء سَبَأ عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ سَبَأ (3) ، قَامت بِملكهَا، وَدبَّر دَوْلَتهَا المُفَضَّلُ، وَامتدت أَيَّامُ الحرّة خَمْسِيْنَ سَنَةً.
نعم، ثُمَّ تَوثَّبَ سَعِيْدٌ الأَحْوَل عَلَى صَنْعَاء، ثُمَّ هَلَكَ سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ، وَتَملَّك بَعْدَهُ أَخُوْهُ جَيَّاش، وَقَدْ تَنكَّر وَسَارَ مَعَ وَزِيْرِهِ قَسِيمِ الْملك إِلَى الهِنْد.
قَالَ جَيَّاش: دخلنَا الهِنْدَ سَنَة (481) ، فَأَقمنَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَرجعنَا،
__________
(1) الاراقم: جمع أرقم: الحية التي على ظهرها رقم، أي: نقش، وسود الاراقم: الحيات التي فيها سواد، وهي من أخبث الحيات، وأعظمها وأنكاها، وليس شيء من الحيات أجرأ منه.
(2) هو أحمد بن علي بن محمد الصليحي، المتوفى سنة 477 هـ، وله ذكر في ترجمة أبيه 18 / (137) .
(3) سنة 492 هـ.(19/232)
فَقَدِمَ إِنْسَان مِنْ سَرَنْدِيب يَتَكَلَّم عَلَى المُسْتَقْبِلاَت، فَسَأَلنَا عَنْ حَالِنَا، وَبشَّرنَا بِأُمُوْرٍ لَمْ تَخْرِم، وَاشْتَرَيتُ جَارِيَة هِنديَة، وَجِئنَا عَدَن، فَقُلْتُ لِوَزِيْرِي: امضِ إِلَى زَبِيْدٍ، فَأَشِعْ مَوْتِي، وَاكشِفِ الأُمُوْرَ، وَصعدت جِبْلَةَ (1) ، وَكشفتُ أَحْوَالَ المُكَرَّم، ثُمَّ أَتيتُ زَبِيْد، فَخبرنِي الوَزِيْرُ بِمَا يَسُرُّ عَنْ أَوليَائِنَا، وَأَنَّهُم كَثِيْرٌ، فَأَخَذتُ مِنْ لِحيَتِي، وَسَتَرتُ عَيْنِي بِخرقَة، وَطَوَّلت أَظفَارِي، وَقصدتُ دَارَ ابْن القُم الوَزِيْر فَأَسمَعُهُ يَقُوْلُ: لَوْ وَجَدْتُ كلباً مِنْ آلِ نَجَاح لَملَّكته، وَذَلِكَ لِشَرٍّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ شِهَابٍ رَفِيقِهِ، فَخَرَجَ وَلدُ ابْن القُم، فَقَالَ: يَا هنديُّ، تُحْسِنُ الشطْرَنْج؟
قُلْتُ: نَعم.
قَالَ: فَغَلَبتُهُ، فَثَارَ، وَكَانَ طَبَقَةَ أَهْلِ زَبِيْدٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ: مَا لَنَا مَنْ يَغْلِبُك إِلاَّ جَيَّاشٌ، وَقَدْ مَاتَ، ثُمَّ لَعِبتُ مَعَ الأَب، فَمَنَّعْتُ الدَّسْتَ، فَأَحَبَّنِي وَخَلَطَنِي بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ كُلَّ وَقتٍ: عجَّل الله عَلَيْنَا بكُم يَا آل نَجَاح، فَأَخَذْتُ أُكَاتِبُ الحُبُوشَ حَتَّى حصل حَوْلَ زَبيْد خَمْسَةُ آلاَف حَرْبَةً، وَأَمرتُ وَزِيْرِي، فَأَخَذَ لِي عَشْرَة آلاَف دِيْنَار مُودَعَة، فَأَنفقتُهَا فِيهِم، وَضرب وَلد ابْن القُم عَبداً لَهُ، فَنَالنِي طرفُ سَوْطه، فَقُلْتُ: أَنَا أَبُو الطَّامِي، فَقَالَ أَبُوْهُ: مَا اسْمُكَ؟
قُلْتُ: بَحرٌ.
قَالَ: كُنْيَة مُنَاسبَة.
وَقَالَ مرَّة لابْنِهِ: إِن غلبتُ الْهِنْدِيّ، أَوفدتُك بِارتِفَاعِ السّنَة عَلَى المُكَرَّم.
قَالَ: فَترَاخيتُ لَهُ، فَغلبنِي، فَطَاش فَرحاً، وَمَدَّ يَده إِلَى وَجْهِي، فَأَحْفَظنِي، وَقُمْت، فَعثرتُ، فَاعْتَزَيْتُ (2) ، وَقُلْتُ: أَنَا جيَاش بنُ نَجَاح،
__________
(1) بكسر الجيم وسكون الباء: مدينة باليمن تحت جبل صبر، وتسمى ذات النهرين، وهي من أحسن مدن اليمن وأنزهها وأطيبها.
(2) أي: انتسبت، يقال: عزا فلان نفسه إلى بني فلان يعزوها عزوا، وعزا واعتزى وتعزى كله: انتسب صدقا كان أو كذبا، وانتمى إليهم، وفي الحديث الصحيح المخرج في " المسند ": 5 / 136: " من تعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " أي: انتسب وانتمى، فقد كانوا في الجاهلية يقولون في الاستغاثة: يا لفلان، وينادي: أنا فلان ابن فلان ينتمي إلى أبيه وجده لشرفه وعزه ونحو ذلك، فمعنى الحديث: قبحوا عليه فعله، وقولوا: اعضض بهن أبيك، فإن من القبح مثل هذه الدعوى.(19/233)
فَفَهمهَا الأَبُ، فَوَثَبَ خَلْفِي حَافِياً، وَضَمَّنِي، وَأَخْرَج المُصْحَفَ، وَحَلَفَ لِي، وَحَلفتُ لَهُ، وَأَمرَ بِإِخلاَءِ دَارِ أَعزَّ بنِ الصُّليحِيِّ، وَحَمَلَ إِلَيْهَا الأَمتعَة، وَنُقِلَتْ إِلَيْهَا سُرِّيَّتِي، فَوَلَدَتْ لِوقتهَا وَلدي الفَاتك، وَضربت الطّبل، وَظهرنَا، فَأَسرنَا ابْنَ شِهَابٍ، فَقَالَ: مِثْلِي لاَ يَطلُبُ العَفْوَ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ.
قُلْتُ: وَمِثْلُكُ لاَ يُقْتَل.
ثُمَّ أَحْسَنَ إِلَيْهِ جَيَّاش، وَتسلَّم دَارَ الْملك، وَلَمْ يَمضِ شهرٌ حَتَّى ركب فِي عِشْرِيْنَ أَلْف حربَة، وَلَمْ يَقوَ بِهِ المكرَّم، وَلَمْ يَزَلْ مَالِكاً إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِ مائَة.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ عَنْ سِتَّة بَنِيْنَ، فَتملَّك ابْنُهُ الفَاتكُ، ثُمَّ حَارَبَه إِبْرَاهِيْمُ أَخُوْهُ، وَمَاتَ فَاتِكٌ سَنَة (53) ، فَملَّكت عبِيدُهُ وَلدَه المَنْصُوْر صَغِيراً، فَتَوَثَّبَ عبدُ الوَاحِد بنُ جيَاش، فَتملَّك زَبِيْد، وَهربت الخدمُ بِالصَّبيّ، وَجَرَتْ حُرُوْبٌ طَوِيْلَة، ثُمَّ تَمَكَّنَ الصَّبيُّ مُدَّةً، وَوَلِيَ بَعْدَهُ ابْنه فَاتكُ بنُ المَنْصُوْر، ثُمَّ تَملَّك ابْنُ عَمِّهِ، فَدَامت دَوْلَتُهُ إِلَى أَنْ قَتله عَبِيدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَاسْمُهُ فَاتكُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المَنْصُوْر، وَكَانَ هُوَ وَعَبِيَدُهُ لاَ بَأْسَ بَدَوْلَتِهِم، وَحكمُوا عَلَى شطر اليَمَن مَعَ بَقَايَا آل الصُّليحِي، وَمَعَ الشُّرفَاء الزَّيديَّة.
143 - صَاحِبُ مَاردِينَ سُقْمَانُ بنُ أُرْتُقَ بنِ أَكْسَبَ التركمَانِي *
الْملك سُقْمَانُ ابنُ الأَمِيْر الكَبِيْر أُرْتُقَ بنِ أَكْسَبَ (1) التُّركمَانِي
__________
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 389 - 392، العبر: 3 / 351 - 352، تتمة المختصر: 2 / 27 - 28، الوافي: 15 / 287، عيون التواريخ:، مرآة الزمان: 8 / 22 - 23، النجوم الزاهرة: 5 / 188، شذرات الذهب: 3 / 409، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 344.
(1) قال ابن خلكان: 1 / 191: وأكسب: بفتح الهمزة، وسكون الكاف، وفتح =(19/234)
أَخُو الْملك إِيلغَازِي.
وَلِيَا إِمْرَةَ القُدْسِ بَعْد أَبِيهِمَا (1) ، فَضَايَقَهُمَا ابْنُ بَدْرٍ أَمِيْرُ الجُيُوْش (2) ، وَأَخَذَهُ مِنْهُمَا قَبْلَ أَخْذِ الفِرَنْج لَهُ بِأَشهُرٍ، فَذَهَبَا وَاسْتَولَيَا عَلَى دِيَارِ بكرٍ (3) .
مَاتَ سُقْمَان: بِقُرْبِ طَرَابُلُس، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَمَاردين اليَوْم وَمِنْ قَبْل مَا زَالت فِي يَدِ ذُرِّيَّتِهِ.
قِيْلَ: إِنَّ ابْنَ عَمَّار (4) طَلَبه لِينجده عَلَى الفِرَنْج، وَإِن صَاحِبَ دِمَشْق مرض، وَهَمَّ بِتَسْلِيم دِمَشْق إِلَيْهِ، فَسَارَ إِلَيْهَا لِيَملِكَهَا، ثُمَّ يَغزُو الفِرَنْجَ، فَمَاتَ بِالخوَانِيقِ، وَنُقِلَ، فَدُفِنَ بِحصنِ كَيْفَا (5) .
144 - البَاقِلاَّنِيُّ أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُحَدِّثُ، أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
__________
= السين المهملة، وبعدها باء موحدة، وقيل: هو أكسك بالكاف بدل الباء، وقد رجح الثاني ابن خلدون، والعيني، وابن حجر.
(1) في سنة 484 هـ.
(2) هو أمير الجيوش المصرية الأفضل بن بدر الجمالي أبو القاسم، وهو الذي وطد دعائم الملك للآمر بأحكام الله العبيدي صاحب مصر.
توفي سنة 515 هـ، وقد تم استيلاؤه على القدس سنة 491 هـ، وسترد ترجمته برقم (294) .
(3) وفيات الأعيان: 1 / 191، ويعد سقمان هذا مؤسس أولى الامارات الارتقية في ديار بكر.
(4) هو فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس، سترد ترجمته برقم (196) .
(5) هي بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر.
(*) المنتظم: 9 / 153 - 154، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 356، عيون التواريخ: 13 / 195، النجوم الزاهرة: 5 / 195، شذرات الذهب: 3 / 412.(19/235)
الحَسَن بن خذَادَاذَا البَاقلاَنِي، البَقَّال، الفَامِي، البَغْدَادِيّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْن المَحَامِلِيّ، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَابْنُ نَاصرٍ، وَالسِّلَفِيّ، وَخَطِيبُ المَوْصِلِ، وَشُهْدَةُ، وَخَلْق.
أَثْنَى عَلَيْهِ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَقَالَ ابْنُ نَاصرٍ: كَانَ كَثِيْرَ البُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ (1) .
قُلْتُ: عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً أَوْ أَزيَدَ، وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة خَمْسِ مائَة، وَهُوَ أَخُو الشَّيْخ أَبِي طَاهِر أَحْمَد بن الحَسَنِ الكَرْخِيّ المَذْكُور.
145 - ابْنُ زَنْجُوَيْه أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَنْجَوَيْه الزَّنْجَانِي (2) ، الشَّافِعِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقَدِمَ بَغْدَاد شَابّاً، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَطَائِفَة.
فَسَمِعَ (مُسْنَد الإِمَام أَحْمَد) مِنَ الحُسَيْن الفلاَّكِي صَاحِب القَطِيْعِيّ، وَسَمِعَ (غَرِيْب
__________
(1) وقال ابن الجوزي في " المنتظم " 9 / 154: حدثنا عنه أشياخنا، وهو من بيت الحديث، وكان شيخا صالحا كثير البكاء من خشية الله تعالى، صبورا على إسماع الحديث.
(*) طبقات السبكي: 4 / 45 - 46، 6 / 47 - 48.
(2) نسبة إلى زنجان: بلدة على حد أذربيجان من بلاد الجبل قريبة من أبهر وقزوين.(19/236)
أَبِي عُبَيْدٍ) مِنِ ابْنِ هَارُوْنَ التَّغْلِبِيّ عَالِياً، وَقرَأَ لأَبِي عَمْرٍو (1) عَلَى ابْنِ الصَّقْر الكَاتِب (2) ، وَصَارَت الرِّحلَةُ إِلَيْهِ، وَمدَارُ الفَتْوَى بِبلده عَلَيْهِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَالِبٍ الدَّسْكَرِي، وَالعَلاَّمَة عَبْد القَاهِرِ بنِ طَاهِرٍ البَغْدَادِيِّ الأُصُوْلِيِّ، وَالحَسَن بن مَعْرُوف الزَّنْجَانِي صَاحِبِ ابْنِ المُقْرِئِ، سَمِعَ مِنْهُ (مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى) .
قَالَ شِيْرَوَيْه الحَافِظ: كَانَ فَقِيْهاً، مُتْقِناً، رحلتُ إِلَيْهِ بِابْنِي شهردَار، وَسَمِعنَا مِنْهُ بِزَنْجَان.
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَشُعْبَةُ بنُ أَبِي شُكْرٍ الأَصْبَهَانِيّ، وَابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ تلاَمذَة القَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، رَأَيْتُ لَهُ تَرْجَمَة مفردَة بِخَطِّ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ كتبهَا عَنِ السِّلَفِيّ، وَأَنَّهُ قرَأَ كِتَاب (الْمُرشد) عَلَى مُؤلفه أَبِي يَعْلَى بن السَّرَّاج (3) ، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِمَا فِيْهِ، وَأَنَّهُ كتب بِنَيْسَابُوْرَ (تَفْسِيْرَ إِسْمَاعِيْل بن أَحْمَدَ الضّرِير) عَنْهُ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْن بَاكُويه، ثُمَّ قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا أُفتِي مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقِيْلَ لِي عَنْهُ: إِنَّهُ لَمْ يُفْتِ خطَأً قَطُّ، وَأَهْلُ بَلَده يُبَالِغُون فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، الخَوَاصُّ وَالعَوَامُّ، وَيَذكرُوْنَ وَرَعَه، وَقِلَّةَ طَمعه.
__________
(1) هو زبان بن العلاء التميمي المازني البصري المتوفي سنة 154 هـ، إمام العربية الثقة، وأحد القراء السبعة مترجم في الجزء السادس رقم (167) .
(2) هو الحسن بن علي بن الصقر أبو محمد البغدادي الكاتب المتوفى سنة 429 هـ، شيخ عالي الرواية قرأ لأبي عمرو على زيد بن علي بن أبي هلال، وهو آخر من روى عنه، " معرفة القراء " رقم (332) .
(3) هو محمد بن الحسين بن عبيد الله بن عمر بن حمدون، أبو يعلى الصيرفي المعروف بابن السراج، قال الخطيب في " تاريخه ": 2 / 251: كتبت عنه، وكان ثقة، وهو أحد الحفاظ لحروف القرآن، ومذاهب القراء، وعلم النحو، يشار إليه في ذلك، وله مصنف في القراءات. توفي سنة 427 هـ.(19/237)
قُلْتُ: مَا ظفرتُ بِوَفَاتِهِ، لَكِنَّه حَدَّثَ فِي سَنَةِ خَمْس مائَة، وَانقطعَ خَبَرُهُ.
146 - ابْنُ أَبِي الصَّقْرِ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَنٍ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ أَبِي الصَّقرِ الوَاسِطِيّ، الكَاتِب، أَحَدُ الشُّعَرَاء.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الشَّافعيَّة، عَلَّقَ المَذْهَبَ بِالنِّظَامِيَة عَنِ الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، فَلَهُ عَنْهُ ثَلاَثُ تَعلِيقَاتٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ هَارُوْنَ القَطَّانِ، وَعِيْسَى بنِ خَلَفٍ الأَنْدَلُسِيّ، وَأَخَذَ الأَدبَ عَنْ أَبِي غَالِبٍ بنِ الخَالَةِ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الخَيْشِي النَّحْوِيّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَاد إِلَى بَلَده، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَاد، وَحَدَّثَ بِهَا.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَابْنُ الجوَالِيقِي، وَكَثِيْرُ بن سمَاليق، وَالسِّلَفِيّ.
وَقَالَ شُجَاع الذُّهْلِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَلَهُ شعر مَطْبُوع (1) .
__________
(*) سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي: 36، المنتظم: 9 / 145، خريدة القصر: 4 / 1 / 315، معجم الأدباء: 18 / 257 - 260، الكامل: 10 / 396 - 397، وفيات الأعيان: 4 / 450 - 452، تتمة المختصر: 2 / 28، الوافي بالوفيات: 4 / 142 - 143، عيون التواريخ: 13 / 127 - 135، مرآة الزمان: 8 / 9 - 10، طبقات السبكي: 4 / 191 - 192، طبقات الاسنوي: 2 / 140 - 142، البداية والنهاية: 12 / 165، النجوم الزاهرة: 5 / 191، كشف الظنون: 818.
(1) قال ابن خلكان في " الوفيات ": 4 / 450: ورأيت له بدمشق ديوان شعر في الخزانة الأشرفية التي في الجامع المشهور في تربته شمال الكلاسه التي هي زيادة في الجامع الكبير، والديوان في مجلد واحد.
ومن شعره: من قال لي جاه ولي حشمة * ولي قبول عند مولانا =(19/238)
وَقَالَ الحَوزِي أَبُو الْكَرم: كَانَ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ وَلَدِ الوَزِيْر أَبِي الصَّقر إِسْمَاعِيْل بن بُلبل.
قَالَ أَبُو الْكَرم: وَلَمَّا وَقعت الفِتْنَة بَيْنَ الحنَابلَة وَالأَشْعَرِيِّيْنَ، كَانَ قَائِماً وَقَاعِداً فِيْهَا، وَعَمِلَ فِي ذَلِكَ أَشعَاراً (1) ، وَبلغ التِّسْعِيْنَ إِلاَّ شهوراً.
مَاتَ: بِوَاسِطَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (2) .
147 - الدُّونِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمد بنِ الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، الصَّادِقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمْدِ بن الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدُّونِي، الصُّوْفِيّ، مِنْ قَرْيَة الدُّوْنِ: مِنْ أَعْمَالِ هَمَذَان، عَلَى عَشْرَة فَرَاسخ مِنْهَا، مِمَّا يَلِي مدينَة الدِّينَوَر.
كَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى كِتَاب (المُجْتَبَى) مِنْ (سُنَن النَّسَائِيّ) ، وَغَيْر ذَلِكَ عَنِ القَاضِي أَبِي نَصْرٍ أَحْمَد بن الحُسَيْنِ الكسَار صَاحِبِ ابْن السُّنِّي.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَابْنُهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ الحَسَنُ بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيّ صَاحِبُ الأَرْبَعِيْنَ، وَسَعْدُ الخَيْر الأَنْدَلُسِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بنيمَان، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بن إِسْمَاعِيْلَ القُوْمَسَانِيُّ، وَابْنُ عَمِّهِ المُطَهَّر بنُ عَبْدِ
__________
= ولم يعد ذاك بنفع على * صديقه لا كان من كانا
وله في اعتذاره عن ترك القيام لاصدقائه:
علة سميت ثمانين عاما * منعتني للاصدقاء القياما
فإذا عمروا تمهد عذري * عندهم بالذي ذكرت وقاما
(1) قال ابن خلكان: وكان شديد التعصب للطائفة الشافعية، وظهر ذلك في قصائده المعروفة بالشافعية.
(2) انظر سؤالات السلفي: ص: 36.
(*) معجم البلدان: 2 / 490، اللباب: 1 / 517، تاريخ الإسلام: 4 / 165، دول الإسلام: 2 / 30، العبر: 4 / 2، عيون التواريخ: 13 / 233، النجوم الزاهرة: 5 / 197، شذرات الذهب: 4 / 3.(19/239)
الكَرِيْمِ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ الخِرَقِي، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ يَنَالَ التّرْك، وَآخَرُوْنَ.
قرَأَ عَلَيْهِ السِّلَفِيّ فِي سَنَةِ خَمْس مائَة بِالدُّوْنِ كِتَاب النَّسَائِيّ، وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ اقْتَدَى فِي التَّصَوُّف بِأَبِيْهِ، وَأَبُوْهُ اقْتَدَى بجدِّه، وَهُوَ اقْتَدَى بِحُسَيْن بن عَلِيٍّ الدُّونِي، وَهُوَ اقْتَدَى بِمُحَمَّدِ بنِ عبدِ الخَالِق الدِّيْنَوَرِيّ صَاحِب ممشَاذ الدِّيْنَوَرِيّ، وَممشَاذ بِالشَّيْخ أَبِي سِنَانٍ، فَقِيْلَ: إِنَّ هَذَا اقْتَدَى بِأَبِي تُرَاب النَّخْشَبِي.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: قَالَ ابْنُهُ أَبُو سَعْدٍ لِي: لوَالِدي خَمْسُوْنَ سَنَةً مَا أَفطر النَّهَارَ.
قَالَ شِيْرَوَيْه: كَانَ صَدُوْقاً مُتَعَبِّداً، سَمِعْتُ مِنْهُ (السُّنَن) ، وَ (رِيَاضَة المُتَعَبِّدين) .
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ سُفْيَانِيَّ المَذْهَبِ (1) ، ثِقَةً.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: سَمَاعُهُ لِلسُّنَنِ فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، مَاتَ فِي رَجَب، سَنَة إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
قُلْتُ: ذهب إِلَى أَصْبَهَانَ، فَحَدَّثَ بِهَا بِالكِتَابِ.
148 - ابْنُ خُشَيْشٍ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
__________
(1) أي يتقلد رأي سفيان الثوري في الفروع.
(*) المنتظم: 9 / 160 - 161، تاريخ الإسلام: 4 / 168، العبر: 4 / 5، شذرات الذهب: 4 / 5.(19/240)
الكَرِيْمِ بنِ خُشَيْشٍ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ مَخْلَدٍ البَزَّاز، وَسَمَاعُهُ صَحِيْح، وَهُوَ مِنْ رُوَاة (جُزءِ ابْن عَرَفَةَ) .
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَالكَاتِبَة شُهْدَة، وَأَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي عَاشر ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (1) -.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو الفوَارس حُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الخَازن صَاحِب الْخط الْبَدِيع، وَأَبُو أَحْمَدَ حَمْدُ بن عَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ يَحَنَّه الأَصْبَهَانِيّ المُعَبِّر، وَالعَلاَّمَة أَبُو المَحَاسِنِ الرُّويَانِي (2) ، قَتَلَتْهُ الإِسْمَاعِيْلِيَّةُ، وَأَبُو القَاسِمِ الربعِي (3) ، وَهِبَةُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المَوْصِلِيّ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، وَالعَلاَّمَة أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بن عَلِيٍّ التِّبرِيزِي اللُّغَوِيّ (4) .
149 - ابْنُ سُوْسَن أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّر بن حُسَيْنِ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّر بن حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سُوْسَنَ التَّمَّارُ.
__________
(1) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 161: وروى عنه أشياخنا، وكان ثقة خيرا، صحيح السماع، وتوفي في ذي القعدة، ودفن بدار حرب، وفي تاريخ المؤلف: وكان شيخا صالحا صحيح السماع.
(2) سترد ترجمته برقم (162) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (115) .
(4) سترد ترجمته برقم (170) .
(*) المنتظم: 9 / 164، تاريخ الإسلام: 4 / 169، العبر: 4 / 6، عيون
التواريخ: 13 / 255، لسان الميزان: 1 / 311، شذرات الذهب: 4 / 7.(19/241)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي القَاسِمِ الحُرْفِي (1) ، وَعَبْدِ المَلِكِ بن بِشْرَان.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ شَاكِرٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الأَنْمَاطِيّ: شَيْخٌ مُقَارِبٌ (2) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ يُلْحِقُ سَمَاعَاتِهِ فِي الأَجزَاء.
قَالَهُ شُجَاع الذُّهْلِيّ (3) .
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ اثنتَان وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
150 - ابْنُ العَلاَّفِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
المَوْلَى الجَلِيْل، الحَاجِبُ الثِّقَةُ، مُسْنِدُ العِرَاق، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابنُ المُقْرِئِ أَبِي طَاهِر مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بن يَعْقُوْبَ البَغْدَادِيّ، ابْنُ العَلاَّف، مِنْ بَيْت الرِّوَايَة وَالعِلْم، وَمِنْ حُجَّاب الخِلاَفَة.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِ مائَة فِي
__________
(1) تصحف في " لسان الميزان ": 1 / 311 إلى الخرقي.
(2) قال السخاوي في شرح الالفية: ص 158 و163: هو من القرب ضد البعد، وهو بكسر الراء، ومنعاه: أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات، وبفتح الراء أيضا، أي: حديثه يقاربه حديث غيره فهو بالكسر والفتح معناه واحد، وهو أن حديثه وسط لا ينتهي إلى درجة السقوط ولا الجلالة، وهو نوع مدح، وقال ابن رشيد: أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر.
(3) في " المنتظم " 9 / 164: قال شجاع بن فارس الذهلي: كان ضعيفا جدا، قيل له: بماذا ضعفتموه؟ قال: بأشياء ظهرت منه دلت على ضعفه منها أنه كان يلحق سماعاته في الاجزاء.
(*) المنتظم: 9 / 168، تاريخ الإسلام: 4 / 173، العبر: 4 / 9 - 10، عيون التواريخ: 13 / 271، شذرات الذهب: 4 / 10.(19/242)
المُحرَّم، وَسَمِعْتُ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَوعظَ أَبِي سَبْعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ الحمَامِي، وَعَبْد الْملك بن بِشْرَان، وَكَانَ حَميْدَ الطّرِيقَة، صَدُوْقاً، ضَاع سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ وَأَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوسفِي، وَقَيْسُ بن مُحَمَّدٍ السَّويقِي، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ خُضير، وَالمُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ الخَيَّاط، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ البَقَّال، وَعَبْدُ اللهِ بن مَنْصُوْرٍ المَوْصِلِيّ، وَوجيهُ بنُ هِبَةِ اللهِ السَّقَطِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ العَلَوِيّ النَّقيب، وَعَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ النَّرْسِيّ، وَخمرتَاش مَوْلَى ابْنِ المُسلِمَة، وَعَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ حَمتيس السَّرَّاج، وَأَبُو السَّعَادَاتِ نَصْرُ اللهِ القَزَّاز، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
مَاتَ: فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم، سَنَة خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، وَقَدِ اسْتكمل تِسْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: المُحَدِّثُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ الآبَنُوْسِي (1) ، وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَيْدَرَة بن مفوّز الشَّاطبِي (2) ، وَشيخُ الفُقَهَاءِ بِسَبْتَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيُّ (3) ، وَحُجَّةُ الإِسْلاَمِ أَبُو حَامِدٍ الغزَالِيُّ (4) ، وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ التَّانِي (5) سرفوتج مِنْ أَصْحَابِ أَبِي نُعَيْمٍ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (176) .
(2) سترد ترجمته برقم (243) .
(3) سترد ترجمته برقم (166) .
(4) سترد ترجمته برقم (204) .
(5) سترد ترجمته برقم (198) .(19/243)
151 - السَّنْجَبَسْتِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ *
القَاضِي، الإِمَام، الفَرَضِيّ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بن حَمْدُوْنَ الخُرَاسَانِيّ، السَّنْجَبَسْتِي (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَع مائَة تَقَرِيْباً أَوْ جزماً.
وَسَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ أَحْمَد بن الحَسَنِ الحِيْرِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبَا عَلِيٍّ البَلْخِيّ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَأَلحقَ الأَحفَادَ بِالأَجدَادِ، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ حِشْمَةٍ وَجَلاَلَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو شُجَاعٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ البِسْطَامِي، وَمُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنٍ الوَاعِظُ، وَأَبُو الفُتُوْحِ الطَّائِيّ، وَعِدَّة.
وَثَّقَهُ: عَبْدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَقْدَمُ مِنْ قَرْيَته، وَيُحَدِّث بِنَيْسَابُوْرَ، وَهِيَ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ نَيْسَابُوْر.
تُوُفِّيَ: بِسَنْجَبَسْتَ، فِي صَفَرٍ، سَنَة سِتٍّ وَخَمْس مائَة، وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ القَارِئ العَدْل (2) ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بن أَحْمَدَ الشَّقَّانِي (3) النَّيْسَابُوْرِيّ، وَالفَضْل بن
__________
(*) الأنساب: 7 / 162، المنتخب: الورقة: 42 أ - 42 ب، اللباب: 2 / 146، تاريخ الإسلام: 4 / 178، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، شذرات الذهب: 4 / 14.
(1) بفتح السين، وسكون النون، وفتح الجيم والباء: نسبة إلى سنجبست: منزل معروف بين نيسابور وسرخس.
(2) سترد ترجمته برقم (172) .
(3) المشهور ضبط الشين بالفتح، والصحيح كسرها، فقد نقل صاحب " الأنساب " =(19/244)
مُحَمَّد بن عُبَيْدِ القُشَيْرِيّ (1) ، وَالوَاعِظ أَبُو سَعْدٍ المُعَمَّر بن عَلِيِّ بنِ أَبِي عِمَامَة الحَنْبَلِيّ (2) ، وَقَاضِي دِمَشْق أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى التركِي البَلاَسَاغُونِيُّ (3) الحَنَفِيّ.
152 - الجُمَّارِي أَبُو نُعَيْمٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ *
الوَاسِطِيّ، رَاوِي (مُسْنَد مُسَدَّد (4)) عَنْ أَحْمَدَ بنِ المُظَفَّرِ العَطَّارِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ نَغوبَا، وَأَبُو طَالِبٍ الكتَانِي المُحْتَسِب، وَهِبَةُ اللهِ ابْن الجَلَخْتِ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: المُحَدِّثُ خَمِيْس (5) .
__________
= عن صاحبه أبي بكر البروجردي أنه سمع الامام محمدا الشقاني يقول: بلدنا شقان بكسر الشين، ثم قال: ثم جبلان، وفي كل واحد منهما شق يخرج منه ماء الناحية، فقيل لها: الشقان، وسترد ترجمته برقم (178) .
(1) سترد ترجمته برقم (184) .
(2) سترد ترجمته برقم (260) .
(3) نسبة إلى بلاساغون: بلدة من ثغور الترك وراء نهر سيحون قريبة من كاشغر، وأبو عبد الله هذا تفقه ببغداد على القاضي أبي عبد الله الدامغاني، وقرأ عليه فقه أبي حنيفة، ثم خرج
إلى الشام، وولي القضاء بدمشق، ولم تحمد سيرته في ولايته، وقال ابن عساكر: سمعت الحسين بن قبيس يذمه، ويذكر أنه كان يقول: لو كان لي أمر لاخذت من الشافعية الجزية، وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة سنة ست وخمس مئة. " الأنساب ": 2 / 352، و" ميزان الاعتدال ": 4 / 51، 52، والوافي بالوفيات: 5 / 87، 88، والجواهر المضية: 2 / 135، ومرآة الزمان: ص: 44، ومعجم البلدان: بلاساغون.
(*) سؤالات السلفي: 30 - 31، الاستدراك: 103 ب، التبصير: 1 / 346.
(4) ابن مسرهد الأسدي البصري الحافظ المتوفي سنة 228 هـ، ومسنده لم يطبع، وقد أدرج الحافظ ابن حجر زوائده في " المطالب العالية "، وهو مطبوع بتحقيق المحدث الشيخ حبيب الرحمان الاعظمي سنة 1393 في الكويت بعناية وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية.
(5) الحوزي في سؤالات السلفي له ص: 31.(19/245)
تُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْس مائَة، فَإِنَّهُ حَدَّثَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
153 - الشِّيرَوِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، العَابِدُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ العصرِ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الغَفَّارِ بن مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ شِيْرَوَيْه بن عَلِيٍّ الشِّيروِي، النَّيْسَابُوْرِيّ، التَّاجِر.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَسَمِعَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّة أَعْوَام مِنَ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَهُوَ خَاتِمَة أَصْحَابِهِمَا، وَعَبدِ القَاهِر بنِ طَاهِرٍ الأُصُوْلِي، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَالقُدْوَةُ فَضلُ اللهِ بنُ أَبِي الخَيْرِ المِيْهَنِيُّ (1) ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَوَلَدُهُ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ حُضُوْراً، وَأَبُو الفُتُوح الطَّائِيّ، وَعبدُ الرَّحِيْم الحَاجِي، وَعبدُ المُنْعِم بن عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِي، وَخَلْقٌ.
وَبِالإِجَازَة: ذَاكرُ بن كَامِلٍ الخَفَّاف، وَأَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي (الأَنسَابِ (2)) :كَانَ شَيْخاً صَالِحاً عَابِداً مُعَمَّراً،
__________
(*) السياق: الورقة: 57 ب، التحبير: 1 / 464 - 468، الأنساب 30 / 307، 7 / 466، 467، معجم البلدان: 2 / 165، المنتخب: الورقة / 106 ب - 107 ب، التقييد: الورقة / 161 ب - 162 أ، تاريخ الإسلام: 4 / 197، دول الإسلام: 2 / 37، العبر: 4 / 20، عيون التواريخ: 13 / 333، مرآة الجنان: 3 / 199، النجوم الزاهرة: 5 / 213، شذرات الذهب: 4 / 27.
(1) بكسر الميم وسكون الياء وفتح الهاء: نسبة إلى ميهنة، مدينة بين سرخس وأبيورد.
(2) 7 / 466.(19/246)
رُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ البِلاَدِ، وَقَدِ ارْتَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيْذَةَ، وَأَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، حَضَّرنِي أَبِي مَجْلِسَه (1) ، وَكَانَ وَالِدُهُ يَرْوِي عَنْ أَبِي طَاهِر المُخَلِّص.
قُلْتُ: وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَمِنْ أَبِي حَسَّانٍ المُزَكِّي، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ النَّحْوِيّ، وَأَجَازَ لِمَنْ أَدْرَكَ حيَاته، وَهُوَ مِنْ قَرْيَة كُونَابَذ، وَعُرِّبَتْ فَقِيْلَ لَهَا: جُنَابَذ، وَهِيَ مِنْ قُهُسْتَان نَاحِيَة كَبِيْرَة مِنْ أَعْمَالِ نَيْسَابُوْر، وَكَانَ يَتَّجِرُ إِلَى البِلاَد مُضَاربَةً، ثُمَّ كَبِرَ وَانقطَعَ لِتَسمِيْعِ الحَدِيْث، وَكَانَ مُكْثِراً، أَلحقَ الأَحفَادَ بِالأَجدَادِ، وَبَعُدَ صِيتُه، وَسَمِعَ مِنْهُ مَنْ دَبَّ وَدَرَجَ، وَلَمْ تَتَغَيَّرْ حَوَاسُّه، بَلْ ضَعُفَ بَصَرُهُ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ بَاكُويه (2) .
قَالَ الفَضْلُ بنُ عبد الوَاحِد الأَصْبَهَانِيّ: سَمِعْتُ الرَّئِيْسَ الثَّقَفِيّ يَقُوْلُ: لاَ جَاءَ الله مِنْ خُرَاسَان بِأَحدٍ إِلاَّ بِأَبِي بَكْرٍ الشِّيرَوِي، فَإِنَّهُ أَخْيَرُهُم، وَأَنْفَعُهُم.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْر، وَلِي ثَلاَثُ سِنِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْهُ
__________
(1) وقال في التحبير: 1 / 446: وسمعنا منه الكثير، وكنت أبن ثلاث سنين ونصف، وأكثر التسميعات مثبتة بخط والدي رحمه الله، كان يكتب في السماع عنه اسم نفسه، ثم يقول: وحضر ابنه أبو المظفر عبد الوهاب يعني أخي، وأحضر أخوه أبو سعد عبد الكريم، وكان بيني وبين أخي عشرون شهرا ...
(2) في " التحبير ": 1 / 464: شيخ معمر سديد، نبيل، صالح، ثقة، عفيف، من بيت الصلاح والحديث والتجارة والعفاف والسداد، وكان من جملة ثقات التجار وأمناء الرجال، زجى عمره فيه، وكان يخرج ويحمل معه بضائع الناس، ويحسن القيام بها لامانته، ويرزق عليها الارباح إلى أن عجز عن الخروج إلى السفر، فلزم بيته، واشتغل برواية الحديث، وخرج له الفوائد، وبورك له فيه حتى روى الحديث، وحدث نحو أربعين سنة، وسمع منه كل من دب ودرج، ودخل نيسابور وخرج، وألحق الاحفاد والاجداد في إسناد الأصم ...(19/247)
أَخِي فِي الخَامِسَة، فَمِنْ ذَلِكَ (جزءُ ابْن عُيَيْنَةَ) ، وَخَمْسَة أَجزَاء مِنْ (مُسْنَد الشَّافِعِيّ (1)) .
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة، وَقَدِ اسْتكملَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
154 - القَزْوِيْنِيّ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ الجَلِيْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الجَوَّالُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو إِبْرَاهِيْمَ الجَلِيْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بن عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيّ، القَزْوِيْنِيّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي يَعْلَى الخَلِيْلِي، وَطَائِفَة بقَزْوِيْن، وَمِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ الطَفَّال بِمِصْرَ، وَمِنَ الحُسَيْنِ بنِ جَابِرٍ القَاضِي بِتِنِّيسَ، وَمِنْ أَبِي العَلاَءِ بنِ سُلَيْمَانَ بِالمَعَرَّةِ، سَمِعْنَا مِنْ طرِيقه نُسخَةَ فُلَيْح.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَقَالَ: ثِقَةٌ مِنْ بَيْت الحَدِيْث، رَحَلَ إِلَى الحِجَازِ، وَالعِرَاق، وَمِصْرَ، وَخُرَاسَان، وَالشَّام.
رَوَى عَنْ قَوْم مَا حَدَّثَنَا عَنْهُم سِوَاهُ، وَهُوَ، وَأَبُوْهُ، وَجدُّه عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ، وَجَدُّ أَبِيْهِ، وَجَدُّ جَدِّه؛ مُحَدِّثُونَ.
قُلْتُ: وَذَكَرَهُ ابْنُ النَّجَّارِ، وَمَا أَرَّخ مَوْتَه، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَخَمْسِ مائَة.
155 - الفَامِيّ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ **
الإِمَامُ، المُفْتِي، مُدَرِّسُ النِّظَامِيَة، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) في " التحبير ": 1 / 467: خمسة أجزاء من ثمانية أجزاء: ولم يكن هذا القدر مسموعا لشيخنا أبي بكر الشيروي، فاته جزءان من أول الكتاب، وجزء واحد من آخر الكتاب بروايته عن المجيري، عن الأصم، عن الربيع، عنه.
(*) لم نقف على ترجمة له من المصادر المتوفرة بين أيدينا.
(* *) المنتظم: 9 / 152، الكامل لابن الأثير: 10 / 439، ذيل ابن النجار: =(19/248)
عَبْد الوَهَّابِ بن مُحَمَّدِ بنِ عبد الوَاحِد الفَارِسِيّ، الفَامِي، الشِّيرَازِي، الشَّافِعِيّ.
قَدِمَ بَغْدَاد مدرساً مِنْ جِهَةِ نِظَامِ المُلك سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ مُشَارِكاً فِيْهَا لِلْحُسَيْنِ بن مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيّ، فَكَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يُدَرِّس يَوْماً، ثُمَّ عُزِلا بَعْدَ سَنَةٍ.
أَملَى عَنِ: المُحَدِّثِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ اللَّيْثِ، وَعبدِ الوَاحِد بن يُوْسُفَ القَزَّاز، وَعَلِيّ بن بُنْدَارَ الحَنَفِيّ، وَأَبِي زُرْعَةَ أَحْمَد بن يَحْيَى الخَطِيْب، وَالحَسَن بن مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ بنِ كرَامَة الشِّيرَازِيِّينَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَابْنُ نَاصر.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ النَّحْوِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ نَاصر، حَدَّثَنَا الإِمَامُ جَمَالُ الإِسْلاَمِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ عُرِفَ بِالفَامِيِّ، أَخْبَرَنَا عبدُ الوَاحِد بن يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا عُبيدُ الله بن مُحَمَّدِ بنِ بَيَانٍ الحَافِظ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّد بن سَعِيْدٍ الرَّقِّيّ بِهَا ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَةَ: عَبْدُ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الفَامِي مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافعيَّة وَكِبَارِهِم، سَمِعْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ سَبْعِيْنَ تَأْلِيفاً، وَلِي (التَّفْسِيْرُ) ضمنتُهُ مائَةَ أَلْفِ بَيْتٍ شَاهِداً، أَملَى وَحُفِظَ عَلَيْهِ تَصحِيفٌ شَنِيعٌ، فَأُجْلِبَ عَلَيْهِ، وَطُولِبَ، وَرُمِيَ بِالاعتزَالِ حَتَّى فَرَّ بِنَفْسِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ ثَابِتٍ الطَّرْقِي (1) :سَمِعْتُ جَمَاعَةً: أَن عَبْد الوَهَّابِ أَملَى
__________
= 1 / 390 - 399، ميزان الاعتدال: 2 / 683، 684، عيون التواريخ: 13 / 176 - 177، طبقات السبكي: 5 / 229 - 230، طبقات الاسنوي: 2 / 273 - 274، البداية والنهاية: 12 / 168 - 169، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 42 أ، شذرات الذهب: 3 / 413.
(1) بفتح الطاء وسكون الراء وفي آخرها قاف: نسبة إلى قرية كبيرة في بلاد أصبهان.(19/249)
عَلَيْهِم بِبَغْدَادَ: (صَلاَةٌ فِي أَثَرِ صَلاَةٍ كِتَابٌ فِي عِلِّيينَ) ، فَصَحَّفهَا (كَنَارٍ فِي غَلَس) ، فَكَلَّمُوْهُ، فَقَالَ: النَّار فِي الْغَلَس تَكُوْنُ أَضوَأَ.
قَالَ الطَّرْقِي: وَسَأَلَهُ صَدِيْقٌ لِي: هَلْ سَمِعْتَ (جَامِع أَبِي عِيْسَى) ؟
فَقَالَ: مَا الجَامِعُ؟ وَمَنْ أَبُو عِيْسَى؟
ثُمَّ سَمِعتُهُ بَعْدُ يَعُدُّه فِي مَسْمُوْعَاتِه.
وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُمْلِي بِجَامِع القَصْرِ، قُلْتُ لَهُ: لَوِ اسْتَعنتَ بحَافظ؟
فَقَالَ: إِنَّمَا يَفعلُ ذَا مَنْ قَلَّتْ مَعْرِفَتُهُ، وَأَنَا، فَحفظِي يُغنِينِي، فَامْتُحِنْتُ بِالاستملاَءِ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتهُ يُسْقِطُ مِنَ الإِسْنَاد رَجُلاً، وَيَزِيْد رَجُلاً، وَيَجعل الرَّجُل اثْنَيْنِ، فَرَأَيْتُ فَضيحَةً، فَمِنْ ذَلِكَ: الحَسَنُ بن سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، فَأَمسك الجَمَاعَةُ، وَنظرَ إِلَيَّ وَتَكَلَّمُوا، فَقُلْتُ: قَدْ سقط إِمَّا مُحَمَّدُ بنُ مِنْهَالٍ، أَوْ أُمَيَّة بنُ بِسْطَامَ (2) ، فَقَالَ: اكتُبُوا كَمَا فِي أَصْلِي، وَجَاءَ: أَخْبَرَنَا سَهْل بن بَحْر، أَنَا سَأَلتُهُ، فَصَحَّفَهَا، فَقَالَ: أَنَا سَالِبَةُ، وَقَالَ: سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْعَثي، فَقَالَ: وَالأَشْعَثي، جَعَلَ وَاو (عَمْرو) لِلْعطف، فَرددتُهُ، فَأَبَى، فَقُلْتُ: فَمَنِ الأَشْعَثيُّ؟
قَالَ: فُضُولٌ مِنْكَ، وَجَاءَ وَرْقَاءُ بن قَيْسِ بن الرَّبِيْعِ، فَقُلْتُ: هُوَ (عَنْ) بَدَلَ (ابْن) وَقَالَ: فِي حَدِيْث حُمَيْلِ بنِ بَصْرَةَ: لقيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَجِيْءُ مِنَ الطُّورِ (3) ، فَقَالَ:
__________
(1) حديث حسن أخرجه أبو داود (558) في الصلاة: باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة، وأحمد 5 / 268 من طريقين، عن يحيى بن الحارث الذماري (وقد تحرف في المسند إلى يحيى بن خالد الذهاري) عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين " وهو في المسند 2 / 263، وسنن أبي داود (1288) مختصرا.
(2) أي بين الحسن بن سفيان، ويزيد بن زريع.
(3) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار: 1 / 242، 243، والطبراني في " الكبير " (2157) من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: أتيت الطور فصليت =(19/250)
الطَّوْدِ) وَفَسَّر مَرَّةً (الخِشْف (1)) فَقَالَ: طَائِر، وَقَالَ فِي: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} [الكهفُ:110] :انْتصبَ عَلَى الحَال.
قيل: وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة، وَعَاشَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: بِشِيْرَاز، فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَة خَمْس مائَة، وَقَدْ سُقت مِنْ أَخْبَاره فِي (التَّارِيْخ الكَبِيْر) وَفِي (مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ (2)) .
وَقِيْلَ: كَانَ مُعْتَزِليّاً.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَدَّاد سِبْط ابْن مَنْدَه، وَشيخُ الشَّافعيَة أَبُو المُظَفَّرِ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الخوَافِي بِطُوْسَ، وَالفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ زَنْجَوَيْه الزَّنْجَانِي (3) ، وَجَعْفَر
__________
= فيه فلقيت حميل بن بصرة الفغاري.
فقال: من أين جئت، فأخبرته، فقال: لو أتيتك قبل أن تأتيه ما جئته، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تضرب المطي إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الاقصى ".
وأخرجه مالك: 1 / 108 في الجمعة: باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة، ومن طريقه أحمد: 6 / 7، والنسائي: 3 / 113، 114، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، فذكر الحديث بطوله، قال أبو هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء أو بيت المقدس ... " وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1024) ، وله طريقان آخران عند أحمد 6 / 7 و397 و398، والطيالسي (1348) و (2506) والطحاوي: 1 / 242.
(1) الخشف: هو الظبي أول ما يولد، وقبل: هو خشف أول مشيه.
(2) 2 / 683، 684، وفيه بعد أن أورد أكثر الاخبار التي هنا: وأما تصحيفه في المتن فكثير.
(3) تقدمت ترجمته برقم (145) .(19/251)
السَّرَّاج (1) ، وَالمُبَارَك بن الصَّيْرَفِيّ، وَأَبُو غَالِبٍ البَاقلاَنِي (2) ، وَشَيخُ النَّحْو المُبَارَكُ بنُ فَاخرِ بنِ الدَّبَّاس (3) ، وَسُلْطَانُ المَغْرِب يُوْسُفُ بن تَاشفِيْن.
156 - صَاحِب الغَرْب أَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْنَ *
أَمِيْرُ المُسْلِمِين، السُّلْطَان، أَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْن اللَّمتونِي، البَرْبَرِي، المُلَثَّم، وَيُعْرَفُ أَيْضاً بِأَمِيْر المرَابطين، وَهُوَ الَّذِي بَنَى مَرَّاكُش، وَصَيَّرَهَا دَارَ مُلْكِهِ.
وَأَوّل ظُهُوْر هَؤُلاَءِ المُلَثَّمِين (4) مَعَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عُمَرَ اللَّمتونِي، فَاسْتولَى عَلَى البِلاَد مِنْ تِلِمسَان إِلَى طرف الدُّنْيَا الغربِي، وَاسْتنَاب ابْنَ تَاشفِيْن، فَطَلَعَ بَطَلاً شُجَاعاً شَهْماً عَادِلاً مَهِيْباً، فَاختَطَّ مَرَّاكُش فِي سَنَةِ (465) ،
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (141) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (144) .
(3) سترد ترجمته برقم (192) .
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 417 - 418، المعجب: 162، وفيات الأعيان: 7 / 112 - 130، دول الإسلام: 2 / 28 - 29، العبر: 1 / 356 - 357، تتمة المختصر: 2 / 29 - 30، عيون التواريخ: 13 / 181 - 194، الحلل الموشية: 12 - 60، بغية الرواد: 1 / 86، صبح الاعشى: 1 / 363، النجوم الزاهرة: 191، 195، الروض المعطار: 288 - 298، نفح الطيب: 4 / 354، شذرات الذهب: 3 / 412 - 413، الاستقصا: 1 / 224، معجم الأنساب: 133، تراجم إسلامية: 225 - 234.
(4) لقبوا بذلك لانهم كانوا يتلثمون، ولا يكشفون وجوههم، وتلك سنة لهم يتوراثونها خلفا عن سلف، وقيل في سبب ذلك: إن حمير كانت تتلثم لشدة الحر والبرد، يفعله الخواص منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامتهم، وأصل هؤلاء القوم من حمير بن سبأ، وهم أصحاب خيل وإبل وشاء،، ويسكنون الصحارى الجنوبية بين بلاد البربر وبلاد السودان، وينتقلون من ماء إلى ماء كالعرب، وبيوتهم من الشعر والوبر، وأول من جمعهم، وحرضهم على القتال، وأطمعهم في تملك البلاد عبد الله بن ياسين الفقيه، وقتل في حرب جرت مع برغواطة، وقام مقامه أبو بكر بن عمر الصنهاجي ابن عم يوسف بن تاشفين الذي ولاه إمارة الملثمين، فكان من أمره ما كان.(19/252)
اشْتَرَى أَرْضهَا بِمَاله الَّذِي خَرَجَ بِهِ مِنْ صحرَاء السُّودَان، وَلَهُ جبلُ الثَّلج، وَكثرت جيوشُه، وَخَافته المُلُوْكُ، وَكَانَ بَربرِيّاً قُحّاً، وَثَارَتِ الفِرَنْجُ بِالأَنْدَلُسِ، فَعَبَرَ ابْنُ تَاشفِيْن يُنْجِدُ الإِسْلاَمَ، فَطحن العَدُوَّ (1) ، ثُمَّ أَعْجَبته الأَنْدَلُسُ، فَاسْتولَى عَلَيْهَا، وَأَخَذَ ابْنَ عَبَّادٍ وَسَجَنَهُ، وَأَسَاءَ العِشْرَةَ.
وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ تَاشفِيْن كَثِيْرَ الْعَفو، مُقَرّباً لِلْعُلَمَاءِ، وَكَانَ أَسْمَرَ نَحِيْفاً، خفِيفَ اللِّحْيَة، دقيقَ الصَّوْت، سَائِساً، حَازِماً، يَخطُبُ لِخَلِيْفَة العِرَاق، وَفِيْهِ بُخْلُ البَرْبَرِ، تَمَلَّكَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ وَجَيْشُهُ مُلاَزِمُوْنَ لِلِّثَامِ الضَّيِّقِ، وَفِيْهِم شَجَاعَة وَعُتُوٌّ وَعَسْفٌ، جَاءته الخِلَعُ مِنَ المُسْتَظْهِرِ (2) ،
__________
(1) في وقعة الزلاقة (بطحاء من إقليم بطليوس من غرب الأندلس) المشهورة التي انكسر فيها جيش الفرنجة الكفرة الزاحف من طليطلة كسرة شديدة سنة 479 هـ انظر التفصيل في " الروض المعطار ": 287 - 292، و" نفح الطيب ": 4 / 354 - 371، والكامل لابن الأثير: 10 / 151 - 155، ووفيات العيان: 7 / 115، وما بعدها، وقد بايع يوسف ابن تاشفين بعد انتهاء الوقعة من شهدها معه من ملوك الأندلس وأمرائها، وكانوا ثلاثة عشر ملكا، فسلموا عليه بأمير المسلمين، وكان يدعى بالامير، وضرب السكة من يومئذ وجددها، ونقش ديناره: " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وتحت ذلك: " أمير المسلمين يوسف بن تاشفين " وكتب في الدائرة: " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين " وكتب على الوجه الآخر من الدينار: الأمير عبد الله، أمير المؤمنين العباسي، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع سكه.
(2) ووصف ابن الأثير في الكامل: 10 / 417 يوسف بن تاشفين بأنه كان حليما كريما، دينا خيرا، يحب أهل العلم والدين، ويحكمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، فمن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى الآخر عملا يعمل فيه لامير المسلمين، وتمنى الآخر زوجته النفزاوية وكانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده، فبلغه الخبر، فأحضرهم، وأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل الآخر، وقال للذي تمنى زوجته: يا جاهل، ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه؟ ثم أرسله إليها، فتركته في خيمة ثلاثة أيام، تحمل إليه كل يوم طعاما واحدا، ثم أحضرته، وقالت له: ما أكلت هذه =(19/253)
وَوَلِيَ بَعْدَهُ وَلدُهُ عليّ.
مَاتَ: فِي أَوّل سَنَةِ خَمْس مائَة، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَتَمَلَّكَ مَدَائِنَ كِباراً بِالأَنْدَلُسِ، وَبَالعُدوَة (1) ، وَلَوْ سَارَ، لَتَمَلَّك مِصْرَ وَالشَّام.
157 - المُطَرِّزُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَنْدَه *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، الجَلِيْلُ، مُسْنِد أَصْبَهَان، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَنْدَه الأَصْبَهَانِيُّ، المُطَرِّزُ، خَازِنُ الرَّئِيْسِ الثَّقَفِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ غُلاَمَ مُحسن، وَعَلِيَّ بنَ عَبْدَكُويه، وَالحُسَيْنَ بن إِبْرَاهِيْمَ الجمَال، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ العَطَّار، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظَ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْجِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ بِالحُضُوْر.
قَالَ السَّمْعَانِيٌّ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَاتِبٌ، رَئِيْسٌ، عَلَى غَايَةٍ مِنَ الجَلاَلَة، قَرَأْنَا عَلَيْهِ عَنْ غُلاَم محسن، وَابْنِ مُصْعَب، وَجَمَاعَة، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآن عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ
__________
= الايام؟ قال: طعاما واحدا، فقالت: كل النساء شيء واحد، وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته.
وقال ابن خلكان: 7 / 124 - 125: وكان حازما سائسا للامور، ضابطا لمصالح مملكته مؤثرا لاهل العلم والدين، كثير المشورة لهم، وبلغني أن الامام أبا حامد الغزالي لما سمع ما هو عليه من الأوصاف الحميدة، وميله إلى أهل العلم، عزم على التوجه إليه، فوصل الإسكندرية، وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه، فوصله خبر وفاته فرجع عن ذلك العزم.
(1) وقد شمل سلطانه المغربين الاقصى والاوسط، وجزيرة الأندلس.
(*) تاريخ الإسلام، العبر: 4 / 7، الوافي الوفيات: 1 / 121، النجوم الزاهرة: 5 / 200، شذرات الذهب: 4 / 7.(19/254)
البَقَّارِ تِلْمِيْذِ أَبِي عَلِيٍّ بنِ حَبَشٍ، وَخَرَّجَ لَهُ غَانِمُ بن مُحَمَّد خَمْسَةَ أَجزَاء سَمِعْنَاهَا.
قُلْتُ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى: مَاتَ فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّال، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْس مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّر بن سُوْسَن (1) ، وَالقُدْوَةُ الكَبِيْر أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ العُلَبِيِّ الحَنْبَلِيّ، وَأَبُو الفِتيَان عُمَر بن عبد الكَرِيْم الرُّوَّاسِي الحَافِظ (2) ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُحسّد بن مُحَمَّدٍ الإِسكَاف رَاوِي (المُعْجَم الكَبِيْر) عَنِ ابْنِ فَاذشَاه، وَالوَزِيْرُ الكَبِيْر أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُطَّلِبِ الكِرْمَانِيّ (3) بِبَغْدَادَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: رَوَى (مُسْنَد الطَّيَالِسِيّ) عَنِ الجمَال وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ السِّلَفِيُّ (مُسْنَدَ الحُمَيْدِيِّ) بِسَمَاعِه مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ.
158 - ابْنُ نَبْهَانَ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ وَقته، أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن سَعِيْدِ بنِ نَبْهَانَ البَغْدَادِيّ، الكَرْخِيّ، الكَاتِب.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (149) .
(2) سترد ترجمته برقم (202) .
(3) سترد ترجمته برقم (225) .
(*) المنتظم: 9 / 195، الكامل في التاريخ: 10 / 532، المحمدون من الشعراء: 2 / 485، تاريخ الإسلام: 4 / 203، دول الإسلام: 2 / 38، العبر: 4 / 25، ميزان الاعتدال: 3 / 566، الوافي بالوفيات: 3 / 104، عيون التواريخ: 13 / 335، البداية والنهاية: 12 / 181، لسان الميزان: 5 / 179، 180، النجوم الزاهرة: 5 / 214، شذرات الذهب: 4 / 31.(19/255)
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ بَعْدَ العِشْرِيْنَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَبُشرَى الفَاتَنِي، وَابْنِ دُومَا النِّعَالِيّ، وَجدِّه لأُمِّهِ أَبِي الحُسَيْنِ الصَّابِئ (1) ، وَعُمِّرَ دَهْراً طَوِيْلاً، وَأَلْحَقَ الصّغَارَ بِالكِبَار، وَلَمْ يَكُنْ سَمَاعُهُ كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَقِيْلٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَدَهْبَلُ بنُ كَارَه (2) ، وَعِيْسَى بن مُحَمَّدٍ الكَلْوَاذَانِي، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ كُلَيْبٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَيْخٌ عَالِمٌ، فَاضِل مُسِنٌّ، مِنْ ذَوِي الهَيئَاتِ (3) ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى عَنِ ابْنِ شَاذَانَ، وَلِي مِنْهُ إِجَازَةٌ.
قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: فِيْهِ تَشَيُّع، وَكَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً، بَقِيَ قَبْلَ مَوْته سَنَةً مُلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ لاَ يَعْقِلُ، فَمَنْ قرَأَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الحَالَة، فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَذَبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفهَمُ مَا يُقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوّل سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ. قَالَ ابْنُ نَاصر: وَسَمِعتُهُ يذكر مَوْلِدَه، ثُمَّ سَمِعتُهُ مرَّة يَقُوْلُ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَكَلَّمته فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَردتُ أَنْ أَدفع عَنِّي العينَ، وَإِلاَّ فَمَوْلِدي سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ (4) .
__________
(1) قال ابن النجار فيما نقله عنه الصفدي في " الوافي ": 3 / 104: ولم يبق على وجه الأرض من يروي عن هؤلاء الأربعة غيره، فألحق الصغار بالكبار، وقصد الطلاب من الاقطار، وحدث كثيرا، وكان صحيح السماع.
(2) في " توضيح المشتبه ": 2 / الورقة: 8: هو أبو الحسن دهبل (بفتح أوله وسكون الهاء وفتح الموحدة تليها لام) بن علي بن منصور بن إبراهيم بن عبد الله بن كاره البغدادي الحريمي، حدث عن أبي القاسم علي بن بيان، وآخرين، توفي في سنة تسع وستين وخمس مئة.
(3) في الأصل: الهنات، والمثبت من " تاريخ الإسلام "، و" لسان الميزان ".
(4) وخمس مئة، قال المؤلف في " الميزان ": إنه اختلط قبل موته بعامين، فيعتبر تاريخ السامع منه.(19/256)
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا العَلاَءِ بن عَقِيْل يَقُوْلُ:
كَانَ شَيخُنَا ابْنُ نَبْهَانَ إِذَا طَوَّلَ عَلَيْهِ المُحَدِّثُونَ، قَالَ: قَوْمُوا، فَإِنَّ عِنْدَنَا مَرِيضاً، بَقِيَ عَلَى هَذَا سِنِيْنَ، فَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: مَرِيْضُ ابْنِ نَبْهَانَ لاَ يَبْرَأُ.
وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: كَانَ ابْنُ نَبْهَانَ قَدْ بَلغَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، سَمِعَهُ جدُّه هِلاَل بنُ المُحسنِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ أَوَّلاً عَلَى مُعَامِلَةِ الظَّلَمَةِ، وَكَانَ رَافِضِيّاً، وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَكَذَا نَقَلَ الحُمَيْدِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَه بِخَطِّ جَدِّه ابْنِ الصَّابِئِ، وَمَاتَ فِي شَوَّال، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
159 - ابْنُ بَيَانٍ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، المُسْنِدُ، رحلَة الآفَاقِ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَيَانِ بنِ الرَّزَّاز البَغْدَادِيُّ، رَاوِي (جُزْء ابْن عَرَفَةَ) .
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ البَزَّازَ، وَطَلْحَةَ بنَ الصَّقرِ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرفِي، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَعَبْد الْملك بن بِشْرَان، وَالقَاضِي أَبَا العَلاَءِ الوَاسِطِيّ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الفُتُوْح الطَّائِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ قُضَاعَة، وَأَبُو الفَضْلِ خَطِيبُ المَوْصِل، وَوَفَاءُ بن أَسْعَد، وَمُحَمَّد بن بَدْرٍ الشِّيحِي، وَمُحَمَّد بن جَعْفَرِ بنِ عَقِيْلٍ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ نَبْهَانَ، وَعُبيدُ الله
__________
(*) الأنساب: 6 / 107، المنتظم: 9 / 186، الكامل لابن الأثير: 10 / 523 - 524، تاريخ الإسلام: 4 / 197، دول الإسلام: 2 / 37، العبر: 4 / 21، تذكرة الحفاظ: 4 / 1261، المستفاد: 181، البداية والنهاية: 12 / 180، شذرات الذهب: 4 / 27.(19/257)
بن شَاتِيلَ، وَأَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بن دُرَك، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الوَفَاء الصَّائِغ، وَأَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ عبدِ السَّلاَم، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخرهُم: أَبُو الفَرَجِ بنُ كُلَيْب.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ يَأْخُذ عَلَى نسخَة ابْنِ عَرَفَةَ دِيْنَاراً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا سَمِعْتُ، أَجَازَ لِي، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ جَمَاعَة كَثِيْرَة، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن عبد البَاقِي يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بيَان يَقُوْلُ: أَنْتُم مَا تَطلُبُوْنَ الحَدِيْثَ وَالعِلْمَ، أَنْتُم تَطلُبُوْنَ العُلُوَّ، وَإِلاَّ فَفِي دربِي جَمَاعَة سَمِعُوْهُ مِنِّي، فَاسْمَعُوْهُ مِنْهُم، وَمَنْ أَرَادَ العُلُوَّ، فَلْيَزِنْ دِيْنَاراً، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْد اللهِ العَطَّار بِمَرْوَ يَقُوْلُ: وَزنتُ الذَّهبَ لابْنِ بيَان حَتَّى سَمِعْتُ مِنْهُ (جُزءَ ابْنِ عَرَفَةَ) ، وَكَذَا ذكر لِي بِسَمَرْقَنْدَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العَبَّاسِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ دِيْنَاراً وَسَمِعَهُ.
مَوْلِد ابْن بَيَان: فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة.
وَتُوُفِّيَ: فِي سَادس شَعْبَان، سَنَة عَشْرٍ وَخَمْس مائَة.
قَالَ شُجَاع الذُّهْلِيّ: هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاع.
وَقَدْ قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَغَيْرهُ: سَمِعْنَاهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَبِخَطِّ ابْن عَطَّافٍ أَنَّهُ سَأَلَه، فَقَالَ: كَانَ عِنْدِي أَنَّنِي وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، حَتَّى وُجِدَ بِخَطِّ وَالِدي أَنَّهُ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ: سَأَلتُهُ، فَقَالَ: وُلِدْتُ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
قَالَ: وَمَاتَ وَأَنَا بِدِمَشْقَ، وَلاَ يُعْرَفُ فِي الإِسْلاَمِ مُحَدِّثٌ وَازَاهُ فِي قِدَمِ السَّمَاع.
كَذَا قَالَ السِّلَفِيّ، وَذَلِكَ مُنْتَقض بِالبَغَوِيِّ (1) ، وَبَالوَرْكِي، وَغَيْرِهِمَا.
__________
(1) هو أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان البغوي المتوفى سنة 317 هـ، تقدمت ترجمته في الجزء الرابع عشر رقم (247) .(19/258)
160 - التِّكَكِي أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغْدَادِيّ، التِّكَكِي، مِنْ بَقَايَا أَصْحَابِ أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَسَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدٍ الشَّحَّام، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: شَيْخٌ صَالِحٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ (1) ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّق الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ سَنَة سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّرْسِيّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ التِّكَكِيُّ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْن عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْد، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ اللهَ لَيُدْخِلُ العَبْدَ الجَنَّةَ بِالأَكْلَةِ أَوِ الشَّرْبَةِ يَحْمَدُهُ عَلَيْهَا) (2) .
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 164، العبر: 4 / 1، شذرات الذهب: 4 / 3. والتككي: نسبة إلى بيع التكك، الأنساب: 3 / 68.
(1) ترجمه المؤلف في " مشيخته " الورقة: 36، فقال: هو إسماعيل بن عبد الرحمان بن عمرو بن موسى بن عميرة العدل المعمر عز الدين أبو الفداء المرداوي ثم الصالحي الحنبلي الفراء والده، ويعرف بابن المنادي، شيخ صالح كثير التلاوة، حسن التواضع والسكينة، روى الكثير عن ابن قدامة، وابن راجح، وابن البن، وابن أبي لقمة، والقزويني، مولده في سنة عشر وست مئة، ومات في جمادى الآخرة سنة سبع مئة بقاسيون.
(2) إسناده ضعيف لضعف موسى بن سهل وهو الوشاء البغدادي، ضعفه الدارقطني، =(19/259)
161 - ابْنُ المَوْصِلِيِّ أَبُو عَبْدِ اللهِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزُّهْرِيُّ، المَوْصِلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، المَرَاتِبِيُّ (1) ، شَيْخٌ، صَالِحٌ، خَيِّر، صَحِيْحُ السَّمَاع.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ بِشْرَان، وَالحُسَيْنَ بنَ عَلِيِّ بنِ بَطْحَاءَ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَعَبدُ الخَالِقِ اليُوسفِي، وَابْنُ نَاصرٍ، وَالسِّلَفِيّ، وَشُهْدَةُ، وَخطيبُ المَوْصِلِ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مِنْهَا.
وَتُوُفِّيَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة.
162 - الرُّويَانِيُّ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ **
القَاضِي، العَلاَّمَة، فَخرُ الإِسْلاَم، شَيْخُ الشَّافعيَة، أَبُو المَحَاسِنِ عَبْدُ
__________
= وقال البرقاني: ضعيف جدا، لكن أخرجه مسلم (2734) في الذكر والدعاء: باب استحباب حمد الله تعالى بعد الاكل والشرب، وأحمد 3 / 110، 117، والترمذي (1816) في الاطعمة من طرق عن زكريا بن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الاكلة، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ".
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 168.
(1) في تاريخ المؤلف: من أهل باب المراتب، وباب المراتب، أحد أبواب دار الخلافة ببغداد، كان من أجل أبوابها وأشرفها.
(* *) السياق: الورقة / 52 ب، الأنساب: 6 / 189 - 190، المنتظم: 9 / 160، معجم البلدان: 3 / 104، المنتخب: الورقة / 98 ب، الاستدراك (خ) 1: 201 / 1، اللباب: 2 / 44، الكامل في التاريخ: 10 / 473، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 277، وفيات الأعيان: 3 / 198 - 199، تاريخ الإسلام: 4 / 167، دول الإسلام 2 / 31، العبر: 4 / 4 - 5، عيون التواريخ: 13 / 234، مرآة الجنان: 3 / 171 - 172، مرآة الزمان: 8 / 18، طبقات السبكي: 7 / 193، طبقات الاسنوي: 1 / 565 - 566، البداية =(19/260)
الوَاحِد بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الرُّويَانِيُّ، الطَّبَرِيّ، الشَّافِعِيّ.
مَوْلِدُهُ: فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة، وَتَفَقَّهَ بِبُخَارَى مُدَّة.
سَمِعَ: أَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّبَرِيّ، وَأَبَا غَانِمٍ أَحْمَدَ بن عَلِيٍّ الكُرَاعِي المَرْوَزِيّ، وَعبدَ الصَّمدِ بنَ أَبِي نَصْرٍ العَاصِمِي البُخَارِيّ، وَأَبَا نَصْرٍ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ، وَشيخَ الإِسْلاَم أَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَعَبْدَ اللهِ بن جَعْفَرٍ الخَبَّازِيّ، وَأَبَا حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَأَبَا بَكْرٍ عَبْدَ الْملك بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ بَيَانٍ الفَقِيْه، وَعِدَّة.
وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ جَمِيْعاً، وَبَرَعَ فِي الفِقْه، وَمَهَر، وَنَاظَر، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ البَاهرَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: زَاهِرٌ الشَّحَّامِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو رشيد إِسْمَاعِيْلُ بنُ غَانم، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيّ، وَعِدَّةٌ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لَوِ احْتَرَقت كُتُبُ الشَّافِعِيّ، لأَمليتُهَا مِنْ حِفْظِي، وَلَهُ كِتَاب (البَحْر) فِي المَذْهَب، طَوِيْلٌ جِدّاً، غزِيْرُ الفَوَائِد (1) ، وَكِتَاب (منَاصيص الشَّافِعِيّ) ، وَكِتَاب (حليَة المُؤْمِن) ، وَكِتَاب (الكَافِي) .
__________
= والنهاية، النجوم الزاهرة: 5 / 197، مفتاح السعادة: 2 / 351، تاريخ الخميس: 2 / 361، كشف الظنون: 1 / 226، 355، شذرات الذهب: 4 / 4، هدية العارفين: 1 / 634، إيضاح المكنون: 2 / 130.
(1) قال أبو عمرو بن الصلاح فيما نقله عنه النووي في " تهذيب الأسماء واللغات ": 2 / 277: هو في البحر كثير النقل، قليل التصرف والتزييف والترجيح.
وقال ابن كثير في " البداية ": 12 / 170: وهو حافل كامل شامل للغرائب وغيرها، وفي المثل: حدث عن البحر ولا حرج.
وقال السبكي في الطبقات: 7 / 195: وهو وإن كان من أوسع كتب المذهب إلا أنه عبارة عن حاوي الماوردي مع فروع تلقاها الروياني عن أبيه عن جده، ومسائل أخر، فهو أكثر من " الحاوي " فروعا، وإن كان الحاوي أحسن ترتيبا، وأوضح تهذيبا.(19/261)
وَكَانَ ذَا جَاهٍ عَرِيضٍ، وَحِشْمَةٍ وَافرَةٍ، وَقَبولٍ تَامّ، وَبَاعٍ طَوِيْل فِي الفِقْه.
قَالَ السِّلَفِيّ: بَلَغَنَا أَنَّهُ أَملَى بآمُلَ، وَقُتِلَ بَعْدَ فَرَاغِه مِنْ مَجْلِس الإِملاَءِ بِسَبَبِ التَّعصُّبِ فِي الدِّينِ فِي المُحَرَّمِ.
قَالَ: وَكَانَ العِمَادُ مُحَمَّد بن أَبِي سَعْدٍ صَدْرُ الرَّيّ فِي عصره يَقُوْلُ: أَبُو المَحَاسِنِ القَاضِي شَافعِيُّ عصره.
قَالَ مَعْمَرُ بنُ الفَاخر: قُتِلَ بِجَامِع آمُل، يَوْمَ جُمُعَة، حَادِي عشر المُحرَّم، قَتَلَتْه الملاَحدَةُ - يَعْنِي: الإِسْمَاعِيْليَّة (1) -.
قَالَ: وَكَانَ نِظَام الملكِ كَثِيْرَ التَّعْظِيْمِ لَهُ.
قُلْتُ: قُتِلَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَرُويَانُ: بَلدَةٌ مِنْ أَعْمَالِ طَبَرِسْتَان، وَأَمَّا الرَّيُّ، فَمدينَةٌ كَبِيْرَة، وَالنِّسبَة إِلَيْهَا رَازِيٌّ.
163 - ابْنُ الفَارِسِيِّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الغَافِرِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُتْقِن، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الغَافِرِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَافِرِ بن أَحْمَدَ الفَارِسِيّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَلدُ الشَّيْخ أَبِي الحُسَيْنِ، وَزوجُ ابْنةِ الأُسْتَاذ القُشَيْرِيّ.
أَكْثَر عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي حَسَّانٍ المزكِّي، وَعبدِ الرَّحْمَن بن حَمْدَان النَّصروِي، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ النَّحْوِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ النِّيلِي، وَأَبِي حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْرٍ، فَمَنْ بَعْدَهُم.
__________
(1) في طبقات السبكي: 7 / 195: ومات شهيدا بعد فراغه من الاملاء.
(*) المنتخب: الورقة / 44 أ، الورقة: 61، العبر: 4 / 7 - 8، عيون التواريخ: 13 / 260 - 261، تاريخ الإسلام: 4 / 170، شذرات الذهب: 4 / 7 - 8.(19/262)
وَارْتَحَلَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ، وَطَوَّف أَعْوَاماً فِي فَارِسَ، وَخُوزستَان، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ نَحْواً مِنْ أَلفِ جُزء، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيَّ، وَطَبَقَته.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ الحَافِظ عبد الغَافِر، وَبِنْتُه أُمُّ سلمَة، وَعُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَأَبُو بَكْرٍ التَّفْتَازَانِي، وَعَبْدُ اللهِ بن الفُرَاوِي، وَعبدُ الخَالِق بن زَاهِر، وَأَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَعِدَّة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ فَاضِلاً، عَالِماً، لَمْ يَفْتُرْ مِنَ السَّمَاع وَالتَّحصيل.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: شَيْخُ الشَّافعيَة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ إِلْكِيَا (1) الهرَّاسِي، وَعبدُ المُنْعِم بن الْغمر الكِلاَبِيّ، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ أَخُو طِرَادٍ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَلَدِي النسفِي، وَمُقْرِئ مِصْرَ أَبُو الحُسَيْنِ الخَشَّاب.
164 - ابْنُ بَادِيسَ أَبُو يَحْيَى تَمِيْمُ بنُ المُعِزِّ بنِ بَادِيسَ *
صَاحِبُ إِفْرِيْقِيَةَ، السُّلْطَانُ، أَبُو يَحْيَى تَمِيمُ بنُ المُعِزّ بن بَادِيس بن
__________
(1) هو بكسر الكاف: وفتح الياء المثناة من تحتها، وبعدها ألف، معناه في اللغة العجمية: الكبير القدر، والمقدم بين الناس، وسترد ترجمته برقم (207) .
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 449 - 451، الحلة السيراء: 2 / 21 - 26، وفيات الأعيان: 1 / 304 - 306، البيان المغرب: 1 / 288 - 295، تاريخ الإسلام: 4 / 164، دول الإسلام: 2 / 30، العبر: 4 / 1، تتمة المختصر: 2 / 32، الوافي بالوفيات: 10 / 414 - 416، عيون التواريخ: 13 / 224 - 226، مرآة الزمان: 8 / 17 - 18، البداية والنهاية: 12 / 170، أعمال الاعلام: 3 / 73، تاريخ ابن خلدون: 6 / 157 - 159، النجوم الزاهرة: 5 / 197، 198، شذرات الذهب: 4 / 2 - 3.(19/263)
المَنْصُوْر الحِمْيَرِيّ، الصُّنهَاجِي (1) ، مِنْ أَوْلاَد المُلُوْك، كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، مَهِيْباً سَائِساً، عَالِماً شَاعِراً (2) ، جَوَاداً مُمَدَّحاً (3) .
وُلِدَ: سَنَةَ (422) ، وَوَلِيَ المهديَّة (4) لأَبِيْهِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، ثُمَّ بَعْد أَشهر مَاتَ المعزُّ، وَتَملَّك هَذَا، فَامتدَّت أَيَّامُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي رَجَب، سَنَة إِحْدَى وَخَمْس مائَة، وَخَلَّفَ مِنَ البَنِيْنَ فَوْقَ المائَةِ، وَمِنَ البَنَاتِ سِتِّيْنَ بِنْتاً عَلَى مَا قَالَهُ حَفِيْدُه العَزِيْزُ بن شَدادٍ، ثُمَّ تَملَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ يَحْيَى بنُ تَمِيمٍ، فَأَحْسَنَ السِّيْرَةَ، وَافتَتَح حُصُوْناً كَثِيْرَة.
165 - صَاحِبُ الحِلَّةِ صَدَقَةُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ دُبيسِ بنِ عَلِيِّ بنِ مَزْيَدٍ *
الملكُ، سَيْفُ الدَّوْلَة، صَدَقَةُ ابنُ بَهَاء الدَّوْلَة مَنْصُوْر ابْن ملك الْعَرَب
__________
(1) نسبة إلى صنهاجة: قبيلة مشهورة من حمير، وهي بالمغرب.
(2) ومن شعره ما أنشده الصفدي في " الوافي ": 10 / 415:
إن نظرت مقلتي لمقلتها * تعلم مما أريد نجواه
كأنها في الفؤاد ناظرة * تكشف أسراره وفحواه
(3) ومن قول أبي علي الحسن بن رشيق القيرواني فيه:
أصح وأعلى ما رويناه في الندى * من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا * عن البحر عن كف الأمير تميم
(4) المهدية: مدينة بساحل إفريقية، بينها وبين القيروان ستون ميلا، بناها عبيد الله الشيعي الخارج على بني الأغلب، والعبيديون الذين حكموا مصر منسوبون إليه، وهو سماها المهدية نسبها إلى نفسه، وكان ابتداء بنيانها في سنة 300 هـ، الروض المعطار: ص 561، 562.
(*) المنتظم: 9 / 159، أخبار الدولة السلجوقية: 80 - 81، الكامل في التاريخ: 10 / 440 - 449، وفيات الأعيان: 2 / 490 - 491، تاريخ الإسلام: 4 / 164، دول الإسلام: 2 / 29 - 30، العبر: 4 / 1، تتمة المختصر: 2 / 31 - 32، عيون التواريخ: 13 / 229 - 233، مرآة الزمان: 8 / 15 - 16، البداية والنهاية: 12 / 170، تاريخ ابن خلدون: 5 / 38، النجوم الزاهرة: 5 / 196، شذرات الذهب: 4 / 2.(19/264)
دُبيس بن عَلِيِّ بنِ مَزْيَدٍ الأَسَدِيّ، النَّاشِرِي (1) ، العِرَاقِي، اخْتطَّ مدينَةَ الحلَّة (2) فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسكنهَا الشِّيْعَةُ، كَانَ ذَا بَأْسٍ وَإِقدَامٍ، نَافَرَ السُّلْطَانَ مُحَمَّد بنَ مَلِكْشَاه (3) ، وَحَارَبه، فَالتَقَى الجمعَانِ عِنْد النُّعْمَانِيَة (4) ، فَقُتِلَ صَدَقَةُ فِي المَصَافِّ سَنَة إِحْدَى وَخَمْس مائَة (5) ، وَقَدْ نَفَّذَ إِلَيْهِ المُسْتظهِرُ بِاللهِ يَنْهَاهُ عَنِ الخُرُوج، فَمَا سَمِعَ، وَاجتمع لَهُ عِشْرُوْنَ أَلفَ فَارِس، وَثَلاَثُوْنَ أَلف رَاجل، فَرشقتهُم عَسَاكِرُ السُّلْطَان بِالسِّهَام، فَجُرِحَتْ خُيُولهُم، ثُمَّ وَلَّوا، وَبَقِيَ صَدَقَةُ يَجُولُ بِنَفْسِهِ، فَجرح فَرسه المهلُوب، وَكَانَ عَدِيمَ المَثَلِ، وَهَرَبَ وَزِيْرُهُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَنَادَاهُ، فَمَا أَلوَى عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءته ضَربَةُ سَيْفٍ فِي وَجْهِهِ، وَقُتِلَ (6) ، وَهَلَكَ مِنَ العربِ ثَلاَثَة آلاَف، وَأُسِرَ ابْنه دُبيسٌ وَوزِيْرُهُ وَعِدَّةٌ، وَمَاتَ أَبُوْهُ سَنَة (479) (7) .
__________
(1) نسبة إلى ناشرة بن نصر بن سواءة بن الحارث بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان ابن أسد بن خزيمة.
" اللباب ": 3 / 289.
(2) بلدة بالعراق بين بغداد والكوفة على الفرات في بر الكوفة.
(3) ابن ألب أرسلان السلجوقي المتوفى سنة 511 هـ: كان رجل الملوك السلجوقية وفحلهم، وله الآثار الجميلة، والسيرة الحسنة، والمعدلة الشاملة، وسترد ترجمته برقم (294) .
(4) بلدة بين الحلة وواسط.
(5) في اللباب: سنة 500 هـ.
(6) قال ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 449 بعد أن سرد أخباره: وكان جوادا حليما صدوقا، كثير البر والاحسان، ما برح ملجأ لكل ملهوف، يلقى من يقصده بالبر والتفضل، ويبسط قاصديه ويزورهم، وكان عادلا، والرعايا معه في أمن ودعة، وكان عفيفا لم يتزوج على امرأته، ولا تسرى عليها، فما ظنك بغير هذا، ولم يصادر أحدا من نوابه، ولا أخذهم بإساءة قديمة، وكان أصحابه يودعون أموالهم في خزانته، ويدلون عليه إدلال الولد على الوالد، ولم يسمع برعية أحبت أميرها كحب رعيته له، وكان متواضعا، محتملا، يحفظ الاشعار، ويبادر إلى النادرة رحمه الله، لقد كان من محاسن الدنيا.
(7) في الأصل: 489، والتصويب من تاريخ المصنف، و" وفيات الأعيان " 2 / 491.(19/265)
166 - التَّمِيْمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَسَنٍ *
مُفْتِي سَبْتَةَ، القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَسَنٍ (1) التَّمِيْمِيّ، المَغْرِبِيّ، السَّبتِي، المَالِكِيّ.
أَخَذَ عَنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ المَسِيْلِي، وَلاَزمه، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ العَجُوْز.
وَسَمِعَ: (صَحِيْح البُخَارِيِّ) بِالمَرِيَّة عَلَى ابْنِ المرَابط.
وَأَخَذَ بقُرْطُبَة عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ سرَاج، وَمُحَمَّد بن فَرج الطلاعِي، وَأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ.
وَكَانَ حَسَنَ العَقْلِ، مَلِيحَ السَّمْتِ، مُتجمِّلاً نبيلاً، تَفَقَّهَ بِهِ أَهْل بَلَده، وَكَانَ يُسَمَّى الفَقِيْه العَاقلَ، تَفَقَّهَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ شبونَة، وَالقَاضِي عِيَاض، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ صلاَح.
رَحل إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ النَّوَاحِي، وَبَعُدَ صِيتُه، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ، وَتَخَرَّج بِهِ أَئِمَّة، وَكَانَ دَيِّناً، سرِيعَ الدَّمعَة، مُؤثراً لِلطَّلبَة، بَنَى جَامِع سَبْتَةَ، وَعزل نَفْسَه مِنَ القَضَاء بِأَخَرَةٍ، ثُمَّ طَلَبوهُ، وَوَلَّوْهُ قَضَاء فَاس، فَلَمْ تُعجبه الغُربَة، فَرَجَعَ إِلَى وَطنِه.
وَتُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، قَالَ ذَلِكَ تِلْمِيْذُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حمَادَة الفَقِيْه، وَبَالَغَ فِي تَعْظِيْمه، بِحَيْثُ إِنَّهُ قَالَ:
كَانَ إِمَامَ المَغْرِب فِي وَقته، وَلَمْ يَكُنْ فِي قطر مِنَ الأَقطَار مُنْذُ يَحْيَى بن يَحْيَى الأَنْدَلُسِيّ مَنْ حمل النَّاسُ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلاَ أَكْثَر نَجَابَةً مِنْ أَصْحَابِهِ.
قُلْتُ: عَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، ضبط القَاضِي مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَخْرَج عَنْهُ فِي (الشِّفَاء) .
__________
(*) ترتيب المدارك: 4 / 584، الصلة: 2 / 605، تاريخ الإسلام: 4 / 173 - 174، شجرة النور الزكية: 124، والغنية: 99 - 155.
(1) في " الصلة " و" الغنية " وتاريخ المصنف: حسين.(19/266)
167 - ابْنُ غَطَاشٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ غطَاشٍ العَجَمِيُّ *
طَاغِيَةُ الإِسْمَاعِيْليَّة (1) ، هُوَ الرَّئِيْس أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ غطَاش العَجَمِيّ.
كَانَ أَبُوْهُ مِنْ كِبَارِ دُعَاة البَاطِنِيَّة، وَمِنْ أَذكيَاء الأُدبَاء، لَهُ بلاغَة وَسُرعَةُ جَوَاب، اسْتغوَى جَمَاعَةً، ثُمَّ هَلَكَ، وَخلفَه فِي الرِّيَاسَة ابْنُه هَذَا، فَكَانَ جَاهِلاً، لَكنَّه شُجَاعٌ مُطَاع، تَجمَّعَ لَهُ أَتْبَاع، وَتَحَيَّلُوا، حَتَّى مَلَكُوا قَلْعَةَ أَصْبَهَانَ الَّتِي غَرِمَ عَلَيْهَا السُّلْطَانُ مَلِكْشَاه أَلفَيْ أَلفِ دِيْنَار، وَصَارُوا يَقطعُوْنَ السُّبُلَ، وَالتف عَلَيْهِم كُلُّ فَاجر، وَدَام البَلاَءُ بِهِم عشرَ سِنِيْنَ، حَتَّى نَازلهُم مُحَمَّدُ بنُ مَلِكْشَاه أَشْهُراً، فَجَاعُوا، وَنَزَلَ كَثِيْرٌ مِنْهُم بِالأَمَان، وَعصَى ابْنُ غطَاش فِي بُرج أَيَّاماً، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ طَوِيْلَة (2) ، ثُمَّ أُخِذَ وَسُلِخَ، وَتَأَمَّر عَلَى البَاطِنِيَّة بَعْدَهُ ابْنُ صبَّاح (3) ، وَكَانُوا بلاَءً عَلَى المُسْلِمِين، وَقَتلُوا عَدَداً مِنَ الأَعيَان بِشغل السكين.
__________
(*) المنتظم: 9 / 150 - 151، الكامل لابن الأثير: 10 / 316 - 318، 430 - 434، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 354 - 355، تتمة المختصر: 2 / 31، عيون التواريخ: 13 / 155، مرآة الزمان: 8 / 12 - 13، البداية والنهاية: 12 / 167، النجوم الزاهرة: 5 / 195، شذرات الذهب: 3 / 410.
(1) قال ابن الأثير: وهم الذين كانوا يسمون قبل ذلك القرامطة.
(2) انظر " الكامل " لابن الأثير: 10 / 430، 434.
(3) هو الحسن بن صباح بن علي الاسماعيلي صاحب الدعوة النزارية، وجد أصحاب قلعة الموت.
قال الامام الذهبي في " الميزان " 1 / 500: كان من كبار الزنادقة، ومن دهاة العالم، وله أخبار يطول شرحها لخصتها في تاريخي الكبير في " حوادث سنة أربع وتسعين وأربع مئة " وأصله من مرو، وقد أكثر التطواف ما بين مصر إلى بلد كاشغر، يغوي الخلق، ويضل الجهلة إلى أن صار منه ما صار، وكان قوي المشاركة في الفلسفة والهندسة، كثير المكر والحيل، بعيد الغور، لا بارك الله فيه.(19/267)
168 - مُتَوَلِّي هَمَذَانَ أَبُو هَاشِمٍ زَيْدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ *
الأَمِيْرُ، أَبُو هَاشِمٍ زَيْدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيّ، الحُسَيْنِيّ، الهَمَذَانِيّ، سِبْطُ الصَّاحبِ إِسْمَاعِيْل بن عَبَّادٍ، كَانَ هيوباً مُطَاعاً، جَبَّاراً عَسُوْفاً، كَثِيْرَ الأَمْوَال، يَطْرَحُ مَا يُسَاوِي مائَةً بِثَلاَثِ مائَةِ وَأَزْيَد، وَقَدْ صَادره السُّلْطَانُ مرَّة، فَأَدَّى جُمْلَةً سَبْع مائَةِ أَلْف دِيْنَار، وَكَانَتِ الرَّعِيَّةُ مَعَهُ فِي بَلاَءٍ وَضُرٍّ.
مَاتَ: فِي رَجَب، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
169 - الكُشَانِي أَبُو القَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ **
الإِمَامُ، الخَطِيْبُ، أَبُو القَاسِمِ عُبَيْد اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْيَد الكُشَانِي (1) .
ثِقَة، مُكْثِر، مُسْنِد.
وُلِدَ: فِي نَحْو سَنَة عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ البَاهِلِيّ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ رَبِيْع السَّنْكَبَاثي (2) ، وَأَبِي سهل عبدِ الكَرِيْم الكَلاَباذِي، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الكُشَانِي، وَآصَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَالِدي،
__________
(*) المنتظم: 9 / 160، الكامل: 10 / 473 - 474، تاريخ الإسلام: 4 / 166، النجوم الزاهرة: 5 / 199.
(* *) الأنساب: 10 / 433 - 434، تاريخ الإسلام: 4 / 167.
(1) ضبط في الأصل كما في " الأنساب " بضم الكاف، وضبطها ياقوت بالفتح، وهذه النسبة إلى كشانية، بلدة من بلاد الصغد بنواحي سمرقند على اثني عشر فرسخا منها.
(2) نسبة إلى سنكباث قرية من قرى الصغد من نواحي سمرقند، وعلي بن أحمد هذا هو أحد الأئمة الزهاد المشهورين بسمرقند، المتوفى سنة 452 هـ كما في الأنساب: 7 / 173.(19/268)
وَعَطَاءُ بن (1) مَالِكِ بنِ أَحْمَدَ النَّقَاش، وَأَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَدِيْنِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَة.
170 - التِّبْرِيزِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
إِمَامُ اللُّغَة، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنِ بنِ بِسْطَامَ الشَّيْبَانِيّ، الخَطِيْبُ، التبرِيزِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
ارْتَحَلَ، وَأَخَذَ الأَدبَ عَنْ أَبِي العَلاَءِ المَعَرِي، وَعُبيدِ الله بن عَلِيٍّ الرَّقِّيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الدَّهَان.
وَسَمِعَ بِصُوْر مِنَ: الفَقِيْه سُلَيمٍ، وَعبدِ الكَرِيْم بن مُحَمَّدٍ السيَّارِي، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً، ثُمَّ بِبَغْدَادَ، وَكَثُرَتْ تَلاَمِذتُهُ، وَأَقْرَأَ عِلْمَ اللِّسَان (2) .
__________
(1) الزيادة من " الأنساب ".
(*) الأنساب: 3 / 21، تاريخ ابن عساكر: 18: 87 / 1 - 88 / 2، نزهة الالباء: 372 - 374، المنتظم: 9 / 161 - 163، معجم الأدباء: 20 / 25 - 28، الاستدراك: 1: 69 / 2، اللباب: 1 / 206 - 207، الكامل في التاريخ: 10 / 473، إنباه الرواة: رقم: 816، وفيات الأعيان: 6 / 191 - 196، مختصر دول الإسلام لابن العبري: 2 / 22، المختصر في أخبار البشر: 2 / 224، تلخيص ابن مكتوم: 271 - 272، المستفاد: 257، عيون التواريخ: 13 / 241 - 245، مرآة الجنان: 3 / 172، البداية والنهاية: 12 / 171، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة: 530 - 531، النجوم الزاهرة: 5 / 197، بغية الوعاة: 2 / 338، مفتاح السعادة: 1 / 117، كشف الظنون: 108، 992، شذرات الذهب: 4 / 5، الفلاكة والمفلوكين: 66، هدية العارفين: 2 / 519، بروكلمان: 1 / 71، دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 567 - 570.
(2) وولي تدريس الأدب بالنظامية، وخزانة الكتب بها.(19/269)
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ الجوَالِيقِي، وَسَعْدُ الخَيْر الأَنْدَلُسِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَالسِّلَفِيّ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: شَيْخُهُ الخَطِيْبُ، وَكَانَ ثِقَةً، صَنَّف شرحاً (لِلْحمَاسَة) ، وَلـ (دِيوَان المتنبِي) ، وَلـ (سقط الزَّند) ، وَأَشيَاء (1) ، وَدَخَلَ إِلَى مِصْرَ، وَأَخَذَ عَنْ طَاهِرِ بنِ بَابشَاذَ (2) ، وَلَهُ شعر رَائِق.
وَلَمْ يَكُنْ بِالصَّيِّن.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: ثِقَةٌ فِي عِلْمه، مُخَلِّطٌ فِي دِيْنِهِ، وَلُعَبَةٌ (3) بِلِسَانِهِ، وَقِيْلَ: إِنَّهُ تَابَ.
وَتِبْرِيزُ: بِكَسرِ أَوَّلِهِ، قَالَهُ ابْنُ نَاصر.
وَقَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ: مَا كَانَ بِمَرضِيِّ الطّرِيقَةِ (4) .
__________
(1) منها وهو مطبوع متداول " الوافي في العروض والقوافي " وشرح المفضليات، وشرح القصائد العشر، وشرح المقصورة لابن دريد.
(2) " بالشين والذال المعجمتين ومعناه: الفرح والسرور " ابن داود المصري أحد الأئمة في العربية، وصاحب المصنفات المفيدة فيها كشرح الجمل للزجاجي، وشرح كتاب الأصول لابن السراج، توفي سنة 469 هـ، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (225) .
(3) أي: يلعب بلسانه، قال أهل العربية: ما جاء على " فعلة " وهو وصف، فهو للفاعل نحو: هذرة، وطلقة، وهمزة، وصرعة: إذا كان مهذارا مطلاقا مصارعا عيابا، فإن سكنت العين من " فعلة " وهو وصف، فهو للمفعول به، تقول: رجل لعنة، أي: يلعنه الناس، فإن كان هو يلعن الناس قلت: لعنة، ورجل سبة: أي يسبه الناس، فإن كان هو يسب الناس قلت: سببة، وكذلك: هزأة وهزأة، وسخرة وسخرة، وضحكة وضحكة، وخدعة وخدعة.
(4) النص بتمامه كما جاء في " الذيل " للسمعاني، ونقله عنه ياقوت في " معجم الأدباء " 20 / 27: قال السمعاني: سمعت أبا منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون المقرئ، يقول: أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي ما كان بمرضي الطريقة، كان يدمن شرب الخمر، ويلبس الحرير، والعمامة المذهبة، وكان الناس يقرؤون عليه تصانيفه وهو سكران، فذاكرت أبا الفضل محمد بن ناصر الحافظ بما ذكره ابن خيرون، فسكت، وكأنه لم ينكر ذلك، ثم قال: ولكن كان ثقة في اللغة، وما كان يرويه وينقله.(19/270)
قُلْتُ: تُوُفِّيَ لِليلتين بقيتَا مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ إِحْدَى وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
171 - أَبُو الهَيْجَاءِ مُقَاتِلُ بنُ عَطِيَّةَ البَكْرِيُّ الحِجَازِيُّ *
الأَمِيْرُ الشَّاعِر، شِبْلُ الدَّوْلَة، مُقَاتِلُ بنُ عَطِيَّةَ البَكْرِيّ، الحِجَازِيّ، سَارَ إِلَى بَغْدَادَ، وَإِلَى غَزْنَةَ وَخُرَاسَانَ، وَمدحَ الكِبَار، وَاختصَّ بِنِظَام المُلْكِ (1) ، ثُمَّ سَار إِلَى نَاصر الدّين مُكْرَمِ بنِ العَلاَءِ وَزِيْر كَرْمَان، وَمَعَهُ وَرقَة وَقَعَ لَهُ فِيْهَا المُسْتظهرُ بِاللهِ: يَا أَبَا الهَيْجَاءِ أَبْعَدْتَ النُّجْعَةَ (2) ، أَسْرَعَ اللهُ بِكَ الرَّجْعَةَ، وَفِي ابْنِ العَلاَءِ مَقْنَع، وَطرِيقُهُ فِي الخَيْرِ مَهيَع (3) ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى ابْنِ العَلاَء، أَرَاهُ الورقَةَ، فَقَامَ وَخضعَ لَهَا، وَأَمر فِي الحَالِ لَهُ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، فَلَمَّا أَنشده:
دَعِ العِيْسَ تَذْرَعُ عَرْضَ الفَلاَ ... إِلَى ابْنِ العَلاَءِ وَإِلاَّ فَلاَ
أَمرَ لَهُ بِأَلفِ دِيْنَار أُخْرَى، وَفَرسٍ وَخِلْعَة، ثُمَّ نَزلَ بِهَرَاةَ، وَهَوِيَ بِهَا امْرَأَةً، ثُمَّ مَرِضَ وَتَسَوْدَنَ، وَمَاتَ فِي حُدُوْدِ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَة.
__________
(*) وفيات الأعيان: 5 / 257 - 260، تاريخ الإسلام: 4 / 177، النجوم الزاهرة: 5 / 204.
(1) وقد زوجه نظام الملك ابنته، ولما قتل، رثاه بقوله:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * يتيمة صاغها الرحمان من شرف
عزت فلم تعرف الايام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف
انظر الكامل لابن الأثير: 10 / 206، وابن خلكان: 2 / 130، وأخبار الدولة السلجوقية: 71.
(2) النجعة: طلب الكلا، ومساقط الغيث، ويستعار في غير ذلك، فيقال: فلان نجعتي: أي أملي.
(3) أي: واضح واسع بين، وتمام ما جاء في الورقة كما في ابن خلكان: وما يسديه إليك تستحلي ثمرة شكره، وتستعذب مياه بره.(19/271)
172 - أَبُو غَالِبٍ العَدْلُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، العَدْلُ، الجَلِيْلُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ هَمَذَانَ، أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ القَارِئِ الهَمَذَانِيّ، الخَفَّاف، وُجِدَ سَمَاعُهُ فِي أُصُوْل المُحَدِّثِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي سَعِيْدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن شُبَانَة، وَمَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْبَلِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ النُّهَاوَنْدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَشهردَار بنُ شِيْرَوَيْه، وَأَبُو الكَرَم عَلِيّ بن عبد الكَرِيْم، وَأَظُنُّ أَنَّ الحَافِظ أَبَا العَلاَءِ العَطَّار سَمِعَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَدْركَه، وَحَدَّثَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
لَمْ يَذكُر لَهُ شِيروِيْهِ وَفَاةً، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الشهَادَات.
173 - البَحيْرِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرِو بنِ مُحَمَّدٍ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الأَمِيْنُ، الجَلِيْلُ، أَبُو سَعِيْدٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرِو بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَحِيرِي، النَّيْسَابُوْرِيّ، المُحَدِّثُ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَكَانَ يَقُوْلُ: قَرَأْت (صَحِيْح مُسْلِم) عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ عبدِ الغَافِرِ الفَارِسِيّ (1) أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ مرَّة.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 178، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، شذرات الذهب: 4 / 13 - 14.
(* *) المنتظم: 9 / 158، الكامل في التاريخ: 10 / 456، تاريخ الإسلام: 4 / 164.
(1) الفسوي ثم النيسابوري التاجر: وكان سماعه صحيح مسلم من الجلودي سنة خمسة وستين وثلاث مئة، ترجمه المؤلف في الجزء الثامن عشر رقم (13) ونقل عن حفيده أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل قوله: كان شيخا، ثقة، صالحا، صائنا، محظوظا من الدين والدنيا، مجدودا في الرواية على قلة =(19/272)
سَمِعَ مِنَ: الحَافِظ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مَنْجُوَيْه، وَأَبِي حَسَّانٍ المُزَكِّي، وَأَبِي العَلاَءِ صَاعِدِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعبد الرَّحْمَن النَّصْرَوِي.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَامِع، وَأَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعَ بِإِفَادته خلقٌ، وَتَفَقَّهَ عَلَى نَاصر العُمَرِيّ، وَكَانَ يَقرَأُ دَائِماً (صَحِيْحَ مُسْلِم) لِلْغربَاء وَالرَّحَالَة، وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ نَظِيفاً عَفِيْفاً، اشْتَغَل بِالتِّجَارَة، وَبُورِكَ لَهُ فِيْهَا، وَحصَّل مَالاً.
تُوُفِّيَ: فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْس مائَة بِنَيْسَابُوْرَ. أَملَى مَجَالِسَ.
__________
= سماعه، مشهورا، مقصودا من الآفاق، سمع منه الأئمة والصدور، وقرأ الحافظ الحسن السمرقندي عليه صحيح مسلم نيفا وثلاثين مرة، وقرأه عليه أبو سعيد البحيري نيفا وعشرين مرة، وممن قرأه عليه من مشاهير الأئمة زين الإسلام أبو القاسم القشيري والواحدي وغيرهما، استكمل خمسا وتسعين سنة، وتوفي سنة 448 هـ.
وأبو الحسن هذا روى صحيح مسلم عن الشيخ الصالح الزاهد عيسى بن محمد بن عبد الرحمان الجلودي، عن الفقيه الزاهد المجتهد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري، عن الامام مسلم بن الحجاج القشيري، وأورد الامام النووي في مقدمة شرح مسلم: 1 / 6، 10 إسناده منه إلى الامام مسلم، فقال: أخبرنا بجميع صحيح مسلم بن الحجاج رحمه الله الشيخ الامين العدل الرضى أبو إسحاق إبراهيم بن أبي حفص، عمر بن مضر الواسطي رحمه الله بجامع دمشق حماها الله وصانها وسائر بلاد الإسلام وأهله، قال: أخبرنا الامام ذو الكنى أبو القاسم، أبو بكر، أبو الفتح منصور بن عبد المنعم الفراوي، قال: أخبرنا الامام فقيه الحرمين أبو جدي أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر الفارسي، قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، أخبرنا الامام أبو الحسين مسلم بن الحجاج رحمه الله، ثم ترجم لكل واحد منهم على سبيل الاختصار فراجعه.(19/273)
174 - أُبَيٌّ النَّرْسِيُّ أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُفِيْدُ، المُسْنِدُ، مُحَدِّثُ الكُوْفَة، أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَيْمُوْنِ بن مُحَمَّدٍ النَّرْسِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُقْرِئُ، المُلَقَّب بِأُبَيٍّ لِجُوْدَةِ قِرَاءته.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلَوِيّ، وَأَبَا طَاهِر مُحَمَّد بن العَطَّار، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ فَدُويه، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ خَازِمِ بن نَفّط، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ حَبِيْبٍ القَادسِي، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَالقَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن السَّوَّاق، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة المجَاورَة، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن بُنْدَار الشِّيرَازِي، وَأَبَا الحَسَنِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيّ، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ قَفَرْجَل، وَأَبَا الفَتْح بن شِيْطَا، وَخَلْقاً سِوَاهُم، وَسَمِعَ بِالشَّامِ لمَا زَار بَيْتَ المَقْدِسِ، وَكَانَ يَنوبُ عَنْ خطيب الكُوْفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الفَقِيْه نَصْرُ بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ مَعَ تَقَدُّمِهِ، وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَمعَالِي بن أَبِي بَكْرٍ الكيَّال، وَمُسْلِم بن ثَابِتٍ، وَمُحَمَّد بن حَيْدرَة الحُسَيْنِيّ، وَعِدَّة.
وَتَلاَ عَلَيْهِ لعَاصِم (1) :أَبُو الْكَرم الشَّهْزُورِي بِحقِّ قِرَاءته
__________
(*) المنتظم: 9 / 189، تاريخ الإسلام: 4 / 198، دول الإسلام: 2 / 37، العبر: 4 / 22، تذكرة الحفاظ: 4 / 1260 - 1262، المستفاد: 28 - 30، الوافي: 4 / 143 - 144، عيون التواريخ: 13 / 329، النجوم الزاهرة: 5 / 212، طبقات الحفاظ: 458، شذرات الذهب: 4 / 29، هدية العارفين: 2 / 83.
(1) ابن بهدلة الكوفي الحناط مولى بني أسد، شيخ الاقراء بالكوفة، وأحد القراء السبعة المتوفى سنة 128 هـ تقدمت ترجمته في الجزء الخامس رقم (119) .(19/274)
عَلَى العَلَوِيّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الجُعْفِيّ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحُمَيْدِيّ، وَجَعْفَر الحكَّاك، وَابْنُ الخَاضبَة، وَأَبُو مُسْلِمٍ عُمَر بن عَلِيٍّ اللَّيْثِيّ، وَعبدُ الْمُحسن الشِّيحِي.
وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ (مُعْجَماً) ، وَنَسخَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَقرَأُ عَلَى المَشَايِخ وَأَنَا صَبِيّ، فَقَالَ النَّاسُ: أَنْتَ أُبَيّ، لِجُوْدَةِ قِرَاءتِي، وَأَوّل سَمَاعِي فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، وَلحقت البَرْمَكِيّ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ ثَلاَثَةَ أَجزَاء وَمَاتَ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: كَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ ثَاقبَة، وَوصفه بِالحِفْظ وَالإِتْقَان.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ ثِقَةً حَافِظاً، مُتْقِناً، مَا رَأَينَا مِثْلَه (1) ، كَانَ يَتَهَجَّدُ، وَيَقومُ اللَّيْلَ، قرَأَ عَلَيْهِ أَبُو طَاهِرٍ بنُ سِلَفَة حَدِيْثاً، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثي، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَعْرِفُ حَدِيْثي كُلَّهُ، لأَنِّي نَظَرتُ فِيْهِ مِرَاراً، فَمَا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْهُ شَيْء.
وَكَانَ يَقْدَمُ كُلَّ سَنَةٍ مِنَ الكُوْفَةِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ فِي رَجَبٍ، فَيَبقَى بِبَغْدَادَ إِلَى بَعْدِ الْفطر، وَيَرْجِعُ، وَكَانَ يَنسَخُ بِالأُجرَة، يَسْتَعِينُ عَلَى العِيَال، وَكَذَا كَانَ أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي يُثنِي عَلَيْهِ، وَيَقُوْلُ: خُتِمَ هَذَا الشَّأْنُ بِأُبَيٍّ - رَحِمَهُ اللهُ -.
مَرِضَ أُبَيٌّ بِبَغْدَادَ، وَحُمِلَ، فَأَدْرَكَهُ الأَجَلُ بِالحِلَّة، وَحُمِلَ إِلَى الكُوْفَةِ مَيتاً، فَدُفِنَ بِهَا، مَاتَ يَوْمَ سَادسَ عشَرَ شَعْبَان، سَنَة عَشْرٍ وَخَمْس مائَة.
قُلْتُ: عَاشَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) النص في " الوافي ": 4 / 144 عن ابن ناصر: ما رأيت مثل أبي الغنائم بن النرسي في ثقته، وحفظه، ما كان أحد يقدر أن يدخل في حديثه ما ليس منه.(19/275)
وَلأَبِي الفَرَج بن كُلَيْبٍ مِنْهُ إِجَازَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: مُسْنِدُ زَمَانِهِ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَيَان الرَّزَّاز، وَمُسْنِدُ زَمَانِهِ أَبُو بَكْرٍ عبدُ الغفَّار بن مُحَمَّدٍ الشّيروِي (1) ، وَمُحَدِّثُ وَاسِط خَمِيْس الحَوْزِي (2) ، وَأَبُو الخَيْرِ المُبَارَكُ بن الحُسَيْنِ الغسَال المُقْرِئُ (3) ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحِنَّائِي (4) ، وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ (5) ، وَمَحْمُوْدُ بنُ سعَادَة السّلمَاسِي، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بن أَحْمَدَ الحَنَفِيّ (6) بِهَرَاةَ.
175 - الأَعْمَش أَبُو العَلاَءِ حَمدُ بنُ نَصْرِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ هَمَذَان، أَبُو العَلاَءِ حَمْدُ بن نَصْرِ بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، الأَدِيْبُ، المَعْرُوف بِالأَعْمَشِ، ذَكَرَهُ شِيْرَوَيْه، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي مُسْلِمٍ بن غزْو النُّهَاوندي، وَعُبيدِ الله ابْن الحَافِظِ بن مَنْدَه، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ مَاهله - وَاسْمُهُ هَارُوْنَ - وَعَلِيِّ بنِ حُمَيْدٍ الحَافِظ، وَطَبَقَتِهِم.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (153) .
(2) سترد ترجمته برقم (205) .
(3) سترد ترجمته برقم (211) .
(4) سترد ترجمته برقم (255) .
(5) سترد ترجمته برقم (214) .
(6) سترد ترجمته برقم (232) .
(*) مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة: 223، تاريخ الإسلام: 4 / 207، تذكرة الحفاظ: 4 / 1250، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 141 - 142، طبقات الحفاظ: 454، شذرات الذهب: 4 / 31.(19/276)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: أَجَازَ لِي مَرْوِيَّاتِهِ، وَكَانَ عَارِفاً بِالحَدِيْثِ، حَافِظاً ثِقَة، مُكْثِراً، سَمِعَ بِنَفْسِهِ وَأَملَى، مَاتَ فِي عَاشر شَوَّال، سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ حَمْدُ بنُ نَصْرِ بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَعْرُوف.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ المُقْرِئ، وَجَمَاعَة، وَكَانَ بَصِيْراً بِمَذْهَب أَحْمَد، نَاصِراً لِلسُّنَّة، وَافِرَ الحُرْمَةِ بِبلده، بارعَ الأَدب.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عبد الكَرِيْم المُحْتَسِب (1) ، أَخْبَرَنِي نَصْرُ بنُ جَرْوٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، سَمِعْتُ حَمْدَ بنَ نَصْرٍ الحَافِظ بهَمَذَان، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُمَيْد الحَافِظ، سَمِعْتُ طَاهِر بنَ عَبْدِ اللهِ الحَافِظ، سَمِعْتُ حَمْدَ بنَ عُمَرَ الزجَاج الحَافِظ يَقُوْلُ:
لَمَّا أَملَى صَالِحُ بن أَحْمَدَ التَّمِيْمِيّ الحَافِظ بهَمَذَانَ كَانَتْ لَهُ رحَىً، فَبَاعهَا بِسَبْعِ مائَة دِيْنَارٍ، وَنَثَرهَا عَلَى مَحَابر أَصْحَابِ الحَدِيْث.
رَوَاهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ السِّلَفِيّ.
176 - ابْنُ الآبَنُوسِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بن
__________
(1) ترجمة المؤلف في مشيخته الورقة 12، فقال: أحمد بن عبد الكريم بن غازي أبن أحمد الفقيه، أبو العباس الواسطي المصري المعروف بابن الاغلاقي، سمع من عبد القوي بن الحباب، ونصر بن جرو، وابن باقا، وعبد الغفار بن شجاع المحلي، وأبي البركات هبة الله بن محمد المقدسي، ومكرم القرشي، مولده في سنة تسع أو سنة عشر وست مئة، وكان ينوب في الحسبة بالقاهرة، ويؤم بمسجد بين القصرين، ثم وجدت بعد أنه ولد سنة ست عشرة وست مئة، وأن جده عرف بالاغلاقي، لكونه كان يأمر غلمانه بالاحتراز بغلق الابواب، توفي في صفر سنة ست وتسعين وست مئة.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 173، العبر: 4 / 9، المستفاد: 147 - 148، عيون التواريخ: 13 / 270، شذرات الذهب: 4 / 10.(19/277)
مُحَمَّد بن الآبَنُوسِيِّ، البَغْدَادِيُّ، وَالِدُ الفَقِيْهِ أَبِي الحَسَنِ أَحْمَد بن الآبَنُوسِي.
كَانَ مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ التَّنُوخِي، وَأَبِي طَالِبٍ العُشَارِي، وَأَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ بِشْرَان، وَابْنِ مَكِّيٍّ السَّوَّاقِ، وَسَمِعَ (تَارِيخ الخَطِيْب) مِنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْجِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ الحُلْوَانِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَكَانَ أَحَدَ الوُكلاَءِ عِنْدَ الدَّامغَانِي.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ لاَ أَسْمَعُ مُدَّةً مِنَ التَّنُوْخِيّ لِمَا أَسْمَعُ مِنْ مَيْله إِلَى الاعتزَال، ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْهُ، وَصِرْتُ عِنْدَهُ أَعزَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ يُسَمِّينِي: يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ.
مَاتَ ابْنُ الآبَنُوسِي: فِي سَادس عشر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة.
قَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ ثِقَةً مَسْتُوْراً، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَة بِالحَدِيْثِ وَقوَانِينه الَّتِي لاَ يَعْرِفُهَا إِلاَّ مَنْ طَالَ اشتغَالُهُ بِهِ، وَكَانَ ثِقَةً شَافعيّاً، كَتَبنَا عَنْهُ بَانتقَاء البَردَانِي.
وَابْنه:
177 - أَبُو الحَسَنِ الآبَنُوْسِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ الآبَنُوْسِي الشَّافِعِيّ، الوَكِيْل.
__________
(*) المنتظم: 10 / 126، تاريخ الإسلام: الورقة: 58، العبر: 4 / 114، وذكره الامام الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1294، الوافي بالوفيات: 7 / 114، طبقات السبكي: 6 / 21، شذرات الذهب: 4 / 130.(19/278)
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ (466) .
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْل بنَ مَسْعَدَةَ الإِسْمَاعِيْلِي، وَمُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَرِزْقَ اللهِ، وَعِدَّةً.
وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي: مُحَمَّد بن المُظَفَّر الشَّامِيّ، وَنظر فِي الاعتزَال، ثُمَّ أَنقذه الله (1) وَتسنَّنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنتُهُ شرفُ النِّسَاء، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيّ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ: لأَبِي مَنْصُوْرٍ بن عفيجَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: فَقِيْهٌ، مفتٍ، زَاهِدٌ، اخْتَار الخمُوْلَ وَتَرَكَ الشُّهرَةَ، وَكَانَ كَثِيْرَ الذِّكر، تَاركاً لِلتَّكلِيف (2) .
قُلْتُ: جمع وَصَنَّفَ، وَدَعَا إِلَى السّنَة.
قِيْلَ: كَانَ لاَ يَأْتِي الجُمُعَةَ، وَمَا عُلِمَ عُذْرُهُ، وَلاَ رُؤيَ فِي مَسْجِد.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
178 - الشَّقَّانِي أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ (3) *
الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، مفِيدُ نَيْسَابُوْر، أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحسنوِي، النَّيْسَابُوْرِيّ، الشَّقَّانِي، أَحَدُ مَنْ أَفنَى عُمُره فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَطَالَ عُمُرُهُ وَتَفَرَّد.
__________
(1) بسبب صحبته لأبي الحسن بن الزاغوني، شيخ ابن الجوزي كما في " المنتظم ". 1 / 126.
(2) في " الوافي ": 7 / 112: واعتزل عن الناس، فلا يدخل عليه أحد قبل صلاة الظهر، واشتغل بالاذكار والاوراد، ويكون بعد الظهر متفرغا لمن يقرأ عليه الحديث أو الفقه.
(3) ضبطت الشين بالاصل بالفتح، وهو المشهور، والصحيح كسرها كما تقدم في التعليق (3) ص 244.
(*) السياق: الورقة / 73 ب، الأنساب: 7 / 360، معجم البلدان: 3 / 354، المنتخب: الورقة / 118 ب، اللباب: 2 / 202.(19/279)
سَمِعَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حَمْدَان النَّصروِي، وَمُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ المزكِي، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ التَّمِيْمِيّ، وَأَبَا حسَان مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ، فَمَنْ بَعْدَهُم، وَقَلَّ أَنْ يُوجد جُزْء إِلاَّ وَقَدْ سَمِعَهُ، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِحْلَةً.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَعُمَرُ أَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَعبدُ الرَّحِيْم بن الاخوَة، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ - فِيمَا أُرَى - وَكَانَ وَالِدُهُ أَبُو العَبَّاسِ مِنْ عُلَمَاء وَقته، وَلَهُ وَلدَان: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد، وَأَحْمَدُ؛ يَرويَان الحَدِيْثَ.
179 - القُشَيْرِيّ أَبُو مُحَمَّدٍ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المَأْمُوْنُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ القُشَيْرِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ، المُعَدَّل، الصُّوْفِيّ.
سَمِعَ: العَلاَّمَة عبدَ القَاهِر البَغْدَادِيّ، وَعبدَ الرَّحْمَن بن حَمْدَان النَّصروِي، وَأَبَا حسَان المُزَكِّي، وَعبدَ الغَافِر الفَارِسِيّ، وَهُوَ أَخُو عُبيد القُشَيْرِيّ.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ لَمَّا حَجَّ، فَرَوَى عَنْهُ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ السَّلاَم الكَاتِب، وَغَيْرهُ.
تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ خَيِّراً فَاضِلاً، حَسنَ السَّمتِ، مِنْ شُهُودِ نَيْسَابُوْر الكِبَار.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 179، العبر: 4 / 11، شذرات الذهب: 4 / 14.(19/280)
180 - الأَنْبَارِيّ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
كَبِيْرُ الوُعَّاظ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْبَارِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الشرمقَانِي، وَأَظُنُّهُ آخِرَ أَصْحَابه.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ غَيْلاَنَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَجَمَاعَة.
وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي يَعْلَى حَتَّى بَرَعَ فِي مَذْهَب أَحْمَد، وَكَانَ دَيِّناً صَالِحاً، عذبَ الأَلْفَاظ، طَيِّبَ التِّلاَوَة، مِنْ أَعْيَانِ العُلَمَاء، أَفْتَى، وَدرَّس، وَوعظ بِجَامِع القَصْر، وَجَامِع المَنْصُوْر، وَجَامِعِ المهدِي، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَنسخ الأَجزَاءَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو البَرَكَات بن السَّقَطِيّ، وَعبدُ الخَالِق اليُوسُفِي، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ خَضِيرٌ، وَآخَرُوْنَ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، وَشيَّعَهُ الخلقُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (1) -.
وَمَا أَسْتحضر أَحَداً قرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات.
__________
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 257 - 258، المنتظم: 9 / 176، تاريخ الإسلام: 4 / 182، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 110 - 111، المنهج الاحمد 2 / 229، شذرات الذهب: 4 / 17 - 18.
(1) قال أبو الحسين صاحب الطبقات: 2 / 258: وصليت عليه إماما بجامع المنصور في المقصورة، وشيعته إلى مقبرة إمامنا أحمد رحمة الله عليه. قال: وحدث عن الوالد بكثير من سماعاته ومصنفاته.(19/281)
181 - السَّقَطِيُّ أَبُو البَرَكَات هِبَةُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُوْسَى *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، مفِيدُ بَغْدَاد، أَبُو البَرَكَات هِبَةُ اللهِ بن المُبَارَكِ بن مُوْسَى البَغْدَادِيّ، السَّقَطِيّ صَاحِب (المُعْجَم) الضَّخْم (1) .
كتب عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ وَخَرَّجَ وَجَمَعَ وَتَنَبَّه، لَكنَّه ضَعِيْف، قَلِيْلُ الإِتْقَان.
سَمِعَ: القَاضِي أَبَا يَعْلَى، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَعبدَ الصَّمد بن المَأْمُوْن، وَأَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الدَّجَاجِي، وَجَابِرَ بن يَاسينَ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَهنَاداً النَّسفِي، فَمَنْ بَعْدهُم.
وَرَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَالمَوْصِل وَالجِبَال، وَبَالَغَ وَبحث عَنِ الشُّيُوْخ حَتَّى كتب عَمَّنْ هُوَ دُوْنَهُ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ وَجيه، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَالشَّيْخُ عَبْد القَادِر، وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ، وَالسِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَخْبَرْنَا ابْنُ رَوَاج، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيّ بِوَاسِط، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّد.
__________
(*) الأنساب: 7 / 92، المنتظم: 9 / 183، الكامل: 10 / 515، تاريخ الإسلام: 4 / 195، العبر: 4 / 19، المستفاد: 249 - 250، ميزان الاعتدال: 4 / 292، الوافي بالوفيات (خ) : 27 / 130 - 131، البداية والنهاية: 12 / 179، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 114، لسان الميزان: 6 / 189 - 190، كشف الظنون: 1735، شذرات الذهب: 4 / 26، إيضاح المكنون: 2 / 109.
(1) قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 114: هو في نحو ثمانية أجزاء ضخمة، وجمع تاريخا لبغداد ذيل به على تاريخ الخطيب.(19/282)
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ هِبَةَ اللهِ بن السَّقَطِيّ عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، سَمِعَ كَثِيْراً، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الحِفْظ وَالمَعْرِفَة، وَشعره حسن، رَأَيْتهُ بِأَصْبَهَانَ لَمَّا قَدِمَ مَعَ رزق الله يَقرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ.
قَالَ ابْنُ فولاَذ: ذَاكرتُ شُجَاعاً الذُّهْلِيّ برِوَايَة السَّقَطِيّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، فَقَالَ: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ، وَضَعَّفه فِيْهِ جِدّاً (1) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلْتُ ابْنَ نَاصر عَنِ السَّقَطِيّ: أَكَانَ ثِقَةً؟
قَالَ: لاَ وَاللهِ، ظهر كذبُهُ (2) ، وَهُوَ مِنْ سَقَطِ المَتَاع.
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَة.
182 - الأَبِيوَرْدِيُّ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الأُسْتَاذُ، العَلاَّمَةُ، الأَكملُ، أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَد بن
__________
(1) في المنتظم: 9 / 183: وكان فيه فضل ومعرفة وأنس بالحديث، فجمع الشيوخ، وخرج التاريخ، وأرخ، ولكنه أفسد ذلك بأن ادعى سماعا ممن لم يره، منهم أبو محمد الجوهري، فإنه لا يحتمل سنه السماع منه، وفي تاريخ ابن النجار كما في " اللسان " 6 / 190: ورأيت بخط السلفي جزءا سمعه من هذا الرجل مفتعلا وأسانيده مركبة، ولم أجد فيه إسنادا صحيحا بل كله ظاهر الصنعة، وقال ابن رجب في ذيل الطبقات: 1 / 114: كتب عن أصحاب الدارقطني، وابن شاهين، والمخلص، وابن حبابة، والحربي، وطبقتهم، ومن دونهم، حتى كتب عن أقرانه ومن دونه، وزاد به الشره في هذا الامر حتى ادعى السماع من شيوخ لم يسمع منهم، ولا يحتمل سنه السماع منهم كأبي محمد الجوهري وغيره.
(2) وفي المنتظم: 9 / 183: وسئل شيخنا ابن ناصر عنه، فقالوا: أثقة هو؟ فقال: لا والله حدث بواسط عن شيوخ لم يرهم، فظهر كذبه عندهم.
(*) الأنساب: 535، المنتظم: 9 / 176، معجم الأدباء: 17 / 234 - 266، معجم البلدان: 1 / 86، اللباب: 3 / 230، الكامل في التاريخ: 10 / 500، إنباه الرواة: 3 / 49 - 52، وفيات الأعيان: 4 / 444 - 449، تاريخ أبي الفداء: 2 / 227، تاريخ الإسلام: 4 / 182، العبر: 4 / 14، تذكرة الحفاظ: 4 / 1241، تتمة المختصر: 2 / 37، الوافي بالوفيات: 2 / 91 - 93، عيون التواريخ: 13 / 288 - 294، مرآة الزمان: 8 / 29 - 30، مرآة الجنان: 3 / 196، طبقات السبكي: 6 / 81 - 84، البداية والنهاية: 12 / 176، طبقات ابن قاضي شهبة: 14 - 16، النجوم الزاهرة: =(19/283)
مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بن مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بن الحَسَنِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ بنِ عَنْبَسَةَ بنِ عُتْبَةَ بنِ عُثْمَانَ بنِ عَنْبَسَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ بن حَرْب بن أُمَيَّةَ الأُمَوِيّ، العَنبسِي، المُعَاوِيّ، الأَبِيوَرْدي (1) ، اللُّغَوِيّ، شَاعِرُ وَقته، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، فَالوَاسِطَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سُفْيَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَباً.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْل بنَ مَسْعَدَةَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ الشِّيرَازِي، وَمَالِكَ بنَ أَحْمَدَ البَانِيَاسِيّ، وَأَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ عبدِ القَاهِر الجُرْجَانِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ طَاهِر المَقْدِسِيّ، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه: سُئِلَ الأَدِيْب أَبُو المُظَفَّرِ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَات، فَقَالَ: تُقَرُّ وَتُمَرُّ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: صَنّف كِتَاب (الْمُخْتَلف) ، وَكِتَاب (طَبَقَات العِلْم) ، وَكِتَاب (أَنسَاب الْعَرَب) ، وَلَهُ فِي اللُّغَة مُصَنَّفَات مَا سُبِقَ إِلَيْهَا.
قُلْتُ: (دِيْوَانُهُ) كَبِيْر (2) ، وَهُوَ أَقسَام: العِرَاقيَات، وَالنّجديَات، وَالوجديَات، وَعَمِلَ (تَارِيخاً) لأَبِيوَرْد.
__________
= 5 / 206 - 207، بغية الوعاة: 1 / 40 - 41، كشف الظنون: 397 - 945، شذرات الذهب: 4 / 18 - 20، الفلاكة والمفلوكين: 66، روضات الجنات: 185، هدية العارفين: 2 / 81 - 82، أعيان الشيعة: 43 / 261 - 262.
(1) بفتح أوله وكسر ثانيه وياء ساكنة، وفتح الواو، وسكون الراء، ودال مهملة نسبة إلى أبيورد، ويقال لها: أبا ورد، وباورد، وهي من بلاد خراسان بين سرخس ونسا، وقد فتحها المسلمون سنة 31 هـ بقيادة عبد الله بن عامر بن كريز، ويقال: الاحنف بن قيس.
(2) وقد نشره مجمع اللغة العربية بدمشق في مجلدين بتحقيق الدكتور عمر الاسعد سنة 1974.(19/284)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِد يَقُوْلُوْنَ: كَانَ الأَبِيوَرْدِي يَقُوْلُ فِي صَلاَتِهِ: اللَّهُمَّ ملِّكْنِي مشَارق الأَرْض وَمَغَارِبَهَا.
قُلْتُ: هُوَ ريَّان مِنَ العُلُوْم، مَوْصُوْفٌ بِالدّين وَالوَرَع، إِلاَّ أَنَّهُ تيَّاهُ، مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ، قَدْ قَتَلَهُ حُبُّ السُّؤْدُدِ، وَكَانَ جَمِيْلاً لبَّاساً لَهُ هيئَة وَرُوَاء، وَكَانَ يَفتخِرُ، وَيَكْتُب اسْمَه: العبشمِي المُعَاوِيّ.
يُقَالُ: إِنَّهُ كتب رُقعَة إِلَى الخَلِيْفَة المُسْتظهِر بِاللهِ، وَكَتَبَ: المَمْلُوْكُ المُعَاوِيّ (1) ، فَحكَّ المُسْتظهر المِيم، فَصَارَ العَاوِي، وَردَّ الرُّقعَة إِلَيْهِ.
قَالَ حَمَّادٌ الحَرَّانِيّ: سَمِعْتُ السِّلَفِيّ يَقُوْلُ:
كَانَ الأَبِيْوَرْدِي - وَاللهِ - مِنْ أَهْلِ الدّين وَالخَيْرِ وَالصَّلاَحِ وَالثِّقَة، قَالَ لِي: وَاللهِ مَا نمتُ فِي بَيْت فِيْهِ كِتَابُ اللهِ، وَلاَ حَدِيْثُ رَسُوْل اللهِ احترَاماً لَهُمَا أَنْ يَبْدُوَ مِنِّي شَيْءٌ لاَ يَجُوْز.
أَنشدنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَنشدنَا الأَبِيوَرْدِي لِنَفْسِهِ:
وَشَادِنٍ زَارَنِي عَلَى عَجَلٍ ... كَالبَدْرِ فِي صَفْحَةِ الدُّجَى لَمَعَا
فَلَمْ أَزَلْ مُوْهِناً أُحَدِّثُهُ ... وَالبَدْرُ يُصْغِي إِلَيَّ مُسْتَمِعَا
وَصَلْتُ خَدِّي بِخَدِّهِ شَغَفاً ... حَتَّى التَقَى الرَّوْضُ وَالغَدِيْرُ مَعَا (2)
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي (السِّيَاقِ) :فَخْرُ العربِ أَبُو المُظَفَّرِ الأَبِيوَرْدِي الكُوفَنِي (3) ، الرَّئِيْسُ الأَدِيْبُ، الكَاتِب النَسَّابَةُ، مِنْ مَفَاخر الْعَصْر،
__________
(1) نسبة إلى معاوية الاصغر المقدم ذكره في عمود نسبه، وهو معاوية بن محمد بن عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان.
(2) لم ترد هذه الابيات في ديوانه المطبوع.
(3) نسبة إلى كوفن: بليدة صغيرة على ستة فراسخ من أبيورد بخراسان بناها أمير خراسان عبد الله بن طاهر بن الحسين في خلافة المأمون، وهي مسقط رأس أبي المظفر ومنشؤوه.(19/285)
وَأَفَاضِلِ الدَّهْر، لَهُ الفَضَائِلُ الرَّائِقَة، وَالفُصولُ الفَائِقَة، وَالتَّصَانِيْفُ المُعجزَة، وَالتَّوَالِيفُ المُعجِبَة، وَالنَّظْمُ الَّذِي نَسخَ أَشعَارَ المُحْدَثِيْنَ، وَنسجَ فِيْهِ عَلَى مِنوَال المعرِي، وَمَنْ فَوْقَه مِنَ المفلقين (1) ، رَأَيْتُهُ شَابّاً قَامَ فِي درسِ إِمَام الحَرَمَيْنِ مرَاراً، وَأَنشَأَ فِيْهِ قصَائِد كباراً، يَلْفِظُهَا كَمَا يَشَاء زَبَداً مِنْ بَحر خَاطِره كَمَا نشَاء، مُيَسَّرٌ لهُ الإِنشَاء، طَوِيْلُ النَفْس، كَثِيْرُ الحِفْظِ، يَلتَفِتُ فِي أَثْنَاء كلاَمه إِلَى الفِقَرِ وَالوقَائِع، وَالاستنباطَات الغرِيبَة، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى العِرَاقِ، وَأَقَامَ مُدَّةً يَجْذِبُ فَضلَه بِضَبْعِهِ، وَيَشتهر بَيْنَ الأَفَاضِل كَمَالُ فَضله، وَمتَانَةُ طبعه، حَتَّى ظهر أَمرُه، وَعلاَ قدرُه، وَحصل لَهُ مِنَ السُّلْطَان مَكَانَةٌ وَنعمَة، ثُمَّ كَانَ يَرْشُحُ مِنْ كلاَمه نوعُ تَشبُّثٍ بِالخِلاَفَةِ، وَدعوَةٌ إِلَى اتِّبَاع فَضلِه، وَادَّعَاء اسْتحقَاقِ الإِمَامَة، تبيضُ وَسَاوسُ الشَّيْطَانِ فِي رَأْسِهِ وَتُفَرِّخُ، وَتَرفَعُ الكِبْرَ بِأَنفِهِ وَتَشْمَخُ، فَاضطره الحَالُ إِلَى مُفَارَقَةِ بَغْدَادَ، وَرَجَعَ إِلَى هَمَذَانَ، فَأَقَامَ بِهَا يُدَرِّسُ وَيُفِيدُ، وَيُصَنِّفُ مُدَّة.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
وَهيفَاءَ لاَ أُصْغِي إِلَى مَنْ يَلُوْمُنِي ... عَلَيْهَا وَيُغْرِينِي بِهَا أَنْ يَعِيبَهَا (2)
أَمِيْلُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيَّ إِذَا بَدَتْ ... إِلَيْهَا وَبَالأُخْرَى أُرَاعِي رَقِيْبَهَا
وَقَدْ غَفَلَ الوَاشِي فَلَمْ يَدْرِ أَنَّنِي ... أَخَذْتُ لِعَيْنِي مِنْ سُلَيْمَى نَصِيْبَهَا (3)
وَلَهُ:
أَكَوْكَبٌ مَا أَرَى يَا سَعْدُ أُمْ نَارُ ... تَشُبُّهَا سَهْلَةُ الخَدَّيْنِ مِعْطَارُ
بَيْضَاءُ إِنْ نَطَقَتْ فِي الحيِّ أَوْ نَظَرَتْ ... تَقَاسَمَ الشَّمْسَ أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارُ
__________
(1) أي: من المجيدين، من أفلق في الامر إذا كان حاذقا به.
(2) في " وفيات الأعيان ": أعيبها.
(3) ديوانه: 2 / 193، ووفيات الأعيان: 4 / 446، وعيون التواريخ: 13 / 146 / 1.(19/286)
وَالرَّكْبُ يَسرُوْنَ وَالظَّلْمَاء رَاكِدَةٌ ... كَأَنَّهُم فِي ضَمِيْرِ اللَّيْلِ أَسرَارُ
فَأَسرَعُوا وَطُلا الأَعْنَاقِ مَائِلَةٌ ... حَيْثُ الوَسَائِدُ لِلنُّوَّامِ أَكْوَارُ (1)
وَلَهُ:
تَنَكَّرَ لِي دَهْرِي وَلَمْ يَدْرِ أَنَّنِي ... أَعِزُّ وَأَحْدَاثُ الزَّمَانِ تَهُونُ
فَبَاتَ يُرِينِي الخَطْبَ كَيْفَ اعتِدَاؤُهُ ... وَبِتُّ أُرِيهِ الصَّبْرَ كَيْفَ يَكُوْنُ (2)
وَلَهُ:
نَزَلْنَا بِنُعْمَانِ الأَرَاكِ وَلِلنَّدَى ... سَقِيْطٌ بِهِ ابْتَلَتْ عَلَيْنَا المَطَارِفُ
فَبِتُّ أُعَانِي الوَجْدَ وَالرَّكْبُ نُوَّمٌ ... وَقَدْ أَخَذَتْ مِنَّا السُّرَى وَالتَّنَائِفُ
وَأَذْكُرُ خُوْداً إِنْ دَعَانِي عَلَى النَّوَى ... هَوَاهَا أَجَابَتْهُ الدُّمُوعُ الذَّوَارِفُ
لَهَا فِي مَغَانِي ذَلِكَ الشِّعْبِ مَنْزِلٌ ... لَئِنْ أَنْكَرَتْهُ العَيْنُ فَالقَلْبُ عَارِفُ (3)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ: أَنشدنَا أَبُو المُظَفَّرِ الأَبِيوَرْدِي لنَفسِهِ:
يَا مَنْ يُسَاجِلُنِي وَلَيْسَ بِمُدْرِكٍ ... شَأوِي وَأَيْنَ لَهُ جَلاَلَةُ مَنْصِبِي
لاَ تَتْعَبَنَّ فَدُوْنَ مَا حَاوَلْتَه ... خَرْطُ القَتَادَةِ وَامْتِطَاءُ الكَوْكَبِ
وَالمَجْدُ يَعْلَمُ أَيُّنَا خَيْرٌ (4) أَباً ... فَاسْأَلْهُ تَعْلَمْ (5) أَيُّ ذِي حَسَبٍ أَبِي
__________
(1) لم ترد الابيات في ديوانه.
(2) ديوانه: 2 / 55، ومعجم الأدباء: 17 / 246، ووفيات الأعيان: 4 / 446، والوافي بالوفيات: 2 / 92، وعيون التواريخ: 13 / 146 / 1، ومرآة الزمان: 8 / 49، والمنتظم: 9 / 177، والنجوم الزاهرة: 5 / 207، وطبقات السبكي: 6 / 83، والبداية والنهاية: 12 / 176.
(3) وفيات الأعيان: 4 / 447، وعيون التواريخ: 13 / 146 / 2، وهي من نجدياته، ولم ترد في الديوان.
(4) في الأصل خيرا وهو خطأ، والتصويب من الديوان، والطبقات.
(5) في الأصل " يعلم " والمثبت من الديوان والطبقات.(19/287)
جَدِّي مُعَاوِيَةُ الأَغَرُّ سَمَتْ بِهِ ... جُرْثُوْمَةٌ مِنْ طِيْنِهَا خُلِقَ النَّبِي
وَرّثتُه (1) شرفاً رَفَعْتُ مَنَارَه ... فَبَنُو أُمَيَّةَ يَفخرُوْنَ بِهِ وَبِي (2)
أَنشدنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَنشدنَا الأَبِيوَرْدِيُّ لِنَفْسِهِ:
مَنْ رَأَى أَشْبَاحَ تِبْرٍ ... حُشِيَتْ رِيقَةَ نَحْلَهْ (3)
فَجَمَعْنَاهَا بُدُوراً ... وَقَطَعْنَاهَا أَهِلَّهْ
تُوُفِّيَ الأَبِيوَرْدِي: بِأَصْبَهَانَ مَسْمُوْماً، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة كَهْلاً.
قَالَ قَاضِي القُضَاة عبد الوَاحِد بن أَحْمَدَ الثَّقَفِيّ: أَنشدنَا الأَبِيوَرْدِي:
لَمْ يُبْقِ مِنِّي الحُبُّ غَيْرَ حُشَاشَةٍ ... تَشْكُو الصَّبَابَةَ فَاذْهَبِي بِالبَاقِي
أَيَبِلُّ مَنْ جَلَبَ السَّقَامَ طَبِيْبُهُ ... وَيَفِيْقُ مَنْ سَحَرَتْهُ عَيْنُ الرَّاقِي
إِنْ كَانَ طَرْفُكِ ذَاقَ رِيْقَكَ فَالَّذِي ... أَلْقَى مِنَ المَسْقِيِّ فِعْلُ السَّاقِي
نَفْسِي فِدَاؤُكَ مِنْ ظَلُوْمٍ أُعْطِيَتْ ... رِقَّ القُلُوبِ وَطَاعَةَ الأَحْدَاقِ (4)
__________
(1) في الديوان ومعجم الأدباء وطبقات السبكي: وورثته.
(2) ديوانه: 2 / 152، ومعجم الأدباء: 17 / 262، وطبقات السبكي: 6 / 83.
(3) لم ترد في ديوانه.
(4) معجم الأدباء: 17 / 241، ولم ترد في ديوانه.
ولأبي المظفر قصيدة رائعة يصف فيها ما حل بالمسلمين من قتل وأسر وتشريد وذل وهوان على أيدي الصليبيين الذين احتلوا من بلاد لشام القدس وغيرها، ويستنهض همم الامراء الذين رضوا بالهوان، وتوانوا عن نصرة رعاياهم، ومنابذة عدوهم، واسترداد ما سلب من ديارهم يقول فيها:
مزجنا دماء بالدموع السواجم * فلم يبق منا عرضة للمراحم
وشرح سلاح المرء دمع يفيضه * إذا الحرب شبت نارها بالصوارم =(19/288)
وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ طَاهِر، فَلَمْ يُتقن نسبه، وَقَالَ: كَانَ أَوحدَ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي عُلُوْمٍ عِدَّةٍ.
وَقَدْ عَمِلَ السِّلَفِيّ لَهُ سِيرَةً وَطوَّل، وَقَالَ: كَانَ فِي زَمَانِهِ دُرَّةَ وِشَاحِهِ، وَغُرَّةَ أَوضَاحِهِ، وَمَالِكَ رِقِّ المَعَانِي، فَلِلَّه دَرُّهُ حِيْنَ يَتنَاثرُ مِنْ فِيْهِ دُرُّهُ.
فِي كُلِّ مَعْنَىً يَكَادُ المَيْتُ يَفْهَمُهُ ... حُسْناً وَيَعْبُدُهُ القِرْطَاسُ وَالقَلَمُ
هَذَا مَعَ مَا تَجَمَّع فِيْهِ مِنَ الخَلاَّل الرَّضِيَّةِ، وَالخِصَالِ المرضيَّةِ، كَالتَّبَحُّرِ فِي اللُّغَةِ، وَالتَّقَدُّم فِي النَّحْوِ، وَالمَعْرِفَةِ برِجَالِ الحَدِيْث وَالأَنسَابِ، وَنزَاهَةِ النَفْس، وَالمُوَاظبَةِ عَلَى الشَّرعِ، وَالتَّوَاضعِ الزَّائِد لِلزَّاهِدين، وَالصَّلَفِ التَّام عَلَى أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ نَادِرَةً فِي أَنسَابِ العربِ قَاطبَةً، كَأَنَّهُ
__________
= فإيها بني الإسلام إن وراءكم * وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمة في ظل أمن وغبطة * وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العين ملء جفونها * على هفوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم * ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم * تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
وكم من دماء قد أبيحت ومن دمى * تواري حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبى * وسمر العوالي داميات اللهاذم
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة * تظل لها الولدان شيب القوادم
وتلك حروب من يغب عن غمارها * ليسلم يقرع بعدها سن نادم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى * رماحهم والدين واهي الدعائم
ويجتنبون النار خوفا من الردى * ولا يحسبون العار ضربة لازم
أترضى صناديد الاعاريب بالاذى * ويغضي على ذل كماة الاعاجم
فليتهم إذ لم يذودوا حمية * عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
وإن زهدوا في الاجر إذ حمس الوغى * فهلا أتوه رغبة في الغنائم
لئن أذعنت تلك الخياشيم للبرى * فلا عطسوا إلا بأجدع راغم
انظر الديوان: 2 / 156 - 157.(19/289)
يَغْرِفُ مِنْ بَحرٍ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا دَخَلتُ بَلَداً يُرْوَى فِيْهِ الحَدِيْث إِلاَّ بدَأَتُ بِسمَاعِ شَيْءٍ مِنْهُ قَبْل التَّصدِّي لِشُؤونِي، وَحَفِظتُ كِتَاب (البلغَة) فِي اللُّغَة وَأَنَا صَبِيّ، وَمَا مَقَلْتُ (1) لغوياً قَطُّ، وَأَمَّا النَّحْو، فَعبدُ القَاهِر (2) ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
وَحَكَى لِي الشَّرِيْفُ أَبُو البَقَاءِ خطيبُ جَامِعِ السُّلْطَان قَالَ: كَانَ أَبُو المُظَفَّرِ يُطَالع الرّقعَةَ الطَّوِيْلَة مرَّةً وَاحِدَة، وَيُعيدهَا حِفْظاً.
قَالَ: وَمِمَّنْ كَانَ يُبَالِغُ فِي مَدحه أَبُو نَصْرٍ بنُ أَبِي حَفْصٍ، وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَثعل الأَصْبَهَانِيَّانِ كَاتِبَا الْعَصْر، وَبَلَغَنِي وَأَنَا بِسَلْمَاسَ أَنَّهُ فُوِّض إِلَيْهِ إِشْرَاف المَمَالِك، وَأُحضِرَ عِنْد السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه لِلشخصيَة (3) وَهُوَ عَلَى سرِيرِ المُلكِ، فَارْتَعَدَ مِنْهُ وَوَقَعَ، وَرُفِعَ ميتاً (4) .
قَالَ شِيْرَوَيْه: سَمِعَ الأَبِيوَرْدِي مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ، وَعبدِ القَاهِر الجُرْجَانِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ الشيرَازِي بِالرَّيِّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ مِنْ أَفرَادِ الوَقْتِ الَّذِيْنَ ملكُوا القُلوبَ بِفَضلِهِم، وَعَمَرُوا الصُّدُوْر بودِّهم مُتعصِّباً لِلسُّنَّة وَأَهْلِهَا، وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَة، أَلَّف (تَارِيخَ أَبِيْوَرْدَ وَنَسَا)
__________
(1) في " اللسان " عن اللحياني: ما مقلت عيني مثله مقلا، أي: ما أبصرت ولا نظرت.
(2) هو الجرجاني صاحب " دلائل الاعجاز "، و" أسرار البلاغة "، و" شرح الايضاح " لأبي علي الفارسي.
(3) في طبقات السبكي: 6 / 83: لتشخيصه، وفي " اللسان ": وشخص به: أتى إليه أمر يقلقه، فيقال للرجل إذا أتاه ما يقلقه: قد شخص به كأنه رفع من الأرض لقلقه وانزعاجه، ومنه: شخوص المسافر: خروجه عن منزله.
(4) في " معجم الأدباء ": 17 / 238 نقلا عن العماد الأصبهاني في خريدة القصر: أنه تولى في آخر عمره أشراف مملكة السلطان محمد بن ملكشاه، فسقوه السم وهو واقف عند سرير السلطان، فخانته رجلاه، فسقط وحمل إلى منزله ...(19/290)
وَ (الْمُخْتَلف وَالمُؤتلف) وَ (طَبَقَات العُلَمَاء فِي كُلِّ فَن) وَ (مَا اخْتلف وَائِتلف مِنْ أَنسَاب العربِ) ، وَلَهُ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَة مُصَنَّفَات مَا سُبِقَ إِلَيْهَا، حسنَ السِّيْرَةِ، خَفِيفَ الرّوح، مُتَوَاضِعاً، طِرَازاً لأَهْل الْبَلَد.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: قَدِمَ بَغْدَاد سَنَة ثَمَانِيْنَ، وَلاَزَمَ خزَانَة الكُتُب النّظَامِيَّة، وَكَانَ مِنَ الذّكَاء عَلَى وَصفٍ عَجِيبٍ، كَانَ يَسْمَعُ القصيدَةَ الطَّوِيْلَة فِي نَوْبَةٍ، فَيرويهَا، وَيَتصفَّحُ الكِتَاب مرَّة، فيذكُرُ فَوَائِدَه وَيَحْكِيهَا، كَانَ يُعَابُ بِإِعجَابه بِنَفْسِهِ، وَكَانَ عَفِيْفاً متصوناً، أَكْثَر مِنْ مدَائِح الوَزِيْر أَبِي مَنْصُوْرٍ بن جَهير، فَصَادف مِنْهُ رِفداً جَلِيْلاً، ثُمَّ هَجَاهُ فِي هوَى مُؤيدِ الْملك بن النّظَام، فَسعَى ابْنُ جَهير إِلَى الخَلِيْفَة بِأَنَّهُ قَدْ هجَاك، وَمدح صَاحِبَ مِصْرَ فَأُبيح دَمُهُ، فَهَرَبَ إِلَى هَمَذَان، وَاختلق هَذَا النسبَ حَتَّى ذهب عَنْهُ اسمُ صَاحِب مِصْر، وَيُقَالُ: إِنَّ الْخَطِير الوَزِيْر سَمَّه، فَمَاتَ فَجْأَةً.
قَالَ ابْنُ الخَشَّاب: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحِيْمِ بن الاخوَة ثَلاَثَةَ أَجزَاء مِنْ أَوّل كِتَاب (زَادَ الرِّفَاقِ) لِلأَبِيوَرْدِي، وَهَذَا الكِتَاب - نَعَمْ وَاللهِ - بَارِدُ الْوَضع، مَشُوبٌ أَدبُه بِفُضُولٍ مِنْ عُلُوْمٍ لاَ تُعدُّ فِي الفَضْلِ، دَالَة عَلَى أَنَّ الأَبِيوَرْدِي كَانَ مُمَخْرِقاً مُحِباً لأَنْ يُرَى بِعينِ مُفْتَنٍّ، متشبعاً بِمَا لَمْ يُعْطِ.
وَلأَبِي إِسْمَاعِيْلَ الطُّغْرَائِي (1) يَرْثي الأَبِيوَرْدِي:
إِنْ سَاغَ بَعْدَكَ لِي مَاءٌ عَلَى ظَمَأٍ ... فَلاَ تَجَرَّعْتُ غَيْرَ الصَّابِ وَالصَّبْرِ
أَوْ إِنْ نَظَرْتُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى حَسَنٍ ... مُذْ غِبْتَ عَنِّي فَلاَ مُتِّعْتُ بِالنَّظَرِ
__________
(1) الطغرائي: بضم الطاء المهملة، وسكون الغين المعجمة، وفتح الراء - هذه النسبة إلى من يكتب الطغرى، وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه، وهي لفظة أعجمية. ابن خلكان: 2 / 190.(19/291)
صَحِبْتَنِي وَالشَّبَاب الغَضُّ ثُمَّ مَضَى ... كَمَا مَضَيْتَ فَمَا فِي العَيْشِ مِنْ وَطَرِ
هَبْنِي بَلَغْتُ مِنَ الأَعْمَارِ أَطْوَلَهَا ... أَوِ انتَهَيْتُ إِلَى آمَالِيَ الكُبَرِ
فَكَيْفَ لِي بِشَبَابٍ لاَ ارْتجَاعَ لَهُ*؟ ... أُم أَيْنَ أَنْتَ؟ فَمَا لِي عَنْكَ مِنْ خَبَرِ
سَبَقْتُمَانِي وَلَوْ خُيِّرْتُ بَعْدَكُمَا ... لَكُنْتُ أَوَّلَ لَحَّاقٍ عَلَى الأَثَرِ
183 - الأَبِيْوَرْديُّ أَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ *
الشَّيْخُ، أَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَبِيوَرْدِي، العَطَّار (1) ، الَّذِي رَوَى (سنَن الدَّارَقُطْنِيّ) بِفَوْتِ جُزْئَين عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ النَّوْقَانِي عَنِ المُؤلف، وَكَمَّل الجُزْئَينِ عَلَى أَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي (2) عَنْهُ إِجَازَة.
سَمِعَ الكِتَابَ مِنْهُ أَبُو سَعْدٍ الصَّفَّار فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَتُوُفِّيَ بَعْد عَامٍ بِنَيْسَابُوْرَ.
184 - الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ **
العَدْلُ، المَأْمُوْنُ، الصَّالِحُ (3) ،
__________
(*) معجم الشيوخ للسمعاني: الورقة / 191 ب - 192 أ، التحبير: 2 / 23 - 25، التقييد: الورقة / 189 ب، تاريخ الإسلام: 4 / 236.
وسيكرر المؤلف ترجمته برقم (296) .
(1) قال في " التحبير " 2 / 23: شيخ صالح مشهور، مستور، من المعمرين، جميل الامر، زجى عمره في الخير، وفي طاعة الله تعالى، وكان حانوته مجمع الظرفاء، والمشايخ، وامتد عمره حتى أناف على المئة، وكان كثير العبادة، مشتغلا بما يعنيه، وقد أجاز السمعاني بمعجم أبي القاسم البغوي، والسنن للدارقطني، وغير ذلك من الاجزاء العالية المنثورة، وقد سمع منه والد أبي سعد السمعاني، وقرئ عليه الكثير.
(2) في التقييد: الورقة 189: كان سماع الفضل من أبي منصور النوقاني وأبي عثمان الصابوني في ربيع الأول من سنة 440 هـ.
(* *) تاريخ الإسلام: 4 / 179، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، شذرات الذهب: 4 / 14.
(3) في تاريخ الإسلام: شيخ ثقة مشهور من بيت العدالة والصلاح، كان مبالغا في الاحتياط في الشهادات، ومن أعيان العدول، وكان صوفيا مليحا خيرا.(19/292)
أَبُو مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ، أَخُو عُبَيْد بن مُحَمَّد.
وُلِدَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: الأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْد القَاهِرِ البَغْدَادِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن حَمْدَان النَّصروِي، وَأَبِي حَسَّانٍ المزكِي، وَعَبْدِ الغَافِرِ بن مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، حَجَّ، فَرَوَى عَنْهُ أَبُو الفَتْحِ بنُ عَبْد السَّلاَمِ الكَاتِب، وَغَيْرهُ.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْس مائَة.
أَخُوْهُ:
185 - عُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو العَلاَءِ القُشَيْرِيُّ *
التَّاجِرُ، الأَمِيْنُ، المُعَمَّرُ، أَبُو العَلاَءِ عُبَيْد بن مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيّ.
سَمِعَ: عبدَ القَاهِر بن طَاهِرٍ البَغْدَادِيّ الأُصُوْلِي، وَأَبَا حسَان المُزَكِّي، وَعبدَ الرَّحْمَن بن حَمْدَان، وَأَبَا حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَسَافَرَ إِلَى المَغْرِب فِي التِّجَارَة، وَأَقَامَ هُنَاكَ مُدَّة، وَحصَّل أَمْوَالاً، ثُمَّ عَادَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ (1) ، وَشَاخ، وَلَزِمَ دَارَه، وَكَانَ قَلِيْلَ المُخَالَطَة، وَكَانَ الأَخَ الأَكْبَرَ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصفه عَبْدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ فِي (تَارِيْخِهِ) بِالصِّدْق وَالعدَالَة وَالعِبَادَة، وَصِحَّةِ السَّمَاع، وَالإِنفَاقِ عَلَى الفُقَرَاء، تَصدَّق فِي آخِرِ عُمُرِهِ بِشَيْءٍ كَثِيْر، وَثقل سَمْعُهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ حُضُوْراً بقِرَاءة أَبِيْهِ.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 208، العبر: 4 / 28، شذرات الذهب: 4 / 35.
(1) وكانت غيبته عن نيسابور نيفا وعشرين سنة: " تاريخ المؤلف ": 4 / 208.(19/293)
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: مَاتَ فِي ثَامن عشر شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَعَاشَ خَمْساً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
186 - شِيْرَوَيْه بنُ شَهْردَارَ بنِ شِيْرَوَيْه بنِ فَنَّاخُسْره بنِ خُسْركَانَ *
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُؤَرِّخُ، أَبُو شُجَاعٍ الدَّيلمِي، الهَمَذَانِيُّ، مُؤلف كِتَاب (الفِرْدَوْس (1)) وَ (تَارِيخ هَمَذَان) .
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَطلب هَذَا الشَّأْنَ، وَرَحَلَ فِيْهِ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ عُثْمَانَ القُوْمَسَانِي، وَيُوْسُفَ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ المُسْتَمْلِي، وَسُفْيَانَ بن الحَسَنِ بنِ مَنْجُويه، وَعبدَ الحمِيد بن الحَسَنِ الفُقَاعِي، وَأَبَا الفَرَجِ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الجَرَيْرِيّ البَجَلِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ عِيْسَى الدِّيْنَوَرِيّ، وَعبدَ البَاقِي بن عَلِيٍّ العَطَّار، وَأَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ، وَأَبَا نَصْرٍ
__________
(*) التقييد: الورقة: 111 / أ، طبقات ابن الصلاح: الورقة / 50 ب، مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة / 226، تاريخ الإسلام: 4 / 193، العبر: 4 / 18، تذكرة الحفاظ: 4 / 1259 - 1260، الوافي بالوفيات (خ) : 14 / 53، عيون التواريخ: 13 / 325، مرآة الجنان: 3 / 198، طبقات السبكي: 7 / 111 - 112، طبقات الاسنوي: 2 / 104 - 105، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 315، النجوم الزاهرة: 5 / 211، طبقات الحفاظ: 457، كشف الظنون: 1254، شذرات الذهب: 4 / 23 - 24، بستان المحدثين: 61، إيضاح المكنون: 1 / 599.
(1) وهو من جملة الأصول التي تشتمل على الأحاديث الضعيفة، فقد جاء في مقدمة الجامع الكبير للحافظ السيوطي، وهو بصدد بيان رموز الكتب التي يعزو إليها: وللعقيلي في الضعفاء (عق) ولابن عدي في " الكامل " (عد) وللخطيب (خط) فإن كان في تاريخيه أطلقت وإلا بينته، ولابن عساكر في تاريخه (كر) وكل ما عزي لهؤلاء الأربعة أو للحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " أو الحاكم في " تاريخه " أو للديلمي في مسند الفردوس، فهو ضعيف، فليستغن بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه.(19/294)
الزَّيْنَبِيّ، وَأَبَا عَمْرٍو بن مَنْدَه، وَعدداً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ شهردَار، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ العَطَّار، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار المُقْرِئُ، وَأَبُو العَلاَءِ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَعِدَّة.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه: شَابٌّ كَيِّس حسن، ذكيُّ القَلْب، صُلْبٌ فِي السنةِ، قَلِيْلُ الكَلام.
قُلْتُ: هُوَ متوسطُ الحِفْظ، وَغَيْرُهُ أَبرعُ مِنْهُ وَأَتقن (1) .
مَاتَ: فِي تَاسع عشر رَجَب، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو عُثْمَانَ بن ملَة الوَاعِظ، وَمُحَمَّد بن نَصْرٍ الأَعْمَش، وَخطيبُ صُوْر غَيْث بن عَلِيٍّ الأَرمنَازِي المُحَدِّث (2) ، وَأَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الهبارِيَة الشَّاعِر، وَأَبُو البركَات هِبَة اللهِ بن السَّقَطِيّ (3) ، وَقِوَام بن زَيْدٍ البَكْرِيّ الدِّمَشْقِيّ المِزِّيّ.
وَمَاتَ وَلَدُهُ الحَافِظ شهردَار: سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَسيَأْتِي.
وَمَاتَ حَفِيْدُهُ شِيْرَوَيْه بن شهردَار: سَنَة سِتّ مائَة، عَنْ ثِنتَينِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، سَمِعَ مِنْ زَاهِر الشَّحَّامِي (مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى) (4) .
__________
(1) في تاريخ الإسلام: 4 / 193: وهو متوسط المعرفة، وليس بالمتقن.
(2) سترد ترجمته برقم (230) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (181) .
(4) برواية أبي عمرو محمد بن أحمد بن حمدان بن علي بن عبد الله بن سنان الحيري الفقيه، ورواية ابن حمدان هذه مختصرة بخلاف رواية ابن المقرئ عنه التي عند أهل أصبهان فإنها كبيرة جدا كما نبه عليه المؤلف في ترجمة أبي يعلى: 14 / 180.
قلت: وقد اعتمد الهيثمي في " مجمع الزوائد " رواية ابن حمدان المختصرة.(19/295)
187 - الخَوْلاَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، الفَاضِلُ، المُعَمَّر، الصَّادِق، مُسْنِدُ الأَنْدَلُس، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غلبُوْنَ الخَوْلاَنِيّ، القُرْطُبِيّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَان عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَاعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَاسْتجَازَ لَهُ الكِبَارَ، وَسَمَّعَهُ فِي الحدَاثَة.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ الحَافِظ أَبِي عَبْدِ اللهِ كَثِيْراً، وَسَمِعَ (المُوَطَّأ) مِنْ أَبِي عَمْرٍو عُثْمَان بن أَحْمَدَ القيجطَالِي (1) صَاحِب أَبِي عِيْسَى بن عَبْدِ اللهِ اللَّيْثِيّ، وَتَفَرَّد فِي الدُّنْيَا بِعُلوهِ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الأَحدب، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الشِّنتجَالِي (2) ، وَعَلِيّ بن حَمُّوَيْه الشِّيرَازِي، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ يُوْنُسُ بن عَبْدِ اللهِ بن مُغِيْث القَاضِي، وَأَبُو عَمْرٍو المَرشَانِي (3) الَّذِي تَفَرَّد بِإِجَازَة أَبِي بَكْرٍ الآجُرِّيّ المجَاور، وَأَبُو عُمَرَ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الطَّلمنكِي، وَالحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ المُجَاور، وَمَكِّي بن أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: كَانَ شَيْخاً فَاضِلاً، عَفِيْفاً مُنْقَبِضاً، مِنْ بَيْت (4)
__________
(*) الصلة: 1 / 73 - 74، تاريخ الإسلام: 4 / 189، العبر: 4 / 16، عيون التواريخ: 13 / 309 - 310، النجوم الزاهرة: 5 / 209، شذرات الذهب: 4 / 21 - 22.
(1) في " الصلة " 1 / 73: القيشطالي بالشين.
(2) نسبة إلى شنتجالة: في طرف كورة تدمير بالاندلس مما يلي الجوف، ويقال لها أيضا جنجالة. الروض المعطار: 347.
(3) نسبة إلى مرشانة: مدينة بكورة إشبيلية، ومرشانة، أيضا من حصون المرية " الروض المعطار ".
(4) تحرفت في " الصلة " 1 / 74 إلى بيئة.(19/296)
عِلمٍ وَدين وَفضل، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَبِيْرُ عِلْمٍ، أَكْثَر مِنْ رِوَايَته عَنْ هَؤُلاَءِ الجِلَّة، وَكَانَتْ عِنْدَهُ أُصُوْلٌ يَلجَأُ إِلَيْهَا، وَيُعوِّلُ عَلَيْهَا.
قُلْتُ: هُوَ خَالُ أَبِي الحَسَنِ شُرِيح بن مُحَمَّد.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الوَلِيْدِ بنِ الدَّبَّاغِ، وَعَلِيُّ بن الحُسَيْنِ اللوَاتِي، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زرقُوْنَ، وَعُمِّرَ دَهْراً.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً.
188 - أَبُو طَاهِرٍ اليُوسُفِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ *
الشَّيْخُ، الأَمِيْنُ، العَدْلُ المُسْنِدُ، أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَغْدَادِيّ، البَزَّاز.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ بن المُذْهِب، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَعِدَّة.
وَحَدَّثَ بِـ (سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ) عَنِ ابْنِ بِشرَانَ عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَالصَّائِن هِبَةُ اللهِ بنُ عَسَاكِرَ، وَأَخُوْهُ الحَافِظُ عبدُ الخَالِق اليُوسُفِي، وَابْنَا أَخِيْهِ عَبْدُ الحَقِّ وَعبدُ الرَّحِيْم ابْنَا عبد الخَالِق، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ مِنْ أَعيَان رُؤسَاء بَغْدَاد.
__________
(*) المنتظم: 9 / 194، تاريخ الإسلام: 4 / 202، العبر: 4 / 24، عيون التواريخ: 13 / 344، النجوم الزاهرة: 5 / 214، شذرات الذهب: 4 / 31.(19/297)
قُلْتُ: وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي شَوَّال، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدّين وَالثِّقَة وَالسُّنَّة (1) ، مَاتَ هُوَ وَأَبُو عَلِيٍّ بن نَبْهَانَ المَذْكُور فِي لَيْلَة وَاحِدَة، وَمِنْ مَرْوِيَّاته (سُنَنُ الدَّارَقُطْنِيّ) .
189 - ابْنُ صُلَيعَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ صُلَيعَةَ *
الأَمِيْرُ، القَاضِي، أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْد اللهِ بن صُليعَة بن قَاضِي جبلَة، كَانَتْ جَبَلَةُ (2) لِصَاحِب طَرَابُلُس ابْن عَمَّار، فَتعَانَى ابْنُ صُليعَة - وَيُقَالُ: ابْنُ صُليحَة - الفروسيَةَ، وَخَافَ مِنْهُ ابْنُ عَمَّار، فَعصَى بِجَبَلَةَ وَتَمَلَّكَهَا، وَحصَّنهَا إِلَى الغَايَة، وَخَطَبَ لِبَنِي العَبَّاسِ، ثُمَّ حَاصره الفِرَنْجُ، فَأَرْجَفَ (3) بِمجِيْء جَيْش بَرْكيَارُوْق، فَتَرحَّلُوا عَنْهُ، ثُمَّ نَازلُوْهُ، فَشنع بِمجِيْء المصرِيين (4) ، ثُمَّ قَرَّر مَعَ رَعيته النَّصَارَى بِأَنْ يُنَاصِحُوا الفِرَنْج، وَيُوَاعدوهُم إِلَى بُرْجٍ (5) ،
__________
(1) وقال ابن الجوزي في المنتظم: 9 / 194: وكان ثقة حدثنا عنه أشياخنا.
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 310 - 312، تتمة المختصر: 2 / 22.
(2) جبلة: بلدة بساحل الشام من أعمال حلب قرب اللاذقية، وكانت حصنا للروم جلوا عنها عند فتح المسلمين حمص، وبنى معاوية بها حصنا خارقا من الحصن الرومي القديم، ولم تزل بأيدي المسلمين إلى سنة 357 هـ، ثم استردها الكفار الصليبيون، ولم تزل بأيديهم إلى سنة 473 هـ ثم عادت إلى المسلمين، وبقيت في حوزتهم إلى سنة 552 هـ، ثم تملكها الصليبيون وبقوا فيها إلى أن استردها الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 584 هـ.
(3) أي أشاع أخبارا كاذبة بأن المسلمين متوجهون لنصرته بقيادة بركياروق ليلقي الرعب في قلوب الفرنج فينصرفوا عنه، وأصل الارجاف: التحريك من الرجفة التي هي الزلزلة، وصفت بها الاخبار الكاذبة لكونها في نفسها متزلزلة غير ثابتة، أو لتزلزل قلوب سامعيها واضطرابها منها، وفي الكامل لابن الأثير: 10 / 310: فأظهر أن السلطان بركياروق قد توجه إلى الشام، وشاع هذا، فرحل الفرنج.
(4) في الكامل: فأظهر أن المصريين قد توجهوا لحربهم، فرحلوا ثانيا ثم عادوا.
(5) تمام الكلام كما في " الكامل ": من أبراج البلد ليسلموه إليهم ويملكوا البلد، فلما أتتهم الرسالة، جهزوا نحو ثلاث مئة رجل من أعيانهم وشجعانهم ...(19/298)
فَانْتدب مِنَ الفِرَنْج مِنْ شُجعَانهُم ثَلاَث مائَة، فَطَالعهُم النَّصَارَى فِي حبَال، وَكُلَّمَا طَلَعَ وَاحِد، قَتله ابْن صُليحَة حَتَّى أَبَادَ الثَّلاَث مائَة، ثُمَّ صَفَّفَ رُؤُوْسَهُم عَلَى الشُّرُفَات، ثُمَّ حَاصَروهُ، وَدَكُّوا برجاً، فَأَصْبَح قَدْ بنَاهُ فِي اللَّيْلِ.
وَكَانَ يَبرز فِي فَوَارسه، وَيَحْمِل عَلَى الفِرَنْج، فَطمعُوا فِيْهِ مرَّة، وَاسْتَجَرَّهُم إِلَى السُّوْر، فَخَرَجَ إِلَيْهِم المُقَاتلَة، وَأَحَاطُوا بِهِم، فَترحَّلُوا.
ثُمَّ إِنَّهُ علم أَنَّ الفِرَنْج لاَ يَفتُرُوْنَ، فَقَدم إِلَى دِمَشْقَ، وَبَذَلَ لِصَاحِبهَا طُغْتِكِين جَبَلَة بذخَائِرهَا، فَبَعَثَ وَلده (1) فَتسلمهَا.
وذهبَ ابْن صُليحَة إِلَى بَغْدَادَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ عَسْكَر فَنهبُوْهُ، فَردَّ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَكْرَمَهُ طُغْتِكِيْن وَأَنْزَله، ثُمَّ إِنَّهُ اشْتَرَى حصن بَلاَطُنُسَ (2) مِنِ ابْنِ مُنْقِذ، فَتحوَّل إِلَيْهِ بِأَمْوَاله، وَترك بِجَبَلَة مِنَ الذّخَائِر شَيْئاً كَثِيْراً.
ثُمَّ إِنَّهُ أَخَذَهَا ابْن عَمَّار مِنْ وَلَدِ طُغْتكِين (3) ، وَلَمْ أَعْرِفْ وَفَاة ابْن صُلَيحَةَ.
190 - صَاحِب الهِنْدِ مَسْعُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِيْنَ *
السُّلْطَانُ مَسْعُوْد، علاَء الدَّوْلَة، أَبُو سَعِيْدٍ ابنُ صَاحِب الهِنْد إِبْرَاهِيْم بنِ
__________
(1) هو تاج الملك بوري.
(2) بضم الطاء والنون والسين مهملة: حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية.
(3) وسبب ذلك كما في " الكامل " 10 / 312: أن تاج الملك لما ملك جبلة، وتمكن منها، أساء السيرة هو وأصحابه مع أهلها، وفعلوا بها أفعالا أنكروها، فراسلوا القاضي فخر الملك أبا علي عمار بن محمد بن عمار صاحب طرابلس، وشكوا إليه ما يفعل بهم، وطلبوا منه أن يرسل إليهم بعض أصحابه ليسلموا إليه البلد، ففعل ذلك، وسير إليهم عسكرا، فدخلوا جبلة، وقاتلوا تاج الملك ومن معه، فانهزموا، وأخذ تاج الملك أسيرا، وحملوه إلى طرابلس، فأكرمه ابن عمار، وأحسن إليه، وسيره إلى أبيه بدمشق، واعتذر إليه، وعرفه صورة الحال، وأنه خاف أن يملك الفرنج جبلة.
(*) معجم الأنساب: 418، الكامل في التاريخ: 10 / 504، تاريخ الإسلام: =(19/299)
مَسْعُوْد ابْن السُّلْطَان الكَبِيْرِ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِين ملك غَزْنَةَ وَالهِنْد.
مَاتَ: فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، فَتَمَلَّك بَعْدَهُ ابْنه الْملك أَرْسَلاَن ابْن عَمِّةِ السُّلْطَان مَلِكْشَاه بنِ أَلب آرسلاَن، وَتَمَكَّنَ، وَقبض عَلَى إِخْوَته، فَغَضِبَ لَهُم السُّلْطَان سَنْجَر، وَالتَقَاهُ، فَانْهَزَم صَاحِبُ الهِنْد، ثُمَّ طَلَبَ الهُدنَة، وَقوِيَ طَمَعُ سَنْجَر، ثُمَّ التَقَوْا عَلَى بَاب غَزْنَةَ، وَكَانَ عَسْكَر غَزْنَةَ ثَلاَثِيْنَ أَلف فَارِس وَسِتِّيْنَ فِيلاً (1) ، فَانكسرُوا أَيْضاً، وَتَملَّك سَنْجَر غَزْنَةَ فِي سَنَةِ عَشرٍ (2) ، لَكِن عَصَتْ القَلْعَة، وَكَانَ أَرْسَلاَن ظلُوْماً، فَسُلِّمَتِ القَلْعَةُ، وَنصَّب فِي غَزْنَة بَهْرَامَ (3) ، وَعَاثت جيوشُ سَنْجَر، وَنَهبُوا، وَعَثَّرُوا العَامَّة، فَصَلَبَ جَمَاعَةً مِنْ عَسْكَرِه، فَهُذِّبُوا.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: حصل لِسَنْجَر خَمْسَةُ تِيجَان، قيمَة أَحَدِهَا أَزيدُ مِنْ أَلفَيْ أَلفِ دِيْنَار، وَرجع سَنْجَر بَعْد أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، فَذَهَبَ أَرْسَلاَن وَجَمَعَ العَسَاكِر، وَقصد غَزْنَةَ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ يَطُول شرحُهَا، ثُمَّ إِنَّ أَرْسَلاَن أُسِرَ وَخُنِقَ، وَكَانَ بَدِيعَ الجمَال، عَاشَ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
191 - ابْنُ مَرْزُوْقٍ أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ مَرْزُوْق الهَرَوِيّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرّحَّالُ، أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ مَرْزُوْق الهَرَوِيّ، مَوْلَى شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيّ.
__________
= 4 / 191 - 192، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 17، تتمة المختصر: 2 / 37 - 38، شذرات الذهب: 4 / 23.
(1) في كامل ابن الأثير: 10 / 505: ومعه مئة وعشرون فيلا.
(2) أي وخمس مئة.
(3) انظر التفصيل في " الكامل ": 10 / 506، 507.
(*) مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة 223، تاريخ الإسلام: 4 / 181، تذكرة الحفاظ: 4 / 1246، طبقات الحفاظ: 453، شذرات الذهب: 4 / 16.(19/300)
قيل: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: قرَأَ العِلْم، وَرُزِقَ الفَهم، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَسَافَرَ وَكَتَبَ وَحصَّل، وَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالحِفْظ وَالمَعْرِفَة، وَحُسْنِ السِّيْرَةِ، وَكَانَ خطُّه رديئاً، ثَقُلَ سَمعُهُ بِأَخَرَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا عُمَرَ المَلِيْحِي، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيّ، وَأَبَا مَعْمَرٍ أَحْمَد بن عبد الوَاحِد البَانكِي، وَعبدَ الرَّحْمَن بن مَنْدَه، وَأَخَاهُ أَبَا عَمْرٍو، وَأَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ، وَطَبَقَتهُم.
سَمِعَ مِنْهُ: القَاضِي يَعْقُوْبُ بن إِبْرَاهِيْمَ إِمَام الحنَابلَة، وَهِبَةُ اللهِ بن السَّقَطِيّ، وَسَكَنَ أَصْبَهَانَ.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ يَقُوْلُ: أَبُو الخَيْرِ الهَرَوِيّ حَافظٌ لِلْحَدِيْثِ مُتْقِن (1) .
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ فِي (مُعْجَمه) :حَدَّثَنَا الحَافِظُ الزَّاهِد عَبْدُ اللهِ بن مَرْزُوْق الهَرَوِيّ، وَكَانَ ثقيلَ الأُذُنِ، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَازِم مُحَمَّد بن الفَرَّاءِ، وَطَلْحَة بن أَحْمَدَ العَاقولِي، وَعَلِيّ بن الزَّاغونِي إِذْناً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ اللهِ بن مَرْزُوْق مِنْ لَفظه سَنَة (472) ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الطُّرَيْثِيْثِيّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّافُ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
__________
(1) وقال اليونارتي فيما نقله المؤلف في " التذكرة ": صحب أبو الخير الحفاظ، وثافنهم، ذو إتقان وطلب وحب للحديث، وهو مقبل على شأنه.(19/301)
192 - ابْنُ فَاخِرٍ أَبُو الْكَرم المُبَارَكُ بنُ فَاخر بن مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، إِمَامُ النَّحْو، أَبُو الكَرَمِ المُبَارَكُ بنُ فَاخِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ البَغْدَادِيّ، النَّحْوِيّ، اللُّغَوِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن النَّرْسِيّ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَجَمَاعَة.
وَصحب أَبَا القَاسِمِ عبد الوَاحِد بن بَرْهَان، وَقرَأَ عَلَيْهِ عِدَّةَ كُتُب، وَعِدَّة دَوَاوِيْنَ، حَتَّى بَرَعَ فِي لِسَانِ العربِ.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاط، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيَّ، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الكَتَانِي، وَجَمَاعَة.
قَالَ أَبُو عَامِرٍ العبدرِي: قَالَ لِي ابْنُ فَاخر: أَخذتُ علمَ العَرَبِيَّة عَنِ ابْنِ بَرْهَان، وَأَبِي القَاسِمِ الرَّقِّيّ، وَعِيْسَى بنِ عُمَرَ بنِ الأَصْفَر، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن شَاهُويه ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلقيتُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي سَعِيْدٍ السِّيرَافِي هِلاَلاً الصَّابِئ، وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيّ أَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَالجَوْهَرِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الكَرَمِ بنِ فَاخر (ثَبْتٌ) أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ
__________
(*) نزهة الالباء: 382 - 383، المنتظم: 9 / 154، معجم الأدباء: 17 / 54 - 56، الكامل في التاريخ: 10 / 439، إنباه الرواة: 3 / 256 - 257، تاريخ الإسلام: 4 / 173، العبر: 3 / 356، تلخيص ابن مكتوم: 241، عيون التواريخ: 13 / 195، مرآة الجنان: 3 / 162، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة 249، النجوم الزاهرة: 5 / 195، بغية الوعاة: 2 / 272 - 273، كشف الضنون: 48، 1741، شذرات الذهب: 3 / 412.(19/302)
التَّنُوْخِي أَشيَاء كَثِيْرَة مِنَ الكُتُب، وَتَحْتَه بِخَطِّ ابْنِ نَاصر: لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ مِنَ التَّنُوْخِي شَيْئاً، لَقَدِ اخْتلقَ وَافترَى، وَكَتَبَ ابْنُ فَاخر أَنَّهُ سَمِعَ (جُزْء الغِطْرِيْف) مِنْ أَبِي الطَّيِّب، فَكَتَبَ ابْنُ نَاصر: قَدْ زَوَّر عَلَى القَاضِي، وَسَمَّعَ فِي (جُزْء الغِطْرِيْف) ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً، وَذَكَرَ ابْنُ فَاخرٍ عِدَّةَ كُتُبٍ قَرَأَهَا عَلَى ابْنِ بَرْهَان، وَكَتَبَ ابْنُ نَاصر تَحْته: كَذَبَ - وَاللهِ - فِيمَا سطَّره (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ خَيْرُوْنَ عَنِ ابْنِ فَاخر، فَقَالَ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ كَذَّاب.
مَاتَ هَذَا: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة (2) ، وَكَانَ سِبْطُ الخَيَّاط أَكْبَرَ تَلاَمِذَتِهِ.
193 - الحَدَّادُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الْعَصْر، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن مِهْرَة الأَصْبَهَانِيّ، الحَدَّاد، شَيْخ أَصْبَهَان فِي القِرَاءات وَالحَدِيْثِ جَمِيْعاً.
وُلِدَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة.
__________
(1) وجاء في " المنتظم ": 9 / 154: وكان مقرئا في النحو، عارفا في اللغة غير أن مشايخنا جرحوه، وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر سيئ الرأي فيه يرميه بالكذب والتزوير، وكان يدعي سماع ما لم يسمعه.
(2) تحرفت في معجم الأدباء إلى سنة خمسين وخمس مئة، ومعظم مصادر ترجمته أرخت وفاته سنة 500 هـ.
(*) التحبير: 1 / 177 - 192، المنتظم: 9 / 228، التقييد: الورقة 73 أ - 73 ب، مختصر طبقات علماء الحديث الورقة: 227، تاريخ الإسلام: 4 / 218، دول الإسلام: 2 / 42، العبر: 4 / 34، معرفة القراء الكبار: 1 / 382 - 383، عيون التواريخ: 13 / 402، غاية النهاية: 1 / 206، شذرات الذهب: 4 / 47، الرسالة المستطرفة: 26.(19/303)
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَبعدَهَا سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُصْعَب التَّاجِر، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ، فَلَعَلَّهُ سَمِعَ مِنْهُ وَقرَ بعير، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن فَاذشَاه، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بن أَبِي الشَّيْخِ، وَهَارُوْنَ بنَ مُحَمَّدٍ الكَاتِب، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ العَطَّار، وَأَبَا سَعْدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَعَلِيَّ بن أَحْمَدَ بنِ مِهْرَانَ الصَّحَاف، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ بَزْدَه المِلَنجِي، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ رِيذه (1) ، وَالفَضْلَ بن مُحَمَّدٍ القَاشَانِي، وَأَبَا أَحْمَد مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ سَيُّويه الْمَكْفُوف، وَأَبَا ذَرٍّ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ الصَّالحَانِي، وَعِدَّة.
وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ (مُعْجَماً) سَمِعْنَاهُ، أَوْ لَعَلَّهُ بِتَخرِيجِ وَلده الحَافِظ المُجَوِّدِ عُبَيْد اللهِ بن الحَدَّاد.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ العَطَّار، وَأَبِي الفَضْلِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الرَّازِيّ الزَّاهِد، وَأَحْمَد بن الفَضْلِ البَاطِرْقَاني، وَأَحْمَد بن بَزْدَه، وَتَصدَّر وَأَفَاد.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات: أَبُو العَلاَءِ الحَسَنُ بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، وَجَمَاعَة.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَمَعْمَرُ بنُ الفَاخر، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِي، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ الخِرَقِي، وَأَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ خطيب المَوْصِل، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الصَّائِغ، وَيَحْيَى بنُ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيّ، وَالفَضْلُ بنُ القَاسِمِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَمُحَمَّدُ بن حَسَنٍ الفَضْل الأَدَمِيّ، وَمُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ
__________
(1) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذه التانئ الضبي من ثقات أصبهان ومشاهير المحدثين بها، وهو راوي المعجم الكبير والصغير لأبي القاسم الطبراني عنه، توفي سنة 440 هـ تقدمت ترجمته في السابع عشر رقم (397) .(19/304)
المُصلح الأَدِيْب، وَعبدُ الرَّحِيْم بن مُحَمَّدٍ الخَطِيْب، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، وَخَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ الرَّارِي، وَمَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الحَنَّاط، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيّ، وَأَبُو المَكَارِمِ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ اللَّبَّان، وَخَلْق، خَاتِمَتُهُم بِالحُضُوْر: أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَبِالإِجَازَة: عفِيفَةُ الفَارقَانِيَة، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَيْضاً: أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَأَجَازَ لأَبِي طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ، وَمَا ظَهرت لَهُ الإِجَازَة فِي حَيَاتِهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ عَالِماً ثِقَةً صَدُوْقاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالقُرْآن وَالدِّيْن، عُمِّرَ دَهْراً، وَحَدَّثَ بِالكَثِيْرِ، كَانَ أَبُوْهُ إِذَا مَضَى إِلَى حَانُوته لِعَمَلِ الْحَدِيد يَأْخُذُ بِيَدِ الحَسَن، وَيدفعُهُ فِي مَسْجِد أَبِي نُعَيْمٍ (1) .
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَسْمَع مِنْهُ، وَقبلَهُ أَخُوْهُ حَمْدٌ الَّذِي رَوَى (الحِلْيَةَ) بِبَغْدَادَ.
قَالَ ابْنُ نُقطَةَ: سَمِعَ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ (مُوَطَّأَ القَعْنَبِيِّ (2)) ، وَ (مُسْنَدَ الإِمَام أَحْمَد) ، وَ (مُسْنَدَ الطَّيَالِسِيّ) ، وَ (مُسْنَدَ الحَارِث)
__________
(1) " التحبير ": 1 / 177، وتمام كلامه: الحافظ ليسمع ما يقرأ عليه، فأكثر حتى صار بحيث لا يفوته عنه شيء إلا ما شاء الله، وقال محمد بن عبد الواحد الدقاق فيما نقله عنه ابن عبد الهادي في مختصر طبقات علماء الحديث الورقة: 227: وبأصبهان لي صديق وهو أبو نعيم ابن الحداد - أحد العلماء في فنون كثيرة، بلغ مبلغ الامامة بلا مدافعة، وله عندي أياد كثيرة، وجمع ما لم يجمعه أحد من أقرانه من الكتب الكثيرة والسماعات، صدوق في جمعه وكتبه، أمين في قراءته.
(2) يعني موطأ الامام مالك برواية القعنبي، وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة القعنبي، المتوفي سنة 221 هـ، تقدمت ترجمته في الجزء العاشر، رقم (68) ومما تفرد به من بين رواة الموطأ حديث " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبده ورسوله " رواه عن مالك، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس وقد طبعت قطعة من موطئه مؤخرا بتحقيق عبد الحفيظ منصور.(19/305)
المَوْجُوْد سَمَاعه، وَ (السُّنن) لِلْكَجِّي، وَ (المُسْتخرج عَلَى البُخَارِيّ) ، وَ (المُسْتخرج عَلَى مُسْلِم) لأَبِي نُعَيْمٍ، وَكِتَاب (الحِليَة) وَ (المُعْجَم الأَوْسَطِ) لِلطَّبَرَانِيِّ، وَمُسْنَدَات الثَّوْرِيّ، وَعَوَالِي الأَوْزَاعِيّ، وَمُسْنَد الشَّامِيّين، وَالسنن مِنْ كُتُب عَبْد الرَّزَّاقِ، وَ (جَامِع عَبْد الرَّزَّاقِ) ، وَ (مَغَازِيه) ، وَ (غَرِيْب الحَدِيْث) لأَبِي عُبَيْدٍ، وَ (مَقْتَل الحُسَيْنِ) ، وَكِتَاب (الشّوَاهد) ، وَكِتَاب (القَضَاء الأَرْبَعَة) لأَبِي عُبَيْدٍ، وَكِتَاب (فَوَائِد سموَيْهِ) ، وَ (فَوَائِد أَبِي عَلِيٍّ بنِ الصَّوَّاف) ، وَ (الطَّبَقَات) لابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَ (تَارِيخ الطَّالبيين) لِلْجِعَابِي (1) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ أَجَلُّ شَيْخٍ أَجَازَ لِي، رَحلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَرَأَى مِنَ العِزِّ مَا لَمْ يَره أَحَدٌ فِي عصره، وَكَانَ خَيِّراً صَالِحاً ثِقَة وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ تَوَالِيْفِهِ: التَّوبَة وَالاعتذَار، شرف الصَّبْر، ذَمّ الرِّيَاء، كسب الحَلاَل، حِفْظ اللِّسَان، تَثبِيْت الإِمَامَة، رِيَاضَة الأَبْدَان، التَّهجُّد، الإِيجَاز وَجَوَامع الْكَلم، فَضل عَلِيّ، الْخطب النَّبويَّة، لبس السَّوَاد، تَعْظِيْم الأَوليَاء، السُّعَاة، التعبِير، رفع اليَدين، المُزَاح، الهديَّة، حرمَة المَسَاجِد، الجَار، السَّحور، الفَرَائِض، فِي الاثْنَيْنِ وَسَبْعِيْنَ فَرقَة، مدح الكِرَام، مَسْأَلَةً ثُمَّ أَورثنَا الكِتَابَ، سَمَاع الكلِيم، العُقَلاَء، حَدِيْث الطَّيْرِ، لبس الصُّوف، الثُّقَلاَء، المُحبِّين مَعَ المَحبُوبِيْن، أَرْبَعِي (2) الصُّوْفِيَّة، قُربَان المُتَّقِيْنَ، الأَرْبَعِيْنَ فِي الأَحكَامِ، حَدِيْث النُّزَول، فِي أَنَّ الْفلك غَيْر مدبِّر، المِعْرَاج، الاسْتسقَاء، الْخَسْف، الصِّيَام وَالقِيَام، قِرَاءات النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْرِفَة الصَّحَابَة، عُلُوْم الحَدِيْثِ، تَارِيخ أَصْبَهَان، الأُخوَة، العِلْم،
__________
(1) هو الحافظ المجود البارع أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سلم التميمي قاضي
الموصل، صاحب التصانيف الكثيرة في الابواب والشيوخ، وتواريخ الأمصار المتوفي سنة 355 هـ، تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر رقم (69) .
(2) في " الحبير ": " الأربعين في التصوف ".(19/306)
المُتَوَاضِعينَ، القِرَاءة وَرَاء الإِمَام، التَّشهد، حسن الظَّنّ، المُؤَاخَاة، وَعيد الزّنَاة، الشُّهَدَاء، الْقدر، الخُلَفَاء الرَّاشدين، وَأَشيَاء عِدَّة سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَجزَاء وَالتَّوَالِيف (1) .
تُوُفِّيَ مُسْنِد الدُّنْيَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد: فِي السَّادس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَقَدْ قَارب المائَة، وَدُفِنَ عِنْد القَاضِي أَبِي أَحْمَدَ العسَّال بِأَصْبَهَانَ.
194 - البَلَدَيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي النَّضْرِ الْبَلَدِي، النَّسَفِي، وَنسبته بِالبلدي إِلَى بَلَدِ نسف (2) ، أَي: لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ قُرَى النَّاحيَة.
سَمِعَ: أَبَاهُ أَبَا نَصْرٍ الْبَلَدِي، وَجَعْفَر بن مُحَمَّدٍ المُسْتغفرِي الحَافِظ، وَأَحْمَد بن عَلِيٍّ المَايْمَرْغِي (3) ، وَمُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ السّلاَمِي، وَأَبَا مَسْعُوْد
__________
(1) انظر التحبير: 1 / 179، 182.
(*) الأنساب: 2 / 288 - 289، اللباب: 1 / 173 - 174، تاريخ الإسلام: 4 / 173.
(2) قال السمعاني في " الأنساب ": 2 / 288، 289: سألت حفيده أبا ناصر أحمد ابن عبد الجبار بن أبي بكر بن أبي نصر البلدي عن هذه النسبة، فقال: كانت العلماء في زمان جدي الأعلى أبي نصر أكثرهم بنسف من القرى والناحية، وكان جدي من أهل البلد،
فعرف بالبلدي، فبقي علينا هذا الاسم.
(3) بفتح الميم، وسكون الالف، والياء المثناة من تحتها، وفتح الميم الثانية، وسكون الراء، وكسر الغين المعجمة، هذه النسبة إالى ما يمرغ، وهي قرية كبيرة على طريق بخارى من نواحي نخشب.(19/307)
البَجَلِيّ، وَالحُسَيْن بن إِبْرَاهِيْمَ القنطرِي، وَعِدَّة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: حَدَّثَنَا عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ نَفْساً، وَكَانَ إِمَاماً فَاضِلاً، رَوَى لَنَا عَنْهُ أَحْمَد بن عَبْد الجَبَّارِ البَلَدي، وَحَسَنُ بن عَبْدِ اللهِ المُقْرِئ، وَمَسْعُوْدُ بن عُمَرَ الدَّلاَل، وَمَيْمُوْنُ بن مُحَمَّدٍ الدّربِي.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسفِي فِي كِتَابِ (الْقنْد) :مَوْلِده سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي ثَالِث صفر، سَنَة خَمْسٍ وَخَمْس مائَة.
195 - السَّاجِيُّ أَبُو نَصْرٍ المُؤْتَمَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، مُفِيدُ الجَمَاعَة، أَبُو نَصْرٍ المُؤْتَمَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنِ بنِ عُبَيْد اللهِ الرَّبَعِي، الدَّير عَاقولِي، البَغْدَادِيّ، السَّاجِيّ.
قَالَ لابْنِ نَاصر: وُلِدَتْ فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، سَمِعْتُ المُؤْتَمَن السَّاجِيّ يَقُوْلُ:
مَا أَخَرَجَتْ بَغْدَادُ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيّ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب.
وَسَمِعْتُ المُؤتَمَنَ يَقُوْلُ: كَانَ الخَطِيْبُ يَقُوْلُ: مَنْ صَنَّفَ، فَقَد جَعلَ عقلَه عَلَى طَبَقٍ يَعْرِضُه عَلَى النَّاسِ.
__________
(*) المنتظم: 9 / 179 - 180، خريدة القصر: 1 / 287، الكامل في التاريخ: 10 / 500، مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة: 223، تاريخ الإسلام: 4 / 188، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 15، تذكرة الحفاظ: 4 / 1246 - 1248، المستفاد: 234 - 235، عيون التواريخ: 13 / 304، مرآة الجنان: 3 / 197، طبقات الشافعية للسبكي: 7 / 308، 309، البداية والنهاية: 12 / 178، الاعلام لابن قاضي شهبة (خ) : حوادث / 507، طبقات الحفاظ: 453، شذرات الذهب: 4 / 20.(19/308)
سَمِعَ: عَبْد العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيَّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ الحَسَنِ الخَلاَّل، وَإِسْمَاعِيْلَ بن مَسْعَدَةَ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَأَبَا عُثْمَانَ بنَ وَرْقَاء - لَقِيَه بِالقُدْس - وَأَبَا عَمْرٍو عَبْد الوهَّاب بن مَنْدَه، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن شكرويه، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ الشِّيرَازِي، وَأَبَا عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ، وَشيخ الإِسْلاَم الأَنْصَارِيّ، وَالقَاضِي أَبَا عَامِرٍ الأَزْدِيّ، وَأُمَماً سِوَاهُم، وَأَقدمُ شَيْخٍ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، سَمِعَ مِنْهُ بِصُوْرَ، وَكَتَبَ مَا لاَ يُوصفُ كَثْرَةً، ثُمَّ أَقْبَل عَلَى شَأْنِهِ، وَعَبَدَ اللهِ حَتَّى أَتَاهُ اليَقِينُ، وَقَدْ سَمِعَ بِحَلَبَ مِنَ الحَسَنِ بنِ مَكِّيٍّ الشيزرِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَسَعْدُ الخَيْرِ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَمُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بن عَلِيِّ بنِ فولاَذ، وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَعِدَّة، وَقَلَّ مَا رَوَى بِالنسبَة.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَقْت يَقُوْلُ:
كَانَ الإِمَامُ عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيّ إِذَا رَأَى المُؤتَمَنَ يَقُوْلُ:
لاَ يُمْكِنُ أَحَد أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا دَام هَذَا حيّاً.
وَحَدَّثَنِي أَخِي أَبُو الحُسَيْنِ هِبَةُ اللهِ، قَالَ: سَأَلتُ السِّلَفِيّ عَنِ المُؤْتَمَنَ السَّاجِيّ، فَقَالَ:
حَافظ مُتْقِن، لَمْ أَرَ أَحْسَنَ قِرَاءةً لِلْحَدِيْثِ مِنْهُ، تَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، وَكَتَبَ (الشَّامل) عَنِ ابْنِ الصبَاغ (1) بِخطِّه،
__________
(1) هو الامام العلامة شيخ الشافعية عبد السيد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر البغدادي المعروف بابن الصباغ المتوفى سنة 474، وهو أول من درس بالنظامية بعد أبي إسحاق الشيرازي تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (238) .(19/309)
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَأَقَامَ بِالقُدْس زَمَاناً، وَذُكِرَ لِي أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ لفظ الخَطِيْب حَدِيْثاً وَاحِداً بِصُوْر، غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نسخَة، وَكَتَبَ بِبَغْدَادَ (كَامِل ابْن عَدِيٍّ) عَنِ ابْنِ مَسعدَة الإِسْمَاعِيْلِي، وَكَتَبَ بِالبَصْرَةِ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) .
انتفعتُ بصَحِبته.
وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ الفَامِي (1) :أَقَامَ المُؤْتَمَنُ بِهَرَاةَ عشرَ سِنِيْنَ، وَقرَأَ الكَثِيْر، وَنسخ التِّرْمِذِيّ سِتَّ كَرَّاتٍ، وَكَانَ فِيْهِ صَلَفُ نَفْسٍ، وَقنَاعَة، وَعِفَّة، وَاشتغَال بِمَا يَعْنِيْهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ: مَا رَأَيْتُ بِالعِرَاقِ مَنْ يَفهَمُ الحَدِيْثَ غَيْرَ المُؤتَمن، وَبِأَصْبَهَانَ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ المُؤتَمَنُ لاَ تُمَلُّ قِرَاءتُهُ، قرَأَ لَنَا عَلَى ابْنِ الطيورِي كِتَاب (الفَاصل (2)) لِلرَّامَهُرْمُزِي فِي مَجْلِس.
وَللسِّلَفِي:
مَتَى رُمْتَ أَنْ تَلْقَيَنَّ حَافِظاً ... يَكُوْن لَدَى الكُلِّ بِالمُؤْتَمَنْ
عَلَيْكَ بِبَغْدَادَ شَرْقِيَّهَا ... لِتَلْقَى أَبَا نَصْرٍ المُؤْتَمَنْ
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه: قرَأَ المُؤْتَمَنُ عَلَى أَبِي كِتَابَ (مَعْرِفَة الصَّحَابَة) ، وَكِتَاب (التَّوحيد) ، وَ (الأَمَالِي) ، وَحَدِيْثَ ابْن عُيَيْنَةَ
__________
(1) تحرف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1247 إلى " أبي نصر الفاهي ".
(2) واسمه الكامل " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " للقاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي المتوفى سنة 360 هـ، وقد طبع بتحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب وعدد صفحاته 465 صفحة، لله تلك الهمم التي لم تكن تعرف الكلل ولا الملل في زمن الطلب، ومن منا في هذا العصر يستطيع أن يقرأ هذا الكتاب قراءة بحث وإتفان على الشيخ في مجلس واحد؟ !(19/310)
لجَدِّي، فَلَمَّا أَخَذَ فِي قِرَاءة (غَرَائِب شُعْبَة) ، فَلَمَّا بلغَ إِلَى حَدِيْث عُمَر فِي لبس الحَرِيْر مَاتَ أَبِي بَعْد عشَاء الآخِرَة، فَهَذَا مَا رَأَينَا.
وَذَكَرَ حِكَايَةَ ابْن طَاهِرٍ (1) أَنَّ المُؤتَمَنَ إِنَّمَا تَمَّمَ كِتَابَ الصَّحَابَة عَلَى أَبِي عَمْرٍو بَعْد مَوْته وَردَّهَا، وَقَالَ لابْنِ طَاهِر: يَجِبُ أَنْ تُصْلِحَ هَذَا، فَإِنَّهُ كذب.
قَالَ: وَكَانَ المُؤتَمَنُ مُتَوَرِعاً زَاهِداً، صَابراً عَلَى الفَقْرِ.
قَالَ ابْنُ نَاصر: تُوُفِّيَ المُؤتَمَن فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ وَخَمْس مائَة بِبَغْدَادَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَالِماً ثِقَةً، فَهماً مَأْمُوْناً.
196 - فَخْرُ المُلْكِ بن عَمَّارٍ *
صَاحِب طَرَابُلُس، كَانَ مِنْ دُهَاة الرِّجَال وَأَفرَادِ الزَّمَان شَجَاعَةً وَإِقدَاماً وَرَأْياً وَحَزْماً، ابْتُلِي بَلَدُهُ بِحصَارِ الفِرَنْجِ خَمْسَة أَعْوَام، وَهُوَ يُقَاومهُم وَيُنكِي فِي العَدُوّ، وَيَستظهِرُ عَلَيْهِم، وَيُرَاسِلُ مُلُوْكَ الأَطرَافِ، وَيُتحِفُهُم بِالهدَايَا، وَهُم حَائِرُوْنَ فِي أَنْفُسهم، وَلَمْ يُنْجِدْه أَحَد، وَقَدْ رَاسل صَاحِبَ الرُّوْم مَرَّات، وَكَانَ حَسَنَ التَّدْبِيْر فِي الحِصَار، جَيِّدَ المكيدَة وَالمخَادعَة، براً وَبَحْراً، شتَاءً وَصيفاً، حَتَّى تَفَانت رِجَالُه، وَكَلَّتْ أَبْطَالُه، فَرَكِبَ فِي البَحْر، وَطَلَع حَتَّى قَدِمَ دِمَشْق، وَأُخِذَتْ طَرَابُلُس مِنْهُ سَنَة اثْنَتَيْنِ
__________
(1) النص في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1248: ثم قدم ابن طاهر، وقرأنا عليه جزءا من مجموعاته فيه: سمعت أصحابنا بأصبهان يقولون: إنما تمم الساجي كتاب " معرفة الصحابة " على أبي عمرو بعد موته، وذلك أنه كان يقرأ عليه وهو في النزع ومات وهو يقرأ، وكان يصاح به: تريد أن تغسل الشيخ.
فلما سمعت هذه الحكاية، قلت: ما جرى ذلك يجب أن يصلح هذا، فإنه كذب، وأما قراءة معرفة الصحابة، فكان قبل موت الوالد بشهرين.
(*) معجم الأنساب: 339، الكامل في التاريخ: 10 / 311، 344، 412، 452 - 454، 477، 539، 563، 568، تاريخ الإسلام: 4 / 126 / 1، دول الإسلام: 2 / 30، تتمة المختصر: 2 / 29، البداية والنهاية: 12 / 169.(19/311)
وَخَمْس مائَة، فَأَقطعه طُغْتِكِيْن قَرْيَة الزَّبَدَانِي (1) ، وَكَانَ لِشِدَّة مَا نَزل بِهِ يُصَادرُ الرَّعيَّة وَيَعْسِفُهُم، وَجَرَتْ لَهُ تَنَقُّلاَتٌ وَأَحْوَال، إِلَى أَنْ أَدبرت أَيَّامُهُ، وَوَافَاهُ حِمَامُه - وَاللهُ يَسْمَحُ لَهُ -.
197 - ابْنُ أَصْبَغَ أَبُو القَاسِمِ أَصْبَغُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَصْبَغَ *
شَيْخُ المَالِكِيَّةِ، وَعَالِمهُم بقُرْطُبَة، أَبُو القَاسِمِ أَصْبَغ بن مُحَمَّدِ بنِ أَصْبَغ الأَزْدِيّ، القُرْطُبِيّ.
حَدَّثَ عَنْ: حَاتِم بن مُحَمَّدٍ، وَتَفَقَّهَ بِأَبِي جَعْفَرٍ بن رزق، وَحَمَلَ عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بن سرَاج، وَأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْد البَرِّ، وَكَانَ عجباً فِي المَذْهَب لاَ يُجَارَى فِي الشُّروط، أَمَّ بِجَامِع قُرْطُبَة، سَمِعَ النَّاسُ مِنْهُ، وَتَفَقَّهوا بِهِ (2) .
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، عَنْ سِتِّيْنَ عَاماً.
198 - سَرْفَرْتَجُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ **
الرَّئِيْسُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَدِيْنِيُّ، التَّانِي، الكَاتِب، صَاحِب أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَخَدَمَ بِالكِتَابَة فِي الشَّام.
__________
(1) تقع غربي دمشق، تبعد عنها ثلاثين ميلا تقريبا، يقصدها أهل دمشق في الصيف لاعتدال هوائها، وكثرة فاكهتها، وغزارة مائها النمير الصافي.
(*) الصلة: 1 / 109 - 110.
(2) وفي الصلة: 1 / 109: ولزم داره في آخر عمره لسعاية لحقته، فحرم الناس منفعة علمه.
(* *) تاريخ الإسلام: 4 / 173.(19/312)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ.
مَاتَ: فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة.
199 - المُعَيِّرُ أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي الفَتْحِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ابنِ أَبِي الفَتْحِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ البَغْدَادِيّ، المُعيِّرُ، ابْن خَال شَيْخ القُرَّاءِ ابْن سوار.
تَلاَ بِحرف أَبِي عَمْرٍو عَلَى: عَبْدِ اللهِ بنِ مَكِّيّ السَّواق، عَنِ الشَّنَبُوذِي.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الحَرَّانِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَأَحْمَد بن عَلِيٍّ التَّوَّزِي، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَعَبْدُ الحَقّ اليُوسفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة: نَصْرُ اللهِ القَزَّاز، وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ الصُّلَحَاء.
عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، وَتَلاَ عَلَيْهِ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ.
200 - ابْنُ البَيْهَقِيِّ أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ **
الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، شَيْخُ القُضَاة، أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْل ابْنُ الإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ
__________
(*) طبقات القراء: 1 / 79.
(* *) المختار من ذيل تاريخ بغداد للسمعاني: الورقة: 139، التحبير: 1 / 83 - 85، المنتظم: 9 / 175 - 176، التقييد: الورقة: 17 - 18 / أ، الكامل لابن الأثير: 10 / 499، طبقات النوري: الورقة: - 51 أ - 51 ب، تذكرة الحفاظ: 3 / 1133 - 1135، تتمة =(19/313)
أَحْمَد بن الحُسَيْنِ البَيْهَقِيّ، الخُسْرَوْجِردي، الشَّافِعِيّ، نَزِيْلُ خُوَارزم، ثُمَّ نَزِيْلُ بَلْخ، فَحَمَلَ عَنْهُ أَهْلُ تِلْكَ الدّيَار.
مَوْلِده: سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ (1) ، وَأَبِي حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْر، وَعَبْد الغَافِرِ الفَارِسِي، وَأَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَسَعِيْد بن أَبِي سَعِيْدٍ العيَّار، وَطَبَقَتهم، وَكَانَ عَارِفاً بِالمَذْهَب، مُدرِّساً، جَلِيْلَ الْقدر (2) .
رَوَى عَنْهُ: عَبَّاسُ بن أَرْسَلاَن، وَحَفِيْدُهُ مَحْمُوْد فِي (تَارِيخ خُوَارزم) ، وَالأَدِيْب مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ الخَيَّاط، وَشيخُ الصُّوْفِيَّة مُحَمَّد بن أَرْسَلاَن، وَالحَسَن بن سُلَيْمَانَ الخُجَنْدِي، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (3) ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى بَيهَقَ بَعْدَ غِيبَة ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّاماً يَسِيْرَة، وَأَدْرَكَهُ الأَجْلُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْل بن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدي، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ بَغْدَاد، وَقَارب الثَّمَانِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
__________
= المختصر: 2 / 37، طبقات السبكي: 7 / 44، طبقات الاسنوي: 1 / 200 - 201، البداية: 12 / 176، والنجوم الزاهرة: 5 / 205.
(1) الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي صاحب التصانيف الحديثية التي لم يسبق إليها مثل السنن الكبير، وشعب الايمان، ودلائل النبوة، ومعرفة السنن والآثار وغيرها.
تقدمت ترجمته في الثامن عشر (86) .
(2) قال السمعاني في التحبير: 1 / 83: كان فاضلا عالما، حسن السيرة، واعظا مليح الوعظ، كثير المحفوظ.
(3) في التحبير: 1 / 85 أجاز لي جميع مسموعاتي بلفظه بسؤال والدي إياه، وكتب بخطه في صفر سنة سبع وخمس مئة.(19/314)
201 - رِضْوَانُ بنُ تُتُشَ بنِ أَلْبَ أَرْسَلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ *
صَاحِبُ حلب، الْملك رضوَان ابْن السُّلْطَانِ تُتُش ابْن السُّلْطَانِ أَلبْ أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِي.
تملَّك حلب بَعْد أَبِيْهِ، وَامتدَّت أَيَّامُه، وَقَدْ خُطِبَ لَهُ بِدِمَشْقَ عِنْدَمَا قُتِلَ أَبُوْهُ أَيَّاماً، ثُمَّ اسْتَقلَّ بِحَلَبَ، وَأَخَذت مِنْهُ الفِرَنْج أَنطَاكيَة.
وَكَانَ ذمِيمَ السِّيرَة، قَرَّبَ البَاطِنِيَّة، وَعَمِلَ لَهُم دَار دَعْوَة بِحَلَبَ، وَكَثُرُوا، وَقَتَلَ أَخويه أَبَا طَالَبٍ وَبهرَاماً، ثُمَّ هَلَكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، فَتملَّك بَعْدَهُ أَخُوْهُ الأَخرس أَلب أَرْسَلاَن، وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقَتلَ أَخوينِ لَهُ أَيْضاً، وَقَتَلَ رَأْسَ البَاطِنِيَّة أَبَا طَاهِر الصَّائِغ، وَجَمَاعَةً مِنْ أَعيَانِهِم، وَهَرَبَ آخرُوْنَ، فَقتل الأُمَرَاءُ الأَخرس بَعْدَ سَنَةٍ، وَملَّكُوا أَخَاهُ سُلْطَان شَاه.
وَكَانَ رضوَان يَمِيْلُ إِلَى المِصْرِيّين، فَجَاءَ رَسُوْلُ الأَفْضَل أَمِيْرُ الجُيُوْش يَدعُوْهُ إِلَى طَاعتِهِم وَالخُطبَةِ لَهُ، وَالبَيْعَةِ لِلمُسْتعلِي، وَوَعَدُوْهُ بِالنَّجدَة وَالمَالِ، فَخطب فِي بلاَده لِلمُسْتَعلِي، وَلِوَزِيْره أَمِيْرِ الجُيُوْشِ جُمَعاً، ثُمَّ دَامت الخُطبَةُ عَامَيْن بِحَلَبَ، ثُمَّ أُعيدت الدَّعوَةُ العَبَّاسِيَّة فِي أَثْنَاء سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، إِذْ لَمْ يَنفعه المِصْرِيّون بِأَمرٍ، وَقصدت النَّصَارَى أَنطَاكيَة، وَنَازلُوا بَيْتَ المَقْدِسِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَقُتِلَ بِهِ سَبْعُوْنَ أَلفَ مُسْلِم، وَنَقَلَ ابْنُ مُنْقِذ ظُهُوْر الفِرَنْج فِي هَذَا الوَقْت مِنْ بَحر قُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَجَرَتْ لَهُم مَعَ طَاغِيَة الرُّوْم
__________
(*) الكامل لابن الأثير: 10 / 246، 247، 258، 269، 270، 393، 405 - 406، 409، 410، 426، 428، 429، 463، 465، 482، 486، 499، دول الإسلام: 2 / 35، العبر: 4 / 13، تتمة المختصر: 2 / 36 - 37، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 302، النجوم الزاهرة: 5 / 205، شذرات الذهب: 4 / 16.(19/315)
حُرُوْب، وَعَجَزَ عَنْهُم، ثُمَّ قَالُوا: مَا نَفتحُه مِنْ بلاَد الرُّوْم، فَهُوَ لَكَ، وَمَهْمَا نَفتَحْهُ مِنْ بلاَد الشَّام، فَهُوَ لَنَا.
وَقِيْلَ: كَانُوا فِي أَرْبَعِ مائَة أَلْفٍ، ثُمَّ أخذُوا بَعْضَ بلاَد الْملك قلج رسلاَن بِالسَّيْف، فَجمعَ حِيْنَئِذٍ عَسَاكِرَه، وَالتقَاهُم فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ، وَأَشرف عَلَى النَّصْر، ثُمَّ كَسرته الفِرَنْجُ، وَقُتِلَ مِنْ جُنْده خلقٌ، وَهَرَبَ وَاسْتغَاث بِمُلُوْك النَّوَاحِي عَلَى مَا دَهَمَ الإِسْلاَمَ، فَوصلت كتبُه إِلَى حلب مسخمَة مشققَة فِيْهَا بَعْض شَعْرِ النِّسَاء، وَانزعج الخلقُ، ثُمَّ تَوجَّهت الفِرَنْج إِلَى الشَّامِ، فَقِيْلَ: اعتبرُوا عِدتهُم بِأَنْطَاكِيَةَ، فَكَانُوا أَزْيَدَ مِنْ ثَلاَث مائَة أَلْف نَفْس، فَعَاثُوا وَأَخربُوا البِلاَدَ، وَتَفَرَّقُوا، وَكَبَسهُم المُسْلِمُوْنَ، وَجَرَتْ فِتَنٌ وَحُرُوْب لاَ يُعبَّر عَنْهَا، وَأُخِذت أَنطَاكيَة بِالسَّيْف سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَقُتِلَ صَاحِبُهَا، وَقُتِلَ أَيْضاً مِنْ كِبَارِ الفِرَنْج عددٌ كَثِيْر، وَكَانَ الأَمْر إِلَى كُندفرِي، ثُمَّ إِلَى أَخِيْهِ بغدوين وَبيمنت، وَابْن أَخِيْهِ طنكل وَصنجيل هَؤُلاَءِ مُلُوكهُم، ثُمَّ جَاءَ المُسْلِمُوْنَ نَجدَةً لأَنطَاكيَة وَقَدْ أُخِذَت، فَحَاربُوا العَدُوّ أَيَّاماً، وَانتصرُوا، وَهَلَكَ خلقٌ مِنَ العَدُوّ، وَجَاعُوا، وَجَرَى غَيْرُ مَصَافّ.(19/316)
الطَّبَقَةُ السَّابِعَةُ وَالعِشرُونَ
202 - الرَّوَّاسِيُّ أَبُو الفِتيَانِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بن سَعدُويه *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُكْثِرُ، الجَوَّالُ، أَبُو الفتيَان عُمَرُ بن عَبْدِ الكَرِيْمِ بن سَعْدَوَيْه بن مَهْمَت الدِّهِسْتَانِي (1) ، الرَّوَّاسِي.
طوَّف فِي هَذَا الشَّأْنِ خُرَاسَانَ وَالحَرَمَيْنِ وَالعِرَاقَ وَمِصْرَ وَالشَّامَ وَالسوَاحلَ، وَكَانَ بَصِيْراً بِهَذَا الشَّأْن محققاً.
سَمِعَ بِبلده: المُحَدِّثَ أَبَا مَسْعُوْد البَجَلِيَّ الرَّازِيَّ وَصَحِبَه.
وَبِنَيْسَابُوْرَ: أَبَا حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَعبدَ الغَافِرِ الفَارِسِيّ، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي.
وَبِحَرَّانَ: مُبَادر بن عَلِيٍّ.
وَبِبَغْدَادَ: القَاضِي أَبَا يَعْلَى بنَ الفَرَّاءِ، وَأَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَأَمثَالَهُم.
__________
(*) السياق / الورقة: 58 - 59 أ، الأنساب: 6 / 173، تاريخ ابن عساكر، المنتظم: 9 / 164، التدوين / الورقة: 311 - 312 أ، العبر: 4 / 6، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 254، مرآة الزمان: 8 / 20، البداية: 12 / 171 - 172، النجوم الزاهرة: 5 / 200، شذرات الذهب: 4 / 7.
(1) الدهستاني: بكسر الدال المهملة، وسكون السين، وفتح التاء: نسبة إلى دهستان، وهي بلدة مشهورة عند مازندان، وجرجان، " الأنساب ": 5 / 378.(19/317)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ - شَيْخُه - وَأَبُو حَامِدٍ الغَزَّالِي، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيّ، وَمُحَمَّد بن عبد الوَاحِد الدَّقَّاق، وَالفَقِيْه نَصْرُ بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ - شَيْخُه - وَهِبَةُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ الأَكْفَانِي، وَالحَافِظ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ الجُوينِي، وَعِدَّة، وَالسِّلَفِيّ بِالإِجَازَةِ، وَقَدِمَ طُوْس فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَصَحَّحَ عَلَيْهِ الغَزَّالِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مَرْوَ بِاسْتِدْعَاءِ مُحَدِّثهَا أَبِي بَكْرٍ السَّمْعَانِيِّ ليحمِلُوا عَنْهُ، فَأَدْرَكَته المَنِيَّةُ بِسَرْخَس.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ: مَا رَأَيْتُ فِي تِلْكَ الدِّيَار أَحْفَظَ مِنْهُ، لاَ بَلْ فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا، كَانَ كِتَّاباً جَوَّالاً دَارَ الدُّنْيَا لِطلب الحَدِيْث، لَقِيْتُهُ بِمَكَّةَ، وَرَأَيْتُ الشُّيُوْخ يُثْنُوْنَ عَلَيْهِ، وَيُحْسِنُوْنَ القَوْل فِيْهِ، ثُمَّ لَقِيْتُهُ بجُرْجَان، وَصَارَ مِنْ إِخْوَاننَا.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ: هُوَ خِرِّيج أَبِي مَسْعُوْدٍ البَجَلِيّ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ دِهِسْتَان، فَاشْتَرَى مِنْ أَبِي رَأْساً وَدَخَلَ يَأْكُلُه، فَبعثَنِي أَبِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: تَعْرِفُ شَيْئاً؟
قُلْتُ: لاَ.
فَقَالَ لأَبِي: سلِّمه إِلَيَّ، فَسلمنِي إِلَيْهِ، فَحملنِي إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَأَفَادنِي، وَانْتَهَى أَمرِي إِلَى حَيْثُ انْتَهَى (1) .
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِد يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ أَبَا الفتيَانِ سَمِعَ مِنْ ثَلاَثَة آلاَف وَسِتّ مائَةٍ شَيْخ.
قَالَ خُزَيْمَة بن عَلِيٍّ المَرْوَزِيّ: سَقَطَتْ أَصَابِعُ عُمَرَ الرَّوَّاسِي فِي الرِّحلَة مِنَ البَرْدِ.
وَقَالَ الدَّقَّاق فِي (رِسَالَتِهِ) :حَدَّثَ عُمَر بِطُوْسَ بِـ (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) مِنْ غَيْرِ
__________
(1) الخبر بأطول مما هنا في " الأنساب ": 6 / 173.(19/318)
أَصلِه، وَهَذَا أَقبحُ شَيْء عِنْد المُحَدِّثِيْنَ.
قُلْتُ: قَدْ تَوسَّعُوا اليَوْمَ فِي هَذَا جِدّاً، وَفِي ذَلِكَ تَفصيل (1) .
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ هِبَة اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ فِي سَنَةِ (456) .
قَالَ ابْنُ طَاهِر، وَغَيْرهُ: الرَّوَّاسِي نِسبَة إِلَى بيع الرُّؤُوس.
وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلا: كتب عَنِّي الرَّوَّاسِي، وَكَتَبتُ عَنْهُ، وَوجدتُهُ ذكيّاً.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ أَبَا الفَضْل أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ السَّرْخَسِيَّ يَقُوْلُ:
لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بنُ أَبِي الحَسَنِ عَلَيْنَا، أَملَى، فَحضره عِدَّة، فَقَالَ: أَنَا أَكْتُبُ أَسْمَاءَ الجَمَاعَة عَلَى الأَصْل، وَسَأَلهُم وَأَثْبَت، فَفِي المَجْلِسِ الثَّانِي أَخَذَ الْقَلَم، وَكتبهُم كُلَّهُم عَلَى ظهر قَلْب، وَمَا سَأَلهُم، فَقِيْلَ: كَانُوا سَبْعِيْنَ نَفْساً.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ: عُمَرُ الرَّوَّاسِي شَيْخٌ مَشْهُوْر، عَارِفٌ بِالطّرق، كتبَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ الأَبْوَابَ وَصَنَّفَ، وَكَانَ سَرِيعَ الكِتَابَة، وَكَانَ عَلَى سِيرَة السَّلَف، مُعِيلاً مُقِلاًّ، خَرَجَ مِنْ نَيْسَابُوْر إِلَى طُوْس، فَأَنْزَلَهُ أَبُو حَامِدٍ الغزَّالِي عِنْدَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَقرَأَ عَلَيْهِ (الصَّحِيح) ، ثُمَّ شَرحه.
وَعَنْ أَبِي الفتيَان الرَّوَّاسِي، قَالَ: أُرِيْدُ أَنْ أَخرج إِلَى مَرْوَ وَسَرْخَسَ عَلَى الطَّرِيْق، وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّهَا مَقْبَرَة العُلَمَاء، فَلاَ أَدْرِي كَيْفَ يَكُوْن حَالِي بِهَا.
فَمَاتَ: بِهَا، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْس مائَة، كَمَا هُوَ مُؤرَّخ عَلَى لَوح قَبْره - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - عَاشَ خَمْساً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) انظر في " مقدمة ابن الصلاح ": 223 - 224، و" توضيح الافكار ": 2 / 390 - 391.(19/319)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَاعِدِ بن سَعِيْدٍ الطُّوْسِيّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ أَبِي الحَسَنِ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ النَّيْسَابُوْرِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّاف، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَخَفَّ النَّاسِ صَلاَةً فِي تَمَامٍ.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً مُحَمَّد بن عَبْد السَّلاَمِ، وَأَحْمَد بن هِبَةِ اللهِ، عَنْ عبد المُعِزّ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاج ... ، فَذَكَره.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم (1) عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى اسْتحبَاب تَخفِيفِ الصَّلاَة مَعَ إِتمَام فَرَائِضهَا وَسننهَا، وَقَدْ حَزَرُوا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْكُثُ فِي السُّجُود قَدْرَ عَشْرَ تَسبيحَاتٍ (2) .
203 - البُرْجِيُّ أَبُو القَاسِمِ غَانِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الأَمِيْنُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَانَ، أَبُو القَاسِمِ غَانِمُ بن
__________
(1) برقم (469) (189) في الصلاة: باب أمر الأئمة في تخفيف الصلاة في تمام، وأخرجه الترمذي (237) في الصلاة: باب ما جاء في إذا أم أحدكم الناس فليخفف، والنسائي: 2 / 94، 95 في الامامة: باب ما على الامام من التخفيف، من طريق قتيبة بن سعيد به، وأخرجه الدارمي: 2 / 228، 229 من طريق شعبة، عن قتادة، به.
وهو في " المسند " من حديث أنس 3 / 162، 173، 179، 231، 234، 276، 277، 279، 282، 340.
(2) في مسند أحمد: 3 / 162، 163، وسنن أبي داود (888) ، والنسائي: 2 / 224، 225، من طريق سعيد بن جبير، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما رأيت أحدا أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى - يعني عمر بن عبد العزيز - فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات. وسنده قابل للتحسين.
(*) الأنساب: 2 / 132 - 133، التحبير: 2 / 10، معجم شيوخ السمعاني / =(19/320)
مُحَمَّد بن عُبيد الله بن عُمَرَ بنِ أَيُّوْبَ البُرجِي، الأَصْبَهَانِيّ، وَهُوَ غَانم بن أَبِي نَصْرٍ.
وَبُرْجُ: مِنْ قُرَى أَصْبَهَان.
مَوْلِدُهُ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة (417) .
وَأَجَازَ لَهُ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ بَغْدَادَ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بِشْرَان، وَالحُسَيْن بن شُجَاعٍ المَوْصِلِيّ مِنْ بَلَدِهِ، وَالحُسَيْن بن إِبْرَاهِيْمَ الجمَال.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ مَا عِنْدَهُ مِنْ (مُسْنَد الحَارِثِ بن أَبِي أُسَامَةَ (1)) .
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بن فَاذشَاه، وَالفَضْل بن مُحَمَّدٍ القَاشَانِي، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بن شَهرِيَار، وَعُمَر بن مُحَمَّدِ بنِ الهَيْثَم، وَعِدَّة.
وَسَمِعَ: (الحليَة) بِفَوْت، وَسَمِعَ (مُسْنَد الطَّيَالِسِيّ) مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَجُزْءَ مُحَمَّدِ بن عَاصِمٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَتَاج الإِسْلاَم أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّائِغ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَالفَضْلُ بن القَاسِمِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَمَسْعُوْدُ بن أَبِي مَنْصُوْرٍ الجمَال، وَخَلْق.
وَبِالإِجَازَة: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (2) ، وَأَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، وَكَانَ
__________
= الورقة: 189، معجم البلدان: 1 / 373، التقييد / الورقة: 188، دول الإسلام: 2 / 38، العبر: 4 / 24، شذرات الذهب: 4 / 31، قاموس الاعلام: 2 / 1277.
(1) لم يطبع مسند الحارث، وزوائده على الستة ومسند الامام أحمد مدرجة في " المطالب العالية " للحافظ ابن حجر، وهو مطبوع بتحقيق المحدث حبيب الرحمان الاعظمي.
(2) قال في " التحبير ": 2 / 11: كتب إلي الاجازة بجميع مسموعاته ورواياته، وسمع والدي رحمه الله منه الكثير، ثم أورد الكتب التي سمعها أبوه منه.(19/321)
صَالِحاً مُكْثِراً (1) .
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَالأَوّل أَصحُّ.
وَفِيْهَا مَاتَ: خطيبُ قُرْطُبَة أَبُو القَاسِمِ خَلَفُ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ النَّخَّاس، وَأَبُو طَاهِرٍ اليُوسفِي (2) رَاوِي (سنَن الدَّارَقُطْنِيّ) ، وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بنِ صَابر الدِّمَشْقِيُّ (3) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بَاكير الكَاتِب، وَالمُعَمَّرُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ نَبْهَانَ الكَاتِب، وَالسُّلْطَانُ مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه (4) ، وَالحَافِظُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بن أَبِي عَمْرٍو بنِ مَنده.
204 - الغَزَّالِيُّ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، البَحْر، حجَّةُ الإِسْلاَم، أُعجوبَة الزَّمَان، زَيْنُ الدّين، أَبُو
__________
(1) في " التحبير ": 2 / 10: شيخ صالح، سديد، ثقة، صدوق، مكثر من الحديث، عمر طويلا حتى حدث بالكثير، وانتشرت رواياته.
(2) تقدمت ترجمته برقم (188) .
(3) سترد ترجمته برقم (246) .
(4) سترد ترجمته برقم (293) .
(*) تبيين كذب المفتري: 291 - 306، المنتظم: 9 / 168 - 170، منتخب السياق / الورقة: 20، اللباب: 2 / 379، الكامل لابن الأثير 10 / 491 طبقات ابن الصلاح: 21 / 2 - 23 / 2، وفيات الأعيان: 4 / 216 - 219، المختصر في أخبار البشر: 2 / 237، تاريخ الإسلام: 4 / 173 / 2 - 176 / 2، دول الإسلام: 2 / 34، العبر: 4 / 10، تتمة المختصر: 2 / 35، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 37 - 38، الوافي بالوفيات: 1 / 274 - 277، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 262 - 267، مرآة الجنان: 3 / 177 - 192، مرآة الزمان: 8 / 25 - 26، طبقات الشافعية للسبكي: 6 / 191 - 289، طبقات الانسوي: 2 / 242 - 245، البداية: 12 / 173 - 174، وفيات ابن قنفذ: 266 - 267، النجوم الزاهرة: 5 / 203، الانس الجليل: 1 / 265، مفتاح السعادة: 2 / 332 - 336، 341 - 343، 347 - 350، 560 - 562، أسماء الرجال لابن هداية الله: 64، طبقات ابن هداية الله: (خ) 69 - 71، كشف الظنون: 12، 23، 24، 36، شذرات الذهب: 4 / 10 - 13، إتحاف السادة المتقين: 1 / 6 - 53، روضات الجنان: 180 =(19/322)
حَامِد مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الطُّوْسِيّ، الشَّافِعِيّ، الغَزَّالِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَالذَّكَاءِ المُفرِط.
تَفقَّه بِبَلَدِهِ أَوَّلاً، ثُمَّ تَحَوَّل إِلَى نَيْسَابُوْرَ فِي مُرَافقَة جَمَاعَة مِنَ الطَّلبَة، فَلاَزمَ إِمَامَ الحَرَمَيْنِ، فَبَرع فِي الفِقْه فِي مُدَّة قَرِيْبَة، وَمَهَر فِي الكَلاَمِ وَالجَدَل، حَتَّى صَارَ عينَ المنَاظرِيْنَ، وَأَعَادَ لِلطَّلبَة، وَشَرَعَ فِي التَّصنِيف، فَمَا أَعْجَب ذَلِكَ شَيْخَه أَبَا المعَالِي، وَلَكِنَّهُ مُظْهِرٌ لِلتبجُّح بِهِ، ثُمَّ سَارَ أَبُو حَامِدٍ إِلَى المُخَيَّم السُّلطَانِي، فَأَقْبَل عَلَيْهِ نِظَامُ المُلك الوَزِيْر، وَسُرَّ بِوجُوْده، وَنَاظرَ الكِبَارَ بِحَضْرَته، فَانبهر لَهُ، وَشَاعَ أَمْرُهُ، فَولاَّهُ النِّظَام تَدْرِيْس نِظَامِيَة بَغْدَاد، فَقَدمهَا بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسنّه نَحْو الثَّلاَثِيْنَ، وَأَخَذَ فِي تَأْلِيفِ الأُصُوْلِ وَالفِقْهِ وَالكَلاَمِ وَالحِكْمَةِ، وَأَدخله سَيلاَنُ ذِهْنه فِي مضَايق الكَلاَمِ، وَمَزَالِّ الأَقدَام، وَلله سِرٌّ فِي خَلْقِهِ (1) .
وَعَظُمَ جَاهُ الرَّجُل، وَازدَادت حِشمتُه، بِحَيْثُ إِنَّهُ فِي دسْت أَمِيْرٍ، وَفِي رُتْبَةِ رَئِيْسٍ كَبِيْر، فَأَدَّاهُ نَظرُه فِي العُلُوْم، وَمُمَارستُهُ لأَفَانِيْنِ الزُّهْديَات إِلَى رفض الرِّئَاسَة، وَالإِنَابَة إِلَى دَارِ الْخُلُود، وَالتَأَلُّه، وَالإِخلاَصِ، وَإِصْلاَحِ النَّفْس، فَحجَّ مِنْ وَقته، وَزَار بَيْت المَقْدِسِ، وَصَحِبَ الفَقِيْهَ نَصْرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ (2) بِدِمَشْقَ، وَأَقَامَ مُدَّةً، وَأَلَّف كِتَاب (الإِحيَاء) ، وَكِتَابَ
__________
= 185، إيضاح المكنون: 2 / 11 - 171، هدية العارفين: 2 / 79 - 81، بروكلمان: 1408 - 1416، معجم المؤلفين: (11 / 266 - 269، المجد دون في الإسلام: 181 - 184.
(1) يراجع كتاب " الحقيقة عند الغزالي " تأليف الدكتور سليمان دنيا، فقيه دراسة جادة للغزالي حري بكل طالب علم أن يقف عليها.
(2) المقدسي، قال السبكي: 6 / 197: وكان الغزالي يكثر الجلوس في زاويته بالجامع الأموي المعروفة اليوم بالغزالية نسبة إليه، وكانت تعرف قبله بالشيخ نصر المقدسي.(19/323)
(الأَرْبَعِيْنَ) ، وَكِتَاب (القِسطَاس) ، وَكِتَاب (مَحكّ النَّظَر) .
وَرَاض نَفْسَه وَجَاهدهَا، وَطرد شيطَانَ الرُّعونَة، وَلَبِسَ زِيَّ الأَتقيَاء، ثُمَّ بَعْدَ سَنَوَاتٍ سَارَ إِلَى وَطنه، لاَزماً لِسَنَنه، حَافِظاً لِوَقْتِهِ، مكباً عَلَى العِلْم.
وَلَمَّا وَزَرَ فَخرُ المُلك، حضَر أَبَا حَامِد، وَالتمس مِنْهُ أَنْ لاَ يُبقِيَ أَنفَاسَه عقيمَة، وَأَلحَّ عَلَى الشَّيْخ، إِلَى أَنْ لاَن إِلَى الْقدوم إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَدرَّس بِنظَامِيتهَا.
فَذكر هَذَا وَأَضعَافَه عَبْد الغَافِرِ فِي (السِّيَاق) ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَقَدْ زرتُه مرَاراً، وَمَا كُنْت أَحْدُسُ فِي نَفْسِي مَعَ مَا عَهِدْتُه عَلَيْهِ مِنَ الزَّعَارَّة (1) وَالنَّظَر إِلَى النَّاسِ بعينِ الاسْتخفَاف كِبراً وَخُيَلاَءَ، وَاعتزَازاً بِمَا رُزِقَ مِنَ البسطَة، وَالنُّطق، وَالذِّهن، وَطلب الْعُلُوّ؛ أَنَّهُ صَارَ عَلَى الضِّدِّ، وَتَصفَّى عَنْ تِلْكَ الكُدورَات، وَكُنْتُ أَظنُّه متلفعاً بجلبَاب التَّكلُّف، مُتنمِّساً بِمَا صَارَ إِلَيْهِ، فَتحقَّقت بَعْد السَّبْرِ وَالتَّنْقِيْرِ أَنَّ الأَمْر عَلَى خِلاَف المَظنُوْنِ، وَأَنَّ الرَّجُل أَفَاق بَعْدَ الجُنُوْنِ، وَحَكَى لَنَا فِي لَيَالٍ كَيْفِيَةَ أَحْوَالِه مِنِ ابْتدَاء مَا أُظْهِرَ لَهُ طَرِيْق التَأَلُّه، وَغلبَة الحَال عَلَيْهِ بَعْد تَبحُّرِه فِي العُلُوْم، وَاسْتطَالتِهِ عَلَى الكُلّ بكلاَمه، وَالاستعدَادِ الَّذِي خصَّه الله بِهِ فِي تَحْصِيل أَنْوَاعِ العُلُوْم، وَتَمكُّنه مِنَ الْبَحْث وَالنَّظَر، حَتَّى تَبرَّم بِالاشتغَال بِالعُلُوْم العَرِيَّة عَنِ المعَامَلَة، وَتَفكَّر فِي العَاقبَة، وَمَا يَبْقَى فِي الآخِرَةِ، فَابْتدَأَ بصُحبَة الشَّيْخ أَبِي عَلِيٍّ الفَارْمَذِي (2) ، فَأَخَذَ مِنْهُ اسْتفتَاحَ الطّرِيقَة، وَامتثل مَا كَانَ يَأْمُرُه بِهِ مِنَ
__________
(1) الزعارة بتشديد الراء مثل حمارة الصيف، وبتخفيف الراء عن اللحياني، أي:؟ راسة وسوء خلق لا يتصرف منه فعل.
(2) نسبة إلى فارمذ: قرية من قرى طوس، قال السمعاني في " الأنساب ": 9 / 218، 219: والمشهور بالنسبة إليها أبو علي الفضل بن محمد بن علي الفارمذي لسان =(19/324)
العبَادَات وَالنَّوَافل وَالأَذكَار وَالاجْتِهَاد طلباً لِلنَّجَاة، إِلَى أَنْ جَاز تِلْكَ العِقَابَ، وَتَكلَّفَ تِلْكَ المشَاق، وَمَا حَصَلَ عَلَى مَا كَانَ يَرومُهُ.
ثُمَّ حَكَى أَنَّهُ رَاجع العُلُوْمَ، وَخَاض فِي الفُنُوْنِ الدَّقيقَة، وَالْتَقَى بِأَربَابِهَا حَتَّى تَفتَّحت لَهُ أَبْوَابُهَا، وَبَقِيَ مُدَّةً فِي الوقَائِع وَتَكَافؤ الأَدِلَّة، وَفُتِحَ عَلَيْهِ بَابٌ مِنَ الخَوفِ بِحَيْثُ شَغَلَه عَنْ كُلِّ شَيْء، وَحَمَله عَلَى الإِعرَاض عَمَّا سِوَاهُ، حَتَّى سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، إِلَى أَنِ ارْتَاضَ، وَظهرت لَهُ الحقَائِقُ، وَصَارَ مَا كُنَّا نَظَنُّ بِهِ نَاموساً وَتَخلقاً، طبعاً وَتَحققاً، وَأَنَّ ذَلِكَ أَثَرُ السَّعَادَة المُقَدَّرَة لَهُ.
ثُمَّ سَأَلنَاهُ عَنْ كَيْفِيَةِ رَغبَته فِي الخُرُوْجِ مِنْ بَيْتِهِ، وَالرُّجُوْع إِلَى مَا دُعِي إِلَيْهِ، فَقَالَ معتذراً: مَا كُنْتُ أُجَوِّزُ فِي دينِي أَنْ أَقف عَنِ الدَّعوَة، وَمنفعَة الطَّالبين، وَقَدْ خفَّ (1) عليَّ أَنْ أَبوح بِالحَقِّ، وَأَنطِقَ بِهِ، وَأَدعُوَ إِلَيْهِ، وَكَانَ صَادِقاً فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا خفَّ أَمرُ الوَزِيْر، وَعلم أَن وُقُوفَه عَلَى مَا كَانَ فِيْهِ ظُهُوْرُ وَحشَةٍ وَخيَالُ طلبِ جَاهٍ، تَرَكَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُتْرَكَ، وَعَاد إِلَى بَيْته، وَاتَّخَذَ فِي جَوَاره مدرسَةً لِلطَّلبَة، وَخَانقَاه لِلصُّوْفِيَة، وَوزَّع أَوقَاتَه عَلَى وَظَائِف الحَاضرِيْنَ مِنْ ختم القُرْآن، وَمُجَالَسَةِ ذَوِي القُلوبِ، وَالقُعُوْد لِلتَّدرِيس، حَتَّى تُوُفِّيَ بَعْدَ مُقَاسَاةٍ لأَنْوَاع مِنَ الْقَصْد، وَالمُنَاوَأَةِ مِنَ الخُصُوْم، وَالسَّعِي فِيْهِ إِلَى المُلُوْك، وَحفظ الله لَهُ عَنْ نوشِ أَيدي النّكبَات.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَتْ خَاتمَةُ أَمره إِقبالَه عَلَى طلب الحَدِيْث، وَمُجَالَسَة
__________
= خراسان وشيخها، وصاحب الطريقة الحسنه من تربية المريدين والاصحاب، وكان مجلس وعظه على ما سمعت كروضة فيها أنواع الازهار والثمار ... توفي سنة 477 هـ تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر (294) .
(1) في " طبقات السبكي ": 6 / 210: حق.(19/325)
أَهْله، وَمُطَالَعَة (الصَّحِيْحَيْنِ (1)) ، وَلَوْ عَاشَ، لسبق الكُلَّ فِي ذَلِكَ الْفَنّ بِيَسِيْرٍ مِنَ الأَيَّام.
قَالَ: وَلَمْ يَتفق لَهُ أَنْ يَرْوِيَ، وَلَمْ يُعْقِبْ إِلاَّ البنَاتِ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الأَسبَاب إِرثاً وَكسباً مَا يَقومُ بِكفَايته، وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ أَمْوَالٌ، فَمَا قَبِلَهَا.
قَالَ: وَمِمَّا كَانَ يُعترض بِهِ عَلَيْهِ وُقوعُ خَلَلٍ مِنْ جِهَةِ النَّحْو فِي أَثْنَاء كلاَمِه، وَرُوجِعَ فِيْهِ، فَأَنِصْف، وَاعْتَرف أَنَّهُ مَا مَارسه، وَاكتفَى بِمَا كَانَ يَحتَاج إِلَيْهِ فِي كلاَمه، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُؤَلِّفُ الخُطب، وَيَشرحُ الكُتُبَ بِالعبَارَة الَّتِي يَعْجِزُ الأَدبَاءُ وَالفُصحَاءُ عَنْ أَمْثَالِهَا.
وَمِمَّا نُقِمَ عَلَيْهِ مَا ذكر مِنَ الأَلْفَاظ المُسْتبشعَة بِالفَارِسيَة فِي كِتَاب (كِيمِيَاء السَّعَادَة وَالعُلُوْم) وَشرح بَعْض الصُوْر وَالمَسَائِل بِحَيْثُ لاَ تُوَافِقُ مَرَاسِمَ الشَّرع وَظوَاهر مَا عَلَيْهِ قَوَاعدُ المِلَّةِ، وَكَانَ الأَوْلَى بِهِ - وَالحَقُّ أَحقُّ مَا يُقَالَ - تركَ ذَلِكَ التَّصنِيف، وَالإِعرَاضَ عَنِ الشَّرح لَهُ، فَإِنَّ العوَامَّ رُبَّمَا لاَ يُحْكِمُوْنَ أُصُوْلَ القوَاعد بِالبرَاهين وَالحجج، فَإِذَا سَمِعُوا شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، تخيَّلُوا مِنْهُ مَا هُوَ المُضِرُّ بعقَائِدهِم، وَيَنسِبُوْنَ ذَلِكَ إِلَى بيَانِ مَذْهَبِ الأَوَائِل، عَلَى أَنَّ المُنْصِفَ اللّبِيْب إِذَا رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ، عَلِمَ أَنَّ أَكْثَر مَا ذَكَرَهُ مِمَّا رَمَزَ إِلَيْهِ إِشَارَاتُ الشَّرع، وَإِنْ لَمْ يَبُحْ بِهِ، وَيُوجَدُ أَمثَالُهُ فِي كَلاَم مَشَايِخ الطّرِيقَة مَرْمُوزَةً، وَمُصَرَّحاً بِهَا متفرقَة، وَلَيْسَ لفظٌ مِنْهُ إِلاَّ وَكَمَا تُشعر سَائِرُ وُجُوْهِه بِمَا
__________
(1) ذكر الحافظ ابن عساكر كما سينقله المؤلف عنه 334: أنه سمع صحيح البخاري من أبي سهل محمد بن عبيد الله الحفصي.
وتقدم في ترجمة الرواسي ص 318 أنه قدم طوس في آخر عمره، فصحح عليه الامام الغزالي " الصحيحين " وفي الترجمة أيضا ص 319 أنه لما قدم طوس، أنزله أبو حامد الغزالي عنده، وأكرمه، وقرأ عليه الصحيح ثم شرحه.(19/326)
يُوَافق عقَائِدَ أَهْلِ الملَّة (1) ، فَلاَ يَجِبُ حَملُه إِذاً إِلاَّ عَلَى مَا يُوَافق، وَلاَ يَنْبَغِي التَّعلُّقُ بِهِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ إِذَا أَمكن، وَكَانَ الأَوْلَى بِهِ أَنْ يَتْرُكَ الإِفصَاحَ بِذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ سَمِعَ (سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ) مِنَ القَاضِي أَبِي الفَتْحِ الحَاكمِي الطُّوْسِيّ (2) ، وَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ الخُوَارِي وَالِدِ عبد الجَبَّارِ كِتَابَ (المَوْلِد) لابْنِ أَبِي عَاصِمٍ بِسمَاعِه مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ الحَارِثِ عَنْ أَبِي الشَّيْخِ عَنْهُ.
قُلْتُ: مَا نَقَمَهُ عَبْدُ الغَافِرِ عَلَى أَبِي حَامِد فِي الكيمِيَاء، فَلَهُ أَمثَالُه فِي غُضون تَوَالِيْفِهِ، حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي: شَيخُنَا أَبُو حَامِدٍ بَلَعَ الفَلاسفَةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَقَيَّأَهُم، فَمَا اسْتَطَاعَ.
وَمِنْ (مُعْجَم أَبِي عَلِيٍّ الصدفِي) ، تَأْلِيفُ القَاضِي عِيَاض لَهُ، قَالَ:
وَالشَّيْخ أَبُو حَامِدٍ ذُو الأَنبَاء الشَّنِيعَة، وَالتَّصَانِيْفِ العَظِيْمَة، غلاَ فِي طرِيقَة التَّصَوُّف، وَتَجرَّد لنَصر مَذْهَبهم، وَصَارَ دَاعِيَةً فِي ذَلِكَ، وَأَلَّف فِيْهِ تَوَالِيفه المَشْهُوْرَة، أُخِذَ عَلَيْهِ فِيْهَا مَوَاضِعُ، وَسَاءت بِهِ ظُنُوْنُ أُمَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ، وَنَفَذَ أَمرُ السُّلْطَان عِنْدنَا بِالمَغْرِبِ وَفَتْوَى الفُقَهَاء بِإِحرَاقهَا وَالبُعدِ عَنْهَا، فَامْتُثِلَ ذَلِكَ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَا زَالَ العُلَمَاءُ يَخْتلِفُوْنَ، وَيَتَكَلَّم العَالِمُ فِي العَالِم باجْتِهَاده، وَكُلٌّ مِنْهُم مَعْذُور مَأْجُور، وَمَنْ عَاند أَوْ خرق الإِجْمَاعَ، فَهُوَ مَأْزور، وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُوْر.
__________
(1) النص في " الطبقات " 6 / 213: وليس لفظ منه إلا وكما يشعر أحد وجوهه بكلام موهم، فإنه يشعر سائر وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة.
(2) في الطبقات زيادة: وما عثرت على سماعه.(19/327)
وَلأَبِي المُظَفَّر يُوْسُف سِبْطِ ابْنِ الجَوْزِيّ فِي كِتَاب (رِيَاض الأَفهَام) فِي مَنَاقِب أَهْلِ البَيْت قَالَ:
ذَكَرَ أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ (سِرّ العَالمين وَكشف مَا فِي الدَّارين) فَقَالَ فِي حَدِيْث: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ (1)) أَنَّ عُمَر قَالَ لعلِي: بخٍ بخٍ، أَصْبَحتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَة.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَهَذَا تَسْلِيمٌ وَرِضَىً، ثُمَّ بَعْد هَذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الهَوَى حُباً لِلرِّيَاسَة، وَعَقْدِ البُنُوْد، وَأَمرِ الخِلاَفَة وَنَهيهَا، فَحملهُم عَلَى الخلاَف، فَنبذُوهُ وَرَاءَ ظُهُوْرهِم، وَاشتَرَوْا بِهِ ثَمناً قليلاً، فَبِئس مَا يَشترُوْنَ، وَسَرَدَ كَثِيْراً مِنْ هَذَا الكَلاَم الفَسْلِ الَّذِي تَزعمُهُ الإِمَامِيَّة، وَمَا أَدْرِي مَا عُذْرُهُ فِي هَذَا؟ وَالظَّاهِر أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، وَتبع الحَقَّ، فَإِنَّ الرَّجُل مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَضَع هَذَا وَمَا ذَاكَ بِبعيد، فَفِي هَذَا التَّأْلِيف بَلاَيَا لاَ تَتَطَبَّب، وَقَالَ فِي أَوَّله: إِنَّهُ قرَأَه عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ تُوْمرت المَغْرِبِيّ سِرّاً بِالنَّظَامِيَة، قَالَ: وَتوسَّمْتُ فِيْهِ المُلْكَ.
قُلْتُ: قَدْ أَلَّفَ الرَّجُلُ فِي ذَمِّ الفَلاَسِفَة كِتَاب (التهَافت) ، وَكَشَفَ عوَارهُم، وَوَافقهُم فِي موَاضِع ظنّاً مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ حقٌّ، أَوْ مُوَافِقٌ لِلملَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِالآثَار وَلاَ خِبْرَةٌ بِالسُّنَنِ النَّبويَّة القَاضِيَة عَلَى العَقْل، وَحُبِّبَ إِلَيْهِ إِدمَانُ النَّظَر فِي كِتَاب (رَسَائِلِ إِخْوَانِ الصَّفَا) وَهُوَ دَاءٌ عُضَال، وَجَرَبٌ مُرْدٍ، وَسُمٌّ قَتَّالٌ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَبَا حَامِد مِنْ كِبَارِ الأَذكيَاء، وَخيَارِ المُخلِصينَ، لَتَلِفَ.
فَالحِذَارَ الحِذَارَ مِنْ هَذِهِ الكُتُب، وَاهرُبُوا بدينكُم مِنْ شُبَهِ الأَوَائِلِ، وَإِلاَّ
__________
(1) حديث صحيح رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة، وسعد بن أبي وقاص، وعلي، وأبو أيوب، وابن عباس.
انظر " المسند " 1 / 84 و118 و152 و330، و4 / 281 و368 و372 و5 / 347 و350 و358 و361 و370، والترمذي (3713) وابن ماجة (116) و (121) وابن حبان (2204) و (2205) والحاكم 3 / 109 و110 و132 - 134.(19/328)
وَقعتُم فِي الحَيْرَةِ، فَمَنْ رَام النَّجَاةَ وَالفوز، فَليلزمِ العُبُوديَّة، وَليُدْمِنِ الاسْتغَاثَةَ بِاللهِ، وَليبتهِلْ إِلَى مَوْلاَهُ فِي الثَّبَاتِ عَلَى الإِسْلاَمِ وَأَنْ يُتوفَّى عَلَى إِيْمَانِ الصَّحَابَة، وَسَادَةِ التَّابِعِيْنَ، وَاللهُ الْمُوفق، فَبِحُسْنِ قَصْدِ العَالِمِ يُغْفَرُ لَهُ وَيَنجُو - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَح: فَصلٌ لِبيَانِ أَشيَاء مُهِمَّةٍ أُنْكِرَتْ عَلَى أَبِي حَامِد:
فَفِي تَوَالِيْفِهِ أَشيَاءُ لَمْ يَرتضِهَا أَهْلُ مَذْهَبه مِنَ الشُّذوذ، مِنْهَا قَوْله فِي الْمنطق: هُوَ مقدمَة العُلُوْمِ كُلِّهَا، وَمَنْ لاَ يُحيطُ بِهِ، فَلاَ ثِقَة لَهُ بِمَعلُوْم أَصلاً (1) .
قَالَ: فَهَذَا مَرْدُوْدٌ، إِذْ كُلُّ صَحِيْحِ الذّهن منطقِيٌّ بِالطَّبع، وَكم مِنْ إِمَام مَا رَفَعَ بِالمنطِق رَأْساً.
فَأَمَّا كِتَاب (المضنُوْنِ بِهِ عَلَى غَيْر أَهْله) فَمَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ، شَاهدتُ عَلَى نسخَة بِهِ بِخَطِّ القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ الشَّهْرُزُورِي أَنَّهُ مَوْضُوْع عَلَى الغزَالِي، وَأَنَّهُ مُخْتَرع مِنْ كِتَاب (مَقَاصِد الفَلاَسِفَة) ، وَقَدْ نَقضه الرَّجُلُ بِكِتَابِ (التَّهَافُت) (2) .
__________
(1) قال ذلك في " المستصفى ": 1 / 10، وهذا المنطق الصوري اليوناني الذي امتدحه الغزالي بقوله: " من لا يحيط به فلا ثقة له بعلومه أصلا " لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به البليد، وكثير من قضاياه لا تصح، وقد كان سببا في إفساد عقلية كثير من العلماء وانحرافهم عن منهج النبوة، وطريقة السلف المشهود لهم بالخيرية على لسان من لا ينطق عن الهوى.
والتعليق هنا لا يتسع لبيان ما في هذا العلم من خطأ وفساد، ومن أراد معرفة ذلك بالتفصيل، فليرجع إلى كتاب " الرد على المنطقيين " لشيخ الإسلام، فإنه قد أتى على بنيان هذا العلم من القواعد، وهتكه هتكا بالحجج الدامغة، والبراهين الواضحة.
(2) انظر لزاما ما كتبه عن نسبة كتاب " المضنون به على غير أهله " للغزالي الدكتور سليمان دنيا في كتابه " الحقيقة عند الغزالي ".(19/329)
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجيلِي فِي (تَارِيْخِهِ) :أَبُو حَامِدٍ لُقِّبَ بِالغزَّالِي، بَرَعَ فِي الفِقْه، وَكَانَ لَهُ ذكَاءٌ وَفِطْنَة وَتَصرُّف، وَقُدرَة عَلَى إِنشَاء الكَلاَم، وَتَأْلِيفِ المَعَانِي، وَدَخَلَ فِي عُلُوْمِ الأَوَائِل.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْتَعمَالُ عبَارَاتِهم فِي كُتُبِهِ، وَاسْتُدْعِيَ لِتَدْرِيْس النِّظَامِيَة بِبَغداد فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَبَقِيَ إِلَى أَنْ غلبت عَلَيْهِ الخلوَةُ، وَترك التَدْرِيْسَ، وَلَبِسَ الثِّيَابَ الخشنَةَ، وَتَقلَّل فِي مَطْعُومه.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَجَاورَ بِالقُدْس، وَشرع فِي (الإِحيَاء) هُنَاكَ - أَعنِي: بِدِمَشْقَ - وَحَجَّ وَزَار، وَرجع إِلَى بَغْدَادَ، وَسُمِعَ مِنْهُ كِتَابُهُ (الإِحيَاء) ، وَغَيْرُهُ، فَقَدْ حَدَّثَ بِهَا إِذاً، ثُمَّ سَرَدَ تَصَانِيْفَه.
وَقَدْ رَأَيْت كِتَابَ (الْكَشْف وَالإِنبَاء عَنْ كِتَاب الإِحيَاء) لِلمَازَرِي، أَوله: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنَار الحَقَّ وَأَدَالَه، وَأَبَارَ البَاطِلَ وَأَزَاله، ثُمَّ أَوْرَد المَازَرِي أَشيَاءَ مِمَّا نَقدَه عَلَى أَبِي حَامِد، يَقُوْلُ:
وَلَقَدْ أَعْجَبُ مِنْ قَوْم مَالِكيَةٍ يَرَوْنَ مَالِكاً الإِمَام يَهْرُبُ مِنَ التّحديد، وَيُجَانب أَنْ يَرْسُمَ رسماً، وَإِنْ كَانَ فِيْهِ أَثرٌ مَا، أَوْ قيَاسٌ مَا، تَوَرُّعاً وَتحفظاً مِنَ الفَتْوَى فِيمَا يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْتَحسنُوْنَ مِنْ رَجُل فَتَاوَى مبنَاهَا عَلَى مَا لاَ حقيقَة لَهُ، وَفِيْهِ كَثِيْرٌ مِنَ الآثَار عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفَّق فِيْهِ الثَّابتَ بِغَيْرِ الثَّابت، وَكَذَا مَا أَوْرَد عَنِ السَّلَفِ لاَ يَمكن ثبوتُهُ كُلُّه، وَأَوْرَدَ مِنْ نَزغَاتِ الأَوليَاء وَنفثَات الأَصفِيَاء مَا يَجِلُّ موقِعُه، لَكِن مزج فِيْهِ النَّافِعَ بِالضَّار، كَإِطلاَقَات يَحكيهَا عَنْ بعضهِم لاَ يَجُوْزُ إِطلاَقُهَا لِشنَاعتهَا، وَإِنْ أُخذت معَانِيْهَا عَلَى ظوَاهرهَا، كَانَتْ كَالرموز إِلَى قدح الْمُلْحِدِينَ، وَلاَ تَنْصَرِفُ مَعَانِيْهَا إِلَى الحَقّ إِلاَّ بِتعسُّف عَلَى اللَّفْظ مِمَّا لاَ يَتكلف العُلَمَاءُ مِثْله إِلاَّ فِي كَلاَم صَاحِب الشَّرع الَّذِي اضْطرَّتْ المعجزَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى صدقه المَانعَة مِنْ جَهله وَكذبه إِلَى طلب التَّأْوِيْل، كَقَوْلِه: (إِنَّ القَلْبَ بَيْنَ أُصْبَعَيْنِ(19/330)
مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَن (1)) .
وَ (إِنَّ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَع (2)) .
وَكقوله: (لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ (3)) .
وَكقوله: (يَضْحَكُ اللهُ (4)) ... إِلَى غَيْر
__________
(1) أخرجه مسلم (2654) في القدر: باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، وأحمد: 2 / 168 عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث شاء " ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك ".
وفي الباب عند الترمذي (2140) في القدر، وابن ماجة (3834) في الدعاء، وأحمد 3 / 112، 257 عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " اللهم ثبت قلبي على دينك " فقال رجل: يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك وصدقناك بما جئت به؟ فقال: " إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمان عزوجل يقلبها ".
وهو عند ابن ماجة (199) في المقدمة، وأحمد: 4 / 182 عن النواس بن سمعان.
(2) أخرجه البخاري (4811) في التفسير، و (7414) و (7415) و (7451) و7513) ومسلم (2786) في صفات المنافقين، والترمذي (3239) في التفسير، وأحمد 1 / 457 عن عبد الله بن مسعود قال: جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والارضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الملك.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قاله الحبر تصديقا له.
ثم قرأ (وما قدروا الله حق قدره، والارض جميعا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون) .
وفي الباب عن عبد الله بن عباس عند الترمذي (3240) .
(3) أخرجه مسلم (179) في الايمان، وابن ماجة (195) و (196) في المقدمة، وأحمد: 4 / 400 - 401 عن أبي موسى الأشعري قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: " إن الله عزوجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ".
ومعنى قوله: يخفض القسط: قيل: أراد به الميزان، وقيل أراد بالقسط الرزق الذي هو قسط كل مخلوق، يخفضه مرة فيقتره، ويرفعه مرة فيبسطه، ومعنى سبحات وجهه: أي نوره وجلاله وبهاؤه.
(4) أخرجه البخاري (2826) في الجهاد، ومسلم (1890) في الامارة، ومالك في
" الموطأ ": 2 / 460، والنسائي: 6 / 38 و39، وابن ماجة (191) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة " فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: " يقاتل هذا في سبيل الله عزوجل، فيستشهد، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم، فيقاتل في سبيل الله عزوجل فيستشهد ".(19/331)
ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيْثِ الوَارد ظَاهِرُهَا بِمَا أَحَاله العَقْلُ.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا كَانَتِ العِصْمَةُ غَيْرَ مَقْطُوْع بِهَا فِي حقِّ الوَلِي، فَلاَ وَجه لإِضَافَة مَا لاَ يَجُوْزُ إِطلاَقُهُ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنْ يَثْبُتَ، وَتَدعُو ضَرُوْرَةٌ إِلَى نَقله، فَيَتَأَوّل.
إِلَى أَنْ قَالَ: أَلاَ تَرَى لَوْ أَنَّ مُصَنِّفاً أَخَذَ يَحكِي، عَنْ بَعْضِ الحشويَة مَذْهَبَه فِي قِدَمَ الصَّوتِ وَالحرف، وَقِدَمَ الوَرَقِ، لَمَّا حَسُنَ بِهِ أَنْ يَقُوْل: قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقين: إِنَّ القَارِئَ إِذَا قرَأَ كِتَابَ اللهِ، عَادَ القَارِئُ فِي نَفْسِهِ قديماً بَعْدَ أَنْ كَانَ مُحْدَثاً، أَوْ قَالَ بَعْضُ الحذَاق: إِنَّ اللهَ مَحَلٌّ لِلْحوَادث، إِذَا أَخَذَ فِي حِكَايَة مَذْهَب الكَرَّامِيَّةِ.
وَقَالَ قَاضِي الجَمَاعَة أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدين القُرْطُبِيّ: إِن بَعْضَ مَنْ يَعِظُ مِمَّنْ كَانَ يَنْتَحِلُ رسمَ الفِقْه، ثُمَّ تَبرَّأَ مِنْهُ شغفاً بِالشِّرعَة الغزَّاليَة، وَالنِّحلَة الصُّوْفِيَّة، أَنشَأَ كُرَاسَةً تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى التعصُّب لِكِتَابِ أَبِي حَامِد إِمَام بِدعتِهِم، فَأَيْنَ هُوَ مِنْ شُنَعِ مَنَاكِيْره، وَمَضَاليلِ أَسَاطيرِهِ المُبَاينَة لِلدِّين؟! وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا مِنْ علم المعَامِلَة المُفضِي إِلَى علم المكَاشفَة الوَاقع بِهِم عَلَى سِرِّ الربوبيَة الَّذِي لاَ يُسفِر عَنْ قِنَاعِهِ، وَلاَ يَفُوزُ بِاطِّلاعه إِلاَّ مَنْ تَمَطَّى إِلَيْهِ ثَبَج ضَلاَلَته الَّتِي رفع لَهُم أَعْلاَمَهَا، وَشرع أَحكَامَهَا.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَأَدْنَى النصِيْبِ من هَذَا العِلْم التَّصديقُ بِهِ، وَأَقلُّ عُقُوبَته أَنْ لاَ يُرْزَقَ المُنْكِرُ مِنْهُ شَيْئاً، فَاعرض قَوْله عَلَى قَوْلِهِ، وَلاَ يَشتغِلُ بقِرَاءة قُرْآن، وَلاَ بِكَتْبِ حَدِيْثٍ، لأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنِ الْوُصُول إِلَى إِدخَال رَأْسه فِي كُمِّ جُبَّته، وَالتَّدثر بِكسَائِهِ، فَيسْمَع نِدَاءَ الحَقِّ، فَهُوَ يَقُوْلُ: ذرُوا مَا كَانَ السَّلَفُ عَلَيْهِ، وَبَادِرُوا مَا آمُرُكُم بِهِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا القَاضِي أَقذَع، وَسَبَّ، وَكفَّر، وَأَسْرَفَ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى.(19/332)
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَصُدُوْرُ الأَحرَارِ قُبُوْرُ الأَسرَارِ، وَمَنْ أَفشَى سِرَّ الرُّبوبيَة، كفر، وَرَأَى قَتْلَ مِثْلِ الحَلاَّج خَيراً مِنْ إِحيَاء عَشْرَة لإِطلاَقه أَلْفَاظاً، وَنَقَلَ عَنْ بعضهِم قَالَ: لِلرُّبوبيَّة سِرٌّ لَوْ ظهر، لَبَطَلت النُّبُوَّة، وَللنُبُوَّة سِرٌّ لَوْ كُشِفَ، لبَطل العِلْمُ، وَلِلْعلمِ سِرٌّ لَوْ كشف، لَبَطَلت الأَحكَامُ.
قُلْتُ: سِرُّ العِلْم قَدْ كشف لصُوْفَة أَشقيَاء، فَحلُّوا النّظَام، وَبطل لديهِم الحَلاَلُ وَالحَرَامُ.
قَالَ ابْنُ حَمْدِينَ: ثُمَّ قَالَ الغزَالِي: وَالقَائِلُ بِهَذَا، إِنْ لَمْ يُرِدْ إِبطَال النُّبُوَّة فِي حقِّ الضُّعَفَاء، فَمَا قَالَ لَيْسَ بِحقٍّ، فَإِنَّ الصَّحِيح لاَ يَتنَاقضُ، وَإِنَّ الكَامِل مَنْ لاَ يُطفئ نُوْرُ مَعْرِفَته نُورَ وَرعه.
وَقَالَ الغزَّالِي فِي العَارِف: فَتتجلَى لَهُ أَنوَارُ الحَقِّ، وَتنكشِفُ لَهُ العُلُوْم المرموزَةُ المحجوبَةُ عَنِ الْخلق، فَيعرِفُ مَعْنَى النُّبُوَّة، وَجَمِيْعَ مَا وَردت بِهِ أَلْفَاظُ الشرِيعَة الَّتِي نَحْنُ مِنْهَا عَلَى ظَاهِرٍ، لاَ عَلَى حقيقَة.
وَقَالَ عَنْ بعضهِم: إِذَا رَأَيْتَهُ فِي البِدَايَة، قُلْتَ: صديقاً، وَإِذَا رَأَيْتهُ فِي النِّهَايَة، قُلْتَ: زِنْدِيقاً، ثُمَّ فَسَّره الغزَّالِي، فَقَالَ: إِذِ اسمُ الزِّنْدِيق لاَ يُلصق إِلاَّ بِمعطِّل الفَرَائِضِ لاَ بِمعطِّلِ النَّوَافل.
وَقَالَ: وَذَهَبت الصُّوْفِيَّةُ إِلَى العُلُوْمِ الإِلهَامِيَة دُوْنَ التَّعليمِيَة، فَيجلس فَارغَ القَلْب، مجموعَ الهَمِّ يَقُوْلُ: اللهُ اللهُ اللهُ (1) عَلَى الدَّوَام، فَلْيُفَرِّغ قَلْبَهُ، وَلاَ يَشتغِلْ بِتِلاَوَة وَلاَ كتب حَدِيْث.
قَالَ: فَإِذَا بلغَ هَذَا الحدّ، الْتزم الخلوَةَ فِي بَيْت مُظْلِمٍ وَتَدَثَّرَ
__________
(1) الذكر بالاسم المفرد لم يرد في السنة، لان الذكر ثناء على الله، والثناء لا يكون إلا بجملة تامة، وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع في هذا وأمثاله، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ".
انظر " الموطأ ": 1 / 422 - 423، والترمذي (3579) .(19/333)
بِكسَائِهِ، فَحِيْنَئِذٍ يَسْمَعُ نِدَاءَ الحَقّ: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} وَ {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ} .
قُلْتُ: سَيِّدُ الخلقِ إِنَّمَا سَمِعَ {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} مِنْ جِبْرِيْل عَنِ اللهِ، وَهَذَا الأَحْمَقُ لَمْ يَسْمَعْ نِدَاء الحَقِّ أَبَداً، بَلْ سَمِعَ شيطَاناً، أَوْ سَمِعَ شَيْئاً لاَ حقيقَةً مِنْ طَيش دِمَاغِه، وَالتَّوفِيقُ فِي الاعتصَام بِالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاع.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِي: شَحَنَ أَبُو حَامِدٍ (الإِحيَاء) بِالكَذِبِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ أَعْلَمُ كِتَاباً عَلَى بَسِيط الأَرْضِ أَكْثَرَ كذباً مِنْهُ، ثُمَّ شبَّكَهُ بِمَذَاهِبِ الفَلاَسِفَة، وَمعَانِي رَسَائِل إِخْوَانِ الصَّفَا، وَهُم قَوْم يَرَوْنَ النُّبُوَّة مكتَسَبَة، وَزعمُوا أَنَّ المعجزَاتِ حِيَلٌ وَمَخَارِيقُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر (1) :حَجَّ أَبُو حَامِدٍ وَأَقَامَ بِالشَّامِ نَحْواً مِنْ عشر سِنِيْنَ، وَصَنَّفَ، وَأَخَذَ نَفْسه بِالمُجَاهِدَة، وَكَانَ مُقَامُه بِدِمَشْقَ فِي المنَارَة الغربيَة مِنَ الجَامِع، سَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مِنْ أَبِي سهل الْحَفْصِي، وَقَدِمَ دِمَشْق فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَان: بَعَثَهُ النِّظَام عَلَى مَدْرَسَته بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَتَركهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَتَزَهَّدَ، وَحَجَّ، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً بِالزَّاويَة الغربيَة، ثُمَّ انتقلَ إِلَى بَيْت المَقْدِسِ وَتَعَبَّدَ، ثُمَّ قصد مِصْر، وَأَقَامَ مُدَّةً بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، فَقِيْلَ: عزم عَلَى المضِي إِلَى يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن سُلْطَانِ مَرَّاكُش، فَبَلَغَهُ نَعِيُّه، ثُمَّ عَادَ إِلَى طُوْس، وَصَنَّفَ: (البَسيطَ) وَ (الوسيطَ) وَ (الوجِيْزَ) وَ (الخلاَصَة) وَ (الإِحيَاءَ) ، وَأَلَّف: (المُسْتصفَى) فِي أُصُوْل الفِقْه، وَ (المَنْخُوْل) وَ (اللبَاب) وَ (الْمُنْتَحل فِي الجَدَل) وَ (تَهَافت الفَلاَسِفَة)
__________
(1) أورده السبكي في " طبقاته ": 6 / 197 وقال: كذا نقل شيخنا الذهبي، ولم أجد ذلك في كلام ابن عساكر لا في " تاريخ الشام " ولا في " التبيين ".(19/334)
وَ (مَحكّ النَّظَر) وَ (مِعيَار العِلْم) وَ (شرح الأَسْمَاء الحُسْنَى) وَ (مشكَاة الأَنوَار) وَ (المُنْقِذ مِنَ الضَّلاَل) وَ (حقيقَة الْقَوْلَيْنِ) وَأَشيَاء.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَبُو حَامِدٍ إِمَامُ الفُقَهَاءِ عَلَى الإِطلاَق، وَربَّانِيُّ الأُمَّةِ بِالاتِّفَاق، وَمُجْتَهِدُ زَمَانه، وَعينُ أَوَانه، بَرَعَ فِي المَذْهَب وَالأُصُوْل وَالخلاَف وَالجَدَلِ وَالمنطق، وَقرَأَ الحِكْمَة وَالفَلْسَفَة، وَفَهِمَ كلاَمهُم، وَتَصَدَّى لِلرَّدِّ عَلَيْهِم، وَكَانَ شَدِيدَ الذّكَاء، قوِيَّ الإِدرَاك، ذَا فِطْنَة ثَاقبَة، وَغوص عَلَى المَعَانِي، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ أَلَّف (المَنْخُوْل) ، فَرَآهُ أَبُو المَعَالِي، فَقَالَ: دفنتَنِي وَأَنَا حَيٌّ، فَهَلاَّ صَبرتَ الآنَ، كِتَابُك غطَّى عَلَى كِتَابِي (1) .
ثُمَّ رَوَى ابْنُ النَّجَّار بِسنده: أَنَّ وَالِد أَبِي حَامِد كَانَ يَغْزِلُ الصُّوفَ وَيبيعُهُ فِي دُكَّانه بِطُوْسَ، فَأَوْصَى بِوَلَدَيْهِ مُحَمَّد وَأَحْمَد إِلَى صَدِيْقٍ لَهُ صُوْفِي صَالِح، فَعلمهُمَا الخطَّ، وَفَنِيَ مَا خَلَّفَ لَهُمَا أَبُوْهُمَا، وَتعذَّر عَلَيْهِمَا القُوْتُ، فَقَالَ: أَرَى لَكُمَا أَنْ تلجآ إِلَى المدرسَة كَأَنكمَا طَالبَان لِلْفقه عَسَى يَحصُل لَكُمَا قُوتٌ، فَفَعلاَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَد الخطيبِي: كُنْت فِي حَلْقَة الغزَّالِي، فَقَالَ: مَاتَ أَبِي، وَخلَّف لِي وَلأَخِي مِقْدَاراً يَسيراً فَفَنِي بِحَيْثُ تَعذَّرَ عَلَيْنَا القُوْتُ، فَصِرنَا إِلَى مدرسَة نطلُبُ الفِقْه، لَيْسَ المُرَادُ سِوَى تحصيلِ القُوْت، فَكَانَ تَعلُّمنَا لِذَلِكَ، لاَ للهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ إِلاَّ للهِ.
قَالَ أَسْعَد المِيهنِي: سَمِعْتُ أَبَا حَامِد يَقُوْلُ:
هَاجرتُ إِلَى أَبِي نَصْرٍ الإِسْمَاعِيْلِي بجُرْجَان، فَأَقَمْتُ إِلَى أَنْ أَخذت عَنْهُ (التَّعليقَة) (2) .
__________
(1) في " المنتظم ": 9 / 169: هلا صبرت حتى أموت، وأراد أن كتابك قد غطى على كتابي.
(2) انظر خبر هذه التعليقة في " طبقات الشافعية ": 6 / 195 فإنه طريف.(19/335)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الأَشِيرِي (1) :سَمِعْتُ عبد المُؤْمِن بن عَلِيٍّ القَيْسِيّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ تُوْمَرْت (2) يَقُوْلُ: أَبُو حَامِدٍ الغزَالِي قَرَعَ البَابَ وَفُتِحَ لَنَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: بَلَغَنِي أَن إِمَامَ الحَرَمَيْنِ قَالَ:
الغَزَّالِي بَحْرٌ مُغْرِقٌ، وَإِلْكِيَا أَسَدٌ مُطْرِقٌ (3) ، وَالخَوَافِي (4) نَارٌ تُحْرِقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ، وَغَيْرهُ: سَمِعْنَا مُحَمَّدَ بَنَ يَحْيَى العَبْدَرِي المُؤَدِّب يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة سَنَةَ خَمْس مائَة كَانَّ الشَّمْس طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبهَا، فَعَبَرَهُ لِي عَابِرٌ بِبدعَة تَحْدُثُ فِيهِم، فَبعد أَيَّام وَصل الخَبَر بِإِحرَاقِ كتب الغزَالِي مِنَ المرِيَّة.
__________
(1) ضبطه ابن الأثير في " اللباب " بفتح الهمزة، وكسر الشين، وسكون الياء، وقال: هذه النسبة إلى أشير، حصن بالمغرب ينسب إليه عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد الصنهاجي المغربي المعروف بابن الاشيري، سمع بالاندلس أبا جعفر بن غزلون، وأبا بكر محمد بن عبد الله بن العربي الاشبيلي وغيرهما، وقدم الشام بأهله، وكان أديبا فاضلا
توفي بالشام في سنة إحدى وستين وخمس مئة، ودفن في بعلبك وسترد ترجمته عند المصنف في الجزء العشرين رقم (294) .
(2) عبد المؤمن: هو ملك المغرب، المتوفي سنة 558 هـ، سترد ترجمته في الجزء العشرين برقم (254) .
وابن تومرت: هو محمد بن عبد الله بن تومرت الملقب بالمهدي المصمودي صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن المتوفى سنة 524، وسترد ترجمته في هذا الجزء برقم (318) .
(3) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بإلكيا الهراسي الفقيه الشافعي ستأتي ترجمته برقم (207) .
(4) نسبة إلى خواف، ناحية من نواحي نيسابور كثيرة القرى، والخوافي هذا: هو أبو المظفر أحمد بن محمد بن المظفر الخوافي الفقيه الشافعي، كان أنظر أهل زمانه، تفقه على إمام الحرمين الجويني، وصار أوجه تلامذته، وكان مشهورا بين العلماء بحسن المناظرة، وإفحام الخصوم.
والنص في طبقات السبكي: 6 / 202 كان الجويني يقول في تلامذته: إذا ناظروا: التحقيق للخوافي، والحدسيات للغزالي، والبيان للكيا.(19/336)
وَفِي التَّوَكُّل مِنَ (الإِحيَاء (1)) مَا نَصه: وَكُلُّ مَا قسمَ اللهُ بَيْنَ عبَاده مِنْ رزقٍ وَأَجْلٍ، وَإِيْمَانٍ وَكفرٍ، فَكُلُّه عدلٌ مَحْض، لَيْسَ فِي الإِمْكَانِ أَصلاً أَحْسَنُ وَلاَ أَتَمُّ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ وَادَّخره تَعَالَى مَعَ القُدرَة وَلَمْ يَفعلْه، لَكَانَ بُخْلاً وَظلماً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَربِي فِي (شَرحِ الأَسْمَاء الحُسْنَى) :قَالَ شيخنَا أَبُو حَامِدٍ قَوْلاً عَظِيْماً انْتَقدهُ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ، فَقَالَ:
وَلَيْسَ فِي قُدرَة الله أَبدعُ مِنْ هَذَا العَالَم فِي الإِتْقَان وَالحِكْمَة، وَلَوْ كَانَ فِي القدرَة أَبدعُ أَوْ أَحكمُ مِنْهُ وَلَمْ يَفعله، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَضَاءً لِلْجُوْد، وَذَلِكَ مُحَال.
ثُمَّ قَالَ: وَالجَوَاب أَنَّهُ بَاعد فِي اعْتِقَاد عمومِ القدرَة وَنَفْي النّهَايَة عَنْ تَقدير المقدورَات المُتَعَلِّقَة بِهَا، وَلَكِن فِي تَفَاصيل هَذَا العَالم المَخْلُوْق، لاَ فِي سِوَاهُ، وَهَذَا رَأْيٌ فَلسفِي قصَدتْ بِهِ الفَلاَسِفَةُ قَلْبَ الحقَائِق، وَنسبتِ الإِتْقَانَ إِلَى الحَيَاةِ مَثَلاً، وَالوجُوْدَ إِلَى السَّمْعِ وَالبصر، حَتَّى لاَ يَبْقَى فِي القلوبِ سَبِيْلٌ إِلَى الصَّوَاب، وَأَجْمَعتِ الأُمَّةُ عَلَى خِلاَف هَذَا الاعتقَاد، وَقَالَتْ عَنْ بُكرَة أَبيهَا: إِنَّ المقدورَاتِ لاَ نِهَايَةَ لَهَا لِكُلِّ مُقَدَّر الوُجُوْد، لاَ لِكُلِّ حَاصل الوجُوْد، إِذِ القدرَةُ صَالِحَة، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ وَهْلَةٌ لاَ لَعاً لَهَا (2) ، وَمَزَلَّةٌ لاَ تَمَاسكَ فِيْهَا، وَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نُقْطَةً مِنْ بحره، فَإِنَّا لاَ نَرُدُّ عَلَيْهِ إِلاَّ بِقَوْلِهِ.
قُلْتُ: كَذَا فَليكن الردُّ بِأَدبٍ وَسكَيْنَة.
وَمِمَّا أُخِذَ عَلَيْهِ، قَالَ: إِنَّ لِلْقدر سِرّاً نُهينَا عَنْ إِفشَائِهِ، فَأَيُّ سرٍّ لِلْقدر؟
__________
(1) 4 / 258: في آخر باب بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل التوكل.
(2) قال أبو عبيدة: من دعائهم: لالعا لفلان، أي: لا أقامه الله، والعرب تدعو على العاثر من الدواب إذا كان جوادا بالتعس، فتقول: تعسا له، وإن كان بليدا، كان دعاؤهم له إذا عثر: لعا لك.(19/337)
فَإِنْ كَانَ مُدْرَكاً بِالنَّظَر، وُصِلَ إِلَيْهِ وَلاَ بُدَّ، وَإِنْ كَانَ مُدْرَكاً بِالخَبَر، فَمَا ثَبَتَ فِيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ يُدْرَكُ بِالحَال وَالعِرفَان، فَهَذِهِ دعوَى مَحضَة، فَلَعَلَّهُ عَنَى بِإِفشَائِهِ أَن نُعَمِّق فِي القَدَرِ، وَنبحثَ فِيْهِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد الكَرِيْم (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا حطلبا بن قمرِيَة الصُّوْفِيّ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بن أَحْمَدَ الإِسْفَرَايينِي بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، قَالَ:
اعْلم أَنَّ الدِّين شَطرَانِ: أَحَدُهُمَا تَركُ المَنَاهِي، وَالآخرُ فِعلُ الطَّاعَات، وَتركُ المنَاهِي هُوَ الأَشَدُّ، وَالطَّاعَات يَقْدِرُ عَلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ، وَتركُ الشَّهوَات لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلاَّ الصِّدِّيْقُوْنَ، وَلذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوْءَ، وَالمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ هَوَاهُ) (2) .
__________
(1) ترجمه المؤلف في مشيخته الورقة: 140، فقال: هو محمد بن عبد الكريم بن علي بن أحمد المقرئ المعمر، نظام الدين أبو عبد الله التبريزي، ثم الدمشقي الشافعي، ولد في حدود سنة عشر وست مئة في دولة العادل، وكان يسافر مع ابنه للتجارة، فذكر لي أنه قرأ لأبي عمر ختمة على أبي القاسم الصفراوي، وأراني إجازته من السخاوي بالسبع في سنة خمس وثلاثين وست مئة، وقرأ بأربع روايات على المنتخب الهمذاني، وسمع بحلب من أبي القاسم بن رواحة وجماعة، وكان له حلقة مصدرة، ومسجد بناحية المارستان، وكان خيرا متواضعا.
عرضت عليه ختمة لعلو سنده، وطال بعد ذلك عمره، واستولى عليه الهرم والمرض، وبقي بالمارستان النوري قريب السنة وافتقر.
مات في ربيع الآخر سنة أربع وسبع مئة.
(2) صحيح، وأخرجه الامام أحمد: 6 / 21 من طريق الليث بن سعد عن أبي هانئ الخولاني عن عمرو بن مالك الجنبي - وقد تحرف فيه إلى الجبني - عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " ألا أخبركم بالمؤمن، من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ": وصححه ابن حبان (25) ، والحاكم: 1 / 10، 11، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أنس عند ابن حبان (26) ، والحاكم: 1 / 11.(19/338)
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العبدرِي: سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْد القَادِرِ الطُّوْسِيّ يَحْلِفُ بِاللهِ أَنَّهُ أَبصر فِي نَوْمه كَأَنَّهُ يَنظر فِي كتب الغزَالِي - رَحِمَهُ اللهُ - فَإِذَا هِيَ كُلُّهَا تَصَاوِيْر.
قُلْتُ: الغَزَّالِي إِمَامٌ كَبِيْر، وَمَا مِنْ شَرطِ العَالِم أَنَّهُ لاَ يُخطِئ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الطُّرْطُوشِي فِي رِسَالَة لَهُ إِلَى ابْنِ مُظَفَّر: فَأَمَّا مَا ذكرت مِنْ أَبِي حَامِد، فَقَدْ رَأَيْتُهُ، وَكَلَّمتُهُ، فَرَأَيْتهُ جَلِيْلاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَاجتمع فِيْهِ العَقْلُ وَالفهْمُ، وَمَارسَ العُلُوْمَ طُولَ عُمُره، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ مُعْظَمَ زَمَانِهِ، ثُمَّ بدَا لَهُ عَنْ طَرِيْق العُلَمَاء، وَدَخَلَ فِي غُمَارِ العُمَّال، ثُمَّ تَصَوَّف، وَهجر العُلُوْمَ وَأَهْلهَا، وَدَخَلَ فِي عُلُوْم الخوَاطِرِ، وَأَربَابِ الْقُلُوب، وَوسَاوسِ الشَّيْطَان، ثُمَّ شَابَهَا بآرَاء الفَلاَسِفَةِ، وَرُموز الحلاَّجِ، وَجَعَلَ يَطْعُنُ عَلَى الفُقَهَاء وَالمتكلِّمِين، وَلَقَدْ كَادَ أَنْ يَنسلِخَ مِنَ الدِّين، فَلَمَّا عمل (الإِحيَاء) ، عَمَدَ يَتَكَلَّم فِي عُلُوْم الأَحْوَال، وَمرَامزِ الصُّوْفِيَّة، وَكَانَ غَيْرَ أَنِيسٍ بِهَا، وَلاَ خبِير بِمَعْرِفَتِهَا، فَسَقَطَ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، وَشحن كِتَابَهُ بِالمَوْضُوْعَات.
قُلْتُ: أَمَّا (الإِحيَاء) فَفِيْهِ مِنَ الأَحَادِيْثِ البَاطِلَة جُمْلَةٌ (1) ، وَفِيْهِ خَيْر
__________
(1) وقد جمع الامام السبكي في طبقاته: 6 / 287 - 388 الأحاديث الواقعة في كتاب الاحياء التي لم يجد لها إسنادا، وعدتها 943 حديثا تقريبا.
وقد خرج أحاديث الاحياء كلها الحافظ أبو الفضل بعد الرحيم العراقي المتوفى سنة 806 هـ في كتاب سماه " المغني عن حمل الاسفار في الاسفار في تخريج ما في الاحياء من الاخبار " وهو مطبوع مع الاحياء، وقد عزا كل حديث إلى مصدره، وأبان عن درجة كل واحد منها، وكثير منها حكم عليه بالضعف أو الوضع، أو أنه لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليحذر الكتاب والخطباء والمدرسون والوعاظ من تناول ما في الاحياء من الأحاديث، والاستشهاد بها ما لم يتبينوا صحتها من تخريجات الحافظ العراقي، فقد قال محدث الديار
الشامية الشيخ بدر الدين الحسني: لا يجوز إسناد حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا نص على =(19/339)
كَثِيْر لَوْلاَ مَا فِيْهِ مِنْ آدَاب وَرسوم وَزُهْد مِنْ طرَائِق الحكمَاء وَمُنحَرِفِي الصُّوْفِيَّة، نَسْأَل اللهَ عِلْماً نَافِعاً، تَدْرِي مَا العِلْمُ النَّافِع؟ هُوَ مَا نَزل بِهِ القُرْآنُ، وَفسَّره الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلاً وَفعلاً، وَلَمْ يَأْت نَهْي عَنْهُ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي (1)) ، فَعَلَيْك يَا أَخِي بتدبُّر كِتَاب اللهِ، وَبإِدمَان النَّظَر فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) و (سُنَن النَّسَائِيّ) ، وَ (رِيَاض النَّوَاوِي) وَأَذكَاره، تُفْلِحْ وَتُنْجِحْ، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ عُبَّادِ الفَلاَسِفَة، وَوظَائِفِ أَهْلِ الرِّيَاضَات، وَجُوعَ الرُّهبَان، وَخِطَابَ طَيْشِ رُؤُوْسِ أَصْحَابِ الخلوَات، فُكُلُّ الخَيْر فِي مُتَابعَة الحنِيفِيَة السَّمحَة، فَواغوثَاهُ بِاللهِ، اللَّهُمَّ اهدِنَا إِلَى صرَاطك المُسْتقيم.
نعم، وَللإِمَامِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ المَازَرِي الصَّقَلِّي كَلاَمٌ عَلَى (الإِحيَاء) يَدُلُّ عَلَى إِمَامته، يَقُوْلُ:
وَقَدْ تَكرَّرت مُكَاتبتكُم فِي اسْتَعلاَمِ مَذْهَبِنَا فِي الكِتَابِ المُتَرْجَمِ بِـ (إِحيَاءِ عُلُوْمِ الدِّينِ) ، وَذَكَرتُم أَنَّ آرَاء النَّاس فِيْهِ قَدِ اخْتلفت، فَطَائِفَةٌ انْتَصَرت وَتعصَّبت لإِشهَاره، وَطَائِفَة حَذَّرت مِنْهُ وَنفَّرت، وَطَائِفَة لِكُتُبِهِ أَحرقت، وَكَاتِبنِي أَهْلُ المَشْرِق أَيْضاً يَسْأَلونِي، وَلَمْ يَتقدم لِي
__________
= صحة هذا الحديث حافظ من الحفاظ المعروفين، فمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم صحة ذلك من طريق أحد الحفاظ يوشك أن يصدق عليه حديث " من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ".
انظر مجلة الهداية الإسلامية: 8 / 264.
(1) قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري (5063) في النكاح، ومسلم (1401) ، والنسائي: 6 / 60، وأحمد: 3 / 241، 259، 285، من طريقين عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا
كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ !، قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا.
وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر.
وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج النساء أبدا.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لاخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".(19/340)
قِرَاءة هَذَا الكِتَاب سِوَى نُبَذٍ مِنْهُ، فَإِنْ نَفَّسَ اللهُ فِي العُمُرِ، مَدَدتُ فِيْهِ الأَنفَاس، وَأَزلتُ عَنِ الْقُلُوب الالْتِبَاس: اعْلمُوا أَنَّ هَذَا رَأَيْتُ تَلاَمِذَتَهُ، فُكُلٌّ مِنْهُم حَكَى لِي نوعاً مِنْ حَالِهِ مَا قَامَ مقَام العِيَانِ، فَأَنَا أَقتصرُ عَلَى ذكر حَاله، وَحَالِ كِتَابِهِ، وَذِكْرِ جُمَلٍ مِنْ مَذَاهِب الموحِّدين وَالمتصَوِّفَة، وَأَصْحَابِ الإِشَارَات، وَالفَلاَسِفَة، فَإِنَّ كِتَابهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ هَذِهِ الطّرَائِق.
ثُمَّ إِنَّ المَازرِي أَثْنَى عَلَى أَبِي حَامِد فِي الفِقْه، وَقَالَ: هُوَ بِالفِقْه أَعْرفُ مِنْهُ بِأُصُوْله، وَأَمَّا عِلْمُ الكَلاَم الَّذِي هُوَ أُصُوْلُ الدّين، فَإِنَّهُ صَنَّف فِيْهِ، وَلَيْسَ بِالمتبحر فِيْهَا، وَلَقَدْ فَطِنْتُ لِعدم اسْتبحَاره فِيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَرَأَ عُلُوْمَ الفَلْسَفَة قَبْل اسْتبحَاره فِي فَن الأُصُوْل، فَأَكسبته الفَلْسَفَة جُرْأَةً عَلَى المَعَانِي، وَتسهُّلاً لِلْهجوم عَلَى الحقَائِق، لأَنْ الفَلاَسِفَة تَمرُّ مَعَ خَوَاطِرِهَا، لاَ يَزَعُهَا شَرْعٌ، وَعَرَّفنِي صَاحِب لَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عُكُوفٌ عَلَى (رَسَائِل إِخْوَان الصَّفَا) ، وَهِيَ إِحْدَى وَخَمْسُوْنَ رِسَالَةً، أَلَّفهَا مَنْ قَدْ خَاض فِي علم الشَّرع وَالنَّقل، وَفِي الحِكْمَة، فَمزج بَيْنَ الْعلمين، وَقَدْ كَانَ رَجُل يُعْرَفُ بِابْنِ سِينَا ملأَ الدُّنْيَا تَصَانِيْفَ، أَدَّتْهُ قُوَّتُهُ فِي الفَلْسَفَة إِلَى أَنْ حَاول ردَّ أُصُوْلِ العقَائِد إِلَى علم الفَلْسَفَة، وَتلطَّفَ جُهْدَهُ، حَتَّى تَمَّ لَهُ مَا لَمْ يَتُم لغَيْره، وَقَدْ رَأَيْتُ جُمَلاً مِنْ دَوَاوِيْنه، وَوجدتُ أَبَا حَامِد يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي أَكْثَر مَا يُشيرُ إِلَيْهِ مِنْ عُلُوْم الفَلْسَفَة.
وَأَمَّا مَذَاهِبُ الصُّوْفِيَّة، فَلاَ أَدْرِي عَلَى مَنْ عوَّل فِيْهَا، لَكِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا عَلَّق بَعْضُ أَصْحَابه أَنَّهُ ذكر كُتُبَ ابْنِ سينَا وَمَا فِيْهَا، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كُتبَ أَبِي حَيَّانَ التَّوحيدي، وَعِنْدِي أَنَّهُ عَلَيْهِ عوَّل فِي مَذْهَب التَّصَوُّف، وَأُخْبِرْتُ أَنَّ أَبَا حَيَّان أَلَّف دِيْوَاناً عَظِيْماً فِي هَذَا الفنّ، وَفِي (الإِحيَاء) مِنَ الوَاهيَات كَثِيْر.
قَالَ: وَعَادَةُ المتورِّعين أَنْ لاَ يَقولُوا: قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِيمَا لَمْ يثبت عِنْدَهُم.(19/341)
ثُمَّ قَالَ: وَيَستحسنُ أَشيَاءَ مبنَاهَا عَلَى مَا لاَ حقيقَة لَهُ، كقصِّ الأَظفَارِ أَنْ يَبدَأَ بِالسَّبَّابَة، لأَنْ لَهَا الفَضْلَ عَلَى باقِي الأَصَابع، لأَنَّهَا المسبِّحَة، ثُمَّ قصّ مَا يَلِيهَا مِنَ الوُسطَى، لأَنَّهَا نَاحِيَة اليَمِينِ، وَيَخْتِم بِإِبْهَامِ اليُمْنَى، وَرَوَى فِي ذَلِكَ أَثراً.
قُلْتُ: هُوَ أَثر مَوْضُوْع.
ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ: مَنْ مَاتَ بَعْدَ بلوَغه وَلَمْ يَعلم أَنَّ البَارِئ قديم، مَاتَ مسلماً إِجمَاعاً.
قَالَ: فَمَنْ تسَاهل فِي حِكَايَة الإِجْمَاع فِي مِثْلِ هَذَا الَّذِي الأَقْرَبُ أَنْ يَكُوْنَ الإِجْمَاعُ فِي خِلاَفه، فَحقيق أَنْ لاَ يُوثقَ بِمَا رَوَى، وَرَأَيْتُ لَهُ فِي الجُزْء الأَوّل يَقُوْلُ: إِنَّ فِي عُلُوْمِهِ مَا لاَ يَسوَغ أَنْ يُودَعَ فِي كِتَاب، فَليت شعرِي أَحقٌّ هُوَ أَوْ بَاطِل؟! فَإِنْ كَانَ بَاطِلاً، فَصَدَقَ، وَإِنْ كَانَ حَقّاً، وَهُوَ مُرَادُهُ بِلاَ شكّ، فَلِمَ لاَ يُودَعُ فِي الكُتُبِ، أَلِغُموضه وَدِقَّته؟! فَإِنْ كَانَ هُوَ فَهِمَه، فَمَا المَانع أَنْ يَفهمه غَيْرُهُ؟!
قَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْن الجَوْزِيّ: صَنَّفَ أَبُو حَامِدٍ (الإِحيَاء) ، وَملأَه بِالأَحَادِيْث البَاطِلَة، وَلَمْ يَعلم بطلاَنهَا، وَتَكلّم عَلَى الْكَشْف، وَخَرَجَ عَنْ قَانُوْنِ الفِقْه، وَقَالَ: إِنَّ المُرَادَ بِالكَوْكَب وَالقَمَر وَالشَّمْس اللوَاتِي رَآهن إِبْرَاهِيْم، أَنوَار هِيَ حُجُبُ الله - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَمْ يُرد هَذِهِ المَعْرُوْفَات، وَهَذَا مِنْ جنس كَلاَمِ البَاطِنِيَّة، وَقَدْ ردَّ ابْنُ الجَوْزِيّ عَلَى أَبِي حَامِد فِي كِتَابِ (الإِحيَاء) ، وَبَيَّنَ خَطَأَه فِي مُجَلَّدَات، سَمَّاهُ كِتَابَ (الأَحيَاءِ) .
وَلأَبِي الحَسَنِ ابْن سُكَّر رَدٌّ عَلَى الغَزَّالِي فِي مُجَلَّدٍ سَمَّاهُ: (إِحيَاء ميت الأَحْيَاء فِي الرَّدِّ عَلَى كِتَابِ الإِحيَاءِ) .
قُلْتُ: مَا زَالَ الأَئِمَّةُ يُخَالِف بَعضهُم بعضاً، وَيَردُّ هَذَا عَلَى هَذَا،(19/342)
وَلَسْنَا مِمَّنْ يَذُمُّ العَالِم بِالهَوَى وَالجَهْل.
نعم، وَلِلإِمَامِ كِتَاب (كيمِيَاء السَّعَادَة) ، وَكِتَاب (الْمُعْتَقد) ، وَكِتَاب (إِلجَام العوَام) ، وَكِتَاب (الرَّدّ عَلَى البَاطِنِيَّة) ، وَكِتَاب (مُعْتَقد الأَوَائِل) ، وَكِتَاب (جَوَاهر القُرْآن) ، وَكِتَاب (الغَايَة القصوَى) وَكِتَاب (فَضَائِح الإِباحيَة) ، وَ (مَسْأَلَة عَوز الدّور) ، وَغَيْر ذَلِكَ.
قَالَ عَبْد الغَافِرِ الفَارِسِيّ: تُوُفِّيَ يَوْم الاثْنَيْنِ، رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ خَمْس وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة الطَّابرَان قصبَة بِلاَدِ طُوْس، وَقَوْلُهُم: الغَزَّالِي، وَالعطَّارِي، وَالخَبَّازِيّ، نِسبَة إِلَى الصّنَائِعِ بِلِسَان الْعَجم، بِجمع يَاء النِّسبَة وَالصيغَة.
وَلِلغَزَّالِي أَخ وَاعِظٌ مَشْهُوْر، وَهُوَ أَبُو الفُتُوْح أَحْمَد، لَهُ قبولٌ عَظِيْم فِي الْوَعْظ، يُزَنُّ (1) برقَة الدّين وَبِالإِباحَة، بَقِيَ إِلَى حُدُوْد العِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ نَاب عَنْ أَخِيْهِ فِي تَدْرِيْس النّظَامِيَة بِبَغْدَادَ لَمَّا حَجَّ مُديدَة.
قَرَأْت بِخَطِّ النَّوَاوِي - رَحِمَهُ اللهُ -:قَالَ الشَّيْخُ تَقِيّ الدِّيْنِ ابْن الصَّلاَحِ: وَقَدْ سُئِلَ: لِمَ سُمِّيَ الغَزَّالِي بِذَلِكَ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي مِنْ أَثِقُ بِهِ، عَنْ أَبِي الْحرم المَاكسِي الأَدِيْب، حَدَّثَنَا أَبُو الثَّنَاء مَحْمُوْد الفَرَضِيّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا تَاجُ الإِسْلاَم ابْن خَمِيْس، قَالَ لِي الغَزَالِي: النَّاس يَقُوْلُوْنَ لِي: الغَزَّالِي، وَلَسْتُ الغَزَّالِي، وَإِنَّمَا أَنَا الغَزَالِيُّ مَنْسُوْب إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالَ لَهَا: غَزَالَةُ - أَوْ كَمَا قَالَ -.
__________
(1) أي: يتهم ويرمى، يقال: زنه بكذا، وأزنه: إذا اتهمه وظنه فيه، وفي خبر الانصار وتسويدهم جد بن قيس: إنا لنزنه بالبخل، أي: نتهمه به، وفي شعر حسان بن ثابت في عائشة رضي الله عنها: خصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل.
[التعليق]
(* *) يقول الشيخ الفاضل أبو محمد الألفي (عضو ملتقى أهل الحديث) :
فِي التَّرْجَمَةِ [266 - ابْنُ طَبَرْزَذَ، عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَمَّرٍ البَغْدَادِيُّ] .
الشَّيْخُ الْمُسْنِدُ الكَبِيْرُ الرِّحْلَةُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بنِ مُعَمَّر بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَسَّانٍ البَغْدَادِيُّ الدَّارَقَزِّيُّ المُؤَدِّبُ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ طَبَرْزَذَ. وَالطَّبَرْزَذُ - بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ -: هُوَ السُّكَّرُ.
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ لَقَبِهِ (طَبَرْزَذَ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، كَمَا هَاهُنَا فِي تَرْجَمَتِهِ.
وَيَتَكَرَّرُ فِي الْكِتَابِ عَشَرَاتِ الْمَرَّاتِ (ابْنُ طَبَرْزَدْ) بِدَالٍ غَيْرِ مَنْقُوطَةٍ، وَهُوَ خَطَأٌ!! .
وَيَتَكَرَّرُ مِثْلُهُ فِي أَسَانِيدِ الْمِزِّيِّ فِي «تَهْذِيبِ الْكَمَالِ» مِئَاتَ الْمَرَّاتِ [قَرِيبَاً مِنْ خَمْسِمِائَةٍ] ، لأَنَّ ابْنَ طَبَرْزَذَ شَيْخُ شُيُوخِهِ!! .
ـــ هامش ـــ
(1) وفِي «مُحِيطِ اللُّغَةِ» : سُكَّرٌ طَبَرْزَذُ وطَبَرْزَلُ وطَبَرْزَنُ.
وفِي «تَاجِ الْعَرُوسِ» : مُعَرَّبٌ أَصْلُ مَعْنَاهُ: مَا نُحِتَ بِالفَأْسِ.(19/343)
وَفِي أَوَاخرِ (المَنْخُوْل (1)) لِلْغزَالِي كَلاَم فَجٌّ فِي إِمَام لاَ أَرَى نَقله هُنَا.
وَمِنْ عقيدَة أَبِي حَامِد - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - أَوَّلهَا: الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَعرَّف إِلَى عبَاده بِكِتَابِه المُنْزَل عَلَى لِسَانِ نَبِيِّه الْمُرْسل، بِأَنَّهُ فِي ذَاته وَاحِد لاَ شَرِيْكَ لَهُ، فَردٌ لاَ مِثْل لَهُ، صَمَدٌ لاَ ضِدَّ لَهُ، لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ منعوتاً بِنعوت الجلاَل، وَلاَ تُحيطُ بِهِ الجِهَاتُ، وَلاَ تَكنُفه السَّمَاوَاتُ، وَأَنَّهُ مُسْتوٍ عَلَى الْعَرْش عَلَى الوَجْه الَّذِي قَالَهُ، وَبِالمَعْنَى الَّذِي أَرَادَه، منزَّهاً عَنِ الممَاسَة وَالاستقرَار وَالتمكن وَالحُلُوْل وَالانتقَالِ، وَهُوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْء إِلَى التّخوم، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ حَبل الورِيْد، لاَ يُمَاثِلُ قُرْبُهُ قربَ الأَجسَام، كَانَ قَبْلَ خلقِ المَكَان وَالزَّمَان، وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ بَائِنٌ بصفَاته مِنْ خلقه، مَا فِي ذَاته سِوَاهُ، وَلاَ فِي سِوَاهُ ذَاتُه، مُقدَّس عَنِ التَّغَيُّر وَالانتقَالِ، لاَ تَحُلُّه الحوَادِثُ، وَأَنَّهُ مَرْئِي الذَّاتِ بِالأَبْصَار فِي دَارِ القرَار، إِتمَاماً لِلنعم بِالنَّظَر إِلَى وَجهه الكَرِيْم.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَيُدْرِكُ حركَة الذَّرِّ فِي الهوَاء، لاَ يَخْرُج عَنْ مَشِيئَته لفتَةُ نَاظر، وَلاَ فَلتَةُ خَاطر، وَأَنَّ القُرْآن مَقْرُوء بِالأَلسِنَة، مَحْفُوْظٌ فِي الْقُلُوب، مكتوبٌ فِي المَصَاحِف، وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ قَائِمٌ بِذَات الله، لاَ يَقْبَلُ الانفصَالَ
__________
(1) ص: 495 - 504، والمراد بالامام: أبو حنيفة رحمه الله، وحق للذهبي أن ينعت كلامه فيه بأنه فج، فإنه ليس عليه أثارة من علم، وقد صدر عنه حين كان متلبسا بعلوم الجدل، وحظوظ طلبة العلم، فإنه صنف المنخول في أول حياته العلمية، ومعظم ما في هذا الفصل من فقر مأخوذة من كتاب شيخه إمام الحرمين " مغيث الخلق في ترجيح القول الاحق " الذي ألفه في ترجيح مذهب الشافعي على غيره من المذاهب، وفيه من التعصب الفظيع، والحط الشنيع على الامام أبي حنيفة رحمه الله ما تصم عنه الاسماع، وتنبو عنه الاذواق، وهو مما لا يلتفت إليه عند المحققين من العلماء ذوي النصفة، وقد صنف الامام الكوثري في الرد عليه كتاب " إحقاق الحق " فليرجع إليه من شاء.(19/344)
بِالانتقَالِ إِلَى الْقُلُوب وَالصّحف، وَأَنَّ مُوْسَى سَمِعَ كَلاَم الله بِغَيْرِ صَوْت وَلاَ حرف (1) ، كَمَا تُرَى ذَاتُه مِنْ غَيْرِ شكل وَلاَ لَوْنٍ، وَأَنَّهُ يُفرق بِالموت بَيْنَ الأَرْوَاح وَالأَجسَام، ثُمَّ يُعيدُهَا إِلَيْهَا عِنْد الْحَشْر، فَيبعثُ مَنْ فِي القُبُوْر.
مِيزَان الأَعْمَال مِعْيَار يُعبِّر عَنْهُ بِالمِيزَان، وَإِنْ كَانَ لاَ يُسَاوِي مِيزَانَ الأَعْمَال مِيزَانَ الجِسْم الثَّقِيل، كَمِيزَان الشَّمْس، وَكَالمسطرَة الَّتِي هِيَ مِيزَان السُّطور، وَكَالعَروضِ مِيزَان الشّعر.
قُلْتُ: بَلْ مِيزَانُ الأَعْمَالِ لَهُ كِفَّتَان، كَمَا جَاءَ فِي (الصَّحِيح (2)) وَهَذَا الْمُعْتَقد غَالِبُهُ صَحِيْح، وَفِيْهِ مَا لَمْ أَفهمه، وَبعضُه فِيْهِ نِزَاع بَيْنَ أَهْلِ
__________
(1) في كتاب الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة رحمه الله: والقرآن في المصاحف مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الالسن مقروء، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزل، ولفظنا بالقرآن مخلوق، والقرآن غير مخلوق، وما ذكر الله في القرآن عن موسى عليه السلام وغيره، وعن فرعون وإبليس، فإن ذلك كلام الله إخبارا عنهم، وكلام موسى وغيره من المخلوقين
مخلوق، والقرآن كلام الله لا كلامهم، وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى، فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو من صفاته لم يزل، وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويتكلم لا ككلامنا.
وقال العلامة الآلوسي في تفسيره " روح المعاني " 1 / 17: الذي انتهى إليه كلام أئمة الدين كالماتريدي والاشعري وغيرهما من المحققين أن موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى بحرف وصوت كما تدل عليه النصوص التي بلغت في الكثرة مبلغا لا ينبغي معه تأويل، ولا يناسب في مقابلته قال وقيل، فقد قال تعالى: (وناديناه من جانب الطور الايمن) ، (وإذ نادى ربك موسى) ، (نودي من شاطئ الواد الايمن) ، (إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى) واللائق بمقتضى اللغة والأحاديث أن يفسر النداء بالصوت، بل قدر ورد إثبات الصوت لله تعالى شأنه في أحاديث لا تحصى وأخبار لا تستقصى.
(2) لفظ الميزان ورد في القرآن والأحاديث الصحيحة، وأما الكفتان، فلم تردا في الصحيح كما ذكر المصنف، وإنما هي في المسند 2 / 213، والترمذي (2641) ، وابن ماجة (4300) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (2534) ، والحاكم: / 529، ووافقه الذهبي.
وانظر " النهاية " لابن كثير: 2 / 24، وشرح العقيدة الطحاوية: ص 409 - 413 لابن أبي العز بتحقيقنا.(19/345)
المَذَاهِب، وَيَكفِي المُسْلِمَ فِي الإِيْمَان أَنْ يُؤمِنَ بِاللهِ، وَملاَئِكته، وَكُتبه، وَرُسله، وَالقَدَرِ خَيْرِه وَشَرِّه، وَالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثلِه شَيْءٌ أَصلاً، وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ صِفَاته المُقَدَّسَةِ حقّ، يُمرُّ كَمَا جَاءَ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ الله وَتَنزِيلُه، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْق، إِلَى أَمثَال ذَلِكَ مِمَّا أَجْمَعت عَلَيْهِ الأُمَّةُ، وَلاَ عِبْرَة بِمَنْ شَذَّ مِنْهُم، فَإِنِ اخْتلفتِ الأُمَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْ مُشْكِلِ أُصُوْلِ دينِهِم، لزَمَنَا فِيْهِ الصَّمْت، وَفَوَّضنَاهُ إِلَى اللهِ، وَقُلْنَا: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَم، وَوَسِعَنَا فِيْهِ السُّكوتُ.
فَرحمَ اللهُ الإِمَامَ أَبَا حَامِد، فَأَيْنَ مِثْلُه فِي عُلُوْمه وَفَضَائِله، وَلَكِن لاَ نَدَّعِي عِصمتَه مِنَ الغَلطِ وَالخَطَأِ، وَلاَ تَقلِيدَ فِي الأُصُوْلِ.
205 - خَمِيْسُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ وَاسِط، أَبُو الْكَرم الحَوْزِي، الوَاسِطِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمَ بن الحَسَنِ، وَعَلِيَّ بن مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيّ النّديم، وَيَحْيَى بنَ هِبَةِ اللهِ البَزَّاز، وَأَبَا الفَتْح عَبْد الوَهَّابِ بنَ حَسَنٍ القَاضِي، وَهِبَةَ اللهِ بن الجَلَخْتِ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَأَمْلَى مَجَالِسَ، وَجَرَّحَ وَعَدَّل.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الجَوَائِز سَعْدُ بنُ عبد الكَرِيْم، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
__________
(*) الأنساب: 4 / 269، معجم السفر للسلفي: 1 / 43، خريدة القصر: 4 / 469 - 473، معجم البلدان: 2 / 319، معجم الأدباء: 11 / 81 - 83، الاستدراك: 137 ب - 138 أ، إنباه الرواة: 1 / 358 - 359، تاريخ الإسلام: خ 4 / 196 / 1، العبر: 4 / 20، المشتبه: 128، تذكرة الحفاظ: 4 / 1262 - 1263، الوافي بالوفيات: 8 ل / 36، عيون التواريخ: 13 / لوحة 330، تبصير المنتبه: 1 / 373، بغية الوعاة: 1 / 561، طبقات الحفاظ: 458، المنهج الاحمد للعليمي م 2 ج 1 / 322، شذرات الذهب: 4 / 27.(19/346)
وَأَحْمَدُ بنُ سَالِمٍ المُقْرِئ، وَيَحْيَى بنُ هِبَةِ اللهِ البَزَّاز، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن حَسَنٍ الفَرَضِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مَنْصُوْرٍ البَاقِلاَّنِيّ المُقْرِئ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ السِّلَفِيّ يُثنِي عَلَيْهِ، وَقَالَ: كَانَ عَالِماً، ثِقَةً، يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ كُلَّ مَنْ أَسْأَله عَنْهُ، وَكَانَ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ.
وَفِي (مُعْجَم السَّفَرِ) لِلسِّلَفِيِّ: حَدَّثَنَا خَمِيْسٌ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا المُخَلِّص ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
ثُمَّ قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ خَمِيْسُ مِنْ أَهْلِ الأَدبِ البَارعِ (1) .
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: وَالحَوزُ: قَرْيَةٌ بِشَرْقِيِّ وَاسِطَ، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ وَالأَدبِ.
وَمَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَفِي شَعْبَانَ مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرَنَا الدَّشتِي، أَخْبَرْنَا ابْنُ رَوَاحَة، حَدَّثَنَا السِّلَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَمِيْسٌ بِجزء مِنْ فَوَائِده.
__________
(1) ومن شعره ما أنشده له: وحرمة ما حملت من ثقل حبكم * وأشرف محلوف به حرمة الحب لانتم وإن ضن الزمان بقربكم * ألذ إلى قلبي من البارد العذب فلا تحسبوا أن المحب إذا نأى * وغاب عن العينين غاب عن القلب (2) وهو يتضمن ما أجاب به خميس الحوزي عن سؤالات أبي طاهر السلفي في سنة 500 هـ عن جماعة من أهل واسط ومن الغرباء القادمين إليها مما عاصر خميسا الحوزي أو كان من شيوخه، أو من شيوخ شيوخه.
وهو من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1976 بتحقيق مطاع الطرابيشي.(19/347)
206 - أَبُو الخَطَّابِ مَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ العِرَاقِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الوَرِعُ، شَيْخُ الحنَابلَة، أَبُو الخَطَّابِ مَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ العِرَاقِي، الكَلْوذَانِي، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الأَزَجِي، تِلْمِيْذ القَاضِي أَبِي يَعْلَى بن الفَرَّاءِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَأَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الجَازرِي، وَأَبَا طَالب العُشَارِيّ، وَجَمَاعَة، وَرَوَى كِتَاب (الجَلِيْس وَالأَنِيس) عَنِ الجَازرِي عَنْ مُؤلفه المُعَافَى (1) .
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَالمُبَارَك بن خُضير، وَأَبُو الْكَرم بن الغَسَّال، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ.
قَالَ أَبُو الْكَرم بن الشَّهرُزُورِي: كَانَ إِلكِيَا إِذَا رَأَى أَبَا الخَطَّاب الكَلوذَانِي مُقْبِلاً قَالَ: قَدْ جَاءَ الجَبَلُ.
__________
(*) الأنساب: 10 / 461، المنتظم: 9 / 190 - 193، اللباب: 3 / 107، الكامل لابن الأثير: 10 / 524، تاريخ الإسلام: 4 / 197 / 2، دول الإسلام: 2 / 37، العبر: 4 / 21، وذكره الامام الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1261، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 226 - 228، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 326، مرآة الزمان: 8 / 41 - 42، البداية: 12 / 180، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 116 - 127، النجوم الزاهرة: 5 / 212، شذرات الذهب: 4 / 27 - 28.
(1) وقال السلفي فيما نقله عنه ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 117: أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد، يفتي على مذهبه ويناظر، وكان عدلا رضيا ثقة عنده كتاب " الجليس والانيس " للقاضي أبي الفرج الجريري عن الجازري عنه، وكان ينفرد به، ولم يتفق لي سماعه، وندمت بعد خروجي من بغداد على فواته.
قلت: وكتاب المعافي صدر منه الجزء الأول في بيروت.(19/348)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ: كَانَ إِلكيَا الهَرَّاسِي إِذَا رَأَى أَبَا الخَطَّاب قَالَ: قَدْ جَاءَ الفِقْه.
قَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ ثِقَةٌ، رِضَىً، مِنْ أَئِمَّة أَصْحَاب أَحْمَد.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مُفْتِياً صَالِحاً، عَابِداً وَرِعاً، حَسَنَ العِشْرَة، لَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، وَلَهُ كِتَابُ (الهِدَايَةِ) ، وَكِتَاب (رُؤُوْس المَسَائِل) وَكِتَاب (أُصُوْل الفِقْه) ، وَقَصِيدَة فِي الْمُعْتَقد يَقُوْلُ فِيْهَا:
قَالُوا: أَتَزْعُمُ أَنْ عَلَى العَرشِ اسْتوَى؟ ... قُلْتُ: الصَّوَابُ كَذَاكَ خَبَّرَ سَيِّدِي
قَالُوا: فَمَا مَعْنَى اسْتِوَاهُ؟ أَبِنْ لَنَا ... فَأَجَبْتُهُم: هَذَا سُؤَالُ المُعْتَدِي
تُوُفِّيَ أَبُو الخَطَّابِ: فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ هَدِيَّة الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا أَبُو الخَطَّابِ مَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الكَلوذَانِي، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بنُ عِيْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغندي، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ زُغْبَةَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
صَلَّى مُعَاذٌ بِأَصْحَابِهِ العشَاء، فَطوَّلَ عَلَيْهِم، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا، فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَأُخبر مُعَاذٌ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِق.
فَلَمَّا بلغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ مُعَاذ، فَقَالَ: (أَتُرِيْدُ أَنْ تَكُوْنَ فَتَّاناً يَا مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ، اقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَاقْرَأْ سُوْرَةَ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) .
__________
(1) أخرجه مسلم (465) في كتاب الصلاة: باب القراءة في العشاء، والنسائي: =(19/349)
قُلْتُ: كَانَ أَبُو الخَطَّابِ مِنْ مَحَاسِن العُلَمَاء، خَيِّراً صَادِقاً، حسنَ الخُلُقِ، حُلْوَ النَّادرَةِ، مِنْ أَذكيَاء الرِّجَال، رَوَى الكَثِيْر، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ وَكتبه، وَلابْنِ كُلَيْبٍ مِنْهُ إِجَازَة (1) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: درس الفِقْه عَلَى أَبِي يَعْلَى، وَقرَأَ الفَرَائِضَ عَلَى الوَنِّي، وَصَارَ إِمَامَ وَقتِه، وَشيخ عصره، وَصَنَّفَ فِي المَذْهَب وَالأُصُوْل وَالخلاَف وَالشّعرِ الْجيد.
207 - إِلْكِيَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافعيَة، وَمُدَرِّس النِّظَامِيَة، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ، الهَرَّاسِي.
__________
= 2 / 173 كتاب الافتتاح: باب القراءة في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها.
وفي ابن ماجة (986) كتاب إقامة الصلاة: باب من أم قوما فليخفف.
(1) وقال ابن رجب في " الذيل ": 1 / 120: كان أبو الخطاب فقيها عظيما، كثير التحقق وله من التحقيق والتدقيق الحسن في مسائل الفقه وأصوله شيء كثير جدا، وله مسائل ينفرد بها عن الأصحاب، ثم شرع يذكر ما انفرد به فراجعه.
(2) ومما أنشده له ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 119 قوله:
بأبي من إذا شكوت إليه * حبه قال ذا محال ولهو
وإذا ما حلفت بالله اني * صادق قال لي يمينك لغو
لا ومن خصه بحسن بديع * وجمال جسمي به اليوم نضو
لا تبدلت في هواه ولا خنـ * ـت ولا حل لي عليه السلو
(*) تبيين كذب المفتري: 288، المنتظم: 9 / 167، الكامل لابن الأثير: 10 / 484، وفيات الأعيان: 3 / 286 - 290، تاريخ الإسلام: 4 / 171 / 1، دول الإسلام: 2 / 33، العبر: 4 / 8، تتمة المختصر: 2 / 34، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 197، الوافي بالوفيات م: 12 / 177 - 178، عيون التواريخ: 13 / لوحة 256 - 257، مرآة الزمان: 8 / 23، طبقات السبكي: 7 / 231 - 234، طبقات الاسنوي: 2 / 520 - 522، البداية: 12 / 172 - 173، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 319 - 321، النجوم الزاهرة: 5 / 201 - 202، طبقات ابن هداية الله: 191، كشف الظنون: 423، 1056، شذرات الذهب: 4 / 8 - 10، هدية العارفين: 1 / 694.(19/350)
رَحل، فَتفقَّه بِإِمَام الحَرَمَيْنِ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَب وَأُصُوْله، وَقَدِمَ بَغْدَاد، فَولِي النِّظَامِيَة سَنَة (493) وَإِلَى أَنْ مَاتَ.
تَخرَّج بِهِ الأَئِمَّة، وَكَانَ أَحَدَ الفصحَاء، وَمِنْ ذَوِي الثروَة وَالحِشْمَة، لَهُ تَصَانِيْف حَسَنَة (1) .
حَدَّثَ عَنْ: زَيْدِ بنِ صَالِحٍ الآملِي، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: سَعْدُ الخَيْرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ الفُقَهَاءَ يَقُوْلُوْنَ: كَانَ الجُوَيْنِيّ يَقُوْلُ فِي تَلاَمِذَتِه إِذَا نَاظرُوا: التَّحقيقُ لِلْخوَافِي (2) ، وَالجَرَيَانُ لِلْغزَّالِي، وَالبَيَانُ لِلْكِيَا.
مَاتَ إِلكِيَا: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً وَشهرَانِ، وَكَانُوا يُلقِّبُونه شَمْسَ الإِسْلاَمِ (3) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: اتُّهِمَ إِلكيَا مُدَرِّس النِّظَامِيَة بِأَنَّهُ بَاطنِي، فَقَبَضَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ مُحَمَّد، فَشَهِدُوا بِبرَاءةِ السَّاحَة، فَأُطْلِقَ (4) .
__________
(1) منها " شفاء المسترشدين في مباحث المجتهدين " وهو من أجود كتب الخلافيات، و" أحكام القرآن " وهو مطبوع في أربعة أجزاء بدار الكتب العلمية بيروت.
(2) انظر ص: 336 التعليق (5) .
(3) وذكره الحافظ عبد الغافر الفارسي في " السياق " فقال: كان من رؤوس معيدي
إمام الحرمين في الدرس، وكان ثاني أبي حامد الغزالي، بل آصل وأصلح وأطيب في الصوت والنظر ... وكان محدثا يستعمل الأحاديث في مناظرته ومجالسه، ومن كلامه: إذا جالت فرسان الأحاديث في ميادين الكفاح، طارت رؤوس المقاييس في مهاب الرياح.
(4) وممن شهد ببراءته أبو الوفاء بن عقيل شيخ ابن الجوزي كما في " المنتظم ": 9 / 167، وقال السبكي في " طبقاته ": 7 / 233: ومن غريب ما اتفق له أنه أشيع أن إلكيا =(19/351)
قُلْتُ: وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الرَّدِّ عَلَى مُفردَات الإِمَامِ أَحْمَد (1) ، فَلَمْ يُنْصِفْ فِيْهِ.
208 - الزَّيْنَبِيُّ أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيُّ *
الشَّرِيْفُ الكَبِيْرُ، المُعَمَّرُ، شَيْخُ بَنِي هَاشِمٍ، أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيّ، الزَّيْنَبِيّ، أَخُو المُسْنِد أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَالنقيبِ طِرَاد الزَّيْنَبِيّ، وَنُورِ الهدَى.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَحَدَّثَ عَنِ: القَاضِي أَبِي العَلاَءِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الوَاسِطِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَقرَأَ (الفَصِيْحَ) عَلَى النَّحْوِيّ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى الربعِي، وَأَنَا أَتعجَّبُ مِنْ هَذَا! كَيْفَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ (2) .
__________
= باطني يرى رأي الاسماعيلية، فنمت له فتنة هائلة وهو برئ من ذلك، ولكن وقع الاشتباه على الناقل فإن صاحب الالموت ابن الصباح الباطني الاسماعيلي كان يلقب بإلكيا أيضا، ثم ظهر الامر، وفرجت كربة شيخ الإسلام رحمه الله، وعلم أنه أتي من توافق اللقبين.
قلت: وقد تقدم أن " إلكيا " في اللغة العجمية الكبير القدر المقدم بين الناس.
(1) أي: مما انفرد به الامام أحمد من المسائل الاجتهادية عن الأئمة الثلاثة، وقد نظم هذه المفردات العلامة محمد بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المقدسي الحنبلي المتوفي سنة 820 هـ واسمه " النظم المفيد الاحمد في مفردات الامام أحمد " وهو مطبوع مع شرحه.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / لوحة 170 / 2، العبر: 4 / 8، عيون التواريخ: 13 / لوحة 261، النجوم الزاهرة: 5 / 202، شذرات الذهب: 4 / 8.
(2) في تاريخ الإسلام 4 / 171: قال السلفي: كان أبو يعلى جليل القدر، ولد سنة سبع وأربع مئة، وروى لنا عن أبي العلاء الواسطي، وأبي محمد الخلال، وذكر لي أنه قرأ الفصيح على علي بن عيسى الربعي، قلت " القائل الذهبي ": وكذا ورخ ابن السمعاني مولده، ولو أن حمزة سمع في صغره مثل أخيه طراد، لسمع من أبي الحسين بن بشران، وهلال الحفار، ولصار مسند الدنيا في عصره، وأنا أتعجب كيف لم يسمعوه.(19/352)
حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَقَالَ: قَالَ لِي: عَوَّل ابْنُ أَبِي الرّيَان الوَزِيْر عَلَى حَمْلِي إِلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ الحمَامِي، فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَرَّخ السَّمْعَانِيّ مَوْلِده، قَالَ: وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة.
أَخُوْهُ:
209 - نُور الهُدَى أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ *
الإِمَامُ، القَاضِي، رَئِيْسُ الحَنَفِيَّة، صَدْرُ العِرَاقين، نورُ الهُدَى، أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْن بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن حَسَنٍ الزَّيْنَبِيّ، الحَنَفِيّ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَأَبَا القَاسِمِ الأَزْهَرِيّ، وَالحَسَن بن المُقْتَدِر، وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي.
وَحَجَّ، فَسَمِعَ (الصَّحِيح) مِنْ كَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة، وَتَفَرَّد بِهِ عَنْهَا، وَقصَدَهُ النَّاس.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْد الغَافِرِ الكَاشْغَرِي (1) - وَمَاتَ قَبْلَهُ بدَهْرٍ - وَابْنُ أَخِيْهِ عَلِيّ بنُ طِرَاد، وَهِبَةُ اللهِ الصَّائِن، وَعبدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ (الصَّحِيح) لِلْبُخَارِيِّ، وَقَدْ كَانَ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ القَزْوِيْنِيّ
__________
(*) الأنساب: 6 / 346، المنتظم: 9 / 201، الكامل لابن الأثير: 10 / 545 - 546، تاريخ الإسلام: 4 / لوحة 206 / 1، العبر: 4 / 27، تذكرة الحفاظ: 4 / 1249، عنون التواريخ: 13 / اللوحة: 350 - 351، البداية: 12 / 183 وفيه الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، الجواهر المضية: 2 / 133 - 134، العقد الثمين: 4 / 206 - 207، النجوم الزاهرة: 5 / 217، الطبقات السنية: رقم 785، شذرات الذهب: 4 / 34.
(1) بفتح الكاف، وسكون الشين، وفتح الغين: نسبة إلى كاشغر بلدة من بلاد المشرق، وهي من ثغور المسلمين، وعبد الغافر هذا ذكره السمعاني في " الأنساب ": 10 / 325، وقال: كان حافظا ثقة، مكثرا صدوقا.
توفي سنة 474 هـ.(19/353)
الزَّاهِدِ، وَدرَّس مُدَّةً طَوِيْلَةً بِمَدرَسَةِ شَرفِ المُلك، وَتَرَسَّل إِلَى مُلُوْكِ الأَطرَافِ، وَوَلِيَ نَقَابَةَ العَبَّاسِيِّيْنَ وَالطَّالِبيين، ثُمَّ اسْتَعفَى بَعْدَ أَشهرٍ، فَوَلِيهَا أَخُوْهُ طِرَادٌ، وَتَفَقَّهَ عَلَى قَاضِي القُضَاةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامَغَانِي، وَلِلغزِّي الشَّاعِر فِيْهِ قَصِيدَة (1) مَدحه بِهَا، وَكَانَ مكرماً لِلْغُربَاء، عَارِفاً بِالمَذْهَب، وَافر العظمَة.
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، فَالإِخْوَة الأَرْبَعَةُ اتَّفَقَ لَهُم أَن مَاتُوا فِي عَشْرِ المائَةِ، وَهَذَا نَادر.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَفْتَى وَدرَّس بِالمدرسَة الَّتِي أَنشَأَهَا شَرفُ المُلكِ (2) أَبُو سَعْدٍ، وَوَلِيَ نِقَابَة العَبَّاسِيِّيْنَ وَالطَّالبيين مَعاً فِي أَوّل سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَبقِي مُدَّةً عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَعفَى، وَكَانَ شَرِيْفَ النَّفْس، قوِيّ الدّين، وَافرَ العِلْم، شَيْخَ أَصْحَابِ الرَّأْي فِي وَقته وَزَاهِدَهُم، وَفَقِيهَ بَنِي العَبَّاسِ وَرَاهِبَهُم، لَهُ الوجَاهَةُ الكَبِيْرَة عِنْد الخُلَفَاء.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ شُجَاعاً الحَافِظَ عَنْ أَبِي طَالِبٍ الزَّيْنَبِيِّ، فَقَالَ:
إِمَامٌ عَالِم مُدَرِّس، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ، سَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ كَرِيْمَةَ (الصَّحِيح) .
__________
(1) مطلعها: جفون يصح السقم فيها فتسقم * ولحظ يناجيه الضمير فيفهم أورد أبياتا منها التقي الفاسي في " العقد الثمين ": 4 / 207، وحين فرغ من ترجمته قال: كتبت هذه الترجمة من مختصر الذهبي لتاريخ دمشق لابن عساكر.
(2) بباب الطاق: محلة كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي من بغداد بين الرصافة ونهر المعلى، ويعرف بطاق أسماء منسوب إلى أسماء بنت المنصور، وكان طاقا عظيما، وكان في دارها التي صارت لعلي بن جهشيار صاحب الموفق الناصر لدين الله أقطعه إياها الموفق، وعند هذا الطاق كان مجلس الشعراء أيام الرشيد، والموضع المعروف بين القصرين: هما قصران لاسماء، هذا أحدهما، والآخر قصر عبد الله بن المهدي، " معجم البلدان ": 1 / 308، و4 / 5.(19/354)
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ سَمَاعُ أَبِي طَالِبٍ صَحِيْحاً، وَكَانَ يُتَّهم بِالاعتزَال، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ: أَبُو طَالِبٍ الزَّيْنَبِيّ أَجَلُّ هَاشِمِيٍّ رَأَيْتُهُ فِي حضَرِي وَسفرِي، وَأَكْثَرُهُم عِلْماً، وَأَوفرُهُم عِلْماً، وَيُعَدُّ فِي فُحُوْل النُّظَّار.
قُلْتُ: قَدْ وُجِدَ لَهُ سَمَاع مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ قَشِيش (1) سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ الكَرْخِيّ الشَّافِعِيّ الفَقِيْهُ: مَرِضْتُ مرضَةً شَدِيْدَة، فَعَادنِي نُورُ الهدَى، فَجَعَلَ يَدعُو لِي، فَتَبَرَّكتُ بِزِيَارَتِه وَعُوفِيتُ.
210 - شُجَاعُ بنُ فَارِسِ بنِ حُسَيْنِ بنِ فَارِسِ بنِ حُسَيْنِ بنِ غَرِيْبِ بنِ بَشِيْرٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، المُفِيْدُ، أَبُو غَالِبٍ الذُّهْلِيُّ، السُّهْرَوَرْدِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَرِيْمِيُّ، النَّاسخُ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا طَالب بنَ غَيْلاَنَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ المُقْتَدِر، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَة، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، إِلَى أَنْ يَنْزِل إِلَى أَصْحَاب عَبْدِ المَلِكِ بنِ بِشْرَان،
__________
(1) ضبطه ابن ناصر في " توضيح المشتبه " 2 / الورقة 222: بفتح أوله ثم شينين معجمتين الأولى مكسورة بينهما مثناة تحت ساكنة، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن علي ابن قشيش الحربي المالكي المتوفي سنة 437 هـ.
(*) الأنساب: 7 / 198، المنتظم: 9 / 176، الكامل لابن الأثير: 10 / 500، تاريخ الإسلام: 4 / لوحة: 180 / 2 - 181 / 1، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 13، تذكرة الحفاظ: 3 / 1240 - 1241، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 129 - 130، الوافي بالوفيات: م 14 / 29 - 30، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 302 - 303، مرآة الجنان: 3 / 194، البداية: 12 / 176، شذرات الذهب: 4 / 16.(19/355)
وَابْن رِيذه، وَكَتَبَ عَنْ أَقرَانه.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَعُمَرُ بنُ ظفر، وَسَلْمَان بن جروَانَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: نسخ بخطِّه مِنَ التَّفْسِيْر وَالحَدِيْثِ وَالفِقْه مَا لَمْ يَنسخه أَحَدٌ مِنَ الوَرَّاقين، قَالَ لِي عَبْد الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ: دَخَلتُ عَلَيْهِ يَوْماً، فَقَالَ لِي: تَوِّبنِي.
قُلْتُ: مَنْ أَي شَيْء؟
قَالَ: كَتَبتُ شعرَ ابْن الحَجَّاجِ (1) بخطِّي سَبْعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ: وَقلَّ بلدٌ يُوجد مِنْ بلاَد الإِسْلاَم إِلاَّ وَفِيْهِ شَيْءٌ بِخَطِّ شُجَاع الذُّهْلِيّ.
وَكَانَ مُفِيدَ وَقته بِبَغْدَادَ، ثِقَةً، سَدِيدَ السِّيرَة، أَفنَى عُمُره فِي الطَّلَب، وَعَمِلَ مُسَوَّدَةً لِـ (تَارِيخ بَغْدَاد) ذَيْلاً عَلَى (تَارِيخ الخَطِيْب) ، فَغسَلَه فِي مرض مَوْته، وُلدَ شُجَاع فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ (2) ، وَمَاتَ فِي ثَالِث جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة؛ وَقَدْ سَأَله السِّلَفِيّ عَنْ أَحْوَالِ الرِّجَال، وَأَجَابَ وَأَفَاد.
قَرَأْتُ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الخَلاَّلِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ عَنْهُ.
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَدْرَانَ الحُلْوَانِيّ المُقْرِئُ (3) ، وَابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَالمُؤْتَمَنَ السَّاجِيّ (4) ، وَالإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) هو حسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج النيلي البغدادي المتوفى سنة 391 هـ، تقدمت ترجمته في السابع عشر رقم (29) وصفه فيها بأنه: شاعر العصر، وسفيه الأدباء، وأمير الفحش، كان أمة وحده في نظم القبائح.
وفي يتيمة الثعالبي: 2 / 211، 270، ومعجم الأدباء: 9 / 206، 232 طائفة كبيرة من شعره.
(2) أي: وأربع مئة.
(3) سترد ترجمته برقم (221) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (195) .(19/356)
أَحْمَد الشَّاشِيّ (1) ، وَأَبُو المُظَفَّرِ الأَبِيوَرْدِي الشَّاعِر، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ اللّبَانَة شَاعِر الأَنْدَلُس، وَهَادِي بن إِسْمَاعِيْلَ العَلَوِيّ.
أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ النَّجَّار (ح) .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَلَغْزَا (2) ، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَنِ الفَقِيْه، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو السَّعَادَاتِ نَصْرُ اللهِ القَزَّاز، أَخْبَرَنَا شُجَاع بن فَارِس الحَافِظ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الإِسكَافُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَيَّاط، زَادَ شُجَاع، فَقَالَ:
وَأَبُو سَعْدٍ بنُ السِبْط، وَأَبُو طَالِبٍ العُشَارِي، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دُوست، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، قَالَ:
اجْتَمَع مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ وَمُحَمَّد بن وَاسِعٍ، فَتذَاكرُوا العيشَ، فَقَالَ مَالِكٌ: مَا شَيْء أَفْضَل مِنْ أَنْ يَكُوْنَ لِلرَّجُلِ غلَةٌ يَعيشُ مِنْهَا.
فَقَالَ مُحَمَّد: طُوْبَى لِمَنْ وَجد غدَاءً وَلَمْ يَجِدْ عشَاءً، وَوجد عَشَاءً وَلَمْ يَجِدْ غَدَاءً، وَهُوَ عَنِ اللهِ رَاضٍ، وَاللهُ عَنْهُ رَاضٍ.
211 - الغَسَّالُ أَبُو الخَيْرِ المُبَارَكُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، النَّحْوِيُّ، أَبُو الخَيْرِ المُبَارَكُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (234) .
(2) ترجمه المؤلف في " مشيخته " / الورقة: 130، فقال: محمد بن بلغزا بن محمد ابن بلغزا ابن دارة الشيخ قمر الدين أبو عبد الله البعلبكي ولد سنة ثلاث عشرة وست مئة في جمادى الآخرة، وسمع من البهاء المقدسي، وكان شيخا مباركا عاميا، سمع منه الحافظ علم الدين رابع " المحامليات "، وكتب إلي شيخنا أبو الحسين أنه توفي في محرم سنة ست وتسعين وست مئة.
(*) المنتظم: 9 / 190، تاريخ الإسلام: 4 / لوحة 197 / 1 - 197 / 2، العبر: 4 / 21، ميزان الاعتدال: 3 / 430، معرفة القراء: 1 / 377، عيون التواريخ: =(19/357)
الغسَّالُ، البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَثْبَاتِ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّلِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: أَبِي بَكْرٍ الخَيَّاط، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الغُورِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ غُلاَمِ الهَرَّاسِ، وَعِدَّة.
وَتَصدَّر لِلإِقْرَاءِ، وَاشْتُهِرَ، تَلاَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَغَيْرهُ (1) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْجِيّ، وَسَعْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعبدُ المُنْعِم بنُ كُلَيْبٍ، وَآخَرُوْنَ، لَيَّنه شَيْئاً ابْنُ نَاصر (2) .
تُوُفِّيَ: فِي غُرَّةِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ عَالِماً مُجَوِّداً، بَصِيْراً بِاللُّغَةِ.
212 - النَّسِيبُ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الشَّرِيْفُ، النسيبُ، خطيبُ دِمَشْق وَشَيخُهَا،
__________
= 13 / لوحة: 333 - 334، مرآة الجنان: 3 / 200، طبقات القراء: 2 / 40، لسان الميزان: 5 / 8، شذرات الذهب: 4 / 27.
(1) في " معرفة القراء ": 1 / 377 للمؤلف: وعني بالقراءات عناية كلية، وتقدم فيها، وطال عمره، وعلا سنده، وقصده الطلبة لحذقه وبصره بالفن.
(2) في " الميزان ": 3 / 430: تكلم فيه ابن ناصر، ومشاه غير واحد، ووثقه ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 190، وقال ابن السمعاني فيما نقله الحافظ في " اللسان ": 5 / 8: كان أديبا، ماهرا، صالحا، ثقة، حسن الصوت، قرأ على أبي علي الحسن بن القاسم الواسطي غلام الهراس وغيره، وتصدر للاقراء جديرا بذلك.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 190 / 2، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 17، تاريخ ابن عساكر: مرآة الزمان: 8 / 32 - 33، النجوم الزاهرة: 5 / 208، شذرات الذهب: 4 / 23.(19/358)
نَسِيبُ الدَّوْلَة، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ بنِ الحَسَنِ بنِ العَبَّاسِ بن الحَسَنِ ابْنِ السَّيِّدِ الرَّئِيْسِ أَبِي الجِنِّ حُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن إِسْمَاعِيْلَ ابنِ سَيِّدِ الهَاشِمِيين جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ بنِ عَلِيٍّ زَيْنِ العَابِدِيْنَ ابنِ الشَّهِيْدِ سِبْط رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَيْحَانته أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن ابْنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ العَلَوِيّ، الحُسَيْنِيّ، الدِّمَشْقِيّ.
كَانَ صدراً مُعَظَّماً، وَسَيِّداً مُحْتَشِماً، وَثِقَة مُحَدِّثاً، وَنبيلاً مُمَدَّحاً، مِنْ أَهْلِ السّنَة وَالجَمَاعَة، وَالأَثرِ وَالرِّوَايَة، كُلُّ أَحَدٍ يُثنِي عَلَيْهِ، انْتخب عَلَيْهِ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ عِشْرِيْنَ جُزْءاً سَمِعْنَاهَا، تُعْرَفُ بِـ (فَوَائِد النَّسِيب) ، وَتَجد تَفرِيغه عَلَى أَكْثَر تَوَالِيف الخَطِيْب (1) .
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى الأُسْتَاذ أَبِي عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ، وَغَيْرِهِ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ (2) ، وَبعدهَا مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سُلْوَانَ المَازِنِيّ، وَرشَأِ بن نَظيف، وَسليْم بن أَيُّوْبَ الفَقِيْه، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن سَلاَمَةَ القُضَاعِي، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة، وَأَبِي القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَوَالِدِهِ مُسْتخص الدَّوْلَة، وَالخَطِيْب، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: هِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِيِّ، وَالخَضِرُ بنُ شِبْلٍ الحَارِثِيُّ، وَعبدُ البَاقِي بن مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي بنُ صَابرٍ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ،
__________
(1) في " مرآة الزمان ": 8 / 33 نقلا عن ابن السمعاني في " الذيل ": كان حسن السيرة، ممدوحا بكل لسان، سمع من الخطيب الكثير، وخطه وسماعاته على أكثر مصنفاته.
(2) في تاريخ الإسلام: وأول سماعه في سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة.(19/359)
وَأَخُوْهُ الصَّائِن هِبَةُ اللهِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ ثِقَةً، مُكْثِراً، لَهُ أُصُوْلٌ بِخُطُوط الوَرَّاقين، وَكَانَ مُتَسِّنناً، وَسَبَبُ تَسنُّنه مُؤَدِّبُهُ أَبُو عِمْرَانَ الصَّقَلِي، وَإِكثَارُهُ مِنْ سَمَاعِ الحَدِيْثِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
سَمِعَ مِنْهُ شَيْخُهُ عَبْد العَزِيْزِ الكتَانِيُّ، وَأَكْثَرتُ عَنْهُ، وَقَدْ حَكَى لِي أَنَّنِي لَمَّا وُلِدْتُ سَأَلَ أَبِي: مَا سَمَّيتَه وَكَنَّيْتَه؟
فَقَالَ: أَبُو القَاسِمِ عليّ.
فَقَالَ: أَخذتَ اسمِي وَكُنْيَتِي.
قَالَ لِي أَبُو القَاسِمِ السُّمَيْسَاطِي، أَوْ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي العَلاَءِ: إِنَّهُ مَا رَأَى أَحَداً اسْمُهُ عَلِي، وَكُنِي أَبَا القَاسِمِ، إِلاَّ كَانَ طَوِيْلَ العُمُرِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مرَّة عَلَى جَنَازَة، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعاً.
قَالَ: فَجَاءَ كِتَابُ صَاحِبِ مِصْر إِلَى أَبِيْهِ يُعَاتبه فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ: لاَ تُصَلِّ بَعْدهَا عَلَى جَنَازَة.
قُلْتُ: كَانَ أَصْحَابُ مِصْر رَافِضَّةً.
ثُمَّ قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ جِنَازَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَأَوْصَى أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ جَمَالُ الإِسْلاَمِ أَبُو الحَسَنِ الفَقِيْه، وَأَن يُسَنَّم قَبْرُه، وَأَنْ لاَ يَتولاَهُ أَحَدٌ مِنَ الشِّيْعَة، وَحَضَرتُ دفنَه، تُوُفِّيَ فِي الرَّابع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، وَدُفِنَ بِالمَقْبَرَة الفخرِيَة عِنْد المصلَّى.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: المُعَمَّر الصَّالِحُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَتحَان الشَّهرزُورِي البَغْدَادِيّ (1) الَّذِي رَوَى مَجْلِساً عَنِ ابْنِ بِشرَانَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَالمُسْنِدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَوْلاَنِيّ الأَنْدَلُسِيّ (2) عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَأَبُو الْوَحْش سُبيعُ بنُ المُسَلَّم الدِّمَشْقِيّ المُقْرِئُ، وَأَبُو
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (159) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (187) .(19/360)
الخَيْر هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الأَبَرْقُوْهِيّ، وَمُسْنِدُ هَمَذَانَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ التُّوَبِّي (1) .
213 - مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الجَوَّال، الرّحَالُ، ذُو التَّصَانِيْفِ، أَبُو الفَضْلِ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ بن القَيْسَرَانِيِّ المَقْدِسِيُّ، الأَثرِيُّ، الظَّاهِرِي، الصُّوْفِيّ.
وُلِدَ: بِبَيْتِ المَقْدِس، فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَع مائَة.
وَسَمِعَ: بِالقُدْس وَمِصْر، وَالحَرَمَيْنِ وَالشَّام، وَالجَزِيْرَة وَالعِرَاق، وَأَصْبَهَان وَالجِبَالِ، وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ، وَكَتَبَ مَا لاَ يُوصَفُ كَثْرَةً بِخطِّه السَّرِيع، القوِيّ الرّفِيع، وَصَنَّفَ وَجَمَعَ، وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَعُنِيَ بِهِ أَتَمَّ عِنَايَة، وَغَيْرُهُ أَكْثَرُ إِتقَاناً وَتَحرِّياً مِنْهُ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيّ وَطَبَقَتِهِ بِمَكَّةَ، وَمِنْ سَعْد الزَّنْجَانِي، وَهَيَّاجِ بنِ عُبَيْدٍ.
وَسَمِعَ بِالمَدِيْنَةِ: الحُسَيْن بن عَلِيٍّ
__________
(1) ضبطه السمعاني: 2 / 110 بضم التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، وفتح الواو، والياء المشددة المنقوطة باثنتين من تحتها بعدها، وقال: هذه النسبة إلى قرية من قرى همذان يقال لها: توي.
(*) المنتظم: 9 / 177 - 179، وفيات الأعيان: 4 / 287 - 288، تاريخ الإسلام: 4 / 182 / 1 - 184 / 2، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 14، ميزان الاعتدال: 3 / 587، تذكرة الحفاظ: 4 / 1242، 1245، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 31 - 33، الوافي بالوفيات: 3 / 166 - 168، مرآة الزمان: 8 / 30، مرآة الجنان: 3 / 195 - 196، البداية: 12 / 176 - 177، طبقات الأولياء: 316 - 318، لسان الميزان: 5 / 207 - 210، الانس الجليل: 265 - 266، كشف الظنون: 88، 116، 180، شذرات الذهب: 4 / 18، هدية العارفين: 2 / 82 - 83.(19/361)
الطَّبَرِيّ، وَجَمَاعَة.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ الخلعِي، وَأَبِي إِسْحَاقَ الحبَال، وَعِدَّة.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِيْنِي، وَابْنِ النَّقُّوْرِ، وَعَلِيّ بن البُسْرِيِّ، وَخَلْق.
وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَعِدَّةٍ.
وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْد الوَهَّابِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنده، وَطَبَقَته.
وَبجُرْجَان مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ الإِسْمَاعِيْلِي.
وَببَيْت المَقْدِسِ مِنَ: الفَقِيْه نَصْر.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنَ: الفَضْل بنِ الْمُحب، وَطَبَقَتِه.
وَبِهرَاة مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن عَفِيْف كُلارَ، وَطَائِفَة.
وَبِمَرْوَ: مُحَمَّد بن الحَسَنِ المِهْرَبَنْدَقْشَايِي.
وَبِالإِسْكَنْدَرِيَّة مِنَ: الحُسَيْن بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّفرَاوِي.
وَبِتِنِّيس: عَلِيّ بن الحُسَيْنِ بنِ الحَدَّاد، رَوَى لَهُ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الوَشَّاء عَنْ عِيْسَى زُغبَة.
وَبِحَلبَ مِنَ: الحَسَنِ بنِ مَكِّيّ.
وَبَالجَزِيْرَة مِنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ اليَمنِي صَاحِب أَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيٍّ.
وَبآمِدَ مِنْ: قَاسم بن أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيّ الخَيَّاط، رَوَى لَهُ عَنِ ابْنِ جِشْنِسَ عَنِ ابْنِ صَاعِد.
وَبإِسْتِرَابَاذَ: عَلِيَّ بن عَبْدِ المَلِكِ الْحَفْصِي.
وَبِالبَصْرَةِ: عَبْدَ الْملك بن شَغَبَة.
وَبَالدِّينَوَرِ: ابْنَ عَبَّاد.
وَبَالرَّيّ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَلِيٍّ.
وَبسَرْخَسَ: مُحَمَّد بن المُظَفَّر.
وَبَشِيْرَازَ: عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ الشُّروطِي.
وَبقَزْوِيْن: مُحَمَّدَ بن إِبْرَاهِيْمَ العِجْلِيّ.
وَبِالكُوْفَةِ: أَبَا القَاسِمِ حُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ.
وَبِالمَوْصِلِ: هِبَةَ اللهِ بن أَحْمَدَ المُقْرِئَ.
وَبِمَرْوَ الرُّوذِ، وَسَاوَة، وَالرَّحبَة، وَالأَنبارِ، وَالأَهوازِ، وَنُوقَان، وَهَمَذَان، وَوَاسطَ، وَأَسَدَابَاذ، وَإِسفرَايين، وَآمُلَ، وَبِسْطَام، وَخُسْرَوْجِرْدَ، وَطُوس.
حَدَّثَ عَنْهُ: شِيْرَوَيْه بنُ شهردَار، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الغَازِي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بن مُحَمَّدٍ، وَوَلَدُهُ، وَمُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، وَطَائِفَة سِوَاهُم.(19/362)
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِر.
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بن مَنْدَه: كَانَ ابْنُ طَاهِر أَحَدَ الحُفَّاظِ، حسنَ الاعتقَاد، جَمِيْلَ الطّرِيقَة، صَدُوْقاً، عَالِماً بِالصَّحِيح وَالسَّقيم، كَثِيْرَ التَّصَانِيْف، لاَزماً لِلأَثر.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِر يَقُوْلُ: كَتَبتُ (الصَّحِيْحَيْنِ) وَ (سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ) سَبْعَ مَرَّاتٍ بِالأُجرَة، وَكَتَبتُ (سُنَنَ ابْنِ مَاجَه) عشر مَرَّات بِالرَّيِّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَأَلْتُ الفَقِيْه أَبَا الحَسَنِ الكَرْجِيّ عَنِ ابْنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ:
مَا كَانَ عَلَى وَجه الأَرْض لَهُ نَظيرٌ، وَكَانَ دَاوُدي المَذْهَب (1) ، قَالَ لِي: اخْترتُ مَذْهَبَ دَاوُد.
قُلْتُ: وَلِمَ؟
قَالَ: كَذَا اتَّفَقَ.
فَسَأَلتُهُ: مَنْ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتَ؟
فَقَالَ: سَعْدُ بنُ عَلِيٍّ الزَّنجَانِي، وَعَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيّ.
قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِي: سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِر يَقُوْلُ:
بُلْتُ الدَّم فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ مرَّتين، مرَّة بِبَغْدَادَ، وَأُخْرَى بِمَكَّةَ، كُنْتُ أَمْشِي حَافِياً فِي الحرِّ، فَلحقنِي ذَلِكَ، وَمَا رَكبتُ دَابَّة قَطُّ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَكُنْت أَحْمِلُ كُتُبِي عَلَى ظَهرِي، وَمَا سَأَلتُ فِي حَال الطَّلَب أَحَداً، كُنْت أَعيشُ عَلَى مَا (2) يَأْتِي.
وَقِيْلَ: كَانَ يَمْشِي دَائِماً فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عِشْرِيْنَ فَرْسَخاً، وَكَانَ قَادِراً
__________
(1) في الأصل: داود بن المذهب، وهو تحريف.
(2) سقطت من الأصل، واستدركت من تذكرة المؤلف.(19/363)
عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الدَّقَّاق فِي (رِسَالَتِهِ) ، فَحطَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: كَانَ صُوْفِيّاً مَلاَمتيّاً، سكنَ الرَّيَّ، ثُمَّ هَمَذَان، لَهُ كِتَاب (صَفوَةِ التَّصَوُّفِ) ، وَلَهُ أَدْنَى مَعْرِفَة بِالحَدِيْثِ فِي بَابِ شُيُوْخِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا.
قُلْتُ: يَا ذَا الرَّجُل، أَقْصِرْ، فَابْنُ طَاهِرٍ أَحْفَظُ مِنْكَ بِكَثِيْر.
ثُمَّ قَالَ: وَذُكِرَ لِي عَنْهُ الإِباحَةِ.
قُلْتُ: مَا تَعْنِي بِالإِباحَةِ؟ إِن أَردتَ بِهَا الإِباحَة المطلقَة، فَحَاشَا ابْن طَاهِر، هُوَ - وَاللهِ - مُسْلِمٌ أَثرِيٌّ، مُعَظِّمٌ لِحُرُمَاتِ الدِّينِ، وَإِنْ أَخْطَأَ أَوْ شَذَّ، وَإِن عَنِيتَ إِباحَةً خَاصَّةً، كَإِباحَةِ السَّمَاعِ، وَإِباحَةِ النَّظَر إِلَى المُرْدِ، فَهَذِهِ مَعصيَةٌ، وَقول لِلظَاهِرِيَة بِإِباحتهَا مَرْجُوح (1) .
قَالَ ابْنُ نَاصر: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِر لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، صَنَّفَ فِي جَوَازِ النَّظَر إِلَى المُرد، وَكَانَ يَذْهَبُ مَذْهَبَ الإِباحَةِ (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَأَلْتُ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ عَنِ ابْنِ طَاهِرٍ، فَتَوقَّف، ثُمَّ أَسَاء الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَسَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ بنَ عَسَاكِرَ يَقُوْلُ:
__________
(1) وقال المؤلف في " الميزان ": 3 / 587: محمد بن طاهر المقدسي الحافظ ليس
بالقوي، فإن له أوهاما كثيرة في تواليفه ... ثم نقل كلام ابن عساكر الآتي، وقال: وله انحراف عن السنة إلى تصوف غير مرضي، وهو في نفسه صدوق لم يتهم، وله حفظ ورحلة واسعة.
(2) وأنشد له:
دع التصوف والزهد الذي اشتغلت * به جوارح أقوام من الناس
وعج على دير داريا فإن بها الر * هبان ما بين قسيس
وشماس واشرب معتقة من كف كافرة * تسقيك خمرين من لحظ ومن كاس
ثم استمع رنة الاوتار من رشأ * مهفهف طرفه أمضى من الماس
غنى بشعر أمرئ في الناس مشتهر * مدون عندهم في صدر قرطاس
لولا نسيم بذكراكم يروحني * لكنت محترقا من حر أنفاسي(19/364)
جَمَعَ ابْنُ طَاهِرٍ أَطرَاف (الصَّحِيْحَيْنِ) وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَبِي عِيْسَى، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، فَأَخْطَأَ فِي مَوَاضِعَ خَطَأً فَاحشاً.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ لُحَنَةً وَيُصَحِّف، قَرَأَ مرَّة: وَإِن جَبِينَه لَيَتَفَصَّدُ (1) عَرَقاً - بِالقَافِ - فَقُلْتُ: بِالفَاء، فَكَابَرَنِي (2) .
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ فَاضِلاً يَعْرِفُ، لَكنَّه لُحَنَة، قَالَ لِي المُؤتَمَنُ السَّاجِيّ: كَانَ يَقرَأُ، وَيَلْحَنُ عِنْد شَيْخُ الإِسْلاَمِ بِهَرَاةَ، فَكَانَ الشَّيْخُ يُحرِّكُ رَأْسَه، وَيَقُوْلُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
وَقَالَ شِيْرَوَيْه بنُ شَهردَارَ فِي (تَارِيخ هَمَذَانَ) :ابْنُ طَاهِر سَكَنَ هَمَذَانَ، وَبَنَى بِهَا دَاراً، دَخَلَ الشَّامَ، وَالحِجَاز، وَمِصْر، وَالعِرَاق، وَخُرَاسَان، وَكَتَبَ عَنْ عَامَّةِ مَشَايِخ الوَقْتِ، وَرَوَى عَنْهُم، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً، حَافِظاً، عَالِماً بِالصَّحِيح وَالسَّقيم، حَسنَ المَعْرِفَة بِالرِّجَال وَالمُتُوْنِ، كَثِيْرَ التَّصَانِيْفِ، جَيِّدَ الخَطِّ، لاَزِماً لِلأَثرِ، بَعِيداً مِنَ الفُضُولِ وَالتَّعصُّب، خَفِيفَ الرُّوحِ، قَوِيَّ السَّيرِ فِي السَّفَرِ، كَثِيْرَ الحَجّ وَالعُمْرَةِ، مَاتَ بِبَغْدَادَ مُنْصَرِفاً مِنَ الحَجّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ بِخَطِّ شُجَاعٍ الذُّهْلِيّ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرِ بن عَلِيٍّ المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا
__________
(1) أي: يسيل من التفصد وهو السيلان، وهو قطعة من حديث أخرجه البخاري (2) ، ومسلم (2333) من حديث عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني، وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي رجلا فيكلمني، فأعي ما يقول.
قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا. " اللفظ للبخاري ".
(2) كابر فلان في الحق: إذا عاند فيه.(19/365)
عُثْمَانُ بن مُحَمَّدٍ المَحْمِي بِنَيْسَابُوْرَ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
أَنبَؤُونَا عَنْ شِهَاب الحَاتِمِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، سَمِعْتُ مِنْ أَثِقُ بِهِ يَقُوْلُ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ الهَرَوِيّ: يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الحَدِيْثِ أَنْ يَكُوْنَ سَرِيعَ القِرَاءة، سرِيعَ النَّسخ، سرِيعَ المشِي، وَقَدْ جَمَعَ اللهُ هَذِهِ الخِصَالَ فِي هَذَا الشَّابّ، وَأَشَارَ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَبِهِ، قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ السَّاوِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ بِالمَدِيْنَةِ مَعَ ابْنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ أَحَداً أَعْلَم بِنَسَبِ هَذَا السَّيِّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي، وَآثَارِهِ وَأَحْوَالِهِ.
وَسَمِعْتُ بَعضَهُم يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ طَاهِرٍ يَمْشِي فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ قَرِيْباً مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَرْسَخاً.
أَنبَؤُونَا عَنْ عَبْدِ القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحِيْم بنَ أَبِي الوَفَاءِ العَدْلَ، سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِرٍ الحَافِظ يَقُوْلُ:
رحلتُ مِنْ طُوْس إِلَى أَصْبَهَانَ لأَجْلِ حَدِيْث أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1) عَنْهُ ذَاكرنِي بِهِ بَعْضُ الرّحَالَة بِاللَّيْلِ، فَلَمَّا أَصْبَحتُ، سرتُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَلَمْ أَحْلُلْ عَنِّي حَتَّى دَخَلتُ عَلَى الشَّيْخ أَبِي عَمْرٍو، فَقرَأْتُهُ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ القَطَّان، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَدَفَعَ إِلَيَّ ثَلاَثَةَ أَرغفَةٍ وَكُمَّثْرَاتَيْنِ، فَمَا كَانَ لِي قوتٌ تِلْكَ اللَّيْلَة غَيْره، ثُمَّ لَزِمتُهُ إِلَى أَنْ حصَّلت مَا أُرِيْدُ، ثُمَّ خَرَجتُ إِلَى بَغْدَادَ، فَلَمَّا عُدْتُ، كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ.
__________
(1) في " صحيحه " (2739) في الرقاق: باب أكثر أهل الجنة الفقراء ... فقال: حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة، حدثنا ابن بكير، حدثني يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك ".(19/366)
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: كُنْت يَوْماً أَقرَأُ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الحَبَّالِ جُزْءاً، فَجَاءنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِي، وَأَسَرَّ إِلَيَّ كَلاَماً قَالَ فِيْهِ: إِن أَخَاك قَدْ وَصل مِنَ الشَّام، وَذَلِكَ بَعْدَ دُخُوْل التّرْك بَيْتَ المَقْدِسِ، وَقتلَ النَّاس بِهَا، فَأَخَذتُ فِي القِرَاءةِ، فَاختلطت عليَّ السُّطورُ، وَلَمْ يُمكنِي أَقرَأُ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَا لَكَ؟
قُلْتُ: خَيْر.
قَالَ: لاَ بُدَّ أَنْ تُخبرنِي، فَأَخْبَرتُه.
فَقَالَ: وَكم لَكَ لَمْ تَرَ أَخَاك؟
قُلْتُ: سِنِيْنَ.
قَالَ: وَلِمَ لاَ تَذْهَبُ إِلَيْهِ؟
قُلْتُ: حَتَّى أُتِمَّ الجُزْء.
قَالَ: مَا أَعْظَم حرصَكم يَا أَهْلَ الحَدِيْث، قَدْ تَمَّ المَجْلِس، وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدٍ، وَانْصَرَفَ.
وَأَقَمْتُ بِتنِّيسَ مُدَّةً عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الحَدَّادِ وَنُظَرَائِهِ، فَضَاق بِي، فَلَمْ يَبْقَ مَعِي غَيْرُ دِرْهَمٍ، وَكُنْت أَحتَاج إِلَى حبرٍ وَكَاغَدَ، فَترددت فِي صرفه فِي الحَبْر أَوِ الكَاغد أَوِ الْخبز، وَمَضَى عَلَى هَذَا ثَلاَثَةُ أَيَّام لَمْ أَطْعَمْ فِيْهَا، فَلَمَّا كَانَ بكرَةَ اليَوْم الرَّابع، قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ لِي اليَوْم كَاغَدَ، لَمْ يُمكنِي أَنْ أَكْتُب مِنَ الجُوع، فَجَعَلت الدِّرْهَم فِي فَمِي، وَخَرَجتُ لأَشْتَرِي خُبزاً، فَبلعتُهُ، وَوَقَعَ عليّ الضَّحكُ، فَلقينِي صَدِيْقٌ وَأَنَا أَضحك، فَقَالَ: مَا أَضحكك؟
قُلْتُ: خَيْر.
فَأَلَحَّ عَلِيَّ، وَأَبِيْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ، فَحَلَفَ بِالطَّلاَق لَتَصْدُقَنِّي، فَأَخْبَرتُهُ، فَأَدخلنِي مَنْزِلَه، وَتَكَلَّفَ أَطعمَةً، فَلَمَّا خَرَجْنَا لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، اجْتَمَع بِهِ بَعْضُ وُكلاَء عَامِل تِنِّيس ابْن قَادوس، فَسَأَلَهُ عَنِّي، فَقَالَ: هُوَ هَذَا، قَالَ: إِنَّ صَاحِبِي مُنْذُ شَهرٍ أَمر بِي أَنْ أُوصِلَ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ دَرَاهمَ قِيمتُهَا ربعُ دِيْنَار، وَسهوتُ عَنْهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ ثَلاَث مائَة، وَجَاءَ بِهَا.
وَقَالَ: وَكُنْت بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ القَائِم بِأَمر الله، وَبُوْيِع لِلمقتدي بِأَمر الله، فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّة اليَوْم، دخلنَا عَلَى أَبِي(19/367)
إِسْحَاق الشِّيرَازِي، وَسَأَلْنَاهُ عَنِ البَيْعَة، كَيْفَ كَانَتْ؟ فَحكَى لَنَا مَا جرَى، وَنظر إِلَيَّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُخْتَطٌّ، فَقَالَ: هُوَ أَشْبَه النَّاس بِهَذَا، وَكَانَ مَوْلِدُ الْمُقْتَدِي فِي عَام مَوْلِدي، وَأَنَا أَصْغَرُ مِنْهُ بِأَرْبَعَة أَشْهُرٍ، وَأَوّلُ مَا سَمِعْتُ مِنَ الفَقِيْه نَصْر فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَرحلتُ إِلَى بَغْدَادَ سَنَة سبعٍ، ثُمَّ رَجَعتُ، وَأَحرمتُ مِنْ بَيْت المَقْدِسِ إِلَى مَكَّةَ.
قُلْتُ: قَدْ كتب ابْنُ طَاهِر عَنِ ابْنِ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيفِيْنِي، وَبِيْبَى الهَرْثَمِيَّة، وَهَذِهِ الطَّبَقَة، ثُمَّ كتب عَنْ أَصْحَابِ هِلاَل الحَفَّار، ثُمَّ نَزل إِلَى أَصْحَاب أَبِي نُعَيْمٍ، إِلَى أَنْ كتب عَنْ أَصْحَابِ الجَوْهَرِيّ، بِحَيْثُ إِنَّهُ كتب عَنْ تِلْمِيْذه أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيّ، وَسَمِعَ وَلده أَبَا زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ مِنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ المقومِي، وَعبدوس بن عَبْدِ اللهِ، وَالدُّوْنِي، وَخَلْق، وَطَال عُمُرُ أَبِي زُرْعَةَ، وَرَوَى الكَثِيْرَ وَبَعُد صِيتُه.
أُنْبِئتُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّرَسُوسِيّ، عَنِ ابْنِ طَاهِر، قَالَ:
لَوْ أَنَّ مُحَدِّثاً مِنْ سَائِر الفِرَق أَرَادَ أَنْ يَرْوِيَ حَدِيْثاً وَاحِداً بِإِسْنَاد إِلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَافِقهُ الكُلُّ فِي عَقده، لَمْ يَسلم لَهُ ذَلِكَ، وَأَدَّى إِلَى انْقطَاع الزوَائِد رَأْساً، فَكَانَ اعتِمَادُهُم فِي العَدَالَة عَلَى صِحَّة السَّمَاع وَالثِّقَة مِنَ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُ، وَأَنْ يَكُوْنَ عَاقِلاً مُمَيِّزاً.
قُلْتُ: العُمدَةُ فِي ذَلِكَ صِدقُ المُسْلِم الرَّاوِي، فَإِنْ كَانَ ذَا بدعَةٍ أُخِذَ عَنْهُ، وَالإِعرَاضُ عَنْهُ أَوْلَى، وَلاَ يَنْبَغِي الأَخذُ عَنْ مَعْرُوف بِكَبِيْرَة - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِمَكَّةَ،(19/368)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِرَاس، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الرَّبِيْعِ الجِيْزِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي رُومَانَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ (ح) .
قَالَ ابْنُ طَاهِر: وَأَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُفَسِّرُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّاف، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الحَنْظَلِيّ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّم، عَنْ بُديل بن مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَفْتِحُ صَلاَتَهُ بِالتَّكْبِيْرِ وَالقِرَاءة بِالحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالِمِين، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوْع، اسْتَوَى قَائِماً، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِساً، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ اليُمْنَى، وَكَانَ يَكره أَنْ يَفترشَ ذِرَاعَيْه افْترَاشَ الكَلْبِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاَة بِالتَّسْلِيمِ، وَكَانَ يَقرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ (1) .
وَقَرَأْنَاهُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا وَجيهُ بن طَاهِر، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، أَخْبَرَنَا الخَفَّاف ... ، فَذَكَرهُ.
__________
(1) رجاله ثقات إلا أن أبا الجوزاء - واسمه أوس بن عبد الله الربعي - ذكره ابن عدي في " الكامل "، وحكى عن البخاري أنه قال: في إسناده نظر، ويختلفون فيه، على أن للحديث شواهد تقويه.
ثم شرح ابن عدي مراد البخاري، فقال: يريد أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة، وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده.
وذكر ابن عبد البر في " التمهيد " أيضا أنه لم يسمع منها، وهذا الحديث أخرجه مسلم في " صحيحه " (498) في الصلاة: باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ... من طريق إسحاق الحنظلي بهذا الإسناد.
قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب ": 1 / 384: وقال جعفر الفريابي في كتاب " الصلاة ": حدثنا مزاحم بن سعيد، حدثنا ابن المبارك، حدثنا إبراهيم بن طهمان، حدثنا بديل العقيلي، عن أبي الجوزاء قال: أرسلت رسولا إلى عائشة يسألها فذكر الحديث ... فهذا ظاهره أنه لم يشافهها، لكن لا مانع من جواز كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان اللقاء والله أعلم.(19/369)
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِق، وَصَالِحٌ الفَرَضِيّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَنْبَلِيّ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ سَنَة سِتٍّ وَخَمْس مائَة، أَخْبَرَنَا قَاسم بن أَحْمَدَ بآمِد، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جِشْنِس، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ العَدَوِيّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَبُو هُرْمُز، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (عَلَيْكُم بِرَكْعَتَي الفَجْرِ، فَإِنَّ فِيْهِمَا الرَّغَائِبَ (1)) .
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَنشدنَا وَالِدي لِنَفْسِهِ:
يَا مَنْ يُدِلُّ بِقَدِّهِ ... وَبِخَدِّهِ وَالمُقْلَتَيْنِ
وَيَصُوْلُ بِالصُّدْغِ المُعَقْ* ـ ... ـرَبِ شِبْهَ لاَمٍ فَوْقَ عَيْنِ
ارْحَمْ - فَدَيْتُكَ - مُدْنِفاً ... وَسْطَ الفَلاَةِ صَرِيْعَ بَيْنِ
قَتَلَتْهُ أَسْهُمُكَ الَّتِي ... مِنْ تَحْتِ قَوْسِ الحَاجِبَيْنِ
اللهُ مَا بَيْنَ الفِرَا ... قِ وَبَيْنَ مَنْ أَهوَى وَبَيْنِي
__________
(1) نافع أبو هرمز - وسماه العقيلي نافع بن عبد الواحد - قال المؤلف في " الميزان ": 4 / 243: ضعفه أحمد، وجماعة، وكذبه ابن معين مرة، وقال أبو حاتم: متروك، ذاهب الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة.
وأورده الحافظ في " المطالب العالية " 1 / 149، ونسبه للحارث بن أبي أسامة، وقال محققه: فيه عبد الحكم، وهو عندي (القسملي) منكر الحديث، والحديث في: 1 / 66 من " مسند الحارث " المخطوط.
وفي الباب عن ابن عمر عند أحمد: 2 / 82، وفي سنده مجهول، ورواه الطبراني في " الكبير " من طريق آخر، وفيه محمد بن البيلماني وهو ضعيف، ورواه الطبراني أيضا وأبو يعلى، ورجال أبي يعلى ثقات، " مجمع الزوائد ": 2 / 217 - 218.
وأورده الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب ": 1 / 398، من طريق أبي يعلى، ولمسلم (725) من حديث عائشة مرفوعا " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها "، وللبخاري: 3 / 37، ومسلم (724) (94) عنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين أمام الصبح.(19/370)
وَلَهُ:
أَضْحَى العَذُوْلُ يَلُوْمُنِي فِي حُبِّهِم ... فَأَجَبْتُهُ وَالنَّارُ حَشْوُ فُؤَادِي
يَا عَاذلِي لَوْ بِتُّ مُحْتَرِقَ الحَشَا ... لَعَرَفْتَ كَيْفَ تَفَتَّتُ الأَكْبَادِ
صَدَّ الحَبِيْبُ وَغَابَ عَنْ عَيْنِي الكَرَى ... فَكَأَنَّمَا كَانَا عَلَى مِيْعَادِ
وَلَهُ:
سَارُوا بِهَا كَالبَدْرِ فِي هَوْدَجٍ ... يَمِيسُ مَحْفُوَفاً بِأَتْرَابِهِ
فَاسْتَعْبَرَتْ تَبْكِي فَعَاتَبْتُهَا ... خَوَفاً مِنَ الوَاشِي وَأَصْحَابِهِ
فَقُلْتُ: لاَ تَبْكِي عَلَى هَالِكٍ ... بَعْدَكِ لَنْ يَبْقَى عَلَى مَا بِهِ
لِلْمَوْتِ أَبْوَابٌ وَكُلُّ الوَرَى ... لاَ بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ بَابِهِ
وَأَحْسَنُ المَوْتِ بِأَهْلِ الهَوَى ... مَنْ مَاتَ مِنْ فُرْقَةِ أَحْبَابِهِ
ابْنُ النَّجَّار: أَنْبَأَنَا ذَاكر، عَنْ شُجَاع الذُّهْلِيّ، قَالَ:
مَاتَ ابْنُ طَاهِر عِنْد قدرمه مِنَ الحَجّ، فِي يَوْمَ الجُمُعَةِ، لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيتَا مِنْ شهر رَبِيْعٍ الأَوّل، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: وَقَرَأْتُ فِي كِتَاب عَبْدِ اللهِ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ الخَاضِبَة أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي ضُحَى يَوْمَ الخَمِيْسِ، العِشْرِيْنَ مِنَ الشَّهْر، وَلَهُ حجَات كَثِيْرَة عَلَى قَدَمَيْهِ، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِعِلْم التَّصَوُّف وَأَنْوَاعه، متفنناً فِيْهِ (1) ، ظرِيفاً مطبوعاً، لَهُ تَصَانِيْفُ حَسَنَةٌ مُفِيدَةٌ فِي علم الحَدِيْثِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
214 - تَاجُ الإِسْلاَم أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ *
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الأَوحدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنُ الإِمَامِ الكَبِيْرِ أَبِي المُظَفَّر
__________
(1) قال سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان " 8 / 30: وصنف كتابا سماه " صفوة التصوف " يضحك منه من يراه، ويعجب من استشهاده على مذاهب الصوفية التي لا تناسب.
(*) الأنساب: 7 / 140 - 141، المنتظم: 9 / 188، اللباب: 2 / 139، الكامل =(19/371)
مَنْصُوْر بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْد الجَبَّارِ التَّمِيْمِيّ، السَّمْعَانِيّ، الخُرَاسَانِيّ، المَرْوَزِيّ، وَالِد سَيِّدِ الحُفَّاظ أَبِي سَعْدٍ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الخَيْرِ مُحَمَّد بن أَبِي عِمْرَانَ الصَّفَّار (صَحِيْح البُخَارِيِّ) حُضُوْراً، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي القَاسِمِ الزَّاهرِي، وَعَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ الطَّاهرِي، وَأَبِي الفَتْحِ عُبيد الله الهَاشِمِيّ، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ مِنْ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ الأَخْرَم، وَنَصْرِ اللهِ بن أَحْمَدَ الخُشنَامِي، وَعبدِ الوَاحِد بن أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَطَائِفَة، وَدَخَلَ بَغْدَادَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَسَمِعَ مِنْ ثَابِت بن بُنْدَار، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْد السَّلاَمِ الأَنْصَارِيّ، وَعِدَّة.
وَبِالكُوْفَةِ مِنْ: أَبِي البقَاء الحبَّال، وَبِمَكَّةَ، وَالمَدِيْنَة، وَوعظ بِبَغْدَادَ مُدَّةً بِالنِّظَامِيَة، وَقرَأَ (تَارِيخَ الخَطِيْب) عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الآبَنُوْسِي، وَسَمِعَ بِهَمَذَانَ مِنْ أَبِي غَالِبٍ العَدْل، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ حَفِيْدِ ابْنِ مَرْدَوَيْه، وَأَبِي الفَتْحِ الحَدَّادِ.
قَالَ وَلَدُهُ: ثُمَّ ارْتَحَلَ سَنَة تِسْعٍ وَخَمْس مائَة بِي وَبِأَخِي، فَأَسْمَعَنَا مِنَ الشِّيروِي، وَغَيْرهِ، وَأَملَى مائَة وَأَرْبَعِيْنَ مَجْلِساً بِجَامِعِ مَرْوَ، كُلُّ مَنْ رَآهَا، اعتَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا (1) ، وَكَانَ يَرْوِي فِي الوَعظِ الأَحَادِيْثَ
__________
= لابن الأثير: 10 / 524، طبقات ابن الصلاح: 25 / ب، إنباه الرواة: 3 / 216 - 217، وفيات الأعيان: 3 / 210 - 211، تاريخ الإسلام: 4 / 199 / 1، دول الإسلام: 2 / 38، العبر: 4 / 22 - 23، تذكرة الحفاظ: 4 / 1266 - 1269، تلخيص ابن مكتوم: 233، الوافي بالوفيات: 5 / 75، مرآة الجنان: 3 / 200، طبقات السبكي: 7 / 5 - 11، طبقات الاسنوي: 2 / 31 - 32، البداية: 12 / 180، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 329 - 331، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 257 - 261، طبقات ابن هداية الله: 72، شذرات الذهب: 4 / 29 - 30.
(1) في " الأنساب ": 7 / 140: وأما والدي الامام أبو بكر محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني رحمه الله ابن أبيه، وكان والده يفتخر به، ويقول على =(19/372)
بِأَسَانِيْدِهِ، وَقَدْ طلب مرَّةً لِلَّذِيْن يَقْرَؤُونَ فِي مَجْلِسِهِ، فَجَاءَه لَهُم أَلفُ دِيْنَارٍ مِنْ أَهْلِ المَجْلِس.
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة، عَنْ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ (1) ، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّنْجِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
215 - ابْنُ اللَّبَّانَةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ مُحَمَّدٍ *
شَاعِرُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ مُحَمَّدٍ اللَّخْمِيّ، الدَّانِي،
__________
= رؤوس الاشهاد في مجلس الاملاء: محمد ابني أعلم مني، وأفضل مني.
تفقه عليه، وبرع في الفقه، وقرأ الأدب على جماعة، وفاق أقرانه، وقرض الشعر المليح، وغسله في آخر أيامه، وشرع في عدة مصنفات ما تتم شيئا منها، لأنه لم يمتع بعمره، واستأثر الله تعالى بروحه، وقد جاوز الأربعين بقليل، سافر إلى العراق والحجاز، ورحل إلى أصبهان لسماع الحديث، وأدرك الشيوخ والاسانيد العالية، وحصل النسخ والكتب، وأملى مئة وأربعين مجلسا في الحديث من طالعها عرف أن أحدا لم يسبقه إلى مثلها.
وفي " طبقات السبكي ": 7 / 8: وكان والده الامام أبو المظفر إذا جرى شيء يتعلق بالادب أو اللغة، أو سئل عن شيء من ذلك يقول: سلوا أبني محمدا، فإنه أعرف باللغة مني.
(1) وفي أبي بكر يقول السلفي: هو المزني إبان الفتاوى * وفي علم الحديث الترمذي وجاحظ عصره في النثر صادقا * وفي وقت التشاعر بحتري وفي النحو الخليل بلا خلاف * وفي حفظ اللغات الاصمعي
قال السبكي في " الطبقات ": 7 / 9: تعليقا على قول السلفي: وفي وقت التشاعر بحتري: وددت لو قال: وفي الشعر الأديب البحتري.
وسلم من لفظ التشاعر، ومن تنكير البحتري.
(*) قلائد العقيان: 245 - 252، الذخيرة: ق 3 م 2 / 666 - 702، الخريدة (قسم المغرب والاندلس) : 2 / 107 - 147، بغية الملتمس: رقم: 213، المطرب: 178، المعجب: 208 - 224، التكملة لابن الابار: 410، تكملة الصلة: 145، المغرب: 2 / 409 - 416، وفيات الأعيان: 5 / 39، تاريخ الإسلام / 4: ورقة 187 / 1، العبر: 4 / 15، فوات الوفيات: 4 / 27 - 31، الوافي بالوفيات: 4 / 297 - 300، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 294 - 302، مرآة الجنان: 3 / 197، كشف الظنون: 993، شذرات الذهب: 4 / 20، إيضاح المكنون: 1 / 98، هدية العارفين: 2 / 83.(19/373)
صَاحِبُ (الدِّيْوَان) ، وَالتَّصَانِيْف الأَدبيَة، مدح الْملك ابْنَ عَبَّادٍ (1) ، وَابْنَ صُمَادِح، وَكَانَ مُحْتَشِماً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
تُوُفِّيَ: بِمَيُورقَة (2) ، سَنَة سَبْعٍ وَخَمْس مائَة (3) .
216 - مَحْمُوْدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُفِيدُ الطَّلبَةِ بِبَغْدَادَ، أَبُو نَصْرٍ الأَصْبَهَانِيّ، الصَّبَّاغُ.
سَمِعَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن مَنْدَه، وَأَخَاهُ عَبْد الوَهَّابِ ابْنَيْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه، وَأَبَا الفَضْل البُزَانِي، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَاجَه، وَعَائِشَة بِنْتَ الحَسَنِ الوَرْكَانِيَة، وَبِبَغْدَادَ رزق الله التَّمِيْمِيّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، حَتَّى إِنَّهُ كتب عَنْ أَصْحَابِ الصَّرِيفِيْنِي، وَعَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْد السَّلاَمِ، وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ، وَالسِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) وكان منقطعا إلى بني عباد، وفيهم أجود مدائحه ومراثيه، ولهم أبدع ما نظم من شعره في مختلف الفنون، وقد ألف كتابين في أخبار بني عباد، أحدهما " السلوك في وعظ الملوك "، وقد ضمنه عدة مقطعات وقصائد في البكاء على أيامهم، وما انتشر من نظامهم، والآخر " الاعتماد في أخبار بني عباد " فصل في تاريخهم منذ كانوا حتى مضوا. وانظر المختار من شعره في الذخيرة وغيرها.
(2) ميورقة، بالفتح ثم الضم، وسكون الواو والراء: جزيرة في شرقي الأندلس، بالقرب منها جزيرة يقال لها: منورقة، وهما أكبر جزيرتين في مجموعة جزائر البليار في البحر المتوسط، وكانتا في عصر ملوك الطوائف تحت حكم مجاهد العامري، وميورقة فتحها المسلمون سنة تسعين ومئتين.
(3) وكذا أرخ وفاته ابن الابار في " التكملة ": 410.
(*) المنتظم: 9 / 202 - 203، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة: 224، تاريخ الإسلام: 4 / لوحة: 208 / 2 - 209 / 1، تذكرة الحفاظ: 4 / 1252 - 1253.(19/374)
قَالَ شِيْرَوَيْه الدَّيلمِي: قَدِمَ عَلَيْنَا هَمَذَان سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ حَافِظاً ثِقَة، يُحْسِنُ هَذَا الشَّأْنَ، حسنَ السِّيْرَةِ، عَارِفاً بِالأَسْمَاء وَالنَّسَبِ، مُفِيداً لِطلبَة العِلْم.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ (1) رفِيقنَا مَحْمُوْدُ بنُ الفَضْلِ يَطلُب الحَدِيْث، وَيَكْتُبُ العَالِي وَالنَّازِلَ، فَعَاتَبتُهُ فِي كَتْبِهِ النَّازِلَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِذَا رَأَيْتُ سَمَاعَ هَؤُلاَءِ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَترُكَه.
قَالَ: فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ مَوْتِه، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَر لِي بِهَذَا، وَأَخْرَج مِنْ كُمِّه جُزْءاً.
قُلْتُ: مَاتَ بِبَغْدَادَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، مِنْ أَبْنَاءِ السِّتِّيْنَ.
217 - ظَرِيفُ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَحْمَدَ بنِ شَاذَانَ *
العَالِمُ، الرّحَالُ، أَبُو الحَسَنِ الحِيْرِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا حَفْصٍ بنَ مَسْرُوْر، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَأَبَا عَامِرٍ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَأَبَا مَسْعُوْد أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ البَجَلِيّ، وَأَبَا سَعْد الطَّبِيْب.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَأَبُو المُعَمَّر الأَزَجِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَة، وَعَبدُ المُنْعِم بن الفُرَاوِي، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الْخلّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) ما بين حاصرتين سقط من الأصل، واستدرك من " تذكرة المؤلف ": 4 / 1252، 1253، ومختصر طبقات علماء الحديث.
(*) التحبير: 1 / 359 - 360، المنتخب / الورقة: 78 / 1، تاريخ الإسلام: 4 / لوحة: 229 / 2 - 230 / 1.(19/375)
قَدِمَ بَغْدَاد لِلْحَجِّ، وَحَدَّثَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ (1) :كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، حَسَنَ السِّيْرَةِ، جَمِيْلَ الطّرِيقَة، مِنْ أَوْلاَد المُحَدِّثِيْنَ.
وَقَالَ عبدُ الغَافِر: ثِقَةٌ، أَمِيْن، عِنْدَهُ سَمَاعُ (الإِكليلِ) لِلْحَاكِمِ، وَ (المُسْتَدرَكِ) .
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، بِنَيْسَابُوْرَ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
218 - ابْنُ سُكَّرَةَ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فِيرّه *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فِيرّه بن حَيُّونَ بن سُكَّرَة الصَّدفِي، الأَنْدَلُسِيّ، السَّرَقُسْطِي.
رَوَى عَنْ: أَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي، وَمُحَمَّدِ بنِ سَعدُوْنَ القَروِي، وَحَجَّ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، وَدَخَلَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الحَبَّال (2) ، وَهُوَ
__________
(1) في التحبير: 1 / 359، وفيه أنه كتب للسمعاني الاجازة بجميع مسموعاته سنة تسع وخمس مئة.
(*) الصلة: 1 / 144 - 146، بغية الملتمس: 269، الغنية ص 192 - 201، تاريخ الإسلام: 4 / 214 / 1، العبر: 4 / 32 - 33، تذكرة الحفاظ: 4 / 1253 - 1255، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 389 - 390، الديباج المذهب: 1 / 330 - 332، غاية النهاية: 1 / 250 - 251، طبقات الحفاظ: 455، أزهار الرياض: 3 / 51، نفح الطيب: 2 / 90 - 93، شذرات الذهب: 4 / 43، تهذيب ابن عساكر: 4 / 362، شجرة النور الزكية: 1 / 128 - 129.
(2) في تاريخ الإسلام: وحج سنة إحدى وثمانين، ودخل بمصر على أبي إسحاق الحبال، وقد منعه العبيدي الرافضي من التحديث، قال: فأول ما فاتحته الكلام أجابني على غير سؤالي حذرا أن أكون مدسوسا عليه حتى بسطته وأعلمته أنني من أهل الأندلس أريد الحج، فأجاز لي لفظا، وامتنع من غير ذلك.(19/376)
مَمْنُوْعٌ مِنَ التَّحْدِيْثِ كَمَا مرّ.
وَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ: مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ شَغَبَة، وَجَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ العبَّادَانِي.
وَبَالأَنبارِ مِنْ: خَطيبِهَا أَبِي الحَسَنِ.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ قُرَيْش، وَعَاصِم الأَدِيْب، وَمَالِك البَانِيَاسِيّ.
وَبِوَاسِط مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عبد السَّلاَّم بن أُحمولَةَ، وَحَمَلَ (التَّعليقَة) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيّ (1) .
وَأَخَذَ بِدِمَشْقَ عَنِ: الفَقِيْه نَصْر (2) ، وَرَجَعَ بِعِلْمٍ جَمٍ، وَبَرَعَ فِي الحَدِيْثِ مَتْناً وَإِسْنَاداً مَعَ حُسن الخطّ وَالضَّبط، وَحُسنِ التَّأْلِيف، وَالفِقْه وَالأَدب مَعَ الدّين وَالخَيْر وَالتَّوَاضع.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: هُوَ أَجْلُّ مَنْ كَتَبَ إِلَيَّ بِالإِجَازَةِ (3) .
وَخَرَّج لَهُ القَاضِي عِيَاض (مشيخَةً) ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ.
وَأُكْرِهَ عَلَى القَضَاءِ، فَوَلِيَهُ بِمُرسيَة، ثُمَّ اخْتفَى حَتَّى أُعفِي.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: ابْنِ خَيْرُوْنَ، وَرِزقِ الله، كتب عَنْهُ شَيْخُهُ الفَقِيْه نَصْرٌ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ، وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ صَابر، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن يَحْيَى الزَّكوِي، وَالقَاضِي عِيَاض، فَرَوَى عَنْهُ (صَحِيْح مُسْلِم) ، أَخْبَرَنَا بِهِ أَحْمَد بن دِلْهَاث العُذْرِيّ.
__________
(1) سيذكر بعد قليل أنه أقام ببغداد خمس سنين حتى علق عنه تعليقته الكبرى في مسائل الخلاف.
(2) هو نصر بن إبراهيم النابلسي المقدسي الشافعي المتوفى سنة 490 هـ تقدمت ترجمته برقم (72) .
(3) " الصلة ": 1 / 145: وذكر تاريخ الاجازة في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، وروى عنه بها لأبي عبد الله محمد بن علي الصوري قوله:
قل لمن أنكر الحديث وأضحى * عائبا أهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا أبن لي * أم بجهل، فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الد * ين من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه * راجع كل عالم وفقيه(19/377)
استُشْهِدَ أَبُو عَلِيٍّ فِي ملحمَة قُتَنْدَة (1) ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ السِّتِّيْنَ، وَكَانَتْ معيشتُهُ مِنْ بضَاعَة لَهُ مَعَ ثِقَات إِخْوَانِهِ، وَخَلَّفَ كُتُباً نَفِيْسَةً، وَأُصُوْلاً مُتْقَنَةً تَدُلُّ عَلَى حِفْظِهِ وَبَرَاعَتِهِ.
وَتَلاَ أَيْضاً عَلَى: الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُبَشِّرٍ صَاحِب أَبِي عَمْرٍو الدَّانِي، وَمَوْلِدُهُ فِي نَحْو سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ ذَا دِينٍ وَورعٍ وَصُوْنٍ، وَإِكبَابٍ عَلَى العِلْم، وَيدٍ طُولَى فِي الفِقْه، لاَزم أَبَا بَكْرٍ الشَّاشِيّ خَمْس سِنِيْنَ حَتَّى عَلَّق عَنْهُ (تَعلِيقَته) الكُبْرَى فِي مَسَائِل الخلاَف، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ مُرسيَة، وَتَصدَّر لنشر الكِتَاب وَالسّنَة، وَتَنَافس الأَئِمَّةُ فِي الإِكثَار عَنْهُ، وَبَعُدَ صِيتُه، وَلَمَّا عَزلَ نَفْسَه مِنَ القَضَاءِ، وَردتْ كُتُبُ السُّلْطَانِ عَلِيّ بن يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن بِرُجُوْعه إِلَى القَضَاء، وَهُوَ يَأْبَى، وَبَقِيَ ذَلِكَ أَشْهُراً حَتَّى كتب الطُّلاَب وَالرَّحَّالُوْنَ كِتَاباً يَشكُوْن فِيْهِ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ ابْن تَاشفِيْن حَالَهُم وَنفَادَ نَفقَاتِهِم، وَانقطَاعَ أَمْوَالِهِم، فَسعَى لَهُ قَاضِي الجَمَاعَة عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَبَيَّنَ لَهُ وَجْهَ عُذْرِهِ، فَسَكَتَ عَنْهُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: لَقَدْ حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرٍ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظ قَالَ لَهُ: خُذِ الصَّحِيحَ، فَاذكُرْ أَيَّ مَتْنٍ شِئْتَ مِنْهُ، أَذْكُرْ لَكَ سَنَدَه، أَوْ أَيَّ سَنَدٍ، أَذْكُرْ لَكَ مَتْنَه.
219 - النُّهَاوَنديُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ نَصْرِ بنِ المُرهفِ *
القَاضِي، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ نَصْرِ بن المُرهف النُّهَاوَنديُّ، ثُمَّ الأَيْدَبْنِيُّ - وَأَيْدَبْنُ: مِنْ قُرَى دِيَار بكر - الشَّافِعِيّ، قَاضِي
__________
(1) قال ياقوت: قتندة: بلد بالاندلس ثغر سرقسطة كانت بها وقعة بين المسلمين والافرنج، قال المؤلف في تاريخه: وكانت هذه الوقعة على المسلمين.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 192 / 1، طبقات السبكي: 7 / 80.(19/378)
نُهَاوَنْد مُدَّةً طَوِيْلَة.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللهِ المَوْصِلِيّ بآمِد، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَاد، وَبَرَعَ فِي الفِقْه عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي، وَأَحكم الأُصُوْلَ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُسَيْنُ بن خُسْرو، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ البَاجِسْرَائِي، وَغَيْرهُم.
قَالَ السِّلَفِيّ: قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَاب أَبِي إِسْحَاقَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ نُهَاوَنْد مُدَّةً مديدَةً، وَلَمْ يَكُنْ يُقيم بِهَا.
وَقَالَ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ الخَفَّاف: مَاتَ بِنَهَاوَنْد، فِي مُحرَّمٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْس مائَة.
220 - ابْنُ مَرْزُوْقٍ أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ مَرْزُوْقٍ الأَصَمُّ *
الحَافِظُ، المُفِيْدُ، الرّحَالُ، أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ مَرْزُوْق الأَصَمّ، الهَرَوِيّ، مَوْلَى شَيْخِ الإِسْلاَمِ.
سَمِعَ: أَبَا عُمَر المَلِيْحِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي نَصْرٍ الكُوْفَانِي، وَأَبَا القَاسِمِ ابْن البُسْرِيّ، وَعبدَ الرَّحْمَن بن مَنْدَه، وَطَبَقَتَهُم، وَجَمَعَ، فَأَوعَى.
أَخَذَ عَنْهُ: هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ: هُوَ حَافظ مُتْقِن.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / لوحة: 181 / 1، تذكرة الحفاظ: 4 / 1246، شذرات الذهب: 4 / 16.(19/379)
قُلْتُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، عَنْ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
221 - ابْنُ بَدْرَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَدْرَانَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُسْنِدُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَدْرَانَ بنِ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيّ، البَغْدَادِيّ، المُقْرِئ، عُرِفَ بِخَالَوْه، شَيْخٌ صَالِح، دَيِّنٌ، عَارِف بِالقِرَاءات، عَالِي الرِّوَايَة.
تَلاَ بِالسَّبْع عَلَى: أَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن غَالِبٍ، وَعَلِيّ بن فَارِس الخَيَّاط.
تَلاَ عَلَيْهِ جَمَاعَة، مِنْهُم: أَبُو الْكَرم الشَّهْرُزُورِي، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَالقَاضِي أَبِي الحَسَنِ المَاوردي، وَمُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بنِ شبَانَة الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَانتقَى عَلَيْهِ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ خُضَيْرٍ، وَخطيب المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ، وَعَبدُ المُنْعِمِ بنُ كُلَيْبٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: شَيْخٌ، صَالِح، ضَعِيْف، لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ (1) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 175، تاريخ الإسلام: 4 / الورقة: 180 / 2، العبر: 4 / 12، ميزان الاعتدال: 1 / 122، معرفة القراء: (406) وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1441، طبقات السبكي 6 / 28 طبقات القراء: 1 / 84، لسان الميزان: 1 / 227، طبقات الشافعية لابن هداية 71، شذرات الذهب 4 / 16.
(1) قال الحافظ في " اللسان ": 1 / 227: والسبب الذي ضعفه ابن ناصر به لا ذنب له فيه، فإن بعض الطلبة نقل له على كتاب الترغيب لابن شاهين، فحدث به، ثم ظهر أنه باطل، فرجع عنه، حكى ذلك ابن النجار في " تاريخه "، ونقل كلام ابن ناصر فيه، قال: =(19/380)
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ ثِقَةً زَاهِداً.
قَالَ ابْنُ نَاصر: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَانب إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ تَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاط، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الصَّابونِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تلوتُ عَلَيْهِ بِكِتَابِ (الجَامِع) لأَبِي الحَسَن الخَيَّاط (1) ، وَتَلاَ بِهِ عَلَى المصَنّف.
222 - ابْنُ مَلَّةَ أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الوَاعِظُ، أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ مَلَّةَ الأَصْبَهَانِيّ، المُحْتَسِب، صَاحِبُ تِلْكَ المَجَالِسِ المَشْهُوْرَة.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ رِيْذَةَ صَاحِبَ الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ،
__________
= كان شيخنا ليس له معرفة بطريق الحديث، روى كتاب الترغيب لابن شاهين عن العشاري من نسخة طرية مستجدة، وهو شيخ صالح فيه ضعف لا يحتج بحديثه.
(1) كتاب الجامع في القراءات العشر، وقراءة الأعمش، وأبو الحسن هذا هو علي بن محمد بن علي بن فارس الخياط البغدادي، قال المؤلف: أظنه بقي إلى عام خمسين وأربع مئة. انظر " النشر ": 1 / 84، و" غاية النهاية ": 1 / 573.
(*) الكامل لابن الأثير: 10 / 515، تاريخ الإسلام: 4 / 192 / 1، العبر: 4 / 18، ميزان الاعتدال: 1 / 248، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 90، عيون التواريخ: 13 / 324 - 325، البداية: 12 / 179، لسان الميزان: 1 / 434، شذرات الذهب: 4 / 22.(19/381)
وَأَبَا مَنْصُوْرٍ عَبْدَ الرَّزَّاقِ بن أَحْمَدَ الخَطِيْب، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْدَ العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ، وَعَلِيَّ بنَ شُجَاعٍ المَصْقَلِي (1) ، وَأَبَا العَبَّاسِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ الصَّائِغ، وَأَملَى بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَظَاعِن بنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيّ الخَيَّاط، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَقَوْمٌ، آخِرهُم عبدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ.
قَالَ ابْنُ نَاصر: وَضَع حَدِيْثاً (2) ، وَأَملاَهُ، وَكَانَ يُخَلِّط.
قُلْتُ: ثُمَّ رِوَايَتُه عَنِ ابْنِ رِيْذَه حُضُوْر، فَإِنَّ مَوْلِده - فِيمَا ذكر - سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، فِي رَجَبِهَا، وَمَاتَ ابْنُ رِيذه سَنَة أَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ اليُونَارتِي فِي (مُعْجَمه) :كَانَ ابْنُ ملَّة مِنَ الأَئِمَّةِ الْمَرضِيِّينَ، يَرْجِعُ فِي كُلِّ فَنٍّ مِنَ العِلْمِ إِلَى حظٍّ وَافِرٍ (3) .
وَقَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ مِنَ المُكْثِرِيْنَ، يَرْوِي عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بن فَادويه، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن الذَّكوَانِي، وَكَانَ أَبُوْهُ يَرْوِي عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ البَيِّع صَاحِبِ المَحَامِلِيّ.
مَاتَ أَبُو عُثْمَانَ: فِي ثَانِي رَبِيْع الأَوّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْس مائَة، بِأَصْبَهَانَ.
__________
(1) المصقلي بفتح الميم وسكون الصاد وفتح القاف، هذه النسبة إلى الجد وهو مصقلة بن هبيرة " الأنساب ".
(2) قال الحافظ في " اللسان ": 1 / 434: ولو ذكر ابن ناصر الحديث لافاد.
(3) قال الحافظ في " اللسان ": وقد وثقه أبو منصور اليزدي، وقال ابن النجار: قد وصفه شيرويه الحافظ بالصدق، ولا أعلم لأحد فيه طعنا إلا ما حكي عن ابن ناصر والله أعلم بحقيقة الحال.(19/382)
223 - أَحْمَديلُ صَاحِبُ مَرَاغَةَ *
أَحَدُ الأَبْطَال، كَانَ إِقطَاعُه يُغِلُّ فِي السَّنَةِ أَرْبَع مائَة أَلْفِ دِيْنَار، وَعَسْكَرُه خَمْسَةُ آلاَفِ فَارِسٍ، كَانَ فِي مَجْلِس السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه، فَأَتَاهُ مِسْكِيْن، فَتضرَّع إِلَيْهِ فِي قِصَّة يقدِّمُهَا، فَيَضْرِبُهُ بِسكِّين، فَبَرَكَ أَحْمَديل فَوْقه، فَوَثَبَ باطنِي آخر فَوْقَ أَحْمَديل، فَجرحه، فَأَضرتهُمَا السُّيوفُ، فَوَثَبَ ثَالِث، وَضرب أَحْمَديل أَثخنه، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ أَحْمَديل إِلَى جَانب أَمِيْر دِمَشْق طُغْتِكِين قَدْ قَدِمَا بَغْدَاد إِلَى خدمَة مُحَمَّد.
224 - أَبُو العِزِّ مُحَمَّدُ بنُ المُخْتَارِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ **
ابْنِ عَبْدِ اللهِ بن المُؤَيَّدِ بِاللهِ الهَاشِمِيّ، العَبَّاسِيّ، البَغْدَادِيّ، وَالِد المُعَمَّر أَبِي تَمَّام أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ الخُص.
كَانَ ثِقَةً صَالِحاً ديناً، جَلِيْلاً محترماً، مِنْ أَهْلِ الْحرم الطَّاهرِي.
سَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَأَبِي الحَسَنِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ المُذْهِب.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ السَّدنك، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَنَصْرُ اللهِ القَزَّاز، وَعبدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) تاريخ القلانسي: 176، المنتظم: 9 / 185، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 10 / 516، تاريخ الإسلام: 4 / 130 / 2، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 15، وفيه وفاته 508 هـ، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 325 - 326، مرآة الزمان: 8 / 32، النجوم الزاهرة: 5 / 208، شذرات الذهب: 4 / 21.
(* *) المنتظم: 9 / 182، تاريخ الإسلام: 4 / 191 / 1.(19/383)
تُوُفِّيَ: فِي يَوْم عَاشُورَاءَ، مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، وَعَاشَ ثَمَانِيْنَ عَاماً.
225 - ابْنُ المُطَّلِبِ أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْر، أَبُو المَعَالِي هِبَة اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن المُطَّلِبِ الكِرْمَانِيّ، الفَقِيْه، الشَّافِعِيّ.
كَانَ مِنْ كِبَارِ الأَعيَان، رَأْساً فِي حسَاب الدِّيْوَان، سَاد وَعظم، وَوَزَرَ لِلمُسْتظهِر بِاللهِ سنتَيْن وَنِصْفاً، ثُمَّ عُزِلَ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن وَطَبَقَته، وَكَانَ ذَا مَعْرُوف وَبِرٍّ، يُلَقَّبُ بِمُجيرِ الدِّين، لَهُ خِبْرَة وَفضِيْلَة وَذكَاء، صُرِفَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَلَزِمَ بَيْتَه إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْس مائَة.
226 - البَاقَرْحِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ **
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بن مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَخْلَدٍ البَاقَرْحِي، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، رَجُل مَسْتُوْرٌ، مِنْ بَيْت الرِّوَايَة (1) ، سَمِعَ الكَثِيْر.
مَوْلِده: سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا الفَتْح بن
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 195 / 1.
(* *) المنتظم: 9 / 238، تاريخ الإسلام: 4 / 222 / 2، العبر: 4 / 36، مرآة الزمان: 8 / 64، شذرات الذهب: 4 / 48.
(1) قال سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان ": 8 / 64: هو محدث، ابن محدث، ابن محدث، ابن محدث، ... وكان ثقة صدوقا.(19/384)
شِيطَا، وَأَبَا طَاهِر مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ العَلاَّف، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوخِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَجَمَاعَة، وَآخر مَنْ رَوَى عَنْهُ: ذَاكرُ بن كَامِلٍ، وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ اليُوسفِي.
مَاتَ: فِي رَجَب، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: صَاحِبُ مَاردين، وَأَبُو مُلُوْكهَا، نَجْمُ الدِّيْنِ أَيل غَازِي بن أَرتُق التُّركمَانِي، وَمُحيِي السّنَة أَبُو مُحَمَّدٍ البَغَوِيّ (1) ، وَالحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدي أَخُو إِسْمَاعِيْل، وَشيخُ القُرَّاء أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ الفَحَّام الصَّقَلِّي (2) ، مُصَنّف (التَّجرِيْدِ) ، وَصَاحِبُ (المقَامَات) أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِم بن عَلِيٍّ الحَرِيْرِيّ البَصْرِيُّ (3) ، وَأَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بنِ المُطَهِّر بن أَبِي نِزَارٍ الرَّبعِي الأَصْبَهَانِيّ (4) ، وَالحَافِظُ مُحَمَّد بن عبد الوَاحِد الدَّقَّاق (5) ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مَمِيْل الشِّيرَازِي مُعِيد النّظَامِيَة.
227 - الشَّقَّاقُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ البَغْدَادِيّ، ابْن الشِّقَاق الفَرَضِيّ،
__________
(1) سترد ترجمته برقم (258) .
(2) سترد ترجمته برقم (229) .
(3) سترد ترجمته برقم (268) .
(4) سترد ترجمته برقم (265) .
(5) سترد ترجمته برقم (277) .
(*) المنتظم: 9 / 194 وفيه الحسن، الكامل في التاريخ: 10 / 532 وفيه الحسن، تاريخ الإسلام: 4 / 201 / 2، المختصر المحتاج إليه من تاريخ الدبيثي للذهبي: 2 / 31، الوافي بالوفيات: 12 / 325 - 326، طبقات الشافعية للسبكي: 7 / 73.(19/385)
لِشق قُرُوْنِ القسِي (1) .
أَخَذَ الفَرَائِضَ وَالحسَابَ عَنِ الخَبْرِيِّ (2) ، وَعَبْدِ المَلِكِ الهَمْدَانِيِّ، وَبَقِيَ بِلاَ نَظِيرٍ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ آيَةً مِنْ آيَاتِ الزَّمَانِ فِي الفَرَائِضِ وَالحسَابِ، يُقرِئ ذَلِكَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ ابْن نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَخَطِيبُ المَوْصِل.
مَاتَ: فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
228 - أَبُو طَالِبٍ اليُوسفِيُّ عَبْدُ القَادِر بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ القَادِرِ *
الشَّيْخُ، الأَمِيْنُ، الثِّقَةُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ، أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ القَادِر بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَغْدَادِيّ، اليُوسفِي، ابْن أَبِي بَكْرٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) يعني سمي الشقاق، لأنه كان يشق القرون لعمل القسي، وقد تصحف " الشقاق " في " طبقات السبكي ": 7 / 73 إلى " الشقاف " بالفاء.
(2) نسبة إلى خبر: قرية بنواحي شيراز من فارس، وقد تحرف في " المنتظم ": 9 / 194 إلى " الطبري " وهو أبو حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري الفقيه الشافعي الفرضي، حدث عن أبي محمد الحسن بن علي الجوهري، والمتوفى 496 هـ تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (287) .
(*) المنتظم: 9 / 239، تاريخ الإسلام: 4 / 224 / 1، العبر: 4 / 38، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 415، شذرات الذهب: 4 / 49.(19/386)
وَسَمِعَ المُصَنَّفَات الكِبَارَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ المُذْهِبِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ بِشْرَان، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَعِدَّة، وَتَفَرَّد فِي وَقته.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ، وَهِبَةُ اللهِ الصَّائِن، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن النَّقُّوْرِ، وَالشَّيْخُ عبدُ القَادِر، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوسفِي، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، وَيَحْيَى بن بَوْش، وَعَدَدٌ كَثِيْر.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ صَالِحٌ، ثِقَةٌ، ديِّنٌ، متحرٍّ فِي الرِّوَايَة، كَثِيْرُ السَّمَاع، انْتَشَرت عَنْهُ الرِّوَايَة فِي البُلْدَان، وَحُمِلَ عَنْهُ الكَثِيْر.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: تربَى أَبُو طَالِبٍ عَلَى طرِيقَةِ وَالِدِهِ فِي الاحْتِيَاطِ التَّام فِي الدِّين فِي التَّدَيُّنِ مِنْ غَيْرِ تَكلف، وَكَانَ كَامِلَ الفَضْل، حسنَ الجُمْلَة، ثِقَةً متحرِياً، إِلَى غَايَةٍ مَا عَلَيْهَا مزِيدٌ، قَلَّ مَنْ رَأَيْتُ مِثْله، وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو بَكْرٍ أَزْهَدَ خلق الله.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَطَّافٍ: تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ فِي آخِرِ يَوْمِ الجُمُعَةِ، ثَامنَ عشرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
229 - ابْنُ الفَحَّامِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَتِيْقِ بنِ خَلَفٍ القُرَشِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ عَتِيْقِ بنِ خَلَفٍ
__________
(*) معجم السفر للسلفي: 1 / 157 - 158، إنباه الرواة: 2 / 164 - 165، تاريخ الإسلام: 4 / 224 / 1، دول الإسلام: 2 / 43، العبر: 4 / 37 - 38، تلخيص ابن مكتوم: 105، عيون التواريخ: 13 / 415، مرآة الجنان: 3 / 213، النشر في القراءات العشر: 1 / 75، 76، طبقات القراء: 1 / 374 - 375، طبقات ابن قاضي شهبة: 2 / 74 - 75، النجوم الزاهرة: 5 / 225، حسن المحاضرة: 1 / 495، كشف الظنون: 354 وغيرها، شذرات الذهب: 4 / 49، هدية العارفين: 1 / 518.(19/387)
القُرَشِيّ، الصَّقَلِّي، المُقْرِئ، النَّحْوِيّ، ابْن الفَحَّام، نَزِيْلُ الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَمُؤلف (التَّجرِيْد فِي القِرَاءات (1)) .
تَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى: أَبِي العَبَّاسِ بن نَفِيْس، وَأَبِي الحُسَيْنِ نَصْر بن عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيّ، وَعبد البَاقِي بن فَارِس، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المَالِكِيّ بِمِصْرَ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّد، وَتزَاحم عَلَيْهِ القُرَّاء.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو العَبَّاسِ بنُ الحطيَة، وَابْنُ سَعدُوْنَ القُرْطُبِيّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن خَلَفِ الله، وَعِدَّة.
وَتلوتُ كِتَابَ اللهِ مِنْ طرِيقه بِعُلُوّ وَبِغَيْر عُلُوٍّ.
أَخَذَ النَّحْوَ عَنِ ابْنِ بَابْشَاذ، وَعَمِلَ (شرحاً) لِمُقَدِّمَتِهِ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْدَلُسِيّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالقِرَاءات مِنِ ابْنِ الفَحَّامِ، لاَ بِالمَشْرِقِ وَلاَ بِالمَغْرِبِ، وَرَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ، وَغَيْرهُمَا، وَثَّقَهُ السِّلَفِيّ وَابْن المُفَضَّلِ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ - أَوْ خَمْسٍ - وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَهُوَ يَشُكُّ.
وَتُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، بِالثَّغْرِ (2) ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَآخرُ أَصْحَابه فِي الدُّنْيَا بِالإِجَازَةِ أَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ السِّلَفِيّ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ خيَار القُرَّاء، رحلَ سَنَةَ ثَمَانٍ
__________
(1) قال ابن الجزري في " الطبقات ": 1 / 374: وهو من أشكل كتب القراءات حلا ومعرفة، ولكني أوضحته في كتابي " التقييد في الخلف بين الشاطبية والتجريد " من وقف عليه أحاط بالكتاب علما بينا.
(2) أي: في الإسكندرية: والثغر: الموضع الذي يكون حدا فاصلا بين بلاد الكفار وهو موضع المخافة من أطراف البلاد.(19/388)
وَثَلاَثِيْنَ، فَأَدْرَكَ ابْنَ هُشَيْم، وَابْن نَفِيْس، علَّقت عَنْهُ فَوَائِدَ، وَكَانَ حَافِظاً لِلْقِرَاءات، صَدُوْقاً، مُتْقِناً، عَالِماً، كَبِيْرَ السِّنّ، وَقِيْلَ: كَانَ يَحفظ القِرَاءات كَالفَاتِحَة (1) .
230 - غَيْثُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ أَبُو الفَرَجِ الأَرْمَنَازِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، أَبُو الفَرَجِ الأَرْمَنَازِي، ثُمَّ الصُّوْرِيّ، خطيبُ صُوْر وَمُحَدِّثُهَا.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَلِيَّ بن عُبَيْد اللهِ الهَاشِمِيّ، وَبِدِمَشْقَ أَبَا نَصْرٍ بن طَلاَّب، وَطَائِفَة، وَبِتِنِّيس مِنْ رَمَضَانَ بن عَلِيٍّ، وَبِمِصر، وَالثَّغْرِ، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَسَوَّد (تَارِيخاً) لصُوْر، وَكَانَ ثِقَةً، حسنَ الخطّ.
رَوَى عَنْهُ: شَيْخُهُ؛ الخَطِيْبُ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَذَلِكَ مِنْ نَمط (السَّابِق وَاللاَّحِق) ، فَبَيْنَ الحَافِظَيْن فِي المَوْت مائَة سَنَةٍ وَثَمَانُ سِنِيْنَ.
مَاتَ غَيْثٌ: بِدِمَشْقَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَة، عَنْ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
231 - عِيْسَى بنُ شُعَيْبِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ السِّجْزِيُّ **
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ المُعَمَّرِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ السِّجْزِيّ، الصُّوْفِيّ، نَزِيْلُ هَرَاةَ، وَوَالِد الشَّيْخ أَبِي الوَقْت.
__________
(1) كرر المؤلف هنا ما كتبه في نهاية ترجمة الباقرحي برقم (226) فذكر من توفي في سنة (516) وزاد عليهم الباقرحي وعبد القادر اليوسفي، وكتائب بن علي الفارقي.
(*) الأنساب: 1 / 189، تاريخ ابن عساكر، تاريخ الإسلام: 4 / 193 / 1، العبر: 4 / 18، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 325، شذرات الذهب: 4 / 24.
(* *) التحبير: 1 / 611 - 613، معجم شيوخ السمعاني / الورقة: 187 / ب، تاريخ الإسلام: 4 / 207 / 2، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 352.(19/389)
مَوْلِدُهُ: بسِجِسْتَان، فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَع مائَة.
فَسَمِعَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ بُشرَى اللَّيْثِيّ الحَافِظ جُمْلَةً، وَسَمِعَ بِهَرَاةَ مِنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الخَطَّابِيّ، وَبِغَزْنَةَ مِنَ الخَلِيْلِ بنِ أَبِي يَعْلَى، وَطَائِفَة، وَحَمَلَ ابْنه عبدَ الأَوّل عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ هَرَاة إِلَى بُوشَنْج مَرْحَلَةً، فَسمِعَا (الصَّحِيحَ (1)) مِنْ جَمَالِ الإِسْلاَمِ الدَّاوُودِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ صَحِيْح صَالِح، حرِيصٌ عَلَى السَّمَاعِ، أَجَازَ لِي مَرْوِيَّاته، ثُمَّ ذَكَرَ مَوْلِدَه، قَالَ: وَتُوُفِّيَ بِمَالِينَ مِنْ هَرَاة، فِي ثَانِي عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ مائَة وَسَنتَانِ (2) .
وَفِيْهَا مَاتَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ المُسْتظهر بِاللهِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الْمُقْتَدِي بِاللهِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ القَائِم العَبَّاسِيّ (3) ، وَلَهُ اثنتَانِ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً، وَكَانَتْ دَوْلَتُه خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَمُفْتِي بُخَارَى شَمْسُ الأَئِمَّة الجَابِرِي، وَنُورُ الهدَى الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ (4) ، وَالعَلاَّمَةُ أَبُو القَاسِمِ سَلْمَانُ بن نَاصر الأَنْصَارِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ (5) الأُصُوْلِي صَاحِبُ إِمَام الحَرَمَيْنِ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو العَلاَءِ عُبَيْد بن مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيّ (6) ، وَشَيخُ الكَلاَم أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَتِيق بن أَبِي كُديَّة القَيْرَوَانِي الأَشْعَرِيّ (7) بِبَغْدَادَ عَنْ سِنٍّ عَالِيَة، وَالحَافِظُ مَحْمُوْد بن نَصْرٍ الأَصْبَهَانِيّ الصَّبَّاغ بِبَغْدَادَ.
__________
(1) و" مسند الدارمي "، و" المنتخب " لعبد بن حميد كما في " التحبير ": 1 / 612.
(2) " التحبير " 1 / 613.
(3) سترد ترجمته برقم (236) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (209) .
(5) سترد ترجمته برقم (237) .
(6) تقدمت ترجمته برقم (185) .
(7) سترد ترجمته برقم (241) .(19/390)
232 - أَبُو الفَتْحِ الهَرَوِيُّ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنَفِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنَفِيّ، الهَرَوِيّ.
سَمِعَ مِنْ: جَدِّه لأُمِّهِ أَبِي المُظَفَّر مَنْصُوْر بن إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيّ، الرَّاوِي عَنْ أَبِي الفَضْلِ بنِ خَمِيْرُوَيْه.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي يَعْقُوْبَ القرَّاب الحَافِظ، وَأَبِي الحَسَنِ الدَّبَّاس، وَجَمَاعَة.
وَخَرَّج لَهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيّ (فَوَائِدَ) فِي ثَلاَثِ مُجلَّدَاتٍ، وَكَانَ أَسندَ مَنْ بَقِيَ بِبلده وَأَزْهَدَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: جَمَاعَةٌ بِهَرَاةَ وَمرو وَبُوشَنْج مِنْ مَشَايِخ السَّمْعَانِيّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَة، لاَ بَلْ تُوُفِّيَ فِي سَابع شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ (1) :هُوَ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن أَسَدِ بنِ أَحْمَدَ، مِنْ وَلد حنِيفَة بن لُجَيم بن صَعب بن عَلِيِّ بنِ بَكْر بن وَائِلٍ.
قَالَ: وَهُوَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالسَّدَاد وَالصَّلاَح، أَفنَى عُمُرَه فِي كِتَابَةِ العِلْم، وَتَفَرَّد بِالرِّوَايَة الكَثِيْرَة.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَجدَّه، وَجدّه لأُمِّهِ، وَأَبَا عُثْمَانَ سَعِيْد بن العَبَّاسِ القُرَشِيّ، وَإِسْحَاقَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ القرَاب، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، وَمُحَمَّد بن الفُضَيْل.
وَمَوْلِدُهُ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة.
قُلْتُ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(*) التحبير: 2 / 341 - 342، تاريخ الإسلام: 4 / 199 / 2، معجم شيوخ الذهبي: الورقة: 273 أ - 274 أ، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1262، الجواهر المضية: 2 / 192، هدية العارفين: 2 / 491.
(1) في التحبير: 2 / 341.(19/391)
233 - أَبُو يَعْلَى بنُ الهَبَّارِيَّةِ مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ العَبَّاسِيُّ *
الشَّرِيْفُ، كَبِيْرُ الشُّعَرَاءِ، مُحَمَّدُ بن صَالِحِ بنِ حَمْزَةَ العَبَّاسِيّ، مِنْ ذُرِّيَّة وَلِي العَهْد عِيْسَى بنِ مُوْسَى، وَلقبُهُ نِظَام الدّين البَغْدَادِيّ، رَأْس فِي الهَجْو وَالخلاعَة، وَشِعْرُهُ فَائِق (1) ، خدم نِظَامَ المُلك، وَسُعِدَ بِهِ، وَقَدْ نَظم كِتَاب (كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ (2)) جَوَّده وَحرره.
قيل: مَاتَ بِكَرمَان، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة.
__________
(*) وفيات الأعيان: 4 / 453 - 457، تاريخ الإسلام: 4 / 171 / 2، الوافي بالوفيات: 1 / 130، عيون التواريخ: 13 / 315، مرآة الزمان: 8 / 58، لسان الميزان: 5 / 367، النجوم الزاهرة: 5 / 210، شذرات الذهب: 4 / 24 - 26 وفيه وفاته سنة 509.
(1) ومن شعره ما ذكره الكتبي في " عيون التواريخ ":
كم ليلة بت مطويا على حرق * أشكو إلى النجم حتى كاد يشكوني
والصبح قد مطل الشرق العيون به * كأنه حاجة في نفس مسكين
وقوله:
بي مثل ما بك يا حمام البان * أنا بالقدود وأنت بالاغصان
أعد الترنم كيف شئت فإننا * فيما نحن من الهوى سيان
لي ما رويت من النسيب وإنما * لك فيه حق الشدو والالحان
(2) في " وفيات الأعيان ": 4 / 456: ومن غرائب نظمه كتاب " الصادح والباغم " نظمه على أسلوب كليلة ودمنة، وهو أراجيز، وعدد بيوته ألفا بيت أهداه إلى الأمير أبي الحسن صدقة بن منصور صاحب الحلة، وفتحه بهذه الابيات:
هذا كتاب حسن * تحار فيه الفطن
أنفقت فيه مده * عشر سنين عده
منذ سمعت باسمكا * وضعته برسمكا
بيوته ألفان * جميعها مغاني
لو ظل كل شاعر * وناظم وناثر
كعمر نوح التالد * في نظم بيت واحد
من مثله لما قدر * ما كل من قال شعر(19/392)
234 - الشَّاشِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافعيَة، فَقِيْهُ الْعَصْر، فَخرُ الإِسْلاَم، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ الشَّاشِيّ (1) ، التُّركِي، مصَنّف (المُسْتظهرِي) فِي المَذْهَب، وَغَيْر ذَلِكَ.
مَوْلِدُهُ: بِمَيَّافَارقين، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى قَاضِيهَا أَبِي مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيّ، وَالإِمَامِ مُحَمَّد بن بَيَانٍ الكَازْرُوْنِي، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَاد، وَلاَزَمَ أَبَا إِسْحَاقَ، وَصَارَ مُعيدَه، وَقرَأَ كِتَاب (الشَّامِلِ) عَلَى مُؤلفه (2) .
وَرَوَى عَنِ الكَازْرُوْنِي - شَيْخِهِ - وَعَنْ ثَابِتِ بنِ أَبِي القَاسِمِ الخَيَّاطِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَهَيَّاجِ بنِ عُبيدٍ المُجَاورِ، وَعِدَّة.
__________
(*) تبين كذب المفتري: 306 - 307، المنتطم: 9 / 179، الكامل لابن الأثير: 10 / 500، طبقات ابن الصلاح: الورقة: 2، وفيات الأعيان: 4 / 219 - 221، المختصر في أخبار البشر: 2 / 22، تاريخ الإسلام: 4 / 181 / 2، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 13، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1241، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 3 - 4، تتمة المختصر: 2 / 37، الوافي بالوفيات: 2 / 73 - 74، عيون التواريخ: 13 / 285 - 286، مرآة الجنان: 3 / 194 - 195، طبقات السبكي: 6 / 70 - 78، طبقات الاسنوي: 2 / 86 - 87، البداية: 12 / 177 - 178، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 323، النجوم الزاهرة: 5 / 206، أسماء الرجال لابن هداية الله: 64 / 2، طبقات ابن هداية الله: 72، كشف الظنون: 401، 690، 1025، شذرات الذهب: 4 / 16 - 17، هدية العارفين: 2 / 81.
(1) نسبة إلى الشاش، وهي مدينة إسلامية جليلة من عمل سمرقند وراء نهر سيحون متاخمة لبلاد الترك، ولها عمل وقرى، وهي في أرض سهلة مستوية لا جبل فيها، ولا أرض مرتفعة، وبساتينها ومتنزهاتها كثيرة، وهي اليوم ضمن نفوذ الاتحاد السوفييتي.
(2) هو أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر المعروف بابن الصباغ المتوفي سنة 477 هـ، مترجم في الثامن عشر رقم (238) وكتابه الشامل يقول فيه ابن خلكان: 3 / 217: هو من أجود كتب أصحابنا، وأصحها نقلا، وأثبتها أدلة.(19/393)
وَانتهت إِلَيْهِ رِيَاسَةُ المَذْهَب، وَتَخَرَّج بِهِ الأَصْحَاب بِبَغْدَادَ، وَصَنَّفَ.
وَكِتَابه (الحليَة (1)) فِيْهِ اخْتِلاَف العُلَمَاء، وَهُوَ الكِتَابُ المُلَقَّب بِالمُسْتظهرِي، لأَنَّه صنفه لِلْخَلِيْفَة المُسْتظهِر بِاللهِ (2) ، وَوَلِيَ تَدْرِيْسَ النّظَامِيَة بَعْد الغَزَّالِي (3) ، وَصُرِفَ، ثُمَّ وَلِيَهَا بَعْدَ إِلْكِيَا الهَرَّاسِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة، وَدرَّس أَيْضاً بِمَدرسَة تَاجِ الْملك وَزِيْر السُّلْطَان مَلِكْشَاه.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المُعَمَّر الأَزَجِي، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ اليَزْدِي، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن النَّقُّوْرِ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَفخرُ النِّسَاءِ شُهْدَة.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، وَدُفِنَ إِلَى جَنْبِ شَيْخِهِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي، وَقِيْلَ: دُفِنَ مَعَهُ.
وَقَعَ لِي مِنْ حَدِيْثِهِ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ يُوْسُفُ الزَّنْجَانِي: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيّ يَتَفَقَّه مَعَنَا، وَكَانَ يُسَمَّى الجُنَيْدَ لِدِينِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
__________
(1) نشرت منه مؤسسة الرسالة، ودار الارقم قسم العبادات سنة 1980 وذل في ثلاثة أجزاء لطيفة، بتحقيق د.
ياسين درادكة، بعنوان " حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ".
(2) هو أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله عبد الله بن الأمير محمد العباسي المتوفى سنة 512 هـ.
وسترد ترجمته عند المؤلف برقم (237) .
(3) قال ابن خلكان: 4 / 220: وحكى لي بعض المشايخ من علماء المذهب أنه يوم ذكر الدرس، وضع منديله على عينيه، وبكى كثيرا وهو جالس على السدة التي جرت عادة المدرسين بالجلوس عليها، وكان ينشد: خلت الديار فسدت غير مسود * ومن البلاء تفردي بالسؤدد وجعل يردد هذا البيت ويبكي، وهذا إنصاف منه، واعتراف لمن تقدمه بالفضل والرجحان عليه، قلت: الذين تولوا تدريس النظامية قبل أبي بكر الشاشي الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وأبو نصر بن الصباغ صاحب الشامل، وأبو سعد المتولي صاحب تتمة الابانة، وأبو حامد الغزالي.(19/394)
235 - ابْنُ مَنْدَه أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ أَبِي عَمْرٍو عَبْدِ الوهَّابِ ابْنِ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ ابْنِ الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنده العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَبَكَّر بِهِ وَالِدُهُ، فَسَمَّعَهُ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيْذَه، وَأَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الفضَاض.
وَطلب هَذَا الشَّأْن، فَسَمِعَ مِنْ أَحْمَد بن مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجَصَّاصِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْصُوْرٍ سِبْط بحرويه، وَأَبِي الفَضْلِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الرَّازِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيِّ الحَافِظ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، وَأَكْثَرَ عَنْ أَبِيْهِ، وَعَمِّه أَبِي القَاسِمِ، وَأَجَازَ لَهُ مِنْ بَغْدَادَ أَبُو طَالِبٍ بنُ غَيْلاَنَ، وَطَائِفَةٌ، وَأَملَى، وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَابْنُ نَاصر، وَعَلِيُّ بن أَبِي تُرَاب، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوسفِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب النَّحْوِيّ، وَمُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَخَلْق.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ جَلِيْلُ الْقدر، وَافرُ الفَضْل، وَاسِعُ الرِّوَايَة، ثِقَة
__________
(*) التحبير: 2 / 378 - 382، المنتظم: 9 / 204، منتخب السياق: الورقة: 43 أ، التقييد: الورقة: 223 أ - 223 ب، الكامل لابن الأثير: 10 / 546، وفيات الأعيان: 6 / 168 - 171، العبر: 4 / 25 - 26، تذكرة الحفاظ: 4 / 1250 - 1252، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 256 - 257، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 343 - 344، مرآة الجنان: 3 / 202 - 203، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 127 - 137، غاية النهاية: 2 / 374، النجوم الزاهرة: 5 / 214، طبقات الحفاظ: 454، كشف الظنون: 282، 1464، شذرات الذهب: 4 / 32، هدية العارفين: 2 / 520.(19/395)
حَافظ، مُكْثِر صَدُوْقٌ، كَثِيْرُ التَّصَانِيْف، حَسْنُ السِّيْرَةِ، بَعِيدٌ مِنَ التَّكلف، أَوحد بَيْته فِي عصره، أَجَازَ لِي (1) .
وَسَأَلت إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظَ عَنْهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَصَفَه بِالحِفْظِ وَالمَعْرِفَةِ وَالدِّرَايَة، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي نَصْرٍ اللَّفْتُوَانِي الحَافِظ يَقُوْلُ: بَيْتُ بَنِي مَنده بُدِئَ بِيَحْيَى، وَخُتِمَ بِيَحْيَى (2) .
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة (3) .
236 - المُسْتظهِرُ بِاللهِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ الْمُقْتَدِي بِأَمر الله *
الإِمَامُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الْمُقْتَدِي بِأَمر الله أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ ابْن الذّخيرَة مُحَمَّد ابنِ القَائِم بِأَمر الله عَبْد اللهِ بن القَادِر الهَاشِمِيّ، العَبَّاسِيّ، البَغْدَادِيّ.
مَوْلِدُهُ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَاسْتُخْلِفَ عِنْد وَفَاة أَبِيْهِ فِي تَاسع عشر المُحَرَّم، وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
__________
(1) التحبير: 2 / 379.
(2) قال السمعاني فيما نقله ابن رجب في " الذيل ": 1 / 128: يريد في معرفة الحديث والفضل والعلم، وتحرف " اللفتواني " في " تذكرة الحفاظ ": 1251 و" طبقات الحفاظ ": 425 إلى " الفتواني ".
(3) كذا نقله ابن النجار عن أبي موسى الحافظ، وذكر ابن السمعاني عن بعض الاصبهانيين أنه توفي في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وخمس مئة بأصبهان، وتابعه على ذلك ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 544.
(*) المنتظم: 9 / 200، الكامل لابن الأثير: 10 / 534 - 536، النبراس: 145، تاريخ الإسلام: 4 / 205 / 1 - 205 / 2، دول الإسلام: 2 / 39، العبر: 4 / 26، تتمة المختصر: 2 / 40 - 41، مرآة الزمان: 8 / 45، البداية: 12 / 182، النجوم الزاهرة: 5 / 215 - 216، تاريخ الخلفاء: 426 - 431، تاريخ خميس: 2 / 360، شذرات الذهب: 4 / 33، معجم الاسرات: 4 و9.(19/396)
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مَوْصُوَفاً بِالسَّخَاء وَالجُود، وَمَحبَّةِ العُلَمَاء، وَأَهْلِ الدِّين، وَالتفقد لِلمسَاكينِ، مَعَ الفَضْل وَالنُّبلِ وَالبَلاغَةِ، وَعُلوِّ الهِمَّة، وَحُسْنِ السِّيْرَةِ، وَكَانَ رَضِيَّ الأَفعَالِ، سَدِيدَ الأَقْوَال.
وَحَكَى أَبُو طَالِبٍ بنُ عبد السَّمِيْع، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ المُسْتظهرَ بِاللهِ طلب مَنْ يُصَلِّي بِهِ، وَيُلقِّن أَوْلاَدَه، وَأَنْ يَكُوْنَ ضرِيراً، فَوَقَعَ اخْتيَارُهُ عَلَى القَاضِي أَبِي الحَسَنِ المُبَارَك بن مُحَمَّدِ بنِ الدَّوَاس مُقْرِئ وَاسِط قَبْل القلاَنسِي، فَكَانَ مُكرِماً لَهُ، حَتَّى إِنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ إِعجَابه بِهِ كَانَ أَوّل رَمَضَان قَدْ شَرَعَ فِي التَّرَاويح، فَقَرَأَ فِي الرَّكعتين الأُوليين آيَةً آيَةً، فَلَمَّا سلَّم، قَالَ لَهُ المُسْتظهر: زِدْنَا مِنَ التِّلاَوَةِ.
فَتَلاَ آيتينِ آيتينِ، فَقَالَ لَهُ: زِدْنَا.
فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى كَانَ يَقومُ كُلَّ لَيْلَةٍ بِجُزء، وَإِنَّهُ لَيْلَةً عَطِشَ، فَنَاوله الخَلِيْفَةُ الكُوزَ، فَقَالَ خَادم: ادْعُ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَإِنَّهُ شَرَّفَكَ بِمُنَاولته إِيَّاكَ.
فَقَالَ: جَزَى العَمَى عَنِّي خَيْراً.
ثُمَّ نَهَضَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: قَالَ لِي أَبُو الخَطَّابِ ابْن الجَرَّاح: صَلَّيْتُ بِالمُسْتظهِرِ فِي رَمَضَانَ، فَقَرَأْتُ: {إِنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ (1) } [يُوْسُف:81] ، رِوَايَةً روينَاهَا عَنِ الكِسَائِيّ، فَلَمَّا سلمتُ، قَالَ: هَذِهِ قِرَاءة حَسَنَة، فِيْهِ تَنزِيه أَوْلاَد الأَنْبِيَاء عَنِ الْكَذِب.
قُلْتُ: كَيْفَ بِقَوْلِهِم: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} ، {وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيْصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} ؟!
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ:، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ شَاتيل المُقْرِئ، حَدَّثَنِي أَبُو
__________
(1) بتشديد الراء مبنيا للمفعول أي: نسب للسرقة، وهي قراءة ابن عباس وأبي رزين، والكسائي، قال الفراء في " معاني القرآن " 2 / 53: ويقرأ " سرق " ولا أشتهيها لأنها شاذة.(19/397)
سَعْد بن أَبِي عِمَامَة، قَالَ:
كُنْتُ لَيْلَة جَالِساً فِي بَيْتِي، وَقَدْ نَامَ النَّاسُ، فَدُقَّ البَابُ، فَإِذَا بفَرَّاشٍ وَخَادمٍ مَعَهُ شَمعَة، فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، فَأُدْخِلْتُ عَلَى المُسْتظهر، وَعَلَيْهِ أَثَرُ غَمٍّ، فَأَخَذتُ فِي الحِكَايَات وَالموَاعِظِ وَتَصْغِيْرِ الدُّنْيَا، وَهُوَ لاَ يَتَغَيَّرُ، وَأَخَذتُ فِي حِكَايَات الكِرَام وَغَيْر ذَلِكَ، فَقُلْتُ: هَذَا لاَ يَنَامُ، وَلاَ يَدعُنِي أَنَامُ.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لِي مَسْأَلَةٌ.
قَالَ: قُلْ.
قُلْتُ: وَلاَ تَكْتُمنِي؟
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: بِاللهِ حَلَّ عَلَيْك نَقدَةٌ لِلبَائِع، أَوِ انكسَرَ زورقُكَ، أَوْ وَقعُوا عَلَى قَافلَةٍ لَكَ، وَضَاق وَقْتُكَ؟ عِنْدِي طبقُ خِلاَفٍ أَنَا أُقرِضه لَكَ، وَتبقَى بَارزِياً فِي الدُّروب وَمَا يُخلِي الله مِنْ رِزق، فَهَذَا هَمٌّ عَظِيْم، وَقَدْ مرستَنِي اللَّيْلَة.
فَضَحِكَ حَتَّى اسْتلقَى، وَقَالَ: قُمْ، فَعلَ اللهُ بِكَ وَصنع.
فَقُمْتُ، وَتبعنِي الخَادِم بِدَنَانِيْرَ وَتَختِ ثِيَاب.
قِيْلَ: إِنَّ ابْنَ مُقَلد العَوَّاد غَنَّى المُسْتظهر، فَسَرَّه، فَأَعْطَاهُ مائَتَيْ دِيْنَار، وَقطعَةَ كَافُوْر زِنَةَ ثَلاَثَةِ أَرطَالٍ مُقَمَّعَة بِذَهَبٍ.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ بنُ عبد السمِيْع: كَانَ مِنْ أَلْفَاظ المُسْتظهر:
خيرُ ذَخَائِرِ المَرْءِ لِدنِيَاهُ ذِكرٌ جَمِيْلٌ، وَلآخِرَتِهِ ثَوَابٌ جَزِيل.
شُحُّ المَرْءِ بِفَلْسِهِ مِنْ دَنَاءةِ نَفْسِهِ.
الصَّبْرُ عَلَى الشَّدَائِدِ يُنْتج الفَوَائِد.
أَدبُ السَّائِلِ أَنفعُ مِنَ الوَسَائِل.
بضَاعَة العَاقِلِ لاَ تَخْسَرُ، وَرِبْحُهَا يَظْهَرُ فِي المَحْشَرِ.
وَلَهُ نَظْمٌ حسن.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: تُوُفِّيَ المُسْتظهر بِاللهِ سحر لَيْلَة(19/398)
الخَمِيْس، سَادسَ (1) عِشْرِيْنَ رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَمَرِضَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً مِنْ تَرَاقِي (2) ظَهَرَ بِهِ، وَبَلَغَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ لَيِّنَ الجَانبِ، كَرِيْمَ الخَلاَئِقِ، مشكورَ المسَاعِي، إِذَا سُئِلَ مكرُمَةً، أَجَابَ إِلَيْهَا، وَإِذَا ذُكِّرَ بِمَثُوْبَةٍ تَشوَّف نَحْوهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَنْشَدَ قَبْل مَوْته بِقَلِيْلٍ، وَبَكَى:
يَا كَوْكَباً مَا كَانَ أَقَصَرَ عُمْرَهُ! ... وَكَذَاكَ عُمْرُ كَوَاكِبِ الأَسْحَارِ (3)
وَفِي أَوّل خِلاَفَته (4) ، جهَّز السُّلْطَان بَرْكْيَا رُوْق بن مَلِكْشَاه جَيْشاً مَعَ قسيم الدَّوْلَة جدِّ نور الدّين وَبُوزبَان، فَالتقَاهُم تَاجُ الدَّوْلَة تُتُش بِظَاهِرِ حلبَ، فَأَسر قَسيمَ الدَّوْلَة، وَذَبَحَه تُتُش، وَأَخَذ حلب بَعْد حِصَار، وَذَبَحَ بُوزبَانَ،
__________
(1) وكذا أرخ وفاته ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 435، وجاء في هامش الأصل ما نصه: " ثالث " خ.
(2) في " مرآة الزمان ": وهو دمل يطلع في الحلق، وفي " الشذرات ": 4 / 33: توفي بالخوانيق.
(3) البيت لأبي الحسن علي بن محمد التهامي المقتول 416 هـ من قصيدة غاية في الجودة يرثي بها ولده، ومطلعها:
حكم المنية في البرية جار * ما هذه الدنيا بدار قرار
إني وترت بصارم ذي رونق * أعددته لطلابة الاوتار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره * وكذاك عمر كواكب الاسحار
وهلال أيام مضى لم يستدر * بدرا ولم يمهل لوقت سرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه * فمحاه قبل مظنة الابدار
واستل من أترابه ولداته * كالمقلة استلت من الاشفار
فكأن قلبي قبره وكأنه * في طيه سر من الاسرار
أشكو بعادك لي وأنت بموضع * لولا الردى لسمعت فيه سراري
والشرق نحو الغرب أقرب شقة * من بعد تلك الخمسة الاشبار
جاورت أعدائي وجاور ربه * شتان بين جواره وجواري
(4) انظر " الكامل ": 10 / 232، 234، 239، 243، 262، 263، 264، 265، 268.(19/399)
وَسَجَن كَرْبوقَا، وَسَارَ، فَتملَّك الجَزِيْرَةَ، ثُمَّ خِلاَطَ (1) ، ثُمَّ أَذْرَبِيْجَانَ كُلَّهَا، وَاسْتفحل أَمره، وَكبس عَسْكَره بَرْكيَارُوْق، فَانْهَزَم، وَرَاحت خَزَائِنُهُ، وَذَهَبَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَفَتحُوا لَهُ خديعَةً، فَأَمسكوهُ، فَمَاتَ أَخُوْهُ صَاحِبُ أَصْبَهَان مَحْمُوْد، وَلَهُ سَبْعُ سِنِيْنَ بِالجُدَرِيّ، فَملَّكُوا بَرْكْيَارُوْق، وَوَزَرَ لَهُ المُؤَيَّدُ بنُ نِظَام الْملك، وَجَمَعَ وَحَشَدَ، وَمَاتَ صَاحِبُ مِصْر المُسْتَنْصِر، وَأَمِيْرُ الجُيُوْش بدرٌ، وَوَالِي مَكَّة مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَاشِمٍ الَّذِي نهب الوَفْدَ، ثُمَّ التَقَى بَرْكْيَارُوْق وَعَمُّه تُتُش، فَقُتِلَ فِي المعركَة تُتُش، وَتَملَّك بَعْدَهُ دِمَشْق ابْنُهُ دُقَاقُ شَمْسُ المُلُوْك، وَقُتِلَ صَاحِبُ سَمَرْقَنْد أَحْمَد خَان، وَكَانَ قَدْ حَسَّنُوا لَهُ الإِباحَة، وَتزندق، فَقَبَضَ عَلَيْهِ الأُمَرَاءُ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ، فَأَفتَى العُلَمَاءُ بِقَتْلِهِ، وَمَلَّكُوا ابْن عَمِّهِ.
وَقُتِلَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ صَاحِبُ مَرْوَ أَرغون أَخُو السُّلْطَان مَلِكْشَاه، وَكَانَ ظَلُوْماً جَبَّاراً، قَتله مَمْلُوْكٌ لَهُ، وَكَانَ حَاكماً عَلَى نَيْسَابُوْر، وَبلخ أَيْضاً، تَمرَّدَ وَخَرَّبَ أَسوَارَ بِلاَدِهِ.
وَعصَى نَائِبُ العُبَيْدِيَّةِ بِصُوْرَ، فَجَاءَ عَسْكَرٌ، وَحَاصَرُوهَا وَافْتَتَحُوهَا، وَقَتَلُوا بِهَا خَلْقاً، مِنْهُم نَائِبُهَا.
وَجَهَّزَ السُّلْطَانُ بَرْكْيَا رُوْق جَيْشاً مَعَ أَخِيْهِ سَنْجَر، فَبَلَغَهُم قتل أَرغون، فَلحقهُم السُّلْطَانُ، فَتَمَلَّك جَمِيْعَ خُرَاسَانَ، وَخُطِبَ لَهُ بِسَمَرْقَنْدَ، وَدَانت لَهُ الأُمَمُ، فَاسْتنَابَ أَخَاهُ سَنْجرَ بِخُرَاسَانَ، وَكَانَ حَدَثاً، وَأَمَّر بَرْكْيَا رُوْق عَلَى خُوَارزم مُحَمَّد بن نُوشْتِكِين مَوْلَى السَّلجوقيَة، وَكَانَ فَاضِلاً أَدِيباً عَادِلاً، ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ خُوَارزم شَاه أَتسِز وَالِدُ خُوَارزم شَاهُ عَلاَء الدِّيْنِ.
__________
(1) خلاط: بلدة عامرة مشهورة، وهي قصبة أرمينية الوسطى.(19/400)
وَفِي سَنَةِ تِسْع كَانَ أَوّل ظُهُوْرِ الفِرَنْج بِالشَّامِ قَدِمُوا فِي بَحرِ القُسْطَنْطِيْنِيَّة فِي جَمعٍ كَثِيْر، وَانزعجتِ المُلُوْكُ، وَعَظُمَ الخطبُ، لاَ سِيَّمَا ابْن قُتُلمش صَاحِبُ الرُّوْمِ، فَالتقَاهُم، فَطَحَنُوهُ.
وَأَمَّا ابْنُ الأَثِيْرِ (1) ، فَقَالَ: ابْتِدَاءُ دَوْلَتِهِم فِي سَنَةِ (478) ، فَأَخذُوا طُلَيْطُلَة وَغَيْرهَا، ثُمَّ صَقِلِّيَّة، وَأَخَذُوا بَعْض أَفْرِيْقِيَة، وَجَمَعَ ملكهُم بَغْدَوِين جَمعاً، وَبَعَثَ يَقُوْلُ لرُجَّار صَاحِب صَقِلِّيَّة: أَنَا وَاصِلٌ إِلَيْك لِنَفتَحَ أَفْرِيْقِيَة، فَبَعَثَ يَقُوْلُ: الأَوْلَى فَتْحُ القُدْس، فَقَصَدُوا الشَّام.
وَقِيْلَ: إِنَّ صَاحِبَ مِصْر لَمَّا رَأَى قُوَّةَ آلِ سَلْجُوق وَاسْتيلاَءهُم عَلَى المَمَالِك، كَاتَبَ الفِرَنْجَ، فَمرُوا بَسِيس، وَنَازلُوا أَنطَاكيَة، فَخَافَ صَاحِبُهَا يَاغِي بَسَان (2) ، فَأَخْرَجَ النَّصَارَى إِلَى الخَنْدَق وَحبسهُم بِهِ، فَدَام حصَارُهَا تِسْعَةَ أَشهر، وَفنِيَ الفِرَنْجُ قتلاً وَمَوتاً، ثُمَّ إِنَّهُم عَاملُوا الزَرَّاد المقدَّم، وَبَذلُوا لَهُ مَالاً، فَكَاشرَ لَهُم عَنْ بدنه (3) ، فَفَتحُوا شُبَّاكاً، وَطلعُوا مِنْهُ خَمْس مائَة فِي اللَّيْلِ، فَفَتح يَاغِي بَسَان، وَهَرَبَ، وَاسْتُبيح الْبَلَد - فَإِنَّا للهِ - فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَسَقَطَت قوَة يَاغِي بَسَان أَسفاً، وَانْهَزَم غِلمَانه، فَذَبَحَه حَطَّاب أَرْمَنِيّ (4) .
ثُمَّ أَخَذُوا المَعَرَّةَ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، وَتَجَمَّعتْ عَسَاكِرُ المَوْصِلِ وَغَيْرُهَا، فَالتَقَوْا، فَانْهَزَم المُسْلِمُوْنَ، وَاسْتُشْهِدَ أُلوفٌ،
__________
(1) 10 / 142.
(2) في " الكامل ": 10 / 274: باغي سيان.
(3) في كامل ابن الأثير: 10 / 274: فلما طال مقام الفرنج على أنطاكية، راسلوا أحد المستحفظين للابراج، وهو زراد يعرف بروزبه، وبذلوا له مالا وأقطاعا، وكان يتولى حفظ برج يلي الوادي، وهو مبني على شباك في الوادي، فلما تقرر الامر بينهم وبين هذا الملعون الزراد، جاؤوا إلى الشباك ففتحوه.
(4) انظر " الكامل ": 10 / 272 - 275 لابن الأثير.(19/401)
وَصَالَحَهُم صَاحِبُ حِمْصَ، وَأَقْبَلَ ابْنُ أَمِيْرِ الجُيُوْشِ، فَأَخَذَ القُدْسَ مِنِ ابْنِ أَرتُقَ، وَانتشرت البَاطِنِيَّةُ بِأَصْبَهَانَ، وَتَمَّتْ حُرُوْبٌ مُزعِجَة بَيْنَ مُلُوْكِ الْعَجم، وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ بَيْتَ المَقْدِسِ، نَصَبُوا عَلَيْهِ أَرْبَعِيْنَ منجنِيقاً، وَهَدُّوا سُورَه، وَجَدُّوا فِي الحصَار شَهراً وَنِصْفاً، ثُمَّ مَلَكُوهُ مِنْ شَمَاليِّه فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، وَقتلُوا بِهِ نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفاً (1) .
قَالَ يُوْسُفُ ابنُ الجَوْزِيِّ وَالعهدَة عَلَيْهِ: سَارَتِ الفِرَنْجُ، وَمقدَّمهم كُندفرِي (2) فِي أَلفِ أَلفٍ، مِنْهُم خَمْسُ مائَة أَلْفِ مقَاتل، وَعَمِلُوا بُرجاً مِنْ خشب أَلصقوهُ بِالسُّور، حكمُوا بِهِ عَلَى الْبَلَد، وَسَارَ الأَفْضَلُ أَمِيْرُ الجُيُوْش مِنْ مِصْرَ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً نَجدَةً، فَقَدِمَ عَسْقَلاَن وَقَدِ اسْتُبيحت القُدْسُ، ثُمَّ كبست الفِرَنْجُ المِصْرِيّين، فَهَزموهُم، وَانحَاز الأَفْضَلُ إِلَى عَسْقَلاَن، وَتَمَزَّقَ جَيْشه، وَحُوْصِرَ، فَبذلَ لَهُم أَمْوَالاً، فَتَرَحَّلُوا عَنْهُ (3) .
وَتَمَلَّكَ مُحَمَّدُ بنُ مَلِكْشَاه، فَهَزم أَخَاهُ بَرْكْيَارُوْق، ثُمَّ حَارب عَسْكَر المَوْصِل، وَجَرَتْ عَجَائِب، ثُمَّ فَرَّ بَرْكْيَارُوْقُ إِلَى خُرَاسَانَ، وَعَسَفَ، وَعَمِلَ مَصَافّاً مَعَ أَخِيْهِ سَنْجر، فَانْهَزَم كُلٌّ مِنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ بَرْكْيَارُوْق عَلَى جُرْجَانَ طَالباً أَصْبَهَان (4) .
وَالْتَقَى ابْن الدَّانشهد (5) جَيْشَ الفِرَنْج فَنقل ابْنُ الأَثِيْرِ أَنَّهُم كَانُوا ثَلاَثَ
__________
(1) انظر " الكامل ": 10 / 282 - 286.
(2) في الأصل: كندهري، وما أثبتناه من " الكامل " وسيرد كذلك في الأصل قريبا.
(3) انظر " الكامل ": 10 / 286.
(4) انظر " الكامل ": 10 / 294 - 298.
(5) في " الكامل ": 10 / 300: ابن الدانشمند: وفيه: وإنما قيل له الدانشمند لان أباه كان معلما للتركمان، وتقلبت به الأحوال حتى ملك، وهو صاحب ملطية وسيواس وغيرهما.(19/402)
مائَةِ أَلْف، فَلَمْ يُفْلِتْ أَحَدٌ مِنْهُم سِوَى ثَلاَثَة آلاَف.
وَكَانَتْ وَقْعَة بَيْنَ المِصْرِيِّينَ وَالفِرَنْج (1) عَلَى عَسْقَلاَنَ، فَقُتِلَ مُقَدَّم المِصْرِيّينَ سَعْدُ الدَّوْلَة، لَكِنِ انتَصَرَ المُسْلِمُوْنَ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: فَيُقَالُ: قُتِلَ مِنَ الفِرَنْجِ ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفٍ.
قُلْتُ: هَذِهِ مُجَازفَة عَظِيْمَة.
وَالْتَقَى السُّلْطَان مُحَمَّدُ بنُ مَلِكْشَاه وَأَخُوْهُ بَرْكْيَارُوْق مَرَّات، وَغَلَتِ الأَقطَارُ بِالبَاطِنِيَّةِ، وَطَاغُوتُهُم الحَسَن بن الصَّبَّاحِ المَرْوَزِيّ الكَاتِب، كَانَ دَاعِيَةً لِبَنِي عُبَيْدٍ، وَتَعَانَوْا شُغْلَ السِّكِّين، وَقَتَلُوا غِيلَةً عِدَّةً مِنَ العُلَمَاءِ وَالأُمَرَاء، وَأَخَذُوا القِلاعَ، وَحَاربُوا، وَقَطعُوا الطُّرقَ، وَظهرُوا أَيْضاً بِالشَّامِ، وَالتفَّ عَلَيْهِم كُلُّ شَيطَانٍ وَمَارِق، وَكُلُّ مَاكِرٍ وَمُتَحَيِّل.
قَالَ الغَزَّالِي فِي (سِرِّ العَالمين) :شَاهَدتُ قِصَّة الحَسَن بنِ الصَّبَّاحِ لَمَّا تَزَهَّد تَحْتَ حِصن الأَلَموت، فَكَانَ أَهْلُ الْحصن يَتمنَّوْنَ صُعُوْدَه، وَيَتَمَنَّعُ وَيَقُوْلُ: أَمَا تَرَوْنَ المُنْكَرَ كَيْفَ فَشَا، وَفَسَدَ النَّاسُ، فَصَبَا إِلَيْهِ خلق، وَذَهَبَ أَمِيْرُ الحِصن يَتَصَيَّدُ، فَوَثَبَ عَلَى الْحصن فَتملَّكَه، وَبَعَثَ إِلَى الأَمِيْرِ مَنْ قَتَلَهُ، وَكثرت قِلاعُهُم، وَاشْتَغَل عَنْهُم أَوْلاَدُ مَلِكْشَاه بِاخْتِلاَفِهِم.
وَلابْنِ البَاقِلاَّنِي، وَالغزَالِي، وَعَبْدِ الجَبَّارِ المُعْتَزِلِي كُتُبٌ فِي فَضَائِح هَؤُلاَءِ (2) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَفِي سَنَةِ (494) أَمر السُّلْطَانُ بَرْكْيَارُوْق بِقَتْلِ
__________
(1) انظر " الكامل ": 10 / 286 و364 و394.
(2) وانظر أيضا " المنتظم ": 5 / 110 - 119 لابن الجوزي.(19/403)
البَاطِنِيَّة، وَهُمُ الإِسْمَاعِيْليَّةُ، وَهُمُ الَّذِيْنَ كَانُوا قديماً يُسَمَّوْنَ القرَامِطَةَ (1) .
قَالَ: وَتَجرد بِأَصْبَهَانَ لِلانتقَامِ مِنْهُم الخُجَنْدِيُّ (2) ، وَجَمَعَ الجمَّ الغفِيرَ بِالأَسلحَة، وَأَمر بِحفرِ أَخَادِيدَ أُوقِدَتْ فِيْهَا النِّيرَانُ، وَجَعَلُوا يَأْتُوْنَ بِهِم، وَيُلقُونَهُم فِي النَّارِ، إِلَى أَنْ قتلُوا مِنْهُم خَلقاً كَثِيْراً.
قَالَ: وَكَانَ ابْنُ صَبَّاح شَهْماً، عَالِماً بِالهندسَة وَالنُّجُوْم وَالسّحر، مِنْ تلاَمذَة ابْنِ غَطَّاشٍ الطَّبِيْب الَّذِي تَملَّك قَلْعَة أَصْبَهَان، وَمِمَّنْ دَخَلَ بِمِصْرَ عَلَى المُسْتَنْصِر، فَأَعْطَاهُ مَالاً، وَأَمره بِالدعوَة لابْنِهِ نِزَار، وَهُوَ الَّذِي بَعَثَ مَنْ قتل نِظَام الْملك، وَقَدْ قتل صَاحِبُ كِرْمَان أَرْبَعَة آلاَف لِكَوْنِهِم سُنَّةً، وَاسْمُهُ تيرَانشَاه السَّلْجُوْقِي، حَسَّن لَهُ رَأْيَ البَاطِنِيَّة أَبُو زُرْعَةَ الكَاتِب، فَانسلخَ مِنَ الدِّينِ، وَقَتَلَ أَحْمَد بن الحُسَيْنِ البَلْخِيّ شَيْخُ الحَنَفِيَّة، فَقَامَ عَلَيْهِ جندُه وَحَاربوهُ، فَذلَّ، وَتَبِعَهُ عَسْكَر، فَقتلُوْهُ، وَقتلُوا أَبَا زُرْعَةَ، وَصَارَت الأُمَرَاءُ يُلاَزمُوْنَ لُبْس الدُّرُوْع تَحْتَ الثِّيَاب خوَفاً مِنْ فَتكِ هَؤُلاَءِ الملاَحدَةِ، وَركب السُّلْطَان بَرْكْيَارُوْق فِي تَطلُّبِهِم، وَدَوَّخهُم، حَتَّى قتلَ جَمَاعَةً بُرَآء، سَعَى بِهِم الأَعْدَاءُ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَهْل عَانَة، وَاتُّهم إِلكيَا الهَرَّاسِي بِأَنَّهُ مِنْهُم - وَحَاشَاهُ - فَأَمر السُّلْطَانُ مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه بِأَنْ يُؤْخَذَ، حَتَّى شَهِدُوا لَهُ بِالخَيْرِ، فَأُطلق (3) .
وَفِيْهَا كَسَرَ دُقَاق صَاحِبُ دِمَشْق الفِرَنْجَ، وَحَاصَرَ صَاحِبُ القُدْس كندفرِي عكَّا، فَقُتِلَ بِسَهمٍ، وَتَملَّكَ أَخُوْهُ بغدوين، وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ سَرُوجَ
__________
(1) الكامل 10 / 313، والزيادة منه.
(2) هو أبو القاسم مسعود بن محمد الخجندي الفقيه الشافعي. انظر " الكامل ": 10 / 315.
(3) انظر " الكامل ": 10 / 313 - 323 لابن الأثير، والمنتظم: 9 / 120، 123.(19/404)
بِالسَّيْف، وَأَرْسُوفَ وَحَيْفَا بِالأَمَان، وَقَيْسَارِيَّةَ عَنْوَةً (1) .
وَفِي سَنَةِ (495) مَاتَ المُسْتعلِي صَاحِبُ مِصْر، وَوَلِيَ الآمِرُ، وَكَانَتْ حُرُوْبٌ بَيْنَ الأَخوينِ بَرْكْيَارُوْق وَمُحَمَّد، وَبلاَءٌ وَحصَار، وَنَازلت الفِرَنْجُ طَرَابُلُس، فَسَارَ لِلْكشف عَنْهَا جُنْدُ دِمَشْقَ وَحِمْصَ، فَانكسرُوا، ثُمَّ التَقَى العَسْكَر، وَبغدوين، فَهَزمُوْهُ، وَقَلَّ مَنْ نَجَا مِنْ أَبْطَاله، وَظَفِرَ ثَلاَثَةٌ مِنَ البَاطِنِيَّة عَلَى جَنَاحِ الدَّوْلَة صَاحِب حِمْص، فَقَتَلُوْهُ فِي الجَامِع، فَنَازلتهَا الفِرَنْجُ، فَصُولحُوا عَلَى مَال، وَتَسَلَّمهَا شَمْسُ المُلُوْك، وَقَتلَتْ البَاطِنِيَّة الأَعزَّ، وَزِيْر بَرْكْيَارُوْق، وَمَاتَ كُربوقَا صَاحِبُ المَوْصِلِ بِخَوَيّ، وَقَدِ اسْتولَى عَلَى أَكْثَر أَذْرَبِيْجَانَ.
وَخَطَبَ سَنْجَرُ بِخُرَاسَانَ لأَخِيه مُحَمَّد، وَحَارَبَ قدرْخَان صَاحِبَ مَا وَرَاء النَّهْر، فَأَسره سَنْجَر وَقتله، وَملَّكَ ابْنَ بغرَاجَان سَمَرْقَنْدَ، وَنَازل المُسْلِمُوْنَ بَلَنْسِيَةَ، وَاسْتَرجَعُوهَا مِنَ الفِرَنْجِ بَعْدَ أَنْ تَمَلَّكُوهَا ثَمَانِيَة أَعْوَامٍ، ثُمَّ رَاحت مِنَ المُسْلِمِينَ فِي سَنَةِ (636) (2) .
وَفِي سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ سَارَ شَمْسُ المُلُوْك، فَحَاصَر الرَّحْبَة، وَأَخَذَهَا، وَجَاءَ عَسْكَرُ مِصْر، فَالتَقَوا الفِرَنْجَ بِيَافَا، وَخُذِلَتْ الفِرَنْجُ، وَتَصَالَحَ بَرْكْيَارُوْقُ وَأَخُوْهُ، وَملُّوا مِنَ الحَرْب، وَتَحَالفُوا، وَطَال حِصَارُ الفِرَنْج لِطَرَابُلُس، وَأَخَذُوا جُبيلَ، وَأَخَذُوا عكَّا، وَنَازلُوا حَرَّانَ، فَجَاءَ العَسْكَر، وَوَقَعَ المَصَافُّ، وَنَزَلَ النَّصْرُ، وَأُبيدتِ الملاعِينُ، وَبلغت
__________
(1) انظر " الكامل ": 10 / 324، 325، وسروج بلدة قريبة من حران من بلاد الجزيرة، وأرسوف: مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسارية ويافا.
(2) انظر " الكامل لابن الأثير ": 10 / 328 - 344.(19/405)
قَتْلاَهُم اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً (1) ، وَمَاتَ شَمْسُ المُلُوْك دُقَاقُ، وَتَملَّكَ وَلدُهُ بِدِمَشْقَ، وَأَتَابِكُهُ طُغْتِكِين (2) .
وَفِي سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ مَاتَ بَرْكْيَارُوْق، وَسلطنُوا ابْنه ملكشَاه وَهُوَ صَبِيّ (3) ، وَالتقَى المُسْلِمُوْنَ وَالفِرَنْج، فَأُصِيْب المُسْلِمُوْنَ، ثُمَّ قَدِمَ عَسْكَر مِصْر، وَانضمَّ إِلَيْهِم عَسْكَر دِمَشْق، فَكَانَ المَصَافّ مَعَ بغدوين عِنْد عَسْقَلاَن، وَثبت الفَرِيقَان، وَقُتِلَ مِنَ الفِرَنْج فَوْقَ الأَلف، وَمِنَ المُسْلِمِين مِثْلُهُم، ثُمَّ تَحَاجزُوا، وَفِيْهَا تَمَكَّنَ السُّلْطَان مُحَمَّد وَبسط العَدْل.
وَفِي سَنَةِ (496) كبس الأَتَابك طُغْتِكِين الفِرَنْج بِالأُرْدُنّ، فَقتل وَأَسَرَ، وَزُيِّنت دِمَشْق، وَأَخَذَ مِنَ الفِرَنْج حِصْنَيْنِ (4) .
وَاستَولَتِ الإِسْمَاعِيْليَّة عَلَى فَامِيَة، وَقتلُوا صَاحِبَهَا ابْنَ مُلاَعِبٍ، وَكَانَ جَبَّاراً يَقطع الطَّرِيْق (5) .
وَفِي سَنَةِ خَمْسِ مائَةٍ مَاتَ صَاحِبُ المَغْرِب وَالأَنْدَلُس يُوْسُفُ بن تَاشفِيْن، وَتَملَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَلِيّ، وَكَانَ يَخطُب لِبَنِي العَبَّاسِ، وَجَاءته خِلَع السَّلطنَة وَالأَلْويَةِ، وَكَانَ أَنشَأَ مَرَّاكُشَ (6) .
وَقُتِلَ وَاحِدٌ مِنَ الإِسْمَاعِيْليَّة فَخرَ المُلك بنَ نِظَام الْملك، وَزَرَ لِبَرْكْيَارُوْق، ثُمَّ لِسَنْجَر (7) .
__________
(1) الكامل لابن الأثير: 10 / 373 - 375.
(2) الكامل لابن الأثير: 10 / 375 - 376.
(3) في الكامل لابن الأثير: 10 / 380: وعمره حينئذ أربع سنين وثمانية أشهر.
(4) الكامل: 10 / 399 - 400.
(5) الكامل لابن الأثير: 10 / 408 - 410.
(6) في حدود سنة 470 هـ، وانظر " الكامل ": 10 / 417، 418.
(7) الكامل في التاريخ: 10 / 418.(19/406)
وَقبض مُحَمَّد عَلَى وَزِيْرِهِ سَعْدِ المُلك، وَصَلَبَه بِأَصْبَهَانَ، وَاسْتَوْزَرَ أَحْمَد بن نظَامِ المُلك.
وَقُتِلَ مُقدَّم الإِسْمَاعِيْليَّة بِقَلْعَةِ أَصْبَهَان أَحْمَدُ بنُ غطَّاش، قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: قَتَلَ أَتْبَاعُهُ خلقاً لاَ يُمْكِنُ إِحْصَاؤهُم ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَخرَّب السُّلْطَانُ مُحَمَّد القَلْعَةَ، وَكَانَ أَبُوْهُ مَلِكْشَاه أَنشَأَهَا عَلَى جبل، يُقَال: غَرِمَ عَلَيْهَا أَلفَيْ أَلف دِيْنَار وَزِيَادَة، فَتَحَيَّلَ ابْنُ غَطَّاش حَتَّى تَمَلَّكهَا، وَبَقِيَ بِهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً (1) .
وَعَزَلَ المُسْتظهرُ وَزِيْرَه أَبَا القَاسِمِ بن جَهير، وَوَزَرَ هِبَة اللهِ بن المُطَّلِبِ (2) .
وَغَرِقَ ملكُ قُوْنِيَة قلج رسلاَن بن سُلَيْمَانَ بن قتلمش السَّلْجُوْقِي (3) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِ مائَة مَاتَ صَاحِبُ الحِلَّة سَيْفُ الدَّوْلَة صَدَقَةُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ دُبَيْسٍ الأَسَدِيّ مَلِك الْعَرَب الَّذِي أَنشَأَ الحِلَّة عَلَى الرَّفض، قُتِلَ فِي وَقْعَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ مُحَمَّد بنِ مَلِكْشَاه (4) .
وَفِيْهَا سَارَ طُغْتِكِين فِي جُنْدِ دِمَشْقَ، فَهَزمَ الفِرَنْجَ، وَأَسَرَ صَاحِبَ طَبَرَيَّة جرمَاس، وَحَاصَرَ بغدوين الكلبُ صُوْرَ، وَبَنَى بِإِزَائِهَا حِصناً، ثُمَّ بَذَلَ لَهُ
__________
(1) الكامل في التاريخ: 10 / 430 - 434.
(2) الكامل في التاريخ: 10 / 438.
(3) الكامل في التاريخ: 10 / 428 - 430، وفيه: فلما رأى قلج أرسلان انهزام عسكره، علم أنه إن أسر فعل به فعل من لم يترك للصلح موضعا، لا سيما وقد نازع السلطان في بلاده، واسم السلطنة، فألقى نفسه في الخابور، وحمى نفسه من أصحاب جاولي بالنشاب، فانحدر به الفرس إلى ماء عميق فغرق.
(4) انظر التفصيل في " الكامل ": 10 / 440 - 449 لابن الأثير.(19/407)
أَهْلُهَا سَبْعَة آلاَف دِيْنَار، فَتَرحَّلَ عَنْهُم (1) .
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ سَارَ طُغْتِكِين فِي أَلْفَيْنِ، فَالتَقَى الفِرَنْجَ، فَانْهَزَم جَمعُه، وَثبتَ هُوَ، ثُمَّ تَرَاجعُوا إِلَيْهِ، وَنُصِرُوا، وَأَسَرُوا قَوْمصاً، بَذَلَ فِي نَفْسِهِ جُمْلَةً، فَأَبَى طُغْتِكِين وَذَبحه، ثُمَّ هَادن بغدوين أَرْبَعَةَ أَعْوَام (2) .
وَفِيْهَا تَزَوَّجَ المُسْتظهر بِأُختِ السُّلْطَان مُحَمَّد عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار (3) .
وَفِيْهَا أَخذت الإِسْمَاعِيْليَّةُ شَيْزَر بِحيلَةٍ، فَرَجَعَ صَاحِبُهَا مِنْ مَوْكِبه، فَوَجَد بلدَه قَدْ رَاح مِنْهُ، فَيَعمد نِسَاؤُه مِنَ القُلَّة فَدَلَّوْا حِبالاً، وَاسْتقَوهُ وَأَجنَاده، فَوَقَعَ القِتَالُ، وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِالملاَحدَةِ، وَكَانُوا مائَةً، قَدْ خدم أَكْثَرُهُم حَلاَّجِينَ فِي شَيْزَرَ، فَمَا نَجَا مِنْهُم أَحَدٌ، وَقُتِلَ مِنَ الأَجْنَادِ عِدَّة (4) .
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ أُخِذَتْ طَرَابُلُس فِي آخِر السّنَةِ بَعْد حِصَارِ سِتّ سِنِيْنَ أَخَذُوهَا بِأَبرَاجٍ خَشَبٍ صُنِعَتْ وَأُلْصِقَتْ بِسُورِهَا، وَأَخَذُوا بَانِيَاسَ وَجُبيلَ بِالأَمَان، ثُمَّ طَرَسُوْس، وَحِصنَ الأَكرَادِ (5) .
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ تَنَاحَب (6) عَسَاكِرُ العِرَاق وَالجَزِيْرَة، وَأَقْبَلُوا لِغزو الفِرَنْج، وَعدَّوا الفُرَات، فَقل مَا نَفعُوا، ثُمَّ رَجَعُوا وَالأَعْدَاءُ تَجولُ فِي الشَّام (7) .
__________
(1) انظر الكامل لابن الأثير: 10 / 455.
(2) انظر الكامل لابن الأثير: 10 / 467.
(3) الكامل: 10 / 471.
(4) الكامل: 10 / 472.
(5) الكامل: 10 / 475 - 477.
(6) يقال: تناحب القوم: إذا تواعدوا للقتال أي وقت.
(7) الكامل: 10 / 485 - 488.(19/408)
وَتَمَّت بِالأَنْدَلُسِ غَزْوَةٌ كُبْرَى - نَصْر اللهِ - وَانحطمتِ الفِرَنْج، وَقُتِلَ ابْنُ مَلِكِهِم (1) .
وَفِي سَنَةِ سِتٍّ مَاتَ بَسِيْلٌ مَلِكُ الأَرمَنِ، فَسَارَ صَاحِبُ أَنطَاكيَة تَنكرِي لِيَتَمَلَّك سِيسَ، فَمَرِضَ، وَمَاتَ (2) .
وَمَاتَ قرَاجَا صَاحِبُ حِمْص، فَتَمَلَّكَ ابْنُه خَيْرخَان (3) .
وَفِي أَوّل سَنَةِ سبعٍ أَقْبَلَ عَسْكَرُ الجَزِيْرَة نَجدَةً لِطُغتِكِين، فَالتَقَوُا الفِرَنْجَ بِالأُرْدُنّ، وَصبر الفرِيقَانِ، ثُمَّ اسْتَحَرَّ القتلُ بِالفِرَنْج، وَأُسِرَ طَاغِيتُهُم بغدوين، لَكِن أَسَاء الَّذِي أَسره، فَشلَّحه، وَأَطلقَه جَرِيحاً، ثُمَّ تَرَاجعَ العَدُوّ، وَجَاءتْهُم نَجدَةٌ، فَعملُوا المَصَافَّ مِنَ الغَدِ، وَحَمِي القِتَالُ، وَطَاب المَوْتُ، وَتَحَصَّنَ الكِلاَبُ بِجبلٍ، فَرَابط الجَيْشُ بِإِزَائِهِم يَترَامَوْنَ بِالنُّشَاب وَيَقْتتلُوْنَ، فَدَام ذَلِكَ كَذَلِكَ سِتَّةً وَعِشْرِيْنَ صَبَاحاً حَتَّى عُدِمَتِ الأَقْوَاتُ، وَتَحَاجَزَ الجَمْعَانِ (4) .
وَفِيْهَا وَثَبَ بَاطِنِيٌّ بِجَامِعِ دِمَشْقَ عَلَى صَاحِبِ المَوْصِلِ مَوْدُوْدِ بنِ
__________
(1) الكامل: 10 / 490 - 491 ونصه: وفي هذه السنة خرج أذفونش الفرنجي، صاحب طليطلة بالاندلس إلى بلاد الإسلام بها، يطلب ملكها والاستيلاء عليها، وجمع فحشد فأكثر، وكان قوي طمعه فيها بسبب موت أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فسمع أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين الخبر، فسار إليه في عساكره وجموعه فلقيه، فاقتتلوا، واشتد القتال، وكان الظفر للمسلمين، وانهزم الفرنج، وقتلوا قتلا ذريعا، وأسر منهم بشر كثير، وسبى منهم، وغنم من أموالهم ما يخرج من الاحصاء: فخافه الفرنج بعد ذلك، وامتنعوا من قصد بلاده، وذل أذفونش حينئذ وعلم أن في البلاد حاميا لها، وذابا عنها.
(2) الكامل: 10 / 493.
(3) الكامل: 10 / 493.
(4) الكامل: 10 / 495، 496.(19/409)
أَلتونتِكِين فَقَتَلَهُ، وَهُوَ قَدْ صَلَّى الجُمُعَة مَعَ طُغْتِكِين، وَأُحْرِقَ البَاطِنِي (1) .
قَالَ ابْنُ الفُلاَنسِي فِي (تَارِيْخِهِ (2)) :قَامَ هُوَ وَطُغْتِكِين حَوْلَهُمَا التُّركُ وَالأَحدَاثُ بِأَنْوَاع السِّلاَح مِنَ الصوَارم وَالصمصَامَات وَالخنَاجِر المُجَرَّدَة، كَالأَجمَة المشتبكَة، فَوَثَبَ رَجُل لاَ يُؤْبَهُ لَهُ، وَدَعَا لِمَوْدُوْد، وَشحذ مِنْهُ، وَقَبضَ بَنْدَ قَبَائِهِ، وَضَرَبَه تَحْتَ سُرَّتِه ضَربتَينِ، وَالسُّيوفُ تَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَدُفِنَ بِخَانقَاه الطّوَاويس، ثُمَّ نُقِلَ، وَكَانَ بِطَبَرِيَّةَ مُصحفٌ أَرْسَله عُثْمَانُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَيْهَا، فَنَقَلَهُ طُغْتِكِين إِلَى جَامِعِ دِمَشْقَ.
وَفِيْهَا تَملَّكَ حلبَ أَرْسَلاَنُ بنُ رِضوَان السَّلْجُوْقِي بَعْدَ أَبِيْهِ، وَقَتَلَ أَخويه، وَرَأْسَ الإِسْمَاعِيْليَّة أَبَا طَاهِر الصَّائِغ، وَعِدَّةً مِنْهُم (3) .
وَفِي سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ هَلَكَ بغدوين مِنْ جُرحه (4) .
وَقَتَلَتِ البَاطِنِيَّةُ صَاحِبَ مَرَاغَة أَحْمَديل (5) .
وَتَخَنْزَرتِ الفِرَنْجُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَعَاثُوا بِالشَّامِ، وَأَخَذُوا رَفَنِيَّةَ (6) ، فَسَاق طُغْتِكِين، وَاسْتنقذهَا، وَكَانَ قَدْ عصَى عَلَى السُّلْطَان، وَحَارَبَ بَعْضَ عَسْكَره، فَنَدِمَ، وَسَارَ بِنَفْسِهِ إِلَى العِرَاقِ بِتُحَفٍ سَنِيَّةٍ، فَرَأَى مِنَ الاحْتِرَام
__________
(1) الكامل: 10 / 496، 497.
(2) ص 298.
(3) الكامل: 10 / 499.
(4) الذي في " الكامل ": 10 / 543 أنه هلك سنة 511.
(5) الصواب سنة (510) كما تقدم في ترجمته (223) ، وكما في " الكامل ": 10 / 516.
(6) ضبطه ياقوت بفتح أوله وثانيه، وكسر النون، وتشديد الياء المنقوطة من تحت باثنتين، وقال: كورة ومدينة من أعمال حمص، يقال لها: رفنية تدمر، وقال قوم: رفنية بلدة عند طرابلس من سواحل الشام، وانظر " الكامل ": 10 / 512.(19/410)
فَوْقَ آمَالِهِ، وَكَتبُوا لَهُ تَقليداً بِإِمْرَة الشَّام كُلِّه.
وَفِي سَنَةِ عَشْرٍ قَدِمَ البُرسُقِي صَاحِبُ المَوْصِل إِلَى الشَّامِ غَازِياً، وَسَارَ مَعَهُ طُغْتِكِين، فَكَبَسُوا الفِرَنْجَ، وَنَزَلَ النَّصْرُ، فَقُتِلَ أُلُوْفٌ مِنَ الفِرَنْج، وَاسْتحكمت المَوَدَّةُ بَيْنَ البُرسُقِي وَبَيْنَ صَاحِب دِمَشْق.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ كَبَسَتِ الفِرَنْجُ حَمَاة، وَقتلُوا مائَة وَعِشْرِيْنَ رَجُلاً (1) ، وَبدَّعُوا، وَجَاءَ سَيْلٌ هدم سُورَ سِنجَار، وَغرَّق خَلاَئِقَ، وَأَخَذَ بَابَ المَدِيْنَة، ثُمَّ ظهر تَحْتَ الرملِ بَعْد سِنِيْنَ عَلَى مَسِيرَة بَرِيْد، وَسَلِمَ مَوْلُوْدٌ فِي سَرِيْرِهِ عَامَ بِهِ، وَتَعَلَّق فِي زَيْتونَةٍ.
وَفِيْهَا تَسَلَّطن السُّلْطَانُ مَحْمُوْدٌ بَعْدَ أَبِيْهِ مُحَمَّد، وَأُنفقت خَزَائِنُ أَبِيْهِ فِي العَسَاكِر، فَقِيْلَ: كَانَتْ أَحَدَ عشرَ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ (2) .
وَتُوُفِّيَ المُسْتظهر بِاللهِ عَنْ سَبْعَة بَنِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه المُسْترشد بِاللهِ (3) .
__________
(1) الكامل في التاريخ: 10 / 532.
(2) الكامل في التاريخ: 10 / 525.
(3) وصفه ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 535 بلين الجانب، وكرم الاخلاق، وحب اصطناع الناس، وفعل الخير، والمسارعة إلى أعمال البر والمثوبات، وأنه لا يرد مكرمة تطلب منه، وأنه كثير الوثوق بمن يوليه لا يصغي إلى سعاية ساع، ولا يلتفت إلى قوله، وما عهد عليه تلون وانحلال عزم بأقوال أصحاب الاغراض، وقال:
كانت أيامه أيام سرور للرعية، فكأنها من حسنها أعياد، وكان إذا بلغه ذلك فرح به وسره، وإذا تعرض سلطان، أو نائب له لاذى أحد، بالغ في إنكار ذلك والزجر عنه، وذكر له من شعره قوله:
أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا * لما مددت إلى رسم الوداع يدا
وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد * أرى طرائق في مهوى الهوى قددا
قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به * من بعد ما قد وفى دهري بما وعدا
إن كنت أنقض عهد الحب في خلدي * من بعد هذا فلا عاينته أبدا(19/411)
وَبعدَه مَاتَتْ جَدَّتُه لأَبِيْهِ أَرْجُوَانُ (1) الأَرمنِيَةُ، وَقَدْ رَأَتِ ابْنهَا خَلِيْفَةً، وَابْنَ ابْنِهَا، وَابْنَ ابْنِ ابْنِهَا، وَمَا اتَّفَقَ هَذَا لِسِوَاهَا.
237 - أَبُو القَاسِمِ الأَنْصَارِيُّ سَلْمَانُ بنُ نَاصِرِ بنِ عِمْرَانَ *
إِمَامُ المُتَكَلِّمِين، سَيْفُ النَّظَر، سَلْمَانُ بنُ نَاصر بن عِمْرَانَ النَّيْسَابُوْرِيّ، الصُّوْفِيّ، الشَّافِعِيّ، تِلْمِيْذُ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ.
رَوَى عَنْ: فَضلِ الله المِيهَنِي، وَعَبْدِ الغَافِرِ الفَارِسِيّ، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، لَهُ تَصَانِيْفُ وَشُهرَةٌ وَزُهْدٌ وَتعبُّدٌ، شرح كِتَاب (الإِرشَادِ (2)) وَغَيْر ذَلِكَ.
مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
238 - صَاحِبُ إِفْرِيْقِيَةَ أَبُو طَاهِرٍ يَحْيَى بنُ تَمِيمِ بنِ المُعِزِّ الحِمْيَرِيُّ **
الملكُ، أَبُو طَاهِرٍ يَحْيَى ابنُ الْملك تَمِيمِ بن المُعزِّ بن بَادِيس الحِمْيَرِيّ،
__________
(1) في " المنتظم ": 9 / 200: أرجوان جارية الذخيرة أم المقتدي بأمر الله تدعى قرة العين، كانت جارية أرمنية، وكان لها بر ومعروف، وحجت ثلاث حجج، أدركت خلافة ابنها المقتدي، وخلافة ابنه المسترشد، ورأت للمسترشد ولدا.
(*) السياق: الورقة: 72، تاريخ دمشق لابن عساكر: 7: 221 / 2 - 222 / 1، 12 / 179، ابن خلدون: 6 / 106، شذرات الذهب: 4 / 26.
وفيه 512، الوافي بالوفيات: م 13 / 107، مرآة الجنان: 3 / 203، طبقات السبكي: 7 / 96 - 99، طبقات الاسنوي: 1 / 64 - 65، طبقات المفسرين للسيوطي: 13، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 193 - 194، طبقات ابن هداية الله: 73، كشف الظنون: 1 / 68، 2 / 1212، شذرات الذهب: 4 / 34، تهذيب ابن عساكر: 6 / 213، 214.
(2) واسمه الكامل " الارشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد " تأليف شيخه أبي المعالي الجويني إمام الحرمين، المتوفى سنة 478 هـ، وقد تقدمت ترجمته برقم (240) في الثامن عشر.
(* *) الكامل لابن الأثير: 10 / 512 - 513، وفيات الأعيان: 6 / 211 - 219، البيان المغرب: 1 / 304، تاريخ الإسلام: 4 / 195 / 1 - 2، العبر: 4 / 19، تتمة =(19/412)
قَامَ فِي المُلك بَعْد أَبِيْهِ، وَخلعَ عَلَى قُوَّاده وَعَدَلَ، وَافتَتَحَ حُصُوْناً مَا قَدَرَ أَبُوْهُ عَلَيْهَا، وَكَانَ عَالِماً، كَثِيْرَ المُطَالَعَةِ، جَوَاداً مُمَدَّحاً، مُقرِّباً لِلْعُلَمَاء، وَفِيْهِ يَقُوْلُ أَبُو الصَّلْتِ أُمَيَّةُ الشَّاعِر (1) :
فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ إِلاَّ عَنْ نَدَى وَوَغَى ... فَالمَجْدُ أَجْمَعُ بَيْنَ البَأْسِ وَالجُودِ
كَدَأْبِ يَحْيَى الَّذِي أَحْيَتْ مَوَاهِبُهُ ... مَيْتَ الرَّجَاءِ بِإِنْجَازِ المَوَاعِيدِ
مُعْطِي الصَّوَارِمِ وَالهِيْفِ النَّوَاعمِ وَالـ ... ـجُرْدِ الصُّلاَدِمِ وَالبُزْلِ الجَلاَمِيدِ (2)
إِذَا بَدَا بِسَرِيرِ المُلْكِ مُحْتَبِياً ... رَأَيْتَ يُوْسُفَ فِي مِحْرَابِ دَاوُدِ (3)
مَاتَ يَحْيَى: يَوْم النَّحْر فَجْأَةً، فَكَانَ مَوْتُهُ وَسطَ النَّهَار، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَة، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، وَخلَّف لِصُلبِه ثَلاَثِيْنَ ابْناً، فَتَمَلَّك مِنْهُم ابْنُهُ عليّ، فَقَامَ سِتَّةَ أَعْوَام، وَمَاتَ فَملَّكُوا وَلده الحَسَنَ بن عَلِيٍّ صَبِيّاً مُرَاهِقاً،
__________
= المختصر: 2 / 39، عيون التواريخ: 13 / 311 - 313، مرآة الجنان: 3 / 198، البداية: 12 / 179، ابن خلدون: 6 / 106، شذرات الذهب: 4 / 26.
(1) هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي الداني المتوفى سنة 529 هـ سترد ترجمته برقم (375) من هذا الجزء.
(2) الجرد: جمع أجرد، يقال: فرس أجرد: إذا كان قصير الشعر، وقد جرد وانجرد وكذلك غيره من الحيوان، وذلك من علامات العتق والكرم، والصلادم: الشديد، والبزل: جمع البازل وهو البعير الذي فطر نابه، أي انشق، وذلك حين يبلغ التاسعة أو الثامنة، والجلاميد: الابل القوية، وفي الوفيات: الجلاعيد.
(3) الابيات في " الوفيات ": 6 / 214، وزاد الابيات التالية:
من أسرة تخذوا الماذي لبسهم * واستوطنوا صهوات الضمر القود
محسدون على أن لا نظير لهم * وهل رأيت عظيما غير محسود
وإن تكن جمعتكم أسرة كرمت * فليس في كل عود نفحة العود
أقول للراكب المزجي مطيته * يطوي بها الأرض من بيد إلى بيد
لا تترك الماء عدا في مشارعه * وتطلب الري من صم الجلاميد
هذي موارد يحيى غير ناضبة * وذا الطريق إليها غير مسدود
حكم سيوفك فيما أنت طالبه * فللسيوف قضاء غير مردود(19/413)
فَامتدَّتْ أَيَّامُه، إِلَى أَنْ أَخذت الفِرَنْج طَرَابُلُسَ المَغْرِب بِالسَّيْف، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، فَهَرَبَ الحَسَنَ مِنَ المَهديَّةِ (1) هُوَ وَأَكْثَر أَهْلهَا، ثُمَّ انضمَّ إِلَى السُّلْطَان عبد المُؤْمِن.
وَقَدْ وَقَفَ ليَحْيَى ثَلاَثَةُ غربَاء، وَزعمُوا أَنَّهُم يَعملُوْنَ الكيمِيَاء، فَأَحضرَهُم لِيَتَفَرَّج وَأَخلاَهُم، وَعِنْدَهُ قَائِدُ عَسْكَره إِبْرَاهِيْم، وَالشَّرِيْف أَبُو الحَسَنِ، فَسلَّ أَحَدهُم سِكِّيناً، وَضرب المَلِكَ، فَمَا صَنَعَ شَيْئاً، وَرَفَسَه الْملك دَحرَجَهُ، وَدَخَلَ مَجْلِساً وَأَغلقه، وَقُتِلَ الآخِر الشَّرِيْف، وَشدَّ إِبْرَاهِيْم بِسَيفِهِ عَلَيْهِم، وَدَخَلَ المَمَالِيْكُ، وَقتلُوا الثَّلاَثَة، وَكَانُوا باطنِيَة، أَظُنُّ الآمْر العبُيدي نَدَبَهُم لِذَلِكَ.
239 - الدَّرْزِيْجَانِيُّ أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ بنُ الحَسَنِ *
الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ بنُ الحَسَنِ الفَقِيْهُ، الحَنْبَلِيّ، المُقْرِئ، صَاحِبُ القَاضِي أَبِي يَعْلَى.
سَمِعَ: مِنْهُ، وَمِنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ البَنَّاء، وَلَقَّن خلقاً كَثِيْراً، وَكَانَ قَوَّالاً بِالْحَقِّ، أَمَّاراً بِالعُرف، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، عَظِيْمَ الهيبَة.
أَثْنَى عَلَيْهِ ابْنُ النَّجَّار، وَبَالَغَ فِي تَعْظِيْمِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْم فِي رَكْعَة وَاحِدَة، وَأَنَّهُ تَفَقَّهَ بِأَبِي يَعْلَى.
__________
(1) المهدية: مدينة بساحل إفريقية بناها عبيد الله المهدي الخارج على بني الأغلب، قال صاحب " الروض المعطار " ص: 562: وكان ابتداء بنيانها في سنة ثلاث مئة، وبينها وبين القيروان ستون ميلا، وقد أحاط بها البحر من جهاتها الثلاث، وإنما يدخل إليها من الجانب الغربي.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 178 / 1، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 110، شذرات الذهب: 4 / 15 - 16.(19/414)
وَقَالَ أَحْمَدُ الجِيْلِيُّ: جَعْفَر ذُو المقَامَاتَ المَشْهُوْرَة، وَالمَهِيبُ بِنُوْرِ الإِيْمَان وَاليَقِينَ لَدَى المُلُوْك وَالمُتَصَرِّفِيْن.
مَاتَ: فِي الصَّلاَةِ سَاجِداً، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، فَدُفِنَ بدَاره بِدَرْزِيْجَانَ (1) - رَحِمَهُ اللهُ - مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْس مائَة.
240 - شَمْسُ الأَئِمَّةِ أَبُو الفَضْلِ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن الفَضْلِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، مُفْتِي بُخَارَى، شَمْسُ الأَئِمَّةِ، أَبُو الفَضْلِ بَكْر بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن الفَضْلِ الأَنْصَارِيّ، الخَزْرَجِيّ، السَّلَمِيّ، الجَابِرِي، البُخَارِيّ، الزَّرَنْجَرِي.
وَزَرَنْجَرُ: مِنْ قرَى بُخَارَى.
كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي حِفْظِ المَذْهَبِ، قَالَ لِي الحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ: كَانَ الإِمَامَ عَلَى الإِطلاَق، وَالمَوفُودَ إِلَيْهِ مِنَ الآفَاقِ، رَافَقَ فِي أَوّل أَمرِهِ برهَانَ الأَئِمَّة المَاضِي عَبْد العَزِيْزِ بن مَازه، وَتَفَقَّهَا مَعاً عَلَى شَمْس الأَئِمَّة مُحَمَّد بن أَبِي سَهْل السَّرْخَسيّ.
مَوْلِده: سَنَة سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَفَقَّهَ أَيْضاً عَلَى شَمْس الأَئِمَّة عَبْدِ
__________
(1) درزيجان، بفتح الدال، وسكون الراء، وكسر الزاي: قرية على ثلاثة فراسخ من بغداد، قال السمعاني: وهي من مشاهير القرى، اجتزت بها منصرفي من البصرة.
(*) الأنساب: 6 / 270 - 271، التحبير: 1 / 136 - 139، المنتظم: 9 / 200 - 201، معجم البلدان: 3 / 138، الكامل في التاريخ: 10 / 545، تاريخ الإسلام: 4 / 205 / 2 - 206 / 1، دول الإسلام: 2 / 39، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 350، مرآة الزمان: 8 / 46، البداية: 12 / 183، الجواهر المضية 1 / 465 - 467، لسان الميزان: 2 / 58 - 59، النجوم الزاهرة: 5 / 216 - 217، كتائب أعلام الاخيار رقم: 284، الطبقات السنية: رقم: 573، كشف الظنون: 1 / 164، شذرات الذهب: 4 / 33 - 35، الفوائد البهية: 56.(19/415)
العَزِيْز بن أَحْمَدَ الحَلْوَائِيّ (1) .
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَعُمَرَ بنَ مَنْصُوْرِ بنِ خنْب، وَالحَافِظ أَبَا مَسْعُوْد أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ البَجَلِيّ، وَمَيْمُوْنَ بنَ عَلِيٍّ المَيْمُوْنِيّ، وَأَبَا سهل أَحْمَد بنَ عَلِيٍّ الأَبِيْوَرْديَّ، فَسَمِعَ مِنْهُ الصَّحِيح بِسمَاعِه مِنِ ابْنِ حَاجِبٍ الكُشَانِي.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: إِبْرَاهِيْم بن عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ، وَالحَافِظ يُوْسُفَ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَمُحَمَّدِ بن سُلَيْمَانَ الكَاخُسْتُوَانِي (2) .
وَتَفَرَّد، وَعَلاَ سَنَدُه (3) ، وَعَظُمَ قَدرُه، حَتَّى كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو حَنِيفَة الأَصْغَرُ، وَكَانَ يَدْرِي التَّارِيْخَ وَالأَنسَابَ، سَأَلُوْهُ مرَّة عَنْ مَسْأَلَة غَرِيبَةٍ، فَقَالَ: كَرَّرتُ عَلَيْهَا أَرْبَعَ مائَةِ مَرَّة (4) .
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِرٍ الفَرْغَانِي، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ
__________
(1) بفتح الحاء وسكون اللام: نسبة إلى عمل الحلوى وبيعها، وعبد العزيز هذا تقدمت ترجمته برقم (94) في الثامن عشر.
(2) كذا الأصل: الكاخستواني بالسين المهملة، وفي " الأنساب " و" اللباب "، و" معجم البلدان " الكاخشتواني بالشين المعجمة.
(3) في " التحبير ": 1 / 137: اشتغل بسماع الحديث في صغره، وسمع الحديث الكثير، وتفرد بالرواية في وقته عن جماعة لم يحدث عنهم سواه، وأملى الكثير، وكتبوا عنه ... ، كتب إلي الاجازة في سنة ثمان وخمس مئة حصلها لي أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق الحافظ، روى لي عنه جماعة كبيرة بخراسان وما وراء النهر، وكانت عنده كتب عالية ما وقعت إلينا إلا من روايته، قال صاحب " الجواهر المضية ": 1 / 172: فمن جملتها " الجامع الصحيح " للبخاري بروايته عن أبي سهل الابيوردي سنة 446 هـ، وكتاب " اللؤلؤيات " لأبي مطيع النسفي بروايته عن أبي القاسم الميموني، عن أبي بكر أحمد بن محمد البخاري الاسماعيلي المصنف.
(4) في " المنتظم ": 9 / 200، و" مرآة الزمان ": 8 / 46: وسئل يوما عن مسألة، فقال: كررت هذه المسألة ليلة في برج من حصن بخارى أربع مئة مرة، وفيهما أيضا: ومتى طلب المتفقه منه الدرس ألقى عليه من أي موضع أراد من غير مطالعة، ولا مراجعة لكتاب، وكان الفقهاء إذا أشكل عليهم شيء رجعوا إليه، وحكموا بقوله ونقله.(19/416)
مُحَمَّد الخُلْمِي (1) البَلْخِيّ، وَمُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ نَزِيْلُ سَرْخَس، وَعبدُ الحَلِيْم بن مُحَمَّدٍ البُخَارِيّ، وَعِدَّة، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ وَلَدُه عُمَرُ، وَشَيخُ الإِسْلاَم، برْهَان الدِّين عَلِيّ بن أَبِي بَكْرٍ الفَرْغَانِي، وَطَائِفَة.
مَاتَ: فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَتُوُفِّيَ وَلَدُه العَلاَّمَة عمَادُ الدّين عُمَر: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
241 - القَيْرَوَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَتِيقِ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ، الأُصُوْلِي، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَتِيقِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ هِبَة اللهِ بنِ مَالِكٍ التَّمِيْمِيُّ، القَيْرَوَانِيُّ، المَعْرُوف بِابْنِ أَبِي كُديَّة.
درس الكَلاَمَ بِالقَيْرَوَان عَلَى الحُسَيْنِ بنِ حَاتِمٍ صَاحِبِ ابْنِ البَاقِلاَّنِيِّ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ عَبْدِ البَرِّ، وَمِنَ القَاضِي مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمَةَ القُضَاعِيِّ، وَتَلاَ بِالروَايَات عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ نَفِيْسٍ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ عَبدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ العَطَّارِ.
وَحَدَّثَ بِصُوْرَ، فَسَمِعَ مِنْهُ الفَقِيْه نَصْرٌ المَقْدِسِيّ، وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو عَامِرٍ العبدرِي، وَعبد الحَقّ اليُوسفِي، وَالسِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَتَصدَّرَ لإِقْرَاء الأُصُوْلِ، وَكَانَ مُتَعَصِّباً لِمَذْهَبِ الأَشْعَرِيِّ.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات أَبُو الْكَرم الشَّهْرُزُورِي.
__________
(1) بضم الخاء وسكون اللام: نسبة إلى خلم: بلدة على عشرة فراسخ من بلخ.
(*) طبقات القراء: 2 / 195 - 196، تاريخ الإسلام: 4 / 208 / 1 - 2، معرفة القراء: 1 / 379، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 348 - 350، مرآة الزمان: 8 / 46 - 47، النجوم الزاهرة: 5 / 217.(19/417)
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: هُوَ شَيْخ هَشٌّ، حَسَنُ العَارضَةِ، جَارِي العِبَارَةِ، حُفَظَةٌ مُتَدَيِّنٌ صَلِفٌ، تَذَاكرنَا، فَرَأَيْتُهُ مَمْلُوْءاً عِلْماً وَحِفظاً (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، عَنْ نَحْوٍ مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ مُشَاراً إِلَيْهِ فِي الكَلاَمِ، قَالَ لِي: أَنَا أَدْرُسُ الكَلاَمَ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحنَابلَة فِتَنٌ، وَأُوذِيَ غَايَةَ الإِيذَاءِ، سَأَلتُهُ عَنْ مَسْأَلَةِ الاسْتِوَاءِ، فَقَالَ: أَحَدُ الوَجهَيْنِ لِلأَشعرِي أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا وَرد وَلاَ يُفَسَّر.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ شَافعٍ: قَالَ ابْنُ نَاصرٍ وَجَمَاعَةٌ:
كَانَ أَصْحَابُ القَيْرَوَانِيِّ يَشهدُوْنَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي وَلاَ يَغْتَسِلُ مِنْ جنَابَة فِي أَكْثَرِ أَحْوَاله، وَيُرمَى بِالفِسْقِ مَعَ المُرْدِ، وَاشْتُهِرَ بِذَلِكَ، وَادَّعَى قِرَاءة القُرْآن عَلَى ابْنِ نَفِيْس.
قُلْتُ: هَذَا كَلاَم بِهوَىً.
__________
(1) ونقل صاحب عيون التواريخ عن سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان " أنه كان يحفظ كتاب سيبويه.
وقال الحافظ ابن عساكر في " تاريخه ": سمع يوما قائلا ينشد قول أبي العلاء المعري:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة * وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطمنا الايام حتى كأننا * زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك
فقال ابن أبي كدية يجيبه:
كذبت وبيت الله حلفة صادق * سيسبكها بعد النوى من له الملك
وترجع أجسام صحاحا سليمة * تعارف في الفردوس ما عندنا شك
وانظر " عيون التواريخ ": 13 / 349، و" مرآة الزمان ": 8 / 46، 47.(19/418)
242 - خُوْروَسْتَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، المُقْرِئُ الصَّالِحُ، بَقِيَّةُ المَشْيَخَة، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ الحَارِثِ الأَصْبَهَانِيّ، المُجَلّد، يُعرف بِخُوْروَسْتَ، وَيُكْنَى أَيْضاً أَبَا الفَتْح.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بنَ فَاذشَاه، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدٍ العَطَّار المُقْرِئ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ رِيذه، وَأَحْمَدَ بنَ حَسَنِ بنِ فُوْرَكَ الأَدِيْب، وَهَارُوْن بن مُحَمَّدٍ النَّانِي، وَعَبْد الْملك بن الحُسَيْنِ بنِ عبد رَبّه، وَأَبَا طَاهِر بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَعِدَّةٍ، وَعِنْدَهُ (المُسْتخرجُ عَلَى صَحِيْح مُسْلِمٍ) لأَبِي الشَّيْخِ يَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ القُرقُوبِي (1) عَنْهُ، وَعِنْدَهُ (مَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ) سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
__________
(*) معجم شيوخ السمعاني الورقة: 216 / ب - 217 / أ، التحبير: 2 / 140 - 142، تارخ الإسلام: 4 / 212 / 1، العبر: 4 / 30، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 366، شذرات الذهب: 4 / 41.
(1) في الأصل القونوي وهو تحريف، والتصويب من " تاريخ الإسلام " والقرقوبي بضم القافين: نسبة إلى قرقوب: بلدة قريبة من الطيب بين واسط وكور الاهواز، وأبو سعيد هذا هو - كما في " الأنساب ": 10 / 108 - الحسن بن علي بن سهلان القرقوبي نزيل أصبهان من أهل الخير والصلاح، سمع عبد الله بن محمد بن الصائغ، وعبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان (بالياء وتصحف في المطبوع إلى حبان بالباء) وغيرهما، سمع منه أبو محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي، وذكره في " معجم شيوخه " فقال: أبو سعيد القرقوبي نزيل أصبهان، شيخ صالح، محب للسنة، سمع من أبي الشيخ كتابه المخرج على الصحيح، ومات بأصبهان وأنا بها بعد، قبل أن أخرج منها يوم الجمعة وقت الصلاة، السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
(2) في " التحبير ": 2 / 142: وكتاب المغازي لمحمد بن إسحاق بن يسار عن أبي طاهر بن عبد الرحيم، عن أبي الشيخ، عن محمد بن الحسين الطبركي، عن محمد بن =(19/419)
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى، وَالحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْر الصَّيْدَلاَنِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (1) :كَانَ شَيْخاً صَالِحاً يُلَقِّنُ الصِّبْيَانَ ... ، ثُمَّ سَرَدَ شُيُوْخه.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَعَاشَ أَخُوْهُ أَبُو المُظَفَّرِ أَحْمَدُ بَعْدَهُ سَنَوَاتٍ، وَشيخُهُ ابْنُ فُورك مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الطَّبَرَانِيّ.
وَمَاتَ فِيْهَا: شَيْخُ الحنَابلَة أَبُو الوَفَاء عَلِيُّ بن عَقِيْل (2) ، وَقَاضِي القُضَاة عَلِيّ ابْن قَاضِي القُضَاة مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الدَّامغَانِي، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ السُّلَمِيّ ابْن الموَازِينِي (3) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طرخَان التُّركِي (4) ، وَالعَلاَّمَة أَبُو سَعْدٍ المُبَارَك بن عَلِيٍّ المُخَرِّمِيّ الحَنْبَلِيّ (5) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عبد البَاقِي الدُّوْرِيّ (6) .
وَفِيْهَا كشفت الفِرَنْجُ عَنْ مَغَارَةِ الخَلِيْل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَفَتَحُوا عَلَيْهِ، وَشُوهِدَ هُوَ وَابْنُه إِسْحَاق وَحَفِيْدُهُ يَعْقُوْب لَمْ يَبْلُوا، وَوُجِدَ عِنْدَهُم قَنَادِيْلُ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، نَقَلَهُ حَمْزَةُ بنُ أَسَدٍ (7) فِي (تَارِيْخِهِ) .
__________
= عيسى الدامغاني، عنه. وذكر له أيضا من رواياته كتاب " المعجم الصغير " للطبراني، و" المواعظ " لأبي عبيد القاسم بن سلام، و" التاريخ " لأبي بكر بن أبي شيبة، و" كتب النبي صلى الله عليه وسلم " للطبراني، و" التوكل " لابن خزيمة.
(1) في التحبير: 2 / 141.
(2) سترد ترجمته برقم (259) .
(3) سترد ترجمته برقم (257) .
(4) سترد ترجمته برقم (245) .
(5) سترد ترجمته برقم (249) .
(6) سترد ترجمته برقم (248) .
(7) حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي المعروف بابن القلانسي المتوفى سنة 555 هـ. سترد ترجمته في الجزء العشرين رقم (262) والنص في تاريخه ص 321.(19/420)
243 - ابْنُ مُفَوَّزٍ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حيدرَةَ المَعَافِرِيُّ *
الحَافِظُ، البَارعُ، المُجَوِّدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حيدرَةَ بن مفوَّز بن أَحْمَدَ بنِ مفوَّز المَعَافِرِيّ، الشَّاطبِي.
وُلِدَ: فِي عَام مَوْت أَبِي عُمَرَ بن عَبْد البَرِّ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بنُ الحَذَّاء، وَالقَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي.
وَسَمِعَ مِنْ: عَمّه طَاهِر بن مُفوَّز، وَأَبِي عَلِيٍّ الجَيَّانِي، فَأَكْثَر، وَأَبِي مَرْوَانَ بنِ سِرَاجٍ، وَمُحَمَّد بن الفَرَجِ الطلاَّعِي، وَخَلَفَ شَيْخه أَبَا عَلِيٍّ فِي حَلْقَتِهِ.
وَلَهُ رَدٌّ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ (1) ، وَكَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، وَعِلله، عَالِماً بِالرِّجَالِ، مُتْقِناً أَدِيباً شَاعِراً (2) ، فَصِيْحاً نَبِيلاً، أَسْمَعَ النَّاسَ بِقُرْطُبَةَ، وَفجئه المَوْتُ قَبْل أَوَانِ الرِّوَايَة (3) ، وَعَاشَ نَيِّفاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَة.
__________
(*) الصلة: 2 / 567، 568، مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة: 225، تاريخ الإسلام: 4 /؟ 17 / 1، تذكرة الحفاظ: 4 / 1255، طبقات الحفاظ، ص: 456.
(1) وصفه ابن عبد الهادي في " مختصر طبقات علماء الحديث " الورقة 225: بأنه رد حسن، وقال: كتبته، وهو يدل على تبحره وإمامته.
(2) وفي ابن حزم يقول كما في " نفح الطيب ": 2 / 84 و375:
يا من تعاني أمورا لن تعانيها * خل التعاني وأعط القوس باريها
تروي الأحاديث عن كل مسامحة * وإنما لمعانيها معانيها
(3) في الصلة: 2 / 568: وأسمع الناس بالمسجد الجامع بقرطبة، وأخذوا عنه، ولم يزل مفيدا لهم إلى أن توفي في ربيع الآخر سنة خمس وخمس مئة، ودفن بالربض.(19/421)
244 - ابْنُ حَمْدِيْنَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
العَلاَّمَةُ، قَاضِي الجَمَاعَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ حَمْدِيْنَ الأَنْدَلُسِيّ، المَالِكِيُّ، صَاحِبُ فُنُوْنٍ وَمَعَارِفَ وَتَصَانِيفَ.
وَلِيَ القَضَاءَ ليُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن الْملك، فَسَارَ أَحْسَنَ سِيرَةٍ، وَحَمَلَ عَنْ أَبِيْهِ.
رَوَى عَنْهُ: القَاضِي عِيَاضٌ وَعظَّمه، وَقَالَ:
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَة، وَلِيَ قَضَاءَ قُرْطُبَة، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي عُمَرَ بن عَبْد البَرِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بن دِلْهَاث، وَتَفَقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَبِمُحَمَّدِ بنِ عَتَّابٍ، وَحَاتِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ ذَكِيّاً، بارعاً فِي العِلْمِ، مُتَفنِّناً أُصُوْلياً، لُغويّاً، شَاعِراً (1) ، حَمِيْدَ الأَحكَامِ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْهُ، عَنْ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ يَحُطُّ عَلَى الإِمَامِ أَبِي حَامِدٍ فِي طَرِيقَة التَّصَوُّفِ، وَأَلَّف فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ.
__________
(*) الصلة لابن بشكوال: 2 / 570، تاريخ الإسلام: 4 / 191 / 1، نفح الطيب: 3 / 537، 539، الغنية: 116، 117.
(1) في " نفح الطيب ": 4 / 76: وقال أبوعمران بن سعيد: أخبرني والدي أنه زار ابن حمدين بقرطبة في مدة يحيى بن غانية، قال: فوجدته في هالة من العلماء والأدباء، فقام وتلقاني، ثم قال: يا أبا عبد الله ما هذا الجفاء؟ فاعتذرت بأني أخشى التثقيل، وأعلم أن سيدي مشغول بما هو مكب عليه، فأطرق قليلا، ثم قال: لو كنت تهوانا طلبت لقاءنا * ليس المحب عن الحبيب بصابر فدع المعاذر إنما هو جنة * لمخادع فيها ولست بعاذر فقلت: تصديق سيدي عندي أحب إلي وإن ترتبت علي فيه الملامة من منازعته منتصرا لحقي، فاستحسن جوابي، وقال لي: كرره فإنه والله ماح لكل ذنب ...(19/422)
245 - مُحَمَّدُ بنُ طَرَخَانَ بنِ بَلْتكِيْنَ بنِ مُبَارِزِ بن بُجْكَمَ *
الإِمَامُ، الفَاضِلُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، النَّحْوِيُّ، أَبُو بَكْرٍ التُّركِي، البَغْدَادِيّ.
سَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَعبدَ الصَّمدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الصرِيفِيْنِي، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن الغرِيق، وَابْن النَّقُّوْرِ، وَمَنْ بَعْدَهُم، وَصَحِبَ الحُمَيْدِيّ وَلاَزمه.
وَكَتَبَ بِخطِّه الكَثِيْرَ، وَسَمِعَ كِتَاب (الإِكمَال) مِنَ الأَمِيْرِ أَبِي نَصْرٍ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَخَذَ الكَلاَمَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ القَيْرَوَانِي، وَكَانَ يُورِّق لِلنَّاسِ، وَخَطُّه جَيِّدٌ مُعرب، وَكَانَ ذَا حَظٍّ مِنْ تَأَلُّه وَعِبَادَة وَأَورَاد، وَزُهْدٍ وَصدق، يُذْكَرُ بِإِجَابَة الدعوَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي، وَعَبدُ الجَلِيْل كُوتَاهُ (1) ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ نَاصر (2) .
تُوُفِّيَ: فِي ثَامنَ عَشَرَ صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، عَنْ سَبْع وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَفْهَمُ وَيَحْفَظُ - رَحِمَهُ اللهُ -.
246 - ابْنُ صَابِرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، مُفِيدُ دِمَشْقَ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ
__________
(*) المنتظم: 9 / 215، تاريخ الإسلام: 4 / 211 / 2، العبر: 4 / 30، الوافي بالوفيات: 3 / 169 - 170، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 366، طبقات الشافعية للسبكي: 6 / 106، 107، شذرات الذهب: 4 / 41.
(1) في الأصل: كوباه بالباء الموحدة وهو تصحيف، وكوتاه لفظ فارسي معناه: القصير، وسترد ترجمته في الجزء العشرين برقم (223) .
(2) في " المنتظم ": 9 / 215: وروى عنه أشياخنا، ووثقوه.
(* *) تاريخ دمشق لابن عساكر، تاريخ الإسلام: 4 / 201 / 1.(19/423)
عَلِيّ بن صَابِرٍ السُّلَمِيّ، الدِّمَشْقِيّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ سَيِّده.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بن أَبِي العَلاَءِ المَصِّيْصِيِّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ أَبِي الحَدِيدِ، وَالفَقِيْه نصراً، وَطَبَقَتَهُم.
وَعَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُهُ أَبُو المَعَالِي عَبْدُ اللهِ بنُ صَابِرٍ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: سَمِعْنَا بِقِرَاءتِهِ الكَثِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً مُتحرزاً، عَاشَ خَمْسِيْنَ سَنَةً، تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ: بَخيلٌ بِالإِفَادَة، وَكَانَ جَسَداً مُلِئَ حَسَداً.
247 - ابْنُ القُشَيْرِيِّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِن *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفَسِّرُ، العَلاَّمَة، أَبُو نَصْرٍ عَبْد الرَّحِيْمِ ابْنُ الإِمَامِ شَيْخِ الصُّوْفِيَّةِ أَبِي القَاسِمِ عَبدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِنَ القُشَيْرِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ، النَّحْوِيّ، المُتَكَلِّم، وَهُوَ الوَلَدُ الرَّابع مِنْ أَوْلاَد الشَّيْخ.
اعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَأَسْمَعَهُ، وَأَقرَأَه حَتَّى بَرَعَ فِي العَرَبِيَّة وَالنَّظم وَالنَّثر وَالتَّأْوِيْل، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ بِأَسرعِ خطّ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذكيَاءِ، لاَزم إِمَامَ
__________
(*) السياق: الورقة: 45 ب، وذكره صاحب الأنساب في كتابه: 10 / 156، تبيين كذب المفتري: 308، المنتظم: 9 / 220 - 221، تاريخ ابن الأثير: 10 / 587، طبقات ابن الصلاح: الورقة: 59 / 1، وفيات الأعيان: 3 / 207 - 208 مع ترجمة أبيه، تاريخ الإسلام: 4 / 214 / 2، 215 / 1، العبر: 4 / 33، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 158 - 159، تتمة المختصر: 2 / 45، فوات الوفيات: 2 / 310 - 312، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 387 - 389، مرآة الجنان: 3 / 210، طبقات السبكي: 7 / 159 - 166، طبقات الاسنوي: 2 / 302 - 303، البداية: 12 / 187 وفيه ابن عبد الكبير، طبقات ابن قاضي شهبة: 30 / 1، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 291 - 293، طبقات ابن هداية الله: 73، شذرات الذهب: 4 / 45، إيضاح المكنون: 2 / 606، هدية العارفين: 1 / 559.(19/424)
الحَرَمَيْنِ، وَحصل طرِيقَة المَذْهَب وَالخلاَف، وَسَاد، وَعَظُمَ قَدْرُهُ، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
وَحَجَّ، فَوَعَظ بِبَغْدَادَ، وَبَالَغَ فِي التَّعَصُّبِ لِلأَشَاعِرَة (1) ، وَالغضِّ مِنَ الحنَابلَةِ، فَقَامَتِ الفِتْنَةُ عَلَى سَاقٍ، وَاشتَدَّ الخطبُ، وَشَمَّرَ لِذَلِكَ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصُّوْفِيّ عَنْ سَاق الجدّ، وَبَلغَ الأَمْرُ إِلَى السَّيْفِ، وَاختَبَطَتْ بَغْدَادُ، وَظَهَرَ مُبَادرُ البَلاَء، ثُمَّ حَجَّ ثَانِياً، وَجَلَسَ، وَالفِتْنَةُ تَغلِي مَرَاجِلُهَا، وَكَتَبَ وُلاَةُ الأَمْرِ إِلَى نِظَامِ المُلك لِيَطلُبَ أَبَا نَصْرٍ بنَ القُشَيْرِيِّ إِلَى الحضرَةِ إِطفَاءً لِلنَّائِرَةِ، فَلَمَّا وَفَدَ عَلَيْهِ، أَكرمه وَعَظَّمه، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوْعِ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَرَجَعَ، وَلَزِمَ الطَّرِيْقَ المُسْتَقِيمَ، ثُمَّ نُدِبَ إِلَى الوَعظِ وَالتَّدرِيسِ، فَأَجَابَ، ثُمَّ فَتَرَ أَمرُه، وَضَعُفَ بَدَنُه، وَأَصَابَهُ فَالِج، فَاعْتُقِلَ لِسَانُه إِلاَّ عَنِ الذِّكر نَحْواً مِنْ شهر، وَمَاتَ.
سَمِعَ: أَبَا حَفْصٍ بنَ مَسْرُوْر، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَعبدَ الغَافِر الفَارِسِيّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَسَعْدَ بن عَلِيٍّ الزَّنجَانِي، وَأَبَا القَاسِمِ المهروَانِي، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: سِبْطُهُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الصَّفَّار، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيّ، وَخطيبُ المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ، وَعبدُ الصَّمد بن عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَة: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
__________
(1) وهو القائل كما في " طبقات السبكي ": 7 / 163:
شيئان من يعذلني فيهما * فهو على التحقيق مني بري
حب أبي بكر إمام التقى * ثم اعتقادي مذهب الأشعري(19/425)
ذكره عَبْد الغَافِرِ فِي (سيَاقه (1)) ، فَقَالَ: هُوَ زَينُ الإِسْلاَم أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، إِمَامُ الأَئِمَّة، وَحَبْرُ الأُمَّة، وَبحرُ العُلُوْم، وَصَدْرُ القُروم، أَشْبَههُم بِأَبِيْهِ خلقاً، حَتَّى كَأَنَّهُ شُقَّ مِنْهُ شَقاً، كَمُلَ فِي النَّظم (2) وَالنَّثر، وَحَاز فِيْهِمَا قَصَبَ السَّبق، ثُمَّ لَزِمَ إِمَام الحَرَمَيْنِ، فَأَحكم المَذْهَبَ وَالأُصُوْل وَالخلاَفَ، وَلاَزمه يَقْتَدِي بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَاجّاً، وَرَأَى أَهْلُ بَغْدَادَ فَضلَه وَكمَالَه، وَوجد مِنَ الْقبُول مَا لَمْ يُعْهَدْ لأَحدٍ، وَحضر مَجْلِسَه الخَوَاصُّ، وَأَطبقُوا عَلَى أَنَّهُم مَا رَأَوْا مِثْلَه فِي تَبحره ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَبلغ الأَمْرُ فِي التَّعصُّب لَهُ مَبْلَغاً كَادَ أَنْ يُؤَدِّي إِلَى الفِتْنَة (3) .
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَح (4) :قَالَ شيخنَا أَبُو بَكْرٍ القَاسِم بن الصَّفَّار:
وُلِدَ أَبِي أَبُو سَعْدٍ سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَة، وَسَمِعَ مِنْ جَدِّه وَهُوَ ابْنُ أَرْبَع سِنِيْنَ أَوْ أَزْيَد، وَالعجبُ أَنَّهُ كتب بِخَطِّهِ الطَّبَقَة، وَحَيِي إِلَى سَنَةِ سِتّ مائَة.
مَاتَ أَبُو نَصْرٍ: فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
__________
(1) الورقة: 45 / ب.
(2) ومن نظمه قوله:
ليالي وصال قد مضين كأنها * لآلي عقود في نحور الكواعب
وأيام هجر أعقبتها كأنها * بياض مشيب في سواد الذوائب
(3) وقد تعرض لشئ من أخبار هذه الفتنة ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 3، 4، و221، وفي " تبيين كذب المفتري " ص: 310 - 317 محضر بخط بعض أصحاب الامام أبي نصر هذا، وفيه خطوط كبار أئمة المذهب الشافعي ببغداد في ذلك العهد بتصحيح مقاله، وموافقته في اعتقاده، على الوجه المذكور فيه، فانظره.
(4) في طبقاته: الورقة: 59 / 1.(19/426)
248 - الدُّوْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، الصَّالِحُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُسر الدُّوْرِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، السِّمْسَار.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا طَالب العُشَارِي، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي، وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَالصَّائِنُ هِبَةُ اللهِ، وَذَاكرُ بن كَامِلٍ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَة: عبدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ شَيْخاً صَالِحاً ثِقَةً خَيراً.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عبد البَاقِي بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الْيُسْر.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: ابْنُ عَقِيْلٍ الحَنْبَلِيّ (1) ، وَقَاضِي القُضَاة عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن الدَّامغَانِي، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ الموَازِينِي (2) ، وَمُحَمَّد بن طَرخَان (3) ، وَمُحَمَّد بنُ عَبْدِ اللهِ خُوروست (4) ، وَأَبُو سَعْدٍ المُبَارَك بن عَلِيٍّ المُخَرِّمِيّ الحَنْبَلِيّ.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 212 / 1، العبر: 4 / 31، عيون التواريخ: 13 / 366 - 367، شذرات الذهب: 4 / 41.
(1) سترد ترجمته برقم (259) .
(2) سترد ترجمته برقم (257) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (245) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (242) .(19/427)
249 - المُخَرِّمِيّ أَبُو سَعْدٍ المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحنَابلَة، أَبُو سَعْدٍ المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ المُخَرِّمِيّ (1) ، البَغْدَادِيّ.
تَفقَّه بِالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، ثُمَّ بِأَبِي جَعْفَرٍ بنِ أَبِي مُوْسَى، وَيَعْقُوْب بن سُطورَا البَرْزبينِي، وَلاَزمهُمَا حَتَّى سَاد، وَبَنَى مدرسَةً بِبَابِ الأَزَج، درَّس بَعْدَهُ بِهَا تِلْمِيْذُه الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ وَكبَّرهَا (2) .
وَكَانَ نَزهاً عَفِيْفاً، نَاب فِي القَضَاءِ، وَحَصَّل كُتُباً عَظِيْمَةً، وَفتحت عَلَيْهِ الدُّنْيَا، وَبَنَى دَاراً وَحَمَّاماً وَبُستَاناً.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَأَبِي الغنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَتَفَقَّهَ بِهِ خلق.
رَوَى عَنْهُ: المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَقَدْ شَاخَ.
250 - الأَشْقَرُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مَحْمُوْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بن مُحَمَّد **
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الثِّقَةُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مَحْمُوْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 258 - 259، المنتظم: 9 / 215، تاريخ الإسلام: 4 / 212 / 2، العبر: 4 / 31، مرآة الزمان: 8 / 54، البداية: 12 / 185، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 166 - 171، شذرات الذهب: 4 / 40 - 41.
(1) المخرمي، بكسر الراء: نسبة إلى المخرم: محلة بشرقي بغداد نزلها بعض ولد يزيد ابن المخرم فسميت به.
(2) في " ذيل الطبقات ": 2 / 167: والمدرسة المذكورة التي بناها: هي المنسوبة الآن إلى تلميذه الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي، لأنه وسعها وسكن بها، فعرفت به.
(* *) التحبير: 2 / 275 - 277، مشيخة ابن عساكر: 236 / 2، التقييد: 199 / 2 - =(19/428)
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ، الصَّيْرَفِيُّ، الأَشْقَرُ، رَاوِي كِتَاب (المُعْجَمِ الكَبِيْرِ (1)) لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ فَاذشَاه.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ الأَعْرَجِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ (التَّرْغِيْبِ) ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ الهَمْدَانِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المَهَّادُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيُّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيّ الخَبَّازُ، وَبَالحُضُوْرِ أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَهُوَ مَحْمُوْدُ بن أَبِي العَلاَءِ.
__________
= 200 / 1، تاريخ الإسلام: 4 / 216 / 1، العبر: 4 / 34، عيون التواريخ: 13 / 390، النجوم الزاهرة: 5 / 221، شذرات الذهب: 4 / 46.
(1) وفي آخر المجلد الأول من معجم الطبراني الكبير الموجود في دار الكتب الظاهرية بدمشق سماع للمعجم، وهذا نصه: بلغ من أول الكتاب سماعا على الشيخ الصالح أبي رشيد حبيب بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب الصوفي حاطه الله بحق سماعه عن الشيخ أبي منصور محمود بن إسماعيل بن محمد الاشقر الصيرفي وقد نقل من أصل سماعه، وعورض به عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاه، عن مصنفه الامام الكبير سيف السنة أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني الحافظ رحمهم اله بقراءة صاحبه الامام الحافظ الورع المتقن تقي الدين، ضياء السنة، جمال الإسلام، زين المحدثين، نادرة الزمان أبي محمد عبد الغني بن عبد الله بن أحمد بن علي بن سرور المقدسي الحنبلي، أكثر الله في أهل العلم أمثاله، وجزاه خيرا: الفتى العفيف أبو المطهر محمد بن أبي المطهر بن أحمد الخباز، وأخوه من قبل الام أبو القاسم جامع بن أحمد بن محمد المديني، ومحمد بن علي بن محمد بن علي اللنجالي حضر، وأبو الخير عبيد الله ابن محمد بن أبي الخير القاضي، وأبو الكرم محمد بن أبي رشيد بن أبي القاسم بن محمد الأنصاري السكري، ومحمد بن محمد بن محمد بن غانم بن أبي زيد المقرئ محرر السماع، ومثبت أسامي القوم، وصح لهم ذلك ببلد أهل السنة أصبهان بمجالس آخرها في صفر سنة خمس وسبعين وخمس مئة، جعلهم الله تعالى من الصالحين بحق النبي محمد وآله وصحبه عليه الصلاة والسلام.
وللمترجم مسموعات كثيرة غير المعجم ذكرها السمعاني في " التحبير ": 2 / 276. فانظرها.(19/429)
مَوْلِدُهُ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ - عَلَى مَا أَرَّخَهُ أَبُو مُوْسَى -:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، لَهُ اتِّصَال بِبَنِي مَنْدَه، وَبإِفَادَتِهِم سَمِعَ الحَدِيْث.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ البُخَارِيّ، وَهُوَ المُبَخِّر أَخُو هِبَة اللهِ، وَمُقْرِئ الثَّغْرِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَن بن خَلَف بن بَلِّيمَة القروِي، وَرَئِيْس البُلغَاء مُؤيَّد الدّين أَبُو إِسْمَاعِيْلَ بنُ عَلِيٍّ الطُّغْرَائِي الأَصْبَهَانِيّ (1) ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة الصَّدفِي، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بن أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ (2) ، وَمُقْرِئ المرِيَّة أَبُو الحَسَنِ بنُ شفِيع، وَالمُسْنِدُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الموَازِينِي (3) ، وَأَبُو نَصْرٍ المُعَمَّرُ بن مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ البيِّع، وَقَاضِي سَمَرْقَنْد العَلاَّمَة أَبُو بَكْرٍ مَحْمُوْد بن مَسْعُوْدٍ الشُّعيبِي.
251 - أَبُو عَلِيٍّ بنُ المَهْدِيِّ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الخَطِيْبُ، الثِّقَةُ، الشَّرِيْفُ، أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ العَبَّاسِ بنِ المَهْدِيِّ بِاللهِ الهَاشِمِيّ، البَغْدَادِيّ، الحَرِيْمِيّ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (262) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (247) .
(3) سترد ترجمته برقم (256) .
(*) المنتظم: 9 / 230 - 231، تاريخ الإسلام: 4 / 221 / 2، العبر: 4 / 35، الوافي بالوفيات: 1 / 166، مرآة الزمان: 8 / 61، النجوم الزاهرة: 5 / 222، شذرات الذهب: 4 / 48.(19/430)
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا طَالبِ بنَ غَيْلاَنَ، وَعبيدَ الله بنَ شَاهِيْن، وَأَبَا الحَسَنِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ العَتِيْقِيّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَعِدَّة.
وَكَانَ ثِقَةً مُكْثِراً معمَّراً.
رَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَابْنُ نَاصر، وَدَهْبَلُ بنُ كَاره، وَأَخُوْهُ لاَحِق، وَأَحْمَد بن مَوْهُوْبِ بنِ السَّدنك، وَأَخُوْهُ يَحْيَى، وَذَاكرُ بنُ كَامِلٍ، وَالمُبَارَكُ بن الْمَعْطُوشِ، وَآخَرُوْنَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ السَّوَّاق، وَتَفَرَّد بِإِجَازَة مُحَمَّد بن عبد الوَاحِد بن رِزمَة.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: ثِقَةٌ صَالِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: ثِقَةٌ نَبِيل مِنْ ظِرَاف البَغْدَادِيِّيْنَ.
قَالَ الأَنْمَاطِيّ: دَخَلت عَلَيْهِ، فَقَالَ: اليَوْمَ كَانَ عِنْدِي رَسُوْلاَنِ مِنْ رسل مَلَك المَوْتِ.
فَتَبَسَّمتُ، وَقُلْتُ: كَيْفَ؟
قَالَ: جَاءَ جَمَاعَةٌ حَتَّى أشْهدتُهُم عَلَى شهَادَةٍ عِنْدِي، وَجَاءَ المُحَدِّثُونَ لِيَسْمَعُوا مِنِّي حَتَّى يَروُوا (1) عَنِّي.
ثُمَّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَاتَّفَقَ لَهُ مِثْل هَذَا، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ الأَنْمَاطِيّ: تُوُفِّيَ لَيْلَةَ السَّبْتِ، سَادسَ عَشرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ شُهُودِ القَائِمِ بِأَمرِ اللهِ.
__________
(1) في الأصل يروون بإثبات النون، وقد كتب فوقها " كذا " والجادة ما أثبت.(19/431)
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: مُسْنِدُ الوَقْت أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد بِأَصْبَهَانَ (1) ، وَأَمِيْرُ الجُيُوْش الأَفْضَلُ ابْن أَمِيْر الجُيُوْش بدر الجمَالِي (2) ، وَالوَزِيْرُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ السُّمَيْرمِي، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ جَعْفَرِ بنِ القطَاع اللُّغَوِيّ، وَهزَارسب بن عوض الهَرَوِيّ المُحَدِّث.
252 - السُّمَيْرمِي أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ السُّمَيْرمِي (3) ، وَزِيْرُ السُّلْطَانِ مَحْمُوْد السَّلْجُوْقِي، صَدْرٌ مُعظَّمٌ، كَبِيْرُ الشَّأْنِ، شَدِيدُ الوَطْأَة، ذُو عَسْفٍ وَظُلْمٍ، وَسُوءِ سِيرَة، وَقَفَ مدرسَةً بِأَصْبَهَانَ، وَعَمِلَ بِهَا خِزَانَةَ كتبٍ نَفِيْسَةٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ: قَدِ اسْتحييت مِنْ كَثْرَةِ الظُّلم وَالتَّعدي، وَلَمَّا عزم علَى السَّفَر، أَخَذَ الطَّالع (4) ، وَركب فِي مَوْكِب عَظِيْم، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عِدَّةٌ بِالسُّيوف وَالحرَاب وَالدَّبَابيس.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: فَمَرَّ بِمضيقٍ، وَتَقدَّمه الكُلُّ، وَبَقِيَ منفرداً، فَوَثَبَ عَلَيْهِ باطنِي مِنْ دكَة، فَضَرَبَه بِسكين، فَوَقَعت فِي البَغْلَة، وَهَرَبَ، فَتبعه كُلُّ الأَعْوَان، فَوَثَبَ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (193) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (294) .
(*) المنتظم: 9 / 239، الكامل في التاريخ: 10 / 601 - 602، تاريخ الإسلام: 4 / 225 / 1، العبر: 4 / 38، عيون التواريخ: 13 / 404 - 405، مرآة الزمان: 8 / 66، البداية: 12 / 191، شذرات الذهب: 4 / 50.
(3) السميرمي: بضم السين المهملة، وفتح الميم، وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء ثم ميم - نسبة إلى سميرم بلدة بين أصبهان وشيراز، وهي آخر حدود أصبهان. وقد تحرف في " مرآة الزمان " 8 / 66 إلى " السميرقي ".
(4) وكان المنجمون الخراصون يأخذون له الطالع ليخرج فقالوا: هذا وقت جيد، وإن تأخرت يفت طالع السعد، فأسرج وركب، وأراد أن يأكل طعاما، فمنعوه لاجل الطالع، فقتل ولم ينفعه قولهم. " الكامل في التاريخ ": 10 / 601.(19/432)
عَلَيْهِ آخَرُ، فَيَضربه (1) فِي خَاصرته، وَجَذَبه رمَاهُ عَنِ البَغْلَة إِلَى الأَرْضِ وَجرحه فِي أَمَاكن، فَرد الأَعْوَان، فَوَثَبَ اثْنَانِ فَحَملاَهُمَا وَالقَاتِلُ عَلَيْهِم، فَانْهَزَم الجَمعُ، وَبَقِيَ الوَزِيْر، فَكرَّ قَاتِلُه، وَجرَّه، وَالوَزِيْر يَسْتَعطِفُه وَيَتضرع لَهُ، فَمَا أَقلع حَتَّى ذبحه، وَهُوَ يُكبِّر وَيَصيح: أَنَا مُسْلِم موحِّد، فَقُتِلَ هُوَ وَالثَّلاَثَة، وَحُمِلَ الوَزِيْر إِلَى دَار أَخِيْهِ النَّصِيْر، ثُمَّ دُفِنَ، وَذَلِكَ فِي سلخ صَفَرٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّ الَّذِي قَتله عَبْدٌ كَانَ لِلمُؤيد الطُّغْرَائِي (3) وَزِيْرِ السُّلْطَان مَسْعُوْد، فَإِنَّ السُّمَيْرمِي قَتَلَ أُسْتَاذَه ظلماً، وَنبزه بِأَنَّهُ فَاسِد الاعتقَاد (4) ، وَكُلُّ قَاتِلَ مَقْتُول.
253 - ابْنُ القَطَّاعِ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ اللُّغَة، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَلِيٍّ السَّعْدِيّ،
__________
(1) في تاريخ الإسلام: فضربه.
(2) قال ابن كثير في " البداية ": 12 / 191: ورجع نساؤه بعد أن ذهبن بين يديه على مراكب الذهب حاسرات عن وجوههن قد أبدلهن الله الذل بعد العز، والخوف بعد الامن، والحزن بعد السرور، والفرح جزاء وفاقا، وما أشبه حالهن بقول أبي العتاهية في الخيرزان وجواريها حين مات المهدي.
رحن في الوشـ * ي عليهن المسوح
كل بطاح من النا * س له يوم يطوح
لتموتن ولو عمر * ت ما عمر نوح
فعلى نفسك نح إن * كنت لا بد تنوح
(3) هو العميد فخر الكتاب أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الملقب مؤيد الدين الأصبهاني المقتول سنة 514 هـ، وسترد ترجمته برقم (262) .
(4) انظر " وفيات الأعيان ": 2 / 190، و" مرآة الزمان ": 8 / 66.
(*) معجم الأدباء: 12 / 279 - 283، إنباه الرواة: 2 / 236، وفيات الأعيان: 3 / 322 - 324، المختصر في أخبار البشر: 2 / 247، تاريخ الإسلام: 4 / 220 / 1، العبر: 4 / 35، تتمة المختصر: 2 / 50، الوافي بالوفيات: م 12 / 18، مرآة الجنان: =(19/433)
الصَّقَلِي (1) ، ابْن القطَّاع، نَزِيْلُ مِصْر، وَمُصَنِّف كِتَاب (الأَفعَال) ، وَمَا أَغْزَر فَوَائِدَه (2) ! وَلَهُ كِتَاب (أَبنِيَة الأَسْمَاء) ، وَلَهُ مُؤلَّفٌ فِي العَروض، وَكِتَاب فِي أَخْبَار الشُّعَرَاء (3) .
أَخَذَ بصَقَلّيَة عَنِ ابْنِ البِرِّ (4) اللُّغَوِيّ وَغَيْرهِ، وَأَحكم النَّحْو، وَتَحوَّل مِنْ صَقَلِّية، ثُمَّ اسْتولت النَّصَارَى عَلَيْهَا بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَاحتفل المِصْرِيّون لِقدومه وَصُدُوْره، وَسَمِعُوا مِنْهُ (صِحَاحَ) الجَوْهَرِيّ، وَلَمْ يَكُنْ بِالمُتْقِن لِلرِّوَايَةِ (5) ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّد (6) وَفضَائِل.
__________
= 13 / 212، 213، البداية: 12 / 188، لسان الميزان: 4 / 209، حسن المحاضرة: 1 / 532 - 533، بغية الوعاة: 2 / 153 - 154، شذرات الذهب: 4 / 45، 46.
(1) بفتح الصاد والقاف هكذا ضبطها شيخ المترجم النحوي الكبير ابن البر فيما نقله عنه ابن دحية في " المطرب ": ص 59، وقال: هكذا عربتها العرب، واسمها باللسان الرومي: سيكه بكسر السين وفتح الكاف، وسكون الهاء، وكيليه بكسر الكاف واللام وتشديد الياء وسكون الهاء، وتفسير هاتين: التين والزيتون ... ، وكان فتح صقلية في سنة 212 هـ.
(2) هذب فيه أفعال ابن القوطية وأفعال بن طريف وغيرهما، قال ابن خلكان:
3 / 323: أحسن فيه كل الاحسان، وهو أجود من " الافعال " لابن القوطية، وإن كان ذلك سبقه إليه، وقال عن كتاب " أبنية الأسماء " جمع فيه فأوعب وفيه دلالة على كثرة اطلاعه.
(3) واسمه " الدرة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة " وهو خاص بتراجم شعراء جزيرة صقلية، وقد بقيت منه نقول متفرقة في المصادر.
(4) هو أبو بكر محمد بن علي بن الحسن التميمي من أكبر علماء اللغة والنحو بصقلية.
أنظر " بغية الوعاة " 1 / 178، وإنباه الرواة.
(5) قال الصلاح الصفدي: وكان نقاد المصريين ينسبونه إلى التساهل في الرواية، وذلك أنه لما قدم مصر سألوه عن الصحاح، فذكر أنه لم يصل إليهم، ثم إنه لما رأى اشتغالهم به ركب له إسنادا، وأخذه الناس عنه، مقلدين له.
وله عليه حواش نفيسة اعتمد عليها أبو محمد بن بري المصري فيما تكلم عليه من حواشي الصحاح.
قلت: وقد نثر معظمها ابن منظور في " لسان العرب ".
(6) من ذلك قوله في غلام اسمه حمزة:
يا من رمى النار في فؤادي * وأنبط العين بالبكاء =(19/434)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، عَنِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
254 - إِيلغَازِي نَجْمُ الدِّيْنِ بنُ أَرتُق بن أَكسَبَ التّركمَانِي *
الْملك، نَجْمُ الدِّيْنِ ابْنُ الأَمِيْرِ أَرتُق بن أَكسب التّركمَانِي، صَاحِبُ مَاردين، كَانَ هُوَ وَأَخُوْهُ الأَمِيْرُ سُقمَان مِنْ أُمَرَاءِ تَاج الدَّوْلَة تُتُش صَاحِبِ الشَّام، فَأَقطعهُمَا القُدْسَ، وَجَرَتْ لَهُمَا سِيَرٌ، ثُمَّ اسْتولَى إِيلغَازِي عَلَى مَاردين.
وَكَانَ ذَا شجَاعَةٍ، وَرَأْي، وَهَيْبَة وَصِيت، حَارب الفِرَنْجَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَخَذَ حلبَ بَعْدَ أَوْلاَد رضوَان بن تُتُش، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَيَّافَارِقين وَغَيْرهَا قَبْلَ مَوْته بِسَنَةٍ، ثُمَّ سَارَ منجداً لأَهْل تَفْلِيْسَ (1) هُوَ وَزوجُ بِنْته ملكُ الْعَرَب دُبيس الأَسَدِيّ، وَانضمَّ إِلَيهُمَا طُغَان صَاحِبُ أَرزن، وَطغرِيل أَخُو السُّلْطَان مَحْمُوْد السَّلْجُوْقِي، وَسَارُوا عَلَى غَيْر تَعبِئَة، فَانحدر عَلَيْهِم دَاوُدُ طَاغِيَةُ الكُرْجِ (2) ، فَكبسهُم، فَهَزمهُم، وَنَازل اللعينُ تَفلَيْسَ وَأَخَذَهَا
__________
= اسمك تصحيفه بقلبي * وفي ثناياك برء دائي
اردد سلامي فإن نفسي * لم يبق منها سوى الذماء
وارفق بصب أتى ذليلا * قد مزج اليأس بالرجاء
أنهكه في الهوى التجني * فصار في رقة الهواء
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 604 و592 و531 وانظر الفهرس، تاريخ الإسلام: 4 / 222 / 1، دول الإسلام: 2 / 43، العبر: 4 / 36، تتمة المختصر: 2 / 50، عيون التواريخ: 13 / 416، مرآة الزمان: 8 / 56 و63، النجوم الزاهرة: 5 / 223، شذرات الذهب: 4 / 48.
(1) تفليس: بلد في أول حدود أرمينية، وهي قصبة ناحية جرزان قرب باب الابواب، افتتحها المسلمون في أيام عثمان رضي الله عنه، ولم تزل بأيديهم إلى سنة 515 هـ.
(2) قال ياقوت: الكرج: جيل من الناس نصارى كانوا يسكنون في جبال القبق فقويت شوكتهم حتى ملكوا مدينة تفليس، ولهم ولاية تنسب إليهم وملك ولغة برأسها وشوكة وقوة وكثرة عدد.(19/435)
بِالسَّيْفِ، وَبدَّع، ثُمَّ جَعَلهُم رَعِيَةً لَهُ، وَعدل وَمكَّنهُم مِنْ شِعَار الإِسْلاَم، وَأَمر أَنْ لاَ يُذبح فِيْهَا خِنْزِيْرٌ، وَبَقِيَ يَجِيْء وَيسَمِعُ الخطبَة، وَيُعْطِي الخَطِيْبَ وَالمُؤذِّنِيْنَ الذّهبَ، وَعَمَّر رُبطاً لِلصَّوَفَةِ، وَكَانَ جَوَاداً مُحترماً لِلمُسْلِمِين.
وَأَمَّا إِيلغَازِي، فَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، بِمَيَّافَارقين، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ، فَهَذَا أَوَّلُ مَنْ تَملَّك مَاردين، وَاسْتمرت فِي يَدِ ذُرِّيَته إِلَى السَّاعَة، فَأَخَذَ مَيَّافَارقين ابْنُهُ شَمْسُ الدَّوْلَة سُلَيْمَان، وَاسْتَوْلَى ابْنه حُسَام الدّين تَمرتَاش عَلَى مَارْدِين، وَاسْتَوْلَى عَلَى حلب ابْنُ أَخِيْهِ الأَمِيْرُ سُلَيْمَانُ بن عَبْد الجَبَّارِ بن أَرْتُق، إِلَى أَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ ابْنُ عَمِّهِ بلَك بن بَهْرَامَ.
وَقَالَ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيّ: تُوُفِّيَ إِيلغَازِي سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ (1) ، وَكَانَ تَحْتَه بِنْتُ صَاحِب دِمَشْق طُغْتِكِين، وَتَزَوَّجَ ابْنُه سُلَيْمَانُ بِبنتِ صَاحِب الرُّوْم، فَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَتسلَّم تَمرتَاش مَيَّافَارِقِيْنَ.
255 - الحِنَّائِيُّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الثِّقَةُ، أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحِنَّائِي، الدِّمَشْقِيّ، مِنْ أَهْلِ بَيْت حَدِيْثٍ وَعَدَالَةٍ، وَسُنَّةٍ وَصدق.
سَمِعَ: أَبَاهُ أَبَا القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَأَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّدَ ابنَ العَفِيْف عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبِي نَصْرٍ، وَأَخَاهُ أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدَ بن يَحْيَى بنِ
__________
(1) ذكره سبط ابن الجوزي في " المرآة ": 8 / 63 فيمن توفي سنة 516 هـ، وهذا هو المعتمد عنده، ثم ذكر بصيغة التمريض أنه مات سنة 515 هـ.
(*) الأنساب: 4 / 245، تاريخ الإسلام: 4 / 198 / 1، العبر: 4 / 21 - 22، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1262، شذرات الذهب: 4 / 29.(19/436)
سُلْوَان، وَمُحَمَّد بن عبد الوَاحِد الدَّارِمِيّ، وَابْن سختَام، وَأَبَا عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ، وَرشَأَ بن نَظيف، وَمُحَمَّدَ بنَ عبد السَّلام بن سعدَان، وَالحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ شوَاش، وَعِدَّة، وَتَفَرَّد بِأَجزَاء كَثِيْرَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَالصَّائِن بنُ عَسَاكِرَ، وَأَخُوْهُ الحَافِظُ، وَالخَضِر بن شِبْل الحَارِثِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ بنُ الحصنِي، وَالخَضِرُ بن طَاوُوْس، وَالفَضْلُ بن البَانِيَاسِيِّ، وَأَبُو المَعَالِي بنُ صَابر، وَآخَرُوْنَ.
وَاعْتَنَى بِهِ وَالِدُه، وَأَوَّلُ سَمَاعِه كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ سِتّ سِنِيْنَ.
مَاتَ: فِي ثَالِث جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
256 - ابْنُ المَوَازِينِيِّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ، المُقْرِئُ، الثِّقَةُ، شَيْخُ دِمَشْق، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ السُّلَمِيّ، الدِّمَشْقِيّ، ابْنُ الموَازِينِي.
مَوْلِدُهُ: فِي رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَد، وَأَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّداً: ابْنَيْ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي نَصْرٍ، وَرشَأَ بن نَظيف، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ سُلْوَانَ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ السَّلام بن سعدَان، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ الفُرَاتِ، وَأَبَا عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ، وَعَبْد اللهِ بن عَلِيِّ بنِ أَبِي عَقيل، وَعِدَّةً، وَتَفَرَّد وَعلاَ إِسْنَادُه.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 215 / 2، دول الإسلام: 4 / 42، العبر: 4 / 33، النجوم الزاهرة: 5 / 221، شذرات الذهب: 4 / 46.(19/437)
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَحَفِيْدُه أَحْمَد بن حَمْزَةَ بن الموَازِينِي، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بن نَصْرٍ النَّجَّار، وَعبدُ الرَّحْمَن بن عَلِيِّ بنِ الخرقِي، وَالفَضْلُ بن الحُسَيْنِ البَانِيَاسِيّ، وَخَلْق.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ حَسَنَ الأَخلاَقِ، مَرضِيَّ الطّرِيقَةِ، شُيُوْخُه هُم شُيُوْخُ أَبِي طَاهِر الحِنَّائِي، سَمِعَا مَعاً الكَثِيْرَ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر: شَيْخٌ مَسْتُوْر ثِقَة، حَافظٌ لِلْقُرْآن، سَمِعْتُ مِنْهُ أَجزَاءً يَسِيْرَة.
مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
أَخُوْهُ:
257 - مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ أَبُو الفَضْلِ ابْنُ المَوَازِينِيِّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَرَضِيّ، الفَقِيْهُ، العَابِدُ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابْن الموَازِينِي.
سَمِعَ: ابْنَ سُلْوَان، وَأَبَا القَاسِمِ بن الفُرَاتِ، وَأَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن مَكِّيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَالفَضْلُ بن البَانِيَاسِيّ، وَجَمَاعَة.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ: فِي رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 211 / 2، العبر: 4 / 30، عيون التواريخ: 13 / 366، شذرات الذهب: 4 / 41.(19/438)
258 - البَغَوِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الحُسَيْن بن مَسْعُوْدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُحْيِي السُّنَّة، أَبُو مُحَمَّدٍ الحُسَيْن بن مَسْعُوْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَّاء البَغَوِيّ، الشَّافِعِيّ، المُفَسِّرُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، كَـ (شرح السُّنَّةِ (1)) وَ (مَعَالِم
__________
(*) التحبير: 1 / 213 - 214، الاستدراك: 57 / 2 - 58 / 1، وفيات الأعيان: 2 / 136 - 137، المختصر في أخبار البشر: 2 / 240، تاريخ الإسلام: 4 / 222 / 2 - 223 / 1، دول الإسلام: 2 / 43، العبر: 4 / 37، تذكرة الحفاظ: 4 / 1257 - 1259، الوافي بالوفيات: 13 / 26، عيون التواريخ: 13 / 327 - 328، مرآة الجنان: 3 / 213، طبقات السبكي: 7 / 75 - 80، طبقات الاسنوي: 1 / 205 - 206، البداية: 12 / 193، النجوم الزاهرة: 5 / 223، 224، مفتاح السعادة: 1 / 435، 2 / 18، طبقات المفسرين للسيوطي: 12 - 13، طبقات الحفاظ: 400 وفيه الحسين بن محمد بن مسعود، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 157 - 159، طبقات ابن هداية الله: 74، أسماء الرجال لابن هداية الله: 65 / 1، كشف الظنون: 195، 517، 1697، شذرات الذهب: 4 / 48 - 49، روضات الجنات: 246 - 248، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 4 / 348 ذكره استطرادا في ترجمة الحسين بن علي البغوي، مقدمة شرح السنة: 1 / 19 - 31، " البغوي ومنهجه في التفسير " للسيدة الفاضلة عفاف عبد الغفور حميد، تولى نشره دار الفرقان 1982، دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 27.
(1) قال شعيب - كان الله له -: وهو كتاب عظيم في بابه لا يستغني عنه طالب علم، فإنه من أجل كتب السنة التي انتهت إلينا من تراث السلف ترتيبا وتنقيحا، وتوثقا وإحكاما، وإحاطة بجوانب ما ألف فيه، وأنشئ من أجله، وهو يبين عن سعة اطلاع مؤلفه رحمه الله على الحديث الشريف ونقلته، ودرايته بالروايات وعللها، ومعرفة مذاهب الصحابة والتابعين، وأئمة الأمصار والمجتهدين، ولا أعلم كتابا من كتب السنة يغني غناءه، وكان من توفيق الله علي أن قمت بتحقيقه، ومقابلة أصوله، والتقديم له، وتخريج أحاديثه، والابانة عن درجة كل حديث مما لم يرد في " الصحيحين " أو في أحدهما، وشرح ما أغفله المصنف من الغريب، وتنقيد المسائل التي يظن أنه أخطأ فيها، وتقوية بعض الآراء التي يعرض لها بأدلة لم ترد عنده، وغير ذلك من الفوائد بحيث ضاعفت حجم الكتاب، وقد تم طبع خمسة أجزاء منه في دمشق سنة 1391 هـ، ثم طبعت بعد ذلك بقية الاجزاء، وهي تسعة بدمشق سنة 1399 هـ، والنية متجهة إن شاء الله تعالى إلى إعادة نشره بمزيد من التحقيق والتخريج، وجمال الاخراج.(19/439)
التَّنْزِيل (1)) وَ (المصَابيح (2)) ، وَكِتَاب (التَّهْذِيب (3)) فِي المَذْهَب، وَ (الْجمع بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَ (الأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً) ، وَأَشيَاء.
تَفقَّه عَلَى شَيْخِ الشَّافعيَة القَاضِي حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ المَرْوَرُّوْذِيّ صَاحِب (التَّعليقَةِ) قَبْل السِّتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ: أَبِي عُمَرَ عبد الوَاحِد بن أَحْمَدَ المَلِيْحِي، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الشِّيرزِي، وَجَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ الدَّاوُودِيّ، وَيَعْقُوْبَ بنِ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ زِيَادِ بن مُحَمَّدٍ الحَنَفِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي نَصْرٍ الكُوَفَانِي، وَحَسَّان المَنِيْعِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الهَيْثَمِ التُّرَابِي، وَعِدَّةٍ.
وَعَامَّةُ سَمَاعَاته فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ،
__________
(1) في التفسير، وهو تفسير متوسط جامع لاقاويل السلف في تفسير الآي، محلى بالاحاديث النبوية التي جاءت على وفاق آية، أو بيان حكم، وقد تجنب فيه إيراد كل ما ليس له صلة بالتفسير، وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله كما في " الفتاوي ": 2 / 193، فقال: وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها، فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي.
وقد طبع أكثر من مرة، وجميع طبعاته لا تخلو من تحريف وتصحيف وسوء إخراج، وهو جدير بأن يعنى به، ويطبع طبعة علمية محررة موثقة تيسر الانتفاع به، والإفادة منه.
(2) جمع فيه طائفة من الأحاديث مما أورده الأئمة في كتبهم محذوفة الأسانيد، وقسمها إلى صحاح وحسان، وعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان أو أحدهما، وبالحسان ما أخرجه أصحاب السنن.
طبع عدة طبعات، وقد اعتمده الخطيب التبريزي، وزاد عليه، وهذبه في كتابه " مشكاة المصابيح ".
(3) وهو تأليف محرر مهذب، مجرد من الأدلة غالبا، لخصه من تعليقة شيخه القاضي حسين، وزاد فيه، ونقص، وهو مشهور متداول عند الشافعية يفيدون منه، وينقلون عنه، ويعتمدونه في كثير من المسائل، والامام النووي رحمه يكثر النقل عنه في " روضة الطالبين " الذي حققته مع زميلي الفاضل الشيخ عبد القادر الأرنؤوط، وقد صدر في اثني عشر مجلدا، وكتاب التهذيب يقع في أربع مجلدات ضخام يوجد منه المجلد الرابع في ظاهرية دمشق تحت رقم (292) فقه شافعي يرجع تاريخ نسخه إلى سنة 599 هـ.(19/440)
وَمَا علمتُ أَنَّهُ حَجَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَد العطَّارِي عُرِفَ بِحفدَة، وَأَبُو الفُتُوْح مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّائِيّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو المَكَارِمِ فَضلُ الله بن مُحَمَّدٍ النَّوقَانِي، الَّذِي عَاشَ إِلَى سَنَةِ سِتّ مائَة، وَأَجَازَ لِشيخنَا الفَخْرِ بنِ عَلِيٍّ البُخَارِيّ (1) .
وَكَانَ البَغَوِيُّ يُلَقَّبُ بِمُحْيِي السُّنَّةِ وَبِرُكْنِ الدِّين، وَكَانَ سَيِّداً إِمَاماً، عَالِماً علاَّمَة، زَاهِداً قَانِعاً بِاليَسِيْرِ، كَانَ يَأْكُلُ الْخبز وَحْدَه، فَعُذِلَ فِي ذَلِكَ، فَصَارَ يَأْتَدِمُ بزَيْت، وَكَانَ أَبُوْهُ يَعمل الفِرَاء وَيبيعُهَا، بُورِكَ لَهُ فِي تَصَانِيْفه، وَرُزِقَ فِيْهَا القبولَ التَّام، لِحُسن قَصده، وَصِدق نِيَّتِه، وَتنَافس العُلَمَاءُ فِي تَحصيلهَا، وَكَانَ لاَ يُلقِي الدّرسَ إِلاَّ عَلَى طهَارَةٍ، وَكَانَ مقتصداً فِي لِبَاسه، لَهُ ثَوْب خَام، وَعِمَامَةٌ صغِيرَة عَلَى مِنْهَاج السَّلَف حَالاً وَعقداً، وَلَهُ القدمُ الرَّاسخ فِي التَّفْسِيْر، وَالبَاعُ الْمَدِيد فِي الفِقْه (2) - رَحِمَهُ اللهُ -.
__________
(1) هو علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد الامام العابد مسند العصر فخر الدين أبو الحسن المقدسي الصالحاني الحنبلي، ترجم له المؤلف في " مشيخته ": الورقة: 94، وأرخ وفاته سنة 690 هـ.
(2) البغوي رحمه الله نشأ شافعي المذهب بحكم البيئة التي عاش فيها والعلماء الذين التقى بهم، وأخذ عنهم، وكانت له يد مشكورة في المذهب الشافعي، فقد ألف فيه كتابه " التهذيب " نحى فيه منحى أهل الترجيح والاختيار والتصحيح إلا أنه رحمه الله لم يكن يتعصب لامامه، ولا يندد بغيره، بل كان ينظر في جميع المذاهب وآراء الأئمة، ويطلع على حججهم ودلائلهم، ويأخذ غالبا في كل باب ما يراه أبلغ في الحجة، وأوفق للنصح على أنه حين استوت له المعرفة، وبلغ مرحلة النضج، كان يدعو إلى الاعتصام بالكتاب والسنة اللذين هما أصل الدين، وملاكه، وإليهما المرجع في المسائل الشرعية، ويؤلف في نشر علومهما، وبث معارفهما، وإحياء مآثرهما التآليف النافعة الماتعة حتى استحق بحق لقب " محيي السنة " من أهل عصره وممن جاء بعده.(19/441)
تُوُفِّيَ: بِمَرْو الرُّوذ (1) - مدينَةٍ مِنْ مَدَائِن خُرَاسَانَ - فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَدُفِنَ بِجنب شَيْخه القَاضِي حُسَيْن، وَعَاشَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَمَاتَ أَخُوْهُ العَلاَّمَةُ المُفْتِي أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بن مَسْعُوْدِ بنِ الفَرَّاء سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَلَهُ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الأَدِيْبِ وَجَمَاعَة.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَدِيْب، وَعبدُ الخَالِق بن عُلْوَانَ القَاضِي، وَأَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَمِيْرَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ القُدَامِي، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بَهْرَامَ الصُّوْفِيّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَد الفَقِيْه سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحْيِي السُّنَّة حُسَيْنُ بن مَسْعُوْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرزِي، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمد، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،
__________
(1) وتعرف بمرو الصغرى تمييزا لها عن مرو الشاهجان التي تقع على بعد (160) ميلا عنها، وهي تقع على نهر مرغاب داخلة الآن في حدود تركستان شمال بلاد الافغان.
ولمرو شهرة عظيمة في التاريخ الإسلامي بما أنجبت من علماء عظام من القرن الأول للهجرة وحتى نهاية القرن السادس الهجري.
(2) في مشيخة المؤلف الورقة: 46 أربع شيخات اسمهن خديجة واسم والدهن عبد الرحمن، الأولى: خديجة بنت عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك أم فاطمة المقدسية، توفيت في حدود سنة 707 هـ، والثانية: خديجة بنت عبد الرحمن بن عمر المقدسية توفيت سنة 720 هـ، والثالثة: خديجة بنت أبي بكر عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم المقدسية أم محمد توفيت سنة 702 هـ، والرابعة: خديجة بنت الرضى عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار أم محمد، توفيت سنة 701 هـ.(19/442)
عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:
إِنْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوْطِهِنَّ، مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ (1) .
259 - ابْنُ عَقِيْلٍ أَبُو الوَفَاءِ عَلِيُّ بنُ عَقِيْلِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، البَحْرُ، شَيْخُ الحنَابلَة، أَبُو الوَفَاء عَلِيُّ بنُ عَقِيْل بن مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيّ، الظَّفَرِيّ، الحَنْبَلِيّ، المُتَكَلِّم، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، كَانَ يَسكن الظَّفَرِيَة (2) ، وَمَسجِدُه بِهَا مَشْهُوْر.
__________
(1) هو في " شرح السنة ": 2 / 195 رقم الحديث (353) ، وهو في " الموطأ ": 1 / 5 في وقوت الصلاة، ومن طريق مالك أخرجه البخاري برقم (867) في الاذان: باب انتظار الناس قيام الامام العالم، ومسلم (645) ، (232) في المساجد: باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وأبو داود (423) ، والترمذي (153) ، والنسائي: 1 / 271 في المواقيت: باب التغليس في الحضر، وأخرجه البخاري (372) و (578) ومسلم (645) (230) و (231) من طرق عن الزهري عن عروة، عن عائشة، وأخرجه البخاري (872) من طريق يحيى بن موسى عن سعيد بن منصور، عن فليح، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة ... وقوله: " متلفعات بمروطهن " أي: متجلللات بأكسيتهن، والتلفع بالثوب: الاشتمال به، والمروط: الاردية الواسعة، واحدها: مرط، والغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح ...
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 259، مناقب الامام أحمد: 526 - 527، المنتظم: 9 / 212، الكامل في التاريخ: 10 / 561، تاريخ الإسلام: 4 / 209 / 2 - 210 / 2، دول الإسلام: 2 / 41، العبر: 4 / 29، معرفة القراء الكبار: 1 / 380، ميزان الاعتدال: 3 / 146، الوافي بالوفيات: م 12 / 121، عيون التواريخ: 13 / 353 - 355، مرآة الزمان: 8 / 51 - 54، مرآة الجنان 3 / 204، البداية: 12 / 184، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 142 - 165، غاية النهاية في طبقات القراء: 1 / 556 - 557، لسان الميزان: 4 / 243 - 244، النجوم الزاهرة: 5 / 219، المنهج الاحمد: 2 / 252 - 270، كشف الظنون: 71، 1447، شذرات الذهب: 4 / 35 - 40، جلاء العينين: 99، إيضاح المكنون: 1 / 85، 130، هدية العارفين: 1 / 695.
(2) في معجم ياقوت: 4 / 60: الظفرية: محلة بشرقي بغداد كبيرة، وإلى جانبها محلة أخرى كبيرة يقال لها: قراح ظفر، وهي في قبلي باب أبرز، والظفرية في غربيه، أظنهما منسوبتين إلى ظفر أحد خدم دار الخلافة.(19/443)
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا الفَتْح بن شيطَا، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَالحَسَنَ بنَ غَالِبٍ المُقْرِئ، وَالقَاضِي أَبَا يَعْلَى بنَ الفَرَّاءِ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ.
وَتَلاَ بِالعَشرِ عَلَى: أَبِي الفَتْحِ بن شِيطَا.
وَأَخَذَ العَرَبِيَّة عَنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بَرْهَان.
وَأَخَذَ عِلْمَ العَقْلِيَّات عَنْ شَيْخَي الاعتزَال: أَبِي عَلِيٍّ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ التَّبَّانِ صَاحِبَي أَبِي الحُسَيْنِ البَصْرِيِّ، فَانْحَرَفَ عَنِ السُّنَّةِ (1) .
__________
(1) قال المؤلف في " معرفة القراء ": 1 / 380: وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان، ومن ثم حصل فيه شائبة تجهم واعتزال وانحرافات.
وقال في " الميزان ": 3 / 146: أحد الاعلام، وفرد زمانه علما ونقلا وذكاء وتفننا ... إلا أنه خالف السلف، ووافق المعتزلة في عدة بدع نسأل الله السلامة، فإن كثرة التبحر في علم الكلام ربما أضر بصاحبه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
وقد بين شيخ الإسلام في " درء تعارض العقل والنقل ": 8 / 60 - 61 نوع الخطأ الذي وقع فيه، فقال: ولابن عقيل أنواع من الكلام، فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر في كلام الناس، فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الحبرية وينكر على من يسميها صفات ويقول: إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة كما فعله في كتابه " ذم التشبيه وإثبات التنزيه " وغيره من كتبه، واتبعه على ذلك أبو الفرج ابن الجوزي في " كف التشبيه بكف التنزيه " وفي كتابه " منهاج الوصول ".
وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد على النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات، وتارة يوجب التأويل كما فعله في كتابه " الواضح " وغيره.
وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهى عنه كما فعله في كتابه " الانتصار لأصحاب الحديث " فيوجد في كلامه من الكلام الحسن البليغ ما هو معظم مشكور، ومن الكلام المخالف للسنة والحق ما هو مذموم ومدحور ... ولابن عقيل من الكلام في ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف ما هو معروف كما قال في " الفنون " ومن خطه نقلت ثم ذكر فصلا مطولا استوعب سبع صفحات من الكتاب فراجعه.
وجاء فيه أيضا: 1 / 270: وكان الأشعري أقرب إلى مذهب أحمد وأهل السنة من كثير من المتأخرين المنتسبين إلى أحمد الذين مالوا إلى بعض كلام المعتزلة كابن عقيل، وصدقة ابن الحسين، وابن الجوزي، وأمثالهم.
وفيه أيضا: 7 / 263: وفي هذا الباب، باب المضافات إلى الله إضافة خلق وملك، =(19/444)
وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، وَكَانَ بحرَ معَارِفَ، وَكنزَ فَضَائِل، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي زَمَانِهِ نَظير عَلَى بدعته، وَعَلَّق كِتَاب (الفُنُوْنِ) ، وَهُوَ أَزْيَدُ مِنْ أَرْبَع مائَة مُجلَّد، حشد فِيْهِ كُلَّ مَا كَانَ يَجرِي لَهُ مَعَ الفُضَلاَء وَالتَّلاَمذَة، وَمَا يَسْنَحُ لَهُ مِنَ الدَّقَائِق وَالغَوَامِضِ، وَمَا يَسْمَعُهُ مِنَ العَجَائِب وَالحوَادِثِ (1) .
__________
= كإضافة البيت، والناقة، وهذا قول نفاة الصفات من الجهمية، والمعتزلة، ومن وافقهم، حتى ابن عقيل، وابن الجوزي وأمثالهما إذا مالوا إلى قول المعتزلة سلكوا هذا المسلك، وقالوا: هذه آيات الإضافات لا آيات الصفات، كما ذكر ذلك ابن عقيل في كتابه المسمى " نفي التشبيه وإثبات التنزيه " وذكره ابن الجوزي في " منهاج الوصول " وغيره، وهذا قول بن حزم وأمثاله ممن وافقوا الجهمية على نفي الصفات وإن كانوا من المنتسبين إلى الحديث والسنة.
وقال الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 144: إن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وابن التبان شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله.
وقال الحافظ ابن كثير في " البداية ": 12 / 184: وكان يجتمع بجميع العلماء من كل مذهب، فربما لامه أصحابه، فلا يلوي عليهم، فلهذا برز على أقرانه، وساد أهل زمانه،
في فنون كثيرة، مع صيانة وديانة، وحسن صورة، وكثرة اشتغال.
وقال الحافظ ابن حجر في " اللسان ": 4 / 243: وهذا الرجل من كبار الأئمة، نعم كان معتزليا، ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك، وصحت توبته، ثم صنف في الرد عليهم، وقد أثنى عليه أهل عصره ومن بعدهم، وأطراه ابن الجوزي، وعول على كلامه في أكثر تصانيفه.
(1) قال الحافظ ابن رجب: وأكبر تصانيفه الفنون، وهو كتاب كبير جدا، فيه فوائد كثيرة جليلة، في الوعظ، والتفسير، والفقه، والاصلين، والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ، والحكايات، وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره، ونتائج فكره قيدها فيه.
وقال ابن الجوزي: وهذا الكتاب مئتا مجلد، وقع لي منه نحو من مئة وخمسين مجلدا، وقال سبطه في مرآة الزمان: 8 / 151: واختصر منه جدي عشر مجلدات فرقها في تصانيفه، وقد طالعت منه في بغداد في وقف المأمونية نحوا من سبعين، وفيه حكايات ومناظرات، وغرائب وعجائب وأشعار.
وقال عبد الرزاق الرسعني في تفسيره: قال لي أبو البقاء اللغوي: سمعت الشيخ أبا حكيم النهرواني يقول: وقفت على السفر الرابع بعد الثلاث مئة من كتاب الفنون، وقال الامام الذهبي في " تاريخ الإسلام ": حدثني من رأى منه =(19/445)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ المغَازلِي، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَمُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ خطيبُ المَوْصِل، وَابْنُ نَاصر، وَآخَرُوْنَ.
أَنبؤونَا عَنْ حَمَّادٍ الحَرَّانِيّ، سَمِعَ السِّلَفِيّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَتْ عَيْنِي مِثْلَ أَبِي الوَفَاء بن عَقِيْل الفَقِيْه، مَا كَانَ أَحَدٌ يَقدِرُ أَنْ يَتَكَلَّم مَعَهُ لِغزَارَة عِلْمه، وَحُسن إِيرَاده، وَبَلاغَةِ كَلاَمِه، وَقُوَّة حجَّته، تَكَلَّمَ يَوْماً مَعَ شيخنَا إِلْكِيَا أَبِي الحَسَنِ، فَقَالَ لَهُ إِلكيَا: هَذَا لَيْسَ مَذْهَبك.
فَقَالَ: أَكُوْنُ مِثْل أَبِي عَلِيٍّ الجُبَّائِي، وَفُلاَن وَفُلاَن لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً؟! أَنَا لِي اجْتِهَاد مَتَى مَا طَالبنِي خصمٌ بِالحُجَّة، كَانَ عِنْدِي مَا أَدفع بِهِ عَنْ نَفْسِي وَأَقومُ لَهُ بِحجتِي.
فَقَالَ إِلكيَا: كَذَاكَ الظَّنُّ بِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: عصمنِي اللهُ فِي شبَابِي بِأَنْوَاعٍ مِنَ العِصْمَة، وَقَصَرَ مَحَبَّتِي عَلَى العِلْم، وَمَا خَالطتُ لَعَّاباً قَطُّ، وَلاَ عَاشرتُ إِلاَّ أَمثَالِي مِنْ طَلبَةِ العِلْم، وَأَنَا فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ أَجِدُ مِنَ الحِرْصِ عَلَى العِلْم أَشدّ مِمَّا كُنْتُ أَجده وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ، وَبلغتُ لاِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَةً، وَأَنَا اليَوْمَ لاَ أَرَى نَقصاً فِي الخَاطر وَالفِكرِ وَالحِفْظ، وَحدَّةِ النَّظَر بِالعين لرُؤْيَة الأَهلَةِ الخفِيَة إِلاَّ أَنَّ القوَّة ضَعِيْفَة.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ ابْنُ عَقِيْلٍ ديناً، حَافِظاً لِلْحُدُوْدِ، تُوُفِّيَ لَهُ ابْنَانِ، فَظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الصَّبْر مَا يُتَعَجَّب مِنْهُ، وَكَانَ كَرِيْماً يُنفِق مَا يَجد، وَمَا خلَّف سِوَى كتبِه وَثِيَابِ بدنه، وَكَانَتْ بِمِقْدَار، تُوُفِّيَ بُكرَة الجُمُعَة، ثَانِي
__________
= المجلد الفلاني بعد الأربع مئة. وقد طبع منه جزء في دار المشرق لبنان سنة 1969، وقع لمحققه تحريفات فاضحة.(19/446)
عشر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَكَانَ الجمعُ يَفوت الإِحصَاءُ، قَالَ ابْنُ نَاصر شَيْخُنَا: حزرتُهُم بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْف.
قَالَ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ: صُلِّي عَلَى شَيخنَا بِجَامِع القَصْر، فَأَمَّهُم ابْنُ شَافع، وَكَانَ الجمعُ مَا لاَ يُحصَى، وَحُمِلَ إِلَى جَامِع المَنْصُوْر، فَصُلِّي عَلَيْهِ، وَجَرَتْ فِتْنَةً، وَتَجَارَحُوا، وَنَال الشَّيْخُ تَقطيع كفن، وَدُفِنَ قَرِيْباً مِنَ الإِمَام أَحْمَد.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ أَيْضاً فِيْهِ: هُوَ فَرِيْدُ فَنِّه، وَإِمَامُ عصره، كَانَ حَسَنَ الصُوْرَة، ظَاهِرَ المَحَاسِن.
قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَإِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَحظيتُ مِنْ قُربه بِمَا لَمْ يَحظ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَ حدَاثَة سِنِّي، وَكَانَ أَبُو الحَسَنِ الشِّيرَازِي إِمَامَ الدُّنْيَا وَزَاهِدَهَا، وَفَارِسَ المنَاظرَة وَواحدَهَا، يعلمنِي المنَاظرَة، وَانتفعتُ بِمُصَنّفَاته ... ، ثُمَّ سَمَّى جَمَاعَة مِنْ شُيُوْخِهِ (1) .
ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ أَصْحَابُنَا الحنَابلَة يُرِيْدُوْنَ مِنِّي هِجرَان جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَحرِمنِي عِلْماً نَافِعاً.
قُلْتُ: كَانُوا يَنهونه عَنْ مُجَالَسَةِ المُعْتَزِلَة، وَيَأْبَى حَتَّى وَقَعَ فِي حَبَائِلهِم، وَتَجسَّر عَلَى تَأْويلِ النُّصُوص - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ -.
قَالَ: وَأَقْبَلَ عَليَّ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ يُوْسُفَ، وَقَدَّمنِي عَلَى الفتَاوِي، وَأَجلَسَنِي فِي حَلْقَةِ البَرَامِكَةِ بِجَامِعِ المَنْصُوْر لَمَّا مَاتَ شَيخُنَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَامَ بِكُلِّ مُؤنتِي وَتَجَمُّلِي.
__________
(1) انظر " المنتظم ": 9 / 212، 213، و" ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 142، 143.(19/447)
وَأَمَّا أَهْلُ بَيْتِي، فَإِنَّهُم أَربَابُ أَقلاَم وَكِتَابَة وَأَدب، وَعَانَيْتُ مِنَ الفَقْر وَالنسخ بِالأُجرَة مَعَ عِفَّةٍ وَتُقَى، وَلَمْ أُزَاحم فَقِيْهاً فِي حَلْقَة، وَلاَ تَطلب نَفْسِي رُتْبَةً مِنْ رتب أَهْل العِلْمِ القَاطعَة عَنِ الفَائِدَة، وَأُوْذِيت مِنْ أَصْحَابِي، حَتَّى طُلب الدَّمُ، وَأُوْذِيت فِي دَوْلَةِ النِّظَام بِالطلب وَالحَبْس.
وَفِي (تَارِيخ ابْن الأَثِيْرِ (1)) قَالَ: كَانَ قَدِ اشْتَغَل بِمَذْهَب المُعْتَزِلَةِ فِي حَدَاثَتِهِ عَلَى ابْنِ الوَلِيْدِ، فَأَرَادَ الحَنَابِلَةُ قَتْلَه، فَاسْتجَارَ بِبَابِ المَرَاتِب عِدَّة سِنِيْنَ، ثُمَّ أَظهر التَّوبَة (2) .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ فِي (الفُنُوْنِ) :الأَصْلحُ لاعتقَاد العوَامِّ ظوَاهر الْآي، لأَنَّهُم يَأْنسُوْنَ بِالإِثْبَات، فَمتَى مَحَونَا ذَلِكَ مِنْ قلوبهِم، زَالت الحِشْمَة.
قَالَ: فَتهَافُتهُم فِي التَّشبيه أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ إِغرَاقِهِم فِي التَّنْزِيه، لأَنَّ التَّشبيه يَغْمِسُهُم فِي الإِثْبَات، فَيخَافُوْنَ وَيَرجُوْنَ، وَالتَّنْزِيه يَرمِي بِهِم إِلَى النَّفْي، فَلاَ طَمَعَ وَلاَ مَخَافَة فِي النَّفْي، وَمنْ تدبَّر الشَّرِيعَة، رَآهَا غَامسَة لِلمُكلفين فِي التَّشبيه بِالأَلْفَاظ الظَّاهِرَة الَّتِي لاَ يُعطِي ظَاهِرهَا سِوَاهُ، كَقَوْل الأَعْرَابِيّ: أَوَ يَضحكُ رَبُّنَا؟
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نَعَمْ (3)) ، فَلَمْ يَكفهِرَّ لِقَوْلِهِ، تَركه وَمَا وَقَعَ لَهُ.
__________
(1) 10 / 561.
(2) انظر نص التوبة في " ذيل الطبقات ": 1 / 144، 145.
(3) في " المسند ": 4 / 11، وسنن ابن ماجة: 181، من طريق يزيد بن هارون، حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن عمه أبي رزين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضحك ربنا من قنوط عبد وقرب غيره " قال: قلت: يا رسول الله، أو يضحك الرب؟ قال: " نعم "، قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا.
وكيع بن عدس لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل، وقال ابن القطان: مجهول الحال، وباقي رجاله ثقات.
وانظر: " الأسماء والصفات ": ص: 467 وما بعدها للبيهقي.(19/448)
قُلْتُ: قَدْ صَارَ الظَّاهِرُ اليَوْم ظَاهِرَيْنِ: أَحَدُهُمَا حقّ، وَالثَّانِي بَاطِل، فَالحَقّ أَنْ يَقُوْلَ: إِنَّهُ سمِيْع بَصِيْر، مُرِيْدٌ متكلّم، حَيٌّ عَلِيْم، كُلّ شَيْء هَالك إِلاَّ وَجهَهُ، خلق آدَمَ بِيَدِهِ، وَكلَّم مُوْسَى تَكليماً، وَاتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، وَأَمثَال ذَلِكَ، فَنُمِرُّه عَلَى مَا جَاءَ، وَنَفهَمُ مِنْهُ دلاَلَةَ الخِطَابِ كَمَا يَليق بِهِ تَعَالَى، وَلاَ نَقُوْلُ: لَهُ تَأْويلٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ.
وَالظَّاهِرُ الآخر وَهُوَ البَاطِل، وَالضَّلاَل: أَنْ تَعتَقِدَ قيَاس الغَائِب عَلَى الشَّاهد، وَتُمَثِّلَ البَارِئ بِخلقه، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ، بَلْ صفَاتُهُ كَذَاته، فَلاَ عِدْلَ لَهُ، وَلاَ ضِدَّ لَهُ، وَلاَ نَظيرَ لَهُ، وَلاَ مِثْل لَهُ، وَلاَ شبيهَ لَهُ، وَلَيْسَ كَمثله شَيْء، لاَ فِي ذَاته، وَلاَ فِي صفَاته، وَهَذَا أَمرٌ يَسْتَوِي فِيْهِ الفَقِيْهُ وَالعَامِيُّ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ ابْنَ عَقِيْل يَقُوْلُ:
كَانَ جَدِّي كَاتِبَ بهَاءِ الدَّوْلَة بن بُويه، وَهُوَ الَّذِي كتب نُسخَة عزل الطَّائِع، وَتوليَة القَادِر، وَهِيَ عِنْدِي بِخَطِّ جَدِّي.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْطُ ابْن الجَوْزِيّ: حَكَى ابْنُ عَقِيْل عَنْ نَفْسِهِ قَالَ:
حججتُ، فَالتقطتُ عقد لُؤْلُؤٍ فِي خيط أَحْمَرَ، فَإِذَا شَيْخٌ أَعْمَى يَنشُدُه، وَيبذُلُ لِمُلْتَقِطِهِ مائَة دِيْنَارٍ، فَرددتُهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: خُذِ الدَّنَانِيْر.
فَامتنعتُ، وَخَرَجتُ إِلَى الشَّامِ، وَزُرْتُ القُدْس، وَقصدتُ بَغْدَادَ، فَأَويتُ بِحَلَبَ إِلَى مَسْجِد وَأَنَا بردَانُ جَائِع، فَقَدَّمُوْنِي، فَصَلَّيْتُ بِهِم، فَأَطعمُوْنِي، وَكَانَ أَوَّلَ رَمَضَان، فَقَالُوا: إِمَامُنَا تُوُفِّيَ، فَصَلِّ بِنَا هَذَا الشَّهْرَ.
فَفَعَلتُ، فَقَالُوا: لإِمَامِنَا بِنْتٌ.
فَزُوِّجْتُ بِهَا، فَأَقَمْتُ مَعَهَا سَنَة، وَأَوْلَدْتُهَا وَلداً ذكراً، فَمَرِضَتْ فِي نَفَاسهَا، فَتَأَمَّلتُهَا يَوْماً فَإِذَا فِي عُنُقِهَا العقدُ بِعَيْنِهِ بِخَيطِهِ الأَحْمَر، فَقُلْتُ لَهَا: لِهَذَا قِصَّة. وَحكيتُ لَهَا،(19/449)
فَبكت، وَقَالَتْ: أَنْتَ هُوَ وَاللهِ، لَقَدْ كَانَ أَبِي يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ ارزُقْ بِنْتِي مِثْل الَّذِي رَدَّ العقدَ عَلِيَّ، وَقَدِ اسْتَجَاب اللهُ مِنْهُ.
ثُمَّ مَاتَتْ، فَأَخَذتُ العِقدَ وَالمِيْرَاثَ، وَعُدْتُ إِلَى بَغْدَادَ (1) .
وَحَكَى عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا بِالظَّفَرِيَة دَارٌ، كلَمَّا سكنهَا نَاسٌ أَصْبَحُوا مَوْتَى، فَجَاءَ مرَّة رَجُلٌ مُقْرِئ، فَاكترَاهَا، وَارتضَى بِهَا، فَبَاتَ بِهَا وَأَصْبَح سَالِماً، فَعجبَ الجيرَانُ، وَأَقَامَ مُدَّةً، ثُمَّ انْتقل، فَسُئِلَ، فَقَالَ: لَمَّا بِتُّ بِهَا، صَلَّيْتُ العشَاء، وَقَرَأْتُ شَيْئاً، وَإِذَا شَابّ قَدْ صَعِدَ مِنَ البِئْر، فَسَلَّمَ عليَّ، فَبُهِتُّ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ عَلَيْك، عَلِّمنِي شَيْئاً مِنَ القُرْآن.
فَشرعتُ أُعَلِّمُه، ثُمَّ قُلْتُ: هَذِهِ الدَّار، كَيْفَ حَدِيْثُهَا؟
قَالَ: نَحْنُ جِنٌّ مُسْلِمُوْنَ، نَقرَأُ وَنُصلِي، وَهَذِهِ الدَّار مَا يَكترِيهَا إِلاَّ الفُسَّاقُ، فَيَجْتَمِعُوْنَ عَلَى الخَمْر، فَنخنقهُم.
قُلْتُ: فَفِي اللَّيْلِ أَخَافُك، فَجِئ نَهَاراً.
قَالَ: نَعَمْ.
فَكَانَ يَصْعَدُ مِنَ البِئْر فِي النَّهَار، وَأَلِفْتُه، فَبَيْنَمَا هُوَ يَقرَأُ، إِذَا بِمعزم فِي الدَّرب، يَقُوْلُ: المُرقِي مِنَ الدَّبِيْب، وَمِنَ العَينِ، وَمِنَ الجِنِّ.
فَقَالَ: أَيشٍ هَذَا؟
قُلْتُ: مُعَزِّم.
قَالَ: اطلبْه.
فَقُمْتُ وَأَدَخَلتُهُ، فَإِذَا بِالجنِّي قَدْ صَارَ ثُعبَاناً فِي السَّقف، فَعزَّمَ الرَّجُل، فَمَا زَالَ الثُّعبَانُ يَتدلَى حَتَّى سقط فِي وَسط المَنْدَل، فَقَامَ لِيَأْخذه وَيَضعَه فِي الزِّنْبِيل، فَمنعتُهُ، فَقَالَ: أَتَمنَعُنِي مِنْ صيدي؟!
فَأَعْطيتُهُ دِيْنَاراً وَرَاح، فَانْتفض الثُّعبَان، وَخَرَجَ الجِنِّي، وَقَدْ ضَعُفَ وَاصْفَرَّ وَذَاب، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟
قَالَ: قتلنِي هَذَا بِهَذِهِ الأَسَامِي، وَمَا أَظننِي أُفْلِحُ، فَاجعل بَالك اللَّيْلَة، مَتَى سَمِعْتَ فِي البِئْر صُرَاخاً، فَانْهَزِمْ.
قَالَ: فَسَمِعْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ
__________
(1) مرآة الزمان: 8 / 52، 53، وقد رواها الذهبي رحمه الله بتصرف.(19/450)
النّعِيَّ، فَانْهَزَمتُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: وَامْتَنَعَ أَحَدٌ أَنْ يَسكن تِلْكَ الدَّار بَعْدهَا (1) .
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو البَقَاءِ يَعيش، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ الخَطِيْب، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَقِيْلٍ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا القَطِيْعِيّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّمَا معيشتِي مِنَ التَّصَاوير.
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ صَوَّرَ صُوْرَةً، عَذَّبَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يَنْفُخَ فِيْهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيْهَا أَبَداً) (2) .
260 - ابْنُ أَبِي عِمَامَةَ أَبُو سَعْدٍ المُعَمَّرُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّرِ *
المُفْتِي، الوَاعِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو سَعْدٍ المُعَمَّرُ بنِ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّر بن أَبِي
__________
(1) مرآة الزمان: 8 / 53، 54.
(2) بشر بن موسى هو الأسدي ثقة حافظ مترجم في الجزء الثالث عشر من " السير " رقم (170) وهوذة: هو ابن خليفة الثقفي البكراوي صدوق، وعوف: هو ابن أبي جميلة الاعرابي روى له الجماعة، وسعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن البصري ثقة روي له الجماعة، وأخرجه أحمد 1 / 360 من طريقين عن عوف بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (2110) من طريق نصر بن علي الجهضمي عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن سعيد ابن أبي الحسن، عن ابن عباس، وأخرجه البخاري (2225) من طريق عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا يزيد بن زريع، أخبرنا عوف به، وفيه عندهما: فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه، فقال له ابن عباس: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، وكل شيء ليس فيه روح.
وأخرجه هو (5963) في اللباس، ومسلم (2110) (100) في اللباس والزينة، والنسائي: 8 / 215، وأحمد: 1 / 241 من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن النضر بن أنس بن مالك، عن ابن عباس.
(*) المنتظم: 9 / 173 - 174، تاريخ الإسلام: 4: 179 / 2 - 180، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، البداية: 12 / 175، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 107 - 110، النجوم الزاهرة: 5 / 205، شذرات الذهب: 4 / 14 - 15.(19/451)
عِمَامَة البَغْدَادِيّ، الحَنْبَلِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ غَيْلاَنَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ المقتدِر، وَالحَسَن بنِ مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَأَبِي القَاسِمِ التَّنُوخِي، وَرَوَى اليَسِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: درسَ الفِقْهَ عَلَى شُيُوْخِ زَمَانه، وَأَفتَى وَنَاظر، وَحَفِظَ مِنَ الآدَاب وَالشِّعر وَالنوَادِرِ فِي الجدِّ وَالهَزْلِ مَا لَمْ يَحفظْه غَيْرُه، وَانْفَرَدَ بِالوعظِ (1) ، وَانتفعُوا بِمَجَالِسه، فَكَانَ يُبْكِي النَّاسَ وَيُضْحِكهُم، وَلَهُ قبولٌ عَظِيْم عِنْد الخَاصِّ وَالعَامِّ، وَكَانَ لَهُ مِنْ حِدَّة الخَاطر، وَخِفَّةِ الرُّوح مَا شَاع وَذَاع وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الإِجْمَاعُ، وَكَانَ يَؤُمُّ بِالإِمَامِ الْمُقْتَدِي بِأَمرِ الله فِي التَّرَاويح وَيُنَادِمُهُ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْس مائَة، وَشيَّعه خلق كَثِيْر، وَسَاقَ ابْنُ النَّجَّار نَوَادِرَ وَطِيبَ مُزَاحٍ لَهُ.
__________
(1) ذكر له ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 173، 174، والحافظ ابن رجب في " ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 107، 109، مجلس وعظ بجامع المهدي نصح به نظام الملك الوزير نصيحة تلمح فيها العلم الأصيل، وعزة المؤمن، ونزاهة القصد، وكمال الشفقة للمنصوح.
أكثر الله في المسلمين من أمثاله في عصرنا هذا ... الذي شاع فيه المداهنون الذين يبتغون بنصحهم حطام الدنيا، والتزلف لأصحاب النفوذ، والمتطرفون الذين ينزعون إلى الغلو والتنطع، وسوء الظن والتهور، وكلاهما بمنأى عن صراط الله السوي، ونهجه الحكيم.(19/452)
أَخُوْهُ:
261 - عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّرِ بنِ أَبِي عِمَامَةَ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو المَعَالِي عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّر بن أَبِي عِمَامَة البَغْدَادِيّ، البَقَّال.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي طَالِبٍ بن غَيْلاَنَ، وَعُمَرَ بن عَبْدِ المَلِكِ الرزَّان، وَقرَأَ الأَدبَ عَلَى عبدِ الوَاحِد بن بَرْهَان، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّهَّان، وَرَوَى قليلاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ عَسِراً، غَيْرَ مرضِي السِّيرَة، يُخِلُّ بِالصَّلَوَات، وَيَرتكِبُ المحظورَات، رَوَى عَنْهُ ابْنُ الإِخْوَة، وَالسِّلَفِيّ.
قَالَ السِّلَفِيّ: قرَأَ اللُّغَةَ عَلَى ابْنِ بَرْهَان إِلاَّ أَنَّ فِي عَقْله خللاً، وَهُوَ حَسَنُ الطّرِيقَةِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ:
رَأَينَا أَبَا المعَالِي ابْنَ أَبِي عِمَامَة فِي جَامِعِ المَنْصُوْر، وَمَعَنَا جُزْءٌ، فَأَردنَا أَن نَقرَأَه عَلَيْهِ، فَسَأَلنَاهُ، فَأَبَى، فَأَلححنَا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ صَوْتَه،
وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاس، اشْهَدُوا أَنِّي كَذَّاب.
ثُمَّ قَالَ: لاَ يَحلُّ لَكُم أَنْ تَسْمَعُوا مِنْ كَذَّاب، قُوْمُوا.
قَالَ: وَكَانَ شَاعِراً هَجَّاءً، خَبِيثَ اللِّسَان.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ إِحْدَى تِسْعُوْنَ سَنَةً.
__________
(*) المنتظم: 9 / 248، تاريخ الإسلام: 4 / 231 / 1، ميزان الاعتدال: 2 / 49، لسان الميزان: 4 / 148، 149.(19/453)
262 - الطُّغْرَائِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَمِيدُ، فَخرُ الكُتَّاب، مُؤَيَّدُ الدِّينِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الأَصْبَهَانِيّ، المُنْشِئ، الشَّاعِر، ذُو بَاعٍ مَدِيد فِي الصِّنَاعَتَينِ، وَلَهُ لاَمِيَّةُ الْعَجم بَدِيعَة (1) ، وَمَا أَملح قَوْلَه:
يَا قَلْبُ مَالَكَ وَالهَوَى مِنْ بَعْدِ مَا ... طَابَ السُّلُوُّ وَأَقْصَرَ العُشَّاقُ
أَوَ مَا بَدَا لَكَ فِي الإِفَاقَةِ وَالأُلَى ... نَازَعْتَهُم كَأْسَ (2) الغَرَامِ أَفَاقُوا
__________
(*) الأنساب: لوحة: 543، معجم الأدباء: 10 / 56 - 79، اللباب: 3 / 262 - 263، وفيات الأعيان: 2 / 185 - 190، تاريخ الإسلام: 4 / 213 / 2، العبر: 4 / 32، تتمة المختصر: 2 / 49 - 50، الوافي بالوفيات: 14 / 431 - 439، عيون التواريخ: لوحة: 357 - 366، مرآة الزمان: 8 / 56 - 58، مرآة الجنان: 3 / 210، البداية: 12 / 190، النجوم الزاهرة: 5 / 220، مفتاح السعادة: 1 / 197 - 198، كشف الظنون: 68، شذرات الذهب: 4 / 41 - 43، النزهة للموسوي: 2 / 73، روضات الجنات: 248، أعيان الشيعة: 27 / 76 - 88.
(1) ومطلعها: أصالة الرأي صانتني عن الخطل * وحلية الفضل زانتني لدى العطل
وهي طويلة تنيف على ستين بيتا، وقالوا فيها: إنها من غرر القصائد، ودرر الفوائد، لما اشتملت عليه من لطيف الغزل، واحتوت عليه من الحكم والامثال، ومما يستجاد منها قوله:
أعلل النفس بالآمال أرقبها * ما أضيق العيش لولا فسحة الامل
وقوله:
يا واردا سؤر عيش كله كدر * أنفقت صفوك في أيامك الأول
فيم اقتحامك لج البحر تركبه * وأنت يكفيك منه مصة الوشل
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا * يحتاج فيه إلى الانصار والخول
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها * فهل سمعت بظل غير منتقل
ويا خبيرا على الاسرار مطلعا * اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل
قد رشحوك لامر لو فطنت له * فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وقد أقام عليها الصلاح الصفدي شرحا مطولا، وهو مطبوع في مجلدين ضخمين.
(2) في الأصل: كان وهو خطأ.(19/454)
مَرِضَ النَّسِيْمُ وَصَحَّ وَالدَّاءُ الَّذِي ... تَشْكُوهُ لاَ يُرْجَى لَهُ إِفْرَاقُ
وَهَذَا خُفُوْقُ البَرْق وَالقَلْبُ (1) الَّذِي ... تُطْوَى عَلَيْهِ أَضَالِعِي خَفَّاقُ
قُتِلَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
263 - السَّعِيْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ بَرَكَاتِ بنِ هِلاَلٍ *
الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، البَارعُ، المُعَمَّرُ، شَيْخُ العَرَبِيَّة وَاللُّغَة، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ بَرَكَاتِ بنِ هِلاَلِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ السَّعيدي، المِصْرِيّ، الأَدِيْب.
مَوْلِدُهُ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَلَوْ سَمِعَ فِي صِبَاهُ، لَسَمِعَ مِنْ مُسْنِدِ مِصْرَ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ نَظيف الفَرَّاء.
وَقَدْ سَمِعَ فِي الكِبَرِ مِنَ: القَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ القُضَاعِي، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بن الحَسَنِ الضَّرَاب، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة، فَجَاور، وَسَمِعَ مِنْهَا (صَحِيْح البُخَارِيِّ) .
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَالشَّرِيْفُ أَبُو الفُتُوْح الخَطِيْب، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَلِيٍّ النَّحْوِيّ، وَمُنْجِبٌ المُرشدي، وَأَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ البُوصِيْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) في تاريخ الإسلام: والبرق.
(*) خريدة القصر: 2 / 156، معجم الأدباء: 18 / 39 - 40، إنباء الرواة: 3 / 78 - 79، أخبار المحمدين: الورقة: 59، تاريخ الإسلام: 4 / 243 / 1، العبر: 4 / 47، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1271، الوافي بالوفيات: 2 / 247، مرآة الجنان: 3 / 225، طبقات ابن قاضي شهبة: 1 / 28 - 29، حسن المحاضرة: 1 / 532، بغية الوعاة: 1 / 59 - 61، كشف الظنون: 715، شذرات الذهب: 4 / 62.(19/455)
أَرَّخ السِّلَفِيُّ مَوْلِدَهُ، وَقَالَ: كَانَ شَيْخَ مِصْرَ فِي عصره فِي اللُّغَة (1) .
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ مائَةُ سَنَةٍ وَثَلاَثَة أَشْهُرٍ.
ذكره العمَاد الكَاتِب، فَقَالَ: عمل فِي مُسَافِر العَطَّار:
يَا عُنُقَ الإِبرِيْقِ مِنْ فِضَّةٍ ... وَيَا قَوَامَ الغُصْنِ الرَّطْبِ
هَبْكَ تَجَافَيْتَ وَأَقْصَيْتَنِي ... تَقْدِرُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ قَلْبِي
264 - ابْنُ بَرْهَانَ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَرْهَانَ *
العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَرْهَان (2) بن الحمَّامِي البَغْدَادِيّ، الشَّافِعِيّ.
كَانَ أَحَدَ الأَذكيَاء، بارعاً فِي المَذْهَب وَأُصُوْله، مِنْ أَصْحَابِ ابْن
__________
(1) وقال ياقوت في معجم الأدباء: وله من الكتب كتاب " خطط مصر " أجاد فيه، وله عدة تصانيف في النحو، وله " الناسخ والمنسوخ "، ووصفه الصلاح الصفدي في " الوافي بالوفيات ": 2 / 247 بأنه عالي المحل في النحو والأدب وسائر فنون الأدب، منحط الشعر.
(*) المنتظم: 9 / 250 - 251، الكامل في التاربخ: 10 / 625، وفيات الأعيان: 1 / 99، تاريخ الإسلام: 4: 232 / 2 - 233 / 1، المستفاد: 62، الوافي بالوفيات: 7 / 207 - 208، عيون التواريخ: 13 / 445 - 446، مرآة الجنان: 3 / 25، طبقات السبكي: 6 / 30 - 31، طبقات الاسنوي: 1 / 207، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 307 البداية والنهاية: 12 / 194، 196، المزهر في علوم اللغة: 1 / 20، 61، 298، طبقات ابن هداية الله: 201، كشف الظنون: 201، 2001، شذرات الذهب: 4 / 61، روضات الجنات: 71، هدية العارفين: 1 / 82.
(2) بفتح الباء كما في الأصل، وكما ضبطه غير واحد، ومنهم المؤلف في: " المشتبه ": 1 / 80.(19/456)
عقيل (1) ، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافعيّاً، وَدَرَّس بِالنِّظَامِيَّةِ.
تَفقَّهَ بِالشَّاشِيّ، وَالغزَالِي.
وَسَمِعَ: مِنَ النِّعَالِيّ، وَابْن البَطِرِ، وَبقِرَاءته سَمِعَ ابْنُ كُلَيْب (الصَّحِيحَ) مِنْ أَبِي طَالِبٍ الزَّيْنَبِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ خَارقَ الذَّكَاء، لاَ يَكَادُ يَسْمَع شَيْئاً إِلاَّ حَفِظَهُ، حَلاَّلاً لِلمشكلاَت، يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي تَبَحُّرِهِ، تَصدَّر لِلإِفَادَة مُدَّةً (2) ، وَصَارَ مِنْ أَعْلاَم الدّين، مَاتَ كَهْلاً، سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
265 - أَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المطهَّر الرَّبعِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّر النَّبِيْلُ، أَبُو عَدْنَان مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ المُطَهَّر بن أَبِي نِزَارٍ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ بُجَيْرٍ الرَّبعِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: (المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ) مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيْذَةَ، وَسَمِعَ مِنْ جَدِّهِ المُطَهَّر، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَسَمِعَ كِتَابَ (الرُّهبَان)
__________
(1) الحنبلي وقد تقدمت ترجمته برقم (259) .
(2) وكان الطلبة يقصدونه من البلدان إلى أن صار جميع نهاره، وقطعة من ليله مستوعبا للاشتغال والقاء الدروس، وله مصنفات في أصول الفقه، منها " الأوسط "، و" الوجيز "، وغير ذلك. انظر " طبقات السبكي ": 6 / 31.
(*) معجم الشيوخ للسمعاني: الورقة: 202 ب - 203 أ، التحبير: 2 / 81 - 84، تاريخ الإسلام: 4 / 226 / 2.(19/457)
لِلأَسَلِي (1) مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ الذَّكوَانِي، وَكِتَابَ (شُيُوْخ شُعْبَة) لِلطَّيَالسِي مِنْهُ عَنْ أَبِي الشَّيْخِ، وَكِتَاب (العِيْد) لأَبِي الشَّيْخِ، وَكِتَاب (الأَطعمَة) لابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَكِتَاب (السّنَة (2)) ليَعْقُوْب الفَسَوِيّ، وَكِتَابَ (المِحنَةِ) جَمع صَالِح بن أَحْمَدَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَيَحْيَى بنُ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ شَيْخٌ، سديدٌ، صَالِحٌ، هُوَ أَبُو شَيْخَيْنَا عَبْدِ المُغِيْث (3) وَعبدِ الجَلِيْل (4) .
قَالَ أَبُو مُوْسَى: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
266 - العَلَوِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ حَمْزَةُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّة بِأَصْبَهَانَ، السَّيِّدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ حَمْزَةُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيّ، الحُسَيْنِيّ، الأَصْبَهَانِيّ، الصُّوْفِيّ، مُكْثِر عَنْ أَبِي طَاهِر بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَكَانَ مُقَدَّم الطَّائِفَة، وَيُعْرَفُ بِبُرطلَة (5) .
__________
(1) انظر هامش " الأنساب ": 1 / 249، و" التحبير ": 2 / 82.
(2) اسمه الكامل كما في " التحبير ": 2 / 83: " السنة ومجانبة أهل البدع ".
(3) ترجم له السمعاني في " التحبير ": 1 / 485، فقال: من بيت الحديث وأهله، كان شيخا صالحا، ثقة صدوقا، من أهل الخير، وأرخ وفاته سنة 548 هـ.
(4) في " التحبير ": 1 / 431: شيخ صالح مستور من بيت الحديث، وكانت ولادته في حدود سنة سبعين وأربع مئة تقديرا.
(*) معجم الشيوخ للسمعاني: الورقة: 98 أ - 98 ب، التحبير: 1 / 253 - 255، تاريخ الإسلام: 4 / 229 / 2، العبر: 4 / 40، شذرات الذهب: 4 / 55.
(5) وقال السمعاني في " التحبير ": 1 / 253: سيد حسن السيرة، ورع، جميل =(19/458)
رَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّائِغ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الخَالِق بن أَبِي شكر الجَوْهَرِيّ، وَعَفِيفَةُ الفَارفَانِيَة (1) خاتمَة أَصْحَابِهِ، وَذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي شُيُوْخِهِ بِالإِجَازَةِ (2) .
تُوُفِّيَ: فِي سَادس عَشَر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
267 - ابْنُ سَارَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ *
شَاعِرُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَارَة - وَيُقَالُ: سَارَة - اللُّغَوِيّ، الشَّنْتَرِينِي (3) ، نَزِيْلُ إِشبِيليَة.
__________
= الأمر، مشهور في بلده عند الخواص والعوام، عفيف، وكان شيخ الصوفية، ومقدمهم، عمر العمر الطويل حتى حدث، وسمع منه الناس، ورحلوا إليه.
(1) في الأصل: الفارقانية بالقاف وهو تصحيف، وقد ضبط السمعاني والمنذري الراء بالسكون، وضبطها ياقوت بالكسر، وفارفان: قرية من قرى أصبهان، وعفيفة هذه هي الشيخة الصالحة المسندة أم هانئ عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارفانية الاصبهانية، توفيت سنة 606 هـ وسترد ترجمتها عند المؤلف في هذا الكتاب.
(2) في " التحبير ": 1 / 254، ونص كلامه: كتب إلي الاجازة بجميع مسموعاته ورواياته، ومن جملتها كتاب " العلل " لعلي ابن المديني، و" الفوائد " لأبي علي ابن منجويه ... ، وكتاب " التوحيد والرد على من خالف السنة " تصنيف أبي الحسن علي بن أحمد البوشنجي ... ، وكتاب " الهادي " لأبي عبد الله بن منده الحافظ ...
(*) قلائد العقبان: 260، الذخيرة: 2 ق / 2 م / 834 - 850، معجم السلفي: الورقة: 212، الخريدة: 2 / 315، بغية الملتمس: رقم 896، بدائع البدائه: 376، المطرب: 78، 138، تكملة الصلة: 462، المغرب: 1 / 419، وفيات الأعيان: 3 / 93 - 95، تاريخ الإسلام: 4 / 230 / 1، العبر: 4 / 40، المسالك: 11 / 383، الاحاطة: 3 / 439 - 441، بغية الوعاة: 2 / 57، أخباره في نفح الطيب: 1 / 499، 2 / 30 و652، 3 / 216 و438 و441 و449 و458 و567 و600 و، 4 / 301 و325 و345، كشف الظنون: 795، شذرات الذهب: 4 / 55 - 56، هدية العارفين: 1 / 454.
(3) بفتح الشين المعجمة، وسكون النون، وفتح التاء، وكسر الراء: نسبة إلى شنترين بلدة في غرب جزيرة الأندلس، انظر معجم البلدان: 3 / 367.(19/459)
نَسَخَ بِخطِّه المَلِيْحِ لِلنَّاسِ كَثِيْراً (1) ، وَمَدَحَ الأُمَرَاء، وَكَتَبَ لِبَعْضِهِم، وَلَهُ (دِيْوَانٌ) مَشْهُوْر (2) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
268 - الحَرِيْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِمُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ، البَارعُ، ذُو البلاغتين، أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِم بن عَلِيِّ بنِ
__________
(1) وصفه ابن خلكان: 3 / 93 بأنه كان قليل الحظ إلا من الحرمان، لم يسعه
مكان، ولا اشتمل عليه سلطان، وذكر ابن بسام في " الذخيرة ": 2 / 2 / 835 أنه كان يتبلغ بالوارقه وله منها جانب، وبها بصر ثاقب، فانتحلها على كساد سوقها، وخلو طريقها، وفيها يقول:
أما الوراقة فهي أيكة حرفة * أوراقها وثمارها الحرمان
شبهت صاحبها بصاحب إبرة * تكسو العراة وجسمها عريان
(2) وقد أورد طائفة من شعره في " الذخيرة ": و" نفح الطيب "، و" قلائد العقيان "، و" الخريدة "، وغيرها من المصادر التي ترجمت له، ومما أنشده له المقري في " نفح الطيب ": 4 / 345 قوله:
بنو الدنيا بجهل عظموها * فجلت عندهم وهي الحقيره
يهارش بعضهم بعضا عليها * مهارشة الكلاب على العقيره
وقوله:
أي عذر يكون لا أي عذر * لابن سبعين مولع بالصبابه
وهو ماء لم تبق منه الليالي * في إناء الحياة إلا صبابه
وقوله:
ولقد طلبت رضى البرية جاهدا * فإذا رضاهم غاية لا تدرك
وأرى القناعة للفتى كنزا له * والبر أفضل ما به يتمسك
وقوله:
يا من تعرض دونه شحط النوى * فاستشرفت لحديثه أسماعي
إني لمن يحظى بقربك حاسد * ونواظري يحسدن فيك رقاعي
لم تطوك الايام عني إنما * نقلتك من عيني إلى أضلاعي
(*) الأنساب: 4 / 95 و121، نزهة الالباء 379 - 381، المنتطم: 9 / 241، شرح الشريشي: 1 / 3، معجم البلدان: 2 / 235، معجم الأدباء: 16 / 261 - 293، =(19/460)
مُحَمَّد بن عُثْمَانَ البَصْرِيّ، الحرَامِي (1) ، الحَرِيْرِيّ، صَاحِبُ (المقَامَات) . وُلِدَ: بقَرْيَة المَشَانِ، مِنْ عمل البَصْرَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي تَمَام مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي القَاسِمِ الفَضْلِ القصَبَانِي، وَتَخَرَّجَ بِهِ فِي الأَدب.
قَالَ ابْنُ افْتخَارٍ: قَدِمَ الحَرِيْرِيُّ بَغْدَاد، وَقرَأَ عَلَى عَلِيِّ بنِ فَضَال المُجَاشِعِيّ، وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ الصَّبَّاغ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي، وَقرَأَ الفَرَائِضَ عَلَى الخَبْرِيِّ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْس مائَة، وَحَدَّثَ بِهَا بِجُزْءٍ مِنْ حَدِيْثِهِ وَبِمقَامَاتِهِ، وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ فِيْهَا ابْنُ الخَشَّابِ (2) أَوْهَاماً يَسِيْرَة
__________
= اللباب: 352 - 353 - 360، الكامل في التاريخ: 10 / 596، طبقات ابن الصلاح: الورقة: 74، إنباه الرواة: 3 / 23 - 27، وفيات الأعيان: 4 / 63 - 68، مختصر دول الإسلام لابن العبري: 2 / 30، المختصر في أخبار البشر: 2 / 235 - 236، تاريخ الإسلام: 4: 225 / 1 - 226 / 2، دول الإسلام: 2 / 43، العبر: 4 / 38، تذكرة الحفاظ: 4 / 1257، تتمة المختصر: 2 / 47 - 49، تلخيص ابن مكتوم: 194، عيون التواريخ: 13 / 406 - 414، مرآة الجنان: 3 / 213 - 221، مرآة الزمان: 8 / 67، طبقات السبكي: 7 / 266 - 270، طبقات الاسنوي: 1 / 429 - 432، البداية والنهاية: 12 / 191، 192، وفيات ابن قنفذ: 269 - 270، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 479، النجوم الزاهرة: 5 / 235، بغية الوعاة: 2 / 257 - 259، مفتاح السعادة: 1 / 223، معاهد التنصيص: 3 / 270 - 277، كشف الظنون: 507 - 789، شذرات الذهب: 4 / 50 - 53، خزانة الأدب: 3 / 117، نزهة الجليس: 2 / 2 - 5، الفلاكة والمفلوكون: 118 - 119، روضات الجنات: 527 - 528، هدية العارفين: 1 / 827، كنوز الاجداد: 282 - 290، دائرة المعارف الإسلامية: 7 / 365 - 367.
(1) نسبة إلى محلة بالبصرة، وبنو حرام قبيلة من العرب سكنوا في هذه المحلة، فنسبت إليهم.
(2) هو عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر البغدادي النحوي اللغوي المتوفى سنة 567 هـ، وسترد ترجمته برقم (337) في الجزء العشرين.(19/461)
اعْتذر عَنْهَا ابْنُ بَرِّي (1) .
قُلْتُ: وَأَملَى بِالبَصْرَةِ مَجَالِسَ، وَعَمِلَ (دُرَّةَ الغَوَّاصِ فِي وَهْمِ الخَوَاصِ) (2) ، وَ (المُلْحَةَ) وَشَرَحَهَا (3) ، وَ (دِيْوَاناً) فِي الترسُّل، وَغَيْر ذَلِكَ، وَخَضَعَ لنثره وَنظمه البُلغَاءُ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ، وَالوَزِيْرُ عَلِيّ بن طِرَاد، وَقِوَامُ الدّين عَلِيُّ بن صَدَقَةَ، وَالحَافِظُ ابْنُ نَاصر، وَأَبُو العَبَّاسِ المَنْدَائِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْعَد العِرَاقِي، وَالمُبَارَكُ بن أَحْمَدَ الأَزَجِي، وَعَلِيُّ بنُ المُظَفَّر الظهيرِي، وَأَحْمَد بن النَّاعم، وَمَنُوجَهر بن تُركَانشَاه، وَأَبُو الْكَرم الكَرَابِيسِي، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ المُتَوَكِّل، وَآخَرُوْنَ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ الَّذِي أَجَازَ لِشُيُوْخنَا، فَعن الحَرِيْرِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو زَيْد السَّرُوجِي شَيْخاً شَحَّاذاً بَلِيْغاً، وَمُكْدِياً (4) فَصِيْحاً، وَرَدَ البَصْرَةَ عَلَيْنَا، فَوَقَفَ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَرَام، فَسَلَّمَ، ثُمَّ سَأَلَ، وَكَانَ الوَالِي حَاضِراً، وَالمَسْجَدُ غَاصٌّ بِالفُضَلاَء، فَأَعْجَبتهُم فَصَاحَتُهُ، وَذَكَرَ أَسْرَ الرُّوْم وَلدَه كَمَا ذكرنَا فِي (المقَامَة الحرَامِيَة) فَاجتمع عِنْدِي جَمَاعَةٌ، فَحكيتُ أَمرَه، فَحكَى لِي كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ شَاهَدَ مِنْهُ فِي مَسْجِدٍ مِثْل مَا شَاهدتُ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ مَعْنَى
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن بري المقدسي المصري، أحد أئمة اللغة والنحو،
المتوفى سنة 576 أو 582 هـ.
وسترد ترجمته عند المؤلف.
(2) ولها شروح كثيرة اجتمع منها عند البغدادي صاحب الخزانة: 3 / 117 خمسة شروح.
(3) في الاعراب، قال البغدادي: وهو عند العلماء يعد ضعيفا في النحو.
(4) من الكدية، وهو سؤال الناس، يقال: أكدى: ألح في المسألة.(19/462)
فِي فَصل، وَكَانَ يُغَيِّر شكلَه، فَتَعجَّبُوا مِنْ جَرَيَانه فِي مَيدَانه، وَتَصرُّفِهِ فِي تَلُوُّنِهِ، وَإِحسَانه، وَعَلَيْهِ بَنَيْتُ هَذِهِ المقَامَات.
نَقل هَذِهِ القِصَّة التَّاج المَسْعُوْدِيّ، عَنِ ابْنِ النَّقُّوْرِ، عَنْهُ.
قُلْتُ: اشتهرتِ المقَامَاتُ، وَأَعْجَبت وَزِيْرَ المُسْترشد شرفَ الدّين أَنوشِروَان القَاشَانِي (1) ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِإِتمَامهَا، وَهُوَ القَائِلُ فِي الخطبَة: فَأَشَارَ مَنْ إِشَارته حُكْمٌ، وَطَاعته غُنْمٌ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ الرَّاوِي لَهَا بِالحَارِثِ بنِ هَمَّامٍ، فَعَنَى بِهَا نَفْسَه أَخْذاً بِمَا وَرَدَ فِي الحَدِيْثِ: (كُلُّكُمْ حَارِثٌ، وَكُلُّكُم هَمَّامٌ (2)) فَالحَارِثُ: الكَاسب، وَالهمَّام: الكَثِيْرُ الاهتمَامِ، فَقصَدَ الصِّفَة فِيْهِمَا، لاَ العَلَمِيَّة.
وَبنُو حَرَام: بِحَاء مَفْتُوْحَة وَرَاءٍ، وَالمشَان بِالفَتْح: بُليدَة فَوْقَ البَصْرَة مَعْرُوْفَة بِالوخم.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَان (3) :وَجَدْت فِي عِدَّة تَوَارِيخَ أَنَّ الحَرِيْرِيَّ صَنَّفَ
__________
(1) مترجم في " المنتظم ": 10 / 77، و" البداية والنهاية ": 12 / 191، وشذرات الذهب: 4 / 101.
(2) لا يعرف بهذا اللفظ، ويقرب منه ما أخرجه أحمد: 4 / 345، وأبو داوود (495) في الأدب: باب تغيير الأسماء، والنسائي: 6 / 218، 219 في الخيل: باب ما يستحب من شية الخيل، والبخاري في " الأدب المفرد ": 2 / 277 من طريق عقيل بن شبيب، عن أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: " تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمان، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة " وعقيل بن شبيب لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، وله شواهد من حديث المغيرة بن شعبة عند مسلم (2135) ، ومن حديث ابن عمر عند مسلم (2132) أيضا، ومن حديث عبد الله بن عمر اليحصبي مرسلا عند ابن وهب في " الجامع ": ص: 7، وسنده صحيح.
(3) في " وفيات الأعيان ": 4 / 64.(19/463)
(المقَامَاتِ) بِإِشَارَة أَنو شروَان، إِلَى أَنْ رَأَيْتُ بِالقَاهِرَةِ نسخَةً بِخَطِّ المصَنّف، وَقَدْ كتب أَنَّهُ صنفهَا لِلوزِيْر جلاَل الدّين أَبِي عَلِيٍّ بنِ صَدَقَةَ وَزِيْرِ المُسْترشدِ، فَهَذَا أَصَحُّ، لأَنَّه بِخَطِّ المُصَنِّفِ.
وَفِي (تَارِيخ النُّحَاةِ (1)) لِلْقِفطِيِّ: أَنَّ أَبَا زَيْدٍ السَّروجِي اسْمُهُ مُطهَّر بن سلاَّر، وَكَانَ بَصْرِيّاً لغوياً، صَحِبَ الحَرِيْرِيّ، وَتَخَرَّج بِهِ، وَتُوُفِّيَ بَعْد عَامِ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، سَمِعَ أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ مِنْهُ (المُلحَة) بِسمَاعه مِنَ الحَرِيْرِيّ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الحَرِيْرِيّ عَمِلَ المقَامَات أَرْبَعِيْنَ وَأَتَى بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، فَقَالَ بَعْضُ الأَدبَاء: هَذِهِ لِرَجُلٍ مَغْرِبِي مَاتَ بِالبَصْرَةِ، فَادَّعَاهَا الحَرِيْرِيُّ، فَسَأَلَهُ الوَزِيْرُ عَنْ صنَاعته، فَقَالَ: الأَدبُ، فَاقترح عَلَيْهِ إِنشَاءَ رِسَالَةٍ فِي وَاقعَةٍ عَيَّنهَا، فَانْفرد وَقَعَدَ زَمَاناً لَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِ بِمَا يَكتُبُه، فَقَامَ خجلاً.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَفلح الشَّاعِر:
شَيْخٌ لَنَا مِنْ رَبِيْعَةَ الفَرَسِ ... يَنْتِفُ عُثْنُونَه مِنَ الهَوَسِ
أَنْطَقَهُ اللهُ بِالمَشَانِ كَمَا ... رَمَاهُ وَسْطَ الدِّيْوَانِ بِالخَرَسِ
وَكَانَ يذكر أَنَّهُ مِنْ رَبِيْعَة الفَرَس، وَكَانَ يَعْبَثُ بِلحيته، فَلَمَّا ردَّ إِلَى بَلَده، كَمَّلَهَا خَمْسِيْنَ وَنفَّذهَا، وَاعْتَذَرَ عَنْ عِيِّهِ بِالهَيْبَةِ (2) .
وَقِيْلَ: بَلْ كَرِهَ المُقَامَة بِبَغْدَادَ، فَتَجَاهَلَ، وَقَبَّل صغِيراً بحَلْقَة،
__________
(1) 3 / 276 في ترجمة المطهر بن سلار.
(2) " وفيات الأعيان ": 4 / 65، 66، والعثنون: طرف اللحية، والهوس محركة: طرف من الجنون وخفة العقل.
وقال البغدادي في " خزانة الأدب ": 3 / 117 عن مقامات الحريري: اشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها، ورموز أسرار كلامها، ومن عرفها حق معرفتها، استدل بها على فضله، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته.(19/464)
وَكَانَ غنِيّاً لَهُ ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلفَ نَخلَةٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ عفشاً زَرِيَّ اللِّباس (1) فِيْهِ بخل، فَنَهَاهُ الأَمِيْرُ عَنْ نَتف لِحْيته، وَتوعَّده، فَتكلّم يَوْماً بِشَيْءٍ أَعْجَبَ الأَمِيْرَ، فَقَالَ: سَلْنِي مَا شِئْت.
قَالَ: أَقطعنِي لحيتِي.
فَضَحِكَ، وَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.
تُوُفِّيَ الحَرِيْرِيّ: فِي سَادِس رَجَب، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، بِالبَصْرَةِ، وَخلَّف ابْنِيْنَ: نَجم الدّين عَبْد اللهِ، وَقَاضِي البَصْرَةِ ضيَاء الإِسْلاَم عُبيد الله، وَعُمُرُهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً.
269 - ابْنُ السَّمَرْقَنْديِّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ ابنُ المُقْرِئِ المُحَقِّقِ أَحْمَد بن عُمَرَ بنِ أَبِي الأَشْعَثِ بن السَّمَرْقَنْدي الدِّمَشْقِيُّ المَوْلِد، البَغْدَادِيُّ الدَّارِ، اللُّغَوِيّ، أَخُو المُحَدِّث إِسْمَاعِيْل.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَبْدَ العَزِيْزِ الكَتَانِي، وَأَبَا نَصْرٍ بنَ طَلاَّب، وَعبدَ الدَّائِم الهِلاَلِي بِدِمَشْقَ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَالصَّرِيفِيْنِي، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ، وَعبدَ الرَّحْمَن بن مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ بِبُوشنج، وَعَلِيُّ بنَ مُوْسَى الموسوِي بِمَرْوَ، وَكَامِلَ بن إِبْرَاهِيْمَ الخَنْدَقِي بِجُرْجَان،
__________
(1) ذكروا أنه جاء غريب يزوره، ويأخذ عنه شيئا، فلما رآه استقبح منظره، واستزراه، ففهم ذلك الحريري منه، فأملى عليه قوله:
ما أنت أول سار غره قمر * ورائد أعجبته خضرة الدمن
فاختر لنفسك غيري إنني رجل * مثل المعيدي فأسمع بي ولا ترني
(*) المنتظم: 9 / 238 - 239، الكامل في التاريخ: 10 / 605، تاريخ الإسلام: 4 / 223 / 2، دول الإسلام: 2 /، العبر: 4 / 37، تذكرة الحفاظ: 4 / 1263، المستفاد: 137 - 138، البداية والنهاية: 12 / 191، النجوم الزاهرة: 5 / 223، شذرات الذهب: 4 / 49.(19/465)
وَالفَضْلَ بنَ المُحِبِّ، وَعِدَّةً بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن شكرويه وَطَبَقَتَهُ بِأَصْبَهَانَ.
وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ يَفهَم وَيَدْرِي، مَعَ الإِتْقَان وَالتَّحرِّي وَالدِّيْنِ، وَسَعَةِ الأَدبِ، وَكَانَ يَقرَأُ لنِظَام المُلك عَلَى الشُّيُوْخِ، وَيُفِيدُهُ.
خَرَّجَ لِنَفْسِهِ (المُعْجَمَ) .
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ (444) .
حَدَّثَ عَنْهُ السِّلَفِيّ، وَقَالَ: كَانَ فَاضِلاً عَالِماً، ثِقَةً، ذَا لَسَنٍ وَعَرَبِيَّةٍ، إِذَا قرَأَ أَعربَ وَأَغرب.
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ كِبَارِ تَلاَمذَةِ أَبِي عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ فِي القِرَاءات، وَسيَأْتِي أَخُوْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَكتُب مَلِيحاً، وَيَضْبِطُ صَحِيْحاً، كَانَ مَوْصُوَفاً بِالحِفْظ وَالثِّقَة.
رَوَى عَنْهُ: أَخُوْهُ، وَبِنْتُه كَمَال (1) ، وَابْنُ نَاصر، وَهِبَةُ اللهِ بن مُكرَّم، وَشَيْخَانَا ذَاكرُ بنُ كَامِلٍ، وَيَحْيَى بنُ بَوشٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي (السِّيَاق) :أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدي شَابّ،
__________
(1) هي المحدثة أم الحسن كمال بنت عبد الله بن أحمد السمرقندي، حدثت عن النعالي وطراد الزينبي، وقرئ عليها الجزء الثاني من أمالي إسماعيل المحاملي، وسمع عليها الجزء السادس والسابع والثامن من حديث المحاملي بسماعها من عمر بن علي الطوسي، وتوفيت سنة 558 سترد ترجمتها في الجزء العشرين برقم (276) .(19/466)
فَاضِلٌ، حَافظٌ، حديدُ الخَاطرِ، خَفِيفُ الرُّوح ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: كَانَ حَافِظَ وَقْتِهِ (1) .
270 - أَبُو سَعْدٍ بنُ الطُّيُورِيِّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ *
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، المُسْنِدُ، أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ الصَّيْرَفِيِّ، ابنُ الطيورِي البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ، الدَّلاَّلُ فِي الكُتُبِ، أَخُو المُحَدِّث أَبِي الحُسَيْنِ.
كَانَ صَالِحاً، مُقْرِئاً، مُكْثِراً.
سَمِعَ: أَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَأَبَا الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَالجَوْهَرِيّ، وَالعُشَارِي، وَعِدَّةً.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ، وَالحَافِظُ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَطَائِفَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: قرَأَ بِالروَايَاتِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخَيَّاط، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ البَنَّاء.
__________
(1) في منتظم ابن الجوزي: 9 / 239: أن المترجم قصد أبا عثمان بن الورقاء في بيت المقدس، فطلب منه جزءا، فوعده به، ونسي أن يخرجه، فتقاضاه، فوعده مرارا، فقال له: أيها الشيخ، لا تنظر إلي بعين الصبوة، فإن الله قد رزقني من هذا الشأن ما لم يرزق أبا زرعة الرازي، فقال له الشيخ: الحمد لله، ثم رجع إليه يطلب الجزء، فقال الشيخ: أيها الشاب إني طلبت البارحة الاجزاء، فلم أجد فيها جزءا لأبي زرعة الرازي، فخجل وقام.
(*) المنتظم: 9 / 247، تاريخ الإسلام: 4 / 228 / 1، العبر: 4 / 39، تذكرة الحفاظ، 4 / 1265، الوافي بالوفيات: 7 / 14، عيون التواريخ: 13 / 430، غاية النهاية: 1 / 65، شذرات الذهب: 4 / 53 - 54.(19/467)
قَالَ: وَأَجَازَ لَهُ عَبْدُ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي وَغَيْرهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَالصَّائِنُ بنُ عَسَاكِرَ، وَابْن بَوش، وَذَاكرُ بنُ كَامِلٍ، وَعِدَّة.
وَتَفَرَّد بِإِجَازته: يَحْيَى بن بَوش، وَعفِيفَةُ الفَارفَانِيَة.
تُوُفِّيَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: صَدُوْقٌ، صَحِيْحُ السَّمَاع، دَلاَّلٌ فِي الكُتُبِ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ بَوش، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمٍ بنِ جَابِرٍ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَداً بِيَدٍ.....) وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) .
__________
(1) إسناده صحيح، الحارث بن محمد هو ابن أبي أسامة التميمي البغدادي الحافظ صاحب المسند، ويزيد: هو ابن هارون الواسطي، وابن أبي خالد: هو إسماعيل بن أبي خالد الاحمسي، وأخرجه النسائي: 7 / 277، والبيهقي: 5 / 278 من طريقين، عن إسماعيل بن أبي خالد بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد: 5 / 320، ومسلم (1587) ، وأبو داود (3350) ، والترمذي (1240) ، وابن الجارود (650) ، والدارمي: 2 / 258، 259، والدارقطني: 3 / 24، والطحاوي: 4 / 66، والبيهقي: 5 / 278 و284 من طريق أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، عن أبي الاشعث الصنعاني، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء ".
وقد تابع أبا قلابة عليه مسلم بن يسار المكي، عن أبي الاشعث به، عند أبي داود (3349) ، والنسائي: 7 / 274 - 277، وابن ماجة (2254) ، والطحاوي: 4 / 66، والبيهقي: 5 / 277.(19/468)
271 - ابْنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الصَّالِحُ، العَدْلُ، الصَّادِقُ، أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الْمُهْتَدي بِاللهِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَرِيْمِيُّ (1) ، الخَطِيْبُ، مِنْ بَقَايَا المُسْنِدِينَ بِبَغْدَادَ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ لُؤْلُؤ، وَأَبَا الحَسَنِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَذَاكرُ بنُ كَامِلٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُبَارَك بن الْمَعْطُوشِ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لِلْخُشوعِي (2) .
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ (517) .
272 - الفَرَضِيُّ أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ **
الشَّيْخُ، أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُسْلِمٍ البَغْدَادِيّ (3) ، الفَرَضِيّ، أَخُو نَصْرِ اللهِ.
سَمِعَ: أَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ الخَلاَّل، وَالجَوْهَرِيّ.
__________
(*) المنتظم: 9 / 248، تاريخ الإسلام: 4 / 231 / 2 - 232 / 1، العبر: 4 / 41، الوافي بالوفيات: 1 / 153 - 154، شذرات الذهب: 4 / 57.
(1) نسبة إلى الحريم الطاهري: محلة كبيرة ببغداد بالجانب الغربي منها.
(2) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 248: وكان شيخا ذا هيئة جميلة، وصلاح ظاهر، وسماعه صحيح، وكان شيخنا عبد الوهاب يثني عليه، ويصفه بالصدق، والصلاح، وعاش مئة وثلاثين سنة وكسرا ممتعا بجميع جوارحه.
(* *) تاريخ الإسلام: 4 / 232 / 1.
(3) في تاريخ الإسلام: بغدادي ثقة.(19/469)
رَوَى عَنْهُ: المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ، وَيَحْيَى بن بَوش، وَغَيْرهُمَا.
ذكره ابْن النَّجَّار.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
273 - النُّوحِيُّ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، الخَطِيْبُ الكَبِيْرُ، أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْحَاق بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوْح النُّوحِي، النَّسفِي، الحَنَفِيّ، شَيْخُ الحَنَفِيَّة، رَاوِي كِتَاب (تَنبيه الغَافلين) عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَافلَةِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ التِّرْمِذِيّ صَاحِبِ المُؤلف أَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدي.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ بنِ شَاهِيْنٍ السَّمَرْقَنْدي، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ السَّعْدِيّ، وَعَلِيِّ بن حَسَنِ بنِ مَكِّيّ النَّسفِي، وَالعَلاَّمَة عَبْدِ العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ الحَلوَائِي، وَالحَافِظ أَبِي مَسْعُوْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَجَلِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ حَسَن الدَّرْغِي، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الوَاعِظ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيّ المُؤَدِّب، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ النُّجَانِيكثي (1) ، وَأَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القَطَوَانِي، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(*) الأنساب: الورقة: 570 أ، اللباب: 3 / 329، الجواهر المضية: 1 / 370 - 371، الطبقات السنية رقم: 458.
(1) النجانيكثي ضبطه السمعاني بضم النون وفتح الجيم وبعدها ألف ثم نون أخرى مكسورة وياء ساكنة وكاف مفتوحة، وفي آخرها الثاء المثلثة، وقال: هذه النسبة إلى نجانيكث، وهي بليدة بنواحي سمرقند فيما أظن عند إسروشنة، وذكر منها محمد بن يوسف هذا وقال: كان فقيها صالحا ساكنا، سمع أبا الحسن علي بن عثمان الخراط وغيره، كتبت عنه بسمرقند، وذكر أنه حدث عن المترجم.(19/470)
فَارِس الهَاشِمِيّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَلِيٍّ النَّسفِي، وَعَلِيّ بن عبد الخَالِق اليَشْكُرِيّ مشيخَةِ أَبِي المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ، وَعِدَّة.
أَملَى مُدَّة بِسَمَرْقَنْدَ مِنْ أُصُوْله، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّة.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
274 - الزَّعْفَرَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْقِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، الصَّالِحُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ بن مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ، الزَّعْفَرَانِيّ، الجَلاَّب، الشَّافِعِيّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ تَاجِراً جَوَّالاً.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب فَأَكْثَر، وَأَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَابْن النَّقُّوْرِ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ: أَبَا نَصْرٍ بن طَلاَّب.
وَبِالبَصْرَةِ: مُحَمَّد بن عَلِيٍّ السِّيرَافِي، وَأَبَا عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ.
وَبِأَصْبَهَانَ: أَبَا مَنْصُوْرٍ بن شكرويه، وَطَائِفَة.
وَبمصر مِنْ: صَالِح بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ رِشْدِيْنَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَحرَّر، وَقيَّدَ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، فَبرع فِي المَذْهَب (1) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 249، الكامل في التاريخ: 10 / 625، طبقات الشافعية من تاريخ الإسلام: 196 / 1، تاريخ الإسلام: 4 / 232 / 1، العبر: 4 / 41، تذكرة الحفاظ: 4 / 1265، كشف الظنون: 355، 1831، شذرات الذهب: 4 / 57، هدية العارفين: 2 / 84.
(1) وقال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 249: وسمع بالبصرة، وخوزستان، وأصبهان، والشام، ومصر، وكان سماعه صحيحا، وكان ثقة له فهم جيد، وكتب تصانيف الخطيب وسمعها منه.(19/471)
حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ مَكِّيٍّ، وَأَبُو طَاهِرٍ بنُ الحِصْنِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الصَّائِنُ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوسُفِيُّ، وَأَخُوْهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَيَحْيَى بن بَوشٍ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: بِبَغْدَادَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو سَعْدٍ (1) بنُ الطُّيورِي، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الخَيَّاط التَّغْلِبِيّ شَاعِر الشَّام، وَأَبُو مُحَمَّدٍ حَمْزَةُ بنُ العَبَّاسِ العَلَوِيّ (2) ، وَظرِيفُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ (3) ، وَأَبُو نَهْشَل عبدُ الصَّمد بن أَحْمَدَ العَنْبَرِيُّ (4) ، وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَأَبُو صَادِق مرشدُ بن يَحْيَى المَدِيْنِيُّ (5) ، وَأَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي تليد الشَّاطبِي (6) .
275 - الدَّشتجُ أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الوَقْت، أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الهَيْثَمِ الأَصْبَهَانِيّ، الذَّهَبِيّ، الصَّبَّاغ، الدَّشتِي، وَيُقَالُ: الدَّشتج.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (270) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (266) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (217) .
(4) سترد ترجمته برقم (281) .
(5) سترد ترجمته برقم (278) .
(6) سترد ترجمته برقم (229) .
(*) التحبير: 1 / 497 - 498، معجم شيوخ السمعاني: الورقة / 163 أ، تاريخ الإسلام: 2 / 234 / 2، العبر: 4 / 43، عيون التواريخ: 13 / 447.(19/472)
خَاتمَةُ مَنْ رَوَى عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الصَّفَّار.
وَقَدْ سَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيذه، وَأَبِي الوَفَاء مَهْدِيّ بن مُحَمَّدٍ، وَعبيدِ الله بن المُعتز، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفَضْلِ الكَرَّانِيّ، وَعفِيفَةُ الفَارفَانِيَة، وَعبدُ الوَاحِد بن أَبِي المطهَّر، وَآخَرُوْنَ، وَبَالحُضُوْر يَحْيَى الثَّقفِي، وَأَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَسمَاعُهُ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ حُضُوْر (1) .
مَاتَ: فِي ثَانِي عشر رَبِيْعٍ الأَوّلِ، سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
276 - المُرَتِّب أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابنُ أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ، الدَّهَّان، المُرتِّب، كَانَ مُرتِّباً لِلصُّفوف بِجَامِعِ المَنْصُوْر، وَكَانَ يُؤرِّخُ، وَيُذَاكر، لَكنَّه أُمِّي.
سَمِعَ: أَبَا الغنَائِم بنَ المَأْمُوْن، وَابْنَ المُهتدي بِاللهِ، وَصَحِبَ أَبَا عَلِيٍّ بن الشِّبْل.
__________
(1) وقال السمعاني في " التحبير ": 1 / 497 بعد أن وصفه بأنه شيخ صالح: كتب إلي الاجازة بجميع مسموعاته، ومن جملتها كتاب " التوكل " لابن خزيمة، وأحاديث علي ابن حجر، و" طبقات الصوفية " لأبي عبد الرحمان السلمي.
(*) الأنساب: الورقة 520، اللباب: 3 / 193، تاريخ الإسلام: 4 / 235 / 1.(19/473)
رَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَخطيبُ المَوْصِل، وَمُحَمَّد بن درمَا الصِّلحِي (1) ، وَطَائِفَة.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَان عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: سَمِعَ المُرَتِّب لِنَفْسِهِ فِي جزءٍ عَلَى الخَطِيْب، وَأَرَّخَهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، فَافْتُضِحَ.
277 - الدَّقَّاقُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الحَافِظُ الأَوحدُ، المُفِيْدُ، الرَّحَّال، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ، الدَّقَّاق.
كَانَ يَقُوْلُ: عُرِفْتُ بَيْنَ الطَّلبَةِ بِالدَّقَّاق بِصديقِي أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق، وَوُلِدْتُ بِمحلَة جُروَاءان (2) سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعْتُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ مِنَ الخَطِيْب عَبْدِ اللهِ بنِ شَبِيْبٍ الضَّبِّيّ، وَأَحْمَد بنِ الفَضْلِ البَاطِرْقَانِي، وَسَعِيْد العيَّار، وَأَبِي الفَضْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الرَّازِيّ، وَأَصْحَابِ ابْنِ المُقْرِئ، وَشيخنَا أَبِي القَاسِمِ ابْن مَنْدَه، وَأَوَّلُ رِحلتِي كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، وَسَمِعْتُ بِنَيْسَابُوْرَ وَطُوسَ، وَسَرْخَسَ، وَمَرْوَ، وَهَرَاةَ، وَبَلْخَ، وَجُرْجَانَ، وَبُخَارَى، وَسَمَرْقَنْد، وَكِرْمَان،
__________
(1) نسبة إلى فم الصلح: بلدة على دجلة بأعلى واسط بينهما خمسة فراسخ.
(*) مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة 225، تاريخ الإسلام: 4 / 227 / 1، العبر: 4 / 38 - 39، تذكرة الحفاظ: 4 / 1255 - 1256، عيون التواريخ: 13 / 415، طبقات الحفاظ: 456، شذرات الذهب: 4 / 56.
(2) محلة كبيرة بأصبهان.(19/474)
وَلَمْ نَصِلْ إِلَى العِرَاقِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَّا الَّذِيْنَ كَتَبتُ عَنْهُم بِأَصْبَهَانَ، فَأَكْثَر مِنْ أَلفِ شَيْخ، وَكَتَبتُ فِي الرّحلَة عَنْ أَكْثَر مِنْ أَلفٍ أُخْرَى، فَقَدْ سَمِعْتُ بِهَرَاةَ وَنِيسَابُوْر مِنْ سِتِّ مائَة.
قُلْتُ: كَانَ الدَّقَّاق مُحَدِّثاً مُكْثِراً، أَثرِيّاً متبعاً، فَقيراً متعففاً، ديِّناً (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّائِغ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَخَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ الرَّارَانِيّ، وَعِدَّة.
مَاتَ: فِي شَوَّال، فِي سَادِسِهِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
278 - أَبُو صَادِقٍ المَدِيْنِيُّ مُرشِدُ بنُ يَحْيَى بنِ القَاسِمِ *
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، العَالِمُ، أَبُو صَادِق مرشدُ بنُ يَحْيَى بنِ القَاسِمِ المَدِيْنِيّ، ثُمَّ المِصْرِيّ.
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بن حِمِّصَة، وَعَلِيَّ بنَ رَبِيْعَةَ، وَأَبَا القَاسِمِ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الطَّفَال، وَدَاجِناً السَّدُوْسِيَّ، وَالحكيمِي، وَعِدَّة.
__________
(1) زاد المؤلف في " الطبقات ": 4 / 1256: إلا أنه كان يبالغ في تعظيم عبد الرحمان شيخه، ويؤذي الأشعرية.
وعبد الرحمان شيخه هو أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي الأصبهاني المتوفى سنة (470) هـ.
تقدمت ترجمته في الثامن عشر برقم (168) ، وأنظر ما قاله الدقاق في شيخه هذا في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 1165 للمؤلف.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 232 / 1، دول الإسلام: 2 / 44، العبر: 4 / 41، عيون التواريخ: 13 / 431، شذرات الذهب: 4 / 57.(19/475)
وَأَجَازَ لَهُ: عَلِيُّ بنُ مُنِيْر الخَلاَّل، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ صَخْر، وَطَائِفَة.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ ثِقَةً، صَحِيْحَ الأُصُوْل (1) ، أَكْثَرُهَا بِخَطِّ ابْنِ بقَاء وَبقِرَاءته.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الرَّحَبِيّ، وَعشيرُ بن عَلِيٍّ المزَارع، وَعَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ الكَامِلِي، وَعَبْد اللهِ بن برِّي النَّحْوِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ البُوصِيْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
279 - ابْنُ الخَيَّاط أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
شَاعِرُ عَصْرِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن يَحْيَى بنِ صَدَقَة التَّغْلِبِيّ، الدِّمَشْقِيّ، الكَاتِبُ، مِنْ كِبَارِ الأَدبَاء، وَنظمُهُ فِي الذِّرْوَةِ، وَ (دِيْوَانُهُ) شَائِع، عَاشَ سَبْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
__________
(1) ومن أصوله الصحيحة بخط علي بن بقاء مسند أبي بكر الصديق تصنيف أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد الأموي المروزي المتوفى 292 هـ، وهو من محفوظات المكتبة الظاهرية بدمشق المحروسة ضمن مجموع (56) ق (62 - 106) ، وقد قمت بتحقيقه وتخريج أحاديثه ونشر في دمشق سنة 1390 هـ.
(*) تاريخ ابن القلاني: 234، تاريخ ابن عساكر: 2: 101 / 2 - 102 / 1، وفيات الأعيان: 1 / 145 - 147، تاريخ الإسلام: 4: 228 / 1 - 229 / 1، العبر: 4 / 39 - 40، تتمة المختصر: 2 / 51 - 52، الوافي بالوفيات: 8 / 67 - 70، عيون التواريخ: 13 / 417، البداية والنهاية: 12 / 193 - 194، النجوم الزاهرة: 5 / 226، شذرات الذهب: 4 / 54 - 58، منتخبات التواريخ: 476، تهذيب ابن عساكر: 2 / 70 - 71، مجلة المجمع: 34 / 127 - 133، الشعراء الشاميون: 209 - 244، وديوانه مطبوع بدمشق بتحقيق خليل مردم سنة 1958.(19/476)
وَلَهُ:
أَوَ مَا تَرَى قَلَقَ الغَدِيْرِ كَأَنَّهُ ... يَبْدُو لِعَيْنِكَ مِنْهُ حَلْيُ مَنَاطِقِ
مُتَرَقْرِقٍ لَعِبَ الشُّعَاعُ بِمَائِهِ ... فَارْتَجَّ يَخْفِقُ مِثْلَ ثَلْبِ العَاشِقِ (1)
فَابْن الخَيَّاط الدِّمَشْقِيّ، هُوَ أَحْمَد بن سنِي الدَّوْلَة أَبِي الكَتَائِب الكَاتِب ابْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ مِنْ طَرَابُلُس، وَكَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بحَمَاة لأَبِي الفوَارس بن مَانك، وَخدمه مُدَّةً، ثُمَّ اشْتُهِرَ بِالشّعر، وَمدحَ المُلُوْكَ وَالأُمَرَاءَ، وَاجتمع بِحَلَبَ بِالأَمِيْر أَبِي الفِتيَان بن حيُّوس، وَرَوَى عَنْهُ، وَعَنِ: السَّابِق مُحَمَّد بن الخَضِر بن أَبِي مَهْزُول المعرِي، وَحَسَّان بن الحُبَابِ، وَأَبِي نَصْرٍ بن الخيسِي، وَعَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ الدويدَة.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّليطُلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ القَيْسَرَانِيّ الشَّاعِر، وَتَخَرَّج بِهِ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ ابْنُ الخَيَّاط شَاعِرَ الشَّام.
وَقَالَ لِي أَبُو الفوَارس نَجَاءُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العُمَرِيّ بِدِمَشْقَ سَنَة عَشْرٍ - وَكَانَ شَاعِراً مُفلقاً -:ابْنُ الخَيَّاط فِي عصره أَشعرُ الشَّامِيّين بِلاَ خِلاَف.
قَالَ السِّلَفِيّ: وَقَدِ اخْترتُ مِنْ شِعْرِهِ (مجلدَة) لطيفَة، وَسَمِعتُهَا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الخَيَّاط: دَخَلتُ فِي الصِّبَا عَلَى الأَمِيْرِ ابْن حيُّوس بِحَلَبَ وَهُوَ مُسِنٌّ، فَأَنشدتُهُ لِي:
لَمْ يَبْقَ عِنْدِي مَا يُبَاعُ بِدِرْهَمٍ ... وَكَفَاكَ عَيْنُ (2) مَنْظَرِي عَنْ مَخْبَرِي
__________
(1) زاد ابن عساكر: 2 / 172 / 1 بيتا ثالثا هو: فإذا نظرت إليه راعك لمعه * وعللت طرفك من شارب صادق
(2) في الديوان: مني، وفي " الوفيات ": وكفاك علما منظري، وفي " الوافي ": وكفاك شاهد.(19/477)
إِلاَّ صُبَابَةَ مَاءِ وَجْهٍ صُنْتُهَا ... مِنْ أَنْ تُبَاعَ وَأَيْنَ أَيْنَ المُشْتَرِي (1) ؟
فَقَالَ لَهُ ابْنُ حيوس: لَوْ قُلْتُ: وَأَنْتَ نِعْمَ المُشْتَرِي، لَكَانَ أَحْسَنَ.
ثُمَّ قَالَ: كَرُمْتَ عِنْدِي، وَنعيتَ إِلَيَّ نَفْسِي، فَإِنَّ الشَّام لاَ يَخلو مِنْ شَاعِر مُجيد، فَأَنْت وَارثي، فَاقصِدْ بنِي عَمَّار بِطَرَابُلُس، فَإِنَّهُم يُحبُّوْنَ هَذَا الفنَّ، ثُمَّ وَصَلَه بِثِيَابٍ، وَدَنَانِيْر، وَمَضَى إِلَى بنِي عَمَّار، فَوصلُوْهُ، وَمدحهُم.
قَالَ العمَادُ الكَاتِب: ابْنُ حيُّوس أَصْنَعُ مِنِ ابْنِ الخَيَّاط، لَكِن لِشعر ابْنِ الخَيَّاط طَلاَوَةٌ لَيْسَتْ لَهُ، وَمَنْ كَانَ يَنظر إِلَى ابْنِ الخَيَّاط، يَعتقِدُه جَمَّالاً أَوْ حَمَّالاً، لِبزَّته وَشكله وَعرضه.
فَمَنْ قَوْله فِي عضد الدَّوْلَة أبق بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ الأَمِيْر بِدِمَشْقَ قَصِيدَته المَشْهُوْرَة الفَائِقَة، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِيْنَ بَيْتاً، أَوَّلُهَا:
خُذَا مِنْ صَبَا نَجْدٍ أَمَاناً لِقَلْبِهِ ... فَقَدْ كَانَ رَيَّاهَا يَطِيْرُ بِلُبِّهِ (2)
__________
(1) البيتان في دوانه: 278، ووفيات الأعيان: 1 / 145، والوافي: 8 / 68.
(2) ديوانه: 170 وبعده: وأياكما ذاك النسيم فإنه * متى هب كان الوجد أيسر خطبه خليلي لو أحببتما لعلمتما * محل الهوى من مغرم القلب صبه تذكر والذكرى تشوق وذو الهوى * يتوق ومن يعلق به الحب يصبه غرام على يأس الهوى ورجائه * وشوق على بعد المزار وقربه وللحسام الحاجري على وزنها قصيدة مطلعها: لوى جيده كالظبي عن لسربه * وأقسم منها لا يرق لصبه
حبيب له عند العتاب تعزز ال * برئ ولي ذل المقر بذنبه أوردها ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ: 13 / لوحة 421.(19/478)
وَمدح القَاضِي فَخر الْملك أَبَا عَلِيٍّ بن مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ بِطَرَابُلس بِهَذِهِ:
هَبُوا طَيْفَكُمْ أَعْدَى عَلَى النَّاسِ مَسْرَاهُ ... فَمَنْ لِمُشَوِّقٍ إِنْ تَهَوَّمَ جَفْنَاهُ (1)
وَهِيَ طَوِيْلَة.
وَلَهُ فِي الرَّئِيْس وَجيهِ المُلْكِ أَبِي الذّوَاد مُفَرَج بن الحَسَنِ الصُّوْفِيّ:
لَوْ كُنْتَ شَاهِدَ عَبْرَتِي يَوْمَ النَّقَا ... لَمَنَعْتَ قَلْبَكَ بَعْدَهَا أَنْ يَعْشَقَا
وَعَذَرْتَ فِي أَنْ لاَ أُطِيْقَ تَجَلُّداً ... وَعَجِبْتَ مِنْ أَنْ لاَ أَذُوْبَ تَحَرُّقَا
إِنَّ الظِّبَاءَ غَدَاةَ رَامَةَ لَمْ تَدَعْ ... إِلاَّ حَشَىً قَلِقاً وَقَلْباً شَيِّقَا
سَنَحَتْ وَمَا مَنَحَتْ وَكَمْ مِنْ عَارِضٍ ... قَدْ مَرَّ مُجْتَازاً عَلَيْكَ وَمَا سَقَى (2)
وَهِيَ طَوِيْلَة.
وَلَهُ فِي أَبق الأَمِيْرِ المَذْكُور قصيدتُهُ المَشْهُوْرَة:
سَلُوْا سَيْفَ أَلْحَاظِهِ المُمْتَشَقْ ... أَعِنْدَ القُلُوْبِ دَمٌ لِلْحَدَقْ؟
أَمَا مِنْ مُعِيْنٍ وَلاَ عَاذِرٍ ... إِذَا عَنَّفَ الشَّوْقُ يَوْماً رَفَقْ
تَجَلَّى لَنَا صَارِمُ المُقْلَتَيْـ ... ـنِ مَاضِي المُوَشَّحِ وَالمُنْتَطَقْ
مِنَ التُّرْكِ مَا سَهْمُهُ إِذْ رَمَى ... بِأَفْتَكَ مِنْ طَرْفِهِ إِذْ رَمَقْ
وَليْلَةَ وَافَيْتُهُ زَائِراً ... سَمِيْرَ السُّهَادِ ضَجِيْعَ القَلَقْ
وَقَدْ رَاضَتِ الكَأْسُ أَخْلاَقَهُ ... وَوَقَّرَ بِالسُّكْرِ مِنْهُ النَّزَقْ
وَخَفَّ العِنَاقُ فَقَبَّلْتُهُ ... شَهِيَّ المُقبَّلِ وَالمُعْتَنَقْ
__________
(1) ديوانه: 71، وخريدة القصر: 154.
(2) ديوانه: 254، وخريدة القصر: 164.(19/479)
وَبِتُّ أُخَالِجُ شَكِّي بِهِ ... أَزَوْرٌ طَرَا أَمْ خَيَالٌ طَرَقْ؟
أُفَكِّرُ فِي الهَجْرِ كَيْفَ انْقَضَى ... وَأَعْجَبُ لِلوَصْلِ كَيْفَ اتَّفَقْ
فَلِلْحُبِّ مَا عَزَّ مِنِّي وَهَان ... وَلِلْحُسْنِ مَا جَلَّ مِنْهُ وَدَقْ
لَقَدْ أَبَقَ الدَّمْعُ مِنْ رَاحَتَـ ... ـيَّ لَمَّا أَحَسَّ بِنُعْمَى أَبَقْ (1)
تَطَاوَحَ يَهْرُبُ مِنْ جُوْدِهِ ... وَمَنْ أَمَّهُ السَّيْلُ خَافَ الغَرَقْ (2)
وَلَهُ فِي أَبِي النّجم هِبَة اللهِ بن بَدِيع الأَصْبَهَانِيّ وَزِيْر الْملك تُتُش، مِنْهَا:
وَخَيْلٍ تَمَطَّتْ بِي وَلَيْلٍ كَأَنَّهُ ... تَرَادُفُ وَفْدِ الهَمِّ أَوْ زَاخِرُ اليَمِّ
شَقَقْتُ دُجَاهُ وَالنُّجُوْمُ كَأَنَّهَا ... قلاَئِدُ نَظْمِي أَوْ مَسَاعِي أَبِي النَّجْمِ (3)
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ الطُّليطلِي: كَانَ ابْنُ الخَيَّاط أَوّل مَا دَخَلَ طَرَابُلُس وَهُوَ شَابّ يغشَانِي فِي حَلقتِي، وَيُنشدنِي مَا أَسْتكثرُهُ لَهُ، فَأَتَّهِمُهُ لأَنَّنِي كُنْتُ إِذَا سَأَلتُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَدب، لاَ يَقومُ بِهِ، فَوبَّختُهُ يَوْماً عَلَى قِطعَة عملهَا، وَقُلْتُ: أَنْتَ لاَ تَقُوْم بنَحْو وَلاَ لُغَة، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الشِّعر؟
فَقَامَ إِلَى زَاويَة، فَفَكَّر، ثُمَّ قَالَ: اسَمِع:
وَفَاضِلٍ قَالَ إِذْ أَنْشَدْتُهُ نُخَباً ... مِنْ بَعْضِ شِعْرِي وَشِعْرِي كُلُّهُ نُخَبُ:
لاَ شَيْءَ عِنْدَكَ مِمَّا يَسْتَعِيْنُ بِهِ ... مَنْ شَأْنُهُ مُعْجِزَاتُ النَّظْمِ وَالخُطَبُ
فَلاَ عَرُوْضٌ وَلاَ نَحْوٌ وَلاَ لُغَةٌ ... قُلْ لِي: فَمِنْ أَيْنَ هَذَا الفَضْلُ وَالأَدَبُ؟
فَقُلْتُ قَوْلَ امْرِئٍ صَحَّتْ قَرِيْحَتُهُ: ... إِنَّ القَرِيحَةَ عِلْمٌ لَيْسَ يُكْتَسَبُ
__________
(1) أبق: اسم عضد الدولة.
(2) ديوانه: 221، وخريدة القصر: 170.
(3) ديوانه: 147، وخريدة القصر: 194.(19/480)
ذَوْقِي عَرُوضِي وَلَفْظِي جُلُّهُ لُغَتِي ... وَالنَّحْو طَبْعِي فَهَلْ يَعْتَاقُنِي سَبَبُ (1) ؟
فَقُلْتُ: حسبُك، وَاللهِ لاَ اسْتَعظمتُ لَكَ بَعْدَهَا عَظِيْماً، وَلزَمَنِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَفَاد مِنَ الأَدب مَا اسْتَقلَّ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ القَيْسَرَانِيّ: وَقَّعَ هِبَةُ اللهِ بن بَدِيع أَبُو النّجم لابْنِ الخَيَّاط بِأَلفِ دِيْنَار، وَهُوَ آخِرُ شَاعِر فِي زَمَانِنَا وَقَّعَ بِأَلف دِيْنَار.
وَلَهُ فِي سديدِ المُلْكِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُقَلِّد بن نَصْرِ بن مُنْقِذ (2) بِشَيْزَرَ:
يَقينِي يَقينِي حَادِثَاتِ النَّوَائِب ... وَحزمِي حَزْمِي فِي ظُهُوْرِ النَّجَائِبِ
سَيُنْجِدُنِي جَيْشٌ مِنَ العَزْمِ طَالَمَا ... غَلَبْتُ بِهِ الخَطْبَ الَّذِي هُوَ غَالِبِي
وَمَنْ كَانَ حَرْبَ الدَّهْرِ عَوَّدَ نَفْسَهُ ... قِرَاعَ اللَّيَالِي لاَ قِرَاعَ الكَتَائِبِ
وَمَا كُلُّ دَانٍ مِنْ مَرَامٍ بِظَافِرٍ ... وَلاَ كُلُّ نَاءٍ عَنْ رَجَاءٍ بِخَائِبِ
وَإِنَّ الغِنَى مِنِّي لأَدْنَى مَسَافَةً ... وَأَقْرَبُ مِمَّا بَيْنَ عَيْنِي وَحَاجِبِي
__________
(1) لم ترد في الديوان، وأثبنها محقق الديوان من هنا.
(2) بنو منقذ أسرة مجيدة نشأ فيها رجال كبار، جلهم فارس شجاع، وشاعر أديب، وكان حصن شيزر - وهو في شمال حماة - يتوارثونه من أيام صالح بن مرداس الذي ملك حلب سنة (417) هـ وقتل سنة (419) هـ ثم خرج من أيديهم بعد ذلك إلى الصليبيين، واسترده منهم سديد الملك أبو الحسن علي بن مقلد سنة (474) هـ، وبقي في أيديهم حتى خرب بالزلزال في سنة 552 هـ، وقتل كل من فيه من بني منقذ تحت أنقاضه، ولم ينج منه سوى أسامة بن منقذ وإخوته الذين كانوا خارجه، وقد ترك هذا الحدث الفاجع في نفس أسامة أثرا بالغا حفزه على تأليف كتاب " المنازل والديار " الذي استغرق في صنعه ست عشرة سنة وضمنه نماذج متخيرة من شعر الجاهليين فمن بعدهم حتى أيامه، مما قيل في المنازل والديار والاوطان والمغاني والاطلال والآثار والمدن والاهل والاحباب وما إلى ذلك، وقد خلله مقاطيع من نظمه لم يرد لاكثرها ذكر في ديوانه المطبوع. وقد يسر الله لي تحقيق هذا الكتاب والتعليق عليه، وتم نشره في دمشق سنة 1965.(19/481)
سَأَصحَبُ آمَالِي إِلَى ابْنِ مُقَلَّدٍ ... فَتُنْجِحُ مَا أَلوَى الزَّمَانُ بِصَاحِبِ
فِي أَبيَات.
280 - ابْنُ الخَازِنِ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل *
الأَدِيْبُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل، ابْن الخَازن الدِّيْنَوَرِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الشَّاعِرُ، صَاحِبُ الخطِّ الفَائِقِ، وَالنَّظْمِ الرَّائِقِ (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَان عَشْرَةَ.
وَخطُّه يُقَارِبُ خَطَّ الكَاتِب أَبِي الفوَارس ابْن الخَازن.
وَلَهُ وَلَدٌ نسخ المقَامَاتِ كَثِيْراً، وَهُوَ أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ الخَازن.
وَكَانَ أَبُو الفوَارس يَرْوِي عَنِ الجَوْهَرِيّ.
قَالَ فِيْهِ (2) السِّلَفِيّ: كَانَ أَحْسَن النَّاسِ خطّاً.
__________
(*) المنتظم: 9 / 204، وفيات الأعيان: 1 / 149 - 151، تاريخ الإسلام: 4 / 233، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 79 - 80، عيون التواريخ: 13 / 432 - 445، الوافي بالوفيات: 8 / 78 - 80، البداية والنهاية: 183، النجوم الزاهرة: 5 / 229، كشف الظنون: 765، شذرات الذهب: 4 / 57 - 58.
(1) ومن نظمه ما أنشده ابن خلكان: 1 / 150، والصلاح الصفدي: 8 / 79.
وأهيف ينميه إلى العرب لفظه * وناظره الفتان يعزى إلى الهند
تجرعت كأس الصبر من رقبائه * لساعة وصل منه أحلى من الشهد
وهادنت أعماما له وخؤولة * سوى واحد منهم غيور على الخد
كنقطة مسك أودعت جلنارة * رأيت بها غرس البنفسج في الورد
(2) أي: في أبي الفوارس.(19/482)
قُلْتُ: قِيْلَ: نسخَ خَمْسَ مائَة ختمَة، وَلَهُ نَظْمٌ أَيْضاً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَة، وَاسْمُهُ حُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ الدَّيلمِي، ثُمَّ البَغْدَادِيّ (1) .
281 - أَبُو نَهْشَل عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ العَنْبَرِيّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّرُ، أَبُو نَهْشَل عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَبِي الفوَارس أَحْمَد بن الفَضْلِ العَنْبَرِيّ، التَّمِيْمِيّ، الأَصْبَهَانِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
أَجَازَ لَهُ: أَبُو الحُسَيْنِ بنُ فَاذشَاه، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ (جُزْءَ الزُّهْد) لأَسَد بن مُوْسَى (2) ، شَاهَدتُ الأَصْلَ بِذَلِكَ، فَهُوَ خَاتِمَة مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ، وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: هَارُوْنَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ شَاذَانَ الأَعْرَج، وَابْن رِيذه؛ سَمِعَ مِنْهُ (مُعْجَمِي الطَّبَرَانِيّ) الأَكْبَر وَالأَصْغَر، وَسَمِعَ (فَضَائِل القُرْآن) لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ هَارُوْنَ عَنِ الطَّبَرَانِيّ، وَسَمِعَ (برِّ الوَالِدّين) لأَبِي الشَّيْخِ، وَأَشيَاء تَفَرَّد بِهَا.
__________
(1) له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 191، وأنشد له قوله:
عنت الدنيا لطالبها * واستراح الزاهد الفطن
كل ملك نال زخرفها * حسبه مما حوى كفن
يقتني مالا ويتركه * في كلا الحالين مفتتن
أملي كوني على ثقة * من لقاء الله مرتهن
(*) معجم شيوخ السمعاني: الورقة / 153 ب، التحبير: 1 / 455 - 457، تاريخ الإسلام: 4 / 230 / 1 - 2.
(2) هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك القرشي الأموي المرواني المصري المعروف بأسد السنة المتوفى سنة 212 هـ، وقد تقدمت ترجمته في الجزء العاشر الصفحة 162.(19/483)
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، وَمَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الجمَّال، وَمَسْعُوْدُ بنُ مَحْمُوْدٍ العِجْلِيّ، وَعبدُ الوَاحِد بنُ أَبِي الْمُطهر الصَّيْدَلاَنِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: أَجَازَ لِي، وَكَانَ مُكْثِراً مُعَمَّراً، وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ فُضلاَءِ الأُدبَاءِ، وَكَانَ عبدُ الصَّمد مِنْ غُلاَة العَبْد الرّحمَانِيَة (1) ، وَمِنْ مَرْوِيَّاته بِعُلُوٍّ (فَضَائِل القُرْآن) لإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرٍو البَجَلِيّ (2) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدٌ الجمَال - زَادَ ابْنُ عَبْد الغَنِيِّ، فَقَالَ -:وَأَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ مَحْمُوْدِ بن خَلَفٍ، وَعبدُ الوَاحِد بن أَبِي المطهَّر قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عبدُ الصَّمد بن أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ سَنَة (432) ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بن بَشِيْرٍ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ أَوِ القُمْقُمُ) .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: شُعْبَةُ، وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
__________
(1) التحبير: 1 / 455.
(2) مولاهم الكوفي شيخ أصبهان ومسندها المتوفى سنة 227 هـ. تقدمت ترجمته في الجزء العاشر برقم 136.(19/484)
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيّ وَمُسْلِمٌ بِطُرِقٍ (1) .
282 - ابْنُ الدَّنِفِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، العَابِدُ، المُقْرِئُ، بَقِيَّةُ السَّلَفِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الدَّنِف (2) البَغْدَادِيّ، الحَنْبَلِيّ، الإِسكَافُ.
تَفقَّه بِأَبِي جَعْفَرٍ بن أَبِي مُوْسَى.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَالصَّرِيفِيْنِي، وَعِدَّة.
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَلاَحِق بن كَاره، وَذَاكرُ بنُ كَامِلٍ، وَابْن بَوش، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ مَشَايِخ العِلْم.
__________
(1) هو في البخاري (6561) و (6562) في الرقاق: باب صفة الجنة والنار، ومسلم (213) في الايمان: باب أهون أهل النار عذابا، وأخرجه أحمد: 4 / 274، والترمذي: 2604، وفي الباب عن ابن عباس عند أحمد: 1 / 290، 296، ومسلم (212) وبين في روايته الرجل المبهم في الرواية السابقة أنه أبو طالب، وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد: 3 / 13 و78، ومسلم (211) ، وعن أبي هريرة عند أحمد: 2 / 432، والدارمي: 2 / 340، والمرجل: قدر من نحاس، ويقال أيضا لكل إناء يغلي فيه الماء من أي صنف كان، والقمقم: ما يسخن فيه الماء من نحاس وغيره، ويكون ضيق الرأس، ووقع في رواية البخاري " كما يغلي المرجل بالقمقم "، قال ابن التين: في هذا التركيب نظر وقال عياض: الصواب: " كما يغلي المرجل والقمقم " بواو العطف لا بالباء، وجوز غيره أن تكون الباء بمعنى " مع " ووقع في رواية الاسماعيلي " كما يغلي المرجل أو القمقم " كما جاء في روايتنا هذه وهو أبين وأفصح.
(*) المنتظم: 9 / 230، تاريخ الإسلام: 4 / 221 / 2، ذيل طبقات الحنابلة: 172 - 173، شذرات الذهب: 4 / 47 - 49.
(2) هو بفتح الدال المهملة، وكسر النون، وآخره فاء، كما قيده ابن نقطة، ونقله عنه ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 173.(19/485)
قرَأَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَانتفعُوا بِهِ (1) .
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
ذكره ابْنُ النَّجَّار (2) .
283 - ابْنُ الحَدَّاد عُبَيْد اللهِ بن الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ المُتْقِنُ، الثِّقَةُ، العَابِدُ، الخَيِّرُ، أَبُو نُعَيْمٍ عُبَيْد اللهِ ابْن الشَّيْخ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الأَصْبَهَانِيّ، الحَدَّاد، مفِيدُ أَصْبَهَان فِي زَمَانِهِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا عَمْرٍو عَبْد الوَهَّابِ بن مَنده، وَحَمْدَ بنَ وَلْكِيز، وَأَبَا طَاهِر أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ النقَاش، وَسُلَيْمَانَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعِدَّةً بِأَصْبَهَانَ، وَأَبَا المُظَفَّر مُوْسَى بنَ عِمْرَانَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ الشِّيرَازِي، وَخَلْقاً بِأَصْبَهَانَ، وَشيخَ الإِسْلاَمِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ العُمَيْرِي، وَنَجيبَ بنَ مَيْمُوْنٍ، وَأَبَا عَامِرٍ الأَزْدِيّ بِهَرَاةَ، وَأَبَا الغنَائِم بنَ أَبِي عُثْمَانَ، وَالنِّعَالِيّ، وَطِرَادَ بنَ مُحَمَّد بِبَغْدَادَ.
__________
(1) في " المنتظم ": 9 / 230: وكان من الزهاد الاخيار، ومن أهل السنة، وانتفع به خلق كثير، وحدث بشيء يسير.
(2) وقال: كان مشهورا بالصلاح والدين، وانتفع به جماعة قرؤوا عليه، وعادت عليهم بركته.
(*) المنتظم: 9 / 247، طبقات علماء الحديث، تاريخ الإسلام: 4: 230 / 2 - 231 / 2، العبر: 4 / 41، تذكرة الحفاظ: 4 / 1265 - 1266، عيون التواريخ 13 / 430، مرآة الجنان: 3 / 221، طبقات الحفاظ: 459، شذرات الذهب: 4 / 56.(19/486)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عبد الوَاحِد: هُوَ صَدِيْقٌ لِي، أَحَدُ العُلَمَاء فِي فُنُوْنٍ كَثِيْرَة، بلغَ مَبْلَغَ الإِمَامَة بِلاَ مُدَافَعَةٍ، وَلَهُ عِنْدِي أَيَادٍ كَثِيْرَة، سفراً وَحضراً، جمع مَا لَمْ يَجْمَعْه أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ مِنَ الكُتُب وَالسَّمَاعَات الغزِيْرَة، صَدُوْقٌ فِي جمعه وَكتبه، أَمِيْنٌ فِي قِرَاءته.
قُلْتُ: قَلَّ مَا رَوَى، وَقَدْ نسخ الكَثِيْرَ، وَصَنَّفَ، وَكَانَ يُكْرِمُ الغربَاء وَيُفِيدهُم، وَيهبُهُم الأَجزَاء، وَفِيْهِ دينٌ وَتَقوَى وَخَشْيَة، وَمَحَاسِنُهُ جَمَّة، جمع أَطرَافَ (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَانتشرت عَنْهُ، وَاسْتحسنهَا الفُضَلاَءُ، وَانتقَى عَلَيْهِ الشُّيُوْخُ، فَالثقفِيَّاتُ مِنْ تخرِيجه.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: عفِيفَة الفَارفَانِيَة.
أَنبؤونَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيّ الحَنْبَلِيّ، قَالَ: قِيْلَ: إِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ بن الحَدَّاد نَاظر شهردَار بن شِيْرَوَيْه - وَكَانَ قَدْ تَأَخر عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّاد لأَجْل سَمَاع (صَحِيْح مُسْلِم) عَلَى أَبِي الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيّ - فَقَالَ لَهُ: سُبْحَانَ اللهِ، تركتَ العَوَالِي عِنْد أَبِي، وَاشْتَغَلتَ بِالنَّوازل؟!
فَقَالَ: لَيْسَ عِنْد أَبيك (صَحِيْح مُسْلِم) ، وَهُوَ عَالٍ.
قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِن عِنْدَهُ المخرَّج عَلَيْهِ لأَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَفِيْهِ عَامَّةُ عَوَالِيه، فَإِذَا سَمِعْتَ تِلْكَ مِنْ أَبِي، فَكَأَنَّك سمِعتهَا مِنْ عَبْد الغَافِرِ الفَارِسِيّ، وَلَوْ شِئْتُ لقُلْتُ: كَأَنَّك سَمِعْتَ بعْضَهَا مِنَ الجُلُودي، وَإِنْ قُلْت: كَأَنَّك سَمِعتَهَا مِنِ ابْنِ سُفْيَان لَمْ أَكْذِبْ، وَإِنْ شِئْتُ قُلْتُ: كَأَنَّك سمِعتهَا مِنْ مُسْلِم.
ثُمَّ قَالَ: وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ أَعْلَى مِنْ هَذَا، إِذا سَمِعتهَا مِنْ أَبِي،(19/487)
سَاويتَ البُخَارِيّ وَمسلماً، وَمِنْ جُملتهَا حَدِيْثُ المِسْوَر: (إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي (1)) .
أَخْبَرَنَا طَائِفَةٌ إِجَازَة أَن عفِيفَة أَنبأَتهُم عَنْ عُبيد الله بن الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الوَاحِدي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الكَشْرُ، وَلَكِن يَقْطَعُهَا القَرْقَرَةُ (2)) .
هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَثَابِت وَاهٍ (3) .
__________
(1) هو في البخاري (3714) و (3767) في فضائل الصحابة، و (5230) في النكاح، ومسلم (2449) (95) في فضائل الصحابة، وأخرجه أحمد: 4 / 326، وأبو داود (2069) و (2071) ، والترمذي (3867) ، وابن ماجة (1998) و (1999) عن المسور بن
مخرمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وهو على المنبر - إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذها " لفظ البخاري، وزاد مسلم " إني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا ".
(2) وأخرجه الخطيب في " تاريخه ": 11 / 345، والطبراني في " معجمه الصغير ": 2 / 84، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان ": 1 / 86، وابن عدي في " الكامل " ورقة: 46 / 2 من طريق عبد الرزاق (3774) عن سفيان الثوري به موقوفا.
وقال الخطيب: تفرد بروايته أحمد بن مهدي، عن ثابت الزاهد، عن الثوري موقوفا، ورفعه لا يثبت.
وأخرجه الدارقطني: 1 / 174، والبيهقي: 2 / 251، من طريقين عن سفيان موقوفا، وقال الأخير: وقد رفعه ثابت بن محمد الزاهد وهو وهم منه.
(3) وجاء في " مقدمة فتح الباري ": ص: 394: ثابت بن محمد العبدي وثقه مطين، وصدقه أبو حاتم، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: هو عندي ممن لا يتعمد الكذب، ولعله يخطئ، قال الحافظ: وقد روى عنه البخاري في " الصحيح " حديثين في الهبة والتوحيد لم ينفرد بهما.(19/488)
284 - المَيْدَانِيُّ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الأَدب، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَيدَانِي (1) ، النَّيْسَابُوْرِيّ، الكَاتِبُ، اللُّغَوِيّ، تِلْمِيْذُ الوَاحِدي المُفَسِّرُ، لَهُ كِتَاب فِي (الأَمثَال) لَمْ يُعَمل مِثْلُهُ (2) ، وَكِتَاب (السَّامِي فِي الأَسَامِي) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، فِي رَمَضَانَ (3) .
__________
(*) الأنساب: 548 أ، نزهة الالباء: 390، معجم الأدباء: 5 / 45 - 51، اللباب: 3 / 281، إنباه الرواة: 1 / 121 - 124، وفيات الأعيان: 1 / 148، تاريخ الإسلام: 4: 223 / 1 - 2، تذكرة الحفاظ: 4 / 1276، تلخيص ابن مكتوم: 19، الوافي بالوفيات: 7 / 326 - 328، مرآة الجنان: 4 / 223، البداية والنهاية: 12 / 149، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 99، بغية الوعاة: 1 / 356 - 357، مفتاح السعادة: 1 / 124 - 125، كشف الظنون: 974، 1597، شذرات الذهب: 4 / 58، الفلاكة والمفلوكون: 99، روضات الجنات: 80، هدية العارفين: 1 / 175، ايضاح المكنون: 1 / 94، 2 / 45.
(1) نسبة إلى ميدان زياد بن عبد الرحمان وهي محلة في نيسابور.
(2) قال الصفدي: وفيه ستة آلاف مثل، يقال: إنه لما وقف عليه أبو القاسم الزمخشري، حسده على جودة تصنيفه، وأخذ القلم، وزاد في لفطة " الميداني " نونا، فصار " النميداني " ومعناه بالفارسية الذي لا يعرف شيئا، فلما وقف الميداني على ذلك، عمد إلى تصنيف الزمخشري، فصير الميم نونا، فصار " الزنخشري " وهو بالفارسية بائع زوجته.
(3) ومن شعره قوله:
تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * فقلت عساه يكتفي بعذاري
فلما فشا عاتبته فأجابني * ألا هل يرى صبح بغير نهار
وقوله:
يا كاذبا أصبح أعجوبة * أعجوبة أية أعجوبه
وناطقا ينطق في لفظة * واحدة سبعين أكذوبه
شبهك الناس بعرقوبهم * لما رأوا أخذك أسلوبه
فقلت كلا إنه كاذب * عرقوب لا يبلغ عرقوبه
" معجم الأدباء " 5 / 48 - 50، و" الوافي " 7 / 327.(19/489)
وَمَاتَ ابْنُهُ العَلاَّمَة أَبُو سَعْدٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
285 - الطُّرْطُوشِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ خَلَفٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ خَلَفِ بن سُلَيْمَانَ بن أَيُّوْبَ الفِهْرِيّ، الأَنْدَلُسِيّ، الطُّرْطُوشِي، الفَقِيْه، عَالِمُ الإِسْكَنْدَرِيَّة.
وَطُرْطُوشَة: هِيَ آخِرُ حَدِّ المُسْلِمِين مِنْ شِمَالِي الأَنْدَلُس، ثُمَّ اسْتولَى العَدُوّ عَلَيْهَا مِنْ دَهْرٍ (1) ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعْرَفُ فِي وَقتِهِ بِابْنِ أَبِي رَنْدَقَه (2) .
لاَزَمَ القَاضِي أَبَا الوَلِيْدِ البَاجِي بِسَرقُسْطَةَ، وَأَخَذَ عَنْهُ مَسَائِلَ الخلاَفِ، ثُمَّ حَجَّ، وَدَخَلَ العِرَاق.
وَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) مِنْ أَبِي عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ (3) ، وَسَمِعَ
__________
(*) الأنساب: 8 / 235، الصلة: 2 / 575 - 576، الخريدة: 12 / 26 - 27، 65 - 67، بغية الملتمس: 135 - 139، معجم البلدان: 4 / 30، المغرب: 2 / 242، وفيات الأعيان: 4 / 262 - 265، تاريخ الإسلام: 4: 243 / 2 - 244 / 1، دول الإسلام: 2 / 44، العبر: 4 / 48، الوافي: 5 / 175، عيون التواريخ: 13 / 462 - 464، مرآة الجنان: 3 / 225 - 227، الديباج المذهب: 2 / 244 - 248، وفيات ابن قنفذ: 271 - 272، الاعلام لابن قاضي شهبة: وفيات (520) ، النجوم الزاهرة: 5 / 231 - 232، صفة جزيرة الأندلس: 125، حسن المحاضرة: 1 / 452، مفتاح السعادة: 1 / 412، أزهار الرياض: 3 / 162، نفح الطيب: 2 / 85، كشف الظنون: 984، 1113، شذرات الذهب: 4 / 62، هدية العارفين: 2 / 85، شجرة النور الزكية: 124 - 125، الذيل لبروكلمان: 1 / 829، تراجم أندلسية: 289 - 298، دائرة المعارف الإسلامية: 1 / 77 - 78.
(1) وتم ذلك في سنة (543) هـ كما في " معجم ياقوت ": 4 / 30.
(2) قال ابن خلكان: 4 / 265، رندقه بفتح الراء، وسكون النون، وفتح الدال المهملة والقاف، وهي لفظة فرنجية، سألت بعض الفرنج عنها، فقال: معناها: رد تعال.
(3) في " بغية الملتمس ": 138، 139: حدثني عنه أبو الطاهر بن عوف، وأبو =(19/490)
بِبَغْدَادَ مِنْ: قَاضِيهَا أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامغَانِي، وَرزقِ الله التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، وَعِدَّة.
وَتَفَقَّهَ أَيْضاً عِنْد أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيّ، وَنَزَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ مُدَّة، وَتَحَوَّل إِلَى الثَّغْر (1) ، وَتَخَرَّج بِهِ أَئِمَّة.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: كَانَ إِمَاماً عَالِماً، زَاهِداً وَرِعاً، ديناً مُتَوَاضِعاً، متقشِّفاً متقلِّلاً مِنَ الدُّنْيَا، رَاضياً بِاليسير، أَخْبَرَنَا عَنْهُ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي، وَوصفه بِالعِلْمِ، وَالفَضْل، وَالزُّهْدِ، وَالإِقبالِ عَلَى مَا يَعْنِيْهِ، قَالَ لِي: إِذَا عَرَضَ لَكَ أمرُ دُنْيَا وَأَمرُ آخِرَة، فَبَادِرْ بِأَمرِ الآخِرَة، يَحْصُلْ لَكَ أَمرُ الدُّنْيَا وَالأُخْرَى (2) .
__________
= الفضل عبد المجيد بن دليل بكتاب السنن لأبي داود، قراءة عليهما أن أبا علي بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن بحر التستري بالبصرة قال: حدثنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، قال: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي، حدثنا أبو داود.
(1) يعني الإسكندرية، وكان سبب إقامته بها ما شاهده من إقفار المساجد والمدارس من طلاب العلم والعلماء بسبب ملاحقة العبيدية لعلماء السنة، وتشريدهم، وقتلهم، وإيذائهم، فأقام بها رحمه الله إلى أن وافته المنية ينشر العلم، ويفقه الناس بأمور دينهم، ويوثق صلتهم بكتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح المشهود لهم بالخيرية على لسان خير البرية.
وكان يقول: إن سألني الله تعالى عن المقام بالإسكندرية - لما كانت عليه في أيام العبيدية من ترك إقامة الجمعة ومن غير ذلك من المناكر التي كانت في أيامهم - أقول له: وجدت قوما ضلال فكنت سبب هدايتهم.
وكان رحمه الله قد أوذي من الأفضل الوزير العبيدي، فأخرج من الإسكندرية، وألزم الاقامة بمصر، ومنع الناس من الاخذ عنه، وبقي على ذلك إلى أن قتل الأفضل، وولي مكانه المأمون بن البطائحي، فأكرم الشيخ إكراما كثيرا.
(2) " الصلة ": 2 / 575، وزاد: قال القاضي أبو بكر: وكان كثيرا ما ينشدنا.
ان لله عبادا فطنا * طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
فكروا فيها فلما علموا * أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا * صالح الاعمال فيها سفنا(19/491)
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيِّ بنِ قليُنَا: كَانَ شيخُنَا أَبُو بَكْرٍ زُهْدُهُ وَعبَادتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عِلْمه، وَحَكَى بَعْضُ العُلَمَاء أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الطُّرطُوشِي أَنجبَ عَلَيْهِ نَحْوٌ مِنْ مائَتَيْ فَقِيْهٍ مُفْتِي، وَكَانَ يَأْتِي إِلَى الفُقَهَاء وَهُم نِيَام، فَيَضع فِي أَفوَاهِهِم الدَّنَانِيْر، فَيَهُبُّوْن، فيرونهَا فِي أَفوَاهِهِم.
قَالَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ خَلِّكَان: دَخَلَ الطُّرطُوشِي عَلَى الأَفْضَلِ ابْن أَمِيْر الجُيُوْش بِمِصْرَ، فَبسط تَحْته مِئْزَره، وَكَانَ إِلَى جَانبِ الأَفضل نَصْرَانِي، فَوَعَظ الأَفْضَلَ حَتَّى أَبكَاهُ (1) ، ثُمَّ أَنشده:
يَا ذَا الَّذِي طَاعَتُهُ قُرْبَةٌ ... وَحَقُّهُ مُفْتَرَضٌ وَاجِبُ
إِنَّ الَّذِي شُرِّفْتَ مِنْ أَجْلِهِ ... يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبُ
وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّصْرَانِيّ، فَأَقَامَ الأَفْضَلُ النَّصْرَانِيَّ مِنْ مَوْضِعه.
وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو بَكْرٍ كِتَاب (سرَاج المُلُوْك (2)) لِلْمَأْمُوْنِ بنِ البطَائِحِي
__________
(1) فكان مما قال له كم في " نفح الطيب ": 2 / 87: إن الامر الذي أصبحت فيه من
الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عنك بمثل ما صار إليك، فاتق الله فيما خولك من هذه الأمة، فإن الله عزوجل سائلك عن النقير والقطمير والفتيل، واعلم أن الله عزوجل آتى سليمان بن داود ملك الدنيا بحذافيرها، فسخر له الانس والجن والشياطين والطير والوحش والبهائم، وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، ورفع عنه حساب ذلك أجمع، فقال عز من قائل: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) فما عد ذلك نعمة كما عددتموها، ولا حسبها كرامة كما حسبتموها، بل خاف أن يكون استدراجا من الله عز وجل، فقال: (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) فافتح الباب، وسهل الحجاب، وانصر المظلوم.
(2) وهو من أمتع الكتب، وأجودها في بابها، وكفى به دليلا على فضله، يقال: إنه كتب على اللوحة الأولى منه هذان البيتان: الناس يهدون على قدرهم * لكنني أهدي على قدري يهدون ما يفنى وأهدي الذي * يبقى على الايام والدهر(19/492)
الَّذِي وَزَرَ بِمِصْرَ بَعْدَ الأَفْضَلِ، وَلَهُ مُؤلَّف فِي طرِيقَة الخلاَفِ، وَكَانَ المَأْمُوْنُ قَدْ نَوَّه بِاسْمِهِ، وَبَالَغَ فِي إِكْرَامِهِ.
قِيْلَ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَدَخَلَ بَغْدَاد فِي حَيَاة أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَأَظُنُّهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ بِهَا آيَةً فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ بَعْدَ الْعَصْر، فَسمِعنَا دوياً عَظِيْماً، وَأَقْبَلَ ظلاَمٌ، فَإِذَا رِيحٌ لَمْ أَرَ مِثْلهَا، سَوْدَاءُ ثخينَةٌ، يَبينُ لَكَ جِسْمُهَا، فَاسوَدَّ النَّهَارُ، وَذَهَبت آثَارُهُ، وَذَهَبَ أَثَرُ الشَّمْس، وَبقينَا كَأَنَّنَا فِي أَشَدِّ ظُلْمَةٍ، لاَ يُبْصِرُ أَحَدٌ يَدَهُ، وَمَاجَ النَّاسُ، وَلَمْ نشكَّ أَنَّهَا القِيَامَة، أَوْ خسف، أَوْ عَذَاب قَدْ نَزل، وَبَقِيَ الأَمْرُ كَذَلِكَ قدر مَا يَنْضِجُ الْخبز، وَرجع السَّوَادُ حُمْرَةً كلهبِ النَّار، أَوْ جمراً يَتَوَقَّدُ، فَلَمْ نَشُك حِيْنَئِذٍ أَنَّهَا نَارٌ أَرْسَلهَا الله عَلَى العبَاد، وَأَيِسْنَا مِنَ النَّجَاة، ثُمَّ مَكَثتْ أَقلَّ مِنْ مُكْثِ الظَّلاَمِ، وَتَجَلَّتْ بِحَمْدِ اللهِ عَنْ سلاَمَة، وَنَهبَ النَّاسُ بعضَهُم بعضاً فِي الأَسواقِ، وَخطفُوا العَمَائِمَ وَالمَتَاع، ثُمَّ طَلَعتِ الشَّمْسُ، وَبقيت سَاعَةً إِلَى الغُروب.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَالفَقِيْه سلاَّر بن الْمُقدم، وَجَوْهَرُ بن لُؤْلُؤ المُقْرِئ، وَالفَقِيْهُ صَالِحُ ابْن بِنْت مُعَافَى المَالِكِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن عَطَّافٍ الأَزْدِيّ، وَيُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ القروِي الفَرَضِيّ، وَعَلِيُّ بن مَهْدِيِّ بن قلينَا، وَأَبُو طَالِبٍ أَحْمَد المُسَلَّم اللَّخْمِيّ، وَظَافرُ بن عَطِيَّةَ، وَأَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَوْف، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العُثْمَانِيّ، وَعَبْدُ المَجِيد بن دُليل، وَآخَرُوْنَ (1) .
__________
(1) منهم أبو بكر بن العربي كما تقدم في الصفحة 491، وقد اجتمع به في المسجد =(19/493)
وَبِالإِجَازَة: أَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ وَغَيْرهُ، وَلَهُ مُؤلَّف فِي تَحْرِيْم الغِنَاء، وَكِتَاب فِي الزُّهْد، وَتعليقَة فِي الخلاَف، وَمُؤلَّف فِي البِدَع وَالحوَادث، وَبرِّ الوَالِدّين (1) ، وَالرَّدّ عَلَى اليَهُوْد، وَالعمد فِي الأُصُوْل، وَأَشيَاء.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّن، عَنِ الخُشُوْعِيّ، عَنِ الطُّرطُوشِي:
أَنَّهُ كتب هَذِهِ الرِّسَالَة جَوَاباً عَنْ سَائِلٍ سَأَله مِنَ الأَنْدَلُس عَنْ حقيقَة أَمرِ مُؤلف (الإِحيَاء) ، فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ مُظَفَّر: سلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَبَا حَامِدٍ، وَكَلَّمتُهُ، فَوَجَدتُهُ امْرءاً وَافِرَ الفَهْمِ وَالعقل، وَمُمَارسَةً لِلْعلُوْم، وَكَانَ ذَلِكَ مُعْظَمَ زَمَانِهِ، ثُمَّ خَالَفَ عَنْ طَرِيْق العُلَمَاء، وَدَخَلَ فِي غِمَار العُمَّال، ثُمَّ تَصَوَّف، فَهَجَرَ العُلُوْمَ وَأَهْلَهَا، وَدَخَلَ فِي عُلُوْم الخوَاطِرِ، وَأَربَابِ الْقُلُوب، وَوسَاوسِ الشَّيْطَان، ثُمَّ سَابهَا، وَجَعَلَ يَطْعُنُ عَلَى الفُقَهَاء بِمَذَاهِبِ الفَلاَسِفَة، وَرموزِ الحلاَّج، وَجَعَلَ يَنْتحِي عَنِ الفُقَهَاء وَالمتكلمِين، وَلَقَدْ كَادَ أَنْ يَنْسَلِخَ مِنَ الدّين.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ: إِن مُحَمَّدَ بنَ الوَلِيْدِ هَذَا ذكر فِي غَيْر هَذِهِ
__________
= الأقصى، ووصفه بأنه شيخه، وتذاكرا في كيفية التوفيق بين حديث " إن من ورائكم أياما للعامل فيها أجر خمسين منكم ... " وبين حديث " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " وقد دون المقري في " نفح الطيب ": 2 / 37، 38، ما انتهيا إليه في تلك المذاكرة على لسان أبي بكر بن العربي.
(1) ومن شعره في بر الوالدين ما أنشده ياقوت في " معجم البلدان ": 4 / 30.
لو كان يدري الابن أية غصة * يتجرع الابوان عند فراقه
أم تهبح بوجده حيرانة * وأب يسح الدمع من آماقه
يتجرعان لبينه غصص الردى * ويبوح ما كتماه من أشواقه
لرثى لام سل من أحشائها * وبكى لشيخ هام في آفاقه
ولبدل الخلق الابي بعطفه * وجزاهما بالعذاب من أخلاقه(19/494)
الرِّسَالَة كِتَابَ (الإِحيَاء) .
قَالَ: وَهُوَ - لَعَمْرُو الله - أَشْبَهُ بِإِمَاتَةِ عُلُوْم الدّين، ثُمَّ رَجَعنَا إِلَى تَمَام الرِّسَالَة.
قَالَ: فَلَمَّا عَمِلَ كِتَابهُ (الإِحيَاء) عَمَدَ فَتكلَّم فِي عُلُوْم الأَحْوَال، وَمرَامزِ الصُّوْفِيَّة، وَكَانَ غَيْرَ أَنِيسٍ بِهَا، وَلاَ خبِيرٍ بِمَعْرِفَتهَا، فَسَقَطَ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، فَلاَ فِي عُلَمَاءِ المُسْلِمِين قَرَّ، وَلاَ فِي أَحْوَال الزَّاهِدينَ اسْتَقرَّ، ثُمَّ شَحَنَ كِتَابهُ بِالكَذِبِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ أَعْلَمُ كِتَاباً عَلَى وَجه بسيطِ الأَرْض أَكْثَر كذباً عَلَى الرَّسُول مِنْهُ، ثُمَّ شبَّكه بِمَذَاهِبِ الفَلاَسِفَة، وَرموزِ الْحَلَّاج، وَمعَانِي رَسَائِلِ إِخْوَان الصَّفَا، وَهُم يَرَوْنَ النُّبُوَّة اكتسَاباً، فَلَيْسَ النَّبِيُّ عِنْدَهُم أَكْثَرَ مِنْ شَخْص فَاضِل، تخلَّق بِمَحَاسِنِ الأَخلاَق، وَجَانَبَ سَفْسَافَهَا، وَسَاسَ نَفْسَه حَتَّى لاَ تغلِبه شَهْوَة، ثُمَّ سَاق الخَلْقَ بِتِلْكَ الأَخلاَقِ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُوْنَ اللهُ يَبعثُ إِلَى الْخلق رَسُوْلاً، وَزعمُوا أَنَّ المعجزَاتٍ حِيَلٌ وَمخَارِيق، وَلَقَدْ شرَّف اللهُ الإِسْلاَمَ، وَأَوضح حُجَجَه، وَقطعَ العُذْرَ بِالأَدلَّة، وَمَا مَثَلُ مَنْ نَصَرَ الإِسْلاَمَ بِمَذَاهِب الفَلاَسِفَةِ، وَالآرَاء المنطقيَةِ، إِلاَّ كَمَنْ يغسِلُ الثَّوْب بِالبول، ثُمَّ يَسُوْقُ الكَلاَم سوقاً يُرْعِدُ فِيْهِ وَيُبْرِقُ، وَيُمنِّي وَيُشَوِّقُ، حَتَّى إِذَا تَشوَّفت لَهُ النُّفُوْسُ، قَالَ: هَذَا مِنْ علم المعَامِلَة، وَمَا وَرَاءَهُ مِنْ علم المكَاشفَة لاَ يَجُوْزُ تسطيرُه فِي الكُتُبِ، وَيَقُوْلُ: هَذَا مِنْ سرِّ الصَّدْر الَّذِي نُهينَا عَنْ إِفشَائِهِ.
وَهَذَا فِعْلُ البَاطِنِيَّة وَأَهْلِ الدَّغَلِ وَالدَّخَلِ فِي الدّين يَسْتَقِلُّ المَوْجُوْدَ وَيُعلِّقُ النُّفُوْسَ بِالمفقود، وَهُوَ تَشويشٌ لعقَائِد الْقُلُوب، وَتوهينٌ لمَا عَلَيْهِ كلمَةُ الجَمَاعَة، فَلَئِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَعتقد مَا سطَّره، لَمْ يَبْعُدْ تَكفِيرُهُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَعتقِدُه، فَمَا أَقْرَبَ تضليلَه.
وَأَمَّا مَا ذكرتَ مِنْ إِحرَاق الكِتَابِ، فَلعمرِي إِذَا انْتَشَر بَيْنَ مَنْ لاَ(19/495)
مَعْرِفَةَ لَهُ بِسُمومه القَاتِلَةِ، خِيْفَ عَلَيْهِم أَنْ يَعتقدُوا إِذاً صِحَّة مَا فِيْهِ، فَكَانَ تَحْرِيْقُه فِي مَعْنَى مَا حرَّقته الصَّحَابَة مِنْ صُحف المَصَاحِفِ الَّتِي تُخَالِفُ المُصْحَفَ العُثْمَانِيّ ... ، وَذَكَرَ تَمَامَ الرِّسَالَة.
قَالَ ابْنُ المُفَضَّلِ: تُوُفِّيَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو الوَلِيْدِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن طَرِيْفٍ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو الفُتُوْح أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الغزَالِي الوَاعِظ أَخُو الإِمَامِ أَبِي حَامِد، وَالأَمِيْرُ قسيمُ الدَّوْلَة آقسُنْقُر البرسُقِي (1) الَّذِي اسْتولَى عَلَى المَوْصِلِ وَعَلَى حلب، وَأَبُو بَحْرٍ سُفْيَانُ بنُ العَاصِ الأَسَدِيّ (2) بقُرْطُبَة، وَصَاعِدُ بن سَيَّار الهَرَوِيّ الحَافِظ (3) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عتَاب القُرْطُبِيّ، وَقَاضِي الجَمَاعَة أَبُو الوَلِيْدِ بنِ رشد، وَمُحَمَّد بن بَرَكَات السَّعِيدِي (4) رَاوِي (صَحِيْح البُخَارِيِّ) .
286 - القَلاَنسِيُّ أَبُو العِزِّ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بُنْدَارَ *
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو العِزِّ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بُنْدَار الوَاسِطِيّ، القَلاَنسِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ فِي القِرَاءات.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (295) .
(2) سترد ترجمته برقم (298) .
(3) سترد ترجمته برقم (339) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (263) .
(*) سؤالات السلفي لخميس الحوزي: 51 - 52، المنتظم: 10 / 8، الخريدة: 4 / 1 / 352، طبقات الشافعية من تاريخ الإسلام: 198 / 2 - 199 / 2، تاريخ الإسلام: 4: 249 / 1 - 2، العبر: 4 / 50، ميزان الاعتدال: 3 / 525، طبقات القراء للذهبي: 1 / 384 - 386، الوافي بالوفيات: 3 / 4 - 5، عيون التواريخ: 13 / 475، طبقات السبكي: 6 / 97 - 98، غاية النهاية: 2 / 128 - 129، لسان الميزان: 5 / 144 - 145، كشف الظنون: 66، 391، شذرات الذهب: 4 / 64، هدية العارفين: 2 / 85.(19/496)
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَلا بِالعشر عَلَى أَبِي عَلِيٍّ غُلاَم الهرَّاس، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي القَاسِمِ الهُذَلِيّ صَاحِبِ الكَامِل، وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَعِدَّةٍ.
وَقرَأَ ختمَةً لأَبِي عَمْرٍو عَلَى الأَوَانِي (1) صَاحِبِ أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِي.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: قرَأَ عَلَيْهِ عَالَمٌ مِنَ النَّاس، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ الأَقطَار، وَسَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ يُسيءُ الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَنسبَه إِلَى الرّفض (2) ، ثُمَّ وَجَدْتُ لأَبِي الْعِزّ أَبيَاتاً فِي فَضِيْلَة الصَّحَابَة.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: أَلحق سَمَاعَه فِي جُزء مِنْ هَاءات الكِنَايَة لِعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي هَاشِمٍ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ البَنَّاء (3) .
__________
(1) نسبة إلى " أوانة " قرية على عشر فراسخ من بغداد عند صريفين على الدجلة، وفي " معرفة القراء " للمصنف: 1 / 384: أنه قرأ عليه ختمة لعاصم، وليس لأبي عمرو، وتابعه على ذلك ابن الجزري في " غاية النهاية ": 2 / 128.
(2) قال المصنف في " الميزان ": 3 / 525 تعليقا على قول السمعاني: أما الرفض، فلا، فله أبيات في تعظيم الأربعة الراشدين إن لم يكن نظمها تقية.
وقال الحافظ في " اللسان ": 5 / 144: والابيات المذكورة أوردها ابن السمعاني عن سعد الله بن محمد المقرئ أنه أنشده، قال: أنشدني أبو العز القلانسي لنفسه: إن من لم يقدم الصديقا * لم يكن لي حتى الممات صديقا والذي لا يقول قولي في الفا * روق أهوى لشخصه تفريقا وبنار الجحيم باغض عثما * ن ويهوي منها مكانا سحيقا من يوالي عندي عليا وعادا * هم جميعا عددته زنديقا قال ابن السمعاني: كنت أعتقد في أبي العز أنه يميل إلى الرفض حتى سمعت له هذه الابيات.
(3) قال المؤلف في " معرفة القراء ": 1 / 385 تعليقا على هذا الخبر: بعض الناس
يترخص في مثل هذا إذا تيقن سماعه للجزء من ذلك الرجل، ونقله عنه ابن الجزري، وزاد عليه قوله: والامر في ذا سهل إذا كان أصل شيخه، ولكن أكثر ما رمي به أبو العز أنه كان يأخذ ممن يقرأ عليه، وهذا قل من رأيته سلم منه.(19/497)
قُلْتُ: كَانَ يَأْخُذُ الذّهبَ عَلَى إِقْرَاء العَشْرَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ البَنْدَنِيجِي يَقُولُ: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنَ القَاصّ: هَلْ قَرَأْتَ عَلَى أَبِي العزِّ؟
فَقَالَ: لَمَّا قَدِمَ بَغْدَاد، أَردتُ أَنْ أَقرَأَ عَلَيْهِ، فَطَلبَ مِنِّي ذهباً، فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنِّيْ قَادِر، وَلَكِن لاَ أُعْطيك عَلَى القُرْآن أَجراً، فَلَمْ أَقرَأْ عَلَيْهِ (1) .
قَالَ خَمِيْسٌ الحوزِي: هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَعيَان فِي عُلُوْم القُرْآن، بَرَعَ فِي القِرَاءات.
قُلْتُ: تَلاَ عَلَيْهِ: سِبْطُ الخَيَّاط، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ زُرَيْقٍ الحَدَّاد، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ البَاقلاَنِي، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ البطَائِحِي، وَعَدَد كَثِيْر، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
287 - المُتَوكِّلِي أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّرِيْفُ، أَبُو السَّعَادَاتِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ العَبَّاسِيّ.
رَوَى عَنِ: ابْنِ المُسْلِمَة، وَالخَطِيْب.
__________
(1) علق المؤلف في " الميزان " بعد إيراد هذا الخبر بقوله: أبو العز عندنا مع ذلك ثقة في القراءات مرضي.
(*) المنتظم: 10 / 7، مشيخة ابن الجوزي ص: 66 - 67، تاريخ الإسلام: 4: 247 / أ، العبر: 4 / 49، الوافي بالوفيات: 6 / 227، عيون التواريخ: 13 / 478، مرآة الزمان: 8 / 77 - 78، النجوم الزاهرة: 5 / 232، شذرات الذهب: 4 / 64.(19/498)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْن الجَوْزِيّ (1) ، وَجَمَاعَة.
مَاتَ: شهيداً، بَعْدَ أَنْ صَلَّى التَّرَاويح، لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَعَ مِنَ السَّطح فَمَاتَ (2) - رَحِمَهُ اللهُ -.
288 - ابْنُ أَبِي رَوْحٍ أَبُو الفَضْلِ أَسَعْدُ بنُ أَحْمَدَ *
رَأْسُ الرّفض بِالشَّامِ، القَاضِي، أَبُو الفَضْلِ أَسَعْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي رَوْح الأَطَرَابُلُسِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
أَخَذَ عَنِ: ابْنِ البرَاج، وَسَكَنَ صيدَا إِلَى أَنْ أَخذتهَا الفِرَنْجُ، فَقُتِلَ بِهَا، وَكَانَ ذَا تَعبُّد وَتهجُّد وَصمتٍ، نَاظرَ مَغْرِبيّاً فِي تَحْرِيْم الفقَاع، فَقطعه، فَقَالَ المَغْرِبِيُّ المَالِكِيُّ: كُلْنِي؟!
قَالَ: مَا أَنَا عَلَى مَذْهَبك، أَي: جَوَازِ أَكلِ الْكَلْب.
قِيْلَ لَهُ: مَا الدَّلِيْل عَلَى حَدَثِ القُرْآن؟
قَالَ: النَّسخُ، فَالقَدِيْمُ لاَ يَتبدل (3) .
قِيْلَ لَهُ: مَا الدَّلِيْل عَلَى أَنَّا مُخَيَّرَوْنَ فِي أَفعَالنَا، غَيْرُ مجبورِيْنَ؟
قَالَ: بِعْثَةُ الرُّسل.
__________
(1) قال في " المنتظم ": 10 / 7، و" المشيخة ": 66: وكان سماعه صحيحا، وسمعت منه الحديث، وكتب لي إجازة بخطه.
(2) قال ابن الجوزي: ودفن بمقبرة باب الدير، وقد بلغ ثمانين سنة.
(*) تاريخ الإسلام: 4: 245 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 210، الوافي بالوفيات: 9 / 40، عيون التواريخ: 13 / 464 وفيه وفاته سنة 520، لسان الميزان: 1 / 386 -
387، أعيان الشيعة: 11 / 187 - 188.
(3) علق الحافظ ابن حجر عليه في " اللسان ": 1 / 387، فقال: هذا هذيان والنسخ إنما دخل على الحكم فقط.(19/499)
وَلَهُ كِتَاب (عُيُون الأَدلَة) فِي مَعْرِفَةِ الله، وَكَتَبَ فِي الخلاَف (1) ، وَكِتَاب (حقيقَة الآدَمِيّ) ، وَأَشيَاء ذكرهَا ابْن أَبِي طيّ (2) فِي (تَارِيخ الإِمَامِيَة) .
289 - الفَرَّاءُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ بنِ الفَرَّاء المَوْصِلِيّ، ثُمَّ المِصْرِيّ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بن الحَسَنِ بنِ الضّرَاب كِتَاب (المُجَالَسَة) لِلدِّينَورِي.
وَسَمِعَ مِنْ: عبد البَاقِي بن فَارِس، وَالحَافِظ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بن أَحْمَدَ البُخَارِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بن المَحَامِلِيّ، وَأَبِي إِبْرَاهِيْمَ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ بن مَيْمُوْنٍ، وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن مَكِّيّ الأَزْدِيّ، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة؛ لقيهَا بِمَكَّةَ، وَابْن الغرَّاء بِالقُدْس، وَأَضعَافِهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ البُوصِيْرِي، وَجَمَاعَة.
__________
(1) هي ثلاثة، الأول: " التبصرة في خلاف الشافعي للامامية "، والثاني: " المقتبس " في الخلاف بيننا وبين مالك بن أنس "، والثالث: " البيان في الخلاف بيننا وبين النعمان ".
(2) هو يحيى بن حميدة بن ظافر بن علي بن عبد الله الغساني الحلبي المتوفى سنة 630 هـ: كان بارعا في الفقه على مذهب الامامية، وله مشاركة في الأصول والقراءات، وتصانيف في الأدب والتاريخ.
قال ابن حجر في " اللسان ": 6 / 264: وقد وقفت على تصانيفه وهو كثير الاوهام، والسقط، والتصحيف، وكان سبب ذلك ما ذكره ياقوت من أنه كان يقطع الطريق على تصانيف الناس بأخذ الكتاب الذي أتعب جامعه خاطره فيه، فينسخه كما هو إلا أنه يقدم فيه ويؤخر، ويزيد وينقص، ويخترع له اسما غريبا، ويكتبه كتابة فائقة لمن يشبه عليه، ورزق من ذلك حظا.
قلت: وكثير من المتطفلين على موائد العلم يفعلون فعله في زمننا هذا، فيتشبعون بما لم يعطوا، ويحرزون بذلك ألقابا ضخمة فضفاضة لا يستحقون شيئا منها.
(*) تاريخ الإسلام: 4: 237 / 2، العبر: 4 / 44، شذرات الذهب: 4 / 59.(19/500)
وَبِالإِجَازَة: أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَرتَاحِي، وَسَمِعَ مِنْهُ البُخَارِيُّ.
قَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ مِنْ ثِقَاتِ الرُّوَاة، وَأَكْثَرُ شُيُوْخِنَا بِمِصْرَ سَمَاعاً، أُصُوْلُه أُصُوْلُ أَهْلِ الصِّدْق، وَقَدِ انتخبتُ مِنْ أَجزَائِهِ مائَة جُزء، وَقَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي أَوّل يَوْمٍ مِنْهَا.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: لُغوِي زَمَانِهِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْد الجَبَّارِ بن عيذُوْنَ التُّوْنُسِيّ (1) ، وَوزِيْرُ مِصْرَ المَأْمُوْن أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البطَائِحِي (2) ، وَأَبُو البَرَكَات هِبَةُ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ البُخَارِيّ المُعَدَّل (3) .
290 - ابْنُ رُشدٍ أَبُو الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، قَاضِي الجَمَاعَة بقُرْطُبَة، أَبُو الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ رشد القُرْطُبِيُّ، المَالِكِيُّ.
تَفقَّه بِأَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنِ رزق.
وَحَدَّثَ: عَنْهُ، وَعَنْ: أَبِي مَرْوَانَ بن سرَاج، وَمُحَمَّد بن خَيْرَة، وَمُحَمَّدِ بنِ فَرج الطلاعِي، وَالحَافِظ أَبِي عليّ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (314) .
(2) سترد ترجمته برقم (320) .
(3) سترد ترجمته برقم (307) .
(*) الصلة: 2 / 576 - 577، بغية الملتمس: 50، المغرب في حلى المغرب: 162، تاريخ الإسلام: 4: 242 / 2 - 243 / 1، العبر: 4 / 47، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1271، عيون التواريخ: 13 / 469، مرآة الجنان: 3 / 225، المرقبة العليا: 98 - 99، الديباج المذهب: 248 - 250، وفيات ابن قنفذ: 270، أزهار الرياض: 3 / 59، كشف الظنون: 361، 1412، شذرات الذهب: 4 / 62، هدية العارفين: 2 / 85، شجرة النور الزكية: 1 / 129، الغنية: 122 - 125.(19/501)
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ دِلهَاث.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: كَانَ فَقِيْهاً عَالِماً، حَافِظاً لِلْفقه، مقدَّماً فِيْهِ عَلَى جَمِيْع أَهْلِ عصره، عَارِفاً بِالفَتْوَى، بَصِيْراً بِأَقْوَال أَئِمَّة المَالِكيَة، نَافذاً فِي علم الفَرَائِض وَالأُصُوْل، مِنْ أَهْلِ الرِّيَاسَة فِي العِلْمِ، وَالبرَاعَة وَالفَهْمِ، مَعَ الدِّينِ وَالفَضْلِ، وَالوَقَار وَالحِلْم، وَالسَّمتِ الحَسَن، وَالهَدْي الصَّالِح، وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ (المُقَدِّمَاتِ) لأَوَائِل كتب المدوَّنَة، وَكِتَاب (البيَان وَالتحصيل لمَا فِي المُسْتخرجَة مِنَ التَّوجيه وَالتَّعليل (1)) ، وَاختصَار (المبسَوْطَة) ، وَاختصَار (مُشكل الآثَار) لِلطَّحَاوِي، سَمِعْنَا عَلَيْهِ بعضَهَا، وَسَارَ فِي القَضَاءِ بِأَحْسَنِ سِيرَة، وَأَقومِ طرِيقَة، ثُمَّ اسْتَعفَى مِنْهُ، فَأُعْفِيَ، وَنشر كتبَه، وَكَانَ النَّاسُ يُعَوِّلُوْنَ عَلَيْهِ وَيلجؤون إِلَيْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ، سَهْلَ اللِّقَاء، كَثِيْرَ النَّفع لِخَاصَّته، جَمِيْلَ العَشْرَة لَهُم، بارّاً بِهِم (2) .
عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه أَبُو القَاسِمِ.
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الوَلِيْدِ بنِ الدَّبَّاغ، فَقَالَ: كَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ الأَنْدَلُس، صَنَّفَ (شرح العتبيَة) ، فَبَلَغَ فِيْهِ الغَايَة.
قُلْتُ: وَحَفِيْدُهُ هُوَ فَيْلَسُوْفُ زَمَانِهِ (3) ، وَللقَاضِي عيَاض (سُؤَالاَت لابْنِ رشد) ، مُؤلَّف نَفِيْس.
__________
(1) قال ابن فرحون في " الديباج ": 1 / 248: وهو كتاب عظيم نيف على عشرين مجلدا.
(2) " الصلة ": 2 / 577.
(3) هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد أبو الوليد القرطبي المتوفى سنة (595) هـ. وسترد ترجمته.(19/502)
291 - حَفِيْدُ البَيْهَقِيِّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ ابنِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ البَيْهَقِيُّ، الخُسْرَوْجِرْدِي.
سَمِعَ الكُتُبَ مِنْ جَدِّهِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي يَعْلَى بن الصَّابونِي، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئ، وَعِدَّة.
وَحَجَّ، فَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: مَا كَانَ يَعْرِفُ شَيْئاً، وَكَانَ يَتَغَالَى بِكِتَابَة الإِجَازَة، وَيَقُوْلُ: مَا أُجِيْزُ إِلاَّ بِطَسُّوج (1) .
قَالَ: وَسَمَّعَ لِنَفْسِهِ فِي جُزء، وَكَانَ سَمَاعُهُ فِيمَا عَدَاهُ صَحِيْحاً (2) .
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْهُ أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ كِتَاب جَدِّهِ فِي (الأَسْمَاء وَالصِّفَات) .
قَالَ ابْنُ نَاصر: مَاتَ بِبَغْدَادَ، بَعْد مرضِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً، فِي ثَالِث
__________
(*) مشيخة ابن عساكر: الورقة: 193، تاريخ الإسلام: 4: 252 / 2، العبر: 4 / 54، ميزان الاعتدال: 3 / 15، المستفاد: 177، عيون التواريخ: 13 / 490، لسان الميزان: 4 / 116، شذرات الذهب: 4 / 67.
(1) الطسوج: مقدار من الوزن، وهو ربع دانق، ووزنه حبتان من حب الحنطة، والكلمة معربة.
(2) كذا الأصل هنا، وفي " الميزان " سمع لنفسه في أجزاء تسميعا طريا، وما عدا ذلك فصحيح، وتابعه عليه الحافظ في " اللسان " وقال: وكذا نقله عنه السمعاني.(19/503)
جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: جَعْفَرُ بنُ عبد الوَاحِد الثَّقَفِيّ (1) ، وَمَقْتَلُ وَزِيْر دِمَشْق كَمَال الدّين طَاهِر بن سَعْدٍ المردقَانِي فِي أُلُوْفٍ مِنَ البَاطِنِيَّة بِدِمَشْقَ، وَأَبُو الحجَاج يُوْسُفُ بن عَبْدِ العَزِيْزِ المَيُورْقِي، وَحَمْزَة بن هِبَةِ اللهِ العَلَوِيّ (2) بِنَيْسَابُوْرَ عَنْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
292 - فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ بنِ عَقِيْلٍ *
المعمَرَّة، الصَّالِحَةُ، مُسْنِدَةُ الوَقْت، أُمُّ إِبْرَاهِيْم، وَأُمُّ الغَيْث، وَأُمُّ الخَيْر الجُوْزْدَانِيَّة، الأَصْبَهَانِيَّة.
آخِر مَنْ رَوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ ابْنِ رِيذه، وَهِيَ مُكْثِرَةٌ عَنْهُ (3) .
حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَمَعْمَر بن
__________
(1) سترد ترجمته برقم (308) .
(2) سترد ترجمته برقم (327) .
(*) التحبير: 2 / 428 - 429، التقييد: الورقة: 130 ب - 131 أ، تاريخ الإسلام: 4: 257 / 2، دول الإسلام: 2 / 46، العبر: 4 / 56، المشتبه: في جوزدان، مرآة الجنان: 3 / 232، شذرات الذهب: 4 / 69 - 70.
(3) وقد تفردت في وقتها برواية كتاب " المعجم الكبير " للطبراني، و" المعجم الصغير " للطبراني عنه، وقد سمع الوادي آشي المعجم الصغير على الشيخ زين الدين أبي بكر بن يوسف المزي بقراءة الحافظ الذهبي، حدث به عن الشيخين محمد بن إسماعيل بن أحمد المقدسي، وأبي إسحاق إبراهيم بن خليل الادمي بسماعهما من أبي الفرج يحيى بن محمود بن سعد الثقفي، أخبرنا أبو عدنان محمد بن أحمد بن المطهر، وأم إبراهيم فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية، قالا: أخبرنا محمد بن عبد الله بن ريذه الضبي، عن مؤلفه الطبراني.
وانظر السماعات المثبتة في الجزء الأول من " المعجم الكبير " نسخة الظاهرية، ونسخة أحمد الثالث.(19/504)
الفَاخر، وَأَبُو جَعْفَر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَأَبُو الفَخْر أَسَعْدُ بنُ رَوْحٍ، وَعفِيفَةُ بِنْت أَحْمَد، وَأَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَرَّجَانِي، وَدَاوُد بن نِظَام الْملك، وَشُعَيْبُ بن الحَسَنِ السَّمَرْقَنْدي، وَعبدُ الرَّحِيْم بن الإِخْوَة، وَعَائِشَةُ وَمُحَمَّدٌ وَلدا مَعْمرٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ: قَدِمَتْ عَلَيْنَا مِنْ قَرْيَة جُوْزْدَان، وَمَوْلِدُهَا نَحْو سَنَة خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعَتْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَتْنَا كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّة، أَنْبَأَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِي: أَنَّهَا تُوُفِّيَت فِي غُرَّة شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ نُقْطَةَ: تُوُفِّيَت فِي رَابِعَ عَشَرَ رَجَبٍ.
قُلْتُ: سَمِعَتْ المُعْجَمَيْن (الكَبِيْرَ) وَ (الصَّغِيْر) لِلطَّبَرَانِيِّ، وَكِتَاب (الْفِتَن) لِنُعيمٍ (1) مِنِ ابْنِ رِيذه.
__________
(1) هو نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي نزيل مصر، مشهور من الحفاظ، لقيه البخاري، ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر، وروى له مسلم في " المقدمة " موضعا واحدا، وأصحاب السنن إلا النسائي، وكان أحمد يوثقه، وكذا في رواية عن ابن معين، وسئل عنه ابن معين، فقال: ليس في الحديث بشيء، ولكنه صاحب سنة، وقال الآجري عن أبي داود: عند نعيم نحو عشرين حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها أصل، وقال النسائي: نعيم ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد وتقدمه في العلم والمعرفة بالسنن، فقيل له في قبول حديثه، فقال: قد كثر تفرده عن الأئمة فصار في حد من لا يحتج به، وقال ابن قاسم: كان صدوقا وهو كثير الخطأ، وله أحاديث منكرة في الملاحم انفرد بها.
وقال الدارقطني: إمام في السنة كثير الوهم.(19/505)
293 - السُّلْطَانُ مُحَمَّدُ بنُ مَلِكْشَاه بنِ أَلب أَرْسَلاَن التُّركِيُّ *
صَاحِبُ العِرَاق، الْملك، غِيَاثُ الدّين، أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ ابنُ السُّلْطَان مَلِكْشَاه بنِ أَلب أَرْسَلاَن التُّركِي، السَّلْجُوْقِي.
لَمَّا مَاتَ أَبُوْهُ فِي سَنَةِ (485) ، اقتسمُوا الأَقَالِيمَ، فَكَانَ بَرْكْيَارُوْق هُوَ المُشَارَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ أَخوَاهُ مُحَمَّد وَسَنجر، فَجَلَسَ لَهُمَا المُسْتَظْهِرُ بِاللهِ، وَسَلَطَنَ مُحَمَّداً، وَأُلبس سَبْعَ خِلَع، وَتَاجاً، وَطوقاً، وَسوَارِيْنَ، وَعَقَدَ لَهُ لوَاءَ السّلطنَة بِيَدِهِ، وَقلَّده سَيْفَيْنِ، ثُمَّ خلع عَلَى سَنجر قَرِيْباً مِنْهُ، وَقَطَعَ خُطبَةَ أَخِيْهِمَا بَرْكْيَارُوْق فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، فَتحرَّك بَرْكْيَارُوْقُ، وَحَشَدَ وَجَمَعَ، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّد خَمْسُ مَصَافَّات، ثُمَّ عَظُمَ شَأْنُ مُحَمَّد، وَتَفَرَّد بِالسلطنَة، وَدَانت لَهُ البِلاَدُ، وَكَانَ أَخُوْهُ يَخطُبُ لَهُ بِخُرَاسَانَ، وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فَحلَ آل سَلْجُوق، وَلَهُ بِرٌّ فِي الجُمْلَةِ، وَحُسْنُ سيرَة مشوبَة، فَمِنْ عدلِه أَنَّهُ أَبطل بِبَغْدَادَ المَكْسَ وَالضَّرَائِب (1) ، وَمَنَع مِنِ اسْتِخْدَام يَهُوْدي أَوْ نَصْرَانِي، وَكسَا فِي نَهَارٍ
__________
(*) المنتظم: 9 / 196، الكامل في التاريخ: 10 / 525 - 527، وفيات الأعيان: 5 / 71، تاريخ الإسلام: 4: 203 / 2، دول الإسلام: 2 / 38، العبر: 4 / 23 - 24، تتمة المختصر: 2 / 39 - 40، الوافي بالوفيات: 5 / 62، عيون التواريخ: 13 / 341، مرآة الزمان: 8 / 43، البداية والنهاية: 12 / 180 - 181، النجوم الزاهرة: 5 / 214، تاريخ الخلفاء: 428، 430، شذرات الذهب: 4 / 30، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 60 / 73، 337.
(1) ذكر ابن الأثير: 10 / 526 من عدله أنه اشترى مماليك من بعض التجار، وأحالهم بالثمن على عامل خوزستان، فأعطاهم البعض، ومطل بالباقي، فحضروا مجلس الحكم، وأخذوا معهم غلمان القاضي، فلما رآهم السلطان قال لحاجبه: انظر ما حال هؤلاء، فسألهم عن حالهم، فقالوا: لنا خصم يحضر معنا مجلس الحكم، فقال: من هو؟ قالوا: السلطان، وذكروا قصتهم فأعلمه ذلك، فاشتد عليه وأكره، وأمر بإحضار =(19/506)
أَرْبَعَ مائَة فَقير، وَكَانَ قَدْ كَفَّ مَمَاليكَه عَنِ الظُّلْمِ، وَدَخَلَ يَوْماً إِلَى قُبَّةِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَأَغلقَ عَلَى نَفْسِهِ يُصَلِّي وَيَدعُو.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ خَلَّف مِنَ الذَّهَبِ العِينِ أَحَدَ عَشَرَ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: صَاحِبُ قُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَصَاحِبُ القُدْس بغدوين - لعنهُمَا الله -.
وَقَدْ حَارب الإِسْمَاعِيْليَّة، وَأَبَادَ مِنْهُم، وَأَخَذَ مِنْهُم قَلْعَة أَصْبَهَان، وَقَتَلَ ابْنَ غطَّاش مَلِكَهُم (1) ، ثُمَّ تَعلل مُدَّة، وَمَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، بِأَصْبَهَانَ، وَدُفِنَ بِمدرسَة كَبِيْرَةٍ لَهُ، وَخَلَّفَ أَمْوَالاً لاَ تُحصَى، وَقَدْ تَزَوَّجَ المقتفِي بِابْنتِه فَاطِمَة (2) ، وَعَاشَ ثَمَانِياً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنُهُ مَحْمُوْد.
294 - أَمِيْرُ الجُيُوْش الأَفْضَلُ شَاهنشَاه بنُ بَدْرٍ الجمَالِيُّ *
الملكُ الأَفْضَلُ، أَبُو القَاسِمِ شَاهِنشَاهُ ابْنُ الْملك أَمِيْر الجُيُوْش بَدْر الجمَالِي، الأَرمنِيُّ.
__________
= العامل، وأمره بإيصال أموالهم، والجعل الثقيل، ونكل به حتى يمتنع غيره عن مثل فعله، ثم إنه كان يقول بعد ذلك: لقد ندمت ندما عظيما حيث لم أحضر معهم مجلس الحكم، فيقتدي بي غيري، ولا يمتنع أحد عن الحضور فيه وأداء الحق.
قال: وعلم الامراء سيرته، فلم يقدم أحد منهم على الظلم، وكفوا عنه.
(1) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 430 - 434.
(2) قال ابن خلكان: 5 / 73: وكان الوكيل في قبول النكاح الوزير شرف الدين أبو القاسم علي بن طراد الزينبي، وذلك في سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة، وحضر أخوها مسعود العقد، ونقلت إلى دار الخلافة للزفاف سنة أربع وثلاثين، ويقال: إنها كانت تقرأ وتكتب، ولها التدبير الصائب، وتوفيت في عصمته يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة.
(*) الإشارة إلى من نال الوزارة: 57، تاريخ ابن القلانسي: 323 الكامل في التاريخ: =(19/507)
كَانَ أَبُوْهُ نَائِباً بِعَكَّا، فَسَارَ فِي البَحْر فِي تَرمِيمِ دَوْلَةِ المُسْتَنْصِرِ العُبيدي، فَاسْتولَى عَلَى الإِقْلِيْم، وَأَبَادَ عِدَّة أُمَرَاء، وَدَانت لَهُ المَمَالِك إِلَى أَنْ مَاتَ، فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُه هَذَا، وَعظم شَأْنُهُ، وَأَهْلك نِزَاراً وَلَدَ المُسْتَنْصِرِ صَاحِبِ دَعْوَة البَاطِنِيَّة وَأَتَابِكَه أَفتكين مُتَوَلِّي الثَّغْر، وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، وَافِرَ الهيبَة، عَظِيْمَ الرُّتبَة، فَلَمَّا هَلَكَ المُسْتعلِي، نصبَ فِي الإِمَامَة ابْنَه الآمِرَ، وَحَجَرَ عَلَيْهِ وَقَمَعَه، وَكَانَ الآمرُ طيَاشاً فَاسِقاً، فَعمِلَ عَلَى قتل الأَفْضَل، فَرتب عِدَّة وَثبُوا عَلَيْهِ، فَأَثخنوهُ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ الآمِرُ، تَوَجَّع لَهُ، فَلَمَّا قضَى، اسْتَأْصل أَمْوَالَه، وَبَقِيَ الْآمِر فِي دَارِهِ أَرْبَعِيْنَ صَبَاحاً وَالكَتَبَة تَضْبِطُ تِلْكَ الأَمْوَال وَالذَّخَائِر، وَحَبَسَ أَوْلاَدَه، وَكَانَتْ أَيَّامُه ثَمَانِياً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَتِ الأُمَرَاء تَكرهُهُ لِكَوْنِهِ سُنِّياً، فَكَانَ يُؤذِيْهِم، وَكَانَ فِيْهِ عدل، فَظَهَرَ بَعْدَهُ الظُّلمُ وَالبدعَةُ، وَوَلِيَ الوزَارَة بَعْدَهُ المَأْمُوْن البطَائِحِي.
قتلُوْهُ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ ثَمَانٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي (تَارِيْخِهِ) :قَالَ صَاحِبُ الدُّول المُنْقَطِعَة: خلَّف الأَفْضَلُ سِتَّ مائَةِ أَلْفِ أَلفِ دِيْنَار، وَمائتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ إِردَبّاً مِنَ الدَّرَاهِم، وَخَمْسِيْنَ أَلفَ ثَوْبِ دِيبَاج، وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ ثَوْبِ حَرِيْر،
__________
= 10 / 589 - 591، وفيات الأعيان: 2 / 448 - 451، تاريخ الإسلام: 4: 218 / 2 - 219 - 2، دول الإسلام: 2 / 42 - 43، العبر: 34 - 35، تتمة المختصر: 2 / 46، عيون التواريخ: 13 / 396 - 398، مرآة الزمان: 8 / 64، البداية والنهاية: 12 / 188 - 189، اتعاظ الحنفا: 281، النجوم الزاهرة: 5 / 222، شذرات الذهب: 4 / 47، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 149.(19/508)
وَثَلاَثِيْنَ رَاحِلَة كَذَا وَكَذَا، وَدوَاةً مُجَوْهَرَة بِاثْنَيْ عشرَ أَلفَ دِيْنَار، وَعَشْرَة مَجَالِس؛ فِي المَجْلِسِ مَضْرُوب عَشْرَة مسَامِيْر مِنَ الذّهب، عَلَى المسمَار منْدِيل مشدودٌ فِيْهِ بدلَة ثِيَاب، وَخَمْس مائَة صُنْدُوق، فِيْهَا كِسْوَة وَمَتَاع، سِوَى الدَّوَابّ وَالمَمَالِيْك وَالبقر وَالغنم، وَلبن موَاشيه يُبَاع فِي السَّنَةِ بِثَلاَثِيْنَ أَلف دِيْنَار (1) .
قُلْتُ: هَذِهِ الأَشيَاء مُمْكِنَة، سِوَى الدَّنَانِيْرِ وَالَدّرَاهِم، فَلاَ أُجَوِّز ذَلِكَ، بَلْ أَسْتبعد عُشره، وَلاَ رِيبَ أَنَّ جَمعه لهَذِهِ الأَمْوَال موجبٌ لضعف جَيْشِ مِصْر، فَفِي أَيَّامِهِ اسْتولت الفِرَنْجُ عَلَى القُدْس وَعكَّا، وَصُوْر وَطَرَابُلُس وَالسَّوَاحل، فَلَو أَنفق ربعَ مَاله، لَجَمع جَيْشاً يَملأُ الفضَاء، وَلأَبَاد الفِرَنْجَ، وَلَكِن ليقضِي الله أَمراً كَانَ مَفْعُوْلاً.
قَالَ أَبُو يَعْلَى بن القلاَنسِي (2) :كَانَ الأَفْضَلُ حسنَ الاعتقَاد، سُنِّياً، حَمِيْد السِّيرَة، كَرِيْمَ الأَخلاَق، لَمْ يَأْت الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ.
قُلْتُ: وصُلِبَ البطَائِحِي المُتولِّي بَعْدَهُ سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ.
وَوزر بَعْد هَلاَكِ الآمرِ أَمِيْرُ الجُيُوْش أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَد بن الأَفْضَل، وَكَانَ شَهْماً مُطَاعاً، وَبطلاً شُجَاعاً، سَائِساً سُنِّياً، كَأَبِيْهِ وَجدِّه، فَحجر عَلَى الحَافِظ، وَمَنَعه مِنْ أَعبَاءِ الأُمُوْر، فَشدَّ عَلَيْهِ مَمْلُوْكٌ لِلْحَافظ إِفرنجِي، فَطعنه قَتَلَه، وَوَزَرَ ياَنس الحَافِظِي (3) ، وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَد قَدْ بَالغ فِي الاحْتِجَار عَلَى الحَافِظ، وَحَوَّل ذخَائِر القَصْر إِلَى دَارِهِ، وَادَّعَى أَنَّهَا أَمْوَال أَبِيْهِ.
__________
(1) " وفيات الأعيان ": 2 / 451.
(2) ص 325.
(3) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 672 - 673.(19/509)
وَقِيْلَ: إِنَّهُ ترك مِنَ الخُطبَة اسمَ الحَافِظ، وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ، وَقطع الأَذَان بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ، فَنفرتْ مِنْهُ الرَّعِيَّةُ، وَغَالِبُهُم شيعَة، فَقُتِلَ وَهُوَ يَلعب بِالكُرَة، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) ، وَجدَّدُوا البَيْعَة حِيْنَئِذٍ لِلْحَافظ، فَمَاتَ الوَزِيْر يانس بَعْد ثَلاَث سِنِيْنَ، فَوزر وَلِيُّ العَهْدِ حسنُ ابنُ الحَافِظ.
295 - البُرْسُقِيُّ قَسِيمُ الدَّوْلَة أَبُو سَعِيْدٍ آقسُنْقُرُ *
الملكُ، قسيمُ الدَّوْلَة، أَبُو سَعِيْدٍ آقسُنْقُر مَمْلُوْك بُرْسُق، غُلاَمُ السُّلْطَان طُغْرُلْبَك.
وَلِي المَوْصِل وَالرَّحبَة، وَقَدْ وَلِيَ شِحنكيَة (3) بَغْدَاد، وَكَانَ بَلَك (4)
__________
(1) وكان مقتله على يد أبيه، وضع له من دس له السم، فمات سنة 529، قال ابن الأثير في " الكامل ": 11 / 23، 24: وكان حسن سيئ السيرة ظالما جريئا على سفك الدماء، وأخذ الاموال، فهجاه الشعراء، فمن ذلك ما قاله المعتمد بن الأنصاري صاحب الترسل المشهور:
لم تأت يا حسن بين الورى حسنا * ولم تر الحق في دنيا ولا دين
قتل النفوس بلا جرم ولا سبب * والجور في أخذ أموال المساكين
لقد جمعت بلا علم ولا أدب * تيه الملوك وأخلاق المجانين
(2) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 673.
(*) المنتظم: 9 / 254، الكامل في التاريخ: 10 / 633 - 635، وفيات الأعيان: 1 / 242 - 243، معجم الألقاب: 4 / 3: 588، تاريخ الإسلام: 4 / 240 / 2، العبر: 4 / 46، تتمة المختصر: 2 / 53، عيون التواريخ: 13 / 449، البداية والنهاية: 12 / 195، النجوم الزاهرة: 5 / 230، شذرات الذهب: 4 / 61، معجم الأنساب
والاسرات الحاكمة: 6، 46، 337.
(3) من الشحنة: وهم أعوان الأمير الذين يتولون ضبط أمور البلد، وحفظ الرعية.
(4) هو بلك بن بهرام بن أرتق صاحب حلب، وقد تم قتله سنة 518 هـ، انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 619.(19/510)
قَدْ قتل بِمَنْبِج، فَتملَّك ابْنُ عَمِّهِ تَمرتَاش بن إِيلغَازِي حلب (1) ، وَكَانَ بَلَك قَدْ أَسر بغدوين صَاحِبَ القُدْس، فَاشْتَرَى نَفْسَه، وَهَادَنَهُ، فَغَدَرَ بغدوين، وَحَاصَرَ حلبَ، هُوَ وَدُبَيس الأَسَدِيّ (2) ، وَمَعَهُمَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ صَاحِب حلب رضوَان بن تُتُش السَّلْجُوْقِي، فَهلك أَهْلُهَا جُوعاً وَموتاً، فَخَرَجَ فِي اللَّيْلِ قَاضيهَا أَبُو غَانم، وَالشَّرِيْفُ زُهْرَة، وَآخر إِلَى تَمرتَاش بِمَاردين، وَفَاتُوا الفِرَنْجَ، فَأَخَذَ يُمَاطِلُهُم تَمرتَاش، فَانْملسُوا مِنْهُ إِلَى المَوْصِل، فَوَجَدُوا البُرْسُقِي مَرِيضاً، فَقُلْنَا: عَاهدِ اللهَ إِن عَافَاك أَنْ تَنْصُرَنَا، فَقَالَ: إِي وَاللهِ، فَعُوفِي بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَنَادَى الْغُزَاة، وَلَمَّا أَشْرَف عَلَى حلب، تَقهقرتِ الفِرَنْجُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُقَاتِلتُهَا، وَحَملُوا عَلَى العَدُوّ هزموهُم، وَرتَّبَ أُمُوْرَ الْبَلَد، وَأَمدَّهُم بِالغلاَّت، فَبَادرُوا، وَبذرُوا فِي آذَار، وَنقعُوا الْقَمْح وَالشَّعيرَ، فَرتب بِهَا ابْنَه وَرجع (3) ، وَكَانَ قَدْ أَبَاد فِي الإِسْمَاعِيْليَّة، فَشدَّ عَلَيْهِ عَشْرَةٌ بِالجَامِع، فَقَتَلَ بِيَدِهِ مِنْهُم ثَلاَثَة، وَقُتِلَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، كَانُوا بزِيِّ الصُّوْفِيَّة، نَجَا مِنْهُم وَاحِد (4) .
__________
(1) انظر " زبدة الحلب ": 2 / 220، " ونهر الذهب ": 3 / 86، و" تاريخ حلب ": 1 / 450 للطباخ.
(2) صاحب الحلة، وكان قد وصل إلى الصليبيين - حين ملكوا مدينة صور، تشوفت أنفسهم إلى الاستيلاء على بلاد الشام - فانضم إليهم وأطمعهم في حلب، وقال لهم: إن أهلها شيعة، وهم يميلون إلى لاجل المذهب، فمتى رأوني سلموا البلد إلي، وبذل لهم على مساعدته بذولا كثيرة، وقال: إنني أكون ها هنا نائبا عنكم، ومطيعا لكم، فساروا معه ... " الكامل في التاريخ ": 10 / 623.
(3) " الكامل في التاريخ ": 10 / 623، 624، " نهر الذهب ": 3 / 86، 87، " تاريخ حلب ": 1 / 455، 461 للطباخ، " زبدة الحلب ": 2 / 230.
(4) " الكامل في التاريخ ": 10 / 633، 634.(19/511)
وَكَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - ديناً عَادِلاً، حسنَ الأَخلاَق، وَصَّى قَاضِيَه بِالعَدْل، بِحَيْثُ إِنَّهُ أَمرَ زَوجته أَنْ تدَّعِي عَلَيْهِ بِصدَاقهَا، فَنَزَلَ إِلَى قَاضِيه، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَتَأَدَّب كُلُّ أَحَد (1) .
__________
(1) ووصفه ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 634، فقال: كان خيرا يحب أهل العلم والصالحين، ويرى العدل ويفعله، وكان من خير الولاة يحافظ على الصلوات في أوقاتها، ويصلي من الليل متهجدا، حكى لي والدي رحمه الله عن بعض من كان يخدمه، قال: كنت فراشا معه، فكان يصلي كل ليلة كثيرا، وكان يتوضأ هو بنفسه، ولا يستعين بأحد ...(19/512)
الطَّبَقَةُ الثَّامِنَةُ وَالعِشْرُوْنَ
296 - الأَبِيْوَرْدِيُّ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، العَفِيْفُ، مُسْنِدُ خُرَاسَان، أَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الأَبِيْوَرْدِي، العَطَّار.
وُلِدَ: قَبْلَ العِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ: العَارِف فَضلِ الله بن أَبِي الخَيْرِ المِيهَنِي، وَمُحَمَّدِ بن عَبْدِ العَزِيْزِ النِّيلِي، وَأَبِي حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَأَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَسَمِعَ: (مُعْجَم أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيّ) مِنْ أَبِي نَصْرٍ الإِسْفَرَايينِي، رَحل إِلَيْهِ إِلَى إِسفرَايين، وَسَمِعَ (سُنَنَ الدَّارَقُطْنِيّ) مِنَ النَّوقَانِي، وَتَفَرَّد بِهِ مُدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ الفرغولِي، وَإِبْرَاهِيْمُ بن سَهْلٍ المَسْجِدِي، وَيُوْسُف بن شُعَيْب، وَآخَرُوْنَ، وَرَوَى عَنْه (سُنَنَ الدَّارَقُطْنِيّ) أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بن عُمَرَ الصَّفَّار، وَانْفَرَدَ بعُلُوِّه.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيّ: شَيْخٌ مَسْتُوْرٌ، كَثِيْرُ العِبَادَة، مشتغلٌ
__________
(*) تقدمت ترجمته برقم (183) .(19/513)
بِنَفْسِهِ، سَمِعَ الكَثِيْر مِنْ جَدِّي، وَابْنِ مَسْرُوْر، وَجَمَاعَة، وَقَدْ نَيَّف عَلَى المائَة، مَاتَ فِي سَادسِ صفرٍ، سَنَة ثَمَانِ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، بِنَيْسَابُوْرَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: العَلاَّمَةُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المَيْدَانِي (1) ، وَأَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النُّوحِي (2) خطيب سَمَرْقَنْد، وَأَبُو الفَتْحِ سُلْطَان بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ الشَّافِعِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّشْتَجُ (3) .
297 - ابْنُ عَتَّابٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ *
الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنِ المُحَدِّثِ مُحَمَّدِ بنِ عَتَّابِ بنِ محسن القُرْطُبِيّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ فَأَكْثَر، وَحَاتِم بنِ مُحَمَّدٍ الطّرَابُلُسِي، وَطَائِفَة.
وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبٍ المُقْرِئ، وَأَجَازَ لَهُ: مَكِّيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن عَابِد، وَعَبْدُ اللهِ بن سَعِيْدٍ الشَّنْتَجَالِي، وَأَبُو عَمْرٍو السَّفَاقِسِي، وَأَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرّ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ الحَذَّاء، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ الزَّهرَاوِي.
قَالَ خَلَفُ بنُ بَشْكُوَالَ: هُوَ آخِرُ الشُّيُوْخ الجلَّة الأَكَابِر بِالأَنْدَلُسِ فِي
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (284) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (273) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (275) .
(*) الصلة: 2 / 348 - 350، تاريخ الإسلام: 4: 242 / 1 - 2، العبر: 4 / 47، تذكرة الحفاظ: 4 / 1271، عيون التوارخ: 13 / 468 - 469، الديباج المذهب: 1 / 479، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 285، شذرات الذهب: 4 / 61، إيضاح المكنون: 2 / 50، هدية العارفين: 1 / 518.(19/514)
علوِّ الإِسْنَاد، وَسَعَةِ الرِّوَايَة، سَمِعَ مُعْظَمَ مَا عِنْد أَبِيْهِ، وَكَانَ عَارِفاً بِالطُّرُقِ، وَاقفاً عَلَى كَثِيْر مِنَ التَّفْسِيْر وَالغَرِيْب وَالمَعَانِي، مَعَ حظٍّ وَافِرٍ مِنَ اللُّغَة وَالعَرَبِيَّة، وَتَفَقَّهَ عِنْد أَبِيْهِ، وَشُووِرَ فِي الأَحكَام بَقِيَّة عُمُرِه، وَكَانَ صدراً فِيْمَنْ يُسْتَفتَى لِسنه وَتَقدُّمِهِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الفَضْل وَالحِلم، وَالوَقَار وَالتَّوَاضع، وَجَمَعَ كِتَاباً حَفِيلاً فِي الزُّهْد وَالرقَائِق، سَمَّاهُ (شفَاء الصُّدُوْر) ، وَكَانَتِ الرّحلَة إِلَيْهِ فِي وَقته، وَكَانَ صَابراً لِلطَّلبَة، مُوَاظباً عَلَى الإِسمَاعِ، يَجْلِسُ لَهُم النَّهَار كُلَّه، وَبَيْنَ العِشَاءيْنِ، سَمِعَ مِنْهُ الآبَاء وَالأَبْنَاءُ، وَسَمِعْتُ عَلَيْهِ مُعْظَمَ مَا عِنْدَهُ، وَقَالَ: مَوْلِدي سَنَة (433) .
وَمَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الْجد، وَعبد الحَقّ بن بُونُه، وَأَخُوْهُ مُحَمَّد، وَأَحْمَد بن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَمِيْرَةَ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ بنِ رُشد، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُبَادَةَ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ بنِ سعَادَة، وَمُحَمَّد بن عرَّاق، وَعَبْد اللهِ بن خَلَفٍ الفِهْرِيّ، وَخَلْق.
298 - أَبُو بَحْرٍ بنُ العَاصِ سُفْيَانُ بنُ العَاصِ بنِ أَحْمَدَ الأَسَدِيُّ *
الإِمَامُ المُتْقِنُ، النَّحْوِيُّ، أَبُو بَحْرٍ سُفْيَانُ بنُ العَاصِ بنِ أَحْمَدَ بنِ العَاصِ بنِ سُفْيَانَ بن عِيْسَى الأَسَدِيّ، المُرْبَيْطرِي (2) ، نَزِيْلُ قُرْطُبَة.
__________
(1) " الصلة ": 2 / 349.
(*) الصلة: 1 / 230 - 231، معجم البلدان: 5 / 99، تاريخ الإسلام: 4: 241 / 2، العبر: 4 / 46، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1271، وفيات ابن قنفذ: 271، شذرات الذهب: 4 / 61.
(2) في معجم ياقوت: 5 / 99: مربيطر: مدينة بالاندلس بينها وبين بلنسية أربعة فراسخ.(19/515)
رَوَى عَنْ أَبِي عُمَرَ بنِ عَبْد البَرِّ، فَقَالَ ابْنُ الدَّبَّاغ: سَمِعَ مِنْهُ (المُوَطَّأ) ، وَكِتَابه فِي الفَرَائِضِ، وَ (بَهجَة المَجَالِس) .
قُلْتُ: رَوَى الكَثِيْرَ عَنْ: أَبِي العَبَّاسِ بن دِلْهَاث، وَاختص بِهِشَام بن أَحْمَدَ الكِنَانِيّ، وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي، وَأَبِي الفَتْحِ اللَّيْث بن الحَسَنِ التُّركِي، وَمُحَمَّد بن سعدُوْنَ، وَأَبِي دَاوُدَ بن نَجَاح.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاء، وَكِبَارِ الأُدبَاء، ضَابطاً لِكُتُبِهِ، صَدُوْقاً، سَمِعَ النَّاسُ مِنْهُ كَثِيْراً (1) .
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابْنُ بَشْكُوَال، وَأَبُو الوَلِيْدِ بنُ الدَّبَّاغ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ الجدّ الفَقِيْه، وَعبد الحَقّ بن بُونُه العبدرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ كَمَّلَ الثَّمَانِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
299 - ابْنُ أَبِي تليد مُوْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خَلَفٍ
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خَلَفِ بن مُوْسَى بن أَبِي تليد الشَّاطبِي.
مُكْثِر عَنْ: أَبِي عُمَرَ بن عَبْد البَرِّ، وَسَمَاعُهُ بِخُطُوط الثِّقَات.
أَثْنَى عَلَيْهِ ابْنُ الدَّبَّاغ، وَقَالَ: سَمِعَ كِتَاب (الاسْتذكَار) ، وَرَوَى
__________
(1) الصلة: 1 / 230، وفيه: واختلفت إليه، وقرأت عليه، وسمعت كثيرا من روايته، وأجاز لي بخطه سائرها غير مرة.
(*) الصلة: 2 / 610 - 611، بغية الملتمس: 457، معجم القضاعي: 194 - 196، تاريخ الإسلام: 4: 232 / 1 - 2، الغنية: 256 - 258، وله في نفح الطيب: 3 / 319 خبر طريف مع ابن خفاجة.(19/516)
عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ زرقُوْنَ، وَطَائِفَة (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَكَانَ جَدُّهُم أَبُو تليد مِمَّنْ رَحَلَ، وَسَمِعَ مِنَ النَّسَائِيّ.
300 - الحُلْوَانِيُّ أَبُو سَعْدٍ يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو سَعْدٍ يَحْيَى بن عَلِيٍّ الحُلْوَانِيّ، الشَّافِعِيّ، مُصَنّف كِتَاب (التَّلويح) فِي المَذْهَب (2) .
كَانَ مِنْ كِبَارِ تَلاَمذَةِ الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، لزمَه مُدَّةً، وَكَانَ مِنْ فُحُوْل المنَاظرِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَغَيْرهِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: قَدِمَ مَرْو إِلَى خَاقَان (3) صَاحِب مَا وَرَاء النَّهْر رَسُوْلاً، فَسَمِعْتُ مِنْهُ جُزْءاً، وَكَانَ سَيِّئَ الخُلُقِ، مُتَكَبِّراً عَسِراً، مَاتَ بِسَمَرْقَنْدَ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) قال ابن بشكوال: 2 / 610: وكان فقيها مفتيا في بلده، أديبا، شاعرا، دينا، فاضلا، وأنشد له قول:
حالي مع الدهر في تقلبه * كطائر ضم رجله شرك
همته في فكاك مهجته * يروم تخليصها فتشتبك
(*) الأنساب: 4 / 192، تاريخ الإسلام: 4: 244 / 1 - 245 / 1، طبقات السبكي: 7 / 333 - 334، طبقات الاسنوي: 1 / 432، كشف الظنون: 482، هدية العارفين: 2 / 520.
(2) وولي كما في " الطبقات ": 7 / 333 - حسبة بغداد، ثم عزل عنها، وولي تدريس النظامية.
(3) هو محمد بن سليمان، وكان قد أرسله إليه أمير المؤمنين المسترشد بالله.(19/517)
301 - ابْنُ مَنْظُوْرٍ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
قَاضِي إِشبيليَة، أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ ابنُ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْظُوْر القَيْسِيّ، المَالِكِيّ، الإِشبيلِي.
فَقيهٌ إِمَامٌ، مُحَدِّثٌ محتشِمٌ، مِنْ بَيْت علم وَجَلاَلَة.
رَوَى عَنْ أَبِيْهِ، وَعَن ابْنِ عَمّهِم أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى بنِ مَنْظُوْر.
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ بَشْكُوَال، وَغَلِطَ فِي نسبه، وَجَعَله ابْناً لأَبِي عَبْدِ اللهِ ابْن مَنْظُوْر الرَّاوِي (الصَّحِيحَ) عَنْ أَبِي ذَرٍّ (1) ، وَتلاَهُ فِي الوَهْمِ أَبُو جَعْفَرٍ ابْن عَمَيْرَة.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ روَاة (الصَّحِيح) ، فَحَمَلَهُ عَنْهُ سَمَاعاً أَبُو بَكْرٍ بنُ الجدِّ الحَافِظ.
__________
(*) الصلة: 1 / 78، تاريخ الإسلام: 4: 240 / 1.
(1) هو أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الهروي نسبة إلى هراة من بلاد خراسان، وهي من أشهر المدن الخراسانية التي تقع في القسم الشمالي من أفغانستان، افتتحها الاحنف بن قيس في خلافة عثمان، وأهلها أشراف من العجم، وبها قوم من العرب، ومنهم أبو ذر هذا، وقد تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (370) ، وقد سمع المستملي، والحموي، والكشميهني، وعول عليهم في البخاري، سمعه على الحموي بهراة سنة 373 هـ، وسمعه على السمتملي ببلخ سنة 374 هـ، وفرغ من سماعه عليه سنة 375 هـ، وسمعه على الكشميهني بكشميهن سنة 489 هـ.
حدث عن أبي ذر من لا يحيط به الحصر، ومن أشهر الطرق المشرقية عنه في صحيح البخاري رواية ابنه أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر عنه، وسمعه عليه من الأندلسيين العدد الكثير، ومن أشهر الطرق المعروفة إليه بالمغرب التي اعتمدها الرواة رواية القاضي أبي الوليد الباجي عنه، وأبي العباس العذري، وأبي عبد الله بن شريح المقرئ، وأبي عبد الله بن منظور القيسي.
انظر " برنامج الوادي آشي ": ص: 189، و" برنامج التجيبي ": ص: 75، وفهرست ابن خير: ص: 94، وإفادة النصيح: 39 - 45.(19/518)
302 - طُغْتِكِين أَبُو مَنْصُوْرٍ الأَتَابك *
صَاحِبُ دِمَشْق، الْملك، أَبُو مَنْصُوْرٍ طُغْتِكِين الأَتَابك، مِنْ أُمَرَاءِ السُّلْطَان تُتُش بن أَلب أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِي، فَزَوَّجَهُ بِأُمِّ وَلده دُقَاق، فَقتل السُّلْطَان، وَتَملَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ دُقَاق، وَصَارَ طُغْتِكِين مُقَدَّم عَسْكَره، ثُمَّ تَملَّكَ بَعْدَ دُقَاق.
وَكَانَ شَهْماً شُجَاعاً، مَهِيْباً مُجَاهِداً فِي الفِرَنْج، مُؤثراً لِلْعدل، يُلَقَّبُ ظهيرَ الدّين.
قَالَ أَبُو يَعْلَى بن القلاَنسِي (1) :مَرِضَ وَنَحُلَ، وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَأَبْكَى العُيُونَ، وَأَنكَأَ القُلُوْبَ، وَفَتَّ فِي الأَعضَادِ، وَفتت الأَكبَادَ، وَزَادَ فِي الأَسَفِ - فَرَحِمَهُ اللهُ، وَبرَّدَ مَضْجَعه - ثُمَّ مَاتَتْ زوجتُهُ الخَاتُوْنُ أُمُّ بُورِي بَعْدَهُ بِأَيَّام، فَدُفِنَتْ بِقُبَّتِهَا خَارِجَ بَابِ الفَرَادِيْس (2) .
قُلْتُ: لَوْلاَ أَنَّ اللهَ أَقَامَ طُغْتِكِين لِلإِسْلاَم بِإِزَاء الفِرَنْج، وَإِلاَّ كَانُوا غلبُوا عَلَى دِمَشْقَ، فَقَدْ هزمهُم غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَنجده عَسْكَرُ المَوْصِلِ، مَعَ مَوْدُوْد، وَمَعَ البُرسُقِي، وَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ هُوَ إِلَى خدمَة السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه، فَبَالغ فِي احترَامه وَإِجلاَله.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: تَملَّك بَعْدَهُ ابْنُهُ الكَبِيْر تَاجُ المُلُوْك بُورِي بعهدٍ مِنْهُ.
__________
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 37 و248 و375 و376 و389 و394 و399 و400 و452 و467 - 469 و487 - 490 و495 - 497 و503 و516 و543 و568 و587 و594 و652، تاريخ الإسلام: 4: 251 / 1، دول الإسلام: 45، العبر: 4 / 51، تتمة المختصر: 2 / 55، عيون التواريخ: 13 / 481 - 482، البداية والنهاية: 12 / 199، النجوم الزاهرة: 5 / 234، شذرات الذهب: 4 / 65 - 66، تهذيب تاريخ دمشق: 7 / 58، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 340.
(1) ص 347 - 348.
(2) أحد أبواب دمشق، ويقع شمال الجامع الأموي، ويقال له: الآن باب العمارة.(19/519)
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ طُغْتِكِين شَهْماً عَادِلاً، حَزِنَ عَلَيْهِ أَهْلُ دِمَشْقَ، فَلَمْ تَبق محلَةٌ وَلاَ سُوْق إِلاَّ وَالمَأْتَمُ قَائِمٌ فِيْهِ عَلَيْهِ لِعَدله، وَحُسْنِ سيرَته، حكم عَلَى الشَّامِ خَمْساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَسَارَ ابْنُهُ بِسِيرَتِهِ مُديدَة، ثُمَّ تَغَيَّرَ وَظَلَم.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ طُغْتِكِين سَيْفاً مسلَوْلاً عَلَى الفِرَنْج، وَلَكِن لَهُ خَرْمَةٌ كَانَ قَدِ اسْتفحل البَلاَءُ بدَاعِي الإِسْمَاعِيْليَّة بَهْرَامَ بِالشَّامِ، وَكَانَ يَطُوْفُ المَدَائِن وَالقِلاع متخفِياً، وَيُغوِي الأَغتَام وَالشُّطَار، وَيَنْقَادُ لَهُ الجُهَّال، إِلَى أَنْ ظَهَرَ بِدِمَشْقَ بتقرِير قرَّره صَاحِبُ مَاردين إِيلغَازِي مَعَ طُغْتِكِين، فَأَخَذَ يُكرمه، وَيُبَالغ اتِّقَاءً لِشرِّه، فَتبعه الغَوْغَاءُ، وَالسُّفَهَاء، وَالفلاَحُوْنَ، وَكَثُرُوا، وَوَافقه الوَزِيْرُ طَاهِر المزدقَانِي، وَبثَّ إِلَيْهِ سِرَّه، ثُمَّ الْتمس مِنَ الْملك طُغْتِكِين قَلْعَةً يَحتمِي بِهَا، فَأَعْطَاهُ بَانِيَاس فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) ، فَعَظُمَ الخطبُ، وَتَوَجَّعَ أَهْلُ الخَيْر، وَتَسَتَّرُوا مِنْ سَبِّهِم، وَكَانُوا قَدْ قتلُوا عِدَّةً مِنَ الكِبَارِ، فَمَا قَصَّر تَاجُ المُلُوْك فَقتل الوَزِيْرَ كَمَالَ الدّين طَاهِر بن سَعْدٍ المَذْكُور فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ بِالقَلْعَة، وَنصبَ رَأْسَه، وَركب جندُهُ، فَوضعُوا السَّيْفَ بِدِمَشْقَ فِي الملاَحدَة الإِسْمَاعِيْليَّة، فَسبَّكُوا مِنْهُم فِي الحَال نَحْواً مِنْ سِتَّة آلاَف نَفْسٍ فِي الطُّرقَات، وَكَانُوا قَدْ تَظَاهِرُوا، وَتَفَاقم أَمرُهُم، وَرَاح فِي هَذِهِ الكَائِنَة الصَّالِحُ بِالطَّالح.
وَأَمَّا بَهْرَامُ، فَتَمَرَّدَ وَعَتَا، وَقَتَلَ شَابّاً مِنْ أَهْلِ وَادِي التَّيْم اسْمه برْق، فَقَامَ عَشِيْرَتُهُ، وَتَحَالفُوا عَلَى أَخَذَ الثَّأْر، فَحَارَبَهُم بَهْرَامُ، فَكَبَسُوهُ
__________
(1) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 632، 633، 639.(19/520)
وَذَبَحوهُ إِلَى اللَّعْنَة، وَسلَّمت الملاَحدَةُ بَانِيَاس لِلْفرنج، وَذلُّوا.
وَقِيْلَ: إِنَّ المزدقَانِي كَاتِب الفِرَنْجَ ليُسلم إِلَيْهِم دِمَشْق، وَيُعطوهُ صُوْرَ، وَأَنَّ يهجمُوا البلدَ يَوْمَ جُمُعَة، وَوكَّل الملاَحدَةَ تُغْلِقُ أَبْوَابَ الجَامِع عَلَى النَّاسِ، فَقَتَلَهُ لِهَذَا تَاجُ المُلُوْك - رَحِمَهُ اللهُ - وَقَدِ التَقَى الفِرَنْجَ وَهَزَمَهُم، وَكَانَتْ وَقْعَةٌ مَشْهُوْدَة (1) .
وَفِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ أَقْبَلت جُمُوْعُ الفِرَنْج لأَخَذَ دِمَشْق، وَنَزَلُوا بِشَقْحَب (2) ، فَجمعَ طُغْتِكِينُ التُّركمَانِيين (3) وَشُطَّار دِمَشْق، وَالتقَاهُم فِي آخِرِ العَامِ، وَحَمِيَ القِتَالُ، ثُمَّ فَرَّ طُغْتِكِين وَفُرْسَانُهُ عجزاً، فَعطفت الرَّجَّالَةُ عَلَى خيَام العَدُوِّ، وَقَتَلُوا فِي الفِرَنْج، وَحَازُوا الأَمْوَالَ وَالغَنَائِمَ، فَوَقَعتِ الهَزِيْمَةُ عَلَى الفِرَنْجِ، وَنَزَلَ النَّصْرُ.
303 - ابْنُ الفَاعوس أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَلِيٍّ *
الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَلِيٍّ
__________
(1) " الكامل في التاريخ ": 10 / 657 - 658، وفيه " المزدقاني ".
(2) شقحب: قرية في جنوب غربي دمشق تبعد عنها 25 ميلا تقريبا، وفي سنة 702 كانت وقعة شقحب المشهورة بين التتار وأهل الشام، وصدق الله وعده، وأعز جنده، وهزم التتار وحده، ونصر المؤمنين، وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين، وكان قد حضر هذه الوقعة شيخ الإسلام تقي الدين رحمه الله يوصي المؤمنين بالثبات، ويحرضهم على القتال، ويبشرهم بالغنيمة والفوز بإحدى الحسنيين، وشارك في قتال التتار بنفسه، وجاهدهم جهاد الابطال، وكانت له مواقف مشهودة تنبئ عن شجاعته، ورباطة جأشه، وعظيم احتماله.
(3) في الأصل: التراكمين، وهو تحريف.
(*) مشيخة ابن عساكر: 354، المنتظم: 10 / 7، الكامل في التاريخ: 10 / 648، تاريخ الإسلام: 4: 248 / 2، العبر: 4 / 50، عيون التواريخ: 13 / 479، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 173 - 176، النجوم الزاهرة: 5 / 233، شذرات الذهب: 4 / 64.(19/521)
ابْن الفَاعوس البَغْدَادِيّ، الإِسكَاف، تِلْمِيْذُ الشَّرِيْف أَبِي جَعْفَرٍ بن أَبِي مُوْسَى الحَنْبَلِيّ.
رَوَى عَنِ: القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ العَطَّار.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَكَانَ يَقرَأُ لِلنَّاسِ الحَدِيْثَ بِلاَ إِسْنَاد يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَلَهُ قبولٌ زَائِد لِصلاَحه وَإِخلاَصه.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: تُوُفِّيَ فِي تَاسع عشر شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَغُلِّقَت الأَسواقُ، وَضج العوَامُّ بذِكْرِ السُّنَّةِ وَلَعْنِ أَهْلِ البِدَعِ، وَدُفِنَ بِقُرْبِ الإِمَام أَحْمَد.
وَقِيْلَ: كَانَ يَتمنَّع مِنَ الرِّوَايَة إِزرَاءً عَلَى نَفْسِهِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
مَاتَ: عَنْ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ بِدِمَشْقَ يَقُوْلُ:
أَهْلُ بَغْدَادَ يَعتقدُوْنَ فِيْهِ، وَكَانَ أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي يَقُوْلُ: إِنَّ ابْنَ الخَاضبَة كَانَ يَقُوْلُ لابْنِ الفَاعوس: الحَجَرِيّ، لأَنَّه كَانَ يَقُوْلُ: الْحجر الأَسْوَدِ يَمِيْنُ الله حقيقَةً.
قَالَ كَاتِبه: هَذَا أَذَىً لاَ يَسوَغ فِي حقِّ رَجُلٍ صَالِحٍ، وَإِلاَّ فَهَذَا نَزَاع فِي إِطلاَق عبَارَةٍ مَا تَحْتهَا مَحْذُوْرٌ أَصلاً، وَهُوَ كقولنَا: بَيْتُ الله حقيقَة، وَنَاقَة الله حقيقَةً، وَروحُ الله ابْن مَرْيَم حقيقَةً، وَذَلِكَ مِنْ قبيل إِضَافَة التَّشرِيف، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَا يَقُوْلُ مَنْ لَهُ عَقْلٌ قَطُّ: إِنَّ ذَلِكَ إِضَافَةُ صفَة، وَفِي سِيَاقِ الخَبَر مَا يُوَضِّح أَنَّهُ إِضَافَةُ مُلْكٍ، لاَ إِضَافَةُ صفَة، وَهُوَ قَوْله: (فَمَنْ صَافَحَهُ، فَكَأَنَّمَا صَافح الله) يَعْنِي: أَنَّهُ بِمَنْزِلَة(19/522)
يَمِيْن البَارِئِ تَعَالَى فِي الأَرْضِ (1) .
رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبَّاد بن جَعْفَرٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: هَذَا الرُّكْنُ الأَسْوَدُ يَمِيْنُ الله فِي الأَرْضِ يُصَافِحُ بِهِ عِبَادَه مُصَافَحَةَ الرَّجُلِ أَخَاهُ (2) .
وَلَكِنَّ الأَوْلَى فِي هَذَا ترك الْخَوْض فِي حقيقَة أَوْ مَجَاز، فَلاَ حَاجَةَ بِنَا إِلَى تَقييدِ مَا أَطْلَقَهُ السَّلَفُ، بَلْ نُؤمِنُ وَنسكُتُ، وَقَولُنَا فِي ذَلِكَ: حَقِيقَة أَوْ مَجَازاً؛ ضَرْبٌ مِنَ العَيِّ وَاللَّكَنِ، فَنزجُرُ مَنْ بَحَثَ فِي ذَلِكَ - وَاللهُ الموفِّقُ -.
304 - المَسْجِدِي أَبُو القَاسِمِ سَهْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ سَهْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيّ، المَسْجِدِي، وَيُعْرَف أَيْضاً: بِالسُّبْعِي.
__________
(1) كلام الذهبي رحمه الله هذا حق فيما إذا ثبت الحديث بذلك، أما إذا كان لا يصح كما هو هنا فلا يتكلف لتأويله وتوجيهه، فقد أخرجه الخطيب في " تاريخه ": 6 / 328، وابن عدي في " الكامل ": 17 / 2 من طريق إسحاق بن بشر الكاهلي، حدثنا أبو معشر المدائني، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعا: " الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح به عباده "، وإسحاق بن بشر الكاهلي قال الخطيب: يروي عن مالك وغيره من الرفعاء أحاديث منكرة، كذبه أبو بكر بن أبي شيبة، وموسى بن هارون، وأبو زرعة، وقال ابن عدي والدارقطني: هو في عداد من يضع الحديث، وله طريق أخرى لا يفرح بها عند ابن عساكر: 15 / 90 / 2 في سندها أبو علي الاهوازي، وهو متهم، فالخبر باطل كما قال
ابن الجوزي، وابن العربي.
(2) لم أتبين من رواه عن ابن جريح حتى أنظر فيه، وقد أخرجه ابن قتيبة هكذا موقوفا على ابن عباس في " غريب الحديث ": 2 / 337، وفي سنده إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك.
(*) السياق: الورقة: 28 ب، الأنساب: 7 / 32، التحبير: 1 / 314 - 317، المنتخب: الورقة: 71 أ، اللباب: 2 / 100 - 101، تاريخ الإسلام: 4: 250 / 2.(19/523)
رَوَى عَنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ الفَقِيْه، وَأَبِي حَفْصِ بن مَسْرُوْر، وَعَبْدِ الغَافِرِ بن مُحَمَّدٍ الفَارِسِيِّ، وَأَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَأَبِي سَعْدٍ الطَّبِيْب، وَوجيه بن أَبِي الطّيب.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَحَفِيْدُهُ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ المَسْجِدِي، وَعبدُ المُنْعِم بن الفُرَاوِي، وَعبد الرَّحْمَن بن أَبِي القَاسِمِ الشّعرِي، وَأَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بن عُمَرَ الصَّفَّار، وَابْنُ يَاسِر الجيَّانِي، وَغَيْرهُم.
وَقِيْلَ لَهُ: المَسْجِدِي، لأَنَّه كَانَ خَادِمَ مَسْجِدِ الْمُطَرز (1) ، وَكَانَ دَيِّناً خَيراً، عَالِيَ الإِسْنَاد، وَكَانَ وَالِدُهُ قَدْ عُرِفَ بتِلاَوَة سُبْعٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَكَانَ وَلدُهُ أَحْمَد بن سَهْل يَرْوِي عَنْ: يَعْقُوْب بن أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيّ.
مَاتَ سهل: سَنَة بِضْع وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (تَارِيخ الإِسْلاَم) تَقَرِيْباً فِي اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ.
305 - السُّلْطَان مَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيُّ *
صَاحِبُ العِرَاق، مُغِيْثُ الدّين مَحْمُوْدُ ابنُ السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه بنُ أَلب أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِي.
__________
(1) وهو المسجد الكبير بنيسابور.
(*) المنتظم: 10 / 24، تاريخ دولة آل سلجوق: 114 - 119، الكامل في التاريخ: 10 / 669 - 670، وفيات الأعيان: 5 / 182 - 183، تاريخ الإسلام: 4: 268 / 2، دول الإسلام: 2 / 47، العبر: 4 / 66، تتمة المختصر: 2 / 58 - 59، مرآة الزمان: 8 / 85، البداية والنهاية: 12 / 203، تاريخ ابن خلدون: 5 / 45، السلوك: 1 / 34، الاعلام لابن قاضي شهبة: خ سنة 525، النجوم الزاهرة: 5 / 246 - 247، شذرات الذهب: 4 / 76 - 77، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 334.(19/524)
تملَّك بَعْد أَبِيْهِ وَهُوَ حَدَّثٌ أَمردُ فِي أَوّل سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى مَنَابِر بَغْدَاد، وَكَانَ ذكيّاً فَطِناً، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالنَّحْوِ، وَمَيْل إِلَى العِلْم، وَنظر فِي التَّارِيْخ، مَدحه الحَيْصَ بَيْصَ (1) ، وَضَعُفَتْ دَوْلَةُ بنِي سَلْجُوق فِي أَوَاخر أَيَّامه، وَكَانَ عَمّه السُّلْطَان سَنجر أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ.
مَاتَ: بهَمَذَانَ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) ، وَيُكْنَى أَبَا القَاسِمِ، وَسَلْطَنُوا بَعْدَهُ أَخَاهُ طُغْرُلَ، فَمَاتَ بَعْدَ عَامَيْن، ثُمَّ تَسَلَّطن أَخُوْهُمَا مَسْعُوْدٌ، وَطوَّل.
306 - الدِّيْنَوَرِيّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ الدِّيْنَوَرِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ.
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَالحَافِظ أَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَغَيْرهُم.
__________
(1) هو الأمير شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد ابن الصيفي التميمي البغدادي المتوفي سنة 574 هـ، وقصيدته الدالية - وهي من غرر القصائد - التي مدح بها
المترجم هي في ديوانه: 1 / 156، ومطلعها:
ألق الحدائج ترع الضمر القود * طال السرى وتشكت وخدك البيد
يا ساري الليل لا جدب ولا فرق * فالنبت أغيد والسلطان محمود
قيل تألفت الاضداد خيفته * فالمورد الضنك فيه الشاء والسيد
(2) قال ابن الأثير: 10 / 670: وكان عمره لما توفي نحو سبع وعشرين سنة، وكانت ولايته للسلطنة اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرين يوما، وكان حليما، كريما، عاقلا، يمسع ما يكره ولا يعاقب عليه مع القدرة، قليل الطمع في أموال الرعايا، عفيفا عنها، كافا لأصحابه عن التطرق إلى شيء منها.
(*) مشيخة ابن عساكر: 292، مشيخة ابن الجوزي: 63، ومعظم الترجمة لم ترد فيه لخرم في الأصل المعتمد، المنتظم: 10 / 7، تاريخ الإسلام: 4: 248 / 2، العبر: 4 / 50، عيون التواريخ: 13 / 478، شذرات الذهب: 4 / 64.(19/525)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَالحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَخُوْهُ الصَّائِنُ هِبَةُ اللهِ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ صَاحِبَ الخَبَرِ، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ: قَدْ مرَّ بِي أَبِي مِنَ الدِّينَوَر وَأَنَا صَبِيّ، وَاحترقت كُتُبِي زَمَن المُسْتظهر، وَقَدْ سَمِعَ أَبُو الحَسَنِ القَزْوِيْنِيّ مِنْ جَدِّي أَحْمَد.
307 - ابْنُ البُخَارِيِّ أَبُو البَرَكَات هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، العَدْلُ، الكَبِيْرُ، المُسْنِدُ، أَبُو البَرَكَات هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن أَحْمَدَ البَغْدَادِيّ، ابْنُ البُخَارِيّ، وَهُوَ المُبَخِّر (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا طَالب بنَ غَيْلاَنَ، وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ المُذْهِب، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَأَبَا الحَسَنِ البَاقِلاَّنِي، وَأَبَا طَالب العُشَارِي.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الجَبَّارِ بن هِبَةِ اللهِ البُنْدَار، وَالصَّائِنُ بنُ عَسَاكِرَ، وَيَحْيَى بنَ بَوش، وَجَمَاعَة.
__________
(*) المنتظم: 9 / 254، تاريخ الإسلام: 4: 238 / 2، العبر: 4 / 45، شذرات الذهب: 4 / 60.
(1) لقب بذلك، لأنه كان يبخر بالعود وغيره في الخانات، انظر " المشتبه ": 1 / 53.(19/526)
وَكَانَ صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
تُوُفِّيَ: فِي رَجَب، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة بِبَغْدَادَ.
308 - جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ أَحْمَدَ *
المَوْلَى، الرَّئِيْسُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الفَضْلِ الأَصْبَهَانِيّ، الثَّقَفِيّ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ رِيذه، وَعبدَ الرَّحْمَن بن أَبِي بَكْرٍ الذَّكوَانِي، وَأَبَا طَاهِر بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَمُحَمَّدَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَرْزُنَانِي (1) ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ بن أَحْمَدَ الخَطِيْب، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي سَعِيْدٍ العيَّار، وَأَحْمَدَ بنَ الفَضْلِ البَاطِرْقَانِي، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ بن الزِّبْرِقَانِ، وَنَاصرُ بنُ مُحَمَّدٍ الويْرج، وَعبدُ الوَاحِد بن أَبِي المطهِّر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَعبدُ الجَلِيْلِ بن أَبِي نَصْرٍ بن رَجَاء، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المهَّاد، وَخَلْق.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ صَالِحاً سدِيداً (2) ، وَمِنْ مَرْوِيَّاته: شُرُوط الذّمَة، وَكِتَاب السّنَة، وَالضَّحَايَا، وَالعقيقَة، وَالنَّوَادر، وَالعتق، وَالرَّمْي، وَالسَّبق، وَالسَّرقَة، وَفَوَائِد العِرَاقيين، الكُلّ لأَبِي الشَّيْخِ،
__________
(*) التحبير: 1 / 159 - 166، معجم شيوخ السمعاني: الورقة: 65 أ، تاريخ الإسلام: 4: 252 / 1، العبر: 4 / 54، عيون التواريخ: 13 / 490، النجوم الزاهرة: 5 / 235، شذرات الذهب: 4 / 66.
(1) نسبة إلى أرزنان من قرى أصبهان.
(2) وتمام كلامه في " التحبير ": 1 / 159: معروفا من بيت الحديث وأهله، عمر المعمر الطويل حتى حدث بالكثير، وسمع منه.(19/527)
سَمِعَهَا مِنِ ابْنِ عَبْد الرَّحِيْمِ عَنْهُ، وَالأَدب لابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَالآحَاد وَالمثَانِي لَهُ، وَكِتَاب (الجَامِع) لأَحْمَدَ بن الفُرَاتِ (1) ، وَالصَّلاَة لأَبِي نُعَيْمٍ (2) .
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: فِي تَاسع جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ مِنْ أَصْحَابِ ابْن رِيذه سِوَى فَاطِمَة.
309 - الطَّرْقِيُّ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ ثَابِتِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الحَافِظُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ ثَابِتِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ.
وَطَرْق: مِنْ قُرَى أَصْبَهَان (3) .
سَكَنَ برد، وَكَانَ مُتَفَنِّناً، لَهُ تَصَانِيْفُ، إِلاَّ أَنَّهُ جَهِلَ، وَقَالَ بِقِدَمِ الرُّوْحِ (4) .
__________
(1) ابن خالد الضبي أبو مسعود الرازي الحافظ نزيل أصبهان المتوفى 258 هـ، من رجال التهذيب: 1 / 422 طبع مؤسسة الرسالة.
(2) التحبير: 1 / 160، 166.
(*) الأنساب: 8 / 235 - 236، اللباب: 2 / 280، تاريخ الإسلام: 4: 247 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 86 - 87، الوافي بالوفيات: 6 / 282، لسان الميزان: 1 / 143، ذيل بروكلمان: 1 / 623.
(3) قال السمعاني: وهي قرية كبيرة مثل البليدة من أصبهان على عشرين فرسخا منها.
(4) نسب السمعاني في " الأنساب " هذا القول إليه بصيغة التمريض، فقال: وحكي عنه أنه كان يقول: الروح قديمة، فالله أعلم بصحة نسبة ذلك إليه.
وقال المؤلف في " ميزان الاعتدال ": 1 / 86، 87: وشبهته قوله تعالى (قل الروح من أمر ربي) قالوا: وأمره قديم، وهو شيء غير خلقه، وتلوا (ألا له الخلق والامر) (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) وهذه من أردإ البدع وأضلها، فقد علم الناس ان الحيوانات كلها مخلوقة أجسادها وأرواحها.(19/528)
سَمِعَ: عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ مَنْدَة وَطَبَقَتَه، وَجَال فِي الطَّلَب، وَلحق أَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
310 - خُوَارِزمشَاه أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ نُوْشْتِكِين *
الملكُ، العَالِمُ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ نُوْشْتِكِين، ديِّنٌ فَاضِل، خَيِّرٌ تَقِي، سَخِيٌّ، كَثِيْرُ التِّلاَوَة وَالغَزْو، عَارِفٌ بِالتَّفْسِيْر، كَانَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ نِظَامَ المُلك يَقُوْلُ: صَلاَةُ الصُّبْح بِغَلَسٍ تُذْهِبُ ظُلْمَةَ القَبْر.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، فِي شَوَّال، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ بِخُوَارزم ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، كَانَ مِنْ أَعْدَلِ المُلُوْك، وَتَسَلْطَنَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَتسز (1) .
311 - القطَائِفِيّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَمْد **
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَمْد النُّهَاوندي، القطَائِفِيّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
وُلِدَ: بِالدِّينَوَر، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَجَاءَ هُوَ وَأَبُوْهُ إِلَى بَغْدَادَ منجفلينَ وَقتَ ظُهُوْر الغُزِّ السّلجوقيَة.
سَمِعَ مِنْ: عَلِيّ بن المُحَسِّن التَّنُوْخِي، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَالخَطِيْب، وَجَمَاعَة.
__________
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 267، تاريخ الإسلام: 4: 251 / 2.
(1) انظر أخباره في " الكامل في التاريخ ": 10 / 268 و677، 11 / 67 و81 و87 و88 و95 و209.
(* *) تاريخ الإسلام: 4: 239 / 1.(19/529)
رَوَى عَنْهُ: أَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ الخَبَّاز، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن عبد الصَّمد السُّلَمِيّ.
قَالَ ابْنُ نَاصر: هُوَ رَجُلٌ صَالِح حَلَوَانِي، مِنْ أَهْلِ السُّنَّة، وَسمَاعُهُ صَحِيْح.
وَقَالَ ابْنُ كَامِل: مَاتَ فِي السَّادس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
312 - ابْنُ رضوَانَ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ *
الجَلِيْلُ، الرَّئِيْسُ، أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ رِضوَانَ بن مُحَمَّدِ بنِ رِضوَان البَغْدَادِيّ، المَرَاتِبِيّ.
سَمِعَ: أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَأَبَا يَعْلَى بنَ الفَرَّاءِ، وَأَجَازَ لَهُ عَبْدُ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ فِي (مُعْجَمه) ، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السِّبْط، وَطَائِفَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ صَالِحاً، صَدُوْقاً، كَثِيْرَ الصَّلاَة وَالصَّدَقَة، مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
313 - العَطَّارُ أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بن أَحْمَدَ **
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بن أَحْمَدَ بنِ بِشْرٍ الكَرْخِيّ، البَغْدَادِيّ، العَطَّار.
__________
(*) مشيخة ابن عساكر: 7 / 2، تاريخ الإسلام: 4: 254 / 1.
(* *) تاريخ الإسلام: 4: 239 / 1، الوافي بالوفيات: 7 / 12، لسان الميزان: 1 / 210.(19/530)
سَمِعَ: أَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَالجَوْهَرِيّ.
وَعَنْهُ: أَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ بنُ عَقِيْلٍ.
أَعرض عَنْهُ المُحَدِّثُونَ، لأَنَّ السَّمْعَانِيّ قَالَ: سَأَلت أَبَا المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ عَنْ أَبِي غَالِبٍ بن بِشْرٍ، فَقَالَ: كَانَ يَشْرَبُ إِلَى أَنْ مَاتَ - يَعْنِي: الخَمْرَ -.
مَوْلِدُهُ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
314 - ابْنُ عَيْذُوْنَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بن سَلاَمَةَ *
لُغَوِيُّ الْعَصْر، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بن سَلاَمَةَ بن عَيْذُوْنَ الهُذَلِيّ، التُّوْنُسِيّ، المُعَمَّر.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
رَأَى ابْنَ البِرِّ (1) ، فَتَرَكَه لِتَهَتُّكِهِ (2) ، وَلقِي ابْنَ رشيقٍ الشَّاعِر.
__________
(*) معجم السفر: 2 / 286 - 287، معجم الأدباء: 14 / 8 - 10، إنباه الرواة: 2 / 292 - 293، تاريخ الإسلام: 4: 237 / 2، العبر: 4 / 44، تلخيص ابن مكتوم: 145، عيون التواريخ: 13 / 452، طبقات ابن قاضي شهبة: 2 / 158، بغية الوعاة: 2 / 173، شذرات الذهب: 4 / 59.
(1) بكسر الباء كما في الأصل، وبه ضبطه المؤلف في " المشتبه ": 1 / 55، فقال: وبالكسر أبو بكر محمد بن على بن البر اللغوي شيخ ابن القطاع. وقد ضبط خطأ بفتح الباء في " معجم الأدباء ": 14 / 9.
(2) في " معجم الأدباء ": 14 / 9: رأيته بمدينة مازر من جزيرة صقلية، وكنت عزمت على أن أقرأ عليه لما اشتهر من فضله وتبحره في اللغة، فاتصل بابن منكود صاحب البلد أنه يشرب وكان يكرمه، فشق عليه، وصار يكرهه، وأنفذ إليه، وقال: المدينة أكبر، والشراب بها أكثر، فأحوجته الضرورة إلى الخروج منها، ولم أقرأ عليه شيئا.(19/531)
أَخَذَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ بِالثَّغْرِ، وَوصفه بِإِتْقَان اللُّغَة، وَأَنَّ لَهُ قصيدَةً أَحَدَ عشرَ أَلفَ بَيْتٍ فِي الرَّدِّ عَلَى المرتدّ البَغْدَادِيّ (1) ، وَلَوْ قِيْلَ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَلغَى مِنْهُ، لَمَّا اسْتُبعِدَ، وَقَالَ لِي: لَمْ أَرَ أَحْفَظَ لِلُّغَةِ وَالعَرَبِيَّة مِنِ ابْنِ القطَاع، فَأَكْثَرتُ عَنْهُ.
مَاتَ ابْنُ عبدُوْنَ: سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
315 - البَطَلْيَوْسِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّيِّد *
العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّيِّد النَّحْوِيّ، اللُّغَوِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
أَقرَأَ الآدَابَ، وَشَرَحَ (المُوَطَّأ) ، وَلَهُ كِتَاب (الاقتضَاب فِي شرح (2) أَدب الكِتَاب) ، وَكِتَاب (الأَسبَاب الموجبَة لاخْتِلاَف
__________
(1) هو أحمد بن يحيى بن إسحاق المشهور بابن الراوندي المتوفى سنة 298 هـ.
تقدمت ترجمته في الجزء الرابع عشر رقم (31) .
(*) قلائد العقيان: 193 - 202، الصلة: 1 / 292 - 293، بغية الملتمس: 324، معجم البلدان: 1 / 447، الاستدراك: (خ) : 244 / 2، إنباه الرواة: 2 / 141 - 143، المغرب في حلي المغرب: 1 / 385، وفيات الأعيان: 3 / 96 - 98، تاريخ الإسلام: 4: 247 / 2 - 248 / 1، تلخيص ابن مكتوم: 99 - 100، مسالك الابصار: 4 / 3 / 404 - 405، عيون التواريخ: 13 / 473 - 475، مرآة الجنان: 3 / 328، البداية والنهاية: 12 / 198، الديباج المذهب: 1 / 441، غاية النهاية: 1 / 449، طبقات ابن قاضي شهبة: 1 / 47 - 48، بغية الوعاة: 2 / 55 - 56، أزهار الرياض: 3 / 101 - 149، نفح الطيب: 1 / 185 و643 - 649، كشف الظنون: 48، 602، شذرات الذهب: 4 / 64 - 65، روضات الجنات: 450 - 451، هدية العارفين: 1 / 454، شجرة النور الزكية: 1 / 130، مجلة المجمع: 12 / 56.
وبطليوس: مدينة كبيرة بالاندلس من أعمال ماردة على نهر آنة غربي قرطبة، وكانت عاصمة بني الافطس التجيبيين في عهد ملوك الطوائف.
(2) هذه الزيادة لا بد منها فإن البطليوسي لم يؤلف " أدب الكتاب " وإنما شرح كتاب =(19/532)
الأَئِمَّة (1)) ، وَأَشيَاء، وَنظمٌ فَائِق (2) .
مَاتَ (3) :فِي رَجَب، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
316 - البَارِعُ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، النَّحْوِيُّ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
= ابن قتيبة المسمى بأدب الكاتب، - وهو من الأصول الأربعة في الأدب -، وسماه " الاقتضاب "، وقسمه ثلاثة أجزاء، الجزء الأول في شرح الخطبة وما يتعلق بها من ذكر أصناف الكتاب وآلاتهم، والجزء الثاني في التنبيه على ما غلط فيه واضع الكتاب أو الناقلون عنه، وما منع منه وهو جائز، والجزء الثالث في شرح أبياته وقد طبع في ثلاثة أجزاء سنة 1981 بتحقيق مصطفى السقا، وحامد عبد المجيد.
وله من التواليف غير ما ذكره المصنف شرح سقط الزند وهو مطبوع ضمن شروح سقط الزند، قال ابن خلكان: وهو أجود من شرح أبي العلاء صاحب الديوان الذي سماه " ضوء السقط " وليس هذا الشرح خاصا بسقط الزند، بل ضم البطليوسي إليه طائفة أخرى شعر أبي العلاء، بعضها من لزوم ما لا يلزم، وبعضها الآخر من سائر دواوينه، وانفرد من بين شارحيه بترتيب السقط على حروف المعجم.
ومن تواليفه " الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل " وهو مطبوع بتحقيق سعيد عبد الكريم سعودي سنة 1980، و" الحلل في شرح أبيات الجمل " ولم يطبع بعد، ومنه نسخة خطية في مكتبة الاوقاف العامة ببغداد، وأخرى في خزانة السيد محمد المشكاة في المكتبة المركزية بجامعة طهران.
(1) سماه ابن خلكان، وابن بشكوال، والقفطي، وابن العماد: " التنبيه على الاسباب الموجبة لاختلاف الأمة " وسماه السيوطي في " بغية الوعاة ": 2 / 56: " سبب اختلاف الفقهاء "، وسماه صاحب " أزهار الرياض ": 3 / 107: " التنبيه على السبب الموجب لاختلاف العلماء في اعتقاداتهم وآرائهم وسائر أغراضهم وأنحائهم " وقد طبع في مصر سنة (1319) باسم " الإنصاف في التنبيه على الاسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم ".
(2) ومما قاله في العلم:
أخو العلم حي خالد بعد موته * وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الترى * يظن من الاحياء وهو عديم
(3) في بلنسية التي ألقى عصا تسياره فيها وأتخذها موطنا له، وألف معظم كتبه الجيدة فيها.
(*) مشيخة ابن عساكر: 54 / 1 - 2، المنتظم: 10 / 16 - 19، مشيخة ابن =(19/533)
عَبْد الوَهَّابِ بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابنِ الوَزِيْر القَاسِم بن عُبيد الله بن سُلَيْمَانَ الحَارِثِيّ، البَغْدَادِيّ، ابْن الدَّباس الشَّاعِر، المُلَقَّب بِالبَارع، مِنْ بَيْت حِشْمَة وَوِزَارَة (1) .
نَسَبه هَكَذَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخَيَّاط، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ البَنَّاء، وَيُوْسُفَ الغُورِي، وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ اللِّحيَانِي، وَأَبِي الخَطَّابِ الصُّوْفِيّ، وَالحُسَيْن بن الحَسَنِ الإِسكَاف، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البصِيْر.
وَسَمِعَ مِنَ: الحَسَنِ بنِ غَالِبٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن النَّرْسِيّ، وَعبدِ الوَاحِد بن بُرْهَان الأَسَدِيّ، وَعِدَّة.
وَبَرَعَ فِي اللُّغَات وَالنَّحْوِ، وَمَدَحَ الْمُقْتَدِي، وَالمُسْتظهِرَ، وَعِدَّة وُزرَاء وَكُبَرَاءَ، وَدَخَلَ خُرَاسَانَ وَاليَمَنَ وَالشَّامَ، وَلعب وَعَاشرَ (2) ، ثُمَّ تَابَ
__________
= الجوزي: 73 - 75، خريدة القصر: 1 / 85، معجم الأدباء: 10 / 147 - 154، الكامل في التاريخ: 10 / 667، إنباه الرواة: 1 / 328 - 359، وفيات الأعيان: 2 / 181 - 184، تاريخ الإسلام: 4: 256 / 1 - 3، العبر: 4 / 56، معرفة القراء: 386 - 387، تلخيص
ابن مكتوم: 63، الوافي بالوفيات: (خ) : 11 / 106 - 107، مرآة الزمان: 8 / 83، البداية والنهاية: 12 / 201، طبقات القراء: 1 / 251، النجوم الزاهرة: 5 / 236، بغية الوعاة: 1 / 539، كشف الظنون: 778، 1111، شذرات الذهب: 4 / 69، روضات الجنات: 248 - 249، أعيان الشيعة: 27 / 201 - 207.
(1) فإن جده القاسم بن عبيد الله كان وزير المعتضد والمكتفي بعده، وعبيد الله بن القاسم كان وزير المعتضد قبل ابنه القاسم.
(2) كان بينه وبين ابن الهبارية الأديب الشاعر مداعبات لطيفة، فإنهما كانا رفيقين ومتحدين في الصحبة.(19/534)
وَأَنَابَ، وَلَزِمَ مَسْجده بِبَابِ المَرَاتِب (1) ، وَتَكَاثر عَلَيْهِ المُقْرِئونَ وَالمُحَدِّثُونَ وَالنُّحَاة، وَصَنَّفَ لَهُ سِبْطُ الخَيَّاط (2) كِتَاب (الشَّمْس المُنِيْرَة فِي التِّسْعَة الشَّهيرَة) (3) .
قرَأَ عَلَيْهِ خلقٌ، مِنْهُم: أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ الوَاسِطِيّ الضّرِير، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ البَطَائِحِي، وَأَبُو العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ، وَنَصْرُ اللهِ ابْن الكيَال، وَيَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ الحَرْبِيّ، وَالحُسَيْنُ بن عَلِيِّ بنِ مُهجِل البَاقَدْرَائِي (4) ، وَعوضٌ المَرَاتِبِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خَالِدِ بنِ بختيَار، وَأَبُو المُظَفَّرِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حمْدي، وَآخَرُوْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ البَاقِلاَّنِيّ الوَاسِطِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيّ، وَأَبُو الفَتْح المَنْدَائِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن حَمدِيَّة، وَلَهُ (دِيْوَانُ) شعر (5) ، وَقَدْ أَضرَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ.
__________
(1) وهو أحد أبواب دار الخلافة ببغداد، كان من أجل أبوابها وأشرفها، وكان حاجبه عظيم القدر، نافذ الامر ... وكانت الدور فيه غالية الاثمان، عزيزة الوجود أيام السلاطين
ببغداد، لأنه كان حرما لمن يأوي إليه، " معجم ياقوت ": 1 / 312.
(2) هو الامام الكبير الثقة المقرئ أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الله المعروف بسبط الخياط البغدادي، وتوفي بها سنة 541 هـ.
معرفة القراء الكبار (443) .
(3) أخطأ صاحب " معجم المؤلفين ": 4 / 54، فنسبه للبارع المترجم في " معجم البلدان ": 1 / 327.
(4) نسبة إلى باقدرا من قرى بغداد من نواحي طريق خراسان، قال ياقوت في " معجم البلدان ": 1 / 327، توفي سنة 582 هـ، ووصفه بالصلاح.
(5) قال المصنف رحمه الله في " معرفة القراء ": 1 / 387: وشعره في الذروة، وأنشد له قوله - وهو مما قاله بمكة سنة 472 هـ:
ذكر الاحباب والوطنا * والصبا والاهل والسكنا
فبكى شجوا وحق له * مدنف بالشوق حلف ضنا
من لمشتاق تميله * ذات سجع ميلت فننا
لك يا ورقاء أسوة من * لم تذيقي طرفه الوسنا =(19/535)
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: مَا كَانَ بِهِ بَأْس.
وَقَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ شَافع: فِيْهِ تسَاهُلٌ وَضَعف.
قَالَ ابْنُ الخَشَّاب: أَخْبَرَنَا شيخُنَا البَارع بِكِتَاب (إِصْلاَح الْمنطق) لابْنِ السّكيت بِقِرَاءتِي مِنْ أَصْلِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَة بقِرَاءة أَخِي الإِمَام أَبِي الْكَرم بن فَاخر النَّحْوِيّ عَلَيْهِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ سُوَيْدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الأَنبارِي، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرْنَا ابْنُ رُسْتُمَ، أَخْبَرَنَا المُؤلف.
مَاتَ البَارِعُ: فِي سَابع عشر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
317 - ابْنُ الحُصَيْنِ هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْق، مُسْنِدُ الآفَاق، أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ العَبَّاسِ بنِ الحُصَيْن الشَّيْبَانِيّ، الهَمَذَانِيّ الأَصْل، البَغْدَادِيّ، الكَاتِب (1) .
__________
= أين قلبي ما صنعت به * ما أرى صدري له سكنا
كان يوم النفر وهو معي * فأبى أن يصحب البدنا
ولها تتمة انظرها في " الوفيات ": 3 / 184.
وأنشد له ياقوت في " معجم الأدباء ": 10 / 153:
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت * ولم ينهها تاقت إلى كل باطل
وساقت إليه الاثم والعار بالذي * دعته إليه من حلاوة عاجل
(*) مشيخة ابن عساكر: 237 / 2، مشيخة ابن الجوزي: 53، المنتظم: 10 / 24، الكامل في التاريخ: 10 / 671، تاريخ الإسلام: 4: 269 / 2، دول الإسلام: 2 / 47، العبر: 4 / 66، المستفاد: 251، مرآة الجنان: 3 / 245، البداية والنهاية: 12 / 203، النجوم الزاهرة: 5 / 247، شذرات الذهب: 4 / 77.
(1) وهو خال الوزير العادل عون الدين بن هبيرة.(19/536)
مَوْلِدُهُ: فِي رَابعِ رَبِيْعٍ الأَوّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ مِنْ: أَبِي طَالِبٍ بن غَيْلاَنَ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ المُذْهِب، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ المُقْتَدِر، وَأَبِي القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَطَائِفَة.
وَتفرَّد برِوَايَة (مُسْنَد أَحْمَدَ (1)) ، وَفَوَائِد أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيّ المَشْهُوْرَة بِـ (الغَيْلاَنِيَّات) (2) ، وَبِـ (اليشكرِيَات (3)) ، وَسمَاعُهُ لِكَثِيْر مِنَ (المُسْنَد) كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، كَذَلِكَ بَيَّنَهُ ابْنُ المُذْهِب فِي (الثَّبْت) لابْنِ الحُصَيْن، فَقَالَ: سَمِعَ مِنِّي الكِتَابَ فِي سَنَتَيْ سِتٍّ وَسَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ سَمَاعُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَهُوَ فِي الخَامِسَة، وَأَملَى عِدَّة مَجَالِس، وَتَكَاثر عَلَيْهِ الطَّلبَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ المَنِّي الفَقِيْه، وَقَاضِي بَغْدَاد أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الدَّامغَانِي، وَقَاضِي دِمَشْق أَبُو سَعْدٍ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ اللهِ وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنَا مُحَمَّدِ بنِ حَمَدِيَّه، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ شدَّقِينِي،
__________
(1) عن المحدث أبي علي الحسن بن علي التميمي المعروف بابن المذهب، عن المحدث مسند بغداد أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، عن عبد الله بن الامام أحمد عن أبيه.
(2) وهي فوائد حديثية رواها أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان المتوفي سنة 440 هـ عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي المتوفي سنة 354 هـ إملاء عن شيوخه، وهي أحد عشر جزءا.
وعندنا منه نسخة غاية في النفاسة بخط متقن واضح، وتقع في 164 ورقة، وبآخر كل جزء منها سماعات من القرن السادس الهجري.
(3) وهي أربع أجزاء من إملاء أبي العباس أحمد بن منصور اليشكري المتوفى سنة 370 هـ.
انظر " الرسالة المستطرفة ": 70، وشذرات الذهب: 3 / 71.(19/537)
وَعبدُ الرَّحْمَن بن سعُوْد القَصْرِي، وَالعَلاَّمَة مُجيرُ الدِّين مَحْمُوْد الوَاسِطِيّ، وَعبدُ الخَالِق بن هِبَةِ اللهِ، وَالقَاضِي عُبيدُ الله بن مُحَمَّدٍ السَّاوِي، وَعبدُ الرَّحْمَن بن ملاَّح الشَّط، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ الطَّوِيْلَة، وَعَلِيُّ بن عُمَرَ الحَرْبِيّ الوَاعِظ، وَعَبْدُ اللهِ بن أَبِي الْمجد الحَرْبِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بن الحَسَنِ السِّبْط، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن نَصْرِ بن مَزْرُوع، وَعبدُ الرَّحْمَن بن أَحْمَدَ العُمَرِيّ، وَالحَسَنُ بن أشنَانَة، وَعَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عُليَان، وَلاَحِقُ بن قَنْدَرَة (1) ، وَفَاطِمَة بِنْتُ سَعْد الخَيْر، وَعُمَرُ بن جُرِيرَة القَطَّان، وَالمُبَارَك بن مُخْتَار السَّبتِي، وَعَبْد اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَقلِي، وَحَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُكَبَّر، وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بن القَارص، وَأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الوَهَّابِ بن سُكَيْنَة، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ، ثِقَةٌ، ديِّن، صَحِيْحُ السَّمَاع، وَاسِعُ الرِّوَايَة، تَفَرَّد وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مَعْمَرُ بنُ الفَاخر، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَعِدَّة، وَكَانُوا يَصفُوْنَهُ بِالسَّدَادِ وَالأَمَانَة وَالخيرِيَّة.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: بكَّر بِهِ أَبُوْهُ وَبأَخِيْهِ عبد الوَاحِد، فَأَسْمَعَهُمَا، سَمِعْتُ مِنْهُ (المُسْنَد) ، وَكَانَ ثِقَةً (2) ، تُوُفِّيَ فِي رَابِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) ضبطه ابن حجر في " تبصير المنتبه ": 3 / 1140 بفتح الدال والراء، وقال: حدث بالمسند عن ابن الحصين، ومات سنة 600 هـ.
(2) " المنتظم ": 10 / 24، و" المشيخة ": 53، ووصفه بصحة السماع، وذكر أنه سمع منه أيضا " الغيلانيات " جميعها، وأجزاء المزكي، وأملى بجامع القصر مجالس كثيرة خرجها له شيخنا أبو الفضل بن ناصر، واستملاها عليه، وكنت أحضر الاملاء وأكبت.
وقال ابن كثير في " البداية ": 12 / 203: وكان ثقة ثبتا صحيح السماع.(19/538)
وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ خسرو: دُفِنَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، بِبَابِ حَرْب، فِي ثَالِث يَوْمٍ مِنْ وَفَاته (1) .
318 - ابْنُ تُوْمَرتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الأُصُوْلِيُّ، الزَّاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ تُوْمَرت البَرْبَرِي، المَصْمُودي (2) ، الهرْغِي، الخَارِجُ بِالمَغْرِبِ، المدَّعِي أَنَّهُ علوِي حَسَنِي، وَأَنَّهُ الإِمَامُ المَعْصُوْمُ (3) المَهْدِيّ، وَأَنَّهُ مُحَمَّدُ
__________
(1) في " المنتظم ": 10 / 24: وتوفي بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء رابع عشر شوال، وترك إلى يوم الجمعة، وأشرف على غسله شيخنا أبو الفضل بن ناصر، وصلى عليه بوصية منه في جامع القصر، ثم حمل إلى جامع المنصور، فصلى عليه شيخنا عبد الوهاب ابن المبارك الأنماطي، ودفن يومئذ بباب حرب عند بشر الحافي.
(*) أخبار المهدي بن تومرت للبيذق: 555 هـ، الكامل في التاريخ: 10 / 569 - 582، المعجب: 245 - 264، وفيات الأعيان: 5 / 45 - 55، تاريخ الإسلام: 4: 258 / 2 - 263 / 2، دول الإسلام: 2 / 46، العبر: 4 / 57 - 62، تذكرة الحفاظ: 4 / 1274، تتمة المختصر: 2 / 26 - 27، الوافي بالوفيات: 3 / 323 - 328، عيون التواريخ: 13 / 372 - 384، مرآة الزمان: 8 / 91، 92، طبقات السبكي: 6 / 109 - 117، البداية والنهاية: 12 / 186، 187، الحلل الموشية: 78 - 88، رقم الحلل لابن الخطيب: 56 - 58، تاريخ ابن خلدون: 6 / 464 - 472، وفيات ابن قنفذ: 273، النجوم الزاهرة: 5 / 254، تاريخ الدولتين للزركشي: 1 - 5، كشف الظنون: 1518، شذرات الذهب: 4 / 70 - 72، الاستقصا: 2 / 78 - 98، هدية العارفين: 2 / 90، دائرة المعارف الإسلامية: 1 / 106 - 109.
(2) المصمودي بفتح الميم، وسكون الصاد، وضم الميم الثانية، نسبة إلى مصمودة قبيلة من البربر، والهرغي بفتح الهاء وسكون الراء نسبة إلى هرغة، وهي قبيلة كبيرة من المصامدة في جبل السوس في أقصى المغرب.
(3) كثير من الادعياء - ومنهم المترجم - الذي يلتمسون الدنيا بعمل الآخرة، ويظهرون للناس خلاف ما يضمرون ينتحلون العصمة لأنفسهم، وينشؤون اتباعهم - وهم في الغالب من الاحداث والاغمار وطلاب المنافع - على الاعتقاد بذلك يلتمسون ضروبا من الحيل، وأفانين من الزهد والتنسك والغيرة على الإسلام وحرماته، وجملة من النصوص الثابتة عن المعصوم يزعمون أنها خاصة بهم ليغرسوا في نفوس أتباعهم أن تصرفاتهم إنما تتم بإلهام من الله وبتأييد =(19/539)
بنُ عَبْدِ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هود بن خَالِدِ بنِ تَمَّام بن عَدْنَانَ بن صَفْوَانَ بنِ جَابِرِ بنِ يَحْيَى بنِ رَبَاح بن يَسَارِ بن العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابنِ الإِمَامِ عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ.
رَحَلَ مِنَ السُّوسِ الأَقْصَى شَابّاً إِلَى المَشْرِق، فَحجَّ وَتَفَقَّهَ، وَحَصَّل أَطرَافاً مِنَ العِلْمِ، وَكَانَ أَمَّاراً بِالمَعْرُوفِ، نَهَّاءً عَنِ المُنْكَر، قوِيَّ النَّفْس، زَعِراً شُجَاعاً، مَهِيْباً قَوَّالاً بِالْحَقِّ، عمَّالاً عَلَى الْملك، غَاوياً فِي الرِّيَاسَة وَالظُهُوْر، ذَا هيبَةٍ وَوقَار، وَجَلاَلَةٍ وَمعَامِلَة وَتَأَلُّه، انْتفع بِهِ خلقٌ، وَاهتَدَوْا فِي الجُمْلَةِ، وَملكُوا المَدَائِنَ، وَقهرُوا المُلُوْكَ.
أَخَذَ عَنْ: إِلكيَا الهَرَّاسِي، وَأَبِي حَامِد الغزَالِي، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرطُوشِي، وَجَاور سَنَةً.
وَكَانَ لَهِجاً بِعِلْم الكَلاَمِ، خَائِضاً فِي مَزَالِّ الأَقدَامِ، أَلَّف عقيدَةً لقَّبهَا بِـ
__________
= منه، فلا مجال لانكارها، أو الاسترابة منها، أو توجيه النقد لها، فإذا تم لهم ما أرادوا، وأنسوا من أتباعهم الانقياد التام، والخضوع المطلق، سخروهم لمطامعهم الدنيئة، وأغراضهم الخسيسة، واستباحوا الاموال والاعراض، وارتكبوا من المخالفات المعلومة البطلان في شرع الله، ومع ذلك نجد هؤلاء الاغمار الذين خدرت عقولهم يسوغون كل تصرف ناشئ عن متبوعيهم بحجة أنهم معصومون لا يصدر عنهم إلا ما هو حق وخير، وما
يظهر لغير أتباعهم من المخالفة إنما هو بسبب جهلهم بهم، وعدم معرفتهم بالمنزلة التي تبوؤوها.
وهذا - وهو مما يحز في القلب شائع وذائع في كثير من الفرق التي تنتسب إلى الإسلام.
ولو علم هولاء، واتقوا الله فيما علموا، لاستيقنوا أن الله سبحانه لم يعط العصمة لأحد من خلقه إلا لرسله الذين اصطفاهم لتبليغ وحيه وبيانه، فهم وحدهم المحاطون برعايته في التبليغ والبيان، فإذا وقع خطأ في البيان نزل الوحي بالتسديد كما هو واضح في أكثر من آية في القرآن، وما سواهم من الخلق مهما كانت منزلتهم، فهم بشر يخطئون ويصيبون، فما أصابوا يؤخذ منهم، وما أخطؤوا فيه، فيعذرون فيه إذا كانوا أهلا للاجتهاد ولا يقلدون فيما أخطؤوا فيه.(19/540)
(المُرْشِدَة) ، فِيْهَا تَوحيد وَخير بِانحرَاف (1) ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَتْبَاعَه، وَسمَّاهُم الْمُوَحِّدين، وَنَبَزَ مَنْ خَالف (المُرْشِدَةَ) بِالتَّجسيم، وَأَبَاحَ دَمَهُ - نَعُوذ بِاللهِ مِنَ الغَيِّ وَالهَوَى -.
وَكَانَ خَشِنَ العيشِ، فَقيراً، قَانِعاً بِاليسير، مُقتصراً عَلَى زِيِّ (2) الفَقْرِ، لاَ لَذَّةَ لَهُ فِي مَأْكَلٍ وَلاَ مَنْكِح، وَلاَ مَال، وَلاَ فِي شَيْءٍ غَيْر رِيَاسَة الأَمْر، حَتَّى لَقِي الله تَعَالَى.
لكنَّه دَخَلَ - وَاللهِ - فِي الدِّمَاء (3) لِنَيلِ الرِّيَاسَة المُرديَة.
وَكَانَ ذَا عصاً وَرِكوَة وَدفَّاس، غَرَامُهُ فِي إِزَالَة المُنْكَر، وَالصَّدْعِ بِالْحَقِّ، وَكَانَ يَتبسَّمُ إِلَى مَنْ لَقِيه.
وَلَهُ فَصَاحَةٌ فِي العَرَبِيَّة وَالبَرْبَرِيَة، وَكَانَ يُؤذَى وَيُضْرَبُ وَيَصْبِرُ،
__________
(1) قال ابن خلدون: وكان ابن تومرت قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنة، وأخذ عنهم، واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفية، والذب عنها بالحجج
العقلية الدامغة في صدر أهل البدعة، وذهب في رأيهم إلى تأويل المتشابه من الآي والأحاديث، بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن اتباعهم في التأويل، والاخذ برأيهم فيه الاقتداء بالسلف في ترك التأويل، وإقرار المتشابهات كما جاءت، فبصر المهدي أهل المغرب في ذلك، وحملهم على القول بالتأويل، والاخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم، ووجوب تقليدهم، وألف العقائد على رأيهم مثل " المرشدة " في التوحيد، وذكر شيخ الإسلام في " درء تعارض العقل والنقل ": 3 / 438: أن ابن تومرت لم يذكر في مرشدته شيئا من إثبيات الصفات، ولا إثبات الرؤية، ولا قال: إن كلام الله غير مخلوق ونحو ذلك من المسائل التي جرت عادة مثبتة الصفات بذكرها، وقال: إنه رأى له كتابا في التوحيد صرح فيه بنفي الصفات، ثم أورد له بحثا من كتابه " الدليل والعلم " وعلق عليه، فانظره فيه.
(2) في الأصل: زيق وهو خطأ.
(3) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ".
أخرجه البخاري في صحيحه: (6862) في أول الديات من حديث ابن عمر، وقال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله.(19/541)
أُوذِيَ بِمَكَّةَ، فَرَاح إِلَى مِصْرَ، وَبَالَغَ فِي الإِنْكَار، فَطردُوْهُ، وَآذَوْهُ، وَكَانَ إِذَا خَاف مِنَ البطشِ بِهِ خلَّط وَتَبَالَه.
ثُمَّ سكنَ الثَّغْر مُدَّةً، ثُمَّ رَكِبَ البَحْر إِلَى المَغْرِب، وَقَدْ رَأَى أَنَّهُ شَرِبَ مَاءَ البَحْرِ مرَّتين، وَأَخَذَ يُنْكِرُ فِي الْمركب عَلَى النَّاسِ، وَأَلزمهُم بِالصَّلاَة، فآذَوْهُ، فَقَدِمَ المَهْدِيَّة (1) وَعَلَيْهَا ابْنُ بَادِيس، فَنَزَلَ بِمسجد مُعَلّق، فَمتَى رَأَى مُنْكراً أَوْ خمراً، كَسَر وَبَدَّدَ، فَالتفَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَاشْتَغَلُوا عَلَيْهِ، فَطَلَبَهُ ابْنُ بَادِيس، فَلَمَّا رَأَى حَالَه، وَسَمِعَ كلاَمَهُ، سَأَله الدُّعَاءَ، فَقَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ لِرعيتك.
وَسَارَ إِلَى بِجَايَة، فَبقِي يُنكِرُ كَعَادته، فَنُفِي، فَذَهَبَ إِلَى قَرْيَة ملاَّلَة، فَوَقَعَ بِهَا بِعَبْدِ المُؤْمِنِ (2) الَّذِي تسلطَن، وَكَانَ أَمْرَدَ عَاقِلاً، فَقَالَ: يَا شَابّ، مَا اسْمُكَ؟
قَالَ: عبدُ المُؤْمِن.
قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، أَنْتَ طَلِبَتِي، فَأَيْنَ مقصِدُك؟
قَالَ: طلبُ العِلْم.
قَالَ: قَدْ وَجَدْتَ العِلْمَ وَالشَّرَفَ، اصْحَبْنِي.
وَنظر فِي حليته، فَوَافَقَتْ مَا عِنْدَهُ مِمَّا قِيْلَ: إِنَّهُ اطَّلع عَلَى كِتَابِ الجَفْرِ (3) - فَاللهُ أَعْلَمُ - فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ
__________
(1) مدينة محدثة بساحل إفريقية بينها وبين القيروان ستون ميلا، والبحر محيط بها من جهاتها الثلاثة، بناها عبيد الله الشيعي الخارج على بني الأغلب، وهو سماها المهدية نسبها إلى نفسه، وكان ابتداء بنيانها في سنة ثلاث مئة " الروض المعطار ": ص 561.
(2) عبد المؤمن بن علي القيسي المتوفى 558 هـ، وسترد ترجمته في الجزء العشرين برقم (254) .
(3) الجفر بفتح الجيم وسكون الفاء من أولاد المعز: ما بلغ أربعة أشهر، والمراد هنا جلد المعز الذي كتب فيه، وهذا الكتاب يزعم الامامية أن جعفر الصادق رحمه الله كتب لهم فيه كل ما يحتاجون إليه، وكل ما سيقع ويكون إلى يوم القيامة، وكان مكتوبا عنده في جلد ماعز، فكتبه عنه هارون بن سعيد العجلي رأس الزيدية، وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب فيه، وهذا زعم باطل، فإن جعفرا الصادق كجده أمير المؤمنين لا يعلم الغيب، وقد ثبت عن جده أمير المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصه بشيء من دون أصحابه كما =(19/542)
كُومِيَة (1) .
فَربط الشَّابّ، وَشوَّقه إِلَى أُمُوْرٍ عَشِقَهَا، وَأَفضَى إِلَيْهِ بسرِّه، وَكَانَ فِي صُحبته الفَقِيْهُ عَبْدُ اللهِ الوَنْشَرِيسِي، وَكَانَ جَمِيْلاً نَحْويّاً، فَاتفقَا عَلَى أَنْ يُخفِي علمَه وَفصَاحته، وَيَتظَاهِر بِالجَهْل وَاللَّكَنِ مُدَّةً، ثُمَّ يَجعلُ إِظهَار نَفْسِهِ معجزَةً، فَفَعَل ذَلِكَ (2) ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى سِتَّة مِنْ أَجلاَد أَتْبَاعِهِ، وَسَارَ بِهِم إِلَى مَرَّاكُش، وَهِيَ لابْنِ تَاشفِيْن، فَأَخذُوا فِي الإِنْكَار، فَخوَّفُوا الْملك مِنْهُم، وَكَانُوا بِمسجد خرَاب، فَأَحضرهُم الملكُ، فَكلمُوْهُ فِيمَا وَقَعَ فِيْهِ مِنْ سَبِّ الْملك، فَقَالَ: مَا نُقِلَ مِنَ الوقيعَة فِيْهِ، فَقَدْ قلتُه، هَلْ
__________
= في صحيح البخاري (111) و (1870) و (3172) و (3179) و (6755) و (6903) و (6915) و (7300) من طريق أبي جحيفة السوائي، قال: سألت عليا رضي الله عنه: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن، أو ما ليس عند الناس؟ فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطى رجل في كتابه، وما في هذه الصحيفة، قال: قلت: فما هذه الصحيفة؟ قال: " العقل، وفكاك الاسير، ولا يقتل مسلم بكافر ".
قال الحافظ ابن حجر: وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لان جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت - لا سيما عليا - أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها.
ونقل العيني في " عمدته ": 1 / 161 عن ابن بطال قوله: فيه ما يقطع بدعة الشيعة والمدعين على علي رضي الله عنه أنه الوصي، وأنه المخصوص بعلم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرفه غيره حيث قال: ما عنده إلا ما عند الناس من كتاب الله، ثم أحال على الفهم الذي الناس فيه على درجاتهم ولم يخص نفسه بشيء غير ما هو ممكن في غيره.
على أن الكتاب لا تصح نسبته إلى جعفر الصادق رحمه الله، والذين نسبوه إليه من أجهل الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والآثار، والتمييز بين صحيحها وضعيفها، وعمدتهم في المنقولات التواريخ المنقطعة الإسناد، وكثير منها من وضع من عرف بالكذب والاختلاق، كأبي مخنف لوط، وهشام بن محمد بن السائب، وأمثالهما، وغير خاف على طلبة العلم أن ما لا يعلم إلا من طريق النقل لا يمكن الحكم بثبوته إلا بالرواية الصحيحة السند، فإذا لم توجد، فلا يسوغ لنا شرعا وعقلا أن نقول بثبوته، وانظر " أبجد العلوم " 2 / 214 - 216، و" لقطة العجلان " كلاهما لصديق حسن خان، ومجلة المنار 4 / 60 للسيد رشيد رضا.
(1) بضم الكاف وسكون الواو: قبيلة صغيرة كانت تنزل بساحل البحر من أعمال تلمسان.
(2) انظر " وفيات الأعيان ": 5 / 48.(19/543)
مِنْ وَرَائِهِ أَقْوَال، وَأَنْتُم تُطرُوْنَهُ وَهُوَ مَغْرُوْرٌ بكُم، فَيَا قَاضِي، هَلْ بَلغَك أَنَّ الخَمْرَ تُبَاعُ جِهَاراً، وَتَمْشِي الخنَازِيْرُ فِي الأَسواق، وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُ اليَتَامَى؟
فَذَرَفَتْ عَيْنَا الملكِ وَأَطرق، وَفَهِمَ الدُّهَاةُ طَمَعَ ابْن تُوْمَرت فِي المُلك، فَنصح مَالِك بن وُهَيْب الفَيْلَسُوْف سُلْطَانَه، وَقَالَ: إِنِّيْ خَائِف عَلَيْك مِنْ هَذَا، فَاسجنْه وَأَصْحَابَه، وَأَنفق عَلَيْهِم مُؤنتهُم، وَإِلاَّ أَنفقتَ عَلَيْهِم خَزَائِنَك.
فَوَافَقه، فَقَالَ الوَزِيْر: يَقْبُحُ بِالملك أَنْ يَبْكِي مِنْ وَعظه، ثُمَّ يُسيء إِلَيْهِ فِي مَجْلِس، وَأَنْ يظْهر خوفُك، وَأَنْت سُلْطَان: مِنْ رَجُل فَقير.
فَأَخَذتهُ نَخوَةٌ، وَصَرَفَه، وَسَأَلَهُ الدُّعَاءُ (1) .
وَسَارَ ابْنُ تُوْمَرت إِلَى أَغمَاتَ، فَنَزَلُوا عَلَى الفَقِيْه عَبدِ الحَقِّ المَصمودي، فَأَكْرَمَهُم، فَاسْتشَارُوهُ، فَقَالَ: هُنَا لاَ يَحمِيكُم هَذَا المَوْضِع، فَعليكُم بِتِينَمَلَّ (2) ، فَهِيَ يَوْمٌ عَنَّا، وَهُوَ أَحصنُ الأَمَاكنِ، فَأُقيمُوا بِهِ بُرْهَةً كِي يُنسَى ذِكرُكُم.
فَتَجدد لابْنِ تُوْمَرت بِهَذَا الاسْمِ ذكرٌ لمَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَآهُم أَهْلُ الْجَبَل عَلَى تِلْكَ الصُّوْرَة، علمُوا أَنَّهُم طَلَبَةُ علمٍ، فَأَنْزَلوهُم، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم، ثُمَّ تسَامَع بِهِ أَهْلُ الْجَبَل، فَتسَارعُوا إِلَيْهِم، فَكَانَ ابْنُ تُوْمرت مَنْ رأَى فِيْهِ جَلاَدَة، عَرَضَ عَلَيْهِ مَا فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ أَسرع إِلَيْهِ، أَضَافه إِلَى خوَاصِّه، وَإِن سكت، أَعرض عَنْهُ، وَكَانَ كُهولهُم يَنهون شُبَّانَهُم وَيُحَذِّرونهُم (3) ، وَطَالت المُدَّةُ، ثُمَّ كَثُرَ أَتْبَاعُهُ مِنْ
__________
(1) " وفيات الأعيان ": 5 / 48 - 50.
(2) كذا الأصل بلام واحدة، وكذا هي عند ابن خلكان، وضبطها بكسر المثناة من فوقها، وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها نون، ثم ميم مفتوحة ولام مشددة، وتكتب في المصادر المغربية تينملل بلامين، وسترد بعد قليل بلامين، وقد كتب فوقها في الأصل " صح ".
(3) في " الوفيات ": 5 / 51: وكان يستميل الاحداث وذوي الغرة، وكان ذوو العقل والحلم من أهاليهم يحذرونهم من اتباعه، ويخوفونهم من سطوة الملك ...(19/544)
جبال دَرن (1) ، وَهُوَ جبل الثَّلج، وَطرِيقُهُ وَعرٌ ضيِّق.
قَالَ اليَسع فِي (تَارِيْخِهِ) :لاَ أَعْلَم مَكَاناً أَحصنَ مِنْ تِينَمَلل لأَنَّهَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، وَلاَ يَصِلُ إِلَيهِمَا إِلاَّ الفَارِسُ، وَرُبَّمَا نَزل عَنْ فَرسه فِي أَمَاكنَ صعبَة، وَفِي موَاضِع يَعْبُرُ عَلَى خَشَبَة، فَإِذَا أُزِيلت الخَشَبَة، انْقَطَع الدَّرْبُ، وَهِيَ مَسَافَة يَوْم، فَشَرعَ أَتْبَاعُهُ يُغِيروْنَ وَيَقتلُوْنَ، وَكثُرُوا وَقَوُوا، ثُمَّ غَدَرَ بِأَهْلِ تِيْنَمَلَل الَّذِيْنَ آوَوْهُ، وَأَمر خوَاصَّه، فَوضعُوا فِيهِم السَّيْف، فَقَالَ لَهُ الفَقِيْهُ الإِفْرِيْقِيّ أَحَدُ العَشْرَة مِنْ خوَاصِّهِ: مَا هَذَا؟! قَوْمٌ أَكرمونَا وَأَنْزَلونَا نَقتلُهُم!!
فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: هَذَا شكَّ فِي عِصمتِي، فَاقتلُوْهُ، فَقُتِلَ.
قَالَ اليَسع: وَكُلُّ مَا أَذْكُرُهُ مِنْ حَال المصَامِدَة، فَقَدْ شَاهَدتُهُ، أَوْ أَخذتُهُ مُتَوَاتِراً، وَكَانَ فِي وَصَيَّتِهِ إِلَى قَوْمه إِذَا ظَفِرُوا بِمُرَابِطٍ أَوْ تِلِمْسَانِي أَنْ يَحرِقوهُ.
فَلَمَّا كَانَ عَامُ تِسْعَةَ عَشرَ وَخَمْسِ مائَة، خَرَجَ يَوْماً، فَقَالَ: تَعلمُوْنَ أَنَّ البَشِيْر - يُرِيْد الوَنْشَرِيسِي - رَجُلٌ أُمِّي، وَلاَ يثبُت عَلَى دَابَّة، فَقَدْ جَعَلَه الله مُبَشِّراً لَكُم، مُطَّلِعاً عَلَى أَسرَارِكُم، وَهُوَ آيَةٌ لَكُم، قَدْ حَفِظَ القُرْآن، وَتعلَّمَ الرُّكوب، وَقَالَ: اقرَأَ، فَقَرَأَ الختمَةَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّام، وَركب حصَاناً، وَسَاقه، فَبُهِتُوا، وَعدُّوهَا آيَةً لِغَبَاوَتِهِم، فَقَامَ خَطِيْباً، وَتَلاَ: {لِيَمِيْزَ اللهُ الخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأَنْفَال:37] ، وَتَلاَ: {مِنْهُمُ المُؤْمِنُوْنَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُوْنَ} [آلُ عِمْرَان:110] ، فَهَذَا البَشِيْرُ مطلع عَلَى الأَنْفُس، مُلْهَمٌ،
__________
(1) انظر " الروض المعطار ": ص: 234، 235.(19/545)
وَنبيُّكُم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مُحَدِّثين (1) ، وَإِنَّ عُمَرَ مِنْهُم (2)) .
وَقَدْ صحبنَا أَقْوَامٌ أَطلعه الله عَلَى سرِّهم، وَلاَ بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي أَمرهِم، وَتَيَمُّمِ العَدْل فِيهِم، ثُمَّ نُودِي فِي جبال المصَامدة: مَنْ كَانَ مطيعاً لِلإِمَامِ، فَليَأْتِ، فَأَقْبَلُوا يُهْرَعُوْنَ، فَكَانُوا يُعرضون عَلَى البَشِيْر، فَيُخْرِجُ قَوْماً عَلَى يَمِيْنه، وَيَعُدُّهُم مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَقوماً عَلَى يَسَاره، فَيَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ شَاكُّوْنَ فِي الأَمْر، وَكَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُل مِنْهُم فَيَقُوْلُ: هَذَا تَائِب رُدُّوْهُ عَلَى اليَمِين تَابَ البَارِحَة، فَيعتَرِفُ بِمَا قَالَ، وَاتَّفَقت لَهُ فِيهِم عَجَائِب، حَتَّى كَانَ يُطلِقُ أَهْل اليَسَار، وَهُم يَعلمُوْنَ أَن مآلهُم إِلَى الْقَتْل، فَلاَ يَفرُّ مِنْهُم أَحَد، وَإِذَا تجمَّع مِنْهُم عِدَّة، قتلهُم قرَابَاتُهُم حَتَّى يَقتل الأَخُ أَخَاهُ.
قَالَ: فَالَّذِي صَحَّ عِنْدِي أَنَّهُم قُتِلَ مِنْهُم سَبْعُوْنَ أَلْفاً عَلَى هَذِهِ الصِّفَة، وَيُسمونه التّمْيِيْز، فَلَمَّا كَمُلَ التَّمْيِيْز، وَجَّه جُمُوْعه مَعَ البَشِيْر نَحْو أَغمَات، فَالتقَاهُم المرَابطون، فَهَزَمَهُمُ المرَابطون، وَثبت خلقٌ مِنَ المصَامدة، فَقُتِلُوا، وَجُرِحَ عُمَر الهِنْتَانِي عِدَّةَ جِرَاحَات، فَحُمِلَ عَلَى
__________
(1) في الأصل: محدثون، والوجه ما أثبت.
(2) أخرجه البخاري: 7 / 42، (3689) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب عمر من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد كان فيما قبلكم من الأمم
ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر " وأخرجه مسلم (2398) والترمذي (3694) من حديث عائشة.
وقال ابن وهب: تفسير " محدثون ": ملهمون، وقال ابن الأثير: أراد بقوله " محدثون " أقواما يصيبون إذا ظنوا وحدسوا، فكأنهم قد حدثوا بما قالوا.
قلت: واستشهاد ابن تومرت بالحديث في غير محله، وهو دال على سوء طويته، وجراءته على الله ورسوله، فإن البشير الونشيرسي قد باع نفسه من الشيطان، وصار يستلهم منه الحيل الماكرة، والاساليب الخبيثة لاضلال الناس وإفسادهم إرضاء لسيده ابن تومرت الذي اتخذه مطية لاطماعه، وتحصيل مرامه، فهو من أبعد الناس عن منزلة التحديث الجليلة التي اختص بها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(19/546)
أَعْنَاقِهِم مُثْخَناً، فَقَالَ لَهُم البَشِيْر: إِنَّهُ لاَ يَموتُ حَتَّى تُفتح البِلاَد.
ثُمَّ بَعْدَ مُدَّة، فَتح عينِيه، وَسلَّم، فَلَمَّا أَتَوْا، عَزَّاهُم ابْن تُوْمرت، وَقَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمٍ، وَكَذَلِكَ حربُ الرُّسل.
وَقَالَ عبدُ الوَاحِد المَرَّاكُشِي (1) :سَمِعَ ابْنَ تُوْمرت بِبَغْدَادَ مِنَ المُبَارَك بن الطُّيُورِي، وَأَخَذَ الأُصُوْلَ عَنِ الشَّاشِيّ، وَنَفَاهُ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَمِيْرُهَا، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ اسْتمرَّ يُنكر فِي الْمركب، فَأَلْقَوْهُ، فَأَقَامَ نِصْفَ يَوْم يَعوم، فَأَنْزَلُوا مَنْ أَطلعه، وَاحتَرَمُوْهُ، فَنَزَلَ بِبِجَايَة، فَدرَّس وَوعظ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ، فَخَافَ صَاحِبُهَا، وَأَخْرَجه، وَكَانَ بارعاً فِي خطِّ الرَّمل.
وَقِيْلَ: وَقَعَ بِالجفر، وَصَادف عبدَ المُؤْمِن، ثُمَّ لقيهُمَا عبدُ الوَاحِد الشَّرْقِيّ، فَسَارُوا إِلَى أَقْصَى المَغْرِب.
وَقِيْلَ: لقِيَ عبدَ المُؤْمِن يُؤدِّب بِأَرْضِ متيّجَة، وَرَأَى عبدَ المُؤْمِن أَنَّهُ يَأْكُلُ مَعَ الْملك عَلِيٍّ بن تَاشفِيْن، وَأَنَّهُ زَادَ عَلَى أَكله، ثُمَّ اخْتطف مِنْهُ الصّحفَةَ، فَقَالَ لَهُ العَابر: لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْن هَذِهِ الرُّؤيَا لَكَ، بَلْ لِمَنْ يَثُوْرُ عَلَى أَمِيْرِ المُسْلِمِين إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى بلاَده.
وَكَانَ ابْنُ تُوْمرت طَوِيْلَ الصَّمْت، دَائِمَ الِانْقِبَاض، لَهُ هَيْبَةٌ فِي النُّفُوْس، قِيْلَ لَهُ مرَّة: فُلاَن مسجُوْنٌ، فَأَتَى الحَبْسَ، فَابْتدر السجَانُوْنَ يَتمسَّحُوْنَ بِهِ، فَنَادَى: فُلاَن، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: اخْرج، فَخَرَجَ، وَالسَّجَّانُوْنَ باهتُوْنَ، فَذَهَبَ بِهِ، وَكَانَ لاَ يَتعذر عَلَيْهِ أَمرٌ، وَانفصل، عَنْ تِلمسَان وَقَدِ اسْتحوذ عَلَى قلوبِ كُبرَائِهَا، فَأَتَى فَاس، وَأَخَذَ فِي الأَمْر بِالمَعْرُوف.
__________
(1) في " المعجب ": ص: 246 - 255.(19/547)
قَالَ: وَكَانَ جلُّ مَا يَدعُو إِلَيْهِ الاعتقَادَ عَلَى رَأْي الأَشْعَرِيّ، وَكَانَ أَهْلُ الغَرْب ينَافِرُوْنَ هَذِهِ العُلُوْم، فَجمعَ مُتَوَلِّي فَاس الفُقَهَاء، وَنَاظروهُ، فَظَهَرَ، وَوجد جَوّاً خَالياً، وَقوماً لاَ يَدرُوْنَ الكَلاَمَ، فَأَشَارُوا عَلَى الأَمِيْرِ بِإِخرَاجه، فَسَارَ إِلَى مَرَّاكُش، فَبعثَوا بِخَبَرِهِ إِلَى ابْنِ تَاشفِيْن، فَجمعَ لَهُ الفُقَهَاءَ، فنَاظره ابْنُ وُهَيْب الفَيْلَسُوْف، فَاسْتشعر ذكَاءهُ وَقُوَّةَ نَفْسه، فَأَشَارَ عَلَى ابْنِ تَاشفِيْن بِقَتْلِهِ، وَقَالَ: إِنّ وَقَعَ إِلَى المصَامدة، قَوِيَ شرُّه، فَخَافَ الله فِيْهِ، فَقَالَ: فَاحبسه، قَالَ: كَيْفَ أَحبِسُ مسلماً لَمْ يَتعين لَنَا عَلَيْهِ حقٌّ؟ بَلْ يُسَافر.
فَذَهَبَ وَنَزَلَ بِتِينَمَلَل، وَمِنْهُ ظهر، وَبِهِ دُفِنَ، فَبثَّ فِي المصَامدة العِلْم، وَدعَاهُم إِلَى الأَمْر بِالمَعْرُوف، وَاسْتمَالهُم، وَأَخَذَ يُشوِّق إِلَى المَهْدِيّ، وَيَرْوِي أَحَادِيْثَ فِيْهِ، فَلَمَّا تَوثَّق مِنْهُم قَالَ: أَنَا هُوَ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَسَاقَ نسباً لَهُ إِلَى عليّ، فَبَايعُوْهُ، وَأَلف لَهُم كِتَابَ (أَعزّ مَا يَطلب) ، وَوَافق المُعْتَزِلَةَ فِي شَيْءٍ، وَالأَشعرِيَة فِي شَيْءٍ، وَكَانَ فِيْهِ تَشيُّع (1) ، وَرتَّب أَصْحَابَه، فَمنهُم العَشْرَةُ، فَهُمْ أَوَّل مَنْ لَبَّاهُ، ثُمَّ الخَمْسِيْنَ، وَكَانَ يُسمِّيهم المُؤْمِنِيْنَ، وَيَقُوْلُ: مَا فِي الأَرْضِ مَنْ يُؤمن إِيْمَانَكُم، وَأَنْتُم العِصَابَة الَّذِيْنَ عَنَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: (لاَ يَزَالُ أَهْلُ الغَرْبِ ظَاهِرِيْنَ (2)) وَأَنْتُم تَفتحُوْنَ الرُّوْم، وَتَقتلُوْنَ الدَّجَّال، وَمِنْكُم الَّذِي يَؤُمُّ بعِيْسَى، وَحدَّثهُم بجزئِيَات
__________
(1) قال ابن خلدون: وكان من رأيه القول بعصمة الامام علي على رأي الامامية من الشيعة.
(2) وتمامه: " على الحق حتى تقوم الساعة "، أخرجه مسلم في " صحيحه " (1925) في الامارة من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
والمراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل الشام لانهم بالنسبة للمدينة المنورة في الجهة الشمالية الغربية.
وانظر " فتح الباري ": 13 / 295 الطبعة السلفية، وابن تومرت ينتقي النصوص المتشابهة، ويستدل بها، ويفسرها كما يروق له ليكتسب بها ثقة من حوله.(19/548)
اتَّفَقَ وُقُوْعُ أَكْثَرهَا، فَعَظُمَتْ فِتْنَةُ القَوْم بِهِ حَتَّى قتلُوا أَبْنَاءَهُم وَإِخْوَتهُم لِقسوتهِم وَغِلَظِ طبَاعهِم، وَإِقدَامِهِم عَلَى الدِّمَاء، فَبَعَثَ جَيْشاً، وَقَالَ: اقصِدُوا هَؤُلاَءِ المَارقين المُبَدِّلين الدّين، فَادعوهُم إِلَى إِمَاتَة المُنْكَر وَإِزَالَةِ البِدَع، وَالإِقرَار بِالمَهْدِيّ المَعْصُوْم، فَإِنْ أَجَابُوا، فَهُمْ إِخْوَانُكُم، وَإِلاَّ فَالسّنَةُ قَدْ أَبَاحت لَكُم قِتَالَهُم، فَسَارَ بِهِم عبدُ المُؤْمِن يَقصِدُ مَرَّاكُش، فَالتقَاهُ الزُّبَيْرُ بنُ أَمِيْر المُسْلِمِين، فَكلَّموهُم بِالدَّعوَة، فَردُّوا أَقبحَ ردٍّ، ثُمَّ انْهَزَمت المصَامدة، وَقُتِلَ مِنْهُم ملحمَة، فَلَمَّا بلغَ الخَبَرُ ابْنَ تُوْمرت، قَالَ: أَنَجَى عبدُ المُؤْمِن؟
قِيْلَ: نَعم.
قَالَ: لَمْ يُفْقَدْ أَحَد.
وَهَوَّن عَلَيْهِم، وَقَالَ: قتلاَكُم شُهَدَاء.
قَالَ الأَمِيْر عزِيز فِي (أَخْبَار القَيْرَوَان) :سَمَّى ابْنُ تُوْمرت أَصْحَابَه بِالموحِّدين، وَمَنْ خَالَفه بِالمُجَسِّمِين، وَاشْتُهِرَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَبَايعته هَرْغَة عَلَى أَنَّهُ المَهْدِيّ، فَقصدهُ المُلَثَّمُوْنَ، فَكسَرُوا الملثمِين، وَحَازُوا الغنَائِم، وَوثقت نُفُوْسُهُم، وَأَتتهُم أَمْدَادُ القبَائِل، وَوحَّدت هنتَاتَة، وَهِيَ مِنْ أَقوَى القبَائِل.
ثُمَّ قَالَ عزِيز: لَهُم تَودُّد وَأَدبٌ وَبشَاشَة، وَيلبَسُوْنَ الثِّيَاب القصِيْرَةَ الرّخيصَة، وَلاَ يُخلوْنَ يَوْماً مِنْ طِرَادٍ وَمثَاقفَة وَنضَال، وَكَانَ فِي القبَائِل مفسدُوْنَ، فَطَلَبَ ابْنُ تُوْمرت مَشَايِخَ القبَائِل وَوعظهُم، وَقَالَ: لاَ يَصْلُحُ دينُكُم إِلاَّ بِالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر، فَابحثُوا عَنْ كُلِّ مُفسد، فَانهوهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ، فَاكتُبُوا إِلَيَّ أَسْمَاءهُم، فَفَعلُوا، ثُمَّ هدَّد ثَانِياً، فَأَخَذَ مَا تَكرَّر مِنَ الأَسْمَاء، فَأَفردهَا، ثُمَّ جمع القبَائِلَ، وَحضَّهُم عَلَى أَنْ لاَ يغِيبَ مِنْهُم أَحَد، وَدفعَ تِلْكَ الأَسْمَاء إِلَى البَشِيْر، فَتَأَمَّلهَا، ثُمَّ عَرَضَهُم رَجُلاً رَجُلاً، فَمَنْ وَجد اسْمَه، رَدَّهُ إِلَى الشِّمَال، وَمَنْ لَمْ يَجده، بعثَه(19/549)
عَلَى اليَمِين، ثُمَّ أَمر بتكتيف أَهْلِ الشِّمَال، وَقَالَ لقرَابَاتهِم: هَؤُلاَءِ أَشقيَاء مِنْ أَهْلِ النَّار، فَلتقْتُلْ كُلُّ قبيلَة أَشقيَاءهَا، فَقتلوهُم، فَكَانَتْ وَاقعَةً عجيبَة، وَقَالَ: بِهَذَا الفِعْل صَحَّ دينكُم، وَقَوِيَ أَمرُكُم.
وَأَهْلُ العَشْرَة هُم: عبدُ المُؤْمِن، وَالهزرجِي، وَعُمَرُ بنُ يَحْيَى الهنتَاتِي، وَعَبْدُ اللهِ البَشِيْر، وَعبدُ الوَاحِد الزوَاوِي طير الجَنَّة، وَعَبْدُ اللهِ بن أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرُ بن أَرنَاق، وَوَاسنَار أَبُو مُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بن جَامِعٍ، وَآخر (1) .
وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ؛ جهَّز عِشْرِيْنَ أَلْفَ مقَاتل عَلَيْهِم البَشِيْر، وَعبدُ المُؤْمِن بَعْدَ أُمُوْرٍ يَطولُ شرحُهَا، فَالتَقَى الجمعَانِ، وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِالموحِّدين، وَقُتِلَ البَشِيْر، وَدَام الحَرْبُ إِلَى اللَّيْل، فَصَلَّى بِهِم عبدُ المُؤْمِن صَلاَةَ الْخَوْف، ثُمَّ تحيَّز بِمَنْ بَقِيَ إِلَى بُستَان يُعرف بِالبُحَيْرَة، فَرَاح مِنْهُم تَحْتَ السَّيْف ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَكَانَ ابْنُ تُوْمرت مَرِيضاً، فَأَوْصَى بَاتِّبَاع عبدِ المُؤْمِن، وَعَقَدَ لَهُ، وَلقَّبه أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَفتح البِلاَدَ، فَاعضُدُوْهُ بِأَنْفُسكُم وَأَمْوَالكُم، ثُمَّ مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ اليَسع بنُ حَزْم: سمَّى ابْنُ تُوْمرت المرَابطين بِالمُجَسِّمِين، وَمَا كَانَ أَهْلُ المَغْرِب يَدينُوْنَ إِلاَّ بِتَنْزِيه الله - تَعَالَى - عَمَّا لاَ يَجِبُ وَصفُهُ بِمَا يَجِبُ لَهُ، مَعَ تركِ خوضهِم عَمَّا تَقَصْر العُقُوْلُ عَنْ فَهمه.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَكفَّرهُم ابْنُ تُوْمرت لِجهلهِم العَرض وَالجَوْهَر، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ، لَمْ يَعرفِ المَخْلُوْقَ مِنَ الخَالِق، وَبأَنَّ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ
__________
(1) انظر " الاستقصا ": 2 / 92.(19/550)
إِلَيْهِ، وَيُقَاتِل مَعَهُ، فَإِنَّهُ حَلاَلُ الدَّم وَالحرِيْم، وَذَكَرَ أَن غضبَهُ للهِ وَقيَامَه حسبَةٌ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَان: قَبْره بِالجَبَل مُعَظَّم، مَاتَ كَهْلاً، وَكَانَ أَسْمَرَ ربعَةً، عَظِيْمَ الهَامَة، حديدَ النَّظَر مَهِيْباً، وَآثَارُه تغنِي عَنْ أَخْبَاره، قَدَمٌ فِي الثَّرَى، وَهَامَةٌ فِي الثُّرِيَّا، وَنَفْسٌ تَرَى إِرَاقَةَ مَاءِ الحَيَاةِ دُوْنَ إِرَاقَةِ مَاءِ المُحَيَّا، أَغفلَ المرَابطون رَبطه وَحلَّه، حَتَّى دبَّ دبِيْبَ الفَلَقِ فِي الغَسَقِ، وَكَانَ قُوتُه مِنْ غزل أُخْته رَغِيْفاً بزَيْت، أَوْ قَلِيْل سمن، لَمْ يَنْتقِلْ عَنْ ذَلِكَ حِيْنَ كَثُرَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا، رَأَى أَصْحَابَهُ يَوْماً، وَقَدْ مَالت نُفُوْسُهُم إِلَى كَثْرَة مَا غنِمُوْهُ، فَأَمر بِإِحرَاق جَمِيْعه، وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا، فَهَذَا لَهُ عِنْدِي، وَمَنْ كَانَ يَبغِي الآخِرَةَ، فَجزَاؤُه عِنْد الله، وَكَانَ يَتَمَثَّل كَثِيْراً:
تَجَرَّدْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّك إِنَّمَا ... خَرَجْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنْتَ مُجَرَّدُ (1)
وَلَمْ يَفتتح شَيْئاً مِنَ المَدَائِن، وَإِنَّمَا قرر القوَاعد، وَمهَّد، وَبغته المَوْت، وَافتَتَح بَعْدَهُ البِلاَدَ عبدُ المُؤْمِن.
وَقَدْ بَلَغَنِي - فِيمَا يُقَالَ -:أَنَّ ابْنَ تُوْمرت أَخفَى رِجَالاً فِي قُبُوْر دَوَارِسَ، وَجَاءَ فِي جَمَاعَةٍ لِيُرِيَهُم آيَة، يَعْنِي فَصَاحَ: أَيُّهَا الموتَى أَجيبُوا، فَأَجَابوهُ: أَنْتَ المَهْدِيّ المَعْصُوْمُ، وَأَنْت وَأَنْت، ثُمَّ إِنَّهُ خَاف مِنِ انتشَارِ الحِيلَةِ، فَخسف فَوْقهُم القُبُوْر فَمَاتُوا (2) .
وَبِكُلِّ حَالٍ، فَالرَّجُل مِنْ فُحُوْل العَالَمِ، رَام أَمراً، فَتَمَّ لَهُ، وَرَبَطَ
__________
(1) " وفيات الأعيان ": 5 / 54.
(2) ذكر بنحو مما هنا صاحب " الاستقصا ": 2 / 96 نقلا عن صاحب القرطاس.
وعد هذا الصنيع من جراءته، وإقدامه، وتهالكه على تحصيل مرامه.(19/551)
البَرْبَرَ بِادِّعَاء العِصْمَة، وَأَقْدَمَ عَلَى الدِّمَاء إِقدَامَ الخَوَارِج، وَوجد مَا قَدَّمَ.
قَالَ الحَافِظُ مَنْصُوْر بن العمَادِيَة فِي (تَارِيخ الثَّغْر (1)) :أَملَى عليّ نسبَه فُلاَن، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُحَمَّد بن الحَسَنِ لَمْ يُعقب.
وَلابْنِ تُوْمرت:
دَعْنِي فَفِي النَّفْسِ أَشْيَاءٌ مُخَبَّأَةٌ ... لأَلبسن بِهَا دِرْعاً وَجِلْبَابَا
وَاللهِ لَوْ ظَفِرَتْ نَفْسِي بِبُغْيَتِهَا ... مَا كُنْتُ عَنْ ضَرَبِ أَعْنَاقِ الوَرَى آبَى
حَتَّى أُطَهِّرَ ثَوْبَ الدِّيْنِ عَنْ دَنَسٍ ... وَأُوجبَ الحَقَّ لِلسَّادَاتِ إِيْجَابَا
319 - ابْنُ صَدَقَةَ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ النَّصِيْبِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، جلاَلُ الدِّين، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ صَدَقَة النَّصِيْبِيّ.
تَنَقَّل فِي الأَعْمَال، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِبنتِ الوَزِيْر ابْنِ المُطَّلِبِ، وَوَلِيَ
__________
(1) وهي الإسكندرية بلده، وقد ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1467، فقال: الامام الحافظ المفيد الرحال، وجيه الدين أبو المظفر منصور بن سليم بن منصور بن فتوح الهمداني الإسكندراني الشافعي محتسب الثغر، وذكر له من تصانيفه " المعجم "، و" الأربعين البلدانية "، وتاريخ بلده في مجلدين، ووصفه بالديانة والثقة والمروءة، وبالعناية بالحديث وفنونه ورجاله وبالفقه، وقال: توفي في الحادي من شوال سنة سبع وسبعين وست مئة.
(*) المنتظم: 10 / 9، خريدة القصر: 1 / 94 قسم شعراء العراق، الكامل في التاريخ: 10 / 652، الفخري: 304، تاريخ الإسلام: 4: 250 / 1، العبر: 4 / 51، الوافي بالوفيات: 12 / 147 - 148، عيون التواريخ: 13 / 483 - 485، البداية والنهاية: 12 / 199، النجوم الزاهرة: 5 / 233، شذرات الذهب: 4 / 66، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 9، دائرة المعارف الإسلامية: 211.(19/552)
الحِلَّةَ، ثُمَّ وَزَرَ بَعْدَ أَبِي شُجَاعٍ، وَكَانَ شَهْماً كَافِياً مَهِيْباً سَائِساً، فَوَزَرَ ثَلاَثَةَ أَعْوَامٍ، وَأُمْسِكَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَنُهِبَتْ دَارُه، وَسُجِنَ، ثُمَّ احتَاجُوا إِلَيْهِ بَعْدَ عَام، وَوَزَرَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي رَجَب، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ يَد بَيضَاءُ فِي النَّظمِ (1) وَالنَّثرِ، عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
320 - البَطَائِحِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَأْمُوْنُ بنُ البطَائِحِيِّ *
هُوَ وَزِيْرُ الدِّيَار المِصْرِيّة، وَالدَّوْلَة العُبَيْدِيَّة، الملكُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المَأْمُوْنُ بنُ البطَائِحِي، وَكَانَ مِنْ قصَّته أَنْ أَبَاهُ كَانَ صَاحِبَ خَبَرٍ بِالعِرَاقِ لِلمصرِيين مِنْ أَجلاَدِ الرَّافِضَّة، فَمَاتَ، وَنَشَأَ المَأْمُوْنُ فَقيراً صُعْلُوكاً، فَكَانَ حمَالاً فِي السُّوق بِمِصْرَ، فَدَخَلَ مرَّةً إِلَى دَار الأَفْضَل أَمِيْرِ الجُيُوْش مَعَ الحمَّالين، فَرَآهُ الأَفْضَلُ شَابّاً مَلِيحاً، خفِيفَ الحَرَكَات، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا ابْنُ فُلاَن.
فَاسْتَخدمه فرَّاشاً مَعَ الجَمَاعَة، فَتَقَدَّم وَتَمَيَّز، وَترقَّىبه الحَالُ إِلَى الْملك، وَهُوَ الَّذِي أَعَان الآمِرَ بِاللهِ عَلَى الفتكِ بِأَمِيْرِ الجُيُوْش، وَوَلِيَ منصبَه، وَكَانَ شَهْماً مِقْدَاماً، جَوَاداً بِالأَمْوَال، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، عُضْلَةً مِنَ العُضَلِ، ثُمَّ إِنَّهُ عَامل أَخَا الخَلِيْفَةِ الآمِرِ عَلَى قَتلِ الآمرِ، وَدَخَلَ مَعَهُمَا أُمَرَاء، فَعَرف بِذَلِكَ الآمرُ، فَقَبَضَ عَلَى المَأْمُوْنِ، وَصلبَه، وَاسْتَأْصَلَه فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
__________
(1) من ذلك قوله للمسترشد بالله، كما في " الوافي ": 12 / 148:
تقسم أمري فيك كيف نسيتني * وأنت بأن ترعى الحقوق حقيق
وما ذاك إلا أن شيمتك العلى * وليس لها يوما إلي طريق
لان صروف الدهر حطت محلتي * فمهبطها دون اللقاء عميق
(*) الإشارة إلى من نال الوزارة: ص: 62، وفيات الأعيان: 5 / 599، تاريخ الإسلام: 2: 238 / 2، العبر: 4 / 44 - 45، عيون التواريخ: 13 / 452، الدرة المضية في أخبار الدولة الفاطمية: 448، النجوم الزاهرة: 5 / 229، شذرات الذهب: 4 / 60.(19/553)
321 - الغَزِّي أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَحْيَى بنِ عُثْمَانَ *
شَاعِرُ خُرَاسَان، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَحْيَى بنِ عُثْمَانَ الكَلْبِيّ، صَاحِبُ الدِّيْوَان.
سَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنَ: الفَقِيْه نَصْر، وَأَقَامَ بِنظَامِيَّة بَغْدَاد مُدَّةً، وَمدح الأَعيَانَ، ثُمَّ تَحَوَّل إِلَى خُرَاسَانَ، وَمدح وَزِيْر كِرْمَان، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ قَصِيدَته:
بِجَمْعِ جَفْنَيْكِ بَيْنَ البُرْءِ وَالسَّقَمِ ... لاَ تَسْفِكِي مِنْ دُمُوعِي بِالفِرَاقِ دَمِي
إِشَارَةٌ مِنْكِ تَكفِيْنَا وَأَحْسَنُ مَا ... رُدَّ السَّلاَمُ غَدَاةَ البَيْنِ بِالعَنَمِ (1)
تَعْلِيْقُ قَلْبِي بِذَاتِ القِرْطِ يُؤْلِمُهُ ... فَلْيَشْكُرِ القُرْطُ تَعْلِيْقاً بِلاَ أَلَمِ (2)
__________
(*) نزهة الالبا: 378، المنتظم: 10 / 15، الخريدة: 1 / 4 - 75 قسم الشام، الكامل في التاريخ: 10 / 666 - 667، وفيات الأعيان: 1 / 57 - 62، تاريخ الإسلام: 4: 254 / 1 - 252 / 2، العبر: 4 / 55، الوافي بالوفيات: 6 / 51 - 54، تتمة المختصر: 2 / 57 - 58، مرآة الجنان: 3 / 230 - 232، مرآة الزمان: 8 / 81 - 82، البداية والنهاية: 12 / 201، النجوم الزاهرة: 5 / 236، كشف الظنون: 763، 804، شذرات الذهب: 4 / 67 - 68، إيضاح المكنون: 1 / 520، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 2 / 232 - 234، مجلة المجمع: 21 / 178 - 182.
(1) العنم: ضرب من الشجر له نور أحمر تشبه به الاصابع المخضوبة، قال النابغة:
بمخضب رخص كأن بنانه * عنم على أغصانه لم يعقد
وفي الوافي بالوفيات: 6 / 54 بيت بعد هذا هو:
قد يركب الامل الماشي فيحمله * ويسمع الاسطر القاري بلا نغم
(2) بعد هذا البيت في " الوافي بالوفيات ": ثلاثة أبيات هي:
تضرمت جمرة في ماء وجنتها * والجمر في الماء خاب غير مضطرم
وما نسيت ولا أنسى تبسمها * وملبس الجو غفل غير ذي علم
حتى إذا طاح عنها المرط عن دهش * وانحل بالضم عقد السلك في الظلم
وقوله: تبسمت ... الأصل في هذا المعنى بيت أبي الطمحان القيني، وهو قوله:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم * دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه(19/554)
تَبَسَّمَتْ فَأَضَاءَ اللَّيْلُ فَالتَقَطَتْ ... حبَات مُنْتَثِر فِي ضوء مُنْتَظم
مَاتَ: بِنوَاحِي بَلخ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ ثَلاَث وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) .
322 - ابْنُ الأَخشيذِ أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الأَمِيْنُ، المُسْنِدُ الكَبِيْرُ، أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن الأَخشيذ الأَصْبَهَانِيّ، التَّاجِر، وَيُعْرَفُ بِالسَّرَّاج.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ الذَّكوَانِي، وَأَبَا طَاهِر بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ الكَاتِب، وَعَلِيَّ بنَ القَاسِمِ المُقْرِئ، وَأَبَا العَبَّاسِ بن النُّعْمَانِ الصَّائِغ، وَأَبَا الفَضْل الرَّازِيّ المُقْرِئ، وَأَحْمَدَ بنَ الفَضْلِ البَاطِرْقَانِي، وَعِدَّة مِنْ أَصْحَاب ابْنِ المُقْرِئ، وَغَيْرِهِ، وَيُكْنَى أَيْضاً أَبَا الفَتْح، وَبِهَا كَنَّاهُ السَّمْعَانِيّ، وَكَنَّاهُ بِأَبِي سَعْدٍ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَوَثَّقَهُ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: هُوَ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَيَحْيَى بنُ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيّ، وَنَاصرٌ الويرج، وَخَلَفُ بنُ أَحْمَدَ الفَرَّاء، وَأَسَعْدُ بنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو
__________
(1) ومما ينشد له قوله:
إنما هذه الحياة متاع * والغبي الغبي من يصطفيها
ما مضى فات والمؤمل غيب * فخذ الساعة التي أنت فيها
وقوله:
قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة * باب الدواعي والبواعث مغلق
خلت الديار فلا كريم يرتجى * منه النوال ولا مليح يعشق
ومن الرزية أنه لا يشترى * ويخان فيه مع الكساد ويسرق
(*) التحبير: 1 / 101 - 104، تاريخ الإسلام: 4: 255 / 2، العبر: 4 / 55 - 56، غاية النهاية: 1 / 167، شذرات الذهب: 4 / 68 - 69.(19/555)
جَعْفَر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَجَمْعٌ كَثِيْر.
قَالَ أَبُو مُوْسَى: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَان، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ اسمُ أَبِي مُحَمَّداً، وَيُكْنَى أَبَا الفَضْل، فَغَلَبَ عَلَيْهِ الفَضْلُ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ سَدِيدَ السِّيرَةِ، قرَأَ بِروَايَات، وَنسخ أَجزَاء كَثِيْرَة، وَكَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَة، موثوقاً بِهِ، كَتَبَ إِلَيَّ بِالإِجَازَةِ، فَمِنْ مَسْمُوْعه (طَبَقَات الصَّحَابَة) لأَبِي عَرُوْبَةَ (1) مُجلَّد، سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ عَنِ ابْنِ المُقْرِئ عَنْهُ، وَكِتَاب (الأَشْرَاف) لابْنِ المُنْذِر، سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عَبْد الرَّحِيْمِ عَنِ ابْنِ المُقْرِئ عَنْهُ، وَكِتَاب (السُّنَن) لِلْحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيّ (2) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ - وَقِيْلَ: فِي رَمَضَانَ - سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
323 - الكُرَاعِي أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَحْمُوْد *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ مَرْوَ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
__________
(1) هو الحافظ الامام الثقة محدث حران الحسين بن محمد بن أبي معشر الحراني صاحب التاريخ.
المتوفى سنة 318 هـ، تقدمت ترجمته في الجزء الرابع عشر رقم (285) وقد غمزه ابن عساكر في تاريخه في ترجمة معاوية بغلوه في التشيع، وشدة الميل على بني أمية، ورده المصنف رحمه الله في السير والتذكرة بقوله: كل من أحب الشيخين فليس بغال، بلى من تكلم فيهما فهو غال مفتر، فإن كفرهما - والعياذ بالله - جاز عليه التكفير واللعنة، وأبو عروبة، فمن أين جاءه التشيع المفرط؟ ! نعم قد يكون ينال من ظلمة بني أمية كالوليد وغيره.
(2) التحبير: 1 / 101 - 104.
(*) الأنساب: 6 / 325 - 326، التحبير: 2 / 196 - 197، معجم البلدان: 3 / 159، تاريخ الإسلام: 4: 263 / 2.(19/556)
مَحْمُوْدٍ الزُّولهِي، التَّاجِر، المَرْوَزِيّ، المَشْهُوْرُ بِالكُرَاعِي.
وَيُقَالُ: إِنَّ اسْمَه أَحْمَد، مِنْ قَرْيَة زُولاَه بِنوَاحِي مَرْوَ، شَيْخٌ صَالِحٌ، صيِّنٌ دَيِّنٌ، رَحل إِلَيْهِ النَّاسُ، وَصَارَت زُولاَه مقصداً لطلبَة الحَدِيْث، وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْ جَدِّهِ لأُمِّهِ أَبِي غَانم الكُرَاعِي صَاحِب عَبْد اللهِ بن الحُسَيْنِ النَّضْرِي، فَسَمِعَ مِنْهُ نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ جُزْءاً.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ مِنْهُ بقِرَاءة أَبِي طَاهِر السِّنْجِيّ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءاً، ثُمَّ أَحضره شيخنَا الخَطِيْبُ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيّ فِي الخَانقَاه، وَقُرِئت عَلَيْهِ الأَجزَاء المَسْمُوْعَةُ لَهُ، فَسمِعتهَا ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وُلِدَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ: وَمَاتَ فِي أَوَاخر سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ فِي أَوَائِل سَنَةِ خَمْسٍ بقَرْيَته (1) .
قُلْتُ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ بِالشَّامِ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْوَزِيّ البَاقِي إِلَى سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدَاوُدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَالِدي.
وَمَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: أَبُو الموَاهِب أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُلُوْك الوَرَّاق (2) ، وَشَاعِرُ وَقته أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ الغزِي بِبلخَ عَنْ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَإِسْمَاعِيْل بن الأَخشيذ السَّرَّاج، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البَارع (3) ، وَعَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الغَزَال بِمَكَّةَ.
__________
(1) التحبير: 2 / 197.
(2) سترد ترجمته برقم (335) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (316) .(19/557)
وَقِيْلَ مَاتَ فِيْهَا: سهل المَسْجِدِي.
وَفِيْهَا مَاتَتْ: فَاطِمَة الجُوْزْدَانِيَّة، وَقرَاتكين بن الأَسْعَد التركِي، وَالحَافِظُ أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّد بن سعدُوْنَ العَبْدرِي (1) ، وَابْنُ تُوْمرت كَبِيْر الموحِّدين، وَالآمِرُ بِأَحكَام الله مَنْصُوْر، وَهِبَة اللهِ بن الأَكْفَانِي، وَهِبَة اللهِ بن القَاسِمِ المهرَانِي.
324 - ابْنُ كَادش أَبُو العِزّ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ، أَبُو العِز أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمْدَانَ بن عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عِيْسَى ابْنِ صَاحِب النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُتبَةَ بنِ فَرْقَدٍ السُّلَمِيّ، العُكْبَرِيّ، المَعْرُوف: بِابْنِ كَادش، أَخُو المُحَدِّث أَبِي يَاسِر مُحَمَّد.
وُلِدَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ، وَقرَأَ عَلَى المَشَايِخ، وَنسخ بخطِّه الرديءِ الْمعقد جُمْلَةً، وَجَمَعَ وَخَرَّجَ.
سَمِعَ: أَبَا الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَأَقضَى القُضَاة أَبَا الحَسَنِ المَاوردي، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَأَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الجَازِرِي، وَأَبَا طَالب العُشَارِي، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن النَّرْسِيّ، وَعِدَّة.
سَمِعَ مِنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَمَعْمَر بن الفَاخر، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَهِبَة اللهِ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (332) .
(*) مشيخة ابن عساكر: 8 / 2، المنتظم: 10 / 28، الكامل في التاريخ: 10 / 683، تاريخ الإسلام: 4: 270 / 1 - 2، العبر: 4 / 68، ميزان الاعتدال: 1 / 118، البداية والنهاية: 12 / 204، لسان الميزان: 1 / 218، النجوم الزاهرة: 5 / 250، شذرات الذهب: 4 / 78.(19/558)
بن السِّبْط، وَعَبْدُ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَيُّوْبَ الحَرْبِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ ضَعِيْفاً فِي الرِّوَايَة، مُخلطاً، كَذَّاباً، لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَللأَئِمَّة فِيْهِ مَقَالٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ ابْنُ نَاصر يُسيءُ القَوْل فِيْهِ (1) .
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: كَانَ مُخلطاً.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: لَمْ يَسْمَعْ كُلّ كِتَاب (الجَلِيْس) مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الجَازِرِي.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: فَذَكَرتُ هَذَا لأَبِي القَاسِم الدِّمَشْقِيّ، فَأَنْكَرَهُ غَايَةَ الإِنْكَار، وَقَالَ: كَانَ صَحِيْحَ السَّمَاعِ، وَرَأَيْتُ سَمَاعه لِهَذَا الكِتَاب فِي الأَصْل مثبتاً، وَأَثْنَى عَلَى أَبِي الْعِزّ.
ثُمَّ قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ ابْنَ نَاصر يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ سُلَيْمَانَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعِزّ بن كَادش يَقُوْلُ:
وضعتُ حَدِيْثاً عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقرَّ عِنْدِي بِذَلِكَ.
قَالَ عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيّ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ الحَافِظ يَقُوْلُ: قَالَ لِي ابْنُ كَادش:
وَضَع فُلاَنٌ حَدِيْثاً فِي حقِّ عَلِيٍّ، وَوضعتُ أَنَا فِي حقِّ أَبِي بَكْرٍ حَدِيْثاً، بِاللهِ أَلَيْسَ فَعَلتُ جَيِّداً؟
قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَهله، يَفتخِرُ بِالكَذِبِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: رَأَيْتُ لَهُ كِتَاباً سَمَّاهُ (الانتصَارَ لرُتم القِحَاب) فِيْهِ أَشعَار، فَيَقُوْلُ: أَنشدتَنِي المُغَنِّيَةُ فُلاَنَةٌ، وَأَنشدتَنِي سُتوت المُغَنِّيَة
__________
(1) وكذا نقل ابن الجوزي في " المنتظم ": 10 / 28 عن ابن ناصر.(19/559)
بِأَوَانَا (1) ، وَقَدْ قرَأَه عَلَيْهِ ابْنُ الخَشَّاب.
قَالَ مرَّة: وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَسُئِلَ مرَّة، فَقَالَ: سَنَة إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ.
وَقَالَ يُوْسُف الدِّمَشْقِيّ: سَأَلته، فَقَالَ: سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَقَالَ الصَّائِنُ بن عَسَاكِرَ: سَأَلته، فَقَالَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الملكُ الأَكملُ أَحْمَد ابْن أَمِيْرِ الجُيُوْش بِمِصْرَ، وَتَاجُ المُلُوْك بُورِي بن الأَتَابك طُغْتِكِين صَاحِبُ دِمَشْق (2) ، وَالمُحَدِّثُ الحُسَيْنُ بن مُحَمَّدِ بنِ خُسرو بِبَغْدَادَ (3) ، وَفقيهُ المَغْرِب أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ المُرسِي المَالِكِيّ (4) ، وَعبدُ الكَرِيْم بن حَمْزَةَ السُّلَمِيّ (5) ، وَشيخُ الحنَابلَة أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ ابنُ القَاضِي أَبِي يَعْلَى (6) ، وَأَبُو عَلِيٍّ مَنْصُوْرُ بنُ الخَيْر المَالِقِي.
__________
(1) أوانا: بليدة كثيرة البساتين والشجر نزهة من نواحي دجيل بغداد، قال ياقوت: وكثيرا ما يذكرها الشعراء الخلعاء في أشعارهم.
(2) سترد ترجمته برقم (328) .
(3) سترد ترجمته برقم (342) .
(4) سترد ترجمته برقم (351) .
(5) سترد ترجمته برقم (349) .
(6) سترد ترجمته برقم (353) .(19/560)
325 - المُسْترشد بِاللهِ الفَضْلُ بنُ المُسْتظهرِ بِاللهِ *
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو مَنْصُوْرٍ الفَضْلُ (1) ابنُ المُسْتظهر بِاللهِ أَحْمَدَ ابنِ الْمُقْتَدِي بِأَمرِ الله عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ ابنِ القَائِم عَبْد اللهِ بن القَادِر القُرَشِيّ، الهَاشِمِيّ، العَبَّاسِيّ، البَغْدَادِيّ.
مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ فِي أَيَّامِ جدِّه الْمُقْتَدِي، وَخُطِبَ لَهُ بِوِلاَيَةِ العَهْدِ وَهُوَ يَرْضَعُ، وَضُرِبَتِ السِّكَّةُ باسمِهِ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ العَلاَّف، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بيَان، وَمِنْ مُؤَدِّبه أَبِي البَرَكَات بن السِّيبِي.
رَوَى عَنْهُ: وَزِيْرُه عَلِيُّ بنُ طِرَاد، وَحَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن المُلَقَّب.
وَلَهُ خطٌّ بَدِيع، وَنثر صَنِيع، وَنظم جَيِّد، مَعَ دينٍ وَرَأْيٍ، وَشَهَامَةٍ وَشجَاعَة، وَكَانَ خليقاً لِلإِمَامَةِ، قَلِيْلَ النَّظَير.
__________
(*) تاريخ دولة آل سلجوق: 178، المنتظم: 10 / 45 - 50 و53، 54، خريدة القصر: 1 / 29، الكامل في التاريخ: 11 / 27 - 28، النبراس: 145، مفرج الكروب: 1 / 50 - 60، الفخري: 302 - 303، تاريخ الإسلام: 4: 283 / 1 - 2، دول الإسلام: 2 / 50، العبر: 4 / 75 - 77، تتمة المختصر: 2 / 62، فوات الوفيات: 3 / 179 - 182، مرآة الزمان: 8 / 95 - 96، طبقات السبكي: 7 / 257، البداية والنهاية: 12 / 207، الاعلام لابن قاضي شهبة (خ) حوادث السنة 529، النجوم الزاهرة: 5 / 256، تاريخ الخلفاء: 431 - 435، تاريخ الخميس: 2 / 361، شذرات الذهب: 4 / 86 - 88، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 4.
(1) وهو الذي صنف له أبو بكر الشاشي كتاب " العمدة " فيما ذكره ابن الصلاح في " طبقاته " والمؤلف في الصفحة 567 وباسمه اشتهر الكتاب، فإنه كان يلقب عمدة الدنيا والدين، وعدة الإسلام والمسلمين.(19/561)
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: ذكر قُثَم بن طَلْحَةَ الزَّيْنَبِيّ - وَمِنْ خطِّه نَقُلْتُ -:أَنَّ المُسْترشد كَانَ يَتنسَّكُ فِي أَوَّل زَمَنه، وَيَلْبَسُ الصُّوف، وَيَتعبَّدُ، وَختم القُرْآن، وَتَفَقَّهَ، لَمْ يَكُنْ فِي الخُلَفَاء مَنْ كَتَب أَحْسَنَ مِنْهُ، وَكَانَ يَسْتَدْرِكُ عَلَى كُتَّابه، وَيُصلِحُ أَغَاليطَ فِي كُتبهِم، وَكَانَ ابْنُ الأَنْبَارِيّ يَقُوْلُ: أَنَا وَرَّاق الإِنشَاء وَمَالِكُ الأَمْر يَتولَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ الشَّرِيْفَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ ذَا شَهَامَةٍ وَهَيْبَة، وَشجَاعَةٍ وَإِقدَامٍ، وَلَمْ تَزَلْ أَيَّامُه مُكَدَّرَةً بِتَشْوِيشِ المخَالفِيْن، وَكَانَ يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ لدفع ذَلِكَ وَمبَاشرته إِلَى أَنْ خَرَجَ، فَكُسِرَ، وَأُسِرَ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ عَلَى يَدِ الملاَحدَة، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ الحَدِيْثَ.
قَالَ: وَلَهُ نَظْمٌ، وَنثرٌ مليح، وَنُبْلُ رَأْي.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عبد المُنْعِم، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ طِرَاد، أَخْبَرَنَا المُسْترشِدُ بِاللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بيَان الرَّزَّاز، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَخْلَد، أَخْبَرَنَا الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَنشدنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ السِبْط حِفْظاً لِلمُسْترشد بِاللهِ:
قَالُوا: تُقِيْمُ وَقَدْ أَحَا ... طَ بِكَ العَدُوُّ وَلاَ تَفِرُّ
فَأَجَبْتُهُمْ: المَرْءُ مَا لَمْ ... يَتَّعِظْ بِالوَعْظِ غِرُّ
لاَ نِلْتُ خَيراً مَا حَيِيْتُ ... وَلاَ عَدَانِي الدَّهْرَ شَرُّ
إِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنْ غَيْـ ... ـرَ اللهِ يَنْفَعُ أَوْ يَضِرُّ (1)
__________
(1) الأبيات قالها لما كسر وأشير عليه بالهزيمة وهي في " فوات الوفيات ": 3 / 180، " طبقات السبكي ": 7 / 259، " تاريخ الخلفاء ": 433، " خريدة القصر ": 1 / 31.(19/562)
وَلَهُ:
أَنَا الأَشْقَرُ المَوْعُوْدُ بِي فِي المَلاَحِمِ ... وَمَنْ يَمْلِكُ الدُّنْيَا بِغَيْرِ مُزَاحِمِ
سَتَبْلُغُ أَرْضَ الرُّوْمِ خَيْلِي وَتُنْتَضَى ... بِأَقْصَى بِلاَدِ الصِّيْنِ بِيْضُ صَوَارِمِي (1)
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لَمَّا أُسِرَ مُسْتشهداً:
وَلاَ عَجَباً لِلأُسْدِ إِنْ ظَفِرَتْ بِهَا ... كِلاَبُ الأَعَادِي مِنْ فَصِيْحٍ وَأَعْجَمِ
فَحَرْبَةُ وَحْشِيٍّ سَقَتْ حَمْزَةَ الرَّدَى ... وَمَوْتُ عَلِيٍّ مِنْ حُسَامِ ابْنِ مُلْجَمِ (2)
قَالَ سَعْدُ الله بنُ نَجَا بن الوَادِي: حَكَى لِي صَدِيْقِي مَنْصُوْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ:
لَمَّا عَادَ الحَيْصَ بَيْصَ (3) إِلَى بَغْدَادَ، وَكَانَ قَدْ هجَا الخَلِيْفَةَ المُسْترشِد طَالباً لِذِمَامِهِ، فَقَالَ فِيْهِ:
ثَنَيْتُ رِكَابِي عَنْ دُبَيْس بنِ مَزْيَدٍ ... مَنَاسِمُهَا مِمَّا تُغِذُّ دَوَامِي
فِرَاراً مِنَ اللُّؤْمِ المُظَاهِرِ بِالخَنَا ... وَسُوْءِ ارْتِحَالٍ بَعْدَ سُوْءِ مُقَامِ (4)
لِيُخْصِبَ رَبْعِي بَعْدَ طُوْلِ مَحِيْلِهِ ... بِأَبْيَضَ وَضَّاحِ الجَبِيْنِ إِمَامِ
فَإِنْ يَشْتَمِلْ طُوْلُ العَمِيْمِ بِرَأْفَةٍ ... بِلَفْظِ أَمَانٍ أَوْ بِعَقْدِ ذِمَامِ
__________
(1) " فوات الوفيات ": 3 / 181، " طبقات السبكي ": 7 / 259، " تاريخ الخلفاء ": 433، " خريدة القصر ": 1 / 31.
(2) " فوات الوفيات ": 3 / 180، طبقات السبكي: 7 / 259، وتاريخ الخلفاء: 434.
(3) هو الأمير شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي البغدادي المتوفى سنة 574 هـ، وإنما قيل له: حيص بيص، لأنه رأى الناس يوما في حركة مزعجة، وأمر شديد، فقال: ما للناس في حيص بيص فبقي عليه هذا اللقب، ومعنى هاتين الكلمتين الشدة والاختلاط، تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص، أي: في ضيق وشدة، وهما اسمان جعلا واحدا، وبنيا على الفتح مثل جاري بيت بيت.
(4) تحرف في الديوان: اللؤم إلى اللوم، والخنا إلى الحيا.(19/563)
فَإِنَّ القَوَافِي بِالثَّنَاء فَصِيْحَةٌ ... تُنَاضِلُ عَنْ أَنسَابِكُم وَتُحَامِي (1)
قَالَ: فَخَرَجَ لفظ الخَلِيْفَة: سُرْعَةُ العفوِ عَنْ كَبِيْر الجُرم اسْتحقَارٌ بِالمعفو عَنْهُ.
وَبِخَطِّ قَاضِي المَارستَان قَالَ: حُكِيَ أَنَّ الوَزِيْر عَلِيّ بن طِرَاد أَشَارَ عَلَى المُسْترشد أَنْ يَنْزِلَ فِي مَنْزِل اخْتَاره، وَقَالَ: هُوَ أَصْوَنُ.
قَالَ: كُفَّ يَا عَلِيّ، وَاللهِ لأَضربنَّ بسيفِي حَتَّى يَكِلَّ سَاعِدي، وَلأَلْقَيَنَّ الشَّمْسَ بِوَجْهِي حَتَّى يَشْحُبَ لونِي:
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ ... فَمِنَ العَجْزِ أَنْ تَكُوْنَ جَبَانَا (2)
ابْنُ النَّجَّار: أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمنَاء، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الإِسكَافِي إِمَامِ الوَزِيْرِ، قَالَ:
لَمَّا كُنَّا مَعَ المُسْترشد بِبَابِ هَمَذَان، كَانَ مَعَنَا إِنْسَان يُعْرَفُ بفَارِس الإِسْلاَم، وَكَانَ يَقْرُبُ مِنْ خدمَةِ الخَلِيْفَة، فَدَخَلَ عَلَى الوَزِيْر ابْن طِرَاد، فَقَالَ: رَأَيْتُ السَّاعَةَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي هَذَا الجَيْش؟
قَالَ: مَكْسُور مَقْهُور، فَأُرِيْدُ أَنْ تُطَالِعَ الخَلِيْفَة بِهَذَا.
فَقَالَ: يَا فَارِسَ الإِسْلاَم، أَنَا أَشرتُ عَلَى الخَلِيْفَة أَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ، فَقَالَ: يَا عليّ، أَنْتَ عَاجز رُدَّ إِلَى بَيْتك، فَلاَ أُبلِّغُه هَذَا، لَكِن قل لابْنِ طَلْحَةَ صَاحِبِ الْمخزن.
فَذَهَبَ إِلَى ابْنِ طَلْحَةَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: لاَ أُنهِي إِلَيْهِ مَا يُتَطَيَّرُ بِهِ، فَاكتب هَذَا إِلَيْهِ وَاعْرِضهَا، وَأَخلِ مَوْضِع مَقْهُور، فَكَتَبتُهَا، وَجِئْت إِلَى السُّرَادِق، فَوَجَدْتُ نَجَا فِي الدِّهليز، وَقَدْ
__________
(1) الابيات في ديوانه: 3 / 36 عدا البيت الثالث.
(2) البيت للمتنبي: ديوانه: 4 / 241، من قصيدة مطلعها: صحب الناس قبلنا ذا الزمانا * وعناهم من أمره ما عنانا(19/564)
صَلَّى الخَلِيْفَة الفَجْر، وَبَيْنَ يَدَيْهِ مصحف، وَمقَابلهُ ابْنُ سُكَيْنَة إِمَامُه، فَدَخَلَ نَجَا الخَادِم، فَسَلَّمَ الرُّقعَة إِلَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُهُ، فَقرَأَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَقَالَ: مَنْ كَتَبَ هَذِهِ؟
فَقَالَ: فَارِسُ الإِسْلاَم.
قَالَ: أَحضره.
فَجَاءَ، فَقَبَضَ عَلَى يَدي، فَأُرْعِدْتُ، وَقبلتُ الأَرْض، فَقَالَ: وَعليكُم السَّلاَم.
ثُمَّ قرَأَ الرقعَة، مَرَّات ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَتَبَ هَذِهِ؟
قُلْتُ: أَنَا.
قَالَ: وَيْلَك، لَمْ أَخلَيت مَوْضِعَ الكَلِمَة الأُخْرَى؟
قُلْتُ: هُوَ مَا رَأَيْتَ يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ!
قَالَ: وَيْلَك، هَذَا المَنَام أُرِيتُه أَنَا فِي هَذِهِ السَّاعَة.
فَقُلْتُ: يَا مَوْلاَنَا، لاَ يَكُوْن أَصدق مِنْ رُؤيَاك، تَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جِئْت.
قَالَ: وَيْلَك، وَيُكَذَّبُ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟! لاَ وَاللهِ مَا بَقِيَ لَنَا رَجْعَة، وَيَقضِي الله مَا يَشَاء.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِث، وَقَعَ المَصَافُّ، وَتَم مَا تَمّ، وَكُسِرَ وَأُسِرَ وَقُتِلَ - رَحِمَهُ اللهُ - (1) .
قَالَ ابْنُ نَاصر: خَرَجَ المُسْترشد بِاللهِ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ إِلَى هَمَذَان لِلإِصْلاَح بَيْنَ السّلاَطين، وَاخْتِلاَف الجُنْد، وَكَانَ مَعَهُ جمعٌ كَثِيْر مِنَ الأَترَاك، فَغَدَرَ بِهِ أَكْثَرهُم، وَلَحِقُوا بِمَسْعُوْد بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه، ثُمَّ التَقَى الجمعَانِ، فَانْهَزَم جَمعُ المُسْترشد بِاللهِ فِي رَمَضَانَ، وَقُبِضَ عَلَيْهِ، وَعَلَى خوَاصِّه، وَحُمِلُوا إِلَى قَلْعَةٍ هُنَاكَ، فَحُبِسُوا بِهَا، وَبَقِيَ الخَلِيْفَةُ مَعَ السُّلْطَان مَسْعُوْد إِلَى نِصْف ذِي القَعْدَةِ، وَحُمِلَ مَعَهُم إِلَى مرَاغَة، ثُمَّ إِنَّ البَاطِنِيَّة أَلَّفُوا عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنَ الملاَحدَة، وَكَانَ قَدْ أُنْزَل نَاحِيَة مِنَ المعَسْكَر، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَفَتكُوا بِهِ، وَبجَمَاعَةٍ كَانُوا عَلَى بَاب خَرَكَاهِه (2) ، وَقُتِلُوا، وَنُقِلَ، فَدُفِنَ بِمرَاغَة، وَكَانَ مصرعُه يَوْم
__________
(1) " طبقات السبكي ": 7 / 261 وما بين حاصرتين منه.
(2) الخركاه بالفارسية: الخيمة الكبيرة.(19/565)
الخَمِيْس، سَادس عشر ذِي القَعْدَةِ (1) .
وَجَاءَ الخَبَرُ يَوْمَ التَّاسع مِنْ مَقْتَله إِلَى بَغْدَادَ، فَكَثُرَ النَّوحُ وَالبُكَاءُ بِهَا، وَعُمِلَ العَزَاءُ.
وَقَالَ صَدَقَةُ بنُ الحُسَيْنِ الحَدَّاد: كَانَ قَدْ صَلَّى الظُّهْر، وَهُوَ يَقرَأ فِي المُصْحَف، وَهُوَ صَائِمٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ شَرْجِ الخَيْمَةِ جَمَاعَةٌ بِالسَّكَاكين، فَقتلُوْهُ، وَوقعت الصيحَةُ، فَقُتِلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ سُكَيْنَة، وَابْن الخَزرِي، وَخرجُوا مُنْهَزِمِين، فَأُخِذُوا وَقُتِلُوا ثُمَّ أُحْرِقُوا، فَبقيت يَدُ أَحَدِهِم خَارِجَة مِنَ النَّارِ مَضْمُوْمَةً لَمْ تَحْترِقْ، فَفُتِحَتْ، وَإِذَا فِيْهَا شعرَاتٌ مِنْ لِحْيَتِهِ - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ - فَأَخَذَهَا السُّلْطَان مَسْعُوْد، وَجَعَلهَا فِي تَعويذ ذهب، وَجَلَسَ لِلْعَزَاء، وَجَاءَ الخَادِمُ وَمَعَهُ المُصْحَف، وَعَلَيْهِ الدَّمُ إِلَى السُّلْطَان، وَخَرَجَ أَهْلُ مرَاغَة فِي المُسُوح وَعَلَى وُجُوْهِهِم الرَّمَاد، وَكَانَتْ خِلاَفَتُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّة أَشْهُرٍ (2) .
قَالَ قُثَمُ بنُ طَلْحَةَ: كَانَ أَشقرَ أَعْطرَ أَشهلَ، خفِيفَ العَارِضَيْنِ، وَخلَّف مِنَ الذُّكور: مَنْصُوْراً الرَّاشدَ بِاللهِ، وَأَحْمَدَ، وَعَبْدَ اللهِ، وَإِسْحَاقَ - تُوُفِّيَ قَبْلَهُ - وَبِنتَانِ، وَوَزَرَ لَهُ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ صَدَقَة، وَعَلِيّ بن طِرَاد، وَأَنو شروَان.
وَقضَاتُهُ: عَلِيُّ بنُ الدَّامغَانِي، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الزَّيْنَبِيّ.
__________
(1) طبقات السبكي: 7 / 256، 260.
(2) المنتظم: 10 / 54، و" فوات الوفيات ": 3 / 180، وجاء في " طبقات السبكي ": 7 / 260: ثمان عشرة سنة، وفي الأصل: ثمان عشرة، وقد كتب فوق ثمان: كذا، وأثبت في الهامش بإزائها " سبع " وفي " البداية ": 12 / 208 سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوما.(19/566)
قُلْتُ: بُوْيِع عِنْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَسَبْعَة أَشهر، وَعَاشَ سِتّاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ: إِنَّ الَّذِيْنَ فَتكُوا بِهِ جَهَّزَهُم مَسْعُوْد، وَكَانُوا سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْساً، فَأُمْسِكُوا، وَقَتَلَهُم السُّلْطَان، وَأَظهر الحزنَ وَالجزعَ.
وَقِيْلَ: بَعَثَ السُّلْطَان سَنجر بن مَلِكْشَاه إِلَى ابْنِ أَخِيْهِ مَسْعُوْد يُوَبِّخُهُ عَلَى انتهَاك حُرمَةِ المُسْترشد، وَيَأْمُرُهُ بِرَدِّهِ إِلَى مقرِّ عزِّهِ، وَأَنْ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ بِالغَاشيَة، وَيَخضَعَ، فَفَعَل ذَلِكَ ظَاهِراً، وَعَمِلَ عَلَى قتلِهِ، وَقِيْلَ: بَلِ الَّذِي جهَّزَ البَاطِنِيَّة عَلَيْهِ السُّلْطَان سَنجر مِنْ خُرَاسَان، وَفِيْهِ بُعْد.
وَقِيْلَ: إِنَّ الشَّاشِيّ عَمِلَ (العُمدَة) فِي الفِقْه لِلمُسْترشد.
وَفِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ: كَانَ المَصَافُّ بَيْنَ المُسْترشد وَبَيْنَ دُبيس الأَسَدِيّ، وَجذب يَوْمَئِذٍ المُسْترشد سَيْفَه، فَانْهَزَم دُبيس وَتَمَزَّقَ جمعُه (1) ، ثُمَّ كَانَتْ بَيْنهُمَا وَقْعَةٌ سَنَة (519) ، فَذلَّ دُبيس، وَجَاءَ وَقبَّل الأَرْض، فَلَمْ يُعْطَ أَمَاناً، فَفَرَّ إِلَى السُّلْطَان سَنجر، وَاسْتجَار بِهِ، فَحَبَسَهُ خِدمَةً لِلمُسْترشد، وَصَلَّى المُسْترشدُ بِالنَّاسِ يَوْم الأَضحَى وَخطبهُم، وَنَزَلَ، فَنحر بدنَة بِيَدِهِ (2) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ (3) :وَصل السُّلْطَانُ مَحْمُوْد، وَحَاصَرَ بَغْدَاد، وَاسْتظهر الخَلِيْفَة.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ (4) :سَارَ المُسْترشد فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلف
__________
(1) الكامل في التاريخ: 10 / 607، 608، والمنتظم: 9 / 242، 243.
(2) الكامل في التاريخ: 10 / 626، 628، والمنتظم: 9 / 252، 253.
(3) في المنتظم: 9 / 255، والكامل: 10 / 635: سنة عشرين.
(4) المنتظم: 10 / 30، والكامل: 11 / 5، 6.(19/567)
فَارِس، فَحَاصَر المَوْصِلَ ثَمَانِيْنَ يَوْماً، فَبذل لَهُ زنكِي مُتَوَلِّيهَا أَمْوَالاً لِيَرحل، فَأَبَى، ثُمَّ إِنَّهُ ترحَّل، وَعظمت هيبتُه فِي النُّفُوْس، وَخضع زنكِي، وَبَعَثَ الْحمل إِلَى المُسْترشد، وَقَدِمَ رَسُوْلُ السُّلْطَان سَنجر، فَأُكْرِمَ، وَنفَّذ المُسْترشد لِسَنجر خِلْعَة السّلطنَة ثُمِّنَتْ بِمائَةِ أَلْفِ دِيْنَار وَعِشْرِيْنَ أَلْف دِيْنَار، وَعرض المُسْترشد جيوشَه فِي هيئَة لَمْ يُعهد مِثْلهَا مِنْ دَهْرٍ طَوِيْلٍ، فَكَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً.
وَفَارق مَسْعُوْدٌ بَغْدَاد عَلَى غضب، وَانضمَّ إِلَيْهِ دُبيس، وَعزمُوا عَلَى أَخْذِ بَغْدَاد، فَطَلبَ المُسْترشدُ زنكِي بن آقسُنْقُر، وَهُوَ مُحَاصر دِمَشْق، وَطلبَ نَائِب البَصْرَة بَكبَه، فَبَيَّت مَسْعُوْدٌ طلاَئِعَ المُسْترشد، فَانْهَزَمُوا، وَلَكِن خَامَرَ أَرْبَعَة أُمَرَاء إِلَى المُسْترشد، فَأَنْعَمَ عَلَيْهِم بِثَمَانِيْنَ أَلف دِيْنَار، وَسَارَ فِي سَبْعَةِ آلاَف، وَكَانَتِ المَلْحَمَةُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْع كَمَا ذكرنَا، فَانْهَزَم جَيْشُ الخَلِيْفَة، وَأَسلمُوْهُ، فَأَسره مَسْعُوْدٌ فِي نوعِ احترَام، وَحَاز خِزَانَته، وَكَانَتْ أَرْبَعَة آلاَف أَلف دِيْنَار، وَمجموعُ القَتْلَى خَمْسَة أَنْفُس، وَزوَّر السُّلْطَانُ عَلَى لِسَانِ الخَلِيْفَة كتباً إِلَى بَغْدَادَ بِمَا شَاءَ، وَقَامَت قِيَامَة البغَادِدَة عَلَى خَلِيفتِهِم، وَكَانَ مَحْبُوباً إِلَى الرَّعيَّة جِدّاً، وَبذلُوا السَّيْف فِي أَجنَاد السُّلْطَان، فَقُتِلَ مِنَ العَامَّة مائَة وَخَمْسُوْنَ نَفْساً، وَأَشرفت الرعيَة عَلَى البَلاَء (1) ، وَلَمَّا قُتِلَ المُسْترشد، بُوْيِع بِالخِلاَفَةِ وَلدُهُ الرَّاشد بِاللهِ بِبَغْدَادَ.
326 - الرَّاشد بِاللهِ مَنْصُوْر بن المُسْترشد بِاللهِ *
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو جَعْفَرٍ مَنْصُوْر ابنُ المُسْترشد بِاللهِ الفَضْل بنِ أَحْمَدَ العَبَّاسِيّ.
__________
(1) انظر الكامل: 11 / 24 - 28، والمنتظم: 10 / 41 - 47.
(*) المنتظم: 10 / 76 - 77، تاريخ دولة آل سلجوق: 178 - 181، الخريدة: =(19/568)
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة فِي رَمَضَانَ.
فَقِيْلَ: وُلِدَ بِلاَ مَخْرَجٍ، فَفُتِقَ لَهُ مَخرج بآلَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَأُمّه أُمُّ وَلد.
خُطِبَ لَهُ بِوِلاَيَةِ العَهْد سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَاسْتُخْلِفَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَكَانَ أَبْيَضَ مَلِيحاً، تَامَّ الشّكل، شَدِيد الأَيد.
يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بِدَارِ الخِلاَفَة أَيِّلٌ عَظِيْم اعترضَهُ فِي البُسْتَان، فَأَحجم الخَدَمُ، فَهجم عَلَى الأَيِّل، وَأَمسك بِقَرنَيْهِ وَرَمَاهُ، وَطلب مِنشَاراً، فَقطع قَرنَيْهِ (1) .
وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ، مُؤثراً لِلْعدل، فَصِيْحاً، عذْبَ العِبَارَة، أَديباً، شَاعِراً، جَوَاداً، لَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَى المَوْصِلِ، ثُمَّ إِلَى أَذْرَبِيْجَان، وَعَاد إِلَى أَصْبَهَانَ، فَأَقَامَ عَلَى بَابِهَا مَعَ السُّلْطَان دَاوُد، مُحَاصراً لَهَا، فَقتلته الملاَحدَةُ هُنَاكَ، وَكَانَ بَعْدَ خُرُوْجه مِنْ بَغْدَادَ مَجِيْءُ السُّلْطَان مَسْعُوْد بن مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه، فَاجتمع بِالأَعيَان، وَخلعُوا الرَّاشِدَ، وَبَايعُوا عَمَّه المقتفِي.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ بنُ عبد السمِيْع: مِنْ كَلاَم الرَّاشد: إِنَّا نَكْرَهُ الفِتَنَ إِشفَاقاً عَلَى الرَّعِيَّة، وَنُؤْثِرُ العَدْلَ وَالأَمْنَ فِي البَرِيَّة، وَيَأْبَى المقدورُ إِلاَّ
__________
= 1 / 32، الكامل في التاريخ: 11 / 62 - 63، النبراس: 156، الفخري: 308، تاريخ الإسلام: 4: 150 / 2 - 151 / 1، دول الإسلام: 52، 53، العبر: 4 / 89 - 90، تتمة المختصر: 2 / 63 - 64، 66 - 67، فوات الوفيات: 4 / 168 - 169، مرآة الزمان: 8 / 101 - 102، البداية والنهاية: 12 / 213 - 214، الاعلام: خ حوادث سنة 532، النجوم الزاهرة: 263، تاريخ الخلفاء: 436 - 437، تاريخ الخميس: 2 / 362، شذرات الذهب: 4 / 100 - 101، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 4.
(1) في " فوات الوفيات ": 4 / 169: ومسك بقرنيه، فقلعهما بيده، فوقع ميتا.(19/569)
تَصَعُّبُ الأُمُوْر، وَاختلاَطُ الجُمْهُوْر، فَنَسْأَل الله العَوْنَ عَلَى لَمِّ شَعَثِ النَّاسِ بِإِطفَاءِ نَائِرَةِ البَأْسِ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ البَيْهَقِيّ فِي (وِشَاح دُمِيَة القَصْر) :الرَّاشد بِاللهِ أَعْطَاهُ الله مَعَ الخِلاَفَة صُوْرَةً يُوْسُفِيَّة، وَسيرَةً عُمرِيَّةً.
أَنشدنِي رَسُوْلُه لَهُ:
زَمَانٌ قَدِ اسْتَنَّتْ فِصَالُ صُرُوْفِهِ ... وَذَلَّلَ آسَادَ الكِرَامِ لِذِي القَرْعَى (1)
أَكُوْلَتُهُ تَشْكُو صُرُوْفَ زَمَانِهِ ... وَلَيْسَ لَهَا مَأْوَى وَلَيْسَ لَهَا مَرْعَى
فَيَا قَلْبُ لاَ تَأْسَفْ عَلَيْهِ فَرُبَّمَا ... تَرَى القَوْمَ فِي أَكْنَافِ أَفْنَائِهِ صَرْعَى
وَلَهُ قصيدَة طَوِيْلَة مِنْهَا:
أُقْسِمُ بِاللهِ وَهلْ خَلِيْفَه ... يَحْنَثُ أَنْ أَقْسَمَ فِي اليَمِيْنِ
لاَ تَّزِرَنَّ فِي الحُرُوْبِ صَادِقاً ... لأَكْشِفَ العَارَ الَّذِي يَعْلُوْنِي
مُشَمِّراً عَنْ سَاقِ عَزْمِي طَالباً ... ثأْرَ الإِمَامِ الوَالِدِ الأَمِيْنِ
عُمْرِيَ عُمْرِي وَالَّذِي قُدِّرَ لِي ... مَا يَنْمَحِي المَكْتُوْبُ عَنْ جَبِيْنِي
قَالَ ابْنُ نَاصر: بَقِيَ الأَمْر لِلرَاشِد سَنَة، ثُمَّ دَخَلَ مَسْعُوْد، وَفِي صُحبته أَصْحَابُ المُسْترشد الوَزِيْرُ عَلِيّ بن طِرَاد، وَصَاحِب الْمخزن ابْنُ طَلْحَةَ، وَكَاتِبُ الإِنشَاء ابْنُ الأَنْبَارِيّ، وَخَرَجَ الرَّاشِدُ مَعَ غلمَانِ دَاره طَالباً
__________
(1) استنت: أخذت في سنن واحد من المرح والنشاط، والفصال: جمع فصيل وهو ولد الناقة إذا فصل عن امه، والقرعى من الفصال: التي أصابها القرع، وهو داء يخرج في أعناقها وقوائمها.
والكلام خرج مخرج الاستعارة، وأصله من المثل: " استنت الفصال حتى القرعى " يضرب للرجل يتمدح بالشيء وهو من غير أهله أو لمن تعد طوره، وادعى ما ليس له، انظر " فصل المقال في شرح كتاب الأمثال " للبكري ص 402، 403. والابيات الثلاثة في " مرآة الزمان ": 8 / 102.(19/570)
المَوْصِل صُحْبَة زنكِي، فَأُحْضِرَ القُضَاةُ وَالشُّهُودُ وَالعُلَمَاء عِنْد الوَزِيْر أَبِي القَاسِمِ عَلِيّ، وَكتبُوا محضراً فِيْهِ شهَادَة الْعُدُول بِمَا جرَى مِنَ الرَّاشد مِنَ الظُّلم، وَأَخْذِ الأَمْوَال، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وشُرب الخَمْر، وَاسْتفتِي الفُقَهَاء فِيْمَنْ فَعل ذَلِكَ، هَلْ تَصِحُّ إِمَامتُهُ؟ وَهل إِذَا ثَبَتَ فِسقُه بِذَلِكَ يَجوز لسُلْطَان الوَقْت أَنْ يَخلعه وَيستبدل بِهِ؟، فَأَفْتَوْا بجَوَازِ خلعه، وَالاستبدَال بِهِ، فَوَقَعَ الاختيَارُ مَعَ الغدِ بِحُضُوْر مَسْعُوْد وَأُمرَائِهِ فِي دَارِ الخِلاَفَة عَلَى عَمِّهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ المُسْتظهر بِاللهِ، وَلَقَّبوهُ بِالمُقتفِي، وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً، وَقَدْ وَخطه شيب، وَهُوَ أَسْمَرُ، وَأُمُّه أُمُّ وَلد صَفْرَاء تُدْعَى سِتُّ السَّادَةِ (1) .
قَالَ: ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّ الرَّاشد خَرَجَ مِنَ المَوْصِلِ إِلَى بِلاَدِ أَذْرَبِيْجَان إِلَى مُرَاغَةَ، وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَصَادرُوا أَهْلَهَا، وَعَاثُوا، ثُمَّ ذهبُوا إِلَى هَمَذَان، فَقتلُوا بِهَا، وَحلقُوا لِحَى جَمَاعَةٍ مِنَ الفُقَهَاء، وَعَتَوْا، وَمَضَوْا إِلَى نوَاحِي أَصْبَهَان، فَانْتهبُوا القُرَى، وَحَاصرُوا البلدَ فِي جَمعٍ مِنْ أَجنَاد دَاوُد بن مَحْمُوْدِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَمَرِضَ الرَّاشدُ مرضاً أَشفَى مِنْهُ، بَلَغَنَا أَنَّ جَمَاعَة مِنَ الْعَجم فَرَّاشين كَانُوا فِي خدمته؛ اتَّصَلُوا بِهِ هُنَاكَ؛ دَخَلُوا خَرَكَاهَهُ فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، فَقَتلُوْهُ
__________
(1) الكامل لابن الأثير: 11 / 40، 42.
وما وصف به الراشد في هذا المحضر يغلب على الظن أنه كذب ملفق، وباطل منمق، أكره على توثيقه القضاة والشهود خوفا ممن بيده الحل والعقد والسلطان، وقد تقدم في أول ترجمة الراشد أنه كان حسن السيرة، مؤثرا للعدل، وهكذا يحمل البغي وحب التسلط صاحبه على الكذب والافتراء واتهام من كان قبله بما هم منه براء، والتماس الوسيلة غير المشروعة للحصول على غايته.
فليتق الله المؤرخون، وليمحصوا الآراء، وليطرحوا الاخبار التي يتبين لهم بطلانها وافتراؤها بالدراسة الجادة المبنية على أسس صحيحة وسديدة ليخرجوا بذلك من المسؤولية أمام الله الذي لا تخفى عليه خافية.(19/571)
بِالسَّكَاكين، وَقُتِلُوا بَعْدَهُ كُلُّهُم.
وَقِيْلَ: كَانَ قَدْ سُقِيَ سُمّاً، ثُمَّ دُفِنَ بِالمَدِيْنَةِ العَتِيْقَة فِي حُجْرَة مِنْ بِنَاء نِظَام الْملك، وَجَاءَ الخَبَرُ إِلَى عَمِّه المقتفِي، فَعقدُوا لَهُ العزَاء يَوْماً وَاحِداً (1) .
وَقَالَ عبدُ الجَلِيْل كوتَاه: دُفِنَ بِجنب الجَامِع بِمدينَة أَصْبَهَان.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: زُرتُ قَبْره بِجيَّ (2) ، وَهُوَ خشب مَنْقُوْش، وَعَلَيْهِ ستر أَسودُ، فِيْهِ كِتَابَةٌ مِنْ إِبرِيسَم، وَلَهُ فَرَّاشُوْنَ وَخَدَمٌ، وَعَقِبُه باقٍ إِلَى آخِرِ سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ الرَّاشدُ، بَعَثَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ مَسْعُوْد يَتعنَّتُه، وَيطلُب مِنْهُ ذهباً كَثِيْراً، ثُمَّ قَدِمَ الأَتَابِكُ (3) زنكِي وَغَيْرُهُ، فَحسَّنُوا لَهُ القِتَالَ لِمَسْعُوْدٍ، وَكَانَ شُجَاعاً، فَخَافُوهُ، ثُمَّ تَغَيَّر عَلَيْهِ زنكِي، فَقَدِمَ الْملك دَاوُدُ بنُ مَحْمُوْدٍ إِلَى الرَّاشد، وَقصدُوا السُّلْطَان مسعُوْداً، فَسَارَ مَسْعُوْدٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَنَازل بَغْدَاد يُحَاصِرُهَا، وَنهب عَسْكَرُه وَاسطاً وَالنُّعْمَانِيَة، وَتَملَّك بَغْدَاد.
__________
(1) يقول ابن الجوزي في " المنتظم ": 10 / 76: في سبب موت الراشد ثلاثة أقوال، أحدها: أنه سقي السم ثلاث مرات، والثاني أنه قتله قوم من الفراشين الذين كانوا في خدمته، والثالث: أنه قتله الباطنية، وقتلوا بعده.
(2) قال ياقوت: جي، بالفتح ثم التشديد: اسم مدينة ناحية أصبهان القديمة، وهي الآن كالخراب منفردة، وتسمى الآن عند العجم شهرستان، وعند المحدثين المدينة، وقد نسب إليها المديني عالم من أصبهان، وفي جي مشهد الراشد بن المسترشد.
(3) الاتابك: هو الذي يتولى تربية أولاد الملوك والسلاطين، ويقوم برعايتهم، فإن " أتا " بالتركية هو الاب و" بك " هو الأمير، فأتا بك مركب من هذين المعنيين.
ابن خلكان: 1 / 365.(19/572)
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَخرج خطَّ الرَّاشد يَقُوْلُ: إِنِّيْ مَتَى عَسْكَرتُ أَوْ خَرَجتُ، انعزلتُ، وَبَالَغَ عَلِيّ بن طِرَاد الوَزِيْر فِي ذَمِّ الرَّاشد، وَخوَّف القُضَاة مِنْ غَائِلته وَمِنْ جَوْرِه، فَحكم القَاضِي ابْنُ الكَرْخِيّ بِخلعه، وَعَاشَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ وَسَامحه -.
327 - حَمْزَةُ بنُ هِبَةِ اللهِ *
ابْنِ مُحَدِّثِ نَيْسَابُوْرَ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ بنِ دَاوُدَ العَلَوِيّ، الحُسَيْنِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ، شَيْخٌ حُسْنُ السِّيْرَةِ، تَفَرَّد بِأَشيَاءَ (1) .
سَمِعَ: ابْنَ مَسْرُوْرٍ، وَعبدَ الغَافِر الفَارِسِيّ، وَعبدَ الرَّحْمَن بن مُحَمَّدٍ الأَنْمَاطِيّ صَاحِب الإِسْمَاعِيْلِي، وَمُحَمَّدَ بنَ الفَضْلِ النَّسوِي، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ زَيدياً.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: حَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ، عَاشَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
328 - تَاجُ المُلُوْكِ بُورِي ابنُ الأَتَابَك طُغْتِكِين **
صَاحِبُ دِمَشْقَ، تَاجُ المُلُوْك، بُورِي ابْن صَاحِب دِمَشْق الأَتَابك
__________
(*) السياق: الورقة: 13 ب - 14 أ، التحبير: 1 / 255 - 256، المنتظم: 10 / 13، الكامل في التاريخ: 10 / 660، المنتخب: الورقة: 60 أ - 60 ب، تاريخ الإسلام: 4: 252 / 1 - 2.
(1) قال السمعاني في " التحبير ": 1 / 255: كان حسن السيرة، جميل الامر، رضي الاخلاق، جامعا بين شرف النسب، والتقوى، وحدث بالكثير، وحمل عنه، ورحلوا إليه، وتفرد في وقته بالرواية عن جماعة.
وقال في " السياق ": وكان عنده سماع " الصحيحين "، وغريب الخطابي، وآداب الدغولي، وكثير من التصانيف ومن التفاريق ما لا يدخل في الحصر.
(* *) الكامل في التاريخ: 10 / 311 و312 و544 و652 و656 و657 و668 و=(19/573)
طُغْتِكِين، مَوْلَى السُّلْطَان تُتُشَ السَّلجوقِي.
تَمَلَّك بَعْدَ أَبِيْهِ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، وَكَانَ ذَا حِلْمٍ وَكَرَمٍ، لَهُ أَثرٌ كَبِيْر فِي قتل وَزِيْرِهِ وَالإِسْمَاعِيْليَّة (1) .
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَلابْنِ الخَيَّاط فِيْهِ مدَائِح فِي (دِيْوَانه) ، وَقَدْ وَزر لَهُ أَيْضاً أَبُو الذوَّاد ابْن الصُّوْفِيّ، ثُمَّ كَرِيْمُ الْملك ابْن عَمِّ المزدقَانِي.
وَلَمَّا علم ابْنُ صَبَّاح صَاحِبُ الأَلمَوت بِمَا جرَى عَلَى أَشيَاعه الإِسْمَاعِيْليَّة بِدِمَشْقَ، تَنمَّر، وَنَدَبَ طَائِفَة لِقتل تَاج المُلُوْك، فَعيَّن اثْنَيْنِ بشربوشين فِي زِيِّ الجُنْد، ثُمَّ قدمَا، فَاجتمعَا بِنَاسٍ مِنْهُم أَجنَادٌ، وَتَحَيَّلا عَلَى أَنَّ صَارَا مِنَ السَّلحدَانَة، وَضمنوهُمَا، ثُمَّ وَثبا عَلَيْهِ، فَقتلاَهُ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى ابْنِ القلاَنسِي (2) :وَثبُوا عَلَيْهِ فِي خَامِس جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ، فَضَرَبَه الوَاحِدُ بِالسَّيْف قَصَدَ رَأْسَهُ، فَجرحه فِي رقبته جرحاً سليماً، وَضَرَبَه الآخرُ بِسكين فِي خَاصِرته، فَمرَّت بَيْنَ الجلدِ وَاللَّحْم.
قُلْتُ: كَانَ تَعلَّل مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي رَجَب، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَحلفُوا بَعْدَهُ لوَلَده شَمْس المُلُوْك إِسْمَاعِيْل.
__________
= 670 و679 - 680، تاريخ الإسلام: 4: 270 / 2، العبر: 4 / 69، تتمة المختصر: 2 / 60، الوافي بالوفيات: 10 / 322، مرآة الزمان: 8 / 87، البداية والنهاية: 12 / 204، النجوم الزاهرة: 5 / 249، شذرات الذهب: 4 / 78، منتخبات التواريخ: 447، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 3 / 299، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 46، 340.
(1) انظر التفصيل في " الكامل " في التاريخ: 10 / 656، 657.
(2) ص 365.(19/574)
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَصَّى بِالأَمْرِ لإِسْمَاعِيْلَ، وَوصَّى بِبَعْلَبَكَّ لاِبْنِهِ مُحَمَّدٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ عَجَباً فِي الجِهَادِ، لاَ يَفْتُرُ مِنْ غَزوِ الفِرَنْج، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَسْكَرٌ كَثِيْر لاستَأْصلَ الفِرَنْج (1) .
329 - شَمْسُ المُلُوْك إِسْمَاعِيْلُ بنُ بُورِي بنِ طُغْتِكِين التُّركِيُّ
صَاحِبُ دِمَشْق، شَمْسُ المُلُوْكِ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ بُورِي ابْن الأَتَابَك طُغْتِكِين التُّركِي.
تَملَّك بَعْدَ أَبِيْهِ فِي رَجَب، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، شَهْماً مِقْدَاماً كآبَائِهِ، لَكنَّه جَبَّارٌ عَسُوْف.
استنقذَ بَانِيَاس مِنَ الفِرَنْج فِي يَوْمَيْن، وَكَانَتِ الإِسْمَاعِيْليَّةُ بَاعوهَا لَهُم مِنْ سَبْع سِنِيْنَ، وَسَعَّرَ بلادَهم، وَأَوطَأَهُم ذُلاًّ، ثُمَّ سَارَ، فَحَاصَر أَخَاهُ بِبَعْلَبَكَّ، وَنَازل حَمَاة، وَهِيَ لِلأَتَابك زنكِي، وَأَخَذَهَا لَمَّا سَمِعَ بِأَنَّ المُسْترشد يُحَاصِرُ المَوْصِل، وَصَادَرَ الأَغنِيَاءَ وَالدَّوَاوِيْن، وَظَلَمَ وَعتَا، ثُمَّ بدَا لَهُ، فَكَاتَبَ الأَتَابَك زنكِي لِيسلم إِلَيْهِ دِمَشْق، فَخَافته أُمُّه زُمُرُّد وَالأُمَرَاء، فَهيَّأَت أُمُّهُ مَنْ قَتَلَهُ، لأَنَّه تَهدَّدهَا لَمَّا نَصَحته بِالقتل، وَكَانَتِ الفِرَنْجُ تخَافُه لمَا هزمهُم، وَبَيَّتهُم، وَشنَّ الغَارَة عَلَى بلادِهِم، وَعثَّرهُم،
__________
(1) وقال ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 680: وكان بوري كثير الجهاد، شجاعا مقداما، سد مسد أبيه، وفاق عليه، وكان ممدحا أكثر الشعراء مدائحه لا سيما ابن الخياط.
(*) الكامل في التاريخ: 11 / 20 - 21، تاريخ دمشق لابن القلانسي 387 - 390، تاريخ الإسلام: 4: 280 / 2 - 281 / 1، العبر: 4 / 77 - 78، تتمة المختصر: 2 / 62، مرآة الزمان: 8 / 93، البداية والنهاية: 12 / 204، النجوم الزاهرة: 5 / 255 - 256، شذرات الذهب: 4 / 90، منتخبات التواريخ: 447، تهذيب تاريخ دمشق: 3 / 18.(19/575)
وَكَانَ قَدْ تسودَن وَتَخيَّل مِنْ أُمَرَائِهِ، وَأَخَذَ يُحَوِّل أَمْوَاله إِلَى قَلْعَة صَرْخَدَ (1) .
قَالَ ابْنُ القلاَنسِي: بَالغ فِي الظُّلْمِ، وَصَادر وَعذَّب، وَلَمَّا علم بِأَنَّ زنكِي عَلَى قصدِ دِمَشْق، بَعَثَ يَسْتَحِثُّه ليُعْطِيَه إِيَّاهَا لِهذيَانٍ تَخَيَّلَهُ، وَيَقُوْلُ: إِنْ لَمْ تجِئ، سلَّمتُهَا إِلَى الفِرَنْج، كتب هَذَا بِيَدِهِ، فَأَشفق النَّاسُ (2) ، فَحَمَلَ صفوَةَ المُلْكِ دِينُهَا عَلَى حسمِ الدَّاءِ، فَأَهْلكته، وَكَثُرَ الدُّعَاءُ لَهَا.
قُتِلَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَتَملَّكَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ مَحْمُوْد، ثُمَّ تَزَوَّجت أُمّه بصَاحِب حلب زنكِي (3) .
330 - ابْنُ الأَكْفَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفَنَّنُ، المُحَدِّثُ، الأَمِيْنُ، مفِيدُ الشَّام، أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ هِبَة اللهِ بن عَلِيِّ بنِ فَارِسٍ الأَنْصَارِيّ،
__________
(1) صرخد: بلد تابع لمنطقة حوران من أعمال دمشق.
(2) في تاريخ الإسلام: فظهر أمره للناس، فأشفقوا من الهلاك خاصتهم وعامتهم، وأنهوا الامر إلى زمرد الملقبة بصفوة الملك، فحملها دينها وعقلها على النظر بما يحسم الداء، فلم تجد بدا من هلاكه.
(3) والد نور الدين، وأخذها إلى حلب، وقام بتدبيرها ابنها محمود الأمير معين الدين أنر إلى أن قتله جماعة من مماليكه في سنة 533 هـ، وقام بالامر بعده أخوه محمد بن بوري صاحب بعلبك.
(*) تاريخ ابن عساكر: تاريخ الإسلام: 4: 264 / 1 - 2، العبر: 4 / 63، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1275، مرآة الزمان: 8 / 81، الاعلام لابن قاضي شهبة حوادث سنة: 524، النجوم الزاهرة: 5 / 235، كشف الظنون: 2019، شذرات الذهب: 4 / 73.(19/576)
الدِّمَشْقِيّ، المُعَدَّل، المَعْرُوف بِابْنِ الأَكْفَانِي.
وُلِدَ: سَنَةَ (444) .
وَسَمِعَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِيْنَ، وَبعد ذَلِكَ مِنْ وَالِده، وَأَبِي القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بنِ مَكِّيٍّ، وَعبد الدَّائِم بن الحَسَنِ الهِلاَلِي، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الكَتَّانِي، وَلاَزمه مُدَّةً، وَأَبِي نَصْرٍ بن طَلاب، وَأَبِي الحَسَنِ ابْن أَبِي الْحَدِيد، وَطَاهِرِ بن أَحْمَدَ القَاينِي، وَعَبْد الجَبَّارِ بن بُرزَة الوَاعِظ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الطُّبيز.
حَدَّثَ عَنْهُ: غَيْثٌ الأَرْمَنَازِي، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن العربِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَخُوْهُ الصَّائِن، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ النَّجَّار، وَإِسْمَاعِيْل بن عَلِيٍّ الجَنْزَوِي (1) ، وَأَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْر، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، متيقظاً، معْنِيّاً بِالحَدِيْثِ وَجَمْعِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ عَسِراً فِي التَّحْدِيْث، وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي المَرْوَزِيّ مُدَّةً، وَكَانَ يَنظُر فِي الوُقُوْف، وَيُزَكِّي الشُّهُود.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ حَافظٌ مُكْثِرٌ ثِقَةٌ، كَانَ تَارِيخَ الشَّام، كتب الكَثِيْرَ.
__________
(1) الجنزوي: بفتح الجيم، وسكون النون، وفتح الزاي، وكسر الواو، بعده الياء: نسبة إلى جنزة اسم أعظم مدينة بأران، وهي بين شروان وأذربيجان وتسميها العامة: كنجة.
منها أبو الفضل إسماعيل بن علي بن إبراهيم الجنزوي المعدل الدمشقي قدم بغداد في صباه، وسمع بها من أبي البركات هبة الله بن محمد بن علي البخاري، وأبي نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي وغيرهما، توفي سنة 588 هـ.
انظر " الأنساب ": 3 / 323، والاكمال: 3 / 50، و" المشتبه ": 1 / 183، و" توضيحه ": 1 / الورقة: 243، وتبصير المنتبه: 2 / 554 - 555، و" معجم البلدان ": 2 / 171 - 172.(19/577)
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر: مَاتَ الأَمِيْنُ فِي سَادس المُحَرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
331 - ابْنُ يَرْبُوْع أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ *
الأُسْتَاذُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الحُجَّةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ يَرْبُوْعٍ الشَّنْترِينِي، ثُمَّ الإِشْبِيلِيُّ، نَزِيْلُ قُرْطُبَة.
سَمِعَ مِنْ: مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ مَنْظُوْر (صَحِيْح البُخَارِيِّ) ، وَمِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ خَزْرَج، وَحَاتِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي مَرْوَانَ بنِ سِرَاجٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو العَبَّاسِ بنُ دِلْهَاث (1) .
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال، وَقَالَ: كَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ وَعِلله، عَارِفاً برِجَالِهِ، وَبَالجرحِ وَالتَّعديل، ضَابطاً ثِقَةً، كتبَ الكَثِيْر، وَصَحِبَ أَبَا عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، وَاختصَّ بِهِ، وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ يُفَضِّلُهُ، وَيَصِفُهُ بِالمَعْرِفَة وَالذَّكَاء.
إِلَى أَنْ قَالَ: صَنَّفَ كِتَاب (الإِقليد فِي بيَان الأَسَانِيْد) ، وَكِتَاب
__________
(*) الصلة: 1 / 293 - 294، معجم ابن الابار: 215 - 216، تاريخ الإسلام: 4: 250 / 2، العبر: 4 / 51، تذكرة الحفاظ: 4 / 1271 - 1272، طبقات الحفاظ: 461، شذرات الذهب: 4 / 66، إيضاح المكنون: 1 / 113، 2 / 402، هدية العارفين: 1 / 454.
(1) الدلهاث في الأصل: الاسد، وأبو العباس هذا: هو أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث، العذري الأندلسي الدلائي المتوفى سنة ثمان وسبعين وأربع مئة، وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (296) .(19/578)
(تَاج الحليَة وَسرَاج البُغيَة فِي مَعْرِفَة أَسَانِيْد المُوَطَّأ) ، وَكِتَاب (البيَان عَمَّا فِي كِتَاب أَبِي نَصْرٍ الكَلاَبَاذِي (1) مِنَ النُّقصَان) ، وَكِتَاب (المنهَاج فِي رِجَال مُسْلِم) ، سَمِعْتُ مِنْهُ مَجَالِسَ.
وَتُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ ثَمَان وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: وَزِيْرُ العِرَاقِ جلاَلُ الدِّين أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بن عَلِيِّ بنِ صَدَقَة وَزِيْر المُسْترشد (2) ، وَصَاحِب دِمَشْق الأَتَابك طُغْتِكِين ظهيرُ الدِّين وَالِدُ تَاجِ المُلُوْك بُورِي (3) ، وَالمُسْنِدُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الكُرَاعِي بِمَرْوَ (4) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَهْلٍ النَّيْسَابُوْرِيّ المَسْجِدِي.
332 - العَبْدَرِي أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدُ بنُ سعدُوْنَ بن مُرَجَّى *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، الأَوحدُ، أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّد بن سعدُوْنَ بن مُرَجَّى بن سَعدُوْنَ القُرَشِيّ، العَبْدَرِي، المَيُوْرقِي، المَغْرِبِيّ، الظَّاهِرِي، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
مَوْلِدُهُ: بِقُرْطُبَة، وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، لَوْلاَ تَجسِيمٌ فِيْهِ (5) ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ.
__________
(1) هو أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي البخاري المترجم في السابع عشر برقم (58) ، وكتابه ترجم فيه لرجال البخاري.
(2) تقدمت ترجمته برقم (319) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (302) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (323) .
(*) مشيخة ابن عساكر: 1 / 188، تاريخ ابن عساكر، الصلة: 2 / 564، المنتظم: 10 / 19، معجم البلدان: 5 / 246، تاريخ الإسلام: 4: 258 / 1 - 2، العبر: 4 / 57، تذكرة الحفاظ: 4 / 1272 - 1275، الوافي بالوفيات: 3 / 93 - 94، البداية والنهاية: 12 / 201 - 202، طبقات الحفاظ: 461، نفح الطيب: 2 / 138 - 139، شذرات الذهب: 4 / 70.
(5) وصفه بذلك الحافظ ابن عساكر، وسيذكره المصنف قريبا.(19/579)
سَمِعَ مِنْ: مَالِك البَانِيَاسِيّ، وَرزق الله التَّمِيْمِيّ، وَيَحْيَى السِّيبِي، وَطِرَاد الزَّيْنَبِيّ، وَنَصْر بن البَطِرِ، وَالحُمَيْدِيّ، وَابْن خَيْرُوْنَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المُعَمَّر، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَيَحْيَى بن بوش، وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي فِي (مُعْجَمه) :أَبُو عَامِرٍ العبدرِي هُوَ أَنبلُ مَنْ لَقِيْتُهُ.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ فَهماً عَالِماً، متعففاً مَعَ فَقره، وَيَذْهَب إِلَى أَنَّ المُنَاوَلَة كَالسَّمَاع (1) .
وَقَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ مِنْ أَعيَان عُلَمَاءِ الإِسْلاَم بِمدينَة السَّلاَم، متصرِّف فِي فُنُوْن مِنَ العِلْمِ أَدباً وَنحواً، وَمَعْرِفَةً بِالأَنسَابِ، وَكَانَ دَاوُودِيَّ المَذْهَبِ، قُرَشِيَّ النَّسَبِ، كتب عَنِّي، وَكَتَبتُ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ البندنِيجِي أَنَّ الحَافِظَ ابْنَ نَاصرٍ لَمَّا دَفَنُوا العَبْدَرِيَّ، قَالَ:
__________
(1) المناولة المقرونة بالاجازة كالسماع عند جماعة حكاه الحاكم عن الزهري، وربيعة، ويحيى الأنصاري، ومجاهد، وأبي الزبير، وابن عيينة في جماعة من المكيين، وعن علقمة، وإبراهيم، وقتادة، وأبي العالية، وابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، وغيرهم، وروى الخطيب بإسناده إلى عبد الله العمري أنه قال: دفع إلي ابن شهاب صحيفة، وقال لي: انسخ ما فيها، وحدث به عني، قلت: أو يجوز ذلك؟ قال: نعم، ألم تر إلى الرجل يشهد على الوصية ولا يفتحها، فيجوز ذلك، ويؤخذ به.
وقال أبو عمرو بن الصلاح: والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة، وهو قول الثوري والاوزاعي، وابن المبارك، وأبي حنيفة والشافعي، والبويطي، والمزني صاحبيه، وأحمد وإسحاق، ويحيى بن يحيى.
انظر " الكفاية ": ص: 330 - 333، ومقدمة ابن الصلاح: ص: 191، 194، و" جامع الأصول ": 1 / 84 - 86، وشرح البخاري للعيني: 2 / 26، و" توضيح الافكار ": 2 / 334.(19/580)
خلاَ لَكِ الجَوُّ فَبِيضِي وَاصفِرِي ... (1)
مَاتَ أَبُو عَامِرٍ حَافظُ حَدِيْثِ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ شَاءَ، فَلْيَقُلْ مَا شَاءَ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ العَبْدَرِيُّ أَحْفَظَ شَيْخٍ لَقِيْتُهُ، وَكَانَ فَقِيْهاً دَاوودياً، ذكر أَنَّهُ دَخَلَ دِمَشْق فِي حَيَاة أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَسَمِعتُهُ وَقَدْ ذُكِرَ مَالِك، فَقَالَ: جِلْفٌ جَاف، ضَرَبَ هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ بِالدُّرَّة، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ (الأَمْوَال) لأَبِي عُبَيْدٍ، فَقَالَ - وَقَدْ مرَّ قَوْلٌ لأَبِي عُبَيْدٍ -:مَا كَانَ إِلاَّ حِمَاراً مُغَفَّلاً (2) ، لاَ يَعرِفُ الفِقْه.
وَقِيْلَ لِي عَنْهُ: إِنَّهُ قَالَ فِي إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيّ: أَعْوَرُ سوء، فَاجتَمَعْنَا يَوْماً عِنْد ابْن السَّمَرْقَنْدي فِي قِرَاءة كِتَاب (الكَامِل) ، فَجَاءَ فِيْهِ: وَقَالَ السَّعْدِيُّ كَذَا، فَقَالَ: يَكْذِبُ ابْنُ عَدِيٍّ، إِنَّمَا ذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيْم الجَوْزَجَانِيّ، فَقُلْتُ لَهُ: فَهُوَ السَّعْدِيّ، فَإِلَى كَمْ نحتمِلُ مِنْكَ سوءَ الأَدَب، تَقُوْلُ فِي إِبْرَاهِيْمَ كَذَا وَكَذَا، وَتَقُوْلُ فِي مَالِكٍ جَاف، وَتَقُوْلُ فِي أَبِي عُبَيْدٍ؟!
فَغَضِبَ وَأَخَذته الرِّعدَة، وَقَالَ: كَانَ ابْنُ الخَاضبَة وَالبَرَدَانِي وَغَيْرهُمَا يَخَافُونِي، فآلَ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَقُوْلُ فِيَّ هَذَا؟!
فَقَالَ لَهُ ابْنُ السَّمَرْقَنْدي: هَذَا بِذَاكَ.
فَقُلْتُ: إِنَّمَا نَحْتَرِمُكَ مَا احترمتَ الأَئِمَّة.
فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ علمتُ مِنْ علم الحَدِيْث مَا لَمْ
__________
(1) الرجز في " فصل المقال شرح الأمثال " ص: 364 لكليب بن ربيعة، وهو كليب وائل، كان له حمى لا يقرب، فباضت فيه قبرة فأجارها، وقال يخاطبها: يا لك من قبرة بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري وإنما يصفر الطائر ويتغنى في الخصب.
ويقال: إنها لطرفة، انظر " مجمع الاثمال ": 239، اللسان: قبر، والخزانة: 1 / 417.
(2) في الأصل: حمار مغفل.(19/581)
يَعلمه غَيْرِي مِمَّنْ تَقدَّم، وَإِنِّيْ لأَعْلَمُ مِنْ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِم) مَا لَمْ يَعلمَاهُ.
فَقُلْتُ مُسْتهزئاً: فَعلمُك إِلهَامٌ إِذاً، وَهَاجرتُهُ، وَكَانَ سَيِّئَ الاعتقَادِ، يَعتقِدُ مِنْ أَحَادِيْث الصِّفَات ظَاهِرهَا، بَلَغَنِي (1) عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي سُوْقِ بَاب الأَزَجِ {يَوْم يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القَلَمُ:42] فَضَرَبَ عَلَى سَاقِهِ، وَقَالَ: سَاقٌ كَسَاقِي هَذِهِ (2) .
وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَهْلُ البِدَعِ يَحْتَجُّوْنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّوْرَى:11] ، أَي فِي الإِلَهيَّةِ، فَأَمَّا فِي الصُّوْرَة، فَهُوَ مِثْلِي وَمِثْلُكَ (3) .
قَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأَحزَاب:32] ، أَي: فِي الحرمَة.
وَسَأَلتُه يَوْماً عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَاتِ، فَقَالَ: اخْتلف النَّاسُ فِيْهَا، فَمنهُم مَنْ تَأَوَّلَهَا، وَمِنْهُم مَنْ أَمْسَكَ، وَمِنْهُم مِنِ اعتَقَدَ ظَاهِرَهَا، وَمَذْهَبِي أَحَدُ (4) هَذِهِ المَذَاهِب الثَّلاَثَةِ، وَكَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ دَاوُدَ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وُجُوبِ الْغسْل عَلَى مَنْ جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ، فَقَالَ: لاَ غُسلَ عَلَيْهِ (5) ، الآنَ فَعَلتُ ذَا بِأُمِّ أَبِي بَكْرٍ.
__________
(1) علق العلامة المعلمي اليماني في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1274 على قوله " بلغني "، فقال: " بلغني " أخت " زعموا " فإذا رأيت العالم يمتطيها للغض من مخالفيه، فاعلم أنها مطية مهزولة ألجأته إليها الضرورة، وقد حدث ابن عساكر عن شيخ العبدري، وشهد له أنه أحفظ شيخ لقيه كما مر.
(2) قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ ": هذه حكاية منقطعة، وهذا قول الضلال المجسمة، وما اعتقد أن بلغ بالعبدري هذا.
(3) قال المؤلف في " تذكرة الحفاظ ": تعالى الله عن ذلك وتقدس، وهذا لا يتفوه به مؤمن، فإن الله تعالى لا مثل له أبدا.
(4) في حاشية الأصل ما نصه: في نسخة: آخر.
(5) كان هذا الحكم في ابتداء الإسلام، ثم نسخ، والدليل على ذلك ما أخرجه أبو =(19/582)
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ بَشِعَ الصُّوْرَةِ زرِيَّ اللّباس.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ حَافظ مبرز فِي صنعَةِ الحَدِيْث، سَمِعَ الكَثِيْر، وَنسخ بخطِّه وَإِلَى آخر عُمُرِهِ، وَكَانَ يَنسخ وَقت السَّمَاع.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: فِيْهِ تسَاهُلٌ فِي السَّمَاع، يَتحدَّث وَلاَ يُصْغِي، وَيَقُوْلُ: يكفِيْنِي حُضُوْرُ المَجْلِسِ، وَمَذْهَبُهُ فِي القُرْآنِ مَذْهَبُ سُوءٍ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَا ثَبَتَ عَنْهُ مَا قِيْلَ مِنَ التَّشبيه، وَإِن صَحَّ، فَبُعْداً لَهُ وَسُحْقاً.
333 - الرَّازِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، الثِّقَةُ، مُسْنِدُ الإِسْكَنْدَرِيَّة وَمِصْر، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن أَحْمَدَ الرَّازِيّ، ثُمَّ المِصْرِيّ، الشُّروطِي، المُعَدَّل، المَعْرُوف بِابْنِ الحطَاب الَّذِي يَقُوْلُ فِيْهِ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ فِيمَا نَقلتُهُ مِنْ خطِّه: لَمْ يَكُ فِي وَقته فِي الدُّنْيَا مَنْ يُدَانِيه فِي عُلُوِّ الإِسْنَادِ.
__________
= داود (215) ، والدارمي: 1 / 194 من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: حدثني أبي بن كعب، أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد، وإسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة (225) ، وابن حبان (228) و (229) ، والدارقطني: 1 / 126، والبيهقي: 1 / 165، وانظر التفصيل في " شرح السنة " للبغوي بتحقيقنا: 2 / 3 - 7.
(*) تاريخ الإسلام: 4: 267 / 2 - 268 / 1، دول الإسلام: 2 / 47، العبر: 4 / 65، النجوم الزاهرة: 5 / 247، حسن المحاضرة: 1 / 375، شذرات الذهب: 4 / 75.(19/583)
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَاعْتَنَى بِهِ وَالِدُهُ المُحَدِّثُ أَبُو العَبَّاسِ، فَسَمَّعَهُ الكَثِيْرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ، وَبعْدَهَا سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ حِمِّصَة رَاوِي مَجْلِس البِطَاقَة، وَعَلِيّ بن رَبِيْعَةَ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الطفَال، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الفَتْح الحكيمِي، وَأَبَا الفَضْل السَّعْدِيّ، وَتَاجُ الأَئِمَّة أَحْمَدَ بن عَلِيِّ بنِ هَاشِم، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ بنِ سعدُوْنَ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ بنِ التَّرْجُمَان، وَعدد شُيُوْخه سَبْعَة وَأَرْبَعُوْنَ، خَرَّج لَهُ عَنْهُم أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَخَرَّج لَهُ أَيْضاً السُّدَاسيَات وَرَوَى عَنْهُ هُوَ، وَيَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ، وَعبد الوَاحِد بن عَسْكَر، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ أَحْمَد بن المُسَلَّمِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَوْفٍ الفَقِيْه، وَإِسْمَاعِيْلُ بن يَاسينَ، وَعبدُ الرَّحْمَن بن مُوْقَا، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي سَادس جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو السعُوْد أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ المُجْلِي - بِجِيمٍ سَاكنَةٍ - وَالخَطِيْب أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْد القَاهِرِ الطُّوْسِيّ بِالمَوْصِلِ، وَمُدَرِّس النِّظَامِيَة أَبُو عَلِيٍّ الحَسَن بن سَلْمَانَ بن الفَتَى (1) ، وَالشَّيْخ القُدْوَة حَمَّادُ بن مُسْلِمٍ الدَّبَّاس (2) ، وَطَبِيْبُ الأَنْدَلُس أَبُو العَلاَءِ زُهْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زُهر الإِشبيلِي (3) ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المَاوردي (4) ،
__________
(1) سترد ترجمته برقم (358) .
(2) سترد ترجمته برقم (344) .
(3) سترد ترجمته برقم (345) .
(4) سترد ترجمته برقم (338) .(19/584)
وَالسُّلْطَان مَحْمُوْدُ بن مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه (1) ، وَأَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، وَيَحْيَى بن الْمُشرف المِصْرِيّ التَّمَّار.
334 - ابْنُ أَبِي ذَرٍّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ وَقته، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي ذَرٍّ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ الصَّالْحَانِي، الأَصْبَهَانِيّ.
وَالصَّالْحَان: مَحلَّة مَشْهُوْرَة.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي طَاهِر بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَخَلَفُ بنُ أَحْمَدَ، وَتَمِيمُ بن أَبِي الفُتُوْح المُقْرِئ، وَسَعِيْدُ بن رَوْحٍ الصَّالحَانِي، وَعُبيدُ الله بن أَبِي نَصْرٍ اللَّفْتُوَانِي، وَمُحَمَّد بن أَبِي عَاصِمٍ بنِ زَيْنَة، وَمُحَمَّد بن أَبِي نَصْرٍ الحَدَّاد الضّرِير، وَزَاهِر بن أَحْمَدَ الثَّقَفِيّ، وَالمُخْلص مُحَمَّد بن الفَاخر، وَأَبُو مُسْلِمٍ بن الإِخْوَة، وَإِدْرِيْس بن مُحَمَّدٍ العَطَّار، وَمَحْمُوْد بن أَحْمَدَ المُضَرِيّ، وَعينُ الشَّمْس بِنْت أَحْمَد الثقفِيَة، وَعِدَّة.
مَاتَ: فِي ثَانِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (305) .
(*) الأنساب: 8 / 13، التحبير: 2 / 186 - 187، معجم شيوخ السمعاني: الورقة: 229 / 1، وذكره ابن الأثير في اللباب: 2 / 230، تاريخ الإسلام: 4: 289 / 1، دول الإسلام: 2 / 52، العبر: 4 / 83، شذرات الذهب: 4 / 96.(19/585)
335 - ابْنُ مُلُوْكٍ أَبُو المَوَاهِبِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الثِّقَةُ، أَبُو الموَاهِب أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُلُوْك البَغْدَادِيّ، الوَرَّاق، شَيْخٌ خَيِّر، صَحِيْحُ السَّمَاع.
سَمِعَ: القَاضِي أَبَا الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَعبدُ الخَالِق بن هِبَةِ اللهِ البُنْدَار، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَجَمَاعَة، عِنْدَهُ (جُزْء الغِطْرِيْفِيّ (2)) .
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
336 - ابْنُ عَطِيَّةَ أَبُو بَكْرٍ غَالِبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَالِبٍ **
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، المُجَوِّدُ، أَبُو بَكْرٍ غَالِبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَالِب بن تَمَّام بن عَطِيَّةَ المُحَارِبِيّ، الأَنْدَلُسِيّ، الغَرْنَاطِي، المَالِكِيّ.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4: 265 / 1، العبر: 4 / 64، شذرات الذهب: 4 / 73.
(1) في مشيخته لوحة: 17 / 1 رقم (100) .
(2) هو الحافظ المتقن الامام أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين الغطريفي العبدي سنة 377 هـ تقدمت ترجمته في الجزء السادس عشر برقم (253) ، انظر " تاريخ جرجان ": 430، و" الأنساب ": 9 / 159، 160، و" تذكرة الحفاظ ": 3 / 971 - 972، و" العبر ": 3 / 5، 6.
(* *) فهرسة ابن عطية: 41 - 56، الصلة: 2 / 457 - 458، بغية الملتمس: 427، تاريخ الإسلام: 4: 235 / 1 - 2، العبر: 4 / 43، تذكرة الحفاظ: 4 / 1269 - 1270، عيون التواريخ: 13 / 447، الديباج المذهب: 2 / 58 - 59 عند ذكر ولده و136، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 23 - 24، شذرات الذهب: 4 / 59، شجرة النور الزكية: 1 / 129، الغنية: 253 - 255.(19/586)
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَالحَسَن بن عُبيد الله الحَضْرَمِيّ، وَمُحَمَّد بن حَارِث، وَمُحَمَّد بن أَبِي غَالِبٍ القروِي، وَرَأَى ابْنَ عَبْد البَرِّ، وَحَجَّ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، فَسَمِعَ عِيْسَى بنَ أَبِي ذَرٍّ، وَالحُسَيْنَ بن عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ، وَأَبَا الفَضْل الجَوْهَرِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ مُعَاذٍ التَّمِيْمِيّ المهدوِي.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ صَاحِب (التَّفْسِيْر) الكَبِيْر.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال (1) :كَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ وَطُرُقِهِ وَعِلَلِهِ، عَارِفاً بِالرِّجَال، ذَاكِراً لِمُتُونِهِ وَمَعَانِيهِ، قَرَأْتُ بِخَطِّ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ سَمِعَهُ يذكر أَنَّهُ كرَّرَ عَلَى (2) (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) سَبْعَ مائَة مرَّة.
قَالَ: وَكَانَ أَديباً شَاعِراً لُغَويّاً، دَيِّناً فَاضِلاً، أَكْثَرَ النَّاسُ عَنْهُ، وَكُفَّ بَصَرُه فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَكَتَبَ إِلَيْنَا بِإِجَازَة مَا رَوَاهُ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
ابْنُهُ:
337 - عَبْد الحَقّ بن أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ غَالِب بن عَطِيَّةَ المُحَارِبِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ المفسِّرِيْنَ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ ابْن الحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ غَالِب بن عَطِيَّةَ المُحَارِبِيّ، الغَرْنَاطِي.
__________
(1) في " الصلة ": 2 / 458.
(2) لفظ " على " لم يرد في " الصلة ".
(*) الصلة: 2 / 386 - 387، بغية الملتمس: 376، معجم ابن الابار: 269 - 273، صلة الصلة لابن الزبير: 2، المرقبة العليا: 109، الديباج المذهب: 2 / 57 - 59، وفيات ابن قنفذ: 279 و63، بغية الوعاة: 2 / 73 - 74، طبقات المفسرين للسيوطي: 16 - 17، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 260 - 261، نفح الطيب: 1 / 679، كشف الظنون: 439 و1613، هدية العارفين: 502، شجرة النور الزكية: 1 / 129.(19/587)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنِ الحَافِظ أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، وَمُحَمَّد بن الفَرَجِ مَوْلَى ابْنِ الطَّلاَّع، وَأَبِي الحُسَيْنِ يَحْيَى بن أَبِي زَيْدٍ المُقْرِئ ابْن البيَاز، وَعِدَّة.
وَكَانَ إِمَاماً فِي الفِقْه، وَفِي التَّفْسِيْر (1) ، وَفِي العَرَبِيَّة، قوِيَّ المشَاركَة، ذكيّاً فَطِناً مدركاً، مِنْ أَوعيَة العِلْم.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، اعْتَنَى بِهِ وَالِده، وَلحق بِهِ الكِبَار، وَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ مُرَاهِق، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، وَلِيَ قَضَاءَ المرِيَّة فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حُبَيْش الحَافِظ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبيدِ الله، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ مَضَاء، وَعبدُ المُنْعِم بن الْفرس، وَأَبُو جَعْفَرٍ بن حَكم، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: بِحصن لُوْرقَة، فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شهرِ رَمَضَانَ، سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ الحَافِظُ خَلَف بن بَشْكُوَال: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ: كَانَ وَاسِعَ المَعْرِفَة، قَوِيَّ الأَدَبِ، مُتَفَنِّناً فِي العُلُوْمِ، أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
__________
(1) من مؤلفاته فيه " المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز " أحسن فيه وأبدع، وطار لحسن نيته كل مطار.
وهو أصدق شاهد لمؤلفه بإمامته في اللغة العربية، وغيرها من فنون العلم المختلفة، يقول فيه شيخ الإسلام في فتاويه: 2 / 194: وهو خير من تفسير الزمخشري، وأصح نقلا وبحثا، وأبعد من البدع وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، وقد نشرت منه وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية المغربية تسعة أجزاء بتحقيق لجنة من المجلس العلمي بفاس، ونشر أجزاء منه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر.(19/588)
338 - أَبُو غَالِبٍ المَاورديُّ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بن الحَسَنِ التَّمِيْمِيُّ، البَصْرِيُّ، المَاوردي.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ الأَنْمَاطِيّ، وَعَبْدَ اللهِ بن الخَلاَّل، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ، وَأَبَا عَمْرٍو بن مَنْدَه، وَمَحْمُوْدَ بن جَعْفَرٍ، وَعِدَّةً بِأَصْبَهَانَ، وَمُحَمَّد بن المَنْثُوْر (1) الجُهَنِيّ، وَأَبَا الفَرَجِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ علاَّن بِالكُوْفَةِ، وَأَبَا عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ، وَعَبْدَ الْملك بن شَغَبَة بِالبَصْرَةِ.
وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً عَالِماً، يَنسَخُ لِلنَّاسِ بِالأُجرَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَأَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ، وَيَحْيَى بن بَوش، وَعَبْد الوَهَّابِ بن سُكَيْنَة.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: نسخ بخطِّه الكَثِيْرَ، وَكَانَ صَالِحاً، مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: وَرُئِي فِي المَنَامِ، فَقَالَ: غَفَرَ اللهُ لِي بِبَرَكَات الحَدِيْثِ، وَأَعْطَانِي جَمِيْع مَا أَمَّلْتُهُ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ ثِقَةً صَالِحاً عَفِيْفاً، حَدَّثَ بِالكَثِيْرِ.
__________
(*) المنتظم: 10 / 23، اللباب: 3 / 156 - 157، تاريخ الإسلام: 4: 268 / 1، العبر: 4 / 65 - 66، شذرات الذهب: 4 / 75.
(1) بنون ساكنة ثم مثلثة: أبو الحسن محمد بن القاسم بن المنثور الجهني الكوفي المتوفى سنة 476 هـ. " تبصير المنتبه ": 4 / 1322.
(2) مشيخة ابن عساكر: لوحة: 182 / 1.(19/589)
339 - صَاعِدُ بنُ سَيَّارِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الإِسْحَاقِيُّ *
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو العَلاَءِ (1) الإِسْحَاقِي، الهَرَوِيّ، الدَّهَان.
حَجَّ وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَبِي عَامِرٍ الأَزْدِيّ، وَشَيخِ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ، وَعَلِيَّ بن فَضَالٍ النَّحْوِيَّ، وَعِدَّة.
قرَأَ عَلَيْهِ ابْنُ نَاصر (جَامِع أَبِي عِيْسَى) ، فَسَمِعَهُ مِنْهُ أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ وَغَيْرهُ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (2) :كَانَ حَافِظاً مُتْقِناً، وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، كتب الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ الأَبْوَاب، وَعرفَ الرِّجَال، حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْنُ نَاصر، وَأَبُو العَلاَءِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل، وَأَبُو المُعَمَّرِ الأَنْصَارِيّ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، مَاتَ بقَرْيَة غُورَج (3) بِقُرْبِ هَرَاة، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ كَهْلاً - رَحِمَهُ اللهُ -.
__________
(*) الأنساب: 1 / 223، المنتظم: 9 / 262، التقييد: الورقة: 113 / 1 - 2، اللباب: 1 / 52، تاريخ الإسلام: 4: 141 / 2، العبر: 4 / 46 - 47، تذكرة الحفاظ: 4 / 1270 - 1271، عيون التواريخ: 13 / 468، مرآة الجنان: 3 / 225، البداية: 12 / 197، الجواهر المضية: 2 / 261 - 262، طبقات الحفاظ: 461، الطبقات السنية: رقم: 983، شذرات الذهب: 4 / 61.
(1) تحرف في البداية إلى أبي الأعلى.
(2) في " الأنساب ": 1 / 223.
(3) تحرف في البداية إلى " عتورج " وانظر " معجم ياقوت " 4 / 216.(19/590)
340 - ابْنُ صَاعِدٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّاعِدِيُّ *
قَاضِي نَيْسَابُوْر، وَصدرُهَا وَكَبِيْرُهَا، أَبُو سَعِيْدٍ مُحَمَّدُ ابنُ القَاضِي أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ الصَّاعدي.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَمَّه يَحْيَى، وَعُمَرَ بنَ مَسْرُوْر، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَعَبْد الغَافِرِ بن مُحَمَّد.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَاصر، وَغَيْرُهُ، وَابْن السَّمْعَانِيّ (1) .
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ بِضْع وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
341 - طَاهِرُ بنُ سَهْلِ بنِ بِشْرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ **
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايينِي، ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ الصَّائِغ.
سَمَّعَهُ أَبُوْهُ المُحَدِّثُ أَبُو الفَرَجِ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ الحِنَائِي، وَعبدِ الدَّائِم الهِلاَلِي، وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن مَكِّيّ الأَزْدِيّ، وَالحَافِظ أَبِي بَكْرٍ
__________
(*) التحبير: 2 / 74 - 75، المنتظم: 10 / 33، تاريخ الإسلام: 4: 275 / 2 - 276 / 1، العبر: 4 / 72، مرآة الجنان: 3 / 252، النجوم الزاهرة: 5 / 251، الجواهر المضية: 2 / 22، غاية النهاية: 2 / 84، شذرات الذهب: 4 / 82.
(1) في " التحبير ": 2 / 74: كانت الرئاسة قد انتهت إليه والتقدم والقضاء بنيسابور، وكانت له دنيا عريضة، وكان يليق به القضاء لفضله وبيته، وكان مكرما للغرباء، متواضعا، سمع الحديث الكثير، وعمر العمر الطويل حتى حدث بالكثير، وانتشرت رواياته.
(* *) العبر: 4 / 85، ميزان الاعتدال: 2 / 335، لسان الميزان: 3 / 206، 207، شذرات الذهب: 4 / 97، تهذيب ابن عساكر: 7 / 48.(19/591)
الخَطِيْب، وَأَحْمَد بن عبد الوَاحِد بن أَبِي الْحَدِيد، وَعَبْد العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ الكتَانِي، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ، وَالخُشُوْعِيّ، وَعبدُ الرَّحْمَن بن عَلِيٍّ الخرقِي، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، فَإِنَّهُ وُلِدَ عَامَ خَمْسِيْنَ، غَمَزَه ابْنُ عَسَاكِرَ، وَقَالَ: كَانَ شَيْخاً عَسِراً، مَعَ جَهله بِالحَدِيْثِ، وَعدم ثِقَته، حكَّ اسمَ أَخِيْهِ مِنْ كِتَاب (الشِّهَابِ) لِلْقضَاعِي، وَأَثْبَت بدلَه اسْم نَفْسه.
342 - ابْنُ خُسْرُو أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ *
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، مُفِيدُ أَهْل بَغْدَادَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خُسْرو البَلْخِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الحَنَفِيّ، جَامِع (مُسْنَدِ أَبِي حَنِيْفَةَ) .
سَمِعَ مِنْ: مَالِكٍ البَانِيَاسِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ الأَنْبَارِيِّ، وَعبدِ الوَاحِد بن فَهْدٍ، وَالنِّعَالِيّ، فَمَنْ بَعْدَهُم، فَأَكْثَر وَجَمَعَ، وَأَفَاد وَتَعِبَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلت عَنْهُ ابْن نَاصر، فَقَالَ: فِيْهِ لِيْنٌ، يَذْهَب
__________
(*) مشيخة ابن الجوزي: 176 - 178، تاريخ الإسلام: 4: 271 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 547 - 548، الجواهر المضية: 2 / 127 - 128، لسان الميزان: 2 / 312 - 313، تاج التراجم: 25، الطبقات السنية: رقم: 781، كشف الظنون: 2 / 1681.(19/592)
إِلَى الاعتزَال، وَكَانَ حَاطِبَ ليلٍ، وَسَأَلت عَنْهُ ابْن عَسَاكِرَ، فَقَالَ: مَا كَانَ يَعْرِفُ شَيْئاً.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
343 - ابْنُ الطَّبَرِ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ القُرَّاء وَالمُحَدِّثِيْنَ، أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ البَغْدَادِيّ، الحَرِيْرِيّ.
وُلِدَ: يَوْم عَاشُورَاء، سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بن عبد الوَاحِد بن زوج الحرَّة، وَأَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبِي طَالِبٍ العُشَارِي، وَطَائِفَة، وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُوْسَى الخَيَّاط تِلْمِيْذِ أَبِي أَحْمَدَ الفَرَضِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْن الجَوْزِيّ، وَيَحْيَى بن يَاقُوْت، وَعبدُ الخَالِق بن هِبَةِ اللهِ البُنْدَار، وَعَبْد اللهِ بن الطَّوِيْلَة، وَعَلِيُّ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْبَارِيّ، وَفَاطِمَةُ بِنْت سَعْدِ الخَيْرِ، وَعبدُ الرَّحْمَن بن أَحْمَدَ العُمَرِيّ، وَبقَاءُ بن حُنَّذ، وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَتَلاَ عَلَيْهِ الكِنْدِيّ بِستِّ رِوَايَاتٍ، وَكَانَ خَاتِمَةَ مَنْ رَوَى عَنْهُ فِي الدُّنْيَا.
__________
(*) مشيخة ابن الجوزي: ص: 62 - 63، المنتظم: 10 / 71، المستدرك لابن نقطة: 63، الكامل في التاريخ: 11 / 54، دول الإسلام: 2 / 53، العبر: 4 / 86، معرفة القراء: 1 / 392 - 393، تبصير المنتبه: 3 / 863، شذرات الذهب: 4 / 97 - 98.
(1) في مشيخته: لوحة: 235 / 1.(19/593)
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ صَحِيْحَ السَّمَاع، قوِيَّ الْبدن، ثَبْتاً، كَثِيْرَ الذِّكْرِ، دَائِمَ التِّلاَوَةِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنِ ابْنِ زوج الحرّة، قَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَكُنْت أَجِيْءُ (1) إِلَيْهِ فِي الحَرِّ، فَنصعدُ سطحَ المَسْجَد، فَيسبقنِي فِي الدّرج.
مَاتَ: فِي ثَانِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى: ذَهَبَ بَصَرُهُ، ثُمَّ عَادَ بَصِيْراً.
344 - حَمَّادُ بنُ مُسْلِمِ بنِ ددُّوْهُ *
الشَّيْخُ الْقدَم، علمُ السَّالكين، أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّبَّاس، الرَّحَبِيّ؛ رَحْبَةُ مَالِك بن طَوْق.
نشَأَ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ يَجلسُ فِي غُرفَة كَاركه (2) الدّبس، وَكَانَ مِنْ أَوليَاء الله أُولِي الكرَامَاتِ، انْتفع بصُحبَتِه خلقٌ، وَكَانَ يَتَكَلَّم عَلَى الأَحْوَال، كَتَبُوا مِنْ كلاَمه نَحْواً مِنْ مائَة جُزْء، وَكَانَ قَلِيْلَ العِلْم أُمِّيّاً.
فَعَنْهُ قَالَ: مَاتَ أَبوَاي فِي نَهَارٍ وَلِي ثَلاَث سِنِيْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجيلِي: سَمِعَ مِنْ أَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ،
__________
(1) في الأصل: وكتب أخي إليه في الجزء، وهو تصحيف قبيح وقع للناسخ، والنص في " المنتظم ": وكنت أجئ إليه في الحر، فيقول: نصعد إلى سطح المسجد فيسبقني في الدرجة، وكذلك ورد على الصواب عند المصنف في " معرفة القراء " رقم (430) .
(*) المنتظم: 10 / 22 - 23، الكامل في التاريخ: 10 / 671، تاريخ الإسلام: 4: 266 / 1 - 2، دول الإسلام: 2 / 47، العبر: 4 / 64، تتمة المختصر: 2 / 59، مرآة الزمان: 8 / 85، البداية: 12 / 202، النجوم الزاهرة: 5 / 246، شذرات الذهب: 4 / 73 - 74، منتخبات التواريخ: 473.
(2) الكلمة فارسية، ومعناها المعمل أو المصنع، أو الدكان أو القصر.(19/594)
وَكَانَ يَتَكَلَّمُ عَلَى آفَاتِ الأَعْمَال، وَالإِخلاَصِ، وَالوَرَعِ، قَدْ جَاهدَ نَفْسَه بِأَنْوَاعِ المُجَاهِدَاتِ، وَزَاوَلَ أَكْثَرَ المِهَنِ وَالصَّنَائِع فِي طَلَبِ الحَلاَل، وَكَانَ مكَاشفاً.
فَعَنْهُ قَالَ: إِذَا أَحَبَّ اللهُ عبداً، أَكْثَر هَمَّهُ فِيمَا فَرَّط، وَإِذَا أَبغض عَبداً، أَكْثَرَ هَمَّه فِيمَا قَسَمَه لَهُ.
وَقَالَ: العِلْمُ مَحَجَّةٌ، فَإِذَا طلبتَهُ لِغَير الله، صَارَ حُجَّة.
وَقِيْلَ: كَانَ يَقْبَلُ النَّذر، ثُمَّ تَركه، لِقَوْل النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ مِنَ البَخِيْلِ (1)) ، ثُمَّ صَارَ يَأْكُلُ بِالمَنَام (2) .
قَالَ المُبَارَكُ بن كَامِلٍ: مَاتَ العَارِفُ الوَرِعُ النَّاطق بِالحِكْمَة حَمَّاد فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، كَانَ بِزِيِّ الأَغنِيَاء، وَتَارَةً بزِيِّ الفُقَرَاء.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) :كَانَ يَتصَوَّفُ، وَيَدَّعِي المَعْرِفَة وَالمكَاشفَة، وَعُلُوْمَ البَاطِن، وَكَانَ عَارِياً عَنْ علمِ الشَّرع، وَنَفَقَ عَلَى الجهَال، كَانَ ابْنُ عَقِيْلٍ يُنَفِّرُ النَّاسَ عَنْهُ، وَبَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُعطِي المَحمُومَ لَوْزَةً وَزبِيْبَة ليبرَأَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ: إِنْ عُدْتَ لِهَذَا ضربتُ عُنُقَك، تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ.
__________
(1) أخرجه من حديث عبد الله بن عمر البخاري (6693) ومسلم (1639) كلاهما في النذر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وقال: " إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل "، وأخرجه من حديث أبي هريرة مسلم " 1640) بلفظ " لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل ".
(2) في " المنتظم ": 1 / 23، فصار يأكل بالمنامات، وكان يجئ الرجل، فيقول: قد رأيت في المنام: أعط حمادا كذا، فاجتمع له أصحاب ينفق عليهم ما يفتح له.
(3) المنتظم: 10 / 22.(19/595)
قُلْتُ: نَقم ابْنُ الأَثِيْرِ (1) وَسِبْطُ ابْن الجَوْزِيّ (2) هَذَا، وَعظَّمَا حمَاداً - رَحِمَهُ اللهُ - وَكَانَ الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ مِنْ تَلاَمِذَته.
345 - ابْنُ زُهْر أَبُو العَلاَءِ زُهْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ الأَوحدُ، أَبُو العَلاَءِ زُهْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْوَانَ بنِ زُهْر الإِيَادِيّ، الإِشبيلِي، الطَّبِيْب، الشَّاعِر.
أَخَذَ الطِّبّ عَنْ أَبِيْهِ، فَسَاد فِيْهِ، وَصَنَّفَ حَتَّى إنَّ أَهْلَ الأَنْدَلُس لَيفتخِرُوْنَ بِهِ، وَحَمَلَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الجيَّانِي، وَعَبْد اللهِ بن أَيُّوْبَ.
وَلَهُ النّظمُ الفَائِق، وَفِيْهِ كَرَمٌ وَسُؤْدُد، لَكنَّه فِيْهِ بَذَاء، وَنَفَقَ عَلَى السُّلْطَان، حَتَّى صَارَت إِلَيْهِ رِيَاسَةُ بَلَده.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ أَبُو مَرْوَانَ، وَأَبُو عَامِرٍ بن يَنق، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْوَانَ.
أَلَّف كِتَاب (الأَدويَةِ المُفردَة) ، وَكِتَاب (الخَواصِّ) ، وَكِتَاب (حل شكوك الرَّازِيّ (3)) ، وَأَشيَاء، وَكَانَ أَبُوْهُ ملكَ الأَطبَاء، وَكَانَ جَدُّهُ فَقِيْهاً مُفْتِياً.
تُوُفِّيَ أَبُو العَلاَءِ: بقُرْطُبَة، سَنَة خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ منْكوباً.
__________
(1) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 671.
(2) انظر " مرآة الزمان ": 8 / 85.
(*) الذخيرة ق 2 م 1 / 218 - 231، بدائع البدائه: 2 / 42، المطرب: 203، التكملة لابن الابار: 334، طبقات الاطباء: 1 / 517 - 519، تاريخ الإسلام: 4: 266 / 2، العبر: 4 / 64 - 65 مرآة الجنان 3 / 244، وفيات ابن قنفذ: 275 نفح الطيب: 3 / 432، كشف الظنون: 1265، شذرات الذهب: 4 / 74 - 75، إيضاح المكنون: 1 / 154، دائرة المعارف الإسلامية: 1 / 183.
(3) في تاريخ الإسلام: " حل شكوك الرازي على كتب جالينوس ".(19/596)
346 - ظَافر بن القَاسِمِ بن مَنْصُوْرٍ *
شَاعِرُ زَمَانِهِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ الجُذَامِيّ، الإِسْكَنْدَرَانِي، الحَدَّاد، لَهُ (دِيْوَانٌ) مَشْهُوْر (1) .
رَوَى عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَغَيْرهُ، وَهُوَ القَائِلُ:
يَذُمُّ المُحِبُّوْنَ الرَّقِيْبَ وَلَيْتَ لِي ... مِنَ الوَصْلِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ رَقِيْبُ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الآمِدِيّ: دَخَلت عَلَى مُتَوَلِّي الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَقَدْ وَرِمَ خِنْصرُهُ مِنْ خَاتَمٍ، فَقُلْتُ: المصلحَةُ قطعُ الخَاتم، وَطلبتُ لَهُ ظَافراً الحَدَّاد، فَقطع الحَلْقَة وَارتجل:
قَصَّرَ عَنْ أَوْصَافِكَ العَالَمُ ... وَأَكْثَرَ النَّاثِرُ وَالنَّاظِمُ
مَنْ يَكُنِ البَحْرُ لَهُ رَاحَةً ... يَضِيْقُ عَنْ خِنْصَرِهِ خَاتَمُ
فَوَهَبَه الحَلْقَة، وَكَانَتْ ذهباً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
347 - ابْنُ حَمُّوْيَه أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حَمُّوْيَه بن مُحَمَّد **
الإِمَامُ، العَارِفُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حَمُّويَه بن مُحَمَّدِ بنِ حَمُّوْيَه
__________
(*) خريدة القصر: 2 / 1 - 17، معجم الأدباء: 12 / 27 - 33، وفيات الأعيان: 2 / 540 - 543، تاريخ الإسلام: 4: 282 / 1 - 2، العبر: 4 / 78، النجوم الزاهرة: 5 / 376 - 377، شذرات الذهب: 4 / 91 - 93.
(1) وأنشد له ابن خلكان وياقوت قصيدة من غرر القصائد مطلعها:
لو كان بالصبر الجميل ملاذه * ما سح وابل دمعه ورذاذه
(* *) الأنساب: 4 / 230، المنتظم: 10 / 63 - 64، اللباب: 1 / 392، تاريخ الإسلام: 4: 288 / 2، العبر: 4 / 83، الوافي بالوفيات: 3 / 28، البداية: 12 / 211، شذرات الذهب: 4 / 95.(19/597)
الجُوَيْنِيّ، الصُّوْفِيّ، جدّ آل حَمُّوْيَه الَّذِيْنَ رَأَسُوا بِمِصْرَ.
كَانَ ذَا تَأَلُّهٍ وَتَعَبُّدٍ وَمُجَاهِدَةٍ وَصدقٍ (1) .
حَجَّ مَرَّتَيْنِ، وَحَدَّثَ عَنْ: عَائِشَةَ بِنْت البِسْطَامِي، وَمُوْسَى بن عِمْرَانَ الصُّوْفِيّ، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَة، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: صَاحِبُ كرَامَات وَآيَات، اشْتُهِرَ بِتربيَة المُرِيْدين، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنَ الأُسْتَاذ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: لَهُ فِي التَّصَوُّف تَأْلِيف، وَقَبْرُهُ يُزَارُ بقَرْيَةِ بُحَيْرَابَاذَ (2) .
تُوُفِّيَ إِلَى رِضوَان الله: فِي مُسْتهلِّ رَبِيْعٍ الأَوّلِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
348 - ابْنُ عَيْذُوْنَ * (3)
ذُو الوَزَارتَيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ المَجِيد بن عَيْذُوْنَ، وَهُوَ مَنْسُوْبٌ إِلَى
__________
(1) في " الوافي بالوفيات ": 3 / 28: وكان سنجر والملوك يزورونه، ولا يغشى أبوابهم، ولا يقبل صلاتهم، ولا يأكل من الاوقاف، له قطعة أرض يزرعها خادم له، وبنى خانقاه ببحيراباذ إلى جانب داره، وأوقف عليها أوقافا.
(2) في معجم ياقوت: من قرى جوين من نواحي نيسابور.
(*) القلائد: 145، الذخيرة: ق 2 م 2 / 668 - 727، الصلة: 2 / 388 - 389، الخريدة: 2 / 103، بغية الملتمس: رقم: 1570، المطرب: 127، 180، المعجب: 76، 87، 164 - 170، 112 - 134، 244، التكملة لابن الابار: 407
ووفاته سنة 520 هـ، المغرب: 1 / 374، تاريخ الإسلام: 4: 274 / 2، فوات الوفيات: 2 / 388 - 393.
(3) كذا الأصل بالياء التحتية والذال المعجمة، وكتب فوق الياء كلمة: صح وكذلك هو في كل موضع ورد في الترجمة مع أنه ورد في تاريخ المؤلف، وفي جميع المصادر التي ترجمت له: =(19/598)
جدّه لأُمِّهِ عَبْد المَجِيد بن عَبْدِ اللهِ بن عَيْذُوْنَ الفِهْرِيّ الأَنْدَلُسِيّ، اليَابُرِي النَّحْوِيّ، الشَّاعِرُ المفلِق.
أَخَذَ عَنْ أَبِي الحجَّاج الأَعْلَم، وَعَاصِمِ بنِ أَيُّوْبَ، وَأَبِي مَرْوَانَ بن سرَاج، وَلَهُ نَظْمٌ فَائِق، وَمُؤلَّف فِي الانتصَار لأَبِي عُبَيْدٍ عَلَى ابْنِ قُتَيْبَة، وَكَانَ مِنْ بُحُوْر الآدَاب، كتب الإِنشَاءَ لِلمُتَوكِّلِ بنِ الأَفْطَس صَاحِب بَطَلْيَوْسَ وَأُشبونَة، وَلَهُ فِيهِم مرثيَة باهرَة (1) أَوَّلُهَا:
الدَّهْرُ يَفْجَعُ بَعْدَ العَيْنِ بِالأَثَرِ ... فَمَا البُكَاءُ عَلَى الأَشْبَاحِ وَالصُّوَرِ
ثُمَّ تَضَعْضع، وَاحتَاج، وَعُمِّرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ زُهر: دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُل رَثُّ الهيئَة، كَأَنَّهُ بدوِي، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، اسْتَأْذِن لِي عَلَى الوَزِيْر أَبِي مَرْوَانَ.
فَقُلْتُ: هُوَ نَائِم.
فَقَالَ: مَا هَذَا الكِتَاب؟
قُلْتُ: وَمَا سُؤَالك عَنْهُ؟! هَذَا مِنْ كِتَاب (الأَغَانِي) .
فَقَالَ: تُقَابِله؟
فَقُلْتُ: مَا هُنَا أَصل.
قَالَ: إِنِّيْ حَفِظته فِي الصِّغَر.
فَتبسَّمتُ، فَقَالَ: فَأَمسك عليَّ، فَأَمسكت، فَوَاللهِ مَا أَخْطَأَ شَيْئاً، وَقرَأَ نَحْواً مِنْ كُرَّاسَينِ، فَقُمْتُ مُسْرِعاً إِلَى أَبِي، فَخَرَجَ حَافِياً وَعَانقهُ، وَقبَّل يَدَه وَاعْتَذَرَ، وَسَبَّنِي وَهُوَ يُخَفِّض عَلَيْهِ، ثُمَّ حَادثه، وَوهبه مركوباً، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبتِ مَنْ هَذَا؟
قَالَ: وَيْحَك! هَذَا أَديبُ الأَنْدَلُس ابْنُ عَيْذُوْنَ، أَيْسَرُ مَحْفُوْظَاته كِتَاب (الأَغَانِي) .
__________
= " عبدون، بالباء الموحدة والدال المهملة، ولم يرد له ذكر في كتب المشتبه تحت: " عيذون ". وانظر الجزء الثامن عشر ص 598 ت 2.
(1) في " وفيات الوفيات ": 2 / 388: ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى بها ملوك بني الافطس، وذكر فيها من أباده الحدثان من ملوك كل زمان، ثم أوردها بتمامها، وهي مشروحة بقلم عبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي المتوفى بعد سنة 608 هـ، واسم شرحه " كمامة الزهر وصدفة الدر " نشره دوزي بليدن عام 1860 م.(19/599)
تُوُفِّيَ ابْنُ عيذُوْنَ: بيَابُرَة، سَنَة سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
349 - عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ حَمْزَةَ بن الخَضِرِ بن العَبَّاسِ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيّ، الدِّمَشْقِيّ، الحَدَّاد، وَكيل المُقْرِئِين.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَمُحَمَّد بن مَكِّيّ الأَزْدِيّ، وَعبد الدَّائِم بن الحَسَنِ الهِلاَلِي، وَأَحْمَد بن عبد الوَاحِد بن أَبِي الْحَدِيد، وَعُبيد الله بن عَبْدِ اللهِ الدَّارَانِيّ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ الكتَانِي، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لَهُ مِنْ بَغْدَادَ: أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَة.
وَمِنْ وَاسِط: أَبُو الحَسَنِ بنُ مَخْلَدٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَالسِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَإِسْمَاعِيْل الجَنْزَوِي (2) ، وَعبد الرَّحْمَن بن الخرقِي، وَأَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَآخِر مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الحَرَسْتَانِيّ المَذْكُور.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ شَيْخاً ثِقَةً، مَسْتُوْراً سهلاً، قَرَأْتُ عَلَيْهِ الكَثِيْر.
وَتُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(*) تاريخ ابن عساكر، تاريخ الإسلام: 4: 272 / 1، العبر: 4 / 69، مرآة الزمان: 8 / 87 - 88، النجوم الزاهرة: 5 / 249، شذرات الذهب: 4 / 78.
(1) مشيخة ابن عساكر: 122 / 2 - 123 / 1.
(2) بفتح الجيم وسكون النون، وفي آخرها الزاي المكسورة: نسبة إلى جنزة: بلدة من بلاد أذربيجان مشهورة من ثغرها.(19/600)
350 - أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَرَّاءِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، القَاضِي، أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ ابنُ القَاضِي الكَبِيْر أَبِي يَعْلَى مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفِ بنِ الفَرَّاءِ الحَنْبَلِيّ، البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَبْد الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبَا المُظَفَّر هنَّاد النَّسفِي، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَعِدَّةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَتَفَقَّهَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ، وَبَرَعَ وَنَاظر، وَدرس وَصَنَّفَ، وَكَانَ يُبَالِغُ فِي السُّنَّةِ، وَيلهَجُ بِالصفَة، وَجَمَعَ طَبَقَاتِ الفُقَهَاء الحنَابلَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَتَمَّامُ بن الشنَّا، وَذَاكرُ الله الحَرْبِيّ، وَمُظَفَّر بن البَري، وَعَلِيّ بن عُمَرَ الوَاعِظ، وَعَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عُليَّانَ، وَمُحَمَّد بن غَنِيْمَة بن القَاق، وَعِدَّة.
__________
(*) المنتظم: 10 / 29، الكامل في التاريخ: 10 / 683، تاريخ الإسلام: 4: 272 / 2 - 273 / 1، العبر: 4 / 69 - 70، الوافي بالوفيات: 1 / 159 - 160، مرآة الجنان: 3 / 252، مرآة الزمان: 8 / 88، البداية: 12 / 204، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 176 - 177، مناقب الامام أحمد: 529، المنهج الاحمد: 2 / 275، كشف الظنون: 432، 458، شذرات الذهب: 4 / 79، إيضاح المكنون: 1 / 547 و2 / 280.
(1) مشيخة ابن عساكر: 208 / 2 - 209 / 1.(19/601)
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ أَبُو الحُسَيْنِ مُتَعَصِّباً فِي مَذْهَبِهِ، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَكَلَّم فِي الأَشَاعِرَة وَيُسْمِعُهُم، لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِم، وَلَهُ تَصَانِيْف فِي مَذْهَبِهِ، وَكَانَ دَيِّناً ثِقَةً، ثَبْتاً، سَمِعْنَا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (1) :كَانَ لَهُ بَيْت فِي دَارِهِ بِبَابِ المَرَاتِب، يَبِيْتُ وَحْدَه، فَعَلِمَ مَنْ كَانَ يَخدُمُهُ بِأَنَّ لَهُ مَالاً، فَذَبَحوهُ ليلاً، وَأَخَذُوا المَال لَيْلَةَ عَاشُورَاء، سَنَة سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ وَقعُوا بِهِم فَقُتِلُوا.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: تَمَيز وَصَنَّفَ فِي الأَصْلين وَالخلاَف وَالمَذْهَب، وَكَانَ دَيِّناً ثِقَةً، حَمَيْدَ السِّيرَةِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
351 - ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخشنِيُّ *
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ المَغْرِب، شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ الخُشنِي، المُرسِي.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي عُمَرَ بنِ عَبْد البَرِّ، وَابْنِ دِلهَاث العُذْرِيّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي، وَابْنِ مَسْرُوْر، وَمُحَمَّدِ بن سعدُوْنَ القروِي، وَحَاتِم بن مُحَمَّد، سَمِعَ مِنْهُ (الْمُلَخَّص) ، أَخْبَرَنَا القَابِسِيّ، وَحَجَّ، فَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنَ الحُسَيْن بن عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ، وَأَخَذَ الفِقْه بقُرْطُبَة عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَد بن رزق المَالِكِيّ، وَانتهت إِلَيْهِ الإِمَامَةُ فِي مَعْرِفَةِ المَذْهَب، وَكَانَ رَأْساً فِي
__________
(1) المنتظم: 10 / 29. و" باب داره " لم ترد فيه.
(*) الصلة: 1 / 294، بغية الملتمس: 337، تاريخ الإسلام: 4: 271 / 1 - 2، العبر: 4 / 69، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 248، شذرات الذهب: 4 / 78، شجرة النور الزكية: 1 / 131، الغنية: 213 - 214.(19/602)
التَّفْسِيْر، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ، لَهُ حُرمَة وَجَلاَلَة، وَفِيْهِ تَعبُّد، وَلَهُ بِرٌّ وَمَعْرُوْف.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيّ قَاضِي سبتَة، وَجَمَاعَة، أَصَابه شَيْءٌ مِنَ الفَالِج، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ حِفْظه.
مَاتَ: فِي ثَالِث رَمَضَانَ، سَنَة سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ شبُّونه، وَعُمِّر، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ قُطر - رَحِمَهُ اللهُ -.
352 - أَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الثِّقَةُ، مُسْنِدُ بَغْدَادَ، أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ ابنُ الإِمَامِ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بن البَنَّاء البَغْدَادِيّ، الحَنْبَلِيّ.
سَمِعَ: أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَتَفَرَّد عَنْهُ بِأَجزَاء عَالِيَةٍ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن حسنُوْنَ النَّرْسِيّ، وَالقَاضِي أَبَا يَعْلَى بن الفَرَّاءِ، وَأَبَا الغنَائِم بن المَأْمُوْن، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن الغرِيق، وَوَالِده أَبَا عليّ، وَعِدَّة، وَلَهُ (مشيخَة) بِانتقَاء الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنَ الفَقِيْه أَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ.
__________
(*) المنتظم: 10 / 31، مشيخة ابن الجوزي: 69 - 71، تاريخ الإسلام: 4: 273 / 1 - 2، دول الإسلام: 2 / 48، العبر: 4 / 71، وذكره المؤلف في تذكره الحفاظ: 4 / 1288، شذرات الذهب: 4 / 79 - 80.(19/603)
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِر (1) ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بن مَسْعُوْدٍ البَاذبينِي (2) ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّد بن هِبَةِ اللهِ الوَكِيْل، وَإِسْمَاعِيْل بن عَلِيٍّ القَطَّان، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَخَلْق، وَكَانَ مِنْ بَقَايَا الثِّقَات.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ - وَقِيْلَ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ - سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَسَعْدُ بن أَبِي نَصْرٍ المِيهنِي الشَّافِعِيّ (3) صَاحِب (التعليقَة) ، وَالحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الحَسَن بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ اليُونَارتِي الأَصْبَهَانِيّ (4) ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ الفَقِيْه، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المَزْرَفِي (5) ، وَأَبُو خَازِم مُحَمَّد بن أَبِي يَعْلَى مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الفَرَّاء الفَقِيْه.
353 - أَبُو خَازِمٍ بنُ الفَرَّاءِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَبُو خَازِمٍ مُحَمَّد ابْن
__________
(1) في " مشيخة ابن عساكر ": لوحة: 4 / 1.
(2) بفتح الذال المعجمة، وكسر الباء المعجمة بواحدة، وسكون الياء المعجمة من تحتها باثنتين، وكسر النون نسبة إلى باذبين قرية تحت واسط. وهبة الله: هو أبو القاسم هبة الله بن مسعود بن الحسن بن الزقطر الباذبيني المتوفى سنة 592 هـ. الاستدراك 1 / الورقة 47.
(3) سترد ترجمته برقم (374) .
(4) سترد ترجمته برقم (365) .
(5) سترد ترجمته برقم (372) .
(*) المنتظم: 10 / 34، مناقب الامام أحمد: 529، تاريخ الإسلام: 4: 276 / 1، العبر: 4 / 73، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1288، الوافي بالوفيات: 1 / 160، البداية: 12 / 206، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 184، النجوم =(19/604)
القَاضِي الكَبِيْر أَبِي يَعْلَى مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الفَرَّاء البَغْدَادِيّ، الحَنْبَلِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ، فَمَاتَ أَبُوْهُ وَهُوَ يَرْضَعُ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَعبدِ الصَّمدِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَجَابِر بن يَاسينَ، وَطَائِفَةٍ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: القَاضِي يَعْقُوْب البرزبينِي تِلْمِيْذ أَبِيْهِ، حَتَّى بَرَعَ فِي العِلْمِ، وَصَنَّفَ (التَّبصرَة) فِي الخلاَف، وَكِتَاب (رُؤُوْس المَسَائِل) ، وَشرح (مُخْتَصَر الخرقِي) .
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ أَبُو يَعْلَى مُحَمَّد، وَأَبُو الفَرَجِ عَلِيٌّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَابْنُ نَاصرٍ، وَيَحْيَى بن بَوْش، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ مرَّ أَخُوْهُ الإِمَامُ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى (1) .
تُوُفِّيَ أَبُو خَازِم: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَعَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَكنوهُ بكُنْيَة عَمّه أَبِي خَازِم مُحَمَّد الرَّاوِي عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ.
354 - أَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ عَلِيُّ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَصْرٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَابِلَةِ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عُبَيْدِ اللهِ
__________
= الزاهرة: 5 / 251، المنهج الاحمد: 2 / 279 - 280، شذرات الذهب: 4 / 82، إيضاح المكنون: 2 / 448، هدية العارفين: 2 / 86.
(1) انظر الصفحة 601 رقم الترجمة (350) .
(*) المنتظم: 10 / 32، مشيخة ابن الجوزي: ص: 79 - 81، مناقب الامام أحمد: 529، اللباب: 2 / 53، الكامل لابن الأثير: 11 / 9، تاريخ الإسلام: 4: 275 / 1، دول الإسلام: 2 / 48، العبر: 4 / 72، الوافي بالوفيات: م: 12 / 112، مرآة الجنان: 3 / 852، شذرات الذهب: 4 / 80 - 81، إيضاح المكنون: 2 / 145، هدية العارفين: 1 / 696.(19/605)
بن نَصْر بن عُبيد الله بن سَهْلِ بنِ الزَّاغونِي البَغْدَادِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَة، وَعبدِ الصَّمدِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ هَزَارْمَرْدَ، وَابْنِ النَّقُّوْرِ، وَابْنِ البُسْرِيّ، وَعَدَدٍ كَثِيْر، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَقَرَأَ الكَثِيْرَ، وَأَسَمَعَ أَخَاهُ المُعَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ بنَ الزَّاغونِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ البطَائِحِي، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ شدّقينِي، وَمَسْعُوْدُ بنُ غَيْث الدَّقَّاق، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَبَرَكَاتُ بن أَبِي غَالِبٍ، وَعُمَرُ بن طَبَرْزَدَ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، كَثِيْرَ التَّصَانِيْف، يَرْجِعُ إِلَى دِينٍ وَتَقوَى، وَزُهْد وَعِبَادَة.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) :صَحِبتُه زَمَاناً، وَسَمِعْتُ مِنْهُ، وَعلقتُ عَنْهُ الفِقْه وَالوعظ.
وَمَاتَ: فِي سَابع عشر المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ الجَمْعُ يَفوتُ الإِحصَاءَ.
قَالَ ابْنُ الزَّاغونِيِّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ:
إِنِّيْ سَأَذْكُرُ عَقْدَ دِيْنِي صَادِقاً ... نَهْجَ ابْنِ حَنْبَلٍ الإِمَامِ الأَوْحَدِ
منهَا:
عَالٍ عَلَى العَرْشِ الرَّفِيْعِ بِذَاتِهِ ... سُبْحَانَهُ عَنْ قَوْلِ غَاوٍ مُلْحِدِ
__________
(1) مشيخة ابن عساكر: 144 / 1 - 2.
(2) المنتظم: 10 / 32.(19/606)
قد ذكرنَا أَن لفظَة (بِذَاته) لاَ حَاجَةَ إِلَيْهَا، وَهِيَ تَشْغَبُ النُّفُوْسَ، وَتركُهَا أَوْلَى - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
قُلْتُ: وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ حَامِد بن أَبِي الفَتْحِ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ الزَّاغونِي يَقُوْلُ:
حَكَى بعضهُم مِمَّنْ يُوْثَقُ بِهِ أَنَّهُ رَأَى فِي المَنَامِ ثَلاَثَةً، يَقُوْلُ وَاحِدٌ مِنْهُم: اخْسِفْ، وَآخر يَقُوْلُ: أَغْرِقْ، وَآخر يَقُوْلُ: أَطْبِق - يَعْنِي: الْبَلَد - فَأَجَابَ أَحَدُهُم: لاَ، لأَن بِالقُرْبِ مِنَّا ثَلاَثَة: عَلِيّ بن الزَّاغونِي، وَأَحْمَد بن الطَّلاَيَة، وَمُحَمَّد بن فُلاَن.
أَملَى عليَّ القَاضِي عَبْدُ الرَّحِيْمِ بن الزَّرِيْرَانِي (1) أَنَّهُ قرَأَ بِخَطِّ أَبِي الحَسَنِ بنِ الزَّاغونِي: قرَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ الضّرِير عليَّ القُرْآن لأَبِي عَمْرٍو، وَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآن مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ بِهَذِهِ القِرَاءة، وَهُوَ يَسْمَع، وَلَمَّا بلغت فِي الحَجّ إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الحَجّ:14] الآيَة، أَشَارَ بِيَدِهِ، أَي: اسْمَعْ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الآيَة مَنْ قرَأَهَا، غُفِرَ لَهُ، ثُمَّ أَشَارَ أَن اقرَأْ، فَلَمَّا بلغتُ أَوّل يَس، قَالَ لِي: هَذِهِ السُّورَة مَنْ قرَأَهَا، أَمِنَ مِنَ الفَقْر، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ المَنَام.
وَرَأَيْتُ لأَبِي الحَسَن بخطِّه مقَالَةً فِي الْحَرْف وَالصَّوت عَلَيْهِ فِيْهَا مآخذُ (2) ، وَاللهُ يغفِرُ لَهُ، فَيَا لَيتَهُ سَكَتَ.
__________
(1) في معجم البلدان: زريران، بفتح الزاي، وكسر الراء، وياء ساكنة، وراء أخرى، وآخره نون: قرية بينها وبين بغداد سبعة فراسخ على جادة الحاج إذا أرادوا الكوفة من بغداد.
(2) وانظر كتاب " دفع شبه التشبيه " لابن الجوزي.(19/607)
355 - أَبُو عَلِيٍّ الفَارِقِيُّ الحَسَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ برهونَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، شَيْخُ الشَّافعيَة، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَرهون الفَارِقِي.
وُلِدَ: بِمَيَّافَارِقينَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ بَيَانٍ الكَازْرُوْنِي، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَلَزِمَ الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاقَ حَتَّى بَرَعَ وَفَاقَ وَحَفِظَ (المُهَذَّبِ) ، ثُمَّ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي نَصْرٍ بن الصَّبَّاغِ، وَحَفِظَ عَلَيْهِ (الشَّامِلُ) كُلُّهُ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَأَبِي الغَنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الصَّائِنُ بنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ عَصْرُوْنَ، وَطَائِفَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ إِمَاماً زَاهِداً وَرِعاً، قَائِماً بِالْحَقِّ، سَمِعْتُ عُمَرَ بن الحَسَنِ الهَمَذَانِيّ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو عَلِيٍّ الفَارقِي يَقُوْلُ لَنَا: كررتُ البَارِحَةَ الرُّبُعَ الفُلاَنِي مِنَ (الْمُهَذّب) ، كررتُ البَارِحَة الرُّبع الفُلاَنِي مِنَ (الشَّامل) .
وَلِيَ قَضَاءَ وَاسِط، فَحُمِدَ، وَدَامَ بِهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ مُمَتَّعاً بِحوَاسِّه، عَاشَ خَمْساً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(*) المنتظم: 10 / 37، الكامل لابن الأثير: 11 / 17، طبقات ابن الصلاح: الورقة: 10، وفيات الأعيان: 2 / 77، تاريخ الإسلام: 4: 278 / 1، العبر: 4 / 74، الوافي الوفيات: 11 / 370 - 371، مرآة الجنان: 3 / 253، طبقات السبكي: 7 / 57 - 60، طبقات الاسنوي: 2 / 256 - 257، البداية: 12 / 206، طبقات ابن هداية الله: 75، كشف الظنون: 1913، شذرات الذهب: 4 / 85، روضات الجنات: 221، هدية العارفين: 1 / 279.(19/608)
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: وَلِيَ قَضَاءَ وَاسِط فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَعُزِلَ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَلاَزَمَ الإِشغَال (1) بِوَاسِط، وَكَانَ إِمَاماً وَرِعاً مَهِيْباً، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ.
رَوَى عَنْهُ أَهْلُ وَاسِط، وَكَانَ مَعْدُوْداً فِي الأَذكيَاء.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ، وَعَلَيْهِ تَفَقَّهَ فَقِيْهُ الشَّام أَبُو سَعْدٍ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ (2) .
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: القُدْوَة الزَّاهِد أَبُو الوَفَاء أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الشِّيرَازِي، وَأَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ سَلْمَوَيْهِ الصُّوْفِيّ بِنَيْسَابُوْرَ، وَالطَّبِيْب الفَيْلَسُوْف أُمَيَّة بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي الصَّلْتِ الدَّانِي (3) ، وَأَبُو الحُسَيْنِ سُلَيْمَان بن مُحَمَّدِ بنِ الطّرَاوَة نَحْوِي زَمَانه، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفِ بنِ البَاذش المُقْرِئُ، وَأَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيّ.
356 - ابْنُ قِبْلَيل أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ خَلَفٍ *
شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ خَلَفِ بنِ قِبْلَيل (4) الهَمَذَانِيّ، الغَرْنَاطِي، الفَقِيْه.
__________
(1) في تاريخ المؤلف: ولازم الافادة بواسط.
(2) وفي سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي: 47 - 48: وسألته عن أبي علي ابن برهون قاضي واسط، فقال: متقدم في الفقه من أصحاب الشيخين أبي إسحاق الشيرازي، وأبي نصر الصباغ، قضى بواسط بعد أبي تغلب، فظهر من عقله وعدله وحسن سيرته ما زاد على الظن، وسمع الخطيب، وابن النقور، والصريفيني، وابن حمدويه، وابن الغريق، وأصوله حسنة، وسماعاته صحيحة.
(3) سترد ترجمته برقم (375) .
(*) بغية الملتمس: 184، تكملة الصلة: 1 / 135، تاريخ الإسلام، 4: 270 / 2، الديباج المذهب: 1 / 220.
(4) في بغية الملتمس: قبلال.(19/609)
تَحَمَّل عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ فَرج الطلاعِي، وَأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ الحَافِظ، وَأَصْبَغ بن مُحَمَّد.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَأَبُو خَالِدٍ بن رِفَاعَةَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَاذَش، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّار: دَارت عَلَيْهِ الفُتْيَا، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ الفُقَهَاء المُشَاورِيْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
357 - ابْنُ الرُّطَبِي أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ بن عُبَيْدِ اللهِ بنِ مَخْلد الكَرْخِيّ، الشَّافِعِيّ، ابْن الرُّطَبِي (1) ، أَحَد أَذكيَاءِ الْعَصْر.
رَوَى عَنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَتَفَقَّهَ: بِالشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، وَبِابْنِ الصَّبَّاغ، وَلاَزَمَ أَبَا بَكْرٍ الشَّاشِيّ، وَمَضَى إِلَى أَصْبَهَانَ، وَجَالَس مُحَمَّد بن ثَابِتٍ الْخُجَنْدِي، وَبَرَعَ وَسَاد، وَوَلِيَ قَضَاءَ الحرِيْم وَالحِسبَة، وَأَدَّبَ أَوْلاَدَ الخَلِيْفَة، وَكَانَ مِنْ رِجَالِ العِلْمِ عَقْلاً وَسَمتاً وَوقَاراً.
__________
(*) تبيين كذب المفتري: 321 - 332، المنتظم: 10 / 31، الكامل في التاريخ: 11 / 9، تاريخ الإسلام: 4: 273 / 2، العبر 4 / 71، المشتبه: 1 / 319، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1288، الوافي بالوفيات: 6 / 396 - 397، مرآة الزمان: 8 / 89، مرآة الجنان: 3 / 252، طبقات السبكي: 6 / 18 - 19، طبقات الاسنوي: 1 / 585 - 586، البداية: 12 / 205، تبصير المنتبه: 2 / 629.
(1) ضبطه - كما في الأصل - غير واحد من الأئمة، بضم الراء، وفتح الطاء، وأخطأ محققا طبقات السبكي فضبطاه بفتح الراء.(19/610)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِر، وَيَحْيَى بنُ ثَابِتٍ البَقَّالُ، وَيَحْيَى بن بوش، وَكَانَ بَصِيْراً بِالكَلاَم، وَبِهِ تَأَدَّبَ الرَّاشد بِاللهِ، وَكَانَ رَأْساً فِي المَذْهَب.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي أَوّل رَجَب، بِبَغْدَادَ.
358 - ابْنُ الفَتَى أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سَلْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ *
العَلاَّمَةُ، مُدَرِّس النِّظَامِيَة، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سَلْمَانَ بن عَبْدِ اللهِ أَبِي طَالِبٍ بنِ مُحَمَّدٍ النَّهْرَوَانِي، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيّ.
سَمِعَ مِنَ: الرَّئِيْس أَبِي عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَغَيْرُهُ، وَكَانَ وَاعِظاً باهراً مُتَضَلِّعاً مِنَ الفِقْهِ وَالكَلاَمِ، وَافِرَ الجَلاَلَة.
قَالَ أَبُو المُعَمَّرِ: لَمْ تَرَ عَينَاي مِثْله.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر فِي (طَبَقَات الأَشعرِيَة) :كَانَ مِمَّنْ يَملأُ العينَ جَمَالاً، وَالأُذُنَ بيَاناً، وَيُرْبِي عَلَى أَقرَانه فِي النَّظَر، لأَنَّه كَانَ أَفصحَهُم لِسَاناً، تَفَقَّهَ بِأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ الْخُجَنْدِي مُدَرِّسِ نِظَامِيَّةِ أَصْبَهَانَ.
قِيْلَ: إِنَّهُ سُئِلَ: مَا عَلاَمَةُ قبُول صومِ رَمَضَانَ؟
قَالَ: أَنْ يَموتَ فِي شَوَّالٍ قَبْل التلبُّسِ بِرَدِيءِ الأَعْمَال، فَمَاتَ فِي سَادس شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَظهر عَلَيْهِ أَهْلُ بَغْدَادَ مِنَ الْجزع مَا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُه (1) .
__________
(*) تبيين كذب المفتري: 318 - 320، المنتظم: 10 / 22، الكامل في التاريخ: 10 / 670 - 671، تاريخ الإسلام: 4: 265 / 2.
(1) " تبيين كذب المفتري ": ص 319 - 320. وفيه: ودفن بتربة الشيخ أبي إسحاق(19/611)
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) .
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَعَظَ بِجَامِع القَصْرِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَنَا فِي الْوَعْظ مبتدئٌ، أَنشَأَ خُطباً كَانَ يُورِدُهَا، وَيَنْظِمُ فِيْهَا مَذْهَب الأَشْعَرِيّ فَنَفَقَتْ، وَمَالَ عَلَى المُحَدِّثِيْنَ وَالحنَابلَة، فَاسْتُلِبَ عَاجِلاً (2) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ كَهْلاً، وَكَانَ أَبُوْهُ (3) أَبُو عَبْدِ اللهِ رَأْساً فِي اللُّغَة وَالنَّحْوِ، لَهُ كِتَاب (القَانُوْنِ) عشر مجلَّدَات فِي اللُّغَة، وَفسَّر القُرْآن، وَأَلَّف فِي علل القِرَاءات، أَخَذَ عَنِ ابْنِ بُرْهَان، وَحَدَّثَ عَنِ ابْنِ غَيْلاَنَ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أُدبَاءُ أَصْبَهَانَ.
وَرَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، تَأَدَّب بِهِ أَوْلاَدُ نِظَامُ المُلك، وَقَدْ شَاخَ.
359 - دُبَيْس أَبُو الأَعزّ بن صَدَقَةَ بن مَنْصُوْرٍ الأَسَدِيُّ *
صَاحِب الحِلَّة (4) ، الملِكُ، نُور الدَّوْلَة، أَبُو الأَعزّ دُبَيسُ ابنُ الملكِ
__________
(1) في " المشيخة ": 44 / 1 - 2.
(2) المنتظم: 10 / 22.
(3) له ترجمة في: الوافي بالوفيات: 13 م / 106 - 107، ومعجم الأدباء: 11 / 251 - 253، وإنباه الرواة: 2 / 26 - 28، ومرآة الجنان: 3 / 156، وطبقات المفسرين للسيوطي: 13، وكشف الظنون: 163، وروضات الجنات: 322، وبغية الوعاة: 1 / 595، وطبقات ابن قاضي شهبة: 1 / 355، وتلخيص ابن مكتوم: 75، وشذرات الذهب: 3 / 399، وطبقات المفسرين للداوودي: 1 / 192 - 193.
(*) المنتظم: 10 / 52 - 53، تاريخ آل سلجوق: 178، الشريشي 2 / 218، الكامل في التاريخ 11 / 30، وفيات الأعيان: 2 / 263، تاريخ الإسلام: 4: 281 / 2 - 282 / 1، العبر: 4 / 78، تتمة المختصر: 2 / 51 و58، 63، مرآة الزمان: 8 / 94، البداية: 12 / 202 و209، تاريخ ابن خلدون: 4 / 285، النجوم الزاهرة: 5 / 256، شذرات الذهب: 4 / 90 - 91.
(4) قال ياقوت: هي حلة بني مزيد: مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تمسى الجامعين.
وقال صاحب الروض المعطار: 197 هي مدينة كبيرة منيفة على شط الفرات يتصل بها من جانبها الشرقي، وتمتد بطوله.(19/612)
سَيْف الدَّوْلَة صَدَقَةَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ دُبيسٍ الأَسَدِيّ.
كَانَ أَديباً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، مِنْ نُجَبَاءِ العربِ، تَرَامت بِهِ الأَسفَارُ إِلَى الأَطرَاف، وَجَالَ فِي خُرَاسَانَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى كَثِيْرٍ مِنْ بِلاَدِ العِرَاق، وَخِيفَ مِنْ سَطوَتِهِ، وَحَارَبَ المُسْترشِدَ بِاللهِ، ثُمَّ فَرَّ مِنَ الحِلَّةِ إِلَى صَاحِبِ مَاردِينَ نَجمِ الدّين، وَصَاهَرَهُ، وَصَارَ إِلَى الشَّامِ، وَأَمرُهَا فِي شِدَّةٍ مِنَ الفِرَنْج، ثُمَّ ردَّ إِلَى العِرَاقِ، وَجَرَتْ لَهُ هَنَاةٌ، فَفَرَّ إِلَى سَنْجَر صَاحِبِ خُرَاسَان، فَأَقْبَل عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمسكه مِنْ أَجْل الخَلِيْفَة مُدَّةً، ثُمَّ أَطْلَقَهُ، فَلحِقَ بِالسُّلْطَان مَسْعُوْد، فَقَتَلَهُ غَدراً بِمَرَاغَةَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَأَرَاح اللهُ الأُمَّةَ مِنْهُ، فَقَدْ نَهَبَ وَأَرجَفَ، وَفعل العَظَائِمَ، وَلَمَّا هَرَبَ فِي خوَاصِّهِ، قصد مُرِّيّ بن رَبِيْعَةَ أَمِيْر عربِ الشَّام، فَهَلَكُوا فِي البَرِيَّة مِنَ العَطشِ، وَمَاتَ عِدَّةٌ مِنْ مَمَالِيكِهِ، فَحصل فِي حِلَّة مكتُوْم بنِ حَسَّانٍ، فَبَادَرَ إِلَى مُتَوَلِّي دِمَشْق تَاجِ المُلُوْكِ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ، فَبَعَثَ خَلِيْلاً، فَأَحضَرُوهُ إِلَى دِمَشْقَ، فَاعْتقله مُكرَّماً، ثُمَّ أَطْلَقَهُ لِلأَتَابِكِ زنكِي لِيُطلق مِنْ أَسره ولدَه سُوْنج بن تَاج المُلُوْك، وَكَانَ دُبيس شِيْعِيّاً كآبَائِهِ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّد.
وَأَمَّا أَخُوْهُ:
360 - تَاجُ المُلُوْك سَيْفُ الدَّوْلَة بَدْرَانُ *
فَشَاعِرٌ مُحسن، تَحَوَّل بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ إِلَى مِصْرَ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ مُدَّة، ثُمَّ نُفِيَ إِلَى حلب.
مَاتَ بَعْدَ دُبيس بِسَنَةٍ، وَسِيرَةُ دُبيس وَأَقَارَبِه تَحْتمل أَنْ تُعْمَل فِي مُجَيْلِيدٍ.
__________
(*) خريدة القصر، وفيات الأعيان: 2 / 264 ذكره في ترجمة أخيه، تاريخ الإسلام: 4: 285 / 2 - 286 / 2، النجوم الزاهرة: 5 / 260.(19/613)
361 - ابْنُ الحَاجِّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ *
شَيْخُ الأَنْدَلُس، وَمُفتيهَا، وَقَاضِي الجَمَاعَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ لُبٍّ التُّجِيْبِيّ، القُرْطُبِيّ، المَالِكِيّ، ابْن الحَاج.
تَفقَّه بِأَبِي جَعْفَرٍ بن رزق، وَتَأَدَّب بِأَبِي مَرْوَانَ بنِ سِرَاجٍ، وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الفَرَجِ، وَخَازِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعِدَّةٍ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاءِ، مَعْدُوْداً فِي المُحَدِّثِيْنَ وَالأُدبَاء، بَصِيْراً بِالفَتْوَى، كَانَتِ الفَتْوَى تَدورُ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ وَدِينِهِ وَثِقَتِهِ، وَكَانَ مُعتَنِياً بِالآثَارِ، جَامِعاً لَهَا، ضَابطاً لأَسْمَاءِ رِجَالِهَا وَرُوَاتِهَا، مُقَيِّداً لِمعَانِيْهَا وَغرِيبهَا، ذَاكراً لِلأَنسَاب وَاللُّغَة وَالنَّحْو.
إِلَى أَنْ قَالَ: قَيَّدَ العِلْمَ عُمُرَه كُلَّه، مَا أَعْلَمُ أَحَداً فِي وَقته عُنِيَ بِالعلم كعنَايته، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ ليِّناً حليماً مُتَوَاضِعاً، لَمْ يُحْفَظْ لَهُ جَوْرٌ فِي قَضِيَّة، وَكَانَ كَثِيْرَ الْخُشُوع وَالذِّكر، قُتِلَ ظُلماً يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهُوَ سَاجِد، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً (1) .
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَمِيْرَةَ، وَأَحْمَدُ بن يُوْسُفَ بنِ رُشْد، وَابْن بَشْكُوَالٍ، وَوَلَدُه أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(*) الصلة: 2 / 580 - 581، تاريخ الإسلام: 4: 284 / 1، العبر: 4 / 79، أزهار الرياض: 3 / 61، شذرات الذهب: 4 / 93 - 94، الغنية: 117 - 122.
(1) الصلة: 2 / 580.(19/614)
الحَاج، وَعَبْدُ اللهِ بن مُغِيْث قَاضِي الجَمَاعَة، وَعَبْدُ اللهِ بن خَلَفٍ الفِهْرِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ طَلْحَةَ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ النِّعمَة، وَهُوَ مِنْ أَجدَادِ شَيخِنَا أَبِي الوَلِيْدِ إِمَامِ المَالِكِيَّةِ بِدِمَشْقَ.
362 - الفُرَاوِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُفْتِي، مُسْنِدُ خُرَاسَان، فَقِيْهُ الْحرم، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي العَبَّاسِ الصَّاعدي، الفُرَاوِي (1) ، النَّيْسَابُوْرِيّ، الشَّافِعِيّ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ تَقدِيراً، لأَنَّ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِيَّ أَجَازَ لَهُ فِيْهَا.
وَسَمِعَ (صَحِيْح مُسْلِم) مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ عَبْد الغَافِرِ بن مُحَمَّدٍ
__________
(*) تبيين كذب المفتري: 322، المنتظم: 10 / 65، معجم البلدان: 4 / 245، الكامل في التاريخ: 11 / 46، طبقات ابن الصلاح: 20 / 1، وفيات الأعيان: 4 / 290 - 291، تاريخ الإسلام: 4: 289 / 1 - 290 / 1، دول الإسلام: 2 / 52، العبر: 4 / 83، الوافي بالوفيات: 4 / 423، مرآة الزمان: 8 / 97 - 98، طبقات السبكي: 6 / 166 - 170، طبقات الاسنوي: 2 / 276، البداية والنهاية: 12 / 211، وفيات ابن قنفذ: 276، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 352، شذرات الذهب: 96، إيضاح المكنون: 2 / 429، هدية العارفين: 2 / 87، مجمع الآداب: 4 / 3 / 484 - 485.
(1) بظم الفاء كما في الأصل، والأنساب، واللباب، ولب اللباب، ووفيات الأعيان، وضبطها ياقوت بالفتح، وكذا المؤلف في " المشتبه ": 500، قال ابن ناصر الدين في " توضيح المشتبه ": 2 / 193: جزم بالضم ابن السمعاني وغيره، وبالفتح آخرون، وهو الأكثر فيما ذكره الصدر الحسن بن محمد البكري، وفي " تبصير المنتبه ": 3 / 1100: اختلف في ضم الفاء وفتحها، قال ابن نقطة: الفتح أكثر وأشهر.
وهذه النسبة إلى فراوة: بلدة في طرف خراسان مما يلي خوارزم بناها عبد الله بن طاهر في خلافة المأمون، وهو يومئذ أمير خراسان.(19/615)
الفَارِسِيّ، وَسَمِعَ (جُزْء ابْن نُجيد) مِنْ عُمَرَ بن مَسْرُوْر الزَّاهِد، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي أَيْضاً، وَمِنْ: أَبِي سَعْدٍ الكَنْجَرُوذِي، وَالحَافِظ أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الخَبَّازِيّ، وَأَبِي يَعْلَى إِسْحَاق الصَّابونِي، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ المَغْرِبِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، وَأَحْمَد بن الحَسَنِ الأَزْهَرِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الخَشَّاب، وَمُحَمَّدِ بن عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ العَدَوِيّ الهَرَوِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن عَلِيٍّ التَّاجِر، وَنَصْرِ بن عَلِيٍّ الطُّوْسِيّ الحَاكِم، وَعَلِيِّ بن يُوْسُفَ الجُوَيْنِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَةَ بن الإِسْمَاعِيْلِي، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ زَاهِر، وَأَبِي عَامِرٍ مَحْمُوْدِ بن القَاسِمِ الأَزْدِيّ، وَإِمَامِ الحَرَمَيْنِ أَبِي المَعَالِي، وَأَبِي الوَلِيْدِ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ النسوِي، وَالأَمِيْرِ مُظَفَّر بن مُحَمَّدٍ المِيكَالِي، وَعَلِيِّ بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ اللحسَانِي.
وَسَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مِنْ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ العيَار، وَأَبِي سهلٍ الْحَفْصِي.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي عُثْمَانَ البَحيرِي، وَالشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي، وَطَائِفَة.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَتَفَرَّد بِـ (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، وَبِالأَسْمَاء وَالصِّفَاتِ، وَدَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ، وَالدَّعوَاتِ الكَبِيْرِ، وَبِالبَعْثِ لِلبَيهَقِيِّ.
قَالَهُ السَّمْعَانِيّ، وَقَالَ: هُوَ إِمَامٌ مفتٍ، مُنَاظر وَاعِظ، حسنُ الأَخلاَق وَالمعَاشرَة، مكرمٌ لِلْغربَاء، مَا رَأَيْتُ فِي شُيُوْخِي مِثْله، وَكَانَ جَوَاداً كَثِيْرَ التبسُّم.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَيُوْسُفُ بن آدَمَ، وَأَبُو العَلاَءِ(19/616)
العَطَّار، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَأَبُو الحَسَنِ المُرَادِيّ، وَابْنُ يَاسِر الجيَّانِي، وَأَبُو الخَيْرِ القَزْوِيْنِيّ، وَابْن صَدَقَة الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ الصَّفَّارُ، وَعبدُ السَّلام بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَكَاف، وَعبدُ الرَّحِيْم بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشّعرِي، وَمَنْصُوْرُ بن عَبْد المُنْعِمِ الفُرَاوِي، وَأَبُو الفُتُوْح مُحَمَّد بن المُطَهَّر الفَاطِمِي، وَأَبُو المفَاخر سَعِيْد بن المَأْمُوْني، وَالمُؤَيَّد بن مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَة: القَاضِي أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَغَيْرُهُ.
ذكره عَبْد الغَافِرِ فِي (سيَاقه) ، فَقَالَ: فَقِيْهُ الحرمِ، البَارعُ فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، الحَافِظُ لِلْقوَاعدِ، نَشَأَ بَيْنَ الصُّوْفِيَّة، وَوصل إِلَيْهِ بركَةُ أَنفَاسِهِم، دَرسَ الأُصُوْل وَالتَّفْسِيْرَ عَلَى زَيْنِ الإِسْلاَمِ القُشَيْرِيِّ، ثُمَّ اخْتلف إِلَى مَجْلِس أَبِي المَعَالِي، وَلاَزَمَ دَرسَه مَا عَاشَ، وَتَفَقَّهَ، وَعلَّق عَنْهُ الأُصُوْلَ، وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ المَذكُورِيْنَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَحَجَّ، وَعَقَدَ المَجْلِس بِبَغْدَادَ وَسَائِرِ البِلاَدِ، وَأَظهر العِلْمَ بِالحَرَمَيْنِ، وَكَانَ مِنْهُ بِهِمَا أَثرٌ، وَذِكْرٌ، وَمَا تَعدَّى حدَّ العُلَمَاء وَسِيرَةَ الصَّالِحِيْنَ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّبَذُّلِ فِي المَلبَسِ وَالعيش، وَتَسَتَّر بِكِتَابَة الشُّروط لاتصَاله بِالزمرَّة الشحَامِيَة مُصَاهرَةً، وَدرَّس بِالمدرسَة النَّاصحيَة، وَأَمَّ بِمسجد المطرّز، وَعَقَدَ بِهِ مَجْلِسَ الإِملاَء فِي الأُسْبُوْع يَوْمَ الأَحَد، وَلَهُ مَجَالِسُ الْوَعْظ المشحونَة بِالفَوَائِد وَالمُبَالَغَة فِي النُّصْح، حَدَّثَ بِـ (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَ (غَرِيْب الحَدِيْث) لِلْخطَابِي، وَاللهِ يَزِيْد فِي مُدَّته، وَيَفسَحُ فِي مُهْلَته، إِمْتَاعاً للمُسْلِمِين بفَائِدته.
__________
(1) مشيخة ابن عساكر: 205 / 2.(19/617)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ عبدَ الرَّشِيْد بن عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ بِمَرْو يَقُوْلُ: الفُرَاوِي أَلفُ رَاوِي.
وَحَكَى وَالِدُه الفَضْلُ بنُ أَحْمَدَ عَنِ الأَمِيْر أَبِي الحَسَنِ السمحورِي: أَنَّهُ رَأَى فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُوْلُ لابْنِي مُحَمَّد: قَدْ جَعَلتُك فِي عقد المَجْلِس.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: إِلَى الفُرَاوِي كَانَتْ رحلتِي الثَّانِيَة، وَكَانَ يُقْصَدُ مِنَ النَّوَاحِي لِمَا اجْتَمَع فِيْهِ مِنْ عُلُوِّ الإِسْنَاد، وَوُفُورِ العِلْم، وَصحَّةِ الاعتقَاد، وَحُسنِ الخلقِ، وَالإِقبالِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الطَّالب (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَسَمِعْتُ الفُرَاوِي يَقُوْلُ:
كُنَّا نَسْمَعُ (مُسْنَدَ أَبِي عَوَانَةَ) عَلَى القُشَيْرِيِّ، وَكَانَ يَحْضُرُ رَئِيْس يَجْلِسُ بِجنب الشَّيْخِ، فَغَاب يَوْماً، وَكَانَ الشَّيْخ يَجْلِسُ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ أَسودُ خشن، وَعِمَامَةٌ صَغِيرَةٌ، وَكُنْتُ أَظُنّ أَنَّ السَّمَاع عَلَى ذَلِكَ الْمُحْتَشَمَ، فَشرع أَبِي فِي القِرَاءةِ، فَقُلْتُ: عَلَى مَنْ تَقرَأُ وَالشَّيْخ مَا حضَر؟
فَقَالَ: وَكَأَنَّك تَظُنّ أَن شيخَك ذَلِكَ الشَّخْص؟
قُلْتُ: نَعم.
فَضَاق صَدْرُهُ وَاسْترجع، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ شيخُك هَذَا القَاعِد، ثُمَّ أَعَاد لِي مِنْ أَوَّل الكِتَاب.
ثُمَّ قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ بن أَبِي نَصْرٍ الطَّبَسِي يَقُوْلُ:
قَرَأْت (صَحِيْح مُسْلِم) عَلَى الفُرَاوِي سَبْعَ عَشْرَةَ نَوْبَة، وَقَالَ: أُوصيك أَنْ تحضر غسلِي، وَأَن تُصلِي عَلَيَّ فِي الدَّار، وَأَنْ تُدْخِلِ لِسَانك فِي فِيَّ،
__________
(1) " تبيين كذب المفتري ": ص: 324 - 325، وتمام كلامه: فأقمت في صحبته سنة كاملة، وغنمت من مسموعاته فوائد حسنة طائلة، وكان مكرما لموردي عليه، عرافا بحق قصدي إليه.(19/618)
فَإِنَّك قَرَأْت بِهِ كَثِيْراً حَدِيْث رَسُوْل اللهِ (1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: فَصُلِّيَ عَلَيْهِ بُكْرَةً، وَمَا وَصلُوا بِهِ إِلَى المَقْبَرَة إِلَى بَعْدَ الظُّهْر مِنَ الزِّحَام، وَأَذْكُر أَنَّا كُنَّا فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَحملنَا مِحَفَّتَهُ عَلَى رقَابِنَا إِلَى قَبْرِ مُسْلِم لإِتْمَام (الصَّحِيح) ، فَلَمَّا فَرَغَ القَارِئ مِنَ الكِتَاب، بَكَى الشَّيْخُ، وَدَعَا وَأَبْكَى الحَاضرِيْنَ، وَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا الكِتَاب لاَ يُقرَأُ عليَّ بَعْدَ هَذَا.
فَتُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ -:فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّال، وَدُفِنَ عِنْد إِمَامِ الأَئِمَّة ابْنِ خُزَيْمَةَ.
قَالَ: وَقد أَملَى أَكْثَر مِنْ أَلف مَجْلِس.
قُلْتُ: وَخَرَّجُوا لَهُ أَحَادِيْث سُدَاسيَة سَمِعْنَاهَا، وَمائَة حَدِيْثٍ عَوَالِي عِنْد أَصْحَابِ ابْنِ عَبدِ الدَّائِمِ، وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ المسَاوَاة وَغَيْرُ ذَلِكَ.
363 - ابْنُ آسَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ القَاهِرِ بنِ الخَضِرِ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ القَاهِرِ بن آسَة، وَاسْمُهُ الخَضِرُ بنُ عَلِيٍّ المَرَاتِبِيّ، الفَرَضِيّ، تِلْمِيْذُ أَبِي حَكِيْم الخبْرِي.
سَمِعَ مِنْ: عبد الصَّمد بن المَأْمُوْن، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَابْن النَّقُّوْرِ، وَأَلَّف فِي الفَرَائِضِ، وَكَانَ خَيِّراً صَالِحاً.
رَوَى عَنْهُ: هِبَة اللهِ بن الحَسَنِ السِّبْط، وَطَائِفَة.
عَاشَ: خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
__________
(1) طبقات السبكي: 6 / 169، وعلق على الخبر بقوله: أملى الفراوي أكثر من ألف مجلس، وانفرد بعلو الإسناد مع البصر بالعلم والديانة المتينة.
(*) تاريخ الإسلام: 4: 288 / 1.(19/619)
364 - الخَلاَّلُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ الحُسَيْنِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ أَصْبَهَان، شَيْخُ العَرَبِيَّة، بَقِيَّةُ السَّلَف، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيّ، الخَلاَّل، الأَثرِي، الأَدِيْب.
وُلِدَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وسَمِعَ: أَحْمَد بن مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مَنْصُوْرٍ سِبْط بحرويه، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ بنَ شمَّة، وَأَبَا الفَضْل عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الرَّازِيّ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي سَعِيْدٍ العَيَّار، وَأَحْمَدَ بنَ الفَضْلِ البَاطِرْقَانِي، وَعبدَ الرَّحْمَن بنَ مَنْدَة، وَأَخويه عَبْدَ الوَهَّابِ، وَعُبيدَ الله، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ فِي الكُهُوْلَة مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بَيَانٍ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالمَدِيْنِيّ، وَمَعْمَر، وَبَنوهُ، وَأَبُو الْمجد زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، وَأَبُو نَجِيْحٍ فَضلُ الله بن عُثْمَانَ، وَالمُؤَيَّدُ بن الإِخْوَة، وَمَحْمُوْدُ بن أَحْمَدَ المُضَرِيّ، وَتَقيَةُ بِنْتُ أَموسَان، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: رَأَيْتُهُ بَعْدَ أَنْ كَبِرَ وَأَضرَّ، وَكَانَ حَسَنَ المُعَاشرَة وَالمُحَاورَة، بَسَّاماً، كَثِيْرَ المَحْفُوْظ، قرَأَ عَلَيْهِ ابْنُ نَاصر بِبَغْدَادَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) ، وَكَانَ عَزِيزَ النَفْس قَانِعاً، لاَ يَقبلُ مِنْ أَحَد شَيْئاً مَعَ فَقره،
__________
(*) ذكره السمعاني في التحبير: 1 / 131 في ترجمة ابن عمه، تاريخ دمشق: م 1 / 75، وما بعدها، دول الإسلام: 2 / 53، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1277، بغية الوعاة: 1 / 536.
(1) مشيخة ابن عساكر: 52 / 1.(19/620)
خَرَّج لَهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ اللفتوَانِي (مُعْجَماً) فِي أَكْثَر مِنْ عَشْرَة أَجزَاء.
تُوُفِّيَ: فِي حَادِي عشر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِالأَثرِي.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: لَمْ يُحَدِّثنَا عَنْهُ مِنْ بَلَده إِلاَّ دَاوُدُ بن سُلَيْمَانَ بن نِظَام الْملك، وَكَانَ مِنَ الأُدبَاء الفُضَلاَء، سَمِعَ الكَثِيْرَ.
365 - اليُونَارتِيُّ أَبُو نَصْرٍ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفِيْدُ، الحَافِظُ، أَبُو نَصْرٍ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ اليُونَارتِي (1) ، الأَصْبَهَانِيّ.
وَيُونَارتُ: قَرْيَة عَلَى بَابِ أَصْبَهَان.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ مَاجَه، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن شَكْرُويه، وَعِدَّة، وَلَمْ يَلحق أَبَا عَمْرٍو بن مَنْدَه، وَارْتَحَلَ فَأَكْثَر عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ وَطَبَقَته بِنَيْسَابُوْرَ، وَلقِيَ أَبَا عَامِرٍ الأَزْدِيّ بِهَرَاةَ، وَلقِي بِبلخ أَبَا القَاسِمِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِي، وَبِبَغْدَادَ أَحْمَدَ بنَ عَبْد القَادِرِ اليُوسفِي، وَابْن العلاَف.
رَوَت عَنْهُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ الخَيْرِ (جُزْءاً) مَشْهُوْراً بِهِ.
__________
(*) الأنساب: الورقة / 603 أ، المنتظم: 10 / 32، معجم البلدان: 5 / 453، اللباب: 3 / 421، تاريخ الإسلام: 4: 274 / 1، العبر: 4 / 71 - 72، تذكرة الحفاظ: 4 / 1286 - 1288، الوافي بالوفيات: 12 / 215، البداية والنهاية: 12 / 205، طبقات الحفاظ: 465، شذرات الذهب: 4 / 80.
(1) تحرف في " المنتظم ": 10 / 32 إلى " التورتاني "، وفي " البداية ": 12 / 205 إلى " البورباري ".(19/621)
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظ: مَا كَانَ لَهُ كَبِيْرُ مَعْرِفَةٍ، غَيْر أَنَّهُ كَانَ نَظيفَ الأَجزَاء.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنده: كَانَ حَافِظاً لأَحَادِيْثِ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلأَطرَافٍ مِنَ الأَدبِ وَالنَّحْو، حسنَ الْخلق، شُجَاعاً، سَمِعْنَا مِنْهُ (طَبَقَات السَّمَرْقَنْديين) لِلإِدرِيسِي.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
366 - الصَّيْرَفِيُّ أَبُو الفَرَجِ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخ، أَبُو الفَرَجِ سَعِيْدُ بن أَبِي الرَّجَاءِ مُحَمَّد بن أَبِي مَنْصُوْرٍ بَكْر بن أَبِي الفَتْحِ بن بَكْرِ بنِ حجَاج الأَصْبَهَانِيّ، الصَّيْرَفِيّ، السِّمْسَار فِي العقَار.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ عَام أَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ الصَّائِغ (مُسْنَدَ العَدَنِيّ (1)) فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ، وَسَمِعَ (مُسْنَد أَحْمَدَ بن مَنِيْع) مِنْ عبد الوَاحِد بن أَحْمَدَ المُعَلِّم، وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ النُّعْمَانِ، وَمِنْ سِبْط بحرويه (مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى (2)) ملفقاً، وَسَمِعَ مِنْ مَنْصُوْر بن الحُسَيْنِ التَّانِي، وَأَحْمَد بن الفَضْلِ
__________
(*) دول الإسلام: 2 / 53، العبر: 4 / 87، شذرات الذهب: 4 / 99.
(1) هو الحافظ المسند أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني المكي المتوفي سنة 243 هـ من رجال " التهذيب " تقدمت ترجمته في الجزء الثاني عشر برقم 622.
(2) مسند أبي يعلى الذي عند أهل أصبهان من طريق ابن المقرئ عنه كبير جدا بخلاف رواية أبي عمر بن حمدان عنه، فإنه مختصر كما في " السير " 14 / 180 وعندنا نسخة من رواية ابن حمدان يسر الله نشرها.(19/622)
البَاطِرْقَاني، وَأَبِي المُظَفَّر بن شَبِيْبٍ، وَأَبِي نَصْرٍ إِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدٍ الكِسَائِيّ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ هَاموشَة، وَأَبِي مُسْلِمٍ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مهربزد، وَسَعِيْد العيَّار، وَبنِي مَنده، وَخَلْق.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو مُوْسَى، وَالسَّمْعَانِيّ، وَأَبُو الخَيْرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بن مُوْسَى، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ بنِ فَضْلٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيّ، وَمَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو الْمجد زَاهِرُ بن أَحْمَدَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ بنُ الإِخْوَة، وَعَائِشَة بِنْت مَعْمر، وَعينُ الشَّمْس بِنْت سُلِيم، وَزليخَا بِنْتُ أَبِي حَفْصٍ الغضَائِرِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ الإِخْوَة يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي الرَّجَاءِ الدُّوْرِيّ، لأَنَّه كَانَ يُسَمْسِرُ فِي الدُّور.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، كَثِيْرُ السَّمَاع.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ صَالِحٌ مُكْثِرٌ، صَحِيْحُ السَّمَاع، سَمَّعَهُ خَالُه، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَكَانَ حرِيصاً عَلَى الرِّوَايَة، سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْرَ، وَقَالَ لِي: رويتُ بِبَغْدَادَ جُزْءاً وَاحِداً.
مَاتَ: فِي تَاسع عشر صفرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: خَالُهُ هُوَ المُحَدِّث مُحَمَّد بن أَحْمَدَ الخَلاَّل.
367 - ابْنُ القُشَيْرِيِّ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِنَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو المُظَفَّرِ ابنُ
__________
(*) الأنساب: 10 / 156، المنتظم: 10 / 75، التقييد: الورقة: 162 أ، العبر: 4 / 88، طبقات السبكي: 7 / 192 - 193، طبقات الاسنوي: 2 / 318 - 319، البداية والنهاية: 12 / 213، شذرات الذهب: 4 / 99.(19/623)
الأُسْتَاذِ أَبِي القَاسِمِ عَبدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِن القُشَيْرِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ (مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى) مِنْ: أَبِي سَعْدٍ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَنْجَرُوذِي، وَسَمِعَ (مُسْنَدَ أَبِي عوَانَة) مِنْ وَالِده، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْد بن مُحَمَّدٍ البحيرِي، وَالحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيّ، وَالحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ الدّربندي، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ خَلَفٍ المَغْرِبِيّ، وَبِمَكَّةَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الشَّافِعِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ الزَّنجَانِي، وَبِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ يُوْسُف المِهروَانِي، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَغَيْرهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ عَبْد السَّلاَمِ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَعبدُ الرَّحِيْم بن أَبِي القَاسِمِ الشّعرِي، وَأُخْته زَيْنَب الشَّعْرِيَّة، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ ظرِيف، مَسْتُوْرُ الحَال، سلِيمُ الجَانب، غَيْرُ مدَاخِل لِلأُمُوْر، رباهُ أَخُوْهُ أَبُو نَصْرٍ، وَحَجَّ مَعَهُ، وَخَرَجَ ثَانِياً، فَأَقَامَ بِبَغْدَادَ، وَمَضَى إِلَى كِرْمَان، سَمِعْتُ مِنْهُ (مُسْنَد أَبِي عَوَانَة) ، وَأَحَادِيْث السَّرَّاج مجلَّدَة، وَ (الرِّسَالَة) لأَبِيْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الإِصغَاء لِمَا يُقرَأُ عَلَيْهِ، كَانَ ابْنُ عَسَاكِر يُفَضِّلُه فِي ذَلِكَ عَلَى الفُرَاوِي.
وَقَالَ عبد الغَافِرِ: خَرَّج لَهُ أَخُوْهُ أَبُو نَصْرٍ فَوَائِد.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: لزم البَيْت، وَاشْتَغَل بِالعِبَادَة، وَكِتَابَةِ المَصَاحِف، وَكَانَ لطيفَ المُعَاشرَة، ظرِيفاً كَرِيْماً، خَرَّج لَهُ أَخُوْهُ فَوَائِدَ(19/624)
عَشْرَة أَجزَاء، مَاتَ: بَيْنَ الْعِيدَيْنِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
368 - بِنْتُ زَعْبَلٍ أُمُّ الخَيْرِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بنِ مُظَفَّرٍ *
الشيخَةُ، العَالِمَةُ، المُقْرِئَةُ، الصَّالِحَةُ، المعمَرَّةُ، مُسْنِدَةُ نَيْسَابُوْرَ، أُمُّ الخَيْرِ فَاطِمَةُ بِنْت عَلِيِّ بنِ مُظَفَّر بن الحَسَنِ بنِ زَعْبَل بن عَجْلاَنَ البَغْدَادِيَّة، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيَة.
وُلِدَتْ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَتْ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ عَبْد الغَافِرِ الفَارِسِيّ، فَكَانَتْ آخرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ عَالِمَةٌ، تُعَلِّمُ الجَوَارِي القُرْآن، سَمِعَتْ مِنْ عَبْد الغَافِرِ جَمِيْعَ (صَحِيْح مُسْلِم) ، وَ (غَرِيْب الحَدِيْث) لِلْخطَابِي، وَغَيْر ذَلِكَ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَالمُؤَيَّد بن مُحَمَّدٍ، وَزَيْنَبُ الشعْرِيَّة، وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَت: فِي أَوَائِل المُحَرَّمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَت فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، وَزَيْنَب بِنْتِ أَبِي القَاسِمِ، أَن فَاطِمَةَ بِنْت الحَسَنِ العَجْلاَنِيَة
__________
(*) التحبير: 2 / 430 - 431، الأنساب: 6 / 279، اللباب: 2 / 68، العبر: 4 / 89، المشتبه: 1 / 312، مرآة الجنان: 3 / 260، شذرات الذهب: 4 / 100.(19/625)
أَخْبَرَتْهُم فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، قَالَتْ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بن مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بن أَيُّوْبَ صَاحِب البَصْرِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي المَلِيْح، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ) .
رَوَاهُ: النَّسَائِيُّ (1) ، عَنْ قُتَيْبَةَ، فَوَافَقْنَاهُ.
369 - ابْنُ المُؤَذِّنِ أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ الأَوحدُ، أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيْلُ ابنُ الحَافِظ المُؤَذِّنِ أَبِي صَالِحٍ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، الوَاعِظُ، المَشْهُوْرُ بِالكِرْمَانِيّ، لِسُكنَاهُ بِهَا.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ ذَا رَأْيٍ وَعقل وَعلم، بَرَعَ فِي
__________
(1) 1 / 87، 88 في الطهارة: باب فرض الوضوء، وأخرجه مسلم (224) في الطهارة: باب وجوب الطهارة للصلاة من طريق سعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، وأبي كامل الجحدري، ثلاثتهم عن أبي عوانة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن ابن عمر.
والطهور بضم الطاء: فعل التطهير، والغلول بضم الغين: أصله الخيانة في خفية، والمراد مطلق الخيانة والحرام.
(*) التحبير: 1 / 80 - 82، المختار من ذيل تاريخ بغداد للسمعاني: الورقة / 140، مشيخة ابن عساكر: 26 / 2، تبيين كذب المفتري: 325 - 326، المنتظم: 10 / 74، مشيخة ابن الجوزي: 109 - 110، المنتخب: الورقة / 44 ب - 45 أ، طبقات ابن الصلاح: الورقة: 43 / أ، طبقات النووي: الورقة / 69، العبر: 4 / 87، تذكرة الحفاظ: 4 / 1277، طبقات السبكي: 7 / 44، طبقات الاسنوي: 2 / 409، شذرات الذهب: 4 / 99.(19/626)
الفِقْه، وَكَانَ لَهُ عِزٌّ وَوجَاهَةٌ عِنْدَ المُلُوْكِ.
تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي المَعَالِي الجُوَيْنِيّ، وَأَبِي المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ، وَأَسْمَعَهُ أَبُوْهُ مِنْ طَائِفَة.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ - أَوِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ - وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا حَامِد أَحْمَد بن الحَسَنِ الأَزْهَرِيّ، وَأَحْمَد بن مَنْصُوْرٍ المَغْرِبِيّ، وَالحَاكِمَ أَحْمَدَ بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ الإِسْمَاعِيْلِي، وَبَكْرَ بن مُحَمَّدِ بنِ حِيْدٍ، وَشُجَاعَ بنَ طَاهِر، وَشَبِيْبَ بن أَحْمَدَ البَسْتِيغِي (1) ، وَصَاعِدَ بن مَنْصُوْرٍ الأَزْدِيّ، وَالأُسْتَاذ أَبَا القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَأَبَا سهلٍ الحَفصي، وَيَعْقُوْب بن أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيّ، وَعِدَّة.
وَلَهُ إِجَازَة مِنْ: أَبِي سَعْدٍ الكَنْجَرُوذِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِر فِي (مُعْجَمه) ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَالقَاضِي أَبُو سَعْدٍ بنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَعبدُ الخَالِق بن الصَّابونِي، وَهِبَةُ اللهِ بن الحَسَنِ السِّبْطِ، وَعَلِيّ بن فَاذشَاه، وَعبدُ الوَاحِد بن أَبِي المطهَّر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَعَمِلَ
__________
(1) البستيغي: بفتح الباء، وسكون السين، وكسر التاء، وسكون الياء، وبعدها الغين المعجمة: هذه النسبة إلى بستيغ، وهي قرية بسواد نيسابور، وشبيب هذا ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة، وقد ذكر أبو القاسم زاهر الشحامي - فيما قاله صاحب " التوضيح ": 2 / الورقة 59 - أنه سمع منه، وأنه لم يكن يعرف بالحديث، وكان كراميا مغاليا في معتقده، توفي سنة نيف وستين وأربع مئة، وفي " الاستدراك " لابن نقطة يروي عن أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفراييني، وأبي الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، قال عبد الغافر بن إسماعيل: توفي سنة نيف وستين وأربع مئة، وسماعه صحيح، وهو شيخ صالح، مشتغل بكسبه.(19/627)
الرسليَة مِنْ مَلِك كِرْمَان (1) ، وَقرَأَ (الإِرشَاد (1)) عَلَى إِمَام الحَرَمَيْنِ، وَكَانَ وَافِرَ الجَلاَلَة، كَامِلَ الحِشْمَةِ.
مَاتَ: لَيْلَة الْفطر، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِكِرمَانَ، وَقَعَ لَنَا ثَمَانِيَة أَجزَاء مِنْ حَدِيْثِهِ.
370
- عِيْسَى بنُ مُحَمَّدِ* بنِ عَبْدِ اللهِ (3) بنِ عِيْسَى بنِ مُؤَمَّلِ بنِ أَبِي البَحْرِ
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الأَصْبَغِ الزُّهْرِيّ، الشَّنْتَرِينِي.
سَمِعَ مِنْ: كَرِيْمَةَ، وَالحبَالِ، وَأَبِي مَعْشَرٍ الطَّبَرِيّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي، وَابْن دِلْهَاث، وَعِدَّة.
أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ، وَسكنَ العُدوَةَ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال (4) :كتبَ لِي القَاضِي أَبُو الفَضْلِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ نَحْو سَنَة
__________
(1) في " تبيين كذب المفتري ": ص: 326: وسكن كرمان إلى أن مات، وكان وجيها عند سلطانها، معظما في أهلها، محترما بين العلماء في سائر البلاد.
وقال السمعاني في " التحبير ": 1 / 81: ثم سافر إلى كرمان، فوقع مورده موقعا حسنا من الملك، وحظي بالقبول عند الصاحب مكرم بن العلاء، وظهر له العز، والجاه، والثروة، والتجميل، وبقي عندهم مكرما مبجلا إلى حين وفاته، وقال ابن الجوزي في " المنتظم ": 10 / 74: وكانت له قدم عند الملوك والسلاطين.
(2) قال ابن عساكر في " التبيين ": لقيته ببغداد سنة إحدى وعشرين وخمس مئة، وسمعت منه، وسأله بعض البغداديين: هل قرأت كتاب الارشاد على الامام أبي المعالي؟ فقال: نعم، فاستأذنه في قراءته عليه، فأذن له، فشرع في قراءته على عادة أصحاب
الحديث، فلما قرأ منه نحو صفحة، قال له: إن هذا العلم لا يقرأ كما يقرأ الحديث للرواية، وإنما يقرأ شيئا فشيئا للدراية، فإن أردت أن تقرأه كما قرأناه، وإلا فاتركه.
(*) الصلة: 2 / 440 - 441 وفيه عيسى بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن مؤمل، الغنية: 249 - 252.
(3) زيادة من الصلة وتاريخ الإسلام.
(4) الصلة: 2 / 441.(19/628)
ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَنَّهُ أَخَذَ عَنْهُ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَيْر (1) ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ دِحْيَة عَنِ ابْنِ خَيْر عَنْهُ، عَنْ كَرِيْمَة مِنَ الصَّحِيح.
371 - البَآّرُ أَبُو نَصْرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الفَضْلِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الرّحَالُ، المُكْثِرُ، أَبُو نَصْرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الفَضْلِ الأَصْبَهَانِيّ، البَآّرُ، وَيُلَقَّبُ بِدَعْلَجٍ، كَانَ أَبُوْهُ يَحْفِرُ الْآبَار.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ وَطَبَقَتِهِ بِبَغْدَادَ، وَمِنَ الفَضْلِ بن عَبْدِ اللهِ بن الْمُحب وَطَبَقَتِهِ بِنَيْسَابُوْرَ، وَمِنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَنْدَه، وَطَائِفَةٍ بِأَصْبَهَانَ، وَمِنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيّ، وَجَمَاعَةٍ بِهَرَاةَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: رحلَ، وَسَمِعَ، وَنسخَ، وَجَمَعَ، وَمَا أَظُنُّ أَنْ أَحَداً بَعْد ابْن طَاهِر رَحل وَطَوَّف مِثلَهُ، أَوْ جَمَعَ جَمعَهُ، إِلاَّ أَنَّ الإِدبار لَحِقَه فِي آخِرِ الأَمْرِ، وَكَانَ يَقفُ فِي أَسواق أَصْبَهَان، وَيَرْوِي مِنْ حِفْظِهِ بِالإِسْنَادِ، وَسَمِعْتُ أَنَّهُ يَضَعُ فِي الحَال.
قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظ: اشكرِ الله كَيْفَ مَا لَحِقْتَ البَآّر، وَأَسَاء الثَّنَاءَ عَلَيْهِ (2) .
__________
(1) هو أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الاشبيلي صاحب الفهرسة المتوفى سنة 575 هـ.
وسترد ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (34) .
(*) الأنساب: 2 / 27، اللباب: 1 / 106، تاريخ الإسلام: 4: 285 / 1 - 2، العبر: 4 / 81 - 82، ميزان الاعتدال: 1 / 52 - 53، الوافي بالوفيات: 6 / 90 - 91، لسان الميزان: 1 / 89، شذرات الذهب: 4 / 94 - 95.
(2) وفي " الأنساب ": 2 / 27: كان كذابا غير موثوق به، وسمعت أنه يضع الحديث، ويركب المتون على الأسانيد، لما دخلت أصبهان، وجدت الالسنة كلها متفقة على جرحه وطرحه.(19/629)
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَيَحْيَى الثَّقَفِيّ، وَدَاوُدُ بن نِظَام الْملك، وَغَيْرهُم.
قَالَ السِّلَفِيُّ: يُسَمَّى بِدَعِلْجٍ، لَهُ مَعْرِفَةٌ، سَمِعْنَا بِقِرَاءتِه كَثِيْراً، وَغَيْرُهُ أَرْضَى مِنْهُ.
وَقَالَ مَعْمَرُ بنُ الفَاخر: رَأَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ البَآّر وَاقفاً فِي السُّوق، وَقَدْ رَوَى أَحَادِيْثَ مُنْكَرَة بِأَسَانِيْدَ صِحَاح، فَكُنْت أَتَأَمَّلُه تَأَمُّلاً مفرطاً، ظنّاً مِنِّي أَنَّ الشَّيْطَانَ عَلَى صُوْرته.
وَقَالَ ابْنُ طَاهِر: حَدّثت الآبارِيَّ عَنْ مَشَايِخ مكِّيين وَمصرِيين، فَبعدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْهُم، فَبلغتِ القِصَّةُ إِلَى شَيْخِ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيّ (1) ، فَسَأَلَهُ عَنْ لُقي هَؤُلاَءِ بِحَضْرَتِي، فَقَالَ: سَمِعْتُ مَعَ هَذَا، قُلْتُ: مَا رَأَيتُكَ قَطُّ إِلاَّ هَا هُنَا.
قَالَ لَهُ الشَّيْخ: أَحججتَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَمَا علاَمَاتُ عرفَات؟
قَالَ: دَخَلنَاهَا بِاللَّيْلِ.
قَالَ: يَجُوزُ، فَمَا علاَمَة مِنَى؟
قَالَ: كُنَّا بِهَا بِاللَّيْلِ.
فَقَالَ: ثَلاَثَة أَيَّامٍ وَثَلاَث لَيَالٍ لَمْ يُصْبِح لَكُم الصُّبْح؟! لاَ بَارَكَ اللهُ فِيكَ.
وَأَمر بِإِخرَاجه مِنَ الْبَلَد، وَقَالَ: هَذَا دجَّال.
ثُمَّ انْكَشَفَ أَمرُهُ حَتَّى صَارَ آيَةً فِي الْكَذِب (2) .
__________
(1) هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي المتوفى سنة 481 هـ صاحب كتاب " منازل السائرين " وغير من المؤلفات.
له ترجمة في الجزء 18 من هذا الكتاب برقم (260) .
(2) وفي " لسان الميزان ": 1 / 90 نقلا عن ابن النجار: وكان يكذب لنفسه ولغيره في الاجازات حتى كان له جزء استدعى إجازات كل حين يلحق فيه أسماء أقوام من أهل الثروة، ويكتب لهم عن أولئك المشايخ أحاديث تقرأ عليهم، ويحدثهم بها، فقال لي أبو محمد السمرقندي: قد عزمت على أن آخذ منه الجزء ولا أرده إليه، ففعل ذلك، فوجدته =(19/630)
قَالَ ابْنُ الفَاخر: تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: صَاحِبُ الحِلَة تَاج المُلُوْك بَدْرَان بنُ صَدَقَةَ الأَسَدِيّ المزِيدي الشَّاعِر (1) ، وَصَاحِبُ جَعْبَرَ (2) بَدْرَانُ بنُ مَالِكِ بنِ سَالِمٍ العُقَيْلِيّ، وَزَيْنُ القُضَاة سُلْطَانُ ابْن القَاضِي يَحْيَى بن عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ القُرَشِيّ بِدِمَشْقَ، وَعَبْدُ اللهِ بن عِيْسَى السَّرَقُسْطِي الَّذِي حَفِظ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) وَ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الموحّد الوَكِيْل ابْن البقشلاَمِ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ قُبَيس المَالِكِيّ، وَأَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ ابْن سَعْدَوَيْه الأَصْبَهَانِيّ، وَالقُدْوَةُ مُحَمَّدُ بنُ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيّ (3) ، وَالوَاعِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَبِيْبٍ العَامِرِيّ، وَالفُرَاوِي، وَابْن أَبِي ذَرٍّ الصَّالحَانِي (4) .
372 - المِزْرفِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ
__________
= ألحق على الهوامش أسماء جماعة لم يكن لهم ذكر في صدر الاستدعاء، فحبسه السمرقندي، ولم يرده إليه، ثم ترك الاشتغال بالحديث، واشتغل بالكدية، وكشف قناع الوقاحة حتى كان يدخل في التهاني والتعازي، ويروي الحديث، ويقنع منهم بالنزر اليسير.
(1) تقدمت ترجمته برقم (360) .
(2) جعبر: قلعة على الفرات بين بالس والرقة قرب صفين.
" معجم البلدان ": 2 / 142.
(3) تقدمت ترجمته برقم (347) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (334) .
(*) المنتظم: 10 / 33 - 34، مشيخة ابن الجوزي: 59 - 61.
معجم البلدان: 5 / 121، تاريخ الإسلام: 4: 276 / 1، العبر: 4 / 72 - 73، معرفة القراء الكبار: 1 / 391 - 392، طبقات القراء: 2 / 131، والنجوم الزاهرة: 5 / 251، شذرات الذهب: 4 / 81 - 82.
وضبطت الميم في الأصل بالكسر، وهي في المشتبه كذلك بخط المصنف، وقد نص السمعاني وابن نقطة وغيرهما على فتحها، وهي نسبة المرزقة قرية كبيرة بالقرب من بغداد على طريق الموصل.(19/631)
البَغْدَادِيّ.
وَمِزْرفَةُ: دُوْنَ عُكبرَا.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا حَفْصٍ بن المُسْلِمَة وَطَبَقَته، وَتَلاَ عَلَى أَصْحَابِ الحمَامِي.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِر، وَابْنُ أَبِي عَصْرُوْنَ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَابْنُ الجَوْزِيّ (1) ، وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ.
وَكَانَ ثِقَةً، مُتْقِناً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
373 - العَجَلِيُّ أَبُو سَعْدٍ عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ شرَافٍ *
شَيْخُ الشَّافعيَة، القُدْوَةُ الكَبِيْر، أَبُو سَعْدٍ عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ شرَاف (2) المَرْوَزِيّ، البَنْجَدِيهِي، العَجَلِيّ - بِفَتحَتَينِ (3) - نِسبَة إِلَى نِجَارَة العَجَلَةِ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلاَزَمَ القَاضِي حُسَيْناً، وَبَرَعَ فِي الفِقْه.
__________
(1) وفي المنتظم: 10 / 34: وسمعت منه الحديث، وكان ثقة ثبتا عالما حسن العقيدة.
(*) التحبير: 1 / 549، الأنساب: 8 / 399، معجم البلدان: 5 / 106، تاريخ الإسلام: 4: 272 / 1، طبقات السبكي: 7 / 208 - 209، طبقات الاسنوي: 2 / 213.
(2) شراف في الأصل بتشديد الراء، وضبطه السبكي في " الطبقات " بالتخفيف.
(3) قال السمعاني في " الأنساب ": رأيتها مضبوطة بخط أبي بكر محمد بن ياسر الجياني، فسألته عن هذا التقييد، فقال: جرى بيني وبينه كلام، فقال: هذه النسبة إلى العجلة، وهي المنجنون الذي يدار على الثور والفرس، ولعل واحدا من أجداده كان يعمله.(19/632)
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مَسْعُوْدٍ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ البَجَلِيّ، وَسَعِيْد بن أَبِي سَعِيْدٍ العَيَّار، وَالقَاضِي حُسَيْن، وَجَمَاعَة.
أَثْنَى عَلَيْهِ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ وَوصفه بِالزُّهْد وَالوَرَع وَالإِمَامَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ لاَ يُمَكِّنُ أَحَداً مِنَ الغِيبَة عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِبَنْجَدِيه (1) ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
374 - المِيْهنِيُّ أَبُو الفَتْحِ أَسَعْدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بنِ الفَضْلِ *
شَيْخُ الشَّافعيَة، مَجْدُ الدِّين، أَبُو الفَتْحِ أَسَعْدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بنِ الفَضْلِ القُرَشِيّ، العُمَري، المِيهنِي، صَاحِب (التعليقَة) البديعَة (2) .
تَفقه بِمَرْو، وَسَارَ إِلَى غَزْنَةَ وَشَاعَ فَضلُهُ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الكِبَارُ، وَمَدَحَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الغزِّي، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَاد، وَدرَّس بِالنِّظَامِيَة سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، ثُمَّ عُزِلَ بَعْد سِتِّ سِنِيْنَ، ثُمَّ وَلِيَهَا سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَنشر العِلْم.
تَفقَّه عَلَى العَلاَّمَة أَبِي المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ، وَالمُوفَّق الهَرَوِيّ، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، وَأَخَذَ الأُصُوْل عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِي، وَسَمِعَ مِنْ إِسْمَاعِيْل بن الحَسَنِ الفَرَائِضِي، وَلَمْ يَرو.
__________
(1) بنج بالفارسية: خمسة، وديه، قرية، فالمعنى خمس قرى وقد تقدم التعريف بها.
(*) تبيين كذب المفتري: 320، المنتظم: 10 / 13، الكامل في التاريخ: 10 / 281، طبقات ابن الصلاح: الورقة / 41 ب، وفيات الأعيان: 1 / 207 - 208، تاريخ الإسلام: 4: 273 / 2 - 274 / 1، دول الإسلام: 2 / 48، العبر: 4 / 71، تذكرة الحفاظ: 4 / 1288، طبقات السبكي: 7 / 42 - 43، طبقات الاسنوي: 2 / 424 - 425، البداية والنهاية: 12 / 200 - 205، النجوم الزاهرة: 5 / 252، كشف الظنون: 1113، شذرات الذهب: 4 / 80، هدية العارفين: 1 / 204.
(2) قال ابن عساكر في " التبيين ": ص 320: ونسخ بتعليقته سائر التعاليق.(19/633)
وَنَقَلَ السَّمْعَانِيُّ أَنَّ فَقِيْهاً سَمِعَ أَسْعَدَ المِيهنِيَّ يَلْطِمُ وَجْهَه وَيَقُوْلُ: {يَا حَسْرَتَي (1) عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ (2) اللهِ} [الزُّمَرُ:56] وَبَكَى، وَردَّدَ الآيَةَ، إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَمَذَان، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ (3) ، وَكَانَ قَدْ نُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى سَنْجَر بِمَرْوَ، وَرَسُوْلاً إِلَى هَمَذَان، وَخلَّف أَمْوَالاً كَثِيْرَة، وَعبيداً.
وَعَاشَ سِتّاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَقَدْ ذَكَرَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي (تَبيِينِ كَذِبِ المُفترِي (4)) .
وَمِيْهنَةُ: قَرِيْبَة مِنْ طُوْس، صَغِيرَة.
375 - ابْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَبُو الصَّلْتِ أُمَيَّةُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّانِي *
العَلاَّمَةُ، الفَيْلَسُوْفُ، الطَّبِيْبُ، الشَّاعِرُ، المُجَوِّدُ (5) ، أَبُو الصَّلْتِ أُمَيَّة بن
__________
(1) الالف في " يا حسرتا " هي ياء المتكلم، والمعنى: يا حسرتي على الاضافة، قال الفراء في معاني القرآن: 2 / 421: والعرب تحول الياء إلى الالف في كل كلام معناه الاستغاثة، يخرج على لفظ الدعاء.
(2) قال الراغب: أصل الجنب: الجارحة، ثم يستعار للناحية والجهة التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال، والمراد هنا الجهة مجازا، والكلام على حذف مضاف، أي: في جنب طاعة الله أو في حقه تعالى، أي: ما يحق له سبحانه ويلزم، وهو طاعته عزوجل ... والتفريط في جهة الطاعة كناية عن التفريط في الطاعة نفسها، لان من ضيع جهة ضيع ما فيها بطريق الأولى الابلغ.
وانظر " زاد المسير ": 7 / 192 بتحقيقنا.
(3) أي: وخمس مئة، وعلى هذا جميع من ترجم له، وخالف ابن الجوزي وابن الأثير، فأرخا وفاته سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.
(4) ص: 320.
(*) تاريخ الحكماء: 80، خريدة القصر: 1 / 223 - 343، معجم الأدباء: 7 / 52 - 70، الكامل في التاريخ: 11 / 18، تحفة القادم: 3، طبقات الاطباء: 501 - 514، المغرب: 1 / 256، وفيات الأعيان: 1 / 243 - 247، تاريخ الإسلام: 4: 277 / 1 - 2، العبر: 4 / 74، حسن المحاضرة: 1 / 539، نفح الطيب: 2 / 105، شذرات الذهب: 4 / 83 - 85.
(5) انظر تآليفه في " وفيات الأعيان ": 1 / 247، و" معجم الأدباء ": 7 / 64، وقد صنفها وهو في اعتقال الأفضل بمصر.(19/634)
عَبْد العَزِيْزِ بن أَبِي الصَّلْتِ الدَّانِي، صَاحِب الكُتُب.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَنَقَّلَ، وَسَكَنَ الإِسْكَنْدَرِيَّة، ثُمَّ رُدَّ إِلَى الْغرب، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بنُ بَادِيسَ، وَكَانَ رَأْساً فِي النُّجُوْم وَالوَقْتِ وَالموسيقَى، عجباً فِي لعب الشَّطرنج، رَأْساً فِي الْمنطق وَهَذَيَانِ الأَوَائِل، سجنه صَاحِبُ مِصْرَ مُدَّةً (1) لِكَوْنِهِ غَرَّق لَهُ سَفِيْنَةً مُوقرَةً صُفْراً، فَقَالَ لَهُ: أَنَا أَرْفَعُهُ، وَعَمَدَ إِلَى حبَالٍ دَلاَّهَا مِنْ سَفِيْنَة، وَنَزَلَ البحرِيَةُ، فَرَبَطُوا السَّفِيْنَةَ، ثُمَّ اسْتُقِيَتْ بِدوَالِيبَ، فَارتفعت، وَوصلَت، لَكِن تَقطَّعتِ الحبَال، فَوَقَعت، فَغَضِبَ الأَمِيْرُ عَلَيْهِ.
مَاتَ: بِالمهديَة، فِي آخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
376 - الإِسلاَمِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّة بِبَلْخَ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ
__________
(1) انظر تفصيل الخبر في " طبقات الاطباء ": 2 / 52، قال المقري: سجنه ملك مصر في خزانة الكتب، فخرج في فنون العلم إماما، وأمتن علومه الفلسفة، والطب، والتلحين، وله في ذلك تواليف تشهد بفضله ومعرفته.
(2) ونظم أبياتا، وأوصى أن تكتب على قبره، وهي آخر شيء قاله وهي:
سكنتك يا دار الفناء مصدقا * بأني إلى دار البقاء أصير
وأعظم ما في الامر أني صائر * إلى عادل في الحكم ليس يجور
فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها * وزادي قليل والذنوب كثير
فإن أك مجزيا بذنبي فإنني * بشر عقاب المذنبين جدير
وإن يك عفو منه عني ورحمة * فثم نعيم دائم وسرور
وله ديوان شعر وقع للعماد الاصفهاني بدمشق، فانتخب منه الشئ الكثير، وأودعه في " خريدة القصر ": 1 / 224 - 343.
(*) التحبير: 1 / 561، تاريخ الإسلام: 4: 279 / 1، الجواهر المضية: 2 / 537، الطبقات السنية: رقم 1442.(19/635)
عَلِيٍّ السِّجْزِيُّ، ثُمَّ البَلْخِيُّ، الزَّاهِدُ.
حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدٍ العَيَّارِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ إِسْحَاقَ الحَافِظِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الوخشِي.
سَمِعَ مِنْهُ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) وَسَمِعَ مِنَ العَيَّارِ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) .
أَجَازَ لأَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيّ (1) ، وَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
بِعَوْنِهِ تَعَالَى وَتَوفِيقِهِ تَمَّ الجُزْءُ التَّاسعَ عَشَرَ مِنْ (سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ) ، وَيَلِيهِ الجُزْءُ العِشْرُوْنَ، وَأَوَّلُهُ تَرْجَمَةُ هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ.
__________
(1) ووصفه في " التحبير ": 1 / 561 بقوله: كان مقدم أصحاب أبي حنيفة ببلخ، وعمر العمر الطويل حتى حدث بالكثير، وحمل عنه، وكان زاهدا عفيفا، حسن السيرة.(19/636)
الجُزءُ العِشْرُوْنَ
1 - الوَاسِطِيُّ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الشُّرُوْطِيُّ.
سَمِعَ: ابْنَ المُسْلِمَةِ (1) ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، وَأَبَا الغَنَائِمِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَطَبَقَتَهُم.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُم: عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ ثِقَةٌ صَالِحٌ مُكْثِرٌ، نَسَخَ، وَحَصَّلَ الأُصُوْلَ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَسَمِعْتُهُم يُثنُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَصِفُوْنَهُ بِالفَضْلِ وَالعِلْمِ وَالاشتِغَالِ بِمَا يَعْنِيْهِ.
__________
(*) المنتظم 10 / 41، تاريخ الإسلام 4 / 280 / 1، العبر 4 / 75، شذرات الذهب 4 / 86.
(1) وهو أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد البغدادي ابن المسلمة، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (102) .
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر ورقة 236 / 1.(20/5)
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
2 - الحَاكمِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ (1) بنِ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ، الحَاكمِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ.
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ الحَسَنِ الأَزْهَرِيَّ، وَأَبَا صَالِحٍ المُؤَذِّنَ.
وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ، وَسَافَرَ إِلَى العِرَاقِ وَالشَّامِ مَعَ الغَزَّالِيِّ، وَهُوَ مَدْفُوْنٌ إِلَى جَنْبِهِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ سنٍّ عَالِيَةٍ.
3 - ابْنُ البَنَّاءِ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَحْيَى بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الصَّادِقُ، العَابِدُ، الخَيِّرُ، المُتَّبِعُ، الفَقِيْهُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ يَحْيَى ابْنُ الإِمَامِ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
رَوَى شَيْئاً كَثِيْراً عَنْ: عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الآبَنُوْسِيِّ، وَابْنِ النَّقُّوْرِ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ،
__________
(*) المنتظم 10 / 52، تاريخ الإسلام 4 / 281 / 1، الوافي بالوفيات 9 / 154، طبقات السبكي 7 / 47، 48، طبقات الاسنوي 1 / 433، 434، البداية 12 / 209 وفيه الحاكم، تهذيب ابن عساكر 3 / 47.
(1) في " البداية ": عبد الله بدلا من عبد الملك.
(* *) العبر 4 / 86، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 189، 190، شذرات الذهب 4 / 98.(20/6)
وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَيَحْيَى بنُ يَاقُوْتٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ الخَيْرِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ الحَافِظَ عَبْدَ اللهِ بنَ عِيْسَى الأَنْدَلُسِيَّ يُثْنِي عَلَى يَحْيَى بنِ البَنَّاءِ، وَيَمدَحُهُ وَيُطرِيهِ، وَيَصِفُهُ بِالعِلْمِ وَالتَّمْيِيْزِ وَالفَضْلِ، وَحُسْنِ الأَخلاَقِ، وَتَركِ الفُضُولِ، وَعِمَارَةِ المَسْجَدِ وَمُلاَزَمَتِهِ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ فِي حَنَابِلَةِ بَغْدَادَ (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ كَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَمدَحُهُ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: فِي ثَامنِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدْ مَرَّ أَخُوْهُ أَبُو غَالِبٍ (2) .
وَمَاتَ قَبْلَهُمَا أَخُوْهُمَا أَبُو الفَضْلِ إِبْرَاهِيْمُ (3) بنُ البَنَّاءِ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً، يَرْوِي عَنِ ابْنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَابْنِ النَّقُّوْرِ.
سَمِعَ مِنْهُ: يَحْيَى بنُ بَوْشٍ.
وَفِيْهَا (4) تُوُفِّيَ: أَبُو القَاسِمِ تَمِيْمٌ الجُرْجَانِيُّ (5) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَرْحَانِ السُّمْنَانِيُّ، وَطَاهِرُ بنُ سَهْلٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ (6) بِدِمَشْقَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيُّ (7) المُحَدِّثُ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الطَّبَرِ الحَرِيْرِيُّ المُقْرِئُ (8) .
__________
(1) انظر " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 189.
(2) في الجزء التاسع عشر برقم (352) ، ومرت ترجمة أبيهما الحسن في الجزء الثامن عشر برقم (185) .
(3) لم نعثر له على مصادر ترجمته.
(4) أي في سنة 531.
(5) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (11) .
(6) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (341) .
(7) انظر ترجمته في العبر 4 / 85، النجوم الزاهرة 5 / 260، شذرات الذهب 4 / 97.
(8) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (343) .(20/7)
4 - الغَازِي أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، المُسْنِدُ، الصَّالِحُ، الرَّحَالُ، أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، الغَازِي.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَجَالَ، وَطَوَّفَ، وَجَمَعَ فَأَوعَى.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَعَبْدَ البَاقِي بنَ مُحَمَّدٍ العَطَّارَ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ، وَأَبَا عليٍّ التُّسْتَرِيَّ بِالبَصْرَةِ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ المُظَفَّرِيَّ بسَرَخْس، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مندَةَ، وَأَخَاهُ أَبَا عَمْرٍو، وَابْنَ شَكْرُويه (1) ، وَخَلْقاً كَثِيْراً بِأَصْبَهَانَ، وَالفَضْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ المُحِبِّ، وَطَبَقَتَهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا عَامِرٍ الأَزْدِيَّ، وَأَبَا إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيَّ، وَطَبَقَتَهُمَا بِهَرَاةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ الإِخْوَةِ، وَمَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ المُضَرِيُّ (2) ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ وَالحِفْظِ، سَمِعْنَا بقِرَاءتِهِ كَثِيْراً، وَأَملَى عليَّ (3) .
__________
(*) الأنساب 9 / 115، 116، التحبير 1 / 261، المنتظم 10 / 73، 74، التقييد الورقة 25 / 2، تذكرة الحفاظ 4 / 1276، 1277، العبر 4 / 86، 87، الوافي 7 / 262، 263، طبقات الحفاظ 450، شذرات الذهب 4 / 98.
(1) هو أبو منصور محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني السيني، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (256) .
(2) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة كما في الأصل و" المشتبه " 595 و" تبصير المنتبه " 4 / 1369، وقد تصحفت في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1276 إلى " المصري " بالصاد المهملة.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1276.(20/8)
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ، دَيِّنٌ، وَاسِعُ الرِّوَايَةِ، كتبَ الكَثِيْرَ، وَحصَّلَ الكُتُبَ، مَا رَأَيْتُ فِي شُيُوخِي أَكْثَرَ رِحلَةً مِنْهُ، أَكْثَرتُ عَنْهُ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُفَضِّلُونَهُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ فِي الإِتْقَانِ وَالمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يَبلغْ هَذَا الحدَّ، لَكنَّهُ أَعْلَى إِسْنَاداً مِنْ إِسْمَاعِيْلَ، مَاتَ فِي ثَالِثِ رَمَضَانَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَشَهِدتُهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ إِسْمَاعِيْلُ الحَافِظُ (1) .
5 - زَاهِرُ بنُ طَاهِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
ابْنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْزُبَانَ، الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ المُفِيْدُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو القَاسِمِ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّحَّامِيُّ، المُسْتَمْلِي، الشُّرُوطِيُّ، الشَّاهدُ.
وُلِدَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَاعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ (2) ، فَسَمَّعَهُ فِي الخَامِسَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَاسْتجَازَ لَهُ.
أَجَازَ لَهُ: أَبُو الحُسَيْنِ عَبْدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ (3) ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1276، 1277، وإسماعيل الحافظ هو أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي، سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (49) .
(*) المنتظم 10 / 79، 80، الكامل 11 / 71، دول الإسلام 2 / 53، العبر 4 / 91، 92، ميزان الاعتدال 2 / 64، المغني في الضعفاء 1 / 236، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 118 - 120، البداية 12 / 215، لسان الميزان 2 / 470، كشف الظنون 1 / 370، شذرات الذهب 4 / 102، هدية العارفين 1 / 372، الرسالة المستطرفة 74، تاريخ بروكلمان 6 / 246 (النسخة العربية) .
(2) طاهر، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (231) .
(3) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (13) .(20/9)
مَسْرُوْرٍ (1) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ (2) مُسْنِدُ بَغْدَادَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ البحِيرِيِّ (3) ، وَأَبِي سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدُوْنَ، وَأَبِي يَعْلَى بنِ الصَّابُوْنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المُقْرِئِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخَشَّابِ، وَأَبِي الوَلِيْدِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّرْبَنْدِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ القُشَيْرِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَدَ بنِ أَبِي شَمْسٍ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ المَغْرِبِيِّ (4) ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ العَيَّارِ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ.
وَسَمِعَ مِنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَحَّاثِيِّ (5) (كِتَابَ ابْنِ حِبَّانَ) .
وَسَمِعَ مِنَ البَيْهَقِيِّ (سُنَنَهُ الكَبِيْرَ) ، وَمِنَ الكَنْجَرُوْذِيِّ أَكْثَرَ (مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى) .
وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَاسْتَمْلَى عَلَى جَمَاعَةٍ، وَخَرَّجَ، وَجَمَعَ، وَانتقَى لِنَفْسِهِ السُّبَاعِيَّاتِ (6) ، وَأَشيَاءَ تَدُلُّ عَلَى اعتنَائِهِ بِالفَنِّ، وَمَا هُوَ بِالمَاهرِ فِيْهِ، وَهُوَ وَاهٍ مِنْ قِبَلِ دِيْنِهِ.
وَكَانَ ذَا حبٍّ للرِّوَايَةِ، فَرَحَلَ لَمَّا شَاخَ، وَرَوَى الكَثِيْر بِبَغْدَادَ، وَبِهرَاةَ،
__________
(1) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (8) .
(2) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (30) .
(3) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (49) ، وقد تحرفت نسبته في " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد " 118 إلى " النجيرمي ".
(4) في الأصل: " الغربي " وهو خطأ، وقد مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (42) .
(5) بفتح الباء الموحدة والحاء المهملة المشددة وفي آخرها الثاء المثلثة، نسبة إلى البحاث، وهو لقب بعض أجداده، وهو مترجم في " الاستدراك " لابن نقطة: باب البحاثي والبجاني.
(6) منه نسخة في الظاهرية ضمن مجموع 89 (ق 260 - 275) ويوجد أيضا نسخة من " السداسيات " له ضمن مجموع 107 (ق 284 - 288) بخط الضياء وروايته.
انظر " فهرس الظاهرية للمنتخب من كتب الحديث " للالباني: 317، 318.(20/10)
وَأَصْبَهَانَ، وَهَمَذَانَ، وَالرَّيِّ، وَالحِجَازِ، وَنَيْسَابُوْرَ.
وَاسْتَمْلَى عَلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ (1) الأَدِيْبِ فَمَنْ بَعْدَهُ، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ أَيْضاً عَوَالِي مَالِكٍ، وَعَوَالِي ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ عَوَالِي ابْنِ خُزَيْمَةَ، فَجَاءَ أَزْيَدَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ جُزْءاً، وَعَوَالِي السَّرَّاجِ (2) ، وَعَوَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ (3) ، وَعَوَالِي عَبْدِ اللهِ بنِ هَاشِمٍ (4) ، وَ (تُحْفَتَي العِيدَينِ) ، وَ (مشيختَهُ) ، وَأَملَى نَحْواً مِنْ أَلفِ مَجْلِسٍ، وَكَانَ لاَ يَملُّ مِنَ التَّسمِيْعِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مُكْثِراً، متيَقِّظاً، وَرَدَ عَلَيْنَا مَرْوَ قصداً لِلرِّوَايَةِ بِهَا، وَخَرَجَ مَعِي إِلَى أَصْبَهَانَ لاَ شُغْلَ لَهُ إِلاَّ الرِّوَايَةُ بِهَا، وَازدحَمَ عَلَيْهِ الخَلْقُ، وَكَانَ يَعرفُ الأَجزَاءَ، وَجَمَعَ وَنسخَ وَعُمِّرَ.
قَرَأْتُ عَلَيْهِ (تَارِيخَ نَيْسَابُوْرَ) فِي أَيَّامٍ قلاَئِلَ، كُنْتُ أَقرَأُ فِيْهِ سَائِرَ النَّهَارِ، وَكَانَ يُكرِمُ الغُربَاءَ، وَيُعِيرُهُمُ الأَجزَاءَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُخِلُّ بِالصَّلَوَاتِ إِخلاَلاً ظَاهِراً وَقتَ خُرُوْجِهِ مَعِي إِلَى أَصْبَهَانَ، فَقَالَ لِي أَخُوْهُ وَجيهٌ: يَا فُلاَنُ! اجْتهدْ حَتَّى يَقعُدَ، لاَ يَفتَضِح بِتركِ الصَّلاَةِ.
وَظهرَ الأَمْرُ كَمَا قَالَ وَجيه، وَعَرَفَ أَهْلُ أَصْبَهَانَ ذَلِكَ،
__________
(1) هو أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله النحوي النيسابوري، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (242) .
(2) هو الحافظ أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي النيسابوري المتوفى سنة 313 هـ، مرت ترجمته في الجزء الرابع عشر برقم (216) ، ومن حديثه أحد عشر جزءا تحتوي على فوائده برواية زاهر الشحامي صاحب الترجمة وهي في الظاهرية بدمشق مجموع 84 (ق 1 - 211) انظر " فهرس منتخب الحديث " 295.
(3) هو الحافظ الثقة أبو محمد عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، المتوفى سنة 260 هـ، مرت ترجمته في الجزء الثاني عشر برقم (138) ، وذكر المؤلف في ترجمته أنه سمع عواليه برواية زاهر الشحامي صاحب الترجمة.
(4) هو الحافظ المتقن أبو عبد الرحمن عبد الله بن هاشم ابن حيان المتوفى سنة 265 هـ، مرت ترجمته في الجزء الثاني عشر برقم (126) وقد سمع المؤلف أيضا عواليه برواية زاهر.(20/11)
وَشَغَبُوا (1) عَلَيْهِ، وَتركَ أَبُو العَلاَءِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، وَأَنَا فَوَقْتَ قِرَاءتِي عَلَيْهِ (التَّارِيْخ) مَا كُنْتُ أَرَاهُ يُصَلِّي، وَعَرَّفَنَا بِترْكِهِ الصَّلاَةَ أَبُو القَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ:
أَتيتُهُ قَبْلَ طُلُوْعِ الشَّمْسِ فَنَبَّهُوهُ، فَنَزَلَ لنقرَأَ عَلَيْهِ، وَمَا صَلَّى، وقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لِي عُذرٌ، وَأَنَا أَجْمَعُ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا (2) ، وَلَعَلَّهُ تَابَ، وَاللهُ يَغفِرُ لَهُ، وَكَانَ خَبِيْراً بِالشُّرُوطِ، وَعَلَيْهِ العُمْدَةُ فِي مَجْلِسِ الحُكْمِ.
مَاتَ: بِنَيْسَابُوْرَ، فِي عَاشرِ رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) .
قُلْتُ: الشَّرَهُ يَحمِلُنَا عَلَى الرِّوَايَةِ لِمِثْلِ هَذَا.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (4) ، وَصَاعِدُ بنُ رَجَاءٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ القَاسِمِ الثَّقَفِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ المُضَرِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَأَبُو المَجدِ زَاهِرٌ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ الخُوَارِزْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الجُنَيْدِ، وَعَبْدُ البَاقِي بنُ عُثْمَانَ الهَمَذَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ بَرَكَةَ البَيِّعُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمَدِيَّةَ (5) ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ يَعِيشَ، وَمَوْدُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ، وَزَيْنَبُ الشَّعْرِيَّةُ (6) ، وَعبدُ
__________
(1) في " القاموس ": وشغبهم وبهم وعليهم كمنع وفرح: هيج الشر عليهم، وورد في " المستفاد ": وشنعوا.
(2) قال ابن الجوزي: ومن الجائز أن يكون به مرض، والمريض يجوز له الجمع بين الصلوات، فمن قلة فقه هذا القادح رأى هذا الامر المحتمل قدحا.
انظر " المنتظم " 10 / 80.
(3) الخبر في " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد " 119، 120.
(4) انظر " مشيخة ابن عساكر " 66 / 2، 67 / 1.
(5) ضبطه ابن نقطة بفتح الحاء المهملة والميم، وكسر الدال، وتشديد الياء المعجمة باثنتين من تحتها، وذكر ترجمة إبراهيم هذا، وأن وفاته سنة 592 هـ. انظر " الاستدراك " باب حمدويه وحمدونه وحمديه.
(6) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة كما ضبطها ابن نقطة في " الاستدراك " =(20/12)
المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَعَاشَ: سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي جَمْرَةَ (1) المُرْسِيُّ الَّذِي أَجَازَ لَهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَالفَقِيْهُ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ الخَلِيْلِ النَّسَفِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ اليُوْسُفِيُّ (2) ، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الخَطِيبِيُّ (3) بِأَصْبَهَانَ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَفلحَ البَغْدَادِيُّ الشَّاعِرُ (4) ، وَجَمَالُ الإِسْلاَمِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ (5) الشَّافِعِيُّ، وَأُمُّ المُجْتَبَى فَاطِمَةُ (6) بِنْتُ نَاصرٍ العَلَوِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ اللَّفْتُوَانِيُّ (7) المُحَدِّثُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ الطِّيْبِيُّ، وَصَاحِبُ دِمَشْقَ شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُوْدُ (8) بنُ بُورِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلِ بنِ عُمَرَ بنِ البِسْطَامِيِّ السَّيِّدِيّ (9) .
__________
= باب الشعري والشعري، وأورد ترجمتها، وانظر حاشية الإكمال 2 / 588، وستأتي ترجمتها في الجزء الحادي والعشرين للمؤلف.
(1) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (51) .
(2) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (38) .
(3) له ترجمة في " الاستدراك " باب الحطيني والخطيبي.
وانظر حاشية " الأنساب " 5 / 153.
(4) مترجم في المنتظم 10 / 80 - 84، البداية 12 / 215، 216، وتحرف اسمه فيه إلى
يحيى بن يحيى بن علي بن أفلح، النجوم الزاهرة 5 / 264، ومرآة الزمان 8 / 102.
(5) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (14) .
(6) ترجمها أبو سعد السجعاني في " التحبير " 2 / 434، فقال: أم المجتبى فاطمة بنت السيد ناصر بن الحسن بن الحسين بن طلحة العلوي من أهل أصبهان، امرأة علوية معمرة، سمعت أبا الطيب عبد الرزاق بن شمه، وابا عثمان العيار، وأبا القاسم بن إبراهيم وغيرهم، كتبت عنها بأصبهان، وماتت في سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة.
(7) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (45) .
(8) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (26) .
(9) وهو صاحب الترجمة الآتية.(20/13)
6 - السَّيِّدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلِ بنِ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الصَّالِحُ، العَابِدُ، مُسْنِدُ وَقتِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلِ بنِ عُمَرَ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي الهَيْثَمِ البِسْطَامِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، المَعْرُوفُ بِالسَّيِّدِيِّ.
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا حَفْصٍ بنَ مَسْرُوْرٍ، وَأَبَا الحُسَيْنِ عَبْدَ الغَافِرِ الفَارِسِيَّ، وَأَبَا عُثْمَانَ سَعِيْدَ بنَ مُحَمَّدٍ البَحِيرِيَّ، وَأَبَا يَعْلَى الصَّابُوْنِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ البَيْهَقِيَّ، وَأَبَا سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ، وَالقُطْبُ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ عَالِمٌ خَيِّرٌ، كَثِيْرُ العِبَادَةِ وَالتَّهَجُّدِ، وَلَكِنَّهُ عَسِرُ الخُلُقِ، بَسِرُ الوَجْهِ، لاَ يَشتهِي الرِّوَايَةَ، وَلاَ يُحِبُّ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ، كُنَّا نَقرَأُ عَلَيْهِ بِجُهْدٍ جَهِيْدٍ وَبِالشَّفَاعَاتِ، وَكَانَ زَوجَ بِنْتِ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ أَبِي المَعَالِي، وَكَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ، وَتَفَرَّد بِـ (المُوَطَّأ) ، وَبِـ (جُزءِ ابْنِ نُجَيْدٍ) ،
__________
(*) الأنساب 7 / 217، التحبير 2 / 356 - 360، التقييد: الورقة 219 / 1، 2، تكملة الإكمال: الورقة 70 / 2، المنتخب: الورقة 140 / 2، اللباب 2 / 164، العبر 4 / 93، دول الإسلام 2 / 54، ملخص تاريخ الإسلام الورقة 10 / 1، طبقات السبكي 7 / 326، 327، طبقات الاسنوي 2 / 50، شذرات الذهب 4 / 103.
والسيدي: نسبة إلى جده السيد أبي الحسن محمد بن علي الهمذاني المعروف بالوصي - وقد تصحف في " الأنساب " 7 / 217 إلى الوضئ - مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (43) .
(1) انظر " مشيخة ابن عساكر " 236 / 1.(20/14)
وَأَشيَاءَ (1) .
مَاتَ: فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ صفرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: سَمِعْنَا (المُوَطَّأَ) مِنْ طَرِيقِهِ بِفَوتٍ قَدِيْمٍ، وَهُوَ المُسَاقَاةُ، وَالقِرَاضُ، وَالفَرَائِضُ.
7 - أَنُو شروَانَ بنُ خَالِدٍ أَبُو نَصْرٍ القَاشَانِيُّ
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو نَصْرٍ القَاشَانِيُّ (2) .
وَزَرَ لِلمُسْترشدِ (3) ، وَوَزَرَ لِلسُّلْطَانِ مَحْمُوْدِ (4) بنِ مُحَمَّدٍ.
__________
(1) انظر " التحبير " 2 / 357.
(*) المنتظم 10 / 77، 78، الكامل 11 / 70، 71، مختصر تاريخ دولة آل سلجوق 104 - 106 و140 - 142، وفيات الأعيان 4 / 67، الفخري 306، العبر 4 / 90، المشتبه 495، وفيهما نوشروان بحذف الالف أوله وتابعه ابن حجر، الوافي 9 / 427، 428، البداية والنهاية 12 / 214، تبصير المنتبه 3 / 1447، النجوم الزاهرة 5 / 261، كشف الظنون 2 / 1240، 1241، شذرات الذهب 4 / 101، هدية العارفين 1 / 228، طبقات أعلام الشيعة: مجلد القرن السادس / 28 وفيهما أنو شيروان بزيادة ياء، معجم الأنساب والاسر الحاكمة 10 و339 و340.
(2) نسبة إلى قاشان: بلدة قرب أصبهان، وقد ضبطها ياقوت بالقاف والشين المعجمة، وضبطها السمعاني بالمعجمة والمهملة معا، وضبطها المؤلف بالمهملة وتابعه ابن حجر، وقد تصحفت هذه النسبة في " شذرات الذهب " إلى الغاساني، بالغين، وزاد ابن كثير نسبة " القيني " نسبة إلى قين، من قرى قاشان، وتابعه ابن تغري بردي.
(3) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (325) .
(4) هو السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (305) ، وذكر الأصبهاني في " مختصر تاريخ دولة آل سلجوق " ص 104 أن أنوشروان كان قد وزر لابيه السلطان محمد، وهو الذي ذكره ابن الجوزي في " المنتظم "، وذكر الأصبهاني ص 162 أنه وزر لأخيه السلطان مسعود، وهو الذي ذكره ابن تغري بردي في " النجوم الزاهرة ".
وقد قصر صاحب " معجم الأنساب والاسرات الحاكمة " فلم يذكره مع وزراء السلطان محمد انظر ص 338.(20/15)
وَكَانَ عَاقِلاً، سَائِساً، رَزِيناً، وَافرَ الجَلاَلَةِ، حَسَنَ السِّيْرَةِ، مُحِبّاً لِلْعُلَمَاءِ (1) ، أَحضرَ ابْنَ الحُصَيْنِ (2) إِلَى دَارِهِ، فَسَمَّعَ أَوْلاَدَهُ (المُسْنَدَ) بقِرَاءةِ ابْنِ الخَشَّابِ (3) ، وَسَمِعَهُ خَلْقٌ.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ السَّاوِي (4) .
رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، ثُمَّ أَسنَّ وَتَضَعْضَعَ، وَلَزِمَ المَنْزِلَ، وَكَانَ مَهِيْباً، عَظِيْمَ الخِلْقَةِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (5) .
8
- عَبْدُ الغَافِرِ* بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الغَافِرِ (6) بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ
الإِمَامُ، العَالِمُ،
__________
(1) وهو الذي أشار على الحريري أن يعمل " مقاماته "، وإياه عني الحريري بقوله في المقدمة: فأشار من إشارته حكم وطاعته غنم ... انظر تفصيل ذلك في " وفيات الأعيان " 4 / 63، 64، و" المنتظم " 10 / 77، و" البداية " 12 / 214.
(2) هو أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد ابن الحصين، مسند العراق، متوفى سنة 525، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (317) .
(3) هو أبو محمد عبد الله ابن الخشاب، سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (337) .
(4) انظر " الوافي " 9 / 427.
(5) وقد ألف كتابا في تاريخ السلاجقة بالفارسية، سماه " فتور زمان الصدور المنبي عن القرون الخالية في العصور " وترجمه إلى العربية مع الاختصار العماد الأصبهاني، وضمنه كتابه " نصرة الفطرة وعصرة القطرة " الذي طبع بالقاهرة سنة 1318.
انظر " وفيات الأعيان " 4 / 67، و" تاريخ " بروكلمان 6 / 7 (النسخة العربية) .
(*) التحبير 1 / 507 - 509، وفيات الأعيان 3 / 225، مجمع الآداب ج ع ق 2 / 1133، 1134، تاريخ الإسلام 4 / 282 / 2، العبر 4 / 79، تذكرة الحفاظ 4 / 1275، مرآة الجنان 3 / 259، طبقات السبكي 7 / 171 - 173، طبقات الاسنوي 2 / 275، 276، البداية والنهاية 12 / 235 (حوادث 551) ، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة: ق 188، كشف الظنون: 308، 1602، شذرات الذهب 4 / 93، هدية العارفين 1 / 587، تاريخ بروكلمان 6 / 245، 246 (النسخة العربية) .
(6) تحرف في " البداية " إلى عبد القادر.(20/16)
البَارعُ، الحَافِظُ، أَبُو الحَسَنِ ابْنُ الحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ الشَّيْخِ الكَبِيْرِ أَبِي الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
مُصَنِّفُ: كِتَابِ (مَجْمَعِ الغَرَائِبِ (1)) فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ، وَكِتَابِ (السِّيَاقِ لِتَارِيخِ نَيْسَابُوْرَ (2)) ، وَكِتَابِ (المُفْهِمِ لشرحِ مُسْلِمٍ) .
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ مِنْ بَغْدَادَ: أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَمِنْ نَيْسَابُوْرَ: أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ المُقْرِئُ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدِّهِ لأُمِّهِ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ المَغْرِبِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الأَزْهَرِيِّ، وَالفَضْلِ بنِ المُحِبِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ (3) اللهِ الصَّرَّامِ، وَأَبِي نَصْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَلِيٍّ التَّاجِرِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَتَفَقَّهَ بِإِمَامِ الحَرَمَيْنِ (4) ، وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ، وَارْتَحَلَ إِلَى غَزْنَةَ وَالهِنْدِ وَخُوَارِزْمَ، وَلقِيَ الكِبَارَ، وَوَلِيَ خَطَابَةَ نَيْسَابُوْرَ.
وَكَانَ فَقِيْهاً مُحَقِّقاً، وَفَصِيْحاً مُفَوَّهاً، وَمُحَدِّثاً مُجَوِّداً، وَأَدِيباً كَامِلاً.
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (5) .
وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الصَّفَّارُ.
__________
(1) انظر النسخ الخطية للكتاب في " تاريخ " بروكلمان 6 / 245، 246 (النسخة العربية) .
(2) وهو تكملة لكتاب " تاريخ نيسابور " للحاكم الونيسابوري.
انظر نسخه الخطية في بروكلمان 6 / 246.
(3) تحرف في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1276 و" طبقات " السبكي 7 / 172 إلى " عبد "، وقد مرت ترجمة الصرام هذا في الجزء الثامن عشر برقم (247) .
(4) أبي المعالي عبد الملك الجويني، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (240) .
(5) ذكره ابن كثير في وفيات سنة 551 هـ.(20/17)
وَفِيْهَا مَاتَ: شَمْسُ المُلُوْكِ إِسْمَاعِيْلُ (1) بنُ تَاجِ المُلُوْكِ مَقْتُولاً، وَملكُ العربِ نُورُ الدَّوْلَةِ دُبَيْسُ بنُ صَدَقَةَ الأَسَدِيُّ (2) ، وَالمُسْتَرشِدُ (3) بِاللهِ بنُ المُسْتظهِرِ، وَقَاضِي الجَمَاعَةِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفِ بنِ الحَاجِّ التُّجِيْبِيُّ (4) ، وَالعَلاَّمَةُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الخيَارِ العَبْدَرِيُّ (5) القُرْطُبِيُّ.
9 - ابْنُ قُبَيسٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدٍ الغَسَّانِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، النَّحْوِيُّ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُبَيْسٍ الغَسَّانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، المَالِكِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا القَاسِمِ السُّمَيْسَاطِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، وَأَبَا نَصْرٍ بنَ طَلاَّبٍ، وَغَنَائِمَ الخَيَّاطَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ أَبِي الحَدِيْدِ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (6) ، وَالسِّلَفِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الجَنْزَوِيُّ (7) ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (329) .
(2) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (359) .
(3) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (325) .
(4) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (361) .
(5) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (332) .
(*) إنباه الرواة 2 / 232، مرآة الزمان 8 / 96، تاريخ الإسلام 4 / ق 288 / 1، العبر 4 / 82، تلخيص ابن مكتوم: 127، 128، مرآة الجنان 3 / 257، 258، النجوم الزاهرة 5 / 259، شذرات الذهب 4 / 95، وتحرف في الاخيرين إلى " ابن قيس ".
(6) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ورقة 139 / 2.
(7) قال ابن نقطة في " الاستدراك ": بفتح الجيم وسكون النون وفتح الزاي وكسر الواو وبعدها ياء، هو أبو الفضل إسماعيل بن علي بن إبراهيم الجنزوي المعدل الدمشقي..وفي " معجم البلدان " 2 / 171، 172: جنزة: اسم أعظم مدينة بأران، وهي بين شروان =(20/18)
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ ثِقَةً، مُتَحَرِّزاً، مُتَيَقِّظاً، مُنْقَطِعاً فِي بَيْتِهِ بدَرْبِ النَّقَّاشَةِ، أَوْ بَيْتِهِ فِي المنَارَةِ الشَّرْقِيَّةِ بِالجَامِعِ، وَكَانَ فَقِيْهاً، مُفْتِياً، يُقْرِئُ النَّحْوَ وَالفَرَائِضَ، وَكَانَ مُتَغَالياً فِي السُّنَّةِ، مُحِبّاً لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ، قَالَ لِي غَيْرَ مَرَّةٍ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ يُحْيِيَ اللهُ بِكَ هَذَا الشَّأْنَ فِي هَذَا البلدِ، وَكَانَ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ أَصلٍ، سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْرَ، وَمَاتَ يَوْمَ عَرفةَ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ يَسكنُ المنَارَةَ، وَكَانَ زَاهِداً، عَابِداً، ثِقَةً، لَمْ يَكُنْ فِي وَقتِهِ مِثْلُهُ بِدِمَشْقَ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي عُلُوْمٍ شَتَّى، مُحَدِّثٌ ابْنُ مُحَدِّثٍ (1) .
10 - القَارِئُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ صَالِحٍ *
الشَّيْخُ الصَّدُوْقُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيْلُ ابنُ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنِ أَبِي بَكْرٍ صَالِحٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ (2) ، القَارِئُ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَة: سَمِعَ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ عَبْدِ الغَافِرِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيِّ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) ، وَأَحَادِيْثَ يَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ (3) ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي
__________
= وأذربيجان..ويقول بعضهم في النسبة إليها: جنزوي، ونسب هكذا أبو الفضل إسماعيل.
وقد تصحفت نسبته في " العبر " 4 / 266، إلى " الخبزوي " بالخاء المعجمة والباء الموحدة، وتحرفت في " الوافي " 159، 160، إلى " الجيروني "، وستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين.
(1) الخبر في " تاريخ الإسلام " 4 / 288 / 1.
(*) التحبير 1 / 94 - 97، معجم البلدان 3 / 68 (رمجار) ، العبر 4 / 84، 85، النجوم الزاهرة 5 / 260، شذرات الذهب 4 / 97، وتصحف فيه إلى الغازي.
والقارئ: قال السمعاني: وأظن أن والده أبا القاسم كان يقرأ بين يديه، فقيل له القارئ لذلك.
وقال ابن تغري بردي: كان رأسا في علم القرآن.
(2) زاد السمعاني في " التحبير " نسبة الرمجاري، وقال: رمجار: محلة بنيسابور اه. وفيها ترجمه ياقوت.
(3) المتوفى سنة 226 هـ، مرت ترجمته في الجزء العاشر برقم (167) .(20/19)
حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْرٍ عِدَّةَ أَجزَاءٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيُّ، وَزَيْنَبُ الشَّعْرِيَّةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (1) : شَيْخٌ صَالِحٌ، عَفِيْفٌ، صُوْفِيٌّ، نَظيفٌ، مُوَاظِبٌ عَلَى الجَمَاعَةِ، خَدَمَ الأُسْتَاذَ أَبَا القَاسِمِ القُشَيْرِيَّ، مَوْلِدُهُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة: رَوَى عَنْهُ (الصَّحِيْحَ) أَبُو سَعْدٍ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُحَسِّنِ القُشَيْرِيُّ، وَسَمِعْتُ مِنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ (جُزءَ ابْنِ نُجَيْدٍ) بِسَمَاعِهَا مِنْهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ بِالإِجَازَةِ بِأَجزَاءِ عُمَرَ بنِ مَسْرُوْرٍ.
مَاتَ: فِي العِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَرَّخَهُ السَّمْعَانِيُّ.
11 - تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ أَبِي العَبَّاسِ الجُرْجَانِيُّ *
الشَّيْخُ الفَاضِلُ، المُؤَدِّبُ، مُسْنِدُ هَرَاةَ، أَبُو القَاسِمِ الجُرْجَانِيُّ.
مَوْلِدُهُ: بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْرٍ، وَأَبِي عَامِرٍ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) في " التحبير " 1 / 94.
(*) التحبير 1 / 144 - 148، العبر 4 / 85، مرآة الجنان 3 / 259، شذرات الذهب 4 / 97.(20/20)
عليٍّ النَّسَوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدُوْنَ السُّلَمِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَنْجَرُوْذِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ المَغْرِبِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ البَحَّاثِيِّ، فَسَمِعَ مِنْهُ كِتَابَ (الأَنْوَاعِ وَالتَّقَاسِيمِ) لأَبِي حَاتِمٍ بنِ حِبَّانَ، وَسَمِعَ (مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى) مِنْ أَبِي سَعْدٍ.
وَانْتَهَى إِلَيْهِ بِهَرَاةَ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، كَانَ قَدِ اعْتَنَى بِهِ خَالُهُ الحَافِظُ عَبْدُ اللهِ (1) بنُ يُوْسُفَ، فَسَمَّعَهُ بِنَيْسَابُوْرَ مِنَ المَذْكُوْرِيْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (2) : لَمْ أَلقَهُ، وَأَجَازَ لِي، وَكَانَ ثِقَةً صَالِحاً، يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ، سَمِعَ: ابْنَ مَسْرُوْرٍ، وَعَبْدَ الغَافِرِ (3) ، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابُوْنِيَّ، وَأَبَا عُثْمَانَ البَحِيْرِيَّ (4) ، وَالبَيْهَقِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ العُمَرِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ.
وَمِنْ سَمَاعَاتِهِ: (مُعْجَمُ الحَاكِمِ) سَمِعَهُ مِنَ البَيْهَقِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَاكِمُ، وَالقدرُ الَّذِي عِنْدَ أَبِي سَعْدٍ (5) ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَلاَثُوْنَ جُزْءاً مِنْ (مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى) ، وَكِتَابُ (المُتَّفق) لِلْجَوْزَقِيِّ (6) ، وَكِتَابُ (التَّرغِيب) لِحُمَيدِ بنِ زَنْجَوَيْه (7) ، أَخْبَرَنَا العُمَرِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي
__________
(1) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (86) .
(2) في " التحبير " 1 / 144 - 148.
(3) الفارسي، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (13) وقد تحرف اسمه في " التحبير " إلى عبد الفار.
(4) تحرف في " التحبير " إلى " الحيري "، وقد مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (49) .
(5) أي الكنجروذي.
(6) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الجوزقي الشيباني، المتوفى سنة 388 هـ، مرت ترجمته في الجزء السادس عشر برقم (352) .
(7) المتوفى سنة 251، مرت ترجمته في الجزء الثاني عشر برقم (3) .(20/21)
شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا الرَّذَانِيُّ (1) عَنْهُ سِوَى الجُزْءَ الخَامِسِ مِنْ تَجْزِئَة عَشْرَة.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: ذَكَرَ لِي يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ المَالِقِيُّ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ خَولَةَ الغَرْنَاطِيُّ مِنَ الهِنْدِ إِلَى هَرَاةَ، أَخرجَ إِلَيْهِم بَقِيَّةَ الأَصْلِ بِـ (مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى) ، وَفِيْهِ سَمَاعُ أَبِي رَوْحٍ مِنْ تَمِيْمٍ.
قَالَ يَحْيَى: فَكَمُلَ لَهُ (المُسْنَدُ) سَمَاعاً مِنْ تَمِيْمٍ بِتِلْكَ المُجَلَّدَةِ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الخَلاَّلِ، أَخْبَرَنَا عَتِيْقٌ السَّلْمَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ الجُرْجَانِيُّ بِهَرَاةَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
فَهَذَا آخِرُ العَهْدِ بتَمِيْمٍ، وَلاَ أَدْرِي مَتَى تُوُفِّيَ (2) .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ المُعَلِّمُ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنِ
__________
(1) بفتح الراء والذال المعجمة المخففة وفي آخرها النون، نسبة إلى رذان، وهي قرية من قرى نسا، ويقال لها أيضا: ريان، بالياء مثقلة أو مخففة، والرذاني هذا: هو أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي عون عبد الجبار النسوي، متوفى سنة 313 هـ، مرت ترجمته في الجزء الرابع عشر برقم (240) ، وقد تحرفت نسبته في " التحبير " 1 / 146 إلى " الراذاني " بزيادة ألف بعد الراء، وهو خطأ أوقع محققة الكتاب بعزو هذه النسبة إلى راذان، من قرى بغداد، دون ذكر اسم صاحب النسبة.
(2) ذكره المؤلف في آخر ترجمة ابن البناء الواردة برقم (3) مع وفيات سنة 331 هـ.(20/22)
الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ فِي الحَجَّةِ الَّتِي أَمَرَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤذِّنُ فِي النَّاسِ: (أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوْفَنَّ بِالبَيْتِ عُريَانُ) .
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (1) ، عَنِ الزَّهْرَانِيِّ.
12 - قَاضِي المَرَسْتَانِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، المُتَفَنِّنُ، الفَرَضِيُّ، العَدْلُ، مُسْنِدُ العصرِ، القَاضِي، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ ثَابِتِ بنِ وَهْبِ بنِ مَشْجَعَةَ (2) بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابنِ شَاعِرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحَدِ الثَّلاَثَةِ الَّذِيْنَ خُلِّفُوا كَعْبِ بنِ مَالِكِ بنِ عَمْرِو بنِ القَيْنِ الخَزْرَجِيُّ، السَّلَمِيُّ (3) ، الأَنْصَارِيُّ، البَغْدَادِيُّ، النَّصْرِيُّ - مِنْ مَحَلَّةِ النَّصْرِيَّةِ (4) -
__________
(1) رقم (4363) في المغازي: باب حج أبي بكر بالناس في سنة تسع، وأخرجه أيضا من
طرق عن الزهري به (369) و (1622) و (3177) و (4655) و (4656) و (4657) ، ومسلم (1347) وأبو داود (1947) والنسائي 5 / 234، وابن جرير (16437) وانظر " جامع الأصول " 2 / 152 - 156، و" فتح الباري " 8 / 318 - 320.
(*) الأنساب: (النصري) ، تاريخ ابن عساكر، المنتظم 10 / 92 - 94، معجم البلدان 5 / 288، اللباب 3 / 311، 312، الكامل 11 / 80، مرآة الزمان 8 / 108، 109، العبر 4 / 96، 97، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 20، 21، البداية 12 / 217، 218، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 192 - 198، لسان الميزان 5 / 241 - 243، النجوم الزاهرة 5 / 267، كشف الظنون 1 / 138، شذرات الذهب 4 / 108 - 110، وللمستشرق سوتر بحث بالالمانية في أخباره وتآليفه.
(2) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الجيم وبعدها عين مهملة، وقد تصحف في " البداية " 12 / 217 بالسين المهملة.
(3) بفتح السين واللام، نسبة إلى بني سلمة: حي من الانصار.
(4) وهي محلة بالجانب الغربي من بغداد، منسوبة إلى أحد أصحاب المنصور، يقال له: نصر " معجم " ياقوت 5 / 287، 288.(20/23)
الحَنْبَلِيُّ، البَزَّازُ (1) ، المَعْرُوفُ: بقَاضِي المَرَسْتَان، وَيُعْرَف أَبُوْهُ بِصِهر هِبَةَ.
مَوْلِدُهُ: فِي عَاشرِ صفرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
بَكَّرَ بِهِ أَبُوْهُ، وَسَمَّعَهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيِّ (2) (جُزءَ الأَنْصَارِيِّ) وَمَا مَعَهُ حُضُوْراً فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ بِإِفَادَةِ جَارِهِم المُحَدِّثِ الرَّحَّالِ عَبْدِ المُحْسِنِ الشِّيْحِيِّ السَّفَّارِ مِنْ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى البَاقِلاَّنِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ، وَعُمَرَ بنِ الحُسَيْنِ الخَفَّافِ، وَأَبِي طَالِبٍ العُشَارِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ حَسْنُوْنَ النَّرْسِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ عُمَرَ البَرْمَكِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الآبَنُوْسِيّ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى بنِ الفَرَّاءِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَمُحَمَّدِ بنِ وِشَاحٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَجَابِرِ بنِ يَاسِينَ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَأَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ المَخبَزِيِّ، وَعَلِيِّ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي طَالِبٍ المَكِّيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبِي الفَضْلِ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ المَأْمُوْنِ، وَخَدِيْجَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ الشَّاهجَانِيَّةِ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيَّكَ، وَوَالِدِهِ أَبِي طَاهِرٍ عَبْدِ البَاقِي حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ الصَّلْتِ المُجْبِرِ، وَالحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَأَبِي الغَنَائِمِ مُحَمَّدِ بنِ الدَّجَاجِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ البيضَاوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُمَّدُوْهُ (3) ، وَهَنَّادِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّسَفِيِّ، وَالشَّرِيْفِ أَبِي جَعْفَرٍ بنِ أَبِي مُوْسَى - وَبِهِ تَفَقَّهَ - وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ المُقْرِئِ.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنْ:
__________
(1) بزايين، وقد تصحف في " المنتظم " 10 / 93 إلى البزار، براء آخره.
(2) هو أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البغدادي الحنبلي البرمكي المتوفي سنة 445 هـ، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (405) .
(3) بضم الحاء وتثقيل الميم المفتوحة، بغير ياء بعد الواو، وبعضهم يقول: حمدويه، بزيادة الياء وضم الميم المثقلة.
انظر " المشتبه " 1 / 249، و" تبصير المنتبه " 1 / 460 و" الاستدراك " باب حمدويه وحمدونة وفي الاخيرين ترجمة أبي بكر هذا.(20/24)
أَبِي إِسْحَاقَ الحَبَّالِ الحَافِظِ، وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي مَعْشَرٍ الطَّبَرِيِّ، وَمِنْ عددٍ كَثِيْرٍ.
وَلَهُ (مَشْيَخَةٌ) فِي ثَلاَثَةِ أَجزَاءَ، وَأُخْرَى خَرَّجهَا السَّمْعَانِيُّ فِي جُزءٍ.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو القَاسِمِ التَّنُوخِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ شِيْطَا، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ سلاَمَةَ القُضَاعِيُّ، وَتَفَقَّهَ قَلِيْلاً عِنْدَ القَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَشَهِدَ عِنْدَ قَاضِي القُضَاةِ أَبِي الحَسَنِ بنِ الدَّامَغَانِيِّ.
وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَشَاركَ فِي الفَضَائِلِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، وَحَدَّثَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً فِي حَيَاةِ الخَطِيْبِ.
حَدَّثَ عَنْهُ خَلْقٌ، مِنْهُم: السِّلَفِيُّ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ نَاصرٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ جُوَالِقَ، وَالمُكَرَّمُ بنُ هِبَةِ اللهِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ (1) ، وَأَحْمَدُ بنُ تَزمش، وَسَعِيْدُ بنُ عَطَّافٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَعِيشَ الأَنْبَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ المُظَفَّرِ بنِ البَوَّابِ، وَيُوْسُفُ بنُ المُبَارَكِ بنِ كَامِلٍ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ أَبِي سَعْدٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ ضِيَاءُ بنُ الخُرَيفِ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ شُنَيفٍ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ الدَّبِيْقِيِّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مَعَالِي بنِ مَنِيْنَا، وَخَلْقٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: المُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ، وَغَيْرهُ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ بِكَلاَمٍ مُرْدٍ فَجٍّ، فَقَالَ: كَانَ يُتَّهَمُ بِمَذْهَبِ الأَوَائِل، وَيُذكرُ عَنْهُ رِقَّةُ دِيْنٍ.
قَالَ: وَكَانَ يَعرفُ الفِقْه عَلَى مَذْهَبِ
__________
(1) ضبطه ابن نقطة بضم السين المهملة وفتح الكاف، وأورد ترجمته، وهو أبو أحمد عبد الوهاب بن علي ابن سكينة، المتوفى سنة 607 هـ.
" الاستدراك " باب سكينة وسكينة، وستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين للمؤلف برقم (262) .(20/25)
أَحْمَدَ، وَالفَرَائِض وَالحسَابَ وَالهَنْدَسَةَ، وَيَشْهَدُ عِنْد القُضَاةِ، وَيَنْظرُ فِي وُقُوفِ البَيْمَارَسْتَانِ العضديّ (1) .
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: كَانَ إِمَاماً فِي فُنُوْنٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ:
حفظتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعٍ، وَمَا مِنْ علمٍ إِلاَّ وَقَدْ نَظرتُ فِيْهِ، وَحصَّلْتُ مِنْهُ الكُلَّ أَوِ البَعْضَ، إِلاَّ هَذَا النَّحْوَ، فَإِنِّي قَلِيْلُ البِضَاعَةِ فِيْهِ، وَمَا أَعْلَمُ أَنِّي ضَيَّعْتُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِي فِي لَهْوٍ أَوْ لَعِبٍ (2) .
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) : ذَكَرَ لَنَا أَبُو بَكْرٍ القَاضِي أَنَّ مُنَجِّمَيْنِ حضَرَا عِنْد وِلاَدتِي، فَأَجْمَعَا عَلَى أَنَّ العُمُرَ اثنتَانِ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، فَهَا أَنَا قَدْ جَاوَزْتُ التِّسْعِيْنَ.
قُلْتُ: هَذَا يَدلُّ عَلَى حُسنِ مُعتقدِهِ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (4) : وَكَانَ حَسَنَ الصُّوْرَةِ، حُلوَ المنطقِ، مليحَ المُعَاشَرَةِ، كَانَ يُصَلِّي فِي جَامِعِ المَنْصُوْر، فَيجِيْء فِي بَعْضِ الأَيَّامِ، فَيَقِفُ وَرَاءَ مَجْلِسِي وَأَنَا أَعظُ، فَيُسلِّم عليَّ.
اسْتملَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا ابْنُ نَاصرٍ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الكَثِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً فَهِماً، ثَبْتاً حُجَّةً، مُتفنِّناً، مُنْفَرِداً فِي الفَرَائِضِ.
قَالَ لِي يَوْماً: صَلَّيْتُ الجُمُعَةَ، وَجلَسْتُ أَنظر إِلَى النَّاسِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَودُّ أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَهُ، وَكَانَ قَدْ سَافرَ، فَوَقَعَ فِي أَسْرِ الرُّوْمِ، وَبَقِيَ
__________
(1) الذي انشأه عضد الدولة أبو شجاع فنا خسرو بن بويه في الجانب الغربي من بغداد، ورتب فيه الاطباء والخدم، ونقل إليه من الادوية والاشربة والعقاقير شيئا كثيرا، وافتتح في صفر سنة 372 هـ.
انظر " البداية والنهاية " 11 / 299، و" تاريخ البيمارستانات في الإسلام " للدكتور أحمد عيسى ص 187 - 197، وعضد الدولة هذا مرت ترجمته في الجزء السادس عشر برقم (175) .
(2) انظر: " ذيل طبقات الحنابلة " لابن رجب 1 / 193.
(3) في " المنتظم " 10 / 92.
(4) في " المنتظم " 10 / 93، 94.(20/26)
سَنَةً وَنِصْفاً، وَقَيَّدُوْهُ وَغَلُّوْهُ، وَأَرَادُوْهُ عَلَى كلمَةِ الكُفْرِ، فَأَبَى، وَتَعَلَّمَ مِنْهُم الخطَّ الرُّوْمِيَّ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ خَدَمَ المحَابرَ، خَدَمَتْهُ المَنَابِرُ، يَجِبُ عَلَى المُعَلِّمِ أَنْ لاَ يُعَنِّفَ، وَعَلَى المتعلِّمِ أَنْ لاَ يَأْنفَ.
وَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً صَحِيْحَ الحوَاسِّ، لَمْ يَتغَيَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ، ثَابِتَ العَقْلِ، يَقرَأُ الخطَّ الدَّقيقَ مِنْ بُعْدٍ، وَدخلنَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمُدَيدَةٍ، فَقَالَ: سَالَتْ فِي أُذُنِي مَادَّةٌ، فَقَرَأَ عَلَيْنَا مِنْ حَدِيْثِهِ، وَبَقِيَ عَلَى هَذَا نَحْواً (1) مِنْ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ مرضَ، فَأَوْصَى أَنْ يُعمَّقَ قَبْره زِيَادَةً عَلَى العَادَة، وَأَنَّ يُكتبَ عَلَى قَبْرِهِ: {قُل: هُوَ نَبَأٌ عَظِيْمٌ أَنْتُم عَنْهُ مُعرِضُونَ} [ص: 67 و68] وَبَقِيَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يَفتُرُ مِنْ قِرَاءة القُرْآنِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ قَبْلَ الظُّهْر، ثَانِي رَجَب، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَجْمَعَ لِلْفنُوْنِ مِنْهُ، نَظَرَ فِي كُلِّ علمٍ، فَبرعَ فِي الحسَابِ وَالفَرَائِضِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
تُبتُ مِنْ كُلِّ علمٍ تَعلَّمتُهُ إِلاَّ الحَدِيْثَ وَعِلمَهُ، وَرَأَيْتهُ وَمَا تَغَيَّرَ عَلَيْهِ مِنْ حَوَاسِّهِ شَيْءٌ، وَكَانَ يَقرَأُ الخَطَّ البعيدَ الدَّقيق، وَكَانَ سرِيعَ النَّسْخِ، حَسَنَ القِرَاءة لِلْحَدِيْثِ، وَكَانَ يَشتَغِلُ بِمُطَالَعَة الأَجزَاءِ الَّتِي مَعِي، وَأَنَا مُكِبٌّ عَلَى القِرَاءةِ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ وَجَدَ جُزْءاً مِنْ حَدِيْثِ الخُزَاعِيِّ قَرَأْتُهُ بِالكُوْفَةِ عَلَى عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العَلَوِيِّ (2) بِإِجَازتِهِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلَوِيِّ، وَفِيْهِ حِكَايَاتٌ مليحَةٌ، فَقَالَ: دَعْهُ عِنْدِي.
فَرَجَعتُ مِنَ الغَدِ، فَأَخْرَجَهُ وَقَدْ نَسَخَهُ، وَقَالَ: اقْرَأْهُ حَتَّى أَسْمَعَهُ.
فَقُلْتُ: يَا سيِّدِي، كَيْفَ يَكُوْنُ هَذَا؟!
ثُمَّ قَرَأْتُهُ، فَقَالَ لِلْجَمَاعَةِ: اكتُبُوا اسْمِي.
__________
(1) في الأصل نحو، والصواب ما أثبتناه.
(2) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (86) .(20/27)
قُلْتُ: هَذَا الجُزْءُ فِي وَقْفِ الشَّيْخِ الضِّيَاء، وَأَوّلُهُ بخطِّهِ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَقَالَ لِي: أَسَرَتْنِي الرُّوْمُ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ لِي: قل: المَسِيْحُ ابْنُ اللهِ حَتَّى نَفعلَ وَنصنعَ فِي حَقِّكَ، فَمَا قُلْتُ، وَتَعَلَّمْتُ خطَّهُم، وَكَانَ لاَ يَعرِفُ علمَ النَّحْوِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الذُّبَابُ إِذَا وَقَعَ عَلَى البيَاضِ سَوَّدَهُ، وَعَلَى السَّوَادِ بَيَّضَهُ، وَعَلَى التُّرَابِ برغَثَهُ، وَعَلَى الجُرْحِ قَيَّحَهُ، سَمِعْتُ مِنْهُ (الطَّبَقَاتِ) لابْنِ سَعْدٍ، وَ (المَغَازِي) لِلْوَاقِدِيِّ، وَأَكْثَرَ مِنْ مائَتَيْ جُزءٍ، وَقَالَ لِي: وُلِدْتُ بِالكَرْخِ، ثُمَّ انتقَلْنَا إِلَى النَّصْرِيَّةِ وَلِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: حَدَّثَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بِـ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) ، عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ أَبِي الفَوَارِسِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ النُّعَيمِيّ، أَخْبَرَنَا الفَرَبْرِيُّ عَنْهُ.
13 - ابْنُ السَّمَرْقَنْديِّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُفِيْدُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ أَبِي الأَشْعَثِ السَّمَرْقَنْديُّ، الدِّمَشْقِيُّ المَوْلِدِ، البَغْدَادِيُّ الوَطَنِ، صَاحِبُ المَجَالِسِ الكَثِيْرَةِ.
وُلِدَ: بِدِمَشْقَ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ أَخِيْهِ الحَافِظِ عَبْدِ اللهِ (1) .
__________
(*) المنتظم 10 / 98، 99، الكامل لابن الأثير 11 / 90، مرآة الزمان 8 / 109، 4 / 99، دول الإسلام 2 / 55، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 85، 86، الوافي بالوفيات 9 / 88، طبقات السبكي 7 / 46 البداية والنهاية 12 / 218، النجوم الزاهرة 5 / 269، ذيل تذكرة الحفاظ لابن فهد المكي: 72، شذرات الذهب 4 / 112، تهذيب تاريخ دمشق 3 / 13، 14.
(1) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (269) .(20/28)
سَمِعَا: أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، وَعَبْدَ الدَّائِمِ بنَ الحَسَنِ، وَأَبَا نَصْرٍ بنَ طَلاَّبٍ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي الحَدِيْدِ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ الكتَانِيَّ.
ثُمَّ انتقلَ بِهِمَا الوَالِدُ إِلَى بَغْدَادَ، فَسمِعَا مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ هَزَارْمَرْدَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ السُّكَّرِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ مُنْتَابٍ، وَمَالِكٍ البَانِيَاسِيِّ، وَطَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ القَوَّاسِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ القَطَّانِ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، وَابْنِ الأَخْضَرِ الأَنْبَارِيِّ، وَجَعْفَرِ بنِ يَحْيَى الحكَّاكِ، وَمُحَمَّدِ بنِ هِبَةِ اللهِ اللاَّلْكَائِيِّ، وَابْنِ خَيْرُوْنَ، وَرِزقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الصَّقْرِ، وَيُوْسُفَ بنِ الحَسَنِ التَّفَكُّرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَالنِّعَالِيِّ (1) ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ رِزْمَةَ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ البَنَّاءِ، وَأَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ العَطَّارِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ الخَلاَّلِ، وَيُوْسُفَ بنِ المِهْرَوَانِيِّ، وَعَبْدِ السَّيِّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّبَّاغِ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَوَالِدِهِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، وَعَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ العَطَّارِ، وَابْنِ البُسْرِيِّ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ.
ثُمَّ قَدِمَ إِسْمَاعِيْلُ الشَّامَ، وَسَمِعَ بِالقُدْسِ مِنْ مَكِّيٍّ الرُّمَيْلِيِّ (2) ، عُمِّرَ، وَرَوَى الكَثِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (3) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَعزُّ بنُ عَلِيٍّ الظَّهِيرِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، وَسَعِيْدُ بنُ عَطَّافٍ، وَيَحْيَى بنُ
__________
(1) هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن طلحة النعالي البغدادي، سنة 493 هـ، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (57) .
(2) نسبة إلى الرميلة، وهي من قرى الأرض المقدسة، وقد مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (99) .
(3) انظر " مشيخة " ابن عساكر 27 / 1.(20/29)
يَاقُوْتٍ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَزَيْدُ بنُ الحَسَنِ الكِنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي تَمَّامٍ بنُ لُزُّوا، وَعَلِيُّ بنُ هبَلٍ الطَّبِيْبُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيُّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ، وَمُوْسَى بنُ سَعِيْدِ بنِ الصَّيْقَلِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ الكُتُبَ الكِبَارَ وَالأَجزَاءَ، وَسَمِعْتُ أَبَا العَلاَءِ العَطَّارَ بِهَمَذَانَ يَقُوْلُ: مَا أَعدِلُ بِأَبِي القَاسِمِ بنِ السَّمَرْقَنْديِّ أَحَداً مِنْ شُيُوْخِ العِرَاقِ وَخُرَاسَانَ (1) .
وَقَالَ عُمَرُ البِسْطَامِيُّ: أَبُو القَاسِمِ إِسْنَادُ خُرَاسَانَ وَالعِرَاقِ (2) .
قَالَ ابْنُ السَّمَرْقَنْديِّ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِي (مُعْجَمَ ابْنِ جُمَيْعٍ) غَيْرِي وَلاَ عَنْ عَبْدِ الدَّائِمِ الهِلاَلِيِّ، وَأَنْشَدَ:
وَأَعْجَبُ مَا فِي الأَمْرِ أَنْ عِشْتُ بَعْدَهُم ... عَلَى أَنَّهُم مَا خَلَّفُوا فِيَّ مِنْ بَطْشِ
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ ثِقَةً، مُكْثِراً، صَاحِبَ أُصُوْلٍ، دَلاَّلاً فِي الكُتُبِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فِي ابْنِ النَّقُّوْرِ (3) .
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَعَاشَ إِلَى أَنْ خَلَتْ بَغْدَادُ، وَصَارَ مُحَدِّثَهَا كَثْرَةً وَإِسْنَاداً، حَتَّى صَارَ يَطلُبُ عَلَى التَّسمِيْعِ بَعْدَ حِرصِهِ عَلَى التَّحْدِيْثِ، أَملَى بِجَامِع المَنْصُوْر أَزْيَدَ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ مَجْلِسٍ، وَكَانَ لَهُ بَخْتٌ فِي بَيعِ الكُتُبِ، بَاعَ مرَّةً (صَحِيْحَيْ (4)) البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي مُجَلَّدَةٍ لَطِيفَةٍ بِخَطِّ الصُّوْرِيِّ
__________
(1) انظر " المنتظم " 10 / 98.
(2) انظر " طبقات " السبكي 7 / 46، وشرح كلمة إسناد بقوله: يعني مسنده.
(3) يعني لكثرة ملازمته له، وسماعه منه، تشبيها بأبي هريرة رضي الله عنه الذي كان شديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وابن النقور هو أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البزاز، المتوفي سنة 470 هـ، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (180) .
(4) في الأصل: " صحيح "، والمثبت من " تهذيب تاريخ دمشق ".(20/30)
بِعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، وَقَالَ:
وَقعَتْ عَلَيَّ بِقِيرَاطٍ، لأَنِّي اشْتَرَيْتُهَا وَكِتَاباً آخرَ بِدِيْنَارٍ وَقيرَاطٍ، فَبِعتُ الكِتَابَ بدِيْنَارٍ (1) .
قَالَ السِّلَفِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، لَهُ أُنْسٌ بِمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَقَالَ:
وَكَانَ ثِقَةً، يَعرفُ الحَدِيْثَ، وَسَمِعَ الكُتُبَ، وَكَانَ أَخُوْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَالِماً ثِقَةً فَاضِلاً، ذَا لسنٍ.
وَقَالَ ابْنُ نَاصرٍ: كَانَ دَلاَّلاً، وَكَانَ سَيِّئَ المعَامِلَةِ، يُخَافُ مِنْ لِسَانِهِ، يُخَالطُ الأَكَابِر بِسَبَبِ الكُتُبِ.
تُوُفِّيَ: فِي السَّادِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدْ رَأَى أَنَّهُ يُقبِّلُ قَدَمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُمِرُّ عَلَيْهَا وَجهَهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الخَاضِبَةِ: أَبشِرْ بِطُولِ البقَاءِ، وَبِانْتِشَارِ حَدِيْثِكَ، فَتقبيلُ رِجْلَيْهِ اتِّبَاعُ أَثرِهِ (2) .
14 - جَمَالُ الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ بنِ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُفْتِي الشَّامِ، جَمَالُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ
__________
(1) انظر " تهذيب ابن عساكر " 3 / 13، 14.
(2) انظر خبر هذه الرؤيا بأطول مما هنا في " المنتظم " 10 / 98، و" مرآة الزمان 8 / 109، 110، و" المستفاد من ذيل تاريخ بغداد " 85، 86.
(*) تاريخ ابن القلانسي: 424، تبيين كذب المفتري 326، 327، مرآة الزمان 8 / 103، العبر 4 / 92، المشتبه: 588، دول الإسلام 2 / 53، الوافي بالوفيات 12 / 203 (مخطوط) ، مرآة الجنان 3 / 261، طبقات السبكي 7 / 235 - 237، طبقات الاسنوي 2 / 428، 429، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: ورقة 33، تبصير المنتبه 4 / 1282، طبقات المفسرين للسيوطي 26، الدارس للنعيمي 1 / 180، 181، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 435، 436، مختصر تنبيه الطالب: 33، طبقات المفسرين للادنة وي ورقة 40 / 1، كشف الظنون: 18، شذرات الذهب 4 / 102، هدية العارفين 1 / 696، 697.(20/31)
عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الفَتْحِ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الفَرَضِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا نَصْرٍ بنَ طَلاَّبٍ الخَطِيْبَ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَحْمَدَ الكَتَانِيَّ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ أَبِي الحَدِيْدِ، وَنجَا العَطَّارَ، وَغَنَائِمَ بنَ أَحْمَدَ، وَابْنَ أَبِي العَلاَءِ المَصِّيْصِيَّ، وَالفَقِيْهَ نَصْراً المَقْدِسِيَّ، وَعِدَّةً.
وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي المُظَفَّرِ المَرْوَزِيِّ، وَكَانَ مُعِيداً لِلْفَقِيْهِ نَصْرٍ (1) .
وَقَالَ الغَزَّالِيُّ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّهُ قَالَ: خَلَّفتُ بِالشَّامِ شَابّاً إِنْ عَاشَ كَانَ لَهُ شَأْنٌ.
فَكَانَ كَمَا تَفرَّسَ فِيْهِ، وَدرَّسَ بحَلْقَةِ الغزَّالِيِّ مُدَّةً، ثُمَّ وَلِيَ تدرِيسَ الأَمِينِيَّةِ (2) فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَمِعْنَا مِنْهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً ثَبْتاً، عَالِماً بِالمَذْهَبِ وَالفَرَائِضِ، يَحفظُ كِتَابَ (تَجرِيْدِ التَّجرِيْدِ) لأَبِي حَاتِمٍ القَزْوِيْنِيِّ (3) ، وَكَانَ حَسَنَ الخَطِّ، مُوفَّقاً فِي الفتَاوَى، عَلَى فَتَاويه عُمدَةُ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ كَثِيْرَ
__________
(1) هو الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي النابلسي، المتوفى سنة 490 هـ. مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (72) .
(2) قيل: إنها أول مدرسة بنيت بدمشق للشافعية، بناها أتابك العساكر بدمشق، وكان يلقب أمين الدولة، ربيع الإسلام، أمين الدين كمشتكين بن عبد الله الطغتكي، نائب قلعة بصرى وقلعة صرخد، توفي سنة 541 هـ، ووقف المدرسة سنة أربع عشرة، وصاحب الترجمة هو أول من
درس فيها، وتقع قبلي باب الزيادة من أبواب الجامع الأموي، وهو الباب المفتوح في حرم المسجد من جهة القبلة، المؤدي إلى سوق الصاغة اليوم.
انظر " مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس " ص 33 - 35.
(3) هو أبو حاتم محمود بن حسن الطبري القزويني الشافعي، صاحب التصانيف الكثيرة، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (66) ولم يذكر سنة وفاته، وتحرفت كنيته في " طبقات " الاسنوي 2 / 428 إلى أبي حامد.(20/32)
عِيَادَةِ المَرْضَى، وَشُهُوْدِ الجَنَائِزِ، مُلاَزِماً لِلتَّدرِيس، حسنَ الأَخلاَقِ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي الفِقْهِ وَالتَّفْسِيْر، وَكَانَ يَعقدُ مَجْلِسَ التَّذكيرِ، وَيُظهِرُ السُّنَّةَ، وَيَرُدُّ عَلَى المُخَالِفِيْن، لَمْ يُخلِّفْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ (1) .
قُلْتُ: المُخَالفُوْنَ يَعْنِي بِهِم الرَّافِضَّةَ، وَكَانَتِ الدَّوْلَةُ لَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَابْنُهُ (3) القَاسِمُ، وَخطيبُ دُومَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمْزَةَ الكِرْمَانِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَلِيٍّ وَالِدُ كَرِيْمَة، وَمَكِّيُّ بنُ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ الخضِرِ الأُرْمَوِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ الجَنْزَوِيُّ (4) ، وَأَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الخصِيْبِ، وَالقَاضِي أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَملَى عِدَّةَ مَجَالِس.
وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِ (تَبيِينِ كَذِبِ المفترِي (5)) ، وَقَالَ: عُنِيَ بِكَثْرَةِ المُطَالَعَةِ وَالتّكرَارِ، فَلَمَّا قَدِمَ الفَقِيْهُ نَصْرٌ المَقْدِسِيُّ لاَزمَهُ، وَلاَزَمَ الغزَالِيَّ مُدَّةَ مُقَامِه بِدِمَشْقَ، وَهُوَ الَّذِي أَمرَهُ بِالتَّصَدُّرِ بَعْدَ شَيْخِه نَصْرٍ، وَكَانَ يُثنِي عَلَى عِلمِهِ وَفهمِهِ، وَكَانَ عَالِماً بِالتَّفْسِيْرِ وَالأُصُوْلِ وَالفِقْهِ وَالتَّذكيرِ وَالفَرَائِضِ وَالحسَابِ وَتعبِير المَنَامَاتِ، تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، سَاجِداً فِي صَلاَةِ الفَجْرِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ (6) .
__________
(1) أورد هذا النص السبكي في " طبقاته الكبرى " 7 / 236.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: لوحة 152 / 2.
(3) في الأصل: " وابن " وهو خطأ.
انظر ترجمة القاسم ابن عساكر في الجزء الحادي والعشرين من هذا الكتاب.
(4) انظر ص 12 ت (4) .
(5) ص 326، 327.
(6) ذكر السبكي والاسنوي من مصنفاته كتاب " أحكام الخناثى ". قال الاسنوي: وهو =(20/33)
وَمَاتَ: ابْنُهُ الفَقِيْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيٍّ بِأَصْبَهَانَ، بَعْدَ سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ قَدْ سَكَنَ أَصْبَهَانَ، وَجَاءتْهُ الأَوْلاَدُ، وَقَدِمَ قُبَيْلَ مَوْتِهِ، فَبَاع مُلكاً لَهُ، وَرجعَ إِلَى أَصْبَهَانَ، سَمِعَ مِنْهُ الحَافِظُ أَبُو المَوَاهِبِ.
15 - ابْنُ تَوْبَةَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ تَوبَةَ الأَسَدِيُّ، العُكْبَرِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى أَصْحَابِ أَبِي الحَسَنِ بنِ الحَمَّامِيِّ، وَقرَأَ شَيْئاً مِنَ الفِقْهِ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَكَانَ جَلِيْلاً مَهِيْباً وَقُوْراً.
سَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَالصَّرِيْفِيْنِيَّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ صَالِحٌ خَيِّرٌ، حَسَنُ الأَخْذِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ الكَثِيْرَ، كُنْتُ أُقَدِّمُ السَّمَاعَ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِهِ (1) .
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالتَّاجُ الكِنْدِيُّ.
وَمَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
= تصنيف مفيد في بابه، وقد أودعت محاسنه في تصنيفي " إيضاح المشكل من أحكام الخنثى المشكل "، ونبهت على ما قال فيه من الغلط، وزدت عليه من المسائل والفوائد أضعاف ما ذكره، ولله الحمد.
انظر " طبقاته " 2 / 429.
(*) المنتظم 10 / 91، 92، معرفة القراء الكبار 1 / 393، العبر 4 / 96، غاية النهاية لابن الجزري 2 / 84، شذرات الذهب 4 / 107.
(1) انظر " معرفة القراء الكبار " 1 / 393.(20/34)
وَسَمِعْتُ (سَبْعَةَ) ابْنِ مُجَاهِدٍ مِنْ عُمَرَ بنِ القوَّاسِ، عَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ تَوبَةَ، أَخْبَرَنَا الصَّرِيْفِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا الكِنَانِيُّ، عَنْهُ.
أَخُوْهُ:
16 - عَبْدُ الجَبَّارِ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ تَوبَةَ العُكْبَرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
كَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيْهِ.
سَمِعَ حُضُوْراً مِنْ: أَبِي الغَنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ هَزَارْمَرْدَ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالتَّاجُ الكِنْدِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ المُبَارَكِ الخَفَّافُ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ حَسَنَ الإِصغَاءِ، ثِقَةً، صَالِحاً، قَيِّماً بِكِتَابِ اللهِ، صَحِبَ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ، وَخَدَمَهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ البُكَاءِ، أَكْثَرتُ عَنْهُ، تُوُفِّيَ فِي ثَالِث جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
17 - الشَّاذْيَاخِيُّ عَبْدُ الوَهَّابِ بنِ شَاه بنِ أَحْمَدَ **
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المَأْمُوْنُ، أَبُو الفُتُوْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ شَاه بنِ أَحْمَدَ
__________
(*) المنتظم 10 / 90، 91، العبر 4 / 96، شذرات الذهب 4 / 107.
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر 100 / 1.
(* *) الأنساب 7 / 241، التحبير 1 / 501 - 502، التقييد: الورقة 158، العبر 4 / 96، ملخص تاريخ الإسلام: الورقة 18 / 2، شذرات الذهب 4 / 107.
والشاذياخي: ذكر السمعاني أنها نسبة إلى موضعين: أحدهما إلى باب نيسابور مثل قرية متصلة بالبلد بها دار السلطان، ومنها صاحب الترجمة.
والموضع الآخر قرية ببلخ على أربعة فراسخ منها. وانظر " معجم البلدان " 3 / 305 - 307.(20/35)
بنِ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّاذْيَاخِيُّ، الخَرَزِيُّ.
كَانَ لَهُ حَانُوْتٌ يَتبلَّغُ فِيْهِ مِنْ بَيعِ الخَرَزِ.
سَمِعَ (الصَّحِيْحَ) مِنْ أَبِي سهلٍ الحفْصيِّ، وَسَمِعَ (الرِّسَالَةَ) مِنْ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيِّ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي حَامِدٍ الأَزْهَرِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَحِيْرِيِّ، وَحَسَّانٍ المَنِيْعِيِّ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الحَاكِمِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُكَرَّمٍ، وَأَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ السَّمْعَانِيُّ، وَقَالَ (1) : كَانَ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ وَالصَّلاَحِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيٍّ المُغِيثيُّ، وَمَنْصُوْرٌ الفُرَاوِيّ، وَالمُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ، وَزَيْنَبُ الشَّعْرِيَّةُ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعَ مِنْهُ جَمِيْعَ (الصَّحِيْحِ) مَنْصُوْرٌ، وَالمُؤَيَّدُ، وَالشَّعْرِيَّةُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ عَسَاكِرَ، عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ شَاه، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ فُوْرَك، حَدَّثَنَا ابْنُ خُرَّزَاذَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الحَارِثِ الأَهْوَازِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (حَسِّنُوا القُرْآنَ
__________
(1) في " التحبير " 1 / 501 و502.
(2) انظر " مشيخته " لوحة 131.(20/36)
بِأَصوَاتِكُم، فَإِنَّ الصَّوتَ الحَسَنَ يَزِيْدُ القُرْآنَ حُسْناً (1)) .
صَدَقَةُ: صَدُوْقٌ.
18 - عِمَادُ الدَّوْلَةِ بنُ هُودٍ *
كَانَ أَحَدَ مُلُوْكِ الأَنْدَلُسِ فِي حُدُوْدِ الخَمْسِ مائَةِ، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ تَملَّكُوا شرقَ الأَنْدَلُسِ، فَلَمَّا اسْتولَى المُلَثَّمُوْنَ عَلَى الأَنْدَلُسِ، أَبقَى يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْنَ عَلَى ابْنِ هودٍ، فَلَمَّا تَملَّكَ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بَعْدَ أَبِيْهِ كَانَ فِيْهِ سلاَمَةُ باطنٍ، فَحَسَّنَ لَهُ وُزَرَاؤُهُ أَخْذَ المُلكِ مِنِ ابْنِ هُودٍ، حَتَّى قَالُوا لَهُ: إِن أَمْوَالَ المُسْتَنْصِرِ العُبيديِّ صَارَت فِي غلاَء مِصْرَ المُفرِطِ تَحَوَّلَتْ كُلُّهَا إِلَى بنِي هُودٍ،
وَقَالُوا: الشَّرْعُ يَأْمرُكَ أَنْ تَسْعَى فِي خلعهِم، لِكَوْنِهِم مُسَالِمِينَ الرُّوْمَ، فَجَهَّزَ لَهُم الأَمِيْرَ أَبَا بَكْرٍ بنَ تيفلوت (2) ، فَتحصَّنَ عمَادُ الدَّوْلَةِ بِرُوْطَةَ (3) ، وَكَتَبَ إِلَى عَلِيِّ بنِ تَاشفِيْنَ يَسْتَعطِفُهُ فِي المُسَالَمَةِ وَيَقُوْلُ:
لَكُم فِيمَا فَعلَه أَبوكم أُسْوَةٌ
__________
(1) اسناده قوي على شرط مسلم، وأخرجه الحاكم 1 / 575 من طريق أبي محمد عبد الله
بن عبد الرحمن السمرقندي، حدثنا محمد بن بكر حدثنا صدقة بهذا الإسناد بلفظ " زينوا " وأخرج القسم الأول منه من غير هذه الطريق عن البراء أحمد 4 / 285 و296 و304، وأبو داود (1468) والدارمي 2 / 474، والنسائي 2 / 179 - 180، وابن ماجه (1342) والحاكم 1 / 575، وإسناده صحيح.
(*) الكامل لابن الأثير 9 / 289، الحلة السيراء 2 / 248، 249، المغرب في حلي المغرب 2 / 438، أعمال الاعلام 202، الحلل الموشية: 71، تاريخ ابن خلدون 4 / 163، نفح الطيب 1 / 441، الاستقصا في أخبار المغرب الاقصى 2 / 66، 67، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 90.
واسمه: عبد الملك بن أحمد بن يوسف بن هود الجذامي، أبو مروان.
(2) هو أبو بكر بن إبراهيم المعروف بابن تيفلوت - وورد في " نفح الطيب " " تيفلويت " بزيادة ياء بعد الواو - أحد أمراء المرابطين، وكان واليا على سرقسطة، توفي سنة 510 هـ.
مترجم في " الاستقصا في أخبار المغرب الاقصى " 2 / 65، و" الاحاطة " 1 / 404 - 409.
(3) روطة: حصن من أعمال سرقسطة حصين جدا. " معجم البلدان " 3 / 96.(20/37)
حَسَنَةٌ، وَسيعلمُ مُبْرِمُ هَذَا الرَّأْي عِنْدكُم سوءَ مَغَبَّتِهِ، وَاللهُ حسيبُ مَنْ مَعِي، وَحسبنَا اللهُ وَكَفَى.
فَأَمرَ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بِالكَفِّ، وَأَنَّى ذَلِكَ، وَقَدْ أَدْخَلته الرعيَّةُ سَرَقُسْطَة، وَكَانَ ابْنُ رُذمِيْر اللعينُ صَاحِبُ مَمْلَكَةِ أَرَغُوْنَة مِنْ شرقِ الأَنْدَلُسِ قِسِّيْساً مُجَرَّباً، دَاهِيَةً مترهِّباً، فَقوِيَ عَلَى بِلاَدِ ابْنِ هودٍ وَطوَاهَا، وَقنعَ عمَادُ الدَّوْلَةِ بن هود بِدَارِ سُكْنَاهُ، وَكَانَ ابْنُ رُذمِيْر لاَ يَتَجَهَّزُ إِلاَّ فِي عَسْكَرٍ قَلِيْلٍ كَامِلِ العُدَّةِ، فَيَلقَى بِالأَلفِ آلاَفاً.
قَالَ اليَسعُ بنُ حَزْمٍ: حَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو القَاسِمِ هِلاَلٌ أَحَدُ وُجُوهِ العربِ، قَالَ:
كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ المُرَابِطِيْنَ أَمرٌ أَلجَأَنِي إِلَى الوُفُوْدِ عَلَى ابْنِ رُذمِيْر، فَرحَّبَ بِي، وَأَمرَ لِي برَاتبٍ كَبِيْرٍ، فَحَضَرت مَعَهُ حرباً طُعن عَنْهُ حصَانُهُ، فَوَقَفتُ عَلَيْهِ ذَابّاً عَنْ حَوزتِهِ، فَلَمَّا انْصرفنَا إِلَى رشقَة، أَمرَ الصوَّاغِيْنَ بعملِ كَأْس مِنْ ذَهَبٍ رَصَّعه بِالدُّرِّ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ: لاَ يَشربُ مِنْهُ إِلاَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى سُلْطَانِهِ.
فَحَضَرتُ يَوْماً، فَأَخْرَجَ الكَأْسَ، وَملأَهُ شرَاباً، وَنَاولنِي بحضرَةِ أَلفِ فَارِسٍ، وَرَأَيْتُ أَعْنَاقَهُم قَدِ اسودَّتْ مِنْ صدَأِ الدُّرُوْعِ.
قَالَ: فَنَادَيتُ، وَقُلْتُ: غَيْرِي أَحقُّ بِهِ.
فَقَالَ: لاَ يَشربُ هَذَا إِلاَّ مَنْ عَمِلَ عَملَكَ.
وَكَانَ هِلاَلٌ هَذَا مِنْ قَرْيَة هِلاَلِ بنِ عَامِرٍ، تَابَ بَعْدُ، وَغَزَا مَعَنَا، فَكَانَ إِذَا حَضَرَ فِي الصَّفِّ جَبَلاً رَاسياً يَمنعُ تَهَائِمَ الجُيُوْشِ أَنْ تَمِيدَ، وَقَلْباً فِي البسَالَةِ قَاسياً، يَقُوْلُ فِي مُقَارعَة الأَبْطَالِ: هَلْ مِنْ مزِيدٍ؟
أَبْصَرتُهُ -رَحِمَهُ اللهُ- أُمَّةً وَحْدَهُ، يَتحَامَاهُ الفَوَارِسُ، فَحَدَّثَنِي عَنِ ابْنِ رُذمِيْر وَإِنصَافِهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَهُ بِظَاهِرِ رُوطَةَ، وَقَدْ وَجَّه إِلَيْهِ عمَادُ الدَّوْلَةِ وَزِيْرَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللهِ بنَ هَمُشْك (1) الأَمِيْرَ رَسُوْلاً، فَطَلبَ فَارِسٌ مِنِ ابْنِ رُذمِيْر أَنْ يُمكَّنَ مِنْ مبَارزَةِ ابْنِ هَمُشْك، فَقَالَ: لاَ، هُوَ عِنْدنَا ضَيفٌ.
فَسَمِعَ بِذَلِكَ ابْنَ هَمُشْك، وَأَمْضَى ابْنُ رُذمِيْر حَاجتَهُ،
__________
(1) بفتح الهاء وضم الميم وسكون الشين، انظر ضبطه ومعناه في " الاحاطة " 1 / 297.(20/38)
وَصرفَهُ.
فَقَالَ: لاَ بُدَّ لِي مِنْ مُبَارزَةِ هَذَا.
فَأَمرَ الملكُ ذَاكَ الفَارِسَ بِالمبَارزَةِ، وَقَالَ: هَذَا أَشجعُ الرُّوْمِ فِي زَمَانِهِ.
فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللهِ يُرِيْدُ رُوطَةَ، وَخَرَجَ وَرَاءهُ الرُّوْمِيُّ شَاكّاً فِي سلاَحِه، وَمَا مَعَ ابْنِ هَمُشْك درعٌ وَلاَ بيضَةٌ، فَأَخَذَ رُمحَهُ وَطَارِقتَهُ مِنْ غُلاَمِهِ، وَقصدَ الرُّوْمِيَّ، فَحَمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الآخر حملاَت، ثُمَّ ضربَهُ ابْنُ هَمُشْك فِي الطَّارقَةِ، فَأَعَانَهُ اللهُ، فَانقطعَ حِزَامُ الفَارِس، فَوَقَعَ بسرجِهِ إِلَى الأَرْضِ، فَطعنه ابْن هَمُشْك، فَقَتَلَهُ، وَالملكُ يُشَاهِدُهُ عَلَى بُعْد، فَهمَّتِ الرُّوْمُ بِالحملَةِ عَلَى ابْنِ هَمُشْك، فَمنعهُم الملكُ، وَنَزَلَ غُلاَم ابْن هَمُشْك، فَجرَّدَ الفَارِسَ، وَسَلَبَهُ، وَأَخَذَ فَرسَهُ، وَذَهَبَ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى نَاحِيَتِنَا، فَمَا أَدْرِي مِمَّ أَعْجَبُ: مِنْ إِنصَافِ الملكِ؟ أَوْ مِنِ ابْنِ هَمُشْك كَيْفَ مَضَى وَلَمْ يُعرِّجْ إِلَيْنَا؟!
وَأَقَامَ ابْنُ رُذمِيْر مُحَاصِراً (1) سَرَقُسْطَة زَمَاناً، وَأَخَذَ كَثِيْراً مِنْ حُصُوْنِهَا، فَلَمَّا رَأَى أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ غَلْبُوْنَ القَائِدُ مَا حلَّ بِتِلْكَ البِلاَد مِنَ الرُّوْمِ، ثَار بدورقَة وَقَلْعَة أَيُّوْب وَملينَة، وَجَمَعَ وَحشد، وَكَافح ابْنَ رُذمِيْر، وَاسْتَوْلَى أَبُو بَكْرٍ بنُ تيفلوت عَلَى سَرَقُسْطَة، وَأَقَامَ بقَصْرهَا فِي لذَّاتِهِ.
وَأَمَّا ابْنُ غَلبُوْنَ، فَأَحْسَنَ السِّيْرَةَ، وَعدلَ وَجَاهدَ وَرُزِقَ الجُنْدَ، رَأَيْتُهُ رَجُلاً طُوَالاً جِدّاً، وَاجتمعتُ بِهِ، أَقَامَ مُثَاغراً لابْنِ رُذمِيْر شَجَىً فِي حلقِهِ، التَقَى مَرَّةً فِي أَلفِ فَارِسٍ لابْنِ رُذمِيْر، وَالآخر فِي أَلفٍ، فَاشتدَّ بَيْنهُمَا القِتَالُ وَطَالَ، ثُمَّ حَمَلَ ابْنُ غلبُوْنَ عَلَى ابْنِ رُذمِيْر، فَصَرَعَهُ عَنْ حصَانه، فَدَفَعَ عَنْهُ أَصْحَابُه، فَسَلِمَ، ثُمَّ انْهَزَمُوا، وَنَجَا (2) اللعينُ فِي نَحْوِ المائَتَيْنِ فَقَطْ.
وَأَمَّا ابْنُ تيفلوت، فَإِنَّهُ رَاسلَ ابْنَ غَلبُوْنَ وَخَدَعَهُ، حَتَّى حسَّنَ لَهُ زِيَارَةَ أَمِيْرِ المُسْلِمِينَ عَلِيِّ بنِ
__________
(1) في الأصل: محاصر والصواب ما أثبتناه.
(2) في الأصل: أو نجا والصواب ما أثبتناه.(20/39)
يُوْسُفَ، فَاسْتَخلفَ عَلَى بِلاَدِهِ وَلدَهُ أَبَا المُطَرِّفِ، وَكَانَ مِنَ الأَبْطَالِ المَوْصُوْفِيْن أَيْضاً، فَقَدِمَ مُحَمَّدٌ مَرَّاكُش، فَأُمسِكَ، وَأُلزِمَ بِأَنْ يُخَاطِبَ بَنِيهِ فِي إِخلاَءِ بِلاَدِهِ لِلمُرَابِطِيْنَ، فَأَخلَوهَا طَاعَةً لأَبِيْهِم، وَتَرَحَلُّوا إِلَى غربِ الأَنْدَلُسِ، فَفَرح بِذَلِكَ ابْنُ رُذمِيْر، وَحَصَرَ سَرَقُسْطَة، وَصنعَ عَلَيْهَا بُرْجَيْنِ عَظِيْمَينِ مِنْ خشبٍ، وَإِنَّ أَهْلهَا لَمَّا يَئسُوا مِنَ الغِيَاثِ، خَرَجُوا، وَأَحرقُوا البُرجَيْنِ، وَاقْتَتَلُوا أَشدَّ قِتَالٍ، وَكَتبُوا إِلَى ابْنِ تَاشفِيْنَ يَسْتَصرخونَ بِهِ، وَمَاتَ ابْنُ تيفلوت، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، فَأَنجدَهُم بِأَخِيْهِ تَمِيْمِ بنِ يُوْسُفَ، فَقَدِمَ فِي جَيْشٍ كَبِيْرٍ، وَعَنَّى ابْنُ رُذمِيْر جُيُوْشَهُ، فَفَرح أَهْلُ سَرَقُسْطَة بِتَمِيْمٍ، فَكَانَ عَلَيْهِم لاَ لَهُم، جَاءَ مُوَاجِهَ المَدِيْنَةِ، ثُمَّ نَكَّبَ عَنْهَا، وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنْ خَيلِهَا وَرَجِلِهَا قَدْ تَلَقَّوهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِم حَملَةً قَتَلَ مِنْهُم جَمَاعَةً كَثِيْرَةً، ثُمَّ نَكَّبَ عَن لقَاءِ العَدُوِّ، وَانْصَرَفَ إِلَى جهَاتِ المورَالَة، وَاشتدَّ البَلاَءُ عَلَى البلدِ، ثُمَّ سَلَّمُوْهُ بِالأَمَانِ، عَلَى أَنَّ مَنْ شَاءَ أَقَامَ بِهِ.
وكَانَ ابْنُ رُذمِيْرَ مَعْرُوْفاً بِالوَفَاء، حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ، فَفَقدهَا، فَأُخبِرَ أَنَّ كَبِيْراً مِنْ رُؤُوْسِ الرُّوْمِ خَرَجَ بِهَا إِلَى سَرَقُسْطَة، فَتَبِعَهُ أَبوَاهَا وَأَقَارِبُهَا، فَشكوهُ إِلَى ابْنِ رُذمِيْر، فَأَحضرَهُ، وَقَالَ: عَلَيَّ بِالنَّارِ، كَيْفَ تَفْعَلُ هَذَا بِمَنْ هُوَ فِي جِوَارِي؟
فَقَالَ الرُّوْمِيُّ: لاَ تَعجل عليَّ، فَإِنَّهَا فَرَّتْ إِلَى دِيننَا.
فَجِيْءَ بِهَا، فَأَنْكَرَتْ أَبويهَا وَارتدَّتْ.
وَلَمَّا دَخَلَ سَرَقُسْطَة، أَقرَّهُم عَلَى الصَّلاَةِ فِي جَامِعهَا سَبْعَةَ أَعْوَام، وَبعدَ ذَلِكَ يَعملُ مَا يَرَى، وَحَاصَرَ قُتُنْدَة (1) بَعْد سَرَقُسْطَة سَنَتَيْنِ.
فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، قَصَدَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ حيونَة فِي جَيْشٍ فِيهِم قَاضِي المرِيَّة أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الفَرَّاءِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، فَبَرَزَ لَهُم اللعينُ، فَقتل خلقاً، وَأُسِرَ آخرُوْنَ،
__________
(1) وهي ثغر سرقسطة من قرى مرسية: انظر " معجم البلدان " 4 / 310، و" المغرب " 2 / 264.(20/40)
وَاسْتُشْهِدَ المَذْكُوْرَانِ.
فَبنَى عَلَيْهِم ابْنُ رُذمِيْر قُبُوْراً، ثُمَّ سُلِّمَ البلدُ إِلَيْهِ، وَأَخَذَ فِي تِلْكَ المُدَّةِ دورقَة وَقَلْعَة أَيُّوْب، وَطَرَسُوْنَة، وَأَكْثَرَ مِنْ مائَتَيْ مُسَوَّر، وَلَمْ يَبْقَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثَة مَدَائِنَ لَمْ يَأْخذْهَا، وَبَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ بنِي هود لارِدَة (1) ، وَإِفرَاغَة، وَطُرْطُوْشَة، وَغَيْر ذَلِكَ، معَامِلَة عَشْرَة أَيَّام لَمْ يظفرِ اللَّعين بِهَا، فَقَامَ بِلارِدَة الهُمَامُ البطلُ أَبُو مُحَمَّدٍ (2) ، وَقَامَ بِإِفرَاغَة الزَّاهِدُ المُجَاهِدُ مُحَمَّدُ مَردنِيش الجُذَامِيُّ (3) جدُّ الأَمِيْر مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ.
19 - أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ هُودٍ المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ الأَنْدَلُسِيُّ *
المُلَقَّبُ بِالمُسْتَنْصِرِ بِاللهِ الأَنْدَلُسِيُّ، مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ وَحِشْمَةٍ وَأَمْوَالٍ عَظِيْمَةٍ، وَكَانَ بِيَدِهِ قِطعَةٌ مِنَ الأَنْدَلُسِ، فَاسْتعَانَ بِالفِرَنْجِ عَلَى إِقَامَةِ دَوْلَتِهِ.
ذَكَرَهُ اليَسعُ بنُ حَزْمٍ، فَقَالَ: انعقدَ الصُّلحُ بَيْنَ المُسْتَنْصِرِ بن هودٍ وَبَيْنَ السُّليطينِ (4) ملكِ الرُّوْمِ وَهُوَ ابْنُ بِنْتِ أَذفونش إِلَى مُدَّةِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، عَلَى أَنْ يَدفعَ لِلْفرنجِ رُوطَةَ، وَيدفعُوا إِلَيْهِ حُصُوْناً عِوَضَهَا، وَيُعِينوهُ بِخَمْسِيْنَ أَلْفاً مِنَ الرُّوْمِ، يَخْرُجُ بِهَا إِلَى بِلاَدِ المُسْلِمِيْنَ لِيَملِكَ، فَجَعَلَ اللهُ تَدمِيْرَهُ فِي تَدبِيرِهِ.
وَكُنَّا نَجِدُ فِي الآثَارِ عَنِ السَّلَفِ فَسَادَ الأَنْدَلُسِ عَلَى يَدَي بَنِي هود،
__________
(1) بالراء المكسورة والدال المهملة: مدينة مشهورة من مدن الثغر على نهر سيقر شرقي قرطبة.
انظر " معجم البلدان " 5 / 7، و" المغرب " 2 / 459.
(2) هو الأمير المجاهد أبو محمد عبد الله بن عياض، سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (154) .
(3) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (151) .
(*) الكامل لابن الأثير 9 / 289، الحلة السيراء 2 / 249 - 251، المغرب في حلي المغرب 2 / 438، أعمال الاعلام: 203، صفة جزيرة الأندلس: 97، تاريخ ابن خلدون 4 / 163، نفح الطيب 1 / 441، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 90.
(4) انظر تعليق الدكتور حسين مؤنس على " الحلة السيراء " 2 / 249 في التعريف بهذا السليطين وسبب تسميته بذلك.(20/41)
وَصلاَحَهَا بَعْدُ عَلَى أَيديهِم، فَخَرَجَ اللعينُ السُّليطينُ وَابْنُ هود فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَتَاشفِيْنُ بِالزّهرَاءِ، فَقصد ابْنُ هود جِهَة إِشْبِيْلِيَةَ، وَبَقِيَ يُنفقُ عَلَى جُيُوْشِ السُّليطين نَحْو ثَمَانِيَةِ أَشهرٍ، وَشرطَ عَلَيْهِم أَنَّهُم لاَ يَأْسِرُوْنَ أَحَداً.
فَحَدَّثَنِي المُسْتَنْصِرُ - وَقَدْ نَدمَ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ شيطنَةِ الشَّبِيْبَة وَطَلبِ مُلكِ آبَائِهِ - فَقَالَ لِي: الَّذِي أَنفقتُ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مِنَ الذَّهبِ الخَالصِ ثَلاَثَةُ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَالَّذِي دفعتُ إِلَيْهِم مِنْ مَخَازنِ رُوطَةَ مِنَ الدُّرُوْعِ أَرْبَعُوْنَ (1) أَلفَ درعٍ، وَمِنَ البيضِ مِثْلهَا، وَمِنَ الطَّوَارقِ ثَلاَثُوْنَ (2) أَلْفاً.
وَذَكَرَ لِي جَمَاعَةٌ أَنَّهُ دفَعَ إِلَى السُّلَيْطِيْنِ خيمَةً كَانَ يَحملهَا أَرْبَعُوْنَ بَغْلاً.
وَذَكَرَ لِي مُحَمَّد بن مَالِكٍ الشَّاعِر: أَنَّهُ أَبصرَ تِلْكَ الخيمَةَ، قَالَ: فَمَا سُمِعَ بِأَكْبَرَ مِنْهَا قَطُّ، وَلَمَّا طَالَتْ إِقَامتُهُ عَلَى البِلاَدِ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى ابْنِ هود أَحَدٌ، رَجَعَ وَمَعَهُ ابْنُ هُودٍ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ ابْنِ هودٍ إِلاَّ نَحْوٌ مِنْ مائَتَيْ فَارِسٍ، فَأَقَامَ ابْنُ هُودٍ بِطُلَيْطُلَةَ لِيَذْهَبَ مِنْهَا إِلَى حُصُوْنِهِ الَّتِي عُوِّضَ بِهَا - وَبِئسَ لِلظَّالِمِين بَدَلاً - ثُمَّ إِنَّ قُرْطُبَةَ اضْطَرَب أَمرُهَا، وَاشْتَغَل أَمِيْرُ المُسْلِمِيْنَ بِمَا دَهَمَهُ مِنْ خُرُوْجِ التُّومَرْتيَّة (3) ، فَجَاءَ المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ أَحْمَدُ مِنْ مدينَةِ غرليطش، وَقصَدَ قُرْطُبَةَ، وَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى النَّاسِ بِالصِّيتِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ ابْنُ حَمْدِينَ زَعِيم قُرْطُبَةَ بِعَسْكَرهَا، فَقصدَ عَسْكَرُهَا نَحْوَ ابْنِ هودٍ طَائِعين، فَفَرَّ حِيْنَئِذٍ ابْنُ حَمدين إِلَى بُليدَة، وَدَخَلَ ابْنُ هودٍ قُرْطُبَةَ بِلاَ كلفَةٍ وَلاَ ضربَة وَلاَ طعنَة، فَاسْتوزَرَ أَبَا سَعِيْدٍ المَعْرُوفَ بِفَرج الدَّلِيْل، وَكَاتَبَ نُوَّاب البِلاَد، فَفَرحُوا بِهِ لأَصَالتِهِ فِي الملكِ.
ثُمَّ خَرَجَ فَرجُ الدَّلِيْل إِلَى حِصنِ المُدَوّر، فَقِيْلَ لابْنِ هُودٍ: قَدْ نَافقَ وَفَارق. فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ، وَاسْتَنْزَلَهُ مِنَ
__________
(1) في الأصل: أربعين.
(2) في الأصل: ثلاثين.
(3) هم جماعة محمد بن عبد الله ابن تومرت، مهدي المغرب، زعيم الموحدين، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (318) ، وقد خلف بعده السلطان عبد المؤمن بن علي،
سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (254) .(20/42)
الْحصن، فَنَزَلَ غَيْر مُظهِرٍ خِلاَفاً، وَكَانَ رَجُلاً صالحاً، فَقَتَلَهُ صَبْراً، فَسَاء ذَاكَ أَهْلَ قُرْطُبَةَ، وَثَارَت نُفُوْسهُم، وَعظم عَلَيْهِم قتل أَسدٍ مِنْ أُسدِ الله، فَزحفُوا إِلَى القَصْرِ، فَفَرَّ ابْنُ هود مِنْ قُرْطُبَةَ، فَقصدهَا ابْن حَمدين، فَأَدخله أَهْلُه، وَكثر الْهَيْج، وَاشتدَّ البَلاَء بِالأَنْدَلُسِ، وَغَلَتْ مرَاجلُ الفِتْنَة.
وَأَمَّا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عِيَاضٍ فَكَانَ عَلَى مَمْلَكَةِ لاَرِدَةَ، فَخَرَجَ فِي خَمْسِ مائَة فَارِسٍ، لِيَسعَى فِي إِصْلاَحِ أَمرِ الأُمَّةِ، وَقَصَدَهُ أَهْلُ مُرْسِيَّة وَبَلَنْسِية لِيُمَلِّكوهُ عَلَيْهِم، فَامْتَنَعَ، ثُمَّ بَايَعَ أَهْلَ بَلَنْسِيَة عَنِ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ العَبَّاسِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عِيَاضٍ وَابْنُ هود عَلَى أَنَّ اسْمَ الخِلاَفَةِ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ العَبَّاسِيِّ، وَأَنَّ النَّظَرَ فِي الجُيُوْشِ وَالأَمْوَالِ لاِبْنِ عيَاضٍ -رَحِمَهُ اللهُ- وَأَنَّ السَّلطنَةَ لابْنِ هودٍ.
قَالَ اليَسعُ: فَكَتَبتُ بَيْنَهُمَا عَهداً هَذَا نَصُّهُ:
كِتَابُ اتِّفَاقٍ وَنظَامٍ وَائْتِلاَفٍ لِجَمعِ كَلِمَةِ الإِسْلاَمِ يَفرحُ بِهِ المُؤْمِنُوْنَ، انعقدَ بَيْنَ الأَمِيْرِ المُسْتَنْصِرِ بِاللهِ أَحْمَدَ، وَبَيْنَ المُجَاهِدِ المُؤَيَّدِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عِيَاضٍ، وَصلَ اللهُ بِهِمَا أَبْوَابَ التَّوفِيقِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَنَا لِي فِي جَزِيْرَةِ الأَنْدَلُسِ غُربَاء فِي مَادَّةِ الرُّوْمِ، فَلِمَ لاَ تَعزمُ عَلَى إِذَاعَةِ العَدْلِ، وَتَرُومُ؟ وَقَدْ تَوجّهَ نَحْوكم كَاتِبُنَا ابْنُ اليَسعِ، وَكُلّ مَا عقدَهُ وَفِي أُمُوْرِكُم اعتمدَهُ أَمضَيْنَاهُ.
قَالَ: فَلَمَّا وَصلْتُ المَدِيْنَةَ، وَقَرَأْتُ الكِتَابَ، فَرحُوا ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَأَغَارتِ الرُّوْمُ عَلَى أَحْوَازِ شَاطِبَةَ، فَبعثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عِيَاضٍ إِلَى المُسْتَنْصِرِ يَقُوْلُ لَهُ: أَنَا أَحتفلُ لِلْقَاءِ القَوْمِ، فَلاَ تخرجْ.
فَلَمَّا جِئْتُه بِهَذِهِ الرِّسَالَة، قَالَ لِي: إِنَّمَا تُرِيْدُ أَنْ تُفْسِدَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرُّوْمِ مِنْ وَكيدِ الذّمَّةِ، وَإِذَا أَنَا خَرَجتُ، وَاجتمعتُ بِملوكهِم، رَدُّوا مَا أَخَذُوهُ.
فَأَعْلَمتُ ابْنَ عِيَاض، فَقَالَ لِي: يَحسبُ هَذَا أَنَّ الرُّوْمَ تَفِي لَهُ، سيتبَعُ رَأْيِي حِيْنَ لاَ(20/43)
يَنفعُهُ، فَتضرَّعْتُ إِلَى المُسْتَنْصِرِ، فَأَبَى، فَخَرَجْنَا (1) جَمِيْعاً نؤمُّ العَدُوَّ، حَتَّى وَصلنَا، فَأَمَرَانِي بِكِتَابَيْنِ عَنْهُمَا إِلَى الْملكَيْنِ مُوَنَّق وَفرَاندَة، وَكِتَاب عَنِ ابْنِ عيَاض إِلَى صِهْرِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ ليصلَ بِعَسْكَرِ بَلَنْسِيَةَ.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عِيَاضٍ: يَقربُ صيدُنَا، وَالحَرْبُ خُدعَة، فَأَبَى، وَقَالَ: إِذَا وَصلَهُم كِتَابِي، رُدُّوا الغَنَائِمَ، فَلَمْ يُغْنِ كِتَابُهُ شَيْئاً.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَالتقينَا نَحْنُ وَالرُّوْمُ، فَكَمَنُوا لَنَا أَلفَي فَارِسٍ، وَظهرَ لَنَا أَرْبَعَةُ آلاَفٍ، وَنَحْنُ نَحْوُ الأَلْفَيْن، وَوَقَعَ الحَرْبُ، فَمَاتَ مِنْ أَهْلِ بَلَنْسِيَة نَحْوُ سَبْع مائَة، وَمِنَ الرُّوْمِ نَحْوُ الأَلف، وَفَرَّ أَهْلُ مُرْسِيَة عَنِ ابْنِ عيَاضٍ، وَفَرَّ ابْنُ هُودٍ، فَثبتَ ابْنُ عِيَاض فِي نَحْو مائَة فَارِس، وَانكسَرَتِ الرُّوْمُ، لَكِن خَرَجَ كَمِينهُم، فَانكسرنَا بَعْدَ بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَاسْتُشْهِدَ الأَمِيْرُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مِرْدنِيش صهر ابْنِ عِيَاضٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مِرْدنِيش، فَشَقَّ حِيْنَئِذٍ ابْنُ عِيَاضٍ وَسطَ الرُّوْمِ، وَجَاز نَهْرَ شُقَرَ، حَتَّى وَصل مدينَة جنجَالَة، وَتوصل الفَلُّ إِلَيْهِ، وَفقدنَا ابْنَ هُود، وَدخلنَا مُرْسِيَة، وَاسْتبشر أَهْلُهَا بسلاَمَةِ الملكِ المُجَاهِد عَبْدِ اللهِ بنِ عِيَاضٍ، وَذَلِكَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
20 - العُثْمَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى العُثْمَانِيُّ، المَقْدِسِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الأَشْعَرِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الدِّيباجِ (2) .
__________
(1) في الأصل: فخرج، وهو خطأ.
(*) الأنساب 5 / 392 (الديباجي) ، تبيين كذب المفتري: 321، المنتظم 10 / 33، الكامل 11 / 9، مرآة الزمان 8 / 88، تاريخ الإسلام 4 / ق 275 / 1، الوافي بالوفيات 2 / 109، طبقات السبكي 6 / 88، 89، طبقات الاسنوي 1 / 528، البداية والنهاية 12 / 205، تاريخ الانس الجليل 1 / 267.
(2) وقد لقب بالديباج لحسنه، مرت ترجمته في الجزء السادس برقم (107) .(20/44)
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ (1) وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِبَيْرُوْت.
وَأَخَذَ عَنِ: الفَقِيْهِ نَصْرٍ (2) .
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (3) ، وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ.
وَدرَّسَ وَأَقرَأَ، وَوعظ، وَحَجَّ مَرَّات.
وَرَوَى عَنِ: الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ.
قَالَ ابْنُ كَامِلٍ: لَمْ أَرَ فِي زَمَانِي مِثْلَهُ، جمعَ العِلْم وَالعمل وَالزُّهْد وَالوَرَع وَالمُروءة وَحُسْنَ الخُلُقِ، وَكَانَ يَوْمُ جِنَازَتِهِ يَوْماً مَشْهُوْداً.
قَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ (4) : رَأَيْتهُ يَعظُ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَكَانَ غَالياً فِي مَذْهَبِ الأَشْعَرِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ (5) : كَانَ يُفْتِي وَيُنَاظِرُ وَيُذكِّرُ، وَكَانَتْ مَجَالِسُ تذكيرِهِ قَلِيْلَةَ الحشوِ، عَلَى طرِيقَةِ المُتَقَدِّمِيْنَ، مَاتَ فِي سَابعَ عشرَ صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ (6) وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: غُلاَةُ المُعْتَزِلَةِ، وَغُلاَة الشِّيْعَة، وَغُلاَة الحَنَابِلَة، وَغُلاَة الأَشَاعِرَةِ، وَغلاَة المُرْجِئَة، وَغُلاَة الجَهْمِيَّة، وَغُلاَة الكَرَّامِيَّة قَدْ مَاجت بِهِم الدُّنْيَا، وَكثرُوا، وَفِيهِم أَذكيَاءُ وَعُبَّاد وَعُلَمَاء، نَسْأَلُ اللهَ العفوَ وَالمَغْفِرَة
__________
(1) في " الوافي ": وأربعين.
(2) المقدسي. انظر ص 27 ت (1) .
(3) انظر " مشيخة " ابن عساكر 175 / 1.
(4) في " المنتظم " 10 / 33.
(5) في " تبيين كذب المفتري ": 321.
(6) في " الوافي " سنة ست، وقيل: سنة تسع.(20/45)
لأَهْل التَّوحيد، وَنبرَأُ إِلَى اللهِ مِنَ الهَوَى وَالبِدَع، وَنُحبُّ السُّنَّةَ وَأَهْلَهَا، وَنُحِبُّ العَالِمَ عَلَى مَا فِيْهِ مِنَ الاتِّبَاعِ وَالصِّفَاتِ الحمِيدَة، وَلاَ نُحبُّ مَا ابْتدعَ فِيْهِ بتَأْوِيْلٍ سَائِغٍ، وَإِنَّمَا العِبرَةُ بِكَثْرَةِ المَحَاسِنِ.
21 - الدَّهَّانُ عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، أَبُو الحَسَنِ عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الدَّهَّانِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، البَيِّعُ، شَيْخٌ سَدِيدُ الطّرِيقَةِ، مِنْ بَيْتِ ثَروَةٍ وَمُروءةٍ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ البَيْهَقِيَّ فَأَكْثَرَ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي سَعِيْدٍ العَيَّارَ، وَجَمَاعَةً.
وَرَوَى الكَثِيْرَ، فَسَمِعَ مِنْهُ (السُّنَنَ الكَبِيْرَ) عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعرِيُّ.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (1) : أَجَازَ لِي فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَهُوَ شَيْخٌ ثِقَةٌ، مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ وَالأَمَانَةِ، عِنْدَهُ تَصَانِيْفُ البَيْهَقِيِّ، وَسَمِعَ: أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الحَافِظَ الزَّرَّادَ (2) ، وَأَبَا يَعْلَى بنَ الصَّابُوْنِيِّ.
وَذكره أَيْضاً عَبْدُ الغَافِرِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يذكُرَا لَهُ وَفَاةً.
لَمْ يُدْرِكْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
__________
(*) التحبير 1 / 430، معجم شيوخ السمعاني: الورقة 148 / 2، المنتخب: الورقة 107.
(1) في " التحبير " 1 / 430.
(2) في الأصل: " الرزاز " وهو خطأ، والتصويب من " التحبير " وهو أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن بويه الزراد، نسبة إلى صنعة الدروع والسلاح. مترجم في " الأنساب " 6 / 261، و" توضيح المشتبه " 1 / ورقة 87 / 2.(20/46)
22 - ابْنُ سَعْدُوَيْه أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الثِّقَةُ، العَالِمُ، أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدُويه الأَصْبَهَانِيُّ، الأَمِيْنُ.
صَالِحٌ خَيِّرٌ صَدُوْقٌ مُكْثِرٌ.
سَمِعَ: إِبْرَاهِيْمَ سِبْطَ بَحْرُويه (1) ، وَأَبَا الفَضْلِ بنَ بُنْدَارَ (2) ، وَالحَافِظَ مُحَمَّدَ بنَ الفَضْلِ الحَلاَوِي.
أَكْثَرَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لابْنِ السَّمْعَانِيِّ أَبِي سَعْدٍ، وَقَالَ (3) : مِنْ سَمَاعِهِ (مُسْنَدُ الرُّويَانِيِّ (4)) ، وَ (الغُرَرُ وَالدُّرر) لَهُ، سَمِعهُمَا مِنِ ابْنِ بُنْدَارَ، عَنِ ابْنِ فناكِي (5) ، عَنْهُ، وَكِتَابُ (العِلْم) لابْنِ مَرْدُويه (6) ، سَمِعَهُ مِنَ الحَلاَوِي عَنْهُ، مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ: وَمَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(*) التحبير 2 / 55، 56، معجم شيوخ السمعاني الورقة 197 / 2، المنتظم 10 / 63، تاريخ الإسلام 4 / 288 / 2، العبر 4 / 82، 83، غاية النهاية 2 / 45، شذرات الذهر 4 / 95.
(1) هو أبو القاسم إبراهيم بن منصور بن إبراهيم الأصبهاني، المعروف بسبط بحرويه، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (33) .
(2) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (73) .
(3) في " التحبير " 2 / 56.
(4) هو الحافظ أبو بكر محمد بن هارون الروياني، المتوفى سنة 307 هـ، مرت ترجمته في الجزء الرابع عشر برقم (284) .
(5) هو أبو القاسم جعفر بن عبد الله بن فناكي الرازي، المتوفى سنة 383 هـ، مرت ترجمته في الجزء السادس عشر برقم (319) .
(6) هو الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني، المتوفى سنة 410 هـ، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (188) .(20/47)
23 - بَدْرٌ أَبُو النَّجمِ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَرْمَنِيُّ الشِّيْحِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو النَّجمِ بَدرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَرمنِيُّ، الشِّيحِيُّ (1) .
سَمَّعَهُ مَوْلاَهُ المُحَدِّثُ عَبْدُ المُحْسِنِ (2) الكَثِيْرَ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَأَبِي الغَنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الوَكِيْلُ.
وَكَانَ عَرِيّاً مِنَ الفضِيْلَةِ، يُقَالَ: طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُجِيْزَ، فَقَالَ: كَمْ ذَا (3) ؟! مَا بَقِيَ عِنْدِي إِجَازَةٌ.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَعَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بنُ بَدْرٍ بَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ السَّبْعِيْنَ، يَرْوِي عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ العلاَّف، رَوَى عَنْهُ المُوفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بِحَلَبَ.
24 - ابْنُ مَوْهَبٍ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ **
أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ مَوْهَبٍ الجُذَامِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، المَرِيِّيُّ، المُحَدِّثُ.
__________
(*) الأنساب 7 / 442، 443 (الشيحي) ، المنتظم 10 / 74، اللباب 2 / 221 وتحرف اسمه فيه إلى " برد "، النجوم الزاهرة 5 / 262.
(1) بكسر الشين المعجمة وسكون الياء المثناة التحتية وفي آخرها الحاء المهملة، نسبة إلى شيحة، وهي قرية من قرى حلب.
وقد تصحفت في " المنتظم " إلى الشيخي، بالخاء المعجمة.
(2) بن محمد بن علي التاجر الشيحي، المتوفى سنة 478 هـ، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (79) .
(3) في " النجوم الزاهرة ": كم تستجيزون!
(* *) الصلة 2 / 426، بغية الملتمس: 410، معجم الأدباء 14 / 5، العبر 4 / 88، =(20/48)
رَوَى عَنْ: أَبِي العَبَّاسِ العُذْرِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ بنِ وَرْدُوْنَ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ صَاحِبِ الأَحباسِ.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال (1) : كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ وَالعِلْمِ وَالذّكَاءِ وَالفهْمِ، لَهُ (تَفْسِيْرٌ) مُفِيْدٌ، وَمَعْرِفَةٌ بِأُصُوْلِ الدِّينِ، حَجَّ، وَأَخَذُوا عَنْهُ، وَأَجَازَ لَنَا، مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، وَلَهُ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، عَامَ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَشِيْرِيّ (2) .
25 - الأَمِيْنُ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، الأَمِيْنُ (3) ، رَاوِي (الجعديَّات) عَنِ ابْنِ هَزَارْمَرْدَ الصِّرِيفِيْنِيّ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنَ: النِّعَالِيِّ، وَجَعْفَرٍ السَّرَّاجِ.
رَوَى عَنْهُ: وَلدُه أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ سُكَيْنَةَ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (4) ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
= الوافي بالوفيات خ 12 / 91، مرآة الجنان 3 / 260، طبقات المفسرين للسيوطي: 24، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 409، 410، طبقات المفسرين للادنه وي 39 / 2، شذرات الذهب 4 / 99، 100، هدية العارفين 1 / 696.
(1) في " الصلة " 2 / 426.
(2) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (294) .
(*) المنتظم 10 / 79، مرآة الزمان 8 / 101، العبر 4 / 88، 89، شذرات الذهب 4 / 100، ولقب بالامين لأنه كان أمينا على أموال الايتام ببغداد.
(3) في " المنتظم ": يعرف بابن سكينة.
(4) انظر " مشيخة " ابن عساكر 147 / 1.(20/49)
وَكَانَ نَاظَرَ الأَيْتَامِ، دَيِّناً خَيِّراً، مُتَعَبِّداً صَوَّاماً، ثِقَةً مُتَوَاضِعاً.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
26 - صَاحِبُ دِمَشْقَ مَحْمُوْدُ بنُ بُورِي بنِ طُغْتِكِينَ *
الملكُ، شِهَابُ الدِّينِ، أَبُو القَاسِمِ مَحْمُوْدُ ابنُ تَاجِ المُلُوْكِ بُورِي ابنِ الأَتَابِكِ طُغْتِكِيْنَ.
تَملَّكَ بَعْدَ مَقْتَلِ أَخِيْهِ (1) ، بِإِعَانَةِ أُمِّهِ زُمُرُّدٍ، وَكَانَ مقدمَ عَسْكَرِهِ معِين الدِّينِ (2) أَنُر.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَتِ الأُمُوْرُ تجرِي فِي أَيَّامِهِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ، إِلَى أَنْ وَثَبَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ خَدَمِهِ، فَقتلُوْهُ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَجَاءَ أَخُوْهُ مِنْ بَعْلَبَكَّ، فَتَسَلَّمَ دِمَشْقَ بِلاَ مُنَازعَةٍ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى بنُ القلاَنسِيِّ: قَتَلَهُ أَلَبقش (3) الأَرمنِيُّ، وَيُوْسُفُ الخَادِمُ الَّذِي وَثِقَ بِهِ فِي نَوْمِهِ، وَالفَرَّاشُ، فَكَانُوا ثَلاَثتُهُم يَبِيْتُوْنَ حَوْلَ فِرَاشِهِ، فَقَتَلُوْهُ وَهُوَ نَائِمٌ، وَخَرَجُوا خُفْيَةً، ثُمَّ طُلِبُوا، فَهَرَبَ أَلَبقش، وَصُلِبَ الآخرَانِ (4) .
__________
(*) الكامل 11 / 68، مرآة الزمان 8 / 104، وفيات الأعيان 1 / 296، المختصر 3 / 14، العبر 4 / 92، دول الإسلام 2 / 54، تتمة المختصر 2 / 67، البداية والنهاية 12 / 215، النجوم الزاهرة 5 / 264، 265، شذرات الذهب 4 / 103.
(1) شمس الملوك إسماعيل بن بوري، مرت ترجمته وترجمة أبية بوري في الجزء التاسع عشر برقم (329) ، (328) .
(2) في الأصل: أمين الدين.
والتصويب من ترجمته التي سترد في هذا الجزء برقم (148) .
(3) كذا الأصل، وفي تاريخ ابن القلانسي ص 421، و" وفيات الأعيان " 1 / 296: البغش، بالغين المعجمة.
(4) انظر " مرآة الزمان " 8 / 104، و" النجوم الزاهرة " 5 / 265.(20/50)
أَخُوْهُ:
27 - جَمَالُ الدِّيْنِ مُحَمَّدٌ أَبُو المُظَفَّرِ *
وَأَخُوْهُ الملكُ جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدٌ.
قِيْلَ: هُوَ عمِلَ عَلَى أَخِيْهِ، ثُمَّ تَملَّكَ، فَأَسَاءَ السِّيرَةَ، فَمَا مَتَّعَهُ اللهُ، فَمَاتَ بَعْدَ مَحْمُوْدٍ بِعَشْرَةِ أَشهُرٍ، فَأَجلسُوا فِي المُلكِ وَلدَه أَبق (1) وَهُوَ مُرَاهِقٌ، وَدُفِنَ بِتربَةِ جدِّهِ طُغْتِكِين بِظَاهِرِ دِمَشْقَ.
28 - ابْنُ خَفَاجَةَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الفَتْحِ بنِ عَبْدِ اللهِ **
شَاعِرُ وَقتِهِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي الفَتْحِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَفَاجَةَ الأَنْدَلُسِيُّ.
لَهُ (دِيْوَانٌ) مَشْهُوْرٌ، وَلَمْ يَتعرَّضْ لِمَدحِ مُلُوْكِ الأَنْدَلُسِ، وَهُوَ القَائِلُ:
وَالشَّمْسُ تَجْنَحُ لِلْغُرُوْبِ عَلِيلَةً ... وَالرَّعدُ يَرقِي وَالغَمَامَة تَنْفُثُ (2)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
__________
(*) الكامل 11 / 68 و73، مرآة الزمان 8 / 104، وفيات الأعيان 1 / 296، المختصر 3 / 15، العبر 4 / 93، تتمة المختصر 2 / 68، الوافي بالوفيات 2 / 273، البداية والنهاية 12 / 216 وتحرف اسمه فيه إلى محمود، النجوم الزاهرة 5 / 265 و266، شذرات الذهب 4 / 105.
(1) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (253) .
(* *) قلائد العقيان: 231، المطمح: 86، الذخيرة ق 3 م 541 2 - 652، الخريدة 2 / 147 و3 / 548، بغية الملتمس: 202، المطرب: 109، تكملة الصلة 1 / 175، معجم أصحاب الصدفي: 59، المغرب في أخبار المغرب 2 / 368، وفيات الأعيان 1 / 56، 57، مسالك الابصار للعمري 11 / 255، صفة الجزيرة: 103، نفح الطيب (انظر الفهرس) ، تاريخ بروكلمان 5 / 127.
(2) البيت في " ديوانه " ص 62 وفيه " مريضة " بدل " عليلة " وقبله هذان البيتان:
وعشي أنس أضجعتني نشوة * فيه تمهد مضجعي وتدمث
خلعت علي به الاراكة ظلها * والغصن يصغي والحمام يحدث
وانظر نماذج من نثره في " الذخيرة " ق 3 / م 2 / 542 - 562.(20/51)
29 - المُوْسَوِيُّ أَبُو البَرَكَاتِ مَهْدِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِيُّ *
الوَاعِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو البَرَكَاتِ مَهْدِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِيُّ، المُوْسَوِيُّ.
وُلِدَ: بِأَصْبَهَانَ، وَنَشَأَ بِبَغْدَادَ.
وَسَمِعَ: ابْنَ طَلْحَةَ النِّعَالِيَّ، وَابْن البَطِرِ (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَخُسِفَ بِجَنْزَةَ (2) ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَهَلَكَ فِيْهَا عَالَمٌ لاَ يُحْصَوْنَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، مِنْهُم هَذَا الوَاعِظُ.
30 - البَدِيْعُ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ البَغْدَادِيُّ **
بَدِيْعُ الزَّمَانِ، وَمَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي عَملِ الأَسْطُرْلاَبِ وَآلاَتِ النُّجُوْمِ، أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ (3) البَغْدَادِيُّ، الأَسْطُرْلاَبِيُّ.
__________
(*) المنتظم 10 / 88، مرآة الزمان 8 / 106.
(1) هو أبو الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر، المتوفى سنة 494 هـ، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (29) ، وقد تصحف في " المنتظم " 10 / 88، إلى ابن النظر بالنون والظاء المعجمة.
(2) بفتح الجيم وسكون النون وبعدها زاي، بلدة من بلاد أذربيجان مشهورة من ثغرها، وتسميها العامة كنجة.
انظر " الأنساب " 3 / 324، و" معجم " ياقوت 2 / 171، و" الكامل " 11 / 77.
وسيعيد المؤلف ذكر هذا الخسف في ترجمة المقتفي لامر الله رقم (273) في حوادث سنة 533.
(* *) معجم الأدباء 19 / 273 - 275، اخبار العلماء بأخبار الحكماء: 222، مرآة الزمان 8 / 112، طبقات الاطباء 1 / 376 - 380، وفيات الأعيان 6 / 50 - 53، تاريخ ابن العبري 363 - 366، المختصر 3 / 15، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 245، 246، تتمة المختصر 2 / 68، مرآة الجنان 3 / 261، النجوم الزاهرة 5 / 275 (وفيات سنة 539) ، كشف الظنون 1 / 739 و765 و776، شذرات الذهب 4 / 103، 104، هدية العارفين 2 / 505.
(3) في " النجوم الزاهرة " و" كشف الظنون ": الحسن.(20/52)
كَانَ النَّاسُ يَتنَافَسُوْنَ فِي شِرَاءِ عَمَلِه، فَحَصَّلَ أَمْوَالاً.
وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ (1) ، وَخَلاَعَةٌ وَمُجُوْنٌ.
رَتَّبَ (دِيْوَانَ ابْنِ الحَجَّاجِ) عَلَى مائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ بَاباً، وَسَمَّاهُ (دُرَّةَ التَّاجِ، فِي شِعْرِ ابْن حَجَّاجٍ) .
وَقِيْلَ: كَانَ بَارِعاً فِي الطِّبِّ وَالفَلْسَفَةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ وَحِيدُ دَهْرِه، وَفَرِيْدُ عَصرِه فِي عِلمِ الهَيْئَةِ، مَاتَ بِالفَالِجِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ (2) وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
31 - ابْنُ بِطْرِيْقٍ أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بنُ بِطْرِيْقٍ الطَّرَسُوْسِيُّ *
المُسْنِدُ، المُقْرِئُ، أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بنُ بِطْرِيْقٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: مَسْتُوْرٌ، حَافِظٌ لِلْقُرْآنِ، سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بنَ مَكِّيٍّ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَالقَاسِمُ بنُ الحَافِظِ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) أورد ياقوت في " معجمه " وابن أبي أصيبعة في " طبقاته " بعض نظمه، ومنه قوله:
أهدي لمجلسك الشريف وإنما * أهدي له ما حزت من نعمائه
كالبحر يمطره السحاب وماله * فضل عليه لأنه من مائه
(2) أورده سبط ابن الجوزي وابن تغري بردي في وفيات سنة 539.
(*) العبر 4 / 94، شذرات الذهر 4 / 105.(20/53)
32 - ابْنُ عَطَّافٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَطَّافٍ الهَمْدَانِيُّ، الجَزَرِيُّ (1) ، ثُمَّ المَوْصِلِيُّ.
قَدِمَ بَغْدَادَ، وَسَمِعَ مِنْ: مَالِكٍ البَانِيَاسِيِّ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، فَمَنْ بَعْدَهُم.
وَعَمِلَ (المُعْجَمَ) وَ (الطِّبَّ النَّبَوِيَّ) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَارْتَحَلَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَآمُلَ، وَهَمَذَانَ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ سَعِيْدٌ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً.
33 - عَطَاءُ بنُ أَبِي سَعْدٍ بنِ عَطَاءٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الزَّاهِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ، الهَرَوِيُّ، الفُقَّاعِيُّ (3) ، الصُّوْفِيُّ، تِلْمِيْذُ شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ (4) .
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِمَالِيْنَ.
سَمِعَ مِنْ: شَيْخِهِ، وَمِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ،
__________
(*) الأنساب 3 / 249، 250 (الجزري) ، اللباب 1 / 277، تبصير المنتبه 1 / 323.
(1) نسبة إلى جزيرة ابن عمر، لأنه ولد بها.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر لوحة 212.
(* *) الأنساب 9 / 322، 323 (الفقاعي) ، المنتظم 10 / 91، اللباب 2 / 437.
(3) نسبة إلى بيع الفقاع وعمله، وهو شراب يتخذ من الشعير، سمي به لما يعلوه من الزبد.
(4) الذي مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (260) .(20/54)
وَعِدَّةٍ بِبَغْدَادَ، وَمِنْ: فَاطِمَةَ بِنْتِ الدَّقَّاقِ بِنَيْسَابُوْرَ.
رَوَى عَنْهُ بَنُوْهُ الثَّلاَثَةُ، وَقَدْ سَمِعَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ مِنَ الثَّلاَثَةِ عَنْ أَبِيْهِم.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَمَحْمُوْدُ بنُ الفَضْلِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مِمَّنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي إِرَادَةِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ وَالجِدِّ فِي خِدْمَتِه، وَلَهُ حِكَايَاتٌ وَمَقَامَاتٌ فِي خُرُوْجِ شَيْخِه إِلَى بَلْخَ فِي المِحنَةِ، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الوَزِيْرِ نِظَامِ المُلْكِ مُحَاوَرَةٌ وَمُرَادَدَةٌ، وَاحتَمَلَ لَهُ النِّظَامُ (2) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَنَّ عَطَاءً قُدِّمَ لِلْخَشَبَةِ لِيُصْلَبَ، فَنَجَّاهُ اللهُ لِحُسْنِ نِيَّتِهِ، فَلَمَّا أُطلِقَ، عَادَ إِلَى التَّظَلُّمِ، وَمَا فَتَرَ، وَخَرَجَ مَعَ النِّظَامِ مَاشِياً إِلَى الرُّوْمِ، فَمَا رَكِبَ، وَكَانَ يَخُوضُ الأَنْهَارَ مَعَ الخَيلِ، وَيَقُوْلُ: شَيْخِي فِي المِحنَةِ، فَلاَ أَسْتَرِيحُ.
قَالَ لِي ابْنُه مُحَمَّدٌ، عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَعدُو فِي مَوْكِبِ النِّظَامِ، فَوَقَعَ نَعلِي، فَمَا الْتَفَتُّ، وَرَمَيتُ الأُخْرَى، فَأَمسَكَ النِّظَامُ الدَّابَّةَ، وَقَالَ: أَيْنَ نَعْلاَكَ؟
فَقُلْتُ: وَقَعَ أَحَدُهُمَا، فَخَشِيتُ أَنْ تَسبِقَنِي إِنْ وَقَفتُ.
قَالَ: فَلِمَ رَمَيتَ الأُخْرَى؟
فَقُلْتُ: لأَنَّ شَيْخِي أَخْبَرَنَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ (3) ، فَمَا أَرَدتُ أَنْ أُخَالِفَ السُّنَّةَ.
فَأَعْجَبَهُ، وَقَالَ: أَكْتُبُ - إِنْ شَاءَ اللهُ - حَتَّى يَرْجِعَ شَيْخُكَ إِلَى هَرَاةَ.
وَقَالَ لِي: اركَبْ بَعْضَ الجَنَائِبِ.
فَأَبَيْتُ، وَعَرَضَ عَلَيَّ مَالاً، فَأَبَيْتُ (4) .
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر 137 / 2.
(2) انظر " الأنساب " 9 / 322.
(3) أخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 922 من طريقه مسلم (2099) في اللباس والزينة عن أبي الزبير، عن جابر، وهو في المسند 3 / 293 و325 و344 و362 و367، وفي الباب عن أبي هريرة عن مالك 2 / 916، والبخاري (5855) ومسلم (2098) وأحمد 2 / 245 و443 و477 و480 و528.
(4) الخبر في " المنظم " 10 / 91.(20/55)
قَالَ لِي ابْنُهُ: وَقُدِّمَ أَبِي بِأَصْبَهَانَ لِيُصلَبَ بَعْدَ أَنْ حَبَسُوهُ مُدَّةً، فَقَالَ لَهُ الجَلاَّدُ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ: لَيْسَ ذَا وَقتَ صَلاَةٍ، اشْتَغِلْ بِمَا أُمرتَ بِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ شَيْخِي يَقُوْلُ: إِذَا عَلَّقْتَ الشَّعيرَ عَلَى الدَّابَةِ فِي أَسفَلِ العَقَبَةِ، لاَ تُوصِلُكَ فِي الحَالِ إِلَى أَعلاَهَا، الصَّلاَةُ نَافِعَةٌ فِي الرَّخَاءِ لاَ فِي حَالَةِ البَأْسِ.
فَوَصَلَ مُسْرِعٌ مِنَ السُّلْطَانِ وَمَعَهُ الخَاتَمُ بِتَسرِيحِهِ، كَانَتِ الخَاتُوْنُ مَعنِيَّةً (1) فِي حَقِّهِ، فَلَمَّا (2) أُطلِقَ، رَجَعَ إِلَى التَّظَلُّمِ وَالتَّشنِيعِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الخَالِقِ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ:
أَمرَ بَعْضُ الأُمَرَاءِ أَنْ يُضرَبَ عَطَاءٌ الفُقَّاعِيُّ فِي مِحْنَةِ الشَّهِيْد عَبْدِ الهَادِي بنِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ مائَةً، فَبُطِحَ عَلَى وَجْهِه، فَكَانَ يُضرَبُ إِلَى أَنْ ضُرِبَ سِتِّيْنَ، فَشَكُّوا كَمْ ضُرِبَ خَمْسِيْنَ أَوْ سِتِّيْنَ؟
فَقَالَ عَطَاءٌ: خُذُوا بِالأَقلِّ احتِيَاطاً.
وَحُبِسَ مَعَ نِسَاءٍ، وَكَانَ فِي المَوْضِعِ أَترسَةٌ، فَقَامَ بِجُهدٍ مِنَ الضَّربِ، وَأَقَامَ الأَترِسَةَ بَيْنَهُ وَبَينَهُنَّ، وَقَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الخَلوَةِ بِالأَجْنَبِيَّةِ (3) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَطَاءٍ: تُوُفِّيَ أَبِي تَقدِيراً سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) في الأصل: معينة.
(2) في الأصل: فكما.
(3) ورد النهي عن الخلوة بالمرأة الاجنبية عنه صلى الله عليه وسلم عن غير واحد من الصحابة، فأخرجه البخاري (1861) و (3006) و (3061) و (5233) ومسلم (1341) ، وأحمد 1 / 222 من حديث ابن عباس، وأخرجه مسلم (2173) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وأخرجه أحمد 1 / 18 و26، والطيالسي ص 7، والترمذي (2165) وأبو يعلى (137) والحاكم 1 / 113 - 115، وأخرجه أحمد 3 / 446 من حديث عامر بن ربيعة، وأخرجه البخاري (5232) ، ومسلم (2172) والترمذي (1171) وأخرجه مسلم (2171) من حديث جابر بن عبد الله.(20/56)
34 - الزَّوْزَنِيُّ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ الكَبِيْرُ، أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ مَاخُرَّةَ (1) الزَّوْزَنِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، مِنْ مَشَاهِيْرِ الصَّوَفَةِ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: القَاضِي أَبَا يَعْلَى، وَأَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ الغَرِيْقِ، وَابْنَ هَزَارْمَرْدَ، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ وِشَاحٍ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ النَّخَّاسِ (3) ، وَيُوْسُفُ بنُ كَامِلٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مُسْرِفاً عَلَى نَفْسِهِ، لَعَّاباً، حُفَظَةً لِلنَّظمِ وَالنَّادرَةِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مُنْهَمِكاً فِي الشُّربِ (4) - سَامَحَهُ اللهُ -.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (5) : يَنسِبُونَه إِلَى التَّسمُّحِ فِي دِيْنِهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ الكَثِيْرَ، وَحَدَّثَنِي ابْنُ نَاصِرٍ الحَافِظُ، قَالَ:
__________
(*) الأنساب 6 / 322، المنتظم 10 / 97، 98، مشيخة ابن الجوزي 92، 93، مرآة الزمان 8 / 109، العبر 4 / 98، تبصير المنتبه 4 / 1243، النجوم الزاهرة 5 / 269، شذرات الذهر 4 / 112.
والزوزني: نسبة إلى زوزن، وهي بلدة كبيرة حسنة بين هراة ونيسابور.
(1) بضم الخاء المعجمة وتشديد الراء، كما في " تبصير المنتبه " 4 / 1243، وقد تحرف في " العبر " إلى ماخوة، بالواو.
(2) " مشيخة " ابن عساكر لوحة 17 / 2.
(3) بالخاء المعجمة كما في " المشتبه ": 634.
وفي الأصل: النحاس بمهملة.
(4) قال ابن الجوزي بعد إيراد قول السمعاني هذا: فلا أدري من أين علم ذلك.
(5) في " المنتظم " 10 / 97.(20/57)
كَانَ أَبُو سَعْدٍ الزَّوْزَنِيُّ مُتَسَمِّحاً، فَرَأَيْتُهُ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي.
قُلْتُ: فَأَيْنَ أَنْتَ؟
قَالَ: فِي الجَنَّةِ (1) .
قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: لَوْ حَدَّثَنِيْهِ غَيْرِي مَا صَدَّقتُهُ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ العَلاَّمَةُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَازَةَ البُخَارِيُّ الحَنَفِيُّ (3) ، وَمُحَدِّثُ بَغْدَادَ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ (4) ، وَزَاهِدُ الأَنْدَلُسِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى ابْنُ العَرِيْفِ الصِّنْهَاجِيُّ الصُّوْفِيُّ المُقْرِئُ (5) ، وَفَقِيْهُ مَرْوَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ المَرْوَرُّوْذِيُّ (6) ، وَالحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فُطَيْمَةَ البَيْهَقِيُّ (7) ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ الخُوَارِيُّ (8) ، وَالزَّاهِدُ أَبُو الحَكَمِ بنُ بَرَّجَانَ (9) الإِشْبِيْلِيُّ، وَشَرَفُ الإِسْلاَمِ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الوَهَّابِ (10) ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ الحَنْبَلِيُّ، وَالعَلاَّمَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المَازَرِيُّ (11)
__________
(1) أورد هذا الخبر ابن الجوزي في " المنتظم " 10 / 98.
(2) في " المنتظم " 10 / 98.
(3) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (57) .
(4) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (13) .
(5) سترد ترجمته برقم (68) .
(6) مترجم في الأنساب 9 / 325 (الفلخاري) نسبة إلى فلخار من قرى مرو الروذ، معجم
البلدان 4 / 272، 273، اللباب 2 / 438، طبقات السبكي 7 / 31، 32، طبقات الاسنوي 2 / 390، 391، طبقات ابن هداية الله 204، 205 وتحرفت نسبته فيه إلى المروزي.
(7) سترد ترجمته برقم (37) .
(8) سترد ترجمته برقم (43) .
(9) سترد ترجمته برقم (44) .
(10) سترد ترجمته برقم (63) .
(11) سترد ترجمته برقم (64) .(20/58)
المَالِكِيُّ، وَالعَلاَّمَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ البُوْنِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ (1) ، وَأَبُو الكَرَمِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الجَلَخْتِ (2) الوَاسِطِيُّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ طَاوُوْسٍ (3) إِمَامُ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ (4) .
35 - ابْنُ الجَلَخْتِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّالِحُ، الثِّقَةُ، مُسْنِدُ وَاسِطَ، أَبُو الكَرَمِ نَصْرُ اللهِ (5) بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ الأَزْدِيُّ، الوَاسِطِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ (6) ، وَأَبَا تَمَّامٍ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ العَبْدِيَّ القَاضِي، وَسَعِيْدَ بنَ كَثِيْرٍ الشَّاهِدَ، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ الحَوْزِيَّ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ يَحْيَى بنِ الرَّبِيْعِ، وَعَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ نَغُوْبَا، وَحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ فَضْلِ اللهِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ، كَمَا أَنَّهُ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي تَمَّامٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: انْحَدَرتُ إِلَيْهِ (7) ، وَهُوَ شَيْخٌ صَالِحٌ ثِقَةٌ، مِنْ بَيْتِ الحَدِيْثِ.
__________
(1) مترجم في " الصلة " لابن بشكوال 2 / 584، والبوني: نسبة إلى بونة: بلد بإفريقية.
(2) هو صاحب الترجمة الآتية.
(3) سترد ترجمته برقم (58) .
(4) سترد ترجمته برقم (47) .
(*) سؤالات الحافظ السلفي 45، 46، الأنساب 3 / 278 و279، المنتظم 10 / 101، اللباب 1 / 286، تبصير المنتبه 2 / 551، النجوم الزاهرة 5 / 270.
(5) ورد اسمه في " المنتظم " نصر بن أحمد بن مخلد الأزدي.
(6) أبو الحسن محمد بن محمد بن مخلد، متوفى سنة 468 هـ، ومرت ترجمته في الثامن عشر برقم (207) .
(7) انظر " الأنساب " 3 / 279.(20/59)
وَقَالَ خَمِيْسٌ الحَوْزِيُّ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
36 - ابْنُ البَدَنِ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، المُقْرِئُ، الصَّالِحُ، أَبُو المَعَالِي عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَلِيِّ بنِ البَدَنِ البَغْدَادِيُّ، الصَّفَّارُ.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بنَ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَأَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَالصَّرِيْفِيْنِيَّ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (3) ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَأَبُو شُجَاعٍ بنُ المَقْرُوْنِ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ ثِقَةٌ، قَيِّمٌ بِكِتَابِ اللهِ، كَثِيْرُ البُكَاءِ، حَسَنُ الإِصغَاءِ، مُوَاظبٌ عَلَى الجَمَاعَةِ، ذَهَبَتْ أُصُوْلُه، وَسَمَاعُه كَثِيْرٌ فِي أُصُوْلِ النَّاسِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ الكَثِيْرَ، وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ شَافِعٍ: وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، وَتُوُفِّيَ فِي سَلْخِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
37 - ابْنُ فُطَيْمَةَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الخُسْرَوْجِرْدِيُّ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُسْنِدُ، القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ
__________
(1) لم ترد هذه العبارة في ترجمة ابن الجلخت في المطبوع من " سؤالات السلفي " بتحقيق مطاع الطرابيشي.
(2) لم يذكر ابن الأثير في " اللباب " سنة وفاته، وإنما ذكر وفاة أبيه سنة 468 هـ.
(*) المنتظم 10 / 109، العبر 4 / 103، 104، شذرات الذهب 4 / 116.
(3) انظر " مشيخة " ابن عساكر لوحة 105 / 1.
(* *) معجم شيوخ السمعاني: الورقة 87 / 1، التحبير 1 / 222 - 225، معجم البلدان =(20/60)
أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ فُطَيْمَةَ الخُسْرَوْجِرْدِيُّ، الشَّافِعِيُّ، قَاضِي بَيْهَقَ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: كِتَابَ (السُّنَنِ وَالآثَارِ) مِنَ البَيْهَقِيِّ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخَشَّابِ، وَأَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيِّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ السُّوْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ المَغْرِبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ الصَّفَّارِ (1) ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَثِيْرُ السَّمَاعِ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، مَلِيحُ المُجَالَسَةِ، مَا رَأَيْتُ أَخفَّ رُوحاً مِنْهُ (3) مَعَ السَّخَاءِ وَالبَذْلِ، سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْرَ، وَكَتَبَ لِي أَجزَاءً، وَمِنَ العَجبِ أَنَّهُ قُطِعتْ أَصَابعُهُ بِكَرْمَانَ مِنْ عِلَّةٍ، فَكَانَ يَأْخُذُ القَلَمَ، وَيَتْرُكُ الوَرَقَ تَحْتَ رِجْلِه، وَيُمْسِكُ القَلَمَ بِكَفَّيهِ، فَيَكتُبُ خَطّاً مَلِيحاً سَرِيعاً، يَكتُبُ فِي اليَوْمِ خَمْسَ طَاقَاتٍ خَطّاً وَاسِعاً، تَفَقَّهَ بِمَرْوَ عَلَى جَدِّي أَبِي المُظَفَّرِ، وَحَجَّ، خَرَجتُ نَحْوَ أَصْبَهَانَ، فَتَركتُ القَافِلَةَ، وَمَضَيتُ إِلَى خُسْرَوْجِرْدَ مَعَ رَفِيقٍ لِي رَاجِلَينِ، فَدَخَلْنَا دَارَه، وَسلَّمنَا عَلَى أَصْحَابِه، فَمَا الْتَفَتُوا عَلَيْنَا، ثُمَّ خَرَجَ الشَّيْخُ، فَاسْتَقبَلنَاهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا، وَقَالَ: لِمَ جِئْتُم؟
قُلْنَا: لِنَقرَأَ عَلَيْكَ جُزْأَيْنِ مِنْ (مَعْرِفَةِ الآثَارِ) لِلْبَيْهَقِيِّ.
فَقَالَ: لَعَلَّكُم سَمِعتُمُ
__________
= 1 / 538 (بيهق) و2 / 370 (خسر وجرد) ، طبقات السبكي 7 / 73، طبقات الاسنوي 1 / 248.
(1) تحرف في " التحبير " 1 / 223 إلى " الصفاد " بالدال، ومحمد بن القاسم هذا مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (223) .
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر 49 / 2.
(3) زيادة يقتضيها السياق.(20/61)
الكِتَابَ مِنَ الشَّيْخِ عَبْدِ الجَبَّارِ (1) ، وَفَاتَكُم هَذَا القدرُ؟
قُلْنَا: بَلَى.
وَكَانَ الجُزْءانِ فَوتاً لِعَبْدِ الجَبَّارِ، فَقَالَ: تَكُوْنُوْنَ عِنْدِي اللَّيْلَةَ، فَإِنَّ لِي مُهِمّاً، أُرِيْدُ أَنْ أَخرُجَ إِلَى سَتْرَوَارَ (2) ، فَإِنَّ ابْنِي كَتَبَ إِلَيَّ أَنَّ ابْنَ أُسْتَاذِي جَائِي (3) فِي هَذِهِ القَافِلَةِ، فَأُرِيْدُ أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَأَسْأَلَه أَنْ يُقِيمَ عِنْدِي أَيَّاماً.
وَسَمَّانِي، فَتَبَسَّمتُ، فَقَالَ لِي: تَعرِفُهُ؟
قُلْتُ: هُوَ بَيْنَ يَدَيكَ.
فَقَامَ وَنَزَلَ وَبَكَى، وَكَادَ أَنْ يُقَبِّلَ رِجْلَيَّ، ثُمَّ أَخرَجَ الكُتُبَ وَالأَجزَاءَ، وَوَهَبَنِي بَعْضَ أُصُوْلِه، فَكُنْتُ عِنْدَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ (4) .
تُوُفِّيَ: بِخُسْرَوْجِرْدَ، فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
38 - اليُوْسُفِيُّ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الدَّيِّنُ، الخَيِّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ اليُوْسُفِيُّ، الحَرْبِيُّ (5) ، النَّجَّارُ، المُجَاوِرُ بِمَكَّةَ زَمَاناً.
وُلِدَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ.
وَسَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَابْنَ
__________
(1) هو الشيخ أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري المنيعي، سترد ترجمته برقم (43) .
(2) في الأصل سنزوار، وذكرها ياقوت في مادة خسروجرد، بالباء الموحدة، ولم يفرد لها ترجمة مستقلة، وانظر معجم البلدان 2 / 370.
(3) كذا الأصل بإثبات الياء، وله وجه في العربية، والجادة (جاء) بحذفها، وانظر الرسالة للامام الشافعي فقرة رقم (185) .
(4) الخبر بطوله بنحوه في " التحبير " 1 / 222 - 225.
(*) الأنساب 4 / 100 (الحربي) .
(5) نسبة إلى الحربية: مجلة معروفة بغربي بغداد عند باب حرب، قرب قبر بشر الحافي وأحمد بن حنبل.
انظر " معجم البلدان " 2 / 237، و" الأنساب " 4 / 99.(20/62)
المُهْتَدِي بِاللهِ، وَالصَّرِيْفِيْنِيَّ.
وَعَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَعَبْدُ المُجِيْبِ بنُ زُهَيْرٍ، وَمَحَاسِنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، وَضِيَاءُ بنُ جَنْدَلٍ، وَالتَّاجُ الكِنْدِيُّ، وَخَلْقٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: دَيِّنٌ خَيِّرٌ صَالِحٌ، مِنْ بَيْتِ الحَدِيْثِ، جَرَى أَمرُه عَلَى سَدَادٍ وَاسْتِقَامَةٍ، مَاتَ بِالحَرْبِيَّةِ، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ طُلَيْبٍ.
39 - القَاضِي الزَّكِيُّ أَبُو المُفَضَّلِ يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، القَاضِي، أَبُو المُفَضَّلِ (2) يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، وَيَعْرِفُ فِي وَقْتِهِ: بِابْنِ الصَّائِغِ.
قَالَ سِبْطُه حَافِظُ الشَّامِ أَبُو القَاسِمِ: قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَحْمَدَ الكَتَّانِيَّ، وَالحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ البُرِّيِّ، وَحَيْدَرَةَ بنَ عَلِيٍّ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ بنَ الفُضَيْلِ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَمِعَ بِهَا، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ، وَبِدِمَشْقَ
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر 89 / 1.
(*) الكامل لابن الأثير 11 / 77، مرآة الزمان 8 / 106، العبر 4 / 93، طبقات السبكي 7 / 334، 335، طبقات الاسنوي 2 / 141، 142، النجوم الزاهرة 5 / 266، الثغر البسام: 44، شذرات الذهب 4 / 105.
(2) في جميع مصادر الترجمة المثبتة: أبو الفضل، بدون ميم أوله.(20/63)
عَلَى القَاضِي المَرْوَزِيِّ، وَالفَقِيْهِ نَصْرٍ.
وَكَانَ عَالِماً بِالعَرَبِيَّةِ، نَابَ فِي القَضَاءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَلاَسَاغُوْنِيِّ (1) ، ثُمَّ عَنْ أَبِي سَعْدٍ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ الهَرَوِيِّ، ثُمَّ قُتِلَ الهَرَوِيُّ، وَحَجَّ جَدِّي، فَكَانَ وَلَدُهُ القَاضِي أَبُو المَعَالِي (2) هُوَ الحَاكِمَ ...
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، حُلوَ المُحَاضَرَةِ، فَصِيْحاً، أَخْبَرَنَا جَدِّي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِقِرَاءةِ أَبِي الفَرَجِ الحَنْبَلِيِّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ: نَافِلتُهُ أَبُو القَاسِمِ (3) بنُ الحَافِظُ (4) ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَدُفنَ عِنْدَ مَسْجِدِ القَدَمِ (5) ، فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
40 - الفُضَيْلِيُّ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفُضَيْلِ*
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، مُسْنِدُ هَرَاةَ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفُضَيْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفُضَيْلِ الأَنْصَارِيُّ، الفُضَيْلِيُّ، الهَرَوِيُّ، المُزَكِّي.
__________
(1) بالسين المهملة والغين المعجمة، نسبة إلى بلاساغون: بلدة من ثغور الترك وراء نهر سيحون قريبة من كاشغر.
انظر " الأنساب " 2 / 351 و" معجم البلدان " 1 / 476، وفيهما ترجمة أبي عبد الله البلاساغوني هذا وفي الأصل البلاشاغوني بالمعجمة.
(2) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (82) .
(3) انظر " مشيخة " ابن عساكر 179 / 1. والنافلة: ولد الولد.
(4) كذا الأصل وهو خطأ، والصواب حذف لفظ " بن " قبل لفظ " الحافظ " أو إثبات لفظ " عساكر " بدل لفظ " الحافظ ".
(5) والقدم قرية تقع جنوبي دمشق بعد حي الميدان. انظر " ثمار المقاصد في ذكر المساجد " ص 244، 245.
(*) التحبير 2 / 94 - 96، الأنساب 9 / 315، العبر 4 / 93، ملخص تاريخ الإسلام: الورقة 13، بغية الوعاة 1 / 55، شذرات الذهب 4 / 105.(20/64)
سَمِعَ: مُحَلَّمَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الضَّبِّيَّ، وَأَبَا عُمَرَ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ أَحْمَدَ المَلِيْحِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي سَعِيْدٍ العَيَّارَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ، وَجَمَاعَتُهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي (تَحْبِيْرِهِ (1)) : أَملَى مُدَّةً بِجَامِعِ هَرَاةَ، وَأَجَازَ لِي، وَوَرَدَ مَرْوَ وَأَنَا بِالعِرَاقِ.
قُلْتُ: فَمَاتَ غَرِيْباً بِمَرْوَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ (2) وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمِنْ مَرْوِيَّاتِهِ (صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) ، سَمِعَهُ مِنَ: المَلِيْحِيِّ، عَنِ النُّعَيْمِيِّ، عَنِ الفَرَبْرِيِّ، عَنْهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ المُؤَمِّلِ الغَزَّالُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ طَاهِرٍ الخُشُوْعِيُّ (3) وَالِدُ بَرَكَاتٍ (4) ، وَشَاعِرُ الأَنْدَلُسِ جَعْفَرُ (5) بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَرَفٍ الوَزِيْرُ، وَالقَاضِي أَبُو المُظَفَّرِ شَبِيْبُ بنُ الحُسَيْنِ البَرُوْجِرْدِيُّ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حِكِيْمٍ الخَبْرِيِّ (6) ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ السَّرْخَسِيُّ السره مرد، وَأَبُو
__________
(1) 2 / 95.
(2) ذكر السيوطي وفاته سنة سبع.
(3) نسبة إلى الخشوع في الصلاة.
قال ابن عساكر في ترجمة طاهر بن بركات بن إبراهيم الخشوعي: وسألت ابنه لم سموا الخشوعيين؟ فقال: كان جدنا الأعلى يؤم الناس، فتوفي في المحراب، فسمي الخشوعي.
انظر " تهذيب ابن عساكر " 7 / 47.
(4) ستأتي ترجمة بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي هذا في الجزء الحادي والعشرين برقم (186) .
(5) مترجم في الصلة 1 / 130، بغية الملتمس: 256، الوافي بالوفيات 11 / 149، بغية الوعاة 1 / 486.
(6) بفتح الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة بعدها الراء المهملة، نسبة إلى خبر، وهي قرية بنواحي شيراز بن فارس.
وفاطمة هذه لها ترجمة في هذه النسبة في " الأنساب " 5 / 39، 40.(20/65)
القَاسِمِ يَحْيَى بنُ بِطْرِيْقٍ (1) بِدِمَشْقَ، وَالقَاضِي يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ القُرَشِيُّ (2) .
41
- يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ * بنِ يُوْسُفَ بنِ حُسَيْنِ بنِ وَهْرَةَ (3) الهَمَذَانِيُّ
الإِمَامُ، العَلَمُ، الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، العَارِفُ، التَّقِيُّ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو يَعْقُوْبَ الهَمَذَانِيُّ (4) ، الصُّوْفِيُّ، شَيْخُ مَرْوَ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ شَابّاً أَمردَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَابْنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَابْنِ هَزَارْمَرْدَ، وَابْنِ النَّقُّوْرِ، وَعِدَّةٍ.
وَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ مِنْ: حَمْدِ بنِ وَلْكِيْزَ، وَطَائِفَةٍ.
وَبِبُخَارَى مِنْ: أَبِي الخَطَّابِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الطَّبَرِيِّ.
وَبِسَمَرْقَنْدَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الفَارِسِيِّ.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَأَكْثَرَ التِّرحَالَ، لَكِنْ تَفرَّقَتْ أَجزَاؤُه
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (31) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (39) .
(*) الأنساب 2 / 330 (البوزنجردي) ، المنتظم 9 / 171 و10 / 94، 95، اللباب 1 / 186، الكامل 11 / 80، مرآة الزمان 8 / 109، وفيات الأعيان 7 / 78 - 81، العبر 4 / 97، دول الإسلام 52 / 55، مرآة الجنان 3 / 264، 265، طبقات الاسنوي 2 / 531، البداية والنهاية 12 / 218، ملخص تاريخ الإسلام: ق 21، النجوم الزاهرة 5 / 268، طبقات الشعراني 1 / 159، شذرات الذهب 4 / 110، هدية العارفين 2 / 552، جامع كرامات الأولياء 2 / 289 - 291.
(3) ضبط في الأصل بفتح الواو وسكون الهاء، وضبطه ابن خلكان 7 / 80 بفتحهما وقد تحرف في " البداية " إلى زهرة بالزاي بدل الواو.
(4) زاد السمعاني نسبة: البوزنجردي، وفيها ترجمة، وهي نسبة إلى بوزنجرد من قرى همذان، فيها ولد، وقد تحرفت في " الكامل " إلى بروجرد.(20/66)
بَيْنَ الكُتُبِ، فَمَا كَانَ يَتفرَّغُ لإِخرَاجِهَا، كَانَ مَشْغُوْلاً بِالعِبَادَةِ، مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ الإِمَامُ، الوَرِعُ، التَّقِيُّ، النَّاسكُ، العَامِلُ بِعِلْمِه، وَالقَائِمُ بِحقِّهِ، صَاحِبُ الأَحْوَالِ وَالمَقَامَاتِ، انتَهتْ إِلَيْهِ تَربِيَةُ المُرِيْدِينَ الصَّادِقِينَ، وَاجتَمَعَ فِي رِبَاطِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ المُنْقَطِعِينَ إِلَى اللهِ مَا لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُوْنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الرُّبُطِ مِثْلُهُم، وَكَانَ عُمُرَهُ عَلَى طَرِيقَةٍ مَرضِيَّةٍ، وَسَدَادٍ وَاسْتقَامَةٍ، سَارَ مِنْ قَرْيَتِه إِلَى بَغْدَادَ، وَقصَدَ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ، فَتفقَّه عَلَيْهِ، وَلاَزَمَه مُدَّةً حَتَّى بَرَعَ، وَفَاقَ أَقرَانَه، خُصُوْصاً فِي عِلمِ النَّظَرِ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يُقدِّمُه عَلَى عِدَّةٍ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ؛ لِعِلمِهِ بِحُسنِ سِيرَتِه وَزُهْدِهِ، ثُمَّ تَركَ كُلَّ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ المُنَاظرَةِ، وَاشْتَغَلَ بِالعِبَادَة، وَدَعوَةِ الخَلقِ وَإِرشَادِ الأَصْحَابِ، أَخرَجَ لَنَا أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ جُزْءاً سَمِعْنَاهَا، وَقَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَظَهَرَ لَهُ قَبُولٌ تَامٌّ، وَوَعَظَ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ، وَسَكَنَ مَرْوَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى هَرَاةَ، وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَرْوَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى هَرَاةَ ثَانِياً (1) ، فَتُوُفِّيَ فِي الطَّرِيْقِ، بِقُرْبِ بَغْشُوْرَ (2) ، سَمِعْتُ صَافِيَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصُّوْفِيَّ يَقُوْلُ:
حَضَرتُ مَجْلِسَ يُوْسُفَ فِي النِّظَامِيَّةِ، فَقَامَ ابْنُ السَّقَّاءِ، فَآذَى الشَّيْخَ، وَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: اجلِسْ، إِنِّيْ أَجِدُ مِنْ كَلاَمِكَ رَائِحَةَ الكُفْرِ، وَلَعَلَّكَ تَمُوتُ عَلَى غَيْرِ الإِسْلاَمِ. فَاتَّفَقَ أَنَّ ابْنَ السَّقَّاءِ
__________
(1) في الأصل ثلاث كلمات مطموسة لم نتبينها، وقد استظهرناها كما أثبتنا من مصادر الترجمة، ونص كلام السمعاني - الذي اختصره الذهبي - فيما نقله ابن خلكان: نزل مرو وسكنها، وخرج إلى هراة، وأقام بها مدة، ثم سئل الرجوع إلى مرو في آخر عمره، فأجاب ورجع إليها، وخرج إلى هراة ثانيا، وعزم على الرجوع إلى مرو في آخر عمره، وخرج منها متوجها إلى مرو، فأدركته منيته.
(2) ضبطها ابن خلكان بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وبعد الواو الساكنة راء، وقال: هي بليدة بخراسان بين مرو وهراة.
وانظر الخبر في " الوفيات " 7 / 79، 80.(20/67)
ذَهَبَ فِي صُحْبَةِ رَسُوْلِ طَاغِيَةِ الرُّوْمِ، وَتَنَصَّرَ بِقُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وَسَمِعْتُ مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنَّ ابْنَيْ أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ قَامَا فِي مَجْلِسِ وَعْظِهِ، وَقَالاَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الأَشْعَرِيِّ، وَإِلاَّ فَانْزِلْ.
فَقَالَ: اقعُدَا، لاَ مُتِّعْتُمَا بِشَبَابِكُمَا.
فَسَمِعْتُ جَمَاعَةً أَنَّهُمَا مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَتَكَهَّلاَ (1) .
وَسَمِعْتُ السَّيِّدَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَوَضٍ العَلَوِيَّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ أَيُّوْبَ يَقُوْلُ لِلْفَصِيحِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ، وَرَمَاهُ بِأَشيَاءَ -: هَذَا الرَّجُلُ يُقتَلُ، وَسَتَرَوْنَ ذَلِكَ.
فَكَانَ كَمَا جَرَى عَلَى لِسَانِه.
وَقَالَ جَدِّي أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ العِرَاقِ مِثْلُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَهُ فِي مَسْأَلَةِ البَيعِ الفَاسِدِ، فَجَرَى بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ عَشَرَ مَجْلِساً فِي المَسْأَلَةِ ...
إِلَى أَنْ قَالَ أَبُو سَعْدٍ: سَمِعْتُ يُوْسُفَ الإِمَامَ يَقُوْلُ:
خَلَوتُ نُوَباً عِدَّةً، كُلُّ نَوْبَةٍ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ سِنِيْنَ وَأَقلَّ، وَمَا كَانَ يَخْرُجُ حُبُّ المُنَاظَرَةِ وَالخِلاَفِ مِنْ قَلْبِي، إِلَى أَنْ وَصَلتُ إِلَى فُلاَنٍ السِّمْنَانِيِّ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، خَرَجَ جَمِيْعُ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِي، كَانَتِ المُنَاظَرَةُ تَقطَعُ عَلَيَّ الطَّرِيْقَ.
سُئِلَ أَبُو الحُسَيْنِ المَقْدِسِيُّ: هَلْ رَأَيْتَ وَلِيّاً للهِ؟
قَالَ: رَأَيْتُ فِي سِيَاحَتِي أَعْجَمِياً بِمَرْوَ يَعِظُ، وَيَدْعُو إِلَى اللهِ، يُقَالَ لَهُ: يُوْسُفُ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: وَلَمَّا عَزَمتُ عَلَى الرِّحلَةِ، دَخَلتُ عَلَى شَيْخِنَا يُوْسُفَ مُودِّعاً، فَصَوَّبَ عَزمِي، وَقَالَ: أُوصِيكَ: لاَ تَدْخُلْ عَلَى السَّلاَطِينِ، وَأَبصِرْ مَا تَأْكُلُ لاَ يَكُوْنُ حَرَاماً.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ، وَجَمَاعَةٌ.
__________
(1) الخبر في " المنتظم " 9 / 171، و" وفيات الأعيان " 7 / 78، 79، و" طبقات " الاسنوي 2 / 532.(20/68)
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ بِضْعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَأَمَّا ابْنُ السَّقَّاءِ المَذْكُوْرُ، فَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ أَحْمَدَ المُقْرِئَ يَقُوْلُ:
كَانَ ابْنُ السَّقَّاءِ مُقْرِئاً مُجَوِّداً، حَدَّثَنِي مَنْ رَآهُ بِالقُسْطَنْطِيْنِيَّةِ مَرِيْضاً عَلَى دَكَّةٍ، فَسَأَلتُه: هَلِ القُرْآنُ بَاقٍ عَلَى حِفْظِكَ؟
مَا أَذْكُرُ مِنْهُ إِلاَّ آيَةً وَاحِدَةً: {رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِيْنَ} [الحِجْرُ: 3] ، وَالبَاقِي نَسيتُهُ (1) .
42 - القَزَّازُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الثِّقَةُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ المُحَدِّثِ أَبِي غَالِبٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ حَسَنِ بنِ مَنَازِلَ (2) بنِ زُرَيْقٍ الشَّيْبَانِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَرِيْمِيُّ (3) ، القَزَّازُ.
رَاوِي (تَارِيْخ الخَطِيْبِ) عَنْهُ، سِوَى الجُزْءِ السَّادِسِ بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ، غَابَ لِوَفَاةِ أُمِّهِ.
وَسَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ وِشَاحٍ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَطَائِفَةً.
وَلَهُ (مَشْيَخَةٌ) .
__________
(1) الخبر في " وفيات الأعيان " 7 / 79، و" طبقات " الاسنوي 2 / 531، و" النجوم الزاهرة " 4 / 111.
(*) الأنساب 6 / 274 (الزريقي) و10 / 132 (القزاز) ، المنتظم 10 / 90، اللباب 2 / 67 و3 / 33، مرآة الزمان 8 / 107، المشتبه 1 / 315 و567، العبر 4 / 95، 96، تبصير المنتبه 3 / 1168 و1247، شذرات الذهب 4 / 106.
(2) تحرف في " المنتظم " إلى مبارك.
(3) نسبة إلى الحريم الطاهري: محلة كبيرة ببغداد.(20/69)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَحْمَدُ بنُ بذَالٍ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الدَّبِيْقِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَعِدَّةٌ، وَابْنُهُ؛ أَبُو السَّعَادَاتِ نَصْرُ اللهِ القَزَّازُ، وَبِالإِجَازَةِ المُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ.
وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً مُتَودِّداً، سَلِيمَ القَلْبِ، حَسَنَ الأَخلاَقِ، صَبُوْراً، مُشْتَغِلاً بِمَا يَعْنِيْهِ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ ظَنّاً.
وَتُوُفِّيَ: فِي رَابِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَخُوْهُ أَبُو الفَتْحِ، سَمِعَ الكَثِيْرَ، وَرَوَاهُ، وَكَانَ صَحِيْحَ السَّمَاعِ، أَثْنَى عَلَيْهِ السَّمْعَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَمَاتَ مَعَهُ: القَاضِي أَبُو بَكْرٍ (2) ، وَأَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ العِجْلِيُّ البَدِيْعُ (3) ، وَالحَافِظُ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ (4) ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيٍّ القَيْسِيُّ اللُّغَوِيُّ (5) ، وَالمُحَدِّثُ رَزِيْنٌ العَبْدَرِيُّ (6) ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ أَحْمَدَ بنِ تَوْبَةَ (7) ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الشَّاذْيَاخِيُّ (8) ، وَعَطَاءُ (9) بنُ أَبِي سَعْدٍ خَادِمُ شَيْخِ
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر 110 / 1.
(2) تقدمت ترجمته برقم (12) .
(3) سترد ترجمته مرتين برقم (56) ص 95 وص 144.
(4) سترد ترجمته برقم (49) .
(5) مترجم في الصلة لابن بشكوال 1 / 129، 130، بغية المتمس 259، 260، إنباه الرواة 1 / 267، المغرب في حلي المغرب 1 / 108، تلخيص ابن مكتوم 47، الوافي بالوفيات 11 / 149، طبقات ابن قاضي شهبة 1 / 288، بغية الوعاة 1 / 487.
(6) سترد ترجمته برقم (129) .
(7) تقدمت ترجمته برقم (16) .
(8) تقدمت ترجمته برقم (17) .
(9) تقدمت ترجمته برقم (33) .(20/70)
الإِسْلاَمِ يُوْسُفَ (1) الهَمَذَانِيِّ الزَّاهِدِ.
43 - الخُوَارِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفْتِي، المُعَمَّرُ، الثِّقَةُ، إِمَام جَامِعِ نَيْسَابُوْرَ المَنِيْعِيِّ (2) ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الخُوَارِيُّ، البَيْهَقِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيّ فَأَكْثَرَ.
وَمِنْ: أَبِي الحَسَنِ الوَاحِدِيِّ المُفَسِّرِ، وَأَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ أَخِي الوَاحِدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (3) ، وَأَبُو الحَسَنِ المُرَادِيُّ، وَأَبُو الخَيْرِ أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّالْقَانِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فَضْلِ اللهِ السَّالاَرِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّفَّارُ، وَمَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ الفُرَاوِيُّ، وَالحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّوْكَانِيُّ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ، وَزَيْنَبُ الشَّعْرِيَّةُ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) كذا الأصل وهو خطأ، والصواب أن عطاء هو خادم شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري.
انظر ترجمة عطاء التي تقدمت برقم (33) .
(*) الأنساب 5 / 196، التحبير 1 / 423 - 425، معجم البلدان 2 / 394، المشتبه 257، العبر 4 / 99، 100، طبقات السبكي 7 / 144، طبقات الاسنوي 1 / 484، 485، تبصير المنتبه 2 / 553، النجوم الزاهرة 5 / 270، ذيل تذكرة الحفاظ لابن فهد المكي: 73، شذرات الذهب 4 / 113، والخواري: بضم الخاء وفتح الواو، نسبة إلى خوار، وهي بلدة من أعمال بيهق، ووهم ابن العماد في " الشذرات " فحسبه من خوار التي هي من عمل الري.
(2) وسمي الجامع المنيعي لأنه عمره الرئيس أبو علي حسان بن سعيد ابن منيع المخزومي المنيعي.
انظر " معجم البلدان " 5 / 217.
(3) انظر " مشيخة " ابن عساكر ورقة 101.(20/71)
وَكَانَ مُتَوَاضِعاً، خَيِّراً، بَصِيْراً بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (1) : فَمَنْ جُمْلَةِ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ بِنَيْسَابُوْرَ كِتَابُ (مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالآثَارِ) لِلْبَيْهَقِيِّ، وَرَأَيْتُ فِي جُزْأَيْنِ مِنْهُ سَمَاعَه مُلحَقاً، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيْبٍ الحَافِظُ أَنَّه طَالَعَ أَصلَ البَيْهَقِيِّ، فَلَمْ يَجِدْ سَمَاعَ عَبْدِ الجَبَّارِ لِجُزْأَيْنِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: فَقَرَأْتُهُمَا عَلَى القَاضِي ابْنِ فُطَيْمَةِ (2) ، وَكَانَ سَمِعَ الكِتَابَ كُلَّه.
قَالَ: وَأَكْثَرُ سَمَاعِ عَبْدِ الجَبَّارِ بِقِرَاءةِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ، ثُمَّ ذَكَرَ شَيْخُنَا عَبْدُ الجَبَّارِ أَنَّهُ وَجَدَ سَمَاعَه بِالجُزْأَيْنِ فِي نُسْخَةِ الأَصْلِ بِنَيْسَابُوْرَ.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
44 - ابْنُ بَرَّجَانَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَارِفُ، القُدْوَةُ، أَبُو الحَكَمِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنِ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اللَّخْمِيُّ، المَغْرِبِيُّ، الإِفْرِيْقِيُّ، ثُمَّ الأَنْدَلُسِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ.
__________
(1) في " التحبير " 1 / 424، 425.
(2) الذي تقدمت ترجمته برقم (37) .
(3) كذا قال في " التحبير "، وقال في " الأنساب ": توفي سنة ثلاث أو أربع.
(*) تكملة الصلة رقم 1797، وفيات الأعيان 4 / 236، 237، العبر 4 / 100، دول الإسلام 2 / 55، فوات الوفيات 2 / 323، مرآة الجنان 3 / 267، 268، أعمال الاعلام: 248 القاموس المحيط: (برج) ، لسان الميزان 4 / 13، 14، ذيل تذكرة الحفاظ لابن فهد المكي: ص 73، النجوم الزاهرة 5 / 270، طبقات المفسرين للسيوطي: 25، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 300، 301، مفتاح السعادة 2 / 111، 112، طبقات المفسرين للادنه وي 141 / 1، كشف الظنون 1 / 69، 70، و2 / 1031، شذرات الذهب 4 / 133، هدية العارفين 1 / 570.(20/72)
سَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَنْظُوْرٍ صَاحِبِ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيِّ، وَحَدَّثَ بِهِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ القَنْطَرِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ خَلِيْلٍ القَيْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الأَبَّارِ: كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ بِالقِرَاءاتِ وَالحَدِيْثِ، وَالتَّحْقِيْقِ بِعِلْمِ الكَلاَمِ وَالتَّصَوُّفِ مَعَ الزُّهْدِ وَالاجْتِهَادِ فِي العِبَادَةِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ مُفِيْدَةٌ، مِنْهَا (تَفْسِيْر القُرْآن (1)) لَمْ يُكْمِلْهُ، وَكِتَابُ (شَرْحِ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى (2)) ، وَقَدْ رَوَاهُمَا عَنْهُ القَنْطَرِيُّ، تُوُفِّيَ مُغَرَّباً عَنْ وَطَنِه بِمَرَّاكُشَ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) ، وَقَبْرُهُ بِإِزَاءِ قَبْرِ الزَّاهِدِ الكَبِيْرِ أَبِي العَبَّاسِ بنِ العَرِيْفِ (4) .
قُلْتُ: أُخِذَ هَذَانِ، وَغُرِّبَا، وَاعْتُقِلاَ، تَوَهَّمَ ابْنُ تَاشفِيْنَ (5) أَنْ يَثُورَا
__________
(1) قال ابن خلكان: وأكثر كلامه فيه على طريق أرباب الأحوال والمقامات.
وقال حاجي خليفة: وقد استنبطوا من رموزاته أمورا فأخبروا بها قبل الوقوع. اه.
ويقال: من ذلك ما استنبطه ابن الزكي في مدحه للسلطان صلاح الدين حين فتحه حلب بقوله: وفتحك القلعة الشهباء في صفر * مبشر بفتوح القدس في رجب فكان كما قال، قيل له: من أين لك هذا؟ قال: أخذته من تفسير ابن برحان في قوله تعالى: (غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بعض سنين) .
انظر " لسان الميزان " 4 / 14، و" طبقات " الداوودي.
1 / 300، و" مفتاح السعادة " 2 / 112.
(2) قال حاجي خليفة: وهو كتاب كبير جمع فيه من أسماء الله تعالى ما زاد على المئة والثلاثين، كلها مشهورة مروية، وفصل الكلام في كل اسم على ثلاثة فصول، الأول في استخراجها، الثاني في الطريق إلى تقرب مسالكها، الثالث في الإشارة إلى التعبد بحقائقها.
(3) تحرفت سنة وفاته في " مفتاح السعادة " إلى 727، وفي " كشف الظنون " 1 / 70 إلى 627.
(4) سترد ترجمته برقم (68) .
(5) وهو علي بن يوسف بن تاشفين، سترد ترجمته برقم (75) .(20/73)
عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ تُوْمَرْتَ (1) .
45 - اللَّفْتُوَانِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُفِيْدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي نَصْرٍ شُجَاعِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ اللَّفْتُوَانِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
سَمِعَ: عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ مَنْدَةَ، وَسَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ الغَازِي، وَسُلَيْمَانَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الثَّقَفِيَّ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ شَكْرُوَيْه، وَمَحْمُوْداً الكَوْسَجَ، وَأَبَا الخَيْرِ بنَ رَرَا، وَالثَّقَفِيَّ، وَعِدَّةً.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: رِزْقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَطِرَادِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ البَطِرِ.
وَكَتَبَ مَا لاَ يُوْصَفُ، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُهُ؛ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً، ثِقَةً عَابِداً، فَقِيراً قَانِعاً.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى: لَمْ أَرَ فِي شُيُوْخِي أَكْثَرَ كُتُباً وَتَصْنِيفاً مِنْهُ، اسْتَغرَقَ عُمُرَه فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَكِتْبَتِهِ وَتَصْنِيفِهِ وَنَشرِهِ.
__________
(1) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (318) ، وانظر " لسان الميزان " 4 / 14، و" طبقات " الداوودي 1 / 300.
(*) الأنساب: (اللفتواني) ، التحبير 2 / 134 - 136، المنتظم 10 / 84، معجم البلدان 5 / 20، الكامل لابن الأثير 11 / 72، اللباب 3 / 132، الوافي بالوفيات 3 / 148، واللفتواني: بفتح اللام، وسكون الفاء، وضم التاء كما في الأصل و" اللباب " وفتحها ياقوت، نسبة إلى لفتوان، وهي إحدى قرى أصبهان.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: 188 / 2.(20/74)
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ (1) : كَانَ شَيْخاً صَالِحاً، كَثِيْرَ الصَّلاَةِ، حَسنَ الطَّرِيقَةِ، خَشِنَهَا، سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْرَ، وَمَا دَخَلتُ عَلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِخَيْرٍ؛ يُصَلِّي، أَوْ يَنسَخُ، أَوْ يَتْلُو، وَكَانَ يَقرَأُ قِرَاءةً غَيْرَ مَفْهُوْمَةٍ، وَهُوَ عَارِفٌ بِالحَدِيْثِ وَطُرِقِه، كَتَبَ عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدبَرَ، وَخَطُّهُ لاَ يُمكِنُ قِرَاءتُه لِكُلِّ أَحَدٍ، فَكَانَ يَقُوْلُ: يَكفِي مِنَ السَّمَاعِ شَمُّه.
قُلْتُ: هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
مَاتَ: فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ مَشْيَخَةِ السِّلَفِيِّ.
46 - ابْنُ السَّلاَّلِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الكَرْخِيُّ *
الإِمَامُ الفَاضِلُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ السَّلاَّلِ الكَرْخِيُّ، الوَرَّاقُ، الحَبَّارُ، لَهُ حَانُوْتٌ عِنْد بَابِ النُّوْبِيِّ (2) .
سَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَأَبَا الغَنَائِمِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَجَابِرَ بنَ يَاسِيْنَ.
وَمِنْ: أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ وِشَاحٍ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ البَيْضَاوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ سِياوشَ الكَازَرُوْنِيِّ، وَتَفَرَّدَ فِي وَقتِهِ عَنْ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ 447.
__________
(1) في " التحبير " 2 / 134، 135.
(*) الأنساب 4 / 36 (الحبار) ، المنتظم 10 / 123، اللباب 1 / 334، النجوم الزاهرة 5 / 280.
(2) ببغداد، يبيع الحبر والاقلام. انظر " الأنساب " 4 / 36.(20/75)
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ فِي خُلُقه زعَارَّةٌ، وَكُنَّا نَسْمَعُ عَلَيْهِ بِجَهدٍ، وَهُوَ يُتَّهَمُ، مَعْرُوْفٌ بِالتَّشَيُّعِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ نَاصِرٍ: كُنْتُ أَمضِي إِلَى الجُمُعَةِ وَقَدْ قَارَبَ الوَقْتُ، فَأَرَى ابْنَ السَّلاَّلِ فِي دُكَّانِه فَارِغَ القَلْبِ، لَيْسَ عَلَى خَاطِرِه الصَّلاَةُ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالنَّفِيْسُ بنُ وَهْبَانَ، وَبِالإِجَازَةِ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ عُفَيْجَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ صَصْرَى.
وَعَاشَ: أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الإِخْوَةِ (1) الوَكِيْلُ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو البَرَكَاتِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي سَعْدٍ شَيْخُ الشُّيُوْخِ (2) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ حَنْبَلُ بنُ عَلِيٍّ البُخَارِيُّ (3) ، وَالأَتَابِكُ زِنْكِي (4) بنُ آقْسُنْقُرَ، وَالمُحَدِّثُ سَعْدُ الخَيْرِ بنُ مُحَمَّدٍ البَلَنْسِيُّ (5) ، وَظَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ المَسَامِيْرِيُّ (6) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاطِ (7) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ المُحَارِبِيُّ صَاحِبُ (التَّفْسِيْرِ (8)) ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيُّ (9) ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (94) .
(2) سترد ترجمته برقم (95) .
(3) سترد ترجمته برقم (182) .
(4) سترد ترجمته برقم (123) .
(5) سترد ترجمته برقم (93) .
(6) سترد ترجمته برقم (106) .
(7) سترد ترجمته برقم (80) .
(8) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (337) بعد ترجمة أبيه.
(9) مترجم في المنتظم 10 / 123، الكامل 11 / 118، الوافي بالوفيات 3 / 169، البداية والنهاية 12 / 222، وأخوه الوزير علي سترد ترجمته هنا برقم (90) .(20/76)
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَشَّابُ (1) سَمِعَ القُشَيْرِيَّ، وَوَجِيْهُ بنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ (2) ، وَالمُقْرِئُ يَحْيَى بنُ الخَلُوْفِ الغَرْنَاطِيُّ (3) .
47 - ابْنُ الطَّرَّاحِ يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّالِحُ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ البَغْدَادِيُّ، المُدِيْرُ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: عَبْدَ الصَّمَدِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَجَمَاعَةً.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَالكِنْدِيُّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُبَارَكٍ البَلَدِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَاقُوْتٍ، وَحَفِيْدَتُهُ؛ سِتُّ الكَتَبَةِ بِنْتُ عَلِيٍّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبْتُ عَنْهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ صَالِحاً، سَاكِناً، مُشْتَغِلاً بِمَا يَعْنِيْهِ، كَثِيْرَ الرَّغبَةِ فِي الخَيْرِ، وَفِي زِيَارَةِ القُبُوْرِ، سَمَّعَهُ أَبُوْهُ، وَحصَّلَ لَهُ الأَجزَاءَ، وَكَانَ مُدِيْرَ قَاضِي القُضَاةِ أَبِي القَاسِمِ الزَّيْنَبِيِّ (4) .
__________
(1) مترجم في الأنساب 5 / 120، والوافي بالوفيات 1 / 165 وفيه وفاته سنة 540.
(2) سترد ترجمته برقم (67) .
(3) مترجم في معرفة القراء الكبار 2 / 407، 408، وغاية النهاية 2 / 369، 370.
(*) المنتظم 10 / 101، 102، العبر 4 / 101، البداية والنهاية 12 / 218، النجوم الزاهرة 5 / 270، شذرات الذهب 4 / 114.
(4) انظر " المنتظم " 10 / 101، 102.(20/77)
تُوُفِّيَ: فِي رَابِعَ عَشَرَ (1) رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ نَاطَحَ الثَّمَانِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّوْزَنِيُّ (2) ، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ (3) ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ العَرِيْفِ (4) الزَّاهِدُ بِالغَربِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ فُطَيْمَةَ البَيْهَقِيُّ (5) ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ الخُوَارِيُّ (6) ، وَالزَّاهِدُ أَبُو الحَكَمِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ بَرَّجَانَ (7) ، وَالعَلاَّمَةُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَازَةَ الحَنَفِيُّ (8) ، وَشَرَفُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ الحَنْبَلِيُّ (9) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المَازَرِيُّ (10) ، وَأَبُو الكَرَمِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الجَلَخْتِ الوَاسِطِيُّ (11) ، وَالإِمَامُ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ المُقْرِئُ (12) ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَاشَاذَةَ الوَاعِظُ (13) .
__________
(1) في " المنتظم ": رابع عشرين.
(2) تقدمت ترجمته برقم (34) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (13) .
(4) سترد ترجمته برقم (68) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (37) .
(6) تقدمت ترجمته برقم (43) .
(7) تقدمت ترجمته برقم (44) .
(8) سترد ترجمته برقم (57) .
(9) سترد ترجمته برقم (63) .
(10) سترد ترجمته برقم (64) .
(11) تقدمت ترجمته برقم (35) .
(12) سترد ترجمته برقم (58) .
(13) سترد ترجمته برقم (78) .(20/78)
48 - أَبُو البَدْرِ الكَرْخِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، العَالِمُ، المُسْلِمُ، أَبُو البَدْرِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ عُمَرَ البَغْدَادِيُّ، الكَرْخِيُّ، المُنْفَرِدُ بِسَمَاعِ (أَمَالِي ابْنِ سَمْعُوْنَ (1)) عَنْ خَدِيْجَةَ الشَّاهجَانِيَّةِ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي الغَنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ هَزَارْمَرْدَ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ.
وَلَهُ (مَشْيَخَةٌ) مَروِيَّةٌ.
صَحِبَ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ (2) لِلتَّفَقُّهِ.
وَوُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَهُ أَبُو سَعْدٍ (3) .
قَالَ: وَأَصلُهُ مِنْ كَرْخ جُدَّانَ (4) ، وَكَانَ يَسكُنُ فِي دَارِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَهُوَ شَيْخٌ صَالِح مُعَمَّرٌ ثِقَةٌ، عَجِزَ عَنِ المَشْيِ، مَاتَ فِي التَّاسعِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (5) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ
__________
(*) الأنساب 10 / 394، المنتظم 10 / 112، 113، العبر 4 / 106، البداية والنهاية 12 / 219، النجوم الزاهرة 5 / 276، شذرات الذهر 4 / 121.
(1) هو أبو الحسين محمد بن أحمد بن إسماعيل البغدادي الواعظ، المتوفى سنة 387 هـ.
مرت ترجمته في الجزء السادس عشر برقم (376) .
(2) الشيرازي، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (237) .
(3) في الأنساب " 10 / 394.
(4) قال ياقوت: بضم الجيم وسمعت بعضهم بفتحها، والضم أشهر، والدال مشددة وآخره نون: بليدة في آخر ولاية العراق، وهو الحد بين شهر زور والعراق. " معجم البلدان " 4 / 449.
(5) انظر " مشيخة " ابن عساكر 23 / 2.(20/79)
سُكَيْنَةَ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ سِبْطُ ابْنِ هَدِيَّةَ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مِنَيْنَا، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ المُبَارَكِ القَاضِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَالحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ الفَارِسِيُّ الزَّاهِدُ، وَتُرْكُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ؛ خَاتِمَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ.
49 - التَّيْمِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ طَاهِرٍ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، ثُمَّ الطَّلْحِيُّ (1) ، الأَصْبَهَانِيُّ، المُلَقَّبُ: بِقِوَامِ السُّنَّةِ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ) .
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا عَمْرٍو عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَةَ، وَعَائِشَةَ بِنْتَ الحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّيَّانَ (2) ، وَأَبَا الخَيْرِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ رَرَا، وَالقَاضِي أَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ شَكْرُوَيْه، وَأَبَا عِيْسَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَافِظَ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ السِّمْسَارَ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّكْوَانِيَّ، وَالرَّئِيْسَ أَبَا عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيَّ، وَطَبَقَتَهُم بِأَصْبَهَانَ، وَأَبَا نَصْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيَّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَخَلْقاً
__________
(*) الأنساب 3 / 368، 369 (الجوزي) ، المنتظم 10 / 90، اللباب 1 / 309، 310، الكامل 11 / 80، مرآة الزمان 8 / 107، تذكرة الحفاظ 4 / 1277 - 1282، العبر 4 / 94، دول الإسلام 2 / 55، الوافي بالوفيات 9 / 211، مرآة الجنان 3 / 263، طبقات الاسنوي 1 / 359، 361، البداية والنهاية 12 / 217، النجوم الزاهرة 5 / 267، طبقات المفسرين للسيوطي: 8، طبقات الحفاظ ص 463، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 112 - 114، كشف الظنون 123، 211، 400، شذرات الذهب 4 / 105، 106، هدية العارفين 1 / 211، الرسالة المستطرفة: 57، تاريخ بروكلمان 6 / 39، 40.
(1) نسبة إلى الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله من جهة أمه كما سيذكر المؤلف.
(2) نسبة إلى حرفة الطين المعلومة، وقد تحرفت في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1278 إلى " الطيار " بالراء آخره.(20/80)
بِبَغْدَادَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ الشِّيْرَازِيَّ، وَأَبَا نَصْرٍ مُحَمَّدَ بنَ سَهْلٍ السَّرَّاجَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَحْمَدَ الوَاحِدِيَّ، وَأَقْرَانَهُم بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَقدَمُ سَمَاعِهِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الطِّهْرَانِيّ؛ صَاحِبِ ابْنِ مَنْدَةَ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِيْنَ.
وَسَمِعَ بِمَكَّةَ، وَجَاوَرَ سَنَةً، وَأَملَى، وَصَنَّفَ، وَجَرَحَ وَعَدَّلَ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العَرَبِيَّةِ أَيْضاً، وَفِي تَوَالِيفِه الأَشيَاءُ المَوْضُوْعَةُ كَغَيْرِهِ مِنَ الحُفَّاظِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ الهَمَذَانِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّائِغُ، وَيَحْيَى بنُ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيُّ - وَهُوَ سِبْطُه - وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدٍ (2) الخَبَّازُ، وَأَبُو الفَضَائِلِ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ العَبْدَكوِيُّ، وَأَبُو نَجِيْحٍ فَضْلُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ الإِخْوَةِ، وَأَبُو المَجْدِ زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ الحَافِظُ إِمَامُ أَئِمَّةِ وَقتِه، وَأُسْتَاذُ عُلَمَاءِ عَصرِه، وَقُدْوَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي زَمَانِهِ، حَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، أُصمِتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ثُمَّ فُلِجَ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَمَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَاجْتَمَعَ فِي جِنَازَتِه جَمعٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُم كَثْرَةً، وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ صَالِحاً وَرِعاً، سَمِعَ مِنْ سَعِيْدٍ العَيَّارِ، وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى أَبِي المُظَفَّرِ بنِ شَبِيْبٍ، وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَوَالِدَتُه (3) كَانَتْ مِنْ ذُرِّيَّةِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: 29 / 2.
(2) في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1278: حميد.
(3) في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1278: ووالده، وهو خطأ، وسينقل المؤلف أيضا في نهاية الترجمة ص 88 أن نسبته الطلحي هي من جهة أمه.(20/81)
اللهِ التَّيْمِيِّ؛ أَحَدِ العَشْرَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -.
قَالَ أَبُو مُوْسَى: قَالَ إِسْمَاعِيْلُ:
سَمِعْتُ مِنْ عَائِشَةَ (1) وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ عَلِيَّكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى: وَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً عَابَ عَلَيْهِ قَوْلاً وَلاَ فِعلاً، وَلاَ عَانَدَه أَحَدٌ إِلاَّ وَنَصرَه اللهُ، وَكَانَ نَزِهَ النَّفْسِ عَنِ المَطَامعِ، لاَ يَدخُلُ عَلَى السَّلاَطِيْنِ، وَلاَ عَلَى مَنِ اتَّصلَ بِهِم، قَدْ أَخلَى دَاراً مِنْ مُلكِهِ لأَهْلِ العِلْمِ مَعَ خِفَّةِ ذَاتِ يَدِه، وَلَوْ أَعْطَاهُ الرَّجُلُ الدُّنْيَا بِأَسرِهَا لَمْ يَرْتَفِعْ عِنْدَهُ، أَملَى ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَ مائَةِ مَجْلِسٍ، وَكَانَ يُمْلِي عَلَى البَدِيْهَةِ (2) .
وَقَالَ الحَافِظُ يَحْيَى بنُ مَنْدَةَ: كَانَ أَبُو القَاسِمِ حَسَنَ الاعْتِقَادِ، جَمِيْلَ الطَّرِيقَةِ، قَلِيْلَ الكَلاَمِ، لَيْسَ فِي وَقتِه مِثْلُهُ (3) .
وَقَالَ عَبْدُ الجَلِيْلِ كُوتَاه: سَمِعْتُ أَئِمَّةَ بَغْدَادَ يَقُوْلُوْنَ:
مَا رَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَفْضَلُ وَلاَ أَحْفَظُ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ (4) .
قُلْتُ: هَذَا قَوْلُ مَنْ لاَ يَعلَمُ.
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ فِي ذِكرِ مَنْ هُوَ عَلَى رَأْسِ المائَةِ الخَامِسَةِ: لاَ أَعْلَمُ أَحَداً فِي دِيَارِ الإِسْلاَمِ يَصلُحُ لِتَأْوِيْلِ الحَدِيْثِ إِلاَّ إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظَ (5) .
__________
(1) بنت الحسن الوركانية، المتوفاة سنة 460 هـ، مرت ترجمتها في الجزء الثامن عشر برقم (142) .
(2) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1278، 1279، و" طبقات " الاسنوي 1 / 360.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1279.
(4) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1279 و" طبقات " الاسنوي 1 / 360.
(5) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1279.(20/82)
قُلْتُ: وَهَذَا تَكلُّفٌ، فَإِنَّهُ (1) عَلَى رَأْسِ المائَةِ الخَامِسَةِ مَا اشْتُهِرَ، إِنَّمَا اشْتُهِرَ قَبْلَ مَوْتِه بِعِشْرِيْنَ عَاماً.
وَرُوِيَ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظِ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ فِي عُمُرِي مَنْ يَحفَظُ حِفْظِي.
قَالَ أَبُو مُوْسَى: وَقرَأَ بِرِوَايَاتٍ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ القُرَّاءِ، وَأَمَّا التَّفْسِيْرُ وَالمَعَانِي وَالإِعرَابُ، فَقَدْ صَنَّفَ فِيْهِ كُتُباً بِالعَرَبِيَّةِ وَبِالفَارِسِيَّةِ، وَأَمَّا عِلمُ الفِقْهِ، فَقَدْ شُهِرَتْ فَتَاوِيهِ فِي البَلَدِ وَالرَّسَاتِيقِ (2) .
قَالَ أَبُو المَنَاقِبِ مُحَمَّدُ بنُ حَمْزَةَ العَلَوِيُّ: حَدَّثَنَا الإِمَامُ الكَبِيْرُ، بَدِيْعُ وَقتِه، وَقَرِيعُ دَهْرِه، أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي القَاسِمِ تَعبُّدٌ وَأَورَادٌ وَتَهجُّدٌ، فَقَالَ أَبُو مُوْسَى:
سَمِعْتُ مَنْ يَحكِي عَنْهُ فِي اليَوْمِ الَّذِي قَدِمَ بِوَلَدِه مَيِّتاً، وَجَلَسَ لِلتَّعزِيَةِ، أَنَّهُ جَدَّدَ الوُضُوْءَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مَرَّاتٍ نَحْوَ الثَّلاَثِيْنَ، كُلُّ ذَلِكَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِه: أَنَّهُ كَانَ يُمْلِي شَرْحَ (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) عِنْدَ قَبْرِ وَلَدِهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَيَوْمَ تَمَامِه عَمِلَ مَأْدُبَةً (3) وَحَلاَوَةً كَثِيْرَةً، وَكَانَ ابْنُهُ (4) وُلِدَ فِي سَنَةِ خَمْسِ مائَةٍ، وَنَشَأَ، وَصَارَ إِمَاماً فِي اللُّغَةِ وَالعُلُوْمِ حَتَّى مَا كَانَ يَتقدَّمُهُ كَبِيْرُ أَحَدٍ فِي الفَصَاحَةِ وَالبَيَانِ وَالذَّكَاءِ، وَكَانَ أَبُوْهُ يُفضِّلُه عَلَى نَفْسِهِ فِي اللُّغَةِ
__________
(1) في الأصل: فإن، وهو خطأ.
وفي " التذكرة ": فإن الرجل ما كان في رأس المئة قد اشتهر.
(2) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1279 وفيه: سرت فتاواه بدل شهرت.
(3) على هامش النسخة: مائدة.
(4) أبو عبد الله محمد، ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1280، والاسنوي في " الطبقات " 1 / 361، وابن المعاد في " الشذرات " 4 / 106.(20/83)
وَجَرَيَانِ اللِّسَانِ، أَمْلَى جُمْلَةً مِنْ شَرْحِ (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ، مَاتَ بِهَمَذَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، وَفَقَدَهُ أَبُوْهُ، وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَسَنٍ يَقُوْلُ:
كُنَّا مَعَ الشَّيْخِ أَبِي القَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي مَسْعُوْدٍ الحَافِظِ، فَقَالَ: أَطَالَ اللهُ عُمُرَك، فَإِنَّك تَعِيشُ طَوِيْلاً، وَلاَ تَرَى مِثْلَكَ، فَهَذَا مِنْ كَرَامَاتِهِ (1) ...
إِلَى أَنْ قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى: وَلَهُ (التَّفْسِيْرُ) فِي ثَلاَثِيْنَ مُجَلَّداً، سَمَّاهُ (الجَامِعَ) ، وَلَهُ (تَفْسِيْرٌ) آخَرُ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ، وَلَهُ (المُوَضّحُ) فِي التَّفْسِيْرِ فِي ثَلاَثِ مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَابُ (المُعْتَمَدِ) فِي التَّفْسِيْر عَشْرُ مُجَلَّدَاتٍ، وَكِتَاب (السُّنَّةِ) مُجَلَّدٌ، وَكِتَابُ (سِيَرِ السَّلَفِ (2)) مُجَلَّدٌ ضَخْمٌ، وَكِتَابُ (دَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ) مُجَلَّدٌ، وَكِتَابُ (المَغَازِي) مُجَلَّدٌ، وَأَشيَاءُ كَثِيْرَةٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ نَاصِرٍ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابْنُ أَخِي إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ الأَسْوَارِيُّ الَّذِي تَولَّى غَسْلَ عَمِّي - وَكَانَ ثِقَةً -:
أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَحِّي عَنْ سَوْأَتِه الخِرْقَةَ لأَجْلِ الغُسْلِ، قَالَ: فَجَبَذَهَا إِسْمَاعِيْلُ بِيَدِهِ، وَغَطَّى فَرْجَهَ.
فَقَالَ الغَاسِلُ: أَحَيَاةٌ بَعْدَ مَوْتٍ (3) ؟!
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: أَبُو القَاسِمِ هُوَ أُسْتَاذِي فِي الحَدِيْثِ، وَعَنْهُ أَخَذتُ هَذَا القَدْرَ، وَهُوَ إِمَامٌ فِي التَّفْسِيْرِ وَالحَدِيْثِ وَاللُّغَةِ وَالأَدبِ، عَارِفٌ بِالمُتُوْنِ وَالأَسَانِيْدِ، كُنْتُ إِذَا سَأَلتُه عَنِ المُشكلاَتِ، أَجَابَ فِي الحَالِ، وَهَبَ أَكْثَرَ أُصُوْلِه فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَأَملَى بِالجَامِعِ قَرِيْباً مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَفِ مَجْلِسٍ (4) ، وَكَانَ أَبِي يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ بِالعِرَاقِ مَنْ يَعرِفُ الحَدِيْثَ وَيَفهَمُهُ غَيْرَ
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1280.
(2) انظر نسخه الخطية في " تاريخ " بروكلمان 6 / 40.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1280، و" المنتظم " 10 / 90.
(4) انظر " الأنساب " 3 / 368.(20/84)
اثْنَيْنِ: إِسْمَاعِيْلَ الجُوْزِيِّ (1) بِأَصْبَهَانَ، وَالمُؤْتَمَنِ السَّاجِيِّ (2) بِبَغْدَادَ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: تَلمذتُ لَهُ، وَسَأَلتُهُ عَنْ أَحْوَالِ جَمَاعَةٍ، قَالَ: وَرَأَيْتُهُ وَقَدْ ضَعُفَ، وَسَاءَ حِفْظُه (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاقُ: كَانَ أَبُو القَاسِمِ عَدِيْمَ النَّظِيْرِ، لاَ مِثْلَ لَهُ فِي وَقتِه، كَانَ مِمَّنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الصَّلاَحِ وَالرَّشَادِ (4) .
وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: هُوَ فَاضِلٌ فِي العَرَبِيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ.
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِيُّ (5) : مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ مِثْلَ إِسْمَاعِيْلَ، ذَاكَرْتُهُ، فَرَأَيْتُهُ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، عَارِفاً بِكُلِّ عِلْمٍ، مُتَفَنِّناً، اسْتُعجِلَ عَلَيْهِ بِالخُرُوجِ.
رَوَى السِّلَفِيُّ هَذَا عَنِ العَبْدَرِيِّ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الحُسَيْنِ بنَ الطُّيُوْرِيِّ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُ:
مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ خُرَاسَانَ مِثْلُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ (6) .
قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي سَعْدٍ (7) السَّمْعَانِيِّ فِيْهِ: الجُوْزِيُّ - بِضَمِّ الجِيمِ وَبِزَايٍ - هُوَ لَقَبُ أَبِي القَاسِمِ، وَهُوَ اسْمُ طَائِرٍ صَغِيْرٍ (8) .
وَقَدْ سُئِلَ أَبُو القَاسِمِ التَّيْمِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: للهِ حَدٌّ، أَوْ
__________
(1) سيذكر المؤلف قريبا معنى هذه النسبة.
(2) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (195) ، وانظر " تبصير المنتبه " 1 / 371.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1280، 1281.
(4) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1281.
(5) تصحفت إلى " الغندري " في " شذرات الذهب " 4 / 106.
(6) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1281.
(7) في الأصل: أبي بكر، وهو خطأ.
(8) بلغة أهل أصبهان، وكان يكره هذا اللقب، ولكنه عرف به.
انظر " الأنساب " 3 / 386، و" اللباب " 1 / 309.(20/85)
لاَ؟ وَهَلْ جَرَى هَذَا الخِلاَفُ فِي السَّلَفِ؟
فَأَجَابَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَسْتَعفِي مِنَ الجَوَابِ عَنْهَا؛ لِغُمُوْضِهَا، وَقِلَّةِ وُقُوفِي عَلَى غَرَضِ السَّائِلِ مِنْهَا، لَكِنِّي أُشِيرُ إِلَى بَعْضِ مَا بَلَغَنِي: تَكَلَّمَ أَهْلُ الحَقَائِقِ فِي تَفْسِيْرِ الحَدِّ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، مَحْصُوْلُهَا أَنَّ حَدَّ كُلِّ شَيْءٍ مَوْضِعُ بَيْنُونَتِه عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ غَرَضُ القَائِلِ: لَيْسَ للهِ حَدٌّ: لاَ يُحِيطُ عِلمُ الحَقَائِقِ بِهِ، فَهُوَ مُصِيْبٌ، وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ بِذَلِكَ: لاَ يُحِيطُ عِلمُهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ، فَهُوَ ضَالٌّ، أَوْ كَانَ غَرَضُهُ: أَنَّ اللهَ بِذَاتِه فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَهُوَ أَيْضاً ضَالٌّ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ الكَفُّ عَنْ إِطلاَق ذَلِكَ، إِذْ لَمْ يَأْتِ فِيْهِ نَصٌّ، وَلَوْ فَرَضنَا أَنَّ المَعْنَى صَحِيْحٌ، فَلَيْسَ لَنَا أَن نَتَفَوَّهَ بِشَيْءٍ لَمْ يَأْذنْ بِهِ اللهُ؛ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَدخُلَ القَلْبَ شَيْءٌ مِنَ البِدْعَةِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيْنَا إِيْمَانَنَا.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ أَبَا نَصْرٍ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ اليُوْنَارَتِيَّ (1) الحَافِظَ، فَرجَّحَه عَلَى أَبِي القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلَ - فَاللهُ أَعْلَمُ - وَكَأَنَّ ابْنَ عَسَاكِرَ لَمَّا رَأَى إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ وَقَدْ كَبِرَ وَنَقَصَ حِفْظُهُ، قَالَ هَذَا.
قَدْ مَرَّ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الإِمَامُ الكَبِيْرُ المُحَدِّثُ أَبُو الحَسَنِ رَزِيْنُ بنُ مُعَاوِيَةَ العَبْدَرِيُّ (2) السَّرَقُسْطِيُّ المُجَاوِرُ، وَالفَقِيْهُ البَدِيْعُ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ العِجْلِيُّ الهَمَذَانِيُّ (3) ، وَالعَلاَّمَةُ اللُّغَوِيُّ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ القُرْطُبِيُّ (4) ، وَمُسْنِدُ بَغْدَادَ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ
__________
(1) المتوفى سنة 527 هـ، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (365) .
(2) سترد ترجمته برقم (129) .
(3) سترد ترجمته برقم (56) وسيكررها في الصفحة (144) بعد الترجمة (85) .
(4) ذكرت مصادر ترجمته في نهاية الترجمة رقم (42) .(20/86)
الرَّحْمَن بنُ مُحَمَّدِ بنِ زُرَيْقٍ الشَّيْبَانِيُّ القَزَّازُ (1) ، وَمُسْنِدُ العَصرِ قَاضِي المَرَسْتَانِ (2) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيُّ البَغْدَادِيُّ، وَالزَّاهِدُ القُدْوَةُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيُّ (3) بِمَرْوَ، وَمُسْنِدُ نَيْسَابُوْرَ أَبُو الفُتُوْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ شَاه الشَّاذْيَاخِيُّ (4) ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ تَوْبَةَ (5) الأَسَدِيُّ العُكْبَرِيُّ، وَأَخُوْهُ؛ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ الجَبَّارِ (6) .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ مَحْمُوْدٍ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الهَادِي، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرَنَا جَدِّي لأُمِّي؛ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ بِأَصْبَهَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلٍ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَسَنِ الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَسْعُوْدٍ الهَمَذَانِيُّ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيْقٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَطْعَمَتِ المَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، فَلَهَا أَجْرُهَا، وَلَهُ مِثْلُهُ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَهُ بِمَا احْتَسَبَ، وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ (7)) .
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ يَوْماً: أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (42) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (12) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (41) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (17) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (15) .
(6) تقدمت ترجمته برقم (16) .
(7) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (1425) ، و (1437) و (1439) و (1440) و (1444) و (2065) ، ومسلم (1024) والترمذي (672) وأبو داود (1685) من طريق الأعمش ومنصور، كلاهما عن شقيق أبي وائل بهذا الإسناد، وأخرجه الترمذي (671) والنسائي 5 / 65 من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل، عن عائشة.(20/87)
عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: اسْتوَى: قَعَدَ (1) ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ لَهُ: إِسْحَاقُ بنُ رَاهويه يَقُوْلُ: إِنَّمَا يُوْصَفُ بِالقُعُوْدِ مَنْ يَمَلُّ القِيَامَ.
قَالَ: لاَ أَدْرِي أَيشٍ يَقُوْلُ إِسْحَاقُ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَخْطَأَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي حَدِيْثِ الصُّوْرَةِ، وَلاَ يُطعَنُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، بَلْ لاَ يُؤْخَذُ عَنْهُ هَذَا فَحَسْبُ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى: أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّهُ قَلَّ إِمَامٌ إِلاَّ وَلَهُ زَلَّةٌ، فَإِذَا تُرِكَ لأَجْلِ زَلَّتِه، تُرِكَ كَثِيْرٌ مِنَ الأَئِمَّةِ، وَهَذَا لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُفعَلَ.
وَعَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، قَالَ: كُنَّا نَمضِي مَعَ أَبِي القَاسِمِ إِلَى بَعْضِ المَشَاهِدِ، فَإِذَا اسْتَيقَظْنَا مِنَ اللَّيْلِ، رَأَينَاهُ قَائِماً يُصَلِّي.
وَذَكَرَ أَبُو مُوْسَى فِي نِسبَةِ أَبِي القَاسِمِ التَّيْمِيِّ الطَّلْحِيِّ: أَنَّ ذَلِكَ النَّسَبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ، ثُمَّ قَالَ: وَابْن أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُم.
__________
(1) في ثبوت ذلك عن ابن عباس وقفة، فقد نقل عنه محيي السنة البغوي في تفسيره وأكثر المفسرين أن معناه: ارتفع، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى (ثم استوى على العرش) من سورة الاعراف الآية 54 ما نصه: فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والاوزاعي، والثوري، والليث بن سعد والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ، بل الامر كما قال الأئمة - منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري -: " من شبه الله بخلقه فقد كفر ". ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ".
وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والاخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبل الهدى.
وانظر لزاما " فتح الباري " 13 / 405 - 408 الطبعة السلفية.(20/88)
50 - ابْنُ الجَوَالِيْقِيِّ مَوْهُوْبُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، اللُّغَوِيُّ، النَّحْوِيُّ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مَوْهُوْبُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الخَضِرِ بنِ الحَسَنِ بنِ الجَوَالِيْقِيِّ، إِمَامُ الخَلِيْفَةِ المُقْتَفِي.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ 466.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ أَبِي الصَّقْرِ، وَالنَّقِيْبَ طِرَادَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيَّ، وَعِدَّةً.
وَطَلَبَ بِنَفْسِهِ مُدَّةً، وَنَسخَ الكَثِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بِنْتُهُ؛ خَدِيْجَةُ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالتَّاجُ الكِنْدِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ كَامِلٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: إِمَامٌ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَة، مِنْ مَفَاخِرِ بَغْدَادَ، قَرَأَ الأَدبَ عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ، وَلاَزَمَه، وَبَرَعَ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَرِعٌ، غَزِيْرُ الفَضْلِ،
__________
(*) الأنساب 3 / 337، نزهة الالبا: 396 - 398، المنتظم 10 / 118، معجم الأدباء 19 / 205 - 207، اللباب 1 / 301، الكامل 11 / 106، 107، إنباه الرواة 3 / 335 - 337، وفيات الأعيان 5 / 342 - 344، المختصر 3 / 17، تذكرة الحفاظ 4 / 1286، العبر 4 / 110، تلخيص ابن مكتوم: 257 - 259، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 236، 237، تتمة المختصر 2 / 72، مرآة الجنان 3 / 271 - 273، البداية والنهاية 12 / 220، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 204 - 207، طبقات ابن قاضي شهبة: ورقة 260، النجوم الزاهرة 5 / 277، بغية الوعاة 2 / 308، كشف الظنون 48، 741، 1577، 1586، 1739، شذرات الذهب 4 / 127، هدية العارفين 2 / 483، تاريخ بروكلمان 5 / 163، 164، معجم المطبوعات: 719. والجواليقي وانظر مقدمة العلامة أحمد شاكر لكتاب " المعرب ".
قال السمعاني: هذه النسبة إلى الجوالق، وهي جمع جوالق، ولعل بعض أجداد المنتسب إليها كان يبيعها أو يعملها.
قال ابن خلكان: وهي نسبة شاذة، لان الجموع لا ينسب إليها، بل ينسب إلى آحادها، إلا ما جاء شاذا مسموعا في كلمات محفوظة، مثل قولهم: رجل أنصاري، في النسبة إلى الانصار..(20/89)
وَافِرُ العَقْلِ، مَلِيْحُ الخَطِّ، كَثِيْرُ الضَّبْطِ، صَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَشَاعَ ذِكْرُهُ (1) .
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : قَرَأَ الأَدبَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى التِّبْرِيْزِيِّ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عِلمُ اللُّغَةِ، وَدرَّسَ العَرَبِيَّةَ بِالنِّظَامِيَةِ، وَكَانَ المُقْتَفِي (3) يَقرَأُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الكُتُبِ، وَكَانَ مُتَوَاضِعاً، طَوِيْلَ الصَّمْتِ، مُتَثَبِّتاً، يَقُوْلُ كَثِيْراً: لاَ أَدْرِي.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَغَلطَ مَنْ قَالَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ (4) .
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ إِمَامُ أَهْلِ عَصرِهِ فِي اللُّغَةِ، كَتَبَ الكَثِيْرَ بِخَطِّهِ المَلِيْحِ المُتْقَنِ، مَعَ مَتَانَةِ الدِّينِ، وَصَلاَحِ الطَّرِيقَةِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نَبِيلاً.
وَقَالَ الكَمَالُ الأَنْبَارِيُّ (5) : أَلَّفَ فِي العَرُوضِ، وَشَرَحَ (أَدَبَ الكَاتِبِ (6)) ، وَعَمِلَ كِتَابَ (المُعَرَّبِ (7)) وَ (التَّكْمِلَةَ فِي لَحْنِ العَامَّةِ (8)) ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ مُنتَفَعاً بِهِ لِديَانَتِه، وَحُسنِ سِيرَتِه، وَكَانَ يَختَارُ
__________
(1) انظر " الأنساب " 3 / 337.
(2) في " المنتظم " 10 / 118.
(3) سترد ترجمته برقم (273) .
(4) قاله السمعاني وابن الأثير والقفطي والانباري وابن خلكان وياقوت، وغلط السيوطي في " البغية " فذكر وفاته سنة 465، وهي سنة ولادته في رواية، وتبعه حاجي خليفة في " كشف الظنون ".
(5) في " نزهة الالباب " 396، 397.
(6) طبع شرحه هذا بمصر بمكتبة القدسي سنة 1350 هـ مصدرا بمقدمة بليغة وافية لشيخ الأدب وحجة العرب مصطفى صادق الرافعي رحمه الله.
(7) طبع بتحقيق وشرح العلامة أحمد شاكر بمطبعة دار الكتب بمصر سنة 1969 م.
(8) أكمل به " درة الغواص " للحريري كما ذكر ابن خلكان وياقوت، وقد طبع بتحقيق الأستاذ عز الدين التنوخي بمطبعة ابن زيدون بدمشق سنة 1355، بعناية المجمع العلمي العربي بدمشق.(20/90)
فِي النَّحْوِ مَسَائِلَ غَرِيْبَةً، وَكَانَ فِي اللُّغَة أَمثلَ مِنْهُ فِي النَّحْوِ.
قَالَ ابْنُ شَافِعٍ: كَانَ مِنَ المُحَامِينَ عَنِ السُّنَّةِ.
قُلْتُ: خَلَّفَ وَلَدَيْنِ؛ إِسْمَاعِيْلَ (1) وَإِسْحَاقَ (2) ، مَاتَا فِي عَامٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ.
فَأَمَّا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيْلُ: فَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العَرَبِيَّةِ، كَتَّبَ أَيْضاً أَوْلاَدَ الخُلَفَاءِ مَعَ دِينٍ وَنَزَاهَةٍ وَسَعَةِ عِلمٍ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: مَا رَأَينَا وَلَداً أَشْبَهَ أَبَاهُ مِثْلَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الجَوَالِيْقِيِّ (3) .
قُلْتُ: رَوَى عَنِ: ابْنِ كَادِشٍ، وَابْنِ الحُصَيْنِ.
51 - ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُوْسَى الأُمَوِيُّ *
الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ (4) مُوْسَى بنِ أَبِي جَمْرَةَ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، المُرْسِيُّ، المَالِكِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهِشَامَ بنَ أَحْمَدَ.
__________
(1) مترجم في: معجم الأدباء 7 / 45 - 47، إنباه الرواة 1 / 210، تلخيص ابن مكتوم: 40، الوافي 9 / 230، مرآة الزمان 8 / 226، البداية والنهاية 12 / 305، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 346، 347، طبقات ابن قاضي شهبة 1 / 279، 280، بغية الوعاة 1 / 457، شذرات الذهب 4 / 249، 250.
(2) مترجم في: معجم الأدباء 6 / 88، 89، إنباه الرواة 1 / 230، تلخيص ابن مكتوم: 41، الوافي 8 / 427، مرآة الزمان 8 / 226.
(3) انظر " الوافي بالوفيات " 9 / 230 و" طبقات " ابن رجب 1 / 347.
(*) تكملة الصلة 1 / 46، العبر 4 / 91، الديباج المذهب 1 / 217، غاية النهاية 1 / 77، النجوم الزاهرة 5 / 265، شذرات الذهر 4 / 102.
(4) سقط لفظ " بن " من الأصل، واستدرك من " الديباج المذهب " و" غاية النهاية ".(20/91)
وَانْفَرَدَ فِي زَمَانِهِ بِإِجَازَةِ الإِمَامِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، وَأَجَازَ لَهُ أَيْضاً أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ.
ذَكَرهُ الأَبَّارُ، وَقَالَ: حَدَّثَ عَنْهُ وَلَدُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ شَيْخُنَا.
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْهُ وَلَدُه أَبُو بَكْرٍ كِتَابَ (التَّيْسِيْرِ) فِي السَّبْعِ، وَعَاشَ إِلَى قُربِ سَنَةِ سِتِّ مائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ أَبُو العَبَّاسِ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
52 - الشَّاطِبِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُسْنِدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ اللَّخْمِيُّ، الأَنْدَلُسِيّ، الشَّاطِبِيُّ، سِبْطُ الحَافِظِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ.
أَجَازَ لَهُ جَدُّهُ تَصَانِيْفَهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ 443.
وَقَدْ سَمِعَ (الصَّحِيْحَيْنِ) مِنْ أَبِي العَبَّاسِ بنِ دِلْهَاثٍ العُذْرِيِّ، وَ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) مِنَ القَاضِي أَبِي الوَلِيْدِ البَاجِيِّ.
وَوَلِيَ قَضَاءَ مَدِينَةِ أَغْمَاتَ (1) .
رَوَى عَنْهُ: حَفِيْدُهُ لِبِنتِهِ؛ عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَغْمَاتِيُّ، وَعِيْسَى بنُ المَلْجُوْمِ، وَأَجَازَ لابْنِ بَشْكُوَال.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ - أَوِ اثْنَتَيْنِ - وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَعَاشَ تِسْعِيْنَ عَاماً.
__________
(*) لم نعثر له على مصدر ترجمة.
(1) بلدة بأقصى بلاد المغرب قريبة من مراكش.(20/92)
53 - أَبُو المَعَالِي الفَارِسِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ القَاسِمِ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (1) : ثِقَةٌ مُكْثِرٌ، سَمِعَ (السُّنَنَ الكَبِيْرَ) مِنْ أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيِّ، وَ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) مِنْ سَعِيْدٍ العَيَّارِ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي حَامِدٍ الأَزْهَرِيِّ، وَسَمِعَ أَيْضاً كِتَابَ (المَدْخَلِ إِلَى السُّنَنِ) مِنَ البَيْهَقِيِّ.
مَوْلِدُه: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فِي شَعْبَانِهَا، وَتُوُفِّيَ فِي ثَالِثِ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ الفُرَاوِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمَكَ المُغِيْثيُّ، وَالمُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي القَاسِمِ الشَّعْرِيَّةُ، وَطَائِفَةٌ.
وَأَجَازَ لِعَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيِّ.
54 - ابْنُ بَاجَةَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ الصَّائِغِ السَّرَقُسْطِيُّ **
فَيْلَسُوْفُ الأَنْدَلُس، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ الصَّائِغِ السَّرَقُسْطِيُّ، الشَّاعِرُ.
__________
(*) التحبير 2 / 97 وكنتيه فيه أبو نصر، العبر 4 / 109، النجوم الزاهرة 5 / 276، شذرات الذهب 4 / 124، 125.
(1) " التحبير " 2 / 97 بنحوه.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر 179 / 2.
(* *) قلائد العقيان: 300 - 306، الخريدة (قسم شعراء المغرب والاندلس) 2 / 332 - 334، أخبار العلماء بأخبار الحكماء: 406، طبقات الاطباء لابن أبي أصيبعة: 515 - 517، المغرب في حلي المغرب 2 / 119، وفيات الأعيان 4 / 429 - 431، الوافي بالوفيات 2 / 240 - 242، نفح الطيب 7 / 17 - 25 و27، شذرات الذهب 4 / 103، هدية العارفين 2 / 87 دائرة المعارف الإسلامية 1 / 95، الاعلام بمن حل مراكش وأغمات من الاعلام 2 / 384 هـ.(20/93)
كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الذَّكَاءِ، وَآرَاءِ الأَوَائِلِ، وَالطِّبِّ، وَالمُوْسِيْقَا، وَدَقَائِقِ الفَلْسَفَةِ.
يُنَظَّرُ بِالفَارَابِيِّ، وَقَدْ سَعَوْا فِي قَتْلِهِ.
وَعَنْهُ أَخَذَ: ابْنُ رُشْدٍ الحَفِيْدُ، وَابْنُ الإِمَامِ الكَاتِبُ.
مَاتَ: بِفَاسَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَمْ يَتكهَّلْ (1) .
55 - ابْنُ خَيْرُوْنَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ الحَسَنِ بنِ خَيْرُوْنَ البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ، الدَّبَّاسُ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (المِفْتَاحِ) فِي القِرَاءاتِ العَشْرِ، وَكِتَابِ (المُوَضّحِ) فِي القِرَاءاتِ.
مَوْلِدُهُ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
فَبَادرَ عَمُّه الحَافِظُ أَبُو الفَضْلِ، وَأَخَذَ لَهُ الإِجَازَةَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّرْسِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ كِتَابَ (النَّسَبِ) لِلزُّبَيْرِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ أَكْثَرَ (تَارِيْخِهِ) ، وَمِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ هَزَارْمَرْدَ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَعِدَّةٍ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ عَتَّابٍ، وَجَدِّه لأُمِّهِ أَبِي البَرَكَاتِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَحْمَدَ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ.
__________
(1) انظر مؤلفاته في " طبقات الاطباء " 516، و" هدية العارفين " 2 / 87.
(*) المنتظم 10 / 115، الاستدراك لابن نقطة: باب خيرون وجبرون، وباب الخيروني والجيروني والجنزوي، الكامل في التاريخ 11 / 103، العبر 4 / 109، معرفة القراء الكبار 1 / 399، دول الإسلام 2 / 57، مرآة الجنان 3 / 271، النشر في القراءات العشر 1 / 86، غاية النهاية 2 / 192، تبصير المنتبه 2 / 545 و554، النجوم الزاهرة 5 / 276، كشف الظنون: 1769، شذرات الذهب 4 / 2125، هدية العارفين 2 / 88، 89.(20/94)
وَكَانَ يَنسخُ (تَارِيْخَ الخَطِيْبِ) ، وَيَبِيعُهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: ثِقَةٌ صَالِحٌ، مَا لَهُ شُغلٌ سِوَى التِّلاَوَةِ وَالإِقْرَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ الخَشَّابِ: كَانَ شَافِعِيّاً، مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَأَبُو مُوْسَى، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالكِنْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ الفَقِيْهُ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ عُفَيْجَةَ (2) .
وَتَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَاتِ: أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَيَحْيَى الأَوَانِيُّ (3) ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ بَقَاءٍ اللَّبَّانُ.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِبَغْدَادَ.
56 - العِجْلِيُّ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ عَلِيٍّ *
المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ القَاسِمِ بنِ عِنَانٍ العِجْلِيُّ، البَدِيْعُ الهَمَذَانِيُّ، ابْنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، أَحَدُ الأَعيَانِ.
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر 195 / 2.
(2) هو أبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك بن كرم البندنيجي، يعرف بابن عفيجة، وعفيجة لقب لوالده عبد الله، تحرف في " غاية النهاية " 2 / 192 إلى " عفحه " هكذا غير منقوط، وأبو منصور هذا متوفى سنة 625 هـ، ستأتي ترجمته في الجزء الثاني والعشرين، وذكره المؤلف في الترجمة رقم (46) وأنه روى بالاجازة عن صاحب الترجمة ابن السلال.
(3) نسبة إلى أوانا، وهي قرية على عشرة فراسخ من بغداد عند صريفين على الدجلة.
(*) الأنساب 8 / 401، تذكرة الحفاظ 4 / 1281، الوافي بالوفيات 6 / 384، 385، طبقات السبكي 6 / 17، 18، طبقات الاسنوي 2 / 214، وسيعيد المؤلف ترجمته عقب الترجمة (85) .(20/95)
رَحلَ، وَكَتَبَ، وَجَمَعَ، وَأَملَى.
سَمِعَ: أَبَا الفَرَجِ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَجَلِيَّ، وَبَكْرَ بنَ حَيْدٍ، وَيُوْسُفَ بنَ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ شَاذِي، وَأَحْمَدَ بنَ عِيْسَى بنِ عَبَّادٍ الدِّيْنَوَرِيَّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيَّ، وَعِدَّةً بِهَمَذَانَ، وَسُلَيْمَانَ الحَافِظَ، وَالثَّقَفِيَّ الرَّئِيْسَ، وَطَائِفَةً بِأَصْبَهَانَ، وَعَبْدَ الكَرِيْمِ بنَ أَحْمَدَ الوَزَّانَ، وَجَمَاعَةً بِالرَّيِّ، وَالشَّافِعِيَّ بنَ دَاوُدَ التَّمِيْمِيَّ بِقَزْوِيْنَ، وَأَبَا الغَنَائِمِ بنَ أَبِي عُثْمَانَ، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ، وَالحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانَ بِالكُوْفَةِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصِرٍ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ سِبْطُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ القُوْمَسَانِيِّ (2) .
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ، فَاضِلٌ، ثِقَةٌ، جَلِيْلُ القَدرِ، وَاسِعُ الرِّوَايَةِ، سَمَّعَهُ أَبُوْهُ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَوَّلُ سَمَاعِه فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، وَتُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) .
وَذَكَرَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَنَّ قَبْرَهُ يُقصَدُ بِالزِّيَارَةِ.
وَقَالَ شِيْرَوَيْه: يَرْجِعُ إِلَى نَصِيْبٍ مِنْ كُلِّ العُلُوْمِ، وَكَانَ يُدَارِي، وَيَقُومُ بِحُقُوقِ النَّاسِ، مَقْبُوْلاً بَيْنَ الخَاصِّ وَالعَامِّ.
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر 6 / 1.
(2) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (220) .
(3) الخبر في " الأنساب " 8 / 401 بنحوه.(20/96)
57 - ابْنُ مَازَةَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ البُخَارِيُّ *
شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، عَالِمُ المَشْرِقِ، أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَازَةَ البُخَارِيُّ.
تَفقَّه بِأَبِيْهِ العَلاَّمَةِ أَبِي المَفَاخِرِ، حَتَّى بَرعَ، وَصَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَعَظُمَ شَأْنُه عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَبَقِيَ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِه، إِلَى أَنْ رَزَقَه اللهُ -تَعَالَى- الشَّهَادَةَ عَلَى يَدِ الكَفَرَةِ، بَعْد وَقْعَةِ قَطَوَانَ وَانْهِزَامِ المُسْلِمِيْنَ (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: فَسَمِعْتُ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ، كَانَ يُودِّعُ أَصْحَابَه وَأَوْلاَدَه وَدَاعَ مَنْ لاَ يَرْجِعُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ بنِ خِدَامٍ (2) ، لَقِيْتُهُ بِمَرْوَ، وَحَضَرتُ مُنَاظَرَتَه، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: أَبِي سَعْدٍ بنِ الطُّيُوْرِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ بنِ يُوْسُفَ، وَكَانَ يُعرَفُ بِالحُسَامِ، تَفقَّه عَلَيْهِ خَلقٌ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ الوَزِيْرِ الدِّمَشْقِيُّ، قُتِلَ صَبْراً بِسَمَرْقَنْدَ، فِي صَفَرٍ، سَنَة سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً (3) .
__________
(*) الكامل في التاريخ 11 / 86، دول الإسلام 2 / 55، الجواهر المضية 2 / 649، 650، النجوم الزاهرة 5 / 268، 269، تاج التراجم 46، 47، طبقات الفقهاء لطاش كبري: 93، مفتاح السعادة 2 / 277، كتائب أعلام الاخبار رقم (342) ، الطبقات السنية رقم (1629) ، كشف الظنون: 11، 46، 113، 563، 569، 1222، 1224، 1228، 1403، 1404، 1431، 1435، 1471، 1998، الفوائد البهية: 149، هدية العارفين 1 / 783، إيضاح المكنون 2 / 124، تذكرة النوادر: 57، تاريخ بروكلمان 6 / 294 - 296.
(1) انظر تفصيل هذه الوقعة في " الكامل " 11 / 81 - 86.
وقطوان: قرية من قرى سمرقند على خمسة فراسخ منها. " معجم البلدان " 4 / 375.
(2) بكسر الخاء المعجمة ودال مهملة، وضبطه ابن نقطة بالذال المعجمة.
انظر " الأنساب " 5 / 56، 57 (الخدامي) ، و" المشتبه " 146، و" تبصير المنتبه " 1 / 312، و" الاستدراك " باب الجذامي والخذامي.
(3) وله عدة مؤلفات منها: " الفتاوى الكبرى " و" الفتاوى الصغرى " و" الفتاوى الخاصية " و" عمدة الفتاوى " و" الواقعات الحسامية في مذهب الحنفية "، و" أصول الفقه " =(20/97)
58 - ابْنُ طَاوُوْسٍ أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
إِمَامُ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَمُقْرِئُهُ، أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ طَاوُوْسٍ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ (1) .
أَتقَنَ السَّبْعَ عَلَى أَبِيْهِ أَبِي البَرَكَاتِ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَنَسخَ، وَأَدَّبَ بِسُوْقِ الأَحَدِ (2) ، ثُمَّ وَلِي إِمَامَةَ الجَامِعِ.
سَمِعَ: أَبَا العَبَّاسِ بنَ قُبَيْسٍ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَمَالِكاً البَانِيَاسِيَّ، وَابْنَ الأَخْضَرِ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ شَكْرُوَيْه (3) ، وَسُلَيْمَانَ الحَافِظَ.
وَكَانَ ثِقَةً، مُتصوِّناً.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ ذَهبَ مَعَ الرَّسُولِ إِلَى أَصْبَهَانَ، مِنْ تُتُشَ (4) .
__________
= و" مسائل دعوى الحيطان والطرق وسيل الماء " وغيرها. انظر النسخ الخطية لهذه المؤلفات في " تاريخ " بروكلمان 6 / 295، 296 (النسخة العربية) .
(*) الأنساب 3 / 410، 411 (الجيروني) ، المنتظم 10 / 101، معجم البلدان 2 / 199 (جيرون) ، الكامل في التاريخ 11 / 90، اللباب 1 / 322، مرآة الزمان 8 / 110 العبر 4 / 101، معرفة القراء الكبار 1 / 394، 395، طبقات السبكي 7 / 324، غاية النهاية 2 / 349، النجوم الزاهرة 5 / 270، شذرات الذهب 4 / 114.
(1) أورده السمعاني في نسبة " الجيروني " نسبة إلى جيرون: موضع بدمشق قال ياقوت: والمعروف اليوم أن بابا من أبواب الجامع الأموي بدمشق وهو بابه الشرقي يقال له: باب جيرون.
(2) أي في مسجد بسوق الأحد يعرف بمسجد العباسي، وسوق الأحد يقع في الجهة الشرقية من جيرون.
انظر " ثمار المقاصد في ذكر المساجد " ص 83، 84.
(3) تصحف في " غاية النهاية " و" معرفة القراء " إلى " سكرويه " بالسين المهملة.
(4) وهو صاحب دمشق تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان السلجوقي، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (46) .
وقد ذهب ابن طاووس صاحب الترجمة صحبة أبيه إلى السلطان ملكشاه.(20/98)
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ - وَمَدَحَهُ - وَالسِّلَفِيُّ - وَوَثَّقَهُ - وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُه القَاسِمُ، وَالقَاضِي ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَأَبُو المَحَاسِنِ بنُ أَبِي لُقْمَةَ.
وَعِنْدِي مِنْ عَوَالِيْهِ.
59 - غَانِمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ، الثِّقَةُ، أَبُو الوَفَاءِ الأَصْبَهَانِيُّ، الجُلُوْدِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) مِنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ العَيَّارِ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الكَاغَدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ مُعَمَّرٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَرَأْتُ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) عَلَى أَبِي العَبَّاسِ الحَجَّارِ لأَوْلاَدِي بِإِجَازَتِه مِنِ ابْنِ مَعْمَرٍ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ.
تُوُفِّيَ: فِي ثَالِث ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حَطَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ اللَّفْتُوَانِيُّ (2) ، قَالَ: لأَنَّه كَانَ يَمِيْلُ إِلَى الأَشْعَرِيَّةِ، فَانْظُرْ، تَرَ.
__________
(*) التحبير 2 / 5، 6، معجم شيوخ السمعاني: الورقة 188، التقييد: الورقة 188 / 1، ملخص تاريخ الإسلام: الورقة 35 / 1.
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر 160 / 1.
(2) الذي تقدمت ترجمته برقم (45) .(20/99)
60 - غَانِمُ بنُ خَالِدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو القَاسِمِ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي طَاهِرٍ الأَصْبَهَانِيُّ، التَّاجِرُ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ بن شَمِهَ (1) (سُنَنَ مُوْسَى بنِ طَارِقٍ (2)) سِوَى الجُزْءِ الرَّابِعِ، وَتَفَرَّدَ بِعُلُوِّهُ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنَ: البَاطَرْقَانِيِّ (3) ، وَأَبِي مُسْلِمٍ بنِ مِهْرَبْزُدَ (4) ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَرْوِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِأَصْبَهَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (5) ، وَأَحْمَدُ ابْنُ الحَافِظِ أَبِي العَلاَءِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرُّوَيْدَشْتِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي طَاهِرٍ بنِ غَانِمٍ حَفِيْدُهِ، وَحَفِيْدُه الآخَرُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (6) : كَانَ سَدِيداً، ثِقَةً، مُكْثِراً، تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ (7) وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَأَبُوْهُ مِنْ مَشَايِخِ السِّلَفِيِّ.
__________
(*) التحبير 2 / 6 - 8، تذكرة الحفاظ 4 / 1283.
(1) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (82) .
(2) مرت ترجمته في الجزء التاسع برقم (112) .
(3) وهو أبو بكر أحمد بن الفضل بن محمد الباطرقاني الأصبهاني، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (98) .
(4) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (79) .
(5) انظر " مشيخة " ابن عساكر 160 / 1.
(6) في " التحبير " 2 / 6 و8.
(7) في " التحبير " سنة خمس.(20/100)
61 - أَبُو جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الرَّحَّالُ، الزَّاهِدُ، بَقِيَّةُ السَّلَفِ وَالأَثْبَاتِ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الهَمَذَانِيُّ.
وُلِدَ: بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ سِتِّيْنَ، فَسَمِعَ بِهَا قَلِيلاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنَ: الفَضْلِ بنِ المُحِبِّ، وَأَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، وَخَلْقٍ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ الشَّافِعِيِّ، وَسَعْدٍ الزَّنْجَانِيِّ.
وَبِجُرْجَانَ مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَبِمَرْوَ مِنْ: أَبِي الخَيْرِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ.
وَبِهَرَاةَ مِنْ: أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ، وَعِدَّةٍ، وَبِهَمَذَانَ.
وَحَدَّثَ بِـ (الجَامِعِ) لأَبِي عِيْسَى عَنْ: أَبِي عَامِرٍ الأَزْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَثَابِتِ بنِ سَهْلَكَ القَاضِي، عَنِ الجَرَّاحِيِّ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الأَثَرِ، وَمِنْ كُبَرَاءِ الصُّوْفِيَّةِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَافَرَ الكَثِيْرَ إِلَى البُلْدَانِ الشَّاسِعَة، وَنَسخَ بِخَطِّهِ، وَمَا أَعْرِفُ أَحَداً فِي عَصرِهِ سَمِعَ أَكْثَرَ مِنْهُ.
وَعَنْهُ، قَالَ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَكُنْت أَسْمَعُ وَلاَ أَدَعُهُم يَكتُبُوْنَ اسْمِي؛ لأَنِّي كُنْتُ لاَ أَعْرِفُ العَرَبِيَّةَ، حَتَّى دَخَلتُ البَادِيَةَ، وَكُنْتُ أَدُورُ مَعَ الظَّاعِنِيْنَ مِنَ العَرَبِ حَتَّى رَجَعتُ إِلَى بَغْدَادَ، فَقَالَ لِي الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: رَجَعتَ إِلَيْنَا عَرَبِيّاً.
فَكَانَ يُسَمِّينِي الخَثْعَمِيَّ؛ لإِقَامَتِي فِيهِم.
__________
(*) العبر 4 / 85، النجوم الزاهرة 5 / 260، شذرات الذهب 4 / 97.(20/101)
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ خَطُّه رَدِيئاً، وَمَا كَانَ لَهُ كَبِيْرُ مَعْرِفَةٍ بِالحَدِيْثِ - عَلَى مَا سَمِعْتُ - وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي طَاهِرٍ بِأَصْبَهَانَ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ بنَ أَبِي عَلِيٍّ يَقُوْلُ:
تَعسَّر عَلَيَّ شَيْخٌ بِجُرْجَانَ، فَحَلَفتُ أَنْ لاَ أَخرُجَ مِنْهَا حَتَّى أَكْتُبَ جَمِيْعَ مَا عِنْدَهُ، فَأَقَمْتُ مُدَّةً، وَكَانَ يُخْرِجُ إِلَيَّ الأَجزَاءَ وَالرِّقَاعَ، حَتَّى كَتَبتُ جَمِيْعَ مَا وَجَدْتُ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ المُعَزّمِ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ الَّذِي قَامَ فِي مَجْلِسِ وَعظِ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ العُلُوِّ، فَقَالَ: مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ: يَا أَللهُ، إِلاَّ وَقَامَ مِنْ بَاطِنِه قَصْدُ تَطلُّبِ العُلُوِّ، لاَ يَلتَفِتُ يَمنَةً وَلاَ يَسرَةً، فَهَلْ لِدَفعِ هَذِهِ الضَّرُوْرَةِ مِنْ حِيلَةٍ؟!
فَقَالَ: يَا حَبِيْبِي، مَا ثَمَّ إِلاَّ الحَيْرَةُ ... ، وَذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي المَعَالِي (1) .
تُوُفِّيَ أَبُو جَعْفَرٍ: فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
62 - الجَوْهَرِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسَنِ بنِ أَسَدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الرَّئِيْسُ، المُحْتَشِمُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسَنِ بنِ أَسَدٍ البَرُوْجِرْدِيُّ.
وَبَرُوْجِرْدُ: عِنْدَ هَمَذَانَ.
كَتَبَ الكَثِيْرَ، وَاسْتَنسَخَ، وَعَمِلَ (مُعْجَماً) لِنَفْسِهِ فِي مُجَلَّدٍ.
سَمِعَ: السَّلاَّرَ مَكِّيَّ بنَ عَلاَّنَ، وَأَبَا مُطِيْعٍ الصَّحَّافَ، وَأَبَا الفَتْحِ أَحْمَدَ بنَ السُّوْذَرْجَانِيِّ، وَعَلِيَّ بنَ الأَخْرَمِ المَدِيْنِيَّ، وَنَصْرَ اللهِ الخُشْنَامِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِيَّ بِبَلْخَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ العَلاَّفِ، وَنَحْوَهُم.
__________
(1) في الجزء الثامن عشر برقم (240) .
(*) المنتظم 10 / 70.(20/102)
وَكَانَ وَاسِعَ الرِّحلَةِ، كَثِيْرَ المَالِ.
رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ بَوْش.
قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: مَا كَانَ يَعرِفُ الحَدِيْثَ، كَانَ تَاجِراً.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوُلِدَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
63 - شَرَفُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الوَاعِظُ، شَيْخُ الحَنَابِلَةِ بِدِمَشْقَ، شَرَفُ الإِسْلاَمِ، أَبُو القَاسِمِ (1) عَبْدُ الوَهَّابِ ابنُ أَجَلِّ الحَنَابِلَةِ الشَّيْخِ أَبِي الفَرَجِ عَبْدِ الوَاحِدِ (2) بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، الشِّيْرَازِيُّ الأَصْل، الدِّمَشْقِيُّ.
تَفقَّهَ عَلَى أَبِيْهِ.
وَحَدَّثَ بِالإِجَازَةِ عَنْ: أَبِي طَالِبٍ بنِ يُوْسُفَ.
وَصَارَ لَهُ القَبُولُ الزَّائِدُ فِي الوَعظِ، وَزَادتْ حِشمَتُهُ، وَرِئَاسَتُهُ، وَبَعَثَهُ المَلِكُ بُوْرِي (3) رَسُوْلاً إِلَى المُسْتَرْشِدُ بِاللهِ يَسْتَصْرِخُ بِهِ عَلَى غَزوِ الفِرَنْجِ، وَأَنَّهُم أَخَذُوا كَثِيْراً مِنَ الشَّامِ.
__________
(*) تاريخ ابن القلانسي: 429، 430، العبر 4 / 100، دول الإسلام 2 / 55، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 198 - 201، ذيل تذكرة الحفاظ لابن فهد المكي: ص 72، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 362، 363، مختصر تنبيه الطالب: ص 124، شذرات الذهب 4 / 113، 114، إيضاح المكنون 2 / 529، هدية العارفين 1 / 638.
(1) قال ابن رجب: كذا كناه ابن القلانسي في " تاريخه " وكناه المنذري وغيره أبا البركات.
(2) في " ذيل تذكرة الحفاظ " لابن فهد: عبد الرحمن بدل عبد الواحد.
(3) وهو تاج الملوك بوري بن طغتكين، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (328) .(20/103)
وَقَفَ المَدْرَسَةَ الكُبْرَى (1) شِمَالِيَّ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَانَ ذَا لَسَنٍ وَفَصَاحَةٍ وَصُوْرَةٍ كَبِيْرَةٍ.
أَثْنَى عَلَيْهِ السِّلَفِيُّ، وَوَثَّقَهُ، سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ القَلاَنسِيِّ (2) : تُوُفِّيَ بِمَرَضٍ حَادٍّ، وَكَانَ عَلَى الطَّرِيقَةِ المَرْضِيَّةِ، وَالخِلاَلِ الرَّضِيَّةِ، وَوُفُورِ العِلْمِ، وَحُسنِ الوَعْظِ، وَقُوَّةِ الدِّينِ، وَكَانَ يَوْمُ دَفنِهِ يَوْماً مَشْهُوْداً مِنْ كَثْرَة المُشَيِّعِينَ لَهُ وَالبَاكِينَ عَلَيْهِ، مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: كَانَ يُنَاظِرُ عَلَى قَوَاعدِ عَقَائِدِ الحَنَابِلَةِ، جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الفَقِيْهِ الفَنْدَلاَوِيِّ (3) بُحُوثٌ وَسَبٌّ، وَكَانَ الفَنْدَلاَوِيُّ أَشْعَرِيّاً - رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ - (4) .
64 - المَازَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، البَحْرُ، المُتَفَنِّنُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
__________
(1) وتسمى المدرسة الشريفية أو الحنبلية، وهي عند القباقبية العتيقة.
انظر " مختصر تنبيه الطالب " ص 124.
(2) في " تاريخه " ص 430، بتحقيق د. سهيل زكار.
(3) سترد ترجمته برقم (133) وهو أبو الحجاج يوسف بن دوناس المالكي.
(4) قال ابن رجب: ولشرف الإسلام تصانيف في الفقه والاصول، منها " المنتخب في الفقه " في مجلدين، و" البرهان في أصول الدين " " رسالة في الرد على الأشعرية "..الخ انظر " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 199، و" هدية العارفين " 1 / 638.
(*) وفيات الأعيان 4 / 285، دول الإسلام 2 / 55، العبر 4 / 100، 101، الوافي بالوفيات 4 / 151، مرآة الجنان 3 / 267، 268، الديباج المذهب 2 / 250 - 252، وفيات ابن قنفذ 277، 278، ذيل تذكرة الحفاظ لابن فهد المكي 72 - 73، النجوم الزاهرة 5 / 269، أزهار الرياض 3 / 165، كشف الظنون 557، شذرات الذهب 4 / 114، إيضاح المكنون 1 / 156، هدية العارفين 2 / 88، شجرة النور 1 / 127، 128، وللاستاذ حسن حسني عبد =(20/104)
عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، المَازَرِيُّ، المَالِكِيُّ.
مُصَنِّفُ كِتَابِ (المُعْلِم بِفَوَائِدِ شَرْحِ مُسْلِم (1)) ، وَمُصَنِّفُ كِتَابِ (إِيضَاحِ المَحْصُوْلِ فِي الأُصُوْلِ) ، وَلَهُ تَوَالِيفُ فِي الأَدبِ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذكِيَاءِ المَوْصُوْفِيْنَ، وَالأَئِمَّةِ المُتبحِّرِيْنَ، وَلَهُ شَرْحُ كِتَابِ (التَّلْقِيْنِ) لِعَبْدِ الوَهَّابِ (2) المَالِكِيِّ فِي عَشْرَةِ أَسفَارٍ، هُوَ مِنْ أَنْفَسِ الكُتُبِ.
وَكَانَ بَصِيْراً بِعِلْمِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي عِيَاضٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ يَحْيَى القُرْطُبِيُّ الوَزْغِيُّ.
مَوْلِدُهُ: بِمَدِينَةِ المَهْدِيَّةِ مِنْ إِفْرِيْقِيَةَ، وَبِهَا مَاتَ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَمَازَرُ: بُلَيدَةٌ مِنْ جَزِيْرَةِ صَقَلِّيَّةَ بِفَتحِ الزَّايِ، وَقَدْ تُكسَرُ.
قَيَّدَه ابْنُ خَلِّكَانَ (3) .
قِيْلَ: إِنَّهُ مَرِضَ مَرضَةً، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَالِجُه إِلاَّ يَهُوْدِيٌّ، فَلَمَّا عُوفِيَ عَلَى يَدِه، قَالَ: لَوْلاَ الْتِزَامِي بِحِفظِ صنَاعَتِي، لأَعدمتُكَ المُسْلِمِيْنَ.
فَأَثَّرَ هَذَا
__________
= الوهاب كتاب عنه طبع في تونس سنة 1955 م.
وانظر كتاب " المازري الفقيه والمتكلم " وكتابه " المعلم " للسيد محمد الشاذلي النيفر.
(1) وعليه بنى القاضي عياض كتابه " إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم " وقد ضمن الابي هذين الشرحين في كتابه " إكمال إكمال المعلم " بالاضافة إلى شرحي النووي والقرطبي مع زيادات مفيدة من كلام ابن عرفة شيخه وغيره.
وطبع شرح الابي وبذيله شرح السنوسي المسمى " مكمل
إكمال الإكمال " في سبعة أجزاء في مطبعة السعادة بمصر سنة 1327 هـ.
(2) ابن علي بن نصر التغلبي البغدادي المتوفى سنة 422 هـ، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (287) .
قال ابن فرحون: ولم يبلغنا أنه أكمله. انظر " الديباج المذهب " 2 / 251.
(3) في " وفيات الأعيان " 4 / 285.(20/105)
عِنْد المَازَرِيِّ، فَأَقْبَل عَلَى تَعلُّمِ الطِّبِّ، حَتَّى فَاق فِيْهِ، وَكَانَ مِمَّنْ يُفْتِي فِيْهِ، كَمَا يُفْتِي فِي الفِقْهِ.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاضٌ فِي (المَدَارِكِ (1)) : المَازَرِيُّ يُعرَفُ بِالإِمَامِ، نَزِيْلُ المَهْدِيَّةِ، قِيْلَ: إِنَّهُ رَأَى رُؤْيَا، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَحقٌّ مَا يَدعُوْنَنِي بِهِ؟ إِنَّهُم يَدعُوْنَنِي بِالإِمَامِ.
فَقَالَ: وَسِّعْ صَدْرَكَ لِلْفُتْيَا (2) .
ثُمَّ قَالَ: هُوَ آخِرُ المُتَكَلِّمِينَ مِنْ شُيُوْخِ إِفْرِيْقِيَةَ بِتَحْقِيْقِ الفِقْهِ، وَرُتبَةِ الاجْتِهَادِ، وَدِقَّةِ النَّظَرِ، أَخَذَ عَنِ: اللَّخْمِيِّ (3) ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الحَمِيْدِ (4) السُّوْسِيِّ، وَغَيْرِهِمَا بِإِفْرِيْقِيَةَ، وَدرَّسَ أُصُوْلَ الفِقْهِ وَالدِّينِ، وَتَقدَّمَ فِي ذَلِكَ، فَجَاءَ سَابقاً، لَمْ يَكُنْ فِي عَصرِه لِلمَالِكيَّةِ فِي أَقطَارِ الأَرْضِ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَلاَ أَقوَمُ بِمَذْهَبِهِم، سَمِعَ الحَدِيْثَ، وَطَالعَ مَعَانِيهِ، وَاطَّلعَ عَلَى عُلُوْمٍ كَثِيْرَةٍ مِنَ الطِّبِّ وَالحسَابِ وَالآدَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَانَ أَحَدَ رِجَالِ الكَمَالِ، وَإِلَيهِ كَانَ يُفزَعُ فِي الفُتْيَا فِي الفِقْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ، مَلِيحَ المُجَالَسَةِ، كَثِيْرَ الحِكَايَةِ وَالإِنشَادِ، وَكَانَ قَلَمُه أَبلَغُ مِنْ لِسَانِه، أَلَّفَ فِي الفِقْهِ وَالأُصُوْلِ، وَشَرَحَ كِتَابَ مُسْلِمٍ، وَكِتَابَ (التَّلْقِيْنِ) ، وَشَرَحَ (البُرْهَانَ) لأَبِي المَعَالِي الجُوَيْنِيِّ (5) .
__________
(1) لم نجد هذا النص في المطبوع منه.
(2) انظر " الديباج المذهب " 2 / 250.
(3) وهو أبو الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي، متوفى سنة 478 هـ، مترجم في " ترتيب المدارك " 4 / 797 و" شجرة النور " 1 / 117.
(4) في الأصل: عبد الحق، وهو خطأ، وهو أبو محمد عبد الحميد بن محمد القيرواني المعروف بابن الصائغ، متوفى سنة 486 هـ، مترجم في " ترتيب المدارك " 4 / 794 - 796، و" الديباج المذهب " 2 / 25 و" شجرة النور " 1 / 117.
(5) انظر " الديباج المذهب " 2 / 251، وانظر بقية تصانيفه في " شجرة النور " 1 / 127.(20/106)
وَثَمَّ مَازَرِيٌّ آخَرُ مُتَأَخِّرٌ (1) ، سَكَنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَشَرَحَ (الإِرْشَادَ (2)) المُسَمَّى بِـ (المِهَادِ) .
وَلِصَاحِبِ التَّرْجَمَةِ تَأْلِيْفٌ فِي الرَّدِّ عَلَى (الإِحْيَاءِ) ، وَتَبيِينِ مَا فِيْهِ مِنَ الوَاهِي وَالتَّفَلْسُفِ، أَنْصَفَ فِيْهِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
65 - الفَتْحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَاقَانَ القَيْسِيُّ *
الأَدِيْبُ الكَبِيْرُ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (قَلاَئِدِ العِقْيَانِ (3)) ، أَبُو نَصْرٍ الفَتْحُ (4) بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ (5) بنِ خَاقَانَ القَيْسِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
جَمَعَ فِي كِتَابِهِ عِدَّةً مِنْ شُعَرَاءِ المَغْرِبِ، وَتَرْجَمَهُم.
وَلَهُ كِتَابُ (مُلَحِ أَهْلِ الأَنْدَلُسِ) .
__________
(1) انظر " الديباج المذهب " 2 / 252 و" معجم المؤلفين " 12 / 22.
(2) وهو " الارشاد في أصول الدين " لأبي المعالي الجويني.
(*) الخريدة قسم شعراء المغرب والاندلس 3 / 538 - 548، معجم الأدباء 16 / 186 - 192، معجم ابن الابار 313، المغرب 1 / 259، 260، وفيات الأعيان 4 / 23، 24، المختصر في أخبار البشر 3 / 15، تتمة المختصر 2 / 69، مسالك الابصار للعمري 11 / 394، الاحاطة 4 / 248 - 253، نفح الطيب 7 / 29 و33 و36، كشف الظنون: 1354، شذرات الذهب 4 / 107، إيضاح المكنون 1 / 168، هدية العارفين 1 / 814، معجم المطبوعات العربية 1434، تاريخ بروكلمان 6 / 106 - 108 (النسخة العربية) ، دائرة المعارف الإسلامية 2 / 86.
(3) في محاسن الأعيان. وانظر ما فعله لما أراد تأليف هذا الكتاب في " معجم الأدباء " 16 / 187، 188، وفيه أنه من أرضته صلته أحسن في كتابه وصفه ونعته، وكل من تغافل عن بره هجاه وثلبه. وهذا الكتاب مطبوع عدة طبعات.
ومنه مختصر لابن فضل الله العمري المتوفى سنة 749 هـ.
والعقيان بكسر العين: الذهب الخالص.
(4) ورد اسمه في " الاحاطة " هكذا: الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله. كذا في الأصل، وفي جميع مصادر ترجمته: عبيد الله.
(6) واسمه " مطمح الانفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس " وقد قسمه ثلاث أقسام: الأول يشتمل على سرد غرر الوزراء وتناسق درر الكتاب والبلغاء، والثاني يشتمل على محاسن أعلام العلماء وأعيان القضاة والفقهاء، والثالث يشتمل على سرد محاسن الأدباء. وهو =(20/107)
وَكَانَ كَثِيْرَ التِّرحَالِ، مِنْ أَذكيَاءِ الرِّجَالِ، وَكَانَ لَعَّاباً، خَلِيعَ العِذَارِ.
أَمَرَ بِقَتْلِهِ المَلِكُ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْنَ، فَذُبِحَ بِالخَانِ، بِمَرَّاكُشَ، سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: بَلْ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ (1) - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
66 - بَهْجَةُ المُلْكِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ *
الرَّئِيْسُ الكَبِيْرُ، أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ عِيَاضِ بنِ أَبِي عَقِيْلٍ الصُّوْرِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ.
أَجدَادُه مِنْ قُضَاةِ صُوْرَ.
وَكَانَ شَيْخاً، مَهِيْباً، دَيِّناً.
سَمِعَ بِمِصْرَ مِنَ: القَاضِي الخِلَعِيِّ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بَيَانٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَابْنُه القَاسِمُ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ (مُعْجَمَ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ) ، مَوْلِدُهُ بِصُوْرَ، سَنَة نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَصلُه مِنْ حَرَّانَ، وَلَهُ سَمَاعٌ مِنَ الفَقِيْهِ نَصْرٍ، وَكَانَ
__________
= مطبوع في مطبعة السعادة بمصر سنة 1325 هـ.
ونشر كل قسم محققا على حدة في مجلة " المورد " العراقية، ثم نشرته مؤسسة الرسالة سنة 1403 بتحقيق محمد علي شوابكة وانظر النسخ الخطية لبقية مصنفاته في " تاريخ " بروكلمان 6 / 108.
(1) وذكر ابن الابار أنه توفي سنة 528 هـ، قال: وقيل: سنة تسع وعشرين.
(*) الأنساب 8 / 105 (الصوري) ، النجوم الزاهرة 5 / 273.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر 144 / 2.(20/108)
مِنْ أَعْيَانِ البَلَدِ، ذَا حَظٍّ مِنْ صَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَوَقَارٍ، حَكَى لِي عَتِيْقُهُ نُوشتِكينُ أَنَّهُ سَمِعَهُ فِي مَرَضِهِ يَقُوْلُ: تَلَوتُ أَرْبَعَةَ آلاَفِ خَتْمَةٍ.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
67 - وَجِيْهُ بنُ طَاهِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الشَّحَّامِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، العَدْلُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو بَكْرٍ، أَخُو زَاهِرٍ (1) ، الشَّحَّامِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، مِنْ بَيْتِ العَدَالَةِ وَالرِّوَايَةِ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ القُشَيْرِيَّ، وَأَبَا حَامِدٍ الأَزْهَرِيَّ، وَأَبَا المُظَفَّرِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الشُّجَاعِيَّ، وَأَبَا نَصْرٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ التَّاجِرَ، وَيَعْقُوْبَ بنَ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيَّ، وَأَبَا صَالِحٍ المُؤَذِّنَ، وَعَلِيَّ بنَ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيَّ، وَشبِيْبَ بنَ أَحْمَدَ البَسْتِيْغِيَّ، وَأَبَا سَهْلٍ الحَفْصِيَّ، وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ وَلَدَي أَبِي عُمَرَ البِسْطَامِيِّ، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى المُزَكِّي، وَأَبَا الحَسَنِ الوَاحِدِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ الصَّرَّامَ، وَعِدَّةً بِنَيْسَابُوْرَ، وَبِيْبَى الهَرْثَمِيَّةَ، وَأَبَا عَطَاءٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيَّ، وَنَجِيْبَ بنَ مَيْمُوْنٍ، وَأَبَا إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيَّ، وَطَائِفَةً بِهَرَاةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مَسْعَدَةَ الإِسْمَاعِيْلِيَّ بِجُرْجَانَ، وَأَبَا نَصْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيَّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ بِبَغْدَادَ، وَأَبَا نَصْرٍ مُحَمَّدَ بنَ وَدْعَانَ بِالمَدِيْنَةِ.
__________
(*) المنتظم 10 / 124، تكملة الإكمال: الورقة 249 / 2، دول الإسلام 2 / 58، العبر 4 / 113، البداية والنهاية 12 / 222، النجوم الزاهرة 5 / 280، شذرات الذهب 4 / 130.
(1) الذي تقدمت ترجمته برقم (5) .(20/109)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّبَسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ فَضْلِ اللهِ السَّالاَرِيُّ، وَمَنْصُوْرٌ الفُرَاوِيُّ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيِّ بنِ حَمُّوَيْه، وَمَجْدُ الدِّيْنِ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ القَاسِمِ الشَّهْرُزُوْرِيُّ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ، وَزَيْنَبُ الشَّعْرِيَّةُ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُثْمَانَ القَارِئُ، وَخَلْقٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبْتُ عَنْهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ يُمْلِي فِي الجَامِعِ الجدِيدِ بِنَيْسَابُوْرَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَكَانَ أَخِيْهِ، وَكَانَ كَخيرِ الرِّجَالِ، مُتَوَاضِعاً مُتودِّداً، أَلُوْفاً، دَائِمَ الذِّكرِ، كَثِيْرَ التِّلاَوَةِ، وَصُولاً لِلرَّحِمِ، تَفَرَّد فِي عَصرِه بِأَشيَاءَ، وَمِنْ مَسموعِه كِتَابُ (الزُّهْرِيَّاتِ) مِنِ ابْنِ أَبِي حَامِدٍ الأَزْهَرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمْدُوْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ ابْنُ الشَّرْقِيِّ، حَدَّثَنَا الذُّهْلِيُّ المُصَنّفُ، وَ (رِسَالَةُ القُشَيْرِيِّ) سَمِعَهَا مِنَ المُؤلِّفِ.
مَرضَ أُسْبُوْعاً، وَتُوُفِّيَ فِي ثَامِنَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا وَجِيْهُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّافُ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَالِكِ بنِ بُحَيْنَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى (1) ، فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ، وَالبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ (2) .
__________
(1) في المخطوط صلى، وفي الهامش سجد، وهي إحدى الروايات في مسلم.
(2) أخرجه البخاري (390) و (391) و (807) و (3564) ومسلم (495) والنسائي 2 / 212، وأحمد 5 / 345.(20/110)
وَبِهِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِذَا سَجَدَ العَبْدُ، سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ، وَكَفَّاهُ، وَرُكْبَتَاهُ، وَقَدَمَاهُ) .
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ (1) ، فَوَافَقْنَاهُم بِعُلُوٍّ.
68 - ابْنُ العَرِيْفِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ عَطَاءِ اللهِ الصِّنْهَاجِيُّ *
الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، العَارِفُ، أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ العَرِيْفِ الصِّنْهَاجِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، المَرِيِّيُّ، المُقْرِئُ، صَاحِبُ المَقَامَاتِ وَالإِشَارَاتِ.
صَحبَ: أَبَا عَلِيٍّ بنَ سُكَّرَةَ الصَّدَفِيَّ، وَأَبَا الحَسَنِ البَرْجِيَّ (2) ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ اللَّمَغَانِيَّ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ شَفِيْعٍ المُقْرِئَ، وَخَلَفَ بنَ مُحَمَّدٍ العُرَيْبِيَّ (3) ،
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 306 و308، ومسلم (231) والترمذي (272) والنسائي 2 / 208.
(*) الصلة 1 / 81، بغية الملتمس: 166، معجم ابن الابار: 15 - 19، المطرب: 90، المغرب 2 / 211، وفيات الأعيان 1 / 168 - 170، العبر 4 / 98، 99، الوافي بالوفيات 8 / 133 - 135، أعمال الاعلام 248، النجوم الزاهرة 5 / 270، نيل الابتهاج: 58، نفح الطيب 3 / 229، 230، شذرات الذهب 4 / 112.
(2) بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة بعدها جيم، نسبة إلى برجة، وهي بلد من أعمال المرية، وأبو الحسن هذا هو علي بن محمد بن عبد الله الجذامي، متوفى بعد سنة 506، مترجم في " معجم البلدان " 1 / 374 و" الاستدراك " لابن نقطة باب البرجي والبرجي، وقد تحرفت نسبته في " معجم " ابن الابار ص 16 إلى " البرجني ".
(3) كذا ضبط في الأصل مصغرا، وسيذكره المؤلف نقلا عن ابن شكوال: " العربي "، وقد ترجمه في " الصلة " 1 / 175، وقال: يعرف بابن العربي.(20/111)
وَعَبْدَ القَادِرِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّدَفِيَّ، وَأَبَا خَالِدٍ المُعْتَصِمَ (1) ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ الفَصِيْحِ.
واختصَّ بصُحبَة أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدِ بنِ بُرْيَالَ (2) ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ الفَرَّاءِ، وَبأَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بنِ مَرْوَانَ بنِ اليُمْنَالِشِ الزَّاهِدِ.
قَالَهُ: ابْنُ مَسْدِي.
وَقَالَ ابْنُ بَشْكُوَال (3) : رَوَى عَنْ: أَبِي خَالِدٍ يَزِيْدَ مَوْلَى المُعْتَصِمِ، وَأَبِي بَكْرٍ عُمَرَ بنِ رِزْقٍ، وَعَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدٍ القَرَوِيِّ، وَخَلَفِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ العَرَبِيِّ (4) ، وَسَمِعَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوْخنَا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ مُشَاركَةٌ فِي أَشيَاءَ مِنَ العِلْمِ، وَعنَايَةٌ بِالقِرَاءاتِ وَجَمْعِ الرِّوَايَاتِ، وَاهتمَامٌ بِطُرُقِهَا وَحَمَلتِهَا، وَقَدِ اسْتَجَازَ مِنِّي تَأْلِيْفِي هَذَا، وَكتبَه عَنِّي، وَاسْتجزتُه أَنَا أَيْضاً فِيمَا عِنْدَهُ، وَلَمْ أَلقَه، وَكَاتَبنِي مَرَّاتٍ، وَكَانَ مُتنَاهياً فِي الفَضْلِ وَالدِّينِ، مُنْقَطِعاً إِلَى الخَيْرِ، وَكَانَ العُبَّادُ وَالزُّهَّادُ يَقصدُوْنَهُ، وَيَأْلفُوْنَهُ، وَيَحْمَدُوْنَ صُحْبتَه، وَسُعِي بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، فَأَمرَ بِإِشخَاصِه إِلَى حضَرتِه بِمَرَّاكُشَ، فَوصَلَهَا، وَتُوُفِّيَ بِهَا.
قُلْتُ فِي (تَارِيْخِي) : إِنَّ مَوْلِدَ ابْن العَرِيْفِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلاَ يَصِحُّ.
وَكَانَ النَّاسُ قَدِ ازدحَمُوا عَلَيْهِ، يَسْمَعُوْنَ كَلاَمَه وَموَاعِظَه، فَخَافَ ابْنُ
__________
(1) سيورد المؤلف اسمه نقلا عن ابن بشكوال: أبا خالد يزيد مولى المعتصم.
(2) بموحدة مضمومة وياء، كما في " تبصير المنتبه " 1 / 219.
(3) في " الصلة " 1 / 81.
(4) لفظ " بن " زيادة من " الصلة ".(20/112)
تَاشفِيْنَ (1) سُلْطَانُ الوَقْتِ مِنْ ظُهُوْرِه، وَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أُنْمُوْذَجِ ابْنِ تُوْمَرْتَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ قَتلَه سِرّاً، فَسقَاهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقَدْ قرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْ بَقَايَا أَصْحَاب أَبِي عَمْرٍو الدَّانِي، وَلَبِسَ الخِرْقَةَ (2) مِنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْد البَاقِي المَذْكُوْر آخرِ أَصْحَاب أَبِي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيِّ وَفَاةً.
قَالَ ابْنُ مَسْدِي: ابْنُ العَرِيْف مِمَّنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ الكَمَالُ رِوَاقَ التعرِيف، فَأَشرقت بِأَضرَابِه البِلاَد، وَشَرِقت بِهِ جَمَاعَةُ الحُسَّاد، حَتَّى لَسَعَوْا بِهِ إِلَى سُلْطَان عصره، وَخوَّفُوهُ مِنْ عَاقبَة أَمرِه، لاشتمَال القُلوبِ عَلَيْهِ، وَانضِوَاءِ الغُربَاء إِلَيْهِ، فَغُرِّب إِلَى مَرَّاكُش، فَيُقَالُ: إِنَّهُ سُمَّ، وَتُوُفِّيَ شهيداً، وَكَانَ لَمَّا احتُمل إِلَى مَرَّاكُش، اسْتوحش، فَغرَّقَ فِي البَحْرِ جَمِيْعَ مُؤلَّفَاته، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ مَا كُتِبَ مِنْهَا عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ الرِّزْقِ الحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ ذِي النُّوْنِ، وَأَبُو العَبَّاسِ الأَنْدَرَشِيُّ (3) ، وَلَبِسَ مِنْهُ الخِرْقَة، وَصَحِبَ جَدِّي الزَّاهِدَ مُوْسَى بنَ مَسْدِي، وَلَعَلَّهُ آخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ.
ثُمَّ قَالَ: مولدُ ابْنُ العَرِيْفِ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) يقصد علي بن يوسف بن تاشفين، سترد ترجمته برقم (75) .
(2) قال القاشاني وهو من صوفية القرن الثامن الهجري في كتابه " اصطلاحات الصوفية " ص 159، 160: خرقة التصوف: هي ما يلبسه المريد من يد شيخه الذي يدخل في إرادته، ويتوب على يده، لامور، منها التزيي بزي المراد ليتلبس باطنه بصفاته، كما تلبس ظاهره بلباسه، وهو لباس التقوى ظاهرا وباطنا..ومنها وصول بركة الشيخ الذي لبسه من يده المباركة إليه..الخ.
وانظر " المقاصد الحسنة " ص 331 للسخاوي.
(3) نسبة إلى حصن أندرش من المرية، وكان قد سكنه، كما ذكر ابن حجر في ترجمته في " لسان الميزان " 1 / 259، 260.(20/113)
قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ أَشْبَهُ بِالصّحَّة مِمَّا تَقدَّم، فَإِنَّ شُيُوْخَه عَامَّتُهُم كَانُوا بَعْد الخَمْس مائَة، فَلَقِيَهُم وَعُمره عِشْرُوْنَ سَنَةً.
ثُمَّ قَالَ: وَأَقدمُ شُيُوْخه سِنّاً وَإِسْنَاداً عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدٍ الحِجَارِيُّ (1) الزَّاهِد، وَكَانَ عَبْدُ البَاقِي قَدْ حمله أَبُوْهُ وَهُوَ ابْنُ عشرِ سِنِيْنَ إِلَى أَبِي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيِّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ القُرْآن، وَقَدْ ذكرنَاهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَأَنَّهُ عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ العَرِيْفِ بِمَرَّاكُش، لَيْلَة الجُمُعَةِ، الثَّالِثَ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَمَّا ابْنُ بَشْكُوَال، فَقَالَ (2) : فِي صَفَرٍ، بَدَلَ رَمَضَانَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: وَاحتفل النَّاسُ بِجِنَازَتِه، وَنَدِمَ السُّلْطَانُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فِي جَانِبِه، فَظهرت لَهُ كَرَامَاتٌ -رَحِمَهُ اللهُ- (3) .
69 - الحُلْوَانِيُّ أَبُو المَعَالِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو المَعَالِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) نسبة إلى وادي الحجارة: بلد بالاندلس. انظر " الأنساب " 4 / 61، و" معجم البلدان " 5 / 343 وفيهما ترجمته.
(2) في " الصلة " 1 / 81.
(3) وانظر بعض شعره في " معجم " ابن الابار 18، 19، و" وفيات الأعيان " 1 / 169، و" بغية الملتمس " 166.
(*) الأنساب 4 / 194، 195، المنتظم 10 / 113، الكامل 11 / 103، اللباب 1 / 381، القاموس المحيط: (حلو) ، تبصير المنتبه 2 / 511، شذرات الذهب 4 / 122، تاج العروس 10 / 96، والحلواني: ضبطت في الأصل بضم الحاء وبنون قبل الياء، وأما في " الأنساب " فهي الحلوائي، بفتح الحاء وبهمزة آخره، نسبة إلى بيع الحلوى وعملها، وكذا ضبطها ابن الأثير وابن حجر لكن بنون آخره.
وذكر صاحب " القاموس " وابن حجر أنه يقال بالهمز وبالنون.(20/114)
حَمْدُوَيْه الحُلْوَانِيُّ، المَرْوَزِيُّ، البَزَّازُ.
فَقِيهٌ، عَالِمٌ، عَامِلٌ، مُؤثرٌ، كَبِيْرُ القَدْرِ، كَثِيْرُ المَال.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَارْتَحَلَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الشِّيْرَازِيِّ وَنَحْوِهِ بِنَيْسَابُوْرَ، وَمِنْ ثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ وَطَبَقَتِه بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي نُعَيْمٍ بِأَصْبَهَانَ.
وَسَكَنَ غَزْنَةَ مُدَّةً، وَاشْتَرَى كُتُباً كَثِيْرَةً وَقَفهَا، وَأَنشَأَ رِباطاً لِلمُحَدِّثين بِمَرْوَ.
أَخَذَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَطَائِفَةٌ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
70 - ابْنُ المُهْتَدِي بِاللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ *
الخَطِيْبُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ ابْنِ الخَلِيْفَةِ المُهْتَدِي بِاللهِ (1) مُحَمَّدِ ابْنِ الوَاثِقِ هَارُوْنَ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، الرَّشِيْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُه: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ ابْنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، لَكِن احْتَرَقَ سَمَاعُهُ مِنْهُمَا، وَيَجْتَمِع هُوَ وَأَبُو الحُسَيْنِ (2) جَدُّهُمَا فِي عَبْدِ الصَّمَدِ.
__________
(*) معرفة القراء الكبار 1 / 395، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 15، 16، غاية النهاية 2 / 176، النجوم الزاهرة 5 / 273.
(1) مرت ترجمة المهتدي بالله في الجزء الثاني عشر برقم (209) .
(2) مرت ترجمة أبي الحسين ابن المهتدي بالله في الجزء الثامن عشر برقم (117) .(20/115)
وَأَمَّا عَمُّ صَاحِبِ التَّرْجَمَة، فَهُوَ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ (1) بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ، شَيْخٌ جَلِيْلٌ، يَرْوِي عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ رَزْقُوَيْه.
نَعَم، وَرَوَى صَاحِبُ التَّرْجَمَة عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ (2) ، وَجَمَاعَةٍ.
وَتَلاَ بِرِوَايَاتٍ عَلَى تِلْمِيْذ الحَمَّامِيِّ أَبِي الخَطَّابِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الصُّوْفِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِخَمْس رِوَايَاتٍ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ.
وَكَانَ خَطِيْباً بِجَامِع القَصْرِ، ثِقَةً، صَالِحاً، سَرَدَ الصَّوْمَ أَزيدَ مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
71 - البِطْرَوْجِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَارِي الأَنْدَلُسِيُّ، البِطْرَوْجِيُّ - وَيُقَالُ: البِطْرَوْشِيُّ - القُرْطُبِيُّ.
__________
(1) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (115) .
(2) تصحف في " معرفة القراء " 1 / 395 و" غاية النهاية " 2 / 176 إلى ابن البشرى.
(*) الصلة 1 / 82، معجم البلدان 1 / 447 (بطروش) ، تذكرة الحفاظ 4 / 1293، 1294، العبر 4 / 114، الوافي بالوفيات 7 / 38، 39، مرآة الجنان 3 / 275، شذرات الذهب 4 / 130.
والبطروجي أو البطروشي، بالكسر ثم السكون وفتح الراء وسكون الواو وشين معجمة نسبة إلى بطروش: بلدة بالاندلس، وهي مدينة فحص البلوط فيما حكاه عنهم السلفي. انظر ياقوت.(20/116)
رَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ الفَرَجِ الطَّلاَّعِيِّ فَأَكْثَر، وَأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ العَبْسِيِّ (1) ، وَخَازِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَخَلَفِ بنِ مُدِيْرٍ، وَخَلَفِ بنِ النَّخَّاسِ الخَطِيْبِ.
وَتَلاَ عَلَى: عِيْسَى بنِ خَيْرَةَ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَبِي الفَتْحِ، وَأَبِي الوَلِيْدِ بنِ رُشْدٍ، وَعرض (المُسْتخرجَة (2)) عَلَى أَصْبَغَ بنِ مُحَمَّدٍ (3) .
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو المُطَرِّفِ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ بنُ نَجَاحٍ، وَطَائِفَةٌ.
وَكَانَ عَلاَّمَةً فِي مَذْهَب مَالِك، مُحَدِّثاً، حَافِظاً، نَاقداً، مُجَوِّداً، مُسْتحضراً، كَثِيْرَ التَّصَانِيْف، مُتبحِّراً فِي العِلْمِ، لَكنه قَلِيْلُ العَرَبِيَّة، رَثُّ الهَيْئَةِ، فِيْهِ خفَّةٌ -رَحِمَهُ اللهُ-.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال - وَقَالَ (4) : كَانَ مِنْ أَهْلِ الحِفْظِ لِلْفِقه وَالحَدِيْثِ وَالرِّجَالِ وَالتَّوَارِيخِ، مُقَدَّماً فِي ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ عصره - وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَخَّارِ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الفِهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الشَّقُوْرِيُّ (5) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الحَجْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
(1) تصحف في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1293 إلى " القيسي ".
(2) هي " المستخرجة من الاسمعة المسموعة غالبا من الامام مالك بن أنس مما ليس في المدونة " في الفقه المالكي، تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي، المتوفى سنة 255 هـ، وتعرف أيضا بالعتبية، أكثر فيها من الروايات المطروحة والمسائل الشاذة.
وقد مرت ترجمة العتبي في الجزء الثاني عشر برقم (132) .
وانظر ذكر " المستخرجة " في " ترتيب المدارك " 3 / 145، 146.
(3) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (197) .
(4) في " الصلة " 1 / 82.
(5) نسبة إلى شقورة: ناحية بقرطبة. " الأنساب " 7 / 366، 367.(20/117)
مَاتَ: لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنَ المُحرم، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
72 - المَصِّيْصِيُّ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ القَوِيِّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفْتِي، الأُصُوْلِيُّ، شَيْخُ دِمَشْق، أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ القَوِيِّ المَصِّيْصِيُّ، ثُمَّ اللاَّذِقِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الأَشْعَرِيُّ نَسَباً وَمَذْهَباً.
كَذَا قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ (1) .
وَقَالَ: نشَأَ بِصُوْرَ، وَسَمِعَ بِهَا مِنَ: الحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَعُمَرَ بنِ أَحْمَدَ الآمِدِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَبْهَرِيِّ، وَالفَقِيْهِ نَصْرٍ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: عَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، وَرِزْقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ شَكْرُوَيْه، وَالوَزِيْرِ نِظَامِ المُلْكِ، وَبِالأَنْبَارِ مِنْ: خَطِيبِهَا أَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْضَرِ، وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَأَخَذَ عِلمَ الكَلاَمِ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَتِيْقٍ القَيْرَوَانِيِّ ...
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ مُتَصِلِّباً فِي السُّنَّةِ، حَسَنَ الصَّلاَة، مُتَجَنِّباً أَبْوَابَ السَّلاَطِيْنِ، وَكَانَ مُدَرِّس الزَّاويَة الغربيَة -يَعْنِي: الغَزَّاليَةَ (2) - بَعْد شَيْخِهِ الفَقِيْهِ نَصْرٍ، وَقَدْ وَقَفَ وُقُوَفاً فِي البِرِّ.
وُلِدَ: بِاللاَّذِقِيَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(*) تاريخ ابن القلانسي: 460، الأنساب: (المصيصي) و (اللاذقي) ، تبيين كذب المفتري: 330، المنتظم 10 / 129، معجم البلدان 5 / 6، اللباب 3 / 221 و398، دول الإسلام 2 / 58، تذكرة الحفاظ 4 / 1294، العبر 4 / 116، طبقات السبكي 7 / 320، 321، طبقات
الاسنوي 2 / 431، 432، البداية 12 / 223، الدارس 1 / 102، شذرات الذهب 4 / 131، والمصيصة: مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرسوس. " معجم البلدان 522 / 145.
(1) في " تبيين كذب المفتري " ص 330.
(2) بالجامع الأموي شمالي مشهد عثمان.
وسميت الزاوية الغزالية لان الامام أبا حامد الغزالي درس فيها. انظر " مختصر تنبيه الطالب " 64، 65.(20/118)
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: إِمَامٌ، مُفتٍ، فَقِيْهٌ أُصُوْلِيٌّ، متكلّم، ديِّنٌ، خَيِّر، كَتَبْتُ عَنْهُ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: القَاسِمُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَمَكِّيُّ بنُ عَلِيٍّ، وَجَابِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ اللِّحْيَةِ، وَعَسْكَرُ بنُ خَلِيْفَةَ الحَمَوِيَّانِ، وَيُوْسُفُ بنُ مَكِّيٍّ، وَالخَضِرُ بنُ كَامِلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيِّدِهِم، وَزَيْنَبُ بِنْتُ إِبْرَاهِيْمَ القَيْسِيِّ، وَابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، وَأَبُو المَحَاسِنِ بنُ أَبِي لُقْمَةَ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمَاعُهُ مِنَ الخَطِيْبِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.
انْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ بِدِمَشْقَ.
73 - أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، المُسْنِدُ، مُحَدِّثُ أَصْبَهَانَ، أَبُو سَعْدٍ (1) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ (2) بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ البَغْدَادِيُّ الأَصْل، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ: بِأَصْبَهَانَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَصْغَر مِنْ أُخْته فَاطِمَةَ (3) بِنْتِ البَغْدَادِيِّ بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
__________
(*) المنتظم 10 / 116، 117، الكامل 11 / 107، دول الإسلام 2 / 57، تذكرة الحفاظ 4 / 1284 - 1286، العبر 4 / 110، الوافي بالوفيات 7 / 325، البداية 12 / 220، النجوم الزاهرة 5 / 278، شذرات الذهب 4 / 125.
(1) كنيته في " الكامل " و" النجوم الزاهرة ": أبو سعيد.
(2) لم يرد اسم أحمد في: " المنتظم "، " الكامل "، " تذكرة الحفاظ "، " البداية والنهاية ".
(3) سترد ترجمتها برقم (88) .(20/119)
سَمِعَ: أَبَاهُ أَبَا الفَضْلِ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ مَنْدَةَ، وَأَخَاهُ عَبْدَ الوَهَّابِ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ بُرْزَةَ (1) الوَاعِظَ، وَحَمْدَ بنَ وَلْكِيْزَ، وَأَبَا إِسْحَاقَ الطَّيَّانَ، وَابْن مَاجَه الأَبْهَرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ بنِ سُسُّوَيْه (2) ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَدِيْعٍ الحَاجِبَ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ شَكْرُوَيْه، وَسُلَيْمَانَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعِدَّةً.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَدْ تَنبَّه، فَصَادف أَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيَّ قَدْ مَاتَ (3) ، فَصَاحَ، وَتَلَهَّفَ، وَسَمِعَ مِنْ: عَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، وَمَالِكٍ البَانِيَاسِيِّ، وَأَبِي الغَنَائِمِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَرِزْقِ اللهِ، وَعِدَّةٍ.
وَقَدْ حَدَّثَهُ: مَحْمُوْدُ بنُ جَعْفَرٍ الكَوْسَجُ، عَنْ جَدِّ أَبِيْهِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيِّ - وَهُم بَيْتُ رِوَايَةٍ وَحَدِيْث -.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصِرٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ القُبَّيْطِيُّ، وَخَلْقٌ مِنَ البَغَادِدَةِ وَالأَصْبَهَانِيِّينَ، خَاتِمَتُهُم: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَدْرٍ الرَّارَانِيُّ (4) .
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: ثِقَةٌ حَافِظٌ، دَيِّنٌ خَيِّرٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، صَحِيْحُ العَقِيدَةِ، عَلَى طرِيقَةِ السَّلَفِ الصَّالِح، تَاركٌ لِلتَّكَلُّفِ، كَانَ يَخْرُجُ إِلَى السُّوق وَعَلَى رَأْسِه طَاقيَّةٌ، وَكَانَ يَصُوْمُ فِي طَرِيْق الحِجَاز (5) .
__________
(1) بضم الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الزاي بعدها تاء مربوطة، كما في " تبصير المنتبه " 1 / 74، وقد تحرف في " الوافي " 7 / 325 إلى " يزدة ".
(2) بمهملتين، الأولى مضمومة، والثانية مشددة.
انظر " تبصير المنتبه " 2 / 681.
(3) وذلك سنة 479 هـ، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (228) .
(4) براءين، نسبة إلى راران: من قرى أصبهان، وقد تحرفت في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1284 إلى (الراذاني) بذال بدل الراء الثانية.
انظر " توضيح المشتبه ": الراراني.
(5) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1285.(20/120)
وَقَالَ فِي (التَّحْبِيرِ (1)) : كَانَ حَافِظاً كَبِيْراً، تَامّ المَعْرِفَة، يَحفظ جَمِيْع (صَحِيْح مُسْلِم) ، وَكَانَ يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ، قَدِمَ مرَّة مِنْ حجِّه، فَاسْتقبله الْخلق وَهُوَ عَلَى فَرَس يَسير بِسَيرهِم، فَلَمَّا قرب مِنْ أَصْبَهَان، ركضَ فَرَسَه، وَتركَ النَّاسَ، وَقَالَ: أَردتُ السُّنَّةَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوضِعُ رَاحِلَتَهُ إِذَا رَأَى جُدُرَ المَدِيْنَة (2) .
وَكَانَ حُلو الشَّمَائِل، اسْتمليت عَلَيْهِ بِمَكَّةَ وَالمَدِيْنَة، وَكَتَبَ عَنِّي، قَالَ لِي مرَّة: أَوْقَفتُكَ، وَاعْتَذَرَ.
فَقُلْتُ: يَا سيدِي، الوُقُوْف عَلَى بَابِ المُحَدِّث عزّ.
فَقَالَ: لَكَ بِهَذِهِ الكَلِمَة إِسْنَاد (3) ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: أَنْتَ إِسْنَادهَا (3) .
وَسَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ يَقُوْلُ: رَحل أَبُو سَعْدٍ إِلَى أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، فَدَخَلَ بَغْدَاد وَقَدْ مَاتَ، فَجَعَلَ أَبُو سَعْدٍ يَلطم عَلَى رَأْسه، وَيَبْكِي، وَيَقُوْلُ: مِنْ أَيْنَ أَجد عَلِيّ بن الجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ (4) ؟!
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَرْزُوْق الحَافِظُ: أَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ شعلَةُ نَار.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَسَمِعْتُ مَعْمَر بن الفَاخر يَقُوْلُ: أَبُو سَعْدٍ يَحفظ
__________
(1) عزا المؤلف هنا قول السمعاني إلى " التحبير "، وعزاه في " تذكرة الحفاظ " إلى " معجمه " وهو الصواب، إذ لم يرد في المطبوع من " التحبير " بتحقيق منيرة ناجي سالم تراجم لمن اسمه أحمد.
(2) أخرجه من حديث أنس بن مالك البخاري (1802) و (1886) وأحمد 3 / 159 أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر، فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته، وإن كان على دابة حركها من حبها.
وقوله: يوضع هو، من أوضع البعير راكبه: إذا حمله على سرعة السير، وفي صحيح البخاري 3 / 417 من حديث ابن عباس أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا للابل، فأشار بسوطه إليهم، وقال: أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البرليس بالايضاع ".
(3) في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1285: أستاذ..أستاذها، وقد أشير في الحاشية أنه في نسخة أخرى كما هنا.
(4) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1284.(20/121)
(صَحِيْح مُسْلِم) ، وَكَانَ يَتَكَلَّم عَلَى الأَحَادِيْث بكَلاَمٍ مَليحٍ (1) .
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ إِمَام فِي الزُّهْد وَالحَدِيْث، وَاعِظ، كتب عَنْهُ شُجَاع الذُّهْلِيّ، وَابْن نَاصر، كَانَ إِذَا أَكل اغْرَوْرَقَتْ عينَاهُ، وَيَقُوْلُ: كَانَ دَاوُدُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُل بَكَى (2) .
قَالَ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النَّطَنْزِيّ (3) : كُنْت بِبَغْدَادَ، فَاقترض مِنِّي أَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ عَشْرَة دَنَانِيْر، فَاتَّفَقَ أَنِّي دَخَلت عَلَى السُّلْطَان مَسْعُوْد بن مُحَمَّدٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَبَعَثَ مَعِي إِلَيْهِ خَمْس مائَة دِيْنَارٍ، فَأَبَى أَنْ يَأْخذهَا (4) .
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (5) : حَجَّ أَبُو سَعْدٍ إِحْدَى عَشْرَةَ حجَّة، وَتردد مرَاراً، وَسَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْر، وَرَأَيْت أَخلاَقه اللطيفَة، وَمَحَاسِنَه الجَمِيْلَة، مَاتَ بِنُهَاوَنْدَ، رَاجِعاً مِنَ الحَجّ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَحُمِلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَدُفِنَ بِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِي: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ مِنْهَا.
وَمَاتَ: ابْنُهُ أَبُو سَعِيْدٍ عَبْد اللَّطِيْفِ بن البَغْدَادِيّ بِأَصْبَهَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي مُطِيع، وَأَبِي الفَتْحِ الحَدَّاد، وَطَائِفَة.
أَنْبَأَنَا بِكِتَاب (مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ) لأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَةَ جَمَالُ الدِّيْنِ
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1285.
(2) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1285.
(3) بفتح النون والطاء المهملة وسكون النون وفي آخرها زاي، نسبة إلى نظنز: بليدة بنواحي أصبهان. " اللباب " 3 / 316.
(4) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1285.
(5) في " المنتظم " 10 / 117.(20/122)
يَحْيَى بنُ الصَّيْرَفِيّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا بِهِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ القُبَّيْطِيّ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا بِهِ غَيْر وَاحِد مُلفَّقاً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا المُؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-.
74 - ابْنُ مُغِيْثٍ أَبُو الحَسَنِ يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُفْتِي الكَبِيْر، أَبُو الحَسَنِ يُوْنُس بن مُحَمَّدِ بنِ مُغِيْثِ بن مُحَمَّدِ ابْنِ الإِمَامِ المُحَدِّثِ يُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُغِيْثٍ القُرْطُبِيّ، المَالِكِيّ.
مَوْلِدُهُ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بَعْد السِّتِّيْنَ مِنْ: حَاتِم بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عُمَرَ بن الحَذَّاء، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ بَشِيْر، وَأَبِي مَرْوَانَ بن سرَاج، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْظُوْر، وَمُحَمَّد بن سَعْدُوْنَ القَرَوِيّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ بن رِزْقٍ، وَمُحَمَّد بن الفَرَجِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ الحَافِظ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال (1) : كَانَ عَارِفاً بِاللُّغَةِ وَالإِعرَاب، ذَاكراً لِلْغَرِيْب وَالأَنسَاب، وَافرَ الأَدبِ، قَدِيْم الطَّلَب، نَبِيهَ البَيْتِ وَالحسبِ، جَامِعاً لِلْكُتُبِ، رَاوِيَةً لِلأَخْبَار، أَنِيسَ المُجَالَسَة، فَصِيْحاً، مُشَاوراً، بَصِيْراً بِالرِّجَال وَأَزْمَانِهِم وَثِقَاتِهِم، عَارِفاً بِعُلَمَاءِ الأَنْدَلُس وَمُلُوكِهَا، أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ كَثِيْراً، قَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَأَجَازَ لِي، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ وَلده أَبُو الوَلِيْدِ.
__________
(*) الصلة 2 / 688، تذكرة الحفاظ 4 / 1277، العبر 4 / 90، شذرات الذهب 4 / 101، 102.
(1) في " الصلة " 2 / 688.(20/123)
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُفَرج القَنْطَرِيّ الحَافِظ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُبَادَةَ الجَيَّانِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ بن الْفرس، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْد اللهِ، وَعَبْد اللهِ بن طَلْحَةَ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حُبيش، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ الشَّرَّاط، وَآخَرُوْنَ. وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاء فِي عصره -رَحِمَهُ اللهُ-.
75 - ابْنُ تَاشفِيْنَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ البَرْبَرِيُّ *
السُّلْطَانُ، صَاحِبُ المَغْرِبِ، أَمِيْرُ المُسْلِمِيْنَ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابْنُ صَاحِبِ الغربِ يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْنَ البَرْبَرِيُّ، ملكُ المُرَابِطِيْنَ.
تَولَّى بَعْدَ أَبِيْهِ سَنَةَ خَمْسِ مائَةٍ (1) .
وَكَانَ شُجَاعاً، مُجَاهِداً، عَادِلاً، ديِّناً، وَرِعاً، صَالِحاً، مُعَظِّماً لِلْعُلَمَاءِ، مُشَاوراً لَهُم، نَفَقَ فِي زَمَانِهِ الفِقْهُ وَالكُتُبُ وَالفُرُوْعُ، حَتَّى تَكَاسَلُوا عَنِ الحَدِيْثِ وَالآثَارِ، وَأُهِيْنَتِ الفَلْسَفَةُ، وَمُجَّ الكَلاَمُ، وَمُقِتَ، وَاسْتحكمَ فِي ذِهنِ عَلِيٍّ أَنَّ الكَلاَمَ بِدعَةٌ مَا عَرفهُ السَّلَفُ، فَأَسرفَ فِي ذَلِكَ، وَكَتَبَ يَتهدَّدُ، وَيَأْمرُ بِإِحرَاقِ الكُتُبِ، وَكَتَبَ يَأْمرُ بِإِحرَاقِ تَوَالِيفِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَتوعَّدَ بِالقتلِ مَنْ كَتَمَهَا، وَاعْتَنَى بِعِلْمِ الرَّسَائِلِ وَالإِنشَاءِ، وَعُمِّرَ (2) .
__________
(*) المعجب: 252 - 261، وفيات الأعيان 5 / 49 (في ترجمة ابن تومرت) و7 / 123 و125، 126، دول الإسلام 2 / 56، العبر 4 / 102، الاحاطة 4 / 58، 59، الحلل الموشية 61 - 90، تاريخ ابن خلدون 6 / 188، 189، النجوم الزاهرة 5 / 272، جذوة الاقتباس: 291، نفح الطيب 4 / 377، شذرات الذهب 4 / 115، الاستقصا في أخبار المغرب الاقصى 2 / 61 - 69، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 113.
(1) انظر " الكامل " 10 / 417.
(2) انظر " المعجب " ص 254، 255.(20/124)
وَلَمَّا التَقَى عَسْكَرُه العَدُوَّ، انْهَزَمُوا (1) ، وَاختلَّتِ الأَنْدَلُسُ، وَظهرَ بِهَا المُنْكَرُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ المُرَابِطِيْنَ، وَأَخَذَ يَتهَاونُ، وَيَقنعُ بِالاسْمِ، وَأَقْبَلَ عَلَى العِبَادَةِ وَأَهملَ الرَّعَايَا، وَعَجَزَ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ رَفعَ يَدَيْهِ، وَدَعَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ قَيِّضْ لِهَذَا الأَمْرِ مَنْ يَقوَى عَلَيْهِ.
وَابتُلِيَ بِنُوَّابٍ ظَلَمَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِ ابْنُ تُوْمَرْتَ، وَحَارَبه عَبْدُ المُؤْمِنِ، وَقَوِيَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ البِلاَدَ، وَوَلَّتْ أَيَّام المُلَثَّمَةِ (2) ، فَمَاتَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَعُهِدَ بِالأَمْرِ إِلَى ابْنِهِ يُوْسُفَ، فَقَاوَمَ عَبْدَ المُؤْمِنِ مُدَيدَةً، ثُمَّ انزَوَى إِلَى وَهرَانَ، وَتَفَرَّقتْ جُمُوْعُه، فَظَفِرَ بِهِ الموحِّدُوْنَ، وَهَلَكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَعِنْدِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ الَّذِي وَلِيَ بَعْدَ عَلِيٍّ وَلدُهُ تَاشفِيْنُ (3) ، فَحَارَبَ الموحِّدينَ مديدَةً، ثُمَّ تَحصَّنَ بِوَهْرَانَ، وَأَنَّهُ هَلَكَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ (4) ، وَصَلبُوهُ.
__________
(1) انظر " الكامل " 10 / 586.
(2) وهم المرابطون، وسموا الملثمين لانهم كانوا يتلثمون ولا يكشفون وجوههم، وذلك سنة لهم يتوارثونها خلفا عن سلف، ذلك أن أصل هؤلاء القوم من حمير بن سبأ، وكانت حمير تتلثم لشدة الحر والبرد، وقيل: كان اللثام لاسباب أخرى. انظر " وفيات الأعيان " 7 / 128، 129.
(3) وهو الذي ذكره المؤلف في " العبر " 4 / 102، وابن خلكان في " وفيات الأعيان " 7 / 124، وابن الأثير في " الكامل " 10 / 417 و579، وابن العماد في " الشذرات " 4 / 115.
(4) وثلاثين.
انظر " الكامل " 10 / 579، 580 و11 / 102، و" وفيات الأعيان " 7 / 126، 127، وقد ذكر المؤلف في " دول الإسلام " 2 / 56 أنه خرج منهزما، وأحاطوا به، فهمز فرسه، فاقتحم به البحر، فغرق في سنة أربعين.(20/125)
76 - النَّسَفِيُّ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ لُقْمَانَ النَّسَفِيُّ، الحَنَفِيُّ، مِنْ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ.
وَهُوَ مُصَنِّفُ (تَارِيخِهَا) المُلَقَّبِ بِالقَنْد (1) .
وَنَظَمَ (الجَامِعَ الصَّغِيْرَ (2)) .
وَكَانَ صَاحِبَ فُنُوْنٍ، أَلَّفَ فِي الحَدِيْثِ، وَالتَّفْسِيْرِ، وَالشُّروطِ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ مُصَنَّفٍ (3) .
__________
(*) التحبير 1 / 527 - 529، معجم الأدباء 16 / 70، 71، العبر 4 / 102، عيون التواريخ 12 / 375، مرآة الجنان 3 / 268، الجواهر المضية 1 / 394 - 395، لسان الميزان 4 / 327، تاج التراجم: 34، 35، طبقات المفسرين للسيوطي: 27، طبقات المفسرين للداوودي 2 / 5 - 7، مفتاح السعادة 1 / 127، 128، طبقات المفسرين لطاش كبري: 92، كتائب أعلام الاخيار: رقم (307) ، الطبقات السنية: رقم (1646) ، طبقات المفسرين للادنه وي 41 / 2، كشف الظنون 1 / 247، 296، 415، 418، 519، 553، 564، 602، 668، 706، 756، و2 / 1114، 1125، 1145، 1230، 1356، 1602، 1686، 1731، 1867، 1868، 1871، 1929، 2027، 2048، 2054، شذرات الذهب 4 / 115، الفوائد البهية: 149، 150 هدية العارفين 1 / 783، إيضاح المكنون 1 / 25، 117، فهرس الفهارس 1 / 215، معجم المطبوعات: 1854.
(1) في الأصل: الفتد، وهو خطأ، والقند، معناه العسل.
انظر " مفتاح السعادة " 1 / 127، و" كشف الظنون " 2 / 1356.
(2) في الفروع للامام محمد بن الحسن الشيباني، وقد رتب النسفي منظومته على عشرة أبواب بحسب الاختلاف والائتلاف بين الأئمة، وهم أبو حنيفة وصاحباه وزفر والشافعي ومالك رضي الله عنهم.
انظر " لسان الميزان " 4 / 327.
(3) قال السمعاني: وأما مجموعاته في الحديث فطالعت منها الكثير، وتصفحتها، فرأيت فيها من الخطأ وتغيير الأسماء، وإسقاط بعضها شيئا كثيرا وأوهاما غير محصورة، ولكن كان مرزوقا في الجمع والتصنيف.
انظر " التحبير " 1 / 528، وانظر بقية تصانيفه في " هدية العارفين " 1 / 783، و" كشف الظنون " (راجع مصادر الترجمة ".
وقد طبع منها " طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية على مذهب ألفاظ كتب الحنفية " في الآستانة 1311 هـ، و" العقائد
النسفية " في مجموع من أمهات المتون في مصر.(20/126)
حَجَّ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بَيَانٍ فِي الكُهُوْلَةِ، فَإِنَّهُ وُلدَ نَحْوَ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ النُّوْحِيِّ (1) ، وَالحَسَنِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ القَاضِي، وَمَهْدِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ العَلَوِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى النَّسَفِيِّ، وَأَبِي اليُسْرِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيِّ، وَحُسَيْنٍ الكَاشْغَرِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ المَاتُرِيْدِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّوربُشْتِيُّ، وَوَلَدُه؛ أَبُو اللَّيْثِ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (2) : مَاتَ بِسَمَرْقَنْدَ، فِي ثَانِي عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
77 - مَلِكُ الخَطَا كُوْخَانُ * (3)
طَاغِيَةُ التُّركِ وَالخَطَا، مِنْ أَبْطَالِ المُلُوْكِ.
أَقْبَلَ فِي ثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ - فِيْمَا قِيْلَ - وَكسرَ السُّلْطَانَ سَنْجَرَ السَّلْجُوْقِيَّ، وَاسْتَوْلَى عَلَى بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ، فَمَا أَمهلَهُ اللهُ،
__________
(1) نسبة إلى نوح أحد أجداده، وقد تحرفت في " لسان الميزان " 4 / 327 إلى التنوخي.
(2) في " التحبير " 1 / 529.
(*) الكامل في التاريخ 11 / 81 و82 و85، 86، المختصر 3 / 15، 16، دول الإسلام 2 / 56، العبر 4 / 103، تتمة المختصر 2 / 69، تاريخ ابن خلدون 4 / 396، 397، النجوم الزاهرة 5 / 272 و268، شذرات الذهب 4 / 115.
والخطا: اسم يطلق على بلاد الصين جميعها.
(3) قال ابن الأثير: " كو "، بلسان الصين: لقب لاعظم ملوكهم.
و" خان ": لقب لملوك الترك. فمعناه: أعظم الملوك. " الكامل " 11 / 83.(20/127)
وَهَلَكَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .
وَكَانَ سَائِساً، مُحِبّاً لِلْعدلِ، دَاهِيَةً.
وَحكمتِ الخَطَا عَلَى بِلاَدِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، إِلَى أَنْ تَملَّكَ عَلاَءُ الدِّيْنِ خُوَارِزْمْشَاه، فَاسْتردَّ ذَلِكَ (2) .
78 - ابْنُ مَاشَاذه مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ الأَصْبَهَانِيُّ *
العَلاَّمَةُ الكَبِيْرُ، المُفْتِي، أَبُو مَنْصُوْرٍ مَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَاشَاذه الأَصْبَهَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ (3) .
تَفقَّهَ عَلَى: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ الخُجَنْدِيِّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَامِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: شُجَاعِ بنِ عَلِيٍّ المَصْقَلِيِّ، وَأَخِيْهِ؛ أَحْمَدَ، وَأَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ النَّقَّاشِ، وَأَبِي سَهْلٍ حَمْدِ بنِ وَلْكِيْزَ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَدِيْعٍ الحَاجِبِ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بُرْزَةَ الجَوْهَرِيِّ، وَعَائِشَةَ الوَرْكَانِيَّةِ.
وَأَمْلَى عِدَّةَ مَجَالِسَ، وَكَانَ إِمَاماً فِي التَّفْسِيْرِ وَالمَذْهَبِ وَالخِلاَفِ وَالوَعْظِ.
__________
(1) انظر " الكامل " 11 / 83 - 86، و" تاريخ " ابن خلدون 4 / 396، 397.
(2) سنة اثنتي عشرة وست مئة.
انظر " الكامل " 12 / 309 - 312.
(*) الأنساب 3 / 341 (الجوباري) ، التحبير 2 / 271، 272، تبيين كذب المفتري: 327، المنتظم 10 / 101، معجم البلدان 2 / 176، اللباب 1 / 302، طبقات السبكي 7 / 285، طبقات المفسرين للسيوطي: 40، طبقات المفسرين للداوودي، 2 / 308، 309.
و" ماشاذه " تصحف في " المنتظم " إلى: ماسادة " بمهملتين، وورد في " التحبير " و" طبقات " السكي: " ما شادة " بدال مهملة.
(3) أورده السمعاني في نسبة الجورباري، وهي نسبة إلى جوربارة: محلة معروفة بأصبهان.(20/128)
عَظَّمَهُ: ابْنُ النَّجَّارِ.
وَرَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ.
وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي آدَابِ الدِّينِ، وَمَنَاقِبِ الدَّوْلَةِ العَبَّاسِيَّةِ، ثُمَّ عَرضَه عَلَى المُسْترشِدِ بِاللهِ، فَقَبِلَهُ، وَشرَّفَه.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) : شَيْخُنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ مِنْ أَعْيَانِ العُلَمَاءِ، وَمَشَاهِيْرِ الفُضَلاَءِ الفُهمَاءِ، قَدِمَ بَغْدَادَ حَاجّاً سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ، فَلَمْ يَبْقَ بِهَا مِنَ المَذْكُوْرِيْنَ أَحَدٌ إِلاَّ تَلَقَّاهُ، وَسُرُّوا بِقُدُومِهِ، وَعَقَدَ المَجْلِسَ فِي جَامِعِ القَصْرِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَعَانَيتُ عُلُوَّ (2) مَرْتَبَتِهِ فِي بَلَدِهِ، وَحِشمَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ (3) : ارْتفعَ أَمرُهُ حَتَّى صَارَ أَوحدَ وَقتِهِ، وَالمرجُوعَ إِلَيْهِ، وُجِئَ بِالسِّكِّينِ نُوباً عِدَّةً، وَحَمَاهُ اللهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّلاَةِ وَالذِّكرِ بِاللَّيْلِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فَجْأَةً، لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، ثَانِي عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سِبْطَا الخَيَّاطِ:
79 - أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُسْنِدُ، المُقْرِئُ، الصَّالِحُ، بَقِيَّةُ السَّلَفِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ.
__________
(1) في " تبيين كذب المفتري ": 327.
(2) في الأصل: علوم، والتصويب من المصدر المذكور.
(3) في " التحبير " 2 / 272 بنحوه.
(*) الأنساب 5 / 225 (الخياط) ، المنتظم 10 / 104، العبر 4 / 101، 102، غاية النهاية 1 / 246، النجوم الزاهرة 5 / 273، شذرات الذهب 4 / 114، 115.(20/129)
كَانَ أَسنَّ مِنْ أَخِيْهِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ الكَثِيْر بِإِفَادَة ابْنِ الخَاضِبَةِ (1) .
سَمِعَ: أَبَا مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيَّ، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ العُكْبَرِيَّ النَّدِيْمَ، وَمَنْ بَعْدَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: صَالِحٌ، حَسَنُ الإِقْرَاءِ، دَيِّنٌ، يَأْكُلُ مِنْ كَدِّ يَدِه، سَمِعَ الكَثِيْرَ بِإِفَادَةِ ابْنِ الخَاضِبَةِ فِي مَجْلِسِ عَفِيْفٍ القَائِمِيِّ (2) .
وَقَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) : قَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآنَ، مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخُوْهُ:
80 - أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُقْرِئ العِرَاق، شَيْخ النُّحَاة، أَبُو مُحَمَّدٍ
__________
(1) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدا لباقي، المتوفى سنة 489، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (61) .
(2) هذه النسبة إلى القائم بأمر الله أمير المؤمنين، وكان له جماعة من الخدم سمعوا
الحديث، وانتسبوا إليه، منهم عفيف هذا، انظر ترجمته في " الأنساب " 10 / 36.
(3) في " المنتظم " 10 / 104.
(*) الأنساب 5 / 225، نزهة الالبا: 402، 403، خريدة القصر 1 / 83، 84، مناقب الامام أحمد: 530، المنتظم 10 / 122، الكامل في التاريخ 11 / 118، إنباه الرواة 2 / 122، 123، مرآة الزمان 8 / 117، العبر 4 / 113، دول الإسلام 2 / 57، معرفة القراء الكبار 2 / 403 - 406، تلخيص ابن مكتوم: 94، مرآة الجنان 6 / 86، البداية والنهاية 12 / 222، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 209 - 212، غاية النهاية 1 / 434، 435، النشر =(20/130)
عَبْد اللهِ بن عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ، سِبْطُ الإِمَامِ الزَّاهِدِ العَابِدِ أَبِي مَنْصُوْرٍ (1) الخَيَّاط، وَإِمَامُ مَسْجِد ابْنِ جَرْدَةَ.
وُلد: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، فِي شَعْبَانَ.
وَتلقَّن القُرْآن مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ الفَاعوس.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ العُكْبَرِيّ، وَرِزْق اللهِ التَّمِيْمِيّ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيّ، وَنَصْر بن البَطِرِ، وَعِدَّةٍ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: جدّه أَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاط، وَأَبِي الخَطَّابِ بن الجَرَّاحِ، وَثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ، وَالشَّرِيْف عَبْد القَاهِرِ بن عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبِي طَاهِرٍ بنِ سَوَّارٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الوَكِيْل، وَالمُعَمَّر يَحْيَى بن أَحْمَدَ السِّيْبِيِّ (2) صَاحِبِ الحَمَّامِيِّ، وَأُبَيٍّ النَّرْسِيِّ، وَأَبِي الْعِزّ القَلاَنسِيّ.
وَتَصدر لِلإِقْرَاءِ، وَصَنَّفَ الكُتُب الشهيرَة (كَالمُبهِجِ (3)) وَ (الإِيجَاز (4)) وَ (الكِفَايَة (5)) ، وَأَمَّ بِمسجد ابْن جَرْدَةَ بِضْعاً وَخَمْسِيْنَ
__________
= 1 / 83، 84، طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة: 337 - 339، كشف الظنون: 52، 206، 338، 1344، 1499، 1582، شذرات الذهب 4 / 128 - 130، هدية العارفين 1 / 455، 456.
(1) محمد بن أحمد بن علي البغدادي الزاهد المقرئ، المتوفى سنة 499 هـ، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (137) .
(2) نسبة إلى سيب، قال السمعاني: وظني أنها قرية بنواحي قصر ابن هبيرة.
وقد تصحفت هذه النسبة في " معرفة القراء الكبار " 2 / 407 إلى " السبتي " بالباء الموحدة والتاء المثناة.
(3) في القراءات الثمان وقراءة ابن محيصن والاعمش واختيار خلف واليزيدي.
(4) في القراءات السبع.
(5) في القراءات الست التي قرأها الشيخ الثقة أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر بن الطبري البغدادي، المتوفى سنة 531 هـ.
وله كتب أخرى ذكرها المؤلف في " معرفة القراء الكبار " 2 / 404، وابن الجزري في " غاية النهاية " 1 / 435 و" النشر " 1 / 83، 84، 85.(20/131)
سَنَة، وَكَانَ مِنْ أَطيب النَّاس صَوْتاً بِالقُرْآنِ، وَختم عَلَيْهِ خلق كَثِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَابْن الجَوْزِيِّ، وَيَحْيَى بن طَاهِر، وَمَحْمُوْد بن الدَّارِيج (1) ، وَإِسْمَاعِيْل بن إِبْرَاهِيْمَ السِّيْبِيّ، وَعَبْد اللهِ بن المُبَارَكِ بن سُكَيْنَة، وَعَبْد العَزِيْزِ بن مَنِيْنَا، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَخَلْق.
وَتَلاَ عَلَيْهِ: الشِّهَاب مُحَمَّد بن يُوْسُفَ الغَزْنَوِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ الكَيَّالِ، وَصَالِح بن عَلِيٍّ الصرصرِي، وَالتَّاج الكِنْدِيّ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن سُلْطَان، وَالمُبَارَك بن المُبَارَكِ بن زُرَيْقٍ الحَدَّاد، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ (2) هَارُوْنَ الحِلِّيُّ ابْنُ الكَالِ (3) ، وَحَمْزَة بن القُبَّيْطِيّ، وَابْن سُكَيْنَة، وَزَاهِر بن رُسْتُمَ.
وَقرَأَ عَلَيْهِ النَّحْو: جَمَاعَة.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (4) : لَمْ أَسْمَعْ قَارِئاً قَطُّ أَطيب صَوْتاً مِنْهُ، وَلاَ أَحْسَن أَدَاء عَلَى كبر سنّه، وَكَانَ لطيف الأَخلاَق، ظَاهِر الكَيَاسَة وَالظَّرَافَة، حَسنَ المُعَاشَرَة لِلْعوَامِّ وَالخَوَاصِّ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مُتَوَاضِعاً مُتودداً، حسن القِرَاءة فِي المِحْرَاب، خُصُوْصاً ليَالِي رَمَضَان، وَقَدْ تَخَرَّجَ عَلَيْهِ خلق، وَخَتَمُوا عَلَيْهِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ
__________
(1) بالجيم آخره، كما في " تبصير المنتبه " 2 / 577، وقد تصحف في " معرفة القراء " 2 / 404 إلى " الداريح " بالحاء المهملة.
(2) ما بين حاصرتين سقط من الأصل، واستدرك من ترجمة محمد هذا في " معرفة القراء " 2 / 453، و" غاية النهاية " 2 / 256، 257.
(3) بكاف بعدها ألف ثم لام، كما في " تبصير المنتبه " 3 / 1181، وقد تحرف في " معرفة القراء " 2 / 404 إلى " الكيال ".
والحلي، بكسر الحاء وتشديد اللام، نسبة إلى الحلة المزيدية.
انظر تعليق المعلمي على " الإكمال " 2 / 114، 115.
(4) في " المنتظم " 10 / 122.(20/132)
القِرَاءات، وَخُولِف فِي بَعْضهَا، وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ سَمِعْتُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، كَتَبْتُ عَنْهُ، وَعلَّقت عَنْهُ مِنْ شِعْرِهِ (1) .
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَحْمَد بن صَالِحٍ، وَبَالَغَ فِي تَعْظِيْمه، وَقَالَ: لَمْ يُخَلِّف فِي فُنُوْنِهِ مِثْله (2) .
وَقَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) : مَا رَأَيْتُ أَكْثَر جَمعاً مِنْ جَمعِ جِنَازَتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ جَرِيْرٍ القُرَشِيّ: دُفِنَ بِبَابِ حَرْب عِنْد جدّه أَبِي مَنْصُوْرٍ عَلَى دَكَّةِ الإِمَام أَحْمَد، وَكَانَ الْجمع يَفوت الإِحصَاء، غلَّق أَكْثَر البَلَد (4) .
تُوُفِّيَ: فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الآخرِ، سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَمَاتَ فِي العَامِ مَعَهُ: العَلاَّمَة الكَبِيْر، البَحْر الأَوْحَد، المُفَسِّرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ (5) بنُ غَالِبِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ غَالِب بن تَمَّام بن عَطِيَّةَ المُحَارِبِيّ الأَنْدَلُسِيّ الغَرْنَاطِي، صَاحِب (التَّفْسِيْر) عَنْ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قرَأَ الأَدب عَلَى أَبِي الْكَرم بن فَاخِرٍ، وَلاَزمه نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، قرَأَ عَلَيْهِ فِيْهَا (كِتَاب) سِيبَوَيْهٍ، وَ (شَرْحَهُ) لِلسِّيرَافِي، وَ (الْمُحْتَسب) لابْنِ جِنِّيّ، وَ (المقُتضَب) لِلمُبرِّدِ، وَ (الأُصُوْل) لابْنِ
__________
(1) انظر " معرفة القراء " 2 / 405، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 21 وفيه شيء من شعره، و" غاية النهاية " 1 / 435.
(2) انظر " معرفة القراء " 2 / 405 بأطول مما هنا، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 210، و" غاية النهاية " 1 / 435.
(3) في " المنتظم " 10 / 122.
(4) انظر " معرفة القراء " 2 / 405، 406.
(5) وقد مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (337) .(20/133)
السَّرَّاج (1) ، وَأَشيَاء.
قَرَأْت (بِالمُبهِجِ) لَهُ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ بنِ سُكَيْنَة.
81 - الأَنْمَاطِيُّ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ المُبَارَكِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ المُفِيْد، الثِّقَة، المُسْنِدُ، بَقِيَّة السَّلَف، أَبُو البَرَكَاتِ عَبْد الوَهَّابِ بن المُبَارَكِ بن أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارَ البَغْدَادِيُّ، الأَنْمَاطِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ (الجَعدِيَات) : مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيّ، وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ النَّقُّوْرِ، وَابْن البُسْرِيّ، وَعَبْد العَزِيْزِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، وَرِزْق اللهِ التَّمِيْمِيّ، فَمَنْ بَعْدهُم.
وَجَمَعَ فَأَوعَى، وَقَدْ قرَأَ عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ الطُّيُوْرِيِّ (2) جَمِيْع مَا عِنْدَهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصِرٍ، وَابْن عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَابْن الجَوْزِيِّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَعُمَر بن طَبَرْزَدَ، وَيُوْسُف بن كَامِل، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الأَخْضَر، وَعَبْد العَزِيْزِ بن مَنِيْنَا، وَأَحْمَد بن
__________
(1) هو قيد الطبع في مؤسسة الرسالة، ويقع في ثلاثة أجزاء.
(*) المنتظم 10 / 108، 109، مناقب الامام أحمد: 529، صفة الصفوة 2 / 498، ذيل تاريخ بغداد 1 / 380 - 384، تذكرة الحفاظ 4 / 1282 - 1284، دول الإسلام 4 / 56، العبر 4 / 104، البداية والنهاية 12 / 219، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 201 - 203، شذرات الذهب 4 / 116، 117.
(2) المتوفى سنة 500 هـ، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (132) .(20/134)
أَزْهَر، وَأَحْمَد بن يَحْيَى الدَّبِيْقِيّ (1) ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بنِ هديَّةَ (2) ، وَخَلْق، وَمِنَ القُدَمَاء الحَافِظُ مُحَمَّد بن طَاهِر، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ حَافِظ ثِقَة مُتْقِن، وَاسِع الرِّوَايَة، دَائِم البِشر، سرِيع الدمعَة، حَسَنُ المُعَاشَرَة، خَرَجَ التَّخَارِيج، وَجَمَعَ مِنَ المَرْوِيَّات مَا لاَ يُوْصَف، وَكَانَ متصدياً لنشر الحَدِيْث، قَرَأْت عَلَيْهِ شَيْئاً كَثِيْراً (3) .
قُلْتُ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَكَانَ عَلَى طرِيقَة السَّلَف، وَمَا تَزَوَّجَ قَطُّ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ رَفِيقُنَا عَبْد الوَهَّابِ حَافِظاً ثِقَة، لَدَيهِ مَعْرِفَة جيدَة (4) .
وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: كَانَ بَقِيَّةَ الشُّيُوْخ، سَمِعَ الكَثِيْر، وَكَانَ يَفْهَمُ، مَضَى مَسْتُوْراً، وَكَانَ ثِقَةً، لَمْ يَتزوَّج قَطُّ (5) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ أَيْضاً: لَعَلَّهُ مَا بَقِيَ جُزْء إِلاَّ قرَأَه، وَحصَّل نُسختَه، وَنسخ الكُتُب الكِبَار مِثْلَ (الطَّبَقَات) لابْنِ سَعْدٍ، وَ (تَارِيْخِ الخَطِيْبِ) ، وَكَانَ متفرغاً لِلرِّوَايَةِ، وَكَانَ لاَ يَجُوْزُ الإِجَازَة عَلَى الإِجَازَة، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ
__________
(1) بدال مهملة مفتوحة بعدها باء موحدة مكسورة ثم مثناة تحتية، نسبة إلى الدبيقية: قرية من قرى نهر عيسى بالعراق.
وقد تصحفت في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1284 و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 203 إلى " الديبقي " بتقديم المثناة التحتية على الموحدة.
(2) بالياء المثناة التحتية بعد الدال، كما في " تبصير المنتبه " 4 / 1450، وقد تصحف في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1282، و" ذيل تاريخ بغداد " 1 / 381 إلى " هدبة " بالباء الموحدة.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1282، 1283، و" ذيل تاريخ بغداد " 1 / 383، 384.
(4) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1283، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 202.
(5) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1283، و" ذيل تاريخ بغداد " 1 / 383، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 202.(20/135)
شَيْئاً، قَرَأْت عَلَيْهِ (الجعديَات) وَ (تَارِيخ الفَسَوِيِّ) وَانتقَاء البَقَّال عَلَى المُخَلِّص (1) .
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : كُنْت أَقرَأُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي، فَاسْتفدتُ بِبُكَائِهِ أَكْثَر مِنِ اسْتفَادتِي بِرِوَايَته، وَانتفعت بِهِ مَا لَمْ أَنْتفعْ بِغَيْره.
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ فِي (مُعْجَمِهِ) : هُوَ حَافِظُ عَصرِهِ بِبَغْدَادَ.
قُلْتُ: وَمَاتَ مَعَهُ فِي عَامِ ثَمَانِيَةٍ: الشَّيْخ المُسْنِدُ أَبُو المَعَالِي عَبْدُ الخَالِقِ بنُ البَدَنِ الصَّفَّارُ (3) ، وَمُسْنَدَ أَصْبَهَانَ غَانِمُ بنُ خَالِدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ التَّاجِر (4) ، وَالمُسْنِدُ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ صِرْمَا (5) - وَهُوَ ابْنُ عَمَّةِ ابْنِ نَاصر - وَالخَطِيْب أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الْخضر المُحَوَّلِيّ (6) المُقْرِئُ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ المُظَفَّر بن الشَّهْرُزُوْرِيِّ (7) المَوْصِلِيّ، وَالشَّيْخ أَبُو القَاسِمِ مَحْمُوْد بن عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيّ الخُوَارِزْمِيّ النَّحْوِيّ المُعْتَزِلِي (8) ،
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1283 و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 202.
والمخلص هو أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي، المتوفى سنة 393 هـ، مرت ترجمته في الجزء السادس عشر برقم (353) .
والبقال هو أحمد بن عمر بن علي بن الفضل الوراق، المتوفى سنة 399 هـ.
انظر " تاريخ بغداد " 4 / 293 و" تاريخ " سزكين 1 / 352، و" فهرس الظاهرية المنتخب من مخطوطات الحديث " 401 وفيه أحمد بن محمد ابن البقال، وهو خطأ.
(2) في " المنتظم " 10 / 108، وانظر " صفة الصفوة " 2 / 499.
(3) تقدمت ترجمته برقم (36) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (60) .
(5) مترجم في " المنتظم " 10 / 110، و" الوافي بالوفيات " 2 / 67.
(6) مترجم في " المنتظم " 10 / 110 و" معرفة القراء الكبار " 1 / 399، و" غاية النهاية " 2 / 137.
والمحولي، على صيغة اسم المفعول، نسبة إلى المحول: قرية على فرسخين من بغداد، وإلى موضع ببغداد يقال له: باب المحول.
(7) سترد ترجمته برقم (83) .
(8) سترد ترجمته برقم (91) .(20/136)
وَالوَزِيْر عَلِيّ بن طِرَادٍ الزَّيْنَبِيّ (1) ، وَأَبُو الوَفَاء غَانِمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ الجُلُودِيُّ الأَصْبَهَانِيّ (2) ، وَشيخ الْوَعْظ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّد بن الفَضْلِ الإِسْفَرَايِيْنِي (3) ابْنُ المُعْتَمِد المُتَكَلِّم.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ وَغَيْرهُ إِجَازَة، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ حَبَابَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَت إِحْدَى بَنَاتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمرنَا أَن نغسلهَا ثَلاَثاً أَوْ خَمْساً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيتُنَّ، وَأَن تَجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ شَيْئاً مِنْ سِدْرٍ وَكَافُوْر (4) .
مُتَّفق عَلَى صِحَّته، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ نَازلاً، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ شُعَيْبِ بنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، فَوَقَعَ مُصَافحَةً لِشُيُوْخِنَا.
82 - ابْنُ الزَّكِيِّ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ *
قَاضِي دِمَشْقَ، القَاضِي المُنْتَجَبُ، أَبُو المَعَالِي مُحَمَّد ابْنُ القَاضِي
__________
(1) سترد ترجمته برقم (90) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (59) .
(3) سترد ترجمته برقم (84) .
(4) هو في " الموطأ " 1 / 222، والبخاري (167) و (1253) و (1254) و (1255) و (1256) و (1257) و (1258) و (1259) و (1260) (1261) و (1262) و (1263) ومسلم (939) وأخرجه أبو داود (3142) والترمذي (990) والنسائي 4 / 28 - 29، وابن ماجه (1458) .
(*) التحبير 2 / 250، 251، العبر 4 / 103، طبقات الاسنوي 2 / 142، النجوم الزاهرة 5 / 272، شذرات الذهب 4 / 116.(20/137)
أَبِي المُفَضَّلِ يَحْيَى بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ القُرَشِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، وَيُعْرَفُ أَيْضاً بِابْنِ الصَّائِغِ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَالحَسَنَ بنَ أَبِي الحَدِيْدِ، وَالفَقِيْهَ نَصراً المَقْدِسِيَّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ البُرِّيِّ، وَعِدَّةً، وَالقَاضِي الخِلَعِيِّ بِمِصْرَ، وَغَيْرَهُ، وَعَلِيَّ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الدَّبِيْقِيَّ بِعَكَّا، وَحضر درس الفَقِيْه نَصْر، وَتَفَقَّهَ بِهِ.
وَنَابَ عَنْ أَبِيْهِ فِي القَضَاءِ سَنَة عَشْرٍ لَمَّا حَجَّ أَبُوْهُ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِالقَضَاءِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ، وَقَالَ: كَانَ نَزِهاً عَفِيْفاً صَلِيباً فِي الحَكَمِ، وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مَحْمُوْداً، حَسَنَ السِّيْرَةِ، شَفُوقاً وَقُوْراً، حَسَنَ المَنْظَر، مُتودِّداً (1) .
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَابْنه، وَطَرْخَان الشَّاغُوْرِيّ، وَأَبُو المَحَاسِنِ بن أَبِي لُقْمَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ وَالِدُ القُضَاة بنِي الزَّكِيّ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدفن عِنْد أَبِيْهِ بِمسجدِ القَدَمِ (3) .
__________
(1) انظر " التحبير " 2 / 250.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: 219 / 2.
(3) تقدم التعريف به في حواشي الترجمة رقم (39) .(20/138)
83 - ابْنُ الشَّهْرُزُوْرِيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ مُظَفَّرٍ *
القَاضِي الكَبِيْر، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ مُظَفَّرٍ، ابْنُ الشَّهْرُزُوْرِيّ المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيّ.
شيخ عَالِم وَقور، وَافر الجَلاَلَة، وَلِيَ القَضَاءَ بِأَمَاكنَ، وَيُلَقَّبُ بِقَاضِي الخَافِقَيْنِ.
تَفَقَّهَ عَلَى: الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْد العَزِيْزِ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ وَعُثْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ المَحْمِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدِمَ دِمَشْق غَيْرَ مَرَّةٍ رَسُوْلاً.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ خَمْس وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
84 - ابْنُ المُعْتَمِدِ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ **
الوَاعِظ الكَبِيْر، المُتَكَلِّم، أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّد بنُ الفَضْلِ الإِسْفَرَايِيْنِي،
__________
(*) الأنساب 7 / 418، 419، الخريدة (قسم الشام) 2 / 322، المنتظم 10 / 112، اللباب 2 / 216، 217، تاريخ إربل 1 / 203 - 206، وفيات الأعيان 4 / 69، 70، تذكرة الحفاظ 4 / 1283، الوافي بالوفيات 4 / 339، طبقات السبكي 6 / 174، 175، شذرات الذهب 4 / 123 (وفيات 539) .
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: 206 / 2.
(* *) تبيين كذب المفتري: 328، 329، المنتظم 10 / 110 - 112، الكامل في التاريخ 11 / 96، 97، مرآة الزمان 8 / 111، العبر 4 / 105، الوافي بالوفيات 4 / 323، 324، مرآة الجنان 3 / 269، طبقات السبكي 6 / 170 - 173، طبقات الاسنوي 1 / 107،
108، كشف الظنون 220، 1926، شذرات الذهب 4 / 118، هدية العارفين 2 / 88.(20/139)
المَعْرُوف بِابْنِ المُعْتَمِدِ.
كَانَ رَأْساً فِي الوَعظِ، فَصِيْحاً، عذب العبَارَة، حُلْو الإِيرَاد، ظرِيفاً، عَالِماً، كَثِيْر المَحْفُوْظ، صُوْفِيَّ الشَّارَة، جَيِّد التَّصنِيف.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْرَم، وَشِيْرَوَيْهِ الدَّيْلَمِيّ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنْ أَفرَاد الدَّهْر فِي الْوَعْظ، دَقِيق الإِشَارَة، وَكَانَ أَوحد وَقتِه فِي مَذْهَب الأَشْعَرِيّ، وَلَهُ فِي التَّصَوُّف قَدَمٌ رَاسخ، صَنّف فِي الحقيقَة كُتباً، مِنْهَا كِتَاب (كشف الأَسرَار) وَكِتَاب (بَيَان القَلْب) ، وَكِتَاب (بَث السِّرّ) ، وَكُلُّ كتبه نُكتٌ وَإِشَارَات، ظهر لَهُ الْقبُول التَّام بِبَغْدَادَ، وَكَانَ يَتَكَلَّم بِمَذْهَب الأَشْعَرِيّ، فَثَارت الحَنَابِلَة، فَأَمر المُسْترشد بِإِخرَاجه، فَلَمَّا وَلِي المُقْتَفِي رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، وَعَاد فَعَادت الفِتَنُ، فَأَخرجُوهُ إِلَى بَلَده (1) .
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ (2) : هُوَ أَجرَأُ مَنْ رَأَيْتُهُ لِسَاناً وَجَنَاناً، وَأَكْثَرهُم فِيمَا يُورد إِعرَاباً وَإِحسَاناً، وَأَسرعهُم جَوَاباً، وَأَسلسهُم خطَاباً، مَعَ مَا رُزِقَ بَعْدَ صِحَّةِ العقيدَةِ مِنَ الخِصَال الحمِيدَةِ، وَإِرشَاد الْخلق، وَبَذْلِ النَّفْس فِي نُصْرَة الحَقِّ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَمَاتَ مبطوناً شهيداً غرِيباً، لاَزمتُ مَجْلِسه، فَمَا رَأَيْتُ مِثْله وَاعِظاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْت فِي كِتَاب أَبِي بَكْرٍ المَارستَانِي، قَالَ: حَدَّثَنِي
__________
(1) انظر " طبقات " الاسنوي 1 / 108.
(2) في " تبيين كذب المفتري ": 328.(20/140)
قَاضِي القُضَاة أَبُو طَالِبٍ بنُ الحَدِيْثيِّ (1) ، قَالَ:
مرّ بِنَا أَبُو الفُتُوْحِ وَحَوْلَهُ خلق، مِنْهُم مَنْ يَصيح: لاَ نحرف ولاَ نصوب بَلْ عبَادَة، فَرجمه العوَامُّ حَتَّى تَرَاجَمُوا بِكَلْب مَيت، وَعظمت الفِتْنَة، لَوْلاَ قُرْبُهَا مِنْ بَاب النُّوْبِي، لَهلكَ جَمَاعَة، فَاتَّفَقَ جَوَاز عَمِيدِ بَغْدَاد مُوَفَّق الْملك، فَهَرَبَ مَنْ مَعَهُ، فَنَزَلَ، وَدَخَلَ إِلَى بَعْضِ الدَّكَاكِينِ، وَأَغلقهَا، ثُمَّ اجْتَمَع بِالسُّلْطَانِ، فَحكَى لَهُ، فَأَمر بِالقبضِ عَلَى أَبِي الفُتُوْحِ وَتَسفِيرِهِ إِلَى هَمَذَان، ثُمَّ إِلَى إِسْفَرَايِيْنَ، وَأَشْهَد عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ مِنْهَا، فَدمُهُ هدر.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: أُزعِجَ عَنْ بَغْدَاد، فَأَدْرَكه المَوْت بِبِسْطَامَ، فِي ثَانِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَدُفِنَ بِجنب الشَّيْخ أَبِي يَزِيْدَ البِسْطَامِي.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي (الْمُنْتَظِم (2)) : قَدِمَ السُّلْطَان مَسْعُوْد بَغْدَاد وَمَعَهُ الحَسَنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيّ الحَنَفِيّ، أَحَدُ المُنَاظرِيْنَ، فَجَالَستُه، فَجَلَسَ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَكَانَ يَلعن الأَشْعَرِيّ جهراً، وَيَقُوْلُ: كُن شَافِعِياً وَلاَ تَكُنْ أَشعرِياً، وَكُنْ حَنفِياً وَلاَ تَكُنْ مُعْتَزِلياً، وَكُنْ حَنْبَلياً، وَلاَ تَكُنْ مُشبِّهاً.
وَكَانَ عَلَى بَابِ النِّظَامِيَّة اسْم الأَشْعَرِيّ، فَأَمر السُّلْطَان بِمحوِهِ، وَكَتَبَ مَكَانَهُ: الشَّافِعِيّ، وَكَانَ الإِسْفَرَايِيْنِي يَعظ فِي رِبَاطه، وَيذكر مَحَاسِن مَذْهَب الأَشْعَرِيّ، فَتقع الخُصُومَاتُ، فَذَهَبَ الغَزْنَوِيّ، فَأَخبر السُّلْطَانَ بِالفِتَنِ، وَقَالَ: إِنَّ أَبَا الفُتُوْح صَاحِبُ فِتْنَةٍ، وَقَدْ رُجم غَيْرَ مَرَّةٍ، وَالصَّوَاب إِخرَاجه.
فَأُخْرِجَ، وَعَاد الحَسَن النَّيْسَابُوْرِيّ إِلَى وَطَنه، وَقَدْ كَانَتِ اللَّعْنَة قَائِمَة فِي
__________
(1) نسبة إلى الحديثة: بلدة على الفرات، وأبو طالب هذا هو روح بن أحمد بن محمد البغدادي الحديثي، متوفى سنة 570 هـ، ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (7) .
(2) 10 / 106 - 108 و110.(20/141)
الأَسواقِ، وَكَانَ بَيْنَ الإِسْفَرَايِيْنِي وَبَيْنَ الوَاعِظِ أَبِي الحَسَنِ الغَزْنَوِيِّ شَنآن، فَنُوْدِيَ فِي بَغْدَادَ أَنْ لاَ يَذْكُرَ أَحَدٌ مَذْهَباً.
قُلْتُ: لَمَّا سَمِعَ ابْنُ عَسَاكِرَ بِوَفَاةِ الإِسْفَرَايِيْنِي، أَملَى مَجْلِساً فِي المَعْنَى، سَمِعْنَاهُ بِالاتِّصَالِ، فَيَنْبَغِي لِلمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعيذَ مِنَ الفِتَنِ، وَلاَ يَشغَبَ بِذِكرِ غَرِيْبِ المَذَاهِبِ لاَ فِي الأُصُوْلِ وَلاَ فِي الفُرُوْعِ، فَمَا رَأَيْتُ الحركَةَ فِي ذَلِكَ تُحَصِّلُ خَيْراً، بَلْ تُثِيرُ شَرّاً وَعَدَاوَةً وَمَقْتاً لِلصُّلحَاءِ وَالعُبَّادِ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، فَتمسَّكْ بِالسّنَة، وألزم الصَّمْت، وَلاَ تَخضْ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ، وَمَا أَشكلَ عَلَيْكَ فَرُدَّهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِه، وَقِفْ، وَقُلْ: اللهُ وَرَسُوْلُه أَعْلَمُ.
85 - شُرَيْحُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شُرَيْحِ بنِ أَحْمَدَ الرُّعَيْنِيُّ *
ابْنِ مُحَمَّدِ بنِ شُرَيْح بن يُوْسُفَ بنِ شُرَيْحٍ، الشَّيْخ، الإِمَام الأَوْحَدُ، المُعَمَّر، الخَطِيْب، شَيْخ المُقْرِئِين وَالمُحَدِّثِيْنَ، أَبُو الحَسَنِ الرُّعَيْنِيّ، الإِشْبِيْلِيّ، المَالِكِيّ، خطيب إِشْبِيْلِيَةَ.
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
تَلاَ عَلَى: وَالِدِهِ العَلاَّمَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بِكِتَابِه (الكَافِي) فِي السَّبْعِ، وَحَمَلَ عَنْهُ عِلْماً كَثِيْراً، وَأَجَازَ لَهُ مَرْوِيَّاته أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِي.
وَسَمِعَ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْظُوْر صَاحِب أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيِّ، وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ البَاجِي، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ خَزْرَج، وَطَائِفَة.
__________
(*) الصلة 1 / 234، 235، بغية الملتمس: 318، العبر 4 / 107، معرفة القراء الكبار 1 / 397، 398، دول الإسلام 2 / 57، غاية النهاية 1 / 324، 325، النجوم الزاهرة 5 / 276، بغية الوعاة 2 / 3، شذرات الذهب 4 / 122.(20/142)