(الجَعْدِيَّات (1)) ، عَنِ ابْنِ أَبِي شُرَيْح (2) ، وَأَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَسْعُوْدٍ الجُذَامِيّ البزليَانِي القَاضِي؛ صَاحِب ابْنِ زَرب وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مُفَرِّج عَنْ مائَة سَنَةٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيّ بن عُثْمَانَ الأَزْدِيّ المِصْرِيّ (3) ، وَمُقْرِئ مِصْر أَبُو الحُسَيْنِ نَصْرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيّ، وَمُحَدِّثُ بُخَارَى عُمَرُ بنُ مَنْصُوْرٍ البَزَّاز (4) ، وَأَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ الكَاتِب وَقَدْ شَاخَ، وَالمُظَفَّرُ بنُ الحَسَنِ سِبْطُ ابْنِ لاَل (5) الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ عبدُ البَاقِي بن مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيّ صهر هبَة، وَأَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ؛ رَوَى عَنْ: أَحْمَدَ السُّوْسَنْجِرِدِيّ، وَمُخْتَارِ بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ النَّجَّار؛ أَحَد الشُّعَرَاء، وَالقُدْوَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ البَرَدَانِي زَاهِدُ بَغْدَاد.
131 - القَاضِي حُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المَرُّوْذِيُّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة بِخُرَاسَانَ، أَبُو عَلِيٍّ
__________
(1) هي اثنا عشر جزءا جمع أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي لحديث شيخ بغداد أبي الحسن علي بن الجعد بن عبيد الهاشمي مولاهم المتوفى سنة 230 هـ عن شيوخه مع تراجمهم وتراجم شيوخهم.
(2) هو الامام أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي شريح الأنصاري، المتوفى سنة 392. وقد مرت ترجمته في الجزء السادس عشر.
(3) تقدمت ترجمته برقم (126) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (81) .
(5) هو الامام أبو بكر أحمد بن علي بن لال الهمذاني المتوفى سنة (398) وقد تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (41) .
(*) طبقات العبادي: 112، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 164، وفيات الأعيان 2 / 134 - 135، العبر 3 / 249، دول الإسلام 1 / 271، الوافي خ: 11 / 107، مرآة الجنان 3 / 85، طبقات السبكي 4 / 356 - 365، طبقات الاسنوي 1 / 407 - 408، تبصير المنتبه 4 / 1357، طبقات ابن هداية الله: 163 - 164، كشف الظنون 1 / 424، 517، شذرات الذهب 3 / 310، إيضاح المكنون 2 / 188.(18/260)
المَرُّوْذِيُّ (1) .
وَيُقَالُ: لَهُ أَيْضاً المَرْوَرُّوْذِيّ (2) الشَّافِعِيّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ سِبْط الحَافِظ أَبِي عوَانَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ المَنِيْعِيّ، وَمُحيِي السُّنَّة البَغَوِيّ، وَجَمَاعَة، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الوُجُوه فِي المَذْهَب.
تَفقَّه بِأَبِي بَكْرٍ القفَال المَرْوَزِيّ.
وَلَهُ: (التعليقَة الكُبْرَى (3)) ، وَ (الفتَاوَى) ، وَغَيْر ذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بحَبْر الأُمَّة.
وَمِمَّا نقل فِي (التعليقَة) أَنَّ البَيْهَقِيّ نَقلَ قَوْلاً لِلشَّافعِيّ: أَنَّ المُؤَذِّن إِذَا ترك التَّرْجِيع فِي أَذَانه لَمْ يَصحَّ أَذَانُه (4) .
وَقِيْلَ: إِنَّ إِمَام الحَرَمَيْنِ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَيْضاً (5) . وَمِنْ أَنبل تَلاَمِذته مُحيِي
__________
(1) في الأصل: " المروزي " بالزاي، وهو خطأ، وما أثبت هو الصواب كما في " تبصير المنتبه " 4 / 1357، إذ النسبة إلى مرو الروذ - وهي بلد صاحب هذه الترجمة - مروذي بضم الراء المشددة وبالذال، ويقال: المروروذي كما ذكر المؤلف، وأما المروزي بالزاي، فهي نسبة إلى مرو الشاهجان، وكلاهما مدينتان بخراسان.
وانظر " معجم البلدان " 5 / 112.
(2) ذكر النووي أن الراء الثانية تلفظ مشددة ومخففة، انظر " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 164.
(3) قال النووي في " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 164: " وما أجزل فوائده، وأكثر فروعه المستفادة ولكن يقع في نسخه اختلاف، وكذلك تعليق الشيخ أبي حامد ".
وقد علق على كلامه هذا الاسنوي بقوله: وللقاضي في الحقيقة تعليقان، يمتاز كل واحد منهما على الآخر بزوائد كثيرة، وسببه اختلاف المعلقين عنه، ولهذا نقل ابن خلكان في ترجمة أبي الفتح الارغياني أن القاضي حسين قال في حقه: ما علق أحد طريقتي مثله. وقد وقع لي التعليقان بحمد الله تعالى. " طبقات الشافعية " 1 / 408 وفيه أيضا بعض مصنفات القاضي حسين.
(4) انظر " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 165، قال النووي: المذهب الصحيح أن الاذان لا يبطل بتركه، ولكن يتأكد المحافظة عليه، وقد أوضحته بدلائله في " شرح المهذب ".
(5) انظر " طبقات " السبكي 4 / 357.(18/261)
السّنَّة (1) صَاحِب (التَّهْذِيب) .
مَاتَ القَاضِي حُسَيْن: بِمَرْو الرُّوْذ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) .
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سِيَاوش الكَازرُوْنِيّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الصَّمد اللبَّاد المُقْرِئ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ التِّنِّيْسِيّ ابْن النَّحَّاسِ، وَوَالِد قَاضِي المَارستَان، وَعَبْدُ (3) اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كُبَيْبَة الدِّمَشْقِيّ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَهْل الوَاسِطِيّ ابْنُ الخَالَة (4) ، وَالمُفْتِي مُحَمَّدُ بنُ عتاب بقُرْطُبَة (5) ، وَأَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الغَرَّاء بِبَيْتِ المَقْدِس، وَصَاحِبُ الْغرب أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ اللَّمْتونِي (6) .
132 - ابْنُ الدَّجَاجِيِّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الأَمِيْنُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ
__________
(1) وكتابه " التهذيب " في الفروع تأليف محرر مهذب، مجرد عن الأدلة غالبا، لخصه من تعليق شيخه القاضي حسين، وزاد فيه ونقص، وهو مشهور عند الشافعية يفيدون منه، وينقلون عنه، ويعتمدونه في كثير من المسائل يقع في أربعة مجلدات ضخام، يوجد منه المجلد الرابع في ظاهرية دمشق تحت رقم (292) فقه شافعي يرجع تاريخ نسخه إلى سنة 599 هـ.
(2) وقد ذكر النووي في آخر ترجمة القاضي حسين فائدة يجدر ذكرها وهي قوله: " واعلم أنه متى أطلق " القاضي " في كتب متأخري الخراسانيين كالنهاية والتتمة والتهذيب وكتب الغزالي ونحوها فالمراد القاضي حسين، ومتى أطلق " القاضي " في كتب متوسط العراقيين فالمراد القاضي أبو حامد المروروذي، ومتى أطلق في كتب الأصول لاصحابنا فالمراد القاضي أبو بكر الباقلاني الامام المالكي في الفروع، ومتى أطلق في كتب المعتزلة أو كتب أصحابنا الاصوليين حكاية عن المعتزلة فالمراد به القاضي الجبائي والله أعلم ".
(3) كذا في الأصل: عبد الله، وفي " تبصير المنتبه " 3 / 1185: " عبيد الله " مصغرا.
(4) تقدمت ترجمته برقم (111) .
(5) سترد ترجمته برقم (152) .
(6) سترد ترجمته برقم (216) .
(*) تاريخ بغداد 3 / 108، الإكمال، 4 / 208، الأنساب 5 / 282، اللباب 1 / 492، تذكرة الحفاظ 3 / 1131، المشتبه 1 / 335، العبر 3 / 254 - 255، الوافي بالوفيات 4 / 136 - 137، تبصير المنتبه 2 / 657، شذرات الذهب 3 / 314.(18/262)
حَسَنٍ (1) ، ابْنُ الدَّجَاجِيِّ، البَغْدَادِيُّ، مُحتَسِب (2) بَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ عُمَرَ الحَرْبِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ مَعْرُوف، وَإِسْمَاعِيْل ابْن سُوَيْد، وَطَائِفَة.
وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنَ المُعَافَى بن زَكَرِيَّا.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، وَشُجَاعٌ الذُّهْلِيّ، وَنَاصِرُ بنُ عَلِيٍّ البلاَقلاَّنِي، وَطَلْحَةُ بنُ أَحْمَدَ العَاقولِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي الأَنْصَارِيّ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ سَمَاعُه صَحِيْحاً، مَاتَ فِي سَلْخ شَعْبَان سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (3) .
وَلِي الحِسْبَة، فَلَمْ يُحمَد فَصُرِف (4) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: قَرَأْتُ بِخَط هِبَةِ اللهِ السَّقَطِيّ أَن ابْن الدَّجَاجِي كَانَ ذَا وَجَاهَة وَتَقَدُّمٍ وَحَالٍ وَاسِعَة، وَعهدي بِهِ وَقَدْ أَخنَى عَلَيْهِ الزَّمَانُ، وَقَصدتُهُ فِي جَمَاعَةٍ مُثْرِيْنَ لنَسْمَع مِنْهُ وَهُوَ مَرِيْض، فَدَخَلْنَا وَهُوَ عَلَى بارِيَّةٍ (5) ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ قَدْ حَرَّقَتِ النَّارُ فِيْهَا، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُسَاوِي دِرْهَماً، فَحَمَلَ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى قرَأَنَا عَلَيْهِ بِحَسب شَرَهِ أَهْل الحَدِيْث، فَلَمَّا خَرَجْنَا قُلْتُ: هَلْ مَعَكُم مَا نصرفُهُ إِلَى الشَّيْخ؟
فَاجتمع لَهُ نَحْو خَمْسَةِ مثَاقيل، فَدعوتُ بِنْتَهُ، وَأَعْطيتهَا، وَوقفت لأَرَى تسليمهَا لَهُ، فَلَمَّا أَعْطته؛ لطم حُرَّ وَجهه، وَنَادَى: وَافضيحتَاهُ: آخذُ عَلَى حَدِيْث رَسُوْل
__________
(1) في " تاريخ بغداد ": محمد بن علي بن الحسن.
(2) نسبة إلى الحسبة، وهي من وظائف الدولة الإسلامية، ويراد بها مراقبة السوق في موازينه ومكاييله وأسعاره، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(3) " تاريخ بغداد " 3 / 108.
(4) انظر " الوافي " 4 / 137.
(5) البارية: الحصيرة.(18/263)
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عوضاً؟ لاَ وَاللهِ.
وَنهض حَافِياً إِلَيَّ، وَبَكَى، فَأَعدتُ الذَّهب إِلَيْهِم، فَتَصَدَّقُوا بِهِ (1) .
133 - الفُوْرَانِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فُوْرَانَ *
العَلاَّمَةُ، كَبِيْرُ الشَّافِعِيَّة، أَبُو القَاسِمِ (2) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فُوْرَان المَرْوَزِيُّ الفَقِيْهُ، صَاحِبُ أَبِي بَكْرٍ القَفّالِ.
لَهُ المُصَنّفَات الكَبِيْرَة فِي المَذْهَب.
وَكَانَ سَيِّد فُقَهَاء مَرْو.
وَسَمِعَ: عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ الطَّيْسَفُونِي (3) ، وَالقفَالَ المَرْوَزِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ المَرْوَزِيّ، وَعبدُ الْمُنعم بن أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَزَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، وَآخَرُوْنَ.
صَنّف كِتَاب (الإِبَانَة) وَغَيْر ذَلِكَ (4) .
وَهُوَ شَيْخُ الفَقِيْه أَبِي سَعْدٍ المُتولّي (5) ، صَاحِب (التتمَة) - يَعْنِي: تَتمَة كِتَاب (
__________
(1) الخبر مختصر جدا في " المنتظم " 8 / 271.
(*) الأنساب 9 / 341، اللباب 2 / 444، الكامل في التاريخ 10 / 68، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 280 - 281 طبقات النووي: الورقة 89، وفيات الأعيان 3 / 132، المختصر في أخبار البشر 2 / 187، العبر 3 / 247، تتمة المختصر 1 / 563، مرآة الجنان 3 / 84، طبقات السبكي 5 / 109 - 115، طبقات الاسنوي 2 / 255 - 256، طبقات ابن قاضي شهبة 1 / 265، البداية والنهاية 12 / 98، لسان الميزان 3 / 433 - 434، طبقات ابن هداية الله: 162 - 163، كشف الظنون: 1، 84، 1441، شذرات الذهب 3 / 309، هدية العارفين 1 / 517.
والفوراني بضم الفاء وسكون الواو وفتح الراء وبعد الالف نون، نسبة إلى جده فوران.
وقد تحرفت في " المختصر " إلى " الغوراني " بالغين.
(2) في " كشف الظنون ": " أبو إسحاق " وهو خطأ.
(3) نسبة إلى طيسفون، وهي قرية من قرى مرو على فرسخين منها " الأنساب " 8 / 291، وقد تحرفت في " لسان الميزان " 3 / 434 إلى الطسورتي.
(4) انظر " هدية العارفين " 1 / 517.
(5) سترد ترجمته برقم (306) .(18/264)
الإِبَانَة) - فَالتتمَةُ كَالشرح لِلإِبَانَة.
وَقَدْ أَثْنَى أَبُو سَعْدٍ المُتولِّي عَلَى الفُورَانِي فِي خُطبَة كِتَاب (التتمَة) ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَيْضاً مُحيِي السُّنَّة البَغَوِيّ.
وَكَانَ إِمَامُ الحَرَمَيْنِ يَحُطُّ عَلَى الفُورَانِي، حَتَّى قَالَ فِي بَاب الأَذَان: هَذَا الرَّجُلُ غَيْرُ مَوْثُوق بِنَقْلِهِ (1) .
وَقَدْ نَقَمَ الأَئِمَّة عَلَى إِمَام الحَرَمَيْنِ ثَورَانَ نَفْسِه عَلَى الفُورَانِي، وَمَا صَوَّبُوا صُوْرَة حَطِّهِ عَلَيْهِ، لأَن الفُورَانِي مِنْ أَسَاطين أَئِمَّة المَذْهَب.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى (2) وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَقَدْ شَاخَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
134 - المَنِيْعِيُّ أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ حَسَّانٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الحَاجُّ، الرَّئِيْسُ، أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بنُ سَعِيْدِ بنِ حَسَّانِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ منِيعِ بنِ خَالِدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَيْفِ
__________
(1) قال السبكي في " الطبقات " 5 / 110: والذي أقطع به أن الامام لم يرد تضعيفه في النقل من قبل كذب معاذ الله، وإنما الامام كان رجلا محققا مدققا يغلب بعقله على نقله، وكان الفوراني رجلا نقالا، فكان الامام يشير إلى استضعاف تفقهه، فعنده أنه ربما أتي من سوء الفهم في بعض المسائل، هذا أقصى ما لعل الامام يقوله.
وبالجملة ما الكلام في الفوراني بمقبول، وإنما هو علم من أعلام هذا المذهب، وقد حمل عنه العلم جبال راسيات وأئمة ثقات، وقد كان من التفقه أيضا بحيث ذكر في خطبة " الابانه " أنه يبين الاصح
من الأقوال والوجوه، وهو من أقدم المنتدبين لهذا الامر.
وقال ابن خلكان في " الوفيات " 3 / 132: وسمعت بعض فضلاء المذهب يقول: إن إمام الحرمين كان يحضر حلقته وهو شاب يومئذ، وكان الفوراني لا ينصفه، ولا يصغي إلى قوله لكونه شابا، فبقي في نفسه منه شيء، فمتى قال في " نهاية المطلب ": وقال بعض المصنفين كذا وغلط في ذلك، وشرع في الوقوع فيه، فمراده أبو القاسم الفوراني.
(2) في " الكامل " و" المختصر " و" تتمة المختصر ": وفاته سنة ثلاث وستين.
(*) الأنساب: " المنيعي "، المنتظم 8 / 270، اللباب 3 / 265 - 266، الكامل في التاريخ 10 / 69، معجم البلدان 5 / 217، تذكرة الحفاظ 3 / 1131، العبر 30 / 253 - 254، الوافي 11 / 362، مرآة الجنان، 3 / 87، طبقات السبكي 4 / 299 - 302، البداية والنهاية 12 / 103 - 104، شذرات الذهب 3 / 313 - 314 (*) .(18/265)
اللهِ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ المَخْزُوْمِيُّ الخَالِدِيُّ، المَنِيْعِيُّ، المَرْوَرُّوْذِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا طَاهِرٍ بنَ مَحْمِش، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ حَبِيْبٍ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ السقا، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: مُحيِي السُّنَّة أَبُو مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، وَعبدُ الْمُنعم بنُ القُشَيْرِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن شَاه، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عبدُ الغَافِر: هُوَ الرَّئِيْس أَبُو عَلِيٍّ الحَاجِّي (1) ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ المَحْمُوْدُ بِالخِصَال السَّنِيَّة، عَمَّ الآفَاق بخيرِهِ وَبِرِّهِ، وَكَانَ فِي شبَابِهِ تَاجراً، ثُمَّ عَظُمَ حَتَّى كَانَ مِنَ المُخَاطبين مِنْ مَجَالِس السّلاَطين، لَمْ يَسْتَغنُوا عَنْ رَأيه، فَرغب إِلَى الخيرَات، وَأَنَاب إِلَى التَّقْوَى، وَبَنَى المَسَاجِد وَالرباطَات وَجَامِع مَرْوَ الرُّوْذ، يَكسُو فِي الشِّتَاء نَحْواً مِنْ أَلف نَفْس، وَسعَى فِي إِبطَال الأَعشَار عَنْ بَلَده، وَرَفَعَ الوظَائِف عَنِ القُرَى، وَاسْتدعَى صَدَقَة عَامَّةً عَلَى أَهْلِ البَلَد غَنِيِّهم وَفقيرِهِم، فَتُدفع إِلَى كُلّ وَاحِد خَمْسَة درَاهم، وَتَم ذَلِكَ بَعْدَهُ، وَكَانَ ذَا تَهجد وَصيَام وَاجْتِهَاد (2) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ فِي شبَابه يَجْمَعُ بَيْنَ الدَّهْقنَة وَالتجَارَة، وَيسلكُ طَرِيْق الفتيَان حَتَّى سَاد، وَلَمَّا تَسلطن سَلْجُوْق، ظهر أَمرُهُ، وَبَنَى الجَامِع بِبلده، ثُمَّ بَنَى الجَامِع الْجَدِيد بِنَيْسَابُوْرَ (3) .
وَقِيْلَ: إِنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ بِثَوْبٍ ليُنفق ثَمَنه فِي بنَاء الجَامِع، يُسَاوِي نِصْف
__________
(1) ذكر السبكي، أن الحاجي بلغة العجم نسبة إلى من حج إلى بيت الله الحرام، انظر " طبقات " السبكي 4 / 299، وانظر تعليق المعلمي اليماني على " الأنساب " 4 / 13.
(2) انظر " المنتظم " 8 / 270، و" الكامل " 10 / 69، و" طبقات " السبكي 4 / 301.
(3) ويسمى الجامع المنيعي كما في " معجم البلدان " 5 / 217.(18/266)
دِيْنَار، فَاشترَاهُ مِنْهَا بِأَلفِ دِيْنَار، وَسَلَّمتِ المَال إِلَى الخَازن لإِنفَاقه، وَخَبَّأَ الثَّوْب كفناً لَهُ (1) .
وَقِيْلَ: مرَّ السُّلْطَانُ بِبَابِ مَسْجده، فَنَزَلَ مُرَاعَاةً لَهُ، وَسلم عَلَيْهِ (2) .
وَمَنَاقِبه جَمَّة.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
135 - النَّخْشَبِيُّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الرَّحَّال، المُفِيْد، عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَاصِمٍ النَّسَفِيُّ.
وَنَسَف: هِيَ نَخْشَب (3) .
صحب الحَافِظ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ المُسْتغفرِي، وَأَكْثَر عَنْهُ، وَأَدْرَكَ بِبَغْدَادَ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الحَرَّانِيّ، وَبِأَصْبَهَانَ أَبَا بَكْرٍ بنَ رِيْذَةَ، وَبِدِمَشْقَ وَالأَقَالِيم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي العَلاَءِ، وَسَهْلُ بنُ بِشْرٍ الإِسفرَايينِي، وَطَائِفَة.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَأَلْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظ عَنْهُ، فَجَعَلَ يُعَظِّمُه جِدّاً، وَيَقُوْلُ: ذَاكَ النَّخْشَبِيّ، ذَاكَ النَّخْشَبِيّ، كَانَ حَافِظاً كَثِيْراً (4) .
__________
(1) انظر " طبقات " السبكي 4 / 300.
(2) انظر " المنتظم " 8 / 270، و" الكامل " 10 / 69.
(*) معجم البلدان 1 / 175 و5 / 276، تذكرة الحفاظ 3 / 1156 - 1157، العبر 3 / 237، طبقات الحفاظ: 437، شذرات الذهب 3 / 297.
(3) وهي من مدن ما وراء النهر بين جيحون وسمرقند. وقد زاد ابن العماد في " شذراته " نسبة أخرى للمترجم وهي الاستغداديزي، نسبة إلى أستغداديزة، من قرى نسف، وقد ذكره ياقوت فيها وفي " نخشب ".
(4) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1156.(18/267)
وَقَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ المُؤتمن السَّاجِيّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ النَّخْشَبِيّ، فَقَالَ: كَانَ الحُفَّاظُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ يُحسنُوْنَ الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَيَرْضَوْنَ فَهمه.
حصل لَهُ بِمِصْرَ وَمَا وَالاَهَا الإِسْنَاد (1) .
وَقَالَ الحَافِظُ يَحْيَى بن مَنْدَة: كَانَ أَوحدَ زَمَانِه فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، لَمْ نَرَ مِثْله فِي الحِفْظِ فِي عصرنَا، دقيقَ الخَطِّ، سرِيعَ الكِتَابَة وَالقِرَاءة، حسنَ الأَخلاَق.
ثُمَّ قَالَ: تُوُفِّيَ بِنَخْشَب سَنَة سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) .
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: مَاتَ سَنَةَ سِتّ (3) بنخشب.
وَقِيْلَ: مَاتَ بِسَمَرْقَنْدَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَندَة: قَدِمَ عَلَيْنَا فِي سَنَةِ (433) ، ضرَبه القَاضِي الخُطَبِيّ بِسَبَب الإِمَام أَبِي حَنِيْفَةَ، رَأَيْتُ بعينِي علاَمَة الضَّرب عَلَى ظَهْرِهِ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَة سَنَة سبعٍ.
كَانَ يَنْزِل فِي دَارنَا، وَيبَيْتُ مَعَ أَبِي (4) .
136 - الحَسْكَانِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ المُحَدِّثُ، البَارِعُ، القَاضِي، أَبُو القَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1156.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1157.
(3) وكذا ذكر ياقوت في " معجمه " 5 / 276، وأورد قولا آخر بوفاته سنة 452، ولكنه ذكر في ترجمته في نخشب 1 / 175 أنه توفي سنة 459، قال: وقيل سنة 457.
ويظهر أن المؤلف رجح وفاته سنة ست، فذكره في وفيات هذه السنة في ترجمة: ابن النرسي رقم (37) ، وابن برهان رقم (64) ، والخشاب رقم (83) ، وابن حزم رقم (99) .
(4) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1157.
(*) تذكرة الحفاظ 3 / 1200 - 1201، الجواهر المضية 2 / 496 - 497، تاج التراجم: 40، الطبقات السنية برقم: 1377.
والحسكاني: ضبطها المؤلف في الأصل و" المشتبه " بفتح الحاء، وضبطها ابن أبي الوفا القرشي في قسم أنساب " الجواهر المضية " بضمها.(18/268)
بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسْكَانَ القُرَشِيُّ، العَامِرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الحَنَفِيُّ، الحَاكِمُ.
وَيُعْرَفُ أَيْضاً بِابْنِ الحَذَّاء، مِنْ ذُرِّيَّة الأَمِيْر الَّذِي افْتَتَحَ خُرَاسَان؛ عَبْدِ اللهِ بن عَامِرِ بنِ كُرَيْز.
حَدَّثَ عَنْ: جَدِّهِ، وَعَنْ أَبِي الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَأَبِي طَاهِر بن مَحْمِش، وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ، وَابْنِ فَنْجُويه الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ بن السقَّا، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عبدَان، وَخَلْقٍ، إِلَى أَنْ يَنْزِل إِلَى أَبِي سَعْدٍ الكنجروذِي، وَطَبَقَتِهِ.
اختصَّ بصحبَة أَبِي بَكْرٍ بنِ الحَارِثِ النَّحْوِيّ، وَلاَزَمَهُ، وَأَخَذَ أَيْضاً عَنِ الحَافِظ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ مَنْجَوَيْه.
وَتَفَقَّهَ بِالقَاضِي صَاعِد بن مُحَمَّد.
وَصَنَّفَ وَجَمَعَ، وَعُنِي بِهَذَا الشَّأْن.
لاَزمه الحَافِظ عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَكْثَر عَنْهُ، وَأَوْرَدَه فِي (تَارِيْخِهِ) ، لَكِنِّي مَا وَجَدْتُهُ أَرَّخ مَوْتَه، وَالظَّاهِر أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى بَعْد السَّبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَجيهٌ الشحَّامِي فِي (مَشيخَتِهِ) حَدِيْثاً، يَرْوِيْهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ بن بامُويه.
- أَمَّا
: أَبُو سَعْدٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَسْكُوَيْه
فَشيخٌ كَانَ حيّاً بَعْد الثَّمَانِيْنَ وَأَرْبَع مائَة.
يَرْوِي عَنْهُ: عبدُ الخَالِق بنُ زَاهِر الشحَّامِي، وَيَرْوِي(18/269)
وَالِده (1) أَيْضاً عَنْ وَالِدِهِ عَبْدِ اللهِ صَاحِبِ أَبِي الحُسَيْنِ الخفَّافِ.
137 - الخَطِيْبُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ *
الإِمَامُ الأَوْحَدُ، العَلاَّمَةُ المُفْتِي، الحَافِظُ النَّاقِدُ، مُحَدِّثُ الوَقْتِ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَهْدِيٍّ البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَخَاتمَةُ الحُفَّاظ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو الحَسَنِ خَطِيْباً بقَرْيَة دَرْزِيجَان (2) ، وَمِمَّنْ تَلاَ القُرْآن عَلَى
__________
(1) أي والد عبد الخالق الشحامي يروي عن والد ابن حسكويه، وسقط لفظ " والده " من الأصل، واستدرك من " تذكرة الحفاظ " 3 / 1201، ونصه فيه: " ووالده أبو بكر صاحب الخفاف فشيخ لوالد عبد الخالق بن زاهر " اه.
ووالد ابن حسكويه وهو عبد الله بن محمد بن أحمد بن حسكويه أبو بكر النيسابوري، متوفى سنة 453، ترجمه الخطيب في " تاريخ بغداد " 10 / 146.
(*) الأنساب: 5 / 151، تبيين كذب المفتري: 268 - 271، تاريخ دمشق 2 / 7 / 12 - 1، فهرست ابن خير: 181 - 182، المنتظم 8 / 265 - 270، معجم الأدباء 4 / 13 - 45، الاستدراك لابن نقطة: 1 / ورقة 4 / ب - 5 / أ، اللباب 1 / 453 - 454، الكامل في التاريخ 10 / 68، وفيات الأعيان 1 / 92 - 93، المختصر في أخبار البشر 2 / 187، دول الإسلام 1 / 273، تذكرة الحفاظ 3 / 1135 - 1146، العبر 3 / 253، تذكرة الحفاظ لابن عبد الهادي: 4 / 2، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 54 - 61، تتمة المختصر 1 / 564، الوافي 7 / 190 - 199، مرآة الجنان 3 / 87، طبقات السبكي 4 / 29 - 39، طبقات الاسنوي 1 / 201، 203، البداية والنهاية 12 / 101 - 103، النجوم الزاهرة 5 / 87 - 88، طبقات الحفاظ: 434 - 436، تاريخ الخميس 2 / 358، طبقات ابن هداية الله: 164 - 166، كشف الظنون: 10، 209، 288 و2 / 1637، شذرات الذهب 3 / 311 - 312، روضات الجنات: 78 - 79، إيضاح المكنون: 1 / 30، 80، هدية العارفين 1 / 79، الرسالة المستطرفة: 52، تهذيب ابن عساكر 1 / 399 - 402، تأنيب الخطيب للكوثري، الفهرس التمهيدي 165 و370، موارد الخطيب للعمري: 11 - 84، الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها ليوسف العش.
(2) قال ياقوت: هي قرية كبيرة تحت بغداد على دجلة بالجانب الغربي، وأصلها درريندان، فعربت على درزيجان.
وقد تحرفت في " البداية والنهاية " 12 / 101 إلى درب ريحان، وفي " تهذيب ابن عساكر " إلى " دريحان "، والخبر بنحوه في " معجم البلدان " 2 / 450.(18/270)
أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِي، فَحَضَّ وَلدَه أَحْمَدَ عَلَى السَّمَاع وَالفِقْهِ، فَسَمِعَ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَارْتَحَلَ إِلَى البَصْرَةِ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَإِلَى نَيْسَابُوْرَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَإِلَى الشَّامِ وَهُوَ كَهل، وَإِلَى مَكَّةَ، وَغَيْر ذَلِكَ.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَتَقدَّمَ فِي هَذَا الشَّأْن، وَبَذَّ الأَقرَان، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَصحَّح، وَعلَّلَ وَجرَّحَ، وَعدَّلَ وَأَرَّخ وَأَوضح، وَصَارَ أَحْفَظَ أَهْلِ عصره عَلَى الإِطلاَق.
سَمِعَ: أَبَا عُمَر بن مَهْدِيّ الفَارِسِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ المُتَيَّم، وَحُسَيْنَ بنَ الحَسَنِ الجوَالِيقِي ابْن العرِيف يَرْوِي عَنِ ابْنِ مَخْلَد العَطَّار، وَسَعْدَ بنَ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيّ سَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الحصَائِرِي (1) ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ ابْني مُحَمَّدٍ السُّتُورِي (2) حَدَّثَهُ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ الصَّفَّار (3) ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مَخْلَدِ بنِ جَعْفَرٍ البَاقِرحِي (4) ، وَأَبَا (5) الْفرج مُحَمَّدَ بنَ فَارِس الغُورِي، وَأَبَا الفَضْل عبدَ الوَاحِد بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّمِيْمِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بن أَبَانٍ الهيتِي (6) ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ بنِ عِيْسَى الحَطِرَانِي (7) ،
__________
(1) وهو أبو علي الحسن بن حبيب الدمشقي الحصائري.
قال في " التوضيح " 1 / 205 / 2: ويقال فيه: الحصري، وقد مرت ترجمته في الجزء الخامس عشر، رقم (206) .
(2) المتوفى سنة 415 هـ، ترجمه السمعاني في " الأنساب " 7 / 41.
والستوري إما نسبة إلى حفظ الستور والبوابية على ما جرت به عادة الملوك، أو حمل أستار الكعبة.
(3) وهو إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار: مرت ترجمته في الجزء الخامس عشر.
رقم (250) .
(4) المتوفى سنة 410 هـ كما ذكر المؤلف في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1051.
وتحرفت الباقرحي في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1136 إلى الباخرحي.
(5) في الأصل " وأبي " وهو خطأ، لان أبا الفرج هذا هو شيخ الخطيب، فهو معطوف على المشايخ الذين سمعهم الخطيب.
وكذلك ورد هذا الخطأ في لفظي " وأبا " التاليين في أبي الفضل عبد الواحد وأبي بكر محمد بن عبد الله.
(6) نسبة إلى هيت، وهي مدينة على الفرات فوق الانبار. " اللباب " 3 / 397.
(7) ضبط في الأصل بفتح الحاء وكسر الطاء، وضبطه السمعاني بكسر الحاء وسكون الطاء، ثم أورد ترجمة محمد بن عمر بن عيسى الحطراني هذا دون أن يذكر أصل هذه النسبة. " الأنساب " 4 / 169.(18/271)
حَدثهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَلَدِي، وَأَبَا (1) نَصْر أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَسَنُوْنَ النَّرْسِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ الحَسَنَ بنَ الحَسَنِ بنِ المُنْذِر، وَالحُسَيْنَ بنَ عُمَرَ بن بَرْهَان، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ رَزْقُوَيْه، وَأَبَا الفَتْح هِلاَلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَفَّار، وَأَبَا الفَتْح بنَ أَبِي الفوَارس، وَأَبَا العَلاَء مُحَمَّدَ بن الحَسَنِ الوَرَّاق، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان.
وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَكتب عَنْ عبد الصَّمد بن المَأْمُوْنِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، بَلْ نَزل إِلَى أَنْ رَوَى عَنْ تَلاَمِذتِهِ كَنَصر المَقْدِسِيّ، وَابْنِ مَاكُوْلا، وَالحُمَيْدِيّ - وَهَذَا شَأْن كُلِّ حَافظ يَرْوِي عَنِ الكِبَار وَالصِّغَار -.
وَسَمِعَ بعُكْبَرَا مِنَ: الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ الصَّائِغ حَدَّثَهُ عَنْ نَافلَة (2) عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ.
وَلحق بِالبَصْرَةِ أَبَا عُمَر الهَاشِمِيّ (3) شَيْخَه فِي (السُّنَن) ، وَعَلِيُّ بنَ القَاسِمِ الشَّاهد، وَالحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ السَّابورِي (4) ، وَطَائِفَة.
وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ: القَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ السَّرَّاج، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الطِّرَازِي، وَالحَافِظ أَبَا حَازِمٍ العَبدُوِي، وَخَلْقاً.
وَبِأَصْبَهَانَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ عبدكُويه، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الجَمَّال، وَمُحَمَّدَ
__________
(1) في الأصل " وأبي " وهو خطأ أيضا لان أبا نصر هو شيخ الخطيب، فهو ليس معطوفا، على أحمد بن إبراهيم البلدي، بل هو معطوف على المشايخ الذين سمعهم الخطيب.
وقد تكرر هذا الخطأ هنا إلى قوله " وأبا الحسين بن بشران ".
والمذكورون من هنا إلى ابن بشران مرت تراجمهم في الجزء
السابع عشر عدا أبا العلاء محمد بن الحسن الوراق.
(2) النافلة: ولد الولد، وهو الحفيد.
(3) وهو القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي المتوفى سنة 414 هـ.
مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (134) وقد روى عنه الخطيب " سنن " أبي داود.
(4) نسبة إلى سابور، وهي بلدة من بلاد فارس قريبة من كازرون.
انظر " الأنساب " 7 / 14، و" معجم البلدان " 3 / 169، وقد تحرفت في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1136 إلى النيسابوري.(18/272)
بن عَبْد اللهِ بن شَهْرِيَار، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ.
وَبَالدَّينور: أَبَا نَصْر الكسَّار.
وَبهَمَذَان: مُحَمَّدَ بنَ عِيْسَى، وَطَبَقَته.
وَسَمِعَ بِالرَّيّ وَالكُوْفَة وَصُوْر وَدِمَشْق وَمَكَّة.
وَكَانَ قدومُهُ إِلَى دِمَشْقَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيّ، وَطَبَقَته.
وَاسْتوطنهَا، وَمِنْهَا حَجَّ، وَقرَأَ (صَحِيْح البُخَارِيّ) عَلَى كَرِيْمَة (1) فِي أَيَّامِ المَوْسِم.
وَأَعْلَى مَا عِنْدَهُ حَدِيْثُ مَالِك، وَحَمَّاد بن زَيْد، بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلاَثَةُ أَنْفُس.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيّ؛ وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ، وَأَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا، وَالفَقِيْهُ نَصْر، وَالحُمَيْدِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، وَالمُبَارَكُ بنُ الطُّيُوْرِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضبَة، وَأُبَيٌّ النَّرْسِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَالمرتضَى مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ المَصِّيْصِيّ، وَغِيثُ بنُ عَلِيٍّ الأَرمنَازِي، وَأَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ المتوكلِي، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُجْلِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ الشُّروطِي، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ سَعِيْد، وَطَاهِرُ بنُ سَهْلٍ الإِسفرَايينِيّ، وَبَرَكَات النّجَاد، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ قبيس المَالِكِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيّ، وَقَاضِي المَارستَان أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
__________
(1) المروزية، وقد تقدمت ترجمتها برقم (110) .(18/273)
أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ المَزْرَفِي (1) ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ؛ رَاوِي (تَارِيخه) ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ المُقْرِئ، وَبَدْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشِّيحِي، وَالزَّاهِدُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ المُجْلِي، وَأَخُوْهُ أَبُو السعُوْد أَحْمَد (2) ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ بُوَيه، وَأَبُو الْبَدْر الكَرْخِيّ، وَمفلحٌ الدُّومِيُّ، وَيَحْيَى بنُ الطَّرَّاح، وَأَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَعددٌ يَطولُ ذكرهُم.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّة، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بن المَحَامِلِيّ (3) ، وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبرِي.
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ (4) :حَدَّثَنَا الخَطِيْبُ أَنَّهُ وُلِدَ فِي جُمَادَى الآخِرَة سَنَة (392) ، وَأَوّل مَا سَمِعَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة (5) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجِيلِي: تَفَقَّهَ الخَطِيْبُ، وَقرَأَ بِالقِرَاءات، وَارْتَحَلَ وَقَرب مِنْ رَئِيْس الرُّؤَسَاء (6) ، فَلَمَّا قبض عَلَيْهِ البَسَاسِيرِيُّ اسْتَتر الخَطِيْبُ، وَخَرَجَ إِلَى صُوْر، وَبِهَا عِزُّ الدَّوْلَة؛ أَحَدُ الأَجَوَاد، فَأَعْطَاهُ مَالاً كَثِيْراً.
عمل نَيِّفاً وَخَمْسِيْنَ مُصَنّفاً، وَانْتَهَى إِلَيْهِ الحِفْظُ، شَيَّعه خلقٌ عَظِيْم، وَتَصدَّق بِمائتَيْ دِيْنَار، وَأَوْقَف كتبه، وَاحترق كَثِيْر مِنْهَا بَعْدَهُ بخَمْسِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) بفتح الميم وسكون الزاي وفتح الراء وفي آخرها فاء: هذه النسبة إلى المزرقة، وهي قرية
كبيرة بالقرب من بغداد " اللباب ".
(2) قد ذكره آنفا فهو تكرار.
(3) مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (266) .
(4) هو أبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن أحمد بن خيرون البغدادي المقرئ الدباس المتوفى سنة (539) سترد ترجمته في الجزء العشرين برقم (54) .
(5) انظر " المنتظم " 8 / 265، و" المستفاد من ذيل تاريخ بغداد " لابن الدمياطي: 57.
(6) هو أبو القاسم علي بن الحسن ابن المسلمة وقد تقدمت ترجمته برقم (104) .(18/274)
وَقَالَ الخَطِيْبُ: اسْتشرتُ البَرْقَانِي فِي الرّحلَة إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بن النَّحَّاسِ بِمِصْرَ، أَوْ إِلَى نَيْسَابُوْرَ إِلَى أَصْحَاب الأَصَمّ، فَقَالَ: إِنَّك إِن خَرَجتَ إِلَى مِصْرَ إِنَّمَا تَخْرُجُ إِلَى وَاحِد، إِنْ فَاتَكَ، ضَاعت رِحْلَتَكَ، وَإِن خَرَجتَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَفِيْهَا جَمَاعَة، إِنَّ فَاتك وَاحِدٌ، أَدْرَكْتَ مَنْ بَقِيَ.
فَخَرَجتُ إِلَى نَيْسَابُوْر (1) .
قَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) :كُنْتُ أُذَاكِرُ أَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِي بِالأَحَادِيْث، فِيكتُبُهَا عَنِّي، وَيُضمنهَا جُمُوْعَه، وَحَدَّثَ عَنِّي وَأَنَا أَسْمَعُ وَفِي غَيبتِي، وَلَقَدْ حَدَّثَنِي عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخُوَارَزْمِي سَنَة عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، حَدَّثَنَا الأَصَمّ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً (2) .
قَالَ ابْنُ مَاكُوْلا: كَانَ أَبُو بَكْرٍ آخِر (3) الأَعيَان، مِمَّنْ شَاهدنَاهُ مَعْرِفَةً، وَحفظاً، وَإِتقَاناً، وَضبطاً لِحَدِيْث رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَفَنُّناً فِي عِلَلِهِ وَأَسَانِيْده، وَعِلماً بصَحِيْحه وَغرِيبه، وَفردِه وَمنكره وَمَطْرُوحِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلبغدَادِيين - بَعْد أَبِي الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ - مِثْله.
سَأَلت أَبَا عَبْدِ اللهِ الصُّوْرِيّ عَنِ الخَطِيْب وَأَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيّ: أَيُّهُمَا أَحْفَظ؟ فَفَضَّل الخَطِيْب تَفْضِيْلاً بَيِّناً (4) .
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1137، و" طبقات " السبكي 4 / 30.
(2) " تاريخ بغداد " 4 / 374 وتمامه فيه: حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، حدثنا أبو يزيد الهروي حدثنا شعبة، عن محمد بن أبي النوار، قال: سمعت رجلا من بني سليم يقال له: خفاف، قال: سألت ابن عمر عن صوم ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجعتم.
قال: إذا رجعت إلى أهلك.
وروى عبد الرزاق في تفسيره فيما نقله ابن كثير 1 / 340: أخبرنا الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سالم، سمعت ابن عمر قال: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) قال: إذا رجع إلى أهله.
(3) في " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": أحد.
(4) انظر الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1137، و" تبيين كذب المفتري ": 268، =(18/275)
قَالَ المُؤتَمَن السَّاجِيّ: مَا أَخَرَجتْ بَغْدَادُ بَعْد الدَّارَقُطْنِيّ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب (1) .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي: لَعَلَّ الخَطِيْبَ لَمْ يَرَ مِثْل نَفْسه (2) .
أَنْبَأَني بِالقولين المُسَلَّم بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَسَاكِر، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَخِي هِبَةُ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ عَنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشيرَازِيُّ الفَقِيْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ يُشَبَّهُ بِالدَّارَقُطْنِيّ وَنُظَرَائِهِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْث وَحفظه (3) .
وَقَالَ أَبُو الفتيَان الحَافِظ: كَانَ الخَطِيْبُ إِمَامَ هَذِهِ الصّنعَة، مَا رَأَيْتُ مِثْله (4) .
قَالَ أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب: سَمِعْتُ الخَطِيْب يَقُوْلُ: كتب مَعِي أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيّ كِتَاباً إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ يَقُوْلُ فِيْهِ: وَقَدْ رَحَلَ إِلَى مَا عِنْدَك أَخونَا أَبُو بَكْرٍ - أَيَّده الله وَسلَّمه - لِيقتبِسَ مِنْ علُوْمك، وَهُوَ - بِحَمْد الله - مِمَّنْ لَهُ فِي هَذَا الشَّأْن سَابِقَةٌ حَسَنَة، وَقَدَمٌ ثَابِت، وَقَدْ رَحل فِيْهِ وَفِي طلبه، وَحصل لَهُ مِنْهُ مَا لَمْ يَحصل لَكَثِيْرٍ مِنْ أَمثَاله، وَسيظهر لَكَ مِنْهُ عِنْد الاجتمَاع مِنْ ذَلِكَ مَعَ
__________
= و" المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 57، و" تهذيب ابن عساكر " 1 / 400، و" طبقات " السبكي 4 / 31.
(1) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1137، و" معجم الأدباء " 4 / 18، و" تهذيب ابن عساكر " 1 / 400، و" طبقات " السبكي 4 / 31.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1138، و" الوافي " 7 / 196، و" طبقات " السبكي 4 / 32، و" تهذيب ابن عساكر " 1 / 400 - 401.
(3) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1138، و" طبقات " السبكي 4 / 32، و" تهذيب ابن عساكر " 1 / 401.
وهو فيه نقلا عن الفيروزآبادي.
(4) انظر " طبقات " السبكي 4 / 32.(18/276)
التَّورُّع وَالتَّحفُّظ مَا يَحْسُنُ لديك موقعُه (1) .
قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ الكَتَّانِي: سَمِعَ مِنَ الخَطِيْب شَيْخُه أَبُو القَاسِمِ عُبَيْد اللهِ الأَزْهَرِيّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَكَتَبَ عَنْهُ شَيْخُهُ البَرْقَانِيّ، وَرَوَى عَنْهُ.
وَعلَّقَ الفِقْهَ عَنْ أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ بن الصّبَّاغ، وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَب أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ - رَحِمَهُ اللهُ (2) -.
قُلْتُ: صَدَقَ.
فَقَدْ صرَّح الخَطِيْبُ فِي أَخْبَار الصِّفَات أَنَّهَا تُمَرُّ كَمَا جَاءت بِلاَ تَأْويل.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي (الذّيل) :كَانَ الخَطِيْب مَهِيْباً وَقُوْراً، ثِقَة مُتحرِياً، حُجّة، حَسَنَ الخطّ، كَثِيْرَ الضَّبْطِ، فَصِيْحاً، خُتِمَ بِهِ الحُفَّاظ، رَحَلَ إِلَى الشَّامِ حَاجّاً، وَلقِي بِصُوْر أَبَا عَبْدِ اللهِ القُضَاعِي، وَقرَأَ (الصَّحِيْح) فِي خَمْسَة أَيَّام عَلَى كَرِيْمَة المروزِيَّة، وَرجع إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا بَعْد فِتْنَة البسَاسيرِي لِتشويش الوَقْت إِلَى الشَّامِ، سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، فَأَقَامَ بِهَا، وَكَانَ يَزورُ بَيْتَ المَقْدِس، وَيَعُوْدُ إِلَى صُوْر، إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، فَتوجّه إِلَى طرَابُلُس، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى حلب، ثُمَّ إِلَى الرَّحبَة، ثُمَّ إِلَى بَغْدَادَ، فَدَخَلهَا فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَحَدَّثَ بِحَلَب وَغَيْرهَا (3) .
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ الخَطِيْب مَسْعُوْدَ بنَ مُحَمَّد بِمَرْو، سَمِعْتُ الفَضْلَ بن عُمَرَ النَّسَوِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ بِجَامِع صُوْر عِنْد أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، فَدَخَلَ عَلوِي وَفِي كُمِّه دَنَانِيْر، فَقَالَ: هَذَا الذَّهبُ تَصرِفُهُ فِي مُهِمَّاتِكَ.
فَقطّب فِي
__________
(1) انظر الخبر في " معجم الأدباء " 4 / 41 - 42، و" تهذيب ابن عساكر " 1 / 401.
(2) انظر " طبقات " السبكي 4 / 32، و" الوافي " 7 / 196.
(3) انظر " الوافي " 7 / 194، و" المنتظم " 8 / 265، و" معجم الأدباء " 4 / 18.(18/277)
وَجهه، وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ.
فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَسْتَقِلُّهُ، وَأَرْسَله مِنْ كُمِّهِ عَلَى سَجَّادَةَ الخَطِيْب.
وَقَالَ: هَذِهِ ثَلاَثُ مائَة دِيْنَارٍ.
فَقَامَ الخَطِيْبُ خَجِلاً مُحْمَراً وَجهُهُ، وَأَخَذَ سجَادَتَه، وَرَمَى الدَّنَانِيْر، وَرَاح.
فَمَا أَنَى عِزَّهُ وَذُلَّ العَلَوِيّ وَهُوَ يَلْتَقِطُ الدَّنَانِيْر مِنْ شُقُوق الحصِيْر (1) .
ابْنُ نَاصِرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا التبرِيزِيُّ اللُّغَوِيّ قَالَ: دَخَلْتُ دِمَشْق، فَكُنْتُ أَقرَأُ عَلَى الخَطِيْب بحلْقَته بِالجَامِع كُتُبَ الأَدب المسموعَة، وَكُنْت أَسكنُ منَارَة الجَامِع، فَصَعِدَ إِلَيَّ، وَقَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَزورَكَ فِي بَيْتك.
فَتحدّثنَا سَاعَةً.
ثُمَّ أَخرج وَرقَة، وَقَالَ: الهديَةُ مُسْتحبَة، تَشترِي بِهَذَا أَقلاَماً.
وَنهضَ، فَإِذَا خَمْسَةُ دَنَانِيْر مصرِيَّة، ثُمَّ صَعِدَ مَرَّةً أُخْرَى، وَوَضَعَ نَحْواً مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ إِذَا قرَأَ الحَدِيْثَ فِي جَامِع دِمَشْق يُسْمَعُ صَوْتُهُ فِي آخِر الجَامِع، وَكَانَ يَقرَأ مُعْرَباً صَحِيْحاً (2) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ نَفْساً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ يَحْيَى بن عَلِيٍّ الخَطِيْب، سَمِعَ مِنْهُ بِالأَنبار، قَرَأْتُ بخطِّ أَبِي، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ بن الآبَنُوْسِيّ، سَمِعْتُ الخَطِيْب يَقُوْلُ:
كُلَّمَا ذكرتُ فِي (التَّارِيْخ) رَجُلاً اخْتلفتْ فِيْهِ أَقَاويلُ النَّاسِ فِي الْجرْح وَالتَّعديل، فَالتَّعويلُ عَلَى مَا أَخَّرْتُ وَخَتَمْتُ بِهِ التَّرْجَمَة (3) .
قَالَ ابْنُ شَافع: خَرَجَ الخَطِيْبُ إِلَى صُوْر، وَقصدهَا وَبِهَا عِزُّ الدَّوْلَة، المَوْصُوْفُ بِالكرم، فَتقرب مِنْهُ، فَانْتَفَعَ بِهِ، وَأَعْطَاهُ مَالاً كَثِيْراً. قَالَ: وَانْتَهَى
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1138، و" معجم الأدباء " 4 / 31 - 32، و" طبقات " السبكي 4 / 34 - 35.
(2) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1138، و" معجم الأدباء " 4 / 32 - 33.
وفيه: وكان يقرأ مع هذا صحيحا.
(3) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1138 - 1139.(18/278)
إِلَيْهِ الحِفْظُ وَالإِتْقَان، وَالقِيَامُ بعلُوْم الحَدِيْث (1) .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بن مُحَمَّد يَحكِي، عَنِ ابْنِ خَيْرُوْنَ أَوْ غَيْره، أَنَّ الخَطِيْبَ ذكر أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ شَرِبَ مِنْ مَاء زَمْزَم ثَلاَث شَرْبَات، وَسَأَل الله ثَلاَث حَاجَات، أَنْ يُحَدِّث بـ (تَارِيخ بَغْدَاد) بِهَا، وَأَنَّ يُمْلِي الحَدِيْثَ بِجَامِع المَنْصُوْر، وَأَنَّ يُدْفَنَ عِنْد بشر الحَافِي.
فَقُضِيَت لَهُ الثَّلاَث (2) .
قَالَ غِيثُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَجِ الإِسفرَايينِي قَالَ: كَانَ الخَطِيْبُ مَعَنَا فِي الحَجِّ، فَكَانَ يَخْتِم كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً قِرَاءةَ تَرْتِيْل، ثُمَّ يَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكِب يَقُوْلُوْنَ: حَدِّثْنَا فَيُحَدِّثُهُم.
أَوْ كَمَا قَالَ (3) .
قَالَ المُؤتَمَن: سَمِعْتُ عبد الْمُحسن الشِّيحِي يَقُوْلُ: كُنْتُ عديلَ (4) أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب مِنْ دِمَشْقَ إِلَى بَغْدَادَ، فَكَانَ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَة خَتمَة (5) .
قَالَ الخَطِيْبُ فِي تَرْجَمَةِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ النَّيْسَابُوْرِيّ الضّرِير (6) :حَجَّ وَحَدَّثَ، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ، وَلَمَّا حَجَّ، كَانَ مَعَهُ حِمل كتبٍ لِيُجَاور، مِنْهُ (صَحِيْح البُخَارِيّ) ؛سَمِعَهُ مِنَ الكُشْمِيهَنِي، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ جمِيْعه فِي ثَلاَثَة
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1139 والخبر بأطول مما هنا في " الاستدراك ": المجلد الأول: ورقة / 5 / أ.
(2) انظر الخبر في " تهذيب ابن عساكر " 1 / 400، و" المنتظم " 8 / 269، و" معجم الأدباء " 4 / 16، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1139، و" طبقات " السبكي 4 / 35، و" الوافي " 7 / 192، و" الاستدراك ": المجلد الأول / ورقة / 1 أ.
(3) الخبر في " تبيين كذب المفتري " ص 268، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1139، و" طبقات " السبكي 4 / 34، و" تهذيب ابن عساكر " 1 / 401.
(4) أي معادله في الركوب في المحمل.
(5) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1139.
(6) في " تاريخ بغداد " 6 / 314.(18/279)
مَجَالِس، فَكَانَ المَجْلِسُ الثَّالِث مِنْ أَوّل النَّهَار وَإِلَى اللَّيْل، فَفَرغ طُلُوْعَ الفَجْر.
قُلْتُ: هَذِهِ - وَاللهِ - القِرَاءةُ الَّتِي لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ بِأَسرعَ مِنْهَا.
وَفِي (تَارِيخ) مُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: تُوُفِّيَ الخَطِيْب فِي كَذَا، وَمَاتَ هَذَا العِلْم بِوَفَاته.
وَقَدْ كَانَ رَئِيْسُ الرُّؤَسَاء تَقَدَّمَ إِلَى الخُطَبَاء وَالوعَّاظ أَنْ لاَ يَروُوا حَدِيْثاً حَتَّى يَعرضوهُ عَلَيْهِ، فَمَا صَحَّحَهُ أَوْرَدُوْهُ، وَمَا رَدَّهُ لَمْ يذكروهُ (1) .
وَأَظهر بَعْضُ اليَهُوْد كِتَاباً ادَّعَى أَنَّهُ كِتَابُ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسقَاطِ الجِزْيَة عَنْ أَهْل خَيْبَر، وَفِيْهِ شهَادَةُ الصَّحَابَة، وَذكرُوا أَنَّ خطَّ عليّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِيْهِ.
وَحُمِلَ الكِتَابُ إِلَى رَئِيْس الرُّؤَسَاء، فَعَرضَه عَلَى الخَطِيْب، فَتَأَمَّلَه وَقَالَ: هَذَا مُزوَّر، قِيْلَ: مِنْ أَيْنَ قُلْت؟
قَالَ: فِيْهِ شهَادَةُ مُعَاوِيَة وَهُوَ أَسْلَم عَام الفَتْحِ، وَفُتحت خيبرُ سَنَة سَبْعٍ، وَفِيْهِ شهَادَةُ سَعْدِ بن مُعَاذٍ وَمَاتَ يَوْمَ بنِي قُرِيظَة (2) قَبْل خَيْبَر بِسنتين.
فَاسْتحسن ذَلِكَ مِنْهُ (3) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ أَيُّوْبَ بِمَرْو يَقُوْلُ: حضَر الخَطِيْبُ درس شَيْخنَا أَبِي إِسْحَاقَ، فَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ حَدِيْثاً مِنْ رِوَايَةِ بَحْر بن كَنِيْزٍ (4) السقَّاء، ثُمَّ قَالَ لِلْخطيب: مَا تَقُوْلُ فِيْهِ؟ فَقَالَ: إِنْ أَذِنْتَ لِي ذكرتُ حَاله.
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1141، و" الوافي " 7 / 193، و" معجم الأدباء " 4 / 19.
(2) في " المنتظم " و" معجم الأدباء ": وكان قد مات يوم الخندق، والصواب ما أثبته المؤلف، فسعد بن معاذ كان قد أصيب بسهم في أكحله يوم الخندق، وحمل منها جريحا، ثم حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة، وبعدها توفي.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1141، و" المنتظم " 8 / 265، و" معجم الأدباء " 4 / 18، و" الوافي " 7 / 192 - 193، و" المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 60.
(4) كنيز: بفتح الكاف وكسر النون وفي آخرها زاي معجمة، كما في " الإكمال " 7 / 162، و" تبصير المنتبه " 3 / 1188، وقد صحفها محقق " المستفاد " إلى " كثير " مع إشارته في الحاشية إلى أن الأصل كنيز.(18/280)
فَانحرف أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَعَدَ كَالتِّلْمِيْذ، وَشرع الخَطِيْبُ يَقُوْلُ: وَشرح أَحْوَاله شرحاً حسناً، فَأَثْنَى الشَّيْخ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا دَارقُطنِيُّ عصرنَا (1) .
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي: حَدَّثَنَا حَافظُ وَقْتِهِ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَمَا رَأَيْتُ مِثْله، وَلاَ أَظنّه رَأَى مِثْلَ نَفْسه (2) .
وَقَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنِ الخَطِيْب، فَقَالَ: إِمَامٌ مُصَنِّفٌ حَافظ، لَمْ نُدرك مِثْلَه (3) .
وَعَنْ سَعِيْدٍ المُؤَدِّب قَالَ: قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب عِنْد قُدُوْمِي: أَنْتَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ؟
قَالَ: انْتَهَى الحِفْظ إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ (4) .
قَالَ ابْنُ الآبَنُوْسِيّ: كَانَ الحَافِظُ الخَطِيْب يَمْشِي وَفِي يَدِهِ جُزءٌ يُطَالعه (5) .
وَقَالَ المُؤتَمَن: كَانَ الخَطِيْبُ يَقُوْلُ:
مَنْ صَنّف فَقَدْ جَعَلَ عقله عَلَى طبق يَعرضه عَلَى النَّاسِ (6) .
مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ عبد السَّلاَم الرُّمَيْلِي قَالَ: كَانَ سَبَبُ خُرُوْج الخَطِيْب مِنْ دِمَشْقَ إِلَى صُوْر، أَنَّهُ كَانَ يَخْتلف إِلَيْهِ صَبِيٌّ مليح، فَتكلّم
__________
(1) انظر " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 57 - 58، و" طبقات " السبكي " 4 / 35 - 36، و" الوافي " 7 / 196.
(2) تقدم هذا الخبر قريبا.
(3) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1141.
(4) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1141، ونصه فيه: فقال: أنا أحمد بن علي الخطيب، انتهى الحفظ إلى الدارقطني.
(5) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1141، و" معجم الأدباء " 4 / 22، و" الوافي " 7 / 196، و" المنتظم " 8 / 267.
(6) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1141، و" المستفاد ": 59 - 60.(18/281)
النَّاسُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ أَمِيْرُ البَلَد رَافِضِيّاً مُتَعَصِّباً، فَبلغته القِصَّةُ، فَجَعَلَ ذَلِكَ سَبَباً إِلَى الفتكِ بِهِ، فَأَمر صَاحِبَ شُرطته أَنْ يَأْخذ الخَطِيْبَ بِاللَّيْلِ، فِيقتُلَهُ، وَكَانَ صَاحِبُ الشُّرطَة سُنِّياً، فَقصدهُ تِلْكَ اللَّيْلَة فِي جَمَاعَةٍ، وَلَمْ يُمكنه أَنْ يُخَالِف الأَمِيْر، فَأَخَذَهُ، وَقَالَ: قَدْ أُمِرْتُ فِيك بكَذَا وَكَذَا، وَلاَ أَجِدُ لَكَ حِيْلَةً إِلاَّ أَنِّي أَعبرُ بِك عِنْد دَار الشَّرِيْف ابْنِ أَبِي الجِنّ (1) ، فَإِذَا حَاذيتُ الدَّار، اقفِزْ وَادْخُل، فَإِنِّي لاَ أَطلُبكَ، وَأَرْجعُ إِلَى الأَمِيْر، فَأَخْبِرُهُ بِالقِصَّة.
فَفَعَل ذَلِكَ، وَدَخَلَ دَار الشَّرِيْف، فَأَرْسَل الأَمِيْرُ إِلَى الشَّرِيْف أَنْ يَبْعَثَ بِهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْر! أَنْتَ تَعرف اعْتِقَادِي فِيْهِ وَفِي أَمثَاله، وَلَيْسَ فِي قَتْلِهِ مصلحَة، هَذَا مَشْهُوْرٌ بِالعِرَاقِ، إِن قَتَلْتَه، قُتِلَ بِهِ جَمَاعَة مِنَ الشِّيْعَة، وَخُرِّبَتِ المَشَاهِد.
قَالَ: فَمَا تَرَى؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَنْزَحَ مِنْ بَلَدك.
فَأَمر بِإِخرَاجه، فَرَاح إِلَى صُوْر، وَبَقِيَ بِهَا مُدَّة (2) .
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَعَى بِالخَطِيْب حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الدَّمَنْشِي (3) إِلَى أَمِيْر الجُيُوْش، فَقَالَ: هُوَ نَاصبِيُّ يَرْوِي فَضَائِل الصَّحَابَة وَفضَائِل العَبَّاس فِي الجَامِع.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِر عَمَّنْ ذَكَرَهُ أَنَّ الخَطِيْب وَقَعَ إِلَيْهِ جُزءٌ فِيْهِ سَمَاعُ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ، فَأَخَذَهُ، وَقصد دَارَ الخِلاَفَة، وَطلب الإِذن، فِي قِرَاءته.
فَقَالَ
__________
(1) هو الشريف حيدرة بن إبراهيم أبو طاهر ابن أبي الجن العلوي المتوفى سنة 462 هـ، مترجم في " النجوم الزاهرة " 5 / 85، وقد تحرف في " تذكرة الحفاظ " و" معجم الأدباء " و" الوافي بالوفيات " إلى ابن أبي الحسن.
وهو خطأ.
(2) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1141 - 1142، و" معجم الأدباء " 4 / 34 - 35، و" الوافي " 7 / 195، وفيهما: وبقي بها مدة إلى أن مات.
(3) الدمنشي: نسبة إلى دمنش، قال ياقوت: كذا وجدت صورة ما ينسب إليه الحسين بن علي أبو علي المقرئ، المعروف بابن الدمنشي، ذكره الحافظ أبو القاسم في " تاريخ دمشق ": وقال ... وساق هذا الخبر.
انظر " معجم البلدان " 2 / 471، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1142.(18/282)
الخَلِيْفَة: هَذَا رَجُل كَبِيْرٌ فِي الحَدِيْثِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي السَّمَاع حَاجَةٌ، فَلَعَلَّ لَهُ حَاجَةً أَرَادَ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، فَسلُوْهُ مَا حَاجتُهُ؟
فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يُؤذن لِي أَنْ أُملِي بِجَامِع المَنْصُوْر.
فَأَذِنَ لَهُ، فَأَملَى (1) .
قَالَ ابْنُ طَاهِر: سَأَلتُ هِبَةَ اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ الشيرَازِي: هَلْ كَانَ الخَطِيْبُ كتَصَانِيْفه فِي الحِفْظِ؟
قَالَ: لاَ، كُنَّا إِذَا سَأَلنَاهُ عَنْ شَيْءٍ أَجَابْنَا بَعْد أَيَّام، وَإِنْ أَلْحَحْنَا عَلَيْهِ غَضِبَ، كَانَتْ لَهُ بَادرَة وَحشَة، وَلَمْ يَكُنْ حَفِظهُ عَلَى قَدَر تَصَانِيْفه (2) .
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الطُّيورِي: أَكْثَر كُتُبُ الخَطِيْب - سِوَى (تَارِيخ بَغْدَاد) - مُسْتفَادَةٌ مِنْ كُتُبِ الصُّوْرِيّ (3) ، كَانَ الصُّوْرِيُّ ابْتدَأَ بِهَا، وَكَانَتْ لَهُ أُخْتٌ بِصُوْر، خلَّف أَخُوْهَا عِنْدَهَا اثْنَيْ عَشَرَ عِدْلاً مِنَ الكُتُب، فَحصَّل الخَطِيْبُ مِنْ كتبه أَشيَاء.
وَكَانَ الصُّوْرِيُّ قَدْ قَسَّمَ أَوقَاتَهُ فِي نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ شَيْئاً (4) .
قُلْتُ: مَا الخَطِيْبُ بِمُفتقر إِلَى الصُّوْرِيّ، هُوَ أَحْفَظُ وَأَوسعُ رحلَة وَحَدِيْثاً وَمَعْرِفَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ، حَدَّثَنَا الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
__________
(1) الخبر في " تهذيب ابن عساكر " 1 / 400، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1142، و" معجم الأدباء " 4 / 16، و" الوافي " 9 / 192.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1142، و" الوافي " 7 / 194، و" معجم الأدباء " 4 / 27 - 28.
(3) هو أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري الحافظ، المتوفى سنة 441 هـ، وقد تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (424) .
(4) انظر " المنتظم " 8 / 266، و" معجم الأدباء " 4 / 21 - 22، و" معجم البلدان " 3 / 434 حيث أورد نحو هذا الخبر في ترجمة الصوري.(18/283)
الخَطِيْب قَالَ:
أَمَّا الكَلاَمُ فِي الصِّفَات، فَإِنَّ مَا رُوِيَ مِنْهَا فِي السُّنَن الصِّحَاح، مَذْهَبُ السَّلَف إِثبَاتُهَا وَإِجرَاؤُهَا عَلَى ظوَاهرهَا، وَنَفْيُ الكَيْفِيَة وَالتَّشبيه عَنْهَا، وَقَدْ نَفَاهَا قَوْمٌ، فَأَبطلُوا مَا أَثبَتَهُ الله، وَحققهَا قَوْمٌ مِنَ المُثْبِتين، فَخَرَجُوا فِي ذَلِكَ إِلَى ضَرْب مِنَ التَّشبيه وَالتَّكييف، وَالقصدُ إِنَّمَا هُوَ سُلُوْك الطّرِيقَة المتوسطَة بَيْنَ الأَمرِيْن، وَدينُ الله تَعَالَى بَيْنَ الغَالِي فِيْهِ وَالمُقصِّر عَنْهُ.
وَالأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الكَلاَم فِي الصِّفَات فَرْعُ الكَلاَم فِي الذَّات، وَيُحتذَى فِي ذَلِكَ حَذْوُهُ وَمثَالُه، فَإِذَا كَانَ معلُوْماً (1) أَن إِثْبَاتَ رَبِّ العَالِمِين إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ وَجُوْدٍ لاَ إِثْبَاتُ كَيْفِيَة، فَكَذَلِكَ إِثْبَاتُ صِفَاته إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ وَجُوْدٍ لاَ إِثْبَاتُ تحديدٍ وَتَكييف.
فَإِذَا قُلْنَا: للهِ يَد وَسَمْع وَبصر، فَإِنَّمَا هِيَ صِفَاتٌ أَثبتهَا الله لِنَفْسِهِ، وَلاَ نَقُوْل: إِنَّ مَعْنَى اليَد القدرَة، وَلاَ إِنَّ مَعْنَى السَّمْع وَالبصر: العِلْم، وَلاَ نَقُوْل: إِنَّهَا جَوَارح.
وَلاَ نُشَبِّهُهَا بِالأَيدي وَالأَسْمَاع وَالأَبْصَار الَّتِي هِيَ جَوَارح وَأَدوَاتٌ لِلفعل، وَنَقُوْلُ: إِنَّمَا وَجب إِثبَاتُهَا لأَنَّ التَّوقيف وَردَ بِهَا، وَوجب نَفِيُ التَّشبيه عَنْهَا لِقَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّوْرَى:11] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد (2) } [الإِخلاَص:4] .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: وُلِدَ الخَطِيْبُ بقَرْيَة مِنْ أَعْمَالِ نَهْر الْملك، وَكَانَ أَبُوْهُ خَطِيْباً بدَرْزِيجَان، وَنَشَأَ هُوَ بِبَغْدَادَ، وَقرَأَ القِرَاءات بِالروَايَات، وَتَفَقَّهَ عَلَى الطَّبَرِيّ، وَعلق عَنْهُ شَيْئاً مِنَ الخلاَف ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَرَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّوْزَنِي، وَمفلحُ بنُ
__________
(1) في الأصل معلوم، وهو خطأ.
(2) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1142، 1143.(18/284)
أَحْمَدَ الدومِي، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ - يَعْنِي: بِالسَّمَاع (1) -.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَة طَائِفَةٌ عددتُ فِي (تَارِيخ الإِسْلاَم) ، آخرُهم مَسْعُوْد بن الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، ثُمَّ ظَهرت إِجَازتُه لَهُ ضَعِيْفَةٌ مطعوناً فِيْهَا، فَلْيُعْلَم ذَلِكَ.
وَكِتَابَة الخَطِيْبِ مليحَةٌ مُفسَّرَةٌ، كَامِلَةُ الضَّبط، بِهَا أَجزَاء بِدِمَشْقَ رَأَيَّتُهَا، وَقَرَأْت بخطِّه: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ السِّمْسَار، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُظفر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحجَاج، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ نُوْح، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ:
مَا عَزَّتِ النِيَّةُ فِي الحَدِيْثِ إِلاَّ لِشرفه.
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ الأَمِيْن: لَمَّا رَجَعَ الخَطِيْبُ مِنَ الشَّام كَانَتْ لَهُ ثروَةٌ مِنَ الثِّيَاب وَالذَّهب، وَمَا كَانَ لَهُ عَقِبٌ، فَكَتَبَ إِلَى القَائِم بِأَمْرِ اللهِ: إِن مَالِي يَصِيْرُ إِلَى بَيْت مَال، فَائذنْ لِي حَتَّى أُفَرِّقَهُ فِيْمَنْ شِئْتُ.
فَأَذنَ لَهُ، فَفَرَّقهَا عَلَى المُحَدِّثِيْنَ (2) .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ نَاصِرٍ: أَخْبَرتَنِي أُمِّي أَن أَبِي حدثهَا قَالَ: كُنْتُ أَدخل عَلَى الخَطِيْب، وَأُمَرِّضه، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: يَا سَيِّدي! إِنَّ أَبَا الفَضْل بنَ خَيْرُوْنَ لَمْ يُعْطنِي شَيْئاً مِنَ الذَّهب الَّذِي أَمرتَه أَنْ يُفرِّقه عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيْث.
فَرَفَعَ الخَطِيْبُ رَأْسَه مِنَ المخدَة، وَقَالَ: خُذْ هَذِهِ الخِرقَة، باركَ
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1143.
(2) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1143 - 1144، وفي " المنتظم " 8 / 269، و" معجم الأدباء " 4 / 27، و" طبقات " السبكي 4 / 35.(18/285)
الله لَكَ فِيْهَا. فَكَانَ فِيْهَا أَرْبَعُوْنَ دِيْنَاراً، فَأَنفقتُهَا مُدَّة فِي طَلَبِ العِلْمِ (1) .
وَقَالَ مَكِّيّ الرُّمِيْلِي: مرض الخَطِيْبُ فِي نِصْفِ رَمَضَان، إِلَى أَنِ اشتدَّ الحَالُ بِهِ فِي غُرَّة ذِي الحِجَّةِ، وَأَوْصَى إِلَى ابْنِ خَيْرُوْنَ (2) ، وَوَقَّفَ كتبَهُ عَلَى يَده، وَفرَّقَ جمِيْعَ مَاله فِي وُجُوه البِرِّ وَعَلَى المُحَدِّثِيْنَ.
وَتُوُفِّيَ: فِي رَابع سَاعَة مَنْ يَوْم الاَثْنَيْن سَابعِ ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ أُخرج بُكْرَةَ الثُّلاَثَاء، وَعبرُوا بِهِ إِلَى الجَانب الغربِي، وَحضره القُضَاةُ وَالأَشْرَافُ وَالخلق، وَتَقدَّم فِي الإِمَامَة أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ (3) ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً، وَدُفِنَ بِجنب قَبْر بِشرٍ الحَافِي (4) .
وَقَالَ ابْنُ خَيْرُوْنَ: مَاتَ ضَحْوَةَ الاَثْنَيْن، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْب.
وَتَصدَّق بِمَاله وَهُوَ مئتَا دِيْنَار، وَأَوْصَى بِأَنَّ يُتَصَدَّق بِجمِيْع ثيَابه، وَوَقَفَ جمِيْع كتبه، وَأُخْرَجت جِنَازَته مِنْ حُجْرَة تلِي النّظَامِيَّة، وَشَيَّعَهُ الفُقَهَاءُ وَالخلقُ، وَحملُوْهُ إِلَى جَامِع المَنْصُوْر، وَكَانَ بَيْنَ يَدي الجَنَازَة جَمَاعَةٌ يَنَادُوْنَ: هَذَا الَّذِي كَانَ يَذُبُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكذبَ، هَذَا الَّذِي كَانَ يَحفظُ حَدِيْث رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَخُتِمَ عَلَى قَبْرِهِ عِدَّة خَتمَات (5) .
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1144.
(2) هو أبو الفضل: أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي المتوفى سنة (488) وسترد ترجمته في
الجزء التاسع عشر برقم (57) وهو عم أبي منصور بن خيرون الذي تقدم تعريفه في ص 274.
وقد تحرف في " تهذيب ابن عساكر " 1 / 402 إلى ابن فيرون بالفاء.
(3) المعروف بابن الغريق، وقد تقدمت ترجمته برقم (117) .
(4) " تهذيب ابن عساكر " 1 / 402، وبشر الحافي مرت ترجمته في الجزء العاشر برقم (153) .
(5) انظر الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1144، و" تبيين كذب المفتري " ص: 269 - 270، و" معجم الأدباء " 4 / 44 - 45، و" الاستدراك ": المجلد الأول / ورقة 5 أ، و" وفيات الأعيان " 1 / 93، و" طبقات السبكي " 4 / 37.(18/286)
وَقَالَ الكَتَّانِي فِي (الوفِيَات) :وَرد كِتَابُ جَمَاعَة أَنَّ الحَافِظ أَبَا بَكْرٍ تُوُفِّيَ فِي سَابع ذِي الحِجَّةِ، وَحَمَلَ جِنَازَته الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشيرَازِي (1) .
وَكَانَ ثِقَةً حَافِظاً، مُتْقِناً متحرِياً مُصَنّفاً.
قَالَ أَبُو البَرَكَات إِسْمَاعِيْل ابْنُ أَبِي سَعْدٍ الصُّوْفِيّ: كَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ ابْن زَهْرَاء الصُّوْفِيّ بِرباطِنَا، قَدْ أَعدَّ لِنَفْسِهِ قَبْراً إِلَى جَانب قَبْر بشر الحَافِي، وَكَانَ يَمضِي إِلَيْهِ كُلّ أُسْبُوْع مرَّةً، وَيَنَامُ فِيْهِ، وَيَتلو فِيْهِ القُرْآن كُلَّهُ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، كَانَ قَدْ أَوْصَى أَنْ يُدفن إِلَى جَنْبِ قَبْر بشر، فَجَاءَ أَصْحَاب الحَدِيْث إِلَى ابْنِ زَهْرَاء، وَسَأَلُوْهُ أَنْ يَدفنُوا الخَطِيْب فِي قَبْره، وَأَنَّ يُؤثره بِهِ، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: مَوْضِعٌ قَدْ أَعددتُه لِنَفْسِي يُؤْخَذ مِنِّي!
فَجَاؤُوا إِلَى وَالِدي (2) ، وَذكرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَأَحضر ابْنَ زَهْرَاء وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيّ (3) فَقَالَ: أَنَا لاَ أَقُوْل لَكَ أَعْطهم القَبْر، وَلَكِنْ أَقُوْل لَكَ: لَوْ أَنَّ بشراً الحَافِي فِي الأَحْيَاء وَأَنْتَ إِلَى جَانبه، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ ليقْعد دُونك، أَكَانَ يَحسُن بِك أَنْ تَقعدَ أَعْلَى مِنْهُ (4) ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْت أُجْلِسُهُ مَكَانِي.
قَالَ: فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْن السَّاعَةَ.
قَالَ: فَطَابَ قَلْبُه، وَأَذِن (5) .
قَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: جَاءنِي بَعْضُ الصَّالِحِيْنَ وَأَخْبَرَنِي لَمَّا مَاتَ
__________
(1) وسترد ترجمته برقم (237) .
(2) هو الامام أبو سعد أحمد بن محمد بن دوست داد النيسابوري العارف الملقب بشيخ الشيوخ المتوفى سنة (479) ، وسترد ترجمته برقم (254) .
(3) المتوفى سنة (497) هـ، وسترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (87) .
(4) في " المنتظم " و" معجم الأدباء ": لو كان بشر في الاحياء، ودخلت أنت والخطيب إليه أيكما كان يقعد إلى جنبه أنت أو الخطيب.
(5) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1144 - 1145، و" تهذيب ابن عساكر " 1 / 400، و" المنتظم " 8 / 269 - 270، و" معجم الأدباء " 4 / 16 - 17، و" وفيات الأعيان " 1 / 93.(18/287)
الخَطِيْب أَنَّهُ رَآهُ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ حَالك؟
قَالَ: أَنَا فِي روح وَرَيْحَان وَجنَّةِ نَعيم (1) .
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ جَدَّا: رَأَيْتُ بَعْد مَوْتِ الخَطِيْب كَأَنَّ شَخْصاً قَائِماً بِحِذَائِي، فَأَردتُ أَنْ أَسَأَلَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب،
فَقَالَ لِي ابْتدَاءً: أُنزل وَسط الجَنَّة حَيْثُ يَتعَارِفُ الأَبرَار.
رَوَاهَا البردَانِي فِي كِتَابِ (المَنَامَات) عَنْهُ (2) .
قَالَ غِيثٌ الأَرْمنَازِي: قَالَ مَكِّيُّ الرُّمِيْلِي: كُنْتُ نَائِماً بِبَغْدَادَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَرَأَيْتُ كَأَنَا اجْتمَعَنَا عِنْد أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب فِي مَنْزِلِهِ لقِرَاءة (التَّارِيْخ) عَلَى العَادَة، فَكَأَنَّ الخَطِيْب جَالِسٌ، وَالشَّيْخ أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ عَنْ يَمِيْنه، وَعَنْ يَمِيْن نَصْرٍ رَجُلٌ لَمْ أَعْرفه، فَسَأَلت عَنْهُ، فَقِيْلَ: هَذَا رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ ليسمع (التَّارِيْخ) .
فقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ جَلاَلَةٌ لأَبِي بَكْرٍ إِذْ يَحضر رَسُوْلُ اللهِ مَجْلِسه، وَقُلْتُ: هَذَا ردٌّ لِقَوْل مَنْ يَعيب (التَّارِيْخ) وَيذكر أَن فِيْهِ تحَامِلاً عَلَى أَقْوَام (3) .
قَالَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ: حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ الصَّالِحُ حسنُ بنُ أَحْمَدَ البَصْرِيّ قَالَ: رَأَيْتُ الخَطِيْبُ فِي المَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بيضٌ حِسَان وَعِمَامَةٌ بيضَاء، وَهُوَ فَرحَانُ يَتبسَّمُ، فَلاَ أَدْرِي قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ أَوْ هُوَ بدَأَنِّي.
فَقَالَ: غَفَرَ اللهُ لِي، أَوْ رحمنِي، وَكُلّ مَنْ يَجِيْءُ - فَوَقَعَ لِي أَنَّهُ يَعْنِي بِالتَّوحيد - إِلَيْهِ يَرحمُه، أَوْ يغْفر لَهُ، فَأَبشِرُوا، وَذَلِكَ بَعْد وَفَاته بِأَيَّام.
__________
(1) " الوافي بالوفيات " 7 / 197.
(2) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1145، و" الوافي " 7 / 197.
(3) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1154، و" تبيين كذب المفتري " ص: 268 - 269، و" الوافي " 7 / 197.(18/288)
قَالَ المُؤتَمن: تحَامِلتِ الحنَابلَةُ عَلَى الخَطِيْب حَتَّى مَال إِلَى مَا مَال إِلَيْهِ (1) .
قُلْتُ: تَنَاكد ابْنُ الجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - وَغضَّ مِنَ الخَطِيْبِ، وَنسبه إِلَى أَنَّهُ يَتَعَصَّبُ عَلَى أَصْحَابنَا الحنَابلَة (2) .
قُلْتُ: لَيْتَ الخَطِيْبَ تركَ بَعْض الحطِّ عَلَى الكِبَار فَلَمْ يَرْوِهِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: لِلْخطيب سِتَّةٌ وَخَمْسُوْنَ مُصَنّفاً: (التَّارِيْخ) مائَة جُزْء وَسِتَّة أَجزَاء (3) ، (شرف أَصْحَاب الحَدِيْث (4)) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الجَامِع (5)) خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (الكفَايَة (6)) ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (السَّابِق
__________
(1) انظر " طبقات السبكي " 4 / 34.
(2) انظر " المنتظم " 8 / 267 وما بعدها.
(3) وقد طبع في أربعة عشر مجلدا في مطبعة السعادة بالقاهرة عام 1931 م على أساس مخطوطة كوبرلي: 1022 - 1026، وقد حدث سقط في القسم الخاص بالمحمدين، يشتمل على أكثر من ثلاث مئة ترجمة، ولكن استدرك في المجلد الخامس ص: 231 - 477.
وقد ذيل على " تاريخ بغداد " أبو سعد السمعاني المتوفى: 562 هـ وأيضا محمد بن محمود المعروف بابن النجار المتوفى سنة 643 هـ، ومنه مختصر بعنوان " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد " لأحمد بن أيبك بن الدمياطي المتوفى سنة 749 هـ، وذيل على " تاريخ بغداد " كذلك أبو إبراهيم الفتح بن محمد البنداري المتوفى سنة 623 هـ.
ولتاريخ بغداد أيضا مختصرات.
انظر " تاريخ الأدب العربي " لبروكلمان 6 / 59 من النسخة العربية.
(4) طبع في أنقرة بتحقيق الدكتور محمد سعيد خطيب أوغلي عام 1971.
(5) وقد سماه ابن الجوزي وياقوت: " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " وقد طبع في الكويت في مطبعة الفلاح: 1981.
(6) في " المنتظم ": " الكفاية في معرفة أصول علم الرواية " يعرض الخطيب فيه تفصيلا للشروط الواجب توافرها في عالم الحديث، وهو يدل على حرصه الشديد على تنقية الحديث، وقد طبع في حيدر آباد الدكن سنة 1357 هـ وأعيد طبعه في القاهرة بعناية عبد الحليم محمد عبد الحليم وعبد الرحمن حسن محمود، مطبعة السعادة - 1972.(18/289)
وَاللاَحق) عَشْرَة أَجزَاء (1) .
(الْمُتَّفق وَالمفترق) ثَمَانِيَةَ عشرَ جُزْءاً، (الْمُكمل فِي الْمُهْمل (2)) سِتَّة أَجزَاء، (غنيَة الْمُقْتَبس فِي تَمِييز الْمُلْتَبس) ، (مِنْ وَافقت كُنْيَته اسْم أَبِيْهِ) ، (الأَسْمَاء المبهمَة (3)) مُجَلَّد، (الْموضح (4)) أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (منْ حَدَّثَ وَنسِي) جُزء، (التطفِيل (5)) ثَلاَثَة أَجزَاء، (القُنُوت (6)) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الرُّوَاة عَنْ مَالِك) سِتَّة أَجزَاء.
__________
(1) وقد نشرته دار طيبة بالرياض 1982 بتحقيق ودراسة محمد بن مطهر الزهراني باسم " السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة راويين عن شيخ واحد ".
وهو كتاب نفيس لم يسبق الخطيب إلى مثله في هذا الباب أحد، ولم يحاكه أحد فيمن لحقه.
وقد وقع لمحققه في الصفحة الأولى منه وهم في التعريف بأبي الحسن علي بن عمر، فظنه علي بن عمر بن محمد بن الحسن أبو الحسن الحربي المعروف بابن القزويني المترجم في تاريخ بغداد 12 / 43، والصواب علي بن عمر بن محمد بن الحسن بن شاذان كما في تاريخ بغداد 12 / 40 المتوفى سنة 386، وقد روى عنه الخطيب قوله: لالحقن الصغار بالكبار حدثنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار بواسطة علي بن أبي علي البصري، ونشأ عن ذلك وهم آخر وهو ظن المحقق أن كلام أبي الحسن ينتهي عند قوله " بالكبار " وأن قوله: " حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار "، ليس من تمام كلام أبي الحسن، وإنما هو من قول الخطيب، فجعله من أول السطر، وعلق عليه بقوله: لم أجد معنى لوجود هذه الجملة هنا مع أن أحمد بن الحسين بن عبد الجبار شيخ علي بن عمر بن محمد بن الحسن كما هو مبين في ترجمته.
(2) سماه ابن الجوزي وياقوت " المكمل في بيان المهمل ".
(3) في " الانباء المحكمة " كما ذكر ياقوت، وقد ضمنه 171 حديثا مرتبا على حروف المعجم عن رواة لم يسموا، ولكن كشف هو عنهم، ومنه مختصر بعنوان " الاشارات إلى بيان الأسماء المبهمات " للامام النووي المتوفى 676، وهو مرتب أبجديا على أسماء قدامى رجال الحديث.
انظر " تاريخ " بروكلمان 6 / 62 من النسخة العربية.
(4) ذكره في " تاريخه " 11 / 429 باسم " الموضح أوهام الجمع والتفريق " وقد طبع في حيدر آباد الدكن بالهند عام 1959، 1960.
(5) واسمه " التطفيل وحكايات الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم " نشره حسام الدين بدمشق سنة 1346 هـ، وطبع بعناية كاظم المظفر في المطبعة الحيدرية بالنجف سنة 1966 م.
(6) تحرف في " تذكرة الحفاظ " 1 / 1140 إلى " الفنون ".(18/290)
(الفَقِيْه وَالمتفقه (1)) مُجَلَّد، (تَمِييز مُتَّصِل الأَسَانِيْد (2)) مُجَلد، (الْحِيَل (3)) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الإِنبَاء عَنِ الأَبْنَاء (4)) جُزْء، (الرّحلَة (5)) جُزْء، (الاحْتِجَاج بِالشَّافِعِيّ (6)) جُزْء، (البخلاَء (7)) فِي أَرْبَعَة أَجزَاء، (المُؤتنف (8) فِي تَكمِيْل المُؤتلف) ، (كِتَاب البسملَة وَأَنَّهَا مِنَ الفَاتِحَة (9)) ، (الْجَهْر بِالبسملَة) جُزآن، (مقُلُوْب الأَسْمَاء وَالأَنسَاب) مُجَلَّد، (جُزْء اليَمِين مَعَ الشَّاهد (10)) ، (أَسْمَاء المُدَلِّسين (11)) ، (اقتضَاء العِلْم الْعَمَل (12)) ، (تَقييد العِلْم (13)) ثَلاَثَة أَجزَاء، (القَوْل فِي
__________
(1) وقد طبع بعناية الشيخ إسماعيل الأنصاري في مطابع القصيم بالرياض عام 1389.
(2) في " المنتظم " و" الارشاد ": " تمييز المزيد في متصل الأسانيد ".
(3) في الأصل " الخيل " بالخاء المعجمة، والمثبت من " تذكرة الحفاظ " 1 / 1140، وهو الذي أثبته الدكتور أكرم العمري في " موارد الخطيب " ص 80.
(4) تحرف في " تذكرة الحفاظ " 1 / 1140 إلى " رواية الابناء عن آبائهم ".
(5) وهو " الرحلة في طلب الحديث "، وقد طبع ضمن " مجموعة رسائل في علوم الحديث " بعناية صبحي البدري السامرائي، ونشرته المكتبة السلفية في المدينة المنورة سنة 1969 م، ثم أعاد طبعه وتحقيقه الدكتور نور الدين عتر عام 1975 م.
(6) في " معجم الأدباء ": الاحتجاج للشافعي فيما أسند إليه والرد على الطاعنين بجهلهم عليه.
(7) وقد طبع بتحقيق أحمد مطلوب وخديجة الحديثي وأحمد ناجي القيسي في مطبعة العاني ببغداد سنة 1964 م.
(8) وهو تكملة لكتاب " المؤتلف والمختلف " للدارقطني المتوفى سنة 385 هـ.
وأورد اسمه في " معجم الأدباء " و" المنتظم ": " المؤتنف في تكملة المختلف والمؤتلف " وتحرف لفظ " في تكملة " في " المنتظم " إلى " بكلمة ".
(9) في " المنتظم ": " لهج الصواب في أن التسمية من فاتحة الكتاب " وفي " معجم الأدباء " كلمة منهج بدل لهج.
(10) في " معجم الأدباء ": " الدلائل والشواهد على صحة العمل باليمين مع الشاهد ".
(11) في " المنتظم " و" معجم الأدباء ": " التبيين لاسماء المدلسين ".
(12) في " المنتظم ": " اقتضاء العلم بالعمل "، وقد طبع في المكتب الإسلامي ببيروت 1386 هـ بتحقيق ناصر الدين الألباني، ثم أعيد طبعه بعد ذلك مرتين.
(13) يبرهن فيه على أن تقييد الحديث مباح إطلاقا. وقد نشره المعهد الفرنسي بدمشق سنة =(18/291)
النُّجُوْم) جُزء، (رِوَايَة الصَّحَابَة عَنْ تَابِعِيّ) جُزْء، (صَلاَة التّسبيح) جُزْء، (مُسْنَد نُعَيْم بن حَمَّاد (1)) جُزْء، (النَّهْي عَنْ صَوْم يَوْم الشّك) ، (إِجَازَة الْمَعْدُوم وَالمَجْهُول (2)) جُزْء، (مَا فِيْهِ سِتَّة تَابعيون (3)) جُزْء.
وَقَدْ سرد ابْنُ النَّجَّار أَسْمَاء تَوَالِيف الخَطِيْب، وَزَادَ أَيْضاً لَهُ: (مُعْجَم الرُّوَاة عَنْ شُعْبَةَ) ثَمَانِيَة أَجزَاء، (المُؤتلف وَالمختلف) أَرْبَعَة وَعِشْرُوْنَ جُزْءاً، (حَدِيْث مُحَمَّد بن سُوْقَةَ) أَرْبَعَة أَجزَاء، (المسلسلاَت) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الربَاعِيَات) ثَلاَثَة أَجزَاء، (طرق قبض العِلْم) ثَلاَثَة أَجزَاء، (غسل الجُمُعَة) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الإِجَازَة لِلمَجْهُول (4)) .
أَنشدنِي أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ، أَنشدنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِيْر، أَنشدنَا السِّلَفِيّ لِنَفْسِهِ (5) :
__________
= 1949 بتحقيق المرحوم يوسف العش.
(1) كذا في الأصل: " حماد " مجودة. وورد عند الدكتور العمري في " موارد الخطيب "
ص: 57 " همار " الغطفاني، وذكر أنه ورد عند الدكتور العش هماز العصاني. فليحرر.
(2) في " المنتظم ": " الاجازة للمعدوم والمجهول " وتحرف لفظ " للمعدوم " في " معجم الأدباء " إلى " للمعلوم "، وقد طبع ضمن " مجموعة رسائل في علوم الحديث " بعناية صبحي البدري السامرائي نشر المكتبة السلفية عام 1969 م.
(3) في " المنتظم " و" الارشاد ": " رواية الستة من التابعين ". وتصحف فيهما لفظ " الستة " إلى " السنة " بالنون.
(4) وذكر الذهبي له أيضا مؤلفات أخرى في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1139 - 1140، وذكر ابن خلكان أنه صنف قريبا من مئة مصنف. " الوفيات " 1 / 92.
وقد أحصى المرحوم يوسف العش مؤلفاته، فبلغت واحدا وسبعين مؤلفا، وعين أماكن وجودها في المكتبات العالمية مع إشارته إلى المطبوع منها والمخطوط في كتابه " الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها " ص: 120 - 134، وكذلك فعل الدكتور العمري ولكنه زاد في مؤلفاته، وذكر أنها بلغت ستة وثمانين مصنفا، وعقد لها فصلا خاصا في كتاب القيم " موارد الخطيب " ص 55 - 84، فارجع إليه.
(5) الابيات في " إرشاد الاريب " 4 / 33 - 34، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1140، و" طبقات " السبكي 4 / 33.(18/292)
تَصَانِيْفُ ابْنِ ثَابِتٍ الخَطِيْبِ ... أَلَذُّ مِنَ الصِّبَا الغَضِّ (1) الرَّطِيْبِ
يَرَاهَا إِذْ رَوَاهَا مَنْ حَوَاهَا ... رِيَاضاً لِلفتَى اليَقِظِ اللَّبِيْبِ (2)
وَيَأْخُذُ حُسْنُ مَا قَدْ صَاغَ مِنْهَا ... بِقَلْبِ الحَافِظِ الفَطِنِ الأَرِيْبِ
فَأَيَّةُ رَاحَةٍ وَنَعِيْمِ عَيْشٍ ... يُوَازِي كَتْبَهَا (3) ؟ بَلْ أَيُّ طِيْبِ؟
رَوَاهَا: السَّمْعَانِيّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، عَنْ يَحْيَى بنِ سعدُوْنَ، عَنِ السِّلَفِيّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسَلَّم بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ كِتَابَةً قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المطيرِي، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عبيدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ عِرَاكِ بن مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَيْسَ فِي الخَيْلِ وَالرَّقِيْقِ زَكَاةٌ، إِلاَّ أَنَّ فِي الرَّقيق صَدَقَةَ الفِطْرِ) (4) .
__________
(1) تصحفت في " الارشاد ": إلى " الغصن ".
(2) رواية هذا البيت عند ياقوت:
تراها إذ حواها من رواها * رياضا تركها رأس الذنوب
(3) عند ياقوت: يوازي كتبه.
(4) إسناده حسن، رجاله ثقات، وهو في تاريخ بغداد 14 / 114، وأخرجه أبو داود (1594) من طريقين عن عبد الوهاب، عن عبيد الله، عن رجل، عن مكحول، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم (982) (10) في الزكاة: باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه من طرق عن ابن وهب، عن مخرمة، عن أبيه، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر " وأخرجه مالك 1 / 277 ومن طريقه مسلم (982) وأبو داود (1595) عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة، وأخرجه البخاري (1463) من طريق آدم عن شعبة، عن عبد الله بن دينار، وأخرجه أيضا =(18/293)
وَبِهِ: قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ القَاسِمِ الشَّاهد مِنْ حِفْظِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق الهِزانِي، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِر، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَنَس قَالَ:
كَانَتْ أُمُّ سُلَيْم مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ نسَاء النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سفر، وَكَانَ حَادِيهم يُقَالَ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَنَادَاهُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (رُوَيْداً يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَك بِالقَوَارِيرِ (1)) .
قَالَ أَبُو الخَطَّاب بن الجَرَّاحِ المُقْرِئ يَرْثِي الخَطِيْب بِأَبيَات مِنْهَا (2) :
فَاقَ الخَطِيْبُ الوَرَى صِدْقاً وَمَعْرِفَةً ... وَأَعْجَزَ النَّاسَ فِي تَصْنِيْفِهِ الكُتُبَا
حَمَى الشَّرِيعَةِ مِنْ غَاوٍ يُدَنِّسُهَا ... بِوَضْعِهِ (3) وَنفَى التَّدْلِيْسَ وَالكَذِبَا
جَلَى مَحَاسِن بَغْدَادَ فَأَوْدَعَهَا ... تَارِيخَه مُخْلِصاً للهِ مُحْتَسِبا
__________
= (1464) من طريق مسدد عن يحيى بن سعيد، عن خثيم بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرجه الترمذي (628) والنسائي 5 / 35 من طريق وكيع عن سفيان وشعبة، عن عبد الله ابن دينار به.
(1) هو في تاريخ بغداد 12 / 208، وأخرجه البخاري في الأدب (6149) و (6161) و (6202) و (6210) من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، وأخرجه أيضا (6161) و (6210) من طريقين عن حماد، عن ثابت، عن أنس، وهو عنده (6209) من طريق آدم، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس، و (6211) من طريق إسحاق، عن حبان، عن همام، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه مسلم (2323) في الفضائل من طرق عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، وأخرجه أيضا من طريق إسماعيل بن علية، عن أيوب به، ومن طريق يزيد بن زريع، عن سليمان التيمي، عن أنس، ومن طريق عبد الصمد، عن همام، عن قتادة، عن أنس.
والمراد بالقوارير هنا: النساء شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن، والقوارير يسرع إليها الكسر، وكان أنجشة غلاما أسود، وفي سوقه عنف فأمره أن يرفق بهن في السوق كما يرفق بالدابة التي عليها قوارير، وفيه وجه آخر وهو أن أنجشة كان حسن الصوت بالحداء، فكان يحدو لهن، وينشد من القريض والرجز ما فيه تشبيب، فلم يأمن أن يقع في قلوبهن حداؤه، فأمر بالكف عن ذلك، وشبه ضعف عزائمهن وسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير في سرعة الآفة إليها.
(2) الابيات في " تهذيب ابن عساكر " 1 / 401، و" معجم الأدباء " 4 / 43 - 44.
(3) في الأصل: " بوصفه "، والمثبت من " تهذيب ابن عساكر " 1 / 401، و" معجم الأدباء " 4 / 43.(18/294)
وَقَالَ فِي النَّاسِ بِالقِسْطَاسِ مُنْحَرِفاً (1) ... عَنِ الهَوَى وَأَزَالَ الشَّكَّ وَالرِّيَبا
سَقَى ثَرَاكَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى ظَمَأٍ ... جَوْنٌ ركَامٌ تَسُحُّ الوَاكَفَ السَّرِبا (2)
وَنِلْتَ فَوْزاً وَرِضْوَاناً وَمَغْفِرَةً ... إِذَا تَحَقَّقَ وَعدُ اللهِ وَاقْتَرَبا
يَا أَحْمَدَ بنَ عَلِيٍّ طِبْتَ مُضْطَجَعاً ... وَبَاءَ شَانِيكَ (3) بِالأَوْزَارِ مُحْتَقِبا (4)
وَللخطيب نَظْمٌ جَيِّد، فَرَوَى المُبَارَك بن الطُّيورِي عَنْهُ لِنَفْسِهِ (5) :
تَغَيَّبَ الخَلْقُ عَنْ عَيْنِي سِوَى قَمَرٍ ... حَسْبِي مِنَ الخَلْقِ ط?رّاً ذَلِكَ القَمَرُ
مَحَلُّهُ فِي فُؤَادِي قَدْ تَمَلَّكَهُ ... وَحَازَ رُوحِي فَمَا لِي (6) عَنْهُ مُصْطَبَرُ
وَالشَّمْسُ (7) أَقْرَبُ مِنْهُ فِي تَنَاوُلهَا ... وَغَايَةُ الحظِّ مِنْهُ لِلورَى نَظَرُ
وَدِدتُ (8) تَقبيلَه يَوْماً مُخَالسَةً (9) ... فَصَارَ مِنْ خَاطرِي فِي خَدِّهِ أَثَرُ
وَكَمْ حَلِيْمٍ رَآهُ ظَنَّهُ مَلَكاً ... وَرَدَّدَ (10) الفِكْرَ فِيْهِ أَنَّهُ بَشَرُ
قَالَ غِيثُ بنُ عَلِيّ: أَنشدنَا الخَطِيْب لِنَفْسِهِ:
إِنْ كُنْتَ تَبغِي الرَّشَادَ مَحْضاً ... لأَمْرِ دُنْيَاكَ وَالمَعَاد
__________
(1) عند ابن عساكر وياقوت: منزويا.
(2) الجون: من أسماء الاضداد يطلق على الابيض والاسود، والمراد به هنا السحاب الأسود لامتلائه بالماء، والركام: المجتمع والمتراكم بعضه فوق بعض، والسح: سيلان الماء وانصبابه بشدة، ووكف: قطر، والسرب: السائل.
(3) أي مبغضك، قال تعالى: (إن شانئك هو الابتر) .
(4) محتقبا: أي حاملا للاوزار في حقيبة.
(5) الابيات في " معجم الأدباء " 4 / 37 - 38، و" الوافي " 7 / 199، والاول منها في
" النجوم الزاهرة " 5 / 88.
(6) في " معجم " ياقوت، و" الوافي ": ومالي.
(7) في " معجم الأدباء " و" الوافي ": فالشمس.
(8) في " معجم الأدباء " و" الوافي ": أردت.
(9) في الأصل: مجالسة، والمثبت من " معجم الأدباء " و" الوافي ".
(10) في معجم الأدباء و" الوافي ": وراجع الفكر.(18/295)
فَخَالِفِ النَفْسَ فِي هَوَاهَا ... إِنَّ الهَوَى جَامِعُ الفَسَادِ (1)
أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب: أَنشدنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ لِنَفْسِهِ (2) :
لاَ تَغْبِطَنَّ (3) أَخَا الدُّنْيَا لِزُخْرُفِهَا (4) ... وَلاَ لِلَذَّةِ وَقْتٍ عَجَّلَتْ فَرحَا
فَالدَّهْرُ أَسرَعُ شَيْءٍ فِي تَقَلُّبِهِ ... وَفِعْلُهُ بَيِّنٌ لِلْخَلْقِ قَدْ وَضَحَا
كَمْ شَارِبٍ عَسَلاً فِيْهِ مَنِيَّتُهُ ... وَكمْ تَقَلَّدَ سَيْفاً مَنْ بِهِ ذُبِحَا (5)
وَمَاتَ مَعَ الخَطِيْب: حَسَّانُ بنُ سَعِيْدٍ المَنِيْعِيّ (6) ، وَأَبُو الوَلِيْدِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ زِيدُوْنَ شَاعِر الأَنْدَلُس (7) ، وَأَبُو سَهْلٍ حَمْدُ بنُ وَلْكيز بِأَصْبَهَانَ، وَعبد الوَاحِد بن أَحْمَدَ المَلِيْحِي (8) ، وَأَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الدَّجَاجِي (9) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ التُّرَابِي (10) بِمَرْو، وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ وشَاح الزَّيْنَبِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبد البَر (11) ، وَأَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العُكْبَرِيّ، عَنْ ثَلاَث وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ أَخُو أَبِي مَنْصُوْرٍ النّديم (12) ،
__________
(1) البيتان في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1145.
(2) الابيات في " الوافي " 7 / 199، و" معجم الأدباء " 4 / 25، و" البداية والنهاية " 12 / 103، و" تهذيب ابن عساكر " 1 / 401.
(3) تصحفت في " البداية " 12 / 103 إلى: لا يغبطن.
(4) في " معجم الأدباء " و" الوافي ": بزخرفها.
(5) تحرفت هذه الشطرة في " البداية ": وكم مقلد سيفا من قربه ذبحا (6) تقدمت ترجمته برقم (134) .
(7) تقدمت ترجمته برقم (116) .
(8) تقدمت ترجمته برقم (128) .
(9) تقدت ترجمته برقم (132) .
(10) تقدمت ترجمته برقم (124) .
(11) تقدمت ترجمته برقم (85) .
(12) هو أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد العكبري الاخباري النديم، المتوفى سنة (472) ، سترد ترجمته برقم (193) .(18/296)
وَشيخُ الشِّيْعَة أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ حَسَنِ بنِ حَمْزَةَ الطَّالكِي الجَعْفَرِيّ؛ صِهر الشَّيْخ المُفِيد (1) .
138 - الدَّرْبَنْدِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الجَوَّالُ، أَبُو الوَلِيْدِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَلْخِيُّ الدَّرْبَنْدِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ غُنجَار، وَنَحْوهُ بِبُخَارَى، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان وَطَبَقَته بِبَغْدَادَ، وَالشَّيْخ العَفِيْف عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبِي نَصْرٍ، وَنَحْوهُ بِدِمَشْقَ، وَأَبَا زَكَرِيَّا المُزَكِّي، وَأَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا عُمَر الهَاشِمِيّ بِالبَصْرَةِ، وَابْن نَظيف الفَرَّاء بِمِصْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الفرَاوِي، وَعبدُ الْمُنعم بنُ القُشَيْرِيّ، وَزَاهِر الشحَّامِي، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: رَحل مِنْ بُخَارَى إِلَى إِسكندرِيَّة، وَهُوَ مُكْثِرٌ صَدُوْقٌ، لَكنه رديءُ الخطّ (2) ، لَمْ يَكُنْ لَهُ كَبِيْرُ مَعْرِفَةٍ بِالحَدِيْثِ، سَمِعَ بِبلخ مِنْ: عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الخُزَاعِيّ، وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي زَكَرِيَّا المُزَكِّي، وَبهرَاة مِنَ: القَاضِي أَبِي مَنْصُوْرَ الأَزْدِيّ، وَبإِستِرَابَاذ مِنْ: بُنْدَار بن مُحَمَّدٍ، وَبِالبَصْرَةِ مِنَ: القَاضِي أَبِي عُمَرَ الهَاشِمِيّ، وَبمصر مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ نَظيف (3) .
__________
(1) الشيخ المفيد، تقدم التعريف به ص 141 ت (5) .
(*) معجم البلدان 2 / 449، تذكرة الحفاظ 3 / 1155 - 1156، طبقات الحفاظ: 437، شذرات الذهب 3 / 301، تهذيب ابن عساكر 4 / 250.
والدربندي، نسبة إلى دربند: مدينة على بحر طبرستان ويقال له: باب الابواب.
انظر " معجم البلدان " 1 / 303.
(2) في " تذكرة الحفاظ " و" الشذرات ": ردئ الحفظ.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1155.(18/297)
وَقَالَ عبد الغَافِر فِي (تَارِيْخِهِ) :طَوَّف أَبُو الوَلِيْدِ البِلاَد، وَحَصَّل الأَسَانِيْد وَالغَرَائِب (1) .
قُلْتُ: مَاتَ بِسَمَرْقَنْدَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَع مائَة.
قَالَ عبد الغَافِر فِي (السيَاق) :أَبُو الوَلِيْدِ الدَّرْبَنْدي الصُّوْفِيّ المُحَدِّث، مِنَ المَشَايِخ الجَوَّالِين فِي الحَدِيْثِ (2) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ البَزَّاز، أَخْبَرَنَا زَاهِر، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ حسنُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ المِسْوَر، حَدَّثَنَا المِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مَعْبَد، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْهَلِيّ، عَنْ حُذَيْفَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوْفِ وَتَنْهَونَّ عَنِ المُنْكَر، أَوْ ليُوْشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُم عَذَاباً مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لِتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيْبُ لَكُمْ) (3) .
__________
(1) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1155، و" تهذيب " ابن عساكر 4 / 250.
(2) " تهذيب " ابن عساكر 4 / 250.
(3) عبد الله بن عبد الرحمن الاشهلي لم يوثقه غير ابن حبان، وقال يحيى بن معين: لا أعرفه، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه الترمذي (2169) من طريقين، عن عمر بن أبي عمرو بهذا الإسناد، وقال: حديث حسن وأخرجه الخطيب في " تاريخه " 13 / 92 من حديث أبي هريرة بلفظ " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم " وفي سنده محمود بن محمد الظفري، قال الدارقطني: ليس بالقوي، وأورده في " المجمع " 7 / 266، ونسبه للبزار والطبراني في الأوسط، وقال: فيه حبان بن علي وهو متروك، وقد وثقه ابن معين في رواية، وضعفه في غيرها.
قلت: أورده المؤلف في " الميزان " 1 / 449، ونقل أقوال الأئمة فيه، ثم قال: لكنه لم يترك، وفي الباب عن عائشة عند ابن ماجة (4004) وابن حبان (1846) بلفظ: " مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا، فلا يستجاب لكم " وعن عبد الله بن عمر في " الحلية " 8 / 287 والطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " 7 / 266 قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم.(18/298)
139 - ابْنُ عَلِيَّكَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَاضِلُ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَسَنِ ابْن عَلِيَّكَ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
مِنْ أَوْلاَد المَشَايِخ، كَثِيْرُ الأَسفَار.
نَزل أَصْبَهَان مُدَّة، وَحَدَّثَ بِهَا وَبأَذْرَبِيْجَان وَبغدَاد.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ الخفَّاف، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ العَلَوِيّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ عَبْدِ الْملك الإِسفرَايينِي، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَحَمْزَة المُهَلَّبِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن أَبِي إِسْحَاقَ المزكِّي.
وَعَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَقَالَ: كَانَ صَدُوْقاً (1) .
وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الرَّجَاءِ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ البَغْدَادِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ عُمَرَ النَّاتَانِي المُقْرِئ، شَيْخ لِلسِّلَفِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ نَقطَة: سَمِعَ مِنْهُ ابْن مَاكُوْلاَ، وَالمُؤْتَمن السَّاجِيّ.
وَقَالَ النَّاتَانِي: قَدِمَ عَلَيْنَا تَفلَيْسَ، وَحَدَّثَنَا عَنِ الخفَّاف، وَبِهَا تُوُفِّيَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: قُلْتُ لإِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَلَهُ سَمَاع، وَلأَبِيْهِ حَفِظٌ، وَكَانَ سَيِّئَ الرَّأْي فِيْهِ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي نَصْرٍ
__________
(*) تاريخ بغداد 12 / 33، الإكمال 6 / 262، العبر 3 / 267 - 268، تبصير المنتبه 3 / 966، شذرات الذهب 3 / 330 - 331.
وفي عليك ثلاثة أقوال، الأول: فتح العين وكسر اللام وتشديد الياء المفتوحة، الثاني: فتح العين واختلاس كسرة اللام وفتح الياء المخففة، الثالث: فتح العين وسكون اللام وتخفيف الياء، وأما الكاف فساكنة في الفارسية توصل بأواخر الأسماء لافادة التصغير.
انظر " الإكمال " و" الاستدراك " و" التبصير ".
(1) " تاريخ بغداد " 12 / 33.(18/299)
اللَّفْتُوَانِي (1) يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو القَاسِمِ بنُ عَلِيَّك عَلَى أَوقَافِ الجَامِع بِأَصْبَهَانَ، فَحوسب، فَانْكَسَرَ عَلَيْهِ مَالٌ، وَكَانَ لِلوقف دُكَانَ حلوَانِي أَخَذَ مِنْ سَاكنهَا حَلاَوَةٌ كَبِيْرَة، فَكَانُوا يَضحكُوْن، وَيَقُوْلُوْنَ: نَرَى الجَامِع أَكل الحَلاَوَة.
وَسَأَلت أَبَا سَعْد بن البَغْدَادِيّ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ فَاضِلاً، مَا سَمِعْتُ فِيْهِ إِلاَّ خَيراً، وَكَانَ أَبُوْهُ مُحَدِّثَا، وَمَا سَمِعْتُ قَدْحاً فِي سَمَاعَاته، وَكَتَبَ عَنْهُ الجَمُّ الغفِير (مُسْنَد أَبِي عَوَانَة) ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ أَشعرِياً.
قُلْتُ: أَجَاز لابْنِ نَاصِر الحَافِظ، وَمَاتَ فِي رَجَب، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
140 - أَبُو الفَرَجِ الجَرِيْرِيُّ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المَأْمُوْنُ، الصَّدْرُ، أَبُو الفَرَجِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَجَلِيُّ، الجَرَيْرِيُّ، الهَمَذَانِيُّ.
مِنْ أَوْلاَد جَرِيْر بن عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
حَدَّثَ بـ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ لاَل، وَحَدَّثَ عَنْ أَبِيْهِ، وَأَحْمَدَ بنِ تُركَانَ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشيرَازِي الحَافِظ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عُمَرَ بنِ أَبِي اللَّيْث، وَعَلِيِّ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدَان، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن عُبَيْد اللهِ الحُرْفِي (2) ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ يُوْسُفَ الصَّنْعَانِيّ، وَأَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ عمشليق الجَعْفَرِيّ.
__________
(1) اللفتواني: بفتح اللام وسكون الفاء وضم التاء، هذه النسبة إلى لفتوان: إحدى قرى أصبهان.
(*) الإكمال 2 / 206، الأنساب 3 / 242 - 243.
(2) في الأصل: الحرقي بالقاف وهو خطأ، وقد تقدم التعريف بهذه النسبة في الصفحة (18) تعليق (4) .(18/300)
قَالَ شِيْرَوَيْه: سَمِعْتُ مِنْهُ عَامَّة مَا مرَّ لَهُ.
قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، عَدْلاً، مِنْ بَيْت الإِمَارَة وَالعِلْمِ.
وَكَانَ أَحَدَ تُنَّاء (1) بلدنَا.
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ هِبَةُ اللهِ ابنُ أُخْت الطَّوِيْل، وَأَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ العِجْلِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ شِيْرَوَيْه: تُوُفِّيَ فِي ثَامن وَعِشْرِيْنَ رَمَضَان، سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْت سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
141 - عَبْدُ الحَقِّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ السَّهْمِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو مُحَمَّدٍ السَّهْمِيُّ الصَّقَلِيُّ.
تَفقَّه عَلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي عِمْرَانَ الفَاسِي، وَالأَجْدَابِي (2) ، وَحَجّ، فَلقِي عَبْد الوَهَّابِ (3) ؛صَاحِب (التَّلْقِين) ، وَأَبَا ذَرٍّ الهَرَوِيّ.
وَلَهُ كتب مِنْهَا: (النّكت وَالفرُوْق لمَسَائِل المدونَة) .
وَكِتَاب (تَهْذِيْب
__________
(1) التانئ: الدهقان، أي رئيس الاقليم. انظر " القاموس ".
(*) ترتيب المدارك 4 / 476 - 477، تذكرة الحفاظ 3 / 1160، الديباج المذهب 2 / 56، المنتقى لابن قاضي شهبة خ حوادث سنة 466، كشف الظنون 1 / 515، شجرة النور: 116، فهرس دار الكتب 1 / 206.
(2) نسبة إلى أجد ابية، بدال مهملة وياء خفيفة، وهو بلد بين برقة وطرابلس الغرب.
انظر " معجم البلدان " 1 / 100، وقد تصحفت في " ترتيب المدارك " إلى " الاجذابي " بالذال المعجمة وانظر " ترتيب المدارك " 4 / 621 - 622.
(3) هو القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي البغدادي المالكي، وقد مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (278) .(18/301)
الطَّالب (1)) وَأَلّف عقيدَة، وَتَخَرَّج بِهِ أَئِمَّة (2) .
مَاتَ: بِالإِسْكَنْدَرِيَّة سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَع مائَة.
وَقَدْ حَجَّ مَرَّات، وَنَاظر بِمَكَّةَ أَبَا المعَالِي إِمَام الحَرَمَيْنِ، وَبَاحَثه.
وَهُوَ مَوْصُوْف بِالذّكَاء وَحُسن التَّصنِيف، وَلَهُ اسْتدرَاكٌ عَلَى (مُخْتَصَر البرَاذعِي (3)) وَخَرَّج لَهُ عِدَّة تَلاَمِذَة.
وَكَانَ قُرَشِياً مِنْ بَنِي سَهْم.
142 - عَائِشَةُ بِنْتُ حَسَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيَّةُ *
الوَاعِظَةُ، العَالِمَةُ، المُسْنِدَةُ، أُمُّ الفَتْحِ الأَصْبَهَانِيَّةُ، الوَرْكَانِيَّة (4) .
وَوَرْكَانَ: مَحَلَّة هُنَاكَ (5) .
كَتَبتِ الإِمْلاَءَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَة بخطّهَا.
وَسَمِعَتْ مِنْ: مُحَمَّد بن جشْنِس الرَّاوِي عَنِ ابْنِ صَاعِد.
وَمِنْ: عبدِ الوَاحِد بن شَاه، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهَا: الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي الرَّجَاءِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ الحَافِظ إِسْمَاعِيْل عَنْهَا، فَقَالَ: امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، عَالِمَةٌ، تَعِظُ النِّسَاءَ، وَكَتَبَتْ أَمَالِي ابْنِ مَنْدَةَ عَنْهُ.
وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ
__________
(1) تصحفت في " كشف الظنون " 1 / 515 إلى: المطالب.
(2) " ترتيب المدارك " 4 / 775.
(3) والبراذعي: هو أبو سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني البراذعي، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (348) .
(*) الأنساب: 581 ب، معجم البلدان 5 / 373، اللباب 3 / 361، العبر 3 / 247، شذرات الذهب 3 / 308، تاج العروس: مادة " ورك " 7 / 191.
(4) تحرف في " الشذرات " إلى " الموركانية ".
(5) أي بأصبهان.(18/302)
سَمِعْتُ مِنْهَا الحَدِيْث، بَعَثَنِي أَبِي إِلَيْهَا، وَكَانَتْ زَاهِدَةً.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهَا أَيْضاً مُحَمَّدُ بنُ حَمْد الكِبرِيتِي، وَإِسْمَاعِيْلُ الحمَّامِي المُعَمَّر، فَكَانَ خَاتمَة أَصْحَابِهَا.
بقيت إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (1) .
143 - صُرْدُرَّبَعْرُ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّاعِرُ المُفْلِقُ، أَدِيْبُ وَقتِهِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ.
وَيُلَقَّبُ بِصُرَّبَعْر.
صَاحِبُ بلاغَة وَجزَالَة وَرِقَة وَحَلاَوَة، وَبَاعٍ أَطولَ فِي الأَدب.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان (2) ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ الحمَّامِي.
وَعَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ الزوزنِي، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَم، وَفَاطِمَةُ بِنْت الخَبْرِي (3) .
قَالَ ابْنُ عبد السَّلاَم الكَاتِب: كَانَ نِظَامُ المُلك يَقُوْلُ لَهُ: أَنْتَ صُرّدرّ لاَ صُربَعْر (4) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: مَدح الخَلِيْفَة القَائِمَ وَوزِيْرَه أَبَا القَاسِمِ بن المُسْلمَة، لَمْ يَكُ فِي المُتَأَخِّرِيْنَ أَرقُّ طبعاً مِنْهُ، مَعَ جَزَالَةٍ وَبلاغَةٍ.
__________
(1) ذكر المؤلف وفاتها في " العبر " سنة (460) ، وكذا ذكر ياقوت في " معجم البلدان "، وفي " اللباب " أنها توفيت سنة (463) ، وفي " تاج العروس ": سنة (495) .
(*) دمية القصر: 1 / 306 - 363، المنتظم 8 / 280 - 282، الكامل 10 / 88 - 89، وفيات الأعيان 3 / 385 - 386، المختصر في أخبار البشر 2 / 190، العبر 3 / 259، تتمة المختصر 1 / 567 - 568، البداية والنهاية 12 / 108، النجوم الزاهرة 5 / 94، شذرات الذهب 3 / 322 - 323، هدية العارفين 1 / 691 - 692.
(2) في " البداية ": ابن شيران، وهو خطأ.
(3) انظر ترجمة هذه النسبة في الترجمة (287) الآتية.
(4) الخبر في " المنتظم " 8 / 280 - 281، و" الكامل " 10 / 88.(18/303)
وَقَالَ بَعْضُ الأُدبَاء: هُوَ أَشعرُ مِنْ مِهيَار (1) .
وَقِيْلَ: ظَلَمَ أَهْلُ شَهْرَابَان (2) ، وَسعَى بِهِم.
وَخلط فِي دِيْنِهِ.
تَقَطَّر (3) بِهِ فَرسُه، فَهلكَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ (4) ، سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقَعَ بِهِ الْفرس فِي زُبْيَةٍ (5) لِلأَسد، فَهلكَا مَعاً.
وَقِيْلَ: إِنَّمَا أَبُوْهُ لُقِّبَ بصربعر لبُخْلِهِ (6) .
144 - ابْنُ السِّمْنَانِيِّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَنَفِيُّ *
القَاضِي، العَلاَّمَة، أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ أَعْيَنَ الحَنَفِيُّ، وَلَدُ القَاضِي الكَبِيْر شَيْخِ الأَشْعَرِيَّة أَبِي جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيِّ.
ذكرنَا وَالِده فِي الطَّبَقَةِ المَاضيَة (7) .
وَهَذَا وُلِدَ بِسِمنَان فِي سَنَةِ (384) .
__________
هو الشاعر المشهور أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي المتوفى سنة (428) ، وقد مرت ترجته في الجزء السابع عشر برقم (310) .
(2) هي قرية كبيرة عظيمة ذات نخل وبساتين من نواحي الخالص في شرقي بغداد.
(ياقوت) .
(3) في الأصل: " تقنطر " والمثبت من " القاموس "، قال: وتقطر به [فرسه] : ألقاه على قطره.
(4) في " المنتظم ": في صفر.
(5) الزبية: حفرة تحفر للاسد، سميت بذلك لانهم كانوا يحفرونها في موضع عال.
وانظر " وفيات الأعيان " 3 / 386.
(6) ذكره ابن خلكان وزاد: فلما نبغ ولده المذكور وأجاد في العشر قيل له: صردر " وفيات الأعيان ": 3 / 386 وديوان شعره مطبوع في القاهرة بدار الكتب المصرية سنة 1934.
(*) تاريخ بغداد 4 / 382، المنتظم 8 / 287، الكامل 10 / 93، تاريخ الإسلام 1 / 91 / 2 - 92 / 1، البداية والنهاية 12 / 109، الجواهر المضية 1 / 254، تاريخ الخميس 2 / 359، الطبقات السنية: رقم (300) .
والسمناني: بكسر السين وسكون الميم كما في الأصل وعند ياقوت وابن الأثير، وعند السمعاني: بفتح الميم، هذه النسبة إلى سمنان قرية بالعراق.
وهناك مواضع أخرى أيضا اسمها سمنان.
انظر " معجم البلدان " 3 / 251.
(7) مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (441) .(18/304)
وَكَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً، حسن الأَخلاَقِ، كَبِيْرَ القَدْرِ، وَافِرَ الجَلاَلَة.
تَفقَّه عَلَى أَبِيْهِ لأَبِي حَنِيْفَةَ، وَأَخَذَ عَنْهُ علمَ الكَلاَم، وَكَانَ مَعَهُ لَمَّا وَلِيَ قَضَاءَ حلب، سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ: مِنَ الحَسَنِ بن الحُسَيْنِ النُّوَبَخْتِي (1) ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ هِشَامٍ الصرصرِي، وَأَبِي أَحْمَدَ الفرضِي، وَابْنِ الصَّلْتِ المُجْبر.
قَالَ الخَطِيْبُ (2) :كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ صَدُوْقاً.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، وَيَحْيَى بنُ الطّرَّاح، وَأَبُو الْبَدْر الكَرْخِيّ.
وَتَزَوَّجَ بِابْنتِهِ قَاضِي القُضَاة أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّامغَانِي (3) ، وَاسْتنَابه فِي القَضَاءِ (4) .
تُوُفِّيَ: بِبَغْدَادَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَحَضَره الكِبَار وَأَربَاب الدَّوْلَة، وَدُفِنَ بدَاره مُدَّة، ثُمَّ نُقل (5) .
وَكَانَ يَدْرِي العَقْلِيَّات.
145 - ابْنُ القَطَّانِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى القُرْطُبِيُّ *
شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ هِلاَلٍ القُرْطُبِيُّ.
__________
(1) قال ابن الأثير: النوبختي بضم النون أو فتحها، وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وبعدها تاء، هذه النسبة إلى نوبخت أحد أجداده.
(2) في " تاريخ بغداد " 4 / 382.
(3) سترد ترجمته برقم (249) .
(4) انظر " المنتظم " 8 / 287.
(5) في " المنتظم ": ودفن بداره بنهر القلائين، وجلس قاضي القضاة للعزاء به، ثم نقل إلى الخيزرانية.
(*) ترتيب المدارك 4 / 813، الصلة 1 / 61 - 62، العبر 3 / 246، الديباج المذهب 1 / 181 - 182، النجوم الزاهرة 5 / 82، شذرات الذهب 3 / 308، شجرة النور الزكية: 119.(18/305)
دَارت عَلَيْهِ وَعَلَى ابْنِ عَتَّاب (1) الفُتْيَا بقُرْطُبَة، وَكَانَ بَيْنَهُمَا منَافسَةٌ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَتَاب يُقدَّم عَلَى ابْنِ القَطَّان لسِنِّه وَتَفَنُّنِه، وَيَفوقُه ابْنُ القَطَّان بِبيَانِهِ وَقوَة حِفظه وَجُوْدَة انبسَاطِهِ (2) .
تَفَقَّهَ بِأَبِي مُحَمَّدٍ بن دحُّوْنَ (3) ، وَابْن حَوْبيل (4) ، وَابْن الشِّقَاق (5) .
وَسَمِعَ مِنْ: يُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ القَاضِي.
قَالَ ابْنُ حَيَّانَ: كَانَ ابْنُ القَطَّان أَحْفَظ النَّاس (لِلمُدونَة) وَ (المُسْتخرجَة) وَأَبصرَ أَصْحَابِهِ بِطرق الفُتْيَا وَالرَّأْي، وَكَانَ يُنكر المُنْكَر، وَيَكرَهُ الملاَهِي، وَكَانَ أَبُوْهُ وَلِيّاً للهِ مِنَ الزُّهَّاد، تَفَقَّهَ أَهْل قُرْطُبَة بِأَبِي عُمَرَ مِنْهُم: ابْنُ مَالِك (6) ، وَابْن الطَّلاع، وَابْن دحمِين (7) ، وَابْن رزق (8) .
قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(1) هو أبو عبد الله محمد بن عتاب الأندلسي، سترد ترجمته برقم (152) .
(2) انظر " الديباج المذهب " 1 / 181، و" ترتيب المدارك " 4 / 813.
(3) المتوفى سنة 431 هـ.
انظر ترجمته في " ترتيب المدارك " 4 / 729، و" الصلة " 1 / 267.
(4) هو أبو بكر عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن التجيبي، يعرف بابن حوبيل - بالحاء
المهملة - وتصحف في " الديباج المذهب " إلى " جوبيل " بالجيم - متوفى سنة 409 هـ.
مترجم في " ترتيب المدارك " 4 / 726، و" جذوة المقتبس ": 270، و" بغية الملتمس ": 319، و" الصلة " 1 / 315 - 316.
(5) هو أبو محمد عبد الله بن سعيد المعروف بابن الشقاق المتوفى سنة 426.
انظر ترجمته في " ترتيب المدارك " 4 / 729، و" الصلة " 1 / 266 - 267.
(6) هو أبو مروان عبيد الله بن محمد بن مالك المتوفى سنة 460، انظر ترجمته في " ترتيب المدارك " 4 / 813 - 814.
(7) في " الديباج ": حمدين، وفي " شجرة النور ": حمديس، وفي " ترتيب المدارك ": دحون.
(8) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن رزق القربي، سترد ترجمته برقم (292) وقد تصحف " رزق " في " الديباج المذهب " 1 / 181، إلى " زرق " بزاي ثم راء.(18/306)
146 - القَائِمُ بِأَمْرِ اللهِ عَبْدُ اللهِ بنُ القَادِرِ بِاللهِ العَبَّاسِيُّ *
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، القَائِمُ بِأَمْرِ اللهِ، أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ ابْنُ القَادِر بِاللهِ أَحْمَدَ ابنِ الأَمِيْر إِسْحَاقَ ابنِ المُقْتَدِرِ بِاللهِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَضِدِ العَبَّاسِيُّ البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَأُمُّه أَرمنِيَّة تسمَّى بدرَ الدُّجَى، وَقِيْلَ: قطرَ النَّدَى.
وَقَدْ مرَّ ذِكْرُهُ اسْتطرَاداً بَعْد العِشْرِيْنَ وَالثَّلاَثِ مائَة (1) ، وَأَنَّهُ كَانَ جَمِيْلاً وَسِيماً أَبيضَ بِحُمرَة، ذَا دِينٍ وَخيرٍ وَبرٍّ وَعلم وَعدل، بُوْيِع سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَأَنَّهُ نُكِبَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ فِي كَائِنَة البَسَاسِيرِي، فَفَرَّ إِلَىالبرِّيَة فِي ذِمَام أَمِيْرٍ لِلعرب، ثُمَّ عَادَ إِلَى خِلاَفَته بَعْد عَامٍ بهمَّة السُّلْطَان طُغْرُلْبَك، وَأُزِيلت خُطبَة خَلِيْفَة مِصْر المُسْتنصر بِاللهِ مِنَ العِرَاقِ، وَقُتِلَ البسَاسيرِي (2) .
وَلَمَّا أَن فَرَّ القَائِمُ إِلَى البرِّيَة، رفع قِصَّةً إِلَى رَبّ العَالِمِين مُسْتعدياً عَلَى مَنْ ظلمه، وَنَفَّذَ بِهَا إِلَى البَيْتِ الحَرَام، فَنَفعتْ، وَأَخَذَ الله بِيَدِهِ، وَردَّه إِلَى مَقَرِّ عِزه (3) .
فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ قُهِرَ وَبُغِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِاللهِ تَعَالَى، وَإِنْ صَبر وَغفر، فَإِنَّ فِي الله كفَايَةً وَوِقَايَةً.
__________
(*) تاريخ بغداد 9 / 399 - 404، الخريدة 1 / 22، المنتظم 8 / 57 - 59 و289 - 291 و295 وانظر حوادث سنة 450، الكامل 9 / 417 - 418، وانظر حوادث سنة 450، مختصر تاريخ دولة آل سلجوق: 53، الفخري: 292 - 295، المختصر 2 / 158، 177 - 179، 191، العبر 3 / 264، تتمة المختصر 1 / 512، 547 - 549، 568، فوات الوفيات 2 / 157 - 158، البداية والنهاية 12 / 31 - 32 و110، تاريخ ابن خلدون 3 / 447، وما بعدها، القاموس المحيط مادة (قام) ، النجوم الزاهرة 5 / 4 - 11 و97 - 98، تاريخ الخلفاء: 417 - 418، و422، تاريخ الخميس 2 / 357 - 359، تاج العروس: مادة (قام) : 9 / 37، معجم الاسرات الحاكمة: 4.
(1) في الجزء الخامس عشر برقم (64) .
(2) انظر ترجمة البساسيري المتقدمة برقم (70) .
(3) انظر " المنتظم " 8 / 195 - 196.(18/307)
وَكَانَ أَبْيَضَ وَسِيماً، عَالِماً مَهِيْباً، فِيْهِ دينٌ وَعدل.
ظهر عَلَيْهِ مَاشَرَا (1) ، فَافْتصد وَنَام، فَانْفجر فِصَادُه، وَخَرَجَ دَمٌ كَثِيْر، وَضَعُف، وَخَارت قِوَاهُ.
وَكَانَ ذَا حظٍّ مِنْ تَعَبُّدٍ وَصيَام وَتهجُّد، لَمَّا أَنْ أُعيد إِلَى خِلاَفَته قِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْتَرد شَيْئاً مِمَّا نُهب مِنْ قصره، وَلاَ عَاقب مَنْ آذَاهُ، وَاحتسب وَصبر.
وَكَانَ تَاركاً لِلملاَهِي - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَكَانَتْ خِلاَفَته خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَغسَّله شَيْخُ الحنَابلَة أَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيّ (2) .
وَعَاشَ ستّاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَبُوْيِع بَعْدَهُ ابْنُ ابْنِهِ المُقْتَدِي بِاللهِ.
وَوَزَرَ لِلقَائِم أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّد (3) بن أَيُّوْبَ، وَأَبُو الفَتْحِ بن دَارست (4) ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ المُسلمَة (5) ، وَأَبُو نَصْرٍ بنُ جَهير (6) .
وَكَانَ مُلْكُ بنِي بُوَيْه فِي خِلاَفَتِهِ ضَعِيْفاً، بِحَيْثُ إِن جَلاَل الدَّوْلَة (7) بَاعَ مِنْ ثيَابه الملبوسَة بِبَغْدَادَ، وَقلَّ مَا بِيَدِهِ، وَخَلَتْ دَارُه مِنْ حَاجِب وَفَرَّاش، وَقُطعت النوبَةُ عَلَى بَابه لذهَاب الطَّبالين، وَثَارَ عَلَيْهِ جُنْدُه، ثُمَّ كَاشرُوا لَهُ رَحْمَةً، ثُمَّ جرت فِتْنَةُ البسَاسيرِي، ثُمَّ بدتِ الدَّوْلَةُ السَّلْجُوْقيَّة، وَأَوّل مَا ملكُوا خُرَاسَان، ثُمَّ الْجَبَل، وَعسفُوا وَنهبُوا وَقتلُوا، وَفَعَلُوا القبَائِح - وَهم
__________
(1) الماشرا، فعي عرف الاطباء: ورم حار عن دم صفراوي يعم الوجه، وربما غطى العين: " التعريفات " للمناوي ورقه 107.
(2) انظر " المنتظم " 8 / 290، و" الكامل " 10 / 94 - 95، وسترد ترجمة أبي جعفر برقم (276) .
(3) وقد تقدمت ترجمته برقم (19) .
(4) هو أبو الفتح منصور بن أحمد بن دارست المتوفي سنة (467) ، انظر " المنتظم " 8 / 297.
(5) وقد تقدمت ترجمته برقم (104) .
(6) وسترد ترجمته برقم (324) .
(7) هو الملك جلال الدولة فيروز جرد بن الملك بهاء الدولة الديلمي، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (382) .(18/308)
تُركمَان -. وَمَاتَ جَلاَلُ الدَّوْلَة سَنَة (435) وَلَهُ نَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ عَلَى ذُنُوبه يُعتقد فِي الصُّلَحَاء، وَخَلَّف أَوْلاَداً.
وَدَخَلَ أَبُو كَالَيْجَار (1) بَغْدَاد، وَتعَاظم، وَلَمْ يَرْضَ إِلاَّ بِضَرْب الطّبلِ لَهُ فِي أَوقَات الصَّلَوَات الخَمْس، وَكَانَ جَدُّهم عَضُد الدَّوْلَة (2) - مَعَ علو شَأْنه - لَمْ تُضرب لَهُ إِلاَّ ثَلاَثَة أَوقَات.
وَمَاتَ أَبُو كَالَيْجَار سَنَة أَرْبَعِيْنَ، فَولِي المُلكَ بَعْدَهُ وَلَدُه الْملك الرَّحِيْم أَبُو نَصْرٍ (3) ابْن السُّلْطَانِ أَبِي كَالَيْجَار بن سُلْطَان الدَّوْلَة بن بَهَاء الدَّوْلَة بن عَضُدِ الدَّوْلَةِ.
وَفِيْهَا غَزَا يَنَال (4) السَّلْجُوْقِي أَخُو طُغْرُلْبَك بِجُيُوشِهِ، وَوَغل فِي بلاَد الرُّوْم، وَغنم مَا لاَ يُعبَّر عَنْهُ، وَكَانَتْ غَزْوَةً مَشْهُوْدَةً وَفتحاً مبيناً.
فَهَذَا هُوَ أَوّلُ اسْتيلاَء آل سَلْجُوْق مُلُوْكِ الرُّوْم عَلَى الرُّوْم، وَفِي هَذَا الْحِين خَطَبَ مُتَوَلِّي القَيْرَوَان المُعز (5) بنُ بَادِيس لِلقَائِم بِأَمْرِ اللهِ، وَقَطَع خُطبَة العُبَيْدِيَّة، فَبعثَوا مَنْ حَارَبّه، فَتمت فَصولٌ طَوِيْلَة.
وَفِي سَنَةِ (441) عُملت بِبَغْدَادَ مآتمُ عَاشُورَاء، فَجرت فِتْنَةٌ بَيْنَ السّنَة وَالشِّيْعَة تَفوتُ الوَصْفَ مِنَ الْقَتْل وَالجرَاح، وَنُدب أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّسوِي لِشحنكية بَغْدَاد، فَثَارت العَامَّةُ كلهُم، وَاصطلح السّنَةُ وَالشِّيْعَةُ، وَتوَادُّوا وَصَاحُوا: مَتَى وَلِي ابْنُ النَّسَوِي أَحرقنَا الأَسواقَ، وَنزحنَا.
وَترحَّم أَهْلُ الْكَرْخِ عَلَى الصَّحَابَة، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُعهد (6) .
وَكَانَ الرّخَاءُ بِبَغْدَادَ بِحَيْثُ إِنَّهُ أُبيع
__________
(1) هو الملك أبو كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة الديلمي، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (425) .
(2) هو الملك فناخسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي، مرت ترجمته في الجزء السادس عشر برقم (175) .
(3) انظر ترجمته المتقدمة رقم (59) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (53) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (75) .
(6) انظر " المنتظم " 8 / 140 و145، و" الكامل " 9 / 561، و" المختصر " 2 / 170.(18/309)
الكُرُّ (1) بِسَبْعَة دَنَانِيْر.
وَمَاتَ صَاحِبُ المَوْصِل مُعتمِد الدَّوْلَة أَبُو المَنِيع (2) ، ثُمَّ بَعْدَ سَنَة فَسد مَا بَيْنَ السُّنَّة وَالشِّيْعَة، وَعَمِلَت الشِّيْعَة سوراً عَلَى الْكَرْخِ، وَكتبُوا عَلَيْهِ بِالذَّهَبِ: مُحَمَّد وَعلِيٌّ خَيْرُ البَشَر، فَمَنْ أَبى فَقَدْ كَفَر.
ثُمَّ وَقَعَ القِتَالُ وَالنَّهبُ، وَقَوِيَتِ السّنَةُ، وَفَعَلُوا العظَائِم، وَنُبِشَت قُبُوْر، وَأُحرقت عظَامُ العَوْنِيّ (3) وَالنَّاشِي وَالجذوعِي، وَقُتِلَ مُدَرِّس الحَنَفِيَّة السَّرْخَسِيّ، وَعجزت الدَّوْلَةُ عَنْهُم، وَأَخَذَ طُغْرُلْبَك أَصْبَهَانَ، وَجَعَلهَا دَارَ مُلكه.
وَاقتتل المغَاربَةُ وَجَيْشُ مِصْر، فَقُتل مِنَ المغَاربَة ثَلاَثُونَ أَلْفاً (4) .
وَفِي سَنَةِ (444) هَاجت السّنَةُ عَلَى أَهْلِ الْكَرْخِ، وَأَحرقُوا، وَقتلُوا، وَهلك يَوْمَئِذٍ فِي الزَّحمَة نَيِّفٌ وَأَرْبَعُوْنَ نَفْساً، أَكْثَرهم نسَاء نَظَّارَة (5) ، وَجَرَتْ حُرُوْب كَثِيْرَة بَيْنَ جَيْش خُرَاسَان وَبَيْنَ الغُزِّ عَلَى المُلك، وَحَاصَرَ المَلِكُ الرَّحِيْم وَالبسَاسيرِيُّ البَصْرَةَ، وَأَخَذَهَا مِنْ وَلد أَبِي كَالَيْجَار، ثُمَّ اسْتولَى عَسْكَرُ المَلكِ الرَّحِيْم عَلَى شيرَاز بَعْد حِصَارٍ طَوِيْل، وَقَحْطٍ وَبلاَء، حَتَّى قِيْلَ: لَمْ يَبْقَ فِيْهَا إِلاَّ نَحْو أَلف نَفْس، وَدَورُ سُورِهَا اثْنَا عَشرَ أَلف ذِرَاع، وَلَهَا أَحَدَ عشرَ بَاباً.
وَفِي سَنَةِ (447) قبض طُغْرُلْبَك عَلَى الْملك الرَّحِيْم، وَانقضتْ أَيَّامُ بنِي بُويه، وَكَانَ فِيْهَا دُخُوْلُ طُغْرُلْبَك بَغْدَاد، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً بَيْنَ يَدَيْهِ ثَمَانِيَةَ عشرَ فِيلاً، مُظهِراً أَنَّهُ يَحُجُّ، وَيَغزو الشَّام وَمِصْر، وَيُزِيلُ الدَّوْلَة العُبَيْدِيَّة. وَمَاتَ
__________
(1) مكيال لاهل العراق يساوي ستين قفيزا، ويكون بالمصري أربعين إردبا، انظر " اللسان " و" معجم متن اللغة " مادة " كر " وأبيع: عرض للبيع.
(2) واسمه قرواش بن مقلد بن المسيب العقيلي، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (427) .
(3) في " المنتظم " 8 / 150: العوفي.
(4) انظر " المنتظم " 8 / 149 - 151، و" الكامل " 9 / 575 - 577، و" المختصر " 2 / 171.
(5) " المنتظم " 8 / 154.(18/310)
ذخيرَةُ الدِّين مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْفَةِ وَلِيُّ عهد أَبِيْهِ، وَخلَّف وَلداً طِفْلاً وَهُوَ المُقتدي، وَعَاثت جيوشُ طُغْرُلْبَك بِالقُرَى، بِحَيْثُ لأُبِيعَ الثَّوْرُ بِعَشْرَةِ درَاهم، وَالحِمَارُ بدِرْهَمَيْنِ.
وَوَقَعَتِ الفِتْنَةُ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الحنَابلَة وَالشَّافِعِيَّة (1) .
وَتَزَوَّجَ الخَلِيْفَةُ بِبنت طُغْرُلْبَك عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار (2) .
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ مبدَأُ فِتْنَة البسَاسيرِي، وَخَطَبَ بِالكُوْفَةِ وَوَاسط وَبَعْضِ القرَى لِلمُسْتنصر العُبيدي (3) ، وَكَانَ القَحْطُ عَظِيْماً بِمِصْرَ وَبَالأَنْدَلُس، وَمَا عُهِدَ قَحْطٌ وَلاَ وَبَاءٌ مِثْله بقُرْطُبَة، حَتَّى بَقِيَت المَسَاجِدُ مغلقَة بِلاَ مُصَلٍّ، وَسُمِّيَ عَام الْجُوع الكَبِيْر (4) .
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ أَخَذَ طُغْرُلْبَك المَوْصِل، وَسلَّمَهَا إِلَى أَخِيْهِ يَنَال، وَكَتَبَ فِي أَلقَابه: ملك المَشْرِق وَالمَغْرِب.
وَفِيْهَا كَانَ الجوعُ المُفرط بِبَغْدَادَ وَالفنَاء، وَكَذَلِكَ بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْد حَتَّى يُقَالَ: هَلَكَ بِمَا وَرَاء النَّهْر أَلفُ أَلفٍ وَسِتُّ مائَةِ أَلْف (5) .
وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ أَخَذَ البسَاسيرِيُّ بَغْدَاد كَمَا قَدَّمْنَا، وَخَطَبَ لصَاحِب
__________
(1) عن هذه الحوادث، انظر " المنتظم " 8 / 163 وما بعدها، وابن الأثير 9 / حوادث سنة 447، و" المختصر " 2 / 174، وانظر ترجمة كل من طغرلبك والملك الرحيم المتقدمتين.
(2) الصواب أن زواج الخليفة كان سنة ثمان وأربعين لا سنة سبع كما ذكر المؤلف، وأن زواجه لم يكن من ابنة طغرلبك، وإنما كان من ابنة أخيه داود الملقب جغريبك، انظر " المنتظم " 8 / 169 - 170، وابن الأثير 9 / 617، و" المختصر " 2 / 174.
وقد مر في ترجمة طغرلبك أنه هو الذي تزوج من ابنة القائم، وأن ذلك كان سنة خمس وخمسين وأربع مئة، وسيذكر المؤلف أيضا ذلك في هذه الترجمة في سنة 454 ص 295.
(3) انظر ترجمة البساسيري التي تقدمت برقم (70) و" المنتظم " 8 / 173.
(4) انظر " المنتظم " 8 / 170 - 173، و" الكامل " 631 9.
(5) انظر " المنتظم " 8 / 179 - 181، و" الكامل " 9 / 633 - 637، و" المختصر " 2 / 176.(18/311)
مِصْر، فَأَقْبَل فِي أَرْبَعِ مائَة فَارِس فِي وَهْنٍ وَضَعف وَمَعَهُ قُرَيْش أَمِيْر العَرَب فِي مائَتَيْ فَارِس بَعْدَ أَنْ حَاصرَا المَوْصِل، وَأَخَذَاهَا، وَهَدَمَا قلعتهَا.
وَاشْتَغَل طُغْرُلْبَك بِحَرب أَخِيْهِ، فَمَالتِ العَامَّة إِلَى البسَاسيرِي لِمَا فَعَلت بِهِم الغُّز، وَفَرِحتْ بِهِ الرَّافِضَّةُ، فَحضر الهَمَذَانِيُّ عِنْد رَئِيْس الرُّؤَسَاء الوَزِيْر، وَاسْتَأْذَنَه فِي الحَرْب، وَضمن لَهُ قتل البسَاسيرِي، فَأَذن لَهُ.
وَكَانَ رَأْيُ عَمِيْدِ العِرَاق المُطَاولَة رَجَاءَ نَجدَةِ طُغْرُلْبَك، فَبرز الهَمَذَانِيُّ بِالهَاشِمِيين وَالخدم وَالعوَام إِلَى الحلبَة، فَتقهقر البسَاسيرِيُّ، وَاسْتجرَّهُم، ثُمَّ كرَّ عَلَيْهِم، فَهَرَبُوا، وَقُتِلَ عِدَّة، وَنُهِبَ بَابُ الأَزج، وَأَغلقَ الوَزِيْرُ عَلَيْهِم، وَلطم العَمِيْد كَيْفَ اسْتبدَ الوَزِيْرُ بِالأَمْرِ وَلاَ مَعْرِفَةَ لهُ بِالحَرْب، فَطَلبَ الخَلِيْفَةُ العَمِيْدَ، وَأَمرهُ بِالقِتَال عَلَى سور الحرِيْم، فَلَمْ يَرُعْهم إِلاَّ الصرِيخُ وَنهبُ الحرِيْم، وَدخلُوا مِنْ بَاب النوبَى، فَرَكِبَ الخَلِيْفَةُ وَعَلَى كَتِفِهِ البُرْدَة، وَبِيَدِهِ السَّيْفُ، وَحَوْلَهُ عددٌ، فَرَجَعَ نَحْو العَمِيْد، فَوَجَدهُ قَدِ اسْتَأْمن إِلَى قُرَيْش، فَصَعِدَ المَنْظَرَة فَصَاح رَئِيْس الرُّؤَسَاء بِقُرَيْش: يَا عَلَمَ الدِّين: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَسْتَدنِيكَ.
فَدنَا فَقَالَ: قَدْ أَنَالكَ الله رُتْبَةً لَمْ يُنِلهَا أَحَد، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَسْتَذِمُّ مِنْكَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ بذمَام الله وَرَسُوْله وَذمَامِ العَرَب.
قَالَ: نَعَمْ.
وَخلعَ قَلَنْسَوَتَهُ، فَأَعْطَاهَا الخَلِيْفَةَ، وَأَعْطَى الوَزِيْر مِخْصَرَتَهُ، فَنَزَلاَ إِلَيْهِ، وَذَهَبَا مَعَهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ البسَاسيرِي: أَتخَالفُ مَا تَقرَّر بَيْنَنَا؟
قَالَ: لاَ.
ثُمَّ اتفقَا عَلَى تَسْلِيم الوَزِيْر، فَلَمَّا أَتَاهُ؛ قَالَ: مَرْحَباً بِمُهلك الدُّول.
قَالَ: العفوُ عِنْدَ القُدرَة.
قَالَ: أَنْتَ قدرتَ فَمَا عَفْوتَ، وَركبتَ الْقَبِيح مَعَ أَطفَالِي، فَكَيْفَ أَعفُو وَأَنَا رَبُّ سَيْف!؟
وَحَمَلَ قُرَيْشٌ الخَلِيْفَةَ إِلَى مُخَيَّمه، وَسَلَّمَ زوجَتَه إِلَى ابْنِ جَرْدَة، وَنُهبت دورُ الخِلاَفَة، فَسَلَّمَ قُرَيْشٌ الخَلِيْفَةَ إِلَى ابْنِ عَمّه مهَارش بنُ مجلِّي، فَسَارَ بِهِ فِي هودجٍ إِلَى الحَدِيْثَة، وَسَارَ حَاشيَة الخَلِيْفَة عَلَى حَمِيَّة إِلَى طُغْرُلْبَك، وَشكَا الخَلِيْفَةُ البردَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُتَوَلِّي الأَنبار جُبَّةً وَلحَافاً. وَلاَ(18/312)
رِيب أَنَّ اللهَ لطَفَ بِالقَائِم لدينِهِ (1) .
حكَى المُحَدِّثُ أَبُو الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَم: سَمِعْتُ الأُسْتَاذ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ عَامِرٍ قَالَ:
دَخَلْتُ إِلَى الخزَانَة، فَأَعْطونِي عِدَّة قصَص، حَتَّى امتلأَ كُمِّي، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ الخَلِيْفَةُ أَخِي لضَجر مِنِّي، وَأَلقيتُهَا فِي البركَة.
وَكَانَ القَائِمُ يَنْظُرُ، وَلَمْ أَدرِ.
قَالَ: فَأَمر بِأَخَذِ الرِّقَاع، فَنُشِرَتْ فِي الشَّمْسِ، ثُمَّ وَقَّعَ عَلَى الجمِيْع، وَقَالَ: يَا عَامِّيُّ لِمَ فَعَلتَ هَذَا؟
قَالَ: فَاعْتذرتُ، فَقَالَ: مَا أَطْلَقْنَا شَيْئاً مِنْ أَمْوَالنَا بَلْ نَحْنُ خُزَّانُهُم (2) .
نعم، وَأَحْسَنَ البسَاسيرِيُّ السِّيرَةَ، وَوَصل الفُقَهَاء، وَلَمْ يَتعصب لِلشيعَة، وَرَتَّبَ لأُمِّ الخَلِيْفَةِ رَاتباً.
ثُمَّ بَعْدَ أَيَّام أُخرج الوَزِيْر مُقَيَّداً عَلَيْهِ طُرْطُور، وَفِي رقبته قِلاَدَةُ جُلُود وَهُوَ يَقرَأُ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ} [آل عِمْرَان:26] فَبصق فِي وَجْهِهِ أَهْلُ الرَّفض - فَالأَمْر للهِ - ثُمَّ صُلِبَ، وَجُعِلَ فِي فَكَّيه كَلُّوبَانِ، فَمَاتَ ليَوْمه (3) ، وَقتلُوا العَمِيْد أَيْضاً، وَهُوَ الَّذِي بَنَى رِبَاط شَيْخِ الشُّيُوْخ (4) ، ثُمَّ سَارَ البسَاسيرِيُّ، فَحكم عَلَى البَصْرَةِ وَوَاسط، وَخَطَبَ بِهَا لِلمُسْتنصر، وَلَكِن قَطَعَ المُسْتنصر مُكَاتَبته، خَوَّفه وَزِيْرُه أَبُو الفَرَجِ ابْنُ أَخِي الوَزِيْر المَغْرِبِيّ، وَكَانَ قَدْ هَرَبَ مِنَ البسَاسيرِي، فَذَمَّ أَفعَاله، وَخَوَّف مِنْ عَوَاقِبه (5) .
وَبِكُلِّ حَالٍ فَنَالَهُ مِنَ المِصْرِيّين نَحْوُ أَلفِ أَلفِ دِيْنَار.
__________
(1) انظر " تاريخ بغداد " 3 / 399 وما بعدها، و" الكامل " 9 / 640 وما بعدها، و" المختصر " 2 / 177 - 178، و" المنتظم " 8 / 190.
(2) انظر " المنتظم " 8 / 59.
(3) قد تقدم هذا الخبر في ترجمة الوزير أبي القاسم رئيس الرؤساء رقم (104) ، وهو أيضا في " تاريخ بغداد " 9 / 403.
(4) " الكامل " 9 / 644، وفي ترجمة شيخ الشيوخ الآتية برقم (254) أنه هو الذي بنى الرباط من ماله.
(5) الخبر بنحوه في " الكامل " 9 / 644.(18/313)
وَفِي سَنَةِ (454) زوَّج القَائِم بِنْته بِطُغْرُلْبَك بَعْد اسْتَعفَاء وَكُرْهٍ (1) ، وَغَرِقت بَغْدَاد؛ وَبلغ المَاء أَحَداً وَعِشْرِيْنَ ذرَاعاً (2) .
وَفِي سَنَةِ (456) قبض السُّلْطَان أَلب آرسلاَن (3) عَلَى وَزِيْره عَمِيْد الْملك الكُندرِي (4) ، وَاسْتَوْزَرَ نِظَامَ المُلْك (5) ، وَكَانَ المَصَافُّ بِالرَّيِّ بَيْنَ أَلب آرسلاَن وَقَرَابَته قُتُلْمِش (6) ، فَقُتل قُتُلْمِش، وَنَدِمَ السُّلْطَانُ، وَعَمِلَ عزَاءهُ، ثُمَّ سَارَ يَغْزُو الرُّوْم (7) .
وَأُنشِئْت مدينَة بِجَايَة، بنَاهَا النَّاصرُ بنُ عَلنَاس (8) ، وَكَانَتْ مرعَىً لِلدوَاب.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ أُنشِئْت نِظَامِيَّةُ بَغْدَاد، وَسلطنَ أَلب آرسلاَن ابْنه مَلِكْشَاه (9) ، وَجَعَله وَلِيَّ عَهْدِهِ، وَسَارَ إِلَيْهِ مُسْلِمُ بنُ قُرَيْش بن بَدْرَان صَاحِب المَوْصِل (10) ، فَأَقطعه هِيت وَحَرْبَا (11) ، وَبنُوا عَلَى قَبْر أَبِي حَنِيْفَةَ قُبَّة عَظِيْمَة.
(12) وَفِي سَنَةِ (461) احْتَرَقَ جَامِعُ دِمَشْق كُلُّه وَدَارُ السّلطنَة الَّتِي
__________
(1) انظر ترجمة طغرلبك المتقدمة برقم (52) .
(2) " المنتظم " 8 / 225.
(3) سترد ترجمته برقم (210) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (55) .
(5) " المنتظم " 8 / 234، و" الكامل " 10 / 31.
(6) تقدمت ترجمته برقم (54) .
(7) " الكامل " 10 / 37، 38، و" المختصر " 2 / 184 - 185.
(8) سترد ترجمته برقم (315) وفيها ذكر مدينة بجاية.
(9) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (34) .
(10) سترد ترجمته برقم (246) .
(11) هيت: بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الانبار.
وحربا: كذا في الأصل بالالف الممدودة، وفي " معجم " ياقوت: حربى: مقصور، والعامة تتلفظ به ممالا، بليدة في أقصى دجيل بين بغداد وتكريت مقابل الحظيرة.
(12) انظر " الكامل " 10 / 50 - 51، و" المختصر " 2 / 185.(18/314)
بِالخَضْرَاء (1) ، وَذَهَبت مَحَاسِنُ الجَامِع وَزخرفتُهُ الَّتِي تُضرب بِهَا الأَمثَال، مِنْ حَربٍ وَقَعَ بَيْنَ جَيْش مِصْر وَجَيْش العِرَاق (2) .
وَفِي سَنَةِ (62) أَقْبَل طَاغِيَةُ الرُّوْم فِي جَيْش لَجِبٍ، حَتَّى أَنَاخَ بِمَنْبِج، فَاسْتبَاحهَا، وَأَسرع الكَرَّةَ لِلغلاَءِ، أُبيع فِي عَسْكَرِهِ رطلُ الْخبز، بدِيْنَار، وَكَانَ بِمِصْرَ الغلاَءُ الْمُفرط وَهِيَ النوبَة الَّتِي قَالَ فِيْهَا صَاحِبُ (المرَآة) :فَخَرَجتِ امْرَأَة بِالقَاهِرَةِ بِيَدِهَا مُدُّ جَوْهَرٍ فَقَالَتْ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِمُدِّ قَمْحٍ؟ فَمَا الْتَفَت إِلَيْهَا أَحَد، فَرمته، وَقَالَتْ: مَا نَفعنِي وَقتَ الحَاجَة، فَلاَ أُرِيْدُهُ.
فَمَا كَانَ لَهُ مَنْ يَأْخُذُه، وَكَادَ الخرَابُ أَنْ يَشمَلَ الإِقْلِيْم حَتَّى بِيعَ كلبٌ بِخَمْسَةِ دَنَانِيْر وَالهرُّ بِثَلاَثَة، وَبلغ ثمن الإِرْدَبِّ (3) مائَةَ دِيْنَارٍ، وَأَكل النَّاسُ بَعْضهم بَعْضاً، وَتَشَتَّتَ أَهْل مِصْرَ فِي البِلاَد (4) .
وَفِي سَنَةِ (63) كَانَتِ المَلْحَمَة العُظْمَى بَيْنَ الإِسْلاَم وَالنَّصَارَى.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (5) :خَرَجَ أَرمَانوس فِي مائَتَيْ أَلف، وَقصد الإِسْلاَم، وَوصل إِلَى بلاَد خِلاَط (6) .
وَكَانَ السُّلْطَان أَلب آرسلاَن بخُوَيّ (7) ، فَبَلَغَهُ كَثْرَةُ العَدُوّ، وَهُوَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف فَارِس، فَقَالَ: أَنَا أَلتقيهُم، فَإِنْ سَلِمْتُ
__________
(1) وهي تقع جنوبي الجامع الأموي وما زالت قائمة حتى اليوم، ولكنها تحولت إلى مصبغة تعرف باسم (مصبغة الخضراء) ثم تحولت أخيرا إلى مطبعة.
(2) الكامل " 10 / 59، و" المختصر " 2 / 86، وفيهما أن الحرب كانت بين المغاربة أصحاب المصريين والمشارقة.
(3) الاردب، بكسر الهمزة: مكيال لاهل مصر يسع أربعة وعشرين صاعا، انظر " اللسان " و" القاموس " و" معجم متن اللغة " مادة " ردب ".
(4) انظر " المنتظم " 8 / 256، و" الكامل " 10 / 60 - 62، و" المختصر " 2 / 186.
(5) " الكامل " 10 / 65 - 67 بأطول مما هنا.
(6) قال ياقوت: هي قصبة أرمينية الوسطى.
(7) قال ياقوت: خوي: بلد مشهور من أعمال أذربيجان، حصن كثير الخير والفواكه.(18/315)
فَبنعمَةِ الله، وَإِن قُتلت فَمَلِكْشَاه وَلِيُّ عَهْدي، فَوَقَعت طلاَئِعُهُ عَلَى طلاَئِعِهِم، فَانْكَسَرَ العَدُوُّ، وَأُسِرَ مُقَدَّمُهُم، فَلَمَّا التَّقَى الجمعَان؛ بَعَثَ السُّلْطَانُ يَطلب الهُدْنَةَ، فَقَالَ أَرمَانوس: لاَ هُدْنَة إِلاَّ بِبذلِ الرَّيِّ.
فَانزعج السُّلْطَان، فَقَالَ لَهُ إِمَامُهُ أَبُو نَصْرٍ (1) :إِنَّك تُقَاتلُ عَنْ دينٍ وَعَدَ اللهُ بِنصرِهِ وَإِظهَارِهِ عَلَى الأَديَان، فَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ الله قَدْ كتب باسمِكَ هَذَا الفَتْحَ، وَالْقهم يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالسَّاعَةَ يَكُوْن الخُطَبَاءُ عَلَى المَنَابِر يَدعُوْنَ لِلمُجَاهِدينَ، فَصَلَّى بِهِ، وَبَكَى السُّلْطَان، وَبَكَى النَّاسُ، وَدَعَا، وَأَمَّنُوا، وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصرفَ فَلينصرف، فَمَا ثَمَّ سُلْطَانٌ يَأْمرُ وَلاَ يَنَهَى، وَرَمَى القوسَ، وَسلَّ السَّيْفَ، وَعَقَدَ بِيَدِهِ ذَنَبَ فَرسِهِ، وَفَعَلَ الجُنْدُ كَذَلِكَ، وَلَبِسَ البيَاضَ، وَتحنَّط، وَقَالَ: إِن قُتلتُ فَهَذَا كَفَنِي.
ثُمَّ حَمَلَ، فَلَمَّا لاَطخ العَدُوّ، تَرَجَّل، وَعَفَّر وَجهَهُ فِي التُّرَاب، وَأَكْثَر التَّضَرُّع، ثُمَّ ركب، وَحصل المُسْلِمُوْنَ فِي الْوسط، فَقتلُوا فِي الرُّوْم كَيْفَ شَاؤُوا، وَنَزَلَ النَّصْرُ، وَتطَايرت الرُّؤُوسُ، وَأُسَرَ مَلِكُ الرُّوْم، وَأُحضر بَيْنَ يَدي السُّلْطَان، فَضَرَبَه بِالمِقْرَعَة، وَقَالَ: أَلَمْ أَسَأَلك الهُدْنَة؟
قَالَ: لاَ تَوَبِّخْ، وَافعل مَا تُرِيْد.
قَالَ: مَا كُنْتَ تَفْعَلُ لَوْ أَسَرْتَنِي؟
قَالَ: أَفْعَلُ القَبيح.
قَالَ: فَمَا تَظُنُّ بِي؟
قَالَ: تَقتُلُنِي أَوْ تُشَهِّرنِي فِي بلاَدك، وَالثَّالِثَةُ بعيدَةٌ، أَنْ تَعفوَ، وَتَأْخَذَ الأَمْوَالَ.
قَالَ: مَا عَزَمْتُ عَلَى غَيْرهَا.
فَفَكَّ نَفْسَهُ بِأَلفِ أَلفِ دِيْنَار وَخَمْس مائَة أَلْفِ دِيْنَار وَبِكُلِّ أَسيرٍ فِي مَمْلَكَته، فَنَزَّله فِي خيمَةٍ، وَخلعَ عَلَيْهِ، وَبَعَثَ لَهُ عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَار يَتَجَهَّز بِهَا، وَأَطلق لَهُ عِدَّة بَطَارِقَة، وَهَادَنَهُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَشيَّعه، وَأَمَّا جَيْشُهُ، فَمَلَّكُوا مِيخَائِيْل.
وَمَضَى أَرمَانوس، فَبَلَغَهُ ذهَابُ مُلْكِهِ، فَتَرَهَّب، وَلَبِسَ الصُّوف، وَجَمَعَ مَا قدر عَلَيْهِ، مِنَ الذَّهب، فَكَانَ نَحْو ثَلاَثَ مائَة أَلْف دِيْنَار، فَبَعَثَهَا، وَاعْتَذَرَ.
__________
(1) في " الكامل ": أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي.(18/316)
وَفِيْهَا تَمَلَّكَ الشَّام أَتْسِز الخُوَارِزْمِي (1) ، وَبدَّع وَأَفسد، وَعثَّر الرَّعِيَّة.
وَفِي سَنَةِ (65) قُتل السُّلْطَان أَلب آرسلاَن.
وَفِيْهَا اخْتَلَفَ جَيْشُ مِصْر، وَتحَاربُوا مَرَّات، وَقَوِيَتِ الأَترَاكُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنْ عرب مِصْر، وَاضمحَلَّ دَسْتُ (2) المُسْتنصر، وَذَاق ذُلاًّ وَحَاجَة، وَبَالَغَ فِي إِهَانته نَاصِرُ الدَّوْلَة الحَمْدَانِي، وَعظُمَ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ مُزعجَة (3) .
وَفِي سَنَةِ (66) غَرِقَتْ بَغْدَاد، وَأُقيمت الجُمُعَةُ فِي السُّفن مرَّتين، وَهَلَكَ خَلْقٌ لاَ يُحصَوْنَ حَتَّى لقيل: إِنَّ المَاء بلغَ ثَلاَثِيْنَ ذرَاعاً.
حَتَّى لقَالَ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيّ: وَانهدمت مائَةُ أَلْفِ دَار، وَبقيت بَغْدَادُ مَلَقَةً (4) وَاحِدَة.
(5) وَفِي سَنَةِ (67) بَعَثَ المُسْتنصر إِلَى سَاحل الشَّام إِلَى بدر الجمَالِي (6) ، ليُغِيثه، فَسَارَ مِنْ عَكَّا فِي البَحْر زَمَن الشِّتَاء، وَخَاطر، وَهجم مِصْر بغتَةً، وَسَمَّاهُ المُسْتنصر أَمِيْر الجُيُوْش، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ، بَعَثَ إِلَى كُلّ أَمِيْر مِنْ أَعْيَانِ الأُمَرَاء طَائِفَةً أَتوهُ بِرَأْسِهِ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهم إِلَى قصر المُسْتنصر، وَأَضَاءت حَالُه، وَسَارَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة، فَحَاصَرَهَا مُدَّةً، وَأَخَذَهَا، وَقُتِلَ طَائِفَةً اسْتولُوا، وَسَارَ إِلَى دمِيَاط، فَفَعَل كَذَلِكَ، وَسَارَ إِلَى الصّعيدِ، فَقَتَلَ بِهِ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّام اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَنهب وَبدَّع، فَتَجْمَّعُوا لَهُ بِالصعيد فِي سِتِّيْنَ أَلْفاً مِنْ بَيْنِ فَارِس وَرَاجل، فَبَيَّتَهم ليلاً فَهَزمَهُم، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْر، وَغَرِقَ مِثْلُهُم، وَغُنِمَتْ أَمْوَالهُم.
ثُمَّ التَقَوا ثَانِيَةً، وَنُصِرَ عَلَيْهِم، وَوَقَعَ بِبَغْدَادَ حَرِيْقٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَذَهَبَ الأَمْوَالُ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (218) .
(2) الدست: فارسية، ومعناها هنا: القوة.
انظر " معجم الألفاظ الفارسية المعربة ": 63.
(3) انظر " الكامل " 10 / 80 وما بعدها، و" المختصر " 2 / 188 - 190.
(4) الملقة: الصفاة الملساء اللينة، وهي أيضا الصفحة اللينة الملتزقة من الجبل.
(5) انظر " المنتظم " 8 / 284 - 286، و" الكامل " 10 / 90 - 91.
(6) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (6) .(18/317)
وَمَاتَ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ: فِي شَعْبَانَ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ (1) وَأَرْبَعِ مائَة، وَبَايَعُوا حَفِيْدَهُ، فَنذكُرُه اسْتطرَاداً.
147 - المُقْتَدِي بِأَمْرِ اللهِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيُّ *
الخَلِيْفَةُ المُقْتَدِي بِأَمْرِ اللهِ، أَبُو القَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ (2) بنُ ذخيرَةِ الدِّينِ مُحَمَّدِ ابنِ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ عبدِ اللهِ ابنِ القَادِر بِاللهِ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ المُقْتَدِرِ العَبَّاسِيُّ.
تسلَّم الخِلاَفَةَ بعهدٍ مِنْ جدِّه يَوْم ثَالِثِ عشر شَعْبَان سَنَة (467) وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً سِوَى أَشهر (3) ، وَأُمُّه أَرْجُوَان أُمُّ وَلَدَ، بقيت بَعْدَهُ دَهْراً، رَأَتِ ابْنَ ابْنِ ابْنهَا المُسْترشد خَلِيْفَة (4) .
وَكَانَ حَسَنَ السّيرَةِ، وَافِرَ الحُرْمَةِ.
أَمر بنفِي الخوَاطِئ (5) وَالقينَات، وَأَنْ لاَ يَدخُل أَحَدٌ الحَمَّام إِلاَّ بِمئزر، وَأَخرب أَبرَاج الحَمام، وَفِيْهِ ديَانَةٌ وَنجَابَة وَقُوَة وَعُلُوُّ هِمَّة (6) .
وَكَانَ مَلِكْشَاه قَدْ صَمَّمَ عَلَى إِخرَاجه مِنْ بَغْدَادَ، فَحَار،
__________
(1) في " تارج العروس " 9 / 37 مادة (قام) أنه توفي سنة (469) وهو خطأ.
(*) المنتظم 8 / 291 - 294 و9 / 84، الكامل 10 / 94 و96 - 97 و229 - 231، الفخري: 296 - 299، المختصر 2 / 191، 204، العبر 3 / 314 و316، تتمة المختصر 1 / 568 - 569، و2 / 13، فوات الوفيات 2 / 219 - 220، البداية والنهاية 12 / 110 - 111، 146، النجوم الزاهرة 5 / 139 - 140، تاريخ الخلفاء: 423 - 425 - 426، تاريخ الخميس 2 / 359، خلاصة الذهب المسبوك: 268، شذرات الذهب 3 / 380 - 381، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 4.
(2) كذا في الأصل " عبيد الله " وفي مصادر الترجمة " عبد الله ".
(3) انظر " المنتظم " 8 / 290، و" الكامل " 10 / 94.
(4) " المنتظم " 8 / 291 - 292، و" الكامل " 10 / 230، و" المختصر " 2 / 204.
(5) تحرفت في " العبر " 3 / 316 إلى: الحواظي.
(6) " المنتظم " 8 / 293 - 294، و" الكامل " 10 / 231.(18/318)
وَالتَجَأَ إِلَى اللهِ، فَدَفَعَ عَنْهُ، وَهَلك مَلِكْشَاه (1) .
وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ بِأَشهر، وَكَانَ فِي اعتِقَالِ القَائِم نَوْبَة البسَاسيرِي صغِيراً، فَأُخفِي، وَحمله ابْنُ المحلبَان (2) إِلَى حرَّان (3) .
وَزَرَ لَهُ فَخْرُ الدَّوْلَة ابْن جَهير بوصيَةٍ مِنْ جَدِّه.
وَفِي سَنَةِ (469) سَارَ أَتسز - الَّذِي أَخَذَ دِمَشْق - إِلَى مِصْرَ، وَحَاصرهَا، وَكَادَ أَنْ يَملكَهَا، فَتضرع أَهْلُهَا إِلَى اللهِ، فَترحَّل بِلاَ سَبَب، وَنَازل القدسَ، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَقَتَلَ ثَلاَثَة آلاَف، وَذبحَ القَاضِي وَالشُّهُودَ صَبْراً، وَعَسَفَ.
(4) وَقَالَ أَبُو يَعْلَى بنُ القلاَنسِي: كَسره بِمِصْرَ أَمِيْرُ الجُيُوْش، فَرُدَّ وَقَدْ قُتل أَخُوْهُ، وَقُطِعت يَدُ أَخِيْهِ الأَخر، فَسُرَّ النَّاس (5) .
وَكَانَتِ الفِتْنَةُ الصّعبَةُ بَيْنَ الحَنْبَلِيَّة وَالقُشيرِية بِسَبَب الاعْتِقَاد، وَقُتِلَ بَيْنهم جَمَاعَةٌ، وَعَظُمَ البَلاَءُ، وَتَشَفَّتْ بِهِم الرَّوَافضُ (6) ، وَحَاصَرَ دِمَشْقَ المِصْرِيّون مرَّتين.
وَعُزل ابْنُ جَهِير الوَزِيْر لِشِدِّهِ مِنَ الحنَابلَة (7) .
وَفِي سَنَةِ (471) أَقْبَل تَاجُ الدَّوْلَة تُتش أَخُو مَلِكْشَاه، فَاسْتولَى عَلَى دِمَشْقَ، وَقُتِلَ أَتْسِز، وَأَحَبَّه النَّاس (8) .
__________
(1) انظر " المنتظم " 8 / 292، و" الفخري ": 296.
(2) في " المنتظم ": أبو الغنائم محمد بن علي بن المحلبان.
(3) " المنتظم " 8 / 292، و" الكامل " 10 / 97.
(4) الخبر بنحوه في " الكامل " 10 / 103 - 104، و" المختصر " 2 / 192.
وقد ورد اسم أتسز في " الكامل ": أقيس، وقال: هكذا يذكر الشاميون، والصحيح أنه أتسز.
(5) انظر " الكامل " 10 / 103 - 104.
(6) انظر " المنتظم " 8 / 305، وما بعدها، و" الكامل " 10 / 104 - 105.
(7) انظر " المنتظم " 8 / 317 - 319، و" الكامل " 10 / 109 - 111، وفيه أن عزل ابن جهير كان في سنة إحدى وسبعين.
(8) الخبر بنحوه في " الكامل " 10 / 111، و" المختصر " 2 / 193 - 194.(18/319)
وَفِي سَنَةِ (73) مَاتَ صَاحِبُ اليَمَن أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الصُّلَيْحِي (1) ، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ عَلَى دين العُبَيْدِيَّة، تَحيَّل إِلَى أَنْ تَملَّك جمِيْع اليَمَن.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ قُضَاة اليَمَن، لَهُ سيرَةٌ فِي (تَارِيخِي الكَبِيْر) .
وَرَافَعُوا نِظَام المُلك وَزِيْر مَلِكْشَاه.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (2) :فَمَدَّ سِمَاطاً (3) ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ ممَاليكَه، وَهم أُلوفٌ مِنَ التّرْك بخيلهِم وَسلاَحهِم، وَحضر السُّلْطَان، ثُمَّ قَالَ: إِنِّيْ خَدَمْتُكَ، وَخدمتُ أَبَاك وَجدَّك، وَقَدْ بَلغَك أَخذِي لِلأَمْوَال، وَصَدَقُوا، إِنَّمَا أَصْرِفُهَا عَلَى مِثْل هَؤُلاَءِ الغِلمَان وَهم لَكَ، وَفِي البِرِّ وَالصِّلاَت، وَمُعْظَمُ أَجرِهَا لَكَ، وَكُلُّ مَا أَملِكُه فَبينَ يَديك، وَأَنَا أَقنعُ بِمُرَقَّعَة.
فَصفَا لَهُ السُّلْطَانُ، وَأَحَبَّه، وَسَمَلَ سَيِّد الرُّؤَسَاء أَبَا المَحَاسِن (4) ، الَّذِي نَاوَأَه.
وَفِي هَذَا الْقرب تَملَّك سُلَيْمَانُ بنُ قُتُلْمِش السَّلْجُوْقِيّ قونِيَة وَآقصرَا.
ثُمَّ سَارَ، فَأَخَذَ أَنطَاكيَةَ مِنَ الرُّوْم، وَكَانَ لَهَا فِي أَيديهِم مائَة وَعِشْرُوْنَ (5) سَنَةً.
وَبَعَثَ بِالبشَارَةِ إِلَى السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه، ثُمَّ تحَارب هُوَ وَمُسْلِمُ بنُ قُرَيْش فِي سَنَةِ (77) فَقُتِلَ مُسْلِمٌ.
وَنَازل ابْن قُتُلْمِش حلبَ شَهْراً ثُمَّ ترَحَّل (6) .
وَنَازل الأُذفِيش (7) مدينَة طُلَيْطُلَة أَعْوَاماً، ثُمَّ كَانَتِ المَلْحَمَة الكُبْرَى
__________
(1) سترد ترجمته برقم (173) .
(2) " الكامل " 10 / 131.
(3) أي نظام الملك.
كما في " الكامل ".
(4) هو سيد الرؤساء أبو المحاسن بن كمال الملك أبي الرضا، قتل سنة 476.
(5) في الأصل: وعشرين وهو خطأ.
(6) انظر " الكامل " 10 / 138 - 141، و" المختصر " 2 / 195 - 196.
(7) في " الكامل ": الاذفوش والاذفونش. وفي " المختصر ": الاذفونش.(18/320)
بِالأَنْدَلُسِ، وَانتصر المُسْلِمُوْنَ، وَأَسَاء أَمِيْر المُسْلِمِيْنَ يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْن إِلَى ابْنِ عَبَّاد، وَأَخَذَ بلاَده، وَسَجَنَهُ (1) .
وَأَقْبَلَ أَمِيْرُ الجُيُوْش، فَنَازل دِمَشْقَ، وَضيَّق عَلَى تُتْش، ثُمَّ ترحَّل (2) .
وَفِي سَنَةِ (79) التُّقَى تُتْش وَصَاحِبُ قُونِيَة سُلَيْمَانُ، فَقُتل سُلَيْمَانُ، وَاسْتَوْلَى تُتش عَلَى حلب.
وَأَقْبَلَ أَخُوْهُ السُّلْطَانُ مِنْ أَصْبَهَان إِلَى حلب، فَأَخَذَهَا، وَهَرَبَ مِنْهُ أَخُوْهُ، وَنَاب بِحَلَب قَسيمُ الدَّوْلَة؛ جَدُّ نُور الدِّين، فَعمرت بِهِ (3) ، وَافتَتَح السُّلْطَانُ الجَزِيْرَةَ، وَقَدِمَ بَغْدَاد، وَقَدِمَ بَعْدَهُ النّظامُ، ثُمَّ تَصيَّد، وَعَمِلَ منَارَةَ القُرُوْنَ، وَجَلَسَ لَهُ المُقتدي، وَخلعَ عَلَيْهِ خِلَعَ السَّلطنَة، وَعَلَى أَمرَائِهِ، وَنظَامُ الْملك يُقَدِّمُهم وَيُتَرْجِمُ عَنْهُم (4) ، ثُمَّ كَانَ عُرس المُقتدي عَلَى بِنْتِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ جَهَازِهَا وَعُرسهَا؛ دَخَلَ فِي الدعوَة أَرْبَعُوْنَ أَلف مَناً مِنَ السكر (5) .
وَمَاتَ صَاحِبُ غَزنَة وَالهِنْد المُؤَيَّدُ إِبْرَاهِيْم (6) بنُ مَسْعُوْدِ ابْن السُّلْطَانِ مَحْمُوْد، وَتَملَّك بَعْدَهُ ابْنُهُ جَلاَلُ الدِّين، زَوجُ بِنْت مَلِكْشَاه الَّتِي غَرِمَ نَظَامُ الْملك عَلَى عُرسهَا أَلفِي أَلفِ دِرْهَم.
(7) وَسَارَ مَلِكْشَاه لِيملك سَمَرْقَنْد، وَافتَتَح مَا وَرَاء النَّهْر، وَتَضوَّرت بِنْتُ مَلِكْشَاه مِنِ اطِّرَاح الخَلِيْفَة لَهَا، فَأَذن لَهَا فِي
__________
(1) انظر " الكامل " 10 / 142، 151، 187.
و" المختصر " 2 / 198.
(2) " الكامل " 10 / 145، و" المختصر " 2 / 196.
(3) انظر " الكامل " 10 / 147 وما بعدها، و" المختصر " 2 / 197.
(4) " الكامل " 10 / 155 وما بعدها.
(5) " الكامل " 10 / 161.
(6) سترد ترجمته برقم (301) .
(7) انظر " الكامل " 10 / 167 - 168، و" المختصر " 2 / 199.(18/321)
الذّهَاب إِلَى أَصْبَهَانَ مَعَ ابْنِهَا جَعْفَر، وَأَقْبَلَ جَيْشُ مِصْر فَأَخذُوا صُوْرَ وَعكَا وَجُبَيْل (1) .
وَفِتَنُ السّنَة وَالشِّيْعَة مُتتَاليَةٌ بِبَغْدَادَ لاَ يُعبَّر عَنْهَا.
وَفِي سَنَةِ (483) اسْتولَى ابْنُ الصَّبَّاحِ؛ رَأْس الإِسْمَاعِيليَّة عَلَى قَلْعَة أَصْبَهَان، فَهَذَا أَوّلُ ظُهُوْرهم (2) .
وَاسْتولتِ النَّصَارَى عَلَى سَائِر جَزِيْرَة صَقَلِية، وَهِيَ إِقْلِيْمٌ كَبِيْر (3) .
وَكَانَتْ ملحمَة جَيَّان بِالأَنْدَلُسِ بَيْنَ الفِرَنْج وَالمُسْلِمِيْنَ، وَنَصرَ اللهِ، وَحُصِدَتِ الفِرَنْج (4) .
وَافتَتَح ملكشَاه اليَمَن عَلَى يَد جَنَقَ (5) أَمِيْر التركمَان (6) ، وَاسْتبَاحت خفَاجَة (7) رَكْبَ العِرَاق، فَذَهَبَ وَرَاءهم عَسْكَرٌ، فَقتلُوا مِنْهم خلقاً كَثِيْراً، وَلَمْ تَقم لَهم شوكَةٌ بَعْد (8) .
وَمَاتَ نَظَام الْملك: فِي سَنَةِ (86) (9) ، ثُمَّ مَاتَ السُّلْطَان (10) ، فَسَارَ مِنَ الشَّام أَخُوْهُ تُتش ليتسلطنَ، وَفِي خِدمته قَسِيمُ الدَّوْلَة، وَصَاحِب أَنطَاكيَة، وَجَمَاعَة خطبُوا لَهُ بِمَدَائِنهُم.
وَسَارَ، وَأَنفق الأَمْوَالَ، وَأَخَذَ الرّحبَة ثُمَّ نصِيْبين عَنْوَةً، وَقَتَلَ وَعَسَفَ.
وَقصد المَوْصِل، فَعمل مَعَهُ صَاحِبُهَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ قُرَيْش
__________
(1) " الكامل " 10 / 171، 175، 176.
(2) انظر " الكامل " 10 / 313 وما بعدها.
(3) انظر " الكامل " 10 / 193 وما بعدها.
(4) " الكامل " 10 / 202.
(5) في " الكامل " جبق.
(6) " الكامل " 10 / 203 - 204.
(7) أي قبيلة خفاجة، وفي " المنتظم " و" الكامل ": بنو خفاجة.
(8) " المنتظم " 9 / 63، و" الكامل " 10 / 217.
(9) في " المنتظم " و" الكامل " و" المختصر ": سنة خمس وثمانين.
(10) انظر " المنتظم " 9 / 61 - 62، و" الكامل " 10 / 204 و210، و" المختصر " 2 / 202 - 203، والسلطان المقصود هنا هو ملكشاه.(18/322)
مَصَافّاً، فَأُسِرَ إِبْرَاهِيْمُ، وَتَمَزَّقَ جَمعُهُ، وَقُتِلَ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ عَشْرَةُ آلاَف، وَذُبح إِبْرَاهِيْم صَبْراً (1) .
وَأُبِيْعَتْ مِنَ النَّهْبِ مائَةُ شَاة بدِيْنَار.
ثُمَّ بَعَثَ تُتش يَطلب مِنَ الخَلِيْفَة تَقليدَ السّلطنَة.
وَافتَتَح مَيَّافَارِقين وَديَار بكر وَبَعْض أَذْرَبِيْجَان، فَبَادر بَرْكيَارُوْق ابْنُ أَخِيْهِ، فَالتَقَوا، فَخَامر قسيم الدَّوْلَة وَبوزَانُ، وَصَارَا مَعَ بَرْكيَارُوْق، فَضعُف تُتش، وَوَلَّى إِلَى الشَّامِ (2) .
وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ خُطبَ بِبَغْدَادَ لِلسُلْطَان بركيَارُوْق ركن الدَّوْلَة، وَعلَّم المُقتدي عَلَى تَقليده، ثُمَّ مَاتَ (3) فَجْأَةً مِنَ الغَدِ، تغدَّى وَغسل يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ فَتَاتهُ شَمْسُ النَّهَار، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الأَشخَاص دَخَلُوا بِلاَ إِذن؟
فَارتَابَت، وَتغَيَّر، وَارتخت يَدَاهُ، وَسقط، فَظنُّوهُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَطَلبتِ الجَارِيَةُ وَزِيْرَه، وَمَاتَ، فَأَخذُوا فِي البَيْعَةِ لابْنِهِ أَحْمَد المُسْتظهِر بِاللهِ فِي ثَامن عشر المُحَرَّم.
تُوُفِّيَ: وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ خِلاَفَتُه عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَأَخَّرُوا دَفنه ثَلاَث لَيَالٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ فَجْأَةً (4) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: اسْم أُمّه عَلم (5) .
قَالَ: وَكَانَ مُحِباً لِلعلُوْم، مُكْرِماً لأَهْلهَا، لَمْ يَزَلْ فِي دَوْلَةٍ قَاهِرَة وَصَوْلَة باهرَة، وَكَانَ غزِيْر الفَضْل، كَامِل العَقْل، بَلِيْغَ النَّثْر، فَمِنْهُ:
وَعْدُ الكُرَمَاء أَلْزَمُ مِنْ دُيُون الغُرَمَاء.
الأَلْسُنُ الفصيحَة أَنفعُ مِنَ الوُجُوه الصَّبِيْحَة، وَالضَّمَائِر الصَّحيحَة أَبلغُ مِنَ الأَلْسُن الفصيحَة.
حَقُّ الرَّعِيَّة لاَزمٌ
__________
(1) " الكامل " 10 / 219 - 221، و" المختصر " 2 / 203 - 204.
(2) انظر " المنتظم " 9 / 76 - 77، و" الكامل " 10 / 222.
(3) أي المقتدي.
(4) الخبر بنحوه في " المنتظم " 9 / 80 - 81، و" الكامل " 10 / 229 - 230.
(5) ذكر المصنف في أول الترجمة أن اسم أمه أرجوان، كذلك في مصادر ترجمته.(18/323)
لِلرّعَاة، وَيَقبحُ بِالوُلاَة الإِقبالُ عَلَى السُّعَاة.
وَمِنْ نَظمه:
أَرَدْتُ صَفَاءَ العَيْشِ مَعَ مَنْ أُحبُّهُ ... فَحَاوَلنِي عَمَّا أَرُوم مَرِيْدُ
وَمَا اخْتَرْتُ بَتَّ الشَّمْلِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ ... وَلَكِنَّهُ مَهْمَا يُرِيْد أُرِيْدُ (1)
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة مِنْ دَوْلَته جُدِّدت قُبَّةُ النَّسر (2) ، فَاسمه عَلَى القُبَّة.
وَكَانَ هُوَ خَلِيْفَةَ الإِسْلاَم فِي زَمَانِهِ، لَكِن يُزَاحمُه صَاحِبُ مِصْر المُسْتنصر وَابْنُه، فَكَانَ العُبيديُّ وَالعَبَّاسِيُّ مَقهورَيْنَ مِنْ وُجُوه.
وَكَانَ الدَّسْتُ لوزِيْر مِصْر أَمِيْر الجُيُوْش.
وَكَانَ حُكم العِرَاق وَالمَشْرِق إِلَى السَّلجوقيَّة.
وَحُكْمُ المَغْرِب إِلَى تَاشفِيْن وَابْنه.
وَحُكْمُ اليَمَن إِلَى طَائِفَة (3) .
وَالأَمْر كُلُّه للهِ.
148 - القَيْرَوَانِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ رَشِيْقٍ *
العَلاَّمَةُ، البَلِيْغُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ رَشِيْقٍ الشَّاعِرُ.
__________
(1) البيتان في " فوات الوفيات " 2 / 220.
(2) هي قبة الجامع الأموي الكبير بدمشق.
(3) سترد هذه الاحداث مفصلة في هذا الجزء والذي يليه.
(*) الذخيرة 4 / 2 / 597 - 612، الخريدة 2 / 230، معجم الأدباء 8 / 110 - 121، إشارة التعيين: الورقة 14، إنباه الرواة 1 / 298 - 304، وفيات الأعيان 2 / 85 - 89، تلخيص ابن مكتوم: 54 - 55، مسالك الابصار: 11 / 277، الوافي بالوفيات 12 / 11 - 16، مرآة الجنان 3 / 78، البلغة: للفيروزآبادي: 58، طبقات ابن قاضي شهبة 1 / 301، بغية الوعاة 1 / 504، كشف الظنون 1 / 185، 233، 301، و2 / 973، 1029، 1103، 1169، 1323، 1444، 1907، 1918، شذرات الذهب 297 - 298، الحلل السندسية: 101 - 102، روضات الجنات، 217 - 218، عنوان الاريب 1 / 52، إيضاح المكنون 1 / 577، 2 / 190، 235، 626، هدية العارفين 1 / 276، خلاصة تاريخ تونس: 99، وانظر رسالة " بساط العقيق في تاريخ القيروان وشاعرها ابن رشيق " للاستاذ حسن حسني عبد الوهاب.(18/324)
كَانَ أَبُوْهُ مِنْ مَوَالِي الأَزد.
وَلأَبِي عَلِيٍّ تَصَانِيْفُ مِنْهَا: (العمدَة فِي صِنَاعَة الشّعر (1)) ، وَكِتَاب (الأُنموذج (2)) ، وَ (الرَسَائِل الفَائِقَة) .
وُلِدَ: بِالمسِيْلَة (3) ، وَتَأَدب، وَعَلَّمه أَبُوْهُ الصيَاغَة، فَلَمَّا قَالَ الشّعر رَحَلَ إِلَى القَيْرَوَان، وَمدح مَلِكهَا، فَلَمَّا أَخذتهَا العَرَب، وَاسْتبَاحُوهَا، دَخَلَ إِلَى صَقِلية، وَسَكَنَ مَازر (4) ، إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَيُقَالُ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ (5) .
وَلَهُ كِتَاب (قرَاضَة الذّهب (6)) .
وَكِتَاب (الشُّذُوذ (7) فِي اللُّغَة) ، ذَكَرَهُ ابْنُ خلكَانَ (8) .
__________
(1) في " وفيات الأعيان ": " العمدة في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه " وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات أولاها في القاهرة سنة 1325 هـ بعنوان " العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ".
(2) ورد اسمه في " الوافي ": " أنموذج الشعراء، شعراء القيروان ".
وقد صنفه ابن رشيق في شعراء عصره.
وذكر ياقوت أنه ترجم لنفسه في آخر كتابه هذا، وأورد بعض ترجمته لنفسه.
انظر " معجم الأدباء " 8 / 112.
وقد سماه حاجي خليفة " الانموذج في اللغة ".
وهو مخالف لبقية المصادر.
(3) مدينة بالمغرب، وتسمى المحمدية أيضا: نسبة إلى أبي القاسم محمد بن المهدي الذي اختطها في سنة 315 هـ (ياقوت) .
(4) من مدن صقلية: " معجم البلدان " 5 / 40.
(5) وقد صحح ابن خلكان القول الأول، وأما الثاني فقد قاله ياقوت في " معجمه " 8 / 111، وذكر أنه مات بالقيروان، وتابعه على ذلك السيوطي في " بغية الوعاة " 1 / 504، وقال القفطي في " إنباه الرواة " 1 / 303: مات بمازر في حدود سنة خمسين وأربع مئة.
(6) وهي رسالة لطيفة الحجم، وقد نشرت في القاهرة في سلسلة الرسائل النادرة سنة 1926 باسم " قراصنة الذهب في نقد أشعار العرب " ثم نشرت في تونس عام 1972 بتحقيق الأستاذ الشاذلي بو يحيى.
(7) تصحفت الكلمة في " كشف الظنون ": إلى " الشذور ".
(8) " وفيات الأعيان " 2 / 85، وانظر فيه بقية مؤلفاته، وانظر " هدية العارفين " 1 / 276، وقد جمع شعره مع شعر ابن شرف الأستاذ الميمني في كتابه: " النتف من شعر ابن رشيق وابن شرف "، ثم جمع شعره الدكتور عبد الرحمن ياغي وزاد فيه، ونشرته دار الثقافة ببيروت عام 1962.
ويقول الأستاذ إحسان عباس في تعليقه على " الذخيرة " 4 / 2 / 597: ولا يزال كثير من شعره غير مضمن في هذين
المجموعين، وخاصة جانب غير قليل مما أورده ابن بسام.(18/325)
149 - الإِيْلاَقِيُّ أَبُو الرَّبِيْع طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيُّ *
شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، أَبُو الرَّبِيْعِ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ (1) التُّرْكِيُّ.
وَإِيلاَق: هِيَ قصبَة الشَّاش.
كَانَ مِنْ كُبَرَاء الشَّافِعِيَّة بِتِلْكَ الدِّيَار.
تَفقه بِمَرْو عَلَى الشَّيْخ أَبِي بَكْرٍ القَفَّال، وَببُخَارَى عَلَى الأُسْتَاذ أَبِي عَبْدِ اللهِ الحَليمِي.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِي، وَجَمَاعَة.
وَلَهُ وَجْهٌ فِي المَذْهَب (2) .
عَاشَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
لَمْ يَقع لِي حَدِيْثُه عَالِياً.
150 - غَالِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي اليُمْنِ أَبُو تَمَّامٍ القَيْسِيُّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ القُرَّاءِ وَالنُّحَاة، أَبُو تَمَّام القَيْسِيُّ القُرْطُبِيُّ، القَطِيْنِيُّ الأَصْل، نَزِيلُ دَانِيَة.
__________
(*) طبقات العبادي: 113، الأنساب 1 / 406، معجم البلدان 1 / 291، اللباب 1 / 98، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 230 - 231، طبقات السبكي 5 / 50، طبقات الاسنوي 1 / 62 - 63، طبقات ابن هداية الله: 166، شذرات الذهب 3 / 325.
(1) في " طبقات " ابن هداية الله: طاهر بن محمد بن عبد الله.
(2) انظر " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 231.
(* *) جذوة المقتبس: 325 وفيه نسبته الثغري، الصلة 2 / 457، بغية الملتمس: 439 وفيه غالب بن محمد، غاية النهاية 2 / 2 - 3 بغية الوعاة 2 / 240، وقد تحرفت فيه نسبته القطيني إلى اليقطيني، ولم يرد في ترجمته سوى اسمه، حيث ذكر المحقق أن هناك بياضا بالاصل، نفح الطيب 4 / 12 وفيه الثغري.(18/326)
وَقَطِينَة: ضيعَة بجَزِيْرَة مَيُورْقَة (1) .
قرَأَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَأَبِي عَمْرٍو الدَّانِي.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ عبد الْبر، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ قَائِماً عَلَى كِتَاب سِيبَوَيْهٍ، رَأْساً فِي مَعْرِفَته.
تخرَّج بِهِ أَئِمَّة مَعَ الزُّهْد وَالتعفف.
أَرَادَه المَلِك إِقبالُ الدَّوْلَة العَامِرِيُّ عَلَى القَضَاءِ، فَامْتَنَعَ.
تَلاَ عَلَيْهِ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ شَفِيع وَغَيْرهُ.
وَلَهُ شعر جَيِّد (2) وَفضَائِل.
وَقَدْ أَخَذَ اللُّغَةَ عَنْ صَاعِد (3) .
وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ: فِي سَنَةِ سبعٍ
__________
(1) في شرقي الأندلس، بالقرب منها جزيرة يقال لها منورقة بالنون. " معجم البلدان " 5 / 246.
(2) ومن شعره قوله: يا راحلا عن سواد المقلتين إلى * سواد قلب عن الاضلاع قد رحلا غدا كجسم وأنت الروح فيه فما * ينفك مرتحلا ما دمت مرتحلا بي للفراق جوى لو مر أبرده * بجامد الماء مر البرق لاشتعلا انظر " جذوة المقتبس ": 325، و" الصلة " 2 / 457، و" نفح الطيب " 4 / 12.
(3) هو أبو العلاء صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي اللغوي المتوفى سنة 417 هـ.
انظر ترجمته في " جذوة المقتبس " 240 - 244، " الذخيرة " 4 / 1 / 7 وما بعدها، " الصلة " 1 / 237 238، " بغية الملتمس ": 319 - 323، " معجم الأدباء " 11 / 281 - 286، " إنباه الرواة " 2 / 85 - 90، " وفيات الأعيان " 2 / 481 - 489، " العبر " 3 / 124، " بغية الوعاة " 2 / 7 - 8، " نفح الطيب ": انظر الفهرس، " شذرات الذهب " 3 / 206 - 207.(18/327)
وَأَرْبَعِ مائَة مِنْ حَبِيْبِ بن أَحْمَدَ الرَّاوِي عَنْ قَاسِم بن أَصْبَغ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتّ (1) .
151 - زَعِيْمُ المُلْكِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ العِرَاقِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ العِرَاقِيُّ.
وَزَرَ بَعْد هَلاَك أَخِيْهِ كَمَالِ المُلك هِبَة اللهِ لِلسُلْطَان أَبِي نَصْرٍ خسرو ابْنِ الْملك أَبِي كَالَيجَار البُويهِيّ (2) ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ (3) ، فَلَمَّا أَنْ تَغَلَّب البسَاسيرِيّ عَلَى العِرَاقِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ دَخَلَ يَوْمَئِذٍ وَزَعيم الْملك هَذَا عَنْ يَمِيْنه (4) ، وَكَانَ يَحترمه وَيُخَاطبه بِمَوْلاَنَا.
ثُمَّ إِنَّهُ هَرَبَ إِلَى البطَائِح (5) ، وَفَتر سُوقه، وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، وَكَانَ عُمُره سبعينَ سَنَةً (6) .
152 - مُحَمَّدُ بنُ عَتَّابِ بنِ مُحْسِنٍ الأَنْدَلُسِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، مُفْتِي قُرْطُبَة، أَبُو عَبْدِ اللهِ
__________
(1) كما في " الصلة " 2 / 457، وذكر ابن الجزري في " غاية النهاية " 2 / 3 أنه توفي سنة (446) وهو خطأ.
(*) المنتظم 8 / 288، الكامل 9 / 641 و10 / 92.
(2) الذي تقدمت ترجمته برقم (59) باسم: الملك الرحيم.
وفي الأصل: " الحسن " بدل " خسرو " والمثبت من ترجمته، واستدرك منها أيضا لفظ " أبي " بين حاصرتين.
(3) انظر " الكامل " 9 / 575.
(4) انظر " الكامل " 9 / 641.
(5) هي أرض واسعة بين واسط والبصرة.
(6) كما في " الكامل " 10 / 92، وفي " المنتظم " 8 / 288، وقد عبر التسعين.
(* *) ترتيب المدارك: 4 / 810 - 811، الصلة 2 / 544 - 546، بغية الملتمس: 115 وقد تحرف فيه عتاب إلى عقاب، العبر 3 / 250 وفيه الجذامي، الوافي بالوفيات 4 / 79، النجوم الزاهرة 5 / 86، شذرات الذهب 3 / 311.(18/328)
مَوْلَى ابْنِ أَبِي عَتَّابٍ الأَنْدَلُسِيُّ (1) .
وُلِد: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ التُّجِيْبِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ خَلَفِ بن يَحْيَى، وَأَبِي المُطَرِّف القَنَازِعِي، وَسَعِيْدِ بنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ نبَات، وَعبدِ الرَّحْمَن بنِ أَحْمَدَ بنِ بِشْر القَاضِي، وَيُوْنُس بنِ مُغِيْث، وَأَبِي أَيُّوْبَ بن عُمرُوْنَ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ بنِ وَاقِد، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرهُ.
قَالَ خَلَف بن بَشْكُوَال (2) :كَانَ فَقِيْهاً وَرِعاً عَامِلاً، بَصِيْراً بِالحَدِيْثِ وَطرقه، لاَ يُجَارَى فِي الوثَائِق، كتبهَا عُمُرَه، وَمَا أَخَذَ عَلَيْهَا مِنْ أَحَد أَجراً، يُقَالَ: قرَأَ فِيْهَا أَزِيدَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ مُؤَلّفاً (3) .
وَكَانَ مُتَفَنِّناً فِي العِلْمِ، حَافِظاً لِلأَخْبَار وَالأَشعَار وَالأَمثَال، صَليباً فِي الحَقِّ، مُنْقَبِضاً عَنِ السُّلْطَان وَأَسبَابه، مُتوَاضعاً، مُقتصداً فِي مَلبسه، يَتولَّى حوَائِجه بِنَفْسِهِ.
وَكَانَ شَيْخَ أَهْلِ الشُّوْرَى فِي زَمَانِهِ، وَعَلَيْهِ كَانَ مدَارُ الفَتْوَى، دُعِي إِلَى قَضَاء قُرْطُبَة مرَاراً، فَأَبَى، وَكَانَ يهَابُ الفَتْوَى، وَيَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَنجُو مِنْهَا كفَافاً.
وَلَهُ اخْتيَارَاتٌ مِنْ أَقَاويل العُلَمَاء، يَأْخذ بِهَا فِي خَاصَّة نَفْسه.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ: كَانَ مِنْ جِلَّةِ العُلَمَاء الأَثْبَاتِ، وَمِمَّنْ عُني بِالفِقْه وَسَمَاع الحَدِيْث دَهْرَه، وَقَيَّدَه، فَأَتقنه.
__________
(1) في " العبر " و" الصلة " و" الوافي ": الجذامي.
(2) في " الصلة " 2 / 544.
(3) في " الصلة ": وكان يحكي أنه لم يكتبها حتى قرأ فيها ... (4) انظر الخبر في " الصلة " 2 / 546.(18/329)
مَاتَ: فِي صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (1) ، وَشَيَّعه المُعْتَمِد بن عَبَّادٍ.
153 - الصَّرِيْفِيْنِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الخَطِيْبُ، خَطِيْبُ صَرفِيْن (2) ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُجيب بنِ المُجَمِّعِ بنِ بَحْرِ بنِ مَعْبَدٍ (3) بن هَزَارْمَرْدَ (4) الصَّرِيفِيْنِي، رَاوِي كِتَاب (الجعديَات (5)) عَنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ حَبَابَةَ (6) .
سَمِعَ: ابْن حَبَابَة، وَابْن أَخِي مِيمِي الدَّقَّاق، وَعُمَر بن إِبْرَاهِيْمَ الكَتَّانِي (7) ، وَأَبَا طَاهِرٍ المُخَلِّص، وَأَمَة السَّلاَم بِنْتَ أَحْمَد بنِ كَامِل، وَالحَافِظ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ دَوَّسَتْ العَلاَّف، وَغَيْرهُم.
واخْتُلِف فِي نسبه فِي تَقَدِيْم مُجيب عَلَى مُجمَّع (8) .
__________
(1) تحرفت سنة وفاته في " الوافي " بالوفيات، إلى " وثلاث مئة ".
(*) تاريخ بغداد 10 / 146 - 147، الأنساب المتفقة: 87، الأنساب 8 / 59، المنتظم 8 / 309 - 310، معجم البلدان 3 / 403 - 404، الكامل 10 / 106، اللباب 2 / 240، العبر 3 / 271، البداية والنهاية 12 / 116 - 117، شذرات الذهب 3 / 334.
(2) في " معجم البلدان ": بلدة في سواد العراق في موضعين: إحداهما، قرية كبيرة غناء
شجراء قرب عكبراء وأوانا على ضفة نهر دجيل، وإليها ينسب المترجم، والاخرى من قرى واسط.
(3) في " تاريخ بغداد ": ابن أحمد بن المجمع بن مجيب بن معبد بن بحر.
وفي " البداية " ابن أحمد بن المجمع بن محمد بن يحيى بن معبد.
زاد ابن كثير: ويعرف بابن المعلم.
(4) تحرفت في " الشذرات " إلى: هرامرد.
(5) تقدم التعريف بها في ص 240 تعليق (3) .
(6) تصحفت في " البداية " إلى: حبانة.
(7) تصحفت في " معجم البلدان " إلى " الكناني ".
(8) في " تاريخ " الخطيب وابن الجوزي: تقديم مجمع على مجيب، ولم يرد اسم مجيب في نسبه عند ابن كثير في " البداية " وابن القيسراني والسمعاني في " أنسابهما ".(18/330)
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَأَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ، وَهِبَةُ اللهِ الشيرَازِي، وَمُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَلِيُّ بنُ سُكَيْنَة، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ سِبْط الخَيَّاط، وَيَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ الطّرَّاح، وَآخَرُوْنَ.
وَسَمِعَ مِنَ: المُخَلِّص (النّسَب) لِلزُّبِير، وَكِتَاب (الْفتُوح) ، وَكِتَاب (المُزَنِيّ) ، وَ (أَخْبَار الأَصْمَعِيّ) ، وَكِتَاب (البِرّ) ، وَكِتَاب (الزُّهْد) لابْنِ المُبَارَكِ، وَكِتَاب (المزَاح) لِلزبِير، وَأَشيَاء.
ذكره الخَطِيْب، فَقَالَ (1) :عُرف وَالِده بهَزَارْمَرْدَ، قَدِمَ أَبُو مُحَمَّدٍ بَغْدَاد دَفَعَات، وَحَدَّثَ بِهَا، وَكَانَ صَدُوْقاً.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ خَيِّر، صَارَت إِلَيْهِ الرّحلَةُ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ أَحْمَدَ النَّاسِ طرِيقَةً، وَأَجْمَلَهم خليقَة، وَأَخلصَهم نِيَّةً، وَأَصفَاهم طويَّةً، سَمِعَ مِنْهُ الكِبَار.
حَكَى ابْنُ طَاهِرٍ أَنَّ هِبَة اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ كَانَ مُصعِداً إِلَى الشَّامِ، فَدَخَلَ صَرِيفِيْن، فَرَأَى شَيْخاً ذَا هيئَةٍ، قَاعِداً عَلَى بَاب دَاره، فَسَأَلَهُ: هَلْ سَمِعْتَ شَيْئاً؟
فَقَالَ: سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ حَبَابَة، وَالكَتَّانِي، وَأَبِي طَاهِر المُخَلِّص، وَطَبَقَتهم.
فَتعجَّب مِنْ ذَلِكَ، وَطَالبه بِالأُصُوْل، فَأَخْرَجَ لَهُ أُصُوْلاً عَتِيْقَة بِخَط ابْن البَقَّال، وَغَيْره، فَقَرَأَ هِبَةُ اللهِ مَا عِنْدَهُ، وَنسخ.
وَنمَّ الخَبَر إِلَى عُكْبَرَا وَبغدَاد، فَرحل النَّاس إِلَيْهِ (2) .
قَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: هُوَ ثِقَةٌ، لَهُ أُصُوْلٌ جيَاد، قَرَأْت بخطِّ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 147.
(2) انظر الخبر في " الأنساب المتفقة ": 87، و" معجم البلدان " 3 / 404، و" المنتظم " 8 / 309 - 310، وفيه أن صاحب الحكاية هو ابن طاهر المقدسي لا هبة الله بن عبد الوارث، وهو مخالف لما عند المؤلف وياقوت وابن القيسراني، وهو سقط ينبغي تصحيحه.(18/331)
وَالِده: وُلِد ابْنِي عَبْدُ اللهِ لَيْلَة الجُمُعَة، لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ صفر، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ.
تُوُفِّيَ ابْنُ هَزَارْمَرْدَ: فِي ثَالِثِ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
كَتَبَ إِلَيْنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ البُخَارِيّ، وَغَيْرهُ بِكِتَاب (الجعديَات) أَنَّ عُمَرَ بن مُحَمَّد أَخْبَرَهم قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْب (1) ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ حَبَابَة، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْد، أَخْبَرَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ قَالَ أَنَا فِي الجَنَّةِ، فَهُوَ فِي النَّارِ) .
هَذَا مُرْسَلٌ غَرِيْب (2) .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا عليّ، أَخْبَرَنِي مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بنُ حُصَيْن:
أَنَّ رَجُلاً أَعتق سِتَّة مَمْلُوْكين لَهُ عِنْدَهُ مَوْته، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُم، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْرَعَ بَيْنهُم، وَأَعْتَقَ اثنِيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً.
إِسْنَادُهُ صَالِحٌ (3) ، وَهُوَ نصٌّ فِي شرعيَّة القُرعَة فِي مِثْل هَذَا - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
__________
(1) وهو صاحب الترجمة.
(2) أي ضعيف لا يعتد به، قال ابن سعد في " الطبقات " 7 / 157، 158: ما أسند الحسن من حديثه، وروى عمن سمع منه، فحسن حجة، وما أرسل من الحديث، فليس بحجة.
(3) وأخرجه أحمد 4 / 440 من طريق مبارك بن فضالة بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 4 / 428 و439 و445 و446 والنسائي 4 / 64 من طرق عن الحسن به، وأخرجه مسلم (1668) وأبو داود (3958) والترمذي (1364) من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين، وأخرجه مسلم (1668) (57) وأحمد 4 / 438 وأبو داود (3961) من طرق عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين.(18/332)
154 - الشَّيْخُ الأَجَلُّ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَغْدَادِيُّ *
هُوَ الصَّدْرُ الأَنْبَلُ، الرَّئِيْسُ القُدْوَةُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ (1) بنِ يُوْسُفَ البَغْدَادِيُّ، سِبْطُ الإِمَامِ أَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ السُّوْسَنْجِرديّ (2) .
وَكَانَ يُلَقَّبُ بِالشَّيْخ الأَجْل.
سَمِعَ: جدَّه، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ البَيِّع، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَأَبَا عُمَر بن مَهْدِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ، وَأَقَارَبُه، وَغَيْرُ وَاحِد.
قَالَ الخَطِيْبُ (3) :كَانَ أَوحَدَ وَقْتِهِ فِي فِعل الخَيْر، وَدوَام الصَّدَقَة وَالإِفضَال عَلَى العُلَمَاء، وَالنَّصْرِ لأَهْل السُّنَّة، وَالقمعِ لأَهْل البِدَع، تُوُفِّيَ وَهُوَ فِي عَشْرِ السَّبْعِيْنَ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
أَرَّخَهُ ابْنُ خَيْرُوْنَ، وَقَالَ: دُفن عِنْد جدّه لأُمِّهِ، وَحضره جمِيْعُ الأَعيَان، وَكَانَ صَالِحاً، عَظِيْمَ الصَّدَقَة، مُتعصباً لِلسُّنَّة، قَدْ كَفَى عَامَّة العُلَمَاء وَالصُّلَحَاء.
قُلْتُ: كَانَ ذَا جَاهٍ عرِيض وَاتصَالٍ بِالخَلِيْفَة (4) .
وَقَالَ أُبَيٌّ النَّرْسِيّ: لَمْ أَرَ خَلْقاً قَطُّ مِثْل مَنْ حضَر جِنَازَته - رَحِمَهُ اللهُ -.
__________
(*) تاريخ بغداد 10 / 434، المنتظم 8 / 250 - 252، الكامل 1 / 58، المختصر 2 / 186، تتمة المختصر 1 / 561، البداية والنهاية 12 / 97، النجوم الزاهرة 5 / 82.
(1) اسم " محمد " لم يذكر في " الكامل " 10 / 58.
(2) بضم السين وسكون الواو وفتح السين الثانية وسكون النون وكسر الجيم وسكون الراء وفي آخرها دال مهمة، هذه النسبة إلى قرية بنواحي بغداد يقال لها سو سنجرد.
(3) في " تاريخ بغداد " 10 / 434.
(4) انظر بعض أخباره في " المنتظم " 8 / 250 - 252.(18/333)
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَحْمَدُ بنُ الفَضْلِ البَاطِرْقَانِي شَيْخ أَصْبَهَان (1) ، وَمُفْتِي قُرْطُبَة أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بن القَطَّان القُرْطُبِيّ (2) ، وَالمُعَمَّر العَلاَّمَة أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَكِّيّ النَّسَفِي الحَنَفِيّ ثُمَّ الشَّافِعِيّ (3) ، وَالوَاعِظَة خَدِيْجَةُ بِنْتُ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الشَّاهجَانِيَّة (4) ، الَّتِي تروِي عَنِ ابْنِ سَمْعُوْنَ، وَالمُعَمَّر عبدُ الدَّائِم بنُ الحَسَنِ الهِلاَلِي (5) الحَوْرَانِيّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ، صَاحِب عَبْد الوَهَّابِ الكِلاَبِيّ، وَشيخُ الرَّافِضَّة أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الطُّوْسِيّ (6) المُفسِّر، وَمُسْنِد هَرَاة أَبُو مُضْمر مُحَلِّم بن إِسْمَاعِيْلَ الضَّبِّيّ.
155 - أَبُو جَعْفَرٍ الطُّوْسِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ *
شَيْخُ الشِّيْعَةِ، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ.
قَدِمَ بَغْدَاد، وَتَفَقَّهَ أَوَّلاً لِلشَافعِي.
ثُمَّ أَخَذَ الكَلاَم وَأُصُوْل القَوْم عَنِ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (98) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (145) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (93) .
(4) انظر " العبر " 3 / 246، و" المنتظم " 8 / 250، و" شذرات الذهب " 3 / 308.
(5) انظر " العبر " 3 / 247، و" شذرات الذهب " 3 / 308.
(6) وهو صاحب الترجمة التالية.
(*) الفهرست للطوسي: 159 - 161، المنتظم 8 / 252، الكامل 10 / 58، تاريخ الإسلام 135 / 2، الوافي 2 / 349، طبقات السبكي 4 / 126 - 127، لسان الميزان 5 / 135، النجوم الزاهرة 5 / 82، كتاب في التراجم لابن عبد الهادي خ: 35 / 2، طبقات المفسرين للسيوطي: 29، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 126 - 127، كتاب الرجال للنجاشي: 287 - 288، كشف الظنون: 452، 1581، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 / 14 و269، و486 و3 / 328 و5 / 145، منهج المقال: 292 - 293، منتهى المقال: 269 - 270، تنقيح المقال 3 / 104 - 105، مصفى المقال: 402 - 403، فوائد الرضوية: 470 - 473، روضات الجنات للخوانساري: 580، إيضاح المكنون 1 / 223 وغيرها، هدية العارفين 2 / 72، أعيان الشيعة 44 / 33 - 52، الاعلام 6 / 84 - 85.(18/334)
الشَّيْخ المُفِيد (1) رَأْسِ الإِمَامِيَّة، وَلزمه وَبَرَعَ، وَعَمِلَ التَّفْسِيْر (2) ، وَأَملَى أَحَادِيْث وَنوَادر فِي مُجَلَّدين، عَامَّتُهَا عَنْ شَيْخه المُفِيد.
وَرَوَى عَنْ: هِلاَل الحَفَّار، وَالحُسَيْنِ بن عُبَيْد اللهِ الفَحَّام، وَالشَّرِيْف المرتضَى، وَأَحْمَد بن عبدُوْنَ، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ أَبُو عَلِيٍّ.
وَأَعرض عَنْهُ الحُفَّاظ لِبِدعته، وَقَدْ أُحرقت كتبه عِدَّة نُوب فِي رَحْبَة جَامِع الْقصر، وَاسْتَتَر لَمَّا ظهر عَنْهُ مِنَ التنقُّص بِالسلف، وَكَانَ يَسكن بِالكَرْخ، محلَّة الرَّافِضَّة، ثُمَّ تَحَوّل إِلَى الكُوْفَةِ، وَأَقَامَ بِالمَشْهَد يُفَقِّههُم.
وَمَاتَ: فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سِتِّيْنَ (3) وَأَرْبَعِ مائَة.
وَكَانَ يُعَدُّ مِنَ الأَذكيَاء لاَ الأَزكيَاء.
ذَكَرَهُ ابْنُ النَّجَّار فِي (تَارِيْخِهِ) .
وَلَهُ تَصَانِيْف كَثِيْرَة مِنْهَا: كِتَاب (تَهْذِيْب الأَحكَام) كَبِيْر جداً، وكِتَاب (مُخْتَلف الأَخْبَار) ، وَكِتَاب (الْمُفْصِح فِي الإِمَامَة) وَأَشيَاء.
وَرَأَيْت لَهُ مُؤَلّفاً فِي فَهرسَة كُتبهم وَأَسْمَاء مُؤَلّفِيْهَا (4) .
156 - ابْنُ حَمْدَانَ حُسَيْنُ بنُ حَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ التَّغْلِبِيُّ *
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، نَاصِرُ الدَّوْلَةِ، حُسَيْنُ (5) ابنُ الأَمِيْرِ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ وَسيفهَا
__________
(1) تقدم التعريف به في ص: 297 تعليق (1) .
(2) أوردته المصادر باسمين الأول: " مجمع البيان لعلوم القرآن "، والآخر: " التبيان في تفسير القرآن ".
(3) في " الوافي " 2 / 349 أنه توفي (459) .
(4) انظر ما طبع من كتبه في " الاعلام " 6 / 84، 85.
(*) الكامل 10 / 80 - 88، الوافي بالوفيات 12 / 357، 358، النجوم الزاهرة 5 / 13 - 15، 19، 21، 83، 90، 91.
(5) في " النجوم الزاهرة " 5 / 90 الحسن بن الحسين. وفي " الكامل " 10 / 80: " الحسن " و88: " الحسين ".(18/335)
حَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ ابنِ صَاحِب المَوْصِل نَاصِر الدَّوْلَة، أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَن بن عَبْدِ اللهِ بنِ حَمْدَان، التَّغْلِبِيّ.
كَانَ أَبُوْهُ قَدْ عَمِلَ نِيَابَة دِمَشْق لصَاحِب مِصْر المُسْتنصر، وَنَشَأَ نَاصِرُ الدَّوْلَة، فَكَانَ شَهْماً شُجَاعاً، مِقْدَاماً مَهِيْباً، وَافر الحِشْمَة، تَمَكَّنَ بِمِصْرَ، وَتَقدم عَلَى أُمرَائِهَا، وَجَرَتْ لَهُ حُرُوْبٌ وَخُطُوبٌ.
وَكَانَ عَازماً عَلَى إِقَامَة الدَّعوَة لِبَنِي العَبَّاسِ، فَإِنَّهُ تَهَيَّأَت لَهُ الأَسبَاب، وَقهر المُسْتنصر، وَتركه عَلَى بَرد الدِّيَار، وَأَخَذَ مِنْهُ أَمْوَالاً لاَ تُحصَى، ثُمَّ فِي الآخِرِ انْتُدِبَ لاغتيَاله وَللفتك بِهِ إِلْدكز (1) التركِي فِي جَمَاعَةٍ، فَقتلُوْهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ (2) وَأَرْبَعِ مائَة، وَكَانَ قَدْ وَلِي إِمْرَة دِمَشْق أَيْضاً، وَقُتِلَ مَعَهُ أَخُوْهُ فَخر العَرَب، وَطَائِفَةٌ مِنَ الحَمْدَانِيَّة بِمِصْرَ، وَاضْطَرَب الجَيْشُ وَمَاجُوا.
وَكَانَ قَدْ راسَل السُّلْطَان أَلب آرسلاَن لِيُنْجِده بِعَسْكَرٍ فَأَجَابَهُ (3) .
157 - حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاتِمٍ التَّمِيْمِيُّ *
المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، الإِمَامُ الفَقِيْهُ، أَبُو القَاسِمِ التَّمِيْمِيُّ، الطَّرَابُلسِيُّ، ثُمَّ الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ.
أَصلُه مِنْ طرَابلس الشَّام.
مَوْلِدُهُ: فِي نِصْفِ شَعْبَان، سَنَة ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: عُمَر بنِ حُسَيْن بن نَابِل صَاحِبِ قَاسِم بن أَصْبَغ، وَمِنْ أَبِي
__________
(1) ضبطت في " النجوم الزاهرة " بسكون اللام، وضبطت في الأصل بضمها.
(2) قد تقدم للمصنف أنه ذكره في وفيات سنة (452) في ترجمة ابن عمروس وهو خطأ.
(3) انظر " الكامل " 10 / 80 وما بعدها و" النجوم الزاهرة ": الجزء الخامس في الصفحات المشار إليها في مصادر ترجمته.
(*) الصلة 1 / 157 - 160، بغية الملتمس: 270، العبر 3 / 269 - 270، شذرات الذهب 3 / 333.(18/336)
المُطَرِّف بنِ فُطَيْس القَاضِي، وَمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ الفَخَّار، وَحَمَّادٍ الزَّاهِد، وَالفَقِيْه أَبِي مُحَمَّدٍ بن الشِّقَاق، وَارْتَحَلَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِ مائَة، فَلقِي الإِمَام أَبَا الحَسَنِ القَابِسِي، وَلاَزَمه، وَأَكْثَر عَنْهُ، ثُمَّ حَجَّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ، وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَدَ بن فِرَاس العَبْقَسِي، وَسَمِعَ (صَحِيْح) مُسْلِم مِنْ أَبِي سَعِيْدٍ السِّجْزِيّ، وَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّد بن سُفْيَانَ كِتَاب (الهَادِي فِي السَّبْع (1)) ، ثُمَّ رَجَعَ بِعِلْم جَمٍّ، وَأَخَذَ بِطُلَيْطِلَةَ عَنِ الخَطِيْب أَبِي مُحَمَّدٍ بن عَبَّاسٍ، وَخَلَف بن أَحْمَدَ (2) .
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ: كَانَ شَيْخُنَا حَاتِم مِمَّنْ عُنِيَ بِتَقْيِيد العِلْم وَضبطِهِ، ثِقَةً، كتب الكَثِيْر بِخَطِّهِ المَلِيْح (3) .
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُغِيْث: كَانَتْ كِتَابَتُهُ فِي نِهَايَة الإِتْقَان، وَلَمْ يَزَلْ مُثَابراً عَلَى حَمْلِ العِلْم وَبَثِّهِ وَالصَّبْر عَلَى ذَلِكَ، مَعَ كِبر السِّنّ.
أَخذُوا عَنْهُ لطول عُمُره.
قَالَ: وَقَدْ دُعِي إِلَى القَضَاء بقُرْطُبَة فَأَبَى (4) .
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَتَّاب، وَطَائِفَة.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
158 - ابْنُ يُوْنُسَ الحَسَنُ بنُ عُمَرَ بنِ حَسَنٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ
__________
(1) أي في القراءات السبع، وهو تأليف الامام الفقيه أبي عبد الله محمد بن سفيان القيرواني المالكي المتوفى سنة 415 هـ.
(2) انظر " الصلة " 1 / 157 - 158.
(3) " الصلة " 1 / 158.
(4) الخبر في " الصلة " 1 / 158.
(*) السياق: الورقة 5، المنتخب: الورقة 53 ب، الوافي بالوفيات 12 / 194.(18/337)
عُمَرَ بنِ حَسَنِ بنِ يُوْنُسَ الأَصْبَهَانِيُّ.
رحَّال صَدُوْقٌ، صَاحِبُ مَعْرِفَة.
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْت، وَأَبَا عُمَر بنَ مَهْدِيٍّ، وَهِلاَلاً الحَفَّار، وَطَائِفَة بِبَغْدَادَ، وَأَبَا عُمَر الهَاشِمِيّ بِالبَصْرَةِ، وَعُثْمَانَ بنَ أَحْمَدَ البُرجِي، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَرْدَوَيْه، وَجَمَاعَة بِأَصْبَهَانَ، وَكَتَبَ الكَثِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق، وَمَحْمُوْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَاشَاذه، وَأَبُو سَعْدٍ، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ الخُجَنْدِي (1) ، وَالمُعَمَّر إِسْمَاعِيْل ابْن عَلِيٍّ الحمَّامِي، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
159 - العَطَّارُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيُّ العَطَّارُ (2) ، مُسْتَمْلِي أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظِ.
ارْتَحَلَ وَسَمِعَ: أَبَا عُمَر الهَاشِمِيّ، وَعَلِيّ بن القَاسِمِ النّجَاد بِالبَصْرَةِ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ بِبَغْدَادَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَرْدَوَيْه، وَأَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ عَمْرٍو النقَّاش، وَطَبَقَتهُمَا بِأَصْبَهَانَ.
__________
(1) بضم الخاء وفتح الجيم نسبة إلى خجند: بلدة كبيرة كثيرة الخير على طرق سيحون من بلاد المشرق.
(*) تاريخ بغداد 1 / 417، المنتظم 8 / 288 - 289، العبر 3 / 261 - 262، تذكرة الحفاظ 3 / 1159 - 1160، الوافي بالوفيات 1 / 355، النجوم الزاهرة 5 / 97، شذرات الذهب 3 / 325.
(2) تحرفت في " المنتظم " 8 / 288 إلى القطان.(18/338)
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ حَافظٌ، عَظِيْمُ الشَّأْن عِنْد أَهْل بَلَده، أَملَى عِدَّة مَجَالِس (1) .
وَقَالَ الدَّقَّاق فِي رسَالته: كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ، يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ (2) .
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ أَبِي الرَّجَاءِ، وَالحُسَيْن الخَلاَّل، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّد بن البَغْدَادِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيٍّ الحمَّامِي، وَعِدَّة.
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
160 - الوَاحِدِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الأُسْتَاذُ، أَبُو الحَسَنِ (3) عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الوَاحِدِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ (التَّفْسِيْر) ، وَإِمَامُ عُلَمَاءِ
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1159 - 1160.
(2) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1160.
(*) دمية القصر 2 / 1017 - 1020، معجم الأدباء 12 / 257 - 270، الكامل لابن الأثير 10 / 101، إنباه الرواة 2 / 223 - 225، وفيات الأعيان 3 / 303 - 304، المختصر في أخبار البشر 2 / 192، دول الإسلام 2 / 4 العبر 3 / 267، تلخيص ابن مكتوم: 125، تتمة المختصر 1 / 569، مسالك الابصار 4 / 2 / 307 - 309، مرآة الجنان 2 / 96 - 97، طبقات السبكي 5 / 240، طبقات الاسنوي 2 / 538 - 539، البداية والنهاية 12 / 114، البلغة للفيروز ابادي: 145، غاية النهاية 1 / 523، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2 / 135 - 138، طبقات الشافعية
لابن قاضي شهبة: 26 / ب، النجوم الزاهرة 5 / 104، طبقات المفسرين للسيوطي: 23، بغية الوعاة 2 / 145، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 387 - 390، مفتاح السعادة 2 / 66 - 67، تاريخ الخميس 2 / 359، طبقات ابن هداية: 168، كشف الظنون 1 / 76، 245، 355، 809، و2 / 2002، شذرات الذهب 3 / 330، الفلاكة والمفلوكين: 117، روضات الجنات: 484، إيضاح المكنون 2 / 673 - 674 هدية العارفين 1 / 692، إشارة التعيين: الورقة / 31، وانظر مقدمة شرح ديوان المتنبي له، والواحدي، قال ابن خلكان: لم أعرف هذه النسبة إلى أي شيء هي، ولا ذكرها السمعاني، ثم وجدت هذه النسبة إلى الواحد بن الدين بن مهرة، ذكره أبو أحمد العسكري. وفي " المختصر ": والواحدي نسبة إلى الواحد بن ميسرة.
(3) في " إنباه الرواة ": أبو الحسين.(18/339)
التَّأْوِيْلِ، مِنْ أَوْلاَدِ التُّجَّارِ.
وَأَصله مِنْ سَاوه (1) .
لزم الأُسْتَاذ أَبَا إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيّ (2) ، وَأَكْثَر عَنْهُ، وَأَخَذَ علمَ العَرَبِيَّة، عَنْ أَبِي الحَسَنِ القُهُندُزِي (3) الضّرِير.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِر بن مَحْمِش، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبِي إِبْرَاهِيْمَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الوَاعِظ، وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ المزكِّي، وَعبدِ الرَّحْمَن بن حَمْدَان النَّصْروِي، وَأَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّجَّار، وَخَلْق.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الأَرغِيَانِي، وَعبدُ الجَبَّار بن مُحَمَّدٍ الخُوَارِي، وَطَائِفَة أَكْبَرهم الخُوَارِي.
صَنّف التفَاسير الثَّلاَثَة: (الْبَسِيط) ، وَ (الْوَسِيط) ، وَ (الوجِيْز (4)) وَبِتِلْكَ الأَسْمَاء سمَّى الغزَالِيُّ تَوَالِيفه الثَّلاَثَة فِي الفِقْه.
وَلأَبِي الحَسَنِ كِتَاب (أَسبَاب النُّزَول (5)) مروِي، وَكِتَاب (التّحبِير فِي الأَسْمَاء الحُسْنَى (6)) ، وَ (شَرْح ديوَان المتنبِي (7)) .
وَكَانَ طَوِيْل البَاع فِي العَرَبِيَّة
__________
(1) هي مدينة بين الري وهمذان.
(2) هو شيخ التفسير أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي المتوفى سنة 427 هـ، وقد مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (291) .
(3) ضبطت في الأصل بضم القاف والهاء، وكذلك هي في " الأنساب "، أما عند ياقوت فهي بفتح القاف والهاء والدال وهي نسبة إلى قهندز، بلاد شتى، وهي المدينة الداخلة المسورة، وقد تصحفت في " بغية الوعاة " إلى " القهندري " بالراء.
(4) وقد طبع " الوجيز " سنة 1305 بهامش " التفسير المنير لمعالم التنزيل "، المسمى ب " مراح لبيد لكشف معنى قرآن مجيد " تأليف الشيخ محمد نووي الجاوي.
(5) وقد طبع بمصر سنة 1315 هـ، ثم أعاد طبعه السيد أحمد صقر بتحقيقه سنة 1970 م، وانظر " معجم المطبوعات " لسركيس: 1905.
(6) في " وفيات الأعيان " و" طبقات " السبكي: التحبير في شرح الأسماء الحسنى.
(7) وقد طبع في بومباي بالهند طبع حجر عام 1271 باعتناء عبد الحسين حسام الدين، ثم نشر في برلين 1858 - 1861، بتحقيق الأستاذ ديتريشي، ثم أعادت طبعه بالاوفست مكتبة المثنى =(18/340)
وَاللُّغَات.
وَلَهُ أَيْضاً: كِتَاب (الدعوَات) ، وَكِتَاب (المَغَازِي) ، وَكِتَاب (الإِغرَاب فِي الإِعرَاب) ، وَكِتَاب (تَفْسِيْر النَّبِيّ (1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَكِتَاب (نَفِي التّحرِيف عَنِ القُرْآن الشَّرِيْف) (2) .
تَصَدَّرَ لِلتدرِيس مُدَّة، وَعَظُمَ شَأْنه.
وَقِيْلَ: كَانَ مُنْطَلِقَ اللِّسَان فِي جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ مَالاَ يَنْبَغِي، وَقَدْ كفَّر مَنْ أَلّف كِتَاب (حَقَائِق التَّفْسِيْر (3)) فَهُوَ مَعْذُور.
وَلَهُ شعر رَائِق (4) .
قَالَ عَنْ نَفْسِهِ (5) :دَرَسْتُ اللُّغَة عَلَى أَبِي الفَضْل أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ العَرُوضِي - وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ -.
رَوَى عَنِ الأَزْهَرِيّ (تَهْذِيْبه فِي
__________
= ببغداد، قال حاجي خليفة: إنه أجل الشروح نفعا، وأكثرها فائدة، ليس في شروحه على كثرتها مثله.
(1) في " شذرات الذهب " نقلا عن ابن قاضي شهبة: تفسير أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) وله من المؤلفات أيضا: كتاب " الوسيط في الأمثال " الذي طبع في الكويت عام 1975 م بتحقيق الدكتور عفيف محمد عبد الرحمن، وقد أورد محققه أسماء مؤلفات أخرى للمترجم فانظرها.
(3) مؤلفه هو الامام أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي النيسابوري المتوفى سنة 412 هـ، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (152) ، وقد بسط الذهبي هناك رأيه في هذا الكتاب فانظره.
(4) ومنه قوله: تشوهت الدنيا وأبدت عوارها * وضاقت علي الأرض بالرحب والسعه وأظلم في عيني ضياء نهارها * لتوديع من قد بان عني بأربعه فؤادي وعيشي والمسرة والكرى * فإن عاد عاد الكل والانس والدعه " معجم الأدباء " 12 / 262، وانظر بعض نظم في " دمية القصر " 2 / 1018 - 1020، و" إنباه الرواة " 2 / 224.
(5) في مقدمة كتابه " البسيط " كما قال ياقوت، انظر الخبر مطولا في " معجم الأدباء " 12 / 262 وما بعد.(18/341)
اللُّغَة) وَلحق السَّمَاعَ مِنَ الأَصَمّ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ - وَأَخَذت التَّفْسِيْر عَنِ الثَّعْلَبِيّ، وَالنَّحْو عَنْ أَبِي الحَسَنِ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الضّرِير - وَكَانَ مِنْ أَبرع أَهْل زَمَانِهِ فِي لطَائِف النَّحْو وَغوَامضه، عَلَّقْتُ عَنْهُ قَرِيْباً مِنْ مائَة جُزْء فِي المشكلاَت - وَقَرَأْت القِرَاءات عَلَى جَمَاعَة -.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (1) :كَانَ الوَاحِديُّ حقيقاً بِكُلِّ احترَام وَإِعظَام، لَكِن كَانَ فِيْهِ بَسْطُ لِسَانٍ فِي الأَئِمَّة، وَقَدْ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّار يَقُوْلُ: كَانَ الوَاحِدي يَقُوْلُ: صَنَّفَ السُّلَمِيّ كِتَاب (حَقَائِق التَّفْسِيْر) ، وَلَوْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ تَفْسِيْرُ القُرْآن لَكفَّرْتُه.
قُلْتُ: الوَاحِديُّ مَعْذُور مَأْجُور.
مَاتَ: بِنَيْسَابُوْرَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَقَدْ شَاخَ.
أَخُوْهُ:
161 - الوَاحِدِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الوَاحِديُّ.
سَمِعَ: أَبَا طَاهِرٍ بن مَحْمَش، وَيَحْيَى بنَ إِبْرَاهِيْمَ المُزكِّي، وَأَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ الحَافِظ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الفرَاوِي، وَعبدُ الخَالِق بنُ زَاهِر الشحَّامِي، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) في كتاب " التذكرة " كما ذكر السبكي في " الطبقات " 5 / 241.
(*) السياق: الورقة 43 أ، النجوم الزاهرة 5 / 104.(18/342)
وَأَملَى مَجَالِس، وَكَانَ ثِقَةً صَادِقاً مُعَمَّراً.
مَاتَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
يَقع لِي مِنْ حَدِيْثِهِ فِي مشيخَة زَاهِر.
وَأَمَّا أَخُوْهُ الْمُفَسّر، فَمَا وَقَعَ لِي حَدِيْثُهُ بِعُلُوّ.
162 - البَحِيْرِيُّ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الصَّالِحُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَحِيْرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
رَاوِي (مُسْنَد أَبِي عَوَانَة) ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَبْدِ الْملك بن الحَسَنِ، قرَأَه عَلَيْهِ الإِمَامُ أَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْرٌ السَّمْعَانِيّ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: وَجيه الشَّحَّامِيّ، وَأَبُو الأَسْعَد هبَةُ الرَّحْمَن بنُ القُشَيْرِيّ، وَجَمَاعَة.
مَاتَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة بِنَيْسَابُوْرَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الدِّمَشْقِيّ، أَنْبَأَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْد اللهِ بن الصَّفَّار، أَخْبَرَنَا هبَةُ الرَّحْمَن بن عبد الوَاحِد، أَخْبَرَنَا عبدُ الحمِيد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَحيرِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ الحَافِظ سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَة، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرْنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي يُوْنُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
بَلَغَنَا عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهم كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الاعتصَامُ بِالسُّنَّة نَجَاةٌ، وَالعِلْمُ يُقْبَضُ قبضاً سرِيعاً، فَنَعْشُ العِلْمِ ثَبَاتُ الدِّين وَالدُّنْيَا، وَذهَابُ ذَلِكَ فِي ذَهَاب العِلْم.
__________
(*) الاستدراك: 1 / ورق 50 أ.(18/343)
أَخُوْهُ:
163 - البَحِيْرِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ *
هُوَ الشَّيْخُ، أَبُو الحَسَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَحِيْرِيُّ، المُزَكِّي، شَيْخُ زَاهِرٍ الشَّحَّامِيّ، وَوَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ البُحَيْرِيِّ، المُتَوَفَّى فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدُوْس، وَالسَّيِّد العَلَوِيّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ الأَزْهَرِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَعبدِ الرَّحْمَن بن المزكِّي، وَعِدَّة.
وَأَملَى مَجَالِس.
لاَ أَعْلَم مَتَى تُوُفِّيَ، وَكَانَ مَوْجُوْداً فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
164 - ابْنُ الحَذَّاءِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القُرْطُبِيُّ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ المُتْقِنُ، أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ دَاوُدَ القُرْطُبِيُّ، ابْنُ الحَذَّاءِ، مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ.
مُكْثِر عَنْ وَالِده الحَافِظ أَبِي عَبْدِ اللهِ (1) ابْنِ الحَذَّاء.
نَدبه أَبُوْهُ إِلَى الطَّلَب فِي حَدَاثته، فَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ رَاشِد، وَسَعِيْد بنِ نَصْرٍ، وَعبدِ الوَارِث بن سُفْيَانَ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ
__________
(*) الاستدراك 1 / ورقة 50 أ.
(* *) الصلة 1 / 62 - 63، بغية الملتمس: 163، العبر 3 / 264، شذرات الذهب 3 / 326.
(1) وقد مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (298) .(18/344)
الوَهرَانِي، وَأَدْرَكَ بِهِم دَرَجَةَ أَبِيْهِ، وَأَوَّل سَمَاعه فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة (1) .
نزح عَنْ قُرْطُبَة فِي الفِتْنَة الكُبْرَى (2) ، وَسَكَنَ سَرَقُسْطَة وَالمَرِيَّة، ثُمَّ وَلِيَ القَضَاءَ بطُلَيطُلَة وَبِدَانِيَة، ثُمَّ تَحَوَّل إِلَى إِشبيليَة وَقُرْطُبَة (3) .
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، وَجَمَاعَة مِمَّنْ أَعْرفُهم أَوْ لاَ أَعْرفهُم، وَكَذَا غَالِبُ مَشَايِخ الأَنْدَلُس، لاَ اعتنَاء لَنَا بِمَعْرِفَتهم، لأَنَّ رِوَايَتَهم لاَ تَقعُ لَنَا.
وَكَانَ حَسَنَ الأَخلاَق، مُوَطَّأَ الأَكنَاف، عَالِماً، سرِيعَ الكِتَابَة، انْتَهَى إِلَيْهِ علوُّ الإِسْنَاد، مَعَ ابْنِ عبد الْبر.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَمَشَى المُعْتَمِدُ عَلَى اللهِ فِي جِنَازَته.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو مَنْصُوْرٍ شُجَاعُ بنُ عَلِيٍّ المَصْقَلِي (4) ، وَالقَائِمُ بِأَمْرِ اللهِ (5) ، وَجمَالُ الإِسْلاَم الدَّاوُوْدِيّ (6) ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ البَاخَرْزِي (7) ، مصَنِّف (دُمْيَة الْقصر) ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ صَصْرَى
__________
(1) انظر " الصلة " 1 / 62، 63.
(2) هي الملحمة الكبرى التي جرت بين المستعين بالله سليمان بن الحكم حين قصد قرطبة وبين جيش بن محمد بن عبد الجبار المهدي الذي برز لقتاله، فحطمهم سليمان، وغرق خلق منهم في النهر، وقتل اثنا عشر ألفا منهم عدة من العلماء والصلحاء، انظر ترجمة المستعين بالله، والمؤيد بالله في الجزء السابع عشر.
(3) الصلة 1 / 63.
(4) نسبة إلى جده مصقلة بن هبيرة.
(5) تقدمت ترجمته برقم (146) .
(6) تقدمت ترجمته برقم (108) .
(7) سترد ترجمته برقم (174) .(18/345)
بِدِمَشْقَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الخَيَّاط المُقْرِئ (1) .
165 - ابْنُ سِكِّيْنَةَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ الأَنْمَاطِيُّ *
الشَّيْخُ، الثِّقَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنِ بنِ سِكِّيْنَة الأَنْمَاطِيُّ (2) ، البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: عُبَيْد اللهِ بن أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ فَارِس الغُورِي، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: قَاضِي المَارستَان، وَأَحْمَدُ بنُ البَنَّاء، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَبْدُ اللهِ اليُوسفِي.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
166 - المَهْرَوَانِيّ أَبُو القَاسِمِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، الصَّادِقُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو القَاسِمِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ (3) المهْرَوَانِيُّ، الهَمَذَانِيُّ (4) ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، مِنْ صُوْفِيَّة رِبَاط الزَّوْزَنِي.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (221) .
(*) المنتظم 8 / 311، البداية والنهاية 12 / 117، تاج العروس 9 / 240 مادة (سكن) .
(2) نسبة إلى بيع الانماط.
وهي الفرش التي تنبسط.
(* *) الأنساب مادة (المهرواني) ، المنتظم 8 / 303 - 304، معجم البلدان 5 / 233، العبر 3 / 268، شذرات الذهب 3 / 331.
والمهرواني: ضبطت في الأصل بفتح الميم والراء وسكون الهاء بينهما وفي " معجم " ياقوت وابن الأثير بكسر الميم، وهي نسبة إلى مهروان: ناحية مشتملة على قرى بهمذان، وقد تحرف في " المنتظم " إلى النهرواني، بالنون.
(3) في " معجم البلدان ": يوسف بن أحمد بن يوسف بن محمد.
(4) تصحفت في " شذرات الذهب " إلى الهمداني بالدال المهملة.(18/346)
سَمِعَ: أَبَا أَحْمَد الفَرَضِي، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ الصَّلْت، وَأَبَا عُمَر بن مَهْدِيٍّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ البَيِّع، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرَان، وَطَبَقَتهُم.
وَانتقَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ خَمْسَة أَجزَاء مَشْهُوْرَة، وَابْنُ خَيْرُوْنَ ثَلاَثَة أَجزَاء؛ لَمْ تَقَعْ لِي، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ النَّقَلَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ قَاضِي المَارستَان، وَيُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعبدُ الرَّحْمَن بنُ مُحَمَّدٍ القَزَّاز، وَيَحْيَى بنُ الطَّرَّاح، وَأَبُو الفَضْلِ الأُمَوِيّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي رَابع عشر ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، وَدُفِنَ عَلَى بَاب رِبَاط الزوزنِي - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: الإِمَامُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْر بن قُبيس الغَسَّانِيّ، الدَّارَانِي الدِّمَشْقِيّ المَالِكِيّ، وَأَوّل سَمَاعه بدَاريَّا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَأَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى الغَندجَانِي (1) ، وَمُقْرِئ وَاسِط أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ القَاسِمِ غُلاَم الهرَّاس، عَنْ نَيِّف وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَأَبُو الفَتْحِ عبدُ الجَبَّار بنُ عَبْدِ اللهِ بن بُرزَة الجَوْهَرِيّ الوَاعِظ، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَلِيٍّ التَّاجِر النَّيْسَابُوْرِيّ (2) ، وَشيخ التَّفْسِيْر أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الوَاحِدي (3) ، وَالإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ جَدَّا العُكْبَرِيّ الحَنْبَلِيّ (4) ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَليّك النَّيْسَابُوْرِيّ (5) ، وَأَبُو الفَرَجِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ البَجَلِيّ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (121) ، وفيها أنه توفي سنة (467) .
(2) سترد ترجمته برقم (170) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (160) .
(4) سترد ترجمته برقم (192) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (139) .(18/347)
الجَرِيْرِيّ (1) بهَمَذَان.
وَالحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّبَحِي الجُرْجَانِيّ (2) ، وَالعَلاَّمَة أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَيْضَاوِيّ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَد الأَزْدِيّ الوَاسِطِيّ البَزَّاز (3) ، وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مَكِّيُّ بنُ جَابَار الدِّيْنَوَرِيّ (4) ، وَخطيبُ هَمَذَان أَبُو القَاسِمِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ المُحَدِّث (5) ، وَصَاحِبُ ابْنِ أَبِي شُرَيْح أَبُو صَاعِد يَعْلَى بنُ هِبَةِ اللهِ الفُضَيْلِي الهَرَوِيّ، وَالمُحَدِّثُ اللُّغَوِيّ نَاصِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيّ البَغْدَادِيّ، التّركِيُّ الأَصْل، وَالِد الحَافِظ ابْن نَاصِر، وَلَهُ إِحْدَى وَثَلاَثُونَ سَنَة، وَمُحَدِّثُ غَزْنَة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَصْر الدِّيْنَوَرِيّ، ابْن اللَّبَّان (6) .
167 - الهَمَذَانِيُّ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ حَسَنٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الأَوْحَدُ، الخَطِيْبُ، أَبُو القَاسِمِ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ حَسَنٍ الهَمَذَانِيُّ، خَطِيْبُ هَمَذَانَ وَمُفِيدُهَا.
سَمِعَ: أَبَا سهل عُبَيْد اللهِ بنَ زيْرَك، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ لاَل، وَأَحْمَدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ التَّمِيْمِيّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بن سَلَمَةَ، وَبِبَغْدَادَ أَبَا أَحْمَد الفَرَضِي، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ الصَّلْت، وَأَبَا عُمَر بنَ مَهْدِيٍّ، وَأَبَا الفَتْح بنَ أَبِي الفوَارس، وَعِدَّة.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (140) .
(2) سترد ترجمته برقم (175) .
(3) سترد ترجمته برقم (207) .
(4) سترد ترجمته برقم (208) .
(5) هو صاحب الترجمة التالية.
(6) سترد ترجمته برقم (178) .
(*) المنتظم 8 / 304، العبر 3 / 268، البداية والنهاية 12 / 114 وقد تصحف فيه إلى الهمداني بالدال المهملة، شذرات الذهب 3 / 331.(18/348)
حَدَّثَ عَنْهُ: حَفِيْدُهُ أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعْدُ بنُ سَعِيْدٍ الخَطِيْب، وَأَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ العِجْلِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الفَرَجِ الطَّوِيْل، وَأَبُو تَمَّام إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ البُرُوْجِرْدي، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ هِبَةَ اللهِ بنَ الفَرَجِ يَقُوْلُ: كَانَ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ شَيْخاً كَبِيْراً، صَاحِبَ كَرَامَات.
وَأَثْنَى عَلَيْهِ إِلكيَاشيَرْوَيْه الدّيلمِيُّ، وَوَصَفَهُ بِالصِّدْق وَالدِّين.
وَقَالَ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
مَاتَ: فِي خَامِس ذِي القَعْدَةِ، سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَفِيْهَا يَوْمَ عيدِ الْفطر سَكِرَ ملكُ حلب نَصْرُ بنُ مَحْمُوْد بن صَالِحِ بنِ مِرْدَاس، وَركِب العَصْر، وَأَمر بِنهب التركمَان النَّازلين بِالحَاضِر، فَرمَاهُ وَاحِدٌ بِسهمٍ فِي حلقه، فَقَتَلَهُ، وَتَمَلَّك أَخُوْهُ سَابِق (1) ، فَالبغي مصرعُه.
168 - ابْنُ مَنْدَه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ العَبْدِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفِيدُ، الكَبِيْرُ، المُصَنِّفُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ (2) مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) انظر الخبر في " المختصر " 2 / 193.
(*) طبقات الحنابلة 2 / 242، مناقب الامام أحمد: 523، المنتظم 8 / 315، الكامل في التاريخ 10 / 108، المختصر 2 / 193، دول الإسلام 2 / 5، تذكرة الحفاظ 3 / 1165 - 1170، العبر 3 / 274، تتمة المختصر 1 / 571، فوات الوفيات 2 / 288 - 289، البداية والنهاية 12 / 118، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 26 - 31، النجوم الزاهرة 5 / 105، المقصد الارشد: ورقة 165، طبقات الحفاظ: 439، الدر المنضد في ذكر أصحاب الامام أحمد: ورقة / 51 ب، كشف الظنون: 1671، شذرات الذهب 3 / 337 - 338، هدية العارفين 1 / 517.
(2) وقد مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (13) .(18/349)
يَحْيَى بنِ مَنْدَه (1) العَبْدِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ (2) وَثَلاَثِ مائَة.
وَهُوَ أَكْبَر إِخْوَته.
لَهُ إِجَازَةُ زَاهِر السَّرْخَسِيّ، وَتَفَرَّد بِهَا.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ فَأَكْثَر، وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن المَرْزُبَان، وَإِبْرَاهِيْمَ بن خُرَّشيذ قُوْله، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الجَلاَّب (3) ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ مَرْدَوَيْه، وَأَبِي ذَرٍّ ابْن الطَّبَرَانِيّ (4) ، وَأَبِي عُمَرَ الطَّلْحِي، وَمُحَمَّدِ بن إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَخَلْق.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِ مائَة، فَسَمِعَ: أَبَا عُمَر بن مَهْدِيٍّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بن البَيِّع، وَابْن الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَالمَوْجُوْدين.
وَسَمِعَ بِوَاسِط مِنِ: ابْنِ خَزَفَة.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بن جَهْضَم، وَابْن نَظيف الفَرَّاء.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَلَكِن مَا رَوَى عَنْهُ لاَ هُوَ وَلاَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ لأَشعرِيَّته.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق: وُلِد عَبْد الرَّحْمَنِ فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ المُقْرِئ، وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُعَدَّ.
كَانَ صَاحِبَ خُلُق وَفتوَة وَسخَاء وَبهَاء، وَكَانَتِ الإِجَازَةُ عِنْدَهُ قويَةً، وَكَانَ يَقُوْلُ: مَا حَدّثتُ بِحَدِيْثٍ إِلاَّ عَلَى سَبِيْل الإِجَازَة كيلاَ أُوبق. وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ وَردودٌ عَلَى المُبْتَدِعَة (5) .
__________
(1) منده: هو لقب إبراهيم جده الأعلى.
(2) في " المنتظم ": ولد سنة ثمان وثمانين، وفي " طبقات الحنابلة " و" تذكرة الحفاظ ": سنة ثلاث وثمانين.
(3) تصحفت في " تذكرة الحفاظ " إلى: الحلاب بالحاء المهملة.
(4) تحرفت في " التذكرة " إلى: ذراين.
(5) انظر الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1165 - 1166، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 27 - 28، وقد ورد في حاشية الأصل ما نصه: صاحب الترجمة من كبار المبتدعة، داعية إلى التجسيم، مصرح به! ! ! وسينقل المؤلف نصا للمترجم في الرد على ذلك.
وقد أورد ابن رجب من تصانيفه، كتاب " حرمة الدين "، وكتاب " الرد على الجهمية " بين فيه بطلان ما روي عن الامام =(18/350)
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: لَهُ إِجَازَةُ زَاهِرِ بن أَحْمَدَ، وَعبد الرَّحْمَن بن أَبِي شُرَيْح، وَالجَوْزَقِي، وَالحَاكِم، وَحَمْدِ بن عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيّ.
رَوَى لَنَا عَنْهُ: أَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخلاَّل، وَأَبُو بَكْرٍ البَاغْبَان (1) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاق بِأَصْبَهَانَ، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ بن مَنْده يَقُوْلُ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ الفَرَضِي بِبَغْدَادَ جُزْءاً، فَأَردت خطَّهُ بِذَلِكَ.
فَقَالَ: يَا بُنِي! لَوْ قِيْلَ لَكَ بِأَصْبَهَانَ لَيْسَ ذَا خَطَّ فُلاَن، بِمَ كُنْت تُجيبُه؟ وَمَنْ كَانَ يَشْهَدُ لَكَ؟
فَبعدهَا لَمْ أَطْلُب مِنْ شَيْخٍ خَطّاً (2) .
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْن مَنْدَه يَقُوْلُ:
قَدْ عَجبتُ مِنْ حَالِي، فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ أَكْثَر مِنْ لَقِيْتُهُ إِن صَدَّقتُه فِيمَا يَقولُهُ مدَارَاةً لَهُ؛ سمَّانِي مُوَافِقاً، وَإِن وَقَفْتُ فِي حَرْفٍ مِنْ قَوْله أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ فعله؛ سَمَّانِي مُخَالفاً، وَإِن ذَكرتُ فِي وَاحِد مِنْهُمَا أَنَّ الكِتَاب وَالسّنَة بِخلاَف؛ ذَلِكَ سمَّانِي خَارِجيّاً، وَإِن قُرِئَ عليّ حَدِيْثٌ فِي التَّوحيد؛ سمَّانِي مشبهاً، وَإِنْ كَانَ فِي الرُّؤْيَة؛ سمَّانِي سَالِمِياً ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَنَا متمسكٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مُتَبَرِّئٌ إِلَى اللهِ مِنَ الشِّبْه وَالمِثْلِ وَالنِّدِّ وَالضِّدِّ وَالأَعضَاء وَالجِسْم وَالآلاَت، وَمِنْ كُلِّ مَا يَنسُبه النَّاسبُوْنَ إِلَيَّ، وَيَدَّعيه المدعُوْنَ عليَّ مِنْ أَنْ أَقُوْلَ فِي الله - تَعَالَى - شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، أَوْ قُلته، أَوْ أَرَاهُ، أَوْ أَتَوَهَّمُه، أَوْ أَصفه بِهِ (3) .
__________
= أحمد في تفسير حديث " خلق الله آدم على صورته " بكلام حسن، وكتاب " صيام يوم الشك ".
" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 29، وقد أورد له حاجي خليفة كتابا آخر في الحديث هو " المستخرج من كتب الناس ".
(1) قال السمعاني: نسبة إلى حفظ الباغ، وهو البستان.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1166.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1166 - 1167، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 29. وقد ذكر =(18/351)
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْده: كَانَ عمِي سَيْفاً عَلَى أَهْلِ البِدَع، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُثنِي عَلَيْهِ مِثْلِي، كَانَ - وَاللهِ - آمراً بِالمَعْرُوف، نَاهياً عَنِ المُنْكَر، كَثِيْرَ الذّكر، قَاهِراً لِنَفْسِهِ، عَظِيْمَ الحِلم، كَثِيْرَ العِلْمِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ قَوْلَ شُعْبَة: مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً فَأَنَا لَهُ عَبْد.
فَقَالَ عمِي: مَنْ كَتَب عَنِّي حَدِيْثاً فَأَنَا لَهُ عَبْد (1) .
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: أَفطرنَا فِي رَمَضَانَ لَيْلَةً شَدِيْدَةَ الحرّ، فَكنَا نَأْكل وَنشربُ، وَكَانَ أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَأْكُل وَلاَ يَشربُ، فَخَرَجت وَقُلْتُ: إِنَّ (2) مِنْ عَادَة أَخِي أَنَّهُ يأْكُلُ لَيْلَةً وَلاَ يَشربُ، وَيَشربُ لَيْلَة (3) أُخْرَى وَلاَ يَأْكُل.
قَالَ: فَمَا شَرِبَ تِلْكَ اللَّيْلَة، وَفِي اللَّيْلَة الآتيَة كَانَ يَشربُ وَلاَ يَأْكُلُ أَلبتَة، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة قَالَ: يَا أَخِي! لاَ تلعب بَعْدَ هَذَا، فَإِنِّي مَا اشتهيتُ أَنْ أُكَذِّبَكَ.
قَالَ الدَّقَّاق فِي (رسَالته) :أَوّل مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ الشَّيْخ الإِمَام السَّيِّد السَدِيْد الأَوْحَد أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَرزقنِي الله بِبركته وَحُسن نِيته، وَجمِيْل سيرَته فَهمَ الحَدِيْث.
وَكَانَ جِذْعاً فِي أَعْيَن المخَالفِيْن، لاَ تَأخَذَهُ فِي الله لُوْمَة لاَئِم، وَوَصْفُه أَكْثَر مِنْ أَنْ يُحصَى (4) .
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعْد الزَّنْجَانِي بِمَكَّةَ يَقُوْلُ: حفظَ الله الإِسْلاَم بِرَجُلين: أَبِي إِسْمَاعِيْل الأَنْصَارِيّ (5) ،
__________
= ابن رجب فيه أن بأصبهان طائفة ينتسبون إلى ابن منده هذا، وينسبون إليه أقوالا في الأصول والفروع وهو منها برئ.
وقال ابن الأثير في " الكامل " 10 / 108: وله طائفة ينتمون إليه في الاعتقاد من أهل أصبهان يقال لهم: العبد رحمانية.
(1) " تذكرة الحفاظ " 3 / 166، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 28.
(2) في الأصل: أنا.
(3) في الأصل: له.
(4) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1167، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 28.
(5) هو شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي المتوفى سنة (481) ، سترد ترجمته برقم (260) .(18/352)
وَعبدِ الرَّحْمَن بن مَنْدَه (1) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الرّضَا العَلَوِيّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ خَالِي أَبَا طَالب بنَ طَباطبا يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَشْتُمُ أَبَداً عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَنْده، فَسَافرتُ إِلَى جَرْباذَقَان (2) ، فَرَأَيْتُ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عُمَر فِي النَّوْمِ، وَيدُه فِي يَد رَجُلٍ عَلَيْهِ جُبَّة زرقَاء، وَفِي عينه نَكتَةٌ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عليَّ، وَقَالَ: تَشتُمُ هَذَا.
فَقِيْلَ لِي فِي المَنَامِ: هَذَا عُمَرُ، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَنده.
فَانْتبهتُ، ثُمَّ رَجَعتُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَقصدتُ عَبْد الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا دَخَلتُ عَلَيْهِ، صَادفتُهُ كَمَا رَأَيْتهُ فِي النَّوْمِ، فَلَمَّا سلَّمت عَلَيْهِ، قَالَ: وَعَلَيْك السَّلاَم يَا أَبَا طَالب، وَقبلَهَا مَا رَآنِي، وَلاَ رَأَيْتُهُ، فَقَالَ لِي قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمه: شَيْءٌ حَرَّمه اللهُ وَرَسُوْلُه يَجوزُ لَنَا أَن نُحِلَّه؟
فَقُلْتُ: اجعلنِي فِي حِلٍّ، وَنَاشدْتُه الله، وَقبَّلْتُ عَينِيه، فَقَالَ: جَعَلتُك فِي حِلٍّ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَيَّ (3) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَسَكَتَ، وَتَوَقَّفَ، فَرَاجعتُه، فَقَالَ: سَمِعَ الكَثِيْر، وَخَالف أَبَاهُ فِي مَسَائِل، وَأَعرضَ عَنْهُ مَشَايِخُ الوَقْت، مَا تركنِي أَبِي أَنْ أَسْمَع مِنْهُ.
كَانَ أَخُوْهُ خَيراً مِنْهُ (4) .
قَالَ المُؤَيَّد ابْنُ الإِخْوَة: سَمِعْتُ عبد اللَّطِيْف بن أَبِي سَعْدٍ البَغْدَادِيّ،
__________
(1) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1167 و" المنتظم " 8 / 315.
(2) قال ياقوت: جرباذقان بالفتح، والعجم يقولون: كرباذكان: بلدة قريبة من همذان بينها وبين الكرج وأصبهان كبيرة ومشهورة ... ، وجرباذقان أيضا: بلدة بين إستراباذ وجرجان من نواحي طبرستان.
وقد تحرفت في " فوات الوفيات " إلى: جرداباقان.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1167 - 1168، و" فوات الوفيات " 2 / 288 - 289، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 29.
(4) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1168، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 28.(18/353)
سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ صَاعِدَ بن سَيَّار، سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا إِسْمَاعِيْل الأَنْصَارِيّ يَقُوْلُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مَنْدَه:
كَانَتْ مَضَرَّتُه أَكْثَرَ مِنْ مَنفعته فِي الإِسْلاَمِ (1) .
قُلْتُ: أَطلق عبَارَاتٍ بَدَّعهُ بَعْضُهم بِهَا، اللهُ يُسَامِحُه.
وَكَانَ زَعِراً عَلَى مَنْ خَالفه، فِيْهِ خَارِجيَّةٌ، وَلَهُ مَحَاسِنُ، وَهُوَ فِي تَوَالِيفه حَاطِبُ ليلٍ؛ يَرْوِي الغَثَّ وَالسَّمِين، وَيَنْظِمُ رَدِيء الخَرَز مَعَ الدُّرِّ الثّمِين.
قَالَ يَحْيَى: مَاتَ عمِّي فِي سَادس عشر شَوَّال، سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَخُوْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ، وَشيَّعه عَالَم لاَ يُحصُوْنَ (2) .
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ الحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ البَاغْبَان، وَبَالإِجَازَة مَسْعُوْدٌ الثَّقَفِيّ، وَأَوّل مَا حَدَّثَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة فِي حَيَاة كِبَارِ مَشَايِخه.
أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بنُ مُظَفَّر، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ إِذْناً، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الأَهْوَازِيّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِم (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ.
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1168، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 28 وفيه رد ابن رجب على قول الأنصاري وإسماعيل بن محمد التيمي.
(2) في " النجوم الزاهرة " 5 / 105: أنه توفي سنة (469) .
(3) رقم (2601) في البر والصلة: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة وأجرا ورحمة، وأخرجه البخاري (6361) في الدعوات من طريق أحمد =(18/354)
أَخُوْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ سَيَأْتِي (1) .
وَأَخُوْهُ:
169 - ابْنُ مَنْدَه عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ التَّاجِرُ *
الثِّقَةُ، الأَمِيْنُ، أَبُو الحَسَنِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ التَّاجِرُ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَابْنُ خُرَّشِيذ قُوْله، وَأَبَا جَعْفَرٍ بنَ المَرْزُبَان، وَالحَسَن بن يَوَه.
رَوَى عَنْهُ: الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وَجَمَاعَة.
وَعَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ: بجِيرَفْت (2) ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ، فَاللهُ أَعْلَم.
170 - أَبُو نَصْرٍ التَّاجِرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ **
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّالِحُ، العَدْلُ، المُسْنِدُ، أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حُسَيْنِ بنِ مُوْسَى النَّيْسَابُوْرِيُّ، المُزَكِّي التَّاجِرُ.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ الخفَّاف، وَيَحْيَى بنَ إِسْمَاعِيْلَ الحَرْبِيّ، وَأَبَا أَحْمَد بنَ أَبِي
__________
= ابن صالح، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وفي الباب عن جابر بن عبد الله، وعائشة، وأنس بن مالك عند مسلم (2602) و (2600) و (2603) .
(1) برقم (226) .
(*) المنتخب: الورقة 85 ب.
(2) قال ياقوت: جيرفت، بالكسر ثم السكون وفتح الراء وسكون الفاء وتاء فوقها نقطتان: مدينة بكرمان في الاقليم الثالث ... وهي مدينة كبيرة جليلة ...
(* *) العبر 3 / 267، شذرات الذهب 3 / 330.(18/355)
مُسْلِم الفَرَضِي، وَأَبَا عُمَر بنَ مَهْدِيٍّ، وَأَبَا القَاسِمِ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الخُزَاعِيّ، وَطَائِفَةً بِخُرَاسَانَ وَالعِرَاق.
قَالَ عبدُ الغَافِرِ الفَارِسِيّ: ارْتَحَلَ فِي صِبَاهُ، وَسَمِعَ مِنْ: أَصْحَاب ابْنِ صَاعِد، وَالمَحَامِلِيّ، وَرَوَى: الكَثِيْر.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَنْهُ زَاهِرٌ وَوجيهٌ ابْنَا الشَّحَّامِيّ، وَهبَةُ الرَّحْمَن بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ القُشَيْرِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ ثِقَةً صَالِحاً مُكْثِراً.
مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عبدُ المعزِّ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الشَّرْقِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: (مِنْ غُسْلِهِ الغُسْلُ، وَمِنْ حَمْلِهِ الوُضُوْءُ) .
إِسْنَادُهُ صَالِحٌ (1) ، وَهُوَ ظَاهِر فِي أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَلاَ بُدَّ لِلْحَدِيْثِ مِنْ تَقدير
__________
(1) وهو كما قال، بل أعلى، وأخرجه أحمد 2 / 272، وأبو داود (3162) والترمذي (993) ، والبيهقي 1 / 300، 301، وابن حبان (751) من طرق، عن سهيل بن أبي صالح بهذا الإسناد إلا أن أبا داود أدخل بين أبي صالح وأبي هريرة إسحاق مولى زائدة، وهو ثقة، وأخرجه أحمد 2 / 433 و454 و472، والطيالسي (2314) والبيهقي 1 / 303 من طريق ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة، وله طريقان آخران عند أحمد 2 / 280 وأبي داود (3161) وأخرجه البيهقي 1 / 300 من طريق محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأخرجه ابن حزم في " المحلى " 1 / 250 و2 / 23 من طريق الحجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الله، عن أبي هريرة.(18/356)
شَيْء مَحْذُوف مَعَ الْغسْل، وَمَعَ الوُضُوْء، فَالمُقدَّر: المَشْرُوْعُ أَوِ المسنُوْنُ أَوِ المُسْتحبُّ (1) أَوِ الوَاجِبُ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
171 - الجُوْرِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَالِمُ، الحَافِظُ، المُفِيدُ، الثِّقَةُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى (2) الجُورِيُّ، الحَنَفِيُّ، الصُّوْفِيُّ، العَابِدُ، تِلْمِيْذُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ الخفَّاف، وَأَبِي نُعَيْمٍ عَبْد الْملك بن الحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بن الحُسَيْنِ العَلَوِيّ.
وَكَانَ مِنْ خوَاص أَصْحَاب السُّلَمِيّ، كتبَ عَنْهُ تَصَانِيْفه (3) .
__________
(1) وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله، ويؤيده ما أخرجه الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الله المخرمي من تاريخه 5 / 424 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال لي: إني كتبت حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل، قال: قلت: لا.
قال في ذلك الجانب شاب يقال له: محمد بن عبد الله يحدث به عن أبي هشام المخزومي عن وهيب، فاكتب عنه.
وإسناده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في " التلخيص " 1 / 138، وأخرج الحاكم 1 / 386، والبيهقي 3 / 398 من حديث ابن عباس مرفوعا " ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، فان ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم " وسنده حسن كما قال الحافظ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(*) الإكمال 3 / 10 - 11، الأنساب المتفقة: 33، الأنساب 3 / 359 - 360، معجم البلدان 2 / 182، اللباب 1 / 307، المشتبة: 369، الجواهر المضية 2 / 633 - 634، الطبقات السنية رقم: 1609.
والجوري بضم الجيم وفي آخرها الراء: نسبة إلى " جور " وهي موضعان، أحدهما: بلدة من بلاد فارس، وإليها ينسب الورد الجوري، والثاني: محلة بنيسابور، وإليها ينسب المترجم كما ذكر المؤلف والسمعاني وابن الأثير وياقوت وابن القيسراني، وجعل صاحب " الجواهر المضية " صاحب الترجمة منسوبا إلى الأول، وهو خطأ.
(2) في " الأنساب المتفقة " 33: عمر بن أحمد بن موسى بن منصور الجوري.
(3) انظر " الأنساب " 3 / 359 - 360، و" اللباب " 1 / 307.(18/357)
حَدَّثَ عَنْهُ: زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، وَأَخُوْهُ وَجيه، وَعبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ المُؤَذِّن، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَاوِي، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ مِنْ جُور، أَحَد أَعْمَال نَيْسَابُوْر.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ (1) وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ سِنٍّ عَالِيَة.
172 - صَاحِبُ حَلَبَ عِزُّ الدَّوْلَةِ مَحْمُوْدُ بنُ صَالِحٍ الكِلاَبِيُّ *
المَلِكُ عِزُّ الدَّوْلَةِ، مَحْمُوْدُ (2) ابْنُ المَلِكِ صَالِحِ بنِ مِرْدَاسٍ الكِلاَبِيُّ.
تَسَلَّم حلبَ مِنْ عَمِّه عطيةَ، فَوَلِيهَا عشر سِنِيْنَ، وَكَانَ شُجَاعاً مَهِيْباً جَوَاداً، يُدَارِي الدَّوْلَتين، المِصْرِيَّة وَالبَغْدَادِيَّة (3) .
وَلابْنِ حَيُّوس (4) فِيْهِ مدَائِح.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ (5) وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَتَملك ابْنُه الأَمِيْر نَصْر، وَأُمُّ نَصْر
__________
(1) في " الجواهر المضية " 2 / 634: سنة سبع وستين.
(*) المنتظم 8 / 300، الكامل 10 / 105 - 106، المختصر 2 / 192 - 193، العبر 3 / 266، دول الإسلام 2 / 3، تتمة المختصر 1 / 570 - 571، البداية والنهاية 12 / 115، النجوم الزاهرة 5 / 100، 101، شذرات الذهب 3 / 329.
(2) تحرف اسمه في " البداية " إلى: محمد، وقد أسقط المؤلف هنا اسم أبيه، ففي " العبر " و" المنتظم ": محمود بن نصر بن صالح بن مرداس.
(3) زاد في " العبر ": لتوسط داره بينهما.
(4) هو الأمير الشاعر أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس الغنوي، سترد ترجمته برقم (209) ، وقد تصحف في " المختصر " إلى: جيوش.
(5) أورده ابن الجوزي في وفيات سنة (468) ، وأورده ابن الأثير في وفيات سنة (469) ، وتابعه على ذلك صاحب " المختصر "، لكنه ذكر بعد ذلك أنه وجد في " تاريخ حلب " تأليف كمال الدين بن العديم أنه توفي سنة (467) .(18/358)
هِيَ بِنْتُ الْملك العَزِيْز بن جَلاَل الدَّوْلَة بن بُوَيه. فَقُتِل نَصْر بَعْدَ سَنَةٍ بِظَاهِر حلب (1) .
173 - الصُّلَيْحِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
صَاحِبُ اليَمَنِ، كَانَ أَبُوْهُ مِنْ قُضَاةِ اليَمَنِ، وَهُوَ المَلِكُ أَبُو الحَسَنِ (2) عَلِيُّ بنُ القَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ.
دَار بِهِ دَاعِي البَاطِنِيَّة عَامِرٌ الزَّوَاخِي (3) حَتَّى أَجَابَهُ وَهُوَ حَدَثٌ، فَتفرسَ بِهِ عَامِرٌ النَّجَابَةَ، وَقِيْلَ: ظفر بِحلْيته فِي كِتَابِ (الصُّور) ، فَأَطلعه عَلَى ذَلِكَ، وَشوَّقه، وَأَسَرَّ إِلَيْهِ أُمُوْراً، ثُمَّ لَمْ يَنْشَب عَامِرٌ أَن هَلَكَ، فَأَوْصَى بِكُتُبِهِ لعلِيٍّ،
__________
(1) انظر ما حكاه المؤلف عن سبب موته في الترجمة (167) ، وانظر " المختصر " 2 / 193.
(*) دمية القصر 1 / 51 - 53، الأنساب 8 / 87، كشف أسرار الباطنية للحمادي، ملحق بكتاب " التبصير في الدين " لأبي المظفر الاسفرايني: 219، تاريخ اليمن: 47، بهجة الزمن: 46، المنتظم 8 / 165، 232، اللباب 2 / 246، الكامل 9 / 614 - 615 و10 / 30، 55 - 56، وفيات الأعيان 3 / 411 - 415، المختصر 2 / 181 - 182، تتمة المختصر 1 / 554 - 557، البداية والنهاية 12 / 96، 121، تاريخ ابن خلدون 4 / 214 - 218، الذهب المسبوك: 35، بلوغ المرام: 15، النجوم الزاهرة 5 / 58، 72، 112، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 181، 183، وانظر " الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن " للهمذاني: 62 - 112.
قال ابن خلكان: والصليحي بضم الصاد المهملة وفتح اللام وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها حاء مهملة، لا أعرف هذه النسبة إلى أي شيء هي، والظاهر أنها رجل، فقد جاء في الأسماء والاعلام صليح، ونسبوا إليه أيضا.
وانظر " الأنساب " 8 / 87.
(2) كما في " وفيات الأعيان " و" البداية " وفي " المنتظم " و" الكامل " و" النجوم الزاهرة ": أبو كامل.
(3) قال ياقوت: الزواخي بوزن القوافي، وهو مهمل في استعمالهم: قرية من أعمال مخلاف حراز، ثم من أعمال النجم في أوائل اليمن، وإليها ينسب عامر بن عبد الله الزواخي صاحب الدعوة، عن الصليحي، وورد في " تاريخ " ابن خلدون: الزوايي نسبة إلى زواية، من قرى حران. وفي " كشف أسرار الباطنية " للحمادي: سليمان بن عبد الله الزواحي.(18/359)
فَعكَفَ عَلَى الدّرس وَالمُطَالعَة، وَفقُه وَتَميَّز فِي رَأْي العُبَيْدِيَّة، وَمَهَر فِي تَأْويلاَتهم، وَقَلْبِهم لِلحَقَائِق (1) .
وَهُوَ القَائِلُ:
أَنْكَحْتُ بِيضَ الهِنْدِ سُمْرَ رِمَاحِهِم ... فَرُؤُوْسهُم عِوَضَ النِّثَارِ نِثَارُ
وَكَذَا العُلَى لاَ يُسْتَباحُ نِكَاحُهَا ... إِلاَّ بِحَيْثُ تُطَلَّقُ الأَعَمَارُ (2)
ثُمَّ صَارَ يَحُجُّ بِالنَّاسِ عَلَى طَرِيْق السرَاة (3) خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: سَتَملِكُ اليَمَن بِأَسره.
فِيُنكر عَلَى القَائِل، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، ثَار بِجَبل مَشَار (4) فِي سِتِّيْنَ رَجُلاً، فَأَوَوْا إِلَى ذِرْوَة شَاهق، فَمَا أَمسوا حَتَّى أَحَاط بِهِم عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَقَالُوا: انْزِلْ وَإِلاَّ قتلنَاكُم جُوعاً وَعَطَشاً.
قَالَ: مَا فَعَلتُ هَذَا إِلاَّ خوَفاً أَنْ يَمْلِكَهُ غِيرُنَا، وَإِنْ تركتمونَا نحرُسُه، وَإِلاَّ نَزلنَا إِلَيْكُم.
وَخَدَعَهُم، فَانْصَرَفُوا، فَلَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ أَشهر حَتَّى بنَاهُ وَحَصَّنه (5) ، وَلَحِقَ بِهِ كُلُّ طمَّاع وَذِي جَلاَدَة، وَكثرُوا، فَاسْتفحل أَمرُه، وَأَظهر الدعوَةَ لصَاحِب مِصْر المُسْتنصر، وَكَانَ يَخَافُ مِنْ نَجَاح صَاحِب تِهَامَة، وَيُلاَطِفُه، وَيَتحيَّلُ عَلَيْهِ، حَتَّى سقَاهُ مَعَ جَارِيَة مليحَةٍ أَهدَاهَا لَهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الممَالِك اليَمنِية فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَخَطَبَ عَلَى مِنْبَر الجَنَد (6) ، فَقَالَ: وَفِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ نَخْطُبُ عَلَى مِنْبَر عَدَنَ. فَقَالَ رَجُلٌ:
__________
(1) الخبر بنحوه في " وفيات الأعيان " 3 / 411، و" المختصر " 2 / 181.
(2) البيتان في " وفيات الأعيان " 3 / 415، و" البداية والنهاية " 12 / 121.
(3) انظر " معجم البلدان " 3 / 204.
(4) قال ياقوت: مشار: قلة في أعلى موضع من جبال حراز، منه كان مخرج الصليحي في سنة 448، وجاهر فيه، لم يكن فيه بناء فحصنه، وأتقنه، وأقام به حتى استفحل أمره.
" معجم البلدان " 5 / 131، وفي " وفيات الأعيان ": مسار بالمهملة، وقد تحرفت في " المختصر " إلى: مشاف.
(5) الخبر في " وفيات الأعيان " 3 / 411 - 412، وقطعة منه في " المختصر " 2 / 182.
(6) الجند بالتحريك: مدينة نجدية باليمن من أرض السكاسك، بينها وبين صنعاء ثمانية وخمسون فرسخا.
" معجم البلدان ".(18/360)
سَبُّوْحٌ قُدُّوس.
يَسْتَهزئ بِقَوْله، فَأَمر بِأَخَذِه (1) ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ أَخَذَ عَدَن، وَخَطَبَ، وَصَيَّرهَا دَار مُلْكِهِ، وَأَنشَأَ عِدَّة قصُوْر أَنِيقَة، وَأَسَرَ ملوكاً، وَامتدت أَيَّامُه، ثُمَّ حَجَّ، وَأَحْسَن إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ.
وَكَانَ أَشقرَ أَزرق، يُسلِّم عَلَى مَنْ مرَّ عَلَيْهِم، وَكَانَ ذَا ذكَاءٍ وَدهَاء، كَسَا الكَعْبَة البيَاضَ، وَخُطبَ لزوجتهِ (2) أَيْضاً مَعَهُ عَلَى المَنَابِر، وَكَانَ فَرسُه بِأَلف دِيْنَار، وَيَرْكُب بِالعصَائِب، وَتركب الحُرَّةُ فِي مائَتَيْ جَارِيَة فِي الحُلِيّ وَالحُلَل وَمَعَهَا الجنَائِب (3) بِسُرُوجٍ الذَّهَبِ، ثُمَّ إِنَّهُ حَجَّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، وَاسْتخلف عَلَى اليَمَنِ ابْنَه أَحْمَدَ الْملك المُكَرَّم، فَلَمَّا نَزل بِالمَهْجَم (4) ، وَثَبَ عَلَيْهِ جيَّاشُ بنُ نَجَاح وَأَخُوْهُ سَعِيْدٌ الأَحْوَل، فَقتلاَهُ بِأَبِيهِمَا، وَكَانَا قَدْ خَرَجَا فِي سَبْعِيْنَ نَفْساً بِلاَ سلاَح، بَلْ مَعَ كُلّ وَاحِد جرِيْدَةٌ فِي رَأْسهَا زُجُّ، وَسَارُوا نَحْو السَّاحِل، فَجَهَّزَ لِحَرْبِهِمْ خَمْسَة آلاَف، فَاخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيْق، وَوصل السَّبْعُوْنَ إِلَى مَنْزِلَة الصُّلَيْحِي، وَقَدْ أَخَذَ مِنْهم التَّعبُ وَالحفَاء، فَظنَّهم النَّاسُ مِنْ عبيد العَسْكَر، فَشعر بِهِم أَخُو الصُّلَيحِي، فَدَخَلَ مُخَيَّمَهُ وَقَالَ: ارْكَبْ فَهَذَا الأَحْوَلُ سَعِيْدٌ.
فَقَالَ الصُّلَيْحِيُّ: لاَ أَمُوْتُ إِلاَّ بِالدُّهَيم (5) .
فَقَالَ رَجُلٌ: قَاتِل عَنْ نَفْسِك، فَهَذَا وَاللهِ الدُّهَيم.
فَلَحِقه زَمَعُ المَوْت، وَبَال، وَمَا بَرح حَتَّى قُطِعَ رَأْسُه بسيفِه، وَقُتِلَ أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ وَأَقَارَبُه، وَذَلِكَ فِي ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَة
__________
(1) في " وفيات الأعيان ": فأمر بالحوطة عليه، وخطب الصليحي في مثل ذلك اليوم على منبر عدن، فقال ذلك الإنسان، وتغالى في القول، وأخذ البيعة، ودخل في المذهب.
(2) واسمها أسماء بنت شهاب، المعروفة بالحرة الصليحية، ستأتي ترجمتها في الاجزاء التالية من هذا الكتاب.
وانظر " أعلام " الزركلي 1 / 305، 306.
(3) الجنائب: جمع جنيبة، وهي: الدابة تقاد ولا تركب.
(4) المهجم: بلد وولاية من أعمال زبيد باليمن، بينها وبين زبيد: ثلاثة أيام، ويقال لناحيتها خزاز " معجم البلدان ".
(5) قال ياقوت: الدهيم، تصغير ترخيم أدهم، أظنه موضعا كان فيه يوم للعرب.(18/361)
ثَلاَث (1) ، وَالتفَّ أَكْثَرُ العَسْكَر عَلَى ابْنِ نَجَاح، وَتَملَّكَ، وَرُفِعَ رَأْس الصُّلَيحِي عَلَى قَنَاة، وَتَملك ابْنُ نَجَاح مَدَائِنَ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ إِلَى أَنْ دَبَّرتِ الحُرَّةُ عَلَى قتلهِ بَعْد ثَمَانِيَة أَعْوَام، فَقُتِلَ (2) .
وَحَدَّثَنِي تَاجُ الدِّين عبدُ البَاقِي النَّحْوِيّ فِي (تَارِيْخِهِ) قَالَ: احتُضِرَ رَأْس الدعَاة، فَأَعْطَى الصُّلَيحِيَّ مَا جمع مِنَ الأَمْوَال، فَأَقَامَ يَعمل الحِيَل، ثُمَّ صعد جبلاً فِي جمعٍ، وَبنَاهُ حصناً، وَحَارَبَ، وَأَمره يَسْتَفحلُ، ثُمَّ اقتفَاهُ ابْنُ أَبِي حَاشد مُتَوَلِّي صَنْعَاء، فَقُتِلَ وَقُتِلَ مَعَهُ أَلف، وَتَملَّك الصُّليحِيُّ صَنْعَاء، وَطوَى اليَمَنَ سهلاً وَجبلاً، وَاسْتقرَّ مُلكهُ لِجَمِيْعِ اليَمَن مِنْ مَكَّةَ إِلَى حضَرموت إِلَى أَنْ قَتله سَعِيْد، وَأَخَذَ بثأْر أَبِيْهِ نَجَاح، وَدَام مُلك وَلده الْمُكرم عَلَى شطر اليَمَن مُدَّة، وَحَارَبَ ابْنُ نَجَاح غَيْرَ مَرَّةٍ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ (3) وَثَمَانِيْنَ، فَتملَّكَ بَعْدَهُ ابْنُ عَمِّهِ سبأَ بن أَحْمَدَ إِلَى سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، وَصَارَ المُلكُ إِلَى آل نَجَاح مُدَّة (4) .
__________
(1) وسبعين وأربع مئة، وهو الصحيح في وفاته، وقد أورد ابن الأثير وفاته في سنة (459) وتابعه على ذلك ابن كثير، ثم أعاد ذكر وفاته في سنة (473) .
انظر " الكامل " 10 / 55، و" البداية " 12 / 96 و121.
(2) انظر " وفيات الأعيان " 3 / 413 - 414، و" المختصر " 2 / 182، والحرة هي زوجة الصليحي كما ورد في التعليق (2) من الصفحة السابقة.
(3) في الخبر السابق أنه مات سنة إحدى وثمانين، وانظر " وفيات الأعيان " 3 / 414.
(4) انظر " المختصر " 2 / 182 - 183، و" تاريخ " ابن خلدون 4 / 214 - 218.(18/362)
174 - البَاخَرْزِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، الأَدِيْبُ، صَاحِبُ (دُمْيَة الْقصر (1)) ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي الطَّيِّبِ البَاخَرْزِيّ (2) ، الشَّاعِرُ، الفَقِيْهُ الشَّافِعِيُّ.
تَفقه بِأَبِي مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، ثُمَّ برعَ فِي الإِنشَاء وَالآدَاب، وَسَافَرَ الكَثِيْر، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ، وَكِتَابه هُوَ ذيلٌ لـ (يَتيمَة الدَّهْر) لِلثعَالبِي.
وَقِيْلَ: ذيّل عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ البَيْهَقِيُّ الأَدِيْب عَلَيْهِ بِكِتَاب (وشَاح الدمِيَة) .
وَللباخَرْزِي ديوَانٌ كَبِيْر، وَنَظْمُه رَائِق (3) .
__________
(*) منتخب السياق: 47، الأنساب 2 / 21، معجم البلدان 1 / 316، معجم الأدباء 13 / 33 - 48، اللباب 1 / 104، وفيات الأعيان 3 / 387 - 389، العبر 3 / 265، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 185 - 186، الوافي خ 12 / 26، مرآة الجنان 3 / 95، طبقات السبكي 5 / 256 - 257، طبقات الاسنوي 1 / 234 - 236، النجوم الزاهرة 5 / 99، البداية والنهاية 12 / 112، مفتاح السعادة 1 / 263، كشف الظنون: 761 - 778، شذرات الذهب 3 / 327 - 328، هدية العارفين 1 / 692، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5 / 26 - 27 من النسخة العربية، رسالة الطيف: 68، الشعر العربي في العراق وبلاد العجم 1 / 152.
(1) واسمه الكامل: " دمية القصر وعصرة أهل العصر " في شعراء القرن الخامس الهجري حتى سنة 450 وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات، الأولى: بحلب سنة 1930 بتحقيق المرحوم العلامة محمد راغب الطباخ، والطبعة الثانية في القاهرة بتحقيق عبد الفتاح الحلو، صدر المجلد الأول منها: 1968، والطبعة الثالثة في بغداد صدر المجلد الأول منها عام 1970 بتحقيق الدكتور سامي مكي العاني، والطبعة الرابعة في دمشق بتحقيق الدكتور محمد التونجي.
نشر دار الفكر، وقد عمل أبو المعالي سعد بن علي الحظيري المتوفى سنة 568 هـ ذيلا على كتاب " الدمية " سماه " زينة الدهر وعصرة أهل العصر "، وأكملها الكاتب الاصفهاني في " خريدة القصر ".
(2) في " معجم الأدباء " 13 / 33: وقال أبو الحسن البيهقي: كنية الباخرزي، أبو القاسم وهو الصحيح.
(3) وقد نشر الأستاذ الطباخ ملتقطات من " ديوانه " في آخر كتاب " الدمية " بتحقيقه، ومن الديوان نسخ كثيرة، منها نسخة في مكتبة الدراسات العليا، بكلية الآداب جامعة بغداد، وانظر شيئا من شعره في " وفيات الأعيان " 3 / 388، و" معجم الأدباء " 13 / 34 وما بعدها.(18/363)
قُتِل بِباخَرْز - مِنْ أَعْمَالِ نَيْسَابُوْر -، وَطُلَّ دَمه (1) فِي ذِي القَعْدَةِ (2) ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ كُتَّاب الإِنشَاء. ذَكَرَهُ ابْن خَلِّكَانَ (3) .
175 - الزَّبَحِيُّ عَلِيُّ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ *
الحَافِظُ، العَالِمُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ (4) بنِ زَكَرِيَّا الجُرْجَانِيُّ، الزَّبَحِيُّ.
وَالزَّبَح - بزَاي مفتوحَة وَبموحدَة ثُمَّ حَاء مُهْمَلَةٍ -:مِنْ أَعْمَالِ جُرْجَان.
وُلِدَ: بَعْدَ التِّسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّب، وَعبدَ الوَاحِد بن مُحَمَّدٍ المُنِيْرِي، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَعَبْدَ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ البُنَانِيّ الحُرْضِي، وَالحَافِظ حَمْزَة السَّهْمِيّ، وَطَبَقَتهُم.
رَوَى عَن?هُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَصَاعِدُ بنُ سَيَّار، وَطَائِفَة.
وَأَلَّف (تَارِيخ جُرْجَان) ، وَسَكَنَ هَرَاة، وَهُوَ خَالُ الحَافِظ عَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ الجُرْجَانِيّ، وَعَاشَ سِتّاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) أي أبطل وذهب هدرا.
(2) عبارة المؤلف في " العبر ": قتل بباخرز في ذي القعدة مظلوما.
قال ابن خلكان: وقتل الباخرزي في مجلس الانس بباخرز، وتحرف قوله " في مجلس الانس " في " الشذرات " إلى " بالاندلس ".
(3) " وفيات الأعيان " 3 / 387 - 389.
(*) الأنساب 6 / 240، معجم البلدان 3 / 130، اللباب 2 / 58، تبصير المنتبه 2 / 660 - 661، كشف الظنون 1 / 290.
(4) في " الأنساب " و" اللباب " و" معجم البلدان ": علي بن محمد بن عبد الله بن الحسن، وفي " تبصير المنتبه ": علي بن أبي بكر محمد الزبحي.(18/364)
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ (1) وَأَرْبَعِ مائَة. وَزَبَح كَمَا قُلْنَا قَيده أَبُو نُعَيْمٍ بن الحَدَّاد.
176 - الوَخْشِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الزَّاهِدُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ البَلْخِيُّ، الوَخشِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، قَالَهُ السَّمْعَانِيّ.
سَمِعَ: أَبَا عُمَر بن مَهْدِيٍّ، وَالقَاضِي أَبَا عُمَر الهَاشِمِيّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ النَّحَّاسِ المِصْرِيّ، وَتَمَّامَ بنَ مُحَمَّدٍ الرَّازِيّ، وَعقيل بن عَبْدَان، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَكَانَ جَوَّالاً فِي الآفَاق.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّرْخَسِيّ، وَعُمَرُ بنُ عَلِيٍّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: عَلَّقْتُ عَنْهُ بِبَغْدَادَ وَأَصْبَهَان (2) .
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ حَافِظاً فَاضِلاً ثِقَة، حسن القِرَاءة، رَحل
__________
(1) في " معجم البلدان " وفاته سنة (408) ، وفي " تبصير المنتبه ": (428) ، وكلاهما خطأ.
(*) الإكمال 7 / 391، السياق: الورقة 4، الأنساب: 576 أ، معجم البلدان 5 / 365، المنتخب: الورقة 52 أ - 53 أ، اللباب 3 / 355، المختار من ذيل السمعاني: الورقة 172، العبر 3 / 275، تذكرة الحفاظ 3 / 1171 - 1174، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 102 - 103، الوافي بالوفيات 12 / 163، تبصير المنتبه 4 / 1479، لسان الميزان 2 / 241 - 242، طبقات الحفاظ: 439، كشف الظنون: 163 - 508، شذرات الذهب 3 / 339، إيضاح المكنون 1 / 340، تهذيب تاريخ ابن عساكر 4 / 234 - 235.
والوخشي: نسبة إلى وخش وهي: بلدة بنواحي بلخ من ختلان على نهر جيحون.
(2) انظر " تهذيب " ابن عساكر 4 / 235، وفيه عقلت بدل علقت.(18/365)
إِلَى العِرَاقِ وَالجِبَال وَالشَّام، وَالثُّغُوْر وَمِصْر، وَذَاكرَ الحُفَّاظ.
وَسَمِعَ بِبلخ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَلِيّ بنِ أَحْمَدَ الخُزَاعِيّ.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي زَكَرِيَّا المُزَكِّي.
وَبِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ مَهْدِيّ.
وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ: أَبِي نُعَيْمٍ (1) .
وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ النَّخْشَبِيّ: كَانَ يُتَّهم بِالقَدَرِ (2) .
قُلْتُ: انتقَى عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ خَمْسَة أَجزَاء تُعْرَفُ بِـ (الوَخْشِيَّات) ، وَكَانَ رُبَّمَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ، سُئِلَ عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، فَقَالَ: حَافظٌ كَبِيْر.
قُلْتُ: قَدْ رَوَى عَنِ الوخشِي كِتَاب (السُّنَن لأَبِي دَاوُدَ) أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُسَيْنِيّ البَلْخِيّ.
قَالَ عُمَرُ المحموديُّ: لَمَّا مَاتَ الوْخْشِيُّ كُنْتُ قَدْ رَاهقتُ، فَلَمَّا وَضَعُوْهُ فِي القَبْرِ، سمِعنَا صيحَةً، فَقِيْلَ: إِنَّهُ لمَا وُضِعَ فِي القَبْرِ، خَرَجتِ الحشرَاتُ مِنَ المَقْبُرَة.
وَكَانَ فِي طرفهَا وَادٍ، فَأَخَذتْ إِلَيْهِ الحشرَاتُ، فَذَهَبتْ وَالنَّاسُ لاَ يَعْرِضون لَهَا (3) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: سَمِعَ أَيْضاً بِحَلَب وَبهَمَذَان مِنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَزْدين، سَمِعَ مِنْهُ نَظَامُ الْملك بِبلخ، وَصَدَّره بِمدرسته بِبلخ.
وَعَنِ الوَخْشِيّ قَالَ: جُعتُ بعَسْقَلاَن أَيَّاماً، وَعَجزْتُ عَنِ الكِتَابَة، ثُمَّ فَتح الله.
مَاتَ الوَخْشِيُّ: فِي خَامِس ربيع الآخر، سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1172، و" لسان الميزان " 2 / 241.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1172، و" لسان الميزان " 2 / 241.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1172.(18/366)
بِبلخ وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، قَالَهُ السَّمْعَانِيّ (1) .
وَقَالَ: سَمِعْتُ عُمَر السَّرْخَسِيّ يَقُوْلُ: وَرَدَ نِظَامُ الْملك عَلَيْنَا، فَقِيْلَ لَهُ: إِنَّ بقَرْيَة وَخْش شَيْخاً ذَا رحلَةٍ وَمَعْرِفَة، فَاسْتدَعَاهُ، وَقَرَؤُوا عَلَيْهِ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) .
فَقَالَ الوَخشِيُّ يَوماً: رَحلتُ، وَقَاسيتُ الذُّلَّ وَالمشَاقَّ، وَرجعتُ إِلَى وَخش، وَمَا عَرف أَحَدٌ قدرِي، فَقُلْتُ: أَمُوْتُ وَلاَ يَنْتشرُ ذكرِي، وَلاَ يَترحَّمُ أَحَدٌ عليّ، فَسهَّل اللهُ، وَوَفَّق نَظَامَ الْملك حَتَّى بَنَى هَذِهِ المدرسَة، وَأَجلسنِي فِيْهَا أُحَدِّثُ، لَقَدْ كُنْتُ بعَسْقَلاَن أَسْمَعُ مِنِ ابْنِ مُصَحِّح، وَبَقيتُ أَيَّاماً بِلاَ أَكلٍ، فَقَعَدتُ بِقُرْبِ خَبَّاز؛ لأَشمَّ رَائِحَة الخُبز، وَأَتَقْوَّى بِهَا (2) .
أَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ عُمَر بن كِنْدِي، أَنْبَأَنَا أَبُو هَاشِمٍ عبدُ المُطَّلِب بن الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ المحموديُّ القَاضِي بِبلخ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظ (3) ، حَدَّثَنَا تَمَّامُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَيُّوْبَ بن حَذْلَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حَفْص بن غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ قَالَ:
قَالَ الأَسْوَد: كُنَّا جُلُوْساً عِنْد عَائِشَة، فَذَكَرنَا المُوَاظبَة عَلَى الصَّلاَةِ وَالتعَظِيْمَ لَهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لمَا مرضَ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَضَه الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَحَضَرتِ الصَّلاَة، فَأُوذن بِهَا، فَقَالَ: (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) ... وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
__________
(1) وقد أورد ياقوت في " معجم البلدان " قولا آخر في وفاته وهو سنة (456) ، وأورد مثله ابن عساكر في " تهذيب تاريخ دمشق " وعلق عليه بقوله: وهذا وهم ... (2) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1173، و" المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 103، و" لسان الميزان " 2 / 241.
(3) وهو صاحب الترجمة.
(4) وتمامه: فقيل: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد =(18/367)
177 - ابْنُ الخَلاَّلِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الصَّالِحُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، الخَلاَّلُ (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِي (2) ، وَأَبِي طَاهِر المُخَلِّص، وَعُبَيْد اللهِ بن أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ الخَطِيْبُ (3) :كَتَبْتُ عَنْهُ وَكَانَ صَدُوْقاً.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ صَالِحاً صَدُوْقاً، صَحِيْح السَّمَاع، بكَّر بِهِ أَبُوْهُ، وَسَمَّعَهُ، وَعُمِّر حَتَّى نُقل عَنْهُ الكَثِيْرُ، حَدَّثَنَا عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
__________
= فأعادوا، وأعاد الثالثة، فقال: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر، فليصل بالناس، فخرج أبو بكر يصلي، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فخرج يهادى بين رجلين، كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه.
فقيل للاعمش: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم.
وأخرجه البخاري (664) في الاذان: باب حد المريض أن يشهد الجماعة من طريق عمر بن حفص بن غياث بهذا الإسناد، وأخرجه من طرق عن الأعمش به البخاري (712) و (713) ومسلم (418) (95) و (96) والنسائي 2 / 99، وأخرجه من طريق آخر عن عائشة مالك 1 / 170، 171، والبخاري (198) و (664) و (665) و (679) و (683) و (687) و (716) و (2588) و (3099) و (3384) و (4442) و (4445) و (5714) و (7303) ومسلم (418) (90) و (91) و (92) و (93) و (94) والترمذي (3663) والنسائي 2 / 101، 102.
(*) تاريخ بغداد 9 / 439، المنتظم 8 / 314 - 315، العبر 3 / 273، تذكرة الحفاظ 3 / 1164، البداية والنهاية 12 / 118، شذرات الذهب 3 / 336.
(1) تصحف في " البداية " إلى: " الحلالي " وفي " الشذرات " إلى " الحلال " بالحاء المهملة.
(2) تصحف في " البداية " إلى: الكناني بالنون بدل التاء.
(3) " تاريخ بغداد " 9 / 439.(18/368)
السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ صِرْمَا، وَجَمَاعَة.
وَقَالَ ابْنُ خَيْرُوْنَ: ثِقَة.
قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ: تُوُفِّيَ فِي ثَامن عشر صَفر سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قُلْتُ: سَمَاعُهُ مِنَ الكَتَّانِي فِي الخَامِسَة، وَمِنْ هَذَا الْحِين أَخَذَ الطلبَةُ فِي تسمِيْع أَولادِهِم فِي سنِّ الحُضُوْر، فَفَسد النّظَامُ، بَلِ الإِجَازَةُ أَجْوَدُ مِنَ الحُضُوْر فِي القوَّة، إِذْ مِنْ سَمِعَ حُضُوْراً بِلاَ فَهم لَمْ يَتَحَمَّل شيئاً، وَالمُجَازُ لَهُ قَدْ يَحمِلُ، أَمَا إِذَا كَانَ مَعَ الحُضُوْرِ إِذْنٌ مِنَ الشَّيْخ فِي الرِّوَايَةِ، فَهُوَ أَجْوَدُ.
178 - الدِّيْنَوَرِيُّ اللَّبَّانُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الجَوَّالُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ الدِّيْنَوَرِيُّ اللَّبَّانُ، نَزِيلُ غَزْنَة وَمُحَدِّثُهَا.
سَمِعَ: أَبَا عُمَر بن مَهْدِيٍّ، وَطَبَقَته بِبَغْدَادَ، وَالقَاضِي أَبَا عُمَر الهَاشِمِيّ، وَطَائِفَةً بِالبَصْرَةِ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَعِدَّةً بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ النَّقَاش، وَعَلِيَّ بن مِيْلَة الفَرَضِي، وَجَمَاعَةً بِأَصْبَهَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُسَافِرٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البِسْطَامِي، وَجَمَاعَةٌ لَا نَعرفهم مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحيَة، وَأَجَاز لحَنْبَل بن عَلِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا المُوفق بنَ عبد الكَرِيْم يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ اللَّبَّان الدِّيْنَوَرِيّ بغَزْنَة وَعِنْدَهُ (الحِلْيَة) عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، فَأَتَاهُ صُوْفِي ليسْمَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا كِتَابٌ فِيْهِ ذكر المُمتَحنِيْنَ، فَإِنْ أَردت أَن
__________
(*) التقييد: الورقة 185 ب.(18/369)
تَقرَأَه، فَوطِّن نَفْسكَ عَلَى المِحْنَة.
قَالَ: نَعَمْ.
وَقرَأَ أَيَّاماً إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى ذكر فُلاَن، وَكَانَ فِي المَجْلِسِ حنفِيٌّ، فَسعَى بِالشَّيْخ إِلَى القَاضِي، وَرَفَعَ الأَمْرَ إِلَى السُّلْطَانِ، فَأَمر الشَّيْخَ بِلُزُوم بَيْتهِ، وَأُغلق مسجدُه، وَمُنِع مِنَ التّحَدِيْث، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ عُمُره، وَضُرِبَ الصُّوْفِيّ وَنُفِيَ، وَصحَّت فَرَاسَةُ الشَّيْخ.
قُلْتُ: قَدْ شَانَ أَبُو نُعَيْمٍ كِتَابهُ بِذَلِكَ.
تُوُفِّيَ الدِّيْنَوَرِيّ هَذَا: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مِنَ الجَوَّالِين فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، سَمِعَ بِالدَّيْنُورِ أَبَا مَنْصُوْر مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ مَيْمُوْنَة ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَبِبَغْدَادَ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى بن الصَّلْت، وَابْنَ رَزْقُوَيْه.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَة: كَانَ مَذْكُوْراً فِي الحُفَّاظ، مَوْصُوَفاً بِالفَهم.
وَقَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: سَمِعَ فِي كُلِّ بلد، وَجَمَعَ الكَثِيْر، وَحَدَّثَ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
179 - ابْنُ حَيَّانَ حَيَّانُ بنُ خَلَفِ بنِ حُسَيْنٍ الأُمَوِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُؤَرِّخُ، النَّحْوِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، أَبُو مَرْوَان
__________
(*) الذخيرة 1 / 2 / 573 - 602، جذوة المقتبس: 200، الصلة 1 / 153 - 154، بغية الملتمس: 275، وفيات الأعيان 2 / 218 - 219، العبر 3 / 270، الوافي خ 11 / 158، البداية والنهاية 12 / 117، كشف الظنون 2 / 1456، 1792، شذرات الذهب 3 / 333، نفح الطيب: انظر الفهرس، تراجم أندلسية لعبد الله عنان: 271 - 281.(18/370)
حَيَّانُ بنُ خَلَفِ بنِ حُسَيْنِ بنِ حَيَّانَ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُم، القُرْطُبِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، الأَدِيْبُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَمَاتَ: فِي عَشْرِ المائَة إِلاَّ قَلِيْلاً.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي حَفْصٍ عُمَر بن حُسَيْن بن نَابِلٍ وَغَيْرهُ، وَلَزِمَ أَبَا عُمَر بن الحُبَابِ النَّحْوِيّ، تِلْمِيْذَ القَالِي، وَصَاعِدَ بنَ الحَسَنِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، وَوصفه بِالصِّدْق، وَقَالَ: وُلد ... فَذَكَره (1) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عَوْن: كَانَ أَبُو مَرْوَان فَصِيْحاً بَلِيْغاً، كَانَ لاَ يَتعمد (2) كَذِباً فِيمَا يَحكيه مِنَ الْقَصَص وَالأَخْبَار.
قُلْتُ: مَنْ تَصَانِيْفه كِتَاب (الْمُقْتَبس فِي تَارِيخ الأَنْدَلُس) عَشْرَة أَسفَار (3) ، وَكِتَاب (المُبين (4) فِي تَارِيخ الأَنْدَلُس) مبسَوْطاً فِي سِتِّيْنَ مُجَلَّداً، نَقله ابْن خَلِّكَانَ.
قيل: رَآهُ بَعْضهم فِي النَّوْمِ، فَسَأَلَهُ عَنِ (التَّارِيْخ) ، فَقَالَ: لَقَدْ نَدِمْتُ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّ اللهَ أَقَالنِي، وَغفر لِي بِلُطْفِهِ (5) .
__________
(1) انظر " الصلة " 1 / 153.
(2) في الأصل يعتمد والتصحيح من " الصلة " 1 / 153، و" وفيات الأعيان " 2 / 219.
(3) وتوجد من هذا الكتاب عدة قطع مخطوطة، وقد نشر منه ثلاث قطع، الأولى: بعناية للشور أنطونية في باريس 1937، والثانية بعناية الدكتور عبد الرحمن الحجي ببيروت 1965، والثالثة بعناية الدكتور محمود مكي (القاهرة: 1971) ، وانظر ما كتبه الأستاذ محمد عبد الله عنان عن هذا الكتاب
في مؤلفه " تراجم إسلامية شرقية وأندلسية " ص: 277 - 280.
(4) في " وفيات الأعيان " 2 / 218: " المتين " بالتاء ومثل في " العبر " و" الشذرات ".
(5) انظر " الصلة " 1 / 153 - 154، و" وفيات الأعيان " 2 / 219.(18/371)
تُوُفِّيَ أَبُو مَرْوَان بن حَيَّان: فِي أَوَاخِرِ شَهْر ربيع الأَوّل، سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ الغَسَّانِيّ: كَانَ بارعاً فِي الآدَاب، صَاحِبَ لوَاء التَّارِيْخ بِالأَنْدَلُسِ، أَفصحَ النَّاس فِيْهِ (1) .
180 - ابْنُ النَّقُّوْرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو الحُسَيْنِ (2) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ (3) بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ النَّقُّوْرِ (4) البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ.
مَوْلِدُهُ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ: عَلِيَّ بنَ عُمَرَ الحَرْبِيّ، وَعُبيدَ الله بن حَبَابَةَ (5) ، وَأَبَا حَفْصٍ الكَتَّانِي، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق، ابْن أَخِي مِيمِي، وَأَبَا طَاهِرٍ المُخَلِّص، وَعِيْسَى بنَ الوَزِيْر، وَعَلِيَّ بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْدَك، وَطَائِفَة.
وَتَفَرَّد بِأَجزَاء عَالِيَة كنسخَةِ هُدْبَة بن خَالِدٍ، وَنسخَةِ كَامِل بن طَلْحَةَ، وَنسخَةِ طَالُوت، وَنسخَةِ مُصْعَب الزُّبَيْرِيّ، وَنسخَةِ عُمَر بن زُرَارَة، وَأَشيَاء.
وَكَانَ صَحِيْحَ السَّمَاع، مُتحرِّياً فِي الرِّوَايَة (6) .
__________
(1) " الصلة " 1 / 153.
(*) تاريخ بغداد 4 / 381 - 382، المنتظم 8 / 314، الكامل 10 / 107 - 108، العبر 3 / 272 - 273، دول الإسلام 2 / 4، تذكرة الحفاظ 3 / 1164، البداية والنهاية 12 / 118، النجوم الزاهرة 5 / 106، شذرات الذهب 3 / 335 - 336.
(2) في " النجوم الزاهرة " 5 / 106: أبو الحسن.
(3) في " الكامل " 10 / 107: أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله.
(4) تصحفت في " النجوم الزاهرة " 5 / 106 إلى: " النفور " بالفاء.
(5) تحرف في " تاريخ بغداد " إلى: جابه.
(6) انظر " المنتظم " 8 / 314.(18/372)
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَابْنُ الخَاضِبَة (1) ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَاهِر، وَمُؤْتَمَنٌ السَّاجِيُّ، وَالحُسَيْنُ سِبْطُ الخَيَّاط، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزِّيديُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ صِرمَا، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الغَازِي، وَأَبُو نَصْرٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الفَضْلِ البَآر، وَأَبُو الْبَدْر إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَرْخِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَيْضَاوِيّ.
قَالَ الخَطِيْبُ (2) :كَانَ صَدُوْقاً.
وَقَالَ ابْنُ خَيْرُوْنَ: ثِقَة.
قَالَ الحُسَيْنُ سِبْطُ الخَيَّاط: كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي مَجْلِس ابْن النَّقُّوْرِ قَالَ لَكَاتِب الأَسْمَاء: لاَ تَكْتُبه.
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَم: كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيّ يَحضُر مَجْلِسَ ابْن النَّقُّوْرِ، وَيسمع مِنْهُ، وَيَقُوْلُ: حَدِيْثُ ابْنِ النَّقُّوْرِ سبيكَةُ الذَّهب.
وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَى نسخَة طَالُوت بن عَبَّادٍ دِيْنَاراً (3) .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ نَاصِرٍ: إِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ، لأَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيّ أَفتَاهُ بِذَلِكَ، لأَنَّ أَصْحَاب الحَدِيْث كَانُوا يَمنعونه مِنَ الْكسْب لعيَاله، وَكَانَ أَيْضاً يَمنع مَنْ يَنسخُ حَالَةَ السَّمَاع (4) .
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ الدِّمَشْقِيُّ: كَانَ ابْنُ النَّقُّوْرِ يَأْخذ عَلَى جُزْء
__________
(1) تصحف في الأصل إلى: الحاضنة.
(2) " تاريخ بغداد " 4 / 381.
(3) انظر " المنتظم " 8 / 314.
(4) " المنتظم " 8 / 314.(18/373)
طَالُوت دِيْنَاراً، فَجَاءَ غَرِيْبٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْمَعهُ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ، وَمَا صَرَّح، بَلْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيّ.
فَمَا تَفطَّن لَهَا ابْنُ النَّقُّوْرِ، وَحصل لِلغَرِيْب الجزءُ كَذَلِكَ.
مَاتَ: ابْنُ النَّقُّوْرِ فِي سَادس عشرَ رَجَب، سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ تِسْعِيْنَ (1) سَنَةً.
ابْنُهُ:
181 - ابْنُ النَّقُّوْرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ البَزَّازُ *
الشَّيْخُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ النَّقُّوْرِ (2) البَزَّازُ (3) .
سَمِعَ: أَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَغَيْرهُمَا.
قَالَ السِّلَفِيّ: لَمْ يَكُنْ بِذَاكَ، لَكنه سَمِعَ الحَدِيْث الكَثِيْر، وَكَانَ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْمَع مَعَنَا.
قُلْتُ: مَاتَ مُحَمَّد سَنَة سَبْعٍ (4) وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، مِنْ أَبْنَاءِ السِّتِّيْنَ.
__________
(1) في " البداية " 12 / 118: عن تسع وثمانين سنة.
(*) الوافي 2 / 65 - 66، لسان الميزان 5 / 49.
(2) تحرفت في " لسان الميزان " 5 / 49 إلى: المنصور.
(3) تصحفت في " لسان الميزان " 5 / 49 إلى: البزار.
(4) في " لسان الميزان " 5 / 49: ثمان وتسعين.(18/374)
182 - ابْنُ طَلاَّبٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ القُرَشِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُقْرِئُ، خَطِيْبُ دِمَشْقَ، أَبُو نَصْرٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ طَلاَّبٍ القُرَشِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، مَوْلَى عِيْسَى بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ التَّيْمِيِّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بنِ جُمَيْع بـ (مُعجمه) ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي الحَدِيْد، وَعبدِ الرَّحْمَن بن أَبِي نَصْرٍ، وَعطيَّةِ الله الصيدَاوِي، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي الحَدِيْد، وَأَبُو الفتيَان الرُّؤَاسِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ قبيس، وَجمَالُ الإِسْلاَم عَلِيُّ بنُ المُسَلَّم، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ النَّسِيْب: هُوَ ثِقَةٌ أَمِيْن (1) .
وَقَالَ ابْنُ قبيس: كَانَ ابْنُ طَلاَّب قَدْ كسب فِي الوكَالَة كسباً عَظِيْماً، فَحَدَّثَنِي قَالَ: لَمَّا اسْتَوْفَيْتُ سبعينَ سَنَةً، قُلْتُ: أَكْثَرُ مَا أَعيش عُشْر سِنِيْنَ أُخْرَى.
فَجَعَلتُ لِكُلِّ سَنَةٍ مائَةٍ دِيْنَارٍ.
قَالَ: فَعَاشَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ لَهُ مُلْكٌ (2) بِالشَّاغور (3) .
وَقَالَ النَّسِيْب: سَأَلتُه عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة بِصَيْدَا.
__________
(*) العبر 3 / 273، تذكرة الحفاظ 3 / 1164، النجوم الزاهرة 5 / 107، شذرات الذهب
3 / 336، تهذيب ابن عساكر 4 / 356 - 357.
(1) انظر " تهذيب ابن عساكر " 4 / 356.
(2) في الأصل: ملكا.
(3) الخبر بأطول مما هنا في " تهذيب ابن عساكر " 4 / 356.(18/375)
قَالَ: هِبَةُ اللهِ ابنُ الأَكْفَانِي: كَانَ فَاضِلاً، ثِقَةً، مَأْمُوْناً، كَثِيْر الدَّرْس لِلقُرْآن، كَانَ يَخْطُبُ لِلمصرِيين، ثُمَّ تَخَلَّى عَنْ ذَلِكَ، مَاتَ فِي ثَالِثِ صفر، سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (1) .
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ بِصَيْدَا (2) .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْمُنعم، أَخْبَرَنَا عبدُ الصَّمد بن مُحَمَّد حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيّ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدُّوْرِيّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا قُدَامَةُ بنُ شِهَابٍ المَازِنِيّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
سُئِلَ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَطيب الْكسْب، فَقَالَ: (عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُوْرٍ) (3) .
183 - الفَارِسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَسْعُوْدٍ عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ الهَرَوِيُّ، رَاوِي (جُزء أَبِي الجَهْمِ) ، وَنُسْخَة مُصْعَب الزُّبَيْرِيّ، وَالأَجزَاء الستَّة مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ صَاعِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي شُرَيْح الزَّاهِد.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَعبدُ السَّلاَّم بن أَحْمَدَ بَكْبَرَة،
__________
(1) في " تهذيب ابن عساكر ": ودفن بباب الصغير بظاهر دمشق.
(2) في " تهذيب ابن عساكر ": وقد وهم من قال إنه توفي سنة إحدى وسبعين.
(3) وبرة: هو ابن عبد الرحمن المسلي أخرج حديثه الشيخان، وباقي رجاله ثقات، وأورده المنذري في " الترغيب والترهيب " 2 / 523، ونسبه للطبراني في " الكبير " ونسبه الهيثمي في " المجمع " 4 / 60 للطبراني في " الكبير " و" والاوسط " وقالا رواته ثقات، وله شاهد من حديث رافع ابن خديج عند أحمد 4 / 141، والطبراني (4411) من طريق المسعودي، عن وائل بن داود، عن عباية ابن رفاعة، عن أبيه ... وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 60، وزاد نسبته للطبراني في " الأوسط ".
(*) العبر 3 / 278، النجوم الزاهرة 5 / 110، شذرات الذهب 3 / 342.(18/376)
وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المِصْرِيّ، وَأَبُو الوَقْتِ عبدُ الأَوّل السِّجْزِيّ، وَخَلْقٌ مِنْ أَهْلِ هَرَاة، أَخَذَ عَنْهم السَّمْعَانِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ. وَطَالَ عُمُرُهُ.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: ارْتحلتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (1) مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَسْعُوْدٍ، فَذَكَر أَنَّهُ مُنِعَ مِنَ الدّخولِ إِلَيْهِ، فَتنَازَلَ مَعَهُم، إِلَى أَنْ يَدخل، فِيقرَأَ حَدِيْثاً وَاحِداً، وَيَخْرُج.
فَأَذن لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ، وَقرَأَ الحَدِيْث الَّذِي مِنْ نُسخَة مُصْعَب؛ الَّذِي فِي ذكر خَيْبَر، وَقَدْ رَوَاهُ: البُخَارِيُّ (2) نَازلاً عَنِ المُسْنَدي: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِك.
وَكَذَلِكَ بَيْنَ هَذَا الشَّيْخ وَبَيْنَ مَالِك فِيْهِ ثَلاَثَة أَنْفُس، كَالبُخَارِيّ، فَقَالَ لابْنِ طَاهِر: وَلِمَ اخْترت قِرَاءةَ هَذَا الحَدِيْث؟ فَوصف لَهُ علُوَّهُ، فَقَالَ: اقرَأَ باقِي الْجُزْء.
ثُمَّ قَالَ: لاَزمتُهُ، وَأَكْثَرتُ عَنْهُ.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّال سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيّ بِمَكَّةَ (3) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَسَّانٍ المُلقَابَاذِي (4) ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ
__________
(1) زيادة يقتضيها النص.
(2) برقم (4234) في المغازي: باب غزوة خيبر وتمامه بعد قوله: حدثنا مالك، قال: حدثني ثور، قال: حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا البقر والابل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ومعه عبد له يقال له مزعم أهداه له أحد بني الضباب، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم غائر حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا، فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك أو شراكان من نار ".
(3) سترد ترجمته برقم (188) .
(4) سترد ترجمته برقم (191) .(18/377)
العُكْبَرِيّ النّديم (1) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ ابْن اللاَّلْكَائِيّ (2) ، وَهَيَّاجُ بنُ عُبَيْدٍ الحِطِّينِي الزَّاهِد (3) ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الأَقسَاسِي (4) العَلَوِيّ الكُوْفِيّ.
أَخْبَرَنَا عبدُ الحَافِظ بنَابُلُس، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِر، وَحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عبدُ الأَوّل، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الجَهْمِ، حَدَّثَنِي سَوَّارُ بنُ مُصْعَبٍ، عَنْ مُطَرِّف، عَنْ أَبِي الجَهْمِ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا أَكَلْتَ لَحْمَهُ، فَلاَ بَأْسَ بِبَوْلِهِ) .
هَذَا مُرْسَلٌ ضَعِيْف (5) .
184 - ابْنُ المُحِبِّ الفَضْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الوَاعِظُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُحِبِّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (193) .
(2) سترد ترجمته برقم (230) .
(3) سترد ترجمته برقم (194) .
(4) بفتح الالف وسكون القاف، والالف بين السينين المهملتين، هذه النسبة إلى الاقساس، وهي قرية كبيرة بالكوفة.
(5) إسناده ضعيف جدا، سوار بن مصعب، متروك الحديث، وهو في سنن الدارقطني 1 / 128 من طريق سوار بن مصعب بهذا الإسناد.
قال الدارقطني: سوار ضعيف خالفه يحيى بن العلاء، فرواه عن مطرف، عن محارب بن دثار، عن جابر حدثنا أبو سهل بن زياد حدثنا سعيد بن عثمان الاهوازي، حدثنا عمرو بن الحصين، حدثنا يحيى بن العلاء، عن مطرف، عن محارب بن دثار، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم " ما أكل لحمه، فلا بأس ببوله " لا يثبت عمرو بن الحصين ويحيى بن العلاء ضعيفان، وسوار بن مصعب أيضا متروك، وانظر سنن البيهقي 1 / 252.
(*) المنتخب: الورقة 120 أ، 120 ب، الأنساب: الورقة 510 ب، العبر 3 / 279، شذرات الذهب 3 / 343.(18/378)
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ الخفَّاف - وَبِهِ خُتم حَدِيْثُه -، وَأَبِي الحُسَيْنِ العَلَوِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، وَابْنِ مَحْمِش، وَطَائِفَة.
ارْتَحَلَ إِلَيْهِ ابْنُ طَاهِر، وَحَدَّثَ عَنْهُ هُوَ وَزَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الشَّامَاتِي، وَأَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَنْجَرُوْذِيّ، وَسَعِيْدُ بنُ الحُسَيْنِ الجَوْهَرِيّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الشَّحَّامِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بن أَحْمَدَ المُقْرِئ، وَأَبُو الأَسَعْد بنُ القُشَيْرِيّ، وَمُلَيْكَةُ بِنْت أَبِي الحَسَنِ الفَنْدُورَجِي (1) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَأَجَاز لِلحَافظِ ابْن نَاصِر.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: رحلتُ مِنْ مِصْرَ لأَجْل الفَضْلِ بن المُحب صَاحِب الخفَّاف، فَلَمَّا دَخَلتُ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ فِي أَوّلِ مَجْلِسٍ جزئِين مِنْ حَدِيْثِ السَّرَّاج، فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ حَلاَوَةً، وَاعتقدتُ أَنَّنِي نلتُهُ بِلاَ تَعبٍ، لأَنَّه لَمْ يَمْتَنِع عَلِيَّ، وَلاَ طَالبنِي بِشَيْءٍ، وَكُلُّ حَدِيْث مِنَ الجُزء يُسَاوِي رحلَة.
قُلْتُ: قَدْ صَنَّفَ فِي الْوَعْظ، وَكَانَ خَيِّراً ديِّناً، عَالِماً، أَثْنَى عَلَيْهِ السَّمْعَانِيّ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الأَنْطَاكِيّ (2) ، وَصَاحِب اليَمَن عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الصُّلَيحِي (3) ، وَأَبُو الفتيَان مُحَمَّدُ بنُ سُلْطَان بن حيُّوس شَاعِر
__________
(1) قال السمعاني: الفندورجي، بفتح الفاء وسكون النون وضم الدال المهملة وسكون الواو وفتح الراء وفي آخرها الجيم، هذه النسبة إلى فندورجة، وهي قرية بنواحي نيسابور.
(2) سترد ترجمته برقم (186) .
(3) سبقت ترجمته برقم (173) .(18/379)
الشَّام (1) ، وَأَبُو القَاسِمِ يُوْسُفُ بنُ الحَسَنِ التفكّرِي (2) ، وَمَحْمُوْدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَصْبَهَانِيّ الكَوْسَج (3) .
185 - ابْنُ البَنَّاءِ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، المُفْتِي، المُحَدِّثُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ البَنَّاءِ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ التَّوَالِيفِ.
سَمِعَ مِنْ: هِلاَل الحَفَّار، وَأَبِي الفَتْح بنِ أَبِي الفوَارس، وَأَبِي الحَسَنِ ابْن رَزْقُوَيْه، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان، وَعَبْدِ اللهِ بن يَحْيَى السُّكَّرِيّ، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَر وَأَحْسَن.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ ظَفَر المغَازلِي، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ القَزَّاز، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَابْنَا أَبِي (4) غَالِب، أَحْمَد وَيَحْيَى، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَرَّاءِ، وَأَبُو بَكْرٍ قَاضِي المَارستَان.
وَقَدْ تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي الحَسَنِ الحَمَّامِي.
وَعَلَّقَ الفِقْهَ وَالخلاَف عَنِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى قَدِيْماً، وَاشْتَغَل فِي حيَاتِهِ،
__________
(1) سترد ترجمته برقم (209) .
(2) سترد ترجمته برقم (281) .
(3) سترد ترجمته برقم (233) .
(*) المنتظم 8 / 319 - 320، معجم الأدباء 7 / 265 - 270، الكامل في التاريخ 10 / 112، إنباه الرواة 1 / 276 - 277، تذكرة الحفاظ 3 / 1176 - 1177، العبر 3 / 275، معرفة القراء 1 / 350، دول الإسلام 2 / 5، تلخيص ابن مكتوم: 50، الوافي بالوفيات 11 / 381 - 383، مرآة الجنان 3 / 100، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 32 - 37، غاية النهاية 1 / 206، لسان الميزان 2 / 195 - 196، النجوم الزاهرة 5 / 107، المقصد الارشد في ذكر أصحاب أحمد لابن مفلح: ورقة 87، بغية الوعاة 1 / 495 - 496، كشف الظنون 1 / 212، 892، و2 / 1105، 2001، شذرات الذهب 3 / 338 - 339، هدية العارفين 1 / 276.
(4) في الأصل: " أبو " وهو خطأ.(18/380)
وَصَنَّفَ فِي الفِقْه وَالأُصُوْل وَالحَدِيْث، وَكَانَ لَهُ حَلْقَةٌ لِلفَتْوَى، وَحَلْقَةٌ لِلوعظ، وَكَانَ شدِيداً عَلَى المخَالفِيْن.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَة، مُحَمَّدُ بنُ نَاصِر الحَافِظ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ القِفْطِيُّ، فَقَالَ (1) :كَانَ مِنْ كِبَارِ الحنَابلَة، قِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: هَلْ ذَكَرَنِي الخَطِيْبُ فِي (تَارِيخ بَغْدَاد) فِي الثِّقَات أَوْ مَعَ الكَذَّابين؟ قِيْلَ: مَا ذكرك أَصلاً.
فَقَالَ: ليتَه ذَكَرَنِي وَلَوْ مَعَ الكَذَّابين.
قَالَ القِفْطِيّ (2) :كَانَ مُشَاراً إِلَيْهِ فِي القِرَاءات وَاللُّغَة وَالحَدِيْث، فَقِيْلَ: عَمل خَمْس مائَة مُصَنَّف، إِلاَّ أَنَّهُ حَنْبَلِيُّ الْمُعْتَقد.
تُوُفِّيَ: فِي رَجَب سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ ابْنُ البَنَّاء يُؤدِّبُ بنِي جَرْدَة.
تَلاَ عَلَى الحمَّامِي بِالروَايَات، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَتَصَانِيْفُهُ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ فَهمه، كَانَ يُصَحِّفُ، وَكَانَ قَلِيْلَ التّحصيل، أَقرَأَ، وَحَدَّثَ، وَدرَّسَ وَأَفتَى، وَشرح (الإِيضَاح) لأَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيّ، وَإِذَا نَظرت فِي كَلاَمه، بَان لَكَ سوءُ تَصرفه، وَرَأَيْتُ لَهُ تَرْتِيْباً فِي (الغَرِيْب) لأَبِي عُبَيْدٍ، قَدْ خَبَطَ وَصَحَّفَ.
وَقَالَ شُجَاع الذُّهْلِيُّ: كَانَ أَحَدَ القُرَّاء المُجَوِّدينَ، سمِعنَا مِنْهُ قطعَة مِنْ تَصَانِيْفه.
وَقَالَ المُؤتَمَنُ السَّاجِيّ: كَانَ لَهُ روَاء وَمَنْظَر، مَا طَاوعتَنِي نَفْسِي لِلسَمَاع مِنْهُ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ اسْمُهُ الحَسَن
__________
(1) " إنباه الرواة " 1 / 276، وليس فيه قول الذهبي، كان من كبار الحنابلة، وانظر " معجم الأدباء " 7 / 268، و" الوافي " 11 / 383.
(2) المصدر السابق.(18/381)
بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيّ، فَكَانَ ابْنُ البَنَّاء يَكْشِطُ (بورِي) وَيَمد السِّين، فَتصِيْر البنَّاء.
كَذَا قِيْلَ: إِنَّهُ يَفعلُ ذَلِكَ (1) .
قُلْتُ: هَذَا جرحٌ بِالظَنّ، وَالرَّجُل فِي نَفْسِهِ صَدُوْقٌ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ - وَمَا التَّحَنْبَلُ بعَارٍ - وَاللهِ - وَلَكِنَّ آلَ مَنْدَه وَغَيْرَهم يَقُوْلُوْنَ فِي الشَّيْخ: إِلاَّ أَنَّهُ فِيْهِ تَمَشْعُر.
نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّرّ.
186 - الأَنْطَاكِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ *
القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ (2) بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ الأَنْطَاكِيُّ، ثُمَّ الشَّاغورِيّ، نَائِبُ الحُكْمِ بِدِمَشْقَ.
سَمِعَ مِنْ: تَمَّام الحَافِظ، وَابْن أَبِي نَصْرٍ.
رَوَى عَنْهُ: عُمَر الدِّهِسْتَانِي، وَالخَطِيْبُ مَعَ تَقَدُّمِهِ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ قُبيس، وَجمَالُ الإِسْلاَم عَلِيُّ بنُ المُسَلَّم، وَهِبَةُ اللهِ ابْن الأَكْفَانِي.
تُوُفِّيَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ تِسْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ آخِرُ أَصْحَاب تَمَّام.
187 - أَبُو الخَيْرِ الصَّفَّارُ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ **
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُؤتَمَنُ، المُسْنِدُ، أَبُو الخَيْرِ (3) مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
__________
(1) انظر " المنتظم " 8 / 316 - 320 وفيه رد ابن الجوزي، و" معجم الأدباء " 7 / 267، و" الوافي " 11 / 382.
(*) تهذيب تاريخ دمشق 4 / 349، وسيعيد المؤلف ترجمته في الصفحة (551) .
(2) سماه المؤلف في ترجمته التي أعادها ص 551: الحسين.
وهو المذكور في " تهذيب تاريخ ابن عساكر " 4 / 349.
(* *) ميزان الاعتدال 4 / 52، المغني في الضعفاء 2 / 638، تذكرة الحفاظ 3 / 177، الوافي 5 / 87، لسان الميزان 5 / 401.
(3) في " تذكرة الحفاظ " 3 / 177: أبو الحسين.(18/382)
عِمْرَانَ مُوْسَى بنِ عَبْد اللهِ المَرْوَزِيُّ، الصَّفَّار، آخر مَنْ رَوَى (صَحِيْح البُخَارِيّ) عَالِياً فِي زَمَانِهِ، حَدَّثَ بِهِ عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُوْهُ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَرْوَزِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُشْمِيهَنِي الخَطِيْب، وَعِدَّة.
قَالَ ابْنُ طَاهِر المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيّ يَقُوْلُ:
لَمْ يَصِحَّ لِهَذَا الرَّجُل مِنْ أَبِي الهَيْثَمِ سَمَاعٌ، وَإِنَّمَا وَافق الاسْمَ اسْمٌ آخر، وَقَدْ حُمِلَ إِلَى الوَزِيْر نِظَامِ الْملك ليُقرَأَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، فَقُرِئ عَلَيْهِ بَعْضُه، وَرَمَتْهُ البَغْلَةُ، فَمَاتَ، وَلَمْ يكمل.
قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت أَهْلَ مَرْو يَضحكُوْن إِذَا قِيْلَ: إِنَّ أَبَا الخَيْر بنَ أَبِي عِمْرَانَ هَذَا سَمِعَ مِنَ الكُشْمِيهَنِي.
وَيُشيَرَوْنَ إِلَى أَنّ هَذَا غَيْرُ ذَاكَ الَّذِي سَمِعَ (1) .
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ السَّمْعَانِيّ: كَانَ شَيْخاً صَالِحاً، سَدِيْدَ السِّيرَة، حَدَّثَ بـ (الصَّحِيْح) ، وَببَعْض (جَامِع) أَبِي عِيْسَى، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سرَاج الطَّحَّان، وَعُمِّر، وَصَارَ شَيْخَ عصره، تَكَلَّمَ بَعْضُهم فِي سَمَاعه، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، أَنَا رَأَيْتُ سَمَاعَه فِي القَدَرِ المَوْجُوْد مِنْ أَصل أَبِي الهَيْثَمِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَالِدي (2) .
قَالَ الأَمِيْر ابْنُ مَاكُوْلا: سَأَلتُ أَبَا الخَيْر، فَقَالَ لِي: كَانَ لِي وَقت مَا سَمِعْتُ (الصَّحِيْح) عشرُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة (3) .
__________
(1) انظر " ميزان الاعتدال " 4 / 52، و" لسان الميزان " 5 / 401، و" الوافي " 5 / 87.
(2) انظر " لسان الميزان " 5 / 401.
(3) المصدر السابق.(18/383)
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
188 - أَبُو عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَكِّيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَسَنِ المَكِّيُّ، الشَّافِعِيُّ، الحَنَّاطُ، آخرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ: أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِرَاس العَبْقَسِي، وَعُبيدِ الله بن أَحْمَدَ السَّقَطِيّ، وَغَيْرهمَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْرٌ السَّمْعَانِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَعبدُ الْمُنعم بنُ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيّ المَكِّيّ، وَعِدَّةٌ مِنْ وَفَدَ المغَاربَة، وَغَيْرهُم، آخِرُهم مَوْتاً العَبَّاسِيّ.
وَثَّقَهُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي كِتَابِ (الأَنسَاب (1)) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ القَاشَانِي: كُنْتُ أَقرَأُ الحَدِيْثَ عَلَى هِبَةِ اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ الحَافِظ فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الشَّافِعِيّ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبَيْتنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ.................... (2)
فَقُلتُهَا بِالجيم، فَقَالَ: بِفَخٍّ بِالخَاء، وَأَخْرَجنِي إِلَى ظَاهِر مَكَّة، فَأَتَى بِي إِلَى مَوْضِعٍ، فَقَالَ: يَا بنِيَّ! هَذَا فَخّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ
__________
(*) الأنساب المتفقة: 81، الأنساب 7 / 256، العبر 3 / 278، العقد الثمين 4 / 84، النجوم الزاهرة 5 / 110، شذرات الذهب 3 / 342، قال ابن القيسراني في " الأنساب المتفقة " ص 81: وقد سئل عن هذه النسبة فقال: كان أبي يسمع الحديث، وكان في القوم رجل يسمى الحسن بن عبد الرحمن المالكي، فكتب لنفسه الشافعي ليقع الفرق بينهما، فثبت علينا هذا النسب.
(1) 7 / 256.
(2) تتمة البيت: بفخ وعندي إذخر وجليل.
وفخ: من فجاج مكة بينه وبين مكة ثلاثة أميال، وقيل: ستة أميال. وهذا البيت كان يقوله بلال لما هاجر إلى المدينة.
انظر " السير " 1 / 354.(18/384)
الشَّافِعِيّ فَقَالَ: عَدْلٌ ثِقَة، كَثِيْرُ السَّمَاع.
مَاتَ أَبُو عَلِيٍّ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سمِعنَا مِنْ طرِيقه نُسخَةَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ.
189 - الزَّنْجَانِيُّ أَبُو القَاسِمِ سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، شَيْخُ الحَرَمِ، أَبُو القَاسِمِ سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الزَّنْجَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة تَقَرِيْباً.
وَسَمِعَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ ابنَ نَظيف، وَالحُسَيْنَ بنَ مَيْمُوْنٍ الصدفِي، وَعِدَّة بِمِصْرَ، وَعَلِيَّ بنَ سَلاَمَةَ بِغَزَّة، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي عُبَيْدٍ بزَنْجَان، وَعبدَ الرَّحْمَن بن يَاسِر الجَوْبَرِي، وَعبدَ الرَّحْمَن بن الطُّبيز الحَلَبِيّ، وَطَبَقَتهُمَا بِدِمَشْقَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ الجَبَّار السَّمْعَانِيّ، وَمكِيٌّ الرُّمَيْلِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ فَاخر، وَمُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الحَافِظ، وَعبدُ الْمُنعم بن القُشَيْرِيّ، وَمُخْتَارُ بنُ عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: قَالَ لِي شَيْخٌ: كَانَ جدُّك أَبُو المظفَّر عَزَم عَلَى المُجَاورَة فِي صُحْبَة سَعْدٍ الإِمَام، فَرَأَى وَالِدتَه كَأَنمَا كَشفتْ رَأَسهَا تَقُوْلُ: يَا
__________
(*) الإكمال 4 / 229، الأنساب 6 / 307، المنتظم 8 / 320، العبر 3 / 276، المشتبه 1 / 324، دول الإسلام 2 / 5، تذكرة الحفاظ 3 / 1174 - 1178، البداية والنهاية 12 / 120، العقد الثمين 4 / 535 - 536، تبصير المنتبه 2 / 661، النجوم الزاهرة 5 / 108، شذرات الذهب 3 / 339 - 340.
والزنجاني بفتح الزاي وسكون النون وفتح الجيم وفي آخرها نون، هذه النسبة إلى زنجان، وهي بلدة على حد أذربيجان من بلاد الجبل.(18/385)
بنِي، بحقِّي عَلَيْك إِلاَّ مَا رَجَعتَ إِلَيَّ، فَإِنِّي لاَ أُطِيْق فَرَاقك.
قَالَ: فَانْتبهتُ مغموماً، وَقُلْتُ: أُشَاور الشَّيْخ، فَأَتيت سَعْداً، وَلَمْ أَقْدِرْ مِنَ الزحَام أَنْ أُكَلِّمه، فَلَمَّا قَامَ تَبِعتُه، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ: يَا أَبَا المُظَفَّر، العَجُوْزُ تَنْتَظرُك.
وَدَخَلَ بَيْتَه، فَعلمتُ أَنَّهُ كَاشَفَنِي، فَرَجَعتُ تِلْكَ السّنَة (1) .
وَعَنْ ثَابِتِ بنِ أَحْمَدَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا القَاسِمِ الزَّنْجَانِي فِي النَّوْمِ يَقُوْلُ لِي مرَّة بَعْد أُخْرَى: إِنَّ اللهَ يَبْنِي لأَهْل الحَدِيْث بِكُلِّ مَجْلِسٍ يَجلسُوْنه بَيْتاً فِي الجَنَّةِ (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: كَانَ سَعْدٌ حَافِظاً مُتْقِناً، ثِقَةً، وَرِعاً، كَثِيْر العِبَادَة، صَاحِب كَرَامَات وَآيَات، وَإِذَا خَرَجَ إِلَى الْحرم يَخلُو المَطَاف، وَيُقَبِّلُوْنَ يَده أَكْثَر مِمَّا يُقَبِّلُوْنَ الحجَرَ الأَسْوَد (3) .
وَقَالَ ابْنُ طَاهِر: مَا رَأَيْتُ مِثْلَه، وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الحبَّال يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا مِثْلُ سَعْدِ بنِ عَلِيّ فِي الفَضْلِ، كَانَ يَحضر مَعَنَا المَجَالِس، وَيُقرَأ بَيْنَ يَدَيْهِ الخطَأُ، فَلاَ يَرُدُّ، إِلاَّ أَنْ يُسْأَل فَيُجيب (4) .
قَالَ ابْنُ طَاهِر: وَسَمِعْتُ الفَقِيْه هَيَّاج بن عُبَيْد إِمَامَ الْحرم وَمُفتيه يَقُوْلُ: يَوْمٌ لاَ أَرَى فِيْهِ سَعْداً لاَ أَعتدُّ أَنِّي عَمِلْتُ خَيراً.
وَكَانَ هَيَّاج يَعتمرُ فِي اليَوْمِ ثَلاَثَ عُمَر (5) .
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1174.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1175.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1175، و" الأنساب " 6 / 307، و" المنتظم " 8 / 320.
(4) هذا الخبر يختلف عن خبر آخر سيورده المؤلف قريبا وهو أن الزنجاني كان لا يسكت على الخطأ، انظر الصفحة 388 القادمة، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1175.
(5) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1175.(18/386)
قَالَ ابْنُ طَاهِر: لَمَّا عزم سَعْدٌ عَلَى المجَاورَة، عزمَ عَلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ عزِيمَة، أَنْ يُلزمهَا نَفْسَه مِنَ المُجَاهِدَات وَالعِبَادَات، فَبقِي بِهِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ يُخلَّ بعزِيمَةٍ مِنْهَا.
وَكَانَ يُمْلِي بِمَكَّةَ فِي بَيْته - يَعْنِي: خوَفاً مِنْ دَوْلَة العُبَيْدِيَّة (1) -.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: دَخَلتُ عَلَيْهِ وَأَنَا ضَيِّقُ الصَّدْرِ مِنْ شيرَازِيٍّ، فَقَالَ لِي: مِنْ غَيْر أَنْ أُعْلِمَه: لاَ تُضيِّق صَدْرك، فِي بلاَدنَا يُقَالُ: بُخْلُ أَهْوَازِيٍّ، وَحمَاقَةُ شِيرَازِيٍّ، وَكَثْرَةُ كَلاَمِ رَازِيٍّ.
وَأَتيتُه وَقَدْ عزمتُ عَلَى الخُرُوج إِلَى العِرَاقِ، فَقَالَ:
أَرَاحِلُوْنَ فَنبكِي أُمْ مُقِيْمُونَا؟ ...
فَقُلْتُ: مَا يَأْمُرُ الشَّيْخ؟
فَقَالَ: تَدْخُل خُرَاسَان، وَتَفوتُك مِصْر، فِيبقَى فِي قَلْبك مِنْهَا، اخْرج إِلَى مِصْرَ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى العِرَاقِ وَخُرَاسَان، فَإِنَّهُ لاَ يَفوتُك شَيْء.
فَكَانَ فِي رَأْيه البركَة.
وَسَمِعتُه وَجَرَى بَيْنَ يَدَيْهِ (صَحِيْح) أَبِي ذَرٍّ (2) ، فَقَالَ: فِيْهِ عَنْ أَبِي مُسْلِم الكَاتِب، وَلَيْسَ مِنْ شَرط (الصَّحِيْح) .
قُلْتُ: لسعدٍ قَصيدَةٌ فِي قوَاعد أَهْل السّنَة، وَهِيَ:
تَدَبَّرْ كَلاَمَ اللهِ وَاعتَمِدِ الخَبَرْ ... وَدَعْ عَنْكَ رَأْياً لاَ يُلاَئِمُهُ أَثَرْ
وَنَهْجَ الهُدَى فَالْزَمْهُ وَاقْتَدِ بِالأُلَى ... هُمُ شَهِدُوا التَّنْزِيْلَ عَلَّكَ تَنْجَبِرْ
وَكُنْ مُوْقِناً (3) أَنَّا وَكُلَّ مُكَلَّفٍ ... أُمِرْنَا بِقَفْوِ الحَقِّ وَالأَخْذِ بِالحَذَرْ
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1175 - 1176، و" المنتظم " 8 / 320.
(2) في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1176: وسمعته يقول - وقد جرى ذكر الصحيح الذي خرجه أبو ذر الهروي -، ونقل المصنف في " التذكرة " 3 / 6: 11 في ترجمة أبي ذر - وهو عبد بن أحمد الهروي - عن عبد الغافر في تاريخ نيسابور قوله: خرج على الصحيحين تخريجا حسنا، وقول القاضي عياض: لأبي ذر كتاب كبير مخرج على الصحيحين.
(3) تحرف في " التذكرة " إلى موقفا.(18/387)
وَحُكِّمَ فِيْنَا بَيْنَنَا قَوْلُ مَالِكٍ ... قَدِيْرٍ حَلِيْمٍ عَالِمِ الغَيْبِ مُقْتَدِرْ
سَمِيْعٍ بَصِيْرٍ وَاحِدٍ مُتَكَلِّمٍ ... مُرِيْدٍ لِمَا يَجْرِي عَلَى الخَلْقِ مِنْ قَدَرْ
فَمَنْ خَالَفَ الوَحْيَ المُبِيْنَ بِعَقْلِهِ ... فَذَاكَ امْرُؤٌ قَدْ خَابَ حَقّاً وَقَدْ خَسِرْ
وَفِي تَرْكِ أَمْرِ المُصْطَفَى فِتْنَةٌ فَذَرْ ... خِلاَفَ الَّذِي قَدْ قَالَهُ وَاتْلُ وَاعْتَبِرْ (1)
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الكَرَجِي الشَّافِعِيّ: سَأَلْتُ ابْنَ طَاهِر عَنْ أَفْضَل مَنْ رَأَى، فَقَالَ: سَعْدٌ الزَّنْجَانِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيّ.
قُلْتُ: فَأَيُّهُمَا كَانَ أَعْرفَ بِالحَدِيْثِ؟
فَقَالَ: كَانَ الأَنْصَارِيُّ مُتَفَنِّناً، وَأَمَّا الزَّنْجَانِي فَكَانَ أَعْرف بِالحَدِيْثِ مِنْهُ، كُنْتُ أَقرَأ عَلَى الأَنْصَارِيّ، فَأَترك شَيْئاً لأُجرَبّه، فَفِي بَعْضٍ يَرُدُّ، وَفِي بَعْضٍ يَسكت، وَكَانَ الزَّنجَانِي إِذَا تركتُ اسْم رَجُل يَقُوْلُ: أَسقطتَ فُلاَناً (2) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ سَعْدٌ أَعْرَفَ بِحَدِيْثه لِقلَّتِه، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ مُكْثِراً.
سُئِلَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ الحَافِظ عَنْ سَعْدٍ الزَّنْجَانِي، فَقَالَ: إِمَامٌ كَبِيْر، عَارِف بِالسّنَّة (3) .
تُوُفِّيَ الزَّنْجَانِي: فِي أَوّل سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَلَهُ تِسْعُوْنَ عَاماً، وَلَوْ أَنَّهُ سَمِعَ فِي حدَاثته لَلَحِقَ إِسْنَاداً عَالِياً، وَلَكِنَّهُ سَمِعَ فِي الكُهُوْلَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ النَّحْوِيّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ الزَّاهِد، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُخْتَارُ بنُ عَلِيٍّ المُقْرِئ سَنَة خَمْسِ
__________
(1) الابيات عدا الرابع والخامس في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1178 وفي البيت الأخير: " فاسأله " بدل " واتل "، وفيها بعد البيت الأخير بيتان آخران سيوردهما المؤلف آخر الترجمة.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1175، وهذا هو الخبر الذي يختلف عما أورده المؤلف في الصفحة
386.
(3) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1176.(18/388)
مائَة، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عبدُ الحمِيد بنُ عَبْدِ القَاهِر الأُرسُوفِي، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ القَيْسَرَانِيّ، حَدَّثَنِي عَمِّي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البَزَّاز، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَانِئ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ أَصْبَحَ مُعَافَىً فِي بَدَنِهِ، آمِناً فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) .
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْب، وَلاَ أَعْرف حَال هَانِئ (1) .
وَمِنْ قصيدَة الزَّنْجَانِي:
وَمَا أَجْمَعَتْ فِيْهِ الصَّحَابَةُ حُجَّةٌ ... وَتِلْكَ سَبِيْلُ المُؤْمِنِيْنَ لِمَنْ سَبَرْ
فَفِي الأَخْذِ بِالإِجْمَاعِ - فَاعْلَمْ - سَعَادَةٌ ... كَمَا فِي شُذُوْذِ القَوْلِ نَوْعٌ مِنَ الخَطَرْ (2)
190 - ابْنُ مَنْظُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى القَيْسِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْظُوْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْظُوْرٍ القَيْسِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
__________
(1) في " لسان الميزان " 6 / 186: هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة، عن عمه إبراهيم، وعنه ابنه عبد الله بن هانئ ربما أغرب قاله ابن حبان في " ثقاته " قلت: وعبد الله ولده ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم الرازي كما في " الجرح والتعديل " 5 / 194، 195: قدمت الرملة، فذكر لي أن في بعض القرى هذا الشيخ وسألت عنه، فقيل: هو شيخ يكذب، فلم أخرج إليه، ولم أسمع منه، وهو في " صحيح ابن حبان " (2503) وحلية أبي نعيم 5 / 249 من طرق عن عبد الله بن هانئ بهذا الإسناد وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (300) والحميدي (439) والترمذي (2347) وابن
ماجة (4141) من طريق مروان بن معاوية الفزاري، عن عبد الرحمن بن أبي شميلة الأنصاري، عن سلمة بن عبيد الله بن محصن، عن عبد الله بن محصن، وسلمة لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن أبي الدنيا.
(2) البيتان في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1178.
(*) الصلة 2 / 548 - 549، بغية الملتمس: 52.(18/389)
حَجَّ وَجَاور، وَحَمَلَ (الصَّحِيْح) لأَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الحَافِظ.
وَكَانَ فَاضِلاً، قُدْوَةً، ثِقَةً (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ بِسُنَنِه: أَحْمَدُ بنُ مَنْظُوْر، وَأَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُغِيْث، وَشُرَيْح بن مُحَمَّدٍ، وَعِدَّة.
وَقَدْ لقِي أَيْضاً أَبَا عَمْرٍو السفَاقسِي، وَأَبَا النَّجِيْب الأُرْمَوِيّ.
وَعَاشَ سبعينَ سَنَةً، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ حِشْمَة وَجَلاَلَة.
سَمِعَ (الصَّحِيْح) وَحرره فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ، وَاعتمده الأَنْدَلُسِيّون، وَحَجّ مرَّتين.
قَالَ الغَسَّانِيّ: كَانَ جَيِّد الضَّبط، مِنْ أَفَاضِل النَّاس، كَرِيْمَ النَّفْس خيَاراً (2) .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ عُمَيْرَةَ: فَقِيْهٌ، مُحَدِّثٌ، عَارِف.
وَقِيْلَ: كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، كَثِيْرَ البِرّ (3) .
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّال سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة - رَحِمَهُ اللهُ -.
191 - المُلقَابَاذِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَسَّانِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُسْنِدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَسَّانِ بنِ مُحَمَّدٍ
__________
(1) انظر " الصلة " 2 / 548.
(2) " الصلة " 2 / 548.
(3) انظر في ذلك: " الصلة " 2 / 549.
(*) لم نعثر على مصادر ترجمته فيما بين أيدينا من مصادر.
قال ياقوت: ملقاباذ بالضم ثم السكون والقاف وآخره ذال معجمة: محلة بأصبهان، وقيل بنيسابور.(18/390)
النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، المُلقَابَاذِيُّ.
حَدَّثَ بـ (مُسْنَد أَبِي عَوَانَة) كُلِّه، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِي، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاء.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَجيهُ بنُ طَاهِرٍ، وَعُبَيْد اللهِ بن جَامِع الفَارِسِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ المُطَرَّزِي، وَأَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحنْزَبارَانِي.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الوَلِيْد حَسَّان بن مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ، فَقِيْهٌ، ثِقَةٌ، عَدْلٌ، مُشتغِلٌ بِنَفْسِهِ، غَيْرُ دَخَّال فِي الأُمُور، أَدْرَكَ الأَسَانِيْدَ العَالِيَةَ.
وَسَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ، وَأَبَا الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَعَبْدَ اللهِ بن يُوْسُفَ، وَأَبَا طَاهِرٍ بن مَحْمِش.
رَوَى عَنْهُ: جَدِّي أَبُو المُظَفَّرِ فِي الأَحَادِيْث الأَلْف.
مَوْلِدُهُ: فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَمَاتَ: بِنَيْسَابُوْرَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
192 - ابْنُ جَدَّا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ العُكْبَرِيُّ *
شَيْخُ الحَنَابِلَةِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ جَدَّا العُكْبَرِيُّ، العَابِدُ، القَانِتُ، كَانَ لَسِناً مُنَاظِراً، مُصَنِّفاً.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَالبَرْقَانِيّ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: قَاضِي المَارستَان، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز.
__________
(*) المنتظم 8 / 299، الوافي خ 12 / 47، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 11 - 12، شذرات الذهب 3 / 331.(18/391)
قَالَ ابْنُ خَيْرُوْنَ: كَانَ (1) صيناً، ثِقَة، مُسْتوراً (2) .
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة فَجْأَةً وَهُوَ يُصَلِّي.
193 - العُكْبَرِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الأَدِيْبُ، الأَخْبَارِيُّ، النَّدِيْمُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ العُكْبَرِيُّ، الفَارِسِيُّ الأَصْل.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ (3) وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة مِنْ أَوْلاَد المُحَدِّثِيْنَ.
سَمِعَ: أَبَاهُ أَبَا نَصْر البَقَّال، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ القَاضِي الجُعْفِيّ بِالكُوْفَةِ، وَابْنَ رَزْقُوَيْه، وَهِلاَلَ بن مُحَمَّدٍ الحَفَّار، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا الطّيب مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ خَاقَان العُكْبَرِيّ صَاحِبَ ابْنِ دُرَيْد، وَهُوَ أَقدمُ شَيْخ لَهُ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاط، وَأَخُوْهُ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بنُ الطَّرَاح، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ.
قَالَ الخَطِيْبُ (4) :كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ صَدُوْقاً. وَقَالَ سِبْطُ الخَيَّاط: كَانَ يَتشيَّع.
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) انظر " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 12.
(*) تاريخ بغداد 3 / 239، الأنساب 9 / 28، المنتظم 8 / 325، الكامل في التاريخ 10 / 117، العبر 3 / 278، البداية والنهاية 12 / 120، شذرات الذهب 3 / 342.
وقد تقدم الكلام على هذه النسبة في الترجمة رقم (64) ت (2) .
(3) في " الكامل " 10 / 117: أربع وثمانين.
(4) " تاريخ بغداد " 3 / 239.(18/392)
وَقَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: خلَّط فِي غَيْر شَيْء، وَسَمَّعَ لِنَفْسِهِ، وَمَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (1) .
ثُمَّ قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: قَوْلُ ابْنِ خَيْرُوْنَ لاَ يَقْدَحُ فِيْهِ، لأَنَّ عُمدَة قَدْحِهِ فِيْهِ كَوْنُه اسْتَعَار مِنِ ابْنِ خَيْرُوْنَ جُزْءاً، فَنقل فِيْهِ سَمَاعَه، وَردَّه، وَمَا زَالَ الطَّلبَةُ يَفعلُوْنَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَقَعَ لِي (المُجتبَى (2)) لابْنِ دُرَيْد عَالِياً مِنْ طرِيقه، سمِعنَاهُ مِنْ عُمَرَ بن القوَّاس.
194 - هَيَّاجُ بنُ عُبَيْدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّامِيُّ الحِطِّيْنِيُّ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّامِيُّ الحِطِّيْنِيُّ، الشَّافِعِيُّ، شَيْخُ الحَرَمِ.
وُلِدَ: بَعْدَ التِّسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ السِّمْسَار، وَعبدِ الرَّحْمَن بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ ابْن الطُّبيز، وَمُحَمَّدِ بنِ عَوْف بِدِمَشْقَ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَعِدَّة بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي ذَرٍّ الحَافِظ بِمَكَّةَ، وَمِنَ السكن بن جُمَيْع بِصَيْدَا، وَمِنْ
__________
(1) انظر " المنتظم " 8 / 325.
(2) في بعض مصادر ترجمة ابن دريد " المجتبى " بالباء كما هنا، وفي أخرى " المجتنى " بالنون، وقد طبع باسم المجتنى في حيدر آباد الدكن سنة 1362.
(*) الأنساب المتفقة: 43 - 44، الأنساب 4 / 170، المنتظم 8 / 326، معجم البلدان 2 / 273 - 274، اللباب 1 / 374، دول الإسلام 2 / 5، العبر 3 / 278 - 279، طبقات السبكي 5 / 355، طبقات الاسنوي 1 / 427 - 428، البداية والنهاية 12 / 120 - 121، العقد الثمين 7 / 380 - 381، النجوم الزاهرة 5 / 109، شذرات الذهب 3 / 342 - 343.
وقد ورد اسمه في " الأنساب " و" اللباب " و" معجم البلدان ": هياج بن محمد بن عبيد، وفي " البداية ": هياج بن عبد الله.(18/393)
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَهْل بقيسَارِيَّة، وَمِنْ عَلِيِّ بنِ حِمِّصَة الحَرَّانِيّ بِمِصْرَ.
وَكَانَ اعتنَاؤُه جَيِّداً بِالحَدِيْثِ، وَلَهُ بَصَرٌ بِالمَذْهَب، وَقَدَمٌ فِي التَّقْوَى، وَجَلاَلَةٌ عَجِيْبَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: هِبَةُ اللهِ الشيرَازِي فِي (مُعْجَمه) ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا هَيَّاجٌ الزَّاهِد الفَقِيْه، وَمَا رَأَتْ عينَاي مِثْلَه فِي الزُّهْد وَالوَرَع (1) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ الرَّازقِي، وَالمُحَدِّث مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ، وَثَابِتُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ السِّجْزِيّ، وَطَائِفَة.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: كَانَ هَيَّاج قَدْ بلغَ مِنْ زُهْده أَنَّهُ يَصُوْمُ ثَلاَثَةَ أَيَّام، وَيُوَاصِلُ، لَكِن يُفْطِرُ عَلَى مَاء زَمْزَم، فَمَنْ أَتَاهُ بَعْد ثَلاَث بِشَيْءٍ أَكله، وَكَانَ قَدْ نَيَّف عَلَى الثَّمَانِيْنَ، وَكَانَ يَعْتَمِرُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاَث عُمَر، وَيدرِّس عِدَّة دُرُوس، وَيزور ابْن عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ كُلَّ سَنَة مرَّة، لاَيَأْكُلُ فِي الطَّرِيْق شَيْئاً، وَيزور قَبْر النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ سَنَة مَعَ أَهْل مَكَّةَ، فِيخرج، فَمَنْ أَخَذَ بِيَدِهِ، كَانَ فِي مَؤونتِه حَتَّى يَرْجِعَ، وَكَانَ يَمْشِي حَافِياً مِنْ مَكَّة إِلَى المَدِيْنَةِ، وَسَمِعْتُ مَنْ يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّ نَعليه سُرِقَتَا، فَقَالَ: اتَّخَذ نَعلين لاَ يَسرقُهُمَا أَحَد - يَعْنِي: الحفَاء - وَرُزِقَ الشَّهَادَة فِي كَائِنَة بَيْنَ السُّنَّة وَالرَّافِضَّة (2) ، وَذَلِكَ أَن بَعْض الرَّافِضَّة شكَا إِلَى أَمِيْر مَكَّة أَنَّ أَهْلَ السّنَّة يَنَالُوْنَ مِنَّا، فَأَنفذ، وَطلب هَيَّاجاً وَأَبَا الفَضْل بن قوَام وَابْنَ الأَنْمَاطِيّ، وَضَرَبَهُم، فَمَاتَ هَذَانِ فِي الحَال، وَحُمِلَ هَيَّاج، فَمَاتَ بَعْدَ أَيَّام - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - (3) .
__________
(1) انظر " طبقات " الاسنوي 1 / 482، و" العقد الثمين " 7 / 380.
(2) زيادة من: " الأنساب المتفقة " و" أنساب " السمعاني و" المنتظم " و" معجم البلدان ".
(3) انظر " الأنساب المتفقة ": 43 - 44، و" الأنساب " 4 / 170 - 171، و" المنتظم " 8 / 326، و" معجم البلدان " 2 / 273 - 274.(18/394)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظ عَنْ هَيَّاج، فَقَالَ: كَانَ فَقِيْهاً زَاهِداً.
وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
مَاتَ هَيَّاج: سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيُّ (1) ، وَأَبُو عَلِيٍّ المَكِّيّ الشَّافِعِيّ (2) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَسَّان المُلقَابَاذِي (3) ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ العُكْبَرِيّ النّديم (4) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ اللاَّلْكَائِيّ (5) .
195 - الأَنْمَاطِيُّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الأَمِيْنُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ البَغْدَادِيُّ، الأَنْمَاطِيُّ، العَتَّابِيُّ، مِنْ مَحَلَّةِ العتَّابيَّة، وَهُوَ ابْنُ بِنْتِ السُّكَّرِيّ (6) .
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي طَاهِر المُخَلِّص.
قَالَ الخَطِيْبُ (7) :كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ سَمَاعُه صَحِيْحاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ قَاضِي المَارستَان، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ،
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (183) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (188) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (191) .
(4) تقدمت ترجمته قبل هذه الترجمة مباشرة.
(5) سترد ترجمته برقم (230) .
(*) تاريخ بغداد 10 / 469 - 470، المنتظم 8 / 321 - 322، العبر 3 / 276 - 277، شذرات الذهب 3 / 340.
(6) هو أبو الحسن علي بن عمر السكري كما في " المنتظم " 8 / 321.
(7) " تاريخ بغداد " 10 / 469.(18/395)
وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَحْمَد بن الطَّلاَّيَة الزَّاهِد، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ: هُوَ ثِقَةٌ (1) .
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَمَاتَ: فِي رَجَب سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُود، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِب الزَّاهِد، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْك، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لأَنْ يَتَصَدَّق الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمائَةِ دِيْنَارٍ عِنْدَ مَوْتِهِ (2)) .
وَمَاتَ مَعَهُ: صَاحِب دِمَشْق أَتْسِز الخُوَارِزْمِي (3) ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاء (4) ، وَأَبُو عَلِيٍّ الوَخْشِي (5) ، وَسَعْدُ بنُ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِي (6) ، وَعبدُ البَاقِي بن مُحَمَّدِ ابنِ العَطَّار الْوَكِيل (7) ، وَشيخُ النَّحْو عبدُ القَاهِر الجُرْجَانِيّ (8) ، وَأَبُو عَاصِمٍ
__________
(1) الخبر بنحوه في " المنتظم " 8 / 322.
(2) إسناده ضعيف لضعف شرحبيل وهو ابن سعد الخطمي، ومع ذلك، فقد صححه ابن حبان (821) وهو في سنن أبي داود (2866) في أول الوصايا من طريق أحمد بن صالح بهذا الإسناد.
(3) سترد ترجمته برقم (218) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (185) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (176) .
(6) تقدمت ترجمته برقم (189) .
(7) سترد ترجمته برقم (198) .
(8) سترد ترجمته برقم (219) .(18/396)
الفُضَيْلِي (1) ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ القُوْمَسَانِي زَاهِد هَمَذَان (2) ، وَأَبُو الخَيرِ الصَّفَّار (3) .
196 - الفُضَيْلِيُّ الفُضَيْلُ بنُ يَحْيَى بنِ الفُضَيْلِ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَاصِمٍ الفُضَيْلُ بنُ يَحْيَى بنِ الفُضَيْلِ الفُضَيْلِي، الهَرَوِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي شُرَيْح الأَنْصَارِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ مَنْصُوْر بن عَبْدِ اللهِ الخَالِدي، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان المُعَدل، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عبدُ السَّلاَم بَكْبَرَة، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ العَلَوِيّ، وَأَبُو الوَقْتِ عبدُ الأَوّل السِّجْزِيّ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُم، لاَ يَحضرنِي الآنَ أَسمَاؤهُم.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ فَقِيْهاً مُزَكِّياً، ثِقَة، صَدُوْقاً، عُمِّر وَحُمِلَ عَنْهُ الكَثِيْر.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (4) .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ خطيب بَيْت الْآبَار، وَطَائِفَة سَمِعُوا أَبَا المُنجَّا عَبْدَ اللهِ بن عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عبدُ الأَوّل بن عِيْسَى، أَخْبَرَنَا الفُضَيْل بن يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الْجَعْد، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاء،
__________
(1) سترد ترجمته عقب هذه الترجمة.
(2) سترد ترجمته برقم (220) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (187) .
(*) العبر 3 / 277، تذكرة الحفاظ 3 / 1177، طبقات السبكي 5 / 309 - 310، شذرات الذهب 3 / 341.
(4) انظر " طبقات السبكي " 5 / 310.(18/397)
عَنْ وَكِيْع بن عُدَس، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ العُقَيْلِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الرُّؤيَا جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِيْنَ - أَوْ سِتَّة وَأَرْبَعِيْنَ - جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّة، وَهِيَ عَلَى رِجْل طَائِر، فَإِذَا حُدِثَ بِهَا، وَقَعَتْ - وَأَحْسِبُهُ قَالَ: لاَ يُحَدِّث بِهَا إِلاَّ حَبِيْباً أَوْ لبِيْباً -) .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (1) مِنْ طرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، فَوَقَعَ لَنَا عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ.
197 - ابْنُ المُزَكِّي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، النَّبِيْلُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنُ المُحَدِّثِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سختويه (2) المُزَكِّي، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَأَبَا طَاهِرٍ بن مَحْمِش، وَعَبْدَ اللهِ بن
__________
(1) رقم (2279) في الرؤيا: باب ما جاء في تعبير الرؤيا، وهو في " مسند الطيالسي " (1088) ورواه أبوداد (5020) وابن ماجة (3914) ووكيع بن عدس ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجاله ثقات، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الحاكم 4 / 390، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في " الفتح " 12 / 377 - 378، وله شاهد يتقوى به من حديث أبي قلابة مرسلا عند عبد الرزاق (20354) ورجاله ثقات، وأخرجه الحاكم 4 / 391 موصولا بذكر أنس، وصححه ووافقه الذهبي، وأخرج الدارمي 2 / 131 بسند حسن، عن سليمان بن يسار، عن عائشة قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف - يعني في التجارة - فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن زوجي غائب، وتركني حاملا، فرأيت في المنام أن سارية بيتي انكسرت، واني ولدت غلاما أعور، فقال: خير يرجع زوجك إن شاء الله صالحا، وتلدين غلاما برا، فذكرت ذلك ثلاثا، فجاءت ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب، فسألتها فأخبرتني بالمنام، فقلت: لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلاما فاجرا، فقعدت تبكي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " مه يا عائشة إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها ".
(*) تاريخ بغداد 3 / 435، العبر 3 / 281، الوافي 5 / 197، شذرات الذهب 3 / 346.
(2) تصحفت في " تاريخ بغداد " 3 / 435 إلى " سحتويه " بالحاء المهملة.(18/398)
يُوْسُف الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَعبدَ الرَّحْمَن بن مُحَمَّدِ بنِ بَالويه، وَأَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَجيهٌ الشَّحَّامِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو الأَسَعْد بن القُشَيْرِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
يَقع لَنَا حَدِيْثُه بِإِجَازَة.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ بَالويه، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّان، حَدَّثَنَا قَطَن (1) ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً وَقَعَ لِي عَالِياً فِي مَجْلِس ابْن بَالويه.
قَالَ الخَطِيْبُ (2) :كَتَبْتُ عَنْهُ.
وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ: أَبَاهُ، وَابْنُ مَحْمِش، وَعبدَ الرَّحْمَن بن بَالَوَيْه، وَالسُّلَمِيّ، ثُمَّ عَادَ إِلَيَّ بَعْد سِنِيْنَ، فَحَدَّث عَنِ الحَاكِم، وَلَمْ يَكُنْ حَدَّثَ عَنْهُ فِيمَا تَقدم.
قُلْتُ: هَذَا لاَ يَدلُّ عَلَى شَيْءٍ.
قَالَ: وَلَمْ نَر لَهُ أَصلاً، إِنَّمَا كَانَ يَرْوِي مِنْ فروع.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ الخَطِيْبُ مُتَوَقِّفاً فِيْهِ.
وَقَالَ عبدُ الغَافِرِ الفَارِسِيُّ: هُوَ مِنْ أَظرفِ المَشَايِخ الَّذِيْنَ لقينَاهُم، وَأَكْثَرِهم سَمَاعاً.
رَوَى عَنْ نَحْو خَمْسِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ الأَصَمّ، وَأَكْثَر عَنْ أَبِيْهِ،
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 435، وتمامه: حدثنا حفص بن عبد الله، قال: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اليد العليا خير من اليد السفلى قال: واليد العليا المنفقة واليد السفلى السائلة " وهو في " الموطأ " 2 / 998 في الصدقة، ومن طريقه البخاري 3 / 235 في الزكاة: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومسلم (1033) في الزكاة: باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى عن نافع، عن ابن عمر.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 435.(18/399)
وَعَنِ السُّلَمِيّ.
وَأَملَى بِبَغْدَادَ، فَحضر مَجْلِسه القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبرِي، وَحضره أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ مائَة محبرَة، وَأَوْصَى لَهُ بَعْد وَفَاتِهِ بِالكُتُب وَالأَجزَاء.
بلغ عددُ شُيُوْخه خَمْسَ مائَة شَيْخ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ مِنْ أَظرف المَشَايِخ وَأَرغبِهم فِي التَّجَمُّل وَالنَّظَافَة، وَأَحْفَظِهم لأَيَّام المَشَايِخ.
خَرَجَ إِلَى الحَجِّ، وَبَقِيَ بِالعِرَاقِ وَغَيْرهَا نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَأَملَى، وَرُزِقَ الرِّوَايَة، وَمُتِّع بِمَا سَمِعَ، سَمِعَ الحَاكِمَ ... ، ثُمَّ سرد شُيُوْخَه.
مَاتَ: فِي رَجَب سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: أَدْرَكَ الحَاكِمَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ.
وَهُوَ مِنْ بَيْت رِوَايَة، فَلاَ يُنكَر لأَبِيْهِ أَنْ يُسْمِعَهُ مِنَ الحَاكِم.
198 - ابْنُ العَطَّارِ عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ البَغْدَادِيُّ، الأَزجِيُّ، ابْنُ العَطَّارِ، وَكِيْلُ الخلِيفتين القَائِم وَالمُقتدي.
سَمِعَ: أَبَا طَاهِرٍ المُخَلِّص، وَأَحْمَد بن الجُنْدي.
رَوَى عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ، وَعبدُ الْمُنعم ابْن الشَّيْخِ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الغَازِي، وَعِدَّة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ حَسَنَ السِّيرَة، جمِيْلَ الأَمْر، صَحِيْحَ السَّمَاع.
__________
(*) تارخ بغداد 11 / 91، المنتظم 8 / 321، العبر 3 / 276، تذكرة الحفاظ 3 / 1177، شذرات الذهب 3 / 340.(18/400)
وَقَالَ الخَطِيْبُ (1) :كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ صَدُوْقاً.
قَالَ لِي: وَلدت سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
تُوُفِّيَ أَبُو مَنْصُوْرٍ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَسَمَاعَاتُه قَلِيْلَة.
199 - شَاهْفُوْرُ أَبُو المُظَفَّرِ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، أَبُو المُظَفَّرِ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الإِسفرَايينِيّ، ثُمَّ الطُّوْسِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ (التَّفْسِيْر الكَبِيْر (2)) .
كَانَ أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
حَدَّثَ عَنِ: ابْنِ مَحمِش، وَأَصْحَاب الأَصَمّ.
رَوَى عَنْهُ: زَاهِرٌ الشَّحَّامِيّ، وَغَيْرهُ.
صَاهر الأُسْتَاذ أَبَا مَنْصُوْرٍ البَغْدَادِيّ.
تُوُفِّيَ: بِطُوسَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاد، عَنْ أَبِي رَوْح، أَخْبَرَنَا زَاهِر، أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَحمِش الزِّيَادِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 11 / 91.
(*) تبيين كذب المفتري: 276، طبقات السبكي 5 / 11، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 212 - 213، طبقات المفسرين للادنه وي: 34 / أ، كشف الظنون 1 / 268، 340 هدية العارفين / 430.
(2) أورده في " كشف الظنون " 1 / 268 باسم " تاج التراجم في تفسير القرآن للاعاجم " وقد أورده الشيخ الكوثري في مقدمة كتاب " التبصير في الدين " باسم: " تفسير الكتاب الكريم " باللغة الفارسية وهو مطبوع في إيران بعناية بعض المستشرقين.
وله أيضا كتاب: " التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين " وقد طبع في القاهرة عام 1955 بعناية العلامة المتفنن الشيخ محمد زاهد الكوثري.(18/401)
بن مَنْصُوْر، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْل، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنِّيْ لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مائَةَ مرَّة) (1) .
200 - ابْنُ البُسْرِيِّ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ البَغْدَادِيُّ، البُنْدَارُ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِر المُخَلِّص، وَأَبِي أَحْمَدَ الفَرَضِي، وَأَبِي الحَسَنِ بن الصَّلْت المُجْبر، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ الحَسَنِ الصرصرِي، وَأَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيّ، وَطَائِفَةٍ.
أَجَاز لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ بَطَّة العُكْبَرِيّ، وَنَصْرُ بنُ أَحْمَدَ المَرْجِي، وَمُحَمَّد بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيّ، وَغَيْرهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي، وَأَبُو الفَضْلِ ابْنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَعَلِيُّ بنُ طِرَاد الوَزِيْر، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَيُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الغَازِي، وَمُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه البغوي في " شرح السنة " 5 / 70 بتحقيقنا من طريق يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث صحيح، وأخرجه النسائي من رواية محمد بن عمرو به، ولمسلم (2702) وأحمد 4 / 211 و260، وأبي داود (1515) من حديث الاغر المزني مرفوعا: " إنه ليغان على قلبي، وإني لاستغفر الله في كل يوم مئة مرة ".
(*) تاريخ بغداد 11 / 335، الإكمال 1 / 486، الأنساب 2 / 211، المنتظم 8 / 333، الاستدراك 1 / ورقة 56 أ، الكامل في التاريخ 10 / 122، العبر 3 / 281، تذكرة الحفاظ 3 / 1183، المشتبه 1 / 75، تبصير المنتبه 1 / 153، شذرات الذهب 3 / 346.
والبسري، قال السمعاني: نسبة إلى بيع البسر وشرائه.
ونقل المعلمي اليماني عن " التوضيح " عن ابن نقطة: أن الصحيح في هذه النسبة أنها إلى البسرية: قرية على فرسخين من بغداد.(18/402)
طَاهِر المَقْدِسِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَموهوبُ بنُ الجوَالِيقِي، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَخُوْهُ أَبُو بَكْرٍ المُجَلِّد، وَسَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاء، وَنَصْرُ بنُ نَصْر العُكْبَرِيّ الوَاعِظ، وَالحَافِظ مُحَمَّدُ بنُ نَاصِر، وَعَدَدٌ كَثِيْر.
وَبَالإِجَازَة: أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ اللحاس.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ شَيْخاً صَالِحاً، عَالِماً ثِقَةً، عُمِّر وَحَدَّثَ بِالكَثِيْر، وَانتشرت عَنْهُ الرِّوَايَةُ، وَكَانَ متوَاضعاً، حسنَ الأَخلاَق، ذَا هيئَةٍ وَرُوَاء.
قَالَ الخَطِيْبُ (1) :كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ صَدُوْقاً.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الحَافِظ: شَيْخٌ، ثِقَةٌ.
وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
وَسَأَله الخَطِيْب عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة (2) .
مَاتَ أَبُو القَاسِمِ: فِي سَادس رَمَضَان، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
201 - بِيْبَى أُمُّ الفَضْلِ بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَلِيٍّ الهَرْثَمِيَّةُ *
الشَّيْخَةُ، المُعَمِّرَةِ، المُسْنِدَةِ، أُمُّ الفَضْلِ، وَأُمُّ عِزَّى (3) بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرْثَمِيَّة، الهَرَويَّة.
رَوَتْ عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي شُرَيْح جُزْءاً عَالِياً اشْتُهِرَ بِهَا.
__________
(1) " تاريخ بغداد " 11 / 335.
(2) " تاريخ بغداد " 11 / 335.
(*) العبر 3 / 287، الوافي 10 / 359 - 360، كشف الظنون 1 / 586، شذرات الذهب 3 / 354، تاج العروس 1 / 155، مادة (بيب) وفيه: بيبى كضيزى.
(3) تحرفت في " العبر " و" الشذرات " إلى أم عربي.(18/403)
حَدَّثَ عَنْهَا: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَوجيهٌ الشَّحَّامِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشيرَازِي، وَعبدُ الجَبَّار بنُ أَبِي سَعْدٍ الدّهان، وَأَبُو الوَقْتِ عبدُ الأَوّل السِّجْزِيّ، وَخَلْقُ، آخِرُهم مَوْتاً عبدُ الجَلِيْل بن أَبِي سَعْدٍ المُعَدَّل؛ الَّذِي لحقه عبد القَادِر الرُّهَاوِيّ الحَافِظ.
وَقَدْ رَوَى: أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد فِي (مُعْجَمه) ، عَنْ ثَابِتِ بنِ طَاهِر، عَنْهَا.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: هِيَ مِنْ قَرْيَة بخشَة عَلَى برِيْد مِنْ هَرَاة، صَالِحَةٌ، عفِيفَة، عِنْدَهَا جزءٌ مِنْ حَدِيْثِ ابْن أَبِي شُرَيْح، تَفردت بِهِ، سَمِعَهُ مِنْهَا عَالَمٌ لاَ يُحصُوْن، وُلِدَتْ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
ثُمَّ قَالَ: وَمَاتَتْ فِي حُدُوْدِ سَنَة خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قُلْتُ: عَاشت إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ (1) وَمَاتَتْ فِي عَشْرِ المائَة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الظَّاهِرِي وَجَمَاعَةٌ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا العُلبِي قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَتْنَا بِيْبَى الهَرْثمِيَّة، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيّ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ (2) ثَلاَثَةُ دَرَاهم) (3) .
__________
(1) أوردها المؤلف في " العبر " في وفيات هذه السنة، وقال: توفيت في هذه السنة أو في التي بعدها.
وذكر الصفدي في " الوافي " أنها توفيت سنة 447 وهو خطأ.
(2) في الأصل: ثمن، وهو خطأ، والمجن: اسم لكل ما يستجن به، أي: يستتر.
(3) هو في " الموطأ " 2 / 832 في الحدود: باب ما يجب فيه القطع، ومن طريقه أخرجه البخاري 6795، ومسلم (1686) والنسائي 8 / 76، وأبو داود (4385) وأحمد 2 / 64، والبيهقي 8 / 256، والطيالسي 1 / 301، وهو من طرق أخرى عن نافع به، عند البخاري (6796) و (6797) و (6798) ومسلم (1686) والدارمي 2 / 173، وابن ماجه (2584) والترمذي (1446) وأبي داود (4386) والنسائي 8 / 77، وابن الجارود (825) وأحمد 2 / 6 و54 و80 و82 و143 و145، والبيهقي 8 / 256، والدارقطني 3 / 190.(18/404)
202 - كُرّكَانُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ *
الشَّيْخُ، القُدْوَةُ، عَالِمُ الزُّهَّادِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ الطُّوْسِيُّ، الطَّابَرَانِيُّ، الكُرّكَانِيُّ، وَيُعْرَفُ: بكُرّكَانَ.
كَانَ شَيْخَ الصُّوْفِيَّة وَالمشَارَ إِلَيْهِ بِالأَحْوَال وَالمُجَاهِدَة.
سَمِعَ: حَمْزَةَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ المُهَلَّبِيّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: مُحَمَّدِ بن أَبِي سَعِيْدٍ الإِسفرَايينِيّ.
ذكره السَّمْعَانِيّ فَعَظَّمَهُ وَفَخَّمه، وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْنُ بِنْته عبد الوَاحِد ابْن الشَّيْخ أَبِي عَلِيٍّ الفَارْمَذِيّ، وَعبدُ الجَبَّار بنُ مُحَمَّدٍ الخُوَارِيّ.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ الأَصْحَاب وَالدُويرَة - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الإِسْمَاعِيْلِيّ المُعَدَّل (1) ، وَأَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي الحَدِيْد الدِّمَشْقِيّ (2) ، وَحَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيّ ابْن الطَّرَابُلسِيّ المُحَدِّث (3) ، وَأَبُو مَرْوَان حَيَّان بن خَلَف بن حَيَّان القُرْطُبِيّ، النَّحْوِيّ، مُؤرخ الأَنْدَلُس (4) .
وَشيخ التعبِير أَبُو المُنَجَّا حَيدرَةُ بنُ عَلِيٍّ القَحْطَانِيُّ الأَنْطَاكِيّ (5) ، وَكَانَ يَحفظُ فِي فَنِّ التعبِير أَزِيدَ مِنْ عَشْرَة آلاَف وَرقَة، وَأَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بَابْشَاذ، الجَوْهَرِيُّ النَّحْوِيّ (6) بِمِصْرَ، وَأَبُو
__________
(*) دول الإسلام 2 / 4، العبر 3 / 271، شذرات الذهب 3 / 334.
(1) سبقت ترجم برقم (123) .
(2) سترد ترجمته برقم (211) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (157) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (179) .
(5) سترد ترجمته برقم (206) .
(6) سترد ترجمته برقم (225) .(18/405)
مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ الصرِيفِيْنِيّ الخَطِيْب (1) ، وَالحَافِظ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الجُورِيّ (2) الزَّاهِد بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِيْسَى بنِ مَنْظُوْر الإِشْبِيْلِيّ (3) رَاوِي (الصَّحِيْح) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ سِكِّيْنَة الأَنْمَاطِيّ (4) .
يَرْوِي عَنْ: عُبَيْد اللهِ بن أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَالمُحَدِّث نَجَاءُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيّ العَطَّار كَهْلاً، وَعبدُ الحمِيد بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ البَحيرِيّ (5) ، رَاوِي (مُسْنَد أَبِي عَوَانَة) .
203 - البَسْتِيْغِيُّ أَبُو سَعْدٍ شَبِيْبُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنَدُ، أَبُو سَعْدٍ شبِيْبُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خُشنَام (6) النَّيْسَابُوْرِيُّ، البَسْتيغِيُّ، الحبَّارُ، الكَرَّامِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ الأَزْهَرِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَجَمَاعَة.
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفُرَاوِيّ، وَزَاهِرٌ الشَّحَّامِيّ، وَأَخُوْهُ وَجيهٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ المُؤَذِّن، وَهبَةُ الرَّحْمَن بنُ القُشَيْرِيّ، وَسَعِيْدُ بنُ الحُسَيْنِ الجَوْهَرِيّ، وَعبدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ، وَقَالَ: هُوَ شَيْخ صَالِح، صَحِيْحُ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (153) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (171) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (190) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (165) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (162) .
(*) الأنساب 2 / 207 - 208، معجم البلدان 1 / 419 - 420، اللباب 1 / 151، تبصير المنتبه 2 / 26.
البستيغي: بفتح الباء الموحدة وسكون السين المهملة وكسر التاء المساة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت وبعدها الغين المعجمة، هذه النسبة إلى بستيغ: وهي قرية بسواد نيسابور " الأنساب ".
(6) في " الأنساب ": أبو سعيد شبيب بن أحمد بن خشنام أحمد، وفي " اللباب ": مسيب بن أحمد بن محمد بن هشام.
وخشنام: كلمة فارسية معناها: " الاسم الطيب ".(18/406)
السَّمَاع، مُشتغِل بِكسبه.
وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: ذكر لِي زَاهِر الشَّحَّامِيّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يَعرف الحَدِيْث، وَكَانَ كَرَّامِياً مُتغَالياً.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ الحَافِظ السَّمْعَانِيّ: كَانَ صَالِحاً عَفِيْفاً، سَدِيْدَ السِّيرَة، رَوَى عَنْهُ جَدِّي فِي (أَمَاليه) .
وَتُوُفِّيَ: فِي حُدُوْدِ السَّبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (1) ، وَوُلِدَ قَبْل التِّسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَالكرَّامِيّ: نسبَة إِلَى ابْنِ كرَّام (2) المُبْتَدِع.
204 - أَبُو مُسْلِمٍ اللَّيْثِيُّ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفِيدُ، الرَّحَّالُ، الطَّوَّافُ، أَبُو مُسْلِمٍ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ اللَّيْثِ اللَّيْثِيُّ، البُخَارِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي سَهْلٍ عبدِ الكَرِيْم بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَلاَبَاذِيّ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ خَنْباج، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَاضِر الهَرَّاس، وَالحَافِظ يُوْسُف بن مَنْصُوْرٍ السيَّارِيّ، وَعَبْدِ الْملك بنِ عَلِيٍّ الإِمَام، وَعِدَّة.
وَسَمِعَ بِسَمَرْقَنْدَ مِنَ: المُطَهَّر بن مُحَمَّدٍ الخَاقَانِي، وَمُحَمَّد بن جَعْفَرٍ الطَّبَسِيّ.
وَبِكَشّ: مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ الحَلْوَائِيّ الفَقِيْه.
وَببلخ: أَبَا عُمَر مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المُسْتَمْلِي.
وَبغَزْنَة: مُظفَّرَ بنَ الحُسَيْنِ، وَعَلِيَّ بن مُحَمَّدٍ الدِّيْنَوَرِيّ اللَّبَّان، وَسَعِيْداً العَيَّار.
وَبهرَاة: عَطَاءَ بن أَحْمَدَ.
وَببُوشَنْج: مَنْصُوْرَ بنَ العَبَّاسِ التَّمِيْمِيّ.
وَبمرو: أَبَا عَمْرٍو مُحَمَّد
__________
(1) في " معجم البلدان " نقلا عن عبد الغافر الفارسي أنه توفي سنة نيف وستين وأربع مئة.
(2) تقدمت ترجمته في الجزء الحادي عشر برقم (146) .
(*) سؤالات الحافظ السلفي 99 - 100، الأنساب، مادة الليثي، اللباب 3 / 138، تذكرة الحفاظ 4 / 1235 - 1236، لسان الميزان 4 / 319 - 320، طبقات الحفاظ: 451، هدية العارفين 1 / 782.(18/407)
ابْن عَبْد العَزِيْزِ القَنْطَرِيّ، وَأَبَا غَانِم الكرَاعِيّ.
وَبِنَيْسَابُوْرَ: أَبَا حَفْصٍ بنَ مَسْرُوْر، وَعبد الغَافِر الفَارِسِيّ، وَبِهَمَذَان وَأَصْبَهَان.
ثُمَّ قَدِمَ العِرَاق، فَسَمِعَ عبدَ الصَّمد بن المَأْمُوْن وَطَبَقَته.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الطُّيُورِي، وَهِبَةُ اللهِ بن المُجْلِي، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاء، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ المُؤتمن السَّاجِيّ: كَانَ حَسَنَ المَعْرِفَة، شَدِيدَ العنَايَة بِالصَّحِيْح (1) .
وَقَالَ شُجَاع: كَانَ يَحفَظُ وَيَفهُم، وَيَعْرِف شَيْئاً مِنْ علم الحَدِيْث، وَكَانَ قَرِيْبَ الأَمْر فِي الرِّوَايَة (2) .
وَقَالَ خَمِيْس الحوزِي (3) :قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: كَتَبتُ وَكُتِبَ لِي عشر رَوَاحِل، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ابْنُ الخَاضبَة (4) .
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا بنُ مَنْدَة: هُوَ أَحَدُ مَنْ يَدَّعِي الحِفْظ، إِلاَّ أَنَّهُ يُدَلِّس، وَيَتعصَّبُ لأَهْل البِدَع، أَحْوَلُ، شَرِهٌ، كُلَّمَا هَاجت رِيحٌ، قَامَ مَعَهَا، صَنّف (مُسْنَد الصَّحِيْحَيْنِ (5)) .
قُلْتُ: آلُ مندَه لاَ يُعبأُ بقَدْحِهِم فِي خُصومهم، كَمَا لاَ نَلتفتُ إِلَى ذَمِّ خُصُومهمْ لَهُم، وَأَبُو مُسْلِمٍ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِيمَا أَجَازَهُ لِي، عَنْ خَلِيْلِ بنِ بَدْر سَمِعَ مُحَمَّد بن عَبْدِ
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1236.
(2) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1236، و" لسان الميزان " 4 / 319.
(3) " سؤالات الحافظ السلفي ": 99، وقد تصحف " الحوزي " في " لسان الميزان " 4 / 319 إلى " الجوزي "
(4) تصحف في " لسان الميزان " 4 / 319 إلى " الخاصة " وفي " الأصل " إلى: الحاضنة.
(5) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1236، و" لسان الميزان " 4 / 319.(18/408)
الوَاحِدِ الدَّقَّاق يَقُوْلُ:
الحُفَّاظ الَّذِيْنَ شَاهدتهُم: أَبُو مُسْلِمٍ اللَّيْثِيّ، قَدِمَ عَلَيْنَا أَصْبَهَان، وَكَانَ أَحْفَظَ مَنْ رَأَيْتُ لِلكِتَابين، جمع بَيْنَ (الصَّحِيْحَيْنِ) فِي أَرْبَعِيْنَ سَنَةً (1) .
وَقَالَ شِيْرَوَيْه الدّيلمِي: قَدِمَ عَلَيْنَا وَلَمْ يُقض لِي السَّمَاعُ مِنْهُ، وَكَانَ يَحفظ وَيُدلِّس، حَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ البَصْرِيّ، مَاتَ بِخوزستَان سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) .
وَقَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: مَاتَ بِالأَهْوَاز سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمِعَ مِنِّي.
قَالَ: وَكَانَ فِيْهِ تَمَايُلٌ عَنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَعُجْبٌ بِنَفْسِهِ - رَحِمَهُ اللهُ - (3) .
205 - البَيَاضِيُّ مَسْعُوْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المُحْسِنِ *
الشَّاعِرُ، المُحسنُ، الشَّرِيْفُ، أَبُو جَعْفَرٍ مَسْعُوْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ (4) بنِ المُحسنِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ.
__________
(1) في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1236: جمع بين الصحيحين في أربعين مشرسة كل واحدة منها قريبة من مجلد.
(2) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1236، وقد ذكره المؤلف في وفيات هذه السنة - أي سنة ست -
في ترجمة الحفصي، وفيها أرخ وفاته ابن الأثير في " اللباب " 3 / 138.
(3) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1236.
(*) دمية القصر 1 / 378، المنتظم 8 / 300 - 301، الكامل لابن الأثير 10 / 101 - 102، وفيات الأعيان 5 / 197 - 199، المختصر 2 / 192، تتمة المختصر 1 / 569 - 570، مرآة الجنان 3 / 97، البداية والنهاية 12 / 113 - 114، النجوم الزاهرة 5 / 103، شذرات الذهب 3 / 331 - 332.
والبياضي، قال ابن خلكان: إنما قيل له ذلك لان أحد أجداده كان في مجلس بعض الخلفاء مع جماعة من العباسيين، وكانوا قد لبسوا سوادا، ما عداه، فإنه كان قد لبس بياضا، فقال الخليفة: من ذلك البياضي، فثبت الاسم عليه، واشتهر به.
(4) في " المنتظم " و" الكامل " و" البداية ": مسعود بن المحسن، بإسقاط " عبد العزيز ".(18/409)
لَهُ (ديوَانٌ) صَغِيْر قلَّ مَا فِيْهِ مِنَ الْمَدِيح، وَنَظْمُهُ فِي الذُّروَة (1) ، وَهُوَ القَائِلُ:
كَيْفَ يَذْوِي عُشْبُ أَشْ* ـ ... وَاقِي وَلِي طَرْفٌ مَطِيْرُ
إِنْ يَكُنْ فِي العِشْقِ حُرٌّ ... فَأَنَا العَبْدُ الأَسِيْرُ
أَوْ عَلَى الحُسْنِ زَكَاةٌ ... فَأَنَا ذَاكَ الفَقِيْرُ (2)
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
206
- حَيْدَرَةُ بنُ عَلِيٍّ * أَبُو المُنَجَّا (3) القَحْطَانِيُّ الأَنْطَاكِيُّ
إِمَامُ أَهْلِ التَعْبِيرِ.
رَوَى عَنِ: ابْنِ أَبِي نَصْرٍ، وَجَمَاعَة.
وَعَنْهُ: ابْنُ الأَكْفَانِي، وَجمَالُ الإِسْلاَم، وَعَلِيُّ بنُ قبيس، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ الأَكْفَانِي: كَانَ يَذكر أَنَّهُ يَحفظ فِي علم التعبِير عَشْرَة آلاَفِ وَرقَة وَثَلاَثَ مائَة وَرقَة (4) .
قَالَ: وَكَانَ شَيْخُه عَبْد العَزِيْزِ الشهرزورِيّ يَحفظ فِي ذَلِكَ عَشْرَة آلاَفِ وَرقَة.
قُلْتُ: يَكُوْن ذَلِكَ أَرْبَعِيْنَ مُجلَّداً.
__________
(1) انظر بعض نظمه في " وفيات الأعيان " 5 / 198 - 199، و" دمية القصر " 1 / 378، و" المنتظم " 8 / 300 - 301.
(2) الابيات في " وفيات الأعيان " 5 / 198 - 199، و" المختصر " 2 / 192.
(*) الإكمال 7 / 268، ترتيب المدارك 4 / 766، شذرات الذهب 3 / 333، العبر 3 / 270 - 271، تهذيب ابن عساكر 5 / 25.
وسيعيد المؤلف ترجمته في الصفحة 451.
(3) في " ترتيب المدارك ": أبوالنجا.
(4) " تهذيب ابن عساكر " 5 / 25.(18/410)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَفِي النَّفْس مِنْ هَذِهِ الكَثْرَة.
207 - ابْنُ مَخْلَدٍ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ *
الشَّيْخُ الأَمِيْنُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ الأَزْدِيُّ (1) الوَاسِطِيُّ، البَزَّازُ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ العَلَوِيّ؛ الَّذِي يَرْوِي عَنْ خَلِيْل بن أَبِي رَافِعٍ الطَّحَّان، صَاحِب تَمِيْم بن المُنْتَصِر.
وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَد بن عُبَيْد بن بِيْرِي، وَابْنِ خَزَفَة، وَأَبِي عَلِيّ بن مُعَاذٍ، وَطَائِفَة.
وَعِنْد أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ العَلَوِيّ أَيْضاً (مُسْنَد أَحْمَدَ بن سِنَانٍ القَطَّان) ، يَرْوِيْهِ عَنْ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّر، عَنْهُ.
قَالَ السِّلَفِيّ (2) :سَأَلت خَمِيْساً الحَافِظ عَنِ ابْنِ مَخْلَد، فَقَالَ: سَمِعَ بِإِفَادَة أَبِيْهِ، وَكَانَ ثِقَةً، جَيِّدَ الخَطِّ، جَيِّد الأُصُوْل.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ أَبُو المُفَضَّل، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الجُلاَّبِي.
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدَ بن عبد الحمِيد قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ جُمُعَة سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَة، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ مَكِّيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجُلاَّبِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَد سَنَة (464) ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بن الفَضْلِ بنِ سَهْل، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّر،
__________
(*) سؤالات السلفي 25 - 26، الأنساب 3 / 278، اللباب 1 / 286، تبصير المنتبه 2 / 551.
(1) في " الأنساب " زيادة نسبة: الجلختي.
(2) " سؤالات السلفي ": 25 - 26.(18/411)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَان، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَرْجِسَ قَالَ:
رَأَيْتُ الأَصْلع - يَعْنِي: عُمَر - يُقَبِّل الْحجر وَيَقُوْلُ: إِنِّيْ لأُقَبِّلُكَ، وَإِنِّيْ لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، لَوْلاَ أَنِّي رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُك.
أَخرج البُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بنِ سِنَان نَحْوهُ، لَكِن عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، عَنْ وَرْقَاء، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُمَرَ (1) .
208 - مَكِّيُّ بنُ جَابَارَ أَبُو بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيُّ *
الحَافِظُ، الفَقِيْهُ، أَبُو بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْد الغَنِيِّ بن سَعِيْدٍ، وَخَلَفِ بنِ مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيّ، وَصدقَةَ بنِ الدَّلم، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي نَصْرٍ، وَعِدَّة.
وَكَتَبَ شَيْئاً كَثِيْراً، وَكَانَ سُفيَانِي المَذْهَب.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ العَزِيْزِ الكَتَّانِي، وَأَبُو طَاهِرٍ الحِنَّائِي، وَغِيثُ بنُ عَلِيٍّ الأَرْمنَازِي، وَغَيْرهُم.
قَالَ الأَمِيْنُ بنُ الأَكْفَانِي: كَانَتْ لَهُ عنَايَةٌ جيدَةٌ بِمَعْرِفَة الرِّجَال، حَدَّثَ بِشَيْءٍ يَسير، وَوَلِيَ قَضَاءَ دَمِيْرَة (2) ، وَامْتَنَعَ بِأَخَرَةَ مِنْ إِسْمَاع الحَدِيْث، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ قَدْ طلبَ أَنْ يَسْمَع مِنْهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ.
__________
(1) هو في البخاري (1610) في الحج: باب تقبيل الحجر، وهو عنده أيضا برقم (1605) و (1597) وأخرجه مسلم (1279) في الحج: باب استحباب تقبيل الحجر الأسود بالطواف.
(*) الإكمال 2 / 11، تبصير المنتبه 1 / 230، شذرات الذهب 3 / 332.
وتصحف فيه جابار بالجيم إلى حابار بالحاء.
(2) قال ياقوت: دميرة، بفتح أوله وكسر ثانيه: قرية كبيرة بمصر قرب دمياط.(18/412)
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي رَجَب سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
209 - ابْنُ حَيُّوْسٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلْطَانَ بنِ مُحَمَّدٍ الغَنَوِيُّ *
الأَمِيْرُ (1) الكَبِيْرُ، شَاعِرُ الشَّامِ، مُصْطَفَى الدَّوْلَةِ، أَبُو الفِتْيَانِ مُحَمَّدُ بنُ سُلْطَان بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَيُّوْسٍ الغَنَوِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، صَاحِبُ (الدِّيْوَان (2)) .
سَمِعَ مِنْ: خَاله أَبِي نَصْرٍ بنِ الجُنْدي.
رَوَى عَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَالنَّسِيْب، وَالقَاضِي يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيّ.
قَالَ ابْنُ مَاكُوْلا (3) :لَمْ أُدْرِكْ بِالشَّامِ أَشعرَ مِنْهُ.
قُلْتُ: وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ (4) وَثَلاَثِ مائَة.
وَمَاتَ: بِحَلَب فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ (5) وَسَبْعِيْنَ، وَهُوَ القَائِلُ:
طَالمَا قُلْتُ لِلمُسَائِلِ عَنْهُمُ ... وَاعْتِمَادِي هِدَايَةُ الضُّلاَّلِ
__________
(*) الإكمال 2 / 370، الكامل في التاريخ 10 / 117، المحمدون من الشعراء: 129 - 130، وفيات الأعيان 4 / 438 - 444، المختصر في أخبار البشر 2 / 194 وقد تحرف فيه إلى ابن جيوش، المشتبه 1 / 211، العبر 3 / 279، تتمة المختصر 1 / 572، الوافي 3 / 118 - 121، مرآة الجنان 3 / 101 - 103، تبصير المنتبه 1 / 400، معاهد التنصيص 2 / 278 - 282، كشف الظنون: 765، 773، شذرات الذهب 3 / 343 - 344، زبدة الحلب 2 / 40 - 41، مقدمة ديوان لخليل مردم طبعة دمشق / 1951، وانظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5 / 48 - 49 من النسخة العربية.
(1) قال ابن خلكان: كان يدعى بالامير لان أباه كان من أمراء العرب.
" وفيات الأعيان " 4 / 438.
(2) وقد طبع في دمشق عام 1951 في مجلدين بتصدير خليل مردم، وهو قصائد في مديح رؤساء سوريا وأمرائها، وعلى الاخص في الحمدانيين وبني مرداس.
(3) " الإكمال " 2 / 370.
(4) تحرفت في " الشذرات " إلى: أربع وسبعين.
(5) في " الكامل " و" المختصر " و" تتمته " أنه توفي سنة (472) .(18/413)
إِنْ تُرِدْ عِلْمَ حَالِهْم عَنْ يَقينٍ ... فَالْقَهُم فِي مَكَارِمٍ أَوْ نِزَالِ
تَلْقَ بِيْضَ الأَعْرَاضِ (1) سُودَ مُثَارِ النَّ ... قْعِ خُضْرَ الأَكنَافِ حُمْرَ النِّصَالِ (2)
فَنظمُه كَمَا تسَمِع فَائِقٌ رَائِقٌ.
210 - أَلْب آرْسَلاَنَ مُحَمَّدُ بنُ جَغْرِيْبَكَ دَاوُدَ التُّرُكْمَانِيُّ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المَلِكُ العَادِلُ، عَضُدُ الدَّوْلَةِ، أَبُو شُجَاعٍ أَلْب آرْسَلاَنَ (3) مُحَمَّدُ ابْنُ السُّلْطَانِ جَغْرِيْبَكَ دَاوُدَ بنِ مِيْكَائِيْلَ بنِ سَلْجُوْق بنِ تُقَاقَ بنِ سَلْجُوْق التُّرُكْمَانِيُّ، الغُزِّيُّ.
مِنْ عظمَاء مُلُوْك الإِسْلاَم وَأَبْطَالهم.
وَلَمَّا مَاتَ عَمُّه طُغْرَلْبَك، عَهِدَ بِالملكِ إِلَى سُلَيْمَان أَخِي أَلب آرسلاَن، فَحَارَبَهُ أَلب آرسلاَن وَعَمّه قُتُلْمِش، فَتلاشَى أَمرُ سُلَيْمَان، وَتسلطن أَلب آرسلاَن (4) .
وَقِيْلَ: نَازعه فِي المُلك أَيْضاً قُتُلْمِش، وَأَقْبَلَ فِي تِسْعِيْنَ أَلْفاً، وَكَانَ أَلب آرسلاَن فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، فَهَزم قُتُلْمِش، وَوُجد بَعْد الهَزِيْمَة
__________
(1) في " الوافي " 3 / 120: بيض الوجوه.
(2) الابيات في " ديوانه " 2 / 260.
(*) المنتظم 8 / 276 - 277 و279، الكامل لابن الأثير 10 / 64 - 67 و73 - 75، مختصر تاريخ دولة آل سلجوق: 30، 33، 39، 40 - 44، 47 - 49، وفيات الأعيان 5 / 69 - 71، المختصر 2 / 188 - 189، دول الإسلام 1 / 274، العبر 3 / 258، تتمة المختصر 1 / 565 - 566، الوافي بالوفيات 2 / 308 - 309، البداية والنهاية 12 / 106 - 107، النجوم الزاهرة 5 / 92 - 93، شذرات الذهب 3 / 318 - 319.
قال ابن خلكان: وألب ارسلان، بفتح الهمزة وسكون اللام وبعدها باء موحدة، وبقية الاسم معروفة فلا حاجة لتفسيرها، وهو اسم تركي معناه شجاع أسد، فألب شجاع، وآرسلان أسد.
وآرسلان وردت في الأصل بالمد، وفي " المعجم الذهبي " للدكتور التونجي أرسلان بالهمزة.
(3) في " الوافي ": ألب آرسلان.
(4) انظر هذه الحادثة في ترجمة قتلمش المتقدمة برقم (54) .(18/414)
ميتاً. قِيْلَ: رَمَتْهُ الدَّابَة (1) .
وَحُمِلَ فَدُفِنَ بِالرَّيّ، وَكَانَ حَاكماً عَلَى الدَّامغَان وَغَيْرهَا.
وَعَظُمَ أَمر السُّلْطَان أَلب آرسلاَن، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى مَنَابِر العِرَاق وَالعجم وَخُرَاسَان، وَدَانت لَهُ الأُمَم، وَأَحَبَّته الرَّعَايَا، وَلاَ سِيَّمَا لمَا هزم العَدُوِّ، فَإِنَّ الطَّاغِيَة عَظِيْم الرُّوْم أَرمَانوس حشدَ، وَأَقْبَلَ فِي جمعٍ مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ، فِي نَحْو مِنْ مائَتَيْ أَلف مقَاتل مِنَ الرُّوْم وَالفِرَنْج وَالكُرْج وَغَيْر ذَلِكَ وَصل إِلَى مَنَازْكِرْد (2) ، وَكَانَ السُّلْطَان بخُوَيّ (3) قَدْ رَجَعَ مِنَ الشَّام فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف فَارِس، وَبَاقِي جُيوشه فِي الأَطرَاف، فَصمَّم عَلَى المَصَافّ، وَقَالَ: أَنَا أَلتقيهُم - وَحَسْبِي الله - فَإِن سَلِمْتُ، وَإِلاَّ فَابْنِي مَلِكْشَاه وَلِيُّ عَهْدي.
وَسَارَ، فَالتَقَى يَزَكُه (4) وَيَزَكُ القَوْم، فَكسرهم يَزَكُه، وَأَسرُوا مَقَدَّمَهُم، فَقَطَع السُّلْطَانُ أَنفَه.
وَلَمَّا التَقَى الجمعَان، وَترَاءى الكُفْرُ وَالإِيْمَان، وَاصطدم الجبلاَن، طلب السُّلْطَانُ الهُدْنَةَ، قَالَ أَرمَانوس: لاَ هُدْنَةَ إِلاَّ بِبذل الرَّيّ، فَحمِي السُّلْطَانُ، وَشَاط، فَقَالَ إِمَامُه: إِنَّك تُقَاتِلُ عَنْ دينٍ وَعَدَ اللهُ بِنصره، وَلَعَلَّ هَذَا الفَتْح بِاسْمِك، فَالْقهم وَقتَ الزَّوَال - وَكَانَ يَوْم جُمُعَة -.
قَالَ: فَإِنَّهُ يَكُوْن الخُطَبَاءُ عَلَى المَنَابِر، وَإِنَّهم يَدعُوْنَ لِلمُجَاهِدين.
فَصلّوا، وَبَكَى السُّلْطَانُ، وَدَعَا وَأَمَّنُوا، وَسجد، وَعَفَّر وَجهَه، وَقَالَ: يَا أُمَرَاء! مَنْ شَاءَ فَلينصرف، فَمَا هَا هُنَا سُلْطَان.
وَعَقَدَ ذَنَبَ حِصَانه بِيَدِهِ، وَلَبِسَ البيَاض وَتَحنَّط، وَحَمَلَ بجَيْشه حملَة صَادِقَة،
__________
(1) وفي ترجمة قتلمش، فيقال: مات خورا ورعبا.
(2) قال ياقوت: منازجرد، بعد الالف زاي ثم جيم مكسورة وراء ساكنة ودال، وأهله يقولون: منازكرد بالكاف، بلد مشهور بين خلاط وبلاد الروم، يعد في أرمينية وأهله أرمن وروم.
وقد تحرفت في " الكامل " 10 / 65 إلى: ملازكرد.
(3) خوي: بلد بأذربيجان.
(4) اليزك: كلمة فارسية، معناها: مقدمة الجيش.(18/415)
فَوَقَعُوا فِي وَسط العَدُوّ يَقتلُوْنَ كَيْفَ شَاؤُوا، وَثبت العَسْكَرُ، وَنَزَلَ النَّصْر، وَوَلَّتِ الرُّوْم، وَاسْتَحَرَّ بِهِم الْقَتْل، وَأُسِرَ طَاغِيَتهم أَرمَانوس، أَسره مَمْلُوْكٌ لِكوهرَائِين، وَهَمَّ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ إِفرنجِي: لاَ لاَ، فَهَذَا الْملك.
وَقَرَأْت بخطّ القِفْطِيّ أَنَّ أَلب آرسلاَن بِالغ فِي التَّضَرُّع وَالتذلل، وَأَخلص للهِ.
وَكَيْفِيَةُ أسر الطَّاغِيَة أَنَّ مَمْلُوْكاً وَجد فَرساً بلجَام مجَوْهَر وَسرج مَذْهَب مَعَ رَجُلٍ، بَيْنَ يَدَيْهِ مِغفرٌ مِنَ الذَّهَبِ، وَدرع مَذْهَّب، فَهَمَّ الغُلاَم، فَأَتَى بِهِ إِلَى بَيْنَ يَدي السُّلْطَان، فَقنَّعه بِالمِقرعَة، وَقَالَ: وَيْلَك! أَلَمْ أَبعثَ أَطلب مِنْكَ الهُدنَة؟
قَالَ: دعنِي مِنَ التَّوبيخ.
قَالَ: مَا كَانَ عَزْمُك لَوْ ظفرتَ بِي؟
قَالَ: كُلُّ قَبِيح.
قَالَ: فَمَا تُؤَمِّلُ وَتَظُنُّ بِي؟
قَالَ: القتلُ أَوْ تُشهّرُنِي فِي بلاَدك، وَالثَّالِثَة بعيدَةٌ: العفوُ وَقبولُ الفِدَاء.
قَالَ: مَا عَزمتُ عَلَى غَيْرهَا.
فَاشْتَرَى نَفْسه بِأَلفِ أَلفِ دِيْنَار وَخَمْسِ مائَة أَلْف دِيْنَار، وَإِطلاَقِ كُلّ أَسير فِي بلاَده، فَخلع عَلَيْهِ، وَبَعَثَ مَعَهُ عِدَّة، وَأَعْطَاهُ نَفَقَة تُوصلُه.
وَأَمَّا الرُّوْم فَبَادرُوا، وَملَّكُوا آخر، فَلَمَّا قرب أَرمَانوس، شعر بزوَال ملكه، فَلَبِسَ الصُّوف، وَترهَّب، ثُمَّ جمع مَا وَصلتْ يَدُه إِلَيْهِ نَحْو ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار، وَبَعَثَ بِهَا، وَاعْتَذَرَ، وَقِيْلَ: إِنَّهُ غلب عَلَى ثُغُور الأَرمن.
وَكَانَتِ المَلْحَمَة فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ (1) .
وَقَدْ غَزَا بلاَد الرُّوْم مرَّتين، وَافتَتَح قلاعاً، وَأَرعب المُلُوْكَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَمِنْهَا إِلَى كِرْمَان وَبِهَا أَخُوْهُ حَاروت (2) ، وَذَهَبَ إِلَى شيرَاز، ثُمَّ عَادَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَكَادَ أَنْ يَتملّك مِصْر.
__________
(1) وقد تقدم الخبر في ترجمة القائم بأمر الله، ص: 315 - 316، وانظر " المنتظم " 8 / 260 - 265، و" الكامل " 10 / 65 - 67، و" مختصر تاريخ دولة آل سلجوق ": 40 - 44، و" دول الإسلام " 1 / 272 - 273.
(2) في " المنتظم " 8 / 277، و" الكامل " 10 / 76: قاورت بك، وفي " مختصر دولة آل سلجوق " و" النجوم الزاهرة " قاوردبك.(18/416)
ثُمَّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ عبر السُّلْطَانُ بِجُيُوشِهِ نَهْر جَيْحُون، وَكَانُوا مائَتَيْ أَلف فَارِس، فَأُتِي بِعِلْج يُقَالَ لَهُ: يُوْسُف الخُوَارِزْمِيّ.
كَانَتْ بِيَدِهِ قَلْعَة (1) ، فَأَمر أَنْ يُشْبَحَ فِي أَرْبَعَة أَوتَاد، فَصَاح: يَا مخنثُ: مِثْلِي يُقتل هَكَذَا؟
فَاحتدَّ السُّلْطَانُ، وَأَخَذَ الْقوس، وَقَالَ: دعُوْهُ.
وَرمَاهُ فَأَخطَأَه فَطَفَرَ (2) يُوْسُفُ إِلَى السَّرِيْر، فَقَامَ السُّلْطَانُ، فَعَثر عَلَى وَجهه، فَبرك العِلْجُ عَلَى السُّلْطَان، وَضَرَبَه بِسكِّين، وَتَكَاثر المَمَالِيْكُ، فَهبرَّوهُ (3) ، وَمَاتَ مِنْهَا السُّلْطَان، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الآخِرَة سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً (4) .
قَالَ مُؤيد الدَّوْلَة ابْنُ مُنْقِذ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ النَّجَّار رسولَ نَاصِرِ الدَّوْلَة ابْنِ حَمْدَان الْمُتَغَلب عَلَى مِصْرَ إِلَى أَلب آرسلاَن يَسْتَدعيه، وَيطلبُ عَسَاكِره لِيَتَسَلَّمَ ديَارَ مِصْر، لمَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السودَان، وَكَانَتِ المرَاسلَة فِي سَنَةِ (463) ، فَوردت عَلَيْهِ بِخُرَاسَانَ، فَجَهَّزَ جَيْشاً كَثِيْراً، وَوصل هُوَ إِلَى ديَار بكر، ثُمَّ نَازل الرُّهَا، وَحَاصرهَا وَسيَّر رَسُوْلهَ إِلَى مُتَوَلِّي حلب مَحْمُوْد (5) بن نَصْر، يَسْتَمده، وَيَأْمرُه أَنْ يَطَأَ بِسَاطه أُسْوَة غَيْره مِنَ المُلُوْك، فَلَمْ يَفْعَلْ وَخَافَ، فَأَقْبَل هُوَ، فَنَازل حلب، وَانتشرت عَسَاكِرُه بِالشَّامِ، ثُمَّ خَرَجَ مَحْمُوْد إِلَى خدمته، فَأَكْرَمَه، وَصَالِحه (6) ، ثُمَّ فَتر السُّلْطَانُ عَنْ مِصْر، فَحرَّكه طَاغِيَة الرُّوْم
__________
(1) في " المنتظم ": فلما وصل شتمه السلطان، وواقفه على أفعال قبيحة كانت منه، وفي " وفيات الأعيان ": وكان قد ارتكب جريمة في أمر الحصن.
(2) طفر، أي: وثب في ارتفاع.
(3) يقال: هبره بالسيف: قطعه.
(4) الخبر في " المنتظم " 8 / 276 - 277، و" الكامل " 10 / 73 - 74، و" وفيات الأعيان " 5 / 69 - 70، و" دول الإسلام " 1 / 274، و" مختصر تاريخ دولة آل سلجوق ": 47 - 48.
(5) تقدمت ترجمته برقم (172) .
(6) انظر " الكامل " 10 / 64، و" مختصر تاريخ دولة آل سلجوق ": 39، و" وفيات الأعيان " 5 / 69.(18/417)
أَرمَانوس، وَمَاتَ أَبُوْهُ صَاحِبُ خُرَاسَان بسَرْخَس فِي رَجَب فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ فِي مُقَابلَة أَوْلاَد مَحْمُوْد بن سُبُكْتِكِين، وَكَانَ يَنطوِي عَلَى بَعْض عَدْلٍ وَدين، وَيُنْكِر عَلَى أَخِيْهِ طُغْرُلْبَك (1) ظُلمه.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي السَّنَةِ: آرسلاَن البَسَاسيرِيّ الأَمِيْر (2) ، صَاحِبُ الفِتْنَة العُظْمَى، الَّذِي أَخَذَ بَغْدَاد، وَخَطَبَ بِهَا لصَاحِب مِصْر المُسْتنصر الرَّافضِيّ، وَهَرَبَ خَلِيْفَةُ بَغْدَاد، وَاسْتجَار بِالعَرَب (3) .
211 - ابْنُ أَبِي الحَدِيْدِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ السُّلَمِيُّ *
الشَّيْخُ، العَدْلُ، المُرْتَضَى، الرَّئِيْسُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ ابْنِ المُحَدِّثِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي الحَدِيْدِ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَجَدَّهُ، وَجَدَّه لأُمِّهِ أَبَا نَصْر بن هَارُوْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَالكَتَّانِي، وَعُمَر الرَّوَّاسِي، وَأَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِي، وَعبد الكَرِيْم بن حَمْزَةَ، وَجمَالُ الإِسْلاَم عَلِيُّ بنُ المُسْلَّم، وَطَاهِرُ بنُ سَهْلٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ ثِقَةً، نبيلاً، مُتفقّداً لأَحْوَال الطلبَة وَالغربَاء، عَدْلاً مَأْمُوْناً.
__________
(1) انظر ترجمته المتقدمة برقم (52) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (70) .
(3) انظر ترجمة الخليفة القائم بأمر الله المتقدمة برقم (146) .
(*) العبر 3 / 269، شذرات الذهب 3 / 332 - 333.(18/418)
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ صَحِيْح السَّمَاع - رَحِمَهُ اللهُ -.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْه بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا عبدُ الوَاحِد بنُ أَحْمَدَ القَاضِي، سَنَة سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَة، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظ إِمْلاَءً، سَنَة (551) بَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الخَطِيْب، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ السَّامري، أَنشدنِي مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الرَّقِّيّ:
لَيْسَ فِي كُلِّ حَالَةٍ وَأَوَانِ ... تَتهيَا صَنَائِعُ الإِحْسَانِ
فَإِذَا أَمْكَنَتْ فَبَادِرْ إِلَيْهَا ... حَذَراً مِنْ تَعَذُّرِ الإِمَكَانِ
212 - أَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّنُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الزَّاهِدُ، المُسْنِدُ، مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ، أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المُؤَذِّنُ.
أَوّل سَمَاعه كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَسَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِي، وَأَبَا الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ مَحْمِش، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَحَمْزَةَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ المُهَلَّبِيّ، وَعَبْدَ اللهِ بن يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَأَبَا زَكَرِيَّا المزكِّي، وَطَبَقَتهُم.
وَسَمِعَ مِنْ: حَمْزَة بن
__________
(*) تاريخ بغداد 4 / 267، المنتظم 8 / 314، معجم الأدباء 3 / 224 - 226، التقييد: الورقة 23 أ - 23 ب، الكامل لابن الأثير 10 / 108، تذكرة الحفاظ 3 / 1162 - 1165، العبر 3 / 262، دول الإسلام 2 / 4، مرآة الجنان 3 / 99، طبقات الاسنوي 2 / 408 - 409، البداية والنهاية 12 / 118، النجوم الزاهرة 5 / 106، طبقات الحفاظ: 438، شذرات الذهب 3 / 335، إيضاح المكنون 1 / 119.(18/419)
يُوْسُف السَّهْمِيّ، وَعِدَّةٍ بجُرْجَان، وَمِنْ أَبِي القَاسِمِ بن بِشْرَان، وَطَبَقَتِهِ بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ وَنَحْوِهِ بِأَصْبَهَانَ، وَمِنَ المُسَدَّد الأُملوكِي، وَعبدِ الرَّحْمَن بن الطُّبيز الحَلَبِيّ بِدِمَشْقَ، وَمِنْ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيّ بِمَكَّةَ، وَمِنَ الحَسَنِ بن الأَشْعَثِ بِمَنْبج، وَصَحِبَ الأُسْتَاذ أَبَا عليّ الدَّقَّاق، وَأَحْمَد بن نَصْرٍ الطَّالْقَانِيّ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَعَمِلَ مسوَّدَة (لِتَارِيخ مَرْو) .
قَالَ زَاهِر الشَّحَّامِيّ: خَرَّجَ أَبُو صَالِحٍ أَلفَ حَدِيْث، عَنْ أَلف شَيْخ لَهُ (1) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (2) :قَدِمَ أَبُو صَالِحٍ عَلَيْنَا فِي حَيَاة ابْنِ بِشْرَان، وَكَتَبَ عَنِّي، وَكَتَبتُ عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً.
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، وَأَقدمُ شَيْخٍ لَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، وَزَاهِرٌ، وَوجيهٌ ابْنَا الشَّحَّامِيّ، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ حُسَيْنٍ البِسْطَامِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفُرَاوِي، وَعبدُ الْمُنعم بن القُشَيْرِيّ، وَابْنُ أَخِيْهِ أَبُو الأَسْعَد هِبَةُ الرَّحْمَن بن عبد الوَاحِد، وَعِدَّة.
قَالَ عبدُ الغَافِرِ فِي (السّيَاق) :أَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّن الأَمِيْن، المُتْقِن، المُحَدِّثُ، الصُّوْفِيّ، نَسيجُ وَحْدَه فِي طرِيقته وَجَمَعِهِ وَإِفَادته، مَا رَأَيْتُ مِثْلَه فِي حِفْظ القُرْآن وَجَمْعِ الأَحَادِيْثِ.
سَمِعَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ الأَبْوَاب وَالشُّيُوْخ، وَأَذَّنَ سِنِيْنَ حُسبَةً، وَكَانَ يَحُثُّنِي عَلَى مَعْرِفَة الحَدِيْث، وَلَمْ أَتمكَّن مِنْ جمع
__________
(1) الخبر في " المنتظم " 8 / 314، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1163.
(2) في " تارخ بغداد " 4 / 268.(18/420)
هَذَا الكِتَاب إِلاَّ مِنْ مُسَوَّدَاتِهِ وَمجموعَاته، فَهِيَ المرجوعُ إِلَيْهَا فِيمَا أَحتَاج إِلَى مَعْرِفَته وَتَخرِيجه ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَوْ ذَهَبتُ أَشرح مَا رَأَيْتُ مِنْهُ؛ لسوَّدتُ أَورَاقاً جَمَّة، وَمَا انتهيتُ إِلَى اسْتيفَاء ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنَ الاشتغَال وَالقِرَاءة عَلَيْهِ (1) .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي زَكَرِيَّا المزكِّي يَقُوْلُ:
مَا يَقدرُ أَحَدٌ أَنْ يَكْذِبَ فِي هَذِهِ البلدَة وَأَبُو صَالِحٍ حَيٌّ.
وَسَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر مَنْصُوْراً السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ: إِذَا دَخَلتُم عَلَى أَبِي صَالِحٍ، فَادخلُوا بِالحُرمَة، فَإِنَّهُ نَجْمُ الزَّمَان، وَشيخُ وَقته فِي هَذَا الأَوَان (2) .
قَالَ عبدُ الغَافِر: تُوُفِّيَ فِي سَابعِ رَمَضَان سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: رَآهُ بَعْضُ الصَّالِحِيْنَ لَيْلَةَ وَفَاتِهِ، وَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِّي خَيراً، فَنعمَ مَا أَقَمْتَ بحقِّي، وَنعمَ مَا أَديتَ مِنْ قَوْلِي، وَنشرتَ مِنْ سُنَّتِي (3) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عبدُ الْمعز بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّن، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزِّيَادِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى البَزَّاز، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْر، حَدَّثَنَا بشرُ بن السَّرِيّ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ طلَّق امْرَأَته وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمره النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجعهَا.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ (4) .
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1163.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1163 - 1164.
(3) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1164.
(4) وله طرق كثيرة عن ابن عمر عن مالك 2 / 576، والشافعي 2 / 368، 369 والبخاري =(18/421)
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: أَبُو صَالِحٍ حَافظٌ صُوْفِيّ، مُتْقِنٌ، نسيجُ وَحْده فِي الْجمع وَالإِفَادَة، أَذَّنَ مُدَّةً احتسَاباً، وَوعظَ فِي اللَّيْلِ، وَسَبَّح عَلَى المدرسَة البَيْهَقِيَّة، وَكَانَ تَحْتَ يَده أَوقَافُ الكُتُب وَالأَجزَاء الحَدِيْثية، فِيتعهَّد حَفِظهَا، وَيَأْخُذُ صَدَقَاتِ التُّجَّار وَالأَكَابِر، فِيوصلُهَا إِلَى المُسْتَحِقِيْنَ (1) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا زِينُ الأَمنَاء الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو القَاسِمِ الحَافِظ، سَنَة (559) ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا عُبيدُ الله بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُزكِّي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاء، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الوَلِيْدِ، عَنْ قَيْسٍ عَنِ (2) ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
قَدِمَ وَفْدُ جُهَيْنَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ غُلاَمٌ يَتَكَلَّم، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَأَيْنَ الكُبْرُ؟) .
__________
= (4908) و (5251) و (5252) و (5253) و (5258) و (5264) و (5332) و (5333) و (7160) ومسلم (1471) (1 - 14) وأبي داود (2179) و (2180) (2181) و (2182) و (2184) و (2185) والترمذي (1175) و (1176) وابن ماجه (2019) وابن الجارود (733) (734) و (735) و (736) وأحمد 2 / 6 و43 و51 و54 و61 و63 و64 و79 و80 و81 و102 و104 و145، 146، والطحاوي 3 / 51 و52 و53، والطيالسي 1 / 313، والدارمي 2 / 160، والدارقطني 4 / 5 و6 و7 و8، والبيهقي 7 / 323 و324 و325 و326 و327.
(1) انظر الخبر في " معجم الأدباء " 3 / 224 - 225، بأطول مما هنا، وانظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1163.
(2) سقطت من الأصل، واستدركت من تذكرة المؤلف، وقيس هذا: هو ابن الربيع الأسدي الكوفي، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به، وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن سيئ الحفظ، وأبو الزبير: مدلس وقد عنعن.
وقال المؤلف في " تذكرته " 3 / 1165 بعد أن أورده: غريب جدا.
وقوله: فأين الكبر: أي الأكبر سنا، وفي حديث القسامة الذي أخرجه البخاري 10 / 443 في الأدب: باب إكرام الكبير، ومسلم (1669) ... فتكلموا في أمر صاحبهم، فبدأ عبد الرحمن - وكان أصغر القوم - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " كبر الكبر " قال يحيى بن سعيد (أحد رواة الحديث) يعني ليل الكلام الأكبر.(18/422)
وَقَدْ مَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ هَذِهِ: ابْن النَّقُّوْرِ المَذْكُوْر (1) ، وَالشَّيْخ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حمَّدُوْهُ البَغْدَادِيّ المُقْرِئ، آخر مَنْ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ سَمْعُوْنَ، وَخطيبُ دِمَشْق أَبُو نَصْرٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَلاَّب (2) ؛صَاحِبُ ابْنِ جُمَيْع، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الحَافِظِ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ الخَلاَّل (3) ، وَشيخُ الحنَابلَة الشَّرِيْف أَبُو جَعْفَرٍ عبدُ الخَالِق بنُ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيّ (4) ، عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً، وَنَحْوِيُّ العِرَاق أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ الوَرَّاق الضّرِير، وَمُحَدِّثُ أَصْبَهَان عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَنْدَة العَبْدِيّ (5) ، وَآخَرُوْنَ.
213 - السُّكَّرِيُّ أَبُو سَعْدٍ عَلِيُّ بنُ مُوْسَى النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، مُفِيدُ الجَمَاعَةِ، أَبُو سَعْدٍ عَلِيُّ بنُ مُوْسَى النَّيْسَابُوْرِيُّ، السُّكَّرِيُّ، الفَقِيْهُ.
سَمِعَ مِنْ: جدِّه عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ السُّكَّرِيّ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، وَمُحَمَّدِ بن أَبِي إِسْحَاقَ المزكِّي، وَعِدَّة.
وَكَانَ يَفهم هَذَا الشَّأْنَ، وَيَنتقِي عَلَى الشُّيُوْخِ.
رَوَى عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ الزَّاهِد، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ المُؤَذِّن، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (180) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (182) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (177) .
(4) سترد ترجمته برقم (276) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (168) .
(*) تذكرة الحفاظ 3 / 1161 - 1162، طبقات الحفاظ: 438، شذرات الذهب 3 / 323، الرسالة المستطرفة: 93.(18/423)
تُوُفِّيَ رَاجِعاً مِنَ الحَجّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَآخر مَنْ رَوَى عَنْهُ: أَبُو الأَسَعْد بن القُشَيْرِيّ.
وذكرتُ فِي (التذكرَة) لَهُ حَدِيْثاً (1) ، وَسَمِعَ مِنْهُ لَمَّا حَجَّ: الحُمَيْدِيّ، وَابْنُ الخَاضبَة، وَشُجَاعٌ الذُّهْلِيّ.
قَالَ هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيّ: لَهُ (تَارِيخٌ) ، وَترَاجمُ، وَمسَانِيْدُ، وَمَعَاجِم.
خَرَجَ عَلَى (الصَّحِيْحَيْنِ) كِتَاباً.
وَقِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
214 - ابْنُ البِسْطَامِيِّ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ *
الشَّيْخُ، أَبُو المَعَالِي عُمَرُ ابنُ القَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ البِسْطَامِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِالمُؤَيَّدِ، سِبْطُ الإِمَامِ أَبِي الطَّيِّبِ الصُّعْلوكِي (2) .
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ الخفَّاف، وَأَبَا الحَسَنِ العَلَوِيّ.
وَأَملَى عِدَّة مَجَالِس.
حَدَّثَ عَنْهُ: سِبْطُه هِبَةُ اللهِ بن سَهْلٍ السَّيِّدي، وَزَاهِرٌ وَوجيهٌ ابْنَا الشَّحَّامِيّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(1) رواه 3 / 1162 من طريقه عن أبي الفضل عمر بن إبراهيم، عن أبي أحمد الغطريفي، عن أبي خليفة سمعت عبد الرحمن بن بكر، سمعت الربيع بن مسلم، سمعت محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة، سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الامام أن يجعل الله رأسه رأس حمار " وأخرجه مسلم (427) من طريق عبد الرحمن بهذا الإسناد.
(*) الأنساب 2 / 215 - 216، الذيل للفارسي: 58، طبقات السبكي 5 / 303، طبقات الاسنوي 1 / 225 - 226، وقد تقدم الكلام على هذه النسبة في الترجمة رقم (77) .
(2) تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (121) .(18/424)
أُخْتُهُ:
215 - بِنْتُ البِسْطَامِيِّ عَائِشَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بن الحُسَيْنِ *
رَوَتْ أَيْضاً عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ الخَفَّافِ، وَغَيْرِهِ.
وَعَنْهَا: إِسْمَاعِيْلُ بنُ المُؤَذِّن، وَزَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَأَخُوْهُ وَجيه، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمُّوَيْه الجُوَيْنِيّ الزَّاهِد.
تُوُفِّيَت قَبْل أَخِيْهَا أَوْ بعيده.
وَكَانَ أَبُوْهُمَا (1) مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ، تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَأَخُوْهُمَا هُوَ الْمُوفق هِبَة اللهِ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ (2) .
وَوَلَده هُوَ أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بنُ الْمُوفق (3) ، قَدِيْمُ الوَفَاة، كَبِيْرَ الشَّأْنِ - رَحِمَهُمُ الله -.
216 - مَلِكُ المَغْرِبِ أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ اللَّمْتُوْنِيُّ البَرْبَرِيُّ **
__________
(*) الاستدراك لابن نقطة، أعلام النساء 3 / 187.
(1) انظر ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (193) .
(2) هو أبو محمد هبة الله المتوفي سنة 440 هـ، وانظر ترجمته في " الذيل " للفارسي: 94، و" منتخب السياق ": الورقة / 139، و" طبقات " السبكي 5 / 354 - 355، و" طبقات " الاسنوي 1 / 225.
(3) انظر ترجمته المتقدمة برقم (77) .
(* *) الكامل 9 / 618 - 622، وفيات الأعيان 7 / 113، المختصر 2 / 174 - 175، دول الإسلام 1 / 271، تتمة المختصر 1 / 537 - 538، البداية والنهاية 12 / 134، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 113، الاعلام 2 / 68.(18/425)
ظهر بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَذَكَر عَلِيُّ بنُ أَبِي فُنُوْن قَاضِي مَرَّاكُش أَن جَوْهَراً - رَجُلاً مِنَ المرَابطين - قَدِمَ مِنَ الصّحرَاء إِلَى بلاَد المَغْرِب ليَحُجّ، - وَالصّحرَاء برِّيَة وَاسِعَة جنوبِي فَاس وَتِلْمِسَان، مُتَّصِلَةٌ بِأَرْضِ السودَان، وَيذكر لمتونَة أَنَّهم مِنْ حِمْيَر نَزلُوا فِي الجَاهِلِيَّةِ بِهَذِهِ البرَارِي، وَأَوّلُ مَا فَشَا فِيهِم الإِسْلاَم فِي حُدُوْدِ سَنَةَ أَرْبَعِ مائَة، ثُمَّ آمَنَ سَائِرُهُم، وَسَارَ إِلَيْهِم مَنْ يذكر لَهم جملاً مِنَ الشرِيعَة، فَحسُن إِسلاَمُهُم - ثُمَّ حَجَّ الفَقِيْه المَذْكُوْرُ، وَكَانَ دَيِّناً خَيراً، فَمَرَّ بفَقِيْهٍ يُقرِئ مَذْهَبَ مَالِكٍ - وَلَعَلَّهُ أَبُو عِمْرَانَ الفَاسِي (1) بِالقَيْرَوَان - فَجَالِسه وَحَجَّ، وَرجع إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا فَقِيْهُ! مَا عِنْدنَا فِي الصّحرَاء مِنَ العِلْمِ إِلاَّ الشهَادتين وَالصَّلاَة فِي بَعْضنَا.
قَالَ: خُذْ مَعَكَ مَنْ يُعَلِّمُهم الدِّيْن.
قَالَ جَوْهَر: نَعم وَعلِيَّ كَرَامَتُه.
فَقَالَ لابْنِ أَخِيْهِ: يَا عُمَر! اذهبْ مَعَ هَذَا.
فَامْتَنَعَ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ يَاسين: اذهبْ مَعَهُ.
فَأَرْسَلَه.
وَكَانَ عَالِماً قوِيّ النَفْس، فَأَتيَا لَمْتُونَةَ، فَأَخَذَ جَوْهَرٌ بزِمَامِ جملِ ابْن يَاسين تَعَظِيْماً لَهُ، فَأَقْبَلت المَشْيَخَةُ يهنِّئُونه بِالسَّلاَمَة، وَقَالُوا: مَنْ ذَا؟
قَالَ: حَامِل السُّنَّة.
فَأَكرمُوْهُ، وَفِيهم أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ، فَذَكَر لَهم قوَاعدَ الإِسْلاَم، وَفَهَّمَهُم، فَقَالُوا: أَمَا الصَّلاَةُ وَالزَّكَاةُ فَقَرِيْبٌ، وَأَمَّا منْ قَتَلَ يُقْتَلُ، وَمنْ سَرَقَ يُقْطَعُ، وَمنْ زنَى يُجلد، فَلاَ نلتزمُه، فَاذهبْ.
فَأَخَذَ جَوْهَرٌ بزِمَام رَاحِلَتِهِ، وَمضيَا.
وَفِي تِلْكَ الصّحَارَى المُتَّصِلَة بِإِقْلِيْم السودَان قبَائِلُ يُنْسَبُوْنَ إِلَى حِمْيَر، وَيذكرُوْنَ أَنْ أَجدَادهم خَرَجُوا مِنَ اليَمَنِ زَمَن الصِّدِّيْق، فَأَتوا مِصْر، ثُمَّ غَزَوا المَغْرِب مَعَ مُوْسَى بن نُصَيْر، ثُمَّ أَحَبُّوا الصّحرَاء وَهُم: لَمْتُونَة، وَجدَّالَة، وَلمطَة، وَإِينِيصر، وَمَسُوفَة.
قَالَ: فَانْتهيَا إِلَى جدَّالَة، قبيلَةِ جَوْهَر، فَاسْتجَاب
__________
(1) وكذا قال ابن الأثير في " الكامل " 9 / 618، وهو خطأ لان أبا عمران الفاسي قد توفي سنة 430 هـ، كما تقدم في ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (364) .(18/426)
بَعْضهُم، فَقَالَ ابْنُ يَاسين لِلَّذِيْن أَطَاعُوْهُ: قَدْ وَجب عَلَيْكُم أَنْ تُقَاتلُوا هَؤُلاَءِ الجَاحدين، وَقَدْ تَحَزَّبُوا لَكُم، فَانصبُوا رَايَةً وَأَمِيْراً.
قَالَ جَوْهَرٌ: فَأَنْت أَمِيْرُنَا.
قَالَ: لاَ، أَنَا حَامِلُ أَمَانَة الشَّرْع، بَلْ أَنْتَ الأَمِيْرُ.
قَالَ: لَوْ فَعَلتُ لَتَسَلَّطَت قبيلتِي، وَعَاثُوا.
قَالَ: فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ رَأْسُ لَمْتُونَة، فَسِرْ إِلَيْهِ وَاعرضْ عَلَيْهِ الأَمْرَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَبَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ، وَلقَّبوهُ أَمِيْرَ المُسْلِمِيْنَ، وَقَامَ مَعَهُ طَائِفَةً مِنْ قَوْمه وَطَائِفَة مِنْ جدَّالَة، وَحَرَّضهم ابْنُ يَاسين عَلَى الجِهَاد، وَسمَّاهم المُرَابطين، فَثَارتْ عَلَيْهِم القبَائِلُ، فَاسْتمَالهم أَبُو بَكْرٍ، وَكَثُر جمعُهُ، وَبَقِيَ أَشْرَارٌ، فَتحَيَّلُوا عَلَيْهِم حَتَّى زرّبوهم فِي مَكَان، وَحصروهُم، فَهلكُوا جوعاً، وَضَعُفُوا، فَقتلوهُم، وَاسْتفحلَ أَمرُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عُمَرَ، وَدَانت لَهُ الصّحرَاءُ، وَنَشَأَ حُوْل ابْن يَاسين جَمَاعَةٌ فُقَهَاءُ وَصلحَاءُ، وَظهر الإِسْلاَم هُنَاكَ (1) .
وَأَمَّا جَوْهَرٌ، فَلزم الخَيْر وَالتَّعَبُّد، وَرَأَى أَنَّهُ لاَ وَضَعَ لَهُ، فَتَأَلَّمَ، وَشرع فِي إِفسَاد الكِبَار، فَعقدُوا لَهُ مَجْلِساً، ثُمَّ أَوجبُوا قتلَه بِحكم أَنَّهُ شَقَّ العصَا، فَقَالَ: وَأَنَا أُحِبُّ لقَاء الله.
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقُتِلَ (2) .
وَكثرت المُرَابطُوْنَ، وَقتلُوا، وَنهبُوا، وَعَاثُوا، وَبلغتِ الأَخْبَارُ إِلَى ذَلِكَ الفَقِيْه بِمَا فَعل ابْنُ يَاسين، فَاسْترجَعَ وَنَدِمَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يُنكر عَلَيْهِ كَثْرَة الْقَتْل وَالسبي، فَأَجَابَ يَعتذِرُ بِأَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا جَاهِلِيَّةً يَزنُوْنَ، وَيُغِير بَعْضهم عَلَى بَعْض، وَمَا تجَاوزتُ الشَّرعَ فِيهِم.
وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة قحطت بلادُهُم، وَمَاتَتْ موَاشيهُم، فَأَمر
__________
(1) انظر " الكامل " 9 / 618 - 620، و" المختصر " 2 / 174 - 175.
(2) انظر " الكامل " 9 / 620، و" المختصر " 2 / 175.(18/427)
ابْنُ يَاسين ضعفَاءهم بِالمَسِيْر إِلَى السُّوس (1) وَأَخْذِ الزَّكَاة، فَقَدم سِجِلْمَاسَة (2) مِنْهم سَبْعُ مائَة، وَسَأَلُوا الزَّكَاة، فَجمعُوا لَهم مَالاً، فَرجعُوا بِهِ، ثُمَّ ضَاقت الصّحرَاءُ بِهِم، وَأَرَادُوا إِعلاَنَ الحَقِّ، وَأَن يَسيرُوا إِلَى الأَنْدَلُسِ لِلغَزْو، فَأَتوا السُّوسَ، فَحَارَبَهم أَهْلهَا، فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَاسِيْنَ، وَانْهَزَم أَبُو بَكْرٍ بنُ عُمَرَ، ثُمَّ حَشَدَ وَجَمَعَ وَأَقْبَلَ، فَالتقَوهُ فَانْتصرَ، وَأَخَذَ أَسلاَبهُم، وَقويّ جَأْشُه، ثُمَّ نَازل سِجِلْمَاسَة، وَطَالبَ أَهْلهَا بِالزَّكَاةِ، فَبرز لحرَبّهم مَسْعُوْدٌ الأَمِيْر، وَطَالت بَيْنهم الحَرْبُ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قتلُوا مسعُوْداً، وَمَلَكُوا سِجِلْمَاسَة، فَاسْتنَاب أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا يُوْسُف بن تَاشفِيْن ابْنَ عَمِّهِ، فَأَحُسْن السِّيْرَةَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَرجع المَلِكُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الصّحرَاء، ثُمَّ قَدِمَ سِجِلْمَاسَة، وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا ابْنَ أَخِيْهِ، وَجَهَّزَ جَيْشه مَعَ ابْنِ تَاشفِيْن، فَافْتَتَحَ السُّوس، وَكَانَ ابْنُ تَاشفِيْن ذَا هيئَةٍ شُجَاعاً، سَائِساً (3) .
تُوُفِّيَ الْملك أَبُو بَكْرٍ اللَّمْتونِي: بِالصّحرَاء فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (4) ، فَتملك بَعْدَهُ ابْنُ تَاشفِيْن، وَدَانت لَهُ الأُمَم (5) .
فَأَوّل مَنْ كَانَ فِيهِم الْملك مِنَ البَرْبَر صِنْهَاجَةُ، ثُمَّ كُتَامَة، ثُمَّ لَمْتُونَة، ثُمَّ مصْمودَة، ثُمَّ زنَاتَة.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ دُرَيْد أَنَّ كُتَامَة وَلَمْتُونَة وَهَوَّارَة مِنْ حِمِيْر، وَمَنْ سِوَاهُم، فَمِنَ
__________
(1) هي كورة في المغرب مدينتها طنجة، وهناك السوس الاقصى، كورة أخرى مدينتها طرقلة، وبينهما مسيرة شهرين.
انظر " معجم البلدان ".
(2) مدينة في جنوبي المغرب بينها وبين فاس عشرة أيام تلقاء الجنوب. " معجم البلدان ".
(3) انظر " الكامل " 9 / 621 - 622، و" المختصر " 2 / 175، و" وفيات الأعيان " 7 / 113.
(4) وقد أورد ابن كثير وفاته سنة 480 وهو خطأ، وتابعه على ذلك زامباور في " معجم الاسرات الحاكمة " والزركلي في " أعلامه ".
(5) " الكامل " 9 / 622.(18/428)
البَرْبَر، وَبربر مِنْ وَلد قيذَار بن إِسْمَاعِيْلَ.
وَيُقَالُ: إِنَّ دَار البَرْبَر كَانَتْ فِلَسْطِيْن، وَمَلِكُهم هُوَ جَالُوت، فَلَمَّا قَتله نَبِيُّ الله دَاوُد؛ جلتِ البَرْبَرُ إِلَى المَغْرِب، وَانتشرُوا إِلَى السوس الأَقْصَى، فَطُول أَرَاضيهم نَحْوٌ مِنْ أَلف فَرسخ.
وَغَزَا المُسْلِمُوْنَ فِيهِم فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَأَسْلَمَ خلقٌ مِنْهُم، وَسُبِي مِنْ ذرَارِيهُم، وَكَانَتْ وَالِدَةُ المَنْصُوْر بربرِيَّةً، وَوَالِدَة عَبْد الرَّحْمَنِ الدَّاخل بربرِيَّة، فَكَانَ يُقَالُ: تَملك ابْنَا برْبَرِيَّتين الدُّنْيَا.
ثُمَّ كَانَ الَّذِيْنَ أَسلمُوا خَوَارِجَ وَإِباضيَّة (1) ، حَاربُوا مَرَّاتٍ، وَرَامُوا المُلك، إِلَى أَنْ سَارَ إِلَيْهِم دَاعِي المَهْدِيّ، فَاسْتمَالهُم، وَأَفسدَ عقَائِدهُم، وَقَامُوا مَعَ المَهْدِيّ (2) ، وَتَملَّكَ المَغْرِبَ بِهِم، ثُمَّ سَارَ المُعِزُّ (3) - مِنْ أَوْلاَده - فِي جَيْش مِنَ البَرْبَر، فَأَخَذَ الدّيَارَ المِصْرِيَّة، ثُمَّ فِي كُلِّ وَقْتٍ يثُوْرُ بَعْضُهم عَلَى بَعْض وَإِلَى اليَوْمِ، وَفِيهم حِدَةٌ وَشجَاعَةٌ، وَإِقدَام عَلَى الدِّمَاء، وَهم أُمَمٌ لاَ يُحصَوْنَ، وَقَدْ تَملكُوا الأَنْدَلُس سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِ مائَة، وَفَعَلُوا العظَائِمَ، ثُمَّ ثَارُوا مِنَ الصّحرَاء - كَمَا ذكرنَا - مَعَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عُمَرَ، وَتَملَّكُوا نَحْواً مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، حَتَّى خَرَجَ مِنْ جبال دَرَن (4) ابْنُ تُوْمرت (5) ، وَفتَاهُ عبدُ المُؤْمِن (6) ، وَتَملَّكُوا المَغْرِب،
__________
(1) الاباضية: هم أصحاب عبد الله بن إباض الذي خرج في أيام مروان بن محمد، قالوا إن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة، وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب حلال وما سواه حرم.
وحرام قتلهم وسبيهم في السر غيلة إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة وقد انقسموا عدة فرق.
انظر " الملل والنحل " للشهرستاني 1 / 134، و" الفرق بين الفرق ": 82.
(2) هو أبو محمد عبيد الله العلوي. وقد تقدمت ترجمته في الجزء الخامس عشر برقم (65) .
(3) هو معد بن المنصور إسماعيل. وقد تقدمت ترجمته في الجزء الخامش عشر برقم (68) .
(4) هو جبل من جبال البربر بالمغرب، فيه عدة قبائل وبلدان وقرى. (ياقوت) .
(5) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المهدي، ستأتي ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (318) .
(6) هو أبو محمد عبد المؤمن بن علي بن علوي، ستأتي ترجمته في الجزء العشرين. برقم (254) .(18/429)
وَمحَوا الدَّوْلَةَ اللَّمْتُونِيَّة، وَدَام مُلْكُهم مائَةً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِم بَنُوْ مَرِيْنَ، فَللملك فِي أَيديهم إِلَى الآنَ سَبْعُوْنَ سَنَةً، وَعظُمَتْ دَوْلَة السُّلْطَان الفَقِيْه أَبِي الحَسَنِ عليّ المَرِينِي، وَدَانَتْ لَهُ المَغْرِبُ، وَقُتِلَ صَاحِب تِلْمسَان، وَلَهُ جَيْشٌ عَظِيْم، وَهَيْبَةٌ قويَّة، وَفِيْهِ دِيْنٌ وَعَدْلٌ وَعِلم.
217 - ابْنُ الشِّبْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ السَّامِيُّ *
شَاعِرُ العَصْرِ، أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الشِّبْلِ (1) بنِ أُسَامَةَ السَّامِيُّ (2) ، البَغْدَادِيُّ، الحَرِيْمِيُّ.
لَهُ (ديوَانٌ) مَشْهُوْر.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بن البَادِي (3) ، وَغَيْرهُ.
رَوَى عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَم، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ الزَّوْزَنِي، وَشُجَاعٌ الذُّهْلِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَنَظْمُهُ فِي الذُّروَة (4) .
__________
(*) دمية القصر 2 / 907 - 908، الأنساب المتفقة: 82 - 83، الأنساب: 7 / 284، المنتظم 8 / 328 - 329، معجم الأدباء 10 / 23 - 25، المحمدون من الشعراء: 270، اللباب 2 / 183، طبقات الاطباء: 333 - 340، وفيات الأعيان 4 / 393، ذكره في ترجمة ابن نقطة وفيه ابن أبي الشبل، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 8 - 9، الوافي بالوفيات 3 / 11 - 16، فوات الوفيات 3 / 340 - 344، البداية والنهاية 12 / 121 - 122، البدر السافر: 91، النجوم الزاهرة 5 / 111، كشف الظنون 766، 813.
(1) ورد اسمه في " معجم الأدباء ": الحسين بن عبد الله بن يوسف بن أحمد بن شبل، ومثله في " طبقات الاطباء ".
(2) السامي: نسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب " الأنساب ".
(3) تحرفت في " المنتظم " إلى " البلدي "، وتصحفت في " المستفاد " و" الوافي " إلى: " الباذي ".
(4) ومن نظمه قصيدته الرائية التي نسبت للشيخ ابن سينا وليست له، وقيل: إن فيها ما يدل =(18/430)
كتب عَنْهُ الحَافِظُ الخَطِيْبُ، وَطَوَّل ابْنُ النَّجَّار تَرْجَمَتَه بِمقطعَات.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ (1) وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَقَدْ سَمِعَ (غَرِيْب الحَدِيْث) مِنِ ابْنِ البَادِي.
218
- أَتْسِزُ* بنُ أَوَقَ (2) الخُوَارِزْمِيُّ
صَاحِبُ دِمَشْقَ، مِنْ كِبَارِ مُلُوْكِ الظُّلْمِ.
قَالَ هِبَةُ اللهِ بن الأَكْفَانِي: غلتِ الأَسعَارُ فِي سَنَةِ حِصَار المَلك أَتْسِز دِمَشْقَ، وَبلغت الغرَارَةُ أَزْيدَ مِنْ عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، ثُمَّ تَمَلَّكَ البلدَ صُلْحاً، وَنَزَلَ فِي دَارِ الإِمَارَةِ دَاخِلَ عَلَى بَابِ الفَرَادِيْس (3) ، وَخَطَبَ لِلمُقْتَدِي بِاللهِ العَبَّاسِيّ، وَقُطعت دَعْوَةُ المِصْرِيّين، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ (4) .
__________
= على فساد عقيدته وأولها:
بربك أيها الفلك المدار * أقصد ذا المسير أم اضطرار
انظر " معجم الأدباء " 10 / 24 - 30، و" فوات الوفيات " 3 / 341، و" الوافي " 3 / 11 - 12، و" طبقات الاطباء ": 333 - 335.
(1) في " الأنساب " و" اللباب " أنه توفي سنة نيف وسبعين، وفي " معجم الأدباء " و" طبقات الاطباء ": سنة أربع وسبعين.
(*) الكامل في التاريخ 10 / 68، 99 - 100، 103 - 104، 111، المختصر 2 / 187 وفيها يوسف بن أبق، و192، و193 - 194، دول الإسلام 1 / 273 و3 - 4 و5، العبر 3 / 252، 266، 269، 274 - 275، تتمة المختصر 1 / 63، 69، 571، الوافي بالوفيات 6 / 195، البداية والنهاية 12 / 112 - 113 و119، النجوم الزاهرة 5 / 87، 101 - 102، تهذيب ابن عساكر 2 / 334، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 46.
(2) تحرف في " تهذيب ابن عساكر " إلى: " آف " وتصحف في " البداية " إلى " أوف ".
(3) هو أحد أبواب مدينة دمشق الثمانية، ويقع إلى الشمال منها، ويسمى اليوم: باب العمارة.
(4) انظر " تهذيب ابن عساكر " 2 / 334، و" الكامل " 10 / 99، و" المختصر " 2 / 192.(18/431)
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر: وَلِيَ أَتْسِز دِمَشْق بَعْد حصَاره إِيَّاهَا دفعَات، وَأَقَامَ الدَّعوَةَ العَبَّاسِيَّةَ، وَتغلَّب عَلَى أَكْثَر الشَّام، وَقصد مِصْر ليَأْخذهَا، فَلَمْ يَتمَّ ذَلِكَ، ثُمَّ جهَّز المِصْرِيّون إِلَى الشَّامِ عَسْكَراً ثقيلاً، سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ، فَعَجَزَ عَنْهُم، وَاسْتنجد بتَاج الدَّوْلَة تُتُش (1) ، فَقَدم تُتُش دِمَشْقَ، وَغلبَ عَلَيْهَا، وَقُتِلَ أَتْسِز فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَتَم الأَمْر لِتُتُش، وَكَانَ أَتْسِز قَدْ أَنْزَل جُنده فِي دُورِ النَّاس، وَاعْتَقَلَ مِنَ الرُّؤَسَاء جَمَاعَةً، وَشَمَّسهم (2) بِمرج رَاهط (3) ، حَتَّى افْتدوا أَنْفُسَهم بِمَالٍ كَثِيْر، وَنزح جَمَاعَةٌ مِنْهم إِلَى طرَابُلُس (4) .
وَقَدْ قَتَلَ بِالقُدس خلقاً كَثِيْراً مِنْهم قَاضِيهَا، وَفَعَلَ العظَائِم حَتَّى قلعه الله تَعَالَى.
وَالعَامَّة تُسمِيه أَقسيس (5) .
219 - الجُرْجَانِيُّ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ القَاهِرِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ *
شَيْخُ العَرَبِيَّة، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ القَاهِرِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُرْجَانِيُّ.
أَخَذَ النَّحْو بِجُرْجَان عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بن حَسَنِ ابْن أُخْت الأُسْتَاذ أَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيّ.
__________
(1) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (46) .
(2) في " العبر " 3 / 275: وصادر الناس، وعذبهم في الشمس.
(3) هو مرج بنواحي مدينة دمشق: انظر " معجم البلدان ".
(4) الخبر بنحوه في " تهذيب ابن عساكر " 2 / 334.
(5) انظر " الكامل " 10 / 103.
(*) نزهه الالبا: 363 - 364، إنباه الرواة 2 / 188 - 190، دول الإسلام 2 / 5، العبر 3 / 277، تلخيص ابن مكتوم: 112 - 113، فوات الوفيات 2 / 369 - 370، مرآة الجنان 3 / 101، طبقات السبكي 5 / 149 - 150، طبقات الاسنوي 2 / 491 - 492، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2 / 94 - 95، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 25 / أ، النجوم الزاهرة 5 / 108، بغية الوعاة 2 / 106، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 330 - 331، مفتاح السعادة 1 / 177، كشف الظنون 1 / 83، 120، 212، 453، 454، 602، 759 و2 / 1169، 1179، 1621، 1769، شذرات الذهب 3 / 340 - 341، روضات الجنات: 143، هدية العارفين 1 / 606، وكتاب " عبد القاهر والبلاغة العربية " للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي.(18/432)
وَصَنَّفَ شرحاً حَافلاً (لِلإِيضَاح (1)) يَكُوْن ثَلاَثِيْنَ مجلداً، وَلَهُ (إِعجَاز القُرْآن (2)) ضَخْم، وَ (مُخْتَصَر شرح الإِيضَاح) ، ثَلاَثَة أَسفَار، وَكِتَاب (العوَامل المائَة (3)) ، وَكِتَاب (المِفْتَاح) ، وَفسّر الفَاتِحَة فِي مُجَلَّد، وَلَهُ (الْعمد (4) فِي التَّصرِيف) ، وَ (الْجمل) وَغَيْر ذَلِكَ (5) .
وَكَانَ شَافعيّاً، عَالِماً، أَشعرِيّاً، ذَا نُسُكٍ وَدين.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ وَرِعاً قَانِعاً، دَخَلَ عَلَيْهِ لِصّ، فَأَخَذَ مَا وَجد، وَهُوَ يَنظر، وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَمَا قَطَعَهَا (6) .
وَكَانَ آيَة فِي النَّحْوِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
220 - ابْنُ زِيْرَكَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَحْمَدَ القُوْمَسَانِيُّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ هَمَذَانَ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَحْمَدَ بنِ
__________
(1) هو كتاب " الايضاح في النحو " لأبي علي الفارسي المتوفى سنة 377 هـ، قال حاجي خليفة عند الكلام عليه: وقد اعتنى به جمع من النحاة، وصنفوا له شروحا، وعلقوا عليه، منهم الشيخ العلامة عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني المتوفى سنة 471، كتب أولا شرحا مبسوطا في نحو ثلاثين مجلدا، وسماه " المغني " ثم لخصه في مجلد، وسماه " المقتصد ".
وله مختصر " الايضاح " المسمى ب " الايجاز ".
(2) وقد طبع بمصر.
(3) في النحو، وقد طبع في ليدن عام 1617 م، ثم في كلكتة عام 1803 ج، ثم في بولاق عام 1247 هـ.
(4) في " كشف الظنون " و" فوات الوفيات " و" طبقات " السبكي: " العمدة ".
(5) ومن مصنفاته العظيمة المشهورة كتاب " أسرار البلاغة " في علم البيان.
وكتاب " دلائل الاعجاز " في علم المعاني، وكلاهما مطبوع.
(6) انظر " طبقات " السبكي 5 / 149، و" طبقات " الاسنوي 2 / 492.
(*) معجم البلدان 4 / 414، العبر 3 / 277، تذكرة الحفاظ 3 / 1177، الوافي بالوفيات 4 / 84، شذرات الذهب 3 / 341.(18/433)
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مَزْدِين (1) القُوْمَسَانِيُّ (2) ثُمَّ الهَمَذَانِيُّ.
عُرف بِابْنِ زِيْرك (3) .
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّه أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّد، وَعَلِيِّ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدَان، وَيُوْسُف بن كجّ الفَقِيْه، وَالحُسَين بن فَنْجُويه (4) ، وَعِدَّة.
وَبَالإِجَازَة عَنْ أَبِي الحَسَنِ بن رَزْقُوَيْه، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ.
قَالَ شِيْرَوَيْه: أَكْثَرتُ عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً، لَهُ شَأْنٌ وَحِشْمَة، وَيدٌ فِي التَّفْسِيْر، فَقِيْهاً، أَديباً، مُتَعَبِّداً (5) .
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ (6) .
وَقَبرُهُ يُزَار، وَيُتَبَرَّكُ بِهِ (7) .
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَرِضْتُ، وَاشتدَّ الأَمْرُ، فَكَانَ أَبِي يَقُوْلُ: يَا بنِيَّ! أَكْثَر ذِكْرَ الله.
فَأَشْهَدتُه عليَّ أَنَّنِي عَلَى الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّة، فَرَأَيْتُ وَأَنَا فِي تِلْكَ الحَالِ كَانَ هيبَةً دَخَلتْنِي، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ ذِي هيبَةٍ وَجمَال، كَأَنَّهُ يَسْبَحُ فِي الهوَاء، فَقَالَ لِي: قل.
فَقُلْتُ: نَعم.
فَكرَّر عليّ، ثُمَّ قَالَ لِي: قُل: الإِيْمَان يَزِيْدُ وَيَنْقُص، وَالقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوْق بِجمِيْع
__________
(1) كذا في الأصل بالزاي، وفي " معجم البلدان " و" الوافي بالوفيات ": مردين، بالراء المهملة.
(2) نسبة إلى قومسان من نواحي همذان. (ياقوت) .
(3) تصحفت في " شذرات الذهب " إلى: زبرك بالباء الموحدة.
(4) تصحفت في " العبر " إلى: فتحويه.
(5) الخبر في " معجم البلدان " 4 / 414.
(6) أي أربع مئة، وفي " الوافي ": وثلاث مئة، وهو خطأ بين.
(7) الزيارة المشروعة للقبور تكون لتذكر الزائر بالآخرة، ولنفع الموتى بالدعاء لهم بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم " السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين
والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون " وفي رواية " أسأل الله لنا ولكم العافية ".
وأما الزيارة للتبرك بالميت مهما كان شأن هذا الميت، فليس مما يقره الشرع، بل هو مما ابتدعه العامة والدهماء ممن لا بصر له بحقائق الدين الإسلامي الحنيف.(18/434)
جهَاته، وَإِنَّ اللهَ يُرَى فِي الآخِرَةِ.
قُلْتُ: لَسْتُ أُطِيْقُ أَنْ أَقُوْلَ مِنَ الهَيبَة.
فَقَالَ: قُل مَعِي.
فَأَعَاد الكَلِمَات، فَقلتُهَا مَعَهُ، فَتَبَسَّم، وَقَالَ: أَنَا أَشْهَدُ لَكَ عِنْد الْعَرْش.
فَأَردتُ أَنْ أَسأَلَه: هَلْ أَنَا ميت، فَبدَرَ، وَقَالَ: أَنَا لاَ أَدْرِي.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا مَلَكٌ، وَعُوفِيت.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاة والسَّلاَمُ -: (مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَ مِنِّي (1)) عَنَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَر (2) ، لأَنَّه (3) رَآهُمَا، فَقَالَ: (هُمَا مِنَ الدِّيْن بِمَنْزِلَةِ السَّمْع وَالبَصَر (4)) .
فَورثَا خِلاَفَة النُّبُوَّة.
__________
(1) قطعة من حديث مطول أخرجه الترمذي (3502) في الدعوات، وابن السني رقم (440) من حديث ابن عمر، وحسنه الترمذي، وهو كما قال وصححه الحاكم 1 / 528، ووافقه الذهبي ونصه بتمامه، قال ابن عمر: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: " اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا " وأخرجه الحاكم 1 / 523 من حديث أبي هريرة قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، وانصرني على من ظلمني وأرني فيه ثأري " وسنده حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(2) لم يتابع على هذا التفسير، وهو غريب جدا، قال البغوي في " شرح السنة "
5 / 175: قيل: أراد بالسمع: وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر الاعتبار بما يرى، وقيل: يجوز أن يكون أراد بقاء السمع والبصر بعد الكبر وانحلال القوى، فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى، والباقيين بعدها، ورد الهاء إلى الامتاع، فلذلك وحده، فقال: " واجعله الوارث منا ".
(3) في الأصل: لانهما.
(4) حديث قوي رواه الترمذي (3671) والحاكم 3 / 69 وصححه من حديث عبد الله بن حنطب بلفظه " هذان السمع والبصر يعني أبا بكر وعمر " وأخرجه الخطيب 8 / 459، 460 من حديث جابر بن عبد الله بلفظ " أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس " وسنده حسن وله شاهد من حديث عمرو بن العاص وآخر من حديث حذيفة بن اليمان ذكرهما الهيثمي في " المجمع " 9 / 52، 53، ونسب الأول للطبراني في " الكبير " والثاني للطبراني في " الأوسط ".(18/435)
221 - ابْنُ مُوْسَى الخَيَّاطُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، مُقْرِئ الوَقْتِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الخَيَّاطُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
تَلاَ بِالروَايَات عَلَى أَبِي أَحْمَدَ الفَرَضِي، وَأَبِي الحُسَيْنِ السُّوْسَنْجِرْدي، وَبَكْر بن شَاذَانَ، وَعُبَيْد اللهِ المَصَاحِفِي، وَأَبِي الحَسَنِ الحمَّامِي.
وَسَمِعَ مِنَ: الفَرَضِي، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ دُوْست، وَأَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيٍّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بن الحَسَنِ الصَّرْصَرِي، وَعِدَّة.
قرَأَ عَلَيْهِ: مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ المَزْرَفِي (1) ، وَهِبَةُ اللهِ بن الطَّبَر، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ البَارع، وَروَوْا عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ اليَوسفِي، وَيَحْيَى بن الطَّرَّاح، وَعبدُ الخَالِق بنُ البَدَن، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ المُؤتمن السَّاجِيّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الخَيَّاط، فَقَالَ: كَانَ شَيْخاً ثِقَةً فِي الحَدِيْثِ وَالقِرَاءة، صَالِحاً، صَابراً عَلَى الفَقْرِ.
وَقَالَ ابْنُ يَاسِر البَرَدَانِي: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ البَكَّائِين عِنْد الذّكر، قَدْ أَثَّرتِ الدُّمُوع فِي خَدَّيْهِ.
__________
(*) طبقات الحنابلة 2 / 232 - 234، المنتظم 8 / 297، مناقب الامام أحمد: 521، معرفة القراء الكبار 1 / 343 - 344، العبر 3 / 265 - 266، الوافي بالوفيات 4 / 136، غاية النهاية 2 / 208 - 209، شذرات الذهب 3 / 329.
(1) بالفتح وسكون الزاي وفتح الراء ثم فاء، كما في " تبصير المنتبه " 4 / 1361، وقد تصحف في الأصل، و" غاية النهاية " إلى: المزرقي بالقاف في آخره.(18/436)
قُلْتُ: كَانَ مِنَ المُقْرِئِين العُبَّاد، ذَا قنَاعَةٍ وَتعفُّف وَفقر، وَمِمَّنْ تَلاَ عَلَيْهِ: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَنْصُوْر شَيْخُ أَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ، وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَة أَبُو الْكَرم الشَّهْرُزُورِي.
قَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ (1) وَأَرْبَعِ مائَة فِي رَابِعِه.
222 - ابْنُ أَسِيْدٍ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ *
الجَلِيْلُ، الصَّالِحُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَسِيدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابْنِ المُحَدِّثِ أَسِيْدِ بنِ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ المَدِيْنِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَافِظ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو نَصْرٍ البآر، وَيَحْيَى بنُ مَنْدَة، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل.
وَكَانَ ذَا عِلْمٍ وَرِئَاسَةٍ وَأَصَالَةٍ.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
223 - الصَّفَّارُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ حَبِيْبٍ **
مُفْتِي نَيْسَابُوْر، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ حَبِيْبِ بنِ عَبْدُوْسٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصَّفَّارُ.
__________
(1) في " الوافي بالوفيات ": توفي سنة ثمان وستين.
(*) لم نعثر له على ترجمة فيما بين أيدينا من مصادر.
(* *) المنتظم 8 / 299 - 300 وفيه: الصفاري، الكامل لابن الأثير 10 / 101، طبقات ابن الصلاح: الورقة / 20، العبر 3 / 268، طبقات السبكي 4 / 194 - 195، طبقات الاسنوي 2 / 139، شذرات الذهب 3 / 331.(18/437)
سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ المِهْرَجَانِي، وَأَبَا الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحَاكِم.
وَعَنْهُ: زَاهِرٌ وَوجيهٌ ابْنَا الشَّحَّامِيّ، وَغَيْرهُمَا.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: تَفَقَّهَ بِأَبِي مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، وَخَلَفه فِي حَلْقته لَمَّا حَجَّ، وَسَمِعْتُ أَبَا عَاصِم العَبَّادِي يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَن فُتْيَا مِنَ الصَّفَّار وَلاَ أَصوب (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقِيْلَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
224 - صَاحِبُ الجَبُّلِيِّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ *
الأَدِيْبُ، شَاعِرُ بَغْدَاد، أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المُؤَدِّبُ (2) .
يَرْوِي عَنْ: أَبِي عَلِيّ بنِ شَاذَانَ.
وَعَنْهُ: أَبُو غَالِبٍ القَزَّاز، وَجَمَاعَة.
وَنَظْمُهُ بَدِيْع (3) .
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
__________
(1) انظر " طبقات " السبكي 4 / 195، و" طبقات " الاسنوي 2 / 139.
(*) الوافي 4 / 128.
والجبلي: هو محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم أبو الخطاب البغدادي الشاعر المعروف بالجبلي - نسبة إلى جبل: وهي بلدة على الدجلة بين بغداد وواسط - المتوفى سنة 439 هـ، انظر ترجمته في: تتمة اليتيمة 1 / 87، تاريخ بغداد 3 / 101 - 103، الإكمال 3 / 227، الأنساب 3 / 183، المنتظم 8 / 135، الكامل 9 / 543، الوافي بالوفيات 4 / 124 - 125، والنجوم الزاهرة 5 / 44.
(2) زاد الصفدي: المعروف بابن العلاف، وبابن المكور.
(3) انظر شيئا منه في " الوافي بالوفيات " 4 / 128.(18/438)
225 - ابْنُ بَابْشَاذَ أَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ المِصْرِيُّ *
إِمَامُ النُّحَاةِ، أَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بَابشَاذ المِصْرِيُّ، الجَوْهَرِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ (1) .
قَدِمَ بَغْدَاد تَاجراً فِي اللُؤْلُؤ، وَأَخَذَ عَنْ عُلَمَائِهَا، ثُمَّ قُرِّرَ لَهُ الذّهبُ فِي ديوَان الإِنشَاء لِيُحَرِّرَ عربيَّة التَّرَسُّل (2) .
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ الفَحَّام، وَمُحَمَّدُ بنُ بَرَكَات السَّعيدي.
ثُمَّ تَزَهَّد وَتعبَّد، وَلَزِمَ جَامِع مِصْر (3) .
__________
(*) نزهة الالبا: 361، المنتظم 8 / 309، معجم الأدباء 12 / 17 - 19، إنباه الرواة 2 / 95 - 97، الكامل لابن الأثير 10 / 106، وفيات الأعيان 2 / 515 - 517، المختصر 2 / 193، العبر 3 / 271، تلخيص ابن مكتوم: 87 - 88، تتمة المختصر 1 / 571، مسالك الابصار 4 / 3 / 459 - 461، الوافي بالوفيات 16 / 390، مرآة الجنان 3 / 98، البداية والنهاية 12 / 116، إشارة التعيين: الورقة 22 - 23، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 87، النجوم الزاهرة 5 / 105، حسن المحاضرة 1 / 532، بغية الوعاة 2 / 17، كشف الظنون 1 / 111 - 423، 603 - 604، و2 / 1612، 1794، 1804، شذرات الذهب 3 / 333، الفلاكة والمفلوكون: 116، روضات الجنات: 338.
قال ابن خلكان: وبابشاذ: بباءين موحدتين بينهما ألف ثم شين معجمة وبعد الالف الثانية ذال معجمة، وهي كلمة عجمية تتضمن الفرح والسرور.
(1) ذكر أبو البركات الأنباري: أن صنف مقدمة في النحو، وسماها " المحتسب " - (ويوجد منها ثلاث نسخ في دار الكتب المصرية) - وشرح كتاب " الجمل " للزجاجي، وذكر القفطي أنه جمع تعليقه كبيرة في النحو، لو بيضت قاربت خمسة عشر مجلدا، وسماها النحاة بعده " تعليق الغرفة "، وذكر ابن خلكان أن له كتاب " شرح الأصول " لابن السراج. وانظر " هدية العارفين " 1 / 430.
(2) فيصلح ما يراه في الرسائل من الخطأ في الهجاء أو النحو أو اللغة.
انظر " إنباه الرواة " 2 / 95، و" معجم الأدباء " 12 / 18، و" وفيات الأعيان " 2 / 516، و" بغية الوعاة " 2 / 17.
(3) انظر ما حكي في سبب تزهده في " وفيات الأعيان " 2 / 516، و" إنباه الرواة " 2 / 96 - 97، و" بغية الوعاة " 2 / 17.
وجامع مصر هو جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه.(18/439)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، سقط مِنَ المنَارَة، فَتَلِف (1) .
226 - أَبُو عَمْرٍو بنُ مَنْدَةَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدٍ العَبْدِيُّ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، المُسْنِدُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَمْرٍو (2) عَبْدُ الوَهَّابِ ابْنُ الحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ ابْنِ الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، أَحَدُ الإخوَة، وَكَانَ أَصْغَر مِنْ أَخويه الحَافِظ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (3) ، وَعُبيدِ الله (4) .
سَمِعَ: أَبَاهُ، فَأَكْثَر، وَأَبَا إِسْحَاقَ بنَ خُرَّشِيذ قُوْلَه، وَأَبَا عُمَر بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ السُّلَمِيّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الحَسَنَ بن يَوَه، وَجَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الفَقِيْه، وَمُحَمَّدَ بن إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَرْدَوَيْه، وَخَلْقاً بِأَصْبَهَانَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، وَطَبَقَته بِنَيْسَابُوْرَ، وَسَمِعَ بَشِيْرَاز وَهَمَذَان وَمَكَّة وَالرَّيّ.
وَكَانَ يُسَافرُ فِي التجَارَة، وَلَهُ فَوَائِدُ فِي عِدَّة أَجزَاء مَرْويَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُؤتمَنُ السَّاجِيّ، وَابْنُه يَحْيَى بن عَبْدِ الوَهَّابِ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل التَّيْمِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الغَازِي، وَأَخُوْهُ خَالِدُ بنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) انظر " المنتظم " 8 / 309، و" معجم الأدباء " 12 / 18 - 19، و" الكامل " 10 / 106، و" وفيات الأعيان " 2 / 516 - 517، و" إنباه الرواة " 2 / 97، وفيه: قيل إن وفاته كانت سنة أربع وخمسين وقيل بعد ذلك.
(*) المنتظم 9 / 5، الكامل 10 / 128، دول الإسلام 2 / 6، العبر 3 / 282، البداية والنهاية 12 / 123، شذرات الذهب 3 / 348.
(2) تحرفت في " البداية " إلى: عمر.
(3) تقدمت ترجمته برقم (168) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (169) .(18/440)
البَغْدَادِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَتْح المُلَقَّب بِالغِيج، وَالحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وَالحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ الرُّسْتمِي، وَمَسْعُوْدُ بنُ الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، وَأَبُو الخَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ البَاغْبَان، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ طَوِيْل الرّوح عَلَى الطَّلبَة، طيِّبَ الْخلق، مُحسناً، مُتوَاضعاً، كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الأَرَامل.
قَالَ وَلده يَحْيَى: فَضَائِلُه كَثِيْرَة.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، وَكَانَ رحيماً لِلفُقَرَاء، وَلَهُ أَوْلاَد: مُحَمَّدٌ وَإِسْحَاق، وَعَبْد الْملك وَإِبْرَاهِيْم، وَيَحْيَى، وَعَائِشَة.
وَأُمُّهم هِيَ فَاطِمَة بِنْت الشَّيْبَانِيّ.
سَمِعْتُ أَبِي أَبَا عَمْرٍو: كَانَ أَبِي رُبَّمَا أَنَامنِي إِلَى جَنْبِهِ فِي الفِرَاش، وَكَانَ أَسْمَرَ، وَكُنْت أَبيضَ، فَكَانَ يُمَازحنِي، وَيُعَانقنِي.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: رَأَيتُهم بِأَصْبَهَانَ مُجْتَمِعين عَلَى الثنَاء عَلَى أَبِي عَمْرٍو وَالمَدْحِ لَهُ، وَكَانَ شَيْخُنَا إِسْمَاعِيْلُ الحَافِظُ مُكْثِراً عَنْهُ، وَكَانَ يُثنِي عَلَيْهِ، وَيُفضِّله عَلَى أَخِيْهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقَالَ المُؤتَمَنُ السَّاجِيّ: لَمْ أَرَ شَيْخاً أَقعدَ وَلاَ أَثْبَتَ مِنْ عَبْدِ الوَهَّابِ فِي الحَدِيْثِ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُه، وَفُجِعْتُ بِهِ.
قَالَ يَحْيَى: مَاتَ أَبِي فِي تَاسع عشر جُمَادَى الآخِرَة سَنَة خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ قُدَامَةَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ سُلَيْمَان، عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُؤَذِّنُ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَة، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّان، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْر، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ،(18/441)
عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ أَنَس بن مَالِكٍ كَانَ إِذَا دَخَلَ الخلاَء وُضِعَ لَهُ أُشنَان وَمَاء.
هَذَا خَبَر صَحِيْح موقُوف.
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ السِّمْسَار (1) ، وَأَبُو الفَضْلِ المُطَهِّر بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البُزَانِي (2) ، وَأَبُو أَحْمَدَ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الطُّلَيْطُلِي عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَسَهْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ الغَازِي، وَفِيْهَا - بِاخْتِلاَفٍ - الحَافِظ الأَمِيْرُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا (3) .
227 - كُلاَرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ البُوْشَنْجِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْندُ، الصَّالِحُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ (4) بنِ عَفِيْفٍ البُوْشَنْجِيُّ، الهَرَوِيُّ، المَعْرُوف بكُلاَر، وَبكُلاَرِي.
سَمِعَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبِي شُرَيْح، وَكَانَ هُوَ وَبِيْبَى (5) آخر أَصْحَابه مَوْتاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِر، وَوجيهٌ الشَّحَّامِيّ، وَزُهَيْرُ بنُ عَلِيٍّ السَّرْخَسِيّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّنْجَبَسْتِي، وَفُضَيْلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، وَعبدُ الجَلِيْل بنُ أَبِي سَعْدٍ، وَمُحَمَّد بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفُضِيْلِي، وَمَنْصُوْرُ بنُ عَلِيٍّ الحُجْرِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ وُثِّق.
وَقَعَ لِي جزءٌ مِنْ طرِيقه.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (248) .
(2) سترد ترجمته برقم (278) .
(3) سترد ترجمته برقم (298) .
(*) المشتبه 2 / 555، تبصير المنتبه 3 / 1199.
(4) في " تبصير المنتبه ": عبد الرحمن بن علي بن محمد.
(5) هي بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية الهروية، وقد تقدمت ترجمتها برقم (201) .(18/442)
تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة بِبُوشَنْج.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلَوِيّ، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ الحَلَبِيّ فِي وَقتين، أَخْبَرَكُمَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عبدُ الأَوَّل بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْح، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِر قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَا وَحَمْزَةُ الزَّيَّات مِنْ أَبَان بنِ أَبِي عَيَّاشٍ خَمْسَ مائَة حَدِيْث.
أَوْ ذكر أَكْثَر، فَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَنَامِ، فَعَرضتُهَا عَلَيْهِ، فَمَا عرف مِنْهَا إِلاَّ اليَسِيْر، خَمْسَةً أَوْ سِتَّةَ أَحَادِيْث، فَتركتُ الحَدِيْثَ عَنْهُ.
أَخْرَجَهَا مُسْلِم فِي مقدمَة (الصَّحِيْح (1)) ، عَنْ سُوَيْد، فَوَقَعَ مُوَافَقَةً عَالِيَة بدَرَجَة.
228 - الزَّيْنَبِيُّ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الصَّالِحُ، الزَّاهِدُ، الشَّرِيْفُ، مُسْنِدُ الوَقْتِ، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الإِمَامِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ البَحْرِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، الزَّيْنَبِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ (2) وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة. أَرَّخَهُ السَّمْعَانِيّ.
__________
(1) 1 / 25، والخبر في " الضعفاء " ورقه 14 للعقيلي، ومن طريقه رواه السيوطي في تحذير الخواص ص 140.
(*) تاريخ بغداد 3 / 238 - 239، الإكمال 4 / 202، الأنساب 6 / 346، المنتظم 9 / 33 - 34، الكامل لابن الأثير 10 / 159، المختصر 2 / 199، دول الإسلام 2 / 10، العبر 3 / 295، تتمة المختصر 2 / 9، الوافي بالوفيات 1 / 121، شذرات الذهب 3 / 364.
(2) تصحفت في " المنتظم " 9 / 34 إلى: تسع، وهو خطأ، فقد ذكر أنه عاش ثلاثا
وتسعين سنة.(18/443)
وَسَمِعَ: أَبَا طَاهِرٍ المُخَلِّص، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ بنِ زُنْبُوْر، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ الحمَّامِي، وَغَيْرهُم.
وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنِ المُخَلِّص وَابْن زُنْبُوْر فِي الدُّنْيَا.
رَوَى عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَابْنُ الخَاضبَة، وَالبَرَدَانِي، وَابْنُ طَاهِر، وَمُؤْتَمن السَّاجِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغازِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَلِيُّ بنُ طِرَاد، وَأَخُوْهُ مُحَمَّد، وَوجيهٌ الشَّحَّامِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الشهرزورِي المَوْصِلِيّ، وَقَاضِي سِنجَار مُظَفَّرُ بنُ أَبِي أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُؤَيَّدِ بِاللهِ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المَادح، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ آخِرُهم مَوْتاً هِبَةُ اللهِ بن أَحْمَدَ الشِّبْلِي، وَبَقِيَ بَعْدَهُ يَرْوِي عَنْهُ بِالإِجَازَة أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: أَبُو نَصْرٍ شَرِيْفٌ زَاهِد، صَالِحٌ ديِّن، مُتَعَبِّدٌ، هجر الدُّنْيَا فِي حَدَاثته، وَمَال إِلَى التَّصُوْف، وَكَانَ مُنْقَطِعاً فِي رِبَاط شَيْخ الشُّيُوْخ أَبِي سَعْدٍ، انْتَهَى إِلَيْهِ إِسْنَادُ البَغَوِيّ، وَرَحَلَ إِلَيْهِ الطلبَةُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا الفَضْل ابْنَ المُهْتَدِي بِاللهِ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ اللحنُ، رَدَّهُ لَكَثْرَةِ مَا قُرِئَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الأَجزَاء.
قَالَ: وَسَمِعْتُ إِسْمَاعِيْل الحَافِظ بِأَصْبَهَانَ يَقُوْلُ: رَحل أَبُو سَعْدٍ البَغْدَادِيّ إِلَى أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، فَدَخَلَ بَغْدَادَ، وَلَمْ يَلحقه، فَحين أُخْبِرَ بِمَوْته خرق ثَوْبه، وَلَطَمَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: مِنْ أَيْنَ لِي عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ؟ فَسَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ عَنِ الزَّيْنَبِيّ، فَقَالَ زَاهِدٌ، صَحِيْحُ السَّمَاع، آخر مَنْ حَدَّثَ عَنِ المُخَلِّص.
قَالَ السَّمْعَانِيّ وَغَيْرهُ: مَاتَ فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَة(18/444)
سَنَة تِسْعٍ (1) وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المُعَدَّل، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبيد الله، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيْع الزَّهْرَانِيّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ بِلاَل - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -:
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَيْنَ العَمُودَيْنِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فِي جَوْفِ الكَعْبَة.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2) ، عَنْ أَبِي الرَّبِيْعِ.
__________
(1) في " الأنساب " 6 / 346: سنة نيف وسبعين.
(2) رقم (1329) (389) في الحج: باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيه، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 398 في الحج: باب الصلاة في البيت، ومن طريقه البخاري (504) في سترة المصلي: باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، ومسلم (1329) عن نافع، عن ابن عمر، وهو في البخاري (397) و (498) و (505) و (506) و (1167) و (1598) و (1599) و (2988) و (4289) و (4400) .(18/445)
الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ وَالعِشْرُوْنَ
229 - النُّوْقَانِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَاهِرِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الصَّالِحُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ زَاهِرِ بنِ مُحَمَّدٍ النُّوْقَانِيُّ ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَأَبَا الطَّيِّب الصُّعْلوكِي، وَعَبْدَ اللهِ بن يُوْسُفَ ابْن بامُويه، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ مَحْمِش، وَعِدَّة بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان، وَطَبَقَته بِبَغْدَادَ، وَجَنَاح بنَ نذِير المُحَارِبِيّ بِالكُوْفَةِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ نَظيف بِمَكَّةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الغَازِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَاريّ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّامغَانِي، وَسَعِيْدُ بنُ عَلِيٍّ الشُّجَاعِي، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَحْمَد الصَّفَّار، وَأَبُو الفُتوح عَبْدُ اللهِ الخَرْكُوشِي، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ عَلِيٍّ العَلَوِيّ، وَعَبْدُ الْملك بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَامِع خَيَّاط الصُّوف.
__________
(*) الأنساب: 571 ب، المنتظم 9 / 31، المنتخب: الورقة: 40 أ، المشتبه 1 / 66، العبر 3 / 294، طبقات السبكي 4 / 270 - 271، شذرات الذهب 3 / 363، وقد تقدم التعريف بهذه النسبة في الترجمة رقم (2) .(18/446)
وَمِنْ سَمَاعَاته كِتَابُ (تَارِيخ يَعْقُوْب الفَسَوِيّ) ، مِنِ ابْنِ الفَضْل القَطَّان، عَنِ ابْنِ دُرُسْتَوَيْه، عَنْهُ.
قَالَ عبدُ الغَافِرِ الفَارِسِيّ أَوْ غَيْره: تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الطُّوْسِيّ، وَعَقَدَ مَجْلِس الإِملاَء، وَأَفَاد الكَثِيْر، مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، وَمَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَقَدِيْمُ سَمَاعه بِالحُضُوْر.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: شَيْخ الشُّيُوْخ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دُوست (1) بِبَغْدَادَ، وَجَعْبَرُ بنُ سَابِق الأَمِيْر (2) ، وَطَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيّ (3) ، وَسُلَيْمَانُ بنُ قُتُلْمِش صَاحِب قُونيَة (4) ، وَأَبُو عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ (5) ، وَعَلِيُّ بنُ فَضَّال المُجَاشِعِيّ (6) شَيْخ النَّحْو، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْد اللهِ الصَّرَّام (7) ، وَمُسْنِدُ وَقته أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ (8) .
230 - ابْنُ اللاَّلْكَائِيُّ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ الحَسَنِ *
الفَقِيْهُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابْنُ الحَافِظِ هِبَةِ اللهِ (9) بنِ الحَسَنِ بنِ مَنْصُوْرٍ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (254) .
(2) سترد ترجمته برقم (282) .
(3) سترد ترجمته برقم (231) .
(4) سترد ترجمته برقم (232) .
(5) سترد ترجمته برقم (245) .
(6) سترد ترجمته برقم (268) .
(7) سترد ترجمته برقم (247) .
(8) تقدمت ترجمته، قبل هذه الترجمة.
(*) الأنساب " اللالكائي "، المنتظم 8 / 324 - 325، الكامل في التاريخ 10 / 117، اللباب 3 / 401، طبقات ابن الصلاح: 36 ب، الوافي بالوفيات 5 / 151، طبقات السبكي 4 / 207 - 208، طبقات الاسنوي 2 / 366 - 367، قال في " اللباب ": اللالكائي: بعد اللام ألف لام وكاف مفتوحة وألف ساكنة وياء مثناة من تحتها هذه النسبة إلى بيع اللوالك التي تلبس في الارجل (واللوالك: نوع من الجلود يتخذ منها نعال) .
(9) مرت ترجمة هبة الله والد صاحب الترجمة في الجزء السابع عشر برقم (274) .(18/447)
الطَّبَرِيُّ، اللاَّلْكَائِيُّ. مِنْ فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنِ: الحَفَّار، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان، وَابْنِ الفَضْلِ القَطَّان.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَسِبْطُ الخَيَّاط (1) ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ (2) وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
231 - الشَّحَّامِيُّ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، الصَّالِحُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، المُسْتَمْلِي، المُعَدَّلُ، أَحَدُ مَنْ عُني بِهَذَا الشَّأْنِ.
حَدَّثَ عَنِ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَفضلِ الله المِيهنِي، وَالأُسْتَاذ أَبِي إِسْحَاقَ الإِسفرَايينِيّ، وَصَاعِد بن مُحَمَّدٍ القَاضِي، وَوَالِده الصَّالِحِ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ زَاهِرٌ وَوجيهٌ (3) ، وَحَفِيْدَاهُ عبدُ الخَالِق بنُ زَاهِر، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ خَلَفٍ، وَعبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَآخَرُوْنَ.
صَنّف كِتَاباً بِالفَارِسيَّة فِي الشرَائِع، وَاسْتملَى عَلَى نِظَامِ المُلك الوَزِيْر، وَطَائِفَة.
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن علي البغدادي المقرئ النحوي المتوفى سنة 541 هـ، وسترد ترجمته في ترجمة أخيه في الجزء العشرين برقم (79) .
(2) في " طبقات الاسنوي ": تسعين بدل سبعين نقلا عن ابن الصلاح.
(*) العبر 3 / 294 - 295، شذرات الذهب 3 / 363. والشحامي: نسبة ألى بيع الشحم " لب اللباب ": 151.
(3) سترد ترجمتهما في الجزء العشرين برقم (5) ، (67) .(18/448)
وَكَانَ فَقِيْهاً أَديباً بارعاً، شَاعِراً، بَصِيْراً بِالوثَائِق، صَالِحاً، عَابِداً، أَسْمَع أَلاَدَه وَأَحفَاده، وَحَصَّل لَهم الأَسَانِيْدَ العَالِيَة.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
232 - صَاحِبُ الرُّوْمِ سُلَيْمَانُ بنُ قُتُلْمِشَ بنِ إِسْرَائِيْلَ السَّلْجُوقِيُّ *
السُّلْطَانُ سُلَيْمَانُ بنُ قُتُلْمِش (1) بنِ إِسْرَائِيْلَ بنِ سَلجوق السَّلْجُوقِيُّ جَدُّ مُلُوْك الرُّوْم.
حَاصرَ حلب، فَكَاتِب أَهْلُهَا صَاحِبَ دِمَشْق تُتش بنَ أَلب آرسلاَن، فَسَارَع، فَالتَقَى الجمعَان بِظَاهِرِ حلب، فَانْهَزَم الرُّوْمِيُّوْنَ، وَثبتَ سُلَيْمَانُ إِلَى أَنْ قُتل.
وَقِيْلَ: بَلْ قَتَل نَفْسَه بِسكِّيْنٍ عِنْدَ الغَلَبَة (2) .
وَكَانَ صَاحِبَ مدينَة قُونيَة (3) ، فَتملَّك بَعْدَهُ ابْنُه قلج آرْسَلاَن، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
233 - الكَوْسَجُ مَحْمُوْدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ **
الشَّيْخُ، أَبُو المُظَفَّرِ مَحْمُوْدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
رَوَى عَنْ: عَمِّ أَبِيْهِ حُسَيْنِ بن أَحْمَدَ، وَالحُسَيْنِ بن عَلِيِّ بنِ البَغْدَادِيّ.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظ، وَ......... (4) عدلٌ مرضِي.
__________
(*) الكامل في التاريخ 10 / 138 - 139 و147، المختصر 2 / 195، 197، دول الإسلام 2 / 7 و9، العبر 3 / 295 - 286 و293، تتمة المختصر 1 / 574، و577، الوافي بالوفيات 15 / 420، البداية والنهاية 12 / 126، و130، النجوم الزاهرة 5 / 124.
(1) في " المختصر ": قطلومش، وفي " تتمته ": قطلمش.
(2) انظر " الكامل " 10 / 147، و" المختصر " 2 / 197.
(3) هي مدينة في وسط تركيا الآسيوية، عاصمة سلطنة الروم السلجوقية.
(* *) لم نعثر له على ترجمة في ما بين أيدينا من مصادر.
(4) في الأصل: فراغ مقدار نصف سطر تقريبا.(18/449)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
206 - حَيْدَرَةُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ أَبُو المُنَجَّا القَحْطَانِيُّ * (تَقَدَّمَ)
العَلاَّمَةُ، أَبُو المُنَجَّا القَحْطَانِيُّ، الأَنْطَاكِيُّ، المُعَبِّرُ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نَصْرٍ، وَالحَسَنِ بن عَلِيٍّ الكَفَرْطَابِي، وَجَمَاعَة.
وَعَنْهُ: هِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِي، وَجمَالُ الإِسْلاَم، وَالقَاضِي يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيّ.
قَالَ ابْنُ مَاكُوْلا (1) :كَتَبْتُ عَنْهُ بِدِمَشْقَ.
وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّين، وَكَانَ يذكر أَنَّهُ يَحفظ فِي علم التعبِير عَشْرَةَ آلاَف وَرقَةٍ وَثَلاَثَ مائَةٍ وَنَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَرقَةً (2) .
قُلْتُ: يَكُوْنُ هَذَا الْقدر نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ مُجَلَّداً، فَاللهُ أَعْلَمُ بصحَة ذَلِكَ.
234 - الجُهَنِيُّ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ **
الشَّيْخُ، الرَّئِيْسُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ المنثُوْرِ الجُهَنِيُّ، الكُوْفِيُّ، الشِّيْعِيُّ، آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الجُعْفِيُّ.
__________
(*) تقدمت ترجمته برقم (206) .
(1) " الإكمال " 7 / 268.
(2) انظر " تهذيب ابن عساكر " 5 / 25.
(* *) لم نعثر على مصادر: جمة.(18/450)
رَوَى عَنْهُ: عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزَّيدي، وَمُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان، وَأَبُو القَاسِمِ ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ سَنَة سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
كَانَ رَدِيء العقيدَة - الله يَسَامحه -.
235 - ابْنُ عَلاَّنَ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَرَجِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الثِّقَةُ، أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِلاَّن الكَرَجِي ثُمَّ الكُوْفِيُّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بن النَّجَّار، وَمُحَمَّدِ بن عَبْدِ اللهِ الجُعْفِيّ الهَرَوَانِيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيّ، وَطَائِفَةٌ آخِرُهم مَوْتاً أَبُو الحَسَنِ بنُ غَبَرَة.
قَالَ النَّرْسِيّ: هُوَ ثِقَةٌ مِنْ عُدول الحَاكِم، تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَة سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قُلْتُ: فَهُوَ وَابْنُ المَنْثُوْر الجُهَنِيّ (1) انْتَهَى إِلَيهُمَا عُلوُّ الإِسْنَاد بِالكُوْفَةِ، وَقَدْ مَاتَا فِي شَهْر.
وَمَاتَ فِيْهَا: التَّاجِرُ الكَبِيْر أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَرْدَة العُكْبَرِيّ،
__________
(*) لم نعثر له على مصادر ترجمة، والكرجي: بفتح الكاف والراء وفي آخرها جيم، هذه النسبة إلى الكرج وهي بلدة من بلاد الجبل بين أصبهان وهمذان بنيت في زمن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور.
(1) وهو الذي تقدمت ترجمته قبل هذا.(18/451)
وَاقِفُ المَسْجَد المَعْرُوف، وَنعمتُه نَحْوُ ثَلاَثِ مائَةِ أَلْف دِيْنَار.
وَمُقْرِئُ إِشبيلية أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ شُرَيْح الرُّعَيْنِيّ (1) ، وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَطَاءٍ الإِبْرَاهِيْمِيُّ الهَرَوِيّ، وَالعَلاَّمَةُ العَابِدُ أَبُو الوَفَاء طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ الحَنْبَلِيّ القَوَّاس (2) ، وَمُؤَلّف الفَرَائِض أَبُو حَكِيْمٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الخَبْرِي (3) .
236 - القَوَّاسُ أَبُو الوَفَاءِ طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الكَبِيْرُ، أَبُو الوَفَاء طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، القَوَّاسُ، البَابَصْرِيُّ (4) .
سَمِعَ مِنَ: الحَفَّار، وَمَحْمُوْدٍ العُكْبَرِيّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان.
وَعَنْهُ: ابْنَا السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَلِيُّ بنُ طِرَاد، وَالأَنْمَاطِيّ.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلين، صَادِقاً، مُخلصاً، قَانِعاً بِاليَسير.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ سَنَة سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
237 - أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُجْتَهِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (284) .
(2) وهو صاحب الترجمة التالية.
(3) سترد ترجمته برقم (287) .
(*) طبقات الحنابلة 2 / 244، المنتظم 9 / 8 - 9، العبر 3 / 284، البداية والنهاية 12 / 125، شذرات الذهب 3 / 351 - 352.
(4) نسبة إلى باب البصرة، كلما ورد في " طبقات الحنابلة " و" المنتظم ": أنه كان يدرس في مسجده بباب البصرة.
(* *) الأنساب 9 / 361 - 362، تبيين كذب المفتري: 276 - 278، " المنتظم " 9 / 7 - 8، صفة الصفوة 4 / 66 - 67، معجم البلدان 3 / 381، الكامل لابن الأثير 10 / 132 - 133، اللباب 2 / 451، طبقات ابن الصلاح: الورقة 29 - 30، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 172 - =(18/452)
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ الفَيْروزآبَادِيُّ، الشيرَازِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، قِيْلَ: لَقَبُه جَمَالُ الدِّيْنِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
تَفقه عَلَى: أَبِي عَبْدِ اللهِ البَيْضَاوِيّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بن رَامِين بَشِيْرَاز، وَأَخَذَ بِالبَصْرَةِ عَنِ الخَرَزِي (1) .
وَقَدِمَ بَغْدَاد سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَلزمَ أَبَا الطَّيب (2) ، وَبَرَعَ، وَصَارَ مُعيدَه، وَكَانَ يُضرب المَثَل بفصَاحته وَقوَّةِ مُنَاظرته.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيّ بن شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِي، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْد اللهِ الخَرْجُوشِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَأَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي، وَالحُمَيْدِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ
__________
= 174، المجموع للنووي 1 / 25 - 28، طبقات النووي: الورقة / 46 - 48، وفيات الأعيان 1 / 29 - 31، المختصر في أخبار البشر 2 / 194 - 195، دول الإسلام 2 / 7، العبر 3 / 283 - 284، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 42 - 46، تتمة المختصر 1 / 573 - 574، الوافي 6 / 62 - 66، مرآة الجنان 3 / 110 - 119، طبقات السبكي 4 / 215 - 256، طبقات الاسنوي 2 / 83 - 85، البداية والنهاية 12 / 124 - 125، وفيات ابن قنفذ: 256، النجوم الزاهرة 5 / 117 - 118، مفتاح السعادة 2 / 318 - 321، تاريخ الخميس 2 / 359 - 360، طبقات ابن هداية الله: 170 - 171، كشف الظنون 1 / 339، 391، 489 و2 / 1562، 1743، 1818، 1912، شذرات الذهب 3 / 349 - 351، هدية العارفين 1 / 8، ذيل بروكلمان 1 / 669، الفتح المبين في طبقات الاصوليين 1 / 255 - 257، وانظر " الامام الشيرازي حياته وآراؤه الاصولية " للدكتور محمد حسن هيتو، ومقدمة كتابه " طبقات الفقهاء " (بيروت - 1970) لاحسان عباس.
(1) بالخاء المعجمة والراء المهملة والزاي: نسبة إلى الخرز وبيعها، وقد تحرف في " الأنساب " و" اللباب " إلى الخوزي، وفي " وفيات الأعيان " إلى: الحوزي، وفي " تهذيب الأسماء واللغات " إلى: الجوزي، وتصحف في " المنتظم " و" الوافي " و" الفتح المبين " و" طبقات " ابن هداية إلى: الجزري.
(2) يعني أبا الطيب الطبري.(18/453)
ابْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو البَدر الكَرْخِيّ، وَالزَّاهِدُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَم، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بن حِمَّان الهَمَذَانِيّ خَاتِمَةُ مِنْ رَوَى عَنْهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ إِمَامُ الشَّافِعِيَّة، وَمُدَرِّس النِّظَامِيَّة، وَشيخ العَصْر.
رَحل النَّاسُ إِلَيْهِ مِنَ البِلاَد، وَقَصدُوْهُ، وَتَفَرَّد بِالعِلْمِ الوَافر مَعَ السيرَةِ الجمِيْلَة، وَالطّرِيقَةِ المَرْضِيَّة.
جَاءته الدُّنْيَا صَاغرَةً، فَأَبَاهَا، وَاقتصر عَلَى خُشونَة الْعَيْش أَيَّامَ حيَاتِه.
صَنَّف فِي الأُصُوْل وَالفروعِ وَالخلاَفِ وَالمَذْهَب، وَكَانَ زَاهِداً، وَرِعاً، مُتوَاضعاً، ظرِيفاً، كَرِيْماً، جَوَاداً، طَلْقَ الوَجْه، دَائِمَ البِشْر، مليحَ المُحاورَة (1) .
حَدَّثَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثِيْرَة.
حُكِي عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ نَائِماً بِبَغْدَادَ، فَرَأَيْت النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! بَلَغَنِي عَنْكَ أَحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ عَنْ نَاقلِي الأَخْبَار، فَأُرِيْد أَنْ أَسْمَع مِنْكَ حَدِيْثاً أَتشرَّف بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَجعله ذُخراً لِلآخِرَة، فَقَالَ لِي: يَا شَيْخ! - وَسمَّانِي شَيْخاً، وَخَاطبنِي بِهِ. وَكَانَ يَفرح بِهَذَا - قل عَنِّي: مَنْ أَرَادَ السَّلاَمَةَ، فَلْيَطْلُبهَا فِي سلاَمَةِ غَيْره (2) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ هَذَا بِمَرْوَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ حَيْدَر بن مَحْمُوْد الشيرَازِي، أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ رَجُلاً أَخسَأَ كلباً، فَقَالَ: مَهْ! الطَّرِيْقُ بَيْنك وَبَيْنَهُ (3) .
__________
(1) انظر " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 173، و" المجموع " 1 / 26.
(2) انظر " المنتظم " 9 / 8، و" صفة الصفوة " 4 / 66، و" تهذيب الأسماء واللغات "
2 / 173، و" الوافي بالوفيات " 6 / 63، و" طبقات " السبكي 4 / 225 - 226.
(3) الخبر في " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 173، و" الوافي " 6 / 65 - 66، و" طبقات " السبكي 4 / 226، و" المستفاد ": 45 - 46.(18/454)
وَعَنْهُ: أَنَّهُ اشْتَهَى ثرِيْداً بِمَاء باقلاَّء، قَالَ: فَمَا صَحَّ لِي أَكلُه لاشتغَالِي بِالدَّرس وَأَخَذِي النّوبَة (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا بِبَغْدَادَ: كَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاقَ إِذَا بَقِيَ مُدَّةً لاَ يَأْكُل شَيْئاً، صَعد إِلَى النَّصرِيَّة وَلَهُ بِهَا صَدِيْق، فَكَانَ يَثْرِدُ لَهُ رَغِيْفاً، وَيَشرَبُه بِمَاء البَاقلاَّء، فَرُبَّمَا صعد إِلَيْهِ وَقَدْ فَرغ، فَيَقُوْلُ أَبُو إِسْحَاقَ: {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} (2) [النَّازعَات:12]
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيّ: أَبُو إِسْحَاقَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى أَئِمَّة العَصْر (3) .
وَقَالَ المُوفَّق الحَنَفِيّ: أَبُو إِسْحَاقَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ فِي الفُقَهَاء (4) .
قَالَ القَاضِي ابْن هَانِئ (5) :إِمَامَانِ مَا اتَّفَقَ لَهُمَا الحَجّ، أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَاضِي القُضَاة أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّامغَانِيّ، أَمَا أَبُو إِسْحَاقَ فَكَانَ فَقيراً، وَلَوْ أَرَادَه لحملُوْهُ عَلَى الأَعْنَاق، وَالآخر لَوْ أَرَادَهُ لأَمكنه عَلَى السُّندس وَالاسْتَبْرق (6) .
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ القَاسِمِ الشَّهْرُزُورِيّ بِالمَوْصِلِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: أَيُّ سكتَةٍ فَاتَتْكَ (7) ؟!
قَالَ: وَكَانَ يَتَوَسْوَسُ - يَعْنِي: فِي المَاء -. وَسَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ
__________
(1) الخبر في " المنتظم " 9 / 7، و" صفة الصفوة " 4 / 67، و" المجموع " 1 / 25، و" طبقات " السبكي 4 / 218.
(2) الخبر في " المستفاد ": 45، و" طبقات " السبكي 4 / 219.
(3) " طبقات " السبكي 4 / 227.
(4) " طبقات " السبكي 4 / 227.
(5) كذا الأصل، وفي " تهذيب الأسماء واللغات " و" طبقات " السبكي: القاضي محمد بن محمد الماهاني.
(6) انظر " المنتظم " 9 / 8، و" تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 174، و" طبقات " السبكي 4 / 227.
(7) انظر " الوافي بالوفيات " 6 / 64.(18/455)
الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَتوضَّأُ فِي الشطّ، وَيَشُكُّ فِي غَسْلِ وَجهه، حَتَّى يُغَسِّله مَرَّات، فَقَالَ لَهُ رَجُل: يَا شَيْخ! مَا هَذَا؟
قَالَ: لَوْ صَحَّتْ لِيَ الثَّلاَثُ مَا زِدْت عَلَيْهَا (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: دَخَلَ أَبُو إِسْحَاقَ يَوْماً مَسْجِداً ليتغدَّى، فَنَسِيَ دِيْنَاراً، ثُمَّ ذَكَرَ، فَرَجَعَ، فَوَجَده، فَفَكَّر، وَقَالَ: لَعَلَّهُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِي، فَتركه (2) .
قِيْلَ: إِنَّ ظَاهِراً النَّيْسَابُوْرِيّ خَرَّجَ لأَبِي إِسْحَاقَ جُزْءاً، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ.
وَمرَّة: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ البَزَّاز.
وَمرَّة: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ ابْن أَبِي بَكْرٍ الفَارِسِيّ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟
قَالَ: هُوَ ابْنُ شَاذَانَ.
فَقَالَ: مَا أُرِيْدُ هَذَا الْجُزْء، التَّدْليسُ أَخُو الْكَذِب.
قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ: أَتيت أَبَا إِسْحَاقَ بفُتْيَا فِي الطَّرِيْق، فَأَخَذَ قلم خَبَّازٍ، وَكَتَبَ، ثُمَّ مسحَ الْقَلَم فِي ثَوْبه (3) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ جَمَاعَة يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو إِسْحَاقَ نَيْسَابُوْر رَسُوْلاً تَلَقَّوْهُ، وَحَمَلَ إِمَام الحَرَمَيْنِ غَاشِيَتَه، وَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: أَفتخِرُ بِهَذَا (4) .
وَكَانَ عَامَّة المدرّسين بِالعِرَاقِ وَالجِبَال تَلاَمِذته وَأَتْبَاعه - وَكفَاهم بِذَلِكَ
__________
(1) انظر الخبر مطولا في " طبقات " السبكي 4 / 228، والشيخ رحمه الله على صلاحه وتقواه وعلمه أوقعته الوسوسة التي استحكمت فيه في المخالفة الشرعية، وحاول أن يتفصى عنها بعذر لا مسوغ له، فإن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا، ثم قال: " هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء وظلم " وهو حديث حسن أخرجه أبو داود (135) والنسائي 1 / 88، وابن ماجة (422) وصححه ابن خزيمة (174) ولابن قدامة رسالة في ذم الوسوسة والموسوسين، فلتراجع فإنها نفيسة.
(2) الخبر في " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 173، و" المجموع " 1 / 25 - 26، و" طبقات " السبكي 4 / 217، و" الوافي " 6 / 65.
(3) الخبر في " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 173، و" المجموع " 1 / 26، و" طبقات " السبكي 4 / 219.
(4) انظر " المنتظم " 9 / 8، و" طبقات " السبكي 4 / 222.(18/456)
فَخراً - وَكَانَ يُنْشِدُ الأَشعَارَ المَلِيْحَة، وَيُوردُهَا، وَيَحفَظُ مِنْهَا الكَثِيْر (1) .
وَعَنْهُ قَالَ: العِلْمُ الَّذِي لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُه أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُل عَالِماً وَلاَ يَكُوْن عَامِلاً (2) .
وَقَالَ: الجَاهِلُ بِالعالِمِ يَقتدي، فَإِذَا كَانَ العَالِم لاَ يَعملُ، فَالجَاهِلُ مَا يَرْجُو مِنْ نَفْسِهِ؟ فَاللَّهَ اللَّهَ يَا أَوْلاَدِي! نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ عِلْمٍ يَصِيْر حَجَّةً عَلَيْنَا (3) .
قِيْلَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحِيْم بنَ القُشَيْرِيّ جلس بِجَنْبِ الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، فَأَحسَّ بثِقلٍ فِي كُمِّهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا سيدنَا؟
قَالَ: قرصِي الملاَح، وَكَانَ يَحملهُمَا فِي كُمِّهِ لِلتَّكَلُّفِ (4) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: رَأَيْت بخطِّ أَبِي إِسْحَاقَ رُقعَةً فِيْهَا نُسخَةُ مَا رَآهُ أَبُو مُحَمَّدٍ المزِيديّ (5) :رَأَيْتُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ لَيْلَة جُمُعَةٍ أَبَا إِسْحَاقَ الفِيروزآبَادِيّ فِي مَنَامِي يَطيرُ مَعَ أَصْحَابه فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَة أَوِ الرَّابِعَة، فَتحيَّرتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا هُوَ الشَّيْخُ الإِمَام مَعَ أَصْحَابه يَطيرُ وَأَنَا مَعَهُم، فَكُنْتُ فِي هَذِهِ الفكرَة إِذْ تلقَّى الشَّيْخَ مَلَكٌ، وَسلَّم عَلَيْهِ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقرَأُ عَلَيْك السَّلاَمَ وَيَقُوْلُ: مَا تُدَرِّسُ لأَصْحَابك؟
قَالَ: أُدَرِّس مَا نُقِلَ عَنْ صَاحِب الشَّرع.
قَالَ لَهُ الملكُ: فَاقرَأْ عليَّ شَيْئاً أَسْمَعه.
فَقَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ مَسْأَلَةً لاَ أَذْكُرُهَا، ثُمَّ رَجَعَ المَلَكُ بَعْد سَاعَةٍ إِلَى الشَّيْخ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ:
__________
(1) انظر " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 173، و" المجموع " 1 / 26.
(2) " طبقات " السبكي " 4 / 226.
(3) " طبقات " السبكي 4 / 226.
(4) الخبر بنحوه في " المنتظم " 9 / 7.
(5) كذا الأصل، وفي " طبقات " السبكي 4 / 226: أبو محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن كاكا المؤيدي.(18/457)
الحَقُّ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَأَصْحَابُك، فَادخُلِ الجَنَّةَ مَعَهُم (1) .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: كُنْتُ أُعيدُ كُلَّ قِيَاسٍ أَلفَ مرَّة، فَإِذَا فَرغتُ أَخذتُ قيَاساً آخر عَلَى هَذَا، وَكُنْتُ أُعيْدُ كُلّ دَرْسٍ أَلفَ مرَّة، فَإِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَة بَيْتٌ يُسْتَشهدُ بِهِ حَفِظتُ القصيدَة الَّتِي فِيْهَا البَيْت (2) .
كَانَ الوَزِيْرُ ابْنُ جَهِير كَثِيْراً مَا يَقُوْلُ: الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ وَحيدُ عصره، وَفرِيْدُ دَهْرِهِ، وَمُسْتجَابُ الدَّعوَة (3) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: لمَا خَرَجَ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، خَرَجَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ تَلاَمِذته كَأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الطَّبرِيّ، وَأَبِي مُعَاذ الأَنْدَلُسِيّ، وَالقَاضِي عليّ المَيَانَجِيّ، وَقَاضِي البَصْرَةِ ابْنِ فِتيَان، وَأَبِي الحَسَنِ الآمِدِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ الزَّنْجَانِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الفَارِقِيّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بن الرُّطبِيّ (4) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: وَلدَ أَبُو إِسْحَاقَ بِفيْرُوزآبَاد - بُليدَة بفَارِس - وَنَشَأَ بِهَا، وَقرَأَ الفِقْهَ بَشِيْرَاز عَلَى أَبِي القَاسِمِ الدَّارَكِيّ، وَعَلَى أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ صَاحِب المَاسَرْجِسِيّ، وَعَلَى الزَّجَّاجِيّ صَاحِبِ ابْن القَاصّ، وَقرَأَ الكَلاَمَ عَلَى أَبِي حَاتِمٍ القَزْوِيْنِيّ صَاحِبِ ابْن البَاقِلاَّنِيّ، وَخَطُّه فِي غَايَة الرَّدَاءة.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الجُرْجَانِيّ القَاضِي: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ لاَ يَملك شَيْئاً، بلغَ بِهِ الفَقْر، حَتَّى كَانَ لاَ يَجدُ قُوتاً وَلاَ مَلْبَساً، كُنَّا نَأْتيه وَهُوَ سَاكنٌ فِي القَطيعَة،
__________
(1) الخبر بنحوه في " طبقات " السبكي 4 / 226 - 227، ومعرفة الحق لا تكون بالمنامات، وإنما بالدراسة والبحث والموازنة.
(2) الخبر بنحوه في " صفة الصفوة " 4 / 66، و" تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 173، و" المجموع " 1 / 25، و" طبقات " السبكي 3 / 218.
(3) " طبقات " السبكي 4 / 227.
(4) انظر " طبقات " السبكي 4 / 220.(18/458)
فِيقوم لَنَا نِصْف قَوْمَةٍ، كِي لاَ يظْهر مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ العُرِي (1) ، وَكُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ، فَتعلَّقَ بِهِ باقلاَّنِيّ، وَقَالَ: يَا شَيْخُ! كَسَرْتَنِي وَأَفقرتَنِي! فَقُلْنَا: وَكم لَكَ عِنْدَهُ؟
قَالَ: حَبَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ حبتَان وَنِصْف.
وَقَالَ ابْنُ الخَاضبَة: كَانَ ابْنُ أَبِي عقيل يَبعث مِنْ صُوْر إِلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ البَدْلَة وَالعِمَامَة المُثَمَّنَة، فَكَانَ لاَ يَلْبَس العِمَامَة حَتَّى يَغسلهَا فِي دِجْلَة، وَيَقْصِد طهَارتهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ نَزع عِمَامَته - وَكَانَتْ بِعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً - وَتوضَأَ فِي دِجْلَة، فَجَاءَ لِصٌّ، فَأَخَذَهَا، وَتركَ عِمَامَةً رديئَةً بَدَلهَا، فَطَلَعَ الشَّيْخ، فَلبِسهَا، وَمَا شعر حَتَّى سَأَلُوْهُ وَهُوَ يدرّس، فَقَالَ: لَعَلَّ الَّذِي أَخَذَهَا مُحْتَاج.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضبَة: سَمِعْتُ بَعْض أَصْحَاب أَبِي إِسْحَاقَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الشَّيْخ كَانَ يُصَلِّي عِنْد فَرَاغ كُلّ فَصلٍ مِنَ (المُهَذَّب (2)) .
قَالَ نِظَامُ المُلك - وَأَثْنَى عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ وَقَالَ -:كَيْفَ حَالِي مَعَ رَجُل لاَ يُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَهْروز الفَرَّاش فِي المُخَاطبَة؟
قَالَ لِي: بَارَكَ اللهُ فِيك، وَقَالَ لَهُ لَمَّا صبَّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: حَكَى أَبِي قَالَ: حضَرتُ مَعَ قَاضِي القُضَاة أَبِي الحَسَنِ المَاورديّ عزَاءً، فَتكلّم الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَاجلاً، فَلَمَّا خَرَجْنَا، قَالَ المَاورديّ: مَا رَأَيْتُ كَأَبِي إِسْحَاقَ! لَوْ رَآهُ الشَّافِعِيُّ لَتَجَمَّل بِهِ (3) .
__________
(1) الخبر في " طبقات " السبكي 4 / 219.
(2) " طبقات " السبكي 4 / 217.
(3) " طبقات " السبكي 4 / 227.(18/459)
أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ: سَأَلت شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَقَالَ:
إِمَامُ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَالمُقَدَّمُ عَلَيْهِم فِي وَقته بِبَغْدَادَ.
كَانَ ثِقَةً، وَرِعاً، صَالِحاً، عَالِماً بِالخلاَف عِلْماً لاَ يُشَاركه فِيْهِ أَحَد (1) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: نَدَبَ المُقتدي بِاللهِ أَبَا إِسْحَاقَ لِلرسليَة إِلَى المعَسْكَر، فَتوجَّه فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ، فَكَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَهْلُ البَلَد بِنسَائِهِم وَأَولأَدْهم يَمْسَحُوْنَ أَرْدَانه (2) ، وَيَأْخذُوْنَ تُرَابَ نَعليه يَسْتَشفُوْنَ بِهِ، وَخَرَجَ الخَبَّازون، وَنثرُوا الْخبز، وَهُوَ يَنهَاهُم، وَلاَ يَنْتهون، وَخَرَجَ أَصْحَاب الفَاكِهَة وَالحلوَاء، وَنثرُوا عَلَى الأَسَاكفَة، وَعملُوا مدَاسَاتٍ صغَاراً، وَنَثَرُوهَا، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى رُؤُوْس النَّاسِ، وَالشَّيْخُ يَعْجَبُ، وَقَالَ لَنَا: رَأَيتُم النِّثَار، وَمَا وَصلَ إِلَيْكُم مِنْهُ؟ فَقَالُوا: يَا سيّدي! وَأَنْت أَيَّ شَيْءٍ كَانَ حظُّكَ مِنْهُ؟
قَالَ: أَنَا غَطَّيْتُ نَفْسِي بِالمِحَفَّة (3) .
قَالَ شِيْرَوَيْه الدَّيلمِيّ فِي (تَارِيخ هَمَذَان) :أَبُو إِسْحَاقَ إِمَامُ عصره قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُوْلاً إِلَى السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً فَقِيْهاً زَاهِداً فِي الدُّنْيَا عَلَى التّحقيق، أَوحدَ زَمَانه.
قَالَ خَطيبُ المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: تَوجهتُ مِنَ المَوْصِل سَنَة (459) إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، فَلَمَّا حضَرتُ عِنْدَهُ رحَّب بِي، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
فَقُلْتُ: مِنَ المَوْصِل (4) .
قَالَ: مَرْحَباً أَنْتَ بَلديِّي. قُلْتُ: يَا سيّدنَا!
__________
(1) الخبر في " المستفاد ": 46.
(2) الاردان: جمع ردن، وهو أصل الكم، وفي " طبقات " السبكي: أركانه.
(3) الخبر في " طبقات " السبكي 4 / 220.
(4) ما بين معقوفتين من " طبقات " السبكي 4 / 224.(18/460)
أَنْتَ مِنْ فِيروزآبَاد. قَالَ: أَمَا جَمَعتنَا سَفِيْنَةُ نُوْح (1) ؟ فَشَاهَدتُ مِنْ حُسن أَخلاَقه وَلطَافته وَزُهْده مَا حبَّبَ إِلَيَّ لُزومَه، فَصَحِبته إِلَى أَنْ مَاتَ.
تُوُفِّيَ: لَيْلَة الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة بِبَغْدَادَ، وَأُحضر إِلَى دَار أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ المُقتدي بِاللهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب أَبرز، وَعُمِلَ العزَاء بِالنّظَامِيَّة، وَصَلَّى عَلَيْهِ صَاحِبُه أَبُو عَبْدِ اللهِ الطَّبرِيّ، ثُمَّ رتَّب المُؤَيَّدُ بنُ نِظَام الْملك بَعْدَهُ فِي تَدْرِيس النّظَامِيَّة أَبَا سَعْد المُتولِّي (2) ، فَلَمَّا بلغَ ذَلِكَ النّظَامَ، كتبَ بِإِنْكَار ذَلِكَ، وَقَالَ: كَانَ مِنَ الوَاجِب أَنْ تُغلق المدرسَةُ سَنَةً مِنْ أَجْل الشَّيْخ.
وَعَاب عَلَى مَنْ تَولَّى، وَأَمر أَنْ يُدَرِّس الإِمَامُ، أَبُو نَصْرٍ عبدُ السَّيِّد بنُ الصّبَّاغ بِهَا (3) .
قُلْتُ: درَّس بِهَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بَعْدَ تَمَنُّع، وَلَمْ يَتَنَاوَل جَامَكِيَّةً (4) أَصلاً، وَكَانَ يَقتصِرُ عَلَى عِمَامَةٍ صغِيرَة وَثَوْبٍ قُطنِي، وَيَقْنَعُ بِالقُوْت، وَكَانَ الفَقِيْهُ رَافِعٌ الحَمَّال رفِيقَه فِي الاشتغَال، فِيحمل شطرَ نَهَاره بِالأُجرَة، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ إِنَّ رَافِعاً حَجَّ وَجَاور، وَصَارَ فَقِيْهَ الْحرم فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَلَمْ يُخَلِّف دِرْهَماً، وَلاَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَكَذَا فَلْيَكُنِ
__________
(1) الخبر في " طبقات " السبكي 4 / 224.
(2) هو أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون الشافعي المتولي المتوفي سنة (478) وسترد ترجمته برقم (306) .
(3) انظر " المنتظم " 9 / 8، و" الكامل " 10 / 132 - 133، و" وفيات الأعيان " 1 / 31، و" طبقات " الاسنوي 2 / 131، و" البداية " 12 / 125.
وسترد ترجمة الامام أبي نصر عقب هذه الترجمة مباشرة.
(4) الجامكية: رواتب خدام الدولة، تعريف جامكي، وهو مركب من " جامه " أي قيمة، ومن " كي " وهي أداة النسبة، " معجم الألفاظ الفارسية المعربة " لآدي شير.(18/461)
الزُّهْدُ، وَمَا تَزَوَّجَ فِيمَا أَعْلَم، وَبِحُسْن نِيتهِ فِي العِلْمِ اشتهرتْ تَصَانِيْفُه فِي الدُّنْيَا، (كَالمهذَّب (1)) ، وَ (التَّنْبِيه (2)) ، وَ (اللُّمَع فِي أُصُوْل الفِقْه) (3) ، وَ (شَرْح اللمع) ، (وَالمعونَة فِي الجَدَل) ، وَ (الْمُلَخَّص فِي أُصُوْل الفِقْه) ، وَغَيْر ذَلِكَ.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
أُحِبُّ الكَأْسَ مِنْ غَيْرِ المُدَامِ ... وَأَلهُوَ بِالحسَابِ بِلاَ حَرَامِ
وَمَا حُبِّي لِفَاحِشَةٍ وَلَكِنْ ... رَأَيْتُ الحُبَّ أَخلاَقَ الكِرَامِ
وَقَالَ:
سَأَلْتُ النَّاسَ عَنْ خِلٍّ وَفِيٍّ ... فَقَالُوا: مَا إِلَى هَذَا سَبِيْلُ
تَمَسَّكْ إِنْ ظَفِرْتَ بِوُدِّ (4) حُرٍّ ... فَإِنَّ الحُرَّ فِي الدُّنْيَا قَلِيْلُ (5)
وَلعَاصِم بنِ الحَسَنِ فِيْهِ:
__________
(1) وقد طبع في مصر عام 1323 هـ، وله شروح كثيرة من أجلها شرح الامام النووي " المجموع ".
(2) وقد طبع في المطبعة الميمنية في مصر عام 1329 هـ.
(3) طبع في مطبعة السعادة بالقاهرة عام 1326 هـ.
كما طبع من مؤلفاته أيضا " رسالة " الشيرازي في علم الاخلاق، و" الطب الروحاني " في المواعظ، كما ذكر سركيس في " معجم المطبوعات ": 1171 - 1172، ولم يرد ذكر هذين الكتابين في مصادر ترجمته ولا في " كشف الظنون ".
ومن كتبه المطبوعة أيضا كتاب " طبقات الفقهاء " بتحقيق الدكتور إحسان عباس، بيروت 1970، وكتاب " التبصرة في أصول الفقه " بتحقيق الدكتور محمد حسن هيتو، دمشق دار الفكر 1980.
(4) في " وفيات الأعيان " و" البداية ": بذيل.
(5) البيتان في " تبيين كذب المفتري ": 278، و" المنتظم " 9 / 8، و" وفيات الأعيان " 1 / 29، و" المختصر " 2 / 194، و" البداية " 12 / 125، و" الوافي " 6 / 66، و" طبقات " السبكي 4 / 224، و" طبقات " الاسنوي 2 / 83، و" النجوم الزاهرة " 5 / 118، و" الفتح المبين " 1 / 256.(18/462)
تَرَاهُ مِنَ الذَّكَاءِ نَحِيْفَ جِسْمٍ ... عَلَيْهِ مِنْ تَوَقُّدِهِ دَلِيْلُ
إِذَا كَانَ الفَتَى ضَخْمَ المَعَانِي ... فَلَيْسَ يَضِيْرُهُ الجِسْمُ النَّحِيْلُ (1)
وَلأَبِي القَاسِمِ بن نَاقيَاء (2) يَرثيه (3) :
أَجْرَى المَدَامِعَ (4) بِالدَّمِ المُهْرَاقِ ... خَطْبٌ أَقَامَ قِيَامَةَ الآمَاقِ
خَطْبٌ شَجَا مِنَّا القُلُوبَ بِلَوْعَةٍ ... بَيْنَ التَّرَاقِي مَا لَهَا مِنْ رَاقِ
مَا لِلَّيَالِي لاَ تُؤَلِّفُ شَمْلَهَا ... بَعْد ابْن بَجْدَتِهَا (5) أَبِي إِسْحَاقِ
إِن قِيْلَ مَاتَ فَلَمْ يَمُتْ مَنْ ذِكْرُهُ ... حَيٌّ عَلَى مَرِّ اللَّيَالِي بَاقِ (6)
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى خُرَاسَانَ، فَمَا دَخَلتُ بلدَة إِلاَّ كَانَ قَاضِيهَا أَوْ خطيبُهَا أَوْ مُفتيهَا مِنْ أَصْحَابِي (7) .
قَالَ أَنْوشتِكين الرّضوَانِيّ: أَنشدنِي أَبُو إِسْحَاقَ الشيرَازِيّ لِنَفْسِهِ:
__________
(1) البيتان في " وفيات الأعيان " 1 / 30، و" الوافي " 6 / 64، وفيهما: " يضره " بدل " يضيره ".
(2) هو أبو القاسم عبد الله وقيل عبدا لباقي بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا الأديب الشاعر، المتوفى سنة 485 هـ.
(3) الابيات ما عدا الثاني منها في " وفيات الأعيان " 1 / 30، والاول والثالث منها في " الوافي " 6 / 64.
(4) في الأصل: الدامع.
(5) البجدة: دخلة الامر وباطنه، قال للعالم بالشيء: هو ابن؟ ؟ ؟ ؟ ؟ تها.
(6) ومن شعره أيضا كما في " المستفاد ": 44.
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا * وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا عدتي في كل نائبة * ومن عليه لكشف الضر أعتمد
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها * ما لي على حملها صبر ولا جلد
وقد مددت يدي بالضر مبتهلا * إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة * فبحر جودك يروي كل من يرد
(7) انظر " طبقات " السبكي 4 / 216، و" المختصر " 2 / 195.(18/463)
وَلَوْ أَنِّي جُعِلْتُ أَمِيْرَ جَيْشٍ ... لَما قَاتَلْتُ إِلاَّ بِالسُّؤَال
لأَنَّ النَّاسَ يَنهزمُوْنَ مِنْهُ ... وَقَدْ ثَبَتُوا لأَطرَافِ العَوَالِي
238 - ابْنُ الصَّبَّاغِ عَبْدُ السَّيِّدِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ السَّيِّدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ (1) بنِ جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ، الفَقِيْهُ المَعْرُوف بِابْنِ الصَّبَّاغ، مُصَنِّفُ كِتَاب (الشَّامل) ، وَكِتَاب (الكَامِل) ، وَكِتَاب (تذكرَة العَالِم وَالطَّرِيْق السَّالم) .
مَوْلِده: سَنَةَ أَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الفَضْلِ القَطَّان، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ المُسْنِد أَبُو القَاسِمِ عَلِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَإِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ أَبُو نَصْرٍ يُضَاهِي أَبَا إِسْحَاقَ الشيرَازِيّ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: هُوَ أَعْرفُ بِالمَذْهَب مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيهُمَا.
وَكَانَ أَبُو نَصْرٍ ثَبْتاً، حُجَّةً، ديِّناً، خَيِّراً، دَرَّس بِالنِّظَامِيَّة بَعْد أَبِي إِسْحَاقَ، وَكُفَّ بَصَرُه فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَحَدَّثَ (بِجُزْء ابْن عَرَفَةَ) ، عَنِ ابْنِ الفَضْل (2) .
__________
(*) المنتظم 9 / 12 - 13، الكامل 10 / 141، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 299، وفيات الأعيان 3 / 217 - 218، المختصر 2 / 196، دول الإسلام 2 / 8، العبر 3 / 287 - 288، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 162 - 163، تتمة المختصر 1 / 575، نكت الهميان: 193، مرآة الجنان 3 / 122، طبقات السبكي 5 / 122 - 134، طبقات الاسنوي 2 / 130 - 131، البداية 12 / 126 - 127، النجوم الزاهرة 5 / 199، طبقات ابن هداية الله: 173، كشف الظنون: 104، 389، 1025، 1129، 1381، 1501، شذرات الذهب 3 / 355، هدية العارفين 1 / 573.
(1) في " تهذيب الأسماء واللغات ": عبد الواحد بن محمد بن أحمد.
(2) انظر " طبقات " السبكي 5 / 123.(18/464)
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) :كَانَ تَقيّاً، صَالِحاً، وَ (شَامِلُه) مِنْ أَصحِّ كُتُبِ أَصْحَابِنَا، وَأَثبَتِهَا أَدلَةً، درَّس بِالنّظَامِيَّةِ أَوّل مَا فُتِحَتْ، ثُمَّ عُزِلَ بَعْد عِشْرِيْنَ يَوْماً بِأَبِي إِسْحَاقَ، سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، وَكَانَ الوَاقف قرَّر أَبَا إِسْحَاقَ، فَاجتمع النَّاسُ، وَتغِيَّب أَبُو إِسْحَاقَ، فَأَحضرُوا أَبَا نَصْر، وَرُتِّب فِيْهَا، فَتَأَلَّمَ أَصْحَابُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَفَتَرُوا عَنْ مَجْلِسِهِ، وَرَاسلُوْهُ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُدَرِّس بِالنّظَامِيَّةِ لاَزمُوا ابْن الصَّبَّاغ، وَتركُوهُ فَأَجَابَهُم، وَصُرِفَ ابْنُ الصَّبَّاغ.
قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ: تُوُفِّيَ الشَّيْخ أَبُو نَصْرٍ: فِي يَوْم الثُّلاَثَاء، ثَالِثَ عشرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ بدَاره بِدَرْب السَّلُوْلِيّ (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: ثُمَّ نُقِلَ إِلَى مَقْبَرَةِ بَاب حَرْب.
أَبُوْهُ:
15 - ابْنُ الصَّبَّاغِ أَبُو طَاهِرٍ الشَّافِعِيُّ البَيِّعُ * (تَقَدَّمَ)
الإِمَامُ، المُفْتِي، البَارِعُ، العَلاَّمَةُ أَبُو طَاهِرٍ بنُ الصَّبّاغ الشَّافِعِيُّ، البَيِّعُ.
سَمِعَ: أَبَا حَفْصٍ بنَ شَاهِيْن، وَعَلِيَّ بن مَرْدك (3) ، وَالمُعَافَى الجَرَيْرِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ بن حَبَابَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَأَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيّ، وَغَيْرهُمَا.
__________
(1) في " وفيات الأعيان " 3 / 217 - 218.
(2) انظر " البداية " 12 / 126، و" المستفاد ": 163، و" المنتظم " 9 / 13، و" طبقات " السبكي 5 / 124.
(*) تقدمت ترجمته برقم (15) .
(3) في " تاريخ بغداد ": مدرك.(18/465)
قَالَ الخَطِيْبُ (1) :كتبنَا عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً.
تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي حَامِدٍ الإِسفرَايينِيّ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ لِلفَتْوَى.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَقَدْ قَاربَ الثَّمَانِيْنَ.
وَلَدُهُ:
239 - ابْنُ الصَّبَّاغِ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ أَبِي طَاهِرٍ *
العَالِمُ، المُسْنِدُ، العَدْلُ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي طَاهِرٍ بنِ الصَّبَّاغِ الشَّاهِدُ.
سَمِعَ: كِتَاب (السَّبْعَة) لابْنِ مُجَاهِد مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بن هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيفِيْنِيّ، وَغَيْر ذَلِكَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِر، وَالسَّمْعَانِيّ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ الإِخوَة، وَعُمَرُ بنُ طَبَرزَدْ.
وَأَجَاز لأَبِي القَاسِمِ بن صَصْرَى.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ ثِقَةٌ، صَالِح، حَسَنُ السِّيْرَةِ، مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ إِحْدَى وَثَمَانُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
فَأَبُو نَصْرٍ بنُ الصّبَّاغ أَوَّلُ مَنْ دَرَّسَ بِالنّظَامِيَّةِ، عِنْدَمَا أُديرت سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، ثُمَّ درَّس الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَعُزِلَ أَبُو نَصْرٍ بَعْد عِشْرِيْنَ يَوْماً، ثُمَّ درَّس بَعْد أَبِي إِسْحَاقَ أَبُو سَعْدٍ المُتولِّي مُدَّة يَسِيْرَة، وَوَلِيَ ابْن الصَّبَّاغِ، ثُمَّ عُزِلَ
__________
(1) في " تاريخ بغداد " 2 / 362.
(*) العبر 4 / 115، غاية النهاية 1 / 549، شذرات الذهب 4 / 131.(18/466)
بَعْد أَشهر بِالمُتولِّي، ثُمَّ بَعْد مَوْته درَّس بِهَا الشَّرِيْف أَبُو القَاسِمِ الدَّبُوسِي إِلَى أَنْ مَاتَ، فَدرَّس الحُسَيْن بنُ مُحَمَّدٍ الطَّبرِيّ، ثُمَّ قَدِمَ الشَّيْخ عَبْدُ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الفَامِيّ، فَدرَّسَا مَعاً مُنَاوبَةً، إِلَى أَنْ عُزِلا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ بِالغَزَّالِي، فَدرَّس أَرْبَعَ سِنِيْنَ، وَحَجَّ، وَنَزَلَ الشَّام، وَنَاب أَخُوْهُ أَحْمَدُ، ثُمَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ أُعيد إِلَيْهَا الطَّبرِيّ، فَدرَّس ثَلاَثَةَ أَعْوَام، ثُمَّ درَّس إِلْكِيَا أَبُو الحَسَنِ الهَرَّاسِيّ، إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ (504) ، فَدرَّس أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيّ حَتَّى مَاتَ، فَدَرَّس بَعْدَهُ أَسْعَدُ المِيْهَنِيّ، وَعُزِلَ فِي شَوَّال سَنَة (513) ، وَدَرَّسَ الأَغرُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الطَّبَرِيّ، وَعُزِلَ سَنَة (17) بِأَبِي الفَتْح بن بَرْهَان، وَعُزِلَ بَعْد أَرْبَعَة أَشهر بِأَبِي الفَتْحِ عبدِ الوَاحِد بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ البَاقَرْحِيّ، ثُمَّ بَعْدَ شَهْرَيْنِ أُعِيْدَ المِيْهنِيّ، ثُمَّ بَعْد شَهْرَيْنِ أُعيد ابْنُ بَرْهَان، فَدرَّس درساً، وَعُزل بِأَبِي مَنْصُوْرٍ ابْن الرَّزَّاز، وَعُزِلَ بَعْد أَشهر بِأَبِي سَعِيْدٍ يَحْيَى بن عَلِيٍّ الحُلْوَانِيّ، ثُمَّ درَّس بَعْدَهُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَن بنُ الفَتَى، سَنَة إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمَاتَ، فَأُعيد ابْنُ الرَّزَّاز إِلَى أَنْ عزل بَعْد عشر سِنِيْنَ بِأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ اللَّطِيْف الخُجَنْديّ، فَدرَّسَ أَشْهُراً، وَخَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَأُعِيد ابْنُ الرَّزَّاز، ثُمَّ عُزل سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَوُلِيَ حَفِيْدُ الوَاقف أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ نظَام الْملك، ثُمَّ عُزِلَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَدَرَّسَ يُوْسُفُ الدِّمَشْقِيّ، ثُمَّ أُلْزِمَ بَيْتَه بَعْد أُسْبُوْعين، وَدرَّس أَبُو النَّجِيْب السُّهْرَوَرْدِيّ، ثُمَّ عُزِلَ سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَأُعيد حَفِيْد الوَاقف، ثُمَّ عُزِلَ بَعْد عشر سِنِيْنَ، وَأُعيد يُوْسُف الدِّمَشْقِيّ، وَدرَّس بَعْدَهُ سَنَة (63) أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الصّبَّاغ نِيَابَةً، وَصُرِفَ بَعْدَ ثَلاَث سِنِيْنَ، وَوَلِيَ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن الشَّاشِيّ، وَعُزِلَ سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، فَولِيهَا أَبُو الخَيْرِ الطَّالْقَانِيّ، فَدرَّس بِهَا إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَرجع إِلَى بلاَده، فَدرَّس بِهَا أَبُو طَالِبٍ بنُ الخلِّ، ثُمَّ نَاب فِي التَّدرِيس عَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ الفَارقِيُّ، ثُمَّ وَلِيهَا سَنَة (593) الْمُجِير مَحْمُوْدُ بنُ المُبَارَكِ البَغْدَادِيّ، إِلَى أَنْ(18/467)
مَاتَ، وَوَلِيهَا يَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ، ثُمَّ بَعْدَهُ يَحْيَى بنُ القَاسِمِ التَّكرِيتِي سَبْع سِنِيْنَ، وَعُزِلَ سَنَة (614) بِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ فَضلاَن، ثُمَّ عُزِلَ بَعْد عَامين بِمَحْمُوْدِ بنِ أَحْمَدَ الزَّنْجَانِيّ، فَدرَّس مُدَّة، وَبعده فِي رَجَب سَنَة (636) وَلِيهَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ الحُبَيْر.
240 - إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيُّ *
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، إِمَامُ الحَرَمَيْنِ، أَبُو المَعَالِي عَبْدُ المَلِكِ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بنِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَيُّوَيْه الجُوَيْنِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ضِيَاءُ الدِّيْنِ (1) ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: فِي أَوّل سَنَة تِسْعَ (2) عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(*) طبقات العبادي: 112، دمية القصر 2 / 1000 - 1002، السياق: الورقة / 49 أ - 51 أ، الأنساب 3 / 386 - 387، تبيين كذب المفتري: 278 - 285، المنتظم 9 / 18 - 20، معجم البلدان 2 / 193، الكامل 10 / 145، اللباب 1 / 315، ذيل تاريخ بغداد لابن النجار: 85 - 95، وفيات الأعيان 3 / 167 - 170، المختصر في أخبار البشر 2 / 196 - 197، دول الإسلام 2 / 8، العبر 3 / 291، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 174 - 175، تتمة المختصر 1 / 576، مرآة الجنان 3 / 123 - 131، طبقات السبكي 5 / 165 - 222، طبقات الاسنوي 1 / 409 - 412، البداية والنهاية 12 / 128 - 129، وفيات ابن قنفذ: 257 - 258، العقد الثمين 5 / 507 - 508، النجوم الزاهرة 5 / 121، مفتاح السعادة 2 / 110 - 111، تاريخ الخميس 2 / 360، طبقات ابن هداية الله: 174 - 176، كشف الظنون: 68، 70، 75، 242، 896 و2 / 1213، 1024، 1212، 1641، 1754، 1990، 1561، شذرات الذهب 3 / 358 - 362، الفوائد البهية: 246، روضات الجنات: 463 - 464، إيضاح المكنون 1 / 288، هدية العارفين 1 / 626 وانظر " الجويني إمام الحرمين " للدكتورة فوقية حسين محمود من سلسلة أعلام العرب (رقم 40) 1965.
والجويني: بضم الجيم وفتح الواو وسكون الياء وفي آخرها النون هذه النسبة إلى جوين، وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور تشتمل على قرى كثيرة مجتمعة يقال لها كويان، فعربت فقيل جوين، وقد سمي بإمام الحرمين لاقامته بمكة أربع سنين يدرس ويفتي كما قال اليافعي.
(1) جاء لقبه في " دمية القصر " 2 / 1000: ركن الدين وهو خطأ، فذاك لقب والده.
(2) في " المنتظم " و" الكامل " و" تاريخ الخميس ": سنة سبع عشرة.(18/468)
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي سَعْدٍ النّصرويِيّ، وَأَبِي حَسَّانٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المُزَكِّي، وَمَنْصُوْر بنِ رَامش، وَعِدَّة.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ حُضُوْراً مِنْ صَاحِب الأَصَمّ عَلِيِّ بن مُحَمَّدٍ الطِّرَازِيّ.
وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً سمِعنَاهَا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيّ، وَزَاهِرٌ الشَّحَّامِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ المَسْجِدِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَفِي (فُنُوْن) ابْنِ عَقِيْلَ: قَالَ عَمِيْدُ المُلْك: قَدِمَ أَبُو المَعَالِي، فَكلَّم أَبَا القَاسِمِ بن بَرْهَان فِي العبَاد، هَلْ لَهم أَفعَال؟
فَقَالَ أَبُو المَعَالِي: إِن وَجَدْتَ آيَةً تَقتضِي ذَا فَالحجّةُ لَكَ، فَتلاَ {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُوْنِ ذَلِكَ هم لَهَا عَامِلُوْنَ} [المُؤْمِنُوْنَ:63] وَمَدَّ بِهَا صَوْتَه، وَكَرَّرَ {هم لَهَا عَامِلُوْنَ} ، وَقوله: {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُوْنَ} [التَّوبَة:42] أَي كَانُوا مُسْتطيعين.
فَأَخَذَ أَبُو المَعَالِي يَسْتَروحُ إِلَى التَّأْوِيْل، فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّكَ بَارِد (1) ؛تَتَأَوّلُ صَرِيحَ كَلاَمِ الله لِتُصَحِّحَ بتَأْويلِكَ كَلاَم الأَشْعَرِيّ، وَأَكَلَّهُ ابْنُ بَرْهَان بِالحُجَّة، فَبُهِتَ (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ أَبُو المَعَالِي، إِمَامَ الأَئِمَّة عَلَى الإِطلاَق، مُجمَعاً عَلَى إِمَامتِهِ شرقاً وَغرباً، لَمْ تَرَ العُيُونُ مِثْلَهُ.
تَفَقَّهَ عَلَى وَالِده، وَتُوُفِّيَ أَبُوْهُ وَلأَبِي المَعَالِي عِشْرُوْنَ سَنَةً، فَدرَّس مَكَانه، وَكَانَ يَتردَّدُ إِلَى مدرسَة البَيْهَقِيّ، وَأَحْكَمَ الأُصُوْلَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ الإِسفرَايينِيّ الإِسكَاف.
وَكَانَ يُنْفِقُ مِنْ مِيْرَاثه وَمِنْ مَعلُوْمٍ لَهُ، إِلَى أَنْ ظهر التَّعصُّب بَيْنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَاضْطَرَبتِ
__________
(1) في " ذيل تاريخ بغداد ": إنك بار وتتأول ...
(2) الخبر بنحوه في " ذيل تاريخ بغداد " لابن النجار: 89 - 91، وأكله: أعياه.(18/469)
الأَحْوَالُ، فَاضطر إِلَى السَّفَر عَنْ نَيْسَابُوْر، فَذَهَبَ إِلَى المعَسْكَر، ثُمَّ إِلَى بَغْدَادَ، وَصَحِبَ الوَزِيْرَ أَبَا نَصْر الكُنْدُرِيّ مُدَّة يَطُوْفُ مَعَهُ، وَيلتقِي فِي حضَرتِهِ بكِبَارِ العُلَمَاءِ، وَيُنَاظرهُم، فَتَحَنَّك بِهِم، وَتهذَّب، وَشَاعَ ذِكْرهُ، ثُمَّ حَجَّ، وَجَاوَرَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ يَدرِّس، وَيُفْتِي، وَيَجمَعُ طُرُقَ المَذْهَب، إِلَى أَنْ رَجَعَ إِلَى بَلَده بَعْد مُضِيِّ نَوْبَة التَّعَصُّب (1) ، فَدرَّس بنظَامِيَّة نَيْسَابُوْر، وَاسْتقَام الأَمْر، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً غَيْر مُزَاحَم وَلاَ مُدَافَع، مُسَلَّماً لَهُ المِحْرَابُ وَالمِنْبَر وَالخُطبَة وَالتدرِيس، وَمَجْلِسُ الْوَعْظ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَظهرت تَصَانِيْفُهُ، وَحضر دَرسه الأَكَابِرُ وَالجمعُ العَظِيْم مِنَ الطَّلَبَة، كَانَ يَقعدُ بَيْنَ يَدَيْهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَث مائَة، وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّة (2) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ المُنذرِيّ قَالَ:
تُوُفِّيَ وَالِد أَبِي المَعَالِي، فَأُقعِد مَكَانه وَلَمْ يُكْمِل عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَكَانَ يَدرِّس، وَأَحكم الأُصُوْل عَلَى أَبِي القَاسِمِ الإِسكَاف (3) ، وَجَاورَ ثُمَّ رَجَعَ ... إِلَى أَنْ قَالَ:
وَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَأَبِي سَعْدٍ بن عَليَّك، وَفضلِ الله بن أَبِي الخَيْرِ المِيْهَنِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ البَغْدَادِيّ، وَأَجَاز لَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، وَسَمِعَ مِنَ الطّرَازِيّ، كَذَا قَالَ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: قَرَأْتُ بِخَط أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ بن أَبِي عَلِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفِيروزآبَادِي يَقُوْلُ: تَمَتَّعُوا مِنْ هَذَا الإِمَام، فَإِنَّهُ نُزْهَةُ هَذَا الزَّمَان - يَعْنِي: أَبَا المعَالِي الجُوَيْنِيّ - (4) .
__________
(1) انظر عن هذه الفتنة " طبقات " السبكي 3 / 389 وما بعدها، و4 / 209.
(2) انظر " تبيين كذب المفتري " ص: 280 - 281، و" المنتظم " 9 / 18 - 19، و" ذيل تاريخ بغداد "، لابن النجار: 86، و" وفيات الأعيان " 3 / 168، و" طبقات " السبكي 5 / 175 - 176.
(3) انظر " تبيين كذب المفتري " 279.
(4) الخبر في " ذيل تاريخ بغداد " لابن النجار: 92.(18/470)
وَقَرَأْتُ بخطِّ أَبِي جَعْفَرٍ أَيْضاً: سَمِعْتُ أَبَا المعَالِي يَقُوْلُ: قَرَأْتُ خَمْسِيْنَ أَلْفاً فِي خَمْسِيْنَ أَلْفاً، ثُمَّ خَلَّيْتُ أَهْلَ الإِسْلاَم بِإِسلاَمهم فِيْهَا وَعلُوْمهم الظَّاهِرَة (1) ، وَركبتُ البَحْرَ الخِضَمَّ، وَغُصتُ فِي الَّذِي نَهَى أَهْلُ الإِسْلاَم، كُلّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ الحَقّ، وَكُنْتُ أَهرُبُ فِي سَالفِ الدَّهْر مِنَ التَّقْلِيد، وَالآنَ فَقَدْ رَجَعت إِلَى كلمَة الحَقّ، عَلَيْكُم بدين العجَائِز، فَإِنْ لَمْ يَدركنِي الحَقّ بِلَطِيفِ برّه، فَأَمُوْت عَلَى دين العجَائِز، وَيُخْتم عَاقبَة أَمرِي عِنْد الرّحيل عَلَى كلمَة الإِخلاَص: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، فَالويلُ لابْنِ الجُوَيْنِيّ (2) .
قُلْتُ: كَانَ هَذَا الإِمَام مَعَ فَرْط ذكَائِهِ وَإِمَامته فِي الْفُرُوع وَأُصُوْلِ المَذْهَب وَقُوَّةِ مُنَاظرته لاَ يَدْرِي الحَدِيْثَ كَمَا يَليق بِهِ لاَ مَتْناً وَلاَ إِسْنَاداً (3) .
ذكر فِي كِتَابِ (البُرْهَان) حَدِيْث مُعَاذٍ فِي القيَاسِ فَقَالَ: هُوَ مُدَوَّنٌ فِي الصِّحَاح، مُتَّفق عَلَى صحَّته.
__________
(1) في الأصل: الظاهر.
(2) الخبر في " المنتظم ": 9 / 19، " طبقات الشافعية " للسبكي: 5 / 585، وهذا القول من إمام الحرمين شاهد صدق على فساد استخدام منطق اليونان في المطالب اليقينية واتخاذه أصلا في الحجة والبرهان، وأن المنهج الحق هو ما كان عليه الصحابة التابعون له بإحسان ومن سلك سبيلهم من أهل العلم والعرفان.
(3) وفي " الأنساب ": 3 / 386 وكان قليل الرواية للحديث معرضا عنه، وفي " معجم البلدان ": 2 / 193 وكان قليل الرواية معرضا عن الحديث، ولا ضير على الامام الذهبي رحمه الله أن يبين ضعف إمام الحرمين في علم الحديث وقلة إلمامه به وأن يتقبل أهل العلم صنيعه وينتفعوا به ويعتدوه نصيحة نافعة تستوجب الثناء والدعاء فقد اطلع الامام البيهقي على أجزاء مما أملاه أستاذه والد إمام الحرمين أبو محمد الجويني من كتاب المحيط، فرأى فيها أوهاما حديثية فكتب في نقدها رسالة مطولة رصينة تنبئ عن براعة نقده ونفاذ بصيرته في علم الحديث، ولما انتهت الرسالة لأبي محمد طابت بها نفسه وشكر له صنيعه وأكثر من الدعاء له وانقطع عن تأليف الكتاب.
وللسبكي في ترجمة أبي المعالي من طبقاته: 5 / 187 مؤاخذات على كلام الامام الذهبي في إمام الحرمين: صاغه بأسلوب مقيت ينبئ عن تحامل وحقد وبعد عن الإنصاف وجهل أو تجاهل بمعرفة القول الفصل في مواطن الخلاف.(18/471)
قُلْتُ: بَلْ مَدَارُه عَلَى الحَارِثِ بنِ عَمْرٍو، وَفِيْهِ جهَالَة، عَنْ رِجَال مِنْ أَهْلِ حِمْص، عَنْ مُعَاذ.
فَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ (1) .
قَالَ المَازرِيّ فِي شرح (البُرْهَان) فِي قَوْله: إِنَّ اللهَ يَعلَمُ الكُلِّيَّاتِ لاَ الجُزْئِيَّات: وَدِدْتُ لَوْ مَحَوْتُهَا بِدَمِي.
وَقِيْلَ: لَمْ يَقُلْ بِهَذِهِ المَسْأَلَة تَصرِيحاً، بَلْ أُلزم بِهَا لأَنَّه
قَالَ بِمسَأَلَة الاسْترسَال فِيمَا لَيْسَ بِمُتَنَاهٍ مِنْ نَعيمِ أَهْل الجَنَّة، فَاللهُ أَعْلَم (2) .
قُلْتُ: هَذِهِ هَفْوَة اعتزَال، هُجِرَ أَبُو المَعَالِي عَلَيْهَا، وَحَلَفَ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ لاَ يُكَلِّمهُ، وَنُفِيَ بِسَبَبهَا، فَجَاور وَتعبَّد، وَتَاب - وَللهِ الحَمْدُ - مِنْهَا، كَمَا أَنَّهُ فِي الآخَرِ رجَّحَ مَذْهَب السَّلَف فِي الصِّفَات وَأَقَرَّه (3) .
__________
(1) وممن مال إلى القول بصحته أبو بكر الرازي الجصاص، وأبو بكر بن العربي، والخطيب البغدادي، وابن قيم الجوزية، قالوا: إن الحارث بن عمرو ليس بمجهول العين، لان شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، ولا بمجهول الوصف، لأنه من كبار التعابعين في طبقة شيوخ أبي عون الثقفي المتوفى سنة 116 هـ.
ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حكمه، ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في عدالته وقبول روايته أن لا يثبت فيه جرح مفسر عن أهل الشأن لما ثبت من بالغ الفحص على المجروحين من رجال تلك الطبقة، فمن لم يثبت فيه جرح مؤثر منهم، فهو مقبول الرواية، والشيوخ الذين روى عنهم هم من أصحاب معاذ، ولا أحد من أصحاب معاذ مجهولا، ويجوز أن يكون في الخبر إسقاط الأسماء عن جماعة، ولا يدخله ذلك في حيز الجهالة، وإنما يدخل في المجهولات إذا كان واحدا، فيقال: حدثني رجل أو إنسان، وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى، وقد خرج الامام البخاري الذي شرط الصحة حديث عروة البارقي: سمعت الحي يتحدثون عن عروة، ولم يكن ذلك الحديث في جملة المجهولات.
وقال مالك في القسامة: أخبرني رجل من كبراء قومه، وفي الصحيح عن الزهري حدثني رجال عن أبي هريرة: " من صلى على جنازة فله قيراط ".
وانظر " الفقيه والمتفقه ": 1 / 188، 190، واعلام الموقعين 1 / 202.
(2) انظر المنتظم: 9 / 19، 20، وطبقات السبكي: 5 / 588، وقد عقد هذا الأخير فصلا خاصا لمسألة الاسترسال بعنوان شرح حال مسألة الاسترسال التي وقعت في كتاب البرهان: ص 192،
207.
(3) سيذكر المصنف قريبا عن النظامية النص الذي صرح فيه برجوعه إلى مذهب السلف في الصفات.(18/472)
قَالَ الفَقِيْه غَانِم المُوْشِيلِي (1) :سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا المعَالِي يَقُوْلُ: لَوِ اسْتَقبلتُ مِنْ أَمرِي مَا اسْتدبرتُ مَا اشْتَغَلتُ بِالكَلاَم.
قَالَ أَبُو المَعَالِي فِي كِتَابِ (الرِّسَالَة النّظَامِيَّة (2)) :اخْتلفت مسَالكُ العُلَمَاء فِي الظَّوَاهر الَّتِي وَردت فِي الكِتَاب وَالسّنَّة، وَامْتَنَعَ عَلَى أَهْلِ الحَقِّ فَحوَاهَا (3) ، فَرَأَى بَعْضُهم تَأْويلَهَا، وَالتَزَم ذَلِكَ فِي القُرْآن، وَمَا يَصح مِنَ السُّنَن وَذَهَبَ أَئِمَّة السَّلَف إِلَى الاَنكِفَاف، عَنِ التَّأْوِيْل وَإِجرَاءِ الظَّوَاهر عَلَى مَوَاردهَا، وَتَفويضِ معَانِيْهَا إِلَى الرَّب تَعَالَى، وَالَّذِي نَرْتَضِيْه رَأْياً، وَنَدينُ الله بِهِ عَقداً اتِّبَاعُ سلفِ الأُمَّة، فَالأُوْلَى الاَتِّبَاعُ (4) ، وَالِدَّليلُ السَّمَعِيُّ القَاطعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِجمَاع الأُمَّة حُجَّةٌ مُتَّبَعَة، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَم الشَّرِيعَة، وَقَدْ درج صَحْبُ الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ترك التَّعرض لِمَعَانِيْهَا وَدَرْكِ مَا فِيْهَا وَهم صِفْوَة الإِسْلاَم المُسْتقلُّوْنَ بِأَعبَاءِ الشَّرِيعَة، وَكَانُوا لاَ يَأْلُوْنَ جهداً فِي ضبط قوَاعدِ الملَّة وَالتَّوَاصِي بحِفْظِهَا، وَتعَلِيْمِ النَّاس مَا يَحتَاجُوْنَ إِلَيْهِ مِنْهَا، فَلَو كَانَ تَأْويلُ هَذِهِ الظوَاهر مسوَغاً أَومحتُوْماً؛ لأَوشك أَنْ يَكُوْنَ اهتمَامُهم بِهَا فَوْقَ اهتمَامِهم بفُروع الشّرِيعَة، فَإِذَا تَصرَّم عصرُهم وَعصرُ التَّابِعِيْنَ عَلَى الإِضرَاب عَنِ التَّأْوِيْل؛ كَانَ ذَلِكَ قَاطعاً بِأَنَّهُ الوَجْهُ المُتَّبع، فَحقَّ عَلَى ذِي الدِّيْن أَنْ يَعتقد تَنَزُّه البَارِي عَنْ صِفَات المُحْدَثِيْنَ، وَلاَ يَخوضَ فِي تَأْويل المشكلاَت، وَيَكِلَ معنَاهَا إِلَى
__________
(1) " الموشيلي " وهو كتاب النصارى، وقال ابن الأثير، إن موشيلي هو من أسماء رجال النصارى ومعناه بالعربية موسى، ولعل بعض أجداده كان اسمه كذلك فنسب إليه. انظر اللباب 3 / 269.
(2) وتسمى " العقيدة النظامية " أيضا، وقد طبعت بتصحيح الشيخ المحدث محمد زاهد الكوثري عام 1367 هـ 1948 م.
انظر ص 23 وما بعدها.
(3) في النظامية المطبوعة بتحقيق العلامة الكوثري ص، 23، بعد هذه العبارة ما نصه: وإجراؤها على موجب ما تبرزه أفهام أرباب اللسان منها.
(4) في المطبوعة 23، فالاولى الاتباع وترك الابتداع.(18/473)
الرَّب (1) ، فَلْيُجْرِ آيَة الاسْتِوَاءِ وَالمجِيْء (2) وَقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بَيَدَيّ} [ص:75] ، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرَّحْمَن:27] ، وَ {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القَمَر:14] .
وَمَا صَحَّ مِنْ أَخْبَارِ الرَّسُول كَخَبَر النُّزَولِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذكرنَاهُ (3) .
قَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ القَيْرَوَانِيّ الأَدِيْبَ - وَكَانَ يَخْتلِف إِلَى درس الأُسْتَاذ أَبِي المَعَالِي فِي الكَلاَم - فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا المعَالِي اليَوْم يَقُوْلُ:
يَا أَصْحَابنَا لاَ تَشتغلُوا بِالكَلاَم، فَلَو عَرَفْتُ أَنَّ الكَلاَم يَبلغُ بِي (4) مَا بلغَ مَا اشْتَغَلتُ بِهِ (5) .
وَحَكَى الفَقِيْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ الرُّسْتمِيّ قَالَ: حَكَى لَنَا أَبُو الفَتْحِ الطّبرِيُّ الفَقِيْه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: اشَهِدُوا عَليَّ أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْ كُلِّ مَقَالَةٍ تُخَالف السُّنَّة، وَأَنِّي أَمُوْتُ عَلَى مَا يَموتُ عَلَيْهِ عجَائِز نَيْسَابُوْر (6) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: حضَر المُحَدِّثُ أَبُو جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيّ فِي مَجْلِسَ وَعظِ أَبِي المَعَالِي، فَقَالَ: كَانَ اللهُ وَلاَ عرش، وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو
__________
(1) في المطبوعة ص 24: بعد هذه العبارة، زيادة، وعند إمام القراء وسيدهم الوقف على قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله) : من العزائم، ثم الابتداء بقوله: (والراسخون في العلم) ،
ومما استحسن من إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة.
(2) آية المجئ قوله تعالى، (وجاء ربك والملك صفا صفا) [الفجر، 22] .
(3) زاد في المطبوعة: فهذا بيان ما يجب لله.
(4) في " المنتظم " 9 / 19: " إلي " بدل " لي " وهو خطأ.
(5) " المنتظم " 9 / 19، و" طبقات " السبكي 5 / 186، وعلق عليه بقوله: يشبه أن تكون هذه الحكاية مكذوبة، وابن طاهر عنده تحامل على إمام الحرمين، والقيروني المشار إليه رجل مجهول.
(6) " طبقات " السبكي 5 / 191.(18/474)
جَعْفَر: أَخْبِرْنَا يَا أَسْتَاذ عَنْ هَذِهِ الضَّرُوْرَة الَّتِي نَجدُهَا، مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ: يَا الله! إِلاَّ وَجَد مِنْ قَلْبِهِ ضَرُوْرَة تَطلب العلوَّ وَلاَ يَلتَفِتُ يَمنَةً وَلاَ يَسرَةً، فَكَيْفَ نَدفَعُ هَذِهِ الضَّرُوْرَة عَنْ أَنْفُسنَا؟، أَوْ قَالَ: فَهَلْ عِنْدَك دوَاءٌ لدفعِ هَذِهِ الضَّرُوْرَة الَّتِي نَجدُهَا؟
فَقَالَ: يَا حَبِيْبِي! مَا ثمَّ إِلاَّ الحَيْرَة.
وَلطم عَلَى رَأْسه، وَنَزَلَ، وَبَقِيَ وَقت عَجِيْب، وَقَالَ فِيمَا بَعْد: حيَّرنِي الهَمَذَانِيّ (1) .
لأَبِي المَعَالِي كِتَاب (نِهَايَة المَطلِب فِي المَذْهَب (2)) ؛ثَمَانِيَة أَسفَار، وَكِتَاب (الإِرشَاد فِي أُصُوْل الدِّيْنِ (3)) ، كِتَاب (الرِّسَالَة النّظَامِيَّة فِي الأَحكَام الإِسلاَمِيَّة (4)) ، كِتَاب (الشَّامل فِي أُصُوْل الدِّيْنِ (5)) ، كِتَاب (البُرْهَان فِي أُصُوْل الفِقْه) ، كِتَاب (مدَارك العُقُوْل) لَمْ يُتِمَّه، كِتَاب (غِيَاث الأُمَم فِي الإِمَامَة (6)) ، كِتَاب (مُغِيْث الْخلق فِي اخْتيَار الأَحقّ (7)) ، كِتَاب (غُنيَة المُسْترشدين) فِي الخلاَف (8) .
__________
(1) الخبر في " العلو " (ص - 276، 277 مختصره) وطبقات السبكي 5 / 190.
وسيعيده
المؤلف في ص: 445.
(2) في " تبيين كذب المفتري " و" وفيات الأعيان " و" المختصر ": نهاية المطلب في دراية المذهب ".
وفي " النجوم الزاهرة ": في رواية المذهب.
(3) وقد طبع في باريس والقاهرة وبرلين.
(4) طبعت في القاهرة باسم " العقيدة النظامية " 1948 كما تقدم، وقد ترجمت إلى الالمانية عام 1958.
(5) وقد طبع الكتاب الأول من الجزء الأول منه في القاهرة 1961 م.
(6) ويعد هذا الكتاب العظيم مثلا لاصالة الفقه السياسي الإسلامي وبعده عن التأثر بالفلسفات الأخرى، ويعده الباحثون أحسن منهجا من كتاب الماوردي " الاحكام السلطانية " ويسمى أيضا بالغياثي، وغياث الأمم في التياث الظلم، وقد نشرته دار الدعوة بالإسكندرية بهذا الاسم الأخير بتحقيق ودراسة الدكتور فؤاد عبد المنعم والدكتور مصطفى حلمي، وانظر مقدمته فإنها مفيدة.
(7) للشيخ العلامة محمد زاهد الكوثري رسالة اسمها " إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق " نشرت في القاهرة 1941 م.
(8) ومن مؤلفات المترجم المطبوعة: " الورقات " في أصول الفقه والأدلة، تحقيق الدكتورة =(18/475)
وَكَانَ إِذَا أَخَذَ فِي عِلم الصُّوْفِيَّة وَشَرْحِ الأَحْوَال أَبَكَى الحَاضِرِيْنَ (1) ، وَكَانَ يذكر فِي اليَوْمِ دروساً؛ الدَّرسُ فِي عِدَّة أَورَاق، لاَ يَتَلَعْثَمُ فِي كلمَةٍ مِنْهَا.
وَصفه بِهَذَا وَأَضعَافِه عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ (2) .
تُوُفِّيَ: فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ربيع الآخر سَنَة ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَدُفِنَ فِي دَارِهِ، ثُمَّ نُقِلَ بَعْد سِنِيْنَ إِلَى مَقْبَرَة الحُسَيْن، فَدُفِنَ بِجنب وَالِده، وَكسرُوا مِنْبَره، وَغُلِّقَتِ الأَسواق، وَرُثِي بقصَائِد، وَكَانَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِ مائَة تِلْمِيْذ، كَسرُوا محَابِرَهم وَأَقلاَمهُم، وَأَقَامُوا حَوْلاً، وَوُضعتِ المنَادِيل عَنِ (3) الرُّؤُوس عَاماً، بِحَيْثُ مَا اجْترَأَ أَحَدٌ عَلَى سَتْرِ رَأْسِه، وَكَانَتِ الطَّلَبَةُ يَطوفُوْنَ فِي البلدِ نَائِحين عَلَيْهِ، مُبَالغِيْن فِي الصِّيَاح وَالجَزَعِ (4) .
قُلْتُ: هَذَا كَانَ مِنْ زِيّ الأَعَاجم لاَ مِنْ فِعل العُلَمَاء المتّبعين (5) .
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ البَاخَرْزِي فِي (الدمِيَة (6)) فِي حقّه: الفِقْهُ فَقه الشَّافِعِيّ وَالأَدبُ أَدبُ الأَصْمَعِيّ، وَفِي الْوَعْظ الحَسَنِ الحَسَنُ البَصْرِيّ (7) ،
__________
= فوقية حسن محمود، وانظر بقية مؤلفاته في مقدمة " غياث الأمم في التياث الظلم " بتحقيق الدكتورين فؤاد عبد المنعم ومصطفى حلمي، دار الدعوة بالإسكندرية.
(1) " تبيين كذب المفتري " ص 284، و" وفيات الأعيان " 3 / 169.
(2) انظر " طبقات " السبكي 5 / 174 - 175.
(3) في الأصل " على " وهو خطأ، والتصويب من " تبيين كذب المفتري " ص: 284.
(4) انظر " تبيين كذب المفتري ": 284 - 285، و" المنتظم " 9 / 20، و" ذيل تاريخ بغداد " لابن النجار: 93 - 94، و" وفيات الأعيان " 3 / 169 - 170، و" طبقات " الاسنوي 1 / 411.
(5) وقد تكلف السبكي في الرد على إمامنا الذهبي لانكاره الصياح والنياح وكسر المحابر والاقلام في " طبقاته " 5 / 184.
(6) " دمية القصر " 2 / 1000 - 1001.
(7) في " الدمية ": وحسن بصره بالوعظ كالحسن البصري.(18/476)
وَكَيْفَ مَا هُوَ فَهُوَ إِمَام كُلِّ إِمَام، وَالمُسْتَعلِي بهِمَّتِهِ عَلَى كُلِّ هَام (1) ، وَالفَائِز بِالظَّفَر عَلَى إِرغَام كُلّ ضِرْغَام، إِنْ تَصدَّر لِلفقه، فَالمُزَنِيّ مِنْ مُزْنَتِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ فَالأَشْعَرِيّ شَعْرَةٌ مِنْ وَفْرَتِهِ (2) .
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْه فِي كِتَابِهِ، عَنْ عبدِ القَادِر الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ، أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الحَافِظ، سَمِعْتُ أَبَا المعَالِي وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش} [طه:5] فَقَالَ: كَانَ اللهُ وَلاَ عرش.
وَجَعَلَ يَتخبَّطُ، فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَك لِلضرُوْرَاتِ مِنْ حِيْلَةٍ؟
فَقَالَ: مَا مَعْنَى هَذِهِ الإِشَارَة؟
قُلْتُ: مَا قَالَ عَارِف قَطُّ: يَا رباه! إِلاَّ قَبْلَ أَنْ يَتحرك لِسَانه، قَامَ مِنْ بَاطِنه قصدٌ لاَ يَلتفت يَمنَةً وَلاَ يَسرَةً - يَقصِد الفَوْقَ - فَهَلْ لِهَذَا القصدِ الضّرُوْرِيِّ عِنْدَك مِنْ حِيْلَة؛ فَتُنْبِئَنَا نَتخلَّص مِنَ الْفوق وَالتّحت؟ وَبكَيْتُ وَبَكَى الخَلْقُ، فَضَرَبَ بكُمِّه عَلَى السَّرِيْر، وَصَاح بِالحَيْرَة، وَمَزَّق مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَصَارَت قِيَامَةٌ فِي المَسْجَدِ، وَنَزَلَ يَقُوْلُ: يَا حَبِيْبِي! الحيرَة الحيرَة، وَالدّهشَة الدّهشَة (3) .
241 - النَّسَوِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ *
العَلاَّمَةُ، أَقضَى القُضَاةِ، أَبُو عَمْرٍو (4) مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ الشَّافِعِيُّ، المُفَسِّرُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ وَالفُنُوْنِ.
__________
(1) في " الدمية ": على كل همام.
(2) نص " الدمية ": إذا تفقه فالمزني من مزنته قطره، وإذا تلكم فالاشعري من وفرته شعره.
(3) وقد تقدم نحو هذا الخبر وتخريجه في الصفحة 476 ت (1) .
(*) طبقات السبكي 4 / 175 - 177، طبقات المفسرين للسيوطي: 36، طبقات المفسرين للداوودي 2 / 178 - 181.
والنسوي بفتح النون والسين وفي آخرها واو هذه النسبة إلى نسا مدينة بخراسان والنسبة إليها نسائي ونسوي.
(4) في " طبقات " السبكي والداوودي: أبو عمر.(18/477)
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيَّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ الإِسفرَايينِيّ، وَأَبَا ذَرٍّ الهَرَوِيّ بِمَكَّةَ، وَابْنَ نَظيف بِمِصْرَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ السِّمْسَار بِدِمَشْقَ.
وَأَملَى مُدَّة مَعَ الدِّيْنِ وَالتَّقْوَى.
وَلِيَ قَضَاءَ خُوَارَزْم، وَكَانَ لاَ يَأْخذُهُ فِي الله لُوْمَةُ لاَئِم.
وَلَهُ كُتب فِي الفِقْه (1) .
نفَّذه مَلِكْشَاه رَسُوْلاً ليَخْطُبَ بِنْتَ الخَلِيْفَة، فَأَدَّى الرِّسَالَة، وَبَذَلَ النّصيحَة، فَقَالَ: لاَ تَخْلِطْ بَيْتَك الطَّاهِر بِالتُّرُكْمَان (2) .
رَوَى عَنْهُ: أَهْلُ خُوَارَزْم.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
242 - ابْنُ خَلَفٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ الشِّيْرَازِيُّ *
الشَّيْخُ، العَلاَّمَة، النَّحْوِيُّ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ خَلَفٍ الشِّيْرَازِيُّ ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الأَدِيْبُ مُسْنِدُ وَقْتِهِ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِ مائَة، ثُمَّ بَعْدهَا مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَحَمْزَة المُهَلَّبِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبِي طَاهِر بن مَحْمِش، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ فُورَك، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَطَبَقَتهم فَأَكْثَر.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ،
__________
(1) الخبر بنحوه في " طبقات " السبكي 4 / 175.
(2) انظر الخبر بأطول مما هنا في " طبقات " السبكي 4 / 176 - 177.
(*) العبر 3 / 315، دول الإسلام 2 / 16، شذرات الذهب 3 / 379 - 380.(18/478)
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَعبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَوجيهٌ الشَّحَّامِيّ، وَالفَقِيْه عُمَر بنُ الصَّفَّار، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ المِيْهنِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ الكِرْمَانِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَعَاشَ الكِرْمَانِيّ إِلَى سَنَة تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ عبدُ الغَافِر: أَمَا شَيْخُنَا ابْنُ خَلَفٍ فَهُوَ الأَدِيْب، المُحَدِّث، المُتْقِن، الصَّحِيْحُ السَّمَاعِ أَبُو بَكْرٍ، مَا رَأَينَا شَيْخاً أَورعَ مِنْهُ، وَلاَ أَشدَّ إِتقَاناً، حصلَ عَلَى حظٍّ وَافر مِنَ العَرَبِيَّة، وَكَانَ لاَ يُسَامح فِي فَوَات لفظَةٍ مِمَّا يُقرَأَ عَلَيْهِ، وَيُرَاجع فِي المشكلاَتِ، وَيُبَالغ.
رَحل إِلَيْهِ العُلَمَاءُ.
سَمَّعَهُ أَبُوْهُ الكَثِيْر، وَأَملَى عَلَى الصَّحَّة، وَسَمِعنَا مِنْهُ الكَثِيْر.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ: كَانَ حَسَنَ السِّيرَة، مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ وَالعِلْمِ مُحتَاطاً فِي الأَخْذِ، ثِقَةً.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ فَاضِلاً، عَارِفاً بِاللُّغَةِ وَالأَدبِ وَمعَانِي الحَدِيْث، فِي كَمَال العِفَّةِ وَالوَرَع.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
243 - فَاطِمَةُ بِنْتُ الحَسَنِ بن عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أُمُّ البَنِيْنَ *
بِنْتُ الأُسْتَاذِ الزَّاهِدِ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ، الشَّيْخَةُ، العَابِدَةُ، العَالِمَةُ، أُمُّ البنِيْنَ النَّيْسَابُوْرِيَّةُ، أَهْلُ الأُسْتَاذِ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيِّ، وَأُمُّ أَوْلاَدِهِ.
سَمِعَتْ مِنْ: أَبِي نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ العَلَوِيُّ، وَعَبْدِ اللهِ
__________
(*) العبر 3 / 296، شذرات الذهب 3 / 365.(18/479)
بن يُوْسُفَ، وَأَبِي عَلِيٍّ الرُّوْذْبارِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَالسُّلَمِيّ، وَطَائِفَة.
وَكَانَتْ عَابِدَةً، قَانِتَة، مُتهجِّدَةً، كَبِيْرَةَ الْقدر.
حَدَّثَ عَنْهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ الفُرَاوِيّ، وَزَاهِرٌ الشَّحَّامِيّ، وَأَبُو الأَسْعَدِ هبَةُ الرَّحْمَن بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ حَفِيْدُهَا، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَتْ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهَا تِسْعُوْنَ سَنَةً - رحمهَا الله -.
244 - فَاطِمَةُ بِنْتُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيِّ العَطَّارِ * (1)
أُمُّ الفَضْلِ الكَاتِبَةُ، المَعْرُوْفَة: بِبِنتِ الأَقْرَعِ.
جَوَّد النَّاسُ عَلَى خَطِّهَا لبرَاعَةِ حُسْنِهِ (2) .
وَهِيَ الَّتِي نُدِبَتْ لَكِتَابَة كِتَاب الهُدنَة إِلَى طَاغِيَة الرُّوْم مِنْ جِهَةِ الخِلاَفَة، وَبكِتَابهَا يُضْرَب المَثَلُ (3) .
وَقَدْ رَوَتْ عَنْ: أَبِي عُمَرَ بنِ مَهْدِيٍّ وَغَيْره.
رَوَى عَنْهَا: أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَقَاضِي المَارستَان، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ.
__________
(*) المنتظم 9 / 40، الكامل 10 / 163، العبر 3 / 296، البداية والنهاية 12 / 134، شذرات الذهب 3 / 365.
(1) في " المنتظم " و" الكامل " و" البداية ": فاطمة بنت علي المؤدب.
(2) زاد في " المنتظم " و" البداية ": وكانت تكتب على طريقة ابن البواب، وابن البواب مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (192) .
(3) انظر " المنتظم " 9 / 40، و" البداية " 12 / 134.(18/480)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عبد البَاقِي الأَنْصَارِيّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الأَقرع تَقُوْلُ:
كَتَبتُ وَرقَةً لعَمِيْد المُلك، فَأَعْطَانِي أَلف دِيْنَار (1) .
مَاتَتْ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَتْ: بِنْتُ الدَّقَّاق (2) ، وَالحَسَنُ بنُ العَلاَءِ البُشْتِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَهْل مُقْرِئُ الأَنْدَلُس، وَوَاعِظُ الوَقْت أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ المِصْرِيُّ الجَوْهَرِيّ (3) ، وَالحَافظ الشَّهِيْدُ أَبُو المَعَالِي الحُسَيْنِيّ (4) ، وَغَرْسُ النِّعمَة أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ بن الصَّابِئ.
245 - التُّسْتَرِيُّ أَبُو عَلِيٍّ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، أَبُو عَلِيٍّ عَلِيُّ (5) بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَحْرٍ التُّسْتَريُّ (6) ثُمَّ البَصْرِيُّ السَّقَطِيُّ، رَاوِي (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) عَنِ القَاضِي أَبِي عُمَرَ الهَاشِمِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُؤتَمَنُ السَّاجِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ مَرْزُوْقٍ الزَّعْفَرَانِيّ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المَاوَرْديّ، وَعَبْدُ الْملك بنُ عَبْدِ اللهِ.
__________
(1) انظر " المنتظم " 9 / 40، و" البداية " 12 / 134.
(2) هي فاطمة بنت الحسن التي تقدمت ترجمتها قبل هذه مباشرة.
(3) سترد ترجمته برقم (258) .
(4) سترد ترجمته برقم (264) .
(*) المنتظم 9 / 33، الكامل 10 / 159، العبر 3 / 295، البداية والنهاية 12 / 132، شذرات الذهب 3 / 363.
والتستري: بضم التاء وسكون السين وفتح التاء وكسر الراء، هذه النسبة إلى تستر: بلدة من كور الاهواز من بلاد خوزستان يقول لها الناس شوشتر.
(5) في " المنتظم " و" الكامل ": محمد.
(6) في " الكامل ": الشيري.(18/481)
وَكَانَ صَحِيْحَ السَّمَاع.
آخرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: النّقيبُ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي زَيْدٍ العَلَوِيّ، يَرْوِي عَنْهُ: (السُّنَن) سَمَاعاً لِلجزء الأَوّل، وَإِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً لسَائِرِ الكِتَاب.
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة بِالبَصْرَةِ، وَمَاتَ صَاحِبُهُ العَلَوِيُّ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
246 - صَاحِبُ المَوْصِلِ مُسْلِمُ بنُ قُرَيْشِ بنِ بَدْرَانَ العُقَيْلِيُّ *
السُّلْطَانُ، شَرَفُ الدَّوْلَةِ، أَبُو المَكَارِمِ مُسْلِمُ ابنُ مَلِكِ العَرَبِ قُرَيْشِ بنِ بَدْرَان ابْنِ المَلِكِ حُسَامِ الدَّوْلَةِ مُقَلَّدِ بنِ المُسَيَّبِ بنِ رَافِعٍ العُقَيْلِيُّ.
كَانَ يَترفَّضُ كَأَبِيْهِ، وَنهب أَبُوْهُ دُورَ الخِلاَفَة فِي فِتْنَة البَسَاسيرِيّ، وَأَجَار القَائِم بِأَمْرِ اللهِ (1) .
وَمَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ كَهْلاً (2) ، فَولِيَ ابْنُه ديَار رَبِيْعَة وَمُضَر، وَتَملَّك حلب (3) ، وَأَخَذَ الأَتَاوَةَ مِنْ بلاَد الرُّوْمِ، وَحَاصَرَ دِمَشْقَ، وَكَادَ أَنْ يَأْخُذهَا، فَنَزَع أَهْلُ حَرَّان طَاعتَه، فَبَادرَ إِلَيْهَا، فَحَاربوهُ، فَافْتَتَحَهَا (4) ، وَبَذَلَ السَّيْف فِي السُّنَّةِ بِهَا، وَأَظهر سبَّ الصَّحَابَة، وَدَانت لَهُ العَرَبُ، وَرَام الاسْتيلاَءَ عَلَى بَغْدَاد بَعْد طُغْرُلْبَك، وَكَانَ يُجِيْد النَّظْمَ، وَلَهُ سطوَةٌ وَسيَاسَة وَعدلٌ بِعُنف، وَكَانَ يُعطِي جزِيَةَ بلاَده لِلعلويَّة.
عَمَّرَ سُورَ المَوْصِل وَشَيَّدَهَا.
__________
(*) الكامل 10 / 17 و114، و126 - 127 و134 - 135 و136 و139 - 141، وفيات الأعيان 5 / 267 - 268، المختصر 2 / 194، 195 - 196، العبر 3 / 292، دول الإسلام 2 / 5 و6 و7، تتمة المختصر 1 / 573 - 575، تاريخ ابن خلدون 4 / 267 - 269، تاريخ الموصل 1 / 150، النجوم الزاهرة 5 / 115 و119، شذرات الذهب 3 / 362: معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 205.
(1) انظر " الكامل " 9 / 640 وما بعدها.
(2) انظر " الكامل " 10 / 17.
(3) " الكامل " 10 / 114، و" المختصر " 2 / 194.
(4) " الكامل " 10 / 126 - 127، و" وفيات الأعيان " 5 / 267 - 268.(18/482)
ثُمَّ إِنَّهُ عَمل المَصَافَّ مَعَ سُلْطَان الرُّوْم سُلَيْمَان بن قُتُلْمِش فِي سَنَةِ (478) بِظَاهِر أَنطَاكيَة، فَقُتل مُسْلِمٌ وَلَهُ بِضْعٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً (1) .
وَقِيْلَ: بَلْ خنقهُ خَادمٌ فِي الحَمَّام.
وَملَّكُوا أَخَاهُ إِبْرَاهِيْم (2) ، وَلَهُ سيرَةٌ طَوِيْلَةٌ وَحُرُوْبٌ وَعَجَائِب.
247 - الصَّرَّامُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، المُسْنِدُ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصَّرَّامُ.
سَمِعَ: (مُسْنَد (3) أَبِي عَوَانَة) مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَبْدِ الْملك بن الحَسَنِ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَجيهٌ الشَّحَّامِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَمُحَمَّدُ بنُ جَامِعٍ الصَّوَّاف، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفُرَاوِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ كُبَرَاء البَلَد.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، وَكَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَيُديم التَّعبُّد وَالتِلاَوَة - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَفِيْهَا مَاتَ: شَيْخُ الشُّيُوْخ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ دُوْست
__________
(1) وفي " النجوم الزاهرة " أنه توفي سنة (477) .
(2) انظر " الكامل " 10 / 139 - 141، و" وفيات الأعيان " 5 / 268، و" المختصر " 2 / 195 - 196.
(*) العبر 3 / 295، شذرات الذهب 3 / 363.
والصرام: بفتح الصاد المهملة وتشديد الراء، هذه النسبة إلى بيع الصرم، وهو الجلد الذي ينعل به الخفاف " الأنساب " 8 / 54.
(3) في الأصل: " من " بدل " مسند " وهو خطأ، لان الصرام صاحب الترجمة لم يلحق أبا عوانة المتوفى سنة 316 هـ، وإنما سمع " مسنده " من أبي نعيم الاسفراييني كما ذكر المؤلف في ترجمة أبي نعيم في الجزء السابع عشر برقم (38) .(18/483)
العَابِدُ الصُّوْفِيّ (1) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ زَاهِرٍ النّوقَانِيّ (2) ، وَطَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيّ (3) ، وَأَبُو عَلِيٍّ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ التُّسْتَرِيّ (4) ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ (5) .
248 - السِّمْسَارُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ (6) الأَصْبَهَانِيُّ السِّمْسَارُ، صَاحِبُ إِبْرَاهِيْمَ (7) بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خُرَّشيذ قُوْلَه.
سَمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَأَبِي الفَضْلِ عبد الوَاحِد التَّمِيْمِيّ، وَغَيْرهم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَمَسْعُوْدٌ الثَّقَفِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الرُّسْتُمِيّ الفَقِيْهُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ أَبَا سَعْدٍ البَغْدَادِيّ عَنْهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: كَانَ مِنَ المعمَّرِيْنَ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْت سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة وَعَاشَ مائَةَ سَنَةٍ.
تُوُفِّيَ السِّمْسَار: فِي مُنْتَصف شَوَّال سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَكَانَ يُمكِنُه السَّمَاع مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ المُقْرِئ، فَمَا اتَّفَقَ لَهُ.
__________
(1) سترد ترجمته بقم (254) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (229) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (231) .
(4) تقدمت ترجمت برقم (245) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (228) .
(*) العبر: 3 / 282، النجوم الزاهرة 5 / 116، شذرات الذهب 3 / 348.
(6) في " النجوم الزاهرة " 5 / 116: " عيسى " بدل " علي ".
(7) الذي مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (37) .(18/484)
249 - الدَّامَغَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ، البَارِعُ، مُفْتِي العِرَاقِ، قَاضِي القُضَاة، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنِ (1) بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ (2) بنِ حَسّويه (3) الدَّامغَانِيُّ الحَنَفِيُّ.
تَفقَّه بِخُرَاسَانَ، وَقَدِمَ بَغْدَاد شَابّاً، فَأَخَذَ عَنِ القُدورِي (4) .
وَسَمِعَ: مِنَ القَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن عَلِيٍّ الصَّيْمَرِيّ (5) ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الوَهَّاب الأَنْمَاطِيّ، وَعَلِيُّ بنُ طِرَاد الزَّيْنَبِيّ، وَالحُسَيْن المَقْدِسِيّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) تاريخ بغداد 3 / 109، الأنساب 5 / 259، المنتظم 9 / 22 - 24، معجم البلدان 2 / 433، الكامل 10 / 146، اللباب 1 / 486، دول الإسلام 2 / 8، العبر 3 / 292، الوافي 4 / 139، البداية 12 / 129، الجواهر المضية 2 / 96 - 97 الطبعة الهندية، النجوم الزاهرة 5 / 121 - 122، تاريخ الخميس 2 / 360، شذرات الذهب 3 / 362، الفوائد البهية 182 - 183.
والدامغاني: بفتح الدال وسكون الالف وفتح الميم والغين المعجمة وسكون الالف وبعدها نون، هذه النسبة إلى دامغان وهي بلدة كبيرة بين الري ونيسابور، وهي قصبة قومس.
(1) في " المنتظم " و" البداية " و" الجواهر المضية " و" الفوائد البهية ": ابن الحسين.
(2) في " المنتظم " و" البداية " و" الجواهر المضية " و" النجوم الزاهرة " و" الفوائد البهية ": ابن عبد الملك بن عبد الوهاب.
(3) في " المنتظم " و" البداية " والنجوم الزاهرة ": بن حمويه، وفي " الوافي بالوفيات ": بن حسنويه.
(4) هو أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي القدوري الحنفي، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (380) .
(5) مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (412) ، وقد تحرفت الصيمري في " معجم البلدان " إلى " الضميري ".(18/485)
مَوْلِدُهُ: بدَامَغَان، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة (1) ، وَحصَّل المَذْهَب عَلَى فَقرٍ شَدِيد.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: قَالَ وَالِدي: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ الحَسَنِ البَصْرِيّ الخَبَّازَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الدَّامغَانِيّ كَانَ يَحرسُ فِي درب الرِّيَاح، وَكَانَ يَقوم بعيشَتِه إِنْسَانٌ اسْمه أَبُو العشَائِر الشَّيْرَجِي (2) .
وَعَنْهُ: قَالَ: تَفقَّهتُ بدَامَغَان عَلَى أَبِي صَالِحٍ الفَقِيْه، ثُمَّ قصدتُ نَيْسَابُوْر، فَأَقَمْتُ أَرْبَعَة أَشهرٍ بِهَا، وَصَحِبتُ أَبَا العَلاَء صَاعِدَ بن مُحَمَّدٍ قَاضِيهَا، ثُمَّ وَرَدْتُ بَغْدَاد.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: فَقَرَأَ عَلَى القُدورِي، وَلاَزَمَ الصَّيْمَرِيَّ، ثُمَّ صَارَ مِنَ الشُّهُود، ثُمَّ وَلِيَ القَضَاءَ لِلقَائِم، فَدَام فِي القَضَاءِ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً وَأَشْهُراً (3) .
وَكَانَ القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَقُوْلُ: الدَّامَغَانِيّ أَعْرفُ بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ مِنْ كَثِيْرٍ مِنْ أَصْحَابنَا (4) .
قَالَ مُحَمَّدُ: وَكَانَ بَهِيَّ الصُوْرَة، حسنَ المَعَانِي فِي الدِّيْنِ وَالعِلْم وَالعقل وَالحلمِ وَكرم العَشْرَة وَالمُروءة، لَهُ صَدَقَاتٌ فِي السِّر، وَكَانَ مُنْصِفاً (5) فِي العِلْمِ، وَكَانَ يُورِدُ فِي درسِهِ مِنَ المُدَاعبَات (6) وَالنوَادر نَظيرَ مَا يُورِدُ الشَّيْخ
__________
(1) كما ذكر الخطيب في " تاريخ بغداد " 3 / 109، وذكر السمعاني وياقوت وابن الأثير أنه ولد سنة أربع مئة، وذكر ابن كثير أنه ولد سنة ثمان عشرة وأربع مئة.
(2) انظر " المنتظم " 9 / 22 - 23، و" الوافي " 4 / 139.
(3) انظر " المنتظم " 9 / 23 - 24.
(4) " الجواهر المضية " 2 / 97.
(5) تحرفت في " الفوائد البهية " إلى: مصنفا.
(6) تحرفت في " الفوائد البهية " إلى: الملاعبات.(18/486)
أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيّ، فَإِذَا اجْتَمَعَا، صَارَ اجْتمَاعُهُمَا نُزْهَةً.
قُلْتُ: كَانَ ذَا جَلاَلَةٍ وَحِشْمَةٍ وَافرَة إِلَى الغَايَة، يُنَظَّرُ بِالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ فِي زَمَانِهِ.
وَفِي أَوْلاَده أَئِمَّةٌ وَقضَاة.
وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاة بَعْد أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَاكُوْلاَ، سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَلَهُ خَمْسُوْنَ سَنَةً (1) .
وَمَاتَ: فِي رَجَب، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَدُفِنَ بدَاره، ثُمَّ نُقِلَ وَدُفِنَ بقُبَّةِ الإِمَام أَبِي حَنِيْفَةَ إِلَى جَانبه (2) .
عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً وَثَلاَثَة أَشْهُرٍ وَخَمْسَة أَيَّام، وَغَسَّله أَبُو الوَفَاء بنُ عَقِيْل وَأَبُو ثَابِتٍ الرَّازِيُّ تِلْمِيْذُه.
وَصَلَّى عَلَيْهِ وَلدُهُ قَاضِي القُضَاة أَبُو الحَسَنِ.
وَلَهُ أَصْحَابٌ كَثِيْرُوْنَ عُلَمَاءُ، انتشرُوا فِي البِلاَد، مِنْهُم: أَبُو سَعْدٍ الحَسَنُ بنُ دَاوُدَ بن بَابشَاذ المِصْرِيّ، وَنورُ الهدَى الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ إِلَيَاسُ بنُ نَاصِر الدَّيْلمِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّحَبِيّ ابْن السِّمنَانِيّ.
وَفِيْهَا مَاتَ: إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي الجُوَيْنِيّ (3) ، وَمُحَدِّثُ الأَنْدَلُس أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَنَسِ بنِ دِلْهَاث العُذْرِيّ (4) ، وَأَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ عَبَّاد الدِّيْنَوَرِيّ (5) ، وَالعَلاَّمَةُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَأْمُوْن المُتولِّي النَّيْسَابُوْرِيّ (6) بِبَغْدَادَ، وَأَبُو عِيْسَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زِيَاد، وَمُقْرِئ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 3 / 109.
(2) الخبر بنحوه في " المنتظم " 9 / 24.
(3) تقدمت ترجمته برقم (240) .
(4) سترد ترجمته برقم (296) .
(5) سترد ترجمته برقم (305) .
(6) سترد ترجمته برقم (306) .(18/487)
مَكَّة أَبُو مَعْشَرٍ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ عبدِ الصَّمد الطَّبَرِي، وَرَأْسُ المُعْتَزِلَة أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيْدِ الكَرْخِيّ (1) ، وَالسُّلْطَان مُسْلِمُ بنُ قُرَيْش العُقَيْلِيّ الرَّافضِيّ (2) .
250 - الأَنْدَقِيُّ أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ *
شَيْخُ الحَنَفِيَّة، مُفْتِي مَا وَرَاء النَّهْرِ، أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ.
تَفقَّه عَلَى عَبْدِ العَزِيْزِ الحَلْوَانِيّ.
وَحَدَّثَ عَنْ جَمَاعَة.
سَمِعَ مِنْهُ: عُثْمَان بن عَلِيٍّ البَيْكَنْدِيّ.
وَأَنْدَقَى (3) :مِنْ قرَى بُخَارَى.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
251 - ابْنُ خَزْرَجٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ اللَّخْمِيُّ **
الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، المُؤَرِّخُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَزْرَج اللَّخْمِيُّ الإِشْبِيْلِيُّ، صَاحِبُ (التَّارِيْخ) .
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (252) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (246) .
(*) الأنساب 1 / 363، معجم البلدان 1 / 261، اللباب 1 / 88 - 89، الجواهر المضية 2 / 460 - 461، كتائب أعلام الاخيار رقم 270، الطبقات السنية رقم 1300، الفوائد البهية: 100.
(3) أوردها ياقوت في " معجمه " باسم: أندق.
(* *) الصلة 1 / 284 - 285، هدية العارفين 1 / 453.(18/488)
وَرَوَى عَنْ: أَبِي عَمْرٍو (1) المرشَانِي، وَأَبِي الْفتُوح الجُرْجَانِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الخَوْلاَنِيّ.
وَعدد شُيُوْخه مائَتَانِ وَسِتُّوْنَ شَيْخاً (2) .
وَكَانَ مَعَ بَرَاعته فِي الحَدِيْثِ فَقِيْهاً مُشَاوَراً مَالِكيّاً، أَكْثَر النَّاسُ عَنْهُ (3) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ: شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ يَرْبُوْع.
تُوُفِّيَ: بِإِشبيليَة فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ (4) وَأَرْبَعِ مائَة.
252 - ابْنُ الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ الكَرْخِيُّ *
رَأْسُ المُعْتَزِلَةِ وَبَارِعهم، أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيْدِ الكَرْخِيُّ المُتَكَلِّم.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَأَتقن علمَ الاعتزَال عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ البَصْرِيّ (5) ، وَحَفِظَ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاهناً مِنْ جِهَةِ هِلاَل الرَّأْي (6) .
__________
(1) في " الصلة ": أبو عمر، وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة أخرى: أبو عمرو.
(2) في " الصلة ": مئتان وخمسة وستون رجلا وامرأتان بالاندلس.
(3) " الصلة " 1 / 284.
(4) وفي " هدية العارفين " 1 / 453 أنه توفي سنة (497) وهو خطأ.
(*) المنتظم 9 / 20 - 22، الكامل 10 / 145 - 146، العبر 3 / 291 - 292، المغني في الضعفاء 2 / 548، ميزان الاعتدال 3 / 464، الوافي 2 / 84 - 86، البداية والنهاية 12 / 129، لسان الميزان 5 / 56 - 57، النجوم الزاهرة 5 / 121، شذرات الذهب 3 / 362.
(5) وقد مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (393) .
(6) هو في تاريخ الخطيب 3 / 100 من حديث أبي مسعود البدري مرفوعا " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت " وفي سنده ثلاثة ضعفاء المترجم وشيخه فيه أبو الحسين وشيخ شيخه هلال الرأي، ولكن متن الحديث صحيح من طريق آخر عند البخاري (6120) وأبي داود (4797) وابن ماجه (183) وانظر " المنتظم " 9 / 20 - 21، و" البداية " 12 / 129، و" الوافي بالوفيات " 2 / 48.(18/489)
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَخَذَ عَنْهُ الكَلاَم عَلِيُّ بنُ عَقِيْل عَالِمُ الحنَابِلَة.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَكَانَ ذَا زُهْد وَورعٍ وَقنَاعَة.
شَاخَ فَكَانَ يَنْقُضُ مِنْ خشب بَيْته مَا يَمُونُه، وَكَانَ يَلْبَسُ القُطنِيَّ الخَام (1) ، وَكَانَ دَاعِيَة إِلَى الاعتزَال، وَبِهِ انْحَرَفَ ابْنُ عَقِيْل.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) ، وَكَانَ يَدْرِي المنطقَ جَيِّداً.
وَمَا تَنْفَعُ الآدَابُ وَالبَحْثُ وَالذَّكَاءُ، وَصَاحِبُهَا هَاوٍ بِهَا فِي جَهَنَّم.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: كَانَ أَبُو عَلِيٍّ زَاهِدَ المُعْتَزِلَة، لَمْ نَعْرِف فِي زَمَانِنَا مِثْل تَورُّعِه وَقنَاعته، تَورع عَنْ مِيْرَاثه مِنْ أَبِيْهِ (3) ، وَكَانَ يَقُوْلُ: قَرَأْتُ عَلَى أَسْتَاذِنَا أَبِي الحُسَيْنِ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
253 - ابْنُ المُطَّلِبِ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
الأَدِيْبُ الأَوْحَدُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُطَّلِبِ الكِرْمَانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الشَّاعِرُ، وَالِدُ الوَزِيْرِ الصَّاحبِ أَبِي المَعَالِي هِبَة اللهِ ابْن المُطَّلِبِ.
مَهَرَ فِي الأَدب وَالأَخْبَار.
__________
(1) الخبر في " الوافي بالوفيات " 2 / 85 - 86.
(2) هذا تكرار، فقد ذكر المؤلف وفاته.
(3) الخبر في " الوافي بالوفيات " 2 / 85.
(*) المنتظم 9 / 24، البداية والنهاية 12 / 139.(18/490)
وَرَوَى عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ، وَيَحْيَى بن البَنَّاءِ.
وَلَهُ هجُوٌ بَلِيْغ، عُزِلَ مِنْ كِتَابَةٍ، فَقَالَ:
عُزِلْتُ وَمَا خُنْتُ فِيمَا وَلِيْتُ ... وَغَيْرِي يَخُونُ وَلاَ يُعْزَلُ
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ ... يُوَلِّي وَيَعْزِلُ لاَ يَعْقِلُ
وَهُوَ القَائِلُ:
يَا حَسْرَتَا مَاتَ حَظِّي مِنْ قُلُوبِكُمُ ... وَللْحُظُوظِ كَمَا لِلنَّاسِ آجَالُ
تَصَرَّمَ العُمْرُ لَمْ أَحْظَى بِقُرْبِكُمُ ... كَمْ تَحْتَ هذِي القُبُوْرِ الخُرْسِ آمَالُ
قَالَ هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيّ: أَخذتُ عَنْهُ، ثُمَّ تَابَ، وَأُلْهِمَ الصَّلاَة وَالصَّوْمَ وَالصَّدَقَة، وَغسل مُسوَّدَات شِعره - رَحِمَهُ اللهُ - وَعَاشَ أَرْبَعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) .
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
254 - شَيْخُ الشُّيُوْخِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
القُدْوَةُ، الكَبِيْرُ، العَارِفُ، أَبُو سَعْدٍ (2) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دَوَّسَتْ دَادَا النَّيْسَابُوْرِيُّ.
نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
صحب أَبَا سَعِيْدٍ فَضلَ الله المِيهنِيّ، وَحَجَّ مَرَّات عَلَى التجرِيْد فِي أَصْحَابٍ لَهُ فُقَرَاء، فَكَانَ يَدور بِهِم فِي قبَائِلِ العَرَب، وَيَتوصَّلُ إِلَى مَكَّةَ،
__________
(1) انظر " المنتظم " 9 / 24.
(*) المنتظم 9 / 11، الكامل 10 / 159، العبر 3 / 294، البداية والنهاية 12 / 126، النجوم الزاهرة 5 / 124، شذرات الذهب 3 / 363.
(2) تحرف في " النجوم الزاهرة " إلى " سعيد ".(18/491)
وَكَانَ الوَزِيْرُ النّظَامُ يَحترمه، وَيُحِبُّه، ثُمَّ إِنَّهُ بَاعَ أَملاَكه بِنَيْسَابُوْرَ، وَبَنَى بِبَغْدَادَ رباطاً كَبِيْراً، وَلَهُ وَجَاهَة عَظِيْمَة وَتَجمُّلٌ زَائِد (1) .
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ (2) وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَخلفه وَلدُهُ أَبُو البَرَكَات إِسْمَاعِيْلُ فِي المَشْيَخَة.
255 - البَاهِرُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الخُزَاعِيُّ *
الخَطِيْبُ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ (3) بنِ عُثْمَانَ بنِ أَحْمَدَ الخُزَاعِيُّ، المَطِيرِيّ (4) .
عُرِفَ بِالبَاهر.
كَانَ خطيب قصر عُرْوَة (5) .
وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّد.
سَمِعَ بِسَامَرَّاء: مِنْ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ البَزَّاز، وَالحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الفَحَّام، وَبِبَغْدَادَ عَبْد الْملك بن بِشْرَان، وَبَالكُوْفَةِ مِنْ (6) أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بنِ جَعْفَرٍ النَّحْوِيّ التَّمِيْمِيّ.
وَعَنْهُ: أَبُو العِزِّ بن كَادش، وَغَيْرهُ.
وَفِي رِوَايَته عَنْ عَلِيٍّ الرّفَاء مَقَال.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً (7) .
__________
(1) انظر " المنتظم " 9 / 11.
(2) أورد وفاته في " المنتظم " و" البداية ": سنة 77.
(*) المنتظم 9 / 33.
(3) في " المنتظم ": محمد بن أحمد بن القزاز المطيري.
(4) قال ابن الأثير: بفتح الميم وكسر الطاء المهملة وسكون الياء وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى المطيرة، وهي قرية من نواحي سر من رأى.
(5) هو قرية من نواحي بغداد من ناحية بين النهرين، وقصر عروة أيضا بالعقيق منسوب إلى عروة بن الزبير رضي الله عنه، انظر " معجم البلدان " 3 / 360.
(6) زيادة يقتضيها السياق.
(7) في " المنتظم ": توفي المطيري عن مئة وثلاث عشرة سنة.(18/492)
256 - ابْنُ شَكْرُوَيْه مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القَاضِي، المُعَمَّرُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ شَكْرُويه (1) الأَصْبَهَانِيُّ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَة: هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي عَلِيّ بن البَغْدَادِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن خُرَّشيذ قُوْله، وَسَافَرَ إِلَى البَصْرَةِ.
وَسَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي عُمَرَ الهَاشِمِيّ (2) ، وَعَلِيِّ بن القَاسِمِ النّجَاد، وَجَمَاعَة، إِلاَّ أَنَّهُ خلط فِي كِتَابِ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) مَا سَمِعَهُ مِنْهُ بِمَا لَمْ يَسْمَعهُ، وَحَكَّ بَعْضَ السَّمَاع - كَذَلِكَ أَرَانِي المُؤْتَمَنُ السَّاجِيّ - ثُمَّ ترك القِرَاءة عَلَيْهِ، وَسَارَ إِلَى البَصْرَةِ، فَسَمِعَ الكِتَاب مِنْ أَبِي عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ (3) .
وَقَالَ المُؤتمن: مَا كَانَ عِنْدَ ابْنِ شَكْرُويه عَنِ ابْنِ خُرَّشيذ قُوْله وَالجُرْجَانِيّ وَهَذِهِ الطَّبَقَة فَصَحِيْحٌ، وَقَدْ أَطلعنِي عَلَى نسخته بـ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) فَرَأَيْتُ تخليطاً مَا اسْتحللتُ مَعَهُ سَمَاعَه (4) .
وَقَالَ ابْنُ طَاهِر: لمَا كُنَّا بِأَصْبَهَانَ كَانَ يُذكر أَنَّ السُّنَنَ عِنْد ابْن شَكْرُويه، فَنظرتُ فَإِذَا هُوَ مُضْطَرب، فَسَأَلتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ لَهُ ابْنُ عَمِّ، وَكَانَا جَمِيْعاً بِالبَصْرَةِ، وَكَانَ القَاضِي مُشتغلاً بِالفِقْه، وَإِنَّمَا سَمِعَ اليَسِيْرَ مِن
__________
(*) معجم البلدان 3 / 301، الاستدراك 1 ورقة 252 ب، المشتبه 1 / 348، العبر 3 / 300، المغني في الضعفاء 2 / 552، ميزان الاعتدال 3 / 467، الوافي 2 / 88، تبصير المنتبه 2 / 717، لسان الميزان 5 / 62، 63، شذرات الذهب 3 / 367.
(1) تحرفت في " الشذرات " إلى: سمكويه.
(2) تحرفت في " العبر " إلى: القاسمي، وهو أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد العباسي المصري المتوفى سنة 414 هـ، وقد مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (134) .
(3) انظر " لسان الميزان " 5 / 62 - 63.
(4) انظر " لسان الميزان " 5 / 63.(18/493)
الهَاشِمِيّ، وَكَانَ ابْنُ عَمّه قَدْ سَمِعَ الكِتَاب كُلَّه، وَتُوُفِّيَ قَدِيْماً، فَكَشَطَ القَاضِي اسْم ابْنِ عَمِّهِ، وَأَثْبَت اسْمَهُ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ أَبَا سَعِيْدٍ البَغْدَادِيّ عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ بن شَكْرُويه، فَقَالَ: كَانَ أَشعرِيّاً، لاَ يُسلِّمُ عَلَيْنَا، وَلاَ نُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ صَحِيْحَ السَّمَاع.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَة: كَانَ عَلَى قَضَاء قَرْيَة سِين (1) .
سَافَرَ إِلَى البَصْرَةِ، فَسَمِعَ مِنَ الهَاشِمِيّ، وَجَمَاعَة.
وَلد: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَمَاتَ: فِي العِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِر، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَنَصْرُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ المِصِّيْصِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْس، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ الرُّستمِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَدَمِيّ، وَالجُنَيْدُ ابْن مُحَمَّدٍ القَاينِي، وَآخَرُوْنَ.
257 - الجَوْهَرِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الأَمِيْنُ، أَبُو عَطَاءٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَاصِمٍ الهَرَوِيُّ الجَوْهَرِيُّ.
رَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ المَالِيْنِيّ، وَأَبِي مُعَاذ الشَّاه، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ، وَحَاتِم بن أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بن يَعْقُوْبَ، وَجَمَاعَة.
__________
(1) قال ياقوت: السين قرية بينها وبين أصبهان أربعة فراسخ.
(2) في " معجم البلدان " 3 / 301 أنه توفي في شعبان سنة 432.
(*) لم نعثر له على مصادر ترجمة.(18/494)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ أَبِي سَهْلٍ الصُّوْفِيّ، وَعبدُ الوَاسِع بنُ أَمِيْرك، وَوجيهٌ الشَّحَّامِيّ، وَأَبُو الوَقْتِ عبدُ الأَوّل، وَعبدُ الجَلِيْل بنُ أَبِي سَعْدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: حَدَّثونَا عَنْهُ، وَكَانَ شَيْخاً ثِقَة، صَدُوْقاً.
تَفَرَّد عَنْ أَبِي مُعَاذ وَالمَالِيْنِيّ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سبعٍ أَوْ ثَمَان وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ سَنَة سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
258 - الجَوْهَرِيُّ أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ *
وَاعِظُ العَصْرِ، العَلاَّمَةُ، أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ المِصْرِيُّ، ابْن الجَوْهَرِيِّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي سَعْدٍ المَالِيْنِيّ.
رَوَى عَنْهُ: الحُمَيْدِيّ، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلين.
مَاتَ: فِي شَوَّال سَنَة ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ مُشرفٍ الأَنْمَاطِيّ.
259 - الحَبَّالُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ **
الإِمَامُ، الحَافِظُ المُتْقِنُ، العَالِمُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدِ
__________
(*) لم نعثر له على مصادر ترجمة.
(* *) الإكمال 2 / 379، دول الإسلام 2 / 11، العبر 3 / 299، 300، تذكرة الحفاظ 3 / 1191 - 1196، الوافي بالوفيات 5 / 355، النجوم الزاهرة 5 / 129، طبقات الحفاظ: 442، حسن المحاضرة 1 / 353، 354، شذرات الذهب 3 / 366.(18/495)
بنِ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِيُّ مَوْلاَهُم، المِصْرِيُّ، الكُتُبِيُّ، الوَرَّاقُ، الحَبَّالُ، الفَرَّاءُ.
مِنْ أَوْلاَد عَبِيْد القَاضِي بنِ النُّعْمَانِ المَغْرِبِيّ، العُبيدي، الرَّافضِيّ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، وَسَمِعَ مِنَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ بنِ سَعِيْدٍ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَع مائَة، فَكَانَ آخِرَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ.
قُلْتُ: وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ ثَرْثَال (1) صَاحِبِ المَحَامِلِيّ، وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ، وَمِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عُمَرَ بنِ النَّحَّاسِ، وَمُحَمَّدِ بن أَحْمَدَ بنِ شَاكِر القَطَّان، وَمُحَمَّدِ بن ذَكْوَان التِّنِّيْسِيّ، سِبْطِ عُثْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ جَعْفَرٍ العَطَّار، وَأَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَاجّ الإِشْبِيْلِيّ، وَمُحَمَّدِ بن مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، صَاحِب الأَصَمِّ، وَمُحَمَّدِ بن الفَضْلِ بنِ نَظيف، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَلَمْ يَرْحَلْ.
وَقَدْ خَرَّجَ لِنَفْسِهِ عَوَالِي سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَكَانَ يَتَّجِرُ فِي الكُتُبِ وَيَخْبُرهَا.
وَمِنْ شُيُوْخه: مُنِيْرُ بنُ أَحْمَدَ الخشَّاب، وَالخصِيْبُ (2) بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ.
وَحَصَّل مِنَ الأُصُوْلِ وَالأَجزَاء مَالاَ يُوصَفُ كَثْرَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ العَلَوِيُّ النّقيب، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بن سَوَّار التَّككِيّ، وَعَطَاء بنُ هِبَةِ اللهِ الإِخمِيمِيُّ، وَوَفَاءُ بنُ ذُبيَان النَّابُلُسِيّ، وَيُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَرْدُبِيلِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ
__________
(1) تحرفت في " تذكرة الحفاظ " إلى: شرثال، وفي " شذرات الذهب " إلى، بريال.
(2) تحرف في " التذكرة " إلى: الخطيب.(18/496)
بن جُمَاهرٍ الطُّلَيْطُلِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَكْرِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ سُلْطَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ بُنَانٍ (1) الأَنْبَارِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي قَاضِي المَارستَان، وَعِدَّة.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَة: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة الصَّدَفِيّ، وَالحَافِظ مُحَمَّدُ بنُ نَاصِر.
وَكَانَتِ الدَّوْلَة البَاطِنِيَّةُ قَدْ منعُوْهُ مِنَ التّحَدِيْث، وَأَخَافُوهُ، وَهدَّدُوْهُ، فَامْتَنَعَ مِنَ الرِّوَايَة، وَلَمْ ينْتشر لَهُ كَبِيْر شَيْء.
قَالَ القَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الصَّدفِيّ: مُنِعْتُ مِنَ الدُّخولِ إِلَيْهِ إِلاَّ بِشَرْط أَنْ لاَ يُسْمِعَنِي، وَلاَ يَكتبَ إِجَازَةً، فَأَوَّلُ مَا فَاتَحْتُهُ الكَلاَم خَلَّط فِي كَلاَمه، وَأَجَابْنِي عَلَى غَيْرِ سُؤَالِي حَذَراً مِنْ أَنْ أَكُوْن مَدْسُوساً عَلَيْهِ، حَتَّى بَسَطْتُه، وَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي أَنْدَلُسِيّ أُرِيْدُ الحَجّ، فَأَجَاز لِي لفظاً، وَامْتَنَعَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ (2) .
قُلْتُ: قبَّح الله دُوْلَةً أَمَاتَتِ السُّنَّةَ وَرِوَايَةَ الأَثَارَةِ النّبويَّة، وَأَحيتِ الرّفض وَالضَّلاَل، وَبَثَّتْ دُعَاتهَا فِي النَّوَاحِي تُغوِي النَّاسَ، وَيدعُوْنهم إِلَى نِحلَة الإِسْمَاعِيليَّة، فَبِهم ضَلَّت جَبَلِيَّةُ الشَّام، وَتعثَّرُوا، فَنحمدُ الله عَلَى السَّلاَمَة فِي الدِّيْنِ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا (3) :كَانَ الحَبَّال ثِقَةً ثَبْتاً، وَرِعاً، خَيّراً، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَوْلَى لابْنِ النُّعْمَانِ قَاضِي القُضَاة ... ، ثُمَّ سَاق عَنْهُ أَبُو نَصْرٍ حَدِيْثاً، وَذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ
__________
(1) بضم الباء الموحدة ونونين كما في " تبصير المنتبه " 1 / 105، وقد تصحف في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1192: إلى " بيان " بالياء المثناة بعد الموحدة.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1192 - 1193.
(3) " الإكمال " 2 / 379.(18/497)
ثَبَّته فِي غَيْر شَيْء.
وَرَوَى عَنْهُ: الخَطِيْبُ أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ بِالإِجَازَة، ثُمَّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ (1) .
وَقَالَ السِّلَفِيّ فِي (مشيخَة الرَّازِيّ) :كَانَ الحَبَّالُ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَة بِالحَدِيْثِ، وَمَنْ خُتِمَ بِهِ هَذَا الشَّأْنُ بِمِصْرَ، لقِي بِمَكَّةَ جَمَاعَةً، وَلَمْ يُحَصِّل أَحَدٌ فِي زَمَانِهِ مِنَ الحَدِيْثِ مَا حَصَّلهُ هُوَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ خَلَف المِسْكِيّ: هُوَ مِنَ الحُفَّاظِ المُبَرِّزِين الأَثْبَاتِ، جمعَ حَدِيْث أَبِي مُوْسَى الزَّمِنِ، وَانتقَى عَلَيْهِ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيّ مائَةَ جُزْء.
قُلْتُ: لاَ بَلْ عِشْرِيْنَ جُزْءاً، وَشُيُوْخُه يَزِيدُوْنَ عَلَى ثَلاَثِ مائَة.
وَقَالَ ابْنُ المُفَضَّلِ: انْتَهَت إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الرّحلَة، وَبِهِ اخْتتم هَذَا الشَّأْنُ فِي قُطرِه، وَآخرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ - فِيمَا علمتُ - أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْر الحَضْرَمِيّ بِالإِجَازَة، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَة.
وَقِيْلَ: إِنَّ مُحَدِّثاً قرَأَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: وَرضِيَ اللهُ عَنِ الشَّيْخ الحَافِظ.
فَقَالَ: قل: رَضِيَ اللهُ عَنْكَ، إِنَّمَا الحَافِظ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَبْد الغَنِيِّ.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: رَأَيْتُ الحَبَّال وَمَا رَأَيْتُ أَتقن مِنْهُ! كَانَ ثَبْتاً، ثِقَةً، حَافِظاً.
وَقَالَ الأَعَزُّ بنُ عَلِيٍّ الظَّهيرِيّ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا أَبُو إِسْحَاقَ الحبَالُ مِنْ مِصْرَ فَكَتَبَ: أَجزتُ لَهم أَنْ يَقولُوا: أَجَاز لَنَا فُلاَنٌ، وَلاَ يَقولُوا: حَدَّثَنَا وَلاَ أَخْبَرَنَا (2) .
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمُّود الزَّاهِد فِيمَا علَّقه عَنْهُ السِّلَفِيّ: إِنَّهُ حضَر مَجْلِس
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1193.
(2) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1193.(18/498)
الحبَّالِ وَالحَدِيْثُ يُقرَأُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَزل دموعُه تجرِي حَتَّى فَرغ القَارِئ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِر يَقُوْلُ: وَقَعَ المَطَرُ يَوْماً، فَجَاءَ الحبَّالُ فَقَالَ: قَدْ تَلِفَ بِالمَطَر مِنْ كُتُبِي بِأَكْثَر مِنْ خَمْسِ مائَة دِيْنَارٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: قِيْلَ: إِنَّ ابْنَ مَنْدَة عَمل خزَانَةً لِكُتُبِهِ، فَقَالَ: لَوْ عَملتُ خزَانَةً لاَحتجتُ إِلَى جَامِع عَمْرِو بن العَاصِ.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ مُرشد بن يَحْيَى المَدِيْنِيّ يَقُوْلُ: اشتريتُ مِنْ كُتُبِ الحبَّال عِشْرِيْنَ قِنطَاراً بِمائَةِ دِيْنَارٍ، فَكَانَ عِنْدَهُ أَكْثَر مِنْ خَمْسِ مائَة قنطَار كُتُب.
قِيْلَ: إِنَّ بَعْضَ طلبَة الحَدِيْث قصد أَبَا إِسْحَاقَ الحبَّال ليسمَع مِنْهُ جُزْءاً - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُمنع - فَأَخْرَجَ بِهِ عِشْرِيْنَ نُسخَةً، وَنَاول كُلّ وَاحِد نُسخَة يَقَابلُ بِهَا (1) .
قَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الحبَال يَقُوْلُ: كَانَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ رَجُلٌ يَسْمَع مَعَنَا الحَدِيْث، وَكَانَ مُتشدِّداً، وَكَانَ يَكتب السَّمَاع عَلَى الأُصُوْل، فَلاَ يَكتبُ اسْمَ أَحَد حَتَّى يَسْتَحلِفَهُ أَنَّهُ سَمِعَ الْجُزْء، وَلَمْ يَذْهَبْ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنَّا يَوْماً نَقرَأُ عَلَى شَيْخ، فَقرَأْنَا قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاة والسَّلاَمُ -: (لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّات) .
(2) وَكَانَ فِي الجَمَاعَة رَجُلٌ يَبيع القَتَّ - وَهُوَ علف الدَّوَابِّ - فَقَامَ وَبَكَى، وَقَالَ: أَتُوب إِلَى اللهِ.
فَقِيْلَ لَهُ: لَيْسَ هُوَ ذَاكَ، لَكنه النَّمَّام الَّذِي يَنقُل الحَدِيْث مِنْ قَوْم إِلَى قَوْم يُؤذِيْهم.
قَالَ: فَسَكَنَ وَطَابت نَفْسُه (3) .
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1193.
(2) أخرجه من حديث حذيفة بن اليمان أحمد 5 / 382 و389 و392 و397 و402 و404، والبخاري 10 / 394 في الأدب: باب ما يكره من النميمة، ومسلم (105) في الايمان: باب بيان غلظ تحريم النميمة، وأبو داود (4871) والترمذي (2026) .
(3) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1193.(18/499)
قَالَ ابْنُ طَاهِر: كَانَ شَيْخُنَا الحبَّالُ لاَ يُخْرج أَصلَه مَنْ يَده إِلاَّ بِحُضُوْره، يَدفعُ الْجُزْء إِلَى الطَّالب، فِيكتُب مِنْهُ قَدْرَ جُلُوْسه، وَكَانَ لَهُ بِأَكْثَرِ كتب نسخٌ عِدَّة، وَلَمْ أَرَ أَحَداً أَشدَّ أَخذاً مِنْهُ، وَلاَ أَكْثَر كتباً، وَكَانَ مَذْهَبُه فِي الإِجَازَة أَنْ يُقَدِّمهَا عَلَى الإِخبَار يَقُوْلُ: أَجَاز لَنَا فُلاَن، وَلاَ يَقُوْلُ: أَخْبَرَنَا فُلاَنٌ إِجَازَة.
يَقُوْلُ: رُبَّمَا تسقطُ لفظَة إِجَازَة، فَتبقَى إِخبَاراً، فَإِذَا بُدئَ بِهَا، لَمْ يَقع شكّ (1) .
قُلْتُ: لاَ حَرَجَ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتحسَانٌ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: خَرَّجَ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيّ عَلَى أَكْثَر مِنْ مائَة، لَمْ يَبْقَ مِنْهم غَيْرِي (2) .
قَالَ ابْنُ طَاهِر: خَرَّج لَهُ أَبُو نَصْرٍ عِشْرِيْنَ جُزْءاً فِي وَقت الطَّلَب، وَكتبهَا فِي كَاغَد عَتِيْق، فَسَأَلنَا الحبَّالَ، فَقَالَ: هَذَا مِنَ الكَاغَد الَّذِي كَانَ يُحمَل إِلَى الوَزِيْر - يَعْنِي: ابْن حِنْزَابَة - مِنْ سَمَرْقَنْد، وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ كتبه قطعَة، فَكُنْتُ إِذَا رَأَيْت وَرقَةً بيضَاء قطعتُهَا، إِلَى أَنِ اجْتَمَع لِي هَذَا الْقدر (3) .
قَالَ ابْنُ طَاهِر: لَمَّا قصدتُ أَبَا إِسْحَاقَ الحبَّال - وَكَانُوا وَصفُوهُ لِي بِحليتهِ وَسيرته، وَأَنَّهُ يَخْدُمُ نَفْسَه - فَكُنْتُ فِي بَعْضِ الأَسواق وَلاَ أَهتدي إِلَى أَيْنَ أَذهب، فَرَأَيْتُ شَيْخاً عَلَى الصِّفَةِ وَاقفاً عَلَى دُكَّانَ عطَّار، وَكُمُّهُ ملأَى مِنَ الحوَائِج، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ هُوَ، فَلَمَّا ذهب، سَأَلتُ العَطَّارَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: وَمَا تَعرفُه؟!
هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ الحبَّال.
فَتبعتُه، وَبلَّغْتُه رِسَالَةَ سَعْدِ بن عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيّ، فَسَأَلنِي عَنْهُ، وَأَخْرَجَ مِنْ جيبِه جُزْءاً صغِيراً فِيْهِ الحَدِيْثَان
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1193 - 1194.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1194.
(3) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1194.(18/500)
المُسلسلاَن، أَحَدهُمَا مُسَلْسَلٌ بِالأَوليَّة، فَقرَأَهُمَا عَلِيَّ، وَأَخَذتُ عَلَيْهِ الْموعد كُلّ يَوْم فِي جَامِع عَمْرِو بن العَاصِ، حَتَّى خَرَجت (1) .
قُلْتُ: كَانَ هَذَا فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَسَمَاع قَاضِي المَارستَان مِنْهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ (2) وَسَبْعِيْنَ، وَبعد ذَلِكَ مُنع مِنَ التّحَدِيْث، وَكَانَ مَوْتُه سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ: مَاتَ فِي شَوَّال.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُسَلَّم الأَنْصَارِيّ: مَاتَ عَشِيَّة الأَرْبعَاء لَسْتٍّ خَلَوْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي السَّنَةِ: مُسْنِدُ أَصْبَهَان القَاضِي أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ شكرويه (3) ، وَمُسْنِدُ دِمَشْق أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَدِيْد، وَقَاضِي نَيْسَابُوْر وَرَئِيْسهَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ الصَّاعديّ، وَمُفْتِي سَرْخَس أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الشُّجَاعِيّ، وَخطيبُ أَصْبَهَان أَبُو الخَيْرِ (4) مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَسِيّ، مُؤَلّف كِتَاب (بستَان العَارِفِيْن) ، وَأَبُو السنَابِل هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي الصَّهْبَاء (5) ، وَقَاضِي البَصْرَةِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيّ الشَّافِعِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيّ، وَالمُحَدِّث عَلِيُّ بنُ أَبِي نَصْرٍ المَنَادِيلِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ سمكويه بِأَصْبَهَانَ، وَمُسْنِد جُرْجَان إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ الخَلاَّلِيّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَهم تَمَّامُ بنُ أَحْمَدَ السُّلَمِيّ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1194.
(2) ما بين معقوفتين زيادة من " تذكرة الحفاظ " 3 / 1194.
(3) تقدمت ترجمته برقم (256) .
(4) سترد ترجته برقم (309) وفيها أن كنيته أبو الفضل، لا أبو الخير.
(5) سترد ترجمته برقم (310) .(18/501)
بن أَحْمَدَ الحَنْبَلِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحَافِظ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ النُّعْمَانِيّ وَيدُه عَلَى كتفِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظ وَيدُه عَلَى كتفِي فَذَكَرَ حَدِيْثاً لاَ أُرِيْد أَنْ أَرويه لبطلاَن مَتنه:
حَدَّثَنِي جِبْرِيْل وَيده عَلَى كتفِي ... وَذَكَرَ الحَدِيْثَ، وَهُوَ فِي (تذكرَة) الحُمَيْدِيّ (1) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي سَنَة (532) قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بن سَعِيْدٍ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البحرَانِيّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَتَدْرُوْنَ مَا الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ) ؟
فَأَردتُ أَنْ أَقُوْلَ: هِيَ النَّخلَة، فَنظرتُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ القَوْم، فَسَكَتُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هِيَ النَّخْلَةُ (2)) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ طيّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ حَاتِمٍ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان بنُ رَحْمَة الخَطِيْب، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُرْشِدُ بنُ يَحْيَى المَدِيْنِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الحبَّالُ لفظاً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الجِرَاب، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي، حَدَّثَنَا
__________
(1) الحميدي هذا هو أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الأزدي المتوفى سنة 488 هـ صاحب " جذوة المقتبس ".
(2) وأخرجه البخاري (72) ومسلم (2811) (64) من طريق سفيان بن عيينة بهذا الإسناد، وأخرجه من طرق عن مجاهد، عن ابن عمر البخاري (2209) و (5444) و (5448) ومسلم (2811) (64) وأخرجه من طرق عن عبد الله بن دينار البخاري (61) و (62) و (131) ومسلم (2811) وأخرجه من حديث نافع عن ابن عمر البخاري (6144) ومسلم، وأخرجه البخاري (6142) من طريق شعبة، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر.(18/502)
مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ:
أَنَّ أَبَا حَليمَة مُعَاذاً كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي القُنُوت (1) .
260 - شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الهَرَوِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ متّ الأَنْصَارِيُّ الهَرَوِيُّ، مصَنِّفُ كِتَاب (ذَمِّ الكَلاَمِ) ، وَشيخُ خُرَاسَان مِنْ ذُرِّيَّة صَاحِب النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبِي أَيُّوْبُ الأَنْصَارِيِّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سِتٍّ (2) وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: عبدِ الجَبَّار بنِ مُحَمَّدٍ الجَرَّاحِيّ (جَامِع أَبِي عِيْسَى) كُلَّه أَوْ
__________
(1) إسناده صحيح، عبد الله بن الحارث: هو الأنصاري البصري أبو الوليد نسيب ابن سيرين روى حديثه الستة، وأبو حليمة: هو معاذ بن الحارث الأنصاري المزني المعروف بالقارئ له صحبة شهد غزوة الخندق، وقيل: إنه لم يدرك من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ست سنين وهو الذي أقامه عمر بن الخطاب فيمن أقام في شهر رمضان ليصلي بالناس التراويح، وكان ممن شهد الجسر مع أبي عبيد الثقفي، ففر حين فروا، فقال عمر: أنا لهم فئة، والخبر في فضل الصلاة على النبي رقم (107) لاسماعيل القاضي، وهو في " قيام الليل " ص 36 لابن نصر.
وقوله: " في القوت " أي: في قنوت الوتر.
(*) دمية القصر 2 / 888، طبقات الحنابلة 2 / 247 - 248، المنتظم 9 / 44 - 45، الكامل 10 / 168 - 169، دول الإسلام 2 / 10، العبر 3 / 297 - 298، تذكرة الحفاظ 3 / 1183 - 1191، البداية والنهاية 12 / 135، النجوم الزاهرة 5 / 127، طبقات الحفاظ: 441 - 442، طبقات المفسرين للسيوطي: 25، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 249 - 250، طبقات المفسرين للادنه وي 35 / ب، تاريخ الخميس 2 / 360، كشف الظنون 1 / 56، 420، 828، و2 / 1828، 1836، شذرات الذهب 3 / 365 - 366، إيضاح المكنون 1 / 310 و2 / 118، هدية العارفين 1 / 452 - 453، الرسالة المستطرفة: 45، وانظر طبقات السبكي 4 / 272 - 273 حيث ذكره في ترجمة أبي عثمان الصابوني.
(2) في " المنتظم ": سنة خمس وتسعين.(18/503)
أَكْثَره، وَالقَاضِي أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الجَارُوْديّ الحَافِظ، وَأَبِي سَعِيْدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ السَّرْخَسِيّ، خَاتمَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بن إِسْحَاقَ القُرَشِيّ، وَأَبِي الفوَارس أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُويِّص البُوْشَنْجِيّ الوَاعِظ، وَأَبِي الطَّاهِر أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ الضَّبِّيّ، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ مَالِكٍ البَزَّاز - لقِي أَبَا بَحْرٍ البَرْبَهَارِيّ - وَأَبِي عَاصِمٍ مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدٍ المَزِيْدِيّ (1) ، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ مَنْجُوَيْه الأَصْبَهَانِيّ الحَافِظ، وَأَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بن مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطِّرَازِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ مَنْصُوْرِ بن الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المفسّر، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ السَّلِيْطِي وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بن الحَسَنِ الحِيْرِيّ لَكنه لَمْ يَرْوِ عَنْهُ، وَمُحَمَّدِ بنِ جبرَائِيْلَ بن مَاحِي، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ العَالِي، وَعُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الهَرَوِيّ، وَعَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدِ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ، وَالحُسَيْنِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيّ، وَيَحْيَى بن عَمَّارٍ بن يَحْيَى الوَاعِظ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الشيرَازِيّ لَقِيَهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبِي يَعْقُوْبَ القَرَّابِ الحَافِظ إِسْحَاقَ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الوَرَّاق، وَسَعِيْدِ بن العَبَّاسِ القُرَشِيّ، وَغَالِبِ بنِ عَلِيِّ بنِ
مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدِ بن المُنْتَصِر البَاهِلِيّ المُعَدَّل، وَجَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيّ الصَّغِيْر، وَمُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ البَاشَانِيّ، صَاحِبِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَاسين، وَمَنْصُوْرِ بنِ رَامشٍ - قَدِمَ عَلَيْنَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة - وَأَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمْدِين، وَالحُسَيْنِ بن إِسْحَاقَ الصَّائِغ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى المُزَكِّي، وَعَلِيِّ بن بُشرَى اللَّيْثِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بن يَزِيْدَ، وَأَبِي صَادِقٍ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ
__________
(1) بفتح الميم وكسر الزاي نسبة إلى مزيد جده. انظر " تبصير المنتبه " 4 / 1355.(18/504)
مَحْمُوْدٍ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَمِيَرْوَيْه، وَمُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُجَاشِع، وَمُحَمَّدِ بن الفَضْلِ الطَّاقِي الزَّاهِد، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ، وَمِنْ أَقدَمِ شَيْخٍ لَهُ الجَرَّاحِيّ، سَمِعَ مِنْهُ فِي حُدُوْدِ سَنَة عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيّ بِالإِجَازَة.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَوْ أَكْثَر مِنْ أَصْحَابِ أَبِي العَبَّاسِ الأَصَمّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُؤْتَمَنُ السَّاجِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَطَاءٍ الإِبْرَاهِيْمِيُّ، وَعبدُ الصّبور بنُ عَبْدِ السَّلاَم الهَرَوِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الْملك الكَرُوخِيّ، وَحَنْبَلُ بنُ عَلِيٍّ البُخَارِيّ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَامِيّ، وَعبدُ الجَلِيْل بنُ أَبِي سَعْدٍ المُعَدَّل، وَأَبُو الوَقْتِ عبدُ الأَوّل السِّجْزِيّ خَادِمُه، وَآخَرُوْنَ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَة أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ سَيَّار، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ المُؤتَمَنَ السَّاجِيَّ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيّ، فَقَالَ:
كَانَ آيَةً فِي لِسَانِ التذكيرِ وَالتَّصُوْف، مِنْ سلاَطين العُلَمَاء، سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَغَيْرهُ.
يَرْوِي فِي مَجَالِس وَعظِهِ الأَحَادِيْثَ بِالإِسْنَادِ، وَيَنَهَى عَنْ تَعليقهَا عَنْهُ.
قَالَ: وَكَانَ بارعاً فِي اللُّغَة، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، قَرَأْتُ عَلَيْهِ كِتَاب (ذَمِّ الكَلاَمِ) ، رَوَى فِيْهِ حَدِيْثاً، عَنْ عَلِيّ بن بُشرَى، عَنِ ابْنِ مَنْدَة، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَرْزُوْق.
فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا هَكَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَابْن مَرْزُوْق هُوَ شَيْخُ الأَصَمِّ وَطَبَقَتِهِ، وَهُوَ إِلَى الآنَ فِي كِتَابِهِ عَلَى الخطَأَ.
قُلْتُ: نَعم: وَكَذَا أَسقط رَجُلَيْنِ مِنْ حَدِيْثَيْنِ خَرَّجهُمَا مِنْ (جَامِع(18/505)
التِّرْمِذِيّ) ، نبَّهتُ عَلَيْهِمَا فِي نسختِي، وَهِيَ عَلَى الخطَأَ فِي غَيْر نسخَة (1) .
قَالَ المُؤتمن: كَانَ يَدخلُ عَلَى الأُمَرَاء وَالجبَابرَة، فَمَا يُبالِي، وَيَرَى الغَرِيْبَ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، فَيُبَالِغُ فِي إِكرَامه، قَالَ لِي مرَّةً:
هَذَا الشَّأْنُ شَأْنُ منْ لَيْسَ لَهُ شَأْنٌ سِوَى هَذَا الشَّأْنِ - يَعْنِي: طلب الحَدِيْث - وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: تركتُ الحِيْرِيَّ (2) للهِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا تَركه، لأَنَّه سَمِعَ مِنْهُ شَيْئاً يُخَالِف السُّنَّة (3) .
قُلْتُ: كَانَ يَدْرِي الكَلاَم عَلَى رَأْي الأَشْعَرِيِّ، وَكَانَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَثرِيّاً قُحّاً، يَنَالُ مِنَ المُتَكَلِّمَة، فَلِهَذَا أَعرضَ عَنِ الحِيْرِيِّ، وَالحِيْرِيُّ: فَثِقَةٌ عَالِم، أَكْثَر عَنْهُ البَيْهَقِيّ وَالنَّاس.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الكُتُبِيّ: خَرَجَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ لجَمَاعَةٍ الفَوَائِدَ بخطِّه إِلَى أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَكَانَ يَأْمرُ فِيمَا يُخْرِّجه لمَنْ يَكتب، وَيَصحِّحُ هُوَ، وَقَدْ تَوَاضع بِأَنَّ خَرَّجَ لِي فَوَائِد، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ خَرَّج لَهُ سوَاي (4) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْل الأَنْصَارِيّ يَقُوْلُ:
إِذَا ذكرتُ التَّفْسِيْر، فَإِنَّمَا أَذْكُره مِنْ مائَة وَسَبْعَةِ تَفَاسير.
وَسَمِعته يُنشِدُ عَلَى مِنْبَره:
أَنَا حَنْبَلِي مَا حَييْتُ وَإِنْ أَمُتْ ... فَوَصِيَّتِي لِلنَّاسِ أَنْ يَتَحَنْبَلُوا (5)
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1185، 1186.
(2) يعني أبا بكر أحمد بن الحسن الحيري، وقد ذكره المؤلف في عداد من سمع منهم، وقال: لكنه لم يرو عنه.
(3) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1186.
(4) الخبر في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1186، وفيه: ولم يبق أحد ممن خرج لي سواه. وهو خطأ واضح.
(5) البيت في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1186.
وأبو عبد الله البوشنجي قال في الشافعي كما ورد في ترجمته في الجزء العاشر ص 73: وإني حياتي شافعي وإن أمت * فتوصيتي بعدي بأن يتشفعوا =(18/506)
قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ فِي قَصِيدَته النونِيَّة الَّتِي أَوَّلهَا:
نَزَلَ المَشِيْبُ بِلَمَّتِي فَأَرَانِي ... نُقْصَانَ دَهْرٍ طَالَما أَرْهَانِي (1)
أَنَا حَنْبَلِيٌّ مَا حَييتُ وَإِنْ أَمُتْ ... فَوَصِيَّتِي ذَاكُمْ إِلَى الإِخْوَانِ (2)
إِذْ دِيْنُهُ دِيْنِي وَدِيْنِي دِيْنُهُ ... مَا كُنْتُ إِمَّعَةً لَهُ دِيْنَانِ (3)
قَالَ ابْنُ طَاهِر: وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: قصدتُ أَبَا الحَسَنِ الخَرَقَانِيّ الصُّوْفِيّ، ثُمَّ عزمتُ عَلَى الرُّجُوْع، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنْ أَقصدَ أَبَا حَاتِمٍ بنَ خَاموش الحَافِظَ بِالرَّيّ، وَأَلتقيه - وَكَانَ مُقَدَّم أَهْلِ السّنَّة بِالرَّيّ، وَذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَان مَحْمُوْدَ بنَ سُبُكْتِكِينَ لَمَّا دَخَلَ الرَّيّ، وَقُتِلَ بِهَا البَاطِنِيَّة، منعَ الكُلَّ مِنَ الْوَعْظ غَيْرَ أَبِي حَاتِمٍ، وَكَانَ مَنْ دَخَلَ الرَّيّ يَعرضُ عَلَيْهِ اعْتِقَادَه، فَإِنَّ رضيَه، أَذن لَهُ فِي الكَلاَم عَلَى النَّاسِ، وَإِلاَّ فَمنعه - قَالَ: فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنَ الرَّيّ؛ كَانَ مَعِي رَجُلٌ فِي الطَّرِيْق مِنْ أَهْلهَا، فَسَأَلنِي عَنْ مَذْهَبِي، فَقُلْتُ: حَنْبَلِيّ، فَقَالَ: مَذْهَبٌ مَا سَمِعْتُ بِهِ! وَهَذِهِ بِدعَة.
وَأَخَذَ بِثَوْبِي، وَقَالَ: لاَ أَفَارقُك إِلَى الشَّيْخ أَبِي حَاتِمٍ.
فَقُلْتُ: خِيْرَة (4) ، فَذَهَبَ بِي إِلَى دَارِهِ، وَكَانَ لَهُ ذَلِكَ
__________
= وأما القاضي عياض، فيقول في الامام مالك بن أنس كما في ترجمته، في الجزء الثامن رقم (10) :
ومالك المرتضى لا شك أفضلهم * إمام دار الهدى والوحي والسنن
وأما أبو حنيفة فقد قال بعضهم في مذهبه:
فلعنة ربنا أعداد رمل * على من رد قول أبي حنيفة
فانظر ما يقوله كل تابع لامام من الأئمة في حق إمامه! ! والحق الذي يجب أن يكون عليه المسلم أن يوالي الجميع، ويشيد بفضلهم، ولا يعتقد العصمة فيهم، ولا يتخذ من تقليده لواحد منهم وسيلة للتعصب، أو الإفراط في الحب الذي ينحرف به عن الصواب.
(1) قال في " اللسان ": أرهى على نفسه: رفق بها وسكنها، والامر منه: أره على نفسك، أي أرفق بها.
(2) في " طبقات الحنابلة ": إلى إخواني.
(3) البيتان الاخيران من هذه الثلاثة في " طبقات الحنابلة " 2 / 248.
(4) تصحفت في " تذكرة الحفاظ " 3 / 1187 إلى " حيرة " بالحاء المهملة.(18/507)
اليَوْم مَجْلِسٌ عَظِيْم، فَقَالَ: هَذَا سَأَلتُه عَنْ مَذْهَبه، فَذَكَر مَذْهَباً لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَطُّ.
قَالَ: وَمَا قَالَ؟
فَقَالَ: قَالَ: أَنَا حَنْبَلِيّ.
فَقَالَ: دَعْهُ، فُكُلُّ مِنْ لَمْ يَكُنْ حَنْبَليّاً، فَلَيْسَ بِمُسْلِم.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: الرَّجُل كَمَا وُصِفَ لِي.
وَلزمتُه أَيَّاماً، وَانْصَرَفتُ (1) .
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ فِي (ذَمِّ الكَلاَمِ) ، فِي أَوله عقيبَ حَدِيْث {اليَوْمَ
__________
(1) في حاشية الأصل بخط مغاير ما نصه: أخطأ هذا القائل قطعا، والمقول له في تصويبه ذلك.
وكذلك المادح له، بل لو قيل: إن قائل هذه المقالة يكفر بها لم يبعد، لأنه نفى الإسلام عن عالم عظيم من هذه الأمة، ليسوا بحنابلة، بل هم الجمهور الأعظم، ولقد بالغ المصنف في هذا الكتاب في تعظيم رؤوس التجسيم، وسياق مناقبهم، والتغافل عن بدعهم، بل يعدها سنة، ويهضم جانب أهل التنزيه، ويعرض بهم أو يصرح، ويتغافل عن محاسنهم العظيمة، وآثارهم في الدين، كما فعل في ترجمة إمام الحرمين والغزالي، والله حسيبه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال شعيب: يلمح القارئ من سطور هذا التعليق أن قائله أشعري جلد حاقد على الامام الذهبي رحمه الله فإنه ينعته بما هو برئ منه ويقوله ما لم يقل: فالخبر الذي أورده رحمه الله في هذه الترجمة لم يمر عليه دون أن ينتقد قائله ويبين وهاءه فقد وصف قائله فيما بعد باليبس وزعارة العجم ثم قال: وما قاله فمحل نظر.
أما قوله: إنه يبالغ في تعظيم رؤوس المجسمة ويكثر من سرد مناقبهم ويتغافل عن بدعهم ويعتدها سنة ... فقول في غاية السقوط وجرأة بالغة في تزوير الحقائق، فالذهبي رحمه الله إنما يعظم رؤوس أهل السنة والجماعة الذين اتخذوا مذهب السلف الصالح المشهود لهم بالخيرية على لسان الصادق والمصدوق قدوة في صفات الله سبحانه فآمنوا بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله وأجروا تلك الصفات على ظاهرها اللائقة بجلال الله سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل كما نطق بذلك القرآن (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فهؤلاء هم الذين يمتدحهم المؤلف رحمه الله ويسرد مناقبهم ويعدد مآثرهم ويشيد بفضلهم ليتخذهم أهل العلم قدوة.
فهل يعد هؤلاء من رؤوس المجسمة سبحانك هذا بهتان عظيم.
وفي مواضع كثيرة من كتابه تجد النقد القوي الرصين المقرون بقوة الحجاج وملازمة الإنصاف لكل قول يتبين له خطؤه ومجافاته لمذهب السلف كائنا من كان ذلك القائل من غير محاباة ولا مواربة، ففي هذه الترجمة ينتقد أبا إسماعيل فيذكر أن في كتابه منازل السائرين أشياء مشكلة مع أنه من مثبتي
الصفات وانظر ص 286، 287 من ترجمة الامام أحمد في الجزء الحادي عشر من هذا الكتاب، ويغلب على ظني أن صاحب هذا التعليق يخيل إليه أن مذهب السلف في الصفات يفضي إلى التجسيم وهذا ما دعاه إلى كتابة هذا التعليق الاثيم.(18/508)
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُم} [المَائِدَة:3] ، وَنزولهَا بِعَرَفَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّاز الفَقِيْه الحَنْبَلِيّ الرَّازِيّ فِي دَارِهِ بِالرَّيّ يَقُوْلُ:
كُلُّ مَا أُحْدِثَ بَعْد نُزول هَذِهِ الآيَة فَهُوَ فَضْلَةٌ وَزِيَادَة وَبِدْعَة.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ خَاموش صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاع، وَفِيْهِ يُبس وَزعَارَة العَجَم، وَمَا قَالَهُ، فَمحَلُّ نَظَرٍ.
وَلَقَدْ بِالغ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ فِي (ذَمِّ الكَلاَمِ) عَلَى الاَتِّبَاع فَأَجَاد، وَلَكِنَّهُ لَهُ نَفْس عَجِيْب لاَ يُشْبِهُ نَفَسَ أَئِمَّة السَّلَف فِي كِتَابِهِ (مَنَازِل السَّائِرِيْنَ (1)) ، فَفِيْهِ أَشيَاءُ مُطْرِبَة، وَفِيْهِ أَشيَاءُ مُشكلَة، وَمَنْ تَأَمَّلَه لاَح لَهُ مَا أَشرتُ إِلَيْهِ، وَالسُّنَّة المحمديَّة صَلِفَة، وَلاَ يَنْهَضُ الذّوقُ وَالوَجْدُ إِلاَّ عَلَى تَأَسيسِ الكِتَاب وَالسّنَّة.
وَقَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ سَيْفاً مسلَوْلاً عَلَى المُتَكَلِّمِين، لَهُ صَوْلَةٌ وَهَيْبَةٌ وَاسْتيلاَءٌ عَلَى النُّفُوْس بِبلده، يُعظّمونه، وَيَتغَالَوْنَ فِيْهِ، وَيبذلُوْنَ أَرْوَاحهم فِيمَا يَأْمر بِهِ.
كَانَ عِنْدَهم أَطوعَ وَأَرْفَعَ مِنَ السُّلْطَان بكَثِيْرٍ، وَكَانَ طَوْداً رَاسياً فِي السّنَّةِ لاَ يَتزلزلُ وَلاَ يَلين، لَوْلاَ مَا كَدَّر كِتَابهُ (الفَارُوْق فِي الصِّفَات) بِذكر أَحَادِيْث بَاطِلَةٍ يَجِبُ بيَانُهَا وَهَتْكُهَا، وَاللهُ يغفِرُ لَهُ بحُسْنِ قصدهُ، وَصَنَّفَ (الأَرْبَعِيْنَ) فِي التَّوحيد، وَ (أَرْبَعِيْنَ) فِي السُّنَّةِ، وَقَدِ امتُحِنَ مَرَّات، وَأُوذِي، وَنُفِي مِنْ بَلَده.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: عُرضتُ عَلَى السَّيْف خَمْسَ مَرَّات، لاَ يُقَالَ لِي: ارْجِع عَنْ مَذْهَبك.
لَكِن يُقَالَ لِي: اسْكُتْ عَمَّنْ خَالفك.
فَأَقُوْلُ: لاَ أَسكُتُ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلف حَدِيْثٍ أَسرُدهَا سرداً (2) .
__________
(1) وقد طبع كتاب " منازل السائرين " مع شرحه " مدراج السالكين " للعلامة ابن القيم بمطبعة السعادة بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، وقد تعقب الامام ابن القيم رحمه الله في شرحه هذا الاشياء المشكلة، وانتقدها انتقادا جيدا رصينا كما هو دأبه رحمه الله في كل تواليفه.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1184.(18/509)
قَالَ الحَافِظُ أَبُو النَّضْرِ الفَامِيّ: كَانَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ بِكْر الزَّمَان، وَوَاسطَةَ عِقد المَعَانِي، وَصُوْرَةَ الإِقبال فِي فُنُوْن الفضَائِل وَأَنْوَاعِ المَحَاسِن، مِنْهَا نُصْرَةُ الدِّيْنِ وَالسُّنَّة، مِنْ غَيْرِ مُدَاهنَة وَلاَ مرَاقبَةٍ لسُلْطَان وَلاَ وَزِيْر، وَقَدْ قَاسَى بِذَلِكَ قصدَ الحُسَّاد فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَسعُوا فِي رُوحه مِرَاراً، وَعمدُوا إِلَى إِهَلاَكه أَطوَاراً، فَوْقَاهُ اللهُ شَرَّهُم، وَجَعَلَ قَصدهمْ أَقوَى سَبَبٍ لارتفَاع شَأْنه (1) .
قُلْتُ: قَدِ انْتفع بِهِ خَلْقٌ، وَجَهِلَ آخرُوْنَ، فَإِنَّ طَائِفَةً مِنْ صُوْفَة الفلسفَة وَالاَتحَاد يَخضعُوْنَ لَكَلاَمه فِي (مَنَازِل السَّائِرِيْنَ) ، وَيَنْتَحِلُونه، وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ مُوَافِقهم.
كلاَ، بَلْ هُوَ رَجُلٌ أَثرِيٌّ، لَهِجٌ بِإِثْبَات نُصوص الصِّفَات، مُنَافِرٌ لِلْكَلاَمِ وَأَهْلِهِ جِدّاً (2) ، وَفِي (مَنَازِله (3)) إِشَارَاتٌ إِلَى الْمَحْو وَالفنَاء، وَإِنَّمَا مُرَادُه بِذَلِكَ الفَنَاءِ هُوَ الغَيْبَةُ عَنْ شُهُوْد السِّوَى، وَلَمْ يُرِدْ مَحْوَ السِّوَى فِي الخَارِج، وَيَا ليتَه لاَ صَنَّف ذَلِكَ، فَمَا أَحلَى تَصُوفَ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِيْنَ! مَا خَاضُوا فِي هَذِهِ الخَطَرَاتِ وَالوسَاوِسِ، بَلْ عبدُوا اللهَ، وَذَلُّوا لَهُ وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، وَهم مِنْ خَشيته مُشفقُوْنَ، وَلأَعدَائِهِ مُجَاهِدُوْنَ، وَفِي الطَّاعَة مُسَارعُوْنَ، وَعَنِ اللَّغو مُعرضون، وَاللهُ يَهدي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صرَاط مُسْتَقِيْم.
وَقَدْ جمع هَذَا سيرَةً لِلإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُجَلَّد، سمِعنَاهَا مِنْ أَبِي حَفْصٍ ابْنِ القوَّاس بِإِجَازته مِنَ الكِنْدِيّ، أَخْبَرَنَا الكَرُوخِيّ، أَخْبَرَنَا المُؤَلّف.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: حَكَى لِي أَصْحَابُنَا أَنَّ السُّلْطَان أَلب آرسلاَن قَدِمَ هَرَاةَ
__________
(1) المصدر السابق.
(2) جاء في الحاشية بخط مغاير ما نصه: بل في كلامه صريح الاتحاد، لا سيما في الابيات الثلاثة التي ختم بها الكتاب، والرجل منحرف عن السنة في الطرفين عفا الله عنه.
(3) إي كتابه: " منازل السائرين ".(18/510)
وَمَعَهُ وَزِيْرُهُ نِظَامُ المُلك، فَاجتمع إِلَيْهِ أَئِمَّةُ الحَنَفِيَّة وَأَئِمَّةُ الشَّافِعِيَّة لِلشكوَى مِنَ الأَنْصَارِيّ، وَمُطَالبَتِه، بِالمُنَاظرَة، فَاسْتدَعَاهُ الوَزِيْرُ، فَلَمَّا حضَر، قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قَدِ اجْتَمَعُوا لمنَاظرتك، فَإِنْ يَكُنِ الحَقُّ مَعَكَ؛ رَجَعُوا إِلَى مَذْهَبِكَ، وَإِنْ يَكُن الحَقُّ مَعَهم؛ رَجَعتَ أَوْ تسكتَ عَنْهُم.
فَوَثَبَ الأَنْصَارِيّ، وَقَالَ: أُنَاظِرُ عَلَى مَا فِي كُمِّي.
قَالَ: وَمَا فِي كُمِّكَ؟
قَالَ: كِتَابُ اللهِ.
- وَأَشَارَ إِلَى كُمِّهِ اليَمِين - وَسُنَّةُ رَسُوْلِ اللهِ - وَأَشَارَ إِلَى كَمّه اليَسَار - وَكَانَ فِيْهِ (الصَّحيحَان) .
فَنَظَرَ الوَزِيْرُ إِلَيْهِم مُسْتفهمَاتهم (1) ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِم مِنْ نَاظَرَهُ مِنْ هَذَا الطَّرِيْق (2) .
وَسَمِعْتُ خَادِمَه أَحْمَد بن أَمِيْرجه يَقُوْلُ: حضَرتُ مَعَ الشَّيْخ لِلسّلاَم عَلَى الوَزِيْر نِظَام المُلك، وَكَانَ أَصْحَابُنَا كلَّفُوهُ الخُرُوجَ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ بَعْد المِحنَة وَرُجُوْعِهِ إِلَى وَطَنه مِنْ بَلْخ - يَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ قَدْ غُرِّبَ - قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ؛ أَكرمه وَبجَّلَهُ، وَكَانَ هُنَاكَ أَئِمَّةٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَسْأَلُوْهُ بَيْنَ يَدي الوَزِيْر، فَقَالَ العَلَوِيُّ الدبوسِيّ: يَأْذنُ الشَّيْخ الإِمَامُ أَنْ أَسَأَل؟
قَالَ: سَلْ.
قَالَ: لَمْ تَلْعَن أَبَا الحَسَنِ الأَشْعَرِيَّ؟
فَسَكَتَ الشَّيْخُ، وَأَطرق الوَزِيْرُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْد سَاعَة؛ قَالَ الوَزِيْر: أَجِبْهُ.
فَقَالَ: لاَ أَعْرفُ أَبَا الحَسَنِ، وَإِنَّمَا أَلعنُ مَنْ لَمْ يَعتقد أَنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ، وَأَنَّ القُرْآن فِي المُصْحَف، وَيَقُوْلُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليَوْمَ لَيْسَ بِنَبِيّ.
ثُمَّ قَامَ وَانْصَرَفَ (3) ، فَلَمْ يُمَكِّن أَحَداً أَنْ يَتَكَلَّم مِنْ هَيبته، فَقَالَ الوَزِيْر لِلسَائِل: هَذَا أَرَدْتُمْ! أَن نَسْمَع مَا كَانَ يذكرهُ بهَرَاة بآذَانِنَا، وَمَا
__________
(1) في تذكرة الحفاظ: مستفهما لهم.
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1187.
(3) في حاشية الأصل ما نصه: الذي يصف الله سبحانه وتعالى بصفات المحدثين من التحيز ونحوه أحق باللعن من الأشعري، والله يعفو عن الجميع.(18/511)
عَسَى أَنْ أَفْعَلَ بِهِ؟ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ بِصِلَةٍ وَخِلَع، فَلَمْ يَقْبَلهَا، وَسَافَرَ مِنْ فَوره إِلَى هَرَاة (1) .
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَصْحَابَنَا بهَرَاة يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ السُّلْطَانُ أَلب آرسلاَن هَرَاة فِي بَعْض قَدَمَاتِهِ، اجْتَمَع مَشَايِخُ البَلَد وَرُؤِسَاؤُه، وَدخلُوا عَلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ، وَسلَّمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: وَرَدَ السُّلْطَانُ وَنَحْنُ عَلَى عزمِ أَن نَخْرُج، وَنُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَأَحْبَبْنَا أَن نبدَأَ بِالسَّلاَمِ عَلَيْكَ، وَكَانُوا قَدْ تَوَاطؤُوا عَلَى أَنَّ حملُوا مَعَهم صَنَماً مِنْ نُحَاسٍ صغِيراً، وَجَعَلُوْهُ فِي المِحْرَاب تَحْتَ سَجَّادَة الشَّيْخ، وَخَرَجُوا، وَقَامَ الشَّيْخُ إِلَى خَلوته، وَدخلُوا عَلَى السُّلْطَان، وَاسْتغَاثُوا مِنَ الأَنْصَارِيّ، وَأَنَّهُ مُجَسِّمٌ، وَأَنَّهُ يَتركُ فِي مِحْرَابه صَنَماً يَزْعمُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلَى صُوْرته، وَإِن بَعَثَ السُّلْطَانُ الآنَ يَجِدْهُ.
فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى السُّلْطَان، وَبَعَثَ غُلاَماً وَجَمَاعَة، فَدَخَلُوا، وَقصدُوا المِحْرَاب، فَأَخذُوا الصّنم، فَأَلقَى الغُلاَمُ الصَّنَمَ، فَبَعَثَ السُّلْطَانُ مَنْ أَحضر الأَنْصَارِيَّ، فَأَتَى فَرَأَى الصّنمَ وَالعُلَمَاء، وَقَدِ اشتدَّ غَضَبُ السُّلْطَانِ، فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: مَا هَذَا؟
قَالَ: صَنَمٌ يُعْمَلُ مِنَ الصُّفْرِ شِبْه اللُّعبَة.
قَالَ: لَسْتُ عَنْ ذَا أَسَأَلُكَ.
قَالَ: فَعَمَّ يَسْأَلُنِي السُّلْطَان؟
قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُوْنَ أَنَّك تَعبُدُ هَذَا، وَأَنَّك تَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ عَلَى صُوْرته.
فَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ بصولَةٍ وَصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ: سُبْحَانَكَ! هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيْم.
فَوَقَعَ فِي قَلْب السُّلْطَان أَنَّهم كَذَبُوا عَلَيْهِ، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ إِلَى دَارِهِ مُكَرَّماً.
وَقَالَ لَهُم: اصدقُونِي.
وَهَدَّدَهم فَقَالُوا: نَحْنُ فِي يَد هَذَا فِي بَلِيَّةٍ مِنِ اسْتيلاَئِه عَلَيْنَا بِالعَامَّة، فَأَردنَا أَن نَقطع شَرَّهُ عَنَّا.
فَأَمَرَ بِهِم، وَوَكَّل بِهِم، وَصَادَرَهُم، وَأَخَذَ مِنْهم وَأَهَانَهُم (2) .
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1187 - 1188.
(2) " تذكره الحفاظ " 3 / 1188 - 1189.(18/512)
قَالَ أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ: دَخَلْتُ نَيْسَابُوْر، وَحَضَرتُ عِنْد الأُسْتَاذِ أَبِي المَعَالِي الجُوَيْنِيّ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: خَادمُ الشَّيْخ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيّ.
فَقَالَ: رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (1) .
قُلْتُ: اسْمَع إِلَى عقلِ هَذَا الإِمَام، وَدَعْ سَبَّ الطَّغَام، إِنْ هُم إِلاَّ كَالأَنعَام.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: كِتَابُ أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيّ عِنْدِي أَفْيَدُ مِنْ كِتَاب البُخَارِيّ وَمُسْلِم.
قُلْتُ: وَلِمَ؟
قَالَ: لأَنَّهُمَا لاَ يَصلُ إِلَى الفَائِدَة مِنْهُمَا إِلاَّ مَنْ يَكُوْنُ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَة التَّامة، وَهَذَا كِتَابٌ قَدْ شَرَح أَحَادِيْثَه، وَبيَّنهَا، فِيَصِلُ إِلَى فَائِدته كُلُّ فَقِيْهٍ وَكُلُّ مُحَدِّثٍ (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيّ، فَقَالَ: إِمَامٌ حَافظ (3) .
وَقَالَ عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كَانَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ عَلَى حَظٍّ تَامٍّ مِنْ مَعْرِفَة العَرَبِيَّة وَالحَدِيْثِ وَالتَّوَارِيخِ وَالأَنسَابِ، إِمَاماً كَامِلاً فِي التَّفْسِيْر، حَسْنَ السِّيْرَةِ فِي التَّصُوُّف، غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِكَسْبٍ، مُكْتَفِياً بِمَا يُبَاسِطُ بِهِ المرِيْدينَ وَالأَتْبَاع مِنْ أَهْلِ مَجْلِسه فِي العَامِ مَرَّةً أَوْ مرَّتين عَلَى رَأْس الملأِ، فِيحصل عَلَى أُلوفٍ مِنَ الدَّنَانِيْر وَأَعدَادٍ مِنَ الثِّيَاب وَالحُلِيِّ، فَيَأْخذُهَا، وَيُفَرِّقهَا عَلَى اللَّحَام وَالخَبَّاز، وَيُنفق مِنْهَا، وَلاَ يَأْخذُ مِنَ السُّلْطَان وَلاَ مِنْ أَركَانِ الدَّوْلَة شَيْئاً، وَقلَّ مَا يُرَاعِيْهُم (4) ، وَلاَ يَدخُل عَلَيْهِم، وَلاَ يُبَالِي بِهِم، فَبقِيَ عَزِيزاً
__________
(1) المصدر السابق: 1189.
(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه.
(4) تحرفت في " التذكرة " إلى: يرى عنهم.(18/513)
مقبولاً قَبولاً أَتمَّ مِنَ المَلِك، مُطَاعَ الأَمْر نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ مُزَاحمَة، وَكَانَ إِذَا حضَرَ المَجْلِسَ لَبِسَ الثِّيَاب الفَاخِرَة، وَركب الدَّوَابّ الثّمِينَة، وَيَقُوْلُ: إِنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا إِعزَازاً لِلدِّين، وَرَغْماً لأَعدَائِهِ، حَتَّى يَنظرُوا إِلَى عِزِّي وَتَجَمُّلِي، فِيرغبُوا فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِذَا انْصرف إِلَى بَيْته؛ عَادَ إِلَى المُرَقَّعَةِ (1) وَالقعُوْدِ مَعَ الصُّوْفِيَّة فِي الخَانقَاه يَأْكُلُ مَعَهُم، وَلاَ يَتَمَيَّزُ بحَالٍ، وَعَنْهُ أَخَذَ أَهْلُ هَرَاةَ التبكيرَ بِالفَجْر، وَتسمِيَةَ الأَوْلاَد غَالِباً بِعَبْدِ المضَافِ إِلَى أَسْمَاء الله - تَعَالَى - (2) .
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ السَّمْعَانِيّ: كَانَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ مُظْهِراً لِلسُّنَّة، دَاعِياً إِلَيْهَا، مُحَرِّضاً عَلَيْهَا، وَكَانَ مُكتفِياً بِمَا يُبَاسِط بِهِ المردينَ، مَا كَانَ يَأْخذُ مِنَ الظَّلَمَةِ شَيْئاً، وَمَا كَانَ يَتَعَدَّى إِطلاَق مَا وَرد فِي الظوَاهر مِنَ الكِتَاب وَالسّنَّة، مُعْتَقداً مَا صَحَّ، غَيْر مُصَرِّحٍ بِمَا يَقتضيه تَشبيهٌ، وَقَالَ مرَّة: مِنْ لَمْ يَرَ مجلسِي وَتذكيرِي، وَطَعَنَ فِيَّ، فَهُوَ مِنِّي فِي حِلٍّ (3) .
قُلْتُ: غَالِبُ مَا رَوَاهُ فِي كِتَابِ (الفَارُوْق) صِحَاح وَحِسَان، وَفِيْهِ بَابُ إِثْبَاتِ اسْتوَاءِ اللهِ عَلَى عَرْشه فَوْقَ السَّمَاء السَّابِعَة بَائِناً مِنْ خَلقه مِنَ الكِتَاب وَالسّنَّة، فَسَاقَ دلاَئِل ذَلِكَ مِنَ الآيَات وَالأَحَادِيْث ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَفِي أَخْبَارٍ شَتَّى أَنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَة عَلَى الْعَرْش، وَعِلْمُهُ وَقُدْرَتُه وَاسْتمَاعُه وَنَظَرُه وَرَحمتُه فِي كُلِّ مَكَان.
قِيْلَ: إِنَّ شَيْخ الإِسْلاَمِ عَقد عَلَى تَفْسِيْر قَوْله: {إِنَّ الَّذِيْنَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى} [الأَنْبِيَاء:101] ثَلاَثَ مائَةٍ وَسِتِّيْنَ مَجْلِساً.
__________
(1) المرقعة: من لباس الصوفية، لما فيها من الرقع. " المعجم الوسيط ".
(2) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1189 - 1190.
(3) المصدر السابق: 1190.(18/514)
قَالَ أَبُو النَّضْرِ الفَامِيّ: تُوُفِّيَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً وَأَشهرٍ (1) .
وَفِيْهَا مَاتَ: مُسْنِدُ أَصْبَهَان أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابْن مَاجَه الأَبْهَرِيّ (2) ، وَمُسْنِدُ نَيْسَابُوْر أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْد اللهِ المَحْمِيّ المُزكِّي (3) ، وَرَاوِي (جَامِعِ التِّرْمِذِيّ) أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الصَّمد الغُوْرَجِي (4) .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ رُوزبه بِبَغْدَادَ، وَكَتَبَ إِلَيَّ غَيْرُ وَاحِد، مِنْهم إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَزَكَرِيَّا العُلبِيّ، وَابْنُ صيلاَ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ عبدُ الأَوّل بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرِ بن الحُسَيْنِ وَقَالَ:
هُوَ أَعْلَى حَدِيْثٍ عِنْدِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرِ بنِ دَيْسم أَبُو سَعِيْدٍ بهَرَاة، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المِقْدَام، حَدَّثَنَا الفَضْل بن دُكَيْن، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ قَايْمَازَ الدَّقِيْقِيّ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ اللَّتِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا عبدُ الجَبَّار بن الجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْبُوْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ مُكْرَم، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْك، أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ اللَّيْثِيّ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ، بُنِيَ لَهُ فِي
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 3 / 1190. وفي " البداية ": توفي عن ست وثمانين سنة، وفي " تاريخ الخميس ": أنه توفي سنة (480) .
(2) سترد ترجمته برقم (302) .
(3) سترد ترجمته برقم (300) .
(4) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (3) .(18/515)
رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ، بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا، وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلاَهَا) (1) .
سلمَة سَيِّئُ الحِفْظ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ وَالقَعْنَبِيّ، مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَمِنْ مَنَاكِيْرِهِ مَا رَوَاهُ سُرَيْج بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْك، عَنْ سلمَة، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ: (هَلْ تَزَوَّجتَ) ؟
قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي مَا أَتزوَّجُ.
قَالَ: (أَلَيْسَ مَعَكَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد} ؟)
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: (ربع القُرْآن، أَلَيْسَ مَعَكَ {قُلْ يَا أَيُّهَا} ؟)
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: (ربع القُرْآن، أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا زُلْزِلَت؟)
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: (ربع القُرْآن، تَزَوَّجَ تَزَوَّجَ (2)) .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ: خَرَجَ عَنْ حدِّ الاحْتِجَاج بِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الغَرَّافِيّ (3) ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي رُوزْبه، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا حَامِدٌ الرَّفَّاء، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف سلمة بن وردان، وهو في " سنن ابن ماجه " (51) والترمذي (1994) وحسنه، وله شاهد عند أبي داود (4800) من حديث أبي أمامة ولفظه " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " وسنده حسن، وآخر من حديث ابن عباس عند الطبراني في " معجمه " الكبير (11290) وثالث عن معاذ بن جبل عند الطبراني في الصغير ص 166، فالحديث صحيح.
(2) هو في سنن الترمذي (2895) في فضائل القرآن من طريق عقبة بن مكرم العمي البصري عن ابن أبي فديك بهذا الإسناد، ومع وجود سلمة بن وردان في السند، فقد حسنه الترمذي.
(3) العرافي: نسبة إلى الغراف، قال ياقوت: على وزن فعال بالتشديد، من الغرف، وهو نهر كبير تحت واسط بينها وبين البصرة، وعليه كورة فيها قرى كثيرة وهي بطائح.(18/516)
الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
(أَهدَى رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّة غنماً) .
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1) ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَهُوَ مِنْ نَمط الثُّلاَثيَات.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ عَلِيِّ بن مُحَمَّدٍ الفَقِيْه، وَمُحَمَّدِ بن قَايْمَازَ، وَجَمَاعَةٍ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عبدُ الأَوّل بن عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عبدُ الجَبَّار، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَحْبُوْب، حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار (2) ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - هُوَ الخَزَّاز - عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
تَلاَ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الآيَة: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ} [آل عِمْرَان:7] .
فَقَالَ: (إِذَا رَأَيتُم الَّذِيْنَ يَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، أَولئك الَّذِيْنَ سَمَّى الله فَاحْذَرُوهُمْ (3)) .
وَبِهِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَة، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذِهِ الآيَة: {فَأَمَّا الَّذِيْنَ فِي قُلُوْبِهمْ زَيْغٌ} [آل عِمْرَان:7] .
قَالَ: (هُمُ الَّذِيْنَ سَمَّى اللهُ فَاحذَرُوهُم (4)) هَذَا أَوْ قَرِيْبٌ مِنْهُ.
__________
(1) رقم (1701) في الحج: باب تقليد الغنم، وأخرجه مسلم (1321) (367) في الحج: باب استحباب الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب لنفسه من طريق يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية، عن الأعمش بهذا الإسناد.
(2) في الأصل، فوق كلمة بشار: علامة سقط ح، وسيذكر المؤلف هذا السقط قريبا.
(3) هو في سنن الترمذي (2993) و (2994) في التفسير، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(4) هو في سنن الترمذي (2993) وأخرجه البخاري (4547) ومسلم (2665) وأبو داود (4598) وابن حبان (72) والطبري (6610) والطيالسي (1433) كلهم من طريق يزيد ابن إبراهيم، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة، ولم ينفرد يزيد بن إبراهيم بزيادة القاسم ابن أبي مليكة وعائشة، بل تابعه عليه حماد بن سلمة عند الطبري (6615) والطيالسي (1432) ورواه عن ابن أبي مليكة، عن عائشة ليس بينهما القاسم، الطبري (6605) و (6606) =(18/517)
فَهذَان الحَدِيْثَان اللذَان أَسقطَ مِنْهُمَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ رَجُلاً رَجُلاً، فَالأَوّل: سقطَ فَوْقَ ابْن بَشَّار أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَالثَّانِي: سقط مِنْهُ رَجُل وَهُوَ أَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيّ، عَنْ يَزِيْدَ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَالِياً، عَنِ القَعْنَبِيّ عَنْ يَزِيْدَ، بِهِ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَيَّانِيّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيّ يَقُوْلُ:
قِرَاءةُ الحَدِيْث خَيْرٌ مِنْ صَلاَةِ التَّطوع.
إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ عَنِ الشَّافِعِيّ، وَلفْظُهُ غَرِيْب، وَالمَحْفُوْظ: طَلَبُ العِلْم (1) .
261 - ابْنُ قُرَيْشٍ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّالِحُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ عُثْمَانَ بنِ قُرَيْشٍ البَغْدَادِيُّ، النَّصْرِيُّ، البَنَّاءُ، مِنْ أَهْلِ مَحَلَّةِ النَّصْرِيَّة (2) .
__________
= وأحمد 6 / 48، وابن ماجه (47) وقد سمع ابن أبي مليكة من عائشة كثيرا، وكثيرا ما يدخل بينها وبينه واسطة، وقد اختلف عليه في هذا الحديث، فبعضهم يروي عن ابن أبي مليكة، عن عائشة ليس بينهما أحد، وبعضهم يزيد القاسم بن محمد بين ابن أبي مليكة وعائشة كما تقدم في التخريج وكل صحيح، فهو من المزيد في متصل الأسانيد، سمعه ابن أبي مليكة عن عائشة، وسمعه من القاسم عن عائشة، فحدث به على الوجهين تارة هكذا وتارة هكذا.
(1) وهو بهذا اللفظ في " الحلية " 9 / 199، وآداب الشافعي: 97، والانتقاء: 84، وجامع بيان العلم 1 / 25.
(*) المنتظم 9 / 59.
(2) قال ياقوت: هي محلة بالجانب الغربي من بغداد في طرف البرية متصلة بدار القز ... منسوبة إلى أحد أصحاب المنصور، يقال له نصر.(18/518)
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْت الأَهْوَازِيَّ، وَهُوَ آخِرُ أَصْحَابه، وَأَبَا الحَسَنِ الحمامِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِيّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصِرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ ابنِ الفُرضِي، وَعبدُ الخَالِق اليُوْسُفِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: ثِقَةٌ، صَالِحٌ، صَدُوْقٌ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
262 - الحَاكِمِيُّ أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ *
الفَقِيْهُ نَصْرُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ شَاذَوَيْه، أَبُو الفَتْحِ الطُّوْسِيُّ، الحَاكمِيُّ، أَحَدُ المَشَاهِير.
حَدَّثَ بـ (السُّنَن) عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرُّوْذْبَارِيّ، عَنِ ابْنِ دَاسَة.
وَأَحضروهُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَسمِعُوا مِنْهُ الكِتَاب.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الأَسَعْدِ بنُ القُشَيْرِيّ، وَصخرُ بنُ عُبَيْدِ الطابَرَانِيّ، وَجَمَاعَة، وَكَانَ مُعَمَّراً.
263 - مُعَلَّى بنُ حَيْدَرَةَ أَبُو الحَسَنِ الكُتَامِيُّ **
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، حِصْنُ الدَّوْلَة، أَبُو الحَسَنِ الكُتَامِي (1) .
تغلب عَلَى مملكَة دِمَشْق بَعْد نُزُوح أَمِيْرِ الجُيُوْش بَدْرٍ (2) عَنْهَا، فَظلم وَصَادَرَ وَعسَفَ، وَزَعَمَ أَنَّ التَّقْلِيد جَاءهُ مِنَ المُسْتنصر، وَتعثَّرتِ الرعيَّةُ،
__________
(*) السياق: الورقة 92 ب، التقييد: الورقة 212 ب - 213 أ.
(* *) ذيل تاريخ دمشق للقلانسي: 95، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 46.
(1) نسبة إلى كتامة، وهي قبيلة من البربر ببلاد المغرب.
(2) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (43) .(18/519)
وَأَبغضه الجُنْد، وَجلاَ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس، ثُمَّ خَاف وَذَلَّ، فَهَرَبَ إِلَى بَانيَاس، فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَبقِي هُنَاكَ مُدَّةً، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى صُوْر، ثُمَّ إِلَى طرَابُلُس، فَأُمسك مِنْهَا، ثُمَّ سُجن بِمِصْرَ مُدَّة، ثُمَّ قتلُوْهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَكَانَ أَبُوْهُ حَيدرَة بن مُنَزه (1) وَفَدَ إِلَى دِمَشْقَ مِنْ قِبَل المُسْتنصر، وَلُقِّبَ بِحِصْنِ الدَّوْلَة أَيْضاً.
264 - الحُسَيْنِيُّ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، المُرْتَضَى، ذُو الشّرفِيْن، أَبُو المَعَالِي (2) مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ، الحُسَيْنِيُّ، البَغْدَادِيُّ، نَزِيْلُ سَمَرْقَنْدَ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِيّ (3) ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بن المَحَامِلِيّ، وَطَلْحَةَ بن الصّقر، وَأَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عِيْسَى الهَمَذَانِيّ، وَعَبْدَ الْملك بن بِشْرَان الوَاعِظ، وَابْنَ غَيْلاَنَ، وَطَبَقَتهُم، وَاختصَّ بِالخَطِيْبِ، وَلاَزمه.
__________
(1) هكذا هنا، وقد ذكره المصنف في ترجمة حيدرة بن الحسين رقم (87) : منزو، بالواو بدل الهاء.
(*) المنتظم 9 / 40 - 42، المنتخب: الورقة 14 ب، دول الإسلام 2 / 10، تذكرة الحفاظ 4 / 1209 - 1212، العبر 3 / 297، الوافي 1 / 143، البداية والنهاية 12 / 133 - 134، طبقات الحفاظ: 445، شذرات الذهب 3 / 365، إيضاح المكنون 2 / 186، هدية العارفين 2 / 75.
(2) في " المنتظم " 9 / 40: ذو الكنيتين، أبو المعالي وأبو الحسن.
(3) بالفاء، وقد تصحف في " الوافي بالوفيات " 1 / 143 إلى: الحرقي، بالقاف -(18/520)
وَصَنَّفَ وَجَمَعَ، وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ، كَامِل السُّؤْدُدِ، كَثِيْرَ الأَمْوَال، يَرْجِع إِلَى عقلٍ وَرَأْي وَعلم وَافرٍ، وَنعمَة جسيمَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: شَيْخُهُ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُسْتَغْفِرِي، وَأَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَيُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ الزَّاهِد، وَزَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ السَّيِّديّ، وَأَبُو الأَسْعَدِ هِبَةُ الرَّحْمَن بنُ القُشَيْرِيّ، وَأَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِيْرِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الأَدِيْب، لَكِن هَذَا بِالإِجَازَة، وَآخر مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ: الخَطِيْبُ أَبُو المَعَالِي المَدِيْنِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ أَفْضَلُ عَلَوِيٍّ فِي عصره، لَهُ المَعْرِفَةُ التَّامَةُ بِالحَدِيْثِ، وَكَانَ يَرْجِعُ إِلَى عقلٍ وَافرٍ وَرَأْيٍ صَائِبٍ، بَرَع بِأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب فِي الحَدِيْثِ، نَقل عَنْهُ الخَطِيْبُ - أَظَنُّ فِي كِتَابِ (البخلاَء) - رُزق حُسْنَ التَّصنِيف، وَسَكَنَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ سَمَرْقَنْد، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَاد، وَأَملَى بِهَا، وَحَدَّثَ بِأَصْبَهَانَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى سَمَرْقَنْد (1) .
سَمِعْتُ يُوْسُفَ بن أَيُّوْبَ الزَّاهِد يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ علويّاً أَفْضَلَ مِنْهُ.
وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنَ الأَغنِيَاء المَذْكُوْرِيْنَ، وَكَانَ كَثِيْرَ الإِيثَار، يُنَفِّذُ فِي العَامِ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَلفَ دِيْنَار وَالخَمْسَ مائَةٍ وَأَكْثَرَ إِلَى كُلّ وَاحِد، فَرُبَّمَا بلغَ ذَلِكَ عَشْرَةَ آلاَف دِيْنَار، وَيَقُوْلُ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي، وَأَنَا غَرِيْبٌ، فَفَرِّقُوا عَلَى مَنْ تَعرفُوْنَ اسْتحقَاقه، وَكُلّ مَنْ أَعْطيتُمُوْهُ؛ فَاكتُبُوا لَهُ خَطّاً، وَأَرْسَلُوْهُ حَتَّى أُعْطِيْه مِنْ عُشر الغَلَّة.
قَالَ: وَكَانَ يَملك قَرِيْباً مِنْ أَرْبَعِيْنَ قَرْيَة خَالصَةً لَهُ بنوَاحِي كِس (2) ، وَلَهُ فِي كُلِّ قَرْيَة وَكيلٌ أَمْيَزُ مِنْ رَئِيْسٍ بِسَمَرْقَنْدَ (3) .
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1210 و" الوافي " 1 / 143.
(2) في " التذكرة " و" المنتظم ": كش بالمعجمة.
(3) انظر " المنتظم " 9 / 41، و" تذكرة الحفاظ " 4 / 1210 - 1211، و" الوافي " 1 / 143.(18/521)
هَذَا قَوْل السَّمْعَانِيّ، وَلَقَدْ بِالغ، فَهَذَا فِي رُتْبَة مَلِكٍ، وَمِثْلُ هَذَا يَصلُح لِلْخِلاَفَةِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو سَعْدٍ: وَسَمِعْتُ أَبَا المعَالِي مُحَمَّدَ بن نَصْرٍ الخَطِيْب يَقُوْلُ: ذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّرِيْف.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِنَّ الشَّرِيْفَ أَنشَأَ بُستَانَا عَظِيْماً، فَطَلبَ صَاحِبُ مَا وَرَاء النَّهْرِ الخَاقَانُ خَضِرٌ أَنْ يَحْضُرَ دَعوتَه فِي البُسْتَان، فَقَالَ الشَّرِيْف لِلْحَاجِبِ: لاَ سَبِيْل إِلَى ذَلِكَ.
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَكِنِّي لاَ أُحضر، وَلاَ أُهيَىء لَهُ آلَةَ الفِسْق وَالفسَاد، وَلاَ أَعصِي الله - تَعَالَى -.
قَالَ: فَغَضِبَ الخَاقَان، وَأَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ، فَاخْتَفَى عِنْد وَكيل لَهُ نَحْواً مِنْ شَهْر، فَنُوْدِيَ عَلَيْهِ فِي البَلَد، فَلَمْ يَظفرُوا بِهِ، ثُمَّ أَظهرُوا نَدماً عَلَى مَا فَعلُوا لِيَطمَئِن، وَأَلحَّ عَلَيْهِ أَهْله فِي الظُهُوْر، فَجَلَسَ عَلَى مَا كَانَ مُدَّة، ثُمَّ إِنَّ الْملك نَفَّذَ إِلَيْهِ ليشَاورَهُ فِي، أَمر فَلَمَّا حصل عِنْدَهُ، أَخَذَه وَسَجَنَهُ، ثُمَّ اسْتَأَصل أَمْوَاله وَضيَاعَه، فَصبر، وَحَمِدَ الله، وَقَالَ: مَنْ يَكُوْنُ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ لاَ بُدَّ أَنْ يُبتلَى، وَأَنَا رُبِّيْتُ فِي النِّعمَة، وَكُنْتُ أَخَاف أَنْ (1) يَكُوْنَ وَقَعَ فِي نسبِي خلل، فَلَمَّا جرَى هَذَا، فَرِحْتُ، وَعلمتُ أَنَّ نسبِي مُتَّصِل (2) .
قَالَ لِي أَبُو المَعَالِي الخَطِيْب: فَسمِعنَا أَنَّهم منعُوْهُ مِنَ الطَّعَام حَتَّى مَاتَ جُوعاً، وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّة زَيْنِ العَابِدِيْنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ (3) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الجَوْهَرِيُّ: رَأَيْتُ السَّيِّدَ المُرْتَضَى بَعْد مَوْتِهِ وَهُوَ فِي الجَنَّةِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ، قِيْلَ لَهُ: أَلاَ تَأكل؟
قَالَ: لاَ، حَتَّى
__________
(1) في الأصل: لا يكون، وفي التذكرة، أخاف يكون.
(2) انظر " المنتظم " 9 / 41، و" تذكرة الحفاظ " 4 / 1211.
(3) " المنتظم " 9 / 41، و" تذكرة الحفاظ " 4 / 1211، و" الوافي " 1 / 143، و" البداية والنهاية " 12 / 134.(18/522)
يَجِيْء ابْنِي، فَإِنَّهُ غداً يَجِيْء.
قَالَ: فَانْتبهتُ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، فَقُتل وَلده السَّيِّد أَبُو الرِّضَا فِي ذَلِكَ اليَوْم (1) .
قَالَ: وَتُوُفِّيَ المرتضَى بَعْدَ سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، وَقِيْلَ: قُتِلَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، قَتله الخَاقَان خَضِر بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ قَدْ نَفَّذَهُ الخَاقَان رَسُوْلاً إِلَى القَائِم بِأَمْرِ اللهِ (2) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الدِّمَشْقِيّ، أَنْبَأَنَا أَبُو المظفرِ عَبْدُ الرَّحِيْم بنُ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا هبَةُ الرَّحْمَن بنُ عبد الوَاحِد الصُّوْفِيّ، أَخْبَرَنَا المُرْتَضَى أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَلَوِيّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيّ الزَّاهِد، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ العَبَّاسِ البُوْشَنْجِيّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْر الحَصِيْرِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الأُبُلِّيُّ عُمَرُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ القَاسِمِ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (عِلْمٌ لاَ يَنْفَعُ كَكَنْزٍ لاَ يُنْفَقُ فِي سَبِيْلِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ (3) -) .
عِيْسَى لاَ يُوثَقُ بِهِ (4) .
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1211 - 1212، و" الوافي " 1 / 143.
(2) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1212، ثم قال الذهبي: وقع لنا من تصانيفه كتاب " فرحة المتعلم " سمعناه عاليا.
(3) إسناده ضعيف لضعف عيسى بن شعيب وهو في " جامع بيان العلم " 1 / 122 من طريق عيسى بن شعيب بهذا الإسناد، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد 2 / 499، والدارمي 1 / 138 وفي سنده إبراهيم بن مسلم الهجري وهو لين الحديث، وله طريق آخر فيه ابن لهيعة عند ابن عبد البر 1 / 22، والطبراني في " الأوسط " كما في المجمع 1 / 164، وله شاهد آخر من حديث ابن مسعود عند القضاعي كما في " الجامع الصغير " فالحديث صحيح بهما.
(4) يتحصل من كلامهم أن ضعفه خفيف، فيصلح للمتابعات والشواهد، وحديثه هذا من هذا القبيل.(18/523)
وَبِهِ إِلَى المرتضَى: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ طَلْحَةَ البَصْرِيّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ الحَافِظ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَمْروس، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الجُرْجَانِيّ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْحٍ، عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} [المَائِدَة:63] ، قَالَ: الرَّبَّانِيون: العُلَمَاء الفُقَهَاء وَهُم فَوْقَ الأَحْبَار (1) .
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ الفَارِسِيّ - يَعْنِي: ابْن شَاذَانَ - أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ القَطَّان، حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عبدَة، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ جُمَيْع، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِر قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرفعه:
(إِنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ دَرَجَةً مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّة أَهْلُ الجِهَادِ وَأَهْلُ العِلْمِ، أَمَّا أَهْلُ العِلْمِ فَقَالُوا مَا جَاءتْ بِهِ الأَنْبِيَاءُ، وَأَمَّا أَهْلُ الجِهَادِ فَجَاهدُوا عَلَى مَا جَاءتْ بِهِ الأَنْبِيَاء) (2) .
وَابْنُهُ:
265 - الحُسَيْنِيُّ أَبُو الرِّضَا الأَطْهَرُ بنُ مُحَمَّدٍ *
سَيِّدُ السَّادَةِ، أَبُو الرِّضَا الأَطْهَرُ بنُ مُحَمَّدٍ.
مِنْ كِبَارِ الشّرفَاء حِشْمَةً
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه الطبري (7312) من طريق يونس، عن ابن وهب، عن سفيان بهذا الإسناد.
(2) ضعيف، حفص بن جميع ضعفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وقال الساجي: يحدث عن سماك بأحاديث مناكير، وفيه ضعف، وأورده السيوطي في " الجامع الكبير " 1 / 135، ونسبه للديلمي، وقد قال في مقدمته بعد أن ذكر رمز العقيلي وابن عدي والخطيب وابن عساكر: وكل ما عزي لهؤلاء الأربعة، أو للحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " أو الحاكم في " تاريخه " أو للديلمي في " مسند الفردوس "، فهو ضعيف، فليستغن بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه.
(*) الوافي بالوفيات 9 / 289.(18/524)
وَجَاهاً وَرِئَاسَةً وَأَمْوَالاً، وَلَمْ يَزَلْ فِي رِفعَةٍ إِلَى أَنْ رَام المملكَة، وَنَابَذَ خَانَ سَمَرْقَنْد، وَأَمر بِضَرْب السِّكَّةِ باسمه، وَاسْتخدم آلاَفاً مِنَ العَسْكَر، وَجَنَى الخَرَاج، وَعَظُمَ أَمرُه، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ الخَانُ، فَوسَّطه (1) ، وَأَخَذَ أَمْوَالَه وَحرِيْمَه، وَأَبَاد حَاشِيَتَهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهم نَافخُ نَارٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
4 - حَجَّاجُ بنُ قَاسِمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ البُسْتِيُّ * (تَقَدَّمَ)
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البُسْتِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ تِلْمِيْذ ابْن أَبِي زَيْدٍ، وَبِمَكَّةَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ (2) .
وَحَدَّثَ بـ (الصَّحِيْح) وَرَأَسَ عُلَمَاءَ المَرِيَّة، ثُمَّ سَبْتَةَ.
سَمِعَ مِنْهُ: القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَنْصُوْرٌ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ طَرِيْف، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ العَجُوْز، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
266 - الشَّاشِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَامِدٍ **
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَامِدٍ الشَّاشِيُّ، صَاحِبُ الطَّرِيقَة المَشْهُوْرَة (3) .
__________
(1) في " الوافي ": ثم إنه قد نصفين، وعلق في السوق.
(*) تقدمت ترجمته برقم (4) .
(2) هو الهروي.
(* *) المنتخب: الورقة 17 ب، العبر 3 / 308، الوافي 4 / 140، مرآة الجنان 3 / 138، طبقات السبكي 4 / 190، طبقات الاسنوي 2 / 94 - 95، شذرات الذهب 3 / 375، هدية العارفين 2 / 76، والشاشي: بفتح الشين المعجمة وبعد الالف شين ثانية، هذه النسبة إلى الشاش: وهي مدينة وراء نهر سيحون.
(3) في " طبقات " الاسنوي 2 / 94: صاحب الطريقة المشهورة في الجدل.(18/525)
تَفَقَّه بِبلاَده عَلَى أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى صَاحِب غَزْنَة، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَعظُمَ شَأْنه بِغَزْنَةَ، وَبَعُدَ صِيته، وَتَفَقَّهوا عَلَيْهِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ (1) ، ثُمَّ اسْتدَعَاهُ نِظَامُ المُلك إِلَى هَرَاة، وَأَشَارَ عَلَيْهِم بِتسرِيحِه، فَجهَّزُوهُ، مُكَرَّماً مِنْ غَزْنَة بِأَوْلاَده، فَدرَّس بِنِظَامِيَّة هَرَاة، ثُمَّ قَصَدَ نَيْسَابُوْر زَائِراً، فَاحْتَرَمُوْهُ، وَقِيْلَ: لَمْ يَقع مِنْهم بِذَاكَ الْموقع، فَعَادَ إِلَى هَرَاة، وَحَدَّثَ عَنْ مَنْصُوْر الكَاغَدِيّ صَاحِب الهَيْثَم الشَّاشِيّ (2) .
مَاتَ بهَرَاة: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فِي سَادس شَوَّالهَا وَلَهُ ثَمَانٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَقِيْلَ: بَلْ عَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَأَمَّا عبدُ الغَافِرِ فِي (السّيَاق) فَقَالَ: مَاتَ فِي شَوَّال سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، وَالأَوّلُ أَشْبَهُ، بَلِ الصَّوَاب، وَكَذَا أَرَّخَهُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَقَالَ: زُرْتُ قَبْرَهُ بهَرَاة، رَوَى لَنَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيّ.
267 - البَانْيَاسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الصَّالِحُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَانْيَاسِيُّ الأَصْل، البَغْدَادِيُّ، ابْن الفَرَّاء.
كَانَ يَقُوْلُ: هَكَذَا سمَّانِي الوَالِدُ، وَكَنَّانِي، وَسمتَنِي أُمِّي عَلِيّاً، وَكَنَتْنِي أَبَا الحَسَنِ، فَأَنَا أُعْرَفُ بِهِمَا (3) .
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ الصَّلْت المُجبر، وَأَبَا الفَتْح بن أَبِي الفوَارس، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان، وَابْنَ الفَضْلِ القَطَّان.
__________
(1) لم يذكر في " هدية العارفين " من تصانيفه سوى الطريقة في الخلاف.
(2) انظر " طبقات " السبكي: 4 / 190، و" طبقات " الاسنوي 2 / 94
(*) الأنساب 2 / 64، المنتظم 9 / 69، اللباب 1 / 115، العبر 3 / 308 - 309، البداية والنهاية 12 / 142، النجوم الزاهرة 5 / 137، شذرات الذهب 3 / 376.
(3) انظر " المنتظم " 9 / 69.(18/526)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصِر، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ تَاج القُرَّاء، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ البَطِّي، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِح، ثِقَة، مُتديِّنٌ، مُسَنٌّ، عُمِّر حَتَّى أَخَذَ عَنْهُ الطَّلبَةُ، وَتَكَابُّوا عَلَيْهِ، كَانَ يَسكن فِي غُرْفَةٍ بسُوْق الرَّيْحَانِيين (1) .
وَقَالَ ابْنُ سُكَّرَة: كَانَ مَالِكيّاً شَيْخاً صَالِحاً، وَقعتِ النَّارُ بِبَغْدَادَ بِقُرْبِ حُجرته وَقَدْ زَمِنَ، فَأُنْزِلَ فِي قُفَّةٍ إِلَى بَابِ الحُجْرَة، فَإِذَا النَّارُ عِنْد البَاب، فَتركه الَّذِي أَنْزَله، وَفَرَّ، فَاحترق هُوَ - رَحِمَهُ اللهُ - وَذَلِكَ فِي تَاسع جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة بِالنَّهَار (2) .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ: كَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ الصَّلْت، وَكَانَ ثِقَةً، قَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: المُحَدِّثُ جَعْفَرُ بنُ يَحْيَى الحكَّاك (3) ، وَالوَزِيْرُ نِظَامُ الْملك أَبُو عَلِيٍّ (4) قُتِلَ، وَشَارحُ البُخَارِيِّ القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بن المرَابط، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ القشَّاشِيّ، وَمُقْرِئُ وَقته مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى المُغَامِيّ (5) ، وَالسُّلْطَانُ جَلاَلُ الدَّوْلَة مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيّ (6) ، وَشيخُ الحَنَفِيَّة مَنْصُوْرُ بنُ أَحْمَدَ البِسْطَامِيّ بِبلخ.
__________
(1) تحرفت في " الأنساب " 2 / 64 إلى: الريحانين.
(2) انظر " الأنساب " 2 / 63، و" المنتظم " 9 / 69.
(3) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (69) .
(4) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (51) .
(5) نسبة إلى مغامة، وهي: مدينة بالاندلس.
(6) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (32) .(18/527)
268 - المُجَاشِعِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ فَضَالِ بنِ عَلِيٍّ *
إِمَامُ النَّحْو، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ فَضَّالِ بنِ عَلِيِّ بنِ غَالِبٍ المُجَاشِعِيُّ، القَيْرَوَانِيُّ، التَّمِيْمِيُّ، الفَرَزْدَقِيُّ، المُفَسِّرُ.
طَوَّفَ الدُّنْيَا، وَاتصل بِنِظَام المُلك، وَصَنَّفَ (الإِكسير فِي التَّفْسِيْر) فِي خَمْسَةٍ وَثَلاَثِيْنَ مُجَلَّداً، وَمُؤَلَّفاً فِي النَّحْوِ فِي عِدَّة مُجَلَّدَات، وَ (البُرْهَان) فِي التَّفْسِيْر فِي عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً.
وَقَدْ وَعَدَهُ إِمَامُ الحَرَمَيْنِ بِأَلفِ دِيْنَار عَلَى (الإِكسير) فَأَلَّفه، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءته عَلَيْهِ، لَمْ يُعْطه شَيْئاً، فَتَوَعَّده بِأَنَّ يَهْجُوهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ: عِرْضِي فدَاؤك (1) .
وَقَدْ أَلَّف بغَزْنَة كتباً بِأَسْمَاء أَكَابِرَ، وَأَقرَأَ الآدَابَ مُدَّةً.
وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّد (2) .
وَلَهُ (البسملَة وَشرحهَا) فِي مُجَلَّد، وَكِتَاب (الدّول)
__________
(*) المنتظم 9 / 33، معجم الأدباء 14 / 90 - 98 ومقدمته 1 / 48، الكامل 10 / 159، إنباه الرواة 2 / 229 - 301، العبر 3 / 295، تلخيص ابن مكتوم 146 - 148، الوافي خ 12 / 135 - 136، مرآة الجنان 3 / 132، البداية والنهاية 12 / 132، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 177 - 178، لسان الميزان 4 / 249، النجوم الزاهرة 5 / 124، إشارة التعيين: الورقة 34، 35، بغية الوعاة 2 / 183، طبقات المفسرين للسيوطي: 24 - 25، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 421 - 422، كشف الظنون: 1027، 1179، شذرات الذهب 3 / 363، روضات الجنات، 485، إيضاح المكنون 1 / 85 و115 و116 و178، هدية العارفين 1 / 693.
والمجاشعي: بضم الميم وفتح الجيم وسكون الالف وكسر الشين المعجمة والعين المهملة، هذه النسبة إلى: مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة من تميم.
وقد تحرفت في " البداية " إلى المشاجعي.
(1) انظر الخبر في " معجم الأدباء " 14 / 97، و" إنباه الرواة " 2 / 300 - 301، وقد زاد ياقوت بعد ذلك: ولم يدفع إليه حبة واحدة، ثم قال: وبلغني أنه عقيب ذلك ورد بغداد، وأقام بها، ولم يتكلم بعد في النحو، وصنف كتابه في التاريخ.
(2) انظر بعض نظمه في " معجم الأدباء " 14 / 93 - 96، ومنه قوله:
وإخوان حسبتهم دورعا * فكانوها ولكن للاعادي =(18/528)
أَزيد مِنْ ثَلاَثِيْنَ سِفراً، وَأَشيَاء (1) .
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
269 - السَّرَّاجُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّر، مُسْنِدُ نَيْسَابُوْر، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الشَّاذْيَاخِيّ (2) ، السَّرَّاجُ.
سَمِعَ: أَبَا نُعَيْمٍ عَبْدَ الْملك بن مُحَمَّدٍ الإِسفرَايينِيّ، وَأَبَا الطَّيب الصُّعلوكِيّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ مَحْمِش، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفُرَاوِيّ، وَعبدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ، وَقَالَ: هُوَ شَيْخ نَظيفٌ ظرِيف، مختصٌّ بِمَجْلِس الصَّاعديَّة لِلمُنَادَمَةِ وَالخِدمَة، سَمِعَ الكَثِيْرَ وَعَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قُلْتُ: هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ المِهْرَجَانِيّ، يَقَعُ حَدِيْثُهُ اليَوْم بِعُلُوٍّ فِي كِتَابِ (التَّرغِيب وَالتَّرهيب) لِلتيمِيّ.
__________
= وخلتهم سهاما صائبات * فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا: قد صفت منا قلوب * لقد صدقوا ولكن من وداد
(1) انظر مصنفاته في " معجم الأدباء " 14 / 91 وما بعدها، و" إنباه الرواة " 2 / 300.
(*) العبر 3 / 303، شذرات الذهب 3 / 369.
(2) قال ابن الأثير: الشاذياخي، بفتح الشين وسكون الالف والذال المعجمة وفتح الياء وسكون الالف وفي آخرها خاء معجمة: هذه النسبة إلى موضعين، أحدهما: على باب نيسابور مثل قرية متصلة بالبلد بها دار السلطان، والثاني: قرية شاذخ وهي على باب بلخ.(18/529)
270 - مُوْسَى بنُ عِمْرَانَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ يَزِيْدَ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الصَّالِحُ، القُدْوَةُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو المُظَفَّرِ الأَنْصَارِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ العَلَوِيِّ فَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَأَبِي القَاسِمِ السَّرَّاج، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: زَاهِرٌ وَوجيهٌ ابْنَا الشَّحَّامِيّ، وَأَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ دَوَّسَتْ الحَاكِم، وَعُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الصَّفَّار الفَقِيْهُ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الشَّحَّامِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفُرَاوِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عبدُ الغَافِر: هُوَ شَيْخ وَجيهٌ، حَسَنُ الرّوَاء وَالمَنْظَر، رَاسخُ الْقدَم فِي الطّرِيقَة، لقِي الشَّيْخَ أَبَا سَعِيْدٍ بنَ أَبِي الخَيْرِ المِيهَنِيّ، وَخدمَه، ثُمَّ خدم أَبَا القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَكَانَ مِنْ أَركَانَ الشُّيُوْخ، عُمِّرَ ثَمَانِياً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
271 - المُقَوِّمِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ **
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الهَيْثَمِ القَزْوِيْنِيُّ، المُقَوِّمِيّ، رَاوِي (سُنَن ابْنِ مَاجَه) عَنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي المُنْذِر الخَطِيْب.
سَمِعَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة وَلَهُ عشرُ سِنِيْنَ مِنِ ابْنِ أَبِي المُنْذِر، وَالزُّبَيْرِ بنِ
__________
(*) السياق: الورقة 90 ب - 91 أ، العبر 3 / 313، شذرات الذهب 3 / 379.
(* *) العبر 3 / 306، شذرات الذهب 3 / 372.(18/530)
مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيّ، وَعبدِ الجَبَّار بن أَحْمَدَ القَاضِي، شَيْخِ المُعْتَزِلَة.
وَحَدَّثَ بِالرَّيّ.
وَسَأَله ابْنُ مَاكُوْلا عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ملكدَاذُ بنُ عَلِيٍّ العَمْرَكِيّ، وَعَلِيُّ بنُ شَافعِيّ، وَعبدُ الرَّحْمَن بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ زَيْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَنْصُوْر الشُّروطِيّ، وَأَخُوْهُ أَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُوْدٌ، وَالحَافِظ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَابْنُهُ أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرٌ.
وَلاَ أَعْلَمُ مَتَى تُوُفِّيَ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة كَانَ حيّاً (1) .
وَمَاتَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الذَّكوَانِيّ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ الكَاشْغَرِيّ، وَالحَافِظ ظَافِرُ بنُ مُفَوِّزٍ الشَّاطبِيّ، وَعَبْدُ الْملك بنُ شَغَبَةَ البَصْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ قُرَيْشٍ النَّصْرِيّ (2) - بنُوْنَ -، وَمُقْرِئُ مَرْوَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكُرْكَانجِيّ (3) ، وَقَاضِي القُضَاة أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ النَّاصِحِيّ، وَالمُعْتَصِمُ مُحَمَّدُ بنُ مَعْنٍ الصُّمَادِحِيّ (4) بِالأَنْدَلُسِ.
272 - ابْنُ البَغْدَادِيِّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ *
الإِمَامُ، الوَاعِظُ، شَيْخُ أَصْبَهَان، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَعْدٍ أَحْمَدَ
__________
(1) قال المؤلف في " العبر " وفيات سنة 484: وتوفي فيها أو بعدها عن بضع وثمانين سنة.
(2) تقدمت ترجمته برقم (261) .
(3) سترد ترجمته برقم (317) .
(4) سترد ترجمته برقم (313) .
(*) " المنتظم " 9 / 42.(18/531)
ابْنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ، مِنْ بَيْتِ العِلْمِ وَالإِسْنَادِ، أَوَّلُهم عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ البَغْدَادِيُّ.
وَعظ مُحَمَّدٌ، وَاشْتُهِرَ، وَسَمَّعَ أوَلاَده أَبَا سَعْدٍ الحَافِظَ وَفَاطِمَةَ، وَشَارك فِي الفضَائِل.
سَمِعَ: ابْن فَاذشَاه، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ بنِ فَاذَوَيْه، وَأَبَا أَحْمَد مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ المُؤَدِّب، وَابْنَ رِيْذَةَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَجَمَاعَة.
مَوْلِده: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ: فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ غرِيباً بِبَغْدَادَ بَعْد مجيئِهِ مِنَ الحَجّ (1) .
273 - مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِرِ بنِ أَبِي زَيْدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، الحَافِظُ، أَبُو سَعِيْدٍ (2) السِّجْزِيُّ (3) ، الرَّكَّابُ.
سَمِعَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ بُشرَى، وَطَائِفَةٍ بِسِجِسْتَان، وَمِنْ مُحَمَّدِ بن
__________
(1) " المنتظم " 9 / 42.
(*) الأنساب 7 / 47 (السجستاني) ، المنتظم 9 / 13، المنتخب: الورقة 127 أ - 127 ب، التقييد: الورقة 200 أ - 200 ب، الاستدراك 1 / الورقة 253 ب، تذكرة الحفاظ 4 / 1216 - 1218، العبر 3 / 289، مرآة الجنان 3 / 122، البداية والنهاية 12 / 127، طبقات الحفاظ: 447، شذرات الذهب 3 / 357.
(2) في " الأنساب " 7 / 47: أبو مسعود، وفي " البداية " 12 / 127: أبو سعد.
(3) والسجزي: بكسر السين المهملة وسكون الجيم وفي آخرها زاي، هذه النسبة إلى سجستان - إحدى بلاد كابل - على غير قياس، والقياس: السجستاني. انظر " الأنساب " 7 / 47.
وقد تصحف في " المنتظم " 9 / 13 إلى " الشجري "، وفي " الشذرات " 3 / 357 إلى " الشحري ".(18/532)
عَبْد الرَّحْمَنِ الدَّبَّاس، وَمَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ بهَرَاة، وَأَبِي حَسَّانٍ مُحَمَّدِ بن أَحْمَدَ المُزَكِّي، وَأَبِي سَعْدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن حَمْدَان، وَعُمَرَ بن مَسْرُوْر، وَطَبَقَتهم بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبِي طَالِبِ بنِ غَيْلاَنَ، وَبُشرَى الفَاتَنِيّ (1) ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخلاَّل بِبَغْدَادَ، وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيْذَةَ (2) بِأَصْبَهَانَ.
وَجَمَعَ فَأَوعَى، وَصَنَّفَ الأَبْوَاب.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ العِجْلِيّ المَرْوَزِيّ، وَعبدُ الوَاحِد بن الفَضْلِ الطُّوْسِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الغَازِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق، وَأَبُو الأَسَعْدِ بنُ القُشَيْرِيّ، وَخَلْقٌ، وَأَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْخُه الصُّوْرِيُّ.
قَالَ الدَّقَّاق: وَلَمْ أَرَ فِي المُحَدِّثِيْنَ أَجْوَدَ إِتقَاناً وَلاَ أَحْسَنَ ضبطاً مِنْهُ (3) .
وَقَالَ زَاهِر الشَّحَّامِيّ: كَانَ مَسْعُوْدٌ السِّجْزِيّ يَذْهَبُ إِلَى القدرِ، وَيَقرَؤُهَا: (فَحجَّ آدَمَ مُوْسَى) بِنصب آدَمَ (4) .
مَاتَ مَسْعُوْدٌ بِنَيْسَابُوْرَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة سَبْعٍ (5) وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصَلَّى عَلَيْهِ إِمَامُ الحَرَمَيْنِ أَبُو المَعَالِي، وَوَقَّفَ كُتُبَه، وَكَانَتْ كَثِيْرَةً نَفِيْسَةً مُتقنَةً (6) .
__________
(1) هو بشرى بن مسيس الرومي الفاتني أبو الحسن، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (365) .
(2) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني ابن ريذة، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (397) .
(3) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1217.
(4) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1217، و" المنتظم " 9 / 13.
(5) سقط لفظ " سبع " من " الأنساب ".
(6) انظر " المنتظم " 9 / 13.(18/533)
قَالَ عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كَانَ مُتْقِناً، وَرِعاً، قَصِيْرَ اليَد، زجَّى عُمُره كَذَلِكَ إِلَى أَنِ ارْتبطه نِظَام المُلك بِبَيْهَقَ ثُمَّ بطوسَ لِلاستفَادَة (1) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ ثَابِت الطَّرقِي (2) :سَمِعْتُ ابْنَ الخَاضِبَة يَقُوْلُ: كَانَ مَسْعُوْد قَدَرِيّاً، سمِعتُه يَقرَأهَا: فَحجَّ آدَمَ مُوْسَى - بِالنصب (3) -.
وَقَالَ المُؤْتَمَنُ السَّاجِيّ: كَانَ يَرْجِعُ إِلَى هِدَايَةٍ وَإِتْقَان وَحُسْنِ ضَبْطٍ (4) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ الحَدَّاد، أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ نَاصِر، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ النَّوقَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَبُو عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الخَيَّاط، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسين، حَدَّثَنَا أَبُو عَتَّابٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنُِ دِيْنَارٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، عَنْ أَزْهَرَ السَّمَّان، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (تَفَكَّهُوا، وَكُلُوا البِطِّيْخَ، فَإِنَّ حَلاَوَتُهُ مِنَ الجَنَّةِ) (5) .
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1217، و" المنتظم " 9 / 13.
(2) بفتح الطاء المهملة وسكون الراء وفي آخرها قاف، نسبة إلى " طرق " وهي قرية كبيرة مثل البليدة من أصبهان انظر " الأنساب " 8 / 235، وفيه ترجمة أبي العباس أحمد بن ثابت هذا.
(3) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1217، و" المنتظم " 9 / 13.
(4) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1217.
(5) وفي البطيخ أحاديث كثيرة لا يصح منها شيء غير حديث واحد أخرجه أبو داود (3836) والترمذي (1844) والحميدي رقم (255) من حديث عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل البطيخ بالرطب، يقول: " نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا ".(18/534)
هَذَا بَاطِل، مَا تَفُوَّهُ بِهِ أَزْهَرُ قَطُّ.
قَالَ عبدُ الغَافِر: انْتقل مَسْعُوْدٌ فِي آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَكَانَ عَلَى كِبَرِ سنّه يَطُوْفُ عَلَى المَشَايِخ، وَيَكْتُب، وَيُنْفِقُ مَا يُفْتَح لَهُ عَلَى الطَّلبَة، وَفَوَائِدُه مِنَ الأَخْبَار وَالحِكَايَاتِ وَالأَشعَارِ فِي سفَائِنه لاَ تُحصَى، فَقَدْ عددنَا فِي كُتبه قَرِيْباً مِنْ سِتِّيْنَ مجموعاً مِنَ التَّوَارِيخ، سِوَى سَائِر الأَجنَاس، وَكَانَ يَكتُبُ بخطٍّ مُسْتَقِيْمٍ، وَيورّق بِبَغْدَادَ وَأَصْبَهَان، وَقَفَ كتُبَه فِي مَسْجِدِ عقيل.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ عَنْ مَسْعُوْدِ بنِ نَاصِر، فَقَالَ: حَافظ، سَمِعَ الكَثِيْر.
وَلأَسْعَد الزَّوْزَنِيّ:
بِمَسْعُوْدٍ بنِ نَاصِرٍ اشتَمَلْنَا ... عَلَى عَيْنِ الحَدِيْثِ بِغَيْرِ رَيْبِ
إِذَا مَا قَالَ حَدَّثَنَا فُلاَنٌ ... فَذَا الإِسْنَادُ حَقٌّ غَيْرُ رَيْبِ
وَمَا إِنْ زُرْتُهُ إِلاَّ خَفِيْفاً ... فِيُصْبِحُ مُثْقَلاً كُمِّي وَجَيْبِي
وَلَوْ أَنِّي ظَفِرْتُ بِهِ شَبَابِي ... غَنِيْتُ عَنِ التَّرَدُّدِ وَقْتَ شَيْبِي
274 - أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ سُلَيْمَانُ بنُ خَلَفِ بنِ سَعْدٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، ذُو الفُنُوْنِ، القَاضِي، أَبُو الوَلِيْدِ
__________
(*) الإكمال 1 / 468، قلائد العقيان: 215 - 216، الذخيرة ق 2 / م 1 / 94 - 105، ترتيب المدارك 4 / 802 - 808، الأنساب 2 / 19 و20، الصلة 1 / 200 - 202، الخريدة 12 / الورقة 157، بغية الملتمس: 302 - 303، معجم الأدباء 11 / 246 - 251، اللباب 1 / 103، المغرب في حلى المغرب 1 / 404 - 405، وفيات الأعيان 2 / 408 - 409، الروض المعطار: 75، دول الإسلام 2 / 6، العبر 3 / 281 - 282، تذكرة الحفاظ 3 / 1178 - 1183، تتمة المختصر 1 / 572 - 573، فوات الوفيات 2 / 64 - 65، الوافي خ 13 / 129 - =(18/535)
سُلَيْمَانُ بنُ خَلَفِ بنِ سَعْدِ (1) بنِ أَيُّوْبَ بنِ وَارِث التُّجِيْبِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، البَاجِيُّ، الذَّهَبِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
أَصلُهُ مِنْ مدينَة بَطَلْيَوس (2) ، فَتحوّل جَدُّه إِلَى باجَة (3) - بُليدَة بِقُرْبِ إِشبيليَة - فَنُسب إِلَيْهَا، وَمَا هُوَ مِنْ باجَةَ المَدِيْنَةِ الَّتِي بِإِفْرِيْقِيَّةَ (4) ، الَّتِي يُنسب إِلَيْهَا الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيّ البَاجِيّ، وَابْنه الحَافِظ الأَوحدُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَاجِيّ، وَهُمَا مِنْ عُلَمَاء الأَنْدَلُس أَيْضاً.
وَلد أَبُو الوَلِيْدِ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَأَخَذَ عَنْ: يُوْنُسَ بنِ مُغِيْث، وَمَكِّي بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدِ بن إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ.
وَارْتَحَلَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، فَحجَّ، وَلَوْ مَدَّهَا إِلَى العِرَاقِ
__________
= 130، مرآة الجنان 3 / 108، البداية والنهاية 12 / 122 - 123، قضاة النباهي: 95، الديباج المذهب 1 / 377 - 385، وفيات ابن قنفذ: 255، تبصير المنتبه 1 / 117، النجوم الزاهرة 5 / 114، طبقات الحفاظ: 440 - 441، طبقات المفسرين للسيوطي: 14، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 202 - 207، نفح الطيب 2 / 67 - 85، كشف الظنون: 19 - 20، 419 شذرات الذهب 3 / 344 - 345، روضات الجنات: 322، إيضاح المكنون 1 / 48، 74، هدية العارفين 1 / 397، الرسالة المستطرفة: 207، تهذيب ابن عساكر 6 / 250 - 252.
(1) في " ترتيب المدارك " 4 / 802: ابن سعدون، وفي " تذكرة الحفاظ " 3 / 1178: ابن سعيد.
(2) بطليوس، بفتحتين وسكون اللام، وياء مفتوحة وسين مهملة، وانفرد ياقوت، فضم الياء، وهي: مدينة كبيرة بالاندلس من أعمال ماردة على نهر آنة غربي قرطبة.
(3) وهي من أقدم مدن الأندلس، وتقع اليوم في البرتغال على بعد 140 كم إلى الجنوب الشرقي من لشبونة.
(4) كما ذكر ابن عساكر.
وسيذكر المؤلف قوله في آخر الترجمة.(18/536)
وَأَصْبَهَان؛ لأَدْرَكَ إِسْنَاداً عَالِياً، وَلَكِنَّهُ جَاور ثَلاَثَة أَعْوَام، مُلاَزِماً لِلحَافظ أَبِي ذَرٍّ، فَكَانَ يُسَافِرُ مَعَهُ إِلَى السَّرَاة، وَيَخدمُه، فَأَكْثَرَ عَنْهُ (1) ، وَأَخَذَ علمَ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ وَالكَلاَم.
ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الطُّبَيز، وَالحَسَنِ بن السِّمْسَار، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جُمَيْع، وَمُحَمَّدِ بن عَوْفٍ المُزَنِيّ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَمِعَ عُمَرَ بن إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيّ، وَأَبَا طَالبٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، وَأَبَا القَاسِمِ الأَزْهَرِيّ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِيّ، وَمُحَمَّدَ بن عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ الحَافِظ، وَصَحِبَه مُدَّة، وَمُحَمَّدَ بن عبد الوَاحِدِ بن رزمَة، وَالحَسَنَ بن مُحَمَّدٍ الخلاَّل، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
وَتَفَقَّهَ بِالقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبرِيّ، وَالقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ بن عَمْروس (2) المَالِكِيّ.
وذهبَ إِلَى المَوْصِل، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً عَلَى القَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ السِّمنَانِيّ، المُتَكَلِّم، صَاحِبِ ابْنِ البَاقِلاَّنِيّ، فَبرَّز فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْه وَالكَلاَم وَالأُصُوْل وَالأَدب.
فَرَجَعَ إِلَى الأَنْدَلُسِ بَعْد ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً بِعِلْمٍ غزِيْر، حصَّله مَعَ الفَقْر وَالتَّقَنُّعِ بِاليَسِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَر، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ
__________
(1) انظر " ترتيب المدارك " 4 / 802، و" الصلة " 1 / 201، و" بغية الملتمس ": 303، و" معجم الأدباء " 11 / 248
(2) تحرفت في " الديباج المذهب " 1 / 378 إلى: عروس.(18/537)
الخَطِيْبُ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّقَلِّيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ غَزْلُوْنَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة الصَّدَفِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الفِهْرِيُّ الطُّرْطوشِيّ، وَابْنُه الزَّاهِد أَبُو القَاسِمِ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سَهْل السَّبْتِيّ، وَأَبُو بَحْرٍ سُفْيَان بنُ العَاصِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ القَاضِي، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّةٌ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّفِيسَة.
قَالَ القَاضِي عِيَاض (1) :آجرَ أَبُو الوَلِيْدِ نَفْسَه بِبَغْدَادَ لحرَاسَة درب، وَكَانَ لَمَّا رَجَعَ إِلَى الأَنْدَلُسِ يَضربُ وَرق الذَّهَبِ لِلغَزْل، وَيَعقدُ الوثَائِق قَالَ لِي أَصْحَابُه: كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْنَا لِلإِقْرَاءِ وَفِي يَدِهِ أَثَرُ المِطرقَة، إِلَى أَنْ فَشَا علمُه، وَهَيَّتَتِ (2) الدُّنْيَا بِهِ، وَعَظُمَ جَاهُهُ، وَأُجزلت صِلاَتُه، حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْ مَالٍ وَافرٍ، وَكَانَ يَسْتَعْمَلُهُ الأَعيَانُ فِي تَرَسُّلهُم، وَيَقْبَلُ جَوَائِزهُم، وَلِيَ القَضَاءَ بِموَاضِع مِنَ الأَنْدَلُس، وَصَنَّفَ كِتَاب (المنتقَى فِي الفِقْه (3)) ، وَكِتَاب (المَعَانِي فِي شرح المُوَطَّأ) ، فَجَاءَ فِي عِشْرِيْنَ مُجلَّداً، عديمَ النّظير.
قَالَ: وَقَدْ صَنَّفَ كِتَاباً كَبِيْراً جَامِعاً، بلغَ فِيْهِ الغَايَةَ، سَمَّاهُ: (الاسْتيفَاء) ، وَلَهُ كِتَاب (الإِيمَاء فِي الفِقْه) خَمْس مُجَلَّدَات، وَكِتَابُ (السّراج فِي الخلاَف) لَمْ يَتم، وَ (مُخْتَصَر المُخْتَصَر فِي مَسَائِل المدوّنَة) ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي اخْتِلاَف الْمُوَطَّآت، وَكِتَابٌ فِي الْجرْح
__________
(1) في " ترتيب المدارك " 4 / 804 - 805.
(2) ويقال هيت به: دعاه وناداه، والمقصود: شهرته وأظهرت اسمه.
(3) شرح فيه " موطأ " الامام مالك، وفرع عليه تفريعا حسنا، وقد طبع بسبعة أجزاء بعناية ابن شقرون في مصر عام 1914 م.(18/538)
وَالتعديل، وَكِتَابُ (التّسَدِيْد إِلَى مَعْرِفَة التَّوحيد) ، وَكِتَاب (الإِشَارَة فِي أُصُوْل الفِقْه) ، وَكِتَابُ (إِحكَام الْفُصُول فِي أَحكَام الأُصُوْل) ، وَكِتَاب (الحُدُوْد) ، وَكِتَابُ (شَرْح المنهَاج) ، وَكِتَابُ (سنَن الصَّالِحِيْنَ وَسنن العَابِدين) ، وَكِتَابُ (سُبل الْمُهْتَدِينَ) ، وَكِتَابُ (فِرق الفُقَهَاء) ، وَكِتَاب (التَّفْسِيْر) لَمْ يَتمه، وَكِتَابُ (سَنن المنهَاج وَتَرْتِيْب الحجَاج (1)) .
قَالَ الأَمِيْر أَبُو نَصْرٍ (2) :أَمَا البَاجِيّ ذُو الوزَارَتَيْنِ فَفَقيهٌ متكلّم، أَديبٌ شَاعِر، سَمِعَ بِالعِرَاقِ، وَدرّس الكَلاَم، وَصَنَّفَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ جَلِيْلاً رفِيعَ الْقدر وَالخَطَر، قَبْرُهُ بِالمَرِيَّة.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ: مَا رَأَيْتُ مِثْل أَبِي الوَلِيْد البَاجِيّ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى سِمَته وَهيئته وَتوقيرِ مَجْلِسه.
وَلَمَّا كُنْتُ بِبَغْدَادَ قَدِمَ وَلدُه أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ، فَسرتُ مَعَهُ إِلَى شَيْخنَا قَاضِي القُضَاة الشَّامِيّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَدَامَ اللهُ عِزَّكَ، هَذَا ابْنُ شَيْخ الأَنْدَلُس.
فَقَالَ: لَعَلَّهُ ابْن البَاجِيّ؟
قُلْتُ: نَعم.
فَأَقْبَل عَلَيْهِ (3) .
قَالَ القَاضِي عِيَاض (4) :كَثُرَتِ القَالَةُ فِي أَبِي الوَلِيْد لِمُدَاخلته لِلرُؤِسَاء، وَوَلِيَ قَضَاءَ أَمَاكن تَصغُر عَنْ قدره كَأُورِيُولَة، فَكَانَ يَبعث إِلَيْهَا خُلَفَاءهُ، وَرُبَّمَا أتَاهَا المَرَّةَ وَنَحْوهَا، وَكَانَ فِي أَوّل أَمره مُقِلاًّ حَتَّى احْتَاجَ فِي سَفَره إِلَى القَصْدِ بِشعرِهِ، وَإِيجَار نَفْسِه مُدَّة مُقَامه بِبَغْدَادَ فِيمَا سمِعتُه،
__________
(1) انظر " ترتيب المدارك " 4 / 806 - 807، واسم الكتاب الأخير فيه: " تفسير المنهاج في ترتيب طرق الحجاج ".
(2) انظر " الإكمال " 1 / 468.
(3) انظر " ترتيب المدارك " 4 / 804.
(4) في " ترتيب المدارك " 4 / 804 - 806، باختلاف عن ما هنا.(18/539)
مُسْتفِيضاً لحرَاسَةِ دربٍ، وَقَدْ جمع وَلدُه شعرَه، وَكَانَ ابْتدَأَ بِكِتَابِ (الاسْتيفَاء) فِي الفِقْه، لَمْ يَضع مِنْهُ سِوَى كِتَاب الطّهَارَة فِي مُجَلَّدَات.
قَالَ لِي: وَلَمَّا قَدِمَ مِنَ الرّحلَة إِلَى الأَنْدَلُسِ وَجَد لَكَلاَم ابْن حَزْمٍ طَلاَوَةٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ خَارِجاً عَنِ المَذْهَب، وَلَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ مَنْ يَشتغِلُ بِعِلْمه، فَقَصُرَتْ أَلسَنَةُ الفُقَهَاء عَنْ مُجَادلته وَكَلاَمِه، وَاتَّبعه عَلَى رَأْيه جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الجَهْل، وَحلَّ بجَزِيْرَة مَيُورقَة، فَرَأَسَ فِيْهَا، وَاتَّبَعه أَهْلُهَا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الوَلِيْدِ؛ كلَّمُوْهُ فِي ذَلِكَ، فَدَخَلَ إِلَى ابْنِ حَزْم، وَنَاظره، وَشهرَ بَاطِله.
وَلَهُ مَعَهُ مَجَالِس كَثِيْرَة.
قَالَ: وَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو الوَلِيْدِ فِي حَدِيْث الكِتَابَةِ يَوْم الحُدَيْبِيَة الَّذِي فِي (صَحِيْح البُخَارِيّ (1)) .
قَالَ بِظَاهِرِ لَفظه، فَأَنْكَر عَلَيْهِ الفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ الصَّائِغ، وَكَفَّرهُ بِإِجَازته الكَتْبَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّبِيِّ الأُمِّيِّ، وَأَنَّهُ تَكذِيبٌ لِلقُرْآن، فَتَكَلَّم فِي ذَلِكَ مِنْ لَمْ يَفهم الكَلاَمَ، حَتَّى أَطلقُوا عَلَيْهِ الفِتْنَةَ، وَقبَّحُوا عِنْد العَامَّة مَا أَتَى بِهِ، وَتَكلّم بِهِ خُطَبَاؤُهم فِي الجُمَع، وَقَالَ شَاعِرهُم:
بَرِئْتُ مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا بآخِرَةٍ ... وَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَدْ كَتَبَا (2)
فَصَنَّف القَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ (رِسَالَةً) بَيَّنَ فِيْهَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَادحٍ فِي المُعجزَة، فَرَجَعَ بِهَا جَمَاعَةٌ.
قُلْتُ: يَجوز عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكْتُبَ اسْمه لَيْسَ إِلاَّ، وَلاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنه أُمِّياً، وَمَا مَنْ كَتب اسْمَه مِنَ الأُمَرَاء وَالوُلاَة إِدمَاناً لِلعلاَمَةِ يُعَدُّ كَاتِباً، فَالحكمُ لِلغَالِب لاَ لِمَا نَدَرَ، وَقَدْ
قَالَ - عَلَيْهِ الصّلاة والسَّلاَمُ -: (إِنَّا أُمَّةٌ
__________
(1) انظر الحديث رقم (4251) في المغازي: باب عمرة القضاء، وقد توسع الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه فراجعه.
(2) في " ترتيب المدارك " 4 / 805 أن قائل البيت هو عبد الله بن هند.(18/540)
أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ (1)) .
أَي لأَنَّ أَكْثَرهم كَذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ فِيهِم الكَتَبَةُ قَلِيْلاً.
وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُوْلاً مِنْهم} [الجُمُعَة:2] .
فَقوله - عَلَيْهِ الصّلاة والسَّلاَمُ -: (لاَ نَحْسُبُ) حَقٌّ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يَعرف السِّنِيْنَ وَالحسَابَ، وَقَسْمَ الفَيْءِ، وَقِسْمَةَ الموَارِيث بِالحسَاب العَربِي الفِطرِي لاَ بحسَاب القِبط وَلاَ الجَبْر وَالمُقَابلَة، بِأَبِي هُوَ وَنَفْسِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ كَانَ سَيِّدَ الأَذكيَاء، وَيَبْعُد فِي العَادَة أَنَّ الذّكيَّ يُمْلِي الوحِي وَكُتُبَ المُلُوْكِ وَغَيْرَ ذَلِكَ عَلَى كُتَّابه، وَيَرَى اسْمَه الشَّرِيْف فِي خَاتِمه، وَلاَ يَعرفُ هيئَةَ ذَلِكَ مَعَ الطُّول، وَلاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أُمِّيَّته، وَبَعْضُ العُلَمَاء عدَّ مَا كَتَبَهُ يَوْم الحُدَيْبِيَة مِنْ مُعجزَاته، لِكَوْنِهِ لاَ يَعرِفُ الكِتَابَة وَكَتَبَ، فَإِنَّ قِيْلَ: لاَ يَجُوْزُ عَلَيْهِ أَنْ يَكتب، فَلَو كتب؛ لارتَاب مُبطل، وَلقَالَ: كَانَ يُحْسِنُ الخَطّ، وَنظر فِي كتب الأَوَّلين.
قُلْنَا: مَا كَتَبَ خَطّاً كَثِيْراً حَتَّى يَرتَاب بِهِ المُبطلُوْنَ، بَلْ قَدْ يُقَالَ: لَوْ
قَالَ مَعَ طول مُدَّةِ كِتَابَةِ الكِتَاب بَيْنَ يَدَيْهِ: لاَ أَعْرفُ أَنْ أَكْتُب اسْمِي الَّذِي فِي خَاتِمِي، لارتَاب المبطلُوْنَ أَيْضاً، وَلقَالُوا: هُوَ غَايَةٌ فِي الذَّكَاء، فَكَيْفَ لاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ؟ بَلْ عَرفه، وَقَالَ: لاَ أَعْرف.
فَكَانَ يَكُوْنُ ارْتيَابهم أَكْثَرَ وَأَبلغَ فِي إِنْكَاره، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، فَذَكَر أَنَّ أَبَا الوَلِيْدِ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ باجَةِ القَيْرَوَان، تَاجراً يَخْتلِف إِلَى الأَنْدَلُسِ (2) .
__________
(1) أخرجه من حديث عبد الله بن عمر البخاري (1913) في الصوم: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نكتب ولا نحسب، ومسلم (1080) (15) في الصيام: باب وجوب صوم رمضان لرؤيته، وأبو داود (2319) ، والنسائي 4 / 139 و140، وأحمد 2 / 43 و52 و122 و129.
(2) انظر " تهذيب تاريخ ابن عساكر " 6 / 251.(18/541)
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا هُوَ وَأَبُو عُمَرَ بنُ البَاجِيّ وَآلُه كُلُّهم مِنْ باجَة القَيْرَوَان، فَاللهُ أَعْلَم.
وَمِنْ نَظْمِ أَبِي الوَلِيْد:
إِذَا كُنْتُ أَعْلَمُ عِلْماً يَقِيْنَا ... بِأَنَّ جَمِيْعَ حَيَاتِي كَسَاعَه
فَلِمَ لاَ أَكُوْنُ ضَنِيْناً بِهَا ... وَأَجْعَلُهَا فِي صَلاَحٍ وَطَاعَهْ (1)
أَخْبَرْنَا ابْنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا رَزِيْنُ بنُ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا الفَقِيْهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّقَلِّيّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ القَاضِي، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ القُرْطُبِيّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ الَّتِي بذِي الحُلَيْفَةِ، وَصَلَّى بِهَا (2) .
كَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِر.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّن وَجَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي طَاهِر الخُشُوْعِيّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
__________
(1) البيتان في " الإكمال " 1 / 468، و" الذخيرة " 2 / 1 / 98، و" ترتيب المدارك " 4 / 807، و" الأنساب " 2 / 19، و" الصلة " 1 / 201 - 202، و" معجم الأدباء " 11 / 250، و" المغرب في حلى المغرب " 1 / 404، و" وفيات الأعيان " 2 / 408 - 409، و" الروض المعطار ": 75، و" بغية الملتمس ": 303، و" فوات الوفيات " 2 / 65، و" تذكرة الحفاظ " 3 / 1182، و" تهذيب تاريخ ابن عساكر " 6 / 252.
وانظر بعض نظمه في " الذخيرة " ق 2 / م 1 / 98 - 105، و" معجم الأدباء " 11 / 249 - 251.
(2) هو في " الموطأ " 1 / 405 في الحج: باب صلاة المعرس والمحصب، ومن طريق مالك أخرجه البخاري (1532) في الحج، ومسلم (1257) في الحج: باب التعريس بذي الحليفة، وأبو داود (2045) والنسائي 5 / 127.
والبطحاء: مسيل فيه دقاق الحصى، وذو الحليفة: بينها وبين المدينة ستة أميال.(18/542)
مُحَمَّدِ بن الوَلِيْدِ الفِهْرِيّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا عبدُ المُؤْمِن بنُ خَلَفٍ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الزُّهْرِيّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الفِهْرِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ سُلَيْمَانُ بنُ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُنَاولَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ اللَّيْثِيّ، أَخْبَرَنَا عَمّ أَبِي؛ عُبيدُ الله بنُ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ العَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ) (1) .
وَسَمِعتُهُ عَالِياً مِنْ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّد بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ سَهْلٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهَاشِمِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَب، حَدَّثَنَا مَالِكٌ بِهَذَا.
وَسَمِعنَاهُ فِي (جُزءٍ أَبِي الجَهْمِ) مِنْ حَدِيْثِ اللَّيْث، عَنْ نَافِع (2) .
__________
(1) هو في " الموطأ " 1 / 11، 12 في وقوت الصلاة: باب جامع الوقوت، وأخرجه من طريقه البخاري (552) في مواقيت الصلاة: باب إثم من فاتته العصر، ومسلم (626) في المساجد: باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، وأبو داود (414) والنسائي 6 / 255، وأخرجه الدارمي 1 / 280، ومسلم (201) والنسائي 1 / 255، وابن ماجة (685) من طريق الزهري عن سالم، عن ابن عمر، وأخرجه الدارمي أيضا من طريق عبيد الله، عن نافع.
(2) هو في سنن الترمذي (175) في الصلاة: باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر من طريق قتيبة عن الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر.
وقوله: " وتر أهله وماله " قال الحافظ في " الفتح " 2 / 30: هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر، وأضمر في وتر مفعول لم يسم فاعله، وهو عائد على الذي فاتته، فالمعنى: أصيب بأهله وماله وهو متعد إلى مفعولين ... وقيل: وتر هنا بمعنى نقص، فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه، لان من رد النقص إلى الرجل نصب، وأضمر ما يقوم مقام الفاعل، ومن رده إلى الأهل رفعه وقال القرطبي: يروى بالنصب على أن " وتر " بمعنى سلب، وهو يتعدى إلى مفعولين، وبالرفع على أن وتر بمعنى أخذ، فيكون أهله هو المفعول الذي لم يسم فاعله.(18/543)
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: مَاتَ أَبُو الوَلِيْدِ بِالمَرِيَّة فِي تَاسع عشر رَجَب، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ (1) وَأَرْبَعِ مائَة، فَعُمُرُهُ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً سِوَى أَشهرٍ، فَإِنَّ مَوْلِدَهُ فِي ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: مُسْنِدُ العِرَاق أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيّ البُنْدَار (2) ، وَشيخُ المَالِكِيَّة بِسَبْتَة أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ العَجُوْز الكُتَامِيّ (3) ، وَمُحَدِّث نَيْسَابُوْر أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المزكِّي (4) ، وَمَعْمَّر بَغْدَاد أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ صَدَقَة الدَّبَّاس (5) .
وَكَانَ يَذكر أَنَّ أُصُوْله عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ وَالمُخَلِّص ذَهَبت فِي النَّهب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْم المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكِّيّ الزُّهْرِيّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَة (572) ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الفِهْرِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيّ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَمِّ أَبِيْهِ؛ عبيد الله بنِ (6) يَحْيَى بنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيْعَة بن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُوْلُ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ البَائِنِ وَلاَ بِالقَصِيْر، وَلاَ بِالأَبْيَضِ
__________
(1) تحرفت في " معجم الأدباء " 11 / 249 إلى: تسعين، وفي " الأنساب " 2 / 20، توفي في حدود سنة ثمانين وأربع مئة.
(2) تقدمت ترجمته برقم (200) .
(3) سترد ترجمته برقم (280) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (197) .
(5) سترد ترجمته برقم (277) .
(6) زيادة يقتضيها النص.
وقد سبق هذا الاسم في الصفحة 543.(18/544)
الأَمْهَقِ وَلاَ بِالآدَمْ، وَلاَ بِالجَعْدِ القَطَطِ وَلاَ بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ الله عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَتوَفَّاهُ الله عَلَى رَأْسِ سِتِّيْنَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُوْنَ شَعْرَةً بَيْضَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (1) .
وَابْنُهُ:
275 - أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ البَاجِيُّ أَبُو القَاسِمِ *
العَلاَّمَةُ الكَبِيْرُ، أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ البَاجِيُّ.
سَكَنَ بسَرقُسطَة، وَرَوَى عَنْ أَبِيْهِ كَثِيْراً، وَخَلَفَه فِي حَلْقَته (2) .
وَحَدَّثَ عَنْ: حَاتِم بنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنِ حَيَّانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عتَّاب، وَمُعَاوِيَة العُقَيْلِيّ.
وَبَرَعَ فِي الأُصُوْل وَالكَلاَم، لَهُ تَصَانِيْفُ تَدُلُّ عَلَى حِذْقِه وَذكَائِهِ، وَصَنَّفَ عقيدَةً (3) .
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال (4) :أَخْبَرَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَوصفُوهُ بِالنَّباهَة وَالجَلاَلَة.
__________
(1) هو في " الموطأ " 1 / 919 في أول صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن طريقه البخاري (3548) في المناقب: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم (2347) في الفضائل: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
الامهق: الابيض الشديد البياض الذي لا يخالط بياضه شيء من الحمرة، وليس بنير، ولكن كلون الجص أو نحوه.
والجعودة في الشعر: أن لا ينكسر ولا يسترسل، والسبوطة بينهما.
(*) الصلة 1 / 71، بغية الملتمس: 180 - 181، صفة جزيرة الأندلس: 36 - 37، الوافي 6 / 404، الديباج المذهب 1 / 183، كشف الظنون: 836، إيضاح المكنون 1 / 550، شجرة النور 1 / 121.
(2) " الصلة " 1 / 71.
(3) واسمها كما في " الوافي بالوفيات ": " العقيدة في المذاهب السديدة " وذكر في " الديباج المذهب " 1 / 183 من كتبه " البرهان على أن أول الواجبات الايمان " و" معيار النظر " و" سر النظر ".
(4) " الصلة " 1 / 71.(18/545)
قُلْتُ: وَأَجَاز لِلقَاضِي عيَاض، وَقَالَ (1) :كَانَ حَافِظاً لِلْخلاَف وَالمنَاظرَة.
لَهُ النَّظم وَالأَدب، وَكَانَ دَيِّناً، وَرِعاً، تخلَّى عَنْ تَرِكَةِ أَبِيْهِ لِقَبُولِهِ جَوَائِز السُّلْطَان، وَكَانَتْ وَافرَةً حَتَّى احْتَاجَ بَعْدُ.
قُلْتُ: ارْتَحَلَ وَرَأَى بَغْدَاد وَاليَمَن، وَاتَّفَقَ مَوْتُهُ بِجُدَّةَ بَعْد الحَجّ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة كَهْلاً (2) .
276 - أَبُو جَعْفَرٍ الهَاشِمِيُّ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عِيْسَى بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، شَيْخُ الحَنْبَلِيَّة، أَبُو جَعْفَرٍ عبدُ الخَالِقِ بنِ أَبِي مُوْسَى عِيْسَى بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْبَدِ ابْن عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ الحَرَّانِيّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ وَغَيْرهُ، وَهُوَ أَكْبَرُ تَلاَمِذَةِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى.
__________
(1) قال القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 4 / 807 في ترجمة أبيه أبي الوليد: " وكان له ابنان أحدهما أبو القاسم خلف مجلسه، وسيأتي ذكره " ولكنه لم يورده بعد ذلك، فلعله سقط من الكتاب.
(2) انظر " الصلة 1 / 71، و" الديباج المذهب " 1 / 183.
(*) المنتظم 8 / 315 - 317، العبر 3 / 273 - 274، دول الإسلام 2 / 5، البداية والنهاية 12 / 119، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 15 - 26، النجوم الزاهرة 5 / 106، شذرات الذهب 3 / 336 - 337.(18/546)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ حَسَنَ الكَلاَمِ فِي المُنَاظرَةِ، وَرِعاً زَاهِداً، مُتْقِناً، عَالِماً بِأَحكَامِ القُرْآن وَالفَرَائِضِ (1) .
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَرَّاءِ: لَزِمْتُهُ خَمْسَ سِنِيْنَ، وَكَانَ إِذَا بلغَه مُنْكَرٌ، عَظُمَ عَلَيْهِ جِدّاً، وَكَانَ شدِيداً عَلَى المُبْتَدِعَة، لَمْ تَزل كَلِمَتُهُ عَالِيَةٌ عَلَيْهِم، وَأَصْحَابُهُ يَقمعونهُم، وَلاَ يَردُّهم أَحَد، وَكَانَ عَفِيْفاً نَزِهاً، دَرَّس بِمسجده، ثُمَّ انْتقل إِلَى الجَانب الشَّرْقِيّ يُدَرِّس، ثُمَّ درَّس بِجَامِع المَهْدِيّ، وَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو يَعْلَى (2) ، أَوْصَاهُ أَنْ يُغَسِّلَهُ، وَكَذَا لمَا احتُضِرَ الخَلِيْفَةُ القَائِم أَوْصَى أَنْ يُغَسِّلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ، فَفَعَل، وَمَا أَخَذَ شَيْئاً مِمَّا وَصَّى لَهُ بِهِ، حَتَّى قِيْلَ لَهُ: خُذْ قَمِيْصَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ لِلْبَرَكَةِ فَنَشَّفَهُ (3) بفوطَة وَقَالَ: حَصَلَتِ البركَة.
ثُمَّ اسْتدعَى المُقتدي، فَبَايَعَهُ منفرداً ... إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأُخِذَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي فِتْنَة ابْنِ القُشَيْرِيّ (4) ، وَحُبِسَ أَيَّاماً، فَسرَد الصَّوْمَ، وَمَا أَكل لأَحدٍ شَيْئاً، وَدَخَلْتُ، فَرَأَيْتُهُ يَقرَأُ فِي المُصْحَف، وَمَرِضَ، فَلَمَّا ثَقُلَ وَضَجَّ النَّاسُ مِنْ حَبْسِهِ، أُخرج إِلَى الحرِيْم، فَمَاتَ هُنَاكَ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ مَشْهُوْدَةً، وَدُفِنَ إِلَى جَانب قَبْر الإِمَام أَحْمَد، وَلَزِمَ النَّاسُ قَبْره مُدَّةً حَتَّى قِيْلَ: خُتِمَ عَلَى قَبْرِهِ عَشْرَة آلاَفِ خَتمَة.
__________
(1) انظر " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 16.
(2) هو القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء شيخ الحنابلة المتوفي سنة (458) وقد تقدمت ترجمته برقم (40) .
(3) في الأصل: فشقه، وهو خطأ، والتصويب من " المنتظم " 8 / 316، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 17.
(4) والتي وقعت بين الحنابلة والاشعرية، انظر تفصيل ذلك في " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 19 - 22، و" طبقات " السبكي 3 / 389 وما بعدها.
(5) " المنتظم " 8 / 316 - 317، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 17 و22 و23، و" البداية والنهاية " 12 / 129.(18/547)
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مُنْقَطِعاً إِلَى العِبَادَةِ وَخُشُونَةِ الْعَيْش وَالصّلاَبَةِ فِي مَذْهَبِهِ، حَتَّى أَفضَى ذَلِكَ إِلَى مُسَارعَة العوَام إِلَى إِيذَاء النَّاس، وَإِقَامَة الفِتْنَة، وَسفكِ الدِّمَاء، وَسَبِّ العُلَمَاء، فَحُبِسَ.
قُلْتُ: كَانَ يَوْمُ مَوْته يوماً مَشْهُوْداً - رَحِمَهُ اللهُ - (1) .
277 - الدَّبَّاسُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ صَدَقَة الرَّحَبِيُّ الدَّبَّاس.
قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، قَالَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان، وَغَيْرهُ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ يذكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ، وَأَبِي طَاهِر المُخَلِّص، وَأَنَّ أُصُوْلَه ذَهَبت فِي النّهب، وَكَانَ يَسكن بِالنَّصْرِيَّة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ.
قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الرَّحَبِيّ فِي رَجَب سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَقَدْ بلغَ مائَةً وَأَرْبَعَ سِنِيْنَ.
__________
(1) انظر " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 17 - 18.
(*) المنتظم 8 / 332، وفيه الرحبي السعدي من ولد سعد بن معاذ.(18/548)
278 - البُزَانِيُّ المُطَهِّرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الجَلِيْلُ، الرَّئِيْسُ، أَبُو الفَضْلِ المُطَهّرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ اليَرْبُوْعِيُّ، البُزَانِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الكَاتِبُ.
سَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ بن المَرْزُبَان الأَبْهَرِيّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ مَنْدَة الحَافِظ، وَأَبَا عُمَرَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ خُرَّشيذْ قُوْله.
وَعُمِّرَ دَهْراً، وَأَكْثَر النَّاسُ عَنْهُ.
وَعَاشَ إِلَى سَنَة خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ: مَسْعُوْدٌ الثَّقَفِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الرُّستمِيّ، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ لَهُ ابْنٌ رَئِيْس، وَهُوَ الوَزِيْرُ عبدُ الوَاحِد، وَلِي عَمِيْداً عَلَى العِرَاقِ، وَمَاتَ قَبْلَ وَالِده.
279 - ابْنُ البَقَّالِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الأَزَجِيُّ **
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ البَقَّالِ الأَزَجِيُّ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ الْملك بن بِشْرَان.
وَعَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِيّ.
__________
(*) الإكمال 1 / 573، الأنساب 2 / 187، الاستدراك 1 / ورقة 70 أ، المشتبه 1 / 57، العبر 3 / 282، تبصير المنتبه 1 / 131، شذرات الذهب 3 / 348، والبزاني: بضم الباء الموحدة وفتح الزاي وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى: بزان، وهي قرية من أصبهان. وقد تصحف في " شذرات الذهب " 3 / 348 إلى: البراني (بالراء) .
(1) في " الأنساب " 2 / 187: توفي في حدود سنة ثمانين وأربع مئة، وفي " الاستدراك " 1 / ورقة 70 أ: أنه توفي سنة أربع وسبعين، وقد قال المؤلف في " العبر " في سنة خمس وسبعين وأربع مئة: توفي فيها أو في حدودها.
(* *) الكامل لابن الأثير 10 / 141، طبقات السبكي 4 / 333، طبقات الاسنوي 1 / 239 - 240.(18/549)
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ عَلاَّمَة، مُدَقِّقاً، مُنَاظراً، زَاهِداً، عَابِداً، نَزِهاً، وَلِيَ قَضَاءَ الحرِيْم (1) ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ سَنَة سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَلَهُ سِتٌّ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ تَلاَمِذَة القَاضِي أَبِي الطَّيِّب، وَلَهُ حَلْقَة مُنَاظرَةٍ بِجَامِع الْقَصْرِ (2) .
186 - الأَنْطَاكِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ * (تَقَدَّمَ)
القَاضِي، الفَقِيْهُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ الأَنْطَاكِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الشَّاغورِيُّ.
كَانَ يَسكن بِالشَّاغور (3) .
ولِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: تَمَّام الرَّازِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن أَبِي نَصْرٍ، وَهُوَ آخِرُ أَصْحَاب تَمَّام.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِي، وَجمَالُ الإِسْلاَم أَبُو الحَسَنِ السُّلَمِيّ، وَعَلِيُّ بنُ قُبيس المَالِكِيّ، وَغَيْرهُم.
نَاب فِي القَضَاءِ بِدِمَشْقَ عَنِ الشَّرِيْف أَبِي الفَضْل بنِ أَبِي الجِنّ (4) .
__________
(1) قال ياقوت: هو حريم دار الخلافة ببغداد، وهو بمقدار ثلث بغداد، في وسطها، ودور العامة محيطة به وله سور يتحيز به، ابتداؤه من دجلة، وانتهاؤه إلى دجلة كهيئة نصف دائرة، وله عدة أبواب.
(2) الخبر بنحوه في " طبقات " السبكي 4 / 333، و" طبقات " الاسنوي 1 / 239 - 240.
(*) تقدمت ترجمته في الصفحة 382 برقم (186) وقد ورد اسمه هناك: الحسن بن علي والذي هنا يوافق " تهذيب تاريخ ابن عساكر " 4 / 349.
(3) هي محلة في جنوب دمشق تقع عند الباب الصغير.
(4) " تهذيب تاريخ ابن عساكر " 4 / 349.(18/550)
تُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة بِدِمَشْقَ.
280 - ابْنُ العَجُوْزِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُتامِيُّ *
شَيْخُ المَالِكِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ بنِ العَجُوْزِ الكُتامِيُّ، عَالِمُ سَبْتَةَ، وَابْنُ عَالِمهَا العَلاَّمَة أَبِي القَاسِمِ (1) ، الَّذِي تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
لقِي أَبَا إِسْحَاقَ التُّوْنُسِيّ بِالقَيْرَوَان، وَعَلَيْهِ وَعَلَى ابْنِ البرِيا كَانَتِ العُمدَةُ فِي الفَتْوَى، وَكَانَتْ بَيْنهُمَا إِحَنٌ، فَجرت مِحْنَةٌ لِلفظَةٍ قَالهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قرَأَ الخَطِيْبُ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتمْ مِنْ} عِدَّة، بدل: {قُوَّةٍ} [الأَنْفَال:60] فَقَالَ: الوزنُ وَاحِد.
فَكَفَّرُوهُ، وَأَفتُوا بِاسْتتَابَتِه، وَسُجن، ثُمَّ أُخرج، فَارْتَحَلَ إِلَى فَاس، فَعَظَّمه ابْنُ تَاشفِيْن، وَوَلاَّهُ قَضَاء فَاس.
تَفَقَّهَ عَلَيْهِ عِدَّة.
وَمَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَهُوَ وَالِدُ العَلاَّمَة عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ اللهِ وَعبدِ الرَّحِيْم.
281 - التَّفَكُّرِيُّ يُوْسُفُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ **
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، أَبُو القَاسِمِ يُوْسُفُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ التَّفَكُّرِيُّ الزَّنجَانِيُّ.
__________
(*) الوافي بالوفيات 3 / 231.
(1) انظر ترجمته في " ترتيب المدارك " 4 / 782، و" الديباج المذهب " 1 / 476.
(* *) المنتظم 8 / 329 - 330، الاستدراك 1 / ورقة 20 أ، الكامل 10 / 119، طبقات السبكي 5 / 361، طبقات الاسنوي 2 / 5 وفيه: المعروف أيضا بالتفكري لكثرة تفكره في الآخرة، البداية والنهاية 12 / 122 وقد تحرفت فيها إلى: العسكري.(18/551)
سَمِعَ بزنجَان مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن الفلاَكِي، وَأَبِي عَلِيّ بنِ بُنْدَار، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَقرَأَ عَلَيْهِ (مَعَاجِم الطَّبَرَانِيّ) الثَّلاَثَة، وَسَمِعَ: بِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَالصُّوْرِيّ.
وَإِنَّمَا طلب هَذَا الشَّأْن وَقَدْ كَبِرَ، فَإِنَّ مَوْلِدهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَقرَأَ الفِقْه بِبَغْدَادَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَلاَزمه حَتَّى صَارَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابه، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلين، ذَا وَرَعٍ وَخُشُوع وَتَأَلُّهٍ (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَعبدُ الخَالِق بنُ أَحْمَدَ اليَوسفِيّ، وَشِيرْوَيْه الدّيلمِيّ، وَغَيْرُهُم.
تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَة الله: بِبَغْدَادَ فِي حَادِي عشر ربيع الآخر، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَلَهُ ثَمَانٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
282 - جَعْبَرُ بنُ سَابِقٍ القُشَيْرِيُّ *
مِنْ أُمَرَاءِ العَرَبِ، أَنشَأَ قَلْعَةَ جَعْبَر (2) عَلَى الفُرَاتِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: الدُّوسرِيَّة.
لأَنَّ دُوْسَرَ غُلاَمَ صَاحِب الحِيرَة النُّعْمَان بن المُنْذِرِ بنَاهَا، فَلَمَّا قَدِمَ السُّلْطَان مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيّ حلب، قتل الأَمِيْرَ جَعْبَراً هَذَا لِكَوْنِهِ بلغه أَن وَلَدَيْهِ يَقطعَان الطَّرِيْق، قَتله فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (3) .
__________
(1) الخبر بنحوه في " المنتظم " 8 / 329 - 330، و" طبقات " الاسنوي 2 / 5.
(*) معجم البلدان 2 / 142، تاج العروس 3 / 103 مادة (جعبر) .
(2) هي قلعة قديمة على الفرات بين بالس والرقة.
(3) انظر " المنتظم " 9 / 28، و" الكامل " 10 / 149.(18/552)
283 - ابْنُ مُنْقِذٍ عَلِيُّ بنُ مُنْقِذِ بنِ نَصْرٍ الكِنَانِيُّ *
الأَمِيْرُ، سَدِيْدُ المُلْكِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُنْقِذِ (1) بنِ نَصْرِ بنِ مُنْقِذٍ الكِنَانِيُّ، صَاحِبُ شَيْزَرَ (2) .
كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، جَوَاداً، فَاضِلاً، أَوَّل مَنْ مَلك شَيْزر مِنْ بَيْته، لأَنَّه كَانَ نَازلاً فِي عَشِيرَته هُنَاكَ، وَالحِصنُ فِي يَد الرُّوْم، فَنَازلهُم، وَتسلَّمه بِالأَمَان فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَدَام لبَنِيه حَتَّى تَهدم مِنَ الزَّلْزَلَةِ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَة، وَهلك مَنْ بِالحصن مِنْ آلِ مُنْقِذ، فَعمَّره نور الدِّيْنِ (3) .
وَكَانَ لِسَدِيْد المُلك نَظمٌ رَائِق وَفِطْنَةٌ وَذكَاء (4) ، وَمَاتَ فِي الزَّلْزَلَة حَفِيْدُهُ تَاج الدَّوْلَة مُحَمَّدُ بنُ سُلْطَان.
__________
(*) الخريدة (قسم الشام) 1 / 552، وفيات الأعيان 3 / 409 - 411، دول الإسلام 2 / 6
في حوادث سنة (474) وقد تحرف فيه اسم المترجم إلى: سديد الدولة علي بن مقلة الكتاني، النجوم الزاهرة 5 / 113 - 114 و124.
(1) في " وفيات الأعيان " و" النجوم الزاهرة ": مقلد بدل منقذ.
(2) هي اليوم أنقاض مدينة سورية على العاصي شمالي مدينة حماة فيها قلعة مشهورة.
(3) الخبر في " وفيات الأعيان " 3 / 409.
وانظر " الكامل " 11 / 219 - 221، و" النجوم الزاهرة " 5 / 113 - 114، ولحفيد صاحب الترجمة الأمير أسامة بن منقذ كتاب " المنازل والديار " جمعه بعد أن رأى ما نال بلده ووطنه من الخراب، فقد قال: ولقد وقفت عليها بعد ما أصابها من الزلازل ما أصابها، وهي أول أرض مس جلدي ترابها، فما عرفت داري، ولا دور والدي وإخوتي، ولا دور أعمامي وبني عمي وأسرتي، فبهت متحيرا مستعيذا بالله من عظيم بلائه، وانتزاع ما خوله من نعمائه، إلى أن قال: وقد جعلت الكتاب فصولا، فافتتحت كل فصل بما يوافق حالي، ثم أفضت فيما يوافق ذا القلب الخالي، لكي لا يأتي الكتاب وهو كله عويل ونياحة ليس فيه لسوى ذي البث راحة.
وقد طبع هذا الكتاب سنة 1965 في دمشق بتحقيقنا.
(4) انظر طرفا من ذلك في " وفيات الأعيان " 3 / 410.(18/553)
تُوُفِّيَ سَدِيدُ المُلك: سَنَة بِضْع وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة فَقِيْلَ: سَنَة خَمْسٍ (1) .
وَقِيْلَ: سَنَةَ تِسْع.
284 - ابْنُ شُرَيْحٍ مُحَمَّدُ بنُ شُرَيْحِ بنِ أَحْمَدَ الرُّعَيْنِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ شُرَيْحِ بنِ أَحْمَدَ بنِ شُرَيْحِ بنِ يُوْسُفَ الرُّعَيْنِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَاب (الكَافِي) .
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ (2) وَثَلاَثِ مائَة، وَهَذَا الَّذِي تحرَّرَ فِي نسبه.
فَأَمَّا ابْن بَشْكُوَال، فَأَدخلَ فِي نسبه مُحَمَّداً بَيْنَ أَبِيْهِ وَبَيْنَ أَحْمَد (3) ، وَلَهُ كِتَاب (التَّذكير (4)) .
سَمِعَ: عُثْمَان بنَ أَحْمَدَ أَبَا عَمْرٍو القَيْجطَالِيّ (5) ، وَأَجَاز لَهُ مَكِّيّ وَأَخَذَ عَنْهُ، وَحَجَّ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ (الصَّحِيْح) وَغَيْر ذَلِكَ.
وَأَخَذَ القِرَاءات عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ القَنْطَرِيّ المجَاور، وَتَاجِ الأَئِمَّة
__________
(1) وممن قال بذلك ابن خلكان في " وفياته " 3 / 410.
(*) الصلة 2 / 553، معرفة القراء الكبار 1 / 351، العبر 3 / 285، مرآة الجنان: 3 / 120 غاية النهاية 2 / 153، كشف الظنون 1379، شذرات الذهب 3 / 354، إيضاح المكنون 1 / 221، هدية العارفين 2 / 74.
(2) في " غاية النهاية " 2 / 153: ولد سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة.
(3) الذي في " الصلة " 2 / 553: محمد بن شريح بن أحمد بن محمد بن شريح الرعيني، وكذلك أورده المؤلف في " معرفة القراء الكبار " 1 / 351، وابن الجزري في " غاية النهاية " 2 / 153.
وقد تحرف شريح في " الشذرات " 3 / 354 إلى: سريج بالسين المهملة، وفي " إيضاح المكنون " 1 / 221 إلى: ابن سريج.
(4) في " الصلة ": التذكرة.
(5) كذا الأصل، وعثمان بن أحمد هذا ترجمة ابن بشكوال في " الصلة " 2 / 404 وقال: يعرف بالقيشطيالي.
وفي " غاية النهاية ": القسطالي، وفي " معرفة القراء الكبار ": عمار بن أحمد القساطلي.(18/554)
أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي (1) عَلِيٍّ الحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ صَاحِب (الرَّوضَة) فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي العَبَّاسِ بن نَفِيْس، وَمُحَمَّدِ بن الطَّيب الكَحَّال، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ اليَحْصُبِيّ.
وَكَانَ رَأْساً فِي القِرَاءات، بَصِيْراً بِالنَّحْوِ وَالصَّرف، فَقِيْهاً كَبِيْرَ القَدْرِ، حُجّةً، ثِقَةً (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ صَلَّى لَيْلَةً بِالمُعتضد، فَوَقَفَ فِي الرَّعد عَلَى قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ} [الرَّعْد:17] .
فَقَالَ: كُنْتُ أَظَنُّ مَا بَعْدَهُ صفَةً لِلأَمثَال، وَمَا فَهمتُهُ إِلاَّ مِنْ وَقْفِك.
ثُمَّ أَمر لَهُ بخِلْعَةٍ وَفرسٍ وَجَارِيَةٍ وَأَلفِ دِيْنَار.
رَوَى عَنْهُ الكَثِيْرَ: وَلدُه أَبُو الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْن عَيشُوْنَ، وَطَائِفَة.
مَاتَ: فِي رَابع شَوَّال سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِيْنَ عَاماً.
وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ فِي مُنْتَصف الشَّهْر، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللهُ - وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ.
285 - الأَعْلَمُ يُوْسُفُ بنُ سُلَيْمَانَ بن عِيْسَى الشَّنْتَمَرِيُّ *
إِمَامُ العَرَبِيَّة، أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عِيْسَى
__________
(1) في الأصل: " وأبا " وهو خطأ، وانظر ترجمة أبي علي هذا في " غاية النهاية " 1 / 230، وكتابه " الروضة " هو في القراءات الإحدى عشرة، وهي القراءات العشرة المشهورة وقراءة الأعمش. انظر " النشر " 1 / 74.
(2) انظر " الصلة " 2 / 553.
(*) فهرسة ابن خير: 472، 475، وانظر الفهرس، الصلة 2 / 681، معجم الأدباء =(18/555)
الشَّنْتَمَرِيُّ (1) ، الأَنْدَلُسِيُّ، النَّحْوِيُّ، الأَعْلَمُ، وَهُوَ المَشقوق الشَّفَة (2) .
تخرَّج بِإِبْرَاهِيْم بنِ مُحَمَّدٍ الإِفْليلِيّ، وَمُسْلِمِ بن أَحْمَدَ الأَدِيْب.
وَبَرَعَ فِي اللُّغَة وَالنَّحْو وَالأَشعَار، وَجَلَسَ لِلطَّلبَة وَتَكَاثرُوا عَلَيْهِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ (3) .
أَخَذَ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الجَيَّانِيّ وَغَيْرهُ.
وَأَضَرَّ بِأَخَرَة.
وَكَانَ أَحَدَ الأَذكيَاء المُبرِّزِين.
__________
= 20 / 60 - 61، وفيات الأعيان 7 / 81 - 83، المختصر في أخبار البشر 2 / 204، نكت الهميان: 313، مرآة الجنان 3 / 159، بغية الوعاة 2 / 356، كشف الظنون 604، 692، شذرات الذهب 3 / 403، هدية العارفين 2 / 551، تاريخ بروكلمان 5 / 352 - 353.
(1) في " الصلة " 2 / 681: يوسف بن عيسى بن سليمان، وفي " المختصر " 2 / 204: أبو الحجاج بن يوسف بن سليمان، والشنتمري: نسبة إلى شنتمرية، قال ابن خلكان: بفتح الشين المعجمة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوقها والميم وكسر الراء وبعدها ياء مشددة، وبعدها هاء ساكنة وهي مدينة بالاندلس في غربها.
(2) أي العليا، وأما مشقوق الشفة السفلى فيقال له: أفلح.
(3) انظر مصنفاته في " معجم الأدباء " 20 / 61، و" وفيات الأعيان " 7 / 81 - 82.
وقد طبع من تصانيفه " شرح أبيات سيبويه " بهامش كتاب سيبويه، وله كتاب " شرح دواوين الشعراء الستة الجاهليين " وهم امرؤ القيس، والنابغة الذبياني، وعلقمة الفحل، وزهير، وطرفة، وعنترة.
ذكر في مقدمته أنه اعتمد فيما جلبه من هذه الاشعار على أصح رواياتها وهي رواية الاصمعي لتواطؤ الناس عليها واتفاقهم على تفضيلها، ثم أتبع ذلك بما صح من رواياته قصائد متخيرة من قصائد غيره، وقد قام المستشرق أهلوارد بطبعه سنة 1869 م بعد تصحيحه وتهذيبه وترتيبه، ووضع له ذيلا يشتمل على الشعر المنسوب لكل شاعر، ثم قام الأستاذ مصطفى السقا بإعادة نشر هذا المجموع سنة 1930 م باسم مختار الشعر الجاهلي وكذلك فعل الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجة سنة 1954 م.
ثم أفرد بالطبع كل ديوان على حدة، فطبع شرح ديوان زهير بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة سنة 1970 م، وطبع شرح ديوان علقمة عدة طبعات آخرها بتحقيق الاستاذين لطفي الصقال ودرية الخطيب سنة 1969 م بحلب، وشرح ديوان طرفة بتحقيقهما في المجمع العلمي بدمشق، وشرح ديوان عنترة بتحقيق الأستاذ محمد سعيد المولوي في المكتب الإسلامي بدمشق، وشرح ديوان النابغة بتحقيق الأستاذ محمد أبي الفضل إبراهيم.(18/556)
وُلِدَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة، وَعَاشَ بِضْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ شُرَيْح بنُ مُحَمَّدٍ (1) :مَاتَ أَبِي فِي شَوَّال سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَأَعْلَمت بِهِ أَبَا الحَجَّاج الأَعْلَمَ، وَكَانَا كَالأَخوين، فَانْتحب بِالبُكَاء، وَقَالَ: لاَ أَعيش بَعْدَهُ إِلاَّ شَهْراً.
قَالَ: فَكَانَ كَذَلِكَ (2) .
286 - دُبَيْسُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَزْيَدٍ الأَسَدِيُّ *
أَمِيْرُ العَرَب بِالعِرَاقِ، نورُ الدَّوْلَة، دُبيسُ بنُ عَلِيِّ بنِ مزْيَدٍ الأَسَدِيُّ.
كَانَ فَارِساً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ.
عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
رَثَتْهُ الشُّعَرَاء، فَأَكْثَرُوا، وَكَانَ صَاحِبَ مدينَة الحِلَّة (3) ، وَفِيْهِ تَشَيُّع.
مَاتَ: فِي شَوَّال سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(1) في الأصل: محمد بن شريح، وهو خطأ، والتصويب من ترجمته في " الصلة " 1 / 234 - 235، وأبوه تقدمت ترجمته قبل هذه الترجمة مباشرة.
(2) الخبر في " وفيات الأعيان " 7 / 82.
وقد أخطأ ابن العماد حيث أورد وفاته في سنة 495.
(*) المنتظم 8 / 333، الكامل 10 / 121، وفايت الأعيان 2 / 491، ذكره في ترجمة صدقة ابن منصور، دول الإسلام 2 / 6، تاريخ ابن خلدون 4 / 277 وما بعدها، النجوم الزاهرة 5 / 114، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 207.
(3) كذا قال المؤلف، وأما ابن خلكان فقد ذكر في ترجمة سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس، وهو حفيد صاحب هذه الترجمة: أن الحلة اختطها سيف الدولة صدقة المذكور في سنة خمس وتسعين وأربع مئة فنسب إليه.
وقال ابن الأثير في " الكامل " 10 / 440 عند ذكر سيف الدولة صدقة: وهو الذي بنى الحلة السيفية بالعراق، وقال ياقوت عند ذكر حلة بني مزيد: وكان أول من عمرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس.
وكانت منازل آبائه الدور من النيل " معجم البلدان " 2 / 294.
إذن فابن خلكان وابن الأثير وياقوت كلهم أجمعوا على أن الحلة إنما بناها صدقة حفيد صاحب الترجمة وستأتي ترجمة صدقة هذا في الجزء التاسع عشر برقم (165) ، وقد لقبه الذهبي هناك بصاحب الحلة.(18/557)
وَهُوَ الَّذِي ضَرَبَ بِهِ الحَرِيْرِي المَثَل فِي (المَقَامَات (1)) .
تملّكَ بَعْدَهُ وَلدُه بَهَاء الدَّوْلَة مَنْصُوْر (2) ، فَسَارَ إِلَى مُخَيَّم السُّلْطَان مَلِكْشَاه، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَخلعَ عَلَيْهِ الخَلِيْفَة، وَوَلاَّهُ الحِلَّة، فَكَانَتْ أَيَّامُه خَمْس سِنِيْنَ وَمَاتَ (3) ، وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً وَشَاعِراً مُحسناً، نَحْوِيّاً جَيِّدَ السِّيرَة، فَولِي بَعْدَهُ ابْنُه سَيْف الدَّوْلَة صَدَقَةُ بنُ مَنْصُوْر.
287 - الخَبْرِيُّ أَبُو حَكِيْمٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ *
إِمَامُ الفَرَضِيِّين، العَلاَّمَةُ أَبُو حَكِيْمٍ (4) عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الخَبْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
تَفقَّه عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ، وَسَمِعَ مِنَ القَادسِيّ، وَالجَوْهَرِيّ.
__________
(1) ذكر ابن خلكان في " الوفيات " 2 / 263 أن الذي ضرب به الحريري المثل في " المقامات " هو دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي المتوفى سنة 529، من أحفاد المترجم، وقد وهم المؤلف في ذلك، وأورد ذكره الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين، وهي المقامة العمانية، وفيها يصف كيف أحاطت الجماعة بأبي زيد تثني عليه، وتقبل يديه " حتى خيل إلي أنه القرني أويس، الأسدي دبيس " انظر " مقامات الحريري " ص: 342 (ط: صادر) .
(2) انظر " الكامل " 10 / 121.
(3) " الكامل " 10 / 150.
(*) الإكمال 3 / 51، الأنساب 5 / 39، المنتظم 9 / 99 - 100، معجم الأدباء 12 / 46 - 47، معجم البلدان 2 / 344، الاستدراك 1 / لوحة 154 ب - 155 أ، إنباه الرواة 2 / 98، المشتبه 1 / 184، تلخيص ابن مكتوم: 88، طبقات السبكي 5 / 62 - 63، طبقات الاسنوي 1 / 471 - 472، البداية والنهاية 12 / 153، تبصير المنتبه 1 / 362، النجوم الزاهرة 5 / 159، بغية الوعاة 2 / 29، طبقات ابن هداية الله: 172 - 173، كشف الظنون: 692، 779، شذرات الذهب 3 / 353، روضات الجنات: 449، هدية العارفين 1 / 452، والخبري: بفتح الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وفي آخرها الراء المهملة، هذه النسبة إلى خبر: وهي قرية بنواحي شيراز من فارس وقد تصحف في " النجوم الزاهرة " إلى " الخيري "، وفي " كشف الظنون " إلى " الجيزي ".
(4) في " البداية ": أخو أبي حكيم، بزيادة " أخو "، وفي " الشذرات ": أبو حليم، وكلاهما خطأ.(18/558)
وَعَنْهُ: سِبْطُه ابْن نَاصِر (1) ، وَابْنُ كَادش.
وَانتهت إِلَيْهِ الإِمَامَةُ فِي الفَرَائِضِ وَفِي الأَدب.
شرح (الحَمَاسَة) ، وَ (ديوَان) البُحترِيّ وَالمُتنبِيّ وَالرّضِيِّ، وَكَانَ خَيِّراً صَدُوْقاً.
كَانَ يَنسَخُ فِي مصحفٍ، فَوضع القلمَ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَمُوتٌ مُهَنَّأ طيب.
ثُمَّ مَاتَ (2) ، وَذَلِكَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ (3) وَأَرْبَعِ مائَة.
288 - ابْنُ مُنْتَابٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ *
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ مُنتَابٍ البَصْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الدَّقَّاقُ، المُقْرِئُ، مُقْرِئٌ مُجَوِّدٌ مُكْثِرٌ، دَيِّنٌ مَهِيْبٌ، لَقَّنَ جَمَاعَةً خَتَمُوا عَلَيْهِ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ (397) .
سَمِعَ: أَبَا أَحْمَد الفَرَضِيّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بن الحَسَنِ الصَّرصَرِيّ، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ المُجبر، وَأَبَا عُمَر بنَ مَهْدِيٍّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بن البَيِّع، وَالحَسَنَ بن القَاسِمِ الدّبّاس.
__________
(1) هو الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي نسبة إلى مدينة السلام بغداد، المتوفى سنة 550 هـ وسترد ترجمته في الجزء العشرين برقم (180) .
(2) انظر " المنتظم " 9 / 100، و" معجم الأدباء " 12 / 47، و" طبقات " الاسنوي 1 / 472، و" طبقات " السبكي 5 / 63، و" بغية الوعاة " 2 / 29.
(3) في " الاستدراك " أنه توفي سنة ست وتسعين، وذكر في " المنتظم " و" البداية " و" النجوم الزاهرة ": في وفيات سنة تسع وثمانين، ولم يذكر القفطي وفاته.
(*) لم نعثر له على مصادر ترجمة.(18/559)
رَوَى عَنْهُ: مَكِّيُّ الرُّمِيْلِيّ، وَهِبَةُ اللهِ الشِّيْرَازِيّ، وَعبدُ الغَافِرِ بنُ الحُسَيْنِ الكَاشْغَرِيّ، وَعُمَرُ الروَّاسِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عبدِ البَاقِي الأَنْصَارِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَيَحْيَى بنُ الطّرَّاح.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ: سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَخُو أَبِي الغنَائِم بنِ أَبِي عُثْمَانَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ (1) ، فَامْتَنَعَ.
فَكُلِّفَ، فَقَالَ: اصبرُوا إِلَى غَد.
وَدَخَلَ البَيْت فَأَصْبَح مَيتاً - رَحِمَهُ اللهُ -.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَشيَّعه خَلاَئِق.
289 - ابْنُ جَلَبَةَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ الحَرَّانِيُّ الخَزَّازُ *
مُفْتِي حَرَّانَ، وَقَاضِيهَا، أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ (2) بنُ أَحْمَدَ بنِ جَلَبَةَ الحَرَّانِيُّ، الخَزَّازُ (3) .
تَفقَّه بِالقَاضِي أَبِي يَعْلَى بنِ الفَرَّاء، وَكَتَبَ تَصَانِيْفه.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيّ بن شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِيّ، وَالحَسَنِ بن شِهَابٍ العُكْبَرِيّ.
__________
(1) أي أن يكون شاهدا.
(*) الاستدراك 1 / 88 ب، الكامل 10 / 129 - 130، العبر 3 / 283 - 284، تبصير المنتبه 1 / 258، و333 و343، وقد تصحف في الصفحة 333 إلى " حلية " بالحاء المهملة والياء المثناة، شذرات الذهب 3 / 352.
(2) في " الشذرات " 3 / 352: عبد الله بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة وهو خطأ.
(3) نسبة إلى الخز وبيعه كما في " تبصير المنتبه " 1 / 333، وقد تصحف في " ذيل طبقات الحنابلة " إلى: الجزار، بجيم وآخره راء مهملة.(18/560)
أَخَذَ عَنْهُ: مَكِّيّ الرُّمِيْلِيّ (1) ، وَالرَّحَّالَة.
وَقُتِلَ شهيداً.
وَكَانَ وَلِيَ قَضَاءَ حَرَّان نِيَابَةً مِنْ أَبِي يَعْلَى. درَّس وَوعظ وَخَطَبَ وَنشر السُّنَّة (2) .
قَتله ابْنُ قُرَيْش العُقَيْلِيّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ (3) ، عِنْد قيَام أَهْل حرَّان عَلَى ابْنِ قُرَيْش لَمَّا أَظهر سبَّ الصَّحَابَة (4) .
وَقَدْ رَوَى السِّلَفِيُّ فِي بلد مَاكسِين (5) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَامِد، عَنْهُ.
290 - البَكْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ عَتِيْقٌ المَغْرِبِيُّ الأَشْعَرِيُّ *
الوَاعِظُ، العَالِمُ، أَبُو بَكْرٍ عَتِيْقٌ البَكْرِيُّ، المَغْرِبِيُّ (6) ، الأَشْعَرِيُّ.
وَفَدَ عَلَى النّظَامِ الوَزِيْرِ، فَنفَق عَلَيْهِ، وَكَتَبَ لَهُ تَوقيعاً بِأَن يَعِظَ بجَوَامع بَغْدَاد، فَقَدم وَجَلَسَ، وَاحتفل الخلقُ، فَذَكَرَ الحنَابلَةَ، وَحطَّ
__________
(1) تصحف في " الشذرات " إلى " الدميلي ".
(2) الخبر في " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 42 - 43.
(3) في تبصير المنتبه 1 / 334 أنه قتل سنة (496) وهو خطأ.
(4) انظر " الكامل " 10 / 129 - 130 وفيه " ابن حلبة " وانظر " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 43، وانظر ترجمة ابن قريش المتقدمة برقم (246) .
(5) قال ياقوت: ماكسين، بكسر الكاف: بلد بالخابور قريب من رحبة مالك بن طوق من ديار ربيعة.
(*) المنتظم 9 / 3 - 4، الكامل 10 / 124 - 125، العبر 3 / 284 - 285، شذرات الذهب 3 / 353.
(6) تحرفت في " الشذرات " 3 / 353 إلى " المقرئ ".(18/561)
وَبَالَغَ وَنَبَزَهم بِالتجسيم، فَهَاجتِ الفِتْنَةُ، وَغَلَتْ بِهَا المرَاجلُ، وَكفَّر هَؤُلاَءِ هَؤُلاَء، وَلَمَّا عزم عَلَى الجُلُوْس بِجَامِع المَنْصُوْر؛ قَالَ نَقيب النُّقَبَاء: قِفُوا حَتَّى أَنْقُلَ أَهْلِي، فَلاَ بُدَّ مِنْ قتلٍ وَنهبٍ.
ثُمَّ أُغلقت أَبْوَابُ الجَامِع، وَصَعِد البَكْرِيُّ، وَحَوْلَهُ التُّرْكُ بِالقِسِيِّ، وَلُقِّبَ بِعَلَم السُّنَّة، فَتعرَّض لأَصْحَابِهِ طَائِفَةٌ مِنَ الحنَابلَة، فَشدّت (1) الدَّوْلَة مِنْهُ، وَكُبِسَتْ دُور بنِي القَاضِي ابْنِ الفَرَّاء، وَأُخِذَتْ كتُبهُم، وَفِيْهَا كِتَابٌ فِي الصِّفَات، فَكَانَ يُقرَأُ بَيْنَ يَدي البَكْرِيّ، وَهُوَ يُشَنِّعُ وَيُشَغِّبُ، ثُمَّ خَرَجَ البَكْرِيُّ إِلَى المعَسْكَر متشكياً مِنْ عَمِيْدِ بَغْدَاد أَبِي الفَتْح بن أَبِي اللَّيْث.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَعظ وَعظَّم الإِمَام أَحْمَد، ثُمَّ تَلاَ: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِيْنَ كَفَرُوا} [البَقَرَة:102] .
فَجَاءتْهُ حَصَاةٌ ثُمَّ أُخْرَى، فَكشفَ النَّقيبُ عَنِ الحَال، فَكَانُوا نَاساً مِنَ الهَاشِمِيين حنَابلَةً قَدْ تخبَّؤُوا فِي بطَانَة السَّقف، فَعَاقبهم النَّقيبُ، ثُمَّ رَجَعَ البَكْرِيُّ عليلاً.
وَتُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَة سَنَة سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) .
291 - ابْنُ القُشَيْرِيِّ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِنَ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ ابنُ الشَّيْخِ أَبِي القَاسِمِ عبدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِن القُشَيْرِيُّ (3) ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَطَائِفَةً، وَبِبَغْدَادَ مِنَ القَاضِي أَبِي الطَّيِّب، وَالجَوْهَرِيِّ.
__________
(1) في الأصل: فشد.
(2) انظر " المنتظم " 9 / 3 - 4، و" الكامل " 10 / 124 - 125.
(*) العبر 3 / 287، شذرات الذهب 3 / 354.
(3) تقدمت ترجمة والده برقم (109) .(18/562)
وَعَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَابْنُ أَخِيْهِ هبَةُ الرَّحْمَن.
وَتُوُفِّيَ قَبْل وَالِدته فَاطِمَة بِنْتِ الدَّقَّاق (1) ، وَكَانَ زَاهِداً، مُتَأَلِّهاً، متصوّفاً، كَبِيْرَ القَدْرِ، ذَا عِلْمٍ وَذكَاء وَعِرفَان.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
292 - ابْنُ رِزْقٍ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رِزْقٍ القُرْطُبِيُّ.
تَفقَّه بِابْنِ القَطَّان.
وَرَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَتَّاب، وَأَبِي شَاكِر القَبْرِيّ، وَابْنِ عبدِ البرّ.
تَفقَّه بِهِ: أَبُو الوَلِيْدِ بنُ رشد، وَقَاسِمُ بنُ الأَصْبَغ، وَهِشَامُ بنُ إِسْحَاقَ.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلين، دَيِّناً، صَالِحاً، حليماً، خَاشعاً، يَتوَقَّد ذكَاءً.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُغِيْث: كَانَ أَذكَى مَنْ رَأَيْتُ فِي عِلم المَسَائِل، وَأَليَنهم كلمَةً، وَأَكْثَرهم حرصاً عَلَى التَّعَلِيْم، وَأَنفعَهم لطَالبِ فَرعٍ، عَلَى مُشَارَكَةٍ لَهُ فِي علم الحَدِيْث (2) .
__________
(1) تقدمت ترجمتها برقم (243) .
(*) الصلة 1 / 65 - 66، بغية الملتمس: 167، الديباج المذهب 1 / 182 - 183، شجرة النور 1 / 121.
(2) الخبر في " الصلة " 1 / 66.(18/563)
قُلْتُ: عَاشَ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ فَجْأَةً فِي شَوَّال سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال (1) :كَانَ مَدَارُ طلبَةِ الفِقْه بقُرْطُبَة عَلَيْهِ فِي المُنَاظرَة وَالتَّفَقُّه.
293 - نَافِلَةُ الإِسْمَاعِيْلِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْعَدَةَ *
الإِمَامُ، المُفْتِي، الرَّئِيْسُ، أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْعَدَةَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ الإِمَامِ الكَبِيْرِ أَبِي بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، الجُرْجَانِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَمَّه المُفَضَّل، وَحَمْزَةَ بنَ يُوْسُفَ الحَافِظ، وَالقَاضِي مُحَمَّد بنَ يُوْسُفَ الشَّالَنْجِيّ (2) ، وَأَحْمَدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الرِّبَاطِيّ.
وَعَنْهُ: زَاهِرٌ الشَّحَّامِيّ، وَأَخُوْهُ وَجيهٌ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ، وَأَبُو الْكَرم الشَّهرزُورِيّ، وَأَبُو الْبَدْر الكَرْخِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ بجُرْجَان وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَكَانَ صدراً، مُعَظَّماً، إِمَاماً، وَاعِظاً، بَلِيْغاً، لَهُ النَّظْمُ وَالنَّثر وَسَعَةُ العِلْم (3) .
رَوَى ابْنُ السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْهُ كِتَابَ (الكَامِل) لابْنِ عَدِيّ.
__________
(1) " الصلة " 1 / 66.
(*) المنتظم 9 / 10 - 11، الكامل 10 / 141، العبر 3 / 286، الوافي بالوفيات 9 / 223 - 224، شذرات الذهب 3 / 354.
(2) قال ابن الأثير: الشالنجي، بفتح الشين واللام بينهما ألف ساكنة وسكون النون وفي آخرها جيم: هذه النسبة إلى بيع الاشياء من الشعر كالمخلاة والمقود والحبل.
(3) انظر " المنتظم " 9 / 10 - 11.(18/564)
294 - الفَارمْذِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُرَاسَانِيُّ *
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، أَبُو عَلِيٍّ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارمذِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، الوَاعِظُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ فِي رُجوليَّتِه مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ بَاكويه، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ عبدِ القَاهِر البَغْدَادِيّ المُتَكَلِّم، وَأَبِي حَسَّانٍ المزكِّي، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: عبدُ الغَافِرِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الخَرْكُوشِيّ، وَأَبُو الخَيْرِ جَامِع السّقَّا، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عبدُ الغَافِر: هُوَ شَيْخُ الشُّيُوْخ فِي عصره، المُنْفَردُ بطرِيقتِهِ فِي التَّذكير، الَّتِي لَمْ يُسبق إِلَيْهَا فِي عبَارته وَتَهْذِيْبه، وَحُسنِ أَدَائِهِ، وَمليحِ اسْتَعَارته، وَدقيقِ إِشَارته، وَرِقَّةِ أَلْفَاظه، وَوَقْع كَلاَمه فِي القُلُوْب.
صحب القُشَيْرِيَّ، وَأَخَذَ فِي الاجْتِهَاد البَالغ، وَكَانَ ملحوظاً مِنَ الإِمَام بعينِ العنَايَة، مُوفِّراً عَلَيْهِ مِنْهُ طرِيقَةُ الهدَايَة، ثُمَّ عَادَ إِلَى طُوْس، وَصَاهرَ أَبَا القَاسِمِ كُرَّكَانَ (1) ، وَكَانَ لَهُ قَبولٌ عَظِيْم فِي الْوَعْظ، وَكَانَ نِظَام المُلْك يَتَغَالَى فِيْهِ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى الصُّوْفِيَّة أَكْثَرَ مَا يُفتح عَلَيْهِ بِهِ.
تُوُفِّيَ الأُسْتَاذ أَبُو علِيٍّ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(*) الأنساب 9 / 219، معجم البلدان 4 / 228، اللباب 2 / 405، العبر 3 / 288، دول الإسلام 2 / 8، شذرات الذهب 3 / 355 - 356، والفارمذي: ضبطت في الأصل بسكون الميم وضبطها السمعاني بفتح الراء والميم، وضبطها ياقوت بسكون الراء وفتح الميم: وهي نسبة إلى فارمذ قرية من قرى طوس.
(1) تقدمت ترجمته برقم (202) .(18/565)
وَفِيْهَا مَاتَ: عَالِمُ قُرْطُبَة أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رزق تَفَقَّهَ بابْن القَطَّان (1) ، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْعَدَةَ الإِسْمَاعِيْلِيّ (2) ، وَبِيْبَى الهَرْثَمِيَّة (3) ، وَأَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ ابنُ الشَّيْخ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ العَابِدُ (4) ، وَشيخُ الشَّافِعِيَّة أَبُو نَصْرٍ عبدُ السَّيِّد بن مُحَمَّدِ بنِ الصّبَّاغ (5) ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ كُلار البُوْشَنْجِيّ (6) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمَّار المَهْرِيّ، الوَزِيْر (7) ، وَزَرَ لِلمُعتمد، وَمَسْعُوْدُ بنُ نَاصِر السِّجْزِيّ الرَّكَّاب (8) .
295 - أَبُو عِيْسَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الأَدِيْبُ، الزَّاهِدُ، رَاوِي نُسْخَة لُوين، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المَرْزُبَان الأَبْهَرِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ الحَافِظ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الصَّالِحَانِيّ، وَمَسْعُوْدٌ الثَّقَفِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الرُّستمِيّ، وَآخَرُوْنَ.
بَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَة سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَكَانَ مِنْ بَقَايَا العُلَمَاءِ العُبَّاد - رَحِمَهُ اللهُ -.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (292) والتصويب منها.
(2) تقدمت ترجمته قبل هذه الترجمة مباشرة.
(3) تقدمت ترجمتها برقم (201) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (291) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (238) .
(6) تقدمت ترجمته برقم (227) .
(7) سترد ترجمته برقم (304) وفيها وفاته سنة (479) .
(8) تقدمت ترجمته برقم (273) .
(*) لم نعثر على مصادر ترجمة.(18/566)
296 - ابْنُ دِلْهَاثٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَنَسٍ العُذْرِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَنَسِ بنِ دِلْهَاثِ بنِ أَنَسِ بنِ فَلْذَان (1) بنِ عُمَرَ (2) بنِ مُنِيبٍ العُذْرِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، المَرِيَّيّ، الدَّلاَئِيُّ.
وَدلاَيَة: مِنْ قرَى المَرِيَّة.
مَوْلِدُهُ: فِي رَابعِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَحَجَّ بِهِ أَبوَاهُ وَهُوَ حَدَثٌ، فَقَدِمُوا مَكَّة فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة فِي رَمَضَانهَا، فَجَاورُوا ثَمَانِيَة أَعْوَام، فَأَخَذَ (صَحِيْح مُسْلِم) عَنْ أَبِي العَبَّاسِ بن بُنْدَار الرَّازِيّ، وَلاَزَمَ أَبَا ذَرٍّ الهَرَوِيّ، وَسَمِعَ مِنْهُ (صَحِيْح البُخَارِيّ) سَبْعَ مَرَّاتٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بن جَهْضَم، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ نُوْح، وَعَلِيِّ بنِ بُنْدَار القَزْوِيْنِيّ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ بِمِصْرَ فِيمَا أَعْلَم (3) .
وَسَمِعَ بِالأَنْدَلُسِ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ الحُسَيْن بن يَعْقُوْبَ البَجَّانِيّ؛ صَاحِب ابْن فَحلُوْنَ، وَمِنْ أَبِي عُمَرَ بنِ عَفِيْف، وَيُوْنُسَ بن عَبْدِ اللهِ، وَالمُهَلَّبِ بن أَبِي صُفْرَةَ (4) ، وَأَبِي عُمَرَ السَّفَاقُسِيّ. وَعُمِّر، وَأَلحقَ الصّغَارَ بِالكِبَارِ.
__________
(*) جذوة المقتبس: 136 - 139، الأنساب 5 / 389 (الدلايي) ، الصلة 1 / 66 - 67، بغية الملتمس: 195 - 197، معجم البلدان 2 / 460، اللباب 1 / 522، العبر 3 / 290، دول الإسلام 2 / 8، مرآة الجنان 3 / 122، شذرات الذهب 3 / 357 - 358، إيضاح المكنون 1 / 104، 2 / 656، هدية العارفين 1 / 80، شجرة النور الزكية 1 / 121.
(1) في " معجم البلدان " 2 / 460: فلهدان بدل فلذان.
(2) في " الصلة " 1 / 66: عمران بدل عمر.
(3) في " الأنساب " 5 / 389: أنه سمع بمصر جماعة.
(4) هو القاضي أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي من أهل المرية، الفقيه الحافظ المتوفى سنة 436 هـ تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (384) .(18/567)
وَصَنَّفَ (دلاَئِل النُّبُوَّة) ، وَكِتَاب (المسَالك وَالممَالِك (1)) ، وَغَيْر ذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ حَزْمٍ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البرّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الوَقَّشِيّ (2) ، وَالحُمَيْدِيّ، وَطَاهِرُ بنُ مفوّز، وَأَبُو عَلِيٍّ الجَيَّانِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو بَحْرٍ بنُ العَاصِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ شِبرِيْنَ، وَعِدَّة.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ سَنَة ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصَلَّى عَلَيْهِ، ابْنُه أَنَس - رَحِمَهُ اللهُ -.
297 - البُرِّيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ *
الشَّيْخُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ المُوحّد السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
عُرف بِابْنِ البُرِّي.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نَصْرٍ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بن الحبَّانِ، وَمَنْصُوْر بن رَامش.
وَعَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَالفَقِيْهُ نَصْر، وَالزَّكِي يَحْيَى بنُ عَلِيٍّ، وَنَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتل، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(1) ورد اسمه في " معجم البلدان ": " نظام المرجان في المسالك والممالك "، وكذلك هو في " إيضاح المكنون " 2 / 656.
(2) بفتح الواو وتشديد القاف والشين معجمة، نسبة إلى وقش: مدينة بالاندلس من أعمال طليطلة.
أنظر " معجم البلدان " 5 / 381 وفيه ترجمة أبي الوليد هذا.
(*) المشتبه 1 / 64، تبصير المنتبه 1 / 139، قال ابن حجر: المشهور فيه بالفتح، تهذيب تاريخ ابن عساكر 4 / 232.(18/568)
298 - ابْنُ مَاكُوْلا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ العِجْلِيُّ *
المَوْلَى، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، النَّسَّابَةُ، الحُجّةُ، أَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ (1) بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيِّ (2) بنِ جَعْفَرِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ الأَمِيْر دُلف ابْنِ الأَمِيْر الجَوَاد قَائِد الجُيُوْش أَبِي دُلف القَاسِمِ بنِ عِيْسَى العِجْلِيُّ الجَرْباذْقَانِيُّ (3) ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ كِتَابِ (الإِكمَال فِي مُشْتَبه النّسبَة (4)) ، وَغَيْر ذَلِكَ، وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَاب (مُسْتمر الأَوهَام) (5) .
__________
(*) تاريخ ابن عساكر 12 / 280 / 1 - 281 / 1، المنتظم 9 / 5 و79، معجم الأدباء 15 / 102 - 111، الكامل 10 / 128، وفيات الأعيان 3 / 305 - 306، المختصر في أخبار البشر 2 / 194، دول الإسلام 2 / 17، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 201 - 203، تتمة المختصر 1 / 573، فوات الوفيات 3 / 110 - 112، مرآة الجنان 3 / 143 - 144، البداية والنهاية 12 / 123 - 124 و145 - 146، طبقات ابن قاضي شهبة في وفيات 475، النجوم الزاهرة 5 / 115 - 116، طبقات الحفاظ: 444، كشف الظنون: 1637، 1758، شذرات الذهب 3 / 381 - 382، هدية العارفين 1 / 693، الرسالة المستطرفة 116، مقدمة الإكمال 1 / 7 - 8 و18 - 61، تاريخ بروكلمان 6 / 176 - 178 من النسخة العربية.
(1) سقط اسم " علي " هذا من نسبه عند ابن شاكر في " فوات الوفيات " 3 / 110.
(2) في " المنتظم " و" معجم الأدباء " و" وفيات الأعيان ": ابن علكان، بدل علي.
(3) انظر الصفحة: 353 تعليق رقم (2) .
(4) واسمه الكامل: " الإكمال في رفع عارض الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب " جمع فيه ما في " المؤتلف والمختلف " للدارقطني و" تكملته " للخطيب البغدادي و" المؤتلف والمختلف " و" مشتبه النسبة " لعبد الغني الأزدي، مع ما شذ عنها، وأسقط ما لا يقع الاشكال فيه مما ذكروه، وذكر ما وهم فيه أحدهم على الصحة، وما اختلفوا فيه وكان لكل قول وجه ذكره. انظر مقدمته لهذا الكتاب.
وقد طبع بتحقيق العلامة المرحوم عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني بدائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن في الهند.
وقد عمل ابن نقطة البغدادي المتوفى سنة 629 على هذا الكتاب تكملة بعنوان " تكملة الإكمال " وعلى هذه التكملة " ذيل " لوجيه الدين منصور بن سليم الهمذاني محتسب الإسكندرية المتوفى سنة 673 هـ منه نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية برقم 678 - تاريخ، وعندنا منه نسخة مصورة.
(5) في " كشف الظنون ": " تهذيب مستمر الاوهام " وانظر " تاريخ بروكلمان " 6 / 177 - 178 النسخة العربية، وفيه ذكر النسخ الخطية لبعض مؤلفاته.(18/569)
وَعِجل: هم بطنٌ مِنْ بَكْر بنِ وَائِلٍ ثُمَّ مِنْ رَبِيْعَة أَخِي مُضَرَ ابْنَي نِزَارِ بنِ مَعَدٍّ بنِ عدنَان.
مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة بقَرْيَة عُكْبَرَا.
هَكَذَا قَالَ (1) .
سَمِعَ: بُشرَى بن مَسِيس الفَاتِنِيّ، وَعُبيدَ الله بن عُمَرَ بنِ شَاهِيْن، وَمُحَمَّدَ بن مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدٍ السّوَّاق، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ العَتِيْقِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَالقَاضِي أَبَا الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَعبدَ الصَّمد بن مُحَمَّدِ بنِ مُكْرم، وَطَبَقَتهم بِبَغْدَادَ، وَأَبَا القَاسِمِ الحِنَّائِيّ، وَطَبَقَته بِدِمَشْقَ، وَأَحْمَدَ بنَ القَاسِمِ بن مَيْمُوْنِ بنِ حَمْزَةَ، وَعِدَّةً بِمِصْرَ، وَسَمِعَ بِخُرَاسَانَ وَمَا وَرَاء النَّهْر وَالجِبَال وَالجَزِيْرَة وَالسَّوَاحل، وَلقِي الحُفَّاظ وَالأَئِمَّة (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ شَيْخُه، وَالفَقِيْهُ نَصْرٌ المَقْدِسِيّ، وَالحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاق، وَشُجَاعُ بنُ فَارِسٍ الذُّهْلِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان التّركِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المَهْدِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْديّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ بيَان، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَم الكَاتِب، وَآخَرُوْنَ.
أَخْبَرَنِي أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ زكِي الحَافِظ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الخَالِق الأُمَوِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
__________
(1) في تاريخ ولادة المترجم عدة أقوال ذكرها المعلمي اليماني في " مقدمة الإكمال ": 1 / 20 - 23، ثم رجح منها سنة 421.
(2) انظر مقدمة اليماني للاكمال 1 / 25 - 27، فقد ذكر كثيرا من شيوخه.(18/570)
الأَصْبَهَانِيّ، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي التَّائِب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنْبَأَنَا السِّلَفِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ العِجْلِيُّ الحَافِظ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مَهْدِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ العَبْدَوِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ مَطَر، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ يُوْسُفَ الهِسِنْجَانِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ صَاحِبُ أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، حَدَّثَنَا عُبيدُ الله بنُ مُعَاذ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَفْص، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كُنَّ أَزْوَاجُ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذْنَ مِنْ رُؤُوْسِهِنَّ حَتَّى تَكُوْنَ كَالوَفْرَةِ (1) .
أَحْمَدُ بنُ مَهْدِيّ هَذَا هُوَ الخَطِيْب، أَخْبَرَنَا بِهِ عبدُ الوَاسِع الأَبْهَرِيّ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَرَكَات، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب، أَخْبَرَنَا الخَطِيْب ... ، فَذَكَره ثُمَّ زَادَ فِي آخِره:
قَالَ الهِسِنْجَانِيّ، حدثنَاهُ عُبَيْد اللهِ بن مُعَاذٍ ... ، فَذَكَره، ثُمَّ قَالَ الخَطِيْبُ:
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ صَالِحِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الهِسِنْجَانِيّ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ نَحْوَه.
قُلْتُ: فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاكُوْلا وَقَعَ خَلَلٌ، وَهُوَ قَوْله: أَبُو الفَضْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ الفَضْلُ، وَسقط عِنْد يُوْسُف الحَافِظ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَل.
أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو الغَنَائِمِ القَيْسِيّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (320) من طريق عبيد الله بن معاذ بهذا الإسناد.
ومعنى الحديث: أنهن يأخذن من شعر رؤوسهن، ويخففن من شعورهن حتى تكون كالوفرة، وهي من الشعر ما كان إلى الاذنين ولا يجاوزهما.(18/571)
الحَسَن، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظ، قَالَ:
كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ الحُسَيْنِيّ مِنْ مِصْرَ، وَحَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَزْهَرِ السّمنَاوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ - هُوَ ابْنُ عِيْسَى الوشَا - حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عِيْسَى بِالرّملَة - بغدَادِي سَنَة (250) -، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَس قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِذَا بَكَى اليَتِيْمُ وَقَعَتْ دُمُوْعَهُ فِي كَفِّ الرَّحْمَن، فَيَقُوْلُ: مَنْ أَبَكَى هَذَا اليَتِيْمَ الَّذِي وَارَيْتُ وَالِدَيْهِ تَحْتَ التُّرَابِ؟ مَنْ أَسْكَتَهُ فَلَهُ الجَنَّةُ) .
قَالَ الخَطِيْبُ (1) :هَذَا مُنْكَرٌ، روَاتُه مَعْرُوْفُوْنَ سِوَى مُوْسَى.
قُلْتُ: هُوَ الَّذِي افْترَاهُ (2) .
أُنْبِئت عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الأَخضر وَغَيْرهُ، عَنِ ابْنِ نَاصِر، أَنَّ أَبَا نَصْر الأَمِيْر كتب إِلَيْهِ، (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنِ الأَرتَاحِيّ (3) ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ بن الفَرَّاء، عَنِ ابْنِ مَاكُوْلا قَالَ:
أَخْبَرَنَا مظفرُ بنُ الحَسَنِ سِبْطُ ابْنِ لاَل، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشيرَازِيّ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ بنِ الشَّاه، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَغْدَادِيّ بِأَنْطَاكِيَةَ، حَدَّثَنَا
__________
(1) في " تاريخه " 13 / 42، ونص كلامه: هذا حديث منكر جدا لم أكتبه إلا بإسناده، ورجالهم كلهم معروفون إلا موسى بن عيسى، فإنه مجهول، وحديثه عندنا غير مقبول.
(2) في " الميزان " 4 / 216: موسى بن عيسى البغدادي عن يزيد بن هارون بخبر كذب: إذا بكى اليتيم.
(3) بالراء والتاء المثناة الفوقية والحاء المهملة نسبة إلى أرتاح وهو اسم حصن منيع كان من العواصم من أعمال حلب ... والمنسوب هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حامد بن مفرج بن غياث الارتاحي المتوفى سنة (601) هـ ذكره المعلمي اليماني في هامش " الأنساب 1 / 172 - 173 نقلا عن " تاريخ دمشق ".(18/572)
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيّ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ نَجِيْح، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ فَأْفَأَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوا إِلَى مَا قَدَّمُوا) .
وَقرَأْتُهُ بِمِصْرَ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عبدُ السَّلاَّم بن فَتحَة السَّرْفُولِيّ، حَدَّثَنَا برقوه سَنَة ثَمَان عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا شَهْردَارُ بنُ شِيْرَوَيْه الدَّيْلمِيّ سَنَة (554) ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ البَيِّع، أَخْبَرَنَا حُمَيْد بن مَأْمُوْن، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيْرَازِيّ فِي كِتَابِ (الأَلقَاب) لَهُ، فَذَكَره ثُمَّ قَالَ:
وَفَأْفَأَةُ هُوَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضّرِير.
وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلا: بَلْ هُوَ إِسْمَاعِيْل الكِنْدِيّ شَيْخٌ لبَقِيَّة.
وَالحَدِيْث فَفِي (صَحِيْح البُخَارِيّ (1)) :حَدَّثَنَا آدَم، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، فَهُوَ يَعلو لَنَا بدرجَات، فَكَأَنِّي لَقِيْتُ فِيْهِ الشيرَازِيَّ.
قَالَ شِيْرَوَيْه الدّيلمِيّ فِي كِتَابِ (الطَّبَقَات) لَهُ: كَانَ الأَمِيْر أَبُو نَصْرٍ يُعْرَفُ بِالوَزِيْر سَعْدِ المُلْكِ ابْنِ مَاكُوْلا، قَدِمَ رَسُوْلاً مرَاراً.
سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ حَافِظاً مُتْقِناً، عُنِي بِهَذَا الشَّأْن، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ بَعْدَ الخَطِيْب
__________
(1) رقم (393) في الجنائز: باب ما ينهى عن سب الاموات، وأخرجه أيضا (6516) في الرقاق من طريق علي بن الجعد عن شعبة به، وهو في سنن أبي داود (4899) والنسائي 4 / 52، 53.
وقوله: " أفضوا " أي: وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر، واستدل بهذا الحديث على منع سب الاموات مطلقا، قال الحافظ ابن حجر: وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر؟ ساوئهم للتحذير منهم، والتنفير عنهم وأن عموم قوله: " لا تسبوا الاموات " مخصوص بحديث أنس عند البخاري (1367) ومسلم (949) حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير والشر: " وجبت وأنتم شهداء الله في الأرض " ولم ينكر عليهم، وقد اتفق العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا.(18/573)
أَحَد أَفْضَلَ مِنْهُ.
حضَر مَجْلِسه الكِبَارُ مِنْ شُيُوْخنَا، وَسَمِعُوا مِنْهُ (1) .
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ: وَزر أَبُوْهُ هِبَةُ اللهِ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ القَائِم، وَوَلِيَ عَمُّه الحُسَيْن قَضَاءَ القُضَاة بِبَغْدَادَ ... إِلَى أَنْ قَالَ:
وَوُلِدَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ.
كَذَا هُنَا سَنَة إِحْدَى (2) .
قَالَ الحُمَيْدِيُّ: مَا رَاجعت الخَطِيْب فِي شَيْءٍ إِلاَّ وَأَحَالنِي عَلَى الكِتَاب، وَقَالَ: حَتَّى أَكْشِفَه.
وَمَا رَاجعتُ ابْن مَاكُوْلا فِي شَيْءٍ إِلاَّ وَأَجَابْنِي حِفْظاً كَأَنَّهُ يَقرَأُ مِنْ كِتَاب (3) .
قَالَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق: لمَا بلغَ الخَطِيْبَ أَنَّ ابْنَ مَاكُوْلا أَخَذَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ (المُؤتنف) ، وَأَنَّهُ صَنّف فِي ذَلِكَ تَصنَيِّفاً، وَحضر ابْنُ مَاكُوْلا عِنْدَهُ، وَسَأَلَهُ الخَطِيْبُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْكَر، وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ، وَأَصرَّ، وَقَالَ: هَذَا لَمْ يَخْطُر بِبَالِي.
وَقِيْلَ: إِنَّ التَّصنِيف كَانَ فِي كمّه، فَلَمَّا مَاتَ الخَطِيْبُ أَظَهْره.
وَهُوَ الكِتَاب المُلَقَّب بِـ (مُسْتمر الأَوهَام) (4) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الحَبَّال يَمدحُ أَبَا نَصْرٍ بن مَاكُوْلا، وَيُثنِي عَلَيْهِ، وَيَقُوْلُ: دَخَلَ مِصْرَ فِي زِيِّ الكَتَبَة، فَلَمْ نَرْفَع بِهِ رَأْساً، فَلَمَّا عرفنَاهُ كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ بِهَذَا الشَّأْن (5) .
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1203.
(2) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1203.
(3) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1203 - 1204، و" معجم الأدباء " 15 / 10، و" المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 202.
(4) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1204، و" معجم الأدباء " 15 / 110 - 111.
(5) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1204، و" معجم الأدباء " 15 / 103 - 104.(18/574)
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ ابْنُ مَاكُوْلا لبِيْباً، عَالِماً، عَارِفاً، حَافِظاً، يُرَشَّحُ لِلحفظ حَتَّى كَانَ يُقَالُ لَهُ: الخَطِيْبُ الثَّانِي، وَكَانَ نَحْويّاً مجُوِّداً، وَشَاعِراً مبرّزاً، جَزْلَ الشّعر، فَصيح العِبَارَة، صَحِيْحَ النَّقل، مَا كَانَ فِي البَغْدَادِيِّيْنَ فِي زَمَانِهِ مِثْلُهُ، طَاف الدُّنْيَا، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ (1) .
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَحَبَّ العِلْمَ مِنَ الصِّبَا، وَطلبَ الحَدِيْث، وَكَانَ يُحضر المَشَايِخ إِلَى مَنْزِلهمْ (2) ، وَيسمع، وَرَحَلَ وَبَرَعَ فِي الحَدِيْثِ، وَأَتقنَ الأَدب، وَلَهُ النَّظْمُ وَالنثرُ وَالمُصَنّفَات.
نَفَّذَه المُقْتَدِي بِاللهِ رَسُوْلاً إِلَى سَمَرْقَنْد وَبُخَارَى لأَخْذ البَيْعَة لَهُ عَلَى ملكهَا طَمْغَان الخَان (3) .
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بن الدَّوَاتِي: اجْتَمَعتُ بِالأَمِيْر ابْن مَاكُوْلا، فَقَالَ لِي: خُذْ جُزئِين مِنَ الحَدِيْثِ، فَاجعل مُتُوْنَ هَذَا لأَسَانِيْدِ هَذَا، وَمُتُوْنَ الثَّانِي لأَسَانِيْدِ الأَوَّل، حَتَّى أَرُدُّهَا إِلَى الحَالَة الأُوْلَى (4) .
قَالَ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: سَأَلتُ أَبَا الغنَائِم النَّرْسِيّ عَنِ الخَطِيْب، فَقَالَ: جَبَلٌ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ، مَا رَأَينَا مِثْلَه، وَمَا سَأَلتُه عَنْ شَيْءٍ فَأَجَابَ فِي الحَال، إِلاَّ يَرْجِعُ إِلَى كِتَابِه (5) .
قَدْ مرَّ أَنَّ الأَمِيْر كَانَ يُجيب فِي الحَال، وَهَذَا يَدلُّ عَلَى قوَّة حفظه، وَأَمَّا الخَطِيْب فَفعلُه دَالٌّ عَلَى وَرَعِهِ وَتَثَبُّتِه.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1204.
(2) أي: إلى منزل أهله.
(3) أنظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1204.
(4) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1204 - 1205.
(5) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1205.(18/575)
السِّلَفِي: سَأَلْتُ شجاعاً الذهليّ عَن ابْن مَاكُولَا، فَقَالَ: كَانَ حافظاً، فَهْماً، ثِقَة، صنَّف كتباً فِي علم الحَدِيث (1) .
قَالَ الْمؤْتَمن السّاجيُّ الْحَافِظ: لَمْ يلزمِ ابْنُ مَاكُولَا طريقَ أهل الْعلم، فَلم ينْتَفع بِنَفسِهِ (2) .
قلت: يُشير إِلَى أَنه كَانَ بِهَيْئَة الْأُمَرَاء وبرفاهَيَتهم.
قَالَ الْحَافِظ ابْنُ عَسَاكِر: سمعتُ إِسْمَاعِيل بنَ السمرقنديّ يذكر أنَّ ابْنَ مَاكُولَا كَانَ لَهُ غِلْمَانٌ تُرْكٌ أَحْدَاث، فَقَتَلُوهُ بجُرجان فِي سنة نيفٍ وَسَبْعين وأَرْبَعِ مائَة (3) .
وَقَالَ الحَافظ ابْنُ نَاصر: قُتِلَ الحافظُ ابْنُ مَاكُولَا، وَكَانَ قد سَافر نَحْو كِرمان وَمَعَهُ مماليكُه الْأَتْرَاك، فَقَتَلُوهُ، وَأخذُوا مَاله، فِي سنة خمسٍ وَسَبْعين وأَرْبَعِ مِئَة.
هَكَذَا نقل ابْنُ النّجّار هَذَا (4) .
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد السّمعانيّ: سمعتُ ابْن نَاصر يَقُوْل: قُتِلَ ابْنُ مَاكُولَا بِالْأَهْوَاز إِمّا فِي سنة ستٍّ - أَو سنة سبعٍ - وَثَمَانِينَ وأَرْبَعِ مائَة (5) .
وَقَالَ السّمعانيّ: خرج مِنْ بَغْدَاد إِلَى خُوزستَان، وقُتِلَ هنَاك بعد الثَّمَانِينَ (6) .
وَقَالَ أَبُو الفَرَجِ الحَافِظ فِي (الْمُنْتَظِم) :قُتِلَ سَنَةَ خَمْسٍ
__________
(1) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1205، و" المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 202.
(2) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1205، و" المستفاد ": 202 - 203.
(3) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1205.
(4) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1205، و" المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 203.
(5) انظر " معجم الأدباء " 15 / 104، و" تذكرة الحفاظ " 4 / 1205.
(6) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1205.(18/576)
وَسَبْعِيْنَ، وَقِيْلَ: سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ (1) .
وَقَالَ غَيْرُهُ: قُتل فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسبعين، وَقِيْلَ: سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ بِخوزستَان.
حَكَى هذِيْن الْقَوْلَيْنِ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ خلّكَانَ.
قَالَ: قَتله غلمَانُه، وَأَخَذُوا مَالَه، وَهَرَبُوا (2) - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَمِنْ نَظْمه (3) :
قَوِّضْ خِيَامَكَ عَنْ دَارٍ أُهِنْتَ بِهَا ... وَجَانِبِ الذُّلَّ إِنَّ الذُّلَّ مُجْتَنَبُ (4)
وَارْحَلْ إِذَا كَانَتِ الأَوْطَانُ مَضْيَعَةً (5) ... فَالمَنْدَلُ (6) الرَّطْبُ فِي أَوْطَانِهِ حَطَبُ (7)
وَلَهُ (8) :
وَلمَّا تَوَاقَفْنَا (9) تَبَاكَتْ قُلُوبُنَا ... فَمُمْسِكُ دَمْعٍ يَوْمَ (10) ذَاكَ كَسَاكِبِه
فَيَا كَبِدِي (11) الحَرَّى الْبَسِي ثَوْبَ حَسْرَةٍ ... فِرَاقُ الَّذِي تَهْوَيْنَه قَدْ كَسَاكِ بِه
__________
(1) ولذا أورده في وفيات هاتين السنتين، انظر " المنتظم " 9 / 5 و79، وتابعه على ذلك ابن كثير في " البداية " 12 / 143 و145.
(2) انظر " وفيات الأعيان " 3 / 306.
(3) البيان في " معجم الأدباء " 15 / 106، و" وفيات الأعيان " 3 / 306، و" تذكرة الحفاظ " 4 / 1206، و" البداية والنهاية " 12 / 124.
(4) في " وفيات الأعيان " و" البداية ": يجتنب.
(5) في " معجم الأدباء ": منقصة، وفي " وفيات الأعيان " و" البداية ": وارحل إذا كان في الاوطان منقصة.
(6) المندل، كمقعد: العود الرطب يتبخر به أو أجوده.
(7) في " معجم الأدباء ": الحطب.
(8) البيتان في " معجم الأدباء " 15 / 104، و" تذكرة الحفاظ " 4 / 1206، و" فوات الوفيات " 3 / 111، و" النجوم الزاهرة " 5 / 116.
(9) في " معجم الأدباء " و" فوات الوفيات ": تفرقنا، وقد تحرفت في " تذكرة الحفاظ " إلى: توافقنا، وفي " النجوم الزاهرة " إلى: توافينا.
(10) عند ياقوت: " عند " بدل " يوم ".
(11) في " فوات الوفيات " و" معجم الأدباء ": فيا نفسي.(18/577)
أَخْبَرَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالمُسَلَّم بن عَلاَّنَ كِتَابَةً قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ حَسَن، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظ، حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيْمَ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ العَلَوِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَتْحِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ نَصْر بنِ جَرِيْر، أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ الحَنْظَلِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا بَكَّارُ بنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَة، سَمِعْتُ عَائِشَة تَقُوْلُ:
كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَة تُسْمِعُنِي، فَدَخَلَ رَسُوْل اللهِ - صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم - وَهِيَ عَلَى تِلْكَ الحَالَة، ثمَّ دَخَلَ عُمَر فَفَرِقَتْ، فَضَحِكَ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم - فَقَالَ عُمَرُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ!؟ فَحَدَّثَه، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَخرجُ حَتَّى أَسْمَعَ مَا سَمِعَ رَسُوْل اللهِ - صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم -.
فَأَسْمَعَتْهُ.
قَالَ الخَطِيْبُ (1) :أَبُو الفَتْحِ سَاقطُ الرِّوَايَة، وَأَحسب مُوْسَى بن نَصْر اسْماً اخْتلَقَهُ.
299 - ابْنُ أَبِي الصَّقْرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ اللَّخْمِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الخَطِيْبُ، أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي الصَّقْرِ اللَّخْمِيُّ الأَنْبَارِيُّ.
سَمِعْنَا (مشيخَتَهُ) فِي جُزْأَيْنِ.
سَمِعَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي نَصْرٍ التّمِيمِيّ، وَأَبَا نَصْر بن الحبَّانِ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بن عَبْدِ اللهِ المُرِّيّ، وَطَائِفَةٌ بِدِمَشْقَ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ
__________
(1) نص كلامه في " تاريخه " 13 / 58: قلت: وأبو الفتح البغدادي يعرف بابن بخت، وكان واهي الحديث، ساقط الرواية، وأحسب موسى بن نصر بن جرير اسما ادعاه وشيخا اختلقه، وأصل الحديث باطل فالله أعلم.
(*) المنتظم 9 / 9 وفيه ابن أبي السقر، العبر 3 / 285، الوافي بالوفيات 2 / 86، البداية والنهاية 12 / 125، النجوم الزاهرة 5 / 118، شذرات الذهب 3 / 354.(18/578)
نَظيف، وَإِسْمَاعِيْلَ بن عَمْرٍو الحَدَّاد، وَصِلَة بن المُؤَمَّل، وَجَمَاعَةٌ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدَ بن الحُسَيْنِ الصَّنْعَانِيّ صَاحِب النَّقَويِّ (1) ، وَأَبَا العَلاَء المَعَرِّيّ بِهَا، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيَّ بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ الفَضْلِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَنْبَارِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّاب الأَنْمَاطِيّ، وَموهوبُ بنُ الجوَالِيقِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن الزَّاغونِيّ، وَابْنُ نَاصِرٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ خَلِيْفَةَ بنَ مَحْفُوْظٍ بِالأَنبار يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي الصّقر صَوَّاماً قوّاماً (2) ، يُقَالَ: مسموعَاتُه وِقْرُ جَمَلٍ.
قُلْتُ: وَله شِعرٌ رَائِق، مَاتَ بِالأَنبار فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
300 - المَحْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، العَدْلُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ المَحْمِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، المُزكِّي.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ الإِسفرَايينِيّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَجَمَاعَة.
__________
(1) بفتح النون والقاف نسبة إلى: نقو. قال: وظني أنها من قرى صنعاء اليمن. " اللباب " 3 / 323.
(2) الخبر بنحوه في " المنتظم " 9 / 9.
(*) الأنساب: " المحمي "، التقييد: الورقة 176 ب، العبر 3 / 298، النجوم الزاهرة 5 / 127، شذرات الذهب 3 / 366
والمحمي، بفتح الميم وسكون الحاء وفي آخرها ميم ثانية، هذه النسبة إلى محم، وهو بيت كبير بنيسابور قال لهم: المحمية.(18/579)
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَعَبْدُ الغَافِر بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الفُرَاوِيّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بن زَاهِر، وَأَبُو الأَسْعَد هبَةُ الرَّحْمَن بنُ القُشَيْرِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَامِع الصَّوَّاف، وَعَبْدُ الكَرِيْم بنُ حَسَن الكَاتِب، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الشَّحَّامِيّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن يَحْيَى النَّاصحِي، وَأَخُوْهُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ: سَمِعَ المَشَايِخ وَالصُّدُوْرَ، وَأَدْرَكَ الإِسْنَادَ العَالِي، وَحضر الوقَائِع، وَكَانَ حَسَنَ الصُّحْبَة وَالعِشْرَة.
ثُمَّ قَالَ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قُلْتُ: قِيْلَ: إِنَّهُ عُثْمَانِيّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَة مُحَمَّدُ بنُ نَاصِر الحَافِظ.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الغُورَجِيّ (1) ، وَشيخُ الإِسْلاَم الأَنْصَارِيّ (2) ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مَاجَه الأَبْهَرِيّ (3) ، وَالوَزِيْر مُحَمَّدُ بنُ هِشَامٍ المُصْحَفِيّ بقُرْطُبَة، وَحصنُ الدَّوْلَة مُعَلَّى بن حَيْدَرَة الكُتَامِيّ (4) ، المُتَغَلِّبُ عَلَى دِمَشْقَ.
301 - المَلِكُ المُؤَيَّدُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَسْعُوْدِ ابْنِ السُّلْطَانِ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِيْنَ *
صَاحِبُ غَزْنَةَ وَالهِنْدِ.
__________
(1) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (3) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (260) .
(3) سترد ترجمته برقم (302) .
(4) في الأصل: الكناني، والمثبت من ترجمته المتقدمة برقم (263) .
(*) المنتظم 9 / 109 - 110، الكامل 10 / 167 - 168، المختصر 2 / 199، تتمة المختصر 2 / 9، البداية 12 / 157، النجوم الزاهرة 5 / 164.(18/580)
كَانَتْ دَوْلَتُه بِضْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ شُجَاعاً، حَازِماً، غَازِياً، حَسَن السِّيْرَةِ (1) .
مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ (2) وَأَرْبَعِ مائَة.
وَتملَّك بَعْدَهُ ابْنُه السُّلْطَان مَسْعُوْدٌ زوج ابْنَةِ السُّلْطَان الكَبِيْر مَلِكْشَاه (3) .
302 - ابْن مَاجَه أَبُو بكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَبْهَرِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ (4) بنِ مَاجَه الأَبْهَرِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ.
وَأَبهر الَّتِي هُوَ مِنْهَا لَيْسَتْ بِمدينَة أَبهر زَنْجَان، بَلْ قَرْيَة مِنْ قرَى أَصْبَهَان.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ (جُزْء لُوين) مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن المَرْزُبَان، وَتَفرَّد بعلُوِّهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ خلقٌ كَثِيْر مِنْهُم: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَمُؤتَمن السَّاجِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ مَاشَاذه، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيّ، وَعَبْدُ المُغِيْث بنُ أَبِي عدنَان،
__________
(1) " الكامل " 10 / 167.
(2) ذكره ابن الجوزي في وفيات سنة (492) ، وتابعه على ذلك ابن كثير في " البداية " 12 / 157، وابن تغري بردي في " النجوم الزاهرة " 5 / 164، وقد رجحه ابن أبي الفداء في " مختصره " 2 / 199، ولكنه تابع ابن الأثير في إيراده في وفيات سنة (481) .
(3) " الكامل " 10 / 168، و" المختصر " 2 / 199.
(*) العبر 3 / 298، النجوم الزاهرة 5 / 127، شذرات الذهب 3 / 366.
(4) في " العبر " 3 / 298، و" النجوم الزاهرة " 5 / 127: محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن، وكذلك أورده المؤلف في ترجمة شيخ الإسلام الأنصاري. انظر ص: 516.(18/581)
وَمَسْعُوْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو الخَيْرِ البَاغْبَان، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ يُورجَه، وَأَبُو رشيدٍ أَحْمَدُ بنُ حَمْد الخِرَقِيّ، وَعَبْدُ الْمُنعم بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعْدَوَيْه، وَالحَسَنُ بنُ رَجَاء بن سليم، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ الصَّالِحَانِيّ الأَدِيْب.
مَاتَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، عَنْ بِضْع وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
303 - الأَزْدِيُّ أَبُو عُثْمَانَ طَاهِرُ بنُ هِشَامٍ الأَنْدَلُسِيُّ *
مُفْتِي المَالِكِيَّةِ، أَبُو عُثْمَانَ طَاهِرُ بنُ هِشَامٍ الأَزْدِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، المرِيِّيّ.
سَمِعَ مِنَ: المُهَلَّبِ بن أَبِي (1) صُفْرَةَ، وَأَبِي عُمَرَ بنِ عَفِيْف، وَحجَّ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ الحَافِظ، وَغَيْرِهِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: أَخْبَرَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَعَاشَ ستاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) .
304 - المَهْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمَّارٍ الأَنْدَلُسِيُّ **
شَاعِرُ الأَنْدَلُسِ، ذُو الوزَارَتَيْنِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمَّارٍ الأَنْدَلُسِيُّ المَهْرِيّ.
__________
(*) الصلة 1 / 240.
(1) سقط لفظ " أبي " من " الصلة " 1 / 240، وترجمة المهلب قد تقدمت في الجزء السابع عشر رقم (384) .
(2) " الصلة " 1 / 240، وفيه أنه توفي سنة (407) .
(* *) قلائد العقيان: 85، الذخيرة 2 / 1 / 368 - 433، الخريدة 11 / 164، بغية الملتمس: 113، المطرب: 169، المعجب: 77، الحلة السيراء 2 / 131 - 165، المغرب 1 / 389 - 391، وفيات الأعيان 4 / 425 - 429، العبر 3 / 288، الوافي بالوفيات =(18/582)
كَانَ هُوَ وَابْنُ زيدُوْن كَفَرسَي رِهَان.
بلغ المَهْرِيُّ أَسنَى الرُّتب، حَتَّى اسْتوزره المُعْتَمِدُ بنُ عَبَّادٍ، ثمَّ اسْتنَابه عَلَى مُرسيَة، فَعصَى بِهَا، وَتَملَّكهَا، فَلَمْ يَزَلِ المُعتمد يَتلطَّفُ فِي الحيلَة، إِلَى أَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ، فَذبحه صَبْراً لِلعصيَان بَعْد فَرْط الإِحسَان، وَلأَنَّهُ هجَا المُعْتَمِد وَآبَاءهُ فَهُوَ القَائِلُ (1) :
ممَّا يُقَبِّحُ عِنْدِي ذِكْرَ أَنْدَلُسٍ ... سَمَاعَ مُعْتَمِدٍ فِيْهَا وَمُعْتَضِدِ
أَسْمَاءُ (2) مَمْلَكَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ... كَالهِرِّ يَحكِي انتِفَاخاً صَوْلَةَ الأَسَدِ
وَقَدْ جَال ابْنُ عَمَّار فِي الأَنْدَلُس أَوَّلاً، وَمدح المُلُوْكَ وَالكِبَار وَالسُّوقَة، بِحَيْثُ أَنَّهُ مدح فَلاَّحاً أَعْطَاهُ مِخلاَة شعيرٍ لحمَارِهِ، ثُمَّ آل بِابْنِ عَمَّار الحَال إِلَى الإِمْرَةِ، فَملأَ لِلفلاَّح مِخْلاَتَه درَاهِمَ، وَقَالَ: لَوْ ملأَهَا بُرّاً لملأَنَاهَا تِبْراً.
وَقَدْ سجنه المُعْتَمِد مُدَّة، وَتوسَّل إِلَيْهِ بقصَائِد تُلَيِّنَ الصَّخْرَ، فَقَتَلَهُ فِي سَنَةِ (479) (3) .
__________
= 4 / 229 - 234، نفح الطيب 1 / 652 - 656، شذرات الذهب 3 / 356 - 357.
وللدكتور صلاح خالص مؤلف عنه جمع فيه شعره (بغداد 1957) وللاستاذ ثروت أباظة كتيب عنه في سلسلة اقرأ.
(1) كذا قال المؤلف هنا موافقة لابن خلكان 4 / 428، ولم يردا في بقية المصادر التي ترجمت لابن عمار، وقد سبق للمؤلف في ترجمة إدريس بن علي بن حمود الحسني الادريسي
التي مرت في الجزء السابع عشر برقم (85) أن أورد هذين البيتين، ونسبهما إلى ابن رشيق القيرواني، وإليه نسبهما المقري في " نفح الطيب " 1 / 214، ثم أوردهما: 4 / 255 غير منسوبين.
والبيتان في مجموع " ديوان " ابن رشيق للدكتور عبد الرحمن ياغي صفحة 59 - 60 ونص البيت الأول فيه:
مما يزهدني في أرض أندلس * سماع مقتدر فيها ومعتضد
(2) في " ديوان " ابن رشيق: ألقاب.
(3) انظر هذه القصائد في " الذخيرة " 2 / 1 / 419 وما بعدها، وقد ذكر ابن خلكان أنه توفي =(18/583)
وَله:
عَلَيَّ وَإِلاَّ مَا بُكَاءُ الغَمَائِمِ ... وَفِيَّ وَإِلاَّ مَا نِيَاحُ (1) الحَمَائِمِ (2)
وَعَنِّي أَثَارَ الرَّعْدُ صَرْخَةَ طَالِبٍ ... لِثَأْرٍ وَهَزَّ البَرْقُ صَفْحَةَ صَارِمِ
وَمَا لَبِسَتْ زُهْرُ النُّجُوْمِ حِدَادَهَا ... لِغَيْرِي وَلاَ قَامَتْ لَهُ فِي مَآتِمِ (3)
منهَا:
أَبَى اللهُ أَنْ تَلْقَاهُ إِلاَّ مُقَلَّداً ... حَمِيْلَةَ سَيْفٍ أَوْ حَمَالَةَ غَارِمِ (4)
305 - الدِّيْنَوَرِيُّ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ عَبَّادٍ *
مُسْنِدُ هَمَذَانَ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ عَبَّادٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ الأُسْتَاذِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ لاَل، وَأَحْمَدَ بنِ تُركَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الصّفّار، وَأَبِي عُمَرَ بنِ مَهْدِيّ، وَعِدَّة.
قَالَ شِيْرَوَيْه: سَمِعْتُ مِنْهُ بهَمَذَان وَالِدِّيْنَور، وَكَانَ صَدُوْقاً، قَالَ
__________
= سنة (477) وتابعه على ذلك المؤلف في " العبر " وقد سبق للمؤلف أن أورده في وفيات هذه السنة أيضا في ترجمة الفارمذي.
(1) في " الوافي ": وإلا فيم نوح.
(2) في " الذخيرة ": علي وإلا ما نياح الحمائم * وفي وإلا ما بكاء الغمائم
(3) انظر الابيات بأطول مما هنا في " الذخيرة " 2 / 1 / 372 وما بعدها.
وقد ورد البيت الأول في " الوافي " 4 / 232، و" الحلة السيراء " 2 / 148.
(4) ورد هذا البيت في " الذخيرة ": 376 هكذا: أبى أن يراه الله غير مقلد * حمالة سيف أو حمالة غارم والحميلة: هي علاقة السيف، وهي السير الذي يقلده المتقلد.
والحمالة: الدية والغرامة يحملها قوم عن قوم.
(*) الوافي بالوفيات 7 / 272. وسيعيد المؤلف ترجمته في الصفحة (607) .(18/584)
لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
مَاتَ بِالدِّيْنَوَر: سَنَة ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
306 - المُتَوَلِّي أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَأْمُوْنِ بنِ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، أَبُو سَعْدٍ (1) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَأْمُوْنِ بنِ عَلِيٍّ النَّيسَابورِيُّ المُتَوَلِّي.
دَرَّسَ بِبَغْدَادَ بِالنِّظَامِيَّةِ بَعْدَ الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ عُزِلَ بِابْنِ الصّبَّاغ، ثُمَّ بَعْد مُديدَة أُعيد إِلَيْهَا (2) .
تَفقّه بِالقَاضِي حُسَيْن (3) ، وَبأَبِي سَهْلٍ أَحْمَدَ بن عَلِيّ بِبُخَارَى، وَعَلَى الفُورَانِيّ (4) بِمَرْو، وَبَرَعَ وَبذَّ الأَقرَان.
وَلَهُ كِتَاب (التَّتمَة) الَّذِي تَمَّم بِهِ (الإِبَانَة) لِشيخه أَبِي القَاسِمِ الفُورَانِيّ، فَعَاجَلَتْهُ المَنِيَّةُ عَنْ تَكمِيْله، انْتَهَى فِيْهِ إِلَى الحُدُوْد. وَلَهُ
__________
(*) المنتظم 9 / 18، الكامل 10 / 146، وفيات الأعيان 3 / 133 - 134، العبر 3 / 290، الوافي خ 16 / 61 - 62، مرآة الجنان 3 / 122 - 123، طبقات السبكي 5 / 106 - 108، طبقات الاسنوي 1 / 305 - 306، البداية والنهاية 12 / 128، طبقات ابن هداية الله 176 - 177، كشف الظنون 1 / 1 و2 / 1251، شذرات الذهب 3 / 358، هدية العارفين 1 / 518، إيضاح المكنون 2 / 150 وقد تحرف فيه إلى أبي سعيد قال ابن خلكان في نسبته، المتولي: ولم أعلم لاي معنى عرف بذلك، ولم يذكر السمعاني هذه النسبة.
(1) تحرف لفظ " سعد " في " طبقات " الاسنوي وابن هداية الله و" كشف الظنون " إلى " سعيد ".
(2) انظر ما ذكره المؤلف في آخر ترجمة ابن الصباغ رقم (239) من ترتيب مدرسي النظامية.
(3) هو القاضي أبو علي حسين بن محمد بن أحمد المروزي المتوفى سنة (465) وقد تقدمت ترجمته برقم (131) .
(4) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن فوران المروزي الفوراني المتوفى سنة (461) وقد تقدمت ترجمته برقم (133) .(18/585)
مُخْتَصَر فِي الفَرَائِضِ، وَآخرُ فِي الأُصُوْل، وَكِتَابٌ كَبِيْر فِي الخلاَف (1) .
مَاتَ بِبَغْدَادَ: سَنَة ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ كهلاً، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
307 - قَاضِي حَلَبَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَامِدٍ البِيْكَنْدِيُّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الاعْتِزَالِ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَامِدِ بنِ عُبَيْدٍ البِيْكَنْدِيُّ، البُخَارِيُّ، المُتَكَلِّمُ، مِنْ دُعَاةِ البِدَعِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ.
وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ (الصَّحِيْح) مِنَ الكُشَانِيّ (2) فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَإِنَّمَا تُوُفِّيَ الكُشَانِيّ سَنَة مولد هَذَا.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ: السُّليمَانِيّ، وَمَنْصُوْر الكَاغَديّ، وَعدنَان بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاء، وَعَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ زهمويه.
__________
(1) انظر " وفيات الأعيان " 3 / 134، و" طبقات " السبكي 5 / 107، و" طبقات " الاسنوي 1 / 306.
(*) المنتظم 9 / 52، ميزان الاعتدال 3 / 462، البداية والنهاية 12 / 136، الجواهر المضية 2 / 8 - 10 (الطبعة الهندية) ، لسان الميزان 5 / 52 و61، كشف الظنون 378، 891، هدية العارفين 2 / 75.
والبيكندي: نسبة إلى بيكند، وقد ضبطها ياقوت بكسر الباء وفتح الكاف وسكون النون، وتابعه على ذلك السيوطي في " لب اللباب "، ولم يضبطها كل من السمعاني وابن الأثير، وهي بلدة بين بخارى وجيحون على مرحلة من بخارى.
(2) الكشاني: بضم الكاف نسبة إلى كشانية، وهي بلدة من بلاد الصغد بنواحي سمرقند، وهو أبو علي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشاني السمرقندي المتوفى سنة (392) أو (391) ، وقد تقدمت ترجمته في الجزء السادس عشر من هذا الكتاب برقم (354) . وقد تصحف في " لسان الميزان " 5 / 61 إلى: الكسائي.(18/586)
طعن فِي المُؤْتَمَنُ السَّاجِيّ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: كَذَّاب (1) .
وَقِيْلَ: وُلد سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي أَوّل سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ أَرْبَعِ مائَة بِبَغْدَادَ (2) .
308 - ابْنُ أَبِي الشَّخْبَاءِ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَسْقَلاَنِيُّ *
العَلاَّمَةُ، بَلِيْغُ زَمَانِهِ، الشَّيْخُ المُجِيْد، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ (3) بنِ أَبِي الشَّخْبَاء العَسْقَلاَنِيُّ، صَاحِبُ الخُطَبِ وَالتَّرسُّل.
كَانَ جُلُّ اعتمَادِ القَاضِي الفَاضِل عَلَى حِفْظ كَلاَمه فِيمَا يُقَالَ (4) .
قَالَ العمَاد فِي تَرْجَمَة المُجيد: مُجِيْدٌ كَنَعْتِهِ، قَادِرٌ عَلَى ابْتدَاع الكَلاَم وَنَحْتِهِ.
قُتِلَ بِمِصْرَ مسجوناً سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وأَرْبَعِ مائَة (5) .
__________
(1) " المنتظم " 9 / 52.
(2) وله مصنفات ذكرها صاحب " الجواهر المضية " 2 / 9.
(*) الذخيرة ق 4 / م 2 / 627 - 661، الخريدة: قسم العسقلانيين في القسم التابع لشعراء مصر الورقة: 14 نسخة باريس رقم (3328) ، معجم الأدباء 9 / 152 - 184، وفيات الأعيان 2 / 89 - 91، الوافي بالوفيات 12 / 68 - 70، هدية العارفين 1 / 277، أعيان الشيعة 23 / 146.
(3) في " معجم الأدباء " 9 / 152: الحسن بن محمد بن عبد الصمد.
(4) الخبر في " معجم الأدباء " 9 / 152، و" وفيات الأعيان " 2 / 89، وقد رد الصفدي على هذا القول في كتابه " الوافي بالوفيات " 12 / 69.
والقاضي الفاضل هو الأديب أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي العسقلاني المصري وزير السلطان الملك الناصر صلاح الدين المتوفى سنة (596) هـ سترد ترجمته في الجزء الحادي والعشرين رقم (179) .
(5) الخبر في " وفيات الأعيان " 2 / 89 وما بعدها، وقد تحرفت سنة وفاته في المطبوع من " معجم الأدباء " إلى سنة (432) . وانظر بعض نظمه في مصادر ترجمته.(18/587)
309 - الطَّبَسيُّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَارِفُ، المُحَدِّثُ الكَبِيْرُ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَسِيُّ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّة.
سَمِعَ: الحَافِظ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ مَحْمِش، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ بنِ بامُويه، وَالسُّلَمِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيَّ، وَأَمثَالَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الجُنَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاينِيّ (1) ، وَوجيهٌ الشَّحَّامِيّ، وَأَبُو الأَسَعْد بنُ القُشَيْرِيّ، وَعَبْدُ الغَافِر بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَقَالَ: شَيْخٌ ثِقَةٌ، وَرِع، صُوْفِيٌّ زَاهِد، كتب الكَثِيْر، وَحصَّلَ التَّصَانِيْف المُفِيدَة، وأَلَّف كِتَاب (بستَان العَارِفِيْن) .
قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ طَبَس، وأَملَى بِالنِّظَامِيَّة أَيَّاماً، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَلَده، وَبِهَا مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وأَرْبَعِ مائَة - رَحِمَهُ اللهُ -.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِسْعين.
__________
(*) الأنساب 8 / 209، اللباب 2 / 274، تذكرة الحفاظ 3 / 1195، العبر 3 / 301، الوافي 2 / 88، كشف الظنون: 1024، شذرات الذهب 3 / 367، إيضاح المكنون 1 / 181، هدية العارفين 2 / 75.
والطبسي، قال السمعاني: بفتح الطاء المهملة والباء المنقوطة بواحدة والسين المهملة هذه النسبة إلى طبس: وهي بلدة في برية، إذا خرجت منها إلى أي صوب منها سلكت وقصدت لابد من ركوب البرية، وهي بين نيسابور وأصبهان وكرمان فتحت في زمن عمر رضي الله عنه.
(1) بالقاف والياء المثناة التحتية ثم النون نسبة إلى قاين: بلدة قريبة من طبس.
انظر " الأنساب " 10 / 37، وفيه ترجمة الجنيد بن محمد القايني هذا. وقد تصحف في الأصل إلى " الفاتني " بالفاء والتاء المثناة الفوقية.(18/588)
310 - ابْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَيْدَرٍ القُرَشِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الصَّدْرُ الكَامِلُ، الشَّرِيْفُ، المَأْمُوْنُ، أَبُو السَّنَابِلِ هِبَةُ اللهِ ابنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ مُحَمَّدِ بنِ حَيْدَرٍ القُرَشِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي طَاهِر بنِ مَحْمِش، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَيَحْيَى المُزَكِّي، وَأَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الإِسفرَايينِيّ.
رَوَى عَنْهُ: وَجيهٌ الشَّحَّامِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَامِع الصَّوَّاف، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ زَاهِر، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَحْمَد الصَّفَّار، وَعِدَّة.
وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ المُكْثِرِيْنَ.
سَمِعَ (سنَن النَّسَائِيّ) مِنَ الحُسَيْن بن فَنْجُويه.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
311 - ابْنُ أَبِي عُثْمَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ **
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الصَّالِحُ، المُسْنِدُ، أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ عَمْرِو بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُنتَاب البَغْدَادِيُّ، الدَّقَّاقُ، نَاظرُ المَارستَان العَتِيْق.
قَالَ المُؤتَمَن السَّاجِيّ: أَفَاده أَبُوْهُ مَعَ إِخْوَته أَبِي سَعْدٍ (1) ، وَأَبِي تَمَّام مَعَ
__________
(*) تبصير المنتبه 3 / 1084.
(* *) المنتظم 9 / 54، العبر 3 / 304، الوافي بالوفيات 4 / 141، شذرات الذهب 3 / 369.
(1) في الأصل " محمد " بدل " سعد "، والتصويب من " الوافي " 4 / 140، حيث أورد ترجمة أبي سعد هذا، ثم أورد ترجمة أخيه أبي تمام 4 / 141.(18/589)
شرَاسَة أَخلاَقٍ وَنُفُور طَبْعٍ لاَ وَجْهَ لَهُ.
قُلْتُ: سَمِعَ: أَبَا عُمَر بنَ مَهْدِيّ الفَارِسِيّ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ البيِّع، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ رَزْقُوَيْه، وَعَبْدَ القَاهِر بن عِترَة (1) ، وَكَانَ خيِّراً دَيِّناً، كَثِيْرَ السَّمَاع.
رَوَى عَنْهُ: مَكِّيّ الرُّمِيْلِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ قَفَرْجَل، وَمُحَمَّدُ بنُ المَادح، وَأَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الخَرَّاز، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ سُكَّرَة: كَانَ الحُيمِيديُّ يَحضُّنِي عَلَى قِرَاءة مَا عِنْدَهُ مِنْ (مُسْنَد) يَعْقُوْب بنِ شيبَة، وَيَقُوْلُ: لَوْ وُجد كَلاَمُ يَعْقُوْب عَلَى أَبْوَاب الحمَّامَات لَلَزِمَ أَنْ يُقرَأَ، فَكَيْفَ وَهُوَ مُسْنَدٌ لاَ مِثْلَ لَهُ!؟
قَالَ الحَافِظُ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ (2) وَأَرْبَعِ مائَة.
312
- بَادِيْسُ بنُ حَبُوْسَ* بنِ مَاكْسَ (3) بنِ بُلُكِّيْنَ (4) بنِ زِيْرِي بنِ مَنَادَ الصّنْهَاجِيُّ
مِنْ قُوَّادِ
__________
(1) تحرفت في " الوافي بالوفيات " 4 / 141 إلى " عنترة ".
(2) أورده المؤلف في " العبر " في وفيات سنة (483) وهو الذي في مصادر ترجمته.
(*) المغرب في حلى المغرب 2 / 107، البيان المغرب 3 / 264، المختصر في أخبار البشر 2 / 198، الاحاطة 1 / 435 - 443، تاريخ ابن خلدون 4 / 160 - 161 وفيه باديس بن حسون، نفح الطيب 1 / 196، أعمال الاعلام: 264، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 87.
(3) في " الكامل " و" الاحاطة " و" معجم الأنساب ". ماكسن، وقد تحرفت في " المختصر " إلى " مالس ".
(4) لم يرد اسم بلكين في نسبه في مصادر ترجمته، وفي " الاحاطة " أن بلكين هو ابن =(18/590)
البَرْبَرِ، لَهُ شَرَفٌ وَأُبُوَّة وَعَشِيْرَة.
تملَّك غَرنَاطَة، وَجيَّش الجُيُوْش، وَحَارَبَ المُعْتَصِم صَاحِب المرِيَّة، وَالمُعتضدَ صَاحِبَ إشبيليَة، وَكَانَ سَفَّاكاً لِلدِّمَاء.
فِيه عَدْلٌ بجَهل.
وَقَفَتْ لَهُ امْرَأَةٌ عِنْد بَاب إِلْبيرَة (1) ، فَقَالَتْ: يَا مَوْلاَنَا! ابْنِي يَعُقُّنِي.
فَطَلَبَهُ، وَدَعَا بِالسَّيْف، فَقَالَتِ المَرْأَة: إِنَّمَا أَردتُ تَهديده.
فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُعَلِّمِ كُتَّاب.
وَأَمر بِهِ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ (2) .
وَاسْتَعْمَلَ بَعْضَ أَقَارَبّه عَلَى بلد، فَخَرَجَ يَتَصَيَّد، فَمَرَّ بشيخِ قَرْيَة، فَرغب فِي تَشرِيفه بِالضِّيَافَة، فَأَنْزَلَهُ فِي أَرْضٍ فِيْهَا دُولاَب وَفَوَاكِه، فَبَادر لَهُ بثرِيْدٍ فِي لبن وَسُكَّرٍ، وَقَالَ: نَأْتِي بَعْد بِمَا تُحب.
فَرمَاهُ بِرَجُله وَضربَ الشَّيْخ، فَفَرَّ الشَّيْخُ، وَأَتَى إِلْبيرَة، فَعَرَّفَ المَلِكَ بِمَا جرَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِع وَاصبر، وَوَاعَدَه، ثُمَّ جَاءهُ بَعْد أَيَّام فِي كبكبَة مِنْهم خَصمُه، فَقَدّم الشَّيْخُ لِلملك مِثْلَ ذَلِكَ الثرِيْد، فَتنَاوله وَأَكله وَاسْتطَابه، ثُمَّ قَالَ: خُذْ بثأْرك مِنْ هَذَا، فَاضْرِبْهُ.
فَاسْتعظم الشَّيْخُ ذَلِكَ، فَقَالَ الْملك: لاَبدَّ، فَضَرَبَه حَتَّى اقتصَّ مِنْهُ.
فَقَالَ الْملك: هَذَا حقُّ هَذَا، بَقِيَ حقُّ الله فِي إِهَانَة نَعمته، وَحَقِّي فِي اجْترَاء العُمَّال.
فَضَرَبَ عُنُقه، وَطِيف بِرَأْسِهِ. حكَاهَا اليَسعُ بنُ حَزْم.
__________
= باديس، انظر " الاحاطة " 1 / 431 - 433، وسينقل المؤلف عن أبي الفداء في " المختصر " نصا يظهر فيه أن بلكين هو أخو باديس صاحب الترجمة.
(1) قال ياقوت: إلبيرة، بوزن إخريطة: وهي كورة كبيرة من الأندلس، ومدينة متصلة بأراضي كورة قبرة بين القبلة والشرق من قرطبة، بينها وبين قرطبة تسعون ميلا.
(2) الخبر في " المغرب في حلى المغرب " 2 / 107.(18/591)
وَحَكَى أَيْضاً أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ البَادِيَة كَانَتْ لَهُ بِنْتُ عَمٍّ بَدِيْعَةُ الحُسْنِ، فَافْتقر، وَنَزَح بِهَا، فَصَادَفَهُ فِي الطَّرِيْق أَمِيْرٌ صنْهَاجيٌّ، فَأَركبهَا شفقَةً عَلَيْهَا، ثُمَّ أَسرع بِهَا، فَلَمَّا وَصل البدوِيُّ، أَتَى دَارَ الأَمِيْر، فَطردُوْهُ، فَقصد الملكَ، فَقَالَ لذَاكَ الأَمِيْر: ادْفَعْ إِلَيْهِ زوجتَه.
فَأَنْكَر، فَقَالَ: يَا بدوِيُّ! هَلْ لَكَ مِنْ شَهِيد وَلَوْ كلباً يَعرفُهَا؟
قَال: نعم.
فَدَخَلَ بِكَلْبٍ لَهُ إِلَى الدَّارِ، وَأُخْرِجَتِ الحُرَم، فَلَمَّا رَآهَا الكلبُ عَرفهَا وَبصْبَص، فَأَمر المَلِكُ بدفعهَا إِلَى البدوِيّ، وَضرب عُنُق الأَمِيْر، فَقَالَ البدوِيّ: هِيَ طَالِقٌ لِكَوْنِهَا سكتتْ، وَرَضِيَتْ.
فَقَالَ المَلِكُ: صَدَقْتَ، وَلَوْ لَمْ تُطَلِّقْهَا لأَلحقتُك بِهِ.
ثُمَّ أَمر بِالمَرْأَة، فَقُتلت.
قَالَ صَاحِبُ حَمَاة (1) :تُوُفِّيَ وَالِد بَادِيس هَذَا: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَتَملَّك ابْنُه بَادِيسُ بنُ حَبُوس، وَامتدت أَيَّامه، ثُمَّ تَملَّك غرنَاطَةَ ابْنُ أَخِيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ بُلُكِّين بنِ حَبُوس، وَبَقِيَ حَتَّى أَخَذَهَا مِنْهُ يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْن، سَنَة بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ (2) وَأَرْبَعِ مائَة.
313 - المُعْتَصِمُ ابْنُ صُمَادِحٍ التُّجِيْبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مَعْنٍ *
السُّلْطَان، أَبُو يَحْيَى التُّجِيْبِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مَعْنٍ - وَقِيْلَ:
__________
(1) انظر " المختصر في أخبار البشر " 2 / 198.
(2) ذكر أبو الفداء في " تاريخه " 2 / 198: أن يوسف أخذ غرناطة في سنة (479) ، ونقل عن صاحب تاريخ القيروان أنه أخذها في سنة (480) ، وفي " كامل " ابن الأثير أن ذلك كان في سنة (484) انظر " الكامل " 9 / 292.
ولم يتعرض المؤلف لذكر وفاة المترجم، وفي " الاحاطة " أنه توفي سة (465) ، أما في " تاريخ " ابن خلدون، فذكر أنه توفي سنة (467) .
(*) قلائد العقيان: 47، الذخيرة ق 1 / م 2 / 729 - 736، الخريدة 2 / 83 - 89، المطرب: 34 - 38 و126، المعجب: 196، الحلة السيراء 2 / 78 - 88، المغرب في حلى المغرب 2 / 195 - 198، وفيات الأعيان 5 / 39 - 45، البيان المغرب 3 / 167، الوافي =(18/592)
مَعْنُ بنُ مُحَمَّدِ (1) - بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ صُمَادح (2) .
كَانَ جَدُّهُ مُحَمَّد صَاحِبَ مدينَة وَشْقَة (3) ، فَحَارَبَهُ ابْنُ عَمِّهِ الأَمِيْرُ منذرُ بنُ يَحْيَى التُّجِيْبِيّ، فَعَجِزَ عَنْهُ، وَترك لَهُ وَشْقَة، وَهَرَبَ، وَكَانَ مِنْ دُهَاة الرِّجَال، وَكَانَ ابْنُهُ مَعْنٌ مُصَاهراً لصَاحِب بَلَنْسِيَة عَبْدِ العَزِيْزِ بن عَامِرٍ، وَكَانَتِ المَرِيَّةُ قَدْ صَارَت لَهُ، فَاسْتنَاب عَلَيْهَا مَعْناً هَذَا، فَخَافه وَتَملَّكهَا، وَتَمَّ لَهُ ذَلِكَ، وتَمَلَّكها مِنْ بَعْدَهُ وَلدُهُ المُعْتَصِم مُحَمَّدٌ، فَكَانَ حَلِيماً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً، وَقَدْ دَاخِلَ ابْنَ تَاشفِيْن، وَنصره، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ تَاشفِيْن عزم عَلَى أَخَذَ البِلاَدِ مِنِ ابْنِ صُمَادِح - وَكَانَ يَملك المَرِيَّة وَبَجَّانَة (4) وَالصُّمَادِحِيَّة - فَأَظهر العصيَانَ لابْنِ تَاشفِيْن، وَكَانَ فِيْهِ خَيْرٌ وَدينٌ وَعَدْل وَتوَاضعٌ وَعَقل تَامّ (5) .
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، عَنْ جدّه كِتَابهُ (المُخْتَصَر فِي غَرِيْب القُرْآن) .
رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَسْوَد الغَسَّانِيّ.
نَازلته عَسَاكِرُ ابْن تَاشفِيْن مُدَّة، فَتمرَّض، فَسَمِعَ مرَّةً هيعَةً،
فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، نُغِّصَ عَلَيْنَا كُلُّ شيءٍ حَتَّى المَوْتُ. قَالَتْ جَارِيته:
__________
= 5 / 45 - 47، أعمال الاعلام: 190، تاريخ ابن خلدون 4 / 162، شذرات الذهب 3 / 372 - 373، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 90.
(1) العقول الأول في تسميته وهو محمد بن معن هو الذي في مصادر ترجمته.
(2) الصمادح: هو الصلب الشديد.
" القاموس ".
(3) قال ياقوت: وشقة، بفتح أوله وسكون ثانيه والقاف: بليدة بالاندلس.
(4) قال ياقوت: بجانة، بالفتح ثم التشديد وألف ونون، مدينة بالاندلس من أعمال كورة إلبيرة، خربت وقد انتقل أهلها إلى المرية، وبينها وبين المرية فرسخان، وبينها وبين غرناطة مئة ميل.
وفي " وفيات " ابن خلكان: بجاية، وهي مدينة أخرى غير هذه.
(5) انظر " الذخيرة " 1 / 2 / 729 وما بعدها، و" فيات الأعيان " 5 / 39 - 40.(18/593)
فَدمعت عينَاي، فَقَالَ بِصَوْت ضَعِيْف:
تَرَفَّقْ بِدَمْعِكَ لاَ تُفْنِهِ ... فَبَيْنَ يَدَيْكَ بُكَاءٌ طَوِيْلُ (1)
فَمَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ (2) ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمِنْ وُزرَائِهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ الحَدَّاد الأَدِيْب.
وَقَدِ امْتَدَحه جَمَاعَةٌ مِنْ فحُوْل الشُّعَرَاء (3) .
314 - المُظَفَّرُ بنُ الأَفْطَسِ *
سُلْطَانُ الثَّغْرِ الشِّمَالِيّ مِنَ الأَنْدَلُسِ، وَدَارُ مُلْكِهِ بَطَلْيَوس.
كَانَ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالأَدَبِ وَالشَّجَاعَةِ وَالرَّأْي، فَكَانَ مُنَاغراً (4) لِلرُّوْمِ، شجَىً فِي حُلُوقِهِم، لاَ يُنَفِّسُ لَهم مَخْنَقاً، وَلاَ يُوجِدُ لَهم إِلَى الظُهُوْر عَلَيْهِ مُرتقَى، وَلَهُ آدَاب تُغِيْرُ سرَايَاهَا، فَتسبِي عَذَارَى معَانٍ لاَ
__________
(1) الخبر في " الذخيرة " 1 / 2 / 734، و" المغرب في حلى المغرب " 2 / 196، و" وفيات الأعيان " 5 / 44، و" الوافي بالوفيات " 5 / 46، وقد تحرفت فيه كلمة " يديك " إلى " يدي ".
(2) في الأصل: " ربيع الا " فقط، وما أثبتناه من " الحلة السيراء " 2 / 84، وفي " وفيات الأعيان " و" الشذرات " أنه توفي في ربيع الأول.
(3) انظر " الحلة السيراء " 2 / 82 - 83، و" وفيات الأعيان " 3 / 41 - 43.
(*) الذخيرة ق 2 / م 2 / 640 - 646، الكامل 9 / 288، المعجب 127، تكملة ابن الابار: 128، المغرب 1 / 364، وفيات الأعيان 7 / 123، البيان المغرب 3 / 220 و236، الوافي بالوفيات 3 / 323، تاريخ ابن خلدون 4 / 159 - 160، أعمال الاعلام: 212، كشف الظنون 2 / 1722، هدية العارفين 2 / 72، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 89.
واسمه أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي، وبعض المصادر لم تذكر " محمدا " بين عبد الله ومسلمة، وورد في " الكامل " و" المغرب " سلمة بدل مسلمة، وتحرف اسمه في " تاريخ " ابن خلدون إلى: أبو محمد عبد الله بن مسلمة.
(4) أي مغيظا لهم.(18/594)
تَعشقُ المَحَامِدُ إِلاَّ إِيَّاهَا، أَلْفَاظٌ كَالزلزَال، وَأَغرَاضٌ أَبعدُ مِنَ الهِلاَل، رَائِقُ النّظم، ذكيّ النُّوْر، رصيفُ المَعَانِي، شَاهقُ الغَور، وَلَهُ تَأْلِيفٌ كَبِيْر فِي الآدَاب عَلَى هيئَة (عُيُون الأَخْبَار) لابْنِ قُتَيْبَة، يَكُوْن عشرَ مُجَلَّدَات، وَمِنْ نَثْرِه - وَقَدْ غنم بلاَدَ شلمنكَة وَهِيَ مجَاورتُه، فَكَتَبَ إِلَى المُعْتَمِد بِاللهِ يَفخر، وَيُنَكِّتُ عَلَيْهِ بِمسَالِمته لِلرّوم، فَقِيْلَ: إِنَّهُ حَصَّل مِنْ هَذِهِ الغَزْوَة أَلفَ جَارِيَة حسنَاء مِنْ بنَات الأَصْفَر -:مَنْ يَصِدْ صَيْداً فَلْيَصِدْ كَمَا صَيْدِي، صَيْدِي الغَزَالَة مِنْ مرَابِضِ الأَسَدِ.
أَيُّهَا الْملك إِنَّ الرُّوْم إِذَا لَمْ تُغْزَ غَزَتْ، وَلَوْ تَعَاقدنَا تَعَاقدَ الأَوْلِيَاء المُخلِصين فَلَلْنَا حَدَّهُم، وَأَذْلَلْنَا جَدَّهُم (1) ، وَرَأْيُ السَّيِّد المعتمدِ عَلَى اللهِ سرَاجٌ تُضيء بِهِ ظُلمَات المنَى.
وَللمظفَّر (تَفْسِيْرٌ) لِلقُرآن (2) .
وَكَانَ مَعَ اسْتغرَاقه فِي الجِهَادِ لاَ يَفتُر عَنِ العِلْم، وَلاَ يَترك العَدْلَ، صَنَعَ مدرسَةً يَجْلِس فِيْهَا كُلَّ جُمُعَة، وَيَحضُره العُلَمَاء، وَكَانَ يَبَيْتُ فِي مَنْظَرَةٍ لَهُ، فَإِذَا سَمِعَ صَوْتاً وَجَّه أَعْوَاناً لَكشف الخَبَر، لاَ يَنَام إِلاَّ قَلِيْلاً.
وَفِيه يَقُوْلُ أَبُو الأَصْبَغِ القلمَندر الكَاتِب:
يُربِي عَلَى سَيْبِ الغَمَامِ عَطَاؤُهُ ... مَلِكٌ عَلَى فُلْكِ العُلَى اسْتِمْطَاؤُهُ
سَيْفٌ رِقَابُ عَدُوِّه أَغمَادُهُ ... تَسْقِيْهِ بِالغَيْثِ المُغِيْثِ دِمَاؤُهُ
وَكَانَ كَاتِبُه الوَزِيْر أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ النَّحْوِيّ أَحَدَ البلغَاء،
__________
(1) الجد هنا بمعنى الجلال والعظمة.
(2) وذكر ابن بسام أن له كتاب " التذكرة "، والمشتهر اسمه أيضا بكتاب " المظفر " في خمسين مجلدة، يشتمل على علوم وفنون من مغاز وسير، ومثل وخبر، وجميع ما يختص به علم الأدب.
" الذخيرة " 2 / 2 / 640.(18/595)
فَكَتَبَ أَذفونش - لَعنه الله - يُرْعِدُ وَيُبْرِقُ (1) ، فَأَجَابَ: وَصل إِلَى الْملك المُظَفَّر مِنْ عَظِيْم الرُّوْم كِتَابٌ مُدَّع فِي المقَادِير، يُرْعِدُ وَيُبْرِقُ، وَيَجمعُ تَارَةً وَيُفَرِّق، وَيهدد بِالجُنُوْد الوَافرَة، وَلَمْ يَدر أَن للهِ جُنُوْداً أَعزَّ بِهِم الإِسْلاَم، وَأَظهر بِهِم دينَ نَبِيّنَا عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم، يُجَاهدُوْنَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَلاَ يَخَافُوْنَ لُوْمَة لاَئِم، فَأَمَّا تَعييرُك لِلمُسْلِمِيْنَ فِيمَا وَهَنَ مِنْ أَحْوَالِهم، فَبالذُّنُوبِ المركوبَة، وَالفِرَقِ المنكوبَة، وَلَوِ اتَّفَقت كلِمتُنَا علمتَ أَيَّ صَائِبٍ أَذَقْنَاك، كَمَا كَانَتْ آبَاؤُك مَعَ آبَائِنَا، وَبَالأَمسِ كَانَتْ قطيعَةُ المَنْصُوْر عَلَى سَلَفِك، أَهدَى ابْنتَه إِلَيْهِ مَعَ الذّخَائِر الَّتِي كَانَتْ تَفِدُ فِي كُلّ عَام عَلَيْهِ، وَنَحْنُ فَإِنْ قلَّت أَعدَادُنَا، وَعُدِمَ مِنَ المَخلوقين اسْتمدَادُنَا، فَمَا بَيْنَنَا وَبينك بحرٌ تَخُوضهُ، وَلاَ صَعب تَروضه، إِلاَّ سيوفٌ يَشْهَد بَحَدِّهَا رقَابُ قَوْمك، وَجِلاَدٌ تُبصره فِي يَوْمك، وَبَالله وَمَلاَئِكتِه نَتقوَّى عَلَيْك، لَيْسَ لَنَا سِوَاهُ مطلب، وَلاَ إِلَى غَيْره مَهْرب، وَهل تَرَبَّصُوْنَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ، شهَادَةٌ، أَوْ نَصْرٌ عزِيز.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ المُظَفَّر بَعْد السَّبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) أَوْ قَبْلَهَا، قَامَ فِي المُلك بَعْدَهُ وَلدُه المُلَقَّب بِالمُتَوَكِّل عَلَى اللهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ (3) بنُ الأَفْطَس صَاحِبُ بَطَلْيَوس وَيَابُرَة (4) وَشَنْتَرِيْنَ وَأُشْبُونَة، فَكَانَ نَحْواً مِنْ أَبِيْهِ فِي الشَّجَاعَة وَالبرَاعَة وَالأَدب وَالبلاغَة، فَبَقِيَ إِلَى أَنْ قَتله المرَابطُوْنَ جُنْد
__________
(1) أي يتهدد ويتوعد.
(2) في " الوافي بالوفيات " 3 / 323، و" تاريخ " ابن خلدون 4 / 160 أنه توفي سنة (460) .
(3) انظر ترجمته في " المغرب " 1 / 364، أعمال الاعلام: 214، قلائد العقيان: 36، الرايات: 29، الذخيرة ق 2 / م 2 / 646 - 652، الحلة السيراء 2 / 96 - 107، فوات الوفيات 3 / 155 - 156، نفح الطيب 1 / 663 - 666، الخريدة 3 / 356.
(4) قال ياقوت: هي بلدة في غربي الأندلس.(18/596)
يُوْسُفُ بنِ تَاشفِيْن صَبْراً، وَقتلُوا مَعَهُ وَلَدَيْهِ الفَضْلَ وَعبَّاساً، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (1) ، إِذِ اسْتولَوا عَلَى الأَنْدَلُس.
وَلعَبْدِ المَجِيْدِ بن عيذُوْنَ (2) فِيهِم قصيدَة طَنَّانَةٌ نَادِرَةُ المِثْلِ مِنْهَا:
بَنِي المُظَفَّرِ وَالأَيَّامُ لاَ نَزَلَتْ ... مرَاحِلٌ (3) وَالوَرَى مِنْهَا عَلَى سَفَرِ
مَنْ لِلأَسِرَّةِ أَوْ من لِلأَعِنَّةِ أَوْ ... مَنْ لِلأَسِنَّةِ يَهْدِيْهَا إِلَى الثُغُرِ
مَنْ لِلبَرَاعَةِ أَوْ مَنْ لِليَرَاعَةِ أَوْ ... مَنْ لِلشَّجَاعَةِ (4) أَوْ لِلنَّفْعِ وَالضَّرَرِ (5)
وَهِيَ طَوِيْلة وَكَانَ ابْنُ عيذُوْنَ وَزِيْراً لِلمُتَوَكِّل.
315 - النَاصِرُ بنُ عِلْنَاسَ بنِ حَمَّادِ بنِ بُلُكِّيْنَ بنِ زِيْرِي الصّنْهَاجِيُّ *
البَرْبَرِيُّ، مَلِكُ المَغْرِبِ.
__________
(1) انظر " الكامل " 10 / 193، و" المغرب في حلي المغرب " 1 / 364، و" المختصر " 2 / 200.
(2) كذا في الأصل بياء مثناة تحتية وذال معجمة، وورد " عبدون " بباء موحدة ودال مهملة في مصادر ترجمته مثل " فوات الوفيات " 2 / 388، و" الذخيرة " 2 / 2 / 668، و" المغرب " 1 / 374، وضبطه المعلمي اليماني في تعليقه على " الإكمال " 6 / 86 " عيدون " بياء مثناة تحتية ودال مهملة، وذكر أنه في المراجع بالموحدة والمهملة، وستأتي ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (348) .
فانظره ثم.
(3) في " الذخيرة " و" المغرب " و" فوات الوفيات ": مراحلا.
(4) في المصادر السابقة: " للسماحة ".
(5) انظر هذه الابيات مع تتمة هذه القصيدة الرائعة في " الذخيرة " 2 / 2 / 721 - 724، و" فوات الوفيات " 2 / 389 - 391، وبعض القصيدة في " المغرب " 1 / 376.
(*) معجم البلدان 1 / 339، الكامل 44 - 49، 58، 107، 166 - 167، الروض المعطار: 81، تاج العروس 10 / 31 في مادة " بجاوة "، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 110.
وفي الروض: الناصر بن عالناس، وذكر محققه في الهامش أن هذا الاسم يكتب أيضا " علناس " و" أعلى الناس " وورد في هامش " الكامل ": علناس، وفي " معجم " ياقوت: علناس، وفي " أعلام " الزركلي " علناس ".(18/597)
هُوَ الَّذِي أَنشَأَ مدينَة بِجَايَة (1) النَّاصرِيَة، وَكَانَتْ دَوْلَتُه سبعًا وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ.
قهر ابْنَ عَمِّهِ بُلُكِّين بن مُحَمَّدِ بنِ حَمَّاد وَغَدر بِهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ المُلك بَعْدَ أَنْ تَملَّكَ خَمْس سِنِيْنَ بَعْد المَلِك مُحسن بن قَائِد بن حَمَّادٍ، وَكَانَتْ دَوْلَة مُحسن ثَلاَثَةَ أَعْوَام، وَمَاتَ، وَكَانَ قَبْله أَبُوْهُ القَائِدُ، فَبقِي فِي المُلك سَبْعَة وَعِشْرِيْنَ عَاماً، تَملَّك بَعْد أَبِيْهِ، وَمَاتَ أَبُوْهُ المَلِكُ حَمَّادٌ سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة (2) .
وَقَدْ حَاربَ حَمَّادٌ ابْنَ أَخِيْهِ بَادِيسَ وَوَلَدَه المُعِزُّ بنُ بَادِيس، وَجَرَتْ لَهُمَا وَقَائِعُ، وَلَمْ تَزلِ الدَّوْلَةُ فِي آل حَمَّاد، إِلَى أَنْ أَخذ مِنْهم عَبْدُ المُؤْمِنِ بِجَايَة (3) سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَآخرهم هُوَ الْملك يَحْيَى بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَنْصُوْر بن صَاحِب بِجَايَة النَّاصر (4) .
316 - العَاصِمِيُّ عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ، الأَدِيْبُ، مُسْنِدُ بَغْدَادَ فِي وَقْتِهِ، أَبُو
__________
(1) في الأصل: بجانة، بالجيم المشددة والنون: وهي مدينة أخرى غير هذه، تقدم التعريف بها في الصفحة (594) ت (4) ، أما التي أنشأها الناصر فهي بجاية بالكسر وتخفيف الجيم، وألف وياء وهاء وهي: اليوم مدينة ساحلية وميناء في الجزائر.
وتسمى الناصرية أيضا باسم بانيها.
انظر " معجم البلدان " 1 / 339.
(2) في " الكامل " 9 / 355 أنه توفي سنة: 417.
(3) تصحفت في الأصل أيضا إلى بجانة، بالنون وتشديد الجيم.
(4) عن هذه الحوادث انظر " الكامل " 9 / 600 و253 - 259 و10 / 44 - 49 و166 - 167 و11 / 158 - 159.
(*) الأنساب 8 / 314 - 315، المنتظم 9 / 51 - 52، اللباب 2 / 304، المختصر 1 / 199، دول الإسلام 2 / 12، العبر 3 / 302، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 133 - 134، تتمة المختصر 2 / 10، مرآة الجنان 3 / 134، البداية والنهاية 12 / 136، النجوم الزاهرة 5 / 128 و131، شذرات الذهب 3 / 368، هدية العارفين: 1 / 435، إيضاح المكنون: 1 / 516.(18/598)
الحُسَيْنِ (1) عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن عَاصِمِ بنِ مِهْرَانَ العَاصِمِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الكَرْخِيُّ، الشَّاعِرُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُتَيَّم، وَهِلاَلٍ الحَفَّار، وَمُحَمَّدِ بن عَبْدِ العَزِيْزِ البَرْذَعِيّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (المُؤتنف) وَالمُؤْتَمَنُ السَّاجِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَإِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيّ، وَأَبُو سعدٍ البَغْدَادِيّ، وَوجيهٌ الشَّحَّامِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْس الدِّمَشْقِيّ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المِصِّيْصِيّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصِر، وَسَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاء، وَأَحْمَدُ بنُ قَفَرْجَل، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ البَيِّع الدِّيْنَوَرِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ هِلاَلٍ الدَّقَّاق، وَأَبُو الفَتْحِ ابْنُ البَطِّي، وَخَلْقٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلْتُ أَبَا سَعْد البَغْدَادِيَّ، عَنْ عَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، فَقَالَ:
كَانَ شَيْخاً مُتْقَناً، أَديباً، فَاضِلاً، كَانَ حُفَّاظ بَغْدَاد يَكتُبُوْنَ عَنْهُ، وَيَشهدُوْنَ بِصِحَّة سَمَاعه.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّاب الأَنْمَاطِيَّ يَقُوْلُ: ضَاع الجزءُ الرَّابِع مِنْ (جَامِع عَبْد الرَّزَّاقِ) لابْنِ عَاصِم، وَكَانَ سَمَاعَه قرَؤُوهُ عَلَيْهِ بِالسَّمَاع، وَضَاع، فَكَانَ بَعْدُ يَرْوِيْهِ بِالإِجَازَة، فَلَمَّا كَانَ قَبْل مَوْته بِأَيَّام، جَاءنِي شُجَاع الذُّهْلِيّ وَقَدْ لَقِيَهُ، فَقَالَ: تَعَال حَتَّى نَسمعه.
فَأَرِينَاهُ الأَصْلَ، فَسَجَدَ للهِ، وَقرَأَنَاهُ عَلَيْهِ بِالسَّمَاع، وَقَالَ لِي عَبْد
__________
(1) في " الأنساب " 8 / 314: أبو الحسن.(18/599)
الوَهَّاب: كَانَ عَاصِم عَفِيْفاً، نَزِهَ النَفْسِ، صَالِحاً، رَقِيق الشِّعر، مليحَ الطّبع، قَالَ لِي: مرضتُ، فَغَسَلْتُ ديوَان شِعرِي (1) .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: كَانَ عَاصِمٌ ثِقَةً فَاضِلاً، ذَا شِعر كَثِيْر، وَكَانَ يُكرمنِي، وَكَانَ لِي مِنْهُ مِيْعَادٌ يَوْمَ الخَمِيْسِ، لَوْ أَتَاهُ فِيْهِ الخَلِيْفَةُ لَمْ يُمكِّنه.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ صَاحِبَ مُلَحٍ وَنوَادرَ وَلُطْف، وَكَيْسٍ وَنظمٍ رَائِقٍ.
عُمِّر، وَرحلُوا إِلَيه، وَكَانَ وَرِعاً، خيِّراً، صَالِحاً.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَة، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ (2) وَأَرْبَعِ مائَة بِبَغْدَادَ وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
317 - الكُرْكَانجِيُّ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
شَيْخُ القُرَّاءِ بِخُرَاسَانَ، أَبُو نَصْرٍ (3) مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ حَامِدٍ المَرْوَزِيُّ، سَكَنَ جُرْجَانِيَّة خُوَارَزْم مُدَّةً، فَنُسِبَ إِلَيْهَا.
__________
(1) انظر " المنتظم " 9 / 52.
(2) ذكره ابن الجوزي في " المنتظم " في وفيات سنة (482) ، وتابعه على ذلك أبو الفداء في " المختصر " 1 / 199، وابن كثير في " البداية " 12 / 136، وقد أورده ابن تغري بردي في " النجوم الزاهرة " مرتين: أولاهما في وفيات سنة (482) 5 / 128، والثانية في وفيات سنة (483) 5 / 131.
(*) الأنساب 10 / 398، المنتظم: 9 / 60، معجم الأدباء 17 / 230 - 233، اللباب 3 / 92 - 93، معرفة القراء الكبار 1 / 354 - 355، العبر 3 / 305 - 306، الوافي 2 / 88 - 89، البداية والنهاية 12 / 138، غاية النهاية 2 / 72، النجوم الزاهرة 5 / 133، شذرات الذهب 3 / 372.
والكركانجي، بضم أولها وسكون الراء: هذه النسبة إلى كركانج، وهي مدينة خوارزم يقال لها الجرجانية.
(3) في " الأنساب " و" اللباب ": أبو حامد.(18/600)
أَخَذَ القِرَاءات وَالآدَابَ بِمَرْو، عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ الدّهّان، ثُمَّ ارْتَحَلَ، فَلَحِق الحمامِيَّ (1) بِبَغْدَادَ، فَتَلاَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الرُّهَاوِيّ بِدِمَشْقَ، وَعَلَى الشَّرِيْف الزِّيديّ (3) بِحَرَّانَ، وَعَلَى جَمَاعَة كِبَارِ، وَانتهت إِلَيْهِ الإِمَامَةُ فِي القِرَاءات.
تَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، وَعَاشَ نِيّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَهُ وَلدُه الإِمَام المُقْرِئ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ثَانِي عشر ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ (4) وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَلَهُ تَرْجَمَة طَوِيْلَة فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ) (5) .
318 - مَازِنٌ *
لَقَبُ الشَّاعِرِ المُحسِنِ، أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ
__________
(1) هو المقرئ أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر البغدادي الحمامي المتوفى سنة (417) وقد مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (265) .
(2) هو المقرئ أبو علي الحسين بن علي بن عبيد الله الرهاوي السلمي المتوفي سنة (414) مترجم في " غاية النهاية " 1 / 245 - 246.
(3) هو المقرئ أبو القاسم علي بن محمد بن علي العلوي الزيدي الحراني المتوفى سنة (433) وقد مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (327) .
(4) في " الأنساب " و" اللباب " أنه توفي سنة (481) وقد حكى هذين القولين في وفاته المؤلف وابن الجزري في طبقاتهما.
(5) ذكرت في مصادر الترجمة.
(*) المطمح: 80، الذخيرة ق 1 / م 2 / 691 - 729، الخريدة الورقة 12 / 54، المحمدون من الشعراء: 99، التكملة لابن الابار: 133، المغرب 2 / 143 - 145، المسالك للعمري 11 / 400، فوات الوفيات 3 / 283 - 284، الوافي 2 / 86 - 88، الاحاطة 2 / 333 - 337، نفح الطيب 3 / 502 - 505، كشف الظنون: 765، هدية العارفين 2 / 75، وقد أورد له ابن خلكان في " الوفيات " 5 / 41 قصيدة في مدح ابن صمادح واسمه فيه: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم المعروف بالحداد القيسي.(18/601)
القَيْسِيِّ (1) ، الأَنْدَلُسِيِّ، ابْنِ الحَدَّاد، نَاظَرَ الدِّيْوَان الكَبِيْر.
قَالَ الأَبَّار فِي (تَارِيْخه) :هُوَ مِنْ أَهْلِ مدينَة وَادِي آش (2) ، سكنَ المَرِيَّةَ وَكَانَ مِنْ فُحُوْل الشُّعَرَاء، لَهُ مُؤَلّف فِي الْعرُوض، اخْتصّ بِالمُعْتَصِم بن صُمَادِح، وَاسْتفرغ فِيْهِ مَدَائِحه، ثُمَّ سَارَ عَنْهُ إِلَى سَرقُسطَة، فَأَقَامَ فِي كَنَفِ المُقتدر بنِ هود (3) .
قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
319 - البَزْدَوِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ *
شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، عَالِمُ مَا وَرَاء النَّهْرِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ البَزْدَوِيُّ، صَاحِبُ الطَّرِيْقَةِ فِي المَذْهَبِ (4) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: مَا حَدَّثَنَا عَنْهُ سِوَى صَاحِبه أَبِي المَعَالِي مُحَمَّدِ بن نَصْرٍ الخَطِيْب (5) .
__________
(1) تصحف في " هدية العارفين " إلى: الفيشي.
(2) قال الحميري: وادي آش، مدينة بالاندلس قريبة من غرناطة كبيرة خطيرة، تطرد حولها المياه والانهار ... انظر " الروض المعطار ".
(3) انظر " الذخيرة " ق 1 / م 2 / 692.
وانظر شعره في مصادر ترجمته.
(*) الأنساب 2 / 188 - 189، معجم البلدان 1 / 409، اللباب 1 / 146، الجواهر المضية 2 / 594 - 595، تاج التراجم: 30 - 31، مفتاح السعادة 2 / 184 - 185، طبقات الفقهاء لطاش كبري: 85، كتائب أعلام الاخبار رقم: 286، الطبقات السنية رقم: 1535، كشف الظنون 1 / 112، 467، 553، 563، 568، و2 / 1016، 1485، 1581، الفوائد البهية: 124 - 125، هدية العارفين 1 / 693.
والبزدوي: بفتح الباء الموحدة وسكون الزاي وفتح الدال المهملة وفي آخرها الواو: هذه النسبة إلى بزدة (ويقال بزدوة) وهي قلعة حصينة على ستة فراسخ من نسف وينسب إليها أيضا: بزدي.
(4) ويعرف بفخر الإسلام البزدوي، وهو مشهور أيضا بأبي العسر لعسر تصانيفه، كما أن أخاه مشهور بأبي اليسر ليسر تصانيفه، كما في " مفتاح السعادة " 2 / 185.
(5) انظر " الأنساب " 2 / 188.(18/602)
قَالَ: وَكَانَ إِمَامَ الأَصْحَاب بِمَا وَرَاء النَّهْر، وَلَهُ التَّصَانِيْف الجَلِيْلَة (1) .
درّس بِسَمَرْقَنْدَ.
وَمَاتَ بِكِسَّ (2) فِي رَجَب، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ، وَكَانَ أَحَدَ مَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي حِفْظ المَذْهَب، وَوُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةَ أَرْبَعِ مائَة.
وَأَمَّا أَخُوْهُ فَسَيَأْتِي (3) .
320 - ابْن زِكْرِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الثِّقَةُ، الصَّالِحُ، أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زِكْرِي البَغْدَادِيُّ، الدَّقَاقُ.
سَمِعَ: أَبَا الْحُسَيْن بن بِشْرَان، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ الحمامِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَهِبَةُ اللهِ الدَّقَّاق، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغوَانِيّ، وَجَمَاعَة.
__________
(1) ومن تصانيفه المشهورة كتابه في الأصول المعروف بأصول البزدوي، وقد طبع مع شرحه المسمى " كشف الاسرار " لعلاء الدين البخاري في الآستانة عام 1308 هـ.
ومن تصانيفه أيضا " المبسوط " أحد عشر مجلدا، وشرح الجامع الكبير، والجامع الصغير وغيرها. انظر " الجواهر المضية " 2 / 595.
(2) بكسر الكاف وتشديد السين المهملة: مدينة تقارب سمرقند، وقال ابن ماكولا: كسره العراقيون، وغيرهم يقوله بفتح الكاف، وقد تصحفت في " الفوائد البهية " إلى " كش " وتلك بالفتح والشين المعجمة: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان على جبل. انظر " معجم البلدان " 4 / 460 و462.
(3) هو أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم البزدوي ستأتي ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (30) .
(*) المنتظم 9 / 78، تذكرة الحفاظ 3 / 1199، العبر 3 / 312 وقد تحرف فيه إلى ابن ذكري بالذال، شذرات الذهب 3 / 378.(18/603)
قَالَ الأَنْمَاطِيّ: كَانَ صَالِحاً دَيِّناً، ثِقَةً.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ: كَانَ شَيْخاً عَفِيْفاً، كُنَّا نَقرَأُ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ.
مَاتَ ابْنُ زِكرِي: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَوْلِده كَانَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَعَ لَنَا الأَوّل مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ البَخْتَرِيّ مِنْ طرِيقه.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّقَّاق، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ زِكْرِيّ الدَّقَّاق، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بنِ مَالِكِ بنِ برصَاء قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم - يَوْم فَتْحِ مَكَّة: (لاَ تُغْزَى بَعْدَهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) (1) .
321 - ابْنُ فَهْدٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الصَّالِحُ، الصَّادِقُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ فَهْدٍ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ العَلاَّفِ.
سَمِعَ: أَبَا الفَتْح بنَ أَبِي الفوَارس، وَأَبَا الْفرج الغُورِيّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان، وَالحَمامِيّ.
__________
(1) وأخرجه أحمد 3 / 412، و4 / 343، والترمذي (1611) في السير من طرق عن زكريا بن أبي زائدة بهذا الإسناد، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال: وانظر شرح الحديث في " جامع الأصول " 9 / 291، 292 الطبعة الشامية.
(*) المنتظم 9 / 78، ذيل تاريخ بغداد 1 / 271 - 273، العبر 3 / 312، تذكرة الحفاظ 3 / 1199، شذرات الذهب 3 / 378.(18/604)
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظ، وَعَبْدُ الخَالِقِ اليُوسفِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيّ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ صَالِح، صَدُوْقٌ، مُكْثِر، مَأْمُوْن، متوَاضع، ذَهَبتْ لَهُ أُصُوْلٌ كَثِيْرَة (1) .
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
322 - ابْنُ الأَخْضَرِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الخَطِيْبُ، المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ شُعَيْبٍ الشَّيْبَانِيُّ، الأَنْبَارِيُّ، ابْنُ الأَخْضَرِ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة فِي صَفَرٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا أَحْمَدَ بن أَبِي مُسْلِمٍ الفَرَضِيَّ (2) فَكَانَ خَاتِمَةَ أَصْحَابه، وَأَبَا عُمَرَ بن مَهْدِيٍّ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ رَزْقُوَيْه، وَأَبَا الحُسَينِ بنَ بِشْرَان، وَالحَسَنَ بنَ عُمَرَ الغَزَّال، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ دُوْست، وَالحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ رَامِين الإِسترَابَاذِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ مُفْتِي دِمَشْق، وَهِبَةُ اللهِ بن
__________
(1) الخبر بنحوه في " ذيل تاريخ بغداد " لابن النجار 1 / 271.
(*) المنتظم 9 / 79، السياق: الورقة 66 أ، العبر 3 / 313، تذكرة الحفاظ 3 / 1199، البداية والنهاية 12 / 145، الجواهر المضية 2 / 602 - 603، الطبقات السنية رقم (1554) ، شذرات الذهب 3 / 379.
(2) تحرفت في " البداية " إلى: أبي محمد الرضي.(18/605)
طَاوُوْس، وَابْنُ نَاصِر، وَابْنُ البَطِّيّ، وَعِدَّة.
وَكَانَ فَقيهاً حَنَفِيّاً، خَطِيْباً بِالأَنبار.
عُمِّرَ، وَارْتَحَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ ثِقَةً، نَبيلاً، صَدُوْقاً، مُعَمِّراً، مُسْنِداً (1) ، انْتَشَرت روَايَاتُهُ فِي الآفَاق، وَكَانَ أَقطَعَ اليَد، قُطِعَتْ فِي كَائِنَةِ البَسَاسيرِيّ، وَكَانَ يَقْدَم بَغْدَاد أَحيَاناً، وَيُحَدِّث.
سَأَلت إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظ عَنْهُ، فَقَالَ: ثِقَة.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ: حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَأَلَ وَهُوَ صَبِيّ حَلْقَة أَبِي حَامِدٍ الإِسفرَايينِيّ عَنِ الوُضُوْء مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ.
وَقَالَ لِي: رَأَيْتُ يَحْيَى جدَّ جدِّي وَأَنَا اليَوْم جَدُّ جَدٍّ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَمْ أَلقَ مَنْ يَرْوِي عَنِ الفَرَضِيّ سِوَاهُ.
قَالَ: وَإِنَّمَا عِنْدَهُ عَنْهُ حَدِيْثَان.
قُلْتُ: وَقعَا لِي.
وَتُوُفِّيَ: فِي شَوَّال سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
أَرَّخَهُ ابْنُ نَاصِرٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ عَلِيِّ بنِ الخَطِيْب الأَنْبَارِيُّ: أَمر البَسَاسِيرِيُّ جدّنَا عليّاً الخَطِيْبَ أَنْ يَخْطُبَ لِلمُسْتنصر صَاحِب مِصْر، فَلَمَّا خطبَ، وَدَعَا لِلقَائِم، وَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمرَ البسَاسيرِيّ، فَأَمر بِقطع يَده عَلَى المِنْبَرِ (2) .
305 - ابْنُ الأُسْتَاذِ أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى بنِ عَبَّادٍ الدِّيْنَوَرِيُّ *
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ الدِّيْنُوَرِ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى
__________
(1) انظر " الجواهر المضية " 2 / 602.
(2) انظر " الجواهر المضية " 2 / 603.
(*) تقدمت ترجمته برقم (305) .(18/606)
بنِ عَبَّادِ بنِ عِيْسَى بنِ مُوْسَى الدِّيْنَوَرِيُّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ الأُسْتَاذِ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ لاَل، وَعَنْ أَبِيْهِ أَبِي القَاسِمِ، وَأَحْمَدَ بن تُركَانَ، وَأَبِي عُمَرَ بنِ مَهْدِيّ الفَارِسِيّ، وَطَاهِر بن مَاهلَة، وَعَلِيِّ بنِ البَيِّع، وَعِدَّة، وَتفرَّد فِي زَمَانِهِ.
قَالَ شِيْرَوَيْه الدّيلمِيّ: سَمِعْتُ مِنْهُ بهَمَذَان وَالدِّيْنُور، وَكَانَ صَدُوْقاً، أَخْبَرَنِي بِمَوْلِده.
قَالَ: وَمَاتَ بِالدِّينور فِي: سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
323 - ابْنُ شَانْدُه مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ شَاندُه الأَصْبَهَانِيُّ الأَصْلِ، الوَاسِطِيُّ، الشِّيْعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة (تَارِيخ أَحْمَدَ بن أَبِي خَثيمَة) مِنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ خَزَفَة الصَّيْدَلاَنِيّ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ كُرْدَانَ النَّحْوِيّ، وَمِنْ عمِّه أَبِي مُحَمَّدٍ التَّلْعُكْبَرِيّ الرَّافضِيّ، فَكَانَ عِنْدَهُ عَنْ عمّه كتبٌ (1) لَا يسمعهَا أَحَداً.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلْتُ خَمِيْساً الحَوْزِيّ، فَقَالَ: كَانَ ابْنُ شَانْدُه رَئِيْساً مُحْتَشِماً، ثِقَةً، مَددتُ يَدي إِلَى كتبٍ يَوْماً، فَاسْتَلَبَهَا منْ يَدي
__________
(*) سؤالات الحافظ السلفي: 16 - 17.
(1) في الأصل: كتبا، وهو خطأ.(18/607)
وَقَالَ: هَذَا لاَ يَصلح لَكَ.
قَالَ: وَكَانَ يَتظَاهِر بِالسُّنَّة (1) .
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الجُلاَّبِيّ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ ابْنُ سُكَّرَة: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَّم بن مُحَمَّدِ (2) بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أُحمولَة، نَزِيلُ وَاسِط.
324 - ابْنُ جَهِيْرٍ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ *
الوَزِيْرُ الأَكْمَلُ، فَخْرُ الدِّيْنِ، أَبُو نَصْرٍ، مُؤَيِّدُ الدِّين مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَهِير الثَّعْلَبِيُّ (3) .
كَانَ نَاظِرَ ديوَان حلب، ثمَّ وَزَرَ لصَاحِب مَيَّافَارِقين (4) ، ثُمَّ وَزَرَ لِلْخَلِيْفَة القَائِم، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ (5) ، وَامتدت دَوْلَتُهُ إِلَى أَنِ
__________
(1) " سؤالات الحافظ السلفي " ص: 17.
(2) لم ترد لفظة " محمد " هذه في نسبه في " سؤالات الحافظ السلفي ": 16
(*) الأنساب 3 / 396، المنتظم 9 / 54، الكامل 10 / 23، 57 - 59، 109 - 111، 129، 134 - 136، 143 - 144، 158، 182 - 183، اللباب 1 / 318، وفيات الأعيان 5 / 127 - 134، الفخري: 293 - 295، مختصر 2 / 199 - 200، العبر 3 / 304، تتمة المختصر 2 / 10، الوافي بالوفيات 1 / 122 - 124، البداية والنهاية 12 / 136 - 137، تاريخ ابن خلدون 4 / 320 - 321، النجوم الزاهرة 5 / 130، شذرات الذهب 3 / 369 - 370.
(3) تصحفت في " العبر " إلى: التغلبي.
(4) وهو الأمير نصر الدولة أبو نصر أحمد بن مروان بن دوستل الكردي، المتوفى سنة (453) وقد تقدمت ترجمته برقم (58) .
والخبر بنحوه في " الكامل " 10 / 18، و" وفيات الأعيان " 5 / 127، و" الفخري ": 294.
(5) انظر " الكامل " 10 / 23، و" وفيات الأعيان " 5 / 127 - 128، و" الفخري ": 294.(18/608)
اسْتُخْلِفَ المُقتدي، فَاسْتوزَرَه عَامَيْن، ثُمَّ عَزَلَهُ (1) ، ثُمَّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ اسْتدَعَاهُ السُّلْطَانُ مَلِكْشَاه، وَاسْتنَابَهُ عَلَى ديَار بكر، فَافْتَتَحَ ابْنُهُ أَبُو القَاسِمِ آمِد بَعْد حِصَارٍ يَطول، وَافتَتَح هُوَ مَيَّافَارقين (2) .
وَكَانَ جَوَاداً، مُمَدَّحاً، فَاضِلاً، مَهِيْباً، مِنْ رِجَال العَالَم، عَاشَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ عَلَى إِمْرَة المَوْصِلِ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة (3) .
325 - رِزْقُ اللهِ ابْنُ الإِمَامِ أَبِي الفَرَجِ عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيُّ *
ابْنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَسَدِ بنِ اللَّيْثِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفْيَان بنِ يَزِيْدَ بنِ أُكَيْنَةَ (4) بنِ الهَيْثَمِ بنِ عَبْدِ اللهِ وَكَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللاَت، قِيْلَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ ابْن
__________
(1) الخبر في " الكامل " 10 / 109 - 111، و" وفيات الأعيان " 5 / 128، وقد عزل ابن جهير من الوزارة مرتين: أولاهما في خلافة القائم، وذلك بسبب خلاف جرى بينه وبين نظام الملك، ثم أعاده، فمدحه الشعراء، وهنؤوه بالعودة كما في " الكامل " 10 / 57 - 59، و" الفخري ": 294. والثانية هي التي ذكرها المؤلف في خلافة المقتدي.
(2) انظر " الكامل " 10 / 129 و134 - 137 و143 - 144، و" وفيات الأعيان " 5 / 128.
(3) " المنتظم " 9 / 54، و" الكامل " 1 / 182 - 183، و" وفيات الأعيان " 5 / 131، وفيها أنه توفي سنة 483، وكذا في بقية المصادر التي ترجمت له.
(*) الإكمال 1 / 109 و4 / 61، مناقب الامام أحمد: 525، معجم الأدباء 11 / 136 - 138، الكامل لابن الأثير 10 / 253، معرفة القراء الكبار 1 / 356 - 357، العبر 3 / 320 - 321، تذكرة الحفاظ 4 / 1208، دول الإسلام 2 / 17، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 116 - 118، البداية والنهاية 12 / 150، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 77 - 85، غاية النهاية 1 / 284، المقصد الارشد: ورقة 111 - 112، المنهج الاحمد 2 / 164 - 171، الدر المنضد: ورقة / 55، طبقات المفسرين 1 / 171 - 172، شذرات الذهب 3 / 384، هدية العارفين 1 / 367.
(4) بضم الهمزة وفتح الكاف وبالياء والنون كما قيده ابن ماكولا 1 / 108.(18/609)
الهَيْثَمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، الشَّيْخُ الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، الوَاعِظُ، رَئِيْسُ الحَنَابلَةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ البَغْدَادِيُّ.
وَلد: سَنَةَ أَرْبَعِ مائَة، وقِيْلَ: سَنَة إِحْدَى (1) .
وعَرَض القُرْآن عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ الحمَّامِي، وَأَقرَأَ بِبَعْضِ السَّبْع.
وسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الْمُتَيَّم (2) ، وَأَبِي عُمَرَ بنِ مَهْدِيٍّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ بِشْرَان، وَالحمامِيّ، وَابْنِ الفَضْلِ القَطَّان، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: خلقٌ كَثِيْر، مِنْهُم: أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدُ بنُ سعدُوْنَ العبدرِيّ، وَابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّاب الأَنْمَاطِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْس، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصِر، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الكَاتِبُ، وَأَبُو الْكَرم المُبَارَكُ بنُ الحَسَنِ الشَّهْرزورِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ الزغوَانِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الحَفَّار، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الحَرَّانِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ شَهرِيَار، وَالفَقِيْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الرُّستمِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ الشيرَازِيّ الأَدَمِيّ، وَأَبُو المطهَّر القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَرَجَاءُ بنُ حَامِدٍ المَعْدَانِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ السّمِعَانِيّ: هُوَ فَقِيْهُ الحنَابلَة وَإِمَامُهُم، قَرَأَ القُرْآنَ وَالفِقْهَ
__________
(1) " المنتظم " 9 / 88.
(2) تحرفت في " ذيل طبقات الحنابلة " إلى: التميم.(18/610)
وَالحَدِيْثَ وَالأُصُوْل وَالتَّفْسِيْرَ وَالفَرَائِضَ وَاللُّغَة العَرَبِيَّة، وَعُمِّر حَتَّى قُصد مِنْ كُلِّ جَانب، وَكَانَ مَجْلِسُه جَمَّ الفَوَائِد، كَانَ يَجلُسُ فِي حَلْقَةٍ لَهُ بِجَامِع المَنْصُوْر لِلوعظ وَالفَتْوَى، وَكَانَ فَصيحَ اللِّسَان، قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى الحمامِيّ ... إِلَى أَنْ قَالَ:
وَوَرَدَ أَصْبَهَان رَسُوْلاً فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّيْنَ نَفْساً مِنْ أَهْلهَا.
ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا المَشَايِخُ السِّتُّوْنَ بِبَغْدَادَ، وَأَخْبَرَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ غَيْرهَا، وَآخَرُوْنَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا رزقُ الله التَّمِيْمِيّ، (ح) .
وقَرَأْتُ أَنَا غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيّ، أَخبركُم أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَابور بَشِيْرَاز فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة قِرَاءةً عَلَيْهِ وَأَنَا فِي الخَامِسَة، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَدَمِيّ، حَدَّثَنَا رزقُ الله بن عَبْدِ الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كرَامَة، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَد، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَل، عَنْ شرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم -: (إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً، فَقَدْ آذَنَنِي بِالحَرْبِ ... ) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1) ، عَنِ ابْنِ كرَامَة، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوّ. تَفَرَّد بِهِ ابْن كرَامَة.
__________
(1) رقم (6502) في الرقاق: باب التواضع، وساق المؤلف في " الميزان " 1 / 640 في ترجمة خالد بن مخلد بعد أن ذكر قول أحمد فيه: له مناكير، وقول أبي حاتم: لا يحتج به، وأخرج ابن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها منها هذا الحديث من طريق محمد بن مخلد عن عثمان بن كرامة شيخ البخاري فيه، وقال: هذا حديث غريب جدا لولا هيبة الصحيح لعدوه في
منكرات خالد بن مخلد، فإن هذا المتن لم يرو إلا بهذا الإسناد، ولا خرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد، ونقل كلامه الحافظ في " الفتح " 11 / 341، وتعقبه بقوله: وإطلاق أنه لم يرو بهدا المتن إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضا وهو =(18/611)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَعْد العِجْلِيّ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيّ إِذَا رَوَى هَذَا الحَدِيْث قَالَ: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لاَ تُبْصِرُوْنَ} [الطّور:15] .
قَالَ السِّلَفِيّ - فِيمَا قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الدمِيَاطِيّ -:أَخْبَرْنَا ابْنُ رَوَاج، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ قَالَ:
رزقُ الله شَيْخُ الحنَابلَة قَدِمَ أَصْبَهَان رَسُوْلاً مِنْ قِبَل الخَلِيْفَة إِلَى السُّلْطَانِ، وَأَنَا إِذْ ذَاكَ صَغِيْرٌ، وَشَاهَدْتُهُ يَوْمَ دُخُوْله، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً كَالعِيْد، بَلْ أَبلغُ فِي المزِيد، وَأُنْزِلَ بِبَابِ الْقصر، مَحِلَّتِنَا فِي دَارِ السُّلْطَان، وَحَضَرتُ فِي الجَامِع الجُورجيرِيّ مَجْلِسه متفرجاً، ثُمَّ لَمَّا قصدتُ لِلسَمَاع؛ قَالَ لِي أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ معمر اللُّنبَانِيّ - وَكَانَ مِنَ الأَثْبَاتِ -:قد اسْتَجزتُهُ لَكَ فِي جُمْلَةِ مِنْ كَتَبتُ اسْمه صبيَاننَا.
فَكَتَبَ خَطَّه بِالإِجَازَة.
وَقَالَ أَبُو غَالِبٍ هِبَةُ اللهِ قصيدَة مِنْهَا:
بِمَقْدَمِ الشَّيْخِ رِزْقُ اللهِ قَدْ رُزِقَتْ ... أَهْلُ اصْبَهَانَ أَسَانِيْداً عَجِيْبَاتِ
ثُمَّ قَالَ السِّلَفِيّ: وَرَوَى رزقُ الله بِالإِجَازَةِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ.
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا بنُ مَنْدَة: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ رزقَ الله الحَنْبلِيَّ بِأَصْبَهَانَ يَقُوْلُ: أَدْرَكْتُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مُجَاهِد وَاحِداً يُقَالَ لَهُ: أَبُو القَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الخفّاف، قَرَأْت عَلَيْهِ سُوْرَة البَقَرَة، وَقرَأَهَا
__________
= راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر، وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها ... ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا ... ثم ذكرها، وانظر أيضا كلام الحافظ ابن رجب على هذا الحديث في " جامع العلوم والحكم " 337 - 339.(18/612)
عَلَى ابْنِ مُجَاهِد (1) ، وَأَدْرَكتُ أَيْضاً أَبَا القَاسِمِ عُمَر بن تَعويذ مِنْ أَصْحَابِ الشِّبلِيّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الشِّبلِيّ وَقَدِ اجْتَاز عَلَى بقَّالَ يُنَادِي عَلَى البَقل: يَا صَائِم مِنْ كُلِّ الأَلوَان.
فَلَمْ يَزَلْ يُكَرِّرُهَا وَيَبْكِي، ثُمَّ أَنشَأَ يَقول:
خَلِيْلَيَّ إِنْ دَامَ هَمُّ النُّفُوْسِ ... عَلَى مَا أَرَاهُ سرِيعاً قَتَلْ
فَيَا سَاقِي القَوْمِ لاَ تَنْسَنِي ... وَيَا رَبَّةَ الخِدْرِ غَنِّي رَمَلْ
لَقَدْ كَانَ شَيءٌ يُسَمَّى السُّرُوْرُ ... قَدِيْماً سَمِعْنَا بِهِ مَا فَعَلْ؟
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ: قَرَأْتُ عَلَى رِزق الله التَّمِيْمِيِّ برِوَايَة قَالُوْنَ خَتْمَةً، وَكَانَ كَبِيْرَ بَغْدَاد وَجَلِيْلَهَا، وَكَانَ يَقُوْلُ: كُلُّ الطّوَائِف تَدَّعينِي.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: يَقبُح بكُم أَنْ تَسْتفِيدُوا مِنَّا، ثُمَّ تذكرونَا، فَلاَ تَترحَّمُوا (2) عَلَيْنَا - رَحِمَهُ اللهُ -.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ طَارِقٍ سَمِعَ أَبَا الْكَرم الشَّهْرُزُورِيّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رزقَ الله بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ يَقُوْلُ:
دَخَلتُ سَمَرْقَنْد وَكَانَ السُّلْطَانُ مَلِكْشَاه بِهَا، فَرَأَيْتُ أَهْلهَا يَروَون (النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ) لهِبَةِ اللهِ المُفسّرِ جَدِّيّ، بوَاسطَةِ خَمْس رِجَالٍ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُم: الكِتَابُ مَعِي وَمُصَنِّفُهُ جَدِّي لأُمِّي، وَقَدْ سمِعتُه مِنْهُ، وَلَكِن مَا أُسَمِّع كُلَّ وَاحِد إِلاَّ بِمائَةِ دِيْنَارٍ.
فَمَا كَانَ الظّهر حَتَّى جَاءتَنِي خَمْسُ مائَة دِيْنَارٍ، فَسمِعُوْهُ، فَلَمَّا رَجَعتُ؛ دَخَلتُ أَصْبَهَان، وَأَمليتُ بِهَا (3) .
__________
(1) انظر " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 77 - 78، و" معرفة القراء الكبار " 1 / 356، و" طبقات المفسرين " 1 / 172، و" غاية النهاية " 1 / 284.
(2) في الأصل: فلا تترحمون.
(3) الخبر في " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 80.(18/613)
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ المُؤتَمن عَنْ رزق الله، فَقَالَ: هُوَ الإِمَام عِلْماً وَنَفْساً وَأُبُوَّةً، وَمَا يُذكر عَنْهُ، فَتَحَامُلٌ مِنْ أَعدَائِهِ (1) .
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِيّ: كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ ظرِيفاً لطيفاً، كَثِيْرَ الحِكَايَات وَالمُلَح، مَا أَعْلَم مِنْهُ إِلاَّ خَيراً (2) .
وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْخاً ابْنَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً أَحْسَنَ سَمتاً وَهدَايَةً وَاسْتقَامَةَ قَامَةٍ مِنْهُ، وَلاَ أَحْسَنَ كَلاَماً، وَلاَ أَظرفَ وَعْظاً، وَأَسرعَ جَوَاباً مِنْهُ (3) ، فَلَقَدْ كَانَ جمَالاً لِلإِسْلاَم - كمَا لُقِّب - وفخراً لأَهْل العِرَاق خَاصَّةً، وَلجمِيْع البِلاَد عَامَّةً، مَا رَأَينَا مِثْلَه، وَكَانَ مقدّماً وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَكَيْفَ اليَوْم؟ وَكَانَ ذَا قدرٍ رفِيعٍ عِنْد الخُلَفَاء.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي سَعْدٍ شَيْخ الشُّيُوْخ: كَانَ رِزقُ الله إِذَا قرَأَ عَلَيْهِ ابْنُ الخَاضبَة هَذَا الحَدِيْث - يعنِي حَدِيْث: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً) - أَخَذَ خَدَّه وَقَرَصَه، وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ يَنْبُتُ تَحْتَ حُبِّكُم مِنْ ذَا شَيْءٌ.
أُنْبِئتُ عَنِ ابْنِ الأَخضر، أَخْبَرَنَا الزاغونِيّ، أَنشدنَا رزقُ الله لِنَفْسه:
لاَ تَسْأَلاَنِي عَنِ الحيِّ الَّذِي بَانَا ... فَإِنَّنِي كُنْتُ يَوْمَ البَيْنِ سَكْرَانَا
يَا صَاحِبيَّ عَلَى وَجْدِي بِنَعْمَانَا ... هَلْ رَاجِعٌ وَصْلُ لَيْلَى كَالَّذِي كَانَا
مَا ضَرَّهُمْ لَوْ أَقَامُوا يَوْمَ بَيْنَهمُ ... بِقَدْرِ مَا يَلْبَسُ المَحْزُوْنُ أَكْفَانَا (4)
__________
(1) الخبر في " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 117 - 118، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 79.
(2) الخبر في " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 79.
(3) الخبر إلى هنا في " المستفاد ": 118، وبتمامه في " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 79.
(4) الابيات في " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 117، و" ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 82.(18/614)
وَقَالَ هِبَةُ اللهِ بن طَاوُوْس: أَنشدنَا رزق الله لِنَفْسِهِ (1) :
وَمَا شَنْآنُ (2) الشَّيْبِ مِنْ أَجْلِ لَوْنِهِ ... وَلَكِنَّهُ حَادٍ إِلَى البَيْنِ مُسْرِعُ
إِذَا مَا بَدَتْ مِنْهُ الطَّلِيْعَةُ آذَنَتْ ... بِأَنَّ المنَايَا خَلْفَهَا تَتَطَلَّعُ
فَإِنْ قَصَّهَا المِقْرَاضُ صَاحَتْ بِأُخْتهَا ... فَتَظْهَرُ تَتْلُوْهَا ثَلاَثٌ وَأَرْبَعُ
وَإِنْ خُضِبَتْ حَالَ الخِضَابُ لأَنَّهُ ... يُغَالِبُ صِبْغَ اللهِ وَاللهُ أَصْبَغُ (3)
إِذَا مَا بَلَغَتَ الأَرْبَعِيْنَ فَقُلْ لِمَنْ ... يَوَدُّكَ فِيمَا تَشْتَهِيْهِ وَيُسْرِعُ (4)
هَلِمُّوا لِنَبْكِي قَبْلَ فِرْقَةِ بَيْنِنَا ... فَمَا بَعْدَهَا عَيْشٌ لَذِيْذٌ (5) وَمَجْمَعُ
وَخَلِّ التَّصَابِي وَالخَلاعَةَ وَالهَوَى ... وَأُمَّ طَرِيْق الخَيْرِ فَالخَيْرُ أَنْفَعُ
وَخُذْ جُنَّةً تُنْجِي وَزَاداً مِنَ التُّقَى ... وَصُحْبَةَ مَأْمُوْنٍ (6) فَقَصْدُكَ مُفْزِعُ
قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: تُوُفِّيَ شَيخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيّ: فِي نِصْفِ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَدُفِنَ فِي دَارِهِ بِبَابِ المَرَاتِب، ثُمَّ نُقِلَ فَدُفِنَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ إِلَى جَانب قَبْر الإِمَام أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ (7) .
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ المُحَدِّث (8) ، وَأَمِيْرُ الجُيُوْش بدرٌ (9) ، بِمِصْرَ وَالسُّلْطَان تَاجُ الدَّوْلَة تُتش السَّلْجُوْقِيّ (10) ، وَشَيْخُ المُعْتَزِلَةِ
__________
(1) الابيات في " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 80 - 81.
(2) في الأصل: شنأني، وهو خطأ.
(3) في " ذيل طبقات الحنابلة ": وفي " معرفة القراء الكبار " للمصنف: يغالب صنع الله والله أصنع.
وهو الموافق للقافية.
(4) تصحف في " ذيل طبقات الحنابلة " إلى: تسرع.
(5) في الأصل: لزيد، وهو خطأ.
(6) في الأصل: " مأموم " والمثبت من " ذيل طبقات الحنابلة ".
(7) الخبر في " المنتظم " 9 / 89، و" مناقب الامام أحمد بن حنبل ": 525.
(8) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (60) .
(9) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (45) .
(10) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (46) .(18/615)
أَبُو يُوْسُفَ القَزْوِيْنِيّ (1) ، وَالفَضْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي حَرْب أَبُو القَاسِمِ الجُرْجَانِيّ (2) ، وَالوَزِيْر ظهير الدِّيْنِ أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الرُّوْذْرَاوَرِيّ (3) ، وَالمُعتمدُ بنُ عَبَّادٍ صَاحِب الأَنْدَلُس (4) فِي السجْن، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَغَوِيّ الدَّبَّاس (5) ، وَقَاضِي بَغْدَاد أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّر الشَّامِيّ (6) ، وَالحُمَيْدِيُّ المحدّث (7) ، وَنجيبُ بنُ مَيْمُوْنٍ الوَاسِطِيّ (8) بهَرَاة.
326 - أَبُو يُوْسُفَ القَزْوِيْنِيُّ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، البَارِعُ، شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ وَفَاضِلهُم، أَبُو يُوْسُفَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ بُنْدَارٍ القَزْوِيْنِيُّ المُفَسِّرُ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ: أَبَا عُمَر بن مَهْدِيٍّ، وَالقَاضِي عَبْدَ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ، وَأخذ عَنْهُ
__________
(1) سترد ترجمته عقب هذه الترجمة مباشرة.
(2) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (26) .
(3) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (17) .
(4) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (35) .
(5) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (1) .
(6) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (47) .
(7) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (63) .
(8) سترد ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (23) .
(*) تاريخ ابن عساكر 10 / 163 / 2، المنتظم 9 / 89 - 90، التدوين في تاريخ قزوين: 224 ب - 245 ب، الكامل 10 / 253، دول الإسلام 2 / 17، العبر 3 / 321، تذكرة الحفاظ 4 / 1208، عيون التواريخ 13 / الورقة 5 - 6، مرآة الجنان 3 / 147، طبقات السبكي 5 / 121 - 122، البداية والنهاية 12 / 150، الجواهر المضية 2 / 421 - 422، لسان الميزان 4 / 11 - 12، النجوم الزاهرة 5 / 156، طبقات المفسرين للسيوطي: 67 - 68، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 301 - 302، الطبقات السنية رقم 1243، كشف الظنون 1 / 634، شذرات الذهب 3 / 385، هدية العارفين 1 / 569.(18/616)
الاعتزَال، وَسَمِعَ بهَمَذَان مِنْ أَبِي طَاهِر بن سَلَمَةَ، وَبِأَصْبَهَانَ عنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَبِحَرَّانَ عَنْ أَبِي القَاسِمِ الزَّيديّ، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البنّاء، وَهِبَةُ اللهِ بن طَاوُوْس، وَمَحْمُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّحَبِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ الحَافِظ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ أَحَدَ الفُضَلاَء المُقَدَّمِين، جمع (التَّفْسِيْر) الكَبِيْر الَّذِي لَمْ يُرَ فِي التَّفَاسير أَكْبَر مِنْهُ، وَلاَ أَجْمَع لِلفَوَائِد، لَوْلاَ أَنَّهُ مَزجه بِالاعتزَال، وَبثَّ فِيْهِ مُعتَقده، وَلَمْ يَتَّبع نَهج السَّلَف، أَقَامَ بِمِصْرَ سِنِيْنَ، وَحصَّل أَحمَالاً مِنَ الكُتُب، وَحملَهَا إِلَى بَغْدَادَ، وَكَانَ دَاعِيَةً إِلَى الاعتزَال (1) .
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر: سَكَنَ طرَابُلُس مُدَّة.
سَمِعْتُ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ يَقُوْلُ: إِنَّ أَبَا يُوْسُف صَنَّف (التَّفْسِيْر) فِي ثَلاَثِ مائَة مُجَلَّدٍ وَنَيِّفٍ (2) .
وقَالَ: مَنْ قرَأَه عَلِيَّ وَهَبْتُ لَهُ النُّسْخَة.
فَلَمْ يَقرَأْه أَحَد.
وَقَالَ هِبَةُ اللهِ بن طَاوُوْس: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَقَدْ زَمِنَ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قُلْتُ: مَنْ دِمَشْق.
قَالَ: بَلَدِ النَّصْب (3) .
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: قِيْلَ: سَأَله ابْن البَرَّاج شَيْخُ الرَّافِضَّة بِطَرَابُلس:
__________
(1) انظر " المنتظم " 9 / 89 - 90، و" لسان الميزان " 4 / 11، و" طبقات المفسرين " للداوودي 1 / 301.
(2) وسيورد المؤلف نقلا آخر أنه فسر في سبع مئة مجلد.
(3) الناصبة: هم الذين يبغضون عليا رضي الله عنه.(18/617)
مَا تَقُوْلُ فِي الشَّيخين؟
قَالَ: سِفلتَان.
قَالَ: مَنْ تَعْنِي؟
قَالَ: أَنَا وَأَنْت (1) .
ابْنُ عَقِيْل فِي (فُنونه) قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مِصْرَ القَاضِي أَبُو يُوْسُفَ القَزْوِيْنِيّ، وَكَانَ يَفتخر بِالاعتزَال، وَيَتوسَّعُ فِي قدح العُلَمَاء، وَلَهُ جُرْأَةٌ، وَكَانَ إِذَا قصد بَاب نَظَام الْملك؛ يَقُوْلُ: استَأْذنُوا لأَبِي يُوْسُفَ المُعْتَزِلِي.
وَكَانَ طَوِيْلَ اللِّسَان بِعِلْمٍ تَارَةً، وَبِسَفَهٍ تَارَةً، لَمْ يَكُنْ مُحققاً إِلاَّ فِي التَّفْسِيْر، فَانَّه لَهِجَ بِذَلِكَ حَتَّى جمع كِتَاباً بلغَ خَمْسَ مائَةِ مُجلَّد، فِيْهِ العَجَائِب، رَأَيْتُ مِنْهُ مُجلَّدَةً فِي آيَة وَاحِدَة، وَهِيَ: {واتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} [البَقَرَةُ:102] فَذَكَرَ السِّحْرَ وَالمُلُوْك الَّذِيْنَ نَفق عَلَيْهِم السِّحرُ، وَتَأْثيرَاته وَأَنْوَاعه (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ: مَلك مِنَ الكُتُب مَا لَمْ يَملِكه أَحَدٌ، قِيْلَ: ابْتَاعهَا مِنْ مِصْرَ بِالخُبز وَقت القَحط، وحَدَّثَنِي عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ ابْتَاعهَا بِالأَثَمَان الغَاليَة.
كَانَ يَبتَاع مِنْ كُتُب السِّيرَافِيّ، وَكَانَتْ أَزِيدَ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلف مُجلَّد، فَكَانَ أَبُو يُوْسُفَ يَشْتَرِي فِي كُلِّ أُسْبُوْع بِمائَةِ دِيْنَارٍ، وَيَقُوْلُ: قَدْ بِعتُ رحلِي وَمَا فِي بَيْتِي.
وَكَانَ الرُّؤَسَاء يَصِلُونَهُ، وَقِيْلَ: قَدِمَ بَغْدَادَ بِعَشْرَةِ أَحمَالِ كُتب، وَأَكْثَرُهَا بخُطُوط مَنْسُوْبَة.
وَعَنْهُ قَالَ: مَلكتُ سِتِّيْنَ تَفسيراً.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ المَلِكِ: وَأَهدَى لِلنِّظَامِ (غَرِيْب الحَدِيْث) لإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ فِي عَشْرِ مُجَلَّدَات، و (شعر الكُمَيْت) فِي ثَلاَث عشر مجلدَة،
__________
(1) انظر " لسان الميزان " 4 / 12.
(2) انظر " المنتظم " 9 / 90، و" لسان الميزان " 4 / 11، و" طبقات " الداوودي 1 / 302.(18/618)
و (عَهْدَ) القَاضِي عَبْد الجَبَّارِ بخطّ الصَّاحب إِسْمَاعِيْل بن عَبَّادٍ، كُلّ سطر فِي وَرقَة، وَلَهُ غلاَف آبنُوس فِي غلظ الأُسْطُوَانَة، وَأَهدَى لَهُ مُصحفاً بخطٍّ مَنْسُوْب بَيْنَ سُطُوره القِرَاءات بِأَحْمَر، وَاللُّغَةُ بِأَخضر، وَالإِعرَابُ بِأَزرق، وَهُوَ مُذَهَّب، فَأَعْطَاهُ النّظَامُ ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَمَا أَنْصَفَه، لَكنَّه اعْتذر، وَقَالَ: مَا عِنْدِي مَالٌ حَلاَلٌ سِوَاهَا (1) .
قَالَ المُؤتَمَن: تركتُه لِمَا كَانَ يَتظَاهِر بِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ: وَكَانَ فَصِيْحاً، حُلوَ الإِشَارَة، يَحفظ غَرَائِب الحِكَايَات وَالأَخْبَار، زِيديَّ المَذْهَب، فَسَّر فِي سَبْع مائَة مُجَلَّدٍ كِبَارِ (2) .
قيل: دخل الغزَالِيُّ إِلَيْهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قَالَ: مِنَ المدرسَة بِبَغْدَادَ.
قَالَ الغزَالِيّ: لَوْ قُلْتُ: إِنِّيْ مِنْ طُوْس، لذكر تَغفِيل أَهْلِ طُوْس، مِنْ أَنَّهم سَأَلُوا المَأْمُوْن، وَتوسَّلُوا إِلَيْهِ بقبرِ أَبِيْهِ عِنْدَهُم، وَطَلَبُوا أَنْ يُحَوِّلَ الكَعْبَة إِلَى بلدهمْ.
وَأَنَّهُ جَاءَ عَنْ بَعْضِهم أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ نَجمه، فَقَال: بالتَّيس.
فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: كَانَ مِنْ سَنتين بِالجدي، وَالسَّاعَةَ قَدْ كَبِرَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: أَبُو يُوْسُفَ كَانَ مُعْتَزِليّاً دَاعِيَةً يَقُوْلُ: لَمْ يَبْقَ مَنْ يَنْصُر هَذَا المَذْهَب غَيْرِي، وَكَانَ قَدْ أَسنّ، وَكَادَ أَنْ يَخفَى فِي مَجْلِسِهِ، وَلَهُ لِسَانُ شَابٍّ (3) . ذكر لِي أَنَّ (تَفْسِيْره) ثَلاَثُ مائَةِ مُجلَّد،
__________
(1) انظر " طبقات " السبكي 5 / 121 - 122، و" لسان الميزان " 4 / 11 - 12.
(2) انظر " المنتظم " 9 / 90، و" البداية " 12 / 150، و" النجوم الزاهرة " 5 / 156، و" طبقات " السبكي 5 / 121.
(3) انظر " لسان الميزان " 4 / 12.(18/619)
مِنْهَا سَبْعَةٌ فِي سُوْرَة الفَاتِحَة.
وَكَانَ عِنْدَهُ جُزء مِنْ حَدِيْثِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الأَنْصَارِيّ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بَعْضَه، عَنِ القَاضِي عَبْدِ الجَبَّارِ، عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، قرَأْتُهُ لولَدَيْ شَيْخِنَا ابْن سِوَار المُقْرِئ، وَقَرَأْتُ لَهُمَا جزءاً مِنْ حَدِيْثِ المَحَامِلِيّ، وَسَمِعَهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِيْنَ أَوْ نَحْوهَا.
وَكَانَ لاَ يُسَالِم أَحَداً مِنَ السَّلَف، وَيَقُوْلُ لَنَا: اخْرجُوا تَدْخُلِ المَلاَئِكَة (1) .
وَقِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ (393) .
وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ (2) وَأَرْبَعِ مائَة.
بعُوْنَ الله وَتوفِيقه تَمَّ الْجُزْء الثَّامن عشر مِنْ (سير أَعْلاَم النُّبَلاَء) وَيتلُوْهُ الْجُزْء التَّاسع عشر، وَأَوَّلُه: تَرْجَمَة الدَّبَّاس مُحَمَّد بن عَلِيٍّ البغويّ.
__________
(1) انظر " لسان الميزان " 4 / 12.
(2) في " طبقات المفسرين " للداوودي 1 / 302 أنه توفي سنة (483) وهو خطأ.(18/620)
وَجَاءَ فِي آخِرِ الأَصْلِ مَا نَصُّهُ:
تمّ الجُزءُ الحَادِي عَشَرَ بِحَمْدِ الله تَعَالى وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ.
وَصَلَّى الله عَلَى سيِّدنَا مُحَمَّد وَآله وَصحبِه، وَسلَّمَ تَسلِيماً كَثِيْراً، وَكَانَ الفرَاغُ مِنْهُ لَيْلَةَ الاثْنَيْن، لِثِنْتَي عَشْرةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ شَهرِ ذِي الحِجَةِ، سَنةَ 741.
وَهِي أوَّلُ نُسخةٍ نُسختْ مِن خَطِّ المُصنِّفِ، وَيَتلُوه فِي الَّذي يَلِيهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى -:مُحَمَّد بن عَلِيٍّ البغويّ الدَّبَّاس.(18/621)
الجُزءُ التَّاسِعَ عَشَرَ
1 - الدَّبَّاسُ أَبُو سَعِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي صَالِحٍ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو سَعِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي صَالِحٍ البَغَوِيُّ، الدَّبَّاسُ.
آخِرُ مَنْ رَوَى (جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ) عَالِياً عَنْ عَبْدِ الجَبَّارِ الجَرَّاحِيِّ (1) .
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: مَسْعُوْدِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغَوِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الإِسْتِرَابَاذِيِّ (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ عُثْمَانُ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشِّيرَازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَاسِرٍ المُقْرِئُ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَمْدُوْيِيُّ (3) ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
__________
(*) الأنساب: 2 / 256، 257، العبر: 3 / 322، عيون التواريخ 13 / 51.
(1) تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر، رقم الترجمة (154) .
(2) ضبطه السمعاني في " الأنساب " 1 / 214 بكسر الهمزة والتاء وسكون السين، وتابعه على ذلك ابن الأثير في " اللباب "، وانفرد ياقوت في " معجمه " 1 / 174، فضبطه بفتح الهمزة والتاء وقال: أستراباذ: بلدة كبيرة مشهورة أخرجت خلقا من أهل العلم في كل فن وهي من أعمال طبرستان.
(3) بفتح الحاء وسكون الميم وضم الدال: نسبة إلى حمدويه: اسم لبعض أجداد المنتسب إليه.(19/5)
وَعَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ.
مَاتَ: بِبَغْشُوْرَ (1) ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَآخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ المَسْعُوْدِيُّ.
2 - التِّرْيَاقِيُّ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الأَدِيْب، المُعَمَّر، الثِّقَةُ، أَبُو نَصْرٍ عَبْد العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ ثُمَامَة الهَرَوِيُّ، التِّرْيَاقِيُّ.
وَتِريَاق: قَرْيَة مِنْ عَمَلِ هَرَاة (2) .
سَمِعَ (جَامِع أَبِي عِيْسَى) - سِوَى الجُزْءِ الأَخِيْرِ مِنْهُ، أَوَّله: مَنَاقِبُ ابْنِ عَبَّاسٍ - مِنَ الجَرَّاحِيّ.
سَمِعَهُ مِنْهُ المُؤتَمَنُ السَّاجِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الْملك الكَرُوخِي (3) .
وَقَدْ رَوَى أَيْضاً عَنِ: القَاضِي أَبِي مَنْصُوْرٍ الأَزْدِيِّ، وَالحَافِظ أَبِي الفَضْلِ الجَارُوْديِّ.
__________
(1) هي بليدة بين هراة ومرو الروذ من بلاد خراسان، والنسبة إليها بغوي على غير
قياس، انظر " الأنساب " 2 / 254، و" معجم البلدان " 1 / 467، و" شرح السنة " 1 / 20، وقد تحرفت في " الشذرات " إلى بشفور.
(*) الأنساب المتفقة: 33، الأنساب: 3 / 50، معجم البلدان: 2 / 28، العبر: 3 / 302، 303، اللباب: 1 / 214، شذرات الذهب: 3 / 368.
(2) هراة: مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان، افتتحها الاحنف بن قيس في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال ياقوت: لم أر بخراسان عند كوني بها في سنة (607 هـ) مدينة أجل ولا أعظم ولا أفخم ولا أحسن ولا أكثر أهلا منها، فيها بساتين كثيرة، ومياه غزيرة، وخيرات كثيرة محشورة بالعلماء، ومملوءة بأهل الفضل والثراء، وقد غزاها الكفار التتار سنة (618 هـ) فخربوها حتى أدخلوها في خبر كان ... (3) ستأتي ترجمته في الجزء العشرين برقم (183) .(19/6)
وَعُمِّر أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
3 - الغُورَجِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الصَّمدِ بنِ أَبِي الفَضْلِ *
الشَّيْخُ الثِّقَة، الجَلِيْلُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الصَّمد بن أَبِي الفَضْلِ الغُورَجِيُّ (1) ، الهَرَوِيُّ، التَّاجِرُ، رَاوِي (جَامِع أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيّ) عَنْ عَبْد الجَبَّارِ الجَرَّاحِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُؤْتَمَن السَّاجِيّ (2) ، وَأَبُو الفَتْحِ الكَرُوْخِي، وَغَيْرهُمَا.
وَثَّقَهُ: المُحَدِّثُ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ الكُتُبِيّ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِهَرَاةَ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
4 - الصَّاعِدِيُّ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ **
قَاضِي القُضَاة، رَئِيْسُ نَيْسَابُوْر، أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدِ
__________
(*) تقييد المهمل: الورقة / 24 أ، المنتظم: 9 / 44، معجم البلدان 4 / 216، اللباب: 2 / 393، الكامل في التاريخ: 10 / 168، العبر: 3 / 297، شذرات الذهب: 3 / 365.
(1) بضم الغين، وسكون الواو، وفتح الراء: نسبة إلى غورة، وبعضهم يقول: غورج: قرية من قرى هراة.
انظر اللباب: 2 / 393، ومعجم البلدان: 4 / 216.
(2) هو الحافظ الحجة محدث بغداد، أبو نصر المؤتمن بن أحمد بن علي بن الحسين الديرعاقولي ثم البغدادي المتوفى سنة 445 هـ، وسيترجمه المؤلف في هذا الجزء برقم (195) .
(* *) المنتظم: 9 / 49 - 50، الكامل في التاريخ: 10 / 180، العبر: 3 / 299، مرآة الجنان: 3 / 133، الجواهر المضية: 1 / 279 - 281، النجوم الزاهرة: 5 / 129، =(19/7)
بن مُحَمَّدٍ الصَّاعديُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ عَشر.
وَسَمِعَ مِنْ: جدّه أَبِي العَلاَءِ صَاعِد، وَأَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: زَاهِرٌ وَوَجِيهٌ ابْنَا الشَّحَّامِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الفُرَاوِي (1) ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ زَاهِر، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيّ: تَعصَّب بِأَخَرَةٍ فِي المَذْهَب حَتَّى أَدَّى إِلَى إِيحَاشِ العُلَمَاء، وَإِغرَاءِ الطّوَائِف، حَتَّى لُعِنُوا عَلَى المَنَابِرِ، حَتَّى أَبْطَلَهُ نِظَامُ الْملك (2) .
أَملَى مَجَالِسَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: شَيْخُ الإِسْلاَمِ.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
5 - الثَّقَفِيُّ القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدٍ *
الشَّيْخُ، العَالِم، المُعَمَّر، مُسْنِدُ الوَقْتِ، رَئِيْسُ أَصْبَهَان وَمعتَمَدُهَا، أَبُو
__________
= كتائب أعلام الاخيار: رقم (282) ، الطبقات السنية: رقم (324) ، شذرات الذهب: 1089، الفوائد البهية: 34 - 35.
(1) بضم الفاء وفتح الراء كما في " الأنساب "، وضبط ياقوت الفاء بالفتح: نسبة إلى فراوة: بليدة على الثغر مما يلي خوارزم، يقال لها: رباط فراوة، بناها أمير خراسان عبد الله ابن طاهر في خلافة المأمون.
(2) الوزير الكبير أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، منشئ المدرسة النظامية في بغداد، وسترد ترجمته برقم (53) من هذا الجزء.
(*) السياق: الورقة / 76 ب، التقييد: الورقة / 192 ب - 193 أ، دول الإسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 325، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ 4 / 1227، والاعلام لابن قاضي شهبة حوادث / 489، كشف الظنون: 55 و522، شذرات الذهب: 3 / 393، الرسالة المستطرفة: 77، تاريخ الأدب العربي: 6 / 178.(19/8)
عَبْد اللهِ القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْد الثَّقَفِيّ، الأَصْبَهَانِيّ، صَاحِبُ (الأَرْبَعِيْنَ) وَ (الفَوَائِد العَشْرَة (1)) .
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَأَوَّلُ سَمَاعِهِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَع مائَة، وَرحَّلَه أَبُوْهُ فِي صِبَاهُ إِلَى خُرَاسَانَ، وَالعِرَاق، وَالحِجَاز، وَلقِي الكِبَار.
سَمِعَ: أَبَا طَاهِر مُحَمَّد بنَ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمِش، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَأَبَا زَكَرِيَّا المُزكِّي، وَعبدَ الرَّحْمَن بن بَالُوْيَه، وَعَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ عَبْدَان، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَمُحَمَّد بن مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، وَأَبَا عَمْرٍو مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ الرَّزْجَاهِي (2) ، وَعَلِيَّ بن مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ، وَأَبَا حَازِمٍ العَبْدَوِي، وَعبدَ الرَّحْمَن بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَبِيْبٍ، وَطَائِفَة بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا الفَرَجِ عُثْمَانَ بنَ أَحْمَدَ البُرْجِي، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ جُوْلَة، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَرْدَوَيْه، وَعَلِيَّ بنَ مَاشَاذَه الفَرَضِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيّ، وَعِدَّةً بِبَلَدِهِ، وَهِلاَلَ بن مُحَمَّدٍ الحَفَّار، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَابْنَ يَعْقُوْبَ الإِيَادِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الفَضْلِ القَطَّان، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الغَضَائِرِي، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ نَظيف المِصْرِيّ بِمَكَّةَ.
وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَتَفَرَّد فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ صدراً مُعَظَّماً.
__________
(1) وهي المعروفة ب " الاجزاء الثقفيات " وتدعى أيضا ب " الفوائد العوالي ".
(2) بفتح الراء وسكون الزاي وفتح الجيم: نسبة إلى رزجاه: قرية من قرى بسطام، وأبو عمرو هذا كان من أهل الفضل والعلم، أسمع الاسماعيلي، وابن عدي، وأبا أحمد الحاكم، وروى عنه الامام البيهقي، وغير واحد، أقام بنيسابور مدة، وحدث بها بالكتب، وقرأ الأدب عليه بها جماعة إلى سنة خمس وأربع مئة، ورجع إلى وطنه بسطام، وتوفي بها سنة 427 هـ، تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر رقم (326) .(19/9)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِر، وَإِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو المُطهَّر الصَّيْدَلاَنِيّ قَاسمٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَأَبُو رشيد مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ البَاغْبَان (1) ، وَالحَسَنُ بن العَبَّاسِ الرُّسْتُمِي (2) ، وَحَفِيْدُهُ مَسْعُوْدُ بن الحَسَنِ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو رُشَيْد عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الأَصْبَهَانِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ ذَا رَأْي وَكفَايَة وَشَهَامَة، وَكَانَ أَسندَ أَهْل عصره، وَأَكْثَرهُم ثروَةً وَنِعْمَةً وَبِضَاعَةً وَنقداً، وَكَانَ مُنفقاً، كَثِيْرَ الصَّدَقَةِ، دَائِمَ الإِحسَان إِلَى الطَّارِئِين وَالمُقيَمِيْن وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَإِلَى العَلَوِيَّة خُصوصاً، كَثِيْرَ البذلِ لَهُم، عُزِلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَنْ رِئَاسَة الْبَلَد، وَصُودِر، فَوزن مائَةَ أَلْفِ دِيْنَار حمر لَمْ يَبِعْ لَهَا مِلْكاً، وَلاَ أَظهر انكسَاراً.
وَكَانَ مِنْ رِجَالِ الدُّنْيَا، عُمِّر، وَرَحَلَتْ إِلَيْهِ الطلبَةُ مِنَ الأَمصَار، وَكَانَ صَحِيْحَ السَّمَاعِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَمِيْلُ إِلَى التَّشَيُّع عَلَى مَا سَمِعْتُ جَمَاعَةَ أَهْلِ أَصْبَهَان.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنده: لَمْ يُحَدِّث فِي وَقت أَبِي عَبْدِ اللهِ الرَّئِيْس أَوثقُ مِنْهُ فِي الحَدِيْثِ، وَأَكْثَرُ سَمَاعاً، وَأَعْلَى إِسْنَاداً، كَانَ فِيْمَا قِيْلَ: يَمِيْل إِلَى الرَّفض، سَمِعَ (تَارِيخ يَعْقُوْب الفَسَوِيّ) مِنِ ابْنِ الفَضْل القَطَّان، وَسَمِعَ (تَارِيخ يَحْيَى بن مَعِيْنٍ) مِنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ الرَّئِيْس الثَّقَفِيّ عَظِيْماً، كَبِيْراً فِي أَعْيُنِ النَّاس، عَلَى مَجْلِسه هَيبَةٌ وَوَقَار، وَكَانَ لَهُ ثَروَةٌ وَأَملاَكٌ كَثِيْرَة.
__________
(1) هذه النسبة إلى حفظ الباغ - وهو البستان، انظر الأنساب 2 / 44.
(2) بضم الراء وسكون السين وفتح التاء، نسبة إلى رستم بعض أجداد المنتسب، انظر الأنساب 6 / 115.(19/10)
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ مَحْمُوْدَ السِّيرَة فِي وِلاَيته، مُشفقاً عَلَى الرَّعيَّة، سَمِعْتُ أَنَّ السُّلْطَان مَلِكشَاهُ أَرَادَ أَنْ يَأْخذ مِنَ الرَّعيَّة مَالاً بِأَصْبَهَانَ، فَقَالَ الرَّئِيْس: أَنَا أُعْطِي النِّصْف، وَيُعْطِي الوَزِيْر - يَعْنِي: نِظَامَ الْملك - وَأَبُو سَعْدٍ المُسْتوفِي النِّصْفَ.
فَمَا قَامَ حَتَّى وَزن مَا قَالَ، فَظنِّي أَنَّ المَال كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مائَة أَلْفِ دِيْنَارٍ أَحْمَر.
وَكَانَ يَبَرُّ المُحَدِّثِيْنَ بِمَالٍ كَثِيْر؛ رحلُوا إِلَيْهِ مِنَ الأَقطَار.
مَاتَ الرَّئِيْس: فِي رَجَب، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَة.
6 - التَّفْلِيْسِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُقْرِئُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السَّرِيِّ ابْن بَنُّوْنَ (1) التَّفْليسِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي رَجَب، سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْسُفَ بن بامُويَه، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَحَمْزَة المُهَلَّبِيّ، وَأَبِي صَادِق الصَّيْدَلاَنِيّ، وَعِدَّة مِنْ أَصْحَابِ الأَصَمّ، وَأَملَى مُدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبدُ الغَافِر بن إِسْمَاعِيْلَ - وَأَثْنَى عَلَيْهِ - وَإِسْمَاعِيْلُ بن المُؤَذِّن، وَوجيه الشَّحَّامِي.
__________
(*) الأنساب: 3 / 65 - 66، العبر: 3 / 303، النجوم الزاهرة: 5 / 131، شذرات الذهب: 3 / 393.
(1) تصحفت في " الأنساب " 3 / 65 إلى " بتون " بالتاء المثناة، والتفليسي: بفتح التاء وتكسر نسبة إلى تفليس، وهي آخر بلدة من بلاد أذربيجان.(19/11)
وَسُئِلَ عَنْهُ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، فَقَالَ: شَيْخ صَالِح يُتَبَرَّك بِدُعَائِهِ، سَمِعَ الكَثِيْر مِنَ المُهَلَّبِيّ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي سَلخ شَوَّال، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
7 - ابْنُ أَبِي العَلاَءِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ المَصِّيْصِيُّ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُفْتِي، مُسْنِدُ دِمَشْق، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي العَلاَءِ المَصِّيْصِيُّ (1) ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الفَرَضِيُّ.
وُلِدَ: فِي رَجَب، سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ وَهُوَ حَدَثٌ مِنَ الكِبَارِ، وَارْتَحَلَ، وَلحق العَوَالِي.
سَمِعَ: مُحَمَّد بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطَّان، وَعبد الرَّحْمَن بنَ أَبِي نَصْرٍ، وَأَبَا نَصْرٍ بن هَارُوْنَ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بن جَعْفَرٍ المَيْدَانِي، وَعَبْدَ الوَهَّابِ المُرِّيّ، وَعدداً كَثِيْراً بِدِمَشْقَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ الحَمَّامِي (2) بِبَغْدَادَ.
لحقه مَرِيضاً هُوَ وَعَبْدُ العَزِيْزِ الكَتَانِي رفِيقُه، فَسَمِعَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، وَسَمِعَ
__________
(*) الأنساب: 532 ب، تاريخ دمشق:، معجم البلدان: 5 / 145، العبر: 3 / 317، طبقات السبكي: 5 / 290 - 291، طبقات الاسنوي: 2 / 412 - 413، حسن المحاضرة 1 / 404، شذرات الذهب: 3 / 381.
(1) ضبطها السمعاني بكسر الميم والصاد المشددة، وقال ياقوت: بفتح الميم، وانفرد الجوهري وخاله الفارابي، فقالا: " المصيصة " بتخفيف الصادين، وتابعهما على ذلك صاحب " القاموس " فقال: والمصيصة كسفينة، ولا تشدد.
وهي مدينة على ساحل البحر من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرسوس، كان يرابط بها كثير من العلماء والصالحين.
(2) تحرف في معجم ياقوت إلى " الحماني ". وقد تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر رقم (265) .(19/12)
بِبَلَدَ (1) مِنْ أَحْمَد بن الحُسَيْنِ بنِ سَهْلِ بن خَلِيْفَةَ، وَأَخِيْهِ مُحَمَّد، وَبِمصر مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ نَظيف، وَأَبِي النُّعْمَان بن تُرَاب بن عُمَرَ، وَبعُكْبَرَا مِنْ أَبِي نَصْرٍ البَقَّال، وَبِبَغْدَادَ أَيْضاً مِنْ هِبَة اللهِ بن الحَسَنِ اللاَّلْكَائِيّ، وَطَلْحَةَ بنِ الصَّقْر، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ البَادِي (2) ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ - وَمَاتَ قَبْلَهُ بِأَرْبَع وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - وَالفَقِيْهُ نَصْرٌ المَقْدِسِيّ، وَالخَضِرُ بن عَبْدَان، وَهِبَةُ اللهِ بن أَحْمَدَ الأَكْفَانِي، وَجَمَالُ الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، وَنَصْر بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِل، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْس، وَالقَاضِي يَحْيَى بن عَلِيٍّ الفرسِي، وَابْنُهُ القَاضِي الزَّكِي مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَأَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ البُنّ، وَأَبُو العَشَائِرِ مُحَمَّدُ بنُ خَلِيْل، وَعَلِيُّ بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتل، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنِ الحُبُوبِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ فَقِيْهاً فَرَضياً مِنْ أَصْحَابِ القَاضِي أَبِي الطَّيِّب، مَاتَ بِدِمَشْقَ، فِي حَادِي عشر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حكَى البهجَةُ بنُ أَبِي عَقيل عَن ابْنِ أَبِي العَلاَءِ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ دَفْتَرُ حسَابٍ يُحَاسِبُ رَجُلاً، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى فَوْق، وَقَالَ: مَا هَذَا الوَجْهُ؟ هَذِهِ صُوْرَة شَخْص قَدْ تَمثَّل لِي، ثُمَّ رَمَى الدَفْتَر، وَأُغمِي عَلَيْهِ، وَمَاتَ.
قُلْتُ: سَمِعْنَا مِنْ طرِيقه عِدَّةَ أَجزَاء، كحَدِيْث ابْن أَبِي ثَابِتٍ، وَجُزء
__________
(1) بلد: اسم بلدة قديمة على دجلة فوق الموصل، بينهما سبعة فراسخ، وبينها وبين نصيبين ثلاثة وعشرون فرسخا.
انظر " معجم البلدان " 1 / 481، و" الأنساب " 2 / 284، 286.
(2) قال ابن ناصر الدين في التوضيح 1 / 28 / 1: وسبب لقبه أن أمه حملت به وبولد آخر توأما، فولدته قبل أخيه، فقيل له: البادي وعرف به، توفي سنة (420 هـ) .(19/13)
عَلِيّ بن حَرْبٍ (1) ، وَمِنْ (فَضَائِل الصَّحَابَة) لِخَيْثَمَة (2) .
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: مُسْنِدُ نَيْسَابُوْر أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلَفٍ الشِّيرَازِي صَاحِبُ الحَاكِم، وَنَائِبُ حلبَ قسيمُ الدَّوْلَة آقْسُنْقُر جدُّ نور الدِّين (3) ، وَالأَدِيْبُ النَّحْوِيُّ أَبُو نَصْرٍ الحَسَنُ بن أَسَدٍ الفَارقِي (4) ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَن بن عَبْدِ المَلِكِ النَّسَفِي (5) ، وَعَبْدُ اللهِ بن عَبْدِ العَزِيْزِ أَبُو عُبَيْدٍ البَكْرِيّ (6) صَاحِبُ (مُعْجَم البِلاَد) ، وَالمقتدي بِاللهِ العَبَّاسِيّ، وَشيخُ القُرَّاء عبدُ السَّيِّد بن عتَّاب، وَالفَضْلُ بن أَحْمَدَ وَالِدُ الفُرَاوِي، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ الإِسْفَرَايينِي الشَّاعِر، وَأَبُو عَامِرٍ مَحْمُوْدُ بنُ القَاسِمِ الأَزْدِيُّ (7) ، وَالمُسْتَنْصِرُ بِاللهِ معدٌّ العُبيدي.
8 - خُوَاهَر زَاذَهْ مُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنِ بن مُحَمَّدٍ القُدَيْدِيُّ *
شَيْخُ الحَنَفِيَّة، وَفقيهُ مَا وَرَاء النَّهْرِ، وَنُعمَانُ الوَقْت، أَبُو بَكْرٍ خُوَاهَرزَاذَهْ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ القُدَيْدِي (8) ، البُخَارِيّ،
__________
(1) المتوفى سنة (225 هـ) ، وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثاني عشر رقم (93) .
(2) ابن سليمان بن حيدرة القرشي الاطرابلسي المتوفى سنة (343 هـ) تقدمت ترجمته في الجزء الخامس عشر رقم (230) .
(3) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (67) .
(4) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (44) .
(5) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (73) .
(6) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (21) .
(7) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (19) .
(*) الأنساب: 5 / 201، اللباب: 1 / 468، العبر: 3 / 302، الجواهر المضية: 1 / 236 و2 / 49، الاعلام (خ) حوادث / 483، تاج التراجم: 46، مفتاح السعادة: 2 / 276، كشف الظنون: 569، 1223، 1580، شذرات الذهب: 3 / 367، الفوائد البهية: 163 - 164.
(8) نسبة إلى قديد، منزل بين مكة والمدينة. انظر الأنساب: 10 / 77.(19/14)
ابْنُ أُخْت القَاضِي أَبِي ثَابِتٍ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ البُخَارِيّ، وَلذَلِكَ لُقِّبَ بِخُوَاهَرزَاذَهْ، مَعْنَاهُ: ابْن أُخْت عَالِم.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَمَنْصُوْراً الكَاغَدِيَّ، وَأَبَا نَصْرٍ أَحْمَد بن عَلِيٍّ الحَازِمِي، وَالحَاكِمَ أَبَا عُمَر مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ القَنْطَرِي، وَأَملَى عِدَّة مَجَالِس، وَخَرَّج لَهُ أَصْحَابٌ وَأَئِمَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَعُمَرُ بن مُحَمَّدِ بنِ لُقْمَان النَّسفِي، وَطَائِفَة.
وطرِيقته أَبسطُ الطَّرِيْق، وَكَانَ يَحفظهَا، وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ.
ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيّ فِي (الأَنسَاب (1)) .
تُوُفِّيَ: بِبُخَارَى، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: عَاصِمٌ العَاصِمِي، وَمُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيْلَ التَّفْلِيسِي (2) ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ ثَابِتٍ الخُجَنْدِي (3) المُتَكَلِّمُ، وَأَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ الدَّقَّاق، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلٍ السَّرَّاج، وَالوَزِيْرُ فَخرُ الدَّوْلَة مُحَمَّدُ بن مُحَمَّدِ بنِ جَهِير، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بن مُحَمَّدٍ التِّرِيَاقِي.
__________
(1) 5 / 201، والنص فيه: كان إماما فاضلا بحرا في مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وطريقته أبسط طريقة لهم، جمع فيها من كل جنس، وكان يحفظها.
(2) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (6) .
(3) بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون نسبة إلى خجند: بلدة كبيرة على طرق سيحون من بلاد المشرق، فتحت سنة ثلاث ومئة في خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان.(19/15)
9 - الخَلاَّلِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
مُسْنِدُ جُرْجَان فِي زَمَانِهِ، أَبُو القَاسِمِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بن الإِسْمَاعِيْلِي، وَأَبِي الفَضْلِ مُحَمَّد بنِ جَعْفَرٍ الخُزَاعِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ المَالِيْنِيّ، وَغَالِبِ بنِ عَلِيٍّ الرَّازِيّ، وَحَمْزَة السَّهْمِيّ، وَخَلْق.
يَرْوِي عَنْهُ: سَعْدُ بنُ عَلِيٍّ الغَضَائِرِي، وَطَائِفَة.
تُوُفِّيَ: بِجُرْجَان، سَنَة نَيِّف وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
10 - ابْنُ سَمْكُويه أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُفِيد، المُصَنِّفُ، الثِّقَةُ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَمْكُويه الأَصْبَهَانِيّ، نَزِيْلُ هَرَاة، كَانَ مِنْ فُرْسَان الحَدِيْث، وَالمُكْثِرِيْنَ مِنْهُ.
سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّل وَطَبَقَتِهِ.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي حَفْصٍ بن مَسْرُوْر.
وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ: إِبْرَاهِيْمَ سِبْطِ بَحْرويه، وَعِدَّة.
وَبِسَمَرْقَنْدَ: مِنْ مُسْنَدهَا عُمَر بن شَاهِيْن.
وَبِشِيْرَازَ: مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ.
__________
(*) قال السمعاني في " الأنساب " 5 / 218: الخلالي: بفتح الخاء المعجمة، وتشديد اللام ألف، وفي آخرها اللام، هذه النسبة إلى الخل، وإلحاق الياء في مثل هذا الانتساب أكثرها بجرجان وطبرستان وخوارزم.
(* *) المنتظم: 9 / 52، تذكرة الحفاظ: 4 / 1212 - 1213، الوافي بالوفيات: 2 / 88، البداية والنهاية: 12 / 136، طبقات الحفاظ: 446، شذرات الذهب 3 / 367.(19/16)
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَع مائَة، وَإِنَّمَا طلب الحَدِيْثَ عَلَى كِبَر، وَكَانَ عَابِداً صَالِحاً خَيِّراً، يُتَبَرَّكُ بدعَائِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق، وَغَيْرهُمَا.
قَالَ الدَّقَّاقُ فِي (رِسَالته (1)) :كَانَ لابْنِ سَمْكُويه الكَثْرَةُ الوَافِرَة فِي كتب الحَدِيْث.
قَالَ: وَوهْمُه أَكْثَرُ مِنْ فَهمه، صَحِبَ عَبْدَ العَزِيْزِ النَّخْشَبِي إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَأَقَامَ بِهَرَاةَ سِنِيْنَ يُورِّق، صَادَفْتُهُ بِهَا، وَبَينِي وَبَيْنَهُ مَا كَانَ مِنَ الحِقد وَالحَسَدِ (2) .
قُلْتُ: بِئستِ الخَصْلَتَانِ أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهُمَا.
مَاتَ: بِنَيْسَابُوْرَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
11 - هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ بنِ عَلِيٍّ الشِّيرَازِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو القَاسِمِ الشِّيرَازِيُّ، رَحَّالٌ
__________
(1) الموسومة ب " رحلة الدقاق " ذكر فيها ألف شيخ أخذ عنهم.
(2) قلت: فلا يلتفت إلى قول الدقاق في المترجم: " وهمه أكثر من فهمه " لأنه طعن صادر عن حقد وحسد كما صرح به الدقاق نفسه.
قال الامام الذهبي في " الميزان " 1 / 111 في ترجمة أبي نعيم صاحب " الحلية ": وكلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا من الاعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم (لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم) .
(*) السياق: الورقة / 94 ب - 95 أ، تاريخ ابن عساكر، المنتظم: 9 / 74 - 75، الكامل في التاريخ: 10 / 218، العبر: 3 / 314، تذكرة الحفاظ: 4 / 1215 - 1216، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 246 - 248، البداية والنهاية: 12 / 144، طبقات الحفاظ: 446 - 447، كشف الظنون: 296، شذرات الذهب: 3 / 379.(19/17)
جَوَّالٌ، كَتَبَ بِخُرَاسَانَ، وَالحَرَمَيْنِ، وَالعِرَاقِ، وَاليَمَنِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالجَزِيْرَةِ، وَفَارِسَ، وَالجِبَالِ (1) .
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ اللَّيْثِ الشِّيرَازِي، وَأَحْمَد بن طوق المَوْصِلِيّ، وَأَحْمَدَ بن الفَضْلِ البَاطِرْقَانِي، وَأَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَأَقرَانِهِم، وَعَمِلَ (تَارِيخاً) لِشيرَاز.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ ثِقَةً خَيِّراً، كَثِيْرَ العِبَادَةِ، مشتغلاً بِنَفْسِهِ، خَرَّجَ وَأَفَاد، وَانتَفَعَ الطلبَة بِصُحْبَتِه وَبقِرَاءته، وَكَانَ قدومُهُ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
رَوَى لَنَا عَنْهُ: أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَطِيْب بِمَرْوَ، وَعُمَر بن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَأَحْمَدُ بنُ يَاسِرٍ المُقْرِئُ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَاشَانِيُّ (2) ، وَإِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ اللَّفْتُوَانِي (3) .
سَكنَ فِي آخِرِ أَمرِهِ مَرْوَ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر: حَدَّثَ عَنْهُ الفَقِيْهُ نَصْرٌ المَقْدِسِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْس، وَأَبُو نَصْرٍ اليُونَارْتِي (4) .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُوْسٍ، حَدَّثَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الخَطِيْب بِشِيْرَاز، أَخْبَرَنَا المُقْرِئُ الحَسَنُ بن سَعِيْدٍ
__________
(1) قال ياقوت: الجبال: جمع جبل اسم للبلاد التي ما بين أصبهان إلى زنجان
وقزوين وهمذان والدينور وقرميس والري، وما بين ذلك من البلاد الجليلة والكنوز العظيمة.
(2) بفتح الفاء والشين نسبة إلى " فاشان " قرية من قرى مرو، خرج منها جماعة من العلماء ذكرهم السمعاني في " الأنساب ": 9 / 225، 228، وقد تصحفت في المطبوع من المنتظم: 10 / 54 إلى " القاساني "، وفي الجواهر المضية: 2 / 122 إلى " القاشاني ".
(3) بفتح اللام وسكون الفاء وضم التاء، كما في " الأنساب "، وضبط ياقوت التاء بالفتح: نسبة إلى لفتوان قرية من قرى أصبهان.
(4) نسبة إلى يونارت: قرية على باب أصبهان.(19/18)
المُطَّوِّعِي (1) ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَقَالَ عَبدُ الغَافِر: هِبَةُ اللهِ شَيْخٌ عَفِيْفٌ صُوْفِيٌّ فَاضِلٌ، طَاف البِلاَدَ، وَخَطُّه مَشْهُوْر، وَكَانَ كَثِيْرَ الفَوَائِد.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ الفَاشَانِي: كُنْتُ إِذَا أَتيتُ هِبَة اللهِ بِالرِّباط، أَخرجنِي إِلَى الصّحرَاء، وَقَالَ: اقرَأْ هُنَا، فَالصُّوْفِيَّةُ يَتَبَرَّمُوْنَ بِمَنْ يَشتغِلُ بِالعِلْمِ وَالحَدِيْث (2) ، يَقُوْلُوْنَ: يُشَوِّشُوْنَ عَلَيْنَا أَوقَاتَنَا.
مَاتَ هِبَة اللهِ: سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ فِي رَمَضَانَ، فَقِيْلَ: قَامَ لَيْلَة وَفَاته سَبْعِيْنَ مَجْلِساً، كُلَّ مرَّة يَسْتَنجِي بِالمَاءِ.
12 - النَّاصِحِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ *
العَلاَّمَةُ، قَاضِي القُضَاة، عَالِمُ الحَنَفِيَّة، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ النَّاصحِي، النَّيْسَابُوْرِيّ.
سَمِعَ: القَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَطَائِفَة.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ وَخُرَاسَانَ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوَاحِد الدَّقَّاق، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن الأَنْمَاطِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) بضم الميم، وفتح الطاء المشددة، وكسر الواو: نسبة إلى المطوعة وهم جماعة فرغوا أنفسهم للغزو ومرابطة الثغور، وقصدوا جهاد العدو في بلادهم.
(2) وهذا الوصف ينطبق على أكثرهم.
(*) المنتظم: 9 / 60، الكامل في التاريخ: 10 / 630، العبر: 3 / 306، الوافي بالوفيات: 3 / 338، البداية والنهاية: 12 / 138، الجواهر المضية: 2 / 64 - 65، شذرات الذهب: 3 / 372، الفوائد البهية: 179 - 180.(19/19)
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي (تَارِيْخِهِ) :هُوَ قَاضِي القُضَاة أَبُو بَكْرٍ ابْنُ إِمَامِ الإِسْلاَم أَبِي مُحَمَّدٍ النَّاصحِي، أَفْضَلُ أَهْلِ عصره فِي الحَنَفِيَّة، وَأَعْرفُهُم بِالمَذْهَب، وَأَوْجَهُهُم فِي المُنَاظرَة، مَعَ حَظٍّ وَافرٍ مِنَ الأَدَبِ وَالشِّعر وَالطِّب، دَرَّسَ بِمَدرَسَةِ السُّلْطَان فِي حَيَاة أَبِيْهِ، وَوَلِيَ قَضَاءَ نَيْسَابُوْر فِي دَوْلَةِ أَلبَ آرسلاَن، فَبقِي عشرَ سِنِيْنَ، وَنَال مِنَ الحِشْمَة وَالدَّرَجَة، وَكَانَ فَقِيْهَ النَّفْسِ، تَكَلَّمَ فِي مَسَائِل مَعَ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ، فَكَانَ يُثنِي الإِمَامُ عَلَيْهِ (1) ، ثُمَّ شكَا قِلَّةَ تَصَاونه فِي قبض يَده، وَوكلاَء مَجْلِسه وَأَصْحَابِهِ عَنِ الأَمْوَال، وَأَشرف بَعْضُ الحُقُوقِ عَلَى الضيَاع مِنْ فَتح أَبْوَاب الرُّشَا، فَولِي قَضَاءَ الرَّيِّ، ثُمَّ مَاتَ مُنْصَرَفَهُ مِنَ الحَجِّ، فِي رَجَب، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِقُرْبِ أَصْبَهَان (2) .
13 - حَمْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مِهْرَانَ * (3)
الشَّيْخُ، العَالِم، الثِّقَة، أَبُو الفَضْلِ الأَصْبَهَانِيُّ، الحَدَّادُ، أَخُو أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ.
وُلِدَ: بَعْدَ عَام أَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: عَلِيّ بن مِيْلَة، وَعَلِيّ بن عَبْدَكُويه، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ الذَّكْوَانِي، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ الخَرْجَانِي (4) ، وَأَبِي سَعِيْدٍ بنِ حَسْنُويه، وَعِدَّة.
__________
(1) انظر " الفوائد البهية " 179 - 180.
(2) انظر " المنتظم " 9 / 60.
(*) المنتظم: 9 / 88، التقييد: الورقة 88 / ب، الكامل في التاريخ: 10 / 254، العبر: 3 / 311 وأرخ وفاته (486) هـ، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ 3 / 1199، شذرات الذهب: 3 / 377.
(3) على هامش الأصل ما نصه: مهرة خ.
(4) قال السمعاني: الخرجاني بفتح الخاء المنقوطة بنقطة، وسكون الراء المهملة، وفتح الجيم، وكسر النون، هذه النسبة إلى خرجان، وهي محلة كبيرة بأصبهان، اجتزت بها =(19/20)
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ بِكِتَابِ (الحليَة) لأَبِي نُعَيْمٍ عَنْهُ لَمَّا حَجَّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ إِمَاماً فَاضِلاً، صَحِيْحَ السَّمَاع، مُحققاً فِي الأَخْذِ، حَدَّثَنَا عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَغَيرُ وَاحِد.
وَرد نَعيُّه مِنْ أَصْبَهَان إِلَى بَغْدَادَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَأَرَّخَ مَوْتَه بَعْضُ الأَصْبَهَانِيين فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ السِّلَفِيُّ: سَأَلت أَبَا عَامِرٍ العَبْدَرِي عَنْ حَمْدٍ الحَدَّاد، فَقَالَ: كَتبنَا عَنْهُ، قَلَّ مَنْ رَأَيْتُ مِثْلَه فِي الثِّقَة، كَانَ يُقَابِلُ، وَلاَ يَثِقُ بِغَيْره.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي: كَانَ فَاضِلاً جَلِيْلاً عِنْد أَهْلِ بَلَده، وَكَانَتْ لَهُ مَهَابَة.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَامِرٍ مُحَمَّد بن سعدُوْنَ: حَجَّ حمْد الحَدَّادُ، ثُمَّ انْصرف، فَنَزَلَ بِالحرِيْم، وَحَدَّثَ بِكِتَابِ (الحليَة) وَغَيْر ذَلِكَ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ ذَا وَقَارٍ وَسكَيْنَة، يَقِظاً فَطِناً، ثِقَةً ثِقَةً، حسنَ الخُلُقِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
14 - سُلَيْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الأَصْبَهَانِيُّ *
الحَافِظُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، أَبُو مَسْعُوْدٍ
__________
= غير مرة، وأهل أصبهان يقولون لها: خورجان إلى الساعة، ثم ذكر علي بن أحمد هذا من المشهورين بالانتساب إليها.
(*) الأنساب: 542 / أ، المنتظم: 9 / 78، العبر: 3 / 311، تذكرة الحفاظ: 3 / 1197 - 1200، ميزان الاعتدال: 2 / 195، المغني في الضعفاء: 1 / 277، مرآة الجنان: 3 / 142، البداية: 12 / 145، لسان الميزان: 3 / 76 - 77، طبقات الحفاظ: 443، شذرات الذهب: 3 / 377 - 378، الرسالة المستطرفة: 30.(19/21)
الأَصْبَهَانِيّ، المِلَنْجِي (1) .
وُلِدَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَرْدُوَيْه، وَابْن جُوْلَة (2) الأَبْهَرِيّ، وَأَبَا سَعْد أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ المَالِيْنِيّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ النَّقَاش، وَأَبَا نُعَيْمٍ، وَعِدَّة.
وَبِبَغْدَادَ: أَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَأَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ بن بِشْرَان، وَابْنَ طَلْحَةَ المُنَقِّي (3) ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي (4) ، وَنُظرَاءَهُم، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
سَمِعَ مِنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ شَيْخُه.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَأَحْمَدُ بن عُمَرَ الغَازِي، وَهِبَةُ اللهِ بن طَاوُوْس المُقْرِئُ، وَأَبُو سَعْدٍ البَغْدَادِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الطُّوْسِيّ، وَشرفُ بنُ عبد المُطَّلِب الحُسَيْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عبد الوَاحِد المغَازِلِي، وَرَجَاءُ بنُ حَامِدٍ المَعْدَانِي (5) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَمَسْعُوْدُ بن الحَسَنِ الثَّقَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةً بِالحَدِيْثِ، جَمعَ الأَبْوَابَ، وَصَنَّفَ
__________
(1) بكسر الميم، وفتح اللام، وسكون النون، وبعدها جيم: نسبة إلى ملنجة من قرى أصبهان.
(2) بضم الجيم، وهو أبو بكر محمد بن علي بن جولة الابهري " مشتبه المؤلف ": 1 / 274.
(3) هذا يقال لمن ينقي الطعام. " اللباب ": 3 / 264.
(4) هذه النسبة للبقال ببغداد، ولمن يبيع الاشياء التي تتعلق بالبقالين. " الأنساب ": 4 / 112.
(5) بفتح الميم، وسكون العين، وفتح الدال نسبة إلى معدان، وهو اسم لجد المنتسب إليه.(19/22)
التَّصَانِيْف، وَخَرَّجَ عَلَى (الصَّحِيْحَيْنِ) ، سَأَلتُ أَبَا سَعْدٍ البَغْدَادِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَوصفَه بِالرِّحلَة وَالجَمْعِ، وَالكَثْرَةِ، كَانَ يُمْلِي عَلَيْنَا، فَقَامَ سَائِلٌ يَطلب، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: مِنْ شُؤْمِ السَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ أَصْحَابَ المحَابِرِ.
وَسَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظِ عَنْهُ، فَقَالَ: حَافِظٌ، وَأَبُوْهُ حَافظ (1) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق فِي (رسَالته) :سُلَيْمَانُ الحَافِظ لَهُ الرِّحلَة وَالكَثْرَة، وَوَالِده إِبْرَاهِيْم يَعرف بِالفَهم وَالحِفْظ، وَهُمَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي نُعَيْمٍ، تُكُلِّمَ فِي إِتْقَان سُلَيْمَان، وَالحِفْظ هُوَ الإِتْقَان، لاَ الكَثْرَة (2) .
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ البَغْدَادِيّ: شَنَّع عَلَيْهِ أَصْحَابُ الحَدِيْث فِي جُزْء مَا كَانَ لَهُ بِهِ سَمَاع، وَسَكَتُّ أَنَا عَنْهُ (3) .
قُلْتُ: الرَّجُلُ فِي نَفْسِهِ صَدُوْقٌ، وَقَدْ يَهِمُ، أَوْ يَترخَّص فِي الرِّوَايَة بِحكم الثَّبْت.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنده: فِي سَمَاعه كَلاَمٌ، سَمِعْتُ مِنْ ثِقَاتٍ أَن لَهُ أَخاً يُسَمَّى إِسْمَاعِيْل أَكْبَرَ مِنْهُ، فَحك اسْمَه، وَأَثْبَت اسمَ نَفْسه، وَهُوَ شَيْخ شَرِه لاَ يَتورَّع، لحَّان، وَقَاح (4) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ عَاماً غَيْر أَشهر.
__________
(1) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 1198، و" لسان الميزان ": 3 / 76.
(2) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 1198، و" لسان الميزان ": 3 / 77.
(3) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 1198.
(4) في اللسان: وقح الرجل: إذا صار قليل الحياء، فهو وقح ووقاح، وقد أورد المؤلف كلام ابن منده هذا في " التذكرة ": 3 / 1198.(19/23)
أَنْبَأَنَا المُسَلَّم بنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَبُو مَسْعُوْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القَطَّان، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْر، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ خَتَنِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
وَاللهِ مَا تركَ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهِ دِيْنَاراً، وَلاَ دِرْهَماً، وَلاَ عَبْداً، وَلاَ أَمَةً، وَلاَ شَيْئاً، إِلاَّ بَغْلَتَهُ البَيْضَاء، وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضاً جَعَلهَا صَدَقَة.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً مُحَمَّد بن حَسَنٍ الفَقِيْه، أَخْبَرَتْنَا كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّة، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الصَّيْدَلاَنِيّ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بِهَذَا.
وَقَدْ عَاشَ الصَّيْدَلاَنِيّ بَعْد الخَطِيْب مائَة سَنَةٍ وَخَمْس سِنِيْنَ.
أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ (1) عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَوَافَقْنَاهُ.
وَيَنْبَغِي التَّوقفُ فِي كَلاَم يَحْيَى، فَبينَ آلِ مَندَه وَأَصْحَابِ أَبِي نُعَيْمٍ عَدَاوَاتٌ وَإِحَنٌ (2) .
__________
(1) رقم (2739) في أول الوصايا، وإبراهيم بن الحارث ليس له في البخاري سوى هذا الحديث، ويحيى بن أبي بكير هو الكرماني، وليس هو يحيى بن بكير المصري صاحب الليث، وأبو إسحاق هو السبيعي، وعمرو بن الحارث هو المصطلقي الخزاعي أخو جويرية أم المؤمنين، وقد صرح أبو إسحاق السبيعي بسماع هذا الحديث من عمرو بن الحارث في رواية البخاري (2873) من طريق عمرو بن علي، عن يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، وهو عند البخاري (2912) و (3098) و (4461) من طريقين، عن أبي إسحاق به، وأخرجه أحمد 4 / 279، والنسائي 6 / 229 في الاحباس، من طريقين، عن سفيان، عن أبي إسحاق به.
(2) في ميزان المؤلف 1 / 111 في ترجمة أبي نعيم: وكلام ابن منده في أبي نعيم فظيع لا أحب حكايته، ولا أقبل قول كل منهما في الآخر، بل هما عندي مقبولان، لا أعلم لهما ذنبا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنها، قرأت بخط يوسف بن أحمد الشيرازي =(19/24)
وَمَاتَ مَعَهُ: حَمْدٌ الحَدَّادُ (1) ، وَابْن زَكْرِي الدَّقَّاق، وَالشَّيْخ أَبُو الفَرَجِ الشِّيرَازِي، وَعبدُ الوَاحِد بن فَهْد العلاَف، وَشيخُ الإِسْلاَم أَبُو الحَسَنِ الهكَّارِي (2) ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الأَخْضَرِ، وَأَبُو المُظفَّر مُوْسَى بن عِمْرَانَ الأَنْصَارِيّ، وَنَصْرُ بن الحَسَنِ التُّنْكُتِي (3) الشَّاشِيّ (4) ، وَهِبَةُ اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ الشِّيرَازِي (5) ، وَيَعْقُوْبُ البَرْزَبِينِي الحَنْبَلِيّ (6) .
15 - أَبُو الأَصْبَغِ عِيْسَى بنُ سَهْلِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو الأَصْبَغ عِيْسَى بن سَهْلِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيّ، الجَيَّانِي، المَالِكِيّ.
تَفقَّه بِمُحَمَّدِ بنِ عَتَّاب، وَلاَزمه.
وَسَمِعَ مِنْ: حَاتِم الأَطَرَابُلُسِي، وَيَحْيَى بن زَكَرِيَّا القُلَيْعِي، وَالقَاضِي ابْنِ أَسَدٍ الطُّلَيْطلِي، وَابْنِ ارْفَع رَأسه.
__________
= الحافظ: رأيت بخط ابن طاهر المقدسي، يقول: أسخن الله عين أبي نعيم يتكلم في أبي عبد الله بن منده، وقد أجمع الناس على إمامته، وسكت عن لاحق، وقد أجمع الناس على أنه كذاب.
قلت: (القائل الذهبي) : كلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب، أو لحسد.
(1) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (13) .
(2) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (37) .
(3) ضبطت في الأصل بضم الكاف، وكذلك ضبطها ياقوت في " معجمه "، وضبطها السمعاني في " الأنساب " بفتح الكاف، وتابعه على ذلك ابن الأثير، وتنكت: مدينة من مدن الشاش وراء نهر سيحون.
(4) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (234) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (11)
(6) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (52) .
(*) الصلة: 2 / 438، بغية الملتمس: 403، العبر: 3 / 311، المرقبة العليا: 96 - 97، الديباج المذهب: 2 / 70 - 72، شذرات الذهب 3 / 377 - 378، هدية العارفين: 1 / 807، شجرة النور الزكية: 1 / 122.(19/25)
وَصَنَّفَ فِي الأَحكَام كِتَاباً (1) حسناً، وَرَأَسَ بِسَبْتَةَ، نوَّهُ بِهِ صَاحِبُهَا البرغوَاطِي (2) .
وَأَخَذَ عَنْهُ: القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَالقَاضِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ النَّصْرِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الجَوْزِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَوَلِيَ قَضَاءَ غَرْنَاطَة.
قَالَ ابْنُ بَشكوَال (3) :يَرْوِي عَنْ: مَكِّيٍّ القَيْسِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ الغرَّاب، وَابْن الشَّمَّاخ.
وَتُوُفِّيَ مَصْرُوفاً عَنْ قَضَاء غَرْنَاطَة: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
16 - الحُصرِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ الفِهْرِيُّ *
الأَدِيْبُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ الفِهْرِيّ، القَيْرَوَانِي،
__________
(1) سماه ابن فرحون في " الديباج المذهب ": 2 / 71: " الاعلام بنوازل الاحكام "، وقال ابن بشكوال: مفيد، يعول عليه الحكام، ووصفه الزركلي في " الاعلام " بأنه مجلد ضخم في خزانة الرباط (86) أوقاف، عمل في تحقيقه وتهيئته للطبع الدكتور نصوح النجار.
(2) لم أعثر على نسبته في كتب الأنساب.
(3) الصلة: 2 / 438.
(*) جذوة المقتبس: 314 - 315، الذخيرة: 4 / 1 / 245 - 283، السلفي: 63، 110 - 111، الصلة: 2 / 432، 433، الخريدة: 2 / 186، بغية الملتمس: 1229، معجم الأدباء: 14 / 39 - 41، أدباء مالقة لابن عسكر: 157، المعجب: 205، الحلة السيراء: 2 / 54، 67، وفيات الأعيان: 3 / 331 - 334، المختصر: 2 / 208، تتمة المختصر: 2 / 17 وفيه الحضري، مسالك الابصار: 11 / 375، 455، 468، العبر: 3 / 321، الوافي بالوفيات (خ) 12 / 100، نكت الهميان: 213، عيون التواريخ (خ) : 13 / 6 - 17، طبقات القراء: 1 / 550 - 551، كشف الظنون: 1337، 1344، شذرات الذهب: 3 / 385 - 386، إيضاح المكنون: 1 / 110، هدية العارفين: 1 / 693.(19/26)
الحُصرِي، المُقْرِئ، الضّرِيرُ، مِنْ كِبَارِ الشُّعَرَاء، وَلَهُ تَصَانِيْف فِي القِرَاءات (1) .
وَقَدْ مَدحَ المُلُوْكَ، وَأَخَذَ جَوَائِزَهُم، وَلَهُ فِي ابْنِ عَبَّادٍ قصَائِدُ، وَنظمُهُ عَذْبٌ جَزْلٌ (2) .
اتَّفَقَ مَوْتُه: بِطَنْجَة، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَانَ المُعتمِد بن عَبَّادٍ بَعَثَ إِلَيْهِ خَمْس مائَة دِيْنَارٍ لِيَفِدَ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ:
أَمرْتَنِي بِرُكُوبِ البَحْرِ أَقْطَعُه ... غَيْرِي لَكَ الخَيْر فَاخصُصْهُ بِذَا الرَّائِي
مَا أَنْتَ نُوْحٌ فَتُنْجِينِي سَفِيْنَتُهُ ... وَلاَ المَسيحُ أَنَا أَمْشِي عَلَى المَاءِ (3)
17 - ظَهِيْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الرُّوذْرَاوَرِيُّ *
الوَزِيْرُ العَادلُ، ظَهِيرُ الدِّين، أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ بنِ
__________
(1) منها القصيدة الرائية الحصرية في قراءة نافع، عدد أبياتها مئتان وتسعة أبيات.
(2) وهو صاحب القصيدة السائرة التي أولها: يا ليل الصب متى غده * أقيام الساعة موعده رقد السمار فأرقه * أسف للبين يردده.
وقد عارضها غير واحد من الشعراء، منهم أمير الشعراء أحمد شوقي، ومطلع قصيدته: مضناك جفاه مرقده * وبكاه ورحم عوده وانظر ما كتب د. زكي المبارك في الموازنة بين القصيدتين.
(3) البيتان في وفيات الأعيان: 3 / 334.
(*) المنتظم: 9 / 90 - 94، الخريدة: 1 / 77، الكامل في التاريخ: 10 / 250، وفيات الأعيان: 5 / 134 - 137، الفخري: 297 - 299، الوافي بالوفيات: 3 / 3 - 4، طبقات السبكي: 4 / 136، 140، البداية: 2 / 150 - 151، الاعلام (خ) حوادث: 488، كشف الظنون: 344، معجم الأنساب: 9.(19/27)
مُحَمَّد (1) الرُّوذْرَاوَرِي (2) .
مَوْلِدُهُ: بِقَلْعَة كَنْكُور (3) ، مِنْ أَعْمَالِ هَمَذَان، سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: تَغَيَّر القَائِمُ عَلَى وَزِيْره أَبِي نَصْرٍ بن جَهير، فَصرفه بِأَبِي يَعْلَى الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَخَدَم وَلدُه أَبُو شُجَاعٍ صهرُ ابْن رضوَان القَائِم بِثَلاَثِيْنَ أَلف دِيْنَارٍ.
فَعزلَ ابْنَ جَهير سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَمَاتَ حِيْنَئِذٍ أَبُو يَعْلَى، فَعُوِّضَ وَلدُه أَبُو شُجَاعٍ عَنِ المَال بِدَارِ البسَاسيرِي، فَبَاع مِنْهَا بِأَضعَافِ ذَلِكَ المَالِ، وَتَكَسَّب، وَتَعَانَى العَقَار، ثُمَّ خَدَمَ وَلِيَّ العَهْدِ الْمُقْتَدِي، وَصَارَ صَاحِبَ سِرِّهِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ، عَظُمَ أَبُو شُجَاعٍ، فَسَمِعَ نِظَامُ الْملك، فَكَاتَب الْمُقْتَدِي فِي إِبْعَاده، فَكَتَبَ الْمُقْتَدِي إِلَى النِّظَام بخطِّه يُعرِّفه مَنْزِلَةَ أَبِي شُجَاع لَدَيْهِ، وَيَصِفُ دينه وَفضلَه، ثُمَّ أَمر أَبَا شُجَاع بِالمضِيِّ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَبَعَثَ فِي خدمته خَادمَه مختصاً، فَخضع النِّظَام، وَعَاد لأَبِي شُجَاع بِالودِّ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ، ثُمَّ عَزَل الْمُقْتَدِي ابْنَ جَهير فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا شُجَاع (4) ، وَأَقْبَلت سعَادتُه، وَتَمَكَّنَ مِنَ الْمُقْتَدِي تَمكُّناً عجيباً، وَعزَّت الخِلاَفَةُ، وَأَمِنَ النَّاسُ، وَعُمِرَتِ العِرَاق، وَكَثرت المكَاسبُ.
وَكَانَ كَثِيْرَ التِّلاَوَة وَالتَّهجُّد، وَيَكْتُب مَصَاحِفَ، وَيَجْلِس لِلمَظَالِمِ،
__________
(1) في " المنتظم " و" الكامل " و" الوافي ": محمد بن الحسين بن عبد الله بن إبراهيم.
(2) بضم الراء، وسكون الواو، والذال المعجمة، وفتح الراء والواو بينهما ألف في آخرها راء أخرى: نسبة إلى روذراور: بليدة بنواحي همذان.
(3) ضبطت في الأصل بفتح الكافين، أما ياقوت، فقد ضبطها في معجمه بكسرهما.
(4) انظر " الكامل " لابن الأثير: 10 / 122، 130.(19/28)
فَيغتصُّ الدِّيْوَان بِالسَّادَة وَالكُبَرَاء، وَيُنَادِي الحُجَّاب: أَيْنَ أَصْحَابُ الحوَائِج؟ فِيُنْصِفُ المَظْلُوْم، وَيُؤَدِّي عَنِ المَحْبُوس، وَلَهُ فِي عدله حِكَايَاتٌ فِي إِنصَاف الضَّعِيْف مِنَ الأَمِيْرِ (1) .
وَخَلعت عَلَيْهِ بِنْتُ السُّلْطَان ملكشَاهُ حِيْنَ تَزَوَّجت بِالمقتدي، فَاسْتعفَى مِنْ لُبس الحَرِيْر، فَنفَّذت لَهُ عِمَامَةً وَدَبِيقيَّةً (2) بِمائتين وَسَبْعِيْنَ دِيْنَاراً، فَلبسهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَمر لَيْلَةً بِعَمَل قطَائِف، فَلَمَّا أُحْضِرَت، تذكَّر نُفُوْسَ مسَاكين تَشتهيهَا، فَأَمر بِحملهَا إِلَى فُقَرَاء وَأَضرَّاء (3) .
وَقِيْلَ: أُحصي مَا أَنفقه عَلَى يَد كَاتِبٍ لَهُ، فَبَلَغَ أَزْيدَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ (4) .
قَالَ الكَاتِب: وَكُنْتُ وَاحِداً مِنْ عَشْرَة يَتَوَلَّوْنَ صَدَقَاتِهِ (5) .
وَكَانَ كَامِلاً فِي فُنُوْن، وَلَهُ يَدٌ بيضَاء فِي البلاغَة وَالبيَان، وَكِتَابَتُه طَبَقَةٌ عَالِيَة عَلَى طرِيقَة ابْنِ مُقلَة (6) .
وَلَقَدْ بَالغ ابْنُ النَّجَّار فِي اسْتيفَاء تَرْجَمَته.
__________
(1) قال العماد في " الخريدة ": وكان عصره أحسن العصور، وزمانه أنضر الازمان، ولم يكن في الوزراء من يحفظ أمر الدين وقانون الشريعة مثله، صعبا شديدا في أمور الشرع، سهلا في أمور الدنيا، لا تأخذه في الله لومة لائم.
وانظر " المنتظم ": 9 / 91، و" طبقات السبكي ": 4 / 137.
(2) نوع من الثياب تنسب إلى دبيق، بليدة بين الضرما وتنيس من أعمال مصر، معجم البلدان: 2 / 438، والقاموس في مادة دبق.
(3) " المنتظم ": 9 / 91.
(4) " المنتظم ": 9 / 90.
(5) " المنتظم ": 9 / 90.
(6) هو أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة الوزير الكاتب المشهور الذي يضرب بحسن خطه المثل، ولد في بغداد، وولي جباية الخراج في بعض أعمال فارس، =(19/29)
وَزر سَبْعَ سِنِيْنَ وَسَبْعَةَ أَشهر، ثُمَّ عُزِلَ بِأَمر السُّلْطَان مَلِكشَاهُ لِلْخَلِيْفَة لِمَوْجِدَةٍ، فَأَنْشَدَ أَبُو شُجَاعٍ:
تَولاَّهَا وَلَيْسَ لَهُ عَدُوٌّ ... وَفَارَقَهَا وَلَيْسَ لَهُ صَدِيْقُ (1)
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الجُمُعَةِ، فَضجَّتِ العَامَّةُ يَدعُوْنَ لَهُ، وَيُصَافحونه، فَأُلزم لِذَلِكَ بِأَنْ لاَ يَخْرُج مِنْ دَاره، فَاتَّخَذَ فِي دِهليزه مَسْجِداً، ثُمَّ حَجَّ لِعَامِهِ، وَرجع، فَمُنِعَ مِنْ دُخُوْل بَغْدَاد، وَبُعِثَ إِلَى رُوذْرَاور، فَبقِي فِيْهَا سنتَيْن، ثُمَّ حَجَّ بَعْد مَوْتِ النّظَام وَالسُّلْطَان وَالخَلِيْفَة، وَنَزَلَ المَدِيْنَة وَتَزَهَّد، فَمَاتَ خَادِمٌ، فَأَعْطَى الخدَامَ ذهباً، حَتَّى جُعِلَ مَوْضِعَ الخَادِم، فَكَانَ يَكنُس وَيُوقِدُ (2) ، وَلَبِسَ الخَام، وَحَفِظَ القُرْآن هُنَاكَ، وَطلب مِنْهُ أَبُو عَلِيٍّ العِجْلِيّ أَنْ يَقرَأَ عَلَيْهِ دِيْوَانَه، فَامْتَنَعَ، وَأَنشده بعضه (3) .
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الهَمَذَانِيّ: دُفِنَ بِالبَقِيْع، فِي نِصْفِ جُمَادَى الآخِرَة، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، عَنْ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
وَخَلَّف مِنَ الوَلَد الصَّاحبَ نظَامَ الدِّين، فَتُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَهُوَ وَالِدُ الوَزِيْر المُعْظَم ظهِيرِ الدّين مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ حُسَيْن ابْن الوَزِيْر أَبِي شُجَاع.
__________
= واستوزره المقتدر العباسي سنة 316 هـ، ثم تقلب به الدهر من حال إلى حال، إلى أن توفي في سنة 328 هـ.
تقدمت ترجمته في الجزء الخامس عشر برقم (86) .
(1) البيت غير منسوب في " الكامل " لابن الأثير: 10 / 187، و" وفيات الأعيان ": 5 / 135، و" الوافي بالوفيات ": 3 / 3.
(2) انظر " المنتظم ": 9 / 93، و" طبقات السبكي ": 4 / 39.
(3) وقد أورد له ابن خلكان، والعماد، وابن الجوزي، والصلاح الصفدي جملة من شعره.(19/30)
وَزَرَ لِلمُسْتظهر فِي حَيَاة أَبِيْهِ، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ لَحِقَ بِالسُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه، فَتَشَفَّعَ السُّلْطَانُ فِي الوَلَد إِلَى المُسْتظهِر حَتَّى اسْتوزره، فَوزر، وَسِنُّه يَوْمَئِذٍ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّة أَشْهُرٍ (1) ، وَنَاب عَنْهُ عَلِيّ بن طِرَاد الزَّيْنَبِيّ، ثُمَّ اسْتُخلف المُسْترشد، فَعَزَلَهُ، وَلَمْ يُسْتَخدم بَعْدهَا، وَلَزِمَ دَاره نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً مُرَفَّهاً مُكرَّماً، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّدَقَة.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
18 - الهَمَذَانِيُّ أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الهَمَذَانِيّ - وَيُعْرَفُ بِالمَقْدِسِيِّ - الفَرَضِيّ، المُقْرِئ، الشَّافِعِيّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، وَالِدُ المُؤَرِّخ مُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِكِ، رَأْسٌ فِي الفَرَائِضِ، فَقِيْهٌ صَالِح، مُتَأَلِّه، أُرِيْد عَلَى قَضَاء القُضَاة، فَامْتَنَعَ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيف عَشْرَة وَأَرْبَع مائَة.
وَسَمِعَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ بِتُسْتَر.
__________
(1) في " المنتظم " لابن الجوزي: 9 / 198: وكان عمره عشرين سنة..فكتب له أبو محمد الحريري صاحب المقامات:
هنيئا لك الفخر فافخر هنيا * كما قد رزقت مكانا عليا
رقيت كآبائك الاكرمين * لدست الوزارة كفوا رضيا
تقلدت أعباءها يافعا * كما أوتي الحكم يحيى صبيا
(*) المنتظم: 9 / 100 - 101، الكامل لابن الأثير: 10 / 261، ذيل تاريخ بغداد: 1 / 8 - 14، عيون التواريخ: 13 / 55، نكت الهميان: 54، طبقات السبكي: 5 / 162 - 164، طبقات الاسنوي: 2 / 529، البداية: 12 / 153، لسان الميزان: 4 / 57، كشف الظنون: 1252.(19/31)
رَوَى عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدَان الفَقِيْه، وَأَبِي عَلِيٍّ الشَّاموخِي (1) ، وَعِدَّة.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الآبَنُوسِي (2) :مَنْسُوْب إِلَى الاعتزَال.
وَفِي (فُنُوْن ابْن عَقِيْل (3)) :كَانَ عَالِماً فِي أُصُوْل الفِقْه وَالعَرَبِيَّة وَالفَرَائِض، وَأَكْثَرُ عِلْمه الفِقْهُ، قَالَ: وَكَانَ عَلَى طرِيقَة السَّلَف زَاهِداً وَرِعاً.
وَقَالَ شُجَاع الذُّهْلِيّ: مُعْتَزِلِيٌّ، عَلَّقتُ عَنْهُ (4) .
وَقَالَ ابْنُهُ: كَانَ يَحفظُ (غَرِيْب الحَدِيْث) لأَبِي عُبَيْدٍ (5) ، وَ (المُجْمل) لابْنِ فَارِس (6) ، لَمْ نَعرف أَنَّهُ اغْتَاب أَحَداً.
تُوُفِّيَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
19 - أَبُو عَامِرٍ الأَزْدِيّ مَحْمُوْدُ بنُ القَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُسْنِد، القَاضِي، أَبُو عَامِرٍ مَحْمُوْدُ بنُ القَاسِمِ ابْن القَاضِي
__________
(1) نسبة إلى شاموخ، وهي قرية بنواحي البصرة. الأنساب: 7 / 265.
(2) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم: (177) .
(3) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (259) ، وكتابه " الفنون " يقال: إنه في أربع
مئة مجلد، ولا يعلم في الإسلام تأليف أكبر منه، وقد طبع منه مجلد، وتولى تحقيقه من ليس بأهل لان يتولاه، فوقع له فيه أغاليط وتحريفات كثيرة مدونة في مجلة المجتمع بدمشق.
(4) انظر ذيل تاريخ بغداد: 1 / 12.
(5) القاسم بن سلام الهروي المتوفي سنة 244 هـ، تقدمت ترجمته 10 / ت 164، وكتابه " غريب الحديث " مطبوع في دائرة العثمانية بالهند سنة 1964.
(6) هو أحمد بن فارس بن زكريا، اللغوي الأديب، المتوفي سنة (395) وقد تقدمت ترجمته 17 / ت 65، وكتاب " المجمل " أشهر كتب ابن فارس في اللغة، التزم فيه إيراد الصحيح من اللغات، وقد طبع منه جزء صغير غير محقق في مطبعة السعادة بمصر سنة 1331 هـ وتقوم الآن مؤسسة الرسالة بنشره كاملا بتحقيق زهير عبد المحسن سلطان، وسيكون في أيدي القراء قريبا إن شاء الله تعالى.
(*) التقييد: الورقة: 199 أ - 199 ب، العبر: 3 / 318، طبقات السبكي: 5 / 327 - 328، طبقات الاسنوي: 1 / 94 - 95، شذرات الذهب: 3 / 382.(19/32)
الكَبِيْر أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُقَاتِلِ بنِ صُبِيْحِ بن رَبِيْعِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ يَزِيْدَ بنِ المُهَلَّبِ بن أَبِي صُفْرَةَ الأَزْدِيُّ، المُهَلَّبِيُّ، الهَرَوِيُّ، الشَّافِعِيُّ، مِنْ كِبَارِ أَئِمَّة المَذْهَبِ.
حَدَّثَ بِـ (جَامِع التِّرْمِذِيِّ) عَنْ عَبْد الجَبَّارِ الجَرَّاحِيّ.
قَالَ أَبُو النَّضْرِ الفَامِي: شَيْخٌ عديمُ النّظير زُهْداً وَصلاَحاً وَعِفَّةً، لَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ مِنِ ابْتدَاء عُمُره إِلَى انتهَائِهِ، وَكَانَتْ إِلَيْهِ الرِّحلَةُ مِنَ الأَقطَار، وَالقصدُ لأَسَانِيْده (1) ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ: كَانَ شيخُنَا أَبُو عَامِرٍ مِنْ أَركَانِ مَذْهَب الشَّافِعِيّ بِهَرَاةَ، كَانَ نِظَامُ المُلك يَقُوْلُ: لَوْلاَ هَذَا الإِمَام فِي هَذِهِ البلدَة، لَكَانَ لَنَا وَلَهُم شَأْنٌ - يُهَدِّدُهُم (2) - وَكَانَ يَعتقِدُ فِيْهِ اعتقَاداً عَظِيْماً، لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ شَيْئاً قَطُّ.
وَلَمَّا سَمِعْتُ مِنْهُ (الجَامِع (3)) ، هَنَّأَنِي شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ (4) ، وَقَالَ: لَمْ تَخْسَرْ فِي رِحلتك إِلَى هَرَاة.
وَكَانَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ قَدْ سَمِعَهُ قديماً نَازلاً، ثُمَّ سَمِعَهُ مِنَ الجَرَّاحِيّ (5) .
__________
(1) الخبر في " طبقات السبكي ": 5 / 328.
(2) في " طبقات السبكي ": 5 / 328: يهددهم به.
(3) أي: جامع الامام الترمذي، وأخطأ من سماه " صحيح الترمذي " فإنه لم يلتزم فيه الصحة كالبخاري ومسلم.
(4) هو الحافظ الكبير أبو إسماعيل، عبد الله بن محمد بن علي بن محمد الأنصاري الهروي، صاحب كتاب " الأربعين "، وكتاب " منازل السائرين "، وكتاب " ذم الكلام وأهله ". المتوفى سنة 481 هـ وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (260) .
(5) وقد أورد المؤلف ذلك في " تذكرته ": 1183.(19/33)
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: المُؤتَمَنُ السَّاجِيّ، وَابْنُ طَاهِر، وَأَبُو نَصْرٍ اليُونَارْتِي، وَصَاعِدُ بن سَيَّار، وَزَاهِر بن طَاهِر، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الْملك الكَرُوخِي المُجَاور، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بن سَيَّار البَاقِي إِلَى سَنَةِ ثِنتين وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ جَلِيْلُ الْقدر، كَبِيْرُ الْمحل، عَالِمٌ فَاضِلٌ (1) .
سَمِعَ مِنْ: جَدِّه أَبِي مَنْصُوْرٍ الأَزْدِيّ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ الجَرَّاحِيّ، وَأَبِي عُمَرَ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ البِسْطَامِي، وَأَبِي مُعَاذ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَالحَافِظِ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الجَارُوْدي، وَأَبِي مُعَاذ بن عَبْس الزَّاغَانِي، وَبَكْرِ بن مُحَمَّدٍ المَرْوَرُّوْذِيّ، وَجَمَاعَة.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي عليّ: كَانَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ يَزورُ أَبَا عَامِر وَيَعُوْدُه إِذَا مَرِضَ، وَيَتَبَرَّكُ بدعَائِهِ (2) .
قَالَ الفَامِي: مَاتَ أَبُو عَامِرٍ الأَزْدِيّ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
20 - السِّمْسَارُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيّ، السِّمْسَار.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَعَلِيّ بن مَيْلَة
__________
(1) طبقات السبكي: 5 / 328، والاسنوي: 1 / 95.
(2) طبقات السبكي: 5 / 328.
(*) العبر: 3 / 328، عيون التواريخ: 13 / 79، شذرات الذهب: 3 / 359.(19/34)
الفَرَضِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عليّ.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
سُئِلَ عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ الحَافِظُ، فَقَالَ: شَيْخٌ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: نَيَّفَ عَلَى التِّسْعِيْنَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ الجُرْجَانِيّ مَوْتاً.
21 - البَكْرِيُّ أَبُو عُبَيْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ، المُتَفَنِّنُ، أَبُو عُبَيْدٍ عَبْد اللهِ بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ البَكْرِيّ، نَزِيْلُ قُرْطُبَة.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي مَرْوَانَ بن حَيَّانَ، وَأَبِي بَكْرٍ المُصْحَفِي، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبدِ البَر، وَكَانَ رَأْساً فِي اللُّغَة وَأَيَّامِ النَّاس.
صَنَّف فِي أَعْلاَم النُّبُوَّة، وَعَمِلَ شَرحاً (لأَمَالِي) القَالِي، وَكِتَاب (اشتقَاق الأَسْمَاء) وَكِتَاب (مُعْجَم مَا اسْتَعجم مِنَ البُلْدَان
__________
(*) القلائد للفتح: 191، الذخيرة: ق 2 / م 1 / 232 - 238، الصلة: 1 / 287 - 288، الخريدة: 12 / الورقة: 158، بغية الملتمس: 436، وقال: ذكره محمد بن مدرك الغساني توفي سنة 496 هـ، الحلة السيراء: 2 / 180 - 187، عيون الانباء: 500، المغرب في حلي المغرب: 1 / 347 - 349، البيان المغرب: 3 / 240، طبقات المسالك: 11 / 422، الوافي بالوفيات (خ) : 15 / 59 - 60، نهاية الارب: 5 / 145، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة: 336، بغية الوعاة: 2 / 49، إيضاح المكنون: 1 / 540، 2 / 396، تاريخ الفكر الأندلسي: 309 - 311، مقدمة الميمني على سمط الآلئ، مقدمة معجم ما استعجم: 1 / من ص - ش، الجغرافية والجعرافيين لحسين مؤنس: 107 - 148، دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 48 - 50.(19/35)
وَالأَمَاكن) ، وَكِتَاب (النّبَات) .
وَكَانَ مِنْ أَوعيَة الفَضَائِل.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَعْمَر المَالِقِي، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ اللَّخْمِيّ، وَطَائِفَة.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
22 - البَكْرِيُّ القَصَّاصُ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
أَمَا البَكْرِيّ القَصَّاص الكَذَّاب، فَهُوَ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ البَكْرِيّ، طُرُقِيٌّ مُفْتَرٍ، لاَ يَسْتَحيِي مِنْ كَثْرَة الْكَذِب الَّذِي شَحَن بِهِ مَجَامِيْعَه وَتَوَالِيفَه (1) ، هُوَ أَكذبُ مِنْ مُسَيْلِمَة، أَظنُّه كَانَ فِي هَذَا الْعَصْر.
23 - نَجِيْبُ بنُ مَيْمُوْنِ بنِ سَهْلِ بنِ عَلِيٍّ أَبُو سَهْلٍ الوَاسِطِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، مُسْنِدُ هَرَاة، أَبُو سَهْلٍ الوَاسِطِيّ، ثُمَّ الهَرَوِيّ.
سكن وَالِده هَرَاة، وَسَمَّعَ وَلَدَه مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ مَنْصُوْر بن عَبْدِ اللهِ الذُّهْلِيّ، وَرَافِع بن عُصْم الضَّبِّيّ، وَحَاتِم بن مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ، وَأَحْمَد بن
__________
(1) قال المؤلف في " الميزان ": 1 / 112: وما روى حرفا من العلم بسند، ويقرأ له في سوق الكتبيين كتاب " ضياء الانوار "، و" رأس الغول "، و" شر الدهر "، وكتاب " كلندجة "، و" حصن الدولاب "، وكتاب " الحصون السبعة "، وصاحبها هضام بن الجحاف، وحروب الامام علي معه، وغير ذلك. ومن مشاهير كتبه " الذروة " في السيرة النبوية، ما ساق غزوة منها على وجهها، بل كل ما يذكره لا يخلو من بطلان إما أصلا، وإما زيادة.
(*) المنتخب: الورقة: 138 ب - 139 أ، التقييد: الورقة: 215 ب، العبر: 3 / 324، عيون التواريخ: 13 / 51، شذرات الذهب: 3 / 392 وفيه محبب تحريف.(19/36)
عليّ الشَّارعِي، وَمُحَمَّد بن مَنْصُوْرٍ الحَوْتَكِي (1) ، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ، وَعِدَّة.
مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِر، وَوجيهٌ الشَّحَّامِي، وَأَبُو النَّضْرِ الفَامِي، وَعُبَيْدُ اللهِ بن حَمْزَةَ المُوسوِي (2) ، وَأَخُوْهُ عَلِيُّ بن حَمْزَةَ، وَالمُطَهَّرُ بن يَعْلَى، وَمُحَمَّد بن المُفَضَّلِ الدَّهَّان، وَالجُنَيْدُ بن مُحَمَّدٍ القَاينِي (3) ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ سَيَّار، وَعَلِيّ بنُ سَهْلٍ الشَّاشِيّ، وَأَمَةُ اللهِ بِنْتُ مُحَمَّد العَارِف، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق: لَيْسَ بَقِيَ فِي الدُّنْيَا مَنْ يَرْوِي عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مَنْصُوْر سِوَى نَجيب.
مَاتَ نَجيبٌ: فِي العِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً وَشهرٌ، وَرَوَى شَيْئاً كَثِيْراً.
24 - طِرَادُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الأَنْبلُ، مُسْنِدُ العِرَاق،
__________
(1) قال ابن دريد في " الاشتقاق " ص: 546: ومن بطونهم: بنو حوتكة بمصر، و" الحوتك ": الصغير من كل شيء، وقال محققه الأستاذ عبد السلام هارون: في ديارنا المصرية بلدة تسمى " الحواتكة " من أعمال أسيوط.
(2) نسبة لجماعة من السادة العلوية ينسبون إلى موسى الكاظم. اللباب: 3 / 268.
(3) في الأصل الفاتني، وهو تحريف، وسترد ترجمته في الجزء العشرين رقم (181) .
(*) الإكمال: 4 / 202، الأنساب: 6 / 346، المنتظم: 9 / 106، الكامل في التاريخ: 10 / 280، دول الإسلام: 2 / 20، العبر: 3 / 331، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1228، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 132 - 133، عيون التواريخ: 13 / 81 - 82، الوافي بالوفيات (خ) : 14 / 98، مرآة الجنان: 3 / 154، البداية والنهاية: 12 / 155، الجواهر المضية: 2 / 281 - 282، النجوم الزاهرة: 5 / 162، =(19/37)
نَقيبُ النُّقَبَاء، الكَامِلُ، أَبُو الفوَارس بن أَبِي الحَسَنِ القُرَشِيّ، الهَاشِمِيّ، العَبَّاسِيّ، الزَّيْنَبِيّ، البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَسَمِعَ: أَبَا نَصْرٍ بن حسْنُوْنَ النَّرْسِيّ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ رِزْقويه، وَهِلاَلاً الحَفَّار، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَالحُسَيْن بن بَرْهَان، وَأَبَا الفَرَج بن المُسْلِمَة، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ الحمَّامِي، وَطَائِفَة.
وَأَملَى مَجَالِس عِدَّة، وَخُرِّج لَهُ (العَوَالِي) المَشْهُوْرَة، وَ (فَضَائِل الصَّحَابَة) .
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ عَلِيٌّ الوَزِيْر وَمُحَمَّدٌ، وَابْنُ نَاصر، وَعُمَرُ بن عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيّ، وَأَحْمَد بن المُقَرَّب، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَشُهْدَة الكَاتِبَةُ، وَكمَالُ بِنْت أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ السَّمَرْقَنْدي، وَعَمُّهَا إِسْمَاعِيْل، وَهِبَة اللهِ بن طَاوُوْس، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّة، وَأَبُو الكِرَامِ الشَّهْرُزُورِي، وَعَبْدُ اللهِ بن عَلِيٍّ الطَّامَذِي (1) الأَصْبَهَانِيّ، وَخَلْق، آخِرُهُم مَوْتاً خطيبُ المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَادَ الدَّهْرَ رُتْبَةً، وَعلُواً، وَفضلاً، وَرَأْياً، وَشَهَامَةً، وَلِي نَقَابَة البَصْرَة، ثُمَّ بَغْدَاد، وَمُتِّعَ بِسَمِعَهُ وَبَصره وَقُوَّته، وَتَرسَّل عَنِ الدِّيْوَان، فَحَدَّثَ بِأَصْبَهَانَ، وَكَانَ يَحضُرُ مَجْلِسَ إِملاَئِه جَمِيْعُ أَهْلِ العِلْمِ، لَمْ يُرَ بِبَغْدَادَ مِثْلُ مَجَالِسه بَعْد القَطِيْعِيّ (2) ، وَقَدْ أَملَى بِمَكَّةَ سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ،
__________
= الطبقات السنية: رقم / 1017، كشف الظنون: 2 / 1178، شذرات الذهب: 3 / 396 - 397، تاج العروس: 2 / 409.
(1) قال السمعاني: بفتح الطاء المهملة والميم، بينهما الالف، وفي آخرها الذال المعجمة، هذه النسبة إلى طامذ، وظني أنها قرية من قرى أصبهان. " الأنساب ": 8 / 179.
(2) هو أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي صاحب القطيعيات، وهي خمسة أجزاء حديثية، وراوي مسند أحمد، تقدمت ترجمته في الجزء السادس عشر رقم (143) .(19/38)
وَبِالمَدِيْنَة، وَأَلحق الصِّغَارَ بِالكِبَار.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: كَانَ أَعْلَى أَهْلِ بَغْدَادَ مَنْزِلَةً عِنْد الخَلِيْفَة.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ حَنَفِيّاً مِنْ جِلَّةِ النَّاس، وَكُبرَائِهم، ثِقَةً، ثَبْتاً، لَمْ أَلحقه.
قُلْتُ: مَاتَ: فِي سَلخ شَوَّال، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بدَاره حَوْلاً، ثُمَّ نُقل.
وَقَدْ مرّ أَخُوْهُ مُسْند بَغْدَادَ أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ (1) ، وَسَيَأْتِي أَخوَاهُمَا نورُ الهدَى الحُسَيْنُ، وَأَبُو طَالِبٍ حَمْزَة (2) سَنَة بِضْع وَخَمْس مائَة، وَأَخُوْهُم الخَامِس - هُوَ الأَكْبَر - أَبُو تَمَام مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَمَوْلاَهُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّد بن وِشَاح الزَّيْنَبِيّ مِنْ كِبَارِ الرُّوَاة، وَأَخُوْهُم السَّادس أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، يَرْوِي عَنْ عِيْسَى بن الوَزِيْر (3) .
كتب عَنْهُ الخَطِيْب، وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (4) .
أَبُوْهُم:
25 - مُحَمَّدُ بنُ أَبِي تَمَّامٍ أَبُو الحَسَنِ بنُ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ *
النَّقيبُ، السَّيِّد، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي تَمَام عَلِيِّ بن أَبِي القَاسِمِ الحَسَن بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بن سُلَيْمَانَ بن مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ
__________
(1) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر (228) .
(2) انظر الترجمة (208) و (209) من هذا الجزء.
(3) " تاريخ بغداد ": 3 / 238.
(4) انظر ترجمته في " تاريخ بغداد ": 3 / 237 - 238.
(*) ذكره السمعاني في " الأنساب " مع أولاده: 6 / 346.(19/39)
عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الإِمَام ابْن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ ابْن حَبْرِ الأُمَّة عَبْدِ اللهِ بن العَبَّاسِ الهَاشِمِيّ.
وَلِي نِقَابَةَ بَنِي هَاشِمٍ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ أَبِي تَمَام، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ شَاذَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ المَهْدِيِّ فِي (مَشْيَخَته) ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِنظَام الحَضْرَتَيْنِ.
عَاشَ: إِحْدَى وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَرثَاهُ الشَّرِيْف المُرْتَضَى.
26 - ابْنُ أَبِي حَرْبٍ الفَضْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيُّ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، العَابِدُ، أَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ بن أَبِي حَرْب أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الجُرْجَانِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، التَّاجِرُ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ الكَثِيْر.
فَحَدَّثَ عَنْ: حَمْزَةَ المُهَلَّبِيّ، وَابْن مَحْمِش، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَيَحْيَى المزكِي، وَعبدِ الرَّحْمَن بن مُحَمَّدٍ السَّرَّاجِ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السَّقَاءِ، وَأَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ العِجْلِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن السَّمَرْقَنْدي، وَأَبُو عُثْمَانَ العَصَائِدي (1) ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الفُرَاوِي، وَعُمَرُ بن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَصَدَقَةُ
__________
(*) لم أعثر له على ترجمة.
(1) بفتح العين والصاد المهملتين: نسبة إلى عمل العصيدة، واسم أبي عثمان: إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد بن أحمد، قال السمعاني: 8 / 463: كان شيخا كاتبا =(19/40)
بن مُحَمَّدٍ السَّيَّاف، وَأَحْمَدُ بن قَفَرْجَلَ، وَنَصْر بن نَصْرٍ العُكْبَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ عُبَيْدُ الله بنُ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّاد: سَمِعْتُ بَعْضَ جِيْرَانِ الفَضْل بن أَبِي حَرب يَقُوْلُ:
مَا ترك أَحَداً فِي جِوَاره مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً أَنْ يَنَامَ مِنْ قِرَاءته وَبُكَائِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ الحَافِظ فِي (مَشْيَخَته) :وَمِنْهُم الشَّيْخُ الجَلِيْلُ العَالِمُ أَبُو القَاسِمِ الجُرْجَانِيّ التَّاجِرُ الصَّدُوْق، صَاحِبُ سَمَاع كَثِيْر، وَمسَانِيْدَ جِيَاد، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ كفّاً فِي مُوَاسَاة الفُقَرَاء، وَكَانَ وَالِدُهُ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَيُقَالُ: أَبُو حَرْب، حَاتِم وَقته فِي السَّخَاء.
تُوُفِّيَ أَبُو القَاسِمِ: فِي ثَالِث عشر رَمَضَانَ، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حَدَّثَ بِخُرَاسَانَ، وَالعِرَاق، وَمَكَّة، وَكَتَبَ عَنْهُ الحُفَّاظ - رَحِمَهُ اللهُ -.
27 - العَبَّادَانِيُّ أَبُو طَاهِرٍ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّر، مُسْنِد البَصْرَة، أَبُو طَاهِرٍ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل القُرَشِيُّ، العَبَّادَانِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيّ.
سَمِعَ مِنَ: القَاضِي أَبِي عُمَرَ الهَاشِمِيّ أَجزَاءَ مِنْ (مُسْنَد عَلِيّ بن إِسْحَاقَ
__________
= شهما، ذا بصر بالامور الجليلة، مليح الشيبة ... ، حدث بالكثير، وعمر العمر الطويل، وأملى مدة مديدة بجامع نيسابور، وحضرت مجلس إملائه، وكتبت عنه بمرو ونيسابور، وكانت ولادته في سنة خمس وستين وأربع مئة بنيسابور.
قلت: لم يؤرخ السمعاني وفاته، وأرخها الامام الذهبي في " المشتبه " 2 / 463 سنة (500) هـ.
(*) الأنساب: 8 / 336، العبر: 3 / 336، عيون التواريخ: 13 / 98، شذرات الذهب: 3 / 399.(19/41)
المَادَرَائِي) (1) ، وَشَيْئاً مِنْ إِمْلاَءِ أَبِي عُمَرَ الهَاشِمِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المَاوَرْدي، وَعَلِيُّ بن عَبْدِ المَلِكِ الوَاعِظ، وَطَلْحَةُ بن عَلِيٍّ المَالِكِيّ، وَمُحَمَّد بن طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن عَلِيٍّ الطَّامَذِي، وَعَبْدُ اللهِ بن عُمَرَ بنِ سَليخ البَصْرِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدي، وَعِدَّةٌ، وَالسِّلَفِيّ بِالإِجَازَةِ.
فَأَمَّا قَوْل المُحَدِّثِ أَبِي نَصْرٍ اليُونَارْتِي: إِنَّ العبَّادَانِي رَاوِي (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) عَنِ الهَاشِمِيّ، فَقولٌ مَرْدُوْد، فَإِنَّ الطَّلبَة ازدحمُوا عَلَى أَبِي عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ، فَارْتَحَلَ إِلَيْهِ ابْنُ طَاهِر، وَمُؤْتَمَنٌ السَّاجِيّ، وَمُحَمَّد بن مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ، وَعِدَّة، وَقَدْ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَلَو كَانَ العَبَّادَانِي سَمِعَ (السُّنَن) ، وَبَقِيَ بَعْد التُّسْتَرِيّ بِضْعَ عَشْرَةَ، لَكَانَتْ إِلَيْهِ الرِّحلَة فِي الكِتَابِ أَضعَاف ذَلِكَ.
ثُمَّ مَا علمنَا أَحَداً رَوَى (السُّنَن) عَنِ العَبَّادَانِي، وَلاَ ادَّعَى سَمَاعهَا مِنْهُ، فَهَذَا شَيْء تَفَرَّد بِذكرِهِ اليُونَارتِي، وَأَظُنُّهُ وَهِمَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: أَبُو طَاهِرٍ العبَادَانِي رَجُلٌ صَالِحٌ أُمِّيٌّ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ فِي (مُعْجَم أَصْبَهَان) لَهُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ النَّجرَانِي يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ العَبَّادَانِي فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَنُودي لَهُ فِي البَصْرَة: مَنْ أَرَادَ الصَّلاَة عَلَى ابْنِ العَبَّادَانِي الزَّاهِد، فَليحضُرْ.
فَلَعَلَّهُ لَمْ يَتخلف مِنْ أَهْلِ الْبَلَد إِلاَّ القَلِيْل، ثُمَّ قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ يَرْوِي عَنِ الهَاشِمِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ النَّجَّاد.
قَالَ: وَمِنْ مَرْوِيَّاته: كِتَابُ (السُّنَن) لأَبِي دَاوُدَ، يَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي عُمَرَ الهَاشِمِيّ.
قُلْتُ: مَشَى السِّلَفِيّ وَرَاء قَوْل اليُونَارتِي.
__________
(1) نسبة إلى مادرايا من أعمال البصرة، وعلي بن إسحاق هذا توفي سنة 334 هـ.(19/42)
أَخْبَرَنَا عبدُ المُؤْمِن بن خَلَفٍ الحَافِظ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رَوَاج، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، قَالَ:
كَتَبَ إِلَيْنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ مِنَ البَصْرَةِ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ شُجَاع الكِنَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الهَاشِمِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيْسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأُخْبَرُ بِمَكَانِكُم، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُم إِلاَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ أُمِلَّكُم، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا (1) .
وَمَاتَ مَعَهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ خلقٌ.
منهُم: الفَقِيْهُ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ ابنُ القَاضِي أَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي الأُصُوْلِي.
وَالفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ البَيِّع الهَمَذَانِيّ.
وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ طَلْحَةَ النِّعَالِيّ مُسْنِد العِرَاق.
وَلُغوِيُّ الوَقْت سَلْمَانُ بن عَبْدِ اللهِ بن الفُتِّي (2) النَّهْرَوَانِي.
وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَابِرِ بنِ يَاسين الحَنْبَلِيّ.
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (68) في العلم، و (6411) في الدعوات، ومسلم (2821) في صفات المنافقين، والترمذي (2855) ، وأحمد 1 / 377 و378 و425 و440 و443 و462 من طرق عن الأعمش بهذا الإسناد.
وأخرجه من طريق منصور، عن شقيق، البخاري (70) في العلم: باب من جعل لاهل العلم أياما معلومة، وأحمد 1 / 427 و465.
(2) بالفاء وتاء واحدة بعدها ياء كما في الأصل، وفي المصادر التي ترجمت له، ولم يرد لها ذكر في كتب الأنساب، وأورد السمعاني 9 / 239: " الفتيتي " وضبطه بضم الفاء والياء الساكنة بين التاءين ثالث الحروف، وقال: كذا رأيت في تاريخ بغداد 2 / 99 مقيدا مضبوطا، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله الفتيتي القطان من أهل النهروان ... وسلمان هذا مترجم في " معجم الأدباء " 11 / 234، وإنباه الرواة 2 / 26 - 28، والوافي بالوفيات 15 / 311 ومرآة الجنان 3 / 156، وطبقات المفسرين للسيوطي 13، وبغية الوعاة 1 / 595، وشذرات الذهب 3 / 399، وروضات الجنات 322 - 323.(19/43)
وَأَبُو سَعْدٍ عبدُ الجَلِيْل بن مُحَمَّدٍ السَّاوِي (1) السَّفَّار.
وَالمُقْرِئُ عبدُ القَاهِر بن عَبْد السَّلاَمِ العَبَّاسِيّ صَاحِبُ الكَارَزِينِي (2) .
وَأَبُو الفَضْلِ عبدُ الكَرِيْم بن المُؤَمَّل الكَفَرْطَابِي (3) البَزَّاز.
وَالوَزِيْر ابْنُ الوَزِيْر عَمِيدُ الدَّوْلَة أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ فَخر الدَّوْلَة ابْن جَهير.
وَشَيخُ الطِّبِّ مُؤلف (المنهَاج (4)) أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى بن عِيْسَى بنِ جَزَلَة البَغْدَادِيّ (5) .
وَفقيهُ مَا وَرَاءَ النَّهْر أَبُو الْيُسْر مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ ابْنِ المُحَدِّث عبد الكَرِيْم بن مُوْسَى بن مُجَاهِدٍ البَزْدَوِيّ النَّسَفِي (6) ، وَيُلَقَّبُ بِالقَاضِي الصَّدْر عَنْ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
28 - هِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ اللَّيْثِ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الحَسَنِ الأَنْصَارِيُّ، الأَوسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ، ثُمَّ السَّعْدِيّ، البَغْدَادِيّ، مِنْ ذُرِّيَّة سَعْد بنِ مُعَاذ
__________
(1) نسبة إلى ساوة: بلدة بين الري وهمذان.
(2) نسبة إلى " كارزين " وهي من بلاد فارس مما يلي البحر " الأنساب ": 10 / 316.
(3) نسبة إلى " كفرطاب " وهي بلدة عند المعرة بين حلب وحماة.
الأنساب: 10 / 448.
(4) والاسم الكامل: " منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان من الادوية المفردة والمركبة " وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم 107 طب.
(5) انظر ترجمته في هذا الجزء رقم (108) .
(6) انظر ترجمته في هذا الجزء رقم (30) .
(*) المنتظم: 9 / 107 - 108، العبر: 3 / 332، عيون التواريخ: 13 / 84، شذرات الذهب: 3 / 397.(19/44)
الَّذِي اهْتَزَّ الْعَرْش لِمَوْتِهِ (1) .
سَمِعَ (جُزءَ الحَفَّارِ) مِنْ صَاحِبه هِلاَل بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَأَبِي الفَضْلِ عبد الوَاحِد بن عَبْدِ العَزِيْزِ التَّمِيْمِيّ، وَكَانَ آخِرَ أَصْحَاب التَّمِيْمِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَأَبُو البَرَكَات بنُ الأَنْمَاطِيّ، وَعبدُ الخَالِق اليُوسُفِي، وَعبدُ الرَّحْمَن بن أَحْمَدَ الطُّوْسِيّ ثُمَّ المَوْصِلِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن العَبَّاسِ الحَرَّانِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لِلْحَافظ السِّلَفِيّ، وَمَا تَنبَّه لَهُ أَن عِنْدَهُ (جُزء الحَفَّارِ) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ مَشَايِخِي يَقُوْلُ:
إِنَّ الشَّرِيْفَ هِبَة اللهِ الأَنْصَارِيّ كَانَ يَأْخذ عَلَى (جُزء الحَفَّار) دِيْنَاراً صَحِيْحاً.
قُلْتُ: وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَع مائَة، وَمَاتَ فِي الحَادِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الآخر، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي الهَيآت، وَمِنْ قُرَّاء الموَاكب، صَحِيْحَ السَّمَاع.
وَفِيْهَا مَاتَ: طِرَادٌ (2) الزَّيْنَبِيّ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عبد الغفَار بن أَشتَه (3) ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الرَّازِيّ بن الخَطَّابِ (4) ، وَأَبُو
__________
(1) أخرجه من حديث جابر بن عبد الله البخاري (3803) في مناقب الانصار: باب مناقب سعد بن معاذ، ومسلم (2466) (124) ، والترمذي (3848) ، وابن ماجة (158) ، وأحمد 3 / 296 و316 و349، وفي الباب عند أحمد 3 / 234، ومسلم (2467) من طريق أنس، و4 / 352 عن أسيد بن حضير، 6 / 329 عن رميثة بنت عمرو، و6 / 456، عن أسماء بنت يزيد بن السكن.
(2) تقدمت ترجمته برقم 24.
(3) سيترجمه المؤلف برقم 104.
(4) مترجم برقم 111.(19/45)
العَبَّاس أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بِشرُويه (1) ، وَالحَسَن بن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدي الحَافِظ (2) ، وَسَهْل بن بِشْرٍ الإِسْفَرَايينِي (3) ، وَعَبْد الرَّزَّاقِ بن حَسَّانِ بنِ سَعِيْدٍ المَنِيْعِيّ، وَعبد الوَاحِد بن عُلْوَانَ الشَّيْبَانِيُّ (4) ، وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحَرَمِي (5) بِهَرَاةَ، وَمكِي بن مَنْصُوْرٍ السَّلاَّر الكَرَجِيّ (6) .
29 - ابْنُ البَطِرِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، المُقْرِئُ، الفَاضِلُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو الخَطَّابِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ البَطِر البَغْدَادِيّ، البَزَّاز، القَارِئُ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَسَمَّعَهُ أَخُوْهُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بن عُبيد الله بن البَيِّع، وَعُمَر بن أَحْمَدَ العُكْبَرِيّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ رِزقويه، وَأَبِي بَكْرٍ المُنَقِّي، وَمكِي الحَرِيْرِيّ، وَتَفَرَّد فِي زَمَانِهِ، وَارْتَحَلَ المُحَدِّثُونَ إِلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الأَنْمَاطِيّ، وَسَعْدُ الخَيْر الأَنْدَلُسِيّ، وَأَبُو
__________
(1) مترجم برقم 135.
(2) مترجم برقم 125.
(3) مترجم برقم 88.
(4) مترجم برقم 65.
(5) مترجم برقم 122.
(6) ستأتي ترجمته برقم 39.
(*) الأنساب: 9 / 133 - 134، المنتظم: 9 / 129، معجم البلدان: 4 / 192، اللباب: 2 / 377، الكامل في التاريخ: 10 / 327، العبر: 3 / 340، دول الإسلام: 2 / 24، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 240 - 241، عيون التواريخ: 13 / 107، البداية والنهاية: 12 / 161، تبصير المنتبه: 3 / 1002، شذرات الذهب: 3 / 402.(19/46)
بَكْر بن العربِي (1) ، وَمَحْمُوْدٌ الزَّمَخشرِي المُعْتَزِلِي (2) ، وَابْنُ نَاصر، وَعبدُ الخَالِق اليُوسُفِي، وَابْن البَطِّي، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ البَاجِسْرَائِي، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَن، وَخُزَيفَة (3) ابْن الهَاطْرَا، وَعبد الوَاحِد بن الحُسَيْنِ البَارِزِي، وَأَحْمَد بن المقرّب، وَعَبْد اللهِ بن عَلِيٍّ الطَّامَذِي، وَالمُبَارَك بن مُحَمَّدٍ البَادَرَائِي (4) ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَشُهْدَة، وَخطيب المَوْصِل، وَخَلْقٌ.
قَالَ ابْنُ سُكَّرَة: شَيْخٌ، مَسْتورٌ، ثِقَةٌ.
وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: سَأَلتُ شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنِ ابْنِ البَطر، فَقَالَ: كَانَ قَرِيْبَ الحَال (5) ، ليِّناً فِي الرِّوَايَة، فَرَاجعتُهُ فِي ذَلِكَ، وَقُلْتُ: مَا عرفنَا مِمَّا (6) ذكرتَ شَيْئاً، وَمَا قُرِئَ عَلَيْهِ شَيْء يُشكُّ فِيْهِ، وَسمَاعَاته كَالشَّمْس وُضُوحاً، فَقَالَ: هُوَ - لَعمرِي - كَمَا ذكرت، غَيْر أَنِّي وَجَدْت فِي بَعْضِ مَا كَانَ لَهُ بِهِ نُسخَة، سَمَاعاً يَشْهَدُ القَلْب بِبُطْلانِهِ، وَلَمْ يُحْمَلْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْء (7) .
قَالَ أَبُو المُظفَّر فِي (مِرْآة الزَّمَان (8)) :كَانَ ابْنُ الْبَطر عَلَى دَوَالِيب
__________
(1) ستأتي ترجمته في الجزء العشرين رقم (128) .
(2) ستأتي ترجمته في الجزء العشرين رقم (91) .
(3) في " تبصير المنتبه ": 1 / 421: بخاء معجمة وزاي بدل الذال: خزيفة بن سعد ابن الهاطرا، مشهور ذكره ابن نقطة.
(4) نسبة لبادرايا وهي بلدة من نواحي واسط.
انظر الإكمال بتعليقه 1 / 404.
(5) في " المستفاد ": كان قريب الامر.
(6) في الأصل: ما.
(7) الخبر في " المستفاد ": 241.
(8) وقد صور منه الجزء الثامن والاخير - وهو يبتدئ بحوادث سنة 495 هـ - في أمريكا سنة 1907 م.(19/47)
الْبَقر مُشرِفاً عَلَى عُلوَفَاتِهِم، فَكَتَبَ إِلَى الخَلِيْفَة المُسْتَظهر بِاللهِ: العَبْدُ ابْن البَقَر المُشرِف عَلَى البَطر، فَضَحِكَ الخَلِيْفَةُ مِنْ تَغفِيله.
قَالَ السِّلَفِيّ: دَخَلتُ بَغْدَاد فِي الرَّابع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّال، فَبَادَرْتُ إِلَى ابْنِ البَطرِ، فَدَخَلتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَسِراً، فَقُلْتُ: قَدْ وَصلتُ مِنْ أَصْبَهَان لأَجلك، فَقَالَ: اقرَأْ، وَنَطق بِالرَّاء غِيْناً، فَقَرَأْتُ مُتَّكِئاً مِنْ دمَامِيْل بِي، فَقَالَ: أَبصر ذَا الكَلب! فَاعْتذرتُ بِالدمَامِيْل، وَبكيتُ مِنْ كلاَمه، وَقَرَأْت سَبْعَة وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً، وَقُمْتُ، ثُمَّ تردَّدتُ إِلَيْهِ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ جُزْءاً، وَلَمْ يَكُنْ بِذَاكَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ ابْنُ البَطِرِ يَسكن بَاب الغَرَبَة (1) عِنْد المَشْرَعَة (2) مِمَّا يَلِي البدرِيَّة، وَعُمِّر حَتَّى صَارَت إِلَيْهِ الرِّحلَةُ مِنَ الأَطرَاف، وَتَكَاثر عَلَيْهِ الطَّلبَةُ، وَكَانَ صَالِحاً صَدُوْقاً، صَحِيْحَ السَّمَاع، هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ البَيِّع، وَابْن رِزقويه، وَابْن بِشْرَان.
مَاتَ: فِي سَادس عشر رَبِيْع الأَوّل، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا بِجُزء فِيْهِ حَدِيْثُ الإِفك لِلآجرِيِّ الطَّوَاشِيُّ بِلاَلٌ المُغِيثيُّ (3) ،
__________
(1) هو أحد أبواب دار الخلافة ببغداد، سمي بغربة كانت فيه - وهي شجرة ضخمة
خضراء -: " معجم البلدان ": 4 / 192.
(2) هي المواضع التي ينحدر إلى الماء منها.
(3) ترجمة المؤلف في " مشيخته " ورقة: 39، فقال: بلال بن عبد الله الأمير الكبير حسام الدين أبو الخير الحبشي الخصي المغيثي الجمدار، ويعرف بالوالي، ربى ملوكا، وأولاد ملوك، وكان وافر الحرمة، له أوقاف وبر، وفيه حب للرواية، عنده سفاين أجزاء عن ابن رواج وغيره، مات بعد الهزيمة في رمل مصر في ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وست مئة، وكان من أبناء التسعين.
وابن رواج: هو عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الإسكندراني المالكي المتوفى سنة 648، " شذرات الذهب ": 5 / 242.(19/48)
قَالَ: أَخْبَرْنَا ابْنُ رَوَاج، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَطِر.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الجُزْء أَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتيل عَنِ ابْنِ البَطِر، وَذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ بَعْض الطَّلبَة، لَمْ يُدرِكِ ابْنُ شَاتيل ذَلِكَ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
30 - البَزْدَوِيُّ أَبُو اليُسْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ *
وَيُلَقَّبُ بِالقَاضِي الصَّدْر، هُوَ العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّة بَعْد أَخِيْهِ الكَبِيْرِ، أَبُو اليُسْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ ابنِ المُحَدِّث عبد الكَرِيْم بن مُوْسَى بن مُجَاهِدٍ النَّسفِي.
وَبَزْدَة: قَلْعَة حصينَة (1) .
قَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي (القَنْد (2)) :كَانَ أَبُو اليُسْرِ إِمَامَ الأَئِمَّة عَلَى الإِطلاَق، وَالموفودَ إِلَيْهِ مِنَ الآفَاق، مَلأَ الكَوْن بِتَصَانِيْفِه فِي الأُصُوْل وَالفُرُوْع، وَوَلِيَ قَضَاءَ سَمَرْقَنْد (3) ، أَملَى الحَدِيْث مُدَّة.
تُوُفِّيَ: بِبُخَارَى، فِي تَاسع رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيّ: مَوْلِدُهُ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ.
وَحَدَّثَنَا عَنْهُ عُثْمَان بنُ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَأَحْمَد بن نَصْرٍ البُخَارِيّ، وَمُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو رَجَاءٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ، وَآخَرُوْنَ. قُلْتُ: مَا سَمَّى شُيُوْخَه.
__________
(*) الأنساب: 2 / 189، الجواهر المضية: 2 / 116 و270 - 271، تاج التراجم: 48، 49، مفتاح السعادة: 2 / 185، الفوائد البهية: 188، هدية العارفين: 2 / 77.
(1) على ستة فراسخ من نسف، كما في " معجم " ياقوت: 1 / 409.
(2) واسمه الكامل " القند في تاريخ سمرقند " تأليف أبي حفص نجم الدين عمر بن محمد النسفي السمرقندي المتوفى سنة 537 هـ.
(3) انظر " الجواهر المضية ": 2 / 270 و" مفتاح السعادة ": 2 / 185.(19/49)
31 - ابْنُ شَغَبَةَ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، شَيْخ البَصْرَة، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفِ بن مُحَمَّدِ بنِ النَّضْرِ بن شَغَبَةَ الأَنْصَارِيُّ، البَصْرِيُّ، وَجدُّه فَردٌ مُسْتفَاد مَعَ شُعْبَة (1) .
حَدَّثَ عَنْ: القَاضِي أَبِي عُمَرَ الهَاشِمِيّ، وَالحَسَن بن بَشَّار السَّابورِي، وَيُوْسُفَ بنِ غَسَّانَ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا، وَجَابِرُ بن مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدي، وَأَبُو غَالِبٍ المَاوَرْديُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ، حَافظٌ، مُتْقِنٌ، ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ، حضَر ابْنُ مَاكُوْلا مَجْلِسَ إِملاَئِه.
وَقَالَ ابْنُ سُكَّرَة: أَدْرَكتُه وَقَدْ ترك كُلَّ شَيْء، وَأَقْبَلَ عَلَى العِبَادَة، صَادَفتُه يَدعُو وَيَبْكِي بَعْدَ الصُّبْح، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ، رُزِقَ الشَّهَادَة فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ جُمْلَةٌ مِنْ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) ، عَنْ أَبِي عُمَرَ الهَاشِمِيّ.
قُلْتُ: قُتِلَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، لَمْ يَقع لِي شَيْء مِنْ عَوَالِيْهِ.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
__________
(*) الإكمال: 5 / 64 وانظر ما قاله المعلمي، العبر: 3 / 305، تبصير المنتبه: 2 / 782، شذرات الذهب: 3 / 371 - 372، تاج العروس: 1 / 323.
(1) من كتب المشتبه.(19/50)
إِسْمَاعِيْل الطَّرَسُوسِيّ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنِ الطَّرَسُوسِيّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَافِظ، سَنَة خَمْسٍ وَخَمْس مائَة إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ شَغَبَة البَصْرِيّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بن أَبِي زُهَيْر، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ الوَلِيْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بن عُمَرَ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ، إِذَا جَاءَ رَمَضَان، يَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي، وَتَسَلَّمهُ مِنِّي مُتَقَبَّلاً (1)) .
غَرِيْب، وَرَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ عَنْ خَلَف بن الوَلِيْدِ، وَتَفَرَّد بِهِ خلف.
32 - أَبُو الفَرَجِ الحَنْبَلِيُّ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الوَاحِدِ بن مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف أبي جعفر الرازي، واسمه عيسى بن ماهان، قال ابن المديني: كان يخلط، وقال يحيى: كان يخطئ، وقال أحمد: ليس بالقوي في
الحديث، وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرا، وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير، قلت: وهو راوي حديث أنس: ما زال رسول الله يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا.
أخرجه أحمد: 3 / 162، والدارقطني 2 / 39، والطحاوي: ص: 143، والبيهقي: 2 / 201، كلهم من طريق أبي جعفر هذا عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، والثابت عن أنس كما في الصحيح وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرا في صلاة الفجر ثم تركه.
قال الحافظ ابن حجر في الدراية ص: 117: ويؤخذ من الاخبار أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحا: فعند ابن حبان وابن خزيمة، عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو على قوم. وعند ابن خزيمة (620) عن أنس مثله، وإسناد كل منهما صحيح.
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 248 - 249، الكامل في التاريخ: 10 / 228، العبر: 3 / 312، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 1199، الوافي بالوفيات (خ) : 17 / 82 - =(19/51)
عَلِيّ بن أَحْمَدَ الأَنْصَارِيّ، الشِّيرَازِيُّ الأَصْلِ، الحَرَّانِيُّ المَوْلِدِ، الدِّمَشْقِيُّ المَقَرِّ، الفَقِيْهُ الحَنْبَلِيّ الوَاعِظ، وَكَانَ يُعرَفُ فِي العِرَاق بِالمَقْدِسِيّ، مِنْ كِبَارِ أَئِمَّة الإِسْلاَم.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ السِّمْسَار، وَشيخ الإِسْلاَم أَبِي (1) عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ بن الفَضْلِ الكَلاعِيّ، وَطَائِفَة بِدِمَشْقَ بَعْد الثَّلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَلاَزم القَاضِي أَبَا يَعْلَى بن الفَرَّاءِ، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَدرَّس وَوَعظ، وَبثَّ مَذْهَب أَحْمَد بِأَعْمَال بَيْتِ المَقْدِسِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ (2) .
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَرَّاءِ فِي (طَبَقَات الحنَابلَة (3)) :صَحِبَ وَالِدي مِنْ سَنَةِ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتردَّد إِلَيْهِ سِنِيْنَ عديدَة، وَنَسَخَ وَاسْتَنْسَخ مُصَنَّفَاته، وَسَافَرَ إِلَى الرَّحْبَةِ وَالشَّام، وَحصل لَهُ الأَتْبَاع وَالغِلمَان.
قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ كرَامَاتٌ ظَاهِرَة، وَوقعَاتٌ مَعَ الأَشَاعِرَة، وَظهرَ عَلَيْهِم بِالحُجَّة فِي مَجْلِس السَّلاَطين بِالشَّامِ.
__________
= 83، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 68 - 73، الدارس: 2 / 65 - 66، الانس الجليل: 1 / 297 وهو فيه عبد الواحد بن أحمد بن محمد، طبقات المفسرين للداوودي: 10 / 360 - 362، شذرات الذهب: 3 / 378، إيضاح المكنون: 1 / 155، 2 / 287، هدية العارفين: 634.
(1) في الأصل " أبو " وهو خطأ.
(2) من تصانيفه: " المبهج "، و" الايضاح "، و" التبصرة " في أصول الدين، وكتاب " الجواهر " وهو ثلاثون مجلدة في التفسير، و" مختصر في الحدود "، وفي " أصول الفقه "، و" مسائل الامتحان ".
(3) 2 / 248، ونقله عنه في " ذيل الطبقات ": 1 / 69، 70.(19/52)
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ اجْتَمَع بِالخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - مَرَّتين (1) ، وَكَانَ يَتَكَلَّم فِي عِدَّةِ أَوقَات عَلَى الخوَاطر، كَمَا كَانَ يَتَكَلَّم بِبَغْدَادَ أَبُو الحَسَنِ بنُ القَزْوِيْنِيّ الزَّاهِد، وَكَانَ الْملك تُتُشُ (2) يُعظِّمه، لأَنَّه تَمَّ لَهُ مُكَاشفَةٌ مَعَهُ ... إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ نَاصراً لاعتقَادنَا، مُتَجَرِّداً فِي نَشره، وَلَهُ تَصَانِيْفُ فِي الفِقْه وَالوَعْظ وَالأُصُوْل.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب الصَّغِيْر، وَقَبرُهُ مَشْهُوْر يُزَار، وَيُدعَى عِنْدَهُ.
وَهُوَ وَالِدُ الإِمَام الرَّئِيْس شرف الإِسْلاَم عَبْد الوَهَّابِ (3) بن أَبِي الفَرَجِ الحَنْبَلِيّ الدِّمَشْقِيّ، وَاقف المدرسَة الحَنْبَليَة (4) الَّتِي وَرَاء جَامِع دِمَشْق بِحِذَاء الرَّوَاحِيَة (5) ، وَكَانَ صَدراً مُعَظَّماً يُرسَل عَنْ صَاحِب دِمَشْق إِلَى الخِلاَفَة، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَشَرَفُ الإِسْلاَمِ هَذَا هُوَ جَدُّ الإِمَامِ المُفْتِي شَيْخِ الحِنَابلَةِ:
__________
(1) وهذا مبني على أن الخضر حي لم يمت بعد، وهو قول مؤوف لا يصح، فقد صرح بموته جمهور أهل العلم فيما نقله أبو حيان في " البحر المحيط " وذكر الحافظ في " الإصابة " منهم إبراهيم الحربي، وعبد الله بن المبارك، والبخاري، وأبا طاهر بن العبادي، وأبا الفضل بن ناصر، وأبا بكر بن العربي، وابن الجوزي، وغيرهم.
(2) ستأتي ترجمته برقم (46) .
(3) ستأتي ترجمته في الجزء العشرين رقم 63.
(4) هي المدرسة الشريفية عند القباقبية العتيقة، أنشأها شرف الإسلام عبد الوهاب، انظر مختصر تنبيه الطالب، وإرشاد الدارس ص: 124.
(5) هي مدرسة للشافعية لصيقة بالجامع الأموي من جهة بابه الشرقي، وبانيها هو زكي الدين أبو القاسم التاجر المعروف بابن رواحة، المتوفى سنة 622 هـ، ولي التدريس فيها نخبة ممتازة من أهل العلم والفضل كابن الصلاح، وبهاء الدين السبكي، والكمال بن الزملكاني، وصفي الدين الارموي، وشمس الدين المقدسي.
انظر " الدارس " ص: 1، 21، 32، 39، 130، 135، 268، و" مختصر تنبيه الطالب " ص 43 - 45.(19/53)
33 - نَاصِحُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ الحَنْبَلِيِّ *
الدِّمَشْقِيّ، الوَاعِظ، الَّذِي مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعَ بِبَغْدَادَمِنْ: عبد الحَقِّ اليُوسفِي، وَشُهْدَة الكَاتِبَة، وَجَمَاعَة.
وَبِأَصْبَهَانَ: مِنْ أَبِي العَبَّاسِ التُّرك، وَالحَافِظ أَبِي مُوْسَى، وَطَائِفَة.
وَوعظ بِمِصْرَ، وَدرَّس، وَصَنَّفَ (1) ، وَكَانَ مُدرساً بِمدرسَة جَدِّه.
رَوَى لَنَا عَنْهُ: ابْن مُؤْمِن، وَالعزُّ بنُ العِمَادِ، وَابْنُ حَازِمٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ ابْن الوَاسِطِيّ، وَابْن بِطِّيخ، وَالشِهَابُ بن مُسْرِف، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ المُعَمَّرُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبدِ الدَّائِم.
مَاتَ النَّاصح أَبُو الفَرَجِ بنُ أَبِي العَلاَءِ بنِ الحَنْبَلِيّ: فِي ثَالِث المُحرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَلَهُ أَقَاربُ وَذُرِّيَّةٌ عُلَمَاء.
34 - مَلِكْشَاه جلاَلُ الدَّوْلَة بنُ أَلب آرسلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ **
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، جلاَلُ الدَّوْلَةِ، أَبُو الفَتْحِ مَلِكْشَاه ابنُ السُّلْطَان أَلب أَرسلاَن
__________
(*) ذيل الروضتين: 164، دول الإسلام: 2 / 137، العبر: 5 / 138، مرآة الزمان: م 8 / 463، البداية: 13 / 146، ذيل طبقات الحنابلة: 2 / 193 - 201، النجوم الزاهرة: 6 / 297، الدارس: 2 / 70 - 71، المنهج الاحمد خ، القلائد الجوهرية: 1 / 159، كشف الظنون: 78، شذرات الذهب: 5 / 164 - 166، هدية العارفين: 1 / 524 - 560، منتخبات التواريخ: 502 - 503.
(1) ذكر ابن رجب في " ذيل طبقات الحنابلة ": 2 / 199 من مصنفاته كتاب: " أسباب الحديث "، وكتاب: " الاستسعاد "، وكتاب: " الانجاد في الجهاد ".
(* *) المنتظم: 9 / 69 - 74، أخبار الدولة السلجوقية: 55، الكامل في التاريخ: 1 / 76، 78، 90، 210 - 214، وفيات الأعيان: 5 / 283 - 289، المختصر: 2 / 202 - 203، دول الإسلام: 2 / 13 - 14، العبر 3 / 309، تتمة المختصر: =(19/54)
مُحَمَّد بن جغرِيبَك (1) السَّلْجُوْقِي، التُّركِي.
تَمَلَّك بَعْد أَبِيْهِ، وَدَبَّر دَوْلَته النّظَامُ الوَزِيْرُ بِوصيَةٍ مِنْ أَلب أرسلاَن إِلَيْهِ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ عَمُّه مَلِكُ كِرْمَان قَاروت (2) ، فَالْتَقَوا بِقُرْبِ هَمَذَان (3) ، فَانْكَسَرَ جَمعُهُ، وَأُتِي بعَمِّه أَسِيْراً، فَوبَّخه، فَقَالَ: أُمرَاؤك كَاتَبونِي، وَأَحضر خرِيطَةً فِيْهَا كُتُبُهُم، فَنَاوَلَهَا لنظَام الْملك لِيقرَأهَا، فَرمَاهَا فِي مِنْقَلِ نَارٍ، فَفَرِحَ الأُمَرَاءُ، وَبَذَلُوا الطَّاعَةَ، وَخَنَقَ عَمَّهُ (4) ، ثُمَّ تَمَلَّكَ مِنَ المَدَائِن مَا لَمْ يَملكه سُلْطَان، فَمَنْ ذَلِكَ مَدَائِنُ مَا وَرَاءَ النَّهْر، وَبلاَدُ الهَيَاطِلَة (5) ، وَبَابُ الأَبْوَاب، وَبلاَدُ الرُّوْم، وَالجَزِيْرَة، وَكَثِيْرٌ مِنَ الشَّام، فَتملَّك مِنْ كَاشْغَرَ (6) إِلَى القُدْس طُوْلاً، وَمِنْ أَطرَاف قُسْطَنْطِيْنِيَّة إِلَى بلاَد الخَزَر (7) ، وَبَحر الهِنْد عرضاً، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَة، لَهِجاً بِالصَّيد
__________
= 2 / 12 - 13، البداية والنهاية: 12 / 142 - 143، تاريخ ابن خلدون: 5 / 13، النجوم الزاهرة: 5 / 134 - 135، شذرات الذهب: 3 / 376، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 52، 73.
(1) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 51.
(2) كذا الأصل: (قاروت) بتقديم الراء على الواو، وهو كذلك في ابن خلكان 5 / 284 وفي الكامل لابن الأثير: 1 / 78: (قاورت) بتقديم الواو على الراء، وفي أخبار الدولة السلجوقية ص: 50: (قارود) بالدال بدل التاء.
(3) انظر خبر الحرب بينهما في " الكامل " لابن الأثير: 10 / 78 - 79.
(4) في الوفيات: 5 / 284: ثم أمر بقتل عمه فخنق بوتر قوسه.
(5) قال ياقوت في معجم البلدان: هيطل: اسم لبلاد ما وراء النهر، وهي بخارى، وسمرقند، وخجند.
سمي بهيطل بن عالم بن سام بن نوح عليه السلام.
(6) قال ياقوت: هي مدينة وقرى ورساتيق يسافر إليها من سمرقند وتلك النواحي وهي في وسط بلاد الترك، وضبطها ابن خلكان بفتح الكاف، وبعد الالف شين معجمة ساكنة، وغين معجمة مفتوحة، وبعدها راء، وقال هي قصبة بلاد تركستان.
(7) قال ياقوت: هي بلاد الترك خلف باب الابواب المعروف بالدربند، وقيل: سمي بالخزر ابن يافث بن نوح.
وقال في العين: الخزر: جيل خزر العيون انظر " معجم البلدان ": 2 / 367.(19/55)
وَاللَّهْو، مُغرَىً بِالعَمَائِر، وَحفرِ الأَنْهَار، وَتَشييدِ القَنَاطِر، وَالأَسْوَارِ، وَعَمَّرَ بِبَغْدَادَ جَامِعاً كَبِيْراً، وَأَبطل المُكوسَ وَالخفَارَاتِ فِي جَمِيْع بلاَده.
هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ خَلِّكَان (1) .
قَالَ: وَصنع بِطرِيق مَكَّة مصَانِع، يُقَالَ: إِنَّهُ ضَبط مَا اصطَاده بِيَدِهِ، فَبَلَغَ عَشْرَة آلاَفِ وَحشٍ، فَتَصَدَّقَ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: إِنِّيْ خَائِفٌ مِنْ إِزهَاق الأَرْوَاح لِغِير مَأْكَلَةٍ.
شَيَّعَ مرَّة ركبَ العِرَاق إِلَى العُذَيْب (2) ، فَصَادَ شَيْئاً كَثِيْراً، فَبنَى هُنَاكَ مَنَارَةَ القرُوْنَ (3) مِنْ حَوَافر الْوَحْش وَقرونهَا، وَوَقَفَ يَتَأَمَّل الحُجَّاج، فَرقَّ وَنَزَلَ وَسجد، وَعفَّر وَجْهَهُ وَبَكَى، وَقَالَ بِالعجمِيَة: بلِّغُوا سَلاَمِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُولُوا: العَبْدُ العَاصي الْآبِق أَبُو الفَتْحِ يَخدم وَيَقُوْلُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْ كُنْتُ مِمَّنْ يَصلُح لِتلك الحضرَة المُقَدَّسَة، كُنْتُ فِي الصُّحْبَة، فَضجَّ النَّاسُ وَبكُوْا، وَدَعَوا لَهُ.
وَأَمِنَتِ الطُّرُقُ فِي دَوْلَته، وَانحلَّتِ الأَسعَارُ، وَتَزَوَّجَ الخَلِيْفَةُ المُقْتَدِي بِابْنته بِسِفَارَة شَيْخ الشَّافعيَة أَبِي إِسْحَاقَ (4) ، وَكَانَ عُرْسُهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ، وَعمِلَتْ دَعْوَة لجَيْشِ السُّلْطَان مَا سُمِعَ بِمِثْلِهَا أَبَداً، فَممَا دَخَلَ فِيْهَا أَرْبَعُوْنَ
__________
(1) في " وفيات الأعيان ": 5 / 284.
(2) هو ماء بين القادسية والمغيثة، بينه وبين القادسية أربعة أميال. " معجم البلدان ": 4 / 92.
(3) قال ابن خلكان: والمنارة باقية إلى الآن، وتعرف بمنارة القرون، وذلك في سنة 480 هـ.
(4) هو أبو إسحاق الشيرازي صاحب " المهذب " و" التنبيه "، وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (237) .(19/56)
أَلف مَنّاً سُكَّراً، فَوَلَدَتْ لَهُ جَعْفَراً (1) .
َقَدِمَ مَلِكْشَاه بَغْدَاد مرَّتين، وَقَدِمَ إِلَى حلب، وَلَمْ يَكُنْ لِلمقتدي مَعَهُ غَيْرُ الاسْم، ثُمَّ قَدِمهَا ثَالِثاً عليلاً، وَكَانَ المُقتدي قَدْ فَوَّض العَهْدَ إِلَى ابْنِهِ المُسْتظهِر، فَأَلزمه مَلِكْشَاه بِعَزْلِهِ، وَأَنْ يُوَلِّي ابْن بِنْته جَعْفَراً، وَأَن يُسلِّم بَغْدَاد إِلَيْهِ، وَيَتحَوَّل إِلَى البَصْرَةِ، فَشقَّ عَلَى الْمُقْتَدِي، وَحَار، ثُمَّ طَلَب المُهلَة عَشْرَة أَيَّام لِيَتَجَهَّز، فَصَام وَطوَى، وَجَلَسَ عَلَى التُّرَاب، وَتضرَّع إِلَى رَبِّهُ، فَقوِيَ بِالسُّلْطَان المرضُ، وَمَاتَ فِي شَوَّال، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ، عَنْ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ: سُمَّ فِي خِلالٍ تَخَلَّلَ بِهِ، وَكَانَ وَزِيْرُهُ النِّظَام قَدْ قُتِلَ مِنْ أَيَّام، وَلَمْ يَشْهَدِ السُّلْطَانَ كَبِيْرُ أَحَد (2) ، وَلاَ عُمِلَ لَهُ عزَاء، وَنُقِلَ تَابوته إِلَى أَصْبَهَانَ، فَدُفِنَ فِي مدرسَةٍ عَظِيْمَة.
وَقَدْ تَزَوَّجَ المُسْتظهرُ بِاللهِ بِخَاتُوْنَ بِنْتِهِ الأُخْرَى، وَتنَازع فِي المُلك أَوْلاَدُهُ مِنْ بَعْدِهُ زَمَاناً، وَكَانَ آخِرُهُم مَوْتاً ابْنُهُ سَنْجَر صَاحِبُ خُرَاسَان، عَاشَ بَعْدَ أَبِيْهِ أَقلَّ مِنْ سَبعِينَ سَنَةً.
وَكَانَ ملكشَاهُ كَثِيْرَ الجُيُوْش، خفِيفَ الرِّكَاب، عبر فِي سَنَةِ (482) إِلَى مَا وَرَاء النَّهْر، فَسَارَ إِلَى بُخَارَى، وَسَمَرْقَنْد، فَتَمَلَّكَهَا، ثُمَّ سَارَ فِي بلاَد التُّرك إِلَى كَاشْغَر، فَأَذعَن صَاحِبُهَا بطَاعته، وَنَزَلَ إِلَى خِدمَته (3) .
قَالَ المُؤَيَّد فِي (تَارِيْخِهِ (4)) :كَانَ مِنْ أَحْسَن النَّاسِ صُوْرَةً وَمَعْنَى،
__________
(1) انظر الكامل في التاريخ: 10 / 160 - 161، الوفيات: 5 / 288، وابن خلدون: 5 / 9 - 10.
(2) ابن خلكان: 5 / 188، وفيه: ولم يشهد أحد جنازته ببغداد، ولا صلي عليه في الصورة الظاهرة.
(3) انظر الكامل في التاريخ: 10 / 171 - 172.
(4) 2 / 203.(19/57)
خُطِبَ لَهُ مِنْ حُدُوْد الصِّينِ إِلَى آخِرِ الشَّام، وَمِنْ مَمْلَكَة الرُّوْم إِلَى اليَمَنِ، وَقَصَدَ حلب، فَافْتَتَحَهَا، وَدَانَت لَهُ الدُّنْيَا.
35 - المُعْتَمِدُ بنُ عَبَّادٍ مُحَمَّدُ ابنُ المُعْتَضِدِ بِاللهِ ابنِ الظَّافِرِ بِاللهِ *
صَاحِبُ الأَنْدَلُس، المُعْتَمِدُ عَلَى اللهِ أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ ابنُ الملكِ المُعْتَضِدِ بِاللهِ أَبِي عَمْرٍو عَبَّادِ ابْن الظَّافر بِاللهِ أَبِي القَاسِمِ، قَاضِي إِشبيليَة، ثُمَّ مَلِكُهَا، مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بن قُرَيْش اللَّخْمِيّ.
قِيْلَ: هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ النُّعْمَان بن المُنْذِرِ صَاحِبِ الحِيرَة.
حكم المُعْتَمِدُ عَلَى المدينَتينِ قُرْطُبَة وَإِشبيليَة، وَأَصلُهُم مِنَ الشَّام مِنْ بَلَدِ العَرِيشِ، فَدَخَلَ أَبُو الوَلِيْدِ إِسْمَاعِيْلُ بن قُرَيْش إِلَى الأَنْدَلُسِ، ثُمَّ بَرَعَ القَاضِي فِي الفِقْه، وَوَلِيَ القَضَاءَ، ثُمَّ تَمَلَّكَ مُدَّةً، وَقَامَ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُهُ المُعْتَضِدُ، فَسَاسَ المَمْلَكَة بِإِشبيليَة، وَبَايعُوْهُ بِالمُلك فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَانَ شَهْماً، صَارِماً، دَاهِيَةً، ذَبَحَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْوَان أَبِيْهِ، وَصَادَرْهم، وَعلاَ شَأْنُهُ، وَدَانت لَهُ الأُمَمُ.
غرز خشباً فِي قَصْره، وَعَمَّمَهَا برُؤُوْس كِبَارٍ وَمُلُوْكٍ، وَكَانُوا يُشَبِّهونه
__________
(*) مطمح الانفس: 10 - 22، الذخيرة: ق 2 / م 1 / 41 - 81، خريدة القصر: 2 / 25، الكامل في التاريخ: 10 / 248 - 250، المعجب: 158، الحلة السيراء: 2 / 52 - 67، وفيات الأعيان: 5 / 21 - 39، البيان المغرب: 3 / 257، المختصر: 2 / 207 - 208، العبر: 3 / 321 - 322، تتمة المختصر: 2 / 16، الوافي: 3 / 183 - 188، عيون التواريخ: 13 / 19 - 49 وفيه كثير من شعره، أعمال الاعلام: 157، تاريخ ابن خلدون 5 / 158، النجوم الزاهرة: 5 / 157، القلائد: 40، نفح الطيب: 4 / 212 - 228، شذرات الذهب: 3 / 386 - 391، تراجم إسلامية لعنان: 212 - 224.(19/58)
بِالمَنْصُوْر العَبَّاسِيّ.
وَرَام ابْنُهُ إِسْمَاعِيْل اغْتيَالَه، فَأَخَذَهُ، وَضربَ عُنُقه، وَعَهِدَ إِلَى ابْنِهِ الْمُعْتَمد (1) .
قِيْلَ: سَمَّه طَاغِيَةُ الفِرَنْج فِي ثَوْبٍ فَاخر، أَهدَاهُ لَهُ (2) .
وَمِنْ جَبَرُوتِهِ وَعُتُوِّهِ أَنَّهُ أَخَذَ مَالاً لأَعْمَى، فَهجَّ وَجَاور بِمَكَّةَ، فَبَلَغَ المُعْتَضِدَ أَنَّهُ يَدعُو عَلَيْهِ، فَندبَ رَجُلاً أَعْطَاهُ جُمْلَةَ دَنَانِيْر مَطْلِيَّةً بِسُمٍّ، فَسَارَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَوصله الذّهب، فَقَالَ: يَظلمنِي بِإِشبيليَة، وَيَصِلُنِي هُنَا؟!
ثُمَّ وَضَعَ مِنْهَا دِيْنَاراً فِي فَمِهِ كَعَادَة الأَضِرَّاء، فَمَاتَ مِنَ الغَدِ.
وَهَرَبَ مِنْهُ مُؤَذِّن إِلَى طُلَيْطُلَةَ، فَبقِي يَدعُو عَلَيْهِ فِي السَّحر، فَنفَّذ مَنْ جَاءهُ بِرَأْسِهِ.
وَقَدْ سَكِرَ لَيْلَةً، وَخَرَجَ فِي اللَّيْلِ مَعَهُ غُلاَمٌ، وَسَارَ مَخْمُوْراً، حَتَّى وَافَى قَرمُونَه (3) ، وَصَاحِبهَا إِسْحَاق البِرْزَال، وَبينهُمَا حُرُوْب، وَكَانَ يَشرب أَيْضاً فِي جَمَاعَةٍ، فَاسْتَأْذَن المُعْتَضِدُ، وَدَخَلَ، فَزَادَ تَعجُّبُهُم، فَسَلَّمَ وَأَكل، وَأَلَّ (4) [مِنْ] سُكْرِهِ، وَسُقِطَ فِي يَدِهِ، لَكنَّه تَجلَّد، ثُمَّ قَالَ: أُرِيْد أَنْ أَنَام، فَفَرشُوا لَهُ، فَتنَاوم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا كَبش سمِينٌ، وَاللهِ لَوْ أَنفقتُم مُلكَ الأَنْدَلُس عَلَيْهِ مَا قَدَرْتُم، فَقَالَ مُعَاذُ بنُ أَبِي قُرَّة: كلا، رَجُل قَصَدَنَا،
__________
(1) تقدم الخبر في " السير " مفصلا في ترجمة " المعتضد " في الجزء الثامن عشر رقم 126.
(2) الخبر في فوات الوفيات: 2 / 147.
(3) قال ياقوت: 4 / 330: قرمونيه: بالفتح ثم السكون، وضم الميم، وسكون الواو، ونون مكسورة، وياء مخففة، وهاء: كورة بالاندلس يتصل عملها بأعمال إشبيلية غربي قرطبة وشرقي إشبيلية، قديمة البنيان، وأكثر الناس يقولون " قرمونه ".
(4) في اللسان: أل في سيره ومشيه. إذا أسرع واهتز واضطرب. وما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها النص.(19/59)
وَنَزَلَ بِنَا مُسْتَأْمِناً، لاَ تَتحدّث عَنَّا القبَائِلُ أَنَّا قتلنَا ضَيْفَنَا، ثُمَّ انْتَبه وَقَامَ، فَقبَّلُوا رَأْسه، وَقَالَ لِلْحَاجِبِ: أَيْنَ نَحْنُ؟
قَالَ: بَيْنَ أَهْلك وَإِخْوَانِك.
قَالَ: هَاتُوا دوَاة، فَكَتَبَ لِكُلِّ مِنْهُم بِخِلْعَةٍ وَمَالٍ وَأَفرَاسٍ وَخَدَمٍ، وَأَخَذَ مَعَهُ غِلمَانهُم لِقبض ذَلِكَ، وَركب، فَمَشَوا فِي خِدمته.
لَكِن أَسَاء كُلَّ الإِسَاءة؛ طَلَبهُم بَعْدَ أَشهرٍ لِوليمَة، فَأَتَاهُ سِتُّوْنَ مِنْهُم، فَأَكْرَمَهُم، وَأَنْزَلهُم حَمَّاماً وَطَيَّنه عَلَيْهِم سِوَى مُعَاذ، وَقَالَ لِمُعَاذ: لَمْ تُرَعْ، حَضَرَتْ آجَالُهُم، وَلَولاَكَ لَقَتلونِي، فَإِنْ أَردتَ أَنْ أُقَاسمك مُلكِي، فَعَلت.
قَالَ: بَلْ أُقيم عِنْدَك، وَإِلاَّ بِأَيِّ وَجه أَرجعُ، وَقَدْ قتلتَ سَادَات بَنِي بِرْزَال، فَصَيَّره مِنْ كِبَارِ قُوَّاده، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ قُوَّاد المُعْتَمد.
وَحَكَى عبد الوَاحِد بن عَلِيٍّ فِي (تَارِيْخِهِ (1)) :أَنَّ المُعْتَضِدَ ادَّعَى أَنَّهُ وَقَعَ إِلَيْهِ المُؤَيَّدُ بِاللهِ هِشَام بنُ الحَكَمِ المَرْوَانِي، فَخطب لَهُ مُدَّة بِالخِلاَفَةِ، وَحَمله عَلَى تَدبِير هَذِهِ الحيلَة اضْطِرَابُ أَهْل إِشبيليَة عَلَيْهِ؛ أَنِفُوا مِنْ بَقَائِهِم بِلاَ خَلِيْفَة، وَبَلَغَهُ أَنَّهُم يَتَطَلَّبُوْنَ أُمَوِيّاً، فَقَالَ: فَالمُؤَيَّدُ عِنْدِي، وَشَهِدَ لَهُ جَمَاعَة بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَالحَاجِب لَهُ، وَأَمر بِالدُّعَاء لَهُ فِي الجُمَعِ، وَدَام إِلَى أَنْ نَعَاهُ لِلنَّاسِ سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ.
وَهَذَا هَذِيَان، وَالمُؤَيَّدُ هَلَكَ سَنَة نَيِّفٍ وَأَرْبَع مائَة، وَلَوْ كَانَ بَقِيَ إِلَى هَذَا الوَقْت، لَكَانَ ابْنَ مائَة سَنَةٍ وَسَنَة (2) .
__________
(1) هو " المعجب في تلخيص أخبار المغرب " لعبد الواحد بن علي التميمي المراكشي المتوفى سنة 647 هـ، فرغ من تأليفه سنة 621 هـ، وقد طبع بمصر بتحقيق الأستاذ الفاضل الأديب سعيد العريان رحمه الله، وانظر الخبر فيه ص 141 - 142.
(2) وقد ذكر المؤلف اختفاء المؤيد وظهوره والاختلاف في أمر وفاته في الجزء السابع عشر في ترجمة ابن عباد والد المتعضد برقم (354) .(19/60)
هلك المُعْتَضِدُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَخلفه الْمُعْتَمد صَاحِب التَّرْجَمَة، فَكَانَ فَارِساً شُجَاعاً، عَالِماً أَديباً، ذكيّاً شَاعِراً، مُحسناً جَوَاداً مُمَدَّحاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، خَيْراً مِنْ أَبِيْهِ.
كَانَ أَندَى المُلُوْك رَاحَةً، وَأَرحبهُم سَاحَةً، كَانَ بَابُه مَحطَّ الرِّحَال، وَكعبَةَ الآمَال (1) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ اللَّبَّانَة الشَّاعِر (2) :مَلَكَ المُعْتَمِدُ مِنْ مُسوَّرَات البِلاَد مائَتَيْ مُسور، وَوُلد لَهُ مائَةٌ وَثَلاَثَة وَسَبْعُوْنَ وَلداً، وَكَانَ لِمَطْبَخه فِي اليَوْمِ ثَمَانِيَةُ قنَاطير لحم، وَكُتَّابُه ثَمَانِيَةَ عشرَ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَان (3) :كَانَ الأَذْفونش (4) قَدْ قوِيَ أَمرُه، وَكَانَتِ المُلُوْكُ بِالأَنْدَلُسِ يُصَالِحونه، وَيَحْمِلُوْنَ إِلَيْهِ ضَرَائِبَ، وَأَخَذَ طُليطلَة (5) فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ بَعْدَ حِصَارٍ شَدِيد، مِنَ القَادِر بنِ ذِي النُّوْنِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ وَهْنٍ دَخَلَ مِنَ الفِرَنْج عَلَى المُسْلِمِين، وَكَانَ المُعْتَمِدُ يُؤَدِّي إِلَيْهِ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ، لَمْ يَقبلِ الضَّرِيبَةَ، وَتَهدَّدَه، وَطلب مِنْهُ أَنْ يُسَلِّم حُصُوْناً، فَضَرَبَ الرَّسُولَ، وَقَتَلَ مَنْ مَعَهُ، فَتحرَّك اللَّعينُ، وَاجتمع العُلَمَاءُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يُكَاتِبُوا الأَمِيْرَ أَبَا يَعْقُوْب بن تَاشفِيْن صَاحِبَ مَرَّاكُش لِيُنْجِدَهُم، فَعَبَرَ ابْنُ تَاشفِيْن بِجيوشه إِلَى الجَزِيْرَة، ثُمَّ اجْتَمَع بِالمُعْتَمِد، وَأَقْبَلت المُطَّوِّعَةُ مِنَ النَّوَاحِي،
__________
(1) ذكره ابن خلكان بأطول مما هنا: 5 / 24، نقلا عن أبي الحسن علي بن القطاع السعدي في كتابه " لمح الملح ".
(2) ستأتي ترجمته في هذا الجزء برقم (215) .
(3) في وفيات الأعيان: 5 / 28 - 30.
(4) أي ملك الفرنج فرذلند.
(5) قال السمعاني: بضم الطاء المهملة، وفتح اللام، وسكون الياء، وكسر الطاء الأخرى، وقال ياقوت: ضبطه الحميدي بضم الطائين وفتح اللام، وأكثر ما سمعناه من المغاربة بضم الأولى وفتح الثانية.(19/61)
وَركب الأَذْفونش فِي أَرْبَعِيْنَ (1) أَلف فَارِس، وَكَتَبَ إِلَى ابْنِ تَاشفِيْن يَتهدَّدُه، فَكَتَبَ فِي ظهر كِتَابهُ: الَّذِي يَكُوْن سَتَرَاهُ.
ثُمَّ الْتَقَى الجمعَانِ، وَاصطدمَ الجبلاَنِ بِالزَّلاَّقَةِ مِنْ أَرْضِ بَطَلْيَوْس (2) ، فَانْهَزَم الكَلْبُ، وَاسْتُؤْصِلَ جَمعُه، وَقَلَّ مَنْ نَجَا، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَجُرِحَ المُعْتَمِدُ فِي بَدَنِه وَوَجهه، وَشُهِدَ لَهُ بِالشَّجَاعَةِ وَالإِقدَام، وَغَنِمَ المُسْلِمُوْنَ مَا لاَ يُوصف، وَغدَا ابْنُ تَاشفِيْن (3) .
ثُمَّ عَبَر فِي العَامِ الآتِي، وَتلَقَّاهُ المُعْتَمِدُ، وَحَاصرَا حِصناً لِلْفرنج، وَترَجَّل ابْنُ تَاشفِيْن، فَمَرَّ بغَرْنَاطَة، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُهَا ابْن بُلُكِّين تَقَادِمَ وَهَدَايَا، وَتلقَاهُ، فَغَدَرَ بِهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى قَصْره، وَرجع إِلَى مَرَّاكُش، وَقَدْ بَهره حُسنُ الأَنْدَلُس وَبَسَاتينُهَا، وَحسَّن لَهُ أُمَرَاؤُهُ أَخْذَهَا، وَوحَّشُوا قَلْبَه عَلَى الْمُعْتَمد (4) .
قَالَ عبدُ الوَاحِد بن عَلِيٍّ: غلبَ المعتمِدُ عَلَى قُرْطُبَة فِي سَنَةِ (471) ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا ابْنَ عُكَاشَة ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَجَالَ ابْنُ تَاشفِيْن فِي الأَنْدَلُس يَتفرَّجُ، مضمِراً أَشيَاء، مُعظماً لِلمعتمِد، وَيَقُوْلُ: نَحْنُ أَضيَافُهُ وَتَحتَ أَمرِهِ، ثُمَّ قرَّرَ ابْنُ تَاشفِيْن خَلقاً مِنَ المُرَابطين يُقيمُوْنَ بِالأَنْدَلُسِ، وَأَحبَّ الأَنْدَلُسِيّون ابْنَ تَاشفِيْن، وَدَعَوْا لَهُ، وَجَعَلَ عِنْدَهُم بُلَّجين قَرَابَته،
__________
(1) في الأصل: أربعة ألف، والتصويب من ابن خلكان: 5 / 29.
(2) مدينة كبيرة بالاندلس، تقع على الحدود الشرقية للبرتغال، كانت عاصمة بني الافطس التجيبيين في عهد ملوك الطوائف.
(3) ذكر ابن خلكان في ترجمة المعتمد: 5 / 29 أن الأمير يوسف عاد إلى بلاده، ثم ذكر في ترجمة الأمير يوسف: 7 / 119، أنه لم يرجع بل ظل في إشبيلية. ونبه على ذلك لئلا يظن القارئ أن في كتابه تناقضا، انظر " وفيات الأعيان ": 7 / 127.
(4) " وفيات الأعيان ": 5 / 29 - 30.(19/62)
وَقرَّرَ مَعَهُ أُمُوْراً، فَهَاجتِ الفِتْنَةُ بِالأَنْدَلُسِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ، وَزَحَفَ المُرَابطون، فَحَاصَرُوا حُصُوْناً لِلمعتَمد، وَأَخَذُوا بعضَهَا، وَقتلُوا وَلَدَه المَأْمُوْنَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، فَاسْتحكَمت الإِحْنَةُ، وَغَلَتْ مرَاجِلُ الفِتْنَةِ، ثُمَّ حَاصرُوا إِشبيليَة أَشدَّ حِصَار، وَظَهر مِنْ بَأْس المُعْتَمِدِ وَتَرَامِيه عَلَى الاسْتشهَاد مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.
وَفِي رَجَب سَنَةَ أَرْبَعٍ، هَجَمَ المرَابطون عَلَى البَلَد، وَشَنُّوا الغَارَات، وَخَرَجَ النَّاسُ عَرَايَا، وَأَسَرُوا المعتمِد (1) .
قَالَ عبدُ الوَاحِد (2) :برز المعتمِدُ مِنْ قَصْره فِي غِلاَلَةٍ (3) بِلاَ دِرْعٍ وَلاَ دَرَقَةٍ، وَبِيَدِهِ سَيْفُه، فَرمَاهُ فَارِسٌ بِحربَة أَصَاب الغِلاَلَة، وَضربَ الفَارِس فَتَلَّه (4) ، فَولَّتِ المرَابطون.
ثُمَّ وَقتَ العَصرِ كَرَّتِ البَرْبَرُ، وَظهرُوا عَلَى البلدِ مِنْ وَادِيه، وَرَمَوْا فِيْهِ النَّارَ، فَانقطع العملُ، وَاتَّسَعَ الخَرقُ عَلَى الرَّاقِع بقُدومِ سِيْرِ ابْنِ أَخِي السُّلْطَانِ، وَلَمْ يَتركِ البَرْبَرُ لأَهْل الْبَلَد شَيْئاً، وَنُهِبَتْ قُصُوْر المُعْتَمِدِ، وَأُكْرِهَ عَلَى أَنَّ كَتَبَ إِلَى وَلَدَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَا الحِصْنَيْنِ، وَإِلاَّ قُتِلْتُ، فَدَمِي رهنٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُمَا المُعْتَدُّ، وَالرَّاضِي، وَكَانَا فِي رُنْدَةَ وَمَارْتلَة، فَنَزَلاَ بِأَمَانٍ وَموَاثيقَ كَاذِبَة، فَقَتَلُوا المُعْتَدَّ، وَقتلُوا الرَّاضِي غِيلَة، وَمَضَوا بِالمعتمدِ وَآله إِلَى طَنْجَةَ بَعْدَ أَنْ أَفقروهُم، ثُمَّ سُجِنَ بِأَغْمَاتَ (5) عَامَين
__________
(1) المعجب ص 161 وما بعدها، و" وفيات الأعيان ": 5 / 30، وانظر " الوفيات " أيضا في ترجمة ابن تاشفين: 7 / 121 - 123.
(2) المعجب ص 206 وما بعدها.
(3) الغلالة: شعار يلبس تحت الثوب، لأنه يتغلل فيها، أي: يدخل، وفي " التهذيب " الغلالة: الثوب الذي يلبس تحت الثياب أو تحت درع الحديد، والدرقة: الحجفة، وهي ترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب.
(4) أي: صرعه.
(5) أغمات: ناحية في بلاد البربر المصامدة من أرض المغرب قرب مراكش بينهما مسافة يوم.(19/63)
وَزِيَادَة، فِي قِلَّة وَذِلَّة، فَقَالَ:
تَبَدَّلْتُ مِنْ ظِلِّ عِزِّ البُنُوْد ... بِذُلِّ الحَدِيْدِ وَثِقْلِ القُيُودِ
وَكَانَ حَدِيْدِي سِنَاناً ذَلِيْقاً ... وَعَضْباً رَقِيْقاً صَقِيْلَ الحَدِيْدِ
وَقَدْ صَارَ ذَاكَ وَذَا أَدْهَمَا ... يَعَضُّ بِسَاقَيَّ عَضَّ الأُسُودِ (1)
قِيْلَ: إِنَّ بنَات المُعْتَمدِ أَتَيْنَهُ فِي عِيدٍ، وَكُنَّ يَغْزِلْنَ بِالأُجرَة فِي أَغْمَاتَ، فَرَآهن فِي أَطْمَارٍ رَثَّةٍ، فَصَدَعْنَ قَلْبَه، فَقَالَ:
فِيمَا مَضَى كُنْتَ بِالأَعْيَادِ مَسْرُوْرا ... فَسَاءَكَ العِيْدُ فِي أَغْمَاتَ مَأْسُوْرَا
تَرَى بَنَاتِكَ فِي الأَطْمَارِ جَائِعَةً ... يَغْزِلْنَ لِلنَّاسِ مَا يَمْلُكْنَ قِطْمِيْرَا
بَرَزْنَ نَحْوَكَ لِلتَّسْلِيمِ خَاشِعَةً ... أَبْصَارُهُنَّ حَسِيْرَاتٍ مَكَاسِيْرَا
يَطَأْنَ فِي الطِّيْنِ وَالأَقْدَامُ حَافِيَةٌ ... كَأَنَّهَا لَمْ تَطَأْ مِسْكاً وَكَافُوْرَا (2)
وَلَهُ مِنْ قصيدَة:
قَدْ رُمْتُ يَوْمَ نِزَالِهِمْ ... أَنْ لاَ تُحصِّنَنِي الدُّرُوْعْ
وَبَرَزْتُ لَيْسَ سِوَى القُمِّيـ ... ـصِ عَنِ الحَشَا شَيْءٌ دَفُوعْ
أَجَلِي تَأَخَّرَ لَمْ يَكُنْ ... بِهَوَايَ ذُلِّي وَالخُشُوعْ
مَا سِرْتُ قَطُّ إِلَى القِتَا ... لِ وَكَانَ فِي أَملِي رُجُوْعْ (3)
__________
(1) الشعر في ديوان المعتمد: 94، والذخيرة: 2 / 1 / 75، وابن خلكان: 5 / 32، ونفح الطيب: 4 / 214، والوافي بالوفيات: 3 / 186، ورواية الشطر الأول من البيت الأول في الذخيرة: تبدلت من عز ظل البنود.
(2) ديوانه: 100، والقلائد: 25، ومختارات الصيرفي: 199، والذخيرة: 2 / 1 / 73، ووفيات الأعيان: 5 / 35، 36، والوافي: 3 / 186.
(3) ديوانه: 88، والذخيرة: 2 / 1 / 53، والقلائد: 22، والمعجب: 202، ومختارات الصيرفي: 120.(19/64)
وَلابْنِ اللَّبَّانَة - وَوَفَدَ بِهَا إِلَى السِّجن -:
تَنَشَّقْ رَيَاحِيْنَ السَّلامِ فَإِنَّمَا ... أَفُضُّ بِهَا مِسْكاً عَلَيْكَ مُخَتَّمَا
وَقُلْ لِي مَجَازاً إِنْ عَدِمْتَ حَقِيْقَةً ... بِأَنَّكَ فِي نُعْمَى فَقَدْ كُنْتَ مُنَعَّمَا (1)
أُفَكِّرُ فِي عَصْرٍ مَضَى لَكَ مُشْرِقاً ... فَيَرْجِعُ ضَوْءُ الصُّبْحِ عِنْدِي مُظْلِمَا
وَأَعْجَبُ مِنْ أُفْقِ المَجَرَّةِ إِذْ رَأَى ... كُسُوْفَكَ شَمْساً كَيْفَ أَطْلَعَ أَنْجُمَا
قَنَاةٌ سَعَتْ لِلطَّعْنِ حَتَّى تَقَصَّدَتْ (2) ... وَسَيْفٌ أَطَالَ الضَّرْبُ حَتَّى تَثَلَّمَا
بَكَى آلُ عَبَّادٍ وَلاَ كَمُحَمَّدٍ ... وَأَبنَائِهِ صَوْبُ الغَمَامَةِ إِذْ هَمَا
صَبَاحُهُم كُنّا بِهِ نَحْمَدُ السُّرَى ... فَلَمَّا عَدِمْنَاهُم سَرَيْنَا عَلَى عَمَى
وَكُنَّا رَعَيْنَا العِزَّ حَوْلَ حِمَاهُمُ ... فَقَدْ أَجْدَبَ المَرْعَى وَقَدْ أَقْفَرَ الحِمَى
وَقَدْ أَلْبَسَتْ أَيْدِي اللَّيَالِي مَحَلَّهُم ... مَنَاسِيْجَ سَدَّى الغَيْثُ فِيْهَا وَأَلْحَمَا (3)
قُصُوْرٌ خَلَتْ مِنْ سَاكِنِيْهَا فَمَا بِهَا ... سِوَى الأَدْمِ يَمْشِي حَوْلَ وَاقِفَةِ الدُّمَى (4)
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهَا أَنِيْسٌ وَلاَ الْتَقَى ... بِهَا الوَفْدُ جَمْعاً وَالخَمِيْسُ عَرَمْرَمَا
فَكُنْتَ وَقَدْ فَارَقْتَ مُلْكَكَ مَالِكاً ... وَمِنْ وَلَهِي أَبْكِي عَلَيْكَ مُتَمِّمَا (5)
تَضِيْقُ عَلَيَّ الأَرْضَ حَتَّى كَأَنَّنِي (6) ... خُلِقْتُ وَإِيَّاهَا سِوَاراً وَمِعْصَمَا
وَإِنِّيْ عَلَى رَسْمِي مُقِيْمٌ فَإِنْ أَمُتْ ... سَأَجْعَلُ لِلبَاكِيْنَ رَسْمِيَ مَوْسِمَا
بَكَاكَ الحَيَا وَالرِّيْحُ شَقَّتْ جُيُوبَهَا ... عَلَيْكَ وَنَاحَ الرَّعْدُ بِاسْمِكَ مُعْلِما
__________
(1) في الذخيرة وغيرها: لعلك في نعمى ...
(2) أي: تكسرت، وفي " نفح الطيب ": تقسمت.
(3) في الأصل: " الغيب ".
(4) في " عيون التواريخ " قائمة الدما.
(5) ورد البيت في جميع مصادر الترجمة كما يلي: حكيت وقد فارقت ملكك مالكا * ومن ولهي أحكي عليك متمما.
(6) في جميع المصادر: " كأنما ".(19/65)
وَمُزِّقَ ثَوْبُ البَرْقِ وَاكتَسَتِ الضُّحَى (1) ... حِدَاداً وَقَامَتْ أَنْجُمُ اللَّيْل مَأْتمَا
وَلاَ حَلَّ بَدْرُ التِّمِّ بَعْدَكَ دَارَةً ... وَلاَ أَظْهَرَتْ شَمْسُ الظَّهِيْرَةِ مَبْسِمَا
سَيُنْجِيْكَ مَنْ نَجَّى مِنَ الجُبِّ يُوْسُفاً ... وَيُؤْوِيكَ مَنْ آوَى المَسِيْحَ ابْنَ مَرْيَمَا (2)
فَلَمَّا أَنشده إِيَّاهَا، وَأَرَادَ الخُرُوج، أَعْطَاهُ تَفضِيْلَة وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، وَأَبيَاتاً يَعْتَذِرُ فِيْهَا.
قَالَ: فَرددتُهَا عَلَيْهِ لِعلمِي بِحَاله، وَأَنَّهُ مَا ترك عِنْدَهُ شَيْئاً.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَان (3) :مَوْلِدُهُ كَانَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَدْ سَمَّى ابْن اللَّبَانَة بَنِي المعتَمِدِ بِأَسمَائِهم وَأَلقَابِهِم، فَعَدَّ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِيْنَ نَفْساً، وَعَدَّ لَهُ أَرْبَعاً وَثَلاَثِيْنَ بِنْتاً.
قُلْتُ: افْتقرُوا بِالمَرَّة، وَتَعَلَّمُوا صَنَائِع، وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ، نَسْأَل اللهَ المَغْفِرَة.
36 - ابْنُ المُرَابِطِ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ سَعِيْدٍ الأَنْدَلُسِيُّ *
الإِمَامُ، مُفْتِي مدينَة المَرِيَّة وَقَاضِيهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ
__________
(1) في " عيون التواريخ " و" الذخيرة ": واكتست الدجى.
(2) القصيدة في الذخيرة: 2 / 1 / 77، 78، وابن خلكان: 5 / 33، 34، ونفح الطيب: 4 / 257، 258، وعيون التواريخ: 13 / 29، 32، وابن اللبانة: هو محمد بن عيسى بن محمد أبو بكر اللخمي الأندلسي المتوفى سنة 507 هـ، سترد ترجمته برقم (215) .
(3) 5 / 37.
(*) الصلة: 2 / 557 - 558، معجم البلدان: 5 / 119 - 120، العبر: 3 / 308، الوافي بالوفيات: 3 / 46 - 47، الديباج المذهب: 2 / 240، كشف الظنون: 2 / 1361، شذرات الذهب: 3 / 375، هدية العارفين: 2 / 76، شجرة النور الزكية: 1 / 122.(19/66)
سَعِيْد بن وَهْبٍ الأَنْدَلُسِيّ المَرِيِي (1) ، ابْنُ المُرَابط صَاحِب (شرح صَحِيْح البُخَارِيِّ (2)) .
أَجَازَ لَهُ أَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِي، وَأَبُو عَمْرٍو الدَّانِي.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ المُهَلَّب، وَأَبِي الوَلِيْدِ بنِ مِيْقُل، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِ الطَّلبَةُ.
وَأَخَذَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ السَّبْتِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّال، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ.
مِنْ كِبَارِ المَالِكِيَّة.
37 - الهَكَّارِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ بن جَعْفَرٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ بن جَعْفَرِ بنِ عَرَفَةَ بن مَأْمُوْنِ بن المُؤَمَّلِ بن الوَلِيْدِ بنِ القَاسِمِ بن الوَلِيْدِ
__________
(1) نسبة إلى المرية: بالفتح ثم بالكسر، وتشديد الياء، وهي مدينة كبيرة من كورة إلبيرة من أعمال الأندلس.
(2) قال في " هدية العارفين ": 2 / 76، له من الكتب: تاريخ بلنسية، ومختصر شرح البخاري للمهلب بن أبي صفرة، وزاد عليه ... ، وقال في " الصلة ": 2 / 557: وله تأليف في شرح البخاري. سمع منه.
(*) الأنساب: 591 / أ، المنتظم: 9 / 79، " ذيل تاريخ بغداد ": 3 / 172، اللباب: 3 / 390، الكامل في التاريخ: 10 / 226 - 227، وفيات الأعيان: 3 / 345، العبر: 3 / 312 - 313، ميزان الاعتدال: 3 / 122، المغني في الضعفاء: 2 / 443، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 1199، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 182 - 183، مرآة الجنان: 3 / 142، النهاية: 12 / 145، لسان الميزان: 4 / 195، النجوم الزاهرة: 5 / 138، شذرات الذهب: 3 / 378 - 379.(19/67)
بن عُتْبَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبِ بن أُمَيَّةَ الأُمَوِيُّ، السُّفْيَانِيُّ، الهَكَّارِي (1) .
وَقِيْلَ: سقط مِنْ نَسَبِه خَالِدٌ بَيْنَ الوَلِيْدِ وَالقَاسِم (2) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: تَفَرَّد بطَاعَةِ الله فِي الجِبَال، وَابتنَى أَربِطَةً وَموَاضِعَ يَأْوِي إِلَيْهَا الفُقَرَاءُ وَالمُنْقَطِعُوْنَ، وَكَانَ كَثِيْرَ العِبَادَة، حَسَنَ الزَّهادَة، مقبولاً، وَقُوْراً.
رَحل وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ نَظيف الفَرَّاء.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ بِشْرَان.
وَبَالرَّملَة مِنِ: ابْنِ التَّرْجَمَان.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ صَخْر.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: يَحْيَى بن عَطَّافٍ، وَعبد الرَّحْمَن بن الحَسَنِ الفَارِسِيّ، وَحَسَنُ بن أَبِي عليٍّ المُقْرِئ، وَجَمَاعَة.
وَقَالَ عبدُ الغَفَّار الكَرَجِيّ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ شَيْخِ الإِسْلاَمِ الهَكَّارِي زُهْداً وَفَضلاً.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنده: قَدِمَ عَلَيْنَا، وَكَانَ صَاحِبَ صَلاَةٍ، وَعُبَادَةٍ، وَاجْتِهَادٍ، مِنْ كُبَرَاءِ الصُّوْفِيَّة.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر: لَمْ يَكُنْ مُوَثَّقاً فِي رِوَايَته (3) .
__________
(1) الهكارية: نسبة إلى قبيلة من الاكراد، لهم معاقل وحصون وقرى من أعمال الموصل.
(2) أورد الدمياطي في " المستفاد ": ص 182 نسبه ولم يذكر " خالدا " بين الوليد والقاسم، وقال: هكذا رأيت نسبه بخط أبي علي بن البرداني.
(3) وقال ابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " 3 / 173: وحدث بالكثير وانتقى عليه محمد ابن طاهر المقرئ، وكان الغالب على حديثه الغرائب والمنكرات ولم يكن حديثه يشبه حديث أهل الصدق، وفي حديثه متون موضوعة مركبة على أسانيد صحيحة، ورأيت بخط بعض أصحاب الحديث أنه كان يضع الحديث بأصبهان، وقال أبو نصر اليونارتي: لم يرضه الشيخ أبو بكر بن الخاضبة.(19/68)
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: مَاتَ فِي أَوَّلِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ بِالهَكَّارِيَّة، وَهِيَ جبال فَوْقَ المَوْصِل.
قُلْتُ: عَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ تَوَالِيفُ، وَعِنَايَةٌ بِالأَثرِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
38 - العُمَيْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، القَانِتُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَيْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَيْرٍ العُمَيْرِي (1) ، الهَرَوِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَأَوّلُ مَا سَمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَع مائَة.
سَمِعَ أَبَاهُ عَنِ العَبَّاس بن الفَضْلِ النَّضْرُوِي (2) .
وَسَمِعَ: عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ الخُوَارِزمِي، وَعَلِيَّ بن جَعْفَرٍ القُهُنْدُزِي (3) ، وَعبدَ الرَّحْمَن بن مُحَمَّدٍ الدِّينَارِي، وَضِمَام بن مُحَمَّدٍ الشَّعرَانِي، وَعِدَّةً بِهَرَاةَ، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ وَأَقرَانه بِبَغْدَادَ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الصَّنْعَانِيّ بِمَكَّةَ.
__________
(*) الأنساب: 9 / 61، المنتظم: 9 / 101، العبر: 3 / 326، الوافي بالوفيات: 14 / 141، عيون التواريخ: 13 / 57، شذرات الذهب: 3 / 394.
(1) ضبطه السمعاني: بضم العين المهملة، وفتح الميم، وسكون الياء، وقال: هذه النسبة إلى الجد، والمنتسب إليها الامام الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي.
(2) بفتح النون، وسكون الضاد، وضم الراء وفي آخر الياء المنقوطة باثنتين.
(3) نسبة إلى قهندز: المدينة الداخلة المسورة، وهي بضم القاف والهاء، وسكون النون، وضم الدال المهملة، وفي آخرها الزاي: وهي في مواضع كثيرة، وبلاد شتى في بخارى، ونيسابور، وسمرقند، وهراة.
انظر " الأنساب ": 10 / 274، 277، ومعجم البلدان: 4 / 419.(19/69)
قَالَ أَبُو النَّضْرِ الفَامِي: تَوحَّد العُميْرِي عَنْ أَبْنَاء زَمَانه بِالعِلْمِ وَالزُّهْد وَالإِتْقَان فِي الرِّوَايَة، وَالرَّغبَة فِي التَّحْدِيْث، وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الدُّنْيَا (1) ، وَالإِعرَاضِ عَنْ حُطَامِهَا، وَالإِقبالِ عَلَى الآخِرَة.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدَّقَّاق: العميْرِي لَيْسَ لَهُ نَظيرٌ بِخُرَاسَانَ فَكَيْفَ بِهَرَاةَ!
وَقَالَ فِي (رِسَالته) :لَمْ أَرَ فِي شُيُوخِي كَالإِمَام المُتْقِنِ الزَّاهِد أَبِي عَبْدِ اللهِ العُمَيْرِي.
وَقَالَ آخر: كَانَ إِمَاماً فِي الفِقْه، قُدْوَةً، وَاسِعَ الرِّوَايَة.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: حَجَّ وَدَخَلَ اليَمَن، وَسَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الصَّنْعَانِيّ، وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ مِنَ: الحِيْرِيّ، وَالصَّيْرَفِيّ، وَبِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ شَاذَان، وَالحُرْفِي، وَابْن دُوسْت، وَبِهرَاة مِنْ: يَحْيَى بنِ عَمَّارٍ، وَأَبِي يَعْقُوْبَ القَرَّاب.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ طَاهِر، وَالمُؤْتَمَنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو الوَقْتِ، وَعَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو النَّضْرِ الفَامِي (2) ، وَالجُنَيْدُ القَاينِي (3) .
__________
(1) " عيون التواريخ ": 13 / 57.
(2) واسمه عبد الرحمن بن عبد الجبار.
(3) ضبطه السمعاني بفتح القاف والياء، وقال ياقوت: قاين: بعد الالف ياء مثناة من تحت، وآخره نون، وذكر ابن الأثير أن " القايني " مثل ما قبله - أي: القايمي - إلا أنه عوض الميم نون، ومقتضى هذا أن تكون الياء مكسورة.(19/70)
سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ التَّيْمِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: إِمَامٌ زَاهِد.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ: قَالَ لِي أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيّ: احْفَظِ الشَّيْخَ العُمَيْرِي، وَاكتُبْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مُتْقِن.
قَالَهُ مَعَ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الوحشَة.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
39 - السَّلاَّرُ أَبُو الحَسَنِ مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلاَّنَ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الرَّئِيْسُ، المُسْنِدُ، المُعَمَّرُ، سَلاَّرُ الكَرَج (1) ، أَبُو الحَسَنِ مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلاَّنَ الكَرَجِيّ، المُعْتَمَدُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سبعٍ - أَوْ تِسْع - وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَأَبِي القَاسِمِ اللاَّلْكَائِيّ، وَطَائِفَة.
وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ مِنَ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَمُحَمَّد بن القَاسِمِ الفَارِسِيّ.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ، وَارْتَحَلَ الطَّلَبَةُ إِلَيْهِ.
رَوَى عَنْهُ: الفَقِيْهُ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الكَرَجِيّ الشَّافِعِيّ، وَأَبُو المَكَارِمِ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بنِ علاَّن، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ نَصْرِ
__________
(*) التقييد: الورقة: 204 ب - 205 أ، العبر: 3 / 331 - 332، المشتبه: 2 / 546، عيون التواريخ م: 13 / 83 - 84، تبصير المنتبه: 3 / 1209، شذرات الذهب: 3 / 397.
(1) قال ياقوت: كرج: بفتح أوله وثانيه، وآخره جيم، وهي فارسية وأهلها يسمونها كره، وقال السمعاني: 10 / 379: وهي بلدة من بلاد الجبل، بين أصبهان وهمذان، بنيت زمن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور، بناها عيسى بن إدريس بن معقل بن عمرو بن خزاعي العجلي.(19/71)
بن دُلَف، وَمُحَمَّدُ بنُ عبد الوَاحِد الدَّقَّاق، وَأَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بن مُحَمَّدٍ المَقْدِسِيّ، وَأَبُوْهُ، وَالقَاسِمُ بن الفَضْلِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَرَجَاءُ بنُ حَامِدٍ المَعْدَانِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَاشَاذَه، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ شِيْرَوَيْه: رحلتُ إِلَيْهِ إِلَى الكَرَج، وَسَمَّعْتُ مِنْهُ وَلدي، وَكَانَ لاَ بَأْسَ بِهِ، محموداً بَيْنَ الرُّؤسَاء، محسناً إِلَى الفُقَرَاء وَالعُلَمَاء.
وَقَالَ ابْنُ طَاهِر: رحلتُ بِابْني أَبِي زُرْعَةَ إِلَى الكَرَجِ حَتَّى سَمِعَ (مُسْنَد الشَّافِعِيّ) مِنَ السَّلاَّر مَكِّيّ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَوَرَّقَ لَهُ ابْنُ هَارُوْنَ، وَكَانَتْ أُصُوْلُه صَحِيْحَةً جيدَةً.
وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: كَانَ السَّلاَّر جَلِيْلَ الْقدر، نَافذَ الأَمْر، مَحْبُوباً إِلَى رَعيته بِجُوْدِ سَجِيَّتِهِ، وَآخر قَدْمَةٍ قَدِمَهَا أَصْبَهَانَ كُنْتُ أَوَّل مَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لِي أَنْ أُكْثِرَ عَنْهُ، وَأَدْرَكَتْهُ المَنِيَّةُ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ مِنْ رُؤَسَاء الكَرَج، كَانَتْ لَهُ الثروَةُ الكَثِيْرَةُ، وَالدُّنْيَا العرِيضَةُ الوَاسِعَةُ، وَالتَّقَدُّمُ بِبَلَدِهِ، عُمِّر حَتَّى صَارَ يُرْحَلُ إِلَيْهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ الكَثِيْرُ، لأَنَّه لحق إِسْنَادَ العِرَاق وَخُرَاسَان.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه: مَاتَ بِأَصْبَهَانَ، فِي سَلْخِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
40 - المَدِيْنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بن بَهْمَنَ المَدِيْنِيّ، المُقْرِئ.
__________
(*) طبقات القراء: 2 / 241، وغاية النهاية 2 / 241.(19/72)
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَدَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ اليَزْدي فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَع مائَة، وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ الذَّكوَانِي، وَعبدِ الرَّحْمَن بن مُحَمَّدِ بنِ عُبيد الله، وَمُحَمَّد بن صَالِحٍ العَطَّار، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه: كَانَ شُروطياً، ثِقَةً، أَمِيناً، أَديباً، وَرِعاً، قرَأَ كِتَاب (الحُجَّة (1)) لأَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيّ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ المَرْزُوْقِي (2) ، وَلزمه مُدَّة.
تُوُفِّيَ: فِي حَادِي عشر شَعْبَان، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ الحَدِيْث.
41 - الخَلِيْلِيُّ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
مُسْنِدُ الوَقْت، الرَّئِيْسُ، أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِي (3) ، البَلْخِيُّ، الدِّهْقَان.
__________
(1) في علل القراءات السبع، بناه على كتاب القراءات السبع لشيخه ابن مجاهد، وهو غاية في النفاسة والجودة، إلا أنه - رحمه الله - كما قال تلميذه ابن جني - أغمضه وأطاله حتى منع كثيرا ممن يدعي العربية - فضلا عن القرأة - منه، وأجفاهم عنه، وقد صدر منه جزء في القاهرة نشرته دار الكاتب العربي للطباعة والنشر.
(2) تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (313) .
(*) الأنساب: 5 / 170 - 171، التقييد: الورقة: 139 أ - 139 ب، اللباب: 1 / 458، العبر: 3 / 333، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1230، الجواهر المضية: 1 / 310 - 311، الطبقات السنية: رقم 355، شذرات الذهب: 3 / 397 - 398.
(3) قيل له الخليلي: لأنه كان يخدم القاضي الخليل بن أحمد السجزي شيخ الإسلام ببلخ.(19/73)
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَع مائَة (مُسْنَدَ الهَيْثَمِ بن كُلَيْبٍ (1)) ، وَ (الشَّمَائِل) مِنْ أَبِي القَاسِمِ الخُزَاعِيّ (2) لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَمَسْعُوْدُ بن مُحَمَّدٍ الغَانِمِي، وَمُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيْلَ الفُضَيْلِي، وَأَبُو نَصْرٍ اليُونَارتِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ مائَةُ سَنَةٍ وَسَنَةٌ.
42 - الخِلَعِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، مُسْنِدُ الدّيَارِ المِصْرِيّة، القَاضِي، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيّ الأَصْل، المِصْرِيّ، الشَّافِعِيّ، الخِلَعِي (3) ، صَاحِب (الفَوَائِد العِشْرِيْنَ (4)) وَرَاوِي السِّيرَة النَّبويَّة.
__________
(1) الشاشي المتوفى سنة 335 هـ، وقد أورد المؤلف ترجمته في الجزء الخامس عشر برقم: 183، ومسنده هذا لم يطبع، ومنه نسخة جيدة في دار الكتب الظاهرية بدمشق.
(2) هو علي بن أحمد بن محمد الخزاعي البلخي راوي مسند الشاشي عنه، توفي سنة (411) هـ تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر رقم (114) .
(*) وفيات الأعيان: 3 / 317 - 318، دول الإسلام: 2 / 22، العبر: 3 / 334، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1230، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 88 - 89، الوافي بالوفيات: 12 / الورقة: 35، مرآة الجنان: 3 / 255، طبقات السبكي: 5 / 253 - 255، طبقات الاسنوي: 1 / 479، تبصير المنتبه: 2 / 550، النجوم الزاهرة: 5 / 164، حسن المحاضرة: 1 / 404 - 405، كشف الظنون: 722، 1297، شذرات الذهب: 3 / 398، تاج العروس: 5 / 323، هدية العارفين: 1 / 694، الرسالة المستطرفة: 91.
(3) بكسر الخاء وفتح اللام وبعدها عين مهملة، هذه النسبة إلى الخلع، ونسب إليها أبو الحسن لأنه كان يبيع بمصر الخلع لاملاك مصر، فاشتهر بذلك وعرف به. قاله ابن خلكان: 3 / 318.
(4) خرجها له أبو نصر أحمد بن الحسن الشيرازي في عشرين جزءا، وسماها الخلعيات.(19/74)
مَوْلِدُهُ: بِمِصْرَ، فِي أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَع مائَة (1) .
وَسَمِعَ: أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن عُمَرَ بنِ النَّحَاسِ، وَأَبَا العَبَّاسِ بن الحَاجّ، وَأَبَا سَعْدٍ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ المَالِيْنِيّ، وَأَبَا العَبَّاسِ مُنِيْرَ بن أَحْمَدَ الخَشَّاب، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ رَجَاءَ الأَدِيْب، وَالحَسَنَ بنَ جَعْفَرٍ الكِللِي، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ نَظيف، وَالخَصِيْبَ بن عَبْدِ اللهِ القَاضِي، وَشُعَيْبَ بن عَبْد اللهِ بن المِنْهَالِ، وَأَبَا النُّعْمَان تُرَاب بن عُمَرَ، وَأَحْمَدَ بن الحُسَيْنِ العَطَّار، وَأَبَا خَازِم مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ بَكْرَان، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بن أَبِي الكِرَام، وَغَيْرَهُم، وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَالنَّحَاس وَالمَالِيْنِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي، وَمُحَمَّدُ بن طَاهِر، وَأَبُو الفَتْحِ سُلْطَانُ بن إِبْرَاهِيْمَ الفَقِيْه، وَسُلَيْمَانُ بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي دَاوُدَ الفَارِسِيّ، وَعَلِيُّ بن مُحَمَّدِ بنِ سلاَمَة الرَّوْحَانِي (2) ، وَعبدُ الكَرِيْم بن سِوارٍ التَّكَكِيُّ، وَعبدُ الحَقِّ بن أَحْمَدَ البَانِيَاسِيّ، وَمُحَمَّدُ بن حَمْزَةَ العِرْقِي (3) اللُّغَوِيّ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ابْنُ العربِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ السَّعْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ سُكَّرَة: هُوَ فَقِيْهٌ، لَهُ تَصَانِيْفُ، وَلِيَ القَضَاءَ، وَحكم يَوْماً وَاحِداً وَاسْتعفَى، وَانزوَى بِالقَرَافَة (4) ، وَكَانَ مُسْنِدَ مِصْر بَعْد الحَبَّال (5) .
__________
(1) الخبر في حسن المحاضرة: 1 / 404، الوفيات: 3 / 318، والنجوم الزاهرة: 5 / 164.
(2) نسبة إلى روحا، قرية من قرى الرحبة.
(3) بكسر العين، وسكون الراء، وآخرها قاف، نسبة إلى " عرقة " وهي بلدة تقارب أطرابلس الشام.
(4) القرافة: قرافتان، الكبرى منهما ظاهر مصر، والصغرى ظاهر القاهرة، وبها قبر الشافعي رحمه الله، وانظر الخبر في ابن خلكان: 3 / 317، والسبكي: 5 / 253، والاسنوي: 1 / 479، وعيون التواريخ: 13 / لوحة 8، وحسن المحاضرة: 1 / 404.
(5) ترجمة المؤلف في الجزء الثامن عشر رقم (259) .(19/75)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي: شَيْخٌ مُعْتَزِلٌ فِي القَرَافَة، لَهُ عُلُوٌّ فِي الرِّوَايَة، وَعِنْدَهُ فَوَائِد، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الحُمَيْدِيُّ، وَعَبَّر عَنْهُ بِالقَرَافِيّ (1) .
وَقَالَ آخر: كَانَ يَبيع الخِلَعَ لِمُلُوْك مِصْر (2) .
وَقَالَ الحَافِظُ إِسْمَاعِيْل بن الأَنْمَاطِيّ: سَمِعْتُ أَبَا صَادِق عبدَ الحَقّ بن هِبَةِ اللهِ القُضَاعِيَّ المُحَدِّث، سَمِعْتُ العَالِمَ أَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ ابنِ بِنْت أَبِي سَعْدٍ يَقُوْلُ: كَانَ القَاضِي الخِلَعِي يَحْكُم بَيْنَ الجِنِّ، وَإِنَّهُم أَبطؤُوا عَلَيْهِ قدر جُمُعَةٍ، ثُمَّ أَتَوْهُ، وَقَالُوا: كَانَ فِي بَيْتَكَ أُتْرُجٌّ، وَنَحْنُ لاَ نَدْخُل مَكَاناً يَكُوْن فِيْهِ (3) .
قَالَ أَبُو المَيْمُوْنِ بن وَرْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبِي أَبُو الفَضْلِ، حَدَّثَنَا بَعْضُ المَشَايِخ، عَنْ أَبِي الفَضْلِ الجَوْهَرِيّ الوَاعِظ، قَالَ:
كُنْتُ أَتردَّدُ إِلَى الخِلَعِي، فَقُمْت فِي لَيْلَة مُقْمِرَةٍ ظَنَنْتُ الصُّبْحَ، فَإِذَا عَلَى بَاب مسجِدِهِ فَرَسٌ حَسَنَة، فَصعدتُ، فَوَجَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَابّاً لَمْ أَرَ أَحْسَن مِنْهُ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَجلَسْتُ أَسْمَعُ إِلَى أَنْ قَرَأَ جُزْءاً، ثُمَّ قَالَ لِلشيخ: آجَرَكَ اللهُ.
قَالَ: نَفعك اللهُ، ثُمَّ نَزَل، فَنَزَلتُ خَلفه، فَلَمَّا اسْتوَى عَلَى الفَرس، طَارت بِهِ، فَغُشِيَ عَلَيَّ، وَالقَاضِي يَصيحُ بِي: اصْعَدْ يَا أَبَا الفَضْل، فَصَعِدْتُ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ مُؤْمِنِي الجِنِّ، يَأْتِي فِي الأُسْبُوْع مَرَّةً يَقرَأَ جُزْءاً وَيَمضِي (4) .
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيّ: قَبْرُ الخِلَعِي بِالقَرَافَة يُعرَفُ بِقَبْر قَاضِي الجِنِّ
__________
(1) الخبر في وفيات الأعيان: 3 / 317، وطبقات السبكي: 5 / 254، وجاء في " الوفيات ": وكنى عنه بالقرافي.
(2) " عيون التواريخ ": 13 / 89.
(3) أورده السبكي في طبقاته: 5 / 254.
(4) الخبر أيضا في " طبقات السبكي ": 5 / 254.(19/76)
وَالإِنْس، يُعْرَفُ بِإِجَابَة الدُّعَاء عِنْدَهُ (1) .
قَالَ: وَسَأَلتُ شُجَاعاً المُدْلَجِيَّ وَغَيْرهُ عَنِ الخِلَعِي: النِّسبَةُ إِلَى أَيِّ شَيْء؟ فَمَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ بِشَيْءٍ، وَسَأَلتُ السَّدِيدَ الرَّبَعِيّ، وَكَانَ عَارِفاً بِأَخْبَار المِصْرِيّين، عدلاً، فَقَالَ: كَانَ أَبُوْهُ بَزَّازاً، وَكَانَتْ أُمَرَاءُ المِصْرِيّين مِنْ أَهْلِ القَصْر يَشترُوْنَ الخِلَع مِنْ عِنْدِهِ، وَكَانَ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَكْسَبِهِ.
وَذَكَرَ ابْن رِفَاعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ الحَبَّال، وَأَنَّهُ أَتَى إِلَى الخِلَعِي، فَطَرَدَه مُدَّةً، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، أَظُنُّ مِنْ جِهَةِ الاعتِقَاد، فَهَذِهِ الحكَايَة مُنْكرَة، لأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الحَبَّال كَانَ قَدْ مُنِعَ مِنَ التَّحْدِيْث قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَوَاتٍ، وَيَصبُو ابْن رِفَاعَةَ عَنْ إِدرَاكِ الأَخْذ عَنْهُ قَبْل ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَابِدُ: سَمِعْتُ الشَّيْخ ابْن بَخيسَاه (2) ، قَالَ:
كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى القَاضِي أَبِي الحَسَنِ الخِلَعِي فِي مَجْلِسِهِ، فَنجِدُهُ فِي الشِّتَاء وَالصَّيْف وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ وَاحِدٌ، وَوجهُهُ فِي غَايَةٍ مِنَ الحُسْنِ، لاَ يَتغَيَّر مِنَ البَرد، وَلاَ مِنَ الحَرِّ، فَسَأَلتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَدَمَعَت عينُه (3) ، ثُمَّ قَالَ: أَتَكْتُمُ عَلَيَّ مَا أَقُوْل؟
قُلْتُ: نَعم.
قَالَ: غَشِيَتْنِي حُمَّى (4) يَوْماً، فَنِمْتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة، فَهتفَ بِي هَاتفٌ، فَنَادَانِي بِاسْمِي، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ
__________
(1) الخبر في " طبقات السبكي ": 5 / 254، وليس من شرط إجابة الدعاء أن يدعو الإنسان عند قبر نبي أو صالح، بل هو مما استحدثه من لم يتضلع من هدي القرآن، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وسيرة السلف الصالح الذين هم خير القرون بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
(2) في " طبقات السبكي ": نحيساه، وقال محققه: وفي س بالخاء المعجمة، وفي عيون التواريخ: بختشاه.
(3) في الطبقات: عيناه.
(4) في الأصل: حماه، وفي " اللسان ": الحمى والحمة: علة يستحر بها الجسم.(19/77)
دَاعِيَ الله، فَقَالَ: لاَ، قُلْ: لَبَّيْكَ رَبِّيَ الله، مَا تَجِدُ مِنَ الأَلَمِ؟
فَقُلْتُ: إِلَهِي وَسَيِّدي، قَدْ أَخَذَتْ مِنِّي الحُمَّى مَا قَدْ عَلِمْتَ.
فَقَالَ: قَدْ أَمرتُهَا أَنْ تُقْلِعَ عَنْكَ.
فَقُلْتُ: إِلَهِي، وَالبَردَ أَيْضاً؟
قَالَ: قَدْ أَمرتُ البردَ أَيْضاً أَنْ يُقْلِعَ عَنْكَ، فَلاَ تَجدُ أَلَمَ البَرْد وَلاَ الحرّ.
قَالَ: فَوَاللهِ مَا أُحِسُّ بِمَا أَنْتُم فِيْهِ مِنَ الحرِّ وَلاَ مِنَ البَرد (1) .
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِي: مَاتَ الخلعِي بِمِصْرَ، فِي السَّادس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (2) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ يَحْيَى بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بن عَبْدِ العَزِيْزِ الجُذَامِيّ بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ سَنَة عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الشَّافِعِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ النَّحَاسِ إِمْلاَءً، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ دَانَاجَ الإِصْطَخْرِيّ إِمْلاَءً، سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ (3) ، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى
__________
(1) طبقات السبكي: 5 / 254، 255، وعيون التواريخ: 13 / لوحة 88.
(2) طبقات السبكي: 5 / 255، وطبقات الاسنوي: 1 / 479، وحسن المحاضرة: 1 / 404.
(3) نسبة إلى الدبر: قرية من قرى صنعاء اليمن، وهو إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري راوي كتب عبد الرزاق، قال ابن عدي: استصغر في عبد الرزاق، قال الامام الذهبي في الميزان: 1 / 181، 182: ما كان الرجل صاحب حديث، وإنما أسمعه أبوه، واعتنى به، سمع من عبد الرزاق تصانيفه، وهو ابن سبع سنين أو نحوها، لكن روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، فوقع التردد فيها: هل هي منه فانفرد بها، أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق؟ وقد احتج بالدبري أبو عوانة في صحيحه وغيره، وأكثر عنه الطبراني، وقال الدارقطني في رواية الحاكم: صدوق ما رأيت فيه خلافا، إنما قيل: لم يكن من رجال هذا الشأن، قلت: ويدخل في الصحيح؟ قال: إي والله.
وفي مرويات أبي بكر محمد بن خير في فهرسته ص: 131 كتاب إصلاح الحروف التي كان إسحاق بن إبراهيم الدبري يصحفها في مصنف عبد الرزاق.(19/78)
عَبْد الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ لِلشُّونِيز: (عَلَيْكُم بِهَذِهِ الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، فَإِنَّ فِيْهِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ السَّام (1)) يُرِيْد المَوْتَ.
43 - السَّعِيْدَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاوِيَةَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، العَتَّابِيّ، السَّعِيدَانِيّ، البَصْرِيّ، المُحْتَسِبُ، مِنْ ذُرِّيَّةِ عَتَّاب بنِ أَسيد؛ الَّذِي اسْتَعْمَله النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ الفَتْح عَلَى مَكَّةَ (2) .
مَوْلِده: سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَع مائَة.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ هَارُوْنَ المَالِكِيّ، وَطَلْحَة بن
__________
(1) وأخرجه البخاري (5688) في الطب، ومسلم (2215) في السلام، والترمذي (2041) في الطب، وابن ماجة (3447) في الطب من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
وأخرجه أحمد 2 / 241 و261 و268 و423 و429 و504 من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة.
وهو عند أحمد أيضا 2 / 389 و484، من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، و2 / 468 و538، من طريق قتادة، عن هلال بن يزيد، عن أبي هريرة، و2 / 510 من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
وفي الباب عن عائشة عند البخاري (5687) ، وأحمد 6 / 138 و146، وابن ماجة (3449) .
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي رجعنا إليها.
(2) انظر ترجمة عتاب بن أسيد وأخباره في " الاستيعاب ": 3 / 1023 - 1024،
وأسد الغابة: 3 / 556 - 557، و" نسب قريش ": ص 187، و" الإصابة ": 2 / 451 - 452.(19/79)
يُوْسُف المَوَاقيتِي (1) ، وَالمُبَارَك بن عَلِيِّ بنِ حَمْدَانَ، وَحَسَن بن أَحْمَدَ الدَّبَّاس بِالبَصْرَةِ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَسَمِعَ، وَكَانَ فَاضِلاً عَالِماً، لَهُ تَخَارِيج.
رَوَى عَنْهُ: جَابِرُ بن مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَمُحَمَّدُ بن عبد الوَاحِد المغَازلِي المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ المَاوَرْدِي، وَشُجَاعٌ الذُّهْلِيّ، وَعِدَّة.
أَرَّخ ابْنُ النَّجَّار وَفَاتَه فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
44 - الفَارِقِيُّ أَبُو نَصْرٍ الحَسَنُ بنُ أَسَدٍ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الأَدب (2) ، أَبُو نَصْرٍ الحَسَنُ بنُ أَسَدٍ، صَاحِبُ كِتَابِ
__________
(1) نسبة لمن يعرف المواقيت.
(*) يتيمة الدهر: 4 / 441، الخريدة، قسم شعراء الشام 4 / 198 - 200، معجم الأدباء: 8 / 54 - 75، إنباه الرواة: 1 / 294 - 298، العبر: 3 / 316، فوات الوفيات: 1 / 321 - 324، الوافي بالوفيات: 11 / 401، 404، مرآة الجنان: 3 / 143، طبقات ابن قاضي شهبة: 1 / 298، النجوم الزاهرة: 5 / 140 - 141، بغية الوعاة: 1 / 500، وذكر في كشف الظنون: 1563، شذرات الذهب: 3 / 380، روضات الجنات: 221، إيضاح المكنون: 2 / 43، البلغة لائمة اللغة: 54، والفارقي: نسبة إلى ميافارقين: أشهر مدينة بديار بكر تقع إلى الشمال الغربي من الموصل، بين الجزيرة وأرمينية.
(2) قال ياقوت في " معجم الأدباء ": 8 / 54: " شاعر رقيق الحواشي، مليح النظم، متمكن من القافية، قلما يخلو له بيت من تصنيع وإحسان وبديع ". وذكر له أبياتا كثيرة منها:
أياكم أعاني الوجد في كل صاحب * ولست أراه لي كوجدي واجدا
إذا كنت ذا عدم فحرب مجانب * وتلقاه لي سلما إذا كنت واجدا
أحاول في دهري خليلا مصافيا * وهيهات خلا صافيا لست واجدا(19/80)
(الأَلغَازِ (1)) ، صَدْرٌ مُعَظَّمٌ، وَلِيَ دِيوَانَ آمِد (2) ، ثُمَّ صُودِرَ، فَتَحَوَّل إِلَى مَيَّافَارِقين، فَخلت مِنْ أَمِيْرٍ، فَقَامَ أَبُو نَصْرٍ بِهَا، وَحَكم، وَنَزَلَ القَصْرَ، ثُمَّ خَافَ وَهَرَبَ إِلَى حلب، ثُمَّ تَجَسَّرَ وَرجع إِلَى حَرَّان، فَأُخِذَ وَشُنِقَ (3) بِأَمرِ نَائِبِ حَرَّانَ، فِي سَنةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
45 - أَمِيْرُ الجُيُوْش بَدْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَرمَنِيُّ الجَمَالِيُّ *
الأَمِيْرُ، الوَزِيْر الأَرمَنِيُّ، الجَمَالِي، اشترَاهُ جَمَالُ المُلك بن عَمَّارٍ الطَّرَابُلُسِي، وَربَّاهُ، فَترقَّت بِهِ الأَحْوَالُ إِلَى المُلك.
وَلِي نِيَابَة دِمَشْق لِلمُسْتَنْصِر فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَبقِي
__________
(1) قال في كشف الظنون: 1 / 149: " هو علم يتعرف منه دلالة الألفاظ على المراد دلالة خفية في الغاية، لكن لا بحيث تنبو عنها الاذهان السليمة، بل تستحسنها وتنشرح إليها بشرط أن يكون المراد من الألفاظ الذوات الموجودة في الخارج ".
وذكر له ياقوت في " معجم الأدباء ": 8 / 56: كتاب " شرح اللمع "، وكتاب " الافصاح في شرح أبيات مشكلة "، وقد عقد السيوطي في المزهر: 1 / 578 فصلا في الالغاز وذكر أنواعها وأشهر المؤلفين فيها.
(2) آمد: بكسر الميم: إحدى مدن ديار بكر على شاطئ دجلة الأيسر، وتقع اليوم في الاراضي التركية شمال ماردين، وصفها ياقوت بأنها أعظم مدن ديار بكر، وأجلها قدرا، وأشهرها ذكرا.
(3) ذكر ياقوت أن أحمد بن مروان غضب عليه فقتله صلبا، وانظر خبر صلبه مفصلا في: " معجم الأدباء ": 8 / 57 - 61.
(*) الإشارة إلى من نال الوزارة: 55، الكامل في التاريخ: 10 / 235 - 236، وفيات الأعيان عند ذكر ولده: 2 / 448 - 450، المختصر في أخبار البشر: 2 / 205، دول الإسلام: 2 / 15، العبر: 3 / 320، تتمة المختصر: 2 / 14، الوافي بالوفيات: 10 / 95، البداية: 12 / 147 - 148، النجوم الزاهرة: 5 / 141 وفيه 87، رفع الإصر: 1 / 130 - 137، حسن المحاضرة: 2 / 204، شذرات الذهب: 3 / 383، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 45، 149.(19/81)
ثَلاَثَ سِنِيْنَ، ثُمَّ هَاجَ أَحَدَاثُ دِمَشْق وَشُطَّارهَا (1) ، وَكَانَتْ لَهُم صُوْرَةٌ كَبِيْرَة، وَإِلَيهِم أَسوَارُ الْبَلَد، فَتسحَّب مِنْهَا فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ، وَأُخْرِبَ قَصْرُه الَّذِي كَانَ يَسكنُهُ خَارِجَ بَاب الجَابِيَة (2) ، ثُمَّ مَضَى إِلَى مِصْرَ.
وَقِيْلَ: بَلْ رَكب البَحْرَ مِنْ صُوْر إِلَى دِمْيَاط لَمَّا عَلِمَ بِاضْطِرَاب أُمُوْرِ مِصْر، وَشِدَّةِ قَحْطِهَا، فَهجَمهَا بَغْتَةً، وَسُرَّ بِمَقْدَمِهِ المُسْتَنْصِر الإِسْمَاعِيْلِي (3) ، وَزَال القُطوع (4) عَنْهُ، وَالذُّلُّ الَّذِي قَاسَاهُ مِنِ ابْنِ حَمْدَان (5) وَغَيْرهِ.
فَلِوقْته قتل عِدَّة أُمَرَاء كِبَارٍ فِي اللَّيْلِ، وَجَلَسَ عَلَى تَخت الوِلاَيَة، وَقرَأَ القَارِئُ: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ} [آلُ عِمْرَانَ:123] (6) ، وَرُدَّت أَزِمَّة الأُمُوْر إِلَيْهِ، فَجَهَّزَ جَيْشاً إِلَى دِمَشْقَ، فَلَمْ يَظفَرُوا بِهَا، كَانَ قَدْ تَمَلَّكهَا تَاجُ الدَّوْلَة تُتُشُ أَخُو السُّلْطَان مَلِكْشَاه.
وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة جَامِعَ العَطَّارِيْنَ (7) ، وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً
__________
(1) جمع شاطر: وهو من أعيا أهله ومؤدبه خبثا، مأخوذ من قولهم: شطر عن أهله شطورا وشطورة وشطارة: إذا نزح عنهم وتركهم مراغما أو مخالفا، وأعياهم خبثا.
قال أبو إسحاق: قول الناس: فلان شاطر معناه: أنه أخذ في نحو غير الاستواء، ولذلك قيل له:
شاطر، لأنه تباعد عن الاستواء.
(2) قال ابن عساكر: 1 / 262: باب الجابية من غربي البلد منسوب إلى قرية الجابية، لان الخارج إليها يخرج منه لكونه مما يليها، وكان ثلاثة أبواب، الأوسط منها كبير، ومن جانبيه بابان صغيران على مثال ما كان عليه الباب الشرقي، وذكر بدران أنه رمم سنة 515 هـ.
والجابية - كما في معجم ياقوت - من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان، قرب مرج الصفر في شمالي حوران، فقول العامة: إنه منسوب إلى الست جابية قول باطلا لا مستند له، وهو اليوم شرقي جامع سنان باشا، انظر: " ثمار المقاصد ": 59.
(3) تقدمت ترجمته في الجزء الخامس عشر رقم (72) .
(4) الادبار والنحس: عن حاشية الوفيات.
(5) هو ناصر الدولة ابن حمدان، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 156.
(6) تمام الخبر في الوفيات والوافي: ولم يتم الآية - وهي قوله تعالى: (وأنتم أذلة) - فقال المستنصر: لو أتمها ضربت عنقه.
(7) قال ابن خلكان: 2 / 450: وكان فراغه من عمارته سنة تسع وسبعين وأربع مئة.(19/82)
مَهِيْباً، مِنْ رِجَالِ العَالم.
مَاتَ: بِمِصْرَ، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (1) ، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُه المُلَقَّب أَيْضاً بِأَمِيْرِ الجُيُوْش (2) .
وَقِيْلَ: عَاشَ بَدْرٌ نَحْواً مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً - وَاللهِ يُسَامحه -.
قَصَدَهُ عَلْقَمَةُ العُلَيْمِيُّ الشَّاعِرُ، فَعَجِزَ عَنِ الدّخول إِلَيْهِ، فَوَقَفَ عَلَى طرِيقه، وَفِي رَأْسه رِيشُ نَعَام، ثُمَّ أَنشده أَبيَاتاً (3) وَقعت مِنْهُ بِموقعٍ، وَوَقَفَ لَهُ، ثُمَّ أَمر الحَاشيَة أَنْ يَخلعُوا عَلَيْهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِعَشْرَةِ آلاَف، فَذَهَبَ بِخِلَعٍ كَثِيْرَةٍ إِلَى الغَايَة، وَهب مِنْهَا لِجَمَاعَة مِنَ الشُّعَرَاء.
وَخلَّف بَدْرٌ (4) أَمْوَالاً عَظِيْمَةً.
46 - تُتُشُ تَاجُ الدَّوْلَةِ بنُ أَلب أَرْسَلاَنَ بنِ دَاوُدَ السَّلْجُوْقِيُّ *
الْملك، تَاجُ الدَّوْلَة تُتُش ابنُ السُّلْطَان أَبِي شُجَاع أَلب
__________
(1) " حسن المحاضرة ": 2 / 204، والوفيات: 2 / 450، والوافي: 10 / 95.
(2) سترد ترجمته برقم 294 من هذا الجزء.
(3) وهي كما في ابن خلكان: 2 / 449، وابن الأثير: 10 / 236.
نحن التجار، وهذه أعلاقنا * در، وجود يمينك المبتاع قلب، وفتشها بسمعك إنما * هي جوهر تختاره الاسماع كسدت علينا بالشآم وكلما * قل النفاق تعطل الصناع فأتاك يحملها إليك تجارها * ومطيها الآمال والاطماع حتى أناخوها ببابك والرجا * من دونك السمسار والبياع فوهبت ما لم يعطه في دهره * هرم ولا كعب ولا القعقاع وسبقت هذا الناس في طلب العلا * فالناس بعدك كلهم أتباع.
(4) في الأصل " بدرا " وهو خطأ.
(*) أخبار تتش واستيلاؤه على دمشق وحلب لابن القلانسي: 116، 120 - 125، المنتظم: 9 / 87 - 88، تاريخ الدولة السلجوقية: 75 - 78، الكامل في التاريخ: 10 / =(19/83)
أَرْسَلاَن (1) بن دَاوُدَ بنِ مِيكَال السَّلْجوقِي أَخُو السُّلْطَان مَلِكْشَاه التُّركِي.
كَانَ شُجَاعاً مَهِيْباً جَبَّاراً، ذَا سطوَةٍ، وَلَهُ فُتُوْحَاتٌ وَمَصَافَّات، وَتَملَّك عِدَّة مَدَائِن، وَخُطِبَ لَهُ بِبَغْدَادَ، وَصَارَ مِنْ كِبَارِ مُلُوْكِ الزَّمَان.
قَدِمَ دِمَشْق، فَخَرَجَ لِيَتَلَقَّاهُ المتغلِّبُ عَلَيْهَا أَطْسز (2) الخُوَارزمِيُّ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَارَ، وَشدَّ عَلَيْهِ تُتُش، فَضَرَبَ عُنُقَه، وَأَخَذَ البَلد (3) ، وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ وَحُرُوْبٌ مَعَ المِصْرِيّين، وَتَملَّكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً (4) ، ثُمَّ سَارَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ لِيَتَمَلَّكَ بِلاَدَ الْعَجم، فَقُتِلَ فِي المَصَافِّ بِالرَّيِّ، التقَاهُ بَرْكْيَا رُوْق ابْنُ أَخِيْهِ.
وَكَانَ يَتَغَالَى فِي حُبِّ الشَّيْخ أَبِي الفَرَجِ الحَنْبَلِيّ (5) ، وَيَحضُرُ مَجْلِسَه، فَعَقَدَ لَهُ وَلِخُصُوْمه فِي مَسْأَلَة القُرْآن مَجْلِساً، فَقَالَ تُتُش: هَذَا مِثْلُ مَا يَقُوْلُ، هَذَا قَبَاء حقيقَةً لَيْسَ هُوَ بِحَرِيْرٍ، وَلاَ قُطْنٍ، وَلاَ كَتَّانٍ، وَلاَ صُوْفٍ.
__________
= 244 - 246، وفيات الأعيان: 1 / 295 - 297، المختصر: 2 / 204 - 205 و206، دول الإسلام: 2 / 15 و17، العبر: 3 / 320، تتمة المختصر: 2 / 14 و15 و17، عيون التواريخ: 13 / لوحة 2 - 3، الوافي بالوفيات: 10 / 378، للصفدي، البداية: 12 / 149 - 150، تاريخ ابن خلدون: 5 / 147، النجوم الزاهرة: 5 / 155، شذرات الذهب: 3 / 384، تهذيب تاريخ دمشق: 3 / 343.
(1) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 210.
(2) في وفيات الأعيان: 1 / 295، وعيون التواريخ، والوافي بالوفيات، وغيرها: " أتسز " بالتاء بدل الطاء، وفي كامل ابن الأثير: 10 / 111: " أقسيس " وذكر عن ابن الهمذاني، وابن عساكر في تاريخه أن ملكه إياها كان سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة.
(3) الوافي بالوفيات: 1 / 295، عيون التواريخ: 13 / 2، تهذيب ابن عساكر: 3 / 343، والكامل في التاريخ: 10 / 111، وغيرها.
(4) زيادة يقتضيها النص.
(5) تقدمت ترجمته برقم (32) من هذا الجزء.(19/84)
وَكَانَ عَسُوَفاً لِلرَّعِيَّة، تَملَّك دِمَشْق بَعْدَهُ ابْنُه شَمْسُ المُلُوْك دُقَاقُ (1) وَغَيْرُهُ، ثُمَّ مَمْلُوْكُه طُغْتِكين (2) وَأَوْلاَدُهُ، إِلَى أَنْ تَملَّكهَا العَادِلُ نورُ الدّين السَّلجوقِي (3) ، ثُمَّ صلاَحُ الدّين وَابْنُه، ثُمَّ أَخُوْهُ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ، ثُمَّ مَوَاليهِم، وَإِلَى اليَوْمِ.
47 - الحَمَوِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ بنِ بكرَانَ الشَّامِيُّ *
الإِمَامُ، المُفْتِي، شَيْخُ الشَّافعيَةِ، قَاضِي القُضَاةَ، أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّر بن بَكرَان الشَّامِيُّ، الحَمَوِيُّ، الشَّافِعِيّ، الزَّاهِدُ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدِمَ بَغْدَاد شَابّاً.
فَسَمِعَ مِنْ: عُثْمَانَ بن دُوسْت العَلاَّف، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ بِشْرَان، وَطَبَقَتِهِمَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بن طَاوُوْسٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ أَحَد المُتْقِنِيْنَ لِلمَذْهَب، وَلَهُ اطِّلاعٌ عَلَى أَسرَارِ
__________
(1) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (129) .
(2) سترد ترجمته برقم (302) من هذا الجزء.
(3) سترد ترجمته في الجزء العشرين برقم (340) .
(*) الأنساب: 4 / 229، المنتظم: 9 / 94 - 96، معجم البلدان: 2 / 301، اللباب: 1 / 391، الكامل في التاريخ: 10 / 253، طبقات ابن الصلاح: الورقة: 24 / ب، دول الإسلام: 2 / 17، العبر: 3 / 322 - 323، عيون التواريخ: 13 / لوحة 51، الوافي بالوفيات: 5 / 34 - 35، طبقات السبكي: 4 / 202 - 205، طبقات الاسنوي: 2 / 95 - 96، تاج التراجم: 50، كشف الظنون: 1 / 264، شذرات الذهب: 3 / 391 - 392، هدية العارفين: 2 / 76، إيضاح المكنون: 1 / 206.(19/85)
الفِقْه، وَكَانَ وَرِعاً زَاهِداً، مُتَّقِياً سَديد الأَحكَام، وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ بَعْد أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامغَانِي مُدَّةً إِلَى أَنْ تَغَيَّر عَلَيْهِ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ المُقْتدي، فَمَنَعَ الشُّهُودَ مِنْ حُضُوْرِ مَجْلِسه مُدَّةً، فَكَانَ يَقُوْلُ: مَا أَنْعزلُ مَا لَمْ يَتحقَّق عليَّ فِسْقٌ، ثُمَّ إِنَّ الْمُقْتَدِي رضِيَ وَخَلَعَ عَلَيْهِ (1) .
وَشَهِدَ عِنْدَهُ المشطَّب الفَرْغَانِي (2) ، فَلَمْ يَقبله، لِكَوْنِهِ يَلْبَسُ الحَرِيْرَ، فَقَالَ: تردُّنِي، وَالسُّلْطَانُ وَوزِيْرُهُ نِظَامُ المُلْك يَلْبَسَانِهِ؟!
فَقَالَ: وَلَوْ شَهِدَا، لَمَا قَبِلتُهُمَا (3) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: تَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّب (4) ، وَحَفِظَ تَعليقهَ، وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَى القَضَاءِ رِزْقاً، وَلاَ غَيَّرَ مَأْكَلَهُ وَلاَ مَلْبسَهُ، وَكَانَ يُسَوِّي بَيْنَ النَّاس، فَانقَلْب عَلَيْهِ الكُبَرَاء، وَكَانَ نَزِهاً وَرِعاً عَلَى طرِيقَة السَّلَف لَهُ كَارك (5) يُؤجِّرُه كُلَّ شهرٍ بدِيْنَارٍ وَنِصْف، كَانَ يَقْتَاتُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلِيَ القَضَاءَ، جَاءَ إِنْسَانٌ، فَدَفَعَ فِيْهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيْر، فَأَبَى، وَقَالَ: لاَ أُغَيِّرُ سَاكِنِي، وَقَدِ ارْتبتُ بِكَ، هَلاَّ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ قَبْل القَضَاء (6) ؟!
__________
(1) طبقات السبكي: 4 / 202 - 203.
(2) هو أبو المظفر المشطب بن محمد بن أسامة بن زيد بن النعمان الفرغاني، من فرغانة ما وراء نهر جيحون، كان من فحول المناظرين، وكانت له يد باسطة في النظر والجدل، وكان مختلطا بالعسكر، وكان لا يفارقهم.
انظر " الأنساب ": 9 / 275.
(3) المنتظم: 9 / 96، وابن الأثير: 10 / 253، والسبكي: 4 / 204، 205، وفيه عندهم: ولو شهدوا عندي في باقة بقل، ما قبلت شهادتهما.
(4) هو طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري البغدادي، وقد تقدمت ترجمته برقم (462) في الجزء السابع عشر.
(5) الكلمة فارسية، ومعناها: البيت كما يفهم من هذا السياق، وكذلك وردت عند السبكي: 4 / 205، وفي " المعجم الذهبي ": كارك: عمل صغير، وكاركاه: معمل، مصنع، دكان، قصر.
(6) طبقات السبكي: 4 / 205.(19/86)
وَكَانَ يَشُدُّ فِي وَسطه مئزراً، وَيَخلَعُ فِي بَيْته ثيَابَه وَيَجْلِس، وَقَالَ: مَا دَخَلتُ فِي القَضَاءِ حَتَّى وَجَب عليَّ (1) .
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ: هُوَ وَرِعٌ زَاهِدٌ.
وَأَمَّا الفِقْه، فَكَانَ يُقَالُ: لَوْ رُفِعَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيّ، لأَمْكنه أَنْ يُمْلِيَهِ مِنْ صَدْره (2) .
علق عَنْهُ: القَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: كَانَ قَاضِي القُضَاة الشَّامِيّ حَسنَ الطَّرِيقَة، مَا كَانَ يَتبسَّمُ فِي مَجْلِس قضَائِهِ (3) .
قُلْتُ: كَانَ قُدُومُه بَغْدَاد فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَوعيَة الفِقْه، وَقَدْ صَنَّفَ (البيَان فِي أُصُوْل الدّين (4)) يَنْحُو فِيْهِ إِلَى مَذْهَب السَّلَف.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الآبَنُوسِي: كَانَ لِقَاضِي القُضَاة الشَّامِيّ كِيْسَانِ، أَحَدهُمَا يَجعل فِيْهِ عِمَامَته، وَقمِيْصاً مِنَ القُطنِ الحَسَن (5) ، فَإِذَا خَرَجَ لَبِسَهُما، وَالكيس الآخر فِيْهِ فَتيتٌ يَجعل مِنْهُ فِي قَصْعَة وَيَقتَاتُ مِنْهُ (6) .
وَعَنْهُ، قَالَ: أَعصي إِنْ لَمْ أَلِ القَضَاء، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيّ - فِيمَا
__________
(1) طبقات السبكي: 4 / 205.
(2) طبقات السبكي: 4 / 203، طبقات الاسنوي: 2 / 95، عيون التواريخ: 13 / الورقة 51.
(3) طبقات السبكي: 4 / 203.
(4) ذكره في كشف الظنون: 1 / 264، وهدية العارفين: 2 / 76، وإيضاح المكنون: 1 / 206.
(5) في الطبقات: الخشن.
(6) طبقات السبكي: 4 / 205.(19/87)
قِيْلَ - قَدْ بَذَلَ فِيْهِ ذَهَباً كَثِيْراً.
وَقِيْلَ: كَانَتْ فِي الشَّامِيّ حِدَّةٌ وَزَعَارَّةٌ، وَمَنَاقِبُهُ جَمَّةٌ - رَحِمَهُ اللهُ -.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ قَارب التِّسْعِيْنَ، وَدُفِنَ فِي تربَةٍ لَهُ عِنْد أَبِي العَبَّاسِ بن سُرَيْج (1) .
48 - ابْنُ مُفَوِّزٍ أَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بنُ مُفَوِّزِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، المُجَوِّدُ، أَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بنُ مُفَوِّز بن أَحْمَدَ بنِ مُفَوِّز المَعَافِرِيُّ الشَّاطبِيُّ، تِلْمِيْذ أَبِي عُمَرَ بن عبد البَر، وَخصيصُه، أَكْثَرَ عَنْهُ وَجَوَّد (2) .
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي العَبَّاسِ بن دِلْهَاث، وَأَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي، وَابْن شَاكِر الخَطِيْب، وَأَبِي الفَتْحِ التُّنْكُتِي (3) ، وَحَاتِم بن مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيّ، وَأَبِي مَرْوَانَ بن حَيَّانَ، وَعِدَّة.
وَكَانَ فَهماً ذَكيّاً، إِمَاماً، مِنْ أَوعيَةِ العِلْم، وَفُرْسَانِ الحَدِيْث، وَأَهْلِ الإِتْقَان وَالتَّحْرِيْر، مَعَ الفَضْل وَالوَرَعِ، وَالتَّقْوَى وَالوَقَار وَالسَّمت.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (4) .
وَمَاتَ: فِي رَابع شَعْبَان، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) المنتظم: 9 / 96، طبقات السبكي: 4 / 205، طبقات الاسنوي: 2 / 96.
(*) الصلة: 1 / 240 - 241، بغية الملتمس: 327، العبر: 3 / 305، تذكرة الحفاظ: 4 / 1222 - 1223، طبقات الحفاظ: 448، شذرات الذهب: 3 / 371 وفيه تصحف اسمه إلى ظاهر بن منور المعافري.
(2) انظر بغية الملتمس: 327.
(3) سترد ترجمته برقم (50) من هذا الجزء.
(4) في الصلة: 1 / 241: سنة سبع وعشرين وأربع مئة.(19/88)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة الصَّدَفِي وَغَيْرهُ، وَكَانَ أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ زَاهِدَ أَهْلِ الأَنْدَلُس فِي زَمَانِهِ (1) .
49 - ظَاهِرٌ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ السَّلِيْطِيُّ *
الشَّيْخُ، الحَافِظُ، البَارعُ، المُفِيْدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ ظَاهِر (2) بن أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ السَّلِيْطِي (3) ، النَّيْسَابُوْرِيّ، وَيُسَمَّى عبدَ الصَّمد أَيْضاً.
وُلِدَ: بِالرَّيِّ، وَبِهَا نشَأَ، وَكَتَبَ مَا لاَ يُوصف بِخَطِّه المَلِيْح.
سَمِعَ: أَبَا عُبيد صَخر بن مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ بِالرَّيِّ، وَعبدَ الكَرِيْم بن أَحْمَدَ المَطِيرِيَّ (4) بِسَاوَةَ، وَعَبْدَ المَلِكِ بن عبد الغَفَّار البَصْرِيّ، وَعِدَّةً بِهَمَذَان، وَأَبَا عَلِيٍّ بن المُذْهِب، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَالقَاضِي أَبَا الطَّيِّب، وَالجَوْهَرِيَّ، وَعِدَّة بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الطُّيُورِي، وَابْنُ بَدْرَان الحُلْوَانِيّ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ المَزْرَفِي (5) ، وَطَائِفَة.
__________
(1) قال عنه ابن بشكوال في " الصلة ": 1 / 284: " روى عن أبي عمر بن عبد البر كثيرا، ثم زهد فيه لصحبته السلطان، وعن أبي تمام القطيني، وأبي العباس العذري وغيرهم، وكان من أهل العلم والفهم والصلاح والورع والزهد مشهورا بذلك كله، وتوفي
سنة خمس وسبعين وأربع مئة ".
(*) المنتظم: 9 / 50، تذكرة الحفاظ: 4 / 1223 - 1224، البداية: 12 / 135، طبقات الحفاظ: 448.
(2) في المنتظم، وتذكرة الحفاظ، والبداية، وطبقات الحفاظ: " طاهر " بالطاء المهملة، وهو تصحيف.
(3) نسبة إلى سليط، وهو اسم لجد المنتسب إليه.
(4) نسبة إلى المطيرة: قرية من نواحي سامراء، وكانت من متنزهات بغداد وسامراء.
(5) بفتح الميم، وسكون الزاي، وفتح الراء: نسبة إلى المزرفة، وهي قرية كبيرة بالقرب من بغداد، وقد تحرفت في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1223 إلى المزروفي.(19/89)
سَكَنَ هَمَذَان مُدَّةً، وَمَاتَ بِظَاهِرهَا.
قَالَ شِيْرُوَيْه: كَانَ أَحَدَ مَنْ عُنِيَ بِهَذَا الشَّأْن، حسن العِبَارَة، كَثِيْر الرِّحلَة، صَدُوْقاً، جَمع كَثِيْراً فِي سَائِرِ العُلُوْم، مَا رَأَيْتُ - فِيْمَنْ رَأَيْتُ - أَكْثَر كُتُباً وَسَمَاعاً مِنْهُ، عَاجَلَه المَوْتُ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْده: هُوَ أَحَدُ الحُفَّاظ، صَحِيْحُ النَّقلِ، يَفهَم الحَدِيْثَ وَيَحفظُه (1) .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ: سَمِعْتُ مَسْعُوْدَ بن نَاصر السِّجْزِيّ يَقُوْلُ:
أَشْهَدُ أَنَّ كُلَّ كِتَابٍ بَغْدَادِيٍّ عِنْد عَبْدِ الصَّمَدِ السَّلِيْطِيّ كُلُّهَا غَارَةٌ وَنَهْبٌ مِنْ نَهبِ نَوْبَةِ البَسَاسِيرِي بِبَغْدَادَ، لاَ يُنْتَفَعُ بِهَا دُنْيَا وَلاَ دِيناً (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: مَاتَ ظَاهِرٌ بِهَمَذَانَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (3) .
وَهُوَ الَّذِي انتقَى لأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ بَعْضَ مَجَالِسه.
50 - التُّنْكُتِيُّ أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ بنِ القَاسِمِ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ بنِ
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1223.
(2) الخبر في " التذكرة " وعلق عليه العلامة المعلمي، فقال: يعني أنها لما وقعت فتنة البساسيري، ونهبت بيوت بغداد، كان في ذلك كتب اشتراها الناس من ناهبيها، ثم باعوها فاشترى عدة من تلك الكتب، وهي في الأصل مما نهبه الناس، والظاهر أن ظاهرا اعتمد ظاهر اليد، فاشترى ولم يتعمق، والله أعلم.
(3) المنتظم: 9 / 50، تذكرة الحفاظ: 4 / 1224.
(*) جذوة المقتبس: 356، الأنساب: 3 / 88 - 90، وفيه قال السمعاني: بضم التاء وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها تاء أخرى، الصلة: 2 / 637 - 639، المنتظم: =(19/90)
القَاسِم التُّركِي، الشَّاشِيُّ، التُّنْكُتِي.
وَتُنْكُت: بلد مِنْ أَعْمَالِ الشَّاش.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَع مائَة.
وَسَمِعَ عَلَى كِبَرٍ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ الطَّفَّال بِمِصْرَ، وَمِنْ أَبِي الحُسَيْنِ الفَارِسِيّ، وَابْن مَسْرُوْر بِنَيْسَابُوْرَ، وَمِنَ الخَطِيْب بِصُوْر، وَبِالإِسْكَنْدَرِيَّة مِنَ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ المَعَافِرِيّ، وَبَالأَنْدَلُس مِنِ ابْنِ دِلْهَاث.
وَجَاب النَّوَاحِي تَاجراً وَمُحَدِّثاً، وَكَثُرت أَمْوَالُه جِدّاً.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعبدُ الخَالِق اليوسفِي، وَنَصْرُ بن نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَطَاهِر بن مُفَوِّز.
وَرَوَى (الصَّحِيح) بِالأَنْدَلُسِ (1) ، وَكَانَ دَيِّناً وَرِعاً وَقُوْراً رَئِيْساً متصدِّقاً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (2) - رَحِمَهُ اللهُ -.
51 - الدَّبُوسِيُّ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ المُظَفَّرِ بنِ حَمْزَةَ بنِ زَيْدٍ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافعيَة، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَبِي يَعْلَى المُظَفَّر بن
__________
= 9 / 79 - 80، بغية الملتمس: 476، معجم البلدان: 2 / 50، وفيه قال ياقوت: بضم الكاف، اللباب: 1 / 224 - 225، الكامل لابن الأثير: 10 / 227 - 228، العبر: 3 / 314، وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 1200 وفيه الشكتي محرف، شذرات الذهب: 3 / 379، وقد تحرف فيه إلى السكشي.
(1) في الأنساب: واشتهر برواية كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج بالعراق ومصر والاندلس عن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وانظر " المنتظم ": 9 / 80، والصلة: 2 / 637، والكامل لابن الأثير: 10 / 228، وجذوة المقتبس: 356، وبغية الملتمس: 476.
(2) الأنساب: 3 / 90، المنتظم: 9 / 80، ونقل ابن بشكوال: 2 / 638 عن ابن قاسم أنه توفي بصور، وعن طاهر بن مفوز أنه توفي بأطرابلس الشام سنة إحدى وسبعين وأربع مئة.
(*) الأنساب: 5 / 275 - 276، المنتظم: 9 / 50، معجم البلدان: 2 / 438، =(19/91)
حَمْزَة بن زَيْدٍ العَلَوِيُّ، الحُسَيْنِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الدَّبوسِيُّ.
وَدَبُوسِيَة: بَلَدٌ بَيْنَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْد.
كَانَ فَقِيْهاً بَارِعاً، أَديباً أُصُوْليّاً، مُنَاظراً، مُدْرِكاً، حسنَ الأَخلاَق، سَمْحاً جَوَاداً.
سَمِعَ مِنْ: مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ القَنْطَرِي، وَأَبِي سهل أَحْمَدَ بن عَلِيٍّ الأَبِيْوَرْدِي، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ البَجَلِيّ، وَعِدَّة.
وَقَدِمَ بَغْدَاد لِتَدْرِيْس النَّظَامِيَة فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَدرَّس، وَأَملَى مَجَالِس (1) .
رَوَى عَنْهُ: هِبَة اللهِ بن السَّقَطِيّ، وَأَبُو العِزِّ القَلاَنِسِي، وَعَبْد الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن الحَسَنِ الشَّرَّافِي (2) .
__________
= اللباب: 1 / 490، الكامل لابن أثير: 10 / 81، طبقات السبكي: 5 / 296 - 298، طبقات الاسنوي: 1 / 526 - 527، البداية: 12 / 135 - 136، النجوم الزاهرة: 5 / 129.
(1) الأنساب: 5 / 275، 276، والمنتظم: 9 / 50، وطبقات السبكي: 5 / 297.
(2) تحرف في " الأنساب ": 5 / 276 إلى " السيرافي " وفي " طبقات السبكي ": 5 / 298.
إلى " الشرابي "، والشرافي هذا من شيوخ السمعاني، ترجم له في " التحبير ": 1 / 390، 391، وقال: توفي في أول رجب سنة أربع وأربعين وخمس مئة ببنج ديه، وبنج ديه: معناه بالفارسية الخمس قرى، وهي كذلك خمس قرى متقاربة من نواحي مرو الروذ، ثم من نواحي خراسان، قال ياقوت: عمرت حتى اتصلت العمارة بالخمس قرى، وصارت كالمحال بعد أن كانت كل واحدة مفردة، فارقتها في سنة 617 قبل استيلاء التتر على خراسان وقتلهم أهلها، وهي من أعمر مدن خراسان، ولا أدري إلى أي شيء آل أمرها، وقد تعرب فيقال لها: فنج ديه، وينسبون إليها فنجديهي، وقد نسب إليها السمعاني: 5 / 178 خمقري من الخمس قرى وقال: هي أيفان، ومرست، ومدو، وكريكان، وبهونة، وقد يختصرون فيقولون: بندهي.(19/92)
قَالَ السَّقَطِيُّ: أَبُو القَاسِمِ هُوَ إِمَامُ الشَّافعيَةِ، قَرَأَ القُرْآنَ وَالفِقْهَ وَالحَدِيْثَ وَالأُصُوْلَ وَاللُّغَةَ وَالعَرَبِيَّةَ، وَكَانَ فَطِناً فِي الاجْتِهَاد، وَلَهُ التَّوسعُ فِي الكَلاَمِ وَالفَصَاحَة فِي الجِدَال وَالخِصَام، أَقومُ النَّاسِ بِالمنَاظرَة، وَتحقيقِ الدّروس، وَكَانَ مُوَفَّقاً فِي الفَتْوَى (1) .
وَقَالَ فِي مَكَانٍ آخر: كَانَ المشَارَ إِلَيْهِ فِي المَذْهَب وَالخلاَف، وَمَعْرِفَة الغَرِيْب وَالبلاغَة، وَإِلَيه انْتَهَت رِئَاسَةُ الشَّافعيَة.
تُوُفِّيَ: فِي العِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: لَمْ يَشِخْ كَثِيْراً، وَمَا وَقَعَ لِي حَدِيْثُهُ عَالِياً - رَحِمَهُ اللهُ -.
52 - البَرْزَبيْنِيُّ أَبُو عَلِيٍّ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ *
شَيْخُ الحنَابلَة، القَاضِي، أَبُو عَلِيٍّ يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ بنِ سطورَا (2) العُكْبَرِيّ، الحَنْبَلِيّ، تِلْمِيْذ القَاضِي أَبِي يَعْلَى.
وَكَانَ صَاحِبَ فُنُوْنٍ، يَدْرِي الأُصُوْلَ وَالحَدِيْث وَالقُرْآن، تَفَقَّهَ بِهِ خلقٌ كَثِيْر، وَصَنَّفَ فِي المَذْهَب (3) ، وَمَا درس عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلاَّ وَتَمَيَّز (4) .
__________
(1) طبقات السبكي: 5 / 297.
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 245 - 247، الأنساب: 2 / 147، المنتظم: 9 / 80، اللباب: 1 / 137، الكامل لابن الأثير: 10 / 227، وفيه المرزباني، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 73 - 76، إيضاح المكنون: 1 / 299، هدية العارفين: 2 / 544.
والبرزبيني: نسبة إلى برزبين، وهي قرية كبيرة من قرى بغداد على خمسة فراسخ منها، وقد تحرفت في المنتظم إلى البرزباني.
(2) كذا الأصل: (سطورا) بالالف، وجميع مصادر الترجمة على حذفها.
(3) قال ابن رجب في ذيل الطبقات: 1 / 75: وله تصانيف في المذهب، منها " التعليقة " في الفقه في عدة مجلدات، وهي ملخصة من تعليقة شيخه القاضي.
(4) في ذيل الطبقات: 1 / 74، ذكره ابن السمعاني، فقال: كانت له يد قوية في =(19/93)
تَفقَّهَ بِهِ أَبُو حَازِمٍ بنُ الفَرَّاءِ، وَأَجَازَ لِغَانِمِ بن خَلَفٍ، وَأَبِي نَصْرٍ الغَازِي.
مَاتَ: فِي شَوَّال، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
53 - نِظَامُ المُلْكِ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْحَاقَ الطُّوْسِيُّ *
الوَزِيْر الكَبِيْر، نِظَام المُلْك، قِوَامُ الدِّين، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بن إِسْحَاقَ الطُّوْسِيُّ، عَاقلٌ، سَائِسٌ، خَبِيرٌ، سَعِيْدٌ، مُتَدَيِّنٌ، مُحتَشمٌ، عَامِرُ المَجْلِس بِالقُرَّاء وَالفُقَهَاء.
أَنشَأَ المدرسَة الكُبْرَى بِبَغْدَادَ (1) ، وَأُخْرَى بِنَيْسَابُوْرَ، وَأُخْرَى بِطُوْسَ (2) ، وَرغَّب فِي العِلْمِ، وَأَدرَّ عَلَى الطلبَة الصِّلاَت، وَأَملَى الحَدِيْثَ، وَبَعُدَ صيتُه.
__________
= القرآن والحديث والفقه والمحاضرة، وقرأ عليه عامة الحنابلة ببغداد، وانتفعوا به، وكان حسن السيرة، جميل الطريقة، جرت أموره على سداد واستقامة.
(*) الأنساب: 6 / 37 ذكره في الراذكاني، المنتظم: 9 / 64 - 68، تاريخ دولة آل سلجوق: 1 / 115، معجم البلدان: 3 / 13 و4 / 50، المتخب: الورقة: 54 / ب، التدوين: الورقة: 189 أ - 189 ب، الكامل في التاريخ: 10 / 204 - 206، الروضتين: 1 / 25 - 26، طبقات النووي: الورقة: 73 - 74، وفيات الأعيان: 2 / 128 - 131، ابن العبري: 192 - 195، دول الإسلام: 2 / 13، العبر: 3 / 307 - 308، الوافي بالوفيات: 12 / 123 - 127، طبقات السبكي: 4 / 309 - 329، البداية: 12 / 140 - 141، تاريخ ابن خلدون: 5 / 11 - 13، النجوم الزاهرة: 5 / 136، شذرات الذهب: 3 / 373 - 375، روضات الجنات: 221، أعيان الشيعة: 22 / 225.
(1) وهي المشهورة بالمدرسة النظامية، شرع في عمارتها سنة سبع وخمسين وأربع مئة، وفي سنة تسع وخمسين جمع الناس على طبقاتهم ليدرس بها أبو إسحاق الشيرازي.
فلم يحضر، فذكر الدرس أبو نصر بن الصباغ صاحب الشامل عشرين يوما، ثم جلس الشيخ أبو إسحاق بعد ذلك.
(2) ناحية كبيرة من نواحي نيسابور تشتمل على ثلاث مئة وإحدى وعشرين قرية.(19/94)
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ دَهَاقين بَيْهَقَ (1) ، فَنشَأَ وَقرَأَ نَحْواً، وَتعَانَى الكِتَابَة وَالدِّيْوَان، وَخدم بِغَزْنَةَ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ إِلَى أَنْ وَزَرَ لِلسُّلْطَانِ أَلب آرسلاَن، ثُمَّ لابْنِهِ مَلِكْشَاه، فَدبَّر مَمَالِكَه عَلَى أَتمِّ مَا يَنْبَغِي، وَخفف المظَالِمَ، وَرَفَقَ بِالرعَايَا، وَبَنَى الوُقُوْفَ، وَهَاجرت الكِبَارُ إِلَى جَنَابه، وَازدَادت رفعتُهُ، وَاسْتمرَّ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
سَمِعَ مِنَ: القُشَيْرِيّ، وَأَبِي مُسْلِمٍ بن مِهْرَبْزُدَ (2) ، وَأَبِي حَامِد الأَزْهَرِيّ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيّ، وَنَصْرُ بنُ نَصْرٍ العُكْبَرِيّ، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ فِيْهِ خَيْرٌ وَتَقْوَى، وَمَيْلٌ إِلَى الصَّالِحِيْنَ، وَخُضوعٌ لِمَوعِظتهم، يُعْجِبُهُ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُ عيوبَ نَفْسه، فَيَنكسِرُ وَيَبْكِي.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَع مائَة، وَقُتِلَ صَائِماً فِي رَمَضَانَ، أَتَاهُ باطنِي فِي هيئَة صُوْفِي يُنَاوله قِصَّة، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، فَضَرَبَه بِالسِّكينِ فِي فُؤَاده، فَتَلِفَ، وَقَتلُوا قَاتِلَه، وَذَلِكَ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِقُرْبِ نُهَاوَنْدَ، وَكَانَ آخِرُ قَوْلِهِ: لاَ تَقتلُوا قَاتلِي، قَدْ عَفْوتُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله (3) .
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (4) :قَدْ دَخَلَ نِظَامُ الْملك عَلَى المُقتدي بِاللهِ،
__________
(1) ذكر له السبكي في طبقاته تسع مدارس أخرى غير هذه.
(2) هو العلامة النحوي المفسر المعتزلي محمد بن علي بن مهربزد، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر الترجمة (79) .
(3) " المنتظم ": 9 / 66 - 67، و" وفيات الأعيان ": 2 / 130.
(4) 4 / 128، وهو في طبقات السبكي: 4 / 322.(19/95)
فَأَجْلَسَهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا حَسنُ، رَضِيَ اللهُ عَنْكَ، كَرِضَى (1) أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَنْكَ.
وَللِنِّظَامِ سيرَةٌ طَوِيْلَة فِي (تَارِيخ ابْن النَّجَّار) ، وَكَانَ شَافِعياً أَشعرِيّاً.
وَقِيْلَ: إِنَّ قتلَه كَانَ بتدبِيرِ السُّلْطَان، فَلَمْ يُمْهَلْ بَعْدَهُ إِلاَّ نَحْوُ شَهْرٍ (2) .
وَكَانَ النِّظَامُ قَدْ خَتَمَ وَلَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَاشْتَغَل بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَسَارَ إِلَى غَزْنَة، فَصَارَ كَاتِباً نَجيباً، إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي الحسَاب، وَبَرَعَ فِي الإِنشَاء، وَكَانَ ذكيّاً، لبِيْباً، يَقظاً، كَامِلَ السُّؤْدُدِ (3) .
قِيْلَ: إِنَّهُ مَا جلس إِلاَّ عَلَى وُضوء، وَمَا تَوضَّأَ إِلاَّ تَنفَّل، وَيَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْس، جدَّدَ عِمَارَة خُوَارِزْم، وَمشهدَ طُوْس، وَعَمِلَ بيمَارستَاناً، نَابه عَلَيْهِ خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَار، وَبَنَى أَيْضاً بِمَرْوَ مدرسَةً، وَبِهرَاةَ مدرسَةً، وَبِبَلْخ مدرسَةً، وَبِالبَصْرَةِ مدرسَةً، وَبِأَصْبَهَانَ مدرسَةً، وَكَانَ حَليماً رزِيناً جَوَاداً، صَاحِبَ فتوَة وَاحتمَال وَمَعْرُوْف كَثِيْر إِلَى الغَايَة، وَيُبَالغ فِي الْخُضُوع لِلصَّالحين.
وَقِيْلَ: كَانَ يَتَصَدَّق كُلَّ صبَاح بِمائَةِ دِيْنَارٍ.
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: بَهَرَ العُقُوْلَ سيرَةُ النِّظَام جُوْداً وَكَرَماً وَعدلاً، وَإِحيَاءً لِمعَالِم الدِّين، كَانَتْ أَيَّامُهُ دَوْلَةَ أَهْل العِلْمِ، ثُمَّ خُتِمَ لَهُ بِالقَتل وَهُوَ مَارٌّ إِلَى الحَجِّ، فِي رَمَضَانَ، فَمَاتَ مَلِكاً فِي الدُّنْيَا، مَلِكاً فِي الآخِرَةِ - رَحِمَهُ اللهُ (4) -.
__________
(1) في الوفيات: برضاء.
(2) قال ابن الجوزي في المنتظم: 9 / 67: وإنما كان بينهما خمسة وثلاثون يوما.
(3) انظر " طبقات السبكي ": 4 / 312.
(4) نص كلام ابن عقيل في " المنتظم ": 9 / 67، 68، وقد نقله ابن الجوزي من =(19/96)
54 - عَبْدُوسُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدُوسٍ الرُّوْذْبَارِيُّ *
الإِمَامُ الجَلِيْلُ المُتْقِنُ، شَيْخُ هَمَذَانَ، أَبُو الفَتْحِ الرُّوْذْبَارِيُّ، الفَارِسِيُّ، ثُمَّ الهَمَذَانِيُّ، أَكْبَرُ أَهْلِ هَمَذَانَ، وَأَعْلاَهُم إِسْنَاداً.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
سَمِعَ: عَمَّ أَبِيْهِ عَلِيَّ بن عَبدوس، وَمُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَمْدُوَيْه صَاحِب أَبِي العَبَّاسِ الأَصَمّ، وَأَبَا طَاهِر الحُسَيْن بن سَلَمَةَ، وَالحُسَيْنَ بن مُحَمَّدِ بنِ مَنْجَوَيْه، وَمُحَمَّدَ بن عِيْسَى المُحتَسب، وَرَافِعَ بن مُحَمَّدٍ القَاضِي، وَعِدَّة.
وَلَهُ إِجَازَةٌ صَحِيْحَة مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ لاَلَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ السُّلَمِيّ، وَشيخِ الْحرم أَبِي الحَسَنِ بنِ جَهْضَم.
__________
= خطه: وأما النظام، فإن سيرته بهرت العقول جودا وكرما وحشمة، وإحياء لمعالم الدين، فبنى المدارس، ووقف عليها الوقوف، ونعش العلم وأهله، وعمر الحرمين، وعمر دور الكتب، وابتاع الكتب، فكانت سوق العلم في أيامه قائمة، والعلماء مستطيلين على الصدور من أبناء الدنيا، وما ظنك برجل كان الدهر في خفارته لأنه كان قد أفاض من الانعام ما أرضى الناس، وإنما كانوا يذمون الدهر لضيق أرزاق واختلال أحوال، فلما عمهم إحسانه، أمسكوا عن ذم زمانهم.
وقد رثاه شبل الدولة مقاتل بن عطية، فقال:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * يتيمة صاغها الرحمن من شرف
عزت فلم تعرف الايام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف
ونقل السبكي 4 / 318 - 319 كلام ابن عقيل هذا عن " الفنون ".
(*) ذيل تاريخ بغداد: 1 / 426 - 430، العبر: 3 / 329، عيون التواريخ: 13 / 79 - 80 وفيه عبد بن عبد الله، شذرات الذهب: 3 / 395.(19/97)
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الطُّيورِي، وَإِسْمَاعِيْل بن السَّمَرْقَنْدي، وَمُحَمَّد بن بُنَيْمَان (1) الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو زُرْعَةَ المَقْدِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لأَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيّ.
قَالَ شِيْرَوَيْه: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ صَدُوْقاً مُتْقِناً فَاضِلاً ذَا حِشْمَة وَصيتٍ، حسنَ الخطِّ، حُلْوَ المنطِق، كُفَّ بَصَرُه وَأَصَمَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَسَمَاعُ القُدَمَاءِ مِنْهُ أَصَحُّ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ (2) وَثَمَانِيْنَ، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَغَسَّلْتُه (3) .
قَالَ ابْنُ طَاهِر: دَخَلتُ هَمَذَان بَعْد رُجُوْعِي مِنَ الرَّيِّ بِأَوْلاَدِي، وَكُنْتُ أَسْمَع أَنَّ (سُنَن النَّسَائِيّ) يَرْوِيْهِ عَبدوس، فَقصدتُه، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ الكِتَابَ، وَفِيْهِ السَّمَاع ملحقٌ طَرِيٌّ بِخطِّه، فَلَمْ أَقرَأْه، وَبعد مُدَّةٍ خَرَجتُ بِابْنِي أَبِي زُرْعَةَ إِلَى الدُّونِي (4) ، فَقَرَأْتُ لَهُ الكِتَابَ عَلَيْهِ (5) .
55 - السِّيْبِي أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُعَمَّرُ الكَبِيْرُ، أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (375) من الجزء العشرين.
(2) في ذيل ابن النجار: " ست ".
(3) ذيل ابن النجار: 1 / 429 - 430.
(4) نسبة إلى دونة على عشرة فراسخ من همذان، وهي بين همذان ودينور، واسمه
عبد الرحمن بن حمد، قال يحيى بن منده فيما ذكره ابن نقطة في " الاستدراك " ورقة 177: قرأنا عليه كتاب السنن لأبي عبد الرحمن النسائي بسماعه من القاضي أبي نصر أحمد بن الحسين الكسار، عن أحمد بن السني، عنه، سألته عن ميلاده، فقال: ولدت في سنة سبع وعشرين وأربع مئة، وتوفي سنة خمس مئة.
وسترد ترجمته برقم (147) .
(5) ذيل ابن النجار: 1 / 429.
(*) الأنساب: 7 / 216، المنتظم: 9 / 105، الكامل في التاريخ: 10 / 271، =(19/98)
مُحَمَّد بن عَلِيٍّ السِّيبِيُّ، القَصْرِي.
قَالَ لِجَمَاعَةٍ: وُلِدَتُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بقَصْر ابْن هُبَيْرَةَ.
وَتَلاَ عَلَى الحمَّامِي.
وَسَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْتِ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَأَبَا الفَضْل عبدَ الوَاحِد التَّمِيْمِيّ، وَابْنَ الفَضْلِ القَطَّان.
وَلَوْ سَمِعَ فِي الصِّغر، لَلَحِقَ أَصْحَابَ البَغَوِيّ، وَكَانَ مُجَوِّداً مُحقِّقاً، قَرَأَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ الحمَّامِي، وَخَتَم عَلَيْهِ خلق.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: رَحل النَّاسُ إِلَيْهِ مِنَ الآفَاق، وَأَكْثَرُوا عَنْهُ، وَكَانَ خَيِّراً صَالِحاً، ثِقَةً ثَبْتاً، رَوَى لَنَا عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَأَبُو البَرَكَات الأَنْمَاطِيّ، وَعبدُ الخَالِق اليُوسفِي، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي.
وَقَالَ ابْنُ سُكَّرَة: كَانَ صَالِحاً مُسِنّاً عَفِيْفاً، كَانَ يَتَعَمَّمُ بِالسَّوَادِ.
قَالَ ابْنُ نَاصر (1) :مَاتَ فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الآخر، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
= العبر: 3 / 330، معرفة القراء الكبار: 1 / 357 - 358، غاية النهاية 2 / 365، عيون
التواريخ: 13 / 80، البداية: 12 / 155، توضيح المشتبه: 2 / 55 / 1، النجوم الزاهرة: 5 / 161، طبقات القراء: 2 / 365، شذرات الذهب: 3 / 396.
وقد جاء في الأنساب، والمنتظم، ومعرفة القراء الكبار، وطبقات القراء: يحيى بن أحمد بن أحمد بن محمد.
(1) هو أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي - نسبة إلى دار السلام وهي بغداد - المتوفي سنة 550، سيترجمه المؤلف في الجزء العشرين رقم (180) .(19/99)
وَفِيْهَا مَاتَ: فَقِيْهُ البَصْرَة أَبُو يَعْلَى العَبْدِيُّ (1) ، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السِّمْسَار الأَصْبَهَانِيّ (2) ، وَعبدوسُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ بِهَمَذَان (3) ، وَالفَقِيْه نَصْرٌ المَقْدِسِيّ (4) بِدِمَشْقَ.
وَفِيْهَا (5) فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ اجْتَمَعت السِّتَّةُ: الشَّمْسُ، وَالقَمَرُ، وَالزُّهرَةُ، وَالمَرِّيخُ، وَعُطَارِدُ، وَالمُشترِي، فِي بُرجِ الْحُوت، وَزَعَمُوا أَنَّهُم لَمْ يَسْمَعُوا باجتمَاعهِم فِي بُرجٍ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَة، ثُمَّ فَسَّرُوا بِأَنَّهُ يَكُوْن غَرق عَظِيْم، فَكَانَتِ المِيَاهُ قليلَةً.
56 - تَاجُ المُلْك أَبُو الغَنَائِمِ مَرْزُبَانُ بنُ خُسْرُو بنِ دَارستَ *
الوَزِيْرُ، أَبُو الغَنَائِمِ مَرْزُبَان بن خُسْرو بن دَارست.
كَانَ كَاتِباً لِلأَمِيْرِ سَرهنك، فَمَاتَ مخدومُهُ، فَصَادره نِظَامُ الْملك، وَقَالَ: عِنْدَكَ لِمخدومِكَ أَلفُ أَلفِ دِيْنَار، فَقَالَ: إِذَا قِيْلَ هَذَا عَنِّي، فَمَا يُقَال فِيْمَنْ خَدَم سُلْطَانَيْنِ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً؟! وَلَكِنْ أَنَا القَائِمُ بِمَا يُطْلَبُ مِنِّي، وَحُمِلَ إِلَى خِزَانَة السُّلْطَان أَلفَي أَلفِ دِيْنَار، فَعَظُمَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ، وَقَرَّبَه، فَتَأَلَّمَ النِّظَام، وَبَقِيَ يُعظِّم النِّظَام صُوْرَةً، وَيَحُطُّ عَلَيْهِ باطِناً، فَلَمَّا قُتِلَ
__________
(1) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (83) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (20) .
(3) وهو الذي مر قبل السيبي برقم (54) .
(4) سترد ترجمته في هذا الجزء برقم (72) .
(5) في كامل ابن الأثير: 10 / 259 - 260، والنجوم الزاهرة: 5 / 158، والمنتظم: 9 / 97: أن ذلك وقع عام 489.
(*) المنتظم: 9 / 74 أورده في سنة 485 هـ، أخبار الدولة السلجوقية: 67، الكامل لابن الأثير: 10 / 216، وفيات الأعيان: 2 / 131 مع ترجمة نظام الملك، البداية: 12 / 144 في وفيات 485 هـ، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 338.(19/100)
النَّظَامُ، وَزَرَ هَذَا لِمَلِكْشَاه، ثُمَّ لابْنِهِ مَحْمُوْد، وَجَرَتْ حُرُوْبٌ عَلَى المُلك، فَأُسِرَ مَرْزُبَان، فَشَدَّ عَلَيْهِ غِلْمَانُ النِّظَام، فَقَتَلُوْهُ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتٍّ (1) ، وَكَانَتْ أَيَّامُه أَرْبَعَة أَشْهُرٍ، وَكَانَ يَتَعَبَّدُ وَيَصُوْمُ - رَحِمَهُ اللهُ -.
57 - النِّعَالِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّر، مُسْنِدُ العِرَاق، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَمَّامِي، الحَافِظ - يَعْنِي يَحفظُ ثِيَاب الحَمَّام وَغلَّتَه (2) -.
أَسْمَعَهُ جدُّه مِنْ: أَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيٍّ، وَأَبِي سَعْدٍ المَالِيْنِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بن عُبيد الله الحِنَّائِي، وَأَبِي سَهل مَحْمُوْد العُكْبَرِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ المُنْذِرِ القَاضِي، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَهِبَةُ اللهِ بن الحَسَنِ الدَّقَّاق، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ الصَّابِي، وَعَبْدُ اللهِ بن مَنْصُوْرٍ المَوْصِلِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَالمُبَارَك بن المُبَارَكِ السِّمْسَار، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ البَقَّال، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ابْن العَلاَّف، وَصَالِح ابْن الرِّخْلَة (3) ، وَأَبُو عَلِيٍّ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الرَّحَبِيِّ،
__________
(1) وثمانين وأربع مئة كما في " الوفيات ": 2 / 131 وانظر خبر قتله كاملا في الكامل لابن الأثير: 10 / 216.
(*) الأنساب: لوحة: 564 ب، المنتظم: 9 / 115، اللباب: 3 / 317، دول الإسلام: 2 / 23، العبر: 3 / 336، الوافي: 12 / 339، لسان الميزان: 2 / 268، شذرات الذهب: 3 / 399، أعيان الشيعة: 25 / 165.
(2) في لسان الميزان: 2 / 268: وكان يعرف بالحافظ، لأنه كان يحفظ ثياب الناس في الحمام.
(3) هو صالح بن المبارك البغدادي الكرخي سترد ترجمته في الجزء العشرين رقم: (342) .(19/101)
وَأَحْمَد بن المُقرَّب، وَعَبْدُ اللهِ الطَّامَذِي، وَكَمَالُ بِنْتُ المُحَدِّث عَبْدِ اللهِ بنِ السَّمَرْقَنْدي، وَتَركنَازُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ الدَّامغَانِي، وَشُهْدَة بِنْت (1) الإِبَرِي، وَنَفِيسَة البَزَّازَة، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّة، وَعَدَدٌ كَثِيْر.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: هُوَ رَجُلٌ أُمِّيٌّ، لَهُ سَمَاع صَحِيْحٌ عَالٍ، وَكَانَ فَقيراً عَفِيْفاً، مِنْ بَيْتِ علَمٍ، يَخْدُمُ حَمَّاماً فِي الكَرْخِ، حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ رِزْقويه.
قُلْتُ: وَيَرْوِي أَيْضاً عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَأَبِي الحَسَنِ الحَمَّامِي.
قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ: هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاع، خَالٍ مِنَ العِلْمِ وَالفَهم، سَمِعْتُ مِنْهُ (2) .
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي: هُوَ عَامِيٌّ، أُمِّيٌّ، رَافِضِيٌّ، لاَ يَحلُّ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُ حَرفٌ، لاَ يَدْرِي مَا يُقرَأ عَلَيْهِ (3) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظَ بِأَصْبَهَانَ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَوْلاَدِ المُحَدِّثِيْنَ، سَمِعَ الكَثِيْر، وَسَأَلتُ إِبْرَاهِيْمَ بن سُلَيْمَانَ عَنْهُ، فَقَالَ: لاَ أُحَدِّثُ عَنْهُ، كَانَ لاَ يَعرف مَا يُقرَأُ عَلَيْهِ (4) .
وَسَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ: دَلَّنَا عَلَيْهِ أَبُو الغَنَائِمِ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، فَمَضينَا إِلَيْهِ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ جُزْءاً فِيْهِ اسْمُهُ، وَسَأَلتُهُ: هَلْ عِنْدَك
__________
(1) سترد ترجمتها في الجزء العشرين برقم (344) .
(2) لسان الميزان: 2 / 268.
(3) لسان الميزان: 2 / 268.
(4) لسان الميزان: 2 / 268.(19/102)
شَيْء مِنَ الأُصُوْل؟
فَقَالَ: كَانَ عِنْدِي شِدَّة (1) بِعتُهَا لأَبِي الحُسَيْن بن الطُّيورِي (2) ، مَا أَدْرِي مَا فِيْهَا، فَمَضَينَا إِلَى ابْنِ الطُّيورِي، فَأَخْرَجَهَا فِيْهَا سَمَاعُهُ مِنَ المَالِيْنِيّ وَغَيْرِهِ، فَقَرَأْنَاهَا عَلَيْهِ.
قُلْتُ: مَاتَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ هَذَا فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، عَنْ أَرْجَحَ مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ السِّلَفِيّ بِالإِجَازَةِ، وَوَقَعَ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ جَمَاعَةُ أَجزَاء.
58 - الذَّكوَانِيُّ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الصَّدُوْق، المُكْثِر، أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنِ الشَّيْخ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ، الذَّكْوَانِي، الأَصْبَهَانِيّ، صَاحِبُ أُصُوْل، وَاسِعُ الرِّوَايَة.
سَمِعَ مِنِ: ابنِ مَيْلَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ مَرْدَوَيْه، وَالمَالِيْنِيّ، وَجدِّه، وَعُثْمَان البُرجِي، وَخَلْقٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: فِي يَوْم عَرَفَةَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ خلقٌ، مِنْهُم: عَبدُ الجَلِيْل بن مُحَمَّدٍ كوتَاهُ (3) ، وَالحَافِظُ
__________
(1) أي: مجموعة من الأوراق يشد بعضها إلى بعض.
(2) لسان الميزان: 2 / 268.
(*) الأنساب: 6 / 15 - 16، العبر: 3 / 304 - 305، شذرات الذهب: 3 / 371.
(3) كوتاه: لقب لعبد الجليل عند المصنف كما في " تذكرته ": 4 / 1314، وقال الحافظ ابن حجر في " نزهة الالباب ": هو لقب لابيه محمد، وسترد ترجمته في الجزء العشرين رقم: (224) .(19/103)
إِسْمَاعِيْل التَّيْمِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَكَانَ صَدُوْقاً جَلِيْلاً نَبِيلاً، وَعِنْدَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَعُثْمَان بن أَحْمَدَ البُرْجِيّ.
59 - الوَرْكِيُّ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الدُّنْيَا، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ القُرَشِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ، البُخَارِيُّ، الوَرْكِيُّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: عُمِّر الوَرْكِيُّ مائَةً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَبَيْنَ كِتَابَتِهِ لِلإِمْلاَء عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَمَّارِ بن مُحَمَّد، صَاحِب يَحْيَى بن صَاعِد، وَبَيْنَ مَوْته مائَةُ سَنَةٍ وَعشرُ سِنِيْنَ.
رَحل النَّاسُ إِلَيْهِ مِنَ الأَقطَار.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي ذَرٍّ المَذْكُور، وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدِ بنِ يَزْدَاد الرَّازِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن حُسَيْنٍ البُخَارِيّ، وَإِسْحَاق بن حَمْدَان المُهَلَّبِيّ، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الجُورِي.
حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ ذكرهُم السَّمْعَانِيّ، وَقَالَ: قَبْره بِوَرْكَى، عَلَى فَرْسَخين مِنْ بُخَارَى، زُرتُ قَبْره.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: عُثْمَان بن عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَأَبُو العَطَاء أَحْمَدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ الحَمَّامِي، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عُثْمَانَ البَزْدَوِي، وَأَخُوْهُ عُمَرُ
__________
(*) العبر: 3 / 342، عيون التواريخ: 13 / 115، شذرات الذهب 3 / 402 - 403، والوركي: بفتح الواو وإسكان الراء وبعدها كاف. هذه النسبة إلى " وركة " وهي من قرى بخارى. أنظر: معجم البلدان: 5 / 373، اللباب: 3 / 362.(19/104)
الصَّابونِيّ، وَمُحَمَّد بن نَاصِر السَّرْخَسيّ، وَمَحْمُوْدُ بن أَبِي القَاسِمِ الطُّوْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ فَقِيْهٌ، إِمَامٌ، زَاهِدٌ، مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ قِرَاءةً، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عبد الكَرِيْم المَرْوَزِيّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ عبدُ الوَاحِد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ سنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الفَارِسِيّ إِمْلاَءً سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الزُّبَيْرِ القُرَشِيّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّان، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُبَابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بن صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، سَمِعَ عَمْرَو بنَ الحَمِقِ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيراً عَسَلَهُ) .
فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَمَا عَسَلَهُ؟
قَالَ: (فَتَحَ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يُرْضِيَ عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ) (1) .
60 - ابْنُ خَيْرُوْنَ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُسْنِدُ، الحُجَّةُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ
__________
(1) أخرجه أحمد في " المسند ": 5 / 224 من طريق زيد بن الحباب بهذا الإسناد، ورجاله رجال الصحيح، وصححه ابن حبان (1842) ، والحاكم: 1 / 340، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أنس عند أحمد: 3 / 106 و120 والترمذي: (2143) ، وصححه هو وابن حبان (1821) ، والحاكم: 1 / 340، ووافقه الذهبي وهو كما قالوا، وآخر عن أبي عنبة: 4 / 200، ورجاله ثقات، وثالث عن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير (7522) ، و (7725) ، و (2900) من طرق.
(*) المنتظم: 9 / 87، الكامل لابن الأثير: 10 / 253، دول الإسلام: 2 / 17، العبر: 3 / 319، ميزان الاعتدال: 1 / 92، تذكرة الحفاظ: 4 / 1207 - 1209، عيون =(19/105)
أَحْمَد بن خَيْرُوْنَ البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ، ابْنُ البَاقِلاَّنِي.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الصَّلْتِ الأَهْوَازِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُتَيَّم، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ المَحَامِلِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ رِزْقَويه، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، وَأَبُو نَصْرٍ حَسنُوْنُ النَّرْسِيّ، وَمُحَمَّد بن فَارِس الغُورِي، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بن أَبَانٍ النَّصِيْبِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَهْلٍ مَحْمُوْدُ بنُ عُمَرَ العُكْبَرِيّ، وَالقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ البَاقَرْحِي، وَجَمَاعَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِيّ، وَعُثْمَان بن دُوسْت العَلاَّف، وَأَبِي القَاسِمِ الحُرْفِي، وَأَحْمَدَ بن عَبْدِ اللهِ بن المَحَامِلِيِّ، وَعَبْدِ الْملك بن بِشْرَان، وَأَبِي يَعْلَى أَحْمَدَ بنِ عبدِ الوَاحِد، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَخَلْقٍ، وَيَنْزِلُ إِلَى أَصْحَاب المُخَلِّص، وَنَحْوِهِ، وَتَفَرَّد بِأَشيَاء وَبإِجَازَات.
حَدَّثَ عَنْهُ: شَيْخُهُ؛ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَإِسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّدٍ الطَّلْحِي الحَافِظ، وَأَبُو بَكْرٍ قَاضِي المَارستَان، وَإِسْمَاعِيْلُ بن أَبِي سَعْدٍ الصُّوْفِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
ذكره أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فَقَالَ: ثِقَةٌ، عدلٌ، مُتْقِنٌ، وَاسِعُ الرِّوَايَة، كتب بِخَطِّهِ الكَثِيْرَ، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ
__________
= التواريخ: 13 / 51، الوافي بالوفيات: 6 / 320، البداية: 12 / 149، لسان الميزان: 1 / 155، طبقات الحفاظ: 400، تاريخ خميس: 2 / 360، طبقات القراء: 1 / 46، شذرات الذهب: 3 / 383.(19/106)
يَقُوْلُ: كتب عمِّي أَبُو الفَضْلِ عَنِ ابْنِ شَاذَانَ أَلفَ جُزءٍ، وَسَمِعْتُ عَبْدَ الوهَّاب الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ: مَا رُئِيَ مِثْلُ أَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، لَوْ ذكرت لَهُ كتبه وَأَجزَاءَهُ الَّتِي سَمِعَهَا، يَقُوْلُ لَكَ عَمَّنْ سَمِعَ، وَبأَيِّ طَرِيْقٍ سَمِعَ، وَكَانَ يَذْكُرُ الشَّيْخَ وَمَا يَرْوِيْهِ، وَمَا يَنْفَرِدُ بِهِ.
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ: كَتَبُوا مرَّةً لِعمِّي: الحَافِظ، فَغَضِبَ، وَضربَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قرَأنَا حَتَّى يُكتب لِي الحَافِظ؟!
قُلْتُ: وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الوَاسِطِيّ، وَعَلِيِّ بنِ طَلْحَةَ - قرَأَ عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيْهِ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ - وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَة الصَّدَفِيّ، وَكَانَ يُقَالُ فِي ذَلِكَ الزَّمَان: هُوَ كَيَحْيَى بن مَعِيْنٍ فِي زَمَانِهِ، إِشَارَةً إِلَى تَزكيته لِمَشَايِخ وَقته، وَتَبيين جَرْحِهِم، وَكَانَ يُنْصِف.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ وَقْتِهِ (1) .
وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ طَاهِر بكلاَم زَيْفٍ، فَذَكَر أَنَّهُ كَانَ يُلْحِقُ بِخطِّه أَشيَاء فِي (تَارِيخ الخَطِيْب) .
قُلْتُ: مَاذَا بِإِلحَاق، بَلْ هُوَ حَوَاشٍ، وَقَدْ كَانَ شَيْخُهُ الخَطِيْبُ أَذِنَ لَهُ فِي مِثْل ذَلِكَ، وَخَطُّهُ، فَمَشْهُوْر بَيِّن، لاَ يَلتَبِسُ بِغَيْره.
مَاتَ: فِي رَجَب، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً وَشهرٌ.
وَمَاتَ مَعَهُ: شَيْخُ العِرَاق أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْق الله بن عَبْدِ الوَهَّابِ التَّمِيْمِيّ، وَشَيْخُ المُعْتَزِلَةِ المُفَسِّرُ أَبُو يُوْسُفَ عَبْد السَّلاَمِ القَزْوِيْنِيّ، وَطَائِفَة، ذكرتُهُم فِي (التَّذكرَة (2)) وَغَيْرهَا.
__________
(1) عيون التواريخ: 13 / 51.
(2) 4 / 1208 - 1209.(19/107)
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ خَيْرُوْنَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ خُزَيْمَة، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبيد الله النَّرْسِيّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُوْلُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (لَوْ أَنَّ لابْنِ آدَمَ وَادِياً مِنْ مَالٍ، لأَحَبَّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَاللهُ يَتُوْبُ عَلَى مَنْ تَابَ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلاَ أَدْرِي أَمِنَ القُرْآن هُوَ أُمْ لاَ؟
رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ زُهَيْر، عَنْ حَجَّاج (1) .
__________
(1) برقم (1049) في الزكاة: باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا.
وأخرجه البخاري (6436) و (6437) في الرقاق، وأحمد: 1 / 370 من طرق عن ابن جريج به.
وفي الباب عن أنس عند البخاري (6439) ، وأحمد: 3 / 122 و168 و176 و192 و198 و236 و238 و247 و272 و340 و341 و368، ومسلم (1048) ، والترمذي (2337) ، والدارمي: 2 / 318، 319.(19/108)
الطَّبَقَةُ السَّادِسَةُ وَالعِشْرُوْنَ
61 - ابْنُ الخَاضِبَةِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ البَاقِي البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّادِق، القُدْوَةُ، بَرَكَةُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ البَاقِي بنِ مَنْصُوْرٍ البَغْدَادِيّ، الدَّقَّاق، عُرِفَ: بِابْنِ الخَاضِبَةِ.
أَخْبَرَنَا المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو البَقَاءِ النَّحْوِيّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد البَاقِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُهتدي بِاللهِ، حَدَّثَنَا عُبيدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
__________
(*) سؤالات السلفي: 102، المنتظم: 9 / 101، معجم الأدباء: 17 / 226 - 230، الكامل في التاريخ: 10 / 260 - 261، دول الإسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 325 - 326، المغني في الضعفاء: 2 / 548، ميزان الاعتدال: 3 / 465، تذكرة الحفاظ: 4 / 1224 - 1227، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 5 - 6، الوافي: 2 / 89 - 90، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 55 - 56، البداية: 12 / 153، لسان الميزان: 5 / 57، طبقات الحفاظ: 448، 449، شذرات الذهب: 3 / 393.(19/109)
(إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَاباً يُقَالَ لَهُ: الرِّيَّانُ، يَدْخُلُهُ الصَّائِمُوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مَعَهُم أَحَدٌ غَيْرُهُم، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُم أُغْلِقَ (1)) .
أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ عَنْ خَالِد، وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَوَافَقْنَاهُمَا.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: مُؤَدِّبه أَبِي طَالِبٍ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الدَّلوِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوَيْه، فَهَذَا أَقدمُ شَيْخٍ لَهُ، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلمَة، وَعبد الرَّحِيْم بن أَحْمَدَ البُخَارِيّ الحَافِظ، وَالحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ بنِ ثَابِتٍ الخَطِيْب، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيفِيْنِي، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَإِمَام جَامِع دِمَشْق عبدِ الصَّمدِ بن تَمِيم، وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن مَكِّيّ بن عُثْمَانَ الأَزْدِيّ - صَادَفَهُ بِبَيْتِ المَقْدِس - وَأَبِي الغَنَائِم مُحَمَّد بن الغَرَّاء، وَخَلْقٍ مِنْ طَبَقَتهِم وَبعدهِم.
وَقرَأَ لِلنَّاسِ الكَثِيْرَ، هُوَ كَانَ مُقْرِئَ المُحَدِّثِيْنَ بِبَغْدَادَ، وَكَتَبَ، وَخَرَجَ، وَأَفَاد، وَهُوَ مُتَوَسِّطٌ فِي الفنِّ، مَعَ دِيَانَة مَتِينَة، وَتَعبُّدٍ وَفَصَاحَة، وَحُسنِ قِرَاءة.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَةَ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ، وَجَمَاعَةٌ يَسِيْرَة، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَ مَرْوِيَّاته.
__________
(1) رقم (1896) في الصوم: باب الريان للصائمين، ومسلم (1152) في الصيام: باب فضل الصيام.
وأخرجه البخاري (3257) في بدء الخلق، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن مطرف، والترمذي (765) عن محمد بن بشار، عن أبي عامر العقدي، عن هشام بن سعد، والنسائي: 4 / 168، عن طريق علي بن حجر، عن سعيد بن عبد الرحمن، ثلاثتهم عن أبي حازم به.
وأخرجه أحمد من طريقين آخرين عن أبي حازم: 5 / 333.(19/110)
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدفِي: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَحْبُوباً إِلَى النَّاسِ كُلِّهم، فَاضِلاً، حَسَنَ الذِّكْرِ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَه عَلَى طَرِيقتِهِ، وَكَانَ لاَ يَأْتيه مُسْتعيرٌ كِتَاباً إِلاَّ أَعْطَاهُ أَوْ دلَّهُ عَلَيْهِ (1) .
وَسَمِعْتُ أَبُو الوَفَاء بن عَقِيْل الحَنْبَلِيّ الإِمَام يَقُوْلُ - وَذَكَرَ شِدَّة إِصَابته بِمطَالبَةٍ طُوْلِبَ بِهَا، وَأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عِنْد ذَلِكَ خلوَاتٌ يَدعُو رَبّهُ فِيْهَا وَيُنَاجيه، فَقَرَأَ عَلَيَّ مُنَاجَاته يَقُوْلُ -:وَلَئِنْ قُلْتَ لِي يَا رَبِّ: هَلْ وَاليتَ فِيَّ وَلِيّاً؟
أَقُوْل: نَعم يَا رَبِّ، أَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضِبَة.
وَلَئِنْ قُلْتَ لِي: هَلْ عَادَيت فِيَّ عَدُوّاً؟
فَأَقُوْلُ: نَعم يَا رَبِّ، وَلَمْ يُسَمِّهِ.
قَالَ: فَأَخْبَرتُ ابْنَ الخَاضبَة بِقَوْلِهِ، فَقَالَ: اغْترَّ الشَّيْخُ (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: نسخ ابْنُ الخَاضبَة (صَحِيْح مُسْلِم) بِالأُجرَة سَبْعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ أَحْسَنَ قِرَاءة لِلْحَدِيْثِ مِنِ ابْنِ الخَاضِبَة فِي وَقتِهِ، لَوْ سَمِعَ إِنْسَان بِقِرَاءته يَوْمَيْن، لَمَا مَلَّ (3) .
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ أَبَا الكَرَمِ خَمِيْساً الحَوْزِي عَنِ ابْنِ الخَاضِبَة، فَقَالَ: كَانَ عَلاَّمَةً فِي الأَدَبِ، قُدْوَةً فِي الحَدِيْثِ، جَيِّدَ اللِّسَان، جَامِعاً لِخلاَلِ الخَيْرِ، مَا رَأَيْتُ بِبَغْدَادَ مِنْ أَهْلِهَا أَحْسَنَ قِرَاءةً لِلْحَدِيْثِ مِنْهُ، وَلاَ أَعْرفَ بِمَا يَقوله (4) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ ابْنُ الخَاضبَة وَرِعاً تَقيّاً، زَاهِداً ثِقَةً، مَحْبُوباً
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1224.
(2) في تذكرة الحفاظ: 4 / 1224: أعز الله الشيخ.
(3) المستفاد: ص: 5.
(4) سؤالات الحافظ السلفي: 1.(19/111)
إِلَى النَّاسِ، رَوَى اليَسِيْر (1) .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفصيحِي: مَا رَأَيْتُ فِي أَصْحَاب الحَدِيْث أَقومَ بِاللُّغَةِ مِنِ ابْنِ الخَاضِبَة (2) .
قَالَ السِّلَفِيّ: وَسَأَلتُ أَبَا عَامِرٍ العَبْدَرِي عَنِ ابْنِ الخَاضِبَة، فَقَالَ:
كَانَ خَيْرَ مَوْجُوْدٍ فِي وَقته، وَكَانَ لاَ يَحفظ، إِنَّمَا يُعوِّل عَلَى الكُتُب (3) .
ابْنُ طَاهِر: سَمِعْتُ ابْنَ الخَاضِبَة، وَكُنْت ذكرتُ لَهُ أَن بَعْضَ الهَاشِمِييِّن حَدَّثَنِي بِأَصْبَهَانَ أَنَّ أَبَا الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ يَرَى الاعتزَال، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي، لَكِن أَحكِي لَكَ: لَمَّا كَانَ سَنَة الْغَرق (4) ، وَقَعَت دَارِي عَلَى قُمَاشِي وَكُتُبِي، وَلَمْ يَكُنْ لِي شَيْء، وَعِنْدِي الأَمُّ، وَالزَّوْجَة وَالبَنَاتُ، فَكُنْتُ أَنسَخُ، وَأُنْفِقُ عليهِنَّ، فَأَعْرِفُ أَنَّنِي كَتَبتُ (صَحِيْح مُسْلِم) فِي تِلْكَ السّنَة سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي، رَأَيْتُ القِيَامَةَ قَدْ قَامَت، وَمُنَادٍ يُنَادِي: أَيْنَ ابْنُ الخَاضِبَة، فَأُحْضِرْتُ، فَقِيْلَ لِي: ادْخُلِ الجَنَّة، فَلَمَّا دَخَلتُ البَابَ، وَصرتُ مِنْ دَاخِل، اسْتَلقيتُ عَلَى قَفَاي، وَوضعتُ إِحْدَى رِجْلَيَّ عَلَى الأُخْرَى، وَقُلْتُ: اسْتَرحتُ - وَاللهِ - مِنَ النَّسخ، فَرفعتُ رَأْسِي، فَإِذَا بِبَغْلَة فِي يَدِ غُلاَمٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذِهِ؟
قَالَ: لِلشَرِيْف أَبِي الحُسَيْنِ بن الغَرِيق، فَلَمَّا أَصْبَحتُ، نُعِيَ لَنَا الشَّرِيْفُ - رَحِمَهُ اللهُ - (5) .
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1226.
(2) تذكرة الحفاظ: 4 / 1226، والعبر: 3 / 325 - 326.
(3) التذكرة: 4 / 1226.
(4) وكان ذلك في سنة 466 هـ.
(5) الخبر في المنتظم: 9 / 101، ومعجم الأدباء: 17 / 227 - 228، والمستفاد: ص: 6، وعيون التواريخ: 13 / لوحة: 56، وابن كثير: 12 / 153، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1226، والوافي بالوفيات: 2 / 90.(19/112)
أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ: سَمِعْتُ أَبَا الفَضْل مُحَمَّدَ بن مُحَمَّدِ بنِ عَطَّافٍ، يَحكِي أَنَّهُ طلع فِي بَعْضِ أَوْلاَد الرُّؤسَاء بِبَغْدَادَ إِصبعٌ زَائِدَة، فَاشتدَّ أَلَمُه لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْن الخَاضِبَة، فَمَسَحَ عَلَيْهَا، وَقَالَ: أَمرُهَا يَسير، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل نَام وَانتبه، فَوَجَدهَا قَدْ سَقَطَتْ، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر: سَمِعَ ابْنُ الخَاضِبَة بِالقُدْس مِنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ البُخَارِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الدِّيْنَوَرِيّ، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَكَانَ مفِيدَ بَغْدَاد فِي وَقته، وَكَانَ صَالِحاً مُتَوَاضِعاً.
مَاتَ ابْنُ الخَاضِبَة: فِي ثَانِي رَبِيْع الأَوّل، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ مَشْهُوْدَةٌ، وَخُتِمَ عَلَى قَبْرِهِ عِدَّةُ خَتمَات.
أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا عبدُ اللَّطِيْف الطَّبَرِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عبد البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الفَوَارس، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الهَرَوِيّ الصَّفَّار، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ الشِّبلِي، فَسَأَلَهُ بَعْضُ المُتصَوِّفَة: الرَّجُل يَسْمَعُ قَوْلاً لاَ يَفهمُهُ، فَيَتوَاجد عَلَيْهِ، فَأَنشَأَ يَقُوْلُ:
رُبَّ وَرْقَاءَ هَتُوفٍ فِي الضُّحَى ... ذَاتِ شَجْوٍ صَدَحَتْ فِي فَنَنِ (1)
فَبُكَائِي رُبَّمَا أَرَّقَهَا ... وَبُكَاهَا رُبَّمَا أَرَّقَنِي
وَلَقَدْ أَشْكُو فَمَا أُفْهِمُهَا ... وَلَقَدْ تَشْكُو فَمَا تُفْهِمُنِي
غَيْرَ أَنِّي بِالجَوَى أَعْرِفُهَا ... وَهِيَ أَيْضاً بِالجَوَى تَعْرِفُنِي (2)
__________
(1) في الأصل (صاحت) وهو خطأ. والتصويب من " التذكرة ": 4 / 1225.
(2) الابيات في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1225.(19/113)
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ البَاقِلاَّنِي، وَالمُقْرِئ أَحْمَد بن عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّرَّاج، وَالمُحَدِّثُ عَبْد اللهِ بن يُوْسُفَ الجُرْجَانِيّ (1) ، وَالمُحَدِّثُ عبدُ المُحسن بن مُحَمَّدٍ الشِّيحِي (2) ، وَأَبُو مَرْوَانَ عَبْد الْملك بن سِرَاج (3) لُغوِيُّ زَمَانِهِ بِالأَنْدَلُسِ، وَمُسْنِدُ الوَقْت القَاسِم بن الفَضْلِ الثَّقَفِيُّ (4) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُمَيْرِيُّ (5) الزَّاهِدُ، وَأَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْر بن مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيّ.
62 - أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُفْتِي خُرَاسَان، شَيْخُ الشَّافعيَة، أَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ التَّمِيْمِيّ، السَّمْعَانِيُّ، المَرْوَزِيّ، الحَنَفِيُّ كَانَ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا غَانم أَحْمَد بن عَلِيٍّ الكُرَاعِي، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدِ الصَّمَدِ
__________
(1) ستأتي ترجمته برقم (86) .
(2) ستأتي ترجمته برقم (79) .
(3) ستأتي ترجمته برقم (70) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (5) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (38) .
(*) الأنساب: 7 / 139 - 140، المنتظم: 9 / 102، اللباب: 2 / 138 - 139، وفيات الأعيان: 3 / 211 في ترجمة حفيده، دول الإسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 326، الوافي: م / 96، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 54، مرآة الجنان: 3 / 151 - 152، طبقات السبكي: 5 / 335 - 346، طبقات الاسنوي: 2 / 29 - 30، البداية: 12 / 153 - 154، طبقات الشافعية لابن قاضي شبهة: 28 / ب، النجوم الزاهرة: 5 / 160، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 339 - 340، مفتاح السعادة: 2 / 332، كشف الظنون: 107، 151، شذرات الذهب: 3 / 393 - 394، هدية العارفين: 2 / 473، الرسالة المستطرفة: 43.(19/114)
التُّرَابِيَّ، وَطَائِفَةً بِمَرْوَ، وَعبدَ الصَّمد بنَ المَأْمُوْنِ، وَطَبَقَته بِبَغْدَادَ، وَأَبَا صَالِحٍ المُؤَذِّنَ، وَنَحْوَهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا عليٍّ الشَّافِعِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ الزنجَانِيَّ (1) بِمَكَّةَ، وَأَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ الكُرَاعِيُّ، وَبَرَعَ فِي مَذْهَب أَبِي حَنِيْفَةَ عَلَى وَالِدِهِ العَلاَّمَة أَبِي مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَبَرَّزَ عَلَى الأَقرَان.
رَوَى عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ، وَعُمَر بن مُحَمَّدٍ السَّرْخَسيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَاشَانِي (2) ، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
حَجَّ عَلَى البرِيَّة أَيَّامَ انْقَطَع الرَّكْبُ، فَأُخِذَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ، فَصَبَرَ إِلَى أَنْ خلَّصَهُ الله مِنَ الأَعرَاب، وَحَجَّ وَصَحِبَ الزَّنْجَانِي.
كَانَ يَقُوْلُ: أَسَرونَا، فَكُنْتُ أَرْعَى جِمَالَهُم، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَمِيْرَهُم أَرَادَ أَنْ يُزَوِّج (3) بِنْته، فَقَالُوا: نَحتَاجُ أَن نَرحلَ إِلَى الحَضَر لأَجْل مَنْ يَعْقِدُ لَنَا.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: هَذَا الَّذِي يَرْعَى جِمَالَكُم فَقِيْهُ خُرَاسَان، فَسَأَلونِي عَنْ أَشيَاءَ، فَأَجبتُهُم، وَكلمتُهُم بِالعَرَبِيَّة، فَخَجِلُوا وَاعتَذَرُوا، فَعقدتُ لَهُم العَقْدَ، وَقُلْتُ الخُطبَةَ، فَفَرِحُوا، وَسَأَلونِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْهُم شَيْئاً، فَامتنعتُ، فَحملونِي إِلَى مَكَّةَ وَسَط العَام (4) .
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي (تَارِيْخِهِ) :هُوَ وَحِيدُ عصره فِي وَقته فَضْلاً وَطرِيقَةً، وَزُهْداً وَوَرِعاً، مِنْ بَيْتِ العِلْم وَالزُّهْد، تَفَقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَصَارَ مِنْ
__________
(1) هو سعد بن علي بن محمد الزنجاني شيخ الحرم في عصره، كان جليل القدر عالما زاهدا حافظا، توفي في سنة 471 هـ، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (189) .
(2) في الأصل (القاشاني) وهو تصحيف، والتصويب من الأنساب، والمشتبه، وقد سبق التعريف بهذه النسبة في الترجمة رقم 11.
(3) تحرفت في (طبقات السبكي) إلى (يتزوج) .
(4) طبقات السبكي: 5 / 336 - 337.(19/115)
فُحُوْل أَهْلِ النَّظَر، وَأَخَذَ يُطَالِعُ كتبَ الحَدِيْث، وَحَجَّ وَرَجَعَ، وَتركَ طرِيقَتَه الَّتِي نَاظَرَ عَلَيْهَا ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَتَحَوَّلَ شَافِعيّاً، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ، فَاضْطَرَب أَهْلُ مَرْو، وَتَشَوَّشَ العَوَامُّ، حَتَّى وَردت الكُتُب مِنَ الأَمِيْرِ بِبَلْخَ، فِي شَأْنه وَالتَّشدِيْدِ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ مِنْ مَرْوَ، وَرَافقه ذُو المَجْدَيْنِ أَبُو القَاسِمِ المُوسَوِي، وَطَائِفَةٌ مِنَ الأَصْحَاب، وَفِي خِدمته عِدَّةٌ مِنَ الفُقَهَاء، فَصَارَ إِلَى طُوْس، وَقَصَدَ نَيْسَابُوْرَ، فَاسْتقبله الأَصْحَابُ اسْتِقبالاً عَظِيْماً أَيَّامَ نِظَام المُلك، وَعَمِيد الحضرَة أَبِي سَعْدٍ، فَأَكرمُوْهُ، وَأُنْزِلَ فِي عِزٍّ وَحِشْمَةٍ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسُ التَّذكير فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَّة، وَكَانَ بَحْراً فِي الوعظِ، حَافِظاً، فَظَهَرَ لَهُ القَبُولُ، وَاسْتَحكمَ أَمرُه فِي مَذْهَب الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَرْوَ، وَدَرَّس بِهَا فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَة، وَقَدَّمه النِّظَام عَلَى أَقرَانِهِ، وَظَهر لَهُ الأَصْحَابُ، وَخَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَهُوَ فِي ارْتقَاء (1) .
صَنَّفَ كِتَاب (الاصْطِلاَم (2)) ، وَكِتَاب (البُرْهَان (3)) ، وَلَهُ (الأَمَالِي) فِي الحَدِيْثِ (4) ، تَعصب لأَهْل الحَدِيْث وَالسُّنَّة وَالجَمَاعَة، وَكَانَ شَوكاً فِي أَعْيُن المُخَالفِيْن، وَحُجَّةً لأَهْلِ السّنَّة.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ: صَنَّف جَدِّي التَّفْسِيْر، وَفِي الفِقْه وَالأُصُوْل
__________
(1) طبقات السبكي: 5 / 344.
(2) في الرد على أبي زيد الدبوسي الحنفي، ويسمى (المختصر) ، انظر الأنساب: 7 / 139، وطبقات السبكي: 5 / 342، وطبقات المفسرين للداوودي: 2 / 340، والنجوم الزهرة: 160 / 5.
(3) قالوا: إنه يشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية.
(4) قال حفيده في الأنساب: 7 / 139، 140: وأملى المجالس في الحديث، وتكلم على كل حديث بكلام مفيد، وصنف التصانيف في الحديث مثل (منهاج أهل السنة) ، و (الانتصار) ، و (الرد على القدرية) ، ثم قال: ... وقد جمع الأحاديث الالف الحسان من مسموعاته عن مئة شيخ له، عن كل شيخ عشرة أحاديث.(19/116)
وَالحَدِيْث، وَ (تَفْسِيْرُهُ) ثَلاَثُ مُجلَّدَات (1) ، وَلَهُ (الاِصطِلامُ) الَّذِي شَاع فِي الأَقطَار، وَكِتَاب (القَوَاطع (2)) فِي أُصُوْل الفِقْه، وَلَهُ كِتَاب (الانتصَار بِالأَثر (3)) فِي الرَّدِّ عَلَى المُخَالفِيْن، وَكِتَاب (المِنْهَاج لأَهْل السُّنَّة) ، وَكِتَاب (القَدَر) ، وَأَملَى تِسْعِيْنَ مَجْلِساً.
سَمِعْتُ مَنْ يَحكِي عَنْ رفِيق جَدِّي فِي الحَجِّ حُسَيْن بن حَسَنٍ، قَالَ:
اكتَرَينَا حِمَاراً، رَكبه الإِمَامُ أَبُو المُظَفَّرِ إِلَى خَرَق، وَبَينهَا وَبَيْنَ مَرْو ثَلاَثَةُ فَرَاسخ، فَنَزَلنَا، وَقُلْتُ: مَا مَعَنَا إِلاَّ إِبرِيق خَزف، فَلَو اشتَرَينَا آخرَ؟ فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: يَا حُسَيْن، لَيْسَ مَعِي إِلاَّ هَذِهِ، خُذْ وَاشتَرِ، وَلاَ تَطْلُبْ بَعْدهَا مِنِّي شَيْئاً.
قَالَ: فَخَرَجْنَا عَلَى التَّجرِيْد، وَفتح اللهُ لَنَا (4) .
وَسَمِعْتُ شَهْردَار بنَ شِيْرَوَيْه: سَمِعْتُ مَنْصُوْرَ بن أَحْمَدَ، وَسَأَلَهُ أَبِي، فَقَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ: كُنْتُ حَنفِيّاً، فَبدَا لِي، وَحججتُ، فَلَمَّا بلغتُ سَمِيْرَاء (5) ، رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقَالَ لِي: عُدْ إِلَيْنَا يَا أَبَا المُظَفَّر، فَانْتبهتُ، وَعلمتُ أَنَّهُ يُرِيْد مَذْهَبَ الشَّافِعِيّ، فَرَجَعتُ إِلَيْهِ (6) .
__________
(1) علمت أن طلبة قسم الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة يقومون بتحقيقه، وستتولى الجامعة طبعه فيما بعد.
(2) ذكره ابن الجوزي: 9 / 102، والسبكي: 5 / 342، وحفيده، وقال: وهو يغني عما صنف في ذلك الفن.
وقد حققه، وأعده للطبع د.
محمد حسن هيتو.
(3) ذكره في المنتظم: 9 / 102، والسبكي: 5 / 342، والأنساب: 7 / 139، والنجوم الزاهرة: 5 / 160، وكشف الظنون: 1 / 173، وقال: هو مختصر على ثلاثة أبواب، الأول: في الحث على السنة والجماعة، والثاني: في فضل الحديث، والثالث: في شجرة العلم.
(4) طبقات السبكي: 5 / 337.
(5) منزل بطريق مكة بعد توز مصعدا وقبل الحاجز، انظر معجم البلدان: 3 / 255.
(6) طبقات السبكي: 5 / 338.(19/117)
وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الحَاجِي: خَرَجتُ مَعَ أَبِي المُظَفَّر إِلَى الحَجِّ، فَكُلَّمَا دخلنَا بَلَدَةً، نَزل عَلَى الصُّوْفِيَّة، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ، وَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِيَ الحَقَّ، فَلَمَّا دَخلنَا مَكَّةَ، نَزلَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بن أَسَدٍ، وَصَحِبَ سَعْداً الزَّنْجَانِي حَتَّى صَارَ مُحَدِّثاً (1) .
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيِّ الحَافِظ: سَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ فِي الطَّوَاف، فَوصلتُ إِلَى المُلْتَزَمِ، وَإِذَا بِرَجُل قَدْ أَخَذَ بردَائِي، فَإِذَا الإِمَامُ سَعْدٌ، فَتبسَّمتُ، فَقَالَ: أَمَّا تَرَى أَيْنَ أَنْتَ؟! هَذَا مقَامُ الأَنْبِيَاء وَالأَوليَاء، ثُمَّ رفع طَرْفَه إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا سُقْتَهُ إِلَى أَعزِّ مَكَان، فَأَعْطِهِ أَشْرَف عِزٍّ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، ثُمَّ ضَحِكَ إِلَيَّ، وَقَالَ: لاَ تُخَالِفْنِي فِي سِرِّكَ، وَارفَعْ يَديك مَعِي إِلَى رَبِّك، وَلاَ تَقُوْلنَّ البَتَّةَ شَيْئاً، وَاجمعْ لِي هِمَّتَك حَتَّى أَدعُوَ لَكَ، وَأَمِّنْ أَنْتَ، وَلاَ يُخَالِفْنِي عَهدُكَ القَدِيْمُ، فَبَكَيْتُ، وَرفعتُ مَعَهُ يَديَّ، وَحرَّك شَفَتَيْه، وَأَمَّنتُ، ثُمَّ قَالَ: مُرَّ فِي حِفْظِ الله، فَقَدْ أُجيبَ فِيك صَالِحُ دُعَاءِ الأُمَّة، فَمضيتُ وَمَا شَيْءٌ أَبغضَ إِلَيَّ مِنْ مَذْهَب المخَالفِيْن (2) .
وَبِخَطِّ أَبِي جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ إِمَام الحَرَمَيْنِ يَقُوْلُ:
لَوْ كَانَ الفِقْه ثَوْباً طَاوياً، لَكَانَ أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ طِرَازَهُ (3) .
وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّفَّارُ: إِذا نَاظرتُ أَبَا المُظفَّر، فَكَأَنِّي أُنَاظِرُ رَجُلاً مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ (4) ، مِمَّا أَرَى عَلَيْهِ مِنْ آثَارِ الصَّالِحِيْنَ.
__________
(1) طبقات السبكي: 5 / 338.
(2) طبقات السبكي: 5 / 338.
(3) طبقات السبكي: 5 / 342.
(4) طبقات السبكي: 5 / 342.(19/118)
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الوَفَاءِ عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُوْك أَبُو بَكْرٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا حَفِظتُ شَيْئاً فَنسيتُه (1) .
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ: سَمِعْتُ أَبَا الأَسَعْد بن القُشَيْرِيِّ يَقُوْلُ:
سُئِلَ جَدُّك بِحُضُوْر وَالِدي عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَات، فَقَالَ: عَلَيْكُم بِدِيْنِ العَجَائِزِ (2) ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وُلِدَ جَدِّي سَنَة (426) ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، الثَّالِثَ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الأَوّل، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (3) ، عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
__________
(1) طبقات السبكي: 5 / 344، والمنتظم: 9 / 102، والداوودي: 2 / 340، والبداية 12 / 140.
(2) المنتظم: 9 / 102، والبداية: 12 / 154، وزاد الأخير: وصبيان الكتاتيب.
ويستبعد صدور مثل هذا عن مثل هذا الامام الذي ألف التآليف المتعددة في العقائد والعبادات والمعاملات، وكلها مقرونة بالادلة والحجج والبينات، اللهم إلا إذا قالها في حالة ضعف وذهول، وفي مثل هذه الحالة لا يعتد بما يقوله صاحبها المتلبس بها، وكيف ينصح مسائليه بأن يلزموا دين العجائز، والله سبحانه يحثنا في غير ما آية من كتابه على النظر والاستدلال، والائمة المجتهدون اتفقوا على وجوب الاهتداء بالقرآن، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وعلى المنع من التقليد الذي يصد عنهما، ويقتضي هجرانهما، ولم يجعلوا أنفسهم شارعين يطاعون، وإنما كانوا أدلاء للناس لعلهم يهتدون، والذي يعرفه كل واقف على تاريخ الصدر الأول من المسلمين، هو أن أهل القرنين الأول والثاني لم يكونوا يقلدون أحدا، أي لم يكونوا يأخذون بآراء الناس وأقوال العلماء، بل كان العامي منهم على بينة من دينه يعرف من أين جاءت كل مسألة يعمل بها من مسائله، إذ كان علماء الصدر الأول يلقنون الناس الإسلام ببيان كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان الجاهل بالشيء يسأل عن حكم الله فيه، فيجاب بأن الله تعالى قال كذا، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو فعل كذا، أو أقر على كذا، فإن لم يكن عند المسؤول فيه هدي من كتاب أو سنة ذكر ما جرى عليه الصالحون، وما يراه أشبه بما جاء في هذا الهدي، أو أحال على غيره ممن هو أعلم منه، وأقر الناس إلى معرفة الحق في المطالب العالية هو الباحث المستقل الذي يسترشد بالطريقة التي وردت في القرآن، وجاءت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
(3) في الأنساب: 7 / 140.(19/119)
63 - الحُمَيْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ فُتُوْحِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الأَثرِي المُتْقِنُ، الحَافِظُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ فُتُوْح بن عَبْدِ اللهِ بنِ فُتُوْحِ بنِ حُمَيْدِ بنِ يَصِلَ (1) الأَزْدِيُّ، الحُمَيْدِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ؛ المَيُورْقِي، الفَقِيْهُ، الظَّاهِرِيُّ، صَاحِبُ ابْنِ حَزْمٍ وَتِلْمِيْذُه.
وَمَيُوْرْقَة: جَزِيْرَةٌ فِيْهَا بَلدَة حَصينَة تجَاهُ شَرق الأَنْدَلُس، هِيَ اليَوْمَ بِأَيدي النَّصَارَى.
قَالَ: مَوْلِدي قَبْل سَنَة عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
لاَزمَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ (2) الفَقِيْه، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي عُمَرَ بن عَبْدِ (3) البَرِّ، وَطَائِفَة، ثُمَّ ارْتَحَلَ، فَأَخَذَ بِمِصْرَ عَنِ القَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ القُضَاعِي، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الحَبَّال، وَعِدَّةٍ، وَالحَافِظِ عَبْد الرَّحِيْمِ بن أَحْمَدَ البُخَارِيّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَالحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الكَتَّانِي، وَسَمِعَ
__________
(*) الأنساب: 4 / 233، فهرست ابن خير: 226 - 227 و400 وغيرها، الصلة: 2 / 560 - 561، المنتظم: 9 / 96، بغية الملتمس: 123 - 124، معجم الأدباء: 18 / 282 - 286، اللباب: 1 / 392، الكامل في التاريخ: 10 / 254، دول الإسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 323، تذكرة الحفاظ: 4 / 1218 - 1222، تتمة المختصر: 2 / 17، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 34 - 36، الوافي بالوفيات: 4 / 317 - 318، مرآة الجنان: 3 / 149، البداية: 12 / 152، النجوم الزاهرة: 5 / 156، مفتاح السعادة: 2 / 140، نفح الطيب: 2 / 122 - 115، كشف الظنون: 252، 385، 581، شذرات الذهب: 3 / 392، إيضاح المكنون: 1 / 124، الرسالة المستطرفة: 173، مقدمة جذوة المقتبس لمحمد الطنجي ومقدمة طبعة دار إحياء التراث.
(1) بفتح الياء، وكسر الصاد، وبعدها لام.
(2) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 99.
(3) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 85.(19/120)
بِالأَنْدَلُسِ أَيْضاً مِنْ: أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَد بن عُمَرَ بنِ دِلْهَاث.
وَبِمَكَّةَ مِنَ: المُحَدِّثَة كَرِيْمَةَ (1) المَرْوَزِيَّة.
وَبمصر أَيْضاً مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الضّرَّاب، وَابْنِ بَقَاء الوَرَّاق.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: عَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن المُهتدي بِاللهِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ هَزَارْمَرْدَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة.
وَبِوَاسِط مِنَ: العَلاَّمَة أَبِي غَالِبٍ بن بِشْرَان اللُّغَوِيّ، وَأَكْثَرَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي طَاهِرٍ المُخَلِّص، ثُمَّ عَنْ أَصْحَاب أَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيٍّ، إِلَى أَنْ كتب عَنْ أَصْحَاب أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَعَمِلَ (الجَمعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَرَتَّبه أَحْسَن تَرْتِيب (2) .
اسْتَوْطَنَ بَغْدَاد، وَأَوّل ارْتِحَاله فِي العِلْمِ كَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) تقدمت ترجمتها في الجزء الثامن عشر رقم 110.
(2) وهو لم يطبع بعد، وقد زاد فيه ألفاظا وتتمات ليست في واحد منهما، أخذها من أصحاب المستخرجات على (الصحيحين) منبها عليها، فقد جاء في أثناء مقدمة كتابه ما نصه: وربما أضفنا إلى ذلك نبذا مما تنبهنا له من كتب أبي الحسن الدارقطني، وأبي بكر الاسماعيلي، وأبي بكر الخوازمي - يعني البرقاني -، وأبي مسعود الدمشقي، وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين من تنبيه على غرض، أو تتميم لمحذوف، أو زيادة من شرح، أو بيان لاسم أو نسب أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم.
قال الحافظ ابن حجر: ثم إنه فيما تتبعته من كتابه إذا ذكر الزيادة في المتن يعزوها لمن رواها من أهل المستخرجات وغيرها، فإن عزاها لمن استخرجها أقرها، وإن عزاها لمن لم يستخرجها تعقبها غالبا، لكنه تارة يسوق الحديث من الكتابين، أو من أحدهما ثم يقول: زاد فيه فلان كذا، وتارة يسوق الحديث والزيادة جميعا في نسق واحد، ثم يقول: اقتصر البخاري على كذا، وزاد فيه الاسماعيلي كذا.
وأخطأ من ظن أنه سرد تلك الزيادات في ضمن أحاديث الشيخين من غير بيان ولا تمييز.
ويغلب على الظن أن ابن الأثير في جامع الأصول - وقد اعتمد في نقل ما في الصحيحين على كتاب الحميدي - أنه لا ينقل منه إلا إذا كان منسوبا فيه إلى الشيخين أو أحدهما، ولا ينقل منه ما زاده من كتب المستخرجين.(19/121)
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي، وَمُحَمَّد بن طَرْخَان التُّركِي، وَيُوْسُف بن أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيُّ الزَّاهِدُ، وَإِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ صَاحِب (التَّرغِيب وَالتَّرهيب) ، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجُلاَّبِي، وَالحُسَيْن بن الحَسَنِ المَقْدِسِيّ، وَصِدِّيقُ بنُ عُثْمَانَ التِّبرِيزِي، وَشيخُهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ - وَمَاتَ قَبْلَهُ بدَهْر - وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ نَبْهَانَ الغَنَوِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ نَصْرِ بن خَمِيْس المَوْصِلِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بن السَّمَرْقَنْدي، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ البَطِّي، وَالحَافِظ مُحَمَّد بن نَاصر، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ بَقَايَا أَصْحَابِ الحَدِيْث عِلْماً وَعَمَلاً وَعَقداً وَانْقِيَاداً - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أُحْمَلُ لِلسَّمَاع عَلَى الكَتِف، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنَ الفَقِيْه أَصْبَغَ بن رَاشِدٍ، وَكُنْت أَفهَم مَا يُقرَأُ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي زَيد، وَأَصلُ أَبِي مِنْ قُرْطُبَة مِنْ مَحلَّةٍ تُعْرَفُ بِالرُّصَافَة، فَتحوَّل وَسَكَنَ جَزِيْرَة مَيُورْقَة، فَوُلِدْتُ بِهَا.
قَالَ يَحْيَى بنُ البَنَّاءِ: كَانَ الحُمَيْدِيّ مِنِ اجْتِهَاده يَنسخُ بِاللَّيْلِ فِي الحرِّ، فَكَانَ يَجلسُ فِي إِجَّانَة (1) فِي مَاءٍ يَتبرَّد بِهِ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خُسْرو: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَيْمُوْنٍ، فَدقَّ البَاب عَلَى الحُمَيْدِيّ، وَظَنّ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَوَجَده مَكْشُوْفَ الفَخِذِ، فَبَكَى الحُمَيْدِيُّ، وَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ نَظرتَ إِلَى مَوْضِعٍ لَمْ يَنظرْه أَحَدٌ مُنْذُ عَقَلْت.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا (2) :لَمْ أَرَ مِثْل صديقِنَا أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ
__________
(1) قال في (المصباح) : الاجانة بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب.
(2) انظر الأنساب: 4 / 233.(19/122)
فِي نَزَاهته وَعِفَّته، وَوَرَعه، وَتشَاغُلِهِ بِالعِلْمِ، صَنّفَ (تَارِيخ الأَنْدَلُس (1)) .
وَقَالَ يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ السَّلَمَاسِي: قَالَ أَبِي:
لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَ الحُمَيْدِيّ فِي فَضْلِهِ وَنُبْلِهِ، وَغَزَارَةِ عِلْمِهِ، وَحِرْصِهِ عَلَى نَشرِ العِلْم، وَكَانَ وَرِعاً تَقِيّاً، إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ وَعِلَلِه وَروَاته، مُتَحقِّقاً بِعِلْمِ التَّحقيق وَالأُصُوْل عَلَى مَذْهَب أَصْحَابِ الحَدِيْث بِمُوَافِقَة الكِتَاب وَالسّنَّة، فَصيحَ العِبَارَة، مُتَبَحِّراً فِي علم الأَدب وَالعَرَبِيَّة وَالتَّرَسُّل ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَهُ: كِتَابُ (جُمل تَارِيخ الإِسْلاَم) ، وَكِتَابُ (الذَّهب الْمَسْبُوكِ فِي وَعظِ المُلُوْك) ، وَكِتَاب (التَّرسُّل (2)) ، وَكِتَاب (مُخَاطبَات الأَصْدِقَاءِ) ، وَكِتَابُ (حِفْظ الجَارِ) ، وَكِتَابُ (ذَمّ النَّمِيمَةِ) ، وَلَهُ شعرٌ رَصينٌ فِي الموَاعِظ وَالأَمْثَال.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ أَبَا عَامِرٍ العَبْدَرِي عَنِ الحُمَيْدِيّ، فَقَالَ:
لاَ يُرَى مِثْلُه قَطُّ، وَعَنْ مِثْلِه لاَ يُسْأَل، جَمَعَ بَيْنَ الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالأَدبِ، وَرَأَى عُلَمَاء الأَنْدَلُس، وَكَانَ حَافِظاً.
قُلْتُ: كَانَ الحُمَيْدِيّ يُقْصَدُ كَثِيْراً فِي رِوَايَة (كِتَاب الشِّهَاب) عَنْ
__________
(1) واسمه (جذوة المقتبس) وهو مطبوع متداول ألفه في بغداد، وذكر في خطبته أنه كتبه من حفظه، افتتحه بمقدمة تاريخية ضافية عن ولاة الأندلس منذ الفتح حتى عصر الحسنيين، ثم أورد ما يحضره من أسماء رواة الحديث بالاندلس، وأهل الفقه والأدب، وذوي النباهة والشعر، ومن له ذكر منهم، أو ممن دخل إليهم، أو خرج عنهم في معنى من معاني العلم والفضل أو الرياسة والحرب، مرتبا على حروف المعجم، وقد ذيل عليه أحمد ابن يحيى الضبي المتوفي سنة 599 هـ، وسماه (بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس) .
(2) في معجم الأدباء: 18 / 285، وغيره (تسهيل السبيل إلى علم الترسيل) ، والترسل والترسيل واحد.(19/123)
مُؤلِّفه (1) ، فَقَالَ: صَيَّرنِي الشِّهَابُ شِهَاباً.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي: كَانَ الحُمَيْدِيّ يَدلُّنِي عَلَى الشُّيُوْخِ، وَكَانَ مُتقللاً - مِنَ الدُّنْيَا - يَمُونه ابْنُ رَئِيْس الرُّؤسَاء، ثُمَّ جَرَتْ لِي مَعَهُ قِصصٌ أَوجبت انْقطَاعِي عَنْهُ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضِبَة: أَنَّهُ مَا سَمِعَ الحُمَيْدِيَّ يذكُر الدُّنْيَا قَطُّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان: سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُوْلُ:
ثَلاَثُ كُتُبٍ مِنْ عُلُوْم الحَدِيْث يَجِبُ الاهتمَامُ بِهَا: كِتَابُ (الْعِلَل) ، وَأَحْسَن مَا وَضَع فِيْهِ كِتَابُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قُلْتُ: وَجَمَعَ كِتَابَ (الْعِلَل) فِي عِدَّةِ كتب عَلِيُّ بن المَدِيْنِيِّ إِمَامُ الصَّنعَة، وَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّل مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ عِلل الأَحَادِيْث الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الإِمَامُ أَحْمَد، فَجَاءَ فِي ثَلاَثَةِ مُجلَّدَات، وَفِيْهِ فَوَائِدُ جَمَّة، وَأَلَّف ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كِتَاباً فِي الْعِلَل، مُجَلد كَبِيْر (2) .
قَالَ: وَالثَّانِي كِتَابُ (المُؤْتَلِفِ وَالمُخْتَلِفِ) ، وَأَحْسَنُ مَا وَضَع فِيْهِ (الإِكمَال (3)) لِلأَمِيْرِ ابْن مَاكُوْلا، وَكِتَاب وَفِيَات المَشَايِخ، وَلَيْسَ فِيْهِ كِتَاب -
__________
(1) وهو محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي المصري، ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، وقال: روى عنه أبو عبد الله الحميدي، وتولى القضاء بمصر نيابة من جهة المصريين، وتوجه منهم رسولا إلى جهة الروم، وله عدة تصانيف، منها كتاب (مسند الشهاب) وتتولى مؤسسة الرسالة نشره في ثلاثة أجزاء بتحقيق الشيخ عبد المجيد السلفي، وكتاب (مناقب الامام الشافعي رضي الله عنه) وكتاب (الانباء عن الأنبياء) و (تواريخ الخلفاء) ، وله كتاب (خطط مصر) توفي سنة 454 هـ.
وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (41) .
(2) الأول طبع جزء منه بتحقيق الاعظمي، والثاني لم نقف عليه، والثالث مطبوع في مصر في المطبعة السلفية في مجلدين.
(3) وهو مطبوع في سبعة مجلدات بتحقيق العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله.(19/124)
يُرِيْدُ: لَمْ يُعملْ فِيْهِ كِتَاب عَامٌّ -.
قَالَ الحُمَيْدِيُّ: وَقَدْ كُنْتُ أَردتُ أَنْ أَجْمَع فِيْهِ كِتَاباً، فَقَالَ لِي الأَمِيْرُ: رتِّبه عَلَى حُرُوف المُعْجَم بَعْدَ أَنْ تُرَتِّبَه عَلَى السِّنِيْنَ (1) .
قُلْتُ: قَدْ جَمع الحَافِظُ أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّاب (2) فِي ذَلِكَ كِتَاباً ضَخْماً، وَلَمْ يَسْتَوعِبْ، وَلاَ قَارب، وَجَمَعَ فِي ذَلِكَ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَنْده الأَصْبَهَانِيّ كِتَاباً كَبِيْراً منثوراً، وَعَلَى مَا أَشَارَ بِهِ الأَمِيْرُ أَبُو نَصْرٍ عملتُ أَنَا (تَارِيخ الإِسْلاَم (3)) ، وَهُوَ كَاف فِي مَعْنَاهُ - فِيمَا أَحسَبُ - وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي تَوَارِيخُ كَثِيْرَة مِمَّا قَدْ سَمِعْتُ بِهَا بِالعِرَاقِ، وَبِالمَغْرِب وَبرَصَد مَرَاغَة، فَفَاتَنِي جُمْلَةً وَافرَةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَرخَان: فَاشْتَغَلَ الحُمَيْدِيّ (بِالصَّحِيْحَيْنِ) إِلَى أَنْ مَاتَ (4) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ فِي (تَارِيْخِهِ (5)) :أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ عبد البَرِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الجُهَنِيّ بِمصَنَّف النَّسَائِيّ قِرَاءةً عَلَيْهِ، عَنْ حَمْزَة الكِنَانِيّ، عَنْهُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: مُحَمَّد بن أَبِي نَصْرٍ الأَزْدِيّ الأَنْدَلُسِيّ، سَمِعَ بِمَيُوْرْقَةَ مِنِ ابْنِ حَزْم قديماً، وَكَانَ يَتعصَّبُ لَهُ، وَيَمِيْل إِلَى قَوْلِهِ، وَأَصَابته فِيْهِ
__________
(1) انظر الخبر في (معجم الأدباء) : 18 / 284.
(2) هو إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي المتوفى سنة 429 هـ، وقد أورد المؤلف ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (376) .
(3) انظر عن هذا الكتاب دراسة مستفيضة تتضمن حياة الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام للدكتور بشار عواد، وقد بدأنا بتحقيقه بمشاركة الدكتور بشار عواد، وستصدر مجلدات منه في هذا العام بعون الله وتوفيقه.
(4) (معجم الأدباء) : 18 / 284.
(5) ص: 251.(19/125)
فِتْنَةٌ، وَلَمَّا شُدِّد عَلَى ابْنِ حَزْم، خَرَجَ الحُمَيْدِيُّ إِلَى المَشْرِقِ (1) .
تُوُفِّيَ الحُمَيْدِيّ: فِي سَابع عَشر ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً أَوْ أَكْثَر، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيّ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب أَبْرَز، ثُمَّ إِنَّهُم نَقلُوْهُ بَعْد سنتَيْن إِلَى مَقْبَرَة بَاب حَرْب، فَدُفِنَ عِنْدَ بِشرٍ الحَافِي.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ الحُمَيْدِيّ أَوْصَى إِلَى الأَجَلِّ مُظَفَّر بن رَئِيْس الرُّؤسَاءِ أَنْ يَدْفِنَهُ عِنْد بِشرٍ، فَخَالفَ، فَرَآهُ بَعْدَ مُدَّة فِي النَّوْمِ يُعَاتِبه، فَنَقله فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَكَانَ كفنُه جَدِيداً، وَبَدَنُه طَرِيّاً يَفوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيب - رَحِمَهُ اللهُ - وَوَقَفَ كتبه (2) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَهْمِ بن أَحْمَدَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، وَقَرَأْتُ عَلَى سُنْقُر الزَّينِي بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا المُوَفَّق عبدُ اللَّطِيْف بن يُوْسُفَ قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبد البَاقِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحَافِظُ سَنَة (485) ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ النُّعْمَانِ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ القَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبد الحمِيد الغضَائِرِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بن زَيْدٍ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْب، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُوْرِ بَرَكَةً) .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه (3) مِنْ طرِيقِ حَمَّادِ بن زَيْدٍ، وَهُوَ غَرِيْب عَنْ
__________
(1) وفي ذلك يقول:
ألفت النوى حتى أنست بوحشتي * وصرت بها لا بالصبابة مولعا.
فلم أحص كم رافقت فيها مرافقا * ولم أحص كم يممت في الأرض موضعا.
ومن بعد جوب الأرض شرقا ومغربا * فلا بد لي من أن أوافي مصرعا.
(2) وانظر (معجم الأدباء) : 18 / 284.
(3) رقم (1692) .(19/126)
حَمَّاد بن سَلَمَةَ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم (1) مِنْ طرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَمِنْ نَظمِ الحُمَيْدِيّ:
طَرِيْقُ الزُّهْدِ أَفْضَلُ مَا طَرِيْقِ ... وَتَقوَى اللهِ تَأْدِيَةُ الحُقُوقِ
فَثِقْ بِاللهِ يَكْفِكَ وَاسْتَعِنْهُ ... يُعِنْكَ وَذَرْ بُنَيَّاتِ الطَّرِيْقِ (2)
وَلَهُ:
لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيْدُ شَيْئاً ... سِوَى الهَذَيَانِ مِنْ قِيْلٍ وَقَالِ
فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ إِلاَّ ... لأَخْذِ العِلْمِ أَوْ إِصْلاَحِ حَالِ (3)
وَلَهُ:
كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلِي ... وَمَا صَحَّتْ بِهِ الآثَارُ دِيْنِي
وَمَا اتَّفَقَ الجَمِيْعُ عَلَيْهِ بَدْءاً ... وَعَوْداً فَهُوَ عَنْ حَقٍّ مُبِيْنِ
فَدَعْ مَا صَدَّ عَنْ هذِي وَخُذْهَا ... تَكُنْ مِنْهَا عَلَى عَيْنِ اليَقِيْنِ (4)
64 - صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ الخَان أَحْمَدَ
كَانَ جَبَّاراً مَارِقاً، قَامَ عَلَيْهِ الأُمَرَاءُ، وَأَمسَكُوهُ، ثُمَّ عَقَدُوا لَهُ مَجْلِساً، فَادَّعَوْا أَنَّهُ زِنْدِيْق (5) ، فَجحد، فَأَقَامُوا الشُّهُودَ عَلَيْهِ
__________
(1) رقم (1095) وهو في (صحيح البخاري) (1923) وسنن الترمذي (708) والنسائي 4 / 141.
(2) البيتان في (نفح الطيب) : 2 / 115.
(3) البيتان في (معجم الأدباء) : 18 / 286، و (وفيات الأعيان) : 4 / 283، و (نفح الطيب) : 2 / 114.
(4) الابيات في (معجم الأدباء) : 18 / 285، و (نفح الطيب) : 2 / 115.
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 243 - 244، دول الإسلام: 2 / 17 وفيه 488، تتمة المختصر: 2 / 15.
(5) قال ابن الأثير في (الكامل) : 10 / 243: وكان سبب ذلك أن السلطان ملكشاه لما فتح سمرقند، وأسر أحمد خان هذا قد وكل به جماعة من الديلم، فحسنوا له معتقدهم، =(19/127)
بعَظَائِم، فَأَفتَى الفُقَهَاءُ بِقَتْلِهِ، فَخَنقوهُ، وَسَلْطنُوا بَعْدَهُ ابْنَ عَمِّهِ مسعُوْداً، سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
65 - الشَّيْبَانِيُّ أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عُلْوَانَ بنِ عَقِيْلٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِد، أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عُلْوَانَ بنِ عَقِيْلِ بنِ قَيْسٍ الشَّيْبَانِيُّ، البَغْدَادِيُّ، السَّقْلاَطونِيُّ (1) ، النَّصْرِيّ، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
سَمِعَ: أَبَا نَصْرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ حَسْنُوْنَ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَعُثْمَانَ بنَ دُوْسْت، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الحَسَن بن رَامِين.
حَدَّثَ عَنْهُ: قَاضِي المَارستَان، وَوَلَدُه عبدُ البَاقِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَعُمَرُ بن ظَفَر، وَأَبُو الكَرَم بن الشَّهْرُزُورِي، وَفَخرُ النِّسَاء شُهْدَةُ، وَعَتِيْقُ بنُ صَيلاَء.
مَوْلِدُه: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ: تُوُفِّيَ فِي رَجَب، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
66 - ابْنُ الفُرَاتِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ الدِّمَشْقِيُّ **
الشَّيْخُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ بنِ طَاهِرِ بن الفُرَاتِ الدِّمَشْقِيّ، يَنْتمِي إِلَى ابْنِ الفُرَات الوَزِيْر (2) .
__________
= وأخرجوه إلى الاباحة فلما عاد إلى سمرقند كان يظهر منه أشياء تدل على انحلاله من الدين.
(*) المنتظم: 9 / 106 - 107، ذيل تاريخ بغداد: 1 / 260 - 262.
(1) نسبة إلى سقلاطون بلد بالروم تنسب إليه الثياب كما في (القاموس) .
(* *) تاريخ ابن عساكر، العبر: 3 / 339، عيون التواريخ: 13 / 106، شذرات الذهب: 3 / 400، تهذيب ابن عساكر.
(2) المتوفى سنة 213، وقد تقدمت ترجمته في الجزء العاشر برقم (59) .(19/128)
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعبدَ الرَّحْمَن بن أَبِي نَصْرٍ، وَمَنْصُوْر بن رَامش، وَالعَتِيْقِيّ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: حَدَّثَنَا عَنْهُ هِبَةُ اللهِ بن طَاوُوْس، وَنَصْرُ بنُ أَحْمَدَ ابْن مُقَاتل، وَعَلِيُّ بن أَشليهَا، وَأَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعبدُ الرَّحْمَن بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ، وَكَانَ مِنَ الأُدبَاء، لَكنه رَافضِيٌّ رقيقُ الدِّين.
تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
67 - قَسِيمُ الدَّوْلَةِ أَبُو الفَتْحِ آقْسُنْقُرُ التُّركِيُّ الحَاجِبُ *
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، قَسِيمُ الدَّوْلَة، أَبُو الفَتْحِ آقْسُنْقُر التُّركِيُّ، الحَاجِبُ، مَمْلُوْكُ السُّلْطَان مَلِكْشَاه السَّلْجوقِي، وَهُوَ جدُّ نُور الدّين الشَّهِيْد، وَقِيْلَ: لاَ، بَلْ هُوَ لَصِيق بِمَلِكْشَاه، فَيُقَالُ: اسْم أَبِيْهِ آل تُرغَان كَانَ رَفِيعَ الرُّتبَة عِنْد السُّلْطَانِ، وَتَزَوَّجَ بِدَايَةِ المَلك إِدْرِيْس بن طُغَان، وَقَدِمَ مَعَ السُّلْطَان حلب حِيْنَ حَاربَ أَخَاهُ تَاجَ الدَّوْلَة، فَفَرَّ، وَتَمَلَّكهَا مَلِكْشَاه سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَقرَّر نِيَابَتهَا لآقْسُنْقُر، فَأَحْسَنَ السِّيَاسَةَ، وَأَبَاد الدُّعَّار (1) ، وَعُمرت حلبُ، وَقَصَدَهَا التُّجَّارُ، وَأَنشَأَ منَارَةَ جَامِعهَا، فَاسْمُه مَنْقُوْش عَلَيْهَا، وَبَنَى مشْهد قرنبيا، وَمشهدَ الذِّكر، وَصَارَ دَخْلُ البلدِ فِي اليَوْمِ أَلْفاً وَخَمْسَ مائَة دِيْنَارٍ (2) .
__________
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 232 - 233، وفيات الأعيان: 1 / 241، دول الإسلام: 2 / 16، العبر: 3 / 315 - 316، تتمة المختصر: 2 / ك 14، البداية: 12 / 147، النجوم الزاهرة: 5 / 141، شذرات الذهب: 3 / 380.
(1) هم المفسدون والخبثاء وقطاع الطرق، الواحد داعر.
(2) قال ابن الأثير: 1 (/ 233: وكان قسيم الدولة أحسن الامراء سياسة لرعيته، =(19/129)
وَأَمَّا تَاج الدَّوْلَة، فَاسْتولَى عَلَى دِمَشْقَ، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ، تَحَارَبَ هُوَ وَآقْسُنْقُر، وَعرض آقْسُنْقُر عِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِس، وَالْتَقَى الجمعَانِ، فَبرز آقْسُنْقُر بِنَفْسِهِ، وَحَمِيَ الوَطيسُ، ثُمَّ تَفلَّلَ جَمعُه، وَثبت آقْسُنْقُر فَأُسِرَ فِي طَائِفَةٍ فِي فُرْسَانه، فَأَمر تَاجُ الدَّوْلَة بِضَرْب عُنُقه وَأَعْنَاقِ أَصْحَابه، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى مِنَ السّنَةِ - رَحِمَهُ اللهُ (1) - ثُمَّ دُفِنَ بِالمدرسَة الزجَاجيَة بِحَلَبَ بَعْدَ أَنْ دُفِنَ مُدَّة بِمشهد قرنبيا، نَقله وَلَدُهُ الأَتَابك زَنْكِي، وَأَنشَأَ عَلَيْهِ قُبَّةً، وَلَمَّا قُتِلَ كَانَ وَلده زَنْكِي صَبِيّاً، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَيَّامُ، ثُمَّ صَارَ مَلِكاً.
68 - ابْنُ العَرَبِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الإِشْبِيْلِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الأَدِيْبُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ العربِي الإِشْبيلِي، وَالِدُ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ (2) .
صَحِبَ ابْنَ حَزْمٍ، وَأَكْثَر عَنْهُ (3) ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِوَلَدِهِ أَبِي بَكْرٍ، فَسمِعَا مِنْ طِرَاد الزَّيْنَبِيّ، وَعِدَّة، وَكَانَ ذَا بلاغَةٍ وَلَسَنٍ وَإِنشَاء.
__________
= وحفظا لهم، وكانت بلاده بين رخص عام، وعدل شامل، وأمن واسع، وكان قد شرط على أهل كل قرية من بلاده، متى أخذ عندهم قفل، أو أحد من الناس، غرم أهلها جميع ما يؤخذ من الاموال من قليل وكثير، فكانت السيارة إذا بلغوا قرية من بلاده، ألقوا رحالهم وناموا، وحرسهم أهل القرية إلى أن يرحلوا، فأمنت الطريق..
(1) انظر خبر مقتله في " الكامل " لابن الأثير: 10 / 232، " وفيات الأعيان ": 1 / 241
(*) وفيات الأعيان: 4 / 297، وذكره الصفدي في (الوافي) في ترجمة ابنه أبي بكر.
(2) سيورد له المؤلف ترجمة مطولة في الجزء العشرين رقم (128) .
(3) وقال المؤلف في ترجمة ابنه: (وكان أبوه ابو محمد من كبار أصحاب أبي محمد ابن حزم الظاهري) .(19/130)
مَاتَ: بِمِصْرَ (1) ، فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، فَإِنَّ مَوْلِدَه كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَرَجع ابْنُه إِلَى الأَنْدَلُسِ.
69 - الحَكَّاكُ أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ بنُ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّمِيْمِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُفِيْدُ، أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ بنُ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّمِيْمِيّ، المَكِّيّ، ابنُ الحَكَّاكِ.
سَمِعَ: أَبَا ذَرٍّ الحَافِظ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ الأَرْدَستَانِي، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ صَخْر، وَأَبَا نَصْرٍ عُبيد الله السِّجْزِيّ، وَعِدَّةً.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَانْتقَى عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ وَطَبَقَته.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مَوْصُوَفاً بِالمَعْرِفَة وَالحِفْظِ وَالإِتْقَان وَالفِقْهِ وَالصِّدْق، وَكَانَ يَتَرَسَّلُ عَنْ أَمِيْر مَكَّة ابْنِ أَبِي هَاشِمٍ إِلَى الخَلِيْفَة وَإِلَى المُلُوْك، وَيَتولَّى قبضَ الأَمْوَال مِنْهُم، وَيَحْمِل كِسْوَة الكَعْبَة (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَصَالِحُ بنُ شَافِع، وَمُحَمَّدُ بن نَاصرٍ، وَيَحْيَى بن عبد البَاقِي الغَزَّال، وَمُحَمَّدُ بن عبد البَاقِي بن البطِّيِّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) وقال المؤلف في ترجمة ابنه أيضا: (رجع إلى الأندلس بعد أن دفن أباه في رحلته - أظن بيت المقدس) .
(*) دمية القصر: 1 / 77، المنتظم: 64 9، العبر: 3 / 307، الوافي بالوفيات: 11 / 167 - 168، مرآة الجنان: 3 / 138، البداية: 12 / 140، العقد الثمين: 3 / 433، شذرات الذهب: 3 / 373.
(2) (المنتظم) : 9 / 64، و (الوافي بالوفيات) : 11 / 167.(19/131)
السِّلَفِيّ: حَدَّثَنَا ابْنُ الطُّيورِي، سَأَلتُ أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب عِنْد قُدومه مِنْ حَجِّه: أَرَأَيْتَ بِمَكَّةَ مَنْ يُقِيْمُ الحَدِيْثَ؟
قَالَ: لاَ، إِلاَّ شَابّاً يُقَالُ لَهُ: جَعْفَرُ بنُ الحَكَّاك.
وَقَالَ المُؤْتَمَنُ السَّاجِيّ: صَحِبَ جَعْفَرٌ أَبَا ذَرٍّ، وَأَبَا نَصْرٍ السِّجْزِيَّ، وَكَانَ ذَا مَعْرِفَةٍ.
وَقَالَ اليُونَارْتِي: كَانَ ابْنُ الحَكَّاكِ مِنَ الفُضَلاَء الأَثْبَاتِ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُونٌ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي: قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ كَثِيْراً، وَكَانَ يَفهَمُ الحَدِيْثَ جَيِّداً، مَوْلِدُهُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (1) .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْد المُنْعِمِ الطَّائِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ زَيْد بن الحَسَنِ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَاصر، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ سَيْفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ دُلَيل، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ، قَالَ:
قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ (2) :النَّظَرُ فِي وَجهِ الظَّالِم غَيْظٌ، وَالأَحْمَقِ سُخْنَةُ (3) العَيْنِ، وَالبَخيلِ قَسَاوَةُ القَلْبِ.
__________
(1) في المنتظم: 9 / 64: توفي يوم الجمعة رابع عشر صفر حين قدم من الحج: وكانت وفاته بالكوفة، ودفن في مقبرة البيع.
(2) هو المحدث الزاهد الملقب بالحافي، وقد تقدمت ترجمته في الجزء العاشر رقم الترجمة (153) .
(3) سخنة العين: نقيض قرتها، يقال: أسخن الله عينه، أي: أبكاه. وانظر " اللسان ": (سخن) و (قر) .(19/132)
70 - ابْنُ سِرَاجٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ سِرَاجِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأُمَوِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، اللُّغَوِيُّ، الوَزِيْرُ الأَكْمل، حُجَّةُ الْعَرَب، أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ المَلِكِ ابْن قَاضِي الجَمَاعَة أَبِي القَاسِمِ سِرَاجِ بنِ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ سِرَاجٍ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، القُرْطُبِيُّ، إِمَامُ اللُّغَة غَيْرَ مُدَافَعٍ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، قَالَهُ لأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَإِبْرَاهِيْم بنِ مُحَمَّدٍ الإِفْليلِي (1) ، وَيُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ بن مُغِيْث، وَمَكِّي بن أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيّ، وَأَبِي عَمْرٍو السَّفَاقِسِي، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الحَاج، وَابْنُهُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ سِرَاج، وَطَائِفَة.
قَالَ ابْنُ سُكَّرَة: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ لَقِيْتُهُ عِلْماً بِالآدَاب، وَمَعَانِي القُرْآن وَالحَدِيْث.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: الوَزِيْرُ أَبُو مَرْوَانَ الحَافِظُ اللُّغَوِيّ النَّحْوِيّ، إِمَامُ الأَنْدَلُس فِي وَقتِهِ فِي فَنِّه، وَأَذْكَرهُم لِلِسَان الْعَرَب، وَأَوثَقَهُم عَلَى النَّقل، وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو القَاسِمِ مِنْ أَفْضَلِ العُلَمَاء ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَخْبَرَنِي أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظُ، أَن مَكِّيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ بَعْضَ تَوَالِيْفِهِ، وَيَأْخُذُ رَأْيه
__________
(*) قلائد العقيان: 190، الذخيرة: ق 1 م 2 / 808 - 812، ترتيب المدارك: 4 / 816 في ترجمة سراج بن عبد الله، الصلة: 2 / 363 - 365، الخريدة: 2 / 374، بغية الملتمس: 367 - 368، إنباه الرواة: 2 / 207 - 208، المغرب في حلي المغرب: 1 / 115 - 116، العبر: 3 / 325، تلخيص ابن مكتوم: 119، عيون التواريخ: 13 / لوحة 56 - 57، الديباج المذهب: 2 / 17، بغية الوعاة: 2 / 110، شذرات
الذهب: 3 / 392 - 393، شجرة النور الزكية: 1 / 122.
(1) انظر " وفيات الأعيان ": 1 / 51.(19/133)
فِيْهَا، وَإِلَيه كَانَتِ الرِّحْلَةُ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُغِيْثٍ: كَانَ شَيخُنَا أَبُو مَرْوَانَ بَحْرَ عِلمٍ، عِنْدَهُ يَسقُطُ حِفْظُ الحُفَّاظِ، وَدُوْنَهُ يَكُوْنُ عِلمُ العُلَمَاء، فَاقَ النَّاسَ فِي وَقتِهِ، وَكَانَ بَقِيَّةَ الأَشْرَافِ وَالأَعيَانِ (1) .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ: مُتِّعَ بِجَوَارِحِهِ عَلَى اعتِلاَءِ سِنِّه، وَكَانَ مُتَوَقِّدَ الذِّهن، سَرِيعَ الخَاطِر، تُوُفِّيَ يَوْم عَرَفَةَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
71 - الوَقَّشِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ هِشَامُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ *
العَلاَّمَةُ، البَحْرُ، ذُو الفنُوْنِ، أَبُو الوَلِيْدِ هِشَامُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ
__________
(1) وقال في الريحانة: برع في علم اللسان، وارتقى في ذروته، واعتلى درجته، وعكف على كتاب سيبويه ثمانية عشر عاما لا يعرف سواه، ثم درس الجمهرة فاستظهرها واستدرك الاوهام على المؤلفين، وطال عمره مع البحث والتنقير، وكان يقول: طريحتي في كل يوم سبعون ورقة.
وفي الذخيرة لان بسام: 1 / 2 / 811: وأحيا كثيرا من الدواوين الشهيرة الخطيرة التي أحالتها الرواة الذين لم تكمل لهم الاداة، ولا استجمعت لديهم تلك المعارف والآلات، واستدرك فيها أشياء من سقط واضعيها، ووهم مؤلفيها ككتاب البارع لأبي علي البغدادي، وشرح غريب الحديث للخطابي، وقاسم بن ثابت السرقسطي، وكتاب أبيات المعاني للقتبي، وكتاب النبات لأبي حنيفة، وكتاب الأمثال للاصبهاني، وغير ذلك من كتب الحديث وتفسير القرآن مما لم يحضرني ذكره، ولم يمكن حصره ... وقال في المغرب: 1 / 115: أديب فاضل، شاعر، عالم باللغة، وهو من ذرية سراج بن قرة الكلابي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ في " الإصابة ": 2 / 17، في ترجمة سراج: جاهلي معروف، زعم أبو الحسين بن سراج الأندلسي شيخ عياض أنه جده، وأنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول إنه ابن قرة - بضم القاف والراء، والمعروف في الشاعر أنه ابن قوة، وقال عياض: لم أر أحدا تابع شيخنا على أن للسراج وفادة ... وقد ذكر المرزباني في " معجم الشعراء " سراج بن قوة العامري أحد بني الصموت بن عبد الله بن كلاب، وقال: إنه جاهلي، وأنشد له شعرا قال في يوم من أيام الجاهلية.
(*) الصلة: 2 / 653 - 654، معجم البلدان: 5 / 223، معجم الأدباء: 19 / 286 - =(19/134)
الكِنَانِيّ، الأَنْدَلُسِيّ، الطُّلَيْطُلِي.
عُرِفَ بِالوَقَّشِي، وَوقَّشُ: قَرْيَةٌ عَلَى بَرِيْدٍ مِنْ طُلَيْطُلَةَ.
مَوْلِده: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
أَخَذَ عَنِ: الحَافِظ أَبِي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِي، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَيَّاشٍ الخَطِيْبِ، وَأَبِي عَمْرٍو السَّفَاقِسِي، وَأَبِي عُمَرَ بنِ الحَذَّاءِ، وَجَمَاعَةٍ.
قَالَ صَاعِد: أَبُو الوَلِيْدِ أَحَدُ رِجَالِ الكَمَالِ فِي وَقته بِاحتوَائِهِ عَلَى فُنُوْنِ المَعَارِفِ، مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَمَعَانِي الشِّعرِ وَالبَلاغَةِ، بَلِيغٌ شَاعِرٌ، حَافظٌ لِلسُّنَنِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ، بَصِيْرٌ بِالاعتقَادَاتِ وَأُصُوْلِ الفِقْه، وَاقِفٌ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْ فَتَاوَى الأَئِمَّةِ، نَافذٌ فِي الفَرَائِضِ وَالحِسَابِ وَالشُّروط وَفِي الهَنْدسَةِ، مُشرِفٌ عَلَى جَمِيْعِ آرَاءِ الحُكَمَاءِ (1) ، ثَاقِبُ الذِّهنِ، مَعَ حُسنِ المُعَاشرَة، وَلِينِ الكَنَفِ، وَصِدْقِ اللَّهْجَة.
وَقَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ: أَخْبَرَنَا عَنْهُ أَبُو بَحْرٍ الأَسَدِيُّ، وَكَانَ مُخْتَصّاً بِهِ، وَكَانَ يُعَظِّمه، وَيُقَدِّمه، وَيَصِفُه بِالاستِبْحَار فِي العُلُوْم، وَقَدْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ أَشيَاءُ - فَاللهُ أَعْلَم (2) -.
وَقَالَ عِيَاضٌ: كَانَ غَايَةً فِي الضَّبْطِ، نَسَّابَةً، لَهُ تَنبِيهَاتٌ وَرُدُودٌ، نَبَّهَ
__________
= 287، المطرب: 223، بغية الوعاة: 2 / 327 - 328، نفح الطيب: 3 / 376 - 377، و4 / 137، 138، 162، 163.
(1) في الصلة: 2 / 653: وكان شيخنا أبو علي الريوالي يقول:
والله ما أقول فيه إلا كما قال الشاعر: وكان من العلوم بحيث يقضى * له في كل علم بالجميع.
(2) في الصلة: وقد نسبت إليه أشياء والله أعلم بحقيقتها، وسائله عنها ومجازيه بها.(19/135)
عَلَى كِتَابِ أَبِي نَصْرٍ الكَلاَباذِيِّ، وَعَلَى (مُؤتلِفِ) الدَّارَقُطْنِيّ، وَعَلَى (الكُنَى) لِمُسْلِمٍ، وَلَكِنَّهُ اتُّهِم بِالاعتزَالِ، وَأَلَّف فِي القَدَرِ وَالقُرْآنِ، فَزَهِدُوا فِيْهِ (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ.
72 - الفَقِيْهُ نَصْرٌ أَبُو الفَتْحِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَصْرٍ النَّابُلُسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، مُفِيدُ الشَّام، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ دَاوُدَ النَّابُلُسِيُّ، المَقْدِسِيُّ، الفَقِيْه، الشَّافِعِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ وَالأَمَالِي.
وُلِدَ: قَبْل سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة، وَارْتَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ قَبْل الثَّلاَثِيْنَ، فَسَمِعَ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ السِّمْسَار، صَاحِب الفَقِيْه أَبِي زَيد المَرْوَزِيّ، وَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الطُّبَيْزِ (2) ، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد
__________
(1) في معجم البلدان: 5 / 381 نقلا عن عياض: وظهر له تأليف في القدر والقرآن وغير ذلك من أقاويلهم، وزهد فيه الناس، وترك الحديث عنه جماعة من كبار مشايخ الأندلس، وكان أبو بكر بن سفيان بن العاصم قد أخذ عنه، وكان ينفي عنه الرأي الذي زن به، والكتاب الذي نسب إليه، وقد ظهر الكتاب، وأخبر الثقة أنه رآه عليه سماع ثقة من أصحابه وخطه عليه.
(*) تاريخ ابن عساكر م 17 / 269، تبيين كذب المفتري: 286 - 287، معجم ابن الابار: 199، تهذيب الأسماء: 2 / 125 - 126، دول الإسلام: 2 / 19، العبر: 3 / 329، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 78 - 79، مرآة الجنان: 3 / 152، طبقات السبكي: 5 / 351 - 353، طبقات الاسنوي: 2 / 389 - 390، النجوم الزاهرة: 5 / 160، الانس الجليل: 264، طبقات ابن هداية الله: 181، الزيارات: م: 14 / أ، كشف الظنون: 58، 98، شذرات الذهب: 3 / 395 - 396، هدية العارفين: 2 / 490، إيضاح المكنون: 1 / 129، منتخبات التواريخ لدمشق: 469.
(2) هو الشيخ المعمر المسند أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد الحلبي السراج المشهور بابن الطبيز المتوفي سنة 431 هـ وقد تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر، =(19/136)
بنِ عَوْفٍ المُزَنِيّ، وَابْن سُلْوَان المَازِنِيّ، وَطَبَقَتِهِم، وَسَمِعَ مِنْ هِبَة اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِ.
وَبصُوْر مِنَ: الفَقِيْهِ سُلَيمٍ الرَّازِيِّ.
وَبغزَةَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ المِيمَاسِي، سَمِعَ مِنْهُ (المُوَطَّأ) .
وَبَالقُدْس مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ الوَاسِطِيّ، وَأَبِي العَزَائِم مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الغَرَّاءِ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الفَرَجِ عُبيدِ الله بنِ مُحَمَّدٍ المَرَاغِيِّ النَّحْوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ البَشْنَوِيِّ الصُّوْفِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَبِمَيَّافَارِقِينَ مِنْ: أَبِي الطَّيِّبِ سَلاَمَة بن إِسْحَاقَ الآمِدِيّ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ المُقْرِئ، وَمِنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بن الحَسَنِ بنِ بَرْهَان الغَزَّالِ، لقِيه بِصُوْر.
وَأَجَازَ لَهُ مِنْ مَكَّةَ: أَبُو ذَرٍّ عَبْدُ بن أَحْمَدَ الهَرَوِيّ.
وَمِنْ بَغْدَاد: القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.
وَمِنْ صَيْدَا: الحَسَنُ بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بن جُمَيْعٍ، وَطَائِفَة.
وَصَنَّفَ كِتَاب (الحُجَّةِ عَلَى تَاركِ المَحَجَّةِ (1)) ، وَأَملَى مَجَالِسَ
__________
= رقم (321) ، وانظر " مشتبه المؤلف " 2 / 418، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين الدمشقي 2 / 122.
(1) وهو كتاب يتضمن ذكر أصول الدين على قواعد أهل الحديث والسنة، وعن هذا الكتاب نقل الامام النووي في " الأربعين " حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "، وقال: رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وتعقبه الحافظ ابن رجب الحنبلي في " جامع العلوم والحكم ": 364، فقال: تصحيح هذا الحديث بعيد جدا من وجوه.
منها: أنه حديث ينفرد به نعيم بن حماد المروزي، ونعيم هذا وإن كان وثقه جماعة من الأئمة، وخرج له البخاري، فإن أئمة الحديث كانوا يحسنون به الظن لصلابته في السنة، وتشدده في الرد على أهل الاهواء، وكانوا ينسبونه إلى أنه يتهم، ويشبه عليه في بعض الأحاديث، فلما كثر عثورهم على مناكيره حكموا عليه بالضعف ... ومنها: أنه قد اختلف على نعيم في إسناده، فروي عنه عن الثقفي، عن هشام، وروي عنه عن الثقفي، حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام أو غيره، وعلى هذه الرواية يكون الشيخ الثقفي غير معروف عنه، وروي عن الثقفي حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام =(19/137)
خَمْسَةً، وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ.
تَفقَّه عَلَى الدَّارِمِيّ، وَعَلَى الفَقِيْه سُلَيمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَاسْتَوْطَنَ بَيْتَ المَقْدِسِ مُدَّةً طَوِيْلَة، ثُمَّ تَحَوَّل فِي أَوَاخِرِ عُمُره، وَسَكَنَ دِمَشْق عَشر سِنِيْنَ، وَتَخَرَّج بِهِ الأَصْحَابُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْب - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمكِّي الرُّمَيْلِي (1) ، وَمُحَمَّدُ بن طَاهِر، وَأَبُو القَاسِمِ النَّسيب، وَجَمَال الإِسْلاَمِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، وَالقَاضِي المُنْتَجَبُ (2) يَحْيَى بن عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، وَعَلِيُّ بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِل، وَحَسَّانُ بنُ تَمِيم، وَمَعَالِي بن الحُبوبِي، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ الحُبوبِي، وَحَمْزَةُ بنُ أَحْمَدَ بنِ كَرَوَّس، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
= أو غيره، فعلى هذه الرواية، فالثقفي رواه عن شيخ مجهول، وشيخه رواه عن غير معين، فتزداد الجهالة في إسناده.
ومنها: أن في إسناده عقبة بن أوس السدوسي البصري، ويقال فيه: يعقوب بن أوس أيضا، وقد خرج له أبو داوود والنسائي وابن ماجة حديثا عن عبد الله بن عمرو، ويقال: عبد الله بن عمر، وقد اضطرب في إسناده، وقد وثقه العجلي، وابن سعد، وابن حبان، وقال ابن خزيمة: روى عنه ابن سيرين مع جلالته، وقال ابن عبد البر: هو مجهول، وقال الغلابي في تاريخه: يزعمون أنه لم يسمع من عبد الله بن عمرو، وإنما يقول: قال عبد الله ابن عمرو، فعلى هذا تكون رواياته عن عبد الله بن عمرو منقطعة.
(1) بضم الراء وفتح الميم نسبة إلى الرميلة، وهي من قرى الأرض المقدسة وهي غير الرملة، ومكي هذا أسره الصليبيون حين أخذوا بيت المقدس، وطلبوا في فدائه ذهبا كثيرا، فلم يفد، فقتلوه بالحجارة سنة 492 هـ، وسترد ترجمته برقم (99) في هذا الجزء.
(2) بالجيم المعجمة على صيغة المفعول: وهو المختار من كل شيء، وقد انتجب فلان فلانا: إذا استخلصه، واصطفاه اختيارا على غيره، وهو الشيخ الامام الفقيه يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الدمشقي الشافعي المعروف بابن الصائغ، المتوفى سنة 534، وسترد ترجمته عند المصنف في الجزء العشرين رقم الترجمة (39) .(19/138)
وَلَحِقَهُ أَبُو حَامِدٍ الغزَالِي، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَنَاظره، وَكَانَ يُشغل فِي جَامِع دِمَشْق فِي الزَّاويَة الغَربيَّةِ المُلَقَّبَةِ بِالغَزَالِيَّةِ (1) .
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَدِمَ دِمَشْقَ سَنَة ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَأَقَامَ بِهَا يُدَرِّسُ المَذْهَب إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَرْوِي الحَدِيْث، وَكَانَ فَقِيْهاً، إِمَاماً، زَاهِداً، عَامِلاً، لَمْ يَقْبَلْ صِلَةً مِنْ أَحَد بِدِمَشْقَ، بَلْ كَانَ يَقتَاتُ مِنْ غَلَّةٍ تُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِ نَابُلُس، فَيَخْبِزُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ قُرْصَة فِي جَانب الكَانُوْنِ (2) .
حَكَى لَنَا نَاصر النَّجَّار - وَكَانَ يَخدمه - مِنْ زُهْده وَتَقَلُّلِه وَتَركه الشَّهوَات أَشيَاءَ عجيبَة.
قَالَ غَيْثُ بنُ عَلِيٍّ الأَرْمَنَازِيّ: سَمِعْتُ الفَقِيْه نصراً يَقُوْلُ:
دَرَسْتُ عَلَى الفَقِيْه سُلَيم الرَّازِيّ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ، مَا فَاتَنِي مِنْهَا درسٌ، وَلاَ وَجِعْتُ إِلاَّ يَوْماً وَاحِداً، وَعُوفِيت، وَسَأَلتُهُ فِي كَمِ التَّعليقَة الَّتِي صنَّفهَا؟
قَالَ: فِي نَحْوِ ثَلاَثِ مائَةِ جُزء، مَا كَتَبتُ مِنْهَا حرفاً إِلاَّ وَأَنَا عَلَى وُضوء - أَوْ كَمَا قَالَ -.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَحكِي أَنَّ الملكَ تَاجَ الدَّوْلَة تُتُش بن أَلب آرسلاَن زَار الفَقِيْهَ نصراً يَوْماً، فَلَمْ يَقُمْ لَهُ، وَلاَ الْتَفَتَ إِلَيْهِ، وَكَذَا ابْنُه الْملك دُقَاق، فَسَأَلَهُ عَنْ أَحَلِّ الأَمْوَال الَّتِي يَتصرَّفُ فِيْهَا السُّلْطَان، قَالَ: أَحلُّهَا أَمْوَالُ الجِزْيَة، فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَرْسَل إِلَيْهِ بِمَبْلَغ، وَقَالَ: هَذَا مِنَ الجِزْيَة، فَفَرِّقْهُ عَلَى الأَصْحَاب.
فَلَمْ يَقبلْه، وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ بِنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا ذهب الرَّسُولُ،
__________
(1) ويقال لها: المدرسة الغزالية. انظر التعريف بها في " الدارس ": 1 / 97 و557، و2 / 103.
(2) " عيون التواريخ ": 13 / 78.(19/139)
لاَمه الفَقِيْهُ نَصْر المِصِّيْصِيّ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ حَاجتنَا إِلَيْهِ.
فَقَالَ: لاَ تَجْزَعْ مِنْ فَوَاته، فَسَوْفَ يَأْتيك مِنَ الدُّنْيَا مَا يَكفِيك فِيمَا بَعْدُ، فَكَانَ كَمَا تَفرَّسَ فِيْهِ (1) .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَة مِنَ الزُّهْد وَالتَّنَزُّهِ عَنِ الدُّنْيَا وَالتقشُّف، حَكَى لِي بَعْضُ أَهْل العِلْمِ، قَالَ:
صَحِبتُ إِمَام الحَرَمَيْنِ بِخُرَاسَانَ، وَالشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ بِبَغْدَادَ، فَكَانَ طرِيقُهُ عِنْدِي أَفْضَلَ مِنْ طرِيقَةِ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الشَّام، فَرَأَيْتُ الفَقِيْه أَبَا الفَتْح، فَكَانَتْ طرِيقَتُه أَحْسَنَ مِنْ طَرِيقَتَيْهمَا (2) .
قُلْتُ: كَانَ الفَقِيْهُ نَصْرٌ يُعرف أَيْضاً بِابْنِ أَبِي حَائِط، أَلَّفَ كِتَاب (الانتخَابِ الدِّمَشْقِيِّ) فِي بَضْعَةَ عَشرَ مُجلَّداً، وَلَهُ كِتَاب (التَّهْذِيب) فِي المَذْهَب، فِي عَشْرَة أَسفَار، وَلَهُ كِتَاب (الكَافِي) فِي المَذْهَب، مُجلَّد، مَا فِيْهِ أَقْوَال وَلاَ وُجُوه.
وَعَاشَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ - وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب الصَّغِيْر.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ: تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: فِي مَجَالِسه غَلطَاتٌ، وَأَحَادِيْثُ وَاهيَة.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَحَاسِن مُحَمَّدِ بن هَاشِمِ بنِ عَبد القَاهِر بن عَقِيْل العَبَّاسِيّ بِبُسْتَانه، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ عَقِيْلِ بن عُثْمَانَ العَبَّاسِيّ المُعَدَّل فِي سَنَةِ
__________
(1) " تبيين كذب المفتري ": 286، و" طبقات السبكي ": 5 / 252 - 253.
(2) " تبيين كذب المفتري ": 287، " تهذيب الأسماء واللغات ": 2 / 125، و" طبقات السبكي ": 5 / 253.(19/140)
خَمْس وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّدَى حَسَّانُ بنُ تَمِيم الزَّيَّات سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا سُلَيْم بن أَيُّوْبَ، أَخْبَرَنَا القَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ المَحَامِلِيّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ النُّعْمَانِ، قَالَ:
مَرَرْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ جِبْرِيْل جَالِس بِالمقَاعِد، فَسَلَّمت عَلَيْهِ، وَاجتَزتُ، فَلَمَّا رَجَعتُ، وَانْصَرَفَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِي: (هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي؟)
قُلْتُ: نَعم.
قَالَ: (فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ (1)) .
أَخْبَرَنَا عبدُ الحَافِظ بن بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الخَضِر، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بن أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاهِد، حَدَّثَنَا عَبدوس بن عُمَرَ التِّنِّيْسِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ الفَرْغَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الصُّوْفِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المُقْرِئ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ الحُسَيْنِ، سَمِعْتُ ذَا النُّوْنِ يَقُوْلُ:
كَانَ العُلَمَاء يَتَوَاعِظون بِثَلاَثٍ، وَيَكْتُب بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ: مَنْ أَحْسَنَ سَرِيْرَتَهُ، أَحْسَنَ اللهُ علاَنِيَتَهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله، أَصْلَحَ اللهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصلح أَمر آخرتِهِ، أَصْلَحَ اللهُ أَمر دُنْيَاهُ.
__________
(1) إسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة ": 1 / 299 عبد الله بن عامر بن ربيعة اتفق الشيخان على إخراج حديثه، وقد ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولابيه صحبة مشهورة، وهو في " المسند ": 5 / 433 من طريق عبد الرزاق، عن معمر به، وحارثة بن النعمان هذا رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في الجنة يقرأ القرآن، ففي مصنف عبد الرزاق (20119) ومن طريقه أحمد: 6 / 151، و166 عن معمر، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذلك البر " وكان أبر الناس بأمه. وإسناده صحيح، وصححه الحاكم: 3 / 208، ووافقه الذهبي.(19/141)
حكَى الفَقِيْه نَصْرٌ (1) عَنْ شَيْخه نَصْرٍ أَنَّهُ قَبْل مَوْتِه بِلحظَة سَمِعَهُ وَهُوَ يَقُوْلُ: يَا سَيِّدي أَمهلُونِي، أَنَا مَأْمُوْر وَأَنْتُم مَأْمورُوْنَ، ثُمَّ سَمِعْتُ المُؤَذِّن بِالعصر، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدي المُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ.
فَقَالَ: أَجْلِسنِي، فَأَجلستُهُ، فَأَحرم بِالصَّلاَة، وَوَضَعَ يَده عَلَى الأُخْرَى وَصَلَّى، ثُمَّ تُوُفِّيَ مِنْ سَاعتِهِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
أَرَّخَ ابْنُ عَسَاكِرَ وَفَاةَ الفَقِيْه نَصْرٍ فِي يَوْم عَاشُورَاء، سَنَة تِسْعِيْنَ (2) ، فَقَالَ مَنْ شَيَّعه: لَمْ يُمكنَّا دَفنُه إِلَى قَرِيْب المَغْرِب، لأَنْ الخلقَ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَلَمْ نَر جِنَازَة مِثْلهَا، وَأَقمنَا عَلَى قَبْرِهِ سَبْعَ لَيَالٍ (3) .
قُلْتُ: وَفِيْهَا مَاتَ:
شَيْخُ المَالِكِيَّة أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ العَبْدِيُّ البَصْرِيُّ ابْن الصَّوَّاف (4) عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ تَصَانِيْفُ جَمَّة.
وَمُسْنِدُ أَصْبَهَان أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السِّمْسَار (5) ، خَاتمَة مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الجُرْجَانِيّ.
وَشيخُ هَمَذَان أَبُو الفَتْحِ عَبدوسُ (6) بنُ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبدوس عَنْ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَشيخُ القُرَّاءِ بِبَغْدَادَ أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بن أَحْمَدَ السِّيبِي (7) ، تَلاَ عَلَى الحَمَّامِي، وَعُمِّر مائَةً وَسنتين.
__________
(1) يعني نصر الله المصيصي.
(2) أي: وأربع مئة.
(3) انظر " تبيين كذب المفتري ": 287.
(4) ستأتي ترجمته في هذا الجزء برقم (83) .
(5) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (20) .
(6) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (54) .
(7) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (55) .(19/142)
حكَى الفَقِيْهُ نَصْرُ اللهِ المَصِّيْصِيّ، عَنِ الفَقِيْه نَصْر، قَالَ:
أَدْرَكْتُ القُضَاعِيَّ، وَلَوْ أَردتُ أَنْ أَسْمَع مِنْهُ لَفعلتُ، وَلَكِنِّي تَوَرَّعتُ لأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ يَترسَّل لِلمصرِيِّين، ثُمَّ احتجتُ فِي التَّخرِيجِ، فَرويتُ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ.
قَالَ نَصْرُ اللهِ: أَوّل مَا تَفَقَّهَ الفَقِيْه نَصْر بِالقُدْس، ثُمَّ سَارَ إِلَى ديَار بكر، وَرَأَى الكَازَرُوْنِي، ثُمَّ لقِي سُليماً ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ أَبُوْهُ فَامِيّاً (1) ، وَكَانَ الفَقِيْهُ رَبْعَةً، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ غَيْرُ اللَّحْم وَالعَظْم، وَكَانَ فِي القُدْس يَعمل الدَّعوَاتِ لِتلاَمِيذه، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِم شَيْئاً كَثِيْراً مِنْ وَقْفٍ كَانَ عَلَيْهِم.
73 - النَّسَفِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيِّ بن مُوْسَى بن إِسْرَافِيل النَّسَفِي، وَلَدُ مُفْتِي نَسَفَ القَاضِي أَبِي الفوَارس.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنَ: الحَافِظ جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ المُسْتَغْفِرِي، وَلاَزَمه، وَمِنْ أَبِي نُعَيْمٍ حُسَيْن بن مُحَمَّد صَاحِب خلف الخيَّام، وَمِنْ مُعتمد بن مُحَمَّدٍ المَكْحُوْلِيّ، وَعَدَدٍ كَثِيْر لاَ أَعْرِفُهُم، وَرَوَى الكَثِيْر بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْد.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُحَدِّث عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَأَبُو ثَابِتٍ الحُسَيْن بن عَلِيٍّ البَزْدوِي، وَأَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
لحق السَّمْعَانِيُّ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ أَصْحَابَه.
__________
(1) وهو الذي يبيع الحبوب اليابسة والفواكه المجففة، ويقال له: البقال.
(*) شذرات الذهب: 3 / 381.(19/143)
تُوُفِّيَ: بِنَسَفَ، فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
74 - الكَرَجِيُّ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ خُدَادَادَ الكَرَجِيُّ، البَاقِلاَّنِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ كِتَابَ (السُّنَن) لِسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَسَمِعَ مِنَ البَرْقَانِيّ، وَعَبْدِ الْملك بن بِشْرَان، وَجَمَاعَة كُتباً مُطَوَّلَة يَنْفَرِدُ بِهَا، وَهُوَ ابْنُ خَالِ الحَافِظ أَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَرفِيقُه فِي الطَّلَب.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لِلسِّلَفِي.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ شَيْخاً عَفِيْفاً زَاهِداً مُنْقَطِعاً إِلَى اللهِ، ثِقَةً فَهماً، لاَ يَظهر إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ.
سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو طَاهِرٍ البَاقِلاَّنِيّ أَكْثَرَ مَعْرِفَةً مِنْ أَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَكَانَ زَاهِداً، حسنَ الطَّرِيقَة، مَا حَدَّثَ فِي الجَامِع، وَكَانَ يَقُوْلُ لَنَا: أَنَا بِحُكْمِكُم إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ لِلْتَبْكِيرِ (1) وَالتِّلاَوَة، وَكتبُوا أَسْمَاءَ شُيُوْخ بَغْدَاد لِنظَام المُلْكِ،
__________
(*) المنتظم: 9 / 98، العبر: 3 / 324، تذكرة الحفاظ: 4 / 1227، الوافي بالوفيات: 6 / 306، عيون التواريخ: 13 / اللوحة: 56، شذرات الذهب: 3 / 392.
وقد تصحف في معظم المصادر إلى الكرخي بالخاء المعجمة.
(1) أي: لصلاة الجمعة، لحديث أوس بن أوس الثقفي مرفوعا: " من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الامام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها ".
أخرجه أبو داوود (345) ، وأحمد: 4 / 104، =(19/144)
وَأَلَحُّوا عَلَى أَبِي طَاهِر، فَمَا أَجَابَ إِلَى المَجِيْء إِلَيْهِ (1) .
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
75 - ابْنُ أَيُّوْبَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَيُّوْبَ البَغْدَادِيّ، المَرَاتِبِيّ (2) ، البَزَّاز.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَعبدَ الغفَّار المُؤَدِّب.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصر، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَخطيبُ المَوْصِل، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مِنْ خيَار البَغْدَادِيِّيْنَ، وَمُتَمَيِّزِيهِم، وَمِنْ
__________
= والترمذي (496) ، والنسائي: 3 / 97، وابن ماجة (1087) ، وإسناده صحيح.
ولحديث أبي هريرة مرفوعا: " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام، حضرت الملائكة يستمعون الذكر " أخرجه مالك: 1 / 101، ومن طريقه البخاري: 2 / 304 - 305، ومسلم: (850) .
(1) المنتظم: 9 / 98، وفيه قال: أبو الفضل بن خيرون قرابتي، وما أنفرد أنا بشيء عنه، ما سمعته قد سمعه، وهو في خزانة الخليفة فما يمتنع عليكم، فأما أنا فلا أحضر.
(*) المنتظم: 9 / 111، العبر: 3 / 334، عيون التواريخ: 13 / 91، شذرات الذهب: 3 / 398.
(2) نسبة إلى باب المراتب أحد أبواب الخلافة ببغداد، قال ياقوت: كان من أجل أبوابها وأشرفها، وكان حاجبه عظيم القدر، ونافذ الامر، فأما الآن فهو في طرف من البلد بعيد كالمهجور لم يبق فيه إلا دور قوم من أهل البيوتات القديمة.(19/145)
بَيْت الصَّوْنِ وَالعَفَافِ وَالثِّقَةِ وَالنَّزَاهَة.
وُلِدَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ: يَوْمَ عَرفَةَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ شُجَاعاً عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ صَحِيْح السَّمَاعِ، ثِقَةً فِي رِوَايَته، سَمِعْتُ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ سُكَّرَة: شَيْخٌ مِنَ التُّجَّار نبيلٌ بَزَّازٌ مَسْتُور.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَربِي: هُوَ ثِقَةٌ عدلٌ، وَأَصله مِنَ المَوْصِل.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي: سَأَلتُهُ عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: الغَالِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: شَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو البَرَكَات بن طَاوُوْس، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عبدِ القاَدِرِ بن يُوْسُفَ اليُوسُفِي (1) ، وَمُسْنِدُ بَلْخ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِي (2) ، وَصَاحِبُ غَزْنَة (3) إِبْرَاهِيْمُ بن مَسْعُوْدِ بنِ فَاتِح الهِنْد مَحْمُوْد بن سُبُكْتِكِين، وَشَاعِرُ وَقته أَبُو القَاسِمِ أَسَعْدُ بن عَلِيٍّ الزَّوْزَنِي، وَأَبُو تُرَاب عبد البَاقِي بن يُوْسُفَ المَرَاغِيّ (4) الفَقِيْه، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ الخِلَعِي (5) ، وَأَبُو أَحْمَدَ فَضلاَن بن عُثْمَانَ القَيْسِيّ بِأَصْبَهَانَ، وَالمُحَدِّثُ مَكِّيُّ بنُ عَبْد السَّلاَمِ الرُّمَيْلِي (6) شهيداً فِي أَخْذِ بَيْت المَقْدِسِ.
__________
(1) ستأتي ترجمته برقم (89) .
(2) تقدمت ترجتمته برقم (41) .
(3) ستأتي ترجمته برقم (82) .
(4) ستأتي ترجمته برقم (93) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (42) .
(6) ستأتي ترجمته برقم (99) .(19/146)
76 - السَّرْخَسيُّ الفَضْلُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الفَضْلِ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، أَبُو العَبَّاسِ الفَضْلُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الفَضْلِ السَّرْخَسيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيّ، الحَنَفِيُّ، التَّاجِر.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السَّرَّاج، وَابْنِ عَبْدَان، وَأَبِي سَهْل بن حَسْنُويه، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَصَاعِد بن مُحَمَّدٍ القَاضِي، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عبُّويه المَرْوَزِيّ الأَنْبَارِيّ بِمَرْو، وَأَبِي سَهل الكَلابَاذِي بِبُخَارَى.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدِمَ بَغْدَاد فِي سَنَةِ عشرٍ مَعَ أَبِيْهِ لِلتِّجَارَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ مُسِنٌّ مُعَمِّرٌ، حُسْنُ السِّيْرَةِ، ذُو نِعمَةٍ وَثروَة، حَدَّثَنَا عَنْهُ عَمِّي الحَسَنُ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو مُضَرَ الطَّبَرِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن الفُرَاوِي، وَنَاصرُ بنُ سَلْمَانَ الأَنْصَارِيّ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ.
قَالَ: وَقَرَأْتُ بِخَطِّ إِسْمَاعِيْل بنِ عبد الغَافِر: طَلبُوا مِنَ الفَضْل هَذَا أَلفَيْ دِيْنَارٍ، وَأَخَذوهُ، وَضَربوهُ، وَضَمِنَهُ ابْنُ صَاعِد، وَبَقِيَ أَيَّاماً، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَا وَجدُوا لَهُ شَيْئاً، فَإِنَّ ابْنَه هَرَبَ وَأَصْحَابه، وَكَانَ صُلْباً فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفُرَاتِ بِدِمَشْقَ (1) ، وَكَانَ
__________
(*) السياق: الورقة: 75 أ، الجواهر المضية: 2 / 694 - 695، الطبقات السنية: رقم: 1704.
(1) تقدمت ترجمته برقم (66) .(19/147)
يَترفَّض، وَالمُفْتِي سَعْدُ بن عَلِيٍّ العِجْلِيّ (1) بهَمَذَان، وَعبدُ الخَالِق بن مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ المُؤَدِّب ابنُ الأَبْرَصِ (2) - لقِي اللاَّلْكَائِيّ - وَشيخُ الشَّافعيَة أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ المَرْوَزِيّ الزَّاز (3) ، وَالعَلاَّمَةُ أَبُو سَعِيْدٍ عبدُ الوَاحِد بن القُشَيْرِيّ، وَعزِيزِي بنُ عَبْدِ المَلِكِ الجيلِي القَاضِي شَيْذَلَه (4) ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الرَّاذَانِي الحَنْبَلِيّ العَابِدُ، وَأَبُو مَسْعُوْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السُّوذَرْجَانِي، وَالقَاضِي أَبُو نَصْرٍ بنُ وَدْعَان المَوْصِلِيّ (5) ، وَمَنْصُوْرُ بن بَكْرِ بنِ حِيْد (6) ، وَنَصْرُ بن البَطِرِ مُسْنِد الوَقْت، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الأَخْرَم المُؤَذِّن (7) .
77 - الجَيَّانِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الحُجَّةُ، النَّاقِدُ، مُحَدِّث الأَنْدَلُس، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الجَيَّانِيُّ (8) ، صَاحِبُ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (118) من هذا الجزء.
(2) سترد ترجمته برقم (119) من هذا الجزء.
(3) سترد ترجمته برقم (80) من هذا الجزء.
(4) سترد ترجمته برقم (96) من هذا الجزء.
(5) واسمه محمد بن علي بن ودعان المتوفى سنة 494، وهو متهم بالكذب، وسيترجمه المؤلف برقم (90) من هذا الجزء.
(6) سترد ترجمته برقم (102) من هذا الجزء.
(7) سترد ترجمته برقم (84) من هذا الجزء.
(*) الصلة: 1 / 142 - 144، بغية الملتمس: الضبي: 265، 266، وفيات الأعيان: 2 / 180، العبر: 3 / 351، تذكرة الحفاظ: 4 / 1233، الوافي بالوفيات: (خ) 11 / 105، عيون التواريخ: 13 / 135 - 136، مرآة الجنان: 3 / 46، 161، البداية والنهاية: 12 / 165، الديباج المذهب: 1 / 332 - 333، النجوم الزاهرة: 5 / 192، كشف الظنون: 88، 470، شذرات الذهب: 3 / 408، 409، فهرس الفهارس: 2 / 254، شجرة النور: 1 / 128، أزهار الرياض: 3 / 149.
(8) قال ابن بشكوال: 1 / 143: ويعرف بالجياني، وليس منها إنما نزلها أبوه في الفتنة البربرية حوالي 400 هـ، وأصلهم من الزهراء.(19/148)
كِتَاب (تَقييد المُهْمَل (1)) .
مَوْلِدُهُ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: حَكَمِ بن مُحَمَّدٍ الجُذَامِيّ - وَهُوَ أَعْلَى شَيْخٍ لَهُ - وَحَاتِم بن مُحَمَّدٍ الطَّرَابُلُسِي، وَأَبِي عُمَرَ بن عبد البَرّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عَتَّاب، وَالمُحَدِّثِ أَبِي عُمَرَ بن الحَذَّاء، وَأَبِي شَاكِرٍ عبد الوَاحِد القَبْرِي (2) ، وَسِرَاجِ بن عَبْدِ اللهِ القَاضِي، وَأَبِي الوَلِيْدِ سُلَيْمَانَ بنِ خَلَفٍ البَاجِي، وَأَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ دِلْهَاث، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم.
وَلَمْ يَرْحَلْ مِنَ الأَنْدَلُس، وَكَانَ مِنْ جَهَابذَةِ الحُفَّاظ، قَوِيَّ العَرَبِيَّةِ، بارعَ اللُّغَة، مُقَدَّماً فِي الآدَابِ وَالشِّعر وَالنَّسَب.
لَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ فِي هَذِهِ الفُنُوْنِ، نَعَتَه بِهَذَا وَأَكْثَرَ مِنْهُ خَلَفُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحَافِظ، وَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَوصفُوهُ بِالجَلاَلَةِ، وَالحِفْظِ، وَالنَّباهَةِ، وَالتَّوَاضع، وَالصِّيَانَةِ.
قَالَ أَبُو زَيْد السُّهَيْلِي (3) فِي (الرَّوض الأُنف) :حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ طَاهِرٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، أَنَّ أَبَا عُمَر بنَ عَبْدِ البَرّ قَالَ لَهُ: أَمَانَةُ الله فِي
__________
(1) وهو كتاب جيد في بابه، غاية في النفاسة، قيد فيه المهمل، وميز المشكل بين الأسماء والكنى والأنساب لمن ذكر اسمه في صحيحي البخاري ومسلم، ويقع في عشرة أجزاء بمجلدين، ولم يطبع بعد، وعندنا منه مصورة عن أصل جيد، عليه سماع تاريخه سنة 548 هـ.
(2) نسبة إلى قبرة مدينة بالاندلس بينها وبين قرطبة ثلاثون ميلا.
(3) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ السهيلي الأندلسي المالكي، مؤرخ محدث حافظ، له عدة مؤلفات غير كتاب " الروض " منها كتاب " التعريف والاعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والاعلام "، وكتاب " نتائج الفكر "، ومسائل كثيرة مفيدة، توفي في مراكش سنة (581) هـ.(19/149)
عُنُقِكَ؛ مَتَى عثرتَ عَلَى اسمٍ مِنْ أَسْمَاء الصَّحَابَة لَمْ أَذْكُره؛ إِلاَّ أَلحقتَه فِي كِتَابِي، يَعْنِي (الاسْتيعَاب) .
قَالَ ابْنُ بَشكُوَال (1) :سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ بنَ مُغِيْث قَالَ:
كَانَ أَبُو عَلِيٍّ الجيَّانِي مِنْ أَكملِ مَنْ رَأَيْتُ عِلْماً بِالحَدِيْثِ، وَمَعْرِفَةً بِطُرِقِهِ، وَحفظاً لرِجَاله، عَانَى كَتْبَ اللُّغَةِ، وَأَكْثَرَ مِنْ رِوَايَةِ الأَشعَار، وَجَمَعَ مِنْ سَعَةِ الرِّوَايَة مَا لَمْ يَجْمَعْه أَحَدٌ أَدْركنَاهُ، وَصَحَّحَ مِنَ الكُتُب مَا لَمْ يُصحِّحه غَيْرُه مِنَ الحُفَّاظِ، فَكُتُبُه حُجَّةٌ بِالغَة، جَمع كِتَاباً فِي رِجَال (الصَّحِيْحَيْنِ) سَمَّاهُ (تَقييد المُهمل وَتَمْيِيز المُشكل) ، وَهُوَ كِتَابٌ حسنٌ مفِيدٌ، أَخَذَهُ النَّاسُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ بَشكُوَال: سَمِعْنَاهُ عَلَى القَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الحَجَّاجِ عَنْهُ ... لَزِمَ بَيْته مُدَّةً لِزَمَانَةٍ لَحِقَتْهُ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: مُحَمَّدُ بن مُحَمَّدِ بنِ حَكَمٍ البَاهِلِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الجَيَّانِي، المُلَقَّب بِالبَغْدَادِيّ، وَالقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو العَلاَءِ زَهْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الإِيَادِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ سِمَاك الغَرْنَاطِي، وَالحَافِظُ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَيُوْسُفُ بن يَبْقَى (2) النَّحْوِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَلِيْلٍ القَيْسِيّ مُسْنِدُ مَرَّاكُش، فَحَدَّث عَنْهُ (بصَحِيْح مُسْلِم) فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
تُوُفِّيَ الأُسْتَاذ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ: فِي لَيْلَة الجُمُعَة، ثَانِي عشر شَعْبَان، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) في " الصلة ": 1 / 143.
(2) بفتح الياء والقاف وسكون الباء، ويعرف بابن يسعون، كان أديبا نحويا لغويا، حسن الخط والوراقة، توفي في حدود سنة 540 هـ، انظر " بغية الوعاة ": 2 / 363.(19/150)
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الأَمِيْن، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنَيْرٍ المَالِكِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَكَمٍ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، حَدَّثَنَا حَكَمُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ بِمَكَّةَ إِمْلاَءً، سَنَة عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَة، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَا تَحَابَّ رَجُلاَنِ فِي اللهِ إِلاَّ كَانَ أَفْضَلُهُمَا أَشَدَّهُمَا حُبّاً لِصَاحِبِهِ (1)) .
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ.
وَمَاتَ مَعَ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ: مُفِيدُ بَغْدَاد أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَرَدَانِي (2) عَنْ سَبعِينَ سَنَةً، وَالحَافِظُ مفِيدُ أَصْبَهَان أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى بن مَرْدَوَيْه (3) ، وَمُسْنِدُ خُرَاسَان أَبُو عَلِيٍّ نَصْرُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الخُشْنَامِي (4) ، وَشيخُ الْحرم المُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ الشَّافِعِيّ (5) ، وَمُقْرِئُ بَغْدَادَ أَبُو المَعَالِي ثَابِتُ بنُ بُنْدَارَ (6) البَقَّال، وَمُسْنِدُ بَغْدَاد الشَّرِيْف أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَنْصَارِيّ.
__________
(1) رجاله ثقات، وسنده قوي، فقد صرح مبارك بن فضالة بالتحديث عند البخاري في " الأدب المفرد ": 544.
وابن حبان في صحيحه: 2509، وصححه الحاكم: 4 / 171، ووافقه الذهبي.
(2) سترد ترجمته برقم (136) من هذا الجزء.
(3) سترد ترجمته برقم (126) من هذا الجزء.
(4) سترد ترجمته برقم (91) من هذا الجزء.
(5) سترد ترجمته برقم (123) من هذا الجزء.
(6) سترد ترجمته برقم (124) من هذا الجزء.(19/151)
78 - الكُتُبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ هَرَاة، الحَاكِمُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُتُبِيّ، الهَرَوِيّ، المُؤَرِّخ.
سَمِعَ: سَعِيْدَ بنَ العَبَّاسِ القُرَشِيّ، وَالحَافِظ أَبَا يَعْقُوْب القرَّاب، وَسَالِم بن عَبْدِ اللهِ أَبَا مَعْمر، وَطَبَقَتهُم.
وَعَنْهُ: أَبُو النَّضْرِ الفَامِي، وَعبدُ الرَّشِيْد بن نَاصر، وَعَبْدُ الْملك بن عَبْدِ اللهِ، وَمَسْعُوْدُ بن مُحَمَّدٍ الغَانِمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
أَثْنَى عَلَيْهِ السَّمْعَانِيّ، وَقَالَ: لَهُ عِنَايَة تَامَّة بِالتَّوَارِيخ، وَيُلَقَّبُ بِحَاكِم كُرَّاسَة (1) .
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
79 - الشِّيحِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الجَوَّال، الصَّدُوْقُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ شُهْدَانْكَه الشِّيحِي (2) ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الفَقِيْه،
__________
(*) السياق: الورقة: 11 ب.
(1) وقد جمع التاريخ لوفاة المشايخ بعد إسحاق بن إبراهيم القراب إلى غيره، ذكر فيه كل من بلغه ذكره من المشايخ المعروفين السادة والكبار من البلدان في النواحي والاقطار، وذكر عبد الغافر الفارسي بأنه طالعه واستفاد منه بهراة.
انظر التعليق على التحبير: 1 / 499.
(* *) الأنساب: 7 / 442، المنتظم: 9 / 100، معجم البلدان: 3 / 379، اللباب: 2 / 220، العبر: 3 / 324 - 325، المشتبه: 349، تذكرة الحفاظ: 4 / 1227، عيون التواريخ: 13 / 55، البداية والنهاية: 12 / 153، التبصير: 721، شذرات الذهب: 3 / 392.
(2) تحرف في البداية: 12 / 153 إلى الشنجي، وشهدانكه، إلى: شهداء مكة.(19/152)
المَالِكِيّ، النَّصْرِيّ، مِنْ مَحلَة النَّصْرِيَّةِ، التَّاجِرُ، السَّفَّار.
قَالَ غَيثُ بن عَلِيٍّ: قَالَ لِي: وُلِدَتُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعْتُ فِي سَنَةِ (427) .
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الصَّقْر، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدَ بن مُحَمَّدِ بنِ السَّوَّاق، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَأَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَعِدَّة.
وَبمصرَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ الطَّفَّال، وَأَبَا القَاسِمِ الفَارِسِيّ.
وَبِدِمَشْقَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد بن يَحْيَى بنِ سَلْوَانَ.
وَبَالرَّحْبَة: عُبيد الله بن أَحْمَدَ الرَّقِّيّ، وَعِدَّةً.
وَكَتَبَ بِخطِّه أَكْثَر تَصَانِيْفه.
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ - شَيْخُه - وَأَبُو السُّعُوْد المُجلِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ عَبْد السَّلاَمِ، وَالفَقِيْه سَعِيْدُ بن مُحَمَّدٍ الرَّزَّاز، وَابْنُ نَاصرٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَابْنُ البَطِّي، وَخَلْقٌ.
سُئِلَ عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، فَقَالَ: شَيْخٌ جَليلٌ فَاضِلٌ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العَبْدرِي: كَانَ مِنْ أَنبلِ مَنْ رَأَيْتُ وَأَوثقَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: كَانَ فَاضِلاً نبيلاً كيِّساً ثِقَةً، وَكَانَ عِنْدَهُ أَصلُ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب (بتَارِيخ بَغْدَاد) ، خصَّه بِهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ الَّذِي نَقل الخَطِيْبَ إِلَى العِرَاقِ، فَأَهدى إِلَيْهِ (تَارِيخَه) بِخَطِّهِ (1) .
__________
(1) في البداية: 12 / 153: وأكثر عن الخطيب وهو بصور، وهو الذي حمله إلى العراق، فلهذا أهدى إليه الخطيب تاريخ بغداد بخطه، وقال ابن الجوزي في المنتظم: 9 / 100: وروى عنه الخطيب في تصانيفه فسماه عبد الله، وكان يسمى عبد الله، وكان ثقة خيرا دينا توفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من هذه السنة (489) ، ودفن بمقبرة باب حرب.(19/153)
وَقَالَ البَرَدَانِي (1) :كَانَ أَمِيناً سَرِيّاً مُتَمَوِّلاً، كَتَبَ كَثِيْراً، مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
80 - الزَّازُ أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ (2) *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافعيَّةِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ زَازَ السَّرْخَسيُّ، الشَّافِعِيُّ، فَقِيْهُ مَرْوَ، وَيُعْرَفُ: بِالزَّاز.
كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي حِفْظِ المَذْهَب، اشْتهرت كُتُبُه، وَكَثُرَتْ تلاَمِذَتُه، وَقُصِدَ مِنَ النَّوَاحِي.
تَفقَّه بِالقَاضِي حُسَيْن.
وَسَمِعَ: الأُسْتَاذ أَبَا القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَالحَسَنَ بن عَلِيٍّ المُطَوِّعِي، وَأَبَا المُظَفَّر مُحَمَّد بن أَحْمَدَ التَّمِيْمِيّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَعُنِي بِالآثَار.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّنْجِيّ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي مُطِيع، وَآخَرُوْنَ.
وَمَاتَ قَبْلَ مَحلِّ الرِّوَايَة، فَقَلَّ مَا خرجَ عَنْهُ.
__________
(1) نسبة إلى (بردان) : قرية من قرى بغداد.
(2) في " الأنساب ": 6 / 219: الزاز، بالالف بين الزايين المنقوطتين، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه، وهو الزاز، هكذا سمعت: أبا سعد الزاز، والمشهور بهذه النسبة إمام عصره بلا مدافعة علما وزهدا وورعا..، أبو ... عبد الرحمن بن ... ، في أصول الأنساب بياض في مكان النقط فيستدرك من هنا.
(*) المنتظم: 9 / 125 - 126، معجم البلدان: 3 / 209، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 263، تاريخ الإسلام: 2 / 173، العبر: 3 / 339، عيون التواريخ: 13 / 106 - 107، طبقات الشافعية الكبرى: 5 / 101 - 104، البداية والنهاية: 12 / 160، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 41 ب - 42 أ، كشف الظنون: 163، شذرات الذهب: 3 / 400، هدية العارفين: 1 / 158.(19/154)
صَنَّف كِتَاب (الإِملاَء) فِي المَذْهَب، وَانتشر فِي البِلاَد، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدّين، ثَخِينَ الوَرَع، مُحتَاطاً فِي القُوْت، بِحَيْثُ إِنَّهُ ترك أَكل الرُّزِّ، لأَنَّه لاَ يَزرعه إِلاَّ الجُنْدُ (1) ، وَكَانَ عَدِيم النّظير فِي الفَتْوَى.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
81 - القُوْمَسانِيُّ أَبُو الفَرَجِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، البَارعُ، مُحَدِّثُ هَمَذَان، أَبُو الفَرَجِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ القُوْمِسانِيُّ، ثُمَّ الهَمَذَانِيُّ، العَابِدُ.
رَوَى عَنْ: جَدِّهِ عُثْمَان بن أَحْمَدَ بنِ مَزْدين، وَوَالِدِهِ أَبِي الفَضْلِ، وَعُمَر بن جَابَاره (2) ، وَابْن غَزْو النَّهَاوَنْدي، وَطَبَقَتِهم.
وَبِبَغْدَادَ: أَبِي الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَطَبَقَتِهِ.
قَالَ شِيْرَوَيْه: هُوَ شَيْخُ بَلدنَا، وَالمُشَارُ إِلَيْهِ بِالصَّلاَحِ، وَكَانَ ثِقَةً حَافِظاً، حَسنَ المَعْرِفَة بِالرِّجَالِ وَالمُتُوْنِ، وَحِيدَ عصره فِي حِفْظِ شَرَائِع الإِسْلاَم وَشِعَارِهِ، تَولَّيتُ غسله فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَعَاشَ ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَذَكَرَهُ السِّلَفِيّ فِيْمَنْ أَجَازَ لَهُ، وَأَنَّهُ مَشْهُوْر بِالمَعْرِفَة التَّامَّة بِالحَدِيْثِ.
__________
(1) في طبقات الشافعية للسبكي: 5 / 102: " لأنه يحتاج إذا زرع إلى ماء كثير، وصاحبه قل ألا يظلم غيره في سقي الماء ".
(*) المنتظم: 9 / 140، معجم البلدان: 4 / 414، البداية والنهاية: 12 / 164.
(2) كذا الأصل، ونقل عبد الرحمن المعلمي قول ابن نقطة في استدراكه على الإكمال: " وأما جابار - آخره راء - فهو ... ، وعمر بن جابار بن عمر، أبو حفص، روى عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الريحاني، سمع منه الميداني ".
انظر " الإكمال " 2 / 11.(19/155)
82 - صَاحِبُ الهِنْدِ أَبُو المُظَفَّرِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ مَحْمُوْد بن سُبُكْتِكِينَ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، أَبُو المُظَفَّرِ إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ السُّلْطَان مَسْعُوْدِ ابْنِ السُّلْطَانِ فَاتِح الهِنْد وَمُبيدِ البُدِّ (1) مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِينَ، صَاحِب غَزْنَة.
كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مَلِكاً عَادِلاً، مُنْصِفاً سَائِساً، شُجَاعاً مِقْدَاماً جَوَاداً، محبباً إِلَى الرَّعيَّة، وَاسِعَ المَمَالِكِ (2) ، دَام فِي السَّلْطنَةِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَعَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
83 - العَبْدِيُّ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ **
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ زَكَرِيَّا العَبْدِيُّ، البَصْرِيُّ، المَالِكِيّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الصَّوَّاف، مَسكنه القَسَامِل؛ مَحلَّة بِالبَصْرَةِ (3) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 109، 110، الكامل: 10 / 5 - 6، 167، وفيه توفي سنة 481 هـ، دول الإسلام: 2 / 10، العبر: 3 / 225، تتمة المختصر: 2 / 9، عيون التواريخ: 13 / 89 - 90، البداية والنهاية: 12 / 157، النجوم الزاهرة: 5 / 164.
(1) البد: بيت فيه أصنام وتصاوير، وقيل: البد: الصنم نفسه الذي يعبد، فارسي معرب، ويقصد به هنا الصنم (سومنات) الذي كان يعبد في الهند عندما غزاها السلطان محمود سنة 416 هـ، فكسر الصنم وأخذ ما كان عليه من مال وجوهر، وأخذ قطعة من الصنم فجعلها عتبة مسجد غزنة، وقد أورد المؤلف خبر هذه الغزوة مطولا في الجزء السابع عشر في ترجمة السلطان محمود برقم (319) . فانظره هناك.
(2) وكان يقول - كما في الكامل: 10 / 167 -: لو كنت موضع أبي مسعود بعد وفاة جدي محمود، لما انفصمت عرى مملكتنا، ولكنني الآن عاجز عن أن أسترد ما أخذوه، واستولى عليه ملوك قد اتسعت مملكتهم، وعظمت عساكرهم.
(* *) ترتيب المدارك: 4 / 791، المنتظم: 9 / 103، العبر: 3 / 328، البداية والنهاية: 12 / 154، الديباج المذهب: 1 / 175، شذرات الذهب: 3 / 394، شجرة النور الزكية: 116.
(3) قال ياقوت: قسامل: بالفتح قبيلة من اليمن ثم الازد، يقال لهم القساملة، لهم =(19/156)
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: إِبْرَاهِيْمَ بنَ طَلْحَةَ، وَعِدَّةً بِالبَصْرَةِ، وَابْنَ شَاذَان، وَالبَرْقَانِيَّ بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي، وَأَبُو بَكْرٍ عَتِيْق النَّفْزَاوِي، وَجَابِر بن مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ البُوْشَنْجِيّ.
تَفقَّه بعَلِيّ بن هَارُوْنَ البَصْرِيّ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، مِنْهُم: أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ بَاخِي، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ ضَابح.
وَسَمِعَ مِنْهُ خلقٌ، وَأَملَى مَجَالِسَ، وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً قَانِعاً مَهِيْباً.
قَالَ جَابِرُ بن مُحَمَّدٍ: كَانَ فَرِيْدَ عَصره، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ، وَقِيْلَ: كَانَ إِمَاماً فِي عَشْرَةِ عُلُوْم، مَاتَ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ كَمَّل التِّسْعِيْنَ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: كَانَ أَبُو يَعْلَى العَبْدِيّ يُمْلِي الحَدِيْثَ، وَعَلَى رَأْسِهِ مُسْتَمليَان يُسْمِعَان النَّاس، سَمِعَ مِنْهُ عَالَمٌ عَظِيْمٌ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ مُدرِّساً مُتَزهِّداً، خَشِنَ الْعَيْش، مُجِدّاً فِي العِبَادَةِ، ذَا سَمتٍ وَوَقَار (1) .
84 - ابْنُ الأَخْرَمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المَدِيْنِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، بَقِيَّةُ المُسْنَدينَ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ
__________
= خطة بالبصرة تعرف بقسامل هي الآن عامرة آهلة بين عظم البلد وشاطئ دجلة رأيتها، وهي علم مرتجل لا أعرف غيره في اللغة.
(1) " الديباج المذهب ": 1 / 175.
(*) العبر: 3 / 339، النجوم الزاهرة: 5 / 168، شذرات الذهب: 3 / 401.(19/157)
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بن أَخْرَمَ المَدِيْنِيّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيّ، الصَّنْدَلِي، المُؤَذِّن.
مَوْلِدُهُ: فِي رَجَب، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَيَحْيَى بن إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السَّرَّاج، وَأَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبَا نَصْرٍ أَحْمَد بن عَلِيٍّ الزَّاهِدَ، وَأَبَا صَادِقٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ شَاذَانَ العَطَّار، وَالأُسْتَاذَ أَبَا إِسْحَاقَ الإِسْفرَايينِي، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنَ بن مُحَمَّدِ بنِ مَنْجُوَيْه، وَأَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ عَلِيٍّ الحَافِظ، وَطَائِفَةً، وَعَقَدَ مَجْلِسَ الإِملاَءِ، وَحضَرَهُ الأَعيَانُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفُرَاوِي، وَأَبُو العَبَّاسِ العَصَّارِي، وَعُمَرُ بن الصَّفَّار، وَعبدُ الخَالِق بن زَاهِر، وَالوَزِيْرُ سَعِيْدُ بن سَهْلٍ الفَلَكِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي (تَارِيْخِهِ) :شَيْخٌ عَابِدٌ فَاضِلٌ جَلِيْلٌ، مِنْ تلاَمذَة الإِمَام أَبِي مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، كَانَ يَسكُنُ المَدِيْنَةَ الدَّاخلَة، لَزِمَ مسجدَه سِنِيْنَ، مُنْزَوياً عَنِ النَّاس، قَلَّ مَا يَخْرُج، رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْر، وَعَقَدَ مَجْلِسَ الإِملاَءِ، تُوُفِّيَ فِي ثَامن عشر المُحَرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَفِيْهَا مَاتَ مَعَهُ:
85 - أَسَعْدُ بنُ مَسْعُوْدٍ العُتْبِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
مِنْ ذُرِّيَّة عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ الصَّحَابِيّ.
__________
(*) الأنساب: 8 / 381، المنتظم: 9 / 125، الكامل: 10 / 326.(19/158)
رَوَى عَنِ: الحِيْرِيّ، وَالصَّيْرَفِيّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ الفُرَاوِي، وَعبدُ الخَالِق بن زَاهِر.
86 - الجُرْجَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ *
القَاضِي، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ الجُرْجَانِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ: حَمْزَةَ بنَ يُوْسُفَ السَّهْمِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ الخَنْدَقِي، وَأَصْحَابَ ابْنِ عَدِيٍّ، وَالإِسْمَاعِيلِيَّ.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْر، وَعَبْدِ الغَافِرِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ، وَهَذِهِ الطَّبَقَة.
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَكَانَ ذَا حِفْظٍ وَفَهْمٍ، جمع كِتَاباً فِي مَنَاقِب الشَّافِعِيّ، وَآخَرَ فِي مَنَاقِب أَحْمَد.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ؛ تَمِيمُ بن أَبِي سَعِيْدٍ المُؤَدِّب، وَالجُنَيْد بن مُحَمَّدٍ القَايْنِي (1) ، وَعَلِيّ بن حَمْزَةَ المُوسَوِي، وَوَجيهٌ الشَّحَّامِي، وَأَبُو الأَسْعَد هِبَةُ الرَّحْمَن بن القُشَيْرِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
عَاشَ ثَمَانِيْنَ عَاماً.
وَتُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمِنْ شُيُوخِه: أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْملك بنُ مُحَمَّدٍ الأَسْترَابَاذِيُّ الصَّغِيْر
__________
(*) تذكرة الحفاظ: 4 / 1227، طبقات السبكي: 5 / 94، طبقات الاسنوي: 1 / 358، الإعلان بالتوبيخ: 367، كشف الظنون: 1105، 1840، هدية العارفين: 1 / 453، معجم المؤلفين: 6 / 146.
(1) نسبة إلى قاين: بلدة قريبة من طبس بين نيسابور وأصبهان، خرج منها جماعة من المحدثين، كما في " الأنساب ": 10 / 37.(19/159)
صَاحِبُ أَبِي بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيِّ، وَأَبُو مَعْمرٍ المُفَضَّل بن إِسْمَاعِيْلَ الإِسْمَاعِيْلِي.
87 - الطُّرَيْثِيْثِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ زَكَرِيَّا *
الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، المُسْنِدُ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّة، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ زَكَرِيَّا الطُّرَيْثِيْثِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الصُّوْفِيّ، المَعْرُوف: بِابْنِ زَهْرَاءَ.
مَوْلِدُهُ: فِي شَوَّال، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ السِّلَفِيّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: إِنَّهُ وُلِدَ فِي شَوَّال، سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَابْنَ الفَضْلِ القَطَّان، وَهِبَةَ اللهِ بنَ الحَسَنِ اللاَّلْكَائِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ مَخْلَدٍ، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَعِدَّة، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ رِزْقويه.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: صَحِيْحُ السَّمَاع فِي أَجزَاء، لَكنَّه أَفْسد سَمَاعَاتِهِ بِادِّعَاءِ السَّمَاع مِنِ ابْنِ رِزْقُويه، وَلَمْ يَصِحّ سَمَاعه مِنْهُ (1) .
وَقَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ: مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفه (2) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: لَهُ قَدَمٌ فِي التَّصَوُّفِ، رَأَى المَشَايِخَ، وَخدمَهُم، وَكَانَ حَسَنَ التِّلاَوَة، صَحِبَ أَبَا سَعْد النَّيْسَابُوْرِيّ (3) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 138 - 139، الكامل في التاريخ: 10 / 379، طبقات النووي: الورقة: 54 أ، العبر: 3 / 246، ميزان الاعتدال: 1 / 122، الوافي بالوفيات: 7 / 202، طبقات السبكي: 4 / 39 - 40، لسان الميزان: 1 / 227، 228، شذرات الذهب: 3 / 405.
(1) " طبقات السبكي " 4 / 40.
(2) " المنتظم ": 9 / 139.
(3) " طبقات السبكي ": 4 / 39.(19/160)
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَابْنُ نَاصر، وَعَبْدُ الخَالِقِ اليُوسُفِي، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ خطيبُ المَوْصِل، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ عَبْدُ الغَافِرِ الأَلْمَعِي، وَهِبَةُ اللهِ الشِّيرَازِي، وَعُمَر الرَّوَّاسِي (1) .
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ زَهْرَاءَ وَهُوَ يُقرَأُ عَلَيْهِ جُزءٌ لابْنِ رِزْقويه، فَقُلْتُ: مَتَى وُلدتَ؟
قَالَ: سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.
فَقُلْتُ: فَابْنِ رِزْقويه فِي هَذِهِ السّنَة تُوُفِّيَ!
وَأَخَذتُ الجُزْءَ، وَضَربتُ عَلَى التَّسمِيْع، فَقَامَ وَخَرَجَ مِنَ المَسْجَدِ (2) .
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ كَذَّاباً.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ أَجْلُّ شَيْخ رَأَيْتُهُ لِلصُّوْفِيَّة، وَأَكْثَرُهُم حُرمَةً وَهَيْبَةً عِنْد أَصْحَابِه، لَمْ يُقرَأ عَلَيْهِ إِلاَّ مِنْ أَصلٍ، وَكُفَّ بَصَره بِأَخَرَةٍ، وَكَتَبَ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ الكِرْمَانِيّ أَجزَاءَ طَرِيَّةً، فَحَدَّثَ بِهَا اعتمَاداً عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْرِفُ طَرِيْقَ المُحَدِّثِيْنَ وَدقَائِقَهُم (3) ، وَإِلاَّ فَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ، وَأُصُوْله كَالشَّمْس وُضُوحاً.
وَقَالَ أَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ: مَوْلِدُهُ فِي شَوَّال، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ
__________
(1) وقيل له الرواسي، لان والده كان يبيع الرؤوس بدهستان، وكان ابنه عمر يعمل معه، ثم تحول إلى طلب الحديث وسماعه بسبب أبي مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البجلي الرازي في خبر مطول أورده السمعاني في " الأنساب ": 6 / 173.
(2) " المنتظم ": 9 / 139.
(3) قال الحافظ في " لسان الميزان ": 1 / 228 بعد نقله كلام السلفي هذا: فما كان من حديث يرويه السلفي عنه فإنا نعلم في الجملة أنه من صحيح سماعاته.(19/161)
فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
88 - الإِسْفَرَايينِيُّ أَبُو الفَرَجِ سَهْلُ بنُ بِشْرِ بن أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، الرَّحَّال، أَبُو الفَرَجِ سَهْلُ بنُ بِشْرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الإِسْفرَايينِي، الصُّوفِي، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
سَمِعَ بِمِصْرَ: عَلِيَّ بنَ حِمِّصَة، وَعَلِيَّ بنَ مُنِيْر، وَعَلِيَّ بنَ رَبِيْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الطَّفَّال، وَحَسَنَ بنَ خَلَفٍ الوَاسِطِيّ صَاحِب أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ مَاسِي.
وَبِبَغْدَادَ: أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ.
وَبِدِمَشْقَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ سُلْوَانَ، وَرشَأَ بنَ نَظيف.
وَبَالرَّملَة: مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ التَّرْجَمَان.
وَبِصُوْر: سُلَيْم بن أَيُّوْبَ الرَّازِيّ.
وَبِتِنِّيس: عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ جَابِرٍ.
وَبِجُرْجَانَ: مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ طَاهِرٌ وَالفَضْل، وَجَمَالُ الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، وَمَحْفُوْظٌ النَّجَّارُ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المِصِّيْصِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُبُوبِي، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الحَسَنِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ غَيْثُ بنُ عَلِيٍّ: سَأَلتُ أَبَا بَكْرٍ الحَافِظ عَنْ سَهْلِ بنِ بِشْرٍ، فَقَالَ: كَيِّسٌ، صَدُوْقٌ.
قَالَ سهل: وُلِدْتُ بِبِسْطَامَ، سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(*) العبر: 3 / 331، الكامل في التاريخ: 10 / 280، شذرات الذهب: 3 / 396.(19/162)
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ قَدْ تَتَبَّع (السُّنَنَ الكَبِيْرَ) لِلنَّسَائِي وَحَصَّلَه، وَسَمِعَهُ بِمِصْرَ.
89 - ابْنُ يُوْسُفَ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، النَّبِيْلُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، الرَّئِيْسُ، أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْد القَادِرِ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَعُثْمَانَ بنَ دُوسْت، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَعَبْدَ الْملك بن بِشْرَان، وَطَبَقَتَهُم بِبَغْدَادَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ صَخْر، وَأَبَا نَصْرٍ السِّجْزِيّ بِمَكَّةَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ حِمِّصَةَ الحَرَّانِيّ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ التّرْجَمَان بِالرَّمْلَةِ، وَعِدَّةً سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَنُوْهُ: عَبْدُ اللهِ، وَالحَافِظُ عبدُ الخَالِق، وَعبدُ الوَاحِد، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصر الحَافِظ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَة، وَعَتِيْقُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صَيْلاَءَ، وَالخَطِيْبُ أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ الطُّوْسِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ صَالِحاً، ثِقَةً.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ جَلِيْلٌ ثِقَةٌ خَيِّرٌ، مَرْضِيُّ الطّرِيقَةِ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، سَافَرَ الكَثِيْرَ، وَوَصل إِلَى المَغْرِب.
وَقَالَ وَلَدُهُ عبدُ الخَالِق: حَدَّثَنِي أَخِي، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ
__________
(*) المنتظم: 9 / 109، العبر: 3 / 333، عيون التواريخ: 13 / 90، شذرات الذهب: 3 / 397.(19/163)
وَالِدي، فَقُلْتُ: يَا سَيدي، مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَر لِي.
تُوُفِّيَ أَبُو الحُسَيْنِ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ: كَانَ ثِقَةً، مُتحرِّياً.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ اليُونَارْتِي فِي (مُعْجَمه) :كَانَ أَحَدَ الأَئِمَّة الوَرِعين.
صَحِبَ أَبَا الحَسَنِ القَزْوِيْنِيّ مُدَّةً، وَنَظَرَ فِي الفِقْه وَالأَدب، وَكَانَ أَوْحَدِيَّ الطّرِيقَة، مَا خَرَجَ إِلَيْنَا فَاسْتند لِتوَاضُعه، وَمَا قَامَ عَنَّا إِلاَّ اسْتَأْذَنَ.
90 - ابْنُ وَدْعَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ المَوْصِلِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، قَاضِي المَوْصِلِ، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحِ بنِ سُلَيْمَانَ بن وَدْعَانَ المَوْصِلِيّ.
تَرَدَّدَ إِلَى بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا فِي آخِرِ أَيَّامِهِ.
قَالَ: وُلدتُ لَيْلَةَ النِّصْف مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِ مائَة، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ رَبِيْعَة الفَرَسِ (1) ، وَأَوَّلُ سَمَاعِهِ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(*) المنتظم: 9 / 127 - 128، اللباب: 3 / 356، الكامل في التاريخ: 10 / 327، ميزان الاعتدال: 3 / 657 - 659، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 27، الوافي بالوفيات: 4 / 141 - 142، عيون التواريخ: 13 / 101 - 102، البداية والنهاية: 12 / 161، لسان الميزان: 5 / 305 - 306، الاعلام لابن قاضي شهبة (خ) حوادث: 494، تاريخ الخميس: 2 / 361، كشف الظنون: 1 / 60، 715، إيضاح المكنون: 1 / 431، هدية العارفين: 2 / 78، بروكلمان: 1 / 435.
(1) هو ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان أخو مضر، لقب بربيعة الفرس لأنه أعطى من ميراث أبيه الخيل، قال ابن عبد البر في " الانباء " ص 96: إن العرب وجميع أهل العلم بالنسب أجمعوا على أن اللباب والصريح من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليها السلام ربيعة ومضر ابنا نزار بن معد بن عدنان لا خلاف في ذلك.(19/164)
رَوَى عَنْ: عَمِّهِ أَبِي الفَتْحِ أَحْمَدَ بنِ عُبيد الله، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَحْشَلٍ، وَالحُسَيْنِ بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الصَّيْرَفِيّ، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ بِالحِجَازِ، وَمَرْوَانُ بن عَلِيٍّ الطَّنْزِي بِدِيَارِ بكر، وَأَبُو المُعَمَّر المُبَارَكُ بن أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ خسرو البَلْخِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَوَجِيهٌ الشَّحَّامِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَإِنَّمَا أَوْرَدتُهُ هُنَا لِشُهْرَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (المِيزَانِ (1)) وَأَنَّهُ غَيْرُ ثِقَةٍ، وَلاَ مَأْمُوْنٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ بنُ وَدَعَانَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ المُرْجِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بنُ عَطِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
تَضَيَّفْتُ مَيْمُوْنَةَ خَالَتِي، وَهِيَ لَيْلَتَئِذٍ لاَ تُصَلِّي، فَجَاءَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صَلَّى العِشَاءَ الآخِرَة، فَانْتَهَى إِلَى الفِرَاشِ، فَأَخَذَ خِرْقَةً عِنْدَ رَأْسِ الفِرَاش، فَاتَّزَرَ بِهَا، وَخَلَعَ ثَوْبَيْهِ، فَعَلَّقَهُمَا، ثُمَّ دَخَلَ مَعَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَامَ إِلَى سِقَاءٍ مُعَلَّقٍ، فَحَلَّهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ مِنْهُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، فَأَصُبَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ كَرِهْتُ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ مُسْتَيْقِظاً، ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَيْهِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى المَسْجَدِ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ، فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَتَنَاوَلَنِي بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِيْنه، فَصَلَّى، وَصَلَّيْت مَعَهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ جَلَسَ، وَجلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَصغَى بِخَدِّهِ إِلَى خَدِّي حَتَّى
__________
(1) 3 / 657، ونعته بصاحب تلك الأربعين الودعانية الموضوعة.(19/165)
سَمِعْتُ نَفْسَ النَّائِم، ثُمَّ جَاءَ بِلاَلٌ، فَقَالَ: الصَّلاَةَ يَا رَسُوْلَ اللهِ.
فَقَامَ إِلَى المَسْجِدِ، فَأَخَذَ فِي الرَّكْعَتَيْن، وَأَخَذَ بِلاَلٌ فِي الإِقَامَةِ (1) .
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنِ ابْنِ وَدْعَان، فَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ.
قَالَ السِّلَفِيّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ (الأَرْبَعِيْنَ (2)) جَمْعَهُ، ثُمَّ تَبيَّنَ لِي حِيْنَ تَصَفَّحْتُ كِتَابهُ تَخليطٌ عَظِيْمٌ يَدُلُّ عَلَى كذبه، وَتركيبِهِ الأَسَانِيْدَ عَلَى المُتُوْنِ.
__________
(1) محمد بن ثابت هو العبدي أبو عبد البصري، لينه الحافظ في " التقريب "، وقال المؤلف في " الميزان ": قال فيه غير واحد: ليس بالقوي، وهو في " المسند " 1 / 284، 285 من طريق محمد بن ثابت بهذا الإسناد، إلا أنه بإسقاط كريب.
وللحديث طرق أخرى صحيحة عن ابن عباس بنحوه مطولا ومختصرا في " المسند ": 1 / 242، 282، 284، والبخاري: (117) و (138) و (697) و (698) و (699) و (726) و (728) و (859) و (1198) و (4569) و (4571) و (4572) و (5919) و (6215) و (6316) و (7452) ، ومسلم (763) ، (181) و (182) و (183) و (184) و (185) و (186) و (187) و (188) و (189) و (190) و (191) و (192) و (193) ، ومالك: 1 / 121، وأبي داوود: (58) و (610) و (611) و (1353) و (1354) و (1355) و (1356) و (1357) و (1358) و (1364) و (1365) و (1367) ، والنسائي: 2 / 30 و218، و3 / 210 و236.
وقد استوفى رواياته في الكتب الستة ابن الأثير في " جامع الأصول ": 6 / 80 - 90 فراجعه.
(2) وهي التي تعرف بالاربعين الودعانية، قال ابن حجر في " لسان الميزان ": 5 / 306: وقد سئل المزي عنها فأجاب بما ملخصه: لا يصح منها على هذا النسق بهذه الأسانيد شيء، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة بأسانيد معروفة يحتاج في تتبعها إلى فراغ، وهي مع ذلك مسروقة، سرقها ابن ودعان من زيد بن رفاعة، وقيل: زيد بن عبد الله بن مسعود بن رفاعة الهاشمي، وهو الذي وضع رسائل أخوان الصفا فيما يقال، وكان جاهلا بالحديث، وسرقها منه ابن ودعان، فركب بها أسانيد، فتارة يروي عن رجل، عن شيخ ابن رفاعة، وتارة يدخل اثنين، وعامتهم مجهولون، ومنهم من يشك بوجوده، والحاصل أنها فضيحة
مفتعلة، وكذبة مؤتفكة.
وقال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 127 عن ابن ودعان هذا: قدم بغداد في سنة ثلاث وسبعين ومعه جزء فيه أربعون حديثا عن عمه أبي الفتح، وهي التي وضعها زيد بن رفاعة الهاشمي، وجعل لها خطبة، فسرقها أبو الفتح بن ودعان عم أبي نصر هذا، وحذف خطبتها، وركب على كل حديث شيخا إلى شيخ الذي روى عنه ابن رفاعة.(19/166)
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: رَأَيْتُهُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، لأَنَّه كَانَ مُتَّهماً بِالكَذِبِ، وَكِتَابُه فِي (الأَرْبَعِيْنَ) سَرَقَهُ مِنْ زَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ (1) ، وَزَيْدٌ وَضَعه أَيْضاً، وَكَانَ كَذَّاباً، أَلَّفَ بَيْنَ كَلِمَاتٍ قَدْ قَالَهَا النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ كَلِمَاتٍ مِنْ كَلاَمِ لُقْمَان وَالحُكَمَاء وَغَيْرِهِم، وَطَوَّلَ الأَحَادِيْثَ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ ابْنُ وَدْعَان خَرَّجَ عَلَى كِتَاب زَيْد بن رِفَاعَةَ كِتَابهُ - بِزَعْمِهِ - حِيْنَ وَقعت لَهُ أَحَادِيْثُهُ عَنْ شُيوخه، فَقَدْ أَخْطَأَ، إِذْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي الخطبَة، وَإِن جَاز سِوَى ذَلِكَ، فَأَطمُّ وَأَعمُّ، إِذْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِمِثله مَعَ نَزَارَةِ رِوَايَته، وَقِلَّةِ طلبه، أَنْ يَقع لَهُ كُلُّ حَدِيْث فِيْهِ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَوْرَدَه عَنْهُ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ أَيْضاً: بَلَغَنَا أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِالمَوْصِلِ.
91 - الخُشْنَامِيُّ أَبُو عَلِيٍّ نَصْرُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، الصَّالِحُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَلِيٍّ نَصْرُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الخُشْنَامِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيّ.
سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَعَلِيَّ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدَانَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّد بن مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، وَصَارَ مُسْنِدَ وَقته، وَرِوَايَتُهُ عَنِ السُّلَمِيّ حُضُوْر، فَإِنَّ أَبَا سَعْد السَّمْعَانِيّ وَرَّخ مَوْلِدَهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة، وَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ صَالِحٌ، رَوَى عَنْهُ خلقٌ، وَمَاتَ
__________
(1) في " الميزان ": 2 / 103: زيد بن رفاعة الهاشمي أبو الخير معروف بوضع الحديث على فلسفة فيه، أخذ عن ابن دريد، وابن الأنباري، قال الخطيب: كذاب.
(*) السياق: الورقة / 93 أ، الأنساب: 5 / 131، التقييد: الورقة / 214 ب - 215 أ، اللباب: 1 / 447، العبر: 3 / 352، عيون التواريخ: 13 / 139 - 140، شذرات الذهب: 3 / 409.(19/167)
فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ: حَفِيْدُهُ مَسْعُوْدُ بن أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَعبدُ الخَالِق بن زَاهِر، وَعُمَرُ بن أَحْمَدَ الصَّفَّار الفَقِيْه، وَآخَرُوْنَ، وَمِنْ مُتَأَخِّرِيهِم: سَعِيْدُ بنُ سَهْلٍ الفَلَكِي الوَزِيْر.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمنَاء الحَسَنُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ نَصْرُ اللهِ بن أَحْمَدَ إِمْلاَءً بِنَيْسَابُوْرَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّاز، حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -:
أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوْكينَ لَهُ عِنْد مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرهُم، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُم ثَلاَثَةً، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنهُم، وَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً (1) .
92 - أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي القَاسِمِ نَجَاحٍ مَوْلَى المُؤَيَّدِ بِاللهِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ
__________
(1) محمد بن سنان القزاز ضعيف، وشيخه فيه محبوب - واسمه محمد بن الحسن بن
هلال - فيه لين، وأخرجه مسلم (1668) في الايمان: باب من أعتق شركا له في عبد، والترمذي (1364) في الاحكام، وأبو داوود (3958) في العتق، والنسائي في الجنائز: 4 / 64، وأحمد: 4 / 426 و428 و431 و438 و440 و445 و446، ومالك: 2 / 774 في العتق والولاء، من طرق عن عمران بن حصين.
وفي الباب عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري عند أحمد: 5 / 341.
(*) الصلة: 1 / 203 - 204، بغية الملتمس: 289 - 290، دول الإسلام: 2 / 26، العبر: 3 / 343 - 344، معرفة القراء: 364 - 365، الوافي بالوفيات (خ) 13 / 162، عيون التواريخ: 13 / 120، غاية النهاية: 1 / 316 - 317، النجوم الزاهرة: 5 / 187، نفح الطيب: 2 / 135، 153، 4 / 171، شذرات الذهب: 3 / 403 - 404.(19/168)
أَبِي القَاسِمِ نَجَاح مَوْلَى صَاحِب الأَنْدَلُس المُؤَيَّدِ بِاللهِ هِشَامِ بن الحَكَمِ، المَرْوَانِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، نَزِيْلُ دَانِيَةَ وَبَلَنْسِيَة (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصَحِبَ أَبَا عَمْرٍو الدَّانِي وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَهُوَ أَنْبَلُ أَصْحَابه وَأَثْبَتُهُم، وَأَخَذَ أَيْضاً عَنْ أَبِي عُمَرَ بن عَبْدِ البَرّ، وَابْن دِلهَاث، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سعدُوْنَ، وَأَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي، وَأَبِي شَاكِر الخَطِيْب، وَعِدَّة.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابنِ غُلاَم الفَرَسِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُحْنُوْنَ المُرْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ البَكْرِيّ، وَجَعْفَرُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النَّوَالِشِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بن فَرج الزُّهَيْرِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ هُذَيْلٍ، وَأَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ يَحْيَى القُرْطُبِيّ، وَخَلْق.
قَالَ ابْنُ بَشكُوَال: كَانَ مِنْ جِلَّةِ المُقْرِئِين وَخِيَارِهِم، عَالِماً بِالرِّوَايَات وَطُرُقِهَا، حَسنَ الضَّبط، ثِقَةً ديناً، لَهُ التَّصَانِيْفُ فِي مَعَانِي القُرْآن، وَكَانَ مَليحَ الخَطِّ، أَخْبَرَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيوخنَا، وَوصفُوهُ بِالفَضْلِ وَالعِلْم وَالدِّين.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَزَاحمُوا عَلَى نَعشه (2) .
قَرَأْتُ بِخَطِّ تِلْمِيْذٍ لأَبِي دَاوُدَ تَسمِيَةَ تَوَالِيْفِهِ، مِنْهَا: (البَيَانُ فِي عُلُوْم
__________
(1) وهو من الراحلين من الأندلس إلى المشرق، فقد ولد سنة 371، وابتدأ بطلب العلم سنة 387، ورحل إلى المشرق سنة 397، فمكث بالقيروان أربعة أشهر، ودخل مصر في شوالها، فمكث بها سنة، وحج ورجع إلى الأندلس في ذي القعدة سنة 399.." نفح الطيب ": 2 / 135.
(2) الصلة: 1 / 204، والزيادة منه، وقال الضبي في " بغية الملتمس ": ص: 304: وكتب بخط يده كتاب البخاري في عشرة أسفار، وكتاب مسلم في ستة، وقرأهما معا على الباجي، وعلى أبي العباس العذري مرات، واحتفل في تقييدهما حتى صار كل واحد =(19/169)
القُرْآنِ) فِي ثَلاَثِ مائَة جُزء، وَكِتَابُ (التَّبيينِ لِهجَاء التَّنْزِيلِ) سِتُّ مُجلَّدَاتٍ، وَكِتَابُ (الاعتِمَادِ) أُرْجُوزَة عَارض بِهَا شَيْخَه فِي أُصُوْل القُرْآن وَالدِّيْن عَشْرَة أَجزَاء، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشرَ أَلفَ بَيْت وَنَيِّف، وَكِتَاب (الصَّلاَة الوُسطَى) مُجلَّد، وَعِدَّة تَوَالِيفَ جُملتهَا سِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ مُصَنّفاً، وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَمِنْ أَئِمَّةِ الأَنْدَلُس فِي عصره.
قُلْتُ: قَرَأْتُ بِالرِّوَايَاتِ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِي.
93 - المَرَاغِيُّ أَبُو تُرَابٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ يُوْسُفَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخ، أَبُو تُرَابٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ يُوْسُفَ بنِ عَلِيِّ بنِ صَالِحِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ هَارُوْنَ المَرَاغِيُّ، النَّرِيزِيُّ (1) ، الشَّافِعِيّ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْر (2) .
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الأَصْبَهَانِيَّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ الدَّامغَانِي، وَأَبُو عُثْمَانَ العصَايدي، وَزَاهِرَ بنُ طَاهِرٍ، وَابْنُه عبدُ الخَالِق بن زَاهِر، وَآخَرُوْنَ.
__________
= منهما أصلا يقتدى به، رحلت إلى بلنسية في عام ستة وتسعين، وقابلت بهما كتابي، وانتفعت بهما،..وأخبرت أن أبا علي بن سكرة الحافظ قابل أصليه بالكتابين المذكورين، وناهيك بهما صحة وتقييدا وضبطا.
(*) السياق: الورقة / 57 أ - 57 ب، الأنساب: ورقة / 519 أ، 558 ظ، المنتظم: 9 / 110، اللباب: 3 / 190، 306 - 307، العبر: 3 / 333، عيون التواريخ: 13 / 90، مرآة الجنان: 3 / 555، طبقات السبكي: 5 / 96، طبقات الاسنوي: 2 / 415، البداية والنهاية: 12 / 157، الجواهر المضية: 2 / 356، النجوم الزاهرة: 5 / 164، الطبقات السنية: رقم 1133.
(1) بفتح النون وكسر الراء: نسبة إلى نريز: قرية من أذربيجان.
(2) في اللباب: انتقل إلى نيسابور، وسكنها وولي الامامة والتدريس بمسجد عقيل.(19/170)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ الإِمَامُ أَبُو تُرَابٍ، عَدِيمُ النَّظير فِي فَنِّه، بَهِيُّ المَنْظَر، سَلِيمُ النَفْس، عَامِلٌ بِعِلْمه، حَسَنُ الخُلُقِ، نَفَّاعٌ لِلْخَلْقِ، قوِيُّ الحِفْظِ، فَقِيْهُ النَّفْس، تَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيب.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ البِسْطَامِي وَغَيْرَهُ يَقُوْلُ:
كُنَّا عِنْدَ الإِمَام أَبِي تُرَاب حِيْنَ دَخَلَ عبدُ الصَّمد وَمَعَهُ المَنْشُوْرُ بقَضَاء هَمَذَان، فَقَامَ أَبُو تُرَاب، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَل عَلَيْنَا، وَقَالَ: أَنَا فِي انتِظَارِ المَنْشُوْرِ مِنَ اللهِ عَلَى يَدِ عَبدِه مَلَكِ المَوْتِ، أَنَا بِذَلِكَ أَلْيَقُ مِنْ مَنْشُوْرِ القَضَاء، ثُمَّ قَالَ: قُعُوْدي فِي هَذَا المَسْجَد سَاعَةً عَلَى فَرَاغِ القَلْب أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُلكِ العِرَاقين، وَمَسْأَلَةٌ فِي العِلْمِ يَسْتَفِيدُهَا مِنِّي طَالِبُ عِلْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَمَلِ الثَّقَلَيْنِ (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظَ عَنْ أَبِي تُرَاب المَرَاغِيّ، فَقَالَ:
مُفْتِي نَيْسَابُوْر، أَفْتَى سِنِيْنَ عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَكَانَ حَسَنَ الهيئَةِ، بَهيّاً، عَالِماً، قِيْلَ: عَاشَ ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، مَاتَ فِي رَابِعَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلِدُهُ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِ مائَة.
94 - ابْنُ أَبِي ذَرٍّ عِيْسَى بنُ عَبْدِ بنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مَكتُوْم عِيْسَى ابنُ الحَافِظ الكَبِيْر أَبِي ذَرٍّ عَبْدِ
__________
(1) وتمامه كما في البداية 12 / 157: والله لا أفلح قلب تعلق بالدنيا وأهلها، وإنما العلم دليل، فمن لم يدله علمه على الزهد في الدنيا وأهلها لم يحصل على طائل من العلم، ولو علم ما علم، فإنما ذلك ظاهر من العلم، والعلم النافع وراء ذلك، والله لو قطعت يدي ورجلي، وقلعت عيني أحب إلي من ولاية فيها انقطاع عن الله والدار الآخرة، وما هو سبب فوز المتقين وسعادة المؤمنين.
(*) العبر: 3 / 348، عيون التواريخ: 13 / 126، شذرات الذهب: 3 / 406.(19/171)
بن أَحْمَدَ الأَنْصَارِيّ، الهَرَوِيّ، ثُمَّ السَّرَوِي، تَزَوَّجَ وَالِده فِي سَرَاةِ بنِي شَبَابَة، وَتَحَوَّلَ إِلَى هُنَاكَ مِنْ مَكَّةَ مُدَّةً، فَوُلِدَ عِيْسَى فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَمِنْ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الصَّنْعَانِيّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو التَّوفِيق مَسْعُوْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ نِعمَةُ بنُ زِيَادَةِ اللهِ الغِفَارِيّ، وَمَيْمُوْنُ بنُ يَاسينَ المرَابط - وَابتَاع مِنْهُ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) أَصلَ أَبِيْهِ - وَعَلِيُّ بنُ عَمَّارٍ المَكِّيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَالسِّلَفِيّ بِالإِجَازَةِ، وَقَالَ: اجْتَمَعتُ أَنَا وَهُوَ فِي الموقفِ سَنَةَ سَبعٍ لَمَّا حججتُ، وَقُلْنَا: نَسْمَعُ مِنْهُ بِالحرم، فَتَعَجَّلَ فِي النَّفْرِ الأَوّلِ (1) إِلَى السَّرَاةِ.
قُلْتُ: وَبعد سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ انْقَطَع خَبَرُه، وَانْتَقَلَ إِلَى اللهِ.
95 - ابْنُ الجَرَّاحِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هَارُوْنَ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، المُقْرِئُ، أَبُو الخَطَّابِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هَارُوْنَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى بنِ دَاوُدَ بن الجَرَّاحِ البَغْدَادِيّ، الكَاتِب.
__________
(1) النفر في اللغة: التفرق، ويوم النفر الأول هو اليوم الثاني من أيام التشريق، والنفر الآخر: اليوم الثالث، ولا حجر على الحاج في أن ينفر من منى إلى مكة في اليوم الثاني بعد الزوال، أو يؤخر إلى اليوم الثالث، قال تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) ، والسراة: الأرض الحاجزة بين تهامة واليمن.
(*) المنتظم: 9 / 140 - 141، العبر: 3 / 348، معرفة القراء: ص: 370، عيون التواريخ: 13 / 126، غاية النهاية: 1 / 548 - 549، شذرات الذهب: 3 / 406.(19/172)
سَأَله ابْن السَّمَرْقَنْدي عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ: فِي رَجَب، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
تَلاَ عَلَى: الحَسَنِ بنِ الصَّقر الكَاتِب، وَابْنِ بُكَيْرٍ النَّجَّارِ، وَأَحْمَدَ بنِ مَسْرُوْرٍ، وَمُسَافِرِ بنِ عَبَّادٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بِشْرَان، وَمُحَمَّدِ بن عُمَرَ بنِ بُكَيْرٍ، وَطَائِفَة.
وَنظم قصيدَةً فِي القِرَاءات مَشْهُوْرَة، سَمَّاهَا (المُسْعِدَة (1)) ، وَأَمَّ بِالخَلِيْفَة المُقتدي، وَبأَبِيْهِ المُسْتَظْهِر، وَكَانَ شَافعيّاً ثِقَةً صَدُوْقاً عَالِماً.
تَلاَ عَلَيْهِ أُمَمٌ، وَختم عَلَيْهِ عِدَّة، قرَأَ عَلَيْهِ سِبْطُ الخَيَّاط أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو الْكَرم الشَّهْرُزُورِي، وَسَعْدُ اللهِ بن الدَّجَاجِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: هَؤُلاَءِ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَعُمَرُ المغَازلِي، وَخطيبُ المَوْصِلِ أَبُو الفَضْلِ، وَأَسَعْد بن بلدرك، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ شُجَاعاً الحَافِظ عَنْهُ، فَقَالَ: أَحَدُ القُرَّاءِ الحُفَّاظ المُتْقِنِيْنَ، مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ وَالأَدبِ، وَلَهُ شعر جَيِّد مُدَوَّن.
وَقَالَ السِّلَفِيّ فِي (مُعْجَمه) :هُوَ إِمَامٌ فِي اللُّغَة، وَشِعرُه فَفِي أَعْلَى دَرَجَةٍ، وَخطُّه فَمِنْ أَحْسَنِ الخُطُوطِ، تلوتُ عَلَيْهِ بقِرَاءة أَبِي عَمْرٍو الَّتِي قرَأَ بِهَا عَلَى ابْنِ الصَّقر، وَالقَوْل يَتَّسِعُ فِي فَضَائِلِهِ (2) .
قَالَ شُجَاع: تُوُفِّيَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) تحرفت في المنتظم إلى " المبعدة ".
(2) معرفة القراء: 370، وغاية النهاية: 1 / 549، وفيهما تتمة: وكان يصلي بأمير المؤمنين المستظهر بالله التراويح.(19/173)
96 - شَيْذَلَةُ أَبُو المَعَالِي عَزِيزِي بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَنْصُوْرٍ *
الإِمَامُ، الوَاعِظُ، المُحَدِّثُ، المُذَكِّرُ، أَبُو المَعَالِي عَزِيزِي (1) بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَنْصُوْرٍ الجِيْلِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ بِجِيلاَنَ مِنْ: أَبِي سَعْدٍ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيّ، وَشيخِ الإِسْلاَم الصَّابونِي، قَدِمَا عَلَيْهِ حَاجَّيْنِ، وَبآمُل طَبَرِسْتَان الإِمَامَ أَبَا حَاتِمٍ مَحْمُوْدَ بن الحُسَيْنِ القَزْوِيْنِيّ، وَبِبَغْدَادَ ابْنَ غَيْلاَنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ السَّوَّاق، وَأَبَا الحَسَنِ العَتِيْقِيّ، وَعَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الفَالِي، وَعُبيدَ الله بنَ شَاهِيْن، وَالحَافِظَ الصُّوْرِيّ.
وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ (مُعْجَماً) ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ فِي الْوَعْظ، وَكَانَ عَارِفاً بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَاعِظاً، فَصِيْحاً، ظرِيفاً، مَلِيحَ النَّوَادِرِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ بنُ الخَلِّ الفَقِيْه، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَلْمَان، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَة، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِبَابِ الأَزَجِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ طِرَادٍ يَقُوْلُ:
ضَاع حِمَارٌ لسوَادِيٍّ بِبَابِ الأَزَجِ، فَتَطلَّبه، فَقَالَ لَهُ عزِيزِي: خُذِ المِقْوَد، وَشُدَّه فِي رَقَبَةِ مَنْ
__________
(*) المنتظم: 9 / 126، الكامل في التاريخ: 10 / 326، وفيات الأعيان: 3 / 259 - 260، العبر: 3 / 339 - 340، عيون التواريخ: 13 / 104 - 105، مرآة الجنان: 3 / 157، طبقات السبكي: 5 / 235، طبقات الاسنوي: 2 / 103، البداية والنهاية: 12 / 160، شذرات الذهب: 3 / 401.
وقال ابن خلكان: وشيذله بفتح الشين المعجمة، وسكون الياء المثناة من تحتها، وفتح الذال المعجمة واللام، وبعدها هاء ساكنة، وهو لقب عليه ولا أعرف معناه مع كثرة كشفي عنه، وقد تصحف في البداية إلى سيدلة.
(1) في ابن خلكان: 3 / 260: وعزيزي، بفتح العين المهملة، وضبطه الفيروزآبادي في القاموس: (شذل) بصيغة التصغير ضبط قلم.(19/174)
أَردت مِنْ أَهْلِ المَحَلَّةِ، فَإِنَّهُم مِثْلُ مَا تَطلُبُهُ (1) .
قَالَ ابْنُ سُكَّرَةَ: كَانَ شَيْذَلَه شَيْخَ الوُعَّاظِ، وَكَانَ مُتزَهِّداً مُتقلِّلاً، لَمْ يَكُنْ يَدْرِي مَا الحَدِيْث، وَكَانَ شَافعيّاً (2) .
قُلْتُ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
97 - ابْنُ جَهِيْرٍ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الوَزِيْرُ الكَامِلُ، عَمِيدُ الدَّوْلَة، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ الوَزِيْرِ الكَبِيْرِ المَلِكِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَهِيْرٍ، وَزَرَ فِي أَيَّامِ وَالِدِهِ، وَخَدَمَ ثَلاَثَةَ خُلَفَاءَ، وَأَوْصَى بِهِ القَائِمُ حَفِيْدَه الْمُقْتَدِي، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ وَزَرَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَاسْتقلَّ خَمْسَ سِنِيْنَ، وَعُزِلَ بِأَبِي شُجَاع، ثُمَّ عُزِلَ أَبُو شُجَاعٍ سَنَة
__________
(1) وفي " المنتظم " 9 / 126: وقال يوما بحضرة نقيب النقباء طراد: لو حلف أنه لا يرى إنسانا، فرأى أهل باب الازج، لم يحنث، فقال النقيب: أيها الثالب من عاشر قوما أربعين يوما كان منهم.
(2) في طبقات السبكي: 5 / 237 نقلا عن شهدة بنت أحمد بن الفرج الابري، قالت: سمعت القاضي الامام عزيزي بن عبد الملك من لفظه سنة تسعين وأربع مئة يقول: اللهم يا واسع المغفرة، ويا باسط اليدين بالرحمة، افعل بي ما أنت أهله، إلهي..أذنبت في بعض الاوقات، وآمنت بك في كل الاوقات، فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا، إلهي لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدة حاجتي إليها وأنا عبد، فكيف لا أرجو أن تهب لي سيئاتي مع غناك عنها وأنت رب، فيا من أعطانا خير ما في خزائنه، وهو الايمان به قبل السؤال، لا تمنعنا أوسع ما في خزائنك، وهو العفو مع السؤال، إلهي حجتي حاجتي، وعدتي فاقتي، فارحمني، إلهي، كيف أمتنع بالذنب من الدعاء، ولا أراك تمنع من الذنب من العطاء، فإن غفرت فخير راحم أنت، وإن عذبت فغير ظالم أنت، إلهي أسألك تذللا فأعطني تفضلا.
(*) المنتظم: 9 / 118 - 119، الكامل في التاريخ: 10 / 298 - 299، العبر: 3 / 337، الوافي بالوفيات: 1 / 122 - 124، النجوم الزاهرة: 5 / 165 - 166، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 9.(19/175)
أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَاسْتَوْزَرَ هَذَا (1) ، فَدَام تِسْعَةَ أَعْوَامٍ، وَلَكِن كَانَتْ وِزَارَةُ الخُلَفَاءِ هَذَا الزَّمَان دُوْنَ رُتْبَةِ وِزَارَةِ السُّلْطَان، فَكَانَ نِظَامُ المُلْكِ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ.
وَكَانَ عَمِيدُ الدَّوْلَة خَبِيْراً، سَائِساً، شُجَاعاً، شَهْماً، تَيَّاهاً، فَصِيْحاً، أَدِيباً، بَلِيْغاً، يَتقَعَّرُ كَابْنِ عَبَّادٍ فِي خِطَابِهِ، وَلَهُ هَيْبَةٌ شَدِيْدَة، وَأَلْفَاظُهُ مَعْدُوْدَة، مَدَحته الشُّعَرَاء.
وَفِي الآخِرِ حَبَسَهُ المُسْتظهر وَصَادره وَزِيْرُ السَّلطنَة، ثُمَّ أُخْرِجَ مَيتاً فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ بِكِبْرِهِ يُضْرَبُ المَثَلُ، وَلَكِنَّهُ فِي النَّكبَة ذَلَّ، وَخَارَتْ نَفْسُهُ، وَأَنَابَ إِلَى اللهِ، وَآخِرُ مَا سُمِعَ مِنْهُ الشَّهَادَةُ - سَامَحَهُ اللهُ -.
وَعَاشَ تِسْعاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْ: أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَغَيْرِهِ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ.
98 - أَبُو مُطِيعٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الضَّبِّيُّ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ وَقته، أَبُو مُطِيعٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَحْمَدَ بنِ زَكَرِيَّا الضَّبِّيُّ، المَدِيْنِيُّ، النَّاسِخُ، المُجَلِّدُ،
__________
(1) وقد نظم فيه الشاعر أبو منصور المعروف بصردر القصيدة المشهورة وأولها:
قد رجع الحق إلى نصابه * وأنت من دون الورى أولى به
ما كنت إلا السيف سلته يد * ثم أعادته إلى قرابه
ومنها: تيقنوا لما رأوها ضيعة * أن ليس للجو سوى عقابه
إن الهلال يرتجى طلوعه * بعد السرار ليلة احتجابه
والشمس لا يؤيس من طلوعها * وإن طواها الليل في جنابه
(*) دول الإسلام: 2 / 27، العبر: 3 / 348 - 349، الوافي بالوفيات: 4 / 67، عيون التواريخ: 13 / 126، شذرات الذهب: 3 / 407.(19/176)
الصَحَّافُ، المُلَقَّب: بِالمِصْرِيّ.
سَمِعَ مِنَ: الحَافِظ أَبِي بَكْرٍ بنِ مَرْدُوَيْه، وَأَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ النَّقَّاش، وَعَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَاوَرْدي، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ مَعْمَرِ بن زِيَادٍ، وَالحُسَيْنِ بن إِبْرَاهِيْمَ الجمَال، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ المُعَدّل، وَأَبِي زُرْعَةَ رَوْحِ بن مُحَمَّدٍ، وَالفَضْلِ بن عُبيدِ الله، وَجَمَاعَةٍ، تَفَرَّد بِالرِّوَايَة عَنْ كَثِيْر مِنْهُم، وَأَملَى عِدَّةَ مَجَالِس.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَعْمرٍ اللُّنبَانِي، وَأَبُو حَنِيفَةَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الخطيبِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ المُقْرِئُ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي سَعْدٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخرقِي، وَأَبُو العَبَّاسِ التُّرك، وَعِدَّة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ صَالِحاً مُعَمِّراً أَديباً فَاضِلاً، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَاتَ وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حنِيفَة القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُطِيع، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ هِشَامِ بنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الخَيْلُ مَعْقُوْدٌ بِنَوَاصِيْهَا الخَيْرُ) .
قِيْلَ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: (الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) .
اتَّفَقَا عَلَيْهِ (1) مِنْ حَدِيْثِ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
__________
(1) أخرجه البخاري (2850) في الجهاد: باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، و (3119) في فرض الخمس، ومسلم (1873) ، (99) في الامارة. وأخرجه =(19/177)
99 - الرُّمَيْلِيُّ أَبُو القَاسِمِ مَكِّيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَالِمُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو القَاسِمِ مَكِّيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بن الحُسَيْنِ الرُّميْلِيُّ، المَقْدِسِيُّ، أَحَدُ الجَوَّالِينَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ كَثِيْرَ التَّعب وَالسَّهرِ وَالطَّلَبِ، ثِقَةً، متحرِّياً، وَرِعاً، ضَابطاً، شرع فِي (تَارِيخٍ) لِبَيْتِ المَقْدِسِ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى بنِ سُلْوَانَ، وَأَبَا عُثْمَانَ بنَ وَرْقَاءَ، وَأَبَا القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَعبدَ البَاقِي بن فَارِس، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن الحَسَنِ الضَّرَّاب، وَأَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَخَلْقاً كَثِيْراً بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَالعِرَاق وَالجَزِيْرَة وَآمِد.
رَوَى عَنْهُ: عُمَرُ الرَّوَّاسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ المِهْرَجَانِي، وَعَمَّارُ بنُ طَاهِر، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْديِّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ المُسَلَّمِ السُّلَمِيُّ، وَحَمْزَةُ بنُ كَرَوَّس، وَغَالِبُ بنُ أَحْمَدَ، وَآخَرُوْنَ.
__________
= البخاري (2852) ، ومسلم (1873) ، (98) ، والترمذي (1694) ، والنسائي: 6 / 222، والدارمي: 2 / 211، 212، وأحمد 4 / 375 و376 من طرق عن عامر الشعبي عن عروة. وأخرجه أحمد من طرق عن عروة.
وفي الباب من حديث أبي هريرة عند الترمذي (1636) ، والنسائي: 6 / 215، وعن عبد الله بن عمر عند البخاري (2849) و (3644) ومسلم (1871) ، والموطأ 2 / 467، وعن أنس عند البخاري (2851) ، وعن جرير بن عبد الله عند مسلم (1872) ، والنسائي: 6 / 221، وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد: 3 / 39.
(*) الإكمال: 4 / 226، الأنساب: 6 / 166، 167، معجم البلدان: 3 / 73، اللباب: 2 / 38، دول الإسلام: 2 / 22، العبر: 3 / 334، تذكرة الحفاظ: 4 / 1229، عيون التواريخ: 13 / 91، طبقات السبكي: 5 / 332 - 333، طبقات الاسنوي: 1 / 583، النجوم الزاهرة: 5 / 164، طبقات الحفاظ: 449، الانس الجليل: 1 / 264، شذرات الذهب: 3 / 398 - 399، هدية العارفين: 2 / 471.
(1) في طبقات السبكي: 5 / 332 شرع في تاريخ بيت المقدس وفضائله وجمع فيه شيئا، وحدث باليسير لأنه قتل قبل الشيخوخة.(19/178)
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ مُفْتِياً عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَكَانَتِ الفَتَاوَى تَجِيئهُ مِنَ البِلاَد، وَكَانَ عَالِماً ثَبْتاً، ابْتُلِي بِالأَسرِ وَقتَ أَخْذِ العَدُوّ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَطَلَبُوا فِي فِدَائِهِ ذهباً كَثِيْراً، فَلَمْ يُفْدَ، فَقَتَلُوْهُ بِالحجَارَة عِنْد البَثَرُوْنَ (1) - رَحِمَهُ اللهُ - فِي ثَانِي عشر شَوَّال، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً وَأَشْهُر.
وَقَتَلُوا بِالقُدْسِ نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفاً، وَدَام فِي أَيديهِم تِسْعِيْنَ سَنَةً (2) .
__________
(1) كذا الأصل، وفي تذكرة الحفاظ " بيروت " ويغلب على الظن أنه تصحيف، وجاء في معجم ياقوت: بثرون بالتحريك والراء: حصن بين جبيل وأنفة على ساحل بحر الشام، وفي تذكرة الحفاظ أيضا: فقتل صبرا بظاهر أنطاكية، وقال أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ: فأقام ببيت المقدس يدرس الفقه على مذهب الشافعي ويروي الحديث إلى أن غلبت الافرنج على بيت المقدس، فحكى لي من رآه وهو يحمل عليهم حتى يخرجهم من المسجد، وقتل منهم ثم قتل شهيدا في سنة تسعين وأربع مئة.
(2) وحين صح العزم من المسلمين على مناهضة أعدائهم، واسترداد ما سلب منهم، اطرحوا الخلافات التي بينهم، ووحدوا كلمتهم، واتجهوا إلى الله بقلب سليم، واستنزلوا النصر منه، وقاتلوا في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص بالقوى المتاحة لهم، حين فعلوا ذلك كله، حقق الله لهم النصر على أعدائهم، ومنحهم أكتافهم، وتم فتح بيت المقدس على أيديهم سنة 583 هـ بقيادة السلطان المسلم صلاح الدين الأيوبي.
وقد كان لتسامح المجاهدين وعلى رأسهم صلاح الدين، وأخلاقهم الفاضلة عندما فتحوا بين المقدس أثر كبير في نفوس أعدائهم، فقد امتدحهم مؤرخوهم، وأثنوا عليهم ثناء طيبا، فها هو رنسمان يقول: الواقع أن المسلمين الظافرين اشتهروا بالاستقامة والانسانية، فبينما كان الفرنج منذ ثمان وثمانين سنة يخوضون دماء ضحاياهم، لم تتعرض الآن دار من الدور للنهب، ولم يحل بأحد من الاشخاص مكروه، إذ صار رجال الشرطة بناء على أمر صلاح الدين يطوفون الشوارع والابواب، يمنعون كل اعتداء يقع على المسيحيين.
ملكنا فكان العفو منا سجية * فلما ملكتم سال بالدم أبطح
والمقلب في صفحات التاريخ يلاحظ أن سنة الله في عباده المسلمين لا تتبدل ولا تتغير، فهم حين يتناسون الخلاف فيما بينهم، وينضوون تحت راية الإسلام، ويرتضونه دينا يهيمن على شؤون حياتهم، ويرخصون أنفسهم في سبيل الله، ويأخذون أنفسهم بسنن الله، فإنهم يحققون انتصارات باهرة على أعدائهم، ويستخلفهم الله في الأرض، ويمكن لهم دينهم، =(19/179)
100 - مَجْدُ المُلك أَبُو الفَضْلِ أَسَعْدُ بنُ مُوْسَى البلاشَانِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الفَضْلِ أَسَعْدُ بنُ مُوْسَى البلاشَانِي.
وَزَرَ لِلسُّلْطَانِ بَرْكْيَارُوْق، وَكَانَ فِيْهِ خَيْرٌ وَعَدلٌ وَدِيَانَةٌ وَقِلَّةُ ظُلْم، وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، عَالِيَ الرُّتبَة، وَصَارَ يَعتضِد بِالبَاطِنِيَّةِ (1) ، فَقِيْلَ: رَتَّبَ مَنْ قَتَلَ الأَمِيْر بُرسق، فَنَفَرَ مِنْهُ الأُمَرَاءُ، وَقَامُوا عَلَيْهِ، وَتَنَكَّرُوا لبركيَارُوْقَ، وَمَا زَالُوا حَتَّى غَلَبَ عَنْهُم، وَأَسلمه إِلَيْهِم، فَقتلُوْهُ، وَكَانَ شِيْعِيّاً (2) قَدْ هَيَّأَ فِي كَفنه سَعَفَةً وَتربَة، وَكَانَ لَهُ مَعَ بِدعته تَهَجُّدٌ وَتعبُّدٌ وَصِلاَتٌ دَارَّة عَلَى العَلَوِيَّةِ.
قُتِلَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
101 - ابْنُ خِذَامٍ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُعَمَّر، الوَاعِظ، مُسْنِدُ بُخَارَى، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ خِذَامٍ الخِذَامِي (3) ، البُخَارِيّ.
__________
= ويبدل خوفهم أمنا، وصدق الله العظيم: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) .
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 289 - 291.
(1) في كامل ابن الأثير: 10 / 289: إن الباطنية لما تولى منهم قتل الامراء الأكابر من الدولة السلطانية، نسبوا ذلك إليه، وأنه هو الذي وضعهم على قتل من قتلوه.
(2) في " الكامل ": وكان يتشيع إلا أنه كان يذكر الصحابة ذكرا حسنا، ويلعن من يسبهم.
(* *) الأنساب: 5 / 56 - 57، اللباب: 1 / 426، المشتبه: 146، الجواهر المضية: 2 / 605، الطبقات السنية: 1505.
(3) كذا الأصل بالذال المعجمة، وفي " مشتبه " المؤلف 1 / 146: وبخاء معجمة علي بن محمد الخذامي في أجداده خذام، قال ابن ناصر الدين في " توضيح المشتبه " =(19/180)
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: مَنْصُوْر الكَاغَدِي، وَحُسَيْن بن خَضِر النسفِي القَاضِي، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ الفَارِسِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ المرَاجِلِي (1) ، وَخَلْق.
رَوَى عَنْهُ: عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَأَبُو ثَابِتٍ الحَسَنُ بن عَلِيٍّ البَرْدِيْجِيُّ (2) ، وَأَبُو رَجَاءٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ السِّنْجِيُّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الوَاعِظ، وَآخَرُوْنَ.
وَعَاشَ: تِسْعِيْنَ عَاماً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَوْ قَرِيْباً مِنْهَا.
102 - ابْنُ حِيْد أَبُو أَحْمَدَ مَنْصُوْرُ بنُ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الأَمِيْنُ، أَبُو أَحْمَدَ مَنْصُوْرُ بنُ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن مُحَمَّدِ بنِ حِيْد بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ النَّيْسَابُوْرِيّ، التَّاجِر، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ مِنْ: جَدِّه أَبِي بَكْرٍ بنِ حِيْد صَاحِبِ الأَصَمّ، وَبِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ غَيْلاَنَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الأَزَجِي، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ ظفر، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَابْن نَاصر،
__________
= ورقة: 126: وجدت المصنف نقط الدال فوق بخطه في الموضعين، والصواب إهمالها، وقبلها خاء معجمة مكسورة، وهكذا قيده الأمير، وابن السمعاني، وغيرهما، وكأن المصنف تبع ابن نقطة، فإنه عطفه على الجذامي بالجيم والذال المعجمة، فقال: وأما الخذامي بكسر الخاء المعجمة، والباقي مثله، وذكره.
(1) نسبة إلى عمل المراجل جمع مرجل.
(2) نسبة إلى برديج: بليدة بأقصى أذربيجان بينها وبين برذعة أربعة عشر فرسخا.
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر المتيسرة لنا.(19/181)
وَالسِّلَفِيّ، وَخطِيبُ المَوْصِل، وَشُهْدَةُ بِنْت الإِبرِي (1) ، وَعِدَّة.
مَاتَ: فِي شَوَّال، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ وَأَسنَّ.
103 - صَاعِدُ بنُ سَيَّارِ بنِ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ *
قَاضِي القُضَاةِ، جَمَالُ الإِسْلاَمِ، أَبُو العَلاَءِ الكِنَانِيُّ، الهَرَوِيّ.
سَمِعَ: أَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّدَ بن مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ الطّرَازِي صَاحِبَي الأَصَمِّ، وَجدَّه القَاضِي أَبَا نَصْرٍ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ، وَالقَاضِي أَبَا العَلاَءِ صَاعِدَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَنَفِيّ، وَأَبَا بِشر الحَسَنَ بن أَحْمَدَ المُزَكِّي، وَسَعِيْدَ بنَ العَبَّاسِ القُرَشِيّ، وَطَائِفَةً، وَانتخب عَلَيْهِ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ (2) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَحَفِيْدُه نَصْر بن سَيَّار بن صَاعِد.
وَكَانَ صَيِّناً نَزِهاً، وَقُوْراً عَلاَّمَةً، مُعَظَّماً فِي النُّفُوْس، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَجَمَاعَة.
عُمِّرَ دَهْراً، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي وَسَطِ سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمِنَ الرُّوَاة عَنْهُ: حَفِيْدُهُ شِهَابُ بنُ سَيَّار، وَعَلِيُّ بنُ سَهْلٍ الشَّاشِيّ، وَعبدُ المُعِزّ بن بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الدَّهَّان، وَعبدُ الوَاسِع بنُ عَطَاءٍ، وَمَسْرُوْرُ بن عَبْدِ اللهِ الحَنَفِيّ.
__________
(1) نسبة إلى جمع الابر وعملها، وهي جمع إبرة.
(*) العبر: 3 / 341، عيون التواريخ: 13 / 115، النجوم الزاهرة: 5 / 169، شذرات الذهب: 3 / 402.
(2) عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي صاحب منازل السائرين المتوفى سنة 481 هـ.
تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (260) .(19/182)
تُوُفِّيَ: فِي شهر رَجَب، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً غَيْرَ أَشْهُرٍ.
104 - ابْنُ أَشتَه أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَفَّارِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، المُسْنِدُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَفَّارِ بن أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ ابْن أَشتَه الأَصْبَهَانِيّ، الكَاتِب.
سَمِعَ: الحَافِظ أَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ، وَعَلِيَّ بنَ مَيْلَة الفَرَضِيّ، وَابْنَ عَقِيْلٍ البَاوَرْدي، وَالفَضْلَ بنَ شَهْرَيَار، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ اثنتَان وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الرَّازِيّ (1) ثُمَّ المِصْرِيُّ ابْنُ الحَطَّابِ، وَالعَابِدُ أَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ السَّرَّاج بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَشْرُويه المُحَدِّث (2) ، وَمُسْنِدُ الوَقْت طِرَادٌ الزَّيْنَبِيّ (3) ، وَسَهْلُ بنُ بِشْرٍ الإِسْفَرَايينِي مُحَدِّثُ دِمَشْقَ (4) ، وَالحَافِظُ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ
__________
(*) التقييد: الورقة 24 أ - 24 ب، العبر: 3 / 331، عيون التواريخ: 13 / 83، مرآة الجنان: 3 / 154، شذرات الذهب: 3 / 396.
(1) سترد ترجمته برقم (111) .
(2) مترجم برقم (135) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (24) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (88) .(19/183)
السَّمَرْقَنْديُّ (1) ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ حَسَّانِ بنِ سَعِيْدٍ المَنِيْعِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبدُ الوَاحِد بن عُلْوَانَ الشَّيْبَانِيُّ (2) ، وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحَرَمِيُّ (3) المُحَدِّث، وَمَكِّيٌّ السَّلاَّر (4) ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الأَنْصَارِيّ صَاحِبُ الحَفَّار (5) .
105 - الكَامَخِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ السَّاوِي (6) ، الكَامَخِيُّ، مُحَدِّث رحَّال فَاضِل.
سَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ: القَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى الصَّيْرَفِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِيَّ، وَهِبَةَ اللهِ اللاَّلْكَائِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَسَعِيْدُ بنُ سَعْدِ اللهِ المِيهَنِي، وَأَخوَاهُ هِبَةُ اللهِ، وَرَاضيَة، وَأَبُو زُرْعَةَ المَقْدِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
حَدَّثَ (بِمُسْنَدِ الشَّافِعِيّ) مِنْ غَيْرِ أَصلٍ (7) .
__________
(1) سترد ترجمته برقم (126) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (66) .
(3) نسبة إلى حرم الله تعالى. إما لولادة به أو لسكناه، وسترد ترجمته برقم (123) .
(4) تقدمت ترجمته برقم (40) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (29) .
(*) العبر: 3 / 342، ميزان الاعتدال: 3 / 467، عيون التواريخ: 13 / 115، لسان الميزان: 5 / 63، شذرات الذهب: 3 / 403.
(6) الساوي: نسبة إلى ساوه، بلد بين الري وهمذان، والكامخي: نسبة إلى من يصنع الكامخ: وهو شيء يؤتدم به أو المخللات المشهية، وقد تحرف في لسان الميزان إلى الكاسجي.
(7) قال المؤلف في " الميزان ": قلت ترخص المتأخرون في هذا كثيرا.(19/184)
قَالَ ابْنُ طَاهِر: سَمَاعُهُ فِيمَا عدَاهُ صَحِيْح (1) .
قُلْتُ: حَدَّثَ بِحَرَّانَ غَيبته فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: مُفْتِي أَصْبَهَان حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ الشَّافِعِيّ (2) ، وَصَاحِبُ مِصْرَ المُسْتَعلِي أَحْمَدُ بنُ المُسْتَنْصِرِ، وَأَبُو طَاهِرٍ خَالِدُ بنُ عَبدِ الوَاحِدِ التَّاجِر، وَمُعَمَّرُ زَمَانِهِ عَبدُ الوَاحِد بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَرْكِي (3) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفقيرَة بِبَغْدَادَ، وَأَبُو يَاسِر مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الخَيَّاط، سَمِعَا مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ بِشْرَان، وَشيخُ الشَّافعيَة أَبُو الحَسَنِ بنُ أَبِي عَاصِمٍ العَبَّادِيُّ المَرْوَزِيّ، مُصَنّف كِتَاب (الرَّقم) فِي المَذْهَب، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
106 - ابنُ البُسْرِيِّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ البُنْدَارُ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ ابنُ الشَّيْخ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ البُسْرِيِّ البُنْدَارُ، البَغْدَادِيّ، بَقِيَّةُ المَشْيَخَة، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى السُّكَّرِيّ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ مَخْلَدٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِيِّ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَةَ، وَسَعْدُ الخَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ
__________
(1) وقال السمعاني فيما نقله عنه ابن حجر في اللسان: 5 / 63: هو محدث فهم معروف بالطلب، رحل وسمع بنفسه وأكثر ... (2) سترد ترجمته برقم (128) .
(3) تقدمت ترجمته برقم (59) .
(*) الأنساب: 2 / 211 - 212، اللباب: 1 / 152، العبر: 3 / 346 - 347، عيون التاريخ: 13 / 125، شذرات الذهب: 3 / 405.(19/185)
السِّلَفِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ اليُوْسُفِيُّ، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتيلَ، وَآخَرُوْنَ، وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ.
قَالَ السِّلَفِيُّ: لَمْ يَرْوِ لَنَا عَنِ السُّكَّرِيِّ سِوَاهُ.
قُلْتُ: وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَوْ نَحْوهَا.
وَمَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: صَاحِبُ دِمَشْق السُّلْطَانُ شَمْسُ المُلُوْك أَبُو نَصْرٍ دُقَاقُ ابنُ الْملك تَاج الدَّوْلَة تُتُشَ (1) ابنِ السُّلْطَان الكَبِيْرِ أَلب آرسلاَن السَّلجوقِيُّ، وَكَانَتْ دَوْلَتُه بَعْدَ أَبِيْهِ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَدُفِنَ بِخَانقَاه الطَّوَاوِيسِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو يَاسِرٍ أَحْمَدُ بنُ بُنْدَارَ البَقَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيُّ (2) ، وَالقَاضِي أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمْزَةَ الثَّقَفِيُّ الكُوْفِيُّ، وَالمُحَدِّثُ الزَّاهِدُ أَبُو الفَرَجِ إِسْمَاعِيْلُ ابنُ القُدْوَة مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ القُوْمِسَانِي بِهَمَذَان، وَالوَاعِظُ الكَبِيْرُ الأَمِيْرُ أَرْدَشير العُبَادِيُّ - وَكَانَ تَالِفاً (3) - وَطَاهِرُ بن أَسَدٍ الشِّيرَازِيُّ الطَّبَّاخ، وَالمنشِئ البليغُ أَبُو سَعْدٍ العَلاَءُ بن حَسَن بن المُوْصَلاَيَا (4) ، وَأَبُو الخَطَّابِ بنُ الجَرَّاحِ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيُّ (5) ، وَأَبُو مُطِيع المَدِيْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الفَقِيْه الطلاعِيُّ (6) ، وَأَبُو الْمطرف عَبْد الرَّحْمَنِ (7) الشَّعْبِيّ بِمَالِقَة.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (129) .
(2) تقدمت ترجمته برقم (87) .
(3) في الأنساب: 8 / 337: أبو الحسين أردشير بن أبي منصور العبادي الملقب بأمير، كان واعظا مليح الوعظ، حسن السيرة، ظهر له القبول التام ببغداد فيما بين العوام.
(4) سترد ترجمته برقم (120) .
(5) تقدمت ترجمته برقم (94) .
(6) سترد ترجمته برقم (121) .
(7) سترد ترجمته برقم (140) وفيها عبد الرحيم.(19/186)
107 - المُتَوَلِّي أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَأْمُوْنِ بنِ عَلِيٍّ *
شَيْخُ الشَّافعيَّة، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ (1) مَأْمُوْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الأَبِيوَرْدِيُّ، المُتولِّي، تَفَقَّهَ بِبُخَارَى وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ القَاضِي حُسَيْن، وَكَانَ رَأْساً فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، ذكيّاً، مُنَاظراً، حسنَ الشَّكل، كَيِّساً مُتَوَاضِعاً، تَمَّمَ كِتَاب (الإِبَانَة) لِلْفُورَانِي، فَجَاءَ فِي عَشْرَة أَسفَار (2) ، وَ (الإِبَانَة) سِفرَانِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِشَرَفِ الأَئِمَّة.
مَوْلِدُهُ: بِأَبِيوَرْد، سَنَة سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ: فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ (3) وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَرُثِيَ بِقصَائِدَ، وَقَدْ دَرَّسَ بِالنِّظَامِيَة بَعْدَ وَفَاةِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ مُدَّةً يَسِيْرَة (4) ، ثُمَّ صُرِفَ بِابْنِ الصَّبَّاغِ.
تَفقَّه عَلَيْهِ جَمَاعَة.
__________
(*) المنتظم: 9 / 18، الكامل في التاريخ: 10 / 146، وفيات الأعيان: 3 / 133 - 134، تاريخ الإسلام: 156، دول الإسلام: 2 / 8، العبر: 3 / 290، الوافي (خ) : 16 / 61 - 62، مرآة الجنان: 3 / 122 - 123، طبقات السبكي: 5 / 106 - 108، طبقات الاسنوي: 1 / 305 - 306، البداية والنهاية: 12 / 128، طبقات ابن قاضي شهبة: 1 / 264، طبقات ابن هداية الله، كشف الظنون: 1 / 1251، شذرات الذهب: 3 / 358، إيضاح المكنون: 2 / 150.
(1) سقطت الزيادة من الأصل، ولا بد لها، فكل من ترجم له قد ذكرها.
(2) في طبقات ابن كثير: 1 / 85 / ب: وصنف التتمة ولم يكمله، وصل فيه إلى القضاء وأكمله غير واحد، ولم يقع شيء من تكملتهم على نسبته، قال الأذرعي: ونسخ التتمة تختلف كثيرا، وفي طبقات السبكي: 107: وله كتاب التتمة على إبانة شيخه الفوراني، وصل فيه إلى الحدود ومات.
(3) في الأصل: وتسعين، وهو خطأ.
(4) في ابن خلكان: 3 / 133: لما جلس للتدريس أبو سعد بعد الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، أنكر عليه الفقهاء استناده موضعه، وأرادوا منه أن يستعمل الأدب في الجلوس دونه، ففطن وقال لهم: اعلموا أنني لم أفرح في عمري إلا بشيئين: أحدهما أني جئت من وراء النهر، ودخلت سرخس وعلي أثواب أخلاق لا تشبه ثياب أهل العلم، فحضرت مجلس =(19/187)
108 - ابْنُ جَزْلَهَ أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى بنُ عِيْسَى البَغْدَادِيُّ *
إِمَامُ الطِّبِّ، أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى بن عِيْسَى بنِ جَزْلَهَ البَغْدَادِيّ، كَانَ نَصْرَانِيّاً، فَأَسْلَمَ فِي كُهُولتِه عَلَى يَدِ قَاضِي القُضَاة الدَّامغَانِي (1) ، وَلاَزَمَ أَبَا عَلِيٍّ بنَ الوَلِيْدِ فِي المَنطقِ، وَلَهُ (مِنْهَاجُ البَيَانِ) فِي الطِّبِّ فِي الأَدويَةِ المفردَةِ وَالمركبَة، وَكِتَاب (تَقوِيمِ الأَبْدَانِ) مُجَدول، وَرِسَالَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى (2) .
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَانَ ذكيّاً صَاحِبَ فُنُوْنٍ وَمُنَاظرَةٍ وَاحتجَاجٍ، وَكَانَ يُدَاوِي الفُقَرَاءَ مِنْ مَالِهِ.
109 - شَرَفُ المُلْكِ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الخُوَارزمِيُّ **
الصَّاحبُ، الأَمْجَدُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الخُوَارزمِي، الكَاتِب،
__________
= أبي الحارث بن أبي الفضل السرخسي، وجلست في أخريات أصحابه، فتكلموا في مسألة فقلت واعترضت، ولما عادت نوبتي استدناني وقربني حتى جلست إلى جنبه، وقام بي، وألحقني بأصحابه، فاستولى علي الفرح، والشئ الثاني حين أهلت للاستناد في موضع شيخنا أبي إسحاق رحمه الله تعالى، فذلك أعظم النعم، وأوفى القسم.
(*) تاريخ الحكماء: 365 - 366، المنتظم: 9 / 119، الكامل: 10 / 105، 302، عيون الانباء: 343، وفيات الأعيان: 6 / 267 - 268، المختصر: 2 / 223، تاريخ مختصر الدول للعبري: 339، تتمة المختصر: 2 / 21، المستفاد: 259 - 260، عيون التواريخ: 13 / 96 - 97، البداية والنهاية: 12 / 159، النجوم الزاهرة: 5 / 166، إيضاح المكنون: 1 / 85.
(1) في ابن خلكان: 6 / 267، أن سبب إسلامه أبو علي بن الوليد المعتزلي.
(2) قال ابن خلكان: مدح فيها الإسلام، وأقام الحجة على أنه الدين الحق، وذكر فيها ما قرأه في التوراة والانجيل من ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي مبعوث، وأن اليهود والنصارى أخفوا ذلك ولم يظهروه، ثم ذكر فيها معايب اليهود والنصارى، وهي رسالة حسنة أجاد فيها.
(* *) المنتظم: 9 / 128، الكامل في التاريخ: 10 / 54، 326، عيون التواريخ: 13 / 106، البداية والنهاية: 12 / 161، النجوم الزاهرة: 5 / 167.(19/188)
المُسْتوفِي، كَانَ صدراً مُعَظَّماً مُحْتَشِماً، كَثِيْرَ الأَمْوَالِ، وَكَانَ مُسْتَوْفِي دِيوَانِ المَمْلَكَة الملكشَاهيَة، فِيْهِ خَيْر وَسُؤْدُد، بَنَى مَدَارسَ وَمَسَاجِدَ، وَهُوَ مُنشِئُ المَشْهَد عَلَى ضرِيحِ الإِمَام أَبِي حَنِيْفَةَ، وَالقُبَّةِ، وَالمدرسَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي أَوَاخر أَمرِه، لَزِمَ دَاره مُكرَّماً مُحترماً، كَانَتِ المُلُوْكُ يَصدُرُوْنَ عَنْ رَأْيِه، وَفِيْهِ يَقُوْلُ الصَّدْر أَبُو جَعْفَرٍ البَيَاضِي لمَا بَنَى المَشْهَد:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ العِلْمَ كَانَ مُبَدَّداً ... فَصَيَّرَهُ هَذَا المُغَيَّبُ فِي اللَّحْدِ (1)
كَذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الأَرْضُ مَيْتَةً ... فَأَنْشَرَهَا فِعْلُ العَمِيدِ أَبِي سَعْدِ
قَالَ: فَوَصَلَهُ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيّ.
مَاتَ شرفُ الملكِ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
110 - الشِّيْرَجَانِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
المُحَدِّثُ، الرّحَّالُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ الكَرْمَانِيّ، الصُّوْفِيّ، تَعِبَ وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَتغرَّب.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيٍّ بِدِمَشْقَ، وَمِنْ سُلَيم بِصُوْرَ، وَمِنِ ابْنِ طَلْحَةَ، وَعَاصِمِ بنِ حَسَنٍ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ ذَا عِبَادَةٍ وَنُسُكٍ.
__________
(1) في " وفيات الأعيان ": فجمعه هذا المغيب في اللحد.
(*) المنتظم: 9 / 132، ميزان الاعتدال: 1 / 521، الوافي بالوفيات: 12 / 215، لسان الميزان: 2 / 254.
والشيرجاني كالشيرجي: نسبة لمن يبيع الشيرج، وضبطه بكسر الشين السمعاني، وتابعه عليه ابن الأثير، والسيوطي، وخالف صاحب المصباح المنير، فقال: هو بفتح الشين مثال زينب وصيقل وعيطل، وهذا الباب باتفاق ملحق بباب " فعلل " نحو " جعفر "، ولا يجوز كسر الشين، لأنه يصير من باب " درهم " وهو قليل، ومع قلته، فأمثلته محصورة، وليس هذا منها.(19/189)
رَوَى عَنْهُ: أَبُو البَرَكَات إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ الصُّوْفِيُّ، وَالسِّلَفِيُّ، وَلاَحَ كَذِبُهُ وَتَزويرُه.
قَالَ شُجَاعٌ: ضَعِيْف.
وَقَالَ المُؤتَمَنُ: يَنْبَغِي أَنْ يُنَادَى عَلَى قَبْرِهِ: هَذَا كَذَّاب.
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: هُوَ خَرَّب بَيْتَ ابْن زَهْرَاء الطُّرَيْثِيْثِيّ.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ يَكْذِبُ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: لَمْ أَكْتُب إِلاَّ مِنْ أُصُوْله.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبَ مَا لاَ يَدخُلُ تَحْتَ الْحصْر وَلاَ يَنفع، وَادَّعَى أَشيَاءَ، وَسَمَّعَ لِنَفْسِهِ (1) .
مَاتَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي شَعْبَانَ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
111 - ابْنُ الحَطَّابِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَطَّاب الرَّازِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ.
__________
(1) في " لسان الميزان " عن ابن السمعاني: إلا أنه ادعى سماع ما لم يسمعه، وأفسد سماع جماعة من الشيوخ، فحملهم على أن حدثوا بما لم يسمعوا، منهم أبو بكر الطريثيثي، ورأيت أنا في عدة أجزاء من تصانيف الخطيب سماعه إما ملحقا وإما مصلحا، وكان مع ذلك له ورع وصلاح وزهد وتنسك، وصحبة للمشايخ.
وقال ابن ناصر: كان ظاهره الصلاح، والخبر منكر، ولو قنع بما رزقه الله من السماع كان أصلح، لان الرجل ينتفع بالقليل مع الصدق.
(*) تذكرة الحفاظ 4 / 1228، وتصحف فيه إلى الخطاب بالخاء المعجمة، توضيح المشتبه 1 / 209 / 1، التاج: حطب.(19/190)
حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَدَخَلَ اليَمَن.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ: شُعَيْب بن عَبْدِ اللهِ بن المِنْهَالِ وَطَبَقَته، ثُمَّ سَمَّعَ وَلده مِنِ ابْنِ حِمِّصَة، وَابْن الطَّفَّال، وَعِدَّة، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ وَقبلهَا وَبعدهَا.
وَسَمِعَ هُوَ بِدِمَشْقَ: مِنْ عَلِيِّ بنِ السِّمْسَار.
وَتَلاَ عَلَى الحُسَيْنِ بن عَامِرٍ، وَتَلاَ بِمَكَّةَ بِروَايَاتٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الكَارَزِينِي، وَانْتَقَلَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة فِي القَحط الكَائِنِ فِي قُربِ سَنَة سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَرَؤُوا عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَتَبَ عَنْهُ الحَافِظُ أَبُو زَكَرِيَّا البُخَارِيُّ، وَمَكِّي الرُّمَيْلِي، وَغَيْثٌ الأَرمَنَازِي، وَعبدُ الْمُحسن الشِّيحِي، وَسَمِعَ عَلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّاهدُ الكَثِيْرَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة وَبِمِصْرَ.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ مِنَ الثِّقَاتِ، خَيِّراً، كَثِيْرَ المَعْرُوف.
قَالَ ابْنُهُ فِي (مَشْيَخَته) :حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، أَنَا (1) عُمَرَ الصَّيْرَفِيّ بِانتخَابِ أَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيّ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
ثُمَّ قَالَ ابْنُهُ: كَانَ أَبِي فِي سَكْرَةِ المَوْت وَهُوَ يَقُوْلُ لِي: مَا لِي حَسْرَة إِلاَّ أَنِّي أَمُوْتُ؛ وَلَمْ يُؤْخَذ عَنِّي مَا سَمِعتُه عَلَى الوَجْه الَّذِي أَردتُهُ.
مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
112 - اللَّوَاتِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ مَرْوَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ *
العَلاَّمَةُ، القَاضِي، أَبُو مُحَمَّدٍ مَرْوَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ اللَّوَاتِي، المَغْرِبِيّ، الطَّنجِي، المَالِكِيّ، إِمَامٌ، صَاحِبُ فُنُوْنٍ وَقِرَاءاتٍ.
حَجَّ وَتَلاَ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بن نَفِيْسٍ وَغَيْرِهِ.
__________
(1) في الأصل: أن.
(*) الغنية للقاضي عياض ص 258 - 260.(19/191)
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الوَلِيْدِ، وَكَانَ خَطِيْباً مُفَوَّهاً نَحْوياً، وَلِي الفُتْيَا وَالخَطَابَة بِسَبْتَةَ فِي دَوْلَةِ البَرغوَاطِي، وَكَانَ ذَا هَيبَةٍ وَسَطْوَةٍ، دَرَّس (المُدوَّنَة) ، وَأَكْثَرَ النَّاسُ عَنْهُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: سَمِعَ عَلَيْهِ خَالاَي أَبُو عَبْدِ اللهِ (1) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ ابْنَا الجَوْزِيِّ، وَعَبُّود بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ جَعْفَرٍ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ.
وَأَخُوْهُ أَبُو الحَسَنِ مُفْتِي طنجَة عَلِيُّ بن عَبْدِ المَلِكِ.
وَلأَبِي الحَسَنِ وَلدَان:
أَحدُهُمَا: عَبْدُ اللهِ قَاضِي غَرْنَاطَة، ثُمَّ قَاضِي تِلِمْسَان.
وَالثَّانِي: قَاضِي مِكنَاسَة، الفَقِيْه عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالِد قَاضِي تِلِمْسَان فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ أَبِي (2) الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَكَانَ لِمَرْوَانَ بَنُوْنَ أَئِمَّة، مِنْهُم قَاضِي طَنجَةَ عَبدُ الخَالِق، ثُمَّ عَبْد الوهَّاب قَاضِي طَنجَةَ أَيْضاً، وَكَانَ مِنْ قُضَاة العَدْلِ، وَالثَّالِث العَلاَّمَة ذُو الفنُوْنِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَاضِي جَيَّانَ، وَالرَّابعُ القَاضِي عَبْد المُنْعِمِ وَلِيَ قَضَاءَ مِكنَاسَة، ثُمَّ المَرِيَّة، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ إِشبيليَة، ثُمَّ اسْتَعفَى، فَنُقِلَ إِلَى غَرْنَاطَة.
ذكرهُمُ القَاضِي عِيَاض، وَلَمْ يَذكرْ وَفِيَّاتِهِم.
113 - شَمْسُ المُلْك نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ *
السُّلْطَانُ نَصْرُ بن إِبْرَاهِيْمَ صَاحِبُ مَا وَرَاءَ النَّهْر.
__________
(1) في المطبوع من الغنية: أبو بكر.
(2) في الأصل: أبو.
(*) طبقات الاسنوي: 2 / 416.(19/192)
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ مِنْ أَفَاضِل المُلُوْك عِلْماً وَرَأْياً وَسِيَاسَةً وَحَزْماً، درس الفِقْه، وَكَتَبَ بِخطِّه المَلِيْحِ مصحفاً، وَخَطَبَ عَلَى مِنْبَرِ بُخَارَى، وَعَلَى مِنْبَرِ سَمَرْقَنْد، وَتَعَجَّبُوا مِنْ فَصَاحتِهِ، وَأَملَى الحَدِيْثَ عَنْ حَمْدِ بن مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيّ، وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يَعْرِفُ النِّجَارَة، عمل بِيَدِهِ بَابَ المَقْصُوْرَةِ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الخَطِيْبُ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
114 - السُّوْذَرْجَانِيُّ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْقُ، بَقِيَّةُ المَشْيَخَة، أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السُّوذَرْجَانِي، الأَصْبَهَانِيّ، أَخُو الشَّيْخ المُسْنَد الصَّادِق أَبِي مَسْعُوْدٍ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ.
سَمِعَا مَعاً مِنْ عَلِيِّ بنِ مَيْلَةَ الفَرَضِيّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ النَّقَّاش، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدَكُويه، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ الذَّكوَانِي، وَعُمِّرَا دَهْراً، وَتَفرَّدَا.
وَسَمِعَ مِنْهُمَا: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَهُمَا مِنْ كِبَارِ شُيوخه.
وَرَوَى عَنْ أَبِي الفَتْحِ هَذَا: إِسْمَاعِيْلُ بنُ غَانمٍ البيِّع، وَمَحْمُوْدُ بنُ حَمَكَا، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخرقِي، وَعِدَّةٌ، وَكَانَ نَحْويّاً مَاهِراً مَشْهُوْراً، انْتخب عَلَيْهِ الحُفَّاظُ.
وَمَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ تِسْعِيْنَ عَاماً.
__________
(*) معجم البلدان: 3 / 278.
أخوه محمد له ترجمة في: الأنساب: 7 / 185، اللباب: 2 / 153.(19/193)
وَتُوُفِّيَ أَخُوْهُ مُحَمَّد قَبْله بِعَامَينِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مندة: حَدَّثَ عَنِ ابْنِ مَاشَاذه، وَالفَضْلِ بنِ عُبيد الله بن شَهْرَيَار، وَأَبِي سهل الصَّفَّار، وَأَكْثَر عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَكَانَ مُحِبّاً لأَبِي الحَسَن الأَشْعَرِيّ، يُؤدِّبُ الصِّبْيَان.
وَمَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ: مُقْرِئ العِرَاق أَبُو طَاهِرٍ بنُ سِوَارٍ (1) ، وَأَبُو سَعْدٍ الحُسَيْن بن الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيّ الفَانِيذِي، وَأَبُو بَكْرٍ خَازِم بنُ مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيّ - وَفِيْهِ ضعف - وَأَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بن نَجَاح الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ المُقْرِئُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الدوش الشَّاطبِي، وَأَبُو الحُسَيْنِ يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي زَيد البيَاز، وَأَبُو البَرَكَات مُحَمَّدُ بن المُنْذِرِ بن طيبَان، وَالمُحَدِّثُ أَبُو يَاسِر بنُ كَادش، وَأَبُو العَلاَءِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْد الجَبَّارِ الضَّبِّيّ الفُرْسَانِي.
115 - الرَّبَعِيُّ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُريبَة الرَّبَعِي، البَغْدَادِيّ، الشَّافِعِيّ.
قَالَ: وَلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ مَخْلَدٍ البَزَّاز، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَأَبَا القَاسِمِ بن بِشْرَان، وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّب، وَأَقضَى القُضَاة المَاوردي، وَأَخَذَ
__________
(1) سترد ترجمته برقم: (139) .
(*) العبر: 4 / 5، المشتبه: 457، عيون التواريخ: 13 / 251، مرآة الزمان: 8 / 18، طبقات السبكي: 7 / 223 - 224، تبصير المنتبه: 945، النجوم الزاهرة: 5 / 119، شذرات الذهب: 4 / 4.(19/194)
الكَلاَم عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ الوَلِيْدِ المُعْتَزِلِي، وَغَيْرِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَعَبدُ الخَالِق اليُوسفِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب النَّحْوِيّ، وَشُهْدَةُ بِنْتُ الإِبَرِي، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتيل، وَأَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ.
قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ: كَانَ يَذْهَبُ إِلَى الاعتزَال.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ أَبَا المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ - إِنْ شَاءَ اللهُ - أَوْ غَيْرَه يذكُرُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الاعتزَال، وَأَشْهَدَ المُؤتَمَنَ السَّاجِيّ وَغَيْرهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالرُّجُوْع عَنْ رَأْي المُعْتَزِلَة - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
مَاتَ: فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: قرَأَ الأَدبَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ بنِ بَرْهَان، وَالمَذْهَبَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّب.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
إِنْ كُنْتَ نِلْتَ مِنَ الحَيَاةِ وَطِيْبِهَا ... مَعَ حُسْنِ وَجْهِكَ عِفَّةً وَشَبَابَا
فَاحْذَرْ لِنَفْسِكَ أَنْ تُرَى مُتَمَنِّياً ... يَوْمَ القِيَامَةِ أَنْ تَكُوْنَ تُرَابَا
وَأُمّه هِيَ عُريبَة، وَقَالَ لِلسِّلَفِي: مَوْلِدي سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.
116 - بَرْكْيَارُوْقُ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ مَلِكْشَاه بنُ أَلب آرسلاَنَ السَّلْجُوْقِي *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، ركنُ الدِّين، أَبُو المُظَفَّرِ بَرْكيَارُوْق ابْن السُّلْطَان
__________
(*) المنتظم: 9 / 141 - 142 - 144، أخبار دولة آل سلجوق: 75، الكامل في التاريخ: 10 / 380 - 381، وفيات الأعيان: 1 / 268 - 269، دول الإسلام: 2 / 27، =(19/195)
مَلِكْشَاه بنِ أَلب آرسلاَن السَّلجوقِي، وَيُلَقَّبُ أَيْضاً: بِهَاءَ الدَّوْلَة.
تَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَنَاب عَنْهُ عَلَى خُرَاسَانَ، أَخُوْهُ السُّلْطَان سَنْجَر.
وَكَانَ بَرْكْيَا رُوْق شَابّاً شَهْماً شُجَاعاً لعَّاباً، فِيْهِ كرمٌ وَحِلْمٌ، وَكَانَ مُدْمِناً لِلْخمر، تَسلطن وَهُوَ حَدَثٌ، لَهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي نَكَدٍ وَحُرُوْبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ مُحَمَّد، يَطولُ شرحهَا، هِيَ مذكورَة فِي الحوَادث.
مَاتَ: بِبُرُوْجِرْد، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِعِلَّةِ السِّلِّ وَالبَوَاسِيْرِ، وَكَانَ فِي أَوَاخرِ دَوْلَته قَدْ تَوطَّد مُلْكُه، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، وَلَمَّا احتُضِرَ، عَهِدَ بِالأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ لابْنِهِ مَلِكْشَاه بِمَشُوْرَةِ الأُمَرَاء، فَعقدُوا لَهُ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَة أَعْوَام.
117 - البَنْدَنِيجِيُّ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّافِعِيّ، الضَّرِير، تِلْمِيْذُ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي.
دَرَّس فِي أَيَّامِ شَيْخه، ثُمَّ جَاور.
__________
= العبر: 3 / 349، 350، تتمة المختصر: 2 / 26 - 27، الوافي بالوفيات: 10 / 121 - 122، عيون التواريخ: 13 / 138 - 139، مرآة الزمان: 8 / 8 - 9، البداية والنهاية: 12 / 164 - 165، العبر لابن خلدون: 5 / 12، السلوك: 1 / 1 / 34، النجوم الزاهرة: 5 / 191، تاريخ الخلفاء: 425 - 426، شذرات الذهب: 3 / 407 - 408.
(*) الأنساب: 2 / 314، طبقات فقهاء اليمن: 119، المنتظم: 9 / 133، اللباب: 1 / 180، الكامل في التاريخ: 10 / 352، الوافي بالوفيات: 5 / 156، نكت الهميان: 277، طبقات السبكي: 4 / 207، طبقات الاسنوي: 2 / 204، البداية والنهاية: 12 / 162، العقد الثمين 2 / 381، طبقات ابن هداية الله ص 185، كشف الظنون: 2 / 1733، هدية العارفين: 2 / 78.(19/196)
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ البَغْدَادِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيّ، وَعبدُ الخَالِق اليُوسُفِي.
وَكَانَ مُتَعَبِّداً مُعْتَمِراً، كَثِيْرَ التِّلاَوَة، وَعَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
118 - العِجْلِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَنٍ *
مُفْتِي هَمَذَان، وَعَالِمُهَا، الإِمَامُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَنٍ العِجْلِيّ، الأَسَدَابَاذِي، ثُمَّ الهَمَذَانِيّ، الشَّافِعِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ ثِقَةٌ، مُفْتٍ، منَاظرٌ، كَثِيْرُ العِلْمِ وَالعَمَلِ.
سَمِعَ: أَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّةَ، وَطَائِفَة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَبِالإِجَازَة أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
119 - ابْنُ الأَبْرَصِ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ البَغْدَادِيُّ **
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، أَبُو تُرَاب عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ
__________
(1) ومن شعره:
عدمتك نفسي ما تملي بطالتي * وقد مر أصحابي وأهل مودتي
أعاهد ربي ثم أنقض عهده * وأترك عزمي حين تعرض شهوتي
وزادي قليل ما أراه مبلغي * أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي
(*) المنتظم: 9 / 125، الوافي بالوفيات: 15 / 181، طبقات السبكي: 4 / 383، طبقات الاسنوي: 2 / 213 - 214.
(* *) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي بين أيدينا.(19/197)
البَغْدَادِيّ، ابْنُ الأَبْرَص، المُؤَدِّبُ.
سَمِعَ: هِبَةَ اللهِ بن الحَسَنِ الحَافِظ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي.
رَوَى عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ أَيْضاً.
120 - ابْنُ المُوْصِلاَيَا العَلاَءُ بنُ حَسَنِ بنِ وَهْبٍ البَغْدَادِيُّ *
المنشِئُ، البليغُ، ذُو التَّرَسُّلِ الفَائِقِ، أَمِيْن الدَّوْلَة، أَبُو سَعْدٍ العَلاَءُ بنُ حَسَن بن وَهْبٍ البَغْدَادِيّ.
كَانَ نَصْرَانِيّاً، فَأَسْلَمَ عَلَى يَد الْمُقْتَدِي، وَلَهُ بَاعٌ مديدٌ فِي النَّظم وَالنَّثر، عُمِّرَ دَهْراً، وَأَضَرَّ، بَعْدَ أَنْ كتب الإِنشَاء نَيِّفاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَلَمَّا أَسْلَمَ كَانَ قَدْ شَاخَ، وَقَدْ نَابَ فِي الوزَارَة غَيْرَ مَرَّةٍ، وَكَانَ أَفصحَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَفِيْهِ مَكَارِمُ وَآدَابٌ وَعقل (1) .
مَاتَ فَجْأَةً، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّدَقَات، وَقَفَ أَملاَكَهُ، أَسْلَمَ لَمَّا أُلْزِمَتْ الذِّمَّةُ بِلُبْس الغِيَار (2) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 141، الخريدة: 1 / 123، الكامل في التاريخ: 10 / 377 - 378، وفيات الأعيان: 3 / 480، تتمة المختصر: 2 / 26، عيون التواريخ: 13 / 122، 125، نكت الهميان: 201، مرآة الزمان: 8 / 8، البداية والنهاية: 12 / 164، النجوم الزاهرة: 5 / 189.
(1) حكى في المنتظم 9 / 141، عن بعض أصحاب ابن الموصلايا قال: شتمت يوما غلاما لي، فوبخني، وقال: أنت قادر على تأديب الغلام أو صرفه، فأما الخنا والقذف فإياك والمعاودة له، فإن الطبع يسرق من الطبع، والصاحب يستدل به على المصحوب.
(2) قال المطرزي في " المغرب ": 2 / 119: الغيار: علامة أهل الذمة كالزنار للمجوس.(19/198)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَخلفه فِي كِتَابَة الإِنشَاء ابْنُ أُخْته العَلاَّمَة أَبُو نَصْرٍ.
121 - الطَّلاَّعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ القُرْطُبِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، مُفْتِي الأَنْدَلُس، وَمُحَدِّثُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ القُرْطُبِيّ، المَالِكِيّ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ الطَّلاَّع (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: هُوَ بَقِيَّةُ الشُّيُوْخ الأَكَابِر فِي وَقته، وَزعيمُ المُفتين بِحَضْرَتِهِ.
حَدَّثَ عَنْ: يُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ القَاضِي، وَمكِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَابِد، وَحَاتِم بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَمْرٍو المرشَانِي، وَمُعَاوِيَةَ بنِ مُحَمَّدٍ العُقَيْلِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ بنِ القَطَّان.
وَكَانَ فَقِيْهاً، حَافِظاً لِلْفقه، حَاذِقاً بِالفَتْوَى، مُقَدَّماً فِي الشُّوْرَى، وَفِي
__________
(*) الصلة: 2 / 564 - 565، بغية الملتمس: 123، المغرب في حلى المغرب: 165، دول الإسلام: 2 / 27، العبر: 3 / 349، الوافي بالوفيات: 4 / 318 - 319، عيون التواريخ: 13 / 126، الديباج المذهب: 2 / 242 - 243، كشف الظنون: 137، شذرات الذهب: 3 / 407، إيضاح المكنون: 2 / 270، هدية العارفين: 2 / 78، شجرة النور الزكية: 123.
(1) في برنامج التجيبي ص 56: وقال سراج بن عبد الملك اللغوي الحافظ: الصواب فيه ابن الطلاء بالهمز، لان أباه فرجا كان يطلي مع سيده اللجم بالربض الشرقي من قرطبة بإزاء باب الجديد، ومن قال: ابن الطلاع بالعين فقد أخطأ، وقال أبو عبد الله بن هشام النحوي اللغوي السبتي: هو ابن الطلاع بالعين المهملة، وقيل له ذلك لان أباه كان يطلع نخل قرطبة، قلت (القائل التجيبي) : وجدت عن بعض أهل الحديث أنه إنما قيل له الطلاع لان والده كان يطلع الدهان مع سيده، فعلى هذا يكون الطلاع والطلاء معا بمعنى واحد، والله تعالى أعلم.(19/199)
عِلل الشُّروط، مُشَارِكاً فِي أَشيَاء مِنَ العِلْمِ حَسَنَة، مَعَ دينٍ، وَخيرٍ، وَفضلٍ، وَطُولِ صَلاَة، قَوَّالاً لِلْحقِّ وَإِنْ أُوذِي، لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ، مُعَظَّماً عِنْد الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ، يَعرِفُوْنَ لَهُ حقَّهُ، وَلِيَ الصَّلاَةَ بقُرْطُبَة، وَكَانَ مُجَوِّداً لِكِتَابِ اللهِ، أَفْتَى وَحَدَّثَ وَعُمِّرَ، وَصَارَت الرِّحلَةُ إِلَيْهِ، أَلَّف كِتَاباً فِي أَحكَام النَّبِيّ (1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرَأْتُهُ عَلَى أَبِي عَنْهُ (2) .
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: كَانَ صَالِحاً، قَوَّالاً لِلْحقِّ، شدِيداً عَلَى المُبْتَدِعَة، شُووِر عِنْدَ مَوْتِ ابْن القَطَّان إِلَى أَنْ دَخَلَ المرَابطون، فَأَسقطُوهُ مِنَ الفُتْيَا لِتعصُّبه عَلَيْهِم.
سَمِعَ مِنْهُ عَالَمٌ كَثِيْر، وَرحلُوا إِلَيْهِ لِسمَاعِ (المُوَطَّأ) ، وَلِسمَاع (المدوَّنَة (3)) لِعلوه فِي ذَلِكَ، وَلـ (سُنَن النَّسَائِيّ) وَكَانَ أَسندَ مَنْ بَقِيَ صَحِيْحاً فَاضِلاً، عِنْدَهُ بَلَهٌ (4) بِأَمرِ دُنْيَاهُ وَغفلَةٌ، وَيُؤْثَرُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ طَرَائِفُ، وَكَانَ شدِيداً عَلَى أَهْلِ البِدَع، مُجَانِباً لِمَنْ يَخوضُ فِي غَيْرِ الحَدِيْث.
وَنَقَلَ اليَسعُ بن حَزْم عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ الطَّلاَّع فِي بُستَانِه، فَإِذَا بِالمُعْتَمِدِ بن عَبَّادٍ مُجتَازٌ مِنْ قَصْرِه، فَرَأَى ابْنَ الطَّلاَّع، فَنَزَلَ عَنْ مَرْكُوبه، وَسَأَل دُعَاءَهُ، وَتَضَرَّع، وَتذمَّم، وَنَذَرَ، وَتَبَرَّع، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: يَا
__________
(1) وفي فهرست ابن خير ص 246: كتاب أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف الفقيه أبي عبد الله محمد بن فرج، حدثني به الشيخ الفقيه أبو القاسم أحمد بن محمد بن بقي رحمه الله قراءة مني عليه في منزله، قال: حدثني به أبو عبد الله محمد بن فرج مؤلفه رحمه الله قراءة عليه.
(2) الصلة: 2 / 564، 565.
(3) انظر فهرست ابن خير ص: 241.
(4) أي: انه لانصرافه إلى العلم، وانشغاله بإصلاح نفسه، وبني جنسه، أغفل أمور دنياه، فجهل حذق التصرف فيها، وهذا النوع من البله محمود، وحديث " أكثر أهل الجنة البله " أخرجه البزار وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.(19/200)
مُحَمَّدُ، انْتَبِهْ مِنْ غَفْلَتِكَ وَسِنَتِكَ (1) .
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ عددٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو جَعْفَرٍ البطروجِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عبد الخَالِق الخَزْرَجِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن خَلِيْل القَيْسِيّ، نَزِيْلُ مَرَّاكُش الَّذِي بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَعَلِيّ بن حُنَيْنٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ فِي (المُوَطَّأِ) أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسَائِيّ فِي (سُنَنِهِ الكَبِيْرِ (2)) اثْنَانِ.
مَاتَ: فِي رَجَب، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. أَرَّخَهُ ابْن بَشْكُوَال،
__________
(1) وكان الاذفونش طلب من المعتمد بن عباد أن يأذن لامرأته أن تدخل إلى جامع قرطبة لتلد في مكان فيه في الجانب الغربي معظم عندهم، وأن ينزلها بالمدينة الزهراء غربي قرطبة، وكان السفير بينهما يهوديا، فامتنع المعتمد بن عباد من ذلك، فراجعه فأباه وأيأسه من ذلك، فراجعه اليهودي، وأغلظ له في القول، وواجهه بما لم يحتمله ابن عباد، فأخذ ابن عباد محبرة كانت بين يديه، وضرب بها رأس اليهودي، فأنزل دماغه في حلقه، وأمر به فصلب منكوسا بقرطبة، واستفتى لما سكن غضبه الفقهاء عن حكم ما فعله باليهودي، فبادره المترجم محمد بن الفرج بالرخصة في ذلك لتعدي الرسول حدود الرسالة إلى ما استوجب به القتل، إذ ليس له ذلك، وقال الفقهاء: إنما بادرت بالفتوى خوفا أن يكسل المعتمد عما عزم عليه من منابذة العدو، وعسى الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجا ... وانظر تمام الخبر في " نفح الطيب ": 4 / 358، 359 ...
(2) انظر برنامج الوادي آشي: ص 197، وفهرست ابن خير: ص: 110 وهو الذي لم يطبع منه سوى جزء واحد بتحقيق عبد الصمد شرف الدين، ومنه نسخة خطية كاملة برواية ابن الاحمر، وابن سيار الأندلسيين في مكتبة ملا مراد باستانبول، والمطبوع المتداول بين أهل العلم هو المجتبى منه، وهو اختيار تلميذه أبي أحمد بن محمد بن السني، وأخطأ ابن الأثير صاحب جامع الأصول، فزعم وهو يترجم للنسائي ان المجتبى من تأليف النسائي وانتقائه، وأنه تحرى فيه الصحة استجابة لرغبة بعض الامراء، وقد تابعه على خطئه هذا غير واحد من أهل العلم، فقالوا بصحة جميع الأحاديث التي في " المجتبى " من غير نظر في أسانيدها،
ولا بحث في عللها، ويغلب على الظن أنهم قلدوا ابن الأثير، ولم يخبروا الكتاب بأنفسهم، فإن في المجتبى عددا غير قليل من الأحاديث قد حكم بضعفها النسائي نفسه وغيره من الأئمة الذين هم القدوة في هذا الفن، والمعول عليهم فيه، كما أن في الأصل الذي ألفه النسائي أحاديث كثيرة صحيحة، وردت في مواضيع متعددة لا وجود لها في مجتبى ابن السني.(19/201)
وَقَالَ: شَهِدَه جَمعٌ عَظِيْم.
كَتَبَ إِلَيَّ بِـ (المُوَطَّأ) ابْنُ هَارُوْنَ مِنْ تُونُس، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَقِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد الخَالِق، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عُبيدُ الله بن يَحْيَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ مَالِكٍ (1) .
122 - الحَرَمِيُّ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُزَكِّي، الحَرَمِيُّ، نَزِيْلُ هَرَاة.
سَمِعَ: أَبَا نَصْرٍ السِّجْزِيّ، وَطَائِفَةً بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّد بنَ الحُسَيْنِ الطَّفَّال، وَعَلِيَّ بنَ حِمِّصَة، وَعَلِيَّ بنَ بَقَاءٍ بِمِصْرَ، وَأَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ بِبَغْدَادَ، وَأَقرَانَهُم.
وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً رَبَّانِيّاً.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عليّ: كَانَ أَبُو سَعْدٍ الحَرَمِي مِنَ الأَوتَاد (2) ، لَمْ أَرَ بِعَيْنَيَّ أَحْفَظَ مِنْهُ.
__________
(1) انظر برنامج التجيبي: ص 53، وبرنامج الوادي آشي: ص 187، وفهرست ابن خير: ص 80.
(*) الأنساب: 4 / 116، المنتظم: 9 / 107، وتحرف فيه الحرمي إلى المخرمي، اللباب: 1 / 359، تذكرة الحفاظ: 4 / 1228، وتحرف فيه الحسين إلى الحسن، والمزكي إلى المكي، العقد الثمين: 2 / 7 - 8، طبقات الحفاظ: 449، شذرات الذهب: 2 / 397.
(2) أي من حفاظ الحديث المتمكنين منه، العارفين به.(19/202)
وَقَالَ الوَاعِظ أَبُو حَامِدٍ الخَيَّاط: إِنْ كَانَ للهِ بِهَرَاةَ أَحَدٌ مِنَ الأَوليَاءِ، فَهُوَ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى الحَرَمِي.
مَاتَ: بِهَرَاةَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا المُؤْتَمَنُ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ الحَرَمِي الحَافِظ يَقُوْلُ:
لاَ يَصبِرُ عَلَى الخَلِّ إِلاَّ دُودُه، يَعْنِي: لاَ يَصبرُ عَلَى الحَدِيْث إِلاَّ أَهْلُهُ.
123 - الطَّبَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ، مُفْتِي مَكَّة، وَمُحَدِّثُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الطَّبَرِيّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: بآمُلَ، سَنَة ثَمَان عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ (صَحِيْح مُسْلِم) مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ الفَارِسِيّ، وَرَوَاهُ مَرَّاتٍ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْر، وَأَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَنَاصِر العُمَرِيّ - وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ - وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة، وَلَهُ أَعقَابٌ بِمَكَّةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ، وَرَزِيْنٌ العَبْدَرِي (1) ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ
__________
(*) العبر: 3 / 351، تبيين كذب المفتري: 287، عيون التواريخ: 13 / 135، طبقات السبكي: 4 / 349 - 356، طبقات الاسنوي: 1 / 567 - 569، العقد الثمين: 4 / 200 - 202، طبقات ابن هداية الله: 186، كشف الظنون: 1 / 408، شذرات الذهب: 3 / 408.
(1) في الأصل: العبدي.(19/203)
العَرَبِيِّ، وَوَجِيهٌ الشَّحَّامِي، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَخَلْق.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الشَّافعيَّةِ، وَيُدعَى بِإِمَامِ الحَرَمَيْنِ، تَفَقَّهَ بِهِ جَمَاعَة بِمَكَّةَ (1) .
تُوُفِّيَ: بِمَكَّةَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
124 - ثَابِتُ بنُ بُنْدَارَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بُنْدَارَ الدِّيْنَوَرِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخ، أَبُو المَعَالِي الدِّيْنَوَرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، البَقَّال.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَطَلَبَ العِلْمَ فِي حدَاثته.
وَسَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ الحُرفِي، وَأَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِيّ، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَعُثْمَانَ بن دُوسْت، وَأَبَا عَلِيٍّ بن دُومَا، وَعِدَّة.
وَتَلا عَلَى: ابْنِ الصَّقْرِ الكَاتِب، وَأَبِي العَلاَءِ الوَاسِطِيّ، وَأَبِي ثَعْلَب الملحمِي، وَغَيْرِهِم.
قَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاطِ، وَأَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ شُنَيف، وَطَائِفَة.
__________
(1) وقال السمعاني: كان حسن الفتاوى، تفقه على ناصر الدين الحسين العمري بخراسان، وعلى القاضي أبي الطيب ببغداد، ثم لازم الشيخ أبا إسحاق حتى صار من عظماء أصحابه، ودرس بالنظامية.
وذكره القاضي عياض في المشيخة التي خرجها لابن سكرة، وقال: شافعي أشعري جليل، لازم التدريس لمذهب الشافعي، والتسميع بمكة نحوا من ثلاثين سنة، وكان من أهل العلم والعبادة.
(*) المنتظم: 9 / 144، الكامل في التاريخ: 10 / 396، العبر: 3 / 351، الوافي بالوفيات: 10 / 471 - 472، عيون التواريخ: 13 / 139، طبقات القراء: 1 / 188، شذرات الذهب: 3 / 408.(19/204)