يَقُوْلُ: لَمَّا أَرَادُوا قتلَ الحَلاَّج، أُحضر لِذَلِكَ الفُقَهَاء، فَسَأَلُوهُ: مَا البُرهَان؟
قَالَ: شوَاهد يُلْبِسُهَا الحَقُّ لأَهْل الإِخْلاَص، يجذبُ فِي النُّفُوْس إِلَيْهَا جَاذب الْقبُول.
فَقَالُوا بِأَجمعهم: هَذَا كَلاَم أَهْل الزَّنْدَقَة.
فنَقُوْل: بَلْ مَنْ وَزَنَ نَفْسَه وَزمَّهَا (1) بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ صَاحِبُ برهَان وَحجَّة، فَمَا أَخيَبَ سَهْمَ مَنْ فَاته ذَلِكَ!
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِيْمَا أَنبأُونِي عَنْهُ: إِنَّ شَيْخَه أَبَا بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ أَنبأَه قَالَ: شهدتُ أَنَا، وَجَمَاعَة عَلَى أَبِي الوَفَاء بن عَقِيْل قَالَ: كُنْتُ قَدِ اعتقدتُ فِي الحَلاَّج وَنصرته فِي جُزْء، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ مِنْهُ، وَقَدْ قُتل بِإِجمَاع فُقَهَاء عصره، فَأَصَابُوا وَأَخْطَأَ هُوَ وَحده.
السُّلَمِيّ: سَمِعْتُ مَنْصُوْر بنَ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ الشِّبلِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنَا وَالحَلاَّج شَيْئاً وَاحِداً، إِلاَّ أَنَّهُ أَظهرَ وَكتمتُ.
وَسَمِعْتُ مَنْصُوْراً يَقُوْلُ: وَقَفَ الشِّبلِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَصْلُوب، فَنَظَر إِلَيْهِ وَقَالَ: أَلم ننهَكَ عَنِ العَالمِين؟!
أَبُو القَاسِمِ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنَا أَبِي: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ حضَر مَجْلِس حَامِد وَجَاؤُوهُ بدَفَاتِر الحَلاَّج، فِيْهَا: إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ فَإِنَّهُ يَسْتَغنِي عَنْهُ بِأَنَّ يعمدَ إِلَى بَيْتٍ فِي دَاره، فَيعْمل فِيْهَا مِحرَاباً، وَيغتسل وَيُحرم، وَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا، وَيُصَلِّي كَذَا وَكَذَا، وَيطوفُ بِذَلِكَ البَيْت، فَإِذَا فرَغ فَقَدْ سَقَط عَنْهُ الحَجّ إِلَى الكَعْبَة.
فَأَقرَّ بِهِ الحَلاَّج وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ رويتُهُ كَمَا سمِعتهُ.
فتعلّق بِذَلِكَ عَلَيْهِ الوَزِيْر، وَاسْتفتَى القَاضِيَيْن: أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنَ البُهْلُول، وَأَبَا عُمَرَ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ، فَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذِهِ زَنْدَقَةٌ يَجِبُ بِهَا الْقَتْل.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لاَ يَجِبُ بِهَذَا قتلٌ إِلاَّ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ يَعْتَقِدُه، لأَنَّ النَّاس قَدْ
__________
(1) أي قيدها وجعل لها زماما.(14/331)
يرْوونَ الكُفْرَ وَلاَ يَعْتَقِدُوْنَهُ، وَإِنْ أَخبر أَنَّهُ يَعْتَقِده اسْتُتِيبَ مِنْهُ، فَإِنْ تَاب فَلاَ شَيْء عَلَيْهِ، وَإِلاَّ قُتِلَ.
فعمِلَ الوَزِيْرُ عَلَى فتوَى أَبِي عُمَرَ عَلَى مَا شَاع وَذَاع مِنْ أَمره، وَظهرَ مِنْ إِلحَاده وَكُفره، فَاسْتُؤذِنَ المُقْتَدِرُ فِي قَتْلِهِ، وَكَانَ قَدِ اسْتغوَى نصراً القُشُورِيَّ مِنْ طَرِيْقِ الصَّلاَح وَالدِّين، لاَ بِمَا كَانَ يدعُو إِلَيْهِ، فَخوَّفَ نصرٌ السَّيِّدَة أُمَّ المُقْتَدِر مِنْ قَتله، وَقَالَ: لاَ آمَنُ أَنْ يلْحق ابْنَكِ عقوبَةُ هَذَا الصَّالِح.
فمَنَعَتِ المُقْتَدِرَ مِنْ قَتْلِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَأَمر حَامِداً بِقَتْلِهِ، فَحُمَّ المُقْتَدِرُ يَوْمهُ ذَلِكَ، فَازدَادَ نصرٌ وَأَمُّ المُقْتَدِر افتتَاناً، وَتشكَّكَ المُقْتَدِر، فَأَنفذ إِلَى حَامِد يمنعهُ مِنْ قَتْلِهِ، فَأَخَّر ذَلِكَ أَيَّاماً إِلَى أَنْ عُوفِي المُقْتَدِر.
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَامِد وَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا إِن بَقِيَ قلبَ الشَّريعَة، وَارتدَّ خلقٌ عَلَى يَدَهِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى زوَال سلطَانك، فدعنِي أَقتلْه، وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَاقتُلنِي، فَأَذن لَهُ فِي قَتْلِهِ، فَقَتَلَهُ مِنْ يَوْمه، فَلَمَّا قُتل قَالَ أَصْحَابُه: مَا قُتل وَإِنَّمَا قتل بِرْذَوْنٌ كَانَ لفُلاَن الكَاتِب، نَفَقَ (1) يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يعُود إِلَيْنَا بَعْد مُدَّة، فصَارت هَذِهِ الجَهَالَةُ مَقَالَة طَائِفَة.
قَالَ: وَكَانَ أَكْثَر مخَاريق الحَلاَّج أَنَّهُ يظهرهَا كَالمعجزَات، يَسْتَغوِي بِهَا ضَعَفَة النَّاس.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنِي أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ التَّنُوْخِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَمَاعَة أَنَّ أَهْل مَقَالَة الحَلاَّج يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ اللاَّهوتَ الَّذِي كَانَ فِيْهِ حَالٌّ فِي ابْنٍ لَهُ بتُسْتَر، وَأَنَّ رَجُلاً فِيْهَا هَاشِم يُقَال لَهُ: أَبُو عُمَارَة مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَدْ حلَّت فِيْهِ روح مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُخَاطب فِيهِم بسيِّدنَا.
قَالَ التَّنوخِيُّ الأَزْرَق: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنِ اسْتدَعَاهُ مِنَ الحَلاَّجيَّة إِلَى أَبِي عمَارَة هَذَا إِلَى مَجْلِس، فَتَكَلَّم فِيْهِ عَلَى مَذْهَب الحَلاَّج وَيدعُو إِلَيْهِ.
قَالَ: فَدَخَلتُ وَظنُّوا أَنِّي مُسترشِد، فَتَكَلَّم بِحَضْرتِي وَالرَّجُلُ أَحْوَل، فَكَانَ
__________
(1) أي: مات. قال في اللسان: نفق الفرس والدابة وسائر البهائم ينفق نفوقا: مات.(14/332)
يقلب عَيْنَيْهِ إِلَيَّ فيجيشُ خَاطرُهُ بِالهَوَس، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ لِي الرَّجُلُ: آمنتَ؟
فَقُلْتُ: أَشدّ مَا كُنْتُ تكذيباً لِقَولكُم الآنَ، هَذَا عندكُم بِمَنْزِلَة النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!؟ لِمَ لاَ يَجْعَل نَفْسه غَيْر أَحْوَل؟
فَقَالَ: يَا أَبْلَه! وَكَأَنَّهُ أَحْوَل، إِنَّمَا يقلِّب عَيْنَيْهِ فِي الْمَلَكُوت.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنِي أَبُو العَبَّاسِ المتطبِّبُ أَحَدُ مسلمِي الطِّبّ الَّذِيْنَ شَاهدتُهُم: إِنَّ حَيَّ نور بن الحَلاَّج بتُسْتَر، وَإِنَّهُ يَلْتَقِط درَاهم مِنَ الهوَاء وَيَجْمَعُهَا وَيسمِّيهَا درَاهم القُدرَة، فَأَحضرُوا مِنْهَا إِلَى مجمع كَانَ لَهُم، فَوَضَعُوهَا وَاتخذُوا أَولئك يَشْهَدُوْنَ لَهُ أَنَّهُ الْتَقَطهَا مِنَ الجَوّ، يُغرُوْنَ بِهَا قَوْماً غُرَبَاء، يَسْتَدعونهُم بِذَلِكَ، وَيَرَوْنَ أَنَّ قدرَ حَيّ نور أَجلُّ مِنْ أَنْ يُمتحن كُلَّ وَقت، فَلَمَّا وضعت الدَّرَاهِم فِي منْدِيل قلَّبتهَا فَإِذَا فِيْهَا دِرْهَمٌ زَائِف، فَقُلْتُ: أَهذه درَاهُم القُدرَة كُلّهَا؟
قَالُوا: نَعَمْ.
فَأَريتُهُم الدِّرْهَم الزَّيْف، فتفرقتِ الجَمَاعَةُ وَقُمنَا، وَكَانَ حَيّ نور قَدِ اسْتغوَى قَائِداً دَيْلَمِيّاً عَلَى تُسْتَر، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ فِي المخرقَة البَاردَة، فَانهتك لَهُ، فَقَتَلَهُ.
فَمِنْ بَارِد مخَاريقه: أَنَّهُ أَحضر جِرَاباً وَقَالَ لَهُ: إِذَا حَزَبكَ أَمرٌ أَخرجتُ لَكَ مِنْ هَذَا الجرَاب أَلف تُركِيٍّ بسلاَحهِم وَنَفَقَتِهِم.
فَسقط مِنْ عينه وَاطَّرَحَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ بَعْد مُدَّة وَقَالَ: أَنَا أَرُدُّ يَد الْملك أَحْمَد بن بُويه المقطوعَةَ صَحِيْحَة، فَأَدخِلْنِي إِلَيْهِ.
فصَاح عَلَيْهِ وَقَالَ: أُرِيْد أَنْ أَقْطَعَ يدك؛ فَإِن رددتهَا حملتُك إِلَيْهِ، فَاضطَرَبَ مِنْ ذَلِكَ، فرمَاهُ بِشَيْءٍ كَانَتْ فِيْهِ منيَّتُه، فَبعثَه سِرّاً فغرَّقه.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ الزَّوْزنِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ ثوَابَة يَقُوْلُ: حَكَى لِي زيد القَصْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ بِالقُدْس، إِذْ دَخَلَ الحَلاَّج، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ يُشْعَلُ فِيْهِ قنديلُ قُمَامَةٍ بدُهن البَلَسَان (1) ، فَقَامَ الفُقَرَاء إِلَيْهِ يطلُبُونَ مِنْهُ
__________
(1) البلسان: شجر كثير الأوراق، ينبت بمصر، وله دهن معروف.(14/333)
شَيْئاً، فَدَخَلَ بِهِم إِلَى القُمَامَة، فَجَلَسَ بَيْنَ الشَّمَامِسَة (1) ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّوَاد، فَظنُّوهُ مِنْهُم، فَقَالَ لَهُم: مَتَى يُشعل الْقنْدِيل؟
قَالُوا: إِلَى أَرْبَع سَاعَات.
فَقَالَ: كَثِيْر.
فَأَومأَ بِأُصبعه، فَقَالَ: الله.
فَخَرَجت نَارٌ مَنْ يَده، فَأَشعلتِ الْقنْدِيل، وَاشتعلت أَلفُ قِنديل حوَاليه، ثُمَّ رُدَّت النَّارُ إِلَى أُصْبُعه، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا حنيفيّ، أَقلُّ الحنيفيين، تُحِبُّون أَنْ أُقيم أَوْ أَخرج؟ فَقَالُوا: مَا شِئْت.
فَقَالَ: أَعطُوا هَؤُلاَءِ شَيْئاً.
فَأَخرجُوا بَدْرَةً (2) فِيْهَا عَشْرَة آلاَف دِرْهَم لِلْفُقَرَاء.
فَهَذِهِ الحِكَايَةُ وَأَمثَالهُا مَا صَحَّ مِنْهَا فحكمُهُ أَنَّهُ مخدومٌ مِنَ الجِنّ.
قَالَ التَّنُوْخِيّ (3) :وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَق قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الحَلاَّج كَانَ لاَ يَأْكُل شَيْئاً شَهْراً، فَهَالنِي هَذَا، وَكَانَ بَيْنَ أَبِي الفَرَجِ وَبَيْنَ روحَان الصُّوْفِيَّ مودَّة (4) ، وَكَانَ مُحَدِّثاً صَالِحاً وَكَانَ القَصْرِيُّ - غُلاَم الحَلاَّج - زوج أُخْته، فَسَأَلته عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ الحَلاَّج يَفْعَلُه فَلاَ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ يتمُّ لَهُ، وَلَكِنَّ صِهرِيَ القَصْرِيَّ قَدْ أَخذ نَفْسَه، وَدرَّجهَا، حَتَّى صَارَ يصبِر عَنِ الأَكل خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، أَقلّ أَوْ أَكْثَر.
وَكَانَ يَتمُّ لَهُ ذَلِكَ بِحِيْلَةٍ تَخفَى عَلَيَّ، فَلَمَّا حُبِسَ فِي جُمْلَةِ الحَلاَّجِيَّةِ، كَشَفَهَا لِي، وَقَالَ لِي: إِنَّ الرَّصدَ إِذَا وَقَعَ بِالإِنْسَانِ، وَطَالَ فَلَمْ تَنكَشِفْ مَعَهُ حِيْلَةٌ، ضَعُفَ عَنْهُ الرَّصدُ، ثُمَّ لاَ يَزَالُ يَضعُفُ كُلَّمَا لَمْ تَنكَشِفْ حِيلَتُه، حَتَّى يَبطُلَ أَصلاً،
__________
(1) الشمامسة: جمع شماس، رؤوس النصارى. قال صاحب اللسان: هو الذي يحلق وسط رأسه ويلزم البيعة.
(2) في اللسان: البدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف، سميت ببدرة السخلة، أي: جلد السخلة.
(3) في " نشوار المحاضرة " 1 / 160 159.
(4) عبارة " النشوار ": وكان بيني وبين أبي الرج بن روحان الصوفي مودة.(14/334)
فَيَتَمَكَّنُ حِيْنَئِذٍ مِنْ فِعلِ مَا يُرِيْدُ، وَقَدْ رَصَدَنِي هَؤُلاَءِ مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَمَا رَأَوْنِي آكُلُ شَيْئاً بَتَّةَ، وَهَذَا نِهَايَة صَبْرِي، فَخُذْ رطْلاً مِنَ الزَّبِيبِ وَرِطْلاً مِنَ اللَّوزِ، فَدُقَّهُمَا، وَاجعَلْهُمَا مِثْلَ الكُسبِ (1) ، وَابسُطْهُ كَالوَرَقَةِ، وَاجعَلْهَا بَيْنَ وَرَقَتَينِ كَدَفْتَرٍ، وَخُذِ الدَّفتَرَ فِي يَدِكَ مَكشُوَفاً مَطوِيّاً لِيَخفَى، وَأَحضِرْهُ لِي خُفْيَةً لآكُلَ مِنْهُ وَأَشرَبَ المَاءَ فِي المَضمَضَةِ، فَيَكفِينِي ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً أُخْرَى.
فكُنْت أَعمَلُ ذَلِكَ لَهُ طُولَ حَبْسِهِ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) :وَظَهَرَ رَجُلٌ يُعرَفُ بِالحَلاَّجِ، وَكَانَ فِي حَبسِ السُّلْطَانِ بِسعَايَةٍ وَقَعَتْ بِهِ فِي وِزَارَةِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى، وَذُكِرَ عَنْهُ ضُرُوبٌ مِنَ الزَّنْدَقَةِ، وَوَضَعَ الحِيَلَ عَلَى تَضلِيلِ النَّاسِ مِنْ جِهَاتٍ تُشبِهُ الشَّعوَذَةَ وَالسِّحرَ وَادِّعَاءَ النُّبُوَّةِ، فَكَشَفَهُ الوَزِيْرُ، وَأَنَهَى خَبَرَهُ إِلَى المُقْتَدِرِ، فَلَمْ يُقِرَّ بِمَا رُمِيَ بِهِ، وَعَاقَبَه، وَصَلَبَهُ حَيّاً أَيَّاماً، وَنُودِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ حُبِسَ سِنِيْنَ، يُنقَلُ مِنْ حَبسٍ إِلَى حَبسٍ، حَتَّى حُبِسَ بِأَخَرَةٍ فِي دَارِ السُّلْطَانِ، فَاسْتَغوَى جَمَاعَةً مِنَ الغِلمَانِ، وَمَوَّهُ عَلَيْهِم، وَاسْتَمَالَهُم بِحِيْلَةٍ، حَتَّى صَارُوا يَحْمُونَه، وَيَدفَعُوْنَ عَنْهُ، ثُمَّ رَاسَلَ جَمَاعَةً مِنَ الكِبَارِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ، وَتَرَامَى بِهِ الأَمْرُ حَتَّى ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، فَسُعِيَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِه فَقُبِضَ عَلَيْهِم، وَوُجِدَ عِنْدَ بَعْضِهِم كُتُبٌ لَهُ تَدُلُّ عَلَى مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَانتَشَرَ خَبَرُه، وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي قَتْلِهِ، فَسَلَّمَه الخَلِيْفَةُ إِلَى الوَزِيْرِ حَامِدٍ، وَأَمَرَ أَنْ يَكشِفَهُ بِحَضْرَةِ القُضَاةِ، وَيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَجَرَتْ فِي ذَلِكَ خُطُوبٌ، ثُمَّ تَيَقَّنَ السُّلْطَانُ أَمرَه، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَإِحرَاقِهِ لِسَبْعٍ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ نَحْواً مِنْ أَلفٍ، وَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ، وَضُرِبَتْ
__________
(1) الكسب: عصارة الدهن، فارسي معرب. أنظر " المعرب " للجواليقي: ص 285.(14/335)
عُنُقُه، وَأُحرِقَ بَدَنُه، وَنُصِبَ رَأْسُه لِلنَّاسِ، وَعُلِّقَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ إِلَى جَانِبِ رَأْسِهِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيُّ (1) :أَخْبَرَنِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ عَيَّاشٍ القَاضِي، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ:
أَنَّهُ كَانَ بِحَضْرَةِ حَامِدِ بنِ العَبَّاسِ لَمَّا قُبِضَ عَلَى الحَلاَّجِ، وَقَدْ جِيْءَ بِكُتُبٍ وُجِدَتْ فِي دَارِهِ مِنْ دُعَاتِهِ فِي الأَطرَافِ يَقُوْلُوْنَ فِيْهَا: وَقَدْ بَذَرْنَا لَكَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مَا يَزكُو فِيْهَا، وَأَجَابَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّكَ البَابُ - يَعْنِي: الإِمَامَ - وَآخَرُوْنَ يَعنُوْنَ أَنَّكَ صَاحِبُ الزَّمَانِ - يَعنُوْنَ: الإِمَامَ الَّذِي تَنْتَظِرُهُ الإِمَامِيَّةُ - وَقَوْمٌ إِلَى أَنَّكَ صَاحِبُ النَّامُوسِ الأَكْبَرِ - يَعنُوْنَ: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْمٌ يَعنُوْنَ أَنَّكَ هُوَ هُوَ - يَعْنِي: اللهَ عَزَّ وَجَلَّ -.
قَالَ: فَسُئِلَ الحَلاَّجُ عَنْ تَفْسِيْرِ هَذِهِ الكُتُبِ، فَأَخَذَ يَدفَعُهُ وَيَقُوْلُ: هَذِهِ الكُتُبُ لاَ أَعرِفُهَا، هَذِهِ مَدسُوسَةٌ عَلَيَّ، وَلاَ أَعلَمُ مَا فِيْهَا، وَلاَ مَعنَى هَذَا الكَلاَمِ.
وَجَاؤُوا بِدَفَاتِرَ لِلْحَلاَّجِ فِيْهَا: أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ، فَإِنَّهُ يَكفِيهِ أَنْ يَعمَدَ إِلَى بَيْتٍ ... ، وَذَكَرَ القِصَّةَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ الحَنْبَلِيُّ: كَانَ عِنْدَنَا بِسُوقِ السِّلاَحِ رَجُلٌ يَقُوْلُ: القُرْآنُ حِجَابٌ، وَالرَّسُولُ حِجَابٌ، وَلَيْسَ إِلاَّ عَبْدٌ وَرَبٌّ، فَافْتُتِنَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَتَرَكُوا العِبَادَاتِ، ثُمَّ اخْتَفَى مَخَافَةَ القَتْلِ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ (2)) :ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حَامِدٍ أَنَّ الحَلاَّجَ قَدْ مَوَّهَ عَلَى الحَشَمِ وَالحُجَّابِ بِالدَّارِ بِأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى، وَأَنَّ الجِنَّ يَخدِمُونَهُ، وَأَظهَرَ أَنَّهُ قَدْ أَحيَى عِدَّةً مِنَ الطَّيرِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ القُنَّائِيَّ الكَاتِبَ يَعْبُدُ الحَلاَّجَ وَيَدعُو إِلَيْهِ، فَكُبِسَ بَيتُه، وَأَحضَرُوا مِنْ دَارِهِ دَفَاتِرَ وَرِقَاعاً بِخَطِّ الحَلاَّجِ، فَنَهَضَ حَامِدٌ، فَدَفَعَه المُقْتَدِرُ إِلَى حَامِدٍ، فَاحْتَفَظَ بِهِ، وَكَانَ يُخْرِجُهُ كُلَّ يَوْمٍ
__________
(1) في " نشوار المحاضرة " 1 / 162، وما بين حاصرتين منه.
(2) 8 / 132.(14/336)
إِلَى مَجْلِسِه لِيَظفَرَ لَهُ بِسَقْطِه، فَكَانَ لاَ يَزِيْدُ عَلَى إِظهَارِ الشَّهَادَتَينِ وَالتَّوحِيدِ وَالشَّرَائِعِ، وَقَبَضَ حَامِدٌ عَلَى جَمَاعَةٍ يَعْتَقِدُوْنَ إِلَهِيَّةَ الحَلاَّجِ، فَاعْتَرَفُوا أَنَّهُم دُعَاةُ الحَلاَّجِ، وَذَكَرُوا لِحَامِدٍ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُم أَنَّهُ إِلَهٌ، وَأَنَّهُ يُحيِي المَوْتَى، وَكَاشَفُوا بِذَلِكَ الحَلاَّجَ، فَجَحَدَ، وَكَذَّبَهُم، وَقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ وَالرُّبُوبِيَّةَ، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ أَعْبُدُ اللهَ، وَأُكْثِرُ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ وَفِعلَ الخَيْرِ، وَلاَ أَعرِفُ غَيْرَ ذَلِكَ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَنْجِيٍّ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ:
كَانَ أَوَّلَ مَا انْكَشَفَ مِنْ أَمرِ الحَلاَّجِ لِحَامِدٍ أَنَّ شَيْخاً يُعْرَفُ بِالدَّبَّاسِ كَانَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مَخْرَقَتَه، فَفَارَقَهُ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الحَالِ أَبُو عَلِيٍّ الأوَارجِيُّ الكَاتِبُ، وَكَانَ قَدْ عَمِلَ كِتَاباً ذَكَرَ فِيْهِ مَخَارِيقَ الحَلاَّجِ وَالحِيَلَ فِيْهَا، وَالحَلاَّجُ حِيْنَئِذٍ مُقِيْمٌ عِنْدَ نَصْرٍ القُشُوْرِيِّ فِي بَعْضِ حُجَرِهِ، مُوسعٌ عَلَيْهِ، مَأْذُوْنٌ لِمَنْ يَدْخُلُ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَدِ اسْتَغوَى القُشُوْرِيَّ، فَكَانَ يُعَظِّمُه، وَيُحَدِّثُ أَنَّ عِلَّةً عَرَضَتْ لِلْمُقْتَدِرِ فِي جَوفِه، فَأُدخِلَ إِلَيْهِ الحَلاَّجُ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَعُوْفِيَ، فَقَامَ بِذَلِكَ لِلْحَلاَّجِ سُوقٌ فِي الدَّارِ وَعِنْدَ أُمِّ المُقْتَدِرِ، وَلَمَّا انْتَشَرَ كَلاَمُ الدَّبَّاسِ وَالأَوَارجِيِّ فِي الحَلاَّجِ، أُحضِرَ إِلَى الوَزِيْرِ ابْنِ عِيْسَى، فَأَغلَظَ لَهُ، فَحُكِيَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ إِلَى الوَزِيْرِ، وَقَالَ لَهُ سِرّاً: قِفْ حَيْثُ انْتَهَيْتَ وَلاَ تَزِدْ، وَإِلاَّ قَلَبتُ الأَرْضَ عَلَيْكَ.
فَتَهَيَّبَهُ الوَزِيْرُ، فَنُقِلَ حِيْنَئِذٍ إِلَى حَامِدِ بنِ العَبَّاسِ.
وكَانَتْ بِنْتُ السِّمَّرِيِّ - صَاحِبِ الحَلاَّجِ - قَدْ أُدخِلَتْ إِلَيْهِ، وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ فِي دَارِ الخِلاَفَةِ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى حَامِدٍ لِيَسأَلَهَا عَن مَا رَأَتْ.
فَدَخَلَتْ إِلَى حَامِدٍ، وَكَانَتْ عَذْبَةَ العِبَارَةِ، فَسَأَلَهَا، فَحَكَتْ أَنَّهَا حَمَلَهَا أَبُوْهَا إِلَى الحَلاَّجِ، وَأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَهَبَ لَهَا أَشيَاءً مُثمنَةً، مِنْهَا رَيْطَةٌ خَضْرَاءُ،(14/337)
وَقَالَ لَهَا:
زَوَّجتُكِ ابْنِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ أَعَزُّ وَلَدِي عَلَيَّ، وَهُوَ مُقِيْمٌ بِنَيْسَابُوْرَ، لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَقَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَزَوجِهَا خِلاَفٌ، أَوْ تُنْكِرَ مِنْهُ حَالاً، وَقَدْ أَوصَيتُه بِكِ، فَمَتَى جَرَى عَلَيْكِ شَيْءٌ، فَصُومِي يَوْمَكِ، وَاصعَدِي إِلَى السَّطحِ، وَقُومِي عَلَى الرَّمَادِ، وَاجعَلِي فِطْرَكِ عَلَيْهِ مَعَ مِلْحٍ، وَاسْتَقبِلِي نَاحِيَتِي، وَاذْكُرِي مَا أَنكَرتِيْهِ، فَإِنِّي أَسْمَعُ وَأَرَى.
قَالَتْ: وَكُنْتُ لَيْلَةً نَائِمَةً، فَمَا أَحسَستُ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ غَشِيَنِي، فَانتَبَهتُ مَذْعُوْرَةً مُنكِرَةً لِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا جِئْتُ لأُوقِظَكِ لِلصَّلاَةِ.
وَلَمَّا أَصبَحنَا وَمَعِي بِنْتُه، نَزَلَ، فَقَالَتْ بِنْتُهُ: اسجُدِي لَهُ.
فَقُلْتُ: أَوَ يُسْجَدُ لِغَيْرِ اللهِ؟!
فَسَمِعَ كَلاَمِي، فَقَالَ: نَعَمْ، إِلَهٌ فِي السَّمَاءِ، وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ.
قَالَتْ: وَدَعَانِي إِلَيْهِ، وَأَدخَلَ يَدَه فِي كُمِّهِ، وَأَخرَجَهَا مَمْلُوْءةً مِسْكاً، فَدَفَعَه إِلَيَّ، وَقَالَ: هَذَا تُرَابٌ، اجعَلِيهِ فِي طِيْبِكِ.
وَقَالَ مَرَّةً: ارفَعِي الحَصِيرَ، وَخُذِي مَا تُرِيدِيْنِ.
فَرَفَعتُهَا، فَوَجَدْتُ الدَّنَانِيْرَ تَحْتهَا مَفْرُوْشَةً مِلْءَ البَيْتِ، فَبَهَرنِي مَا رَأَيْتُ (1) .
وَلَمَّا حَصَلَ الحَلاَّجُ فِي يَدِ حَامِدٍ، جَدَّ فِي تَتَبُّعِ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ مِنْهُم: حَيْدَرَةَ، وَالسِّمَّرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ القُنَّائِيَّ، وَأَبَا المُغِيْثِ الهَاشِمِيَّ، وَابْنَ حَمَّادٍ، وَكَبَسَ بَيتَهُ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ دَفَاتِرُ كَثِيْرَةٌ، وَبَعْضُهَا مَكْتُوْبٌ بِالذَّهَبِ، مُبَطَّنَةٌ بِالحَرِيْرِ.
فَقَالَ لَهُ حَامِدٌ: أَمَا قَبَضتُ عَلَيْكَ بِوَاسِطَ، فَذَكَرْتَ لِي دفعَةً أَنَّكَ المَهْدِيُّ، وَذَكَرتَ مَرَّةً أَنَّكَ تَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللهِ، فَكَيْفَ ادَّعَيتَ بَعْدِي الإِلَهِيَّةَ؟
وَكَانَ فِي الكُتُبِ عَجَائِبُ مِنْ مُكَاتَبَاتِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ النَّافِذِيْنَ إِلَى
__________
(1) انظر أقوال بنت السمري في: " نشوار المحاضرة " 6 / 82 81، و" تاريخ بغداد " 8 / 135 134.(14/338)
النَّوَاحِي، يُوصِيْهِم بِمَا يَدْعُوْنَ النَّاسَ إِلَيْهِ، وَمَا يَأْمُرُهُم بِهِ مِنْ نَقلِهِم مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَرُتبَةٍ إِلَى رُتْبَةٍ، وَأَنْ يُخَاطِبُوا كُلَّ قَوْمٍ عَلَى حَسبِ عُقُوْلِهِم، وَقَدْرِ اسْتِجَابَتِهِم وَانْقِيَادِهِم، وَأَجَابَ بِأَلْفَاظٍ مَرمُوزَةٍ، لاَ يَعْرِفُهَا غَيْرُ مَنْ كَتَبَهَا وَكُتِبَتْ إِلَيْهِ، وَفِي بَعْضِهَا صُوْرَةٌ فِيْهَا اسْمُ اللهِ عَلَى تَعوِيجٍ، وَفِي دَاخِلِ ذَلِكَ التَّعوِيجِ مَكْتُوْبٌ: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ (1) ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَحَضَرتُ مَجْلِسَ حَامِدٍ وَقَدْ أُحْضِرَ سَفَطٌ مِنْ دَارِ القُنَّائِيِّ، فَإِذَا فِيْهِ قِدْرٌ جَافَّةٌ، وَقَوَارِيرُ فِيْهَا شَيْءٌ كَالزِّئبَقِ، وَكِسَرٌ جَافَّةٌ، فَعَجِبَ الوَزِيْرُ مِنْ تِلْكَ القِدَرِ، وَجَعَلهَا فِي سَفَطٍ مَخْتُوْمٍ، فَسُئِلَ السِّمَّرِيُّ، فَدَافَعَ، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَذَكَرَ أَنَّهَا رَجِيعُ الحَلاَّجِ، وَأَنَّهُ يَشْفِي، وَأَنَّ الَّذِي فِي القَوَارِيرِ بَوْلُهُ.
فَقَالَ السِّمَّرِيُّ لِي: فُكُلْ مِنْ هَذِهِ الكِسَرِ، ثُمَّ انظُرْ كَيْفَ يَكُوْنُ قَلْبُكَ لِلْحَلاَّجِ.
ثُمَّ أَحضَرَ حَامِدٌ الحَلاَّجَ، وَقَالَ: أَيْشٍ فِي هَذَا السَّفطِ؟
قَالَ: مَا أَدْرِي (2) .
وَجَاءَ غُلاَمُ حَامِدٍ الَّذِي كَانَ يَخدُمُ الحَلاَّجَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ دَخَلَ بِطَبَقٍ.
قَالَ: فَوَجَدَه مِلءَ البَيْتِ مِنْ سَقْفِهِ إِلَى أَرضِهِ، فَهَالَهُ مَا رَأَى، وَرَمَى بِالطَّبَقِ مِنْ يَدِهِ وَحُمَّ.
قَالَ ابْنُ زَنْجِيٍّ: وَحُمِلَتْ دَفَاتِرُ مِنْ دُورِ أَصْحَابِ الحَلاَّجِ، فَأَمَرَنِي حَامِدٌ أَنْ أَقرَأَهَا وَالقَاضِي أَبُو عُمَرَ حَاضِرٌ، وَالقَاضِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الأَشْنَانِيِّ، فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ، أَفرَدَ فِي دَارِه بَيتاً، وَطَافَ بِهِ أَيَّامَ المَوْسِمِ، ثُمَّ جَمَعَ ثَلاَثِيْنَ يَتِيماً، وَكَسَاهُم قَمِيصاً قَمِيصاً، وَعَمِلَ لَهُم طَعَاماً طَيِّباً، فَأَطعَمَهُم، وَخَدَمَهُم، وَكَسَاهُم، وَأَعطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ ثَلاَثَةً، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، قَامَ لَهُ ذَلِكَ مَقَامَ الحَجِّ.
فَلَمَّا قَرَأَ ذَلِكَ الفَصلَ، الْتَفَتَ القَاضِي أَبُو عُمَرَ إِلَى الحَلاَّجِ، وَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ
__________
(1) " نشوار المحاضرة " 6 / 83 82، و" تاريخ بغداد " 8 / 136 135.
(2) " نشوار المحاضرة " 6 / 85 84، و" تاريخ بغداد " 8 / 137 136.(14/339)
كِتَابِ (الإِخْلاَصِ) لِلْحَسَنِ البَصْرِيِّ.
قَالَ: كَذَبتَ يَا حَلاَلَ الدَّمِ! قَدْ سَمِعْنَا كِتَابَ (الإِخْلاَصِ) ، وَمَا فِيْهِ هَذَا.
فَلَمَّا قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَبتَ يَا حَلاَلَ الدَّمِ، قَالَ لَهُ حَامِدٌ: اكْتُبْ بِهَذَا.
فَتَشَاغَلَ أَبُو عُمَرَ بِخِطَابِ الحَلاَّجِ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَامِدٌ، وَقَدَّمَ لَهُ الدَّوَاةَ، فَكَتَبَ بِإِحلاَلِ دَمِهِ، وَكَتَبَ بَعْدَهُ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ الحَلاَّجُ: ظَهرِي حِمَىً، وَدَمِي حَرَامٌ، وَمَا يَحِلُّ لَكُم أَنْ تَتَأَوَّلُوا عَلَيَّ، وَاعْتِقَادِي الإِسْلاَمُ، وَمَذْهَبِي السُّنَّةُ، فَاللهَ اللهَ فِي دَمِي.
وَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُ هَذَا القَوْلَ وَهُم يَكْتُبُوْنَ خُطُوطَهُم، ثُمَّ نَهَضُوا، وَرُدَّ الحَلاَّجُ إِلَى الحَبْسِ، وَكُتِبَ إِلَى المُقْتَدِرِ بِخَبَرِ المَجْلِسِ، فَأَبطَأَ الجَوَابَ يَوْمَيْنِ، فَغلظَ ذَلِكَ عَلَى حَامِدٍ، وَنَدِمَ، وَتَخَوَّفَ، فَكَتَبَ رُقعَةً إِلَى المُقْتَدِرِ فِي ذَلِكَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ مَا جَرَى فِي المَجْلِسِ قَدْ شَاعَ، وَمَتَى لَمْ تُتبِعْهُ قَتْلَ هَذَا، افْتُتِنَ بِهِ النَّاسُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ اثْنَانِ.
فَعَادَ الجَوَابُ مِنَ الغَدِ مِنْ جِهَةِ مُفْلِحٍ: إِذَا كَانَ القُضَاةُ قَدْ أَبَاحُوا دَمَهُ، فَلْيَحْضُرْ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ صَاحِبُ الشُّرطَةِ، وَيَتَقَدَّمْ بِتَسلِيمِهِ وَضَربِهِ أَلفَ سَوْطٍ، فَإِنْ هَلَكَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُه.
فَسُرَّ حَامِدٌ، وَأَحضَرَ صَاحِبَ الشُّرطَةِ، وَأَقرَأَه ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الحَلاَّجِ، فَامْتَنَعَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَتَخَوَّفُ أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ.
فَبَعَثَ مَعَهُ غِلمَانَهُ حَتَّى يُصَيِّرُوهُ إِلَى مَجْلِسِه، وَوَقَعَ الاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ يُحْضَرَ بَعْدَ عِشَاءِ الآخِرَةِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِه، وَقَوْمٌ عَلَى بِغَالٍ مُوكفَةٍ مَعَ سُيَّاسٍ، فَيُحمَلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، وَيُدخَلَ فِي غِمَارِ القَوْمِ.
وَقَالَ حَامِدٌ لَهُ: إِنْ قَالَ لَكَ: أُجرِي لَكَ الفُرَاتَ ذَهَباً، فَلاَ تَرفَعْ عَنْهُ الضَّربَ.
فلَمَّا كَانَ بَعْدَ العِشَاءِ، أَتَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ إِلَى حَامِدٍ، وَمَعَهُ الرِّجَالُ وَالبِغَالُ، فَتَقَدَّمَ إِلَى غِلمَانِهِ بِالرُّكوبِ مَعَهُ إِلَى دَارِه، وَأَخرجَ لَهُ الحَلاَّجَ، فَحكَى الغُلاَمُ: أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ البَابَ عَنْهُ وَأَمرَه بِالخُرُوجِ، قَالَ: مَنْ عِنْدَ(14/340)
الوَزِيْرِ؟
قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ.
قَالَ: ذَهبنَا وَاللهِ.
وَأُخرجَ، فَأُركبَ بَغلاً، وَاختلطَ بِجُمْلَةِ السَّاسَةِ، وَركبَ غِلمَانُ حَامِدٍ حَوْلَهُ حَتَّى أَوْصَلُوهُ، فَبَاتَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَرِجَالُه حولَ المَجْلِسِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ، أُخرجَ الحَلاَّجُ إِلَى رَحْبَةِ المَجْلِسِ، وَأَمرَ الجلاَّدَ بِضَرْبِه، وَاجْتَمَعَ خَلاَئِقُ، فَضُرِبَ تَمَامَ أَلفِ سوطٍ، وَمَا تَأَوَّهَ، بَلَى لَمَّا بَلغَ سِتَّ مائَةِ سَوْطٍ، قَالَ لاِبْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ: ادْعُ بِي إِلَيْكَ، فَإِنَّ عِنْدِي نَصيحَةً تَعدِلُ فتحَ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ.
فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: قَدْ قِيْلَ لَي: إِنَّك سَتَقُولُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ هَذَا، وَلَيْسَ إِلَى رَفعِ الضَّربِ سَبِيْلٌ.
ثمَّ قُطِعَتْ يَدُه، ثُمَّ رِجلُه، ثُمَّ حُزَّ رَأْسُه، وَأُحرِقَتْ جُثَّتُه.
وَحَضَرتُ فِي هَذَا الوَقْتِ رَاكِباً وَالجُثَّةُ تُقلَّبُ عَلَى الجمرِ، وَنُصبَ الرَّأْسُ يَوْمِيْنِ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَطيفَ بِهِ.
وَأَقبلَ أَصْحَابُه يَعِدُوْنَ أَنفسَهُم برُجُوعِه بَعْدَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً.
وَاتَّفَقَ زِيَادَةُ دِجْلَةَ تِلْكَ السَّنَّةَ زِيَادَةً فِيْهَا فضلٌ، فَادَّعَى أَصْحَابُه أَنَّ ذَلِكَ بِسَبِبِهِ، لأَنَّ رَمَادَهُ خَالطَ المَاءَ.
وَزعمَ بَعْضُهُم: أَنَّ المَقْتُولَ عدوٌّ لِلْحلاَّجِ أُلقيَ عَلَيْهِ شبهُه.
وَادَّعَى بَعْضُهُم أَنَّهُ - فِي ذَلِكَ اليَوْمِ بَعْدَ قَتلِهِ - رَآهُ رَاكباً حِمَاراً فِي طَرِيْقِ النَّهْرَوَانِ، وَقَالَ: لَعلَّكُم مِثْلَ هَؤُلاَءِ البقرِ الَّذِيْنَ ظنُّوا أَنِّي أَنَا المضروبُ المَقْتُولُ.
وَزعمَ بَعْضُهُم أَنَّ دَابَّةً حُوِّلَتْ فِي صُورتِه.
وَأُحضرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الورَّاقينَ، فَأُحلِفُوا أَنْ لاَ يَبيعُوا مِنْ كُتبِ الحَلاَّجِ شَيْئاً وَلاَ يَشتروهَا (1) .
__________
(1) انظر خبر استدعاء الحلاج وقتله في " نشوار المحاضرة " 6 / 92 87، و" تاريخ بغداد " 8 / 141 138.(14/341)
عَنْ فَارِسٍ البَغْدَادِيِّ، قَالَ: قُطعتْ أَعضَاءُ الحَلاَّجِ وَمَا تَغيَّرَ لَونُه.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ العَطُوفِيِّ، قَالَ: قُطعتْ يَدَا الحَلاَّجِ وَرِجْلاَهُ، وَمَا نَطَقَ.
السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ شَاذَانَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الكَتَّانِيَّ يَقُوْلُ:
سُئِلَ الحَلاَّجُ عَنِ الصَّبرِ، فَقَالَ: أَنْ تُقطعَ يَدَا الرَّجُلِ وَرجلاَهُ، وَيُسمَّرَ وَيُصلَبَ عَلَى هَذَا الجِسْرِ.
قَالَ: فَفُعِلَ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ - رَجُلٍ مَجْهُوْلٍ - قَالَ:
كُنْتُ أَقربَ النَّاسِ مِنَ الحَلاَّجِ حِيْنَ ضُربَ، فَكَانَ يَقُوْلُ مَعَ كُلِّ سَوطٍ: أَحَدٌ أَحَدٌ.
السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ عِيْسَى القَصَّارَ يَقُوْلُ:
آخرُ كلمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ عِنْد قَتلِه: حَسبُ الوَاحِدِ إِفرَادُ الوَاحِدِ لَهُ.
فَمَا سَمِعَ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ فَقِيْرٌ إِلاَّ رَقَّ لَهُ، وَاسْتَحْسَنَهَا مِنْهُ.
قَالَ السُّلَمِيُّ: وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رُؤيَ وَاقفاً فِي الموقفِ، وَالنَّاسُ فِي الدُّعَاءِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أُنزِّهك عَمَّا قَرَفَكَ بِهِ عبَادُك، وَأَبرأُ إِلَيْكَ مِمَّا وَحَّدكَ بِهِ الموحِّدُوْنَ.
قُلْتُ: هَذَا عينُ الزَّنْدَقَةِ، فَإِنَّهُ تَبَرَّأَ مِمَّا وَحَّدَ اللهَ بِهِ الموحِّدُوْنَ الَّذِيْنَ هُمُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابعُوْنَ وَسَائِرُ الأُمَّةِ، فَهَلْ وَحَّدُوهُ تَعَالَى إِلاَّ بِكلمَةِ الإِخْلاَصِ التِي قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ قَالَهَا مِنْ قَلْبِهِ، فَقَدْ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ) (1) .
__________
(1) حديث متواتر، روي عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وأنس، والنعمان ابن بشير، وأوس بن حذيفة، وطارق بن أشيم الاشجعي.
فأما حديث ابن عمر، فأخرجه البخاري: 1 / 71 70، ومسلم (22) كلاهما في الايمان وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه البخاري: 3 / 211 في أول الزكاة، ومسلم (21) في الايمان، وأبو داود (2640) والنسائي: 5 / 14، وأما حديث جابر، فأخرجه مسلم (21) (35) والترمذي (3338) . وأما حديث أنس، فأخرجه البخاري: 1 / 417 في الصلاة: باب فضل استقبال =(14/342)
وَهِيَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ.
فَإِذَا برِئَ الصُّوْفِيُّ مِنْهَا، فَهُوَ ملعُوْنٌ زِنْدِيْقٌ، وَهُوَ صُوفِيُّ الزَّيِّ وَالظَّاهِرِ، مُتستِّرٌ بِالنَّسَبِ إِلَى العَارفينَ، وَفِي البَاطنِ فَهُوَ مِنْ صُوفيَّةِ الفَلاَسِفَةِ أَعدَاءِ الرُّسُلِ، كَمَا كَانَ جَمَاعَةٌ فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منتسبُوْنَ إِلَى صُحْبَتِهِ وَإِلَى ملَّتِهِ، وَهُم فِي البَاطنِ مِنْ مَرَدَةِ المُنَافقينَ، قَدْ لاَ يَعْرِفُهُم نَبِيُّ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ يَعْلَمُ بِهِم.
قَالَ الله - تَعَالَى -: {وَمِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ، لاَ تَعْلَمُهُمْ، نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التَّوبَةُ:101] ، فَإِذَا جَازَ عَلَى سَيِّدِ البشرِ أَنْ لاَ يَعْلَمَ ببَعْضِ المُنَافِقينَ وَهُم مَعَهُ فِي المَدِيْنَةِ سنوَاتٍ، فَبِالأَوْلَى أَنْ يَخفَى حَالُ جَمَاعَةٍ مِنَ المُنَافِقينَ الفَارغينَ عَنْ دينِ الإِسْلاَمِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَلَى العُلَمَاءِ مِنْ أُمَّتِه، فَمَا يَنْبَغِي لَكَ يَا فَقِيْهُ أَنْ تُبَادرَ إِلَى تكفيرِ المُسْلِمِ إِلاَّ ببُرْهَانٍ قَطعِيٍّ، كَمَا لاَ يسوَغُ لَكَ أَنْ تعتقدَ العِرفَانَ وَالوِلاَيَةَ فِيْمَنْ قَدْ تَبرهنَ زَغَلُهُ، وَانْهَتَكَ بَاطنُهُ وَزَنْدَقَتُه، فَلاَ هَذَا وَلاَ هَذَا، بَلِ العَدلُ أَنَّ مَنْ رَآهُ المُسْلِمُوْنَ صَالِحاً مُحسِناً، فَهُوَ كَذَلِكَ، لأَنَّهُم شهدَاءُ اللهِ فِي أَرضِهِ (1) ، إِذِ الأُمَّةُ لاَ تَجتمعُ عَلَى
__________
= القبلة، وأبو داود (2641) والنسائي: 8 / 109، والترمذي (2609) . وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه النسائي: 7 / 80 79. وأما حديث أوس بن حذيفة، فأخرجه النسائي: 7 / 80 81، وأما حديث طارق بن أشيم الاشجعي، فأخرجه أحمد: 3 / 472، ومسلم (23) ولفظه بتمامه: " من قال: لا إليه إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله ".
(1) أخرج البخاري: 3 / 181 في الجنائز: باب ثناء الناس على الميت، ومسلم (949) في الجنائز: باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر بجنازة، فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وجبت " ثم مروا بأخرى، فأثنوا عليها شرا، فقال: " وجبت " فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: " هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض ".
وأخرجه البخاري أيضا: 5 / 185 في الشهادات: باب تعديل كم يجوز، بلفظ: " المؤمنون شهداء الله في الأرض " وانظر " المسند " 3 / 179 و186 و197 و211 و245 و281، والترمذي (1058) والنسائي: 4 / 50 49، و" المستدرك " 1 / 377، ومسند الطيالسي =(14/343)
ضَلاَلَةٍ (2) ، وَأَنَّ مَنْ رَآهُ المُسْلِمُوْنَ فَاجراً أَوْ مُنَافقاً أَوْ مُبْطِلاً، فَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنَ الأُمَّةِ تُضَلِّلُه، وَطَائِفَةٌ مِنَ الأُمَّةِ تُثْنِي عَلَيْهِ وَتبجِّلُهُ، وَطَائِفَةٌ ثَالثَةٌ تقِفُ فِيْهِ وَتتورَّعُ مِنَ الحطِّ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَضَ عَنْهُ، وَأَنْ يفوَّضَ أَمرُه إِلَى اللهِ، وَأَنَّ يُسْتَغْفَرَ لَهُ فِي الجُمْلَةِ؛ لأَنَّ إِسْلاَمَهُ أَصْليٌّ بيقينٍ، وضلالُه مشكوكٌ فِيْهِ، فَبِهَذَا تَسْتريحُ، وَيصفُو قَلْبُكَ مِنَ الغِلِّ لِلْمُؤْمِنينَ.
ثمَّ اعْلمْ أَنَّ أَهْلَ القِبْلَةِ كلَّهُم، مُؤْمِنَهُم وَفَاسقَهُم، وَسُنِّيَهُم وَمُبْتَدِعَهُم - سِوَى الصَّحَابَةِ - لَمْ يُجمعُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ سَعِيْدٌ نَاجٍ، وَلَمْ يُجمعُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ شقيٌّ هَالكٌ، فَهَذَا الصِّدِّيقُ فردُ الأُمَّةِ، قَدْ علمتَ تَفَرُّقَهُم فِيْهِ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ، وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَذَلِكَ الحجَّاجُ، وَكَذَلِكَ المَأْمُوْنُ، وَكَذَلِكَ بشرٌ المَرِيسِيُّ، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَهَلُمَّ جَرّاً مِنَ الأَعيَانِ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَى يَوْمكَ هَذَا، فَمَا مِنْ إِمَامٍ كَامِلٍ فِي الخَيْرِ، إِلاَّ وَثَمَّ أُنَاسٌ مِنْ جهلَةِ المُسْلِمِيْنَ وَمُبْتَدِعِيهِم يذمُّونَه، وَيحطُّونَ عَلَيْهِ، وَمَا مِنْ رَأْسٍ فِي
__________
= (2062) وابن ماجه (1491) .
وأخرج البخاري: 3 / 182 و5 / 185، والترمذي (1059) والنسائي: 4 / 51 من طريق أبي الأسود الديلي قال: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتا ذريعا، فجلست إلى عمر رضي الله عنه، فمرت جنازة، فأثني على صاحبها خيرا، فقال رضي الله عنه: وجبت.
ثم مر بأخرى، فأثني على صاحبها خيرا، فقال عمر رضي الله عنه: وجبت، ثم مر بالثالثة، فأثني على صاحبها شرا، فقال: وجبت.
فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة "، فقلنا: وثلاثة؟ قال: " وثلاثة ". فقلنا: واثنان؟ قال: " واثنان ". ثم لم نسأله عن الواحد.
(2) حديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة " رواه الترمذي (2167) والحاكم: 1 / 115 من حديث ابن عمر، ورواه أبو داود (4253) وأحمد في " مسنده " 6 / 397 من حديث أبي بصرة الغفاري، ورواه ابن ماجه (3950) والحاكم: 1 / 117 116 من حديث أنس، ورواه أحمد: 5 / 145 من حديث أبي ذر، ورواه الحاكم: 1 / 116 من حديث ابن عباس، وفي كلها مقال، لكن يحدث منها قوة للحديث. انظر " المقاصد الحسنة " ص 460.(14/344)
البدعَةِ وَالتَّجَهُّمِ وَالرَّفضِ إِلاَّ وَلَهُ أُنَاسٌ يَنْتصرُوْنَ لَهُ، وَيَذُبُّونَ عَنْهُ، وَيدينُوْنَ بِقَولِه بِهوَىً وَجهلٍ، وَإِنَّمَا العِبْرَةُ بِقَولِ جُمْهُوْرِ الأُمَّةِ الخَالينَ (1) مِنَ الهوَى وَالجَهْلِ، المتَّصِفِينَ (2) بِالوَرَعِ وَالعِلْمِ، فَتَدبّرْ - يَا عَبْدَ اللهِ - نحْلَةَ الحَلاَّجِ الَّذِي هُوَ مِنْ رُؤُوْسِ القرَامِطَةِ، وَدعَاةِ الزَّنْدَقَةِ، وَأَنِصْفْ، وَتَوَرَّعْ، وَاتَّقِ ذَلِكَ، وَحَاسِبْ نَفْسكَ، فَإِنْ تبرهَنَ لَكَ أَنَّ شَمَائِلَ هَذَا المَرْءِ شَمَائِلُ عدوٍّ لِلإِسْلاَمِ، مُحبٍّ للرِّئاسَةِ، حريصٍ عَلَى الظُهُوْرِ بباطلٍ وَبحقٍّ، فَتبرَّأْ مِنْ نِحْلتِه، وَإِنْ تبرهنَ لَكَ - وَالعيَاذُ بِاللهِ - أَنَّهُ كَانَ - وَالحَالَةِ هَذِهِ - مُحقّاً هَادِياً مهدِيّاً (3) ، فَجِدِّدْ إِسْلاَمَكَ، وَاسْتغثْ بربِّكَ أَنْ يُوَفِّقَكَ لِلْحقِّ، وَأَنْ يُثَبِّتَ قَلْبَكَ عَلَى دِيْنِهِ، فَإِنَّمَا الهُدَى نُورٌ يقذِفُهُ اللهُ فِي قلبِ عبدِه المُسْلِمِ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، وَإِن شككتَ وَلَمْ تَعْرِفْ حَقِيقَتَهُ، وَتبرَّأَتَ مِمَّا رُمِي بِهِ، أَرحتَ نَفْسكَ، وَلَمْ يَسْأَلْكَ اللهُ عَنْهُ أَصلاً.
السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الوَرَّاقَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ القلاَنسِيَّ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ:
لَمَّا صُلبَ الحَلاَّجُ - يَعْنِي: فِي النَّوبَةِ الأُوْلَى - وَقفتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِلَهِي! أَصبحتُ فِي دَارِ الرَّغَائِبِ أَنظرُ إِلَى العَجَائِبِ، إِلَهِي! إِنَّك تَتَوَدَّدُ إِلَى مَنْ يُؤذيكَ، فَكَيْفَ لاَ تَتَوَدَّدُ إِلَى مَنْ يُؤذَى فِيكَ.
السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ أَخِي خَادِماً لِلْحلاَّجِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ التِي يُقتلُ فِيْهَا مِنَ الغَدِ، قُلْتُ: أَوصِنِي يَا سَيِّدِي.
فَقَالَ: عَلَيْكَ نَفْسَكَ، إِنْ لَمْ تَشغلْهَا شَغَلَتْكَ.
فَلَمَّا أُخرجَ، كَانَ يَتبخترُ فِي قَيْدِه، وَيَقُوْلُ:
__________
(1) في الأصل: " الخالون ".
(2) في الأصل: " المتصفون ".
(3) في الأصل: " محق هاد مهدي ".(14/345)
نَدِيْمِي غَيْرُ مَنْسُوبٍ ... إِلَى شَيْءٍ مِنَ الحَيْفِ
سَقَانِي مِثْلَ مَا يَشْرَ ... بُ فِعْلَ الضَّيْفِ بِالضَّيْفِ
فَلَمَّا دَارَتِ الكَأْسُ ... دَعَا بِالنِّطْعِ وَالسَّيْفِ
كَذَا مَنْ يَشْرَبُ الكَأْسَ ... مَعَ التِّنِّينِ فِي الصَّيْفِ (1)
ثُمَّ قَالَ: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِيْنَ لاَ يُؤمنُوْنَ بِهَا، وَالَّذِيْنَ آمنُوا مُشْفِقُوْنَ مِنْهَا، وَيَعْلَمُوْنَ أَنَّهَا الحَقُّ} [الشُّوْرَى:18] ، ثُمَّ مَا نطقَ بَعْدُ.
وَلهُ أَيْضاً (2) :
يَا نَسِيمَ الرِّيْحِ قُوْلِي (3) للرَّشَا: ... لَمْ يَزِدْنِي الوَرْدُ إِلاَّ عَطَشَا
رُوحُهُ رُوحِي وَرُوحِي فَلَهُ ... إِنْ يَشَا شِئْتُ، وَإِنْ شِئْتُ يَشَا
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه: لَمَّا أُخرجَ الحَلاَّج لِيُقتلَ، مَضَيتُ وَزَاحمتُ حَتَّى رَأَيْتهُ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: لاَ يُهْولنَّكُم، فَإِنِّي عَائِدٌ إِلَيْكُم بَعْدَ ثَلاَثِيْنَ يَوْماً.
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةٌ تُوضِّحُ لَكَ أَنَّ الحَلاَّجَ مُمَخْرِقٌ كَذَّابٌ، حَتَّى عِنْدَ قتلِه.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمَّا أُخرجَ لِلْقتلِ، أَنْشَدَ:
طَلَبْتُ المُسْتَقَرَّ بِكُلِّ أَرْضِ ... فَلَمْ أَرَ لِي بِأَرْضٍ مُسْتَقَرَّا
أَطَعْتُ مَطَامِعِي فَاسْتَعْبَدَتَنِي ... وَلَوْ أَنِّي قَنَعْتُ لَكُنْتُ حُرّاً (4)
قَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ: جَمعتُ كِتَاباً سَمَّيْتُه: (القَاطِعُ بِمحَال
__________
(1) الابيات في " ديوان الحلاج " ص 73، وانظر الخبر أيضا في " تاريخ بغداد " 8 / 131 132، و" المنتظم " 6 / 164 163، و" أخبار الحلاج " ص 35 34.
(2) والبيتان في " ديوانه " ص 69 68.
(3) في الأصل " قولا " وما أثبتناه من الديوان.
(4) الخبر والبيتان في " تاريخ بغداد " 8 / 130، و" المنتظم " 6 / 164، و" وفيات الأعيان " 2 / 144.(14/346)
المُحَاج بِحَالِ الحَلاَّجِ) .
وَبلغَ مِنْ أَمرِه أَنَّهُم قَالُوا: إِنَّهُ إِلهٌ، وَإِنَّهُ يُحْيَي المَوْتَى.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: أَوَّلُ مَنْ أَوقعَ بِالحَلاَّجِ الأَمِيْرُ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الرَّاسِبِيُّ، وَأَدخلَه بَغْدَادَ وَغُلاَماً لَهُ عَلَى جَمَلَينِ قَدْ شَهَرَهُمَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَكَتَبَ مَعَهُمَا كِتَاباً: إِنَّ البيِّنَةَ قَامتْ عِنْدِي أَنَّ الحَلاَّجَ يَدَّعِي الرُّبوبيَّةَ وَيَقُوْلُ بالحلولِ، فَحُبسَ مُدَّةً.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ أَمرِهِ يدعُو إِلَى الرِّضَى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يُرِي الجَاهِلَ أَشيَاءً مِنْ شَعْبَذَتِهِ، فَإِذَا وَثقَ مِنْهُ، دَعَاهُ إِلَى أَنَّهُ إِلهٌ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الوَزِيْرَ حَامِداً وَجدَ فِي كُتُبِه: إِذَا صَامَ الإِنْسَانُ وَوَاصلَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَأَفطرَ فِي رَابعِ يَوْمٍ عَلَى وَرقَاتِ هِنْدَبا، أَغنَاهُ عَنْ صومِ رَمَضَانَ، وَإِذَا صَلَّى فِي لَيْلَةٍ رَكْعَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى الغدَاةِ، أَغنتْه عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا تَصدَّقَ بكذَا وَكَذَا، أَغنَاهُ عَنِ الزَّكَاةِ.
ذَكرَ ابْنُ حَوقلٍ، قَالَ: ظَهرَ مِنْ فَارس الحَلاَّج يَنْتحلُ النُّسكَ وَالتَّصَوُّفَ، فَمَا زَالَ يترقَّى طَبقاً عَنْ طَبَقٍ حَتَّى آلَ بِهِ الحَالُ إِلَى أَنْ زَعَمَ: أَنَّهُ مَنْ هَذَّبَ فِي الطَّاعَةِ جِسمَه، وَشغلَ بِالأَعمَالِ قلبَه، وَصبرَ عَنِ اللَّذَّاتِ، وَامْتَنَعَ مِنَ الشَّهَوَاتِ، يَتَرَقَّ فِي درجِ المصَافَاةِ، حَتَّى يصفُوَ عَنِ البشريَةِ طَبعُه، فَإِذَا صَفَا، حَلَّ فِيْهِ روحُ اللهِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ إِلَى عِيْسَى، فَيَصِيْرُ مُطَاعاً، يَقُوْلُ لِلشَّيءِ: كُنْ، فَيَكُوْنُ.
فَكَانَ الحَلاَّجُ يتعَاطَى ذَلِكَ، وَيدعُو إِلَى نَفْسِهِ، حَتَّى اسْتمَال جَمَاعَةً مِنَ الأُمَرَاءِ وَالوُزَرَاءِ وَمُلُوْكِ الجَزِيْرَة وَالجِبَالِ وَالعَامَّةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ يَدهُ لَمَّا قُطعتْ، كَتبَ الدَّمُ عَلَى الأَرْضِ: الله الله.
قُلْتُ: مَا صَحَّ هَذَا، وَيُمكنُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا مِنْ فِعلِه بِحركَةِ زَنْدِه.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الصُّوْرِيُّ، الحَافِظُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ(14/347)
جَعْفَرٍ البَزَّازَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ اليَاقوتِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ الحَلاَّجَ عِنْد الجِسْرِ عَلَى بقرَةٍ، وَوجهُهُ إِلَى ذَنَبِهَا، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَنَا الحَلاَّجُ، أَلقَى الحَلاَّجُ شَبَهَهُ عَلَيَّ وَغَابَ.
فَلَمَّا أُدنِيَ مِنَ الخشبَةِ التِي يُصلَبُ عَلَيْهَا، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
يَا مُعِيْنَ الضَّنَّا عَلَيَّ أَعنِي عَلَى الضَّنَّا ...
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ سَالِمٍ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَهْلِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَبِيَدِهِ محبرَةٌ وَكِتَابٌ، فَقَالَ لسهلٍ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَكتبَ شَيْئاً ينفعُنِي اللهُ بِهِ.
فَقَالَ: اكتبْ: إِنِ اسْتطعتَ أَنْ تلقَى اللهَ وَبيدكَ المحبرَةُ، فَافعلْ.
فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! فَائِدَةٌ.
فَقَالَ: الدُّنْيَا كُلُّهَا جهلٌ، إِلاَّ مَا كَانَ عِلْماً، وَالعِلْمُ كُلُّه حُجَّةٌ، إِلاَّ مَا كَانَ عَمَلاً، وَالعَملُ مَوْقُوْفٌ، إِلاَّ مَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ، وَتقومُ السُّنَّةُ علَى التَّقْوَى.
وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ المُرْتَعِشِ، قَالَ: مَنْ رَأَيْتهُ يَدَّعِي حَالاً مَعَ اللهِ باطنَةً، لاَ يَدُلُّ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْهَدُ لَهَا حِفظٌ ظَاهِرٌ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى دِيْنِهِ.
قِيْلَ: إِنَّ الحَلاَّجَ كَتَبَ مَرَّةً إِلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ عَطَاءٍ:
كَتَبْتُ وَلَمْ أَكْتُبْ إِلَيْكَ وَإِنَّمَا ... كَتَبْتُ إِلَى رُوْحِي بِغَيْرِ كِتَابِ
وَذَاكَ لأَنَّ الرُّوحَ لاَ فَرْقَ بَيْنَهَا ... وَبَيْنَ مُحبِّيهَا بِفصلِ خِطَابِ
فُكُلُّ كِتَابٍ صَادرٍ مِنْكَ وَاردٍ ... إِلَيْكَ بِلاَ رَدِّ الجَوَابِ جَوَابِي (1)
وَقَدْ ذَكَرَ الحَلاَّجَ أَبُو سَعِيْدٍ النَّقَّاشُ فِي (طَبَقَاتِ الصُّوْفِيَّةِ) لَهُ، فَقَالَ: مِنْهُم مَنْ نَسَبَه إِلَى الزَّنْدَقَةِ، وَمِنْهُم مِنْ نَسَبهُ إِلَى السِّحرِ وَالشَّعْوذَةِ.
__________
(1) " ديوان الحلاج " ص 42، و" تاريخ بغداد " 8 / 115، و" أخبار الحلاج " ص 119 - 120.(14/348)
وَقفتُ عَلَى تَأْلِيْفِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ بَاكويه الشيرَازيِّ فِي حَالِ الحَلاَّجِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي حَمدُ بنُ الحَلاَّجِ:
أَنَّ نَصراً القُشُورِيَّ لَمَّا اعتُقِلَ أَبِي، اسْتَأَذنَ المُقْتَدِر أَنْ يَبنِيَ لَهُ بَيْتاً فِي الحَبْسِ، فَبنَى لَهُ دَاراً صَغِيْرَةً بجنبِ الحَبْسِ، وَسدُّوا بَابَ الدَّارِ، وَعملُوا حوَالِيه سُوراً، وَفَتحُوا بَابَه إِلَى الحَبْسِ، وَكَانَ النَّاسُ يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهِ سنَةً، ثُمَّ مُنعُوا، فَبقيَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلاَّ مرَّةً رَأَيْتُ أَبَا العَبَّاسِ بنَ عَطَاءٍ دَخَلَ عَلَيْهِ بِالحِيْلَةِ، وَرَأَيْتُ مرَّةً أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ خَفيفٍ وَأَنَا بَرّاً عِنْد وَالدِي، ثُمَّ حَبَسُونِي مَعَهُ شَهْرَيْنِ، وَلِي يَوْمَئِذٍ ثَمَانيَةَ عَشَرَ عَاماً، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ التِي أُخرجَ مِنْ صَبِيْحَتهَا، قَامَ، فَصَلَّى ركعَاتٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُوْلُ: مَكْرٌ مَكْرٌ، إِلَى أَنْ مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلِ.
ثُمَّ سَكتَ طَوِيْلاً، ثُمَّ قَالَ: حَقٌّ حَقٌّ، ثُمَّ قَامَ قَائِماً وَتَغَطَّى بِإِزَارٍ، وَاتَّزرَ بِمئزرٍ، وَمدَّ يَدَيْهِ نَحْوَ القِبْلَةِ، وَأَخَذَ فِي المنَاجَاةِ يَقُوْلُ: نَحْنُ شوَاهدُك نَلُوذُ بِسَنَا عِزَّتك، لِتبديَ مَا شِئْت مِنْ مَشِيئتِكَ، أَنْتَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلهٌ، يَا مُدهِّرَ الدُّهورِ، وَمُصوِّرَ الصُّوَرِ، يَا مَنْ ذَلَّت لَهُ الجَوَاهِرُ، وَسَجَدتْ لَهُ الأَعْرَاضُ، وَانعقدَتْ بِأَمرِه الأَجسَامُ، وَتَصَوَّرتْ عِنْدَهُ الأَحْكَامُ، يَا مَنْ تَجَلَّى لِمَا شَاءَ، كَمَا شَاءَ، كَيْفَ شَاءَ، مِثْلَ التَجَلِّي فِي المَشِيْئَةِ لأَحسن الصُّورَةِ.
وَفِي نُسْخَةٍ: مِثْلُ تَجَلِّيكَ فِي مَشيئتكَ كَأَحسنِ الصُّورَةِ.
وَالصُّورَةُ هِيَ الرُّوحُ النَّاطقَةُ الَّتِي أَفردتْهُ بِالعِلْمِ وَالبيَانِ وَالقُدرَةِ.
ثُمَّ أَوعزتَ إِلَيَّ شَاهدَكَ لأَنِي فِي ذَاتِكَ الهُوِيِّ لَمَّا أَردتَ بدَايتِي، وَأَبديتَ حَقَائِقَ عُلُوْمِي وَمُعجزَاتِي، صَاعِداً فِي مَعَارجِي إِلَى عروشِ أَوليَائِي عِنْد القَوْلِ مِنْ بريَاتِي.
إِنِّيْ أَحتضِرُ وَأُقتَلُ وَأُصلَبُ وَأُحرقُ، وَأُحملُ عَلَى السَّافيَاتِ الذَّاريَاتِ، وَإِنَّ الذَّرَةَ مَنْ يَنْجُوْجَ مظَانَّ هَيكلِ مُتَجَلِّيَاتِي لأَعْظَم مِنَ الرَّاسيَاتِ.
ثُمَّ أَنشَأَ يَقُوْلُ:
أَنعَى إِلَيْكَ نُفُوساً طَاحَ شَاهِدُهَا ... فِيْمَا وَرَا الغَيْبِ أَوْ فِي شَاهِدِ القِدَمِ(14/349)
أَنعَى إِلَيْكَ عُلُوماً طَالَمَا هَطَلَتْ ... سَحَائِبُ الوَحْيِ فِيْهَا أَبْحُرَ الحِكَمِ
أَنْعَى إِلَيْكَ لِسَانَ الحَقِّ مُذْ زَمَنٍ ... أَودَى وَتَذْكَارُهُ كَالوَهمِ فِي العَدَمِ
أَنعَى إِلَيْكَ بَيَاناً تَسْتَسِرُّ لَهُ ... أَقوَالُ كُلِّ فَصِيْحٍ مِقْوَلٍ فَهِمِ
أَنعَى إِلَيْكَ إِشَارَاتِ العُقُوْلِ مَعاً ... لَمْ يَبْقَ مِنْهُنَّ إِلاَّ دَارِسُ العَلَمِ
أَنعَى - وَحَقِّكَ - أَحْلاماً لِطَائِفَةٍ ... كَانَتْ مَطَايَاهُمُ مِنْ مَكْمَدِ الكِظَمِ
مَضَى الجَمِيْعُ فَلاَ عَيْنٌ وَلاَ أَثَرُ ... مُضِيَّ عَادٍ وَفِقْدَانَ الأُولَى إِرَمِ
وَخَلَّفُوا مَعْشَراً يَجْدُوْنَ لِبسَتَهُم ... أَعمَى مِنَ البَهمِ بَلْ أَعمَى مِنَ النَّعَمِ (1)
ثُمَّ سَكتَ، فَقَالَ لَهُ خَادمُه أَحْمَدُ بنُ فَاتِكٍ: أَوصِنِي.
قَالَ: هِيَ نَفْسُكَ إِنْ لَمْ تَشغَلْهَا، شَغَلَتْكَ.
ثُمَّ أُخرجَ، وَقُطعتْ يَدَاهُ وَرِجلاَهُ بَعْدَ أَنْ ضُربَ خَمْسَ مائَةِ سَوطٍ، ثُمَّ صُلبَ، فسَمِعْتُهُ وَهُوَ عَلَى الجذعِ يُنَاجِي، وَيَقُوْلُ: أَصبحتُ فِي دَارِ الرَّغَائِبِ أَنظرُ إِلَى العَجَائِبِ.
فَهَكَذَا هَذَا السِّيَاقُ أَنَّهُ صُلبَ قَبْلَ قَطعِ رَأْسِه.
فَلَعَلَّ ذَلِكَ فُعلَ بَعْضَ نَهَارٍ.
قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ الشِّبلِيَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْتَ الجِذعِ، صَاحَ بِأَعْلَى صَوتِه يَقُوْلُ: أَوْ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالَمِينَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا التَّصَوُّفُ؟
قَالَ: أَهوَنُ مِرقَاةٍ فِيْهِ مَا تَرَى.
قَالَ: فَمَا أَعلاَهُ؟
قَالَ: لَيْسَ لَكَ إِلَيْهِ سَبِيْلٌ، وَلَكِنْ سَترَى غَداً مَا يَجرِي، فَإِنَّ فِي الغيبِ مَا شَهِدتَه وَغَابَ عَنْكَ.
فَلَمَّا كَانَ العَشِيُّ جَاءَ الإِذنُ مِنَ الخَلِيْفَةِ أَنْ تُضربَ رَقبَتُه، فَقَالُوا: قَدْ أَمسَيْنَا وَيُؤخَّرُ إِلَى الغدَاةِ.
فَلَمَّا أَصبَحنَا أُنزِلَ، وَقُدِّمَ لِتُضرَبَ عُنُقُه، فَسمِعتُه يَصيحُ بِأَعْلَى صَوتِه: حَسْبُ الوَاحِدِ إِفرَادُ الوَاحِدِ لَهُ.
ثُمَّ تَلاَ: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِيْنَ لاَ يُؤْمنُوْنَ بِهَا، وَالَّذِيْنَ آمَنُوا مُشْفِقُوْنَ مِنْهَا} [
__________
(1) الأبيات في " ديوانه " ص 25 24، وانظر أيضا " تاريخ بغداد " 8 / 130، و" أخبار الحلاج " ص 12، و" البداية والنهاية " 11 / 142، وقد وردت في الديوان كلمة " الرمم " بدل " العلم " في البيت الخامس.(14/350)
الشُّوْرَى:18] ، فَهَذَا آخِرُ كَلاَمِهِ.
ثُمَّ ضُرِبَتْ رَقبتُه، وَلُفَّ فِي بارِيَّةٍ، وَصُبَّ عَلَيْهِ النَّفْطُ، وَأُحرقَ، وَحُمِلَ رَمَادُه إِلَى رَأْسِ المنَارَةِ لِتَسفِيْهِ الرِّيَاحُ.
فَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ فَاتكٍ - تِلْمِيْذِ وَالدِي - يَقُوْلُ بَعْدَ ثَلاَثٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ كَأَنِّيْ وَاقفٌ بَيْنَ يَدِيْ رَبِّ العزَّةِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ مَا فعلَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ؟
فَقَالَ: كَاشَفْتُهُ بِمَعْنَىً، فَدَعَا الخَلْقَ إِلَى نَفْسِهِ، فَأَنْزَلْتُ بِهِ مَا رَأَيْتَ.
قَالَ ابْنُ بَاكوَيْه: سَمِعْتُ ابْنَ خَفِيْفٍ يَسْأَلُ: مَا تَعْتَقِدُ فِي الحَلاَّجِ؟
قَالَ: أَعْتَقِدُ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ فَقَطْ.
فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ كَفَّرهُ المَشَايِخُ وَأَكْثَرُ المُسْلِمِيْنَ.
فَقَالَ: إِنْ كَانَ الَّذِي رَأَيْتُهُ مِنْهُ فِي الحَبْسِ لَمْ يَكُنْ تَوْحِيداً، فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا تَوحِيدٌ.
قُلْتُ: هَذَا غَلَطٌ مِنِ ابْنِ خَفِيْفٍ، فَإِنَّ الحَلاَّجَ عِنْدَ قَتلِه مَا زَالَ يُوَحِّدُ الله وَيَصِيْحُ: اللهَ اللهَ فِي دَمِي، فَأَنَا عَلَى الإِسْلاَمِ.
وَتَبَرَّأَ مِمَّا سِوَى الإِسْلاَمِ، وَالزِّنْدِيقُ فَيُوَحِّدُ اللهَ عَلاَنيَةً، وَلَكِنَّ الزَّندقَةَ فِي سِرِّهِ.
وَالمُنَافِقُوْنَ فَقَدْ كَانُوا يُوَحِّدُوْنَ، وَيصومُوْنَ، وَيُصلُّوْنَ علاَنيَةً، وَالنِّفَاقُ فِي قُلُوْبِهُم، وَالحَلاَّجُ فَمَا كَانَ حِمَاراً حَتَّى يُظهرَ الزَّندقَةَ بِإِزَاءِ ابْنِ خَفِيْفٍ وَأَمثَالِه، بَلْ كَانَ يَبوحُ بِذَلِكَ لِمَنِ اسْتوثقَ مِنْ رِبَاطه، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ تزَنْدَقَ فِي وَقتٍ، وَمَرَقَ، وَادَّعَى الإِلهيَّةَ، وَعملَ السِّحرَ وَالمخَاريقَ البَاطلَةَ مُدَّةً، ثُمَّ لَمَّا نَزَلَ بِهِ البلاَءُ وَرَأَى المَوْتَ الأَحْمَرَ، أَسلمَ، وَرَجَعَ إِلَى الحَقِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ، وَلَكِنَّ مَقَالَتَهُ نَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَحْضُ الكُفرِ - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالعَافيَةَ - فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ حُلُولَ البَارِئِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي بَعْضِ الأَشرَافِ، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ.
كَانَ مَقْتَلُ الحَلاَّجِ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ.
قَرَأْتُ بِخَطِّ العَلاَّمَةِ تَاجِ الدِّيْنِ الفَزَارِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ كِتَاباً فِيْهِ قِصَّةُ الحَلاَّجِ، مِنْهُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحُلْوَانِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ(14/351)
عَلَى الحُسَيْنِ بنِ مَنْصُوْرٍ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعَتَمَةِ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ كَأَنَّهُ لَمْ يَحِسَّ بِي، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ سُوْرَةَ البَقَرَةِ، فَلَمَّا خَتَمَهَا، رَكَعَ، وَقَامَ فِي الرُّكُوْعِ طَوِيْلاً، ثُمَّ قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ، قَرَأَ الفَاتِحَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، تَكَلَّمَ بِأَشْيَاءَ لَمْ أَسْمَعْهَا، ثُمَّ أَخَذَ فِي الدُّعَاءِ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ كَأَنَّهُ مَأْخُوْذٌ مِنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ: يَا إِلَهَ الآلِهَةِ! وَرَبَّ الأَرْبَابِ! وَيَا مَنْ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ! رُدَّ إِلَيَّ نَفْسِي، لِئَلاَّ يُفْتَتَنَ بِي عِبَادُكَ، يَا مَنْ هُوَ أَنَا وَأَنَا هُوَ! وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إِنِّيَّتِي وَهُوِّيَتِكَ إِلاَّ الحَدَثَ وَالقِدَمَ.
ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَنَظَرَ إِلَيَّ، وَضَحِكَ فِي وَجْهِي ضَحِكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! أَمَا تَرَى إِلَى رَبِّي ضَرَبَ قِدَمَهُ فِي حَدَثِي حَتَّى اسْتَهْلَكَ حَدَثِي فِي قِدَمِهِ، فَلَمْ تَبْقَ لِي صِفَةٌ إِلاَّ صِفَةُ القِدَمِ، وَنُطْقِي مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ، فَالخَلْقُ كُلُّهُم أَحْدَاثٌ، يَنْطِقُوْنَ عَنْ حَدَثٍ، ثُمَّ إِذَا نَطَقْتُ عَنِ القِدَمِ، يُنْكِرُوْنَ عَلَيَّ، وَيَشْهَدُوْنَ بِكُفْرِي، وَسَيَسْعَوْنَ إِلَى قَتْلِي، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مَعْذُوْرُوْنَ، وَبِكُلِّ مَا يَفْعَلُوْنَ مَأْجُوْرُوْنَ.
وَعَنْ عُثْمَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ - قَيِّمِ جَامِعِ الدِّيْنَوَرِ - قَالَ:
بَاتَ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُوْرٍ فِي هَذَا الجَامِعِ وَمَعهُ جَمَاعَةٌ، فَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُم، فَقَالَ: يَا شَيْخُ! مَا تَقُوْلُ فِيْمَا قَالَ فِرْعَوْنُ؟
قَالَ: كَلِمَةَ حَقٍّ.
قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِيْمَا قَالَ مُوْسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -؟
قَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ؛ لأَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ جَرَتَا فِي الأَبَدِ كَمَا أُجْرِيَتَا فِي الأَزَلِ.
وَعَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: الكُفْرُ وَالإِيْمَانُ يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ الاسْمُ، فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الحَقِيْقَةُ، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
عَنْ جُنْدُبِ بنِ زَاذَانَ - تِلْمِيْذِ الحُسَيْنِ - قَالَ:
كَتَبَ الحُسَيْنُ إِلَيَّ: بِسْمِ اللهِ المتجلِّي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ لِمَنْ يشَاءُ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَلدِي، سَتَرَ اللهُ عَنْكَ ظَاهِرَ الشَّرِيعَةِ، وَكَشَفَ لَكَ حَقِيْقَةَ الكُفْرِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الشَّريعَةِ كُفْرٌ، وَحَقِيْقَةَ(14/352)
الكُفْرِ مَعْرِفَةٌ جَلِيَّةٌ، وَإِنِّيْ أُوصِيكَ أَنْ لاَ تَغتَرَّ بِاللهِ، وَلاَ تَأْيَسْ مِنْهُ، وَلاَ تَرْغَبْ فِي مَحَبَّتِه، وَلاَ تَرضَى أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُحِبٍّ، وَلاَ تَقُلْ بِإِثبَاتِه، وَلاَ تَمِلْ إِلَى نَفيِهِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّوحِيدَ، وَالسَّلاَمَ.
وَعَنْهُ، قَالَ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الإِيْمَانِ وَالكُفْرِ، فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ لَمْ يُفرِّقْ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَالكَافِرِ، فَقَدْ كَفَرَ.
وَعَنْهُ قَالَ: مَا وَحَّدَ اللهَ غَيْرُ اللهِ.
آخِرُ مَا نَقَلتُه مِنْ خطِّ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّيْنِ.
ذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيمُ (1) الحُسَيْنَ الحَلاَّجَ، وَحَطَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَرَدَ أَسْمَاءَ كُتُبِه: كِتَابُ (طَاسِين الأَوَّلُ) ، كِتَابُ (الأَحرفِ المُحْدَثَةِ وَالأَزليَّةِ) ، كِتَابُ (ظلٌّ مَمْدُوْدٌ) ، كِتَابُ (حَملُ النُّوْرِ وَالحَيَاةِ وَالأَروَاحِ) ، كِتَابُ (الصُّهورِ) ، كِتَابُ (تَفْسِيْرُ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، كِتَابُ (الأَبدُ وَالمأْبودُ) ، كِتَابُ (خَلقُ الإِنْسَانِ وَالبيَانِ) ، كِتَابُ (كَيدُ الشَّيْطَانِ) ، كِتَابُ (سِرُّ العَالِمِ وَالمَبْعُوثِ) ، كِتَابُ (العَدلُ وَالتَّوحيدُ) ، كِتَابُ (السِّيَاسَةُ) ، كِتَابُ (عِلمُ الفَنَاءِ وَالبَقَاءِ) ، كِتَابُ (شَخص الظُّلمَاتِ) ، كِتَابُ (نُور النُّوْرِ) ، كِتَابُ (الهَيَاكل وَالعَالَم) ، كِتَابُ (المَثَل الأَعْلَى) ، كِتَابُ (النُّقطَة وَبَدوّ الخَلقِ) ، كِتَابُ (القِيَامَات) ، كِتَابُ (الكِبر وَالعَظمَة) ، كِتَابُ (خَزَائِن الخيرَاتِ) ، كِتَابُ (مَوَائِد العَارفينَ) ، كِتَابُ (خَلق خَلاَئِقِ القُرْآنِ) ، كِتَابُ (الصِّدْق وَالإِخْلاَص) ، كِتَابُ (التَّوحيد) ، كِتَابُ (النَّجم إِذَا هَوَى) ، كِتَابُ: (الذَّاريَات ذَرُواً) ، كِتَابُ (هُوَ هُوَ) ، كِتَابُ (كَيْفَ كَانَ وَكَيْفَ يَكُوْنُ) ، كِتَابُ: (الوُجُود الأَوَّلِ) ، كِتَابُ (لاَ كَيْفَ) ، كِتَابُ (الكِبريت الأَحْمَرِ) ، كِتَابُ (
__________
(1) في الفهرست ص 272 269.(14/353)
الوُجُود الثَّانِي) ، كِتَابُ (الكَيفيَّةُ وَالحَقِيْقَةُ) ، وَأَشيَاء غَيْرُ ذَلِكَ.
206 - مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الرَّازِيُّ الطَّبِيْبُ *
الأُسْتَاذُ، الفَيْلَسُوْفُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الرَّازِيُّ الطَّبِيْبُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، مِنْ أَذْكِيَاءِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الأَسفَارِ، وَافِرَ الحُرمَةِ، صَاحِبَ مُرُوْءةٍ وَإِيثَارٍ وَرَأْفَةٍ بِالمَرْضَى، وَكَانَ وَاسِعَ المَعْرِفَةِ، مُكبّاً عَلَى الاشْتِغَالِ، مَليحَ التَّأْلِيْفِ، وَكَانَ فِي بَصرِه رُطُوْبَةٌ؛ لِكَثْرَةِ أَكلِه البَاقِلَّى، ثُمَّ عَمِيَ.
أَخَذَ عَنِ: البَلْخِيِّ الفَيْلَسُوْفِ، وَكَانَ إِلَيْهِ تَدْبِيْرٌ بِيْمَارِسْتَانِ الرَّيِّ، ثُمَّ كَانَ عَلَى بِيْمَارِسْتَانِ بَغْدَادَ فِي دَوْلَةِ المُكْتَفِي، بَلَغَ الغَايَةَ فِي عُلُوْمِ الأَوَائِلِ - نَسْأَلُ اللهَ العَافيَةَ -.
وَلَهُ: كِتَابُ (الحَاوِي) ثَلاَثُوْنَ مُجَلَّداً فِي الطِّبِّ، وَكِتَابُ (الجَامِعِ) ، وَكِتَابُ (الأَعْصَابِ) ، وَكِتَابُ (المَنْصُوْرِيِّ) صَنَّفَهُ لِلْمَلكِ مَنْصُوْرِ بنِ نُوْحٍ السَّامَانِيِّ (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّ أَوَّلَ اشْتِغَالِه كَانَ بَعْدَ مُضيِّ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ، ثُمَّ اشْتَغَلَ عَلَى الطَّبِيْبِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ ربَّن الطَّبَرِيِّ (2) الَّذِي كَانَ مَسِيْحِياً، فَأَسْلَمَ، وَصَنَّفَ.
__________
(*) فهرست ابن النديم: 504، تاريخ الحكماء: 271 - 277، عيون الانباء: 414 - 427، وفيات الأعيان: 5 / 157 - 161، العبر: 2 / 150، دول الإسلام: 1 / 188، الوافي بالوفيات: 3 / 75 - 77، نكت الهميان 249 - 250، مرآة الجنان: 2 / 263 - 264، البداية والنهاية: 11 / 149، النجوم الزاهرة: 3 / 209، مفتاح السعادة: 1 / 268 - 269، شذرات الذهب: 2 / 263، روضات الجنات: 165 - 166.
(1) أخبار الملك منصور مبثوثة في الجزء الثامن من " الكامل في التاريخ ".
انظر: ص 577، 626، 673.. (2) انظر ترجمته في " عيون الانباء " ص 414. والربن: المتقدم في شريعة اليهود.(14/354)
وَكَانَ لاِبْنِ زَكَرِيَّا عِدَّةُ تَلاَمِذَة، وَمِنْ تَآلِيفِه:
كِتَابُ (الطِّبِّ الرُّوحَانِيِّ) ، وَكِتَابُ (إِنَّ لِلْعبدِ خَالِقاً) ، وَكِتَابُ (الْمدْخل إِلَى المنطقِ) ، وَكِتَابُ (هَيْئَةِ العَالِمِ) ، وَمَقَالَةٌ فِي اللَّذَةِ، وَكِتَابُ (طَبقَاتِ الأَبصَارِ) ، وَكِتَابُ (الكيمِيَاءِ وَأَنَّهَا إِلَى الصِّحَّةِ أَقربُ) ، وَأَشيَاءُ كَثِيْرَةٌ.
وَقَدْ كَانَ فِي صِباهُ مُغنِّياً، يُجِيْدُ ضَربَ العُودِ.
تُوُفِّيَ: بِبَغْدَادَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
207 - ابْنُ المَغْلُوْبِ أَبُو عُمَرَ مَيْمُوْنُ بنُ عُمَرَ المَغْرِبِيُّ *
القَاضِي، المُعَمَّرُ، أَبُو عُمَرَ مَيْمُوْنُ بنُ عُمَرَ بنِ المَغْلُوْبِ المَغْرِبِيُّ، الإِفْرِيْقِيُّ، خَاتِمَةُ تَلاَمِذَةِ سَحْنُوْنَ، وَقَدْ حَجَّ، وَسَمِعَ (المُوَطَّأَ) مِنْ أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ.
ذَكرَه القَاضِي عِيَاضٌ فِي المَالِكِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ حَارِثٍ: أَدرَكتُهُ شَيْخاً كَبِيْراً مُقْعَداً، وَلِيَ قَضَاءَ القَيْرَوَانِ، وَقضَاءَ صِقِلِّيَّة.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَالِكِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) :كَانَ صَالِحاً، دَيِّناً، فَاضِلاً، مَعْدُوْداً فِي أَصْحَابِ سَحْنُوْنَ.
وَلِيَ مَظَالِمَ القَيْرَوَانِ، ثُمَّ قَضَاءَ صِقِلِّيَّةَ، فَأَتَاهَا بِفَرْوَةٍ وَجُبَّةٍ وَخُرْجٍ فِيْهِ كُتُبُه، وَسَودَاءَ تَخدمُهُ، فَكَانَتْ تَغزلُ وَتُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ صقِلِّيَّةَ كَمَا دَخَلَ إِلَيْهَا.
__________
(*) معالم الايمان: 2 / 357 356، العبر: 2 / 184، الديباج المذهب: 2 / 328، شذرات الذهب: 2 / 287.(14/355)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَكَانَ أَسنَدَ شَيْخٍ بِالمَغْرِبِ.
208 - حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ أَبُو الفَضْلِ الخُرَاسَانِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الفَضْلِ الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ العِرَاقِيُّ، كَانَ مِنْ رِجَالِ العَالَمِ، ذَا شَجَاعَةٍ وَإِقدَامٍ، وَنَقضٍ وَإِبرَامٍ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: تَقلَّدَ أَعمَالاً جَلِيلَةً مِنْ طَسَاسِيجِ (1) السَّوَادِ، ثُمَّ ضَمنِ خَرَاجَ البَصْرَةِ وَكُورَ دِجْلَةَ، مَعَ إِشرَافِ كَسْكَرَ (2) مُدَّةً فِي دَوْلَةِ ابْنِ الفُرَاتِ، فَكَانَ يَعمرُ وَيُحْسِنُ إِلَى الأَكَّارينَ، وَيَرفعُ المُؤنَ حَتَّى صَارَ لَهُم كَالأَبِ، وَكَثرتْ صَدقَاتُه، ثُمَّ وَزَرَ وَقَدْ شَاخَ.
قُلْتُ: وَكَانَ قَبْلُ عَلَى نَظَرِ فَارِسٍ، وَكَانَ كَثِيْرَ الأَمْوَالِ وَالحَشَمِ، بِحيثُ صَارَ لَهُ أَرْبَعُ مائَةِ مَمْلُوْكٍ فِي السِّلاَحِ، تَأَمَّرَ مِنْهُم جَمَاعَةٌ، فَعزلَ المُقْتَدِرُ ابْنَ الفُرَاتِ بِحَامِدٍ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَقَدِمَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيْمَةٍ، وَدَبَّرَ الأُمُورَ، فَظَهَرَ مِنْهُ نَقصٌ فِي قَوَانِيْنِ الوِزَارَةِ وَحِدَّةٌ، فَضَمُّوا إِلَيْهِ عَلِيَّ بنَ عِيْسَى الوَزِيْرَ، فَمَشَى الحَالُ.
وَلِحَامِدٍ أَثرٌ صَالِحٌ فِي إِهلاَكِ حُسَيْنٍ الحَلاَّجِ يَدلُّ عَلَى إِسْلاَمٍ وَخَيْرٍ.
يُقَالُ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمَا حَدَّثَ.
__________
(*) ذيول تاريخ الطبري: 215 213، نشوار المحاضرة: 1 / 24 22 وغيرها، المنتظم: 6 / 184 180، الكامل في التاريخ: 8 / 12 10 و141 139، العبر: 2 / 152 151، البداية والنهاية: 11 / 149، النجوم الزاهرة: 3 / 209 208، شذرات الذهب: 2 / 263.
(1) الطساسيج: جمع طسوج، وهو الناحية. واللفظ معرب، انظر " تاج العروس " مادة: طسج.
(2) انظر " معجم البلدان " 4 / 461.(14/356)
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ ضَمِنَ حَامِدٌ سَائِرَ السَّوَادِ، وَعَسَفَ، وَغَلَتِ الأَسعَارُ، فَثَارتِ الغَوْغَاءُ، وَهَمُّوا بِهِ، فَشَدَّ عَلَيْهِم مَمَالِيْكُهُ، فَثَبَتُوا لَهُم، وَعَظُمَ الخَطْبُ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، فَاسْتَضَرَّتِ الغَوْغَاءُ، وَأَحرقُوا الجِسْرَ، وَرَجَمُوا حَامِداً فِي الطيَّارِ (1) .
وَكَانَ مَعَ جَبَروتِه جَوَاداً مِعطَاءاً.
قَالَ هَاشِمِيٌّ (2) :كَانَ مِنْ أَوسعِ مَنْ رَأَينَاهُ نَفْساً، وَأَحسَنِهِم مُرُوْءةً، وَأَكْثَرِهِم نِعمَةً، يَنْصِبُ فِي دَارِه عِدَّةَ مَوَائِدَ، وَيُطعمُ حَتَّى العَامَّةَ وَالخَدَمَ، يَكُوْنُ نَحْو أَرْبَعِيْنَ مَائِدَةً.
رَأَى فِي دِهْلِيْزه قِشرَ بَاقِلَّى، فَقَالَ لِوَكِيْلِه: مَا هَذَا؟
قَالَ: فِعلُ البوَّابينَ.
فَسُئِلُوا، فَقَالُوا: لَنَا جِرَايَةٌ وَلَحْمٌ نُؤَدِّيهِ إِلَى بُيُوْتِنَا؟
فَرَتَّبَ لَهُم، ثُمَّ رَأَى بَعْدُ قُشُوراً، فَشَاطَ، وَكَانَ يَسفُه، ثُمَّ رَتَّبَ لَهُم مَائِدَةً، وَقَالَ: لَئِنْ رَأَيْتُ بَعْدَهَا قِشراً، لأَضربنَّكَ بِالمقَارعِ.
وَقِيْلَ: وُجدَ فِي مِرحَاضٍ لَهُ أَكيَاسٌ فِيْهَا أَرْبَعُ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
كَانَ يَدْخُلُ لِلْحَاجَةِ فِي كُمِّهِ كِيْسٌ فَيُلْقِيْهِ، فَأُخِذُوا فِي نَكْبَتِهِ (3) .
وَلَمَّا عُزلَ حَامِدٌ وَابْنُ عِيْسَى وَأُعيدَ ابْنُ الفُرَاتِ، عَذَّبَ حَامِداً.
قَالَ المَسْعُوْدِيُّ: كَانَ فِي حَامِدٍ طَيشٌ، كَلَّمهُ إِنْسَانٌ، فَقلبَ حَامِدٌ ثِيَابَه عَلَى كَتِفِهِ، وَصَاحَ: وَيْلَكُم! عَلَيَّ بِهِ.
قَالَ: وَدَخلتْ عَلَيْهِ أُمُّ مُوْسَى القَهْرمَانَةُ، وَكَانَتْ عَظِيْمَةَ المحلِّ، فَخَاطَبتْه فِي طَلبِ المَالِ، فَقَالَ: اضرِطِي وَالتَقِطِي، وَاحسُبِي لاَ تَغْلَطِي.
__________
(1) الخبر في " النجوم الزاهرة " 3 / 198، والطيار: زورق فخم لركوب العظماء، يدل اسمه على أنه سريع الجريان.
(2) هو القاضي أبو الحسن، محمد بن عبد الواحد الهاشمي، والخبر في " نشوار المحاضرة " 1 / 23 22.
(3) " نشوار المحاضرة " 1 / 24.(14/357)
فَخَجَّلهَا، وَسَمِعَ المُقْتَدِرُ، فَضَحِكَ، وَأَمرَ قِيَانَه، فَغَنَّيْنَ بِذَلِكَ.
وَلَقَدْ تَجلَّدَ حَامِدٌ عَلَى العَذَابِ، ثُمَّ نفّذَ إِلَى وَاسِطَ، فَسُمَّ فِي بَيضٍ، فَتلِفَ بِالإِسهَالِ.
وَقِيْلَ: تَكَلَّمَ الملأُ بِمَا فِيْهِ مِنَ الحدةِ وَقِلَّةِ الخبرَةِ، فَعَاتبَ المُقْتَدِرُ أَبَا القَاسِمِ الحُوَّاريَّ، وَكَانَ أَشَارَ بِهِ.
وَقِيْلَ: أَقبلَ حَامِدٌ عَلَى مُصَادرَةِ ابْنِ الفُرَاتِ، وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِه ابْنِ عِيْسَى مُشَاجَرَاتٌ فِي الأَمْوَالِ حَتَّى قِيْلَ:
أَعْجَبَ مِنْ مَا ترَاهُ ... أَنَّ وَزِيْرَيْنِ فِي بِلاَدِ
هَذَا سَوَادٌ بِلاَ وَزِيْرٍ ... وَذَا وَزِيْرٌ بِلاَ سِوَادِ!
ثمَّ عذَّبَ حَامِدٌ المحسِّنَ - وَلَدَ ابْنِ الفُرَاتِ - وَأَخَذَ مِنْهُ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ، ثُمَّ صَارَ أَعباءُ الوِزَارَةِ إِلَى ابْنِ عِيْسَى، وَبَقِيَ حَامِدٌ كَالبطَّالِ إِلاَّ مِنَ الاسمِ وَرُكُوْبِ المَوْكِبِ، وَبَانَ لِلْمُقْتَدِر ذَلِكَ، فَأَفردَ ابْنَ عِيْسَى بِالأَمْرِ، وَاسْتَأذنَ حَامِدٌ فِي ضَمَانِ أَصبهَانَ وَغيرِهَا، فَأَذنَ لَهُ، وَقِيْلَ:
صَارَ الوَزِيْرُ عَامِلاً لِكَاتِبِه ...
يَأْمُلُ أَنْ يَرْفُقَ فِي مَطَالِبِه ...
لِيَسْتَدِرَّ النَّفْعَ مِنْ مَكَاسِبِه ...
قَالَ التَّنُوْخِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ التَّاجِرُ، قَالَ:
رَكِبَ حَامِدٌ بِوَاسِطَ إِلَى بُستَانِهِ، فَرَأَى شَيْخاً يُوَلْوِلُ وَحَوْلَهُ عَائِلَةٌ، قَدِ احْتَرَقَ بَيْتُه، فَرَقَّ لَهُ، وَقَالَ لِوَكِيْلِهِ: أُرِيدُ مِنْكَ أَنْ لاَ أَرجِعَ العَشِيَّةَ إِلاَّ وَدَارُهُ جَدِيْدَةٌ بِآلاَتِهَا، وَقمَاشِهَا، فَبَادَرَ، وَطَلَبَ الصنَاعَ، وَصبَّ الدَّرَاهِمَ، فَفَرغتِ العصرَ، فردَّ(14/358)
العَتَمَةَ، فَوَجَدهَا مفروَغَةً، وَضجُّوا لَهُ بِالدُّعَاءِ، وَزَادَ رَأْسَ مَالِ صَاحِبهَا خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ تَاجِراً أَخذَ خُبزاً بِدِرْهَمٍ لِيتصَدَّقَ بِهِ بِوَاسِطَ، فَمَا رَأَى فَقِيْراً يُعْطِيهِ، فَقَالَ لَهُ الخَبَّازُ: لاَ تَجِدُ أَحَداً؛ لأَنَّ جَمِيْعَ الضُّعَفَاءِ فِي جِرَايَةِ حَامِدٍ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: وَكَانَ كَثِيْرَ المُزَاحِ، سَخِيّاً، وَكَانَ لاَ يرغبُ فِي اسْتمَاعِ الشِّعرِ، وَكَانَ إِذَا خُولِفَ فِي أَمرٍ، يَصيحُ، وَيَحْرَدُ، فَمَنْ دَارَاهُ، انْتَفَعَ بِهِ.
قَالَ نِفْطَوَيْه: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قِيْلَ لِبَعْضِ المَجَانِيْنِ: فِي كَمْ يَتَجَنَّنُ الرَّجُلُ؟
فَقَالَ: ذَاكَ إِلَى صِبيَانِ المحلَّةِ.
وَكَانَ ثَالثَ يَوْمٍ مِنْ وِزَارَتِهِ قَدْ نَاظَرَ ابْنَ الفُرَاتِ، وَجَبَهَهُ، وَأَفحشَ لَهُ، وَجَذَبَ بِلِحيَتِه، وَعَذَّبَ أَصْحَابَه، فَلَمَّا انعكَسَ الدَّسْتُ، وَعُزِلَ بِابْنِ الفُرَاتِ، تَنمَّرَ لَهُ ابْن الفُرَاتِ، وَوبَّخَه عَلَى فِعَالِه، فَقَالَ:
إِنْ كَانَ مَا اسْتَعمَلتُهُ فِيْكُم أَثْمَرَ لِي خَيراً، فَزِيدُوا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحاً وَصَيَّرنِي إِلَى التَّحكُّمِ فِيَّ، فَالسَّعِيْدُ مَن وُعِظَ بِغَيْرِهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: فَسُلِّمَ حَامِدٌ إِلَى المحسّنِ، فَعذَّبَه بِأَلوَانِ العَذَابِ، وَكَانَ إِذَا شَرِبَ، أَخرجَهُ، وَأَلبَسَهُ جِلدَ قِردٍ، وَيُرَقَّصُ، فَيُصفَعُ، وَفُعِلَ بِهِ مَا يُسْتَحْيَى مِنْ ذِكرِه، ثُمَّ أُحدِرَ إِلَى وَاسِطَ، فَسُقيَ، وَصَلَّى النَّاسُ عَلَى قَبْرِهِ أَيَّاماً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: تُوُفِّيَ بِوَاسِطَ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامِ ابْنِ الفُرَاتِ نُقلَ، فَدُفِنَ بِبَغْدَادَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدتُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، وَأَبِي مِنَ الشهَاردَةِ.
قُلْتُ: مَوْتُهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.(14/359)
209 - الزَّجَّاجُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّرِيِّ *
الإِمَامُ، نَحْوِيُّ زَمَانِه، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ، البَغْدَادِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (مَعَانِي القُرْآنِ) ، وَلَهُ تآلِيفُ جَمَّةٌ.
لزمَ المُبَرِّدَ، فَكَانَ يُعْطِيه مِنْ عَملِ الزُّجَاجِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَماً، فَنَصَحَه وَعلَّمَه، ثُمَّ أَدَّبَ القَاسِمَ بنَ عُبَيْد اللهِ الوَزِيْرَ، فَكَانَ سَبَبَ غِنَاهُ، ثُمَّ كَانَ مِنْ نُدَمَاءِ المُعْتَضِدِ.
مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ عَشْرَة.
وَلهُ: كِتَابُ (الإِنْسَانِ وَأَعضَائِه) ، وَكِتَابُ (الفرسِ) ، وَكِتَابُ (العَرُوضِ) ، وَكِتَابُ (الاشتِقَاقِ) ، وَكِتَابُ (النَّوَادِرِ) ، وَكِتَابُ (فَعلت وَأَفعلت) .
وَكَانَ عَزِيْزاً عَلَى المُعْتَضِدِ، لَهُ رِزْقٌ فِي الفُقَهَاءِ، وَرِزقٌ فِي العُلَمَاءِ، وَرِزقٌ فِي النُّدمَاءِ، نَحْو ثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ.
وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.
أَخَذَ عَنْهُ العَرَبِيَّةَ: أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
__________
(*) طبقات النحويين واللغويين: 112 111، فهرست ابن النديم: 91 90، تاريخ بغداد: 6 / 93 80، الأنساب: 272 / أ، نزهة الالباء: 246 244، المنتظم: 6 / 180 176، معجم الأدباء: 1 / 151 130، الكامل في التاريخ: 8 / 145، إنباه الرواة: 1 / 166 159، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 171 170، وفيات الأعيان: 1 / 50 49، العبر: 2 / 148، دول الإسلام: 1 / 188، الوافي بالوفيات: 5 / 350 345، مرآة الجنان: 2 / 262، البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 6 5، النجوم الزاهرة: 3 / 208، بغية الوعاة: 1 / 413 411، مفتاح السعادة: 1 / 135 134، شذرات الذهب: 2 / 260 259.(14/360)
210 - ابْنُ اليَزيْدِيِّ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخ العَرَبِيَّة، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ يَحْيَى (1) بنِ المُبَارَكِ اليَزيديُّ البَغْدَادِيُّ.
كَانَ رَأْساً فِي نَقلِ النَّوَادرِ وَكَلاَمِ العَرَبِ، إِمَاماً فِي النَّحْوِ.
لَهُ: كِتَابُ (الخَيلِ) ، وَكِتَابُ (مَنَاقِبِ بَنِي العَبَّاسِ) ، وَكِتَابُ (أَخْبَارِ اليَزِيْدِيِّيْنَ) ، وَمُصَنَّفٌ فِي النَّحْوِ.
أَدَّبَ أَوْلاَدِ المُقْتَدِرِ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عَنْ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً وَثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ.
211 - الضَّبِّيُّ أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ المُفَضَّلِ بنِ سَلَمَةَ **
العَلاَّمَةُ، أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ المُفَضَّلِ بنِ سَلَمَةَ بنِ عَاصِمٍ الضَّبِّيُّ، البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، أَكْبَرُ تَلاَمِذَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ، لَهُ ذِهْنٌ وَقَّادٌ، وَمَاتَ شَابّاً.
صَنّفَ الكُتُبَ، وَلَهُ وُجُوهٌ فِي المَذْهَبِ، مِنْهَا: أَنَّهُ كَفَّرَ تَارِكَ الصَّلاَةِ، وَمِنْهَا: أَنَّ الوَلِيَّ إِذَا أَذِنَ لِلسَّفِيْهِ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَ، لَمْ يَجُزْ كَالصَّبِيِّ.
__________
(*) طبقات النحويين واللغويين: 65، فهرست ابن النديم: 51، تاريخ بغداد: 3 / 113، الأنساب: 600 / أ، نزهة الالباء: 243، الكامل في التاريخ: 8 / 138، إنباه الرواة: 3 / 199 198، وفيات الأعيان: 4 / 339 337، الوافي بالوفيات: 3 / 199، مرآة الجنان: 2 / 262، طبقات القراء للجزري: 2 / 158، بغية الوعاة: 1 / 124.
(1) في الأصل: محمد بن العباس بن محمد بن محمد بن يحيى.. والصواب ما أثبتناه.
(* *) طبقات العبادي: 72، تاريخ بغداد: 3 / 308، طبقات الشيرازي: 109، وفيات الأعيان: 4 / 205، العبر: 2 / 137، الوافي بالوفيات: 5 / 51 50، مرآة الجنان: 2 / 250، شذرات الذهب: 2 / 253.(14/361)
وَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَعتَنِي بِإِقرَائِه.
تُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبُوْهُ:
212 - أَبُو طَالِبٍ المُفَضَّلُ بنُ سَلَمَةَ *
لُغَوِيّاً، أَدِيْباً، عَلاَّمَةً، لَهُ تَصَانِيْفُ فِي مَعَانِي القُرْآنِ وَالآدَابِ.
أَخَذَ عَنِ: ابْنِ الأَعْرَابِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ مَشَاهِيْرِ العُلَمَاءِ.
أَخَذَ عَنْهُ: الصُّوْلِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَمَاتَ: بَعْدَ التِّسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَأَبُوْهُ - سَلَمَةُ بنُ عَاصِمٍ (1) النَّحْوِيُّ - هُوَ رَاويَةُ الفَرَّاءِ.
وَفِي القُدَمَاءِ: المُفَضَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، المُقْرِئُ (2) - صَاحِبُ عَاصِمٍ -.
213 - التُّسْتَرِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ زُهَيْرٍ **
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، المُحَدِّثُ، البَارِعُ، عَلَمُ الحُفَّاظِ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، الزَّاهِدُ.
__________
(*) معجم الشعراء: 298 297، فهرست ابن النديم: 110 109، تاريخ بغداد: 13 / 125 124، نزهة الالباء: 202، معجم الأدباء: 19 / 163، إنباه الرواة: 3 / 311 305، وفيات الأعيان: 4 / 206 205، بغية الوعاة: 2 / 297 296، طبقات المفسرين للداودي: 2 / 329 328.
(1) مترجم في " معجم الأدباء " 11 / 243 242، و" إنباه الرواة " 2 / 56، و" غاية النهاية " 1 / 311.
(2) ترجمته في " غاية النهاية " 1 / 307.
(* *) الأنساب: 106 / ب، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي الورقة 130 / 2، تذكرة الحفاظ: 2 / 759 757، العبر: 2 / 145، دول الإسلام: 1 / 187، النجوم الزاهرة: 3 / 205، طبقات الحفاظ: 319 318، شذرات الذهب: 2 / 258.(14/362)
سَمِعَ: أَبَا كُرَيْبٍ مُحَمَّدَ بنَ العَلاَءِ، وَمُحَمَّدَ بنَ حَرْبٍ النَّشَائِيَّ، وَالحُسَيْنَ بنَ أَبِي زَيْدٍ الدَّبَّاغَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَمَّارٍ الرَّازِيَّ، وَعَمْرَو بنَ عِيْسَى الضُّبَعِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَخَلْقاً كَثِيْراً مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ.
وَكَانَتْ رِحْلَتُهُ قَبْلَ الخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
جَمعَ، وَصَنَّفَ، وَعلَّلَ، وَصَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الحِفْظِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ حَمْزَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ أَحْمَدَ المَرَاغِيَّ يَقُوْلُ:
أَنكرَ عَبْدَانُ الأَهْوَازِيُّ حَدِيْثاً مِمَّا عُرضَ عَلَيْهِ لأَبِي جَعْفَرٍ بنِ زُهَيْرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا أَصْلِي، وَلَكِن مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنْتَ: ابْن عَوْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ؟ ... فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
فَمَا زَالَ عَبْدَانُ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْلُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، إِنَّمَا اسْتَغرَبْتُ الحَدِيْثَ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ: مَا رَأَيْتُ فِي الدُّنْيَا أَحْفَظَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ بنِ حَمْزَةَ!، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي الدُّنْيَا أَحْفَظَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ بنِ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيِّ!.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ!
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ: حَدَّثَنَا تَاجُ المُحَدِّثِيْنَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ زُهَيْرٍ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
تُوُفِّيَ أَبُو جَعْفَرٍ: فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ.
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيِّ: عَنْ عَبْدِ المُعَزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، وَرَجُلٌ آخَرُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنِي(14/363)
أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنَ عَقِيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي المُسْهِرِ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ صَامَ يَوْماً قَبْلَ مَوْتِهِ يُرِيْدُ وَجْهَ اللهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ) .
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، وَلاَ أَعرِفُ هَذَا التَّابِعِيَّ، وَلاَ ذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ (1) فِي (الكُنَى) .
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ:
مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ.
وَمُقْرِئُ بَغْدَادَ؛ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ الحُسَيْنِ الصَّوَّافُ - صَاحِبُ أَبِي حَمْدُوْنَ -.
وَأَبُو مُحَمَّدٍ خَالِدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَالِدٍ الصَّفَّارُ - صَاحِبُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ -.
وَمُسْنِدُ مِصْرَ؛ أَبُو شَيْبَةَ دَاوُدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَغْدَادِيُّ.
وَالعَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ بنِ شَاذَانَ - مُقْرِئُ الرَّيِّ -.
وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ بِسْطَامَ الزَّعْفَرَانِيُّ.
وَعَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ البَجَلِيُّ المَقَانِعِيُّ.
وَالحَافِظُ أَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ.
وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ بنِ فَيَّاضٍ الدِّمَشْقِيُّ.
وَالمُحَدِّثُ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ العَسْقَلاَنِيُّ.
__________
(1) وهو الحاكم الكبير، شيخ صاحب " المستدرك "، وقد اختصر المؤلف كتابه " الكنى " بكتاب سماه: " المنتقى من الكنى " ومنه نسخة في المكتبة الأحمدية بحلب، وعندنا مصورة عنها. والحديث أخرجه أحمد: 5 / 391 بإسقاط أبي مسهر هذا من طريق حسن وعفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عثمان البتي، عن نعيم بن أبي هند، عن حذيفة.(14/364)
وَمُقْرِئُ الرَّقَّةِ؛ أَبُو مرَانَ مُوْسَى بنُ جَرِيْرٍ النَّحْوِيُّ.
وَالحَافِظُ أَبُو العَبَّاسِ الوَلِيْدُ بنُ أَبَانٍ الأَصْبَهَانِيُّ.
214 - ابْنُ خُزَيْمَةَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ صَالِحِ بنِ بَكْرٍ السُّلَمِيُّ *
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الفَقِيْهُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، إِمَامُ الأَئِمَّةِ، أَبُو بَكْرٍ السُّلَمِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَعُنِيَ فِي حَدَاثتِه بِالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، حَتَّى صَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي سَعَةِ العِلْمِ وَالإِتْقَانِ.
سَمِعَ مِنْ: إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُمَا؛ لِكَوْنِهِ كَتبَ عَنْهُمَا فِي صِغَرِه وَقَبلَ فَهمِهِ وَتَبَصُّرِه.
وَسَمِعَ مِنْ: مَحْمُوْدِ بنِ غَيْلاَنَ، وَعُتْبَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ حُجْرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ، وَبِشْرِ بنِ مُعَاذٍ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ العَلاَءِ، وَأَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيِّ، وَأَخِيْهِ؛ يَعْقُوْبَ، وَإِسْحَاقَ بنِ شَاهِيْنٍ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ، وَزِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مِهْرَانَ الجَمَّالِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَيُوْسُفَ بنِ وَاضِحٍ الهَاشِمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُثَنَّى، وَالحُسَيْنِ بنِ حُرَيْثٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدَةَ الضَّبِّيِّ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ،
__________
(*) الجرح والتعديل: 7 / 196، تاريخ جرجان: 413، طبقات الشيرازي: 105 - 106، المنتظم: 6 / 184 - 186، تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 78، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي الورقة 125 / 1، تذكرة الحفاظ: 2 / 720 - 731، العبر: 2 / 149 - 150، دول الإسلام: 1 / 188، الوافي بالوفيات: 2 / 196، طبقات الشافعية للسبكي: 3 / 109 - 110، البداية والنهاية: 11 / 149، طبقا ت القراء للجزري: 2 / 97 - 98، النجوم الزاهرة: 3 / 209، طبقات الحفاظ: 310 - 311، شذرات الذهب: 2 / 262 - 263، الرسالة المستطرفة: 20.(14/365)
وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَهْبِيِّ، وَيُوْسُفَ بنِ مُوْسَى، وَمُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القُطَعِيِّ، وَسَلْمِ بنِ جُنَادَةَ، وَيَحْيَى بنِ حَكِيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ السَّلَيْمِيِّ (1) ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم.
وَمِنْهُم: إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ البَلْخِيُّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي غَيْرِ (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَأَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتَمْلِي، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، وَإِسْحَاقُ بنُ سَعْدٍ النَّسَوِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَالُوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مِهْرَانَ المُقْرِئُ، وَحَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ نُصَيْرٍ المُعَدَّلُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ حُسَيْنَكَ، وَبِشْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بن يَاسِيْنَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحِيْرِيُّ، وَالخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ القَاضِي، وَأَبُو سَعِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ الكَرَابِيْسِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَرَابِيْسِيُّ الحَاكِمُ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ المَرْوَانِيُّ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصُّنْدُوْقِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الآبُرِيُّ، وَأَبُو الوَفَاءِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّد
__________
(1) كذا ضبطت في الأصل بفتح السين.
وضبطها السمعاني بضمها، ولم يتابعه على ذلك صاحب " اللباب " بل تعقبه بقوله: " وأما قوله عن أبي محمد بشر ابن منصور: إنه سليمي بالضم فليس كذلك، وإنما هو سليمي بالفتح من سليمة بن مالك..".
وانظر " تبصير المنتبه " 2 / 746.(14/366)
ابْنِ حَمُّوَيْه المُزَكِّي، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ - فِيْمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ - عَنْ عَبْدِ المُعَزِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ القَصَّارُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، أَنَّ حَبِيْباً أَخْبَرَهُ، عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ:
أَنَّهُ أَتَى صَفْوَانَ بنَ عَسَّالٍ - وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ - فَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكُم؟
قَالُوا: خَرَجْنَا مِنْ بُيُوْتِنَا لابتِغَاءِ العِلْمِ.
قَالَ: إِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لابتِغَاءِ العِلْمِ، فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تَضَعُ أَجنِحَتَهَا لِمُبتَغِي العِلْمِ.
فَسَأَلَهُ عَنِ المَسحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيْهِنَّ، وَلِلْمُقِيْمِ يَوْماً وَلَيلَةً، لاَ أَقُولُ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ نَوْمٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ: غَرِيْبٌ مِنْ حَدِيْثِ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، لاَ أَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ أَبِي أُمَيَّةَ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ أَبِي المُخَارِقِ (1) ، وَاسْمُ أَبِيْهِ: قَيْسٌ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَاكِمُ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَصْرِيُّ مَحْبُوْبٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ سَلِمَةَ، قَالَ:
كَانَتِ الرُّكبَانُ تَأْتِينَا مِنْ عِنْدِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَلَقَّى مِنْهُمُ الآيَةَ وَالآيَتَيْنِ، فَكَانُوا يُخْبِرُونَا:
أَنَّ
__________
(1) وهو ضعيف كما في " التقريب ".
وأخرج الحديث مطولا أحمد: 4 / 240، والترمذي (3529) في الدعوات: باب في فضل التوبة والاستغفار، من طريق سفيان بن عيينة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر، قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي..وهذا سند
حسن، وصححه ابن حبان (186) وابن خزيمة (196) .(14/367)
رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآناً) ، وَكُنْتُ أَؤُمُّ قَومِي وَأَنَا صَغِيْرُ السِّنِّ (1) .
وَبِهِ: إِلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَصِيْنٍ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ صَيْفيٍّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ: (أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَكَلَ اليَوْمَ؟) .
قَالُوا: مِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مِنْ لَمْ يَصُمْ.
قَالَ: (فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُم، وَابْعَثُوا إِلَى أَهْلِ العَرُوْضِ، فَلْيُتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِم) .
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (2) ، عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، فَوَافَقْنَاهُ.
قَالَ الحَاكِمُ فِي (تَارِيْخِهِ) :أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ وَاصِلٍ الجُعْفِيُّ بِبِيْكَنْدَ (3) ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنِي مَهْدِيٌّ - وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ - قَالَ:
كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَكُوْنُ عِنْدَ سُفْيَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ، لاَ يَجِيْءُ إِلَى البَيْتِ، فَإِذَا جَاءنَا سَاعَةً، جَاءَ رَسُوْلُ سُفْيَانَ، فَيَذْهَبُ وَيَتْرُكُنَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: مُحَمَّدٌ: هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ بِلاَ شَكٍّ، فَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو
__________
(1) صحيح، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1512) وأحمد في " مسنده " 5 / 30، وأبو داود (585) من طريق أيوب، عن عمرو بن سلمة.
وأخرجه البخاري: 8 / 18 في المغازي: باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، والنسائي: 2 / 10 9 من طريق أيوب: عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته، فسألته، فقال: لما كان عام الفتح..الحديث.
(2) 4 / 193 في الصيام: باب إذا طهرت الحائض أو قدم المسافر في رمضان هل يصوم بقية يومه؟ وهو في صحيح ابن خزيمة (2091) .
وأهل العروض: قال ابن الأثير: " أراد من بأكناف مكة والمدينة، يقال لمكة والمدينة واليمن: العروض ".
(3) كذا ضبطها ياقوت وقال: " بلدة بين بخارى وجيحون، على مرحلة من بخارى، لها ذكر في الفتوح.
وكانت بلدة كبيرة حسنة، كثيرة العلماء، خربت منذ زمان ". انظر " معجم البلدان " 1 / 533.(14/368)
أَحْمَدَ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ بِالحِكَايَةِ.
قَالَ الحَاكِمُ: قَرَأْتُ بِخَطِّ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ - صَاحِبُنَا - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ رَبِيْعَةَ (1) بِحَدِيْثٍ فِي الاسْتِسقَاءِ.
قَالَ الحَاكِمُ: كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ مِنْ مِصْرَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ الرَّبِيْعِ الجِيْزِيَّ حَدَّثَهُم، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ خَاقَانَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِيْنِ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا أَخرَجُوا نَبِيَّهُم، قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -:عَلِمتُ أَنَّهُ سَيَكُوْنُ قِتَالٌ.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحِيْرِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
كُنْتُ إِذَا أَرَدتُ أَنْ أُصَنِّفَ الشَّيْءَ، أَدخُلُ فِي الصَّلاَةِ مُسْتَخِيراً حَتَّى يُفْتحَ لِي، ثُمَّ أَبتَدِئُ التَّصنِيفَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: إِنَّ اللهَ لَيَدفَعُ البَلاَءَ عَنْ أَهْلِ هَذِهِ المَدِيْنَةِ لِمَكَانِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ.
__________
(1) وتمامه عند ابن خزيمة (1419) : عن عامر بن لؤي المديني أنه سمع جده هشام ابن إسحاق يحدث عن أبيه إسحاق بن عبد الله: أن الوليد بن عتبة أمير المدينة أرسله إلى ابن عباس، فقال: با ابن أخي سله كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء يوم استسقى بالناس؟ قال إسحاق: فدخلت على ابن عباس، فقلت: با أبا العباس كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء يوم استسقى؟ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متخشعا متبذلا، فصنع فيه كما صنع في الفطر والاضحى ".
وأخرجه أبو داود (1165) والترمذي (558) والنسائي: 3 / 157 156، وابن ماجه (1266) والطحاوي: 192 191، والحاكم: 1 / 327 326، كلهم من طريق هشام بن إسحاق، عن أبيه، عن ابن عباس وإسناده حسن، وصححه ابن حبان (603) وابن خزيمة (1405) .(14/369)
الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ وَسُئِلَ: مِنْ أَيْنَ أُوتِيتَ العِلْمَ؟ فَقَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ (1)) ، وَإِنِّيْ لَمَّا شَرِبتُ، سَأَلْتُ اللهَ عِلْماً نَافِعاً.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ بِالُوَيْه، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ إِسْحَاقَ وَقِيْلَ لَهُ: لَوْ حَلَقتَ شَعْركَ فِي الحَمَّامِ؟ فَقَالَ:
لَمْ يَثبُتْ عِنْدِي أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلَىالله عَلَيْهِ وَسلم - دَخَلَ حَمَّاماً قَطُّ، وَلاَ حَلَقَ شَعرَه، إِنَّمَا تَأْخُذُ شَعرِي جَارِيَةٌ لِي بِالمِقْرَاضِ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَأَلتُ مُحَمَّدَ بنَ الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَدِّهِ؟
فَذَكَر أَنَّهُ لاَ يَدَّخِرُ شَيْئاً جُهدَه، بَلْ يُنفِقُهُ عَلَى أَهْلِ العِلْمِ، وَكَانَ لاَ يَعْرِفُ سَنْجَةَ (2) الوَزْنِ، وَلاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ العَشرَةِ وَالعِشْرِيْنَ، رُبَّمَا أَخَذْنَا مِنْهُ العَشرَةَ، فَيَتَوَهَّمُ أَنَّهَا خَمْسَةٌ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ القَفَّالَ يَقُوْلُ: كَتَبَ ابْنُ صَاعِدٍ إِلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ
__________
(1) هو في " تاريخ بغداد " 10 / 166، وأخرجه ابن ماجه (3062) وأحمد: 3 / 357، والبيهقي: 5 / 148 من طريق عبد الله بن المؤمل، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ماء زمزم لما شرب له ".
وعبد الله ضعيف، لكنه لم ينفرد به، بل تابعه عبد الرحمن بن أبي الموالي، وإبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير عن جابر عند البيهقي: 5 / 202 بسند جيد، فالحديث صحيح.
وقد صححه الحاكم، والمنذري، والدمياطي، وحسنه الحافظ ابن حجر.
وفي صحيح مسلم (4473) من حديث أبي ذر: " إنها طعام طعم ".
ورواه الطيالسي: 2 / 158، والبيهقي: 5 / 148 وزاد فيه: " وشفاء سقم " وإسناده صحيح.
وقد أخرج الترمذي (963) والحاكم: 1 / 485، والبيهقي: 5 / 202 عن عائشة رضي الله عنها " أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحمله ".
وحسنة الترمذي، وهو كما قال.
وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 3 / 189 بلفظ: " إنها حملت ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاداوى والقرب، فكان يصب على المرضى ويسقيهم.
(2) في " القاموس " و" اللسان ": " سنجة الميزان: لغة في صنجته، والسين أفصح "، وهذا خلاف لما نقله الجوهري عن ابن السكيت على أنها بالصاد حيث قال: " ولا تقل سنجة يعني بالسين ". وهذه اللفظة فارسية معربة. انظر " المعرب " للجواليقي: ص 215.(14/370)
يَسْتَجِيْزُهُ كِتَابَ الجِهَادِ، فَأَجَازَهُ لَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلٍ الطُّوْسِيُّ: سَمِعْتُ الرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ لَنَا: هَلْ تَعْرِفُونَ ابْنَ خُزَيْمَةَ؟
قُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ: اسْتَفَدنَا مِنْهُ أَكْثَرَ مَا اسْتَفَادَ مِنَّا.
مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السُّكَّرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: حَضَرتُ مَجْلِسَ المُزَنِيِّ، فَسُئِلَ عَنْ شِبه العَمْدِ، فَقَالَ لَهُ السَّائِل:
إِنَّ اللهَ وَصفَ فِي كِتَابِهِ القَتلَ صِنْفَينِ: عَمداً وَخَطَأً، فَلِمَ قُلتُم: إِنَّهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقسَامٍ، وَتَحتَجَّ بِعَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ (1) ؟
فَسَكَتَ المُزَنِيُّ، فَقُلْتُ لِمُنَاظِرِه: قَدْ رَوَى الحَدِيْثَ أَيْضاً أَيُّوْبُ وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ.
فَقَالَ لِي: فَمَنْ عُقْبَةُ بنُ أَوْسٍ؟
قُلْتُ: شَيْخٌ بَصْرِيٌّ، قَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ سِيْرِيْنَ مَعَ جَلاَلَتِه.
فَقَالَ لِلْمُزَنِيِّ: أَنْتَ تُنَاظِرُ أَوْ هَذَا؟
قَالَ: إِذَا جَاءَ الحَدِيْثُ، فَهُوَ يُنَاظِرُ؛ لأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ أَتَكَلَّمُ أَنَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ جَدِّي يَقُوْلُ:
استَأْذَنْتُ أَبِي فِي الخُرُوْجِ إِلَى قُتَيْبَةَ، فَقَالَ: اقْرَأِ القُرْآنَ أَوَّلاً حَتَّى آذَنَ لَكَ.
فَاسْتَظْهَرْتُ القُرْآنَ، فَقَالَ لِي: امكُثْ حَتَّى تُصَلِّيَ بِالخَتمَةِ، فَفَعلتُ، فَلَمَّا عَيَّدنَا، أَذنَ لِي،
__________
(1) أخرجه من طريقه الشافعي: 2 / 263، وأبو داود (4549) والنسائي: 8 / 42، وأحمد: (4583) و (4926) ، وابن ماجه (2628) والدارقطني: 333 من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مئة من الابل مغلظة، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ".
وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان.
لكن الحديث صحيح من وجه آخر بنحوه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
أخرجه أحمد: (6533) ، (6552) ، وأبو داود (4547) والنسائي: 8 / 41 من طريق خالد الحذاء، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط أو العصا مئة من الابل منها أربعون في بطونها أولادها ".
وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1526) وابن القطان، وأخرجه ابن ماجه (2627) من طريق محمد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة، عن أيوب: سمعت القاسم بن ربيعة، عن عبد الله بن عمرو.
وهذا سند صحيح أيضا.(14/371)
فَخَرَجتُ إِلَى مَرْوَ، وَسَمِعْتُ بِمَرْو الرُّوْذ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ هِشَامٍ - صَاحِبِ هُشَيْمٍ - فَنُعِيَ إِلَيْنَا قُتَيْبَةُ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: لَمْ أَرَ أَحَداً مِثْلَ ابْنِ خُزَيْمَةَ.
قُلْتُ: يَقُوْلُ مِثْلَ هَذَا وَقَدْ رَأَى النَّسَائِيَّ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ حُسَيْنَك: سَمِعْتُ إِمَامَ الأَئِمَّةِ أَبَا بَكْرٍ يَحْكِي عَنْ عَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ، عَنِ ابْنِ رَاهْوَيْه، أَنَّهُ قَالَ: أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
فَقُلْتُ لاِبْنِ خُزَيْمَةَ: كَمْ يَحْفَظُ الشَّيْخُ؟
فَضَرَبَنِي عَلَى رَأْسِي، وَقَالَ: مَا أَكْثَرَ فُضُولَكَ!
ثُمَّ قَالَ: يَا بُنِيَّ! مَا كَتبتُ سَوْدَاءَ فِي بَيَاضٍ إِلاَّ وَأَنَا أَعرِفُه.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ: كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ يَحْفَظُ الفِقْهِيَّاتِ مِنْ حَدِيْثِه كَمَا يَحْفَظُ القَارِئُ السُّورَةَ.
أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ (1) ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ التَّمِيْمِيُّ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ عَلَى وَجهِ الأَرْضِ مَنْ يَحْفَظُ صِنَاعَةَ السُّنَنِ، وَيَحْفَظُ أَلفَاظَهَا الصِّحَاحَ وَزِيَادَاتِهَا حَتَّى كَأنَّ السُّنَنَ كُلّهَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، إِلاَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ فَقَط.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ إِمَاماً، ثَبْتاً، مَعْدُوْمَ النَّظِيرِ.
حَكَى أَبُو بِشْرٍ القَطَّانُ، قَالَ: رَأَى جَارٌ لاِبْنِ خُزَيْمَةَ - مِنْ أَهْلِ العِلْمِ - كَأَنَّ لَوْحاً
__________
(1) هو عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي الصوفي، المتوفي سنة 481 هجرية، صاحب كتاب " منازل السائرين " الذي شرحه العلامة ابن القيم في كتابه " مدارج السالكين " الذي يعد من خير ما كتب في تهذيب النفوس.
ولم يخل كتاب " منازل السائرين " من هفوات وأخطأ نبه عليها ابن القيم وتعقبه فيها.(14/372)
عَلَيْهِ صُوْرَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ خُزَيْمَةَ يَصقُلُه.
فَقَالَ المُعَبِّرُ: هَذَا رَجُلٌ يُحْيي سُنَّةَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ سُرَيْجٍ - وَذُكِرَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ - فَقَالَ:
يَسْتَخرِجُ النُّكتَ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ بِالمِنقَاشِ.
وَقَدْ كَانَ هَذَا الإِمَامُ جِهْبِذاً، بَصِيْراً بِالرِّجَالِ، فَقَالَ - فِيْمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ - شَيْخُ الحَاكِمِ:
لَسْتُ أَحتَجُّ بِشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، وَلاَ بِحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ لِمَذْهَبِهِ (1) ، وَلاَ بِعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَلاَ بِبَقِيَّةَ، وَلاَ بِمُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ، وَلاَ بِأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، وَلاَ بِعَلِيِّ بنِ جُدْعَانَ لِسُوْءِ حِفظِه، وَلاَ بِعَاصِمِ بنِ عُبَيْد اللهِ، وَلاَ بِابْنِ عَقِيْلٍ، وَلاَ بِيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَلاَ بِمُجَالِدٍ، وَلاَ بِحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ إِذَا قَالَ: عَنْ، وَلاَ بِأَبِي حُذَيْفَةَ النَّهْدِيِّ، وَلاَ بِجَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، وَلاَ بِأَبِي مَعْشَرٍ نَجِيْحٍ، وَلاَ بِعُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَلاَ بِقَابُوْسِ بنِ أَبِي ظِبْيَانَ ...
ثُمَّ سَمَّى خَلقاً دُوْنَ هَؤُلاَءِ فِي العَدَالَةِ، فَإِنَّ المَذْكُوْرِينَ احتَجَّ بِهِم غَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ العَنْبَرِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ:
لَيْسَ لأَحِدٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلٌ إِذَا صَحَّ الخَبَرُ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ:
مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللهَ عَلَى عَرشِه قَدِ اسْتوَى فَوْقَ سَبعِ سَمَاوَاتِه، فَهُوَ كَافِرٌ حَلاَلُ الدَّمِ، وَكَانَ مَالُهُ فَيْئاً.
قُلْتُ: مَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ تَصْدِيْقاً لِكِتَابِ اللهِ، وَلأَحَادِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآمَنَ بِهِ مُفَوِّضاً مَعْنَاهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَلَمْ يَخُضْ فِي التَّأْوِيْلِ وَلاَ عَمَّقَ، فَهُوَ المُسْلِمُ المُتَّبِعُ، وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَدْرِ بِثُبُوْتِ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ
__________
(1) أي: لما اتهم به من النصب.(14/373)
مُقَصِّرٌ وَاللهِ يَعْفُو عَنْهُ، إِذْ لَمْ يُوجِبِ اللهُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حِفظَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ أَنكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ العِلْمِ، وَقَفَا غَيْرَ سَبِيْلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَتَمَعقَلَ عَلَى النَّصِّ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلاَلِ وَالهَوَى.
وَكَلاَمُ ابْنِ خُزَيْمَةَ هَذَا - وَإِنْ كَانَ حَقّاً - فَهُوَ فَجٌّ، لاَ تَحْتَمِلُهُ نُفُوْسُ كَثِيْرٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي العُلَمَاءِ.
قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ: سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ - تَعَالَى - وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ، وَلاَ يُدفَنُ فِي مَقَابِرِ المُسْلِمِيْنَ.
وَلابْنِ خُزَيْمَةَ عَظَمَةٌ فِي النُّفُوْسِ، وَجَلاَلَةٌ فِي القُلُوْبِ؛ لِعِلمِهِ وَدِينِهِ وَاتِّبَاعِهِ السُّنَّةَ.
وَكِتَابُه فِي (التَّوحيدِ) مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ، وَقَدْ تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ حَدِيْثَ الصُّورَةِ (1) .
__________
(1) حديث الصورة، أخرجه البخاري في " صحيحه " 11 / 2 في أول الاستئذان، ومسلم (2841) في الجنة: باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، وأحمد: 2 / 315، وابن خزيمة في " التوحيد " 40 39 من طريق معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه، قال: اذهب، فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم: فقالوا: السلام عليك ورحمة الله.
فزادة: " ورحمة الله " فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ".
وأخرجه مسلم (2612) (115) وأحمد: 2 / 463 و519، وابن خزيمة ص 37 من طريق قتادة، عن أبي أيوب المراغي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته ".
وأخرجه أحمد: 2 / 244، والآجري في " الشريعة " 143، والبيهقي في " الأسماء والصفات " 290 من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد: 2 / 323 من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن موسى =(14/374)
..............................................................................................................
__________
= ابن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد: 2 / 251، 434، وابن خزيمة 36 من طريق يحيى، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة.
وأخرج البخاري في " الأدب المفرد " رقم (173) وابن خزيمة ص 36 من حديث ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته ".
قال ابن خزيمة بعد أن أورد هذه الأحاديث: " توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله: " على صورته " يريد صورة الرحمن، عز ربنا وجل عن أن يكون هذا معنى الخبر، بل معنى قوله: خلق آدم على صورته: الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم.
أراد صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب، والذي قبح وجهه، فزجر صلى الله عليه وسلم أن يقول: ووجه من أشبه وجهك، لان وجه آدم شبيه وجه بنيه.
فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، كان مقبحا وجه آدم صلوات الله وسلامه عليه.
ثم أورد حديث ابن عمر، من طريق الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر مرفوعا بلفظ: " لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن ".
ورواه أيضا من طريق سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء مرسلا، وقال: في هذا الخبر علل ثلاث، أولاهن: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده فأرسل الثوري ولم يقل: عن ابن عمر.
والثانية: أن الأعمش مدلس، لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت، والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضا مدلس، لم يعلم أنه سمعه من عطاء " وانظر تمام كلامه فيه.
قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " 11 / 3 2 في أول الاستئذان: " واختلف إلى ماذا يعود الضمير؟ فقيل: إلى آدم، أي: خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن أهبط، وإلى أن مات، دفعا لتوهم من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى، أو ابتدأ خلقه كما
وجد، لم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة.
وقيل: للرد على الدهرية أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة، ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان، ولا أول لذلك، فبين أنه خلق من أول الامر على هذه الصورة.
وقيل: للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره.
وقيل: الضمير لله، وتمسك قائل ذلك بما ورد في بعض طرقه " على صورة الرحمن " والمراد بالصورة: الصفة، والمعنى: أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء.
وراجع ما كتبه الحافظ ابن حجر أيضا عن عود الضمير في " صورته " في " الفتح " 5 / 133، و6 / 260.(14/375)
فَلْيَعْذُر مَنْ تَأَوَّلَ بَعْضَ الصِّفَاتِ، وَأَمَّا السَّلَفُ، فَمَا خَاضُوا فِي التَّأْوِيْلِ، بَلْ آمَنُوا وَكَفُّوا، وَفَوَّضُوا عِلمَ ذَلِكَ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِه، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ - مَعَ صِحَّةِ إِيْمَانِهِ، وَتَوَخِّيْهِ لاتِّبَاعِ الحَقِّ - أَهْدَرْنَاهُ، وَبَدَّعنَاهُ، لَقَلَّ مَنْ يَسلَمُ مِنَ الأَئِمَّةِ مَعَنَا، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
قَالَ الحَاكِمُ: فَضَائِلُ إِمَامِ الأَئِمَّةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عِنْدِي مَجْمُوْعَةٌ فِي أَورَاقٍ كَثِيْرَةٍ، وَمُصَنَّفَاتُه تَزيدُ عَلَى مائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ كِتَاباً سِوَى المَسَائِلِ، وَالمَسَائِلُ المصنَّفَةُ أَكْثَرُ مِنْ مائَةِ جُزْءٍ.
قَالَ: وَلَهُ فِقْهُ حَدِيْثِ بَرِيْرَةَ (1) فِي ثَلاَثَةِ أَجزَاءٍ.
قَالَ حَمْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُعَدَّلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ خَالِدٍ الأَصْبَهَانِيَّ يَقُوْلُ:
سُئِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خُزَيْمَةَ، فقَالَ: وَيْحَكُم! هُوَ
__________
(1) ونصه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت بريرة تستعين بها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي، فعلت.
فذكرت ذلك بريرة لاهلها، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك، فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك.
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابتاعي وأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق " ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مئة مرة.
شرط الله أحق وأوثق ".
أخرجه البخاري: 1 / 458 في المساجد: باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، وفي البيوع: باب البيع والشراء مع النساء، وفي العتق: باب بيع الولاء وهبته، وباب ما يجوز من شروط المكاتب، وباب استعانة المكاتب وسؤال الناس، وباب بيع المكاتب إذا رضي، وفي الشروط: باب ما يجوز من شروط المكاتب إذا رضي بالبيع على أن يعتق، وفي الطلاق: باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة، وفي الفرائض: باب الولاء لمن أعتق، وباب ما يرث النساء من الولاء.
وأخرجه مسلم (1504) في العتق: باب الولاء لمن أعتق، و" مالك " 2 / 780 في العتق والولاء: باب مصير الولاء لمن أعتق، وأبو داود (3929) و (3930) في العتق: باب بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة، والنسائي: 7 / 300 في البيوع: باب البيع يكون فيه الشرط الفاسد فيصح البيع ويبطل الشرط، والترمذي (1256) في البيوع: باب ما جاء في اشتراط الولاء والزجر عن ذلك، وابن ماجه (2521) في العتق: باب المكاتب.(14/376)
يُسْأَلُ عَنَّا، وَلاَ نُسأَلُ عَنْهُ! هُوَ إِمَامٌ يُقتَدَى بِهِ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الشَّاشِيُّ: حَضَرتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ، المُقْرِئُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ المُزَنِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ، قِيْلَ لِلْمُزَنِيِّ: إِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ.
فَقَالَ المُزَنِيُّ: لاَ يُمكِنُه إِلاَّ بِمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُوْرِيِّ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَذَا كَانَ.
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المضَاربِ، قَالَ:
رَأَيْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْراً.
فَقَالَ: كَذَا قَالَ لِي جِبْرِيْلُ فِي السَّمَاءِ.
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا - إِلاَّ أَنَّ ابْنَ حَمْدُوْنَ كَانَ مِنْ أَعْرَفِهِم بِهَذِهِ الوَاقِعَةِ - قَالَ:
لَمَّا بَلغَ أَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ مِنَ السِّنِّ وَالرِّئاسَةِ وَالتَفَرُّدِ بِهِمَا مَا بَلغَ، كَانَ لَهُ أَصْحَابٌ صَارُوا فِي حَيَاتِه أَنْجُمَ الدُّنْيَا، مِثْلُ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ حَمَلَ عُلُوْمَ الشَّافِعِيِّ، وَدَقَائِقَ ابْنِ سُرَيْجٍ إِلَى خُرَاسَانَ، وَمِثْلُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ - يَعْنِي: الصِّبَغِيَّ - خَلِيْفَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي الفَتوَى، وَأَحسنِ الجَمَاعَةِ تَصْنِيْفاً، وَأَحسَنِهِم سِيَاسَةٌ فِي مَجَالِسِ السَّلاَطينِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَهُوَ آدَبُهُم، وَأَكْثَرُهُم جَمعاً لِلْعلومِ، وَأَكْثَرُهُم رِحلَةً، وَشَيخِ المطَّوِّعَةِ وَالمُجَاهِدِيْنَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنِ مَنْصُوْرٍ، وَكَانَ مِنْ أَكَابرِ البُيُوْتَاتِ، وَأَعرَفِهِم بِمَذْهَبِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَأَصلَحِهِم لِلْقضَاءِ.
قَالَ: فَلَمَّا وَردَ مَنْصُوْرُ بنُ يَحْيَى الطُّوْسِيُّ نَيْسَابُوْرَ، وَكَانَ يُكْثِرُ الاخْتِلاَفَ إِلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ لِلسَّمَاعِ مِنْهُ - وَهُوَ مُعْتَزِلِيٌّ - وَعَاينَ مَا عَاينَ مِنَ الأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ سَمَّينَاهُم، حَسَدَهُم، وَاجْتَمَعَ مَعَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَاعِظِ القَدَرِيِّ بِبَابِ مُعَمَّرٍ فِي أُمُورِهِم غَيْرَ مَرَّةٍ، فَقَالاَ: هَذَا إِمَامٌ لاَ يُسْرِعُ فِي الكَلاَمِ، وَيَنْهَى أَصْحَابَه عَنِ التَّنَازعِ فِي الكَلاَمِ وَتَعليمِه، وَقَدْ نَبغَ لَهُ أَصْحَابٌ يُخَالفُونَه وَهُوَ لاَ يَدْرِي، فَإِنَّهُم(14/377)
عَلَى مَذْهَبِ الكُلاَّبيَّةِ (1) ، فَاسْتَحكَمَ طَمعُهُمَا فِي إِيقَاعِ الوَحشَةِ بَيْنَ هَؤُلاَءِ الأَئِمَّةِ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ:
كَانَ مِنْ قَضَاءِ الله - تَعَالَى - أَنَّ الحَاكِمَ أَبَا سَعِيْدٍ لَمَّا تُوُفِّيَ، أَظهَرَ ابْنُ خُزَيْمَةَ الشَّمَاتَةَ بِوَفَاتِه، هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِه - جَهلاً مِنْهُم - فَسأَلُوهُ أَنْ يتَّخذَ ضِيَافَةً، وَكَانَ لاِبْنِ خُزَيْمَة بِسَاتينُ نَزِهَةٌ.
قَالَ: فَأُكرهتُ أَنَا مِنْ بَيْنِ الجَمَاعَةِ عَلَى الخُرُوجِ فِي الجُمْلَةِ إِلَيْهَا.
وَحَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ: أَنَّ الضِّيَافَةَ كَانَتْ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَكَانَتْ لَمْ يُعهدْ مِثلُهَا، عَمِلهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، فَأَحضرَ جُمْلَةً مِنَ الأَغنَامِ وَالحِملاَنِ، وَأَعدَالِ السَّكرِ، وَالفرشِ، وَالآلاَتِ، وَالطبَّاخينَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَقدَّمَ إِلَى جَمَاعَةِ المُحَدِّثِيْنَ مِنَ الشُّيُوْخِ وَالشَّبَابِ، فَاجْتَمَعُوا بَجَنْزَرُوْذَ (2) ، وَرَكِبُوا مِنْهَا، وَتَقَدَّمهُم أَبُو بَكْرٍ يَخْتَرِقُ الأَسوَاقَ سُوقاً سُوقاً، يَسْأَلهُمُ أَنْ يُجِيبوهُ، وَيَقُوْلُ لَهُم: سَأَلتُ مَنْ يَرجعُ إِلَى الفُتوَّةِ وَالمَحَبَّةِ لِي أَنْ يَلزمَ جَمَاعَتنَا اليَوْمَ.
فَكَانُوا يَجِيْئونَ فَوجاً فَوجاً حَتَّى لَمْ يَبْقَ كَبِيْرُ أَحَدٍ فِي البَلَدِ - يَعْنِي: نَيْسَابُوْرَ - وَالطَّبَّاخُونَ يَطْبُخُونَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الخبَّازِينَ يَخبِزُونَ، حَتَّى حُملَ أَيْضاً جَمِيْعُ مَا وَجَدُوا فِي البَلَدِ مِنَ الخُبزِ وَالشِّوَاءِ عَلَى الجِمَال وَالبِغَالِ وَالحمِيرِ، وَالإِمَامُ - رَحِمَهُ اللهُ - قَائِمٌ يُجرِي أُمُورَ الضِّيَافَةِ عَلَى أَحسنِ مَا يَكُوْنُ، حَتَّى شَهِدَ مَنْ حَضَرَ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ مِثلهَا.
فَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى المُتَكَلِّمُ، قَالَ: لَمَّا انصَرفْنَا مِنَ
__________
(1) نسبة إلى أبي محمد، عبد الله بن سعيد بن كلاب، المتوفى بعد عام 240 هجرية. كان إمام أهل السنة في عصره، وإليه مرجعهم، ناقش المعتزلة في مجلس المأمون على طريقة كلامية عقلية، فدحرهم. مترجم في " طبقات الشافعية " للسبكي: 2 / 299 - 300، وانظر آراءه في الأسماء والصفات في " مقالات الإسلاميين " 1 / 249 وما بعدها.
(2) قرية من قرى نيسابور. انظر " معجم البلدان " 2 / 171.(14/378)
الضِّيَافَةِ، اجتَمَعنَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَجَرَى ذِكرُ كَلاَمِ اللهِ: أَقَدِيْمٌ هُوَ لَمْ يَزَلْ، أَوْ نَثْبُتُ عِنْد إِخبَارِه تَعَالَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِهِ؟
فَوَقَعَ بَيْنَنَا فِي ذَلِكَ خَوضٌ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَّا: كَلاَمُ البَارِئِ قَدِيْمٌ لَمْ يَزَلْ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: كَلاَمُهُ قَدِيْمٌ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يثبتُ إِلاَّ بِإِخبارِه وَبِكَلاَمِه.
فَبَكَرتُ إِلَى أَبِي عَلِيٍّ الثَّقَفِيِّ، وَأَخْبَرتُهُ بِمَا جَرَى، فَقَالَ: مَنْ أَنكرَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ، فَقَدِ اعتقَدَ أَنَّهُ مُحدَثٌ.
وَانْتَشَرتْ هَذِهِ المَسْأَلَةُ فِي البَلَدِ، وَذَهَبَ مَنْصُوْرٌ الطُّوْسِيُّ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَخبَرُوهُ بِذَلِكَ، حَتَّى قَالَ مَنْصُوْرٌ: أَلَمْ أَقُلْ لِلشَّيْخِ: إِنَّ هَؤُلاَءِ يَعْتَقِدُوْنَ مَذْهَبَ الكلاَّبيَّةِ؟ وَهَذَا مَذْهَبُهُم.
قَالَ: فَجَمَعَ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَصْحَابَه، وَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُم غَيْرَ مَرَّةٍ عَنِ الخوضِ فِي الكَلاَمِ؟ وَلَمْ يَزِدْهُم عَلَى هَذَا ذَلِكَ اليَوْمُ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْمَاطِيُّ المُتَكَلِّمُ، قَالَ:
لَمْ يَزَلِ الطُّوْسِيُّ بِأَبِي بَكْرٍ بنِ خُزَيْمَةَ حَتَّى جرَّأَهُ عَلَى أَصْحَابِه، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عُثْمَانَ يرُدَّانِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَا يُملِيه، وَيَحضُرَانِ مَجْلِسَ أَبِي عَلِيٍّ الثَّقَفِيِّ، فَيَقْرَؤُونَ ذَلِكَ عَلَى الملأِ، حَتَّى اسْتَحكَمَتِ الوَحشَةُ.
سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَحْمَدَ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ:
القُرْآن كَلاَمُ اللهِ، وَوحيُهُ، وَتنَزِيْلُه، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: شَيْءٌ مِنْهُ مَخْلُوْقٌ، أَوْ يَقُوْلُ: إِنَّ القُرْآنَ مُحدَثٌ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ نَظَرَ فِي كُتُبِي، بَانَ لَهُ أَنَّ الكلاَّبيَّةَ - لَعَنَهُمُ اللهُ - كَذَبَةٌ فِيْمَا يَحكُونَ عَنِّي بِمَا هُوَ خِلاَفُ أَصْلِي وَدِيَانَتِي، قَدْ عَرَفَ أَهْلُ الشَّرقِ وَالغربِ أَنَّهُ لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ فِي التَّوحيدِ وَالقَدَرِ وَأُصُوْلِ العِلْمِ مِثْلَ تَصنِيفِي، وَقَدْ صَحَّ عِنْدِي أَنَّ هَؤُلاَءِ - الثَّقَفِيَّ، وَالصِّبَغِيَّ، وَيَحْيَى بنَ مَنْصُوْرٍ - كَذَبَةٌ، قَدْ كَذبُوا عَلَيَّ فِي حَيَاتِي، فَمُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ مُقتَبِسِ عِلمٍ أَنْ يَقبلَ مِنْهُم شَيْئاً يَحكُونَه عَنِّي، وَابْنُ أَبِي عُثْمَانَ أَكْذَبُهُم عِنْدِي، وَأَقْوَلهُم عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْه.(14/379)
قُلْتُ: مَا هَؤُلاَءِ بِكَذَبَةٍ، بَلْ أَئِمَّةٌ أَثبَاتٌ، وَإِنَّمَا الشَّيْخُ تَكَلَّمَ عَلَى حَسبِ مَا نُقِلْ لَهُ عَنْهُم.
فَقبَّحَ اللهُ مَنْ يَنقُلُ البُهتَانَ، وَمَنْ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ بَالُوْيَه، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ:
مِنْ زَعْمِ بَعْضِ هَؤُلاَءِ الجَهَلَةِ: أَنَّ اللهَ لاَ يُكرِّرُ الكَلاَمَ، فَلاَ هُم يَفهَمُوْنَ كِتَابَ اللهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَخبرَ فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُ خَلَقَ آدمَ، وَكرَّرَ ذِكرَ مُوْسَى، وَحَمَدَ نَفْسَهُ فِي مَوَاضِعَ، وَكرَّرَ: {فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [سُوْرَةُ الرَّحْمَنِ] ، وَلَمْ أَتَوَهَّم أَنَّ مُسْلِماً يَتَوَهَّمُ أَنَّ اللهَ لاَ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ مرَّتينِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَلاَمَ اللهِ مَخْلُوْقٌ، وَيَتَوَهَّمُ أَنَّهُ لاَ يَجُوْزُ أَنْ يَقُوْلُ: خَلَقَ اللهُ شَيْئاً وَاحِداً مَرَّتينِ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ يَقُوْلُ:
لَمَّا وَقَعَ مِنْ أَمرِنَا مَا وَقَعَ، وَجَدَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ وَمَنْصُوْرٌ الطُّوْسِيُّ الفُرصَةَ فِي تَقْرِيْرِ مَذْهَبِهِم، وَاغتَنَمَ أَبُو القَاسِمِ وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَلِيٍّ وَالبَرْدَعِيُّ السَّعِيَ فِي فَسَادِ الحَالِ، انتصَبَ أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ لِلتَّوسُّطِ فِيْمَا بَيْنَ الجَمَاعَةِ، وَقرَّرَ لأَبِي بَكْرٍ بنِ خُزَيْمَةَ اعترَافَنَا لَهُ بِالتقدُّمِ، وَبَيَّنَ لَهُ غرضَ المُخَالفينَ فِي فَسَادِ الحَالِ، إِلَى أَنْ وَافقَه عَلَى أَن نَجتَمِعَ عِنْدَهُ، فَدَخَلتُ أَنَا، وَأَبُو عَلِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ: مَا الَّذِي أَنكرتَ أَيُّهَا الأُسْتَاذُ مِنْ مَذَاهِبِنَا حَتَّى نَرجِعَ عَنْهُ؟
قَالَ: مَيلُكُم إِلَى مَذْهَبِ الكلاَّبيَّةِ، فَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ كلاَّبٍ (1) ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ مِثْلِ الحَارِثِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى طَالُ الخَطابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي عَلِيٍّ فِي هَذَا البَابِ.
فَقُلْتُ: قَدْ جَمَعتُ أَنَا أُصُوْلَ مَذَاهِبِنَا فِي طَبَقٍ، فَأَخْرَجتُ إِلَيْهِ الطَّبَقَ، فَأَخَذَهُ، وَمَا زَالَ يتَأَمَّلُه وَينظُرُ فِيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لَسْتُ أَرَى هَا هُنَا شَيْئاً لاَ
__________
(1) سبق التعريف به في الحاشية (1) من الصفحة (378) .(14/380)
أَقُولُ بِهِ.
فَسَأَلتُهُ أَنْ يَكتُبَ عَلَيْهِ خَطَّهُ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبَه، فَكَتَبَ آخِرَ تِلْكَ الأَحرفِ.
فَقُلْتُ لأَبِي عَمْرٍو الحِيْرِيِّ: احْتَفِظْ أَنْتَ بِهَذَا الخَطِّ حَتَّى يَنْقَطِعَ الكَلاَمُ، وَلاَ يُتَّهَمَ وَاحِدٌ مِنَّا بِالزِّيَادَةِ فِيْهِ.
ثُمَّ تَفَرَّقنَا، فَمَا كَانَ بِأَسرعَ مِنْ أَنْ قَصَدهُ أَبُو فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، وَقَالاَ:
إِنَّ الأُسْتَاذَ لَمْ يَتَأَمَّلْ مَا كَتَبَ فِي ذَلِكَ الخَطِّ، وَقَدْ غَدَرُوا بِكَ، وَغَيَّرُوا صُوْرَةَ الحَالِ.
فَقبِلَ مِنْهُم، فَبَعَثَ إِلَى أَبِي عَمْرٍو الحِيْرِيِّ لاِستِرجَاعِ خَطِّهِ مِنْهُ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ أَبُو عَمْرٍو، وَلَمْ يَردَّه حَتَّى مَاتَ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَقَدْ أَوصَيْتُ أَنْ يُدفَنَ مَعِي، فَأُحَاجَّه بَيْنَ يَدِيِ اللهِ - تَعَالَى - فِيْهِ، وَهُوَ القُرْآنُ؛ كَلاَمُ اللهِ - تَعَالَى - وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِهِ مَخْلُوْقٌ، وَلاَ مَفْعُوْلٌ، وَلاَ مُحْدَثٌ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ شَيْئاً مِنْهُ مَخْلُوْقٌ أَوْ مُحْدَثٌ، أَوْ زَعَمَ أَنَّ الكَلاَمَ مِنْ صِفَةِ الفِعْلِ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ ضَالٌّ مُبتَدِعٌ، وَأَقُولُ: لَمْ يَزَلِ اللهُ مُتَكَلِّماً، وَالكَلاَمُ لَهُ صِفَةُ ذَاتٍ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ إِلاَّ مرَّةً، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ إِلاَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، ثُمَّ انقَضَى كَلاَمُه، كَفَرَ بِاللهِ، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُوْلُ: (هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيْبَهُ) (1) .
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ عِلمَه تَنَزُّلُ أَوَامِرِه، ضَلَّ، وَيُكَلِّمُ عِبَادَهُ بِلاَ كَيْفٍ (الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] ، لاَ كَمَا قَالَتِ الجَهْمِيَّةُ (2) :إِنَّهُ عَلَى المُلْكِ احتَوَى، وَلاَ اسْتَوْلَى.
وَإِنَّ اللهَ يُخَاطبُ عبَادَه عَوْداً وَبَدْءاً، وَيُعيدُ عَلَيْهِم قَصَصَه وَأَمرَه وَنَهْيَه، وَمَنْ زَعَمَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ.
وَسَاقَ سَائِرَ الاعْتِقَادِ.
قُلْتُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيُّ هَذَا عَالِمَ وَقتِهِ، وَكَبِيْرَ الشَّافِعِيَّةِ
__________
(1) تقدم تخريج هذا الحديث في الصفحة 279، الحاشية رقم (3) .
(2) هم أصحاب جهم بن صفوان، تلميذ الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري سنة 124 هـ.
انظر عن هذه الفرقة ما كتبه الشهرستاني في " الملل والنحل " 1 / 88 86.(14/381)
بِنَيْسَابُوْرَ، حَمَلَ عَنْهُ الحَاكِمُ عِلْماً كَثِيْراً.
وَلابنِ خُزَيْمَةَ تَرْجَمَةٌ طَوِيْلَةٌ فِي (تَارِيْخِ نَيْسَابُوْرَ) ، تَكُونُ بِضْعاً وَعِشْرِيْنَ وَرقَةً، مِنْ ذَلِكَ وَصيَّتُهُ، وَقَصِيدَتَانِ رُثِيَ بِهِمَا.
وَضَبَطُ وَفَاته: فِي ثَانِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَدْ سَمِعْنَا (مُخْتَصَرَ المُخْتَصَرِ) ، لَهُ عَالِياً بِفَوْتٍ لِي.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو جَعْفَرٍ بنُ حَمْدَانَ الحِيْرِيُّ - صَاحِبُ (الصَّحِيْحِ) - وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو الإِلْبِيْرِيُّ - حَافِظُ أَهْلِ الأَنْدَلُسِ - وَشَيْخُ الحَنَابِلَةِ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ بِالعِرَاقِ أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَرَيْرِيُّ - وَقِيْلَ: اسْمُه حَسَنٌ - وَشَيْخُ العَرَبِيَّةِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ البَغْدَادِيُّ، وَصَدرُ الوُزَرَاءِ حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ النَّسَفِيُّ - صَاحِبُ البُخَارِيِّ - وَمُسْنِدُ بَغْدَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ المَدَائِنِيُّ الأَنْمَاطِيُّ، وَحَافِظُ هَرَاةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عُرْوَةَ، وَحَافِظُ مَرْوَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدٍ، وَمُحَدِّثُ أَنْطَاكِيَةَ أَبُو طَاهِرٍ بنُ فِيْلٍ الهَمْدَانِيُّ، وَشَيْخُ الطِّبِّ مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الرَّازِيُّ الفَيْلَسُوْفُ، وَمُسْنِدُ نَيْسَابُوْرَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ شَادَلَ بنِ عَلِيٍّ - مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ -.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خُزَيْمَةَ، أَخْبَرَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا أَبُو مُوْسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ نَسِيَ صَلاَةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا) (1) .
__________
(1) هو في صحيح ابن خزيمة برقم (992) ، وأخرجه مسلم (684) في المساجد: =(14/382)
215 - البَاغَنْدِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ الحَارِثِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، مُحَدِّثُ العِرَاقِ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ المُحَدِّثِ أَبِي بَكْرٍ الأَزْدِيُّ، الوَاسِطِيُّ، البَاغَنْدِيُّ، أَحَد أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ بِبَغْدَادَ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَة وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ أَوَّلَ سَمَاعِهِ بِوَاسِطَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَشَيْبَانَ بنَ فَرُّوْخٍ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَهِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، وَسُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ الصَّبَّاحِ الجَرْجَرَائِيَّ، وَالصَّلْتَ بنَ مَسْعُوْدٍ الجَحْدرِيَّ، وَأَبَا نُعَيْمٍ عُبَيْدَ بنَ هِشَامٍ الحَلَبِيَّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُبَيْدِ اللهِ الحَلَبِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ سُلَيْمَانَ لُوَيْنَ، وَدُحَيْماً، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَعُثْمَانَ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدَ الملكِ بنَ شُعَيْبٍ بنِ اللَّيْثِ، وَالحَارِثَ بنَ مِسْكِيْنٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ زُنْبوْرٍ المَكِّيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَمَحْمُوْدَ بنَ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَعُمِّرَ، وَتَفَرَّدَ.
__________
= باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، من طريق عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(*) تاريخ بغداد: 3 / 213 209، الأنساب: 61 / أ، المنتظم: 6 / 194 193، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 126 / 2، تذكرة الحفاظ: 2 / 737 736، العبر: 2 / 154 153، دول الإسلام: 1 / 189، ميزان الاعتدال: 4 / 27 26، الوافي بالوفيات: 1 / 99، البداية والنهاية: 11 / 152، طبقات القراء للجزري: 2 / 240، لسان الميزان: 5 / 362 360، النجوم الزاهرة: 3 / 213 212، طبقات الحفاظ: 311، شذرات الذهب: 2 / 265.(14/383)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُقْدَةَ، وَالقَاضِي المَحَامِلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَدَعْلَج السِّجْزِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّوَّافِ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدَانُ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحِيْرِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (1) :رَحَلَ فِي الحَدِيْثِ إِلَى الأَمصَارِ البعيدَةِ، وَعُنِيَ بِهِ العنَايَةَ العَظِيْمَةَ، وَأَخَذَ عَنِ الحُفَّاظِ وَالأَئِمَّةِ، وَكَانَ حَافِظاً فَهِماً عَارِفاً، فَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَلِيٍّ البَادَا (2) مُذَاكَرَةً يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الأَبْهَرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ البَاغَنْدِيَّ يَقُوْلُ:
أَنَا أُجيبُ فِي ثَلاَثِ مائَةٍ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَأَخْبَرتُ ابْنَ المُظَفَّرِ بِقَولِ الأَبْهَرِيِّ، فَقَالَ: صَدَقَ، سَمِعْتُه مِنْهُ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَسَمِعْتُ هِبَةَ اللهِ اللاَّلَكَائِيَّ يَقُوْلُ:
إِنَّ البَاغَنْدِيَّ كَانَ يَسْرُدُ الحَدِيْثَ مِنْ حِفْظِهِ، وَيَهُذُّهُ مِثْلَ تِلاَوَةِ القُرْآنِ السَّرِيعِ القِرَاءةِ، وَكَانَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، وَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ.
وَهُوَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ حَتَّى تَسقُطَ عِمَامَتُهُ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ
__________
(1) في " تاريخه " 3 / 210 209.
(2) هو أبو الحسن، أحمد بن علي بن الحسن بن الهيثم البغدادي، المعروف بابن البادا.
ترجمه الخطيب في " تاريخه " 4 / 322 وقال: كتبنا عنه، وكان ثقة فاضلا، من أهل القرآن والأدب، مات في ذي الحجة سنة عشرين. وأربع مئة ". وانظر أيضا " عبر الذهبي " 3 / 136.(14/384)
جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شُجَاعٍ بِالأَهْوَازِ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الجَوْزِيِّ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ يَنْتقِي عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيْمُ: هُوذَا تَضَجَّرَنِي (1) ، أَنْتَ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنِّي، وَأَحفَظُ، وَأَعرَفُ.
فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ حُبِّبَ إِلَيَّ هَذَا الحَدِيْثُ، حَسبُكَ أَنِّي رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ، فَلَمْ أَقُلْ لَهُ: ادْعُ لِي، وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَيُّمَا أَثبتُ فِي الحَدِيْثِ: مَنْصُوْرٌ أَوِ الأَعْمَشُ؟
فَقَالَ: مَنْصُوْرٌ، مَنْصُوْرٌ.
وَقَالَ العَتِيْقِيُّ (2) :سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ شَاهِيْنٍ يَقُوْلُ:
قَامَ أَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ لِيُصَلِّيَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ (3) ، فَسَبَّحْنَا بِهِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ.
قَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: سَأَلْنَا الوَزِيْرَ جَعْفَرَ بنَ الفَضْلِ بِمِصْرَ عَنِ البَاغَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَلَحِقْتُه، وَكَانَ لِلْوَزِيْرِ المَاضِي حُجْرتَانِ، إِحدَاهُمَا لِلْبَاغَنْدِيِّ، يَجِيْئُهُ، وَيَقرَأُ لَهُ، وَالأُخْرَى لِلْيَزِيْدِيِّ، ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ يَوْماً مَعَ البَاغَنْدِيِّ فِي الحُجْرَةِ يَقرَأُ لِي كُتُبَ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَقَامَ إِلَى الطَّهَارَةِ، فَأَخَذَ جُزْءاً مِنْ حَدِيْثِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَإِذَا عَلَى ظَهرِهِ مَكْتُوْبٌ: مُرَبَّعٌ، وَالبَاقِي مَحْكُوْكٌ، فَرَجَعَ، فَرَأَى فِي يَدِي الجُزْءَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَقُلْتُ: أَيْشٍ هَذَا مُرَبَّعٌ؟
فَغَيَّرَ ذَلِكَ، وَلَمْ أَفطنْ لَهُ؛ لأَنِّي أَوَّلُ مَا كُنْتُ دَخَلْتُ فِي كُتُبِ الحَدِيْثِ، ثُمَّ سَأَلتُ عَنْهُ،
__________
(1) في " تاريخ بغداد ": هو ذا تسخر بي.
(2) في الأصل " العقيقي " بالقاف، وهو تصحيف، وما أثبتناه من " تاريخ بغداد " 3 / 211.
والعتيقي: هو أبو الحسن، أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، ترجمه الخطيب في " تاريخه " 4 / 379 وقال: " قلت له: فالعتيقي نسبة إلى أيش؟ قال: بعض أجدادي كان يسمى عتيقا فنسبنا إليه ".
(3) في الأصل " لون " وهو تحريف.(14/385)
فَإِذَا الكِتَابُ لِمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ مُرَبَّعٌ (1) ، فَحَكَّهُ، وَتَرَكَ مُرَبَّع، فَبَردَ عِنْدِي، وَلَمْ أُخَرِّجْ عَنْهُ شَيْئاً (2) .
قَالَ عُمَرُ بنُ حَسَنٍ الأُشْنَانِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَيْثَمَةَ - وَذُكِرَ عِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ - فَقَالَ:
ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الحَدِيْثِ، لَوْ كَانَ بِالمَوْصِلِ، لَخَرَجتُم إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يَتَطَرَّحُ عَلَيْكُم، وَلاَ تُرِيْدُوْنَهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ (المُصَحِّفِيْنَ) :حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ البَاغَنْدِيَّ أَملَى عَلَيْهِم فِي الجَامِعِ فِي حَدِيْثٍ ذَكَرَهَ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِيْنَ يَمْشُوْنَ عَلَى الأَرْضِ} (هُوِيّاً (3)) بِاليَاءِ وَضَمِّ الهَاءِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي (الضُّعَفَاءِ) :البَاغَنْدِيُّ مُدَلِّسٌ مُخَلِّطٌ، يَسْمَعُ مِنْ بَعْضِ رِفَاقِهِ، ثُمَّ يُسْقِطُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْخِهِ، وَرُبَّمَا كَانُوا اثْنَيْنِ وَثَلاَثَةً، وَهُوَ كَثِيْرُ الخَطَأِ.
قَالَ البُرْقَانِيُّ: سَأَلتُ أَبَا بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيَّ عَنِ ابْنِ البَاغَنْدِيِّ، فَقَالَ:
لاَ أَتَّهِمُهُ فِي قَصدِ الكَذِبِ، وَلَكِنَّهُ خَبِيْثُ التَّدلِيسِ، وَمُصَحِّفٌ أَيْضاً، كَأَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْ سُويدِ (4) التَّدْلِيْسِ.
وَقَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيِّ: هَلْ يَدْخُلُ فِي الصَّحِيْحِ؟
فَقَالَ: لَوْ خَرَّجتُ (الصَّحِيْحَ) ، لَمْ
__________
(1) بالتثقيل، بوزن محمد كما في " مشتبه النسبة " للمؤلف.
(2) الخبر في " تاريخ بغداد " 3 / 212 211، والزيادات منه.
(3) [الفرقان: 63] والتلاوة الصحيحة: " هونا ".
(4) هو سويد بن سعيد بن سهل الهروي، ثم الحدثاني، وهو صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وقد أفحش فيه ابن معين القول.
وهو صاحب الحديث الموضوع " من عشق، فعف، فكتم، فمات، فهو شهيد ".
انظر حول هذا الحديث ما كتبه ابن القيم في " زاد المعاد " 4 / 275 وما بعدها، وتخريجه هناك.(14/386)
أُدخِلْهُ فِيْهِ، كَانَ يُخَلِّطُ وَيُدَلِّسُ، وَلَيْسَ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُ آثرُ عِنْدِي وَلاَ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْهُ، إِلاَّ أَنَّهُ شَرِهٌ، وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ.
وَسَأَلتُ أَبَا الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: كَثِيْرُ التَّدْلِيْسِ، يُحَدِّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَرُبَّمَا سَرَقَ.
قَالَ الخَطِيْبُ (1) :لَمْ يَثْبُتْ مِنْ أَمْرِ البَاغَنْدِيِّ مَا يُعَابُ بِهِ سِوَى التَّدْلِيْسِ، وَرَأَيْتُ كَافَّة شُيُوْخِنَا يَحْتَجُّوْنَ بِهِ، وَيُخَرِّجُونَهُ فِي الصَّحِيْحِ.
قُلْتُ: يَقَعُ حَدِيْثُهُ عَالِياً لِلْفَخْرِ بنِ البُخَارِيِّ، وَطَبَقَتِهِ.
قَالَ ابْنُ شَاهِيْنٍ: مَاتَ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ، فِي عِشْرِيْنَ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، سنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ ابنِ عَسَاكِرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ البَحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَتَيْتُ - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي - عَلَى مُوْسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عِنْدَ الكَثِيْبِ الأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ) .
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (2) ، عَنْ شَيْبَانَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ البَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا
__________
(1) في " تاريخه " 3 / 213.
(2) برقم (2375) في الفضائل: باب فضائل موسى عليه السلام.(14/387)
البَرَاءُ بنُ عَبْدِ اللهِ الغَنَوِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ هُمُ الثَّرْثَارُوْنَ المُتَفَيْهِقُوْنَ، أَلاَ أُنْبِئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً) .
تَفَرَّدَ بِهِ: البَرَاءُ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، فِي كِتَابِ (الأَدَبِ (1)) لَهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ عَمْرٍو الإِلْبِيْرِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَزْهَرِ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ الطُّوْسِيُّ، وَالوَزِيْرُ أَبُو الحَسَنِ ابْنُ الفُرَاتِ، وَعَبْدُوْسُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبَّادٍ الهَمَذَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ قُدَيْدٍ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ الدَّلاَّلُ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ ابْنُ الُمَجَدَّرِ، وَشَيْخُ الطَّرِيْقِ أَبُو مُحَمَّدٍ الجُرَيْرِيُّ.
216 - السَّرَّاجُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِهْرَانَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ، أَبُو العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمُ، الخُرَاسَانِيُّ،
__________
(1) رقم (1308) وهو في " المسند " 2 / 369، والبراء بن عبد الله الغنوي ضعيف، وباقي رجاله ثقات.
وفي الباب ما يشهد له، عن جابر عند الترمذي (2018) في البر والصلة، وحسنه.
وفي " المسند " 4 / 194 193 من حديث أبي ثعلبة الخشني، فالحديث بهذين الشاهدين صحيح.
والثرثار: الكثير الكلام، والمتشدق الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبذو عليهم. والمتفيهق: المتكبر.
(*) الجرح والتعديل: 7 / 196، فهرست ابن النديم: 220، تاريخ بغداد: 1 / 252 248، الأنساب: 115 / ب و295 / ب، المنتظم: 6 / 200 199، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 126 / 1، تذكرة الحفاظ: 2 / 735 731، العبر: 2 / 158 157، دول الإسلام: 1 / 189، الوافي بالوفيات: 2 / 188 187، مرآة الجنان: 2 / 267 266، طبقات الشافعية للسبكي: 3 / 109 108، البداية والنهاية: 11 / 153، طبقات القراء للجزري: 2 / 97، النجوم الزاهرة: 3 / 214، طبقات الحفاظ: 311، شذرات الذهب: 2 / 268، الرسالة المستطرفة: 75.(14/388)
النَّيْسَابُوْرِيُّ، صَاحِب (المُسْنَدِ الكَبِيْر) عَلَى الأَبْوَابِ وَالتَّارِيْخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَخُو إِبْرَاهِيْمَ المُحَدِّثِ وَإِسْمَاعِيْلَ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
رَأَى يَحْيَى بنَ يَحْيَى التَّمِيْمِيّ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ.
وَسَمِعَ مِنْ: إِسْحَاقَ، وَقُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وَبِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ الكِنْدِيِّ، وَأَبِي مُعَمَّرٍ القَطِيْعِيِّ، وَدَاوُدَ بنِ رُشَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الجَرْجرَائِيِّ، وَعَمْرِو بنِ زُرَارَةَ، وَأَبِي هَمَّامٍ السَّكُوْنِيِّ، وَهَنَّادِ بنِ السَّرِيِّ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبَانٍ البَلْخِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو زُنَيْجٍ، وَأَحْمَدَ بنِ المِقْدَامِ، وَمُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ، وَمُجَاهِدِ بنِ مُوْسَى، وَأَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ، وَزِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ، وَيَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيِّ، وَسَوَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَهَارُوْنَ الحَمَّالِ، وَعُقْبَةَ بنِ مُكْرَمٍ العَمِّيِّ، وَابْنِ كَرَامَةَ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ العَلاَءِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ، وَأَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيِّ، وَعَبَّادِ بنِ الوَلِيْدِ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَيَنْزِلُ إِلَى: أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البِرتِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ سَلاَمٍ.
وسَكَنَ بَغْدَادَ مُدَّةً طَوِيْلَةً، وَحَدَّثَ بِهَا، ثُمَّ رُدَّ إِلَى وَطَنِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ خَارِجَ (الصَّحِيْحَيْنِ) وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَامِيُّ، وَحُسَيْنَك بنُ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ المَخْلَدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَانِئٍ(14/389)
البَزَّازُ، وَالخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ القَاضِي، وَالقَاضِي يُوْسُفُ بنُ القَاسِمِ المَيَانَجِي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيُّ، وَسَهْلُ بنُ شَاذَوَيْه البُخَارِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ العَنْبَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مِهْرَانَ المُقْرِئُ، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَالُوَيْه، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحِيْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْفُوْظٍ العَابِدُ، وَبِشْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ البَاهِلِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ - وَالِدُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الحِيْرِيِّ - وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ المَاسَرْجِسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ الحِيْرِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ يَعْقُوْبَ الحَجَّاجِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَمْعَانَ الوَاعِظُ، وَيَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ المُزَكِّي - عُرِفَ بِالحَرْبِيِّ - وَخَلْقٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: الشَّيْخُ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافُ القَنْطَرِيُّ - رَاوِي بَعْضِ مُسْنَدِهِ عَنْهُ -.
قَالَ الخَطِيْبُ (1) :كَانَ مِنَ الثِّقَاتِ الأَثبَاتِ، عُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَصَنَّفَ كُتُباً كَثِيْرَةً، وَهِيَ مَعْرُوْفَةٌ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ ابنِ عَسَاكِرَ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَنْبَأَنَا المُفْتِي أَبُو بَكْرٍ القَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ النَّيْسَابُوْرِيُّ ابْنُ الصَّفَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ وَجِيْهُ بنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ هَوَازِنَ القُشَيْرِيُّ، وَيَعْقُوْبُ بنُ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا
__________
(1) في " تاريخه " 1 / 248.(14/390)
إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ: هَلْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ شَهِدَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الجِنِّ؟
فَقَالَ: لاَ، وَكُنَّا مَعَهُ لَيْلَةً، فَفَقَدنَاهُ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ حِرَاءَ، فَقَالَ: (إِنَّهُ أَتَانِي دَاعِيُ الجِنِّ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ) .
فَانْطَلَقَ بِنَا حَتَّى أَرَانَا آثَارَهُم وَنِيْرَانَهُم، فَسَأَلُوْهُ عَنِ الزَّادِ، فَقَالَ: (لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ أَوْفَرُ مَا يَكُوْنُ لَحْماً، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ) .
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لاَ تَسْتَنْجُوا بِهِمَا، فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُم مِنَ الجِنِّ) .
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، عَالٍ (1) .
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عِيْسَى، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَجَمَاعَةٌ سَمِعُوهُ مِنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ.
وَفِي رِوَايَتِنَا اخْتِصَارٌ، وَصَوَابُهُ: فَقَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: كُنَّا مَعَهُ.
وَيَقَعُ حَدِيْثُ السَّرَّاجِ عَالِياً بِالاتِّصَالِ لاِبْنِ البُخَارِيِّ.
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَالمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ خَالِدٍ المَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا أَخِي إِبْرَاهِيْمُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ حَازِمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ أَتَى الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ) (2) .
__________
(1) أخرجه مطولا مسلم (450) في الصلاة: باب الجهر في القراءة في الصبح والقراءة على الجن، والترمذي (3258) في التفسير: باب ومن سورة الاحقاف، وأخرج طرفا منه أبو داود (85) في الطهارة: باب الوضوء بالنبيذ.
(2) هو في " تاريخ بغداد " 1 / 249، وأخرجه مالك: 1 / 102 في الجمعة: باب =(14/391)
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ جَعْفَرٍ المُزَكِّي: سَمِعْتُ السَّرَّاجَ يَقُوْلُ:
نَظَرَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ فِي (التَّارِيْخِ) لِي، وَكَتَبَ مِنْهُ بِخَطِّه أَطبَاقاً، وَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي العَبَّاسِ السَّرَّاجِ: أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى كُتُبٍ لَهُ، فَقَالَ:
هَذِهِ سَبْعُوْنَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ لِمَالِكٍ، مَا نَفَضتُ عَنْهَا الغُبَارَ مُذْ كَتَبْتُهَا.
قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ: دَخَلَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ عَلَى أَبِي عَمْرٍو الخَفَّافِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا العَبَّاسِ! مِنْ أَيْنَ جَمَعتَ هَذَا المَالَ؟
قَالَ: بِغَيبَةٍ دَهرٍ أَنَا وَأَخَوَايَ إِبْرَاهِيْمُ وَإِسْمَاعِيْلُ، غَابَ أَخِي إِبْرَاهِيْمُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَغَابَ أَخِي إِسْمَاعِيْلُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَغِبتُ أَنَا مُقِيماً بِبَغْدَادَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، أَكَلْنَا الجَشِبَ (1) ، وَلَبِسْنَا الخَشِنَ، فَاجْتَمَعَ هَذَا المَالُ، لَكِنْ أَنْتَ يَا أَبَا عَمْرٍو! مِنْ أَيْنَ جَمَعتَ هَذَا المَالَ؟
- وَكَانَ لأَبِي عَمْرٍو مَالٌ عَظِيْمٌ - ثُمَّ قَالَ مُتَمَثِّلاً:
أَتَذْكُرُ إِذْ لِحَافُكَ جِلْدُ شَاةٍ ... وَإِذْ نَعْلاَكَ مِنْ جِلْدِ البَعِيْرِ
فَسُبْحَانَ الَّذِي أَعْطَاكَ مُلْكاً ... وَعَلَّمَكَ الجُلُوسَ عَلَى السَّرِيْرِ (2)
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ حَمْدَانَ شَيْخُ خُوَارِزْمَ: سَمِعْتُ السَّرَّاجَ يَقُوْلُ:
__________
= العمل في غسل يوم الجمعة، ومن طريقه البخاري: 2 / 295 في الجمعة: باب فضل الغسل يوم الجمعة، والنسائي: 3 / 93 عن نافع، عن عبد الله بن عمر.
وأخرجه مسلم (844) من طرق عن الليث، عن نافع، عن عبد الله بن عمر.
وأخرجه أيضا من طريق ابن شهاب، عن سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر، عن عمر.
وأخرجه الترمذي (492) من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر.
(1) طعام جشب ومجشوب، أي: غليظ خشن، وقيل: هو الذي لا أدم له.
(2) البيتان مع سبعة أبيات أخر في " زهر الآداب " 3 / 263، في قصة جرت لمعن بن زائدة مع أعرابي فانظرها فيه.(14/392)
رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنِّيْ أَرقَى فِي سُلَّمٍ طَوِيْلٍ، فَصَعِدْتُ تِسْعاً وَتِسْعِيْنَ دَرَجَةً، فُكُلُّ مَنْ أَقُصُّهَا عَلَيْهِ يَقُوْلُ: تَعِيشُ تِسْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: فَكَانَ كَذَلِكَ.
قُلْتُ: بَلْ بَلَغَ سَبْعاً، أَوْ خَمْساً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، فَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي عَنْهُ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَخَتَمتُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ أَلفَ خَتْمَةٍ، وَضَحَّيْتُ عَنْهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ أُضْحِيَةٍ.
قُلْتُ: دَلِيلُه حَدِيْثُ شَرِيْكٍ، عَنْ أَبِي الحَسْنَاءِ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ حَنَشٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلِيّاً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟
قَالَ: أَوْصَانِي رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ (1) .
زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَاحِدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاحِدٌ عَنْ نَفْسِهِ.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَالمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ كِتَابَةً، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا رِضْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ بِالدِّيْنَوَرِ، أَخْبَرَنَا حَمْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ بنُ أَحْمَدَ الأَرْدَسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَعِيْدٍ الدَّرِامِيَّ يَقُوْلُ:
عَادَنِي مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ الصَّنْعَانِيُّ، فَقَالَ: أَقَالَكَ اللهُ عَثْرتَكَ، وَرَفَعَ جنَّتكَ، وَفَرَّغَكَ لِعِبَادَة رَبِّكَ.
بَلَغَنَا أَنَّهُ قِيْلَ لأَبِي العَبَّاسِ السَّرَّاجِ، وَهُوَ يَكْتُبُ فِي كُهُوْلَتِهِ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي طَالِبٍ: إِلَى كَمْ هَذَا؟
فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ صَاحِبَ الحَدِيْثِ لاَ يَصْبِرُ؟!
__________
(1) أخرجه أبو داود (2790) والترمذي (1495) كلاهما في الاضاحي: باب الاضحية عن الميت، وأحمد: 1 / 107 و149 و150.
وشريك هو ابن عبد الله النخعي سيء الحفظ. وأبو الحسناء: مجهول. وحنش هو ابن المعتمر مختلف فيه.(14/393)
قَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي حَاتِمٍ: أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي: كَانَ السَّرَّاجُ مُجَابَ الدَّعْوَةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ: رَأَيْتُ السَّرَّاجَ يُضَحِّي كُلَّ أُسْبُوْعٍ أَوْ أُسْبُوْعَيْنِ أُضْحِيَةً عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَصِيْحُ بِأَصْحَابِ الحَدِيْث، فَيَأْكُلُوْنَ.
وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ الصُعْلُوْكِيُّ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ الأَوْحَدُ فِي فَنِّهِ، الأَكْمَلُ فِي وَزنِهِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ الأَخْرَمِ الشَّيْبَانِيُّ: اسْتَعَانَ بِيَ السَّرَّاجُ فِي التَّخْرِيْجِ عَلَى (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، فَكُنْتُ أَتَحَيَّرُ مِنْ كَثْرَةِ الحَدِيْثِ الَّذِي عِنْدَهُ، وَحُسْنَ أُصُوْلِهِ، وَكَانَ إِذَا وَجَدَ حَدِيْثاً عَالِياً، يَقُوْلُ: لاَ بُدَّ أَنْ تَكْتُبَه.
فَأَقُولُ: لَيْسَ مِنْ شَرطِ صَاحِبِنَا.
فَيَقُوْلُ: فَشَفِّعْنِي فِي هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ نُجَيْدٍ: رَأَيْتُ أَبَا العَبَّاسِ السَّرَّاجَ يَرْكَبُ حِمَارَه، وَعَبَّاسٌ المُسْتَمْلِي بَيْنَ يَدَيْهِ، يَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ وَيَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، يَقُوْلُ: يَا عَبَّاسُ! غَيِّرْ كَذَا، اكْسِرْ كَذَا.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
لَمَّا وَرَدَ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَأَظْهَرَ خَلْقَ القُرْآنِ، سَمِعْتُ السَّرَّاجَ يَقُوْلُ: الْعَنُوا الزَّعْفَرَانِيَّ.
فَيِضَجُّ النَّاسُ بِلَعْنَتِهِ، فَنَزَحَ إِلَى بُخَارَى.
قَالَ الصُّعْلُوْكِيُّ: كُنَّا نَقُوْلُ: السَّرَّاجُ كَالسِّرَاجِ.
قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ أَبِي الحَسَنِ: أَرْسَلَنِي ابْنُ خُزَيْمَةَ إِلَى السَّرَّاجِ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: أَمسِكْ عَنْ ذِكْرِ أَبِي خَلِيْفَةَ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّ(14/394)
أَهْلَ البَلَدِ قَدْ شَوَّشُوا.
فَأَدَّيْتُ الرِّسَالَةَ، فَزَبَرَنِي (1) .
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ بنَ أَبِي بَكْرٍ يَقُوْلُ:
لَمَّا وَقَعَ مِنْ أَمرِ الكُلاَّبِيَّةِ مَا وَقَعَ بِنَيْسَابُوْرَ، كَانَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ يَمْتَحِنُ أَوْلاَدَ النَّاسِ، فَلاَ يُحَدِّثُ أَوْلاَدَ الكُلاَّبِيَّةِ، فَأَقَامَنِي فِي المَجْلِسِ مَرَّةً، فَقَالَ: قُلْ: أَنَا أَبْرَأُ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - مِنَ الكُلاَّبِيَّةِ.
فَقُلْتُ: إِنْ قُلْتُ هَذَا، لاَ يُطْعِمُنِي أَبِي الخُبْزَ.
فَضَحِكَ، وَقَالَ: دَعُوا هَذَا.
أَبُو زَكَرِيَّا العَنْبَرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الخَفَّافَ يَقُوْلُ لأَبِي العَبَّاسِ السَّرَّاجِ: لَوْ دَخَلتَ عَلَى الأَمِيْرِ، وَنَصَحْتَهُ.
قَالَ: فَجَاءَ وَعِنْدَهُ أَبُو عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: هَذَا شَيْخُنَا وَأَكبَرُنَا، وَقَدْ حَضَرَ يَنْتَفِعُ الأَمِيْرُ بِكَلاَمِهِ.
فَقَالَ السَّرَّاجُ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! إِنَّ الإِقَامَةَ كَانَتْ فُرَادَى، وَهِيَ كَذَلِكَ بِالحَرَمَيْنِ، وَهِيَ فِي جَامِعِنَا مَثْنَى مَثْنَى (2) ، وَإِنَّ الدِّيْنِ خَرَجَ مِنَ الحَرَمَيْنِ.
قَالَ: فَخَجِلَ الأَمِيْرُ وَأَبُو عَمْرٍو وَالجَمَاعَةُ، إِذْ كَانُوا قُصِدُوا فِي أَمرِ البَلَدِ، فَلَمَّا خَرَجَ، عَاتَبُوهُ، فَقَالَ: اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللهِ أَنْ أَسأَلَ أَمرَ الدُّنْيَا وَأَدعَ أَمرَ الدِّينِ.
قَالَ أَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ السَّرَّاجَ يَقُوْلُ: وَاأَسَفِي عَلَى بَغْدَادَ!
فَقِيْلَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى فِرَاقِهَا؟
قَالَ: أَقَامَ بِهَا أَخِي إِسْمَاعِيْلُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَرُفِعَتْ جِنَازَتُهُ، سَمِعْتُ رَجُلاً عَلَى بَابِ
__________
(1) أي: انتهرني.
(2) إفراد الاقامة ثابت في حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه البخاري: 2 / 62، 68، ومسلم (378) .
وتثنيتها ثابتة أيضا في حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " (136) والطحاوي: 80 79، والبيهقي: 1 / 240، وإسناده صحيح. فهو من الاختلاف المباح كما هو مذهب أحمد، وإسحاق، وداود، وابن جرير.(14/395)
الدَّربِ يَقُوْلُ لآخَرَ: مَنْ هَذَا المَيتُ؟
قَالَ: غَرِيْبٌ كَانَ هَا هُنَا.
فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ، بَعْدَ طُولِ مُقَامِ أَخِي بِهَا، وَاشتِهَارِه بِالعِلْمِ وَالتِّجَارَةِ، يُقَالُ لَهُ: غَرِيْبٌ كَانَ هُنَا.
فَحَمَلَتْنِي هَذِهِ الكَلِمَةُ عَلَى الانْصِرَافِ إِلَى الوَطَنِ (1) .
قُلْتُ: كَانَ أَخُوْهُ إِسْمَاعِيْلُ السَّرَّاجُ (2) ثِقَةً، عَالِماً، مُخْتَصّاً بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، يَرْوِي عَنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ، وَابْنُ قَانِعٍ، وَطَائِفَةٌ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ تَمِيْمٍ اللَّبْلِيُّ ببَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْحٍ بِهَرَاةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَحْمَدَ المَلِيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافُ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ إِمْلاَءً، قَالَ:
مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللهَ - تَعَالَى - يَعْجَبُ، وَيَضْحَكُ (3) ، وَيَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُوْلُ: (مَنْ يَسْأَلُنِي، فَأُعْطِيَهُ (4)) ، فَهُوَ زِنْدِيْقٌ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقه، وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلاَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ المُسْلِمِيْنَ.
قُلْتُ: لاَ يُكفَّرُ إِلَّا إِنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ، فَإِنْ جَحَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَذَا مُعَانِدٌ - نَسْأَلُ اللهَ الهُدَى - وَإِنِ اعْتَرَفَ إِنَّ هَذَا حَقٌّ، وَلَكِنْ لاَ أَخُوضُ فِي مَعَانِيهِ، فَقَدْ أَحسَنَ، وَإِنْ آمَنَ، وَأَوَّلَ ذَلِكَ كُلَّه، أَوْ تَأَوَّلَ
__________
(1) " تاريخ بغداد " 6 / 293.
(2) ترجمه الخطيب في " تاريخه " 6 / 292 - 293.
(3) في البخاري: 6 / 101 في الجهاد: باب الاسارى في السلاسل، من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل ".
وفيه أيضا: 8 / 484 - 482 من حديث أبي هريرة قال " لقد عجب الله عزوجل أو ضحك من فلان وفلانة ".
وانظر الأحاديث في هذا الباب في كتاب " التوحيد " لابن خزيمة ص 230 - 238.
(4) تقدم تخريجه في الحاشية (3) من الصفحة (279) .(14/396)
بَعْضَهُ، فَهُوَ طَرِيْقَةٌ مَعْرُوْفَةٌ.
وَقَدْ كَانَ السَّرَّاجُ ذَا ثَروَةٍ وَتِجَارَةٍ، وَبِرٍّ وَمَعْرُوْفٍ، وَلَهُ تَعَبُّدٌ وَتَهَجُّدٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ مُنَافِراً لِلْفُقَهَاءِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ - وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ -.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ السَّرَّاجَ يَقُوْلُ عِنْدَ حَرَكَاتِه إِذَا قَامَ أَوْ قَعَدَ: يَا بَغْدَادُ! وَاأَسَفَى عَلَيْكِ، مَتَى يُقضَى لِيَ الرُّجُوعُ إِلَيْكِ.
نَقَلَ الحَاكِمُ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ أَبَا العَبَّاسِ السَّرَّاجَ مَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، بِنَيْسَابُوْرَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ التَّمِيْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ قِرَاءةً، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَزَّازِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفُضَيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ العَيَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ:
قَضَى رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِيْنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيْتاً بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ المَرْأَةَ التِي قَضَى عَلَيْهَا بِالغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مِيْرَاثَهَا لِبَنِيْهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ العَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا (1) . أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ،
__________
(1) أخرجه البخاري: 12 / 20 في الفرائض: باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره، ومسلم (1681) (35) في القسامة: باب دية الجنين، وأبو داود (4277) في الديات: باب دية الجنين، والنسائي: 8 / 47 في القسامة: باب دية جنين المرأة. وأخرجه مالك في " الموطأ " 2 / 855 في العقول: باب عقل الجنين، ومن طريقه البخاري: 12 / 218 في الديات، ومسلم (1681) والنسائي: 8 / 49 48 عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. وأخرجه مسلم (1861) (36) والنسائي: 8 / 48، وأبو داود (4576) من طريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن =(14/397)
وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ فِي (إِرْشَادِهِ) :مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِهْرَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ: ثِقَةٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ شَرطِ (الصَّحِيْحِ) ، سَمِعَ حَتَّى كَتَبَ عَنِ الأَقرَانِ وَمَنْ هُوَ أَصغَرُ مِنْهُ سِنّاً، لِعِلمِهِ وَتَبَحُّرِهِ، سَمِعْتُ أَنَّهُ كَتَبَ عَنْ أَلفٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَزِيَادَةٍ.
سَمِعَ مِنْهُ: البُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ.
وَمَاتَ مَعَ السَّرَّاجِ: الثِّقَةُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَابُوْرَ الدَّقَّاقُ، وَمُسْنِدُ نَيْسَابُوْرَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَاسَرْجِسِيُّ، وَالعَلاَّمَةُ أَبُو القَاسِمِ ثَابِتُ بنُ حَزْمِ بنِ مُطَرِّفٍ السَّرَقُسْطِيُّ اللُّغَوِيُّ، وَمُحَدِّثُ الكُوْفَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدَانَ بنِ بُرَيْدٍ البَجَلِيُّ العَابِدُ، وَأَبُو عُمَرَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ العُثْمَانِيُّ - صَاحِبُ ابْنِ المَدِيْنِيِّ - وَالفَقِيْهُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ البَغْدَادِيُّ الزَّاهِدُ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي عَوْنٍ النَّسَوِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو لَبِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ إِيَاسٍ السَّامِيُّ السَّرَخْسِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمُعَةَ القُهُسْتَانِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو عُبَيْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ بنِ حَرْبٍ - وَلَيْسَ بِثِقَةٍ - وَإِمَامُ جَامِعِ وَاسِطَ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الوَاسِطِيُّ.
__________
= المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري: 12 / 223 من طريق الليث، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وأخرجه الترمذي (1410) في الديات: باب ما جاء في دية الجنين، من طريق ابن أبي زائدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.(14/398)
217 - السَّعْدِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ مَرْوَ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ، المَرْوَزِيُّ.
سَمِعَ: حِبَّانَ بنَ مُوْسَى، وَعَلِيَّ بنَ حُجْرٍ، وَعُتْبَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَمَحْمُوْدَ بنَ غَيْلاَنَ، وَعُمَرَ بنَ شَبَّةَ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مَنْصُوْرٍ الأَزْهَرِيُّ، وَالفَقِيْهُ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ المعدَانِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحَدَّادِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ إِمَامُ الأَئِمَّةِ؛ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَمَاتَا فِي عَامٍ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ الخَلِيْلِيُّ: حَافِظٌ، عَالِمٌ بِهَذَا الشَّأْنِ، كَانَ أَبُوْهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ ابنِ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ الهَرَوِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ، وَأَبُو النَّضْر الفَامِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُتبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ الخَلاَّلُ المَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحدَّادِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدٍ، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُوْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نِعْمَتَانِ مَغْبُوْنٌ فِيْهِمَا كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ) (1) .
__________
(*) مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 124 / 2، تذكرة الحفاظ: 2 / 718 - 719، العبر: 2 / 148، طبقات الحفاظ: 309، شذرات الذهب: 2 / 262.
(1) أخرجه البخاري: 11 / 196 في أول الرقاق، وأحمد: 1 / 258، والدارمي: 2 / 297..أخبرنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه، عن ابن عباس. وأخرجه =(14/399)
وَقَعَ هَذَا لَنَا فِي الصَّحِيْحِ عَالِياً، مِنْ رِوَايَةِ مَكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ.
218 - ابْنُ وَهْبٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ *
العَالِمُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، الرَّحَّالُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا عُمَيْرٍ بنَ النَّحَّاسِ الرَّمْلِيَّ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ الوَلِيْدِ البُسْرِيَّ، وَأَحْمَدَ ابْنَ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، وَيُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَطَبَقَتَهُم بِمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقِ، وَالحِجَازِ.
وَصَنَّفَ، وَخَرَّجَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَالقَاضِي يُوْسُفُ المَيَانَجِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ سَهْلٍ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ البُرُوْجِرْدِيُّ - وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ -.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ كَانَ يَعجِزُ عَنْ مُذَاكَرَةِ ابْنِ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيِّ.
__________
= الترمذي (2304) في أول الزهد من طريق صالح بن عبد الله وسويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه، عن ابن عباس. وأخرجه أحمد أيضا: 1 / 344 من طريق وكيع، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند به. وأخرجه ابن ماجه (4170) من طريق العباس بن عبد العظيم العنبري، حدثنا صفوان بن عيسى، عن عبد الله بن سعيد.
(*) الكامل لابن عدي: 3 / 288 / ب، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 130 / 1، تذكرة الحفاظ: 2 / 756 754، العبر: 2 / 137، ميزان الاعتدال: 2 / 495 494، المغني في الضعفاء: 1 / 355، البداية والنهاية: 11 / 131، لسان الميزان: 3 / 345 344، طبقات الحفاظ، شذرات الذهب: 2 / 253 252.(14/400)
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ (1) :كَانَ ابْنُ وَهْبٍ يَحْفَظُ، وَسَمِعْتُ عُمَرَ بنَ سَهْلٍ يَرمِيهِ بِالكَذِبِ، وَسَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ بنَ عُقْدَةَ يَقُوْلُ:
كَتَبَ إِلَيَّ ابْنُ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيُّ جُزأَينِ مِنْ غَرَائِبِه عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَلَمْ أَعرِفْ مِنْهُمَا إِلاَّ حَدِيْثَيْنِ، وَكُنْتُ أَتَّهِمُهُ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيَّ يَقُوْلُ:
حَضَرتُ أَبَا زُرْعَةَ وَخُرَاسَانِيٌّ يُلقِي عَلَيْهِ المَوْضُوْعَاتِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: بَاطِلٌ، وَالرَّجُلُ يَضحَكُ، وَيَقُوْلُ: كُلُّ مَا لاَ تَحْفَظُهُ تَقُولُ: بَاطِلٌ.
فَقُلْتُ: يَا هَذَا! مَا مَذْهَبُكَ؟
قَالَ: حَنَفِيٌّ.
قُلْتُ: مَا أَسنَدَ أَبُو حَنِيْفَةَ عَنْ حَمَّادٍ؟
فَوَقَفَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا زُرْعَةَ! مَا تَحْفَظُ لأَبِي حَنِيْفَةَ عَنْ حَمَّادٍ؟
فَسَرَدَ لَهُ أَحَادِيْثَ، فَقُلْتُ لِلْعِلْجِ: أَلاَ تَسْتَحِي، تَقْصِدُ إِمَامَ المُسْلِمِيْنَ بِالمَوْضُوْعَاتِ، وَأَنْتَ لاَ تَحْفَظُ حَدِيْثاً لإِمَامِكَ؟!
قَالَ: فَأَعجَبَ ذَلِكَ أَبَا زُرْعَةَ، وَقَبَّلَنِي.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: وَقَدْ قَبِلَ قَوْمٌ ابْنَ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيَّ، وَصَدَّقُوهُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيِّ، فَقَالَ: كَانَ حَافِظاً.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الفَوَارِسِ، وَالبُرْقَانِيُّ، عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: مَتْرُوْكٌ.
قُلْتُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمْدَانَ بنِ وَهْبٍ، وَمَا عَرَفتُ لَهُ مَتْناً يُتَّهَمُ بِهِ، فَأَذْكُرَهُ، أَمَّا فِي تَرْكِيْبِ الإِسْنَادِ، فَلَعَلَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(1) في " كامله " 3 / 288 / ب.(14/401)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ كَرْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمْدَانَ بنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بنِ سَعْدٍ: أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِيْمَا بَيْنَ صَلاَةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ إِلَى طُلُوْعِ الفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوْتِرُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ. غَرِيْبٌ (1) .
219 - ابْنُ بُجَيْرٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ الهَمْدَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، الجَوَّالُ، مُصَنِّفُ (المُسْنَدِ) ، أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ الهَمْدَانِيُّ، السَّمَرْقَنْدِيُّ، مُحَدِّثُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَمُصَنِّفُ (التَّفْسِيْرِ) أَيْضاً، وَ (الصَّحِيْحِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ أَبُوْهُ
__________
(1) لكن رواه مسلم في صحيحه (736) (122) في صلاة المسافرين: باب صلاة الليل، من طريق حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء وهي التي يدعو الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة..".
(*) الأنساب: 66 / ب، تاريخ ابن عساكر: 13 / 175 / ب، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 125 / 1، تذكرة الحفاظ: 2 / 720 719، العبر: 2 / 149، دول الإسلام: 1 / 188، البداية والنهاية: 11 / 149، النجوم الزاهرة: 3 / 209، طبقات الحفاظ: 310 309، طبقات المفسرين للداودي: 2 / 8 7، شذرات الذهب: 2 / 262.(14/402)
صَاحِبَ حَدِيْثٍ، وَمِنْ أَصْحَابِ عَارِمٍ وَطَبَقَتِهِ، فَرَحَلَ بِابْنِهِ عُمَرَ إِلَى الأَقَالِيْمِ.
حَدَّثَ عَنْ: عِيْسَى بنِ حَمَّادٍ زُغْبَةَ، وَبِشْرِ بنِ مُعَاذٍ العَقَدِيِّ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُعَاوِيَةَ؛ خَالِ الدَّارِمِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدَةَ الضَّبِّيِّ، وَأَبِي الأَشْعَثِ أَحْمَدَ بنِ المِقْدَامِ، وَبُنْدَارَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَابِرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ الدَّهْقَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِمْرَانَ الشَّاشِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المُؤَدِّبُ، وَمُعَمَّرُ بنُ جِبْرِيْلَ الكَرْمِيْنِيُّ، وَأَعْيَنُ بنُ جَعْفَرٍ السَّمَرْقِنْدِيُّ، وَعِيْسَى بنُ مُوْسَى الكِسَائِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَلَمَّا أَنْ وَصَلَ إِلَى مِصْرَ، صَادَفَتْه جَنَازَةُ الحَافِظِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، فَشَيَّعَهَا، وَتَأَلَّمَ لِفَوَاتِهِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ الإِدْرِيْسِيُّ: كَانَ فَاضِلاً، خَيِّراً، ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، لَهُ الغَايَةُ فِي طَلَبِ الآثَارِ وَالرِّحلَةِ.
قُلْتُ: لَمْ يَقَعْ لِي حَدِيْثُهُ عَالِياً، وَهُوَ تَفَرَّدَ - مَعَ صِدقِهِ - بِحَدِيْثٍ غَرِيْبٍ صَالِحِ الإِسْنَادِ، فَقَالَ:
أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ الخَلاَّلُ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ سَلاَّمٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ:
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ مَرْفُوْعاً، قَالَ: (إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلاَةً إِلَى صَلاَتِكُمْ هِيَ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، أَلاَ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ) (1) .
__________
(1) هو في " سنن البيهقي " 2 / 469 في الصلاة: باب تأكيد صلاة الوتر.
وقال في نهايته: قال العباس بن الوليد: قال لي يحيى بن معين: هذا حديث غريب من حديث معاوية ابن سلام، ومعاوية بن سلام محدث أهل الشام، وهو صدوق الحديث، ومن لم يكتب حديثه مسنده ومنقطعه فليس بصاحب حديث.
وبلغني عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه قال: لو أمكنني أن أرحل إلى ابن بجير لرحلت إليه في هذا الحديث.(14/403)
تُوُفِّيَ ابْنُ بُجَيْرٍ: فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خِذَامٍ الوَاعِظُ، حَدَّثَنَا جَدِّي؛ القَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، أَخْبَرَنَا جَدِّي؛ أَبُو حَفْصٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ (1) ، عَنْ هِلاَلِ بن عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كُلُّ أُمَّتِي تَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى) .
قَالُوا: وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) .
220 - ابْنُ مَعْدَانَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَاشِدٍ الثَّقَفِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُصَنِّفُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَاشِدِ بنِ مَعْدَانَ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُمُ، الأَصْبَهَانِيُّ.
__________
(1) هو فليج بن سليمان الخزاعي أو الاسلمي، أبويحيى المدني، يعد من طبقة مالك، احتج به البخاري وأصحاب السنن، وروى له مسلم حديثا واحدا وهو حديث الافك، وضعفه ابن معين والنسائي وأبو داود، وقال الساجي: هو من أهل الصدق وكان يهم.
وقال الدارقطني: مختلف فيه ولا بأس به.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة وغرائب، وهو عندي لا بأس به.
قال الحافظ في مقدمة " فتح الباري " ص 435: لم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما، وإنما أخرج له أحاديث أكثرها في المناقب وبعضها في الرقاق.
وحديثه هذا أخرجه البخاري في صحيحه: 13 / 214 في الاعتصام: باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق محمد بن سنان، عن فليح، حدثنا هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة.
(*) ذكر أخبار أصبهان: 2 / 244 243، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 130 / 2، تذكرة الحفاظ: 3 / 814، الوافي بالوفيات: 3 / 68، النجوم الزاهرة: 3 / 203، طبقات الحفاظ: 339، شذرات الذهب: 2 / 258.(14/404)
سَمِعَ: سَلْمَ بنَ جُنَادَةَ، وَمُوْسَى بنَ عَامِرٍ الدِّمَشْقِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيَّ، وَالرَّبِيْعَ المُرَادِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ الفُرَاتِ، وَعِدَّةً.
وَعَنْهُ: أَبُو الشَّيْخِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَهْلُ بَلَدِهِ.
قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: هُوَ مُحَدِّثٌ ابْنُ مُحَدِّثٍ، كَثِيْرُ التَّصَانِيْفِ، تُوُفِّيَ بِكَرْمَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
221 - المَاسَرْجِسِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عِيْسَى المَاسَرْجِسِيُّ، سِبْطُ الحَسَنِ بنِ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ النَّيْسَابُوْرِيِّ.
سَمِعَ: جَدَّه، وَإِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَشَيْبَانَ بنَ فَرُّوْخٍ، وَالرَّبِيْعَ بنَ ثَعْلَبٍ، وَوَهْبَ بنَ بَقِيَّةَ، وَعَمْرَو بنَ زُرَارَةَ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، وَأَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَةِ، وَكَانَ مِنْ وُجُوهِ أَهْل بَلَدِهِ وَعُلَمَائِهِم - رَحِمَهُ اللهُ -.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَنْجَرُوذيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
__________
(*) العبر: 2 / 155، النجوم الزاهرة: 3 / 215، شذرات الذهب: 2 / 266، وانظر " الأنساب " 502 501.(14/405)
بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَاسَرْجِسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ (1)) .
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ: لاَ أَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ إِسْحَاقَ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ.
222 - جُمَاهَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمْزَةَ الغَسَّانِيُّ *
الشَّيْخُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الأَزْهَرِ الغَسَّانِيُّ، الزَّمْلَكَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ دُحَيْمٍ، وَمَحْمُوْدِ بنِ خَالِدٍ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو بَكْرٍ؛ ابْنَا أَبِي دُجَانَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ السُّنِّيِّ، وَحَمْزَةُ الكِنَانِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَجُمَحُ بنُ القَاسِمِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّبَعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: حَمْزَةُ الكِنَانِيُّ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(1) رجاله ثقات، وانظر " سنن البيهقي " 8 / 216 215، وقد رجح الدارقطني وقفه على ابن عمر.
(*) الأنساب: 277 / ب، تاريخ ابن عساكر: 4 / 3 / أ، معجم البلدان: 3 / 150، العبر: 2 / 155، شذرات الذهب: 2 / 266، تهذيب ابن عساكر: 3 / 393.(14/406)
223 - الغَازِيُّ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شُعَيْبٍ *
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شُعَيْبٍ الجُرْجَانِيُّ، الغَازِيُّ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَعَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الفَلاَّسَ، وَمُحَمَّدَ بنَ حُمَيْدٍ الرَّازِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجَوَيْه، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، وَالبُخَارِيَّ، وَأَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ.
وَعَنْهُ: أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَجَمَاعَةٌ.
لَمْ أَقَعْ بِتَارِيْخِ وَفَاتِهِ، وَهِيَ سَنَةُ نَيِّفَ عَشْرَةَ.
قَرَأْنَا عَلَى ابْنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الغَازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ حُمَيْدٍ - حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ بَشِيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ المُلاَئِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِذَا كَانَ رَمَضَانُ، تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ جَمِيْعاً، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ النَّارِ كُلُّهَا، وَتُغَلُّ مَرَدَةُ الشَّيَاطِيْنِ) (1) .
__________
(*) الأنساب: 405 / أ، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 131 / 1، تذكرة الحفاظ: 2 / 761 760، طبقات الحفاظ: 320، شذرات الذهب: 2 / 262.
(1) إسناده ضعيف لضعف محمد بن حميد، وهو الرازي.
وأخرجه من حديث أبي هريرة البخاري: 4 / 97 في الصوم: باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومسلم (1097) في الصوم: باب فضل شهر رمضان، ومالك: 1 / 310 في الصوم: باب جامع الصيام، والنسائي: 4 / 128 126 في الصوم: باب فضل شهر رمضان، بلفظ: " إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء، وأغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين " وفي رواية: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة " وفي أخرى: " فتحت أبواب الرحمة ".(14/407)
224 - ابْنُ عَبْدَةَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ بنِ حَرْبٍ العَبَّادَانِيُّ *
قَاضِي القُضَاةِ، أَبُو عُبَيْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ بنِ حَرْبٍ العَبَّادَانِيُّ، البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَهُدْبَةَ بنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ، وَكَامِلِ بنِ طَلْحَةَ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ جَعْفَرٍ الخِرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ لُؤْلُؤٍ الوَرَّاقُ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ الزَّيَّاتِ، وَعَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ وَاهٍ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ زُوْلاَقَ: أَقَامَتْ مِصْرُ بَعْدَ بَكَّارِ بنِ قُتَيْبَةَ بِغَيْرِ قَاضٍ ثَلاَثَةَ أَعْوَامٍ، ثُمَّ وَلَّى خُمَارَوَيْه - يَعْنِي: صَاحِبَ مِصْرَ - أَبَا عُبَيْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدَةَ المَظَالِمَ بِمِصْرَ، فَنَظَرَ بَيْنَ النَّاسِ إِلَى آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، ثُمَّ وَلاَّهُ القَضَاءَ، فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الرَّبِيْعِ، قَالَ:
ثُمَّ وَلِيَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَةَ، فَأَظهَرَ كِتَابهُ مِنْ قِبَلِ المُعْتَمِدِ، وَكَانَ جَبَّاراً مُتَمَلِّكاً، جَوَاداً، مُفْضِلاً.
وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مائَةُ مَمْلُوْكٍ مَا بَيْنَ خَصَيٍّ وَفَحْلٍ، وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَكَانَ عَارِفاً بِالحَدِيْثِ، اسْتَكْتَبَ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ وَاسْتَخْلَفَهُ، وَأَغنَاهُ، وَكَانَ الشُّهُودُ يَرْهَبُونَ أَبَا عُبَيْدِ اللهِ وَيَخَافُونَه، وَأَنْشَأَ دَاراً، قِيْلَ: أَنفَقَ عَلَيْهَا مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، سِوَى ثَمَنِ مَكَانِهَا، وَكَانَ يَقُوْلُ: السَّعِيْدُ مَنْ قَضَى لِي حَاجَةً.
وَكَانَ خُمَارَوَيْه يُعَظِّمُهُ وَيُجِلُّه، وَيُجرِي عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ.
__________
(*) الولاة والقضاة: 480 479، الكامل لابن عدي: 4 / 317 / ب، تاريخ بغداد: 2 / 380 379، ميزان الاعتدال: 3 / 343، المغني في الضعفاء: 2 / 610، الوافي بالوفيات: 3 / 203، لسان الميزان: 5 / 273 272، حسن المحاضرة: 2 / 145.(14/408)
وَكَانَ يَنْظُرُ فِي القَضَاءِ، وَالمَظَالِمِ، وَالمَوَارِيْثِ، وَالحِسْبَةِ، وَالأَوقَافِ.
وَكَانَ لَهُ مَجْلِسٌ فِي الفِقْهِ، وَمَجْلِسٌ لِلْحَدِيْثِ.
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدَّلُ: أَنَّ أَبَا عُبَيْدِ اللهِ وَهَبَ رَجُلاً اخْتَلَّتْ حَالُهُ - لاَ يَعْرِفُهُ - فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مَا مَبْلَغُهُ أَلفُ دِيْنَارٍ.
وَكَانَ يُطعِمُ النَّاسَ فِي دَارِهِ فِي العِيْدِ، فَقَلَّ مَنْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ مِنَ الكِبَارِ.
وَتَأَخَّرَ شَاهِدٌ عَنْ مَجْلِسِهِ، فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ.
وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُوْلُ بِحَضْرَتِه لِلْخُصُوْمِ:
مِنْ مَذْهَبِ القَاضِي - أَيَّدَهُ الله - كَذَا وَكَذَا، وَمِنْ مَذْهَبِهِ كَذَا وَكَذَا، حَامِلاً عَنْهُ المُؤْنَةَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَحَسَّ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ تِيهاً مِنَ الطَّحَاوِيِّ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ فِيْهِ؟!
وَقَدْ حَدَّثَ بِمِصْرَ وَبِبَغْدَادَ، وَكَانَتْ لَهُ بِبَغْدَادَ لَوثَةٌ مَعَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَكَانَ قَوِيَّ القَلْبِ وَاللِّسَانِ، رَأَى مِنْ خُمَارَوَيْه انكِسَاراً، فَقَالَ: مَا الخَبَرُ؟
قَالَ: ضِيْقُ مَالٍ، وَاسْتِئثَارُ القُوَّادِ بِالضِّيَاعِ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ القَاضِي، وَكَلَّمَهُم فِي مَكَانٍ مِنَ الدَّارِ - لِبَدْرٍ وَفَائِقٍ وَصَافِي وَجَمَاعَةٍ - وَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي يَلقَاهُ الأَمِيْرُ!؟ وَاللهِ أَشُدُّ السَّيْفَ وَالمِنْطقَةَ، وَأَحْمِلُ عَنْهُ.
ثُمَّ وَافَقَهُم عَلَى أُمُورٍ رَضِيَهَا خُمَارَوَيْه، وَشَكَرَهُ عَلَيْهَا.
وَلَمْ يَزَلْ أَمرُ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ يَقوَى إِلَى أَنْ زَالَتْ أَيَّامُه، وَانْحَرَفَ أَهْلُ البَلَدِ عَنْ أَصْحَابِه، وَشَنَؤُوهُم بِالطَّهْمَانِيِّ.
وَلَمْ يَزَلْ عَلَى حَالِهِ حَتَّى قُتِلَ خُمَارَوَيْه بِدِمَشْقَ، وَوَصَلَ تَابُوتُه، فَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ.
ثُمَّ جَرَت(14/409)
أُمُورٌ، وَاخْتَفَى القَاضِي فِي دَارِه مُدَّةَ سَنَتَيْنِ، فَكَانَتْ مُدَّةُ وِلاَيَتِه سَبْعَ سِنِيْنَ سِوَى أَشْهُرٍ.
ثُمَّ ظَهَرَ، وَتَغَيَّرَتِ الدَّوْلَةُ، وَوَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ ثَانِياً فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، فَحَكَمَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى بَغْدَادَ.
قُلْتُ: رَمَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِالكَذِبِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيُّ: هُوَ مِنَ المَتْرُوكِيْنَ.
وَحَدَّثَ أَيْضاً بِالمَوْصِلِ، وَعُمِّرَ، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَعَاشَ: نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَبَقِيَ بَطَّالاً عِشْرِيْنَ سَنَةً.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُعَدَّلِ: قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ لِلطَّحَاوِيِّ: مَا هَذَا؟ وَاللهِ لَئِنْ أَرْسَلتُ بِقَصَبَةٍ، فَنُصِبَتْ فِي حَارَتِكَ، لَتَرَيَنَّ النَّاسَ يَقُوْلُوْنَ: قَصَبَةُ القَاضِي - يَعْنِي: يُعَظِّمُونَهَا -.
قُلْتُ: إِلَى صَرَامَتِه المُنْتَهَى، وَهُوَ فِي بَابِ الرِّوَايَة تَالِفٌ، مُتَّهَمٌ.
225 - ابْنُ عُبَيْدَةَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الرَّحَّالُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدَةَ بنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ الشَّعْرَانِيُّ، المُسْتَمْلِي.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ خَشْرَمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، وَعُمَرَ بنَ شَبَّةَ، وَيُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَطَبَقَتَهُم.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ الأَخْرَمِ، وَيَحْيَى العَنْبَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، وَالجعَابِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزَّبِيْبِيُّ،
__________
(*) تاريخ بغداد: 5 / 56 55، تاريخ ابن عساكر: 2 / 97 / ب، تهذيب ابن عساكر: 2 / 64.(14/410)
وَعِدَّةٌ مِنَ البَغْدَادِيِّيْنَ وَالنَّيْسَابُوْريِّيْنَ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ، وَمَا ذَكَرَ لَهُ وَفَاةً.
226 - ابْنُ سَلْمٍ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ سَلْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الحَافِظُ، العَالِمُ، الثَّبْتُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ سَلْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ الأَزْهَرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ الوَلِيْدِ البُسْرِيَّ، وَيَحْيَى بنَ حَكِيْمٍ المُقَوِّمَ، وَأَحْمَدَ بنَ الفُرَاتِ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَاصِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ يَزِيْدَ بنِ القَطَّانِ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي أَبُو أَحْمَدَ العَسَّالُ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: تُوُفِّيَ بِالرَّيِّ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَرَأْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ أَحْمَدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ سَلْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ بِالرَّيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي كُرَيْبٍ (1) ، عَنْ جَابِرٍ:
__________
(*) ذكر أخبار أصبهان: 2 / 9، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 136 / 2، تذكرة الحافظ: 3 / 800 799، طبقات الحفاظ: 334 333.
(1) في الأصل " كرب " وما أثبتناه من " التهذيب " وفروعه.(14/411)
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيْبِ مِنَ النَّارِ (1)) .
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: خَرَجتُ إِلَى الرَّيِّ، وَبِهَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ سَلْمٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْفَظِ مَشَايِخِنَا، فَأَفَادَنِي عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يُوْسُفَ الهِسِنْجَانِيِّ، وَغَيْرِهِ.
227 - ابْنُ حَيُّوْنَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَيُّوْنَ الأَنْدَلُسِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ المُتْقِنُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَيُّوْنَ الأَنْدَلُسِيُّ، الحِجَارِيُّ - بِالرَّاءِ - نِسبَةً إِلَى مَدِيْنَةِ وَادِي الحِجَارَةِ (2) -.
كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ النُّقَّادِ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ وَضَّاحٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ الخُشَنِيَّ، وَإِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَرِيَّ اليَمَنِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَطَبَقَتَهُم،
__________
(1) رجاله ثقات.
وأخرجه أحمد: 3 / 369 من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، و393 من طريق حسين، عن يزيد بن عطاء، عن أبي إسحاق.
وابن ماجه (454) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن الاحوص، عن أبي إسحاق، بلفظ: " ويل للعراقيب من النار ".
وأخرجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص البخاري: 1 / 132، ومسلم (241) وأبو داود (97) والنسائي: 1 / 78.
وأخرجه من حديث أبي هريرة البخاري: 1 / 233، ومسلم (242) والترمذي (41) والنسائي: 1 / 77.
وأخرجه مسلم (240) من حديث عائشة، بلفظ: " ويل للاعقاب من النار " وفي رواية لمسلم: " ويل للعراقيب ".
(*) تاريخ علماء الأندلس: 2 / 27 26، جذوة المقتبس: 41، الأنساب: 156 / أ، بغية الملتمس: 55، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 133 / 2، تذكرة الحفاظ: 3 / 782 781، طبقات الحفاظ: 328، نفخ الطيب: 2 / 52، شذرات الذهب: 2 / 246.
(2) وهي بلدة بالاندلس. انظر " معجم البلدان " 5 / 343.(14/412)
فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ.
وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ بِلاَ غُلُوٍّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ، وَوَهْبُ بنُ مَسَرَّةَ، وَأَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ حَزْمٍ الصَّدَفِيُّ، وَخَالِدُ بنُ سَعْدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ خَالِدُ بنُ سَعْدٍ: لَوْ كَانَ الصِّدْقُ إِنْسَاناً، لَكَانَ ابْنَ حَيُّوْنَ.
وَقَالَ ابْنُ الفَرَضِيِّ فِي (تَارِيْخِهِ (1)) :لَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ قَبلَه أَبصَرُ بِالحَدِيْثِ مِنْهُ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ قَبْلَه مِثْلُ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ، وَابْنِ وَضَّاحٍ، وَمَا قَالَ ابْنُ الفَرَضِيِّ هَذَا القَوْلَ، إِلاَّ وَابْنُ حَيُّوْنَ رَأْسٌ فِي الحِفْظِ.
مَاتَ: فِي آخِرِ الكُهُوْلَةِ، فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَهُوَ مِنْ أَقرَانِ الطَّبَرَانِيِّ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ إِلَى هُنَا كَوْنُه مَاتَ قَبْلَ أَوَانِ الرِّوَايَةِ، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَأَمَّا الطَّبَرَانِيُّ (2) ، فَقَدْ عَاشَ إِلَى سَنَةِ سِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَصَارَ شَيْخَ الإِسْلاَمِ.
228 - السِّنْجِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبِ بنِ
__________
(1) 2 / 26.
(2) هو الامام العلامة الحجة الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني صاحب التصانيف الجيدة المتوفى سنة 360 هـ وسترد ترجمته في الجزء السادس عشر.
(*) الإكمال لابن ماكولا: 4 / 53، الأنساب: 313 / ب، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 136 / 1، تذكرة الحفاظ: 3 / 802 801، طبقات الحفاظ: 334.(14/413)
رُزَيْقٍ المَرْوَزِيُّ، السِّنْجِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ، وَيَحْيَى بنِ حَكِيْمٍ المُقَوِّمِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ البُسْرِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالرَّبِيْعِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَرَ حَتَّى قِيْلَ: مَا كَانَ بِخُرَاسَانَ أَحَدٌ أَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْهُ.
قَالَهُ: ابْنُ مَاكُوْلاَ.
وَكُفَّ بَصَرُهُ بِأَخَرَةٍ.
وَكَانَ لاَ يَكَادُ يُحَدِّثُ أَهْلَ الرَّأْيِ؛ لأَنَّهُم يَسْمَعُوْنَ الحَدِيْثَ وَيَعْدِلُوْنَ عَنْهُ إِلَى القِيَاسِ (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِيُّ فِي كُتُبِهِ، وَزَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ النُّعَيْمِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
مَاتَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُعَزِّ بنُ مُحَمَّدٍ (ح) .
وَأَخْبَرْنَا ابْنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُعَزِّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ بِسِنْجَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوفَى، عَنْ سَعْدِ بنِ هِشَامٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا عَمِلَ عَمَلاً، أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَام مِنَ اللَّيْل
__________
(1) الذي عليه أهل الرأي من الفقهاء كأبي حنيفة ومالك وربيعة وغيرهم أنهم لا يعدلون عن النص إلى القياس إذا كان الحديث صحيحا وسالما من المعارض، كما هو مبسوط في مكانه من كتب الأصول، وما أكثر ما نال منهم خصومهم، ونعتوهم بما هم برآء منه إما لجهل بمقالاتهم، أو بدافع من التعصب والهوى.(14/414)
أَوْ مَرِضَ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَمَا رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَلاَ صَامَ شَهْراً مُتَتَابِعاً إِلاَّ رَمَضَانَ.
مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ عَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ.
وَقِيْلَ: مَاتَ ابْنُ مُصْعَبٍ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
229 - مُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلِ بنِ الأَزْهَرِ بنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيُّ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الأَوحَدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَلْخِيُّ، مُحَدِّثُ بَلْخَ، وَصَاحِبُ (المُسْنَدِ الكَبِيْرِ) ، وَ (التَّارِيْخ) ، وَ (الأَبْوَابِ) .
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ خَشْرَمٍ، وَحَمَّ بنَ نُوْحٍ، وَعَبَّادَ بنَ الوَلِيْدِ الغُبَرِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ إِشْكَابٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ الفَضْلِ، وَطَبَقَتَهُم بِخُرَاسَانَ، وَالعِرَاقِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهِنْدُوَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدِّيَارِ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الحَدِيْثِ.
لَمْ تَتَّصِلْ بِنَا أَخْبَارُهُ كَمَا يَنْبَغِي.
__________
(1) رقم (746) (141) في صلاة المسافرين: باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض، وأخرجه أبو داود (342) في الصلاة: باب في الصلاة الليل، والنسائي: 3 / 201 199 في قيام الليل.
(*) مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 135 / 1، تذكرة الحفاظ: 3 / 791، العبر: 2 / 165، الوافي بالوفيات: 4 / 98 97، البداية والنهاية: 11 / 159، النجوم الزاهرة: 3 / 222، طبقات الحفاظ: 331، شذرات الذهب: 2 / 274، الرسالة المستطرفة: 72.(14/415)
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَمِنْ حَدِيْثِه: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّحْوِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَلِيٍّ العُلَبِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَتْنَا بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قِتَالُ المُسْلِمِ كُفْرٌ، وَسِبَابُهُ فُسُوْقٌ) (1) .
230 - ابْنُ أَسِيْدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ *
الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، الحَافِظُ، الرَّحَّالُ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ الكَبِيْرِ) ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَسِيْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ.
سَمِعَ: نَصْرَ بنَ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيَّ، وَسَلْمَ بنَ جُنَادَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُمَرَ رُسْتَه، وَابْنَ الفُرَاتِ.
__________
(1) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري: 1 / 103 في الايمان: باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر، و10 / 387 في الأدب: باب ما ينهى من السباب واللعن، و13 / 21 20 في الفتن: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأخرجه مسلم (64) ، والترمذي (2636) كلاهما في الايمان، والنسائي: 7 / 122 في تحريم الدم: باب قتال المسلم، من حديث عبد الله بن مسعود، بلفظ: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ".
(*) ذكر أخبار أصبهان: 2 / 66 65، تاريخ بغداد: 9 / 380.(14/416)
وَعَنْهُ: الطَّسْتِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، وَأَحْمَدُ بنُ بُنْدَارٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَأَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
231 - أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الجَوَّالُ، أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ الأَصْلِ، الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ الصَّحِيْحِ (1)) ؛الَّذِي خَرَّجَهُ عَلَى (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، وَزَادَ أَحَادِيْثَ قَلِيْلَةً فِي أَوَاخِرِ الأَبْوَابِ.
مَوْلِدُهُ: بَعْدَ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: بِالحَرَمَيْنِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَاليَمَنِ، وَالثُّغُوْرِ، وَالعِرَاقِ، وَالجَزِيْرَةِ، وَخُرَاسَانَ، وَفَارِسٍ، وَأَصْبَهَانَ.
وَأَكْثَرَ التَّرحَالَ، وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَبَذَّ الأَقرَانَ.
__________
(*) تاريخ جرجان: 448، الأنساب: 33 / ب، وفيات الأعيان: 6 / 394 393، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 133 / 2، تذكرة الحفاظ: 3 / 780 779، العبر: 2 / 165، دول الإسلام: 1 / 190، مرآة الجنان: 2 / 270 269، طبقات الشافعية للسبكي: 3 / 488 487، البداية والنهاية: 11 / 159، المختصر في أخبار البشر: 2 / 73، النجوم الزاهرة: 3 / 222، طبقات الحفاظ: 327، شذرات الذهب: 2 / 274، الرسالة المستطرفة: 27.
(1) طبع منه الجزء الأول، والثاني، والرابع، والخامس بدائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن في الهند.
والتخريج كما قال الحافظ العراقي: أن يأتي المصنف إلى الكتاب، فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه.
قال الحافظ ابن حجر: " وشرطه ألا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندا يوصله إلى الاقرب ".
وربما عز على المصنف وجود بعض الأحاديث، فيتركه أصلا، أو يذكره من طريق مصنف الأصل.
قال الحافظ ابن كثير: " وقد خرجت كتب كثيرة على الصحيحين، يؤخذ منها زيادات مفيدة وأسانيد جيدة، كصحيح أبي عوانة، وأبي بكر الاسماعيلي، والبرقاني، وأبي نعيم الأصبهاني وغيرهم ".(14/417)
سَمِعَ: يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعَلِيَّ بنَ حَرْبٍ الطَّائِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ، وَشُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ الضُّبَعِيَّ، وَزَكَرِيَّا بنَ يَحْيَى بنِ أَسَدٍ المَرْوَزِيَّ، وَسَعْدَ بنَ مَسْعُوْدٍ المَرْوَزِيَّ، وَسَعْدَانَ بنَ نَصْرٍ، وَعُمَرَ بنَ شَبَّةَ، وَعِيْسَى بنَ أَحْمَدَ البَلْخِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ إِشْكَابٍ، وَعَبْدَ السَّلاَمِ بنَ أَبِي فَرْوَةَ النَّصِيْبِيَّ - صَاحِباً لاِبْنِ عُيَيْنَةَ - وَعَطِيَّةَ بنَ بَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَبَا ثَوْرٍ عَمْرَو بنَ سَعْدِ بنِ عَمْرٍو الشَّعْبَانِيَّ - صَاحِباً لاِبْنِ وَهْبٍ - وَمُحَمَّدَ بنَ سُلَيْمَانَ ابْنِ بِنْتِ مَطَرٍ، وَأَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُنَادِي، وَمُحَمَّدَ بنَ عَقِيْلٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الأَحْمَسِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنٍ الإِسْكَنْدَرَانِيَّ، وَمُوْسَى بنَ نَصْرٍ الرَّازِيَّ، وَأَبَا سَلَمَةَ المُسَلَّمَ بنَ (1) مُحَمَّدِ بنِ المُسَلَّمِ بنِ عَفَّانَ الصَّنْعَانِيَّ الفَقِيْهَ، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِّمَارِيِّ، وَمَوْهَبِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيِّ:
حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي رَجَاءَ المَصِّيْصِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ السُّلَمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ الثَّقَفِيُّ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
وَأَخْطَلَ بنَ الحَكَمِ: عَنْ بَقِيَّةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبَّادٍ الأَرْسُوْفِيِّ، عَنْ ضَمْرَةَ، وَأَحْمَدَ بنَ مُلاَعِبٍ، وَأَحْمَدَ بنَ الجَبَّارِ العُطَارِدِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ حَسَنِ بنِ عَبْدِ القَاسِمِ رَسُوْلَ نَفْسِهِ - مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَبَحْرَ بنَ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيَّ، وَالرَّبِيْعَ المُرَادِيَّ، وَبِشْرَ بنَ مَطَرٍ، وَالحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خِرَاشٍ، وَعَبْدَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ الحَافِظُ، وَأَبُو عَلِيٍّ
__________
(1) هذه الزيادة من " مشتبه النسبة " للمؤلف: 2 / 588.(14/418)
النَّيْسَابُوْرِيُّ الحَافِظُ، وَيَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَحُسَيْنَكَ بنُ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ أَبُو مُصْعَبٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَوَانَةَ، وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغِطْرِيْفِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، خَاتِمَتُهُم: ابْنُ ابْنِ أُخْتِهِ أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَسَنِ.
وَقَدْ دَخَلَ دِمَشْقَ مَرَّاتٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: أَبُو عَوَانَةَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ وَأَثْبَاتِهِم، سَمِعْتُ ابْنَهُ مُحَمَّداً يَقُوْلُ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ أُخْتِ أَبِي عَوَانَةَ؛ المُحَدِّثُ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ: تُوُفِّيَ أَبُو عَوَانَةَ فِي سَلْخِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بُنِي عَلَى قَبْرِ أَبِي عَوَانَةَ مَشْهَدٌ (1) بِإِسْفَرَايِيْنَ يُزَارُ، وَهُوَ
__________
(1) هو من صنيع العامة الذين لا علم عندهم، فإن ذلك من البدع المنهي عنها.
فقد أخرج مسلم في " صحيحه " (969) في الجنائز: باب الامر بتسوية القبور، وأبو داود (3218) والنسائي: 4 / 89 88، والترمذي (1049) والحاكم: 1 / 369، والبيهقي: 4 / 3، وأحمد (741) (1061) من طريق أبي وائل، عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ".
قال الشوكاني في " نيل الاوطار " 4 / 95 في شرح هذا الحديث: في هذا الحديث أن السنة أن القبر لا يرفع رفعا كبيرا، من غير فرق بين من كان فاضلا ومن كان غير فاضل، والظاهر أنه رفع القبور على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك.
وقال الامام محمد بن الحسن الشيباني في كتابه " الآثار " ص 45: أخبرنا أبو حنيفة، عن حماد عن إبراهيم قال: كان يقال: ارفعوا القبر حتى يعرف أنه قبر فلا يوطأ.
وقال محمد: وبه نأخذ، ولا نرى أن يزاد على ما خرج منه، ونكره ابن يجصص أو يجعل عنده مسجد أو علم، وهو قول أبي حنيفة.
ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وهو من اتخاذ القبور مساجد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعن فاعله كما في الصحيح وكم كان لهذه المشاهد من مفاسد يبكي لها =(14/419)
فِي دَاخلِ المَدِيْنَةِ، وَكَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - أَوَّلَ مَنْ أَدخَلَ إِسْفَرَايِيْنَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَكُتُبَه، حَمَلَهَا عَلَى الرَّبِيْعِ المُرَادِيِّ، وَالمُزَنِيِّ.
وَمِنْ عِبَارَةِ الحَاكِمِ فِي (تَارِيْخِهِ) :أَبُو عَوَانَةَ سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى، وَمُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَأَحْمَدَ بنَ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيَّ، وَأَبَا زُرْعَةَ، وَأَبَا حَاتِمٍ، وَابْنَ وَارَةَ، وَيَعْقُوْبَ بنَ سُفْيَانَ، وَسَعْدَانَ، وَابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ، وَالمُزَنِيَّ، وَصَالِحَ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَعَمْرَو بنَ عَبْدِ اللهِ الأَوْدِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ المُقْرِئ، وَأَحْمَدَ بنَ سِنَانٍ، وَأَسِيْدَ بنَ عَاصِمٍ، وَهَارُوْنَ بنَ سُلَيْمَانَ ... ، وَسَمَّى جَمَاعَةً، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ قِرَاءةً عَلَيْهِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البحيْرِيُّ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي المُظَفَّرِ بنِ السَّمْعَانِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّاعِدِيُّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَحْمِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ عُمَرَ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ كَانَ مَلَكَ مائَةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ اشْتَرَاهَا حَتَّى اسْتَجْمَعَهَا، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:قَدْ أَصَبْتُ مَالاً لَمْ أُصِبْ مِثلَهُ قَطُّ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ؟
قَالَ: (فَاحْبِسِ الأَصْلَ، وَسَبِّلِ الثَّمَرَ) (1) .
__________
= الإسلام، فإن كثيرا من الجهلة قد افتتنوا بها، وظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج، وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال، وتمسحوا بها واستغاثوا..والله المستعان.
(1) إسناده صحيح.
وبشر بن مطر هو الواسطي نزيل سامرا: قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2 / 368: روى عن سفيان بن عيينة، وإسحاق الازرق، ويزيد بن =(14/420)
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَسُهَيْلٌ، سَمِعَا النُّعْمَانَ بنَ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيْلِ اللهِ، بَاعَدَهُ اللهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِيْنَ خَرِيْفاً) .
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، أَخْبَرَنَا الزَّعْفَرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبِيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي مَنْصُوْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ. وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَكَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (2) ، عَنِ الزَّعْفَرَانِيِّ.
__________
= هارون وكان صدوقا، سئل أبي عنه، فقال: صدوق.
وأخرج الحديث البخاري: 5 / 263 في الشروط: باب الشروط في الوقف، و299: باب الوقف كيف يكتب، وباب الوقف للغني والفقير، ومسلم (1632) في الوصية: باب الوقف، والترمذي (1375) وأبو داود (2878) والنسائي: 6 / 231 230 كلهم من طريق ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر، لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها " قال: فتصدق بها عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يورث، ولا يوهب.
قال: فتصدق عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا، غير متمول فيه ".
(1) برقم (1153) في الصيام: باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت حق.
وهو في صحيح البخاري: 6 / 35 في الجهاد: باب فضل الصوم في سبيل الله، وأخرجه الترمذي (1622) والنسائي: 4 / 173.
(2) في الكبرى، لا في المطبوع الذي اختصره تلميذه ابن السني. وإسناده صحيح.
وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 274 273 في الصيام: باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم، والبخاري: 4 / 131 في الصوم: باب القبلة للصائم، ومسلم (1106) في الصيام: باب بيان أن القبة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، وأبو داود (2382) في الصوم: باب القبلة للصائم، والترمذي (727) و (729) كلهم من حديث =(14/421)
وَمَاتَ مَعَهُ:
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، وَقَدْ مَرَّ مَعَ وَالِدِهِ.
وزَاهدُ مِصْرَ؛ أَبُو الحَسَنِ بُنَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ الحَمَّالُ.
وَصَالِحُ بنُ أَبِي مُقَاتِلٍ أَحْمَدَ القِيْرَاطِيُّ بِبَغْدَادَ.
وَمُحَدِّثُ دِمَشْقَ؛ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ العُقَيْلِيُّ.
وَشَيْخُ العَرَبِيَّةِ؛ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ السَّرِيِّ البَغْدَادِيُّ السَّرَّاجُ.
وحَافِظُ بَلْخَ؛ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلِ بنِ الأَزْهَرِ البَلْخِيُّ.
وَمُسْنِدُ هَرَاةَ؛ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاذٍ المَالِيْنَيُّ.
232 - الأَرْغِيَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ بنِ إِسْحَاقَ *
ابْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِدْرِيْسَ، الحَافِظُ، الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ثُمَّ الأَرْغِيَانِيُّ، الإِسْفَنْجِيُّ، العَابِدُ.
قَالَ وَلَدُهُ المُسَيَّبُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
= عائشة.
وقوله: لاربه، يروى على وجهين: أربه مفتوحة الالف والراء.
وإربه مكسورة الالف ساكنة الراء، ومعناهما واحد، وهو حاجة النفس ووطرها.
يقال: لفلان عند فلان أرب وإرب وإربة ومأربة: أي حاجة، والارب أيضا: العضو.
(*) الأنساب: 26 / أ، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 135 / 1، تذكرة الحافظ: 3 / 791 789، العبر: 2 / 163 162، دول الإسلام: 1 / 190، الوافي بالوفيات: 5 / 30، نكت الهميان: 274، البداية والنهاية: 11 / 157، النجوم الزاهرة: 3 / 219، طبقات الحفاظ: 331، شذرات الذهب: 2 / 271.(14/422)
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ شَاهِيْنٍ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ العَلاَءِ، وَمُحَمَّدَ بنَ هَاشِمٍ البَعْلَبَكِّيَّ، وَالهَيْثَمَ بنَ مَرْوَانَ العَنْسِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ، وَزَيْدَ بنَ أَخْزَمَ، وَسَهْلَ بنَ صَالِحٍ الأَنْطَاكِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ المُثَنَّى الزَّمِنَ، وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقَ الكَوْسَجَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيَّ، وَيُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَهْبِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ رَحْمَةَ المَصِّيْصِيَّ، وَالحُسَيْنَ بنَ سَيَّارٍ الحَرَّانِيَّ - صَاحِبَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ - وَأُمَماً سِوَاهُم بِخُرَاسَانَ، وَالعِرَاقِ، وَالحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالجَزِيْرَةِ.
وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ الكِبَارَ، وَكَانَ مِمَّن بَرَّزَ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِمَامُ الأَئِمَّةِ؛ أَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَةَ - مَعَ سِنِّهِ وَفَضْلِهِ - وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، وَحُسَيْنَكَ بنُ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، وَزَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ الحَجَّاجِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَالُوْيِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: كَانَ مِنَ الجَوَّالِينَ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ عَلَى الصِّدْقِ وَالوَرَعِ، وَكَانَ مِنَ العُبَّادِ المُجْتَهِدِيْنَ.
سَمِعْتُ أَبَا الحُسَيْنِ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ يَقْرَأُ عَلَيْنَا، فَإِذَا قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَى حَتَّى نَرْحَمَهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الكِلاَبِيَّ يَقُوْلُ: بَكَى مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيُّ حَتَّى عَمِيَ.
وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُزَكِّي، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُسَيَّبِ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ بِوَاسِطَ، وَهُوَ مِنْ أَحسَنِ النَّاسِ عَيْنَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ وَقَدْ عَمِيَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا خَالِدٍ! مَا فَعَلَتِ العَيْنَانِ(14/423)
الجَمِيْلتَانِ؟
قَالَ: ذَهَبَ بِهِمَا بُكَاءُ الأَسحَارُ.
سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُسَيَّبِ الأَرْغِيَانِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الضَّرِيْرَ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ الحَدِيْثِ لِلْفَتْوَى؟ مائَةُ أَلْفٍ؟
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: مائَتَا أَلفٍ؟
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفٍ؟
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: أَرْبَعُ مائَةِ أَلْفٍِ؟
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: خَمْسُ مائَةِ أَلْفٍ؟
قَالَ: أَرْجُو (1) .
وَسَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الحَافِظَ بِطُوْسَ، وَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْهُ عَلِيُّ بنُ حَمْشَاد فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، ثُمَّ حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ الجَرَّاحِ الأَذنِيُّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ زِيَادٍ، قَالَ:
أَخَذَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ بِيَدِي، فَقَالَ: يَا حَسَنُ، يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُوْلُ: كَذَبَ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّتِي، فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ، نَامَ عَنِّي.
سَمِعْتُ المُزَكِّي: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُسَيَّبِ، سَمِعْتُ يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى يَقُوْلُ:
كتب الخَلِيْفَةُ إِلَى ابْنِ وَهْبٍ فِي قَضَاءِ مِصْرَ يَلِيْهِ، فَجَنَّنَ نَفْسَهُ، وَلَزِمَ البَيْتَ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ رِشْدِيْنُ بنُ سَعْدٍ مِنَ السَّطْحِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَلاَ تَخْرُجُ إِلَى النَّاسِ فَتَحْكُمَ بَيْنَهُم كَمَا أَمَرَ اللهُ وَرَسُوْلُه؟ قَدْ جنَّنْتَ نَفْسَكَ وَلَزِمتَ البَيْتَ!
قَالَ: إِلَى هَا هُنَا انْتَهَى عَقْلُكَ؟ أَلَمْ تَعَلَمْ أَنَّ القُضَاةَ يُحشَرُوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ السَّلاَطِيْنِ، وَيُحشَرُ العُلَمَاءُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ؟!
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا يَذكُرُوْنَ عَنِ الأَرْغِيَانِيِّ
__________
(1) هذا محمول على الحديث المرفوع، والحديث الموقوف، وفتاوى الصحابة والتابعين، والطرق المتعددة.
فقد قالوا: يكفي المجتهد أن يلم بأحاديث الاحكام التي لا تزيد على ثلاثة آلاف حديث، وهذا في المجتهد فكيف بالمفتي؟ !.(14/424)
أَنَّهُ قَالَ:
مَا أَعْلَم مِنْبَراً مِنْ مَنَابِرِ الإِسْلاَمِ بَقِيَ عَلَيَّ لَمْ أَدخُلْهُ لِسَمَاعِ الحَدِيْثِ.
أَقُولُ: هَذَا يَقُوْلُهُ الرَّجُلُ عَلَى وَجْهِ المُبَالَغَةِ، وَإِلاَّ فَهُوَ لَمْ يَدْخُلِ الأَنْدَلُسَ وَلاَ المَغْرِبَ، وَلاَ أَظُنُّ أَنَّهُ عَنَى إِلاَّ المَنَابِرَ الَّتِي بِحَضْرتِهَا رِوَايَةُ الحَدِيْثِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُزَكِّي، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُسَيَّبِ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَمْشِي بِمِصْرَ، وَفِي كُمِّي مائَةُ جُزْءٍ، فِي كُلِّ جُزْءٍ أَلفُ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى دِقَّةِ خَطِّه، وَإِلاَّ فَأَلفُ حَدِيْثٍ بِخَطٍّ مُفَسَّرٍ تَكُونُ فِي مُجَلَّدٍ، وَالكُمُّ إِذَا حُمِلَ فِيْهِ أَرْبَعُ مُجَلَّدَاتٍ فَبِالجَهْدِ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ يَقُوْلُ:
كَانَ مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ يَمْشِي بِمِصْرَ وَفِي كُمِّهِ مائَةُ أَلْفِ حَدِيْثٍ، كَانَتْ أَجزَاؤُهُ صِغَاراً بِخَطٍّ دَقِيقٍ، فِي الجُزْءِ أَلفُ حَدِيْثٍ مَعْدُوْدَةٌ، وَصَارَ هَذَا كَالمَشْهُوْرِ مِنْ شَأْنِهِ.
وَسَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ المُسَيَّبَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ أَبِي يَوْم السَّبتِ، النِّصْفَ مِنْ جُمَادَى الأُولَى، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: مَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: مُحَدِّثُ دِمَشْقَ؛ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ الغَسَّانِيُّ عَنْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَمُحَدِّثُ الكُوْفَةِ؛ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الخَثْعَمِيُّ الأُشْنَانِيُّ.
وَالأَخْفَشُ الصَّغِيْرُ؛ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ النَّحْوِيُّ البَغْدَادِيُّ.
وَالمُحَدِّثُ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيُّ.(14/425)
وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُفَيْرٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَالوييُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُسَيَّبِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ، قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا، فَجَعَلَهُ لَهَا فَرْطاً وَسَلَفاً بَيْنَ يَدَيْهَا، وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ، عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ، فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِيْنَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ (1)) .
وبَالإِسْنَادِ، قَالَ ابْنُ المُسَيَّب: كَتَبَ عَنِّي هَذَا الحَدِيْثَ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَيُقَالُ: إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ الجَوْهَرِيَّ تَفَرَّدَ بِهِ.
233 - السِّجِسْتَانِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ *
المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ السِّجِسْتَانِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
حَدَّثَ عَنْ: نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) إسناده صحيح، وعلقه مسلم في " صحيحه " (2288) في الفضائل: باب إذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها، فقال: وحدثت عن أبي أسامة، وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثني بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى.
(*) تاريخ ابن عساكر: 2 / 107 / ب، ميزان الاعتدال: 1 / 149، لسان الميزان: 1 / 289، تهذيب ابن عساكر: 2 / 74.(14/426)
المُقْرِئِ، وَعَبْدِ اللهِ الدَّارِمِيِّ، وَالبُخَارِيِّ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: جُمَحُ المُؤَذِّنُ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَابْنُ حِبَّانُ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
234 - مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَيَّاضِ الغَسَّانِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ الغَسَّانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، وَهِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ هِشَامِ بنِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى الغَسَّانِيِّ، وَدُحَيْمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَجَدِّهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ فَيَّاضٍ، وَأَحْمَدَ بنِ عَاصِمٍ الأَنْطَاكِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ - مَعَ تَقَدُّمِهِ - وَأَبُو عُمَرَ بنُ فَضَالَةَ، وَجُمَحُ بنُ القَاسِمِ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّبعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ صَدُوْقٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - مَا عَلِمتُ فِيْهِ جَرْحاً.
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَمَعْرِفَةٍ، وَجَدُّه لَيْسَ بِمَشْهُوْرٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ فَقَطْ.
__________
(*) تاريخ ابن عساكر: 15 / 433 / ب، العبر: 2 / 162، النجوم الزاهرة: 3 / 219، شذرات الذهب: 2 / 271.(14/427)
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَيْضِ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ - يَعْنِي: ابْنَ خَالِدٍ - حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ:
أَنَّ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ قَضَى عَنِ الزُّهْرِيِّ سَبْعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: لاَ تَعُدْ لِمِثْلِهَا تَدَّانُ.
قَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ! حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لاَ يُلْسَعُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ (1)) .
غَرِيْبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: الوَلِيْدُ.
235 - مُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوَانَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ دِمَشْقَ، أَبُو بَكْرٍ العُقَيْلِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ دُحَيْمٍ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الزِّمَّانِيِّ، وَهِشَامِ بنِ خَالِدٍ الأَزْرَقِ، وَمَحْمُوْدِ بنِ خَالِدٍ، وَمُؤَمَّلِ بنِ يِهَابٍ، وَعِدَّةٍ.
__________
(1) رجاله ثقات، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " من طريق سعيد بن عبد العزيز فيما ذكره الحافظ في " الفتح " 10 / 439.
وأخرجه البخاري: 10 / 439 في الأدب: باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ومسلم (2998) في الزهد والرقائق، وأبو داود (4862) في الأدب: باب في الحذر من الناس، وابن ماجه (3982) كلهم من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يلدع المؤمن من جحر مرتين ".
قال الخطابي: هذا خبر، ومعناه أمر، أي: ليكن المؤمن حازما حذرا، لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا، وهو أولاهما بالحذر.
(*) تاريخ ابن عساكر: 15 / 144 / ب، العبر: 2 / 165، النجوم الزاهرة: 3 / 222، شذرات الذهب: 2 / 273.(14/428)
حَدَّثَ عَنْهُ: حُمَيْدُ بنُ الحَسَنِ الوَرَّاقُ، وَأَحْمَدُ بنُ عُتْبَةَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى السِّمْسَارُ، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَبْهَرِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ المُؤَذِّنُ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الأَنْطَاكِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَدْ كَانَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ يَغْلَطُ فِي نَسَبِهِ، وَيَنْسِبُه إِلَى جَدِّ جَدِّهِ.
مَاتَ: لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الفَضْلِ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ البَزَّازُ بِدِمَشْقَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بنُ حَسَّان، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
خَدَمْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِيْنَ، فَلَمْ يَقُلْ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: مَا لَكَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: لِمَ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا) .
غَرِيْبٌ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْ هِشَامٍ غَيْرُ أَبِي نَوْفَلٍ عَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ الكَيْسَانِيِّ (1) .
__________
(1) قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 6 / 189 188: روى عن أبي إسحاق الهمداني، والاعمش.
روى عنه الوليد بن مسلم، وهشام بن عمار.
سألت أبي عنه، فقال: يقال له: أبو نوفل الكيساني، أصله كوفي، سكن دمشق.
قلت ما حاله؟ قال: ما أرى بحديثه بأسا، صالح الحديث، ليس المشهور.
وحديث أنس هذا صحيح، روي من طرق عنه.
انظر البخاري: 10 / 383 في الأدب: باب حسن الخلق، ومسلما (2309) في الفضائل، وأبا داود (4774) والترمذي في سننه (2015) وفي الشمائل المحمدية (338) وأخلاق النبي لأبي الشيخ ص 37 36.(14/429)
236 - المَقَانِعِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ البَجَلِيُّ، المَقَانِعِيُّ، الكُوْفِيُّ.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ مُوْسَى السُّدِّيَّ، وَعَبَّادَ بنَ يَعْقُوْبَ الرَّوَاجِنِيَّ، وَيَحْيَى بنَ حَسَّانِ بنِ سُهَيْلٍ - مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَأَبَا كُرَيْبٍ، وَهِشَامَ بنَ يُوْنُسَ، وَعَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الفَلاَّسَ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ مَعْمَرٍ القَيْسِيَّ، وَأَبَا مُوْسَى الزَّمِنَ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ المُفَسِّرُ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَأَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ التَّيْمُلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُقْرِئِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادٍ الحَافِظُ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَنْبَأَنِي عَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ البَرْبَرِيُّ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الخِلاَطِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الإِرْبِلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ، وَمُحَمَّدٌ وَمُحَمَّدٌ؛ ابْنَا مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الحَذَّاءِ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ التَّيْمُلِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ البَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ حَسَّان، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ قَعْنَبٍ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
بَارَزَ الزُّبَيْرُ رَجُلاً وَهُمَا عَلَى جَبَلٍ، فَاعتَنَقَا، فَتَدَهْدَهَا، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَيُّهُمَا يَعْلُو صَاحِبَهُ، فَهُوَ الَّذِي) .
فَعَلاَ الزُّبَيْرُ، فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
__________
(*) الأنساب: 539 / أ، العبر: 2 / 145، طبقات القراء للجزري: 1 / 548 547، النجوم الزاهرة: 3 / 206، شذرات الذهب: 2 / 259.(14/430)
(فِدَاكَ عَمِّي وَخَالِي) . غَرِيْبٌ (1) .
237 - ابْنُ صَاحِبٍ الحَسَنُ بنُ صَاحِبِ بنِ حُمَيْدٍِ الشَّاشِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الجَوَّالُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ صَاحِبِ بنِ حُمَيْدٍ الشَّاشِيُّ.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ خَشْرَمٍ، وَأَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، وَابْنَ وَارَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَوْفٍ الطَّائِيَّ، وَإِسْحَاقَ الدَّبَرِيَّ، وَيُوْنُسَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ العَدَنِيَّ، وَطَبَقَتَهُم بِخُرَاسَانَ، وَالعِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَالحَرَمَيْنِ، وَاليَمَنِ، وَمِصْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ القَفَّالُ الشَّاشِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الجِعَابِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُظَفَّرِ، وَآخَرُوْنَ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ (2) ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ القَفَّالُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ صَاحِبٍ الشَّاشِيُّ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
__________
(1) أي ضعيف، لانقطاعه وجهالة شيخ قعنب.
(*) تاريخ بغداد: 7 / 333، الأنساب: 325 / أ، المنتظم: 6 / 203، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 133 / 2، تذكرة الحفاظ: 3 / 781 780، طبقات الحفاظ: 328 327.
(2) في " تاريخه " 7 / 333.(14/431)
بِعَدَنَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَيْلَمَانِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تَعَلَّمُوا الشِّعْرَ، فَإِنَّ فِيْهِ حِكَماً وَأَمْثَالاً) .
هَذَا حَدِيْثٌ وَاهِي الإِسْنَادِ (1) .
238 - الغَضَائِرِيُّ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، العَابِدُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ الغَضَائِرِيُّ، مُحَدِّثُ حَلَبَ، وَمُسْنِدُ الشَّامِ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ النَّرْسِيِّ، وَبِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيِّ، وَأَبِي إِبْرَاهِيْمَ التَّرْجُمَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ القَوَارِيْرِيِّ، وَبُنْدَارٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَالقَاضِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الحَلَبِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ.
__________
(1) بل موضوع، صالح بن عبد الجبار يروي عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني مناكير، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني: قال البخاري وأبو حاتم والنسائي: منكر الحديث، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف، وقال ابن حبان في " المجروحين والضعفاء " 2 / 264: " حدث عن أبيه بنسخة شبيها بمئتي حديث كلها موضوعة.
لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره في الكتب إلا على جهة التعجب ".
وقال ابن عدي: " كل ما يرويه ابن البيلماني فإن البلاء فيه منه ".
وأبوه عبد الرحمن البيلماني ضعيف أيضا.
(*) تاريخ بغداد: 12 / 30 29، الأنساب: 409 / ب، المنتظم: 6 / 198، العبر: 2 / 156، البداية والنهاية: 11 / 153، النجوم الزاهرة: 3 / 214 213، شذرات الذهب: 2 / 266، تاريخ حلب الشهباء: 4 / 16 15.(14/432)
وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: حَجَجتُ عَلَى رِجلِي ذَاهِباً مِنْ حَلَبَ وَرَاجِعاً أَرْبَعِيْنَ حَجَّةً.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ.
239 - الأَسْتَرَابَاذِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ حَمَّادٍ *
المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ حَمَّادٍ الأَسْتَرَابَاذِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، وَطَبَقَتِهِم.
وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ حَمُّوَيْه، وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: مَاتَ بِجُرْجَانَ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَ: وَكَانَ عِنْدَهُ كُتُبُ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَفِيْهَا أَرَّخَهُ أَيْضاً أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْدَةَ، وَأَظُنُّهُ بَلَغَ المائَةَ، أَوْ جَاوَزَهَا.
240 - الرَّيَّانِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي عَوْنٍ **
الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي عَوْنٍ
_____________
(*) تاريخ جرجان: 366 351، الوافي بالوفيات: 5 / 244.
(* *) تاريخ جرجان: 372، تاريخ بغداد: 1 / 311، الأنساب: 264 / ب، العبر: 2 / 157.(14/433)
النَّسَوِيُّ، الرَّيَانِيُّ - بِالتَّخَفِيْفِ - وَقَيَّدَهُ الأَمِيْرُ أَبُو نَصْرٍ بِالتَّثقِيلِ (1) .
وَقِيْلَ: الرَّذَانِيُّ - وَهُوَ أَصَحُّ -.
وَرَذَانُ - بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ -:قَريَةٌ مِنْ أَعمَالِ نَسَا.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ، وَأَحْمَدَ بن إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيَّ، وَحَمِيْدَ بنَ زَنْجُوْيَةَ، وَطَبَقَتَهُم.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي مُصْعَبٍ.
وَحَدَّثَ عَنِ ابْنِ زَنْجُوْيَه بِكِتَابِ (التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ) .
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ القَاضِي، وَعَبْدُ البَاقِي بنُ قَانِعٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَسُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الغِطْرِيْفُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَمْعَانَ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَأَلْتُ ابْنَ ابْنِهِ - وَنَحْنُ بِالرَّذَانِ - عَنْ وَفَاةِ جَدِّهِ، فَقَالَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَوْلُنَا: إِنَّ الطَّبَرَانِيَّ رَوَى عَنْهُ، ذَكَرَهُ الخَطِيْبُ (2) ، وَأَنَا فَلَمْ أَجِدْهُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَ غَيْرَ مَرَّةٍ بِنَيْسَابُوْرَ بِكِتَابِ (التَّرْغِيْبِ) .
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ فِي سَنَةِ (551) بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي
__________
(1) وكذلك السمعاني في " الأنساب " وتابعه في ذلك صاحب " اللباب ".
(2) في " تاريخه " 1 / 311.(14/434)
شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ زَنْجُوْيَه، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ (1) :
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ: (الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِصَاحِبِهِمَا يَوْمَ القِيَامَةِ (2)) ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
قِيْلَ: إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ هَذَا، هُوَ صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ، وَإِنَّ جَدَّهُ هُوَ أَبُو عَوْنٍ عَبْدُ الجَبَّارِ. وَقِيْلَ: بَلْ هُوَ آخَرُ.
فَإِنْ صَحَّ مَوتُ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَمَا أَظُنُّهُ إِلاَّ آخَرَ؛ لأَنَّ سَمَاعَاتِ ابْنِ أَبِي شُرَيْحٍ بَعْدَ ذَلِكَ -وَاللهُ أَعْلَمُ-.
241 - ابْنُ قُدَيْدٍ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ خَلَفٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ خَلَفِ بنِ قُدَيْدٍ المِصْرِيُّ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ رُمْحٍ، وَحَرْمَلَةَ بنَ يَحْيَى، وَطَبَقَتَهُمَا.
__________
(1) بفتح القاف وكسر الباء بعدها ياء ساكنة، هو حيي بن هانئ بن ناضر المعافري المصري، من رجال " التهذيب ".
قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يهم.
(2) وأخرجه أحمد: 2 / 174 من طريق موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله المعافرى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو..أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصيام والقرآ يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب: منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان ".
وأورده الهيثمي في " المجمع " 3 / 181، وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال الطبراني رجال الصحيح، وأخرجه الحاكم: 1 / 554 من طريق عبد الله بن وهب وهو ممن سمع من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه عن ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه..وهذا سند قوي.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي ورواه أبو نعيم في " الحلية " 8 / 161 من طريق رشدين بن سعد، عن حيي بن عبد اله به.
(*) العبر: 2 / 153، حسن المحاضرة: 1 / 367، شذرات الذهب: 2 / 265.(14/435)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
242 - ابْنُ المُجَدَّرِ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ حُمَيْدٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ حُمَيْدٍ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ المُجَدَّرِ.
سَمِعَ: بِشْرَ بنَ الوَلِيْدِ، وَعَبْدَ الأَعْلَى بنَ حَمَّادٍ، وَأَبَا الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيَّ، وَدَاوُدَ بنَ رُشَيْدٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي عُمَرَ العَدَنِيَّ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه، وَأَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ (1) .
وَقِيْلَ: كَانَ فِيْهِ انْحِرَافٌ بَيِّنٌ عَنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، يَنْقِمُ أُمُوراً.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
243 - عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدَانَ بنِ بُرَيْدِ بنِ رَزِيْنِ بنِ رَبِيْعِ بنِ قطنٍ البَجَلِيُّ **
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو
__________
(*) تاريخ بغداد: 3 / 357، الأنساب: 508 / ب، العبر: 2 / 154، ميزان الاعتدال: 4 / 57، المغني في الضعفاء: 2 / 640، لسان الميزان: 5 / 411 410، النجوم الزاهرة: 3 / 213، شذرات الذهب: 2 / 265.
(1) في " تاريخه " 3 / 357.
(* *) العبر: 2 / 156، مرآة الجنان: 2 / 266، طبقات القراء للجزري: 1 / 419، النجوم الزاهرة: 3 / 215، شذرات الذهب: 2 / 266.(14/436)
مُحَمَّدٍ البَجَلِيُّ، الكُوْفِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا كُرَيْبٍ، وَهَنَّادَ بنَ السَّرِيِّ، وَمُحَمَّدَ بنَ طَرِيْفٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ يُوْسُفَ الصَّيْرَفِيَّ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَيُوْسُفُ المَيَانَجِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادٍ: تُوُفِّيَ ابْنُ زَيْدَانَ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ، وَقْتَ الزَّوَالِ، لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ إِحْدَى وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، حَضَرتُهُ وَحَضَرَه مِنَ النَّاسِ أَمرٌ عَظِيْمٌ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، كَثِيْرَ الصَّمتِ، وَكَانَ أَكْثَرَ كَلاَمِهِ مُنْذُ يَقْعُدُ إِلَى أَنْ يَقُوْمَ: يَا مُقَلِّبُ القُلُوْبِ! ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ.
لَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهُ.
وَوُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: وَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ مَكَثَ سِتِّيْنَ سَنَةً - أَوْ نَحْوَهَا - لَمْ يَضَعْ جَنْبَهَ عَلَى مُضَرَّبَةٍ (1) ، صَاحِبَ صَلاَةٍ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ حَسَنَ المَذْهَبِ، صَاحِبَ جَمَاعَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
244 - المَدَائِنِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَدَائِنِيُّ، الأَنْمَاطِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وَالصَّلْتَ بنَ مَسْعُوْدٍ، وَعُثْمَانَ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبَا كَامِلٍ الجَحْدرِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
__________
(1) المضرب: هو البساط إذا كان مخيطا. انظر " اللسان " مادة: ضرب.
(*) تاريخ بغداد: 9 / 414 413، المنتظم: 6 / 184، العبر: 2 / 148، النجوم الزاهرة: 3 / 209، شذرات الذهب: 2 / 262.(14/437)
وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الجِعَابِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ الشِّخِّيْرِ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الوَرَّاقُ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
245 - عَبْدُوْسُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبَّادٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الأَوْحَدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، الهَمَذَانِيُّ.
وَاسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، مُحَدِّثُ هَمَذَانَ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ الأَسَدِيِّ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَزِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ، وَحُمَيْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَرَ رُسْتَه، وَمَحْمُوْدِ بنِ خِدَاشٍ، وَالعَبَّاسِ بنِ يَزِيْدَ البَحرَانِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ الأَسَدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَيُّوْيَه الكَرجِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ حَسَنٍ الفَلَكِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَجِبْرِيْلُ العَدْلُ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ الغِطْرِيْفِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ شِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) :رَوَى عَنْهُ عَامَّةُ أَهْلِ الحَدِيْثِ بِبَلَدِنَا، وَكَانَ ثِقَةً، مُتْقِناً، يُحسِنُ هَذَا الشَّأْنَ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُوْسٌ مِيزَانَ
__________
(*) تذكرة الحفاظ: 2 / 774 773، طبقات الحفاظ: 324، شذرات الذهب: 2 / 265.(14/438)
بَلَدِنَا فِي الحَدِيْثِ، ثِقَةً، يُحسِنُ هَذَا الشَّأْنَ.
مَاتَ عَبْدُوْسٌ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَدَارُهُ فِي مَدِيْنَةِ: السَّاجِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُوْسُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ الهَمَذَانِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ ابنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) .
الحَدِيْث، حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ جِدّاً.
تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ صَدُوْقٌ (1) .
__________
(1) والربيع بن زياد شيخه قال المؤلف في " الميزان " 2 / 40: ما رأيت لأحد فيه تضعيفا وهو جائز الحديث ونقل عن ابن عدي كن له عن يحيى بن سعيد المدنيين أحاديث ولا يتابع عليها.
وقد أخرجه من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي بهذا الإسناد البخاري 1 / 7، 15 في بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي، وفي الايمان: باب ما جاء أن الاعمال بالنية، وفي العتق: باب الخطأ والنسيان في العتاق والطلاق ونحوه، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وفي النكاح: باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة، فله ما نوى، وفي الايمان والنذور: باب النية في الايمان، وفي الحيل: باب ترك الحيل، وأخرجه مسلم (1907) في الامارة: باب قوله صلى الله عليه وسلم " إنما الاعمال بالنية "، وأبو داود (2201) والترمذي (1647) وابن ماجة (4427) والنسائي 1 / 58، 60، ومالك في " الموطأ " ص 401 برواية محمد بن الحسن.
وقد قال الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " ص 5: هذا الحديث تفرد بروايته يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن أبي وقاص الليثي،
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وليس له طريق يصح غير هذا الطريق.
وقد رواه عن يحيى بن سعيد الجم الغفير، فهو غريب في أوله، مشهور في آخره.(14/439)
246 - ابْنُ سَيْفٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مَالِكِ بنِ عَبْدِ اللهِ التُّجِيْبِيُّ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ الكَبِيْرُ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مَالِكِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَيْفٍ التُّجِيْبِيُّ، صَاحِبُ أَبِي يَعْقُوْبَ الأَزْرَقِ، وَكَانَ خَاتِمَةَ مَنْ تَلاَ عَلَيْهِ.
وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ رُمْحٍ، وَغَيْرِهِ.
قَرَأَ عَلَيْهِ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الظَّهْرَاوِيُّ، وَأَبُو عَدِيٍّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيِّ بنِ الإِمَامِ، وَشَيْخٌ لِلأَهْوَازِيِّ اسْمُهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ القَاسِمِ الخِرقِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَسَمَّاهُ طَاهِرُ بنُ غَلْبُوْنَ: مُحَمَّداً (1) .
تُوُفِّيَ: بِمِصْرَ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَعَتْ لَنَا رِوَايتُهُ بِحَرفِ وَرْشٍ، بِإِسْنَادٍ عَالٍ.
247 - البَغَوِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
ابْنِ المَرْزُبَانِ بنِ سَابُوْرَ بنِ
__________
(*) العبر: 2 / 134، طبقات القراء للذهبي: 1 / 188، طبقات القراء للجزري: 1 / 445، النشر في القراءات العشر: 1 / 114، شذرات الذهب: 2 / 251.
(1) قال ابن الجزري في " غاية النهاية " 1 / 445، " وقد غلط فيه أبو الطيب بن غلبون فسماه محمدا، وتبعه على ذلك ابنه أبو الحسن ومن تبعهما ".
(* *) الكامل لابن عدي: 3 / 228 / ب، فهرست ابن النديم: 325، تاريخ بغداد: 10 / 117 111، طبقات الحنابلة: 1 / 192 190، الأنساب: 86 / ب، المنتظم: 6 / 230 227، الكامل في التاريخ: 8 / 161، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 127 / 1، تذكرة الحفاظ: 2 / 740 737، العبر: 2 / 170، دول الإسلام: 1 / 192، ميزان الاعتدال: 2 / 493 492، البداية والنهاية: 11 / 164 163، طبقات القراء للجزري: 1 / 450، لسان الميزان: 3 / 341 338، النجوم الزاهرة: 3 / 226، طبقات الحفاظ: 313 312، شذرات الذهب: 2 / 276 275، الرسالة المستطرفة: 78.(14/440)
شَاهِنْشَاه، الحَافِظُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ العَصْرِ، أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ الأَصلِ، البَغْدَادِيُّ الدَّارِ وَالمَولِدِ.
مَنسُوبٌ إِلَى مَدِيْنَةَ بَغْشُوْرَ مِنْ مَدَائِنِ إِقلِيمِ خُرَاسَانَ، وَهِيَ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْ هَرَاةَ.
كَانَ أَبُوْهُ وَعَمُّه الحَافِظُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْز البَغَوِيُّ مِنْهَا.
وَهُوَ أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنِيْعٍ نِسبَةً إِلَى جَدِّه لأُمِّهِ الحَافِظِ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ البَغَوِيِّ الأَصَمِّ، صَاحِب (المُسْنَدِ) ، وَنَزِيْل بَغْدَادَ، وَمَنْ حَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُمَا.
وُلِدَ أَبُو القَاسِمِ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ، أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
هَكَذَا أَملاَهُ أَبُو القَاسِمِ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حبَابَةَ البَزَّازِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَآهُ بِخَطِّ جَدِّهِ - يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ مَنِيْعٍ -.
حَرصَ عَلَيْهِ جَدُّه، وَأَسْمَعَه فِي الصِّغَرِ، بِحَيثُ إِنَّهُ كَتَبَ بِخَطِّه إِمْلاَءً، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَكَانَ سِنُّهُ يَوْمَئِذٍ عَشْرَ سِنِيْنَ وَنِصْفاً، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَداً فِي ذَلِكَ العَصْرِ طَلَبَ الحَدِيْثَ وَكَتَبَهُ أَصغَرَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ، فَأَدرَكَ الأَسَانِيدَ العَالِيَةَ، وَحَدَّثهُ جَمَاعَةٌ عَنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ.
سَمِعَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَأَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ البَزَّارِ، وَهُدْبَةَ بنِ خَالِدٍ، وَشَيْبَانَ بنِ فَرُّوْخٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاهِبِ الحَارِثِيِّ، وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيِّ، وَبِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ الكِنْدِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ العَيْشِيِّ، وَحَاجِبِ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَبِي الأَحْوَصِ مُحَمَّدِ بنِ حَيَّانَ البَغَوِيِّ، وَمُحْرِزِ بنِ عَوْنٍ، وَسُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ، وَدَاوُدَ بنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ، وَدَاوُدَ بنِ رُشَيْدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَسَّانٍ السَّمْتِيِّ، وَأَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ(14/441)
القَوَارِيْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ مَعْرُوْفٍ، وَسُرَيْجِ بنِ يُوْنُسَ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ عَاصِمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَمِيْنَةَ، وَجَدِّهِ؛ أَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ، وَمُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الحَجَّاجِ السَّامِيِّ، وَعَمْرِو بنِ مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ، وَالعَلاَءِ بنِ مُوْسَى البَاهِلِيِّ، وَطَالُوْتَ بنِ عَبَّادٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَنُعَيْمِ بنِ الهَيْصَمِ، وَقَطَنِ بنِ نُسَيْرٍ الغُبَرِيِّ، وَكَامِلِ بنِ طَلْحَةَ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُعَاذٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيْلَ المَرْوَزِيِّ، وَعَمَّارِ بنِ نَصْرٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
حَتَّى إِنَّهُ كَتَبَ عَنْ أَقرَانِهِ.
وَصَنَّفَ كِتَابَ (مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ) وَجَوَّدَه، وَكِتَابَ (الجَعْديَّاتِ (1)) وَأَتْقَنَهُ.
وَكَانَ عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ أَكْبَرَ شَيْخٍ لَهُ، وَهُوَ ثَبْتٌ فِيْهِ، مُكْثِرٌ عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ صَاعِدٍ، وَابْنُ قَانِعٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَدعْلَجٌ السِّجْزِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الجِعَابِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ السَّكَنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ السُّنِّيِّ، وَأَبُو أَحْمَدَ حُسَيْنَكُ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ الزَّيَّاتِ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حبَابَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُهَنْدِسِ المِصْرِيُّ - لَقِيَهُ بِمَكَّةَ سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ - وَأَبُو الفَتْحِ القَوَّاسُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ بَطَّةَ، وَزَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطِّرَازِيُّ، وَأَبُو
__________
(1) الجعديات: هي اثنا عشر جزءا من جمع أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي لحديث شيخ بغداد أبي الحسن علي بن الجعد بن عبيد الهاشمي مولاهم الجوهري، المتوفى سنة ثلاثين ومئتين، عن شيوخه مع تراجمهم وتراجم شيوخهم.
انظر " الرسالة المستطرفة " ص 91.(14/442)
القَاسِمِ عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ الهَرَوِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ الكَتَّانِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الوَرَّاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ ابْنُ زَبْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدَانَ الشِّيرَازِيُّ - مُحَدِّثُ الأَهْوَازِ - وَالمُعَافَى بنُ زَكَرِيَّا الجَرِيْرِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ بِمِصْرَ - خَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ - وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ إِلَى الغَايَةِ.
وَبَقِيَ حَدِيْثُهُ عَالِياً بِالاتِّصَالِ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ عِنْد أَبِي المُنَجَّا بنِ اللَّتِّيِّ، وَبَعْدَ ذَلِكَ بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ عِنْدَ أَبِي الحَسَنِ بنِ المُقَيَّرِ، ثُمَّ كَانَ فِي الدَّورِ الآخرِ المُعَمَّرُ شِهَابُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الحَجَّارُ، فَكَانَ خَاتِمَةَ مَنْ رَوَى حَدِيْثَه عَالِياً بِالسَّمَاعِ، بَلْ وَبِالإِجَازَةِ، كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ، نَعَمْ وَبَعْدَهُ يُمْكِنُ اليَوْمَ أَنْ يُسمَعَ حَدِيْثُه بِعُلُوٍّ بِثَلاَثِ إِجَازَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ، لاَ بَلْ بِإِجَازَتَيْنِ، فَإِنَّ عَجِيْبَةَ البَاقدَارِيَّةَ (1) لَهَا إِجَازَةُ هِبَةِ اللهِ بنِ الشِّبْلِيِّ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ - هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - عَنْ سِمَاكٍ، وَزِيَادِ (2) بنِ عِلاَقَةَ، وَحُصَيْنٍ، كُلِّهِم عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (يَكُوْنُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيْراً) .
__________
(1) قال المؤلف في " العبر " 5 / 194: هي عجيبة بنت الحافظ محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادية، سمعت من عبد الحق وعبد الله ابني منصور الموصلي، وهي آخر من روى بالاجازة عن مسعود الرستمي وجماعة.
توفيت في صفر سنة سبع وأربعين وست مئة عن ثلاث وتسعين سنة. ولها مشيخة في عشرة أجزاء.
(2) في الأصل " يزيد " وهو خطأ.(14/443)
ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفهَمْهُ، فَسَأَلْتُ أَبِي - وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيْثِهِ: فَسَأَلْتُ القَوْمَ، فَقَالُوا: قَالَ: (كُلُّهُم مِنْ قُرَيْشٍ) .
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ (1) ، مِنَ العَوَالِي لَنَا وَلِصَاحِبِ التَّرْجَمَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَافِظ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ بِقِرَاءتِي، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنِّيْ شَيْخٌ كَبِيْرٌ، شَقَّ عَلَيَّ القِيَامُ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ، لَعَلَّ اللهَ يُوَفِّقنِي فِيْهَا لِلَيْلَةِ القَدْرِ.
فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ (2)) .
قَالَ البَغَوِيُّ: لَفظُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ أَعْلَمُه رَوَى هَذَا الحَدِيْثَ بِهَذَا الإِسْنَادِ غَيْرُ مُعَاذٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المُحْسِنِ العَلَوِيُّ بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ المُؤَرِّخُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الزَّاغُوْنِيِّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ القَصَّارُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ.
وَقَالَ
__________
(1) أخرجه البخاري: 13 / 181، ومسلم (1821) والترمذي (2224) وأحمد في " مسنده " 5 / 87، و90، و92، و95، و97، و99، و101، و107، و108.
(2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 1 / 240.(14/444)
الشَّيْخُ رَشِيْدُ الدِّيْنِ أَحْمَدُ بنُ مَسْلَمَةَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، أَخْبَرَنَا الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو جَمْرَةَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُم بِالإِيْمَانِ بِاللهِ، قَالَ: (تَدْرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ بِاللهِ؟) .
قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُه أَعْلَمُ.
قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا الخُمْسَ مِنَ المَغْنَمِ) .
مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوْتِهِ (1) .
أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ اليُوْنِيْنِيُّ (2) ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ
__________
(1) هو في " المسند " 1 / 228، وأخرجه البخاري: 1 / 120، 125 في الايمان:
باب أداء الخمس من الايمان، وفي العلم: باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس على أن يحفظوا الايمان والعلم ويخبروا من وراءهم، وفي مواقيت الصلاة: باب قول الله تعالى (منيبين إليه واتقوه) وفي الزكاة: باب وجوب الزكاة، وفي الجهاد: باب أداء الخمس من الدين، وفي الأنبياء: باب نسبة اليمن إلى إسماعيل، وفي الأدب: باب قول الرجل مرحبا، وفي خبر الواحد: باب وصاة النبي صلى الله عليه وسلم وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم، وفي التوحيد: باب قول الله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) . ومسلم (17) في الايمان: باب الامر بالايمان بالله تعالى، وفي الاشربة: باب النهي عن الانتباذ في المزفت، وأبو داود (3692) في الاشربة: باب في الاوعية، و (4677) في السنة: باب في رد الارجاء، والنسائي: 8 / 323 في الاشربة: باب الاخبار التي اعتل بها من أباح شراب المسكر، وباب خليط البلح والزهو، وباب خليط البسر والتمر، وباب ذكر الدلالة على النهي للموصوف من الاوعية، والترمذي (2611) في الايمان: باب ما جاء في إضافة الفرائض إلى الايمان.
(2) هو علي بن محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد ابن محمد بن محمد الامام المحدث، الفقيه الأوحد، بقية السلف، شرف الدين أبو الحسين بن الامام الرباني الفقيه أبي عبد الله اليونيني الحنبلي.
قال الذهبي: شيخنا ومفيدنا، ولد في رجب سنة إحدى وعشرين وستمئة، وسمع من البهاء عبد الرحمن حضورا، ومن ابن الصباح، وابن الزبيدي، وابن اللتي، ومكرم، وعبد الواحد بن أبي المضاء، وابن رواج وخلق سواهم بمصر والشام، واستنسخ صحيح البخاري، وحرره، حدثني أنه قابله في سنة واحدة، وأسمعه إحدى عشرة مرة، وروى الكثير.
وكان شيخا مهيبا منورا، حلو المجالسة، =(14/445)
بنُ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّحْوِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بنُ قُدَامَةَ الحَاكِمُ، وَأَخُوْهُ؛ دَاوُدُ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ صَدَقَةَ، وَعِيْسَى بنُ حَمدٍ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بنُ حَسَّانٍ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ بِيْبَى بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ (1)) .
أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُسَيْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ
__________
= كثير الافادة، قوي المشاركة في العلوم، حسن البشر، مليح التواضع، أكثرت عنه ببعلبك، وبدمشق توفي سنة 107 هـ.
معجم الشيوخ الورقة 99 / 2.
ونسخة اليونيني من صحيح البخاري هي أعظم أصل يوثق به، ويطمأن إليه، فإنه رحمه الله قد عقد مجالس في دمشق لاسماع صحيح البخاري بحضرة النحوي الكبير ابن مالك الطائي، ويحضره جماعة من الفضلاء، وجمع منه أصولا معتمدة، وكان اليونيني في هذه المجالس شيخا قارئا مسمعا، وكان ابن مالك وهو أكبر منه بأكثر من عشرين سنة تلميذا، سامعا، راويا.
هذا من جهة الرواية والسماع على عادة العلماء السابقين الصالحين في التلقي عن الشيوخ الثقات الاثبات، وإن كان السامع أكبر من الشيخ.
وكان اليونيني في هذه المجالس نفسها تلميذا مستفيدا من ابن مالك فيما يتعلق بضبط ألفاظ الكتاب من جهة العربية والتوجيه والتصحيح.
والاصول المعتمدة التي قابل عليها الحافظ اليونيني ومن معه قد بينها هو في ثبت السماع الذي نقله القسطلاني في شرحه، ونقله عنه مصححو الطبعة السلطانية التي طبعت بمصر في سنتي 1313 1311 هـ.
(1) إسناده صحيح، وهو في " الموطأ " 2 / 586 في الطلاق: باب ما جاء في الخيار، والبخاري: 5 / 138 في العتق: باب ما يجوز من شروط المكاتب، ومسلم (1504) في العتق: باب إنما الولاء لمن أعتق.(14/446)
مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو المُنْجَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ الحَرِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ البُوْشَنْجِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَا وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ مِنْ أَبَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ خَمْسَ مائَةِ حَدِيْثٍ - أَوْ ذَكَرَ أَكْثَرَ (1) - فَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ، قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَنَامِ، فَعَرَضتُهَا عَلَيْهِ، فَمَا عَرَفَ مِنْهَا إِلاَّ اليَسِيْرَ، خَمْسَةً أَوْ سِتَّةَ أَحَادِيْثَ، فَتَرَكتُ الحَدِيْثَ عَنْهُ.
أَخْرَجَهَا: مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ (صَحِيْحِهِ (2)) ، عَنْ سُوَيْدٍ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَقَاءٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ بَيَانٍ الدَّيْرَمقرِّيُّ، وَخَلْقٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَسْكَرَ، وَنَفِيْسُ بنُ كَرمٍ، وَحَسَنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ اليَمَنِيُّ، قَالُوا جَمِيْعاً:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَسْعُوْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ مُوْسَى البَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (الخَيْلُ مَعْقُوْدٌ فِي نَوَاصِيْهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) .
__________
(1) رواية مسلم: " نحوا من ألف حديث ".
(2) 1 / 25: باب بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات..(14/447)
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) ، وَإِسنَادُهُ كَالشَّمْسِ وُضُوْحاً.
قَالَ الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيْرَازِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأُمَوِيَّ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ ابْنَ مَنِيْعٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاسِمَ بنَ سَلاَّمٍ، إِلاَّ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً، وَشَهِدتُ جِنَازَتَهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: الأُمَوِيُّ كَذَّبَهُ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: سَمِعْتُ البَغَوِيَّ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَقَالَ ابْنُ شَاهِيْنٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلدتُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَابْنُ شَاهِيْنٍ أَتقَنُ.
قَالَ ابْنُ شَاهِيْنٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَا كَتَبْتُ الحَدِيْثَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّالْقَانِيِّ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: لاَ يُعرَفُ فِي الإِسْلاَمِ مُحَدِّثٌ وَازَى البَغَوِيَّ فِي قِدَمِ السَّمَاعِ.
قُلْتُ: أَمَّا إِلَى وَقتِهِ فَنَعَم، وَأَمَّا بَعْدَهُ، فَاتَّفَقَ ذَلِكَ لِطَائِفَةٍ مِنْهُم:
عَبْدُ الوَاحِد الزُّبَيْرِيُّ - مُسِْنُدُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ - وَلأَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، وَبَالأَمسِ لأَبِي العَبَّاسِ بنِ الشُّحْنَةِ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: قَالَ لِي البَغَوِيُّ: مَا خَبَرُ شَيْخِكُم ذَاكَ؟
قُلْتُ: عَنْ أَيِّ الشَّيْخَيْنِ تَسْأَلُ؟
قَالَ: الَّذِي يُحَدِّثُ عَنْ قُتَيْبَةَ - يَعْنِي: أَبَا العَبَّاسِ السَّرَّاجَ -.
قُلْتُ: خَلَّفتُه حَيّاً.
قَالَ: كَمْ عِنْدَهُ عَنْ قُتَيْبَةَ؟
قُلْتُ:
__________
(1) هو في " الموطأ " 2 / 467 في الجهاد: باب ما جاء في الخيل والمسابقة بينها، والبخاري: 6 / 40 في الجهاد: باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، ومسلم (1873) في الامارة: باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، والنسائي: 6 / 222 221 في الخيل: باب فتل ناصية الفرس.(14/448)
جُمْلَةٌ.
قَالَ: كَمْ عِنْدَهُ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه؟
قُلْتُ: كَثِيْرٌ.
قَالَ: عَمَّنْ كَتَبَ مِنْ مَشَايِخِنَا؟
فَفَكَّرتُ، قُلْتُ: إِنْ ذَكَرتُ لَهُ شَيْخاً، كَتَبَ عَنْهُ يُزْرِي بِهِ.
قُلْتُ: كَتَبَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ المُسَيَّبِيِّ، وَمَحْفُوْظِ بنِ أَبِي تَوْبَةَ، وَعِيْسَى بنِ مُسَاوِرٍ الجَوْهَرِيِّ.
قَالَ: أَيَّ سَنَةٍ دَخَلَ بَغْدَادَ؟
قُلْتُ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ - أَظُنُّ -.
فَاهْتَزَّ لِذَاكَ، وَقَالَ: أَمَرْتُ أَنْ يُثْبِتَ لِي أَسْمَاء مَشَايِخِي الَّذِيْنَ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُم غَيْرِي اليَوْمَ، فَبَلَغُوا سَبْعَةً وَثَمَانِيْنَ شَيْخاً.
قَالَ الحَاكِمُ: وَكَانَ إِذْ ذَاكَ بِبَغْدَادَ البَاغَنْدِيُّ، وَأَبُو اللَّيْثِ الفَرَائِضِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُفَيْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ المَسْرُوْرِيُّ، وَغَيْرُهُم.
قُلْتُ: عَاشَ البَغَوِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ سِتَّةَ أَعْوَامٍ، وَتَفَرَّدَ عَنْ خَلْقٍ سِوَى مَنْ ذكرَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ غَيْرَ قَوْلِهِ: لَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، فَقُلْنَا: مَا تَقُوْلُ فِي الرَّجُلِ؟
فَقَالَ: الثِّقَةُ وَابْنُ الثِّقَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدَانَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ البَغَوِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ يَوْماً ضَيِّقَ الصَّدْرِ، فَخَرَجتُ إِلَى الشَّطِّ، وَقَعَدتُ وَفِي يَدِي جُزْءٌ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ أَنْظُرُ فِيْهِ، فَإِذَا بِمُوْسَى بنِ هَارُوْنَ، فَقَالَ لِي: أَيْشٍ مَعَكَ؟
قُلْتُ: جُزْءٌ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ.
فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِي، فَرَمَاهُ فِي دِجْلَةَ، وَقَالَ: تُرِيْدُ أَنْ تَجمَعَ بَيْنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ!
قُلْتُ: بِئْسَ مَا صَنَعَ مُوْسَى! عَفَا اللهُ عَنْهُ.
وَرَوَيْنَا عَنِ البَغَوِيِّ، قَالَ: حَضَرتُ مَعَ عَمِّي مَجْلِسَ عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ القَيْسِيُّ، وَمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَيُوْسُفُ الشَّيْبَانِيُّ إِجَازَةً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا(14/449)
أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي عَلِيٍّ المُعَدَّلُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ جَعْفَرٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنِي البَغَوِيُّ، قَالَ:
كُنْتُ أُوَرِّقُ، فَسَأَلتُ جَدِّي أَحْمَدَ بنَ مَنِيْعٍ أَنْ يَمْضِيَ مَعِي إِلَى سَعِيْدِ بنِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيِّ، يَسْأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي الجُزْءَ الأَوَّلَ مِنَ المَغَازِي، عَنْ أَبِيْهِ، حَتَّى أُوَرِّقَهُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ مَعِي، وَسَأَلَهُ، فَأَعطَانِي، فَأَخَذتُهُ، وَطُفْتُ بِهِ، فَأَوَّلُ مَا بَدَأْتُ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مُغَلِّسٍ، أَرَيتُه الكِتَابَ، وَأَعْلَمتُهُ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقرَأَ المَغَازِي عَلَى الأُمَوِيِّ، فَدَفَعَ إِلَيَّ عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، وَقَالَ: اكتُبْ لِي مِنْهُ نُسْخَةً.
ثُمَّ طُفتُ بَعْدَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِي، فَلَمْ أَزَلْ آخُذُ مِنْ عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً وَإِلَى عَشْرَةِ دَنَانِيْرَ وَأَكْثَرَ وَأَقلَّ، إِلَى أَنْ حَصَلَ مَعِي فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مائَتَا دِيْنَارٍ، فَكَتَبتُ نُسَخاً لأَصحَابِهَا بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ، وَقَرَأْتُهَا لَهُم، وَاسْتَفْضَلْتُ البَاقِي.
وَبِهِ: إِلَى الحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو الوَلِيْدِ الدَّرَبندِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَانَ بنَ أَحْمَدَ الخَطِيْبَ - سِبْطَ أَحْمَدَ بنِ عَبْدَانَ الشِّيْرَازِيِّ - سَمِعْتُ جَدِّي يَقُوْلُ:
اجتَازَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ بِنَهْرِ طَابَقٍ (1) عَلَى بَابِ مَسْجِدٍ، فَسَمِعَ صَوْتَ مُسْتَمْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
فَقَالُوا: ابْنُ صَاعِدٍ.
قَالَ: ذَاكَ الصَّبِيُّ؟
قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: وَاللهِ لاَ أَبرَحُ حَتَّى أُملِيَ هَا هُنَا.
فَصَعَدَ دَكَّةً، وَجَلَسَ، وَرَآهُ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَامُوا، وَتَرَكُوا ابْنَ صَاعِدٍ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ المُحَدِّثُونَ، وَحَدَّثَنَا طَالُوْتُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ المُحَدِّثُونَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ.
فَأَملَى سِتَّةَ عَشَرَ حَدِيْثاً عَنْ سِتَّةَ عَشَرَ شَيْخاً، مَا بَقِيَ مَنْ يَرْوِي عَنْهُم سِوَاهُ (2) .
__________
(1) محلة كانت في الجانب الغربي من بغداد، قرب نهر القلائين، أحرقت سنة 488 هـ وصارت تلولا. انظر " معجم البلدان " 5 / 321.
(2) " تاريخ بغداد " 10 / 114.(14/450)
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ القَصْرِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا زَيْدٍ الحُسَيْنَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عَامِرٍ الكُوْفِيَّ يَقُوْلُ:
قَدِمَ البَغَوِيُّ إِلَى الكُوْفَةِ، فَاجتَمَعنَا مَعَ ابْنِ عُقْدَةَ إِلَيْهِ لِنَسْمَعَ مِنْهُ، فَسَأَلنَا عَنْهُ، فَقَالَتِ الجَارِيَةُ: قَدْ أَكَلَ سَمَكاً، وَشَرِبَ فُقَّاعاً (1) ، وَنَامَ، فَعَجِبَ ابْنُ عُقْدَةَ مِنْ ذَلِكَ لِكِبَرِ سِنِّهِ، ثُمَّ أَذِنَ لَنَا، فَدَخَلْنَا.
فَقَالَ: يَا أَبَا العَبَّاسِ! حَدَّثَتْنِي أُخْتِي أَنَّهَا كَانَتْ نَازِلَةً فِي بَنِي حِمَّانَ، وَكَانَ فِي المَوْضِعِ طَحَّانٌ، فَكَانَ يَقُوْلُ لِغُلاَمِه: اصمِدْ أَبَا بَكْرٍ.
فَيَصمِدُ البَغلُ إِلَى أَنْ يَذْهَبَ بَعْضُ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: اصْمِدْ عُمَرُ.
فَيَصْمِدُ الآخَرُ.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُقْدَةَ: يَا أَبَا القَاسِمِ، لاَ تَحْمِلكَ عَصَبِيَّتُك لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَنْ تَقُولَ فِي أَهْلِ الكُوْفَةِ مَا لَيْسَ فِيْهِم، مَا رَوَى: (خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ (2)) عَنْ عَلِيٍّ إِلاَّ أَهْلُ الكُوْفَةِ، وَلَكِنَّ أَهْلَ المَدِيْنَةِ رَوَوُا: أَنَّ عَلِيّاً لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ إِلاَّ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (3) .
فَقَالَ لَهُ أَبُو القَاسِمِ: يَا أَبَا العَبَّاسِ! لاَ تَحْمِلكَ عَصَبِيَّتُك لأَهْلِ الكُوْفَةِ عَلَى أَنْ تَتَقَوَّلُ عَلَى أَهْلِ المَدِيْنَةِ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَخرَجَ الكُتُبَ، وَانبَسَطَ، وَحَدَّثَنَا (4) .
__________
(1) الفقاع: شراب يتخذ من الشعير، سمي به لما يعلوه من الزبد.
(2) الخبر في " تاريخ بغداد " 10 / 26، وأخرج البخاري: 7 / 26 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا، وأبو داود (4629) في السنة: باب في
التفضيل، من طريق محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، حدثنا جامع بن راشد، حدثنا أبو يعلى، عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.
وأخرجه ابن ماجه (106) في المقدمة، من طريق علي بن محمد: حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: " سمعت عليا يقول: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر ".
(3) الخبر في تاريخ بغداد 10 / 114، وانظر صحيح مسلم (1759) في الجهاد: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة.
(4) " تاريخ بغداد " 10 / 115 114.(14/451)
وَبِهِ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بنَ يُوْسُفَ، سَمِعْتُ أَبَا الحُسَيْنِ يَعْقُوْبَ الأَرْدَبِيْلِيَّ يَقُوْلُ:
سَأَلتُ أَحْمَدَ بنَ طَاهِرٍ، قُلْتُ: أَيشٍ كَانَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ يَقُوْلُ فِي ابْنِ بِنْتِ مَنِيْعٍ؟
فَقَالَ: أَيشٍ كَانَ يَقُوْلُ ابْنُ بِنْتِ مَنِيْعٍ فِي مُوْسَى بنِ هَارُوْنَ؟
قُلْتُ: كَيْفَ هَذَا؟
قَالَ: لأَنَّه كَانَ يَرْضَى مِنْهُ رَأْساً بِرَأْسٍ.
قَالَ الخَطِيْبُ (1) :المَحْفُوْظُ عَنْ مُوْسَى تَوثِيقُ البَغَوِيّ، وَثَنَاؤُه عَلَيْهِ، وَمَدحُهُ لَهُ.
قَالَ عُمَرُ بنُ الحَسَنِ الأُشْنَانِيُّ: سَأَلتُ مُوْسَى بنَ هَارُوْنَ عَنِ البَغَوِيِّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، لَوْ جَازَ لإِنْسَانٍ أَنْ يُقَالَ لَهُ: فَوْقَ الثِّقَةِ، لَقِيلَ لَهُ.
قُلْتُ: يَا أَبَا عِمْرَانَ! إِنَّ هَؤُلاَءِ يَتَكَلَّمُوْنَ فِيْهِ؟
فَقَالَ: يَحسُدُوْنَهُ، سَمِعَ مِنِ ابْنِ عَائِشَةَ وَلَمْ نَسْمَعْ، ابْنُ مَنِيْعٍ لاَ يَقُوْلُ إِلاَّ الحَقَّ.
وَبِهِ: إِلَى أَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنِي العَلاَءُ بنُ أَبِي المُغِيْرَةِ الأَنْدَلُسِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيْدٍ، قَالَ:
سَأَلتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ النَّقَّاشَ: تَحْفَظُ شَيْئاً مِمَّا أُخِذَ عَلَى ابْنِ بِنْتِ مَنِيْعٍ؟
فَقَالَ: غَلِطَ فِي حَدِيْثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاهِبِ، عَنْ أَبِي (2) شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
حَدَّثَ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الوَاهِب، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئ، عَنْهُ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الحَمِيْدِ الوَرَّاقُ بِلِسَانِهِ، وَدَارَ عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا القَاسِمِ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا يَوْماً، فَعَرَّفَنَا أَنَّهُ غَلِطَ فِيْهِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ، فَمَرَّتْ يَدُهُ.
__________
(1) في " تاريخه " 10 / 115.
(2) في " تاريخ بغداد " 10 / 115 ابن شهاب، وهو خطأ، واسم أبي شهاب عبد ربه بن نافع.(14/452)
قُلْتُ: هَذِهِ الحِكَايَةُ تَدُلُّ عَلَى تَثَبُّتِ أَبِي القَاسِمِ وَوَرَعِهِ، وَإِلاَّ فَلَوْ كَاشَرَ - وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاهِبِ - شَيْخه عَلَى سَبِيْلِ التَّدْلِيْسِ مَنْ كَانَ يَمنَعُهُ؟!
ثُمَّ قَالَ النَّقَّاشُ: وَرَأَيْتُ فِيْهِ الانْكِسَارَ وَالغَمَّ، وَكَانَ ثِقَةً.
قُلْتُ: مَتْنُ الحَدِيْثِ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُوْنَ الثَّالِثِ إِذَا كَانُوا جَمِيْعاً (1) .
وَرَوَاهُ: أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ الأَرْدَبِيْلِيُّ: سُئِلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ: أَيَدخُلُ فِي الصَّحِيْحِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدَانَ عَنِ البَغَوِيِّ، فَقَالَ: لاَ شَكَّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الصَّحِيْحِ.
وَبِهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّقَّاقُ: سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنِيْعٍ قَلَّ مَا يَتَكَلَّمُ عَلَى الحَدِيْثِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ، كَانَ كَلاَمُهُ كَالمِسمَارِ فِي السَّاجِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنِ البَغَوِيِّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، جَبَلٌ، إِمَامٌ مِنَ الأَئِمَّةِ، ثَبْتٌ، أَقَلُّ المَشَايِخِ خَطَأً، وَكَلاَمُهُ فِي
__________
(1) " تاريخ بغداد " 10 / 116، والحديث أخرجه من طريق نافع، عن ابن عمر: مالك في " الموطأ " 3 / 152 151، والبخاري: 11 / 68 في الاستئذان: باب لا يتناجى اثنان دون الثالث، ومسلم (2183) في السلام: باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث، وأحمد: 2 / 32، و121، و123، و126، و141.
وأخرجه مالك: 3 / 151، وأحمد: 2 / 9، و73، و79، وابن ماجه (3776) من طريقين عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.
وأخرجه أحمد: 2 / 141، وأبو داود (4852) من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عمر.(14/453)
الحَدِيْثِ أَحسَنُ مِنْ كَلاَمِ ابْنِ صَاعِدٍ.
ابْنُ الطُّيُوْرِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ المُذْهِبِ، سَمِعْتُ ابْنَ شَاهِيْنٍ، سَمِعْتُ البَغَوِيَّ، وَقَالَ لَهُ مُسْتَمْلِيْهِ: أَرْجُو أَنْ أَسْتَمْلِيَ عَلَيْكَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَ: قَدْ ضَيَّقتَ عَلَيَّ عُمُرِي، أَنَا رَأَيْتُ رَجُلاً فِي الحَرَمِ لَهُ مائَةٌ وَسِتٌّ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً يَقُوْلُ: رَأَيْتُ الحَسَنَ وَابْنَ سِيْرِيْنَ - أَوْ كَمَا قَالَ -.
قُلْتُ: كَانَ يَسُرُّ البَغَوِيَّ أَنْ لَوْ قَالَ لَهُ مُسْتَمْلِيْهِ: أَرْجُو أَنْ أَسْتَمْلِيَ عَلَيْكَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي (الكَامِلِ (1)) لَهُ: كَانَ أَبُو القَاسِمِ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، وَكَانَ وَرَّاقاً مِنِ ابْتِدَاءِ أَمرِهِ، يُوَرِّقُ عَلَى جَدِّهِ وَعَمِّهِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ يَبِيعَ أَصلَ نَفْسِه كُلَّ وَقتٍ.
وَوَافَيتُ العِرَاقَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَهْلُ العِلْمِ وَالمَشَايِخُ مِنْهُم مُجْتَمِعُوْنَ عَلَى ضَعفِهِ، وَكَانُوا زَاهِدِينَ فِي حُضُوْرِ مَجْلِسِهِ، وَمَا رَأَيْتُ فِي مَجْلِسِهِ قَطُّ - فِي ذَلِكَ الوَقْتِ - إِلاَّ دُوْنَ العَشرَةِ غُرَباءَ، بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَ بَنُوهُ الغُرَباءَ مَرَّةً بَعْدَ مرَّةٍ حُضُوْرَ مَجْلِسِ أَبِيْهِم، فَيَقرَأُ عَلَيْهِم لَفظاً.
قَالَ: وَكَانَ مُجَّانُهُم يَقُوْلُوْنَ: فِي دَارِ ابْنِ مَنِيْعٍ سَحَرَةٌ تَحمِلُ دَاوُدَ بنَ عُمَرَ الضَّبِّيَّ مِنْ كَثْرَةِ مَا يَرْوِي عَنْهُ، وَمَا عَلِمتُ أَحَداً حَدَّثَ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ أَكْثَرَ مِمَّا حَدَّثَ هُوَ.
قَالَ: وَسَمِعَهُ قَاسِمٌ المَطَرِّزُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ العَيْشِيُّ، فَقَالَ: فِي حِرِ أُمِّ مَنْ يَكذِبُ.
وَتَكَلَّمَ فِيْهِ قَوْمٌ، وَنَسَبُوهُ إِلَى الكَذِبِ عِنْدَ عَبْدِ الحَمِيْدِ الوَرَّاقِ، فَقَالَ: هُوَ أَنعَشُ مِنْ أَنْ يَكذِبَ - يَعْنِي: مَا يُحْسِنُ -.
قَالَ: وَكَانَ بَذِيْءَ اللِّسَانِ، يَتَكَلَّمُ فِي الثِّقَاتِ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ يَوْمَ مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى المَرْوَزِيُّ: أَنَا قَدْ ذَهَبَ بِي
__________
(1) 3 / 228 / ب.(14/454)
عَمِّي إِلَى أَبِي عُبَيْدٍ، وَعَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، وَسَمِعْتُ مِنْهُمَا.
قَالَ: وَلَمَّا مَاتَ أَصْحَابُهُ، احْتَمَلَهُ النَّاسُ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَنَفَقَ عِنْدَهُم، وَمَعَ نِفَاقه وَإِسنَادِه كَانَ مَجْلِسُ ابْنِ صَاعِدٍ أَضعَافَ مَجْلِسِهِ.
قُلْتُ: قَدْ أَسرَفَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَبَالَغَ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُخَرِّجَ حَدِيْثاً غَلِطَ فِيْهِ، سِوَى حَدِيْثَيْنِ، وَهَذَا مِمَّا يَقضِي لَهُ بِالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ؛ لأَنَّه رَوَى أَزيَدَ مِنْ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ لَمْ يَهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، ثُمَّ عَطَفَ وَأَنْصَفَ، وَقَالَ:
وَأَبُو القَاسِمِ كَانَ مَعَهُ طَرَفٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ، وَمِنْ مَعْرِفَةِ التَّصَانِيْفِ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَاحتَاجُوا إِلَيْهِ، وَقَبِلَهُ النَّاسُ، وَلَوْلاَ أَنِّي شَرَطتُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِيْهِ مُتَكَلِّمٌ ذَكَرْتُهُ - يَعْنِي: فِي (الكَامِلِ) - وَإِلاَّ كُنْتُ لاَ أَذكُرُهُ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ مِنَ العُلَمَاءِ المُعَمَّرِيْنَ، سَمِعَ دَاوُدَ بنَ رُشَيْدٍ، وَالحَكَمَ بنَ مُوْسَى، وَطَالُوْتَ بنَ عَبَّادٍ، وَابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَعِنْدَهُ مائَةُ شَيْخٍ لَمْ يُشَارِكْهُ أَحَدٌ فِيهِم، فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَمْ يَنْزِلْ إِلَى الشُّيُوْخِ.
قَالَ: وَهُوَ حَافِظٌ، عَارِفٌ، صَنَّفَ مُسْنَدَ عَمِّهِ؛ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَدْ حَسَدُوهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَتَكَلَّمُوا فِيْهِ بِشَيْءٍ لاَ يَقْدَحُ فِيْهِ، وَقَدْ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الحَاكِمَ، سَمِعْتُ البَغَوِيُّ يَقُوْلُ: وَرَّقتُ لأَلْفِ شَيْخٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ السُّلَيْمَانِيُّ، الحَافِظُ: البَغَوِيُّ يُتَّهَمُ بِسَرِقَةِ الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مَرْدُوْدٌ، وَمَا يَتَّهِمُ أَبُو القَاسِمِ أَحَدٌ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ، بَلْ هُوَ ثِقَةٌ مُطلَقاً.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيٍّ الخُطَبِيُّ: مَاتَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ الوَرَّاقُ لَيْلَةَ الفِطْرِ، مِنْ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَدُفِنَ يَوْم الفِطْرِ، وَقَدِ اسْتَكمَلَ مائَةَ(14/455)
سَنَةٍ وَثَلاَثَ سِنِيْنَ وَشَهْراً وَاحِداً.
قَالَ الخَطِيْبُ (1) :وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ بَابِ التِّبْنِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
قُلْتُ: قَدْ سَمِعُوا عَلَيْهِ يَوْم وَفَاتِهِ، فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ - فِي غَالِبِ ظَنِّي - قَالَ:
كُنَّا نَسْمَعُ عَلَى البَغَوِيِّ، وَرَأْسُهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسه، وَقَالَ: كَأَنِّيْ بِهِم يَقُوْلُوْنَ: مَاتَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، وَلاَ يَقُوْلُوْنَ: مَاتَ مُسْنِدُ الدُّنْيَا.
ثُمَّ مَاتَ عَقِيبَ ذَلِكَ، أَوْ يَوْمَئِذٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
قُلْتُ: وَهُوَ مِنَ الَّذِيْنَ جَاوَزُوا المائَةَ - بِيَقِينٍ - كَالطَّبَرَانِيِّ، وَالسِّلَفِيِّ، وَقَدْ أَفرَدْتُهُم فِي جُزْءٍ (2) خَتَمْتُهُ بِالشَّيْخِ شِهَابِ الدِّيْنِ الحَجَّارِ.
وَمَاتَ مَعَ البَغَوِيِّ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ: أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَشْعَرِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ، وَشَيْخُ الحَنَفِيَّةِ؛ أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ البَرْذَعِيُّ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ الحِيْرِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَحَرمِيُّ بنُ أَبِي العَلاَءِ المَكِّيُّ بِبَغْدَادَ، وَالقَاضِي أَبُو القَاسِمِ بَدْرُ الدِّيْنِ بنُ الهَيْثَمِ بنِ خَلَفٍ الكُوْفِيُّ، وَمُسْنِدُ أَصْبَهَانَ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دَكَّةَ الفَرَضِيُّ، وَشَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ؛ الزُّبَيْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ البَصْرِيُّ الزُّبَيْرِيُّ، وَمُحَدِّثُ مِصْرَ؛ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ الصَّيْقَلِ عَلاَّنُ، وَالثِّقَةُ أَبُو العَبَّاسِ الفَضْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ الزُّبَيْدِيُّ - صَاحِبُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - وَالحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ الطُّوْسِيُّ، وَالحَافِظُ الشَّهِيْدُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ الهَرَوِيُّ بِمَكَّةَ، وَمُسْنِدُ مِصْرَ؛ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) في " تاريخه " 10 / 117.
(2) واسمه: " أهل المئة فصاعدا " وقد حققه الدكتور " بشار عواد " ونشره سنة 1973 في مجلة " المورد " البغدادية، المجلد الثاني، العدد الرابع، من ص 107 إلى ص 143.(14/456)
زَبَّانَ بنِ حَبِيْبٍ الحَضْرَمِيُّ، وَالزَّاهِدُ الوَاعِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ البَلْخِيُّ - خَاتِمَةُ أَصْحَابِ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ -.
248 - أَبُو صَخْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ السَّامِيُّ *
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو صَخْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هِلاَلٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ السَّامِيُّ، القُرَشِيُّ.
وَلَقَبُهُ: أَبُو صَخْرَةَ الكَاتِبُ، مِنَ المُعَمَّرِينَ بِبَغْدَادَ.
سَمِعَ مِنْ: عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٍ، وَيَحْيَى بنِ أَكْثَمَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو بَكْرٍ الوَرَّاقُ، وَعَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ.
وَقَدْ كَتَبَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: يَحْيَى بنُ صَاعِدٍ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
249 - عِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ القُرَشِيُّ **
المُحَدِّثُ عِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ القُرَشِيُّ، وَرَّاقُ دَاوُدَ بنِ رُشَيْدٍ.
يروِي عَنْهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنِيْعٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ بنُ النَّخَّاسِ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَعَلِيُّ بنُ عُمَرَ
__________
(*) تاريخ بغداد: 10 / 286 285، المنتظم: 6 / 169.
(* *) تاريخ بغداد: 11 / 175 174، المنتظم: 6 / 169.(14/457)
الحَرْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الشِّخِّيْرِ.
وَكَانَ ثِقَةً.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
250 - الطَّيَالِسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ *
المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ الرَّازِيُّ، الطَّيَالِسِيُّ، نَزِيْلُ قرمِيسِيْنَ (1) .
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، وَأَبِي مُصْعَبٍ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ حَكِيْمٍ الأَوْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَهَارُوْنَ الحَمَّالِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الجِعَابِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيُّ المُقْرِئُ، وَجَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَلَبِيُّ - وَالِدُ عَلِيٍّ - وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَقَالَ: هُوَ ضَعِيْفٌ لَوِ اقتَصَرَ عَلَى سَمَاعِه.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُوْلُ: تَكَلَّمُوا فِيْهِ، وَكَانَ فَهِماً مُسِنّاً.
قُلْتُ: عَاشَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
__________
(*) تاريخ بغداد: 1 / 407 404، الأنساب: 375 / أ، المنتظم: 6 / 204 203، العبر: 2 / 157، ميزان الاعتدال: 3 / 448، المغني في الضعفاء: 2 / 546، لسان الميزان: 5 / 23 22، شذرات الذهب: 2 / 268.
(1) قال ياقوت في " معجم البلدان " 4 / 330: " قرميسين: تعريب كرمان شاهان، بلد معروف، بينه وبين همذان ثلاثون فرسخا قرب الدينور، وهي بين همذان وحلوان على جادة الحاج ".(14/458)
أَنْبَأَنَا ابْنُ البُخَارِيِّ: أَخْبَرْنَا ابْنُ الحَرَسْتَانِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ حَمْزَةَ، أَخْبَرَنَا الكَتَّانِيُّ، حَدَّثَنَا تَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ بِحَلَبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ (1) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ لِي مَمْلُوكَيْنَ يَخُوْنُونِي وَيَضْرِبُونَنِي وَيُكَذِّبُونَنِي، فَأَسُبُّهُمْ وَأَضْرِبُهُم، فَأَيْنَ أَنَا مِنْهُم؟
قَالَ: (يُنْظَرُ فِي عِقَابِكَ وَذُنُوْبِهِم، فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ دُوْنَ ذُنُوْبِهِم، كَانَ لَكَ الفَضْلُ عَلَيْهِم، وَإِلاَّ اقْتُصَّ مِنْكَ) .
فَبَكَى، فَقَالَ: (أَمَا تَقْرَأُ: {وَنَضَعُ المَوَازِيْنَ القِسْطَ} [الأَنْبِيَاءُ:47] .
هَذَا مُنْكَرٌ جِدّاً (2) .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: أَنْبَأَتْنَا زَيْنَبُ الشَّعْرِيَّةُ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ
__________
(1) هو في " المسند " 6 / 281 280 بهذ السند، وأخرجه الترمذي (3165) في تفسير سورة الأنبياء، من طريق مجاهد بن موسى، والفضل بن سهل الاعرج، وغير واحد، قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن غزوان قراد وقال الترمذي: " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان ".
وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 320 319 وزاد نسبته إلى ابن جرير في " تهذيبه " وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في " شعب الايمان ".
(2) في " ميزان الاعتدال " للمؤلف: 2 / 581 في ترجمة عبد الرحمن بن غزوان قراد: سئل أحمد بن صالح عن حديثه هذا فقال: هذا حديث موضوع.
وقال أبو أحمد الحاكم: روى عن الليث حديثا منكرا.
وقال ابن حيان: كان يخطئ، يتخالج في القلب منه لروايته عن الليث، عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قصة المماليك.
وقال الحافظ ابن حجر في " مقدمة فتح الباري ": أخطأ في سنده، وإنما رواه عن الليث، عن زياد بن عجلان، عن زياد مولى ابن عباس مرسلا، بينه الدارقطني في غرائب =(14/459)
اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى وَهُوَ بِالعَقِيْقِ، فَقِيْلَ: (إِنَّك بِوَادٍ مُبَارَكٍ) .
__________
= مالك، والحاكم أبو أحمد في " الكنى " وغير واحد. وقال الخليلي: قراد قديم، ينفرد عن الليث بحديث لا يتابع عليه يعني هذا الحديث.
(1) إسناده ضعيف لضعف المترجم، وأخرجه البخاري: 3 / 310 في الحج: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العيق واد مبارك، وأبو داود (1800) وأحمد: 1 / 24 من طرق عن الاوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني عكرمة: أنه سمع ابن عباس يقول: سمع عمر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: " أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة ".(14/460)
الطَّبَقَةُ الثَّامِنَةَ عَشَرَ
251 - الذَّهَبِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ *
الحَافِظُ، العَالِمُ، الجَوَّالُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ بنِ أَبِي حَمْزَةَ البَلْخِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَفْصٍ الفَلاَّسِ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، وَحَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، وَسَلْمِ بنِ جُنَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ البُسْتِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَزَّازُ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ الغِطْرِيْفِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المَخْلَدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
لَكِنَّهُ مَطْعُوْنٌ فِيْهِ.
قَالَ الإِسْمَاعِيْلِيُّ: كَانَ مُسْتَهْتَراً بِالشُّربِ (1) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ كُتُبِهِ وَفِيْهَا عَجَائِبُ.
وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ سَيِّئَ الرَّأْيِ فِيْهِ.
__________
(*) تاريخ جرجان: 36، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 137 / 1، تذكرة الحفاظ: 3 / 801 800، ميزان الاعتدال: 1 / 134، لسان الميزان: 1 / 260، طبقات الحفاظ: 334.
(1) في اللسان: " فلان مستهتر بالشراب: أي مولع به، لا يبالي ما قيل فيه ".(14/461)
قَالَ الحَاكِمُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ المَسَاجِدِيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا وَجِيْهُ بنُ طَاهِرٍ، وَأَخْبَرَنَا عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ:
أَنَّ مُحَمَّد بنَ مَنْصُوْرٍ الحُرْضِيَّ أَخْبَرَهَا وَوَجِيْهاً أَيْضاً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوْبُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ المَخْلَدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ البَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ الحَكَمِ الشَّطَوِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ:
أَدْرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: طُوبَى لَهُ، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيْرِ الجَنَّةِ.
قَالَ: (وَمَا يُدْرِيْكِ يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللهَ خَلَقَ الجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلاً، وَهُم فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِم، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلاً، وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِم) .
رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ طَلْحَةَ، وَهُوَ مِمَّا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيْثِهِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ (1) .
252 - ابْنُ سَابُوْرَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَابُوْرَ البَغْدَادِيُّ، الدَّقَّاقُ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبَا نُعَيْمٍ عُبَيْدَ اللهِ بنَ هِشَامٍ الحَلَبِيَّ، وَنَصْرَ بنَ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيَّ، وَعِدَّةً.
__________
(1) أخرجه مسلم (2662) في القدر: باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، وأبو داود (4713) في السنة: باب في ذراري المشركين، والنسائي: 4 / 57 في الجنائز: باب
الصلاة على الصبيان، وابن ماجه (82) في المقدمة.
(*) تاريخ بغداد: 4 / 225، العبر: 2 / 155، شذرات الذهب: 2 / 266.(14/462)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَآخَرُوْنَ.
نَقَلَ الخَطِيْبُ تَوثِيقَه، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
253 - العَسْكَرِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ العَسْكَرِيُّ، نَزِيْلُ الرَّيِّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى، وَيَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيِّ، وَالزُّبَيْرِ بنِ بَكَّارٍ، وَطَبَقَتِهِم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الشَّيْخِ، وَأَبُو بَكْرٍ القَبَّابُ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ مَطَرٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَمِنْ تَآلِيْفِهِ كِتَابُ (السَّرَائِرِ) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، بِالرَّيِّ.
وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَفَاةً: مَأْمُوْنٌ الرَّازِيُّ.
قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْه فِي (تَارِيْخِهِ) :كَانَ العَسْكَرِيُّ مِنَ الثِّقَاتِ، يَحْفَظُ وَيُصَنِّفُ.
__________
(*) الأنساب: 391 / ب، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 129 / 1، تذكرة الحفاظ: 2 / 749، طبقات الحفاظ: 315، شذرات الذهب: 2 / 246، الرسالة المستطرفة: 55.(14/463)
وَقَالَ الشِّيْرَازِيُّ فِي (الأَلْقَابِ) :كَانَ العَسْكَرِيُّ يُقَالُ لَهُ: شُقَيْرٌ الحَافِظُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ أَحَدَ الجَوَّالِينَ، كَثِيْرَ التَّصنِيفِ، أَقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ عَلَى تِجَارَةٍ لَهُ مُدَّةً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ العَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ حَمَّادٍ، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي بَانَةُ بِنْتُ بَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِيْهَا، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ سَبَّحَ عِنْدَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ سَبْعِيْنَ تَسْبِيْحَةً، غَفَرَ اللهُ لَهُ سَائِرَ عَمَلِهِ) .
حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ.
وَبَانَةُ: مَجْهُوْلَةٌ (1) .
254 - أَبُو لَبِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ إِيَاسٍ السَّامِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، الصَّادِقُ، أَبُو لَبِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ إِيَاسٍ السَّامِيُّ، السَّرَخْسِيُّ.
سَمِعَ: سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ، وَأَبَا مُصْعَبٍ الزُّهْرِيَّ، وَإِسْحَاقَ بنَ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَهَنَّادَ بنَ السَّرِيِّ، وَمَحْمُوْدَ بنَ غَيْلاَنَ، وَأَبَا كُرَيْبٍ، وَطَبَقَتَهُم.
وَعُمِّرَ دَهْراً، وَرَحَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِمَامُ الأَئِمَّةِ؛ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ الحَافِظُ،
__________
(1) في " الاستدراك " لابن نقطة: ان بانة هذه روت عن أخيها عبد الملك بن بهز، وروى عنها الحسين بن الحسن بن حماد، وهشام بن علي السيرافي، وأبوبهز الصقر بن عبد الرحمن بن بنت مالك بن مغول، وأورده السيوطي في " الجامع الكبير " 782 (*) العبر: 2 / 157، الوافي بالوفيات: 2 / 181، النجوم الزاهرة: 3 / 215.(14/464)
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ الوَرَّاقُ، وَزَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ الكَرَابِيْسِيُّ البَصْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو لَبِيْدٍ السَّامِيُّ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ:
دَخَلتُ عَلَى عَنْبَسَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ فِي المَوْتِ، فَحَدَّثَنِي، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَبِيْبَةَ:
أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ صَلَّى مِنَ النَّهَار ثِنْتَيْ عَشْرَة رَكْعَةً تَطَوُّعاً، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ) .
قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا تَرَكتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ عَنْبَسَةُ: وَأَنَا - وَاللهِ - مَا تَرَكْتُهُنَّ.
وَقَالَ عَمْرٌو مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ.
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ.
255 - الفَرَائِضيُّ أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بنُ القَاسِمِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، المُقْرِئُ، أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بنُ القَاسِمِ بنِ
__________
(1) برقم (728) في صلاة المسافرين: باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وأبو داود (1250) في الصلاة: باب تفريع أبواب التطوع، والترمذي (415) في الصلاة: باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة، والنسائي: 3 / 261 في قيام الليل: باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة، وابن ماجه (1141)
في إقامة الصلاة: باب ما جاء في ثنتي عشرة ركعة من السنة.
(*) تاريخ بغداد: 13 / 295، الأنساب: 421 / ب، المنتظم: 6 / 204، العبر: 2 / 160، البداية والنهاية: 11 / 154، طبقات القراء للجزري: 2 / 338، النجوم الزاهرة: 3 / 216، شذرات الذهب: 2 / 269.(14/465)
نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ، الفَقِيْهُ، الفرَائِضِيُّ.
سَمِعَ: عَبْدَ الأَعْلَى بنَ حَمَّادٍ النَّرْسِيَّ، وَسُرَيْجَ بنَ يُوْنُسَ، وَعُبَيْدَ اللهِ القَوَارِيْرِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَعِدَّةً.
وَكَانَ بَصِيْراً بِحَرفِ أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، إِمَاماً فِي الفِقْهِ، كَبِيرَ الشَّأْنِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ بنُ البَوَّابِ، وَأَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَقَدْ وُثِّقَ.
مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخُوْهُ: المُحَدِّثُ الثِّقَةُ:
256 - أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ *
أَخُو أَبِي اللَّيْثِ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ سُلَيْمَانَ لُوَيْناً، وَإِسْحَاقَ بنَ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَأَبَا هَمَّامٍ، وَالحَسَنَ بنَ حَمَّادٍ سَجَّادَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الكَتَّانِيُّ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ.
وَعَاشَ: ثَمَانِياً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فِي ذِي الحِجَّةِ.
__________
(*) تاريخ بغداد: 4 / 352، العبر: 2 / 181، شذرات الذهب: 2 / 285.(14/466)
وَمَاتَ مَعَ أَبِي اللَّيْثِ: الحَسَنُ بنُ دَكَّةَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو ذرٍّ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الخَلِيْلِ الجَلاَّبُ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرٍ النَّسفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ الكُوْفِيُّ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ الذَّهَبِيُّ.
257 - الجَرِيْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ *
شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الجُرَيْرِيُّ، الزَّاهِدُ.
قِيْلَ: اسْمُهُ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ.
وَقِيْلَ: عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى.
وَقِيْلَ: حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ.
لَقِيَ السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ وَالكِبَارَ، وَرَافَقَ الجُنَيْدَ، وَكَانَ الجُنَيْدُ يَتَأَدَّبُ مَعَهُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الحَقَائِقِ، قَالَ: هَذَا مِنْ بَابَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ الجُنَيْدُ، أَجلَسُوهُ مَكَانَهُ، وَأَخَذُوا عَنْهُ آدَابَ القَوْمِ.
حَجَّ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، فَقُتِلَ فِي رُجُوعِه يَوْمَ وَقعَةِ الهبِيْرِ (1) ، وَطِئَتْهُ الجِمَالُ النَّافِرَةُ، فَمَاتَ شَهِيْداً، وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ المُحَرَّمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
__________
(*) طبقات الصوفية: 264 259، حلية الأولياء: 10 / 348 347، تاريخ بغداد: 4 / 434 430، الرسالة القشيرية: 23، المنتظم: 6 / 176 174، صفة الصفوة: 2 / 448 447، الكامل في التاريخ: 8 / 145 الوافي بالوفيات: 7 / 378، البداية والنهاية: 11 / 148، طبقات الأولياء: 75 70.
(1) الهبير: قال ياقوت: رمل زرود في طريق مكة، كانت عنده وقعة ابن أبي سعيد الجنابي الزنديق القرمطي بالحاج يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة 312 هـ، قتلهم، وسباهم وأخذ أموالهم. وانظر التفصيل عن هذه الوقعة في " الكامل " 8 / 147 لابن الأثير.(14/467)
258 - البَهْرَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ تَمَّامِ بنِ صَالِحٍ *
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو بَكْرٍ البَهْرَانِيُّ، الحِمْصِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ مُصَفَّى، وَالمُسَيَّبِ بنِ وَاضِحٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ المَصِّيْصِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ خُبَيْقٍ الأَنْطَاكِيِّ، وَطَبَقَتِهِم، وَمُحَمَّدِ بنِ آدَمَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَالحَسَنُ بنُ مُنَيْرٍ، وَالفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّبعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَةَ: حَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ آدَمَ المَصِّيْصِيِّ بِمَنَاكِيْرَ.
قُلْتُ: لاَ أَظُنُّ بِهِ بَأْساً.
مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَيُكشَفُ هَلْ خَرَّجَ لَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي (صَحِيْحِهِ) ؟
259 - الشَّعْرَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ حَفْصِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ **
الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حَفْصِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّعْرَانِيُّ، الجُوَيْنِيُّ الأَصْلِ، أَحَدُ الأَثبَاتِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَأَبَا كُرَيْبٍ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ العَلاَءِ،
__________
(*) تاريخ ابن عساكر: 15 / 75 / أ، ميزان الاعتدال: 3 / 494، لسان الميزان: 5 / 97.
(* *) الأنساب: 14 / ب.(14/468)
وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، وَأَمثَالَهُم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ، وَزَاهِرٌ السَّرَخْسِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: هُوَ شَيْخٌ، ثِقَةٌ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ فِي (الأَنْسَابِ) :هُوَ مُحَمَّدُ بنُ حَفْصٍ الآزَاذْوَارِيُّ.
وَآزَاذْوَارُ: قَريَةٌ مِنْ قُرَى جُوَيْنَ.
قُلْتُ: هُوَ مَشْهُوْرٌ بِالشَّعْرَانِيِّ.
260 - ابْنُ الجَصَّاصِ الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
الصَّدْرُ، الرَّئِيسُ، ذُو الأَمْوَالِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجَصَّاصِ البَغْدَادِيُّ، الجَوْهَرِيُّ، التَّاجِرُ، الصَّفَّارُ.
قَالَ ابْنُ طُوْلُوْنَ: لاَ يُبَاعُ لَنَا شَيْءٌ إِلاَّ عَلَى يَدِ ابْنِ الجَصَّاصِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ يَوْماً فِي الدِّهْلِيزِ، فَخَرَجَتْ قَهْرَمَانَةٌ مَعَهَا مائَةُ حَبَّةِ جَوْهَرٍ، تُسَاوِي الحَبَّةُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَقَالَتْ: نُرِيدُ أَنْ تَخرُطَ هَذَا الحَبَّ حَتَّى يَصْغُرَ، فَأَخَذْتُهُ مِنْهَا مُسْرِعاً، وَجَمَعتُ سَائِرَ نَهَارِي مِنَ الحَبِّ بِمائَةِ أَلفِ دِرْهَمٍ، الوَاحِدَةُ بِأَلفٍ، وَأَتَيتُ بِهِ القَهْرَمَانَةَ، وَقُلْتُ: قَدْ خَرَطْنَا هَذَا.
__________
(*) نشوار المحاضرة: أخبار الجصاص مبثوثة في أماكن كثيرة منه، انظر مثلا: 1 / 37 25، و2 / 36، 39 وغيرها، الأنساب: 130 / ب، المنتظم: 6 / 214 211، أخبار الحمقى والمغفلين: 58 50، الكامل في التاريخ: 8 / 16، 18، 86، وفيات الأعيان: 3 / 77 ضمن ترجمة عبد الله بن المعتز، العبر: 2 / 122 121، فوات الوفيات: 1 / 376 372، الوافي بالوفيات: 12 / 391 386، البداية والنهاية: 11 / 157 156، النجوم الزاهرة: 3 / 185 و218، شذرات الذهب: 2 / 238.(14/469)
يَعْنِي: فَربحَ فِيْهِ - فِي يَوْمٍ - بَضْعَةً وَتِسْعِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
وَلَمَّا تَزَوَّجَ المُعتَضِدُ بِاللهِ بِقَطْرِ النَّدَى بِنْتِ خُمَارَوَيْه صَاحِبِ مِصْرَ، نَفَّذَهَا أَبُوْهَا مَعَ ابْنِ الجَصَّاصِ فِي جِهَازٍ عَظِيْمٍ وَتُحَفٍ وَجَوَاهرَ تَتجَاوزُ الوَصْفَ، فَنَصَحَهَا ابْنُ الجَصَّاصِ، وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌُ كَثِيْرٌ، وَالأَوقَاتُ تَتَغيَّرُ، فَلَو أَودَعتِ مِنْ هَذَا؟
فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا عمِّ.
وَأَودَعَتْهُ نفَائِسَ ثَمِينَةً، فَاتَّفَقَ أَنَّهَا أُدخِلَتْ عَلَى المُعْتَضِد، وَكَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَحَمَلَتْ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فِي النِّفَاسِ بَغتَةً، وَزَادَتْ أَمْوَالُ ابْنِ الجَصَّاصِ إِلَى الغَايَةِ، وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ الأَعْيُنُ، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِ مائَةٍ، قَبَضَ عَلَيْهِ المُقْتَدِرُ، وَكُبِسَتْ دَارُهُ، وَأَخَذُوا لَهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالجَوهَرِ مَا قُوِّمَ بِأَرْبَعَةَ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ أَبُو الفَرَجِ فِي (المُنْتَظَمِ (1)) :أَخَذُوا مِنْهُ مَا مِقْدَارُهُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِيْنَارٍ عَيناً، وَوَرِقاً، وَخَيْلاً، وَقُمَاشاً، فَقِيْلَ: كَانَ جُلُّ مَالِهِ مِنْ بِنْتِ خُمَارَوَيْه.
وحكَى بَعْضُهُم، قَالَ: دَخَلتُ دَارَ ابْنِ الجَصَّاصِ وَالقَبَّانِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ يُقَبِّنُ سَبَائِكَ الذَّهَبِ.
قَالَ التَّنُوْخِيُّ (2) :حَدَّثَنِي أَبُو الحُسَيْنِ بنُ عَيَّاشٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَمَاعَةً مِنْ ثِقَاتِ الكُتَّابِ يَقُولُوْنَ: إِنَّهُم حَضَرُوا مُصَادَرَةَ ابْنِ الجَصَّاصِ، فَكَانَتْ سِتَّةَ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، هَذَا سِوَى مَا أُخِذَ مِنْ دَارِهِ وَبَعْدَ مَا بَقِيَ لَهُ.
قَالَ التَّنُوْخِيُّ: لَمَّا صُودِرَ، كَانَ فِي دَارِهِ سَبْعُ مائَةِ مُزَمَّلَةِ خَيْزُرَانَ.
وَيُحَكَى عَنْهُ بَلَهٌ وَتَغْفِيلٌ، مَرَّ بِهِ صَدِيْقٌ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ أَنْتَ؟
فَقَالَ
__________
(1) 6 / 214 211.
(2) في " نشوار المحاضرة " 1 / 25.(14/470)
ابْنُ الجَصَّاصِ: الدُّنْيَا كُلُّهَا مَحمُوْمَةٌ.
وَكَانَ قَدْ حُمَّ.
وَنَظَرَ مَرَّةً فِي المِرآةِ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: تَرَى لِحْيَتِي طَالَتْ؟
فَقَالَ: المِرْآةُ فِي يَدِكَ.
قَالَ: الشَّاهِدُ يَرَى مَا لاَ يَرَى الغَائِبُ.
وَدَخَلَ يَوْماً عَلَى الوَزِيْرِ ابْنِ الفُرَاتِ، فَقَالَ: عِنْدَنَا كِلاَبٌ يَحرِمُوننَا نَنَامَ.
فَقَالَ الوَزِيْرُ: لَعَلَّهُم جِرَاءٌ؟
قَالَ: بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي قَدِّي وَقَدِّكَ.
وَدَعَا، فَقَالَ: حَسْبِي اللهُ وَأَنبيَاؤُه وَمَلاَئِكتُه، اللَّهُمَّ أَعِدْ مِنْ بَرَكَةِ دُعَائِنَا عَلَى أَهْلِ القُصُورِ فِي قُصُورِهِم، وَعَلَى أَهْلِ الكنَائِسِ فِي كنَائِسِهِم.
وَفَرَغَ مِنَ الأَكْلِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لاَ يُحلَفُ بِأَعظَمَ مِنْهُ.
وَكَانَ مَعَ الخَاقَانِيِّ فِي مَرْكِبٍ وَبِيَدِهِ كُرَةُ كَافُوْرٍ، فَبَصَقَ فِي وَجْهِ الوَزِيْرِ، وَأَلْقَى الكَافُوْرَةَ فِي دِجْلَةَ، ثُمَّ أَفَاقَ وَاعْتَذَرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدتُ أَنْ أَبْصُقَ فِي وَجْهِكَ وَأُلْقِيَهَا فِي المَاءِ، فَغَلِطْتُ.
فَقَالَ: كَانَ كَذَلِكَ يَا جَاهِلُ.
قَالَ التَّنُوْخِيُّ (1) :حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ وَرْقَاءَ الأَمِيْرُ، قَالَ:
اجتَزتُ بِابْنِ الجَصَّاصِ وَكَانَ مُصَاهرِي، فَرَأَيْتُهُ عَلَى حُوْشِ (2) دَارِهِ حَافِياً حَاسِراً، يَعْدُو كَالمَجْنُوْنِ، فَلَمَّا رَآنِي، اسْتَحْيَى، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟
قَالَ: يَحُقُّ لِي، أَخَذُوا مِنِّي أَمراً عَظِيْماً.
فَسَلَّمْتُهُ، وَقُلْتُ: مَا بَقِيَ يَكْفِي، وَإِنَّمَا يَقْلَقُ هَذَا القَلَقَ مَنْ يَخَافُ الحَاجَةَ، فَاصْبِرْ حَتَّى أُبيِّنَ لَكَ غِنَاكَ.
قَالَ: هَاتِ.
قُلْتُ: أَلَيْسَ دَارُكَ هَذِهِ بِآلَتِهَا وَفُرُشِهَا لَكَ؟ وَعَِقَارُكَ بِالكَرْخِ وَضِيَاعُكَ؟
قَالَ: بَلَى.
فَمَا زِلْتُ أُحَاسِبُه حَتَّى بَلَغَ قِيمَةَ سَبْعِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاصْدُقْنِي عَمَّا سَلِمَ لَكَ.
فَحَسبْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، قُلْتُ: فَمَنْ لَهُ أَلفُ
__________
(1) في " النشوار " 1 / 26، وما بين حاصرتين منه.
(2) كذا الأصل، وفي " النشوار ": روشن.(14/471)
أَلفِ دِيْنَارٍ بِبَغْدَادَ؟! هَذَا وَجَاهُكَ قَائِمٌ، فَلِمَ تَغْتَمُّ؟
فَسَجَدَ للهِ، وَحَمِدَهُ، وَبَكَى، وَقَالَ: أَنْقَذَنِي اللهُ بِكَ، مَا عَزَّانِي أَحَدٌ بِأَنفَعَ مِنْ تَعْزِيَتِكَ، مَا أَكَلتُ شَيْئاً مُنْذُ ثَلاَثٍ، فَأَقِمْ عِنْدِي لِنَأْكُلَ وَنَتَحَدَّثَ.
فَأَقَمتُ عِنْدَهُ يَوْمِيْنِ.
قَالَ التَّنُوْخِيُّ (1) :اجتَمَعتُ بِأَبِي عَلِيٍّ - وَلَدِ ابْنِ الجَصَّاصِ - فَسَأَلْتُهُ عَمَّا يُحْكَى عَنْ أَبِيْهِ مِنْ أَنَّ الإِمَامَ قَرَأَ: {وَلاَ الضَّالِّيْنَ} ، فَقَالَ: إِيْ لَعَمْرِي، بَدَلاً مِنْ آمِيْنَ.
وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ الوَزِيْرِ، فَقَالَ: إِنَّ فِيْهِ دُهْناً.
فَقَالَ: أُقَبِّلْهُ وَلَوْ كَانَ فِيْهِ خَرَا.
وَأَنَّهُ وَصفَ مُصْحَفاً عَتِيْقاً، فَقَالَ: كِسْرَوِيٌّ؟
فَقَالَ (2) :غَالِبُهُ كَذِبٌ، وَمَا كَانَتْ فِيْهِ سَلاَمَةٌ (3) تُخْرِجُهُ إِلَى هَذَا، كَانَ مِنْ أَدهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُ بِحَضْرَةِ الوَزِيْرِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَوِّرَ نَفْسَهُ بِبَلَهٍ لِيَأْمَنَهُ الوُزَرَاءُ لِكَثْرَةِ خَلْوَتِهِ بِالخُلَفَاءِ.
فَأَنَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيْثٍ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ ابْنَ الفُرَاتِ لَمَّا وَزَرَ، قَصَدَنِي قَصْداً قَبِيحاً كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ، وَبَالَغَ، وَكَانَ عِنْدِي ذَلِكَ الوَقْتَ سَبْعَةُ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، عَيْناً وَجَوْهَراً، فَفَكَّرتُ، فَوَقَعَ لِيَ الرَّأْيُ فِي السَّحَرِ، فَمَضَيْتُ إِلَى دَارِهِ، فَدَقَقْتُ، فَقَالَ البَوَّابُوْنَ: مَاذَا وَقْتُ وُصُولٍ إِلَيْهِ؟
فَقُلْتُ: عَرِّفُوا الحُجَّابَ أَنِّي جِئْتُ لِمُهِمٍّ.
فَعَرَّفُوهُم، فَخَرَجَ إِلَيَّ حَاجِبٌ، فَقَالَ: إِلَى سَاعَةٍ.
فَقُلْتُ: الأَمْرُ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
فَنَبَّهَ الوَزِيْرَ، وَدَخَلتُ وَحَولَ سَرِيْرِهِ خَمْسُوْنَ نَفْساً حَفَظَةً وَهُوَ مُرتَاعٌ، فَرَفَعَنِي،
__________
(1) في " النشوار " 1 / 35 29، وما بين حاصرتين منه.
(2) يعني ولد ابن الحصاص.
(3) أي: غفلة.(14/472)
وَقَالَ: مَا الأَمْرُ؟
قُلْتُ: خَيْرٌ، هُوَ أَمرٌ يَخُصُّنِي.
فَسَكَنَ، وَصَرَفَ مَنْ حَوْلَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّك قَصَدتَنِي، وَشَرَعتَ يَا هَذَا تُؤْذِينِي، وَتَتَفَرَّغُ لِي، وَتَعْمَلُ فِي هَلاَكِي، وَلَعَمرِي لَقَدْ أَسَأْتُ فِي خِدْمَتِكَ، وَلَقَدْ جَهِدتُ فِي اسْتِصْلاَحِكَ، فَلَمْ يُغْنِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَضعَفَ مِنَ الهِرِّ، وَإِذَا عَاثَ فِي دُكَانَ الفَامِي، فَظَفِرَ بِهِ، وَلَزَّهُ، وَثَبَ وَخَمَشَ، فَإِنْ صَلُحتَ لِي وَإِلاَّ - وَاللهِ - لأَقصُدَنَّ الخَلِيْفَةَ، وَأَحْمِلَ إِلَيْهِ أَلفَيْ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَأَقُولَ: سَلِّمِ ابْنَ الفُرَاتِ إِلَى فُلاَنٍ وَأَعطِهِ الوِزَارَةَ، فَيَفْعَلَ، وَيُعَذِّبَكَ، وَيَأْخُذَ مِنْكَ فِي قَدْرِهَا، وَيُعظِمَ قَدرِي بِعَزْلِي وَزِيْراً وَإِقَامَتِي وَزِيْراً.
فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ! وَتَستَحِلُّ هَذَا؟
قُلْتُ: أَنْتَ أَحْوَجْتَنِي، وَإِلاَّ فَاحْلِفْ لِيَ السَّاعَةَ عَلَى إِنصَافِي.
فَقَالَ: وَتَحلِفُ أَنْتَ كَذَلِكَ: وَعَلَيَّ حُسْنُ الطَّاعَةِ وَالمُؤَازَرَةِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: لَعَنَكَ اللهُ يَا إِبْلِيْسُ، لَقَدْ سَحَرْتَنِي.
وَأَخَذَ دَوَاةً، وَعَمِلنَا نُسْخَةَ اليَمِيْنِ، وَحَلَّفْتُه أَوَّلاً، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! لَقَدْ عَظُمتَ فِي نَفْسِي، مَا كَانَ المُقْتَدِرُ عِنْدَهُ فَرقٌ بَيْنَ كَفَاءتِي وَبَيْنَ أَصغَرِ كُتَّابِي مَعَ الذَّهَبِ، فَاكتُمْ مَا جَرَى.
فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ!
ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ غَداً، فَسَتَرَى مَا أُعَامِلُكَ بِهِ.
فَعُدْتُ إِلَى دَارِي، وَمَا طَلَعَ الفَجْرُ.
فَقَالَ ابْنُهُ: أَفَهَذَا فِعْلُ مَنْ يُحَكَى عَنْهُ تِلْكَ الحِكَايَاتِ؟
قُلْتُ: لاَ.
قُلْتُ: لَعَلَّ بِهَذِهِ الحَرَكَةِ أَضْمَرَ لَهُ الوَزِيْرُ الشَّرَّ - فَنَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ -.
تُوُفِّيَ ابْنُ الجَصَّاصِ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ أَسَنَّ.(14/473)
261 - ابْنُ خَاقَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الخَاقَانِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الوَزِيْرِ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدٍ ابْنِ الوَزِيْرِ أَبِي الحَسَنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ الخَاقَانِيُّ.
من بَيْتِ وِزَارَةٍ.
وَكَانَ ذَا لَسَنٍ، وَبَلاَغَةٍ، وَآدَابٍ، وَحُسنِ كِتَابَةٍ، وَجُودٍ وَإِفضَالٍ، وَثَروَةٍ وَأَمْوَالٍ.
وَلِيَ الوِزَارَةَ لِلْمُقْتَدِرِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، بِإِشَارَةِ مُؤْنِسٍ الخَادِمِ، وَكَانَ سَائِساً مُمَارِساً، خَبِيْراً بِالأُمُورِ، ثُمَّ قُبِضَ عَلَيْهِ بَعْدَ ثَمَانيَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَرُسِمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَعَلَّلَ، وَمَاتَ فِي شَهْر رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
262 - ابْنُ الفُرَاتِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى العَاقُوْلِيُّ **
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ العَاقُوْلِيُّ، الكَاتِبُ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: ابتَاعَ جَدُّهُم ضِيَاعاً بِالعَاقُوْلِ، وَانْتَقَلَ إِلَيْهَا، فَنُسِبُوا إِلَى العَاقُوْلِ.
كَانَ ابْنُ الفُرَاتِ يَتَوَلَّى أَمرَ الدَّوَاوِيْنِ زَمَنَ المُكْتَفِي، فَلَمَّا وَلِيَ المُقْتَدِرُ، وَوَزَرَ لَهُ العَبَّاسُ بنُ الحَسَنِ، بَقِيَ ابْنُ الفُرَاتِ عَلَى وِلاَيَتِهِ، فَجَرَتْ
__________
(*) المنتظم: 6 / 195، الكامل في التاريخ: 8 / 155 150، العبر: 2 / 151، شذرات الذهب: 2 / 264.
(* *) المنتظم: 6 / 192 190، الكامل في التاريخ: 8 / 9، إعتاب الكتاب: 180، وفيات الأعيان: 3 / 429 421، العبر: 2 / 153 152، البداية والنهاية: 11 / 152 151، النجوم الزاهرة: 3 / 213.(14/474)
فِتْنَةُ ابْنِ المُعْتَزِّ، وَقُتِلَ العَبَّاسُ الوَزِيْرُ، فَوَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَتَمَكَّنَ، فَأَحسَنَ وَعَدَلَ، وَكَانَ سَمحاً مِفضَالاً مُحْتَشِماً، رَأْساً فِي حِسَابِ الدِّيْوَانِ، لَهُ ثَلاَثَةُ بَنِيْنَ؛ المُحَسَّنُ وَالفَضْلُ وَالحُسَيْنُ، ثُمَّ عُزِلَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ، ثُمَّ وَزَرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ إِثرَ عَزلِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى، ثُمَّ عُزِلَ بَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً بِحَامِدِ بنِ العَبَّاسِ، ثُمَّ وَلِيَهَا سَنَةَ (311) ، وَوَلَّى وَلَدَهُ المُحَسّنَ الدَّوَاوِيْنَ، فَعَسَفَ وَصَادَرَ وَعَذَّبَ، وَظَلَمَ أَبُوْهُ أَيْضاً، وَاسْتَأْصَلَ جَمَاعَةً، فَعُزِلَ بَعْدَ سَنَةٍ إِلاَّ أَيَّاماً.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَصَلَ المُحَدِّثِيْنَ بِعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ صَاحِبَ خَبَرِ ابْنِ الفُرَاتِ رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَربَابِ الحَوَائِجِ اشْتَرَى خُبزاً وَجُبْناً، فَأَكَلَهُ فِي الدِّهلِيزِ، فَأَقْلَقَهُ هَذَا، وَأَمرَ بِنَصْبِ مَطْبَخٍ لِمَنْ يَحضُرُ مِنْ أَربَابِ الحَوَائِجِ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ طُوْلَ أَيَّامِه.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ اللُّغَوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ البَصْرِيُّ: قَالَ لِي رَجُلٌ:
كُنْتُ أَخدُمُ الوَزِيْرَ ابْنَ الفُرَاتِ، فَحُبِسَ وَلَهُ عِنْدِي خَمْسُ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَتَلَطَّفْتُ بِالسَّجَّانِ حَتَّى أُدخِلْتُ، فَلَمَّا رَآنِي، تَعَجَّبَ، وَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟
فَأَخْرَجتُ الذَّهَبَ، وَقُلْتُ: تَنْتَفِعُ بِهَذَا.
فَأَخَذَهُ مِنِّي، ثُمَّ رَدَّهُ، وَقَالَ: يَكُوْن عِنْدَك وَدِيعَةً.
فَرَجَعتُ، ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَعَادَ إِلَى دَسْتِهِ، فَأَتَيْتُه، فَطَأَطَأَ رأْسَهُ، وَلَمْ يَمْلأْ عَيْنَيْهِ مِنِّي، وَطَال إِعْرَاضُهُ، حَتَّى أَنفَقتُ الذَّهَبَ، وَسَاءتْ حَالِي إِلَى يَوْمٍ، فَقَالَ لِي: وَرَدَتْ سُفُنٌ مِنَ الهِنْدِ، ففسرهَا وَاقْبِضْ حَقَّ بَيْتِ المَالِ، وَخُذْ رَسْمَنَا.
فَعُدتُ إِلَى بَيْتِي، فَأَعطَتْنِي المَرْأَةُ خِمَاراً وَقُرْطَتَيْنِ، فَبِعتُ ذَلِكَ، وَتَجَهَّزتُ بِهِ، وَانحَدَرْتُ، وَفَسَّرْتُ السُّفنَ، وَقَبَضْتُ الحَقَّ وَرَسَمَ الوَزِيْرِ، وَأَتَيْتُ بَغْدَادَ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: سَلِّمْ حَقَّ بَيْتِ المَالِ، وَاقبِضِ الرَّسْمَ إِلَى بَيْتِكَ.
قُلْتُ: هُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ(14/475)
أَلفَ دِيْنَارٍ.
قَالَ: فَحَفِظتُهَا، وَطَالَتِ المُدَّةُ، وَرَأَى فِي وَجْهِي ضُرّاً، فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي، مَا لِي أَرَاكَ مُتَغيِّرَ اللَّوْنِ، سَيِّئَ الحَالِ.
فَحَدَّثْتُهُ بِقِصَّتِي، قَالَ: وَيْحَكَ! وَأَنْت مِمَّنْ يُنفِقُ فِي مُدَّةٍ يَسِيْرَةٍ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً؟!
قُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ لِي ذَلِكَ؟
قَالَ: يَا جَاهِلُ! مَا قُلْتُ لَكَ احْمِلْهَا إِلَى مَنْزِلِكَ، أَتُرَانِي لَمْ أَجِدْ مَنْ أُوْدِعُهُ غَيْرَكَ؟ وَيْحَكَ! أَمَا رَأَيْتَ إِعرَاضِي عَنْكَ؟ إِنَّمَا كَانَ حَيَاءً مِنْكَ، وَتَذَكَّرتُ جَمِيْلَ صُنْعِكَ وَأَنَا مَحْبُوْسٌ، فَصِرْ إِلَى مَنْزِلِكَ، وَاتَّسِعْ فِي النَّفَقَةِ، وَأَنَا أُفَكِّرُ لَكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
ذَكَرَ ابْنُ مُقْلَةَ: أَنَّهُ حَضَرَ مَجْلِسَ ابْنِ الفُرَاتِ فِي أَوَّلِ وَزَارَتِهِ، فَأُدخِلَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ فِي مِحَفَّةٍ، فَدَفَعَ الوَزِيْرُ إِلَيْهِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ سِرّاً، فَأَنْشَدَ:
أَيَادِيكَ عِنْدِي مُعَظَّمَاتٌ جَلاَئِلُ ... طَوَالَ المدَى شُكْرِي لَهُنَّ قَصِيْرُ
فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شُكْرِي غَنِيّاً فَإِنَّنِي ... إِلَى شُكْرِ مَا أَوْلَيْتَنِي لَفَقِيْرُ
قِيْلَ: كَانَ ابْنُ الفُرَاتِ يَلتَذُّ بِقَضَاءِ حَوَائِجِ الرَّعِيَّةِ، وَمَا رَدَّ أَحَداً قَطُّ عَنْ حَاجَةٍ رَدَّ آيِسٍ، بَلْ يَقُوْلُ: تُعَاوِدُنِي أَوْ يَقُوْلُ: أُعَوِّضُك مِنْ هَذَا.
سَمِعَ الصُّوْلِيُّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ يَقُوْلُ:
حِيْنَ وَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ، مَا افْتَقَرَتِ الوِزَارَةُ إِلَى أَحَدٍ قَطُّ افْتِقَارَهَا إِلَيْهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمَّا قُبِضَ عَلَى ابْنِ الفُرَاتِ، نَظَرنَا، فَإِذَا هُوَ يُجرِي عَلَى خَمْسَةِ آلاَفِ نَفْسٍ، أَقَلُّ جَارِي أَحَدِهِم فِي الشَّهْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفُ قفيز دَقِيْقٍِ، وَأَعلاَهُم مائَةُ دِيْنَارٍ وَعَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ.
الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ النَّوْفَلِيُّ:
أَنَّهُم كَانُوا يُجَالسُوْنَ ابْنَ الفُرَاتِ قَبْلَ الوِزَارَةِ، وَجَلَسَ مَعَهُم لَيْلَةً لَمَّا وَزَرَ، فَلَمْ يَجِئِ الفَرَّاشُونَ(14/476)
بِالتُّكَأِ، فَغَضِبَ عَلَيْهِم، وَقَالَ: إِنَّمَا رَفَعَنِي اللهُ لأَضَعَ مِن جُلَسَائِي؟! وَاللهِ! لاَ جَالَسُونِي إِلاَّ بِتُكَاءينِ.
فَكُنَّا كَذَلِكَ لَيَالِي حَتَّى اسْتَعفَينَا، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أُرِيدُ الدُّنْيَا إِلاَّ لِخَيْرٍ أُقَدِّمُه، أَوْ صَدِيْقٍ أَنْفَعُه، وَلَوْلاَ أَنَّ النُّزَولَ عَنِ الصَّدْرِ سُخْفٌ لاَ يَصْلُحُ لِمِثْلِ حَالِي، لَسَاوَيْتُكُم فِي المَجْلِسِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمْ أَسْمَعْهُ قَطُّ دَعَا أَحَداً مِنْ كُتَّابِهِ بِغَيْرِ كُنْيَتِهِ، وَمَرِضَ مَرَّةً، فَقَالَ: مَا غَمِّي بِعِلَّتِي بِأَشَدَّ مِنْ غَمِّي بِتَأَخُّرِ حَوَائِجِ النَّاسِ وَفِيْهِمُ المُضْطَّرُ.
وَكَانَ يَمنَعُ النَّاسَ مِنَ المَشْيِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَمِنْ شِعْرِهِ - وَيُقَالُ: مَا عَمِلَ غَيْرَهُمَا -:
مُعَذِّبَتِي هَلْ لِي إِلَى الوَصْلِ حِيلَةٌ ... وَهَل إِلَى اسْتَعطَافِ قَلْبكِ مِنْ وَجْهِ
فَلاَ خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَأَنْتِ بَخِيْلَةٌ ... وَلاَ خَيْرَ فِي وَصْلٍ يَجِيْءُ عَلَى كُرْهِ
وَبَلَغَنَا أَن ابْن الفُرَاتِ كَانَ يَسْتَغِلُّ مِنْ أَملاَكه إِلَى أَنْ أُعيد إِلَى الوزرَاة سَبْعَة آلاَف أَلف دِيْنَار، لأَنَّه - فِيْمَا قِيْلَ -:كَانَ يُحَصِّلُ مِنْ ضيَاعه فِي العَام أَلفِي أَلف دِيْنَار.
وَقِيْلَ عَنْهُ: إِنَّهُ كَاتَبَ العَرَبَ أَنْ يَكْبِسُوا بَغْدَادَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَلَمَّا وَزَرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، خُلِعَ عَلَيْهِ سَبْعُ خِلَعٍ، وَسُقِيَ يَوْمَئِذٍ فِي دَارِهِ أَرْبَعُوْنَ أَلْفَ رِطْلِ ثَلْجٍ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: مَدَحتُهُ، فَوَصَلَنِي بِسِتِّ مائَةِ دِيْنَارٍ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ هِشَامٍ الكَاتِبُ: دَخَلتُ عَلَى ابْنِ الفُرَاتِ فِي وِزَارَتِهِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ غَلَبَ ابْنُهُ المُحَسّنُ عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ أُمُوْرِه، فَقِيْلَ لَهُ: هُوَ ذَا يُسرِفُ(14/477)
أَبُو أَحْمَدَ المُحَسّنُ فِي مَكَارِهِ النَّاسِ بِلاَ فَائِدَةٍ، وَيَضرِبُ مَنْ يُؤَدِّي بِغَيْرِ ضَرْبٍ.
فَقَالَ: لَوْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا بِأَعدَائِهِ وَمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، لَمَا كَانَ مِنْ أَوْلاَدِ الأَحرَارِ، وَلَكَانَ مَيِّتاً، وَقَدْ أَحسَنتُ إِلَى النَّاسِ دفعَتَيْنِ، فَمَا شَكَرُونِي، وَاللهِ لأُسِيْئَنَّ.
فَمَا سمَضَتْ إِلاَّ أَيَّامٌ يَسِيْرَةٌ حَتَّى قُبِضَ عَلَيْهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمَّا وَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ ثَالِثاً، خَرَجَ مُتَغَيِّظاً عَلَى النَّاسِ لِمَا كَانَ فَعَلَه حَامِدٌ الوَزِيْرُ بِابْنِهِ المُحَسَّنِ، فَأَطلَقَ يَدَ ابْنِه عَلَى النَّاسِ، فَقَتَلَ حَامِداً بِالعَذَابِ، وَأَبارَ العَالَمَ، وَكَانَ مَشْؤُوْماً عَلَى أَهْلِهِ، مَاحِياً لِمَنَاقِبِهِم.
قَالَ المُعْتَضِدُ لِعَبْدِ اللهِ وَزِيْرِه: أُرِيْدُ أَعْرِفَ ارْتِفَاعَ الدُّنْيَا.
فَطَلَبَ الوَزِيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمَاعَةٍ، فَاسْتَمْهَلُوهُ شَهْراً، وَكَانَ ابْنُ الفُرَاتِ وَأَخُوْهُ أَبُو العَبَّاسِ مَحْبُوْسَيْنِ، فَأُعْلِما بِذَلِكَ، فَعَمِلاَهُ فِي يَوْمَيْنِ، وَأَنفَذَاهُ، فَأُخرِجَا، وَعُفِيَ عَنْهُمَا.
وَكَانَ أَخُوْهُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ (1) أَكتَبَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَوفَرَهُم أَدَباً، امْتَدَحَهُ البُحْتُرِيُّ (2) ، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَأَخُوْهُمَا جَعْفَرٌ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الوِزَارَةُ، فَأَبَاهَا (3) .
قَالَ الصُّوْلِيُّ: قَبَضَ المُقْتَدِرُ عَلَى ابْنِ الفُرَاتِ، وَهَرَبَ ابْنُهُ، فَاشْتَدَّ السُّلْطَانُ وَجَمِيْعُ الأَوْلِيَاءِ فِي طَلَبِهِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ، وَقَدْ حَلَقَ لِحْيَتَه، وَتَشَبَّهَ بِامْرَأَةٍ فِي خُفٍّ وَإِزَارٍ، ثُمَّ طُولِبَ هُوَ وَأَبُوْهُ بِالأَمْوَالِ، وَسُلِّمَا إِلَى الوَزِيْرِ عُبَيْدِ
__________
(1) هو أحمد بن محمد بن الفرات، ذكر له ابن خلكان في " وفياته " 3 / 424 ترجمة عارضة ضمن ترجمة أخيه علي بن محمد.
(2) وله فيه القصيدة التي في " ديوانه " 1 / 240 ومطلعها.
بت أبدي وجدا وأتم وجدا * لخيال قد بات لي منك يهدى
(3) انظر " وفيات الأعيان " 3 / 424.(14/478)
اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَعَلمَا أَنَّهُمَا لاَ يفلتَانِ، فَمَا أَذعَنَا بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَتَلَهُمَا نَازُوْكُ، وَبَعَثَ بِرَأْسَيْهِمَا إِلَى المُقْتَدِرِ فِي سَفَطٍ، وَغَرَّقَ جَسَدَيْهِمَا.
وَقَالَ القَاضِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ البُهْلُوْلِ بَعْدَ أَنْ عُزِلَ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ وِزَارَتِهِ الثَّالِثَةِ:
قُلْ لِهَذَا الوَزِيْرِ قَوْلَ مُحِقٍّ ... بَثَّهُ النَّصْحُ أَيَّمَا إِبثَاثِ
قَدْ تَقَلَّدْتَهَا ثَلاَثاً ثَلاَثاً ... وَطَلاَقُ البَتَاتِ عِنْدَ الثَّلاَثِ
ضُرِبَتْ عُنُقُ المُحَسَّنِ بَعْدَ أَنْوَاعِ العَذَابِ فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَأُلقِيَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيْهِ، فَارْتَاعَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُلقِيَ الرَّأْسَانِ فِي الفُرَاتِ، وَكَانَ لِلْوَزِيْرِ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً وَشُهُوْرٌ، وَلِلْمُحَسَّنِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً.
ابْنُ أَخِيْهِ: الوَزِيْرُ الأَكْمَلُ:
263 - أَبُو الفَتْحِ الفَضْلُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ *
ويُعْرَفُ: بِابْنِ حِنْزَابَةَ؛ وَهِيَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، رُوْمِيَّةٌ.
كَانَ كَاتِباً بَارِعاً، دَيِّناً، خَيِّراً، اسْتَوزَرَهُ المُقْتَدِرُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ، إِلَى أَنْ قُتِلَ المُقْتَدِرُ، وَاسْتُخلِفَ القَاهرُ، فَوَلاَّهُ الدَّوَاوِيْنَ، فَلَمَّا وَلِيَ الرَّاضِي، وَلاَّهُ الشَّامَ، ثُمَّ إِنَّ الرَّاضِي قَلَّدَهُ الوِزَارَةَ سَنَةَ (325) ، وَهُوَ مُقِيْمٌ بِحَلَبَ، فَوَصَلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَوَزَرَ مُدَيدَةً، ثُمَّ رَأَى اضْطِرَابَ الأُمُورِ، وَاسْتِيلاَء ابْنِ رَائِقٍ، فَأَطمَعَ ابْنَ رَائِقٍ فِي أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِ الأَمْوَالَ مِنْ مِصْرَ وَالشَّامِ،
__________
(*) الكامل في التاريخ: 8 / 327 و354، وفيات الأعيان: 3 / 425 324 ضمن ترجمة عمه علي، العبر: 2 / 208، دول الإسلام: 1 / 201، شذرات الذهب: 2 / 309.(14/479)
وَاسْتَخلَفَ بِالحَضْرَةِ أَبَا بَكْرٍ النّفرِيَّ، وَسَارَ فَأَدرَكَهُ أَجَلُهُ بِالرَّمْلَةِ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً.
وَهُوَ وَالِدُ المُحَدِّثِ وَزِيْرِ مِصْرَ: أَبِي الفَضْلِ جَعْفَرِ بنِ حِنْزَابَةَ.
264 - الصَّيْمَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ *
شَيْخُ المُعْتَزِلَةِ، العَلاَّمَةُ، صَاحِبُ المُصَنَّفَاتِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الصَّيْمَرِيُّ.
عِدَادُه فِي مُعْتَزِلَةِ البَصْرِيِّيْنَ.
أَخَذَ عَنْ: أَبِي عَلِيٍّ الجُبَّائِيِّ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الكَلاَمِ بَعْدَ الجُبَّائِيِّ، وَكَانَ شَيْخاً مُسِنّاً ذَكِيّاً.
لَهُ: كِتَابٌ كَبِيْرٌ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الرِّيْوَنْدِيِّ، وَكِتَابُ (المَسَائِلِ) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْمُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
265 - الأَخْفَشُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الفَضْلِ **
العَلاَّمَةُ، النَّحْوِيُّ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ.
وَالأَخْفَشُ: هُوَ الضَّعِيْفُ البَصَرِ، مَعَ صِغَرِ العَيْنِ.
__________
(*) فهرست ابن النديم: ضمن ترجمة الحسن بن عبد الله السيرافي، طبقات المعتزلة لابن المرتضي: ص 96.
(* *) طبقات النحويين واللغويين: 116 115، فهرست ابن النديم: 123، الأنساب: 21 / ب، تاريخ ابن عساكر: 12 / 54 / ب، نزهة الانباء: 248، المنتظم: 6 / 215 214، معجم الأدباء: 13 / 257 246، إنباه الرواة: 2 / 278 276، وفيات الأعيان: 3 / 303 301، العبر: 2 / 162، مرآة الجنان: 2 / 168 267، البداية والنهاية: 11 / 157، البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 158، النجوم الزاهرة: 3 / 219، بغية الوعاة: 2 / 168 167، شذرات الذهب: 2 / 270.(14/480)
لاَزَمَ ثَعْلَباً وَالمُبَرِّدَ، وَبَرَعَ فِي العَرَبِيَّةِ، وَمَا أَظُنُّهُ صَنَّفَ شَيْئاً (1) ، وَهَذَا هُوَ الأَخْفَشُ الصَّغِيْرُ.
رَوَى عَنْهُ: المُعَافَى الجَرِيْرِيُّ، وَالمَرْزُبَانِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ مُوَثَّقاً.
وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الرُّوْمِيِّ وَحشَةٌ، فَلاِبْنِ الرُّوْمِيِّ فِيْهِ هَجوٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ دِيْوَانِهِ (2) ، وَكَانَ هُوَ يَعْبَثُ بِابْنِ الرُّوْمِيِّ، وَيَمُرُّ بِبَابِهِ، فَيَقُوْلُ كَلاَماً يَتَطَيَّرُ مِنْهُ ابْنُ الرُّوْمِيِّ، وَلاَ يَخْرُجُ يَوْمَئِذٍ.
وَقَدْ سَارَ الأَخْفَشُ إِلَى مِصْرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدِمَ إِلَى حَلَبَ، وَغَيْرُهُ أَوسَعُ فِي الآدَابِ مِنْهُ.
قَالَ ثَابِتُ بنُ سِنَانٍ: كَانَ يُوَاصِلُ المَقَامَ عِنْدَ ابْنِ مُقْلَةَ قَبْلَ الوِزَارَةِ، فَشَفَعَ لَهُ عِنْدَ ابْنِ عِيْسَى الوَزِيْرِ فِي تَقْرِيْرِ رِزْقٍ، فَانتَهَرَه الوَزِيْرُ انتِهَاراً شَدِيْداً، فَتَأَلَّمَ ابْنُ مُقْلَةَ، ثُمَّ آلَ الحَالُ بِالأَخْفَشِ إِلَى أَنْ أَكَلَ السَّلْجَمَ (3) نِيْئاً.
مَاتَ: فَجْأَةً، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.
وَكَانَ بِدِمَشْقَ - قَبْلَ الثَّلاَثِ مائَةٍ - الأَخْفَشُ، المُقْرِئُ (4) ؛صَاحِبُ ابْنِ ذَكْوَانَ.
__________
(1) كيف يكون هذا وقد قال ابن النديم في " الفهرست " ص 123: " وله من الكتب كتاب الانواء، وكتاب التثنية والجمع، وكتاب الجراد ".
وانظر ايضا " هدية العارفين " 1 / 676.
(2) من ذلك قصيدته التي ذكرها ياقوت في " معجمه " والتي مطلعها:
ألا قل لنحويك الاخفش * أنست فأقصر ولا توحش
وما كنت عن غيه مقصرا * وأشلاء أمك لم تنبش
(3) السلجم بالسين المهملة: نبات معروف، أو ضرب من البقول يؤكل.
(4) هو أبو عبد الله، هارون بن موسى بن شريك التغلبي، شيخ القراء بدمشق، يعرف =(14/481)
وَكَانَ فِي أَيَّامِ المَأْمُوْنِ الأَخْفَشُ الأَوْسَطُ؛ شَيْخُ العَرَبِيَّةِ، وَهُوَ أَبُو الحَسَنِ سَعِيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ (1) ؛صَاحِبِ سِيْبَوَيْه.
وَكَانَ الأَخْفَشُ الكَبِيْرُ فِي دَوْلَةِ الرَّشِيْدِ، أَخَذَ عَنْهُ: سِيْبَوَيْه، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَهُوَ: أَبُو الخَطَّابِ عَبْد الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ المَجِيْدِ الهَجَرِيُّ اللُّغَوِيُّ (2) .
266 - ابْنُ وَقْدَانَ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ بنِ كَثِيْرٍ الطُّوْسِيُّ *
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، المُعَمَّرُ، أَبُو مُحَمَّدٍ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ بنِ كَثِيْرِ بنِ وَقْدَانَ الطُّوْسِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
رَوَى عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ، وَالوَلِيْدِ بنِ شُجَاعٍ، وَلُوَيْنٍ، وَسَوَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الوَرَّاقُ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْن، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
= بالاخفش الدمشقي، أو أخفش باب الجابية. ذكر المؤلف في " طبقات القراء " وقال: كان ثقة معمرا. توفي سنة 292 هـ.
انظر في ترجمته: " طبقات القراء ": 2 / 347، و" مرآة الجنان ": 2 / 220.
(1) المجاشعي بالولاء، النحوي البلخي، عالم باللغة والأدب، سكن البصرة، وأخذ العربية عن سيبويه، وصنف كتبا منها: " تفسير معاني القرآن " و" الاشتقاق " وغيرها. توفي سنة 251 هـ.
انظر " معجم الأدباء " 11 / 224، " إنباه الرواة " 2 / 36، " وفيات الأعيان " 2 / 381 380.
(2) ترجمته في " إنباه الرواة " 2 / 157، و" بغية الوعاة " 2 / 74.
(*) تاريخ بغداد: 9 / 63 62، المنتظم: 6 / 214.(14/482)
267 - ابْنُ بُهْلُوْلٍ أَبُو سَعْدٍ دَاوُدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ إِسْحَاقَ *
العَلاَّمَةُ، البَارِعُ، أَبُو سَعْدٍ دَاوُدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُوْلِ بنِ حَسَّانٍ التَّنُوْخِيُّ، الأَنْبَارِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَدِّه؛ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُوْلٍ، وَعُمَرَ بنِ شَبَّةَ، وَزِيَادِ بنِ يَحْيَى الحَسَّانِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: طَلْحَةُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ المُظَفَّرِ، وَأَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَزْرَقُ.
وَأَخَذَ الأَدَبَ: عَنْ ثَعْلَبٍ.
وَسَمِعَ المُتَوَكِّلُ بِقِرَاءتِه مِنْ جَدِّهِ كِتَابَ (فَضَائِلِ العَبَّاسِ) ، وَكَانَ نَحْوِيّاً، لُغَوِيّاً، مُفَوَّهاً.
لَهُ تَصَانِيْفُ، وَبَلاَغَةٌ، وَبَصَرٌ بِاسْتِخرَاجِ المُعَمَّى.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
268 - ابْنُ السَّرَّاجِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ السَّرِيِّ البَغْدَادِيُّ **
إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ السَّرِيِّ البَغْدَادِيُّ، النَّحْوِيُّ، ابْنُ
__________
(*) تاريخ بغداد: 8 / 379 - 380، المنتظم: 6 / 217 - 218، معجم الأدباء: 11 / 99 98، الجواهر المضية: 1 / 240، تاج التراجم: 21، النجوم الزاهرة: 3 / 221، بغية الوعاة: 1 / 563، روضات الجنات: 276.
(* *) طبقات النحويين واللغويين: 112 - 114، فهرست ابن النديم: 93 92، تاريخ بغداد: 5 / 319 - 320، الأنساب: 295 / أ، نزهة الالباء: 249 - 250، المنتظم: 6 / 220، معجم الأدباء: 18 / 197 - 201، الكامل في التاريخ: 8 / 180، 199 315 - 316، إنباه الرواة: 3 / 149 145، وفيات الأعيان: 4 / 339 - 340، العبر 2 / 165، الوافي بالوفيات: 3 / 88 86، مرآة الجنان: 2 / 271 270، البداية =(14/483)
السَّرَّاجِ، صَاحِبُ المُبَرِّدِ، انْتَهَى إِلَيْهِ عِلمُ اللِّسَانِ.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ السِّيْرَافِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عِيْسَى الرُّمَّانِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَثَّقَهُ: الخَطِيْبُ (1) .
وَلَهُ: كِتَابُ (أُصُوْلِ العَرَبِيَّةِ) وَمَا أَحسَنَهُ! وَكِتَابُ (شَرْحِ سِيْبَوَيْه) ، وَكِتَابُ (احتِجَاجِ القُرَّاءِ) ، وَكِتَابُ (الهَوَاءِ وَالنَّارِ) ، وَكِتَابُ (الجُمَلِ) ، وَكِتَابُ (المُوْجَزِ) ، وَكِتَابُ (الاشتِقَاقِ) ، وَكِتَابُ (الشِّعْرِ وَالشُّعَرَاءِ) .
وَكَانَ يَقُوْلُ الرَّاءَ غَيْناً.
وَكَانَ لَهُ شِعرٌ رَائِقٌ (2) ، وَكَانَ مُكِبّاً عَلَى الغِنَاءِ وَاللَّذَّةِ، هَوِيَ ابْنَ يَأْنَسَ المُطْرِبَ، وَلَهُ أَخْبَارٌ - سَامَحَهُ اللهُ -.
مَاتَ: فِي الكُهُوْلَةِ، فِي شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
269 - المَالِيْنِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاذِ بنِ فَرَه *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاذِ بنِ فَرَه - وَقِيْلَ: فَرَحٍ - الهَرَوِيُّ، المَالِيْنِيُّ.
__________
= والنهاية: 11 / 157، البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 223 222، النجوم الزاهرة: 3 / 222، بغية الوعاة: 1 / 110 109، مفتاح السعادة: 1 / 136، شذرات الذهب: 2 / 274 273.
(1) في " تاريخه " 5 / 319.
(2) منه ما قاله في أم ولده وكان يحبها، وأنفق عليها ماله وجفته:
قايست بين جمالها وفعالها * فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي
حلفت لنا ألا تخون عهودنا * فكأنما حلفت لنا ألا تفي
والله لا كلمتها ولو انها * كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفي
(*) الإكمال لابن ماكولا: 7 / 112، مشتبه النسبة: 2 / 527.(14/484)
حدَّث عَنِ: الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ المَرْوَزِيِّ، وَالفَقِيْهِ مُحَمَّدِ بنِ مُقَاتِلٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَكِيْمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَأَبِي دَاوُدَ السِّنْجِيِّ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ بِشْرٍ المُزَنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى الطَّلْحِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ المُفِيْدُ، وَزَاهِرٌ السَّرَخْسِيُّ، وَالخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ التَّاجِرُ.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
270 - حَرَمِيُّ بنُ أَبِي العَلاَءِ المَكِّيُّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ *
هُوَ: المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ أَبِي خَمِيْصَةَ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْ: سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ الجَوَّازِ، وَيَحْيَى بنِ الرَّبِيْعِ، وَالزُّبَيْرِ بنِ بَكَّارٍ، وَطَائِفَةٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُزَيْزٍ الأَيْلِيِّ.
وَحَدَّثَ بِكِتَابِ (النَّسَبِ) عَنِ الزُّبَيْرِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّويَه، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْن، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ حَبَابَةَ، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ كَاتِبَ الحَكَمِ لِلْقَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَغَيْرُهُ (1) .
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(*) تاريخ بغداد: 4 / 391 390، العبر: 2 / 169، شذرات الذهب: 2 / 275.
(1) في " تاريخه " 4 / 391.(14/485)
وَقَعَ لَنَا بِالإِجَازَةِ جُزءٌ لَهُ.
وَجَدُّه أَبُو خَمِيْصَةَ مِنَ الكُنَى المُفرَدَةِ - يَتَصَحَّفُ بِحُمَيْضَةَ (1) - وَحَرَمِيٌّ: لَقَبٌ لَهُ.
271 - الدَّارَكِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الثِّقَةُ المُتْقِنُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ الأَصْبَهَانِيُّ، الدَّارَكِيُّ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رِزْمَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ حُمَيْدٍ الرَّازِيَّ، وَأَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ، وَصَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي أَبُو أَحْمَدَ العَسَّالُ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جِشْنِسَ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَهُوَ جَدُّ الدَّاركِيِّ؛ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ.
لَعَلَّهُ عَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
272 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ خُزَيْمِ بنِ قُمَيْرِ بنِ خَاقَانَ الشَّاشِيُّ **
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْق، أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاشِيُّ، المَرْوَزِيُّ الأَصْلِ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ (تَفْسِيْرَهُ) ، وَ (مُسْنَدَهُ) فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
__________
(1) انظر " مشتبه النسبة " للمؤلف: 1 / 252.
(*) ذكر أخبار أصبهان: 1 / 268، الأنساب: 217 / ب، العبر: 2 / 170، شذرات الذهب: 2 / 528.
(* *) الإكمال 1 / 134، المشتبه 1 / 263، تبصير المنتبه 8 / 529.(14/486)
وَمائَتَيْنِ، وَحَدَّثَ بِهِمَا، وَطَالَ عُمُرُهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمُّوَيْه السَّرَخْسِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَسَمَاعُ ابْنِ حَمُّوَيْه مِنْهُ بِالشَّاشِ (1) - مَدِيْنَةٍ مِنْ مَدَائِنِ التُّرْكِ - وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فِي شَعْبَانَ، وَلَمْ تَبلُغْنَا وَفَاةُ ابْنِ خُزَيْمٍ، وَلاَ شَيْءٌ مِنْ سِيرَتِهِ.
وَهُوَ فِي عِدَادِ الثِّقَاتِ، وَمِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ -.
273 - عِيْسَى بنُ عُمَرَ بنِ العَبَّاسِ بنِ حَمْزَةَ بنِ عَمْرِو بنِ أَعْيَنَ *
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عِمْرَانَ السَّمَرْقِنْديُّ، صَاحِبُ أَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ، وَرَاوِي (مُسْنَدِهِ) عَنْهُ، شَيْخٌ مَقْبُوْلٌ، لاَ نَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاغَدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمُّوَيْه السَّرَخْسِيُّ، وَلاَ أَعْلَمُ مَتَى تُوُفِّيَ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ حَيّاً فِي قُرْبِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، بِسَمَرْقَنْدَ، فَهُوَ وَالشَّاشِيُّ إِنَّمَا عُرِفَا وَشُهِرَا بِالكِتَابَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمِعْنَاهُمَا، وَكَانَا مُتَعَاصِرَينِ بِمَا وَرَاءَ النَّهرِ، فَهُما مِنْ طَبَقَةِ الفِرَبْرِيِّ (2) ، وَوَفِيَّاتُهُم مُتَقَارِبَةٌ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
__________
(1) انظر " معجم البلدان " 3 / 309 308.
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي بين أيدينا.
(2) بكسر الفاء كما في الأصل، وكذا هي في " البلدان " أما صاحب " اللباب " فضبطها بفتح الفاء.
وهذه النسبة إلى فربر: بلدة على طرف جيحون مما يلي بخارى. والفربري هذا: هو محمد بن يوسف بن مطر بن صالح، راوية صحيح البخاري عنه، وكان سماعه للصحيح مرتين: مرة بفربر سنة 248، ومرة ببخارى سنة 252. =(14/487)
274 - بُنَانُ الحَمَّالُ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الحَسَنِ بُنَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ بنِ سَعِيْدٍ الوَاسِطِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ، وَمَنْ يُضْرَبُ بِعِبَادَتِهِ المَثَلُ.
حَدَّثَ عَنْ: الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ، وَحُمَيْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ يُوْنُسَ، وَالحَسَنُ بنُ رُشَيْقٍ، وَالزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الأَسْدَابَاذِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ المُقْرِئُ، وَجَمَاعَةٌ.
وَثَّقَهُ: أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ.
صَحِبَ: الجُنَيْدَ، وَغَيْرَهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ هُوَ أُسْتَاذُ الحُسَيْنِ أَبِي النُّوْرِيِّ، وَهُوَ رَفِيقُهُ، وَمِنْ أَقرَانِهِ.
وَكَانَ كَبِيْرَ القَدْرِ، لاَ يَقْبَلُ مِنَ الدَّوْلَةِ شَيْئاً، وَلَهُ جَلاَلَةٌ عَجِيْبَةٌ عِنْدَ الخَاصِّ وَالعَامِّ.
__________
= قال أبو الوليد الباجي في مقدمة كتابه " في أسماء رجال البخاري ": أخبرني الحافظ أبو ذر عبد الرحيم بن أحمد الهروي، قال: حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض..". انظر " مقدمة فتح الباري " ص 6.
(*) طبقات الصوفية: 294 291، حلية الأولياء: 10 / 325 324، تاريخ بغداد 7 / 102 100، الرسالة القشيرية: 24، المنتظم: 6 / 217، صفة الصفوة 2 / 450 448، العبر: 2 / 164 163، دول الإسلام: 1 / 191 190، الوافي بالوفيات 10 / 290 289، مرآة الجنان: 2 / 269 268، البداية والنهاية: 11 / 159 158 طبقات الأولياء: 124 122، النجوم الزاهرة: 3 / 221 220، حسن المحاضرة 1 / 513 512، شذرات الذهب: 2 / 273 271.(14/488)
وَقَدِ امتُحِنَ فِي ذَاتِ اللهِ، فَصَبَرَ، وَارْتَفَعَ شَأْنُه، فَنَقَلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي (مِحَنِ الصُّوْفِيَّةِ) :
أَنَّ بُنَاناً الحَمَّالَ قَامَ إِلَى وَزِيْرِ خُمَارَوَيْه - صَاحِبِ مِصْرَ - وَكَانَ نَصْرَانِيّاً، فَأَنزَلَهُ عَنْ مَرْكُوْبِهِ، وَقَالَ: لاَ تَركَبِ الخَيْلَ وَعيِّر، كَمَا هُوَ مَأْخُوْذٌ عَلَيْكُم فِي الذِّمَّةِ.
فَأَمَرَ خُمَارَوَيْه بِأَنْ يُؤخَذَ، وَيُوضَعَ بَيْنَ يَدَيْ سَبُعٍ، فَطُرِحَ، فَبَقِيَ لَيْلَةً، ثُمَّ جَاؤُوا وَالسَّبُعُ يَلحَسُهُ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ القِبْلَةِ، فَأَطلَقَهُ خُمَارَوَيْه، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الرُّوْذَبَارِيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ سَبَبُ دُخُوْلِي مِصْرَ حِكَايَةَ بُنَانَ الحَمَّالَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ ابْنَ طُوْلُوْنَ بِالمَعْرُوْفِ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُلقَى بَيْنَ يَدَيْ سَبُعٍ، فَجَعَلَ السَّبُعُ يَشُمُّهُ وَلاَ يَضُرُّه، فَلَمَّا أُخرِجَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ السَّبُعِ، قِيْلَ لَهُ: مَا الَّذِي كَانَ فِي قَلْبِكَ حَيْثُ شَمَّكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أَتَفَكَّرُ فِي سُؤرِ السِّبَاعِ وَلُعَابِهَا.
قَالَ: ثُمَّ ضُرِبَ سَبْعَ دِرَرٍ، فَقَالَ لَهُ - يَعْنِي: لِلْمَلِكِ -:حَبَسَكَ اللهُ بِكُلِّ دِرَّةٍ سَنَةً.
فَحُبِسَ ابْنُ طُوْلُوْنَ سَبْعَ سِنِيْنَ - كَذَا قَالَ -.
وَمَا عَلِمتُ خُمَارَوَيْه وَلاَ أَبَاهُ حُبِسَا.
وَذَكَرَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ القَاضِي أَبَا عُبَيْدِ اللهِ احتَالَ عَلَى بُنَانَ حَتَّى ضَرَبَه سَبْعَ دِرَرٍ، فَقَالَ: حَبَسَكَ اللهُ بِكُلِّ دِرَّةٍ سَنَةً.
فَحَبَسَهُ ابْنُ طُوْلُوْنَ سَبْعَ سِنِيْنَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: سَمِعْتُ بُنَاناً يَقُوْلُ: الحُرُّ عَبْدٌ مَا طَمِعَ، وَالعَبْدُ حُرٌّ مَا قَنِعَ.
وَمِنْ كَلاَمِ بُنَانَ: مَتَى يُفْلِحُ مَنْ يَسُرُّهُ مَا يَضُرُّه؟!
وَقَالَ: رُؤْيَةُ الأَسبَابِ عَلَى الدَّوَامِ قَاطِعَةٌ عَنْ مُشَاهَدَةِ المُسَبِّبِ، وَالإِعرَاضُ عَنِ الأَسبَابِ جُمْلَةً يُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إِلَى رُكُوْبِ البَاطِلِ.
يُرْوَى: أَنَّهُ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ مائَةُ دِيْنَارٍ، فَطَلَبَ الرَّجُلُ الوَثِيقَةَ،(14/489)
فَلَمْ يَجِدْهَا، فَجَاءَ إِلَى بُنَانَ لِيَدعُو لَهُ، فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ قَدْ كَبِرْتُ، وَأُحِبُّ الحَلْوَاءَ، اذْهَبِ اشْتَرِ لِي مِنْ عِنْدِ دَارِ فَرَجٍ رِطْلَ حُلْوَاءَ حَتَّى أَدْعُوَ لَكَ.
فَفَعَل الرَّجُلُ، وَجَاءَ، فَقَالَ بُنَانُ: افتَحْ وَرقَةَ الحُلوَاءِ.
فَفَتَحَ، فَإِذَا هِيَ الوَثِيقَةُ، فَقَالَ: هِيَ وَثِيْقَتِي.
قَالَ: خُذهَا، وَأَطعِمِ الحُلوَاءَ صِبْيَانَك.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ بُنَانُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَخَرَجَ فِي جِنَازَتِه أَكْثَرُ أَهْلِ مِصْرَ، وَكَانَ شَيْئاً عَجَباً مِنِ ازدِحَامِ الخَلاَئِقِ.
275 - ابْنُ المُنْذِرِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ النَّيْسَابُوْرِيُّ الفَقِيْهُ، نَزِيْلُ مَكَّةَ، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ كَـ (الإِشْرَافِ فِي اخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ) ، وَكِتَابِ (الإِجْمَاعِ) ، وَكِتَابِ (المَبْسُوْطِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ مَوتِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَرَوَى عَنِ: الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مَذْكُوْرِينَ فِي كُتُبِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَمَّارٍ
__________
(*) طبقات العبادي: 67، طبقات الشيرازي: 108، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 197 196، وفيات الأعيان: 4 / 207، تذكرة الحافظ: 3 / 783 782، ميزان الاعتدال: 3 / 451 450، الوافي بالوفيات: 1 / 336، مرآة الجنان: 2 / 262 261، طبقات الشافعية للسبكي: 3 / 108 102، العقد الثمين: 1 / 408 407، لسان الميزان: 5 / 28 27، طبقات المفسرين للسيوطي: 28، طبقات الحفاظ: 328، طبقات المفسرين للداودي: 2 / 51 50، شذرات الذهب: 2 / 280، الرسالة المستطرفة: 77، طبقات الاصوليين: 1 / 169 168.(14/490)
الدِّمْيَاطِيُّ، وَالحُسَيْنُ وَالحَسَنُ؛ ابْنَا عَلِيِّ بنِ شَعْبَانَ.
وَلَمْ يَذْكُرْهُ الحَاكِمُ فِي (تَارِيْخِهِ) نَسِيَه، وَلاَ هُوَ فِي (تَارِيْخِ بَغْدَادَ) ، وَلاَ (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) ، فَإِنَّهُ مَا دَخَلَهَا.
وعِدَادُهُ فِي الفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّيْنِ النَّوَاوِيُّ (1) :لَهُ مِنَ التَّحْقِيْقِ فِي كُتُبِه مَا لاَ يُقَارِبُهُ فِيْهِ أَحَدٌ، وَهُوَ فِي نِهَايَةٍ مِنَ التَّمكُّنِ مِنْ مَعْرِفَة الحَدِيْثِ، وَلَهُ اخْتِيَارٌ فَلاَ يَتَقيَّدُ فِي الاخْتِيَارِ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ، بَلْ يَدُورُ مَعَ ظُهُوْر الدَّلِيْلِ.
قُلْتُ: مَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ إِلاَّ مَنْ هُوَ قَاصِرٌ فِي التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ، كَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا، أَوْ مَنْ هُوَ مُتَعَصِّبٌ، وَهَذَا الإِمَامُ فَهُوَ مِنْ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، جَارٍ فِي مِضْمَارِ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، وَتِلْكَ الحَلَبَةِ - رَحِمَهُمُ اللهُ -.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّ مائَةٍ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ، حَدَّثَنَا الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ (الطَّبَقَاتِ (2)) ، قَالَ:
وَمِنْهُم أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، مَاتَ بِمَكَّةَ، سنَةَ تِسْعٍ - أَوْ عَشْرٍ - وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَصَنَّفَ فِي اخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ كُتُباً لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ مِثلَهَا، وَاحْتَاجَ إِلَى كُتُبِهِ المُوَافِقُ وَالمُخَالِفُ، وَلاَ أَعْلَمُ عَمَّنْ أَخَذَ الفِقْهَ.
قُلْتُ: قَدْ أَخَذَ عَنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ وَفَاتِه، فَهُوَ عَلَى التَّوَهُّمِ، وَإِلاَّ فَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ ابْنُ عَمَّارٍ فِي سَنَةِ
__________
(1) في " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 197.
(2) ص 108.(14/491)
سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَأَرَّخَ الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ بنُ قَطَّانَ الفَاسِيُّ وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ إِذْناً، عَنْ عَائِشَةَ بِنْت مَعْمَرٍ (ح) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَلاَّنِيُّ، أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا المُؤَيَّدُ بنُ الأخوةِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَبِي الرَّجَاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ - فَقِيْهُ مَكَّةَ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى البُرُلُّسِيُّ، عَنْ حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صلَى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (مَنْ جَرَّ لِنَفْسِهِ شَيْئاً لِيَقْتُلَهَا، فَإِنَّمَا يَجْعَلُهَا فِي النَّارِ، وَمَنْ طَعَنَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، فَإِنَّمَا يَطْعَنُهَا فِي النَّارِ، وَمِنِ اقْتَحَمَ، فَإِنَّمَا يَقْتَحِمُ فِي النَّارِ (1)) .
غَرِيْبٌ.
وَلاِبْنِ المُنْذِرِ (تَفْسِيْرٌ) كَبِيْرٌ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّداً، يَقضِي لَهُ بِالإِمَامَةِ فِي عِلْمِ التَّأْوِيْلِ أَيْضاً.
276 - أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَدْلُ، الرَّئِيْسُ، أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) إسناده حسن، وقد رواه البخاري: 10 / 211 في الطب: باب شرب السم والدواء به، ومسلم (109) في الايمان: باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وأبو داود (3872) والترمذي (2043) والنسائي: 4 / 67 66 من طرق عن الأعمش سليمان بن مهران عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تردى من جبل، فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما، فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ فيها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ".
(*) تاريخ جرجان: 83، المنتظم: 6 / 225، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد =(14/492)
أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ مُسْلِمِ بنِ يَزِيْدَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الحِيْرِيُّ، سِبْطُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ عَمْرٍو الحَرَشِيِّ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقَ بنَ مَنْصُوْرٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ هَاشِمٍ، وَعِيْسَى بنَ أَحْمَدَ العَسْقَلاَنِيَّ، وَبَحْرَ بنَ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيَّ - لَقِيَهُ بِمَكَّةَ - وَأَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيَّ، وَأَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، وَابْنَ وَارَةَ، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
سَمِعَ مِنْهُ: شَيْخُهُ؛ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتَمْلِي، وَدَعْلَجٌ السِّجْزِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدُوْسٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ صَدْراً مُعَظَّماً، وَعَالِماً مُحْتَشِماً.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
فَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الحِيْرِيُّ - شَيْخُ البَيْهَقِيِّ - هُوَ حَفِيْدُهُ.
277 - الطُّوْسِيُّ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، المُصَنِّفُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرِ بنِ طَهْمَانَ القَيْسِيُّ، الطُّوْسِيُّ.
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ هَاشِمٍ الطُّوْسِيَّ، وَإِسْحَاقَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكَوْسَجَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بِشْرٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
__________
= الهادي: الورقة 126 / 2، تذكرة الحفاظ: 3 / 799 798، العبر: 2 / 169، طبقات الحفاظ: 333، شذرات الذهب: 2 / 275.
(*) العبر: 2 / 171، الوافي بالوفيات: 2 / 36، شذرات الذهب: 2 / 276.(14/493)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الحَافِظُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، وَزَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: بِنُوْقَانَ (1) ، فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِيْنَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ بِطُوْسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثَ: أَرب مَا لَهُ؟
__________
(1) نوقان.
بالضم والقاف وآخره نون: إحدى قصبتي طوس.
لان " طوس " ولاية ولها مدينتان، إحداهما: طابران، والاخرى نوقان.
انظر " معجم البلدان " 5 / 311.
(2) أخرجه البخاري: 10 / 347 في الأدب: باب فضل صلة الرحم، ومسم (13) في الايمان: باب بيان الايمان الذي يدخل به الجنة، كلاهما من طريق عبد الرحمن بن بشر، حدثنا بهز، حدثنا شعبة، حدثنا محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب، وأبوه عثمان بن عبد الله: أنهما سمعا موسى بن طلحة، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ فقال القوم: ماله ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرب ماله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم.
ذرها قال: كأنه كان على راحلته.
وأخرجه البخاري: 3 / 209 208 في أول الزكاة، من طريق حفص بن عمر، عن شعبة، وأخرجه مسلم (13) من طريق محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن موسى بن طلحة، وعن أبي أيوب.
وأخرجه أيضا من طريق أبي الاحوص، عن أبي إسحاق، عن موسى بن طلحة، عن أبي أيوب.
وأخرجه النسائي: 1 / 234 في ثواب من أقام الصلاة، من طريق محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، عن بهز، عن شعبة.
وقوله: " أرب " روي بكسر الراء وفتح الباء.
قال الحافظ في " الفتح " 3 / 209
وظاهره الدعاء، والمعنى التعجب من السائل.
وقال النضر بن شميل: يقال: أرب الرجل في الامر: إذا بلغ فيه جهده.
وقال الاصمعي: أرب في الشئ: أي صار ماهرا فيه، فهو أريب، وكأنه تعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته.
ويؤيده قوله في رواية لمسلم: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد وفق " أو: " لقد هدي ".
وقال في " مقدمة الفتح " 76 75: قوله: أرب =(14/494)
278 - ابْنُ لُبَابَةَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عُمَرَ القُرْطُبِيُّ *
شَيْخُ المَالِكِيَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عُمَرَ بنِ لُبَابَةَ القُرْطُبِيُّ، مَوْلَى آلِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ الأَعْلَى بنِ وَهْبٍ، وَأَبَانِ بنِ عِيْسَى، وَأَصْبَغَ بنِ خَلِيْلٍ، وَالعُتْبِيِّ، وَابْنِ صَبَّاحٍ.
وَسَمِعَ (المُوَطَّأَ) مِنْ يَحْيَى بنِ مُزَيْنٍ - صَاحِبِ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِ اللهِ -.
انْتَهَتْ إِلَيْهِ الإِمَامَةُ فِي المَذْهَبِ.
قَالَ ابْنُ الفَرَضِيِّ: وَكَانَ حَافِظاً لأَخْبَارِ الأَنْدَلُسِ، لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّحْوِ وَالشِّعرِ، وَلِيَ الصَّلاَةَ بِقُرْطُبَةَ.
وَرَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلمٌ بِالحَدِيْثِ، بَلْ يَنْقُلُ بِالمَعْنَى.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَاجِيُّ.
__________
= ماله: بفتح الالف والموحدة بينهما راء مكسورة، وبفتح أوله وثانية وتنوين الموحدة، ولابي ذر: بفتح الجميع.
فمن جعله فعلا، فمعناه: احتاج أو تفطن.
يقال: أرب، إذا عقل، فهو أريب.
وقيل: معناه: تعجب من حرصه.
وقيل: دعاء عليه بسقوط آرابه وهي أعضاؤه وهو كقول عمر رضي الله عنه: أربت عن بدنك، أي: تقطعت آرابك عن بدنك.
ومن جعله
اسما، فمعناه: حاجة جاءت به، وتكون " ما " فيه زائدة. وأنكر عياض توجيه رواية أبي ذر، ووجهها ابن الأثير بأن معناه: أنه ذو خبرة وعلم.
(*) تاريخ علماء الأندلس: 2 / 35 34، جذوة المقتبس: 98، بغية الملتمس: 144، العبر: 2 / 160 159، الديباج المذهب: 2 / 191 189، نفح الطيب: 3 / 171، شذرات الذهب: 2 / 269.(14/495)
279 - عَلاَّنُ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ المِصْرِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَدْلُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ الصَّيْقَلِ عَلاَّنُ المِصْرِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَتَبَ وَهُوَ مُرَاهِقٌ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ رُمْحٍ، وَعَمْرِو بنِ سَوَّادٍ، وَسَلَمَةَ بنِ شَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ هِشَامِ بنِ أَبِي خِيْرَةَ، وَخَلْقٍ مِنْ أَقْرَانِهِم.
وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ.
قَالَهُ: ابْنُ يُوْنُسَ.
قَالَ: وَكَانَ أَحَدَ كُبَرَاءِ العُدُولِ، وَفِي خُلُقِهِ زَعَارَةٌ (1) .
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي غَالِبٍ البَزَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الإِخْمِيْمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
عَاشَ: تِسْعِيْنَ سَنَةً.
280 - وَصِيْفُ بنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوْمِيُّ الأَنْطَاكِيُّ **
الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ الرُّوْمِيُّ، الأَنطَاكِيُّ، الأُشْرُوْسَنِيُّ (2) ، رَحَّالٌ، جَوَّالٌ.
__________
(1) في " اللسان ": في خلقه زعارة بتشديد الراء وزعارة بالتخفيف: أي شراسة وسوء خلق.
(*) العبر: 2 / 171 170، حسن المحاضرة: 1 / 367، شذرات الذهب: 2 / 276.
(* *) تاريخ ابن عساكر: 17 / 388 / أ.
(2) نسبة إلى " أشر وسنة " بالشين المعجمة كما في " البلدان ".
وضبطها السمعاني بالسين المهملة. وهي بلدة كبيرة فيما وراء النهر، بين سيحون وسمرقند.(14/496)
حَدَّثَ عَنْ: أَحْمَدَ بنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ، وَحَاجِبِ بنِ سُلَيْمَانَ المَنْبِجِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ سِرَاجٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ سَيْفٍ الحَرَّانِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو بَكْرٍ؛ ابْنَا أَبِي دُجَانَةَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَحَمْزَةُ الكِنَانِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ اليَقْطِيْنِيُّ.
حَدَّثَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
281 - ابْنُ البُهْلُوْلِ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ التَّنُوْخِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُتَفَنِّنُ، القَاضِي الكَبِيْرُ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُوْلِ بنِ حَسَّانٍ التَّنُوْخِيُّ، الأَنْبَارِيُّ، الفَقِيْهُ، الحَنَفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: أَبَا كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ زُنْبُوْرٍ المَكِّيَّ، وَيَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ المُثَنَّى، وَأَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَأَبَاهُ؛ إِسْحَاقَ بنَ بُهْلُوْلٍ الحَافِظَ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الوَرَّاقُ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْن، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ، إِمَاماً، ثِقَةً، عَظِيْمَ الخَطَرِ، وَاسِعَ الأَدَبِ، تَامَّ المُرُوْءةِ، بَارِعاً فِي العَرَبِيَّةِ.
وَلِيَ قَضَاءَ مَدِيْنَةِ المَنْصُوْرِ عِشْرِيْنَ سَنَةً،
__________
(*) تاريخ بغداد: 4 / 34 30، نزهة الالباء: 257 253، المنتظم: 6 / 234 231، معجم الأدباء: 2 / 161 138، الكامل في التاريخ: 8 / 223، العبر: 2 / 171، الوافي بالوفيات: 6 / 237 235، البداية والنهاية: 11 / 165، الجوانر المضية: 1 / 59 57، بغية الوعاة: 1 / 296 295، شذرات الذهب: 2 / 276.(14/497)
وَعُزِلَ قَبْلَ مَوْتِه بِعَامٍ.
وَكَانَ لَهُ مُصَنَّفٌ فِي نَحْوِ الكُوْفِيِّينَ، وَكَانَ أَدِيْباً، بَلِيْغاً، مُفَوَّهاً شَاعِراً.
قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: مَا رَأَيْتُ صَاحِبَ طَيْلسَانَ أَنْحَى مِنْهُ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبُوْهُ (1) مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ، لقيَ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَطَبَقَتَه، وَهُم مِنْ بَيْتِ العِلْمِ وَالجَلاَلَةِ.
وَكَانَ أَخُوْهُ؛ بُهْلُوْلُ بنُ إِسْحَاقَ (2) ثِقَةً، مُسْنِداً، يَرْوِي عَنْ سَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَطَبَقَتِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (3) :كَانَ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ حَدِيْثٌ وَاحِدٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَكَانَ ثِقَةً.
وَقَالَ طَلْحَةُ بنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ عَظِيْم القَدْرِ، وَاسِعَ الأَدَبِ، تَامَّ المُرُوْءةِ، حَسَنَ الفَصَاحَةِ وَالمَعْرِفَةِ بِمَذْهَب أَهْلِ العِرَاقِ، وَلَكِنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ الأَدَبُ، وَكَانَ لأَبِيْهِ (مُسْنَدٌ) كَبِيْرٌ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ دَاوُدُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ إِسْحَاقَ أَسَنَّ مِنْ عَمِّهِ أَحْمَدَ، دَامَ أَحْمَدُ عَلَى قَضَاءِ المَدِيْنَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، جَيِّدَ الضَّبْطِ، مُتَفَنِّناً فِي عُلُوْمٍ شَتَّى، مِنْهَا الفِقْهُ لأَبِي حَنِيْفَةَ، وَرُبَّمَا خَالَفَه، وَكَانَ تَامَّ اللُّغَةِ، حَسَنَ القِيَامِ
__________
(1) هو الحافظ الناقد أبو يعقوب، إسحاق بن بهلول التنوخي الأنباري، مترجم في " تذكرة الحفاظ " 2 / 519 518، وفيها: وفاته في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين ومئتين، وله ثمان وثمانون سنة.
(2) قاضي الانبار، وخطيبها البليغ، ذكره المؤلف في " العبر " 2 / 110 وقال: " كان ثقة، صاحب حديث " توفي سنة ثمان وتسعين ومئتين.
(3) في " تاريخ بغداد " 4 / 30.(14/498)
بِنَحْوِ الكُوْفِيِّينَ، صَنَّفَ فِيْهِ، وَكَانَ وَاسِعَ الحِفْظِ لِلأَخْبَارِ وَالسِّيَرِ وَالتَّفْسِيْرِ وَالشِّعرِ، وَكَانَ خَطِيْباً مُفَوَّهاً، شَاعِراً لَسِناً، ذَا حَظٍّ مِنَ التَّرسُّلِ وَالبَلاَغَةِ، وَرِعاً، مُتَخَشِّناً فِي الحُكْمِ، وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ هِيْتَ (1) وَالأَنْبَارِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، ثُمَّ قَضَاءَ بَعْضِ الجَبَلِ.
قَالَ القَاضِي أَبُو نَصْرٍ يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ: كُنْتُ أَحضُرُ دَارَ المُقْتَدِرِ مَعَ أَبِي وَهُوَ يَنُوْبُ عَنْ وَالِدِهِ أَبِي عُمَرَ القَاضِي، فَكُنْتُ أَرَى أَبَا جَعْفَرٍ القَاضِي يَأْتِيْهِ أَبِي فَيَجلِسُ عِنْدَهُ، فَيَتَذَاكَرَانِ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْهِمَا عَدَدٌ مِنَ الخَدَمِ، فَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُوْلُ:
أَحْفَظُ لِنَفْسِي مِنْ شِعْرِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ (2) ، وَأَحْفَظُ لِلنَّاسِ أَضعَافَ ذَلِكَ.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ: كُنْتُ مَعَ أَبِي فِي جَنَازَةٍ، وَإِلَى جَانِبِه أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، فَأَخَذَ أَبِي يَعِظُ صَاحِبَ المُصِيْبَةِ وَيُسَلِّيهِ، فَدَاخَلَهُ الطَّبَرِيُّ فِي ذَلِكَ، وَذنَّبَ (3) مَعَهُ، ثُمَّ اتَّسَعَ الأَمْرُ بَينَهُمَا، وَخَرَجَا إِلَى فُنُوْنٍ أَعجَبَتْ مَنْ حَضَرَ، وَتَعَالَى النَّهَارُ، فَلَمَّا قُمْنَا، قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! مَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟
قُلْتُ: هَذَا مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ.
فَقَالَ: إِنَّا للهِ! مَا أَحْسَنْتَ عِشْرَتِي، أَلاَ قُلْتَ لِي.
فَكُنْتُ أُذَاكِرُه غَيْرَ تِلْكَ المُذَاكَرَةِ؟
__________
(1) قال ابن السكيت: سميت " هيت " لأنها في هوة من الأرض، انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، قال رؤبة: في ظلمات تحتهن هيت أي هوة من الأرض.
وذكر أهل الاثر أنها سميت باسم بانيها وهو هيت بن السبندى..وهي بلدة على الفرات من نواحي بغداد، فوق الانبار، ذات نخل كثير، وخيرات واسعة، وبها قبر عبد الله بن المبارك رحمه الله. انظر " معجم البلدان " 5 / 421 420.
(2) في الأصل: خمسة عشر ألف حديث، وما أثبتناه من " تاريخ بغداد " 4 / 32، و" معجم الأدباء " 2 / 141.
(3) كذا الأصل، وفي " تاريخ بغداد ": دأب.(14/499)
هَذَا رَجُلٌ مَشْهُوْرٌ بِالحِفْظِ وَالاتِّسَاعِ.
فَمَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ حَضَرنَا فِي حَقِّ رَجُلٍ آخَرَ، وَجَلَسنَا، وَجَاءَ الطَّبَرِيُّ، فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ أَبِي، وَتَجَارَيَا، فَكُلَّمَا جَاءَ إِلَى قَصِيْدَةٍ، ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ بَعْضَهَا، وَيُنْشِدُهَا أَبِي، وَكُلَّمَا ذَكَرَ شَيْئاً مِنَ السِّيَرِ، فَكَذَلِكَ، فَرُبَّمَا تَلَعْثَمَ وَأَبِي يَمُرُّ فِي جَمِيْعِهِ، فَمَا سَكَتَ إِلَى الظُّهْرِ.
أَرَّخ مَوْتَهُ: ابْنُ قَانِع، وَيُوْسُفُ القَوَّاسُ - كَمَا مَرَّ -.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ - وَهُوَ وَهْمٌ -.
282 - الطَّرْمِيْسِيُّ الحَسَنُ بنُ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ *
المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو سَعِيْدٍ الحَسَنُ بنُ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ الهَاشِمِيُّ مَوْلاَهُمُ، الطِّرْمِيْسِيُّ، وَلاَؤُه لِلْحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَغَيْرِهِ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَفَّارِ بنِ ذَكْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ السِّمطِ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قُلْتُ: لَهُ خَبَرٌ مُنكَرٌ، رَوَاهُ ابْنُ ذَكْوَانَ المَذْكُوْرُ، عَنْهُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا بَحِيْرٌ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبٍ:
رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُوْلُ: (مَنْ بَاتَ كَالاًّ مِنْ عَمَلِهِ، بَاتَ مَغْفُوْراً لَهُ) (1) .
__________
(*) تاريخ ابن عساكر: 4 / 324 / أ، معجم البلدان: 4 / 32، تهذيب ابن عساكر: 4 / 281.
(1) أخرجه ابن عساكر في " تاريخه " خ 4 / 324 / أ، وهو ضعيف لضعف عبد الله بن محمد ابن عبد الغفار.(14/500)
283 - ابْنُ صَاعِدٍ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدِ بنِ كَاتِبٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، مُحَدِّثُ العِرَاقِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، البَغْدَادِيُّ، مَوْلَى الخَلِيْفَةِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ، رَحَّالٌ، جَوَّالٌ، عَالِمٌ بِالعِلَلِ وَالرِّجَالِ.
قَالَ: وُلِدْتُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَتَبتُ الحَدِيْثَ عَنِ ابْنِ مَاسَرْجِسَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
قُلْتُ: سَمِعَ: يَحْيَى بنَ سُلَيْمَانَ بنِ نَضْلَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عِمْرَانَ العَابِدِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ سُلَيْمَانَ لُوَيْناً، وَأَحْمَدَ بنَ مَنِيْعٍ، وَسَوَّارَ بنَ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، وَالحَسَنَ بنَ عِيْسَى بنِ مَاسَرْجِسَ، وَيَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ العَلاَءِ العَطَّارَ، وَعَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ، وَجَمِيْلَ بنَ الحَسَنِ الجَهْضَمِيَّ، وَالحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَمُؤَمَّلَ بنَ هِشَامٍ اليَشْكُرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَفْصٍ الأَنْصَارِيَّ، وَأَبَا هِشَامٍ الرِّفَاعِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ هِشَامٍ المَرْوَزِيَّ، وَسُفْيَانَ بنَ وَكِيْعٍ، وَالقَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيَّ، وَعُمَرَ بنَ شَبَّةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى بنِ أَبِي حَزْمٍ القُطَعِيَّ، وَأَزْهَرَ بنَ جَمِيْلٍ، وَأَبَا عُبَيْدِ اللهِ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيَّ المَكِّيَّ، وَعَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَمْرِو بنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبَا هَمَّامٍ الوَلِيْدَ بنَ شُجَاعٍ، وَسَعِيْدَ بنَ يَحْيَى الأُمَوِيَّ، وَإِسْحَاقَ بنَ شَاهِيْن، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ الجُبَيْرِيَّ، وَالرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ
__________
(*) فهرست ابن النديم: 325، تاريخ بغداد: 14 / 234 231، تاريخ ابن عساكر: 18 / 89 / أ، المنتظم: 6 / 236 235، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 133 / 1، تذكرة الحفاظ: 2 / 778 776، العبر: 2 / 174 173، دول الإسلام: 1 / 192، مرآة الجنان: 2 / 277، البداية والنهاية: 11 / 166، النجوم الزاهرة: 3 / 288، طبقات الحفاظ: 236 235، شذرات الذهب: 2 / 280.(14/501)
المُرَادِيَّ، وَبَحْرَ بنَ نَصْرٍ الجُوْلاَنِيَّ، وَبَكَّارَ بنَ قُتَيْبَةَ، وَأَبَا مُسْلِمٍ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ الحَرَّانِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ شَبِيْبٍ الرَّبَعِيَّ، وَيَحْيَى بنَ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ المُقْرِئَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَأَحْمَدَ بنَ المِقْدَامِ العِجْلِيَّ، وَحُمَيْدَ بنَ الرَّبِيْعِ، وَزَيْدَ بنَ أَخْزَمَ، وَعَبَّادَ بنَ الوَلِيْدِ الغُبَرِيَّ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ فُلَيْحٍ المُقْرِئَ، وَمُحَمَّدَ بنَ مَيْمُوْنٍ الخَيَّاطَ المَكِّيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ مَنْصُوْرٍ الجَوَّازَ، وَالحُسَيْنَ بنَ الحَسَنِ المَرْوَزِيَّ، وَالزُّبَيْرَ بنَ بَكَّارٍ، وَسَلَمَةَ بنَ شَبِيْبٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ زُنْبُوْرٍ المَكِّيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ هِشَامٍ بنِ ملاَسٍ الدِّمَشْقِيَّ، وَسَعِيْدَ بنَ مُحَمَّدٍ البَيْرُوْتِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَأَملَى.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَالجِعَابِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه، وَأَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، وَعِيْسَى بنُ الوَزِيْرِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الكَاتِبُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْحٍ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ: كَانَ يُقَالُ: أَئِمَّةٌ ثَلاَثَةٌ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ.
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: وَرَابِعُهُم: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، ثِقَةٌ، إِمَامٌ، يَفُوقُ فِي الحِفْظِ أَهْلَ زَمَانِهِ، ارْتَحَلَ إِلَى مِصْرَ وَالشَّامِ وَالحِجَازِ وَالعِرَاقِ، مِنْهُم مَنْ يُقَدِّمُه فِي الحِفْظِ عَلَى أَقرَانِهِ، مِنْهُم: أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ.
قُلْتُ: وَيَقَعُ لَنَا - بَلْ لأَوْلاَدِنَا وَلِمَنْ سَمِعَ مِنَّا - جُمْلَةٌ مِنْ عَوَالِي حَدِيْثِه.
كَتَبَ إِلَيْنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، أَخْبَرَنَا أَبِي،(14/502)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البقشَلاَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ الأبنُوْسِيِّ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ - ثِقَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ الطَّحَّانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَوْدِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
دَخَلْنَا عَلَى أُسَيْرٍ (1) - رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لاَ يَأْتِيْكَ مِنَ الحَيَاءِ إِلاَّ خَيْرٌ (2)) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لاِبْنِ صَاعِدٍ أَخَوَانِ: يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ يَرْوِي عَنْ خَلاَّدِ بنِ يَحْيَى وَغَيْرِهِ، وَأَحْمَدُ الأَوْسَطُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَلَهُم عَمٌّ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ صَاعِدٍ.
قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، فَقَالَ:
ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، حَافِظٌ، وَعَمُّهُم يُحَدِّثُ عَنْ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ فِي التَّصَوُّفِ وَالزُّهْدِ.
وَقَالَ حَمْزَةُ بنُ يُوْسُفَ السَّهْمِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ عَبْدَانَ، فَقُلْتُ: ابْنُ صَاعِدٍ أَكْثَرُ حَدِيْثاً أَوِ البَاغَنْدِيُّ؟
فَقَالَ: ابْنُ صَاعِدٍ أَكْثَرُ
__________
(1) هو أسير بن عمرو الدرمكي، ويقال: يسير بالياء.
قال علي بن المديني: " أهل الكوفة يسمونه أسير بن عمرو، وأهل البصرة يسمونه أسير بن جابر ".
ولد مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات سنة خمس وثمانين، وهو معدود في كبار أصحاب ابن مسعود.
انظر " أسد الغابة " 1 / 116.
(2) رجاله ثقات، وهو في " تاريخ بغداد " 11 / 295.
وأخرجه ابن سعد في " طبقات الكبرى " 7 / 68 67 من طريق يحيى بن حماد بهذا الإسناد.
وذكره الحافظ ابن حجر في " الإصابة " 1 / 50 في ترجمة أسير وزاد نسبته للبخاري في " تاريخه " والبغوي، وابن السكن، وابن شاهين، من طريق أبي عوانة. وهو في " أسد الغابة " 1 / 116.
وفي اللباب عن عمران بن حصين بلفظ: " الحياء لا يأتي إلا بخير " أخرجه البخاري: 10 / 433 في الأدب: باب الحياء، ومسلم (37) في الايمان: باب بيان عدد شعب الايمان.(14/503)
حَدِيْثاً، وَلاَ يَتَقَدَّمُه أَحَدٌ فِي الدِّرَايَةِ، وَالبَاغَنْدِيُّ أَعْلَى إِسْنَاداً مِنْهُ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ بِالعِرَاقِ فِي أَقرَانِ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ صَاعِدٍ أَحَدٌ فِي فَهْمِهِ، وَالفَهْمُ عِنْدَنَا أَجَلُّ مِنَ الحِفْظِ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو عَرُوْبَةَ لَحِقَهُ وَصَدَّقَهُ، فَقَالَ لِي: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ صَاعِدٍ حَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القُطَعِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: (لاَ طَلاَقَ قَبْلَ نِكَاحٍ) .
فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا بِهِ مِنْ أَصْلِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُختَلَفٌ فِيْهَا مِنْ لَدُنِ التَّابِعِيْنَ، لَوْ كَانَ ثُمَّ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، لَكَانَ عِلمُ النُّظَّارِ فِي الشُّهرَةِ، وَلَما كَانُوا يَحْتَجُّوْنَ ضَرُوْرَةً لِحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ (1) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا ابْنُ صَاعِدٍ مِنْ أَصْلِهِ بِحَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القُطَعِيِّ فِي: (لاَ طَلاَقَ قَبْلَ نِكَاحٍ) .
قَالَ: فَارْتَجَّتْ بَغْدَادُ، وَتَكَلَّمَ النَّاسُ بِمَا تَكَلَّمُوا بِهِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الصَّفَّارِ نَكْتُبُ مِنْ أُصُوْلِهِ، إِذْ وَقَعَ بِيَدي جُزْءٌ مِنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القُطَعِيِّ، فَنَظَرتُ، فَوَجَدْتُ الحَدِيْثَ فِي الجُزْءِ، فَلَمْ أُخبِرْ أَصحَابِي، وَعَدَوتُ إِلَى بَابِ ابْنِ صَاعِدٍ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: البِشَارَةُ.
فَأَخَذَ الجُزْءَ، وَرَمَى بِهِ، ثُمَّ أَسْمَعَنِي، فَقَالَ: يَا فَاعِلُ! حَدِيْثٌ أُحَدِّثُ بِهِ أَنَا، أَحْتَاجُ أَنْ يُتَابِعَنِي عَلَيْهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الصَّفَّارُ.
__________
(1) حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا طلاق إلا فيما تملك.
" أخرجه أحمد في " المسند " 2 / 189 و190 و207، وأبو داود (2190) في الطلاق: باب الطلاق قبل النكاح، وابن ماجه (2047) والترمذي (1181) في الطلاق: باب ما جاء لا طلاق قبل نكاح، وسنده حسن. وانظر " زاد المعاد " 5 / 215 وما بعدها.(14/504)
قَالَ البَرْقَانِيُّ: قَالَ لِي الفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ:
كُنْتُ عِنْد ابْنِ صَاعِدٍ، فَجَاءتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ لَهُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ! مَا تَقُولُ فِي بِئْرٍ سَقَطَتْ فِيْهِ دَجَاجَةٌ فَمَاتَتْ، هَذَا المَاءُ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ؟
فَقَالَ يَحْيَى: وَيْحَكِ! كَيْفَ سَقَطَتِ الدَّجَاجَةُ، أَلاَ غَطَّيْتِيْهِ؟
قَالَ الأَبْهَرِيُّ: فَقُلْتُ لَهَا: إِنْ لَمْ يَكُنِ المَاءُ تَغَيَّرَ، فَهُوَ طَاهِرٌ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ يَحْيَى مِنَ الفِقْهِ مَا يُجِيْبُ المَرْأَةَ.
قَالَ الخَطِيْبُ (1) :قَدْ كَانَ ابْنُ صَاعِدٍ ذَا مَحَلٍّ مِنَ العِلْمِ عَظِيْمٍ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ فِي السُّنَنِ وَتَرْتِيْبِهَا عَلَى الأَحْكَامِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُجِبِ المَرْأَةَ وَرِعاً، فَإِنَّ المَسْأَلَةَ فِيْهَا خِلاَفٌ.
قَالَ ابْنُ شَاهِيْن، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ ابْنُ صَاعِدٍ بِالكُوْفَةِ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً وَأَشْهُرٍ.
وَقَدْ ذَكَرنَا مُخَاصَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، وَحَطَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، وَنَحْنُ لاَ نَقْبَلُ كَلاَمَ الأَقرَانِ بَعْضِهِم فِي بَعْضِ، وَهُمَا - بِحَمْدِ اللهِ - ثِقَتَانِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلَى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسَاءِ) (2) .
__________
(1) في " ترجمة " 14 / 233، وما بين حاصرتين منه.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري: 4 / 318 في البيوع: باب بيع الدينار بالدينار نساء، من طريق ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي صالح أنه سمع أبا سعيد =(14/505)
وَبِهِ: عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلاَ رَكِبَ المَطَايَا، وَلاَ رَكِبَ الكُورَ رَجُلٌ أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرٍ (1) .
هَذَا ثَابِتٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَزْعُمَ زَاعِمٌ أَنَّ مَذْهَبَهُ: أَنَّ جَعْفَراً أَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
فَإِنَّ هَذَا الإِطلاَقَ لَيْسَ هُوَ عَلَى عُمُوْمِهِ، بَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُوْنَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَقْصدْ أَنْ يُدخِلَ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -.
وَمَاتَ مَعَ ابْنِ صَاعِدٍ: أَبُو عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيُّ الحَافِظُ، وَالقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُوْلٍ التَّنُوْخِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُغَلّسِ البَغْدَادِيُّ - صَاحِبُ لُوَيْنٍ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ بنِ وَرْدَانَ المِصْرِيُّ - صَاحِبُ ابْنِ رُمْحٍ - وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ بَشَّارٍ البَغْدَادِيُّ العَلاَّفُ المُقْرِئُ، وَالمُسْنِدُ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الحَلَبِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَأَبُو
__________
= الخدري يقول: " الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم " فقلت له: إن ابن عباس لا يقوله، فقال أبو سعيد: سألته فقلت: سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله تعالى؟ فقال: كل ذلك، لا أقول وأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولكني أخبرني أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لاربا إلا في النسيئة ".
وأخرجه مسلم (1596) في المساقاة، والنسائي: 7 / 281، وأحمد: 5 / 200 و209 من طرق عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي صالح به.
وأخرجه أحمد: 5 / 204، ومسلم (1596) (102) من طريق سفيان، عن عبد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، عن أسامة.
وأخرجه أحمد: 5 / 202 من طريق ابن إسحاق، حدثنى عبيد الله بن علي بن أبي رافع، عن سعيد بن المسيب، عن أسامة.
(1) إسناده صحيح، وأخرجه الترمذي (3768) في المناقب: باب مناقب جعفر بن أبي طالب، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم: 3 / 209 ووافقه الذهبي.
والاحتذاء: لبس الحذاء.
والمطايا: جمع مطية، وهي ما يركب من الابل، أي: يركب مطاها وهو ظهرها.
والكور بضم الكاف سرج البعير، واسمه الرحل.(14/506)
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَيْرُوْزَ الأَنْمَاطِيُّ، وَشَيْخُ الفُقَهَاءِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ بِمَكَّةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ حَمَّادٍ الأَسْتَرَابَاذِيُّ - رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ الكُتُبَ - وَزَنْجُوَيْه بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ اللَّبَّادُ، وَأَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ زُهَيْرٍ الأُبُلِّيُّ.
284 - الرُّوْيَانِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّوْيَانِيُّ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ) المَشْهُوْرِ.
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الذَّهَبِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَرَكَاتٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدُوَيْه، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّويَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بنُ حَسَنٍ البَصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مِهْرَانَ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَوْسٍ، عَنْ زِيَادِ بنِ كُسَيْبٍ العَدَوِيِّ، قَالَ:
خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرٍ إِلَى الجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ، وَأَبُو بِلاَلٍ تَحْتَ المِنْبَرِ، فَقَالَ أَبُو بِلاَلٍ: انْظُرُوا إِلَى أَمِيْرِكُم يَلْبَسُ لِبَاسَ الفُسَّاقِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ وَهُوَ تَحْتَ المِنْبَرِ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللهِ فِي الأَرْضِ، أَهَانَهُ اللهُ) (1) .
__________
(*) مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة: 129 / 2، تذكرة الحافظ: 2 / 754 752، العبر: 2 / 135، الوافي بالوفيات: 5 / 148، مرآة الجنان: 2 / 249، البداية والنهاية: 11 / 131، طبقات الحفاظ: 317 316، شذرات الذهب: 2 / 251، الرسالة المستطرفة: 72.
(1) إسناده حسن، وهو في " مسند الطيالسي " 2 / 167، وأحمد: 5 / 42 و49، والترمذي (2224) في الفتن، وقال: هذا حديث حسن غريب.(14/507)
أَبُو بِلاَلٍ هَذَا هُوَ: مِرْدَاسُ بنُ أُدَيَّةَ خَارِجِيٌّ، وَمِنْ جَهْلِهِ عَدَّ ثِيَابَ الرِّجَالِ الرِّقَاقَ لِبَاسَ الفُسَّاقِ.
أَخْرَجَهُ: الرُّويَانِيُّ فِي (مُسْنَدِهِ) .
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ: أَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ شَاهِيْن، وَأَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيِّ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ، وَيَحْيَى بنِ حَكِيْمٍ المُقَوِّمِ، وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَابْنِ وَارَةَ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
وَلَهُ الرِّحلَةُ الوَاسِعَةُ، وَالمَعْرِفَةُ التَّامَةُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ القِرْمِيْسِينِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ فَنَّاكِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ: أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ تَصَانِيْفَ فِي الفِقْهِ، وَأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وحكَى الحَافِظُ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ الصَّحَّافَ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ البَكْرِيَّ يَقُوْلُ: جَمَعَتِ الرِّحلَةُ بِمِصْرَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرُّويَانِيِّ، فَأَرْمَلُوا، وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُم قُوْتٌ، وَجَاعُوا، فَاجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ، وَاقْتَرَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ القُرعَةُ يَسْأَلُ لَهُم، قَالَ: فَخَرَجَتْ عَلَى ابْنِ خُزَيْمَةَ.
فَقَالَ: أَمْهِلُوْنِي حَتَّى أُصَلِّيَ.
وَقَامَ، فَإِذَا هُمْ بِشَمْعَةٍ وَخَصِيٍّ مِنْ قِبَلِ أَمِيْرِ مِصْرَ، فَفَتَحُوا لَهُ، فَقَالَ: أَيُّكُم مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ؟
فَقِيْلَ: هَذَا.
فَأَخْرَجَ صُرَّةً فِيْهَا خَمْسُوْنَ دِيْنَاراً، فَدَفَعهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُم مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ؟
قَالُوا: هَذَا.
فَأَعطَاهُ مِثلَهَا، ثُمَّ أَعطَى كَذَلِكَ لاِبْنِ خُزَيْمَةَ وَالرُّويَانِيِّ، ثُمَّ حَدَّثهُم أَنَّ الأَمِيْرَ كَانَ قَائِلاً بِالأَمسِ، فَرَأَى فِي نَومِهِ أَنَّ المَحَامِدَ جِيَاعٌ قَدْ طَوَوْا، فَأَنفَذَ إِلَيْكُم هَذِهِ الصُّرَرَ، وَأَقسَمَ عَلَيْكُم: إِذَا(14/508)
نَفَدَتْ أَنْ تُعَرِّفُونِي (1) .
أَخْبَرَنَا قَاضِي القُضَاةِ تَقِيُّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الرُّويَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ:
أَنَّ وَلِيدَةً فِي عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَتْ مِنَ الزِّنَى، فَسُئِلَتْ: مَنْ أَحْبَلَكِ؟
قَالَتْ: أَحبَلَنِي المُقعدُ.
فَسُئِلَ، فَاعْتَرَفَ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّهُ لَضَعِيفٌ عَنِ الجَلدِ) .
فَأَمَرَ بِمائَةِ عُثْكُوْلٍ، فَضُرِبَ بِهَا ضَربَةً وَاحِدَةً.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، صَالِحُ الإِسْنَادِ (2) .
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي
__________
(1) سبق ذكر هذا الخبر في ترجمة محمد بن جرير الطبري. انظر الحاشية (2) من الصفحة 271 من هذا الجزء.
(2) كيف وفيه فليح بن سليمان، وهو كثير الخطأ.
ونقل الحافظ في " التلخيص " 4 / 59 أن الدارقطني قال بعد أن رواه من حديث فليح، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد:
" وهم فيه فليح، والصواب: عن أبي حازم، عن أبي أمامة بن سهل ".
ورواه أبو داود (4472) من حديث الزهري، عن أبي أمامة، عن رجل من الانصار، ورواه النسائي: من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة بن سهل، عن أبي سعيد الخدري.
قال الحافظ: فإن كانت الطرق كلها محفوظة، فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة، وأرسله مرة.
وقال في " بلوغ المرام ": إسناد هذا الحديث حسن، ولكن اختلف في وصله وإرساله.
وأخرجه أحمد: 5 / 222، وابن ماجه (2574) من طريق ابن إسحاق، عن يعقوب بن عبد الله بن الاشج، عن أبي أمامة بن سهل، عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: كان بين أبياتنا رجل مخدج ضعيف، فلم يرع إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها، فرفع شأنه سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: " اجلدوه ضرب مئة سوط " قالوا: يا نبي الله هو أضعف من ذلك. لو ضربناه مئة سوط مات.
قال: " فخذوا له عثكالا فيه مئة شمراخ، فاضربوه ضربة واحدة ".(14/509)
حَازِمٍ، وَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُسَوِّغُ الحِيَلَ (1) .
285 - أَبُو عَرُوْبَةَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَوْدُوْدٍ السُّلَمِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُعَمَّرُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَرُوْبَةَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَعْشَرٍ مَوْدُوْد السُّلَمِيُّ، الجَزَرِيُّ، الحَرَّانِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَأَوَّلُ سَمَاعِهِ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
سَمِعَ: مَخْلَدَ بنَ مَالِكٍ السَّلَمسِينِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحَارِثِ الرَّافقِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ وَهْبِ بنِ أَبِي كَرِيْمَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُوْسَى الفَزَارِيَّ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ العَلاَءِ، وَالمُسَيَّبَ بنَ وَاضِحٍ، وَأَحْمَدَ بنَ بَكَّارِ بنِ أَبِي مَيْمُوْنَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَعِيْدِ بنِ حَمَّادٍ الأَنْصَارِيَّ، وَأَبَا يُوْسُفَ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ زُنْبُوْرٍ المَكِّيَّ، وَأَيُّوْبَ بنَ مُحَمَّدٍ الوَزَّانَ، وَعَمْرَو بنَ عُثْمَانَ الحِمْصِيَّ، وَكَثِيْرَ بنَ عُبَيْدٍ، وَأَبَا نُعَيْمٍ عُبَيْدَ بنَ هِشَامٍ الحَلَبِيَّ، وَمُعَلّلَ بنَ نُفَيْلٍ النَّهْدِيَّ - صَاحِبَ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ - وَمُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بنَ الضَّحَّاكِ، وَمُحَمَّدَ بنَ مُصَفَّى الحِمْصِيَّ، وَخَلْقاً سِوَاهُم
__________
(1) جمهور العلماء من الأئمة يستدلون بهذا الحديث وبغيره على إباحة الحيل التي تكون وسيلة إلى منفعة مشروعة، وأما الحيل التي تتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وجعل ما ليس بشرعي لابسا المظهر الشرعي، فلا يستريب أحد في أنها من كبائر الاثم، وأقبح المحرمات، وهي من التلاعب بدين الله، واتخاذ آياته هزوا، وهي حرام في نفسها لكونها كذبا وزورا، وحرام من جهة المقصود بها وهو إبطال حق وإثبات باطل.
وقد بسط القول في الحيل وأنواعها ما هو محرم منها وما هو مباح بسطا وافيا الامام ابن القيم في كتابه " إعلام الموقعين " 3 / 159 وما بعده فليراجع.
(*) مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 131 / 2، تذكرة الحفاظ: 2 / 775 774، العبر: 2 / 173 172، دول الإسلام: 1 / 192، مرآة الجنان: 2 / 277، طبقات الحفاظ: 325، شذرات الذهب: 2 / 279، الرسالة المستطرفة: 55.(14/510)
بِالجَزِيْرَةِ، وَالشَّامِ، وَالحِجَازِ، وَالعِرَاقِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القَطَّانُ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مِهْرَانَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الجَرَّاحِ المِصْرِيُّ - ابْنُ النَّحَّاسِ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلاَّنَ الحَرَّانِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ سَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ السَّكَنِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السُّنِّيِّ، وَأَبُو الشَّيْخِ بنُ حَيَّانَ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الآبُرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ - غُنْدَرٌ الوَرَّاقُ - وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بُرِيْدَةَ الأَزْدِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَلَهُ: كِتَابُ (الطَّبَقَاتِ) ، وَكِتَابُ (تَارِيْخُ الجَزِيْرَةِ) سَمِعْنَاهُ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ عَارِفاً بِالرِّجَالِ وَبِالحَدِيْثِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ مُفْتِي أَهْلِ حَرَّانَ، شَفَانِي حِيْنَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْمٍ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ فِي (الكُنَى) :أَبُو عَرُوْبَةَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَوْدُوْدِ بنِ حَمَّادٍ السُّلَمِيُّ، سَمِعَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَمْرٍو البَجَلِيَّ، وَأَبَا وَهْبٍ بنَ مُسَرَّحٍ، وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ، وَأَحْسَنِهِم حِفْظاً، يَرْجِعُ إِلَى حُسْنِ المَعْرِفَةِ بِالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَالكَلاَمِ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ:
كَانَ أَبُو عَرُوْبَةَ غَالِياً فِي التَّشَيُّعِ، شَدِيْدَ المَيْلِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ.
قُلْتُ: كُلُّ مَنْ أَحَبَّ الشَّيْخَيْنِ فَلَيْسَ بِغَالٍ، بَلْ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ تَنَقُّصٍ فَإِنَّهُ رَافِضِيٌّ غَالٍ، فَإِنْ سَبَّ، فَهُوَ مِنْ شِرَارِ الرَّافِضَةِ، فَإِنْ كَفَّرَ فَقَدْ بَاءَ بِالكُفْرِ، وَاسْتَحَقَّ الخِزْيَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ فَمِنْ أَيْنَ يَجِيْئُهُ الغُلُوُّ وَهُوَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ وَحَرَّانِيٌّ؟ بَلَى لَعَلَّهُ يَنَالُ مِنَ المَرْوَانِيَّةِ، فَيُعذَرُ.(14/511)
قَالَ القَرَّابُ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَة وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ الهَرَوِيِّ: أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَرُوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو المُهَاجِرِ، عَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ ثَلاَثاً ثَلاَثاً (1) .
286 - ابْنُ طَلاَّبٍ أَبُو الجَهْمِ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الخَطِيْبُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الجَهْمِ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ طَلاَّبٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثُمَّ المشغرَانِيُّ، خَطِيْبُ مشغرَا.
أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةِ بَيْتِ لِهْيَا (2) ، وَكَانَ يُؤَدِّبُ بِهَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مشغرَا.
وَكَانَ يَقْدُمُ دِمَشْقَ وَيُحَدِّثُ عَنْ: هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَهِشَامِ بنِ خَالِدٍ الأَزْرَقِ، وَعَلِيِّ بنِ سَهْلٍ الرَّمْلِيِّ، وَعِدَّةٍ.
__________
(1) إسناده حسن.
وفي الباب عن علي رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا " أخرجه الترمذي (44) وأبو داود (116) وغيرهما، وإسناده صحيح.
وفي صحيح مسلم برقم (230) أن عثمان توضأ بالمقاعد اسم موضع بالمدينة فقال: ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم توضأ ثلاثا ثلاثا.
ورواه البخاري: 1 / 226 بأطول من هذا، وبوب له باب الوضوء ثلاثا ثلاثا.
(*) الأنساب: 531 / ب، معجم البلدان: 5 / 134، العبر: 2 / 175، الوافي بالوفيات: 6 / 334، النجوم الزاهرة: 3 / 232، شذرات الذهب: 2 / 281.
(2) قال ياقوت: بكسر اللام، وسكون الهاء، وياء وألف، كذا يتلفظ بها، والصحيح: بيت الالاهة.
وهي قرية مشهورة بغوطة دمشق، وللشعراء فيها أشعار كثيرة، منها قول الاطرابلسي: سقاها وروى من النيرين * إلى الغيضتين وحمورية إلى بيت لهيا إلى برزة * دلاح مكفكفة الاوعبة والنسبة إلى بيت لهيا: بتلهي.
انظر " معجم البلدان " 1 / 522.(14/512)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ - وَالِدُ تَمَّامٍ - وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ: أَصْلُهُ مِنْ بَيْتِ لِهْيَا، كَانَ يُعَلِّمُ بِهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَشْغَرَا (1) ؛قَريَةٍ عَلَى سَفحِ جَبَلِ لُبْنَانَ، فَصَارَ خَطِيْبهَا، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَأْتِي إِلَى دِمَشْقَ، فَمَاتَ بِهَا فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ زَبْرٍ أَنَّ ابْنَ طَلاَّبٍ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ، فَمَاتَ لِوَقْتِهِ.
قُلْتُ: وَجَدُّهُم هُوَ طَلاَّبُ بنُ كَثِيْرٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: سُفْيَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ، وَالفَضْلُ بنُ الخَصِيْبِ بنِ نَصْرٍ، وَوَالِدُ أَبِي الشَّيْخِ، وَالمُؤَمَّلُ بنُ الحَسَنِ المَاسَرْجِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ العَنْزِيُّ - صَاحِبُ عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مَعْدَانَ الفَسَوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو المُنْكَدِرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ بنُ حَربُوَيْه القَاضِي، وَأَسْلَمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْدَلُسِيُّ.
287 - سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ أَبُو عُثْمَانَ الحَلَبِيُّ *
المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، أَبُو عُثْمَانَ الحَلَبِيُّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
__________
(1) انظر " معجم البلدان " 5 / 134.
(*) تاريخ ابن عساكر: 7 / 148 / أ، العبر: 2 / 173، الوافي بالوفيات: 15 / 239 238، النجوم الزاهرة: 3 / 227، شذرات الذهب: 2 / 279، تهذيب ابن عساكر: 6 / 152، تاريخ حلب الشهباء: 4 / 17.(14/513)
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَأَبَا نُعَيْمٍ عُبَيْدَ اللهِ بنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُبَيْدِ اللهِ الحَلَبِيَّ، وَالقَاسِمَ بنَ عُثْمَانَ الجُوْعِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ مُصَفَّى، وَالسَّرِيَّ السَّقَطِيَّ، وَبَرَكَةَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيَّ، وَعِدَّةً.
وَصَحِبَ سَرِيّاً السَّقَطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جِلَّةِ مَشَايِخِ الشَّامِ وَعُلَمَائِهِم.
قَالَهُ: السُّلَمِيُّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَالقَاضِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الأَذنِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدٍ الكِنْدِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ السُّنِّيِّ، وَخَلْقٌ خَاتِمَتُهُم عَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ - أَخُو تَبُوْكٍ -.
قَالَ الحَاكِمُ فِي (الكُنَى) :كَانَ مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ (1) الحَافِظُ: تَخَرَّجَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الأَعْلاَمِ كإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُوَلَّدِ، وَكَانَ مُلاَزِماً لِلشَّرْعِ مُتَّبِعاً لَهُ.
قُلْتُ: يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ سَلِيماً مِنْ تَخبِيطَاتِ الصُّوْفِيَّةِ وَبِدَعِهِم.
قَالَ ابْنُ زَبْرٍ: مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ.
قُلْتُ: عَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
288 - العَلاَّفُ أَبُو بَكْرٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، الأَدِيْبُ، أَبُو بَكْرٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ
__________
(1) في " الحلية " 10 / 366.
(*) تاريخ بغداد: 7 / 380 379، الأنساب: 402 / ب، المنتظم: 6 / 238 237، =(14/514)
بَشَّارٍ النَّهْرَوَانِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الضَّرِيْرُ، نَدِيْمُ المُعْتَضِدِ.
تَلاَ عَلَى: أَبِي عُمَرَ الدُّوْرِيِّ.
وَأَقْرَأَ، فَتَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو بَكْرٍ الشَّذَائِيُّ، وَأَبُو الفَرَجِ الشَّنَبُوذِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَحَدَّثَ عَنِ: الدُّوْرِيِّ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، وَحُمَيْدِ بنِ مَسْعَدَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الحَسَّانِيِّ.
فَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ حَيُّوْيَه، وَعُمَرُ بنُ شَاهِيْن، وَعَبْدُ اللهِ بنُ النَّخَّاسِ، وَأَبُو الحَسَنِ الجَرَّاحِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَعُمِّرَ دَهْراً، وَأَضَرَّ.
وَكَانَ لَهُ قِطٌّ يُحِبُّهُ وَيَأْنَسُ بِهِ، فَدَخَلَ بُرْجَ حَمَامٍ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَكَلَ الفِرَاخ، فَاصْطَادُوهُ وَذَبَحُوهُ، فَرَثَاهُ بِقَصِيْدَةٍ طَنَّانَةٍ.
وَيُقَالُ: بَلْ رَثَى بِهَا ابْنَ المُعْتَزِّ، وَوَرَّى بِالهِرِّ، وَكَانَ وَدُوْداً لَهُ.
وَعَنِ ابْنِهِ؛ أَبِي الحَسَنِ بنِ العَلاَّفِ، قَالَ: إِنَّمَا كَنَى أَبِي بِالهِرِّ عَنِ ابْنِ الفُرَاتِ المُحَسّنِ وَلَدِ الوَزِيْرِ.
وَعَنْ آخَرَ، قَالَ: هَوِيَتْ جَارِيَةٌ لِلْوَزِيْرِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى غُلاَماً لاِبْنِ العَلاَّفِ الضَّرِيْرِ، فَعَلِمَ بِهِمَا الوَزِيْرُ، فَقَتَلَهُمَا، وَسَلَخَهُمَا وَحَشَاهُمَا تِبْناً، فَرَثَاهُ أُسْتَاذُهُ ابْنُ العَلاَّفِ، وَكَنَى عَنْهُ بِالهِرِّ - فَاللهُ أَعْلَمُ - فَقَالَ:
يَا هِرُّ فَارَقْتَنَا وَلَمْ تَعُدِ ... وَكُنْتَ عِنْدِي بِمنْزِلِ (1) الوَلَدِ
__________
= وفيات الأعيان: 2 / 111 107، العبر: 2 / 172، طبقات القراء للذهبي: 1 / 197، الوافي بالوفيات: 12 / 173 169، نكت الهميان: 142 139، مرآة الجنان: 2 / 278 277، البداية والنهاية: 11 / 166، طبقات القراء للجزري: 1 / 222، النجوم الزاهرة: 3 / 231 230، شذرات الذهب: 2 / 279 277.
(1) في الأصل " بمنزلة " وهي خطأ، لا يستقيم بها الوزن. وما أثبتناه من مصادر تخريج القصيدة.(14/515)
وَكَيْفَ نَنْفَكُّ عَنْ هَوَاكَ وَقَدْ ... كُنْتَ لَنَا عُدَّةً مِنَ العُدَدِ
وَتُخْرِجُ الفَأْرَ مِنْ مَكَامِنِهَا ... مَا بَيْنَ مَفْتُوْحِهَا إِلَى السُّدَدِ
يَلقَاكَ فِي البَيْتِ مِنْهُمُ مَدَدٌ ... وَأَنْتَ تَلْقَاهُمُ بِلاَ مَدَدِ
حَتَّى اعتَقَدْتَ الأَذَى لِجِيْرَتِنَا ... وَلَمْ تَكُنْ لِلأَذَى بِمُعْتَقِدِ (1)
وَحُمْتَ حَوْلَ الرَّدَى بِظُلْمِهِمُ ... وَمَنْ يَحُمْ حَوْلَ حَوْضِهِ يَرِدِ
وَكَانَ قَلْبِي عَلَيْكَ مُرْتَعِداً ... وَأَنْتَ تَنْسَابُ غَيْرَ مُرْتَعِدِ
تَدْخُلُ بُرْجَ الحَمَامِ مُتَّئِداً ... وَتَبْلَعُ الفَرْخَ غَيْرَ مُتَّئِدِ
وَتَطْرَحُ الرِّيْشَ فِي الطَّرِيْقِ لَهُم ... وَتَبْلَعُ اللَّحْمَ بَلْعَ (2) مُزْدَرِدِ
أَطْعَمَكَ الغِيُّ لَحْمَهَا فَرَأَى ... قَتْلَكَ أَصحَابُهَا مِنَ الرَّشَدِ
كَادُوكَ دَهْراً فَمَا وَقَعْتَ وَكَمْ ... أُفْلِتَّ مِنْ كَيْدِهِم وَلَمْ تَكِدِ
فَحِيْنَ أَخْفَرْتَ وَانْهَمَكْتَ وَكَا ... شَفْتَ وَأَشْرَفْتَ غَيْرَ مُقْتَصِدِ
صَادُوْكَ غَيْظاً عَلَيْكَ وَانتَقَمُوا ... مِنْكَ وَزَادُوا، وَمَنْ يَصِدْ يُصَدِ
ثُمَّ شَفَوا بِالحَدِيدِ أَنْفُسَهُم مِنْكَ ... وَلَمْ يَرْعَوُوا عَلَى أَحَدِ
وَلَمْ تَزَلْ لِلْحَمَامِ مُرْتَصِداً ... حَتَّى سُقِيْتَ الحِمَامَ بِالرَّصَدِ
لَمْ يَرْحَمُوا صَوْتَكَ الضَّعِيفَ كَمَا ... لَمْ تَرْثِ يَوْماً لِصَوتِهَا الغَرِدِ (3)
أَذَاقَكَ المَوْتَ رَبُّهُنَّ كَمَا ... أَذَقْتَ أَفرَاخَهُ يَداً بِيَدِ
كَأَنَّ حَبْلاً حَوَى بِجَوْدَتِهِ ... جِيْدَكَ لِلْخَنْقِ كَانَ مِنْ مَسَدِ
كَأَنَّ عَيْنِيَ تَرَاكَ مُضْطَرِباً ... فِيْهِ وَفِي فِيْكَ رَغْوَةُ الزَّبَدِ
__________
(1) ورد الشطر الأول في الأصل. حتى اعتقدت الأذى منها لجيرتنا. وبهذا يخرج الشطر من المنسرح إلى البسيط.
(2) في " الوافي بالوفيات ": غير.
(3) في " الأصل " الرغد، وهو خطأ، وما أثبتناه من مصادر تخريج القصيدة.(14/516)
وَقَدْ طَلَبْتَ الخَلاَصَ مِنْهُ فَلَمْ ... تَقْدِرْ عَلَى حِيْلَةٍ وَلَمْ تَجِدِ
فَجُدْتَ بِالنَّفْسِ وَالبَخِيْلَ بِهَا ... كُنْتَ، وَمَنْ لَمْ يَجُدْ بِهَا يَجِدِ
فَمَا سَمِعْنَا بِمِثْلِ مَوْتِكَ إِذْ ... مُتَّ وَلاَ مِثْلِ حَالِكَ النَّكِدِ
عِشْتَ حَرِيْصاً يَقُودُهُ طَمَعٌ ... وَمُتَّ ذَا قَاتِلٍ بِلاَ قَوَدِ
يَا مَنْ لَذِيْذُ الفِرَاخِ أَوْقَعَهُ ... وَيْحَكَ! هَلاَّ قَنِعْتَ بِالغُدَدِ
أَلمْ تَخَفْ وَثْبَةَ الزَّمَانِ وَقَدْ ... وَثَبْتَ فِي البُرْجِ وَثْبَةَ الأَسَدِ
عَاقِبَةُ البَغْيِ (1) لاَ تَنَامُ وَإِنْ ... تَأَخَّرَتْ مُدَّةً مِنَ المُدَدِ
أَرَدْتَ أَنْ تَأَكُلَ الفِرَاخَ وَلاَ ... يَأْكُلُكَ الدَّهْرُ أَكْلَ مُضْطَهِدِ (2)
هَذَا بَعِيدٌ مِنَ القِيَاسِ وَمَا ... أَعَزَّهُ فِي الدُّنُوِّ وَالبُعُدِ
لاَ بَارَكَ اللهُ فِي الطَّعَامِ إِذَا ... كَانَ هَلاَكُ النُّفُوْسِ فِي المِعَدِ
كَمْ دَخَلَتْ لُقْمَةٌ حَشَا شَرِهٍ ... فَأَخْرَجَتْ رُوْحَهُ مِنَ الجَسَدِ
مَا كَانَ أَغْنَاكَ عَنْ تَسَلُّقِكَ الـ ... ـبُرْجَ وَلَوْ كَانَ جَنَّةَ الخُلْدِ
قَدْ كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ وَفِي دَعَةٍ ... مِنَ العَزِيْزِ المُهَيْمِنِ الصَّمَدِ
تَأْكُلُ مِنْ فَأْرِ دَارِنَا رَغَداً ... أَكْلَ جُزَافٍ نَامٍ بِلاَ عَدَدِ (3)
وَكُنْتَ بَدَّدْتَ شَمْلَهُم زَمَناً ... فَاجْتَمَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ البَدَدِ
وَلَمْ يُبْقُوا لَنَا عَلَى سَبَدٍ ... فِي جَوْفِ أَبْيَاتِنَا وَلاَ لَبِدِ
وَفَرَّغُوا قَعْرَهَا وَمَا تَرَكُوا ... مَا عَلَّقَتْهُ يَدٌ عَلَى وَتِدِ
وَفَتَّتُوا الخُبْزَ فِي السِّلاَلِ فَكَمْ ... تَفَتَّتْ لِلْعِيَالِ مِنْ كَبِدِ
وَمَزَّقُوا مِنْ ثِيَابِنَا جُدُداً ... فَكُلُّنَا فِي مَصَائِبٍ جُدُدِ
__________
(1) في " الوافي بالوفيات ": الظلم.
(2) في " نكت الهميان ": مصطيد.
(3) ورد هذا البيت في " الوافي بالوفيات " كما يلي: تأكل من فأر بيتنا رغدا * وأين بالشاكرين للرغد(14/517)
وَهِيَ خَمْسَةٌ وَسِتُّوْنَ بَيْتاً (1) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ مائَةُ عَامٍ.
وَالنَّهْرَوَانُ: بِالفَتْحِ، وَوَهِمَ السَّمْعَانِيُّ فَضَمَّ رَاءهُ.
289 - البِتَّانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ جَابِرِ بنِ سِنَانٍ *
صَاحِبُ (الزِّيجِ) المَشْهُوْرِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ جَابِرِ بنِ سِنَانٍ الحَرَّانِيُّ، البِتَّانِيُّ، الحَاسِبُ، المُنَجِّمُ، لَهُ أَعمَالٌ وَأَرصَادٌ وَبَرَاعَةٌ فِي فَنِّهِ، وَكَانَ صَابِئاً، ضَالاًّ، فَكَأَنَّهُ أَسلَمَ وَتَسَمَّى بِمُحَمَّدٍ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ فِي عِلْمِ الهَيْئَةِ.
وبَتَّانُ - بِمُثَنَّاةٍ مُثَقَّلَةٍ (2) -:قَريَةٌ مِنْ نَوَاحِي حَرَّانَ، مَاتَ رَاجِعاً مِنْ بَغْدَادَ بِقَصْرِ الحَضْرِ (3) ؛وَهِيَ بُلَيدَةٌ بِقُرْبِ تَكْرِيْتَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ:
وَأَخُو الحَضْرِ إِذْ بَنَاهُ وَإِذْ دِجْـ ... ـلَةُ تُجْبَى إِلَيْهِ وَالخَابُوْرُ
وَهُوَ المَلِكُ ضَيْزَنُ، وَيُلَقَّبُ: بِالسَّاطرُوْنِ - لَفْظَةٍ سِرْيَانِيَّةٍ - مَعْنَاهُ: المَلِكُ، وَكَانَ هَذَا مِنْ مُلُوْكِ الطَّوَائِفِ، أَقَامَ أَزْدَشِيْرُ يُحَاصِرُهُ أَرْبَعَ سِنِيْنَ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَكَانَ لِضَيْزَنَ بِنْتٌ فَائِقَةُ الجَمَالِ، فَلَمَحَتْ مِنَ الحِصْنِ
__________
(1) وردت مقطعات من هذه القصيدة في " وفيات الأعيان " 2 / 111 109، و" نكت الهميان " 142 140، و" الوافي بالوفيات " 12 / 172 170، و" شذرات الذهب " 2 / 279 278.
(*) فهرست ابن النديم: 390 389، معجم البلدان: 1 / 334، تاريخ الحكماء: 280، وفيات الأعيان: 5 / 167 164، الوافي بالوفيات: 2 / 283، مرآة الجنان: 2 / 275 274، شذرات الذهب: 2 / 276.
(2) انظر " معجم البلدان " 1 / 334.
(3) " معجم البلدان " 2 / 269 267.(14/518)
أَزْدَشِيْرَ، فَأَعجَبَهَا وَهَوِيَتْهُ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ يَتَزَوَّجهَا، وَتَفْتَح لَهُ الحِصْنَ، فَقِيْلَ: كَانَ عَلَيْهِ طِلَّسْمٌ، فَلاَ يُفتَحُ حَتَّى تُؤخَذَ حَمَامَةٌ، تُخْضَبُ رِجْلاَهَا بِحَيضِ بِكْرٍ زَرْقَاءَ، ثُمَّ تُسَيَّبُ الحَمَامَةُ، فَتَحُطُّ عَلَى السُّوْرِ، فَيَقَعُ الطَّلَّسْمُ.
فَفُعِلُ ذَلِكَ، وَأُخِذَ الحِصْنُ، ثُمَّ لَمَّا رَآهَا أَزْدَشِيْرُ قَدْ أَسلَمَتْ أَبَاهَا مَعَ فَرْطِ كَرَامَتِهَا عَلَيْهِ، قَالَ: أَنْتِ أَسْرَعُ إِلَيَّ بِالغَدْرِ.
فَرَبَطَ ضَفَائِرَهَا بِذَنَبِ فَرَسٍ، وَرَكَضَهُ، فَهَلَكَتْ (1) .
تُوُفِّيَ البِتَّانِيُّ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
290 - مُحَمَّدُ بنُ زَبَّانَ بنِ حَبِيْبٍ أَبُو بَكْرٍ الحَضْرَمِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحُجَّةُ، أَبُو بَكْرٍ الحَضْرَمِيُّ، مُحَدِّث مِصْرَ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَمُحَمَّدَ بنَ رُمْحٍ، وَأَبَا الطَّاهِرِ بنَ السَّرْحِ، وَزَكَرِيَّا بنَ يَحْيَى كَاتِبَ العُمَرِيِّ، وَالحَارِثَ بنَ مِسْكِيْنٍ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، وَطَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الخَلاَّلُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ رَئِيْسُ المُؤَذِّنِيْنَ، وَأَبُو عَدِيٍّ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الإِمَامِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ الدِّمْيَاطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ العَبَّاسِ الإِخْمِيْمِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قَالَ لِي: وُلِدْتُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(1) ذكر القصة ابن هشام في " السيرة " 1 / 73 72، وعنده " سابور " بدل " أردشير " وانظر أيضا: " الروض الانف " 1 / 93 91، و" الاخبار الطوال " 49 48، و" معجم البلدان " 2 / 268.
(*) الإكمال لابن ماكولا: 4 / 115، العبر: 2 / 171، المنتظم: 6 / 230، حسن المحاضرة: 1 / 368، شذرات الذهب: 2 / 276(14/519)
وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً، مُتَقَلِّلاً، فَقِيْراً، لاَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
291 - ابْنُ مَعْدَانَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مَعْدَانَ الفَارِسِيُّ، الفَسَوِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبِي عَمَّارٍ الحُسَيْنِ بنِ حُرَيْثٍ.
وَعَنْهُ: شَيْخُ النَّحْوِ؛ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ الفَارِسِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ السِّمْسَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ بِشْرٍ الفَارِسِيُّ - شَيْخٌ لاِبْنِ بَاكُوَيْه -.
أَرَّخَ مَوْتَهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ مَنْدَةَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
مَا عَلِمتُ فِيْهِ ضَعْفاً بَعْدُ.
292 - ابْنُ المُغَلِّسِ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُغَلِّسِ البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ، أَخُو جَعْفَرٍ.
سَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٍ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَأَبِي
__________
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي في حوزتنا.
(* *) تاريخ بغداد: 5 / 105 104، العبر: 2 / 172، شذرات الذهب: 2 / 277 276.(14/520)
هَمَّامٍ الوَلِيْدِ بنِ شُجَاعٍ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الفَتْحِ يُوْسُفُ القَوَّاسُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْن، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنَ المُكْثِرِينَ عَنْ لُوَيْنٍ.
مَاتَ: فِي عَشْرِ المائَةِ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخُوْهُ:
293 - جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُغَلِّسِ *
وَثَّقَهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
سَمِعَ: حَوْثرَةَ بنَ مُحَمَّدٍ المِنْقَرِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَأَحْمَدَ بنَ سِنَانٍ القَطَّانَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ شَاهِيْن، وَأَبُو حَفْصٍ الكِتَّانِيُّ.
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَكَانَ أَصغَرَ مِنْ أَخِيْهِ.
وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ - فَقِيْهُ الظَّاهِرِيَّةِ - سَيَأْتِي.
294 - ابْنُ وَرْدَانَ أَبُو العَبَّاسِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ المِصْرِيُّ **
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ، أَبُو العَبَّاسِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ دَاوُدَ بنِ وَرْدَانَ المِصْرِيُّ، البَزَّازُ.
سَمِعَ: عِيْسَى بنَ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ رُمْحٍ، وَزَكَرِيَّا كَاتِبَ العُمَرِيِّ، وَغَيْرَهَم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَمُحَمَّدُ بنُ
__________
(*) تاريخ بغداد: 7 / 211 - 212، المنتظم: 6 / 237.
(* *) العبر: 2 / 172، حسن المحاضرة: 1 / 368، شذرات الذهب: 2 / 277.(14/521)
أَحْمَدَ الإِخْمِيْمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
295 - زَنْجَوَيْه أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الشَّيْخُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ زَنْجَوَيْه بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، اللَّبَّادُ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَسْلَمَ الطُّوْسِيَّ، وَحُسَيْنَ بنَ عِيْسَى البِسْطَامِيَّ، وَحُمَيْدَ بنَ الرَّبِيْعِ، وَأَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيَّ، وَكَانَ صَاحِبَ رِحْلَةٍ وَمَعْرِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَالحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ المَخْلَدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
296 - عَبْدُ الحَكَمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ الصَّدَفِيُّ **
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عُثْمَانَ الصَّدَفِيُّ مَوْلاَهُمُ المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عِيْسَى بنِ حَمَّادٍ زُغْبَةَ، وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ السَّرْحِ، وَذِي النُّوْنِ المِصْرِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
__________
(*) الأنساب: 493 / ب.
(* *) لم نقف له على ترجمة فيما وقفنا عليه من المصادر.(14/522)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: كَانَ صَدُوْقاً، إِلاَّ أَنَّهُ انْقَطَعَ مِنْ أَوَائِلِ أُصُوْلِهِ شَيْءٌ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُمَيِّزُ، فَرَوَى مَا لَمْ يَسْمَعْ، فَثَبَّتْنَاهُ، فَرَجَعَ.
وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
297 - البَاشَانِيُّ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ رَزِيْنٍ البَاشَانِيُّ، الهَرَوِيُّ.
سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ خَشْرَمٍ، وَسُفْيَانَ بنَ وَكِيْعٍ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الفِرْيَانَانِيَّ، وَغَيْرَهُم.
وَعَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي ذُهْلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ القَرَّابُ، وَزَاهِرٌ السَّرَخْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ المَالِيْنِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ وُثِّقَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
298 - وَاعِظُ بَلْخَ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ العَبَّاسِ البَلْخِيُّ **
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الزَّاهِدُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
__________
(*) العبر: 2 / 186، الوافي بالوفيات: 8 / 63، شذرات الذهب: 2 / 288.
(* *) طبقات الصوفية: 216 212، حلية الأولياء: 10 / 233 232، الرسالة القشيرية: 21، المنتظم: 6 / 240 239، صفة الصفوة: 4 / 165، العبر: 2 / 176، الوافي بالوفيات: 4 / 322، مرآة الجنان: 2 / 278، البداية والنهاية: 11 / 167، طبقات الأولياء: 301 300، النجوم الزاهرة: 3 / 231، شذرات الذهب: 2 / 283 282، الرسالة المستطرفة: 21(14/523)
مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ العَبَّاسِ البَلْخِيُّ، الوَاعِظُ، نَزِيْلُ سَمَرْقَنْدَ وَتِلْكَ الدِّيَارِ.
صَحِبَ: أَحْمَدَ بنَ خَضْرَوَيْه البَلْخِيَّ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ فِي الدُّنْيَا عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ.
قَالَ السُّلَمِيُّ (1) :حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ القَاسِمِ الخَطَّابِيُّ الوَاعِظُ بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ البَلْخِيُّ الصُّوْفِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ.
فَذَكَرَ حَدِيْثاً (2) .
قَالَ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ الحِيْرِيَّ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ الحِيْرِيَّ يَقُوْلُ: لَوْ وَجَدْتُ مِنْ نَفْسِي قُوَّةً، لَرَحَلتُ إِلَى أَخِي مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ، فَأَسْتَرْوِحَ بِرُؤْيَتِهِ.
وَقَدْ رَوَى عَنْ هَذَا الشَّيْخِ البَلْخِيِّ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ فِي (مُعْجَمِهِ) بِالإِجَازَةِ.
وَمِنْ مَشَايِخِهِ: أَبُو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَهْدِيٍّ - صَاحِبُ ابْنِ السَّمَّاكِ الوَاعِظِ -.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: إِسْمَاعِيْلُ بنُ نُجَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ
__________
(1) في " طبقات الصوفية " ص 213.
(2) وتمامه: حدثنا الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر.
وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ".
وإسناده صحيح، وأخرجه البخاري في صحيحه: 9 / 6 4 في أول فضائل القرآن، من طريق عبد الله بن ويوسف، ومسلم (152) في الايمان: باب وجوب الايمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من طريق قتيبة بن سغيد، كلاهما عن الليث به.
وأخرجه أحمد: 2 / 341 و451 من طريق يونس وحجاج عن الليث.
وقوله: " وإنما كان الذي أوتيته وحيا " أراد أن معجزتي التي تحديث بها هي الوحي الذي
أنزل علي، وهو القرآن، وذلك لما اشتمل عليه من الاعجاز الواضح.
وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدمه، بل المراد: أنه المعجزة العظمى المستمرة الباقية التي اختص بها دون غيره.(14/524)
بن عمروَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلاَنِيُّ البَلْخِيُّ - شَيْخٌ لَقِيَهُ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ -.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ (1) :سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيَّ بِنَسَا أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُوْلُ: ذَهَابُ الإِسْلاَمِ مِنْ أَرْبَعَةٍ لاَ يَعْملُوْنَ بِمَا يَعْلَمُوْنَ، وَيَعْمَلُوْنَ بِمَا لاَ يَعْلَمُوْنَ، وَلاَ يَتَعَلَّمُوْنَ مَا لاَ يَعلَمُوْنَ، وَيَمنَعُوْنَ النَّاسَ مِنَ العِلْمِ.
قُلْتُ: هَذِهِ نُعُوتُ رُؤُوْسِ العَرَبِ وَالتُّركِ وَخَلْقٍ مِنْ جَهَلَةِ العَامَّةِ، فَلَو عَمِلُوا بِيَسِيْرِ مَا عَرَفُوا، لأَفلَحُوا، وَلَوْ وَقَفُوا عَنِ العَمَلِ بِالبِدَعِ، لَوُفِّقُوا، وَلَوْ فَتَّشُوا عَنْ دِيْنِهِم وَسَأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ - لاَ أَهْلَ الحِيَلِ وَالمَكْرِ - لَسَعِدُوا، بَلْ يُعرِضُونَ عَنِ التَّعَلُّمِ تِيْهاً وَكَسَلاً، فَوَاحِدَةٌ مِن هَذِهِ الخِلاَلِ مُرْدِيَةٌ، فَكَيْفَ بِهَا إِذَا اجْتَمَعَتْ؟!
فَمَا ظَنُّكَ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا كِبْرٌ، وَفُجُورٌ، وَإِجرَامٌ، وَتَجَهْرُمٌ عَلَى اللهِ؟! نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.
قَالَ السُّلَمِيُّ فِي (مِحَنِ الصُّوْفِيَّةِ) :لَمَّا تَكَلَّمَ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بِبَلْخَ فِي فَهْمِ القُرْآنِ وَأَحْوَالِ الأَئِمَّةِ، أَنكَرَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ بَلْخَ، وَقَالُوا: مُبْتَدِعٌ.
وَإِنَّمَا ذَاكَ بِسَبِبِ اعْتِقَادِه مَذْهَبَ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: لاَ أَخرُجُ حَتَّى تُخرِجُونِي، وَتَطُوفُوا بِي فِي الأَسوَاقِ.
فَفَعلُوا بِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَزَعَ اللهُ مِنْ قُلُوْبِكُم مَحَبَّتَهُ وَمَعْرِفَتَه.
فَقِيْلَ: لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا صُوْفِيٌّ مِنْ أَهْلِهَا.
فَأَتَى سَمَرْقَنْدَ، فَبَالَغُوا فِي إِكرَامِهِ، وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَعَظَ يَوْماً، فَمَاتَ فِي المَجْلِسِ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ.
مَاتَ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَرَّخَهُ: السُّلَمِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
__________
(1) في " الحلية " 10 / 233 232.(14/525)
مَنْدَةَ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ.
299 - ابْنُ فِيْلٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَالِسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، أَبُو طَاهِرٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِيْلٍ البَالِسِيُّ، الإِمَامُ بِمَدِيْنَةِ أَنْطَاكِيَّةَ.
ارْتَحَلَ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: أَبَا كُرَيْبٍ مُحَمَّدَ بنَ العَلاَءِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سُلَيْمَانَ لُوَيْناً، وَمَالِكَ بنَ سُلَيْمَانَ الحِمْصِيَّ، وَسُفْيَانَ بنَ وَكِيْعٍ، وَعَبْدَ الجَبَّارِ بنَ العَلاَءِ المَكِّيَّ، وَعُقْبَةَ بنَ مُكْرمٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ مُصَفَّى، وَكَثِيْرَ بنَ عُبَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيَّ، وَمُؤَمَّلَ بنَ إِهَابٍ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ البَزِّيَّ، وَالحُسَيْنَ بنَ الحَسَنِ المَرْوَزِيَّ، وَإِسْحَاقَ بنَ مُوْسَى الخَطْمِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ قُدَامَةَ المَصِّيْصِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَشَاكِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَصِّيْصِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَقَاضِي أَذَنَةَ؛ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بُنْدَارٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَمَا عَلِمتُ فِيْهِ جَرْحاً، وَلَهُ جُزْءٌ مَشْهُوْرٌ، فِيْهِ غَرَائِبُ.
مَاتَ: سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ.
وَكَانَ أَبُوْهُ (1) صَاحِبَ حَدِيْثٍ أَيْضاً.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ اليَرْبُوْعِيِّ، وَأَبِي
__________
(*) الأنساب: 62 / ب، اللباب: 2 / 453، الرسالة المستطرفة: 89.
(1) هو أبو الحسن، أحمد بن إبراهيم بن فيل البالسي ثم الانطاكي. ترجمته في " تهذيب الكمال " 1 / 15.(14/526)
تَوْبَةَ الحَلَبِيِّ، وَالمُعَافَى بنِ سُلَيْمَانَ الرَّسْعَنِيِّ، وَسُلَيْمَانَ ابْنَ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: النَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَعِدَّةٌ.
مَاتَ أَحْمَدُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ثمَّ وَجَدْتُ فِي فَوَائِدِ عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ العَتَكِيِّ الأَنطَاكِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ بنُ فِيْلٍ فِي سَنَةِ ثَلاَثِ مائَةٍ - وَكَانَ إِمَامَ جَامِعِنَا، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ - ثُمَّ رَوَى العَتَكِيُّ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ فِيْلٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ كَثِيْرٍ الصُّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ بُرْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ هَاشِمٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ خَلْدُوْنَ بنِ مَرْثَدٍ البَالِسِيُّ.
وَقَدْ رَوَى العَتَكِيُّ أَيْضاً، عَنْ عَمِّ ابْنِ فِيْلٍ، فَقَالَ:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بِأَنْطَاكِيَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ.
أَحْمَدُ ابنُ خَطِيْبِ دِمَشْقَ وَعَالِمِهَا
300 - أَبِي الوَلِيْدِ هِشَامِ بنِ عَمَّارِ بنِ نُصَيْرٍ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
كَانَ آخِرَ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى وَالِدِهِ وَفَاةً، وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً.
رَوَى عَنْهُ: الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو هَاشِمٍ عَبْدُ الجَبَّارِ المُؤَدِّبُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَحُمَيْدُ بنُ الحَسَنِ الوَرَّاقُ، وَغَيْرُهُم.
تُوُفِّيَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ - مُحَمَّدُ بنُ خُرَيْمٍ المُحَدِّثُ - فِي يَوْم وَاحِدٍ، يَوْمَ
__________
(*) تاريخ ابن عساكر: 2 / 135 / أ، تهذيب ابن عساكر: 2 / 106.(14/527)
الخَمِيْسِ، مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
وَمَا عَلِمتُ أَبَا أَحْمَدَ الحَاكِمَ رَوَى عَنْهُ شَيْئاً.
301 - ابْنُ ذَيَّالٍ الفَضْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ الزُّبَيْدِيُّ *
هُوَ: المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، أَبُو العَبَّاسِ الفَضْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ ذيَّالٍ الزُّبَيْدِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَعَبْدَ الأَعْلَى بنَ حَمَّادٍ النَّرْسِيَّ، وَغَيْرَهُمَا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفَتْحِ القَوَّاسُ، وَابْنُ مَعْرُوْفٍِ القَاضِي، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ النَّجَّارُ، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
قُلْتُ: العَجَبُ أَنَّهُم مَا أَرَّخوا وَفَاتَه.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ القَوَّاسُ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ أَحْمَدَ إِمْلاَءً سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ بِحَدِيْث أَبِي العشرَاءِ الدَّارِمِيِّ (1) ... فَذَكَرَهُ.
__________
(*) تاريخ بغداد: 12 / 377، الأنساب: 241 / ب، اللباب: 1 / 537.
(1) حديث أبي العشراء الدارمي: أخرجه أبو داود (2825) في الاضاحي: باب ما جاء في ذبيحة المتردية، والترمذي (1481) في الاطعمة: باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللبة، وابن ماجه (3184) في الذبائح: باب ذكاة الناد من البهائم، من طريق أبي العشراء، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ قال: " لو طعنت في فخذها لاجزأك ".
وأبو العشراء: مجهول.
وفي " التهذيب " قال الميموني: سألت أحمد عن حديث أبي العشراء في الذكاة، قال: ما أعرف أنه يروى عن أبي العشراء حديث غير هذا. وقال البخاري: في حديثه، واسمه، وسماعه من أبيه نظر.(14/528)
302 - الخَثْعَمِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حَفْصٍ *
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حَفْصٍ الخَثْعَمِيُّ، الكُوْفِيُّ، الأَشْنَانِيُّ.
قَدِمَ بَغْدَادَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي كُرَيْبٍ، وَعَبَّادِ بنِ يَعْقُوْبَ الرَّوَاجنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الجِعَابِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ ابْنُ البَوَّابِ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ النَّجَّارِ الكُوْفِيُّ؛ الَّذِي عَاشَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو جَعْفَرٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
قُلْتُ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُفَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُسَيِّبِ الأَرغيَانِيُّ.
303 - ابْنُ عُلَيْلٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الأَنْصَارِيُّ **
الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، إِمَامُ جَامِعِ دِمَشْقَ، أَبُو هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُمُ، الدِّمَشْقِيُّ.
عُرِفَ: بِابْنِ عُلَيْلٍ.
__________
(*) تاريخ بغداد: 2 / 235 234، الأنساب: 40 / أ، المنتظم: 6 / 215، العبر: 2 / 162، طبقات القراء للجزري: 2 / 130، النجوم الزاهرة: 3 / 219، شذرات الذهب: 2 / 271.
(* *) تاريخ ابن عساكر: 15 / 291 / ب، الوافي بالوفيات: 3 / 208.(14/529)
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، وَقَاسِمِ بنِ عُثْمَانَ الجُوْعِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ إِبْرَاهِيْمُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ ذَكْوَانَ، وَأَبُو هَاشِمٍ عَبْدُ الجَبَّارِ المُؤَدِّبُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الرَّازِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، وَغَيْرُهُم.
قِيْلَ: كَانَ يَخْضِبُ بِالحُمرَةِ.
وَقَعَ لَنَا مِنْ حَدِيْثِه.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَاله: أَبُو سُلَيْمَانَ ابْنُ زَبْرٍ.
304 - بَدْرُ بنُ الهَيْثَمِ بنِ خَلَفٍ أَبُو القَاسِمِ اللَّخْمِيُّ *
القَاضِي، الفَقِيْهُ، الصَّدُوْقُ، المُعَمَّرُ، أَبُو القَاسِمِ اللَّخْمِيُّ، الكُوْفِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
وُلِدَ: بِالكُوْفَةِ، سَنَةَ مائَتَيْنِ أَوْ بَعْدَهَا بِعَامٍ، وَلَوْ سَمِعَ كَمَا يَنْبَغِي، لأَخَذَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَالكِبَارِ، وَلَكِنَّهُ سَمِعَ فِي الكُهُوْلَةِ مِنْ: أَبِي كُرَيْبٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَهَارُوْنَ بنِ إِسْحَاقَ، وَهِشَامِ بنِ يُوْنُسَ، وَعَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ الأَوْدِيِّ، وَغَيْر وَاحِدٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَمْرٍو بنُ حَيُّوْيَه، وَعُمَرُ بنُ شَاهِيْن، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَعِيْسَى بنُ الوَزِيْرِ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: بَلَغَ مائَةً وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً، نَبِيْلاً،
__________
(*) تاريخ بغداد: 7 / 108 107، المنتظم: 6 / 226، العبر: 2 / 169، الوافي بالوفيات: 10 / 94، البداية والنهاية: 11 / 163.(14/530)
أَدرَكَ أَبَا نُعَيْمٍ.
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَى الوَزِيْرِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى، فَقَالَ لَهُ: كَمْ سِنُّ القَاضِي؟
قَالَ: مَا أَدْرِي، لَكِنْ ظَهَرَ بِالكُوْفَةِ أُعجُوْبَةٌ، فَرَكِبْتُ مَعَ أَبِي سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
رَوَاهَا بَعْضُهُم، فَزَادَ: وَرَكِبْتُ مَعَ أَبِي إِلَى عَامِلِ المَأْمُوْنِ، وَرَكِبْتُ الآنَ إِلَى حَضْرَةِ الوَزِيْرِ، وَبَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ مائَةَ سَنَةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْن: بَلَغَ مائَةً وَسِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ الوَزِيْرِ، أَخْبَرَنَا بَدْرُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا المُغِيْرَةُ بنُ جَمِيْلٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي؛ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الوَلاَءُ لَيْسَ بِمُتَحَوِّلٍ وَلاَ بِمُنْتَقِلٍ (1)) .
قَالَ العُقَيْلِيُّ (2) :المُغِيْرَةُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ.
ثُمَّ سَاق لَهُ هَذَا عَنْ شَيْخٍ، عَنِ الأَشَجِّ.
305 - المِيْرَمَاهَانِيُّ أَبُو يَزِيْدَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ خَالِدٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، العَالِمُ.
سَمِعَ مِنْ: إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه (تَفْسِيْرَهُ) .
وَمِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ ابْنِ أَبِي رِزْمَةَ، وَعَلِيِّ بنِ حُجْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) في " الضعفاء ": " ليس يتحول ولا ينتقل ".
(2) في " الضعفاء " ص 413 في ترجمة المغيرة بن جميل.
(*) الأنساب: 548 / أ، اللباب: 3 / 282.(14/531)
رَافِعٍ، وَمَحْمُوْدِ بنِ غَيْلاَن، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحَدَّادِيُّ، المَرْوَزِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَحَدَّثَ بِنَيْسَابُوْرَ وَبِمَرْوَ.
وَتُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَاسْمُهُ: أَبُو يَزِيْدَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ مَتَّى الخَالديُّ، المَرْوَزِيُّ، المِيْرمَاهَانِيُّ.
قِيْلَ: إِنَّهُ عَاشَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
يَقَعُ حَدِيْثُه فِي تَآلِيْفِ مُحْيِيِ السُّنَّةِ البَغَوِيِّ.
سَمِيُّهُ: مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ خَالِدِ بنِ مِهْرَانَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، هُوَ: ابْنُ أُخْتِ سَلَمَةَ بنِ شَبِيْبٍ.
يَرْوِي عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَمُحَمَّدِ بنِ رَافِعٍ أَيْضاً.
حَدَّثَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
306 - المُنْكَدِرِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ البَارِعُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ
__________
(*) ذكر أخبار أصبهان: 1 / 115، الأنساب: 543 / ب، تاريخ ابن عساكر: 2 / 102 / ب، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 135 / 2، تذكرة الحفاظ: 2 / 794 793، العبر: 2 / 159، ميزان الاعتدال: 1 / 147، لسان الميزان: 1 / 288 287، النجوم الزاهرة: 3 / 216، طبقات الحفاظ: 332، شذرات الذهب: 2 / 269 268، تهذيب ابن عساكر: 2 / 70.(14/532)
الرَّحْمَنِ بنِ عُمَرَ ابْنِ الإِمَامِ القُدْوَةِ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، المَدَنِيُّ، المُنْكَدِرِيُّ، نَزِيْلُ خُرَاسَانَ.
سَمِعَ: عَبْدَ الجَبَّارِ بنَ العَلاَءِ - وَهُوَ أَقدَمُ شَيْخٍ عِنْدَهُ - وَيُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَهَارُوْنَ بنَ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ حَرْبٍ، وَأَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً مِنْ طَبَقَتِهِم مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَأْمُوْنٍ المَرْوَزِيُّ، الحَافِظُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَابْنُهُ عَبْدُ الوَاحِدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ شَاه.
وَلَهُ رِحْلَةٌ وَاسِعَةٌ وَجَوَلاَنُ فِي شَبَابِهِ وَشَيْخُوخَتِهِ.
قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ أَفْرَادٌ وَعَجَائِبُ.
قُلْتُ: وَهُوَ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) ؛لأَنَّهُ سَمِعَ فِي بَيْرُوْتَ مِنَ العَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ، وَقَدْ سَمِعَ فِي شِيْرَازَ مِنْ: إِسْحَاقَ بنِ شَاذَانَ.
وَسَكَنَ البَصْرَةَ مُدَّةً، ثُمَّ أَصْبَهَانَ، ثُمَّ الرَّيَّ، ثُمَّ نَيْسَابُوْرَ.
وَمَاتَ: بِمَرْوَ، فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
307 - الكَتَّانِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرٍ *
القُدْوَةُ، العَارِفُ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ جَعْفَرٍ البَغْدَادِيُّ، الكَتَّانِيُّ.
__________
(*) طبقات الصوفية: 377 373، حلية الأولياء: 10 / 358 357، تاريخ بغداد: 3 / 76 74، الرسالة القشيرية: 27 26، الأنساب: 475 / أ، صفة الصفوة: 2 / 257، =(14/533)
حَكَى عَنْ: أَبِي سَعِيْدٍ الخَرَّازِ، وَإِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصِ.
حَكَى عَنْهُ: جَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ التَّكْرِيْتِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ البَصْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَمَاتَ مُجَاوِراً بِمَكَّةَ.
وَمِنْ كَلاَمِهِ، قَالَ: مَنْ يَدْخُلْ فِي هَذِهِ المفَازَةِ يَحْتَاجَ إِلَى أَرْبَعٍ: حَالٍ تَحْمِيْهِ، وَعِلْمٍ يَسُوْسُهُ، وَوِرَعٍ يَحْجُزُهُ، وَذِكْرٍ يُؤنِسُهُ.
وَقَالَ: التَّصَوُّفُ خُلقٌ، فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الخُلقِ، زَادَ عَلَيْكَ فِي التَّصَوُّفِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: مِنْ حُكمِ المُرِيدِ أَنْ يَكُوْنَ نَومُهُ غَلَبَةً، وَأَكْلُهُ فَاقَةً، وَكَلاَمُهُ ضَرُوْرَةً.
قُلْتُ: نَعَمْ لِلصَّادِقِ أَنْ يُقِلَّ مِنَ الكَلاَمِ وَالأَكلِ وَالنَّومِ وَالمُخَالَطَةِ، وَأَنَّ يُكثِرَ مِنَ الأَورَادِ وَالتَّوَاضُعِ، وَذِكْرَ المَوْتِ، وَقَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ (1) .
__________
= العبر: 2 / 195 194، الوافي بالوفيات: 4 / 112 111، طبقات الأولياء: 148 144، النجوم الزاهرة: 3 / 248، شذرات الذهب: 2 / 296.
(1) أخرج البخاري: 11 / 159 في الدعوات: باب الدعاء إذا علا عقبة، و11 / 180: باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله، و11 / 438 437 في القدر، من طريقين عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فجعلنا لا نصعد شرفا، ولا نعلو شرفا، ولا نهبط في واد، إلا رفعنا أصواتنا في التكبير.
قال: فدنا منا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أيها الناس! اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا ".
ثم قال: " يا عبد الله بن قيس! ألا أعلمك كلمة هي كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ". =(14/534)
يُقَالُ: خَتَمَ الكَتَّانِيُّ فِي الطَّوَافِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ خَتْمَةٍ، وَكَانَ مِنَ الأَوْلِيَاءِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
308 - أَبُو عَلِيٍّ الرُّوْذبَارِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ *
شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ.
قِيْلَ: اسْمُهُ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مَنْصُوْرٍ.
وَقِيْلَ: اسْمُهُ حَسَنُ بنُ هَارُوْنَ.
سَكَنَ مِصْرَ، صَحِبَ: الجُنَيْدَ، وَأَبَا الحُسَيْنِ النُّوْرِيَّ، وَأَبَا حَمْزَةَ البَغْدَادِيَّ، وَابْنَ الجَلاَّءِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: مَسْعُوْدٍ الرَّمْلِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ: أُسْتَاذِي فِي الفِقْهِ: ابْنُ سُرَيْجٍ، وَفِي الأَدَبِ: ثَعْلَبٌ، وَفِي الحَدِيْثِ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ.
وَعَنِ الجِعَابِيِّ، قَالَ: رَحَلَتُ إِلَى عَبْدَانَ، فَأَتَيتُ مَسْجِدَه، فَوَجَدْتُ شَيْخاً، فَكَلَّمتُهُ، فَذَاكَرَنِي بِأَكْثَرَ مِنْ مائَتَي حَدِيْثٍ فِي الأَبْوَابِ، وَكُنْتُ قَدْ
__________
= وأخرج الحاكم في (مستدركه " من حديث أبي هريرة بسند قوي: " إذا قال العبد: لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله: أسلم عبدي واستسلم ".
وفي رواية له: " قال لي: يا أبا هريرة! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: " تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. فيقول الله: أسلم عبدي واستسلم ".
(*) طبقات الصوفية: 360 354، حلية الأولياء: 10 / 357 356، تاريخ بغداد: 1 / 333 329، الرسالة القشيرية: 26، الأنساب: 266 / ب، المنتظم: 6 / 272، صفة الصفوة: 2 / 455 454، العبر: 2 / 195، دول الإسلام: 1 / 198، البداية والنهاية: 11 / 181 180، طبقات الأولياء: 53 50، النجوم الزاهرة: 3 / 248، حسن المحاضرة: 1 / 401 400، شذرات الذهب: 2 / 297 296.(14/535)
سُلِبْتُ فِي الطَّرِيْقِ، فَأَعطَانِي مَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَبْدَانُ المَسْجَدَ، اعْتَنَقَهُ، وَبَشَّ بِهِ، فَقُلْتُ لَهُم: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: هَذَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوْذَبَارِيُّ.
قِيْلَ: سُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ عَمَّنْ يَسْمَعُ المَلاَهِي وَيَقُوْلُ: هِيَ حَلاَلٌ لِي؛ لأَنِّي قَدْ وَصَلتُ إِلَى رُتْبَةٍ لاَ يُؤَثِّرُ فِيْهِ اخْتِلاَفُ الأَحْوَالِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ وَصَلَ، وَلَكِنْ إِلَى سَقَرَ (1) .
وَقَالَ: أَنْفَعُ اليَقِيْنِ مَا عَظَّمَ الحَقَّ فِي عَيْنِكَ، وَصَغَّرَ مَا دُوْنَهُ عِنْدَكَ، وَثَبَّتَ الرَّجَاءَ وَالخَوْفَ فِي قَلْبِكَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الكَاتِبُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَجْمَعَ لِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَالحَقِيْقَةِ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ الرُّوْذبَارِيُّ: كَانَ خَالِي أَبُو عَلِيٍّ يُفْتِي بِالحَدِيْثِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الوَجِيْهِيُّ، وَمَعْرُوْفٌ الزَّنْجَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
309 - ابْنُ حَرْبُوَيْه عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حَرْبٍ البَغْدَادِيُّ *
القَاضِي، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، قَاضِي القُضَاة، أَبُو عُبَيْدٍ
__________
(1) الخبر في " الحلية " 10 / 356.
(*) الولاة والقضاة: 523، تاريخ بغداد: 11 / 398 395، طبقات الشيرازي: 110، الأنساب: 161 / ب، المنتظم: 6 / 239 238، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 259 258، العبر، 2 / 176، دول الإسلام: 1 / 193، طبقات الشافعية للسبكي: 3 / 455 446، طبقات الاسنوي: 1 / 397، البداية والنهاية: 11 / 167، تهذيب التهذيب: 7 / 304 303، رفع الإصر: 2 / 389، النجوم الزاهرة: 3 / 231، حسن المحاضرة: 1 / 312، و2 / 145، طبقات ابن هداية الله: 54 53، شذرات الذهب: 2 / 282 281.(14/536)
عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حَرْبِ بنِ عِيْسَى البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ المِقْدَامِ، وَالحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَزَيْدَ بنَ أَخْزَمَ، وَيُوْسُفَ بنَ مُوْسَى القَطَّانَ، وَالحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو حَفْصٍ ابْن شَاهِيْن، وَعِدَّةٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ: ذَكَرتُ ابْنَ حَرْبُوَيْه لِلدَّارَقُطْنِيِّ، فَذَكَرَ مِنْ جَلاَلَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَقَالَ: حَدَّثَ عَنْهُ النَّسَائِيُّ فِي (الصَّحِيْحِ) ، ثُمَّ قَالَ:
لَمْ يَحْصَلْ لِي عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ كَتَبتُ الحَدِيْثَ بِخَمْسِ سِنِيْنَ (1) .
قُلْتُ: وَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ، فَقَدِمَهَا سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.
قَالَ ابْنُ زُوْلاَقَ: كَانَ عَالِماً بِالاخْتِلاَفِ، وَالمَعَانِي، وَالقِيَاسِ، عَارِفاً بِعِلْمِ القُرْآنِ وَالحَدِيْثِ، فَصِيْحاً، عَاقِلاً، عَفِيْفاً، قَوَّالاً بِالْحَقِّ، سَمْحاً، مُتَعَصِّباً، كَانَ أَمِيْرُ مِصْرَ تكِيْنُ (2) يَأْتِي مَجْلِسَه، وَلاَ يَدَعُهُ أَنْ يَقُوْمَ لَهُ، فَإِذَا جَاءَ هُوَ إِلَى مَجْلِسِ تِكِيْنُ، مَشَى لَهُ وَتَلَقَّاهُ.
وَلَمْ يَكُنْ فِي زِيِّهِ وَلاَ مَنْظَرِه بِذَاكَ، وَكَانَ بِوَجْهِهِ جُدَرِيٌّ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ فُحُوْلِ العُلَمَاءِ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بنُ الحَدَّادِ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاضِي يَقُوْلُ:
مَا لِيَ وَلِلْقَضَاءِ! لَوِ اقتَصَرتُ عَلَى الوِرَاقَةِ، مَا كَانَ خَطِّي بِالرَّدِيْءِ.
وَكَانَ رِزقُهُ فِي الشَّهْرِ مائَةًَ وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً.
قَالَ ابْنُ زُوْلاَقَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاضِي: مَا يُقَلِّدُ إِلاَّ عَصَبِيٌّ أَوْ
__________
(1) الخبر في " تاريخ بغداد " 11 / 387، وما بين حاصرتين منه.
(2) انظر ترجمته في الصفحة (223) من هذا الجزء.(14/537)
غَبِيٌّ. قَالَ: فَجَمَعَ أَحْكَامَه بِمِصْرَ بِمَا اختَارَه، وَكَانَ أَوَّلاً يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ.
وَكَانَ يُوَرِّثُ ذَوِي الأَرْحَامِ، وَوَلِيَ قَضَاءَ وَاسِطَ أَوَّلاً. إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَبُو عُبَيْدٍ آخِرُ قَاضٍ، رَكِبَ إِلَيْهِ الأُمَرَاءُ بِمِصْرَ، وَقَدْ تَسَرَّى بِمِصْرَ بِجَارِيَةٍ، فَتَجَنَّتْ عَلَيْهِ، وَطَلَبَتِ البَيْعَ، وَكَانَ بِهِ فَتْقٌ.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ زُوْلاَقَ عِدَّةَ حِكَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَى وَقَارِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَرَزَانَتِهِ، وَوَرَعِهِ التَّامِّ، وَسَعَةِ عِلْمِهِ.
قَالَ: وَحَدَّثَ عَنْهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثِ مائَةٍ النَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّيْنِ النَّوَاوِيُّ (1) :كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الوُجُوْهِ، تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي (المُهَذَّبِ) ، وَ (الرَّوْضَةِ) .
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: هُوَ قَاضِي مِصْرَ، أَقَامَ بِهَا طَوِيْلاً، كَانَ شَيْئاً عَجَباً، مَا رَأَينَا مِثلَهُ، لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ، وَكَانَ يَتَفَقَّهُ لأَبِي ثَوْرٍ، وَعُزِلَ عَنِ القَضَاءِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ؛ لأَنَّه كَتَبَ يَسْتَعفِي مِنَ القَضَاءِ، وَوَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى بَغْدَادَ يَسْأَلُ فِي عَزْلِهِ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ، وَامْتَنَعَ مِنَ الحُكْمِ، فَأُعفِيَ، فَحَدَّثَ حِيْنَ جَاءَ عَزْلُه، وَأَملَى مَجَالِسَ، وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ.
وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً.
حَدَّثَ عَنْ: زَيْدِ بنِ أَخْزَمَ، وَأَحْمَدَ بنِ المِقْدَامِ، وَطَبَقَتِهِمَا.
قَالَ الخَطِيْبُ (2) :تُوُفِّيَ ابْنُ حَرْبُوَيْه فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو سَعِيْدٍ الإصْطَخْرِيُّ.
310 - الشَّهِيْدُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، المُجَوِّدُ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
__________
(1) في " تهذيب الأسماء واللغات " 2 / 258.
(2) في " تاريخ بغداد " 11 / 398.
(*) الأنساب: 119 / أ، تذكرة الحفاظ: 3 / 835 834، العبر: 2 / 169، الوافي بالوفيات: 2 / 37، طبقات الحفاظ: 347، شذرات الذهب: 2 / 275.(14/538)
الحُسَيْنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَازِمِ بنِ المُعَلَّى بنِ الجَارُوْدِ الجَارُوْدِيُّ، الهَرَوِيُّ، الشَّهِيْدُ.
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ نَجْدَةَ بنِ العُرْيَانِ، وَالحُسَيْنَ بنَ إِدْرِيْسَ، وَمُعَاذَ بنَ المُثَنَّى، وَأَحْمَدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِلْحَانَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَنْصَارِيَّ، وَأَقرَانَهُم بِخُرَاسَانَ وَبَالعِرَاقِ.
وَهُوَ مِنْ أَقرَانِ الطَّبَرَانِيِّ، وَابْنِ عَدِيٍّ، وَإِنَّمَا كُتِبَ هُنَا لِقِدَمِ وَفَاتِهِ، فَافْهَمْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّنِي أَخَّرْتُهُ إِلَى عَصْرِ أَقرَانِهِ، لَسَاغَ أَيْضاً.
وَقَدْ سَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: أَبِي العَبَّاسِ الثَّقَفِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، وَأَبُو الحُسَيْنِ الحَجَّاجِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ - حُفَّاظُ نَيْسَابُوْرَ - وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادٍ الكُوْفِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُظَفَّرِ، وَغَيْرُهُم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ بُكَيْرَ بنَ أَحْمَدَ الحَدَّادَ بِمَكَّةَ يَقُوْلُ:
كَأَنِّيْ أَنظُرُ إِلَى الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الحُسَيْنِ وَقَدْ أَخَذَتْهُ السُّيُوفُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيَدَيْهِ جَمِيْعاً بِحَلْقَتِي البَابِ، حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهُ عَلَى عَتَبَةِ الكَعْبَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
هَكَذَا قَالَ، فَوَهِمَ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فِي ذِي الحِجَّةِ، عَامَ اقتُلِعَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ، وَرُدِمَ بِئرُ زَمْزَمَ بِالقَتْلَى عَلَى يَدِ القَرَامِطَةِ (1) .
وَقُتِلَ مَعَهُ: أَخُوْهُ؛ المُحَدِّثُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ، وَقَدْ سَمِعا مِنْ جَدِّهِمَا لِلأُمِّ؛ أَبِي سَعْدٍ يَحْيَى بنِ مَنْصُوْرٍ الزَّاهِدِ الهَرَوِيِّ.
__________
(1) انظر تفصيل هذه الاحداث في " الكامل في التاريخ " 8 / 208 207، و" المنتظم " 6 / 224 222، و" العبر " 2 / 168 167، و" البداية والنهاية " 11 / 162 160.(14/539)
وَقَدْ خَرَّجَ الحَافِظُ أَبُو الفَضْلِ (صَحِيْحاً) عَلَى رَسْمِ (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) ، وَرَأَيْت لَهُ جُزءاً مُفِيْداً، فِيْهِ بِضْعَةٌ وَثَلاَثُوْنَ حَدِيْثاً مِنَ الأَحَادِيْثِ الَّتِي بَيَّنَ عِلَلَهَا فِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) .
وَأَقدَمُ شَيْخٍ لَقِيَهُ: عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ الحَافِظُ.
وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ - وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَهِرْ حَدِيْثُه.
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ الفَقِيْهُ فِي (كِتَابِهِ) ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُصِيَّةَ، وَزَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صيلاَءَ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصوَيْه، حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ الشَّهِيْدُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الوَكِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عُثْمَانَ اللاَّحِقِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (ذَرُوْنِي مَا تَرَكْتُكُم) (1) .
__________
(1) أخرجه مسلم (1337) في الحج: باب فرض الحج مرة في العمر، من حديث زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون.
وأخرجه النسائي: 5 / 110 في أول الحج، من طريق
محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، عن أبي هشام المغيرة بن سلمة، كلاهما عن الربيع ابن مسلم، حدثنا محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا " فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو قلت نعم، لوجبت ولما استطعتم ".
ثم قال: " ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ".
وأخرجه البخاري: 13 / 220 219 في الاعتصام، ومسلم (131) في الفضائل باب توقيره صلى الله عليه وسلم من طريق أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دعوني ما تركتكم، فإنما اهلك من كان قبلكم سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ".(14/540)
311 - الجَوْهَرِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدٍ *
القَاضِي، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَعْمَرِ بنِ حَبِيْبٍ السَّامَرِّيُّ، الجَوْهَرِيُّ.
رَوَى عَنْ: عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَالرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ يُوْنُسَ.
رَوَى عَنْهُ: الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ المُقْرِئِ، وَجَمَاعَةٌ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ.
نَابَ فِي القَضَاءِ بِمِصْرَ، بَلِ اسْتَقَلَّ بِهِ، وَكَانَ الَّذِي اسْتَنَابَهُ مُقِيماً بِبَغْدَادَ، وَهُوَ هَارُوْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَمَّادٍ.
قَالَ ابْنُ زُولاَقَ: كَانَ فَقِيْهاً، حَاسِباً، خَبِيْراً، عَاقِلاً، لَهُ حَلْقَةٌ، وَكَانَ يَتَأَدَّبُ مَعَ الطَّحَاوِيُّ، وَيَقُوْلُ: هُوَ أَسَنُّ مِنِّي، وَالقَضَاءُ أَقَلُّ مِنْ أَنْ أَفْخَرَ بِهِ.
ثُمَّ عُزِلَ بَعْدَ سَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ.
حَدَّثَ عَنْ: عَلِيٍّ بِخَمْسِيْنَ جُزْءاً، وَعَنِ الرَّبِيْعِ بِأَكْثَرِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ مِنَ العَامِ.
312 - أَبُو نُعَيْمٍ بنُ عَدِيٍّ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيُّ **
الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الثِّقَةُ، أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(*) حسن المحاضرة: 2 / 145.
(* *) تاريخ جرجان: 236 235، طبقات العبادي: 55، تاريخ بغداد: 10 / 429 428، طبقات الشيرازي: 105 104، الأنساب: 30 / أ، المنتظم: =(14/541)
عَدِيٍّ الجُرْجَانِيُّ، الأَسْتَرَابَاذِيُّ، الفَقِيْهُ، الشَّافِعِيُّ.
قَالَ حَمْزَةُ بنُ يُوْسُفَ: وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: وَكَانَ مُقَدَّماً فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ، وَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيْهِ.
قُلْتُ: سَمِعَ: عَلِيَّ بنَ حَرْبٍ الطَّائِيَّ، وَالحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيَّ، وَعُمَرَ بنَ شَبَّةَ النُّمَيْرِيَّ، وَالرَّبِيْعَ المُرَادِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَالعَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ عُثْمَانَ النُّفَيْلِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عِيْسَى الدَّامَغَانِيَّ، وَأَبَا عُتْبَةَ أَحْمَدَ بنَ الفَرَجِ الحِجَازِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيَّ، وَسُلَيْمَانَ بنَ سَيْفٍ، وَيَزِيْدَ بنَ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَيُوْسُفَ بنَ مُسْلِمٍ، وَإِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الطَّلَقِيَّ، وَعَمَّارَ بنَ رَجَاءَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً بِخُرَاسَانَ، وَالعِرَاقِ، وَالحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَالجَزِيْرَةِ.
وَلَقِيَ بِمَكَّةَ: أَبَا يَحْيَى بنَ أَبِي مَسَرَّةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، وَأَبُو بَكْرٍ الجَوْزَقِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المَخْلَدِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحِيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مِهْرَانَ المُقْرِئُ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ الفَقِيْهُ الحَافِظُ لِلْمَسَانِيْدِ وَالفِقْهِيَّاتِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَمِنِ الحُفَّاظِ لِشَرَائِعِ
__________
= 6 / 245، معجم البلدان: 1 / 175، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 140 / 1، تذكرة الحفاظ: 3 / 818 816، العبر: 2 / 199 198، مرآة الجنان: 2 / 287، طبقات الشافعية للسبكي: 3 / 337 335، طبقات الاسنوي: 1 / 71 70، البداية والنهاية: 11 / 183، النجوم الزاهرة: 3 / 251، طبقات الحفاظ: 341 340، شذرات الذهب: 2 / 299، الرسالة المستطرفة: 144.(14/542)
الدِّيْنِ، مَعَ صِدقٍ وَتَوَرُّعٍ، وَضَبْطٍ وَتَيَقُّظٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الأُسْتَاذَ أَبَا الوَلِيْدِ يَقُوْلُ:
لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِنَا أَحَدٌ مِنَ الفُقَهَاءِ أَحفَظَ لِلْفِقْهِيَّاتِ وَأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ بِخُرَاسَانَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ الجُرْجَانِيِّ، وَبَالعِرَاقِ مِنْ أَبِي زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ الجُرْجَانِيُّ أَحَدَ الأَئِمَّةِ، مَا رَأَيْتُ بِخُرَاسَانَ بَعْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِثْلَهُ - أَوَ قَالَ: أَفْضَلَ مِنْهُ - كَانَ يَحْفَظُ المَوقُوَفَاتِ وَالمَرَاسِيلَ كَمَا نَحفَظُ نَحْنُ المَسَانِيدَ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الجُرْجَانِيُّ: قَدْ تَوَاتَرَتِ الأَخْبَارُ فِي عَدَدِ التَّكبِيْرِ عَلَى الجَنَائِزِ أَرْبَعاً، وَأَشهَرُهَا وَأَصحُّهَا: حَدِيْثُ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (1) ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي التَّكْبِيْرِ عَلَى الغَائِبِ.
__________
(1) أخرجه البخاري: 3 / 163 في الجنائز: باب التكبير على الجنازة أربعا، وباب الرجل ينعى إلى الميت نفسه، وباب الصفوف على الجنازة، وباب الصلاة على الجنازة بالمصلى والمسجد، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب موت النجاشي، وأخرجه مسلم (921) في الجنائز: باب في التكبير على الجنازة، ومالك: 1 / 226 في الجنائز: باب التكبير على الجنائز، وأبو داود (3204) وابن ماجة (1534) والطيالسي (2300) وأحمد: 2 / 241 و280، و289 و348 و439 و479 و529، والبيهقي: 4 / 49.
(2) لكن ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كبر أربعا على الميت الحاضر في غير ما حديث، فقد رو مسلم (954) في الجنائز، من حديث ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد ما دفن، فكبر عليه أربعا " وأخرج النسائي: 4 / 84، وابن ماجه (1528) كلاهما في الجنائز: باب ما جاء في الصلاة على القبر، عن يزيد بن ثابت وكان أكبر من زيد قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ورد البقيع، فإذا هو بقبر جديد، فسأل عنه، فقالوا: فلانة قال: فعرفها: وقال: " ألا آذنتموني بها؟ ! " قالوا: كنت قائلا صائما، فكرهنا أن نؤذيك، قال: " فلا تفعلوا، لا أعرفن ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه له رحمة " ثم أتى القبر، فصففنا خلفه، فكبر عليها أربعا.
وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (759) .
وأخرج البيهقي بسند صحيح: 4 / 48، والنسائي: 4 / 69 عن أبي أمامة بن سهل بن =(14/543)
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّلَقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يُوْسُفَ القَاضِي، عَنْ عَطَاءِ بنِ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ عَلَى ابْنِهِ أَرْبَعاً (1) .
قَالَ: وَتَوَاتَرَتِ الأَخْبَارُ عَلَى شِدَّةِ حُزْنِهِ عَلَيْهِ - يَعْنِي: ابْنَهُ - وَأَنَّهُ مَشَى خَلفَ جَنَازَتِهِ حَافِياً، وَأَنَّهُ أَخَذَ عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ - تَعَالَى -: (أَنَّ لَهُ فِي الجَنَّةِ مُرْضِعاً تُتِمُّ رَضَاعَهُ) (2) .
__________
= حنيف، أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره..وفيه: فانطلقوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قاموا على قبرها، فصفوا وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يصف للصلاة على الجنائز، فصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر أربعا، كما يكبر على الجنائز.
وأخرج النسائي: 4 / 75 في الجنائز: باب الدعاء، من طريق قتيبة، عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال: " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثا، والتسلم عند الآخرة ".
وإسناده صحيح، وصححه النووي، والحافظ في " الفتح " 3 / 164.
وأخرج البيهقي: 4 / 35 بسند صحيح.
عن عبد الله بن أبي أوفى..وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا.
(1) عطاء بن عجلان: هو الحنفي أبو محمد البصري العطار.
قال المؤلف في " ميزانه " 3 / 75: " قال ابن معين: ليس بشيء، كذاب.
وقال مرة: كان يوضع له الحديث، فيحدث به.
وقال الفلاس: كذاب.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو حاتم والنسائي: متروك.
وقال الدارقطني: ضعيف، لا يعتبر به، وقال مرة: متروك.
والحديث رواه البزار في " مسنده " (816) من طريق عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.
وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 3 / 35، وقال: " رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه عبد الرحمن بن مالك بن مغول، وهو متروك ".
وأخرج أبو داود (3187) في الجنائز: باب في الصلاة على الطفل، وأحمد 6 / 267، من طريق ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت: " مات إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وسنده حسن كما قال الحافظ في " الإصابة " 1 / 93.
وروى الامام أحمد: 3 / 281 بإسناد صحيح، عن أنس بن مالك، أنه سئل: صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم؟ قال: لا أدري.
(2) أخرج أحمد في " مسنده " 4 / 284 و288 و297 و300 و302 و304، =(14/544)
وَحَدَّثَنَا أَبُو مَعِيْنٍ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَذْكُرُوْنَ أَحَادِيْثَ لاَ يَأْخُذُ بِهَا أَهْلُ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ: مَاذَا عِنْدَ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيْثِ؟
ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: وَدِدْتُ بِأَنِّي أُضربُ بِكُلِّ حَدِيْثٍ حَدَّثتُ بِهِ - مِمَّا لاَ يُؤْخَذُ بِهِ - سَوْطاً، وَأَنِّي لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ.
قَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: تُوُفِّيَ أَبُو نُعَيْمٍ بِأَسْتَرَابَاذَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبٍ الأَسْتَرَابَاذِيَّ يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ أَبُو نُعَيْمٍ بَعْدَ مُنصَرَفِهِ مِنْ بُخَارَى، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَحْمَدَ الجُرْجَانِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ رَجَاءَ، سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ - وَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثٍ - فَقَالَ: إِنَّا وَاسِطِيُّونَ.
يَعْنِي: تَغَافَلْ كَأَنَّكَ وَاسِطِيٌّ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ:
وَمِنْهُم: أَبُو نُعَيْمٍ الأَسْتَرَابَاذِيُّ صَاحِبُ الرَّبِيْعِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَدِيْبُ،
__________
= والبخاري: 3 / 194 في الجنائز: باب ما قيل في أولاد المسلمين، و10 / 477 في الأدب: باب من سمي بأسماء الأنبياء، من حديث البراء قال: لما توفي إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن له مرضعا في الجنة ".
وفي لفظ لأحمد: " فإن له مرضعا تتم رضاعه في الجنة "(14/545)
أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ بنُ مِهْرَانَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ غَالِبٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خلاَسِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُوْنَ مَا فِي الصَّفِّ المُقَدَّمِ، كَانَتْ قُرْعَةً) .
غَرِيْبٌ، تَفَرَّد بِهِ: أَبُو قَطَنٍ عَمْرُو بنُ الهَيْثَمِ.
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ (1) ، عَنِ ابْنِ حَرْبٍ النَّشَائِيِّ، عَنْهُ.
وَاسْمُ أَبِي رَافِعٍ: نُفَيْعٌ الصَّائِغُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ المُعَزِّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَحِيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الحِمْصِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ القُرَشِيُّ، عَنْ زُهَيْرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لاَ يَقُوْلَنَّ أَحَدُكُم لِلْمَسْجِدِ: مُسَيْجِدٌ، فَإِنَّهُ بَيْتُ اللهِ، يُذْكَرُ اللهُ فِيْهِ، وَلاَ يَقُوْلَنَّ أَحَدُكُم: مُصَيْحِفٌ، فَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُصَغَّرُ، وَلاَ يَقُوْلَنَّ أَحَدَكُم: عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُم عِبَادٌ وَإِمَاءٌ، وَلاَ يَقُوْلَنَّ لِلرَّجُلِ: رُوَيْجِلٌ، وَلاَ لِلْمَرْأَةِ مُرَيَّةٌ) .
هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، شِبْهُ مَوْضُوْعٍ، لاَ يَحْتَمِلُهُ زُهَيْرٌ التَّمِيْمِيُّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيْرَ المَنَاكِيْرِ، بَلْ آفَتُهُ عِيْسَى (2) ، فَإِنَّهُ غَيْرُ ثِقَةٍ.
__________
(1) برقم (439) في الصلاة: باب تسوية الصفوف وإقامتها ...
(2) ترجمه المصنف في " الميزان " 3 / 309 308، ونقل عن البخاري والنسائي أنه منكر الحديث، وعن يحى بن معين أنه ليس بشيء، وعن أبي حاتم والنسائي أنه متروك.
وأورد له هذا الحديث في جملة منكراته.(14/546)
وفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ مَاتَ: الحَافِظُ المُتَّهَمُ (1) ؛أَبُو بِشْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو الكِنْدِيُّ، المُصْعَبِيُّ، المَرْوَزِيُّ، وحَافِظُ بَغْدَادَ؛ أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بنِ طَالِبٍ، وَشَيْخُ النَّحْوِ؛ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرَفَةَ العَتَكِيُّ نِفْطَوَيْه، وَالمُحَدِّثُ أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ العَبَّاسِ الوَرَّاقُ بِبَغْدَادَ، وَالفَقِيْهُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الحِمْيَرِيُّ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ أَبِي كُرَيْبٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عِمَارَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ العَبَّاسِ الجُوَيْنِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّكَّرِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
313 - الإِسْفَرَايِيْنِيُّ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، المُتْقِنُ الأَوْحَدُ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، أَحَد الرَّحَّالِيْنَ.
وَيُقَالُ لَهُ: الجُوْرْبَذِيُّ (2) ؛مِنْ قَريَةِ جُوْرْبَذَ.
__________
(1) ترجمه المؤلف في " العبر " 2 / 197 وقال: " هو أحد الوضاعين الكذابين مع كونه كان محدثا، إماما في السنة والرد على المبتدعة ". وانظر أيضا " ميزان الاعتدال " للمولف: 1 / 149.
(*) معجم البلدان: 2 / 180، اللباب: 1 / 306، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 135 / 2، تذكرة الحفاظ: 793 792، العبر: 2 / 173، النجوم الزاهرة: 3 / 228، طبقات الحفاظ: 331، شذرات الذهب: 2 / 279.
(2) كذا ضبطها ياقوت في " معجم البلدان " 2 / 180 بسكون الواو والراء، وقال: =(14/547)
سَمِعَ: يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى، وَأَبَا زُرْعَةَ، وَالعَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ الصَّغَانِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الأَخْرَمِ، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ بنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مِهْرَانَ المُقْرِئُ، وَآخَرُوْنَ.
وَلَقِيَ بِمَنْبِجَ حَاجِبَ بنَ سُلَيْمَانَ.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَمَاتَ: فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَرَّخَهُ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: هُوَ خَتَنُ بُدَيْلٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، مِنَ الأَثبَاتِ المُجَوِّدِينَ فِي أَقطَارِ الأَرْضِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الأَدِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءَ عَبْدُ اللهِ بن وَاقِدٍ الهَرَوِيُّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ إِلاَّ وَللهِ فِيْهِ عُتَقَاءُ يَعْتقُهُم مِنَ النَّارِ، إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ مَا فِيْهِ سَاعَةٌ إِلاَّ وَللهِ عُتَقَاءُ يَعْتقُهُم مِنَ النَّارِ) .
تَفَرَّد بِهِ: أَبُو رَجَاءَ، وَهُوَ لَيِّنُ الحَدِيْثِ (1) .
__________
= " من قرى إسفرايين، من أعمال نيسابور ".
أما صاحب " اللباب " فقيدها بسكون الواو وفتح الراء.
(1) كذا قال المؤلف هنا، وقال في " الميزان " 2 / 520 بعد أن نقل قول ابن عدي: مظلم الحديث: قلت: وثقة أحمد ويحيى، وقال أبو زرعة: لم يكن به بأس. وقال في =(14/548)
314 - أَسْلَمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ هَاشِمِ بنِ خَالِدٍ الأُمَوِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، قَاضِي القُضَاة بِالأَنْدَلُسِ، أَبُو الجَعْدِ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، الفَقِيْهُ، المَالِكِيُّ، أَحَدُ الأَعلاَمِ، مِنْ ذُرِّيَّةِ أَبَانٍ مَوْلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
ارْتَحَلَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَأَخَذَ عَنْ: يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَبِي إِبْرَاهِيْم المُزَنِيِّ، وَالرَّبِيْعِ المُرَادِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَرَجَعَ بِإِسْنَادٍ عَالٍ، وَعِلْمٍ جَمٍّ، وَلاَزَمَ بَقِيَّ بنَ مَخْلَدٍ مُدَّةً طَوِيْلَةً.
وَكَانَ إِمَاماً، فَقِيْهاً، مُحَدِّثاً، رَئِيْساً، نَبِيْلاً، مُعَظَّماً، بَعِيدَ الصِّيتِ.
وَلِيَ قَضَاءَ الجَمَاعَةِ (1) لِلنَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ، وَكَانَ حَمِيْدَ السِّيرَةِ، شَدِيْداً عَلَى الشُّهُودِ المُرِيبِيْنَ، وَهُوَ أَخُو هَاشِمِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: جَمَاعَةٌ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: مَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
= " الكاشف ": وثقة أحمد.
وفي " التهذيب ": وقال أبو داود: ليس به بأس، وقال في موضع آخر: ثقة.
وقال النسائي: لا بأس به.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال الحاكم: فقيه، عالم، صدوق، مقبول.
وقيل لاسحاق بن منصور: كان أبو رجاء ثقة؟ فقال: فوق الثقة.
وقول ابن عدي: مظلم الحديث، لم يتابع عليه.
وقد ذكر المؤلف الحديث في " ميزانه ".
(*) تاريخ علماء الأندلس: 89، جذوة المقتبس: 173 172، المنتظم: 6 / 237، بغية الملتمس: 240 239، العبر: 2 / 175، الاحاطة في أخبار غرناطة: 1 / 422 419، تاريخ قضاة الأندلس: 1 / 63، الديباج المذهب: 1 / 309 308، شذرات الذهب: 2 / 281، شجرة النور الزكية: 1 / 87 86.
(1) أي: رئاسة القضاء، أو منصب قاضي القضاة.(14/549)
315 - ابْنُ عمْرُوْسٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عمْرُوْسَ بنِ مُحَمَّدٍ الفُسْطَاطِيُّ *
الإِمَامُ، مُحَدِّثُ هَمَذَانَ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عمْرُوْسِ بنِ مُحَمَّدٍ الفُسْطَاطِيُّ، الفَقِيْهُ.
رَوَى عَنْ: أَبِي عَمَّارٍ المَرْوَزِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ، وَالعَبَّاسِ بنِ يَزِيْدَ البَحْرَانِيِّ، وَعَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ عِصَامٍ، وَأَحْمَدَ بنِ بُدَيْلٍ، وَحَمِيْدِ بنِ زَنْجُوْيَه، وَالبُخَارِيِّ، وَخَلْقٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ التَّمِيْمِيُّ: سَمِعْتُ مِنْهُ مَعَ أَبِي، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ فَوَائِدِهِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ.
تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
316 - المَرْوَزِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِسْحَاقَ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَرْوَزِيُّ، خَاتِمَةُ أَصْحَابِ عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ.
حَدَّثَ عَنْ: عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ، وَعَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ، وَالحَسَنِ بنِ أَبِي الرَّبِيْعِ، وَسَلَمَةَ بنِ شَبِيْبٍ - لَقِيَهُ بِمَكَّةَ - وَالرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ المُرَادِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ جَرِيْرِ بنِ جَبَلَةَ، وَعَبَّاسٍ الدُّوْرِيِّ، وَطَائِفَةٍ فِي رِحْلَتِهِ.
__________
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر المتيسرة.
(* *) لم نقف له على ترجمة فيما بين أيدينا من المصادر.(14/550)
وَقَدِمَ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَأَملَى بِهَا، وَلَمْ أَرَ الحَاكِمَ ذَكَرَهُ فِي (تَارِيْخِهِ) .
رَوَى عَنْهُ: أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيٍّ الجُرْجَانِيُّ، وَطَاهِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلُوَيْه، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ المَخْلَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ العَلَوِيُّ - شَيْخُ البَيْهَقِيِّ -.
وَالعَلَوِيُّ خَاتِمَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ، فَحَدِيْثُهُ أَعْلَى شَيْءٍ وَقَعَ لِلْحَافِظِ البَيْهَقِيِّ.
وَلَمْ أَظْفَرْ لَهُ بِوَفَاةٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الخَطِيْبُ، وَجَمَاعَةٌ:
أَنْبَأَهُمُ القَاسِمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا وَجِيْهُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ الأَزْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ المَخْلدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِسْحَاقَ المَرْوَزِيُّ إِمْلاَءً بِنَيْسَابُوْرَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمَّارٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ شَيْئاً، مَا أَعْطَى كَافِراً مِنْهَا شَيْئاً) (1) .
317 - الفَضْلُ بنُ الخَصِيْبِ بنِ العَبَّاسِ بنِ نَصْرٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، الرَّحَّالُ، أَبُو العَبَّاسِ الأَصْبَهَانِيُّ، الزَّعْفَرَانِيُّ.
__________
(1) صالح مولى التوأمة: صدوق، لكنه اختلط بأخرة، وباقي رجاله ثقات.
وللحديث شواهد يتقوى بها، فقد أخرجه الترمذي (2320) في الزهد: باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عزوجل، وابن ماجه (4110) من حديث سهل بن سعد الساعدي، وأخرجه الخطيب في " تاريخه " 4 / 92 من حديث ابن عمر، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 3 / 304 من حديث ابن عباس، وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " برقم (509) عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فالحديث قوي بهذه الشواهد.
(*) ذكر أخبار أصبهان: 2 / 154، طبقات المحدثين بأصبهان لوحة: 252.(14/551)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي يَحْيَى بنِ المُقْرِئِ، وَأَحْمَدَ البَزِّيِّ، وَسَلَمَةَ بنِ شَبِيْبٍ، وَحُمَيْدِ بنِ مَسْعَدَةَ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُسْتَوْرِدِ، وَأَحْمَدَ بنِ الفُرَاتِ، وَمُحَمَّدِ بنِ وَزِيْرٍ الوَاسِطِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ الخَلِيْلِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ مُوْسَى الفَرْوِيِّ، وَالنَّضْرِ بنِ سَلَمَةَ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ - وَالِدُ أَبِي نُعَيْمٍ - وَالقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ العَسَّالُ، وَالحَسَنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ البَغْدَادِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ مِنْ مَشَاهِيْرِ الأَصْبَهَانِيِّيْنَ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ القُرْطُبِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ البَغْدَادِيِّ، أَخْبَرَنَا مَحْمُوْدُ بنُ جَعْفَرٍ الكَوْسَجُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ البَغْدَادِيِّ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ الخَصِيْبِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَزِيْرِ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَدِيِّ بنِ عَدِيٍّ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْظُرَ: فَمَنْ أَتَى لَهُ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً فَلَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ، إِلاَّ ضَرَبْتُ عَلَيْهِ الجِزْيَةَ) (1) . غَرِيْبٌ.
__________
(1) ليث: هو ابن أبي سليم، سيء الحفظ. وعدي بن عدي: لم يدرك عمر. فالخبر ضعيف ومنقطع.(14/552)
318 - الأَعْمَشِيُّ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، المُصَنِّفُ، أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حَمدُوْنَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عِمَارَةَ بنِ رُسْتُمَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الأَعْمَشِيُّ، لُقِّبَ بِبَغْدَادَ بِالأَعْمَشِيِّ لِحِفْظِهِ حَدِيْثَ الأَعْمَشِ، وَاعْتِنَائِه بِهِ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقَ بنَ مَنْصُوْرٍ، وَعَلِيَّ بن خَشْرَمٍ، وَالزَّعْفَرَانِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَيَحْيَى بنَ حَكِيْمٍ، وَزيَادَ بنَ يَحْيَى الحَسَّانِيَّ، وَأَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ المُهَلَّبِ السَّرَخْسِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الوَلِيْدِ الفَقِيْهُ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، وَأَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَيَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَرَّانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ - إِنْ حَلَّتِ الرِّوَايَة عَنْهُ، قُلْتُ: وَكَانَ يُلَقَّبُ أَبَا تُرَابٍ - قَالَ الحَاكِمُ:
فَقُلْتُ لأَبِي عَلِيٍّ: أَهَذَا الَّذِي تَذْكُرُهُ مِنْ جِهَةِ المُجُوْنِ وَالسُّخْفِ الَّذِي كَانَ، أَوْ لِشَيْءٍ أَنْكَرْتَه مِنْهُ فِي الحَدِيْثِ؟
قَالَ: بَلْ مِنْ جِهَةِ الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: فَمَا أَنكَرتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: حَدِيْثَ عُبَيْدَ الله بنَ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ.
قُلْتُ: قَدْ حَدَّثَ بِهِ غَيْرُهُ، فَأَخَذَ يَذكُرُ أَحَادِيْثَ
__________
(*) الأنساب: 45 / أ، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 138 / 1، تذكرة الحفاظ: 3 / 805 - 807، العبر: 2 / 185، ميزان الاعتدال: 1 / 95 94، الوافي بالوفيات: 6 / 361، لسان الميزان: 1 / 165 164، النجوم الزاهرة: 3 / 241، طبقات الحفاظ: 336، شذرات الذهب: 2 / 288.(14/553)
حَدَّثَ بِهَا غَيْرُهُ.
فَقُلْتُ: أَبُو تُرَابٍ مَظْلُوْمٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْتَهُ.
ثُمَّ حَدَّثْتُ أَبَا الحُسَيْنِ الحَجَّاجِيَّ بِهَذَا، فَرَضِيَ كَلاَمِي فِيْهِ، وَقَالَ: القَوْلُ مَا قُلْتَهُ.
ثُمَّ تَأَمَّلتُ أَجزَاءَ كَثِيْرَةً بِخَطِّهِ، فَلَمْ أَجِدْ فِيْهَا حَدِيْثاً يَكُوْنُ الحَمْلُ فِيْهِ عَلَيْهِ، وَأَحَادِيْثُهُ كُلُّهَا مُسْتَقِيْمَةٌ.
وَسَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: حَضَرْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَسْأَلُ أَبَا حَامِدٍ الأَعْمَشِيَّ: كَمْ رَوَى الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ؟
فَأَخَذَ أَبُو حَامِدٍ يَسْرُدُ التَّرْجَمَةَ، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، وَأَبُو بَكْرٍ يَتَعَجَّبُ مِنْهُ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ يَقُوْلُ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي حَامِدٍ الأَعْمَشِيِّ، وَهُوَ عَلِيْلٌ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟
قَالَ: أَنَا بِخَيْرٍ، لَوْلاَ هَذَا الجَارُ - يَعْنِي: أَبَا حَامِدٍ الجُلُوْدِيَّ؛ رَاوِيَةَ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ - ... ، ثُمَّ قَالَ:
يَدَّعِي أَنَّهُ عَالِمٌ، وَلاَ يَحْفَظُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ كُتُبٍ: كِتَابَ (عَمَى القَلْبِ) ، وَكِتَابَ (النِّسْيَانِ) ، وَكِتَابَ (الجَهْلِ) .
دَخَلَ عَلَيَّ أَمسِ وَقَدِ اشْتَدَّتْ بِيَ العِلَّةُ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَامِدٍ! عَلِمتَ أَنَّ زَنْجُوْيَه مَاتَ؟
فَقُلْتُ: رَحِمَهُ اللهُ.
فَقَالَ: دَخَلتُ اليَوْمَ عَلَى المُؤَمَّلِ بنِ الحَسَنِ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَامِدٍ! كَمْ لَكَ؟
قُلْتُ: أَنَا فِي السَّادِسِ وَالثَّمَانِيْنَ.
فَقَالَ: إِذاً أَنْتَ أَكْبَرُ مِنْ أَبِيْكَ يَوْمَ مَاتَ.
فَقُلْتُ: أَنَا - بِحَمْدِ اللهِ - فِي عَافِيَةٍ، جَامَعتُ البَارِحَةَ مَرَّتَيْنِ، وَاليَومَ فَعَلتُ كَذَا.
فَخَجِلَ، وَقَامَ.
قُلْتُ: قِيْلَ: إِنَّ صَاحِبَ التَّرْجَمَةِ هُوَ وَلَدُ الزَّاهِدِ حَمدُوْنَ القَصَّارِ؛ أَحَدِ مَشَايِخِ الطَّرِيْقِ.
مَاتَ أَبُو حَامِدٍ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ.(14/554)
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَازِمٍ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ، أَخْبَرَتْنَا الكَاتِبَةُ شُهْدَةُ، أَخْبَرَنَا ظَرِيْفُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ المَحْفُوْظِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَيَعْقُوْبُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالصَّغَانِيُّ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبَانِ بنِ تَغْلِبَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ فَاعِلِهِ) .
رَوَاهُ: مُسْلِمٌ (1) مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الأَعْمَشِ.
319 - أَبُو عُمَرَ القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ *
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، قَاضِي القُضَاةِ، أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عَالِمِ البَصْرَةِ حَمَّادِ بنِ زَيْدِ بنِ دِرْهَمٍ الأَزْدِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَصْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، المَالِكِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ؛ الحَافِظَ يُوْسُفَ القَاضِي - صَاحِبَ (السُّنَنِ) - وَمُحَمَّدَ بنَ الوَلِيْدِ البُسْرِيَّ، وَالحَسَنَ بنَ أَبِي الرَّبِيْعِ الجُرْجَانِيَّ، وَزَيْدَ بنَ أَخْزَمَ، وَطَبَقَتَهُم.
__________
(1) برقم (1893) في الامارة: باب فضل إعانة الغازي. وهو في سنن أبي داود برقم (5129) في الأدب: باب في الدال على الخير، والترمذي (2675) في العلم: باب فيمن دعا إلى هدى فاتبع أو إلى ضلالة.
(*) تاريخ بغداد: 2 / 405 401، المنتظم: 6 / 248 246، الكامل في التاريخ: 8 / 213 و247، العبر: 2 / 184 183، دول الإسلام: 1 / 194، الوافي بالوفيات: 5 / 246 245، البداية والنهاية: 11 / 172 171، النجوم الزاهرة: 3 / 235، شذرات الذهب: 2 / 287 286.(14/555)
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حَبَابَةَ، وَعِيْسَى بنُ الوَزِيْرِ، وَعِدَّةٌ.
مَوْلِدُهُ: بِالبَصْرَةِ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَوَلِيَ قَضَاءَ مَدِيْنَةِ المَنْصُوْرِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَكَانَ عَدِيْمَ النَّظِيْرِ عَقلاً وَحِلْماً وَذَكَاءً، بِحَيْثُ إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ شَخصٍ، قَالَ: كَأَنَّهُ أَبُو عُمَرَ القَاضِي.
ثُمَّ قَلَّدَه المُقْتَدِرُ بِاللهِ قَضَاءَ الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَعِدَّة نَوَاحٍ، ثُمَّ قَلَّدَه قَضَاءَ القُضَاةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
حَمَلَ النَّاسُ عَنْهُ عِلْماً وَاسِعاً مِنَ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، وَلَمْ يُرَ أَجَلُّ مِنْ مَجْلِسِه لِلْحَدِيْثِ: البَغَوِيُّ عَنْ يَمِينِه، وَابْنُ صَاعِدٍ عَنْ شِمَالِهِ، وَابْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ جَدَّهُ لَقَّنَه حَدِيْثاً، فَحَفِظَه وَلَهُ أَرْبَعُ سِنِيْنَ، عَنْ وَهبِ بنِ جَرِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: لاَ بَأْسَ بِالكُحْلِ لِلصَّائِمِ (1) .
قَالَ الخَطِيْبُ: هُوَ مِمَّنْ لاَ نَظِيْرَ لَهُ فِي الأَحْكَامِ عَقْلاً، وَذَكَاءً، وَاسْتِيفَاءً لِلْمَعَانِي الكَثِيْرَةِ بِالأَلْفَاظِ اليَسِيْرَةِ (2) .
وَقِيْلَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا امتَلأَ غَيظاً، يَقُوْلُ: لَوْ أَنِّي أَبُو عُمَرَ القَاضِي مَا صَبَرتُ.
استُخْلِفَ وَلَدُهُ عَلَى قَضَاءِ الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ.
وَقَدْ كَتَبَ الفِقْهَ عَنْ: إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، سِوَى قِطعَةٍ مِنَ التَّفْسِيْرِ،
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " (7516) وإسناده صحيح، وعلقه البخاري في " صحيحه " 4 / 133.
(2) " تاريخ بغداد " 3 / 401 وفيه: " هو ممن لا نظير له في الحكام.."(14/556)
وَعَمِلَ (مُسْنَداً) كَبِيْراً، قَرَأَ أَكثَرَهُ عَلَى النَّاسِ.
وَمَاتَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ الوَزِيْرِ:
قُرِئَ عَلَى القَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ:
حَدَّثَكُمُ الحَسَنُ بنُ أَبِي الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ:
فُرِضَتِ الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ خَمْسِيْنَ صَلاَةً، ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْساً، فَقَالَ الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ لَكَ بِالخَمْسِ خَمْسِيْنَ، الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) .
أَصلُ الحَدِيْثِ فِي الصِّحَاحِ (1) لأَنَسِ بنِ مَالِك، وَغَيْرِهِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَيِّنٌ مِنْ جِهَةِ أَبِي هَارُوْنَ (2) .
320 - الدَّغُوْلِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو العَبَّاسِ
__________
(1) حديث أنس أخرجه البخاري: 6 / 217، 220 في بدء الخلق: باب ذكر الملائكة، وفي الأنبياء: باب قول الله تعالى: وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا، وباب قول الله تعالى: ذكر رحمة ربك عبده زكريا، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب المعراج، ومسلم (162) في الايمان: باب الاسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم: والترمذي (213) والنسائي: 1 / 217، 223 كلاهما في الصلاة: باب فرض الصلاة.
(2) واسمه: عمارة بن جوين. قال في " التقريب ": متروك، ومنهم من كذبه.
(*) الأنساب: 227 / ب، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 140 / 2، تذكرة الحفاظ: 3 / 824 823، العبر: 2 / 205، الوافي بالوفيات: 3 / 226، طبقات الحفاظ: 343، شذرات الذهب: 2 / 307، الرسالة المستطرفة: 136.(14/557)
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ السَّرَخْسِيُّ، الدَّغُوْلِيُّ.
قَالَ الحَاكِمُ فِي كِتَابِ (مُزَكِّي الأَخْبَارِ) :كَانَ أَبُو العَبَّاسِ أَحَدَ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ بِخُرَاسَانَ فِي اللُّغَةِ، وَالفِقْهِ، وَالرِّوَايَةِ، أَقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ مُسْتَفِيْداً عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرٍ وَأَقرَانِهِمَا سِنِيْنَ، وَكَتَبَ بِالعِرَاقِ وَالحِجَازِ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَحْمَسِيِّ، وَأَقرَانِهِ.
قُلْتُ: رَوَى عَنِ: الزَّعْفَرَانِيِّ، وَسَعْدَانَ بنِ نَصْرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ المِقْدَامِ العِجْلِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ، وَأَحْمَدَ بنِ زُهَيْرٍ، وَمُسْلِمِ بنِ الحَجَّاجِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُشْكَانَ، وَأَحْمَدَ بنِ حَفْصِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ العَبْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الجَهْمِ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَالحَسَنِ بنِ أَبِي رَبِيْعٍ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي عِيْسَى، وَأَبِي يَحْيَى بن أَبِي مَسَرَّةَ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي غَرَزَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُهَلَّبِ السَّرَخْسِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ هَاشِمٍ الطُّوْسِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ السُّلَمِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ الأَزْهَرِ، وَطَبَقَتِهِم.
وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الفَقِيْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَرَابِيْسِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَمْرٍو البُسْتِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي ذُهْلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الجَوْزَقِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَلَهُ: كِتَابُ (الآدَابِ) ، وَكِتَابُ (فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ) ، وَأَشيَاءٌ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الأُسْتَاذَ أَبَا الوَلِيْدِ يَقُوْلُ: قِيْلَ لأَبِي العَبَّاسِ(14/558)
الدَّغُوْلِيِّ: لِمَ لاَ تَقْنُتُ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ؟
فَقَالَ: لِرَاحَةِ الجَسَدِ، وَسُنَّةِ أَهْلِ البَلَدِ، وَمُدَارَاةِ الأَهْلِ وَالوَلَدِ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ الكَرَابِيْسِيَّ بِسَرْخَسَ يَقُوْلُ:
قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ سَرْخَسَ مُتَوَجِّهاً إِلَى بُخَارَى، فَلَمَّا انصَرَفَ إِلَيْنَا، قِيْلَ لَهُ: مَا رَأَينَا بِهَذِهِ الدِّيَارِ مِثْلَ أَبِي العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيِّ، فَقَالَ: أَيشٍ هَذَا؟ مَا رَأَيْتُ أَنَا طُوْلَ رِحْلَتِي مِثْلَ أَبِي العَبَّاسِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الحَافِظُ: خَرَجْنَا مَعَ الإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ بنِ خُزَيْمَةَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ لِتَهْنِئَةِ الأَمِيْرِ الشَّهِيْدِ، وَالتَّعزِيَةِ عَنِ الأَمِيْرِ أَبِي إِبْرَاهِيْم المَاضِي، فَلَمَّا انْصَرَفنَا، قُلْتُ لاِبْنِ خُزَيْمَةَ: مَا رَأَينَا فِي سَفَرِنَا مِثْلَ أَبِي العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيِّ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا رَأَيْتُ أَنَا مِثْلَ أَبِي العَبَّاسِ.
قُلْتُ: مَا أَطلَقَ ابْنُ خُزَيْمَةَ هَذَا القَوْلَ إِلاَّ عَنْ أَمرٍ كَبِيْرٍ مِنْ سَعَةِ عِلْمِ أَبِي العَبَّاسِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ عَمْرٍو البُسْتِيَّ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيَّ يَقُوْلُ لأَبِي حُسَيْنٍ الحَجَّاجِيَّ: أَيْشٍ حَالُ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظِ؟ وَمَا الَّذِي يُصَنِّفُهُ الآنَ؟
قَالَ: هُوَ ذَا يَرُدُّ عَلَى مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاجِ.
فَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
يُقَضَّى لِلْحُطَيئَةِ أَلْفُ بَيْتٍ ... كَذَاكَ الحَيُّ يَغلِبُ كُلَّ مَيتِ
كَذَلِكَ دِعْبِلٌ يَرْجُو سَفَاهاً ... وَحُمْقاً أَنْ يَنَالَ مَدَى الكُمَيْتِ
إِذَا مَا الحِيُّ نَاقَضَ حَشْوَ قَبْرٍ ... فَذَلِكُمُ ابْنُ زَانِيَةٍ بِزَيْتِ(14/559)
قَالَ ابْنُ أَبِي ذُهْلٍ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيَّ يَقُوْلُ:
أَرْبَعُ مُجَلَّدَاتٍ لاَ تُفَارِقُنِي فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، وَإِذَا خَرَجتُ مِنَ البَلَدِ: كِتَابُ المُزَنِيِّ، وَكِتَابُ (العَيْنِ) ، وَ (تَارِيْخُ البُخَارِيِّ) ، وَكِتَابُ (كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ) .
الحَاكِمُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى الوُحَاظِيُّ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ هَاشِمٍ مَوْلاَةُ عَبْدِ اللهِ بنِ بُسْرٍ، قَالَتْ:
بَيْنَمَا أَنَا أُوَضِّئُ عَبْدَ اللهِ بنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ خَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ - تَعْنِي: مَاتَ فَجْأَةً -.
قَالَ الحَاكِمُ: قَالَ الدَّغُوْلِيُّ:
فِي العُلَمَاءِ جَمَاعَةٌ فُقِدُوا فَجْأَةً، فَلَمْ يُوْجَدُوا، مِنْهُم: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، فُقِدَ يَوْمَ الجَمَاجِمِ (1) ، وَمِنْهُم: مَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ وَلَمْ تُعْرَفْ لَهُ تُرْبَةٌ قَطُّ، وَبَدَلُ بنُ المُحَبِّرِ افْتُقِدَ وَلاَ يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ.
ثُمَّ سَمَّى جَمَاعَةٌ مَاتُوا فَجْأَةً: كَالشَّعْبِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَالأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الدَّغُوْلِيِّ عَنْ وَفَاةِ جَدِّهِ، فَقَالَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَرَأْتُ عَلَى شَرَفِ الدِّيْنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحُسَيْنِ الدِّمَشْقِيِّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ الهَرَوِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ
__________
(1) قال المؤلف في " دول الإسلام " 1 / 58: " وفي سنة اثنتين وثمانين كانت وقعة الجماجم بين ابن الاشعث والحجاج، وكان جيش ابن الاشعث أزيد من ثلاثين ألف فارس، ونحو مئة ألف وعشرين ألف راجل، وهزم ابن الاشعث الحجاج مرات عدة، وأمداد عساكر الشام تأتيه من الخليفة ثم انكسر ابن الاشعث وقتل ".
والتفصيل في تاريخ المؤلف 3 / 233 227.
ودير الجماجم: بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها، وإليها نسبت هذه الوقعة.(14/560)
الشّحَامِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُوْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الجَوْزَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَمَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا بَهْز، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ، وَأَبُوْهُ، أَنَّهُمَا سَمِعا مُوْسَى بنَ طَلْحَةَ يُخْبِرُ عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ.
فَقَالَ القَوْمُ: مَا لَهُ، مَا لَهُ؟
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَرَبٌ مَالَهُ) .
وَقَالَ: (تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيْمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، ذَرْهَا) كَأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ.
لَفْظُ الشَّرْقِيِّ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (1) جَمِيْعاً، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَوَقَعَ مُوَافَقَةً لَهُمَا بِعُلُوٍّ.
أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الفَضْلِ زَيْنَبُ بِنْتُ عُمَرَ بنِ كِنْدِيٍّ ببَعْلَبَكَّ، عَنْ أُمِّ المُؤَيَّدِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَشَّابُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زَكَرِيَّا الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيُّ، وَمَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ اللهَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - لَيَعْجَبُ مِنَ الرَّجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَيَدْخُلاَنِ الجَنَّةَ) .
زَادَ الدَّغُوْلِيُّ فِي حَدِيْثِهِ: (فَقَالَ سُفْيَانُ: يَكُوْنُ هَذَا كَافِراً، وَهَذَا مُسْلِماً، فَيَقْتُلُ الكَافِرُ المُسْلِمَ، ثُمَّ
__________
(1) أخرجه البخاري: 10 / 347 في الأدب: باب فضل صلة الرحم، ومسلم (13) في الايمان: باب بيان الايمان الذي يدخل به الجنة. وقد تقدم تخريج هذا الحديث في الصفحة (494) من هذا الجزءت 2.(14/561)
يَرْزُقُ اللهُ الكَافِرَ التَّوبَةَ فَيُسْلِمُ، فَيُقْتَلُ، فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ) .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) ، وَمَا اتَّصَلَ عُلُوُّهُ لِي إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
321 - ثَابِتُ بنُ حَزْمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُطَرِّفٍ السَّرَقُسْطِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو القَاسِمِ السَّرَقُسْطِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، اللُّغَوِيُّ، صَاحِب كِتَابِ (الدَّلاَئِلِ) .
أَخَذَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ وَضَّاحٍ، ومُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الخُشَنِيِّ، وَفِي الرِّحلَةِ عَنِ النَّسَائِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ البَزَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيِّ الصَّائِغِ، وَعِدَّةٍ.
قَالَ ابْنُ الفَرَضِيِّ: كَانَ عَالِماً، مُفْتِياً، بَصِيْراً بِالحَدِيْثِ، وَالنَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَالغَرِيْبِ، وَالشِّعرِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ مُفِيْدَةٌ.
وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ سَرَقُسْطَةَ.
__________
(1) أخرجه البخاري: 6 / 30 29 في الجهاد: باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم، ومسلم (1890) في الامارة: باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، ومالك: 2 / 460 في الجهاد: باب الشهداء في سبيل الله، والنسائي: 6 / 39 38، من حديث أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يضحك الله تعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدلخ الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله ثم يستشهد، فيتوب الله على القائل فيسلم، فيقاتل في سبيل الله فيستشهد ".
(*) تاريخ علماء الأندلس: 1 / 100، جذوة المقتبس: 185، المنتظم: 6 / 203، بغية الملتمس: 254، معجم البلدان: 3 / 213، تذكرة الحفاظ: 3 / 870 869، العبر: 2 / 156 155، مرآة الجنان: 2 / 266، الديباج المذهب: 1 / 320 319، طبقات الحفاظ: 356 355، بغية الوعاة: 1 / 480، نفح الطيب: 2 / 49 ضمن ترجمة ولده قاسم، شذرات الذهب: 2 / 266، الرسالة المستطرفة: 155.
(2) وإليها نسبته. وسرقسطة: بلدة مشهورة بالاندلس، ذات فواكه عديدة لها فضل على سائر فواكه الأندلس، مبنية على نهر كبير، وتنسب إليها الثياب الرقيقة المعروفة بالسرقسطية.
انظر " معجم البلدان " 3 / 214 212.(14/562)
وَكَانَ وَلَدُه مِنَ الأَذْكِيَاءِ المَعْدُوْدِيْنَ، مَاتَ بَعْدَ الثَّلاَثِ مائَةِ شَابّاً، وَهُوَ: قَاسِمُ بنُ ثَابِتٍ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: مَاتَ ثَابِتٌ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو الرَّبِيْعِ بنُ سَالِمٍ: وَمِنْ تَآلِيْفِ بِلاَدِنَا كِتَابُ (الدَّلاَئِلِ) فِي الغَرِيْبِ، مِمَّا لَمْ يَذكُرْهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَلاَ ابْنُ قُتَيْبَةَ لِقَاسِمِ بنِ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيِّ، احْتَفَلَ فِي تَأْلِيْفِه، وَمَاتَ قَبْلَ إِكمَالِه، فَأَكمَلَه أَبُوْهُ.
وَكَانَ سَمَاعُهُمَا وَاحِداً، وَرِحْلَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، سَمِعْتُهُ مِنِ ابْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا بِهِ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِرَاجٍ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، عَنِ العَبَّاسِ بنِ عُمَرَ الصِّقِلِّيِّ، عَنْ ثَابِتِ بنِ قَاسِمِ بنِ ثَابِتٍ، عَنْ جَدِّهِ قِرَاءةً، وَعَنِ ابْنِه إِجَازَةً، وَهَذَا عَكسُ المَعْهُوْدِ.
وَمَاتَ أَبُوْهُ نَحْوَ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ عُرِضَ قَضَاءُ بَلَدِهِ عَلَيْهِ، فَأَبَاهُ، فَأَرَادَ أَبُوْهُ الحَمْلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَسَأَلَهُ إِنظَارَهُ ثَلاَثاً، فَتُوُفِّيَ فِيْهَا، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ بِالمَوْتِ، وَكَانَ مَعْرُوْفاً بِإِجَابَةِ الدَّعوَةِ، وَكَتَبَ أَبُو عَلِيٍّ القَالِيُّ هَذَا الكِتَابَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لَمْ يُوضَعْ بِالأَنْدَلُسِ مِثْلُه.
322 - عَبْدُ اللهِ بنُ مُظَاهِرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الحَافِظُ، البَارِعُ، أَحَدُ الأَذْكِيَاءِ الأَفرَادِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ.
بَلَغَنَا أَنَّهُ حَفِظَ (المُسْنَدَ) جَمِيْعَه، ثُمَّ شَرَعَ فِي حِفظِ أَقوَالِ الصَّحَابَةِ.
__________
(*) ذكر أخبار أصبهان: 2 / 73 72، تاريخ بغداد: 10 / 179، تذكرة الحفاظ: 3 / 889، العبر: 2 / 128 127، طبقات الحفاظ: 363، شذرات الذهب: 2 / 243.(14/563)
أَخَذَ عَنْ: يُوْسُفَ القَاضِي، وَمُطَيَّنٍ، وَأَبِي خَلِيْفَةَ، وَأَقرَانِهِم، وَمَاتَ شَابّاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيقُهُ؛ أَبُو الشَّيْخِ وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ مَوْتُهُ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
323 - القَاضِي الخَيَّاطُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، القَاضِي، الوَرِعُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ، أَحَدُ السَّادَاتِ وَالأَوْلِيَاءِ.
عُرِفَ بِالخَيَّاطِ؛ لأَنَّه كَانَ يَخِيطُ عَلَى الأَيْتَامِ وَالمَسَاكِيْنِ حُسبَةً.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: عَلِيَّ بنَ خَشْرَمٍ، وَمَحْمُوْدَ بنَ آدَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ سَيَّارٍ الحَافِظَ، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
ثُمَّ سُئِلَ الرِّوَايَةَ، فَمَا كَانَ يُحَدِّثُ إِلاَّ بِاليَسِيْرِ فِي المُذَاكَرَةِ.
وَلِيَ قَضَاءَ القُضَاةِ بِنَيْسَابُوْرَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، إِلَى أَنِ اسْتَعفَى سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَرَدَّ خريطَةَ الحُكْمِ إِلَى الرَّئِيْسِ أَبِي الفَضْلِ البَلْعَمِيِّ، فَمَا شَرِبَ لأَحَدٍ مَاءً، وَلاَ ظُفِرَ لَهُ بِزَلَّةٍ.
وَكَانَ لاَ يَدَعُ سَمَاعَ الحَدِيْثِ أَيَّامَ قَضَائِه، وَيَحضُرُ مَجْلِسَ أَبِي العَبَّاسِ السَّرَّاجِ.
بَالَغَ الحَاكِمُ فِي تَعْظِيْمِه، وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ:
مَرَرْتُ أَنَا وَأَبُو الحَسَنِ الصَّبَّاغُ عَلَى مَسْجِدِ رَجَاءَ، وَالقَاضِي الخَيَّاطُ
__________
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي بين أيدينا.(14/564)
جَالِسٌ، وَكَاتِبُهُ بِحِذَائِه، فَقُلْنَا: نَحتَسِبُ وَنَتَقَدَّمُ إِلَيْهِ، وَيَدَّعِي أَحَدُنَا عَلَى الآخَرِ.
فَادَّعَيتُ أَنِّي سَمِعْتُ فِي كِتَابِ هَذَا وَلَيْسَ يُعِيْرُنِي سَمَاعِي، فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: بِإِذنك سَمَّعَ فِي كِتَابِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَعِرْهُ سَمَاعَه.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ طُولَ أَيَّامِه يَسْكُنُ دَارَ ابْنِ حَمْدُوْنَ بِحِذَاءِ دَارِنَا، وَكُنْتُ أَعرِفُهُ يَخِيطُ بِاللَّيْلِ - وَإِذَا تَفَرَّغَ بِالنَّهَارِ - لِلأَيتَامِ وَالضُّعَفَاءِ، وَيَعُدُّهَا صَدَقَةً.
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدَانَ خَادِمَ الجَامِعِ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَاكِمُ يَجِيْءُ فِي كُلِّ أُسْبُوْعٍ لَيْلَةً إِلَى الجَامِعِ، فَيَتَعَبَّدُ إِلَى الصَّبَاحِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْرِفُ غَيْرِي، فَصَادَفتُهُ لَيْلَةً يَتلُو: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافرُوْنَ) [المَائِدَةُ:44] الآيَاتِ، وَكُلَّمَا تَلاَ آيَةً مِنْهَا، ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِه ضَرْبَةً أَسْمَعُ صَوْتَهَا مِنْ شِدَّتِهِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
تُوُفِّيَ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
324 - ابْنُ قُتَيْبَةَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمٍ البَغْدَادِيُّ *
قَاضِي القُضَاةِ بِمِصْرَ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمِ بنِ قُتَيْبَةَ البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ.
__________
(*) الولاة والقضاة: 485، 546، ذكر أخبار أصبهان: 1 / 133، تاريخ بغداد: 4 / 229، معجم الأدباء: 3 / 104 103، إنباه الرواة: 1 / 46 45، وفيات الأعيان: 3 / 43، العبر: 2 / 193، الوافي بالوفيات: 7 / 80، البداية والنهاية: 11 / 180، الديباج المذهب: 1 / 162 161، النجوم الزاهرة: 3 / 246، حسن المحاضرة: 1 / 368، 2 / 146، شذرات الذهب: 2 / 170.(14/565)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ بِكُتُبِه كُلِّهَا حِفْظاً.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِيُّ، وَابْنُهُ؛ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَحْمَدَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ، فَمَاتَ بِهَا.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ خُرَّزَاذَ: إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ حَدَّثَ بِكُتُبِ أَبِيْهِ كُلِّهَا بِمِصْرَ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ كِتَابٌ، وَمَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَبَقِيَ فِي القَضَاءِ شَهْرَيْنِ وَنِصْفَ شَهْرٍ، وَعُزِلَ، فَوَثَبَتْ بِهِ الرَّعِيَّةُ، وَشَتَمُوهُ، وَولِيَ بَعْدَهُ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَمَّادٍ.
قَالَ المُسَبِّحِيُّ: كَانَ يَحْفَظُ كُتُبَ أَبِيْهِ كُلَّهَا بِالنَّقْطِ وَالشَّكلِ كَمَا يَحْفَظُ القُرْآنَ، وَهِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُوْنَ مُصَنَّفاً، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ الأَدَبِ وَالعِلْمِ، جَاؤُوهُ، وَجَاءهُ أَوْلاَدُ المُلُوكِ، فَأَخَذُوا عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ زُوْلاَقَ: كَانَ مَالِكِيّاً، شَيْخاً حَادّاً، أَذكُرُ أَنَّ أَبَاهُ حَفَّظَه كُتُبَهُ فِي اللَّوْحِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: صَالِحُ بنُ الحَافِظِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو العُقَيْلِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّيْبُلِيُّ.
325 - ابْنُ أَبِي العَزَاقِرِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ *
الزِّندِيقُ، المُعَثَّرُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ، الرَّافِضيُّ.
__________
(*) الفرق بين الفرق: 250 249، فهرست ابن النديم: 507، معجم الأدباء: 1 / 236 235 ضمن ترجمة إبراهيم بن أبي عون، معجم البلدان: 3 / 359، الكامل في =(14/566)
قَالَ بِالتَّنَاسُخِ، وَبِحُلُولِ الإِلَهِيَّةِ فِيْهِ، وَأَنَّ اللهَ يَحِلُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُه، وَأَنَّهُ خَلَقَ الشَّيْءَ وَضِدَّهُ، فَحَلَّ فِي آدَمَ وَفِي إِبْلِيْسِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضِدٌّ لِلآخَرِ.
وَقَالَ: إِنَّ الضِّدَّ أَقرَبُ إِلَى الشَّيْءِ مِنْ شِبْهِهِ، وَإِنَّ اللهَ يَحِلُّ فِي جَسَدِ مَنْ يَأْتِي بِالكَرَامَاتِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ، وَإِنَّ الإِلَهِيَّةَ اجْتَمَعتْ فِي نُوْحٍ وَإِبْلِيْسِهِ، وَفِي صَالِحٍ وَعَاقِرِ النَّاقَةِ، وَفِي إِبْرَاهِيْمَ وَنُمْرُوْذَ، وَعَلِيٍّ وَإِبْلِيْسِه.
وَقَالَ: مَنِ احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَهُوَ إِلَهٌ.
وَسَمَّى مُوْسَى وَمُحَمَّداً الخَائِنَيْنِ؛ لأَنَّ هَارُوْنَ أَرْسَل مُوْسَى، وَعَلِيّاً أَرْسَل مُحَمَّداً، فَخَانَاهُمَا.
وَإِنَّ عَلِيّاً أَمهَلَ مُحَمَّداً ثَلاَثَ مائَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ تَذْهَبُ شَرِيْعَتُه.
وَمِنْ رَأْيِه تَرْكُ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ، وَإِبَاحَةُ كُلِّ فَرْجٍ، وَأَنَّهُ لاَ بُدَّ لِلْفَاضِلِ أَنْ يَنِيْكَ المَفْضُوْلَ لِيُولِجَ فِيْهِ النُّوْرَ، وَمَنِ امتَنَعَ، مُسِخَ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي.
فَرَبَطَ الجَهَلَةَ، وَتَخَرَّقَ، وَأَضَلَّ طَائِفَةً، فَأَظهَرَ أَمرَهُ أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ رَوْحٍ - رَأْسُ الشِّيْعَةِ، المُلَقَّبُ بِالبَابِ - إِلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ، فَطُلِبَ ابْنُ أَبِي العَزَاقِرِ، فَاخْتَفَى، وَتَسَحَّبَ إِلَى المَوْصِلِ، فَأَقَامَ هُنَاكَ سِنِيْنَ، وَرَجَعَ، فَظَهَرَ عَنْهُ ادِّعَاءُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَاتَّبَعَهُ الوَزِيْرُ حُسَيْنُ ابنُ الوَزِيْرِ القَاسِمِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ - وَزِيْرِ المُقْتَدِرِ فِيْمَا قِيْلَ - وَابْنَا بِسْطَامَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَوْنٍ، فَطُلِبُوا، فَتَغَيَّبُوا.
فَلَمَّا كَانَ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ
__________
= التاريخ: 8 / 294 290، اللباب: 2 / 27، وفيات الأعيان: 2 / 157 155، العبر: 2 / 191 190، دول الإسلام: 1 / 197 196، الوافي بالوفيات: 4 / 108 107، البداية والنهاية: 11 / 179، شذرات الذهب: 2 / 293.(14/567)
اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، ظَفِرَ الوَزِيْرُ ابْنُ مُقلةَ بِهَذَا، فَسَجَنَهُ، وَكَبَسَ دَارَهُ، فَوَجَدَ فِيْهَا رِقَاعاً وَكُتُباً مِمَّا يُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِيْهَا خِطَابُهُ بِمَا لاَ يُخَاطَبُ بِهِ بَشَرٌ، فَعُرِضَت عَلَيْهِ، فَأَقَرَّ أَنَّهَا خُطُوطُهُم، وَتَنَصَّلَ مِمَّا يُقَالُ فِيْهَا، وَتَبَرَّأَ مِنْهُم، فَمَدَّ ابْنُ عَبْدُوْسٍ يَدَهُ، فَصَفَعَهُ.
وَأَمَّا ابْنُ أَبِي عَوْنٍ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِ، فَارْتَعَدَتْ يَدُهُ، ثُمَّ قَبَّلَ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ، وَقَالَ: إِلَهِي، وَرَازِقِي، وَسَيِّدِي!
فَقَالَ لَهُ الرَّاضِي بِاللهِ: قَدْ زَعَمتَ أَنَّكَ لاَ تَدَّعِي الإِلَهِيَّةَ فَمَا هَذَا؟
قَالَ: وَمَا عَلَيَّ مِنْ قَوْلِ هَذَا؟ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّنِي مَا قُلْتُ لَهُ: إِنَّنِي إِلَهٌ قَطُّ.
فَقَالَ ابْنُ عَبْدُوْسٍ: إِنَّهُ لَمْ يَدَّعِ إِلَهِيَّةً، إِنَّمَا ادَّعَى أَنَّهُ البَابُ إِلَى الإِمَامِ المُنْتَظَرِ.
ثُمَّ إِنَّهُم أُحضِرُوا مَرَّاتٍ بِمَحْضَرِ الفُقَهَاءِ وَالقُضَاةِ، ثُمَّ فِي آخِرِ الأَمْرِ أَفْتَى العُلَمَاءُ بِإِبَاحَةِ دَمِهِ، فَأُحرِقَ فِي ذِي القَعْدَةِ مِنَ السَّنَةِ، وَضُرِبَ ابْنُ أَبِي عَوْنٍ بِالسِّيَاطِ، ثُمَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَأُحْرِقَ.
وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ أَدَبِيَّةٌ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الكُتَّابِ.
وَذَكَرنَا فِي الحَوَادِثِ: أَنَّ فِي هَذَا العَامِ ظَهَرَ الشَّلْمَغَانِيُّ.
وَشَلْمَغَانُ: قَريَةٌ مِنْ قُرَى وَاسِطَ.
فَشَاعَ عَنْهُ ادِّعَاءُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى، فَأَحْضَرَهُ ابْنُ مُقْلَةَ عِنْدَ الرَّاضِي، فَسَمِعَ كَلاَمَهُ، وَأَنْكَرَ مَا قِيْلَ عَنْهُ.
وَقَالَ: لَتَنْزِلَنَّ العُقُوبَةُ عَلَى الَّذِي بَاهَلَنِي بَعْدَ ثَلاَثٍ، وَأَكْثَرُه تِسْعَةُ أَيَّامٍ، وَإِلاَّ فَدَمِي حَلاَلٌ.
فَضُرِبَ ثَمَانِيْنَ سَوْطاً، ثُمَّ قُتِلَ، وَصُلِبَ.
وَقُتِلَ بِسَبِبِهِ وَزِيْرُ المُقْتَدِرِ؛ الحُسَيْنُ (1) ، اتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ.
وَقُتِلَ أَبُو إِسْحَاقَ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ بنِ هِلاَلِ بنِ أَبِي عَوْنٍ الأَنْبَارِيُّ الكَاتِبُ.
وَقَدْ كَانَ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ - وَيُقَالُ: الجَمَّالُ - وَزَرَ لِلْمُقْتَدِرِ فِي سَنَةِ
__________
(1) انظر ترجمته وخبر قتله في " العبر " 2 / 191 - 192.(14/568)
تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَقَّبُوهُ عَمِيْدَ الدَّوْلَةِ، وَعُزِلَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، وَسُجِنَ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ فِي كَائِنَةِ الشَّلْمَغَانِيِّ، وَنُوْظِرَ، فَظَهَرَتْ رِقَاعُهُ يُخَاطِبُ الشَّلْمَغَانِيُّ فِيْهَا بِالإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّهُ يُحْيِيْهِ وَيُمِيْتُهُ، وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ذُنُوْبَهُ.
فَأُخْرِجَتْ تِلْكَ الرِّقَاعُ، وَشَهِدَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ خَطُّهُ، فَضُرِبَتْ عُنُقُه، وَطِيْفَ بِرَأْسِهِ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَعَاشَ: ثَمَانِياً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
326 - الإِلْبِيْرِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ مَنْصُوْرٍ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، البَارِعُ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ مَنْصُوْرٍ الأَنْدَلُسِيُّ، الإِلْبِيْرِيُّ.
ارْتَحَلَ، وَحَجَّ، وَسَمِعَ مِنْ: يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ المُؤَذِّنِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَنْجَرَ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَكَانَتِ الرِّحْلَةُ إِلَيْهِ بِالأَنْدَلُسِ.
وَيُعْرَفُ أَيْضاً بِابْنِ عَمْرِيْلَ، وَكَانَ إِمَاماً فِي عِلَلِ الحَدِيْثِ.
ذَكَرَهُ أَبُو الوَلِيْدِ بنُ الفَرَضِيِّ (1) وَعَظَّمَهُ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَكَانَ خَطِيْباً بِمَدِيْنَةِ إِلْبِيْرَةَ.
مَاتَ: فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
__________
(*) تاريخ علماء الأندلس: 1 / 28 27، جذوة المقتبس: 139، بغية الملتمس: 197 - 198، مختصر طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: الورقة 139 / 2، تذكرة الحفاظ: 3 / 813 - 814، طبقات الحفاظ: 338، شذرات الذهب: 2 / 264.
(1) في " تاريخ علماء الأندلس " 1 / 28 27.(14/569)
جَاءَ فِي آخِرِ الأَصْلِ مَا نَصُّهُ:
تَمَّ الجُزءُ التَّاسِعُ مِنْ كِتَابِ (سِيَرِ أَعلاَمِ النُّبَلاَءِ) ، لِلشَّيْخِ، الإِمَامِ العَالِمِ، العَامِلِ، الحُجَّةِ، النَّاقِدِ، البَارِعِ، جَامِعِ أَشتَاتِ الفُنُوْنِ، شَيْخِ الإِسْلاَمِ، شَمْسِ الدِّيْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيِّ.
وَهُوَ أَوَّلُ نُسْخَةٍ نُسِخَتْ مِنْ خَطِّ المُصَنِّفِ، وَقُوْبِلَتْ عَلَيْهِ حَسبَ الإِمْكَانِ، وَللهِ الحَمدُ وَالمِنَّةُ، وَبِهِ التَّوفِيقُ وَالعِصْمَةُ.
وَيَتلُوهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى - فِي الجُزْءِ الَّذِي يَلِيْهِ - وَهُوَ العَاشِرُ - حَمَّادُ بنُ شَاكِرِ بنِ سَويَّةَ النَّسَفِيُّ.
وَكَانَ الفرَاغُ مِنْهُ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ -أَحسَنَ اللهُ خلفهَا-.
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.(14/570)
الجُزْءُ الخَامِسَ عَشَرَ
1 - حَمَّادُ بنُ شَاكِرِ بنِ سَوِيَّةَ النَّسَفِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عِيْسَى بنِ أَحْمَدَ العَسْقَلاَنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَأَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَهُوَ أَحَدُ رُوَاةِ (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: غَيرُ وَاحِدٍ.
قَالَ الحَافِظُ جَعْفَرٌ المُسْتَغْفِرِيُّ (1) :هُوَ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، رَحَلَ إِلَى الشَّامِ، حَدَّثَنِي عَنْهُ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَامِعٍ (بِصَحِيْحِ البُخَارِيِّ) ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو أَحْمَدَ قَاضِي بُخَارَى.
وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ (2) :تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى عَشَرَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(*) الإكمال: 4 / 394 - 395، المشتبه: 1 / 377، تبصير المنتبه: 2 / 701
(1) الحافظ العلامة أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر النسفي، من كتبه " تاريخ نسف " توفي سنة / 432 / هـ. انظر " تذكرة الحفاظ ": 3 / 1102
(2) " الإكمال ": 4 / 395(15/5)
2 - الطُّوْسِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الرَّحَّالُ، أَبو عَلِيٍّ الحسنُ بنُ عَليِّ بنِ نَصْرٍ الطُّوْسِيُّ، المُلَقَّبُ: بِكَرْدُوشٍ (1) .
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَسْلَمَ، وَإِسْحَاقَ الكَوْسَجَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ هَاشِمٍ، وَأَحْمَدَ بنَ مَنِيْعٍ، وَبُندَاراً (2) ، وزَيْدَ بنَ أَخْزَمَ (3) ، وَالزُّبَيْرَ بنَ بَكَّارٍ - سَمِعَ مِنْهُ كِتَابَ (النَّسَبِ) -، وَعَدَداً كَثِيْراً سِوَى هَؤُلاءِ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدُوْسٍ، وَأَبُو سَهْلٍ الصُعْلُوْكِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ البُسْتِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: شَيْخُهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ حِكَايَاتٍ، وَحَدَّثَ بِهَرَاةَ، وَبِقَزْوِيْنَ.
__________
(*) تاريخ جرجان: 143، أخبار أصبهان: 1 / 262 - 263، الإكمال: 7 / 169، تذكرة الحفاظ: 3 / 787 - 788، ميزان الاعتدال: 1 / 509، لسان الميزان: 2 / 232 - 233، شذرات الذهب: 2 / 264، الرسالة المستطرفة: 30 - 31.
(1) كذا ضبطت في الأصل، ووضع فوقها علامة " صح "، وكذلك قيده الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 787.
وأما ابن ماكولا في الإكمال: 7 / 169، فقيده دون واو، فقال: كردش بالراء والدال بعدها والشين المعجمة، فهو الحسن بن علي الطوسي.
(2) هو أبو بكر محمد بن بشار بن عثمان، العبدي البصري الحافظ الثقة وبندار: لقبه، فارسي، ومعناه: الحافظ، وقد لقب به لأنه جمع حديث مالك، وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثاني عشر رقم الترجمة (52)
(3) في الأصل: أحزم، وهو خطأ.(15/6)
قَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ (1) :سَمِعْتُ عَلَى عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.
قَالَ: وَلَهُ تَصَانِيْفُ تَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِهَذَا الشَّأْنِ.
قُلْتُ: وَحَدَّثَ عَنْهُ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَقَالَ: تَكَلَّمُوا فِي رِوَايَتِهِ لِكِتَابِ (النَّسَبِ) لِلزُّبَيْرِ (2) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدُوْسٍ العَنَزِيُّ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ نَصْرٍ الطُّوْسِيُّ - بِهَرَاةَ فِي مَجْلِسِ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ - حَدَّثَنَا حَيْدُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا صِلَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، عَنِ الفَرَزْدَقِ الشَّاعِرِ، قَالَ:
رَأَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَدَمَيَّ، فَقَالَ: يَا فَرَزْدَقُ، إِنِّيْ أَرَى قَدَمَيْكَ صَغِيْرَتَيْنِ، فَاطلُبْ لَهُمَا مَوْضِعاً فِي الجَنَّةِ.
قُلْتُ: إِنَّ لِي ذُنُوباً كَثِيْرَةً.
قَالَ: لاَ تَأْسَ (3) فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ بِالمَغْرِبِ بَاباً مَفْتُوْحاً لِلتَّوْبَةِ، لاَ يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) (4) .
__________
(1) الحافظ الامام، أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني، مصنف كتاب " الارشاد في علماء البلاد " ذكر فيه المحدثين وغيرهم من العلماء على ترتيب البلاد إلى زمانه.
توفي (446) وسترد ترجمته والنص الذي نقله المؤلف عنه هو في " الارشاد " الورقة 176، والزيادة منه.
(2) في " ميزان الاعتدال ": 1 / 509 تكلموا في روايته لكتاب النسب عن الزبير بن بكار.
(3) لا تحزن.
(4) صلة بن سليمان ضعفه يحيى بن معين، وقال النسائي: متروك، وقال الدارقطني: يترك حديثه عن ابن جريح وشعبة، ويعتبر بحديثه عن أشعث بن عبد الملك، والفرزدق واسمه غالب بن همام ضعفه ابن حيان، فقال: كان قذافا للمحصنات، فيجب مجانبة روايته. قلت: والمرفوع من الخبر ثابت، فقد أخرج مسلم (2703) في الذكر والدعاء: باب استحباب الاستغفار والاكثار منه من حديث أبي هريرة مرفوعا " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه ". =(15/7)
وَلأَبِي عَلِيٍّ مُصَنَّفٌ فِي الأَحْكَامِ.
قَالَ صَالِحٌ الهَمَذَانِيُّ (1) :سَمِعَ مِنْهُ عَامَّةُ أَصْحَابنَا كِتَابَهُ الَّذِي فِي الأَحْكَامِ.
وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبِي، وَسَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَنْهُ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ بِشَيْءٍ.
وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ كَانَ يُجْمِلُ القَوْلَ فِيْهِ.
3 - ابْنُ نَيْرُوْزٍ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَيْرُوز (2) البَغْدَادِيُّ، الأَنمْاطِيُّ (3) .
__________
= وقول ابن كثير في التفسير 2 / 193 بعد أن أورده عن ابن جرير: لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة وهم منه رحمه الله.
وأخرج الامام أحمد 4 / 240، 241، والترمذي (3535) و (3536) من طريق زرين حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي أسأله عن المسح على الخفين ... وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من قبل المغرب بابا مسيرة عرضه سبعون أو أربعون عاما فتحه الله عزوجل للتوبة يوم خلق السماوات والارض لا يغلقه حتى تطلع الشمس منه، وذلك قول الله عزوجل: (يوم تأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها) .
وسنده حسن، وصححه ابن حبان (186) ، وقال الترمذي: حسن صحيح وهو في سنن ابن ماجة (4070) وأخرج الامام أحمد (1671) بسند حسن من حديث عبد الله بن السعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الهجرة خصلتان، إحداهما: أن تهجر السيئات، والاخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب فإذا طلعت، طبع على كل قلب بما فيه، وكفي الناس العمل ".
(1) أبو الفضل، صالح بن أحمد بن محمد، الهمذاني، من حفاظ الحديث المعمرين من كتبه " طبقات الهمذانيين " توفي سنة / 384 / هـ " تذكرة الحفاظ " 3 / 985 - 986 * تاريخ بغداد: 1 / 408، المنتظم: 6 / 239، العبر: 2 / 173، شذرات الذهب: 2 / 280.
(2) في " العبر ": 2 / 173 " فيروز " وهو تصحيف.
(3) بفتح الالف، وسكون النون، وفتح الميم، وكسر الطاء المهملة: هذه النسبة إلى بيع الانماط، وهي الفرش التي تبسط.
" الأنساب: 1 / 376.(15/8)
سَمِعَ: عَمْرو بنَ عَلِيٍّ الفَلاَّس، وَمُحَمَّد بنَ المُثَنَّى العَنَزِيَّ، وَخَلاَّد بن أَسْلَم، وَمُحَمَّد بنَ عَوْفٍ الطَّائِيَّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العَاقُولِيُّ، وَيُوْسُف القَوَّاس، وَعِيْسَى بن الجَرَّاحِ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ القَوَّاس.
مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَمَان عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنْ بِضْع وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ الحَاسِب، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيّ، قُرِئَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَيْرُوز - وَأَنَا أَسْمَعُ - قِيْلَ لَهُ: حَدَّثكُم خَلاَّدُ بنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّاد، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ:
أَن النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَحَبّ الطَّعَامِ إِلَى اللهِ مَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الأَيْدِي) (1) .
4 - الدَّيْبُلِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ *
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ الدَّيْبَلِيُّ، ثُمَّ المَكِّيُّ.
__________
(1) ابن أبي رواد - وهو عبد المجيد - قال الحافظ في " التقريب ": صدوق يخطئ وابن جريح وأبو الزبير مدلسان، وقد عنعنا، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ورقة 115 / 1 وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " 2 / 96 من طريق ابن أبي رواد بهذا الإسناد، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي نعيم 2 / 81، وسنده لا بأس به في الشواهد، وآخر من حديث وحشي عند أبي داود (3764) ، وأحمد 3 / 501، وابن حبان (1345) والحاكم 2 / 103، وابن ماجة (3286) ولفظه " اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه "، وثالث عن عمر عند ابن ماجة (3287) .
(*) الأنساب: 5 / 393، معجم البلدان: 2 / 495، العبر: 2 / 194، شذرات الذهب: 2 / 295(15/9)
وَدَيْبُل: بَلْدَةٌ مِنْ إِقلِيم الهِنْدِ (1) .
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ زُنْبُور، وَسَعِيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيَّ، وَالحُسَيْنَ بنَ الحَسَنِ المَرْوَزِيَّ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَمَّار الدِّمْيَاطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِرَاس العَبْقَسِيُّ (2) ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مُسْنِدَ الْحرم فِي وَقْتِهِ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَقَعَ لِي مِنْ طَريقهِ بِعُلُوٍّ نُسْخَةُ إِسْمَاعِيْل بن جَعْفَر.
5 - الفَرَبْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ *
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، العَالِمُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مَطَرِ بنِ صَالِحِ بنِ بِشْرٍ الفِرَبْرِيُّ، رَاوِي (الجَامِعِ الصَّحِيْحِ) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، سَمِعَهُ مِنْهُ بِفَرَبْرَ مَرَّتينِ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ عَلِيِّ بنِ خَشْرَمَ لَمَّا قَدِمَ فِرَبر مُرَابطاً (3) . وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ
__________
(1) انظر " معجم البلدان " 2 / 495
(2) هذه النسبة إلى " عبد القيس " وقد ذكر أنه ينسب إليها العبدي أيضا، والعبقسي أشهر. انظر " الأنساب ": 8 / 370
(*) الأنساب: 9 / 260 - 261، معجم البلدان: 4 / 246، وفيات الأعيان: 4 / 290 العبر: 2 / 183، الوافي بالوفيات: 5 / 245، مرآة الجنان: 2 / 280، شذرات الذهب: 2 / 286، تاج العروس: " فربر "
(3) الأنساب: 9 / 261(15/10)
زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَمَا رَآهُ.
وَقَدْ وُلِدَ (1) فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ وَمَاتَ قُتَيْبَةُ فِي بلدٍ، آخرَ سنَة أَرْبَعِيْنَ (2) .
أَرَّخَ مَوْلِدَهُ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ فِي (أَمَاليه (3)) ، وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً وَرِعاً.
قلتُ: قَالَ: سَمِعْتُ (الجَامِع) فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَرَّةً أُخْرَى سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) .
حَدَّثَ عَنْهُ: الفَقِيْه أَبُو زَيْد المَرْوَزِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ السَّكن، وَأَبُو الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيُّ (5) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَمُّوَيْه السَّرَخْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنُ شَبُّوْيَه، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ النُّعَيمِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ المُسْتَمْلِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ حَاجِب الكُشَانِيُّ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ (6) الجُرْجَانِيّ، وَآخَرُوْنَ، وَالكُشَانِيّ (7) آخِرُهُم مَوْتاً.
__________
(1) أي: الفربري.
(2) انظر ترجمة قتيبة بن سعيد في " تاريخ بغداد ": 12 / 464 - 470، و" تهذيب التهذيب ": 8 / 358 - 361.
(3) هو الامام أبو بكر، محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، والد الامام أبي سعد صاحب " الأنساب "، فقيه، محدث، أملى مئة وأربعين مجلسا في الحديث، قال عنها ابنه: " من طالعها عرف أن أحدا لم يسبقه إلى مثلها ".
توفي - رحمه الله - سنة عشر وخمس مئة، وقد جاوز الأربعين بقليل. " الأنساب ": 7 / 140 - 141.
(4) انظر " الأنساب ": 9 / 261.
(5) بضم الكاف وسكون الشين المعجمة وكسر الميم وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفتح الهاء وفي آخرها النون.
هذه النسبة إلى قرية من قرى مرو. " الأنساب ": 10 / 436.
(6) في الأصل بياض، وما أثبتناه من " تاريخ جرجان " 384.
(7) أبو علي، إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب، الكشاني الحاجبي.
توفي بالكشانية - وهي بلدة من بلاد السند، بنواحي سمرقند، في سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة - 391 هـ. " الأنساب " 4 / 11 وأرخ الذهبي وفاته في " العبر ": 3 / 52 سنة اثنتين وتسعين.(15/11)
وَقَدْ عَلَّى فِي أَوَائِل (الصَّحِيْح) حَدِيْثَ مُوْسَى وَالخَضِر (1) ، فَقَالَ: حدثنَاهُ عَلِيُّ بنُ خَشْرَم، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَهَذَا ثَابِت فِي رِوَايَة ابْن حَمُّوَيْه دُوْنَ غَيْرهِ.
وَكَانَ رِحلَة المُسْتَمْلِي إِلى الفِرَبرِي فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَسَمَاع ابْن حَمُّوَيْه مِنْهُ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ أَبُو زَيْد المَرْوَزِيّ: رَحَلْتُ إِلَى الفَرَبرِي سنَة ثَمَان عَشْرَةَ.
وَقَالَ الكُشْمِيهَنِيّ: سَمِعْتُ مِنْهُ بفَرَبر (الصَّحِيْح) فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ عِشْرِيْنَ.
وَيُرْوَى - وَلَمْ يَصِحَّ - أَنَّ الفَرَبْرِيَّ قَالَ: سَمِعَ (الصَّحِيْحَ) مِنَ البُخَارِيّ تِسْعُوْنَ (2) أَلفَ رَجُل، مَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.
قُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ بَعْد الفَرَبْرِيّ أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزْدَوِيُّ النَّسَفِيّ، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (3) .
وَفَربر: بِكَسْر الفَاء وَبفتحهَا، وَهِيَ مِنْ قرَى بُخَارَى حَكَى الوَجْهين القَاضِي عِيَاض (4) ، وَابْن قُرْقُول (5) ، وَالحَازِمِيُّ.
وَقَالَ: الفَتْحُ أَشْهَر، وَأَمَّا
__________
(1) أنظر البخاري (4725) و (4726) و (4727) في تفسير سورة الكهف: باب (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا) .
(2) في " معجم البلدان ": 4 / 246 " سبعون ".
(3) ستأتي ترجمته ص / 279 / من هذا الجزء.
(4) هو القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، من أهل سبتة، يكنى: أبا الفضل، عالم المغرب، كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم وصنف التصانيف المفيدة وسترد ترجمته في هذا الكتاب.
(5) إبراهيم بن يوسف بن أدهم الوهراني الحمزي - نسبه إلى بليدة بإفريقية، ما بين بجاية وقعلة بني حماد - المعروف بابن قرقول - بضم القافين وسكون الراء المهملة بينهما، وبعد الواو لام - صاحب كتاب " مطالع الانوار " الذي وضعه على مثال كتاب " مشارق الانوار " للقاضي عياض.(15/12)
ابْنُ مَاكُوْلاَ، فَمَا ذَكَرَ غَيْرَ الفَتْحِ (1) .
مَاتَ الفَرَبرِي: لعشرٍ بَقِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سنَة عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ أَشرفَ عَلَى التِّسْعِيْنَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّد بن قَايمَازَ، وَخَدِيْجَةُ بنْتُ مُحَمَّدٍ، وَطَائِفَة، قَالَوا:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ، وَأَخْبَرَنَا سُنقُر القضَائِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ رُوزْبَه، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ السِّجْزِيُّ (2) ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُوْدِيّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ حَمُّويه، أَخْبَرَنَا الفَرَبرِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم، عَنْ عُمَرَ بنِ مُحَمَّد، عَنْ سَالِم، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَوْم عَاشُورَاءَ إِنْ شَاءَ صَامَ) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِم (3) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، فَوَقَعَ لَنَا بدلاً عَالِياً.
وَمَاتَ مَعَهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَة، وَعَمُّه عَبْد الرَّحْمَنِ بن يَحْيَى، وَعَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ ابنُ أَخِي أَبِي زُرْعَةَ، وَأَبُو أَسِيد أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ أَسِيدٍ المَدِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوْنَ بن خَالِدٍ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ جَوْصَا.
6 - الحِمْيَرِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ *
الإِمَامُ، الفَقِيْه، العَلاَّمَة، قَاضِيَ الكُوْفَةِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الحِمْيَرِيُّ، الكُوْفِيُّ، الحَافِظُ.
__________
(1) " الإكمال ": 7 / 84 وقد ضبطت بالكسر.
(2) بكسر السين المهملة، وسكون الجيم، وفي آخرها الزاي. هذه النسبة إلى سجستان على غير قياس. انظر " الإكمال ": 4 / 549 - 550.
(3) رقم (1126) (121) في الصيام باب صوم يوم عاشوراء.
(*) تاريخ بغداد: 12 / 68 - 69، الأنساب 4 / 235، العبر: 2 / 199 شذرات الذهب: 2 / 299.(15/13)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي كُرَيْبَ مُحَمَّد بنِ العَلاَءِ، وَأَبِي سَعِيْدَ الأَشَجِّ، وَهَارُوْنَ بن إِسْحَاقَ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الوَرَّاق - وَأَثْنَى عَلَيْهِ (1) - وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادٍ الحَافِظِ.
وَقَالَ: كَانَ يحْفَظُ عَامَّةَ حَدِيْثهِ (2) ، وَكَانَ ثِقَةً، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَمَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
قُلْتُ: هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ: أَبِي كُرَيْبٍ (3) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ الطَّحَّانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجُعْفِيُّ الهَرَوَانِيُّ خَاتِمَةُ أَصْحَابِهِ، وَقَعَ لِي جُزءٌ مِنْ حَدِيْثهِ.
عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ عَاماً.
7 - التَّرْخُميُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ حِمْصَ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّرْخُمِيُّ، الحِمْصِيُّ.
وَقِيْلَ: بَلِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَر بن سَعِيْدٍ، فَنُسِبَ إِلَى جَدِّهِ.
وَتَرْخُم: بَطْنٌ مَنْ يَحْصُبَ (4) .
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 12 / 69.
(2) في " تاريخ بغداد ": 12 / 69 " ولي القضاء، وكان شيخا نبيلا، وكان قد ذهب عامة كتبه، وكان يحفظ عامة حديثه ".
(3) " تاريخ بغداد " 12 / 69
(*) الإكمال: 1 / 416 - 417، الأنساب: 3 / 40، تاريخ ابن عساكر: 15 / 186 ب - 187 أ.
(4) الصاد مثلثة كما في " القاموس ". وانظر " جمهرة الأنساب ": 436، و" نهاية الارب ": 2 / 293.(15/14)
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَالحَسَنَ بن عَلِيٍّ المُعَانِيّ (1) ، وَأَبَا أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيَّ، وَسَعِيْدَ بن عَمْرٍو السَّكُوْنِيَّ، وَمُحَمَّدَ بن عَوْفٍ، وَعِدَّةً.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ المُظَفِّرُ، وَالحَافِظُ أَبُو الخَيْرِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الحِمْصِيّ، وَالوَزِيْرُ جَعْفَرُ بنُ حِنْزَابَةَ، وَأَبُو المُفَضَّلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانيُّ وَآخَرُوْنَ.
8 - ابْنُ جَوْصَا أَحْمَدُ بنُ عُمَيْر بنِ يُوْسُفَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ الأَوْحَدُ، مُحَدِّثُ الشَّامِ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عُمَيْرِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مُوْسَى بنِ جَوْصَا، مَوْلَى بَنِيَّ هَاشِمٍ، وَيُقَالُ: مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ الكِلاَبِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: عَمْروَ بنَ عُثْمَانَ الحِمْصِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ هَاشِمٍ البَعْلَبَكِّيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ وَزِيْر، وَكَثِيْرَ بنَ عُبَيْدٍ، وَأَبَا التَّقِيِّ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ اليَزَنِيّ (2) ، وَعِمْرَانَ بنَ بَكَّارٍ، وَيُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ
__________
(1) نسبة إلى معان - بالفتح، والمحدثون يقولونه: بالضم - وهي مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء.
" معجم البلدان ": 5 / 153.
(*) تاريخ ابن عساكر: 2 / 26 ب - 28 ب، المنتظم: 6 / 242، تذكرة الحفاظ: 3 / 795 - 798 العبر: 2 / 180 - 181، ميزان الاعتدال: 1 / 125، الوافي بالوفيات: 7 / 271 البداية والنهاية: 11 / 171، لسان الميزان: 1 / 239 - 240، النجم الزاهرة: 3 / 234 شذرات الذهب: 2 / 285، تهذيب ابن عساكر: 1 / 420.
(2) بفتح الياء والزاي وبعدها نون. هذه النسبة إلى ذي يزن، وهو بطن من حمير. " اللباب ": 3 / 308.(15/15)
بنِ مَيْمُوْنٍ الإِسْكَنْدَرَانِيَّ، وَمُعَاوِيَةَ بنَ عَمْرٍو الحِمْصِيَّ صَاحِبَ حَرِيزِ بنِ عُثْمَانَ، وَمُوْسَى بن عَامِرٍ المُرِّيّ، وَمُحَمَّد بن عَوْفٍ الطَّائِيّ، وَخَلْقاً سِوَاهُم بِمِصْرَ وَالشَّامَ وَلقي بِدِمَشْقَ شُوَيخاً حَدَّثَهُ، عَنْ مَعْرُوْفِ الخَيَّاطِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: حَمْزَةُ الكِنَانِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ السُّنِّيِّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيّ، وَالزُّبَيْرُ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الأَسدَ اباذيُّ (1) ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم مَوْتاً عَبْد الوَهَّابِ الكِلاَبِيّ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: ابْن جَوْصَا ثِقَة.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ: سَمِعْتُ ابْنَ جَوْصَا - وَكَانَ رُكناً مِنْ أَركَانَ الحَدِيْثِ - يَقُوْلُ: إِسْنَادُ خَمْسِيْنَ سنَةً مِنْ مَوْتِ الشَّيْخ، إِسْنَادُ علوّ (2) .
قَالَ أَبُو ذَرّ الهَرَوِيّ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُوْد الدِّمَشْقِيّ يَقُوْلُ: جَاءَ رَجُلٌ بغدَادِيُّ يحفَظُ إِلَى ابْنِ جَوْصَا، فَقَالَ لَهُ: ابْن جَوْصَا كلَمَّا أَغربتَ عليَّ حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الشَّامِيّين؛ أَعْطِيْتُكَ دِرْهَماً.
فَلَمْ يَزَلِ الرَّجُلُ يلقِي عَلَيْهِ مَا شَاءَ الله، وَلاَ يُغرِب عَلَيْهِ، فَاغتمَّ.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لاَ تَجزع، وَأَعطَاهُ لِكُلِّ حَدِيْثٍ ذَاكره بِهِ دِرْهَماً، وَكَانَ ابْنُ جَوْصَا ذَا مَالٍ كَثِيْر (3) .
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَكَابرِ الدِّمَشْقِيين.
قَالَ الحَافِظُ عَبْد الغنِي بنُ سَعِيْد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الكَرَجِي،
قَالَ: ابْنُ جَوْصَا بِالشَّامِ، كَابْن عُقْدَة فِي الكُوْفَة (4) .
__________
(1) ستأتي ترجمته ص / 570 / من هذا الجرء.
(2) " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 27 ب.
(3) " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 28 أ.
(4) " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 28 أ.
وستأتي ترجمة ابن عقدة ص / 340 / من هذا الجزء.(15/16)
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَجمع أَهْلُ الكُوْفَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَ مِنْ زَمَانِ ابْن مَسْعُوْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى أَنْ وَجد ابْنُ عُقدَة أَحْفَظُ مِنِ ابْنِ عُقْدَة (1) .
قَالَ أَبُو عَمْرٍو النَّيْسَابُوْرِيّ الصَّغِيْرُ: نَزَلْنَا خَاناً بِدِمَشْقَ العصرَ، وَنَحْنُ عَلَى أَن نُبَكِّرَ إِلَى ابْنِ جَوْصَا، فَإِذَا الخَانِيُّ يَصِيْح: أَيْنَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ؟ فَقُلْتُ: هَا هُنَا، قَالَ: قَدْ حَضَرهُ الشَّيْخ زَائِراً.
فَإِذَا بِأَبِي الحَسَنِ بن جَوْصَا عَلَى بغلَةٍ، فَنَزَلَ عَنْهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلى غُرفَتِنَا، وَسلَّم عَلَى أَبِي عَلِيّ، وَرَحَّب بِهِ، وَأَخَذَ فِي المذَاكرَة مَعَهُ إِلَى قُرب العَتَمَة (2) ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، جمعتَ حَدِيْثَ عَبْد اللهِ بن دِيْنَار؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَخْرِجْهُ إِلَيَّ.
فَأَخْرجَه، فَأَخَذَهُ الشَّيْخُ فِي كُمِّه وَقَامَ.
فَلَمَّا أَصبحنَا جَاءَنَا رَسُوْلُه، وَحملَنَا إِلى مَنْزِلِهِ، فَذَاكَرَه أَبُو عَلِيٍّ، وَانتَخَبَ عَلَيْهِ إِلَى المسَّاء، ثُمَّ انصَرفْنَا إِلَى رَحْلِنَا، وَجَمَاعَة مِنَ الرَّحَّالة يَنْتظِرُوْنَ أَبَا عَلِيٍّ، فسلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ ذكرُوا شَأْنَ ابْن جَوْصَا، وَمَا نَقَمُوا عَلَيْهِ مِنَ الأَحَادِيْث الَّتِي أَنكروهَا، وَأَبُو عَلِيٍّ يُسَكِّتُهم، وَيَقُوْلُ:
لاَ تفعلُوا، هَذَا إِمَام مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَقَدْ جَاز القَنْطَرَة (3) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَنِ ابْنِ جَوْصَا، فَقَالَ: تَفَرَّد بِأَحَادِيْث، وَلَمْ يَكُنْ بِالقَوِيّ (4) .
قُلْتُ: هُوَ مِنَ الشُّيُوْخ النَّوَازل عِنْد حَمْزَة بن مُحَمَّدٍ الكِنَانِيّ، وَلِهَذَا يَقُوْلُ: عِنْدِي عَنِ ابْنِ جَوْصَا مِئتَا جُزْء لَيْتَهَا كَانَتْ بيَاضاً. وَترك حَمْزَةُ الرِّوَايَةَ
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 5 / 16.
(2) وقت صلاة العشاء.
(3) " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 28 أ.
(4) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 797.(15/17)
عَنْهُ أَصلاً (1) .
وَابْنُ جَوْصَا إِمَام حَافِظ لَهُ غَلَط كَغَيْرِهِ فِي الإِسْنَاد لاَ فِي الْمَتْن، وَمَا يُضعِّفه بِمثلِ ذَلِكَ إِلاَّ متعَنِّت.
قَالَ جَمَاعَة: حَدَّثَنَا ابْنُ جَوْصَا، حَدَّثَنَا أَبُو التَّقِيّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّة، حَدَّثَنَا وَرْقَاء وَابْنُ ثَوْبَان، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ عَطَاء:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ، قَالَ: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ المَكْتُوبَةُ (2)) .
أُنْكِرَ عَلَى ابْنِ جَوْصَا ذِكْرُ ابْن ثَوْبَان فِي الإِسْنَاد، وَالخَطْبُ سَهْل، فَلَو كَانَ وَهْماً لَمَا ضرَّ، فَلَعَلَّهُ حَفِظَه.
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: تَفَرَّد بِهِ ابْن جَوْصَا، وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ المُسْلِمِيْنَ وَأَجلِّهُم (3) .
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ التَّقِيّ بن أَبِي التَّقِيّ اليَزَنِيّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، فذكَرَهُ مُتَابعاً لاِبْنِ جَوْصَا.
وَرَوَاهُ ثِقَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَنْبَسَة الحِمْصِيّ، عَنْ أَبِي التَّقِيّ كَذَلِكَ، فتخلَّص الحَافِظ أَبُو الحَسَنِ مِنْهُ.
وَأَبُو التّقِيّ فثِقَةٌ حُجّة، ثُمَّ إِنَّ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ عَنْبَسَة.
قَالَ: كَانَ هَذَا الحَدِيْثُ عِنْد أَبِي التَّقِيّ فِي مَكَانين، فَفِي مَوْضِع
__________
(1) المصدر السابق ويعلق الذهبي بقوله: " هذا تعنت من حمزة، والظاهر أنه تبرم بالمئتي جزء لنزولها عند حمزة ولا تنفق عنه، فإن ابن جوصا من صغار شيوخه ".
(2) أخرجه من طرق عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد مسلم (710) وأحمد 2 / 331 و455 و517 و531، وأبو داود (1266) والترمذي (421) ، والنسائي 2 / 116 وابن ماجة (1151) و (1152) والدارمي 1 / 337، الطحاوي 1 / 218، وأخرجه أحمد 2 / 352، والطحاوي 1 / 218 من طريقين عن عياش بن عباس القتباني، عن أبي تميم الزهري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا التي أقيمت ".
(3) " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 27 أ.(15/18)
عَنْ وَرْقَاء، وَفِي مَوْضِعٍ عَنِ ابْنِ ثَوْبَان، فَجَمَعهُمَا (1) .
قُلْتُ: رَوَاهُ قَبْل جَمْعِهمَا مَرَّاتٍ عَنْ وَرْقَاء وَجدِّه.
قَالَ حَمْزَةُ الكِنَانِيّ: سَمِعْتُ ابْنَ جَوْصَا، يَقُوْلُ:
كُنَّا بِبَغْدَادَ، فتذَاكَرُوا حَدِيْثَ أَيُّوْبَ وَأَشْبَاهَه، فَقُلْتُ: أَيش أَسند جُنَادَة (2) عَنْ عُبَادَة؟ فسكَتُوا.
ثُمَّ قُلْتُ: مَا أَسند عَمْرو بن عَمْرٍو الأُحموسِيّ؟ فَلَمْ يُجِيْبُوا (3) .
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ: إِنَّمَا حدّثونَا عَنْ أَبِي التَّقِيّ برِوَايَة ابْنِ ثَوْبَان، عَنْ عَطَاءِ بن يَسَار، لَيْسَ فِيْهِ عَمْرو بن دِيْنَار (4) .
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الزُّبَيْر الأَسَدَ اباذِي يَقُوْلُ: حَكَمَ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ، أَتينَاهُ بِدِمَشْقَ وَصوَّرنَا لَهُ حَال ابْنِ جَوْصَا، وَأَقمْنَا فِيْهِ الحُجَجَ وَالبرَاهين فَأَخَذَ عَطَاءهُ (5) .
قُلْتُ للزُّبَير: لَوْ كتبتَ إِلى أَبِي عَلِيٍّ بِهَذَا.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَعِي، فَقَالَ لِي أَبُو عَلِيّ: لاَ تشتغلْ بذَا، فَإِنَّ الزُّبَيْرَ طبلِيُّ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ فِي (تَارِيْخ دِمَشْقَ) :ابْنُ جَوْصَا شَيْخ الشَّام فِي وَقْتِهِ، رَحَلَ وَصَنَّفَ، وَذَاكَرَ، وَحَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ وَزِيْر، وَمُوْسَى بن عَامِر، وَشُعَيْب بن شُعَيْبٍ بنِ إِسْحَاقَ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الوَاحِدِ، وَمَحْمُوْد بن
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 28 ب.
وزاد: " وهما صحيحان ".
(2) جنادة بن أبي أمية، الأزدي، مختلف في صحبته، يروي عن عبادة بن الصامت، الصحابي البدري المشهور.
" الإصابة ": 1 / 256 - 257.
(3) " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 28 أ.
(4) المصدر السابق.
(5) الكلمة غير مقروءة في الأصل.
والمثبت من " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 28 أ.
وفيه يشير إلى هذا العطاء: " فبلغ أحمد بن عمير ما جرى بين أبي علي وبينهم في تلك الليلة، وكان يهاب أبا علي ولا يبالي بهم.
فلما كان بعد ثلاثة أيام بعث بوكيل له إلى أبي علي، ومعه عشرون دينارا، فقال: يا أبا علي، ينبغي أن تفارق الناحية فإن السلطان قد طلبك، فخرج أبو علي وخرجنا معه ". انظر " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 28 أ.(15/19)
سُمَيْع، وَيَزِيْدَ بن عَبْدِ الصَّمَدِ، وَعَمْرو بن عُثْمَانَ الحِمْصِيّ، وَأَخِيْهِ يَحْيَى، وَابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَيُوْنُس، وَالرَّبِيْع بن سُلَيْمَانَ، وَالزُّبَيْر بنِ بَكَّار، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
ثُمَّ سمَّى الرُّوَاةُ عَنْهُ (1) .
أَخْبَرَنَا المُسَلَّم بن عَلاَّنَ فِي كِتَابِهِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَلِيّ بن الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الأَكفَانِي، حَدَّثَنَا الكَتَّانِي، حَدَّثَنَا العَلاَءُ بنُ حَزْم، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ بقَاء، حَدَّثَنَا عَبْدُ الغنِي بن سَعِيْد، سَمِعْتُ أَبَا الفَضْل جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ - يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ - يَقُوْلُ:
أَجْمَعَ أَهْلُ الكُوْفَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَ مِنْ زَمَن ابْنِ مَسْعُوْد إِلَى زَمَان ابْنِ عُقْدَة أَحفَظُ مِنِ ابْنِ عُقْدَة (2) .
قَالَ عَبْدُ الغنِي: وَسَمِعْتُ أَبَا هَمَّام مُحَمَّد بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: ابْنُ جَوْصَا بِالشَّامِ كَابنِ عُقْدَة بِالكُوْفَةِ (3) .
ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الغنِي وَأَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: كهَؤُلاَءِ فِي مَوَاضِعهم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ لأَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ زَلَّةً إِلاَّ رِوَايته عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبٍ الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ جَوْصَا.
قلتُ: ابْنُ جَوْصَا خَيْرٌ مِنَ الدِّيْنَوَرِي (4) بكَثِيْر.
تُوُفِّيَ: ابْنُ جَوْصَا فِي جُمَادَى الأُولَى، سنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَث مائَة.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا بحديِثه المَذْكُوْر فِي (إِذَا أُقيمت الصَّلاَة) أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بن تَاجِ الأُمَنَاءِ بِقِرَاءتِي عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي
__________
(1) " تاريخ ابن عساكر ": 2 / 26 ب.
(2) انظر حاشيتنا رقم 1 / ص / 17 /.
(3) انظر حاشيتنا رقم / 4 / ص / 16 /.
(4) انظر " ميزان الاعتدال ": 2 / 494 - 495.(15/20)
سَعِيْد، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَدِيْب، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الحَافِظ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُمَيْر بنِ جَوْصَا، حَدَّثَنَا اليَزَنِيّ فَذَكَره.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيّ فِي (كَامِله) :حَدَّثَنَا ابْنُ جَوْصَا، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّحبِيّ، سَمِعْتُ حَرِيز بنَ عُثْمَانَ يَقُوْلُ: سأَلت عَبْد اللهِ بن بسر، عَنِ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتهِ (1) شَعْرَاتٌ بيضٌ (2) .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الوَاسِطِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا البَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَنِ بن إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَقِّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ مُنْدَة، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَوْصَا، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا حَرِيز بنُ عُثْمَانَ قَالَ:
قُلْتُ لعَبْدِ اللهِ بنِ بسر: هَلْ كَانَ فِي رَأْس رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَيْبٍ؟
قَالَ: كَانَ فِي رَأْسِ رَسُوْل اللهِ شَعْرَاتٌ بِيْضٌ إِذَا دَهَنَ تغيَّر.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْب بِهَذَا اللَّفْظ.
وَمُعَاوِيَةُ شَيْخُ ابْنِ جَوْصَا لاَ يُعْرَف، وَلاَ وَجَدْتُه فِي كُتُبِ الجَرْحِ.
9 - المُؤَمَّلُ بنُ الحَسَنِ بنِ عِيْسَى بنِ مَاسِرْجِسَ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
المَوْلَى، الرَّئِيْس، الإِمَام، المُحَدِّث المُتْقِنُ،
__________
(1) بين الشفة السفلى والذقن.
(2) معاوية بن عبد الرحمن شيخ ابن جوصا لا يعرف كما سيذكر المصنف، وأخرجه البخاري 6 / 414 في المناقب: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عصام بن خالد عن حريز بن عثمان به.
وفي الباب عن أبي جحيفة السوائي عند البخاري (3545) .
(*) الأنساب: 501 أ - 502 ب، العبر: 2 / 177، النجوم الزاهرة: 3 / 231، شذرات الذهب: 2 / 283.(15/21)
صَدْرُ خُرَاسَانَ، أَبُو الوَفَاءِ المَاسَرْجِسِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي ثروتِه وَسَخَائِه وَشجَاعَتِه، وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ أَحشَم النَّصَارَى، فَأَسْلَمَ عَلَى يَد ابْنِ المُبَارَكِ، وَلَمْ يَلْحَقِ المُؤَمَّلُ الأَخذَ عَنْ وَالِدِه.
فسَمِعَ مِنْ: إِسْحَاقَ الكَوْسَج، وَمُحَمَّد بن يَحْيَى، وَالحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيِّ، وَخَلْقٍ مِنْ طبقتِهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المَخْلَدِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ (1) سَهْل المَاسَرْجِسِيّ الفَقِيْه، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ: نظَرْتُ لِلْمُؤمَّل فِي أَلف جُزْء مِنْ أُصُوله، وَخَرَّجتُ لَهُ أَجزَاءَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحسنَ أُصولاً مِنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيَّ بِأَثوَابٍ وَمائَة دِيْنَارٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُؤمَّل يَقُوْلُ: حَجَّ جَدِّي، وَقَدْ شَاخَ فَدَعَا اللهَ أَنْ يرزُقَه وَلداً، فَلَمَّا رَجَعَ رُزق أَبِي فَسَمَّاهُ المُؤمَّل لتَحْقِيْق مَا أَمَّلَه، وَكَنَّاهُ أَبَا الوَفَا لِيفيَ للهِ بِالنُّذُور، فوفَى بِهَا.
قِيْلَ: إِنَّ أَمِيْرَ خُرَاسَانَ ابْنَ طَاهِر (2) ، اقترضَ مِنِ ابْنِ مَاسَرْجِس أَلفَ أَلفِ دِرْهَم.
مَاتَ المُؤمَّل - رَحِمَهُ اللهُ - فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(1) ساقطة في الأصل.
(2) هو عبد الله بن طاهر بن الحسين، وقد مرت ترجمته في الجزء العاشر الترجمة 252. انظر " وفيات الأعيان ": 3 / 83 - 89.(15/22)
وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ، يقَعُ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي مَجَالِس المَخْلَديّ (1) .
10 - أَخُو زُبَيْرٍ الحَافِظ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّث، أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ البَيِّع، يُعْرَفُ بِأَخِي زبَير الحَافِظِ، شَيْخٌ صَدُوْقٌ.
يَرْوِي عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن يُوْنُسَ السَّرَّاج، وَعُقْبَة بنِ مُكْرَم، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْن، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَيُوْسُف القَوَّاس، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ المَأْمُوْن، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي شُرَيْح.
وَثَّقَهُ القَوَّاس.
تُوُفِّيَ بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، سَنَة إِحْدَى.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّحْوِيّ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرْنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَتْنَا بيبى (2) ، أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي شُرَيْح، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الأَدَمِيّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْم، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَعُبَيْد اللهِ بن نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (التَّسبيحُ للرِّجَالِ وَرخَّصَ فِي التَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ) (3) .
__________
(1) أبو محمد، الحسن بن أحمد بن محمد بن مخلد بن شيبان المخلدي، من أهل نيسابور قال عنه الحاكم: " وهو صحيح الكتب والسماع، متقن في الرواية، صاحب الاملاء في دار السنة توفي سنة / 339 / هـ. انظر " الأنساب ": 514 ب.
(*) تاريخ بغداد: 9 / 106، المنتظم: 6 / 252.
(2) على وزن ضيزى، كما في " تاج العروس " " بيب ".
(3) وأخرجه ابن ماجة (1036) في إقامة الصلاة من طريق سويد بن سعيد، عن يحيى بن =(15/23)
11 - العَسَّالُ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ بنِ جَرِيْرٍ *
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّث، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ بنِ جَرِيْرٍ (1) الأَسْوَانيُّ، المِصْرِيُّ، العَسَّالُ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بن رُمْح، وَعِيْسَى بنَ حَمَّاد زُغْبَة، وَجَمَاعَة، وَهُوَ خَاتمَة مَنْ رَوَى عَنِ: ابْنِ رُمْح.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَضْرَمِيُّ وَالدُ يَحْيَى الطَّحَّان، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ أَبِي جدَار، وَمَيْمُوْنُ بنُ حَمْزَةَ العَلَوِيُّ وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ مِنْ مَوَالِي عُثْمَان بنِ عَفَّان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
وَثَّقَهُ ابْنُ يُوْنُسَ (2) ، وَقَالَ: جَاوز التِّسْعِيْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
= سليم بهذا الإسناد البوصيري في " الزوائد ورقة 66: إسناده حسن، وفي الباب عن أبي هريرة عند البخاري 3 / 62 في العمل في الصلاة: باب التصفيق للنساء، ومسلم (422) في الصلاة باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة، والدارمي 1 / 317، وأبي داود (939) والنسائي 3 / 11، والترمذي (369) وابن ماجة (1034) وأحمد 2 / 261 و317 و376 و432 و440 و473 و479 و492 و507 و529.
وعن سهل بن سعد الساعدي عند ابن ماجة (1035) وأحمد 5 / 336 و338 والدارمي 1 / 317 ومالك 1 / 163، 164 والبخاري 2 / 139، 141 في الجماعة، ومسلم (421) وأبي داود (940) وعن جابر بن عبد الله عند أحمد 3 / 348، 357.
(*) الإكمال: 7 / 47، الأنساب: 1 / 260، 8 / 446، العبر: 2 / 185، حسن المحاضرة: 1 / 368، شذرات الذهب: 2 / 288.
(1) في الأنساب: 8 / 446 " ابن حرب " وهو خطأ، وانظر تعليق المعلمي في الأنساب: 1 / 260.
(2) " العبر ": 2 / 185.(15/24)
12 - أَبُو حَامِدٍ الحَضْرَمِيُّ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ عَبْدِ اللهِ *
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، الإِمَامُ، أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حُمَيْدٍ الحَضْرَمِيُّ، البَغْدَادِيُّ، مِنْ بَقَايَا المُسْنِدينَ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بن أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَأَبَا همّام السَّكُوْنِيَّ، وَنَصْر بن عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ (1) ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الوَرَّاق، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَوَثَّقَهُ، وَيُوْسُف القَوَّاس، وَعُمَر بنُ شَاهِيْن، وَعِيْسَى بنُ الوَزِيْرِ، وَالمُخَلِّصُ (2) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ نَيِّف وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي جُزْءِ ابْن الطَّلاَيه.
13 - ابْنُ مُبَشِّرٍ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّرٍ الوَاسِطِيُّ **
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّرٍ الوَاسِطِيُّ.
سَمِعَ: عَبْدَ الحَمِيْدِ بن بَيَان، وَأَحْمَدَ بنَ سِنَان القَطَّان، وَمُحَمَّدَ بنَ
__________
(*) تاريخ بغداد: 3 / 358 - 359، العبر: 2 / 188، الوافي بالوفيات: 5 / 148، شذرات الذهب: 2 / 291.
(1) بفتح الجيم والضاد المنقوطة وسكون الهاء، هذه النسبة إلى الجهاضمة، وهي محلة بالبصرة. " الأنساب ": 3 / 391.
(2) أبو طاهر، محمد بن عبد الرحمن بن العباس، البغدادي الذهبي، وقد اشتهر بالمخلص، لأنه يخلص الذهب من الغش.
انظر " تاريخ بغداد ": 2 / 322 - 323.
(* *) العبر: 2 / 203، شذرات الذهب: 2 / 305.(15/25)
الْمثنى العَنَزِيّ، وَعَمَّار بن خَالِدٍ التَّمَّار، وَمُحَمَّد بن حَرْب النَّشَائِيّ (1) ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَزَاهِر بن أَحْمَدَ، وَآخَرُوْنَ كَثِيْرُوْنَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِر المُسْتَمْلِي، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الْعدْل، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَيَان، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ، أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ حُصَاص (2)) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (3) عَنْ عَبْدِ الحَمِيْد، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلّوّ.
مَاتَ ابْنُ مُبَشِّر: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَث مائَة.
14 - الزُّبَيْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
الحَافِظُ، البَارِعُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ.
__________
(1) بفتح النون والشين المنقوطة وهمزة الالف. هذه النسبة إلى عمل النشا. " الأنساب ": 560 أ.
(2) الحصاص: شدة العدو في سرعة.
وفي حديث أبي هريرة: إن الشيطان إذا سمع الاذان ولى وله حصاص روى هذا الحديث حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود.
قال حماد: فقلت لعاصم: ما الحصاص؟ قال: أما رأيت الحمار إذا صر بأذنيه ومصع بذنبه وعدا؟ فذلك الحصاص.
قال الازهري: هذا هو الصواب. انظر " لسان العرب ": " حصص ".
(3) رقم (389) (17) في الصلاة: باب فضل الاذان و" الموطأ " 1 / 69، 70 والبخاري 2 / 69، ومسلم (389) .
(*) تاريخ بغداد: 8 / 472، المنتظم: 6 / 218.(15/26)
سَمِعَ: عَبَّاساً الدُّوْرِيَّ، وَأَبَا مَيْسَرَة النُّهَاوَنْدِيَّ (1) ، وَطبقَتَهُمَا.
وَعَنْهُ: عَبْد الصَّمَدِ الطَّسْتِيُّ (2) ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ شَاهِيْن، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الجَرَّاحِيّ (3) .
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فِي الكُهُوْلَة. وَكَانَ ثِقَةً.
15 - الطَّحَاوِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمَةَ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، مُحَدِّثُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ وَفَقِيْهُهَا، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمَةَ بنِ سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الأَزْدِيُّ، الحَجْرِيُّ (4) ، المِصْرِيُّ، الطَّحَاوِيُّ، الحَنَفِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ مِنْ أَهْلِ قريَة
__________
(1) مثلثة النون كما في " القاموس ".
(2) بفتح الطاء المهملة، وسكون السين المهملة أيضا، وفي آخرها التاء المنقوطة من فوقها باثنتين.
هذه النسبة إلى " الطست " وعمله.
" الأنساب ": 8 / 241.
(3) انظر " العبر ": 3 / 2 فما بين حاصرتين منه.
(*) الفهرست: 292، طبقات الشيرازي: 142، الأنساب: 8 / 218، تاريخ ابن عساكر: 2 / 89 أ - 90 أ، المنتظم: 6 / 250، وفيات الأعيان: 1 / 71 - 72 تذكرة الحفاظ: 3 / 808 - 811، العبر: 2 / 186، الوافي بالوفيات: 8 / 9 - 10 مرآة الجنان: 2 / 281، البداية والنهاية: 11 / 174، الجواهر المضية: 1 / 102 - 105 غاية النهاية: 1 / 116، لسان الميزان: 1 / 274 - 282، النجوم الزاهرة، 3 / 239، طبقات الحفاظ: 337، حسن المحاضرة: 198 شذرات الذهب: 2 / 288.
(4) بفتح الحاء المهملة، وسكون الجيم، وفي آخرها الراء.
هذه النسبة إلى ثلاث قبائل اسم كل واحدة حجر: إحداها حجر حمير، والاخرى حجر رعين، والثالثة حجر الازد.
هكذا أوردها صاحب " الأنساب ": 4 / 66 - 67 وقد خطأه ابن الأثير في " اللباب ": 1 / 281، فقال: " حجر رعين هو حجر حمير ". يعني أن هناك حجرين: حجر رعين وحجر الازد لا غير.
ومن حجر الازد الطحاوي.(15/27)
طَحَا مِنْ أَعْمَال مِصْر.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الغَنِيّ بن رِفَاعَةَ، وَهَارُوْن بن سَعِيْدٍ الأَيْلِيِّ، وَيُوْنُس بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَبَحْر بن نَصْرٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَعِيْسَى بن مَثْرُود، وَإِبْرَاهِيْم بن مُنْقِذ، وَالرَّبِيْع بن سُلَيْمَانَ المُرَادِيِّ، وَخَالِه أَبِي إِبْرَاهِيْم المُزَنِيِّ (1) ، وَبَكَّار بنِ قُتَيْبَةَ، وَمِقْدَامِ بنِ دَاوُدَ الرُّعَيْنِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقِيِّ، وَمُحَمَّد بن عَقِيْل الفِرْيَابِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ سِنَان البَصْرِيّ، وَطَبَقَتهم.
وبرزَ فِي عِلْمِ الحَدِيْث وَفِي الفِقْه، وَتفقَّه بِالقَاضِي أَحْمَدَ بنِ أَبِي عِمْرَانَ الحَنَفِيّ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ القَاسِمِ المَيَانَجيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَكْرِ بنِ مَطَروح، وَأَحْمَد بن القَاسِمِ الخَشَّاب (2) ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الوَارِث الزَّجَّاج، وَعَبْد العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ قَاضِي الصَّعِيد، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ الإِخْمِيمِيُّ (3) ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عُمَرَ التَّنُوْخِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الحَافِظ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم مِنَ الدَّمَاشِقَة وَالمِصْرِيّين وَالرَّحَّالين فِي الحَدِيْثِ.
__________
(1) إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني: صاحب الامام الشافعي من أهل مصر، كان زاهدا، عالما، مجتهدا، قوي الحجة. توفي سنة / 264 / هـ. " طبقات الشافعية ": 2 / 93 - 95.
(2) في الأصل: " الحساب " - بمهملتين - وهو تصحيف. انظر " تاريخ بغداد ": 4 / 353 - 354.
(3) بكسر الالف، وسكون الخاء المعجمة، والياء المنقوطة باثنتين من تحتها بين الميمين المكسورتين.
هذه النسبة إلى إخميم، وهي بلدة من ديار مصر من الصعيد على طريق الحاج. " الأنساب ": 1 / 155.(15/28)
وَارْتَحَلَ إِلَى الشَّامِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فلقِي القَاضِي أَبَا خَازم (1) ، وَتفقَّه أَيْضاً عَلَيْهِ.
ذكره أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، فَقَالَ: عِدَادُه فِي حَجْر الأَزْد (2) ، وَكَانَ ثِقَةً ثَبْتاً فَقِيْهاً عَاقِلاً، لَمْ يخلِّفْ مثلَه.
ثُمَّ ذَكَرَ مولدَه وَموتَه (3) .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمَن الكِنْدِيّ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي (طبقَات الفُقَهَاء) قَالَ:
وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ انتهتْ إِلَيْهِ رِئاسَةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ بِمِصْرَ، أَخَذَ العِلْمَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن أَبِي عِمْرَانَ، وَأَبِي خَازم وَغيرِهِمَا، وَكَانَ شَافِعِيّاً يَقْرَأُ عَلَى أَبِي إِبْرَاهِيْم المُزَنِيّ، فَقَالَ لَهُ يَوْماً:
وَاللهِ لاَ جَاءَ مِنْكَ شَيْء، فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ ذَلِكَ، وَانْتَقَلَ إِلى ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ، فَلَمَّا صَنّف مُخْتَصَره، قَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا إِبْرَاهِيْم لَوْ كَانَ حَيّاً لكفَّرَ عَنْ يمِينه.
صَنّف (اخْتِلاَف العُلَمَاء) ، و (الشّروط) ، و (أَحْكَام القُرْآن) ، و (مَعَانِي الآثَار) .
ثُمَّ قَالَ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَال: وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَث مائَة (4) .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ بن زَبْرٍ (5) :قَالَ لِي الطَّحَاوِيّ:
أَوَّل مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ الحَدِيْث: المُزَنِيّ، وَأَخذتُ بِقَول الشَّافِعِيّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْد سِنِيْنَ، قَدِمَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي عِمْرَانَ قَاضِياً عَلَى مِصْرَ، فصحِبْتُه، وَأَخذتُ بِقَولِه.
__________
(1) عبد الحميد بن عبد العزيز، أبو خازم: قاض، فرضي، من أهل البصرة، ولي لقضاء بالشام والكوفة وكرخ بغداد. توفي سنة / 292 / هـ. " تاريخ بغداد ": 11 / 62 - 67.
(2) انظر الصفحة / 27 / تعليق رقم / 4 /.
(3) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 809.
(4) " طبقات الشيرازي ": 142.
(5) هو محمد بن عبد الله بن أحمد، الدمشقي: حافظ ثقة، توفي سنة / 379 / هـ. " العبر ": 3 / 12.(15/29)
قُلْتُ: مَنْ نَظر فِي توَالِيف هَذَا الإِمَام عَلِمَ محلَّه مِنَ العِلْم، وَسعَة مَعَارِفه.
وَقَدْ كَانَ نَابَ فِي القَضَاءِ عَنْ أَبِي عُبَيْد اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدَةَ (1) ، قَاضِي مِصْر سنَةَ بِضعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَترقَّى حَاله، فحَكَى أَنَّهُ حَضَرَ رَجُل مُعْتَبر عِنْد القَاضِي ابْنِ عَبْدَةَ فَقَالَ:
أَيش رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَبِيْهِ؟
فَقُلْتُ أَنَا (2) :حَدَّثَنَا بَكَّار بنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَبِيْهِ، أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَال: (إِنَّ اللهَ ليغَارُ لِلْمُؤْمِن فَلْيَغَرْ (3)) .
وَحَدَّثَنَا بِهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سُفْيَانَ موقُوَفاً، فَقَالَ لِي الرَّجُل: تَدْرِي مَا تَقُولُ وَمَا تتكلّمُ بِهِ؟
قُلْتُ: مَا الخَبَر؟
قَالَ: رأَيتك العَشِيَّةَ مَعَ الفقُهَاءِ فِي مَيْدَانهِم، وَرأَيتُكَ الآنَ فِي مَيْدَان أَهْلِ الحَدِيْث، وَقلَّ مَنْ يَجْمَعُ ذَلِكَ.
فَقُلْتُ: هَذَا مِنْ فضلِ الله وَإِنعَامِه.
__________
(1) قال شعيب: وهذه الشهادة من مؤرخ الإسلام الذهبي وغيره من الأئمة في حق الامام الطحاوي تدل على أن ما جاء في مقدمة معرفة السنن والآثار لأحمد صقر من نبز وطعن إنما كان بدافع التعصب والحقد والجهل ولا يتسع المجال هنا لايراد ماقاله في حق هذا الامام وكشف عواره، وبيان وهائه، ودحض مفترياته.
وكان يجدر به وهو يحقق كتابا في السنة النبوية أن يأتسي بأئمة الجرح والتعديل في توخيهم الدقة والتمحيص، والصدق والعدل في ما يصدرون من آراء في حق أهل العلم.
(2) أي: الطحاوي.
(3) رجاله ثقات إلا أن أبا أحمد الزبيري - واسمه محمد بن عبد الله بن الزبير - يخطئ في حديث الثوري.
وأخرج البخاري 9 / 280 في النكاح: باب الغيرة، ومسلم (276) في التوبة: باب غيرة الله تعالى، والترمذي (3530) وأحمد 1 / 381 و425 و436 من طريق أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله وسلم " ما من أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش " وفي الباب عن أبي هريرة عند البخاري 9 / 281 ومسلم (2761) والترمذي (1168) وعن أسماء عند البخاري 9 / 280، ومسلم (2762) وعن المغيرة بن شعبة عند البخاري 12 / 154، ومسلم (1499) .(15/30)
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ فِي مُستهل ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ (1) .
كَتَب إِلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرزَد، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، حدثَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِي، حَدَّثَنَا المُزَنِيّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُوْمُ حَتَّى نَقُوْلَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُوْلَ، لاَ يصومُ.
وَمَا رَأَيْتهُ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتهُ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ (2) .
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِير، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُؤمل، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمَةَ القُضَاعِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بن عُمَرَ التَّنُوْخِيّ سنَة 398، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ سِنَان، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ بيَان، عَنْ أَبِي الرَّحَّال، عَنْ أَنَس قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا أَكرم شَابّ شَيْخاً لسنه إِلاَّ قيض الله لَهُ عِنْد سنّه مَنْ يُكرمهُ) إِسنَاده وَاهٍ (3) .
__________
(1) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 809 - 810.
(2) هو في " الموطأ " 1 / 309 في الصيام: باب جامع الصيام، ومن طريقه البخاري
(1969) في الصوم: باب صوم شعبان، ومسلم (1156) (175) في الصيام: باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان.
(3) لضعف يزيد بن بيان، قال الامام الذهبي في " الميزان ": قال الدارقطني: ضعيف، وقال البخاري: فيه نظر، ثم أورد له هذا الحديث، وقال: قال ابن عدي هذا منكر، وشيخه فيه أبو الرحال، قال أبو حاتم: ليس بقوي، منكر الحديث، وقال البخاري: عنده عجائب، وأخرجه الترمذي (2022) وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 2 / 185، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " كلهم من طريق يزيد بن بيان بهذا الإسناد، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ يزيد بن بيان.(15/31)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّد، وَأَحْمَد بنُ مُؤْمِن، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ السَّيْد الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوسِيُّ، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بنُ بِشْرٍ الإِسْفَرَايينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الإِدْرِيسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عُمَرَ النَّاقِدُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَد بن سُلَيْمَانَ الحَرِيْرِي (1) قَالَ:
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ: حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّة، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكْر، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، قَالاَ:
حَدَّثَنَا مَهْدِيّ بنُ مَيْمُوْنَ، عَنْ وَاصل الأَحْدَب، عَنِ المَعْرُور بن سُوَيْد، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مسيرٍ لَهُ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْل تنحَّى فَلَبِثَ طَوِيْلاً، ثُمَّ أَتَانَا، فَقَالَ:
(أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ دَخَلَ الجَنَّةَ) .
قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ زنَى وَإِنْ سرق؟
قَالَ: (وَإِن زنَى وَإِن سرق) .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ شُعبَة، عَنْ وَاصل (2) .
مَاتَ سنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ الطَّحَاوِيّ، وَمَكْحُوْل البَيْرُوْتِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ الأَعْمَشِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُقْرِئ دِمَشْق ابْن ذَكْوَان، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَارِث العَسَّال، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ رَزِيْن البَاشَانِي الهَرَوِيّ، وَحَاتِم بنُ مَحْبُوْب الهَرَوِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي هُرَيْرَةَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ أَخُو زبِير الحَافِظ، وَشَيْخ المُعْتَزِلَةِ أَبُو هَاشِمٍ الجُبَّائِي (3) عَبْدُ السَلاَّم بنُ أَبِي
__________
(1) في " الأنساب ": 3 / 243 " الجريري، ويقال له: الحريري - بالحاء - اجتمع فيه النسبتان فمن قال له الحريري فينسبه إلى بيع الحرير، ومن قال الجريري - بالجيم - فلاجل تفقهه على مذهب ابن جرير الطبري ".
(2) أخرجه البخاري (1237) في أول الجنائز، و (1408) و (2388) و (3222) و (5827) و (6268) و (6443) و (6444) و (7487) ومسلم (94) في الايمان: باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
(3) بضم الجيم، وتشديد الباء المفتوحة المنقوطة بواحدة من تحت. وهي قرية بالبصرة. " الأنساب ": 3 / 176، وراجع " الإكمال " بتعليقة: 3 / 63 - 64.(15/32)
عَلِيّ، وَإِمَامُ اللُّغَةِ أَبُو بَكْرٍ بنُ دُرَيْد، وَمُحَمَّدُ بنُ نُوْح الجُنْدَ يْسَابورِي، وَأَبُو حَامِدٍ الحَضْرَمِيُّ، وَيُوْسُف بنُ يَعْقُوْبَ النَّيْسَابُوْرِيُّ الوَاهِي.
رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ.
16 - مَكْحُوْلُ بنُ الفَضْلِ أَبُو مُطِيعٍ النَّسفِيُّ *
الحَافِظُ، الرَّحَّالُ، الفَقِيْه، أَبُو مُطِيع النَّسَفَي، صَاحِب كِتَاب (اللُّؤلئيَاتِ) فِي الزُّهْد وَالآدَابِ.
رَوَى عَنْ: دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَأَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ بن الضُّرَيْس، وَمُطَيَّن، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، شَيْخٌ لجَعْفَر المُسْتَغْفِريِّ.
ذكَرَه المُسْتَغْفِريُّ فِي (تَارِيْخ نسف) ، وَذَكَرَ أَنَّ اسْمَه مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، وَمَكْحُوْلٌ لَقُبه، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَة ثَمَانٍ وَثَلاَث مائَةٍ.
قُلْتُ: رَأَيْت لَهُ مُؤلَّفاً مخروماً عِنْد الشَّيْخ عَبْد اللهِ الضَّرِيْر، وَلَهُ نَظْمٌ حَسَن.
17 - مَكْحُوْلٌ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ البَيْرُوْتِيُّ **
الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّحَّالُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَّم بنِ أَبِي أَيُّوْبَ البَيْرُوْتِيُّ، وَلقبُه مَكْحُوْل.
__________
(*) الجواهر المضية: 2 / 180.
(* *) الأنساب: 2 / 361 - 362، معجم البلدان: 1 / 525 - 526، تذكرة الحفاظ: 3 / 814 - 815، العبر: 2 / 187 - 188، الوافي بالوفيات: 3 / 346، النجوم الزاهرة: =
سير 15 / 3(15/33)
سَمِعَ: أَبَا عُمِير عِيْسَى بنَ مُحَمَّدٍ النَّحَّاس، وَأَحْمَدَ بنَ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيَّ، وَأَحْمَدَ بن حَرْبٍ الطَّائِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ بن عُلَيَّةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَسُلِيمَان بنَ سَيْف الحَرَّانِيَّ، وَمُحَمَّد بن هَاشِمٍ البَعْلَبَكِّيَّ، وَحَاجِبَ بنَ سُلَيْمَانَ المَنْبِجِيَّ، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي المَضَاء، وَطَبَقَتهُم.
وَعَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّبَعِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ ذَكْوَان، وَعَبْد الوَهَّابِ الكِلاَبِيّ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الأَذَنِيُّ (1) ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ ثِقَةً مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْث (2) .
مَاتَ فِي أَوَّل جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
18 - مُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ أَبُو الحَسَنِ الجُنْدَيْسَابورِيُّ الفَارِسِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو الحَسَنِ الجُنْدَيْسَابورِيُّ (3) الفَارِسِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
__________
= 3 / 242، طبقات الحفاظ: 339، شذرات الذهب: 2 / 291.
(1) بفتح الالف، والذال المعجمة، وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى أذنه، وهي من مشاهير البلدان بساحل الشام عند طرسوس. " الأنساب ": 1 / 167.
(2) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 815.
(*) تاريخ بغداد: 3 / 324، الأنساب: 3 / 318 - 319، تاريخ ابن عساكر: 16 / 32 / أ - 33 / أ، تذكرة الحفاظ: 3 / 826 - 827، طبقات الحفاظ: 344.
(3) بضم الجيم وسكون النون، وفتح الدال المهملة، وسكون الياء المنقوطة من تحتها بنقطتين، وفتح السين المهملة، بعدها الالف والباء المنقوطة بنقطة، بعدها واو، وراء مهمة.
هذه النسبة إلى بلدة من بلاد كور الاهواز - وهي خوزستان - يقال لها جنديسابور، هي مشهورة معروفة.
" الأنساب ": 3 / 318.(15/34)
سَمِعَ: الحَسَن بن عَرَفَةَ، وَشُعَيْب بنَ أَيُّوْبَ الصِّرِيْفينِيَّ (1) وَهَارُوْن بن إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيَّ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَعِيْسَى بن (2) الوَزِيْر، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: ثِقَةٌ حَافِظٌ (3) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ، مَا رَأَيْتُ كُتُباً أَصحَّ مِنْ كُتُبِهِ، وَلاَ أَحسَن (4) .
قُلْتُ: حَدَّث بِدِمَشْقَ، وَمِصْر، وَبَغْدَاد.
وَمَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَعَ لِي أَحَادِيْثُ مِنْ عَوَالِيْهِ.
19 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ حَمَّادِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ *
الإِمَامِ، حَافِظِ وَقتِهِ حَمَّاد بن زَيْدٍ، الأَزْدِيُّ
__________
(1) بفتح الصاد المهملة، وكسر الراء، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، والفاء بين اليائين، وفي آخرها النون.
هذه النسبة إلى صريفين قريتين: أحداهما من أعمال واسط، والثانية من أعمال بغداد.
وإلى الأولى ينتسب شعيب بن أيوب.
وقد ورد في " تقريب التهذيب ": 1 / 351 " الصيرفي " وهو تصحيف. انظر " الأنساب ": 8 / 58.
(2) ساقطة في الأصل.
وعيسى هذا هو ابن الوزير الصالح علي بن عيسى الذي سترد ترجمته رقم / 140 / من هذا الجزء.
وانظر ترجمة عيسى بن علي في " تاريخ بغداد ": 11 / 179 - 180.
(3) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 826.
(4) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 827.
(*) تاريخ بغداد: 6 / 61 - 62، المنتظم: 6 / 278، النجوم الزاهرة: 3 / 249.(15/35)
مَوْلاَهُمُ، البَصْرِيُّ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ العَابِدُ.
سَمِعَ: الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَعَلِيَّ بنَ مُسْلِمٍ الطُّوْسِيّ، وَعَلِيّ بنَ حَرْبٍ، وَالزَّعْفَرَانِيَّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَابْنُ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ جَبَل (1) .
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ الجَرَّاحِيّ: مَا جِئْتُهُ إِلاَّ وَجدتُهُ يَقْرَأ، أَوْ يُصَلِّي (2) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ زِيَاد النَّيْسَابُوْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْبَدَ مِنْهُ (3) .
قُلْتُ: مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَدْ وَلِي وَلدهُ هَارُوْنُ قَضَاءَ الدِّيَارِ المِصْرِيَّة فِي حَيَاةِ الوَالد بَعْد أَبِي عُبَيْد بن حَرْبَوَيْه، وَاسْتنَابَ عَلَى إِقلِيم مِصْر أَخَاهُ أَبَا عُثْمَانَ أَحْمَدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، ثُمَّ عُزِل هَارُوْنُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.
20 - الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ سَعْدٍ الهَمَذَانِيُّ *
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 6 / 61.
(2) المصدر السابق.
(3) المنتظم: 6 / 278.
(*) لم نهتد إلى مصادر ترجمته.(15/36)
رَوَى عَنْ: هَارُوْنَ بنِ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّد بن وَزِيْر، وَرُسْتَة (1) ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْد الهَمَذَانِيّ، وَأَحْمَد بن بُدَيل، وَحَمِيْد بن زَنْجُوْيَةَ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: الحَسَنُ بنُ يَزِيْدُ الدَّقَّاق.
وَسَمِعَ: مِنْهُ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ.
وَقَالَ: وَثَّقَهُ أَبِي.
وَمَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ ُروزْبَة، وَجِبْرِيْل العَدْل، وَآخَرُوْنَ.
21 - ابْنُ الشَّرْقِيِّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الثِّقَةُ، حَافِظ خُرَاسَان، أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَن النَّيْسَابُوْرِيُّ، ابْنُ الشَّرْقِيِّ (2) ، صَاحِبُ (الصَّحِيْحِ) ، وَتلمِيذُ مُسْلِمٍ.
ذكره أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم فَقَالَ: هُوَ وَاحِدُ عصره حِفْظاً وَإِتقَاناً وَمَعْرِفَةٌ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بنَ بِشْر بن الحَكَمِ، وَأَحْمَدَ بنَ الأَزْهَر، وَأَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ السُّلَمِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ حَفْص بنِ عَبْدِ
__________
(1) هو عبد الرحمن بن عمر بن يزيد بن كثير، الزهري، أبو الحسن الأصبهاني، لقبه: رسته. - بضم الراء، وسكون المهملة، وفتح المثناة - توفي سنة / 246 / هـ. " أخبار أصبهان ": 2 / 109 - 110.
(*) تاريخ بغداد: 4 / 246 - 247، الأنساب: 7 / 319 - 320، المنتظم: 6 / 289 تذكرة الحفاظ: 3 / 821 - 823، العبر: 2 / 204، ميزان الاعتدال: 1 / 156 الوافي بالوفيات: 7 / 379، طبقات الشافعية: 3 / 41 - 42، البداية والنهاية: 11 / 188، لسان الميزان: 1 / 306، النجوم الزاهرة: 3 / 261 طبقات الحفاظ: 342، شذرات الذهب: 2 / 306.
(2) كان يسكن الجانب " الشرقي " بنيسابور فنسب إليه " الأنساب ": 7 / 317.(15/37)
الله، وَطَبَقَتهُم بِبَلَدِهِ - قُلْتُ: ثُمَّ ارْتَحَلَ فَأَخَذَ بِالرَّيّ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، وَطَائِفَةٍ -، وَبِمَكَّةَ أَبَا يَحْيَى بنَ أَبِي مَسَرَّة، وَبِبَغْدَادَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِر، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَطَبَقَتهُم.
وَبَالكُوْفَةِ أَبَا حَازِم بن أَبِي غَرَزَة الغِفَارِيَّ، وَعِدَّةً.
وَحَجّ غَيْرَ مَرَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ الحُفَّاظ: أَبُو العَبَّاسِ بن عُقْدَة، وَالقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ العَسَّال، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِي، وَزَاهِر بن أَحْمَدَ السَّرْخَسِيّ، وَالحَسَن بنُ أَحْمَدَ المَخْلَدِي، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجَوْزَقي، وَالسَّيِّد أَبُو الحَسَنِ العَلَوِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حمدُوْنَ الزَّاهِد، وَالرَّئيس أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي ذُهْل الهَرَوِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَدْل، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو الوَفَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَزَّاز، وَأَبُو العَبَّاسِ (1) مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ السَّلِيطِي، وَعَدَد كَثِيْر.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ الحُسَيْن التَّمِيْمِيَّ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَة يَقُوْلُ - وَنَظَرَ إِلَى أَبِي حَامِد بنِ الشَّرْقِيّ - فَقَالَ: حَيَاةُ أَبِي حَامِد تحجُزُ بَيْنَ النَّاس، وَبَيْنَ الكذبِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ (2) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قُلْتُ: يَعْنِي: أَنَّهُ يَعْرِفُ الصَّحِيْحَ وَغَيْرَهُ مِنَ المَوْضُوْع.
الحَاكِم: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا العَنْبَرِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُوْشَنْجِيَّ
__________
(1) في الأصل: أبو عمرو، وهو وهم من الناسخ.
(2) " تاريخ بغداد ": 4 / 427.(15/38)
يَسْأَلُ أَبَا حَامِد بنَ الشَّرْقِيّ عَنْ شىء مِنَ الحَدِيْثِ.
الحَاكِم: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الحَافِظ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَد بنِ مُحَمَّدِ بنِ الشَّرْقِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الأَعْرَج الحَافِظ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُشْكَانَ السَّرْخَسِيّ فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ أَبِي مُسْلِم الفَارِسِيّ الحَافِظ، سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ بنَ عَدِيّ يَقُوْلُ:
لَمْ أَرَ أَحْفَظَ وَلاَ أَحْسَنَ سَرْداً مِنْ أَبِي حَامِد بن الشَّرْقِيّ، كتب جَمْعَه لِحَدِيْثِ أَيُّوْب السِّخْتِيَانِيِّ، فَكُنْتُ أَقرأ عَلَيْهِ مِنَ كِتَابِهِ، وَيقرأَ مَعِي حِفْظاً مِنْ أَوَّله إِلَى آخِره (1) .
السُّلَمِيّ: سَأَلتُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي حَامِد بنِ الشَّرْقِيّ فَقَالَ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ إِمَامٌ.
قُلْتُ: لَمْ تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ عُقْدَةَ؟
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ تَرَى يُؤَثِّر فِيْهِ مِثْلُ كَلاَمه، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ ابْن عُقْدَةَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
فَقُلْتُ: وَأَبُو عَلِيٍّ؟
قَالَ: وَمَنْ أَبُو عَلِيٍّ حَتَّى يُسْمَعَ كَلاَمُهُ فِيْهِ (2) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ: أَبُو حَامِدٍ ثَبْتٌ حَافِظٌ مُتْقِنٌ (3) .
وَقَالَ الخَلِيْلِيّ: هُوَ إِمَامُ وَقته بِلاَ مُدَافعَة.
قَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: سَأَلتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عبدَان، عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ إِذَا نَقَلَ شَيْئاً فِي الجَرْح وَالتعديل: هَلْ يُقْبَل قَوْلهُ؟ قَالَ: لاَ يُقْبَل (4) .
قد كَانَ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَامِد أَخٌ أَسَنُّ مِنْهُ، وَهُوَ: المُحَدِّثُ المُعَمَّرُ
__________
(1) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 821 - 822.
(2) " ميزان الاعتدال ": 1 / 156.
(3) " تاريخ بغداد ": 4 / 426 - 427.
(4) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 822.(15/39)
22 - أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الشَّرْقِيِّ *
سَمِعَ: الذُّهْلِيَّ، وَعَبْد اللهِ بن هَاشِمٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بِشْر، وَأَحْمَدَ بنَ الأَزْهَر، وَأَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْر زَاجَ المَرْوَزِيّ، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ، وَيَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَرْبِيّ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدوس، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ العَلَوِيّ، وَآخَرُوْنَ.
ذَكَرَ الحَاكِم أَنَّهُ رَآهُ وَهُوَ شَيْخ طُوَال أَسمر، وَأَصْحَابُ المحَابر بَيْنَ يَدَيْهِ.
قَالَ: وَكَانَ أَوْحَد وَقته فِي عِلْم الطِّبّ (1) .
قَالَ: وَلَمْ يَدَعِ الشُّرْب (2) إِلَى أَنْ مَاتَ.
فَنقمُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ (3) وَكَانَ أَخُوْهُ لاَ يرَى لَهُم السَّمَاعَ مِنْهُ لِذَلِكَ.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَمَاتَ أَبُو حَامِدٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَأَمَّهُم فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِ أَخُوْهُ المَذْكُوْر.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَام، مُسْنِد بَغْدَادَ الشَّرِيْف، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ
__________
(*) الأنساب: 7 / 319، العبر: 2 / 212، ميزان الاعتدال: 2 / 494 لسان الميزان: 3 / 341 - 342، شذرات الذهب: 2 / 313.
(1) كان يختلف في صباه إلى أيوب الرهاوي طبيب عبد الله بن طاهر انظر " لسان الميزان ": 3 / 342.
(2) قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " 2 / 494: " سماعاته صحيحة من مثل الذهلي وطبقته، ولكن تكلموا فيه لادمانه شرب المسكر ". قلت: ربما كان يشرب النبيذ الذي يرى إباحته الكوفيون، لا الخمر المتفق على تحريمه.
(3) انظر " الأنساب ": 7 / 319.(15/40)
عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ صَاحِبُ أَبِي مُصْعَب الزُّهْرِيّ، وَالثِّقَةُ مُحَدِّث نَيْسَابُوْر مَكِّيّ بنُ عَبْدَان التَّمِيْمِيّ، وَمُقْرِئُ بَغْدَاد أَبُو مزَاحم الخَاقَانِيُّ، وَالمُعَمَّر أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَكيلُ أَبِي صخرَة، وَعِدَّة.
أَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بنْت كندِي ببَعْلَبَكَّ، عَنْ زَيْنَبَ بنْتِ عَبْد الرَّحْمَنِ الشّعرِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُنْعِم بنُ أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَشَّاب، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ زَكَرِيَّا الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الحَافِظ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ سُمَيّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الحَجُّ المبرورُ لَيْسَ لَهُ جزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّة (1)) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طريقِ عُبَيْد اللهِ بن عُمَرَ.
23 - ابْنُ أَبِي الأَزْهَرِ مُحَمَّدُ بنُ مَزْيَدِ بنِ مَحْمُوْدٍ الخُزَاعِيُّ *
المُحَدِّثُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَزْيَدِ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ الخُزَاعِيُّ، البَغْدَادِيُّ، عُرف: بِابْنِ أَبِي الأَزْهَر، شَيْخٌ، معمَّرٌ تَالفٌ.
حَدَّثَ عَنْ: لُوَين (2) ، وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَالحُسَيْن الاحْتِيَاطِي، وَأَبِي كُرَيْبٍ.
__________
(1) رقم (1349) في الحج: باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، وأخرجه مالك 1 / 346، ومن طريقة البخاري 3 / 476، ومسلم (1349) عن سمي بهذا الإسناد.
(*) أخبار الراضي والمتقي: 88، معجم الشعراء: 429، تاريخ بغداد: 3 / 288 - 291، ميزان الاعتدال: 4 / 35، الوافي بالوفيات: 5 / 18 - 19، لسان الميزان: 5 / 377 - 378، بغية الوعاة: 104.
(2) هو محمد بن سليمان بن حبيب الأسدي، أبو جعفر، لقبه: لوين.(15/41)
وَعَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ، وَالمعَافى الجُرَيْرِيُّ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيْفٌ، كَتَبْنَا عَنْهُ مَنَاكِيرَ (1) ، وَلَهُ شِعْر كَثِيْر.
وَقَالَ أَبُو الفَتْحِ عُبَيْدُ اللهِ (2) بنُ أَحْمَدَ النَّحْوِيّ: كذَّبوهُ فِي السَّمَاع مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَغَيْره (3) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ: يَضَعُ الحَدِيْثَ عَلَى الثِّقَات (4) .
قُلْتُ: وَضَعَ فِي حَدِيْث: (لاَ نَبِيّ بَعْدِي) وَلَوْ كَانَ لُكَنْتَهُ (5) يَا عليّ (6) .
تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَله جُزء، عَنِ الزُّبَيْر بن بَكَّار.
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 3 / 288.
(2) في الأصل: عبد الله، وهو تصحيف.
(3) " تاريخ بغداد " 3 / 288.
(4) المصدر السابق.
(5) في الأصل: " لسكانه "
(6) حديث " لا نبي بعدي " أخرجه البخاري (4416) في المغازي: باب عزوة تبوك، ومسلم (2404) من حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك، واستخلف عليا، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي " وفي الباب عن أبي هريرة عند البخاري 6 / 408 ومسلم (2286) ولفظه: " وأنا خاتم النبيين " وعن جبير بن مطعم عند البخاري 8 / 492، ومسلم (2354) وأخرج البخاري (6194) في الأدب من طريق ابن نمير عن محمد بن بشر، عن إسماعيل بن خالد، قلت لابن أبي أوفى: رأيت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: مات صغيرا، ولو قضي أن يكون بعد محمد نبي عاش ابنه، ولكن لا نبي بعده.
وأخرج أحمد 4 / 154، والترمذي (3686) من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ، عن حيوة عن بكر بن عمرو، عن مشرح ابن هاعان، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كان بعدي نبي لكان عمر " وهذا سند حسن، وصححه الحاكم 3 / 85، ووافقه الذهبي، وله شاهدان من حديث أبي سعيد الخدري، ومن حديث عصمة عند الطبراني، وفيهما ضعف، انظر " مجمع الزوائد " 9 / 68.(15/42)
24 - المُقْتَدِرُ بِاللهِ أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ ابنُ المُعْتَضِدِ بِاللهِ أَحْمَدَ *
الخَلِيْفَةُ المُقْتَدِر بِاللهِ، أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ ابنُ المعتضِد بِاللهِ أَحْمَدَ ابنِ أَبِي أَحْمَدَ طَلْحَةَ ابنِ المُتَوَكِّل عَلَى اللهِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
بُوْيِعَ بَعْد أَخِيْهِ المكْتَفِي فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَمَا وَلِيَ أَحَدٌ قبله أَصغر مِنْهُ (1) ، وَانخرم نظَامُ الإِمَامَةِ فِي أَيَّامه، وَصَغُر منصِب الخِلاَفَة، وَقَدْ خُلع فِي أَوَائِل دَوْلته، وَبَايعُوا ابْنَ المُعْتَز، ثُمَّ لَمْ يتمَّ ذَلِكَ.
وَقُتِلَ ابْنُ المُعْتَزّ، وَجَمَاعَةٌ، ثُمَّ إِنَّهُ خُلِع ثَانياً فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ.
وَبَذَلَ خَطَّه بعزلِ نَفْسه، وَبَايعُوا أَخَاهُ القَاهرَ، ثُمَّ بَعْد ثَلاَثٍ، أُعيد المُقْتَدِرُ، ثُمَّ فِي المَرَّة الثَّالِثَة قُتل.
وَكَانَ رَبْعَةً، مليحَ الوَجْه، أَبيضَ بحمرَة، نَزَلَ الشَّيب بعَارضَيْه، وَعَاشَ ثَمَانِياً وَثَلاَثِيْنَ سنَةً.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوخي: كَانَ جَيِّد الْعقل، صَحِيْحَ الرَّأْي، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُؤْثِراً لِلشَّهَوَاتِ، لَقَدْ سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عِيْسَى الوَزِيْر يَقُوْلُ: مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ يترُكَ هَذَا الرَّجُل - يَعْنِي المُقْتَدِر - النَّبِيذَ خَمْسَةَ أَيَّام، فَكَانَ رُبَّمَا يَكُوْنُ فِي أَصَالَةِ الرَّأْي كَالمَأْمُوْنِ وَالمعتضِد (2) .
قُلْتُ: كَانَ منهوماً بِاللَّعِبِ، وَالجَوَارِي، لاَ يلتفتُ إِلَى أَعباءِ الأُمُور،
__________
(*) مروج الذهب: 2 / 501، تاريخ بغداد: 7 / 213 - 219، المنتظم: 6 / 243 - 244 الكامل: 8 / 8 وما بعدها، النبراس: 95 - 183، العبر: 2 / 181 - 182 البداية والنهاية: 11 / 169 - 170، النجوم الزاهرة: 3 / 233، 234 تاريخ الخلفاء: 278 - 386، شذرات الذهب: 2 / 284 - 285.
(1) " تاريخ بغداد ": 7 / 213.
(2) " تاريخ بغداد ": 7 / 218 - 219.(15/43)
فَدَخَلَ عَلَيْهِ الدَّاخل، وَوَهَنَ دَسْتُه، وَفَارقَه مُؤنِسٌ الخَادِم مُغَاضِباً إِلَى المَوْصِل، وَتمَلَّكهَا، وَهَزَمَ عسكَرَهَا فِي صَفَرٍ سَنَةَ عِشْرِيْنَ (1) .
وَوصَلَتِ القَرَامِطَةُ إِلَى الكُوْفَةِ، فَهَرَبَ أَهلُهَا.
وَدخَلَت الدَّيْلَمُ، فَاسْتبَاحُوا الدِّينَوَر، وَوَصَلَ أَهلُهَا (2) ، فَرَفَعُوا المَصَاحِفَ عَلَى القَصَب، وَضَجّوا يَوْمَ الأَضحى مِنْ سنَة تِسْعَ عَشْرَةَ (3) ، وَأَقبلَتْ جيوشُ الرُّوْم وَبدَّعُوا وَأَسرُوا.
ثُمَّ تَجَهَّزَ نَسِيم الخَادِم فِي عَشْرَة آلاَف فَارس، وَعشرَة آلاَف رَاجل، حَتَّى بلغُوا عَمُّوريَة، فَقتلُوا وَسبوا، وَتَمَّ بِبَغْدَادَ الوبَاءُ الكَبِيْر، وَالقَحط حَتَّى سَوَّدَ الشُّرفَاء وُجُوْههُم، وَصَاحُوا: الجوعَ الجوعَ (4) .
وَقَطَعَ الجَلْبَ عَنْهُم مُؤنسٌ وَالقرَامطَة.
وَلَمْ يَحُجَّ أَحَدٌ، وَتَسَلَّل الجَيْشُ إِلَى مُؤنس، فتَهَيَّأَ لقصد المقْتَدر، فَبرَزَ المُقْتَدِرُ، وَتخَاذَلَ جُندُه.
فَرَكِبَ، وَبِيَدِهِ القَضِيْبُ، وَعَلَيْهِ البُردُ النَّبوِي، وَالمَصَاحِف حَوْلَهُ، وَالقُرَّاء.
وَخلفَه الوَزِيْر الفَضْلُ بنُ الفُرَاتِ، فَالتحم القِتَال.
وَصَارَ المُقْتَدِرُ فِي الوَسَط، فَانكشَفَ جمعُه، فيرمِيه برْبرِيٌ بحربَةٍ مِنْ خلفِه.
فَسقَطَ وَحُزَّ رَأْسُه، وَرُفَع عَلَى قَنَاة، ثُمَّ سُلِب ثُمَّ طُمِر فِي مَوْضِعه، وَعُفِي أَثره كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، لثَلاَث بَقِيْنَ مِنْ شَوَّال سنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (5) .
وَكَانَ سَمْحاً مِتلاَفاً لِلأَمْوَال، مَحَقَ مَا لاَ يُعدُّ وَلاَ يُحصَى.
وَمَاتَ صَافِي (6) ، وَتَفَرَّدَ مُؤنس بِأَعباءِ الأُمُورِ.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 239 - 240 وستأتي ترجمة مؤنس الخادم: رقم / 25 / من هذا الجزء.
(2) يعني: إلى بغداد.
(3) " النجوم الزاهرة ": 3 / 228 - 229.
(4) " النجوم الزاهرة ": 3 / 232.
(5) راجع الخبر مفصلا في " الكامل ": 8 / 241 - 243.
(6) كان صاحب الدولة كلها، وإليه أمر دار الخليفة، وقد توفي سنة / 298 / هـ " المنتظم ": 6 / 108.(15/44)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي: لمَا تَمَّ أَمر المُقْتَدِر اسْتصباهُ الوَزِيْر العَبَّاس، وَخَاض النَّاسُ فِي صِغَرِهِ، فَعَمِلَ الوَزِيْرُ عَلَى خَلْعِه، وَإِقَامَة أَخِيْهِ مُحَمَّد (1) .
ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّداً، وَصَاحِبَ الشُرْطَة، تنَازعَا فِي مَجْلِسِ الوَزِيْر، فَاشتطَّ صَاحِب الشُّرْطَة فَاغتَاظ مُحَمَّد كَثِيْراً، فَفُلِجَ لِوَقْتِهِ، وَمَاتَ بَعْد أَيَّام.
ثُمَّ اتَّفَقَ جَمَاعَةٌ عَلَى تَوْليَةِ ابْن المُعْتز، فَأَجَابهُم بِشَرْطِ أَنْ لاَ يسفَكَ دَمٌ.
وَكَانَ رَأْسهُم مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ بنِ الجَرَّاحِ، وَأَبُو المُثَنَّى أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ القَاضِي وَالحُسَيْن بنُ حَمْدَانَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الفَتْك بِالمُقْتَدِر، وَوَزِيْرِه، وَفَاتك.
فَفِي العِشْرِيْنَ مِنْ ربيع الأَوَّل سنَةَ سِتّ (2) ، رَكِبَ الملأُ، فَشَدَّ الحُسَيْنُ عَلَى الوَزِيْر فَقَتَلَهُ.
فَأَنْكَرَ فَاتك، فَعَطَفَ عَلَيْهِ الحُسَيْنُ فَقَتَلَهُ، وَسَاقَ إِلَى المُقْتَدِرِ، وَهُوَ يلعبُ بِالصَّوَالِجَة (3) ، فسَمِعَ (4) الضَّجَّةَ فَدَخَلَ الدَّارَ، فَرُدَّ ابْنُ حَمْدَانَ إِلَى المُخَرَّم (5) ، فَنَزَلَ بِدَارِ سُلَيْمَانَ بن وَهْبٍ، وَأَتَى ابْنُ المُعْتَزّ، وَحضَرَ الأُمَرَاءُ وَالقُضَاةُ سِوَى حَاشيَةِ المُقْتَدِر، وَابْنِ الفُرَاتِ، وَبَايعُوا عَبْدَ اللهِ بنَ المُعْتَزّ، وَلقبوهُ الغَالِبَ بِاللهِ (6) .
فوَزَرَ ابْنُ الجَرَّاح (7) ، وَنُفِّذت الكُتُب،
__________
(1) كذا في الأصل، وهو وهم، والصواب " ابن عمه محمد " وهو محمد بن المعتمد..كما في " الكامل ": 8 / 11 أما أخوه محمد - القاهر بالله - فقد ولي الخلافة بعده كما سيأتي في ترجمته ص / 98 / من هذا الجزء.
(2) وتسعين ومئتين.
(3) الصوالجة: ج، مفردها: صولجان - فارسي معرب - وهو عصا يعطف طرفها، يضرب بها الكرة على الدواب.
أما العصا التي اعوج طرفاها خلقة في شجرتها فهي المحجن. " اللسان ": (صلج) .
(4) أي المقتدر.
(5) محلة كانت ببغداد بين الرصافة ونهر المعلى.
(6) في " تاريخ الطبري ": 10 / 140، لقبوه: الراضي بالله.
(7) هو محمد بن داود بن الجراح، أبو عبد الله، أديب من علماء الكتاب، وهو عم الوزير علي بن عيسى - الذي ستأتي ترجمته ص / 298 / - وكان محمد صديقا لعبد الله بن المعتز. " تاريخ بغداد ": 5 / 255.(15/45)
وَبعثَوا إِلَى المُقْتَدِرِ، ليتحوَّل مِنْ دَارِ الخِلاَفَة، فَأَجَابَ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوَى غَريبٍ خَالِه، وَمُؤنس الخَازن، وَبَاكِر بنِ حَمْدَانَ، وَطَائِفَةٍ، وَأَحَاطُوا بِالدَّار ثُمَّ اقْتَتَلُوا.
فَذَهَبَ ابْنُ حَمْدَانَ إِلَى المَوْصِل، وَاسْتظهر خوَاصُّ المُقْتَدِر، وَخَارتْ قوَى ابْن المعتَز، وَأَصْحَابِهِ، وَانهزمُوا نَحْو سَامَرَّا.
ثُمَّ نَزَلَ ابْنُ المُعْتَز عَنْ فرسه، وَأَغمد سيفَه، وَاخْتَفَى وَزِيْرُه، وَقَاضيه، وَنُهبتْ دورُهُمَا.
وَقَتَلَ المُقْتَدِر جَمَاعَةً مِنَ الأَعيَان، وَوزر لَهُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الفُرَاتِ، وَأُخِذَ ابْنُ المُعْتَزّ، فَقُتِلَ سرّاً، وَصُودِرَ ابْنُ الجَصَّاص (1) .
فَقِيْلَ: أُخِذَ مِنْهُ أَزيدَ مِنْ سِتَّة آلاَف أَلف دِيْنَار.
وَتَضَعْضَعَ حَاله (2) .
وَسَاسَ ابْنُ الفُرَاتِ الأُمُورَ.
وَتَمَكَّنَ، وَانصَلَحَ أَمرُ الرَّعيَة، وَالتَّقَى الحُسَيْنُ بنُ حَمْدَانَ وَأَخُوْهُ أَبُو الهيجَاءَ عَبْدُ اللهِ، فَانكسَرَ أَبُو الهيجَاءَ، وَقَدِمَ أَخوهُمَا إِبْرَاهِيْمُ فَأَصلَحَ حَالَ الحُسَيْن، وَكَتَبَ لَهُ المُقْتَدِر أَمَاناً.
وَقَدِمَ فَقُلِّدَ قُمَّ وَقَاشَان (3) .
وَقَدِمَ صَاحِبُ أَفْرِيْقيَّةَ (4) زِيَادَةُ الله الأَغْلَبِيّ (5) ، وَأَخذَهَا مِنْهُ الشِّيْعِيُّ (6) وَبُوْيِع المَهْدِيُّ بِالمَغْرِب، وَظَهَرَ أَمرُهُ وَعَدَل، وَتَحَبَّبَ إِلَى الرَّعيَة أَوَّلاً، وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَاعِييه الأَخوين (7) فَوَقَعَ بينهُمَا القِتَال، وَعظُمَ الخَطْبُ، وَقُتِلَ
__________
(1) " الكامل " لابن الأثير: 8 / 18.
(2) انظر خبر خلع المقتدر وولاية ابن المعتز في " الكامل ": 8 / 14 - 19.
(3) " تاريخ الطبري ": 10 / 141.
(4) في " الأنساب " و" تقويم البلدان ": بفتح الالف. وفي " معجم البلدان " بكسرها.
(5) انظر خبر خروجه في " الكامل ": 8 / 20 - 23.
(6) هو أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن محمد، المعروف بالشيعي. قام بالدعوة لعبيد الله المهدي جد الفاطميين، مهد ملكه في المغرب، قتل سنة / 298 / هـ. وستأتي نتف من أخباره في ترجمة المهدي ص / 141 / من هذا الجزء.
(7) هما: أبو عبد الله الحسين، وأبو العباس أحمد. راجع ترجمة المهدي ص / 143 / من هذا الجزء.(15/46)
خَلْقٌ، حَتَّى ظَفِرَ بِهِمَا وَقتلهُمَا (1) .
وَتَمَكَّنَ، وَبنَى المَهْدِيَّة (2) .
وَقَدِمَ الحُسَيْن بنُ حَمْدَانَ مِنْ قُمّ فولِي دِيَارَ بكْر.
وَفِي سَنَةِ 299، أَمْسكَ (3) الوَزِيْر بنَ الفُرَاتِ، وَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ كَاتَبَ الأَعرَابَ أَنْ يكبِسُوا بَغْدَادَ.
وَوزر أَبُو عَلِيٍّ الخَاقَانِيُّ (4) وَوَرَدت هدَايَا مِنْ مِصْرَ مِنْهَا: خَمْس مائَة أَلْف دِيْنَار، وضِلَع آدمِي عرضُه شِبر، وَطولُه أَرْبَعَةَ عَشَرَ شِبْراً، وَتَيْسٌ لَهُ بِز (5) يدُرُّ اللَّبن، وَقدِمَتْ هدَايَا صَاحِبِ مَا وَرَاء النَّهر، وَهدَايَا ابْن أَبِي السَّاج مِنْهَا: بِسَاط رُومِيّ، طُوله سَبْعُوْنَ ذِرَاعاً فِي سِتِّيْنَ. نَسَجَه الصُّنَّاع فِي عَشْرِ سِنِيْنَ (6) .
وفِي سَنَةِ ثَلاَثِ مائَة عظُم الوبَاء بِالعِرَاقِ، وَوَزَرَ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى بنِ الجَرَّاحِ (7) ، وَوَلِيَ القَضَاءَ أَبُو عُمَرَ القَاضِي، وَفِيْهَا ضُرِبَ الحَلاَّج، وَنُوديَ عَلَيْهِ: هَذَا أَحَدُ دُعَاة القرَامطَة (8) ، ثُمَّ سجن مُدَّة، وَظَهَرَ عَنْهُ أَنَّهُ حُلولِي.
وَقُلِّد جَمِيْعَ المَغْرِب وَلدُ المُقْتَدِر صَغِيْر (9) ، لَهُ أَرْبَع سِنِيْنَ، فَاسْتنَاب مُؤنساً (10) الخَادِم.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 50 - 53.
(2) انظر " معجم البلدان ": 5 / 230.
(3) يعني المقتدر.
(4) " المنتظم ": 6 / 109.
(5) البز: بالكسر، ثدي الإنسان. قال الزبيدي: " هكذا يستعملونه ولا أدري كيف ذلك ". " تاريخ العروس " (بز) .
(6) " المنتظم ": 6 / 109 - 110.
(7) ترجمته ص / 140 / من هذا الجزء.
(8) " المنتظم ": 6 / 115، 112.
(9) لقب - بعد - بالراضي بالله، وقد ولي الخلافة بعد القاهر بالله. وستأتي ترجمته ص / 103 / من هذا الجزء.
(10) في الأصل: مؤنس - بالرفع - وهو خطأ.(15/47)
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِ مائَةٍ أَقبل ابْنُ المَهْدِيّ صَاحِبُ المَغْرِب فِي أَرْبَعِيْنَ أَلفاً برّاً وَبَحْراً ليملِكَ مِصْر، وَوَقَعَ القِتَال غَيْرَ مَرَّةٍ، وَاسْتَوْلَى العُبَيْديُّ عَلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَرْقَة (1) .
وَمَاتَ الرَّاسِبِيُّ أَمِيْرُ فَارس (2) ، فَخلَّف أَلف فَرَس، وَأَلفَ جمل، وَأَلفَ أَلفِ دِيْنَار.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِ مائَةٍ أَقبل العُبَيْديُّ، فَالتقَاهُ جَيْشُ الخَلِيْفَة فَانكسرَ (3) العُبَيْديُّ وَقُتِلَ مُقَدَّم جَيْشه حَبَاسَة (4) ، وَغرِمَ الخَلِيْفَةُ عَلَى خِتَان أَوْلاَدِه الخمسَة سِتّ مائَة أَلْف دِيْنَار (5) .
وَقلَّد المُقْتَدِرُ الجَزِيْرَة أَبَا الهيجَاءَ بنَ حَمْدَان، وَأَخذتْ طِّيئ رَكْبَ العِرَاق، وَهلكَ الخَلْقُ جُوعاً وَعَطَشاً (6) .
وَفِي سَنَةِ 303 رَاسل الوَزِيْر ابْنُ الجَرَّاح القَرَامطَة، وَأَطلقَ لَهُم، وَتَأَلَّفهُم (7) .
وَكَانَ الجَيْشُ مَشْغُولين مَعَ مُؤنس بِحَرب البْربر، فنزَعَ الطَّاعَة الحُسَيْن بنُ حَمْدَانَ (8) ، فَسَارَ لِحَرْبِهِ رَائِق، فَكَسرهُ ابْنُ حَمْدَانَ، ثُمَّ أَقبل مُؤنس فَالتَقَى الحُسَيْنَ، فَأَسرَه، وَأُدخِلَ بَغْدَاد عَلَى جمل (9) ، ثُمَّ غَزَا مُؤنسٌ بلاَد الرُّوْم، وَافتَتَح حصوناً، وَعظُم شَأْنُه.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 84 - 85.
(2) " المنتظم ": 6 / 125 - 126.
(3) " الكامل ": 8 / 89.
(4) في " القاموس " خباسة - بالخاء - وفي " تاج العروس " قال: " ضبطه الحافظ بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة ".
وضم ابن الأثير الحاء. انظر " ولاة مصر: 287 ".
(5) " المنتظم ": 6 / 127.
(6) " الكامل ": 8 / 90 - 91.
(7) " المنتظم ": 6 / 131.
(8) في الأصل: فنزع الطاعة للحسين بن حمدان.
(9) " الكامل ": 8 / 92 - 93.(15/48)
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ عُزِلَ ابْن الجَرَّاحِ (1) مِنَ الوَزَارَة، وَخَرَجَ بِأَذْرَبِيْجَانَ يُوْسُفُ بنُ أَبِي السَّاج، فَأَسره مُؤنس بَعْد حُرُوب (2) .
وَفِي سَنَةِ خَمْس، قدِمَت رُسلُ طَاغيَة الرُّوْم، يطلبُ الُهدنَة، فَزُيِّنَتْ دُورُ الخِلاَفَة، وَعرَضَ المُقْتَدِر جيوشَه مُلْبَسْين فَكَانُوا مائَةً وَسِتِّيْنَ أَلْفاً، وَكَانَ الخدَّام سَبْعَة آلاَف، وَالحُجَّاب سبعَ مائَة، وَالسُّتور ثَمَانيَةً وَثَلاَثِيْنَ أَلف سِتْر، وَمائَة أَسد مُسلسلَة، وَفِي الدِّهَاليز عَشْرَةُ آلاَف جَوْشَن (3) مُذْهَبَة (4) .
وَفِي سَنَةِ سِتّ فُتِحَ مَارَسْتَان (5) أُمِّ المُقْتَدِر، أَنفقَ عَلَيْهِ سبعَ مائَة أَلْف دِيْنَار (6) .
وَذُبحَ الحُسَيْنُ بنُ حَمْدَانَ فِي الحَبْسِ، وَأُطلق أَخُوْهُ أَبُو الهيجَاءَ.
وَكَانَ قَدْ أُعيد إِلَى الوِزَارَة ابْنُ الفُرَاتِ، فَقُبضَ عَلَيْهِ، وَوزَرَ حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، فقدِمَ مِنْ وَاسِط وَخَلْفَهُ أَرْبَع مائَة مَمْلُوْك فِي السِّلاَح (7) .
وَولِيَ نَظَر مِصْر وَالشَّام المَادَرَائِيُّ، وَقُرِّر عَلَيْهِ خَرَاجهُمَا فِي السَّنَة سِوَى رِزق الجُنْد ثَلاَثَة آلاَف أَلف دِيْنَار، وَاسْتقلَّ بِالأَمْرِ وَالنَّهْي السَّيِّدَةُ أُمُّ المُقْتَدِر، وَأَمرتِ القَهْرمَانَةُ ثملَ أَنْ تِجلِس بِدَارِ العَدْل، وَتنظر فِي القِصَص، فَكَانَتْ تجلِس، وَيحضُر القُضَاةُ وَالأَعيَان، وَتوقِّع ثَمِل عَلَى المرَاسم (8) .
وفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَلَّى المُقْتَدِر نَازُوك إِمرَة دِمَشْق، وَدخَلَت القَرَامِطَة
__________
(1) انظر حاشيتنا رقم / 7 / ص / 47 / من هذا الجزء.
(2) " الكامل ": 8 / 98 - 102.
(3) الجوشن: الدرع.
(4) " المنتظم ": 6 / 143 - 144، وانظر " رسوم دار الخلافة ": 11 - 14.
(5) بفتح الراء: دار المرضى.
(6) " المنتظم ": 6 / 146.
(7) " الكامل ": 8 / 110 - 111.
(8) " المنتظم ": 6 / 148.(15/49)
البَصْرَة. فَقتلُوا وَسبَوْا (1) ، وَأَخَذَ القَائِمُ (2) العُبَيْديُّ الإِسْكَنْدَرِيَّة ثَانياً. وَمَرِضَ وَوقَع الوبَاء فِي جُنْده (3) .
وَتجمَّع فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنَ الغوْغَاء ببغدَاد عَشْرَةُ آلاَف، وَفتحُوا السُّجُون، وَقَاتَلُوا الوَزِيْرَ وَولاَة الأُمُور، وَدَامَ القِتَال أَيَّاماً، وَقُتِلَ عِدَّة، وَنُهبتْ أَمْوَال النَّاس، وَاختلَّتْ أَحْوَالُ الخِلاَفَة جِدّاً، وَمُحِقَتْ بُيُوْتُ الأَمْوَال (4) .
واشْتَدَّ البلاَء بِالبربر، وَكَادُوا أَنْ يملِكُوا إِقلِيمَ مِصْر، وَضَجَّ الخَلْق بِالبكَاء، ثُمَّ هزَمهُم المُسْلِمُوْنَ، وَسَارَ ثَمِل (5) الخَادِم مِنْ طَرَسُوْس فِي البَحْر فَأَخَذَ الإِسْكَنْدَرِيَّة مِنَ البَرْبر (6) .
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ قتل الحَلاّج عَلَى الزَّندقَة (7) .
وَفِي سَنَةِ 311 عُزِل حَامِد وَأُهلِكَ، وَوزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ الوِزَارَة الثَّالِثَة (8) .
وَأَخذتْ فِي سَنَةِ 312 القرَامطَة رَكْبَ العِرَاق.
وَكَانَ فِيْمَنْ أَسرُوا أَبُو الهيجَاءَ (9) بنُ حَمْدَانَ، وَعمُّ السَّيِّدَة وَالِدَة الخَلِيْفَة (10) . ثُمَّ إِنَّ
__________
(1) " المنتظم ": 6 / 153.
(2) ستأتي ترجمته رقم / 66 / من هذا الجزء.
(3) " الكامل ": 8 / 113 - 114.
(4) " الكامل ": 8 / 116 - 117.
(5) هو طبعا غير " ثمل " القهرمانة التي تقدم خبرها قبل أسطر.
(6) " الكامل ": 8 / 121.
(7) " الكامل ": 8 / 126 - 129.
(8) " الكامل ": 8 / 139.
(9) في الأصل: أبا الهيجاء، وهو خطأ.
(10) " الكامل ": 8 / 147.(15/50)
المُقْتَدِر سلَّم ابْنَ الفُرَاتِ إِلَى مُؤنس فصَادره، وَأَهلكَه، وَكَانَ جَبَّاراً ظَالماً (1) ، وَافتَتَحَ عَسْكَرُ خُرَاسَان فَرْغَانَة (2) .
وَفِي سَنَةِ 313 نهَبَ القِرْمِطِي الكُوْفَة، وَعُزل الخَاقَانِيُّ مِنَ الوِزَارَة بِأَحْمَدَ بنِ الخَصِيب (3) .
وَفِي سَنَةِ 314 اسْتبَاحَتِ الرُّوْم مَلْطيَة بِالسَّيْف، وَقُبضَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ الخَصيب، وَوَزَرَ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى (4) ، وَأَخذت الرُّوْم سُمَيْسَاط، وَجرت وَقعَةٌ كَبِيْرَة بَيْنَ القَرَامطَة وَالعَسْكَر، وَأَسرت القَرَامطَةُ قَائِد العَسْكَر يُوْسُفَ بن أَبِي السَّاج.
ثُمَّ أَقبل أَبُو طَاهِرٍ القِرْمِطِي (5) فِي أَلف فَارس وَسَبْع مائَة رَاجل، وَقَاربَ بَغْدَاد، وَكَادَ أَنْ يملِك وَضَجَّ الخَلْق بِالدُّعَاء، وَقُطِعَتِ الْجسُور مَعَ أَنَّ عَسْكَرَ بَغْدَاد كَانُوا أَرْبَعِيْنَ أَلفاً، وَفيهم مُؤنسٌ، وَأَبُو الهيجَاءَ بنُ حَمْدَانَ، وَإِخوتُه، وَقربَ القِرْمِطِي حَتَّى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَلَدِ فَرْسَخَان، ثُمَّ أَقبل (6) ، وَحَاذَى العَسْكَر، وَنَزَلَ عَبْدٌ يُجسُّ المخَائِض، فَبقِي كَالقُنْفُد مِنَ النُّشَّاب، وَأَقَامَت القَرَامطَة يَوْمِيْنِ، وَترحَّلُوا نَحْو الأَنْبَار، فَمَا جسر العَسْكَر أَنْ يَتْبَعُوهُم، فَانظْر إِلَى هَذَا الخِذلاَن (7) .
قَالَ ثَابِتُ بنُ سِنَانٍ: انهزَم معظُم عَسْكَر المُقْتَدِر إِلَى بَغْدَادَ قَبْل المُعَاينَة لشِدَّة رُعبهم، وَنَازل القِرمطِي هِيت مُدَّة فَرُدَّ إِلَى البريَّة.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 149 - 150 وأخبار ابن الفرات في " تحفة الامراء ": 8 - 260.
(2) " تاريخ الخلفاء ": 382.
(3) " الكامل ": 8 / 158.
(4) " الكامل ": 8 / 167 / (5) ستأتي ترجمته رقم / 159 / من هذا الجزء.
(6) أي: القرمطي.
(7) " الكامل ": 8 / 169 - 175.(15/51)
وَفِي سَنَةِ 316 دَخَلَ أَبُو طَاهِرٍ القِرْمِطِيُّ الرَّحبَة بِالسَّيْف، ثُمَّ قَصَدَ الرَّقَّة، وَبدَّع، عمِلَ العَظَائِم، وَاسْتعفى عَليُّ بنُ عِيْسَى (1) مِنَ الوِزَارَة، فوزَرَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ مُقْلَة (2) ، وَبنَى القِرمِطِيُّ دَاراً، سمَاهَا دَار الهِجْرَة (3) ، وَكَثُرَ أَتْبَاعه، وَكَاتَبَه المَهْدِيُّ مِنَ المَغْرِب، فَدَعَا إِلَيْهِ، وَتفَاقَم البَلاَء (4) ، وَأَقبلَ الدُمستق فِي ثَلاَث مائَة أَلْف مِنَ الرُّوْم، فَقصَدَ أَرْمِينَية (5) ، فَقَتَل وَسَبَى، وَاسْتَوْلَى عَلَى خِلاَط (6) .
وفَى سنَة 317 جَرَتْ خَبْطَة بِبَغْدَادَ، وَاقتتل الجَيْشُ، وَتَّم مَا لاَ يُوْصَف، وَهمُّوا بعَزْل المُقْتَدِر، وَاتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ مُؤنسٌ، وَأَبُو الهيجَاءَ، وَنَازُوك، وَأَتَوا دَارَ الخِلاَفَة، فَهَرَبَ الحَاجِبُ، وَالوَزِيْر ابْنُ مُقلَة، فَأُخْرِجَ المُقْتَدِرُ وَأُمّه وَخَالته وَحرَمُه إِلَى دَار مُؤنس، فَأَحضرُوا مُحَمَّدَ بنَ المُعْتَضِد مِنَ الْحَرِيم، وَكَانَ مَحْبُوْساً، وَبَايعُوهُ، وَلقَّبوهُ بِالقَاهر.
وَأَشهَدَ المُقْتَدِر عَلَى نَفْسه بِالخَلْع.
وَجَلَسَ القَاهر فِي دَسْت الخِلاَفَة.
وَكَتَبَ إِلَى الأَمصَار، ثُمَّ طَلَب الجَيْش رسمَ البَيْعَة، وَرِزْقَ سنَة، وَارْتَفَعت الضَّجَّة، وَهجمُوا فَقتلُوا نَازوك وَالخَادِم عَجِيْباً، وَصَاحُوا: المُقْتَدِر يَا مَنْصُوْر (7) .
فَهَرَبَ الوَزِيْرُ وَالحُجَّابُ.
وَصَارَ الجُنْد إِلَى دَار مُؤنس، وَطَلَبُوا المُقْتَدِرَ ليعيدُوهُ. وَأَرَادَ أَبُو
__________
(1) ستأتي ترجمته برقم / 140 / من هذا الجزء.
(2) ستأتي ترجمته رقم / 86 / من هذا الجزء.
وانظر " الكامل ": 8 / 181 - 183.
(3) في " الكامل ": 8 / 187، أن الذي بنى دار الهجرة هو حريث بن مسعود القرمطي.
وقد خرج بسواد واسط.
(4) " المنتظم ": 6 / 216.
(5) في " معجم البلدان ": بكسر الهمزة.
(6) " الكامل ": 8 / 198.
(7) " الكامل ": 8 / 200 - 207.(15/52)
الهيجَاءَ الخُرُوجَ فتعلَّقَ بِهِ القَاهر، وَقَالَ: تسلمنِي؟
فَأَخَذتْهُ الحَمِيِّةُ، وَقَالَ: لاَ وَاللهِ، وَدخلاَ الفِرْدَوْس، وَخرجَا إِلَى الرَّحبَة.
وَذَهَبَ أَبُو الهيجَاءَ عَلَى فَرَسه، فَوَجَد نَازوك قَتِيلاً، وَسُدَّت المسَالكُ عَلَيْهِ وَعَلَى القَاهر، وَأَقبلتْ خوَاصُّ المُقْتَدِر فِي السِّلاَح، فَدَخَلَ أَبُو الهيجَاءَ كَالجَمَل، ثُمَّ صَاح: يَال يخلت أَأُقتل بَيْنَ الحِيْطَان؟ أَيْنَ الكُمَيْت؟ أَيْنَ الدَّهْمَاء؟ فرمُوهُ بِسهم فِي ثَدْيه، وَبآخر فِي تَرْقُوته.
فَنَزَع مِنْهُ الأَسْهُم، وقَتَلَ وَاحِداً مِنْهُم، ثُمَّ قَتَلُوهُ.
وَجِيْء بِرَأْسِهِ إِلَى المُقْتَدِرِ، فتَأَسَّفَ عَلَيْهِ، وَجِيْء إِلَيْهِ بِالقَاهر فَقبَّله وَقَالَ: يَا أَخِي أَنْتَ وَاللهِ لاَ ذَنْب لَكَ، وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُوْلُ: اللهَ فِي دمِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَطيفَ برَأْس نَازُوك، وَأَبِي الهيجَاءَ.
ثُمَّ أَتَى مُؤنسٌ وَالقُوَّاد وَالقُضَاة، وَبَايعُوا المُقْتَدِرَ.
وَأَنفقَ فِي الجُنْد مَالاً عَظِيْماً (1) .
وَحَجَّ النَّاس فَأَقبل أَبُو طَاهِرٍ القِرمِطِي، وَوَضَعَ السَّيْفَ بِالحرَم فِي الوفْد، وَاقتلعَ الحجرَ الأَسود (2) .
وَكَانَ فِي سَبْع مائَة رَاكب فَقتلُوا فِي المَسْجَدِ أَزيد مِنْ أَلف.
وَلَمْ يَقِفْ أَحَد بعرَفَة، وَصَاح قِرْمطِيُّ: يَا حَمِير، أَنْتُم قُلتُم: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمناً (3)) فَأَيْنَ الأَمن (4) ؟
وَأَمَّا الرُّوْم فَعَاثُوا فِي الثُّغُوْر، وَفَعَلُوا العَظَائِمَ، وَبَذَلَ لَهُم المُسْلِمُوْنَ الإِتَاوَة.
وَوزر فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ لِلْمُقْتَدِر سُلَيْمَانُ بنُ الحَسَن (5) ، ثُمَّ قُبض عَلَيْهِ
__________
(1) " الكامل ": 8 / 200، 207.
(2) " الكامل ": 8 / 207 - 208.
(3) آل عمران: 97.
(4) قال رجل: فاستسلمت وقلت: إن الله أراد: ومن دخله فأمنوه، فلوى فرسه وما كلمني. انظر " المنتظم ": 6 / 223، وسيرد الخبر في ص / 322 / من هذا الجزء.
(5) " الكامل ": 8 / 218.(15/53)
فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَاسْتَوْزَرَ عُبَيْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الكَلْوَذَانِي (1) .
وَظهر مَردَاوِيج (2) فِي الدَّيْلَم، وَملكُوا الجبلَ بِأَسره إِلَى حُلْوَان، وَهَزمُوا العَسَاكر (3) .
ثُمَّ عُزِل الكَلْوذَانِي بِالحُسَيْن بنِ القَاسِمِ بن عُبَيْدِ اللهِ (4) .
وَقَلَّت الأَمْوَال عَلَى المُقْتَدِر، وَفسَدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُؤنس، فَذَهَبَ مغَاضباً إِلَى المَوْصِل (5) .
وَقبض الوَزِيْرُ عَلَى أَمْوَاله، وَهَزَمَ مُؤنسٌ بنِي حَمْدَان، وَتَمَلَّك المَوْصِل فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (6) .
وَالتَقَى وَالِي طَرَسُوْس الرُّوْم، فَهَزَمهُم أَوَّلاً، ثُمَّ هَزَمُوهُ.
وَفِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عُزِلَ الوَزِيْر الحُسَيْنُ بِأَبِي الفَتْح بن الفُرَاتِ، وَلاَطفَ المُقْتَدِر الدَّيْلَم، وَبَعَثَ بولاَيَة أَذْرَبِيْجَان وَأَرْمِيْنِيَةَ وَالعجم إِلَى مَردَاوِيج (7) .
وَتسحَّبَ أُمرَاءٌ إِلَى مُؤنسٍ، وَخَافَ المُقْتَدِر، وَتَهَيَّأَ لِلْحَرْب، فَأَقبل مُؤنس فِي جَمْعٍ كَبِيْر.
وَقِيْلَ لِلْمُقْتَدِر: إِن جُندكَ لاَ يقَاتِلُوْنَ إِلاَّ بِالمَالِ، وَطُلِبَ مِنْهُ مئتَا أَلف دِيْنَار، فتَهَيَّأَ لِلْمضيّ إِلَى وَاسِط، فَقِيْلَ لَهُ: اتَّقِ الله، وَلاَ تسلِّمْ بَغْدَاد بِلاَ حَرْبٍ، فَتَجلَّد وَرَكِبَ فِي الأُمَرَاء وَالخَاصَّة وَالقُرَّاء، وَالمَصَاحِفُ منشورَةٌ.
فَشَقَّ بَغْدَاد، وَخَرَجَ إِلَى الشَّمَّاسيَّة، وَالخَلْقُ يَدْعُونَ لَهُ.
وَأَقبلَ مُؤنسٌ، وَالْتَحَمَ الحَرْب، وَوقَفَ المُقْتَدِر عَلَى تلٍّ، فَألحُّو عَلَيْهِ بِالتقَدُّم لينصَحَ جَمْعَه فِي القِتَال فَاسْتدرَجُوهُ حَتَّى توَسط،
__________
(1) " الكامل ": 8 / 225.
(2) ستأتي ترجمته رقم / 79 / من هذا الجزء.
(3) " الكامل ": 8 / 227.
(4) " الكامل ": 8 / 230.
(5) " الكامل ": 8 / 237.
(6) " الكامل ": 8 / 239.
(7) " المنتظم ": 6 / 241.(15/54)
وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ قَلِيْلَة، فَانكشفَ جمعُه، فيرمِيه بربرِيٌ فَسقَطَ فذُبِحَ، وَرُفع رأْسُه عَلَى رمح وَسلَبُوهُ، فَسُترت عورتُه بِحَشِيشٍ، ثُمَّ طُمَّ وَعُفِي أَثره (1) .
وَنَقَل الصُّوْلِيُّ أَنَّ قَاتله غُلاَمٌ لبُلَيق (2) ، كَانَ مِنَ الأَبطَال.
تعجَّبَ النَّاس مِنْهُ مِمَّا عَمِلَ يَوْمَئِذٍ مِنْ فنُوْن الْفُرُوسِيَّة، ثُمَّ شَدَّ عَلَى المُقْتَدِر بحربَته، أَنفذهَا فِيْهِ، فصَاح النَّاسُ عَلَيْهِ، فسَاقَ نَحْو دَار الخِلاَفَة ليخرِجَ القَاهرَ فصَادَفَه حِمْل شَوْك، فزحَمَتْه إِلَى قِنَّار (3) لحَّام فعلَّقَه كُلاَّب، وَخَرَجَ مِنْ تَحْته فَرَسُه فِي مِشوَاره، فحطَّه النَّاس وَأَحرقوهُ بِحمْل الشَّوْك (4) .
وَقِيْلَ: كَانَ فِي دَارِ المُقْتَدِر أَحَدَ عشرَ أَلف غُلاَم خِصيَان غَيْرُ الصَّقَالبَة وَالرُّوْم.
وَكَانَ مُبذِّراً لِلْخزَائِن حَتَّى احْتَاجَ، وَأَعطَى ذَلِكَ لِحظَايَاهُ، وَأَعطَى وَاحِدَةً الدُّرَّةَ اليَتيمَة الَّتِي كَانَ زِنَتُهَا ثَلاَثَة مثَاقيل.
وَأَخَذَتْ قَهْرَمَانَة سُبْحَةَ جَوْهر مَا سُمِعَ بِمثلهَا (5) .
وَفرَّق سِتِّيْنَ حُبّاً (6) مِنَ الصِّينِي مملوءةٌ غَاليَة (7) .
قَالَ الصُّوْلِيُّ: كَانَ المُقْتَدِر يفرِّق يَوْمَ عَرَفَة مِنَ الضَّحَايَا تِسْعِيْنَ أَلفَ رَأْس.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَتلفَ مِنَ المَال ثَمَانِيْنَ أَلف ألف دِيْنَار، عثَّر نَفْسَه بِيَدِهِ.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 241 - 243.
(2) في بعض كتب التاريخ " يلبق " وهو أحد القادة العباسيين، وممن ساعد على قتل
المقتدر وقد قتله القاهر بالله سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة.
(3) القنار، والقنارة، بكسرهما: الخشبة يعلق عليها القصاب اللحم، يقال: إنه ليس من كلام العرب.
" تاج العروس ": (القنور) .
(4) ضعف ابن دحية في " النبراس ": 111 هذه الرواية، وقال: " فالصحيح أن قتله كان بالسيف في الحرب بينه وبين مؤنس الخادم الملقب بالمظفر ". وقد أورد السيوطي هذا الخبر وكأنه جرى أثناء المعركة. " تاريخ الخلفاء ": 384.
(5) " المنتظم ": 6 / 70.
(6) الحب، بالضم: الجرة، صغيرة كانت أو كبيرة.
(7) الغالية: طيب معروف.(15/55)
وَأَوْلاَده: مُحَمَّد الرَّاضِي، وَإِبْرَاهِيْم المتَّقِي (1) ، وَإِسْحَاق، وَ (2) المُطِيع فَضْل، وَإِسْمَاعِيْل، وَعِيْسَى، وَعَبَّاس، وَطَلْحَة.
وَقَالَ ثَابِت بنُ سِنَان طبيبُه: أَتلفَ المُقْتَدِرُ نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ أَلف أَلف دِيْنَار.
وَلَمَّا قُتِلَ قُدِّمَ رَأْسُه إِلَى مُؤنس فَنَدِمَ وَبَكَى، وَقَالَ: وَاللهِ لنُقْتَلنَّ كلُّنَا، وَهمَّ بِإِقَامَة وَلده، ثُمَّ اتفقُوا عَلَى أَخِيْهِ القَاهر (3) .
25 - مُؤْنِسٌ الخَادِمُ الأَكْبَرُ المُلَقَّبُ بِالمُظَفَّرِ المُعْتَضِديِّ *
أَحَد الخُدَّام الَّذِيْنَ بَلغُوا رُتْبَة المُلُوك، وَكَانَ خَادِماً أَبيضَ فَارِساً شُجَاعاً سَائِساً دَاهِيَةً.
نُدب لِحَرْب المَغَاربَة العُبَيْدِيَّة، وَولِي دِمَشْقَ لِلْمُقْتَدِر، ثُمَّ جَرَتْ لَهُ أُمُورٌ وَحَارَبَ المُقْتَدِرَ، فَقُتِل يَوْمَئِذٍ المُقْتَدِرُ فَسُقِطَ فِي يَد مُؤْنِس، وَقَالَ: كلُّنا نُقتل (4) .
وَكَانَ معظمَ جُند مُؤنس يَوْمَئِذٍ البربرُ، فَرَمَى وَاحِدٌ مِنْهُم بِحَرْبَتِهِ الخَلِيْفَةَ، فَمَا أَخطأَه (5) .
ثُمَّ نصَبَ مُؤنس فِي الخِلاَفَة القَاهر (6) بِاللهِ. فَلَمَّا
__________
(1) في الأصل: المكتفي، وهو وهم.
فالمكتفي ابن المعتضد، وقد توفي سنة / 295 / هـ.
(2) وترجمة المطيع ستأتي ص / 113 / من هذا الجزء.
(3) " الكامل ": 8 / 243.
(*) تاريخ ابن عساكر: 17 / 217 ب، العبر: 2 / 188، مرآة الجنان: 2 / 284 النجوم الزاهرة: 3 / 239، شذرات الذهب: 2 / 291، وكتب التاريخ العامة التي تؤرخ لخلافة المقتدر.
(4) " الكامل ": 8 / 243.
(5) أنظر خبر مقتل المقتدر ص / 54 / من هذا الجزء.
(6) ساقطة في الأصل. ولم يكن من رأي مؤنس تنصيب القاهر بالله، ولكنه أكره على ذلك. راجع " الكامل ": 8 / 244.(15/56)
تَمَكَّنَ القَاهر، قَتَلَ مُؤنساً وَغَيْرَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ (1) .
وَبَقِيَ مُؤْنِسٌ سِتِّيْنَ سَنَةً أَمِيْراً، وَعَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَخلَّف أَمْوَالاً لاَ تُحصَى.
26 - الزُّبَيْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَاصِم بنِ المُنْذِرِ *
ابْنِ حوَاريّ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزُّبَيْر بن العَوَّامِ، العَلاَّمَة، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيّ الأَسَدِيّ الزُّبَيْرِيّ البَصْرِيّ الشَّافِعِيّ، الضَّرِيْر.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ سِنَان القَزَّاز، وَأَبِي دَاوُدَ (2) ، وَطَائِفَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ، وَعُمَر بنُ بِشْرَان، وَعَلِيّ بن لُؤْلُؤ الوَرَّاق، وَابْنُ بُخَيت (3) الدَّقَّاق.
وَكَانَ مِنَ الثِّقَات الأَعلاَم.
وَقَدْ تَلاَ عَلَى: رَوْحِ بنِ قُرَّة، وَرُوَيْس (4) ، وَمُحَمَّد بن يَحْيَى القُطَعِيّ، وَلَمْ يخْتم عَلَى القُطَعِيّ (5) .
قرأَ عَلَيْهِ: أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ، وَغَيْرهُ.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 252.
(*) الفهرست: 299، تاريخ بغداد: 8 / 471 - 472، طبقات الشيرازي: 108 الأنساب: 6 / 251 - 252، وفيات الأعيان: 2 / 313، مرآة الجنان: 2 / 278 طبقات الشافعية: 3 / 295 - 297، غاية النهاية: 1 / 292 - 293.
(2) في " تاريخ بغداد ": داود بن سليمان المؤدب.
أنظر " تاريخ بغداد ": 8 / 369.
(3) في الأصل: نجيب، وهو تصحيف.
(4) هو محمد بن المتوكل، أبو عبد الله، اللؤلؤي البصري المعروف: برويس، توفي بالبصرة سنة ثمان وثلاثين ومئتين.
" غاية النهاية ": 2 / 234 - 235.
(5) " طبقات الشافعية ": 3 / 295 وفيه " القطيعي " وهو تصحيف.(15/57)
وَتفقَّه بِهِ طَائِفَةٌ، وَهُوَ صَاحِبُ وَجهٍ فِي المَذْهب.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: كَانَ أَعمَى، وَلَهُ مُصَنَّفَات كَثِيْرَة مليحَة.
مِنْهَا: (الكَافي) ، وكتَاب (النِّيَّة) ، وكتَاب (ستر العورَة) ، وكتَاب (الهديَّة (1)) ، وكتَاب (الاسْتشَارَة وَالاستخَارَة) ، وكتَاب (ريَاضَة المتعلِّم) ، وكتَاب (الإِمَارَة (2)) .
قُلْتُ: مَاتَ سَنَةَ سبع عشرَة وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَذكرتُه فِي مَوْضِعٍ آخر، أَنَّهُ مَاتَ بِالبَصْرَةِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَصَلَّى عَلَيْهِ وَلدُه أَبُو عَاصِم.
27 - ابْنُ خَيْرَانَ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ صَالِحٍ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ صَالِح بن خَيْرَان البَغْدَادِيُّ الشَّافِعِيُّ.
قَالَ القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (3) :كَانَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ خَيْرَان، يُعَاتِب ابْن سُرَيْج عَلَى القَضَاءِ وَيَقُوْلُ: هَذَا الأَمْرُ لَمْ يَكُنْ فِي أَصحَابنَا، إِنَّمَا كَانَ فِي أَصْحَاب أَبِي حَنِيْفَةَ (4) .
__________
(1) في " وفيات الأعيان ": 2 / 313 " الهداية ".
(2) " طبقات الشيرازي ": 108.
(*) تاريخ بغداد: 8 / 53 - 54، طبقات الشيرازي: 110، المنتظم: 6 / 244 - 245 وفيات الأعيان: 2 / 133 - 134، العبر: 2 / 184، الوافي بالوفيات: 12 / 378 - 379 مرآة الجنان: 2 / 280، طبقات الشافعية: 3 / 271 - 274، البداية والنهاية: 11 / 171 النجوم الزاهرة: 3 / 235، شذرات الذهب: 2 / 287.
(3) هو طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري، شيخ الامام أبي إسحاق الشيرازي، توفي سنة / 450 / هـ " طبقات الشيرازي ": 127.
(4) " طبقات الشيرازي ": 110. وقد علق السبكي بقوله: " يعني بالعراق، وإلا فلم يكن القضاء بمصر والشام في أصحاب =(15/58)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: عُرض عَلَى ابْنِ خَيْرَان القَضَاء، فَلَمْ يتقلَّدْه، وَكَانَ بَعْضُ وَزرَاء المُقْتَدِر - وَأَظُنُّ أَنَّهُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى (1) - وُكِّلَ بِدَاره ليلِيَ القَضَاء، فَلَمْ يتقلَّد.
وَخُوطِبَ الوَزِيْر فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا قَصَدْنَا التَّوَكِيْل بدَاره ليُقَال: كَانَ فِي زَمَانِنَا مَنْ وُكِّلَ بدَاره ليتقلَّد القَضَاء فَلَمْ يَفْعَلْ (2) .
وَقَالَ ابْنُ زُوْلاَق (3) :شَاهَد أَبُو بَكْرٍ بنُ الحَدَّاد الشَّافِعِيّ بِبَغْدَادَ سَنَة عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ بَاب أَبِي عَلِيّ بن خَيْرَان مسموراً لامتنَاعه مِنَ القَضَاء، وَقَدِ استَتَر.
قَالَ: فَكَانَ النَّاسُ يَأْتُوْنَ بِأَولأَدِهِم الصِّغَار، فَيَقُوْلُوْنَ لَهُم: انْظُرُوا حَتَّى تُحدِّثُوا بِهَذَا (4) .
قُلْتُ: كَانَ ابْنُ الحَدَّاد (5) قَدْ سَارَ إِلَى بَغْدَادَ يَسْعَى لأَبِي عُبَيْد بن حَرْبُويه فِي أَنْ يُعفَى مِنْ قَضَاء مِصْر.
وَلَمْ يبلُغْنِي عَلَى مَن اشتَغَل، وَلاَ مَنْ رَوَى عَنْهُ.
تُوُفِّيَ: لثَلاَثَ عَشْرَةَ بقِيَتْ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (6) .
__________
= أبي حنيفة قط إلا أيام بكار في مصر، وإنما كان في مصر المالكية، وفي الشام الاوزاعية، إلى أن ظهر مذهب الشافعي في الاقليمين، فصار فيه ".
" طبقات الشافعية ": 3 / 272.
(1) في " شذرات الذهب ": 2 / 287، الوزير ابن الفرات.
(2) ما بين حاصرتين من " طبقات الشيرازي ": 110.
(3) هو الحسن بن إبراهيم بن الحسين، أبو محمد، مؤرخ مصري، كان يظهر التشيع، وقد ولي المظالم أيام العبيديين بمصر.
من كتبه " أخبار قضاة مصر " جعله ذيلا لكتاب الكندي " قضاة مصر " توفي ابن زولاق سنة / 387 / هـ " وفيات الأعيان " 2 / 91 - 92.
(4) " طبقات الشافعية " 3 / 273.
(5) ستأتي ترجمته رقم / 256 / من هذا الجزء.
(6) في " طبقات الشافعية ": 2 / 273 - 274 مناقشة حول سنة وفاته. فانظرها.(15/59)
وَقِيْلَ: خُتم بَابه بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْماً، ثُمَّ أُعْفِي - رَحِمَهُ اللهُ -.
28 - تَبُوْكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ تَبُوْكِ بنِ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ *
المُعَمَّر، أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ: هِشَام بنَ عَمَّارٍ، وَوَالدَه.
وَعَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دُرُسْتَوَيْه.
قَالَ الرَّازِيّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
29 - مُحَمَّد بنُ حَمْدُوْنَ بنِ خَالِدٍ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ **
الحَافِظُ، الثَّبْتُ، المُجَوِّدُ، أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيّ، وَعِيْسَى بنَ أَحْمَدَ العَسْقَلاَنِيّ، وَالرَّبِيْع بنَ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّد بنَ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، وَأَبَا حَاتِم، وَأَبَا زُرْعَةَ، وَسُلَيْمَان بن سَيْف الحَرَّانِيّ، وَعبَّاساً الدُّوْرِيّ، وَطَبَقَتهُم، فَأَكثَرَ وَأَتقنَ، وَجَمَعَ فَأَوْعِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنِ صَالِح بن هَانِئ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المَخْلَديُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ مِهرَان المُقْرِئ، وَمُحَمَّد بنُ الفَضْلِ بنِ خُزَيْمَة، وَعَدَدٌ كَثِيْر.
__________
(*) تاريخ ابن عساكر: 3 / 257 أ، العبر: 2 / 221، شذرات الذهب: 2 / 326 تهذيب ابن عساكر: 3 / 338.
(* *) تاريخ ابن عساكر: 15 / 135 ب - 136 أ، تذكرة الحفاظ: 3 / 807 - 808 طبقات الحفاظ: 336، شذرات الذهب: 2 / 286.(15/60)
قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ مِنَ الثِّقَاتِ الأَثبَاتِ الجَوَّالِينَ فِي الأقطَارِ.
عَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) .
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيّ: حَافِظٌ كَبِيْرٌ، سَمِعَ أَحْمَدَ بنَ حَفْص، وَقطن بن عَبْدِ اللهِ، وَعِدَّةً (2) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (3) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ البَزَّاز، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الطَّبِيْبُ، أَخْبَرَنَا شَافع بنُ مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْنَ الحَافِظ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَافَة المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (العِلْمُ ثَلاَثَة (4) آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَلاَ أَدْرِي) .
فهَذَا مِمَّا نُقِمَ عَلَى أَبِي حُذَافَة أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ (5) وَصوَابُهُ موقُوفٌ مِنْ قَوْل ابْنِ عُمَرَ.
__________
(1) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 807.
(2) المصدر السابق.
(3) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 807.
(4) زيادة من " تذكرة الحفاظ ": 708.
(5) هو أحد رواة الموطأ عن مالك، وآخر أصحاب مالك وفاة، قال الخطيب وغيره: لم يكن ممن يتعمد الكذب، وقال الدارقطني: ضعيف أدخلت عليه أحاديث في غير الموطأ، فرواها، وقال ابن عدي: حدث عن مالك وغيره بالبواطيل، وامتنع ابن صاعد من التحديث عنه مدة.
قلت: وأخرج أبو داود (2885) وابن ماجة (54) من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العلم ثلاثة: آية محكمة، وسنة قائمة، وفريضة عادلة، وما كان سوى ذلك فهو فضل " وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي وهو ضعيف، وكذا شيخه فيه، وهو عبد الرحمن بن رافع.(15/61)
30 - ابْنُ مَرْوَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الرَّحَالُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ القُرَشِيُّ الأُمَوِيُّ الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ: مُوْسَى بنَ عَامِرٍ المُرِّيَّ (1) ، وَشُعَيْبَ بنَ شُعَيْبِ بنِ إِسْحَاقَ، وَيُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالعَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيَّ، وَالرَّبِيْعَ بنَ سُلَيْمَانَ المُرَادِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَعِيْدٍ بنِ أَبِي قَفِيز، وَأَحْمَدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَلاَّس، وَعِدَّة.
فَأَكثَرَ وَجَمَعَ وَأَلَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ المُحَدِّث أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو الحُسَيْنِ وَالدُ تَمَّام، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بن زَبْرٍ، وَأَبُو هَاشِمٍ المُؤَدِّب، وَحُمَيْدُ بنُ الحَسَنِ الوَرَّاق، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَعَبْدُ الوَهَّاب بنِ الحَسَنِ الكِلاَبِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَقَدْ قَاربَ التِّسْعِيْنَ.
31 - مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ **
ابْنه العَدل الرَّئِيْس الأَمِيْن، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الَّذِي انتقَى عَلَيْهِ الحَافِظ ابْنُ مَنْدَة تِلْكَ الأَجزَاء.
__________
(*) تاريخ ابن عساكر: 2 / 229 ب - 230 أ، تذكرة الحفاظ: 3 / 805، العبر: 2 / 175 الوافي بالوفيات: 6 / 42، طبقات الحفاظ: 335 - 336، شذرات الذهب: 2 / 281 تهذيب ابن عساكر: 2 / 225.
(1) في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 805 " المزني " وهو تصحيف.
(* *) تاريخ ابن عساكر: 14 / 383 أ - 383 ب، العبر: 2 / 311 - 312، الوافي بالوفيات: 1 / 342، مرآة الجنان: 2 / 371، شذرات الذهب: 3 / 27.(15/62)
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَزَكَرِيَّا السِّجْزِيّ خَيَّاط السُّنَّة، وَإِسْمَاعِيْل بنَ قيرَاط، وَأَبَا عُلاَثَة المِصْرِيّ، وَأَنَس بن السَّلم، وَأَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ البُسْرِيَّ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ مَنْدَة، وَتَمَّامٌ الرَّازِيُّ، وَعَبْد الوَهَّابِ المَيْدَانِيُّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي نَصْرٍ، وَالخصيب بنُ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ السِّمْسَار، وَآخَرُوْنَ.
وَأَملَى بِجَامِعِ دِمَشْق.
قَالَ الكَتَّانِيُّ (1) :كَانَ ثِقَةً مَأْمُوْناً جَوَاداً (2) ، انتقَى عَلَيْهِ ابْن مَنْدَة ثَلاَثِيْنَ جُزْءاً.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ مِنَ المعمَّرين.
32 - أَبُو هَاشِمٍ الجبَائِيُّ عَبْدُ السَلاَمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ *
عَبْدُ السَلاَّمِ ابنُ الأُسْتَاذ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ سَلاَمٍ (3) الجبَائِي، المُعْتَزلِي، مِنْ كِبَارِ الأَذْكِيَاء.
أَخذ عَنْ وَالده.
__________
(1) عبد العزيز بن أحمد بن محمد، الكتاني، مؤرخ من أهل دمشق، كان محدثها، له كتاب في " الوفيات " على السنين.
توفي سنة / 466 / هـ " الإكمال ": 7 / 187، " الأنساب ": 10 / 353.
(2) " الوافي بالوفيات ": 1 / 342، وفيه " الكناني " - بالنون - وهو تصحيف.
(*) الفهرست: 247، تاريخ بغداد: 11 / 55 - 56، الملل والنحل: 1 / 78 - 84 الأنساب: 3 / 176 - 177، المنتظم: 6 / 261، وفيات الأعيان: 3 / 183 - 184، العبر: 2 / 187 مرآة الجنان: 2 / 281 - 282، البداية والنهاية: 11 / 176، طبقات المعتزلة لابن المرتضى: 94 - 96، شذرات الذهب: 2 / 289.
(3) في الأصل: بلام مشددة، وهو خطأ، وقد قيده المؤلف في " المشتبه " 1 / 378 بالتخفيف.(15/63)
وَلَهُ: كتَاب (الجَامِع الكَبِيْر) ، وكتَاب (الْعرض) ، وكتَاب (المَسَائِل العسكريَة (1)) ، وَأَشيَاء.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ عِدَّةُ تلاَمِذَة.
33 - ابْنُ عَتَّابٍ أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ الدِّمَشْقِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُتْقِن، الثِّقَة، أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَتَّاب بن أَحْمَدَ بنِ كَثِيْرٍ البَصْرِيُّ الأَصلِ، الدِّمَشْقِيُّ، ابْنُ الزِّفْتِيِّ.
سَمِعَ: هِشَام بن عَمَّارٍ، وَعِيْسَى بنَ حَمَّاد زُغْبَة، وَهَارُوْن بن سَعِيْدٍ الأَيْلِيَّ، وَدُحيماً، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ عَمْرٍو الحَرِيْرِيّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَشَافع بن مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايينِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَعَبْد الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَكَانَ أَسْندَ مَنْ بَقِيَ بِدِمَشْقَ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَافِظ: رأَينَاهُ ثَبْتاً (2) .
قُلْتُ: لَهُ مزْرعَةٌ قِبْلِي المُصَلَّى (3) .
وَمَاتَ: فِي رَجَبٍ، سنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(1) الفهرست: 247.
(*) الأنساب: 6 / 290، تاريخ ابن عساكر: 9 / 259 أ، العبر: 2 / 182، شذرات الذهب: 2 / 285 - 286.
(2) " تاريخ ابن عساكر ": 9 / 259 أ.
(3) المصلى: حي يقع جنوبي دمشق.(15/64)
34 - ابْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَاد بنِ وَاصلِ بن مَيْمُوْنٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، مَوْلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَان بن عَفَّان، الأُمَوِيُّ (1) ، الحَافِظُ، الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
تفقَّه: بِالمُزَنِيّ، وَالرَّبِيْع، وَابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَسَمِعَ مِنْهُم، وَمِنْ: مُحَمَّد بن يَحْيَى الذُّهْلِيّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ السُّلَمِيّ، وَيُوْنُس بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ، وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيّ، وَالعَبَّاس بن الوَلِيْدِ العُذْرِيّ، وَمُحَمَّد بن عُزَيز الأَيْلِيِّ، وَابْن وَارَة، وَابْنِ حَاتِم، وَأَحْمَد بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الخنَاجر، وَبَكَّار بنِ قُتَيْبَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ الصَّاغَانِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنْ طَبَقَتِهِم.
وَبَرَعَ فِي الْعلمين: الحَدِيْث وَالفِقْه، وَفَاق الأَقرَان.
أَخَذَ عَنْهُ: مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ -، بَلْ مِنْ شُيُوخِهِ، وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ عُقْدَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بن حَمْزَةَ، وَحَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنَانِيُّ، وَابْنُ المظَفَّر، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْنُ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الكَتَّانِي، وَعُبَيْد اللهِ بن أَحْمَدَ الصَّيْدَلاَنِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خُرَّشِيذ قَوْله، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: كَانَ إِمَام الشَّافعيين فِي عصرِهِ بِالعِرَاقِ، وَمِن
__________
(*) تاريخ بغداد: 10 / 120 - 122، طبقات الشيرازي: 113، المنتظم: 6 / 286 - 287 تذكرة الحفاظ: 3 / 819 - 821، العبر: 2 / 201 - 202، مرآة الجنان: 288 - 289، طبقات الشافعية: 3 / 310، 314، البداية والنهاية: 11 / 186، النجوم الزاهرة: 3 / 259، طبقات الحفاظ: 341، 342 شذرات الذهب: 2 / 302.
(1) في أكثر المصادر: مولى أبان بن عثمان.(15/65)
أَحفَظِ النَّاسِ لِلْفقهيَّات وَاخْتِلاَفِ الصَّحَابَة (1) .
سَمِعَ بنَيْسَابُوْرَ، وَالعِرَاق، وَمِصْر، وَالشَّام، وَالحِجَاز.
قَالَ البَرْقَانِيّ: سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنِيّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ (2) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: سَأَلتُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيّ فَقَالَ: لَمْ نَرَ مثلَه فِي مَشَايِخنَا، لَمْ نَرَ أَحفَظَ مِنْهُ لِلأَسَانيد وَالمتُوْنَ، وَكَانَ أَفقه المَشَايِخ، وَجَالس المُزَنِيَّ وَالرَّبِيْعَ، وَكَانَ يَعرِفُ زيَادَاتِ الأَلْفَاظِ فِي المتُوْنِ.
وَلَمَّا قَعَدَ لِلتَّحديث، قَالُوا حدِّثْ، قَالَ: بَلْ سَلُوا، فَسُئِلَ عَنْ أَحَادِيْثَ فَأَجَابَ فِيْهَا، وَأَملاَهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ابتدأَ فَحَدَّثَ (3) .
قَالَ أَبُو الفَتْحِ يُوْسُف القَوَّاس: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ يَقُوْلُ: تَعْرِف مِنْ أَقَامَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ ينمِ اللَّيْلَ، وَيتقَوَّتُ كُلّ يَوْم بِخَمْس حبَّات، وَيُصَلِّي صَلاَة الغدَاة عَلَى طهَارَة عِشَاء الآخِرَة؟
ثُمَّ قَالَ: أَنَا هُوَ، وَهَذَا كُلّه قَبْلَ أَنْ أَعرفَ أُمَّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَيشٍ أَقُول لِمَنْ زَوَّجنِي؟
ثُمَّ قَالَ: مَا أَرَادَ إِلاَّ الخَيْر (4) .
قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الحُفَّاظِ المجوِّدين.
مَاتَ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنْ بِضْع وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 819.
(2) " تاريخ بغداد ": 10 / 121.
(3) المصدر السابق.
(4) " تاريخ بغداد ": 10 / 122.(15/66)
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ المُؤَيَّد بِمِصْرَ، أَخبركُم الفَتْح بن عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ الحَاسِب، وَأَجَاز لَنَا ابْن أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بنُ الصَّيْرَفِيّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ التَّاجِر سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتّ مائَة، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ الحَاسِب، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَاد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّد بن إِشْكَاب، قَالاَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ جَرِيْر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْد، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَر: (عليّ أَقضَانَا، وَأُبَيٌّ (1) أَقرؤنَا (2)) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَلابنِ زِيَادٍ كتَاب (زيَادَات كِتَاب المُزَنِيّ (3)) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُنَّا نتذَاكرُ فَسَأَلَهُم فَقِيْهٌ: مَنْ رَوَى: (وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوراً (4)) ، فَقَامَ الجَمَاعَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ زِيَاد فَسَأَلُوهُ، فَسَاقَ الحَدِيْثَ
__________
(1) هو أبي بن كعب بن قيس أبو المنذر الأنصاري المدني، وقد تقدمت ترجمته 1 / 389.
(2) رجاله ثقات، وجاء في المرفوع " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " أخرجه أحمد 3 / 184 و281، والترمذي (3793) من طريق خالد الحذاء، عن أبي قلابة عن أنس، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (2268) والحاكم، ووافقه الذهبي، وروي عن معمر عن قتادة مرسلا وفيه: " وأقضاهم علي ".
(3) " طبقات الشيرازي ": 113.
(4) انظر " تاريخ بغداد ": 10 / 121، وقال الخطيب: وهذا الحديث على هذا اللفظ يرويه أبو عوانة، عن أبي مالك الاشجعي، عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه مسلم بن الحجاج في " صحيحه " (522) في أول المساجد من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي مالك الاشجعي، عن ربعي، عن
حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء ".(15/67)
فِي الحَال مِنْ حِفْظِهِ (1) .
35 - أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بنِ طَالبٍ البَغْدَادِيُّ *
الحَافِظُ، المُتْقِن، الإِمَام، مُحَدِّث بَغْدَاد، أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ نَصْر بنِ طَالب البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: عَبَّاس بن مُحَمَّدِ بنِ الدُّوْرِيّ، وَإِسْحَاقَ الدَّبَرِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن بَرَّة الصَّنْعَانِيَّ، وَيَحْيَى بنَ عُثْمَانَ بنَ صَالِح، وَأَحْمَد بن ملَاعِب وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ الدَّارَقُطْنِيّ يَقُوْلُ: أَبُو طَالِبٍ الحَافِظُ أُسْتَاذِي (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ (3) .
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
مِنْ أَبْنَاءِ السَّبْعِيْنَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً ثَبْتاً (4) .
رَوَى عَنْهُ مِنَ الكِبَار: عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدَان البَجَلِيّ. وَله تَارِيْخ مُفِيْدٌ.
__________
(1) عبارة البغدادي: " كنا ببغداد يوما جلوسا في مجلس اجتمع فيه جماعة من الحفاظ يتذاكرون ... فجاء رجل من الفقهاء، فسأل الجماعة ... ". تاريخ بغداد ": 10 / 121.
(*) تاريخ بغداد: 5 / 182 - 183، تاريخ ابن عساكر: 2 / 130 ب - 131 أ، تذكرة الحفاظ: 3 / 832 - 833، العبر: 2 / 198، الوافي بالوفيات: 8 / 212، طبقات الحفاظ: 346، شذرات الذهب: 2 / 298.
وتهذيب ابن عساكر: 2 / 103.
(2) " تاريخ بغداد ": 5 / 183.
(3) في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 833 " آخر من حدث عنه أبو طاهر المخلص ".
(4) " تاريخ بغداد ": 5 / 183.(15/68)
36 - عَلِيُّ بنُ الفَضْلِ البَلْخِيُّ *
أَحَد الحُفَّاظ الكِبَار الأَثبَات.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، وَأَحْمَد بن سَيَّار، وَمُحَمَّد بن الفَضْلِ، وَأَبِي قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيّ، وَطَبَقَتِهِم.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُظَفَّر، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَعُمَرُ بنُ شَاهِيْنٍ، وَغَيْرهُم.
تُوُفِّيَ: بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثمائَة.
وَهُوَ: عَلِيُّ بنُ الفَضْلِ بنِ نَصْر، يُكْنَى أَبَا الحَسَنِ (1) ، وَمِمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الفَتْحِ القَوَّاس، وَعَبْد اللهِ بن عُثْمَانَ الصَّفَّار.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً حَافِظاً جَوَّالاً فِي طَلَبِ الحَدِيْث، صَاحِبَ غَرَائِب (2) .
قُلْتُ: حَدِيْثه فِي أَفْرَادِ الدَّارَقُطْنِيّ (3) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ (4) .
__________
(*) تاريخ بغداد: 12 / 47 - 48، المنتظم: 6 / 280، تذكرة الحفاظ: 3 / 871، طبقات الحفاظ: 356 - 357.
(1) في " تاريخ بغداد ": 12 / 47 " علي بن الفضل بن طاهر بن نصر بن محمد، أبو الحسن البلخي ".
(2) " تاريخ بغداد ": 12 / 47.
وما بين حاصرتين منه.
(3) كتاب " الافراد " للدارقطني، كتاب حافل في مئة جزء حديثي. " الرسالة المستطرفة ": 114 وفيها تعريف لاحاديث الافراد. فانظره
(4) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 871.(15/69)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ (1) .
37 - وَكِيْلُ أَبِي صَخرَةَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، النَّحَّاسُ، وَكيلُ أَبِي صخرَة.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: أَبَا حَفْص الفَلاَّس، وَزَيْدَ بنَ أَخْزَم، وَأَحْمَد بن بُدَيل، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَابْنُ شَاهِيْنٍ، وَعُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الكَتَّانِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وُثِّقَ، وَمَاتَ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
38
- مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَكْرِ بنِ (2) مُسْلِمٍ التَّمِيْمِيُّ **
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، المُتْقِن، أَبُو حَاتِمٍ (3) التَّمِيْمِيّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 12 / 48.
(*) تاريخ بغداد: 4 / 229، 230، العبر: 2 / 204، شذرات الذهب: 2 / 306.
(* *) تاريخ بغداد: 13 / 119 - 120، العبر: 2 / 205، شذرات الذهب: 2 / 307.
(2) تحرف الاسم في العبر: 2 / 205 إلى " علي بن عبدان ".
(3) " تاريخ بغداد " 13 / 119 وقد تحرف في العبر: 2 / 205، و" الشذرات ": 2 / 307 إلى (أبي حامد) .(15/70)
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بن هَاشِمٍ، وَمُحَمَّد بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ حَفْص، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ السُّلَمِيّ، وَعَمَّار بن رَجَاء، وَمُسْلِم صَاحِب (الصَّحِيْح) وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّوَّاف، وَعَلِيّ بنُ عُمَرَ الحَرْبِيّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ الجَوْزَقِيّ، وَيَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَرْبِيُّ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مقدَّم عَلَى أَقرَانه مِنَ المَشَايِخ (1) .
قُلْتُ: وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ القُدَمَاءِ: أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَة (2) .
مَاتَ: فِي جمُادَى الآخِرَة سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيّ (3) ، وَعَاشَ بِضْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -
39 - الهَاشِمِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُوْسَى *
الأَمِيْرُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُوْسَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
كَانَ أَبُوْهُ أَمِيْرَ الحَاجِّ مُدَّة.
فَأُسمع هَذَا مِنْ: أَبِي مُصْعَب الزُّهْرِيِّ كتَاب (المُوَطَّأ) ، وَمِنْ: أَبِي سَعِيْدٍ
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 13 / 120.
(2) ستأتي ترجمته رقم / 178 / من هذا الجزء.
(3) تقدمت ترجمته رقم / 21 / من هذا الجزء.
(*) تاريخ بغداد: 6 / 137 - 138، المنتظم: 6 / 289، العبر: 2 / 205، ميزان الاعتدال: 1 / 46، الوافي بالوفيات: 6 / 48، لسان الميزان: 1 / 77 - 78، شذرات الذهب: 2 / 306.(15/71)
الأَشَجْ، وَعُبَيْد بنِ أَسْبَاط، وَجَمَاعَةٍ بِالكُوْفَةِ، وَمِنْ: الحُسَيْن بن الحَسَنِ المَرْوَزِيِّ، صَاحِب ابْنُ المُبَارَكِ، وَمِنْ: مُحَمَّد بن الوَلِيْدِ البُسْرِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ الأَزْرَقيِّ، وَخَلاَّد بنِ أَسْلَم، وَسَعِيْد بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُوْمِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَابْنُ المُقْرِئ، وَزَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْه، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْت المجبِّر، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: سَمِعْتُ القَاضِي مُحَمَّدَ بنَ أُمّ شَيْبَان يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَلَى ظَهر (المُوَطَّأ) المَسْمُوْعِ مِنْ أَبِي مُصْعَب سَمَاعاً قَدِيْماً صَحِيْحاً: سَمِعَ الأَمِيْر عَبْد الصَّمَدِ بن مُوْسَى الهَاشِمِيّ، وَابْنه إِبْرَاهِيْم (1) .
وَقَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ بن لُؤْلُؤ، يَقُوْلُ: رحَلْتُ إِلَى سَامرَّاء إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، لأَسمع (المُوَطَّأ) ، فَلَمْ أَرَ لَهُ أَصلاً صَحِيْحاً، فتركتُ، وَلَمْ أَسْمَعْ (2) مِنْهُ.
تُوُفِّيَ: بِسَامَرَّاء فِي أَوِّلِ المُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنْ بِضْع وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَقَدْ أَملَى عِدَّةَ مَجَالِس فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، سَمِعَهَا ابْنُ الصَّلْت مِنْهُ.
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو مزَاحم الخَاقَانِيُّ المُقْرِئ، وَمَكِّي بن عَبْدَان، وَأَبُو بَكْرٍ وَكيل أَبِي صَخرَة، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيّ، وَأَبُو الغَمْر عُبَيْدُوْنَ (3) بنُ مُحَمَّدٍ
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 6 / 138.
(2) فتركته " تاريخ بغداد ": 6 / 138.
(3) في الأصل: عبيد، وهو تصحيف. وفي " تبصير المنتبه ": 3 / 970 " عبدون ". وما أثبتناه من " جذوة المقتبس ": 277.(15/72)
الجُهَنِيّ الأَنْدَلُسِيّ - يَرْوِي عَنْ: يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى -، وَأَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيّ (1) ، وَعُمَر بن عَلَّك المَرْوَزِيُّ.
40 - المُحَارِبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ زَكَرِيَّا *
الشَّيْخُ، المُحَدِّث، المُعَمَّر، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِم بنِ زَكَرِيَّا المُحَارِبِيُّ، الكُوْفِيُّ، السُّوْدَانِيُّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ - وَهُوَ آخرُ أَصْحَابه - وَسُفْيَان بن وَكِيْع، وَهِشَام بن يُوْنُسَ، وَحُسَيْنِ بنِ نَصْر بنُ مُزَاحِم، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجُعْفِيّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ حَمَّاد الحَافِظ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَة سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، قَالَ: مَا رُؤي لَهُ أَصلٌ قَطُّ، وَحضرتُ مَجْلِسه، وَكَانَ ابْنُ سَعِيْد يَقْرَأُ عَلَيْهِ كتَاب (النَّهْي) ، عَنْ حُسَيْن بنِ نَصْر بن مُزَاحِم، قَالَ: وَكَانَ يُؤمن بِالرَّجعَة (2) .
وَمَاتَ مَعَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حجَّاج الرِّشْدِينِيّ، وَأَبُو ذرٍّ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّد بن سُلَيْمَانَ البَاغَنْدِيُّ.
__________
(1) بفتح الدال المهملة، وضم الغين المعجمة في اللباب: بفتحها -، وفي آخرها اللام بعد الواو، هذه النسبة إلى " دغول " وهو اسم رجل. ويقال للخبز الذي لا يكون رقيقا بسرخس: دغول، ولعل بعض أجداده كان يخبز.
" الأنساب ": 5 / 321 - 322.
(*) العبر: 2 / 217، ميزان الاعتدال: 4 / 14، لسان الميزان: 5 / 347. شذرات الذهب: 2 / 308.
(2) " ميزان الاعتدال ": 4 / 14.(15/73)
41 - الوَرَّاقُ أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عُمَرَ *
المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عُمَرَ بنِ مِهرَانَ البَغْدَادِيُّ، الوَرَّاقُ.
سَمِعَ: الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَالزُّبَيْرَ بنَ بَكَّارٍ، وَعَلِيَّ بنَ حَرْبٍ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَعِيْسَى ابْنُ الوَزِيْرِ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (1) .
وَتُوُفِّيَ رَاجِعاً مِنَ الحَجّ فِي الطَّرِيْق: فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ نيَّفَ عَلَى الثَّمَانِيْنَ.
أَخْبَرَنَا الأَبَرْقُوْهِيّ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ النَّقُّوْر، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الوَرَّاق، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي المُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّيْنَ إِلَى السَّبْعِيْنَ، وَأَقلُّهُم مَنْ يجوزُ ذَلِكَ (2)) .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَرَفَة.
__________
(*) تاريخ بغداد: 6 / 300، المنتظم: 6 / 278.
(1) " تاريخ بغداد ": 6 / 300.
(2) رقم (3550) في الدعوات: باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وسنده حسن، وأخرجه ابن ماجة (4236) ، وصححه ابن حبان (2467) والحاكم 2 / 427، ووافقه الذهبي، وله طريق أخرى عند أبي يعلى وسندها جيد.(15/74)
42 - نِفْطَوَيْه أَبُو عَبْدِ اللهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرَفَةَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّحْوِيُّ، العَلاَّمَةُ، الأَخْبَارِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرَفَة بنِ سُلَيْمَانَ العَتَكِيُّ، الأَزْدِيُّ، الوَاسِطِيُّ، المَشْهُورُ بنِفْطَوَيْه (1) ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
سَكَنَ بَغْدَاد، وَحَدَّثَ عَنْ: إِسْحَاقَ بنِ وَهْبٍ العلاَّفِ، وَشُعَيْب بن أَيُّوْبَ الصَّرِيفينِيِّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِكِ الدَّقِيْقِيِّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الجَبَّارِ العُطَارِدِيِّ، وَدَاوُد بن عَلِيٍّ، وَعِدَّةٍ.
وَأَخَذَ العَرَبِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الجَهْم، وَثَعْلَب وَالمُبَرِّد، وَتفقَّه عَلَى دَاوُد (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: المُعَافَى بنُ زَكَرِيَّا، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَآخَرُوْنَ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
__________
(*) طبقات النحويين واللغويين: 172، الفهرست: 121، تاريخ بغداد: 6 / 159 - 162، نزهة الالباء، 178 - 180، المنتظم: 6 / 277 - 278، معجم الأدباء: 1 / 254 - 272 انباه الرواة: 1 / 176 - 182، وفيات الأعيان: 1 / 47 - 49، العبر: 2 / 198، ميزان الاعتدال: 1 / 64، الوافي بالوفيات: 6 / 130 - 133، مرآة الجنان: 2 / 287، لسان الميزان: 1 / 190 - 110، البداية والنهاية: 11 / 183، غاية النهاية: 1 / 25، النجوم الزاهرة: 3 / 249 - 250، بغية الوعاة: 187 - 188، شذرات الذهب: 2 / 298 - 299.
(1) بكسر النون وفتحها، والكسر أفصح، والفاء ساكنة.
(2) هو داود بن علي بن خلف، الأصبهاني، أبو سليمان، الملقب بالظاهري، أحد
الأئمة المجتهدين في الإسلام، واليه تنسب الطائفة الظاهرية، وقد سميت بذلك لاخذها بظاهر الكتاب والسنة، وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس توفي داود سنة / 270 / هـ. " وفيات الأعيان ": 2 / 255 - 257.(15/75)
وَكَانَ متضلِّعاً مِنَ الْعُلُوم، يُنكر الاشتقَاق وَيُحيله (1) .
وَمِنْ مَحْفُوْظه نقَائِض جَرِيْر وَالفَرَزْدَق، وَشعر ذِي الرُّمَّة (2) .
خَلَطَ نَحْو الكُوْفِيّين بِنَحْوِ البَصْرِيّين، وَصَارَ رَأْساً فِي رَأْي أَهْلِ الظَّاهِر.
وَكَانَ ذَا سُنَّةٍ وَدينٍ وَفُتُوَّةٍ وَمُرُوءةٍ، وَحُسْنِ خُلُق، وَكَيْسٍ.
وَلَهُ نَظْمٌ وَنثر (3) .
صَنّف: (غَرِيْب القُرْآن) ، وكتَاب (الْمقنع) فِي النَّحْوِ (4) ، وكتَاب (البَارِع) ، و (تَارِيْخ الخُلَفَاء) فِي مُجَلَّدين وَأَشيَاء.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ زَيْدٍ (5) الوَاسِطِيُّ المُتَكَلِّم يُؤذيه، وَهجَاهُ، فَقَالَ:
مَنْ سَرَّهُ أَنْ لاَ يَرَى فَاسِقاً ... فَلْيَجْتَنِبْ مِنْ أَنْ يَرَى نِفْطَوَيْه (6)
أَحْرقَهُ اللهُ بنِصْفِ اسْمِهِ ... وَصَيَّرَ البَاقِي صُرَاخاً عَلَيْهِ (7)
وَقَالَ أَيْضاً: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَنَاهَى فِي الجَهْلِ، فليَعرفِ الكَلاَمَ عَلَى مَذْهَب النَّاشئ (8) ، وَالفِقَة عَلَى مَذْهَب دَاوُد، وَالنَّحْوَ عَلَى مَذْهَب
__________
(1) أي يرى فساده " إنباه الرواة ": 1 / 178.
(2) " طبقات النحويين واللغويين ": 172.
(3) أورد له ياقوت في " معجمه ": 1 / 260 - 266 بعض شعره في ترجمته له.
(4) " الفهرست ": 121.
(5) في الأصل: يزيد، وهو تصحيف.
(6) في الأصل: " فليجتنب أن لا يرى نفطويه ". وهو على خلاف المعنى المراد من الشطر الأول. وما أثبتناه من ترجمة محمد بن زيد الواسطي في " الوافي بالوفيات ": 3 / 82.
(7) ينسب هذا البيت أيضا إلى ابن دريد في قصة مشهورة. انظر " نزهة الالباء ": 180.
(8) هو عبد الله بن محمد، أبو العباس، المعروف بابن شرشير الناشئ. شاعر متكلم =(15/76)
سيبَوَيْه (1) .
ثُمَّ يَقُوْلُ: وَقَدْ جَمَعَ هَذِهِ المذَاهب نِفْطَوَيْه، فَإِليه المُنْتَهَى (2) .
43 - ابْنُ المُغَلِّسِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمدٍ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْه العِرَاقِ، أَبُو الحَسَنِ عَبْدُ اللهِ ابنُ المُحَدِّثِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ المُغَلِّسِ البَغْدَادِيُّ، الدَّاوُوْدِيُّ، الظَّاهِرِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
حَدَّثَ عَنْ: جَدِّهِ، وَجَعْفَر بنِ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِر، وَأَبِي قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيّ، وَإِسْمَاعِيْل القَاضِي، وَطَبَقَتهِم.
وَتفقَّه عَلَى: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، وَبَرَعَ وَتَقَدَّم.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو المُفَضَّل الشَّيْبَانِيُّ وَنَحْوهُ.
وَعَنْهُ: انْتَشَر مَذْهَب الظَّاهِريَّة فِي البِلاَد (3) ، وَكَانَ مِنْ بحور العِلْم، حَمَلَ عَنْهُ تلمِيذُهُ حَيْدَرَة بنُ عُمَرَ، وَالقَاضِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أُخْت وَليد قَاضِي مِصْرَ، وَالفَقِيْه عَلِيّ بنُ خَالِدٍ البَصْرِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَله مِنَ التَّصَانِيْف: كتَاب (أَحْكَام القُرْآن) ، وكتَاب (المُوَضّح) فِي الفِقْه، وكتَاب (الْمُبْهِج) ، وكتَاب (الدَّامغ) فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالفه وَغَيْرُ (4) ذَلِكَ.
__________
= يعد في طبقة ابن الرومي والبحتري، أصله من الانبار، وأقام ببغداد مدة طويلة، وخرج إلى مصر فسكنها، وتوفي بها سنة / 293 / هـ ترجمته في " تاريخ بغداد ": 10 / 92 - 93، و" وفيات الأعيان ": 3 / 91 - 93 " طبقات المعتزلة ": 92 - 93.
(1) في " الفهرست ": 245 نفطويه بدل سيبويه.
(2) " الفهرست ": 245.
(*) أخبار الراضي للصولي: 83، الفهرست: 306، تاريخ بغداد: 9 / 385، طبقات الشيرازي: 177، المنتظم: 6 / 286، العبر: 2 / 201، البداية والنهاية: 11 / 186، النجوم الزاهرة: 3 / 259، شذرات الذهب: 2 / 302.
(3) " طبقات الشيرازي ": 177.
(4) " الفهرست ": 306 وفيه " كتاب المنجح " بدلا من " المبهج ".(15/77)
مَاتَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
44 - ابْنُ مِرْدَاسٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ *
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مِرْدَاسٍ التَّمِيْمِيُّ، الهَمَذَانِيُّ، ابْنُ أَبِي الحِتِّي.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْد الهَمْدَانِيّ، وَالمَرَّار بن حَمُّوَيْه، وَأَحْمَد بن بُدَيل، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عِصَام، وَعِدَّةٍ.
قَالَ صَالِح (1) :سَمِعْتُ مِنْهُ مَعَ أَبِي، وَهُوَ صَدُوْقٌ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 322.
45 - القَمُّوْدِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ القَمُّوديُّ السُّوْسِيُّ **
الإِمَامُ، زَاهِد المَغْرِب، أَبُو جَعْفَرٍ القَمُّوديُّ (2) السُّوْسِيُّ.
كَانَ سَيِّداً عَابداً مُنْقَطِعَ القَرِين، عَبَدَ رَبّهُ حَتَّى صَارَ كَالشَّن البَالِي (3) ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَل، وَكَانَ مِنْ أَحْلَمِ النَّاس، يدعُو لِمَنْ يُؤذيه.
سَكَنَ سُوْسَة وَعُمِّر، وَعَاشَ أَربعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ، لاَ بَلْ مَاتَا قبلَه.
مَاتَ: بسُوسَة، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
وَله تَرْجَمَةٌ فِي وَرقَات فِي أَحْوَاله وَمَنَاقِبه.
__________
(*) لم نقع له على ترجمة.
(1) انظر حاشيتنا رقم / 1 / ص 8.
(* *) لم نقع له على ترجمة.
(2) نسبة إلى " قمودة ". قال اليعقوبي: قرية بالقيروان. انظر " تاج العروس " (قمد)
(3) الشن، وبهاء: القربة الخلق الصغيرة.(15/78)
46 - ابْنُ فُطَيْسٍ مُحَمَّدُ بنُ فُطَيْسِ بنِ وَاصِلٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَدِّثُ الأَنْدَلُسِ، مُحَمَّدُ بنُ فُطَيْسِ بنِ وَاصِل بنِ عَبْدِ اللهِ الغَافِقِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الإِلْبِيْرِيُّ (1) .
مولدُهُ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: أَبَان بنَ عِيْسَى، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ العُتْبِيَّ الفَقِيْه، وَابْنَ مُزَين مِنْ (2) عُلَمَاء الأَنْدَلُس.
قَالَ ابْنُ الفَرَضِي فِي (تَارِيْخِهِ) :ارْتَحَلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فسَمِعَ مَنْ: يُوْنُس بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَأَخَذَ بِإِفْرِيْقِيَّةَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيِّ الحَافِظ، وَشجرَة بن عِيْسَى، وَيَحْيَى بنِ عَوْنٍ، وَأَكْثَرَ عَنْ أَهْل الْحرم، وَمِصْرَ، وَالقَيْرَوَان، وَتفقَّه بِالمُزَنِيّ، وَأَدخل الأَنْدَلُس عِلْماً غزيراً.
وَكَانَ بَصِيْراً بِفقه مَالِك.
وَكَانَ يَقُوْلُ: لقيتُ فِي رِحْلَتِي مَائَتَي شَيْخ مَا رَأَيْتُ فِيهِم مِثْل ابْن عَبْدِ الحَكَمِ (3) .
قَالَ ابْنُ الفَرَضِيّ وَغَيْرهُ: صَارت إِلَيْهِ الرِّحلَة مِنَ البِلاَد، وَعُمِّرَ دَهْراً.
وَصَنَّفَ: كتَاب (الرَّوع وَالأَهوَال) ، وكتَاب (الدُّعَاء) .
وَكَانَ ضَابطاً نَبِيْلاً صَدُوْقاً (4) .
__________
(*) تاريخ علماء الأندلس: 2 / 40، جذوة المقتبس: 78 - 79، بغية الملتمس: 121 - 122، تذكرة الحفاظ: 3 / 802 - 803، العبر: 2 / 177، الوافي بالوفيات: 4 / 337، الديباج المذهب: 246 - 247، طبقات الحفاظ: 334 - 335، شذرات الذهب: 2 / 283.
(1) نسبة إلى إلبيرة، هي كورة كبيرة في الأندلس. " معجم البلدان ": 1 / 244.
(2) زيادة اقتضاها سياق النص.
(3) " تاريخ علماء الأندلس ": 2 / 41 وما بين حاصرتين منه.
(4) المصدر السابق.(15/79)
حَدَّثَنَا عَنْهُ غَيْرُ وَاحِد.
وَتُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قُلْتُ: عُمِّر تِسْعِيْنَ عَاماً.
47 - مُحَمَّدُ بنُ حَمْدَوَيْه بنُ سَهْلٍ أَبُو نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ المُتْقِنُ، أَبُو نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ الفَازِيُّ - بِالفَاء مِنْ أَهْلِ قريَة فَاز -، وَبَعْضُهُم يَقُوْلُ: الغَازِي.
يَرْوِي عَنْ: سُلَيْمَانَ بنِ معْبَد السِّنْجِيِّ، وَمَحْمُوْد بن آدَمَ، وَسَعِيْد بن مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي الموجَّه مُحَمَّد بن عَمْرٍو، وَعَبْد اللهِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ، وَطَبَقَتهِم.
حَدَّثَ بِمَرْو، وَبِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَمْرٍو بنُ حَيّوَيْه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَيُوْسُفُ القَوَّاس، وَأَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ السَّلِيْطِيُّ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ العَلَوِيّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ جَامِع الدَّهَّان، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ البَرْقَانِيّ: حَدَّثَنَا الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الفَضْلِ بنِ طَاهِر: ثِقَتَانِ نَبِيْلاَن حَافِظَان (1) .
قُلْتُ: يُقَال: مَاتَ أَبُو نَصْرٍ الفَازِي الغَازِي المُطَّوِّعِيّ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَالأَصحُّ وَفَاته عَلَى مَا نَقله الحَافِظ غُنْجَار، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بن
__________
(*) المنتظم: 6 / 325، تذكرة الحفاظ: 3 / 872، العبر: 2 / 218، طبقات الحفاظ، 357، شذرات الذهب: 2 / 323 - 324.
(1) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 872.(15/80)
مُحَمَّد بن حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: تُوُفِّيَ أَبِي بِمَرْوَ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الصَّفَّار، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عِمْرَان الصُّوْفِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ العَلَوِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّد بن حَمْدُوَيْه الغَازِي، حَدَّثَنَا مَحْمُوْدُ بنُ آدَمَ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِع بن أَبِي رَاشِد، عَنْ أَبِي وَائِل قَالَ:
قَالَ حُذَيْفَةُ لعَبْدِ اللهِ: عكوَفاً بَيْنَ دَارك، وَدَار أَبِي مُوْسَى، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لاَ اعتكَاف إِلاَّ فِي المَسَاجِدِ الثَّلاَثَة) .
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَعَلَّك نسيتَ وَحَفِظُوا، وَأَخْطَأْت، وَأَصَابُوا (1) .
صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ عَالٍ.
48 - بِرْدَاعِسُ مُحَمَّدُ بنُ بَرَكَةَ بنِ الحَكَمِ اليَحْصبِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ بَرَكَةَ بنِ الحَكَمِ بنِ إِبْرَاهِيْمٌ اليَحْصبِيُّ، القِنَّسْرِينِيُّ، الحَلَبِيُّ، وَلقبه بِرْدَاعِسُ (2) .
حَدَّثَ عَنْ: أَحْمَدَ بن شَيْبَان - صَاحِبِ ابْن عُيَيْنَةَ -، وَمُحَمَّد بن عَوْف
__________
(1) وأخرجه البيهقي في " سننه " 4 / 316، من طريق محمد بن الحسين العلوي، بهذا الإسناد وقد نسبه المجد ابن تيمية في " المنتقى " 4 / 360 إلى " سنن سعيد بن منصور " وقد انفرد حذيفة بتخصيص الاعتكاف في المساجد الثلاثة، والجمهور على جوازه في أي مسجد من المساجد. انظر " الفتح " 4 / 272.
(*) تاريخ ابن عساكر: 15 / 68 أ - 69 أ، معجم البلدان: 4 / 404، تذكرة الحفاظ: 3 / 827 - 828، العبر: 2 / 208 - 209، ميزان الاعتدال: 3 / 489، المغني في الضعفاء: 2 / 559، لسان الميزان: 5 / 91، طبقات الحفاظ، 344، شذرات الذهب: 2 / 309.
(2) في " الإكمال " و" تذكرة الحفاظ " برداغس - بالغين - وفي " ميزان الاعتدال ": ذاعر.(15/81)
الحِمْصِيّ، وَيُوْسُف بن سَعِيْدِ بنِ مُسَلَّمٍ، وَهلاَل بن العَلاَءِ، وَأَمثَالِهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُثْمَان بنُ خُرَّزَاذ - أَحَدُ شُيُوْخِهِ -، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّبَعِيّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيّ، والمَيَانَجِيّ، وَابْنُ المُقْرِئ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الحَلَبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي الْحَدِيد، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ: كَانَ حَافِظاً (1) .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: رَأَيْتهُ حَسَنَ الحِفْظ (2) .
وَرَوَى حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ، عَنِ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: هُوَ ضَعِيْفٌ (3) .
تُوُفِّيَ بِرْدَاعس: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَن?اجَمَاعَةٌ إِجَازَةً عَنِ المُؤَيَّد بن الأُخوَة، أَخْبَرَنَا سَعْد بن أَبِي الرَّجَاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الثَّقَفِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَرَكَةَ أَبُو بَكْرٍ الحَافِظ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ هَاشِم الأَنْطَاكِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بَوَلِيٍّ) (4) .
__________
(1) " الإكمال ": 1 / 234.
(2) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 827.
(3) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 827.
(4) حديث صحيح بطرقه وشواهده، وأخرجه أحمد 4 / 394 و413 و418، والطيالسي (523) وابن الجارود في " المنتقى " (702) و (703) وأبو داود (2085) والدارمي 2 / 137، والترمذي (1101) و (1102) والطحاوي في شرح معاني الآثار 2 / 9، والدارقطني 3 / 219، وابن حبان (1243) و (1244) والحاكم 2 / 170، والبيهقي =(15/82)
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ القَاسِمِ الكَوْكَبِيُّ، وَالوَزِيْر أَبُو الفَتْحِ الفَضْل بن جَعْفَرِ بنِ حِنزَابَة، وَالحَافِظ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الخَرَائِطِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الإِمَام، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه المَرْوَزِيُّ الفَازِيُّ.
49 - أَحْمَدُ بنُ بَقِيِّ بن مَخْلَدٍ أَبُو عُمَرَ القُرْطُبِيُّ * (1)
كَبِيْرُ عُلَمَاءِ الأَنْدَلُسِ، وَقَاضِي قُرطبَةَ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: سَمِعَ أَبَاهُ خَاصَّةً.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ وَقُوْراً حليماً كَثِيْرَ التِّلاَوَة ليلاً وَنهَاراً، قويَّ المَعْرِفَة بِاخْتِلاَف العُلَمَاء، وَلِي القَضَاء عَشْرَة أَعْوَام مَا ضَرَبَ فِيْهَا - فِيْمَا قِيْلَ - سِوَى وَاحِدٍ مجمعٍ عَلَى فِسْقِهِ، وَكَانَ يتوقَّفُ وَيتثبَّتُ، وَيَقُوْلُ: التَّأَنِي
__________
= 7 / 107 من طرق عن أبي إسحاق بهذا الإسناد، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد 1 / 250، وابن ماجة (1880) والبيهقي 7 / 109، 110، وآخر من حديث عائشة عند أحمد 6 / 47، و66، و165، والدارمي 2 / 137، وأبي داود (2083) و (2084) والترمذي (1102) وابن ماجة (1879) و (1880) وابن الجارود (700) وابن حبان (1248) والدارقطني 3 / 221، والحاكم 2 / 168، والبيهقي 7 / 105، والطيالسي (1463) وثالث عن أبي هريرة عند ابن حبان (1246) ورابع عن جابر عند الطبراني كما في " المجمع " 4 / 286، وانظر " تلخيص الحبير " 3 / 156، 157.
(*) قضاة قرطبة: 163 - 171، تاريخ علماء الأندلس 1 / 33، جذوة المقتبس: 110، بغية الملتمس: 172، المنتظم 6 / 283، العبر: 2 / 200 - 201، الوافي بالوفيات: 6 / 266، تاريخ قضاة الأندلس: 63 - 65، الديباج المذهب: 37، شذرات الذهب: 2 / 301.
(1) وسيكرر المؤلف ترجمته في الصفحة (241) من هذا الجزء.(15/83)
أَخلصُ، إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَشكلَ عَلَيْهِ أَمرُ حَدِيْث حُويّصَة وَمُحَيِّصَة (1) ، وَدَى القَتِيلَ مِنْ عِنْدِهِ.
وَكَانَ النَّاصرُ لِدِيْنِ اللهِ يحترمُه وَيبجِّلُه (2) .
تُوُفِّيَ عَلَى القَضَاءِ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَفِي ذُرِّيَّته أَئِمَّةٌ وَفضلاَء، آخرهُم أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ بَقِيِّ، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَسِتّ مائَة.
50 - أَبُو صَالِحٍ مُفْلِحٌ *
هُوَ: الزَّاهِد، العَابِدُ، شَيْخُ الفُقَرَاء بِدِمَشْقَ، أَبُو صَالِحٍ مُفْلحُ (3) ، صَاحِبُ المَسْجَدِ الَّذِي بِظَاهِرِ بَابِ شَرْقِي، وَبِهِ يُعرف، وَقَدْ صَارَ ديراً لِلْحَنَابِلَة.
__________
(1) أخرجه البخاري 3173 في الجهاد، و (6143) في الأدب، و (6898) في
الديات: باب القسامة، و (7192) في الاحكام، ومسلم (1669) من حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أنهما قالا: خرج عبد الله بن سهل بن زيد، ومحيصه بن مسعود بن زيد، حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك، ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلا، فدفنه، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حويصة بن مسعود وعبد الرحمن بن سهل، وكان أصغر القوم - فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كبر، الكبر في السن "، فصمت، فتكلم صاحباه، وتكلم معي، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقتل عبد الله بن سهل، فقال لهم: " أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم "، قالوا: فكيف نحلف ولم نشهد، قال: " فتبرئكم يهود بخمسين يمينا "، قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى عقله.
(2) " تاريخ قضاة الأندلس ": 64 وستأتي ترجمة الناصر لدين الله رقم / 336 / من هذا الجزء.
(*) تاريخ ابن عساكر 19 / 41 أ - 41 ب، العبر: 2 / 224، مرآة الجنان: 2 / 298، البداية والنهاية: 11 / 204 - 205، النجوم الزاهرة: 3 / 275، الدارس في تاريخ المدارس: 2 / 102 - 103، القلائد الجوهرية: 1 / 167، شذرات الذهب: 2 / 328.
(3) في " تاريخ ابن عساكر ": 19 / 41 أ: مفلح بن عبد الله.(15/84)
صحب أَبَا بَكْرٍ بنَ سَيِّد حَمْدُوَيْه.
حكَى عَنْه: موحّد بن إِسْحَاقَ، وَعَلِيّ بن القُجّة، وَمُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ الدُّقِيّ.
وَقَدْ سَاحَ بلُبْنَان فِي طَلَبِ العُبَّاد.
وَحَكَى: أَنَّهُ رَأَى فِي جبل اللُّكَّام فَقِيْراً عَلَيْهِ مُرَقَّعَة، فَقَالَ: مَا تصنعُ هُنَا؟ قَالَ: أَنظر وَأَرعَى.
قُلْتُ: مَا أَرَى بَيْنَ يَديك شَيْئاً؟
قَالَ: فتغيَّر (1) ، وَقَالَ: أَنظرُ خواطرِي، وَأَرعَى أَوَامر رَبِّي (2) .
مَاتَ: سنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَهُ ابْنُ زَبْرٍ فِي (الوفيَّات) .
51 - الأَشْعَرِيُّ عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِسْحَاقَ *
العَلاَّمَةُ، إِمَامُ المُتَكَلِّمِين، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي بِشْرٍ إِسْحَاقَ بنِ سَالِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى ابنِ أَمِيْر البَصْرَةِ بِلاَلِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ ابنِ صَاحِب رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبِي مُوْسَى عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْس بن حَضَّارٍ الأَشْعَرِيُّ، اليَمَانِيُّ، البَصْرِيُّ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
__________
(1) أي: لونه.
(2) " تاريخ ابن عساكر ": 19 / 41.
(*) الفهرست: 257، تاريخ بغداد: 11 / 346 - 347، الملل والنحل: 1 / 94 - 103، الأنساب: 1 / 273 - 274، وتبيين كذب المفتري لابن عساكر في الدفاع عنه، المنتظم: 6 / 332 - 333، وفيات الأعيان: 3 / 284 - 286، العبر: 2 / 202 - 203 مرآة الجنان: 2 / 298 - 309، طبقات الشافعية: 3 / 347 - 444، البداية والنهاية: 11 / 187، الجواهر المضية: 2 / 247 - 248، الديباج المذهب: 193 - 196، النجوم الزاهرة: 3 / 259، شذرات الذهب: 2 / 303 - 305.(15/85)
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي خَلِيْفَة الجُمَحِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الجُبَّائِيّ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيِّ، وَسَهْلِ بن نُوْح، وَطَبَقَتِهِم، يَرْوِي عَنْهُم بِالإِسْنَاد فِي تَفْسِيْره كَثِيْراً.
وَكَانَ عجباً فِي الذَّكَاء، وَقوَة الفهمِ.
وَلَمَّا بَرَعَ فِي مَعْرِفَةِ الاعتزَال، كرِهه وَتبرَّأَ مِنْهُ، وَصَعِدَ لِلنَّاسِ، فتَابَ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُ، ثُمَّ أَخذ يُردُّ عَلَى المُعْتَزِلَة، وَيهتِك عِوَارَهُم.
قَالَ الفَقِيْه أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: كَانَتِ المُعْتَزِلَةُ قَدْ رفعُوا رُؤُوْسهُم، حَتَّى نشَأَ الأَشْعَرِيُّ فحجرهُم فِي أَقمَاع السِّمْسِم (1) .
وَعَنِ ابْنِ البَاقلاَنِيِّ قَالَ: أَفْضَل أَحْوَالِي أَنْ أَفهَمَ كَلاَمَ الأَشْعَرِيّ (2) .
قُلْتُ: رَأَيْتُ لأَبِي الحَسَن أَرْبَعَة توَالِيف فِي الأُصُوْل يذكرُ فِيْهَا قوَاعدَ مَذْهَبِ السَّلَف فِي الصِّفَات، وَقَالَ فِيْهَا: تُمَرُّ كَمَا جَاءت.
ثُمَّ قَالَ: وَبِذَلِكَ أَقُول، وَبِهِ أَدين، وَلاَ تُؤوَّل.
قُلْتُ: مَاتَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حطَّ (4) عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الحَنَابِلَة وَالعُلَمَاء.
وَكُلُّ أَحَد فيُؤخذ مِنْ قَوْله وَيترك، إِلاَّ مَنْ عصم اللهُ تَعَالَى اللَّهُمَّ اهدنَا، وَارحمنَا (5) .
__________
(1) انظر " الإصابة ": 1 / 363 - 364.
(2) " تاريخ بغداد ": 11 / 347.
(3) " طبقات الشافعية ": 3 / 351.
(4) يقال: حط في عرض فلان: إذا اندفع في شتمه.
(5) في تناول السبكي للذهبي في ترجمته لأبي الحسن الأشعري شيء من الحدة في النقد، ولم أقع على ترجمة الأشعري في ما طبع من " تاريخ الذهبي " الذي أشار إليه السبكي، والحق، أن الذهبي كان في غاية الاعتدال حين ترجم للاشعري في كتابنا هذا، ترى هل رجع عما كان يعتقده في حقه، أم أن السبكي أفرط في تأويل كلام الذهبي؟.
انظر " طبقات الشافعية ": 3 / 352 - 353، ومقدمة سير أعلام النبلاء: 1 / 128.(15/86)
وَلأَبِي الحَسَنِ ذكَاءٌ مُفْرِط، وَتبحُّر فِي العِلْمِ، وَلَهُ أَشيَاء حسنَة، وَتصَانيف جَمَّة تقضِي لَهُ بسَعَةِ العِلْم.
أَخَذَ عَنْهُ: أَئِمَّةٌ مِنْهُم: أَبُو الحَسَنِ البَاهِلِيُّ (1) ، وَأَبُو الحَسَنِ الكِرْمَانِيُّ، وَأَبُو زَيْد المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مُجَاهِد البَصْرِيّ، وَبُنْدَار بن الحُسَيْنِ الشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ العِرَاقِيُّ، وَزَاهِر بن أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، وَأَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الكَوَّاز (2) الشِّيرَازِيُّ (3) .
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ فِي كتَاب (العُمَد فِي الرُّؤْيَة) لَهُ: صَنَّفْتُ (الْفُصُول فِي الرَّدِّ عَلَى الملحدينَ) وَهُوَ اثْنَا عَشرَ كِتَاباً، وكتَاب (الْمُوجز) ، وكتَاب (خَلْق الأَعمَال) ، وكتَاب (الصِّفَات) ، وَهُوَ كَبِيْر، تكلَّمنَا فِيْهِ عَلَى أَصنَافِ المُعْتَزِلَة وَالجَهْمِيَّة، وكتَاب (الرُّؤْيَة بِالأَبصَار) ، وكتَاب (الخَاص وَالعَام) ، وكتَاب (الرَّدّ عَلَى المجسِّمَة) ، وكتَاب (إِيضَاح البرهَان) ، وكتَاب (اللُّمَع فِي الرّدِّ عَلَى أَهْلِ البِدَع) ، وكتَاب (الشَّرح وَالتَّفصيل) ، وكتَاب (النَّقض عَلَى الجُبَائِيّ (4)) ، وكتَاب (النَّقْض عَلَى البَلْخِيّ (5)) ، وكتَاب (جمل مقَالاَت الْمُلْحِدِينَ) ، وَكتَاباً (6) فِي الصِّفَات هُوَ أَكْبَر كتبنَا، نقضنَا فِيْهِ مَا كُنَّا أَلَّفنَاهُ قَدِيْماً فِيْهَا عَلَى تَصْحِيْحِ مَذْهَب المُعْتَزِلَة،
__________
(1) انظر ترجمته في " تبيين كذب المفتري ": 178.
(2) نسبة إلى عمل " الكيزان " من الخزف.
(3) في " تبيين كذب المفتري " فصل معقود لتراجم أصحاب أبي الحسن الأشعري، لمن أخذ عنهم، فليراجعه من أراد الاستقصاء. ص / 177 - 330.
(4) في " تبيين المفتري ": 130 " وقال: وألفنا كتابا كبيرا، نقضنا فيه الكتاب المعروف بالاصول على محمد بن عبد الوهاب الجبائي ".
(5) في " التبيين ": 130 " وقال: وألفنا كتابا كبيرا، نقضنا فيه الكتاب المعروف بنقض تأويل الأدلة على البلخي في أصول المعتزلة ".
(6) في الأصل: كتاب - بالرفع -(15/87)
لَمْ يُؤلَّف لَهُم كِتَاب مثلُه، ثُمَّ أَبَان الله لَنَا الحَقَّ فَرَجَعْنَا.
وكتَاباً فِي (الرّدّ عَلَى ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ) ، وكتَاب (القَامع فِي الردّ عَلَى الخَالديّ) ، وكتَاب (أَدب الجَدَل) ، وكتَاب (جَوَاب الخُرَاسَانيَّة) ، وكتَاب (جَوَاب السِّيْرَافيين) ، و (جَوَاب الجُرْجَانيين) ، وكتَاب (المَسَائِل المنثَوْرَة البَغْدَادِيَّة) ، وكتَاب (الفنُوْنَ فِي الرّدِّ عَلَى المُلْحدين) ، وكتَاب (النَّوَادر فِي دقَائِق الكَلاَم) وكتَاب (تَفْسِيْر القُرْآن) .
وَسَمَّى كتباً كَثِيْرَةً سِوَى ذَلِكَ.
ثُمَّ صَنَّفَ بَعْد (العُمَد) كتباً عِدَّةً سمَّاهَا ابْنُ فُورَك هِيَ فِي (تَبْيِين كذب المفترِي (1)) .
رَأَيْتُ لِلأَشعرِيّ كلمَة أَعجبتَنِي وَهِيَ ثَابِتَة رَوَاهَا البَيْهَقِيّ، سَمِعْتُ أَبَا حَازِم العَبْدَوِيَّ، سَمِعْتُ زَاهِر بن أَحْمَدَ السَّرَخْسِيّ يَقُوْلُ: لَمَّا قَرُبَ حُضُوْرُ أَجل أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ فِي دَارِي بِبَغْدَادَ، دعَانِي فَأَتَيْتُه، فَقَالَ: اشهدْ عليَّ أَنِّي لاَ أَكفِّر أَحَداً مِنْ أَهْلِ القِبْلَة، لأَنَّ الكلَّ يُشيَرَوْنَ إِلَى معبودٍ وَاحِد، وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّه اخْتِلاَف العِبَارَات.
قُلْتُ: وَبنحو هَذَا أَدين، وَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ تيمِيَّة فِي أَوَاخِرِ أَيَّامه يَقُوْلُ: أَنَا لاَ أَكفر أَحَداً (2) مِنَ الأُمَّة، وَيَقُوْلُ:
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لاَ يُحَافِظُ عَلى الْوضُوء إِلاَّ مُؤْمِنٌ (3)) فَمَنْ لاَزَمَ الصَّلَوَاتِ بوضوءٍ فَهُوَ مُسْلِم.
__________
(1) انظر " تبيين كذب الفتري ": 128 - 136.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) حديث صحيح أخرجه أحمد 5 / 276، و277 و282، والدارمي 1 / 168، وابن ماجة (277) والحاكم 1 / 130 من طريق سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا بين سالم وثوبان، لكن أخرجه أحمد 5 / 282، والدارمي 1 / 168، وابن حبان (164) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا ابن ثوبان، حدثني حسان بن عطية أن أبا كبشة حدثه أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وهذا سند حسن، وله طريق ثالث عند أحمد 5 / 280، وسنده قوي، وله شاهد من =
[التعليق]
(1) قال الشيخ الفاضل: أبو محمد الألفي (عضو ملتقى أهل الحديث)
وَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَة: قَالَ شِيْرَوَيْه فِي (تَارِيْخِهِ) : كَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً، كَثِيْرَ الرِّوَايَةِ لِلْمَنَاكِير....... وَتَكَلَّمَ فِيْهِ الحَافِظُ أَبُو الفَضْلِ الفَلَكِيُّ، وَقَالَ: مَا سَمِعَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ شَيْبَةَ.
وَصِحَّتُهَا: عُبَيْدِ اللهِ بْنِ شَنَبَةَ بِالنُّونِ الْمُعْجَمَةِ.
(2) وَفِيهَا: وَقَدْ حَدَّثَ بِالْمُجْتَبَى مِنْ (سُنُنِ أَبِي دَاوُدَ) .
وَصِحَّتُهَا: (سُنُنِ النَّسَائِيِّ) .(15/88)
وَقَدْ أَلَّف الأهْوَازِيّ (1) جُزْءاً فِي مثَالب ابْنِ أَبِي بِشْر، فِيْهِ أَكَاذيب.
وَجَمَعَ أَبُو القَاسِمِ فِي مَنَاقِبه فَوَائِد بَعْضهَا أَيْضاً غَيْرُ صَحِيْحٍ، وَلَهُ المُنَاظَرَةُ المَشْهُوْرَةُ مَعَ الجُبَّائِي فِي قَوْلِهِم: يَجِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يَفْعَل الأَصلحَ، فَقَالَ الأَشْعَرِيُّ: بَلْ يَفْعَلُ مَا يشَاء (2) ، فَمَا تَقُولُ فِي ثَلاَثَةٍ صِغَار: مَاتَ أَحَدهُم وَكَبُرَ اثْنَانِ، فَآمن أَحَدُهُم، وَكَفَرَ الآخر، فَمَا العِلَّةُ فِي اخترَام الطِّفْلِ؟
قَال: لأَنَّه تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ لكَفَر، فَكَانَ اخترَامُه أَصلح لَهُ.
قَالَ الأَشْعَرِيُّ: فَقَدْ أَحيَا أَحَدهُمَا فكفَرَ.
قَالَ: إِنَّمَا أَحيَاهُ لِيَعْرِضَهُ أَعْلَى المرَاتب.
قَالَ الأَشْعَرِيُّ: فَلِمَ لاَ أَحيَا الطِّفْل لِيَعْرِضَهُ لأَعْلَى المرَاتب؟
قَالَ الجُبَّائِي: وَسوست.
قَالَ: لاَ وَاللهِ، وَلَكِنْ وَقَفَ حِمَار الشَّيْخ.
وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا الحَسَنِ تَابَ وَصَعِدَ مِنْبَر البَصْرَة، وَقَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَقُول: بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَأَنَّ اللهَ لاَ يُرَى بِالأَبصَار (3) ، وَأَنَّ الشَّرَّ فِعْلِي لَيْسَ بقدرٍ، وَإِنِّيْ تَائِبٌ مُعتقدٌ الرّدَّ عَلَى المُعْتَزِلَة (4) .
وَكَانَ فِيْهِ دُعَابَة وَمزح كَثِيْر.
قَالَهُ ابْنُ خِلِّكَانَ (5) .
وَأَلَّف كُتُباً كَثِيْرَةً، وَكَانَ يقنَع بِاليَسِيْر، وَلَهُ بَعْضُ قريَةٍ مِنْ وَقَفِ جَدِّهُم
__________
= حديث عبد الله بن عمرو، وآخر من حديث أبي أمامة عند ابن ماجة (278) و (279) وفي سندهما ضعف، لكنهما صالحان للاستشهاد.
(1) هو الحسن بن علي بن إبراهيم، أبو علي الاهوازي، مقرئ الشام في عصره، أصله من الاهواز، واستوطن دمشق وتوفي بها سنة / 446 / هـ.
(2) اعتقاد أهل السنة، أنه لا يجب على الله شيء.
" لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ".
(3) زيادة تقتضيها صحة المعنى.
فالمعتزلة يقولون بعدم رؤية الله بالابصار.
انظر " الابانة ": 13 - 20.
(4) " الفهرست ": 257.
(5) " وفيات الأعيان ": 3 / 285.(15/89)
الأَمِيْرِ بلاَلِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ (1) .
وَيُقَالُ: بَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
52 - البَرْبَهَارِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ *
شَيْخُ الحَنَابِلَة، القُدْوَة، الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ البَرْبهَارِيُّ (2) ، الفَقِيْه.
كَانَ قوَّالاً بِالْحَقِّ، دَاعِيَةً إِلَى الأَثر، لاَ يَخَافُ فِي الله لومَةَ لاَئِم.
صَحِبَ المَرُّوْذِيَّ (3) ، وَصَحِبَ سَهْل بن عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيَّ (4) .
فَقِيْلَ: إِنَّ الأَشْعَرِيَّ (5) لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ جَاءَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ البَرْبَهَارِيِّ، فجَعَلَ يَقُوْلُ: رددتُ عَلَى الجُبَّائِيّ، رددْتُ عَلَى المَجُوْس، وَعَلَى النَّصَارَى.
فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لاَ أَدْرِي مَا تَقُولُ، وَلاَ نعرِفُ إِلاَّ مَا قَالَه الإِمَامُ أَحْمَد.
فَخَرَجَ (6) وَصَنَّفَ (الإِبَانَة (7)) فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 11 / 347.
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 18 - 45، المنتظم: 6 / 323، العبر: 2 / 216 - 217، البداية والنهاية: 11 / 201، الوافي بالوفيات: 12 / 146 - 147، شذرات الذهب: 2 / 319.
(2) بفتح الباء الموحدة، وسكون الراء المهملة، وفتح الباء الثانية أيضا، والراء المهملة أيضا بعد الهاء والالف.
هذه النسبة إلى " بربهار " وهي الادوية التي تجلب من الهند. " الأنساب ": 2 / 125.
(3) : ترجمته في " طبقات الحنابلة ": 1 / 56 - 63.
(4) ترجمته في " طبقات الصوفية ": 206 - 211.
(5) تقدمت ترجمته ص / 85 / من هذا الجزء.
(6) أي الأشعري.
(7) " الابانة عن أصول الديانة " مطبوع، يقال: إنه من آخر تصانيفه.(15/90)
وَمِنْ عبارَة الشَّيْخِ البَرْبَهَارِيِّ، قَالَ: احذرْ صِغَار المُحدَثَاتِ مِنَ الأُمُور، فَإِنَّ صِغَارَ البِدَع، تعُودُ كِباراً، فَالكَلاَمُ فِي الرَّبِّ - عَزَّ وَجَلَّ - مُحدَثٌ وَبِدْعَة وَضَلاَلَة، فَلاَ نتكلَّم فِيْهِ إِلاَّ بِمَا وَصفَ بِهِ نَفْسَه، وَلاَ نَقُوْلُ فِي صِفَاته: لِمَ؟ وَلاَ كَيْفَ؟ وَالقُرْآن كَلاَمُ اللهِ، وَتنَزِيْلُه وَنورُه لَيْسَ مخلوقاً، وَالمِرَاءُ فِيْهِ كُفْر (1) .
قَالَ ابْنُ بَطَّة (2) :سَمِعْتُ البَرْبَهَارِيَّ يَقُوْلُ: المُجَالَسَةُ لِلْمنَاصحَةِ فَتْحُ بَابِ الفَائِدَة، وَالمُجَالَسَةُ لِلْمُنَاظَرِة غَلْقُ بَابِ الفَائِدَة (3) .
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لَمَّا أَخذ الحُجَّاجُ (4) :يَا قَوْمُ إِنْ كَانَ يحتَاجُ إِلَى مَعُونَة مائَةِ أَلْفِ دِيْنَار، وَمائَةِ أَلْف دِيْنَار، وَمائَةِ أَلْف دِيْنَار - خَمْس مَرَّات - عَاونتُه.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَطَّة: لَوْ أَرَادَهَا لحصَّلَهَا مِنَ النَّاس.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَرَّاءِ: كَانَ لِلْبَرْبَهَارِيِّ مُجَاهِدَاتٌ وَمَقَامَات فِي الدِّين، وَكَانَ المخَالفون يُغلِظُون (5) قلب السُّلْطَان عَلَيْهِ.
فَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ أَرَادُوا حَبْسَه، فَاخْتَفَى. وَأُخِذَ كِبَارُ أَصْحَابِهِ،
__________
(1) هذه العبارات من كتاب للبربهاري بعنوان " شرح كتاب السنة " نقل عنه ابن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة " صفحات، لخص فيها أهم معتقدات أهل السنة. أنظر " طبقات " الحنابلة ": 2 / 18 - 43.
(2) هو عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان، أبو عبد الله العكبري، المعروف بابن بطة. توفي سنة / 387 / هـ " طبقات الحنابلة ": 2 / 124 - 153.
(3) " مختصر طبقات الحنابلة ": 307.
(4) في " طبقات الحنابلة ": 2 / 43.
" لما أخذ الحاج "، والخبر غامض، وأظن أنه قصد استيلاء القرامطة على الحجاج سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة، وربما المقصود بالمعونة الخليفة المقتدر بالله.
والخبر بالرغم من غموضه - يشير إلى منزلة البربهاري الرفيعة في قلوب الناس، ويشير أيضا إلى تضعضع الخلافة، وأن عجزها عن القضاء على القرامطة ليس ناشئا عن فقر في المال ...
(5) في " طبقات الحنابلة ": 2 / 44 " يغيظون ".(15/91)
وَحُمِلُوا إِلَى البَصْرَةِ.
فَعَاقب الله الوَزِيْر ابْنَ مُقْلَة (1) ، وَأَعَاد الله البَرْبَهَارِيَّ إِلَى حشمته، وَزَادت، وَكَثُرَ أَصْحَابُه.
فَبَلغنَا أَنَّهُ اجتَازَ بِالجَانب الغربِي، فعَطَس فَشَمَّتَه (2) أَصْحَابُه، فَارْتَفَعَتْ ضجَّتُهم، حَتَّى سَمِعَهَا الخَلِيْفَةُ، فَأُخبر بِالحَال، فَاسْتهولهَا، ثُمَّ لَمْ تزلِ المُبتدعَةُ تُوحِش قلبَ الرَّاضِي، حَتَّى نُوديَ فِي بَغْدَاد: لاَ يَجْتَمِع اثْنَانِ مِنْ أَصْحَابِ البَرْبَهَارِيّ، فَاخْتَفَى، وَتُوُفِّيَ مستتراً فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (3) ، فَدُفِنَ بِدَار أُخْت توزون (4) فَقِيْلَ:
إِنَّهُ لمَّا كُفَّن، وَعِنْدَهُ، الخَادِم، صَلَّى عَلَيْهِ وَحدَهُ، فَنَظَرتْ هِيَ مِنَ الرَّوْشَن (5) ، فرأَت البَيْت ملآنَ رجَالاً فِي ثِيَاب بيض، يُصلُّوْنَ عَلَيْهِ، فَخَافتْ وَطلبت الخَادِم، فحلَفَ أَنَّ البَابَ لَمْ يُفتحْ (6) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ ترَكَ مِيرَاثَ أَبِيْهِ توَرُّعاً، وَكَانَ سَبْعِيْنَ أَلْفاً (7) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار (8) :رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ،
__________
(1) ستأتي ترجمته رقم / 86 / من هذا الجزء.
(2) شمت العاطس، وسمت عليه: دعا له أن لا يكون في حال يشمت به فيها.
والسين لغة.
" لسان العرب " (شمت) .
(3) في " طبقات الحنابلة ": 2 / 44 " سنة تسع وعشرين ".
(4) توزون، أحد القواد الاتراك، خلع عليه المتقي وجعله أمير الامراء، ودامت إماراته حتى وفاته سنة / 334 / هـ وهو الذي سمل المتقي بالله وخلعه، وبايع المستكفي.
أخباره في " الكامل ": 8 / 339 وما بعدها..وسيأتي نتف منها في ترجمة المتقي بالله ص / 104 / من هذا الجزء.
(5) الكوة.
(6) " طبقات الحنابلة ": 2 / 44 - 45.
(7) " طبقات الحنابلة ": 2 / 43.
(8) هو محمد بن محمود بن الحسن، أبو عبد الله، ابن النجار، مؤرخ، حافظ للحديث من أهل بغداد، من كتبه " ذيل تاريخ بغداد " توفي سنة / 643 / هـ له ترجمة في " طبقات الشافعية ": 5 / 41 (ط 1)(15/92)
وَابْن بَطَّة، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ سَمعُوْنَ فروِيَ عَنِ ابْنِ سمعُوْنَ، أَنَّهُ سَمِعَ البَرْبَهَارِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ بِالشَّامِ رَاهباً فِي صومَعَة حَوْلَهُ رهبَانٌ يتمسَّحُوْنَ بِالصَّوْمعَة، فَقُلْتُ لحدَثٍ مِنْهُم: بِأَيِّ شَيْءٍ أُعْطِيَ هَذَا؟
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَتَى رَأَيْتَ اللهَ يُعطِي شَيْئاً عَلَى شَيْءٍ؟
قُلْتُ: هَذَا يحتَاج إِلَى إِيضَاح، فَقَدْ يُعطِي اللهُ عبدَه بِلاَ شَيْء، وَقَدْ يُعْطِيه عَلَى شَيْءٍ، لَكِنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يُعْطِيه الله عبدَه، ثُمَّ يثيبُه عَلَيْهِ هُوَ مِنْهُ أَيْضاً.
قَالَ - تَعَالَى -: {وَقَالُوا: الحَمْدُ للهِ الَّذِي هدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدِي لَوْلاَ أَنَّ هدَانَا الله} (1) .
وفِي (تَارِيْخ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيّ) أَنَّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ أوقع بِأَصْحَاب البَرْبَهَارِي فَاسْتترَ، وَتُتُبِّع أَصْحَابُه وَنُهبتْ منَازِلهُم، وَعَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً (2) ، وَكَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ قَدْ تَزَوَّجَ بِجَارِيَة.
53 - عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَيَّانَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، البَارِعُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، الجَعْفَرِيُّ مَوْلاَهُمُ، الهَمَذَانِيُّ، أَحَدُ الأَعلاَم، إِمَامُ جَامِعِ هَمَذَان.
حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ عِمْرَان بنِ حَبِيْب، وَإِبْرَاهِيْمَ بن دَيْزِيل، وَأَحْمَد بنِ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيِّ، وَعُبَيْد بن شَرِيْك البَزَّار، وَمُحَمَّد بن إِدْرِيْسَ بنِ الجُنَيْدِ الحَافِظ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيِّ، وَيَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ الكَرَابِيْسِيّ، وَالحُسَيْن بن الحَكَمِ الكُوْفِيِّ، وَطَبَقَتِهم.
__________
(1) الأعراف: 43.
(2) في " المنتظم ": 6 / 623 " ستا وتسعين سنة ".
(*) لم نقف له على مصادر للترجمة.(15/93)
رَوَى عَنْهُ: القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ، وَالقُدَمَاء.
ذكره صَالِح بنُ أَحْمَدَ (1) فَقَالَ: رَوَى عَنْهُ الكِبَار، وَحضَرْتُ مَجْلِسَه، وَلَمْ أَعتدَّ بِذَلِكَ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً حَافِظاً فَاضِلاً وَرِعاً، يُحسِن هَذَا الشَّأْن.
سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ أَبِي صَالِحٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ نَشِيط يَقُوْلُ: مَا أُشْبِّه حفظَ هَذَا الصَّبيّ إِلاَّ بِحِفْظ المَشَايِخ القُدَمَاء.
وَقَالَ أَبُو قطن: كَانَ عَبْدُ اللهِ الذَّهب المصفَّى، لَمْ يَكُنْ ببلدنَا فِي أَيَّامِه أَحفَظ مِنْهُ.
قَالَ صَالِح: مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ قَبْل أَوَان الرِّوَايَة، فَلَمْ يُنشرْ لَهُ كَبِيْرُ شَيْء - رَحِمَهُ اللهُ -.
54 - الخَاقَانِيُّ أَبُو مُزَاحمٍ مُوْسَى بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُزَاحمٍ مُوْسَى بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ الخَاقَانِيُّ، الحَافِظُ، البَغْدَادِيُّ، وَلدُ الوَزِيْر (2) ، وَأَخُو الوَزِيْر (3) .
__________
(1) انظر حاشيتنا رقم / 1 / ص / 8 / من هذا الجزء.
(*) تاريخ بغداد: 13 / 59، الأنساب: 5 / 22 - 23، المنتظم: 6 / 292، العبر: 2 / 205 معرفة القراء 1 / 219 - 220، غاية النهاية: 2 / 320 - 321، النجوم الزاهرة: 3 / 261، شذرات الذهب: 2 / 307.
(2) أي عبيد الله بن يحيى بن خاقان، أبو الحسن، استوزره المتوكل والمعتمد، وكان عاقلا حازما، استمر في الوزارة حتى وفاته سنة / 263 / هـ.
(3) أي محمد بن عبيد الله بن يحيى، أبو علي، ولي الوزارة بعد سقوط ابن الفرات سنة / =(15/94)
سَمِعَ: عَبَّاساً الدُّوْرِيّ، وَأَبَا قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ المَرُّوْذِيّ، وَطَبَقَتَهُم.
وَكَانَ حَاذِقاً بحرْف الكِسَائِيّ، تَلاَ بِهِ عَلَى الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ تِلْمِيْذ الدُّوْرِيّ.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَحْمَد بن نَصْرٍ الشَّذَائِيّ، وَأَبُو الفَرَجِ الشَّنَبُوذِيُّ، وَغيرُهُمَا.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، وَابْنُ أَبِي هَاشِم، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيْه، وَابْنُ شَاهِيْنٍ، وَالمُعَافَى الجَرِيْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَجَمعَ فِي التَّجويد وَغَيْر ذَلِكَ (1) .
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً مِنْ أَهْلِ السُّنَّة.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (2) .
وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي (طَبَقَات القُرَّاءِ) (3) .
55 - تِكِيْنُ أَبُو مَنْصُوْرٍ التُّرْكِيُّ الخَزَرِيُّ *
الملكُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ تِكينُ الخَاصَّةِ التُّرْكِيُّ، الخَزَرِيُّ، المُعتضِديُّ.
__________
= 299 / هـ. ولم يكن أهلا للقيام بأعباء هذا المنصب. " تحفة الامراء ": 261 - 280.
(1) قال ابن الجزري في " غاية النهاية " 2 / 321: " هو أول من صنف في التجويد فيما أعلم ".
(2) " تاريخ بغداد ": 13 / 59.
(3) " معرفة القراء ": 1 / 219 - 220.
(*) ولاة مصر: 286، 293 - 296، 298 - 299، تاريخ ابن عساكر: 3 / 260 أ - 260 ب، العبر: 2 / 186، الوافي بالوفيات: 10 / 386، خطط المقريزي: 1 / 327 =(15/95)
وَلِي مِصْر سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ فِي رفعَة وَارتقَاء.
ثُمَّ وَلِي دِمَشْقَ خَمْس سِنِيْنَ أَيْضاً.
ثُمَّ أُعيد إِلَى وَلاَيَة دِيَار مِصْر، ثُمَّ عُزِلَ، ثُمَّ أُعيد فولِيهَا لِلْقَاهر بِاللهِ (1) إِلَى أَنْ مَاتَ بِمِصْرَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ ذَا هيبَةٍ وَشجَاعَة.
رَوَى عَنْ: يُوْسُفَ بنِ يَعْقُوْبَ القَاضِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المَادَرَائِيُّ الوَزِيْر، وَنُقِلَ فَدُفِنَ ببيتِ المَقْدِس (2) .
56 - ابْنُ دُرَيْدٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ دُرَيْدِ بن عَتَاهِيَةَ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الأَدب، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ دُرَيْد بنِ عَتَاهِيَة الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، تَنَقَّلَ فِي فَارس وَجزَائِرِ البَحْر يطلبُ الآدَابَ وَلسَانَ العَرَبِ، فَفَاقَ أَهْل زَمَانِهِ، ثُمَّ سَكَنَ بَغْدَاد.
وَكَانَ أَبُوْهُ رَئِيْساً متموِّلاً.
وَلأَبِي بَكْرٍ شعرٌ جَيِّد.
__________
= النجوم الزاهرة: 3 / 171، 174، حسن المحاضرة: 2 / 13، شذرات الذهب: 2 / 289، تهذيب ابن عساكر: 3 / 340.
(1) ولايته الثالثة كانت أيضا من قبل المقتدر.
إذ أنه قدم مصر أميرا سنة إحدى عشرة وثلاث مئه.
وقد أقره عليه القاهر بالله بعد مقتل المقتدر سنة عشرين وثلاث مئة.
(2) " ولاة مصر ": 299.
(*) مروج الذهب: 2 / 518، طبقات الزبيدي: 201، معجم الشعراء: 425، الفهرست: 91 - 92، تاريخ بغداد: 2 / 195 - 197، الأنساب: 5 / 305 - 306، نزهة الالباء: 175 - 178. معجم الأدباء: 18 / 127 - 143، إنباه الرواة: 3 / 92 - 100، المنتظم: 6 / 261 - 262. وفيات الأعيان: 4 / 323 - 329، العبر: 2 / 187، ميزان الاعتدال: 3 / 520، الوافي بالوفيات: 2 / 339 - 343، مرآة الجنان: 2 / 282 - 284، طبقات الشافعية: 3 / 138 - 142، البداية والنهاية: 11 / 176 - 177، غاية النهاية: 2 / 116، لسان الميزان: 5 / 132 - 134، النجوم الزاهرة: 3 / 240 - 241، بغية الوعاة: 30 - 33، شذرات الذهب: 2 / 289 - 291.(15/96)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ، وَأَبِي الفَضْل الرِّيَاشِيِّ، وَابْن أَخِي الأَصْمَعِيِّ، وَتَصَدَّرَ لِلإِفَادَة زمَاناً.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو سَعِيْدٍ السِّيْرَافيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَان، وَأَبُو الفَرَجِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَبُو عُبَيْد اللهِ المَرْزُبَانِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن مِيكَال (1) ، وَعِيْسَى بنُ الوَزِيْرِ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَق: مَا رَأَيْتُ أَحفَظَ مِنِ ابْنِ دُرَيْد، وَلاَ رَأَيْتُهُ قُرِئَ عَلَيْهِ دِيْوَانٌ قَطُّ إِلاَّ وَهُوَ يسَابق إِلَى رِوَايته، يَحْفَظ ذَلِكَ (2) .
قُلْتُ: كَانَ آيَةً مِنَ الآيَات فِي قوَة الحِفْظ.
قَالَ ابْنُ شَاهِيْنٍ: كُنَّا ندخلُ عَلَيْهِ فَنَسْتَحْيِي مِمَّا نَرَى مِنَ العِيدَانِ وَالشَّرَاب، وَقَدْ شَاخَ (3) .
وَقَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ الأَزْهَرِيُّ: دَخَلتُ فرَأَيْتُهُ سكرَانَ فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ (4) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تكلّمُوا فِيْهِ (5) :وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ: كَانَ يُقَالُ: ابْنُ دُرَيْد أَعْلَمُ الشُّعرَاء، وَأَشعرُ العُلَمَاء (6) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَان وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، عفَا الله عَنْهُ.
__________
(1) هو إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال، أبو العباس، شيخ خراسان ووجيهها في عصره، وفيه، وفي أبيه نظم أبو بكر مقصورته المشهورة.
توفي سنة / 362 / هـ له ترجمة في " معجم الأدباء ": 7 / 5 - 12.
(2) " تاريخ بغداد ": 2 / 196 وفيه: " ولحفظه له ".
(3) " نزهة الالباء ": 176.
(4) " مقدمة التهذيب ": 1 / 31.
(5) " تاريخ بغداد ": 2 / 196.
(6) " تاريخ بغداد ": 2 / 196.(15/97)
ورثَاهُ جَحْظَة (1) فَقَالَ:
فَقَدْتُ بِابْنِ دُرَيْدٍ كُلَّ فَائِدَةٍ (2) ... لَمَّا غَدَا ثَالثَ الأَحجَارِ وَالتُّرَب
وَكُنْتُ أَبكِي لفَقْدِ الجُودِ مُنْفَرِداً (3) ... فَصِرْتُ أَبكِي لِفَقْدِ الجُودِ (4) وَالأَدَبِ (5)
57 - القَاهِرُ بِاللهِ مُحَمَّدُ ابنُ المُعْتَضِد بِاللهِ أَحْمَدَ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ المُعْتَضدِ بِاللهِ أَحْمَدَ ابنِ المُوَفَّقِ طَلْحَةَ (6) بنِ المُتَوَكِّلِ.
استُخْلِفَ سنَة عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَقت مَصْرع أَخِيْهِ المُقْتَدِر.
وَكَانَ أَسمَرَ مربوعاً أَصْهبَ (7) الشَّعر، طَوِيْلَ الأَنْفِ، فِيْهِ شرٌ وَجبروت وَطَيْشٌ.
وَقَدْ كَانَ المُقْتَدِرُ خُلِعَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَبايعُوا القَاهرَ هَذَا،
__________
(1) ستأتي ترجمته رقم / 84 / من هذا الجزء.
(2) " في نزهة الالباء ": منفعة.
(3) في " ذيل أمالي القالي ": مجتهدا، وفي " نزهة الالباء ": آونة.
(4) في " إنباه الرواة ": الفضل.
(5) البيتان في " ذيل أمالي القالي ": 49، " طبقات الزبيدي ": 201، " تاريخ بغداد ": 2 / 197، " نزهة الالباء ": 178، " إنباه الرواة ": 3 / 95.
" مرآة الجنان: " 2 / 284، " بغية الوعاة ": 32.
(*) مروج الذهب: 2 / 513، تاريخ بغداد: 1 / 339 - 340، المنتظم: 6 / 241، 368، الكامل: 8 / 244 وما بعدها، النبراس: 113، العبر: 2 / 250 - 251، الوافي بالوفيات: 2 / 34 - 35، نكت الهميان: 236 - 237، البداية والنهاية: 11 / 170 - 171، 178، 223، النجوم الزاهرة: 3 / 303 - 304، تاريخ الخلفاء: 386 - 390،
شذرات الذهب: 2 / 349 - 350.
(6) في " تاريخ بغداد ": 1 / 339. اسمه: محمد، وقيل: طلحة.
(7) الصهبة: هي حمرة في سواد.(15/98)
وَحَكَمَ ثُمَّ تعصَّبَ أَصْحَابُ المُقْتَدِر لَهُ، وَأُعيد بَعْد قتل جَمَاعَة، مِنْهُم: أَبُو الهيجَاءَ بنُ حَمْدَانَ، وَعفَا المُقْتَدِرُ عَنْ أَخِيْهِ، وَحَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ بَاكياً.
فَقَالَ: يَا أَخِي، أَنْتَ لاَ ذنبَ لَكَ، ثُمَّ بايعُوهُ بَعْدَ المُقْتَدِر، فصَادَرَ حَاشيَةَ أَخِيْهِ وَعذَّبهُم، وَضَرَبَ أُمَّ المُقْتَدِرِ بِيَدِهِ، وَهِيَ عَلِيْلَة.
ثُمَّ مَاتَتْ مُعلَّقَةً بحبلٍ، وَعذَّب أُمّ مُوْسَى القَهْرَمَانَة، وَبَالَغَ فِي الإِسَاءة، فنَفَرَتْ مِنْهُ القُلُوْبُ، وَطَلَبَ ابْنَ مقلَة مِنَ الأَهْوَاز وَاسْتوزَرَه، وَكَانَ قَدْ نُفِي.
وَلَمْ يَكُنِ القَاهر متمكِّناً مِنَ الأُمُور، وَحكَمَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بنُ بُليق (1) الرَّافضِيّ الَّذِي عزَمَ عَلَى سبِّ مُعَاوِيَة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَلَى المنَابِرِ.
فَارتجَّتِ العِرَاق، وَقُبِضَ عَلَى شَيْخ الحنَابِلَة البَرْبَهَارِي، ثُمَّ قَويَ القَاهر وَنَهَبَ دُورَ مخَالفيه، وَطَيَّن عَلَى وَلد أَخِيْهِ المكْتَفِي بَيْنَ حَيْطَين، وَضَرَبَ ابْنَ بُلَيق وَسَجَنَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بذبْحِهِ، وَبذَبح أَبِيْهِ، وَذَبَحَ بعدَهُمَا مُؤنِساً الكَبِيْرَ وَيُمناً وَابْنَ زيرك.
وَبَذَلَ لِلْجُنْدِ العَطَاء، وَعَظُمَ شَأْنُه، وَنَادَى بتحريمِ الغِنَاء وَالخَمْر، وَكَسْر المَلاَهِي (2) ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشربُ المطبوخَ وَالسُّلاَفَ، وَيسكَر وَيسمعُ القينَات.
وَاسْتَوْزَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ.
وَقَتَلَ أَبَا السَّرَايَا بنَ حَمْدَان، وَإِسْحَاقَ النُّوْبَخْتِي أَلقَاهُمَا فِي بِئْرٍ، وَطُمَّتْ لكونِهِمَا زَايدَاهُ فِي جَارِيَةٍ قَبْل الخِلاَفَة (3) .
وَبَقِيَ ابْنُ مُقْلَةَ فِي اختفَائِهِ يُرَاسل الجُنْدَ وَيَشْغَبُهُم عَلَى القَاهر، وَيَخْرُجُ مُتَنَكِّراً فِي زيِّ عجمِيٍّ (4) ، وَفِي زيٍّ شحَّاذ، وَأَعْطَى مُنَجِّماً ذَهباً ليَقُوْل لِلْقُوَّاد: عَلَيْكُم قطع مِنَ القَاهر، وَيُعْطِي دَنَانِيْرَ لمعبِّرِي الأَحلاَم، فَإِذَا قَصَّ
__________
(1) انظر الصفحة / 55 / تعليق رقم / 2 / من هذا الجزء.
(2) " المنتظم ": 6 / 249 - 250.
(3) " الكامل ": 8 / 295 - 296.
(4) في " الكامل ": 8 / 279 " أعمى " وترجمة " ابن مقلة " ستأتي رقم / 86 / من هذا الجزء.(15/99)
سيمَا منَاماً (1) خَوَّفُوهُ مِنَ القَاهر جِدّاً.
وَكَانَ (2) رَأْسَ السَّاجيَّة فَأَضمر الشَّرّ، فَانتدَبَ طَائِفَةً لاغتيَاله وَبكَّرُوا، وَكَانَ نَائِماً بِهِ سُكْرٌ، وَهَرَبَ وَزِيْرُهُ وَحَاجِبُهُ، فَهجمُوا عَلَيْهِ بِالسُّيوفِ، فَهَرَبَ إِلَى سَطْحٍ، فَاسْتَتَرَ، ثُمَّ ظَفِرُوا بِهِ وَبِيَدِهِ سَيْفٌ مَسْلُول، فَقَالُوا: انزلْ، فَامْتَنَعَ فَقَالُوا: نَحْنُ عبيدُك، ثُمَّ فَوَّقَ (3) وَاحِدٌ إِلَيْهِ سَهْماً وَقَالَ: انزلْ وَإِلاَّ قَتَلْتُكَ، فَنَزَلَ، فَأَمسكُوهُ (4) فِي سَادِسِ جُمَادَى الآخِرَةِ.
وَبَايعُوا الرَّاضِي بِاللهِ مُحَمَّدَ بنَ المُقْتَدِر (5) ، ثُمَّ خُلِعَ وَأَكحل بِمِسْمَار لسُوء سيرَته وَسَفكِهِ الدِّمَاء.
وَكَانَتْ خِلاَفَتُه سنَةً وَنِصْفاً وَأُسبوعاً.
قَالَ الصُّوْلِيُّ (6) :كَانَ أَهوجَ، سفَّاكاً لِلدِّمَاء، كَثِيْرَ التَّلُوُّنَ، قَبِيح السِّيرَة، مدمِنَ الخَمْر، وَلَوْلاَ جَودَة حَاجِبه سلاَمَة لأَهلَكَ الحَرْثَ وَالنَّسل.
وَكَانَ قَدْ صَنَعَ حَرْبَةً يحمِلهَا فَلاَ يطرحُهَا حَتَّى يقتُلَ (7) إِنْسَاناً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ: أَحضَرَنِي القَاهرُ يَوْماً وَبِيَدِهِ حَرْبَة، فَقُلْتُ: الأَمَانَ، قَالَ: عَلَى الصِّدْقِ، قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: أَسأَلك عَنْ خلفَاء بَنِي العَبَّاسِ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ مِنْ أَحْوَالِهم، وَهُوَ يَسْأَل عَنْهُم وَاحِداً وَاحِداً فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَكَ، وَكَأَنِّيْ مشَاهدٌ القَوْمَ، وَقَامَ وَبِيَدِهِ الحَرْبَةُ، فَاسْتسلمتُ لِلْقَتْلِ، فَعَطَفَ إِلَى دُور الحُرَم (8) .
قَالَ المَسْعُوْدِيُّ: أَخذَ مِنْ مُؤْنِسٍ وَأَصْحَابِهِ أَمْوَالاً كَثِيْرَةً. فَلَمَّا خُلِعَ
__________
(1) في الأصل: حرفوه، وهو تصحيف.
(2) أي: سيما.
(3) أي جعل الوتر في فوقه عند الرمي.
(4) " الكامل ": 8 / 280 - 281.
(5) ستأتي ترجمته رقم / 58 / من هذا الجزء.
(6) ستأتي ترجمته رقم / 142 / من هذا الجزء.
(7) " تاريخ الخلفاء ": 388.
(8) " مروج الذهب ": 2 / 514 - 518.(15/100)
طُولِبَ بِهَا، فَأَنكَرَ، فَعُذِّبَ بِأَنْوَاع العَذَابِ، فَمَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ، فَأَخَذَهُ الرَّاضِي بِاللهِ، فَقرَّبه وَأَدْنَاهُ، وَقَالَ: تَرَى مطَالبَةَ الجُنْدِ لَنَا، وَالَّذِي عِنْدَك لَيْسَ بنَافِعك، فَاعْتَرِفْ بِهِ، قَالَ: أَمَا إِذْ فعلت هَذَا (1) ، فَالمَالُ دفنتُهُ فِي البُسْتَانِ.
وَكَانَ قَدْ أَنشَأ بُستَاناً فِيْهِ أَصنَافُ الثَّمَرِ، وَالقصر الَّذِي زخرفَه.
فَقَالَ: وَفِي أَي مَكَان هُوَ؟
قَالَ: أَنَا مكفوفٌ وَلاَ أَهتدِي إِلَى البُقْعَةِ، فَاحفرِ البُسْتَان تجدْه فَحَفَرُوا البُسْتَانَ وَأَسَاس القصرِ، وَقلَعُوا الشَّجر فَلَمْ يُوجد شَيْء.
فَقَالَ: وَأَيْنَ المَال؟
قَالَ: وَهَل عِنْدِي مَال؟!! إِنَّمَا كَانَ حسرتِي فِي جُلوسكَ فِي البُسْتَانِ وَتنعُّمك فَفَجعْتُكَ بِهِ (2) .
فَأَبعَدَه وَحَبَسَهُ، فَأَقَامَ إِلَى سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ أُخرج إِلَى دَار ابْن طَاهِر، فَكَانَ تَارَةً يحبس، وَتَارَةً يُهْمَلُ.
فوقَفَ يَوْماً بِالجَامِعِ بَيْنَ الصُّفوف، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ بيضَاء وَقَالَ: تصدَّقُوا عليَّ، فَأَنَا مَنْ قَدْ عرفتُمْ.
وَأَرَادَ أَنْ يشنِّع عَلَى الخَلِيْفَة المُسْتَكْفِي، فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيُّ، فَأَعطَاهُ أَلف دِرْهَم، فمنعُوهُ مِنَ الخُرُوج (3) .
ثمَّ مَاتَ: فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُوْنَ سنَةً، وَلَهُ مِنَ الأَوْلاَد: عَبْدُ الصَّمَدِ، وَأَبُو القَاسِمِ، وَأَبُو الفَضْلِ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ (4) .
وَوَزَرَ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ مقلَةَ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ، ثُمَّ الخَصيبِيّ.
ونَفَّذَ عَلَى إِمْرَة مِصْرَ أَحْمَد بنُ كَيَغْلَغ، إِذْ تُوُفِّيَ أَمِيْرُهَا تِكِين الخَاصَّة (5) .
__________
(1) أي: من إكرامه له.
(2) " مروج الذهب ": 2 / 528.
(3) " المنتظم ": 6 / 265.
(4) " تاريخ الخلفاء ": 390.
(5) تقدمت ترجمته رقم / 55 / من هذا الجزء.(15/101)
وَمَاتَتْ سَنَة إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ شغَب أَمُّ المُقْتَدِر.
وَقُتِلَ الخَادِم (1) مُؤنِس المُلَقَّب (2) بِالمُظَفَّر، وَكَانَ شَهْماً مَهِيْباً شُجَاعاً دَاهِيَةً، عُمِّرَ تِسْعِيْنَ سنَةً، وَقَادَ الجُيُوش سِتِّيْنَ سَنَةً.
وَفِي سَنَةِ 322 دَخَلَتِ الدَّيْلَمُ أَصْبَهَانَ، وَكَانَ مِنْ قُوَّادِهِم عَلِيُّ بنُ بُوَيه (3) ، فَانفرَدَ عَنْ مَردَاوِيج (4) ، ثُمَّ حَارب مُحَمَّدَ بنَ يَاقوت، فَهَزَمَ مُحَمَّداً، وَاسْتَوْلَى عَلَى فَارسَ، وَكَانَ أَبُوْهُ فَقِيْراً صَيَّاداً.
قَالَ مَحْمُوْد الأَصْبَهَانِيُّ: كَانَ سبَبَ خَلْعِهِم لِلْقَاهر سُوء سيرتِهِ، وَسَفكُهُ الدِّمَاء، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِم مِنَ الخَلْع، فَسَملُوهُ حَتَّى سَالتْ عينَاهُ (5) .
وفِي أَيَّامه ظَهَرَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَزَاقر الشَّلْمَغَانِيُّ، وَادَّعَى الإِلهيَّة بِبَغْدَادَ، وَأَنَّهُ يُحْيي المَوْتَى، وَتعصَّبَ لَهُ ابْن مُقلَة، وَأَنكر مَا قِيْلَ عَنْهُ، ثُمَّ قُتِلَ، وَقُتِلَ بِسَبَبِهِ الحُسَيْنُ بنُ القَاسِمِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَوْن الأَنْبَارِيُّ، مُصَنِّفُ (الأَجوبَة المسْكِتَة (6)) ، كَانَا يَعْتَقِدَانِ فِي الشَّلْمَغَانِيِّ (7) .
وَللقَاهر مِنَ الأَوْلاَد: أَبُو القَاسِمِ، وَعَبْد الصَّمَدِ (8) ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدٌ، وَفَاطِمَةُ، وَعَاتِكَة، وَأُمَامَة.
__________
(1) تقدمت ترجمته رقم / 25 / من هذا الجزء.
(2) في الأصل: الملقب.
(3) ستأتي ترجمته رقم / 223 / من هذا الجزء.
(4) ستأتي ترجمته رقم / 79 / من هذا الجزء.
(5) " تاريخ الخلفاء ": 388.
(6) وله أيضا كتاب " التشبيهات " وهو مشهور.
انظر ترجمته مفصلة في " معجم الأدباء ": 1 / 234 - 253.
(7) حكاية مذهبه وخبر مقتله في " الكامل ": 8 / 290 - 294.
(8) في الأصل: أبو القاسم عبد الصمد، وهو خطأ انظر الصفحة 101.(15/102)
فَصْلٌ: وَلنَذْكُرْ هُنَا جَمَاعَةً مِنْ خُلَفَاءِ الإِسْلاَمِ عَلَى التَّوَالِي - إِنْ شَاءَ اللهُ - لِيتَأَمَّلَ تَرَاجِمَهُمُ الفَاضِلُ مُتَّصِلَةً مَجْمُوْعَةً
58 - الرَّاضِي بِاللهِ مُحَمَّدُ ابنُ المُقْتَدِر بِاللهِ جَعْفَرٍ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ (1) مُحَمَّد - وَقِيْلَ: أَحْمَدُ - ابنُ المُقْتِدرِ بِاللهِ جَعْفَرِ ابنِ المُعْتَضِد بِاللهِ أَحْمَدَ بنِ الموفقِ بنِ المُتَوَكِّلِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَأُمُّه رومِيَّة.
كَانَ أَسمَرَ قصيراً نَحِيْفاً فِي وَجْهِهِ طُولٌ اسْتُخْلِفَ بَعْد عَمِّه القَّاهر عِنْدَمَا سَمَلوا القَاهر سنَة اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: لَهُ فَضَائِل مِنْهَا: أَنَّهُ آخر خَلِيْفَةٍ خطَبَ يَوْمَ الجُمُعَة، وَآخر خَلِيْفَةٍ جَالسَ النُّدمَاء، وَآخر خَلِيْفَةٍ لَهُ شِعْر مدُوَّنَ، وَآخر خَلِيْفَة انفَرَدَ بتَدْبِيْر الجُيُوش.
وَكَانَتْ جَوَائِزُهُ وَأَمُورُه عَلَى تَرْتِيْب المُتَقَدِّمِيْنَ مِنْهُم (2) ، وَكَانَ سَمْحاً جَوَاداً أَدِيْباً فَصِيْحاً مُحِبّاً للعُلَمَاء (3) .
سَمِعَ: مِنَ البَغَوِيِّ.
__________
(*) أخبار الراضي والمتقي للصولي 1 / 185، مروج الذهب: 2 / 519 وما بعدها، معجم الشعراء: 430، تاريخ بغداد: 2 / 142 - 145، المنتظم: 6 / 265 - 271، 324 - 325، الكامل: 8 / 282 وما بعدها، النبراس: 114 - 119، العبر: 2 / 218 - 219، الوافي بالوفيات: 2 / 297 - 300 فوات الوفيات: 2 / 375 - 377، مرآة الجنان: 2 / 296، البداية والنهاية: 11 / 178 - 179، النجوم الزاهرة: 3 / 271 تاريخ الخلفاء: 390 - 393، شذرات الذهب: 2 / 324.
(1) في أغلب المصادر: " أبو العباس " وهو الصحيح.
(2) أي من الخفاء. " تاريخ بغداد ": 2 / 143.
(3) " الوافي بالوفيات ": 2 / 297.(15/103)
قَالَ الصُّوْلِيُّ: سُئِلَ الرَّاضِي أَنْ يخطُبَ يَوْم جُمُعَةٍ، فَارتقَى مِنْبَر سَامَرَّاء، وَحَضَرْتُه، فشنَّف الأَسْمَاعَ وَأَبلغَ، ثُمَّ صَلَّى (1) بنَا.
قِيْلَ: إِنَّ الرَّاضِي سُقِي بطنُهُ، وَأَصَابَه ذَرَبٌ (2) ، وَأَتلَفَه كَثْرَةُ الجِمَاع (3) .
فَتُوُفِّي فِي نِصْفِ ربيعٍ الآخر سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ اثنتَانِ وَثَلاَثُوْنَ سنَةً، سِوَى أَشْهُرٍ.
وَله مِنَ الأَوْلاَد: عَبْدُ اللهِ، رُشِّحَ لولاَيَة العَهد، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ، وَبنتٌ، وَهُم أَوْلاَدُ إِمَاء.
وبُوْيِع المتَّقِي للهِ إِبْرَاهِيْمُ أَخُوْهُ.
وَكَانَتِ الفِتَنُ وَالحُرُوبُ مُتَوَاتِرَةٌ بالعِرَاق فِي هَذِه السنين، وضعُفَ شَأْن الْخلَافَة، فَللَّه الأمرُ.
وَجَرت فتنَةُ ابْنِ رَائق، وفتنَةُ ابْن البَرِيدِيّ، ومَرِجَ (4) أَمر النَّاسِ، وعمَّ الْبلَاء، ومَات أَمِير الأمرَاء محمدُ بنُ يَاقُوت مسجوناً.
وفِي أَيَّام الرَّاضِي عظُمَ محمدُ بنُ رَائق، وَلم يبقَ للرَّاضِي مَعَه حلٌّ وَلَا رَبْطٌ، وَله مِنَ الْوَلَد أَبُو الفَضْل عَبْدُ الله، وأَحْمَد، والسّتّ هَجْعَة.
59 - المُتَّقِي للهِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُقْتَدِر بنِ المُعْتَضِدِ العَبَّاسِيُّ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُقْتَدِر بنِ المُعْتَضِد العَبَّاسِيُّ.
__________
(1) " أخبار الراضي ".
(2) بالتحريك: الداء الذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام، ويفسد فيها، ولا تمسكه.
" اللسان " (ذرب) .
(3) " الوافي بالوفيات ": 2 / 299.
(4) اختلط: ومنه الهرج والمرج.
(*) أخبار الراضي والمتقي للصولي: 186 - 285، مروج الذهب: 2 / 530، تاريخ =(15/104)
قَالَ الصُّوْلِيُّ: مَاتَ الرَّاضِي، فَبَعَثَ بُجْكم (1) مِنْ وَاسِط إِلَى كَاتِبه أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الكُوْفِيِّ أَنْ يَجْمَعَ القُضَاةَ وَالأَعيَانَ، وَوَزِيْرَ الرَّاضِي سُلَيْمَانَ بنَ الحَسَنِ، وَيشْتَورُوا فِي إِمَامٍ، فَبَعَثَ حُسَيْنُ بنُ الفَضْلِ بنِ المَأْمُوْن إِلَى الكُوْفِيِّ بِعَشْرَةِ آلاَف دِيْنَار ليشتَرِيه، وَنفَّذ إِلَيْهِ أَيْضاً بِأَرْبَعِيْنَ أَلف دِيْنَار لِيفرّقَهَا فِي الأُمَرَاءِ فَلَمْ يَنفع ذَلِكَ، وبَايَعُوا إِبْرَاهِيْمَ، وَسنُّه أَرْبَعٌ وَثَلاَثُوْنَ سنَةً، وَأُمُّه اسْمُهَا خَلُوب.
وَكَانَ حَسَنَ الوَجْه، مُعْتَدِل الخَلْقِ بحمرَةٍ، أَشهلَ، كَثَّ اللِّحْيَة، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَعِدَ عَلَى السَّرِيْر، وَلَمْ يغيّرْ شَيْئاً، وَلاَ تسرَّى عَلَى جَاريته.
وَكَانَ ذَا صومٍ وَتعبُّدٍ، وَلَمْ يشربْ نبيذاً، وَيَقُوْلُ: لاَ أُرِيْد نَدِيماً غَيْرَ المُصْحَفِ (2) .
وَأَقَرَّ فِي الوِزَارَة سُلَيْمَانَ بنَ الحَسَنِ فَكَانَ مقهوراً مَعَ كَاتِب بجْكم، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ سَقَطَتِ القُبَّة الخَضْرَاء، وَكَانَتْ تَاجَ بَغْدَادَ وَمأْثرَة بَنِي العَبَّاسِ، بنَاهَا المَنْصُوْرُ علوّ ثَمَانِيْنَ ذرَاعاً، تَحْتهَا إِيوَان طولُه عِشْرُوْنَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِهَا.
فَسقَطَ رَأْسُهَا مِنْ مَطَرٍ ورَعْدٍ شَدِيد (3) ، وَكَانَ القَحْطُ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ عَزَل المُتَّقِي وَزِيْره بِأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ.
وَأَقبلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَريديُّ مِنَ البَصْرَة، يطلُبُ الوِزَارَة فَولِيَها وَمَشَى إِلَيْهِ ابْنُ مَيْمُوْنٍ.
فكَانَتْ وِزَارَةُ ابْن مَيْمُوْنٍ شَهْراً، لَكِنْ هَرَبَ البريدِي بَعْد أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِيْنَ يَوْماً لَمَّا شغَبَ الجُنْد بطلَب أَرزَاقِهِم.
فَوِزْرُ القَرَاريطِيّ (4) ، ثُمَّ عُزِلَ بَعْد شَهْرٍ
__________
= بغداد: 6 / 51 - 52، المنتظم: 6 / 316 - 319، 7 / 43، الكامل: 8 / 368 وما بعدها، النبراس: 119 - 120، العبر: 2 / 307 - 308، الوافي بالوفيات: 5 / 341، 342، نكت الهميان: 87، تاريخ الخلفاء: 394 - 397، شذرات الذهب: 3 / 22 - 23.
(1) أخبار بجكم في " المنتظم ": 6 / 320 - 322.
(2) " أخبار الراضي والمتقي ": 193.
(3) " المنتظم ": 6 / 318.
(4) هو محمد بن أحمد بن عبد المؤمن، الاسكافي القراريطي، أبو إسحاق، وزير من الكتاب توفي سنة / 357 / هـ أخباره في " الكامل ": 8 / حوادث سنة 329 وما بعدها.(15/105)
وَأَيَّام، فولِيَهَا الكَرْخِيّ، وَعُزِلَ بَعْد أَيَّام، وَولَّى المُتَّقِي إِمرَةَ الأُمَرَاء كورتكين الدَّيْلَمِيّ.
وَقُتِلَ بجكم، وَكَانَ قَدِ اسْتَوْطنَ وَاسِطاً، وَالتزم بِأَنَّ يحُمِلَ إِلَى الرَّاضِي فِي السَّنَة ثَمَان مائَة أَلْف دِيْنَار.
وَعَدَل وَكَانَ إِلَى كَثْرَة أَمْوَاله المُنْتَهَى فَكَانَ يُخْرِجُهَا فِي الصَّنَادِيقِ، وَيُخرِجُ رِجَالاً فِي صنَادِيقِ عَلَى جِمَالٍ إِلَى البَرّ ثُمَّ يَفتحُ عَلَيْهِم فيحفِرُوْنَ، وَيدفن المَالَ، وَيردُّهُم إِلَى الصَّنَادِيقِ فَلاَ يعرِفُون الكَنْزَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّمَا أَفعلُ هَذَا خَوَفاً أَنْ يحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ دَارِي، فَذَهَبَ ذَلِكَ بِموتِهِ (1) ، ثُمَّ حَاربَه أَبُو عَبْدِ اللهِ البَرِيديُّ، وَانتصرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (2) ، وَخَرَجَ بُجكم يَتَصَّيد، وَهنَاك أَكرَادٌ، فطَعَنه أَسودٌ برُمْح فَقَتَلَهُ فِي رَجَبٍ سنَةَ 329 (3) .
وَذهبَ أَصْحَابُه: كورتكينُ وَتوزونُ وَغيرُهُمَا إِلَى الشَّامِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ رَائِق.
وطَلَبَه المتقِي (4) فَسَارَ مِنْ دِمَشْقَ، وَاسْتنَابَ عَلَى الشَّامِ.
وَكَانَ قَدْ تغلَّب عَلَيْهَا، فَاسْتنَابَ أَحْمَدَ بنَ مقَاتل. وَجَاءَ فَقَدَّمه المتقِي وَطوَّقَه وَسوَّره.
وَخضعَ لَهُ مُحَمَّد بنُ حَمْدَان (5) ، وَنفَّذ إِلَيْهِ بِمائَة أَلف دِيْنَار، وَخطَبَ لَهُ بِوَاسِط وَبِالبَصْرَةَ البَريديُّ، وَكتب اسْمَه عَلَى أَعلاَمِهِ، ثُمَّ اخْتلف ابْنُ رَائِقٍ وَكورتكينُ وَتحَارَبا أَيَّاماً، وَقَهَرَه ابْنُ رَائِق، ثُمَّ ضعُف وَاخْتَفَى، وَتَمَكَّنَ ابْنُ رَائِق وَأَبَاد جَمَاعَةً، وَأَسر كورتكين فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ (6) ، وَأبيع (7) كُرُّ القَمحِ
__________
(1) " المنتظم ": 6 / 320 - 321.
(2) انتصر أبو عبد الله البريدي في الجولة الأولى، ثم هزمه توزون.
(3) انظر خبر مقتله في " الكامل ": 8 / 371 - 372.
(4) أي طلب المتقي محمد بن رائق.
(5) في الأصل: " وخضع لمحمد بن حمدان " وهي تقلب المعنى.
إذ أن ابن حمدان خضع لابن رائق، وحمل له المال.
انظر " الكامل ": 8 / 375.
(6) " الكامل ": 8 / 376 - 377.
(7) بمعنى عرض للبيع.(15/106)
بِأَزيدَ مِنْ مَائَتَي دِيْنَار، وَأَكلُوا الجيَفَ، وَخَرَجتِ الرُّوْمُ، فَعَاثُوا بِأَعمَال حلَبَ (1) .
وَفِيْهَا: اسْتوزر المتقِّي أَبَا عَبْدِ اللهِ البَريديَّ برَأْي ابْنِ رَائِق، ثُمَّ عُزِلَ بِالقرَاريطِيّ، فَذَهَبَ مُغَاضِباً، وَجَمَع العَسَاكر (2) .
وَفِي جُمَادَى الأُولَى ركِب المُتَّقِّي للهِ وَوَلَدُه أَبُو مَنْصُوْرٍ، وَابْنُ رُائِق، وَالوَزِيْر القَرَاريطِيُّ، وَبَيْنَ أَيديهُم القُرَّاء وَالمَصَاحِف لِحَرْب البَرِيْديِّ، ثُمَّ انْحَدَر مِنَ الشَّمَّاسِيَّة فِي دِجْلَةَ، وَثقُل كُرْسِيُّ الجِسْر، فَانْخَسف بخلْقٍ (3) .
وَأَمر ابْنُ رَائِق بلَعْنَة البَريدِيّ عَلَى المنَابرِ، ثُمَّ أَقبل أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ البَريديُّ أَخُو أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَهَزَمَ المُتَّقِّي، وَابْن رَائِق، وَكَانَ مَعَهُ خلقٌ مِنَ الدَّيْلَم وَالتُّرْك، وَالقَرَامطَة.
وَوقَعَ النَّهبُ بِبَغْدَادَ، وَزَحَفَ ابْنُ البَرِيديّ عَلَى الدَّار، وَعظُم الخَطْبُ.
وَقُتِلَ جَمَاعَة بِدَارِ الخِلاَفَة، وَهَرَبَ المُتَّقِّي وَابْنُه، وَابْن رَائِق إِلَى المَوْصِل، وَاخْتَفَى القَرَاريطِيّ الوَزِيْرُ.
وَبَعَثَ ابْنُ البَريديّ بكورتكين مقيَّداً إِلَى أَخِيْهِ فَأَتْلَفَه، وَحكَم أَبُو الحُسَيْنِ بِبَغْدَادَ، وَتعثَّرتِ الرَّعيَّة، وَهجُّوا، وَبلَغَ الكُرُّ أَزيد مِنْ ثَلاَث مائَة دِيْنَارٍ، وَغَرِقَتْ (4) بَغْدَادُ.
ثُمَّ فَارَقَه توزون وَرَاحَ إِلَى المَوْصِل، فَقويَ قلبُ نَاصر الدَّوْلَة ابْنِ حَمْدَان، وَعَزَمَ أَنْ ينحدِرَ إِلَى بَغْدَادَ بِالمُتَّقِّي.
فتَهَّيأَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ البَرِيديّ، وَتردَّدَت الرُّسل بَيْنَ ابْنِ رَائِق وَبَيْنَ ابْن حَمْدَانَ، فتحَالفَا، فَجَاءَ ابْن حَمْدَانَ وَاجْتَمَعَ بِهِ، وَحضر ابْن المتقِّي فَلَمَّا ركب ابْن المتقِّي، قُدِّمَ فَرَس ابْن رَائِق ليركَبَ، فتعلَّق بِهِ ابْنُ حَمْدَان.
وَقَالَ: تقيمُ عِنْدنَا اليَوْمَ نتحدّث.
فَقَالَ: كَيْفَ أَتخلَّف عَنْ وَلَدِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟
فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَتَّى ارْتَابَ وَجَذَبَ كُمَّه مِنْ
__________
(1) " الكامل ": 8 / 391 - 392.
(2) " الكامل ": 8 / 379.
(3) أخبار الراضي والمتقي: 223.
(4) " الكامل ": 8 / 380 - 381.(15/107)
يَده فَتخرَّق، هَذَا وَرِجْلُه فِي الرِّكَاب، فشبَّ بِهِ الفرسُ فَوَقَعَ.
فصَاح ابْنُ حَمْدَانَ بغِلْمَان: اقتلُوهُ، فَاعْتَورَتْه السُّيوفُ فَاضطرب أَصْحَابُه خَارجَ المخيَّم.
وَدُفِنَ وَعُفِي أَثرُه، وَنُهبَتْ أَمْوَالُه (1) .
فَذكر رَجُلٌ أَنَّهُ وَجَد كِيساً فِيْهِ أَلف دِيْنَارٍ، وَخَافَ مِنَ الجُنْدِ.
قَالَ: فرمَيْتُه فِي قِدْرِ سِكْبَاج (2) ، وَحمَلْتُهَا عَلَى رَأْسِي فسَلِمْتُ، وَجَاءَ ابْنُ حمَدَان إِلَى المُتَّقِّي وَقَالَ:
إِنَّ ابْنَ رَائِق هَمَّ بِقَتْلِي، فَقلَّدَه مَكَانَ ابْنِ رَائِق، وَلقَّبه يَوْمَئِذٍ نَاصر الدَّوْلَة وَلقَّب أَخَاهُ سَيْف الدَّوْلَة وَعَادَ بِهِمْ.
فَهَرَبَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ البَريديّ مِنْ بَغْدَادَ (3) ، وَسَارَ بَدْر الخَرْشَنِيٌّ فَولِيَ دِمَشْق.
ثُمَّ بَعْد شَهْر أُرجفَ بِمجِيْء ابْن البَرْيديّ، فَانْجَفَلَ النَّاسُ، وَخَرَجَ المُتَّقِّي ليَكُوْنَ مَعَ نَاصرِ الدَّوْلَةِ، وَتوجَّه سَيْفُ الدَّوْلَة لمحَاربَةِ ابْنِ البَريديّ، فَكَانَتْ بينهُمَا مَلْحَمَةٌ بقُرْبِ المَدَائِن.
فَاقْتَتَلُوا يَوْمَيْنِ، فَانكسرَ سَيْفُ الدَّوْلَة أَوَّلاً، فردَّ نَاصرُ الدَّوْلَة الفلَّ، ثُمَّ كَانَتِ الهَزِيْمَةُ عَلَى ابْنِ البَريدِيّ وَرُدَّ فِي وَيْل إِلَى وَاسِطٍ.
وَتَبِعَهُ سَيْفُ الدَّوْلَة فَانهزمَ إِلَى البَصْرَةِ (4) ، وَمِنْ ثُمَّ تَزَوَّجَ أَبُو مَنْصُوْرٍ إِسْحَاقُ بنُ المُتَّقِّي ببنتِ نَاصرِ الدَّوْلَة عَلَى مَائَتَي أَلف دِيْنَار، وَتَمَكَّنَ نَاصر الدَّوْلَة، وَأَخَذَ ضِيَاعَ المُتَّقِّي، وَصَادَرَ الدَّوَاوِيْن، وَظَلَمَ.
ثُمَّ بلَغَه هُرُوب أَخِيْهِ سَيْفِ الدَّوْلَة مِنْ وَاسِطٍ، فَخَافَ نَاصرُ الدَّوْلَة، وَرُدَّ إِلَى المَوْصِل وَنُهِبَتْ دَارُه (5) ، وَاستَوْزَرَ عَلِيَّ بنَ أَبِي عَلِيّ بنِ مُقلَة، وَأَقبلَ تَوزُون مِنْ وَاسِطٍ فَخَلَعَ عَلَيْهِ المُتَّقِّي، وَلقَّبَه أَمِيْرَ الأُمَرَاءِ، وَلَكِنْ مَا تَمَّ
__________
(1) " الكامل ": 8 / 382.
(2) السكباج: بالكسر، معرب عن سركه باجه، وهو: لحم يطبخ بخل.
" تاج العروس ": 2 / 59.
(3) " الكامل ": 8 / 383 - 384.
(4) " الكامل ": 8 / 384 - 385.
(5) " الكامل ": 8 / 396 - 397.(15/108)
الوُدّ (1) .
فَعَاد تَوزون إِلَى وَاسِطٍ وَصَادَرَ المُتَّقِّي وَزِيْرَهُ، وَبَعَثَ بخِلَعٍ إِلَى أَحْمَدَ بنِ بُوَيه، وَاسْتَوْزَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَيَعْزِلُهُمْ.
وَصَغُرَ أَمرُ الوِزَارَة، وَوَهَنَتِ الخِلاَفَةُ العَبَّاسِيَّةُ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ النَّاصر لِدِيْنِ اللهِ المَرْوَانِيَّ، صَاحِبَ الأَنْدَلُس (2) فَقَالَ: أَنَا أَوْلَى بِإِمرَةِ الْمُؤمنِينَ، فتلقَّبَ بِذَلِكَ.
وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، يُقَال لَهُ: الأَمِيْر، كآبَائِهِ.
وَسَارَ المُتَّقِّي للهِ إِلَى تِكْرِيت، وَتَفَلَّل أَصْحَابُه وَقَدِمَ تَوزُون فَاسْتوْلَى عَلَى بَغْدَادَ، فَأَقبل نَاصرُ الدَّوْلَة فِي جَمْع كَبِيْر مِنَ الأَعرَابِ وَالأَكْرَاد، فَالتَقَى توزون بعُكْبَرَا وَاقْتَتَلُوا أَيَّاماً، ثُمَّ انهزمَ بَنو حَمْدَان، وَالمتقِّي إِلَى المَوْصِل، ثُمَّ التَقَوا ثَانياً عَلَى حَربه (3) فَانهزم سَيْف الدولَة وَالخَلِيْفَة إِلَى نَصِيبين وَتبعهُم تَوزون (4) .
وَأَمَّا أَحْمَد بن بُوَيه (5) ، فَإِنَّهُ أَقبل وَنَزَلَ بِوَاسِط يُرِيْد بَغْدَاد (6) .
وَرَغِبَ تَوزون فِي الصُّلح.
وَفِي سَنَةِ 332 قَتَل أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَريدِيّ أَخَاهُ أَبَا يُوْسُفَ.
وَمَاتَ بَعْدَهُ بِيَسِيْرٍ (7) .
وَكَتَبَ المُتَّقِّي إِلَى صَاحِبِ مِصْر الإِخْشِيد ليحضُرَ إِلَيْهِ، فَأَقبل
__________
(1) " أخبار الراضي والمتقي ": 242، و" الكامل ": 8 / 399.
(2) " جذوة المقتبس ": 13.
وستأتي ترجمته ص / 336 / من هذا الجزء.
(3) " أخبار الراضي والمتقي ": 256 - 257 وفي " الكامل ": 8 / 407 " فالتقى هو وتوزون بحربى في شعبان، فانهزم سيف الدولة مرة ثانية، وتبعه توزون ". وحربي: مقصورة:
بليدة في أقصى دجيل بين بغداد وتكريت. " معجم البلدان ": 2 / 237.
(4) " الكامل ": 8 / 406 - 407.
(5) الملقب بمعز الدولة، من ملوك بني بويه في العراق. امتلك بغداد سنة / 334 / هـ في خلافة المستكفي، ودام ملكه في العراق / 22 / سنة إلا شهرا، توفي سنة / 356 / هـ. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 1 / 174 - 177.
(6) " الكامل ": 8 / 408.
(7) " الكامل ": 8 / 409.(15/109)
إِلَيْهِ فَوَجَدَه بِالرَّقَّةِ.
وَبَانَ لِلْمُتَّقِّي مِنْ بَنِي حَمْدَان الضَّجر، فرَاسل تَوْزون، وَاسْتوثَقَ مِنْهُ (1) ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ الإِخْشِيد، فَقَالَ لِلْمُتَّقِّي:
أَنَا عبدُك، وَقَدْ عرفتَ غدْر الأَترَاكِ، فَاللهَ اللهَ فِي نَفْسِك، سِرْ مَعِي إِلَى الشَّامِ وَمِصْرَ، لتَأَمنَ.
فَلَمْ يُطْعه، فرُدَّ إِلَى بلاَده (2) .
وَقُتِلَ بِبَغْدَادَ حَمْدِي اللِّصُّ الَّذِي ضَمِنَ (3) اللُّصُوصِيَّة فِي الشَهْر بخَمْسَةٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْف دِيْنَارٍ.
فَكَانَ ينزِل عَلَى الدُّور وَالأَسوَاق بِالشَّمْعِ وَالمَشْعَل جِهَاراً.
ظَفِرَ بِهِ شِحْنَةُ بَغْدَاد فوسَّطه (4) .
وَكَانَ توزون بِبَغْدَادَ وَإِليه الأُمُور فَاعْتَرَاهُ صَرْع (5) .
وَهلك أَبُو عَبْدِ اللهِ البَريديُّ، وَخَلَّفَ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَبِضْعَةَ عشر أَلف أَلفِ دِرْهَم، وَمِنَ الآلاَت وَالقُمَاشِ مَا قيمتُهُ أَلفُ أَلفِ دِيْنَارٍ (6) .
وَتوجَّه المُتَّقِّي مِنَ الرَّقَّة إِلَى بَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهِيْتَ، وَحَلَفَ لَهُ تَوْزون، فَلَمَّا الْتَقَاهُ، ترجَّل لَهُ وَقَبَّلَ الأَرْضَ، وَمَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى مخيَّمٍ ضَرَبَه لِلْمُتَّقِّي، فَلَمَّا نَزَلَ قَبَضَ توزون عَلَيْهِ وَسَمَله، وَأُدْخِلَ بَغْدَادَ أَعْمَى (7) ، فَللَّه الأَمْرُ، وَأَخَذَ مِنْهُ البُردَ وَالقَضِيْبَ وَالخَاتَمَ.
وَأَحْضَرَ عَبْدَ اللهِ المستكفِي بِاللهِ بن المُكْتَفِي فَبايَعَهُ بِالخِلاَفَة.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 411.
(2) " الكامل ": 8 / 418، و" تاريخ الخلفاء ": 396.
وستأتي ترجمة الاخشيذ ص 365 من هذا الجزء.
(3) علق ابن الأثير بقوله: " وهذا ما لم يسمع بمثله ".
(4) أي قطعه نصفين.
" الكامل ": 8 / 416.
(5) " الكامل ": 8 / 417.
(6) " الكامل ": 8 / 410 - 411.
(7) " الكامل ": 8 / 418 - 419.(15/110)
خُلِعَ المُتَّقِّي فِي العِشْرِيْنَ مِنَ الُحَرَّم سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَقِيْلَ: فِي صَفَرٍ وَلَمْ يُمْهل توزون وَلاَ حَال عَلَيْهِ الحَوْلُ.
تُوُفِّيَ المُتَّقِي فِي السِّجن بَعْد كَحْلِهِ بِدَهْرٍ وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَلَهُ مِنَ الأَوْلاَد: أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّد فَقط.
60 - المُسْتَكْفِي بِاللهِ عَبْدُ اللهِ بنُ المُكْتَفِي بنِ المُعْتضدِ *
الخَلِيْفَةُ، المُسْتكفِي بِاللهِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ ابنُ المُكْتَفِي عَلِيِّ بنِ المُعْتضد العَبَّاسِيُّ.
كَانَ ربْعَ القَامَة مَلِيحاً، معتدلَ البَدَن، أَبيضَ بحمرَة، خَفِيْفَ العَارضين.
وَأُمُّه أُمّ وَلد.
بُوْيِع وَقت خَلْع المُتَّقِّي للهِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ إِحْدَى وَأَرْبَعُوْنَ سنَةً.
قَامَ ببيعتِهِ توزونُ، فَأَقبلَ أَحْمَدُ بنُ بُويه، وَاسْتَوْلَى عَلَى الأَهْوَاز وَالبَصْرَة وَوَاسط، فَبَرَزَ لمحَاربته جَيْشُ بَغْدَاد مَعَ توزون، فَدَام الحَرْب بينهُمَا أَشهُراً، وَينهزمُ فِيْهَا توزون وَلاَزَمه الصَّرْع، وَضَاق بِأَحْمَدَ الحَالُ وَالقَحطُ، فردَّ إِلَى الأَهْوَاز، وَقَطَعَ توزونُ الجِسْر وَرَاءهُ، وَعَادَ إِلَى بَغْدَادَ مشغولاً بنَفْسِهِ (1) .
وَوَزَرَ أَبُو الفَرَجِ السَّامَرِّيُّ، ثُمَّ عَزَلَهُ توزون بَعْد أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَأَغرمَهُ ثَلاَث مائَة أَلْفِ
__________
(*) مروج الذهب: 2 / 540، تاريخ بغداد: 10 / 10 - 11، المنتظم: 6 / 339، 364، الكامل: 8 / 420 وما بعدها، النبراس: 120 - 121، العبر: 2 / 245، نكت الهميان: 182 - 183، البداية والنهاية: 11 / 210 - 211، النجوم الزاهرة: 3 / 299، تاريخ الخلفاء: 397 - 398، شذرات الذهب: 2 / 345.
(1) " الكامل ": 8 / 408 - 409.(15/111)
دِيْنَار (1) .
وَرَدَّ إِلَى الوِزَارَة أَبَا جَعْفَرٍ بنَ شيرزَاد (2) ، وَاشْتَدَّ بِالعِرَاقِ القَحط، وَمَاتَ النَّاس جُوعاً، وَهَلَكَ ملك الأُمَرَاءِ توزون فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ، فَطَمِعَ فِي مَنْصِبِهِ ابْنُ شيرزَاد، وَحلَّفَ العَسَاكِر، وَنَزَلَ بِظَاهِر بَغْدَاد، وَبَعَثَ المستكفِي إِلَيْهِ بِالخِلعَ وَالإِقَامَات، فصَادر التُّجَّارَ وَالكُتَّاب، وَسلَّط جندَه عَلَى العوَامّ.
فَهَرَبَ النَّاس، وَانْقَطَع الجَلبُ، وَوَهَن أَمن بَغْدَاد (3) .
وَأَمَّا أَحْمَدُ بنُ بُوَيه فَقَصَد بَغْدَاد، وَنَزَلَ بَاجِسْرَاي (4) ، وَهَرَبَ الأَترَاكُ إِلَى المَوْصِلِ، وَاسْتتر المُسْتَكْفِي، وَابْنُ شيرزَاد، فَنَزَلَ مُعزُّ الدَّوْلَة أَحْمَد بن بُوَيْه بِالشَّمَّاسيَّةِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ الخَلِيْفَة التُّحَفَ وَالخِلَعَ، ثُمَّ حَضَرَ وَبَايَعَ، فلقَّبه الخَلِيْفَة بِمعزّ الدَّوْلَة، وَلقَّب أَخَاهُ عَلِيّاً عمَادَ الدَّوْلَة، وَأَخَاهُ الآخِر الحَسَنَ رُكْنَ الدَّوْلَة.
وضُرِبَت أَسمَاؤُهُم عَلَى السِّكَّةِ، ثُمَّ ظَهَرَ ابْنُ شيرزَاد، وَقَرَّر مَعَ معزِّ الدَّوْلَة أُمُوراً، مِنْهَا:
فِي الشَّهْرِ لِلْخَلِيْفَة مائَةٌ وَخَمْسُوْنَ أَلفَ دِرْهَم لَيْسَ إِلاَّ (5) ، وَكَانَتْ عَلمَ القَهْرمَانَة معظَّمَة عِنْد المُسْتكفِي تَأمر وَتنَهَى فعَمِلَتْ دَعْوَةً لِلأُمرَاء فَاتَّهَمهَا معزُّ الدَّوْلَة (6) وَكَانَ أَصفَبذ (7) قَدْ شَفَعَ إِلَى الخَلِيْفَة فِي شيعِيّ مَغْبِن فَرَدَّهُ فَحَقَدَ.
وَقَالَ لمعزِّ الدَّوْلَة: الخَلِيْفَة يُرَاسلنِي فيكَ، فتَخَيَّل
__________
(1) " الكامل ": 8 / 447 وفيه: " وصودر على ثلاث مئة ألف درهم ".
(2) محمد بن يحيى بن شيرزاد.
كان وزيرا لبجكم، وقد أطنب الصولي في كتابه " أخبار الراضي والمتقي " في مدحه.
انظر على سبيل المثال: 263 - 266. وأخباره " في الكامل ": 8 / 354، وما بعدها.
(3) " الكامل ": 8 / 448 - 449.
(4) هكذا في الأصل، وفي " معجم البلدان ": 1 / 313: باجسرى، بكسر الجيم، وسكون السين، وراء، والقصر، بليدة في شرقي بغداد.
(5) " الكامل ": 8 / 449 - 450.
(6) في " الكامل ": 8 / 450 " فاتهمها معز الدولة أنها فعلت ذلك - أي الدعوة - لتأخذ عليهم البيعة للمستكفي ويزيلوا معز الدولة، فساء ظنه لذلك لما رأى من إقدام علم ".
(7) هكذا في الأصل، وفي " الكامل ": 8 / 480 أصفهدوست. وهو خال معز الدولة.(15/112)
مِنْهُ (1) ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى الخَلِيْفَة اثْنَانِ مِنَ الدَّيْلَمِ، فَطَلبَا مِنْهُ الرِّزْقَ، فمدَّ يدَهُ لِلتَّقْبِيل، فجبذَاهُ (2) مِنْ سريرِ الخِلاَفَة، وَجَرَّاهُ بعِمَامَته، وَنُهِبتْ دَارهُ، وَأَمسكُوا القَهْرَمَانَة وَجَمَاعَةً، وسَاقُوا المُسْتَكْفِي مَاشياً إِلَى منزِلِ مُعزِّ الدَّوْلَة، فَخَلَعَ المستكفِي وَسَمَلَه.
فَكَانَتْ خِلاَفَتُهُ ستّةَ عشرَ شَهْراً، وَبَايعُوا فِي الحَال الفَضْلَ بنَ المُقْتَدر، وَلقَّبُوهُ المُطِيع للهِ.
وَبَقِيَ المستكفِي مسجوناً إِلَى أَنْ مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثلاث مائَة، وَلَهُ سِتٌّ وَأَرْبَعُوْنَ سنَةً، وَاسْتقلَّ بِملك العِرَاق معزُّ الدَّوْلَة.
وضعُفَ دَسْت الخِلاَفَة جِدّاً، وَظَهَرَ الرَّفض وَالاعتزَالُ ببنِي بُويه، نَسْأَل اللهَ العفوَ.
وَكَانَ إِكحَالُ المُسْتَكْفِي بَعْدَ أَنْ خَلَعَ نَفْسه ذليلاً مقهوراً فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَعَاشَ بَعْد العَزْل وَالكَحْل أَرْبَعَة أَعْوَامٍ (3) .
61 - المُطِيعُ للهِ الفَضْلُ ابنُ المُقْتَدِرِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَضِدِ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ ابنُ المُقْتَدِرِ جَعْفَرِ ابنِ المُعْتضدِ أَحْمَدَ بنِ المُوَفَّقِ العَبَّاسِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وبُوْيِعَ بحكمِ خَلْعِ المستكفِي نَفْسه سنَةَ 334، وَأُمُّه اسْمُهَا: مشغلَة (4) أُمُّ وَلدٍ.
__________
(1) أي اتهمه.
وفي " تاريخ الخلفاء ": 397 فتحيل - بالحاء - وهو تصحيف.
(2) جبذ الشئ مثل جذبه، وليس مقلوبة كما زعم الجوهري.
(3) " الكامل ": 8 / 450 - 451.
(*) مروج الذهب: 2 / 552، تاريخ بغداد: 12 / 379 - 380، المنتظم: 6 / 343 - 345، 7 / 79، العبر: 2 / 334، البداية والنهاية: 11 / 212، تاريخ الخلفاء: 398 - 405، شذرات الذهب: 3 / 48 - 49.
(4) هكذا ضبطت في الأصل، وفي " التنبيه والاشراف ": 345 مشعلة، بالعين المهملة.(15/113)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفَضْلِ التَّمِيْمِيَّ (1) .
وَكَانَ كَالمقهورِ مَعَ نَائِب (2) العِرَاقِ ابْن بُوَيْه، قرَّرَ لَهُ فِي اليَوْمِ مائَةَ دِيْنَارٍ فَقط (3) .
وَاشْتَدَّ الغلاَءُ المُفْرِط بِبَغْدَادَ، فَذَكَرَ ابْنُ الجَوْزِيّ أَنَّهُ اشتُرِيَ لمعزِّ الدَّوْلَة كُرُّ دَقِيق بِعِشْرِيْنَ أَلْف دِرْهَم (4) .
قُلْتُ: ذَلِكَ سَبْعَةَ عَشَرَ قِنطَاراً بِالدِّمَشْقِيّ، لأَنَّ الكُرَّ أَرْبَعَة وَثَلاَثُوْنَ كَارَة (5) ، وَالكَارَة خَمْسُوْنَ رِطلاً.
وَاقتتل صَاحِبُ المَوْصِل نَاصرُ الدَّوْلَة، وَمعِزُّ الدَّوْلَة، فَالتَقَوا بعُكْبَرَا، فَانتصرَ نَاصرُ الدَّوْلَة، وَنَزَلَ بِالجَانبِ الشَّرْقِيّ، ثُمَّ تلاشَى أَمرُهُ، وَفَرَّ، فَوَضَعتِ الدَّيْلَم السَّيْفَ وَالنهبَ فِي البَلدِ، وَسُبيتِ النِّسَاء.
ثُمَّ تَمَكَّنَ المُطِيعُ قَلِيْلاً ثُمَّ اصطلحَ ابْنُ بُويه، وَصَاحِبُ المَوْصِل، فعزَّ ذَلِكَ عَلَى الأَترَاكِ الَّذِيْنَ قويَ بِهِم صَاحِبُ المَوْصِل، وَهمُّوا بِقَتْلِهِ، فَحَاربَهُم فمزَّقهُم (6) ، وَهَرَبَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ شيرزَاد، فسمله وَسَجَنَهُ (7) .
وَفِيْهَا -، أَعنِي: سنَةَ 336 - خَرَجَ معزُّ الدَّوْلَةِ، وَالمُطِيعُ إِلَى البَصْرَةِ
__________
(1) هو عبد الواحد بن عبد العزيز، أبو الفضل التميمي، فقيه حنبلي، توفي سنة / 410 / هـ له ترجمة في " تاريخ بغداد ": 11 / 14 - 15 و" طبقات الحنابلة ": 2 / 179.
(2) كان عماد الدولة أمير الامراء، وحين توفي سنة / 338 / صار أخوه ركن الدولة أمير الامراء، وكان معز الدولة كالنائب عنهما في بغداد.
(3) " تاريخ الخلفاء ": 398.
(4) " المنتظم ": 6 / 345.
(5) زيادة من " النجوم الزاهرة ": 3 / 286.
(6) " الكامل ": 8 / 453 - 455.
(7) انظر الصفحة / 112 / تعليق رقم / 2 /. و" الكامل ": 8 / 466.(15/114)
لِحَرْب أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ البَريديّ، فَاسْتَأمَنَ إِلَيْهِم عَسْكَرُ أَبِي القَاسِمِ، وَهَرَبَ هُوَ إِلَى القَرَامِطَة (1) ، وَعظُمَ معزُّ الدَّوْلَة، ثُمَّ جَاءَ أَبُو القَاسِمِ مستَأمناً إِلَى بَغْدَادَ، فَأُقطع قرَىً (2) ، ثُمَّ اخْتَلَفَ صَاحِبُ المَوْصِل، وَمعزُّ الدَّوْلَة، وَفَرَّ عَنِ المَوْصِل صَاحِبُهَا، ثُمَّ صَالح عَلَى أَنْ يَحْمِلَ فِي السَّنَة ثَمَانيَةَ آلاَف أَلفِ دِرْهَم (3) .
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، مَرِضَ معزُّ الدَّوْلَة بعِلَّة الإِنعَاظ (4) ، وَأُرْجِفَ بِموته، فَعَقَدَ إِمرَةَ الأُمَرَاء لابْنِهِ بختيَار، وَاسْتَوْزَرَ (5) أَبَا مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيَّ، وَعظُمَ قَدْرُه (6) .
وفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، اسْتولَى معزُّ الدَّوْلَة عَلَى المَوْصِل، وَسَاقَ وَرَاءَ نَاصرِ الدَّوْلَة إِلَى نَصِيبين فَهَرَبَ إِلَى حَلَبَ فَبالَغَ أَخُوْهُ فِي خِدْمَتِهِ، وَترَاسلاَ فِي أَنْ يَكُوْنَ المَوْصِلُ بِيَدِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ لأَنْ نَاصرَ الدَّوْلَة غَدَرَ وَنَكَثَ غَيْرَ مَرَّةٍ بِابْنِ بُوَيه، وَمَنَعَ الحِمْلَ، ثُمَّ رُدَّ معزُّ الدَّوْلَة إِلَى بَغْدَادَ.
(7) وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ ضمَّن (8) معزُّ الدَّوْلَة الشُّرْطَة وَالحِسْبَة بِبَغْدَادَ،
__________
(1) " الكامل ": 8 / 469.
(2) " الكامل ": 8 / 480.
(3) " الكامل ": 8 / 477.
(4) الانعاظ: هو انتشار الذكر، وقد وصف ابن الأثير في " كامله ": 8 / 510 هذه العلة: " دوام الانعاظ مع وجع شديد في ذكره مع توتر أعصابه ".
(5) سنة / 339 / هـ كما في " الكامل ": 8 / 485.
(6) " الكامل ": 8 / 510.
(7) " الكامل ": 8 / 522 - 524.
(8) كان الضمان مقصورا على الخراج، ثم تعدى إلى القضاء وكان أبو العباس عبد الله ابن الحسن بن أبي الشوارب أول من ضمنه، فمنعه الخليفة المطيع عن الدخول إليه، ثم استشرى الضمان إلى الشرطة والحسبة.
وقد أدى هذا النظام إلى فساد في الأرض كبير.(15/115)
وَظَلَمَ، وَأَنشَأَ دَاراً لَمْ يُسْمَعْ بِمثلِهَا، خَرَّبَ لأَجلهَا دُورَ النَّاسِ، وَغَرِمَ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ مَاتَ سِتّ مائَة أَلْف دِيْنَار (1) .
وَاسْتضرتِ الرُّوْمُ عَلَى بلاَد الشَّامِ، وَأَخَذُوا حَلَبَ بِالسَّيْفِ وَغيرَهَا مِنَ المَدَائِن كَسَرُوْج وَالرُّهَا، وَأَوَّل تمكُّنِهُم أَنَّهُم هَزَمُوا سَيْفَ الدَّوْلَة فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
فَنَجَا بِالجَهْد فِي نَفَر يَسِيْر، وَبَلَغَهُم وَهْنُ الخِلاَفَة، وَعَجْزُ سَيْفِ الدَّوْلَة عَنْهُم بَعْدَ أَنْ هَزَمَهُم غَيْرَ (2) مَرَّةٍ.
وَفِي سَنَةِ 353 قَصَدَ معزُّ الدَّوْلَة المَوْصِل فَفَرّ عَنْهَا نَاصرُ الدَّوْلَةِ، ثُمَّ التَقَوا فَانتصرَ نَاصر الدَّوْلَة، وَأَسَرَ التُّرك، وَاسْتَأمَنَ إِلَيْهِ الدَّيْلَم، وَأَخَذَ ثَقَلَ معزِّ الدَّوْلَة وَخزَائِنَه، ثُمَّ صَالحَه (3) ، وَكَانَ يُقَام مأْتم عَاشُورَاء بِبَغْدَادَ، وَيقَع فِتن كِبَارٌ لِذَلِكَ.
ثُمَّ مَاتَ الوَزِيْرُ المُهَلَّبِيُّ سنَةَ 351 (4) ، وَمَاتَ معزُّ الدَّوْلَة، فَقَامَ ابْنُهُ عزُّ الدَّوْلَة بَخْتِيَار سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ (5) ، فَجَرَتْ فِتْنَةُ مُحَمَّد بنِ الخَلِيْفَةِ المُسْتَكفِي فَإِنَّهُ لَمَّا كُحِلَ أَبُوْهُ فرَّ هُوَ إِلَى مِصْرَ، وَأَقَامَ عِنْد كَافُور، ثُمَّ قَويَتْ نَفْسُه، وَقَدِمَ بَغْدَادَ سِرّاً، فَعَرَفَ عزُّ الدَّوْلَة، وَبَايَعَهُ فِي البَاطن كُبَرَاء، فَظَفِرَ بِهِ عزُّ الدَّوْلَة فَقَطَعَ أَنفَه وَأُذُنَيْه، وَسَجَنَهُ ثُمَّ هَرَبَ هُوَ وَأَخُوْهُ عليّ مِنَ الدَّارِ يَوْمَ عيد، وَصَارَ إِلَى مَا وَرَاء النَّهْر، وَخَمَلَ أَمرُه (6) .
وَفِي سَنَةِ سِتِّيْنَ فُلِجَ المُطِيعُ، وَبطَلَ نِصْفُه، وَتَمَلَّكَ بَنو عُبَيْد مِصْرَ
__________
(1) " الكامل ": 8 / 534.
(2) " الكامل ": 8 / 540 - 542.
(3) " الكامل ": 8 / 553 - 554.
(4) الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون، من ولد المهلب بن أبي صفرة، الأزدي، أبو محمد، من كبار الوزراء، لقب بذي الوزارتين: وزارة الخليفة المطيع ووزارة السلطان معز الدولة، توفي في طريق واسط سنة / 352 / له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 124 - 127. وفي " الفوات ": 1 / 256 - 260.
(5) " الكامل ": 8 / 575.
(6) " الكامل ": 8 / 584 - 585.(15/116)
وَالشَّامَ، وَأَذَّنُوا بِدِمَشْقَ بحِي عَلَى خَيْر الْعَمَل (1) ، وَغَلَتِ البِلاَدُ بِالرَّفْضِ شَرْقاً وَغَرْباً (2) ، وَخَفِيَتِ السُّنَّة قَلِيْلاً، وَاسْتبَاحتِ الرُّوْم نَصِيبين وَغيرَهُا، فَلاَ قوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ (3) ، وَقُتِلَ بِبَغْدَادَ رَاجلٌ مِنْ أَعوَان الشِّحْنَة، فَبَعَثَ رَئِيْسُ بَغْدَادَ مَن طَرَح َالنَّار فِي أَسوَاقٍ فَاحْتَرَقَتْ بَغْدَادُ حَرِيْقاً مهوّلاً.
وَاحترق النِّسَاء وَالأَوْلاَد، فَعِدَّة مَا احْتَرَقَ ثَلاَث مائَة وَعِشْرُوْنَ دَاراً، وَثَلاَثِ مائَةٍ وَسبعَة عشر دُكَّاناً، وَثَلاَثَةٌ وَثَلاَثُوْنَ مَسْجِداً.
وَكُثر الدُّعَاء عَلَى الرّئيس، وَهُوَ أَبُو الفَضْلِ الشِّيْرَازيُّ (4) ، ثُمَّ سُقي، وَهَلَكَ (5) ، وَأُنْشِئَتْ مَدِيْنَةُ القَاهرَة لِلْمعزِّ العُبَيدِيّ.
وَوَزَرَ بِبَغْدَادَ أَبُو طَاهِرٍ بنُ بَقِيَّة، فَكَانَ رَاتِبُهُ مِنَ الثَّلج فِي اليَوْمِ أَلف رِطل، وَمِنَ الشَّمع فِي الشَّهْرِ أَلف مَنٍّ، فَوِزْرُ لعزّ الدَّوْلَة أَرْبَع سِنِيْنَ، ثُمَّ صلبَه عضدُ الدَّوْلَة (6) .
وَلَمَّا تحكَّم الفَالِج فِي المُطِيع دَعَاهُ سُبُكْتِكِين الحَاجِبُ إِلَى عَزْل نَفْسِهِ، وَتَسْلِيمِ الخِلاَفَة إِلَى ابْنِهِ الطَّايعِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فِي ثَالث عشر ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ (7) .
وَأَثبتُوا خَلْعَه عَلَى أَبِي الحَسَنِ
__________
(1) " تاريخ الخلفاء ": 402.
(2) إشارة إلى بني بويه والعبيديين الذين يسمون بالفاطميين.
(3) " الكامل ": 8 / 618.
(4) العباس بن الحسن، أبو الفضل الشيرازي، ناب في الوزارة عن المهلبي، واستوزره عز الدولة ثم اعتقل، ثم أعيد إلى الوزارة سنة / 360 / هـ، وعزل بعد سنتين ونكب، حمل إلى الكوفة محبوسا، فمات فيها بعد مدة قصيرة، قيل: مسموما، وكان ظلوما غشوما. " تجارب الأمم ": 6 / 269 - 313.
(5) " المنتظم ": 7 / 60.
(6) وقد رثاه أبو الحسن محمد بن عمر بن يعقوب الأنباري بقصيدته المشهورة:
علو في الحياة وفي الممات * لحق أنت إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا * وفود نداك أيام الصلات
(7) في الأصل: ثلاث وثلاثين، وهو وهم.(15/117)
ابْنِ أُمِّ شَيْبَان القَاضِي.
ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُدعَى الشَّيْخَ الفَاضِلَ (1) .
وَفِيْهَا: أُقيمت الدَّعوَة العُبَيْدِيَّة بِالحَرَمَيْنِ لِلْمعزِّ (2) .
وَاسْتَفْحَلَ البلاَءُ بِاللُّصوص بِبَغْدَادَ، وَركِبُوا الخيلَ، وَأَخَذُوا الخَفَارَةَ، وَتلقَّبُوا بِالقُوَّاد (3) .
ثُمَّ إِنَّ المُطِيعَ خَرَجَ وَوَلَده الخَلِيْفَة الطَّايع للهِ إِلَى وَاسِطَ فَمَاتَ هُنَاكَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بَعْد ثَلاَثَةِ أَشهرٍ مِنْ عَزْلِهِ (4) .
وَعمرُهُ ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
فَكَانَتْ خِلاَفتُهُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً سِوَى أَشهرٍ.
وَفِي أَيَّامه تلقَّب صَاحِبُ الأَنْدَلُس النَّاصر المَرْوَنُّي بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (5) .
وَقَالَ: أَنَا أَحقُّ بِهَذَا اللَّقَب مِنْ خَلِيْفَةٍ مِنْ تَحْتِ يدِ بنِي بُوَيه.
وَصَدَقَ النَّاصر، فَإِنَّهُ كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً سَائِساً مَهِيْباً، لَهُ غَزَوَاتٌ مشهودَةٌ، وَكَانَ خليقاً لِلْخِلاَفَةِ، وَلَكِنْ كَانَ أَعظَمَ مِنْهُ بكَثِيْر المعزُّ العُبَيْدِيُّ (6) الإِسْمَاعِيْلِيُّ النِّحلَة، وَأَوسعَ ممَالِك، حَكَمَ عَلَى الحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَالشَّام وَالمَغْرِبِ.
62 - الطَّائِعُ للهِ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ المُطِيعِ للهِ بنِ المُقْتَدِرِ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الكَرِيْمِ ابنُ المُطِيعِ للهِ الفَضْلِ ابنِ المُقْتَدِرِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَضِدِ العَبَّاسِيُّ.
وَأُمُّه أُمُ وَلَدٍ.
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 66.
(2) " المنتظم ": 7 / 75.
(3) المصدر السابق.
(4) " الكامل ": 8 / 645.
(5) ستأتي ترجمته رقم / 336 / من هذا الجزء.
(6) ستأتي ترجمته رقم / 68 / من هذا الجزء.
(*) تاريخ بغداد: 11 / 79، المنتظم: 7 / 66 - 68، 224، الكامل: 8 / 637 وما بعدها، النبراس: 124 - 127، العبر: 3 / 55 - 56، نكت الهميان: 196 - 197، تاريخ الخلفاء: 405 - 411، شذرات الذهب: 3 / 143.(15/118)
نَزَلَ لَهُ أَبُوْهُ لَمَّا فُلِجَ عَنِ الخِلاَفَة فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ.
وَكَانَ الحَلُّ وَالعَقْدُ لِلْملكِ عزّ الدَّوْلَةِ، وَابْنِ عَمِّهِ عضُد الدَّوْلَة.
وَكَانَ أَشقَرَ مَرْبوعاً كَبِيْرَ الأَنفِ (1) .
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ رَكِبَ وَعَلَيْهِ البُرْدَةُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُبُكْتِكِين الحَاجِبُ وَخَلَعَ مِنَ الغَدِ عَلَى سُبُكْتِكِيْنَ خِلَعَ السَّلْطَنَةِ، وَعَقَدَ لَهُ اللِّوَاءَ، وَلَقَّبَه نصرَ الدَّوْلَةِ.
وَلَمَّا كَانَ عيدُ الأَضْحَى رَكِبَ الطَّائِعُ إِلَى المُصَلَّى، وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ وَعِمَامَةٌ، فَخَطَبَ خُطْبَةً خَفِيْفَةً بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَتَعَرَّضَ عِزُّ الدَّوْلَةِ لإِقطَاع سُبُكْتِكِين، فَجَمَعَ سُبُكْتِكِينُ الأَترَاك فَالتَقَوا، فَانْتَصَرَ سُبُكْتِكِين، وَقَامَتْ مَعَهُ العَامَّة.
وَكَتَبَ عِزُّ الدَّوْلَةِ يَسْتَنجِد بَعْضُدِ الدَّوْلَةِ، فَتَوَانَى، وَصَارَ النَّاسُ حِزْبين، فَكَانَتِ السُّنَّةُ وَالدَّيْلَمُ يُنَادُوْنَ بشعَار سُبُكْتِكِيْن، وَالشِّيْعَةُ يُنَادُوْنَ بشعَارِ عزِّ الدَّوْلَة، وَوَقَعَ القِتَالُ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَأُحْرِقَ الكَرْخ (2) .
وَكَانَ الطَّائِع قويّاً فِي بدنِهِ، زَعِرَ الأَخلاَق، وَقَدْ قُطعت خُطْبَتُهُ فِي العَامِ الَّذِي تولّى خَمْسِيْنَ يَوْماً مِنْ بَغْدَادَ.
فَكَانَتِ الخُطَبَاء لاَ يَدعُونَ لإِمَامٍ حَتَّى أُعيْدَتْ فِي رَجَبٍ (3) ، وَقَدِمَ عضُدُ الدَّوْلَة فَأَعجبَه مُلكُ العِرَاقِ، وَاسْتمَالَ الجُنْدَ، فَشَغَّبُوا عَلَى ابْنِ عَمِّهِ عزِّ الدَّوْلَةِ فَأَغْلَقَ عِزُّ الدَّوْلَةِ بَابَه، وَكَتَبَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَنِ الطَّائِعِ إِلَى الآفَاقِ بتوليتِهِ، ثُمَّ اضْطَرَب أَمرُهُ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ غَيْر بَغْدَادَ فَنَفَّذَ إِلَى أَبِيْهِ ركنِ الدَّوْلَةِ (4) ، يُعْلِمُهُ أَنَّهُ قَدْ خَاطَرَ بنَفْسِهِ وَجُنْدِهِ. وَقَدْ
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 11 / 79.
(2) " المنتظم ": 7 / 67 - 68.
(3) " المنتظم ": 7 / 75.
(4) الحسن بن بويه فناخسرو الديلمي، من كبار الملوك في الدولة البويهية، كان =(15/119)
هَذَّب مملكَةَ العِرَاقِ، وَرَدَّ الطَّائِعَ إِلَى دَارِهِ، وَأَنَّ عزَّ الدَّوْلَةِ عَاصٍ، فَغَضِبَ أَبُوْهُ، وَقَالَ لرَسُوْلِه:
قُلْ لَهُ: خَرَجْتَ فِي نُصْرَةِ ابْنِ أَخِي، أَوْ فِي أَخْذِ مُلْكِهِ؟، فَأَفْرَجَ حِيْنَئِذٍ عَنْ عزِّ الدَّوْلَةِ، وَذهَبَ إِلَى فَارسَ (1) وَتَزَوَّجَ الطَّائِعُ ببنتِ عِزِّ الدَّوْلَة الَسْتّ شهْنَاز عَلَى مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ (2) ، وَعَظُمَ القَحْطُ، حَتَّى أبيع (3) الكُرُّ بِمائَةٍ وَسَبْعِيْنَ دِيْنَاراً (4) .
وَفِي هَذَا الوَقْت كَانَتِ الحَرْبُ متصلَةً بَيْنَ جَوْهَر المُعِزِّي (5) ، وَبَيْنَ هفتكين (6) بِالشَّامِ، حَتَّى جَرَتْ بينهُمَا اثْنَتَا عَشْرَةَ وَقعَة، وَجَرَتْ وَقعَةٌ بَيْنَ عزِّ الدَّوْلَة، وَعَضُدِ الدَّوْلَةِ، أُسِرَ فِيْهَا مَمْلُوْكٌ أَمْردُ لعزِّ الدَّوْلَة فَجُنَّ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ فِي البُكَاءِ، وَتركَ الأَكْلَ، وَتذلَّلَ فِي طَلَبِهِ، فَصَارَ ضُحْكَةً وَبَذَلَ جَاريتين عَوَّادتين فِي فِدَائِهِ (7) .
وفِي سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ حَجَّتْ جَميلَة بنْتُ صَاحِبِ المَوْصِل، فَكَانَ مَعَهَا أَرْبَع مائَة جَمَل، وَعِدَّةُ محَامِلَ لاَ يُدْرَى فِي أَيِّهَا هِيَ، وَأعتقَتْ خَمْس مائَة
__________
= صاحب أصبهان والري وهمدان، استمر في الملك / 44 / سنة توفي / سنة 366 / هـ له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 118 - 119.
(1) " المنتظم ": 7 / 75 - 76.
(2) " المنتظم ": 7 / 76، وقد ورد اسمها فيه " شاه زنان ".
(3) بمعنى عرض للبيع.
(4) " المنتظم ": 7 / 76.
(5) هو جوهر بن عبد الله الرومي، أبو الحسن، باني مدينة القاهرة والجامع الأزهر، كان من موالي المعز لدين الله العبيدي، توفي سنة / 381 / هـ. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 1 / 375 - 380 وأخباره في " النجوم الزاهرة ": 4 / 28 وما بعدها.
(6) هكذا في الأصل: وفي " الكامل ": 8 / 656: " الفتكين "، وفي " وفيات الأعيان ": 4 / 54: " أفتكين ".
وهو أبو منصور الشرابي التركي. من أكابر القواد الاتراك..ومن موالي معز الدولة ملكه الدمشقيون بلدهم، ليزيل عنهم حكم المصريين.
أخباره في " الكامل ": 8 / 656 - 661.
و" ذيل تاريخ دمشق " للقلانسي: 11 - 21.
(7) " المنتظم ": 7 / 83 - 84 وما بين حاصرتين منه.(15/120)
نَفْس، وَخَلَعَتْ خَمْسِيْنَ أَلفَ ثَوْبٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَعَهَا أَرْبَعُ مائَة مَحْمِلٍ (1) .
ثُمَّ فِي الآخر، اسْتولَى عَضُدُ الدَّوْلَة عَلَى أَمْوَالهَا وَقِلاعهَا، وَافْتَقَرَتْ لِكَوْنِهِ خَطَبَهَا فَأَبتْ وَآل بِهَا الحَالُ إِلَى أَنْ هَتَكَهَا وَأَلزمهَا أَنْ تَخْتَلِفَ مَعَ الخواطئ لِتُحصِّل مَا تُؤدِّيه، فَرَمَتْ بنفسهَا فِي دِجْلَةَ (2) .
وفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ أَقْبَلَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ فِي جيوشِهِ، وَأَخَذَ بَغْدَادَ، وَتلقَّاهُ الطَّائِعُ، وَعُمِلَتْ قِبَابُ الزِّينَة.
ثُمَّ خَرَجَ فَعَمل المَصَافَّ مَعَ عزِّ الدَّوْلَة فَأَسرَ عزَّ الدَّوْلَة، ثُمَّ قَتَلَه، وَنَفَّذَ إِلَى الطَّائِعِ أَلفَ أَلفِ دِرْهَم، وَخَمْسِيْنَ أَلف دِيْنَار، وَخَيْلاً وَبِغَالاً، وَمِسْكاً وَعَنْبراً (3) .
وَكَانَ الغَرَقُ العَظيمُ بِبَغْدَادَ وَبَلَغَ المَاءُ أَحَداً وَعِشْرِيْنَ ذِرَاعاً، وَغَرِقَ خَلْق (4) .
وَتمكَّن عضدُ الدَّوْلَة، وَلقِّب أَيْضاً تَاج المِلَّة (5) ، وَضُرِبَتْ لَهُ النَّوْبَةُ فِي ثَلاَثَةِ أَوقَاتٍ (6) ، وَعلاَ سُلطَانُه علُوّاً لاَ مزيدَ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ الارْتِقَاء فَكَانَ يخضَعُ لِلطَّائِعِ.
وَجَاءهُ رَسُوْلُ العَزِيْز صَاحِبِ مِصْر، فرَاسلَه بتودُّدٍ (7) ، وَطلبَ مِنَ الطَّائِع أَنْ يَزِيْدَ فِي أَلقَابِهِ، فَجَلَسَ لَهُ الطَّائِع وَحَوْلَهُ مائَةٌ بِالسُّيوفِ
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 84.
(2) " مهذب الروضة الفيحاء " للعمري: 230 وفيه: أن عضد الدولة هو الذي ألقاها في دجلة. سنة / 371 / 5 ولم يذكر هتكه لها.
(3) " المنتظم ": 7 / 86 - 87.
(4) " المنتظم ": 7 / 87.
(5) المصدر السابق.
(6) كان من العادة أن تضرب الدبادب في أوقات الصلاة على باب الخليفة.
وقد أحب معز الدولة أن تضرب له الدبادب أيضا على بابه.
وسأل المطيع ذلك، فلم يأذن له. انظر " رسوم دار الخلافة ": 136 - 137 و" المنتظم ": 7 / 92.
(7) " المنتظم ": 7 / 98.(15/121)
وَالزِّينَة وَبَيْنَ يَدَيْهِ المُصْحَفُ العُثْمَانِيُّ، وَعَلَى كَتِفِهِ البُرْدَة وَبِيَدِهِ القَضِيْبُ، وَهُوَ متقلِّد السَّيْفَ (1) ، وَأُسْبِلَتِ السِّتَارَة، وَدَخَلَ التُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ بِلاَ سلاَحٍ.
ثُمَّ أَذِنَ لِعَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَرُفِعَتْ لَهُ السِّتَارَة، فَقبَّل الأَرْضَ.
قَالَ: فَارْتَاعَ زِيَادٌ (2) القَائِدُ، وَقَالَ بِالفَارسيَّة: أَهَذَا هُوَ الله.
فَقِيْلَ لَهُ: بَلْ خَلِيْفَةُ الله فِي أَرْضِهِ.
وَمَشَى عضُدُ الدَّوْلَةِ، وَقبَّل الأَرْض مَرَّاتٍ سَبْعاً.
فَقَالَ الطَّائِع لخَادِمِه: اسْتَدْنِه.
فَصَعَدَ، وَقبَّل الأَرْض مرَّتين، فَقَالَ:
ادْنُ إِلَيَّ، فَدَنَا حَتَّى قَبَّل رِجْلَه، فثنَى الطَّائِعُ يدَهُ عَلَيْهِ، وَأَمره، فَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ بَعْد الامْتِنَاعِ، حَتَّى قَالَ: أَقسمتُ لَتَجْلِسَنَّ، ثُمَّ قَالَ:
مَا كَانَ أَشوقَنَا إِلَيْك، وَأَتوقنَا إِلَى مُفَاوضَتِكَ فَقَالَ: عُذرِي معلومٌ.
قَالَ: نِيَّتُك موثوقٌ بِهَا، فَأَومأَ بِرَأْسِهِ فَقَالَ:
قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَفوّض إِلَيْك مَا وَكَلَهُ الله إِلَيَّ مِنْ أُمُورِ الرَّعيَّة فِي شرْق الأَرْض وَغَرْبهَا سِوَى خَاصَّتِي وَأَسبَابِي، فتولَّى ذَلِكَ مستجيراً بِاللهِ.
قَالَ: يُعيننِي اللهُ عَلَى طَاعَة مولاَنَا أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ وَخِدْمَتِهِ، وَأُرِيْدُ كِبار القُوَّادِ أَنْ يَسمعُوا لَفْظك.
قَالَ الطَّائِع: هَاتُوا الحُسَيْن بن مُوْسَى، وَابْن مَعْرُوْف، وَابْن أُمّ شَيْبَان، فَقُدِّمُوا، فَأَعَاد الطَّائِع قَوْلَه بِالتَّفويض، ثُمَّ أُلْبسَ الخِلَعَ وَالتَّاجَ، فَأَومأَ ليقبِّل الأَرْضَ فَلَمْ يُطقْ.
فَقَالَ الطَّائِع: حَسْبُك.
وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءَين بِيَدِهِ.
ثُمَّ قَالَ: يُقرأَ كِتَابهُ فَقُرِئ.
فَقَالَ الطَّائِع: خَار اللهُ لَنَا وَلك وَلِلْمُسْلِمِينَ، آمركَ بِمَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ، وَأَنْهَاكَ عَمَّا نهَاكَ اللهُ عَنْهُ، وَأَبرأُ إِلَى اللهِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، انهضْ عَلَى اسْمِ اللهِ.
ثُمَّ أَعطَاهُ بِيَدِهِ سَيْفاً ثَانياً غَيْرَ سَيْف الخِلْعَةِ، وَخَرَجَ مِنْ بَابِ الخَاصَّةِ، وَشقّ البلدَ.
وعَمِلَ أَبُو إِسْحَاقَ الصَّابِئ (3) قصيدتَه فَمِنْهَا:
__________
(1) أي سيف النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) أحد قواد عضد الدولة.
(3) هو إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون، الحراني، أبو إسحاق الصابئ: نابغة =(15/122)
يَا عَضدَ الدَّوْلَة الَّذِي عَلِقَتْ ... يدَاهُ مِنْ فَخْرِهِ بأَعْرُقِهِ
يفْتَخر النَّعْلُ تَحْتَ أَخْمَصِهِ ... فَكَيْفَ بِالتَّاج فَوْقَ مَفْرِقِهِ (1) ؟!
وَتَزَوَّجَ الطَّائِع ببنتِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ (2) ، وَرُدَّ العضُدُ مِنْ هَمَذَانَ إِلَى بَغْدَادَ، فتلقَّاهُ الخَلِيْفَةُ، وَلَمْ تجرِ بِذَلِكَ عَادَةٌ، وَلَكِنْ بَعَثَ يطلُبُ ذَلِكَ.
فَمَا وَسِع الطَّائِع التَّأَخّرُ، كَانَ مُفْرِطَ السَّطْوَة (3) .
وَبَعَثَ إِلَيْهِ العَزِيْز كِتَاباً أَوَّلُهُ: مِنْ عَبْدِ اللهِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَة أَبِي شجَاع مَوْلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
سلاَمٌ عَلَيْك، مضمُوْنُ الرِّسَالَة الاسْتِمَالَة مَعَ مَا يُشَافِهُهُ بِهِ الرَّسُول، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُوْلاً وَكِتَاباً فِيْهِ مودَّةٌ وَاعتِذَارٌ مُجْمَلٌ.
وَأُديرَ المَارَسْتَانُ العضُدِيُّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، ثُمَّ مَاتَ هُوَ فِي شوَّالِهَا (4) .
وَقَامَ وَلده صَمْصَام الدَّوْلَة، وَكُتم مَوْتُهُ أَرْبَعَةَ أَشهرٍ، وَجَاءَ الخَلِيْفَةُ فَعزّى وَلَدَهُ، وَلُطِم عَلَيْهِ فِي الأَسوَاقِ أَيَّاماً (5) .
وَفِي سَنَةِ 376 اخْتَلَفَ عَسْكُر العِرَاقِ، وَمَالُوا إِلَى شرفِ الدَّوْلَةِ شِيْرَوَيْه (6) أَخِي صَمْصَامِ الدَّوْلَة، فَذلَّ الصَّمْصَام وَبَادَرَ إِلَى خِدْمَةِ أَخِيْهِ، فَاعتَقَلَهُ ثُمَّ أَمَرَ بكحلِهِ فَمَاتَ شرف الدَّوْلَة وَالمَكْحُوْلُ فِي شَهْر مِنْ سنَة 379،
__________
= كتاب جيله، تقلد دواوين الرسائل والمظالم أيام المطيع لله العباسي، ثم قلده معز الدولة ديوان رسائله.
له كتاب " التاجي " في أخبار بني بويه، توفي سنة / 384 / هـ له ترجمة في " يتيمة الدهر ": 2 / 218 - 286.
(1) " رسوم دار الخلافة ": 94 - 98، و" المنتظم ": 7 / 98 - 100.
(2) تقدم في الصفحة 120 أنه تزوج بنت عز الدولة أيضا. " المنتظم ": 7 / 101.
(3) " المنتظم ": 7 / 104.
(4) " المنتظم ": 7 / 112 - 113. وترجمته في الكتاب نفسه: 113 - 118.
(5) " المنتظم ": 7 / 120.
(6) في " الكامل ": 9 / 61 " شير زيل " (7) " الكامل ": 9 / 61.(15/123)
وَكَانَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ فِيْهِ عَدْلٌ، وَوَزَرَ فِي أَيَّامه أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، وَمِمَّا قَدِمَ مَعَهُ عِشْرُوْنَ أَلف أَلف دِرْهَم، وَكَانَ ذَا رِفْق وَدِينٍ (1) .
وَمِنْ عَدْلِ شرفِ الدَّوْلَة رَدَّهُ عَلَى السَّيد أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ أَملاكَه.
وَكَانَ مَغلُّهَا فِي السَّنَة أَزيدَ مِنْ أَلفِ أَلفِ دِيْنَار (2) .
وعظُم الغَلاَءُ بِبَغْدَادَ، حَتَّى بِيْعَتْ كَارَة (3) الدَّقِيق الخُشكَار (4) بِمئتينِ وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً (5) .
وفِي هَذَا الحُدُوْدِ جَاءَ بِالبَصْرَةِ سَمُوم حَارَّةٌ (6) ، فَمَاتَ جَمَاعَة فِي الطُّرُق (7) .
وَجَاءَ بفَم الصِّلْحِ رِيْح خَرَقَتْ (8) دِجْلَةَ، حَتَّى بَانتْ أَرضُهَا - فِيْمَا قِيْلَ -، وَهدَّتْ فِي جَامِعِهَا، وَاحتملَتْ زَوْرَقاً فِيْهِ موَاشِيَ، فَطَرَحَتْهُ بِأَرْضِ جوخى (9) فرأَوهُ بَعْد أَيَّام، نَسْأَل اللهَ العَافيَة (10) .
وَلَمَّا مَاتَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، جَاءَ الطَّائِع يُعزِي أَخَاهُ (11) بهَاءَ الدَّوْلَةِ أَبَا نَصْرٍ.
فَقبَّل أَبُو نَصْرٍ الأَرْض مَرَّات، وَسَلْطَنَه الطّ?ائِع بِالطَّوْق وَالسِّوَارين وَالخِلَع السَّبْع، فَأَقَرَّ فِي وَزَارَتِهِ أَبَا مَنْصُوْر المَذْكُوْر، وَيُعْرَفُ بِابْنِ
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 135.
(2) " المنتظم ": 7 / 136.
وكان عضد الدولة قد صادره.
(3) الكارة: خمسون رطلا.
(4) الخبز الأسمر غير النقي (فارسي) .
(5) " المنتظم ": 7 / 136.
(6) في الأصل: حادة.
(7) " المنتظم ": 7 / 142.
(8) ربما يكون الوجه: " جرفت ".
(9) قال ياقوت: بالضم والقصر، وقد يفتح، وضبطها صاحب القاموس بالفتح، وهي بلدة من أعمال واسط.
(10) " المنتظم " 7 / 141.
(11) في الأصل: ابنه، وهو وهم.(15/124)
صَالحَان (1) .
وَكَانَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ ذَا هَيْبَةٍ وَوَقَار وَحَزْم، وَحَارَبَه ابْنُ صَمْصَام الدَّوْلَةِ الَّذِي كُحِلَ.
وَخُرِّبَت البَصْرَةُ وَالأَهْوَازُ، وَعَظُمَت الفِتَنُ، وَتوَاتَر أَخذُ العَمَلاَت بِبَغْدَادَ (2) ، وَتحَارَبَتِ الشِّيْعَةُ وَالسُّنَّة مُدَّةً، ثُمَّ وَثبُوا عَلَى الطَّائِع للهِ فِي دَارِه فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَان (3) سنَة 381، وَسَبَبُه أَن شَيْخَ الشِّيْعَة ابْنَ المُعَلِّم (4) كَانَ مِنْ خوَاصّ بهَاءِ الدَّوْلَة فَحُبِسَ، فَجَاءَ بهَاءُ الدَّوْلَةِ، وَقَدْ جَلَس الطَّائِع فِي الرِّوَاق متقلِّدَ السَّيْف، فَقبَّل الأَرْضَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ، فَتَقَدَّم جَمَاعَةٌ مِنْ أَعوَانه، فجذَبُوا الطَّائِعَ بحمَائِل سيْفِهِ، وَلفُّوهُ فِي كِسَاءٍ، وَأُصْعِدَ فِي سَفِينَته إِلَى دَار المملكَةِ، وَمَاجَ النَّاسُ وَظنَّ الجُنْدُ أَنَّ القَبْضَ عَلَى بهَاءِ الدَّوْلَةِ، فَوَقَعَ النَّهْبُ، وَقُبض عَلَى الرَّئيس عَلِيِّ بنِ حَاجِب النُّعْمِيّ (5) وَجَمَاعَةٍ، وصُودرُوا وَاحتيط عَلَى الخَزَائِنِ وَالخَدَمِ أَيْضاً (6) .
فَكَانَ الطَّائِع هَمَّ بِالقَبْضِ عَلَى ابْنِ عَمِّه القَادِرِ بِاللهِ وَهُوَ أَمِيْرٌ، فَهَرَبَ إِلَى البطَائِح (7) ، وَانضمَّ إِلَى مهذِّبِ الدَّوْلَةِ (8) ، وَبَقِيَ مَعَهُ عَامِين، فَأَظهر
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 148 - 149.
(2) " المنتظم ": 7 / 153 والعملات: السرقات.
(3) في " المنتظم ": 7 / 156 " رمضان ".
(4) هو علي بن محمد، الكوكبي، قال عنه ابن الأثير في " كامله ": 9 / 77: " كان المدبر لدولة بهاء الدولة، وإليه الحكم ".
(5) هو علي بن عبد العزيز بن إبراهيم، أبو الحسن، المعروف بابن حاجب النعمان، شاعر من بلغاء الكتاب، كتب للطائع ثم للقادر، وخوطب برئيس الرؤساء، توفي سنة / 423 / هـ له ترجمة في " معجم الأدباء ": 14 / 35 - 39.
(6) " المنتظم ": 7 / 156 - 157.
وفي " الكامل ": 9 / 79 سبب آخر للخلغ غير حبس ابن المعلم، وهو قلة المال بين يدي بهاء الدولة، وطمعه في ثروة الخليفة، ويرجع هذا الخبر قبض بهاء الدولة على ابن المعلم وقتله في سنة / 382 / هـ.
(7) مفردها: البطيحة: وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة، وسميت بطائح لان المياه تبطحت فيها، أي سالت واتسعت في الأرض. " معجم البلدان ": 1 / 450.
(8) هو علي بن نصر، أبو الحسن، أمير البطيحة، وليها بعد وفاة خاله المظفر / 376 / =(15/125)
بهَاءُ الدَّوْلَةِ أَمْرَ القَادِرِ وَأَنَّهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ.
وَنُوديَ بِذَلِكَ، وَأُشهد عَلَى الطَّائِعِ بِخَلْعِ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ سَلَّمَ الخِلاَفَة إِلَى القَادِرِ بِاللهِ، وَشَهِدَ الكُبَرَاءُ بِذَلِكَ، ثُمَّ طُلبَ القَادِرُ، وَاسْتحثُّوهُ عَلَى القدومِ، وَاسْتبُيحتْ دَارُ الخِلاَفَة حَتَّى نُقِضَ خشبُهَا (1) .
وَكَتَبَ القَادِرُ: مِنْ عَبْدِ اللهِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ القَادِرِ بِاللهِ إِلَى بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، وضيَاءِ المِلَّةِ أَبِي نَصْر بنِ عضُدِ الدَّوْلَةِ.
سلاَمٌ عَلَيْك.
أَمَّا بَعْدُ: أَطَالَ اللهُ بقَاءَك وَأَدَام عِزَّك، وَرَد كِتَابُك بِخَلْعِ العَاصي المتلقِّب بِالطَّائِع لبوَائِقهِ وَسُوءِ نيَّتِهِ.
فَقَدْ أَصبحت سَيْفَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ المُبِير (2) .
ثُمَّ فِي السَّنَة الآتيَةِ سُلِّمَ الطَّائِعُ المخلوعُ إِلَى القَادِرِ فَأَنزله فِي حُجْرَةٍ موكّلاً بِهِ، وَأَحسنَ صيَانَتَه، وَكَانَ المخلوعُ يُطلب مِنْهُ أُمُوراً ضخمَةً، وَقدِّمت بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَة قَدِ اسْتُعملتْ فَأَنكرَ ذَلِكَ، فَأَتْوهُ بجَدِيْدَةٍ (3) ، وَبَقِيَ مُكَّرماً إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ (4) .
وَمَا اتَّفَقَ هَذَا الإِكرَامُ لخَلِيْفَةٍ مخلوعٍ مثلِهِ.
وكَانَتْ دولتُهُ ثَمَانِي عَشْرَة سَنَةً (5) .
وَبَقِيَ بَعْد عَزْله أَعْوَاماً إِلَى أَنْ مَاتَ لَيْلَةَ عيدِ الفِطْرِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ القَادِر وَكَبَّرَ خمساً،
__________
= هـ بعهد منه.
وقد عظم شأنه، حتى إن القادر بالله لجأ إليه لما خاف من الطائع سنة / 408 / هـ
أخباره في " الكامل ": 9 / 50 وما بعدها و302 - 303.
(1) " المنتظم ": 7 / 157.
(2) انظر الكتاب بأكمله في " المنتظم ": 7 / 159 - 160.
(3) " تاريخ الخلفاء ": 411.
(4) " الكامل ": 9 / 93.
(5) في الأصل: كانت دولته ثمانيا وعشرين سنة، وهو وهم وما أثبتناه على وجه التقريب.
إذ أنه ولي الخلافة سنة / 363 / هـ وخلع سنة / 381 / هـ وفي " تاريخ بغداد ": 11 / 79 " كانت مدة خلافته سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة أيام ".(15/126)
وَرثَاهُ الشَّرِيْفُ الرَّضِيّ بقَصِيْدَةٍ (1) .
وَعَاشَ ثَلاَثاً وَسَبْعِيْنَ (2) سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -.
63 - القَادِرُ بِاللهِ أَحْمَدُ ابنُ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ بنِ المُقْتَدِرِ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ ابنِ المقتدِرِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَضِدِ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وَأُمُّه اسْمُهَا: تمني (3) .
مولده: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَمَاتَتْ أمه فِي دَوْلته، وَقَدْ عَجزَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبْيَضَ كثَّ اللِّحْيَة يَخْضِبُ ديِّناً عَالِماً متعبِّداً وَقُوْراً مِنْ جِلَّة الخُلَفَاءِ وَأَمثلِهِمْ.
عَدَّه ابْنُ الصَّلاَح (4) فِي الشَّافِعِيَّة.
تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بِشْر أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ (5) .
__________
(1) مطلعها: أي طود دك من أي جبال * لقحت أرض به بعد حيال ما رأى حي نزار قبلها * جبلا سار على أيدي الرجال وهي طويلة انظر " الديوان ": 2 / 666 (طبعة بيروت 1309) .
(2) في " المنتظم ": 7 / 224 " عاش ستا وسبعين " وربما يكون هو الصواب لان الطائع ولد سنة / 317 / وتوفي سنة / 393 / هـ.
(*) تاريخ بغداد: 4 / 37 - 38، المنتظم: 7 / 160 - 165، 8 / 60 - 61، الكامل: 9 / 80 وما بعدها، النبراس: 127 - 136، الفخري: 254، العبر: 3 / 148، الوافي بالوفيات: 6 / 239 - 241، النجوم الزاهرة: 4 / 160 وما بعدها، تاريخ الخلفاء: 411 - 417، شذرات الذهب: 3 / 221 - 223.
(3) في " تاريخ بغداد ": 4 / 37 " يمنى " وفي " الكامل ": 9 / 80: " دمنة، وقيل: تمني ".
(4) عثمان بن عبد الرحمن بن موسى. الكردي، تقي الدين، المعروف بابن الصلاح: أحد الفضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال، وهو صاحب المقدمة المشهورة في مصطلح الحديث.
توفي بدمشق سنة / 643 / هـ انظر " وفيات الأعيان ": 3 / 243 - 245.
(5) له ترجمة في " تاريخ بغداد ": 5 / 88 - 89.(15/127)
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ مِنَ الدِّين، وَإِدَامَةِ التهجُّدِ، وَكَثْرَةِ الصَّدقَاتِ عَلَى صفَةٍ اشتُهِرَتْ عَنْهُ.
وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الأُصُوْلِ، ذَكَرَ فِيْهِ فضل (1) الصَّحَابَةِ، وَإِكفَارَ مَنْ قَالَ: بِخَلْقِ القُرْآنِ.
وَكَانَ ذَلِكَ الكِتَاب يُقرأُ فِي كُلِّ جُمُعَة فِي حَلْقَةِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَيحضُرُه النَّاسُ مُدَّة خِلاَفته، وَهِيَ إِحْدَى وَأَرْبَعُوْنَ سنَةً وَثَلاَثَة أَشهر (2) .
قُلْتُ: قَامَ بِخِلاَفته بهَاءُ الدَّوْلَةِ كَمَا تقدَّم (3) فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، وَاسْتقدمُوهُ مِنَ البَطَائحِ فَجَهَّزَهُ أَمِيْرُهَا مهذِّبُ الدَّوْلَةِ عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ، وَحمَّله مِنَ الآلاَتِ وَالرخت بِمَا أَمكن، وَأَعطَاهُ طَيَّاراً (4) فَلَمَّا قَدِمَ وَاسِطَ، أَتَاهُ الأَجْنَادُ، وَطَلَبُوا رسمَ البَيْعَة، وَهَاشُوا (5) ، فوعدهُم بِالجَمِيْلِ، فرضُوا، فَكَانَ مُقَامُه بِالبَطيحَة أَزيدَ مِنْ سَنَتَيْنِ، فَقَدِمَ (6) ، وَاسْتَكْتب أَبَا الفَضْل مُحَمَّد بن أَحْمَدَ عَارض الدَّيْلَم، وَجَعَلَ أُسْتَاذَ دَارِه عَبْد الوَاحِدِ الشِّيْرَازِيَّ وَحلفَ هُوَ وَبهَاء الدَّوْلَة كُلّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ثُمَّ سَلْطنه (7) .
وَذكر مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيُّ (8) ، أَنَّ القَادِرَ كَانَ يَلْبَسُ زيَّ العَامَّةِ، وَيَقْصِدُ الأَمَاكنَ المُبَارَكَةَ (9) . وَطلب مِنْ أَبِي الحَسَنِ بن القَزْوِيْنِيّ
__________
(1) في " تاريخ بغداد ": 4 / 37 " فضائل ".
(2) " تاريخ بغداد ": 4 / 37 - 38.
(3) انظر ص / 126 / من هذا الجزء.
(4) نوع من السفن.
(5) الهوشة: الفتنة والهيج والاضطراب، يقال: هاش القوم، من باب قال.
(6) " المنتظم ": 7 / 157.
(7) " المنتظم ": 7 / 161.
(8) جمع الهمذاني تاريخا في الملوك والدول..وكان رجلا فاضلا حسن المعرفة بالتواريخ وأخبار الدول والملوك والحوادث.
قال عنه ابن النجار: " به ختم هذا الفن ". توفي سنة / 521 / " الوافي بالوفيات ": 4 / 37 - 38.
(9) " المنتظم ": 7 / 161.(15/128)
أَنْ ينفّذ لَهُ مِنْ طعَامه، فَنفَّذ باذِنجَاناً مقلُواً بخلٍّ وَبَاقِلَّى وَدِبْساً، فَأَكل مِنْهُ وَفَرَّق، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَائتَيْ دِيْنَار فَقبِلَها.
ثُمَّ طلبَ مِنْهُ بَعْدُ طعَاماً، فَبَعَثَ إِلَيْهِ زبَادِي فرَاريج وَدجَاج وَفَالوذج، فتعجَّب الخَلِيْفَةُ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ:
لم أَتكلَّفْ، وَلَمَّا وَسِّع عَلِيّ وَسعتُ عَلَى نَفْسِي فَأَعجبه، وَكَانَ يَتَفَقَّدهُ (1) .
وعَمِلَت الرَّافِضَة عيدَ الْغدير (2) ، يَعْنِي: يَوْم المُؤَاخَاة، فثَارتِ السُّنَّةُ، وَقووا، وَخَرَّقُوا عَلَمَ السُّلْطَانِ.
وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، وَصُلِبَ آخرُوْنَ، فكفّوا (3) .
وفِي هَذَا القُرب طَلَبَ أَمِيْرُ مَكَّة أَبُو الفُتُوْحِ العَلَوِيُّ الخِلاَفَةَ، وَتَسَمَّى بِالرَّاشد بِاللهِ، وَلَحِقَ بِآل جَرَّاح الطَّائِيّ بِالشَّامِ، وَمَعَهُ أَقَاربه، وَنحوٌ مِنْ أَلفِ عَبْدٍ، وَحَكَمَ بِالرَّمْلَةِ، فَانزعج العَزِيْزُ (4) بِمِصْرَ، وَتلطَّف (5) بِالطَّائِيين، وَبَذَلَ لَهُم الأَمْوَالَ، وَكَتَبَ بِإِمَارَةِ الحَرَمَيْنِ لاِبْنِ عَمِ الرَّاشدِ، فَوهَنَ أمْرُ الرَّاشدِ، فَأَجَارَه أَبُو حَسَّانَ الطَّائِيّ، وَتلطَّف لَهُ حَتَّى عَادَ إِلَى إِمرَة مَكَّة (6) .
وَفِيْهَا: اسْتولَى بُزَال (7) عَلَى دِمَشْق، وَهَزَم مُتَوَلِّيهَا منيراً (8) .
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 162.
وفي الأصل " فنفذ باذنجان مقلو بخل، وباقلى، ودبس ".
أي: بالرفع.
(2) يوم الغدير: يعنون به غدير خم، وخم: واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير، عنده خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حجها، فقال: " من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " وانظر مجمع الزوائد 9 / 103 - 109.
(3) " المنتظم ": 7 / 164.
(4) ستأتي ترجمته برقم / 69 / من هذا الجزء.
(5) أي العزيز.
(6) " المنتظم ": 7 / 164.
(7) في " ذيل تاريخ دمشق " نزال: بالنون.
(8) " ذيل تاريخ دمشق ": 40 وانظر ترجمة منير الخادم في " أمراء دمشق ": 89.
(*) سير 15 / 9(15/129)
وَنقَصَ التَّشَيُّع مِنْ بَغْدَادَ، وَاسْتضرَت الأُمَرَاءُ عَلَى بهَاءِ الدَّوْلَة، وَقهروهُ حَتَّى سَلَّم إِلَيْهِم أَبَا الحَسَنِ ابْنَ المُعَلِّم الكوكَبِي، فَخُنق (1) ، وَعَظُمَ القَحْطُ بِبَغْدَادَ.
وَفِي سَنَةِ 383 تَزَوَّجَ القَادِر بِاللهِ سُكَيْنَة بنْت الْملك بهَاءِ الدَّوْلَة (2) ، وَاسْتفحل البلاَءُ بِالعَيَّارين بِبَغْدَادَ، وَلَمْ يَحجَّ أَحَدٌ مِنَ العِرَاقِ (3) .
وَمَاتَ: فِي سَنَةِ 87 فَخرُ الدَّوْلَة عَلِيُّ بنُ ركنِ الدَّوْلَةِ بن بُوَيه بِالرَّيّ، وَوزَرَ لَهُ ابْنُ عَبَّاد (4) .
وَكَانَ شَهْماً شُجَاعاً، كَانَ الطَّائِع قَدْ لَقبه ملك الأُمَّة عَاشَ ستاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَتْ دَوْلَته أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَترك أَلفِي أَلف دِيْنَار وَثَمَان مائَةِ أَلْف دِيْنَار، وَمِنَ الجَوَاهِرِ مَا قيمتُهُ ثَلاَثَة آلاَف أَلف، وَمِنْ آنيَة الذَّهبِ مَا وَزنُهُ أَلفُ أَلفٍ، وَمِنْ آنيَة الفِضَّةِ مَا وَزنه ثَلاَثَة آلاَفِ أَلفٍ، وَمِنْ فَاخر الثِّيَابِ ثَلاَثَة آلاَفِ حِمْل.
وَكَانَتْ خَزَائِنهُ عَلَى ثَلاَثَة آلاَف وَخَمْسِ مائَة جَمَل (5) .
وفِي سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ هَلَكَ تِسْعَة مُلُوْك: صَاحِبُ مِصْرَ العَزِيْزُ، وَصَاحِب خُرَاسَان، وَفخر الدَّوْلَة المَذْكُوْرُ، وَصَاحِب خُوَارَزْم مَأْمُوْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَصَاحِب بُسْت (6) سُبُكْتِكيِن وَغَيْرُهُم (7) .
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 168.
(2) " المنتظم ": 7 / 172.
(3) " المنتظم ": 7 / 174.
(4) هو إسماعيل بن عباد بن العباس، الملقب: بالصاحب، لصحبته مؤيد الدولة في صباه..كان نادرة زمانه، واعجوبة عصره في الفضائل والمكارم توفي سنة / 385 / هـ له ترجمة وافية في " معجم الأدباء ": 6 / 168 - 317.
(5) " المنتظم ": 7 / 197 - 198.
(6) مدينة بين سجستان وغزنين وهراة " معجم البلدان ": 1 / 414.
(7) مظم فيهم أبو منصور الثعالبي قصيدة. فليراجها من يشاء في " تاريخ الخلفاء ": 413.(15/130)
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ ظَهَرَ بسِجِسْتَان معدِنُ الذَّهَب (1) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ عَقَدَ القَادِرُ بولاَيَةِ العَهْدِ لابْنِهِ الغَالِبِ بِاللهِ، وَهُوَ فِي تِسْعِ سِنِيْنَ، وَعجَّل بِذَلِكَ، لأَن الخَطِيْبَ الوَاثِق (2) سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَافتعل كِتَاباً مِنَ القَادِر بِأَنَّهُ وَلِيُّ عَهْدِهِ.
وَاجْتَمَعَ ببَعْضِ المُلُوكِ فَاحْتَرَمَه، وَخطَبَ لَهُ بَعْدَ القَادِر، وَنفَّذ رَسُوْلاً إِلَى القَادِرِ بِمَا فَعَل، فَأَثْبتَ فِسْقِ الوَاثِقِيّ، وَمَاتَ غَرِيْباً (3) .
وَكَانَ الرَّفضُ عَلاَنيَةً بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِ مائَة.
وَلَقَدْ أَخَذَ نَائِبُهَا تمصُولُت (4) البَرْبَرِيُّ رَجُلاً فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فطيفَ بِهِ عَلَى حمَارٍ: هَذَا جزَاء مَنْ يُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعمرَ، ثُمَّ قُتِل (5) .
وفِي هَذَا الْحِين ظَهَرَ أَبُو ركْوةَ (6) الأُمَوِيُّ، وَالتفَّ عَلَيْهِ مِنَ المغَاربَة وَالعَرَب خَلْق، وَحَارَبَ وَلَعَنَ الحَاكِمَ، فَجَهَّزَ الحَاكِمُ لِحَرْبِهِ ستّةَ عشرَ أَلْفاً، فَظفِرُوا بِهِ وَقُتِلَ.
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 207.
(2) من ولد الخليفة الواثق بالله، هارون بن محمد، المتوفى سنة / 232 / هـ، وكان يلي الخطابة.
(3) " المنتظم ": 7 / 215.
(4) هكذا رسمها الامام الذهبي وضبطها، وفي " الكامل ": 9 / 178 بالضاد، وفي " ذيل تاريخ دمشق ": 58: طزملت.
(5) " الكامل ": 9 / 178.
(6) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 7 / 233: وإنما كني بأبي ركوة لركوة كانت معه في أسفاره، يحملها على مذهب الصوفية ".
وستأتي نتف من أخباره في ترجمة الحاكم بأمر الله ص / 173 / (7) انظر قصة خروجه في " الكامل ": 9 / 197 - 203.(15/131)
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مائَة عَمِلَ ابْنُ سَهلاَن (1) سوراً مَنِيعاً عَلَى مشهدِ عليٍّ (2) .
وَافتَتَح مَحْمُوْدُ بنُ سُبُكْتِكِين فتحاً عَظِيْماً مِنَ الهِنْد.
وفِي هَذَا الوَقْتِ انبثَّتْ دُعَاةُ الحَاكِمِ فِي الأَطرَافِ، فَأَمر القَادِرُ بِعَمَل مَحْضرٍ يتضمَّنُ القَدْحَ فِي نَسَبِ العُبَيْدِيَّة (3) ، وَأَنَّهُم منسوبُوْنَ إِلَى دَيصَان بن سَعِيْدٍ الخُرَّمِيّ، فَشَهِدُوا جَمِيْعاً أَنَّ النَّاجمَ بِمِصْرَ مَنْصُوْر بن نزَار الحَاكِم حَكَمَ الله عَلَيْهِ بِالبوَارِ، وَأَنَّ جدَّهُم لَمَّا صَارَ إِلَى الغَرْب تسمّى بِالمَهْدِيّ عُبَيْدِ اللهِ، وَهُوَ وَسَلَفُهُ أَرجَاسٌ أَنجَاسٌ خوَارجُ أَدْعيَاء، وَأَنْتُم تعلمُوْنَ أَنَّ أَحَداً مِنَ الطَّالبيين لَمْ يتوقفْ عَنْ إِطلاَقِ القَوْلِ بِأَنَّهُم أَدعيَاء، وَأَنَّ هَذَا النَّاجمَ وَسلفه (4) كفَارٌ زَنَادقَة، وَلِمَذْهَب الثَّنَوِيَّة (5) وَالمَجُوْسِيَّة (6) معتقدُوْنَ، عطَّلُوا الحُدُوْدَ، وَأَباحُوا الفروجَ، وَسفكُوا الدِّمَاء، وَسبُّوا الأَنْبِيَاءَ، وَلعنُوا السَّلَفَ، وَادَّعَوُا الربوبيّة، وَكَتَبَ فِي الْمحْضر الشَّرِيْف الرَّضِيّ، وَالشَّرِيْف المُرْتَضَى، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، وَابْن الأَزْرَق العَلَويون، وَالقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الأَكفَانِي، وَالقَاسِم أَبُو القَاسِمِ الجَزَرِيّ، وَالشَّيخ أَبُو حَامِدٍ الإِسْفَرَايينِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الكَشْفُلِيُّ (7) ، وَأَبُو الحُسَيْنِ
__________
(1) أبو محمد، الحسن بن سهلان.
عميد أصحاب الجيوش.
(2) " المنتظم ": 7 / 246.
(3) سيرد الكلام في نسبهم مفصلا في ترجمة المهدي ص / 141 / من هذا الجزء.
(4) في الأصل: وسيلة، وما أثبتناه من " المنتظم ": 7 / 255.
(5) أصحاب الاثنين الازليين.
النور والظلمة. يزعمون بأنهما أزليان قديمان. انظر " الملل والنحل ": 1 / 244.
(6) راجع " الملل والنحل ": 1 / 233 - 244.
(7) بفتح الكاف، وسكون الشين المعجمة، وضم الفاء - وفي اللباب ومعجم البلدان بفتحها - وفي آخرها اللام.
هذه النسبة إلى " كشفل " وهي من قرى آمل بطبرستان. الأنساب: 10 / 434 - 435.
انظر ترجمته في " تاريخ بعداد ": 8 / 105.(15/132)
القُدورِي وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ حَمَكَان (1) .
وَوَرَدَ عَلَى الخَلِيْفَة كِتَابُ مَحْمُوْد أَنَّهُ غَزَا الكُفَّارَ، وَهُم خَلْقٌ مَعَهُم سِتّ مائَة فيل، وَأَنَّهُ نُصر عَلَيْهِم (2) .
وفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ اسْتُبيحَ وَفْدُ العِرَاقِ، وَقلَّ مَنْ نَجَا، فيُقَال: هلكَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَتُسَمَّى وَقعَة الفرعَاء.
فَسَارَ ابْنُ مَزْيَد (3) ، وَلحِقهُم بِالبريَّة، فَقَتل مِنْهُم مَقْتَلَةً، وَأَسَر أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ كِبَارهُم، فَأُهلكُوا بِبَغْدَادَ (4) .
وَبَعَثَ ابْنُ سُبُكْتِكِين إِلَى القَادِرِ بِأَنَّهُ وَردَ إِلَيْهِ الدَّاعِي مِنَ الحَاكِمِ يدعُوهُ إِلَى طَاعته، فَخرَّق كِتَابَهُ، وَبَصَق عَلَيْهِ (5) .
وَمَاتَ فِي حُدُوْدِهَا أَيلَك خَانُ صَاحِبُ مَا وَرَاء النهرِ الَّذِي أَخَذ البِلاَدَ مِنْ آلِ سَامَانَ مِنْ بضْع عَشْرَة سَنَةً.
وَكَانَ ظَالماً مَهِيْباً، شَدِيدَ الوطْأَة.
وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُغَانَ ملكِ التُّرْك حُرُوبٌ، فَوَرِثَ أَخُوْهُ طُغَانُ مملكتَه (6) ، وَمَالأَه ابْنُ سُبُكْتِكِين، فتحركتْ جيوشُ الصينِ لِحَرْبِ طُغَانَ فِي أَزيدَ مِنْ مائَة أَلْف خركَاة (7) ، فَالتفَاهُم طُغَان، وَنَصَرَهُ الله (8) .
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 255 - 256.
(2) " المنتظم ": 7 / 256 - 257.
(3) علي بن مزيد الأسدي، أبو الحسن: صاحب الحلة..كان شجاعا، توفي سنة / 408 / هـ وأخباره مبثوثة في كتب التاريخ.
(4) " المنتظم ": 7 / 261.
(5) " المنتظم ": 7 / 262.
(6) " الكامل ": 9 / 240.
(7) كلمة فارسية، معناها: الخيمة الكبيرة. انظر " معجم الألفاظ الفارسية المعربة ": 53 - 54.
(8) " الكامل ": 9 / 297.(15/133)
وَمَاتَ بهَاءُ الدَّوْلَة أَحْمَد (1) بن عضد الدَّوْلَة، وَتسلطن ابْنه سُلْطَان الدَّوْلَةِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ (2) ، وَجَلَسَ القَادِرُ لِذَلِكَ، وَقبَّل الأَرْضَ فَخر الْملك الوَزِيْر (3) ، وَقرأَ ابْنُ حَاجِب النُّعْمَان الْعَهْد، وَعَلَّم عَلَيْهِ القَادِر، وَأُحْضرت الخِلَعُ وَالتَّاجُ وَالطَّوقُ وَالسِّوَارَانِ وَاللوَاءانِ فعقدهُمَا الخَلِيْفَةُ بِيَدِهِ، وَأَعطَى سيفاً لِلْخَادم، فَقَالَ:
قَلَّدْه بِهِ فَهُوَ فَخرٌ لَهُ وَلِعَقبه، وَبُعِثَ بِذَلِكَ إِلَى شِيرَاز.
وَفِيْهَا: أَبطَلَ الحَاكِمُ المنجِّمِين مِنْ ممَالكِهِ، وَأَعتق أَكْثَر مَمَالِيْكه (4) ، وَجَعَلَ وَلِيَّ عَهْدِهِ ابْن عَمِّهِ عَبْد الرَّحِيْمِ بن إِليَاس، وَأَمر بِحَبْس النِّسَاءِ فِي البُيوتِ، فَاسْتمرَّ ذَلِكَ خَمْسَة أَعْوَام (5) ، وَصلُحت سيرتُه - لاَ أَصلَحَه الله - وَمَنَعَ بِبَغْدَادَ فَخرُ الْملك مِنْ عَمَل عَاشُورَاء (6) .
ووقعَت القُبَّة الَّتِي عَلَى صخرَة بَيْت المَقْدِس (7) ، وَافتَتَح ابْنُ سُبُكْتِكِين خُوَارَزم (8) ، وَوقَعَ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الشِّيْعَةِ وَالسُّنَّة فِتَنٌ عُظْمَى، وَاشْتَدَّ البلاَء، وَاسْتضرت عَلَيْهِم السُّنَّة، وَقُتِلَ جَمَاعَة (9) .
وَاستتَابَ القَادُر فُقَهَاءَ المُعْتَزِلَة، فَتبرَّؤَا مِنَ الاعتزَال وَالرَّفضِ، وَأُخذت خُطُوطهُم بِذَلِكَ (10) .
__________
(1) في " النجوم الزاهرة ": 4 / 232، فيروز، وقيل: خاشاد.
(2) " الكامل ": 9 / 241.
(3) له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 5 / 124 - 127.
(4) في الأصل: أكبر، وهو تصحيف.
(5) " المنتظم ": 7 / 268.
(6) " المنتظم ": 7 / 276.
(7) " المنتظم ": 7 / 283.
(8) " المنتظم ": 7 / 284.
(9) " المنتظم ": 7 / 283.
(10) " المنتظم ": 7 / 287.(15/134)
وَتَزَوَّجَ سُلْطَان الدَّوْلَة بِبِنْت صَاحِب المَوْصِلِ قِروَاش (1) .
وَقُتِلَ الدُّرْزِيّ (2) الَّذِي ادَّعَى ربوبيَّة الحَاكِم.
وَامتَثَل ابْنُ سُبُكْتِكِين أَمرَ القَادِر، فَبَثَّ السُّنَّة بِممَالِكه، وَتهدَّد بِقَتْلِ الرَّافِضَة وَالإِسْمَاعِيْليَّة وَالقرَامطَة، وَالمشبِّهَة وَالجَهْمِيَّة وَالمُعْتَزِلَة.
وَلُعنُوا عَلَى المنَابِرِ (3) .
وَفِيْهَا: أَعنِي سنَة تِسْعٍ، قَدِمَ سُلْطَان الدَّوْلَةِ بَغْدَادَ (4) .
وَافتَتَح ابْنُ سُبُكْتِكِين عِدَّةَ مدَائِن بِالهِنْدِ.
وَوَرَدَ كِتَابهُ فَفِيْهِ: صَدَرَ العَبْدُ مِنْ غَزْنَة فِي أَوَّلِ سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَانتُدِبَ لتنفيذِ الأَوَامرِ، فرتَّب فِي غَزْنَة خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف فَارس، وَأَنهضَ ابْنه فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَشَحنَ بَلْخ وَطَخَارُسْتَان بِاثْنَيْ عشرَ أَلف فَارس، وَعشرَة آلاَف رَاجل، وَانتَخَبَ ثَلاَثِيْنَ أَلف فَارس، وَعشرَة آلاَف رَاجل لصحبه رَايَة الإِسْلاَم.
وَانضمَّ إِلَيْهِ المُطَّوِّعَةُ، فَافْتَتَحَ قِلاعاً وَحُصوناً، وَأَسلم زُهَاء عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَأَدَّوْا نَحْو أَلف أَلف مِنَ الوَرِق، وَثَلاَثِيْنَ فيلاً.
وَعِدَّةُ الهَلكَى خَمْسُوْنَ أَلْفاً.
وَوَافَى العَبْدُ مَدِيْنَةً لَهُم عَاينَ فِيْهَا نَحْوَ أَلف قَصْر، وَأَلفَ بَيْتٍ لِلأَصْنَام.
وَمَبْلَغُ مَا عَلَى الصَّنَم ثَمَانيَةٌ وَتِسْعُوْنَ أَلف دِيْنَار، وَقَلَع أَزيدَ مِنْ أَلفِ صَنَمٍ. وَلهُم صنمٌ
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 287.
(2) في الأصل: الدوري، وهو تصحيف عن الدرزي، وهو محمد بن إسماعيل الداعي، كان من الباطنية القائلين بالتناسخ، قدم مصر واجتمع بالحاكم بأمر الله، وساعده على ادعاء الربوبية، وصنف له كتابا ذكر فيه أن روح آدم - عليه السلام - انتقلت إلى علي بن أبي طالب، وأن روح علي انتقلت إلى أبي الحاكم ثم انتقلت إلى الحاكم.
انظر " النجوم الزاهرة ": 4 / 184.
(3) " المنتظم ": 7 / 287.
(4) " المنتظم ": 7 / 290.(15/135)
معظَّم يُؤرخون مُدَّته بجهَالتهم بِثَلاَث مائَة أَلْف سنَة، وَحصَّلنَا مِنَ الغَنَائِم عِشْرِيْنَ أَلْف أَلف دِرْهَم، وَأَفْرَدَ الخُمْس مِنَ الرَّقيق.
فَبلغ ثَلاَثَةٌ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَاسْتعرضنَا ثَلاَث مائَة وَسِتَّةً وَخَمْسِيْنَ فِيلاً (1) .
وَنفذت مِنَ القَادِر باللهِ خِلَع السَّلْطنَة لقوَام الدَّوْلَة بولاَيَةِ كَرْمَان (2) .
ونَاب بِدِمَشْقَ عَبْد الرَّحِيْمِ وَلِيُّ عهْدِ الحَاكِمِ.
وَقُتِلَ بِمِصْرَ الحَاكِمُ وَأَرَاحَ اللهُ مِنْهُ فِي سَنَة إِحدى عَشْرَة (3) .
وفِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَقبَلَ الْملك مشرِّف الدَّوْلَة مصعِّداً إِلَى بَغْدَادَ مِنْ نَاحِيَة وَاسِط، وَطَلَب مِنَ القَادِرِ بِاللهِ أَنْ يخرُجَ لتلقِّيه، فتلقَّاهُ فِي الطَّيَّار وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِملكٍ قَبْلَه، وَجَاءَ مَشرِّفُ الدَّوْلَة، فَصَعَدَ مِنْ زبزبه إِلَى (4) الطَّيَّار، فَقبَّل الأَرْض، وَأُجلس عَلَى كُرْسِيّ (5) ، وَكَانَ موت مُشرِّف الدَّوْلَة (6) بن بهَاء الدَّوْلَة فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ، فنُهِبَتْ خَزَائِنه.
وَخُطب لجلاَلِ الدَّوْلَةِ، ثُمَّ إِنَّ الأُمَرَاء عَدَلُوا إِلَى الْملك أَبِي كَاليجَار (7) ، وَنوَّهوا باسمِهِ، وَكَانَ وَلِيَّ عهد أَبِيْهِ سُلْطَان الدَّوْلَةِ فَخُطِبَ لِهَذَا بِبَغْدَادَ، وَكَثُرَت العَمْلاَت (8) بِبَغْدَادَ جِدّاً، وَاسْتبَاحَ جلاَلُ الدَّوْلَةِ الأَهْوَازَ فَنَهَبَ مِنْهَا مَا قيمتُه
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 292 - 293 وسيورد المؤلف ترجمة محمود بن سبكتكين في الجزء السابع عشر برقم (319) .
(2) " المنتظم ": 7 / 293.
(3) ستأتي ترجمة الحاكم برقم / 70 / من هذا الجزء.
(4) مابين حاصرتين ساقطة من الأصل.
والزبزب: سفينة صغيرة.
(5) " المنتظم ": 8 / 12.
(6) سيورد المؤلف ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (425) .
(7) ترجمته في " المنتظم ": 8 / 139.
(8) العملة: بفتح العين المهملة وسكون الميم وفتح اللام، السرقة.(15/136)
خَمْسَة آلاَف أَلف دِيْنَار، وَأُحرقت فِي أَمَاكن (1) ، وَدثرت.
وَمَرِضَ القَادِرُ بِاللهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ جَلَس لِلنَّاسِ، وَأَظهرَ وَلاَيَة الْعَهْد لوَلَده أَبِي جَعْفَرٍ (2) .
وَكَانَ طَاغيَةُ الرُّوْم قَدْ قَصَدَ الشَّام فِي ثَلاَث مائَة أَلْف، وَمَعَهُ المَالُ عَلَى سَبْعِيْنَ جَمَّازَة (3) ، فَأَشرَفَ عَلَى عسكرِه مائَةُ فَارس مِنَ الأَعرَابِ، وَأَلفُ رَاجلٍ فَظَنُّوا أَنَّهَا كَبْسَةٌ، فَلَبِسَ ملكُهُم خُفّاً أَسوَد لكِي يختفِي، وَهَرَبَ فنُهِبَ مِنْ حوَاصِله (4) أَرْبَع مائَة بغل بِأَحْمَالهِا.
وَقُتِلَ مِنْ جَيْشه خَلْقٌ، وَأَخَذَ البُرْجُميُّ (5) اللِّصُّ وَأَعوَانُه العَمْلاَت وَالمخَازن الكِبَار، وَنهبَوا الأَسوَاق، وَعَمَّ البلاَء (6) ، وَخَرَجَ عَلَى جلاَل الدَّوْلَة جندُهُ لِمَنْع الأَرزَاق (7) .
وفِي ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، مَاتَ القَادِرُ بِاللهِ فِي أَوَّلِ أَيَّام التَّشْريق.
وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه القَائِمُ بِأَمرِ اللهِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَربعاً.
وَدُفِنَ فِي الدَّارِ، ثُمَّ بَعْد عَشْرَة أَشهر نُقل تَابوتُه إِلَى الرُّصَافَة، وَعَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً سِوَى شَهْرٍ وَثَمَانيَة أَيَّام (8) وَمَا عَلِمْتُ أَحَداً مِنْ خُلفَاء هَذِهِ الأُمَّة بَلَغَ هَذَا السِّنّ، حَتَّى وَلاَ عُثْمَان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
__________
(1) " الكامل ": 9 / 374 - 376، و" المنتظم ": 8 / 21.
(2) " المنتظم ": 8 / 47 - 48.
(3) الناقة.
(4) في " المنتظم ": 8 / 50 " من خاصته ".
(5) لبعض المفكرين المحدثين آراء جديرة بالدراسة حول هؤلاء العيارين.
وما كتبه ابن الأثير في " كامله ": 9 / 438 - 439 عن البرجمي يثير بعض الإعجاب به حقا ...
(6) " المنتظم ": 8 / 50.
(7) " المنتظم ": 8 / 56.
(8) " المنتظم ": 8 / 61.(15/137)
64 - القَائِم بِأَمْرِ اللهِ عَبْدُ اللهِ ابنُ القَادِرِ بِاللهِ بنِ إِسْحَاقَ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ ابنُ القَادِرِ بِاللهِ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ ابنِ المقتدِر جَعْفَرٍ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ، وَأُمُّه بَدْر الدجَى الأَرْمنيَّةُ.
وَقِيْلَ: قَطْر النَّدَى بقيت إِلَى أَثْنَاء خِلاَفته (1) .
وَكَانَ مَلِيحاً وَسِيْماً أَبيضَ بحُمرَة، قويَّ النَّفْسِ، ديِّناً وَرِعاً متصدِّقاً.
لَهُ يدٌ فِي الكِتَابَةِ وَالأَدبِ، وَفِيْهِ عَدْلٌ وَسمَاحَةٌ.
بُوْيِعَ يَوْم موتِ أَبِيْهِ بعهدٍ لَهُ مِنْهُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَأَبُوْهُ هُوَ الَّذِي لقَّبهُ.
وَلَمْ يَزَلْ أَمرُهُ مُسْتَقِيْماً إِلَى أَنْ قُبِضَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، لأَنْ أَرْسَلاَن التُّركِيَّ البَسَاسِيرِيَّ (2) ، عَظُمَ شَأْنُهُ لعدمِ نَظِيْرٍ لَهُ.
وَتهيبتْه أُمرَاءُ العَرَب وَالعَجَم، وَدُعِي لَهُ عَلَى المَنَابر.
وَظَلَمَ وَخرَّب القُرَى، وَانقهرَ مَعَهُ القَائِمُ، ثُمَّ تحُدِّثَ بِأَنَّهُ يُرِيْدُ نهبَ دَارِ الخِلاَفَةِ، وَعَزْلَ القَائِمِ.
فَكَاتَب القَائِم طُغْرُلْبَك (3) مَلِكَ الغُزّ يَسْتَنهضه، وَكَانَ بِالرَّيّ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ دَارُ البَسَاسِيرِي،
__________
(*) تاريخ بغداد: 9 / 399 - 404، المنتظم: 8 / 57 وما بعدها، الكامل: 9 / 417 وما بعدها، النبراس: 136 - 143، الفخري: 254، العبر: 3 / 264، تاريخ الخلفاء: 417 - 423، شذرات الذهب: 3 / 326 - 327.
(1) في " الكامل ": 10 / 95.
" وقيل أيضا: اسمها علم ".
(2) بفتح الباء الموحدة، والالف بين السينين المهملتين، أولاهما مفتوحة، والاخرى مكسورة، بعدها ياء ساكنة آخر الحروف وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى بلدة بفارس يقال لها: بسا، وبالعربية: فسا، والنسبة بالعربية إليها: فسوي، وأهل فارس ينسبون إليها: البساسيري. " الأنساب ": 2 / 203. وللبساسيري ترجمة في " وفيات الأعيان ": 1 / 192 - 193.
(3) هكذا ضبطه ابن خلكان. انظر " وفيات الأعيان ": 5 / 63 - 68.(15/138)
وَهَرَبَ، وَقَدِمَ طُغْرُلبك فِي سَنَةِ 447، وَذَهبَ البَسَاسِيرِيُّ إِلَى الرَّحْبَة (1) وَمَعَهُ عَسْكَر، فَكَاتَبَ المُسْتَنْصِرَ فَأَمدَّه مِنْ مِصْرَ بِالأَمْوَالِ، وَمَضَى طُغْرلْبَك سنَةَ تِسْعٍ إِلَى نِصيبينَ وَمَعَهُ أَخُوْهُ ينَال، فَكَاتِب البَسَاسِيرِيُّ ينَالَ فَأَفسدَه، وَطَمعَ بِمنصِب أَخِيْهِ.
فَسَارَ بجيشٍ ضَخم إِلَى الرَّي، فَسَارَ أَخُوْهُ فِي أَثَرِهِ، وَتفرَّقت الكَلِمَة.
وَالتُّقَى الأَخوَان بِهَمَذَانَ.
وَظَهَر ينَال، وَاضطرب أَمرُ بَغْدَاد، وَوَقَعَ النَّهب، وَفرّتْ زَوْجَةُ طُغْرُلْبَك فِي جَيْشٍ نَحْو هَمَذَان.
فَوَصَلَ البَسَاسِيرِيُّ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلَى الأَنْبَار.
وَبُطِّلتِ الجُمُعَة، وَدَخَلَ شَاليش عَسْكَره، ثُمَّ دَخَلَ هُوَ بَغْدَاد فِي الرَّايَاتِ المِصْرِيَّة، وضرَبَ سُرَادِقَه عَلَى دِجْلَة، وَنصَرَتْه الشِّيْعَة.
وَكَانَ قَدْ جَمَعَ العَيَّارين وَالفلاَّحين، وَأَطمَعَهُم فِي النَّهب.
وَعظُم القَحْطُ، وَاقْتَتَلُوا فِي السُّفُنِ.
ثُمَّ فِي الجُمُعَةِ المقبلَة دُعِيَ لصَاحِبِ مِصْرَ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَأَذَّنُوا: بحيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ.
وَخندَقَ الخَلِيْفَةُ حولَ دَارِه، ثُمَّ نهَضَ البَسَاسِيرِيُّ فِي أَهْل الكَرْخ وَغَيْرهم إِلَى حَرْبِ القَائِم، فَاقتلُوا يَوْمِيْنِ، وَكَثُرت القَتْلَى، وَأُحرقت الأَسوَاق، وَدخلُوا الدَّارَ (2) فَانتهبُوهَا، وَتذمِّم القَائِمُ إِلَى الأَمِيْر قُرَيْش العُقَيْلِيِّ (3) .
وَكَانَ مِمَّنْ قَامَ مَعَ البَسَاسِيرِيُّ - فَأَذمَّه، وَقبَّل بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَخَرَجَ القَائِم رَاكباً، بَيْنَ يَدَيْهِ الرَّايَة، وَالأَترَاكُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأُنزل فِي خَيْمَة، ثُمَّ قَبَضَ البَسَاسِيرِيُّ عَلَى الوَزِيْر أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بن المُسْلمَة، وَالقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامَغَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، فصَلبَ الوَزِيْرَ فَهَلَكَ (4) .
__________
(1) تقع على الفرات بين الرقة وبغداد.
(2) أي دار الخلافة.
(3) له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 5 / 267.
(4) " تاريخ بغداد ": 9 / 399 - 404، وانظر " الفخري ": 257 - 258 وفي " طبقات الشافعية ": 5 / 247 - 253 تفصيل واف عن مقتل الوزير ابن المسلمة.(15/139)
وَكَانَ القَائِمُ فِيْهِ خَيْرٌ وَاهتمَام بِالرَّعيَة، وَقضَاءٌ لِلْحَوَائِجِ.
وَقِيْلَ: أَنَّهُ لمَا بَقِيَ مُعتقلاً عِنْد العَرَبِ كتبَ قِصَّةً، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى بَيْتِ اللهِ مستَعْدِياً مِمَّن ظَلَمَهُ وَهِيَ: إِلَى اللهِ العَظِيْمِ مِنَ المِسْكِيْنِ عَبده: اللَّهُمَّ إِنَّك العَالِمُ بِالسَّرَائِر، المطَّلِعُ عَلَى الضَّمَائِر.
اللَّهُمَّ إِنَّك غَنِيٌ بِعِلْمِكَ وَاطِّلاعِكَ عليَّ عَنْ إِعلاَمِي، هَذَا عبدُكَ قَدْ كَفَر نِعَمَكَ وَمَا شَكَرهَا، أَطْغَاهُ حِلْمُكَ حَتَّى تعدَّى عَلَيْنَا بَغْياً.
اللَّهَّم قَلَّ النَّاصِر وَاعتزَّ الظَالِمُ، وَأَنْتَ المطَّلِعُ الحَاكِم، بِكَ نعتز عَلَيْهِ، وَإِليك نهرُب مَنْ يَدَيْهِ، فَقَدْ حَاكَمْنَاهُ (1) إِلَيْكَ، وَتوكلْنَا فِي إِنصَافِنَا مِنْهُ عَلَيْكَ، وَرفَعْنَا ظُلاَمَتَنَا إِلَى حَرَمك، وَوثِقْنَا فِي كَشْفهَا بكَرَمِك.
فَاحكمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الحَاكمِين (2) .
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ طُغْرُلْبَك، فَإِنَّهُ ظَفِرَ بِأَخِيْهِ وَقَتَله (3) .
ثُمَّ كَاتِب مُتَوَلِّي عَانَة (4) فِي أَنْ يَرُدَّ القَائِمَ إِلَى مَقرِّ عزّه (5) .
وَقِيْلَ: إِنَّ البَسَاسِيرِيَّ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَه السُّلْطَان طُغْرُلْبَك، فَحَصَّلَ القَائِمَ فِي مقرّ دَوْلته فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ (6) .
ثمَّ جهَّز طُغْرُلْبَك عَسْكَراً قَاتلُوا البَسَاسِيرِيَّ فَقُتل وَطيف بِرَأْسِهِ (7) .
فكَانَتِ الخُطْبَة لِلْمستنصر بِبَغْدَادَ سنَةً كَامِلَة.
__________
(1) في الأصل: حاكمنا.
(2) " المنتظم ": 8 / 195 - 196.
(3) " المنتظم ": 8 / 202.
(4) بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وهي مشرفة على الفرات قرب حديثة النورة، وفيها قلعة حصينة.
" معجم البلدان ": 4 / 72.
(5) " المنتظم ": 8 / 203 - 204.
(6) " المنتظم ": 8 / 208.
(7) " المنتظم ": 8 / 210.(15/140)
تُوُفِّيَ القَائِمُ فِي ثَالث عشر شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (1) .
65 - المَهْدِيُّ عُبَيْدُ اللهِ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَذُرِّيَتُهُ *
أَوَّلُ مَنْ قَامَ مِنَ الخُلَفَاءِ الخَوَارِجِ العُبَيْدِيَّة البَاطنيَّةِ الَّذِيْنَ قَلَبُوا الإِسْلاَمَ، وَأَعْلنُوا بِالرَّفضِ، وَأَبطنُوا مَذْهَبَ الإِسْمَاعِيليَّة (2) ، وَبثُّوا الدُّعَاةَ، يَسْتَغوون الجَبَليَّة وَالجَهَلَةَ.
وَادَّعَى هَذَا المدْبرُ، أَنَّهُ فَاطمِيٌّ مِنْ ذُرِّيَّة جَعْفَر الصَّادِق (3) فَقَالَ:
أَنَا عُبَيْد اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَيْمُوْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّد.
وَقِيْلَ: بَلْ قَالَ:
أَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ.
وَقِيْلَ: لَمْ يَكُنِ اسْمُهُ عُبَيْد اللهِ، بَلْ إِنَّمَا هُوَ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ.
وَقِيْلَ: سَعِيْدُ بنُ الحُسَيْنِ.
__________
(1) " الكامل ": 10 / 94 - 95.
(*) الحلة السيراء: 1 / 190 - 194، الكامل: 8 / 24 وما بعدها، البيان المغرب: 1 / 158 وما بعدها، الروضتين: 1 / 201 - 203، وفيات الأعيان: 3 / 117 - 119، المختصر في أخبار البشر: 2 / 63 وما بعدها، العبر: 2 / 193 - 194، مرآة الجنان: 2 / 285 - 286، البداية والنهاية: 11 / 179 - 180، تاريخ ابن خلدون: 4 / 31 - 40، اتعاظ الحنفا: 74 - 107، خطط المقريزي: 1 / 349 - 351، النجوم الزاهرة: 3 / 246 - 247، تاريخ ابن إياس: 1 / 45، شذرات الذهب: 2 / 294.
(2) انظر " الملل والنحل ": 1 / 191 - 198.
(3) هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. الملقب بالصادق، تقدمت ترجمته في الجزء السادس رقم 117.(15/141)
وَقِيْلَ: كَانَ أَبُوْهُ يَهُودِيّاً.
وَقِيْلَ: مِنْ أَوْلاَد دَيصَان (1) الَّذِي أَلَّف فِي الزَّنْدَقَةِ.
وَقِيْلَ: لمَا رَأَى اليَسَعُ صَاحِبُ سِجِلْمَاسَة (2) الغَلَبَة، دَخَلَ فَذَبَحَ المَهْدِيَّ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشِّيْعِيُّ، فَرَآهُ قَتِيلاً، وَعِنْدَهُ خَادمٌ لَهُ، فَأَبْرَزَ الخَادِمَ، وَقَالَ لِلنَّاسِ: هَذَا إِمَامكُمْ (3) .
وَالمحقِّقوْنَ عَلَى أَنَّهُ دَعِيٌّ (4) بِحَيْثُ إِنَّ المُعزّ مِنْهُم لَمَّا سأَله السَّيِّدُ بنُ طَبَاطَبَا (5) عَنْ نسبه، قَالَ:
غداً أُخْرِجه لَكَ، ثُمَّ أَصْبَحَ وَقَدْ أَلقَى عَرَمَة (6) مِنَ الذَّهب، ثُمَّ جَذَبَ نِصْف سَيفِهِ مِنْ غِمُّدِهِ.
فَقَالَ: هَذَا نسبِي، وَأَمرهُمْ بنهبِ الذَّهب، وَقَالَ: هَذَا حَسَبِي (7) ،
__________
(1) انظر " الفهرست ": 474، و" الملل والنحل ": 1 / 250 - 251 ومن البراهين التي يتذرع بها مؤيد والنسب الفاطمي، أن " ديصان " هذا عاش ومات قبل ظهور الدعوة الاسماعيلية بنحو أربعة قرون.
وإليه تنسب " الديصانية " وهي إحدى فرق الثنوية.
(2) مدينة جنوبي المغرب في طرف بلاد السودان، بينها وبين فاس عشرة أيام.
(3) " وفيات الأعيان ": 3 / 118.
(4) اختلف علماء الأنساب والمؤرخون في صحة نسبه، فقد تشابكت في أقوالهم العداوة السياسية والمذاهب العقائدية، فممن أنكر نسبهم الباقلاني وابن خلكان..ومن المؤيدين: ابن خلدون والمقريزي..وفي كتاب " اتعاظ الحنفا ": 41 - 42 تعليق للمحقق يحسن الرجوع إليه.
(5) هو أبو محمد، عبد الله بن أحمد بن علي. كان طاهرا كريما فاضلا، توفي سنة / 348 / هـ له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 3 / 81 - 83.
(6) العرمة: بالتحريك: مجمع رمل..وقد استعمله هنا بمعنى كومة من الذهب.
(7) الخبر مع اختلاف في اللفظ في " وفيات الأعيان ": 3 / 82.
وقد نقد ابن خلكان نفسه هذا الخبر بما ملخصه:
1 - إن المعز دخل مصر سنة / 362 / وابن طباطبا المذكور توفي / 348 / هـ فكيف يتصور الجمع بينهما؟
2 - لعل صاحب الواقعة كان ولده. =(15/142)
وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ البَاقِلاَّنِي وَغَيْرُهُ مِنَ الأَئِمَّةِ فِي هَتْكِ مقَالاَتِ العُبَيْدِيَّة، وَبُطلاَنِ نَسَبهم.
فَهَذَا نَسَبُهُم، وَهَذِهِ نِحْلَتُهُم.
وَقَدْ سُقتُ فِي حَوَادِثِ تَارِيْخنَا مِنْ أَحْوَالِ هَؤُلاَءِ وَأَخْبَارِهِم فِي تفَاريقِ السّنينَ عجَائِب.
وَكَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ سَلَمِيَّة (1) لَهُ غوْر، وَفِيْهِ دهَاءٌ وَمكرٌ، وَلَهُ هِمَّة عليَّة، فَسَرَى عَلَى أُنموذج عَلِيّ بنِ مُحَمَّدٍ الخَبِيْثِ (2) ، صَاحِبِ الزِّنْجِ الَّذِي خَرَّبَ البَصْرَةَ وَغيرَهَا، وَتَمَلَّك بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَأَهلكَ البِلاَدَ وَالعِبَادَ.
وَكَانَ بلاَءً عَلَى الأُمَّةِ، فَقُتِلَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فَرَأَى عُبَيْدُ اللهِ أَنَّ مَا يَرُومه مِنَ المُلْك، لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ ظُهُوْره بِالعِرَاقِ وَلاَ بِالشَّامِ، فَبَعَثَ أَوَّلاً لَهُ دَاعِيينِ شيطَانينِ دَاهيتينِ، وَهُمَا الأَخوَانِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشِّيْعِيّ (3) ، وَأَخُوْهُ أَبُو العَبَّاسِ، فَظَهَرَ أَحَدُهُمَا بِاليَمَنِ، وَالآخر بِأَفْرِيقية، وَأَظْهَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا الزُّهْدَ وَالتَأَلُّه، وَأَدَّبَا أَوْلاَدَ النَّاسِ، وَشوَّقَا إِلَى الإِمَام المَهْدِيِّ (4) .
__________
=
3 - رأيت في " تاريخ ابن زولاق " أن الشريف الذي التقى بالمعز هو أبو جعفر مسلم بن عبيد الله الحسيني، والشريف أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد الحسيني، لعل أحدهما صاحب الواقعة. انتهى.
(1) بليدة بالشام من أعمال حمص.
(2) من كبار أصحاب الفتن في العهد العباسي، وفتنته مشهورة في كتب التاريخ بفتنة الزنج، لان أكثر أنصاره منهم.
ظهر في أيام المهتدي بالله العباسي / 255 / هـ. وعجز عن قتاله الخلفاء. حتى ظفر به الموفق بالله أيام المعتمد فقتله وبعث برأسه إلى بغداد. أخباره في " الكامل ": 7 / 205 وما بعدها.
(3) هو الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا، كان من الدهاة، وقد مهد القواعد للمهدي، ووطد له البلاد، قتله المهدي مع أخيه سنة / 298 / هـ. انظر " الحلة السيراء ": 1 / 194 - 195، و" وفيات الأعيان ": 2 / 292 - 293 و" الوافي بالوفيات ": 12 / 328 - 329.
(4) " الكامل ": 8 / 31 - 34.(15/143)
وَلهُم (1) البَلاغَاتُ السَّبْعَة: فَالأَوَّل للعوَام وَهُوَ الرَّفض، ثُمَّ البَلاَغ الثَّانِي لِلْخوَاصّ، ثُمَّ البلاغُ الثَّالِث لِمَنْ تَمَكَّنَ، ثُمَّ الرَّابِعُ لِمَنِ اسْتمَّر سَنَتَيْنِ، ثُمَّ الخَامِسُ لِمَنْ ثَبْتَ فِي المَذْهَب ثَلاَثَ سِنِيْنَ، ثُمَّ السَّادِسُ لِمَنْ أَقَامَ أَرْبَعَة أَعْوَامٍ، ثُمَّ الخِطَابُ بِالبلاغ السَّابعِ وَهُوَ النَّاموسُ الأَعْظَمُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْم: قرأْتُهُ (2) فرَأَيْتُ فِيْهِ أَمراً عَظِيْماً مِنْ إِباحَةِ المَحْظُورَاتِ، وَالوَضْع مِنَ الشَّرَائِعِ وَأَصحَابهِا، وَكَانَ فِي أَيَّام معزِّ الدَّوْلَةِ ظَاهِراً شَائِعاً، وَالدُّعَاةُ منبَثُّونَ فِي النَّوَاحِي، ثُمَّ تَنَاقَصَ (3) .
قُلْتُ: ثُمَّ اسْتَحْكَم أَمْر أَبِي عَبْدِ اللهِ بِالمَغْرِب، وَتَبِعَهُ خلقٌ مِنَ البَرْبَر، ثُمَّ لَحِقَ بِهِ أَخُوْهُ، وَعَظُمَ جمْعُهُ، حَتَّى حَاربَ مُتَوَلِّي المَغْرِبِ وَقَهَرَه، وَجرتْ لَهُ أُمُورٌ طَوِيْلَة فِي أَزيدَ مِنْ عَشْرَة أَعْوَام (4) .
فلَمَّا سَمِعَ عُبَيْد اللهِ بظُهُوْر دَاعِيه، سَارَ بِوَلَدِهِ فِي زِيِّ تُجَّار، وَالعُيُونُ عَلَيْهِمَا إِلَى أَنْ ظَفرَ بِهِمَا مُتَوَلِّي الإِسْكَنْدَرِيَّة فسرَّ بِهِمَا، وَكَاشر لَهُمَا التَّشَيُّع فِيْهِ فَدَخَلاَ المَغْرِب (5) .
فَظَفِرَ بِهِمَا أَمِيْرُ المَغْرِب فسجَنَهُمَا، وَلَمْ يقرَّا لَهُ بِشَيْءٍ (6) ، ثُمَّ التَقَى هُوَ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الشِّيْعِيّ، فَانتصَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَتَمَلَّك (7) البِلاَد، وَأَخْرَجَ المَهْدِيَّ مِنَ السجنِ، وَقَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ لقُوَّاده: هَذَا إِمَامُنَا، فَبايَعَه (8) الملأُ.
__________
(1) أي للفاطميين.
(2) أي: البلاغ السابع.
(3) أي: أمر المذهب، وقل الدعاة فيه.
انظر " الفهرست ": 268.
(4) " الكامل ": 8 / 30، وما بعدها.
(5) " الكامل ": 8 / 38.
(6) " الكامل ": 8 / 39.
(7) " الكامل ": 8 / 40 - 41.
(8) " الكامل ": 8 / 47 - 50.(15/144)
وَوَقع بَعْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَاعيَيه لِكَوْنِهِ مَا أَنْصَفَهُمَا، وَلاَ جَعَلَ لَهُمَا كَبِيْرَ مَنْصِب، فَشَكَّكَا فِيْهِ خوَاصَّهُمَا، وَتفرَّقَتْ كلمَةُ الجنودِ، وَوَقَعَ بينهُم مَصَافٌّ (1) .
فَانتصر عُبَيْد اللهِ، وَذَبَحَ الأَخوينِ (2) .
وَدَانَتْ لَهُ الأَممُ.
وَأَنشَأَ مَدِيْنَةَ المَهْدِيّةِ (3) ، وَلَمْ يتوجَّه لِحَرْبِهِ جَيْشٌ لبُعْدِ الشُّقَّة وَلوَهْنِ شَأْنِ الخِلاَفَة بِإِمَارَةِ المُقْتَدِرِ (4) .
وَجَهَّزَ مِنَ المَغْرِب وَلَدَه ليَأْخذ مِصْرَ، فَلَمْ يتمّ لَهُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ القَابِسيُّ، صَاحِبُ (الملخَّص (5)) :إِنَّ الَّذِيْنَ قَتَلَهُم عُبَيْدُ اللهِ، وَبنوهُ أَرْبَعَة آلاَفٍ فِي دَارِ النَّحْرِ فِي العَذَابِ مِنْ عَالِمٍ وَعَابِدٍ ليرُدَّهُمْ عَنِ التَّرَضِّي عَنِ الصَّحَابَةِ، فَاختَارُوا المَوْتَ.
فَقَالَ سهل الشَّاعِر:
وَأَحَلَّ دَارَ النَّحْرِ فِي أَغْلاَلِهِ ... مَنْ كَانَ ذَا تَقْوَى وَذَا صلوَاتِ (6)
وَدُفِنَ سَائرُهُم فِي المُنَسْتِيْر (7) ، وَهُوَ بلسَان الفرَنْجِ: المعْبَدُ الكَبِيْرُ.
وكَانَتْ دَوْلَةُ هَذَا بِضْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
حَكَى الوَزِيْرُ القِفْطِيُّ (8) فِي سيرَةِ بنِي عُبَيْد، قَالَ:
كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشِّيْعِيُّ أَحَدَ الدَّوَاهِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَمَعَ مَشَايِخ كُتَامَة ليشكِّكَهُم فِي الإِمَامِ.
__________
(1) لم تذكر كتب التاريخ أن حربا اشتعلت بين المهدي وداعييه أبي عبيد الله وأبي العباس.
(2) انظر " الكامل ": 8 / 50 - 53 و" البيان المغرب ": 1 / 164 - 165.
(3) " الكامل ": 8 / 94.
(4) تقدمت ترجمته برقم / 24 / من هذا الجزء.
(5) هو علي بن محمد بن خلف، المعافري القيرواني، عالم المالكية في عصره، كان حافظا للحديث وعلله، توفي سنة / 403 / وكتابه المشهور " ملخص الموطأ ".
(6) انظر " معالم الايمان ": 3 / 41.
(7) موضع بين المهدية والسوسة بأفريقية، وهو خمسة قصور يحيط بها سور واحد كان يسكنها قوم من أهل العبادة والعلم.
انظر " معجم البلدان ": 5 / 209 - 210.
(8) هو علي بن يوسف بن إبراهيم. وزير، مؤرخ، ولد بقفط (من الصعيد الأعلى بمصر) وسكن حلب، فولي بها القضاء، ثم الوزارة، من كتبه المشهورة " إنباه الرواة " وله أيضا =.(15/145)
فَقَالَ: إِنَّ الإِمَامَ كَانَ بسَلَمِيَّة قَدْ نَزَلَ عِنْد يهودِي عَطَّار يُعْرَف بعُبَيْد، فَقَامَ بِهِ وَكَتَمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ مَاتَ عُبَيْد عَنْ وَلَدَيْنِ فَأَسْلَمَاهُمَا وَأُمُّهُمَا عَلَى يَد الإِمَام، وَتَزَوَّجَ بِهَا، وَبَقِيَ مُخْتَفِياً.
وَبَقِيَ الأَخوَان فِي دُكَّانِ العِطْر.
فَوَلَدَتْ لِلإِمَامِ ابْنينِ، فَعِنْدَ اجتمَاعِي بِهِ سَأَلْتُهُ أَيُّ الاثْنَيْن إِمَامِي بَعْدَك؟
فَقَالَ: مَنْ أَتَاكَ مِنْهُمَا فَهُوَ إِمَامُك.
فسيَّرْتُ أَخِي لإِحْضَارهِمَا، فَوَجَدَ أَبَاهُمَا قَدْ مَاتَ هُوَ وَابْنُهُ الوَاحِدُ.
فَأَتَى بِهَذَا.
وَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَكُوْنَ أَحَدَ وَلديّ عُبَيْد.
فَقَالُوا: وَمَا أَنكرتَ مِنْهُ؟
قَالَ: إِنَّ الإِمَام يَعْلَمُ الكَائِنَاتِ قَبْلَ وَقوعهَا.
وَهَذَا قَدْ دَخَلَ مَعَهُ بِوَلَدَيْنِ.
وَنَصَّ الأَمْر فِي الصَّغِيْرِ بَعْدَهُ، وَمَاتَ بَعْد عِشْرِيْنَ يَوْماً - يَعْنِي: الوَلَد -.
وَلَوْ كَانَ إِمَاماً لَعَلِمَ بِموته.
قَالُوا: ثُمَّ مَاذَا؟
قَالَ: وَالإِمَامُ لاَ يَلْبَسُ الحَرِيرَ وَالذَّهبَ.
وَهَذَا قَدْ لَبِسَهُماً.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ إِلاَّ مَا تحقَّق أَمرَهُ.
وَهَذَا قَدْ وَطِئَ نسَاء زِيَادَة الله، يَعْنِي: مُتَوَلِّي المَغْرِبِ.
قَالَ: فَشَكَّكَتْ كُتَامَةُ فِي أَمرِهِ.
وَقَالُوا: فَمَا تَرَى؟
قَالَ: قبضُه ثُمَّ نُسيِّر مَنْ يكشِفُ لَنَا عَنْ أَوْلاَدِ الإِمَامِ عَلَى الحَقِيْقَة.
فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ.
وَخَفَّ كَبِيْر كُتَامَة فواجَهَ المَهْدِيَّ، وَقَالَ:
قَدْ شَكَكْنَا فِيك، فَائِتِ بآيَةٍ.
فَأَجَابَهُ بِأَجوبَةٍ، قَبِلَهَا عَقْلُه.
وَقَالَ: إِنَّكُم تيقَّنْتُم، وَاليقينُ لاَ يَزُول إِلاَّ بيقينٍ لاَ بشكٍ.
وَإِنَّ الطِّفْلَ لَمْ يَمُتْ، وَإِنَّهُ إِمَامُك، وَإِنَّمَا الأَئِمَّة يَنْتَقِلُوْنَ، وَقَدِ انْتَقَلَ لإِصْلاَحِ جهَةٍ أُخْرَى.
قَالَ: آمنتُ، فَمَا لُبْسَك الحَريرَ؟
قَالَ: أَنَا نَائِب الشَّرْع أَحلِّل لنفسِي مَا أُرِيْد، وَكُلُّ الأَمْوَالِ لِي، وَزِيَادَة الله كَانَ عَاصياً.
وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ الشِّيْعِيُّ وَأَخُوْهُ، فَإِنهُمَا أَخذَا يُخَبّبَان (1) عَلَيْهِ فَقَتَلَهُمَا.
__________
= كتاب " أخبار مصر " ولم يصلنا، أو أنه مغمور في دور الكتب لم تكشف عنه الايام. ولعل الذهبي ينقل عنه هنا..توفي سنة / 646 / هـ.
(1) أي: يفسدان عليه الامر.(15/146)
وَخَرَجَ عَلَيْهِ خَلْقٌ مِنْ كُتَامَةَ، فَظَفِرَ بحيلَةٍ وَقَتَلَهُم (1) .
وَخَرَجَ عَلَيْهِ أَهْلُ طَرَابُلُس، فَجَهَّزَ وَلدَه القَائِمَ، فَافتتحهَا عَنْوَةً، وَافتَتَحَ بَرْقَة (2) ، ثُمَّ افتَتَح صَقِلِّيَّة (3) ، وَجَهَّزَ القَائِمَ مرَّتين لأَخذ مِصْرَ، وَيَرْجِعُ مهزوماً (4) .
وَبنَى المهديَّةَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ (5) .
وَخَلَّفَ ستَةَ بَنِينَ، وَسَبْعَ بنَاتٍ.
وآخرهُم وَفَاةً أَحْمَد، عَاشَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بِمِصْرَ.
وفِي أَيَّامِ المَهْدِيِّ، عَاثت القَرَامِطَةُ بِالبحرين، وَأَخَذُوا الحجيجَ، وَقتلُوا وَسبَوا، وَاسْتبَاحُوا حَرَمَ الله، وَقلَعُوا الْحجر الأَسودَ.
وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ يُكَاتِبهُم، وَيحرِّضُهُم، قَاتَلَه اللهُ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) أَنَّ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ ظهرتْ دَعْوَةُ المَهْدِيّ بِاليَمَنِ، وَكَانَ قَدْ سَيَّرَ دَاعِيينِ أَبَا القَاسِمِ بنَ حَوْشَب الكُوْفِيَّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ الصَّادِق جَعْفَر بن مُحَمَّد (6) .
وَنَقَلَ المُؤَيَّد الحَمَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ (7)) ، أَنَّ المَهْدِيَّ اسْمُهُ فِيْمَا
__________
(1) " الكامل ": 8 / 53.
(2) " البيان المغرب ": 1 / 168 - 169.
(3) هكذا ضبطت في الأصل.
وفي " معجم البلدان ": 3 / 416 " بثلاث كسرات وتشديد اللام، والياء أيضا مشددة " وهي جزيرة من جزائر بحر المغرب مقابلة أفريقية.
(4) " البيان المغرب ": 1 / 171 - 173.
(5) انتقل المهدي إليها في السنة المذكورة، وكان قد بدأ في بنائها سنة / 303 / هـ على
أصح الأقوال.
(6) تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة / 270 / هـ.
(7) هو إسماعيل بن علي بن محمود، الملك المؤيد، صاحب حماه، مؤرخ، =(15/147)
وَكَانَ قِيْلَ: سَعِيْدُ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَنَّ أَبَاهُ الحُسَيْنَ قَدِمَ سَلَمِيَّة.
فَوُصِفَتْ لَهُ امْرَأَةُ يهودِي حدَّاد، قَدْ مَاتَ عَنْهَا (1) .
فتَزَوَّجَهَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ القَدَّاح هَذَا وَكَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنَ اليَهوديِّ، فَأَحَبَّه الحُسَيْنُ وَأَدَّبَه.
وَلَمَّا احْتُضِرَ عَهِدَ إِلَيْهِ بِأُمُورٍ، وَعَرَّفَه أَسرَارَ البَاطنيَّة، وَأَعطَاهُ أَمْوَالاً، فَبثَّ لَهُ الدُّعَاة.
وَقَدِ اخْتلف المُؤرخون، وَكثر كَلاَمُهُم فِي قِصَّةِ عُبَيْدِ اللهِ القَدَّاحِ بنِ مَيْمُوْنِ بنِ دَيْصَان.
فَقَالُوا: إِن دَيْصَان هَذَا هُوَ صَاحِبُ كتَاب (المِيزَان) ، فِي الزَّنْدَقَة.
وَكَانَ يتولَّى أَهْلَ البَيْتِ.
وَقَالَ: وَنَشَأَ لمَيْمُوْنَ بنِ دَيْصَان ابْنُه عَبْد اللهِ، فَكَانَ يَقْدَحُ العينَ، وَتعلَّم مِنْ أَبِيْهِ حِيَلاً وَمَكْراً.
سَار عَبْدُ اللهِ فِي نَوَاحِي أَصْبَهَانَ، وَإِلَى البَصْرَةِ.
ثُمَّ إِلَى سَلَمِيَّة يدعُو إِلَى أَهْلِ البَيْتِ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَامَ ابْنُهُ أَحْمَدُ بَعْدَهُ، فَصَحِبَه رُسْتُم بنُ حَوْشَب النَّجَّار الكُوْفِيُّ، فَبَعَثَه أَحْمَدُ إِلَى اليَمَنِ يدعُو لَهُ، فَأَجَابوهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشِّيْعِيُّ مِنْ صَنْعَاء، وَكَانَ بِعَدَنَ، فَصَحِبَه، وَصَارَ مِنْ كُبَرَاء أَصْحَابِهِ، وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ هَذَا دَهَاء وَعُلُوْمٌ وَذكَاء، وَبَعَثَ ابْنُ حَوْشَب دُعَاةً إِلَى المَغْرِب، فَأَجَابَتْه كُتَامَةُ، فَنَفَّذَ ابْنُ حَوْشَب إِلَيْهِم أَبَا عَبْدِ اللهِ وَمَعَهُ ذهبٌ كَثِيْرٌ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فَصَارَ مِنْ أَمْره مَا صَارَ (2) .
فهَذَا قَوْلٌ، وَنرجِعُ إِلَى قَوْلٍ آخر هُوَ أَشهر.
فسيَّر - أَعنِي: وَالد المَهْدِيّ - أَبَا عَبْدِ اللهِ الشِّيْعِيَّ، فَأَقَامَ بِاليَمَنِ أَعْوَاماً، ثُمَّ حَجَّ، فصَادَفَ طَائِفَةٌ مِنْ كُتَامَة حُجَّاجاً، فَنَفَقَ عَلَيْهِم، وَأَخذوهُ إِلَى المَغْرِب، فَأَضلَّهُم (3) ، وَكَانَ
__________
= جغرافي. وتاريخه المشار إليه هو " المختصر في أخبار البشر " مطبوع. توفي الملك المؤيد سنة / 732 / هـ.
انظر ترجمته في " الدرر الكامنة ": 1 / 396 - 399.
(1) زوجها.
(2) " المختصر في أخبار البشر ": 2 / 64 - 65 وما بين حاصرتين منه.
(3) " الكامل ": 8 / 31 - 34.(15/148)
يَقُوْلُ:
إِنَّ لظوَاهِرِ الآيَاتِ وَالأَحَادِيْثِ بواطنَ، هِيَ كَالّلبِّ، وَالظَّاهِرُ كَالقِشْر، وَقَالَ:
لِكُلِّ آيَةٍ ظهرٌ وَبطنٌ.
فَمَنْ وَقَفَ عَلَى عِلْمِ البَاطِنِ، فَقَدِ ارْتَقَى، عَنْ رُتْبَةِ التَّكَالِيفِ (1) .
وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ذَا مَكْرٍ وَدَهَاءٍ وَحِيَل وَرَبْط.
وَلَهُ يدٌ فِي العِلْمِ.
فَاشْتَهَرَ بِالقَيْرَوَانِ، وَبَايَعَتْهُ البربرُ، وَتَأَلَّهوهُ لزُهده، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُتَوَلِّي إِفْرِيْقِيَة يخوِّفُه وَيُهدَّدُه، فَمَا أَلوَى عَلَيْهِ.
فَلَمَّا هَمَّ بقبضِهِ، اسْتَنْهَضَ الَّذِيْنَ تَبِعُوهُ، وَحَارَبَ فَانتصَرَ مَرَّاتٍ، وَاسْتفحَلَ أَمرُهُ، فَصَنَعَ صَاحِبُ إِفْرِيْقِيَة صُنْعَ مُحَمَّدِ بنِ يَعفُر صَاحِبِ اليَمَن، فَرَفَضَ الإِمَارَة، وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ، وَلبِسَ الصُّوف، وَردَّ المَظَالِم، وَمَضَى غَازياً نَحْو الرُّوْم، فتملَّك بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ، وَوصل الأَبُ إِلَى صَقِلِّيَّة، وَمِنْهَا إِلَى طَبَرْمِين (2) فَافْتَتَحهَا.
ثُمَّ مَاتَ مَبْطُوناً فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
كَانَتْ دولتُه ثَمَانِياً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ بصَقليَة (3) .
وشُهِرَ الشِّيْعِيُّ بِالمَشْرقِيِّ، وَكَثُرَتْ جيوشُه، وَزَادَ الطَّلَبُ لعُبَيْدِ اللهِ، فَسَارَ بِابْنِهِ وَهُوَ صَبِيٌّ وَمَعَهُمَا أَبُو العَبَّاسِ أَخُو الدَّاعِي الشِّيْعِيّ فتحيّلُوا حَتَّى وَصلوا إِلَى طَرَابُلُس المَغْرِب، وَتَقَدَّمَهُمَا أَبُو العَبَّاسِ إِلَى القَيْرَوَان، وَبَالَغَ زِيَادَةُ اللهِ الأَغْلَبِيُّ (4) فِي تَطَلُّبِهِمَا، فَوَقَعَ بِأَبِي العَبَّاسِ فَقرَّره، فَأَصرَّ عَلَى الإِنْكَارِ، فَحَبَسَهُ برَقَّادَةَ.
وَعَرَفَ بِذَلِكَ المَهْدِيُّ فَعَدَلَ إِلَى سِجِلْمَاسَةَ، وَأَقَامَ بِهَا يتَّجِر، فَعَلِمَ بِهِ زِيَادَةُ الله، وَقَبَضَ مُتَوَلِّي البَلَد عَلَى المَهْدِيِّ وَابْنِهِ. ثُمَّ
__________
(1) راجع كتاب " فضائح الباطنية " للغزالي.
(2) في الأصل: طرمين. وهو تحريف. قلعة بصقلية حصينة.
" معجم البلدان " / 4 / 17.
(3) " البيان المغرب ": 1 / 131 - 132.
(4) له ترجمة في " الحلة السيراء ": 1 / 175 - 178.(15/149)
التقَى زِيَادَةُ اللهِ وَالشِّيْعِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَينتصر الشِّيْعِيُّ، وَانهَزَمَ مِنَ السجنِ أَبُو العَبَّاسِ، ثُمَّ أُمْسِكَ (1) .
وَأَمَّا زِيَادَةُ الله فَأَيس مِنَ المَغْرِب، وَلحِقَ بِمِصْرَ.
وَأَقبلَ الشِّيْعِيُّ وَأَخُوْهُ فِي جَمْعٍ كَثِيْرٍ.
فَقَصَدَا سِجِلْمَاسَةَ، فَبَرَزَ لَهُمَا مُتَوَلِّيهَا اليَسَع، فَانهزمَ جَيْشُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَأَخرج الشِّيْعِيُّ عُبَيْدَ اللهِ وَابْنَه، وَاسْتَوْلَى عَلَى البِلاَد، وَتمهَّدَتْ لَهُ المَغْرِبُ (2) .
ثمَّ سَارَ فِي (3) أَرْبَعِيْنَ أَلفاً براً وَبَحْراً يقصِدُ مِصْرَ، فَنَزَلَ لَبْدَة، وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَة مرَاحِل مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّة.
فَفَجَّرَ تِكْين الخَاصَّة (4) عَلَيْهِم النّيلَ فَحَال المَاءُ بينَهُم وَبَيْنَ مِصْرَ (5) .
قَالَ المُسَبِّحِيّ (6) :فَكَانَتْ وَقْعَةُ بَرْقَةَ، فَسَلَّمَهَا المَنْصُوْرُ (7) ، وَانهزَمَ إِلَى مِصْرَ.
وَفِيْهَا: سَارَ حباسَة الكُتَامِيُّ فِي عَسْكَرٍ عَظِيْمٍ طليعَةً بَيْنَ يَدي ابْن المَهْدِيِّ.
فَوَصَلَ إِلَى الجِيزَة، فتَاهُ عَلَى المَخَاضَة، وَبَرَزَ إِلَيْهِ عَسْكَرٌ وَمَنَعُوهُ.
وَكَانَ النِّيلُ زَائِداً، فَرَجَعَ جَيْشُ المَهْدِيِّ وَعَاثُوا وَأَفسدُوا (8) .
__________
(1) انظر " الكامل ": 8 / 36 - 47.
(2) " الكامل ": 8 / 47 - 49.
(3) لم يغز المهدي مصر بنفسه، بل جهز العساكر وسيرها مع ولده أبي القاسم القائم.
(4) تقدمت ترجمته برقم / 55 / من هذا الجزء.
(5) " الكامل ": 8 / 84 - 85.
(6) هو محمد بن عبيد الله بن أحمد، المعروف بالمسبحي، أمير، مؤرخ، عالم بالادب.
له كتاب في تاريخ مصر، توفي سنة / 430 / هـ انظر ترجمته في " وفيات الأعيان ": 4 / 377 - 380.
(7) خير المنصوري، أحد قادة تكين الخاصة.
انظر " ولاة مصر ": 287.
(8) " الكامل ": 8 / 89.(15/150)
ثمَّ قصدُوا مِصْرَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِ مائَةٍ مَعَ القَائِم، فَأَخَذَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَكَثِيْراً مِنَ الصَّعيد.
ثُمَّ (1) رَجَعَ، ثُمَّ أَقبلُوا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَملكُوا الجِيزَةَ.
وفِي نسَب المَهْدِيِّ أَقوَالٌ: حَاصِلُهَا أَنَّهُ لَيْسَ بهَاشمِيٍّ وَلاَ فَاطمِيِّ.
وَكَانَ مَوْتُهُ قِي نِصْفِ ربيعٍ الأَوَّلِ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَلَهُ اثنتَانِ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
وَكَانَتْ دولتُهُ خمساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً وَأَشهراً (2) .
وقَام بَعْدَهُ ابْنُهُ القَائِم.
نَقَلَ القَاضِي عِيَاض فِي تَرْجَمَة أَبِي مُحَمَّدٍ الكسترَاتِي (3) ، أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَكْرَهَهُ بَنو عُبَيْد عَلَى الدُّخول فِي دَعْوَتهم أَوْ يُقْتَل؟
فَقَالَ: يختَارُ القَتْلَ وَلاَ يُعذر، وَيَجِبُ الفِرَار، لأَنَّ المُقَامَ فِي مَوْضِعٍ يُطلَب مِنْ أَهلِهِ تعطيلُ الشَّرَائِعِ، لاَ يَجُوْزُ (4) .
قَالَ القَاضِي عِيَاض: أَجمع العُلَمَاءُ بِالقَيْرَوَان، أَنَّ حَالَ بَنِي عُبَيْد حَال المرتَدِّينَ وَالزَّنَادِقَةِ (5) .
وَقِيْلَ: إِنَّ عُبَيْدَ اللهِ تملَّكَ المَغْرِب، فَلَمْ يَكُنْ يُفْصِحُ بِهَذَا المَذْهب إِلاَّ لِلْخوَاصِّ.
فَلَمَّا تَمَكَّنَ أَكثَرَ القَتْلَ جِدّاً، وَسبَى الحريمَ، وَطَمِعَ فِي أَخذِ مِصْرَ.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 113.
(2) " الحلة السيراء ": 1 / 190 - 194.
(3) في " ترتيب المدارك " الكراني.
(4) " ترتيب المدارك ": 4 / 719.
(5) " ترتيب المدارك ": 4 / 720.(15/151)
66 - القَائِمُ أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ ابنُ المَهْدِيِّ عُبَيْدِ اللهِ *
صَاحِبُ المَغْرِبِ، أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ ابنُ المَهْدِيِّ عُبَيْدِ اللهِ.
مَوْلِدُهُ: بسَلَمِيَّةَ، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .
وَدَخَلَ المَغْرِبَ مَعَ أَبِيْهِ، فَبُوْيِعَ هَذَا عِنْد موت أَبِيْهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ مَهِيْباً شُجَاعاً، قَلِيْلَ الخَيْر، فَاسِد العقيدَة.
خَرَجَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ أَبُو يَزِيْدَ مخْلَد بن كَيْدَاد البَرْبَرِيُّ.
وَجَرَتْ بينهُمَا ملاَحمُ، وَحَصَره مَخْلَد بِالمهديَّة، وضيَّق عَلَيْهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى بلاَدِهِ (2) .
ثُمَّ وُسْوِسَ القَائِم، وَاخْتَلَطَ وَزَال عَقْلُه، وَكَانَ شيطَاناً مريداً يتزَنْدَق.
ذَكَرَ القَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ المُتَكَلِّم، أَنَّ القَائِمَ أَظهر سبَّ الأَنْبِيَاء.
وَكَانَ مُنَادِيه يَصيح: العنُوا الغَار وَمَا حَوَى (3) .
وَأَبَادَ عِدَّةً مِنَ العُلَمَاءِ.
وَكَانَ يُرَاسل قَرَامِطَةَ الْبَحْرين، وَيَأْمرهُمُ بِإِحرَاق المَسَاجِد وَالمَصَاحِف.
فَتَجمعت
__________
(*) الحلة السيراء: 1 / 285 - 291، الكامل: 8 / 284 وما بعدها، البيان المغرب: 1 / 208 وما بعدها، وفيات الأعيان: 5 / 19 - 20، المختصر في أخبار البشر: 2 / 80، 95،: العبر: 2 / 240، الوافي بالوفيات: 4 / 4، مرآة الجنان: 2 / 317، البداية والنهاية: 11 / 210 - 211، تاريخ ابن خلدون: 4 / 40 - 43، خطط المقريزي: 1 / 351، اتعاظ الحنفا: 107 - 120، النجوم الزاهرة: 3 / 287، شذرات الذهب: 2 / 337 - 338.
(1) وقيل سنة / 280 / هـ. انظر " وفيات الأعيان ": 5 / 20.
(2) كان ابتداء أمره سنة / 316 / هـ. انظر أخباره في " الكامل ": 8 / 422 - 441.
(3) " البيان المغرب ": 1 / 216.(15/152)
الإِبَاضِيَّةُ (1) وَالبربر عَلَى مَخْلد، وَأَقْبَلَ، وَكَانَ نَاسِكاً قَصِيْر الدّلق (2) ، يَرْكَب حِمَاراً (3) ، لَكِنَّهُم خوَارج، وَقَامَ مَعَهُ خَلْق مِنَ السُّنَّةِ وَالصُّلَحَاء، وَكَادَ أَنْ يتملَّك العَالِمَ، وَرُكِزت بُنودُهُم (4) عِنْد جَامِع القَيْرَوَان فِيْهَا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، لاَ حُكْم إِلاَّ للهِ.
وَبَنْدَان أَصفرَان فِيْهِمَا: نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ.
وَبند لمَخْلَد فِيْهِ اللَّهُمَّ انْصُرْ وَليك عَلَى مِنْ سبّ نَبِيّك (5) وَخطبهُم أَحْمَد بن أَبِي الوَلِيْد (6) فحضّ عَلَى الجِهَاد ثُمَّ سَارُوا وَنَازلُوا المهديَّة وَلَمَّا التَقَوا وَأَيقن مَخْلَد بِالنَّصْر تَحَرَّكت نَفْسه الخَارجيَة.
وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: انكشفُوا، عَنْ أَهْل القَيْرَوَان حَتَّى ينَال مِنْهُم عدوهُم فَفَعلُوا ذَلِكَ فَاسْتُشْهِدَ خَمْسَة وَثَمَانُوْنَ نَفْساً مِنَ العُلَمَاءِ وَالزُّهَّاد (7) وخوَارج المَغْرِب إِباضيَّة منسوبُوْنَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ إِباض الَّذِي خَرَجَ فِي أَيَّام مَرْوَان الحِمَار (8) وَانْتَشَر أَتْبَاعه بِالمَغْرِب يَقُوْلُ:
أَفعَالنَا مخلوقَة لَنَا وَيكفر بِالكبَائِر وَيَقُوْلُ:
لَيْسَ فِي القُرْآن خُصُوْص وَمِنْ خَالَفَه حَلَّ دَمُه.
__________
(1) من أكبر فرق الخوارج، وهم أصحاب عبد الله بن يحيى بن إباض.
الملقب: بطالب الحق، من أهل اليمن، خلع طاعة مروان بن محمد، وبويع له بالخلافة، واستولى على صنعاء ومكة، قتل سنة / 130 / هـ. انظر أخباره في " تاريخ الطبري ": 7 / 348 - 400. وانظر أيضا " الملل والنحل ": 1 / 134 - 136.
(2) الدلق: ثوب متسع الاكمام طويلها (صبح الاعشى) 4 / 42.
(3) كان قد أهدي إليه حين دخل مرماجنة وهي قرية بأفريقية انظر " الكامل ": 8 / 423.
(4) مفردها: بند، وهو العلم الكبير، فارسي معرب.
(5) " البيان المغرب ": 1 / 217.
(6) أيام أبي يزيد، كان هو صاحب مظالم القيروان، والحاكم بها ايام أبي يزيد له ترجمة في " معالم الايمان ": 3 / 75 (ط 1320) .
(7) " البيان المغرب ": 1 / 217 - 218.
(8) مروان بن محمد، آخر ملوك بني أمية تقدمت ترجمته في الجزء السادس برقم 17.(15/153)
نعم وَكَانَ القَائِم يُسَمَّى أَيْضاً نزَاراً (1) وَلَمَّا أَخذ أَكْثَر بلاَد مِصْر فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ انْتدبَ لِحَرْبِهِ جَيْش المُقْتَدِر عَلَيْهِم مُؤنس فَالتَقَى الجمعَان فَكَانَتْ وَقعَة مَشْهُوْرَة ثُمَّ تقهقر القَائِم إِلَى المَغْرِب وَوَقَعَ فِي جَيْشِهِ الغلاَء وَالوبَاء وَفِي خَيْلهمْ وَتَبِعَهُ أَيَّاماً جَيْش المُقْتَدِر (2) .
وَكَانَ موت القَائِم فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ محصوراً بِالمهديَّة (3) لَكِن قَامَ بَعْدَهُ ابْنه المَنْصُوْر.
وَقَدْ أَجمع عُلَمَاء المَغْرِب عَلَى محَاربَة آل عبيد لمَا شَهْروهُ مِنَ الكُفْر الصرَاح الَّذِي لاَ حِيْلَة فِيْهِ وَقَدْ رَأَيْت فِي ذَلِكَ توَاريخ عِدَّة يصدق بَعْضهَا بَعْضاً وَعُوتِبَ بَعْض العُلَمَاء فِي الخُرُوْجِ مَعَ أَبِي يَزِيْد الخَارِجِيّ فَقَالَ:
وَكَيْفَ لاَ أَخرج وَقَدْ، سَمِعْتُ الكُفْر بِأُذُنَي حضرت عقداً فِيْهِ جمع مِنْ سنَة وَمشَارقَة وَفيهُم أَبُو قضَاعَة الدَّاعِي فَجَاءَ رَئِيْس فَقَالَ:
كَبِيْر مِنْهُم إِلَى هُنَا يَا سيدِي ارْتَفَع إِلَى جَانب رَسُوْل اللهِ يَعْنِي: أَبَا قضَاعَة فَمَا نطق أَحَد (4) ، وَوجد بِخَط فَقِيْه (5) قَالَ: فِي رَجَبٍ، سَنَةَ 331 قَامَ المكوكب يقذف الصَّحَابَة وَيطعن عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعلقت رُؤُوْس حمِير وَكباش عَلَى الحوَانيت كتب عَلَيْهَا أَنَّهَا رُؤُوْس صَحَابَةٍ.
__________
(1) ثمة خلاف حول اسمه، قيل: عبد الرحمن، وقيل: حسن.
ولكن الصحيح ما أورده الذهبي في أول الترجمة.
انظر " الحلة السيراء ": 1 / 285.
(2) " الكامل ": 8 / 113 - 114.
(3) " البيان المغرب ": 1 / 218.
(4) " انظر " معالم الايمان ": 3 / 37.
(5) انظر " معالم الايمان ": 3 / 38.(15/154)
وَخَرَجَ أَبُو إِسْحَاقَ الفَقِيْه (1) مَعَ أَبِي يَزِيْد، وَقَالَ: هُم أَهْل القِبْلَة وَأَولئك ليسُوا أَهْل قبلَة وَهُم بَنو عَدُوّ الله فَإِن ظفرنَا بِهِم لَمْ ندْخل تَحْتَ طَاعَة أَبِي يَزِيْد لأَنَّه خَارِجِيّ.
قَالَ أَبُو مَيْسَرَة الضَّرِيْر (2) :أَدخلنِي الله فِي شَفَاعَة أَسود رمَى هَؤُلاَءِ القَوْم بِحجر.
وَقَالَ السبَائِي: أَي وَاللهِ نجد فِي قتل الْمُبدل لِلدين.
وَتسَارع الفُقَهَاء وَالعبَاد فِي أَهبَة كَامِلَة بِالطبول وَالبنود وَخطبهُم فِي الجمعَة أَحْمَد بن أَبِي الوَلِيْد وَحرضهُم وَقَالَ:
جَاهدُوا مِنْ كفر بِاللهِ وَزعم أَنَّهُ ربّ مِنْ دُوْنَ الله وَغَيّر أَحْكَام الله وَسب نَبِيّه وَأَصْحَاب نَبِيّه فَبَكَى النَّاس بكَاء شَدِيْداً وَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا القرمطِي الكَافِر المَعْرُوْف بِابْنِ عُبَيْدِ اللهِ المدعِي الرُّبُوبِيَّة جَاحد (3) لِنِعْمَتِك كَافِر بِرُبُوبِيَّتِك طَاعن عَلَى رسلك مُكَذب بِمُحَمَّد نَبِيّك سَافك لِلدمَاء فَالعنه لعناً وَبيلاً وَاخزه خزيّاً طَوِيْلاً وَاغضب عَلَيْهِ بكرَة وَأَصيلاً ثُمَّ نزل فَصَلَّى بِهِم الجمعَة (4) .
وَركب ربيع القَطَّان (5) فرسه مُلبساً وَفِي عُنُقه المُصْحَف وَحَوْلَهُ
__________
(1) هو إبراهيم بن أحمد السبائي الزاهد، كان أوحد زمانه ورعا وعقلا، شديد العداوة لبني عبيد، مجاهرا لهم بالسب والتكفير.
توفي سنة / 356 / هـ " معالم الايمان ": 3 / 77 - 92.
(2) أحمد بن نزار، أبو ميسرة، رجل صالح مشهور بالفقه، ستأتي ترجمته برقم / 218 / من هذا الجزء.
(3) في الأصل: بالنصب. وكذلك في " معالم الايمان ".
(4) " البيان المغرب ": 1 / 285 و" معالم الايمان ": 3 / 39 - 40.
(5) ربيع بن سليمان بن عطاء الله، القطان، كان لسان أفريقية في وقته في الزهد والرقائق.
وكان جعل على نفسه أن لا يشبع من طعام ولا نوم حتى يقطع الله دولة بني عبيد.
انظر ترجمته في " ترتيب المدارك ": 3 / 323 - 332 و" معالم الايمان ": 3 / 35 - 41.(15/155)
جمع كَبِيْر وَهُوَ يَتْلُو آيَات جِهَاد الكفرَة فَاسْتُشْهِدَ ربيع فِي خلق مِنَ النَّاس يَوْم المَصَافّ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَكَانَ غَرَض هَؤُلاَءِ المَجُوْس بنِي عبيد أَخذه حَيّاً ليُعَذّبوهُ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ القَابسِي: اسْتُشْهِدَ مَعَهُ فضلاَء وَأَئِمَّة وَعبَاد (1) .
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاء فِي بنِي عبيد:
المَاكر الغَادر الغَاوِي لشيعته ... شَرّ الزنَادق مِنْ صحب وَتُبَاع
العَابدين إِذَا عجلاً يخَاطبهُم ... بِسحر هَاروت مِنْ كفر وَإِبدَاع
لوْ قِيْلَ: لِلرُّومِ أَنْتُم مثلهُم لبكُوا ... أَوْ لِلْيَهُوْد لسدُوا صمخ أَسْمَاع
67 - المَنْصُوْرُ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْل بن القَائِم بن المَهْدِيِّ *
العُبيدِيُّ، البَاطنِيُّ، صَاحِب المَغْرِب.
وَلِي بَعْد أَبِيْهِ، وَحَارَبَ رَأْس الإِبَاضِيَّة (2) أَبَا يَزِيْدَ مَخْلَد بن كيدَاد الزَّاهِد، وَالتَقَى الجمعَان مَرَّات وَظهر مَخْلَد عَلَى أَكْثَر المَغْرِب وَلَمْ يَبْقَ لبنِي عبيد سِوَى المهديّة (3) ، فَنَهَضَ المَنْصُوْر وَأَخفَى موت أَبِيْهِ (4) ، وَصَابر الإِبَاضِيَّة حَتَّى ترحلُوا
__________
(1) " معالم الايمان ": 3 / 41.
(*) الكامل: 8 / 455 وما بعدها، البيان المغرب: 1 / 218 وما بعدها، وفيات الأعيان: 1 / 234 - 236، العبر: 2 / 257، مرآة الجنان: 4 / 333 - 334، البداية والنهاية: 11 / 225 - 226، تاريخ ابن خلدون: 4 / 43 - 45، اتعاظ الحنفا: 129 - 133، خطط المقريزي: 1 / 351، النجوم الزاهرة: 3 / 308، شذرات الذهب: 2 / 359 - 360.
(2) انظر الصفحة 153 / تعليق / 1 / من هذا الجزء.
(3) " وفيات الأعيان ": 1 / 235.
(4) " الكامل ": 8 / 455.(15/156)
عَنْهُ وَنَازلُوا مَدِيْنَة سوسَة فَبرز المَنْصُوْر مِنَ المهديَّة وَالتَقَوا فَانكسر جَيْش مَخْلَد عَلَى كَثْرَتهمْ (1) وَأُسر هُوَ فِي سَنَةِ 336، فَمَاتَ بَعْدَ الأَسر بِأَرْبَعَة أَيَّام مِنَ الجرَاح فَسلخَ وَحشِي قطناً وَصلب (2) .
وبنُوا مَدِيْنَة المَنْصُوْريَّة مَكَان الوقعَة فنزلهَا المَنْصُوْر (3) .
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً رَابط الجأْش فَصِيْحاً مُفَوَّهاً يرتجل الْخطب (4) وَفِيْهِ إِسْلاَم فِي الجُمْلَةِ وَعقلٌ بِخِلاَف أَبِيْهِ الزِنْدِيْق.
وَقَدْ جمع فِي قصره مرَّة مِنْ أَوْلاَد جُنْده وَرعيته عَشْرَة آلاَف صَبِيّ وَكسَاهُم كسوَة فَاخرَة وَعمل لَهُم وَليمَة لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ بِمثلهَا وَختنهُم جَمِيْعاً وَكَانَ يهب لِلْوَاحِد مِنْهُم المائَة دِيْنَارٍ وَالخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً عَلَى أَقدَارهم.
وَمِنْ محَاسنه أَنَّهُ وَلَّى مُحَمَّد بن أَبِي الْمَنْظُور (5) الأَنْصَارِيّ قَضَاء القَيْرَوَان وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَاب الحَدِيْث قَدْ لقِي إِسْمَاعِيْل القَاضِي، وَالحَارِث بن أَبِي أُسَامَةَ فَقَالَ بِشَرْط أَنْ لاَ آخذ رزقاً وَلاَ أَركب دَابَّة (6) فولاَهُ ليتَأَلف الرَّعِيَّة فَأَحضر إِلَيْهِ يهودِي قَدْ سبّ (7) فَبطحه وَضَربه إِلَى أَنْ
__________
(1) " الكامل ": 8 / 434 - 435.
(2) " البيان المغرب ": 1 / 219 - 220.
(3) انظر " البيان المغرب ": 1 / 219.
و" معجم البلدان ": 3 / 391 - 392.
(4) " وفيات الأعيان ": 1 / 235.
(5) في " معالم الايمان ": 3 / 54 " ابن أبي المنصور ". كان - رحمه الله - عالما بأصول الفقه، فاضلا صالحا، لا تأخذه في الله لومة لائم. توفي سنة / 337 / وقد نيف على التسعين.
انظر " قضاة الأندلس وعلماء أفريقية ": 227 و" معالم الايمان ": 3 / 54 - 57.
(6) في " معالم الايمان ": 3 / 55 " فاشترط عليه أن لا يأخذ صلة، ولا يركب لهم دابة، ولا يقبل شهادة من طاف بهم أو قاربهم، ولا يركب إليهم مهنيا ولا معزيا ".
(7) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -(15/157)
مَاتَ تَحْتَ الضَّرب خَاف أَنْ يحكم بِقَتْلِهِ فَتحل عَلَيْهِ الدَّوْلَة (1) .
وَأَتَى يَوْماً بَيْته فَوَجَد سُلاَف دَايَة (2) السُّلْطَان تشفع فِي امْرَأَة نَائِحَة فَاسقَة ليطلقهَا مِنْ حَبسه، فَقَالَ مَالِك، قَالَتْ قَضِيب (3) مَحْبُوْبَة المَنْصُوْر تطلب مِنْكَ أَنْ تطلقهَا، فَقَالَ: يَا منتنَة لَوْلاَ شَيْء لَضَرَبْتُك لَعَنَك الله وَلعن مِنْ أَرْسَلك فولولت وَشقت ثيَابهَا ثُمَّ ذكرت أَمرهَا لِلْمَنْصُوْرِ.
فَقَالَ: مَا أَصنع بِهِ مَا أَخذ منَا صلَة وَلاَ نقدر عَلَى عَزله نَحْنُ نحب إِصْلاَح البَلَد (4) .
خرج فِي رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ إِلَى مَكَان يتَنَزَّه فَأَصَابَه برد وَريح عَظِيْمَة فَأَثر ذَلِكَ فِيْهِ وَمَرِضَ وَمَاتَ عدد كَثِيْر مِمَّنْ مَعَهُ ثُمَّ مَاتَ هُوَ فِي سَلْخِ شَوَّال مِنَ السّنَة وَلَهُ تِسْع وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً (5) .
وَقَدْ كَانَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ جهَّز جَيْشه فِي البَحْر إِلَى صَقِلِّيَّة فَهَزمُوا النَّصَارَى وَكَانَتْ ملحمَة عظمَى قتل فِيْهَا مِنَ العَدُوّ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً وَأُسر مِنْهُم أُلوف وَغنم الجُنْد مَا لاَ يعبر عَنْهُ (6) .
وَقِيْلَ: أَنَّهُ افتَتَح مَدِيْنَة جنوهُ وَنهب أَعمَال سُرْدَانِيَه (7) .
__________
(1) في " معالم الايمان ": 3 / 56 " وإنما فعل ذلك - والله أعلم - لأنه لو رفع أمره إليه - يعني: للمنصور - لم يقتله بسبب السب، فأظهر إنما يضربه ضرب الأدب، ليصل بذلك إلى قتله، فإذا قيل له: لم قتلته؟ قال: مات من الضرب..".
(2) في " معالم الايمان ": 3 / 56 " جارية ".
(3) جارية أخرى للسلطان، ليس عنده أعز منها كما في " معالم الايمان ": 3 / 57.
(4) " معالم الايمان ": 3 / 56 - 57.
(5) " الكامل ": 8 / 497 - 498.
(6) " الكامل ": 8 / 493 - 494.
(7) في " الكامل ": 8 / 310 أن القائم هو الذي افتتحها.(15/158)
وحكَمَ عَلَى مملكَة صَقِلِّيَّة، وَافتَتَح لَهُ نَائِبه عَلَيْهَا فُتُوْحَات وَانتصر عَلَى العَدُوّ وَفرح بِذَلِكَ المُسْلِمُوْنَ وَتوطد سلطَانه (1) .
وَخلف خَمْسَة بَنِينَ وَست بنَات (2) .
وَذَكَرَ المَشَايِخ أَنَّهُم مَا رأَوا فتحاً مثله قَطُّ.
وَكَانَ المَنْصُوْر محبباً إِلَى الرَّعِيَّةِ مقتصراً عَلَى إِظهَار التَّشَيُّع وَقَامَ بَعْدَهُ المُعَزِّ وَلَدُه.
68 - المُعِزُّ لِدِيْنِ اللهِ معد ابْن المَنْصُوْر إِسْمَاعِيْل بن القَائِم *
هُوَ المُعَزِّ لِدِيْنِ اللهِ أَبُو تَمِيْم معد بن المَنْصُوْر إِسْمَاعِيْل بن القَائِم العبيدِي المهدوِي المَغْرِبِيّ الَّذِي بنيت القَاهرَة المعزيَّة لَهُ (3) كَانَ صَاحِبَ المَغْرِب وَكَانَ وَلِي عهد أَبِيْهِ.
وَلِي سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَسَارَ فِي نَوَاحِي إِفْرِيْقِيَة يُمَهد ملكه فَذَلِّلْ الخَارجين عَلَيْهِ وَاسْتعمل مَمَالِيْكه عَلَى الْمدن وَاسْتخدم الجُنْد وَأَنفق الأَمْوَال (4) وَجَهَّزَ مَمْلُوكه جَوْهَر (5) القَائِد فِي الجُيُوش.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 473 - 474.
(2) " اتعاظ الحنفا ": 133.
(*) المنتظم: 7 / 82 - 83، الكامل: 8 / 498 وما بعدها، البيان المغرب: 1 / 221 وما بعدها، وفيات الأعيان: 5 / 224 - 228، العبر: 2 / 339، البداية والنهاية: 11 / 283 - 284، تاريخ ابن خلدون: 4 / 45 - 51، خطط المقريزي: 1 / 351 - 354، 2 / 222، اتعاظ الحنفا: 134 - 265، النجوم الزاهرة: 4 / 69 - 104، تاريخ ابن إياس: 1 / 45 - 48، شذرات الذهب: 3 / 52 - 54.
(3) انظر " النجوم الزاهرة ": 4 / 34 - 54.
(4) " الكامل ": 8 / 498 - 499.
(5) أنظر ص / 120 / تعليق / 5 / من هذا الجزء.(15/159)
فَسَارَ فَافْتَتَحَ سِجِلْمَاسَة، وَسَارَ إِلَى أَنْ وَصل إِلَى البَحْر الأَعْظَم، وَصيد لَهُ مِنْ سمكه، وَافتَتَح مَدِيْنَة فَاس وَأَسر صَاحِبهَا وَصَاحِب سَبْتَة وَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى أُسْتَاذه (1) .
وَقِيْلَ: لَمْ يقدر عَلَى سبتَة وَكَانَتْ لصَاحِب الأَنْدَلُس المَرْوَانِي (2) .
قَالَ القِفْطِيُّ (3) :عَزَمَ المعزُّ عَلَى بعثَ جَيْشه إِلَى مِصْرَ فَسَأَلته أُمّه أَنْ يُؤخّر ذَلِكَ لتَحُجَّ خفيَة فَأَجَابهَا، وَحجت فَأَحس بقدومهَا الأُسْتَاذ كَافُوْر - يَعْنِي صَاحِب مِصْر - فَحَضَرَ إِلَيْهَا وَخدمهَا وَحمل إِلَيْهَا تُحَفاً وَبَعَثَ فِي خِدْمَتهَا أَجنَاداً فَلَمَّا رجعت منعت ابْنهَا مِنْ قصد مِصْر فَلَمَّا مَاتَ كَافُوْر بعثَ المُعَزِّ جَيْشه فَأَخذُوا مِصْر (4) .
قُلْتُ: قَدَّمَ عَلَيْهِم جوهراً فجنَى مَا عَلَى الْبَرْبَر مِنَ الضرَائِب فَكَانَ ذَلِكَ خَمْس مائَة أَلْف دِيْنَار، وَعمد المُعَزِّ إِلَى خزَائِن آبَائِهِ فَبذل مِنْهَا خَمْس مائَة حمل مِنَ المَال وَسَارُوا فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ فِي أُهبَة عَظِيْمَة (5) .
وكَانَتْ مِصْر فِي القَحط فَأَخَذَهَا جَوْهَر وَأَخَذَ الشَّام وَالحِجَازَ (6) وَنفَّذَ مَا يُعَرِّف مَوْلاَهُ بَانتظَام الأَمْر.
وَضربت السكَة عَلَى الدّينَار بِمِصْرَ وَهِيَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله مُحَمَّد رَسُوْل
__________
(1) " الكامل ": 8 / 524 - 255.
(2) " البيان المغرب ": 1 / 222.
(3) انظر ص / 145 / تعليق / 8 / من هذا الجزء.
(4) " النجوم الزاهرة ": 4 / 71.
(5) " وفيات الأعيان ": 5 / 226.
(6) " الكامل ": 8 / 590 - 592، 612.(15/160)
الله عليّ خَيْر الْوَصِيّين، وَالوَجْه الآخر اسْم المُعَزِّ وَالتَّارِيْخ (1) وَأَعلن الأَذَان بحِي عَلَى خَيْر الْعَمَل (2) وَنُودِي مَنْ مَاتَ، عَنْ بنْت وَأَخ أَوْ أُخْت فَالمَال كُلّه لِلْبنت فَهَذَا رَأْي هَؤُلاَءِ (3) .
ثمَّ جهَّز جَوْهَر هَدِيَّة إِلَى المُعَزِّ وَهِيَ عِشْرُوْنَ كجَاوَة (4) مِنْهَا وَاحِدَة مرصعَة بِالجَوَاهِر وَخَمْسُوْنَ فرساً كَامِلَة العدَة وَخَمْس وَخَمْسُوْنَ نَاقَة مزينَة وَثَلاَثِ مائَةٍ وَخَمْسُوْنَ جملاً بخَاتِي، وَعِدَّة أَحمَال مِنْ نفَائِس المَتَاع وَطيور فِي أَقفَاص سَارَ بِهَا جَعْفَر وَلد جَوْهَر وَمَعَهُ عِدَّة أُمرَاء إِخشيديَة تَحْتَ الحوطَة مكرمِين (5) وَاعتقل أَبْنَاء الْملك عَلِيّ بن الإِخشيد فِي رفَاهيَة وَأَحسن إِلَى الرَّعِيَّةِ وَتصدَّق بِمَال عَظِيْم.
وَأَخذت الرملَة بِالسَّيْف وَأسر صَاحِبهَا الحَسَن بن أَخِي الإِخشيد وَأَمرَاؤُه وَبعثَوا إِلَى المَغْرِب (6) ، وَأَمر الأَعيَان بِأَنَّ يعولُوا المسَاكين لشِدَّة الغلاَء، فتَهَيَّأَ المُعَزِّ وَاسْتنَاب عَلَى المَغْرِب بلكين (7) الصِنْهَاجِي وَسَارَ بخزَائِنه وَتوَابيت آبَائِهِ (8) .
وَكَانَ دُخُوْله (9) إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
__________
(1) " اتعاظ الحنفا ": 164 - 165.
(2) " الكامل ": 9 / 590.
(3) أنظر رأي جمهور أئمة المسلمين في هذه المسألة " المغني " 6 / 168، 169 لابن قدامة.
(4) الكجاوة: الهودج، واللفظة فارسية.
(5) " وفيات الأعيان ": 5 / 61.
(6) " وفيات الأعيان ": 5 / 60 - 61.
(7) انظر ترجمته في " الكامل ": 8 / 623 - 625 و" وفيات الأعيان ": 1 / 286 - 287.
(8) " اتعاظ الحنفا ": 186.
(9) انظر " الكامل ": 8 / 620 - 23(15/161)
وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَتلقَاهُ قَاضِي مِصْر الذُّهْلِيّ (1) وَأَعيَانهَا فَأَكرمهُم وَطَال حَدِيْثه مَعَهُم وَعرفهُم أَن قصدهُ الحَقّ وَالجِهَاد، وَأَنَّ يخْتم عُمَره بِالأَعمَال الصَّالِحَة، وَأَنَّ يُقيم أَوَامر جدّه رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوعظ وَذَكَّرَ حَتَّى أَعجبهُم وَبَكَى بَعْضهُم ثُمَّ خلع عَلَيْهِم (2) .
وَقَالَ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّاهِرِ الذُّهْلِيّ: مَنْ رَأَيْتُ مِنَ الخُلَفَاء؟
فَقَالَ: وَاحِداً.
قَالَ: مَنْ هُوَ؟
قَالَ مولاَنَا، فَأَعجبه ذَلِكَ (3) ، ثمَّ إِنَّهُ سَارَ حَتَّى خيم بِالجِيزَة فَأَخَذَ عَسْكَره فِي التَّعْدِيَة إِل?ى الفُسْطَاط ثُمَّ دَخَلَ القَاهرَة وَقَدْ بنِي لَهُ بِهَا قصر الإِمَارَة وَزينت مِصْر، فَاسْتوَى عَلَى سَرِير ملكه وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ (4) .
وَكَانَ عَاقِلاً لبيباً حَازماً ذَا أَدب وَعلم وَمَعْرِفَة وَجلاَلَة وَكرم يَرْجِع فِي الجُمْلَةِ إِلَى عدل وَإِنصَاف وَلَوْلاَ بدعته وَرفضه لكَانَ مِنْ خيَار المُلُوك.
قِيْلَ: إِنَّ زَوْجَة صَاحِب مِصْر الإِخشيد لمَا زَالت دولتهُم أَودعت عِنْد يهودِي بغلطَاقاً مِنْ جَوْهَر ثُمَّ إِنَّهَا طلبته مِنْهُ فَأَنْكَرَهُ وَصمم فَبذلت لَهُ كمه فَأَصرّ فَمَا زَالت حَتَّى قَالَتْ: خُذْهُ وَهَاتِ كَمَا مِنْهُ فَمَا فعل فَأَتَتِ الْقصر فَأَذن المُعَزِّ لَهَا فَحَدَّثته بِأَمرهَا فَأَحضر اليَهودِي وَقرره فَلَمْ يقر فَنفذ إِلَى دَاره مِنْ أَخرب حيطَانهَا فَوَجَدُوا جرَّة فِيْهَا البغلطَاق، فَلَمَّا رَآهُ المُعَزِّ ابْتَهَرَ مِنْ حسنه وَقَدْ نَقصه اليَهودِي درتين بَاعهُمَا بِأَلف وَسِتّ مائَة دِيْنَارٍ فَسَلمهُ إِلَيْهَا، فَاجتهدت أَنْ يَأْخذه هديَة مِنْهَا أَوْ بِثمن فَأَبَى، فَقَالَتْ:
__________
(1) انظر ترجمته في " تاريخ بغداد ": 1 / 313 - 314.
(2) " وفيات الأعيان ": 5 / 227.
(3) " اتعاظ الحنفا ": 189 - 190.
(4) " وفيات الأعيان ": 5 / 227.(15/162)
يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّمَا كَانَ يصلح لِي إِذْ كُنَّا أَصْحَاب البِلاَد وَأَمَّا اليَوْم فَلاَ ثُمَّ أَخذته وَمضت (1) .
قِيْلَ: إِنَّ المنجمِين أَخبرُوا المُعَزِّ أَن عَلَيْك قطعاً فَأَشَارُوا أَنْ يتَّخذ سرباً (2) يتوَارَى فِيْهِ سنَة فَفَعَل فَلَمَّا طَالت الغيبَة ظنّ جُنْده المغَاربَة أَنَّهُ رفع فَكَانَ الفَارس مِنْهُم إِذَا رَأَى غمَامَة ترَجل وَيَقُوْلُ:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ! ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ بَعْدَ سَنَةٍ فَخَرَجَ فَمَا عَاشَ بَعْدهَا إِلاَّ يَسِيْراً (3) .
وَللشعرَاء فِيْهِ مدَائِح (4) .
وَمِنْ شعره:
أَطلع الحَسَن مِنْ جَبِينك شمساً ... فَوْقَ وَرد مِنْ (5) وَجنتيك أَطلاَ
فَكَانَ الجمَال خَاف عَلَى الْوَرْ ... د ذبولاً (6) فمدَّ بِالشّعر ظلاَّ (7)
وَمِنْ شعره:
للهِ مَا صنعت بنَا ... تِلْكَ المحَاجر (8) فِي المعَاجر (9)
أَمْضَى وَأَقضَى فِي النُّفُو ... س مِنَ الخنَاجر فِي الحنَاجر
__________
(1) " النجوم الزاهرة ": 4 / 78.
(2) السرب، بالتحريك: بيت في الأرض.
(3) " الكامل ": 8 / 664.
(4) من كبار الشعراء الذين مدحوا المعز الشاعر الأندلسي محمد بن هانئ. انظر ترجمته في " معجم الأدباء ": 19 / 92 - 105.
(5) في " وفيات الأعيان ": في.
(6) في " وفيات الأعيان ": جفافا.
(7) " وفيات الأعيان ": 5 / 228.
(8) مفردها: محجر. ما بدا من البرقع من جميع العين.
(9) مفردها: معجر. بكسر الميم، وهو ثوب تلفه المرأة على استدارة رأسها، ثم تجلبب فوقه بجلبابها. " لسان العرب " (عجر) .(15/163)
وَلَقَدْ تَعِبت ببينكُم ... تَعب المُهَاجِر فِي الْهَوَاجِر (1)
قِيْلَ: إِنَّهُ أُحضر إِلَى المُعَزِّ بِمِصْرَ كِتَاب (2) فِيْهِ شهَادَة جدهمْ عُبَيْد اللهِ بسلمِيَّة وَفِيْهِ وَكَتَبَ عُبَيْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَاهِلِيّ، فَقَالَ: نَعَمْ، هَذِهِ شهَادَة جدنَا وَأَرَادَ بِقَوله البَاهِلِيّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ المبَاهِلَة (3) لاَ أَنَّهُ مِنْ بَاهِلَة (4) .
قُلْتُ: ظَهَرَ هَذَا الوَقْت الرَّفْض وَأَبدَى صَفحَته وَشمخ بِأَنفه فِي مِصْر وَالشَّام وَالحِجَاز وَالغرب بِالدَّوْلَة العُبَيْدِيَّة وَبَالعِرَاق وَالجَزِيْرَة وَالعجم بيني بُويه، وَكَانَ الخَلِيْفَة المُطِيع ضَعِيْف الدست وَالرتبَة مَعَ بَنَي بُوَيْه، ثُمَّ ضَعف بدنه وَأَصَابه فَالِج وَخرس فعزلُوهُ وَأَقَامُوا ابْنه الطَّائِع للهِ وَلَهُ السكَة وَالخطبَة وَقَلِيْل مِنَ الأُمُور فَكَانَتْ مملكَة هَذَا المُعَزِّ أَعْظَم وَأَمكن، وكَذَلِكَ دَوْلَة صَاحِب الأَنْدَلُس الْمُسْتَنْصر بِاللهِ المَرْوَانِي كَانَتْ موطدَة مستقلَة كوَالده النَّاصر لِدِيْنِ اللهِ الَّذِي وَلِي خَمْسِيْنَ عَاماً، وَأَعلن الأَذَان بِالشَّامِ وَمِصْر بحِي عَلَى خَيْر الْعَمَل فَللَّه الأَمْر كُلّه (5) .
قِيْلَ: مَا عرف، عَنِ المُعَزِّ غَيْر التَّشَيُّع، وَكَانَ يُطِيل الصَّلاَة وَمَاتَ قَبْلَهُ
__________
(1) " وفيات الأعيان ": 5 / 228.
(2) في الأصل: فيها.
(3) المباهلة: الملاعنة، باهلت فلانا أي لاعنته، ومعنى المباهلة أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا. " لسان العرب " (بهل) .
(4) اسم لقبيلة عظيمة من قيس بن عيلان. انظر ما كتبه عنها ابن الأثير في " اللباب ": 1 / 93 - 94.
(5) " النجوم الزاهرة ": 4 / 58.(15/164)
بِسَنَة ابْنه عَبْد اللهِ وَلِي الْعَهْد، وَصبر وَغلقت مِصْر لعزَائِه ثَلاَثاً وَشيعُوهُ بِلاَ عَمَائِم بَلْ بِمنَادِيل صوف فَأَمَّهُم المُعَزِّ بِأَتم الصَّلاَة وَأَحسنهَا
فِي سنَة سِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَجد بِالسُّوق ... (1) قَدْ نسج فِيْهِ المُعَزِّ - عَزَّ وَجَلَّ - فَأَحضر النسَاج (2) إِلَى الْجَوْهَر فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَصلب النسَاج ثُمَّ أَطلق.
وَأَخَذَ الْمُحْتَسب مِنَ الطَّحَّانِينَ سَبْع مائَة دِيْنَارٍ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ جَوْهَر وَرد الذَّهَبَ إِلَيْهِم.
وَأَبيع تليس (3) الدَّقِيق بتِسْعَةَ عَشرَ دِيْنَاراً ثُمَّ انْحَل السّعر فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَكَانَ الغلاَء أَرْبَع سِنِيْنَ.
وَقبض جَوْهَر عَلَى تِسْع مائَة وَأَرْبَعِيْنَ جندياً وَالإِخشيد فِي وَقت وَاحِد وَقيدُوا (4) ، وَثَارَت عَلَيْهِ القرَامطَة وَاسْتولُوا عَلَى كَثِيْر مِنَ الشَّام وَسَارُوا حَتَّى أَتُوا مِصْر فَحَاربهُم جَوْهَر وَجَرَتْ أُمُورٌ مهولَة (5) .
وَعزل سنَة 361 مِنَ الوِزَارَة ابْن حنزَابَة وَأَهين (6) .
وَوَقع المَصَافّ بَيْنَ جَوْهَر وَالقرَامطَة وَقُتِلَ خَلْقٌ وَذَلِكَ بِظَاهِرِ القَاهرَة،
__________
(1) بياض في الأصل مقدار كلمة.
(2) زيادة يقتضيها سياق النص.
(3) شبه القفه، ويقول عامة صعيد مصر " للشوال " الضخم: " تليس ".
(4) " اتعاظ الحنفا ": 182.
(5) " الكامل ": 8 / 614 - 616.
(6) أنظر " وفيات الأعيان ": 1 / 346 - 350.(15/165)
وَاسْتمرَّ ذَلِكَ ثَلاَثَة أَيَّام ثُمَّ ترحل الأَعسم (1) القرمطِي مُنْهَزِماً (2) ، وَذلُّوا وَاتهم الأَعسم أُمَرَاءهُ بِالمخَامرَة فَقبض عَلَيْهِم، وَصَلَّى بِالنَّاسِ المُعَزِّ يَوْمِي العِيْد صَلاَة طَوِيْلَة بِحَيْثُ إِنَّهُ سبح فِي السُّجُود نَحْو ثَلاَثِيْنَ ثُمَّ خطبهُم فَأَبلغ وَأَحبته الرَّعِيَّة (3) .
وَصنع شَمْسِيَّة لِتعْمَل عَلَى الكَعْبَة ثَمَانيَة أَشبار فِي مثلهَا مِنْ حَرِير أَحمر وَفِيْهَا اثْنَا عَشرَ هلاَلاً مِنْ ذَهَب وَفِي الهلاَل ترنجَة (4) قَدْ رصعت بجَوَاهر وَيَاقوت وَزمرد لَمْ يشَاهد أَحَد مثلهَا (5) .
وَقَدَّمَ لَهُ جَوْهَر القَائِد تُحَفاً بِنَحْوِ مِنْ أَلف أَلف دِيْنَار فَخلع عَلَيْهِ وَأَعطَاهُ مَا يَلِيق بِهِ (6) .
مَاتَ المُعَزِّ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بِالقَاهرَة الْمُعِزِّيَّةِ وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالمهديَّة الَّتِي بنَاهَا جدهُم وَعَاشَ ستَا وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وكَانَتْ دَوْلَته أَربعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً (7) . وقَام بَعْدَهُ ابْنه العَزِيْز بِاللهِ،
__________
(1) هو الحسن بن أحمد بن أبي سعيد، الجنابي القرمطي، أبو علي، أحد زعماء القرامطة، ولد بالاحساء سنة / 278 / وتنقلت به الأحوال، فاستولى على الشام سنة / 357 / ووجه إليه المعز جيشا من مصر بقيادة جعفر بن فلاح، فهزمه القرمطي، وذبح جعفر، زحف إلى مصر سنة / 361 / فحاصرها أشهرا، ثم عاد يريد الشام، فمات بالرملة سنة / 366 /.
وذكرت أغلب المراجع لقبه " الاعصم " وهو الصحيح.
وفي " النجوم الزاهرة " " الأعظم ".
أنظر " فوات الوفيات ": 1 / 227.
(2) " اتعاظ الحنفا ": 182.
(3) " اتعاظ الحنفا ": 190 - 191.
(4) ثمرة كالليمون، ذهبية اللون، ذكية الرائحة، ذات طعم حامض.
(5) " اتعاظ الحنفا ": 193 - 194.
(6) " اتعاظ الحنفا ": 192.
(7) " الكامل ": 8 / 663.(15/166)
وَقَدْ جرَى عَلَى دِمَشْق وَغَيْرهُمَا مِنْ عَسَاكِر المغَاربَة كُلّ قَبِيح مِنَ الْقَتْل وَالنهب وَفَعَلُوا مَا لاَ يَفْعَله الْفِرِنْج وَلَوْلاَ خوف الإِطَالَة لسقت مَا يَبْكِي الأَعْيَن (1) .
69 - العَزِيْز بِاللهِ نزَار ابْن المُعِزِّ معد بنِ إِسْمَاعِيْلَ *
صَاحِب مِصْر أَبُو مَنْصُوْرٍ نزَار بن المُعِزِّ معد بن إِسْمَاعِيْلَ العبيدِي المهدوِي المَغْرِبِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَام بَعْد أَبِيْهِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ
وَكَانَ كَرِيْماً شُجَاعاً صفوحاً، أَسمر أَصهب الشّعر أَعْيَن (2) أَشهل (3) بعيد مَا بَيْنَ المَنْكِبين، حسن الأَخلاَق قَرِيْباً مِنَ الرَّعِيَّةِ مغرَى بِالصيد وَيكثر مِنْ صيد السِّبَاع وَلاَ يُؤثر سفك الدِّمَاء وَلَهُ نَظْمٌ وَمَعْرِفَة (4) .
تُوُفِّيَ فِي العِيْد وَلدٌ لَهُ، فَقَالَ:
نَحْنُ بَنو المصطفَى ذَوُو مِحَن ... أَولنَا مبتلَى وَخَاتمنَا
__________
(1) انظر " الكامل ": 8 / 591 - 592، 640 - 643.
(*) المنتظم: 7 / 190، الكامل: 8 / 363 وما بعدها، البيان المغرب: 1 / 229 وما بعدها، وفيات الأعيان: 5 / 371 - 376، العبر: 3 / 34، البداية والنهاية: 121 / 320 تاريخ ابن خلدون: 4 / 51 - 56، خطط المقريزي: 1 / 354، النجوم الزاهرة: 4 / 112، 125، تاريخ ابن إياس: 1 / 48 - 50، شذرات الذهب: 3 / 121.
(2) أي واسع العين: (3) الشهلة في العين: أن يشوب سوادها زرقة.
(4) " وفيات الأعيان ": 5 / 372.
(5) في " يتيمة الدهر ": وآخرنا.(15/167)
عجييَة فِي الأَنَام محنتنَا ... يجرعهَا فِي الحَيَاة كَاظمنَا
يفرح هَذَا الورَى بعيدهُم ... طُرّاً وَأَعيَادنَا (1) مآتمنَا (2)
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ الثعَالبِي فِي اليتيمَة، سَمِعْتُ الشَّيْخ أَبَا الطّيب يَحْكِي أَنَّ الأُمَوِيّ صَاحِب الأَنْدَلُس كتب إِلَيْهِ نزَار صَاحِب مِصْر كِتَاباً سَبه فِيْهِ وَهجَاهُ فَكَتَبَ إِليه الأُمَوِيّ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنك عرفتنَا فَهجوتنَا وَلَوْ عرفنَاك لأَجبنَاك (3) فَاشْتَدَّ هَذَا عَلَى العَزِيْز وَأَفحمه، عَنِ الجَوَاب يُشِير أَنَّك دَعِيٌّ لاَ نَعْرِف قَبِيلَتك.
قَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ العَزِيْز قَدْ وَلَّى عِيْسَى بن نُسْطُورِس (4) النَّصْرَانِيّ أَمر مِصْر وَاسْتنَاب مُنَشَّا اليَهودِي بِالشَّامِ فَكتبت إِلَيْهِ امْرَأَة بِالَّذِي أَعزّ اليَهُوْد وَالنَّصَارَى بِمُنَشَّا وَابْن نُسْطُورِس وَأَذلّ المُسْلِمِيْنَ بِك إِلاَّ مَا نظرت فِي أَمرِي فَقبض عَلَى الاثْنَيْن وَأَخَذَ مِنْ عِيْسَى ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار (5) .
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ وَغَيْرهُ: أَكْثَر أَهْل العِلْمِ لاَ يصححُوْنَ نسب المَهْدِيّ عُبَيْد اللهِ جد خلفَاء مِصْر حَتَّى إِنَّ العَزِيْز فِي أَوَّلِ وَلاَيته صعد المِنْبَر يَوْم جُمُعَة فَوَجَد هُنَاكَ رقعَة فِيْهَا:
إِذَا سمِعنَا نسباً مُنْكراً ... نبكِي عَلَى المِنْبَر وَالجَامِع (6)
__________
(1) في " يتيمة الدهر " وأفراحنا.
(2) الابيات في " يتيمة الدهر ": 1 / 254 مع اختلاف.
فصدر البيت الأول مع عجز البيت الثاني، وصدر البيت الثاني مع عجز البيت الأول.
(3) " يتيمة الدهر ": 1 / 255.
(4) في الأصل: نسطور.
(5) " المنتظم ": 7 / 190.
(6) في " وفيات الأعيان ": 5 / 373.
إنا سمعنا نسبا منكرا * يتلى على المنبر في الجامع(15/168)
إِنْ كُنْتَ فِيْمَا تَدَّعِي صَادِقاً ... فَاذْكُرْ أَباً بَعْدَ الأَبِ الرَّابِع (1)
وَإِنْ تُرِدْ تَحْقِيْقَ مَا قُلْتَه ... فَانسُبْ لَنَا نَفْسَكَ كَالطَّائِعِ
أَوْلا دَع الأَنسَابَ مَسْتورَةً ... وَادْخُلْ بنَا فِي النَّسَبِ الوَاسِعِ
فَإِنَّ أَنسَابَ بَنِي هَاشِمٍ ... يَقْصُرُ عَنْهَا طَمَعُ الطَّامع (2)
وصَعِدَ مَرَّةً أُخْرَى، فَرَأَى وَرَقَةً فِيْهَا:
بِالظُّلمِ وَالجُوْرِ قَدْ رَضِينَا ... وَلَيْسَ بِالكُفْرِ وَالحمَاقه
إِنْ كُنْتَ أُعْطِيتَ عِلمَ غَيْبٍ ... فَقُلْ لَنَا كَاتِبَ البِطَاقَهْ
ثُمَّ قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ:
وَذَلِكَ لأَنَّهُم ادَّعُوا عِلْمَ المغيَّبَاتِ.
وَلهُم فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ مَشْهُوْرَة (3) .
وفُتحت للعَزِيْز حلَب وَحمَاهُ وَحِمْص.
وَخَطَبَ أَبُو الذَّوَّاد مُحَمَّدُ بنُ المسَّيب بِالمَوْصِل لَهُ، وَرقَم اسْمَه عَلَى الأَعلاَمِ وَالسِّكَّةِ سنَةَ 383، وَخُطِبَ لَهُ أَيْضاً بِاليَمَنِ وَبَالشَّام وَمدَائِنِ المَغْرِب (4) .
وكَانَتْ دَوْلَةُ هَذَا الرَّافِضيّ أَعظَمَ بكَثِيْرٍ مِنْ دَوْلَةِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الطَّائِعِ ابْنِ المُطِيعِ العَبَّاسِيّ.
قَالَ المُسَبِّحِيُّ (5) :وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ، أُسِّس جَامِعُ القَاهرَة (6) . وَفِي
__________
(1) في الأصل: السابع، وما أثبتناه من " وفيات الأعيان ": 5 / 373.
(2) " وفيات الأعيان ": 5 / 373.
(3) " وفيات الأعيان ": 5 / 373 - 374.
(4) المصدر السابق.
(5) انظر ص 150 تعليق (6) .
(6) وأتمه ابنه الحاكم. انظر " خطط المقريزي ": 2 / 277.(15/169)
أَيَّام العَزِيْز بُنِي قصرُ البَحْرِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ (1) مثلُه فِي شَرْقٍ وَلاَ غَرْبٍ، وَجَامِعُ القَرَافَة وَقصرُ الذَّهَب (2) .
وفِي أَيَّامه أُظهر سبُّ الصَّحَابَةِ جِهَاراً.
وفِي سنَة 366 حَجَّت جَمِيْلَةُ بنْتُ نَاصِر الدَّوْلَة، صَاحِبِ المَوْصِل.
فممّا كَانَ مَعَهَا أَرْبَع مائَة محمل، فَكَانَتْ لاَ يُدْرَى فِي أَي محمل هِيَ.
وَأَعْتقت خَمْس مائَة نَفْسٍ.
وَنثَرَتْ عَلَى الكَعْبَة عَشْرَة آلاَفِ مِثقَالٍ (3) .
وَسَقَت جَمِيْعَ الوَفد سَوِيْقَ السُّكَّر وَالثَّلْجِ، كَذَا قَالَ الثَّعَالبِي، وَخَلَعَتْ وَكَسَتْ خَمْسِيْنَ أَلْفاً.
وَلَقَدْ خَطَبَهَا السُّلْطَان عضُدُ الدَّوْلَة، فَأَبتْ فَحَنِقَ لِذَلِكَ، ثُمَّ تَمَكَّنَ مِنْهَا، فَأَفْقَرهَا وَعذَّبهَا، ثُمَّ أَلزمهَا أَنْ تقعُد فِي الحَانَة لتحصلَ مِنَ الفَاحشَة مَا تُؤدِّي، فَمَرَّتْ مَعَ الأَعوَانِ، فَقَذَفَتْ نَفْسهَا فِي دِجْلَةَ، فغرِقَتْ، عفَا الله عَنْهَا (4) .
وَفِي سَنَةِ 67 جَرَتْ وَقعَات بَيْنَ المِصْرِيّين، وَهِفتكين (5) الأَمِيْر، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وضُرِبَ المَثَل بشجَاعَةِ هِفْتكين.
وَهَزَمَ الجُيُوشَ، وَفَرَّ مِنْهُ جَوْهَرُ القَائِدُ.
فَسَارَ لِحَرْبِهِ صَاحِبُ مِصْر العَزِيْزُ بنَفْسِهِ، فَالتَقَوا بِالرَّمْلَة.
وَكَانَ هِفتكين عَلَى فَرَس أَدْهَم يجولُ فِي النَّاس، فَبَعَثَ إِلَيْهِ العَزِيْزُ رَسُوْلاً، يَقُوْلُ:
أَزعجتَنِي وَأَحْوَجتَنِي لمبَاشرَة الحَرْب، وَأَنَا طَالبٌ لِلصُّلْح، وَأَهَب لَكَ الشَّامَ كُلَّه.
قَالَ: فَنَزَلَ وَبَاسَ الأَرْضَ، وَاعْتَذَرَ وَوقَعَ الحَرْبُ.
وَقَالَ: فَاتَ الأَمْرُ، ثُمَّ حَمَل عَلَى المَيْسَرَة، فَهَزَمَهَا، فَحْمل العَزِيْزُ بنَفْسِهِ عَلَيْهِ فِي
__________
(1) في " وفيات الأعيان ": 5 / 372 " لم يبن ".
(2) انظر " خطط المقريزي ": 1 / 384، وحواشي " النجوم الزاهرة ": 4 / 113.
(3) " المنتظم ": 7 / 84.
(4) انظر ص / 121 / تعليق / 2 / من هذا الجزء.
(5) انظر ص / 120 / تعليق / 6 / من هذا الجزء.(15/170)
الأَبطَال فَاْنَهَزَمَ هِفتكين، وَمَنْ مَعَهُ وَالقَرَامِطَة، وَاسْتَحَرَّ بِهِم القَتْلُ.
وَنُودِي: مَنْ أَسَرَ هِفتكين فَلَهُ مائَةُ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَذهَبَ هِفتكين جريحاً فِي ثَلاَثَة، فَظَفِرَ بِهِ مُفْرِج بنُ دَغْفَل.
ثُمَّ أَتَى بِهِ العَزِيْزَ، فَلَمْ يُؤْذِهِ بَلْ بَلَّغَه أَعْلَى الرُّتَب مُديدَةً ثُمَّ سقَاهُ ابْنُ كِلِّس (1) الوَزِيْر، فَأَنكَرَ العَزِيْزُ ذَلِكَ.
فَدَارَاهُ ابْنُ كِلِّس بِخَمْسِ مائَة أَلْف دِيْنَار (2) .
وَفِي سَنَةِ 368 توثَّب عَلَى دِمَشْق قسّام الجُبَيْلِي التَّرَّاب (3) ، وَالتفَّ عَلَيْهِ أَحَدَاثُ البَلَد وَشُطَّارُهَا.
وَلَمْ يَبْقَ لأَمِيْرهَا مَعَهُ أَمْر (4) .
وَجَاءَ رَسُوْلُ العَزِيْز إِلَى أَمِيْرِ الوَقْت عَضُد الدَّوْلَة ليَخْطُبَ لَهُ، فَأَجَابَهُ بتلطُّفٍ وَودٍّ وَإِتحَافٍ، وَلَمْ يتَهَيَّأَ ذَلِكَ (5) .
وَفِيْهَا - أَي سنَة 69 -:سَلْطَنَ الطَّائِعُ عَضُدَ الدَّوْلَة.
وَبَلَّغَهُ أَقصَى الرُّتَب، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أُمُورَ الرَّعيّة شَرْقاً وَغَرْباً، وَعَقَدَ بِيَدِهِ لَهُ لوَاءْين، وَزَادَ فِي أَلقَابه تَاج الملَة (6) .
وَتَزَوَّجَ الطَّائِعُ بِبِنْتِهِ عَلَى مائَةِ أَلْفِ دِيْنَار (7) .
__________
(1) وهو يعقوب بن يوسف بن إبراهيم بن كلس، أبو الفرج، ولد ببغداد وسافر به أبوه إلى الشام، ثم أنفذه إلى مصر، فاتصل بكافور الاخشيدي، فولاه ديوانه بالشام ومصر، ووثق به. وكان يهوديا فأسلم. ثم انتقل إلى المغرب الاقصى فخدم المعز ثم ولي وزارة العزيز، وتوفي في أيامه سنة / 380 / هـ انظر " وفيات الأعيان ": 7 / 27 - 34.
(2) انظر " الكامل ": 8 / 656 - 661.
(3) قسام الحارثي، من قرية من قرى سنير يقال لها: تلفيتا، كان ينقل في أول أمره التراب على الدواب، ثم انتقلت به الأحوال حتى غلب على دمشق وأرسل العزيز جيشا من مصر لحربه، فقاتله أياما ثم ضعف أمره واستأمن سنة / 376 / هـ له ترجمة في " أمراء دمشق ": 68.
(4) " ذيل تاريخ دمشق ": 21 وما بعدها.
(5) " المنتظم ": 7 / 98.
(6) " المنتظم ": 7 / 98 - 100.
(7) " المنتظم ": 7 / 101.(15/171)
وَفِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ رَجَعَ عضُد الدَّوْلَة مِنْ هَمَذَان، فَخَرَجَ الطَّائِع لِتَلَقِّيه، أُكره عَلَى ذَا، وَمَا جَرَتَ عَادَةٌ لخَلِيْفَةٍ (1) بِهَذَا.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى، وَقَعَ حَرِيْق عَظِيْمٌ بِبَغْدَادَ.
وَذهبتِ الأَمْوَال (2) .
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مَاتَ السُّلْطَانُ عَضُدُ الدَّوْلَة، وَالسيِّدَةُ المحُجَّبَة سَارَة أُخْت المُقْتَدِر، وَقَدْ قَاربت التِّسْعِيْنَ.
وَلَطمُوا أَيَّاماً فِي الأَسوَاق عَلَى العَضُد، وَتَمَلَّكَ ابْنُهُ صَمصَامُ (3) الدَّوْلَة.
وَفِي سَنَةِ 377 تَهَيَّأَ العَزِيْزُ لِغَزْو الرُّوْمِ، فَأُحْرِقَتْ مرَاكبُهُ فَغَضِبَ، وَقَتَلَ مَائَتَي نَفْس اتَّهمهُم.
ثُمَّ وَصَلَت رسُل طَاغيَةِ الرُّوْمِ بهديَّةٍ، تطلُبُ الهُدنَة، فَأَجَابَ بِشَرْط أَنْ لاَ يبقَى فِي مَمْلَكَتهمْ أَسيرٌ، وَبأَن يخطبُوا للعَزِيْزِ بِقُسْطَنْطِينِيَّة فِي جَامِعِهَا.
وَعُقِدَت سَبْعَة أَعْوَام (4) .
وَمَاتَ مُتَوَلِّي إِفْرِيْقِيَة يُوْسُفُ بُلّكِين (5) ، وَقَامَ ابْنُهُ المَنْصُوْر، وَبَعَثَ تقَادم إِلَى العَزِيْز قيمتُها أَلف أَلف دِيْنَار (6) .
واشْتَدَّ القَحْطُ بِبَغْدَادَ.
وَابتيعت كَارَة (7) الدقيقِ بِمئتين وَسِتِّيْنَ دِرْهَماً (8) .
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 104.
(2) " المنتظم ": 7 / 107 - 108.
(3) " المنتظم ": 7 / 113.
(4) " النجوم الزاهرة ": 4 / 151 - 152.
(5) في الأصل: يوسف بن بلكين. وهو وهم. إذ أن بلكين يسمى (يوسف) أيضا. وقد توفي سنة / 373 / هـ انظر " وفيات الأعيان ": 1 / 286.
(6) " الكامل ": 9 / 34 وفيه " وأرسل هدية عظيمة إلى العزيز. قيل: كانت قيمتها ألف ألف دينار ".
(7) الكارة: خمسون رطلا.
(8) " المنتظم ": 7 / 132.(15/172)
وَغلَبَ شَرَفُ الدَّوْلَة عَلَى بَغْدَادَ، وَقَبَضَ عَلَى أَخِيْهِ الصَّمْصَام (1) .
وَفِي سَنَةِ 381 عُزِلَ مِنَ الخِلاَفَة الطَّائِعُ، وَوَلِيَ القَادِرُ (2) .
وفِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ فِي رَمَضَانَ مَاتَ العَزِيْز بِبِلْبِيس (3) فِي حمَّام مِنَ القُولَنج، وَعمره اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً وَأَشهر.
وَقَامَ ابْنُهُ الحَاكِمُ الزِنْدِيْق (4) .
70 - الحَاكِمُ بِأَمرِ الله مَنْصُوْرُ بنُ العَزِيْز بنِ المُعِزِّ *
صَاحِبُ مِصْرَ الحَاكِمُ بِأَمرِ الله، أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُوْرُ بنُ العَزيز نزَار بنِ المُعزِّ مَعَدِّ بن المَنْصُوْر إِسْمَاعِيْلَ بنِ القَائِمِ مُحَمَّدِ بنِ المَهْدِيّ، العُبَيْديُّ المِصْرِيُّ الرَّافضيُّ، بَلِ الإِسْمَاعِيْلِيُّ الزِّنديق المدَّعِي الرُّبُوبِيَّة.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَأَقَامُوهُ فِي المُلْك بَعْدَ أَبِيْهِ، وَلَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً.
فحكَى هُوَ، قَالَ:
ضمَّنِي أَبِي وَقَبَّلَنِي وَهُوَ عُرْيَان وَقَالَ:
امضِ فَالْعب، فَأَنَا فِي عَافيَة.
قَالَ: ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَأَتَانِي بَرْجَوَان (5) ، وَأَنَا عَلَى جُمَّيزَة فِي الدَّار.
__________
(1) المصدر نفسه.
(2) " المنتظم ": 7 / 156 - 161.
وانظر ترجمة القادر بالله رقم / 63 / من هذا الجزء.
(3) مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة فراسخ على طريق الشام.
(4) " الكامل ": 9 / 116 - 118.
(*) المنتظم: 7 / 297 - 300، الكامل: 9 / 118 وما بعدها، البيان المغرب: 1 / 286، وفيات الأعيان: 5 / 292 - 298، العبر: 3 / 104 - 106، البداية والنهاية: 12 / 9 - 11، تاريخ ابن خلدون: 4 / 56 - 61، خطط المقريزي: 1 / 354، النجوم الزاهرة: 4 / 176 - 196، تاريخ ابن إياس: 1 / 50 - 58، شذرات الذهب: 3 / 192 - 195.
(5) هو أبو الفتوح، برجوان، كان من خدام العزيز، ومدبري دولته، نافذ الامر، مطاعا، =(15/173)
فَقَالَ: انزلْ وَيْحَكَ، اللهَ اللهَ فِيْنَا، فنزلتُ، فوضَعَ العِمَامَة بِالجَوْهر عَلَى رَأْسِي، وَقبَّل الأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، وَخَرَجَ بِي إِلَى النَّاس، فَقبَّلُوا الأَرْضَ، وَسلَّمُوا عليَّ بِالخِلاَفَة (1) .
قُلْتُ: وَكَانَ شَيطَاناً مَريداً جَبَّاراً عنيداً، كَثِيْر التلُوَّنَ، سفَّاكاً لِلدمَاء، خَبِيْثَ النِّحْلَة، عَظِيْمَ المكْرِ جَوَاداً مُمَدَّحاً، لَهُ شَأْنٌ عَجِيْبٌ، وَنبأٌ غَرِيْبٌ، كَانَ فِرْعَوْن زمَانه، يَخْتَرِع كُلَّ وَقتٍ أَحْكَاماً يُلْزِمُ الرَّعيَة بِهَا.
أَمر بِسَبِّ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -، وَبكِتَابَةِ ذَلِكَ عَلَى أَبْوَابِ المَسَاجِدِ وَالشوَارع.
وَأَمر عُمَّالَه بِالسَّبِّ، وَبِقَتْل الكِلاَبِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَأَبطل الفُقَّاعَ (2) وَالمُلوخيَا، وَحرَّمَ السَّمَكَ الَّذِي لاَ فُلُوسَ عَلَيْهِ (3) ، وَوَقَعَ ببَائِعٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقتلهُم (4) .
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، حرَّم بيع الرُّطَب، وَجَمَع مِنْهُ شَيْئاً عَظِيْماً، فَأَحْرَقَه، وَمَنَعَ مِنْ بيع العِنَبِ، وَأَبَاد الْكُرُوم (5) .
وَأَمَرَ النَّصَارَى بِتَعْلِيق صَليبٍ فِي رِقَابِهِم زِنَتُه رَطْلٌ وَرُبْعٌ بِالدِّمَشْقِيّ.
وَأَلزم اليَهُوْدَ أَنْ يعلِّقُوا فِي أَعنَاقهُم قُرمِيَّةً فِي زِنَةِ الصَّليب إِشَارَةً إِلَى رَأْس العِجْل الَّذِي عَبَدُوهُ، وَأَن تكُون عمَائِمُهُم سُوداً، وَأَن يَدْخُلُوا الحَمَّامَ بِالصَّليب وَبَالقُرمِيَّة.
ثُمَّ أَفْرَدَ لَهُم حَمَّامَاتٍ.
وَأَمر فِي العَامِ بِهَدْمِ كنيسَة قُمَامَة (6) ، وَبهدم كنَائِسِ مِصْر.
__________
= نظر في أيام الحاكم في ديار مصر والحجاز والمغرب، وذلك في سنة / 388 / وقتل بأمر الحاكم سنة / 390 / له ترجمة في " وفيات الأعيان " 1 / 270 - 271.
(1) " وفيات الأعيان ": 5 / 375 - 376.
(2) شراب يتخذ من الشعير.
(3) " وفيات الأعيان ": 5 / 293 الفلس: القشرة على ظهر السمكة.
(4) الوجه: فقتله.
(5) " وفيات الأعيان ": 5 / 293.
(6) في بيت المقدس.(15/174)
فَأَسْلَمَ عِدَّة، ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْ تقبيلِ الأَرْضِ، وَعَنِ الدُّعَاءِ لَهُ فِي الخُطَب وَفِي الكُتُبِ، وَجَعَلَ بدله السَّلاَم عَلَيْهِ (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ بَادِيس (2) أَمِيْرَ المَغْرِب بَعَثَ يَنْقم عَلَيْهِ أُمُوراً.
فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَمِيلَه، فَأَظهر التَّفَقُّه، وَحَمَلَ فِي كُمِّه الدَّفَاتَر، وَطَلَبَ إِلَى عِنْدَهُ فَقيهينِ، وَأَمرَهُمَا بتدريسِ فَقهِ مَالِكٍ فِي الجَامِع، ثُمَّ تغيَّرَ، فَقتلهُمَا صَبْراً (3) .
وَأَذِنَ لِلنَّصَارَى الَّذِيْنَ أَكْرَهَهُم فِي العَوْد إِلَى الكُفْر.
وَفِي سَنَةِ 404 نَفَى المنجِّمِينَ مِنْ بلاَدِهِ (4) ، وَمَنَعَ النِّسَاء مِنَ الخُرُوج مِنَ البُيوت، فَأَحسنَ وَأَبطَلَ عَمَلَ الخِفَاف لَهُنَّ جُمْلَةً، وَمَا زِلْنَ مِمَّنوعَاتٍ مِنَ الخُرُوج سبعَ سِنِيْنَ وَسبعَةَ أَشْهُرٍ (5) .
ثمَّ بَعْد مُدَّة أَمرَ بِإِنشَاء مَا هَدَم مِنَ الكنَائِسِ، وَبتنصُّر مَنْ أَسْلَمَ (6) .
وَأَنشَأَ الجَامِعَ بِالقَاهِرَة، وَكَانَ العَزِيْز ابتدأَه (7) .
وَقَدْ خَرَجَ عَلَيْهِ أَبُو رَكْوَة (8) الوَلِيْدُ بنُ هِشَام العُثْمَانِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ بِأَرْضِ بَرْقَة، وَالتفَّ عَلَيْهِ البَرْبَرُ، وَاسْتَفْحل أَمْرُه، فَجَهَّزَ الحَاكِمُ لِحَرْبِهِ جَيْشاً،
__________
(1) " وفيات الأعيان ": 5 / 293 - 294.
(2) المعز بن باديس، كان ملكا جليلا، قطع خطبة المستنصر، وخلع طاعته، وخطب للقائم بأمر الله الخليفة العباسي، توفي سنة / 454 / بالقيروان.
له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 5 / 233 - 235.
(3) " العبر ": 3 / 105 - 106.
(4) " وفيات الأعيان ": 5 / 294.
(5) المصدر السابق.
(6) المصدر السابق.
(7) " خطط المقريزي ": 2 / 277.
(8) انظر ص / 131 / تعليق / 6 / من هذا الجزء.(15/175)
فَانتصَرَ أَبُو رَكْوَة وَتَمَلَّكَ وَجَرَتْ خُطُوب، ثُمَّ أُسِرَ وَقُتِلَ مِنْ جُنْده نَحْوٌ مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفاً.
وَحُمِلَ إِلَى الحَاكِم فِي سَنَةِ 397، فَذَبَحَه صَبْراً (1) .
وَقَدْ حُبِّبَ فِي الآخر إِلَى الحَاكِم العُزْلَةُ، وَبَقِيَ يَرْكَبُ وَحْدَهُ فِي الأَسوَاق عَلَى حمَار، وَيقيم الحِسْبَة بنَفْسِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عبدٌ ضخمٌ فَاجرٌ، فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَأَدِيْبٌ، أَمرَ العَبْدَ أَنْ يولجَ فِيْهِ، وَالمَفْعُوْل بِهِ يَصِيْح (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَرَادَ ادِّعَاءَ الإِلهيَّة، وَشَرَعَ فِي ذَلِكَ، فَكلَّمه الكُبَرَاء، وَخوَّفُوهُ مِنْ وَثوبِ النَّاسِ، فَتَوَقَّف (3) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَقَامَ الدَّعوَة قِرْوَاشُ بنُ مُقَلد بِالمَوْصِل لِلْحَاكِم، فَأَعطَى الخَطِيْب نُسْخَة بِمَا يَقُوْله: الحَمْدُ للهِ الَّذِي انجلتْ بِنُورِهِ غَمَرَاتُِ الغصْبِ وَانقهرتْ بقدرتِهِ أَركَانُ النصْبِ، وَأَطْلَعَ بِأَمره شَمْسَ الحَقِّ مِنَ الغَرْب، وَمحَى بِعدْلِهِ جُوْرَ الظُّلْمَة، فَعَادَ الحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ البَاين بذَاته، المُنْفَرِدِ بِصِفَاتِهِ، لَمْ يُشْبِه الصُوَرَ فتحتويه الأَمكِنَة، وَلَمْ تَرَه العُيُونُ فَتَصِفُهُ، ثمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ عليّ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَسَيِّد الْوَصِيّين، وَعمَادِ العِلْمِ، وَعَلَى أَغصَانه البوَاسق.
اللَّهُمَّ وَصلِّ عَلَى الإِمَامِ المَهْدِيّ بِك، وَالَّذِي جَاءَ بِأمرِكَ، وَصلِّ عَلَى القَائِم بِأَمرك، وَالمَنْصُوْر بنَصْرِكَ، وَعَلَى المُعِزِّ لدينك، المجَاهِد فِي سَبِيلك، وَصلِّ عَلَى العَزِيْزِ بِكَ، وَاجعل نوَامِي صلوَاتك عَلَى مولاَنَا إِمَام الزَّمَان، وَحِصْن
__________
(1) انظر " الكامل ": 9 / 197 - 203.
(2) " تاريخ ابن إياس ": 1 / 53.
(3) " البيان المغرب ": 1 / 286.(15/176)
الإِيْمَان، صَاحِب الدَّعوَة العَلَوِيَّة عبدِك وَوليِّك أَبِي عَلِيٍّ الحَاكِمِ بِأَمرك أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (1) .
وأُقيمت الدَّعْوَةُ عَلَى يدِ قِرْوَاش بِالكُوْفَةِ وَبَالمَدَائِن (2) .
ثمَّ اسْتمَالَ القَادِرُ بِاللهِ قِرْوَاشاً، وَنَفَّذّ إِلَيْهِ تُحَفاً بِثَلاَثِيْنَ أَلفَ دِيْنَارٍ، فَأَعَاد لَهُ الخُطبَة (3) .
وَاستحوذَتِ العَرَبُ عَلَى الشَّامِ، وَحَاصرُوا القِلاَع.
وَتمَّ القَحْط الشَّدِيدُ بنَيْسَابُوْرَ وَنوَاحيهَا، حَتَّى هَلَكَ مائَة أَلْف أَوْ يَزيدُوْنَ.
وَأُكِلت الجِيَف وَلحوم الآدمِيين (4) .
وفِي الأَربع مائَة وَبعدَهَا كَانَتِ الأَنْدَلُسُ تَغْلِي بِالحُرُوبِ وَالقِتَال عَلَى المُلْك (5) .
وَأَنشَأَ دَاراً كَبِيْرَةً ملأَهَا قيوداً وَأَغْلاَلاً وَجَعَلَ لَهَا سَبْعَةَ أَبْوَابٍ، وَسمَّاهَا جَهَنَّم، فَكَانَ مِنْ سَخِطَ عَلَيْهِ، أَسْكَنَه (6) فِيْهَا.
وَلَمَّا أَمَرَ بحَرِيْق مِصْر، وَاسْتبَاحَهَا، بَعَثَ خَادمَه ليشَاهدَ الحَال.
فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ؟
قَالَ: لَوِ اسْتبَاحَهَا طَاغيَةُ الرُّوْم مَا زَادَ عَلَى مَا رَأَيْتُ، فَضَرَبَ عُنُقَه.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِ مائَةٍ كُتِبَ بِبَغْدَادَ محَضرٌ يتضمَّن القَدْحَ فِي أَنْسَابِ
__________
(1) الخطبة بتمامها في " المنتظم ": 7 / 248 - 251.
(2) " المنتظم ": 7 / 251.
(3) المصدر السابق.
(4) " الكامل ": 9 / 225.
(5) " الكامل ": 9 / 216 - 219.
(6) " البيان المغرب ": 1 / 286.(15/177)
أَصْحَابِ مِصْر وَعَقَائِدِهم وَأَنَّهُم أَدْعيَاء.
وَأَنَّ انتمَاءهُم إِلَى الإِمَامِ عَلِيّ بَاطِلٌ وَزور، وَأَنَّ النَّاجمَ بِمِصْرَ اليَوْمَ وَسَلَفَه (1) كفّارٌ وَفُسَّاق وزنَادقَة، وَأَنَّهُم لمَذْهَبِ الثَّنَوِيَّة معتقدُوْنَ، عطَّلُوا الحُدُوْدَ، وَأَباحُوا الفُروج، وَسفكُوا الدِّمَاء، وَسبُّوا الأَنْبِيَاءَ، وَادَّعُو الربوبيَةَ، فَكَتَبَ خَلْقٌ فِي الْمحْضر مِنْهُم الشَّرِيْف الرَّضِي، وَأَخُوْهُ المُرْتَضَى، وَالقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الأَكْفَانِي، وَالشَّيْخ أَبُو حَامِدٍ الإِسْفَرَايينِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الكَشْفُلِيُّ الفَقِيْه، وَالقُدورِيُّ، وَالصَّيْمَرِيُّ، وَعِدَّةٌ (2) .
وَهَرَبَ مِنْ مِصْرَ نَاظرُ الدِّيْوَانِ الوَزِيْرُ أَبُو القَاسِمِ بنُ المَغْرِبِيّ إِذْ قَتَلَ الحَاكِمُ أَبَاهُ وَعَمَّه وَصَارَ إِلباً عَلَيْهِ يَسْعَى فِي زوَالِ مُلْكه (3) ، وَحسَّن لمفرج الطَّائِيّ أَمِيْرِ العَرَب الخُرُوجَ عَلَى الحَاكِم.
فَفَعَلَ وَقُتِلَ قَائِدُ جَيْشه، وَعَزَمُوا عَلَى مبَايعَة صَاحِب مَكَّة العَلَوِيِّ، وَكَادَ أَنْ يتمَّ ذَلِكَ ثُمَّ تلاشَى (4) .
وفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أُخِذَ الوفدُ العِرَاقِيُّ، وَغوِّرت المِيَاهُ، وَهَلَكَ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلف مُسْلِمٍ.
ثُمَّ أُخِذَ مِنَ العَرَب ببَعْض الثَّأْر، وَقُتِلَ عِدَّة (5) .
وَبَعَثَ المَلِكُ مَحْمُوْدُ بنُ سُبُكْتِكين كِتَاباً إِلَى الخَلِيْفَة بِأَنَّهُ وَرَدَ إِلَيْهِ مِنَ الحَاكِمِ كِتَابٌ يدعُوهُ فِيْهِ إِلَى بيعَته، وَقَدْ خرَّق الكِتَابَ، وَبصَقَ عَلَيْهِ (6) .
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ جَعَلَ الحَاكمُ وَلِيَّ عَهْدِهِ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ الرَّحِيْمِ بنَ
__________
(1) في الأصل: وسيلة، وما أثبتناه من " المنتظم ": 7 / 255.
(2) " المنتظم ": 7 / 255 - 257. وانظر أيضا ص / 132 - 133 / من هذا الجزء.
(3) " اتعاظ الحنفا ": 307.
(4) " الكامل ": 9 / 122 - 123.
(5) " المنتظم ": 7 / 260 - 261.
(6) " المنتظم ": 7 / 262.(15/178)
إِليَاس (1) ، وَصَلُحَتْ سِيرتهِ، وَأَعتقَ أَكْثَرَ مَمَالِيْكه.
وفِي هَذَا الْقرب تمت مَلْحَمَة عَظِيْمَةٌ بَيْنَ ملكِ التُّرْكِ طُغَان بِالمُسْلِمِيْنَ، وَبَيْنَ عَسَاكِرِ الصين، فَدَامت الحَرْبُ أَيَّاماً، وَقُتِلَ مِنْ كُفَّار الصين نَحْوٌ مِنْ مائَةِ أَلْف (2) .
وَفِي سَنَةِ خَمْس ظَفِرَ الحَاكِمُ بنسَاءٍ عَلَى فسَادٍ، فَغَرّقَهُنَّ، وَكَانَتِ الغَاسِلَة لاَ تخرجُ إِلَى امْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ عَدلين.
وَمَرَّ القَاضِي مَالِكُ بنُ سَعِيْدٍ الفَارقِي، فَنَادته صبية مِنْ رَوْزَنَةٍ (3) :أَقْسَمت عَلَيْك بِالحَاكِمِ أَنْ تَقِفَ، فَوَقَفَ فَبكَتْ، وَقَالَتْ:
لِي أَخٌ يموتُ، فَبِاللهِ إِلاَّ مَا حَمَلْتَنِي إِلَيْهِ لأَرَاهُ، فَرَقَّ، وَبَعَثَ مَعَهَا عَدْلَين، فَأَتَتْ بيْتاً، فَدَخَلَتْ، وَالبَيْت لعَاشِقِهَا.
فَجَاءَ الزَّوجُ فسَأَلَ الجِيرَان، فَحَدَّثوهُ، فَجَاءَ إِلَى القَاضِي، وَصَاح، وَقَالَ:
لاَ أَخَ لَهَا، وَمَا أُفَارقُك حَتَّى تردهَا إِلَيَّ (4) ، فَحَار القَاضِي، وَطَلَعَ بِالرَّجُل إِلَى الحَاكِم، وَنَادَى العفْوَ فَأَمَرَه أَنْ يَرْكَبَ مَعَ الشَّاهدَيْن، فَوَجَدُوا المَرْأَةَ وَالشَّابَّ فِي إِزَارٍ وَاحِد عَلَى خُمَار (5) فَحُمِلا عَلَى هيئتِهِمَا.
فسأَلهَا الحَاكِمُ فَأَحَالتْ عَلَى الشَّابِّ، وَقَالَ: بَلْ هَجَمَتْ عَلِيَّ، وَزَعَمَتْ أَنَّهَا بِلاَ زوجٍ.
فلُفَّتْ فِي بارِيَّةٍ (6) ، وَأُحْرِقَتْ، وضُرِبَ الشَّابُّ أَلفَ سَوط (7) .
وولِي دِمَشْقَ لِلْحَاكُم عِدَّةُ أُمرَاء مَا كَانَ يَدَع النَّائِب يَسْتَقر حَتَّى يَعْزِله.
__________
(1) " اتعاظ الحنفا ": 311.
(2) " الكامل ": 9 / 297.
(3) الكوة.
(4) زيادة من " المنتظم ": 7 / 269.
(5) الخمار - بضم الخاء - من الخمر: ما يصيب شاربها من ألمها وصداعها.
(6) حصير منسوج من قصب، فارسية معربة.
(7) " المنتظم ": 7 / 268 - 270.(15/179)
وفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ سقَطَتْ قُبَّة الصَّخْرَة (1) .
وَفِيْهَا: اسْتولَى ابْن سُبُكْتِكين عَلَى خُوَارَزْم (2) .
وَفِيْهَا: قتل الدُّرْزِيُّ (3) الزِّنديق لادِّعَائِه ربوبيَةَ الحَاكِم.
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ افتَتَح مَحْمُوْد مَدِينَتَيْنِ مِنَ الهِنْد، وَجَرَتْ لَهُ حُرُوبٌ وَملاَحم عَجِيْبَة (4) .
وفِي شَوَّال سنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ عُدِمَ الحَاكِمُ، وَكَانَ الخَلْق فِي ضَنْكٍ (5) مِنَ الْعَيْش مَعَهُ، صَالحهُم وَطَالحهُم، وَكَانُوا يَدسُّوْنَ إِلَيْهِ الرِّقَاع المَخْتُوْمَة بِسبِّه وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ، لأَنَّه كَانَ يَدُور فِي القَاهرَة عَلَى دَابَّةٍ، وَيتزهَّد.
وعَمِلُوا هَيْئَةَ امْرَأَةٍ مِنْ كَاغَد (6) بخُفٍّ وَإِزَار فِي يدِهَا قِصَّةٌ، فَأَخَذَهَا فَرَأَى فِيْهَا العظَائِمَ، فَهَمَّ بِالمَرْأَةِ فَإِذَا هِيَ تمثَال، فَطَلبَ العُرفَاء وَالأُمَرَاء فَأَمَرَ بِالمُضِي إِلَى مِصْرَ وَنهبهَا وَإِحرَاقهَا، فَذهبُوا لِذَلِكَ، فَقَاتل أَهْلُهَا، وَدَافَعُوا وَاسْتَمرَّت النَّار، وَالحَرْبُ بَيْنَ الرَّعيَة وَالعَبيد ثَلاَثاً، وَهُوَ يَركب حِمَاره، وَيشَاهدُ الحَرِيْقَ وَالضَّجَّةَ فيتَوَجَّعُ لِلنَّاسِ، وَيَقُوْلُ: لَعَنَ اللهُ مِنْ أَمر بِهَذَا.
فَلَمَّا كَانَ ثَالثُ يَوْمٍ اجتَمع الكُبَرَاءُ وَالمَشَايِخ إِلَيْهِ، وَرَفعُوا المَصَاحِفَ وَبكُوا، فَرَحمهُمْ جُنْدُه الأَترَاك، وَانْضَمُّوا إِلَيْهِم، وَقَاتَلُوا مَعَهُم.
وَقَالَ هُوَ: مَا أَذِنْتَ لَهُم، وَقَدْ أَذِنْتُ لَكُم فِي الإِيقَاع بِهِم.
وَبَعَثَ فِي السرّ إِلَى العبيد: اسْتمرُّوا، وَقوَّاهُمْ بِالأَسلحَة. وَفَهِمَ
__________
(1) " المنتظم ": 7 / 283.
(2) " المنتظم ": 7 / 284.
(3) أنظر ص / 135 / تعليق / 2 / من هذا الجزء.
(4) " الكامل ": 9 / 308 - 310.
(5) أي في ضيق.
(6) القرطاس وهو الصحيفة يكتب فيها. فارسي معرب.(15/180)
ذَلِكَ النَّاسُ فَبعثُوا إِلَيْهِ يَقُوْلُوْنَ:
نَحْنُ نَقْصِدُ أَيْضاً القَاهرَة، فَأَمرَ العبيدَ بِالكَفِّ بَعْدَ أَنْ أَحرق مِنْ مِصْرَ ثلثهَا، وَنَهَبَ وَأَسَرَ النِّصْفَ، ثُمَّ اشْتَرَى النَّاس حُرَمَهُم مِنَ العبيدِ بَعْدَ أَنْ فَجَرُوا بِهنَّ، وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ جَهَلَةِ الغَوْغَاءِ إِذَا رأَوا الحَاكِم، يَقُوْلُوْنَ:
يَا وَاحِدُ، يَا أَحَدْ، يَا مُحْيِي يَا مُمِيت، ثُمَّ أَوْحَش أُخْتَه سِتَّ المُلْك بِمرَاسلاَتٍ قبيحَة أَنَّهَا تزنِي، فَغَضِبَتْ، وَرَاسلت الأَمِيْرَ ابْنَ دَوَّاس، وَكَانَ خَائِفاً مِنَ الحَاكِم، ثُمَّ ذَهَبَتْ إِلَيْه سِرّاً، فَقبَّل قَدَمَهَا، فَقَالَتْ:
جِئْتُ فِي أَمرٍ أَحْرُسُ نَفْسِي وَنفْسَك، قَالَ: أَنَا مَمْلُوكك.
قَالَتْ: أَنْتَ وَنَحْنُ عَلَى خطرٍ مِنْ هَذَا.
وَقَدْ هَتَكَ النَّاموسَ الَّذِي قررَّه آبَاؤنَا، وَزَاد بِهِ جُنونُه، وَعمِلَ مَا لاَ يَصْبر عَلَيْهِ مُسْلِمٌ، وَأَنَا خَائِفَةٌ أَنْ يُقتلَ فَنقْتَل، وَتنقضِي هَذِهِ الدَّوْلَة أَقبح انْقِضَاءٍ.
قَالَ: صَدَقْتِ، فَمَا الرَّأْيُّ؟
قَالَتْ: تحلِفْ لِي، وَأَحلِفُ لَكَ عَلَى الكِتْمَان.
فتعَاقدَا عَلَى قَتْله، وَإِقَامِة ابْنِه، وَتكُون أَنْتَ أَتَابكَه (1) ، فَاخْتَر عبدينِ تعتمدُ عَلَيْهِمَا عَلَى سرِّكَ.
فَأَحْضَرَ عَبْدَيْنِ شَهْمِين، أَمِينين، فحلَّفَتْهُمَا، وَأَعْطَتْهُمَا أَلفَ دِيْنَارٍ، وَإِقْطَاعاً.
وَقَالَتْ: اكْمُنَا لَهُ فِي الجَبَلِ، فَإِنَّهُ غداً يصعدُ، وَمَا مَعَهُ سِوَى رِكَابِيٍّ وَمَمْلُوْكٍ، ثُمَّ ينفَرِدُ عَنْهُمَا فَدُونَكُمَاهُ، وَكَانَ الحَاكِم ينظُر فِي النُّجُوْمِ وَعَلَيْهِ قطع حِيْنَئِذٍ مَتَى نَجَا مِنْهُ عَاشَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
فَأَعلَم أُمّه، وَأَعطَاهَا مِفتَاح خِزَانَة فِيْهَا ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار، وَقَالَ:
حوّلِيهَا إِلَى قصرك، فَبكَتْ، وَقَالَتْ: إِذَا كُنْتَ تتصوُّر هَذَا فَلاَ تركب اللَّيْلَةَ.
قَالَ: نَعَمْ.
وَكَانَ يعُسُّ (2) فِي رِجَالٍ، فَفَعَل ذَلِكَ، وَنَامَ، فَانْتَبَه فِي الثُّث الأَخِيْر وَقَالَ: إِنْ لَمْ أَركبْ وَأَتفرجْ، خرجَتْ نَفْسِي.
وَكَانَ مُسودَناً، فَرَكِبَ وَصعَّد فِي الجبلِ، وَمَعَهُ صَبِيٌّ، فشدَّ عَلَيْهِ العَبْدَان
__________
(1) الاتابكي: هو من ألقاب أمير الجيوش، ومن في معناه " صبح الاعشى ": 6 / 5 - 6.
(2) عس. من باب (رد) : طاف بالليل.(15/181)
فَقَطَعَا يَدَيْهِ، وَشقَّا جَوْفَه، وَحَمَلاَهُ فِي عَبَاءةٍ لَهُ إِلَى ابْنِ دوَّاس، وَقتلاَ الصَّبيَّ، وَأَتَى بِهِ ابْنُ دوَّاس إِلَى أُخْته فَدَفَنَتْهُ فِي مَجْلِسٍ سِرّاً (1) .
وَطلبتِ الوَزِيْر وَاسْتكتمَتْه، وَأَنَّ يطلُبَ وَلِيَّ العهدِ عَبْدَ الرَّحِيْم ليُسْرِع، وَكَانَ بِدِمَشْقَ، وَجهّزت أَمِيْراً فِي الطَّرِيْق ليقْبض عَلَى عَبْد الرَّحِيْمِ، وَيدَعه بتنِّيس، وَفُقِدَ الحَاكِم، وَمَاجَ الخَلْق، وَقصدُوا الجبلَ، فَمَا وَقفُوا لَهُ عَلَى أَثَرٍ.
وَقِيْلَ: بَلْ وَجَدُوا حمَارَه مُعَرْقَباً (2) ، وَجبَّتَه بِالدِّمَاء.
وَقِيْلَ: قَالَتْ أُخْته: إِنَّهُ أَعْلَمنِي أَنَّهُ يغيبُ فِي الْجَبَل أُسْبُوْعاً، وَرتبتْ ركَابية يمضُون وَيعُودُوْنَ، فَيَقُوْلُوْنَ: فَارَقْنَاهُ بِمَكَان كَذَا وَكَذَا، وَوعَدَنَا إِلَى يَوْم كَذَا.
وَأَقبلت سِتُّ المُلْك تَدْعُو الأُمَرَاء وَتستحلِفُهُم، وَتعطيهُم الذَّهب، ثُمَّ أَلبست عَلِيَّ بن الحَاكِم أَفخَر الثِّيَاب، وَقَالَتْ لاِبْنِ دوَّاس:
المعوَّل فِي قيَامِ دَوْلته عَلَيْك، فَقبَّل الأَرْضَ، وَأَبرزت الصَّبيَّ، وَلقبتْه الظَّاهِرَ لإِعزَازِ دينِ الله.
وَأَلبستْه تَاجَ جدِّهَا المُعِزِّ، وَأَقَامت النِّيَاحَة عَلَى الحَاكِم ثَلاَثَةَ أَيَّام، وَجَعَلت القَوَاعد كَمَا فِي النَّفْس، وَبَالَغَتْ فِي تعَظِيْم ابْنِ دوَّاس، ثُمَّ رتَّبَتْ لَهُ فِي الدِّهليز مائَةً، فَهبَّروهُ، وَقتلت جَمَاعَةً مِمَّن اطَّلع عَلَى سرِّهَا، فعظُمَت هيبتُهَا، وَمَاتَتْ بَعْد ثَلاَثِ سِنِيْنَ (3) .
وَذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَتِهِ (4) ، أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ القَصْر فطَافَ ليلَته، ثُمَّ أَصْبَحَ، فتوجَّه إِلَى شرقِي حُلْوَان مَعَهُ رِكَابيَان، فردَّ أَحَدهُمَا مَعَ تِسْعَةٍ مِنَ العَرَبِ، ثُمَّ أَمر الآخر ِالاَنْصرَافِ، فزعَمَ أَنَّهُ فَارقه عِنْد المَقْصَبَة (5) . فَكَانَ آخِرَ الْعَهْد
__________
(1) في " المنتظم ": في مجلسها.
(2) أي مقطوع العقرقوب: وهو الوتر الذي خلف الكعبين من مفصل القدم والساق من ذوات الأربع.
(3) انظر " المنتظم ": 7 / 297 - 300.
(4) يشير الذهبي هنا إلى كتابه " تاريخ الإسلام ".
(5) في " تاريخ ابن إياس ": 1 / 57 " القصبة ". و" المقصبة ": الأرض الكثيرة القصب.(15/182)
بِهِ. وَخَرَجَ النَّاسُ عَلَى رَسمْهم يلتَمِسُوْنَ رَجُوعَه، مَعَهُم الجَنَائِب، فَفَعلُوا ذَلِكَ جُمعَةً.
ثُمَّ خَرَجَ فِي ثَانِي ذِي القَعْدَةِ مُظَفَّر صَاحِب المِظَلَّة (1) وَنسيم، وَعِدَّة، فَبلّغُوا دَير القُصَيْر (2) ، وَأَمعَنُوا فِي الدُّخول فِي الجَبَل، فَبَصُرُوا بحمَارِهِ الأَشهب المسمَّى بقَمر، وَقَدْ ضُربت يدَاهُ، فَأَثَّر فِيْهِمَا الضَرْب، وَعَلَيْهِ سَرْجه وَلجَامُهُ، فتتبعُوا أَثَر الحِمَار فَإِذَا أَثر رَاجلٍ خَلْفَه، وَرَاجل قُدَّامه، فَقصُّوا الأَثر إِلَى بِرْكَةٍ بشرقِي حُلْوَان، فَنَزَلَ رَجُلٌ إِلَيْهَا، فَيجد فِيْهَا ثيَابه وَهِيَ سَبْع جِبَاب، فَوَجِدَت مُزَرَّرَةً، وَفِيْهَا آثَار السَّكَاكين، فَمَا شكُّوا فِي قَتْلِهِ (3) .
وَثَمَّ اليَوْم طَائِفَة مِنْ طَغَام الإِسْمَاعِيْلِيَّة الَّذِيْنَ يحلِفون بغيبَة الحَاكِم، مَا يعتقِدُوْنَ إِلاَّ أَنَّهُ باقٍ، وَأَنَّهُ سَيظْهر - نَعُوذ بِاللهِ مِنَ الجَهْل -.
وحُلْوَان قريَةلإ نَزِهَةٌ عَلَى خَمْسَة أَمِيَالٍ مِنْ مِصْرَ، كَانَ بِهَا قصرُ الأَمِيْر عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مَرْوَانَ، فَوُلِدَ لَهُ هُنَاكَ عمَر بن عَبْدِ العَزِيْزِ فِيْمَا يُقَال (4) .
__________
(1) هي قبة من حرير أصفر مزركش بالذهب، على أعلاها طائر من فضة مطلية بالذهب
تحمل على رأس السلطان في العيدين.
ويعبر عنها بالجتر (بجيم مكسورة) .
انظر " صبح الاعشى ": 4 / 7 - 8.
(2) في طريق الصعيد، قرب حلوان.
وهو على رأس جبل مشرف على النيل.
(3) " وفيات الأعيان ": 5 / 297 - 298.
وقد نقل المقريزي عن المسبحي رواية أخرى لمقتله. قال: " وفي المحرم سنة خمس عشرة وأربع مئة قبض على رجل من بني حسين ثار بالصعيد الأعلى، فأقر بأنه قتل الحاكم بأمر الله في جملة أربعة أنفس تفرقوا في البلاد، وأظهر قطعة من جلدة رأس الحاكم، وقطعة من الفوطة التي كانت عليه، فقيل له: " لم قتلته؟ ".
قال: " غيرة لله وللاسلام " فقيل له: " كيف قتلته؟ ".
فأخرج سكينا ضرب بها فؤاده، فقتل نفسه، وقال: " هكذا قتلته " فقطع رأسه، وأنفذ به إلى الحضرة مع ما وجد معه ".
وهذا هو الصحيح في خبر قتل الحاكم، لا ما تحكيه المشارقة في كتبهم من أن أخته قتلته، انظر " اتعاظ الحنفا ": 314.
(4) " وفيات الأعيان ": 5 / 298.(15/183)
وَقَدْ قَتَل الحَاكِمُ جَمَاعَةً مِنَ الأُمَرَاء بِلاَ ذَنْبٍ، وَذبَح قَاضيين لَهُ.
وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ إِليَاس العُبَيْدِي، فَإِنَّ الحَاكِم وَلاَّهُ عَهْدَه، ثُمَّ بَعَثَهَ عَلَى نِيَابَة دِمَشْق سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَأَقبلَ عَلَى المَلاَهِي وَالخُمور، وَاضطرب العَسْكَر عَلَيْهِ، وَوقَع الحَرْب بِدِمَشْقَ وَالنَّهب، وَصَادر هُوَ الرَّعيَة، فَلَمَّا مَاتَ الحَاكِمُ قَبضَ الأُمَرَاءُ عَلَى وَلِيِّ الْعَهْد، وَسجنوهُ وَاغتَالُوهُ.
وَقِيْلَ: بَلْ نَحَر نَفْسَه قِي الحَبْس (1) .
وسيرَةُ الحَاكِمِ، وَعَسْفُه تَحْتَمِل كَرَارِيْس.
71 - الظَّاهِرُ لإِعزَاز دينِ الله عَلِيُّ بنُ الحَاكِمِ بن العَزِيْز *
صَاحِبُ مِصْرَ الظَّاهِر لإِعزَاز دينِ الله، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَاكِمِ مَنْصُوْر بن العَزِيْز نزَارِ بنِ المُعِزّ، العُبَيْديُّ المِصْرِيُّ.
وَلاَ أَسْتَحِلُّ أَنْ أَقُوْلَ العَلَوِيُّ الفَاطِميُّ، لمَا وَقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنَّهُ دَعِيٌّ.
وَقِيْلَ: يُكْنَى أَبَا هَاشِمٍ.
بُوْيِعَ وَهُوَ صَبِيّ لَمَّا قُتِلَ أَبُوْهُ فِي شَوَّالٍ سنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وكَانَتْ دولتُهُ عَلَى مِصْرَ وَالشَّام وَالمَغْرِب.
وَلَكِنْ طمع فِي أَطرَاف بلاَده طوَائِفُ، فَتَقَّلبَ حَسَّانُ بنُ مفرِّج الطَّائِيّ صَاحِبُ الرَّمْلَة عَلَى كَثِيْرٍ مِنَ الشَّام، وضعُفت الإِمَارَة العُبَيْدِيَّة قَلِيْلاً (2) .
__________
(1) " النجوم الزاهرة ": 4 / 194.
(*) المنتظم: 8 / 90 الكامل: 9 / 447، وفيات الأعيان: 3 / 407 - 408، العبر: 3 / 162 - 163، البداية والنهاية: 12 / 39، تاريخ ابن خلدون: 4 / 61 - 62، خطط المقريزي: 1 / 354 - 355، النجوم الزاهرة: 4 / 247 - 255، تاريخ ابن إياس: 1 / 58 - 59، شذرات الذهب: 3 / 231 - 232.
(2) " وفيات الأعيان ": 3 / 407.(15/184)
وَوَزَرَ لَهُ نَجِيْبُ الدَّوْلَة عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الجرْجَرَائِيّ (1) وَلولده، وَكَانَ نَبِيْلاً مُحْتَشِماً مِنْ بَيْت وِزَارَةٍ، لكنَّه أَقْطَعُ اليَديْنِ مِنَ المِرْفَقَين.
قطَعَهُمَا الحَاكِمُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ لِكَوْنِهِ خَانه، فَكَانَ يُعَلِّم العَلاَّمَة (2) عَنْهُ القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ القُضَاعِيُّ (3) .
وَهِيَ الحَمْدُ للهِ شكراً لِنِعْمَتِهِ (4) .
وفِي أَوَّل وَلاَيَة الظَّاهِر أَقْدَمَ مُتَوَلِّي بِتنِّيس مَا تحصَّل عِنْدَهُ، فَكَانَ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَأَلفِي أَلف دِرْهَمٍ.
قَالَ المُحَدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلَوِيُّ الكُوْفِيُّ:
فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ لمَا صَلَّيْتُ الجُمعَة وَالرَّكْبُ بَعْد بِمِنَىً، قَامَ رَجُلٌ فَضَرَبَ الْحجر الأَسودَ بدَبُّوسٍ (5) ثَلاَثاً، وَقَالَ:
إِلَى مَتَى يُعَبْد الْحجر فيمنعنِي (6) مُحَمَّدٌ مِمَّا أَفْعَلُه؟ فَإِنِّي اليَوْم أَهْدِم هَذَا البَيْت، فَاتَّقَاهُ النَّاس، وَكَادَ يفلَت، وَكَانَ أَشْقَر، أَحمر، جسيماً، تَامَّ القَامَة، وَكَانَ عَلَى بَابِ المَسْجَدِ عَشَرَةَ فُرْسَان عَلَى أَنْ يَنْصُروهُ.
فَاحْتَسَب رَجُلٌ، فَوجأَه بخِنْجَر، وَتكَاثَرُوا عَلَيْهِ، فَأُحرِقَ، وَقُتِلَ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابه وَثَارَت الفِتْنَة، فَقتل نَحْو العِشْرِيْنَ، وَنهب المِصْرِيّون.
وَقِيْلَ: أُخذ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَقَرُّوا بِأَنَّهُم مائَةٌ تبَايعُوا عَلَى ذَلِكَ، فَضُربت أَعنَاق الأَرْبَعَة، وَتهشَّمَ وَجه الْحجر.
وَتسَاقَطَ مِنْهُ شظَايَا.
__________
(1) نسبة إلى جرجرايا، وهي قرية من ارض العراق.
انظر ترجمته في " الإشارة إلى من نال الوزارة ": 35 - 37.
(2) المراد بها التوقيع. راجع الكلام عنها في " خطط المقريزي ": 2 / 211.
(3) هو محمد بن سلامة بن جعفر بن علي، القضاعي، الفقيه الشافعي، صاحب كتاب " الشهاب "، وله كتاب " خطط مصر "، كان مفننا في عدة علوم توفي سنة / 454 / هـ بمصر.
" وفيات الأعيان ": 4 / 212 - 213.
(4) " وفيات الأعيان ": 3 / 407 - 408.
(5) عمود على شكل هراوة مدملكة الرأس.
(6) في " المنتظم ": 8 / 8 " إلى متى يعبد الحجر، ولا محمد ولا علي يمنعني عما أفعله ".(15/185)
وَخَرَجَ مكْسَرُه أَسمر إِلَى صُفْرَة (1) .
وَمَاتَ الظَّاهِر فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَلَمْ يبلُغْنِي كَبِيْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِ.
وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه المُسْتَنْصِر.
وَقِيْلَ: كَانَ غَارِقاً فِي اللَّهْو وَالمُسكر وَالسَّرَارِي.
72 - المُسْتَنصر بِاللهِ مَعَدُّ بنُ الظَّاهِر لإِعزَاز دين الله *
صَاحِبُ مِصْرَ، المستنصرُ بِاللهِ، أَبُو تَمِيْم مَعَدُّ ابنُ الظَّاهِر لإِعزَاز دين الله عَلِيِّ بنِ الحَاكِم أَبِي عَلِيٍّ مَنْصُوْر بنِ العَزِيْز بنِ المُعِزّ، العُبَيْديُّ المِصْرِيُّ.
وَلِي الأَمْرَ بَعْد أَبِيْهِ، وَلَهُ سَبْع سِنِيْنَ، وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، فَامتَدَّتْ أَيَّامُه سِتِّيْنَ سَنَةً وَأَرْبَعَة أَشهر.
وفِي وَسط دَوْلَته خُطبَ لَهُ بِإِمرَة المُؤْمِنِيْنَ عَلَى منَابر العِرَاقِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَالتَجَأَ القَائِمُ بِأَمر الله الخَلِيْفَةُ إِلَى أَمِيْرِ العَرب فَأَجَاره، ثُمَّ بَعْد عَامٍ عَادَ إِلَى خِلاَفتِهِ (2) .
وَكَانَ الحَاكِم قَدْ هَدَمَ القُمَامَة الَّتِي بِالقُدْس، فَأَذِنَ المستنصرُ لطَاغيَةِ الرُّوْمِ أَنْ يجدِّدهَا، وَهَادَنه عَلَى إِطلاَق خَمْسَةِ آلاَف أَسير مُسْلِمِيْن، وَغرِم أَمْوَالاً عَلَى عِمَارتهَا (3) .
__________
(1) " المنتظم ": 8 / 8 - 9.
(*) الكامل: 9 / 447 وما بعدها، وفيات الأعيان: 5 / 229 - 231، العبر: 3 / 318، البداية والنهاية: 12 / 148، تاريخ ابن خلدون: 4 / 62 - 66، خطط المقريزي: 1 / 355 - 356، النجوم الزاهرة: 5 / 1 - 23، تاريخ ابن إياس: 1 / 59 - 62، شذرات الذهب: 3 / 382.
(2) انظر " المنتظم ": 8 / 189 - 212.
(3) " الكامل ": 9 / 460.(15/186)
وفِي خِلاَفتِه ظَهَرَ بِمِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ سكين الَّذِي كَانَ يُشْبه الحَاكِم، فَادَّعَى أَنَّهُ هُوَ.
وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الغَيْبَة، فَتبِعَه خَلْقٌ مِنَ الغَوْغَاءِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُوْنَ رجعَةَ الحَاكِم.
وَقصدُوا القَصر، فثَارتِ الفِتْنَة، ثُمَّ أُسر هَذَا، وَصُلب هُوَ وَجَمَاعَةٌ بالقَاهرَة (1) .
وَفِي سَنَةِ 34 جَهَّز جيشاً لمحَاربَة صَاحِب حَلَب ثِمَال بن مِرْدَاس (2) .
وَفِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ خَلَعَ المُعِزُّ بنُ بَادِيس (3) مُتَوَلِّي القَيْرَوَان للعبيديَّة طَاعتَهُم، وَأَقَامَ الدَّعوَة لِبَنِي العَبَّاسِ، وَقطَعَ دَعْوَة المُسْتَنْصِر (4) .
فَبَعَثَ إِلَيْهِ يتهدَّدُه فَمَا الْتَفَتَ، فَجَهَّزَ لِحَرْبِهِ عَسْكَراً مِنَ العَرَب فَحَاربوهُ، وَهُم بَنو زُغْبَة، وَبَنُو رِيَاح (5) ، وَجرت خُطُوب يطول شَرْحُهَا (6) .
وفِي هَذَا الوَقْت غَزَت الغُزُّ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ يَنَال السَّلْجُوقِّي.
وَقِيْلَ: مَا كَانَ مَعَهُم، فَغَزَوا إِلَى قَرِيْب القُسْطَنْطِيْنيَّة، وَغنِمُوا وَسَبَوا أَزيدَ مِنْ مائَة أَلْف.
وَقِيْلَ: جُرَّتِ المكَاسب عَلَى عَشْرَة آلاَف عجَلَة، وَكَانَ فتحاً عَظِيْماً (7) .
وَفِيْهَا: صَرَفَ المُسْتَنْصِرُ عَنْ نِيَابَة دِمَشْق نَاصرَ الدَّوْلَة، وَسيفَها ابْنَ حَمْدَان بطَارِق الصَّقْلَبي (8) ، ثُمَّ عزَلَ طَارقاً بَعْد أَشهر، ثُمَّ لَمْ يُطِّول، فعُزِل
__________
(1) " الكامل ": 9 / 513.
(2) " المنتظم ": 8 / 115.
(3) انظر أخباره في " البيان المغرب ": 1 / 295.
(4) " الكامل ": 9 / 521 - 522.
(5) انظر " نهاية الارب ": 2 / 337.
(6) " الكامل ": 9 / 566 - 570.
(7) " الكامل ": 9 / 546 - 547.
(8) " ذيل تاريخ دمشق ": 84.(15/187)
بِرِفْق المُسْتَنْصِريِّ (1) ، وَوزر مَعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ المَاشلّي (2) ، وَكَانَ الرَّفْض أَيْضاً قويّاً بِالعِرَاقِ.
وفِي سَنَة سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ ملكت العَرَب المِصْرِيون مَدِيْنَةَ طرَابُلُس، وَملكُوا مُؤنس بنَ يَحْيَى المِرْدَاسِيَّ، وَحَاصرُوا المَدَائِنَ، وَنهبوا القُرَى، وَحلَّ بِالنَّاسِ أَعْظَمُ بلاَءٍ، فَبرز ابْنُ بَادِيس فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً.
وَكَانَتِ العَرَب ثَلاثَة آلاَفٍ فَالتَقَوا، وَثبت الجمعَان، ثُمَّ انْكَسَرَ ابْنُ بَادِيس، وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ بِجَيْشِهِ.
وَحَازتِ العَرَبُ الخيلَ وَالخيَامَ بِمَا حَوَت.
وَإِنَّ ابْنَ بَادِيسٍ لأَفْضَلُ مَالِكٍ ... وَلَكِنْ لعَمْرِي مَا لَدَيْه رِجَالُ
ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً مِنْهمُ هَزَمَتْهُمُ ... ثَلاَثَةُ أَلفٍ، إِنَّ ذَا لَمُحَالُ
ثمَّ قصَدَهُم ابْنُ بَادِيس وَهجَمَ عَلَيْهِ، فَانكسرَ أَيْضاً.
وَقُتِلَ عسكرُه، فسَاقَ عَلَى حمِيَّة، وَحَاصرتِ العَرَبُ القَيْرَوَان، وَتحيَّز المُعِزُّ بنُ بَادِيس إِلَى المهديَّة، وَجرت حُرُوب تشيّب النَّوَاصي فِي هَذِهِ الأَعْوَام (3) .
وَفِي سَنَةِ 48 كَانَ بِالأَنْدَلُسِ القَحْطُ الَّذِي مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ، وَيُسمونه الجوعَ الكَبِيْر.
وَكَانَ بِمِصْرَ القَحط وَالفنَاء (4) .
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ تسلَّم نوَابُ الْمُسْتَنْصر حَلَب (5) .
__________
(1) " ذيل تاريخ دمشق ": 85.
(2) في " ذيل تاريخ دمشق ": 85. الماشكي، وأنه وزر مع الأمير المؤيد.
(3) انظر " البيان المغرب ": 1 / 289 - 294، و" الكامل ": 9 / 566 - 570.
(4) " الكامل ": 9 / 631.
(5) " ذيل تاريخ دمشق ": 86.(15/188)
وَكَانَ غلاَءٌ مُفْرِط بِبَغْدَادَ وَفنَاءٌ (1) ، وَأَمَّا بِمَا وَرَاء النَّهر فَتَجَاوز الوَصْفَ (2) .
وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ جَاءَ مِنْ مِصْرَ نَاصرُ الدَّوْلَة الحَمْدَانِي عَلَى إِمرَة دِمَشْق (3) .
وفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَلِي دِمَشْق أَمِيْرُ الجُيُوش بَدْر (4) .
وَفِي سَنَةِ سبعٍ تمت ملحمَة كُبْرى بِالمَغْرِب بَيْنَ تَمِيْمِ بنِ المُعِزّ بن بَادِيس، وَبَيْنَ قرَابته النَّاصر الَّذِي بَنَى بِجَايَة (5) .
وَانْهَزَم النَّاصِر، وَقُتِلَ مِنَ الَبرْبر أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً (6) .
وَفِيْهَا: بُنيت بِجَايَة (7) وَبِبَغْدَادَ النِّظَامِيّة (8) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ كَانَ حَرِيْقُ جَامِع دِمَشْق، وَدُثِرَتْ محَاسِنُه، وَاحترقت الخَضْرَاءُ مَعَهُ - وَكَانَتْ دَارَ الملكِ - مِن حربٍ وَقَعَ بَيْنَ عَسْكَرِ العِرَاق، وَعسكر مِصْر (9) .
__________
(1) " الكامل ": 9 / 636.
(2) " الكامل ": 9 / 637.
(3) " ذيل تاريخ دمشق ": 86.
(4) " ذيل تاريخ دمشق ": 91 - 92.
(5) بالكسر وتخفيف الجيم وألف وياء وهاء. مدينة على ساحل البحر بين أفريقية والمغرب. كان أول من اختطها الناصر بن علناس بن حماد بن زيري في حدود سنة / 457 / انظر " معجم البلدان ": 1 / 339.
(6) " الكامل ": 10 / 44 - 46.
(7) " الكامل ": 10 / 46 - 49.
(8) من أكبر المدارس في بغداد، بناها نظام الملك الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، وكان وزيرا حازما لالب أرسلان، اغيتل سنة / 485 / هـ ودفن بأصبهان. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 128 - 131.
(9) " ذيل تاريخ دمشق ": 96.(15/189)
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، قُطِعَتْ مِنْ مَكَّة الدعوةُ المستنصريَّة، وَخُطب لِلْقَائِم بِأَمر الله، وَتُرِكَ الأَذَانُ بحِي عَلَى خَيْرِ العَمَل (1) ، وَذَلِكَ لذلَّة المِصْرِيين بِالقَحط الأَكْبر وَفنَائِهِم، وَأَكَلَ بَعْضُهم بَعْضاً، وَتمزَّقُوا فِي البِلاَد مِنَ الْجُوع، وَتمحَّقَتْ خزَائِنُ المُسْتَنْصِر، وَافتقرَ، وَتعثَّر (2) .
وفِي هَذِهِ النوبَة نقل صَاحِبُ (الْمرْآة (3)) ، أَنَّ امْرَأَة خَرَجَتْ وَبيدهَا مُدُّ لُؤْلُؤ لتشتريَ بِهِ مُدُّ قمحٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا أَحَدٌ، فَرَمَتْهُ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ يَلْتَقِطُه (4) .
فَكَادَ الخرَابُ أَنْ يَسْتَولِي عَلَى سَائِر الأَقَالِيْم، حَتَّى لأُبيع الكَلْبُ بستةِ دَنَانِيْر وَالقط بِثَلاثَةِ دَنَانِيْر، حَتَّى أُبيع الإِردبّ بِمائَة دِيْنَار (5) .
وَفِي سَنَةِ 63 هَزَمَ السُّلْطَان أَلْب أَرْسَلان طَاغيَةَ الرُّوْم وَأَسَرَه، وَقُتِلَ مِنَ العَدُوِّ سِتُّوْنَ أَلْفاً (6) .
وَأَقبلَ أَتسز (7) الخوَارزْميُّ، أَحَدُ أُمرَاء أَلب أَرْسَلان، فَاسْتولَى عَلَى الشَّامِ إِلاَّ قَلِيْلاً، وَعَسَف وَتمرَّد وَعَتا (8) .
واشْتَغَل جَيْشُ مِصْر بنفُوسهم. ثُمَّ اختلفُوا، وَاقْتَتَلُوا مُدَّةً، وَصَارُوا
__________
(1) " الكامل ": 10 / 61.
(2) " الكامل ": 10 / 61 - 62.
(3) هو يوسف بن قزغلي، أبو المظفر، سبط ابن الجوزي، مؤرخ من الكتاب، ولد ونشأ ببغداد، ورباه جده، وانتقل إلى دمشق، فاستوطنها، وتوفي فيها سنة / 654 / هـ من كتبه " مرآة الزمان في تاريخ الأعيان " صور منه المجلد الثامن، وهو آخر الكتاب.
(4) " النجوم الزاهرة ": 5 / 17.
(5) " النجوم الزاهرة ": 5 / 16 والاردب كيل كبير يستعمل لتقدير الحبوب، ويزن مئة وخمسين كيلو غرام.
(6) " المنتظم ": 8 / 260 - 265.
(7) في الأصل: أطسز، والصواب ما أثبتناه كما سيذكره المصنف في الصفحة 193.
(8) " ذيل تاريخ دمشق ": 98 - 99.(15/190)
فِرْقَتين، فرقَة العبيد وَعرب الصَّعيد، وَفرْقَة التُّرك وَالمغَاربَة، وَرَأْسُهُم ابْنُ حَمْدَانَ، فَالتَقَوا بكَوْم الرِّيش، فهَزَمهُم ابْنُ حَمْدان، وَقُتِلَ وَغَرِقَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً.
وَنَفِدَتْ خزَائِنُ المُسْتَنصر عَلَى التُّرك، ثُمَّ اختَلَفُوا، وَدَام الحَرْبُ أَياماً، وَطَمِعُوا فِي الْمُسْتَنْصر، وَطَالبوهُ حَتَّى أُبيعت فُرُش القَصْر، وَأَمتعَتُه بِأَبخسِ ثمنٍ، وَغلبَت العبيدُ عَلَى الصَّعيد، وَقطعُوا الطُّرقَ، وَكَانَ نَقْدُ الأَترَاك فِي الشَّهْرِ أَرْبَع مائَة أَلْف دِيْنَار، وَاشْتَدَّت وَطأَةُ نَاصر الدَّوْلَة، وَصَارَ هُوَ الكلّ، فحسَدَه الأُمَرَاء، وَحَاربوهُ، فَهَزمُوهُ، ثُمَّ جمع وَأَقْبَلَ، فَانتصرَ، وَتعثَّرَتِ الرَّعيّةُ بِالهيْج مَعَ القَحط، وَنهبت الجُنْدُ دورَ العَامَّة (1) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْر: اشْتَدَّ الغلاءُ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَكَلتْ رغيفاً بِأَلفِ دِيْنَارٍ، بَاعت عروضاً تسَاوِي أَلفَ دِيْنَار بِثَلاَث مائَة دِيْنَارٍ، فَاشترتْ بِهَا جُوَالِق (2) قَمح، فَانْتَهَبَهُ النَّاسُ، فَنَهَبَتْ هِيَ مِنْهُ فَحَصَلَ لَهَا مَا خُبزَ رَغِيفاً (3) .
وَاضمحلَّ أَمْرُ الْمُسْتَنْصر بِالمرّة، وَخَمُل ذِكْرُهُ.
وَبَعَثَ ابْنُ حَمْدَانَ يُطَالبه بِالعَطَاء، فَرَآهُ رَسُوْلُه عَلَى حَصيرٍ، وَمَا حَوْلَه سِوَى ثَلاثَة غِلْمَان.
فَقَالَ: أَمَا يَكْفِي نَاصر الدَّوْلَة أنْ أَجلِسَ فِي مِثْل هَذَا الحَال؟
فَبَكَى الرَّسُولُ، وَرقَّ لَهُ نَاصرُ الدَّوْلَة، وَقرَّر لَهُ كُلَّ يَوْم مائَة دِيْنَارٍ.
وَكَانَ نَاصرُ الدَّوْلَة، يظْهر التسنُّن، وَيعيب المستنصرَ لِخبث رَفْضِهِ وَعقيدَتِه، وَتفرَّق عَنِ الْمُسْتَنْصر أَولادُه، وَأَهلُه مِنَ الْجُوع، وَتقرَّفُوا فِي
__________
(1) انظر " الكامل ": 10 / 80 - 85.
(2) وعاء من صوف أو غيره، جمعه: جوالق - بفتح الجيم، وهو عند العامة (شوال) .
(3) " الكامل ": 10 / 85.(15/191)
البِلاَدِ وَدَام الجَهْد عَامِين، ثُمَّ انحطَّ السِّعْر فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ (1) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْر: بِالغ ابْنُ حَمْدَان فِي إِهَانَة المُسْتَنْصر، وَفرَّق عَنْهُ عَامَّة أَصْحَابه، وَكَانَ غَرَضُه أَنْ يخطُبَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنيْنَ القَائِم، وَيزِيلَ دَوْلَة البَاطنيَة، وَمَا زَالَ حَتَّى قَتَلَه الأُمَرَاء، وَقتلُوا أَخوَيْه فَخرَ العَرَب، وَتَاج المعَالِي، وَانقطَعَتْ دولَتُهم (2) .
وفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَلِي الأُمُورَ أَمِيْرُ الجُيُوش بدْر (3) ، فَقَتَل أَمِيْرَ الأُمَرَاء الدُكز (4) ، وَالوَزِيْر ابْن كُدَينَة (5) ، وَكَانَ المُسْتَنْصِر قَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ سراً ليقدمَ مِنْ عكَّا، فَأَعَاد الجَوَاب أَنَّ الجُنْد بِمِصْرَ قَدْ فسدَ نظَامُهم، فَإِنْ شِئْت أَتيتُ بجندٍ مَعِي، فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَفْعَل مَا أَحَبَّ، فَاسْتَخدم عَسْكَراً وَأَبطَالاً، وَركِبُوا البَحْر فِي الشِّتَاء مُخَاطرَةً.
وَبَغَتَ مِصْر وَسَلِم، فَوَلاَّهُ المستنصرُ مَا وَرَاء بَابه، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ بَقِيَ يبعَثُ إِلَى كُلّ أَمِيْرٍ طَائِفَةً بصورَة رسَالَة،
__________
(1) " الكامل ": 10 / 86.
وانظر تفصيل الحديث عن هذه الشدة العظمى في " إغاثة الأمة " للمقريزي: 24 - 27.
(2) " الكامل ": 10 / 86 - 87.
(3) هو بدر بن عبد الله الجمالي، أبو النجم، أمير الجيوش المصرية. ولي إمارة دمشق للمستنصر ثم استدعاه إلى مصر، واستعان به على إطفاء فتنة نشبت، فوطد له أركان الدولة وأصبح الحاكم في دولته والمرجوع إليه..وكان حازما شديدا على المتمردين.
توفي في القاهرة سنة / 487 هـ انظر " الإشارة إلى من نال الوزارة " 55 - 56، و" خطط المقريزي ": 1 / 381 - 382.
(4) هكذا في الأصل رسما وضبطا، وكذلك في أغلب كتب التاريخ.
أما في " الإشارة إلى من نال الوزارة ": 55 فهو: " بلدكوز ".
وهو من الامراء الاتراك الذين خافوا على أنفسهم من استئثار ناصر الدولة بن حمدان، فقتلوه وقتلوا أخويه فخر العرب وتاج المعالي، فلما خلا الجو للاتراك استطالوا على الخليفة واستبدوا بالامور وطلب أمير الجيوش إلى الخليفة، وهو في طريقه إلى مصر، القبض عليه، فقبض عليه سنة 466 / انظر " الكامل ": 10 / 87.
(5) هو الحسن: ابن القاضي ثقة الدين، المعروف بابن كدينة، ولي الوزارة غير مرة وكان سيء الخلق، قاسي القلب.
" الإشارة إلى من نال الوزارة ": 51.(15/192)
فيخرُجُ الأَمِيْرُ فيقتلُونه، وَيَأْتُوْنَ بِرَأْسِهِ.
فَمَا أَصْبَحَ إِلاَّ وَقَدْ مهَّد البَلَد، وَاحتَاط عَلَى أَمْوَالِ الجَمِيْع، وَنقَلَهُ إِلَى القَصْر.
وَسَارَ إِلَى دِمْيَاط فَهذَّبهَا، وَقَتَلَ الَّذِيْنَ تغلَّبُوا عَلَيْهَا، وَحَاصَرَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ وَدَخَلَهَا بِالسَّيْف، وَقتلَ عِدَّةً، وَقتَلَ بِالصَّعيد اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً.
وَأَخَذَ عِشْرِيْنَ أَلْف امْرَأَة، وَخمسَةَ عشرَ أَلف فَرَس، فَتَجمعُوا لِحَرْبِهِ ثَانياً، فَكَانُوا سِتِّيْنَ أَلْفاً، فسَاقَ، وَبيَّتَهُم فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقُتِلَ خَلْقٌ، وَغرِقَ خَلْق وَنُهِبَتْ أَثْقَالهُم ثُمَّ عَمِلَ مَعَهُم مَصَافّاً آخر وَقهرَهُم، وَعمَّر البِلاَدَ، وَأَحسنَ إِلَى الرَّعيَة، وَأَطلق لِلنَّاسِ الخَرَاج ثَلاَثَ سِنِيْنَ، حَتَّى تمَاثَلَت البِلاَدُ بَعْد الخرَاب (1) .
وَفِيْهَا مَاتَ: القَائِمُ، وَبُوْيِع حَفِيدُه المقتدِي (2) ، وَأَعيدت الدَّعوَة بِمَكَّةَ لِلْمُسْتَنْصِر (3) ، وَاخْتَلَفَتِ العَرَبُ بِإِفْرِيْقِيَةَ، وَتحَاربُوا مُدَّةً (4) .
وفِي سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ اشْتَدَّ القَحطُ بِالشَّامِ، وَحَاصَرَ أَتْسِز الخُوَارِزْمِيّ دِمَشْق، فَهَرَبَ أَمِيْرُهَا المُعَلَّى بنُ حَيدرَة، وَكَانَ جَبَّاراً عَسُوَفاً (5) ، وَولَّى بَعْدَهُ رَزِيْن الدَّوْلَة انتصَار المَصْمُودِيُّ (6) ، ثُمَّ أَخَذَ دِمَشْق أَتْسِز، وَأَقَامَ الدَّعوَةَ العَبَّاسِيَّة، خَافهُ المِصْرِيُّون (7) ، ثُمَّ قَصَدَهُم فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، وَحَاصَرَهُمْ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ يتملَّك، فتضرَّع الخلقُ عِنْد الوَاعِظ الجَوْهَرِيِّ،
__________
(1) " خطط المقريزي ": 1 / 381 - 382.
(2) " المنتظم ": 8 / 289 - 293.
(3) " الكامل ": 10 / 97 - 98.
(4) " الكامل ": 10 / 98.
(5) " الكامل ": 10 / 99، وفيه " أقسيس " وهي تصحيف عن " أتسز ".
انظر " ذيل تاريخ دمشق ": 95، 108.
(6) " ذيل تاريخ دمشق ": 108 وفيه " زين الدولة " وكذلك في " أمراء دمشق ": 13 واسمه: انتصار بن يحيى.
(7) " ذيل تاريخ دمشق ": 108 - 109.(15/193)
فرحَل شِبه منهزِم، وَعصَى عَلَيْهِ أَهْلُ القُدْس مُدَّة، ثُمَّ أَخذَهَا، وَقتلَ وَتمرَّد، وَفعل كُلّ قبيحٍ، وَذبحَ قَاضِي القُدْس وَالشُّهُودَ صَبْراً (1) .
وَتملك فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ دِمَشْق تَاج الدَّوْلَة تُتُش السَّلْجُوقيُّ (2) ، وَقتلَ أَتْسِز، وَتحبّب إِلَى الرَّعِيَّةِ (3) .
وَتَمَلَّك قصرا وَقُونِيَة وَغَيْر ذَلِكَ الملكُ سُلَيْمَانُ بنُ قتلمش السَّلْجوقيُّ فِي هَذَا الحُدُوْد.
ثُمَّ سَارَ فِي جيوشهِ، فَنَازَلَ أَنْطَاكيَة، حَتَّى أَخَذَهَا مِنْ أَيدِي الرُّوْم؛ وَكَانَتْ فِي أَيديهم مِنْ مائَة وَبِضْعَة عشر عَاماً (4) .
وَأَمَّا الأَنْدَلُس فجَرَتْ فِيْهَا حُرُوبٌ مزعجَة.
وَكَانَتْ وَقعَة الزَّلاَّقَة بَيْنَ الْفِرِنْج، وَبَيْنَ صَاحِبِ الأَنْدَلُس المُعْتَمِد بنِ عَبَّاد، وَنجدَهُ أَمِيْرُ المُسْلِمِيْنَ يُوْسُفُ بنُ تَاشفين بجيوش الْبَرْبَر المُلَثَّمِين.
فَكَانَ العَدُو خَمْسِيْنَ أَلْفاً فَيُقَالُ: مَا نَجَا مِنْهُم ثَلاَث مائَة نَفْسٍ (5) ، وَافتَتَحَ السُّلْطَان مَلِكْشَاهُ (6) حلبَ وَالجَزِيْرَة (7) .
وَرُدَّ إِلَى بَغْدَادَ (8) ،
__________
(1) " ذيل تاريخ دمشق ": 109 - 112 و" الكامل ": 10 / 103 - 104.
(2) كان صاحب البلاد الشرقية، فلما حصر أمير الجيوش بدر مدينة دمشق - وكان صاحب دمشق أتسز - استنجد أتسز به، فأنجده، وسار إليه بنفسه، فلما وصل إلى دمشق قتل أتسز واستولى على دمشق ثم ملك حلب، وقد جرى بينه وبين أخيه بركياروق مشاجرات أدت إلى المحاربة بينهما سنة / 488 / فانكسر تتش وقتل في المعركة. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 1 / 295.
(3) " ذيل تاريخ دمشق ": 112.
(4) " الكامل ": 10 / 138 - 139.
(5) " المعجب ": 132 - 135، و" الكامل ": 10 / 151 - 154.
(6) ابن ألب أرسلان، كان من أحسن الملوك سيرة، حتى كان يلقب بالسلطان العادل توفي سنة / 485 /.
له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 5 / 283 - 289.
(7) " الكامل ": 10 / 148 - 150.
(8) " الكامل ": 10 / 155 - 157.(15/194)
وَعمِلَ عرس بنته عَلَى الخَلِيْفَة (1) .
وَفِي سَنَةِ 483 أَقَبَلَ عَسْكَرُ المُسْتَنْصِر فَحَاصرُوا عكَّا وَصور (2) .
وَمَاتَ أَمِيْرُ الجُيُوش بَدْر الجمَالِيُّ مُتَوَلِّي مِصْر (3) .
وَكَانَ قَدْ بَلَغَ رُتْبَةً عَظِيْمَة، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه شَاهَان شَاه أَحْمَد (4) عَلَى قَاعدَة أَبِيْهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّمَا مَاتَ بُعَيد الْمُسْتَنْصر، وَفِي دَوْلَة الْمُسْتَنْصر المتخلِّف، وَقَعَ القَحْطُ المَذْكُوْر لاَحترَاق النِّيل الَّذِي مَا عُهِدَ مِثْله بِمِصْرَ مِنْ زَمَن يُوْسُفَ - عَلَيْهِ السَّلاَم -.
وَدَام سنوَاتٍ بِحَيْثُ إِن وَالِدَة المُسْتَنْصِر وَبنَاته سَافَرْنَ مِنْ مِصْرَ خوَفاً مِنَ الْجُوع (5) ، وآلَ أَمرُه إِلَى عدم كُلِّ الدَّوَابّ ببلاَد مِصْر، بِحَيْثُ بَقِيَ لَهُ فَرَس يَرْكَبُهَا، وَاحتَاجَ إِلَى دَابَّة يركَبُهَا حَامِلُ الجِتْر (6) يَوْم العِيْد وَرَاءهُ، فَمَا وَجَدُوا سِوَى بغلَة بنِ هبَة كَاتِب السِّر فوقفتْ عَلَى بَاب القَصْر، فَازْدَحَمَ عَلَيْهَا الحرَافشَة (7) وَذبحوهَا وَأَكلوهَا فِي الحَال، فَأَخذهُم الأَعوَان وَشُنِقُوا، فَأَصبحت عظَامُهُم عَلَى الْجُذُوع قَدْ أُكلُوا تَحْتَ اللَّيْل (8) .
مَاتَ الْمُسْتَنْصر: فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ
__________
(1) " الكامل ": 10 / 160 - 161.
(2) " الكامل ": 10 / 176.
(3) انظر ص / 192 / تعليق / 3 / من هذا الجزء.
(4) ترجم له ابن خلكان في " وفياته ": 2 / 448 - 451 ولم يسمه أحمد، كان من الدهاة وطد دعائم الملك للامر بأحكام الله، ودبر له شؤون دولته، وقد نقم عليه الامر أمرا فدس له من قتله سنة / 515 / هـ ولعل الذهبي قد وهم بابنه أبي علي أحمد أنظر أيضا " الإشارة إلى من نال الوزارة ": 57 - 62.
(5) " الكامل ": 10 / 86.
(6) الجتر، بكسر الجيم. المظلة. انظر ص / 183 / تعليق / 1 / من هذا الجزء.
(7) كالشطار والعيارين في بغداد.
(8) " النجوم الزاهرة ": 5 / 16.(15/195)
قَارب السَّبْعِيْنَ.
وَكَانَ سَبُّ الصَّحَابَة فَاشياً فِي أَيَّامه، وَالسُّنَّة غَرِيْبَةٌ مكتومَةٌ، حَتَّى إِنَّهُم منعُوا الحَافِظ أَبَا إِسْحَاقَ الحبَّال مِنْ رِوَايَةِ الحَدِيْث، وَهدَّدُوهُ، فَامْتَنَعَ.
ثُمَّ قَامَ بَعْد الْمُسْتَنْصر ابْنهُ أَحْمَد.
73 - المُسْتَعْلِي بِاللهِ أَحْمَدُ بنُ المُسْتَنْصِر بنِ الظَّاهِر *
صَاحِبُ مِصْر، أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ المُسْتَنْصِر مَعَدِّ بنِ الظَّاهِر عَلِيِّ بنِ الحَاكِم مَنْصُوْرِ بنِ العَزِيْز بنِ المُعِزِّ، العُبَيْديُّ المَهْدَوِيُّ المِصْرِيُّ.
قَام بَعْدَ أَبِيْهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَلَهُ إِحْدَى وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
وفِي أَيَّامه وَهَت الدَّوْلَةُ العُبَيْدِيَّة، وَاختلَّت قوَاعِدُهَا، وَانقطَعَتِ الدَّعوَة لَهُم مِنْ أَكْثَرِ مدَائِن الشَّام، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْفِرِنْج وَغَيْرُهُم مِنَ الغُزِّ (1) .
فَأَخذَتِ الْفِرِنْج أَنْطَاكِيَة مِنَ المُسْلِمِيْنَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَكَانَ لَهَا فِي يدِ المُسْلِمِيْنَ نَحْو عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَأَخَذُوا بَيْتَ المَقْدِس، وَاسْتبَاحوهُ، وَأَخَذُوا أَيْضاً المعرَّة فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، ثُمَّ اسْتولُوْا عَلَى مدَائِنَ وَقلاعٍ (2) .
وَمَا كَانَ لِلْمُسْتَعْلِي مَعَ أَمِيْر الجُيُوش (3) حَلٌّ وَلارَبْط.
__________
(*) الكامل: 10 / 237 وما بعدها، وفيات الأعيان: 1 / 178 - 180، العبر: 3 / 341، البداية والنهاية: 12 / 162، تاريخ ابن خلدون: 4 / 66 - 68، خطط المقريزي: 1 / 356 - 357، النجوم الزاهرة: 5 / 142 - 154، تاريخ ابن إياس: 1 / 62 - 64، شذرات الذهب: 3 / 402.
(1) " وفيات الأعيان ": 1 / 179.
(2) انظر عن الحروب الصليبية بتفصيل " الكامل ": 10 / 272 - 289.
(3) انظر ص / 195 / تعليق / 4 / من هذا الجزء.(15/196)
وَهَرَبَ فِي دَوْلَتِهِ أَخُوْهُ نزَار المنسوبُ إِلَيْهِ الدَّعْوَة النِّزَارِيَّة الإِسْمَاعِيْلِيَّة بِالأَلموت وَبقلاعِ الإِسْمَاعِيْلِيَّة، فَوَصَلَ نِزَارٌ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَقَامَ بِأَمره الأَمِيْر أَفْتِكين، وَقَاضِي البَلَد ابْن عَمَّارٍ، وَبَايعُوهُ، وَأَقَامَ سنَةً، فَأَقبل الأَفضلُ أَمِيْرُ الجُيُوش فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ (1) وَحَاصَرَهُم، فَبَرَزَ إِلَيْهِ أَفْتِكين، فَبيَّتَهُ وَهَزَمَه.
ثُمَّ أَقبل وَنَازَلَهُم ثَانياً، وَافتَتَح البلَدَ عَنْوَةً، فَقَتَلَ القَاضِي وَجَمَاعَةً، وقَبَضَ عَلَى نزَار وَأَفْتِكِين، ثُمَّ ذَبَحَ أَفْتِكين، وَبنَى المُسْتَعلِي عَلَى أَخِيْهِ نزَار حَائِطاً، فَهَلَك (2) .
وفِي دَوْلَتِهِ كَثُرَت البَاطِنِيَّةُ الملاَحدَة الَّذِيْنَ هُم الإِسْمَاعِيْليَةُ، وَأَخَذُوا القُفُول (3) ، وَتملكُوا قلعَة أَصْبَهَان، وَفتكُوا بعددٍ كَثِيْرٍ مِنَ الكِبَار وَالعُلَمَاءِ، وَشَرَعُوا فِي شُغل السِّكِّين، وَجرت لَهُم خُطُوبٌ وَعجَائِب (4) .
وفِي سَابع عشر صفر سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مَاتَ المُسْتَعلِي، وَأَقَامُوا وَلَدَه الآمرَ بِأَحْكَامِ الله مَنْصُوْراً، وَلَهُ خَمْسُ سِنِيْنَ، وَأَزِمَّة الملكِ إِلَى الأَفضلِ أَمِيْرِ الجُيُوش.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ سُمَّ وَقُتِلَ سِرّاً.
74 - الآمِرُ بِأَحْكَامِ الله مَنْصُوْرُ بنُ المُسْتَعْلِي *
صَاحِبُ مِصْرَ أَبُو عَلِيٍّ مَنْصُوْرُ بنُ المُسْتَعْلِي أَحْمَدَ بنِ المُسْتَنْصِر مَعَدِّ بنِ الظَّاهِر بن الحَاكِم، العُبَيْديُّ المِصْرِيُّ الرَّافضيُّ الظَّلُومُ.
__________
(1) ساقطة في الأصل.
(2) كان المستنصر قد عهد في حياته بالخلافة لابنه نزار، فخلعه الأفضل وبايع المستعلي بالله انظر " الكامل ": 10 / 237 - 238.
(3) جمع قافلة.
(4) انظر " الكامل ": 10 / 313 - 324.
(*) الكامل: 10 / 328 وما بعدها، وفيات الأعيان: 5 / 299 - 302، العبر: 4 / 62 - 63، البداية والنهاية: 12 / 200 - 201، تاريخ ابن خلدون: 4 / 68 - 71، خطط =(15/197)
كَانَ متظَاهِراً بِالمَكْر وَاللَّهو وَالجبروتِ (1) .
وَلِي وهُوَ صَغِيْر فَلَمَّا كَبِرَ قَتَلَ الأَفضَلَ أَمِيْرَ الجُيُوش، وَاصطفَى أَمْوَالَه، وَكَانَتْ تفوتُ الإِحْصَاء، وَيُضْرَبُ بِهَا المَثَل، فَاسْتوزَرَ بَعْدَهُ المَأْمُوْن مُحَمَّد بن مُخْتَار البطَائِحِي (2) ، فَعَسَفَ الرَّعيَة، وَتَمَرَّدَ، فَاسْتَأْصَلَه الْآمِر بَعْد أَرْبَعِ سِنِيْنَ، ثُمَّ صَلَبَهُ، وَقَتَلَ مَعَهُ خَمْسَةً مِنْ إِخوته (3) .
وفِي دَوْلَتِهِ أَخذت الفِرَنج طَرَابُلُس الشَّام وَصَيْدَا (4) ، ثُمَّ قَصَدَ الْملك بردويل الفرنجِي دِيَارَ مِصْر، وَأَخَذَ الفَرَمَا وَهِيَ قَرِيْبَة مِنَ العَريش، فَأَحرَقَ جَامِعَهَا وَمَسَاجِدَهَا.
وَقتلَ وَأَسَرَ وَقِيْلَ: بَلْ هِيَ غربِي قَطْيَا (5) ، ثُمَّ رَجَعَ فَهَلَكَ فِي سَبخَة بردويل (6) ، فَشَقُّوهُ وَرمُوا حُشوته (7) وَصَبَّروه، فَحُشْوَتُهُ تُرْجَمُ هُنَاكَ إِلَى اليَوْمِ، وَدفنوهُ بقُمَامَة.
وَكَانَ قَدْ أَخذ الْقُدس وَعكّا وَالحُصُون (8) .
وفِي أَيَّامه ظَهَرَ ابْنُ تُوْمَرْت (9) بِالمَغْرِب، وَكَثُرَت أَتْبَاعه، وَعسكرُوا وقَاتَلُوا، وَملكُوا البِلاَدَ.
__________
= المقريزي: 1 / 357، النجوم الزاهرة: 5 / 170 - 185، تاريخ ابن إياس: 1 / 62 - 64، شذرات الذهب: 4 / 72 - 73.
(1) " وفيات الأعيان ": 5 / 300.
(2) " الإشارة إلى من نال الوزارة ": 62 - 64.
(3) " وفيات الأعيان ": 5 / 299.
(4) انظر " الكامل ": 10 / 475 - 476، 479 - 480.
(5) قرية في طريق مصر في وسط الرمل قرب الفرما.
(6) في الأصل: صنجة. وهي مازالت موجودة إلى اليوم ويقال لها: بحيرة البردويل وتقع شرقي بور سعيد وعلى بعد / 90 / كيلو مترا منها. انظر حاشية محقق " النجوم الزاهرة ": 5 / 171.
(7) الحشوة - بضم الحاء وكسرها -: الامعاء.
(8) " وفيات الأعيان ": 5 / 301.
(9) هو محمد بن عبد الله بن تومرت، المتلقب بالمهدي: صاحب دعوة السلطان عبد =(15/198)
وَبَقِيَ الآمِر فِي المُلْك تِسْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَتسعَةَ أَشهر إِلَى أَنْ خَرَجَ يَوْماً إِلَى ظَاهِر القَاهرَة، وَعدَّى عَلَى الجِسْر إِلَى الجِيزَة (1) ، فَكَمَنَ لَهُ رِجَالٌ (2) فِي السِّلاَحِ، ثُمَّ نزلُوا عَلَيْهِ بِأَسْيَافهُم، وَكَانَ فِي طَائِفَةٍ لَيْسَتْ بكَثِيْرَةٍ، فَرُدَّ إِلَى الْقصر مثخناً بِالجرَاح.
وَهَلَكَ مِنْ غَيْرِ عَقِبٍ.
وَكَانَ العَاشرَ مِنَ الخُلَفَاءِ البَاطنيَّة فَبايعُوا ابْنَ عَمٍّ لَهُ، وَهوَالحَافِظ لِدِيْنِ اللهِ (3) .
وَكَانَ الآمِر رَبْعَةً، شَدِيدَ الأُدْمَةِ، جَاحظَ الْعين، وَكَانَ حَسَنَ الْحَظ، جَيِّد الْعقل وَالمَعْرِفَة - لَكِنَّه خَبِيْثُ المعتَقَد - سفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، متمرّداً جَبَّاراً فَاحشاً فَاسقاً، صَادر الخلقَ.
عَاشَ خمساً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً (4) .
وَانقَلَعَ فِي ذِي القَعْدَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْس مائَة.
وَبُوْيِع وَلَهُ خَمْسَة أَعْوَامٍ.
75 - الحَافِظُ لِدِيْنِ اللهِ عَبْد المَجِيْدِ بن مُحَمَّد بن المُسْتَنْصِر *
صَاحِبُ مِصْر، أَبُو المَيْمُوْنِ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ الأَمِيْر مُحَمَّدِ بنِ المُسْتَنْصِر
__________
= المؤمن بن علي، ملك المغرب، ومؤسس دولة الموحدين. كان عظيم الهامة، حديث النظر، داهية، توفي سنة 524 هـ.
انظر أخباره في " المعجب "، 178 وما بعدها، وترجمته في " وفيات الأعيان ": 5 / 45 - 55.
وسيورد المؤلف ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم 319.
(1) في " وفيات الأعيان ": 5 / 301 " الجزيرة ".
(2) قتله جماعة من أعوان عمه نزار المقتول بيد أبيه المستعلي، بعد واقعة الإسكندرية.
انظر " النجوم الزاهرة ": 5 / 184 - 185.
وص / 197 / تعليق / 2 / من هذا الجزء.
(3) " الكامل ": 10 / 664 - 665.
(4) " وفيات الأعيان ": 4 / 302.
(*) الكامل: 10 / 665 وما بعدها، وفيات الأعيان: 3 / 235 - 237، العبر: 4 / =(15/199)
بِاللهِ مَعَدّ بن الظَّاهِر عَلِيّ بن الحَاكِم بن العَزِيْز بن المُعِزّ، العُبَيْديُّ الإِسْمَاعِيْلِيُّ المِصْرِيُّ.
بايعُوهُ يَوْمَ مَصْرَعِ ابْنِ عَمِّهِ الآمِر ليدبِّر المملكَةَ إِلَى أَنْ يُولَد حَملٌ لِلآمر إِن وُلِد، وَغَلَبَ عَلَى الأُمُورِ أَمِيْرُ الجُيُوش أَبُو عَلِيٍّ بنُ الأَفْضَل بن بَدْر الجمَالِي (1) .
وَكَانَ الآمِرُ قَدْ سَجَنَه عِنْدَمَا قَتَلَ أَبَاهُ، فَأَخْرَجَتِ الأُمَرَاء أَبَا عَلِيٍّ، وَقدَّمُوهُ عَلَيْهِم، فَأَتَى إِلَى القَصْر، وَأَمرَ وَنَهَى، وَبَقِيَ الحَافِظُ مَعَهُ مُنْقَهراً، فَقَامَ أَبُو عَلِيٍّ بِالمُلْكِ أَتمَّ قِيَام، وَعَدَلَ فِي الرَّعيَة، وَرَدَّ أَمْوَالاً كَثِيْرَةً عَلَى المصَادَرين، وَوَقَفَ عِنْد مَذْهَب الشِّيْعَة، وَتَمَسَّكَ بِالإِثنِي عشر، وَتَرَكَ مَا تقولُهُ الإِسْمَاعِيْلِيَّة، وَأَعْرَضَ عَنِ الحَافِظِ وَآلِ بَيْته، وَدَعَا عَلَى منَابِرِ مِصْر لِلْمُنْتَظَر صَاحِبِ السِّرْدَاب عَلَى زَعْمهِم (2) ، وَكَتَبَ اسْمَه عَلَى السِّكَّة وَاسْتمرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَلِقَت الدَّوْلَة إِلَى أَنْ شَدَّ عَلَيْهِ فَارسٌ مِنَ الخَاصَّة، فَقَتَلَهُ بِظَاهِرِ القَاهِرَة فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْس مائَة، وَذَلِكَ بتَدْبِيْرِ الحَافِظِ، فَبَادرتِ الأُمَرَاء إِلَى خدمَة الحَافِظ، وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الضِّيق وَالاعتقَالَ، وَجدَّدُوا بَيعَتَهُ، وَاسْتقلَّ بِالمُلْكِ (3) .
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي الغُرْبَة بِسبَبِ القَحطِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ بعَسْقَلاَن (4) .
__________
= 122، البداية والنهاية: 12 / 226، تاريخ ابن خلدون: 4 / 71 - 73، خطط المقريزي: 1 / 357، النجوم الزاهرة: 5 / 237 - 246، تاريخ ابن إياس: 1 / 64 - 65، شذرات الذهب: 4 / 138.
(1) أحمد بن الأفضل شاهنشاه بن بدر، الجمالي. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 3 / 235 - 236 وسيورد المؤلف ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (295) .
(2) " ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالامام المنتظر على زعمهم " كما في " وفيات الأعيان ": 3 / 236.
(3) " الكامل ": 10 / 672 - 673.
(4) " الكامل ": 10 / 665.(15/200)
وعِنْدَمَا مَاتَ الْآمِر قبْله، قَالَ الجُهالُ:
هَذَا بَيْتٌ لاَ يموتُ إِمَامٌ مِنْهُم حَتَّى يخلِّفَ ابْناً يَنْصُّ عَلَى إِمَامته، فَخلَّف الآمُر حَمْلاً فَكَانَ بنتاً (1) .
وَكَانَ الحَافِظ يعترِيه القُولَنْج، فَعَمِلَ لَهُ شيرمَاهُ الدّيْلَمِيُّ طَبْلاً مُرَكَّباً مِنْ سَبْعَة معَادنَ فِي شَرَفِ الْكَوَاكِب السَّبْعَة، فَكَانَ مَنْ ضَرَبَهُ وَبِهِ قُولَنْج، انفشَّ مِنْهُ رِيْح كَثِيْرٌ، فَوجَدَ رَاحَةً (2) .
فَوَجَده السُّلْطَان صلاحُ الدِّينِ فِي خَزَائِنهُم، فَضَرَبَ بِهِ أَمِيْرٌ كرديٌّ فَضَرَطَ، فَغَضِبَ وَشَقَّه، وَلَمْ يعلَم منفَعَتَه (3) .
وَكَانَ الحَافِظُ كلَمَّا أَقَامَ وَزِيْراً تَمَكَّنَ.
وَحَكَمَ عَلَيْهِ، فيتَأَلَّمُ وَيتحيَّلُ عَلَيْهِ، وَيَعْمَلُ عَلَى هلاَكِهِ، مِنْهُم، رِضوَان، فسجنَه سبعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الشَّامَ، وَجَمَعَ جُموعاً، وَقَاتَلَ المِصْرِيّين، وَقَاتَلَهُمْ عَلَى بَاب القَاهِرَة، وَانتَصَرَ، ثُمَّ دَخَلَهَا، فَاعتقله الحَافِظُ عِنْدَهُ معزَّزاً فِي الْقصر، ثُمَّ نقب الحَبْس، وَرَاح إِلَى الصَّعيد، وَأَقبلَ بجمعٍ عَظِيْمٍ، وَحَارَبَ، فَكَانَ المُلْتَقَى عِنْد جَامِع ابْنِ طولُوْنَ، فَانتصر وَتَمَلَّكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الحَافِظُ بِعِشْرِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، رسمَ الوِزَارَة، فَمَا رضيَ حَتَّى كمل لَهُ سِتِّيْنَ أَلْفاً، ثُمَّ بعثَ إِلَيْهِ عِدَّةً مِنَ المَمَالِيْك، فَقَاتَلَهُم غِلْمَانُهُ وَهُوَ، فَقُتِلَ، وَبَقِيَ الحَافِظ بِلاَ وَزِيْرٍ عَشْرَ سِنِيْنَ (4) .
وَلَمَّا قُتِلَ الأَكمل (5) ، أَقَامَ فِي الوَزَارَة يَانس (6) مَوْلاَهُ فَكَبُرَ يَانس،
__________
(1) " وفيات الأعيان ": 3 / 236 - 237.
(2) المصدر السابق.
(3) " النجوم الزاهرة ": 5 / 335.
(4) انظر " الكامل ": 11 / 48 - 49.
(5) هو أبو علي أحمد بن الأفضل، الذي مر ذكره في أول الترجمة.
(6) لم يراع الامام الذهبي هنا الترتيب الزمني للاحداث، فإن وزارة يانس كانت سنة / 526 / =(15/201)
وَتعدَّى طَوْرَه فَسقِي (1) .
ثمَّ وَزَرَ لَهُ وَلَدُه الحَسَن، فَكَانَ شرَّ وَزِيْرٍ تَمَرَّدَ وَطَغَى، وَقَتَلَ أَرْبَعِيْنَ أَمِيْراً، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فِيْهِ تسنُّنٌ، فَخَافه أَبُوْهُ، وَجَهَّزَ لَهُ عَسْكَراً فتحَاربُوا أَيَّاماً، ثُمَّ سَقَاهُ أَبُوْهُ (2) ، وَقَدِ امتدَّتْ أَيَّامهُ (3) .
وَمَاتَ فِي خَامِس جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْس مائَة، فَكَانَتْ دولَتُه عِشْرِيْنَ سَنَةً سِوَى خَمْسَةِ أَشهر.
وَعَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
فَمَا بَلَغَ أَحَدٌ هَذَا السنَّ مِنَ العُبَيْدِيَّة، وَقَامَ بَعْدَهُ وَلدُه الظَّافر (4) .
76 - الظَّافِرُ بِاللهِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الحَافِظِ لِدينِ اللهِ *
صَاحِبُ مِصْر، الظَافِرُ بِاللهِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ إِسْمَاعِيْلُ ابنُ الحَافِظِ لدينِ الله عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ المُسْتَنْصِر مَعَدِّ ابنِ الظَّاهِر عَلِيّ بنِ الحَاكِم العُبَيْديُّ، المِصْرِيُّ، الإِسْمَاعِيْلِيُّ، مِنَ العُبَيْدِيَّة الخَارجين عَلَى بَنَي العَبَّاسِ.
وَلِي الأَمْرَ بَعْد أَبِيْهِ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ.
وَكَانَ شَابّاً جَمِيْلاً وَسِيماً لعَّاباً عَاكِفاً عَلَى الأَغَانِي وَالسَّرَارِي.
__________
= وقد ذكر قبلها وزارة رضوان، مع العلم أنها كانت سنة / 531 / هـ.
(1) انظر " الكامل ": 10 / 673.
(2) انظر " الكامل ": 11 / 22 - 24، و" اتعاظ الحنفا ": 319 - 323.
(3) أي الحافظ لدين الله.
(4) " الكامل ": 11 / 141 - 142.
(*) الكامل: 11 / 141، وما بعدها، وفيات الأعيان: 1 / 237 - 238، العبر: 4 / 136، البداية والنهاية: 12 / 231، تاريخ ابن خلدون: 4 / 73 - 75 - خطط المقريزي: 2 / 30، النجوم الزاهرة: 5 / 288 - 297، تاريخ ابن إياس: 1 / 65 - 66، شذرات الذهب: 4 / 152 - 153.(15/202)
استَوْزَرَ الأَفضلَ سُلَيْم (1) بنَ مَصَال فَسَاسَ الإِقلِيمَ.
وَانْقَطَعتْ دعوتُه (1) وَدعوَةُ أَبِيْهِ مِنْ سَائِرِ الشَّام وَالمَغْرِب وَالحَرَمَيْنِ.
وَبَقِيَ لَهُم إِقلِيم مِصْرَ.
ثمَّ خَرَجَ عَلَى ابْنِ مصَال العَادلُ بنُ السلاَّر (3) ، وَحَاربَه وَظَفِرَ بِهِ، وَاسْتَأْصَلَه، وَاسْتبَدّ بِالأَمْرِ.
وَكَانَ ابْنُ مصَالٍ مِنْ أَجلِّ الأُمَرَاء، هَزَمَهُ عَسْكَرُ ابْن السلاّر بِدَلاص (4) ، وَأَتُوا بِرَأْسِهِ عَلَى قَنَاةٍ (5) وَكَانَ عَلِيُّ بنُ السَلاّر مِنْ أُمَرَاءِ الأَكرَادِ وَمِنَ الأَبطَالِ المَشْهُوْرينَ، سُنِّياً مُسْلِماً حَسَنَ المعتقَد شَافِعِياً، خَمَدَ بولاَيته نَائِرَة الرَّفض.
وَقَدْ وَلِي أَوَّلاً الثَّغْر (6) مُدَّة، وَاحْتَرَم السِّلَفِيّ (7) ، وَأَنشَأ لَهُ المَدْرَسَةَ العَادِليَة، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ ذَا سَطوَة، وَعَسْفٍ، وَأَخَذَ عَلَى التُّهمَةِ، ضَرَبَ مرَّةً دُفّاً وَمِسْمَاراً عَلَى دِمَاغِ المُوَفَّق مُتَوَلِّي الدِّيْوَان لِكَوْنِهِ فِي أَوَائِل أَمْره شكَا إِلَيْهِ غرَامَة لَزِمَتْهُ فِي وَلاَيته، فَقَالَ:
كَلاَمك مَا يَدْخُلُ فِي أُذُنِي.
فَبقِي كُلَّمَا دَخَلَ المِسْمَار فِي أُذُنه يَسْتَغيثُ فَيَقُوْلُ:
أَدَخَلَ كَلاَمِي بَعْدُ فِي أُذُنِكَ (8) ؟
وَقَدِمَ مِنْ إِفْرِيْقِيَة عَبَّاسُ بنُ أَبِي الفُتُوْح (9) بنِ الْملك يَحْيَى بنِ تَمِيْمٍ بنِ
__________
(1) هكذا ضبط في الأصل: وترجمته في " وفيات الأعيان ": 3 / 416 - 417.
(2) أي: الظافر بالله.
(3) أخباره في " الكامل ": 11 / 141 - 142، وله ترجمة في " وفيات الأعيان ": 3 / 416 - 419.
(4) كورة بصعيد مصر على غربي النيل.
(5) " وفيات الأعيان ": 3 / 416.
(6) أي: الإسكندرية.
(7) هو الحافظ المشهور أحمد بن محمد بن سلفة. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 1 / 105 - 107، وسترد ترجمته في الجزء 21 من هذا الكتاب.
(8) " وفيات الأعيان ": 3 / 417.
(9) في الأصل: ابن أبي الفتح وما أثبتناه من " وفيات الأعيان ": 3 / 417.(15/203)
المُعِزّ بن بَادِيس مَعَ أُمّه صَبِيّاً.
فتزوَّج العَادلُ بِهَا قَبْلَ الوَزَارَة، فتزوَّج عَبَّاسٌ، وَوُلِدَ لَهُ نَصْرٌ، فَأَحَبّهُ العَادلُ، ثُمَّ جَهَّز أَبَاهُ لِلْغَزْوِ، فَلَمَّا نزل بِبِلْبِيس، ذَاكره ابْنُ مُنْقِذ (1) ، وَكَرِهَا البيكَارَ (2) ، فَاتَّفَقَا عَلَى قَتْلِ العَادِلِ، وَأَن يَأْخذَ عَبَّاس مَنصبَه.
فَذَبَح نَصْرٌ العَادلَ عَلَى فِرَاشِهِ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ 548، وَتَمَلَّكَ عَبَّاس وَتَمَكَّنَ (3) .
وَكَانَ ابْنُهُ نَصْرٌ مِنَ المِلاَح، فَمَالَ إِلَيْهِ الظَّافر وَأَحَبَّهُ، فَاتَّفَقَ هُوَ وَأَبُوْهُ عَبَّاس عَلَى الفَتْكِ بِالظَّافر (4) .
فدَعَاهُ نصرٌ إِلَى دَارِهِم ليَأْتِي متخفياً، فَجَاءَ إِلَى الدَّار الَّتِي هِيَ اليَوْم المَدْرَسَة السُّيوفيَة.
فشدَّ نَصْرٌ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَطَمَرَهُ فِي الدَّار.
وَذَلِكَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْس مائَة.
فَقِيْلَ: كَانَ فِي نِصْفه (5) ، وَعَاشَ الظَّافر اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
ثمَّ رَكِبَ عَبَّاس مِنَ الغَدِ وَأَتَى الْقصر.
وَقَالَ: أَيْنَ مولاَنَا؟
فَطَلبوهُ فَفَقدُوهُ.
وَخَرَجَ جِبْرِيْلُ وَيُوْسُف أَخوا الظَّافر، فَقَالَ: أَيْنَ مولاَنَا؟
قَالاَ: سل ابْنَكَ، فَغَضِبَ.
وَقَالَ: أَنْتُمَا قَتَلْتُمَاهُ، وَضَرَبَ رِقَابَهُمَا فِي الحَالِ (6) .
__________
(1) أسامة بن منقذ الكناني، أمير، من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر (قرب حماه) ومن العلماء الشجعان، له تصانيف في الأدب والتاريخ. ومن أمتع كتبه " الاعتبار " نحا فيه منحى السيرة الذاتية. توفي سنة / 584 / هـ بدمشق.
له ترجمة في " معجم الأدباء " 5 / 188 - 245، و" وفيات الأعيان ": 1 / 195 - 199، وسترد ترجمته عند المؤلف.
(2) الحرب.
وتأتي بمعنى: ميدان الحرب.
(3) " وفيات الأعيان ": 3 / 417 - 418.
وقد ذكر أسامة بن منقذ خبر قتل العادل، وأنه كان بالاتفاق مع الظافر انظر " الاعتبار " 18.
(4) يذكر أسامة بن منقذ أن الظافر حمل نصرا على قتل أبيه، فاطلع والده على الامر فلاطفه واستماله وقرر معه قتل الظافر.
انظر الاعتبار: 19 - 20.
(5) " وفيات الأعيان ": 1 / 237.
(6) المصدر السابق.(15/204)
77 - الفَائِزُ بِاللهِ عِيْسَى بنُ الظَافر بنِ عَبْد المَجِيْدِ *
صَاحِبُ مِصْرَ، أَبُو القَاسِمِ عِيْسَى ابنُ الظَّافِر إِسْمَاعِيْلَ ابنِ الحَافِظِ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ الْمُسْتَنْصر بِاللهِ العبيديُّ، المِصْرِيُّ.
لمَا اغتَال عَبَّاس الوَزِيْر الظَّافرِ، أَظْهَرَ القَلَقَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَهْلُ القَصْرِ بِمَقْتَلِهِ.
فَطَلَبُوهُ فِي دور الحُرَم فَمَا وَجَدوهُ، وَفتَّشوا عَلَيْهِ وَأَيسُوا مِنْهُ، وَقَالَ عَبَّاسٌ لأَخويه: أَنْتُمَا الَّذِيْنَ قَتَلْتُمَا خَلِيفَتَنَا، فَأَصرَّا عَلَى الإِنْكَار، فَقَتَلَهُمَا نَفْياً لِلتُّهْمَة عَنْهُ.
وَاسْتَدعَى فِي الحَالِ عِيْسَى هَذَا، وَهُوَ طفلٌ لَهُ خَمْسُ سِنِيْنَ.
وَقِيْلَ: بَلْ سنتَانِ فَحْمله عَلَى كَتِفِهِ، وَوَقَفَ بَاكياً كئيباً، وَأَمر بِأَنْ تَدْخُل الأُمَرَاءُ، فدخلُوا.
فَقَالَ: هَذَا وَلَدُ مولاَكُم، وَقَدْ قَتَلَ عَمَّاهُ مولاَكُم، فَقتلتُهُمَا بِهِ كَمَا تَرَوْنَ، وَالواجِبُ إِخْلاَصُ النيَة وَالطَّاعَةِ لِهَذَا الوَلَد، فَقَالُوا كلُّهُم: سَمْعاً وَطَاعَةً، وضجُّوا ضجَّةً قويَةً بِذَلِكَ، فَفَزِعَ الطِّفلُ، وَبَال عَلَى كَتِفِ الملكِ عَبَّاس، وَلقَّبوهُ الفَائِزَ، وَبعثَوهُ إِلَى أُمّه، وَاخْتُلَّ عَقْلُه مِنْ حِيْنَئِذٍ، وَصَارَ يتحرَّكُ وَيُصْرَعُ، وَدَانَتِ الممَالِكُ لعَبَّاسٍ (1) .
وَأَمَّا أَهْلُ القَصْرِ، فَاطَّلعُوا عَلَى باطِنِ القَضِيَّة، وَأَقَامُوا المآتمَ عَلَى الثَلاَثَة، وَتحيَّلُوا، وَكَاتَبُوا طلاَئِعَ بنَ رُزِّيك الأَرْمنِي الرَّافضِي (2) ، وَالِي
__________
(*) الكامل: 11 / 191، وما بعدها، وفيات الأعيان: 3 / 491 - 494، العبر: 4 / 156، البداية والنهاية: 12 / 242، تاريخ ابن خلدون: 4 / 75 - 76، خطط المقريزي: 1 / 357، النجوم الزاهرة: 5 / 306 - 317، تاريخ ابن اياس: 1 / 66 - 67 شذرات الذهب: 4 / 175. وقد ورد في أغلب المراجع " الفائز بنصر الله ".
(1) " وفيات الأعيان ": 3 / 491 - 492.
(2) لقب بالملك الصالح. كان شجاعا حازما مدبرا، أصله من الشيعة الامامية في =(15/205)
المُنْيَةَ (1) ، وَكَانَ ذَا شَهَامَةٍ وَإِقْدَامٍ.
فسأَلُوهُ الغوثَ، وَقَطَعُوا شعورَ النِّسَاءِ وَالأَوْلاَدِ، وَسيرَّوهَا فِي طَيِّ الكِتَابِ وَسخَّمُوهُ، فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ اطَّلَعَ مَنْ حَوْلَهُ مِنَ الجُنْدِ عَلَيْهِ، وَبَكوا، وَلبسَ الحَدَّادَ، وَاسْتمَال عربَ الصَّعيدِ، وَجَمَعَ وَحَشَدَ، وَكَاتَبَ أُمرَاءَ القَاهرَةِ، وَهيَّجَهُمْ عَلَى طَلَبِ الثَّأْرِ، فَأَجَابوهُ.
فَسَارَ إِلَى القَاهرَةِ، فَبَادر إِلَى ركَابه جُمْهُوْرُ الجَيْش، وَبَقِيَ عَبَّاسٌ فِي عَسْكَرٍ قَلِيْل.
فَخَارتْ قوَاهُ وَهَرَبَ هُوَ وَابْنُهُ نصر وَمَمَالِيْكه وَالأَمِيْرُ ابْنُ مُنْقِذ (2) .
وَنَقَلَ ابْنُ الأَثِيْرِ: أَنْ أُسَامَةَ هُوَ الَّذِي حَسَّنَ لعَبَّاس وَابْنِهِ اغتيَالَ الظَّافِرِ وَقتْلَ العَادلِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الظَّافِرَ، أَقْطَعَ نَصرَ بنَ عَبَّاس قليوبَ (3) .
فَقَالَ: أُسَامَة: مَا هِيَ فِي مَهْرِك بِكَثِيْرٍ (4) .
ثمَّ قَصَدَ عَبَّاسٌ الشَّام عَلَى نَاحِيَة أَيْلَه (5) فِي رَبِيْعِ الأَوَّلِ، فَمَا كَانَتْ أَيَّامُهُ بَعْدَ قَتْلِ الظَّافِرِ إِلاَّ يَسِيْرَة، وَاسْتَوْلَى الصَّالِحُ طلاَئِع بنُ رُزِّيك عَلَى دِيَارِ مِصْر بِلاَ ضَرْبَةٍ وَلاَ طَعْنَةٍ، فَنَزَلَ إِلَى دَارِ عَبَّاس، وَطَلَبَ الخَادِمَ الصَّغِيْر الَّذِي كَانَ مَعَ الظَّافر، وَسَأَلَهُ عَنِ المَكَان الَّذِي دُفِنَ فِيْهِ أُسْتَاذه، فَأَعْلَمَهُ، فَقَلَعَ بلاَطَه، وَأَخْرَجَ الظَّافَر وَمَنْ مَعَهُ مِنَ القَتْلَى، وَحُمِلُوا وَنَاحُوا عَلَيْهِم، وَتكفَّل طلاَئِعُ بِالفَائِز، وَدبَّر الدَّوْلَة (6) .
وجَهَّزَتْ أُخْت الظَّافر رَسُوْلاً إِلَى الْفِرِنْج بِعَسْقَلاَن، وَبَذَلَتْ لَهُم مَالاً
__________
= العراق، مات غيلة سنة / 556 / هـ له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 526 - 529.
(1) منية بني خصيب، من أعمال صعيد مصر.
(2) " وفيات الأعيان ": 3 / 492.
(3) تقع شمالي القاهرة، وعلى بعد خمسة عشر كيلو مترا منها.
(4) " الكامل ": 11 / 191 - 192.
(5) مدينة على ساحل البحر مما يلي الشام.
(6) " وفيات الأعيان ": 3 / 493.(15/206)
عَظِيْماً إِن أَسرُوا لَهَا عباساً وَابْنَه، فَخرجُوا عَلَيْهِ، فَالْتَقَاهُمْ، فَقُتِلَ فِي الوقعَةِ، وَأُخِذَتْ خَزَائِنُهُ، وَأَسرُوا ابْنَه نَصْراً، وَبعثَوهُ إِلَيْهَا فِي قَفَص حَدِيد، فَلَمَّا وَصَلَ، قَبَضَ رَسُوْلهُم المَالَ، وَذَلِكَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ، فَقُطِعَتْ يَدُ نصر، وضُرِبَ بِالمقَارِعِ كَثِيْراً، وَقُصَّ لَحْمه، ثُمَّ صُلِبَ فَمَاتَ، فَبقِي معلَّقاً شهوراً، ثُمَّ أحرِق (1) .
وَقِيْلَ: تسلَّمه نسَاءُ الظَّافِر، فَضَرَبْنَه بِالقباقيب، وَأَطْعَمنَه لحمَه (2) .
مَاتَ الفَائِزُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْس مائَة.
وَلَهُ نَحْو مِنْ عَشْرِ سِنِيْنَ، وَبَايعُوا العَاضد (3) .
78 - العَاضِدُ لِدِيْنِ اللهِ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُف بنِ الحَافِظِ لِدِيْنِ اللهِ *
صَاحِبُ مِصْرَ العَاضدُ لِدِيْنِ اللهِ خَاتَمُ الدَّوْلَةِ العُبَيْدِيَّة أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الأَمِيْر يُوْسُفَ بن الحَافِظِ لِدينِ اللهِ عَبْدِ المَجِيْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُسْتَنْصِر، العُبَيْديُّ الحَاكمِيُّ المِصْرِيُّ الإِسْمَاعِيْلِيُّ المدَّعِي هُوَ وَأَجْدَادُه، أَنَّهُم فَاطمِيون.
مولده سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْس مائَة.
__________
(1) انظر " الاعتبار ": 23 - 27.
(2) " النجوم الزاهرة ": 5 / 310 - 311.
(3) " وفيات الأعيان ": 3 / 494.
(*) الكامل: 11 / 255 وما بعدها، وفيات الأعيان: 3 / 109 - 112، العبر: 4 / 197 - 198، البداية والنهاية: 12 / 264 - 268، تاريخ ابن خلدون: 4 / 76 - 82، خطط المقريزي: 1 / 357 - 359، النجوم الزاهرة: 5 / 334 - 357، تاريخ ابن إياس: 1 / 67 - 68، شذرات الذهب: 4 / 219 - 220، 222 - 223.(15/207)
أَقَامه طلاَئِعُ بنُ رُزِّيك (1) بَعْدَ الفَائِزِ، فَكَانَ مِنْ تَحْتِ حِجره، لاَ حَلَّ لَدَيْهِ وَلاَ رَبْط.
وَكَانَ العَاضد سَبَّاباً خَبِيْثاً مُتَخَلِّفاً.
قَالَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ بنُ خَلِّكَانَ: كَانَ إِذَا رَأَى سُنِّياً اسْتَحَلَّ دَمَه، وَسَارَ وَزِيْرُه الملكُ الصَّالِحُ طلاَئِعُ سيرَةً مَذمومَة، وَاحتكر الغَلاَّت، وَقتلَ عِدَّةَ أُمرَاء، وَأَضْعَفَ أَحْوَالَ الدَّوْلَةِ بِقَتْلِ ذوِي الرَّأْي وَالبَأْسِ، وَصَادَرَ وَعَسَف (2) .
وفِي أَيَّام العَاضِدِ أَقَبْلَ حُسَيْنُ بنُ نزَارِ بن المُسْتَنْصر بنِ الظَّاهِر، العُبَيْديُّ مِنَ الغَرْبِ فِي جَمْع كَثِيْرٍ، فَلَمَّا قَارَبَ مِصْرَ غَدَرَ بِهِ خوَاصُّه، وَقبضُوا عَلَيْهِ، وَأَتَوْا بِهِ العَاضِدَ، فَذَبحهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ (3) .
وَتَزَوَّجَ العَاضِدُ ببنتِ طلاَئِع، وَأَخَذَ طلاَئِعُ فِي قَطْع أَخْبَار العَسْكَرِ وَالأُمَرَاءِ، فَتَعَاقَدُوا بِموَافقَةِ العَاضِدِ لَهُم عَلَى قَتْلِه، فَكَمَنَ لَهُ عِدَّةٌ فِي القَصْر، فَجَرحُوهُ، فَدَخَلَ مَمَالِيْكُه، فَقَتَلُوا أَولئك، وَحَمَلُوهُ، فَمَا أَمْسَى، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ (4) .
وَوَلِي مَكَانَه وَلَدُهُ الملكُ العَادلُ رُزِّيك (5) .
وَكَانَ مليحَ النَّظْمِ، قويَّ الرَّفْضِ، جَوَاداً شُجَاعاً، يُنَاظُر عَلَى الإِمَامَةِ وَالقدَر، وَعَمِلَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَث لَيَالٍ (6) :
__________
(1) انظر ص / 205 / تعليق / 2 / من هذا الجزء.
(2) " وفيات الأعيان ": 3 / 110.
(3) المصدر السابق، " وقيل: إن ذلك كان في أيام الحافظ عبد المجيد ".
(4) انظر " الكامل ": 11 / 274 - 276.
(5) ترجمته في " النكت العصرية ": 52 - 67، و" وفيات الأعيان ": 2 / 529 - 530.
(6) زيادة من " النكت العصرية ": 48.(15/208)
نَحْنُ فِي غَفْلَةٍ وَنَوْمٍ وَلِلْمو ... ت عيونٌ يَقْظَانَةٌ لاَ تَنَامُ
قَدْ رَحَلْنَا إِلَى الحِمَام سِنيناً ... لَيْتَ شِعرِي مَتَى يَكُوْنُ الحِمَام (1) ؟
وَلعُمَارَة اليَمنِي (2) فِيْهِ قصَائِد وَرثَاء، مِنْهَا فِي جِنَازَته:
وَكَأَنَّهَا تَابوتُ (3) مُوْسَى أُودِعَتْ ... فِي جَانبيه سَكَينَةٌ وَوَقَارُ
وَتغَاير الحَرَمَانِ وَالهَرَمَان (4) فِي ... تَابوتِه وَعَلَى الكَريم يُغَارُ (5)
نَعَمْ، وَوَزَرَ للعَاضِد الملكُ أَبُو شجَاع شَاوَرُ السَّعْدِيُّ، وَكَانَ عَلَى نِيَابِةِ الصَّعيد مِنْ جهَةِ طلاَئِع، فَقَوِي، وَنَدِمَ طلاَئِعٌ عَلَى تَوْليته لِفُرُوسِيَّتِهِ وَشَهَامته، فَأَوْصَى طلاَئِعٌ وَهُوَ يَمُوت إِلَى ابْنِهِ أَنْ لاَ يهيجَ (6) شَاوَرَ.
ثمَّ إِن شَاورَ حَشَدَ وَجَمَعَ، وَاخترقَ البَريَّة إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنْ عِنْد تَرْوَجَة (7) ، وَقَصَدَ القَاهِرَةَ، فدخلَهَا مِنْ غَيْر مُمَانعَة، ثُمَّ فَتَكَ برُزِّيك وَتَمَكَّنَ (8) .
__________
(1) " النكت العصرية ": 49.
وانظر أخباره وأشعاره في " خريدة القصر " قسم شعراء مصر: 1 / 173 - 185.
(2) هو عمارة بن علي، نجم الدين، مؤرخ، فقيه، أديب، من أهل اليمن قدم مصر برسالة من أمير مكة، فأحسن الفاطميون إليه، وبالغوا في إكرامه، فأقام عندهم ومدحهم.
ولما زالت دولتهم اتفق مع سبعة من أعيان المصريين على الفتك بصلاح الدين الأيوبي، فقبض عليهم صلاح الدين وصلبهم في القاهرة - وعمارة من جملتهم سنة / 569 / هـ.
انظر أخباره في كتاب " النكت العصرية "، و" وفيات الأعيان ": 3 / 431 - 436.
(3) في الأصل: وكأنه.
وما أثبتناه من " النكت العصرية ": 64.
(4) في " النكت العصرية ": " وتغاير الهرمان والحرمان..".
(5) البيتان من قصيدة طويلة في " النكت العصرية ": 64.
(6) " وفيات الأعيان ": 2 / 440.
(7) قرية بالقرب من الإسكندرية.
(8) " وفيات الأعيان ": 2 / 440.(15/209)
ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْق جريدَةً إِلَى نورِ الدِّين مستنْجداً بِهِ، فَجَهَّزَ مَعَهُ شِيركُوهُ (1) ، بَلْ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ، فَاسْتردَّ لَهُ الوَزَارَة (2) ، وَتَمَكَّنَ، وَلَمْ يجَازِ شِيركُوهُ بِمَا يليقُ بِهِ، فَأَضمَرَ لَهُ الشَّرَّ، وَاسْتعَانَ شَاور بِالفِرنج، وَتَحصَّن مِنْهُم شِيركوهُ ببلْبِيس، فحصروهُ مُدَّة، حَتَّى مَلُّوا (3) .
وَاغْتَنم نورُ الدِّيْنِ خُلوّ السَّاحِلِ مِنْهُم فَعمِلَ المَصَافَّ عَلَى حَارم (4) ، وَأَسَرَ ملوكاً فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ (5) .
وَرَجَعَ شِيركوهُ بَعْدَ أُمُورٍ طَوِيْلَةِ الشَّرْحِ (6) .
ثمَّ سيرَّ العَاضِدُ، يَسْتَنجِدُ بشِيركوهُ عَلَى الْفِرِنْج (7) ، فَسَارَ وَهَزَمَ الْفِرِنْج بَعْدَ أَنْ كَادُوا يَأْخذُوْنَ البِلاَدَ (8) ، وَهمَّ شَاور باغتيَال شيركوهُ وَكبارِ عَسْكره، فَنَاجَزُوهُ وَقَتَلُوهُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ قَتَلهُ جُرْديك النُّوْرِي وَصلاَح الدّينِ، فتمَارضَ شيركوهُ فَعَاد شَاور فَشَدَّ عَلَيْهِ صلاَح الدِّيْنِ (9) .
وَلعمَارَة فِيْهِ:
__________
(1) أسد الدين شيركوه، أول من ولي مصر من الاكراد الايوبيين.
وهو عم السلطان صلاح الدين.
كان من كبار القواد في جيش نور الدين.
وكان عاقلا مدبرا وقورا، مات سنة / 564 / هـ له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 479 - 480.
(2) كان أبو الأشبال ضرغام بن عامر قد خرج على شاور بجموع كثيرة، وغلبه واستولى على الوزارة.
انظر " النكت العصرية ": 73 - 77.
(3) " الكامل ": 11 / 299.
(4) كورة جليلة تجاه أنطاكية.
" معجم البلدان ": 2 / 205.
(5) " الكامل ": 11 / 301 - 304.
(6) " الكامل ": 11 / 300 - 301.
(7) خرج شيركوه إلى مصر ثلاث مرات.
الأولى سنة / 558 / نجدة لشاور، والثانية / 562 / لتملك مصر، والثالثة / 564 / هـ، وهي هذه.
(8) " الكامل ": 11 / 335 - 340.
(9) " وفيات الأعيان ": 2 / 441.(15/210)
ضَجِر الحديدُ مِنَ الحَديد وَشَاوَرٌ ... فِي نَصْر دينِ مُحَمَّدٍ (1) لَمْ يَضْجَرِ
حَلَفَ الزَّمَانُ ليَأْتينَّ بِمِثْلِهِ ... حَنِثَتْ يمِينُك يَا زَمَانُ فَكَفِّرِ (2)
فَاستوزرَ العَاضِدُ شِيركوه (3) ، فَلَمْ يُطّول، وَمَاتَ بِالخَانُوق بَعْد شَهْرَيْنِ وَأَيَّامٍ (4) ، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُ أَخِيْهِ صلاَحُ الدِّيْنِ (5) .
وَكَانَ يُضْرَبُ بشجَاعَة أَسدِ الدّينِ شِيركوهُ المَثَل، وَيخَافُه الفِرَنج (6) .
قَالَ ابْنُ وَاصل (7) :حَدَّثَنَا الأَمِيْر حسَامُ الدِّينِ بنُ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ:
كَانَ جَدِّي فِي خِدْمَةِ صلاَحِ الدِّيْنِ ... ، فحكَى وَقعَة السُّودَانِ (8) بِمِصْرَ الَّتِي زَالت دولتُهُم بِهَا وَدولَة العُبَيْدِيَّة.
قَالَ: شَرَعَ صلاَحُ الدِّينِ يَطْلُبُ مِنَ العَاضِد أَشيَاءَ مِنَ الخيلِ وَالرَّقيقِ وَالمَالِ ليقويّ بِذَلِكَ ضعفه، فَسَّيّرنِي إِلَى العَاضِد أَطلُبُ مِنْهُ فَرَساً، فَأَتَيْتُه وَهُوَ رَاكبٌ فِي بُستَانه الكَافُوْرِيِّ فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: مَالِي إِلاَّ هَذَا الفَرَس، وَنَزَلَ عَنْهُ، وَشَقَّ خُفّيه وَرَمَى بِهِمَا، فَأَتيتُ صلاَحَ الدِّيْنِ بِالفَرَس (9) .
قُلْتُ: تلاشَى أَمْرُ العَاضدِ مَعَ صلاَحِ الدِّيْنِ إِلَى أَنْ خَلَعَه، وَخَطَبَ
__________
(1) في " النكت العصرية ": آل محمد.
(2) " النكت العصرية ": 73.
(3) " الكامل ": 11 / 340.
(4) " الكامل ": 11 / 341.
(5) " الكامل ": 11 / 342، وما بعدها.
(6) انظر " الكامل ": 11 / 300 - 301.
(7) محمد بن سالم بن واصل، مؤرخ، عالم بالمنطق والهندسة.
من فقهاء الشافعية مولده ووفاته في حماه.
من كتبه " مفرج الكروب في أخبار بني أيوب " وعنه ينقل الامام الذهبي.
توفي سنة / 697 / هـ.
له ترجمة في " نكت الهميان ": 250 - 252.
(8) انظر " الكامل ": 11 / 345 - 347.
(9) " مفرج الكروب ": 1 / 171 - 179 وما بين حاصرتين منه.(15/211)
لِبَنِي العَبَّاسِ، وَاسْتَأْصَلَ شَأْفَةَ بنِي عُبَيْد، وَمَحَقَ دَوْلَةَ الرَّفضِ.
وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَتخلِّفاً لاَ خَلِيْفَةً، وَالعَاضِدُ فِي اللُّغَةِ أَيْضاً القَاطعُ، فَكَانَ هَذَا عَاضداً لدولَةِ أَهْل بَيْته.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: أَخْبَرَنِي عَالِمٌ أَنَّ العَاضِدَ رَأَى فِي نَومه كَأَنَّ عقرباً خَرَجَتْ إِلَيْهِ مِنْ مَسْجِد عُرِفَ بِهَا فَلَدَغَتْه، فَلَمَّا اسْتيقظَ طَلب مُعبِّراً فَقَالَ: ينَالُكَ مكروهُ مِنْ (1) رَجُلٍ مُقِيْمٍ بِالمَسْجَد، فسَأَلَ عَنِ المَسْجَدِ، وَقَالَ لِلْوَالِي عَنْهُ، فَأُتِي بفقيرٍ، فَسَأَلَهَ: مِنْ أَيْنَ هُوَ؟ وَفيمَا قَدِمَ؟ فَرَأَى مِنْهُ صِدْقاً وَديناً.
فَقَالَ: ادْعُ لَنَا يَا شَيْخ، وَخلَّى سَبِيلَهُ، وَرَجَعَ إِلَى المَسْجَدِ، فَلَمَّا غَلَبَ صلاَحُ الدِّين عَلَى مِصْرَ، عَزَمَ عَلَى خَلْعِ العَاضدِ.
فَقَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: اسْتفتَى الفُقَهَاء، فَأَفتُوا بجَوَاز خَلْعِهِ لِمَا هُوَ مِنِ انحلاَلِ العقيدَةِ وَالاستِهْتَارِ، فَكَانَ أَكْثَرهُم مبَالغَةً فِي الفُتْيَا ذَاكَ، وَهُوَ الشَّيْخُ نجم الدِّينِ الخُبُوشَانِيُّ (2) ، فَإِنَّهُ عدَّد مسَاوِئ هَؤُلاَءِ، وَسَلَب عَنْهُم الإِيْمَان (3) .
قَالَ أَبُو شَامَة (4) :اجْتَمَعتُ بِأَبِي الفُتُوْحِ بنِ العَاضد، وَهُوَ مسجُوْنٌ مقيِّد، فحكَى لِي أَن أَبَاهُ فِي مَرَضِهِ طَلَبَ صلاَحَ الدِّين، فَجَاءَ، وَأَحْضَرَنَا
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) هو محمد بن الموفق بن سعيد، أبو البركات، نجم الدين الخبوشاني، نسبة إلى خبوشان - وهي بليدة بناحية نيسابور - انتقل إلى مصر، وحظي عند السلطان صلاح الدين.
صنف كتاب " تحقيق المحيط " في الفقه، قال عنه ابن خلكان: " رأيته في ستة عشر مجلدا ". توفي - رحمه الله - سنة / 587 / هـ. له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 4 / 239 - 240 و" طبقات الشافعية ": 4 / 190 - 192.
(3) " وفيات الأعيان ": 3 / 111.
(4) المؤرخ المشهور، صاحب كتاب " الروضتين " عبد الرحمن بن إسماعيل، المقدسي الدمشقي. لقب أبا شامة، لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر. توفي سنة / 665 / هـ سترد ترجمته عند المؤلف فيما بعد.(15/212)
وَنَحْنُ صِغَار، فَأَوْصَاهُ بنَا، فَالتزمَ إِكرَامنَا وَاحترَامَنَا (1) .
قَالَ أَبُو شَامَة: كَانَ مِنْهُم ثَلاَثَةٌ بِإِفْرِيْقِيَةَ: المَهْدِيُّ، وَالقَائِمُ، وَالمَنْصُوْرُ، وَأَحَدَ عَشَرَ بِمِصْرَ آخرهُم العَاضد (2) ، ثُمَّ قَالَ: يدَّعُون الشَرَفَ وَنِسْبَتُهم إِلَى مجوسِي أَوْ يهودِي، حَتَّى اشْتَهَرَ لَهُم ذَلِكَ.
وَقِيْلَ: الدَّوْلَة العَلَوِيَّة، وَالدَّوْلَة الفَاطمِيَة، وَإِنَّمَا هِيَ الدَّوْلَة اليَهودَّيَة أَوِ المَجُوْسِيَّة المُلْحِدَةُ البَاطنيَّةُ.
ثُمَّ قَالَ: ذَكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ الأَكَابِرِ، وَأَنَّ نَسَبَهُمْ غَيْرُ صَحِيْحٍ.
بَلِ المَعْرُوْف أَنَّهُمْ بَنو عُبَيْد.
وَكَانَ وَالد عُبَيْد مِنْ نسل القَدَّاح المَجُوْسِيّ المُلْحِد.
قَالَ: وَقِيْلَ: وَالده يهوديٌّ مِنْ أَهْلِ سَلَمِيَّة، وَعُبَيْد كَانَ اسْمُه سعيداً، فَغيَّره بعُبَيْد اللهِ لَمَّا دَخَلَ إِلَى المَغْرِبِ، وَادَّعَى نَسباً ذكر بُطلاَنه جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأَنْسَابِ، ثُمَّ ترقَّى، وَتَمَلَّك، وَبنَى المَهديَّة.
قَالَ: وَكَانَ زِنْدِيقاً خَبِيْثاً، وَنشأَتْ ذُرِّيّتهُ عَلَى ذَلِكَ، وَبَقِيَ هَذَا البلاَءُ عَلَى الإِسْلاَم مِنْ أَوَّلِ دولتهِم إِلَى آخرِهَا (3) .
قُلْتُ: وَكَانَتْ دولتُهم مَائَتَي سنَةً وَثَمَانِياً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَقَدْ صَنَّفَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ البَاقِلاَّنِي كتَاب (كَشْفِ أَسرَار البَاطنيَّة) فَافتتحه ببُطْلاَنِ انتسَابهِم إِلَى الإِمَام عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ القَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ المُعْتَزِلِيُّ.
هلَكَ العَاضدُ يَوْمَ عَاشُورَاء سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْس مائَة بذَرَب مُفْرِطٍ.
وَقِيْلَ: مَاتَ غَمّاً لَمَّا سَمِعَ بِقطع خُطبته وَإِقَامَة الدعوَة لِلْمستضيء. وَقِيْلَ:
__________
(1) " الروضتين ": 1 / 194.
(2) " الروضتين ": 1 / 201.
(3) " الروضتين ": 1 / 201.(15/213)
سُقيَ. وَقِيْلَ: مصَّ خَاتماً لَهُ مَسْمُوْماً.
وَكَانَتِ الدَّعوَةُ المَذْكُوْرَةُ أُقيمت فِي أَوَّلِ جُمعَة مِنَ المُحَرَّم، وَتسلَّمَ صلاَحُ الدِّينِ القصرَ بِمَا حوَى مِنَ النفَائِسِ وَالأَمْوَالِ، وَقَبَضَ أَيْضاً عَلَى أَوْلاَد العَاضدِ وَآله، فسجنَهُم فِي بَيْتٍ مِنَ القَصْرِ، وَقَمَعَ غِلْمَانهم وَأَنصَارَهُم، وَعفَى آثَارهُم (1) .
قَالَ العِمَاد الكَاتِبُ (2) :وَهُمُ الآنَ محصُورُوْنَ محسورُوْنَ لَمْ يَظْهَرُوا، وَقَدْ نَقَصُوا وَتَقَلَّصُوا، وَانتقَى صلاَحُ الدِّيْنِ مَا أَحَبَّ مِنَ الذَّخَائِر، وَأَطلقَ البيعَ بَعْدُ فِي مَا بَقِيَ، فَاسْتمرَّ البيع فِيْهَا مُدَّة عشرِ سِنِيْنَ (3) .
وَمِنْ كِتَابٍ مِنْ إِنشَاءِ القَاضِي الفَاضِل (4) إِلَى بَغْدَادَ: وَقَدْ تَوَالَتِ الفُتوحُ (5) غرباً، وَيَمَناً وَشَاماً، وَصَارت البِلاَد - بَلِ الدُّنْيَا وَالشهر، بَلْ وَالدَّهْرُ - حَرَماً حرَاماً، وَأَضحَى الدِّين وَاحِداً بَعْدَ أَنْ كَانَ أَدْيَاناً، وَالخِلاَفَةُ إِذَا ذُكِّرَ بِهَا أَهْلُ الخِلاَفِ لَمْ يَخُّرُوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمِيَاناً، وَالبِدْعَةُ خَاشِعَة، وَالجُمُعَة جَامِعَة، وَالمَذَلَّةُ فِي شِيَعِ الضَّلاَل شَائِعَة.
ذَلِكَ بِأَنَّهُم اتَّخذُوا عبَادَ اللهِ مِنْ دُوْنه أَوْلِيَاءَ، وَسمَّوا أَعدَاءَ الله أَصفيَاءَ، وَتقطَّعُوا أَمرهم بينهُم شِيَعاً، وَفَرَّقُوا أَمرَ الأُمَّةِ وَكَانَ مجتمِعاً، وَقُطع دَابِرُهُم، وَرَغِمَت أُنوفُهُم
__________
(1) " النجوم الزاهرة ": 5 / 334 - 335.
(2) هو محمد بن صفي الدين محمد، أبو عبد الله. مؤرخ عالم بالادب. من كتبه: " خريدة القصر " و" الفتح القسي القدسي ".
ولد بأصبهان، وتعلم ببغداد، وعمل في " ديوان الانشاء " زمن السلطان نور الدين، ثم لحق بصلاح الدين بعد وفاته.
استوطن دمشق وتوفي بها سنة / 597 / هـ له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 5 / 147 - 153.
(3) " الروضتين ": 1 / 194 - 195.
(4) هو عبد الرحيم بن علي اللخمي، المعروف بالقاضي الفاضل، وزير من أئمة الكتاب، وزر للسلطان صلاح الدين، ولد بعسقلان، وتوفي بالقاهرة سنة / 596 / هـ له ترجمة في " خريدة القصر ": قسم شعراء مصر: 1 / 35 - 54، و" وفيات الأعيان ": 3 / 158 - 163.
(5) في " الروضتين ": عربا، بالعين المهملة.(15/214)
وَمنَابرُهُم، وَحقَّتْ عَلَيْهِم الكَلِمَةُ تشريداً وَقَتْلاً، وَتمتْ كلمَاتُ رَبِّك صِدْقاً وَعَدْلاً، وَلَيْسَ السَّيْف عَمَّنْ سِوَاهُم مِنْ كفَّار الْفِرِنْج بصَائِم، وَلاَ اللَّيْلُ عَنِ السّير إِلَيْهِم بنَائِمٍ (1) .
قُلْتُ: أَعجبنِي سَرْدُ هَؤُلاَءِ المُلُوك العُبَيْدِيَّة عَلَى التَّوَالِي، ليتَأَمَّله النَّاظرُ مجتمِعاً.
تَتِمَّةُ الطَّبَقَةِ الثَّامِنَةَ عَشرَةَ
فلنرجعِ الآنَ إِلَى تَرْتِيْبِ الطِّباق فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَمَا بَعْدَهَا.
79 - مَردَاوِيجُ بنُ زيَّار الدّيلمِيُّ *
مَلِكُ الدَّيْلَمِ عتَا وَتَمَرَّدَ (2) ، وَسفَكَ الدِّمَاء، وَحَكَمَ عَلَى مدَائِنِ الجَبَلِ وَغيرِهَا، وَخَافَتْه المُلُوكُ، وَكَانَ بَنو بُوَيه مِنْ أَمرَائِهِ (3) .
وَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ المِيلاَدِ مِنْ سنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ أَمرَ بَجَمْعِ أَحطَابٍ عَظِيْمَةٍ، وَخَرَجَ إِلَى ظَاهِرِ أَصْبَهَان، وَجمع أَلفِي غُرَاب، وَعَمِلَ فِي آذَانهَا النِّفْط، وَمَدَّ سِمَاطاً مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ أَصلاً.
كَانَ فِيْهِ أَلفُ فَرَس قشلمِيش، وَأَلفَا بقرَة، وَمِن الغَنَم وَالحَلْوَاء أَشيَاء، فَلَمَّا شَاهَد ذَلِكَ اسْتَقَلَّه، وَتَنمَّر عَلَى القُوَّاد، وَكَانَ مسيئاً إِلَى الأَتْرَاك الَّذِيْنَ مَعَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اجْتَمَعُوا لِلْمَوْكِبِ، وَصَهَلَتِ الْخَيل، فَغَضِبَ، وَأَمَرَ بشَدِّ سُروجِهَا عَلَى ظُهُوْر أَرْبَابهَا.
فَكَانَ مَنْظَراً فَظيعاً، فَحَنِقُوا عَلَيْهِ، وَدَخَلَ البَلَد فَأَمَرَ صَاحِبَ
__________
(1) انظر الكتاب بطوله في " الروضتين ": 1 / 195، وما بين حاصرتين منه. وقد اختصره الذهبي هنا.
(*) الكامل: 8 / 196، وما بعدها، المختصر في أخبار البشر: 2 / 82، العبر: 2 / 190، البداية والنهاية: 11 / 178، شذرات الذهب: 2 / 292 - 293.
(2) انظر ابتداء أمره في " الكامل ": 8 / 193، وما بعدها.
(3) " المختصر في أخبار البشر ": 2 / 78.(15/215)
حَرَسِه أَنْ لاَ يَتْبعه، وَدَخَلَ الحَمَّام، فَهَجَمَت التُّرك عَلَيْهِ، وَقتلُوهُ.
وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ تَاجاً مرصَّعاً بِالجَوَاهِر كتَاج كِسْرَى.
وَتَمَلَّك بَعْدَهُ أَخُوْهُ، وَشْمَكِير، وَتملك أَيْضاً بَنو بُويه - مِنْ (تَارِيْخ المُؤَيَّد) - (1) .
80 - العُزَيرِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُزير السِّجِسْتَانِيّ *
الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُزَير، السِّجِسْتَانِيُّ المفسِّر، مُصَنِّفُ (غَرِيْب القُرْآنِ (2)) .
كَانَ رجُلاً فَاضِلاً خَيّراً.
أَلف (الغَرِيْب) فِي عِدَّةِ سِنِيْنَ وَحَرَّره، وَرَاجَعَ فِيْهِ أَبَا بَكْرٍ بنَ الأَنْبَارِيّ، وَغَيْرَهُ (3) .
رَوَاهُ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ بَطَّة، وَعُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَمْعَان، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ السَّامَرِّيُّ المُقْرِئ، وَكَانَ مُقِيْماً بِبَغْدَادَ، لَمْ يذكْر لَهُ ابْنُ النَّجَّار وَفَاةً.
قَالَ (4) :وَالصَّحِيْحُ عُزير - بِرَاءٍ -، رَأَيْتُهُ بِخَطِ ابْنِ نَاصرٍ الحَافِظ.
وَذَكَرَ أَنَّهُ شَاهَدَه بِخَطِّ يدِه، وَبخطِ غَيْر وَاحِدٍ مِنَ الَّذِيْنَ كَتَبُوا كِتَابَهُ عَنْهُ، وَكَانُوا مُتَثَبِّتِين.
__________
(1) " المختصر في أخبار البشر ": 2 / 82.
وانظر ايضا خبر مقتله في " الكامل ": 8 / 298 - 303.
* نزهة الالباء: 215 - 216، الوافي بالوفيات: 4 / 95، بغية الوعاة: 72 - 73.
(2) كتاب " غريب القرآن " مرتب على حسب حروف المعجم، وقد طبع بمصر سنة / 1325 / هـ.
(3) " نزهة الالباء ": 216.
(4) أي ابن النجار. انظر حاشيتنا رقم / 8 / ص / 92 / من هذا الجزء.(15/216)
قَالَ: وَذَكَر لِي ابْنُ الأَخضر (1) شَيْخُنَا، أَنَّهُ رَأَى نُسْخَةً (بِالغَرِيْب) بِخَطِ مُؤلِّفه، وَفِي آخِره: وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بنُ عُزير - بِالرَّاءِ المهملَة -.
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا التِّبْرِيزيُّ: رَأَيْتُ بِخَطِّ ابْنِ عُزير، وَعَلَيْهِ علاَمَةُ الرَّاء غَيْر المعجمَة (2) .
وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيّ، وَالحَافِظُ عَبْدُ الغنِي، وَالخَطِيْبُ، وَابْنُ مَاكُوْلاَ، فَقَالُوا: عُزيز بِمعجمتين، مُحَمَّدُ بنُ عُزير صَاحِب (الغَرِيْب (3)) .
فَبعد هَؤُلاَءِ الأَعلاَمِ مَنْ يَسْلَم مِنَ الوَهْم (4) ؟
بقِي ابْنُ عُزير إِلَى حُدُوْدِ الثَّلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
81 - ابْنُ الإِخشيْد أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بيغجُورَ *
العَلاَّمَةُ الأُسْتَاذُ، شَيْخُ المُعْتَزِلَة، أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بيغجُور الإِخْشِيد (5) ، صَاحِبُ (التَّصَانِيْفِ) .
__________
(1) هو عبد العزيز بن محمود بن المبارك بن الاخضر، الجنابذي، ثم البغدادي، محدث العراق في عصره، أصله من جنابذ (قرية بنيسابور) صنف مجموعات حسنة، وكان ثقة، صحبه ابن النجار مدة طويلة، وقرأ عليه، توفي سنة / 611 / هـ له ترجمة مفصلة في " شذرات الذهب ": 5 / 46 - 47.
(2) " نزهة الالباء ": 215.
(3) انظر " الإكمال ": 7 / 5.
(4) مال ابن حجر العسقلاني إلى كتابته بزايين، وبسط القول في مناقشة من قال بالراء المهملة.
انظر " تبصير المتنبه ": 3 / 948 - 950.
(*) الفهرست: 245 - 246، تاريخ بغداد: 4 / 309، الوافي بالوفيات: 7 / 216، طبقات المعتزلة: 100، لسان الميزان: 1 / 231.
(5) في " لسان الميزان ": 1 / 231 " ابن الاخشاد، ويقال له: ابن الاخشيد ".(15/217)
كَانَ يَدْرِي الحَدِيْثَ، وَيَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي مُسْلِم الكَجِّيّ وَطَبَقَتِهِ.
وَيَحتجُّ بِهِ فِي توَالِيفه، وَكَانَ ذَا تعبُّدٍ وَزهَادَةٍ، لَهُ قريَةٌ تقومُ بِأَمره، وَكَانَ يُؤثر الطَّلبَة.
وَله مَحَاسِن عَلَى بِدْعتِه، وَلَهُ توَالِيفُ فِي الفِقْهِ، وَفِي النَّحْوِ وَالكَلاَمِ.
وَدَارُهُ بِبَغْدَادَ فِي سُوق العَطَش (1) .
وَكَانَ لاَ يَفْتُر مِنَ العِلْمِ وَالعِبَادَة.
لَهُ كتَاب (نقل القُرْآن) ، وكتَاب (الإِجْمَاع) ، وكتَاب (اخْتِصَارِ تَفْسِيْر مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْر) ، وكتَاب (المعونَة فِي الأُصُوْل) وَأَشيَاء مُفِيْدَةٌ (2) .
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَان سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
82 - يُوْسُف بنُ يَعْقُوْبَ بنُ الحُسَيْنِ أَبُو بَكْرٍ الوَاسِطِيُّ * (3)
الإِمَامُ، المُجَوِّدُ مُقْرِئ وَاسِط، أَبُو بَكْرٍ الوَاسِطِيُّ الأَصَمُّ، إِمَامُ الجَامِع.
قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى يَحْيَى العُلَيمِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بنِ شُعَيْب، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَعَلِيّ بنِ شُعَيْب بنِ أَيُّوْبَ الصَّرِيْفينِيِّ، وَتصدر دَهْراً، وَرحلُوا إِلَيْهِ.
وَسَمِعَ مِنْ: مُحَمَّد بنِ خَالِدٍ الطَّحَّان.
__________
(1) محلة ببغداد، بالجانب الشرقي.
(2) انظر " الفهرست ": 245 - 246.
(*) تاريخ بغداد: 14 / 319 - 320، معرفة القراء: 1 / 202. غاية النهاية: 2 / 404 - 405.
(3) في " تاريخ بغداد ": 14 / 319 " ابن الحسين ".(15/218)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ.
وَتَلاَ عَلَيْهِ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خُلَيع القَلاَنِسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ سَعِيْدٍ المُطَّوِّعِيّ، وَعُثْمَان بن أَحْمَدَ المَجَاشِيُّ (1) ، وَإِبْرَاهِيْم بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَغْدَادِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عِصَام، وَعَلِيُّ بنُ مَنْصُوْرٍ الشَّعِيرِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ السَّامَرِّيُّ فِيْمَا زَعَمَ (2) .
قَالَ ابْنُ خُلَيع: كَانَ شَيْخُنَا حسنَ الأَخذ، قَرَأْت عَلَيْهِ وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً (3) .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ القَصَّاع (4) :وُلِدَ فِي شَعْبَان سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ.
وَكَانَ يَقُوْلُ (5) :قَرَأْتُ عَلَى يَحْيَى بنِ مُحَمَّدٍ العُلَيمِي فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ وَالتِي تلِيهَا، وَمَاتَ (6) :فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ عَنْ ثَلاَث وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ قَدْ ضَعُفَ (7) .
قَالَ لِي: قَرَأْتُ عَلَى حَمَّاد بن أَبِي زِيَادٍ شُعَيْب سنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ فَاضِلاً جليلاً،
__________
(1) في " غاية النهاية ": النجاشي، وهو تصحيف.
(2) انظر " غاية النهاية ": 1 / 415 - 417.
(3) " غاية النهاية ": 2 / 405.
(4) هو محمد بن إسرائيل بن أبي بكر، أبو عبد الله، المعروف بالقصاع: أستاذ كبير، اعتني بعلم القراءات أتم عناية، توفي سنة / 671 / هـ من كتبه " الاستبصار " و" المغني " له ترجمة في " غاية النهاية ": 2 / 100.
(5) أي يوسف بن يعقوب.
(6) أي: العليمي.
(7) انظر ترجمة العليمي في " غاية النهايه ": 2 / 378 - 379. وما بين حاصرتين منه.
(8) انظر ترجمة حماد في " غاية النهاية ": 1 / 258 - 259.(15/219)
تَلاَ عَلَى عَاصِم، وَقَرَأْتُ بَعْدَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاش.
قَالَ القُضَاعِي: تُوُفِّيَ يُوْسُفُ الوَاسِطِيُّ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
سَمِيُّه: هُوَ المُحَدِّث
83 - أَبُو عَمْرٍو يُوْسُف بن يَعْقُوْبَ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ بَكَّار بن الرَّيانِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدَةَ، وَأَبِي حَفْصٍ الفَلاَّس.
رَوَى عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَابْنُ شَاهِيْنٍ، وَالمُعَافَى النَّهْرَوَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ، وَعَلِيُّ بنُ لُؤْلُؤ الوَرَّاق.
قَالَ عَبْدُ الغنِي بنُ سَعِيْدٍ: وَثَبَ إِلَى الرِّوَايَة عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ (1) .
وَقَالَ البَرْقَانِيُّ: لاَ يُسَاوِي شَيْئاً (2) .
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَ عَنْ: كُلّ مَنْ شَاءَ (3) .
فَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظ، يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ فِي رِحْلَتِي فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ نَيْسَابُوريّاً يكذبُ غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو هَذَا (4) .
__________
(*) تاريخ بغداد: 14 / 320، ميزان الاعتدال: 4 / 475، لسان الميزان: 6 / 329.
(1) " تاريخ بغداد ": 14 / 320.
(2) المصدر السابق.
(3) " لسان الميزان ": 6 / 329.
(4) " تاريخ بغداد ": 14 / 320.(15/220)
قُلْتُ: تُوُفِّيَ بُعيدَ سنَةِ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بِيَسِيْرٍ.
وَقَعَ لِي مِنْ طَرِيقه (تَارِيْخُ) أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ.
84 - جَحْظَةُ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُوْسَى *
الأَخْبَارِيُّ النَّدِيمُ البَارِعُ، أَبُو الحَسَنِ، أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُوْسَى بنِ الوَزِيْر يَحْيَى بنِ خَالِد بنِ بَرْمَك البَرْمَكِيُّ البَغْدَادِيُّ الشَّاعِر.
كَانَ ذَا فنُوْنٍ وَنوَادرَ وَآدَابٍ.
وَهُوَ القَائِلُ:
أَنَا ابْنُ أُنَاسٍ مَوَّلَ النَّاسَ جُودُهُم ... فَأَضْحَوا حَدِيْثاً لِلنَّوَال المُشهَّرِ
فَلَمْ يَخْلُ مِنْ إِحْسَانهم لَفْظُ مُخْبِرٍ ... وَلَمْ يَخْلُ مِنْ تَقْرِيظهم بَطْنُ دَفْتَرِ (1)
وَمِنْ شِعْرِه:
وَرَقَّ الجَوُّ حَتَّى قِيْلَ هَذَا ... عِتَابٌ بَيْنَ جَحْظَةَ وَالزَّمَانِ (2)
وَقِيْلَ: كَانَ مشوَّهاً.
فَقَالَ ابْنُ الرُّوْمِيّ:
وَارَحْمَتا لِمُنَادمِيه تحمَّلُوا ... أَلَمَ العُيُون للذَّةِ الآذَانِ (3)
__________
(*) الفهرست: 208، تاريخ بغداد: 4 / 65 - 69، الأنساب: 2 / 170 - 171، المنتظم: 6 / 283 - 286، معجم الأدباء: 2 / 241 - 282، وفيات الأعيان: 1 / 133 - 134، العبر: 2 / 201، الوافي بالوفيات: 6 / 286 - 289، مرآة الجنان: 2 / 288، البداية والنهاية: 11 / 185 - 186، لسان الميزان: 1 / 146، النجوم الزاهرة: 3 / 250 - 251.
(1) البيتان في " ذيل أمالي القالي ": 99، و" وفيات الأعيان ": 1 / 133.
(2) " وفيات الأعيان ": 1 / 134.
(3) " وفيات الأعيان ": 1 / 134.(15/221)
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ - جَحْظَة بسكُون الحَاء (1) -:مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ (2) .
وَقَدْ بلغَ الثَّمَانِيْنَ، وَلَمْ يدخُلْ فِي رِوَايَة الحَدِيْث، وَكَانَ رَأْساً فِي التَّنْجيمِ مقدَّماً فِي لَعِب النَّرْد.
وَلَهُ مُؤلَّف فِي الطبَائِخِي، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يتقدَّمه فِي صِنَاعَة الغِنَاء (3) .
غنَّى المُعْتَمِد، فَأَعطَاهُ خَمْس مائَة دِيْنَارٍ.
أَكْثَر عَنْهُ صَاحِبُ (الأَغَانِي) ، وَالمُعَافَى النَّهْرَوَانِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوَيْه (4) .
85 - البَابُ أَبُو القَاسِمِ حُسَيْنُ بنُ رَوْحِ بنِ بَحْرٍ *
كَبِيْر الإِمَامِيَة، وَمَنْ كَانَ أَحَدَ الأَبْوَابِ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَان الْمُنْتَظر، الشَّيْخُ الصَّالِحُ أَبُو القَاسِم حُسَيْنُ بنُ رَوْح بن بَحْر القَيْنِي.
قَالَ ابْنُ أَبِي طَيّ فِي (تَارِيْخِهِ (5)) :نصَّ عَلَيْهِ بِالنِّيَابَة أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العُمَرِيُّ (6) ، وَجَعَلَه مِنْ أَوَّلِ مَنْ يدْخُلُ حِيْنَ جَعَلَ الشِّيْعَة طبقَاتٍ.
__________
(1) انظر " وفيات الأعيان ": 1 / 134.
(2) المصدر السابق.
(3) " تاريخ بغداد ": 4 / 65.
(4) المصدر السابق.
(*) الوافي بالوفيات: 12 / 366 - 367، لسان الميزان: 2 / 283 - 284.
(5) في الأصل: ابن بطي، وهو تصحيف.
وابن أبي طي: هو يحيى بن حميدة بن ظافر، الغساني عالم، مشهور، مؤرخ، شيعي.
توفي سنة / 630 / هـ وقد ذكر صاحب " كشف الظنون ": 1 / 277 تاريخه، وأشار إلى أنه مرتب على السنوات.
انظر ترجمته في " لسان الميزان ": 6 / 263 - 264 و" الذريعة ": 3 / 219 - 220.
(6) انظر " الكامل ": 8 / 109.(15/222)
قَالَ: وَقَدْ خَرَجَ عَلَى يَدَيْهِ توَاقيعُ كَثِيْرَةٌ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ صَارَتِ النِّيَابَةُ إِلَى حُسَيْنٍ هَذَا، فَجَلَسَ فِي الدَّارِ، وَحَفَّ بِهِ الشِّيْعَةُ، فَخَرَجَ ذكَاء الخَادِمُ، وَمَعَهُ عكازَة، وَمُدَرَّج (1) وَحُقَّه، وَقَالَ لَهُ:
إِن مولاَنَا قَالَ: إِذَا دَفَنَنِي أَبُو القَاسِمِ حُسَيْنٌ، وَجَلَسَ، فَسُلِّمَ إِلَيْهِ هَذَا، وَإِذَا فِي الحُقِّ خَوَاتِيمُ الأَئِمَّة.
ثُمَّ قَامَ وَمَعَهُ طَائِفَة فَدَخَلَ دَارَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيِّ (2) ، وَكَثُرَتْ غَاشِيَتُهُ حَتَّى كَانَ الأُمَرَاء وَالوزرَاء يَرْكَبُوْنَ إِلَيْهِ وَالأَعيَانُ، وَتوَاصَفَ النَّاسُ عَقْلَهُ وَفَهْمه.
فَرَوَى: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الإِيَادِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: شَاهَدْتُهُ يَوْماً، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو عُمَرَ القَاضِي (3) ، فَقَالَ لَهُ أَبُو القَاسِمِ: صوَابُ الرَّأْي عِنْد المُشْفِق عِبْرَةٌ عِنْد المتورِّط، فَلاَ يَفْعَل القَاضِي مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، فرَأَيْتُ أَبَا عُمَرَ قَدْ نَظَر إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟
فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكَ مَا عرفتَه، فمسأَلتِي مِنْ أَيْنَ لَكَ؟ فضولٌ، وَإِنْ كُنْت لَم تَعْرِفْه، فَقَدْ ظَفِرْتَ بِي.
قَالَ: فَقَبَضَ أَبُو عُمَرَ عَلَى يَدَيْهِ، وَقَالَ: لاَ بَلْ وَاللهِ أُؤخِّرك ليومِي أَوْ لِغَدِي.
فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ أَبُو القَاسِمِ: مَا رَأَيْتُ محجوجاً قَطُّ يلقَى البرهَانَ بنفَاقٍ مِثْلَ هَذَا، كَاشَفْتُه بِمَا لمَ أكَاشفُ بِهِ غَيْرَه.
وَلَمْ يَزَلْ أَبُو القَاسِمِ وَافرَ الحُرْمَة إِلَى أَنْ وَزر حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، فجَرَت لَهُ مَعَهُ خُطُوبٌ يطولُ شَرْحُهَا.
ثمَّ سَرَدَ ابْن أَبِي طَيّ تَرْجَمَتَه فِي أَورَاقٍ، وَكَيْفَ أُخِذَ وَسُجِنَ خَمْسَةَ
__________
(1) مدرج: وهي الرقعة الملعونة كما في متن اللغة 2 / 396.
(2) نسبة إلى شلمغان. قرية من نواحي واسط. والشلمغاني هذا هو المعروف بابن أبي العزاقر. صاحب المذهب المشهور في الحلول، وقد قتل سنة / 322 / هـ انظر " اللباب ": 2 / 27، و" الكامل ": 8 / 290 - 294.
(3) محمد بن يوسف. قاضي القضاة. كان يضرب المثل بعقله وحلمه. توفي سنة / 320 / هـ. له ترجمة في " تاريخ بغداد ": 3 / 401 - 405.(15/223)
أَعْوَامٍ، وَكَيْفَ أُطْلِقَ وَقْتَ خَلْعِ المُقْتَدِرِ، فَلَمَّا أَعَادُوهُ إِلَى الخِلاَفَةِ، شَاوَروهُ فِيْهِ، فَقَالَ: دعُوهُ فَبخطّيِتهِ أُوذِيْنَا.
وَبقيت حُرْمَتُهُ عَلَى مَا كَانَتْ إِلَى أَنْ مَاتَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ كَادَ أَمرُهُ أَنْ يظْهر.
قُلْتُ: وَلَكِنْ كفَى اللهُ شرَّه، فَقَدْ كَانَ مُضْمِراً لشَقِّ العَصَا.
وَقِيْلَ: كَانَ يُكَاتِبُ القَرَامِطَة ليقْدمُوا بَغْدَادَ وَيحَاصِروهَا.
وَكَانَتِ الإِمَامِيَّة تَبْذُل لَهُ الأَمْوَالَ، وَلَهُ تَلَطُّفٌ فِي الذَبِّ عَنْهُ، وَعبارَاتٌ بليغَة، تَدُلُّ عَلَى فَصَاحتِهِ وَكمَال عَقْلِهِ.
وَكَانَ مُفْتِي الرَّافِضَة وَقُدوتهَم، وَلَهُ جلاَلَة عَجيبَة.
وَهُوَ الَّذِي ردَّ عَلَى الشَّلْمَغَانِيِّ لمَّا عَلِمَ انحلاَله.
86 - ابْنُ مُقْلَة أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حسن *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حسن (1) بن مُقْلَة.
وُلِدَ بَعْدَ سنَة سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (2) .
وَرَوَى عَنْ: أَبِي العَبَّاسِ ثَعْلَب، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ دُرَيْد.
رَوَى عَنْهُ: عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَيْف، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ
__________
(*) ثمار القلوب: 210 - 212، المنتظم: 6 / 309 - 311، الكامل: 8 / 183 وما بعدها، وفيات الأعيان: 5 / 113 - 118، الفخري: 238 - 241، العبر: 2 / 211، الوافي بالوفيات: 4 / 109 - 111، مرآة الجنان: 2 / 291 - 294، البداية والنهاية: 11 / 195 - 196، النجوم الزاهرة: 3 / 268، شذرات الذهب: 2 / 310 - 312.
(1) في أغلب المراجع: حسين.
(2) مولده في شوال سنة اثنتين وسبعين ومئتين انظر ص / 229 / من هذا الجزء.(15/224)
بنِ المَأْمُوْن، وَعَبْد اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى بنِ الجَرَّاحِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ ثَابِت.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: مَا رَأَيْتُ وَزِيْراً مُنْذُ تُوُفِّيَ القَاسِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ (1) أَحسن حَرَكَة، وَلاَ أَظْرَفَ إِشَارَةً، وَلاَ أَمْلَحَ خَطّاً، وَلاَ أَكْثَرَ حِفْظاً، وَلاَ أَسلَطَ قَلَماً، وَلاَ أَقْصَدَ بَلاَغَة، وَلاَ آخذَ بقُلُوْب الخُلَفَاءِ، مِنِ ابْنِ مُقْلَة.
وَلَهُ عِلْمٌ بِالإِعْرَابِ، وَحِفْظٌ للغَة، وَتوقيعَاتٌ حِسَانٌ (2) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَوَّل تصرُّفه كَانَ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ بنِ الجَرَّاحِ، وَعُمره سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَأُجْرِي لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةُ دَنَانِيْر، ثُمَّ انتقَلَ إِلَى ابْنِ الفُرَات، فَلَمَّا وَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ أَحسنَ إِلَيْهِ، وَجَعَلَه يُقدِّم الْقَصَص، فَكَثُرَ مَاله إِلَى أَنْ قَالَ:
فَلَمَّا اسْتَعْفَى ابْنُ عِيْسَى مِنَ الوِزَارَة، أُشير عَلَى المُقْتَدِر بِاللهِ بِابْنِ مُقْلَةَ، فَوَلاَّهُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 316، ثُمَّ عزل سنَة 318 بَعْد سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَة أَشهر، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ المُقْتَدِر، وَبُوْيِع القَاهِرُ، كَانَ ابْنُ مُقْلَة بشيرَاز مَنْفِياً، فَأَحْضَرَ القَاهرُ وَزِيْرَ المُقْتَدِر أَبَا القَاسِم عُبَيْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ، وَعرَّفه أَنَّهُ قَدِ اسْتوزَرَ أَبَا عَلِيٍّ، فَاسْتَخْلَفَهُ لَهُ إِلَى أَنْ يَقْدَم، فَقَدِمَ أَبُو عَلِيٍّ يَوْم النَّحْر سنَةَ عِشْرِيْنَ، فَدَام إِلَى أَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ القَاهر، فَاسْتتر بَعْد تِسْعَة أَشهر، ثُمَّ إِنَّهُ أَفْسَدَ الجُنْدَ عَلَى القَاهر، وَجَمع كلمتهُم عَلَى خَلْعه وَقتله، فَتَمَّ ذَلِكَ لَهُم.
وبُوْيِعَ الرَّاضِي، فَآمن أَبَا عَلِيٍّ، فَظَهَرَ، وَوَزَرَ، ثُمَّ عُزِلَ بَعْد عَامِين، وَاسْتَتَر، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى الرَّاضِي بِاللهِ أَنْ يَسْتَحْجِب بُجْكَم عِوض ابْن رَائِق، وَأَن يعيدَه إِلَى الوِزَارَة، وَضَمِنَ لَهُ مَالاً، وَكَتَبَ إِلَى بُجكم، فَأَطمعه الرَّاضِي حَتَّى حَصَلَ عِنْدَهُ، وَاسْتفْتَى الفُقَهَاء، فَأَفتْوا بقطعِ يَده.
فَقطع فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ
__________
(1) توفي القاسم سنة / 291 / وكان وزيرا للمعتضد.
(2) " النجوم الزاهرة ": 3 / 268.(15/225)
سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
ثُمَّ كَانَ يَشِدُّ القَلَمَ عَلَى سَاعِدِه، وَيَكْتُبُ خَطّاً جَيِّداً.
وَكَتَبَ أَيْضاً بِاليُسْرَى (1) .
وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَاتِب يَطْلُبُ الوَزَارَة.
فَلَمَّا قَرُب بُجْكم مِنْ بَغْدَادَ، طَلَبَ أَبَا عَلِيٍّ، فَقَطَعَ لِسَانَهُ وَسُجِنَ مُدَّة، وَلَحِقَه ذرَب (2) .
وَكَانَ يَسْتَقِي بِيسَارِه، وَيُمْسِكُ الحَبْلَ بفَمه، وَقَاسَى بلاَءً إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَدُفِنَ فِي دَارِ السَّلطنَة، ثُمَّ سَأَلَ أَهْلُه فَنُبِشَ، وَسُلِّم إِلَيْهِم، فَدَفَنَه ابْنُه أَبُو الحُسَيْنِ فِي دَاره (3) .
قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُقْلَة (4) :كَانَ أَبُو عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، يَأْكُل يَوْماً، فَلَمَّا غَسَلَ يَدَه، وَجَدَ نُقْطَةً صَفرَاءَ مِنْ حُلْوٍ عَلَى ثَوْبه فَفَتَح الدَّوَاة، فَاسْتمدَّ مِنْهَا وَطَمَسَهَا بِالقَلَمِ وَقَالَ: ذَاكَ عَيْبٌ.
وَهَذَا أَثَر صِنَاعَةٍ.
إِنَّمَا الزَّعْفَرَانُ عِطْرُ العَذَارَى ... وَمِدَادُ الدَّواة عِطر الرِّجَالِ (5)
قَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ المَأْمُوْن: أَنشدَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ مُقْلَة لِنَفْسِهِ:
إِذَا أَتَى المَوْتُ لمِيْقَاتِهِ ... فَخلِّ (6) ، عَنْ قَوْلِ الأَطِبَّاءِ
وَإِنْ مَضَى مَنْ أَنْتَ صَبٌّ بِهِ ... فَالصَّبْرُ مِنْ فِعْل الأَلِبَّاءِ
مَا مَرَّ شَيْءٌ ببنِي آدم ... أَمَرُّ مِن فَقَدِ الأَحِبَّاءِ (7)
__________
(1) انظر أخباره في " المنتظم ": 6 / 309 - 311، و" الكامل ": 8 / في حوادث السنين المذكورة.
(2) هو الداء الذي يعرض للمعدة، فلا تهضم الطعام ويفسد فيها، ولا تمسكه.
" اللسان ": (ذرب) .
(3) " ثمار القلوب ": 211.
(4) هو أخو الوزير وستأتي ترجمته مختصرة في آخر هذه الترجمة.
(5) " نشوار المحاضرة ": 3 / 254 وما بين حاصرتين منه.
(6) في " المنتظم ": فعد.
(7) " المنتظم ": 6 / 311.(15/226)
أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوَيْه: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ النُّوْبَخْتِي، قَالَ: قِيْلَ: إِنَّ أَبَا عَلِيٍّ، قَالَ:
مَا مَلِلْتُ (1) الحَيَاةَ لَكِنْ تَوَثَّقْـ ... ـت بِأَيْمَانهِم فَبَانَتْ يمِينِي
لَقَدْ أَحسنتُ مَا اسْتطعتُ بجَهدِي ... حِفْظ أَيمَانهُم فَبَانتْ يَمِينِي
بِعْت دينِي لَهُم بدنيَايَ حَتَّى ... حَرَمُونِي دُنْيَاهُم بَعْدَ دينِي
لَيْسَ بَعْدَ اليَمِين لذَّةُ عَيْشٍ ... يَا حيَاتِي بَانَتْ يمِينِي فَبينِي (2)
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الوَاثِقيُّ، قَالَ:
كُنْتُ أَرَى دَائِماً جَعْفَرَ بنَ وَرْقَاء (3) يَعْرِضُ عَلَى ابْنِ مُقْلَةَ فِي وِزَارَتِه الرِّقَاعَ الكَثِيْرَةَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي مَجَالِس حَفْله، وَفَي خَلْوَته.
فرُبَّمَا عَرَضَ فِي اليَوْمِ أَزيدَ مِنْ مائَةِ رُقْعَةٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ خَالٍ شَيْئاً كَثِيْراً، فَضَجِرَ، وَقَالَ: إِلَى كم يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟
فَقَالَ: عَلَى بَابك الأَرملَة وَالضَّعيف وَابْنُ السَّبِيل، وَالفقيرُ، وَمَنْ لاَ يَصلُ إِلَيْكَ.
وَقَالَ: أَيَّد اللهُ الوَزِيْرَ إِنْ كَانَ فِيْهَا شَيْءٌ لِي فَخرِّقْهُ.
إِنَّمَا أَنْتَ الدُّنْيَا، وَنَحْنُ طُرُقٌ إِلَيْك، فَإِذَا سأَلونَا سأَلْنَاك، فَإِن صَعُبَ هَذَا أَمَرْتَنَا أَنْ لاَ نعرِضَ شَيْئاً، وَنعرِّف النَّاسَ بضَعْفِ جَاهِنَا عِنْدَكَ ليعذُرونَا.
فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَمْ أَذهبْ حَيْثُ ذَهَبْتَ وَإِنَّمَا أَومأَتُ إِلَى أَنْ تكُونَ هَذِهِ الرِّقَاع الكَثِيْرَة فِي مجلِسَيْن.
وَلَوْ كَانَتْ كُلّهَا تَخُصُّك لقضيتُهَا، فَقبَّل جَعْفَرٌ يَدَه (4) .
قَالَ الوَاثِفِيُّ الحَاجِبُ: كَانَتْ فَاكهَةُ ابْنِ مُقْلَة، لَمَّا وَلِي
__________
(1) في " المنتظم " و" وفيات الأعيان ": ما سئمت.
(2) " المنتظم ": 6 / 311، و" وفيات الأعيان ": 5 / 116.
(3) هو جعفر بن محمد بن ورقاء، الشيباني: شاعر، كاتب، جيد البديهة والروية، اتصل بالمقتدر العباسي.
توفي / 352 / هـ له ترجمة في " فوات الوفيات ": 1 / 205 - 206. طبعة قديمة.
(4) نشوار المحاضرة: 1 / 83.(15/227)
الوِزَارَة الأَوَّلَة بِخَمْسِ مائَة دِيْنَارٍ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَة، وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يشرب غَبُوقاً بَعْد الجُمُعَة، وَيصطَبِح يَوْم السَّبْت (1) .
وَذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى الشَّبَكَة عَلَى البُسْتَان مِنَ الإِبْريسَم (2) وَتَحْتهَا صنوفُ الطُّيور مِمَّا يَتَجَاوَزُ الوَصْفَ (3) .
وَقِيْلَ: أَنشَأَ دَاراً عَظِيْمَةً، فَقِيْلَ:
قُلْ لاِبْنِ مُقْلَةَ مَهْلاً لاَ تَكُنْ عَجِلاً ... وَاصْبِرْ فَإِنَّكَ فِي أَضغَاثِ أَحْلاَمِ
تَبْنِي بِأَنْقَاضِ دُورِ النَّاسِ مُجْتَهِداً ... دَاراً ستُهْدَمُ (4) أَيْضاً بَعْدَ أَيَّامِ
مَا زِلْتَ تختَارُ سَعْدَ المشترِيّ لَهَا ... فَلَمْ توقَّ بِهِ مِنْ نحس بَهْرَامِ
إِنَّ القرَان وَبطليموس مَا اجْتَمَعَا ... فِي حَالِ نَقْضٍ وَلاَ فِي حَالِ إِبْرَامِ (5)
أُحرِقَتْ بَعْدَ سِتةِ أَشهر، وَبقيت عِبْرَةً (6) .
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحَارِثِيُّ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُقْلَة، قَالَ: كَانَ سَبَبُ قَطْعِ يَد أَخِي كلمَةً، كَانَ قَدِ اسْتَقَام أَمْرُهُ مَعَ الرَّاضِي، وَابْنِ رَائِق، وَأَمرَا بردِّ ضِيَاعِهِ، فَدَافَعَ نَاسٌ فَكَتَبَ أَخِي يَعْتِبُ عَلَيْهِم بكَلاَمٍ غَليظٍ.
وَكُنَّا نُشِيرُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِل ضدَّ ذَلِكَ، فَيَقُوْلُ: وَاللهِ لاَ ذللتُ لِهَذَا الْوَضِيع.
وَزَارَه صَدِيْقُ ابْن رَائِق، وَمُدبِّرُ دَوْلَتِهِ.
فَمَا قَامَ لَهُ، وَتكلَّمَ بفصلٍ طَوِيْلٍ سَاقَه ابْنُ النَّجَّار، يَدُلُّ عَلَى تِيهه وَطَيْشِهِ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَقُطِعَتْ يَدُه.
وَكَانَ إِذَا رَكِبَ يَأْخُذُ لَهُ الطَّالع جَمَاعَةٌ مِنَ المنجِّمِينَ.
__________
(1) " الوافي بالوفيات ": 4 / 111.
(2) الحرير: فارسي معرب.
(3) انظر وصف البستان وما فيه من طير وشجر وغزلان " المنتظم ": 6 / 310.
(4) في " المنتظم ": ستنقض.
(5) " المنتظم ": 6 / 310.
(6) " الكامل ": 8 / 218.(15/228)
قَالَ التَّنُوجِيُّ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَسَنِ الدِّينَارِي، سَمِعْتُ الحُسَيْن بنَ أَبِي عَلِيّ بن مُقْلَة، يُحَدِّث أَنَّ الرَّاضِي بِاللهِ، قطع لِسَانَ أَبِيْهِ قَبْل مَوْتِه بِمُدَّة، وَقتَلَهُ بِالجوع.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّاضِي تندَّم عَلَى قَطْعِ يَدِهِ، وَاسْتدَعَاهُ مِنْ حَبْسِهِ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ.
وَكَانَ يشَاوره وَيستدعيه فِي خَلْوَتِهِ وَقْتَ الشُّرْبِ، وَأَنِسَ بِهِ.
فَقَامَتْ قيَامَةُ ابْنِ رَائِق، وَخَافَ وَدسَّ منْ أَشَارَ عَلَى الخَلِيْفَةِ بِأَنَّ لاَ يُدْنِيه إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ أَبِي يَكْتُبُ بِاليُسْرَى خَطّاً لاَ يَكَادُ أَنْ يَفْرُقَ مِنْ خَطّه بِاليُمْنَى.
قَالَ: وَمَا زَالُوا بِالرَّاضِي، حَتَّى تخيِّلَ مِنْهُ وَأَهْلَكَه.
وَللصولِي فِيْهِ:
لَئِنْ قَطَعُوا يُمْنَى يَدَيْهِ لِخَوْفِهِم ... لأَقلاَمه لاَ لِلسُّيوف الصَّوَارِمِ
فَمَا قَطَعُوا رأَياً إِذَا مَا أَجَالَه ... رَأَيْتَ المنَايَا فِي اللِّحَى وَالغَلاَصِمِ (1)
مَوْلِدُهُ فِي شَوَّالٍ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَمَاتَ فِي حَادِي عشر شَوَّال سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
اختُلِفَ فِيْهِ هَلْ هُوَ صَاحِبُ الخطِّ المنسوبِ أَوْ أَخُوْهُ الحَسَن؟
وَكَانَا بديَعِي الكِتَابَة، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الحَسَنَ هُوَ صَاحِبُ الخطِّ.
وَكَانَ أَوَّل مَنْ نَقَلَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ المولَّدَة مِنَ القَلَمِ الكُوْفِيّ (2) .
ذكره ابْنُ النَّجَّار، وَكَانَ أَدِيْباً شَاعِراً، وَفَدَ عَلَى مَلِك الشَّامِ سَيْف الدَّوْلَةِ، وَنَسَخَ لَهُ عِدَّة مُجَلَّدَاتٍ (3) .
__________
(1) في " الفخري ": 241 " رأيت الردى بين اللها والغلاصم " والغلاصم: مفردها غلصمة وهي الموضع الناتئ في الحلقوم.
(2) انظر " صبح الاعشى ": 3 / 17.
(3) انظر " معجم الأدباء ": 9 / 31 - 32.(15/229)
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفَضْلِ بنُ المَأْمُوْن، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ النمرِي.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً.
ثُمَّ نُقِلَ تَابوتهُ إِلَى بَغْدَادَ.
87 - المُرْتَعِشُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ *
الزَّاهِدُ الوَلِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ (1) بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ (2) ، الحِيْرِيُّ، تِلْمِيْذُ أَبِي حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيّ وَصَحِبَ أَبَا عُثْمَانَ الحِيْرِيّ (3) ، وَالجُنَيْدَ (4) .
وسَكَنَ بَغْدَادَ.
وَكَانَ يُقَالُ [عجَائِب بَغْدَاد فِي التَّصَوُّف ثَلاَث] :نُكَتُ أَبِي مُحَمَّدٍ المُرْتَعش، وَحكَايَاتُ الخُلْدِيّ (5) ، وَإِشَارَاتُ الشِّبْلِي (6) (7) .
__________
(*) طبقات الصوفية: 349 - 353، حلية الأولياء: 10 / 355، تاريخ بغداد: 7 / 221 - 222، الرسالة القشيرية: 26، الأنساب: 520 / ب، المنتظم: 6 / 301، العبر: 141 - 144، النجوم الزاهرة: 3 / 269 - 270، شذرات الذهب: 2 / 317.
(1) في " تاريخ بغداد ": و" الأنساب ": جعفر.
(2) هو عمرو بن سلمة، انظر ترجمته في " طبقات الصوفية ": 115 - 122.
(3) هو سعيد بن إسماعيل بن سعيد، الحيري، النيسابوري، له ترجمة في " طبقات الصوفية ": 170 - 175.
(4) من أئمة القوم وسادتهم، الجنيد بن محمد الجنيد.
له ترجمة في " طبقات الصوفية ": 155 - 163، و" تاريخ بغداد ": 7 / 241 - 249.
(5) ستأتي ترجمته رقم / 333 / من هذا الجزء.
(6) ستأتي ترجمته رقم / 190 / من هذا الجزء.
(7) " طبقات الصوفية ": 349، وما بين حاصرتين منه.(15/230)
وَكَانَ المُرْتَعِشُ منقطعاً بِمسْجِد الشُّونِيْزِيَّة (1) .
حَكَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَطَاء الرُّوذبَارِيُّ (2) ، وَأَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ جَعْفَر.
وَسُئِلَ بِمَاذَا ينَالُ العَبْد المحبَّةَ؟
قَالَ: بِموَالاَة أَوْلِيَاءِ اللهِ، وَمُعَادَاةِ أَعْدَاءِ (3) اللهِ.
وَقِيْلَ لَهُ: فُلاَنٌ يَمْشِي عَلَى المَاءِ.
قَالَ: عِنْدِي أَنَّ مِنْ مَكَّنَهُ اللهُ مِنْ مخَالفَة هَواهُ فَهُوَ أَعظَمُ مِنَ المشِي عَلَى المَاء (4) .
وَسُئِلَ: أَيُ العَمَل (5) أَفضلُ؟
قَالَ: رُؤْيَةُ فَضْل الله (6) .
وَقَدْ ذَكَرَه الخَطِيْبُ، فَسَمَّاهُ جَعْفَراً، وَقَالَ:
كَانَ مِنْ ذَوِي الأَمْوَالِ، فَتَخَلَّى عَنْهَا، وَسَافَرَ الكَثِيْر (7) .
وَيُرْوَى عَنْهُ قَالَ: جَعَلْتُ سيَاحتِي أَنْ أَمْشِيَ كُلَّ سَنَةٍ أَلفَ فَرْسَخٍ حَافياً حَاسِراً.
تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ - سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَث مائَة.
__________
(1) موضع معروف ببغداد، كانت فيه مقبرة للصوفية. انظر " معجم البلدان ": 3 / 374.
(2) بضم الراء، وسكون الواو، والذال المعجمة، وفتح الباء الموحدة، وفي آخرها الراء بعد الالف.
هذه اللفظة لمواضع عند الانهار الكبيرة، يقال لها الروذبار، وهي في بلاد متفرقة منها موضع على باب الطابران بطوس.
" الأنساب ": 6 / 180.
(3) " طبقات الصوفية ": 351.
(4) " طبقات الصوفية ": 351 - 352، وما بين حاصرتين منه.
(5) في " طبقات الصوفية ": الاعمال.
(6) انظر " طبقات الصوفية ": 352.
(7) " تاريخ بغداد ": 7 / 221.(15/231)
88 - المُزَيِّن أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ *
الأُسْتَاذُ العَارِفُ، أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُزَيِّن (1) .
صَحِبَ سَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيَّ وَالجُنَيْدَ، وَجَاورَ بِمَكَّةَ.
وَكَانَ مِنْ أَورع القَوْم، وَأَكملِهِم حَالاً (2) .
حَكَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَغَيْرهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ النَّجَّار، وَهُوَ أَبُو الحَسَنِ المُزَيِّن الصَّغِيْر.
فَأَمَّا أَبُو الحَسَنِ المُزَيِّن الكَبِيْرُ البَغْدَادِيُّ، فَآخر جَاوَرَ.
فَرَّقهُمَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ (3) ، وَمَا يظهَرُ لِي إِلاَّ أَنَّهُمَا وَاحِد.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
89 - النَّهْرَجُورِيُّ أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنَ مُحَمَّدٍ **
الأُسْتَاذ، العَارِفُ، أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنَ مُحَمَّدٍ الصُّوْفِيّ، النَّهْرجُورِيُّ (4) .
__________
(*) طبقات الصوفية: 382 - 385، تاريخ بغداد: 12 / 73، الرسالة القشيرية: 27، الأنساب: 527 / ب / 528 / أ، المنتظم: 6 / 304، العبر: 2 / 215، مرآة الجنان: 2 / 295، البداية والنهاية: 11 / 193، طبقات الأولياء: 140 - 141، النجوم الزاهرة: 3 / 296، شذرات الذهب: 2 / 316.
(1) بضم الميم، وفتح الزاي، وتشديد الياء المكسورة تحتها نقطتان، وفي آخرها النون.
يقال هذا لمن يحلق الشعر. " الأنساب ": 527 / ب.
(2) " طبقات الصوفية ": 382.
(3) في النسخة التي بين أيدينا ليس ثمة تفريق بينهما.
(* *) طبقات الصوفية: 378 - 381، حلية الأولياء: 10 / 356، الرسالة القشيرية: 27، المنتظم: 6 / 326 - 327، العبر: 2 / 221، الوافي بالوفيات: 8 / 423 - 424، مرآة الجنان: 2 / 297، البداية والنهاية: 11 / 203، طبقات الأولياء: 105 - 106، النجوم الزاهرة: 3 / 275، شذرات الذهب: 2 / 325.
(4) ضبطها ياقوت في " معجم البلدان ": 5 / 319 بضم الجيم.(15/232)
صَحِبَ الجُنَيْد، وَعَمْرَو بن عُثْمَانَ المَكِّيَّ.
وَجَاور مُدَّة، وَمَاتَ بِمَكَّةَ.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ المَغْرِبِيُّ: مَا رَأَيْتُ فِي مَشَايِخنَا أَنورَ مِنْهُ (1) .
السُلَمِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا يَعْقُوْب النَّهْرَجُورِيَّ، يَقُوْلُ: فِي الفنَاءِ وَالبقَاءِ:
هُوَ فَنَاءُ رُؤْيَةِ قيَام العَبْدِ للهِ، وَبقَاءُ رُؤْيَةِ قيَامِ الله فِي الأَحْكَامِ (2) .
وَعَنْهُ قَالَ: الصِّدْقُ موَافقَةُ الحَقِّ فِي السرِّ وَالعلاَنيَة، وَحَقِيْقَةُ الصِّدْقِ القَوْلُ بِالْحَقِّ فِي موَاطن الهَلَكَة (3) .
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ فَاتك: سَمِعْتُ أَبَا يَعْقُوْب، يَقُوْلُ: الدُّنْيَا بحرٌ، وَالآخِرَة سَاحِلُ، وَالمركب التَّقْوَى، وَالنَّاس سَفْر (4) .
وَعَنْهُ: قَالَ: اليَقينُ مُشَاهَدَةُ الإِيْمَان بِالغَيْبِ (5) .
وَعَنْهُ: أَفضلُ الأَحْوَالِ مَا قَارنَ العِلْمَ (6) .
تُوُفِّيَ النَّهْرَجُورِي سنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
90 - ابْنُ أَخِي أَبِي زُرْعَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ؛ الثِّقَةُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ
__________
(1) " طبقات الصوفية ": 378.
(2) " طبقات الصوفية ": 378، وما بين حاصرتين منه.
(3) المصدر السابق، وما بين حاصرتين منه.
(4) " طبقات الصوفية ": 380.
(5) المصدر السابق.
(6) " الرسالة القشيرية ": 27.
(*) ذكر أخبار أصبهان: 2 / 76 - 77، العبر: 2 / 183، شذرات الذهب: 2 / 286.(15/233)
بنِ يَزِيْدَ بنِ فَرُّوْخ الرَّازِيُّ، المَخْزُوْمِيّ مَوْلاَهُم.
حَدَّثَ عَنْ: عَمِّه أَبِي زُرْعَةَ الحَافِظِ، وَارْتَحَلَ فَأَخَذَ عَنْ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَجَمَاعَةٍ بِمِصْرَ وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْر الرَّمَادِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ حَيَّان المَدَائِنِيِّ بِبَغْدَادَ، وَعَنْ يُوْسُفَ بنِ سَعِيْدِ بنِ مُسْلَّمٍ وَغَيْرِه بِالجَزِيْرَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ وَالد الحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَالحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الذَّكْوَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ القَاضِي أَبِي أَحْمَدَ العَسَّال، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ أُصُوْل (1) .
وَتُوُفِّيَ عِنْدنَا بِأَصْبَهَانَ سنَةَ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ -.
91 - ابْنُ بُلبُلٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الحَافِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَاد ابنِ إِمَامِ وَاسِط يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، الزَّعْفَرَانِيُّ الوَاسِطِيُّ ثُمَّ الهَمَذَانِيُّ.
يُعرف أَبُوْهُ ببُلْبُل (2) .
رَوَى عَنِ: الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ، وَسَعْدَان بنِ نَصْرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ بُدَيْل، وَالحَسَنِ بنِ أَبِي الرَّبِيْعِ، وَطَبَقَتِهم.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كتبنَا عَنْهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَرِعٌ صَدُوْقٌ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: عِنْدِي عَنْ أَبِي زُرْعَةَ نَحْو خَمْسِيْنَ أَلف حَدِيْث (3) .
__________
(1) " ذكر أخبار أصبهان ": 2 / 76.
(*) تاريخ بغداد: 5 / 446 - 447، المنتظم: 6 / 281، الوافي بالوفيات: 3 / 341.
(2) في " تاريخ بغداد ": 5 / 446، بليل، وهو تصحيف.
انظر " التوضيح ": 1 / 73.
(3) " تاريخ بغداد ": 5 / 446.(15/234)
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَهْلُ هَمَذَان.
92 - الجُوَيْنِيّ أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بن العَبَّاسِ الخُرَاسَانِيّ *
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ العَبَّاسِ الخُرَاسَانِيُّ الجُوَيْنِيُّ (1) ، الحَافِظُ، مُؤلِّف (المُسْنَد الصَّحِيْح) الَّذِي خرَّجه (2) كهَيْئَةِ (صَحِيْحِ مُسْلِم) .
سَمِعَ: عَبْدَ اللهِ بنَ هَاشِم، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي الأَزْهر، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ السُّلَمِيّ، وَيُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَبَحْرَ بنَ نَصْرٍ، وَأَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْرِ الرَّمَادِيَّ، وَطَبَقَتهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَهُوَ أَحَدُ شُيُوْخِهِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، وَأَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المَخْلَديُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هُوَ حسن الحَدِيْث بِمرَّة، خَرَّجَ عَلَى كِتَابِ (مُسْلِم) .
وَصَحِبَ أَبَا زَكَرِيَّا الأَعْرَج بِمِصْرَ وَالشَّام (3) .
__________
(*) الأنساب: 3 / 385، تاريخ ابن عساكر: 17 / 141 ب - 142 أ.، تذكرة الحفاظ: 3 / 818 - 819، شذرات الذهب: 2 / 300. الرسالة المستطرفة: 28.
(1) بضم الجيم، وفتح الواو، وسكون الياء المعجمة باثنتين من تحتها، وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى جوين، وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور. " الأنساب ": 3 / 385.
(2) انظر " الرسالة المستطرفة ": 28.
(3) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 818.(15/235)
وَسَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ، يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو عِمْرَانَ الجُوَيْنِيُّ فِي دَارِنَا، وَكَانَ يَقُوْمُ اللَّيْلَ، وَيُصَلِّي، وَيَبْكِي طَوِيْلاً (1) .
تُوُفِّيَ أَبُو عِمْرَانَ بجوين سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِر بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْر، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَسَنِ - يَعْنِي: الإِسْفَرَايينِيّ -، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِم، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا مَرِضَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَضَ مَوْتِه، قَالَ:
(مرُوا أَبَا بَكْرٍ فليصلِّ بِالنَّاسِ (2)) .
وَمَاتَ مَعَ الجُوَيْنِيِّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ العَبَّاسِ الوَرَّاق، وَأَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عدِيّ الجُرْجَانِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّكَّرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه، وَأُسَامَة بنُ عَلِيِّ بنِ سَعِيْدٍ الرَّازِيُّ.
93 - العُقَيْلِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ مُوْسَى *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ مُوْسَى بنِ حَمَّاد، العُقَيْلِيُّ الحِجَازِيُّ، مصَنّفُ كتَاب (الضُّعَفَاء) (3) .
__________
(1) المصدر السابق.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (664) و (712) و (713) ومسلم (418) (95) من طرق عن الأعمش بهذا الإسناد.
(*) تذكرة الحفاظ: 3 / 833 - 834، العبر: 2 / 194، الوافي بالوفيات: 4 / 291، طبقات الحافظ: 346 - 347.
(3) " الرسالة المستطرفة ": 144.(15/236)
سَمِعَ مِنْ: جَدِّه لأُمِّهِ يَزِيْدَ بنِ مُحَمَّدٍ العُقَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغ، وَإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَرِيِّ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، وَعَلِيِّ بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى البَلْخِيِّ؛ صَاحِبِ عُبَيْد اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي يَحْيَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي مَسرَّة، وَبِشْر بنِ مُوْسَى الأَسَدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بن الفَضْلِ القُسْطَانِيِّ لقيَه بِالرَّيّ، وَعَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بن عُثْمَانَ بنِ صَالِح، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الأَبَّار، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُطَيَّن، وَعُبَيْد بنِ غَنَّام، وَآدم بنِ مُوْسَى صَاحِب البُخَارِيِّ، وَحَاتِم بن مَنْصُوْرٍ الشَّاشِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ دَاوُدَ المَكِّيّ، حَدَّثَهُ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّد بن أَيُّوْبَ بن الضُّرَيْس، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحَسَنِ بنُ نَافِع الخُزَاعِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المُقْرِئ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الدَّخيل، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ مَسْلمَةُ بن ُالقَاسِمِ (1) :كَانَ العُقَيْلِيُّ جليلَ القَدْر، عَظِيْمَ الخَطَر، مَا رَأَيْتُ مِثْلَه، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّصَانِيْف، فَكَانَ مِنْ أَتَاهُ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، قَالَ: اقرأْ مِنْ كِتَابكَ، وَلاَ يُخْرِجُ أَصلَه.
قَالَ: فَتَكَلَّمْنَا فِي ذَلِكَ.
وَقُلْنَا: إِمَّا أَنْ يَكُوْنَ مِنْ أَحْفَظِ النَّاس، وَإِمَّا أَنْ يَكُوْنَ مِنْ أَكذبِ النَّاسِ.
فَاجتمَعْنَا فَاتَّفَقْنَا عَلَى أَن نكْتُبَ لَهُ أَحَادِيْثَ مِنْ رِوَايته، وَنَزيدُ فِيْهَا وَننقْص، فَأَتينَاهُ لنمتَحِنَه، فَقَالَ لِي: اقرأْ، فَقرأَتهَا عَلَيْهِ.
فَلَمَّا أَتيتُ بِالزِّيَادَة وَالنَّقْص، فَطِنَ لِذَلِكَ، فَأَخَذَ مِنِّي الكِتَاب، وَأَخَذَ القَلَم، فَأَصْلَحَهَا مِنْ حِفْظِهِ، فَانصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ طَابتْ نُفُوْسُنَا، وَعَلِمْنَا أَنَّهُ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ (2) .
__________
(1) هو مسلمة بن القاسم بن إبراهيم، مؤرخ أندلسي، من علماء الحديث، له تاريخ في الرجال. توفي - رحمه الله - سنة / 353 / هـ له ترجمة في " تاريخ علماء الأندلس ": 2 / 128 - 130.
(2) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 833 - 834، وما بين حاصرتين منه.(15/237)
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ بنُ القَطَّانَ الفَاسِيُّ (1) :أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ ثِقَةٌ، جليلُ القَدْرِ، عَالِمٌ بِالحَدِيْثِ، مُقَدَّم فِي الحِفْظِ (2) .
قَالَ: وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (3) .
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ بَوْش، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ العَتِيْقِيِّ، وَسَمِعَهُ قَاضِي القُضَاة مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ الشَّامِيّ الحَمَوِي مِنَ العَتِيْقِيّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ الدَّخيل، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو العُقَيْلِيّ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بنُ أَبِي مَسرَّة، حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْر، حَدَّثَنَا ابْنُ السَّمَّاك، قَالَ:
خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ، فلقينِي زُرَارَة بن أَعْيَن (4) بِالقَادِسِيَّةِ، فَقَالَ لِي:
إِنَّ لِي إِلَيْك حَاجَةً، وَأَرْجُو أَنْ أَبلُغَهَا بِك، وَعَظَّمهَا، فَقُلْتُ:
مَا هِيَ؟
فَقَالَ: إِذَا لَقِيتَ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ (5) ، فَأَقْرِئه مِنِّي السَّلاَم، وَسله أَنْ يخبرنِي مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ أَنَا أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّار؟ فَأَنكَرْت عَلَيْهِ.
فَقَالَ لِي: إِنَّهُ يعلَمُ ذَلِكَ.
فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَجبتُه.
فَلَمَّا لَقيتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّد، أَخبَرْتُه بِالَّذِي كَانَ مِنْهُ.
فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّار، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ (6) مِمَّا قَالَ.
فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ علمت ذَلِكَ؟ فَقَالَ: مِنِ ادَّعَى
__________
(1) علي بن محمد بن عبد الملك، من حفاظ الحديث ونقدته، قرطبي الأصل. من أهل فاس. ولي القضاء بسجلماسة.
توفي سنة / 628 / هـ انظر " شذرات الذهب ": 5 / 128، و" الرسالة المستطرفة ": 178.
(2) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 834.
(3) المصدر السابق.
(4) زرارة بن أعين الشيباني بالولاء، أبو الحسن، من غلاة الشيعة، ورأس الفرقة " الزرارية " ونسبتها إليه، توفي سنة / 150 / هـ انظر " الفرق بين الفرق ": 52، و" الأنساب ": 6 / 262.
(5) الملقب بالصادق.
(6) في الأصل: شيئا، وهو خطأ.(15/238)
عليَّ أَنِّي أَعْلَم هَذَا، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّار.
فَلَمَّا رَجعتُ، لقينِي زُرَارَة، فَأَعْلَمته بِقَوله.
فَقَالَ: كَالَ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مِنْ جرَاب النُّوْرَة.
قُلْتُ: وَمَا جرَابُ النُّوْرَة؟
قَالَ: عَمل مَعَكَ بِالتَّقِيَّة (1) .
تُوُفِّيَ مَعَ العُقَيْلِيّ الحَافِظ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ خَالِد بنِ الجبَّاب القُرْطُبِيّ، وَالعَارف خَيْر النَّسَّاج، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ اللهِ المَهْدِيُّ، صَاحِبُ المَغْرِب، وَالمُسْنِد أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّيبُلِيُّ، وَالحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَرْزُنَانِيُّ، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّة أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الكَتَّانِيُّ، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّة بِمِصْرَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بنُ عدِيّ الحَافِظ فِي قَوْل.
وَقِيْلَ: بَعْدهَا بعَام.
94 - ابْنُ رِشْدِيْنَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ المَهْدِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّث، الثِّقَة، الصَّادِق، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَجَّاج بنِ رِشْدِيْن بن سَعْدٍ المَهْدِيُّ المِصْرِيُّ الوَرَّاقُ.
حَدَّثَ عَنْ: الحَارِث بن مِسْكِيْن، وَأَبِي الطَّاهِرِ بنِ السَّرْح، وَسَلَمَة بن شَبِيْبٍ، وَيُوْنُس الصَّدَفِيِّ وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَمُحَمَّد بنُ أَحْمَدَ الإِخْمِيْمِيّ، وَجَمَاعَةٌ.
__________
(1) " لسان الميزان ": 2 / 473 - 474.
(*) العبر: 2 / 206 - 207، حسن المحاضرة: 1 / 209، شذرات الذهب: 2 / 308.(15/239)
وَكَانَ أَسند منْ بَقِيَ.
تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِيْنَ.
وَكَانَ أَبُوْهُ وَجدُّه ضعفَاء عُلَمَاءَ.
وَمَا عَلمتُ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَرْحاً، وَلله الحمدُ.
95 - ابْنُ الجَبَّاب أَبُو عُمَرَ أَحْمَد بن خَالِد بن يَزِيْدَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، مُحَدِّثُ الأَنْدَلُس، أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ القُرْطُبِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الجَبَّاب، وَهِيَ نسبَة إِلَى بيع الجِبَاب.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
سَمِعَ: بَقِيَّ بن مَخْلَد، وَمُحَمَّدَ بنَ وَضَّاح، وَقَاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقَ بن إِبْرَاهِيْمَ الدَّبَرِيَّ، وَعَلِيّ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيّ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ مُحَمَّد، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ (1) بنِ أَبِي دُلَيْم، وَالحَافِظ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ البَاجِيُّ، وَأَهْل قُرْطُبَة.
وَكَانَ مِنْ أَفرَاد الأَئِمَّة، عَديمَ النَظِيْر.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: كَانَ إِمَاماً فِي الفِقْه لمَالِك.
وَكَانَ فِي الحَدِيْثِ لاَ يُنَازَع، سَمِعَ مِنْهُ خَلْقٌ كَثِيْر.
__________
(*) تاريخ علماء الأندلس: 1 / 31، جذوة المقتبس: 113 - 114، بغية الملتمس: 175 - 176، تذكرة الحفاظ: 3 / 815 - 816، العبر: 2 / 192، الوافي بالوفيات: 6 / 371، مرآة الجنان: 2 / 285، الديباج المذهب: 34 - 35، النجوم الزاهرة: 3 / 247، طبقات الحفاظ: 339 - 340، شذرات الذهب: 2 / 293 - 294.
(1) في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 815 " أحمد " وهو خطأ. انظر ترجمة ابن أبي دليم في " تاريخ علماء الأندلس ": 2 / 83 - 84.(15/240)
قَالَ: وَصَنَّفَ (مُسْند مَالِكِ بنِ أَنَسٍ) ، وكتَابَ (الصَّلاَةِ) ، وكتَابَ (الإِيْمَان) ، وكتَابَ (قَصَص الأَنْبِيَاء (1)) .
وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا أَخرجتِ الأَنْدَلُس حَافِظاً مِثْل ابْنِ الجَبَّاب، وَابْن عَبْدِ البَرِّ.
49
- أَحْمَدُ بنُ بَقِيِّ (2) بن مَخْلدٍ القُرْطُبِيُّ
قَاضِي الجَمَاعَةِ، العَلاَّمَة، أَبُو عُمَرَ القُرْطُبِيُّ، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّة عِلْماً وَعَقْلاً وَجلاَلَةً.
حَمَلَ عَنْ وَالده شَيْئاً كَثِيْراً، وَوَلِيَ القَضَاءَ عشر سِنِيْنَ، وَحُمِدت سيرتُه.
تُوُفِّيَ فِي أَثْنَاء سنَة وَأَربع وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بقُرْطُبَة.
وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَر مِنْهَا - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -
96 - ابْنُ أَيْمَنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ القُرْطُبِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الأَنْدَلُس، وَمُسنِدُهَا فِي زَمَانِهِ، أَبُو عَبْدِ
__________
(1) المصدر نفسه.
(2) تقدمت ترجمته رقم / 49 / من هذا الجزء.
(*) تاريخ علماء الأندلس: 2 / 50، جذوة المقتبس: 63، بغية الملتمس: 102، تذكرة الحفاظ: 3 / 836 - 837، العبر: 2 / 223، الوافي بالوفيات: 4 / 37، مرآة الجنان: 2 / 297 - 298، الديباج المذهب: 320، طبقات الحفاظ: 347 - 348، شذرات الذهب: 2 / 327 - 328، الرسالة المستطرفة: 30.(15/241)
اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَيْمَن بن فَرَج القُرْطُبِيُّ، رفيقُ قَاسِمِ بنِ أَصْبَغ (1) الحَافِظ فِي الرِّحْلَةِ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ وَضَّاح، وَمُحَمَّد بن الجَهْمِ السِّمَّرِيَّ (2) ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ الصَّايغ، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بن إِسْحَاقَ القَاضِي، وَجَعْفَر بنَ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِر، وَعَلِيَّ بن عَبْدِ العَزِيْزِ البَغَوِيَّ، وَيَحْيَى بن هِلاَلٍ، وَأُمماً سِوَاهُم.
رَوَى عَنْهُ: عَبَّاسُ بنُ أَصْبَغَ الحِجَارِيُّ (3) ، وَوَلَدُه أَحْمَد بنُ مُحَمَّدٍ، وَطَلَبَةُ الأَنْدَلس.
اشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَولِي الصَّلاَة بِجَامِع قُرْطُبَة.
وَكَانَ بَصِيْراً بِالفِقْه، مُفْتِياً بارِعاً، عَارِفاً بِالحَدِيْثِ وَطُرقه، عَالِماً بِهِ، صَنَّف كِتَاباً فِي السُّنَنِ، خرَّجه عَلَى (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (4)) .
تُوُفِّيَ فِي مُنْتَصف شَوَّال سنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ هَارُوْنَ مِنْ تُونس، عَنْ أَبِي القَاسِمِ بن بَقِيٍّ، عَنْ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الحَافِظ، حَدَّثَنَا حُمَام بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَيْمَن، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زُهَيْر، حَدَّثَنَا يَحْيَى
__________
(1) ستأتي ترجمته رقم / 266 / من هذا الجزء.
(2) نسبة إلى " سمر " بلد من أعمال كسكر بين واسط والبصرة. " الأنساب ": 7 / 137.
(3) في " تاريخ علماء الأندلس ": 1 / 298 " من أهل قرطبة، ويعرف بالحجاري، ولم يكن من أهل وادي الحجارة ".
وهي مدينة بالاندلس.
(4) " تاريخ علماء الأندلس ": 2 / 50 - 51. وانظر " الرسالة المستطرفة ": 30.(15/242)
بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ فُضَيْل بن عَمْرو - أُرَاهُ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
تَمَتَّع رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عُرْوَة:
نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ المُتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: فَمَا يَقُوْلُ عُريّة؟
قَالَ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ المُتْعَةِ.
قَالَ: أَرَاهُم سَيَهْلِكُونَ.
أَقُول: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ، وَيَقُوْلُوْنَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ (1) !
قُلْتُ: مَا قصد عُرْوَة مُعَارَضَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمَا، بَلْ رَأَى أَنَّهُمَا مَا نهيَا عَنِ المُتْعَة إِلاَّ وَقَدِ اطّلَعَا عَلَى نَاسِخ.
97 - ابْنُ عَلَّكَ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَة، أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ عَلَّك المَرْوَزِيُّ، الجَوْهَرِيُّ.
سَمِعَ: سَعِيْد بن مَسْعُوْدٍ، وَأَحْمَدَ بنَ سَيَّار (2) ، وَالعَبَّاس بن مُحَمَّدٍ الدُّوْرِيَّ، وَأَبَا قِلاَبَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ وَطَبَقَتهُم.
وَقَدْ قَدِمَ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ (3) .
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف شريك وهو ابن عبد الله النخعي الكوفي، فإنه يخطئ كثيرا، وهو في " المسند " 1 / 337 من طريق حجاج بهذا الإسناد، وأخرجه عبد الرزاق من طريق معمر عن أيوب، قال: قال عروة لابن عباس: ألا تتقي الله ترخص في المتعة، فقال ابن عباس: سل أمك عرية، فقال عروة: أما أبو بكر وعمر، فلم يفعلا، فقال ابن عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحدثونا عن أبي بكر وعمر، فقال عروة: لهما أعلم بسنة رسول الله وأتبع لها منك.
ورجاله ثقات، وأخرجه أبو مسلم الكجي من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن أيوب السختياني، عن ابن أبى مليكة، عن عروة بنحوه، وهذا إسناد صحيح.
(*) تاريخ بغداد: 11 / 227 - 228، المنتظم: 6 / 290، تذكرة الحفاظ: 3 / 847 - 848، طبقات الحافظ: 350 - 351، شذرات الذهب: 2 / 307.
(2) في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 847 " سنان " وهو خطأ.
(3) " تاريخ بغداد ": 11 / 227.(15/243)
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُظَفَّر، وَابْنُ شَاهِيْنٍ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَعَلِيُّ بنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ الفَقِيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الكَيْسَانِيُّ، وَوَلَدهُ الحَافِظُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ عَلَّك.
تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَد بنُ عَلِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ الكَاجَغُونِي (1) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَبِيْر بنُ دِيْنَار الصَّائِغ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ عَن عَلْقَمَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْرَجاً، فَلَمْ نُصِبْ مَاءً نتوضأُ مِنْهُ، وَلاَ نشرَبُه وَمَعَ رَسُوْل اللهِ إِدَاوَة (2) فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فصبَّه فِي إِنَاء، وَوَضَعَ كفَّه عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (هَلُمَّ) .
قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ مَا بَيْنَ أَصَابعه تفجرَ عُيوناً (3) .
__________
(1) في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 848 " الكاجغري " وهو تصحيف. وقد ورد في " تبصير المنتبه ": 3 / 1202 " الكاشغوني " وقال: " قيده ابن نقطة وقال: إن شينه بين الشين والجيم ".
(2) إناء صغير يحمل فيه الماء.
(3) وأخرجه أحمد 1 / 401، 402، والنسائي 1 / 60 في الطهارة: باب الوضوء من الاناء من طريق عبد الرزاق، عن سفيان، عن الأعمش بهذا الإسناد وهو صحيح، وجاء في آخره: قال الأعمش: فحدثني سالم بن أبي الجعد، قال: قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألف وخمسمئة، وأخرج البخاري 6 / 432 (3579) في الأنبياء: باب علامات النبوة في الإسلام من طريق محمد بن المثنى، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقل الماء، فقال: " اطلبوا فضلة من ماء " فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الاناء، ثم قال: " حي على الطهور المبارك " والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.(15/244)
الحَدِيْث تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الكَبِيْر، وَعنه الكَاجَغُونِي.
98 - ابْنُ أَخِي رُفَيْعٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ الكَلاَعِيُّ *
الحَافِظُ، الحُجَّة، الإِمَامُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمدِ بنِ حَسَن (1) الكَلاَعِيُّ مَوْلاَهُمُ، القُرْطُبِيّ، الصَّائِغُ، ابْنُ أَخِي رُفَيْع (2) .
لَمْ يَسْمَعْ مُحَمَّدَ بن وَضَّاح، وَالخُشنِيَّ، وَقَدْ أَدركهُمَا.
وَسَمِعَ مِنْ: عُبَيْد اللهِ بن يَحْيَى بنِ يَحْيَى وَطبقتِه.
وَكَانَ عَارِفاً بِالرِّجَالِ وَالعِللِ، وَقَدِ اخْتصرَ (مُسند بَقِيّ) وَ (تَفْسِيْرَه) .
مَاتَ فِي آخر سنَة ثَمَان عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
99 - الرَّازِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ **
الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، النَّاقِدُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ شَهْريَارَ الرَّازِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
سَكَنَ وَالِدُه نَيْسَابُوْر، فولِد أَبُو بَكْرٍ بِهَا.
__________
(*) تاريخ علماء الأندلس: 1 / 223 - 224، جذوة المقتبس: 233، بغية الملتمس:
330، تذكرة الحفاظ: 3 / 891 - 892، الديباج المذهب: 139، طبقات الحفاظ: 364.
(1) في " تاريخ علماء الأندلس: حسين، وفي " الجذوة ": حنين.
(2) في " تاريخ علماء الأندلس " و" الجذوة " و" البغية " و" الديباج ": ربيع.
(* *) العبر: 2 / 161، تذكرة الحفاظ: 3 / 788 - 789، مرآة الجنان: 2 / 267، طبقات الحفاظ: 330 - 331، شذرات الذهب: 2 / 270.(15/245)
سَمِعَ: أَبَا حَاتِم الرَّازِيّ، وَالسَّرِيَّ بنَ خُزَيْمَةَ، وَأَبَا قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ عَبْدِ اللهِ العَبْسِي، صَاحِبَ وَكِيْع، وَأَبَا يَحْيَى بنَ أَبِي مَسَرَّة، وَالحَسَنَ بنَ سَلاَّم السَّوَّاق (1) ، وَعُثْمَان بن سَعِيْدٍ الدَّارِمِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
وَلَهُ رِحْلَة طَوِيْلَةٌ، وَمَعْرِفَة جليلَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الشَّيْبَانِيُّ - رفيقُه -، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكمُ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ مِنَ الحُفَّاظِ (2) .
قُلْتُ: مَاتَ كَهْلاً، عَاشَ بِضْعاً وَخَمْسِيْنَ سنَةً.
وَمَاتَ بِالطَّابَرَان (3) سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَثْنَى عَلَيْهِ الحَاكِمُ، وَبَالَغَ فِي تَعَظِيْمهِ.
وَكَانَ أَبُوْهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ صَاحِب حَدِيْثٍ من أَهْل الرَّيّ، فتحوَّل إِلَى نَيْسَابُوْرَ.
وَرَوَى عَنْ: سَهْلِ بن عُثْمَانَ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن يَحْيَى المَدَنِيّ، وَأَحْمَد بن مَنِيْعٍ، وَخَلْقٍ.
ومَات: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَرّخه حَفِيْدُه أَبُو الحَسَنِ.
وَحَدَّثَ (4) عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُحَمَّد بن دَاوُدَ بن سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ بن الأَخْرَم.
__________
(1) بفتح السين المهملة، وتشديد الواو، وفي آخرها القاف. هذه النسبة إلى بيع السويق. وهو دقيق الشعير المقلو. ويقال أيضا: السويقي. " الأنساب ": 7 / 181، 194.
(2) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 788.
(3) إحدى مدينتي طوس. أما الأخرى: ف " نوقان " انظر " معجم البلدان ": 4 / 3 - 4.
(4) أي: الحفيد.(15/246)
100 - النُّهَاونديُّ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ بنِ سيَامردَ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ بنِ سيَامردَ النُّهَاوَنْدِيُّ.
عَنْ: يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَمُحَمَّدِ بنِ عَزِيْز الأَيْلِيّ، وَأَبِي عُتبَة الحِمْصِيّ، وَعَلِيّ بن حَرْبٍ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَحْمَد بن شَيْبَان، وَعِصَام بن روَّاد، وَخَلْقٍ.
حَدَّث بهمَذَان فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ مِنْهُ مَعَ أَبِي وَكَانَ ثِقَةً هيُوباً ذَا سُنَّة، يحفَظُ وَيذَاكرُ، قَدِمَ عَلَيْنَا فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الأَنْمَاطِيِّ.
101 - المُلْحَمِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ **
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ الخُزَاعِيُّ، المُلْحَمِيُّ (1) ، القَاضِي، مِنْ مشيخَة بَغْدَادَ.
سَمِعَ فِي رِحْلَتِه مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الصُّوْرِيِّ، وَالكُدَيْمِيِّ، وَأَحْمَد بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، وَبَكْرِ بنِ سَهْل، وَخَلْقٍ.
__________
(*) لم نقف له على مصادر ترجمته.
(* *) تاريخ بغداد: 4 / 34.
(1) بضم الميم، وسكون اللام، وفتح الحاء المهملة، وفي آخرها ميم، هذه النسبة إلى " الملحم وهي ثياب تنسج من الابريسم، أي: الحرير. " الأنساب ": 541 / ب.(15/247)
وَعَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ الشِّخِّير (1) ، وَعمر الكَتَّانِيُّ، وَعُبَيْد اللهِ بنُ البَوَّاب، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ جِلِّين (2) ، وَآخَرُوْنَ.
مَا عَلِمتُ بِهِ بَأْساً.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
102 - الجَوْزَجَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ العَلاَءِ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَة، القُدْوَة، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ العَلاَء الجَوْزَجَانِيُّ (3) ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ المِقْدَامِ العِجْلِيَّ، وَزِيَادَ بنَ أَيُّوْبَ، وَأَبَا عُبَيْدةَ بن أَبِي السَّفَر، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعُمَر بنُ شَاهِيْنٍ، وَعُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الكَتَّانِي، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ جُمَيْع، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً بكَّاء خَاشعاً (4) ثِقَةً.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(1) له ترجمة في " تاريخ بغداد ": 2 / 333.
(2) هكذا ضبطت في الأصل.
وفي " الأنساب ": 3 / 287، و" تبصير المنتبه ": 2 / 510: بضم الجيم.
(*) تاريخ بغداد: 4 / 309 - 310، العبر: 2 / 211، شذرات الذهب: 2 / 312.
(3) هكذا ضبطت في الأصل. وقد ضبطها العسقلاني في ترجمة إبراهيم بن يعقوب: بضم الجيم الأولى انظر " التقريب ": 1 / 46.
(4) " تاريخ بغداد ": 4 / 310.(15/248)
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القَوَّاس، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِي حُضُوْراً، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طلاَّب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبِي السَّفَر، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُبَاب، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفردَ الحَجَّ (1) .
103 - الشَهْرُزُورِيُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْد بن جُهينَة الشَّهْرُزُوْرِيُّ (2) .
__________
(1) وأخرجه مالك 1 / 335 في الحج: باب إفراد الحج، ومن طريقه مسلم (1211) (122) عن عبد الرحمن بن القاسم بهذا الإسناد.
قلت: وقد ثبت عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر مع حجته، فقد روى أبو داود (1992) من طريق أبي إسحاق عن مجاهد قال: سئل ابن عمر: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مرتين، فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع، وقال الحافظ في " الفتح " 3 / 341: إن كل من روى عنه الافراد، حمل على ما أهل به في أول الحال، وكل من روى عنه التمتع، أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روى عنه القران، أراد ما استقر عليه أمره، وتترجح رواية من روى عنه القران بأمور: منها أن معه زيادة علم على من روى الافراد وغيره، وبأن من روى الافراد والتمتع اختلف عليه في ذلك، فأشهر من روى عنه الافراد عائشة، وقد ثبت عنها أنه اعتمر مع حجته، وابن عمر، وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة، ثم أهل بالحج، وثبت أنه جمع بين حج وعمرة، ثم حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وجابر، وقد تقدم قوله: إنه اعتمر مع حجته أيضا.
وروى القران عنه جماعة من الصحابة لم يختلف عليهم فيه وبأنه لم يقع في شيء من الروايات النقل عنه من لفظه أنه قال: أفردت ولا تمتعت، بل صح عنه أنه قال: " قرنت " وصح أنه قال: " لولا أن معي الهدي لاحللت ".
(*) تاريخ ابن عساكر " 2 / 269 أ - 269 ب، تذكرة الحفاظ: 3 / 846، طبقات الحفاظ: 350، تهذيب ابن عساكر: 2 / 287.
(2) ضبطت في الأصل بفتح الراء، وما أثبتناه من " الأنساب ": 7 / 417.(15/249)
سَمِعَ: الزَّعْفَرَانِيّ، وَعَمْرو بن عَبْدِ اللهِ الأَوْدِيّ، وَطَبَقَتهُمَا بِالعِرَاقِ وَمُحَمَّد بن المُقْرِئ بِمَكَّةَ، وَأَبَا زُرْعَةَ بِالرَّيّ، وَالعَبَّاس بن الوَلِيْدِ ببَيْرُوْت، وَالرَّبِيْع بن سُلَيْمَانَ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّد بن عَوْف بحِمْص
، وَجمع وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَهْل الرَّيّ وَقزوين عَلِيّ بن أَحْمَدَ القَزْوِيْنِيّ، وَعُمَر بن أَحْمَدَ بنِ شُجَاع، وَأَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الرَّازِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ يَحْيَى، وَعِدَّة.
وَلاَ أَعرف وَفَاته (1) وَلاَ كَثِيْراً مِنْ سيرَته.
104 - الإِصْطَخْرِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَلاَّمَة، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو سَعِيْدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ الإِصطخرِيُّ (2) ، الشَّافِعِيُّ، فَقِيْه العِرَاق، وَرفيقُ ابْنِ سُرَيْجٍ (3) .
__________
(1) في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 846 " بقي إلى سنة نيف وعشرين وثلاث مئة فيما
أظن ".
(*) الفهرست: 300، تاريخ بغداد: 7 / 268 - 270، طبقات الشيرازي: 111، الأنساب: 1 / 291 - 292، المنتظم: 6 / 302، وفيات الأعيان: 2 / 74 - 75، العبر: 2 / 212، مرآة الجنان: " 2 / 290، طبقات الشافعية: 3 / 230 - 253، البداية والنهاية: 11 / 193، النجوم الزاهرة: 3 / 267، طبقات ابن هداية الله: 62، شذرات الذهب: 2 / 312.
(2) بكسر الالف، وسكون الصاد، وفتح الطاء المهملتين، وسكون الخاء المعجمة، وفي آخرها الراء.
هذه النسبة إلى إصطخر، وهي من كور فارس. " الأنساب ": 1 / 290.
(3) القاضي أبو العباس، أحمد بن عمر بن سريج، كان من أئمة المسلمين. ومن عظماء الشافعية. توفي ببغداد سنة / 336 / هـ. له ترجمة في " طبقات الشافعية ": 3 / 21 - 39.(15/250)
سَمِعَ: سَعْدان بن نَصْرٍ، وَحَفْص بن عَمْرٍو الرَّبَالِيّ، وَأَحْمَد بن مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيّ، وَعباساً الدُّوْرِيّ، وَحَنْبَل (1) بن إِسْحَاقَ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: مُحَمَّد بن المُظَفَّر، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن شَاهِيْن، وَأَبُو الحَسَنِ ابْن الجندِي، وَآخَرُوْنَ.
وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المَرْوَزِيّ (2) لَمَّا دَخَلت بَغْدَاد لَمْ يَكُنْ بِهَا مَنْ يَسْتَحق أَنْ يدرس (3) عَلَيْهِ إِلاَّ ابْن سُرَيْج وَأَبُو سَعِيْدٍ الإِصطخرِي (4) .
وَقَالَ الخَطِيْبُ: وَلِي قَضَاء قُمَّر (5) ، وَولِي حسبَة بَغْدَاد فَأَحرق مَكَان المَلاَهِي (6) .
قَالَ: وَكَانَ وَرِعاً زَاهِداً متقللاً مِنَ الدُّنْيَا لَهُ تَصَانِيْف مُفِيْدَة مِنْهَا كِتَاب (أَدب القَضَاء) لَيْسَ لأَحَد مثله (7) .
قُلْتُ: وَهُوَ صَاحِبُ وَجه.
وَقِيْلَ: إِنَّ ثَوْبه وَعِمَامَته وَطيلسَانه وَسرَاويله كَانَ مِنْ شقَة وَاحِدَة (8) .
__________
(1) في " تاريخ بغداد ": 7 / 268 " جميل " وهو تحريف. انظر ترجمته في " تاريخ بغداد ": 8 / 268 - 287. وهو ابن عم الامام أحمد بن حنبل.
(2) في " تاريخ بغداد ": 7 / 269 " أبو الحسن " وهو وهم. وستأتي ترجمته رقم / 240 / من هذا الجزء.
(3) في " تاريخ بغداد ": أن أدرس.
(4) " تاريخ بغداد ": 7 / 269 و" طبقات الشافعية ": 3 / 230.
(5) مدينة قرب أصبهان.
(6) انظر " تاريخ بغداد ": 7 / 69، وقد سماه الخطيب: " طاق اللعب ".
(7) " تاريخ بغداد ": 7 / 269.
(8) " تاريخ بغداد ": 7 / 269.(15/251)
وَقَدِ اسْتَقضَاهُ المُقْتَدِر عَلَى سِجِسْتَان (1) .
وَاستفتَاهُ القَاهر فِي الصَّابِئين فَأَفتَاهُ بِقَتْلهم لأَنَّهُم يعبدُوْنَ الْكَوَاكِب فَعزم الخَلِيْفَة عَلَى ذَلِكَ فَجَمَعُوا مَالاَ جزيلاً وَقدمُوهُ (2) فَفَتر عَنْهُم (3) .
مَاتَ الإِصطخرِي فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَث وَمائَة وَلَهُ نَيِّف وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
تَفَقَّهَ بِأَصْحَاب المُزَنِيّ وَالرَّبِيْع.
105 - مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ بِشْرٍ الهَرَوِيُّ *
الحَافِظُ، الصَّادِقُ، الرَّحَّالُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، الفَقِيْهُ.
سَمِعَ: الرَّبِيْع بن سُلَيْمَانَ المُرَادِيّ، وَالعَبَّاس بن الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيّ، وَالحَسَن بن مُكْرَمٍ، وَمُحَمَّد بن عَوْفٍ الطَّائِيّ، وَمُحَمَّد بن حَمَّاد الطِّهْرَانِيّ، وَطَبَقَتهُم بِمِصْرَ وَالشَّام وَالعِرَاق.
حَدَّثَ عَنْهُ: الطَّبَرَانِيّ، وَالزُّبَيْر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الأَسدَاباذِي، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيّ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن أَبِي هَاشِم المُقْرِئ، وَطَائِفَة،
__________
(1) " وفيات الأعيان ": 2 / 75.
(2) في الأصل: وقدموا، وفي " تاريخ بغداد ": " له قدر فكف عنهم ".
(3) انظر " تاريخ بغداد ": 7 / 269 - 270، وما بين حاصرتين منه.
(*) تاريخ بغداد: 3 / 405 - 406، تاريخ ابن عساكر: 16 / 71 ب - 72 ب، تذكرة الحفاظ: 3 / 837 - 838، العبر: 2 / 223 - 224، الوافي بالوفيات: 5 / 246، مرآة الجنان: 2 / 298، غاية النهاية: 2 / 284 طبقات الحفاظ: 348، شذرات الذهب: 2 / 328.(15/252)
آخِرُهُم مَوْتاً أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي الْحَدِيد الدِّمَشْقِيّ.
وَثَّقَهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ وَغَيْرهُ (1) .
وَإِنَّمَا طلب هَذَا الشَّأْن فِي الكُهُوْلَة وَلَوْ أَنَّهُ سَمِعَ فِي حدَاثته لصَار أَسند أَهْل زَمَانِهِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَزَيْنَب بنْت أَبِي القَاسِمِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الكَنْجَرُوْذِيّ (2) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَرَوِيّ بِدِمَشْقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمَّاد، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيّ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بن قرَّة (3) ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيق النَّاجِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ قَالَ: (ذكر رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلاَءً يُصِيب هَذِهِ الأُمَّة حَتَّى لاَ يجد أَحَد ملجأً فَيبْعَث الله مِنْ عترتِي رَجُلاً يملأُ الأَرْض قسطاً وَعدلاً كَمَا مُلئت ظلماً وَجوراً، يَرْضَى عَنْهُ سَاكن السَّمَاء وَسَاكن الأَرْض، لاَ تدع السَّمَاء مِنْ قطرهَا شَيْئاً إِلاَّ صَبَّتْهُ مدرَاراً، وَلاَ تدع الأَرْض مِنْ نبَاتهَا شَيْئاً إِلاَّ أَخرجته، حَتَّى يَتَمَنَّى الأَحيَاء الأَموَاتَ يعِيش فِي ذَلِكَ سَبْع سِنِيْنَ أَوْ ثَمَان أَوْ تِسْع سِنِيْنَ) (4) .
__________
(1) انظر " تاريخ بغداد ": 3 / 405.
(2) بفتح الكاف، وسكون النون، وفتح الجيم، وضم الراء، بعدها الواو، وفي آخرها الدال المعجمة.
هذه النسبة إلى " كنجروذ "، وهي قرية على باب نيسابور. انظر " الأنساب ": 10 / 479 وفيه كنية " أبو سعد " وكذلك في " العبر " 3 / 230.
(3) ساقطة في الأصل.
(4) أخرجه البغوي في " شرح السنة " 15 / 85 بتحقيقي من طريق أبي هارون العبدي، =(15/253)
غَرِيْب فَرد وَالوَاو الَّتِي مَعَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ملحقَة فِي نسختِي فَيُحَرَّر ذَلِكَ (1) وَأَبُو هَارُوْنَ وَاهٍ.
106 - مُحَمَّدُ بنُ قَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَيَّارٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البيَّانِيُّ - بتَشْديد وَسط الكَلِمَةِ - الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ وَبَقِيّ بن مَخْلَدٍ، وَمُحَمَّد بن وَضَّاح، وفِي رِحْلَته مِنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ، وَأَبِي خَلِيْفَة الجُمَحِيّ، وَمُطَيَّن، وَيُوْسُف بن يَعْقُوْبَ القَاضِي، وَمُحَمَّد بن عُثْمَانَ العَبْسِي، وَطَبَقَتهم.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ البَاجِي: لَمْ أَدرك بقرطبَة مِنَ الشُّيُوْخ أَكْثَر حَدِيْثاً مِنْهُ (2) .
قُلْتُ: كَانَ عَالِماً ثِقَة رَأْساً فِي الشُّرُوط وَعقد الوَاثَائِق (3) .
__________
= على معاوية بن قرة بهذا الإسناد.
وأبو هارون العبدي - واسمه عمارة بن جوين - متروك، وبعضهم كذبه، وأخرجه الحاكم 4 / 557 من طريق آخر بلفظ " لا تقوم الساعة حتى تملا الأرض ظلما وجورا وعدوانا، ثم يخرج من أهل بيتي من يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا " وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(1) الصواب حذف الواو كما تقدم تخريجه عن البغوي.
(*) تاريخ علماء الأندلس: 2 / 46، جذوة المقتبس: 80 - 81، بغية الملتمس: 124، تذكرة الحفاظ: 3 / 844 - 845، العبر: 2 / 209، الوافي بالوفيات: 4 / 344، طبقات الحفاظ: 349 - 350، شذرات الذهب: 2 / 309.
(2) " تاريخ علماء الأندلس ": 2 / 46.
(3) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 845.(15/254)
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ، وَخَالِد بن سَعْدٍ (1) ، وَسُلَيْمَان بن أَيُّوْبَ، وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ، وَقَدْ شَاخَ (2) .
107 - الكَعبِيُّ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدٍ*
شَيْخُ المُعْتَزِلَة، الأُسْتَاذُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدٍ البَلْخِيُّ، الكعبِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَرَّخَهُ المُؤَيَّد وَغَيْرهُ (3) .
وَأَمَّا مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ النَدِيْم فَأَرَّخَهُ كَمَا قَدَّمنَا (4) سَنَة تِسْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ (5) وَهَذَا خطأ.
فقد ذَكَرَهُ جَعْفَر المستغفرِي فِي تَارِيْخ نسف وَأَنَّهُ دخلهَا.
لاَ أَستجِيز أَنْ أَرُوِي عَنْهُ لأَنَّه كَانَ دَاعِيَةً، يَعْنِي إِلَى الاعتزَال (6) .
__________
(1) انظر ترجمته في " تاريخ علماء الأندلس ": 1 / 130.
(2) " جذوة المقتبس ": 81.
(*) الفرق بين الفرق: 165 - 167، تاريخ بغداد: 9 / 384، الأنساب: 10 / 444 - 445، المنتظم: 6 / 238، وفيات الأعيان: 3 / 45، العبر: 2 / 176، البداية والنهاية: 11 / 164، الجواهر المضية: 1 / 271، طبقات المعتزلة: 88 - 89، لسان الميزان: 3 / 255 - 256، شذرات الذهب: 2 / 281.
(3) انظر " المختصر في أخبار البشر ": 2 / 86.
(4) ربما يشير الذهبي إلى كتابه " تاريخ الإسلام ".
(5) لم أقف على ترجمة الكعبي في نسخة الفهرست التي بين يدي.
(6) " الأنساب ": 1 / 444.(15/255)
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (1)
108 - مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدِ بنِ حَفْصٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّوْرِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، القُدْوَة، أَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّوْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، العَطَّارُ، الخضيبُ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ: يَعْقُوْب بن إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيّ، وَأَبَا حُذَافَة أَحْمَد بن إِسْمَاعِيْلَ السَّهْمِيّ صَاحِب مَالِك، وَمُحَمَّد بن الوَلِيْدِ البُسْرِيّ، وَالحَسَن بن عَرَفَةَ، وَمُحَمَّد بن عُثْمَانَ بنِ كرَامَة، وَأَحْمَد بن عُثْمَانَ الأَوْدِيّ، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيّ، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القَطَّان، وَمُسْلِم بن الحَجَّاجِ القُشَيْرِيّ، وَعَبْدُوْس بن بِشْرٍ، وَأَبَا السَّائِب سَلْم بن جُنَادَةَ، وَالحَسَن بن أَبِي الرَّبِيْع، وَمُحَمَّد بن عُمَرَ بنِ أَبِي مَذْعُوْر، وَالزُّبَيْر بن بَكَّار، وَعِيْسَى بن أَبِي حَرْب، وَخَلاَئِق.
وَكَتَبَ مَالا يُوْصَف كَثْرَة مَعَ الْفَهم وَالمَعْرِفَة وَحسن التَّصَانِيْف (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ الجعَابِي، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن شَاهِيْن، وَابْن الجندِي، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَأَبُو زُرْعَةَ أَحْمَد بن
__________
(1) اختلف المؤرخون في سنة وفاته..فهي تتراوح ما بين / 317 / كما في " وفيات الأعيان ": 3 / 45، و/ 329 / كما هو مثبت في آخر الترجمة.
وأغلب المصادر على أنها سنة / 319 / هـ.
كما في " تاريخ بغداد " و" المنتظم " و" العبر ".
(*) الفهرست: 325، تاريخ بغداد: 3 / 310 - 311، طبقات الحنابلة: 2 / 73 - 74، المنتظم: 6 / 334، تذكرة الحفاظ: 3 / 828 - 829، العبر: 2 / 227، البداية والنهاية: 11 / 207، طبقات الحفاظ: 344 - 345، شذرات الذهب: 2 / 331.
(2) " تذكرة الحفاظ ": 3 / 828.(15/256)
الحُسَيْن الرَّازِيّ، وَالمُعَافَى الجَرِيْرِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّد بن الفُرَاتِ، وَأَبُو الفَضْلِ نَصْر بن أَبِي نَصْرٍ الطُّوْسِيّ العَطَّار، وَأَبُو عُمَرَ عَبْد الوَاحِدِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ المَهْدِيّ الفَارِسِيّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالعِلْم وَالصلاَح وَالصِّدْق وَالاجْتِهَاد فِي الطَّلَب، طَالَ عُمُرُهُ وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ الْعُلُوّ مَعَ القَاضِي المَحَامِلِيّ بِبَغْدَادَ.
سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ.
فَقَالَ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي شَهْر جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثيَة وَثَلاَثِ مائَةٍ وَلَهُ ثَمَان وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ: فِيْهَا الوَاعِظ المُحَدِّث يَعْقُوْب بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَصَّاص الدَّعَّاء، وَالمُسْنِدُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ ابْنِ الحَافِظِ يَعْقُوْب بن شَيْبَةَ السَّدُوْسِيّ البَغْدَادِيّ، وَمسند الكُوْفَة هَنَّاد بن السَّرِيّ الصَّغِيْر.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَمسند البَصْرَة المُعَمَّر أَبُو روق أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ بَكْر الهزَّانِي.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسحَاق، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّاز، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عِيْسَى إِمْلاَءً قَالَ:
قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَد وَأَنَا أَسمع قِيْلَ لَهُ:
حدثكُم مُحَمَّد بن سِنَانٍ القَزَّاز، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْر، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ أَن بَهْز بن حَكِيْمٍ بن مُعَاوِيَةَ بن حيدَة - يَعْنِي حدثهُم - عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جدّه:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مِنْ غيب مَاله، عَنِ الصَّدَقَة فَإِنَّا آخذوهَا وَشطر مَاله) (2) .
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 3 / 311.
(2) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 5 / 2، و4، وأبو داود (1575) والنسائي 5 / =(15/257)
109 - ابْنُ أَبِي عُثْمَانَ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، الأَدِيْبُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ الإِمَامِ الزَّاهِدِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الحِيْرِيُّ.
سَمِعَ: عَلِيّ بن الحَسَنِ الهِلاَلِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاء، وَتمتَاماً (1) ، وَإِسْمَاعِيْل القَاضِي، وَبَكْر بن سَهْلٍ، وَكَانَ وَاسِع الرحلَة عَالِماً.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ، وَوَلَده أَبُو سَعِيْدٍ (2) ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ
، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الغزَاة فِي سَبِيْل الله وَيرَابط بطَرَسُوْس (3) .
تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
110 - المَحَامِلِيُّ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ **
القَاضِي الإِمَام العَلاَّمَة المُحَدِّث الثِّقَة مُسْند الوَقْت أَبُو عَبْدِ اللهِ
__________
= 15، و17 في الزكاة: باب عقوبة مانعي الزكاة، والدارمي 1 / 396 من طرق عن بهز بن حكيم بهذا الإسناد.
(*) لم نقف على مصادر ترجمته.
(1) هو محمد بن غالب بن حرب، الضبي البصري التمار، أبو جعفر، نزيل بغداد، توفي سنة / 283 / هـ له ترجمة في " تاريخ بغداد ": 3 / 143 - 146.
(2) انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 920.
(3) مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب.
(* *) الفهرست: 325، تاريخ بغداد: 8 / 19 - 23، الأنساب: 510 أ، المنتظم: 6 / 327 - 329، تذكرة الحفاظ: 3 / 824 - 826، العبر: 2 / 222، الوافي بالوفيات: 12 / 341، مرآة الجنان: 2 / 297، البداية والنهاية: 11 / 203 - 204، طبقات الحفاظ: 343، شذرات الذهب: 2 / 326.(15/258)
الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بن مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بن سَعِيْدِ بنِ أبَان الضَّبِّيّ البَغْدَادِيّ المَحَامِلِيّ (1) مصَنّف (السُّنَن (2)) .
مَوْلِدُهُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ. وَأَوَّل سَمَاعه فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
فسَمِعَ مِنْ أَبِي حُذَافَة أَحْمَد بن إِسْمَاعِيْلَ السَّهْمِيّ صَاحِب مَالِك، وَمِنْ أَبِي الْأَشْعَث أَحْمَد بن المِقْدَامِ العِجْلِيّ صَاحِب حَمَّاد بن زَيْدٍ، وَمِنْ عَمْرو بن عَلِيٍّ الفَلاَّس، وَزِيَاد بن أَيُّوْبَ، وَأَبِي هِشَام الرِّفَاعِيّ، وَيَعْقُوْب بن الدَّوْرَقِيّ، وَمُحَمَّد بن المُثَنَّى العَنَزِيّ، وَعَبْد الأَعْلَى بن وَاصل، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن يُوْنُسَ الرَّقِّيّ السَّرَّاج، وَالحَسَن بن الصَّبَّاحِ البَزَّار، وَرَجَاء بن مُرَجَّى الحَافِظ، وَسَعِيْد بن يَحْيَى الأُمَوِيّ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيّ، وَالحَسَن بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي شُعَيْب الحَرَّانِيّ، وَعُمَر بن مُحَمَّدٍ التَّل، وَمَحْمُوْد ابْن خِدَاشٍ، وَإِسْحَاق بن بُهْلُوْل، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيّ، وَأَبِي السَّائِبِ سَلْم بن جُنَادَةَ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَة، وَالزُّبَيْر بن بَكَّار، وَمُحَمَّد بن عُثْمَانَ بنِ كرَامَة، وَأَحْمَد بن مَنْصُوْر زَاج، وَالحَسَن بن عَرَفَةَ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي الحَارِث، وَحُمَيْد بن الرَّبِيْعِ، وَالعَبَّاس بن يَزِيْدَ البحرَانِي، وَمُحَمَّد بن جَوَان بن شُعبَة (3) ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِكِ بنِ زَنْجَوَيْه، وَالحَسَن بن مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن هَانِئ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَعَبَّاس التَّرْقُفِيّ، وَخَلْق كَثِيْر.
__________
(1) بفتح الميم، والحاء المهملة، والميم بعد الالف، وفي آخرها اللام.
هذه النسبة إلى المحامل، التي يحمل فيها الناس على الجمال إلى مكة المكرمة. " الأنساب ": 510 أ.
(2) انظر " الفهرست ": 325.
(3) هكذا في الأصل وفي " المشتبه " 1 / 187 " محمد بن شعبة بن جوان ".(15/259)
وَصَارَ أَسند أَهْل العِرَاقِ مَعَ التَّصَدُّرِ لِلإِفَادَة وَالفُتْيَا سِتِّيْنَ سَنَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: دعِلْج بن أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ جُمَيْع، وَابْن شَاهِيْن، وَإِبْرَاهِيْم بن عَبْدِ اللهِ بنِ خرشيذ قَوْله، وَابْن الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ البيع، وَأَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، وَخَلْق.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ فَاضِلاً ديناً، شهد عِنْد القُضَاة وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً، وَوَلِيَ قَضَاءَ الكُوْفَةِ سِتِّيْنَ سَنَةً (1) .
قَالَ ابْنُ جَمِيْع الصيدَاوِي: كَانَ عِنْدَ القَاضِي المَحَامِلِيّ سَبْعُوْنَ نَفْساً مِنْ أَصْحَاب سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ (2) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الدَّاوُوْدِيّ: كَانَ يحضر مَجْلِس المَحَامِلِيّ عَشْرَة آلاَف رَجُل (3) .
وَاستعفَى مِنَ القَضَاء قَبْل سنَة عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَكَانَ مَحْمُوْداً فِي وَلاَيته (4) .
عقد سنَة سَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ بِالكُوْفَةِ فِي دَاره مَجْلِساً لِلْفقه فَلَمْ يَزَلْ أَهْل العِلْمِ وَالنَّظَر يَخْتلفون إِلَيْهِ (5) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الإِسكَاف: رَأَيْت فِي النَّوْمِ كَانَ قَائِلاَ يَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ ليدْفَع، عَنْ أَهْل بَغْدَادَ البلاَء بِالمَحَامِلِيّ (6) .
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 8 / 20.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) " تاريخ بغداد ": 8 / 22.
(5) المصدر السابق.
(6) المصدر السابق.(15/260)
قَالَ حَمْزَةُ بن مُحَمَّدٍ بن طَاهِر: سَمِعْتُ ابْنَ شَاهِيْن يَقُوْلُ:
حضَر مَعَنَا ابْن المُظَفَّر (1) مَجْلِس القَاضِي المَحَامِلِيّ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا حَفْص مَا عدمنَا مِنِ ابْنِ صَاعِدٍ (2) إِلاَّ عيينه (3) .
يُرِيد أَنَّ المَحَامِلِيّ نَظِيْر ابْن صَاعِدٍ فِي الثِّقَة وَالعلو.
الصُّوْرِيّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَمِيْع قَالَ: يَرْوِي المَحَامِلِيّ، عَنْ مُحَمَّد بن عَمْرِو بنِ أَبِي مَذْعُوْر وَيروِي مُحَمَّد بن مَخْلَدٍ العَطَّار، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبِي مَذْعُوْر وَهُمَا أَبْنَاء عَم لَمْ يَرْوِ المَحَامِلِيّ، عَنْ شَيْخ ابْن مَخْلَدٍ وَلاَ رَوَى ابْنُ مَخْلَد، عَنْ شَيْخ المَحَامِلِيّ.
أَملَى المَحَامِلِيّ مَجَالِس عِدَّة، وَأَملَى مَجْلِساً فِي ثَانِي عشر ربيع الآخر سنَة ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، ثُمَّ مرض فَمَاتَ بَعْد أَحَدَ عشرَ يَوْماً (4) .
وَفِيْهَا مَاتَ: مُحَدِّث أَصْبَهَان أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْص الجورجيرِي، وَمسند نَيْسَابُوْر أَبُو حَامِدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ بِلاَل الخشَّاب، وَقَاضِي دِمَشْق المُحَدِّث زَكَرِيَّا بن أَحْمَدَ ابْنِ الحَافِظِ يَحْيَى بن مُوْسَى خت البَلْخِيّ، وَمُحَدِّث حِمْص أَبُو هَاشِمٍ عَبْد الغَافر بن سَلاَمَةَ الحِمْصِيّ فِي عَشْرِ المائَة، وَشَيْخ الصُّوْفِيَّة أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاق بن مُحَمَّدٍ النهرجورِي، وَشَيْخ الشَّافِعِيَّة أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّيْرَفِيّ البَغْدَادِيّ،
__________
(1) هو محمد بن المظفر بن موسى، أبو الحسين، محدث العراق في عصره. توفي سنة 389 / هـ.
انظر ترجمته في " تاريخ بغداد ": 3 / 262 - 264.
(2) هو يحيى بن محمد بن صاعد، أبو محمد. من أعيان حفاظ الحديث.
توفي سنة / 318 / هـ انظر ترجمته في " تاريخ بغداد ": 14 / 231 - 234.
(3) " تاريخ بغداد ": 8 / 20.
(4) " تاريخ بغداد ": 8 / 22 - 23.(15/261)
وَصَاحِب بَقِيَ بن مَخْلَدٍ المُحَدِّث عَبْد اللهِ بن يُوْنُسَ القبرِي (1) ، وَالقُدْوَة أَبُو صَالِحٍ الدِّمَشْقِيّ صَاحِب المَسْجَد الَّذِي بِظَاهِر بَاب شَرْقي.
وَقَدْ وَقَعَ لَنَا سَبْعَة أَجزَاء مِنْ عَالِي حَدِيْث المَحَامِلِيّ.
وَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى حَدِيْثه عَالِياً: السِّلَفِيّ، وَشُهْدَة (2) ، وَخَطِيْب المَوْصِل.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ اللَّيْثِ وَزَيْد بن هِبَةِ اللهِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بن قَفَرْجَل، أَخْبَرَنَا عَاصِم ابْن الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبِيْعَة بن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَة بن قَيْس الزرقِي أَنَّهُ سَأَلَ رَافِع بن خَدِيْج، عَنْ كرَاء الأَرْض، فَقَالَ: نَهَى رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ كرَاء الأَرْض.
فَقُلْتُ: أَبالذهب وَالورق؟
قَالَ: أَمَا الذَّهَب وَالورق فَلاَ بَأْسَ (3) بِهِ.
وَبِهِ قَالَ المَحَامِلِيّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْم، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ كَعْب بن عجرَة قَالَ:
قَمِلت حَتَّى ظَنَنْت أَن كُلّ شعرَة مِنْ رَأْسِي فِيْهَا الْقمل مِنْ أَصلهَا إِلَى فرعهَا فَأَمرنِي النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ رَأَى ذَلِكَ
فَقَالَ: (احْلق) وَنزلت هَذِهِ الآيَة (4) (5) .
__________
(1) نسبة إلى مدينة قبرة بالاندلس. انظر ترجمته في " تاريخ علماء الأندلس ": 1 / 226.
(2) شهدة بنت أحمد، الكاتبة المسندة. كانت دينة عابدة.
سمعها أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق. توفيت سنة / 574 / هـ. " العبر ": 4 / 220.
(3) هو في " الموطأ " 2 / 711 في كراء الأرض: باب ما جاء في كراء الأرض، ومن طريقه مسلم (1547) في البيوع: باب كراء الأرض بالذهب والورق.
(4) وهي (فأتموا الحج والعمرة لله، فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي، ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله، فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك..) . البقرة: 196.
(5) إسناده صحيح، وأخرجه من طرق عن كعب بن عجرة أحمد 4 / 241 و242 و=(15/262)
وَبِهِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شبيب، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، عَنْ قَزَعَة، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لاَ تشد الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَة مَسَاجِد إِلَى المَسْجَد الحَرَام وَإِلَى مَسْجِدِي وَإِلَى مَسْجِد بَيْت المَقْدِس) .
رَوَاهُ مُسْلِم (1) مِنْ طريقِ شُعبَة، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ
111 - أَخُو المَحَامِلِيِّ القَاسِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الضَّبِّيُّ *
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الضَّبِّيّ.
سَمِعَ: أَبَا حَفْص الفَلاَّس، وَمُحَمَّد بن المُثَنَّى العَنَزِيّ، وَيَعْقُوْب بن إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَعِيْسَى بن الوَزِيْر، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
__________
= 243، ومالك 1 / 417 في الحج باب من حلق قبل أن ينحر، والبخاري (1814) و (1816) و (1817) و (1818) في الحج، و (4159) و (4190) و (4191) في المغازي، و (4517) في التفسير، و (5665) في المرضى، و (5703) في الطب، و (6708) في الايمان والنذور، ومسلم (1201) (80) و (81) و (82) و (83) و (84) و (85) و (86) وأبو داود (1856) و (1857) و (1858) و (1859) و (1860) و (18 61) والنسائي 5 / 194 و195، والترمذي (953) وابن ماجة (3079) و (3080) والشافعي (1015) و (1017) و (1018) و (1019) وابن الجارود (450) والطيالسي (1062) و (1065) والدارقطني 2 / 298، 299، والبيهقي 5 / 55 و169 و185 و187 و242.
(1) رقم (827) (416) في الحج: باب سفر المرأة مع المحرم إلى حج وغيره، وأخرجه أيضا البخاري (1197) وأحمد 3 / 34 من طريق شعبة به، وأخرجه أحمد من طرق، عن قزعة عن أبي سعيد 3 / 7 و45 و51 و52 و77، والترمذي (326) .
(*) أخبار الراضي والمتقي: 66، تاريخ بغداد: 12 / 447 - 448، العبر: 2 / 199، شذرات الذهب: 2 / 300.(15/263)
112 - بنْتُ المَحَامِلِيِّ أَمَةُ الوَاحِدِ بنْتُ الحُسَيْنِ *
العَالِمَة، الفَقِيْهَة، المفتيَة، أَمَة الوَاحِد بنْت الحُسَيْنِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
تَفَقَّهت بِأَبيهَا، وَرَوَتْ: عَنْهُ، وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ الوَرَّاق، وَعَبْد الغَافر الحِمْصِيّ، وَحفظت القُرْآن، وَالفِقْه لِلشَافعِي، وَأَتقنت الفَرَائِض، وَمَسَائِل الدّور، وَالعَرَبِيَّة وَغَيْر ذَلِكَ.
وَاسمهَا سُتَيْتَة.
قَالَ البَرْقَانِيّ: كَانَتْ تفتِي مَعَ أَبِي عَلِيّ بن أَبِي هُرَيْرَةَ (1) .
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَتْ مِنْ أَحْفَظ النَّاس لِلْفقه.
وَرَوَى عَنْهَا الحَسَن بن مُحَمَّدٍ الخَلاَّل (2) .
مَاتَتْ سَنَة سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَهِيَ وَالِدَة القَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ المَحَامِلِيّ.
113 - ابْنُ شَنْبُوْذَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَيُّوْبَ **
شَيْخ المقرِئين، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ أَيُّوْبَ بن الصَّلْت بن شَنْبُوذ المُقْرِئ.
أَكْثَر الترحَال فِي الطَّلَب.
__________
(*) تاريخ بغداد: 14 / 442 - 443، المنتظم: 7 / 138 - 139، العبر: 3 / 4، مرآة الجنان: 2 / 407، شذرات الذهب: 3 / 88، مهذب الروضة الفيحاء للعمري: 243.
(1) " تاريخ بغداد ": 14 / 442 - 443.
(2) المصدر السابق.
(3) له ترجمة في " تاريخ بغداد ": 1 / 333 - 334.
(* *) الفهرست: 47 - 48، تاريخ بغداد: 1 / 280 - 281، الأنساب: 7 / 395 - 396، تاريخ ابن عساكر: 14 / 337 أ - 337 ب، المنتظم: 6 / 307 - 308، معجم =(15/264)
وَتَلاَ عَلَى: هَارُوْنَ بن مُوْسَى الأَخْفَش، وَقنبل المَكِّيّ، وَإِسْحَاق الخُزَاعِيّ، وَإِدْرِيْس الحَدَّاد، وَالحَسَن بن العَبَّاسِ الرَّازِيّ، وَإِسْمَاعِيْل النَّحَاس، وَمُحَمَّد بن شَاذَانَ الجَوْهَرِيّ، وَعَدَد كَثِيْر. قَدْ ذكرتهُم فِي (طبقَاتِ القُرَّاء (1)) .
وَسَمِعَ الحَدِيْث مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُرْبَزَان، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الحُنَيْنِيّ، وَإِسْحَاق بن إِبرَاهيم الدَّبَرِيّ، وَطَائِفَة.
وَكَانَ إِمَاماً صَدُوْقاً أَمِيناً متصوناً كَبِيْر الْقدر.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَحْمَد بن نَصْرٍ الشذَائِي، وَأَبُو الفَرَجِ الشنبوذِي تلمِيذه، وَأَبُو أَحْمَدَ السَّامرِي، وَالمُعَافَى الجُرَيْرِيّ، وَابْن فُوْرَك القبَّاب، وَإِدْرِيْس بن عَلِيٍّ المُؤَدِّب، وَأَبُو العَبَّاسِ المُطَّوِّعِيّ، وَغَزْوَان بن القَاسِمِ، وَخَلْق.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ بن أَبِي هَاشِم، وَأَبُو الشَّيْخ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ وَاعتمده أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَالكِبَار وَثوقاً بِنَقْلِهِ وَإِتقَانه لَكِنَّه كَانَ لَهُ رَأْي فِي القِرَاءةِ بِالشواذ الَّتِي تخَالف رسم الإِمَام فَنقمُوا عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَبَالغُوا وَعزروهُ (2) ، وَالمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيْهَا فِي الجُمْلَةِ وَمَا عَارضوهُ أَصلاً فِيْمَا أَقرأَ بِهِ ليَعْقُوْب (3) وَلاَ لأَبِي جَعْفَرٍ (4) بَلْ فِيْمَا خَرَجَ عَنِ المُصْحَف
__________
= الأدباء: 17 / 167 - 173، وفيات الأعيان: 4 / 299 - 301، العبر: 2 / 195 - 196، معرفة القراء: 1 / 221 - 225، الوافي بالوفيات: 2 / 37 - 38، مرآة الجنان: 2 / 286، 290 - 291، البداية والنهاية: 11 / 194 - 195، غاية النهاية: 2 / 52 - 56، النجوم الزاهرة: 3 / 267، شذرات الذهب: 2 / 313 - 314.
(1) انظر " معرفة القراء ": 1 / 221 - 222.
(2) " تاريخ بغداد ": 1 / 280 - 281، و" وفيات الأعيان ": 4 / 299 - 300.
(3) يعقوب بن إسحاق، أحد القراء العشرة، توفي سنة / 205 / هـ تقدمت ترجمته في الجزء العاشر برقم (30) .
(4) أبو جعفر المخزومي، يزيد بن القعقاع، أحد القراء العشرة، تابعي مشهور كبير القدر توفي سنة / 130 / تقدمت ترجمته في الجزء الخامس برقم (36) .(15/265)
العُثْمَانِيِّ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ مَطَّولاً فِي (طبقَاتِ القُرَّاء (1)) .
قَالَ أَبُو شَامَة: كَانَ الرِّفْقُ بِابْنِ شَنَبوذ أَوْلَى، وَكَانَ اعتقَالُه وَإِغلاظُ القَوْلِ لَهُ كَافياً.
وَلَيْسَ - كَانَ - بِمصيب فِيْمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، لَكِن أَخطَاؤُه فِي وَاقعَةٍ لاَ تسْقط حَقَّه مِنْ حُرْمَة أَهْلِ القُرْآنِ وَالعِلْم.
قُلْتُ: مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ أَوْ جَاوَزَهُ.
114 - عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ يَعْقُوْبَ الكِنْدِيُّ *
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو القَاسِمِ الكِنْدِيُّ الحِمْصِيُّ قَاضِيِ حِمْص.
سَمِعَ: يَزِيْدَ بن عَبْدِ الصَّمَدِ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَوْف، وَسُلَيْمَانَ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَهْرَانِي، وَعِمْرَانَ بنَ بَكَّار، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الخنَاجر الطَّرَابُلُسِي، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ الحَوْطِيَّ، وَينزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنِ ابْنِ جَوْصَا (2) وَنَحْوِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: جُمَح بنُ القَاسِمِ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى السِّمْسَار، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرُ بنُ المُقْرِئُ، وَالحَسَنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدٍ الكِنْدِيُّ، وَالقَاضِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَلَبِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) انظر " معرفة القراء ": 1 / 222.
(*) تاريخ ابن عساكر: 10 / 166 أ - 166 ب، العبر: 2 / 202، شذرات الذهب: 2 / 302 - 303.
(2) تقدمت ترجمته برقم / 8 / من هذا الجزء.(15/266)
وجَمَعَ (تَارِيْخاً) لطيفاً فِيْمَنْ نَزَلَ حِمْصَ مِنَ الصَّحَابَةِ سَمِعْنَاهُ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْخَاهُ أَنَسُ بنُ السَّلْم، وَابْنُ جَوْصَا.
قَالَ ابْنُ زَبْرٍ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعشْرين وَثَلَاث مائَة.
115 - الخَرَائِطِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوق، المُصَنِّف، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَهْل بنِ شَاكِرٍ السَّامَرِّيُّ، الخَرَائِطِيُّ.
صَاحِبُ كِتَاب (مَكَارمِ الأَخلاَقِ) ، وَكِتَابِ (مسَاوِئِ الأَخلاَق) ، وَكِتَاب (اعتلاَل القُلُوبِ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (1) .
سَمِعَ: الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَعَلِيَّ بن حَرْبٍ، وَعُمَرَ بنَ شَبَّةَ، وَسَعْدَانَ بنَ نَصْرٍ، وَسَعْدَان بن يَزِيْدَ، وَحُمَيْد بنَ الرَّبِيْعِ، وَأَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيَّ، وَأَحْمَد بنَ بُديل، وَشُعَيْبَ بنَ أَيُّوْبَ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ مُهنا الدَّرَانِي (2) ، وَمُحَمَّدُ وَأَحْمَدُ ابْنَا مُوْسَى السِّمْسَارُ، وَالقَاضِي يُوْسُف المَيَانَجِي، وَعَبْد الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي الحديدِ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) تاريخ بغداد: 2 / 139 - 140، الأنساب: 5 / 71 - 72، تاريخ ابن عساكر: 15 / 92 ب - 93 ب، معجم الأدباء: 18 / 98، العبر: 2 / 209، الوافي بالوفيات: 2 / 296 - 297، مرآة الجنان: 2 / 289، البداية والنهاية: 11 / 190، النجوم الزاهرة: 3 / 265، شذرات الذهب: 2 / 309.
(1) انظر " معجم الأدباء ": 18 / 98.
(2) نسبة إلى " داريا " وهي قرية من غوطة دمشق. وتصح النسبة إليها بإثبات النون وإسقاطها، فيقال: الداراني، والدارائي.
أنظر " الأنساب ": 5 / 243 - 244. وترجمة أبي علي في " معجم البلدان ": 2 / 432، وهو صاحب " تاريخ داريا ".(15/267)
وَحَدَّثَ بِدِمَشْقَ وَبَعَسْقَلاَنَ.
قَالَ ابْنُ مَاكُوْلا: صَنَّفَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ مِنَ الأَعيَانِ الثِّقَاتِ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ حَسَنَ الأَخْبَارِ، مَلِيحَ التَّصَانِيْف (1) .
قيل: مَاتَ بيَافَا فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
116 - ابْنُ البَاغَنْدِيِّ أَبُو ذَرٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الحَافِظُ بنُ الحَافِظ بنِ الحَافِظِ، هُوَ المُتْقِنُ الإِمَامُ أَبُو ذَر أَحْمَدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَان بن البَاغَنْدِيِّ.
سَمِعَ: عُمَرَ بنَ شَبَّةَ، وَسَعْدَانَ بنَ نَصْرٍ، وَعَلِيّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ إِشْكَابَ وَطَبَقَتهُم.
وَعَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَالمُعَافَى النَّهْرَوَانِيُّ (2) ، وَعُمَرُ بنُ شَاهِيْنٍ، وَيفضِّلونَه عَلَى أَبِيْهِ (3) .
تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
117 - أَبُو الدَّحْدَاحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ التَّمِيْمِيُّ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، أَبُو الدَّحْدَاح أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 2 / 140.
(*) تاريخ بغداد: 5 / 86، العبر: 2 / 206، الوافي بالوفيات: 8 / 125، شذرات الذهب: 2 / 307.
(2) مثلثة النون كما في " القاموس ".
(3) " تاريخ بغداد ": 5 / 86.
(* *) تاريخ ابن عساكر: 2 / 53 أ - 53 ب، العبر: 2 / 211، شذرات الذهب: 2 / 312.(15/268)
إِسْمَاعِيْلَ بنِ يَحْيَى بنِ يَزِيْدَ، التَّمِيْمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَمُوْسَى بنَ عَامِر، وَمَحْمُوْدَ بنَ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ هَاشِمٍ البَعْلَبَكِّيَّ، وَعَبْدَ الوَهَّاب بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الأَشْجَعِيَّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيَّ، وَأَبَا عُتْبَة (1) الحِجَازِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ بن عُلَيَّةَ، وَأَبَا أُمَيَّة الطَّرَسُوْسِيّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
وَكَانَ ذَا عِنَايَة وَإِتْقَانٍ، وَعُمِّرَ دَهْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ بنُ زَبْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّبَعِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ الطبَرَانِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَعَبْد الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الْحَدِيد، وَآخَرُوْنَ.
كَانَ يَسْكُنُ فِي طَرَفِ العُقَيْبَة.
وَإِليه يُنْسَبُ مَرْجُ أَبِي الدَّحْدَاح (2) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ مليئاً بِحَدِيْثِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
رَوَى عَنْ: عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابه.
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الكِلاَبِيُّ: مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي مُحَرَّمهَا، وَهُوَ مِنْ بَيْت عِلْم وَتقدُّم.
118 - خَيْرٌ النَّسَّاجُ أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ *
الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ أَبُو الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ.
__________
(1) في الأصل: أبي.
(2) تقوم حاليا على المرج مقبرة تحمل الاسم نفسه، وتقع شمالي الجامع الأموي.
(*) طبقات الصوفية: 322 - 325، حلية الأولياء: 10 / 307، تاريخ بغداد: 2 / 48 - 50، 8 / 345 - 347، الرسالة القشيرية: 25، المنتظم: 6 / 274، وفيات الأعيان: 2 / 251 - 252، العبر: 2 / 193، مرآة الجنان: 2 / 285، البداية والنهاية: 11 / 181، شذرات الذهب: 2 / 294.(15/269)
كَانَتْ لَهُ حَلْقَة يَتَكَلَّم فِيْهَا عَلَى الصُّوْفِيَّة.
صَحِبَ أَبَا حَمْزَةَ البَغْدَادِيَّ، وَالجُنَيْد، وَعُمّر نَحْو المائَة.
حَكَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عَطَاء الرُّوذْبَارِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ، وَيُقَالُ: لقِي سَرِيّاً السَّقَطِيَّ.
وَكَانَ أَسودَ اللَّوْنِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ حَجَّ، فَأَخَذَهَ رَجُلٌ بِالكُوْفَةِ (1) ، وَقَالَ: أَنْتَ عَبْدِي وَاسمُك خَيْر فَمَا نَازَعه، بَلِ انقَادَ مَعَه، ُ فَاسْتعملَه مُدَّة فِي النِّسَاجةِ، وَكَانَ اسْمه مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، ثُمَّ بَعْدَ زَمَانٍ أَطَلَقَهُ، وَقَالَ: مَا أَنْتَ عَبْدِي.
فَيُقَالُ: أُلقِي عَلَيْهِ شبه ذَاكَ العَبْد مُدَّةً (2) .
وَله أَحْوَال وَكَرَامَاتٌ.
وَكَانَ يحضُرُ السَّمَاع، سَمَاع المَشَايِخ.
تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
119 - الأَرْزُنَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ البَارِعُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَاد، الأَرْزُنَانِي (3) .
طوَّفَ الشَّام وَالعِرَاق وَأَصْبَهَان.
__________
(1) في " طبقات الصوفية ": 322 " فأخذه رجل على باب الكوفة ".
(2) انظر " حلية الأولياء ": 10 / 307 - 308.
(*) طبقات المحدثين بأصبهان الورقة 155، ذكر أخبار أصبهان: 2 / 629، الأنساب: 1 / 182، تاريخ ابن عساكر: 15 / 298 أ - 298 ب.
(3) بفتح الالف، وسكون الراء، وضم الزاي، والالف بين النونين. هذه النسبة إلى أرزنان، وهي من قرى أصبهان. " الأنساب ": 1 / 181.(15/270)
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْل سَمُّويه، وَمُحَمَّدَ بنَ غَالِب تَمْتَاماً، وَعَلِيَّ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ وَأَقْرَانَهُم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الشَّيْخ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الخَشَّاب، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مِهْرَانَ المُقْرِئ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَجَمَاعَةٌ.
مَاتَ فِيْمَا وَرَّخَه أَبُو نُعَيْمٍ: سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (1) .
قَالَ الحَاكِمُ ابْن البَيِّع: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ الشَّهِيْد، يَقُوْلُ:
مَا قَدِمَ عَلَيْنَا هَرَاة أَحَدٌ مِثْل أَبِي جَعْفَرٍ الأَرْزُنَانِي زُهْداً وَوَرَعاً وَحِفْظاً وَإِتْقَاناً - رَحِمَهُ اللهُ (2) -.
قُلْتُ: قَارب ثَمَانِيْنَ سنَةً.
120 - الجُورْجِيرِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْصٍ *
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْص، الأَصْبَهَانِيُّ الجُورْجيرِي (3) .
سَمِعَ مِنْ: إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَان الفَارِسِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَاصِمٍ الثَّقَفِيّ، وَمَسْعُوْدِ بنِ يَزِيْدَ القَطَّان، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الجُمَحِيّ، وَحَجَّاجِ بنِ قُتَيْبَةَ.
__________
(1) " ذكر أخبار أصبهان ": 2 / 269.
(2) " الأنساب ": 1 / 182 وما بين حاصرتين منه.
(*) ذكر أخبار أصبهان: 2 / 272، الأنساب: 3 / 356، العبر: 2 / 223، شذرات الذهب: 2 / 328.
(3) بضم الجيم، والراء الساكنة بعد الواو، ثم الجيم الأخرى المكسورة، وبعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها الراء.
هذه النسبة إلى " جورجير " وهي محلة كبيرة معروفة بأصبهان.(15/271)
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو إِسْحَاقَ بنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَندَة، وَعُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ البُرْجِيُّ شَيْخُ الرَّئيس الثَّقَفِيِّ، وَطَائِفَةٌ.
يَقَعُ مِنْ عَوَالِيْهِ فِي (الثَّقَفِيَّات (1)) .
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْر التِّسْعِيْنَ.
121 - ابْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى بنِ العَبَّاسِ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ النَّحْويُّ، شَيْخُ المقرِئين، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى بنِ العَبَّاسِ بنِ مُجَاهِدٍ البَغْدَادِيُّ.
مُصَنِّفُ كِتَابِ (السَّبْعَةِ (2)) .
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ مِنْ: سَعْدَان بنِ نَصْرٍ، وَالرَّمَادِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيّ وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ وَطَبَقَتِهِم.
تَلاَ عَلَى قُنْبُل، وَأَبِي الزَّعْرَاء بنِ عَبْدُوس وَأَخَذَ الحُرُوْفَ عَرْضاً عَنْ طَائِفَة، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عِلْم هَذَا الشَّأْنِ وَتصدَّر مُدَّة.
__________
(1) الاجزاء الثقفيات، هي عشرة أجزاء، لأبي عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد، الثقفي، الأصبهاني، المتوفى سنة / 489 / هـ. " الرسالة المستطرفة ": 91.
(*) الفهرست: 47، تاريخ بغداد: 5 / 144 - 148، المنتظم: 6 / 282 - 283، معجم الأدباء: 5 / 65 - 73، معرفة القراء: 1 / 216 - 218، العبر: 2 / 201، الوافي بالوفيات: 8 / 200، مرآة الجنان: 2 / 288، طبقات الشافعية: 3 / 57 - 58، البداية والنهاية: 11 / 185، غاية النهاية: 1 / 139 - 142، النجوم الزاهرة: 3 / 258، شذرات الذهب: 2 / 302.
(2) طبع بتحقيق الدكتور شوقي ضيف.(15/272)
وقرأَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ: مِنْهُم عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي هَاشِمٍ، وَأَبُو عِيْسَى بَكَّار، وَالحَسَن المُطَّوِّعِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّذَائِي، وَأَبُو الفَرَجِ الشَّنَبُوذِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ السَّامَرِّي، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ حَبَش، وَأَبُو الحُسَيْنِ عُبَيْد اللهِ بن البَوّاب، وَمَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ القَزَّاز.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ شَاهِيْنٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو بَكْر بنُ شَاذَانَ، وَأَبُو حَفْصٍ الكَتَّانِيُّ، وَأَبُو مُسْلِم الكَاتِبُ وَعِدَّةٌ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: فَاق ابْنُ مُجَاهِد سَائِر نَظَائِرِهِ مَعَ اتسَاعِ علْمه، وَبَرَاعَة فَهمه، وَصِدْق لهْجَته، وَظُهُور نُسكه (1) .
تصدَّر فِي حَيَاة مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الكِسَائِيّ (2) .
قَالَ ابْنُ أَبِي هَاشِم: قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ مُجَاهِد: لمَ لاَ تختَار لِنَفْسِك حَرْفاً؟
قَالَ: نَحْنُ إِلَى أَنْ تَعْمَلَ أَنفُسنَا فِي حِفْظِ مَا مَضَى عَلَيْهِ أَئمَّتُنَا، أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى اخْتِيَار (3) .
وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ مُجَاهِدٍ صَاحِبَ لُطف وَظَرْف يُجِيْدُ مَعْرِفَةَ الموسيقَى (4) .
وَكَانَ فِي حَلْقته مِنَ الَّذِيْنَ يَأْخذُوْنَ عَلَى النَّاسِ أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُوْنَ مُقْرِئاً (5) .
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(1) " طبقات الشافعية ": 3 / 58.
(2) مقرئ، محقق، جليل، شيخ متصدر، ثقة، ولد سنة / 189 / هـ، وتوفي سنة / 288 / على أحد الأقوال.
له ترجمة في " غاية النهاية ": 2 / 279.
(3) " طبقات الشافعية ": 3 / 58 وفيه " أن نعمل أنفسنا ".
(4) انظر " تاريخ بغداد ": 5 / 147.
(5) " غاية النهاية ": 1 / 142.(15/273)
سَمِعْتُ كِتَابَهُ بِإِسْنَادٍ عَالٍ.
وَمَاتَ مَعَ ابْنِ مُجَاهِد: عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّر الوَاسِطِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الأَشْعَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَافِظ بَقِيِّ بنِ مَخلْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ الجِيزيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نصرِ المَدِيْنِيُّ.
122 - ابْنُ الأَنْبَارِيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ بَشَّارٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ اللُّغَوِيُّ ذُو الفنُوْنِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ بَشَّارٍ بن الأَنْبَارِيِّ، المُقْرِئُ النَّحْوِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ (1) .
وَسَمِعَ فِي صِباهُ بَاعتنَاءِ أَبِيْهِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيِّ، وَإِسْمَاعِيْل القَاضِي، وَأَحْمَدَ بنِ الهَيْثَمِ البَزَّاز، وَأَبِي العَبَّاسِ ثَعْلَبٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَحمل عَنْ وَالدِه، وَأَلَّفَ الدَّوَاوِيْنَ الكِبَارَ مَعَ الصِّدْقِ وَالدِّينِ، وَسَعَةِ الحِفْظِ.
__________
(*) طبقات النحويين واللغويين: 171، الفهرست: 112، تاريخ بغداد: 3 / 181 - 186، طبقات الحنابلة: 2 / 69 - 73، الأنساب: 1 / 355، نزهة الالباء: 181 - 188، المنتظم: 6 / 311 - 315، معجم الأدباء: 18 / 306 - 313، إنباه الرواة: 3 / 201 - 208، وفيات الأعيان: 4 / 341 - 343، تذكرة الحفاظ: 3 / 842 - 844، معرفة القراء: 1 / 225 - 227، العبر: 2 / 214 - 215، الوافي بالوفيات: 4 / 344 - 345، مرآة الجنان: 2 / 294، البداية والنهاية: 11 / 196، غاية النهاية: 2 / 230 - 232، النجوم الزاهرة: 3 / 269، بغية الوعاة: 91 - 92، شذرات الذهب: 2 / 315 - 316.
(1) في " تاريخ بغداد ": 3 / 182 " سنة إحدى وسبعين ومئتين " وعلى هذا أغلب المراجع.(15/274)
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوَيَه، وَأَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الشَّذَائِيُّ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي هَاشِمٍ، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَخِي مِيمِي الدَّقَّاقِ، وَأَحْمَد بنُ مُحَمَّدِ بنُ الجَرَّاح، وَأَبُو مُسْلِم مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ القَالِيُّ: كَانَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ يَحْفَظُ فِيْمَا قِيْلَ: ثَلاَث مائَة أَلْف بَيْت شَاهدٍ (1) فِي القُرْآن (2) .
قُلْتُ: هَذَا يَجِيْءُ فِي أَرْبَعِيْنَ مُجَلَّداً.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنوُخِيُّ: كَانَ ابْنُ الأَنْبَارِيّ يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ، مَا أَمْلَى مِنْ دَفْتَرٍ قَطُّ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ: مَا رأَينَا أَحَداً أَحْفَظَ مِنِ ابْنِ الأَنْبَارِيِّ، وَلا أَغزرَ مِنْ عِلْمه (4) .
وَحدثونِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَحفظُ ثَلاثَةَ عَشَرَ صُنْدوقاً (5) .
وَقِيْلَ: كَانَ يَأْكُل القَليَّة (6) ، وَيَقُوْلُ: أَبقِي عَلَى حِفْظِي (7) .
وَقِيْلَ: إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَحْفُوظه عِشْرِيْنَ وَمائَة تَفْسِيْرٍ بِأَسَانيدهَا (8) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ابْنُ الأَنْبارِي صَدُوْقاً دَيِّناً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
__________
(1) في الأصل: شاهدا.
(2) " طبقات النحويين واللغويين ": 171.
(3) " نشوار المحاضرة ": 4 / 211.
(4) " تاريخ بغداد ": 3 / 183.
(5) " تاريخ بغداد ": 3 / 184.
(6) مرقة تتخذ من لحوم الجزور وأكبادها.
(7) " تاريخ بغداد ": 3 / 184.
(8) " نزهة الالباء ": 183.(15/275)
صَنّفَ فِي عُلُوْمِ القُرْآنِ وَالغَريبِ وَالمُشْكِل وَالوَقْفِ وَالاَبتدَاء (1) .
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ وَأَفْضَلِهُم فِي نَحْوِ الكُوْفِيّين، وَأَكْثَرِهُم حِفْظاً للُّغَةِ.
أَخَذَ عَنْ: ثَعْلبٍ، وَأَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ (2) ، وَهُوَ شابٌ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثٍ مائَة (3) .
قَالَ أَبُو الحَسَنِ العَرُوْضِي: كُنْتُ أَنَا وَابْن الأَنْبَارِيّ عِنْد الرَّاضِي بِاللهِ (4) ، فَفِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ سأَلَتْه جَارِيَةٌ عَنْ تَفْسِيْرِ شَيْءٍ مِنَ الرُّؤْيَا، فَقَالَ: أَنَا حَاقِنٌ، وَمَضَى.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، عَادَ، وَقَدْ صَارَ مُعبِّراً للرُّؤْيَا.
مَضَى مِنْ يَوْمه، فَدَرَسَ كِتَابَ (الكِرْمَانِيّ فِي التعبِير) وَجَاءَ (5) .
قُلْتُ: لَهُ كِتَابُ (الوَقْفِ وَالاَبتدَاء) ، وَكِتَابُ (المُشْكل) ، وَ (غَرِيْب الغَرِيْب النبوِي) ، وَ (شَرْح المفضَّلِيَّات) ، وَ (شَرْحُ السَّبْعِ الطِّوَال) ، وَكِتَاب (الزَّاهر) ، وَكِتَاب (الكَافي) فِي النَّحْوِ، وَكِتَابُ (اللاَّمَاتِ) ، وَكِتَاب (شَرْحِ الكَافي) ، وَكِتَابُ (الهَاءآت) ، وَكِتَاب (الأَضْدَادِ) ، وَكِتَاب (المذكَّر وَالمُؤنث) ، وَكِتَاب (رسَالَة المُشْكِلِ) يَرُدُّ عَلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالف مُصْحَفَ عُثْمَان) بِأَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا، يقضِي بِأَنَّهُ حَافِظٌ لِلْحَدِيْثِ، وَلَهُ أَمَالِي كَثِيْرَةٌ، وَكَانَ مِنْ أَفْرَاد العَالَم (6) .
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 3 / 182.
وما بين حاصرتين منه.
(2) " نزهة الالباء ": 181.
(3) " طبقات النحويين واللغويين ": 228.
(4) تقدمت ترجمته رقم / 58 / من هذا الجزء.
(5) " تاريخ بغداد ": 3 / 184.
(6) انظر " الفهرست ": 112، و" تاريخ بغداد ": 3 / 184، و" معجم الأدباء ": 18 / 312 - 313.(15/276)
وَقَالَ حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر: كَانَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ زَاهِداً مُتَوَاضعاً، حَكَى الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ حَضَرَه، فَصحف فِي اسْمٍ، قَالَ: فَأَعْظَمْتُ أَنْ يُحمل عَنْهُ وَهُمٌ (1) وَهِبْتُهُ، فَعَرَّفْتُ مُسْتَمْلِيْهِ.
فَلَمَّا حَضَرْتُ الجُمُعَة الأُخْرَى، قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ لمُسْتَمْلِيْهِ: عَرِّفِ الجَمَاعَةَ أَنَّا صحَّفنَا الاسْمَ الفُلاَنِيَّ، وَنَبَّهنَا عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّابُّ عَلَى الصَّوَاب (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ الأَنْبَارِيِّ - عَلَى مَا بَلَغَنِي - أَمْلَى (غَرِيْبَ الحَدِيْث) فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ أَلف وَرقَة.
فَإِنْ صَحَّ هَذَا، فَهَذَا الكتَابُ يَكُوْن أَزيدَ مِنْ مائَةِ مُجَلَّد.
وَكِتَاب (شَرْحِ الكَافي) لَهُ ثَلاَثُ مُجَلَّدَات كِبَار.
وَلَهُ كِتَاب (الجَاهِليَات) فِي سَبْع مائَة وَرقَة (3) .
وَقَدْ كَانَ أَبُوْهُ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ مُحَدِّثاً أَخْبَارِيّاً عَلاَّمَةً مِنْ أَئِمَةِ الأَدَبِ (4) .
أَخَذَ عَنْ: سَلَمَة بنِ عَاصِم، وَأَبِي عِكْرِمَة الضَّبِّيِّ.
__________
(1) أي: غلط.
(2) " تاريخ بغداد ": 3 / 184.
وفي هذه القصة تتجلى الروح العلمية بين أهل العلم في ذلك العصر الذهبي، فالدارقطني - رحمه الله، حين علم بخطأ ابن الأنباري لم يلجأ إلى التشهير به بين طلبته، وإنما لفت نظر مستمليه، والشيخ ابن الأنباري لم تأخذه العزة بالاثم، وإنما رجع عن الخطأ على رؤوس الاشهاد، وأمر الطلبة بإصلاحه، ونسب الفضل إلى أهله، ويا ليت طلبة العلم في هذا العصر يأخذون بهذا الأدب الإسلامي الرائع..الذي يجعل الحقيقة العلمية فوق كل اعتبار.
(3) " تاريخ بغداد ": 3 / 184.
(4) له ترجمة في " الفهرست ": 112، و" طبقات النحويين واللغويين: 228. " تاريخ بغداد ": 12 / 440 - 441، " معجم الأدباء ": 16 / 316 - 319، " انباه الرواة ": 3 / 28.(15/277)
وَله كِتَاب (خَلْقِ الإِنْسَانِ) ، وَكِتَاب (خَلْق الفَرَس) ، وَكِتَابُ (الأَمثَالِ) ، وَ (المقصورُ وَالمَمْدُوْد) ، وَ (غَرِيْب الحَدِيْث) وَأَشيَاء عِدَّة.
مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَمَاتَ ابْنه العَلاَّمَةُ أَبُو بَكْرٍ فِي لَيْلَةِ الأَضْحَى بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنْ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: العَلاَّمَةُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ القُرْطُبِيُّ صَاحِبُ (كِتَابِ العِقْدِ) عَنِ اثنينِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَكبِيرُ الشَّافِعِيَّة أَبُو سَعِيْدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ الإِصْطَخْرِيُّ بِبَغْدَادَ عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمُقْرِئ العِرَاقِ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَنَبُوذ، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ المُرْتَعِش بِبَغْدَادَ، وَالوَزِيْر أَبُو عَلِيٍّ بنُ مُقْلَةَ.
وَمُسْنِدُ نَيْسَابُوْرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الشَّرْقِيّ، وَمُسْنِدُ دِمَشْقَ أَبُو الدَّحْدَاح أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاعِيلَ التَّمِيْمِيُّ، وَمُسْنِدُ بَغْدَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ العَلاَء الجَوْزَجَانِيُّ عَنْ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَعَالِمُ نَيْسَابُوْر وَقُدْوَتهُا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيّ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ المطبقِي بِبَغْدَادَ مِنْ شُيُوْخِ ابْن جُمَيْع.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ العَلاَّنِيُّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو عتَّاب الدَّلاَّلُ، حَدَّثَنَا المُخْتَار بنُ نَافِع، حدنثَا أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكْرٍ، زوجنِي ابْنَتَه، وَنَقَلَنِي إِلَى دَار الهِجْرَةِ وَأَعْتَقَ بِلالاً، رَحِمَ اللهُ عُمَرَ يَقُوْلُ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مرّاً، تركَه الحَقُّ وَمَا لَهُ مِنْ(15/278)
صَدِيْقٍ، رَحِمَ اللهُ عُثْمَانَ تَسْتحييه المَلاَئِكَةُ، رَحِمَ اللهُ عَلِيّاً، اللَّهُمَّ أَدِر الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ) (1) .
123 - البَزْدَوِيُّ أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ المُسْنِد، أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيّ بن قَرِيْنَة (2) بن سَوِيَّة (3) البَزْدِيُّ، وَيُقَالُ: البَزْدَوِيُّ النَّسَفِيُّ دِهْقَانُ قريَة بَزْدَة (4) .
وَثَّقَهُ الأَمِيْرُ ابْنُ مَاكُوْلا.
وَقَالَ: كَانَ آخِرَ مَنْ حدَّث (بِالجَامِعِ الصَّحِيْح) عَنِ البُخَارِيّ (5) .
قَالَ الحَافِظُ جَعْفَر المُسْتَغْفِريُّ: يضعِّفون رِوَايَته مِنْ جِهَة صِغَره حِيْنَ سَمِعَ، وَيَقُوْلُونَ: وُجِدَ سَمَاعه بِخَط جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّد مَوْلَى أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ دِهْقَان تُوبَن (6) فَقَرَؤُوا كُلَّ الكِتَابِ مِنْ أَصلِ حَمَّادِ بنِ شَاكِر.
وَسَمِعَ مِنْهُ: أَهْلُ بَلَده، وَصَارتْ إِلَيْهِ الرِّحلَة فِي أَيَّامه (7) .
__________
(1) المختار بن نافع ضعيف، قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال البخاري والنسائي وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا، وأخرجه الترمذي (3714) من طريق أبي الخطاب زياد بن يحيى البصري، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد بهذا الإسناد، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمختار بن نافع شيخ بصري كثير الغرائب.
(*) الإكمال: 7 / 243، المشتبه: 1 / 33، تبصير المنتبه: 1 / 141، لسان الميزان: 6 / 100.
(2) في " المشتبه ": 1 / 65 " وقيل: مزينة ".
(3) في " الإكمال ": 7 / 243 " سويد ".
(4) قلعة على ستة فراسخ من نسف.
(5) " الإكمال ": 7 / 243.
(6) من قرى نسف انظر ترجمة جعفر بن محمد في " الأنساب ": 3 / 99.
(7) " الأنساب ": 3 / 99.(15/279)
ثُمَّ قَالَ المُسْتَغْفِريُّ: حَدَّثَنَا عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ المُقْرِئ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ.
وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قُلْتُ: هُوَ آخر مِنْ حدَّث (بِالصَّحِيْح) عَنِ المُؤلف (1) .
124 - الكُلِينِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ *
شَيْخُ الشِّيْعَة، وَعَالِمُ الإِمَامِيَّة، صَاحِبُ (التَّصَانِيْفِ) ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الرَّازِيُّ الكُلِينِي بنُوْن.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصَّيْمَرِيُّ، وَغَيْرهُ.
وَكَانَ بِبَغْدَادَ، وَبِهَا تُوُفِّيَ وَقبرُه مَشْهُوْر.
مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَهُوَ بضمِّ الكَاف، وَإِمَالَة اللاَّم.
قَيده الأَمِيْن (2) .
125 - أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ **
الإِمَامُ، المُحَدِّث، الفَقِيْه، العَلاَّمَة، الزَّاهِد، العَابِدُ، شَيْخُ خُرَاسَانَ، أَبُو
__________
(1) المصدر السابق.
(*) الفهرست للطوسي: 135 - 136، الإكمال: 7 / 186، الوافي بالوفيات: 5 / 226، لسان الميزان: 5 / 433.
وللكليني هذا كتاب الكافي وهو عند الامامية بمثابة صحيح البخاري عند أهل السنة، وفيه من المعتقدات الباطلة المفتراة على الأئمة مما لا يقول به مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، انظر على سبيل المثال الصفحات 227 و239 و258 من الجزء الأول.
(2) " الإكمال ": 7 / 186.
(* *) طبقات الصوفية: 361 - 365، الرسالة القشيرية: 26، الأنساب: 3 / 135 - 137، العبر: 2 / 214، الوافي بالوفيات: 4 / 75، مرآة الجنان: 2 / 290، طبقات =(15/280)
عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، الثَّقَفِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ الشَّافِعِيُّ الوَاعِظُ، مِنْ وَلَد الحَّجَاج.
مَوْلِدُهُ بقُهُسْتَان (1) فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
سَمِعَ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاء، وَمُوْسَى بن نَصْرٍ الرَّازِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ ملَاعِب الحَافِظ، وَمُحَمَّد بن الجَهْمِ السِّمَّرِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
سَمِعَ فِي كبره.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ الفَقِيْه، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: شَهِدْتُ جِنَازَتَه، فَلا أَذكر أَنِّي رَأَيْتُ بنَيْسَابُوْرَ مِثْلَ ذَلِكَ الجَمْعِ، وَحَضَرْتُ مَجْلِسَ وَعْظه، وَأَنَا صَغِيْرٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي دعَائِه: إِنَّك أَنْتَ الوَهَّاب الوَهَّاب الوَهَّاب (2) .
قَالَ شَيْخنَا الصِّبْغِيُّ: شمَائِل الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، أَخَذَهَا مَالِك الإِمَامُ عَنْهُم، وَأَخذهَا عَنْ مَالِكٍ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَأَخذهَا عَنْ يَحْيَى مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَخذهَا عَنِ ابْنِ نَصْر أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الفَقِيْه، يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سُرَيْج بِبَغْدَادَ، فَسَأَلنِي: عَلَى مَنْ درستَ فِقْه الشَّافِعِيّ بِخُرَاسَانَ؟ قُلْتُ:
__________
= الشافعية: 3 / 192 - 196، طبقات الأولياء: 298 - 299، النجوم الزاهرة: 3 / 267 - 268، طبقات ابن هداية الله: 60 - 62، شذرات الذهب: 2 / 315.
(1) في " الأنساب " بضم القاف والهاء، وفي " معجم البلدان ": 40 / 416 " قوهستان " بضم القاف، وكسر الهاء، وهي الجبال التي بين هراة ونيسابور.
(2) " طبقات الشافعية ": 3 / 194، وما بين حاصرتين منه.(15/281)
عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الثَّقَفِيّ.
قَالَ: لَعَلَّك تعنِي: الحَجاجِيّ الأَزْرَق؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: مَا جَاءنَا مِنْ خُرَاسَان أَفقه مِنْهُ (1) .
وَسَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الزَّاهِد، يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو عَلِيٍّ فِي عَصْره حُجَّةَ اللهِ عَلَى خَلْ?هـ.
وَسَمِعْتُ الصِّبغِيّ، يَقُوْلُ: مَا عَرَفْنَا الجَدَلَ وَالنَّظَر حَتَّى وَرَدَ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ مِنَ العِرَاقِ (2) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: لقِي أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيّ أَبَا حَفْص النَّيْسَابُوْرِيَّ، وَحمدُوْنَ القَصَّار، وَكَانَ إِمَاماً فِي أَكْثَر عُلُوْم الشَّرع، مقدَّماً فِي كُلِّ فنٍّ مِنْهُ.
عطَّل أَكْثَر عُلُوْمه، وَاشتغَل بعِلْم الصُّوْفِيَّة، وَقَعَدَ، وَتكلَّم عَلَيْهِم أَحسنَ كَلامٍ فِي عُيُوب النَّفْس، وَآفَاتِ الأَفْعَال (3) .
وَمَعَ علمه وَكَمَاله خَالفَ الإِمَام ابْنَ خُزَيْمَةَ فِي مَسَائِل التَّوفيق وَالخذلاَن، وَمسأَلَةِ الإِيْمَان، وَمسأَلة اللَّفْظِ، فَأُلزم البَيْت، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إِلَى أَنْ مَاتَ (4) وَأصَابه فِي ذَلِكَ مِحَنٌ.
وَمِنْ قَوْله: يَا مَنْ بَاعَ كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ شَيْء، وَاشْتَرَى لاَ شَيْءَ بِكُلِّ شَيْءٍ (5) .
وَقَالَ: أُفٍّ مِنْ أَشغَال الدُّنْيَا إِذَا أَقْبَلَتْ، وَأَفٍّ مِنْ حَسَرَاتهَا إِذَا أَدْبَرَتْ، العَاقل لاَ يَرْكَن إِلَى شَيْءٍ إِنْ أَقبل كَانَ شُغلاً، وَإِنْ أَدْبَرَ كَانَ حَسْرَةً (6) .
__________
(1) " الأنساب ": 3 / 136 وما بين حاصرتين منه.
(2) " العبر ": 2 / 214.
(3) " طبقات الصوفية ": 361.
(4) " الوافي بالوفيات ": 4 / 75.
(5) " طبقات الصوفية ": 364.
(6) المصدر السابق.(15/282)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُهُ، يَقُوْلُ: تَرْكُ الرِّيَاء للرِّيَاء أَقبحُ مِنَ الرِّيَاء (1) .
وَعَنْهُ قَالَ: هوذَا أَنظرُ إِلَى طَرِيْق نَجَاتِي مِثْل مَا أَنظرُ إِلَى الشَّمْس، وَلَيْسَ أَخطو خَطْوَة.
وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَكَلَّم فِي رُؤْيَة عَيْب الأَفْعَال.
مَاتَ أَبُو عَلِيٍّ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
126 - ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ المَروَانِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الأَدِيْبُ، الأَخْبَارِيُّ، صَاحِب كِتَابِ (العَقْدِ) ، أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ بنِ حَبِيْب بن حُدَيْرٍ المَروَانِيُّ مَوْلَى أَمِيْر الأَنْدَلُس هِشَام بنِ الدَّاخل الأَنْدَلُسِيّ القُرْطُبِيِّ.
سَمِعَ: بَقِيَ بن مَخْلَد، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ موثَّقاً نَبِيْلاً بَلِيْغاً شَاعِراً، عَاشَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(1) " الوافي بالوفيات ": 4 / 75.
(*) تاريخ علماء الأندلس: 1 / 38، يتيمة الدهر: 2 / 65 - 88، جذوة المقتبس: 94 - 96، بغية الملتمس: 148 - 151، معجم الأدباء: 4 / 211 - 224، وفيات الأعيان: 1 / 110 - 112، العبر: 2 / 211 - 212، الوافي بالوفيات: 8 / 10 - 14، مرآة الجنان: 2 / 295 - 296، البداية والنهاية: 11 / 193 - 194، النجوم الزاهرة: 3 / 266 - 267، بغية الوعاة: 161، شذرات الذهب: 2 / 312.(15/283)
127 - ابْنُ بِلاَلٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الشَّيْخُ، المُسْنِد، الصَّدُوْق، أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ بِلاَل النَّيْسَابُوْرِيُّ المَعْرُوْف بِالخَشَّاب، لِكَوْنِهِ يَسكن بِالخَشَّابين.
وُلِدَ فِي حَدِّ سنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن بِشْرٍ، وَأَحْمَدَ بن حَفْص، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ السُّلَمِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ الأَزْهر، وَأَحْمَدَ بن مَنْصُوْر زَاج، وَطَائِفَةً بِبَلَدِهِ، وَحَجَّ، فسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ الحَسَنِ بن مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيّ وَغَيْرِه، وَبَالكُوْفَةِ مِنْ مُوْسَى بن إِسْحَاقَ القَوَّاس الكِنَانِيّ، وَسَمَاعه مِنْهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ، وَبهمذَان مِنْ سَخْتُويَه بن مَازيَار وَغَيْره، وَبِمَكَّةَ مِنْ يَحْيَى بنِ الرَّبِيْع، وَبَحْرِ بنِ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيِّ.
وَاشْتُهِرَ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ علوُّ الإِسْنَاد.
قَالَ الخَلِيْلِيّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مَشْهُوْر، سَمِعَ مِنْهُ الكِبَار.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَة، وَعَاصِمُ بنُ يَحْيَى الزَّاهِد، وَحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ السُّتُورِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ العَلَوِيُّ، وَحَمْزَةُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الطَّبِيْب، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمِش الزِّيَادِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
ورآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِم، وَلَمْ يَقَعْ لَهُ عَنْهُ شَيْء.
وَقَالَ: تُوُفِّيَ فِي يَوْمِ عيدِ الأَضحَى سنَة ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: المَحَامِلِيُّ، وَشَيْخُ الشَّافِعِيَّة أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّيْرَفِيُّ بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْحَاب الوُجُوه، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّة أَبُو يَعْقُوْبَ إِسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّهْرَجُورِيُّ الزَّاهِدُ، وَتَبُوْك بن أَحْمَدَ السُّلَمِيّ صَاحِبُ هِشَامِ بنِ
__________
(*) الأنساب: 5 / 120، العبر: 221.(15/284)
عَمَّار، وَجَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ الدَّقَّاق الحَافِظ، وَالحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ صدَقَة الفَرَائِضيُّ الأَزْرَق، وَزَكَرِيَّا بنُ أَحْمَدَ البَلْخِيّ قَاضِي دِمَشْق، وَأَبُو هَاشِمٍ عَبْدُ الغَافِرِ بنُ سَلاَمَةَ الحِمْصِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْنُسَ القَبْرِيُّ صَاحِبُ بَقِيِّ بن مَخْلَد، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَحْمَدَ الزَّيَّات أَبُو العَبَّاسِ البَغْدَادِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْد الحَافِظ البَزَّاز، وَمُحَمَّدُ بنُ رَائِق الأَمِيْر، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَيْمَن القُرْطُبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الجُوْرجيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَرَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ لُبَابَة القُرْطُبِيّ، وَأَبُو صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ العَابِدُ، وَاسمه مُفْلح.
128 - الهِزَّانِيُّ أَبُو رَوْقٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ *
مُسْنِدُ البَصْرَة الثِّقَةُ المُعَمَّر أَبُو رَوْق، أَحْمَد بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَكْر، الهِزَّانِيُّ (1) البَصْرِيُّ.
سَمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ وَبعدهَا مِنْ: عَمْرو بن عَلِيٍّ الفَلاَّس، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ البُسْرِيِّ، وَمُحَمَّد بن النُّعْمَانِ بنِ شِبْل البَاهِلِيِّ - الضَّعيف الَّذِي رَوَى عَنْ مَالِك -، وَمَيْمُوْنَ بنِ مِهْرَانَ، وَأَحْمَدَ بنِ رَوْح، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بن بَكْرٍ الهِزَّانِي، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الجُنْدِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَأَبُو
__________
(*) الأنساب: 590 أ - 590 ب، ميزان الاعتدال: 1 / 132 - 133، العبر: 2 / 225، لسان الميزان: 1 / 256، شذرات الذهب: 2 / 329.
(1) بكسر الهاء، والزاي المشددة المفتوحة، بعدهما الالف، وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى " هزان "، وهو بطن من عتيك.
" الأنساب ": 590 أ.(15/285)
الحُسَيْن بنُ جُمَيْعَ الصّيْدَاوِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ القَاسِمِ الشَّاهد - شَيْخٌ رحَلَ إِلَيْهِ الخَطِيْبُ - وَغَيْرُهُم، وَقَدْ أَرَّخَ ابْنُ المُقْرِئ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (1) .
وَقَعَ لِي حَدِيْثُه عَالِياً فِي (مُعْجم) ابْنِ جُمَيْع.
وَقَدْ رويتُ ذَلِكَ فِي سيرَة مَالِك.
وَبَعْضُ النَّاس أَرَّخ مَوْتَه فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَوَهِمَ.
129 - ابْنُ عُبَيْدٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ البَغْدَادِيُّ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثِّقَة، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حِسَاب البَغْدَادِيُّ، البَزَّاز (2) .
سَمِعَ مِنْ: عبَّاس الدُّوْرِيّ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الحُنَيْنِيّ، وَيَحْيَى بن أَبِي طَالِبٍ، وَأَحْمَد بن أَبِي عَرْزَة، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَابْنُ جُمَيْع، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُتَيَّم وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ ثِقَةً حَافِظاً (3) عَارِفاً.
مَاتَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَان وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاس، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحَرَستَانِيُّ، أَخْبَرَنَا جمَالُ الإِسْلاَم، أَخْبَرْنَا ابْنُ طلاَّب، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُمَيع، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَزْهَر السَّمَّان عَنِ ابْنِ عَوْن، عَنْ
__________
(1) وفيها توفي كما في " الأنساب ": 590 ب.
(*) أخبار الراضي والمتقي: 230، تاريخ بغداد: 12 / 73 - 74، تذكرة الحفاظ: 3 / 836، العبر: 2 / 223، طبقات الحفاظ: 347، شذرات الذهب: 2 / 327.
(2) ستأتي ترجمته مكررة ص / 356 / من هذا الجزء.
(3) " تاريخ بغداد ": 12 / 74.(15/286)
نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَن النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اللَّهُمَّ باركْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ باركْ لَنَا فِي يَمنِنَا) .
قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟
قَالَ: (هُنَاكَ الزَّلاَزل وَالفِتَن، وَبِهَا - أَوْ قَالَ مِنْهَا - يطلعُ قَرن الشَّيْطَان) (1) .
130 - الحَامِضُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ * (2)
الشَّيْخُ، الجَلِيْل، الثِّقَة، أَبُو القَاسِمِ (3) ، عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ يَزِيْدَ، المَرْوَزِيُّ الأَصل، البَغْدَادِيُّ، وَيُعْرَفُ بحَامض رَأْسه.
__________
(1) صحيح، وأخرجه البخاري (7094) في الفتن: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: الفتنة من قبل المشرق من طريق علي بن عبد الله، عن أزهر بن سعد السمان بهذا الإسناد، وأخرجه أيضا (1037) في الاستسقاء: باب ما قيل في الزلزال والآيات من طريق محمد بن المثنى، حدثنا الحسين بن الحسن، عن ابن عون به، وأخرجه الترمذي (3953) من طريق بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان، حدثني جدي أزهر السمان.
وقوله: " في نجدنا " قال الخطابي: نجد: من جهة المشرق ومن كان بالمدينة، كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد: ما ارتفع من الأرض، خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة.
وأخرج أبو نعيم في " الحلية " 6 / 133 بإسناد صحيح من حديث ابن عمر مرفوعا " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا، وبارك لنا في صاعنا ومدنا " فقال رجل: يا رسول الله وفي عراقنا، فأعرض عنه: فقال: فيه الزلزال والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان " أخرج مسلم في " صحيحه " (2905) (50) في الفتن من طرق عن ابن
فضيل، عن أبيه، قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة، سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الفتنة تجئ من ها هنا وأومأ بيده نحو الشرق - من حيث يطلع قرنا الشيطان ".
وأخرج أحمد 2 / 143 من طريق ابن نمير، حدثنا حنظلة عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤم العراق: " ها إن الفتنة ها هنا، ها إن الفتنة ها هنا " ثلاث مرات " من حيث يطلع قرن الشيطان ".
(*) أخبار الراضي والمتقي: 213، تاريخ بغداد: 10 / 124، الأنساب: 4 / 30 - 31، المنتظم: 6 / 324، العبر: 2 / 217، شذرات الذهب: 2 / 323.
(2) في " الأنساب ": 4 / 30 " الجامغي ".
(3) في " الأنساب ": أبو الهيثم.(15/287)
سَمِعَ: سَعْدَان بنَ نَصْرٍ، وَالحَسَنَ بنَ أَبِي الرَّبِيْع، وَأَبَا يَحْيَى مُحَمَّدَ بنَ سَعِيْدٍ العَطَّار، وَأَبَا أُمَيَّة الطَّرَسُوْسِيَّ وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيه، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ، وَعُمَر بنُ شَاهِيْنٍ، وَالمُعَافَى الجُرَيْرِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ جُمَيْع.
وَنقل الخَطِيْبُ أَنَّهُ ثِقَةٌ (1) .
تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ الطَّائِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحَرَسْتَانِيّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ طلاَّب، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُمَيع، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامض بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا عِصْمَة بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ مِنَ الشِّعْر حُكْماً (2)) وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
قَالَ الحَافِظُ عُمَر الرَّوَّاسِيّ (3) :سقَطَ شَيْخُ الحَامِض.
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 10 / 124.
(2) المراد من " الحكم " هنا: الحكمة، كما في قوله سبحانه وتعالى (وآتيناه الحكم صبيا) أي: الحكمة، وكذلك قوله عزوجل (فوهب لي ربي حكما وعلما) وأخرجه الخطيب في " تاريخه " 4 / 254 و8 / 18 و14، وأبو نعيم في الحلية 7 / 269 من طرق، عن هشام بن عروة بهذا الإسناد.
وفي الباب عن أبي بن كعب عند أحمد 3 / 456 و5 / 125، والبخاري 10 / 445، 446، وأبي داود (5010) وابن ماجة (3755) بلفظ " إن من الشعر لحكمة "، وعن ابن مسعود عند الترمذي (2844) وعن أبي هريرة عند أبي نعيم في " الحلية " 8 / 309 وعن وعن ابن مسعود عند الترمذي (2844) وعن أبي هريرة عند أبي نعيم في " الحلية " 8 / 309 وعن حسان بن ثابت عند الخطيب 3 / 98، وعن ابن عباس عند أحمد 1 / 269 و273 و303 و309 و313 و327 و332، وأبي داود (5011) وابن ماجة (3756) والترمذي (2845) والخطيب 3 / 443 وعن بريدة عند أبي داود (5012) وعن عمرو بن عوف، وأبي بكر عند الطبراني.
(3) هو عمر بن عبد الكريم بن سعدويه، الدهستاني، الرواسي، الحافظ الجوال ومات سنة / 503 / هـ له ترجمة في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1237 - 1240.(15/288)
131 - الأَزْرَقُ أَبُو بَكْرٍ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ إِسْحَاقَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، أَبُو بَكْرٍ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ ابْنِ الحَافِظِ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُوْل، التَّنوخِيُّ الأَنْبَارِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ الكَاتِبُ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ مِنْ: جَدِّه، وَبِشْر بنِ مَطَر، وَالزُّبَيْر بنِ بَكَّار، وَالحَسَن بنِ عَرَفَةَ، وَيَعْقُوْب بنِ شَيْبَةَ الحَافِظ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُظَفَّر، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ جُمَيْع، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُتَيَّم، وَإِبْرَاهِيْم بن خُرَّشِيذ قُوله وَآخَرُوْنَ، حَتَّى قِيْلَ:
إِنَّ الحَافِظ أَبَا يَعْلَى المَوْصِلِيّ رَوَى عَنْهُ، وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ جَاءَ ذِكْرُ أَبِي يَعْلَى زَائِداً فِي إِسْنَاد الحَدِيْث.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَق: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
خَرَجَ عَنْ يدِي إِلَى سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ نَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ أَلف دِيْنَارٍ فِي أَبْوَاب البِرِّ (1) .
قَالَ القَاضِي أَبُو القَاسِمِ التَّنُوْخِيُّ: كَانَ يُوْسُفُ الأَزْرَق كَاتِباً جليلاً مُتصرِّفاً، وَكَانَ متخَشِّناً فِي دِيْنِهِ، أَمَّاراً بِالمَعْرُوْف (2) .
تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(*) أخبار الراضي والمتقي: 213، تاريخ بغداد: 14 / 321 - 322، الأنساب: 1 / 200 - 201، المنتظم: 6 / 325، العبر: 2 / 219، مرآة الجنان: 2 / 296، البداية والنهاية: 11 / 201، الجواهر المضية: 2 / 234، شذرات الذهب: 2 / 324.
(1) " تاريخ بغداد ": 14 / 321 - 322.
(2) المصدر السابق.(15/289)
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ البَزَّاز بهَرَاة، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ دَلُّويه الدَّقَّاق، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَالُوْيَه المُزَكِّيُّ، وَالوَزِيْر أَبُو الفَضْلِ البَلْعمِيُّ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَن الجَرَوِيّ، وَمَنْصُوْر بن مُحَمَّدٍ البَزْدَوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامِض، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيه المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ زَبْرٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظ بنُ بَدْرَان، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي مُسْلِم، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مَطَر، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيْح، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لاَ يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوْء مِنَ القَوْل إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} (1) .
قَالَ: ذَلِكَ فِي الضِّيَافَة، إِذَا أَتيتَ رَجُلاً، فَلَمْ يُضفْك، فَقَدْ رُخِّص لَكَ أَنْ تَقُولَ (2) .
132 - الفَرْغَانِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ *
شَيْخُ الصُّوْفِيَّة، الأُسْتَاذ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَرْغَانِيُّ (3)
__________
(1) النساء: 148.
(2) رواه ابن إسحاق فيما قاله ابن كثير 1 / 571 عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: هو الرجل ينزل بالرجل، فلا يحسن ضيافته، فيخرج فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن، وفي رواية: هو الضيف المحول رحله، فإنه يجهر لصاحبه بالسوء من القول، وكذا روي عن غير واحد، عن مجاهد نحو هذا.
(*) تاريخ ابن عساكر: 15 / 59 آ - 61 ب، العبر: 2 / 310، طبقات الأولياء: 302 - 305، النجوم الزاهرة: 3 / 279 - 280، شذرات الذهب: 2 / 329.
(3) بفتح الفاء، وسكون الراء، وفتح الغين المعجمة، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى " فرغانة "، وهي ولاية وراء الشاش، وراء جيحون وسيحون. " الأنساب ": 9 / 274 - 275.(15/290)
أُسْتَاذ أَبِي بَكْرٍ الدُّقِّيِّ (1) ، كَانَ مِنَ المجتهدينَ فِي العِبَادَةِ.
قَالَ الدُّقِّي: مَا رَأَيْتُ مَنْ يُظهر الغِنَى مثلَه، يَلْبَسُ قمِيصين أَبيضين، وَرِدَاءً وَسرَاويل وَنَعْلاً نظيفاً، وَعِمَامَةً، وَفِي يَدهِ مِفْتَاح، وَلَيْسَ لَهُ بَيْتٌ، بَلْ ينطرحُ فِي المَسَاجِدِ، وَيطوِي الخمسَ ليَالِي وَالسّتّ (2) .
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الرُّسْتُمِيّ: كَانَ الفَرْغَانِيُّ نسيجَ وَحْدِه، مَعَهُ كوز، فِيْهِ قَمِيْصٌ رقيقٌ، فَإِذَا أَتَى بَلَداً لَبِسَه، وَمَعَهُ مِفْتَاح منقوشٌ يطرحهُ إِذَا صَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ، يوهِم أَنَّهُ تَاجر.
عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ بَكْر: حَدَّثَنَا الدُّقِّيّ، سَمِعْتُ الفَرْغَانِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ دير طور سِينَاء، فَأَتَانِي مُطرَانهُم بِأَقوَامٍ كَأَنَّهُم نُشرُوا مِنَ القُبُوْر.
فَقَالَ: هَؤُلاَءِ يَأْكُلُ أَحَدُهُم فِي الأُسْبُوْع أَكلَة يفخرُوْنَ بِذَلِكَ.
فَقُلْتُ: كم صَبْرُ كبيرِكُم هَذَا؟
قَالُوا: ثَلاَثِيْنَ يَوْماً.
فَقَعدتُ فِي وَسطِ الدَّير أَرْبَعِيْنَ يَوْماً لَمْ آكل وَلَمْ أَشربْ (3) .
فَخَرَجَ إِلَيَّ مُطْرَانهُم وَقَالَ: يَا هَذَا قُمْ، أَفسدتَ قُلُوْبَ هَؤُلاَءِ.
فَقُلْتُ: حَتَّى أُتِمَّ سِتِّيْنَ يَوْماً، فَأَلَحُّوا فَخَرَجت (4) .
تُوُفِّيَ الفَرْغَانِيُّ سَنَة إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
__________
(1) هو محمد بن داود، الدقي، من كبار الصوفية، توفي بالشام سنة / 360 / هـ. انظر " طبقات الصوفية ": 448 - 450.
(2) " طبقات الأولياء ": 303.
(3) لا يعقل أن يبقى الإنسان حيا إذا امتنع أربعين يوما عن الطعام والشراب، وقد شاهدنا في عصرنا غير واحد قد صام أربعين يوما عن الطعام دون الشراب طلبا للاستشفاء، وتحت إشراف الاطباء، وسواء أصحت هذه الحكاية أم لم تصح، فليس هذا مما يحمده الإسلام ويرغب فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ويفطر.
(4) " النجوم الزاهرة ": 3 / 279 - 280، وما بين حاصرتين منه.(15/291)
133 - البَلْعَمِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ *
الوَزِيْرُ الكَامِلُ، الإِمَامُ، الفَقِيْه، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءٍ، التَّمِيْمِيّ البَلْعَمِيُّ البُخَارِيُّ مِنْ رِجَال العَالَم.
سَمِعَ: أَبَا الموجَّه (1) مُحَمَّدَ بنَ عَمْرٍو، وَالفَقِيْه مُحَمَّدَ بنَ نَصْر، فَأَكْثَرَ عَنْهُ وَلاَزمه مُدَّة.
وَكَانَ عَلَى مَذْهَبه.
وَبَرَعَ فِي التَّرَسُّل، وَفَاقَ أَهْل زَمَانِهِ، وَنَال مِنَ التقدُّم وَالرِّيَاسَة أَعْلَى الرُّتب.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَة.
ووزَرَ لصَاحِب مَا وَرَاء النَّهر إِسْمَاعِيْل بنِ أَحْمَدَ (2) .
وَكَانَ جَدُّ الوَزِيْر (3) قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى بَلَد بَلْعَم، وَهِيَ مِنْ بلاَدِ الرُّوْم حِيْنَ دَخَلَ تِلْكَ الأَرْض الأَمِيْرُ مَسْلمَةُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، فَأَقَامَ بِهَا وَكَثُرَ نسلُه (4) بِهَا.
وَللوَزِيْر كِتَاب (تَلْقِيح البلاغَة) ، وَلَهُ كِتَاب (المقَالات) وَغَيْرُ ذَلِكَ.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
134 - الخَصِيبِيُّ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ **
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ابنِ الوَزِيْر أَحْمَدَ بنِ الخَصِيب الجَرجرَائِيّ، الكَاتِبُ،
__________
(*) الإكمال: 7 / 278، الأنساب: 2 / 291 - 292، الكامل: 8 / 378، العبر: 2 / 218، الوافي بالوفيات: 4 / 5، شذرات الذهب: 2 / 324.
(1) ضبطت في الأصل بكسر الجيم والصواب فتحها، كما في " المشتبه " 2 / 500 و619، و" توضيح المشتبه " 3 / الورقة 28.
(2) ووزر أيضا للملك السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل، المتوفى سنة / 331 / هـ انظر " الكامل ": 8 / 378، وقد صحف فيه اسم الوزير إلى " محمد بن عبد الله البلغمي ".
(3) رجاء بن معبد.
(4) انظر " الإكمال ": 7 / 278.
(* *) أخبار الراضي والمتقي: 143، الأنساب: 5 / 137، الكامل: 8 / 158 وما =(15/292)
مُعْرِقٌ فِي الوِزَارَة، وَزَرَ لِلْمُقْتَدِر، ثُمَّ لِلْقَاهر (1) .
وَكَانَ مَهِيْباً شَدِيدَ الوَطْأَة، مَخُوفَ الجَانب، وَكَانَ أَدِيْباً شَاعِراً مترسّلاً فَصِيْحاً، مليحَ الْخط، ذَا عِفَّة.
أَهدَى لَهُ أَمِيْرٌ مرَّة مائَة أَلْف دِيْنَار فَرَدَّهَا.
وَكَانَ يشرب النَّبِيذ، وَيتنعَّم، ثُمَّ عُزل، وَصُودر وَضَاق ذَات يَده.
مَاتَ بِالسَّكْتَة سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ.
135 - البَلْخِيُّ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بنُ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى *
العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، قَاضِي دِمَشْق، أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بنُ أَحْمَدَ بنِ المُحَدِّثِ يَحْيَى بن مُوْسَى خَتّ البَلْخِيُّ الشَّافِعِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، وَابْن (2) أَبِي عَوْف البُزُورِيِّ، وَعَبْد الصَّمَدِ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيّ، وَمُحَمَّد بن سَعْدٍ العَوْفِيّ، وَطَبَقَتهِم.
وَعَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْنَا أَبِي دُجَانَة، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ، وَعَبْدُ الوَهَّاب الكِلاَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ ابْنِ أَبِي الْحَدِيد، وَآخَرُوْنَ.
وَهُوَ صَاحِبُ وَجْهٍ فِي المَذْهَب، تكرَّر ذِكْرهُ فِي (المُهذّب) وَ (الْوَسِيط) .
__________
= بعدها، الفخري: 328، العبر: 2 / 211، الوافي بالوفيات: 7 / 168 - 169.
(1) انظر " الكامل ": 8 / 262.
(*) العبر: 2 / 222، طبقات الشافعية: 3 / 298 - 299، قضاة دمشق: 28، طبقات ابن هداية الله: 64، شذرات الذهب: 2 / 326 - 327.
(2) ساقطة في الأصل.
انظر " الأنساب ": 2 / 198.(15/293)
وَمِنْ غرَائِبه أَنَّ القَاضِي إِذَا أَرَادَ نِكَاحَ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهَا، لَهُ أَنْ يتولَّى طرفَي العَقْد، يُقَال: إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِدِمَشْقَ (1) .
وَعَنْهُ قَالَ: لَوْ شَرط فِي القِرَاض أَنْ يعملَ ربُّ المَال مَعَ العَامل جَاز (2) .
حَكَاهُ عَنْهُ العَبَّادِيُّ فِي كِتَاب (الرّقم) .
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
136 - عَبْدُ الغَافرِ بنُ سَلاَمَةَ أَبُو هَاشِمٍ الحَضْرَمِيُّ *
المُحَدِّثُ، الحُجّة، أَبُو هَاشِمٍ الحَضْرَمِيُّ، الحِمْصِيُّ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ.
حدَّث بِمدَائِن عَنْ: كَثِيْر بنِ عُبَيْد، وَيَحْيَى بن عُثْمَانَ.
وَعَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ شَاهِيْنٍ، وَابْنُ جَامِع الدَّهَّان، وَابْنُ الصَّلْت الأَهْوَازِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الهَاشِمِيّ، وَابْنُ جُمَيْع.
وَثَّقَهُ الخَطِيْب (3) .
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
137 - ابْنُ حُجْرٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ الرَّقِّيُّ **
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، الرَّحَّالُ، أَبُو الطَّيِّبِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَيُّوْبَ بنِ حُجْرٍ الرَّقِّيّ، ثُمَّ الصُّوْرِيُّ.
__________
(1) " طبقات الشافعية ": 3 / 298 - 299.
(2) " قضاة دمشق ": 28.
(*) تاريخ بغداد: 11 / 136 - 138، تاريخ ابن عساكر: 10 / 203 آ - 203 ب، المنتظم: 6 / 328، العبر: 2 / 222، شذرات الذهب: 2 / 327.
(3) " تاريخ بغداد ": 11 / 136.
(* *) تاريخ ابن عساكر: 12 / 257 آ.(15/294)
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَمُؤَمَّل بنَ إِهَابٍ (1) ، وَيُوْنُس بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَالرَّبِيْع بنَ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَوْفٍ الطَّائِيّ، وَعِدَّة.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المَلَطِيُّ، وَأَحْمَد بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ البَرْذَعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْب القَطَّان، وَأَحْمَدُ بنُ مُزَاحِم الصُّوْرِيّ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ جُمَيْع، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ عَسَاكِر (2) .
وَأَرَّخَهُ فِي سَنَةِ بِضْع وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ مُحَمَّدُ بنُ الذَّهَبِيّ فِي (تَارِيْخِهِ) .
138 - الدَّبَّاجُ أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ بنِ حَبِيْبٍ *
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، العَالِمُ، أَبُو الفَضْلِ العَبَّاس بنُ الفَضْلِ بنِ حَبِيْب السَّامرِيِّ، المَعْرُوْف بِالدَّبَّاج (3) .
أَكْثَر الرِّحْلَةَ، وَرَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيِّ وَطَبَقَتِهِمَا.
وَعَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى السِّمْسَار، وَعَبْدُ الوَهَّاب الكِلاَبِيّ، وَابْن جُمَيْع الصَّيْدَاوِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ الرَّازِيّ: هُوَ شَيْخٌ حَافِظ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِدِمَشْقَ.
__________
(1) في الأصل: يهاب، وهو تصحيف.
(2) " تاريخ ابن عساكر ": 12 / 257 آ.
(*) تاريخ بغداد: 12 / 153، تاريخ ابن عساكر: 8 / 482 ب، تهذيب ابن عساكر: 7 / 251 - 252.
(3) في " تاريخ بغداد ": 2 / 153: الذباح.(15/295)
139 - الجَصَّاصُ يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الوَاعِظُ، أَبُو يُوْسُفَ يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ البَغْدَادِيُّ، الجَصَّاصُ (1) ، الدَّعَّاءُ.
سَمِعَ: أَبَا حُذَافَة أَحْمَدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ السَّهْمِيَّ، وَحَفْصَ بنَ عَمْرٍو الرَّبَالِيَّ، وَحُمَيْد بن الرَّبِيْعِ، وَعَلِيَّ بن إِشكَاب، وَعَلِيَّ بنَ عَمْرٍو الأَنْصَارِيَّ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحِنَّائِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن زنجِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ جُمَيْع، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: فِي حَدِيْثِهِ وَهْم كَثِيْرٌ (2) .
تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ بِبَغْدَادَ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَذِير، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ بنُ طَلاَّب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بِصَيْدَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَاعِظ، حَدَّثَنَا حُمَيْد بن الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاث، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عُبَيْدَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اقرأْ عَلَيَّ سُوْرَة النِّسَاء) .
قُلْتُ: أَقرأُ عَلَيْك، وَعَلَيْك أُنْزِلَ؟!!
قَالَ: (إِنِّيْ أَشتهِي أَسمعه مِنْ غَيْرِي) . فَقَرَأْتُ
__________
(*) تاريخ بغداد: 14 / 294، العبر: 2 / 227، ميزان الاعتدال: 4 / 453، لسان الميزان: 6 / 308 - 309، شذرات الذهب: 2 / 331.
(1) بفتح الجيم، والصاد المشددة المهملة، وفي آخرها صاد أخرى، هذه النسبة إلى العمل بالجص، وتبييض الجدران.
" الأنساب ": 3 / 260.
(2) " تاريخ بغداد ": 14 / 294.(15/296)
حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْله: {فكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أَمَّةٍ بشَهِيْدٍ، وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيْداً) [النسَاء:41] .
قَالَ: فسَالتْ عينَاهُ، فَسَكَتُّ (1) .
وَمَاتَ فِيْهَا: شَيْخُ الصُّوْفِيَّة عَبْد اللهِ بن مُنَازل النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ الصَّائِغ، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّة أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الفَرْغَانِيّ، وَالمُحَدِّثُ بَكْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ التِّنِّيْسِيّ، وَحَبْشُون بن مُوْسَى الخَلاَّل، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ بن شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَد العَطَّار، وَهَنَّاك بنُ السَّرِيّ الصَّغِيْر، وَصَاحِبُ خُرَاسَانَ نَصُر بنُ أَحمد.
__________
(1) وأخرجه البخاري (4582) في التفسير: باب (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) و (5055) في فضائل القرآن: باب البكاء عند القرآن من طريق صدقة بن الفضل، عن يحيى القطان، عن سفيان الثوري، عن الأعمش بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (800) من طريق حفص بن غياث، وإنما بكى صلى الله عليه وسلم رحمة لامته، لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيما، فقد يفض إلى تعذيبهم، وعلي بن مسهر، كلاهما عن الأعمش به.(15/297)
الطَّبَقَةُ التَّاسِعَةَ عَشرَةَ
140 - الوَزِيْرُ العَادلُ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى بنِ دَاوُدَ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، الوَزِيْرُ، العَادِلُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى بنِ دَاوُدَ بنِ الجَرَّاحِ البَغْدَادِيُّ الكَاتِبُ.
وزر غَيْرَ مَرَّةٍ لِلْمُقْتَدِر (1) ، وَلِلْقَاهِرِ (2) ، وَكَانَ عَدِيْمَ النَّظير فِي فَنِّهِ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمَائِتين.
سَمِعَ: حُمَيْد بنَ الرَّبِيْعِ، وَالحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ بُديل القَاضِي، وَعُمَر بن شَبَّةَ النُّمَيْرِيَّ، وَطَائِفَةً.
__________
(*) إعتاب الكتاب: 186 - 189، الفهرست: 186، تحفة الامراء: 281 - 364، تاريخ بغداد: 12 / 14 - 16، تاريخ ابن عساكر: 12 / 244 آ - 246 آ، المنتظم: 6 / 351 - 355، معجم الأدباء: 14 / 68 - 73، الكامل: 8 / 174 و183 و185 و405 و465.
ما بعدها الفخري: 236، العبر: 2 / 238، مرآة الجنان: 2 / 316 - 317، البداية والنهاية: 11 / 217 - 218، النجوم الزاهرة: 3 / 288 - 289، شذرات الذهب: 2 / 336.
(1) في الأصل: للقادر، وهو وهم.
إذ بويع القادر سنة / 381 / هـ، ومات الوزير علي بن عيسى سنة / 334 هـ انظر كامل ابن الأثير 8 / 9 و17 و68 و164، ومعجم الأدباء: 14 / 68.
(2) " تاريخ بغداد ": 12 / 14، و" المنتظم ": 6 / 351، وقد أراده الراضي بالله بن المقتدر على الوزارة، فامتنع لكبره وعجزه وضعفه " الكامل " 8 / 282.
وانظر وزراء القاهر في الفخري: 244، و" الكامل ": 8 / 244 وما بعدها.(15/298)
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ عِيْسَى، وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيّ، وَأَبُو الطَّاهِرِ الذُّهْلِيُّ، وَغَيْرُهُم.
كَانَ عَلَى الحَقِيْقَةِ غنيّاً شَاكِراً، ينطوِي عَلَى دينٍ مَتِين وَعِلْم وَفَضْل.
وَكَانَ صَبُوْراً عَلَى المِحَنِ.
وَلله بِهِ عنَايَة، وَهُوَ القَائِلُ يُعزِّي وَلَدَي القَاضِي عُمَر بنِ أَبِي عُمَرَ القَاضِي فِي أَبِيْهِمَا: مُصيبَةٌ قَدْ وَجَبَ أَجْرُهَا خَيْرٌ مِنْ نِعْمَةٍ لاَ يُؤدَّى شُكْرُهَا (1) .
وَكَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - كَثِيْر الصَّدَقَاتِ وَالصَّلَوَاتِ، مَجْلِسهُ موفورٌ بِالعُلَمَاءِ.
صَنّفَ كِتَاباً فِي الدُّعَاءِ وَكِتَابَ (مَعَانِي القُرْآنِ) أَعَانَه عَلَيْهِ ابْنُ مُجَاهِد المُقْرِئ، وَآخر.
وَلَهُ دِيْوَانُ رسَائِلِه (2) ، وَكَانَ مِنْ بُلَغَاءِ زَمَانِهِ، وَزَرَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِ مائَةٍ أَرْبَعَة أَعْوَام، وَعُزل ثُمَّ وَزر سنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ (3) .
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لاَ أَعْلَمُ أَنَّهُ وَزَرَ لِبَنِي العَبَّاسِ مثلُه فِي عِفَّتِهِ وَزُهْدِه وَحِفْظِه لِلْقرآنِ، وَعِلْمِهِ بِمعَانيه، وَكَانَ يَصُوْمُ نهَارَه، وَيَقُوْمُ ليلَه، وَمَا رَأَيْتُ أَعرَفَ بِالشِّعْرِ مِنْهُ، وَكَانَ يجلِسُ لِلْمظَالِم، وَيُنصِفُ النَّاس، وَلَمْ يَرَوا أَعفَّ بطناً وَلِسَاناً وَفَرْجاً مِنْهُ، وَلَمَّا عُزِلَ ثَانياً، لَمْ يَقنع ابْنُ الفُرَاتِ حَتَّى أَخرَجَه عَنْ بَغْدَادَ، فجَاوَرَ بِمَكَّةَ (4) .
وَله فِي نَكْبَتِهِ:
__________
(1) " معجم الأدباء ": 14 / 73.
(2) انظر " الفهرست ": 186، و" معجم الأدباء ": 14 / 68.
(3) انظر " الكامل ": 8 / 68، و163.
(4) " معجم الأدباء ": 14 / 69.(15/299)
وَمَنْ يَكُ عَنِّي سَائِلاً لِشَمَاتَةٍ ... لِمَا نَابَنِي أَوْ شَامِتاً غَيْرَ سَائِلِ
فَقَدْ أَبْرَزَتْ مِنِّي الخُطُوبُ ابْنَ حُرَّةٍ ... صَبُوْراً عَلَى أَحْوَال (1) تِلْكَ الزَّلازِلِ
إِذَا سُرَّ لَمْ يَبْطَرْ وَلَيْسَ لِنَكْبَةٍ ... إِذَا نَزَلَتْ بِالخَاشِعِ المُتَضَائِلِ (2)
وَقَدْ أَشَارَ عَلَى المقتدِر، فَأَفلَحَ، فَوَقَفَ مَا مغَلُّه فِي العَام تِسْعُوْنَ أَلف دِيْنَار عَلَى الحَرَمَيْنِ وَالثُّغُوْرِ، وَأَفْرَدَ لهَذِهِ الوُقُوْفِ دِيْوَاناً سَمَّاهُ دِيْوَانَ البِرِّ (3) .
قَالَ المُحَدِّثُ أَبُو سَهْلٍ القَطَّان (4) :كُنْتُ مَعَهُ لَمَّا نُفِيَ بِمَكَّةَ فَدَخَلْنَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَقَدْ كِدْنَا نتلف، فطَافَ يَوْماً، وَجَاءَ فرمَى بنَفْسِهِ، وَقَالَ: أَشتهِي عَلَى اللهِ شربَةَ مَاءٍ مثلوجٍ.
قَالَ: فَنَشَأَتْ بَعْد سَاعَةٍ سحَابَةٌ وَرَعَدَتْ، وَجَاءَ بَرَد كَثِيْرٌ جمع مِنْهُ الغِلْمَانُ جِرَاراً.
وَكَانَ الوَزِيْرُ صَائِماً، فَلَمَّا كَانَ الإِفْطَارُ جِئْتُه بِأَقدَاحٍ مِنْ أَصنَافِ الأَسْوقَة فَأَقبل يسقَي المجَاورينَ، ثُمَّ شَرِبَ وَحَمِدَ اللهَ وَقَالَ: ليتَنِي تمنَّيْتُ المَغْفِرَة (5) .
وَكَانَ الوَزِيْر متوَاضعاً، قَالَ: مَا لَبِسْتُ ثوباً بِأَزيد مِنْ سَبْعَة ِدَنَانِيْر (6) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عِيْسَى الوَزِيْر، يَقُوْلُ:
كَسَبْتُ سَبْع مائَة أَلْف دِيْنَار، أَخرجت مِنْهَا فِي وُجُوه البِرِّ سِتّ مائَة أَلْف وَثَمَانِيْنَ أَلْفاً (7) .
قُلْتُ: وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ فِي أَمَالِي وَلدِهِ.
__________
(1) في " معجم الأدباء ": أهوال.
(2) انظر " معجم الأدباء ": 14 / 70.
(3) المصدر السابق.
(4) ستأتي ترجمته رقم / 299 / من هذا الجزء.
(5) " تاريخ بغداد ": 12 / 14 - 15، وما بين حاصرتين منه.
(6) " تاريخ بغداد ": 12 / 16.
(7) " تاريخ بغداد ": 12 / 16.(15/300)
تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً.
141 - المَطِيْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ المَطِيرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الصَّيْرَفِيُّ، مِنْ أَهْلِ مَطِيرَةِ سَامَرَّاءَ.
نَزَلَ بَغْدَاد، وَحَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ بنِ عَرَفَة، وَعَلِيِّ بنِ حَرْب الطَّائِيّ، وَعَبَّاس الدُّوْرِيّ، وَابْنِ عَفَّان العَامِرِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ شَاهِيْن، وَابْن جُمَيْع، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الصَّلْت، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ (1) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ لاَطخ التِّسْعِيْنَ.
142 - الصُّوْلِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ **
العَلاَّمَةُ، الأَدِيْبُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ صُولٍ الصُّوْلِيُّ، البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
__________
(*) تاريخ بغداد: 2 / 145 - 146، الأنساب: 534 ب، المنتظم: 6 / 355، العبر: 2 / 241، شذرات الذهب: 2 / 339.
(1) " تاريخ بغداد ": 2 / 145.
(* *) معجم الشعراء: 431، الفهرست: 215 - 216، تاريخ بغداد: 3 / 427 - 432، الأنساب: 8 / 110 - 111، نزهة الالباء: 188 - 190، المنتظم: 6 / 359 - 361، معجم الأدباء: 19 / 109 - 111، إنباه الرواة: 3 / 233 - 236، وفيات الأعيان: 4 / 356 - 361، العبر: 2 / 241 - 242، الوافي بالوفيات: 5 / 190 - 192، مرآة الجنان: 2 / 319 - 325، البداية والنهاية: 11 / 219 - 220، لسان الميزان: 5 / 427 - 428، النجوم الزاهرة: 3 / 296، شذرات الذهب: 2 / 339 - 342.(15/301)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيِّ، وَثَعْلَبٍ، وَالمُبَرِّدِ، وَأَبِي العَيْنَاء، وَخَلْقٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ حَيُّوْيَه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الجُنْدِيّ، وَعَلِيُّ بنُ القَاسِمِ، وَابْنُ جُمَيْع، وَأَبُو أَحْمَدَ الفَرَضِيّ، وَالحُسَيْنُ الغَضَائِرِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَلَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ وَكَثْرَةُ الاطِّلاَعِ.
نَادَمَ جَمَاعَةً مِنَ الخُلَفَاءِ، وَكَانَ حُلوَ الإِيرَاد، مَقْبُوْلَ القَوْلِ، حسَنَ الْمُعْتَقد، خَرَجَ عَنْ بَغْدَاد لإِضَاقَة لحِقَتْهُ بِأَخَرَة، وَلَهُ جُزء سمِعنَاهُ، وَكَانَ جدُّهُم صُول مَلِكَ جُرْجَان (1) .
تُوُفِّيَ الصُّوْلِيُّ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْم أَنَّ الصُّوْلِيّ نَادَمَ الرَّاضِي، وَكَانَ أَوَّلاً يُعَلِّمه، وَكَانَ أَلعَبَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالشَّطْرَنجِ، وَيُضْرَبُ بِهِ المَثَل (2) .
تُوُفِّيَ بِالبَصْرَةِ مستتراً، لأَنَّه رَوَى خَبَراً فِي حقِّ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلاَم، فَطَلَبَتْهُ العَامَّة لِتَقْتُلَه (3) .
وَالصُّوْلِيُّ الكَبِيْرُ إِبْرَاهِيْمُ بنُ العَبَّاسِ الأَدِيْبُ (4) هُوَ أَخُو عَبْدِ اللهِ جَدِّ أَبِي بَكْرٍ هَذَا.
وَفِيْهَا: تُوُفِّيَ العَبَّاس بنُ القَاصّ شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَر
__________
(1) أسلم والتحق بيزيد بن المهلب بن أبي صفرة، وقد قتله مسلمة بن عبد الملك يوم العقر مع يزيد، وذلك سنة / 102 / هـ انظر " تاريخ جرجان ": 194، و" الكامل ": 5 / 79 - 89.
(2) " الفهرست ": 215.
(3) " وفيات الأعيان ": 4 / 360، وما بين حاصرتين منه.
(4) له ترجمة في " الاغاني ": 10 / 43 - 68.(15/302)
المَطِيرِي، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَمْزَةُ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ مَهْرويه القَزْوِيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ حَفْص السِّمْسَار الزَّاهِد.
143 - الأَثْرَمُ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمَّادِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَغْدَادِيُّ، الأَثْرَمُ (1) ، هَكَذَا نَسَبَه جَمَاعَةٌ.
سَمِعَ: الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَحُمَيْدَ بنَ الرَّبِيْعِ، وَبِشْر بنَ مَطَر، وَعَلِيّ بنَ حَرْبٍ، وَالعَبَّاس بنَ عَبْدِ اللهِ التَّرْقُفِيَّ وَطَائِفَة.
وَانتخب عَلَيْهِ عُمَر البَصْرِيُّ الحَافِظ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُظَفَّر، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ الكَتَّانِيُّ، وَابْن جُمَيْع، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَعَلِيُّ بنُ القَاسِمِ النَّجَّاد، وَأَبُو عُمَرَ الهَاشِمِيّ، وَطَائِفَةٌ.
سكن البَصْرَةَ، وَحملُوا عَنْهُ.
مَوْلِدُهُ بِسَامَرَّاء سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَعَ لِي حَدِيْثُه فِي (مُعْجم) الصَّيْدَاوِيّ.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّم بنُ مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَةٌ إِذْناً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْن
__________
(*) تاريخ بغداد: 1 / 263 - 265، الأنساب: 1 / 134 - 135، المنتظم: 6 / 359، العبر: 2 / 243، الوافي بالوفيات: 2 / 40، مرآة الجنان: 2 / 325، شذرات الذهب: 2 / 343.
(1) بفتح الالف، وسكون الثاء المثلثة، وفتح الراء، وفي آخرها الميم، هذه النسبة لمن كانت سنه مفتتة. " الأنساب ": 1 / 134.(15/303)
الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الهَاشِمِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَثْرَم سنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى السُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِم، عَنْ خَالِدٍ وَهَاشِم، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لاَ تلقُوا الجلَب، مَنْ تَلقَّى جلباً، فصَاحِبُه بِالخيَار إِذَا دَخَلَ السُّوق (1)) .
فِيْهَا (2) مَاتَ: المُعَمَّر أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَعْقِل المَيْدَانِيّ النَّيْسَابُوْرِيُّ رَاوِي جُزْء الذُّهْلِيّ عَنْهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَكِيمِيُّ الكَاتِب - لقِي زَكَرِيَّا المَرْوَزِيَّ -، وَأَبُو عَمْرٍو زَيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَلَف المِصْرِيُّ صَاحِبُ يُوْنُسَ بنِ عَبْدِ الأَعْلَى، وَحَاجِبُ بنُ أَحْمَدَ الطُّوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ أَبُو طَاهِرٍ المُحَمَّد اباذِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي.
144 - المُحَمَّدَ ابَاذِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المفسِّرُ، مُسنِد خُرَاسَانَ، أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، المُحَمَّد اباذِيُّ (3) ، الأَدِيْبُ.
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1519) (17) والنسائي 7 / 257، وابن ماجة (2178) من طرق، عن ابن جريج حدثني هشام بن حسان القردوسي عن ابن سيرين بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد 2 / 403، والترمذي (1221) من طريقين عن عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن ابن سيرين به، وأخرجه أحمد 2 / 284 من طريق معمر عن أيوب به.
(2) أي سنة ست وثلاثين وثلاث مئة.
(*) الأنساب: 512 آ، العبر: 2 / 243 - 244، الوافي بالوفيات: 2 / 373، مرآة الجنان: 2 / 325، شذرات الذهب: 2 / 343.
(3) بضم الميم الأولى، وفتح الثانية، بينهما الحاء المهملة، وبعدها الدال المهملة، ثم الباء المنقوطة بواحدة بين الالفين، وفي آخرها الذال المعجمة، هذه النسبة إلى محمد اباذ، وهي محلة خارج نيسابور. " الأنساب ": 512 آ.
وستأتي ترجمته مكررة برقم / 165 / من هذا الجزء.(15/304)
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ السُّلَمِيّ، وَعَلِيَّ بنَ الحَسَنِ الهلاَلِيَّ، وَحَامِدَ بن مَحْمُوْد، وَطَائِفَة.
وَفِي رِحْلَتِهِ مِنْ: يَحْيَى بنِ جَعْفَرٍ، وَعَبَّاس الدُّوْرِيّ، وَمُحَمَّد بنِ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيِّ، وَكَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ مَنْدَة، وَابْن مَحْمِش، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: اختلَفْتُ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سنَةٍ، وَلَمْ أَصلْ إِلَى حرف مِنْ سَمَاعَاتِي مِنْهُ.
وَقَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْر (1) .
وَسَمِعْتُ أَبَا النَّضْر الفَقِيْه، يَقُوْلُ: كَانَ الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ إِذَا شَكَّ فِي اللُّغَةِ لاَ يرجِعُ فِيْهَا إِلاَّ إِلَى أَبِي طَاهِرٍ المُحَمَّد اباذِيِّ (2) .
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ نيَّفَ عَلَى التِّسْعِيْنَ.
وَكَانَ مِنْ أَعيَان الثِّقَات العَالِمِينَ بِمَعَانِي التنَزِيْل، وَبَالأَدب.
يَقَعُ حَدِيْثُهُ فِي (الثَّقَفِيَّات) (3) ، وَغيرِهَا.
145 - الفَرَّاءُ أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ سَعِيْدِ بنِ مُوْسَى *
الإِمَامُ، مُفِيْدُ هَمَذَان، أَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ سَعِيْدِ بن مُوْسَى الهَمَذَانِيُّ.
__________
(1) " الأنساب ": 512 آ.
(2) المصدر السابق.
(3) انظر ص / 272 / تعليق / 1 / من هذا الجزء.
(*) تاريخ بغداد: 13 / 59.(15/305)
رَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الصَّائِغ، وَبَشِيْر بنِ مُوْسَى، وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ اللهِ الكَرَابيسِيّ، وَابْن الضُّرَيْس، وَعَبْد اللهِ بنِ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ الأَشَجِّ وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زُرْعَةَ القَزْوِيْنِيُّ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ صَالِح: ثِقَةٌ صَدُوْقٌ مُتْقِنٌ، يحسِن هَذَا الشَّأْن.
وَقَالَ الخَلِيْلِيّ: ثِقَةٌ عَالِمٌ.
وَمَا وَرَّخَا مَوْتَه.
146 - ابْنُ مَمَّكَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَدِيْنِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَكِيْمٍ المَدِيْنِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ مَمَّكَ، مُحَدِّثٌ، رحَّالٌ، صَدُوْقٌ.
سَمِعَ بِالرَّيّ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمِ بنِ وَارَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: يَحْيَى بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَبِطَرَابُلُس مِنْ: أَحْمَدَ بنِ أَبِي الخنَاجر.
وَبحَلَب مِنْ: أَبِي أُسَامَةَ عَبْد اللهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الشَّيْخ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَة، وَعَلِيُّ بنُ مِيلَة الفَرَضِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُولَة، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى بنِ مَرْدَوَيْه، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ عَالِماً أَدِيْباً فَاضِلاً، حَسَنَ المَعْرِفَة بِالحَدِيْثِ (1) .
__________
(*) ذكر أخبار أصبهان: 1 / 122، تاريخ ابن عساكر: 2 / 51 ب، العبر: 2 / 229 - 230، 233 - 234.
(1) " ذكر أخبار أصبهان ": 1 / 122.(15/306)
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ بِأَصْبَهَانَ.
وَقَلَّ مَا رُوِيَ عَنْ أَهْل بَلَدِه.
147 - اللُؤْلُؤِيُّ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَمْرٍو *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَمْرٍو البَصْرِيُّ، اللُّؤْلُؤيُّ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، وَيُوْسُفَ بن يَعْقُوْبَ القلوسِيِّ، وَالحَسَن بن عَلِيِّ بنِ بَحْر، وَالقَاسِمِ بنِ نَصْرٍ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ القَزْوِيْنِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الجَبَلِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو عُمَرَ القَاسِمُ بنُ جَعْفَرٍ الهَاشِمِيّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ الفَسَوِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُمَيْع، وَجَمَاعَة.
قَالَ أَبُو عُمَرَ الهَاشِمِيّ: كَانَ أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤيُّ، قَدْ قرأَ كِتَابَ (السُّنَن) عَلَى أَبِي دَاوُدَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ يُدعَى وَرَّاق أَبِي دَاوُدَ.
وَالوَرَّاق فِي لُغَةِ أَهْل البَصْرَة: القَارِئ لِلنَّاسِ.
قَالَ: وَالزِّيَادَات الَّتِي فِي رِوَايَة ابْن دَاسَة (1) حَذَفَهَا أَبُو دَاوُدَ آخراً لأَمرٍ رَابَه فِي الإِسْنَاد.
وبإِسنَادِي المَذْكُوْر إِلَى ابْنِ جُمَيْع، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الهَيْثَمِ بِشْر بن فَافَا، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
__________
(*) الأنساب: 496 / ب، العبر: 2 / 234، الوافي بالوفيات: 2 / 39، مرآة الجنان: 2 / 312، شذرات الذهب: 2 / 334.
(1) ستأتي ترجمة ابن داسة رقم / 317 / من هذا الجزء.(15/307)
مَرْوَان الأَصْغَر.
قُلْتُ لأَنَس: أَقَنَتَ عُمر؟
قَالَ: خَيْرٌ مِنْ عُمَر (1) .
تُوُفِّيَ اللُّؤْلُؤيُّ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: الشَّيْخُ الثِّقَةُ أَبُو عِيْسَى يَعْقُوْب بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الدُّوْرِيُّ، يَرْوِي عَنِ ابْنِ عَرَفَة، وَالخَلِيْفَة المتَّقِي للهِ، وَأَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَكِيْم بِأَصْبَهَانَ، وَأَحْمَدُ بنُ مَسْعُوْد بنِ عَمْرٍو الزَّنْبَرِيُّ بِمِصْرَ، وَأَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عبَادل الدِّمَشْقِيّ.
148 - التِّنِّيْسِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ بَكْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ *
الإِمَامُ، الثِّقَة، المُعَمَّر، أَبُو مُحَمَّدٍ بَكْر بنُ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ التِّنِّيْسِيُّ، الشَّعْرَانِيُّ.
__________
(1) وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود من القنوت هنا قوت النوازل، ففي البخاري 11 / 163، ومسلم (677) من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية يقال لهم: القراء، فأصيبوا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وجد على شيء ما وجد عليهم، فقنت شهرا في صلاة الفجر، ويقول: " إن عصية عصوا الله ورسوله " وفي البخاري 2 / 409، 410، ومسلم (675) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم أشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله " وقال الحافظ ابن حجر في " الدراية " ص 117: فيؤخذ من الاخبار أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحا، فعند ابن حبان عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو على قوم، وعند ابن خزيمة عن أنس مثله، وإسناد كل منهما صحيح، وحديث أبي هريرة في " الصحيحين " بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو على أحد، أو لأحد قنت بعد الركوع حتى أنزل الله (ليس لك من الأمر شيء) وأخرج ابن أبي شيبة حديث علي: أنه لما قنت في الصبح، أنكر الناس عليه ذلك، فقال: إنما استنصرنا على عدونا.
(*) تاريخ ابن عساكر: 3 / 209 آ - 209 ب، العبر: 2 / 225، شذرات الذهب: 2 / 329، تهذيب ابن عساكر: 3 / 285.(15/308)
سَمِعَ: يُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَوْفٍ الطَّائِيّ، وَعِمْرَان بنَ بَكَّار، وَيَزِيْدَ بنَ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الحِمْصِيّ المُؤَرِّخ، وَجَمَاعَةً.
وَلَهُ رِحْلَةٌ وَمَعْرِفَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ - وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الحَدِيْثِ - وَالمَيْمُوْنُ بنُ حَمْزَةَ الحُسَيْنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى السِّمْسَار، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ السَّكَن، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حُمَيْد، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنُ رُزَيْق البَغْدَادِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ يقْدَمُ مِنْ تِنِّيس إِلَى مِصْرَ فِي الأَحَايين.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ يَقَعُ حَدِيْثُهُ فِي الأَجزَاء.
149 - حَفيدُ دُحَيْمٍ الحَسَنُ بنُ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ *
القَاضِي، أَبُو عَلِيٍّ، بنُ القَاسِمِ ابْن الحَافِظِ دُحَيْمٍ (1) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدِّمَشْقِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيِّ، وَالعَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيّ، وَأَبِي زُرْعَةَ النَّصْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
__________
(*) تاريخ ابن عساكر 4 / 290 آ - 291 آ، الوافي بالوفيات: 12 / 203، البداية والنهاية: 11 / 190، تهذيب ابن عساكر: 4 / 239.
(1) انظر ترجمة الحافظ دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم في " تاريخ بغداد ": 10 / 265 - 267، و" تذكرة الحفاظ ": 2 / 480.(15/309)
وَعَنْهُ: أَبُو المَيْمُوْن بنُ رَاشِد، وَابْنُ المُقْرِئ، وَابْن المُظَفَّر، وَمُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى السِّمْسَار، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ أَخْبَارِيّاً، وَافر العِلْم.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فِي عَشْر التِّسْعِيْنَ، وَرَّخه ابْنُ يُوْنُسَ.
150 - ابْنُ هِلاَلٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نَصْرٍ السُّلَمِيُّ *
الشَّيْخُ، الجَلِيْلُ، مُسْنِد دِمَشْقَ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نَصْرِ بنِ هِلاَلٍ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَمُوْسَى بنَ عَامِرٍ المُرِّيّ، وَمُؤَمَّل بنَ إِهَابٍ (1) ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُلَيَّةَ، وَالحَافِظ أَبَا إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيّ، وَوُريزَة (1) بن مُحَمَّدٍ الحِمْصِيّ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ الرَّازِيّ وَالد تَمَّام، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الإِسْفَرَايينِيّ الحَافِظ، وَعِمْرَان بنُ الحَسَنِ، وَعَبْد الوَهَّابِ الكِلابِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الْحَدِيد، وَآخَرُوْنَ.
أَرَّخَ الرَّازِيُّ وَفَاتَه فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، عَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
كتبَ إِلَيَّ أَبُو الغَنَائِم القَيْسِيّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ
__________
(*) العبر: 2 / 237، شذرات الذهب: 2 / 335.
(1) في الأصل: " زيره " وهو تصحيف وانظر الخلاف في ضبطه في " المشتبه " و" التبصير " و" التوضيح " 3 / الورقة 88.(15/310)
أَحْمَدَ بنَ مُقَاتِل، أَخْبَرَنَا جَدِّي، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الأَهْوَازِيُّ، أَخْبَرَنَا عِمْرَان بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ السُّلَمِيّ، حَدَّثَنَا جَعْفَر بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمَّاد، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ عَلِيّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنْ أَعمَى كَانَ لَهُ قَائِدٌ بَصيرٌ، فَغَفَلَ البصيرُ، فَوَقَعَا فِي بِئرٍ، فَمَاتَ البصيرُ، وَسَلِمَ الأَعمَى.
فَجَعَلَ عُمَر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - دِيَتَه عَلَى عَاقِلَة (1) الأَعمَى، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي الحَجِّ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَقِيتُ مُنْكَراً ... هَلْ يَعْقِلُ (2) الأَعمَى الصَّحِيْحَ المبصرَا
خرَّا مَعاً كِلاَهُمَا تَكَسَّرَا ... (3)
151 - اللُّنْبَانِيُّ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ*
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الحَسَنِ (4) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ أَبَانٍ العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، اللُّنْبَانِيُّ (5) .
ارْتَحَلَ، فَسَمِعَ كَثِيْراً مِنِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، وَسَمِعَ (المُسْنَد) كُلَّه مِنِ ابْنِ الإِمَام أَحْمَد.
__________
(1) عاقلة الرجل: عصبته، وهم القرابة من قبل الاب، الذين يعطون دية من قتل خطأ.
(2) عقل القتيل: أعطى ديته.
(3) إسناده على انقطاعه ضعيف، عبد الله بن صالح هو المصري كاتب الليث سيء الحفظ.
(*) الأنساب: 495 ب، طبقات المحدثين بأصبهان الورقة 178. ذكر أخبار أصبهان: 1 / 137.
(4) في " الأنساب ": أبو بكر، وهو خطأ.
(5) بضم اللام، وسكون النون، وفتح الباء المنقوطة بواحدة، وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى محلة كبيرة بأصبهان " الأنساب ": 495 ب.(15/311)
رَوَى عَنْهُ: الحَسَن بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَرْيَوه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَة، وَأَبُو عُمَرَ، وَعَبْد الوَهَّابِ السُّلَمِيّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي: رَبِيْعٍ الآخِرِ، سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
152 - ابْنُ شَيْبَةَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ السَّدُوْسِيُّ *
المُعَمَّر، الصَّدُوْقُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ شَيْبَةَ السَّدُوْسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ كَثِيْراً مِنْ: جَدِّه يَعْقُوْب الحَافِظ، وَعَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بن شُجَاعِ بنِ الثَّلْجِيِّ (1) ، وَعُبَيْد اللهِ بن جَرِيْر بنِ جَبَلَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيِّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي هَاشِم المُقْرِئ، وَطَلْحَةُ الشَّاهد، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ الخَلاَّل، وَأَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ (2) .
وَقَالَ (3) :أَخْبَرَنَا البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْتُ (المُسْنَد (4)) مِنْ جَدِّي فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ بِسَامَرَّاء.
وَتُوُفِّيَ فِي: رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَسِتِّيْنَ فسَمِعَ
__________
(*) تاريخ بغداد: 1 / 373 - 375، الأنساب: 7 / 59 - 60، المنتظم: 6 / 333 - 334، العبر: 2 / 225 - 226، الوافي بالوفيات: 2 / 39، البداية والنهاية: 11 / 206 - 207، شذرات الذهب: 2 / 329.
(1) انظر ترجمته في " تاريخ بغداد ": 10 / 325 - 326.
(2) " تاريخ بغداد ": 1 / 373.
(3) أي الخطيب.
(4) مسند يعقوب بن شيبة، قال عنه الذهبي في " تذكرة الحفاظ ": 2 / 577 " ما صنف مسند أحسن منه، ولكنه لم يتمه ".(15/312)
أَبُو مُسْلِم الكَجِّيّ مِنْ جَدِّي، وَفَاتَه شَيْءٌ، فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو مُسْلِم مِنِّي، وَمَاتَ جَدِّي وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيّ (1) .
فَالَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ مُسْند العشرَة (2) ، وَمُسْنَدَ العَبَّاسِ (3) وَبَعْض الموَالِي وَلِي دُوْنَ الْعشْر سِنِيْنَ.
وُلِدْتُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ (4) .
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي (الأَنسَاب) :
قَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّدُوْسِيّ: وَلَمَّا وُلِدْتُ، دَخَلَ أَبِي عَلَى أُمِّي، فَقَالَ:
إِنَّ المُنَجِّمِينَ قَدْ أَخذُوا مَوْلِدَ هَذَا الصَّبيّ، وَحسبوهُ فَإِذَا هُوَ يعيشُ كَذَا وَكَذَا.
وَقَدْ حَسَبتهَا أَيَّاماً، وَقَدْ عَزَمتُ أَنْ أَعدَّ لِكُلِّ يَوْم دِيْنَاراً.
فَأَعدَّ لِي حُبّاً (5) وَمَلأَه، ثُمَّ قَالَ: أَعدِّي لِي حُبّاً آخر، فَمَلأه، اسْتِظْهَاراً، ثُمَّ ملأَ ثَالِثاً وَدَفَنَهُمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا نَفَعَنِي ذَلِكَ مَعَ حَوَادث الزَّمَان وَقَدِ احتجتُ إِلَى مَا تَرَوْنَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ السَّقَطِيّ: رأَينَاهُ فَقِيْراً يَجِيْئُنَا بِلاَ إِزَار، وَنَسْمَع عَلَيْهِ، وَيُبَرُّ بِالشَّيْء بَعْد الشَّيْء (6) .
قُلْتُ: عِنْدِي مِنْ رِوَايته الأَوَّل مَنْ مسنَدِ عَمَّار - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
تُوُفِّيَ فِي: رَبِيْعٍ الآخِرِ سنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَان وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
__________
(1) ترجمة يعقوب بن شيبة في " تاريخ بغداد ": 14 / 281 - 283، و" تذكرة الحفاظ ": 2 / 577 - 578.
(2) يعني: العشرة المبشرين بالجنة.
(3) في الأصل: ابن عباس. وما اثبتناه من " تاريخ بغداد ": 14 / 281، 1 / 374.
(4) " تاريخ بغداد ": 1 / 374، وما بين حاصرتين منه.
(5) في " الأنساب ". جبا، وهو تصحيف. والحب: بالضم، الجرة، أو الضخمة منها.
(6) انظر " الأنساب ": 7 / 60، وما بين حاصرتين منه.(15/313)
153 - العَكَرِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ بطرِيقٍ *
المُحَدِّثُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ بطريقٍ الزُّبَيْرِيُّ، العَكَرِيُّ، المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: بَحْرِ بنِ نَصْرٍ الخَوْلاَنِيِّ، وَالرَّبِيْع المُرَادِيِّ، وَابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ، وَبَكَّار بنِ قُتَيْبَةَ، وَأَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوْسِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن مَرْزُوق، وَخَلْقٍ.
وَأَملَى بِجَامِع الفُسْطَاط.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُقْرِئِ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الْحَدِيد، وَالعَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْه، وَآخَرُوْنَ.
وَمَوْلِدُهُ بِسَامَرَّاء فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَكَنَ مِصْرَ مِنْ صباهُ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: هُوَ مولَى عَتيق بن مَسْلَمَةَ بن عَتِيق بن عَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بن العَوَّامِ.
مَاتَ فِي: شَوَّالٍ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَدْ ضَبَطَه ابْنُ نُقْطَة الزَّنْبَرِيُّ بنُوْنَ سَاكنَة فَوَهِمَ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: قَالَ لِي مَنْ يَعْرِف بطريقَ: طبيبٌ رومِيّ أَسْلَمَ عَلَى يَد عَتيق بن مَسْلَمَةَ.
قُلْتُ: قيّده بنُوْن جَمَاعَةٌ، فَلَعَلَّهُ زَنْبرِي بِالحِلْف أَوْ نزل فِيهِم (1) .
وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ أَحَادِيْث فِي خَامِس عشر (الخِلَعيَّات) (2) .
__________
(*) تبصير المنتبه: 2 / 656، لسان الميزان: 5 / 93 - 94، حسن المحاضرة: 1 / 226.
(1) انظر " تبصير المنتبه ": 2 / 656 وقال: الزنبري في قضاعة وفي طي.
(2) الاجزاء الخلعيات: وهي عشرون جزءا للقاضي أبي الحسن بن الحسن بن الحسين =(15/314)
154 - ابْنُ زَبْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَبِيْعَةَ الرَّبَعِيُّ *
الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، قَاضِي دِمَشْق، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَبِيْعَةَ بن سُلَيْمَانَ بن زَبْرٍ الرَّبَعِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: عَبَّاس الدُّوْرِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ الصَّاغَانِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ السِّجْزِيِّ، وَحَنْبَل بنِ إِسْحَاقَ، وَيُوْسُف بنِ مُسْلَّمٍ، وَعَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ شَاكِر، وَطَبَقَتِهِم، فَأَكْثَر، وَلَكِنْ مِنْ أَتْقَنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ مُحَمَّدُ وَلده، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ القَاضِي المَيَانَجِيُّ، وَعُمَرُ بنُ شَاهِيْن، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي الْحَدِيد، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَكَانَ غَيْر ثِقَةٍ (1) .
قَالَ عَبْدُ الغنِيّ: سَمِعَتُ الدَّارَقُطْنِيّ، يَقُوْلُ:
دَخَلتُ علَى أَبِي مُحَمَّدِ بنِ زَبْرٍ وَأَنَا حَدَثٌ، فَإِذَا هُوَ يُمْلِي الحَدِيْثَ مِنْ جُزْء، وَالمَتْن مِنْ جُزء آخر، فَظَنَّ أَنِّي لاَ أَنْتَبه عَلَى هَذَا (2) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُسَبِّحِيّ: تَقَلَّدَ ابْنُ زَبْرٍ - وَكَانَ مِنْ سُكَّانَ
__________
= المعروف بالخلعي - كان يبيع الخلع لاولاد الملوك بمصر - توفي سنة / 492 / وقد جمعها له أبو نصر أحمد بن الحسين الشيرازي، وخرجها عنه، وسماها: الخلعيات. " الرسالة المستطرفة ": 91 - 92.
(*) تاريخ بغداد: 9 / 386 - 387، تاريخ ابن عساكر: 8 / 506 آ - 508 آ، العبر: 2 / 217، ميزان الاعتدال: 2 / 391، لسان الميزان: 3 / 253 - 254، شذرات الذهب: 2 / 323، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / 281 - 283.
(1) " تاريخ بغداد ": 9 / 387.
(2) " تاريخ بغداد ": 9 / 387.(15/315)
دِمَشْق - القَضَاء عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ شَيْخاً ضَابطاً مِنَ الدُّهَاة، مُمَشِّياً لأُمُوْره، وَكَانَ عَارِفاً بِالأَخْبَار وَالكُتُب وَالسِّير.
صَنّف فِي الحَدِيْثِ كُتُباً، وَعَمِلَ كتَابَ (تَشْرِيف الفَقْر عَلَى الغِنَى) .
وَوَرَدَ أَنَّ يَحْيَى بنَ مَكِّي المُعَدَّل، قَالَ: لَوْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ زَبْرٍ عَادلاً مَا عَدَلْتُ بِهِ قَاضِياً (1) .
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الكِنْدِيُّ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيّ، أَنَّهُ رَأَى ابْنَ زَبْرٍ مرَّ بِدِمَشْقَ عَلَى الأَسَاكِفَة، فَشَغَبُوا، وَدَقُّوا عَلَى تخوتِهم قَائِلين كَلاَماً قبيحاً، وَهُوَ يُسَلِّم عَلَيْهِم، وَيتطَارَشُ وَيُظهِر أَنَّهُم يَدْعُون لَهُ (2) .
قُلْتُ: وَلِي قَضَاءَ مِصْرَ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَعُزِلَ بَعْدَ سَنَةِ، ثُمَّ وَلِيهَا سنَةَ عِشْرِيْنَ، ثُمَّ عُزِلَ، وَولِيهَا سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ، فَمَاتَ بَعْد شَهْر.
مَاتَ فِيْهَا فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ.
155 - حَبْشُونُ بنُ مُوْسَى بنِ أَيُّوْبَ أَبُو نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ * (3)
الشَّيْخُ، أَبُو نَصْرٍ البَغْدَادِيُّ، الخَلاَّلُ (4) .
سَمِعَ مِنَ: الحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ، وَعَلِيّ بنِ إِشْكَاب، وَعَلِيّ بنِ سَعِيْد
__________
(1) " لسان الميزان ": 3 / 253.
(2) القضاة للكندي.
(*) تاريخ بغداد: 8 / 289 - 291، المنتظم: 6 / 331 - 332، العبر: 2 / 225، شذرات الذهب: 2 / 329.
(3) في الأصل بضم الحاء، وما أثبتناه هو المعتمد كما في " الإكمال " و" المشتبه " و" التبصير ".
(4) بفتح الخاء المعجمة، وتشديد اللام ألف. هذه النسبة إلى عمل الخل أو بيعه. " الأنساب ": 5 / 217.(15/316)
الرَّمْلِيِّ، وَحَنْبَل بنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ، وَعُمَر بنُ شَاهِيْن، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ بنِ الحَجَّاجِ، وَابْنُ جُمَيْع الصَّيْدَاوِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ أَحَدَ الثِّقَاتِ (1) .
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ سبعٌ وَتِسْعُوْنَ (2) سَنَةً.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الحَرَسْتَانِيّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا حَبْشُون بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَة، عَنِ العَلاَءِ بنِ هَارُوْنَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ حَفْصَةَ بنْتِ سِيرين، عَنْ أُمِّ الرَّبَاب، عَنْ سَلْمَان بن عَامِر:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (صَدَقَتُك عَلَى المِسْكِيْن صَدَقَةٌ، وَصَدَقَتُك عَلَى ذِي الرَّحِم صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) (3) .
156 - حُسَيْنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَمَّوَيْه الهَمَذَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الهَمَذَانِيُّ.
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 8 / 290.
(2) في الأصل: تسعين.
(3) وأخرجه أحمد 4 / 17 و18 و214، وأبو عبيد (915) و (916) والدارمي 1 / 397، والبيهقي 7 / 27، والنسائي 5 / 92 من طرق، عن ابن عون بهذا الإسناد، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (833) والحاكم 1 / 407، ووافقه الذهبي مع أن الرباب لم يوثقها غير ابن حبان، ولم يرو عنها غير حفصة بنت سيرين، وللحديث شاهد من حديث زينب عند البخاري (1466) ومسلم (1000) يتقوى به.
(*) لم أقف على مصادر ترجمته.(15/317)
حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ المَرَّار (1) ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُقْرِئ، وَأَحْمَدَ بن بُدَيل، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَخَلْقٍ، وَتلمذ لاِبْنِ دَيْزِيل الحَافِظ، وَقَالَ: عِنْدِي عَنْهُ مائَةُ أَلْفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كَتَبَ عَنْهُ أَبي الكَثِيْرٍ، وَلحقتُه.
وَرَوَى عَنْهُ: الكِبَارُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا، وَكَانَ ثِقَةً فَاضِلاً وَرِعاً.
قَالَ أَبِي: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا صَبَرْتُ عَلَى شَيْءٍ كصبرِي عَلَى الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: هُوَ قَدِيْمُ الوَفَاةِ.
تُوُفِّيَ قَبْلَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (2) .
157 - القَطَّانُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّالِحُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ بنِ الخَلِيْلِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، القَطَّانُ.
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ الأَزْهَر، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بنَ يُوْسُفَ، وَأَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْر زَاج، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بنَ بِشْر بنِ الحَكَمِ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ، وَأَبُو
__________
(1) هو المرار بن حمويه، الثقفي، أبو أحمد الهمذاني، حافظ ثقة، فقيه، مات سنة / 254 / هـ انظر " تهذيب التهذيب ": 10 / 80.
(2) توفي الحافظ الكبير ابن أبي حاتم سنة / 237 / هـ. انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 829 - 832.
(*) الأنساب: 10 / 185 - 186، العبر: 2 / 231، الوافي بالوفيات: 2 / 372، شذرات الذهب: 2 / 332.(15/318)
عَبْد اللهِ بن مَنْدَةَ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ العَلَوِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُرْجَانِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ بن مَحْمِش، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: أَحضَرُونِي مَجْلِسَه غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَمْ يَصِحَّ لِي عَنْهُ شَيْء (1) .
تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
قُلْتُ: أَحسبه جَاور، وَسَمَاعه صَحِيْح، كَثِيْر فِي (الثَّقَفِيَّات) (2) .
158 - القَطَّانُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عَيَّاشٍ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّث، الثِّقَةُ، مُسْندِ بَغْدَادَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى بنِ عَيَّاش بنِ عِيْسَى المَتُّوثيُّ (3) ، البَغْدَادِيُّ، القَطَّان، الأَعْورُ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
سَمِعَ: أَحْمَدَ بن المِقْدَامِ العِجْلِيَّ، وَالحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْم بنَ مُجَشِّر، وَالحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القَطَّان، وَيَحْيَى بنَ السَّرِيّ، وَحَفْص بن عَمْرٍو الرَّبَالِيّ، وَعَلِيّ بنَ مُسْلمٍ الطُّوْسِيَّ وَالرَّمَادِيَّ وَالتَّرْقُفِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَيُّوْبَ المُخَرِّمِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي الحَارِثَ، وَزُهَيْرَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنَ بنَ أَبِي الرَّبِيْع، وَعَلِيَّ بنَ إِشْكَاب، وَعِدَّة.
__________
(1) " الأنساب ": 10 / 186.
(2) انظر ص / 272 / تعليق / 1 / من هذا الجزء.
(*) تاريخ بغداد: 8 / 148، العبر: 2 / 237، شذرات الذهب: 2 / 335.
(3) بفتح الميم، وضم التاء المشددة، وفي آخرها الثاء المثلثة، هذه النسبة إلى متوث وهي بليدة بين قرقوب - من أعمال كسكر - وكور الاهواز. " الأنساب ": 506 ب - 507 آ.(15/319)
حَدَّثَ عَنْهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ، وَيُوْسُفُ القَوَّاس، وَابْنُ جُمَيْع، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَخْلَد، وَهلاَل الحَفَّار، وَأَبُو عُمَرَ الهَاشِمِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَثَّقَهُ القَوَّاس (1) .
وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ.
مَاتَ بِبَغْدَادَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وجَمِيْعُ جُزء الحَفَّار عَنْهُ.
159 - القِرْمِطِيُّ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بنُ حَسَنٍ *
عَدُوُّ اللهِ، مَلكُ البَحْرين، أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بنُ حَسَنٍ القِرْمِطِيُّ (2) ، الجَنَّابِيُّ (3) ، الأَعْرَابِيُّ، الزِّنديقُ، الَّذِي سَارَ إِلَى مَكَّةَ فِي سَبْع مائَة فَارس، فَاسْتَبَاح الْحَجِيج كلَّهُم فِي الحَرَمِ، وَاقْتَلَعَ الحجَرَ الأَسود، وَرَدَمَ زَمْزَمَ بِالقَتْلَى، وَصَعِد عَلَى عتبَةِ الكَعْبَة، يَصيح:
أَنَا بِاللهِ وَبَالله أَنَا ... يخلق الْخلق وَأُفْنيهم أَنَا
__________
(1) " تاريخ بغداد ": 8 / 148.
(*) تاريخ أخبار القرامطة: 36، وما بعدها، المنتظم: 6 / 336، الكامل: 8 / 143، وما بعدها، وفيات الأعيان: 2 / 148 - 150، العبر: 2 / 167 - 168، الوافي بالوفيات: 15 / 363 - 366، مرآة الجنان: 2 / 271 - 273، البداية والنهاية: 11 / 208 - 209، تاريخ ابن خلدون: 3 / 377 - 379، النجوم الزاهرة: 3 / 224، 281، شذرات الذهب: 2 / 331 - 332.
(2) نسبة إلى حمدان قرمط، وهو أول من نشر مذهب القرامطة. انظر " الأنساب ": 10 / 108.
(3) هذه النسبة إلى جناية، وهي بلدة من أعمال فارس متصلة بالبحرين عند سيراف، والقرامطة منها، فنسبوا إليها.
انظر " وفيات الأعيان ": 2 / 150.(15/320)
فَقتل فِي سِكَكِ مَكَّةَ وَمَا حولهَا زُهَاءَ ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَأَقَامَ بِالحرم سِتَّة أَيَّام، بذَلَ السَّيْف فِي سَابِع ذِي الحِجَّةِ، وَلَمْ يعرِّفْ (1) أَحَدٌ تِلْكَ السَّنَة (2) ، فَللَّه الأَمْر.
وَقَتَلَ أَمِيْرَ مَكَّة ابْنَ مُحَارِب، وَعَرَّى البَيْتَ، وَأَخَذَ بَابه، وَرَجَعَ إِلَى بلاَد هَجَر (3) .
وَقِيْلَ: دَخَلَ قِرْمِطِيُّ سكرَان عَلَى فَرَسٍ، فصَفَّر لَهُ، فَبَالَ عِنْد البَيْتِ، وَضَرَبَ الْحجر بدُبوس هشَّمه ثُمَّ اقتلَعَه، وَأَقَامُوا بِمَكَّةَ أَحَدَ عشرَ يَوْماً.
وَبَقِيَ الْحجر الأَسودُ عِنْدَهُم نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً (4) .
وَيُقَالُ: هلك تَحْته إِلَى هجر أَربعُوْنَ جَمَلاً، فَلَمَّا أُعيد كَانَ عَلَى قَعُودٍ (5) ضَعِيْف، فسَمِنَ.
وَكَانَ بُجْكُم التُّرْكِيُّ (6) دَفَعَ لَهُم فِيْهِ خَمْسِيْنَ أَلف دِيْنَارٍ، فَأَبَوا، وَقَالُوا: أَخذنَاهُ بِأَمْرٍ، وَمَا نردُّه إِلاَّ بِأَمْرٍ (7) .
وَقِيْلَ: إِنَّ الَّذِي اقْتَلَعَه صَاحَ: يَا حمِير، أَنْتُم قَلْتُم وَمَنْ دَخَله كَانَ
__________
(1) لم يقف أحد على جبل عرفة.
(2) سنة / 317 / هـ.
(3) إحدى بلاد الاحساء انظر " وفيات الأعيان ": 2 / 150 وانظر " المنتظم ": 6 / 323.
(4) " المنتظم ": 6 / 323.
(5) البعير من الابل، وهو البكر الفتي.
(6) أمير الامراء في بغداد زمن الراضي بالله والمتقي. كان داهية، شجاعا، قتله الاكراد سنة / 329 / هـ.
انظر ما كتبه عنه الصولي في " أخبار الراضي والمتقي ": 193 - 197 وانظر " المنتظم ": 6 / 320 - 322.
(7) " المنتظم ": 6 / 367.(15/321)
آمِناً (1) فَأَيْنَ الأَمَنُ؟
قَالَ رَجُلٌ: فَاسْتَسْلَمت، وَقُلْتُ: إِنَّ اللهَ أَرَادَ: وَمَنْ دَخَلَه فَأَمِّنوهُ، فلَوَى فَرَسَه وَمَا كلَّمنِي (2) .
وَقَدْ وَهِمَ السِّمْنَانِيُّ (3) ، فَقَالَ فِي (تَارِيْخِهِ) :
إِنَّ الَّذِي نَزَعَ الْحجر أَبُو سَعِيْدٍ الجَنَّانِيُّ القِرْمِطِيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنه أَبُو طَاهِرٍ.
وَاتَّفَقَ أَنَّ ابْن أَبِي السَّاج الأَمِيْر نَزَلَ بِأَبِي سَعِيْدٍ الجَنَّابِيِّ (4) فَأَكْرَمَه، فَلَمَّا سَارَ لِحَرْبِهِ، بَعَثَ يَقُوْلُ:
لَكَ عليَّ حَقٌ، وَأَنْتَ فِي خَمْس مائَة وَأَنَا فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً.
فَانْصَرَفَ، فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: كَمْ مَعَ صَاحِبك؟
قَالَ: ثَلاَثُوْنَ أَلفَ رَاكبٍ.
قَالَ: وَلاَ ثَلاَثَة، ثُمَّ دَعَا بعبدٍ أَسود، فَقَالَ لَهُ: خَرِّقْ بَطْنَك بِهَذِهِ السِّكين، فَبدَّد مصَارينَه.
وَقَالَ لآخر: اغرقْ فِي النَّهر، فَفَعَل.
وَقَالَ لآخر: اصعَدْ عَلَى هَذَا الحَائِطِ، وَانزل عَلَى مُخّكَ، فَهَلَكَ.
فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: إِنْ كَانَ مَعَهُ مِثْلُ هَؤُلاَءِ، وَإِلاَّ فَمَا مَعَهُ أَحَد.
وَنقل القيْلوِيُّ فِي الْحجر الأَسود لَمَّا قِيْلَ: مَنْ يَعْرِفه؟
فَقَالَ ابْنُ عُليم المُحَدِّث: إِنَّهُ يَشُوف (5) عَلَى المَاء، وَإِنَّ النَّار لاَ تُسخِّنه، فَفُعِل بِهِ ذَلِكَ، فَقبَّله ابْنُ عُليم.
وَتعجَّب الجَنَّابِيُّ، وَلَمْ يَصِحَّ هَذَا.
وَقِيْلَ: صَعِدَ قِرْمِطِيٌّ لِقَلْع المِيزَاب، فَسَقط، فَمَاتَ (6) .
وَكَانَ ذَلِكَ
__________
(1) آل عمران: 97.
(2) " المنتظم ": 6 / 223.
(3) هو علي بن محمد بن أحمد، أبو القاسم، كان من فقهاء الحنفية له تصانيف في الفقه والتاريخ. توفي سنة / 499 / هـ.
(4) هكذا في الأصل، وهو والد أبي طاهر، وقد قتل سنة / 301 / هـ، ولعل ورود اسمه هنا سبق قلم، فابن أبي الساج - واسمه يوسف - سار لحرب أبي طاهر / 315 / هـ. انظر " الكامل ": 8 / 170 - 175.
(5) هكذا الأصل: يريد أنه يستقر على سطح الماء، ولا يغرق، وفي " آثار البلاد وأخبار العباد ": يطفو وهو الوجه.
(6) " المنتظم ": 6 / 223.(15/322)
سنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ (1) ، وَكَانَ أَمِيْر العِرَاقين مَنْصُوْر الدَّيْلَمِيّ، وَجَافَتْ (2) مَكَّة بِالقَتْلَى.
قَالَ المرَاغِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ محْرم، وَكَانَ رَسُوْلَ المُقْتَدِر إِلَى القِرْمِطيِّ.
قَالَ: سأَلْتُهُ بَعْد مُنَاظَرَاتٍ، عَنِ اسْتحلاَله بِمَا فَعَل بِمَكَّةَ، فَأَحْضَرَ الْحجر فِي الدِّيباج، فَلَمَّا أُبرز كبَّرْتُ، وَأَرَيْتُهم مِنْ تعَظِيْمه وَالتَّبرّك بِهِ عَلَى حَالَةٍ كَبِيْرَةٍ، وَافتُتِنَتِ القَرَامِطَةُ بِأَبِي طَاهِرٍ، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ أَطْلَعَه وَحْدَه عَلَى كُنُوزٍ دَفَنَهَا.
فَلَمَّا تَمَلَّك، كَانَ يَقُوْلُ: هُنَا كَنْزٌ فيحفِرُوْنَ، فَإِذَا هُمْ بِالمَالِ.
فَيَفْتَتِنُوْنَ بِهِ وَقَالَ مَرَّةً: أُرِيْدُ أَنْ أَحفر هُنَا عَيْناً.
قَالُوا: لاَ تَنْبَعُ، فَخَالفهُم، فَنَبَعَ المَاءُ، فَازْدَادَ ضَلاَلُهُم بِهِ، وَقَالُوا: هُوَ إِله.
وَقَالَ قَوْم: هُوَ المَسِيْحُ.
وَقِيْلَ: نَبِيّ.
وَقَدْ هَزَمَ جُيُوش بَغْدَاد غَيْرَ مَرَّةٍ وَعتَا وَتمرَّد.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ رزَام الكُوْفِيّ: حَكَى لِي ابْنُ حَمْدَانَ الطَّبِيْبُ، قَالَ:
أَقَمْتُ بِالقَطِيف أُعَالجُ مَرِيْضاً، فَقَالَ لِي رَجُل:
إِنَّ اللهَ ظَهَرَ، فَخَرَجْتُ، فَإِذَا النَّاس يُهرَعُوْنَ إِلَى دَارِ أَبِي طَاهِرٍ، فَإِذَا هُوَ ابْنُ عشْرِيْنَ سَنَةً، شَابٌّ مليحٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ، وَثوبٌ أَصفرُ عَلَى فَرَسٍ أَشْهَبَ، وَإِخوتُه حَوْلَهُ، فَصَاح:
مَنْ عَرَفنِي عَرَفَنِي، وَمِنْ لَمْ يَعْرفْنِي، فَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي سَعِيْد الحَسَنُ، الجَنَّابِيُّ.
اعلمُوا أَنَّا كُنَّا وَإِيَّاكُم حَمِيراً، وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِهَذَا وَأَشَار إِلَى غُلاَمٍ أَمْرَدَ، فَقَالَ: هَذَا ربُّنَا وَإِلهُنَا، وَكُلُّنَا عِبَادُه.
فَأَخَذَ النَّاسُ التُّرَابَ، فَوَضَعُوهُ عَلَى رُؤُوْسهُم.
ثُمَّ قَالَ أَبُو طَاهِرٍ: إِنَّ الدِّين قَدْ ظَهَر وَهُوَ دين أَبينَا آدم، وَجَمِيْع مَا أَوصَلتْ إِلَيْكُم الدُّعَاةُ بَاطِلٌ منِ ذِكْرِ مُوْسَى وَعِيْسَى وَمُحَمَّد، هَؤُلاَءِ دَجَّالُوْنَ.
وَهَذَا الغُلاَمُ هُوَ أَبُو الفَضْلِ المَجُوْسِيّ،
__________
(1) انظر " المنتظم ": 6 / 222 - 223، و" الكامل ": 8 / 207 - 208.
(2) أنتنت.(15/323)
شَرَعَ لَهُم اللّواطَ، وَوطء الأُخت، وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنِ امْتَنَعَ.
فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عِدَّةُ رُؤُوْس، فسجدتُ لَهُ، وَأَبُو طَاهِرٍ وَالكُبَرَاءُ حَوْلَهُ قيَام.
فَقَالَ لأَبِي طَاهِرٍ: المُلُوكُ لَمْ تزل تُعِدُّ الرُّؤُوس فِي خزَائِنهَا.
فسلُوهُ كَيْفَ بقَاؤهَا؟
فَسُئِلْتُ، فَقُلْتُ: إِلهُنَا أَعْلَم، وَلَكِنِّي أَقُول: فجُمْلَة الإِنْسَانِ إِذَا مَاتَ يحتَاج كَذَا وَكَذَا صبِراً وَكَافُوْراً، وَالرَّأْس جُزْءٌ فيُعطَى بحسَابه.
فَقَالَ: مَا أَحسنَ مَا قَالَ.
ثُمَّ قَالَ الطَّبِيْبُ: مَا زِلْتُ أَسمَعُهُم تِلْكَ الأَيَّامَ يَلْعنُوْنَ إِبْرَاهِيْمَ وَمُوْسَى وَمُحَمَّداً وَعَلِيّاً.
وَرَأَيْت مصحفاً مُسِحَ بغَائِط.
وَقَالَ أَبُو الفَضْلِ يَوْماً لكَاتِبه: اكْتُبْ إِلَى الخَلِيْفَة، فصلِّ لَهُم عَلَى مُحَمَّد، وَكِلْ مِنْ جِرَاب النُّوْرَة (1) .
قَالَ: وَاللهِ مَا تَنْبَسِطُ يدِي لِذَلِكَ، فَافتضَّ أَبُو الفَضْلُ أُختاً لأَبِي طَاهِرٍ الجَنَّابِي، وَذَبَحَ وَلدَهَا فِي حجرهَا، ثُمَّ قَتَل زوجَهَا، وَهَمَّ بِقَتْلِ أَبِي طَاهِرٍ، فَاتَّفَقَ أَبُو طَاهِرٍ مَعَ كَاتِبه ابْن سَنْبَر، وَآخر عَلَيْهِ فَقَالاَ:
يَا إِلهنَا، إِن وَالِدَةَ أَبِي طَاهِرٍ قَدْ مَاتَتْ فَاحضر لتحشوَ جَوْفهَا نَاراً.
قَالَ: وَكَانَ سَنَّه لَهُ، فَأَتَى، فَقَالَ: أَلاَ تجيبهَا؟
قَالَ: لاَ، فَإِنَّهَا مَاتَتْ كَافرَةً، فَعَاوده، فَارتَاب، وَقَالَ: لاَ تعجلاَ عليَّ، دعَانِي أَخْدِمُ دوَابَّكمَا إِلَى أَنْ يَأْتيَ أَبِي.
قَالَ ابْنُ سَنْبَر: وَيْلَك هتَكْتَنَا، وَنَحْنُ نرتِّب هَذِهِ الدّعوَة مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً، فَلَو رَآك أَبُوك لقتَلك اقْتُلْهُ يَا أَبَا طَاهِر.
قَالَ: أَخَافُ أَنْ يمسخَنِي، فَضَرَبَ أَخُو أَبِي طَاهِرٍ عُنُقَه، ثُمَّ جمع ابْنُ سَنْبَر النَّاس، وَقَالَ:
إِنَّ هَذَا الغُلاَمَ وَرَدَ بكذبٍ سَرَقه مِنْ معْدن حقّ، وَإِنَّا وَجَدنَا فَوْقه مَنْ يَنْكِحُه، وَقَدْ كُنَّا نَسْمَع أَنَّهُ لاَ بُدَّ لِلْمُؤْمِنين مِنْ فِتْنَة يظهرُ بَعْدَهَا حقٌّ، فَأَطفئوا بُيُوْتَ النِّيرَان، وَارجعُوا عَنْ نِكَاح الأُم، وَدعُوا اللِّواط، وَعظِّمُوا الأَنْبِيَاءَ.
فضجُّوا وَقَالُوا: كُلُّ وَقت تقولُوْنَ لَنَا قَوْلاً.
فَأَنْفَقَ أَبُو طَاهِرٍ الذَّهبَ حَتَّى سكنُوا.
__________
(1) أي أعمل معهم بالتقية انظر ص / 239 / من هذا الجزء.(15/324)
قَالَ الطَّبِيْب: فَأَخْرَجَ إِلَيَّ أَبُو طَاهِرٍ الحجَر، وَقَالَ:
هَذَا كَانَ يُعبَد.
قُلْتُ: كلاّ.
قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَم، وَأَخْرَجَهُ فِي ثَوْبٍ دَبيقِي (1) ممسَّك.
ثمَّ جَرَتْ لأَبِي طَاهِرٍ مَعَ المُسْلِمِيْنَ حُرُوبٌ أَوهنته.
وَقُتِلَ جُنْدُه، وَطلَبَ الأَمَان عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْحجر، وَأَنْ يَأْخذ عَنْ كُلّ حَاجّ دِيْنَاراً وَيخفِرَهُم.
قُلْتُ: ثُمَّ هَلَكَ بِالجُدَرِيّ - لاَ رَحِمَهُ اللهُ - فِي رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِ مائَةٍ بهجَر كَهْلاً.
وَقَامَ بَعْدَهُ أَبُو القَاسِمِ سَعِيْد.
160 - مُحَمَّدُ بنُ رَائِقٍ أَبُو بَكْرٍ *
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو بَكْرٍ.
كَانَ أَبُوْهُ مِنْ أَجلِّ مَمَالِيْك المُعْتَضِد وَأَدينهم.
وَلِي أَبُو بَكْرٍ لِلْمُقْتَدر شُرْطَةَ بَغْدَاد فَطَلَعَ شَهْماً عَالِي الهِمَّة مِقْدَاماً، فولِي وَاسِطَ وَالبَصْرَةَ، فَوَفَدَ عَلَيْهِ بُجْكُم الأَمِيْرُ فَاسْتَخْدَمَه، وَتَرَقَّتْ حَالُهُ، فولاَهُ الرَّاضِي بِاللهِ إِمْرَةَ الأُمَرَاءِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ (2) ، وَتَقَدَّم وَرُدَّت أُمُورُ المملكَةِ إِلَيْهِ، وَانحدر مَعَ الخَلِيْفَة إِلَى وَاسِط (3) ، وَجَهَّزَ بُجْكُم
__________
(1) نسبة إلى " دبيق " وهي بليدة كانت بين الفرما وتنيس، من أعمال مصر، " معجم البلدان ": 2 / 438.
(*) أخبار الراضي والمتقي: 230، تاريخ ابن عساكر: 15 / 163 ب، 164 آ، الكامل: 8 / 322 وما بعدها، الوافي بالوفيات: 3 / 69، النجوم الزاهرة: 3 / 275 - 276.
(2) " الكامل ": 8 / 322 - 323.
(3) " الكامل ": 8 / 329.(15/325)
لمحَاربَة البَريديِّ الوَزِيْر (1) ، ثُمَّ عَصَى عَلَيْهِ بُجْكُم (2) .
فتوجَّه مُحَمَّدٌ إِلَى الشَّامِ، فَدَخَلَ دِمَشْق، وَادَّعَى أَنَّ المتقِي للهِ وَلاَّهُ عَلَيْهَا، وَطرَدَ عَنْهَا بدراً الإِخْشِيدِيَّ، ثُمَّ سَاقَ ليَأْخذ مِصْرَ، فَالتَقَى هُوَ وَصَاحِبُهَا مُحَمَّدُ بنُ طُغج الإِخْشِيذ، فَهَزمه الإِخْشِيذ.
وَكَانَتْ مَلْحمَة كَبِيْرَة بِالعريش، فَرُدَّ إِلَى دِمَشْق، وَأَقَامَ بِهَا أَزيدَ مِنْ سنَةٍ (3) ، ثُمَّ بلغه مَصرع بُجْكم، فَسَارَ إِلَى بَغْدَادَ، فَخلع عَلَيْهِ المُتَّقِي خِلْعَةَ المُلك بَعْد أُمُورٍ يطول شَرْحهَا (4) ، ثُمَّ سَارَ بِالمُتَّقِي إِلَى المَوْصِل (5) ، فمدَّ لَهُ نَاصرُ الدَّوْلَة أَمِيْرُهَا سِمَاطاً فَقَتَلَهُ بَعْد السِّمَاط وَكَانَ متَأَدِّباً شَاعِراً بَطَلاً شُجَاعاً، شَدِيدَ الوَطْأَة.
وَكَانَ مَصْرَعُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فِي رجبهَا (6) .
161 - النُّوْبَخْتِيُّ عَلِيُّ بنُ العَبَّاسِ *
شَاعر مُحسِن، أَخْبَارِيّ مَشْهُوْرٌ، رَئِيْس، وَلِيَ وَكَالَةَ المقتدِرِ، وَعَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ ابْنُه صَدْراً كَاتِباً كَانَ مدبِّرَ أُمُورِ مَلك الأُمَرَاءِ مُحَمَّدِ بنِ رَائِقٍ (7) .
__________
(1) " الكامل ": 8 / 334 - 335.
(2) " الكامل ": 8 / 343 - 344.
(3) " الكامل ": 8 / 363 - 364.
(4) انظر تفصيلها في " الكامل ": 8 / 375 - 377.
(5) " الكامل ": 8 / 380.
(6) " الكامل ": 8 / 382 - 383.
(*) أخبار الراضي والمتقي: 76، معجم الشعراء: 155، معجم الأدباء: 13 / 267 - 268.
(7) أخبار الراضي والمتقي: 76.(15/326)
162 - النُّوْبَخْتِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ مُوْسَى *
العَلاَّمَةُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ مُوْسَى النُّوْبَخْتِيُّ، الشِّيْعِيّ، المُتَفَلْسِفُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْف.
ذكره مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ النَّدِيْم، وَابْنُ النَّجَّار بِلاَ وَفَاة.
وَله كتَابُ (الآرَاء) ، و (الديَانَات) ، وكتَاب (الرَّدِّ عَلَى التَّنَاسخيَّة) ، وكتَابُ (التَّوحيد وَحَدَث العَالَم) ، وكتَابُ (الإِمَامَة) وَأَشيَاء (1) .
163 - ابْنُ مَخْلَدٍ سُلَيْمَانُ بنُ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ **
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو القَاسِمِ سُلَيْمَانُ بنُ الحَسَنِ بنِ مَخْلَدِ بنِ الجَرَّاحِ البَغْدَادِيُّ.
وَزَرَ لِلْمُقْتَدِر مشَاركاً لعَلِيِّ بنِ عِيْسَى (2) ، ثُمَّ عزل (3) ، ثُمَّ وَزر للرَّاضِي بِاللهِ سنَة 24 (4) وَكَثُرَتِ المُطَالبَات عَلَيْهِ، فَبَذَل ابْنُ رَائِق القِيَامَ بواجبَات الجَيْش، وَولِي إِمرَةَ الأُمَرَاء.
وَسَقَط حُكم دَسْت الوِزَارَة، فَاسْتعفَى سُلَيْمَانُ مِنَ الوِزَارَة بَعْدَ سنَة، ثُمَّ اسْتوزره الرَّاضِي بِاللهِ سنَة ثَمَانٍ
__________
(*) الفهرست: 251 - 252، الوافي بالوفيات: 12 / 280، طبقات المعتزلة: 104.
(1) " الفهرست ": 251.
(* *) المنتظم: 6 / 338، الكامل: 8 / 218 وما بعدها، الفخري: 231، 248 الوافي بالوفيات: 15 / 362 - 363.
(2) " الكامل ": 8 / 218، وقد تقدمت ترجمة علي بن عيسى رقم (140) من هذا الجزء.
(3) " الكامل ": 8 / 225.
(4) " الكامل ": 8 / 322.(15/327)
وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة?.
وَوزر بَعْدَهُ لِلْمتَّقِي للهِ (1) .
وَمَضَتْ سيرَتُه عَلَى سَدَاد، وَكَانَ بَصِيْراً بكِتَابَة الدِّيْوَان، خَبِيْراً بِالتصرُّف وَالسِّيَاسَة.
وَقِيْلَ: حُفِظَتْ عَلَيْهِ سَقَطَات مِنْهَا: أَنَّهُ قَالَ لعَلِيّ بنِ عِيْسَى: يَا سيدِي لِمَ سُمِيت الدَّيَكْبَرَاك آله؟
قَالَ: لأَنَّهَا تَدَكْبَرك فِي الْخلق!
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فِي رَجَبٍ، وَخلَّف عِدَّة بَنِينَ وَبنَات.
وَعَاشَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
164 - النُّوْبَخْتِيُّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ نُوْبَخْتَ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو سَهْلٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ نُوْبَخْت، بَغْدَادِيٌّ، مِنْ غلاَةِ الشِّيْعَة، وَكبارِ مصنِّيفهم، وَكَانَ يَقُوْلُ فِي المُنتَظَر: مَاتَ فِي الغَيْبَة وَقَامَ بِالأَمْرِ فِي الغَيبَة ابْنُه ثُمَّ مَاتَ ابْنُه، وَقَامَ ابْنُ الابْن وَهَذِهِ دَعوَى مُجَرَّدَة (2) .
وَكَانَ الشَّلْمَغَانِيّ (3) الزِّنديق قَدْ دَعَا النُّوبَخْتِيَّ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ: فِي مقدَّم رَأْسِي صَلَع، فَإِنْ هُوَ أَنبتَ فِي رَأْسِي الشَّعْر، آمنتُ بِهِ، فَأَعرَضَ عَنْهُ (4) .
وَلأَبِي سهلٍ كتَابُ (الإِمَامَة) ، وكتَابُ (الرَّدِّ عَلَى الغُلاَة) ، وكتَاب (نَقْض رِسَالَةِ الشَّافِعِيّ) ، وكتَاب (الرَّدّ عَلَى أَصْحَاب الصِّفَات) ، وكتَابُ (إِبطَال القِيَاس) ، وكتَاب (الحِكَايَة وَالمحكِي) ، وَعِدَّة توَالِيف.
__________
(1) " الكامل ": 8 / 369.
(*) الفهرست: 251، لسان الميزان: 1 / 424.
(2) الفهرست: 241.
(3) انظر ص / 223 / تعليق / 1 / من هذا الجزء.
(4) الفهرست: 251.(15/328)
وَهُوَ خَالُ الحَسَنِ بنِ مُوْسَى النُّوْبَخْتِيُّ، وَلَهُ كتَابُ (الرَّدِّ عَلَى اليَهُوْد) ، وكتَاب فِي (الرَّدِّ عَلَى أَبِي العَتَاهيَة) ، وكتَاب (الخُصُوْص وَالعُمُوْم) ، وكتَاب (اسْتحَالَةِ الرُّؤْيَة) .
165 - المُحَمَّداباذِيُّ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، النَّحْوِيُّ، الحَافِظُ، أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، المُحَمَّداباذِيُّ.
وَمُحَمَّداباذ: مَحَلَّة (1) .
سَمِعَ مِنْ: أَحْمَد بن يُوْسُفَ السُّلَمِيّ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الهِلاَلِيَّ، وَحَامِدِ بنِ مَحْمُوْد فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، وَارْتَحَلَ فسَمِعَ مِنْ: عَبَّاس الدُّوْرِيّ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ، وَالكِبَار، وَابْن مَحْمِش.
وَقَالَ الحَاكِمُ: اخْتلفت إِلَيْهِ لِلسَّمَاع أَكْثَر مِنْ سنَة، وَلَمْ أَصل إِلَى حَرْفٍ مِنْ سَمَاعِي مِنْهُ (2) .
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيُّ يَرْجِع إِلَى قَوْله فِي اللُّغَة، وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَر، يَقُوْلُ:
أَتيتُ أَنَا وَأَبُو بِشّر المُتَكَلِّم، وَأَبُو سَعْدٍ الفَأَفَاء إِلَى مُحَمَّداباذ، وَقَدْ فَرَغَ أَبُو طَاهِرٍ مِنَ المَجْلِس، وَكَانَ مَهِيْباً فَقُلْنَا: يَتَفَضَّل الشَّيْخ بِشَيْءٍ نكتُبُه؟
فَإِذَا خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ نقرأَه، فَأَخْرَجَ لَنَا ثَلاثَةَ أَجزَاء:
__________
(*) تقدمت ترجمته ومصادرها رقم / 144 / من هذا الجزء.
(1) خارج نيسابور. انظر " الأنساب ": 512 آ.
(2) " الأنساب ": 512 آ.(15/329)
عَنِ الدُّوْرِيّ جُزْء، وَعَنِ الكُدَيْمِيّ جُزْء، وَعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ جُزْء، فكتبنَا جُزْءَ الكُدَيْمِيّ، وَمِنْ جُزْء أَبِي قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيّ.
فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: هَاتُوا.
فَقُلْنَا: لَمْ نَكْتُبْ مِنْ جُزْء عَبَّاس شَيْئاً.
فَقَالَ: إِنَّمَا أَيست مِنْ حمَارِي حِيْنَ سيّبتُه فِي القَتِّ (1) ، اشْتَغَل بِالكُرُنْبِ (2) .
فَقَرأنَا عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مرَّ حَدِيْثٌ لعُرْوَة عَنْ عَائِشَةَ.
فَقَالَ أَبُو بِشْرٍ لِلشَّيْخِ: عُرْوَةُ هَذَا مُكْثِر عَنْ عَائِشَةَ، أَفَكَانَ زوجَهَا؟
فَقَامَ أَبُو طَاهِرٍ مُغْضَباً، ثُمَّ حَكَى ذَلِكَ لأَصْحَابِهِ.
ثمَّ سَاق لَهُ الحَاكِم أَحَادِيْثَ فِي التَّرْجَمَة، وَقَدْ أَكْثَر عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ مَنْدَة وَغَيْرهُ.
يَقَع لَنَا حَدِيْثُه عَالِياً.
166 - أَيُّوْبُ بنُ صَالِح بنِ سُلَيْمَانَ بنِ هَاشِمِ بنِ غَرِيْبٍ *
العَلاَّمَةُ، مُفْتِي الأَنْدَلُس، أَبُو صَالِحٍ المَعَافِرِيُّ، القُرْطُبِيُّ، المَالِكِيُّ (3) .
رَوَى عَن: الفَقِيْه العُتْبِيّ، وَأَبِي زَيْدٍ، وَابْن مزين، وَعَبْد اللهِ بن خَالِد.
ذكره أَبُو الوَلِيْدِ بنُ الفَرَضِي، فَقَالَ: كَانَ إِمَاماً فِي المَذْهب.
دَارت عَلَيْهِ الفَتْوَى فِي وَقْته، وَعَلَى ابْنِ لُبَابَة.
__________
(1) الفصفصة، وخص بعضهم به اليابسة فيها.
(2) السلق.
(*) تاريخ علماء الأندلس: 1 / 86، جذوة المقتبس: 161، بغية الملتمس: 237، الوافي بالوفيات: 10 / 52، الديباج المذهب: 98.
(3) في " تاريخ علماء الأندلس ": 1 / 86. أيوب بن سليمان بن هاشم بن صالح بن هاشم بن عريب بن عبد الجبار بن محمد بن أيوب بن سليمان بن صالح بن السمح المعافري.(15/330)