وكتب قيصر إلى الرشيد على سبيل المعاياة: إبعث إليّ بشر الطعام على شرّ الدواب مع شر الناس فبعث إليه جبنا على حمار مع خوزي.
وقيل: اصبر على الذلّ من الحمار. ويضرب المثل به في الصوت، قال الله تعالى:
إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ
«1» وقيل لأعرابي: ألا تركب الحمار؟ فقال: إنه عثرة منخرة، تبوع للحجرة. وقيل: الحمار مطية الدجال قال شاعر:
إن الحمار مع الحمار مطيّة ... فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وقيل لبعضهم: أي مركوب كلما كان أكبر كان أذلّ لصاحبه؟ فقال: الحمار. وقيل:
لا تركب الحمار فإنه إذا كان سلسا أتعب يديك، وإن كان بليدا أتعب رجليك.
ولقي جحظة بعض أصحابه على حمار فقال: مالك اقتصرت على ركوب حمار، لا يساوي ثمن قضيمه؟ فأنشأ يقول:
لا تنكرنّي على حمار ... يضيع في مثله الشعير
وكيف لا يمتطي حمارا ... من جلّ إخوانه حمير
وقال:
ولا عن رضا كان الحمار مطيّتي ... ولكن من يمشي سيرضى بما ركب
(2) فضل الفرس
قال الله تعالى في الامتنان به: وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
«2» ومن فضيلته أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أسهم له سهمين، ولم يجعل لراكبه المسلم إلا سهما. وقال صلّى الله عليه وسلّم: الخيل معقود في نواصيها الخير.
وقال رجل من الأنصار وقد روي لامرئ القيس:
الخير ما طلعت شمس وما غربت ... معلّق بنواصي الخيل معصوب
ويروى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرغ فرسا له، ثم جعل يمسحه بردائه، فقيل له في ذلك فقال:
بتّ البارحة وجبريل يعاتبني في سياسة الخيل.
وكانت العرب لا تهنأ إلا بثلاث إذا ولد للرجل ذكر قيل له ليهنك الفارس، وإذا نبغ في الحيّ شاعر قيل لوالده ليهنك من يذب «3» عن عرضك، وإذا نتج مهرا قيل له: ليهنك ما تطلب عليه الثأر.(2/669)
وقال الجاحظ: لم تكن أمة قط أشد عجبا بالخيل ولا أعلم بها من العرب، ولذلك أضيفت إليهم بكل لسان ونسبت إليهم بكل مكان، فقالوا: فرس عربي ولم يقولوا هندي ولا رومي ولا فارسي.
وعرض الحجّاج أفراسا وجواري وبين يديه أعرابي فخيّره بين فرس وجارية، فقال:
لصلصلة اللجام برأس طرف ... أحبّ إليّ من أن تنكحيني
أخاف إذا حللنا في مضيق ... وجدّ الركض أن لا تحمليني «1»
الحثّ على إيثاره والإحسان إليه، والتمدح بذلك
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: من قدر على ثمن دابة فليشترها، فإنه تعينه على رزقه وتأتيه برزقها.
وقال أبو ذرّ: ما من ليلة إلا والفرس يدعو ربّه ويقول: اللهم سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي بيده، فاجعلني أحب إليه من أهله وماله، اللهم ارزقه وارزقني على يديه.
وقال ابن سيرين لرجل: لم بعت فرسك؟ قال: لمؤنتها. فقال: تراه خلق عليك رزقه. وقال مالك بن نويرة:
جزاني دوائي ذو الخمار ومنعتي ... بما بات أطواء بني الأصاغر
رأى أنّني لا بالقليل أموره ... ولا أنا عنه في المواساة ظاهر
وقال يزيد العبدي:
قصرنا عليه بالمقبض لقاحنا ... رباعية أو بازلا أو سداسيا
وقال:
مفدّاة مكرّمة علينا ... تجاع لها العيال ولا تجاع
وقال:
هاجرتني يا بنت آل سعد ... أأن حلبت لقحة للورد
جهلت من عناقه الممتد ... ونظرتي في عطفهم الألدّ
إذا جياد الخيل جاءت تردى ... مملوءة من غضب وحرد «2»
وقال:
تلوم على أن أعطي الورد لقحة ... وما تستوي والورد ساعة تفزع
وقال عامر بن الطفيل:
وللخيل أيام فمن يصطبر لها ... ويعرف لها أيامها الخير تعقب(2/670)
كونه معقلا
قال شاعر:
إن الحصون الخيل لا مدرى القرى
وقال لبيد:
معاقلنا التي نأوى إليها ... بنات الأعوجية لا السيوف «1»
وعن بعض الفرس: الخيل حصون منيعة، ومعاقل رفيعة. وقيل: لا حصن كالحصان ولا جنّة كالسنان.
الأمر بإهانته وإعارته
قال بعضهم:
أهينوا مطاياكم فإنّي رأيتكم ... يهون على البرذون موت الفتى الندب «2»
وقال آخر:
وإنّي إذا ما المرء آثر بغله ... على نفسه آثرت نفسي على بغلي
وأبذله للمستعيرين لا أرى ... به علّة ما دام ينقاد للحبل
مدح إناث الخيل
قال صلّى الله عليه وسلّم: عليكم بأناث الخيل فإن ظهورها وبطونها كنز. وقيل له صلّى الله عليه وسلّم: أي المال خير؟ فقال: سكة مأبورة ومهرة مأمورة. وقال: بطون الخيل كنز وظهورها جرز.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لولا أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن الحصان لأمرت به فإنه أخفى للغارة والكمين، ولكن عليكم بالأناث.
مشاهير الأفراس
كان ملك الهند أهدى شبديز إلى كسرى، وكان من أزكى الدواب وأعظمها خلقا وكان لا يبول ولا يروث تحته وكان ينخر ولا يزبد، وكان استدارة حافره ثلاثة أشبار، فبقي مدة ثم نفق. فلإعجاب كسرى به أمر بتصويره. فلما تأمل صورته استعبر.
ومن فحول الخيل عند العرب العسجد والوجيه والغراب ولاحق ومذهب ومكتوم.
وقال طفيل:
بنات الوجيه والغراب ولاحق ... وأعوج ينمي نسبة المتسبب
وأشقر مروان من نسل الذائد، والذائد من ولد بطين من البطان، وهو الذي بعث الحجّاج إلى الوليد. ومن نسل أعوج داحس كان لعبسيّ بن جذيمة العبس، والغبراء لحمل بن بدر بن حذيفة. وتشامت العرب بداحس لوقوع الحرب بسببها.(2/671)
والعصا فرس جذيمة الأبرش، وقيل إن قيصر ركبها لما صار جذيمة في بلد الروم فركضها فلم تقف إلا على رأس ثلاثين ميلا. ثم وقف هناك فبالت، فبنى على ذلك الموضع برج يسمى برج العصا.
وزهدم فرس عنترة، والنعامة فرس الحارث بن عباد. ومن أفراس النبي صلّى الله عليه وسلّم اللزاز هداه المقوقس إليه من مارية، والسكب واليعبوب وبغلته دلدل وحماره يعفور. وله ناقتان العضباء والقصواء. وكان لعلي رضي الله عنه بغلة يقال لها الشهباء، واليحموم والرقيب فرسا النعمان. والعباب فرس مالك بن نويرة وهسون فرس الزبير بن العوام. والغزالة فرس خولان. والحرون لمسلم بن عمر. واشتراه بألف دينار. وكامل لزيد الفوارس وقسام لبني جعدة والزائد لمحمد بن عبد الملك.
الماهر بالركوب العاجز
قيل:
لم يركبوا الخيل إلا بعد ما كبروا
وقال آخر:
وإني لأرثي للكريم إذا غدا ... على حاجة عند اللئيم يطالبه
وأرثي له من وقفة عند بابه ... كمرسنى للطرف والعلج راكبه
اللازم لظهر الدّابة
يقال فلان حلس دابته وقال شاعر:
أراك لا تنزل عن ظهره ... ولو من البيت إلى الحبس
قال أمير المؤمنين: اضرب الفرس على العثار، ولا تضربه على النفار، فإنه يرى ما لا تراه، وقال رجل لأمير المؤمنين: متى أضرب حماري؟ قال: إذا لم يذهب إلى الحاجة كما ينصرف إلى البيت.
المستغني عن الضرب
قال ثعلبة:
وتعطيك قبل السوط ملء عنانها
وقال ابن المعتز:
أضيع شيء سوطه إذ يركبه
وله:
حسنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل
الخائف من الضّرب
قيل: أكرم الخيل لأمهاتها أجزعها من السوط، وأكيس الصبيان أشدّهم بغضا للكتاب، وأكرم المهار أشدها ملازمة لأمهاتها.(2/672)
وقال علقمة يصف ناقة:
تلاحظ السوط شزرا وهي ضامرة
وقال الكميت:
إذا اعصوصبت في أنيق فكأنّما ... بزجرة أخرى من سواهنّ تضرب
الجيد العدو
قيل لأعرابي: كيف عدو فرسك؟ قال: يعدو ما وجد أرضا. وقيل لآخر، فقال: همّه أمامه وسوطه عنانه، وما ضربه أحد إلا ظلما.
وقال أعرابي في صفة فرس وهو رخو العنان، كأن له في كل قائمة جناحا. وذكر رجل فرسا فقال: كأنه شيطان، في أشطان إذا أرسل لمع لمع سحاب، أقرب الأشياء إليه الذي تقع عينه عليه.
ووصف ابن القرية فرسا بعثه الحجّاج إلى عبد الملك: بعثت بفرس حسن القدّ أسيل الخد، يسبق الطرف ويستغرق الوصف. وكتب عمرو بن مسعدة: يمرّ بالشباب مع قواه ويسير بالشيخ تحت هوان.
لاحق غير ملحوق
عرض أعرابي فرسا للبيع، فقيل له: كيف هو؟ فقال: ما طلبت عليه إلا لحقت ولا طلبت إلا فتّ. فقيل له: ولم تبيعه؟ فأنشأ يقول:
وقد تخرج الحاجات يا أمّ مالك ... كرائم من ربّ لهنّ ضنين
وقال المرقّش:
ويسبق مطرودا ويلحق طاردا ... ويخرج من غمّ المضيق ويخرج
قال الناشيء:
لم يعتصم ذو مهرب بفراقه ... يوما ولاذ ومطلب بلحاقه
وقال المتنبيّ:
أدركته بجواد ظهره حرم
المدرك ما طلب
قال امرؤ القيس، وهو أول من ابتدعه:
بمنجرد قيد الأوابد هيكل «1»
وقال الأسود:
قيد الأوابد والرّهان جواد(2/673)
وقال عمارة بن عقيل:
وأرى الوحش في يميني إذا ما ... كان يوما عنانه بشمالي
وقال ابن مقبل:
ولا ينفع الوحش منه أن تحذره ... كأنّه معلّق منها بخطاف «1»
المشبّه بالوحشيات
قال مالك بن نويرة:
وكأنّه فوق الجوالب جاليا ... ريم تضايقه كلاب أخضع
وقال الجعديّ:
كلفتها شيدا أزلّ مصدرا
وقال آخر:
رحيل كسرحان الفضا المتأوّب
المشبّه في السرعة بالطيور
كأنه فتخاء «2» كاسر وكأنما يهفو بتمثال طائر.
وقال امرؤ القيس:
كأنّ غلامي إذا علا حال متنه ... على ظهر باز في السّماء محلّق
وقال آخر:
تحسبه يطير وهو يعدو
وقال مروان:
أقبل ينقضّ انقضاض الكوكب ... كأنّه باز هوى من مرقب
يطلب صيدا في فضاء سبسب ... لجائع في وكره مزغب «3»
المشبّه بالدلاء
قال أبو النجم:
يهوي هويّ الغرب من رشائه ... أخطأه المفرغ من أهوائه «4»
وقال ابن نويرة:
كالدلو خان رشاؤها المتقطّع
وقال آخر:
هوي دلو خانه الكرب(2/674)
المشبّه بالماء الجاري والمطر
قال ابن المعتز:
أسرع من ماء إلى تصويب
وقال المرقّش الأكبر:
يجمّ جموم الحسى جاش مضيقه ... وجرّده من تحت ذيل وأبلج «1»
قال زهير:
كشؤبوب غيث يحفش الأكم وابله «2»
المشبّه بالريح والبرق والنجم
وقال نصيب الأصغر:
هي الريح إلا خلقها غير أنّها ... تبيت غوادي الريح حيث تقيل
وقال آخر:
سليل ريح لقحت من برق
وقال امرؤ القيس:
إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه ... تقول هوى الريح مرّت بآثار «3»
وقال آخر:
كأنّه لمعة من عارض برد
وقال أبو العتاهية:
قد خلف الريح حسرى وهي تتبعه ... ومرّ يختطف الأبصار والنظرا
وقال ابن الرومي:
تراه كالنجم خرّ منصلتا ... إثر العفاريت والشياطين
السابق الطرف والوهم
قال أبو النّجم:
يسبق طرف العين من مضائه
في وصفه
طرف يسبق الطّرف ويفوت الوهم.(2/675)
وقال المتنبّي:
أربعها قبل طرفها تصل
وقال الناشئ في وصفه:
مثل دعاء مستجاب إن علا ... أو كدعاء نازل إذا هبط
المشبّه بالنّار والغليان
شدّ كإضرام الحريق، كمعمعة السعف الموقد، كحريق في غريق، إذا جاش حميه غلي مرجل.
تواتر أيديها وأرجلها في العدو
قال بكر بن النطاح:
كأنّما اليدان والرجلان ... طالبتا وتر وهاربان «1»
وقال العماني يصف فرسا محجّلا:
كأن تحت البطن منه أكلبا ... بيضا صغارا ينهشن المنقبا «2»
وقال ابن خلف:
وكأنّما جهدت أليته ... أن لا تمسّ الأرض أربعه
وقال آخر:
وكأنّما يرفعن ما لا يوضع
وقال الموسوي:
كأنّه في سرعان الوخد ... يلعب في أرساغه بالبرد «3»
الحاذق بالناورد
قال كشاجم:
ماء تدفّق طاعة وسلاسة ... فإذا استدرّ الحضر منه فنار «4»
وإذا عطفت به على ناورده ... لتديره فكأنه بركار
وقال المتنبّي:
تثني على قدر الطعان كأنّما ... مفاصلها تحت الرياح مراود «5»
وقال الصاحب:
له دور ناورد على قدر درهم(2/676)
وقال امرؤ القيس:
له وثبات كوثب الظّباء ... فواد خطار وواد مطر
وقال آخر:
وأجرد ما يثبطه الخطار
المثير الغبار
قال طفيل:
إذا هبطت سهلا حبست غبارها ... بجانبه الأقصى دواخن تنصب
وقال الخوارزميّ:
يخفّ لوطئها الترب البليد
وقال ابن المعتز:
يرفع نقعا كدخان العرفج ... أو مثل ندف الكرسف المنفج «1»
تتابع الخيول
قال شاعر:
يخرجن من تحت الغبار عوابسا ... كأصابع المقرور أقعى فاصطلى «2»
وقال ضمرة بن ضمرة:
كالتمر ينثر من جراب الجرم
الهملاج
«3» قال عمر بن عبد العزيز: ما شيء تركته لله فتاقت نفسي إليه، إلا ركوب الهماليج.
وقال مسلم: ما بقيت لذة إلا ركوب الهماليج وقتل الجبابرة.
السبق
قال صلّى الله عليه وسلّم: الخيل تجري بأحسابها فإذا كان يوم الرهان، جرت بجدود أربابها وكانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناقة لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فصعب على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: حقّ على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه.
وكان عمر رضي الله عنه يأمر أن يجري الفرس من رأس الميدان وهو أربعة فراسخ.
وسابق عبد الملك بين بنيه فسبق الوليد وثنى سليمان وجاء مسلمة بعدهما، فقال عبد الملك لقبيصة الخزاعي أتروي قول الشني:
نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدرك «4»(2/677)
فتنفر كفّاه ويسقط سوطه ... وتبرد ساقاه فلا يتحرك
وما يستوي المرآن هذا ابن حرّة ... وهذا هجين ظهره مشترك
فقال مسلمة: قد قال حاتم خيرا من هذا:
وكائن ترى فينا من ابن سبية ... إذا لقي الأبطال يطعنها شزرا
(الأبيات) فسرّ عبد الملك به وقبّله بين عينيه.
مفاضلة ألوانها
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لو جمعت خيول العرب في صعيد واحد لجاءت وسابقها أشقر.
وقال: خير الخيل الأدهم الأرثم «1» المحجل ثلاثا، المطلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الهيئة واستشار أعرابي النبي صلّى الله عليه وسلّم في شراء فرس، فقال: اشتره أغرّ محجّلا مطلق اليمين تغنم وتسلم.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: اليمن في شقر الخيل. وقال بعض الحكماء: إن طلبك صاحب أشقر فعليك بالحزن «2» ، فإن الأشقر رقيق الحافر. وإن طلبك صاحب أدهم، فعليك بالوحل فإنه رديء القوائم. وإن طلبك صاحب كميت، فعليك بالجدد «3» فعسى أن تنجو.
قال محمد بن سلام لم يسبق الحلبة أبلق «4» قطّ ولا بلقاء وزعموا أن الشيات «5» كلها نقص وضعف، والشية كل لون دخل على لون.
قال الله تعالى: لا شِيَةَ فِيها
«6» وكل حيوان إذا اسود شعره أو صوفه كان أقوى لبدنه، ولا خير في البقع. وكذلك البلق من الخيل والبرق من الحمل والتيس.
أحوال ألوانها
قال ابن عباس كان صلّى الله عليه وسلّم يستحب الشقر من الخيل، وقال صلّى الله عليه وسلّم إذا اعتددت فرسا فاعتده أقزح أرثم ومحجل الثلاث مطلق اليمين، فإنها ميامين فإن لم يكن أدهم فكميت ثم أغرّ تغنم وتسلم، إن شاء الله تعالى. وقال سلمة:
كميت غير مخلفة ولكن ... كلون الصفّ حلّ به الأديم
وقال المرار:
فهو ورد اللون تزأره ... وكميت اللون ما لم يزأر
وقال السلامي في أغرّ أرثم:
نظنّ نجما منيرا فوق غرّته ... وأنه بهلال ظلّ يلتئم(2/678)
وقال ابن المعتز في محجّل الواحد مطلق الثلاث:
ومحجل غير اليمين كأنّه ... متبختر يمشي بكم مسبل
وقال أبو تمام في أبلق:
مسودّ شطر مثل ما اسودّ الدّجى ... مبيضّ شطر كابيضاض المهرق
التحجيل
قال ابن المعتز في الكميت:
وقارح أربعه أصواؤه ... كأنّما من دمه غشاؤه «1»
الأغرّ المحجّل
قال البحتري:
تتوهم الجوزاء في أرساغه ... والبدر غرّة وجهه المتهلّل «2»
الغرّة
قال شاعر:
تخال بياض غرّتها أسراجا
وقال آخر:
كأنّما الشعرى على وجهه «3»
وقال ابن نباتة:
تطلع بين عينيه الثريّا
وله:
وكأنّما لطم الصّباح جبينه ... فاقتصّ منه فخاض في أحشائه
وقال المتنبّي:
وعيني إلى أذني أغرّ كأنّه ... من الليل باق بين عينيه كوكب
ما يتفادى منه من الشيات
كان صلّى الله عليه وسلّم يكره الشكال وهو أن تكون اليد اليمنى والرجل اليسرى أو بالعكس مختلفين، أنشد أبو عبيدة:
إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت ... حليلته وازداد حرا عجانها «4»
وقيل آنق الخيل المهقوع وهو الذي في عرض زوره دائرة، وكانوا يستحبونه حتى أراد رجل شراء مهقوع مرة فامتنع صاحبه من بيعه، فقرأ المشتري هذا البيت فصار يتفادى منه.(2/679)
المرح
وصف أعرابي فرسا فقال هو شيطان في أشطان وقال بشر:
مهارشة العنان كأنّ فيها ... جراءة هبرة فيها اضطراب
وقال آخر:
كأنّ به لسعة زنبور
وقال غيلان بن حريث:
يكاد ممّا يزدهيه أشره ... يطير لولا أنّنا نوقّره «1»
وقال أبو تمّام:
كأنّما خالطه أولق ... أو خامرت هامته الخندريس «2»
وقال:
كأنّه سكران أو عابث ... أو ابن رب حدث المولد
وقال الموسوي:
يزجون جردا لا تقرّ على الثّرى ... مرحا كأن الترب شوك قتاد «3»
الشديد الصّهيل
قال شاعر:
بأجشّ الصوت يعبوب «4»
وقال مزرّد:
أجشّ صهيليّ كأنّ صهيله ... مزامير شرب جاوبتها الجلاجل «5»
وقال الموسوي:
ويصهل في مثل قعر الطّوى ... صهيلا يبين للمعرب
وقال البحتري:
وكأنّ صهلته إذا استعلى بها ... رعد يقعقع في ازدحام غمام
الطامح العين والرأس
قال مزرّد:
يرى طامح العينين يرنو كأنّه ... مؤانس ذعر فهو بالأذن خائل(2/680)
وقال المتنبّي:
وينظرن من سود صوادق في الدّجى ... يرين بعيدات الشّخوص كما هيا
وقال زهير:
وملجمنا ما إن ينال قذاله ... ولا قدماه الأرض إلا أنامله
الموصوف بالطّول
مدح أعرابي فرسا وراكبه، فقال: كان والله طويل العذار أمين العثار، إذا رأيت صاحبه عليه حسبته بازا على مرقب، معه رمح تقصر به الآجال.
وقال عديّ بن الرقاع:
لا يكاد الطويل يبلغ منه ... حيث يثنى من المقصّ العذار «1»
الطويل العنق
قال قطريّ لرجل: اشتر لي فرسا. قال: لا علم لي بنجابته، قال: اشتره ونصفه عنقه ومنه أخذ أبو النجم:
يكاد هاديها يكون شطرها
وقال امرؤ القيس:
ومثنانة في رأس جذع مشذب «2»
دقّة الأذن
وأنشد العماني الرشيد:
كأن أذنيه إذا تشرفا ... قادمة أو قلسا محرقا
فخطأه فيه ثم قال لأصحابه: كيف يجب أن يقال؟ فأعياهم. فقال: تخال أذنيه كأن هواديها أعلام وآذانها أقلام، وقيل إذن مرهفة مؤللة. ولبعضهم:
مقدودة الآذان أمثال القدود «3»
سعة العين
قال بعضهم:
وعين لها حدرة بدرة ... وشقت مآقيهما من أخر «4»
وقال آخر:
عين كعين البكر حين تديرها ... بمحجرها تحت النّصيف المنقب «5»(2/681)
الجبهة
لها جبهة كسراة المجنّ ... حذقه الصانع المقتدر
العرف
وأسحم ريّان العسيب كأنّه ... عثاكيل قنو من سميحة مرطب «1»
الذّنب
وقال امرؤ القيس:
لها ذنب مثل ذيل العروس ... تسدّ به فرجها من دبر
وقال طفيل:
وأذنابها وحف كأنّ ذيولها ... مجرا شاء من سميحة مرطب
سعة الشّدق
قال شاعر:
وهي شدقاء كالجوالق فوها ... مستجاف يضلّ فيه الشّكيم «2»
وقال الفلاح:
أشدق رحب المنكبين شرجب ... إن يلق في شدقيه كلب يذهب «3»
ونحوه للطفيل:
وأن يلق كلب بين لحييه يذهب
سعة المنخر
لها منخر كوجار الضّباع «4»
وقال آخر:
لها منخر مثل جيب القميص
وقال بشر:
كأن حفيف منخرها إذا ما ... كتمن الربو كير مستعار
وقال بعضهم: يمنع عنه وقوع البهر منخر في السعة كنهر
الواقص الذّباب بطرفه
قال المرقّش:
بمحالة تفض الذباب بطرفها(2/682)
وقال ابن مقبل:
ترى النعرات الخضر تحت لبانه ... فرادى ومثنى أصعقتها صواهله «1»
فريسا ومغشيّا عليه كأنّما ... خيوطه مأوى لواهن قاتله «2»
الضّامر
وقال عمرو بن معدي:
تقول لها الفوارس إذ رأوه ... ترى مسدا أمرّ على الرّماح «3»
وقال آخر:
كأنّها هراوة منوال «4»
وقال آخر:
كقدح رام طار عنه شذبه «5»
وقال آخر:
جوداء مثل هراوة المغراب «6»
المحفر
يصفون جياد الخيل بسعة الجوف قال: ببطنه يعدو الذكر، وقيل: لم يسبق الحلبة أهضم قط.
وقال الجعديّ:
حيط على زفرة فتم ولم ... يرجع إلى دقة ولا هضم
الصّلب
قال امرؤ القيس:
كجلمود صخر حطّه السيل من عل
وقال طرفة:
وأروع نباض أحد ململم ... كمرداة صخر في صفيح مصمّد «7»
الليّن المفاصل
قال البحتري:
لانت مفاصله فخيل بأنّه ... للخيزران مناسب بعظامه
وقال المتنبّي:
مفاصلها تحت الرماح مراود(2/683)
القوائم
قال امرؤ القيس:
عظيم الشظى عبل الشّوى شنج النّسا «1»
وله:
لها ثنن كخوافي العقاب «2»
وقال سليم الجعدي:
كأنّ تماثيل أرساغه ... رقاب وعول على مرقب
الحافر المنقعب
قال عوف بن الوليد:
لها حافر مثل قعب الولي ... د تتخذ الفأر فيه مغارا
ويقال حافر كالقدح المكبوب. وقال الموسوي:
وكم قرع الدف من حافر ... تخال على الأرض قعبا يكب «3»
الصّلب الحافر
قال امرؤ القيس:
وتخطو على صمّ صلاب كأنّها ... حجارة غيل وارسات بطحلب «4»
أخذه الجعدي فقصر عنه، وإن كان قد بسط:
كأن حوافيه مدبرا ... حفين وإن كان لم تحطب
حجارة غيل برضراضة ... كسين طلاء من الطحلب «5»
وقال آخر:
حامل تحت رسغه جلمودا
وقال رؤبة:
يرمي الجلاميد بجلمود مدق
وقال شملعة بن الأخضر:
إذا قرعت سنابكها بحزن ... جعلن حزونة الأجبال هارا «6»(2/684)
وقال ابن المعتز:
وحافر أزرق كالفيروزج
المؤثّر بحوافره في الصّفا
قال ابن المعتز:
يطبع صمّ الصفا حوافره ... طبع الخواتيم لين الطّين
وقال المتنبّي:
تماشت بأيد كلّما وافت الصّفا ... نقشن به صدر البزاة حوافيا «1»
وقال الببغا:
وكأنّما نقشت حوافر خيله ... للناظرين أهلّة في الجلمد
معوذ رائق
قال سلمة بن حوشب:
تعوذ بالرقي من غير خبل ... ويعقد في قلائدها التميم
وقال ابن المعتز:
يكاد لولا اسم الإله يصحبه ... تأكله عيوننا وتشربه
هيئته مقبلة ومدبرة
قال امرؤ القيس:
إذا أقبلت قلت دبّاءة ... من الحضر مغموسة في الغدر «2»
وإن أدبرت قلت أثفية ... ململمة ليس فيها أثر «3»
وإن أعرضت قلت سرعوفة ... لها ذنب خلفها مسبطر «4»
وقال البحتري:
وكأن فارسه وراء قذاله ... ودقّ فلست تراه من قدّامه «5»
ما يحمد من أوصاف أعضائه مجموعة
سأل الحجّاج ابن القرية ما يحمد من الخيل؟ فقال إذا كان قصير الثلاث طويل الثلاث رحب الثلاث صافي الثلاث فهو الجواد. أما القصير فالعسيب والساق والظهر،(2/685)
والطويل الاذن والنحر والسالفة، والرحب المنخر والجوف واللبان، والصافي الأديم والعين والحافر.
قال خباب:
وقد أغدو بطرف هيكل ذي منعة سكب ... حديد الطرف والمنكب والعرقوب والقلب
عريض الخدّ والجبهة والصهوة والجنب
وقيل: الفرس يسرع بسعة إبطه وجلده وبطول عنقه وعظم حفرته. وأغار زهير على حيّ من أحياء بكر بن وائل، فأصيب بعضهم فأتته جارية تسأله عن أبيها فقال: ما كان تحت أبيك؟
قالت: طويل بطنها قصير ظهرها هاديها شطرها، فقال: إن صدق وصفك فقد نجا.
أوصاف مختلفة
قال بعضهم:
طرف تبين للبصير وغيره ... فيه النجابة جاريا ومقودا
وقال المتنبّي:
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيب
وقال البحتري وقد استوهب فرسا مسرجا ملجما:
والطرف أجلب زائر لمؤنة ... ما لم يزرك بسرجه ولجامه
كثرة عرق الخيل وقلته
ترى الماء من أعطافه يتحلّب
وقال أبو النجم:
كأنه في الخيل وهو سام ... مشتمل جاما من الجمام «1»
وقال آخر:
كأنّ على أعطافه ثوب مائح
وعاب الأصمعي أبا ذؤيب بقوله:
إلا الحميم فإنّه يتبضّع
وقال امرؤ القيس:
فأدرك لم يعرق مناط عذاره
أثر العرق
قال طفيل الغنوي:
كأن يبيس الماء فوق متونها ... أسارير ملح في متون مجرب(2/686)
وقال عبيد:
تراها من يبيس الماء شهبا
وقال المرار:
كعقبان الظلال ترى عليها ... يبيس الماء تحسبه صقيعا
البليد
قيل: اغتفر من الدواب كل شيء إلا البلادة، فإن راكبها مركوب. وسئل بعضهم أي البراذين شر؟ قال: الغليظ الركبة الكثير الجلبة الذي إذا أرسلته قال: أمسكني، وإذا أمسكته قال: أرسلني.
ونظر رجل إلى برذون عليه راوية فقال:
ما المرء إلا حيث يجعل نفسه
لو هملج «1» في سيره ما جعل راوية. وقيل لمكاري بارك يريد العصا فقال: إنّما أغتم لو أراد بزما ورد، قال شاعر:
لو سابق الذرّ مشدودا قوائمه ... يوم الرهان لكان الذرّ يسبقه
أو فرّ يوم الوغى والنمل يطلبه ... لكان قبل ارتداد الطرف يلحقه
الموصوف بالعيوب
باع رجل فرسا فقيل له: هل فيه من عيب؟ فقال: لا الاقر وكأنه قثاءة، ومشش كأنه سفرجلة، ودخس «2» كأنه بطيخة. فقيل: هو بستان لا برذون.
وقال الحارثي:
دموج برجليه وقوع بصدره ... عضوض بفيه طامح متخبط «3»
وقال محمد بن جهور:
لي برذون حرون جرد ... نفخي دخس رخو العصب
الموصوف بالهزال والكبر
قيل لرجل على فرس هزيل: ما أرى فرسك يروى من الشعر إلا قول عنترة:
ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتّى أنال به كريم المأكل «4»
وقيل لمزبد: ما بال حمارك يتبلّد إذا أخذ نحو المنزل وحمير الناس إلى منازلهم أسرع؟ فقال: لمعرفته بسوء المنقلب.
وقال محمد بن موسى القاساني:
فلا تنكر بجهلك فضل مهري ... فمهري من ملائكة الدواب(2/687)
بلا تبن يعيش ولا قضيم ... ولا الموجود من برد الشراب
سوى ورق الحجارة أو خليط ... يثير الريح مع ظلّ السحاب
ويقضم كلّ يوم كفّ شمس ... إذا ما الشمس حانت لاغتراب
وإن يعطش وردت به هجيرا ... على نهر يلوح من السراب
وقال بعضهم:
برذون عمران أبي عباد ... يذكر كسرى وزمان عاد «1»
كأنّما أضلاعه هواد ... كأنّه في السوق والقياد
سفينة تدفع بالمرادي «2»
وقال أبو دلامة يصف فرسه:
وكانت قارحا أيّام كسرى ... وتذكر تبّعا عند الفصال
وقد مرّت بقرن بعد قرن ... وآخر عهدها بهلاك مالي
وكتب أبو العيناء إلى عبيد الله بن يحيى: أما بعد أعلم الوزير أن ابنك محمدا حمل عبدك على دابة تسوء الأولياء وتستر الأعداء، تقف بالنثرة «3» وتعثر بالبعرة «4» ، كالقربة عجفا «5» والشنة دنفا «6» ، تسعل وتحبق معا، تضحك النسوان وتلعب الصبيان. ولقد ركبتها فمن وقفة وحبقه وسعلة. فمن قائل يقول: نقّ شعيره، وآخر يقول: التقط واحتفظ، وآخر يقول: إقطع قوائمه، واجعله مسراحا وآخر يقول: لا تمرّ به على العلاف فتخنقه العبرة.
وقال ابن طباطبا:
قارح ملجم بالإيوان عندي ... مثل شيخ إذا تعاطى الخساره
هبك صيّرته بالإيوان مهرا ... كيف تحتال إن أردنا فراره
قال شاعر:
كان خضيعة بطن الجوا ... د وعوعة الذئب بالفدفد «7»
النهي عن الخصي
قال لما غز النبي صلّى الله عليه وسلّم تبوك عمل رجلا من الأنصار على فرس وأمره إذا نزل أن ينزل قريبا منه شوقا إليه وشهوة إلى صهيله. فلما قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة سأل(2/688)
الأنصاري عن الفرس قال: خصيناه. فقال مه مثلت به أعرافها أدفاؤها وأذنابها مذابها التمسوا نسلها وباهوا بصهيلها المشركين.
(3) وممّا جاء في النّعم
وصف النعم والتفضيل بعضها على بعض
قال أهل اللغة: النعم اسم يشمل الغنم والبقر والإبل. وقال صلّى الله عليه وسلّم: الغنم بركة موضوعة، والإبل جمال لأهلها، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
وقال أيضا الفخر في أهل الخيل والسكينة في أهل الغنم. وقيل لابنة الحسن ما تقولين في مائة من المعز؟ قالت غنى قليل فمائة من الغنم؟ قالت غنى قليل فمائة من الإبل؟ قيل منى وقيل ما خلق الله نعما خيرا من الأبل إن حملت أثقلت، وإن سارت أبعدت. وإن حلبت أروت. وإن نحرت أشبعت. وقيل: الإبل طويلة الظمء بعيدة الروحة، بسيطة المشية ثقيلة الحمل، وكل ظهر له كالعيال.
المتبجّح بملك الإبل
وقال إبراهيم بن العبّاس:
لنا إبل غرّ يضيق بها الفضا ... وتفتر عنها أرضها وسماؤها
فمن دونها أن تستباح دماؤنا ... ومن دوننا أن تستباح دماؤها
حمى وقرى فالموت دون مرامها ... وأيسر خطب يوم حق فناؤها
وقال المرار:
لهم إبل لا من ديات ولم تكن ... مهورا ولا من مكسب غير طائل «1»
محبسة في كلّ رسل ونجدة ... وقد عرفت ألوانها في المعاقل
وصفها
وقال أبو جرول:
مخاض كسن الظبي لم أر مثلها ... سناء قتيل أو حلوبة جائع
وقال القطامي:
طوال القنى ما يلعن الضيف أهلها ... إذا هو رغى وسطها بعد ما يسري(2/689)
جفار إذا صافت هضاب إذا شتت ... وبالصيف يردون المياه على العسر
يعضّ عليها الحاسدون بنانهم ... وليس بأيديهم غناي ولا فقري
ألوان الإبل وتفضيل بعضها
قال حنيف الحناتم: وكان آبل الناس الرمكاء «1» نهيّة تصغير نهية، والحمراء صبراء «2» والحمراء غزراء، والصهباء سرعاء. وفي الإبل أخرى إن كانت عندي لم أبعها وإن كانت عند غيري لم أشترها. لأنه لا يبيعها إلا العيب.
وقال أبو نصر النعامي هجّر على حمراء، وأسر بورقاء «3» . وصبّح القوم على صهباء.
قيل: ولم ذاك؟ قال: لأن الحمراء أصبر على حرّ الهواجر، والورقاء على السرى والصهبة أحسن الألوان حين ينظر إليها.
وقيل: ورق الإبل أصفاها، والصهب أنقاها، والدهم أبهاها، والخمر أضناها، أي أكثرها ولدا والأدم أو ضؤها، والرمد أوطؤها.
المتشابهة الألوان
وقال ذو الرمّة:
إذا انتجت منها المثاني تشابهت ... على العود إلا بالأنوف سلائله
أي تشابهت على أمهاتها لكونها على نجاد واحد فلا يعرفن إلا بالشم.
الإبل المختلفة الألوان
قال بعض اللصوص يصف إبلا سرقها من أحياء مختلفة:
تسألني الباعة أي دارها ... لا تسألوني وأنظروا ما نارها
كلّ نجار في الورى نجارها ... وكلّ نار العالمين نارها «4»
والنار السمة. كردوس المراثي فيها:
أتسألني عن نارها وديارها ... وذلك علم لا يحيط به الطمس
أي الخلق.
الإبل المعلمة
قال الراجز:
كلّ علاة توّجت بنارها ... قيل تمام القوم في نجارها «5»(2/690)
ومن السمات العلاط والخياط والمحجر والخطاف والغراب والخطام والكشاح والجباب.
وقيل بعير محلق وطهور وأحزب والميسم مباح في الشريعة كان يسم إبل الصدقة وكانت القصوى والعضباء ناقتا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موسومتين ومن منفعة السمة أنها إذا عرفت للرئيس لم تطرد عن الماء قال:
قد سقيت آبالهم بالنّار ... والنار قد تسقى من الأوار «1»
إبل غير معلمة
ربما يترك البعير غير معلم إما لأن إغفالها كالعلم لها أو يكون ذلك ضنا من صاحبها بها لكرمها.
قال:
ولا عيش الأكل صهباء غفل
وقال:
تناول الحوض إذا الحوض شغل ... ومنكباها خلف أوراك الإبل
وقال:
من كلّ حمراء يفاع المنتمى ... يكرمها أربابها إن توسما
وصف البعير بالسرعة والقوة
وصف أعرابي ناقة فقال تقطع الأرض عرضا وترض الحجارة رضا وتنهض في الزمام نهضا سريعة الوثوب بطيئة النكوب مروح شروب، وقيل لآخر: كيف ناقتك؟ فقال: عقاب إذا هوت وحية إذا التوت طوت الفلاة وما انطوت.
وقال شيبة بن عقال: أقبلت من اليمن أريد مكّة ومعي ثلاث جمال فصحبت يمينا على ناقة فوقعت بي جمل بعد جمل حتى بقيت راجلا فخفت أن يفوتني الحج. فقال اليمنى: أتطيب نفسك عمّا معك وتردفني؟ فقلت: نعم. فنزل وقدم رحله فكاد يضعه على عنقها، ثم قال: خذ حر متاعك إن لم تطب نفسك عنه، ففعلت وأردفني فجعلت تعوم بنا عوما كأنه ثعبان حتى انتهى بي إلى الموقف. فقال: إن لي حاجة إليك إن لا تذكرها فإن هذه آثر عندي من كل مال في الدنيا أدرك عليها الثأر وأصيد عليها الوحش وأوافي عليها الوسم من صنعاء كل عام.
تحريك الأيدي والأرجل في المشي
قال رؤبة:
كأن أيديهن بالقاع القرق ... أيدي جوار يتعاطين الورق(2/691)
وقال آخر:
يدا سابح في غمرة يتبوع «1»
وقال آخر:
يدا معول خرقاء تسعد ما تما
وقال آخر:
كأنّها نائحة تفجع ... تبكي لميت وسواها الموجع
وقال الشمّاخ:
كأن ذراعيها ذراعا مدلة ... بعيد الشباب حاولت إن تعذرا
وقال القضامي:
عوج فواج إذا حثّ الحداة بها ... حسبت أرجلها قدّام أيديها
وصف أعرابي بعيره فقال في صفة قوائمه: وضعها تعليل ودفعها تحليل.
رمي الحصى بالأخفاف
وقال امرؤ القيس وعنه أخذ الشعراء:
كأنّ الحصى من خلفها وأمامها ... إذا نجلته رجلها حذف أعسرا «2»
كأنّ صليل المروحين تشدّه ... صليل ذيوف يتقدن بعبقرا «3»
قال عبدة بن الطيب:
ترى الحصى مشمخرا عن مناسمها ... كما تخلخل بالوغل الغرابيل «4»
قال ابن المعتز:
كأنّ يديها وهي تسترفض الحصى ... يدا ناقد أو نابل لم يسدّد «5»
الخائف من الضّرب والزّجر
وصف الكميت ناقة فقالة:
بزجرة أخى من سواهن تضرب
قال إبراهيم بن هرمة:
تكاد تخرج من بين الجبال إذا ... ما قال غير لأخرى غيرها عاج(2/692)
وقال آخر:
سوطها لنقر الخفي ... ويداها لزجر الرّحى
وقال آخر:
كأن النير يلسعها ... إذا غرّد حاديها
وقال طريح:
تكاد تخرج من أنساعها مرحا ... إذا ابن أرض عوى بالبيد أو ضبحا
وقال الشماخ:
وتقسم نصف الأرض طرفا أمامها ... ونصفا تراه خشية لسوط أزورا
أخذه مسلم بن الوليد فقال:
تمشى العرضنة قد تقسم طرفها ... وضح الطريق وخوف وقع المحصد
المشبه بالريح والبرق
قال نصيب:
هي الريح إلا خلقها غير أنّها ... تبيت غوادي الريح حيث تقيل
قال بكر بن النطاح:
كأنّ قوائمه في المسير ... رياح تطارد بالقفر
وقال:
أي قلوص راكب تراها ... من ذكر الريح فقد سمّاها «1»
أو نعت البرق فقد كنّاها
المشبّه بالطير
وصف رجل بعيره فقال: ركبته كأنه نعامه أو عارته الأجنحة حمامه، مسلم:
إلى الإمام تهادينا بأرجلنا ... خلق من الريح في أشباه ظلمان «2»
قال أبو سعيد المخزومي:
إليك خليفة الرحمن طارت ... ولم أر قبلها خفّا يطير
المشبّه بالوحشيّات
قال زهير:
كأن كوري وأنساعي وراحلتي ... كسوتهنّ شبوبا من لظى لهبا «3»(2/693)
وقال لبيد:
كأخنس ناشط جادت عليه ... ببرقة واجف إحدى الليالي
وكل ذلك يدخل في صفة الوحشيّات.
المشبّه بالسفينة
قال المثقب:
كأنّ الكور والأنساع منها ... على قرواء ماهرة دقين
يشقّ الماء جؤجؤها وتعلو ... غوارب كلّ ذي حدب مصين «1»
وقال أبو النجم:
كأنه إذ خطّ في الزمام ... قرقور ساج مرسل الخطام
فهو يشقّ الماء بانتحام
وقال النابغة:
يستن في ثني الجديل وينتحي ... فعل الخلية في الخليج الجاري
القليل المبالاة ببعد المفاوز
وقال الحطيئة:
إذا نظرت يوما بمؤخّر عينها ... فإلى علم بالغور قالت له أبعد
المتقدّم على ما يسايره من المطايا
قيل لأعرابي كيف بعيرك؟ قال: يتدرع المطايا إذا ما شته بغباره ويخدن إذا برك في آثاره، لا يبرك خفيا يتقدمه فهو كما قال:
موكلة بالأقدمين فكلّما ... رأت رفقة فالأولون لها تصبو
وقال أبو نواس:
تذر المطيّ أمامها فكأنّها ... صفّ تقدمهنّ وهي إمام «2»
أخذه ابن المعتز وأبدع فقال:
وهي إمام الركب في ذهابها ... كسطر بسم الله في كتابها
وقال المتنبّي:
يمشي إذا عدت المطيّ وراءها ... ويزيد وقت جمامها وكلاله «3»(2/694)
ما يعجز الحادي عن إدراكه
وقال:
كيف ترى مرّ طلي حياتها ... والحادي اللاغب من حداتها «1»
وقال الأعشى:
حمين لعراقيب الحصى وتركنه ... به نفس عال يخالطه بهر
وقال آخر:
وإذا انتقصت إلى المفازة غادرت ... زيدا يبغل خلفها تبغيلا «2»
أي لا يدركها الحادي السريع
المترقّص من الإبل
وقال المثقب:
وترقص في المسير كأنّ هرا ... يباريها ويأخذ بالوضين «3»
وقال الممزّق:
ترى لو تراءى عند معقد غرزها ... تهاويل من إجلاء دهر معلّق «4»
وقال آخر:
كأن بها من طائف الجن أولقا
الساكن من الآبل
قال ذو الرمّة:
تصغي إذا شدّها بالكور جانحة ... حتّى إذا ما استوى في غرزها تثب
وقال آخر:
تمشي إذا ما هزّت السوالفا ... مشي العذارى هزّت المطارفا «5»
المؤثر في الأرض بثفناته
قال ابن المعتز:
كأنّ المطايا إذ غدون بسحرة ... تركن أفاحيص القطا في المنازل
وقال المثقب:
كأنّ مواقع الثفنات منها ... معرّس باكرات الورد جون(2/695)
كأنّ مناخها يلقى لجاما ... على معرابها وعلى الوجين «1»
الخفيف الوطء لسرعته
قال بعضهم:
خفية وطء الجرس لو أن حمرا ... تخطاه في إعشاشه لم يطيّر
المجترّ
قال المثقب:
وتسمع للذباب إذا تغنّى ... بتغريد الحمام على الرّكون
وقال النابغة:
له صريف صريف القعو بالمسد «2»
الضامر
قال الأعشى:
كتوم رغا إذا ضجرت وكانت ... نقية ذود كتم للرّغاء «3»
وقال الكميت:
كتوم إذا ضجّ المطيّ كأنما ... تكرم عن أظلافهن وترغب
الرغاء
قال الكميت:
كأن رغاءهن بكلّ فجّ ... إذا ارتحلوا نوائح معولات «4»
وقال كعب:
أرى إبلي ليست تهجّنّ كأنّما ... تعاورن أنبوبا أجشّ مثقبا
اللغام
قال أبو النجم:
كأنّه من زبد الأفكل ... مبرنس في كرسف لم يغزل «5»
وقال أبو نواس:
يكتسي عثنونه زبدا ... فيحلاه إلى منحره «6»(2/696)
ثم تذروه الرياح كما ... طارقطن الندف عن وتره
وقال آخر:
لغام كبيت العنكبوت الممدّد
الضامر المهزول
قال جرير:
خرقاء ضربها الوجيف كأنّها ... جفن طويت به نجاديات «1»
وقال الشمّاخ:
كأنّها وقد براها الأخماس ... شرائح النبع براه القواس
وفيه وقيد دبره ورجيع سفر كأنه مشحب أو هلال في ظلمة أعجف.
وقال سلم الخاسر:
عيسى تباري بعد طول كلالها ... مثل الأهلّة قد ذهبن محاقا «2»
القطاميّ
طواها السّرى فالنسع يجري كأنّه ... وشاح فتاة دقّ عنه مخاصره
المعيبات
قال بعضهم: ركبت ناقتي فامضيتها حتى انضيتها أزجيها على الوحي وأير بها على الحفا فعقالها إذا أنيخت كلالها قال إبراهيم بن هرمة:
جعل الوجى بذراع كل نجيبة ... قيدا أمر بغير كفّي فاتر «3»
وقال الراعي:
كأنّ لها برحل القوم بوّا ... وما إن طيّها إلا اللغوب «4»
وقال الممزّق:
نتاج طليحا ما تراعى من الشذى ... لو ظلّ في أوصالها الغلّ يرتعي «5»
القويّ الصليب
قال الراعي:
نمت كتفاها إلى حارك ... أشمّ كما أوفد المنبر(2/697)
وقال آخر:
جلديّة كأتان الضحل علكوم
ويقال هي كبر مشيد المسيب:
وكأن قنطرة بموضع كورها ... ملساء بين غوامض الأنساع
وقال آخر:
كأنّ مواقع الغربان منها ... منارات بنين على جماد
وقال بعض العلماء وصف القطامي نوقه بما لو وصف به امرأة لكان أشعر الناس فقال:
يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصدور على الأعجاز تتّكل «1»
العين
قال بعضهم:
فلاة أعينها نزح القوارير «2»
مدح المعز وتفضيلها
قيل: العتاق معز الخيل، والبراذين ضأنها، وإذا وصفوا الرجل بالضعف والموق قالوا: ما هو إلا نعجة من النعاج، وإذا مدحوه قالوا: فلان ماعز من الرجال وفلان أمعز من فلان وقيل شعر المعز كشعر الإنسان وهو به أشبه وإليه أقرب.
وقيل: سمي بالعنز كما سمي بالكبش فقيل: عنز اليمامة وعنز وائل وماعز بن مالك، وقيل أحمق من راعي ضأن ثماين.
وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمسحوا رغام الشاء ونقّوا مرابضها من الشوك والحجارة فإنها من الجنة. وقال: ما من مسلم له شاة إلا وقدس كل يوم مرة فإن كانت له شاتان قدس كل يوم مرتين.
تفضيل اللحم الضأن والمعز
يقال للطيب الطعام فلان يأكل من رؤس الحملان، ولم يقولوا رؤوس المعز ضان وشواء الضان هو المنعوت. وقال بعض الأطباء إيّاك ولحم الماعز فإنه يورث الهم ويحرك السوداء ويورث النسيان ويفسد الدم وقيل شحم ثوب المعز وكليتها أطيب من الحمل قال شاعر:
كأنّ القوم شووا لحم ضأن ... فهم نعجون قد مالت طلاهم «3»(2/698)
والمصروع إذا أكل لحم الضأن اشتد ما به في أوان الصرع في مبادئ الأهلة وانتصاف الشهور. جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إني اتخذت غنما رجوت نسلها ورسلها وإني لا أراها تنمو. قال ما ألوانها؟ قالت: سود. فقال: عفّري أي أخلطي بها بيضاء قال الزاخر:
لهفي على عنزين لا أنساهما ... كأنّ ظلّ حجر صغراهما
وصانع معطرة كبراهما
وقال آخر:
أعددت للضيف وللرّفيق ... حمراء من معز أبي مرزوق
تلحس خدّ الحالب الرفيق ... بلين المس قليل الريق
كأنّ صوت شنجها العتيق ... نحيح ضبّ حنق فتيق «1»
في حجر ضاق أشدّ الضيق
وفي صفتها:
تحلب رسلا طيّب المذاق
قال امرؤ القيس:
لنا غنم نسوقها غزار ... كأنّ قرون حلّتها عصيّ
فتملا بيتنا أقطّا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وريّ «2»
نعت التّيس
قال مخارق بن شهاب المازني وكان سيدا يصف تيس غنمه:
وراحت أصيلانا كأنّ ضروعها ... دلاء وفيها واتد القرن لبلب «3»
له رعثان كالشنور وغيره ... شريح ولون كالوذيلة مذهب «4»
وعين أحمّ المقلتين ووغرة ... يواصها دان من الظلف مكتب
أبو الحوّ والغرّ اللواتي كأنّها ... من الحسن في الأعناق جزع مثقب
ترى ضيفها فيها يبيت بغبطة ... وضيف ابن قيس جائع متحوّب
ووفد قيس هذا على النعمان فقال له: كيف مخارق فيكم؟ فقال: سيد كريم يمدح(2/699)
تيسه ويهجو ابن عمه. وقيل: فلان أعلم من تيس بني حمان زعموا أنه نفظ سبعين عنزا بعد أن فريت أوداجه وحكى أن ثورا وثب على نقرة بعد أن خصي فأحبلها.
حمل الشاة ولادتها
قال الأصمعي: الوقت الجيد في حمل الشاة أن تخلى سبعة أشهر بعد ولادتها ويكون حملها خمسة أشهر فتلد في السنة مرة فإن حمل عليها في السنة مرتين فذلك الأمغال يقال أمغل.
وقيل لأعرابي بأي شيء تعرف حمل شاتك فقال: إذا ترزم حياؤها وزجت شعرتها، واستفاضت خاصرتها.
ذمّ العير
إشترى رجل من طيء عنزا بثمانية دراهم من ابن عم له يقال له حميد فلم يحمدها فقال:
لقد لقيت من حميد داهيه ... من أعور العين مشوم الناصيه «1»
قد باعني الغول بأرض خاليه ... أعجبني ضرع لها كالداليه
فقلت ما هذا بجد غاليه ... ليت السباع لقيتها عاديه
أسأل ربّ النّاس منها العافيه
(4) وممّا جاء في الوحشيّات
البقر
تسمّى مولعة لتولع جسدها، ومذرعة لكون طرفها أسود وسائرها أبيض وتوصف بأنّها مخدمة الشرى وخنساء لخنس أنفها وذيالا لطول ذنبها قال الجعدي:
ووجها كبرقوع القناة ملمعا ... وروقين لما يعد وإن تقشرا
وقال لبيد في وصف بقرة وحش أكل وحيش ولدها:
أفتلك أم وحشيّة مسبوعة ... خذلت وهادية الصوار قوامها
لمعفر فهد تنازع شلوه ... غبش كواسب ما يمنّ طعامها
الثّور
يوصف باللهق لبياضه وبالزهرة ولذلك قال:
ولاح أزهر مشهور بنقبته ... كأنّه حين يعلو عاقر لهب(2/700)
العاقر الرمل
قال النابغة:
كأنّ رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد
من وحش وجرة موشى أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد «1»
وقال آخر:
وانقضّ كالدريّ يتبعه ... نقع يثور تخاله طنبا
وقال الطرماح:
يبدو وتضمره البلاد كأنّه ... سيف على شرف يسلّ ويغمد
وقال لبيد في سرعته:
يشقّ خمائل الدهنا يداه ... كما لعب المقامر بالفيال «2»
وقال آخر:
يقابل الريح روقيه وكلكله ... كالهرّ في تنحي ينفخ الفحما
ويقال به داء الظباء إذا لم يكن به داء كأن جعفر بن سليمان أحضر على مائدته بالبصرة يوم زاره الرشيد البان الظباء وسلاها وسمنها، فاستطاب طعمها فسأله عن ذلك فغمز جعفر بعض الغلمان فأطلق عن ظباء معها خشفانها فمرت في عرصة الدار تجاه عينه مقرّطة مخضّبة قال أبو ذؤيب:
فما أمّ خشف بالفلاة مشدن ... تنوش البرير حيث نال اهتصارها
موشّحة بالطرتين دنا لها ... جنى أيكة تصفو عليها قصارها
وقال ذو الرمّة يصف ظبيّة تصون خشفها:
إذا استودعته صفصفا أو صريمة ... نحّته ونصّت جيدها بالمناظر
حذارا على وسنان يصرعه الكرى ... بكلّ مقيل عن ضعاف فواتر
وتهجره إلا اختلاسا بطرفها ... وكم من محبّ رهبة العين هاجر
وقال:
رأت مستخيرا فاسترابت بشخصه ... بمحنية يبدو لها ويغيب
يعني بالمستخير الصائد الذي يخور خور الغزال فإذا التفتت الظبية علم أنها مغزل، فيطلب غزالها.(2/701)
قال أبو ذؤيب في صفة غزال ضعيف:
إذ هي جاءت تقشعرّ مكاها ... ويشرق بين الليث منها إلى القفل «1»
ترى حمشا في صدرها ثم إنها ... إذا أدبرت ولّت بمكتنز عبل
وفي وصف الكناس قال بعضهم:
وبيت تخفق الأرواح فيه ... خلال الليل مغموم النّهار
تمارشه صوانع مشفقات ... على خرق تقوم بالمداري «2»
جماعة الوحشيات
قال زهير:
بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم
وقال آخر:
فأدبرن كالجزع المفصّل بينه ... بجيد معمّ في العشيرة مخول
الزرافة
تكون بأرض النوبة وتسمى بالفارسية اشتركا وبلثك كأنه بقرة نمر وزعموا أنها ولد النمرة من الجمل. ولو جعلوا الفحل النمر والأنثى الناقة كان أقرب في الوهم فللزرافة خطم الجمل وجلد النمر ورأس الإبل، وظلفها.
والزرافة طويلة اليدين منحنية إلى مآخرها وليس لرجليها ركبتان وهذا كقولهم كاوميش لما أشبه الثور والكبش واشتر مرك لما أشبههما لأن بين هذين الجنسين تلاحقا.
الفيل
الفيل والزندفيل جنسان كالبخت والعراب، وكالبقر والجاموس وكالخيل والبراذين.
وهي لا تنتج عندنا ولا تنبت أنيابها وزعمت الهند إنّ نابي الفيل قرناه وخرجا من الحنك أعقفين، ويدل على ذلك أنه مصمت الأعلى مجوف الأسفل كالقرن. وأنه لا يعضّ به، وإنما يستعمله استعمال القرن.
وأصل لسان كل حيوان إلى داخل وأصل لسان الفيل إلى خارج.
وقالت الهند لولا أن لسان الفيل مقلوب لتكلم وخرطومه أنفه وبه يوصل الطعام إلى جوفه. وهو بين الغضروف والعصب. وبه يقاتل ومتى اغتلم لم يملك، وعاد وحشيا وأكبر الأيور أيره قال:
لما بصرت بأير الفيل أذهلني ... عن الحمير وعن تلك البراطيل(2/702)
واجتمع عند أبرويز تسعمائة وخمسون فيلا ولم تجتمع عند ملك قط ووضعت فيلة عنده ولم تنتج بالعراق وكانت حمير والتبابعة والمقاول والعباهلة والكيسوم من ملوك الحبشة يكرمون الفيلة ويركبونها.
ابن طباطبا
أعجب بفيل آنس وحشيّ ... بهيمة في صفة الأنسي
يفهم عن سائسه السنديّ ... غيب معاني رمزه الخفيّ
أقبل في سرباله الغميّ ... يزهى بجزء منه طارونيّ
مملّس الجلباب فاختيّ ... يخطو على أساسه القويّ
مثل الدلي الموثق المبنيّ ... سائسه عليه ذورقيّ
منتصب منه على كرسيّ ... خرطومه كجعبة التركيّ
يعلو بشطر منه خابوطيّ ... ناباه في هوليهما المحشيّ
كمثل قرن ناطح طوريّ ... سبحان ربّ قادر عليّ
سخره للسائب النّوبيّ
الكلب
الكلب موصوف بالسرقة والتشمم ويسمى فلحس. وفلحس إسم طفيلي وهو يرجع في قيئه ويشغر ببوله في جوف أنفه. ومن مدائحه حفظه على أهله وحراسته وفي أرحامها أعجوبة لأنها تلقح من جميع أجناس الكلاب بخلاف الغنم وتؤدي شبه كل واحد. وأناثها تحيض كل سبعة أيام وعلامة ذلك ورم أطبائها «1» . ولا تقبل السفاد في ذلك الوقت ويعتريها عند الولادة هزال وأكثرها مما تضع إثنا عشر جروا وربما وضعت واحدا وجراؤها لا تتهارش بل يؤثر بعضها بعضا بالطعام. وإناثها أطول عمرا.
والسلوقية كلما أسنّ كأن أقوى على المعاظلة «2» بخلاف سائر الحيوانات.
وكل كلب إذا أسن كأن صوته أجهر. ومن أمثالهم أصبر على الهوان من كلب وألأم من كلب على جيفة.
والكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل
ومنها:
حتّى تنام ظالع الكلاب
وأنظر من كلب، وأسمع واشم منه. وعلى أهلها جنت براقش، وهو إسم كلبة نعم(2/703)
مكلب في بؤس أهله. اجع كلبك يتبعك. سمّن كلبك يأكلك. أجوع من كلب حومل مطل كنعاس الكلب.
أسماؤه
سحام ومقلى القنيص وسلهب وجدلا والرهان والمتناول.
وقال أبو محجن في رجل يسمى وثابا ويسمّي كلبه عمرا:
ولو هيا له الله ... من التوفيق أسبابا
لسمى نفسه عمرا ... وسمى الكلب وثّابا
جواز قتله
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها وإذا وجدتم الكلب البهيم الأسود فاقتلوه فإنه شيطان.
وقال أمير المؤمنين اقتلوا الجان ذا الطفيتين والأسود البهيم. وفي الخبر أنّ دية كلب الصيد أربعون درهما، ودية كلب الدار زنبيل تراب، حق على القاتل أن يؤديه وعلى صاحب الكلب أن يقبله.
تحريم أكله
أكله محرّم وبنو أسد يعيرون بأكله، ولذلك قال:
إذا أسدي جاع يوما ببلدة ... وكان سمينا كلبه فهو آكله
وقال مخاطبا بعضهم:
لو خافك الله عليه حرمه
ما يجوز إرتباطه من الكلاب
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا حرث ولا ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط. وقال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا.
محاربة الكلب والوحشيّات
قال امرؤ القيس في صفة ثور وكلب:
فأنشب أطفاره في النّساء ... فقلت هتكت إلا تتنصّر
فكرّ إليه بميراته ... كما خل ظهر اللسان المجر
قال أبو ذؤيب:
والدهر لا يبقي على حدثانه ... سيب أقرّته الكلاب مروع «1»(2/704)
شعف الكلاب الضاريات فؤاده ... فإذا يرى الصبح المصدق يفزع
ينهشنه ويذودهن ويحتمي ... عبل الشوى ذو طرّتين مولع
صيد الكلب
قال أبو نواس:
لما تبدّى الصبح من حجابه ... كطلعة الأشمط من جلبابه «1»
هجنا بكلب طالما هجنا به ... ينشف المقود من جذابه
ما كان مثنيه لدى أسلابه ... متنا شاع لجّ في انسيابه
كأنّما الأظفور من قنابه ... موسى صناع ردّ في نصابه «2»
وقال:
أنعت كلبا أهله في كدّه ... قد سعدت جدودهم بجدّه
فكلّ خير عندهم من عنده ... يظلّ مولاه له كعبده
ذا عزّة محجّلا بزنده ... تلذّ منه العين حسن قدّه
يا لك من كلب نسيج وحده
الفهد
كبارها أقبل للآداب من صغارها، بخلاف سائر الحيوانات وهو أنوم خلق. فإنه نومه مصمت، وجميع الحيوانات تشتهيه ويستدل بريحه على مكانه. وربما يصطاد بالصوت الحسن يصغى إليه وإناثها أصيد من ذكورها قال ابن طباطبا في وصفه:
لهوت فيه بصيد راكبة ... نازلة كل وقت إيماء
تركية الوجه حين تنعتها ... رومية المقلتين كحلاء
أبرزها الحسن في مشهرة ... قد فوفت مثل وشي صنعاء
يضاحك الصبح من ملمعها ... داجية شيبت بقمراء
يراقب الوحش في مراتعها ... بعين واش ورعي حرباء
الأسد
الأسد سيّد السباع قال المتوكّل الليثيّ:
ورد تظلّ له السّباع تطيعه ... طوع العلوج تلين للأسوار
ويقلّ نسله لأن ولدها يجرح رحمها فتعقم وتقصد إذا قربت مملحة فتضع فيها(2/705)
الحمل خوفا من النمل، لأن ولدها ككتلة شحم، فيقصده النمل. ولذلك قال المتنبّي:
يرد أبو الشبل الخميس عن إبنه ... ويسلمه عند الولادة للنمل
واستوصف عبد الملك أبا زبيد أن يذكره نثرا فقال له: عينان حمراوتان مثل وهج التنّور كأنما نقرا بالمناقير، في عرض حجر لونه ورد، وزئيره رعد، هامته عظيمة وجبهته شتيمة، نابه عنيد وشرّه عتيد، إذا استدبرته قلت أفرع. وإذا استقبلته قلت أقرع. إذا مشي تبهنس، وإذا أتى اللّيل إعلنكس تبوأ وتجسس. فقال: حسبك لقد وصفته بصفة خلته يثب عليّ. قال:
ضرغامة أهرت الشدقين ذو لبد ... كأنّه برنسا في الغاب مدرع
وقال الفرزدق:
هزبر هريت الشدق ريبال غابة ... إذا سار عزته يداه وكاهله «1»
شتيم المحيا لا يخاتل قرنه ... ولكنّه بالصحصحان ينازله
وقال ابن هرمة:
أسد في الغيل يحمي أشبلا ... قلّما يعتاده فيه القرم
مطرق يكذب عن أقرانه ... ينقض الكلم إذا الكلم التأم
وقال المتوكل الليثي:
فهابوا وقاعي كالذي هبّ حادرا ... شتيم المحيا خطوه متدان
تشبه عينيه إذا ما فجأته ... سراجين في ديجورة يقدان «2»
كأنّ ذراعيه لبدة نحره ... خضبن بحناء فهنّ قوان
أزب هريت الشدق ورد كأنّما ... يعلي أعالي لونه بدهان
مضاعف طيّ الساعدين مصنر ... هموس دجى الظلماء غير جبان
الذئب
قصد ذئب الفرزدق فألقى إليه ربع مسلوخة كانت معه فلما ارتحل عارضه فقال:
وليلة بتنا بالعرينين ضافنا ... على الزّاد ممشوق الذراعين أطلس
تلمسنا حتّى أتانا ولم يزل ... لدن فطمته أمّه يتلمّس
فقاسمته نصفين بيني وبينه ... بقية زادي والركائب نعّس(2/706)
وكان ابن ليلى إذا قرى الذئب زاده ... على طارق الظلماء لا يتعبّس «1»
وقال النجاشي:
وماء كلون البول قد عاد آجنا ... قليل به الأصوات جاوزته محل
وجدت عليه الذئب يعوي كأنّه ... خليع خلا من كلّ مال ومن أهل
فقلت له يا ذئب هل لك في أخ ... يواسي بلا أثر عليك ولا نحل
فقال هداك الله للرشّد إنّما ... دعوت لمّا لم يأته تبع قبلي
فلست بآتيه ولا أستطيعه ... وهاك سقني إن كان ماؤك ذا فضل
فقلت عليك الحوض إنّي تركته ... وفي صدره فضل القلوص من السخل
فطرب فاستعوى ذئابا كثيرة ... وعدت كلانا من هواه على شغل
وقال آخر:
ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ... بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم
وقال كعب بن زهير وكان قد رامه قومه أن يشتري غنما:
تقول حياي من عوف ومن جشم ... يا كعب ويحك لم لا تشتري غنما
من لي بهنّ إذا ما أزمة جلبت ... ومن أويس إذا ما أنفه رزما
أخشى عليها كسوبا غير مدّخر ... عاري الأشاجع لا يشوي إذا ضغما «2»
إن يغد في سرعة لا يثنه بهر ... وإن عدا واحدا لا يتّقي الظلما «3»
وقيل: أغدر وأخبث وأكسب من ذئب، وقيل: من استودع الذئب ظلم.
الخنزير
إنما أظهر الله تحريمه لأن كبار القبائل وملوكها تستطيبه وتأكله، ولم يكن كالقرد إذا عافته النفوس. ونظر معاوية في وجه بعض نصارى الشأم فرآه بضّا فقال الخمر على هالة الخنزير وهو ضرار. ربّما طلب عرقا مندفنا فيحقر خريب أرض ويفسد فسادا كثيرا.
وليس في ذوات الأنياب أشدّ نابا منه والذكر يقاتل في زمان هيجه ومتى قلع إحدى عينيه هلك. وأما فرخ الخطّاف وفرخ الحية فإن عينها إذا قلعت تعود صحيحة وخطمه يسمى الخرطوم تشبيها.(2/707)
(5) وممّا جاء في الطيور جميعها
الطيور ثلاثة أضرب: سباع وبهائم ومشترك بينهما. فالسباع تتغذى باللحم والبهائم تتغذى بالحبّ، والمشترك يأكل النوعين. وجميعها تتنوع نوعين: قواطع وأوابد وكرامها تسمى الجوارح، وضعافها البغاث، وصغارها الخشاش قال:
خشاش الطير أكثرها فراخا ... وأمّ الصقر مقلاة نزور
وفي المثل هو كالطائر الحذر. وقيل ريش كل طائر إثنا عشر على عدد البروج وما يطير به سبعة على عدد الكواكب السبعة. وجناح الطائر يداه، والحمام يدفع بهما كما يدفع ذو اليد بيده.
العقاب
هي من سيد الطيور موصوفة بطول العمر وصدق البصر والسرعة تتغدى بالعراق.
وتتعشّى باليمن. وريشها فروها في الشتاء، وخيشها في الصيف. وقيل لبشّار: لو خيّرك الله أن تكون حيوانا أيها كنت تختار؟ فقال: العقاب لأنها تبيت حيث لا يبلغ سبع وتحيد عنها سباع الطيور، ولا يرسل شيء من الجوارح إلى الصيد إذا كانت معه خوفا منه.
وقال صاحب المنطق «1» : العقاب جافية لأولادها لا تحمل على نفسها في الكسب لها وأشعارهم تدل على خلافه.
قال دريد:
لها ناهض في الركب قد مهدت له ... ما مهدت للبعل حسناء عاقر
وقيل: أحزم من فرخ العقاب، لأنها تتحرك على شعف «2» الجبال خشية السقوط ولو كان مكانه فرخ أهلي أسقط.
قال امرؤ القيس:
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي «3»
وقال الهذلي:
ولقد غدوت وصاحبي وحشية ... تحت الرداء بصيرة بالمشرف(2/708)
حتّى انتهيت لي فراش عزيزة ... سوداء روثة أنفها كالمخصف «1»
يعني بالوحشية الريح والفراش عزيزة عش العقاب والمخصف المخرز.
النّسر
طويل العمر، وتخاف أناثها الخفاش على فراخها، فتفرش وكرها بورق لئلا يقربه الخفاش. وقيل يرتفع في الهواء ثمانية عشر ميلا وينحط على ثمانية فراسخ.
قال الهذلي:
إذا ما غزا بالجيش حلّق فوقه ... عصائب طير تهتدي بعصائب «2»
يصاحبهم حتّى يغرن مغارة ... من الضاريات بالدماء الذوارب «3»
البازي
كلّ رعاث صاغه صائغ ... لم يدّخر عنه التحاسينا
منسره أكلف فيه شقا ... كأنّه عقد ثمانينا
ومقلة أشرة آماقها ... تبر يروق الصير فينا
قال أبو نواس:
قد اغتدي بشفرة معلّقه ... مبتكرا بزرق وزرقه
كأنّ عينيّها لحسن الحدقة ... نرجسة نابتة في ورقه
قال جهم ابن أخت أبي عمرو بن العلاء:
كأنّ جناح حفيفه إذ ... تدلّى من الجو برق بدا
الكركدن
قد أنكره بعضهم وأجروه مجرى عنقاء مغرب، وقيل إنه ذكر في الزبور. وصاحب المنطق سمّاه الحمار الهندي. أيّ مكان حلّ به ذهب منه جميع الحيوان هيبة له. ويقال إن قرب نتاجها بما أخرج الولد رأسه ويأكل الحشيش ثم يرجع يفعل ذلك أياما ثم تضع.
عنقاء مغرب
بالفارسية سيمرك كأنه بنفسه ثلاثون طيرا. ولم يوجد إلا صورته على البسط والجدر.
ويقال في المثل: هو عنقاء مغرب لما لا يوجد وما لا يطمع فيه.
قال أبو تمام:
وذاك له إذا العنقاء صارت ... مربّية وشبّ ابن الخصيّ «4»(2/709)
وزعم ابن الكلبي أنها كانت على عهد حنظلة بن صفوان بني الرس وكانت طويلة العنق، فبذلك سميت عنقاء. فاختطفت غلاما فغربت به فسميت مغربا ثم دعا عليها فاحترقت ولا نسل لها.
السمندل
قيل: هو طائر هندي يدخل في أتون النار فلا يحترق له ريش، قال:
وطائر يسبح في حاجم ... كما هر يسبح في غمر «1»
وقد حكى عن المأمون أن الطحلب الذي على وجه الماء إذا جفف لا تحرقه النار وكذلك الفلفل الأبيض.
الظّليم
من أعاجيبه اغتداؤه الصخر والجمر وإذابة حوصلته ذلك قال أبو النجم:
والمرء يلقيه إلى أمعائه ... وفيه من شكل البعير المنسم
والوظيف والعنق والخزامة في أنفه، ومن الطائر الريش والجناح والذنب والمنقار والبيض ولذلك قيل:
كمثل نعامة تدعي بعيرا ... تعاظمها إذا ما قيل طيري
فإن قيل إحملي قالت فإنّي ... من الطير المرتب في الوكور
قال بشّار:
وكنت كالهيق غدا يبتغي ... قرنا فلم يرجع بإذنين «2»
وهو موصوف بصدق التشمم يعرف ريح القانص من أكثر من غلوة قال:
يستخبر الريح إذا لم يسمع ... بمثل مقراع الصفا الموقع
وأشد ما يكون عدوا إذا استقبل الريح وفي عنقه يقول أبو قلابة:
كأنّها والريح تصري وتذر ... أير حمار فيه سمع وبصر
وقد قلب هذا المعنى جحشويه فقال في صفة الأير:
كأنّه والأكفّ تمرسه ... عنق ظليم بغير منقار
ومتى كسرت إحدى رجليه لا ينتفع بالأخرى قال شاعر:
إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد ... على أختها نهضا ولا باستها حبوا(2/710)
وربما تركت بيضها فلم تهتد إليه فتذهب إلى بيض أخرى فتحضنه قال شاعر:
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا
وقال الأخفش:
تظلّ بها ربد النّعام كأنّها ... إذا ما تزجى بالعشيّ حواطب
قال علقمة:
كأنّها خاضب زعر قوادمه ... أجنى له باللوى شرى وتنوم «1»
ووصف بالجبن فقيل أجبن من نعامة وشالت نعامة فلان وخف رياله وقيل أحمق من نعامة وفيه:
أسيف من الجسان ضلت أباعره
قال ذو الرمة:
وبيض كشفنا في الدّجى عن متونها
وقال آخر:
هجوم عليها نفسه غير أنّه ... متى يرم في عينيه بالشّخص ينهض
يقلّب للأصوات من كلّ جانب ... صماخا كبيت العنكبوت المغمض «2»
الكروان
هذه اللفظة تقال للواحد والجمع والعامة تقول الكيروان بن الحباري، قال شاعر:
ألم تر أنّ الزبد بالتمر طيّب ... وأن الحباري خالة الكروان «3»
وقيل:
أطرق كرى أن النّعام في القرى
أي يا كروان قيل الكركي تتحارس بالليل فلا تنام حتى يحرسها أحدها فالحارس يقوم على إحدى رجليه ليسقط أن غلبة النوم فتتناوب على ذلك.
الغراب
يقال له حاتم لأنه يحتم بالفراق ويتشاءم به في عامة كلامهم وقد تيمّن به بعضهم فقال:
وقالوا غراب قلت غرب من النّوى
ويسمى ابن داية لأنه يقع على داية البعير الدبر فينقره وهو قوي البدن لكنه من لئام(2/711)
الطيور ولا يعاف القاذورات ولا يتعاطى الصيد وهو يسر السفاد. وقيل: إنما يسافد بالمنقار وفرخه أقذر وأنتن من الهدهد.
وقد مدح لقوله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً
«1» الآية وذمّ بأنه بعثه نوح من السفينة ليأتيه بخبر الماء فاشتغل بأكل الجيفة، ويوصف بالقزل «2» والخجل.
قال كعب بن زهير:
وحمش بصير المقلتين كأنّه ... إذا ما مشى مستقبل الريح أقزل
ويوصف بحدّة البصر وصحة البدن.
قال الشاعر في وصف رجل طويل العمر صحيح البدن.
قد أصبحت دار آدم خربت ... وأنت فيها كأنّك الوتد
تسأل غربانها إذا حجلت ... كيف يكون الصداع والرمد
ويدعى أعور على سبيل القلب، قال الكميت:
وصحاح العيون يدعين عورا
ويقال في المثل: أزهى من غراب، وأسود من حلك الغراب وحنكه، وليس غرابه بمطار للساكن، وجد فلان ثمرة الغراب لأنه لا يقصد إلا الأجود الأطيب، ولا أفعله حتى يشيب الغراب.
قال ذو الرمّة:
ومستشحجات بالفراق كأنّها ... مثاكيل من صيابة النّوب نوح «3»
شبّه الغربان الشاحجات بنساء من النوب ثاكلات وقال:
كأن الشاحجات بجانبيها ... نساء جئن من حبش وروم
القطا
سمّي بذلك لحكاية صوته. قال أبو وجرة:
وهنّ ينشبن وهنا كلّ صادقة ... باتت تباشر عما غير أزواج
حتّى سلكن الشوى منهنّ في مسك ... من نسل جوّابة الآفاق مهداج «4»(2/712)
وإنّما قال غير أزواج لأنها لا تبيض إلا أفرادا وهو موصوف بالهداية. يقال أهدى من قطاة وأصدق من قطاة.
قال ابن المعتز في وصفها عند حمل الماء إلى فرخها:
وكأنّها وغدوا قطاة صبحت ... زرق المياه وهمّها في المنزل
ملات دلاة تستقلّ بحملها ... تدآم كلكلها كصفر الحنظل
وغدت كجلمود الغداف يقلها ... واف كمثل الطيلسان المخمل «1»
وقال ذو الرمّة:
ومستخلفات من بلاد تنوفة ... لمصفرّة الأشداق حمر الحواصل
أي يستقين الماء لفراخ لم ينبت عليهن الزغب، قال حميد:
قرينة سبع أن تواترن مرّة ... ضربن فضفت أرؤس وجنوب
الحمام
قال المثنّى: لم أر شيئا في الرجل والمرأة إلا رأيته في الحمامة. رب حمامة لا تريد إلا ذكرها، وأخرى لا تمنع يد طالبها، وحمامة لا تزيف «2» إلا بعد شدّة، وأخرى تزيف حالة يرومها الذكر وذكر له أنثيان يحضن معهما. وآخر يقتصر على واحدة.
وكان غرض الحمام بالجماع طلب الذرية وهو أكثر الاشياء تغزلا وتصنعا من التقبيل والتنشيط وكره كثير من الناس كونها في بيت الفارغات من النساء، خشية أن تدعوهنّ إلى طلب الرجال. وكل طائر يرجع كالقمري والفاختة والورشان واليمامة واللعوب تسمين حماما.
قال بعضهم يصف لونه:
كأنّ بنحرها والجيد منها ... إذا ما أمكنت للناظرينا
مخطا كأن من قلم دقيق ... فحط بجيدها والنحر نونا
قال أعرابي:
مزبرجة الأعناق نمر ظهورها ... مخطمة بالدرّ خضر روائع «3»
ترى طررا بين الخوافي كأنّها ... حواشي برود أحكمتها الوشائع «4»(2/713)
ومن قطع الياقوت صيغت عيونها ... خواضب بالحناء منها أصابع
وقال:
مطوّقة كسبت زينة ... بدعوة نوح لها إذا دعا
وذلك قيل: إن نوحا لما بعث الغراب ليأتيه بخبر الماء، فاشتغل بأكل الجيفة بعث في أثره الحمامة. فدعا له بأن يطوقه بطوق يتوارثه عنه بنوه فطوقه من دعائه، وقيل: إن غناءه بكاء على هديل «1» مات في زمن نوح عليه السلام ومن مليح ما قيل في ذلك قول ابن المعتز:
وبكيت من حزن كنوح حمامة ... دعت الهديل فظلّ غير مجيبها
ناحت ونحنا غير أن بكاءنا ... بعيوننا وبكاؤها بقلوبها
واستوصف المهدي محمد بن عزيز القاضي حماما، فقال: قد قدقد الحكم وقوم تقويم القلم، يمشي على عنمتين، ويلتقط بدرتين، وينظر من جمرتين، تروبه العبة وتكفيه الحبّة.
ونظر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى رجل يتبع حماما فقال: شيطان يتبع شيطانا.
وقال أيضا كونوا بلها كالحمام. وقيل لشيخ: من علمك هذا؟ قال: من علّم الحمامة تقليب البيض لتعطي الوجهين نصيبهما من الحضن.
القمّري
قال بعض الكتاب في وصفه:
سجعت هاتفة الور ... ق عناها شحط بين «2»
ذات طوق مثل خطّ ال ... نون أقنى الطرفين «3»
وترى ناظرها يل ... مع في ياقوتتين
تخرج الأنفاس من ... ثقبين كاللؤلؤتين
وقال كشاجم:
وفجعت بالقمريّ فجعة ثاكل ... وفقدت منه أمتع السمّار
لون الغمامة والغمامة لونه ... ومناسب الأقلام بالمنقار
ومطوّق من صنع خلقة ربّه ... طوقين خلتهما من النّوار
ولطالما استغنيت في غسق الدّجى ... بهديره عن مطرب الأوتار(2/714)
القبج
«1» قال أبو علي البصير في وصفه:
ولابسة ثوبا من الخزّ أدكنا ... ومن أخضر الديباج رانا ومعجرا
مقلّدة في النّحر سبحة عنبر ... على أنّها لم تلتمس أن تعطرا
لها مقلتا جزع يمان تحمّلت ... جفونهما من موضع الكحل عصفرا
مطرزة الكمّين طرزا تخالها ... بتقويمها من حلكة الليل أسطرا
وقال ابن طباطبا في وصفه في المجلس:
ومسجن يهوى القتال ممنع ... عن قرنه ذي صرخة ودعاء
بادي التململ خلف حائط سجنه ... حب البراز مجيب كلّ نداء
في مجلس ضنك يودّ لو أنه ... لاقى مبارزة بجنب فضاء
فقد السّلاح فجال أعزل جولة ... ومضى إلى الهيجاء ذا خيلاء
في حلّة دكناء قد رفعت له ... من جانبيه بيمنة السّيراء «2»
متشمّرا متبخرا متكبّرا ... متطوّقا بعمامة سوداء
الديك والدجاج
يوصف الديك بالشجاعة والصبر والقوة على السفاد والسياسة للإناث، ويأخذ الحبّ فيلقيه إلى الأناث، وبه عنى قولهم أسمح من لاقطة. فإذا هرم لم يفعل ذلك وقال ثمامة:
إن ديكة مرو تطرد الدجاج عن الحبّ لطبع البلدة وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا تسبوا الديكة فإنها تدعو إلى الصلاة. وروي عنه أيضا أنه قال: إنّ مما خلق الله تعالى ديكا عرفه تحت العرش وبراثنه في الأرض السفلى إذا ذهب ثلثا الليل ضرب بجناحيه وقال: سبّوح قدّوس، فعند ذلك تضرب الديكة أجنحتها وتصيح.
وقيل: إنما لا يطير لأنه اجتمع مع الغراب عند خمار يشربان فأخذا منه خمرا فشرباه فذهب الغراب ليحمل الثمن وترك الديك مرتهنا فعلق الرهن فقصه الخمار ومن العجائب ذو ريش أرضي وذو جلد هوائي يعني الديك والخفاش.
قال أعرابي:
دقوع الشوى حمر الصّياصي كأنّها ... شيوخ من الأعراب حمر المعالم «3»(2/715)
قال آخر:
ممّا يؤرقني ليلا ويسهرني ... من صوت ذي رعثات ساكن الدّار
كأن حماضة في رأسه نبتت ... من أوّل الصيف قد همّت بأثمار
قال ابن المعتز:
بشّر بالصّبح هاتف هتفا ... بشّر باللّيل بعد ما انتصفا
مذكرا بالصبوح هاج بها ... كخاطب فوق منبر وقفا
صفّق إما ارتياحه لسنا الفج ... ر وأما على الدّجى أسفا
وفي المثل أغير من الديك وأشجع، وشراب أصفى من عين الديك، وأسلح من دجاجة ساعة الأمن. وقيل هو كالفروج إذا كاس في الصغر وحمق في الكبر وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: نعم متاع البيت الدجاج يقرين الضيف، ويعنّ على نوائب الدهر.
الحباري
«1» تنحسر دفعة واحدة فيبطئ نبات ريشها فربما تموت كمدا، ولذلك قال الشاعر:
وزبد ميت كمد الحبارى
وقيل: مسلاحها سلاحها، وذلك إن لها خزانة بين دبرها وأمعائها، إذا دنا الصقر رمته به فيلتزق ريشه. فهي في سلاحها كالظّربان في فسائه، والعقرب في إبراتها. وهي حسناء اللون ترتبط لحسنها وهي أحسن الطيور طيرانا تصاد بظهر البصرة فيوجد في حوصلتها الحبّة الخضراء غضة لم تتغير، وهي علوية أو ثغرية أو جبلية، قال ديك الجن:
وسرت جاريات فوق طود ... أشبهها بمشيخة جلوس
الغرنوق
وهو من طير الماء موصوف بالحذر، ومتى طار ترفع في الهواء خشية السباع ويقوم على إحدى رجليه حذرا لئلا ينام. وسئل من صاد في يوم مائة غرنوق عن الحيلة في ذلك، فقال: أخذت قرعة يابسة فجعلت لها عينين وألقيتها في الماء حتى آنست بها الغرانيق ثم جعلت رأسي فيها وانغمست في الماء وكلّما دنوت من واحد قبضت على رأسه وغمسته في الماء ودققت جناحه وتركته يطفو فوق الماء حتى انتهيت إلى الآخر.
قال أبو نواس:
سود المآقي صفر الحمالق ... كأنّما يصفرن من معالق
صرصرة الأقلام في الهادق
قال الكميت:
كأنّ بنات الماء في حجراته ... نبيط قعود لابسات البرانس(2/716)
الحرباء
إذا انتصف النهار علا في رأس شجرة كراهب في صومعة. قال ذو الرمّة:
إذا جعل الحرباء يبيض لونه ... ويخضرّ من لفح الهجير غباغبه «1»
وسبّح بالكفين سبحا كأنه ... أخو فجرة عال به الجذع صالبه
العصفور
تجعل العرب الخرق والحمر والقنبر من العصافير، وهو يساكن الناس ومتى فارق الإنسان داره فارقها.
وإذا كان زمان البازي اجتمعت في البساتين فإذا انقضى زمانه عادت إلى الدور على أمارات معروفة. وهو كثير السفاد كثير الشفقة على الولد متى خاف عطبا عليه اجتمع جماعة فطرن حواليه واجتهدن في خلاصه.
وإذا خرج من وكره لا يستقر. وكذلك البلبل لكنّ البلبل كذلك ما دام في القفص ويخرب البيوت والسقوف ويجلب الحيات لو لوعها بأكله. وفي المثل هو في حلم عصفور، وبكر بكور العصفور.
المكاء
قال شاعر:
إذا غرّد المكاء في غير روضة ... فويل لأهل الشاء والحمرات
وإنّما قال ذلك لأن المكاء لا يكاد يوجد إلا في الرياض.
قال امرؤ القيس:
كأنّ مكاكيّ الجواء غديّة ... صبحن سلافا من رحيق مفلفل «2»
وقيل: إن حية أكلت بيض مكاء فأخذت حسكة بمنقارها وجعلت تفرفر على رأسها حتى فتحت فاها فألقتها فيها فماتت، وفيه قال:
فربما قتل المكاء ثعبانا
الخطّاف
قال أبو منصور الديلمي:
وطير يبشّرنا بالمصيف ... زيارته أرضنا كلّ حين
يضم جناحين كالحنجرين ... على ذنب يشبه البارحين
بسجع حكى هذيان الرياض ... من السّند يتبعه بالأنين(2/717)
قال الكندي:
تقسّم زوار من الهند سقفنا ... خفاف على قلب النديم شفاق
أعاجم تلتذّ الخصام كأنّها ... كواعب زنج راعهنّ طلاق
أنس بنا أنس الإماءة تجنّنت ... وشيمتها غدر بنا وأباق
قال أبو نواس:
كأن أصواتها في الجو إذ سطعت ... صك الجلاة إذا ما جزت الشعار
الهدهد
قال ابن عبّاس: كان سليمان بن بن داود، إذا فقد الماء في بريّة دلّه الهدهد لأنه إذا نقر وجه الأرض عرف ما بينه وبين الماء. قيل: فكيف يجهل الفخ إذا دنا منه؟ قال: إذا جاء القدر عمي البصر، ولم يغن الحذر. والعرب تقول فترعنه قبر أمه لأنه جعل قبرها على رأسه برأيها ونتن ريحة من الجيفة المدفونة في رأسه. وقال صاحب المنطق: الهدهد لما اتخذ العش من الزبل ترقي فيه ريشه فلذلك خبث ريحه.
وقال بعضهم: الهدهد تكلف. واستدل بقوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ
«1» .
الرخمة
وتسمى الأنوق وتنسب إلى الحمق، شاعر:
وذات إسمين والألوان شتّى ... وتحمق وهي كيسة الحويل
وقال محمد بن سهل ما أحمقها وهي تحضن بيضها وتحمي فرخها وتحب ولدها ولا تمكن من نفسها ألا زوجها، وتقطع في أول القواطع وترجع في أول الرواجع ولا تطير في التحسير، ولا تغتر بالشكير، ولا ترب بالوكور ولا تسقط في الحفير. أي إذا رأت الحفير هربت منه. والصيادون يستدلّون به على قطاع الطير. وقيل: أعزّ من بيض الأنوق.
البوم
يعادي الغداف ولا يقوى عليه بالنهار. وهو يهجم على الغداف بالليل في أوكاره فيأكل فراخه- وهو موصوف بالشؤم.
وقيل لصياد- معه بومتان كبيرة وصغيرة- بكم؟ فقال: الكبيرة بدرهم، والصغيرة بدرهمين. قيل له: ولم ذلك؟ فقال لأن شؤمه في إقبال.
الخفاش
هو طائر بلا ريش إنما هو لحم وجلد. ولا يطير في ضوء ولا ظلمة، لقوة بصره وكثرة شعاع عينه فيلتمس فيما بين الوقتين رزقه.(2/718)
وهو يصيد البعوض وقيل إن أنثاه تحيض وترضع كالأرنب وماله منقار وله أسنان حداد ويصير على الطعام. ونهى عن قتله وقتل الضفدع. وقيل: إن أنثاه تحمل ولدها تحت جناحها، ترضعه في طيرانها وتتجنب ورق الدلب حيث كان. وفيه قال ابن المعتز:
أبى علماء النّاس أن يعلمونني ... وقد ذهبوا في الشعر في كلّ مذهب
بجلدة إنسان وصورة طائر ... وأظفار يربوع وأنياب ثعلب «1»
الببغاء
من غريزته أن من كلمها نصب لها مرآة وكلّمها من خلفها، حتى تعتاد الكلام
(6) ومما جاء في الهوام والحشرات
السنّور
يشبه الإنسان في أمور شتّى في العطاس والتثاؤب والتمطي وغسل الوجه والعين.
وقيل: إن الأصل في خلقه أن أصحاب نوح عليه السلام تأذوا في السفينة بالفأر فسألوا نوحا عليه السلام أن يسأل ربّه، فخرج السنّور من عطسة الأسد فصاده. وتأذوا بالعذرة فخرج من سلحة الفيل الخنزير فأكله.
ومتى رأى السنور الفأر زلق وإن كان بمعقل خوفا منه وهو يأكل الحشرات كالخنفساء وبنات وردان «2» والحيّة وكل ذات سمّ وقد تأكل أولادها. وقيل إن ذلك لبرّها «3» بهم.
والضبّ تأكل ولدها لعوقها «4» . فقيل أبرّ من هرّة واعقّ من ضبّ.
وهي كثيرة الأسماء غير الصفات: يقال لها القطّ والضيون والهرّ والسنّور. وأسماء الأسد أكثر صفات. وروي أن أعرابيا صاد سنّورا فلم يعرفه فتلقاه رجل فقال: ما هذا السنور؟ وتلقاه آخر فقال: ما هذا الهر؟ وآخر فقال: ما هذا الضيون؟ وآخر فقال: ما هذا القط؟ فقال الأعرابي: إني أحمله وأبيعه فيسجعل الله لي منه يسرا فلما حمله إلى السوق، قيل: بكم؟ قال: بمائة. قيل: إنه يساوي نصف درهم، فرمى به وقال: لعنه الله فما أكثر أسماءه وأقلّ نفعه.
وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم امتنع من دخول دار قوم فيها كلب فقيل له: إنك تدخل دار فلان وفيها هرّ، فقال: الهرّ ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوّافات.(2/719)
وقال عليه الصلاة والسلام: عذّبت امرأة في هرة سجنتها فلم تطعمها ولم تسقها.
وقيل: إنّما يستر خرءه لئلا يشم الفأر ريحته فيهرب. ولابن العلّاف البغدادي فيه مرثية مختارة أولها:
يا هرّ فارقتنا ولم تعد ... وكنت منّا بمنزل الولد
وقال ابن طباطبا في هرّة لم تكن تصيد الفأر
وسنّورة سالمت فأرها ... فبينهما أبدا هدنه
تدور وفي فمها جوزة ... وشيء أصابته من جننه
لتنصب للفأر فخابه ... كذا القرن مختتل قرنه «1»
وتبصرها مثل حواءة ... لها رقية ولها دخنه
بها تخرج الفأر من جحرها ... وما ذاك عيب ولا هجنه
فمن لم يوافقه شرب الدوا ... ء للحصر يستعمل الدخنه
وقيل كان لركن الدولة سنوّر يألف مجلسه فكان بعض أصحابه أراد حاجة تعذر الوصول إليها فكتب قصته ووجد السنور خارج الحجرة فشدّ القصة في عنقه وأرسله فرآه ركن الدولة فأخذها وقرأها ووقّع فيها.
الثعلب
موصوف بالروغان والخبث والنذالة. قال بعضهم: أروغ من ثعلب ومن فرط خبثه أنّه يجري مع كبار السباع وفي حديث العامة أن الثعلب متى كثرت عليه البراغيث يتناول صوفة ثم يدخل رجليه في الماء، فلا يزال يغمس بدنه في الماء أوّلا فأولا حتّى يجتمعن في خطمه. فإذا غمس خطمه في الماء اجتمعن في الصوفة ثم يتركها في الماء ويثب خارجا. ونضيبه أي قضيبه في صورة أنبوبة أحد شطريه أعظم، وهو في صورة مثقب والآخر عصب ولحم. يولع بأكل القنفذ ويقال إنه يقلبه على ظهره ثم يبول على بطنه فيعتريه الأشر «2» فيتمدّد فيبقر بطنه.
الأرنب
قيل: إنها تحيض والذكر منها الحزن وقضيبه على صورة قضيب الثعلب. وقيل:
إنها تنام مفتوحة العين، وتطأ على مواخير القوائم كيلا تعرف الكلاب أثرها. وهو قصير اليد وليس يعرف بقصر اليد، أسرع من الأرنب، والعرب تزعم أن من علق عليه كفّ أرنب لم تصبه عين ولا سحر، لأن الجنّ تهرب منه إذ ليست من مطاياها لمكان الحيض وهي أحسن الأشياء صيدا لتدبيرها وتدبير الكلب عليها.(2/720)
الضبّ
يوصف بالكيس «1» لأنه لا يبني بيته إلا على رابية خشية السيل.
قال الشاعر:
سقى الله أرضا يعلم الضبّ أنها ... بعيد من الآفاق طيبة البقل
بنى بيته منها على رأس كدية ... وكلّ امرئ في حرفة العيش ذو عقل «2»
وقيل: أنه يعد العقرب للحارش حتّى إذا أدخل يده لسعته. وهو مسالم ويضع من البيض سبعين، ويأكل كل حسلة. وقيل: أعقّ من الضب. ويضرب الحيّة بذنبه فيقتلها وله تركان أي أثران، قال:
حسل له تركان كان فضيلة ... على كلّ حاف في البلاد وناعل
وقيل: إنما هو واحد ولكن له طرفان كلسان الحية. وهو طويل الذماء «3» صابر على الماء. يتبلغ بالنسيم طويل العمر.
قال:
لو أنني عمرت سنّ الحسل
وقيل في المثل: أخدع من ضبّ، وهو خبّ ضب. وقيل بالنمر يخدع الضب وأما لحمه فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام امتنع من أكله، وقال: إنه ليس بطعامي وأكله خالد بن الوليد فلم ينكر عليه. وقال: فيه فقيه لرجل كان يأكله إعلم أنك أكلت شيخا من مشيخة بني إسرائيل يعني أنه مسخ قال:
وسكن الضباب طعام الغريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم
فقال من عارضه:
فأنت لو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضبّ يعدو بالواد «4»
القرد
يضحك ويطرب ويحكي ويتناول بيده الطعام ويضعه في فمه. وله أصابع وأظفار وإذا سقط في الماء يغرق كالإنسان قبل أن يتعلم السباحة ويتزاوج ويتغاير تغايرهم، فقال:
قرد يقهقه أو عجوز تلطم «5»(2/721)
الدبّ
أنثاه إذا وضعت ولدها رفعته في الهواء أياما تهرب به من الذرّ من مكان إلى مكان إلى أن تشتد أعضاؤه.
القنفذ
جعل سلاحه شوكه وهو يأخذ الحيّات فيأكلها يقبع رأسه حتى يأتي عليها. وقال ابن الزبير في رجل خاشنه وهو يخطب ثم سكت: ماله ضبح ضبح الثعلب ثم قبع قبوع القنفذ.
الجرذ والفأر
ولا أتبع الجارات بالليل قابعا ... قبوع القرنبا أخلفته محاجره
قيل: إن الجرذ يعادي العقرب وإذا جعلا في إناء واحد ولم يمكنهما الخروج تحاربا تحاربا عجيبا ومتى ربط فأران بطرفي حبل تهارشا أعجب هراش وإذا خليا مرا على وجوههما. فإذا خصي واحد أكل صواحبه. وللفأر تدبير في السرقة تأتي القارورة الضيقة فتخرج منها الدهن بذنبها وقيل أسرق من ذبابة ومن جرذ. قال:
فكن جرذا فيها تخون وتسرق
وهو قصير الذماء بخلاف الضبّ. ويقتله الشيء اليسير وكثير من الناس ممّن لا يخاف الأسود يخافه ويهرب منه. وفي الحديث أن الفأرة الفويسقة «1» تجذب الفتيلة فتجذ بها فتحرق على أهل البيت كحل العيون وقضّ الرقاب، والزباب صمّ. قال:
فهم زباب حائر ... لا تسمع الآذان رعدا
والخلد منها أعمى. واليرابيع ضرب منها تطأ على زمعاتها «2» لتزوي «3» موضع وطئها لئلا تقص، وتتخذ النافقاء والقاصعاء والداماء والراهطاء «4» ليفلت من باب إذا أخذ عليه باب. وقيل: إنما استخرج الروم الاحتيال بالمطامير والمخارق على تدبير اليربوع.
الجراد
تعمد الجرادة إلى الصخرة الملساء التي لا يعمل فيها المعول فتغرس ذنبها فيها فتصير كالأخدود لها فتنتر فيها أي تبيض، فيخرج منها الدبى فتصفر فيقال لها اليرقان ثم تصير فيها خطوط سود وصفر فيقال مسيح ثم يبدو حجم جناحها كثيفا ثم ينبت جناحها ويحمر فيقال لها الغوغاء ثم يقال الخيفان ويقال للجرادة أم عوف:
تنفض بردتيها أمّ عوف ... كأنّ رجيلتيها منجلان(2/722)
وبردتاها أي جناحاها.
قال سعيد بن عبد الرحمن:
من كلّ كنعان تراه أحدبا ... كأنّ سرجا جيّدا مضبّبا
على قراه ثابتا مركبا ... لم يجعل الله عليه مركبا
وقال أعرابي:
مرّ الجراد على زرعي فقلت لها ... إيّاك أعني فلا تولع بإفساد
فقام منها خطيب فوق سنبلة ... أنا على سفر لا بدّ من زاد
وقال عوف بن دروة في وصفها:
قد خفت أن يحدر بالمصعرين ... ويترك الدّين علينا والدين
زحف من الحيفان بعد الزحفين ... ملعونة تسلح لونا لونين
كأنّها ملتفّة في بردين ... تنحى على الشمراخ مثل الفاسين
أو مثل منشار غليظ الحرفين
العنكبوت
قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ
«1» ، وذلك أجناس:
جنس رديء ينسج على وجه الأرض فيجعله خارجا، وأطرافه داخلة. فإذا انتهى إليها ما يأكلها تناولها.
وجنس حاذق يسدي بيته ويلحمه فإذا وقع عليه ذباب تثبت، فإذا وهن نقله إلى خزانته فمصّ رطوبته ثم رمى ما تشعث منه من بيته وإنما تنسج الأنثى وأما الذكر فإنه ينقض وولدها أكيس من الفروج ساعة يولد.
وجنس يصيد الذباب صيد الفهد يقال له الليث له ست عيون. قال الجاحظ: لا ينبغي أن يكون في الدنيا أصيد من فهد الذباب لأنه لا يطير ويصيد ما يطير ويصيد ما يصيد، لأن الذباب يصيد البعوض، وخديعتك الخداع أعجب. وجنس طويل الأرجل إذا مشت على جلد الإنسان بثر «2» .
الورل
لا يتخذ البيوت إبقاء على برثنه، ويعلم أنه سلاحه الذي به يقوى. وله ذنب يؤكل ويستطاب، ويقتل الضبّ ويشدخ رأس الحيّة ثم يبتلعها لا يضرّه سمّها. وهو كثير التوقف والتلبث إذا مشى.(2/723)
وتزعم المجوس أن أهرمن «1» لما قسّم الشرور والسموم كان أخذ من الجرذ شرا فحضر وقد قسم الشر فتداخلها الحسرة فتراها متى اشتدت تتذكر ما فاتها لتباطئها فتقوم وتتحسّر.
الخنفساء
موصوفة بالصّبر. وربما غرز على ظهرها شوكة فتجول كأنها عقرت. وربّما تكون في العلف فيأكلها البعير فمتى وصلت إلى جوفه حيّة قتلته. وهي موصوفة باللجاج، قال:
أشدّ لجاجا من الخنفساء
أمّ حبين
دويبة أصغر من الحرباء كدرة المسراة، بيضاء البطن. وقيل لأعرابي ما تأكلون؟ قال:
ما دبّ ودرج إلا أم حبين، فقال: لتهن أم حبين العافية.
الظربان
على خلقة الكلب الصينيّ أخبث دابة مساءة لا يقوم لفسوها شيء. وتأتي جحر الضبّ فتفسو فيه وتضيق عليه حتى تدار به فيأخذه ويأكله ويسمى مفرق النعم لأنها إذا فست فيها ابدت تأذيا بفسوها وقيل: فسا بينهم الظربان إذا تفرّقوا.
الوجرة
دويبة كالغطاءة حمراء تلزق بالأرض وقيل وجر صدره إذا التزق بالعداوة التزاق تلك بالأرض، وهذا كما يقال للحقود ضبّ.
العضرفوط
دويبة لا خير فيها تذكر العرب أنها لا تبول ألا تشعر بذنبها تلقاء القبلة والحيّات تأكله.
الجعل
يموت من ريح الورد ويعيش بالرّوث.
قال المتنبّي:
كما تضرّ رياح الورد بالجعل
وتحرس القوم. فكلما قام قائم منهم لحاجته تبعه وهو يدحرج الجعر.
قال يهجو:
حتّى إذا أضحى تدري فاكتحل ... بجارتيه ثم ولّى فنبل
رزق الأنوقين قرينا والجعل(2/724)
وله جناحان لا يكادان يريان إلا إذا طار
النّمل
يدّخر في الصيف للشتاء، ويخرج باللّيل متى خاف بالنهار. وعادته أن ينقر القطمير «1» من الحبّة ويفلقها أنصافا. فإذا كان حبّ الكزبرة فلقه أرباعا، لأن أنصافه تنبت من بين الحبوب ولها حسّ وشم عجيب. وينقل أضعاف جسمه مائة مرّة، ومتى عجز عن حمل شيء ذهب إلى صواحبه فيتبعنه، ويكلّم بعضها بعضا، بدلالة قوله تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ
«2» . قال:
لو أنني أوتيت علم الحكل ... علّم سليمان كلام النمل «3»
والنمل تأكل الأرضة، ومتى رأى بالجرادة والخنفساء عقرا تعرض لهما فأكلهما.
وإذا لم يكن لهما عقر لم يأكلهما.
وحكى عن بعض المهندسين أنه أخرج طوقا محمى من صفر فرمى به فاشتمل على ذرة فلم يمكنها أن تتخلص من جانبه لما لقيها من وهج النار فعادت إلى وسط الدائرة فوجدها قد ماتت في موضع رجل البرحكار، وربّما طار.
وقيل: إذا أراد الله بنملة شرا أنبت لها جناحين وفيه:
فما ذو جناح له حافر ... وليس يضرّ ولا ينفع
وعنى بحافره قوائمه وبهما يحفر.
الحيّة
موصوفة بالقوّة. وكل ممسوح لا رجل له ولا يد فقوّي البدن. ويقطع ذنبها ولا تموت طويل الذماء. وقيل: لا تموت حتف أنفها. وهي أصبر شيء على الجوع مع شرهها وسرعة ابتلاعها. فإذا تنسّمت اكتفت به وربما تأتي البقرة فتشتمل على فخذها فتلتقم خلفها فلا تستطيع البقرة إن تترمرم فلا تزال تمصه حتى تمتلئ فيعرض حينئذ في ضرعها داء أو تموت. وتسلخ كل عام مرتين وربّما يبقى في عنقها ما نفض من جلدها:
لها ربقة في عنقها من قميصها ... وسائره عن متنها قد تقدّدا
وليس لرأسها عظم ولذلك يسرع إليها الهلاك إذا هشم. وفيها ذات شعور وقرون.
وثلاثة لا تنفع معها الرقية: الثعبان والهنديّة والأفعى.
والشجاع ما تقوم على ذنبها وثواثب وقيل: في رمال بلعم حيّة تصيد الطائر فإذا(2/725)
انتصف النهار واشتد الحر انغرست كأنها خشبة فتجيء الطير تحسبها عودا فتركبها فتبلعها.
وقيل: كانت الحيّة في صورة جمل فمسخها الله تعالى عقوبة لها حين طاوعت إبليس وشقّ لسانها وإنما تخرج لسانها إذا خافت لترى عقوبة الله.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: فيها ما سالمناهن منذ حاربناهنّ ومن ترك شيئا منها فليس منّا.
وقال الإمام علي: اقتلوا الجان وذا الطفيتين، والكلب الأسود البهيم وقالت عائشة:
من نقتل حية فخاف آثارها فعليه لعنة الله، خلف:
وحنش كأنّه رشاء ... ذنبه ورأسه سواء
يهرب من طلعته الرّقاء ... لها إذا أبصرتها استحذاء
قد لوّحته الشمس والهواء ... فسمته سيّان والقضاء
قال أسدي في وصفه:
ولو عضّ حرّ في صفاة إذا ... لا نشب أظفاره في الصفا
وقال عنترة:
لعلّك تمنّى من أراقم أرضنا ... بأرقم يتقي السمّ من كل منطّف
تراه بأجواز الهشيم كأنّما ... على برده أخلاف برد مفوّف «1»
كأنّ بضاحي جلده وسراته ... ومجمع ليّتيه تهاويل زخرف
إذا نسل الحيات بالصّيف لم تزل ... يشاغرنا في جلدة لم تعرف
العقرب
لا تسبح ولا تتحرك في الماء، جاريا كان أو راكدا. وحتفها في ولدها إذ حان وقت ولاده بقر بطنها فتموت، وفيه:
وحاملة لا يكمل الدهر حملها ... تموت ويبقى حملها حين تعطب
والقاتلة بموضعين شهرزور وقرى الأهواز. وهي التي يقال لها الجرارة.
والعقارب يلسع بعضها بعضا فتموت وربما ضربت الطشت فتخرقه وتبقى إبرتها فيه وتلسع الأفعى فتقتلها.
وقيل: إذا لسعت من لسعت أمه عقرب وهي حامل تموت العقرب ولا تضره.
وتقصد العقرب بالليل الأصوات، ولا تضرب المغشيّ عليه ولا النائم حتّى يتحرك وشرّ ما تضرّ الملدوغ إذا كان خارجا من الحمام لسخونة بدنه وتفتح مسامه.(2/726)
البعوض
وأجناسه البقّ والجرجس والشذان والفراش والأذى. وللبعوض خرطوم ولكنه يخرجه ويطويه.
وقال بعضهم رأيت البعوضة تغمس خرطومها في جلد الجاموس كما يغمس الرجل إصبعه في الثريد. وكان يطير عن ظهره فيسقط الغصن فيقيء ما في جوفه، ثم يعود.
وأنشد في مجلس يونس قول جرير:
يصرّ عن ذا اللب حتّى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا
قال: ما أراه يصف إلا البراغيث والبعوض.
قال الهذلي في صوتها:
كأنّ وغى الخموش بجانبيه ... مآتيم يلتدمن على قتيل «1»
وقال الكميت:
به حاضر من غير جنّ يروعه ... ولا حاضراه ذو أثاث وذو رحل
وقال الراجز:
مثل السفار دائم طنينها ... ركّب في خرطومها سكينها
وقال أبو جروة في صفة قارص:
تبيت جارته الأفعى وسامره ... رمد به عاذر منهنّ كالجرب
يعني بالرمد البعوض والعاذر الأثر وقال:
وليلة لم أدر ما كراها ... أمارس البعوض في دجاها
كلّ زجول خفق حشاها ... لا يطرب السامع من غناها
وقال:
إذا تغنين غناء الزطّ ... وهن منّي بمكان القرط
فثق بوقع مثل وقع الشرط
البراغيث
تستحيل بقا كما أن الدعموص يستحيل فراشا قال:
ليل البراغيث عناني وأنصبني ... لا بارك الله في ليل البراغيث «2»
كأنّهنّ وجلّدي إذ خلون به ... أيتام سوء أغاروا في مواريث(2/727)
وقال:
ألا يا عباد الله من لقبيلة ... إذا ظهرت في الأرض شد مغيرها
فلا الدين ينهاها ولا هي تنتهي ... ولا ذو سلاح من معد يضيرها
وقال أبو الشمقمق:
يا طول يومي وطول ليلته ... فليهن برغوثه بجذلته
قد عقدت بندها على جسدي ... واجتهدت في اقتسام جملته
وقال:
ألا ربّ برغوث تركت مجدّلا ... بأبيض ماضي الشفرتين صقيل
يعني أظفاره.
وصف أعرابي البراغيث فقال: ما آذى صغارها وأطفر كبارها وأخفى انطمارها وأقبح آثارها.
وحضر أعرابي حلقة يونس فأنشد رجل لأبي الحسين بن أبي البغل:
إذاع ما عراني شار بالدّمى انثنى ... وغنّى غناء الشارب المترنّم
يدين بأديان المجوس كأنّما ... يقول له أصحابه أشرب وزمزم
وكتب ابن ثوابة إلى ابن مكرم نحن نبعض فهل تبعضون؟ فكتب إليه نحن نبعض ونبرغث ونبقق.
القمل
القمل يعتري من العرق والوسخ من الثوب والشعر. وقيل: يعتري من أكل التين ويكون في رأس الأسود الرأس أسود، وفي أخضب الشعر بالحمرة أخضب. وفي الأخصف خصيفا، وفي الأبيض.
وقيل: هكذا كحرّة بني سليم كلّ ما فيها من حيوان أسود بلاد الترك كل ما فيها على ألوان بلادهم ومن زيبق ذهب قمله ويزيله لبس الحرير فأذن لهما. ويكثر القمل في الدجاج والحمام إذا لم يغسلا وكذلك في القرد وتراه أبدا يتقمّل ويضع قمله في فيه.
القراد
يخلق من عرق البعير ووسخه كالقمل من الإنسان. والقراد إذا كان صغيرا قمقامة ثم يكون حنانة ثم قرادا ثم حلمة. ويقال له: القل والطلح والعقير والبرام والقرشان.
وقيل: أشجع من قراد وألزق منه وأذل وأفطن من حلمة ويقال فلان يقرد فلانا أي يحتال عليه، وأصله أن يؤخذ قراد البعير ليسكن ثم يجعل الخطام في عنقه.(2/728)
السّمك
الأجناس المائية موصوفة بالخمول وليس فيها خصلة من الفطنة، إلا ما يحكى عن صيد الجرذان ودابة تحمل الغريق حتى تؤدّيه إلى الساحل.
والتبوظ ضرب من السمك ينتهي إلى الشبكة فلا يستطيع النفوذ منها فيعلم أنه لا ينجيه إلا الوثوب، فيجمع جراميزه قيد رمح فيثب ويغوص في الطين أيام الجزر.
والسمك قيل يكون له اللسان والدماغ في الماء العذب لا الملح البحتري في بركة:
يقمن فيها بأوساط مجنّحة ... كالطير ينقضّ من جوّ خوافيها «1»
السرطان
له ثمان أرجل ويستعين مع ذلك بأسنانه فكأنه يمشي على عشر وعيناه في ظهره وينسلخ من جلده في السنة سبع مرات، ويتخذ جحرا له بأبان أحدهما يشرع إلى الماء والثاني إلى اليبس. ومتى انسلخ سد الباب الذي في الماء لئلا تدخل عليه الحيّة فتأكله وترك الباب الذي يلي اليبس لتصيبه بالريح فيعصب لحمه.
السلحفاة
تكون بريّة وبحريّة وتصيد الحيات وتبيض في الشطّ، وفيها يقول محمد بن عبد الملك:
وسلحفاة سمح ... سكونها والحركه
شبّهتها بديلميّ ... ساقط في المعركه
مستتر بترسه ... عمّن عسى أن يهلكه
الضّفدع
يتعيش في الماء ويبيض في الشطّ، ولا عظم له، وقد يتخلق من الأرض إذا أصابها المطر، تراه غبّ المطر إذا كان ديمة في الضحاضح «2» حيث لا بحر ولا نهر ولا بئر، حتى يزعم ناس أنها كانت في الحساب. وقيل: إن المخ في خراسان يكبس في الأزاج ويحال بينه وبين الريح والهواء والشمس فمتى انخرق في تلك الخزانة خرق فدخله الريح استحال الريح كلّه ضفادع.
ولا ينق الضفدع في الماء إلا إذا أدخل فيه حنكه الأسفل ومتى أبصر إنسانا أو القمر أو الفجر أمسك عن النقيق وتولع الحيات بأكله.(2/729)
قال الشاعر:
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدلّ عليها صوتها حيّة البحر
وقيل في الخرافيات إن الضفدع كان ذا ذنب فسلبه لما راهن على الصبر عن الماء.
وفي قرآن مسيلمة لعنه الله: يا ضفدع كم تنقّين نصفك في الماء ونصفك في الطين. لا الماء تكدرين ولا الشراب تمنعين. ونهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قتله.
قال الخوارزمي:
أرّقني والديك لم ينطق ... صوت غريق نصفه لم يغرق
وجاحظ العين ولما يخنق ... بلحظ مخنوق ولفظ أشرق
وفيه:
كعقد الناكح حين ينزل
التّمساح
لا يكون إلا في نيل مصر، ويأكل الإنسان. وقيل: إن بطنه كقباء «1» مفروج وكل شيء يأكل بالمضغ دون الإبتلاع فإنه يحرك فكّه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك الأعلى.
التنّين
ينكره أكثر الناس إلا بعض الشاميين يزعم أنه إعصار فيه نار يخرج من بخار الأرض فلا يمرّ على شيء إلا أحرقه.
(7) وممّا جاء في أحوال الحيوانات وطبائعها
المتزاوجة من الحيوانات
ليس التزاوج إلا في ذي رجلين دون ذوات الأربع، وذلك في الإنسان والحمام وأجناسها. وأما الدجاج والحجل فإنها تمكن كل ذكر من نفسها.
البائضة والوالدة
كل ما لا أذن ظاهرة لجنسه فإنه يبيض وماله أذن ظاهرة فإنه يلد ولا يبيض. وما يبيض على ثلاثة أضرب: هوائي ومائي وأرضي. فالطائر منها ما يبيض في السقوف والأجذاع كالخطاطيف، ومنها ما يبيض على شعف الجبال، حيث لا يوصل إليه كالرخم(2/730)
والمائية منها ما يبيض في الأرض ويحضن كالبق والضفدع والسلحفاة والسراطين تبيض في بيوت لها في شطوط الأنهار لها بابان والأرضيّ كالحيّة والضب.
ما يكثر نسله وما يقلّ
السمك يكثر منسلها ويأكل بعضها بعضها. وكذلك الضبّ يخرج سبعين حسلا ولولا أن بعضها يأكل بعضا لصارت الصحاري ضبابا. والخنزيرة تضع عشرين خوصا لكن يموت أكثرها لعجزها عن تربيتها. ويخرج من جوف العقرب عقارب كثيرة.
قال صاحب المنطق: نسل الأسد يقل جدا لأنه يجرح الرحم فتعقم «1» ، والجوارح من الطيور يقلّ فراخها والبغاث «2» يكثر.
قال:
بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأمّ الصقر مقلاة نزور «3»
وأقلّ الخلق عددا وذرأ الكركدن. فأما الطيور فأما الطيور تزق وتحضن كالحمام لم يكن لها أكثر من فرخين ما تلقم فزاد الله في عدد فراخه، والعقارب والضباب والسمك وكل ما لا تحضن ولا تزق ولا تلقم كثير أولادها جدا.
ما يكسب وقت ما يولد
الفروج والعنكبوت والفأر والجري والنحل
ما يكون من غير تناسل
البعوض والبق والبرغوث لا يكون من توالد تخلق من عفن المياه، وقيل: الكمأة قد تتعفن فتتولد منها الأفعى.
ما تناسل من الأجناس المختلفة
أما البغل فمعروف والذئب والضبع يتسافدان وولدهما السمع، والذئب، والكلبة وولدهما الديسم.
وقال صاحب المنطق: تتوالد السلوقية من الثعلب، والثعلب يسفد الهرة الوحشية.
وحكي عن صاحب الطيور أنا رأينا كثيرا منها يتسافد، ورؤي أشياء عجيبة من أولادها. وادّعى جهلة أن الزرافة تنتج من بين الإبل الوحشية، والبقرة الوحشية لما رأوا اسمه بالفارسية اشتركا وبلنك، أي بعير وبقر ونمر، وقالوا في الجاموس إنه بقر وضأن، ولم يقولوا في النعامة هذا، وإن سمي اشتر مرك. وادّعوا تسافد الجن والأنس واستدلوا(2/731)
على ذلك بقوله تعالى: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ
«1» وقالوا الواقواق من نتاج بعض الحيوانات وبعض النبات
القوّة على الجماع
الإنسان يغلب جميع الحيوانات في السفاد لأن ذلك دائم منه في جميع الأزمنة وعلى جميع الأحوال. والإبطاء في الفراغ للجمل والورل والذبان والعناكب والضفادع والخنازير.
وأما الكلاب والذئاب فتلتحم وكذلك الذبان وقال النوشجان: أقبلت من خراسان، في بعض طرق أجبالها فرأيت أثر ست أرجل أكثر من ميلين فسألت فقيل لي أن الخنزير في زمن الهياج يركب ذكره الأنثى. وهي ترتع وتمرّ فهذا أثرهما وكثرة عدد الجماع من العصافير. وكل جنس يحبل إلا البغل فإنه وإن أحبل لم ينم وقفط «2» تيس بني حمار مشهور.
المتسافد ذكوره
الخنازير والحمار والحمام كل ذلك، للذكر الذكر، وللأنثى الأنثى
ما يتغاير
يتغاير الخنزير والحمل والفرس إلا أنها لا تتزاوج وحمار الوحش يغار ويحمي أناثه الدهر كله، وأجناس الحمام تتزاوج ولا تتغاير والقرد يتزاوج ويتغاير.
أشراف الحيوانات
قيل: أشرف السباع ثلاثة: الأسد والببر والنمر. وأشرف البهائم ثلاثة:
الكركدن والفيل والجاموس وأشرف المركوبات: الخيل والإبل. وأشرف الطير:
العقاب.
وقيل: الرياسة في الهواء للعقاب، وفي الماء للتمساح وفي الغياض للأسد.
وقيل: الطير هوائي والسمك مائي يعني أكثر استقرارهما في هذين الموضعين.
ومن الحيوان ما لا يصلح أمره إلا بالرئيس كالنحل والغرانيق والكراكي، وأما الإبل والحمير والبقر فالرياسة لفحل الهجمة ولعير العانة «3» ولثور الربرب «4» . وقيل: لكل شيء سادة حتّى النمل.
ما يتعادى من الحيوانات
قيل: أشد العداوة عداوة الجوهر وما يتعادى على ضربين: ضرب يعادي جنس(2/732)
جنسه. وذلك نوعان: أحدهما كل نظير صاحب كالأسد والفيل فإنهما يتقاتلان وكل قد يقتل الآخر. والفرس المائي يقتل التمساح ويتغالبان. والحيّة وسام أبرص يتقاتلان والأسد والنمر والأسد والجاموس.
ومنها ما لا يضرّ الآخر ولا يقوى الآخر عليه كالسنور مع الجرذ، والذئب مع الشاة، والدجاج مع ابن آوى، والحمام والشاهين والشاة أشد فرقا من الذئب منها من الأسد.
والدجاج يخاف ابن آوى أكثر ما يخاف الثعلب والحمام أشد فرقا من الشاهين منه للبازي والصقر.
القويّ المتفادي من الضعيف
الجاموس يخشى البعوض خوفا شديدا، ينغمس في الماء والفيل يهرب من الهرّة.
وقيل: إنما يهرب من الأسد إذا ظنّه سنورا عظيما. والحية إذا أصابها خدش تسلّط عليها الذرّ «1» فيهلكها. واللبوة إذا وضعت قصد الذرّ شبلها فيأكله، ولذلك قال المتنبّي:
يذبّ أبو الشبل الخميس عن ابنه ... ويسلمه عند الولادة للنمل «2»
ما تقوى أناثها
كلّ صنف من الحيوان ذكورها أجرأ وأقوى إلا الفهد والذئب واللبوة.
الأكلة للنّاس من السباع
الأسد والنمر والببر «3» . وقيل لا يعرض ذلك للناس إلا بعد الهرم والعجز عن الصيد. والذئب أشد الناس مطالبة فإن عجز عوي مستغيثا بالذئاب.
الآكل بعضها بعضا
السمك يأكل بعضه بعضا أكلا ذريعا والذئب متى رأس ذئبا أدمى أكله لا محالة:
قلت وكنت كذئب السوء لما رأى دما ... بصاحبه يوما أحال على الدم
والجرذ إذا خصي أكلها أصحابها.
الصابرة عن الطعام
الحيّة وسام أبرص والعضاة والتمساح تسكن في أعشتها الأربعة الأشهر الشديدة البرد، فلا تطعم شيئا وسائر الحيوانات تسكن بطن الأرض كذلك كل همج لا تبرز في الشتاء إلا النمل والذرّ والنحل فإنها تدّخر ما يكفيها.
المدّخرة
الإنسان والنملة والذّرة والجرذ والفأر، والعنكبوت والنّحل.(2/733)
إختلاف الحيوان في الأكل
الحيوان على ثلاثة أضرب: المشتركة كالإنسان والعصفور والغراب والسمك تأكل الحيوانات والنبات. والآكلة للحم في غالب الأمر كالحمام. ثم تختلف فمنها ما يأكل جنسا واحدا كالنحل تأكل العسيل والعنكبوت يعيش من مصّ الذباب.
إختلاف مشيها
من الحيوان ما لا يسيح بالمشي، فالضبع عرجاء تخمع، والذئب أقزل أشنج النسا كأنه يتوخّى إذا مشى، والأسد إذا مشى ينخلع كأنه رهيص. والسنور والفهد في طريق الأسد. والغراب يحجل كأنه مقيد. والجراد يمشي ويطير والعصفور يثب ويجمع رجليه معا. وكذلك القنبر والحمر وما أشبهها والقطاة مليحة المشي مقاربة الخطو وبه شبه مشي المرأة قال:
فدفعتها فتدافعت ... مشي القطاة إلى الغدير «1»
والذباب يمشي مشيا سبطا، والبرغوث يمشي ويثب وسمي طامر بن طامر لوثوبه.
وكلّ ذي أربع وذي إثنين إذا تكسر إحدى رجليه تحامل على الأخرى إلا النعامة قال:
وإنّي وإيّاه كرجلي نعامة
الطويلة العمر
. ممّا يوصف بطول العمر الحيّة، فإنه يقال لا تموت حتف أنفها، ويقطع ثلث جسمها فتعيش، إن سلمت من الذرّ. والدخال يقطع بنصفين فيمران في الطريقين. والضبّ طويل الذماء مع هشم «2» الرأس والطعن الخائف الذي لا يحتمله غيره.
ويقال اللهم واقية كواقية الكلاب وذلك لسلامتها من الآفات والكبش تقطع إليتيه فيعيش.
ما يحدّ بصره
الفرس والهدهد والعقاب والنسر. وأما السنّور والفأر والجرذ والسباع فإنّها تبصر بالليل كما تبصر بالنهار والخفاش يبصر فيما بين الضوء والظلمة لكثرة شعاعها في بصرها.
وأما ما يبصر بالليل فالأسد والسنور والنمر والأفعى.
ما يصدق سمعه
قيل: أسمع من قراد لأنه يسمع تحرّك البعير فيقصده وإن كان قد أتى عليه سنون.
والفرس والقنفذ والدلدل.(2/734)
الموصوف باللجاج
الخنفساء والذّباب لا ينطرد وإن طرد، والدودة الحمراء تروم الصعود إلى السقف كلّما سقطت عادت.
الحاذق بالبناء
الزنبور يعمل بيوتنا مدوّرة كأنّها من كاغد «1» مزردة «2» والسّرفة «3» تبني بيتا حسنا وقيل أصنع من سرفة وكذلك التبوظ «4» .
الحاذق بالنّسج
. العنكبوت ودود القزّ تخرج القز من جوفها.
ما يحيض
الكلب والأرنب والضبع والخفاش، وقيل: ذوات الأربع كلها تحيض.
الموصوف بالحمق
الرخمة والحباري وأنثى الذئاب، وتسمى الجهيزة، لأنها تتكفّل ولد الضبع وتترك ذا بطنها. قال:
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بني بطنها هذا الضّلال عند القصد
والضبعة والنعجة والعنز، وكذلك الطاووس والقدرج مع حسنها والزرافة.
الموصوف بالجبن
العقعق والغراب والعصفور والصقر والصفرد.
ما يصدق شمّه
الذئب صادق الإسترواح، ولذلك قيل:
يستخبر الريح إذا لم يسمع ... بمثل مقراع الصّفا الموقع «5»
وجلّ الوحشيّات على ذلك والنعامة صادقة الشمّ. وأعجب من ذلك الذرّة نحو أن يشمّ رجل جرادة يابسة فيتهافت عليها. والفرس يتشمّم رائحة الحجر من مسيرة ميل ومن ذلك السنّور والكلب ويبلغ من صدق شمه أنه يقصد الحجرة فيشمّها فتعرف الكلاب بتشممه وجار الضبع فتقصده.(2/735)
ما يسلخ
كل ذي جسد محرز فإنها تسلخ كالحيّة والسرطان كل طائر لجناحيه غلاف كالجعل والدبر والسلخ للطير تحسرها، وللحوافر عقائقها، وللإبل طرح أوبارها وللجراد جلودها وللأيائل قرونها وللأشجار ورقها وللاسروع أن يصير فراشا وللبعوض أن يصير دعموصا.
ما يتناسل
قيل: إن البعوض يصير دعمومصا، والبعوض يستحيل برغوثا، والأسروع فراشا والذباب والزنابير أول ما يتولد يكون دودا، ثم يتطور.
وقيل: العقاب والحدأة يتبدلان فيصير الذكر أنثى وهذا غريب. وقيل: ليس ذلك بأغرب من الشجرة التي تثمر البلوط سنة، والعفص سنة. وقيل: الضبع سنة أنثى وسنة ذكر ولم تذكر العرب ذلك.
ما يكون وحشيا وغيره
. الفيل والسنانير والحمير والظباء. فالظباء تسمّى عفرا، والتيوس الوحشيّة نعاجا وهي بالمعز أشبه. وليس بينها وبين الظباء تسافد. والخنزير وحشي، وغير وحشي، وهو ذو ظلف ولا مشابهة بينه وبين ذوات الأظلاف بغير ذلك.
وليس في الإبل وحشيّ إلا وحوش الإبل فيما يزعمون.
ومما يكون أهليا ولا يكون وحشيا الكلب وأما الضبع والذئب والأسد والنمر والببر.
فلا تكون إلا وحشيّة وكذلك الثعلب وابن آوى.
وقد يعلم الأسد فينزع نابه ويطول في الناس لبثه ومع ذلك يتشزن «1» ولا تؤمن عرامته «2» . وخبر من ربي الذئب ثم أكل شاته قد ذكر، وحكي أن بعضهم ضرى أسدا فاصطاد به، وذئبا فصاد به الظبي، وزنبورا فاصطاد به الذباب.
ومن الوحشيات ما إذا صار مع الناس يترك السفاد، ومنها ما يترك الطعام كالصالحية.
ما يعايش الناس
الكلب والسنّور والفرس والبعير والحمار والبغل والغنم والبقر ونحو ذلك ومن الطيور الدجاج والحمام والخطاف والزرزور والخفاش والعصفور، وليس فيها أطول عمرا من البغل ولا أقصر عمرا من العصفور. وعلل ذلك بقلّة السفاد وكثرته.
ما يتكفّل بولد غيره
الذئب وتقدّم، والنعام تحضن بيض غيرها وحمل على ذلك قول الشاعر:(2/736)
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا
والدجاجة تحضن بيض الحمام وبالعكس. وكاسر العظام يتعهد فرخ العقاب، وذلك أنها تفرخ ثلاثا فتعجز من شرهها عن تربية ما فوق الاثنين.
الكاسية بالليل
البوم والصدى والهامة والصونع والخفاش وغراب الليل. والبومة تدخل على كل طائر في بيته بالليل تأكل فراخه. والبعوض قد يؤذي بالنهار.
ما يحضن البيض وما لا يحضن
الطيور تحضن، والضبّ لا يحضن بل يغطيها بالتراب وينتظر أيام انصداعها، ثم ينبش عنها التراب.
ما يتعيّن مكانه وما لا يتعيّن
الخلد والفأرة والنمل والنحل والضبّ لها مساكن معلومة تأويها. وأما أكثر الطيور فلا تتخذ بيتا ترجع إليه، بل ذكورها سيّارة وإناثها يقمن إلى تمام خروج الفراخ من البيض وتذهب.
وأكثر الطيور قواطع كالخطاف والزرزور والغراب والحدأة وأما السمك فكذلك. منها ما يجيء من أقصى البحار كأنه تتحمض بحلاوة الماء وعذوبته.
ما ادعي فيه المسخ
إختلف الناس في المسخ. فأكثر الدهريّة يجحدون ذلك، وأقروا بالخسف والطوفان.
وجعلوا الخسف كالزلزلة. وقال بعضهم: لا ينكر أن يفسد الهواء في ناحية فتتغير تربتهم فيعمل ذلك في طباعهم على الأيام، كما عمل في الزنج والصقالبة فتصير القوة من جنس أرضهم ألا ترى أن جراد البقول وديدانها خضر والقمل في رأس الشباب أسود، وفي المخضوب أحمر.
ولم ير أهل الكتاب أقروا بالمسخ غير أنهم أجمعوا على أن الله تعالى جعل امرأة لوط حجرا. وأجازا أكثر المسلمين ذلك. فقال بعض: إن الممسوخ لا يتناسل ولا يبقى إلا بقدر ما يصير موعظة وعبرة. وبعض أجاز تناسله حتى جعلوا الضبّ والكلاب من أولاد تلك الأمم.
وقالوا في الوزغ إن أباها لما نفخ في نار إبراهيم وفي نار بيت المقدس أصمّه الله تعالى وأبرصه فكل سام أبرص من ولده حتى صار في قتله أجر عظيم.
وعن عروة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للوزغ الفويسق والحيّة كانت صورة إبل فلما أعانت إبليس مسخت.(2/737)
وقالت العرب: إن الله تعالى مسخ عطارد تشبيها بهذا. وقال الجاحظ: قلت لعبيد الكلابي وكان مشغولا بالإبل أبينكم وبين الإبل قرابة؟ قال: نعم، خؤلة.
فقلت: مسخك الله بعيرا، فقال: إن الله لا يمسخ أنسانا على صورة كريم بل لئيم.
وقيل كانت الفأرة يهودية طحّانة والأرضة يهوديّة والضبّ يهوديا، ولا يضيفون شيئا من ذلك إلى النصرانية.
ما ادّعي تكليفه
زعم بعض الناس أنّ الأشياء كلّها مكلّفة وأنها أمم تجري مجرى الناس، وتأوّل قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ
«1» وقال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ
«2» الآية وقال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ
«3» والطير.
واتبعوا ظاهر الآيات.
والعقرب والحية والغراب والوزغ «4» والكلب عاصيات معاقبات.
وقالوا: لم يكن من خشاش «5» الأرض إلا كان يطفئ النّار عن إبراهيم عليه السلام، إلا الوزّغ فإنها كانت تنفخها.
المنسوب إلى مكان من البهائم
ذئب الخمر وأرنب الخلة «6» وتيس الرمل وضبّ السحاب، وهو نبت يحسن حاله به، وقنفذ برقة «7» . وشيطان الخماطة «8» ، وغول القفر، وجان العشرة. وكان لهذه الأشياء اختصاص بهذه الأمكنة وقوة. وذلك غير ممتنع.
وكان يقال من دخل تبّت كان مسرورا من غير سبب، ما دام بها. ومن أقام بالموصل حولا ثم تفقد عقله وجده ناقصا.
وقيل حمّى خيبر «9» وطحال البحرين ودمامل الجزيرة وجرب الزنج.
جملة من اختلاف الخلق
. كل حيوان أصل لسانه إلى داخل إلا الفيل. وكل سمك في العذب بلسان ودماغ وكل ذي عين من ذوات الأربع، فالأشفار لجفنها الأعلى، إلا الإنسان فللأعلى والأسفل.(2/738)
وكل حيوان ذي صدر فصدره ضيق إلا الإنسان والفيل والبقر. وللجواميس أربعة أخلاف «1» في بطونها، وللشاة خلفان، وللناقة أربعة، وللسنّور والكلب ثمانية أطباء «2» .
والخنزيرة كثيرة الأطباء. وللفهد أربعة وللظبية إثنان.
واللحية تكون للرجل والديك والتيس. والجمل له القنون «3» والكوسة «4» من السمك في بطنه شحم طيّب إن اصطادوه ليلا وإلا فلا.
أحوال جماعة من الحيوانات
قيل: الضفدع إذا أبصر النار تحيّر ولم ينق. والخنفساء والجعل إذا دفنا في الورد ماتا وفي العذرة يحييان.
قال المتنبّي:
كما تضرّ رياح الورد بالجعل وإذا دخلت الخنفساء في إست الحمار غشي عليه ولا يفيق حتى تخرج. والزنبور إذا غرق في الزيت مات ويحيا بالخلّ. والذباب إذا غرق في الماء مات وإذا دفنته بعد في التراب حيي.
والأسد إذا رأى قربة منفوخة انهزم، واللبوة تضع ولدها حين تضعه شبلا ميتا فيأتيه أبوه في الثالث فينفخ في منخرية فينبعث، وتضع الذئبة ولدها لحما لا صورة له ثم تلحسه حتى تستوي صورته.
من لدغته العقرب فأدخل في إسته قطعة جليد برأ وقيل بل هذا لمن لدغه الزنبور.
والمرأة إذا لدغت فجومعت برئت.
زبد الجمل الهائج يذهب العقل. إذا مدت على باب البيت شعرة من ذنب فرس عتيق لم يدخله البعوض ما دامت الشعرة ممدودة. الحمار إذا أكل خرء الثعلب مات، والفأرة إذا أكلت المرداسنج ماتت، وإذا حفي الكلب فدهن إسته ذهب حفاه. والثور إذا دهن إسته لم يحف.
والقنفذ لا ينام والفهد لا يسهر والغداف إذا أخرج فرخه هرب منه لأنه يخرج أبيض فيجتمع عليه البعوض لزهومة رائحته فيبتلع منها ما يقيمه. إذا رأت الحية إنسانا عريانا تهرب منه. النمل لا يتوالد من تزاوج لكنه يلقى في الأرض شيئا يسيرا فيصير بيضا ثم يتصور.(2/739)
(8) وممّا جاء في الصيد والذبائح
ما يجوز أكله من الصيد وما لا يجوز
قال الله تعالى: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ
«1» . وقال عدي بن حاتم: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: أنا قوم نصيد بهذه الكلاب، فقال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه، فكل ما أمسك عليك وإن قتل، إلا أن يأكل الكلب فإن أكل الكلب فلا تأكل. فإني أخاف أن يكون مما أمسك على نفسه.
وقال عدي: يا رسول الله أرمي الصيد فلا أجده إلا بعد ثلاثة. قال: إذا رأيت أثر سهمك فيه تعلم أنه قتله، فكل. وفي حديث آخر: ما تجد أثر سبع. وفي حديث آخر:
وما تأخر عنك للغد فلا تأكله فإنك لا تدري أرميتك قتلته. وفي رواية كلّ ما أصميت «2» ودع ما أنميت. وقال جابر: نهي عن صيد كلب المجوسي.
جواز أكل ما صيد بالقوس
. قال أبو ثعلبة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّ ما ردّت إليك قوسك. وفي آخر ذكيا أو غير ذكي. وروى عدي بن حاتم عنه صلّى الله عليه وسلّم: ما أصاب بحدّه فكل وما أصاب بعرضه فلا تأكل.
وفي آخر: إن أتيته وقد سبقك بنفسه فكل، وإلا فلا تأكل حتّى تذكى.
ما ذبح بغير سكين
قال عدي: قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي فيأخذ الصيد فلا أجد ما أذبحه به إلا المروة والعصا، فقال: أجر الدم بمائت وأذكر اسم الله عليه. وقال صلّى الله عليه وسلّم: إذا أنهرت الدم فكل، وفي حديث ما خلا السنّ والعظم.
النهي عن المثلة بالحيوان والحثّ على تحسين الذّبح
. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لعن الله من يمثل «3» بالحيوان. ونهى أن تصبّر البهيمة وأن يؤكل لحمها إذا ضرب، وقال صلّى الله عليه وسلّم: لا تتخذوا الروح غرضا: وقال: إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليد «4» أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.(2/740)
من تجوز منه الذكاء
قال أبو العشر الدارمي عن أبيه: قال: قلت: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في اللبة والحلق؟ قال: بلى لو طعنت في حلقها لأجزأ عنك. وسئل صلّى الله عليه وسلّم عن ذبيحة النصارى لكنائسهم وأعيادهم، فقال: إن لم تأكلوها فإني آكلها فأطعموني. وقال ابن عباس: نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذبيحة نصارى العرب وذبيحة الغلام. وروى جابر عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل عن ذبيحة المرأة والصبيّ، فقال: إذا ذكر اسم الله عليه فلا بأس. وكانت العرب تقول ما ذكر اسم الله عليه فلا تأكلوه. وما ذبحتم لغير الله فكلوه فأنزل الله تعالى: ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه، وإنه لفسق.(2/741)
الحد الخامس والعشرون في فنون مختلفة
(1) كلمات من الحكم في أبواب مختلفة
أجمعوا على أن الظفر مأسور بالصّبر، والقدرة مقرونة بالحيلة، والإدراك موصول بالتأني.
كتب كسرى إلى قيصر: أخبرني بأربعة أشياء ما أخالها إلا عندك ما عدو الشدة وصديق الظفر ومدرك الأمل ومحتاج الفقر. وفي كتاب جاودان ثلاثة لا يصدّقون: صبر الجاهل على المصيبة، وعاقل أبغض من أحسن إليه. وحماة أحبّت كنتها.
وثلاث لا يستصلح فسادهن: العداوة بين الأقارب، وتحاسد الأكفاء، والركاكة في الملوك.
وثلاث لا يفسد صلاحهنّ: العبادة في العلماء، والقناعة في المستبصرين، والسخاء في ذوي الأخطار.
وثلاث لا يشبع منهن: العافية والحياة والمال.
وقيل: إذا رأيت الفيل يمشي على الشرف فأطلبه في البئر. وقيل: ستة لا تخطئهم الكآبة: فقير قريب العهد بالغني، ومكثر يخاف على ماله، وطالب مرتبة فوق قدره، والحسود والحقود وخليط أهل الأدب وهو غير أديب.
وقالت الهند: ثلاث يسرعن إلى العقل الفساد: طول الكفاية، والتعظيم الدائم وإهماء النفس.
وقيل أربعة تضيع: سراج في نهار، ومطر في سبخة «1» ، وطعام عند غير ذي شهرة وزفاف بكر إلى عنين.(2/742)
وقال مسلم بن قتيبة: لا يجب الصبي أن يكون سخيّا فإنه لا يعرف فضل السخاء، وإنما يعطي ما في يده ضعفا.
وقال الأصمعي المهلكات أربع: الكبر والحسد والبخل والحرص.
وقال معاوية ثلاثة ما اجتمعن في حرّ: مباهتة الرجال وغيبتهم، وملال أهل المودة.
وقيل: إنما يحسن الاختيار لغيره من يحسنه لنفسه. وقال صالح بن عبد القدوس: ما شيء إلا وفيه منفعة، فقال بعض من حضره: لو علق رجل بإحدى يديه أي منفعة فيه؟
قال: لا يعرق إبطه.
النية أساس الأعمال والأعمال، ثمار النيّات.
وقالت الترك: حفظ مرتبة خير من خفض مرتبة.
وقال أبو الأسود الدؤلي: إذا كنت في قوم فحدّثهم بقدر سنك، وخاطبهم بلفظ محلك، ولا ترتفع عن الواجب فتستقل، ولا تنحط فتحتقر.
أربعة لا تكتم: العقل والحمق والغنى والفقر، قيل: سمّي الجار لتجيره والصديق لتصدقه، والرفيق لترفق به.
قيل: ما استقصى حرّ قط. قال الله تعالى: عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ
«1» ،. فلم يعاتب النبي صلّى الله عليه وسلّم حفصة على ما كان منها. قال الأقطع رفيق الصناديقي: وقعت إلى بلدة قاصية من خراسان فسألوني هل تعرف شيئا من شعر الصاحب فأنشدتهم:
بودّي لو يهوى العذول ويعشق «2»
فقال فضولي: هذا للبحتري، فقلت: لقد قال ذلك رجل بنيسابور فضرب ثلاثمائة سوط. فسكت عمّي أبو الحسن الصوفي على الرئيس أبي الفضل:
أنا إن لم أك أهوا ... ك فرأسي في حر أمي «3»
توقيع للصاحب:
وإذا أردتم أن تسروا عامرا ... فتعمّدوا بصنيعكم أصهارها
قال القاضي أبو الحسن: استعار رجل من الخلاد شعره فقال: يا بني نحن أكلنا شعر الطائي والبحتري ومن يجري مجراهما. وهؤلاء أكلوا شعر النابغة حتى خرؤا مثل هذا الشعر. وأنت إذا أكلت شعري فأي شيء تخرأ؟
قال حكيم الحياء: يمنع من عمل السيئات، والحمية تمنع من عمل الحسنات.
قال أبو عبد الرحمن خالد بن الأصم لأبي العتاهيّة: أي خلق الله أصغر؟ قال: الدنيا(2/743)
لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة. قال: بلى أصغر منها من عظمها. ثلاث يخبلن العقل: الخصومة الدائمة، والدين الفادح والمرأة السليطة «1» .
وقال أبو يوسف: تعلّموا كل علم إلا النجوم، فإنه يكثر الشؤم، والكيمياء فإنه يورث الإفلاس، والجدال في الدين فإنه يورث الزندقة.
من هانت عليه نفسه فلا تأمنن شرّه. قال حكيم: من الذي بلغ جسما فلم يبطر واتبع الهوى فلم يعطب، وجاور النساء فلم يفتتن بهنّ، وطلب إلى اللئام فلم يهن، وواصل الأشرار فلم يندم، وصحب السلطان فدامت سلامته؟
قيل: جماع خير الدنيا والآخرة في ثلاث: أجر وشكر وذكر. فالأجر ثواب الله الذي لا يكون أجمع منه نفعا وأدوم ولا أكرم منزلة، والذكر فوق منزلة الشكر، ودون منزلة الأجر لأن الأجر أشد اشتمالا على جميع الخلق.
حكاية
يقال إن المنصور أشخص «2» رجلا من الكوفة سعى به أن عنده أموالا لبني أمية فلما مثل «3» بين يدي المنصور، قال: أيها الرجل أخرج لنا من ودائع بني أمية التي عندك؟ فقال:
أوراثهم أنت يا أمير المؤمنين أم وصيّهم؟ قال: لا. قال: فلم أدفع أموالهم إليك؟ قال: إن بني أمية خانوا المسلمين وأنا القائم بأمرهم. قال: عليك بيّنة أن هذا المال من تلك الخيانات، فقد كان للقوم أموال من وجوه شتّى فإن ثبتّ على حكم خرجت منه.
فأطرق ساعة ثم قال: يا ربيع خلّ الرجل. فقال الرجل: ما عندي مال ولكن رأيت الاحتجاج أقرب إلى الخلاص فإن رأى أمير المؤمنين أن يحضر خصمي فلعله يفلجني بالحجة، فإن في مالي سعة فبعث المنصور إلى الساعي فأحضره فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا الساعي عبد لي أبق «4» وقد سرق لي مالا فهدّده فاعترف.
العجب
العجب ما عدم فيه العادة. ولذلك قيل الدهر أبو العجب لإتيانه بما لم تجر عادة بمشاهدته. وقيل: للنظام أي شيء أعجب؟ قال: الروح وقيل لأبي عصل فقال: السمّ.
وقيل: لسلم الخلال. فقال: النار. وقيل لأبي شمر فقال: الذكر والنسيان. وقيل لبطليموس فقال: تدبير الفلك.
قال ابن الرومي:
وعجيب الزمان غير عجيب(2/744)
قال الطائي:
إلا إنّها الأيام قد صرن كلها ... عجائب حتّى ليس فيها عجائب
وذكر أن أفلاطون سأل جماعته عن العجب. فقال: كل ما حضره حتى انتهى إلى بقراط فقال: العجب ما لا يعرف سببه.
قال الخبزارزي:
عجبت وأعجب منّي امرؤ ... رأى ما رأيت ولم يعجب
وقال بعضهم: لو سرقت الكعبة ما بقيت الأعجوبة أكثر من أسبوع.
(2) ذكر خصال معدودة
خصلة محمودة
قال أنوشروان: وعنده جماعة ليتكلم كل واحد بكلمة نافعة. فقال الموبذ: الصمت المصيب أبلغ حكمة.
وقال مهنود: تحصن الاسرار أنفع رأي. وقال مهادر: لا شيء أنفع للرجل من المعرفة بقدر ما عنده من الفضل وحسن الاجتهاد في طلب ما هو مستحق له.
وقال موسى: الاحتراز من كل أحد أحزم رأي وقال بزرجمهر: لا يروح المرء على نفسه بمثل الرضا بالقضاء. فقال أنو شروان: كل قد قال فأحسن ولا خلاص لأحد إلا التثبت للإختيار والاعتقاد للخيرة.
خصلتان
قال صلّى الله عليه وسلّم: منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا. وقال بعضهم: شيئان لا يستطيع الرجل فراقهما ظلّه وعقله. إثنان يهون عليهما كل شيء: العالم الذي يعلم العواقب، والجاهل الذي لا يدري ما هو فيه. شيئان ينبغي للعاقل أن يحذرهما الزمان والأشرار. شيئان يديران الناس القضاء والرجاء.
فسد جلّ الأمور ومن خصلتين إذاعة الأسرار وائتمان أهل الغدر.
خلّتان في الجاهل سرعة الإجابة وكثرة الالتفات. اثنان يستحقان البعد: من لا يؤمن بالمعاد ومن لا يستطيع غضّ بصره وكفّ جوارحه «1» من المحارم.
ثلاث خصال
ثلاثة تضر بأربابها: الإفراط في الأكل اتكالا على الصحة، والتفريط في(2/745)
العمل اتكالا على القدر، وتكلف ما لا يطاق اتكالا على القوة.
ثلاثة من لم تكن فيه لم يجد طعم الإيمان: حلم يردّ به جهل الجاهل، وورع يحجزه «1» عن المحارم، وخلق يداري به الناس.
ثلاثة من كنّ فيه استكمل الإيمان: من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وما إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الظلم، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له.
ثلاثة هنّ للكافر مثلهن للمسلّم: من استشارك فأنصحه، ومن ائتمنك على أمانة فأدّها إليه، ومن كان بينك وبينه رحم فصلها.
وقال إبليس: إذا ظفرت من ابن آدم بثلاثة لم أطالبه بغيرها: إذا أعجب بنفسه واستكثر عمله وتمنى على بليّة.
ثلاثة لا يمنّ بها أحد فيسلّم: صحبة السلطان، وإفشاء السرّ إلى النساء وشرب السم للتجربة.
ثلاثة تزيد في الانس بين الإخوان: الزيارة في الرجال والحديث على المائدة ومعرفة الأهل والحشم.
أربع خصال
قال صلّى الله عليه وسلّم أربع من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، والإصرار على الذنب، والحرص على الدنيا.
وقال أمير المؤمنين: من استطاع أن يمنع نفسه أربع خصال فهو خليق بأن لا ينزل به من المكروه ما ينزل بغيره: اللجاجة والعجلة والعجب والتواني. فثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة العجلة الندامة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التواني الذلّة.
كليلة أربع خصال من حسن النظر: الرضا بالزوجة الصالحة، وغضّ البصر، والإقدام على الأمر بمشاورة، وكظم الغيظ «2» .
أربع خصال إذا أفرط فيهن المرء استهوته: النساء والصيد والقمار والخمر.
أربع خصال يمتن القلب: الذنب على الذنب، وملاحاة الأحمق، وكثرة مصاقبة النساء والجلوس مع الموتى. قيل: ومن الموتى؟ قال: كل عبد مترف وكل من لا يعلم فهو متى.
أربعة تجرئ على الذنوب: الحرص والتواني والرغبة في الدنيا والاستخفاف بالذنوب.
أربع القليل منها كثير: الوجع والنار والدين والعداوة.(2/746)
أربعة يختبرون عند اللقاء: الشجاع، والأمين بالأخذ والإعطاء، والأهل والولد عند الفاقة، والإخوان عند النوائب.
خمس خصال
أمير المؤمنين خمس خصال يذهبن ضياعا: سراج في الشمس، ومطر في سبخة، وامرأة حسناء زفت إلى عنّين «1» وطعام اجتهد صاحبه فيه فقدم إلى شبعان أو إلى سكران.
ومعروف صنعته إلى من لا يشكرك عليه.
قال أزدشير «2» : أوصيكم بخمسة فيهن راحة أبدانكم ودوام سروركم وصلاح أموركم:
الرضا بالقسم والقمع «3» لفاحش الحرص والتنزه من الحسد والتعزّي عند مضنون به أدبر ومرجوّ فات وترك السعي فيما لا يوافق نجحه وتمامه. فإن من لم يرض بما قسم له طالت معتبته. ومن فحش حرصه ذلّت نفسه ومن أتى إلى المنافسة والحسد لمن فوقه لم يزل مغموما ومن أطال أساه على ما أدبر عنه لم يزل مهموما فيما لا منفعة فيه. ومن شغل نفسه بتمنّي الأشياء لم يخل قلبه من الأحزان وحمل على نفسه عبأ ثقيلا ليس للراحة فيه غاية. ومن سعى فيما لا تمام له كانت عاقبته الحسرة والندامة.
قال ابن المقفع: المشتطون «4» في خمسة متندمون: المفرط إذا فاته العمل، والمنقطع عن إخوانه إذا نابته النوائب، والمستمكن من عدوه ثم يفوته لسوء تدبيره، والمفارق للزوجة الصالحة إذا ابتلي بالطالحة، والجريء على الذنوب إذا حضره الموت.
خمسة أقبح شيء فيمن كن فيه: الفسق في الشيخ، والحدّة في السلطان والكذب في ذي الحسب، والبخل في ذي الغنى، والحرص في العالم.
خمسة المال أحب إليهم من أنفسهم: المقاتل بالأجرة، وحفار القنى والآبار، والتاجر في البحر، والرقاء «5» يتعرّض للسع الحية للطمع، والمخاطر على شرب السم.
ستّ خصال
قال معاوية: ستة أشياء تعرف في الجاهل:
الغضب من غير شيء، والكلام من غير نفع، والعطية في غير موضعها، وإفشاء السر، والثقة بكل أحد، وقلّة معرفة الصديق من البدو.(2/747)
ستّة من مات منها فهو قاتل نفسه: من أكل طعاما قد أكله مرارا فلم يوافقه، ومن أكل فوق ما تطيقه معدته، ومن أكل قبل أن يستمرئ «1» ما قد أكل، ومن رأى بعض أخلاط جسده قد همّ بهيجان ورأى دلائل ذلك فلم يستدركها بالأدوية الممكنة، ومن أطال حبس الحاجة إذا هاجت به، ومن أقام بالمكان الموحش وحده.
ستة أشياء لا ثبات لها: ظلّ الغمامة، وخلة الأشرار، وعشق النساء الثناء الكاذب، والمال الكثير، والسلطان الجائر.
لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الحرّ حريصا، ولا الكريم حسودا، ولا ذو الشره غنيا، ولا الملول ذا إخوان.
لا خير في القول إلا مع الفعل، ولا في المنظر إلا مع المخبر، ولا في المال إلا مع الجود، ولا في الصدق إلا مع الوفاء، ولا في العفة إلا مع الورع، ولا في الحياة إلا مع الصحة والأمن والسرور.
لا فقر كالحرص، ولا بلاء كالشره، ولا غنى كالقناعة، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق.
قال ابن المقفع: العجب آفة العمل، واللجاجة قعود الهوى، والحمية سيف الجهل، والبخل لقاح الحرص، والمراء لقاح الشنآن «2» ، والمنافسة أخو العداوة.
سبع خصال
المرأة بزوجها، والولد بوالده، والمتأدب بمؤدبه، والجند بقائده، والناسك بالدين، والعامة بالملوك، والملوك بالتقوى، والعقل بالتثبّت.
سبعة يهزأ منهم: مدّعي الشجاعة، وشدّة النكاية في الأعداء وبدنه سليم لا أثر فيه، ومنتحل الزهد والاجتهاد وهو غليظ الرقبة، والمرأة الخليّة تعيب ذات زوج، والعالم يناظر الجاهل ويماريه، والمفضي بسرّه من لا يجرّب، والمودع ماله من لم يختبره، والمحكّم بينه وبين خصمه من لا يعرفه.
سبعة يكثرون السخط: الملك المترف، والشيخ القلق، والسفيه، والأديب العديم الحلم، والباذل نصيحته للأخرق، والمكلف العمل بغير رفق.
ثمان خصال
ثمانية أن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الجالس على مائدة لم يدع إليها، والمتأمر على ربّ البيت، وطالب النصر من أعدائه، وطالب الفضل من اللئام، والداخل بين إثنين(2/748)
من غير أن يدخلاه، والمستخفّ بالسلطان، والجالس مجلسا ليس له بأهل، والمقبل بحديثه على من لم يسمع منه.
الأدب خير ميراث وحسن الخلق خير قرين، والتوفيق خير قائد، والاجتهاد أربح بضاعة، ولا مال أعود من العقل، ولا مصيبة أعظم من الجهل ولا ظهير «1» أوثق من المشورة، ولا وحدة أوحش من العجب.
تسع خصال
تسعة لا ينامون: مدنف «2» لا طبيب له، والكثير المال يخاف على ماله، والهامّ بدم يسفكه، ومتمنّى الشر للناس العامل في غشهم، والمحارب يخاف البيات، والغارم لا مال عنده، والعاشق لا ينال بغيته، والمطلع على السوء من أهله، والمغصوب ماله.
عشر خصال
عشرة يمتحنون عند أعمالهم: المقاتل عند الحرب، والقنع عند الحاجة، وذو التؤدة عند الغضب، والتاجر عند المبايعة، والصديق عند الشدائد، والعالم عند العلم والناسك عند الصبر على العبادة، والجواد عند العطاء، والأمين عند الوديعة.
عشرة تقبح في عشرة أصناف: ضيق الذرع «3» في الملوك، والغدر في الأشراف، والكذب في القضاة، والخديعة في العلماء، والغضب في الإبرار، والحرص في الأغنياء، والسفه في الشيوخ والمرض في الأطباء، والتهزؤ في الفقراء، والفخر في القراء.
(3) حكايات دالة على رقاعة قائلها
زعموا أن الصخور كانت ليّنة وأن كلّ شيء يعرف وينطق وإن الأشجار والنخيل لم يكن عليها شوك. قال:
قد كان ذا كم زمن القحل ... والصخر مبتلّ كطين الوحل
وقيل: إن الشوك اعتراها في صبيحة اليوم الذي ظهرت فيه العتاة «4» . رأى أحمق ثورا فقال: ما أحسنه من بغل، لولا أن حافره مشقوق.
قال حكيم لعليل: كل الثلج فقال وأرمي بثفله. حكى ابن مرداس عن بعض الثناة أن(2/749)
مطرا أجرف سنبله، وبرقت برقة فقال: ما أحسن ما عملت أسرجت له حتى لا تفوته حبّة.
وكان كوشيد دخل بيته فنطح باب داره فغضب، وحلف لا يدعه في داره واتخذ بابا آخر إلى شارع آخر، فاجتمع أهل المحلة يسألونه أن يرضى عن بابه وتشفعوا عنده فرضي، وسألوه أن يعمل لهم دعوة لصلح الباب ففعل ودعاهم.
ودخل بعض الكبار الحمام فسرق ثوبه فقال له الحمّامي: لعلك جئت بلا ثوب.
وكان بأصبهان رجل يعرف بميمة بن بطل حمل لبدا إلى السوق ليبيعه، فسيم بثمن بخس، فقال: إذا كان كذلك أنا أحق به ودفع ثمنه إلى الدّلال وحمله إلى داره.
نظر حمصيّ إلى منارة فقال لصاحبه: ما أطول قامة الذين بنوا هذه، فقال يا أحمق إنما بنوها على الأرض ثم أقاموها.
أتى نصراني عبد الله بن الهيثم فقال: أريد أن أسلم على يديك فقال: يا ابن الزانية تريد أن توقع بيني وبين عيسى بن مريم.
نظر رجل في جبّ «1» فرأى شخصه فدعا أمه وقال: إن في البئر لصا فنظرت فرأت شخصها فقالت: ومعه قحبة.
ماتت امرأة حائك بشيراز فحرق سراويله، فقال له في ذلك، فقال: المصيبة ما نالت إلا هذه الناحية.
وقيل لمزبد: موسى لطم عين ملك الموت فاعورّ، فقال: دعوه فإنّ طريق الأصلع على أصحاب القلانس.
قيل لأبي العبّاس بن الأصبهي لم لا تصلي؟ فقال: السورة القصيرة أستحي أن أقرأها، والطويلة لا أحفظها.
قال بعضهم: رأيت شيخا بحمص الإمام يخطب، وهو يشكر الله تعالى. فسألته عن حاله فقال: صعد المنبر هذا تسعة كلهم زمروا بأيري أليس ذا نعمة؟. لما مات العطوي ازدحم الناس إلى جنازته وكان له ابن معتوه فتنحى جانبا، وقال: كلوه بسم الله بخلّ وخردل.
(4) حكايات عن البهائم
روي أن أرنبا وثعلبا تحاكما إلى الضبّ فقالا جئناك لتحكم بيننا يا أبا الحسل. قال:
في بيته يؤتي الحكم. فقال الأرنب: إني جنيت ثمرة. فقال: حلوا جنيت. فقال: إن هذا(2/750)
أخذها منّي. فقال لنفسه بغى الخير، فقال: وإني لطمته. فقال: البادئ أظلم. فقال:
فلطمني. قال: كريم أنتظر فقال أحكم بيننا. فقال: حدث حديثين امرأة فإن لم تفهم فأربعا يعني وفي طريقته في الحكم.
وحكى أن عدي بن أرطأة بن إياس بن معاوية، قاضي البصرة جلس في مجلس حكمه وعدي أمير، وكان أعرابي الطبع. فقال له: يا هناة أين أنت؟ قال: بينك وبين الحائط. قال: فاسمع منّي، قال: للاستماع جلست. قال: إني تزوجت امرأة قال: بالرفاء والبنين، فقال: وشرطت لأهلها أن لا أخرجها من بينهم، فقال الشرط أملك أوف لهم به.
قال: وأنا أريد الخروج. قال: في حفظ الله. قال فاقض بيننا قال: قد فعلت.
وقيل: إن الثعلب نظر إلى عنقود فلم ينله فقال إنه حامض:
أيها العائب سلمى ... أنت منها كثعاله
رام عنقودا فلمّا ... أبصرا العنقود طاله
قال في هذا حامض ... لمّا رأى أن لا يناله
روى أن ضبعا صادت ثعلبا فقال لها: منّي عليّ أم عامر، قالت: اختر خصلتين إما أن آكلك أو أخصيك. فقال لها: تذكرين يوم نحكتك قالت: لا. فانفتح فوها فأفلت الثعلب فضربت العرب المثل: قالت: عرض على خصلتي الضبع.
وزعموا أن الفيل والحمار تجمّعا في مرعى فطرد الفيل الحمار، فقال: لم تطردني وبيننا رحم؟ قال: وما هي؟ قال: إن في غرمولى شبها من خرطومك، فقبل منه.
بلع ذئب عظما وبذل لكركي أجرة على أن يخرج العظم من حلقه، فأدخل الكركي رأسه فأخرج العظم ثم قال للذئب: هات الأجرة فقال: أنت لم ترض أن أدخلت رأسك في فم الذئب ثم أخرجته سالما حتى تطلب الأجرة أيضا.
وقيل للحمار: لم لا تجتر؟ قال: أكره مضغ الباطل. وهذا كمثل الأعرابي لما أرمي إليه علك فقال: تعب الحنجرة وخيبة المعدة.
لقي كلب أصبهاني كلبا رازيا بالريّ فقال له: ما أطيب أصبهان إني أرى الخبّازين يرمون بالرغفان على قارعة الطريق. فقال الكلب الرازي: لا أعمل خيرا من الخروج إلى أصبهان. فلما خرج أوّل ما لقي دكان خبّاز من الطريق الذي يشرع «1» إليّ دولكاباذ فجاز «2» بها، وأخذ الخباز يطرح الخبز على الوجه والكلب أخذ يأكل. فنظره الخبّاز فأحمى السفود «3» ومدّه إلى خرطومه وتناول سبخة يرميه بها، فقال الكلب: عليّ هذا السعر.(2/751)
تصاحب ثعلبان فلقيا أسدا فقال أحدهما للآخر: ما الحيلة؟ فقال: عليّ الحيلة. فقال الأسد: ما الخبر؟ فقالا: إنا ورثنا أغناما من أبينا ونريد أن نقسمها بيننا. قال: أين هي؟
قالا: قريب. فتبعهما حتّى أتيا إلى مجرى ماء يخرج من بستان، فقال أحدهما للآخر:
أدخل فأخرج الأغنام. فدخل فأبطأ فقال أخوه: أنظر إلى بطنه حتى أدخل أخرجه من الغنم. فدخل وجلس الأسد ينتظر فصعدا إلى السطح فقالا: اذهب فقد اصطلحنا. فغضب الأسد وزأر فقالا: لا تكن باردا فما رأينا من يغضب من صلح الخصمين غيرك.
اشتكى الأسد فعاده السباع كلها إلا الثعلب. فقال الذئب: أنظر إلى الثعلب كيف استخف بك؟ فلم يأتك. وتطاير الخبر إلى الثعلب فأتاه، فقال له الأسد: يا ابن الفاعلة تأخرت عن الخدمة. فقال: إني مذ بلغني مرضك كنت في طلب دواء لك حتّى وجدته.
قال: وما هو؟ قال: لا يصلح إلا مرارة الذئب فقال وأنّى لي بذلك؟ فقال أنا آتيك به، فإذا أتاك فاقتله وتنال مرارته. فأتاه به فقفز إليه الأسد فأفلت وعدا بدمه فتبعه الثعلب. فقال: يا صاحب السراويل الأحمر، إذا جلست عند الملوك فاعقل كيف تتكلم؟ وقيل للثعلب:
أتحمل كتابا إلى الكلب وتأخذ مائة دينار؟ فقال: أما الكراء «1» فواف، ولكن الخطر عظيم.
ووقع ثعلبان في شرك صياد فقال: أحدهما للآخر: أين نلتقي يا أخي؟ فقال: في الفرّايين بعد ثلاث.
ودخل كلب مسجدا فبال في المحراب، وكان هناك قرد، فقال له: أما تستحي تبول في المحراب؟ فقال: ما أحسن ما صوّرك حتى تتعصب له.
وزعموا أن أسدا وذئبا وثعلبا اشتركوا فيما يصيدون فاصطادوا حمارا وظبيبا وأرنبا.
فقال: الأسد للذئب: اقسم بيننا واعدل. فقال: أما الحمار فلك، وأما الظبي فلي، وأما الأرنب فللثعلب فغضب الأسد وضربه ضربة أندر «2» رأسه، فوضعه بين يديه. ثم قال للثعلب: أقسم بيننا وأعدل. فلما رأى الثعلب ما صنع بالذئب خشي أن يصيبه مثله، فقال: أما الحمار فلك تتغذى به، وأما الأرنب فخلالا تتخلل به فيما بينك وبين الليل، وأما الظبي فلك تتعشى به. فقال له الأسد: ويحك يا ثعلب ما ينبغي لك إلا أن تكون قاضيا من علّمك هذا القضاء؟ قال: الرأس الذي بين يديك.
نظر سقراط إلى شوك في الماء وعليه حيّة، فقال: ما أشبه الملاح بالسفينة.
وزعموا أن البازي قال للديك: ما أرى في الأرض أقل وفاء منك قال: وكيف؟ قال:
أخذك أهلك بيضة فحضنوك ثم خرجت على أيديهم وأطعموك في أكفهم، ونشأت بينهم حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ههنا وههنا، وصحت وصوّت «3» وأخذت أنا من الجبال فعلّموني وألفوني ثم يخلّى عنّي فآخذ صيدي في الهواء فأجيء به إلى(2/752)
صاحبي. فقال له الديك: إنك لو رأيت من البزاة في سفافيدهم مثل الذي رأيت أنا من الديوك كنت أنفر مني؟ وفي أمثال الهند أن ثعلبا قيض على أرنب فقال له الأرنب: والله ما هذا لقوتك ولكن لضعفي.
وقف جدي على سطح فمرّ به ذئب فأخذ الجدي يشتمه فقال: لست تشتمني إنما يشتمني المكان الذي تحصنت به.
كانت أفعى نائمة فوق حزمة شوك فحملها السيل، فقال ذئب لا تصلح هذه السفينة إلا لهذا الملاح.
أراد ثعلب أن يصعد على حائط فتعلق بعوسجة فعقرت يده فأخذ يلومها فقالت: يا هذا قد أخطأت حين تعلقت بي ومن عادتي أن أتعلق بكل شيء.
وقف كلب على قصّاب فأخذ يكثر النبح فقال له: إن ذهبت، وإلا ضربت رأسك بهذه القطعة من اللحم، وتشاغل عنه «1» فوقف الكلب ينتظر ثم قال: تضرب رأسي بشيء ولا أمر.
دخلت فأرة الحمام فلما خرجت رأت سنورا فقال لها طاب حمامّك فقالت: لو لم أرك يا ابن البظراء.
وقيل: إن جملا وحمارا توحشّا فوجدا مرعى خاليا يرتعان فيه، فقال الحمار يوما وقد بطرا: إني أريد أن أغنّي. فقال الجمل: اتق الله فينا فإني أخشى أن ينذر بنا فنؤخذ، قال: لا بد ثم نهق فسمعته قافلة مارة فأخذوهما. فأبى الحمار أن يمشي فحمل على الجمل، فمرّوا به في عقبه. فقال الجمل: إني طربت لغناك المتقدّم وأريد أن أرقص رقصة. فقال الحمار اتق الله إني أسقط فلا تفعل فرقص فأسقط الحمار فوقصه «2» .
قال وهب: قال النمر اللهم إن جلدي الذي خلق على أثر من تزين به بقدر أن يترك عليه.
بعث ابن هبيرة إلى المنصور في الحرب: بارزني فامتنع فقال: لأسبقن امتناعك ولأعيرنك «3» به. فقال: مثلنا في ذلك مثل خنزير قال الأسد: قاتلني، فقال: لست بكفؤي ومتى قتلتك لم يكن لي عزّ بقتل خنزير. فقال الخنزير لأخبرن السباع بنكولك «4» فقال:
احتمال تعيرك أهون من التلطخ بدمك.(2/753)
(5) أمثال من أبواب مختلفة
ما قرع عصا عصا إلا سرّ قوما وساء آخرين نعم كلب في بؤس أهله. مصائب قوم عند قوم فوائد.
قوس ولا وتر وسهم ولا قد، وعين ولا نظر ونحل ولا عسل ...
متى تقل تقل. الضبع تأكل ولا تدري ما قدر استها ما شم حمارك أي ما غيرك.
(6) من أمثال العوام
عصفور مهزول على خوانك خير من كركي على خوان غيرك. الحبّ لغيري ونقل الحشيش عليّ. لا تسبّ أمي اللئيمة فأسب أمك الكريمة. إن لم يجيء معك فاذهب معه. تمرة وزنبور. كل ما بكر شرّ. لا تأكل خبزك على خوان غيرك. أنا أجره إلى المحراب وهو يجرني إلى الخراب. باع كرمه واشترى معصرة. أعتق من الحمأة أقدم من الحنطة. أحمق من الجمل الذي يضرب إسته ويصيح رأسه. إذا لم تجده لم تجلده. طريق الأقرع على أصحاب القلانس. حيث تقطع يخرج الدم.
ذهب الحمار يطلب قرنين فرجع بلا أذنين. كأنه بلع عيرا فبقي ذنبه خارجا. من لا يثق بإسته لا يشرب الإهليلج. ضرطت فلطمت عين زوجها. من يظفر من وتد إلى وتد يدخل أحدهما في إسته. من أكل على مائدتين احتتف. المنخل جديد سبعة أيام من كان له دهن دهن إسته. من لم يقاوم الحمار تعلق بالأكاف. كل ما في القدر تخرجه المغرفة. من كان دليله البوم كأن مأواه الخراب. من كان طبّاخه الجعران ما عسى أن تكون الألوان. الخصيّ ابن مائة سنة وإسته ابنة ستين. إذا بطر الحائك اشترى بخبزه رمانا. قامت البنت تعلم الأم النيك. من استحى من ابنة عمه لم يولد له منها. لا يشعر الشبعان ما يقاسيه الجائع. ماش خير من لاش. إذا كان بولك صحيحا فأرم به وجه الطبيب. البحر ملآن والكلب يلحس بلسانه. من عبد الله في خلق الله شيء لا يشبه صاحبه فهو سرقة. ليس كل من سود بيته يقول أنا حداد. ولا كل من دمعت عيناه يقول أنا طباخ. أحوج ما تكون إلى اليهودي يقول اليوم السبت. تذاكر عاميان الأطعمة، فقال أحدهما:
السمك أحب إليّ من اللحم فقال الآخر شجّة «1» يشجّني القصاب خير من قبلة يقبلني السمّاك.(2/754)
(7) ولهم أمثال بإزاء أمثال
يقولون المولى يرضى والعبد يشق إسته بإزاء السيد يعطي والعبد يألم. لا يعرف مفساه من محساه، بإزاء لا يعرف قبيلا من دبير. لا في حرها ولا في إستها، بإزاء لا في العير ولا في النفير «1» . بالكلمة اللينة تخرج الحيّة من جحرها بإزاء لطف الكلام يخدع الكرام. هو يضرط من إست واسع، بإزاء هو يغرف من بحر. قدم خيرك ثم أيرك بإزاء قدّم خيرا تجده. الساجور «2» خير من الكلب بإزاء الجل خير من الفرس. تبخرنا ففسونا فلا لنا ولا علينا بإزاء ما ربحنا ولا خسرنا.
ومما يضادّه
لا تفعل الخير لا يصيبك الشر، بإزاء الفعل الخير ودعه. لا يكون بعد الظمأ إلا موت مريح، بإزاء غمرات «3» ثم ينجلين. النسيئة «4» نسيان والتقاضي هذيان، بإزاء القرض فرض.
الجماعة مجاعة بإزاء طعام الإثنين يكفي الأربعة. ويد الله مع الجماعة.
ما كره من الكلام
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا يقل أحدكم خبثت نفسي، ولكن ليقل قست وكأنه كره أن ينسب الخبث إلى نفسه. وقال أيضا: لا يقولنّ المملوك ربّي وربّتي ولكن سيدي وسيدتي. وقال أيضا: لا تسبّوا الدهر فإن الله هو الدهر. قال عبد الرحمن بن مهدي عنى قولهم وما يهلكنا إلا الدهر.
ونهى صلّى الله عليه وسلّم أن يقال قوس قزح، وقال قولوا قوس الله فإن قزح شيطان. كانوا ينسبون إليه هذا المتلون أيام الربيع عن ابن عمر ومجاهد أنهما كرها أن يقال استأثر الله بفلان بل يقال مات. وكرهوا أن يقول قراءة فلان وسنة أبي بكر وعمر، وكره مجاهد مسيجد ومصيحف.
وقال عمر رضي الله عنه: لا يقول أحدكم أهريق ماء ولكن ليقل أبول. وسأل عمر رجلا شيئا فقال: الله أعلم. فقال عمر قد خزينا إن كنا لا نعلم أن الله أعلم. إذا سئل أحدكم عن شيء إذا كان لا يعلمه قال: لا علم لي بذلك. وسمع عمر رضي الله عنه رجلا يقول اجعلني من الأقلين. فقال: عليك من الدعاء بما يعرف وكره عمر بن عبد العزيز قول الرجل: ضعه في إبطك. فقال: هل قلّت تحت يدك.(2/755)
قال الحجّاج لأم عبد الرحمن بن الأشعث عمدت إلى مال الله فجعتله تحت ذيلك، فقال الغلام فوضعته تحت إستك فزجره تفاديا من القذع «1» والرفق. وقال مسعود لا تسموا العنب كرما فإن الكرم هو الرجل المسلم. سمع الحسن رجلا يقول:
طلع سهيل فبرد الليل، فقال: إن سهيلا لم يأت ببرد. وقال ابن عباس لا تقولوا والذي خاتمه على فهمي إنما يختم الله على فم الكافر، وكره أن يقال انصرفوا عن الصلاة وقال قولوا قد قضوا الصلاة. وكره مجاهد أن يقال دخل رمضان وقال: قولوا دخل شهر رمضان وكره أن يقال ضرّة بل يقال جارة، ويقول لا تذهب من رزقها بشيء.
(8) حكايات متفرقة من أبواب مختلفة
قال أعرابي لرجل: أكتب لابني تعويذا قال: ما اسمه؟ قال: فلان قال وأمه قال ولم عدت عن اسمي قال لأن الأم لا يشكّ فيها. قال اكتب فإن كان ابني فعافاه الله وإن لم يكن فلا شفاه الله. من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره. قيل للحسن بن سهل ما بال كلام الأوائل حجة؟ قال: لأنه مر على الاسماع قبلنا فلو كان ذيلا لما تأدّى «2» إلينا مستحسنا.
قال بعضهم: ما رأيت أعق «3» من أربعة أشياء: الدينار إذا كسر، والذراع إذا عقر والطومار «4» إذ نشر، والثوب إذا قصّ.
عاد عروة بن الزبير إلى الشام إسماعيل بن بشار فقال عروة لغلامه: أنظر كيف ترى المحمل؟ قال: معتدلا. فقال إسماعيل: الله أكبر ما أعدل الحق والباطل قبل الليلة، فضحك عروة. لما دخل الشعبي على عبد الملك قال: أنا الشعبي فتبسّم عبد الملك وقال أما علمت أنه لا يدخل علينا لا من نعرفه فرأى الأخطل وهو يقول أنا أشعر الناس فقال:
من هذا؟ فقال: أما علمت أن الملوك لا يسألون فاعتذر وقال أنا سوقة ولا أعرف مثل هذا.
ومن يوثق لي؟ فقال: أمير المؤمنين فقال عبد الملك: إذا صرت كفيلا فمن الحاكم؟ كان تميم الداري خطب أسماء بنت أبي بكر في جاهليته فماكس «5» في المهر فلم يزوّج.
فلما جاء الإسلام جاء بعطر ليبيعه فساومته أسماء فماكسها فقالت له: طال ما ضرّك مكاسك فاستحى منها لما عرفها وسامحها في البيع.
كانت بنت سعيد بن العاص عند الوليد بن عبد الملك فلما مات عبد الملك لم تبكه(2/756)
فقال لها الوليد: ما يمنعك من البكاء على أمير المؤمنين ولا مصيبة أجل من فقده فقالت:
ما أقول أستزيد الله في سلطانه حتى يقتل لي أخا آخر. فقال: أي والله لقد كسرنا ثناياه وقتلناه. قالت: لقد علمت من شقت إسته بالملمول. قال: ألحقي بأهلك ألذ من الرفاء والبنين.
وقف يزيد بن عبد الملك على حائك وإلى جانبه فرس رائع مربوط فجعل يتعجب منه فقال: ما رأيت كاليوم فرسا كأنه بغلة فأعجب يزيد به، فقال وأريك ما هو أعجب وأخرج سيفا كأنه بقلة فساومه يزيد فيه بأربعة آلاف دينار فأبى وقال أريك، أعجب من ذلك ثم رفع سترا فبدت جارية كفلقة قمر، فقال: هل لك أن تنزل عنها بألف دينار فأبى وقال:
ولم أريتنيها قال لتعلم أن الله له نعم على أقنا الناس.
وقال بعض الأنصار: من أدمن إتيان المساجد رأى فيها ثماني خصال: أخا مستفادا وعلما مستظرفا وآية محكمة، ورحمة منتظرة، وكلمة تدل على هدى، وأخرى تردّ عن ردى، وترك الذنوب حياء أو خشية.
شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فردّه مع محمد بن سلمة الأنصاري وأمره أن يطوف في مساجدهم يسألهم عن سيرته فجعلوا يقولون: خيرا، حتى أتى مسجد بني عبس فقام أسامة بن زيد العبسي فقال: كنت والله لا تعدل في القضية ولا تعزو في السيرة، ولا تقسم بالسويّة فقال: اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأدم فقره ولا تنجيه من معاريض الفتن فرؤي شيخا كبيرا يمشي على محجن «1» فيقول شيخ أعمى أدركته دعوة العبد الصالح.
دخل بعض الشعراء على أمير فأنشده:
إن الأمير يكاد من كرم ... أن لا يكون لأمّه بظر
فقال أعطوه شيئا لئلا يهذي، وأحب أن لا يعود يمدحنا.
ودفع رجل إلى خياط ثوبا ليخيطه فقال لأخيطنه لا تدري أقباء أم قميص؟ فقال لأمدحنك ببيت لا تدري إهجاء أم مديح وكان الخياط أعور فقال فيه:
خاط لي عمرو قبا ... ليت عينيه سوا
ولما أنشد النابغة النعمان قوله:
تخفّ الأرض ما بنت عنها ... وتبقى ما بقيت بها ثقيلا «2»
غضب وقال: لا أدري أهجوتني أم مدحتني؟ فقال:
حللت بمستقر العزّ منها ... وتمنع جانبيها أن تزولا(2/757)
فرضي كل موضع اعتدت فيه السلامة فلا تزايله. وقال المأمون يوما لمن عنده أنشدوني بيتا يدل على أنه لملك فأنشد قول امرئ القيس:
أمن أجل إعرابية حلّ أهلها ... جنوب الملا عيناك تبتدران
فقال: ما هذا مما يدل على ملكه، قد يكون لسوقة إنما ذلك قول يزيد بن عبد الملك:
إسقني من سلاف ريق سليمى ... واسق هذا النديم كأس عقار «1»
فأشارته إلى هذا النديم دلالة على أنه ملك، وقوله:
ولي المحض من ودّهم ... ويغمزهم نائلي «2»
سئل بعضهم عن بلد، فقال:
به البقّ والحمّى وأسد حففنه ... وعمرو بن هند يعتدي ويجور
(9) مفردات من الأبيات البديعة
قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض «3»
وقال النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرجال المهذّب «4» ؟
وقال آخر:
لعمرك ما شيء مرنت بذكره ... كآخر يأتي بغتة فيروع «5»
وقال آخر:
يمونني الأجر العظيم وليتني ... نجوت كفافا لا عليّ ولا ليا «6»
وقال أبو نواس:
ولما قرعنا بابه قام خائفا ... وبادر نحو الباب ممتلئا ذعرا(2/758)
وقال أبو تمّام:
كالبكر توحشها مضاجع بعلها ... والحيض علتها وليس بحائض «1»
وقال الخبزارزي:
كن في الجماعات حيث كانوا ... فالموت عرس مع الجميع
وله:
مالي أحوط حول دجلة حائطا ... لولا اعتراض حماقتي وفضولي
ما أهون الموت على النوائح
وقال إسماعيل:
صاح أبصرت أو سمعت براع ... ردّ في الضرع ما قرى في الحلاب
وقال آخر:
وأترك الشيء أهواه فيعجبني ... أخشى عواقب ما فيه من العار
وقال آخر:
فلو أنّ لي تسعين قلبا تشاغلت ... جميعا فلم يفزع إلى غيرها قلب
وقال آخر:
دلّا على حيلة فيها لنا فرج ... إن الدليل على خير كمن فعلا
وقال آخر:
ولي ظنّان بينهما رجاء ... يكذّب سوء ظنّي حسن ظنّي
وقال هارون المعتصم:
إذا ما خانني يوما جوادي ... جعلت الأرض لي فرسا وثيقا «2»
وقال آخر:
وأسرع نسياني الذي لا يهمّني ... ونسياني الشيء المهمّ قليل
وقال آخر:
أنت والله حمار ... قاعد بين حمير
وقال آخر:
هوّن الأمر تكن في راحة ... قلّما هوّنت أمرا لا يهون «3»(2/759)
وقال المتنبّي:
لله حال أرجّيها وتخلفني ... وأرتجي كونها دهري وتمطلني
وقال محمد بن يحيى:
قتلت أعزّ من ركب المطايا ... وجئتك استلينك في الكلام
يعزّ عليّ أن ألقاك إلا ... وفيما بيننا حدّ الحسام
ولكنّ الجناح إذا أصيبت ... قوادمه أسفّ على الآكام
وقال الطاهر:
ولم أرد بدبّة قبله ... يدقّ على بابه دبدبه
وقال أبو القاسم التنوخي:
تخيّر إذا ما كنت في الأمر مرسلا ... فمبلغ آراء الرّجال رسولها
وقال آخر:
إذا تخازرت وما بي من خزر ... ثم كسرت العين من غير عور «1»
وجدتني ألوي بعيد المستمر ... أحمل ما حملت من خير وشرّ
وقال أبو القاسم الأعمى:
إن الجديد إذا ما زيد في خلق ... تبيّن النّاس أن الثّوب مرقوع
وقال ابن طباطبا:
آمن سربله الاش ... فاق سربال المروغ
وقال الخبزارزي:
أحبّ فمن ذا الذي كلفه ... وملّ فمن ذا الذي أستعطفه
فلا أحد في الرّضى سرّه ... ولا أحد في القلى عنّفه
وكنّا كما قد علمت ... فماذا التعدّي وماذا السّفه
وفي النّاس من يتجنّى الذنوب ... وإذا قد تجاوز حدّ الصفه
وما كلّ من كان ذا قوّة ... يناوي الضعيف إذا استضعفه «2»
ويزعمني صدفا خاليا ... من الدرّ في مثل ما صرفه
ولو شئت عرفته من أنا ... وإن كان بي جيّد المعرفه
وفرعون يعرف من ربّه ... ولكنّ طغيانه سوّفه
وسل من تعرض لي بالهجا ... وعن عرضه أين قد خلفه(2/760)
وقال ابن الرومي:
وامتناع النفس مما تشتهي ... خشية الإنفاق نقص في النسب
والبحتري:
أضيع في معشري وكم بلد ... يعدّ عود البكاء من حطبه
وقال جحظة:
إذا الشهر هلّ ولا رزق لي ... فعدى أيامه باطل
وقال المتنبّي:
توهّم القوم إن العجز قربنا ... وفي التقرّب ما يدعو إلى التهم
وقال ابن الرومي:
توقّي الداء خير من تصدّ ... لأيسره وإن قرب الطبيب «1»
وقال آخر:
خرجنا لم نصد شيئا ... وما كان لنا أفلت
وقال المتنبّي:
خذوا ما أتاكم به واعذروا ... فإنّ الغنيمة في العاجل «2»
وله:
ذكر الفتى عمره الآتي وحاجته ... ما فاته من فضول العيش أشغال
وقال ابن طباطبا:
طمعت يا أحمق في قمرها ... لو أمكن القمر قمرناها «3»
وقال أبو حكمية في حرب محمد والمأمون:
تجافت بي الأحزان عن كل مرقد ... وأرمضني ما فيه أمة أحمد
وما ضرّ قوما يسفكون دماءهم ... صفا الملك للمأمون أو لمحمّد
وقد نصبوا حربا تحرق بينهم ... لكلّ رقيق الشفرتين مهنّد
وقال الخبزارزي:
فمن شغل قلبي بما نلته ... ذهلت به عن جميع الأمور
وقال آخر:
كأن من بشاشتنا ظللنا ... بيوم ليس من هذا الزّمان(2/761)
وقال الخبزارزي:
ليس للثعلب حظّ ... في غزال عند ذئب
وقال المتوكل:
لا أعدم الذمّ حين أخطي ... وليس لي في الصّواب حمد
وقال ابن الرومي:
وليس حصول فائدة حصولا ... إذا ما أخطأ الغرض الحصول
وقال الصنوبريّ:
وتجشّم المكروه ليس بضائر ... ما خلته سببا إلى المحبوب «1»
وقال الموسوي:
وسرّ الفتى حمل النّجاد وربّما ... رأى حتفه في صفحتي ما تقلّدا «2»
وقال البحتري:
والشيء تمنعه تكون بفوته ... أحرى من الشيء الذي تعطاه «3»
ونحوه:
إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
وقال آخر:
تعلمت فعل الدهر حتّى سبقته ... فأنساني التلميذ فعل المعلّم
وقال آخر:
وأراك تشكو الدهر تظلمه ... كلّ امرئ عاشرته دهر
وقال ابن نباتة:
فهو كالشّمس بعدها يملا البد ... ر وفي قربها محاق الهلال «4»
وقال أبو تمام:
قد كنت كالسائل الأيام مجتهدا ... عن ليلة القدر في شعبان أو رجب
وقال آخر:
ومن راح ذا حرص وجبن فإنّه ... فقير أتاه الفقر من كلّ جانب
قال قدامة: أصح الأقسام في الشعر قول زهير:(2/762)
(10) أبيات منقولة من الفارسية
قال بعضهم:
ترى الديك فوق السطح في كلّ ساعة ... وتنكر إن كان الحمار على السطح
وقال محمد الأموي:
إذا ما كنت في طرفي كساء ... ولم يكن الكساء يعم كلّك
فلا تتبسطنّ فيه ولكن ... على قدر الكباء فمدّ رجلك «1»
وقال:
وما ليس يشبه أربابه ... فلا شكّ في أنّه من سرق
وقال:
وحقّ لمن قد صحّ تمييز عقله ... إذا ما رأى الدينار أن يترك الفلسا
وقال آخر:
فانظر لذاك فليس يعلم كلّ ما ... في الخفّ غير الله والإسكاف
وقال ابن طباطبا:
مثلي كبائع طشته بشرابه ... سرّا لئلا يعلم الجيران
لما تملى ظلّ في غثيانه ... يشكو الصّداع فعاده الأخذان «2»
فدعوا بطشت كي يقيء فقال مه ... لو كان طشت لم يكن غثيان
وقال ربيعة الرقي:
فأنت كذئب السوء إذ قال مرّة ... لعمروسة والذئب غرثان مرمل «3»
أأنت التي في كل قول سييتني ... فقالت متى إذا قال ذا عام أول «4»
فقالت ولدت العام بل رمت غدرة ... فدونك كلني لا هنا لك مأكل
وقال طريح:
وإذا استوت للنمل أجنحة ... حتّى يطير فقد دنا عطبه
وقال بعضهم:
وقد خرق الأشواق شبعان مرتو ... فقال رغيف واحد يشبع الخلقا(2/763)
وقال:
لاطم الأشفى مضرّ كفّه ... ومرامي الدهر رام كبده
وقال:
لا تقصدنّ كلّ دخان ترى ... فالنّار قد توقد للكيّ
وقال آخر:
ومن يروم نزول البئر عن غرض ... فليس في الشرط أن يحصي مراقيها
وقال آخر:
من لسعته حيّة مرّة ... تراه مذعورا من الحبل
وقال آخر:
إذا سقط الجدار ولم يغبّر ... فما بعد السقوط له غبار
وقال آخر:
كدود نشا في الحلّ ليس ببارح ... كأن ليس في الدنيا مكان يعاد له
وقال آخر:
ما رسول لليث إلا عنقه ... فلهذا عنق الليث غليظ
(11) تمثل كل ذي صناعة بصناعته
سأل الرشيد بختيشوع عن حرب شاهدها، فقال: لقيناهم في صحن مقدار البيمارستان، فما كان مقدار ما يختلف الرجل مقعدين حتى صيرناهم في أضيق من المخنقة، ثم قتلناهم بمبضع ما سقط إلا على كل رجل.
سئل جعفر الخيّاط عن حرب فقال لقيناهم في صحن مقدار الطيلسان فما كان مقدار ما يخيط الرجل درزا حتى تركناهم في أضيق من الحر ثم قاتلناهم فلو طرحت إبرة ما وقعت إلا على زرّ رجل.
وسئل معلم فقال: لقيناهم في صحن مقدار الكتاب فما لبثوا إلا مقدار ما يقرأ فتى مقدار عشر حتى تركناهم في أضيق من الرقم فقتلناهم في أقل ما يكتب صبي لوحين قال بعضهم:
مشق الحبّ في فؤادي لو حين فأغرى جوانحي بالتلاقي قيل لجارية عربية: بم تعرفين الصبح؟ قالت: إذا برد الحلي. وقيل ذلك لنبطية فقالت: إذا جاءني الغائط.(2/764)
(12) معارضات
1- عرضت جارية على المهدي فقال لبشار امتحنها فقال:
أحمد الله كثيرا
فقالت:
حين صيرت ضريرا
فقال: اشتر الملعونة فإنها حاذقة.
عارض أبو العنبس البحتري في قوله:
من أي ثغر تبسّم
فقال:
من أي سلح تلتقيم ... وبأيّ كف تلتطم
أدخلت رأسك في الحرم ... .............
فولّى البحتري فقال أبو العنبس:
وعلمت أنك تنهزم
2- قال ميمون بن مهران: رأيت البارزي وحاله متماسكة فسألته فقال: كنت من جلساء المستعين فقصده الشعراء فقال: لست أقبل إلا ممّن قال مثل قول البحتري:
لو أنّ مشتاقا تكلّف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر «1»
فرجعت إلى داري وأتيته، فقلت: قد أتيتك بأحسن مما قال البحتري في المتوكل:
ولو أن برد المصطفى إذ لبسته ... يظنّ لظنّ البرد أنّك صاحبه «2»
وقال وقد أعطيته ولبسته ... نعم هذه أعطافه ومناكبه
فقال: ارجع إلى منزلك وافعل ما آمرك به فبعث إليّ سبعة آلاف دينار، وقال: إدخر هذه للحوادث بعدي ولك الجراية والكفاية ما دمت حيا.
قال وهذه حالة شبيهة:
كما كان بعد السيل مجراه مرتعا(2/765)
3- وكان بشّار يعطي أبا الشمقمق في كل سنة مائتي درهم فأتاه سنة فقال: هات جزيتك. فقال: أي جزية هي قال: هو ما تسمع. فقال بشار له: لأهجونّك، فقال أبو الشمقمق:
إني إذا ما شاعر هجانيه ... ولحّ في القول له لسانيه
بشار يا بشّار فقال بشّار وأمسك وعلم أنه يكملها بقوله: يا ابن الزانية. وقال لا يسمعن هذا منك أحد ودونك الدراهم.
وروي أنه أتاه مرة فامتنع من أعطائه فقال قد سمعت الصبيان يقولون:
إن بشارا لدينا ... مثل تيس في سفينة
فرفع مصلاه عن دراهم وقال له: خذ هذه ولا تكن راوية للصبيان.
4- اجتمع ثلاثة جنب غدير يقال له بطياثا فقال أحدهم:
نلنا لذيذ العيش في بطياثا
فقال الآخر:
وقد حثثنا القدح احتثاثا
فارتج على الثالث فقال:
وأم عمرو طالق ثلاثا
فقيل له في ذلك فقال:
جلست على طريق القافية
5- ودخل الغالي على أبي عباد الوزير وهو عليل فأنشده:
حالفك الفضل والكمال ... والبذل والجاه والنّوال «1»
فقال:
حالفني السقم والسعال ... ونقرس ما إن له زوال «2»
وقال بعضهم مررت بجارية ذات جمال فأنشدتها:
ويح نفسي وكيف لي ... أن أنيك التي أرى
فقالت:
ذاك شيء يبيحه ... في الورى كلّ من يرى «3»(2/766)
هو للضيف عندنا ... أول الزاد والقرى
6- قال الجمّاز: دخلت على الرشيد وبين يديه طبق فيه ورد، فقال: قل في هذا شيئا فقلت:
كأنه خدّ محبوب يقبّله ... فم الحبيب وقد أبدى به خجلا
فقالت جارية على رأسه، ألا قلت:
كأنّه لون خدّي حين تدفعني ... يد الرشيد لأمر يوجب الغسلا
فضحك وقال: قومي لننظر.
7- قصد أعرابي المأمون فقال: قد قلت شعرا، فقال: أنشده، فأنشد:
حيّاك ربّ الناس حيّاك ... إذ بجمال الوجه رداكا
بغداد من نورك قد أشرقت ... وأورق العود بجدواكا
فأطرق المأمون ساعة ثم أنشد:
حيّاك ربّ النّاس حيّاك ... إن الذي أملت أخطاك
أتيت شخصا كيسه قد خلا ... ولو حوى شيئا لأعطاكا
فقال: يا أمير المؤمنين أن بيع الشعر بالشعر ربا فاجعل بينهما محللا فضحك وأمر له بمال.
وقيل من أحسن شعر القدماء قول عبيد:
اللّيل ليل والنهار نهار
فأنشد ما جنّ ذلك فقال:
القرع قرع والخيار خيار ... والدب دبّ والحمار حمار
8- اجتمع قوم عند رجل فلم يحضره شيء فرهن قطيفته، ولما قعدوا للشراب غنّى المغنّي:
أترى الذين تخمّلوا جنوا
فقال صاحب البيت:
فلا أدري أجنوا أم لا؟ ... فاستغربوا ضحكا وخلصوا قطيفته
(13) كلمات مجانين
1- خرف النمر بن تولب فكان هجيراه: أصبحوا الضيف أغبقوا الراكب. وخرفت(2/767)
امرأة فكان هجيراها: زوّجوني زوجوني. فقال عمر لأصحابها: ما لهج «1» به أخو عكل خير مما لهجت به صاحبتكم.
2- كان سكران يمرّ بشيراز فتلقّاه ابن ممشاد المعدل فأخذ السكران بأيره وقال: أيترك القاضي أن أدخل هذا في بنته. فقال: إن احتاج إلى ختن «2» وارتضاك فنعم ومرّ.
3- ومزّق مجنون ثوب رجل وقال: علوان الرّفاء يريده كما كان.
4- وكان بهلول يتشيّع فقال: إسحاق الكندي كثر الله في الشيعة مثلك. وكان يغنّي بقيراط ويسكت بدانق، وكان جيد القفا وكان يعبث به كل من يمرّ فحشا قفاه بالعذرة، وجلس على قارعة الطريق، فكل من صفعه يقول له: شمّ يدك.
5- وبعث الرشيد إلى بهلول فأحضره وأجلسه في صحن الدار وأم جعفر تراه من حيث لا يراها، وعيسى بن جعفر جالس، فقال الرشيد: يا بهلول عدّ لنا المجانين فقال:
أولهم أنا. قال: هيه. قال: وهذه، وأشار إلى موضع أم جعفر فقال له عيسى: يا ابن اللخناء تقول هذا لأختي. فقال بهلول: وأنت الثالث يا صاحب العربدة «3» فقال الرشيد:
أخرجوه. فقال: وأنت الرابع.
6- وعدا عيناوة يوما بين يدي الصبيان فدخل دارا وصعد سطحها وأشرف على الصبيان، وقال: من أين أبلاني الله بكم؟ فقال له رجل في الدار: أرجمهم بالحجارة، فقال: أخاف إن رجعوا إلى آبائهم يقولوا إنه بدا يحرّك يديه فيأخذوني فيغلوني «4» ويقيّدوني.
وأخذ الطائف مجنونا فأمر به إلى الحبس فقال: إني حلفت أن لا أحبس عن منزلي، فضحك منه وأطلقه. وأخذ أعرابي إدعوا أنه سكران، فقال الوالي استنكهوا الخبيث فلم يشمّوا رائحة، فقال قيئوه فقال: تضمن عشائي أصلحك الله.
(14) حكم مجانين
1- وعظ بهلول الرشيد وهو متوجه إلى الحج فقال: ما هكذا حج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال له: هل لك في جائزة تقضي بها دينك؟ فقال: الدين لا يقضي بالدين أي ما تعطيني ليس هو لك.(2/768)
2- ونظر بهلول إلى مجنون يوم العيد وهو يقول: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم فلطمه بهلول على وجهه وقال: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه.
3- وعدا مجنون من صبيان ثم دخل دارا وكان ثمّ رجل له ذؤابتان فقال له: يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا؟ فأغلق الباب وأتاه بطبق تمر، وقال: كل فأخذ يأكل والصبيان يصيحون فقال: فضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.
4- كان مجنون تؤذيه الصبيان فقال له رجل: تريد أن أطردهم؟ فقال: نعم وتنطرد معهم. وقيل لمجنون: فيم يسعى هذا الخلق؟ قال: فيما لا يجدونه. هم يطلبون الراحة وهي لا تكون في الدنيا.
5- قال الرشيد لبهلول من أحب الناس إليك؟ قال: من أشبع بطني. قال: فأنا أشبع بطنك فأحببني قال: الحب لا يكون نسيئة.
6- استقبل جعيفر امرأة صبيحة فبادر إليها واعتنقها فاجتمع الناس فضربوه فقال:
علّقوا اللحم للبزا ... ة على ذروتي عدن
ثم لامو المحبّ في ... هـ على خلعه الرسن
لو أرادوا عفافه ... نقبوا وجهه الحسن «1»
6- ومثل هذه الحكاية وإن لم تكن مما نحن فيه- ما روي أن ابن زيدان كان عند يحيى بن أكثم يملي عليه فقرص خدّه فغضب فأنشأ يقول:
أيا قمرا خمشته فتغضبّا ... وأصبح لي من تيهه متجنّبا «2»
إذا كنت للتخميش والعضّ كارها ... فكن أبدا يا سيدي متنقّبا
ولا تظهر الأصداغ للنّاس فتنة ... وتجعل منها فوق خدّك عقربا
فتقتل مشتاقا وتفتن ناسكا ... وتترك قاضي المسلمين معذّبا
(15) خرافات على سبيل التهكّم
1- رأى حمدويه المخنث بمكان منكر صاحب شرطة فقعد على روثة يريه أنه يخرأ.(2/769)
فلما دنا منه قام فقال له: ما كنت تفعل؟ فقال: كنت أخرأ فإذا تحته روث فقال: أتروث هذا؟ فقال: مالك وهذا، كل إنسان يخرأ ما يريد.
2- قيل لعبد الرحمن القاضي: لم سمّي العصفور عصفورا؟ قال: لأنه عصى وفر.
قيل: فالطفشل، قال: لأنه طفا وشال.
3- جعل سخفاء واحدا منهم على جنازة فمرّ بهم جحا فقالوا له: صلّ على هذا الفقير الغريب فصلّى. فلما كبّر ضرط والتفت إليهم وقال: إن كان على صاحبكم دين فاقضوه، فهذا من ضغطة القبر. وقال له أبوه: قبر هذا الجب فقبره من خارج فقال:
ويحك إنما يقبر من داخل فقال: اقلبوه.
4- قال علي بن عبد العزيز القاضي:
قوم إذا خرؤا خلّوه وانصرفوا ... أليس ذا كرما ناهيك من كرم
وقال:
لقيت أبا يحيى عشية جئته ... كريم المحيا طاهر البشر وأقلب
كريم كنصل السيف يهتزّ للنّدى ... كما اهتزّ ماض للضريبة واقلب «1»
وأير حمار داخل في حر أمه ... ولا تقلبن هذا فليس بو اقلب «2»
5- قال بعضهم: ركبت سفينة من بغداد إلى واسط، فإذا أنا بشيخ له رواء وهيبة. وكنّا جماعة رفقة كل منّا يشتهي مداعبة الشيخ ويتحاماه لهييته، إلى أن بلغنا المقصد، فقلت للشيخ: أوصني. فقال: إذا جاءتك الريح فأرسلها ولو بين الركن والمقام. فقلت: زدني، فقال يا بنيّ النيك من قدّام يضعف الركبتين فإيّاك أن تستعمله في الصيف خاصة، والنيك بغير بزاق أنظف للكف، ثم قال: تمسّك بهذه الأربعة تكن لقمان زمانك.
6- قال المبرّد سأل رجل فقيها، فقال: علّمني. فقال: أنا مستعجل فخذ جملتها أجحد ما عليك وادع ما ليس لك واستشهد بشهود غيب، وأخّر اليمين إلى أن تنظر فيها.
7- كان رجل وامرأته يبوّلان في الفراش فاتفقا أن يتعاقبا في النوم ويحتفظ كل بصاحبه. فنام الرجل وسهرت المرأة قابضة على متاعه فلما همّ بالبول نبهته. فقام وبال(2/770)
ونامت المرأة من بعده فقبض على متاعها فلما همّت بالبول، كانت ننزّ من جانب إذا قبض على جانب.
8- ولّى أبو العير أبا العجل وكتب له عهدا نسخته: يا أبا العجل وفّقك وسدّدك وليتك خراج ضياع الهواء ومساحة الهباء وكيل ماء الأنهار وعد الثمار، وصدقات البوم وكيل الزقوم وقسمة الشوم بين الهند والروم. وأجريت لك من الأرزاق بغض أهل حمص لأهل العراق وأمرتك أن تجعل ديوانك ببرقة «1» ومجلسك بأفريقية، وعيالك بميسان «2» ، واصطبلك بهمدان «3» وخلعت عليك خفّي حنين، وقميصا من دين، وسراويل من سخنة عين فدر في عملك كل يوم مرتين والحمد لله على ما ألهمنا فيك فقابلنا بالشكر فيما نوليك.
9- قالت جارية مات أبوها: وا أبتاه وا خيلاه فقالت لها امرأة: ويلك ومتى كان له خيل؟ قالت: كان يريد أن يشتري.
10- ونظر مزيد إلى أهل الكوفة وقد أخرجوا صبيانهم للإستسقاء فقال: لو كان دعاؤهم مستجابا لما بقي في الأرض معلم. أسلم نصراني فقالت أمه: سخنت عينك محمد بعد لم يعرفك وعيسى تبرأ منك.
11- وكان أعرابي يمدح أميرا فضرط فقال: والله أنه لينطق كل عضو مني بمدح الأمير.
12- وقال المأمون لأعرابي: إن عددت من جوارحك عشرة أولها كاف أعطيتك عشرة آلاف درهم. فقال كوع كرسوع كبد كفل كف كشح كعب كاهل كرش. وولّي الأعرابي فإذا إنسان يبوّل فعاد وقال كمرة فأعطاه.
(16) فتاوى على سبيل الحماقة
1- قيل لابن مجاهد ما أول الدخان؟ قال: الحطب الرطب. وقيل: أين في القرآن الهريسة؟ قال: بقرة صفراء وفومها واضربوه ببعضها، وفار التنور، ولتركبن طبقا عن طبق. ذهب طبري إلى مفت فقال: كنت في صلاتي، فخرج من دبري(2/771)
شيء. فقال: أكان مثل حمصة؟ قال: أكبر. قال: كبندقة؟ قال: أكبر، قال: كجوزة؟
قال: أكبر. قال: أراك قد خريت.
2- وقال بعضهم رأيت جملا بحمص يتبع بقرة فقلت أهذا ولدها؟ فقالوا: لا، بل يتيم في حجرها.
3- مرّ العتابي بمنصور النمري فرآه كئيبا فسأله، فقال: امرأتي عسرت ولادتها.
فقال: أكتب على حرها هارون فقال: ما هذا أتهزأ بي؟ فقال: أعني قولك في هارون:
أن أخلف القطر لم تخلف مواهبه ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتّسع «1»
4- كان بعض أهل نصيبين شديد الغفلة، وكان يسوق عشرة أحمرة فركب حمارا منها، وعدّها فرآها تسعة. فنزل وعدها فوجدها عشرة فقال: أمشي وأربح حمارا أجود.
(17) بلاغات من لم يختلف للكتاب
1- كتب معاوية بن مروان إلى الوليد بن عبد الملك: بعثت إليك بقطيفة خزّ أحمر أحمر فكتب إليه: قد وصلت وأنت أحمق أحمق أحمق والسلام.
2- قال أبو القاسم بن بابك الشاعر أنشدني ابن القراني لنفسه: أنتيا ابن شيار أنت تحكم في الدين كزار غير فرار. ولست كالقاضي الذي يتبع العار. وأمير المؤمنين الطائع أطال الله بقاءه وأدام عزّه وتأييده وسعادته وكفايته لك مختار. فقلت: لم طولت هذا البيت فقال هو خليفة ولا يجوز أن ينقص دعاؤه.
3- قال دعبل: كان لي صديق يقول شعرا فاسدا فقال يوما:
إن ذا الحبّ شديد ... ليس ينجيه الفرار
ونجا من كان لا يأ ... من من ذلّ المخازي
فقلت هذا لا يجوز. فالبيت الأول راء والثاني زاي. فقال: لا تنقطه.
قلت: فالأول مرفوع والثاني مجرور. فقال: أنظر إلى حماقته. أقول له: لا تنقطه وهو يشكله.
4- وقال محمد بن العبّاس لوكيل: ما حال غلتنا بالأهواز؟ فقال: أما متاع أمير(2/772)
المؤمنين فقائم على سوقه. وأما متاع أم جعفر فمسترخ. وقال بعضهم: احتمجت من الخديعتين يعني الأخدعين.
5- كان عبد الله بن عوانة يقول: الحمد لله واصطأفر الله، والله فأكبر، وقال المشي إلى بيت الله أعني به الطلاق الثلاث، ثلاثين حجّة. أحرار لوجه الله وسبيلي حبيس في دواب الله فقلت موفقا إن شاء الله تعالى.
6- قال رجل للرئيس بن العميد إذا رأيت وجهك رأيت الباءة يريد البهاء فقال إذا وجهي سقنقور «1» أنشد عبد الله بن فضلويه:
قيامة يوم لا دواء له ... إلا الطلاء وإلا الطيب والطرب
فقيل له: ويلك إنما هو يوم الحجامة «2» فقال: أعذروني فإني لا أعرف النحو ولبعض أهل خراسان:
أنا شذره أنا هذبه ... أنا زين الخطبون
ولنا باب اش هشت ... كربه بيبرمون
ولنا رهوذة ... كل يوم دهمون
يحملوه كل يوم ... ذي سوى ما يطبخون
وقال:
ولنا برج حمام ... كان جدّي قد بنى
فيه بيض وحمام ... ودجاج ورنا
أحسنت والله أمي ... حين جاءت بأنا
وقال رجل: لأعين الطبيب إني لأجد في بطني وجعا لا أدري ما هو؟ قال: فخذ أيش هو، واجعل فيه ما اسمه ودقّه بقول أنت.
(18) لعب الاعراب
البقيري وهو جمع تراب يقطع نصفين ويقال خذ أيّهما شئت.
وعظيم وضاح عظم يرمي به أحد الفريقين فمن وجد من الفريقين ركب(2/773)
أصحابه الفريق الآخر من الموضع الذي وجد فيه إلى الموضع الذي رموا به.
والحظيرة أن يرمي أحد الفريقين بمخراق من خلفه فإن عجزوا عن أخذه رموا به إليهم، فإن أخذوه ركبوهم.
الدارة التي يقال لها الخراج، والشبحة التي يقال لها نجو بالفارسية.
ولعبة الضبّ أن يصور الضبّ ثم يحوّل أحدهم وجهه فيضع يده على موضع فيقول عين الضب أو ذنبه أو كذا. فإن أخطأ ركب هو وأصحابه، وإن أصاب حوّل وجهه فيصير هو السائل.
تمّ بحمد الله الجزء الثاني من كتاب:
محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء للراغب الأصبهاني رحمه الله.
وذلك في يوم الثلاثاء:(2/774)