لقد خفقت رعباً قلوب معاشر ... وفارقها السلوان فيمن يفارق
فيا ملكاً للعُرب دمت موفقاً ... تنير بك الدنيا وتحمى الحقائق
عليك سلام الله ما لاح بارق ... وما صاح قمري وما ذر شارق
ولأحمد ابراهيم الغزاوي أنشدها بين يدي الأمير المبجل سعود بن الملك عبد العزيز بمكة المشرفة سنة 1348هـ يهنئه بقومه إلى الحجاز: وافى السعود فبطن مكة معشب=والمروتان تألقت والأخشب
وشدى الهزار على الأراك بسجعه ... لما استهل على الحجاز الموكب
فإذا المسامع والمرابع والربى ... تصغي وتندى والحيا يتحلب
والطير تصدح والقلوب استعذبت ... صفو الإياب وساغ فيها المشرب
ظلت تعاني حجتين صدوده ... وتضيق ذرعاً بالنوى وتلهب
تتنسم الأنباء عن خلجانه ... وتود لو منح الضياء الكوكب
حتى شأَى البرق البريد وشاقنا ... نبأ تبدد من سناه الغيهب
وسخا المليك لنا بأكرم وافد ... هو في الجزيرة قلبها المتوثب
قاد الفيالق والبيارق يافعاً ... وحمى المفارق والبوارق خضب
وجنى ثمار النصر في وثباته ... ووقى العروبة واصطفاه المنصب
عزت به نجد وأعلى ذكرها ... شبل الأئمة والأمير الأَغلب
منذ استقل جواده ما همه ... إلا العلى تعنو لديه وتجنب
فدنت إليه وسلمتهُ قيادها ... إن الكرائم بالكفاة لتخلب
وتراه ردماً في الحروب وملجأً ... لذوي الكروب إذا غدت تتقطب
يلقي العظائم لا تلين قناته ... ويثوب من طعناته المتنسب
إن شاء زحفاً أسعفته كماته ... وظباته فوق الجماجم تخطب
أو رام عرفاً فالنضار نثاره ... والفضل ودق والمكارم هيدب
يا من تأَرجت الديار بقربه ... وبذكره تزهو النفوس وتطرب
قد خلد التاريخ في صفحاته ... مجداً يضاف إلى أبيك وينسب
عصر مجيد بالشريعة شاده ... ملك عظيم بالجلال ملقب
فيه المعارف والعوارف والهدى ... والحزم والرأي السديد المعجب
والعدل والإنصاف يسطع نوره ... والأمن يطفو والمخاوف ترسب
ما بين جدة والعقير تعبدت ... سبل القوافل واطمأن الربرب
من كان يحسب أن تقوم بنزهة ... للنفس ثم بها التجارة تخصب
فتشق وعثاء النفود إلى الحسا ... بين المساء وفي الصباح تأوب
هذا لعمر الله صدق عزيمة ... وبشير خير بالرخاء معقب
ولقد بعثت بسيبك الأدب الذي ... قد ضمه لحد العفاء المرعب
فسرى النسيم معطراً بأريجه ... وزهت بنهضته الحديثة يعرب
ونمت جذور للبيان ونافست ... أم القرى فيها الرياض ويثرب
فانعم بما آتاك ربك وارتشف ... كأس الهناء فشربك المستعذب
واحلل بسوداء القلوب فإنها ... كنف الذين بحبهم تتقرب
واعلم بأنا لا نقول تجملا ... هذا الذي نبدي هو المتحجب
لا زلت بدراً طالعاً في أُفقنا ... يمشي إليك الشعب وهو مرحب
ولأحمد إبراهيم الغزاوي أيضاً يمدح الملك عبد العزيز ويهنئه بعيد النحر وذلك سنة1349هـ:
أرأيت كيف مظاهر العبّاد ... وأخوة الإِسلام في الآماد
وشهدت أرهاط الحجيج كأنها ... حول الحطيم مواكب الأعياد
من كل ميمون النقيبة مخبت ... لله في صَدَر وفي إيراد
متوشح بازاره وشعاره ... تقوى القلوب وعفة الزهاد
همت به نحو الفريضة عزمة ... لم يثنها موج الخضم الهادي
لبى الدعاء مفارقاً أوطانه يرجو النجاة إذا مضى لمعاد
من كل فج في الدنا تجري بهم ... قمم البحار وضمر الأجياد
يا أمة التوحيد حسبك ضجعة ... أبكت عيون المجد والأجداد
فالدين بالدنيا وليس بباسط ... أَفياءه من غير قدح زناد
كم ذا تمر الحادثات وتنطوي ... والمسلمون على هوى وبعاد
الناس قد غاضوا البحار وخططوا ... جو السماء وحلقوا بجماد
وتبادلوا الخطب الطوال بلحظة ... من دون واسطة بكل بلاد
فعلام فرقتكم وفيم شقاقكم ... وإلام يشرق بالزلال الصادي
ما في شريعتكم وهدي نبيكم ... إلا السمو وذلة الأَضداد(1/326)
خلوا التنابذ واسلكوا سبل العلى ... وتنافسوا في الخير والأعداد
واستعصموا بكتابكم وتناصروا ... والله للهمزات بالمرصاد
ولقد أنست بسنة منسوبة ... في قصر خير مملك مرتاد
عادت كمؤتلق الصباح ضياؤها ... وحباؤها كالغيث في الإنجاد
يتمثل الإِسلام فيها شاخصاً ... صعب القياد ميسر الأعضاد
يرنو إلى عبد العزيز تحية ... ويذود عنه غوائل الحساد
يتلو عليه من الثناء صحائفاً ... بيضاء خطتها يد الأشهاد
ويصيخ للحكم الذي هو ناسج ... أبرادها للجمع والإِفراد
ما بين وعظ بالغ ونصيحة ... تحيي النفوس ودعوة ووداد
هي غاية في الحج منذ وجوبه ... للمسلمين وأصل كل سداد
أو هل مضى مثل الذي أنا ناظر ... كلا ورب البيت ذي الميعاد
لم تكحل الدنيا بسفح المنحنى ... بشبيه هذا العصر في الآباد
لا في البناء ولا الولاء وقد بدا ... كالقصر ذي الشرفات من سنداد
قد شيدته على التقى وعلت به ... نحو النجوم مواهب وأيادي
يضفي على الأضياف برد سخاءه ... مما حوته خزائن الإمداد
حاطته أقدار المهيمن واحتوى ... زمر الوفود وشوكة الأحفاد
تسمو إلى تاج ترصع دره ... من وحدة جمعت شتات الضاد
هذا الفخار لمن أراد تأسياً ... والسر في الأرواح لا الأجساد
جل الذي أولاك عزاً راسخاً ... وحباك ملكا شامخ الأطواد
بالله ثم بما استقمت تأمنت ... فيه السبيل لرائح أو غادي
ما إن تحدث ذا الجريمة نفسه ... بالغي إلا بات رهن صفاد
حتى خطت فيه على اطمئنانها ... شاة الرعاة مرابض الآساد
وأفضتَ في فلواته العذب الذي ... يروي الغليل لعاكف أو باد
وجلوت أقمار العلوم بأفقه ... وشرعت فيه وسائل الإِسعاد
وأَثرتها حربا عوانا في الأُلى ... جمعت بهم أحلامهم لفساد
وهدمت صرح الجهل من آساسه ... وقصمت ظهر الشرك والإِلحاد
وأقمت بالشرع العدالة بيننا ... حصنا وبالشورى وبالإرشاد
فاسعد وقل وافعل فأنت موثق ... ودع الغواة على لظى الأحقاد
الله قدر أَن تعيش مظفراً ... من ذا يرد مشيئة الجواد
واهنأ بعيد للأَضاحي مشرق ... ما غنت الورقا على الأعواد
ولأحمد الكناني المصري يمدح الملك عبد العزيز أعزه الله سنة1349هـ:
بالعزم أدرك أهل العزم ما طلبوا ... ولم يفتهم على أجمالهم طلب
دانوا بمحض الوفا والنصح إذ ملكوا ... أمر العباد وفي إصلاحهم دابوا
وأسهروا منهم الأجفان لا لهوى ... ولا استخفهم لهو ولا طرب
لكنما مدت العليا لهم يدها ... فبايعوها وقاموا بالذي يجب
ولم تمل بهم الأَهواء عن سنن ... به لدى خطبة العلياء قد خطبوا
لم يعرفوا الطيب إلا من شمائلهم ... ولا المكارم إلا ماله اصطحبوا
ولا المحاسن إلا ماله اجتذبوا ... ولا المساوي إلا ماله اجتنبوا
لهم قلوب لأمر الناس قد فرغت ... كادت مع الناس تأوي حيث تنقلب
آلت إليهم شؤون في إيالتها ... أقدامهم نصبوا حتى لقد نصبوا
قد أصبحت بهم الأوطان باسمة ... تفتر عن رغد العيش الذي جلبوا
في كل قطر ترى منهم أخا ثقة ... لدى الشدائد والأهوال ينتدب
وللحجاز مليك منَّ خالقنا ... به ابن السعود الفيصل الدرب
الصائب الرأي والأقوام طائشة ... آراؤهم وصواب الرأي محتجب
والثابت الجأش في ليل الخطوب وفي ... فصل الخطاب إذا ما عي من خطبوا
عبد العزيز نشرت الأمن في بلد ... كانت نفوس البرايا فيه تنتهب
وقد أقمت حدود الله معتمداً ... على العدالة فارتاعت لها العصب
إذ ما رعوا حرمة البيت الحرام ولا ... خافوا الإِله ولم تردعهم النوب
فكان خير دواء أن ضربت على ... أيديهم واستتب الأمن واحتجبوا
فأنت أنت الذي لولاك ما أمن ال ... حجاج بل أنت في ذي الراحة السبب
بيوتنا في غنى عما يحصنها ... مادمت قينا فما الأبواب والحجب(1/327)
صنت البلاد بعين منك فاعتصمت ... ممن يظنونها نهبا لهم نهبوا
ولو أبيت عليها أن تقوم بها ... لأَقسم الدهر لا يقوى لها سبب
فكم بكت وشكت للناس نكبتها ... كأنما يسمع الشكوى لها رجب
أضحى رقيباً لأمر كان يرقبه ... من لا يضيع سرى الأمر الذي رقبوا
بفطنة قد جلت غيب الأمور له ... وهمة قد علت تجلى بها الكرب
وفكرة ضبطت من كل آبدة ... ما ليس تضبطه الأقلام والكتب
قل للذين قصارى الأمر أنهم ... لا يذهبون لخير أينما ذهبوا
لقد بليتم بملك قلبه ذهبت ... به رعاية أمر الناس لا الذهب
ولم يشب نصحه للناس شائبة ... ولم تحوله عن مرضاته النوب
يا من به لإِله الخلق قد عظمت ... يد علينا وكم يعطي وكم يهب
لست الذي بجلال الملك نال علا ... إذ من علاك جلال الملك يكتسب
فلا تزال بك الدنيا ممتعة ... فما لها بعد أن تبقى لها أرب
ولمحمد الرضا آل السيد هاشم الخطيب العراقي في مدح الملك عبد العزيز سنة1353هـ أعزه الله:
لو كان يقنع عاذلي أو يقلع ... كان استراح لأنني لا اسمع
ولع بتعنيفي ويعلم أنني ... لا أَرعوي فملامه لا ينفع
هذا يؤنبني ولي قلب غدا ... قبلي يهرول للحبيب ويهرع
شاء الغرام لكل صب أن يرى ... خلاً يصد ومهجة تتصدع
مهلا أما يكفي العذول بأن لي ... قلباً يذوب ومقلة لا تهجع
هبني أطعتك أو أجبتك ظاهراً ... كيف السبيل لما حوته الأَضلع
أنا هكذا يا لائمي بحبه ... لا أنثني أبداً فلوموا أو دعوا
أسلوه وهو لعين قلبي قرة ... وهو السلو لخاطري والمفزع
إن كان أوجع مهجتي بصدوده ... فتحولي عنه لقلبي أوجع
قالوا تعوذ من سقامك بالرقى ... فالحب آخره خبال مفجع
فأجبتهم عز السلو وليس لي ... مما أكابد مفزع أو منزع
الا شميم عرار نجد إنه ... نحو الشفاء هو الطريق المهيع
وهوى الرياض فإن فيه لعلتي ... برء وغلة كل صاد تنقع
إن الذي ورد الرياض مجاوراً ... آل السعود هو السعيد الأرفع
من مبلغ عبد العزيز بأن لي ... قلباً تصارعه الهموم فيصرع
شوقاً إليه فقد يحن تعشقاً ... قبل العيان كما يغال المسمع
كيف الوصول إلى حماك وإِنني ... فيه أعلل مهجتي لو تقنع
أصبحت بين إرادتين تناقضا ... عملا فحار الفكر فيما يصنع
قلب يحث على لقاك معجلا ... شغفاً وقلة ذات كف تمنع
أمجمعا من دين أحمد شمله ... ومفرقاً للكفر ما يتجمع
ما ألقت العليا إليك زمامها ... إلا لأنك للزعامة موضع
والعرب إن لم تأت بابك خضعاً ... فلأي باب غير بابك تخضع
لك راحتان فراحة تحيي الورى ... سيباً وبالأخرى الذعاف المنقع
تبا لمن حال عنك فإنه ... لا شك سن النادمين سيقرع
إن الذين بغوك كل منهم ... قد كان في جدوى يمينك يرتع
فأحاط بغيهم بهم فكأنهم ... خبر مضى والأرض منهم بلقع
عن حائل ما حال دونك حائل ... كلا ولا أغنى العدو المدفع
حتى ظفرت وكنت أكرم ظافر ... والغيظ عندك خير ما يتجرع
ولقد عفوت عن المسيء تكرما ... ورأيت أن العفو فيهم أنجع
سلطان قد شالت نعامته وفي ... وكد الدويش أناخ يوم أَفظع
واسأل بجدة كيف حل وقبلها ... للمعتدين بيوم تربة مصرع
وبيوم خان الرفد بابن رفادة ... وبه لدى شرك المنية أوقعوا
خذلوه وقت الاحتياج إليهم ... والغدر حاق به فماذا يصنع
فأخذته أَخذ المهيمن بغتة ... من حيث لا يدري ولا يتوقع
قد ظن خصمك منك أن ينجو وأن ... تحميه منك سيوفه والأدرع
فيخال جيش الفيل حل ومنكم ... طير أبابيل عليه وقع
مهلا أبيت اللعن ما ابن رفادة ... ليحل عهدك وهو كلب أبقع
يا منقذ العرب الذي أحيى لها ... ما قد أمات المستبد المبدع
يا منعش العدل الذي فتكت به ... من قبل أيدي الظلم فهو مضيع
يا ناشر الأمن الذي عاثت به ال ... أطماع فهو مشتت ومروع(1/328)
الناس تخضع وصرفه ... ونرى الزمان وصرفه لك يخضع
لو لم تكن عند الإِله معززاً ويرى الأمانة ما لديك تضيع
ما كان ربك أمدك نصره ... يوما وكنت لبيته تستودع
قد كان ربع الوحي قبلك خائفاً ... واليوم فيك بأمنه يتمتع
ولقومك الهُجر التي شيدتها ... للعلم نزر في رباها يسطع
إني لأنظر والأمور تكهناً ... ولربما سيكون ما أَتوقع
لا بد يوماً للجزيرة كلها ... علم السعود على رباها يرفع
أمعزز العرب استمع لي نفثة ... فلأنت أكرم من يعي إذ يسمع
شكوى يضيق لها الفضاء برحبه ... لكن خلقك من شكاتي أوسع
أنا في الصميم من العراق وأهله ... لكن لغيري شاته والمرتع
يا أيها الملك التقي ومن له ... عن كل شائنة نهى وتورع
خالفت قومي في هواك مودة ... رغما لكوني أَنني أَتشيع
وقرعت بابك بالمديح محققا ... في أن بابك خير باب يقرع
أفهل أراك وهل تحوز نواظري ... ما كنت عنك من المحاسن أسمع
وله معارضا بعض الشعراء في قوله:
إني أحن إلى العراق وإنني ... لا من رصافته ولا من كرخه
فقال:
إِني إلى نجد أحن وإنني ... لا من دواسره ولا من وشمه
لكن قيصوم القصيم وشيحة ... أشهى إلى من العبير وشمه
للعرب في نجد أب من أمه ... يلقاه أحنى من أبيه وأمه
لذ فيه من جور الزمان فإنه ... ملك يجير على الزمان برغمه
سلم الفضيلة حرب كل رذيلة ... أَكرم به وبحربه وبسلمه
ملك تحكم في الزمان فقاده ... حتى تصرف كيف شاء لحكمه
كم من أخي تيه يرى كل الورى ... فوق الثرى طراً تسبح باسمه
ويظن من فرط الغرور بأنها ... تهوي الرواسي إن أشار بكمه
وافاك من حسد بمعول غيظه ... لبناءك الراسي يهم بهدمه
عرش بناه لك الإِله وشاده ... أنى يضعضعه القوي بزعمه
فغدا يعض بكفه متندما ... دعه يموت بغيظه وبسقمه
قال الشيخ سليمان بن سحمان: مادحاً الإمام عبد العزيز أعزه الله وذلك سنة 1331 لما أراد عبد العزيز الرشيد المسير إلى العراق يستنهض الأتراك على المسير إلى نجد أرسل حسين بن جراد في سرية من شمر وحرب ونزل الفيضة من السر فنهض إليه الإمام عبد العزيز بمن معه من المسلمين فصحبهم وأخذهم الله وولوا منهزمين وقتلوا عن آخرهم إلا نفراً قليلاً عفا عنهم الملك عبد العزيز أعزه الله فقال:
معالي الأمور الساميات المعالم ... لأهل التقى والجواد أهل المكارم
وبالحزم للأعدا وبالعزم في الوغى ... منال العلى بالمرهفات الصوارم
وكل معالي الخلتين أخذتها ... ونلت ذراها في الخطوب العظائم
وقد فقت أبناء الملوك جميعهم ... بجد وإقدام وصدق العزائم
يلاحظك الإسعاد أين تيممت ... بنودك لا تثنيك لومة لائم
وما قصرت أعداك في الحزم والدها ... وتقبيلهم أفكارهم للمصارم
وقد جمعوا جيشاً لهاما عرمرما ... وصالوا به واستنجدوا كل ظالم
ولكن دهاهم من دهائك فتكة ... بفتيان صدق كالأسود الضراغم
وحسن رجاء الله فيما ترومه ... بحزم وعزم والوفاء الملازم
وصدق وتدبير وحسن طوية ... حللت بها فوق السهى والنعائم
ولاحظك الإقبال والعز فاستمى ... لك النصر الإسفاف بين العوالم
وحل بهم ما حل بالناس قبلهم ... قديما من الإدبار عند الملاحم
لأمر قضاه الله جل جلاله ... وليس لأمر حمه من مصادم
فسرت إليهم بالجيوش تقودها ... لها زجل كالعارض المتراكم
لعمري لقد كانوا ليوثا لدى الوغى ... وليس لهم عند اللقا من مقاوم
أبدت بها خضراءهم فتمزقوا ... أَيادي سبا واستأصلت كل غاشم
وولت على الأعتاب حرب وما ارعوت ... ولكنهم باؤوا بشر الهزائم
وقد غودروا في فيضة السر حيثما ... طعام السباع والنسور الحوائم
ووالله ما من وقعة قبلها أتت ... عليهم فقد باؤوا بإحدى القواصم
وأخرى ستدهاهم بها في بلادهم ... وتفجأهم فيها بأسد ضياغم
يسومون في الهيجا نفوسا عزيزة ... وترخص منهم في حضور المواسم(1/329)
وتستأصل الاعدا بها وتسومهم ... بها الخسف والإذلال سوم البهائم
بحول الذي فوق السماوات عرشه ... ويسعدك الإسعاف في كل ظالم
فيا من سما مجداً وجوداً وسؤددا ... ونال العلى بالمرهفات الصوارم
ليهنك يا شمس البلاد وبدرها ... بلوغ المنى من كل باغ وغاشم
هنيئاً لك العز المؤثل والعلى ... هنيئا هنيئا فخرها في العوالم
فهذا هو الفتح الذي جل ذكره ... وهذا هو العز الرفيع الدعائم
فلله من يوم عظيم عصبصب ... يشيب النواصي هوله في الملاحم
فشكراً لمن أَولاك عزاً ورفعة ... ونصراً وإسعافا على كل ظالم
فذي وقعة ما مثلها شاع ذكرها ... ولا مثلها فيهم أتت بالعظائم
ولا قبلها كانت عليهم فجائع ... ولا سامهم من قبلها ذل سائم
فلا زلت في عز أطيد مؤثل ... وأعداك في خفض وذل ملازم
ولا زلت وطاء على هامة العدى ... لك النقض والإبرام بين العوالم
ولا زلت كهفاً للعفاة ومعقلا ... منيعا منيعا في الخطوب العظائم
وصل على خير الأنام محمد ... وأصحابه والآل أهل المكارم
وأتباعه والتابعين لنهجهم ... على سنة المعصوم صفوة آدم
ولنميم بن عبد الرحمن آل فهيد في مدح الإمام عبد العزيز اعزه الله تعالى وذكر فيها وقعة السبلة وما أجرى الله في ذلك سنة 1348هـ:
أَمن دنو ديار الحي في تخب ... بعد التفرق والهجران والصقب
أصبحت في حلل الأفراح مبتهجا ... بها ترنح من تيه ومن طرب
لكنه الفتح الآفاق ساطعة ... أنوار بهجته أو أنسه الهذب
فالحمد لله حمداً لا انتهاء له ... حمداً كثيراً بلا حصر ولا حسب
أف لقوم سكارى في جهالتهم ... لا يألفون سوى العدوان والشغب
سائلهم ما جنوا من سوء فعلهم ... إذ بدلوا بعد ذاك العز بالأدب
ساق الإله عليهم بالردى سحبا ... في إثرها سحب تنزج عن سحب
فأصبحوا عبرة لكل معتبر ... وهذه حالة الباغي وذي الكهب
ما بين منصرع بالأرض منجدل ... ومن بأسر رهين الهم والكرب
ويل لأُم رعاء الشاء إن لهم ... في أثر ما عزهم شغل لمكتسب
فللعرين حماة في زماجرها ... ردى الأعادي من قاص ومقترب
لئن حوت عثر أسداً ضراغمة ... ففي اليمامة أسد الغاب لم تغب
كم راغب رامها جهلاً بصولته ... قد جرعته كؤوس السم والحرب
هم العوابس يوم البأس ليس لهم ... إلا اكتساب العلى بالسيف من أرب
لا ينكر الناس أفعالا لهم سمقت ... ذباً عن الدين والأوطان والحسب
مهلاً رويداً فقد كانوا الذي علمت ... كل الخلائق فليحذر من العطب
نجدية في سراة العرب محتدها ... بطيب الذكر قد فازت وبالنسب
يقودها للعلى عبد العزيز إلى ... أن حل غرتها بالبيض واليلب
وأحرزت قصباً للسبق حاوله ... من لم ينله ولو قد جد في الطلب
لا تنثني عن بلوغ القصد عزمته ... ولا له دون نيل المجد من أرب
يبيت مجتهداً في رفع أمته ... والغير وجل باتوا وفي نصب
كم ذا أُعدد من حسنى ومفخرة ... بهن تفخر ما دامت بنو العرب
بالله ثم به أضحت مؤمنة ... كل البلاد فلا ملجا لمنتهب
تمشي السوائم الموماة راتعة ... سيان مرسلة أو كان عن هرب
من تأته قام بالأحجار يرجمها ... حتى كأن بها شيئاً من الجرب
لله أفعاله الغر التي سمقت ... فوق الثريا وحلت دارة الشهب
بنى العلى بالقنا عبد العزيز لكم ... حتى امتطيتم ونلتم شامخ الرتب
أحيى الذي كان من مجد لسالفكم ... قضت عليه صروف الدهر والنوب
وقام بالسيف في كفيه يرفعه ... إلى المعالي كوثب الضيغم الهدب
حاط الحنيفة البيضا بنصرته ... من كل منتحل للشرك مرتكب
وأصبحت بعلوم الدين زاهية ... مدارس شادها باللغو لم تشب
تلك المناقب لا زالت ممتعة ... بها الجزيرة من نجد ومن صبب
حتى اصطفى في بلاد الله منتخباً فتى العلى فيصلا أكرم بمنتخب
الأَروع الماجد المحبوب سيرته ... بين الخلائق وابن السادة النجب(1/330)
رحب الذراع طليق الوجه منبسط ... ليث عبوس إذا ما كان من غضب
شهم الجنان أبيّ حاذق فطن ... مهذب فاضل غيث لمتهب
يهتز جوداً إذ العافي ألم به ... كهيدب سائر بالغيث منسكب
إذا تراه ترى البشرى بغرته ... كأنها البدر إذ يبدو من الحجب
حباه مولاه ما فاق الكرام به ... وأكبروه من التدبير والأدب
يبيت ساهرة عيناه مجتهداً ... كي لا ينال وفود الله من تعب
فقل هلموا لحج البيت واغتنموا ... وقت الأَمان فإن الوقت من ذهب
ترى الحجاز ولو شطت جوانبها ... عميمة الأمن في سهل وفي طرب
ما زال فيصل فيها فهي آمنة ... سيان شاسعها والبيت ذو الحجب
يا ابن المليك الذي أضحت مآثره ... فخراً لأَندية الإنشاد والخطب
سقيت أفئدة حللت أوسطها ... من فعل كفك كأس الود لم يشب
أحييتم العدل وأنهدت بصولتكم ... حصون بغي بغت في ربعها الخرب
أرديتم فئة بالبغي سائرة ... بالأعوجيات والهندية القضب
خالوا العراق وإلا غيره لهم ... ملجا منيعاً فعاد الظن لم يصب
وأينما أحد أخطى طريقته ... لو كان مبتعداً ترميه عن قرب
أبقاكم الله للإسلام موئله ... آل السعود حماة الدين والعرب
ثم الصلاة على الهادي وشيعته ... وصحبه ما أضا برق من السحب
وما مشى نحو بيت الله من قدم ... وغرد الصدح من طير على قضب
وفي سنة أَربع وخمسين وثلاثمائة وألف في يوم النحر قسم الله أن نفراً من الزيدية أهل صنعاء اليمن وثبوا على الملك وابنه ولي العهد سعود وهما يطوفان بالبيت ومعهم نفر من خدامهم ففطنوا لهم قبل وصولهم إلى الملك فالتزم سعود أحدهم وجرحه الزيدي جرحاً يسيراً فأخذوهم وليس معهم إلا خناجر فكفى الله شرهم وقتلوا في ساعتهم والحمد لله ولم ينالوا إلا القتل والعار والبوار فقال الشاعر الكبير الأستاذ الزركلي يصف ذلك ويشكر الله تعالى على سلامة هذا الملك من هؤلاء البغاة المارقين:
ضل الجناة سبيل النيل منة ملك ... لولاه ما صين بيت الله الحرام
عبد العزيز الإمام الحق تكلؤه ... عين من الله لا جند ولا حشم
لبى وطاف ثلاثاً غير منصرف ... إلا إلى الله حيزوم له فم
العين إنسانها بالغيب متصل ... والقلب من غير ذكر الله منفصم
يحوطه من جلال الغيب ناصره ... وترتمي دونه الدنيا وما تصم
يستقبل الركن بالتكبير منتحياً ... قواعد البيت تطوافاً ويستلم
من كان في أمنه للخلق متسع ... ضاقت براصده الدارات والأطم
البغي والكيد مدا حوله شركاً ... فكان في الشرك الجانبين حتفهم
سللت يد الغدر نصلاً دون طلعته ... جبريل يرقى وميكائيل يحتدم
الجهل غرر بالعادي وشيعته ... فانساق من أكلته النار تلتهم
أبو قبيس له ارزام دمدمة ... يكاد من غضب يهوي فينهدم
لله موقف ليث الغاب حف به ... شبل يفديه والابصار تقتحم
تماسكاً بيدين الله فوقهما ... بر البنين رضي الله مغتنم
حمائم الحرم المحمي هائجه ... ريع الحمى أقتال في الحمى ودم؟
ما للجناة تنادوا من مكانهم ... أباليس ولدتهم للأذى الحمم
يبغون صدر مجير المستجير ومن ... عجائب الدهر أن تسعى بهم قدم
زيدية من حشا صنعاء منبتهم ... عمي القلوب على اكبادهم لجم
بالأمس قد رجم الرامون شرذمة ... ثلاثة أأفاقوا بعدما رجموا
وقى سعود فتى الفتيان خير أب ... فردها طعنة نجلاء تخترم
وقال بابنك إن كان الفداء فدى ... هذي يدي وزناد العزم لا الضرم
تناول الفاتك الجياش يدفعه ... كالصخر بالزند الهدار يصطدم
وانصبت النار ترجيها يد كرمت ... لم تنحج من جمرها المستهتر العرم
طاح الثلاثة في اعناقهم دمهم ... صرعى تغاديهم العقبان والرخم
فقل لموقد نار الشر معتديا ... من هؤلاء وماذا أنت معتزم
عقبى الحفيظة إغراء بصاحبها ... عقبى الرضى سلم عقبى الهوى ندم
أضرب على يد شرير منيت به ... لا تعلقن بك القالات والتهم(1/331)
إني لألمح سراً غير مكتتم ... والسر بعد التقاضي كيف ينكتم
هذا الإمام أمير المؤمنين مشت ... من حوله السمر الهندية الخذم
لولا الاناة ولولا الحلم لانعقدت ... سحابة النقع وانهالت دماً ديم
عبد العزيز وقاك الله فتنتهم ... ولا يزل لك فينا البند والعلم
صدقت عهدك والأيام شاهدة ... والعهد عندك وعهد الله والذمم
عش للعروبة والإسلام معتصماً ... فإنما بك بعد الله يعتصم
وقد جرت قصيدة عصرية، ألقاها شاعر من أهل الشام، يقال له حليم دموس في مهرجان المتنبي، يذكر فيها جودة الشعر المتنبي وانه يبعث على الحماسة ومكارم الأخلاق، وذلك في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وألف وهي
طلعت على الضحى فحيتك حورها ... وخضت قوافيها فدانت بحورها
فتحت فتوحات تراءت حدودها ... وألهبت أرواحاً تظلى سعيرها
وأضرمتها في عالم الشعر ثورة ... على ربوات الخلد دق نفيرها
خلت حلب الشهباء من سيف الدولة ... ودولتك العصماء باق سريرها
فملك ولا تاج وفتح ولا دم ... ورايات نصر للنشور نشورها
هي الحكمة الغراء جاءتك تزدهي ... وليس سوى تلك القوافي خدورها
سلام على ام اللغات فوحيها ... أغان على الأسماع يحلو مرورها
هي العروة الوثقى هي المنية التي ... يهز قلوب المخلصين بشيرها
تركنا ربى لبنان والشام قصدنا ... وفي النفس من أشواقها نا يثيرها
حملنا إليها الشعر والشوق والهوى ... وذكرى ليال ليس ينسى سرورها
وفي ميسلون كان للركب وقفة ... على تربة من هالة العين سورها
إذا رفعوا لإسم البطولة قبة ... مشينا إليها خاشعين نزورها
وهبت لنا من جانب الشام نفحة ... كأن ربى الفردوس فاح عبيرها
حللنا مغانيها وفي كل دارة ... لنا ذكريات ما سلاها سميرها
إذا صافح الأردن دجلة رفرفت ... على بردى من جو مصر طيورها
مواكب أقطاب البلاد تزاحمت ... فطابت لياليها ولاحت بدورها
إلى المجمع العلمي خفت وفودها ... وبالمعرض السوري حفت صقورها
وحيّت صلاح الدين حول ضريحه ... ففاضت مآقيها وجاشت صدورها
إلى الخلفاء الراشدين ... وقد بسمت للخالدين ثغورها
مفاخر سفيان ومجد أمية ... وآثار مروان حوتها قصورها
غدة حيرة النعمان حيرى كأنما ... خورنقها هذا وهذا سيرها
دقائق نقش في فنون صناعة ... فأولها يسبي النهى وأخيرها
يمر عليها الدهر وهي جديدة ... وتبقى بقاء الزهر زهراء دورها
وأكبر رمز من رموز حياتها ... مصانع عمران يعج هديرها
فحدث عن صلب الحديد ترابها ... وحدث عن لطف النسيم حريرها
إذا ذكروا للجاهلية منبراً ... أطل فتى ذبيان وهو مشيرها
وناجى عكاظ الشعر ربع أمية ... فأخطلها يشدو ويشدو جريرها
وإن خطبوا غر المعالي رنت إلى ... أبي الطيب الجبار تيها مهورها
وهللت الفصحى لآيات محمد ... وسار إلى رب البيان سفيرها
إلى شاغل الدنيا ومالئ سمعها ... إلى الطائر المحكي تعنو نسورها
تغلغل في قلب الحياة ولبها ... ولم تلهه أعراضها وقشورها
إذا امتشق الأسياف صل صليلها ... أو امتشق الأقلام صر صريرها
صريع العلى والخيل والليل لفتة ... إلى أمم في الشرق صرعى أمورها
ويا شاعر الإعجاز صيحة ثائر ... عسى من وراء الغيب ما يستثيرها
ويا طالما استصرختها فتنبهت ... إلى زأرات لا ينام هصورها
فعلمتها معنى الحياة وإنها ... إذا لم تذدعن حوضها أنداك طورها
وعلمت أن الظلم في الناس شيمة ... وأن كؤوس المجد حلو مريرها
وعلمت أن الشر بالشر يتقى ... إذا الفتنة العمياء عمت شرورها
وعلمت أن المال في الأرض قوة ... وأن المنى لا يلتقيها فقيرها
وأن صغار الطير يسهل قنصها ... وأن أسود الغاب يخشى زئيرها
وحدثت عن ذل الضعيف بأمة ... تخاذل أهلها وعاث غدورها
وعلمتها صبر الكريم وحلمه ... إذا ما الرياح الهوج سح طيرها(1/332)
وعلمتها أن السلامة سبة ... إذا لم يرق حول النفوس طهورها
وعلمتها أن الشعوب جميعها ... سواسية لا يستهان حقيرها
وعلمتها أن المعالي عزيزة ... ينال بأطراف الرماح خطيرها
وعلمتها أن الممالك بالظبى ... وبالثورة الحمراء تحمى ثغورها
وعلمتها أن الحياة شجاعة ... وما فاز باللذات إلا جسورها
تعاليم إن قامت بها أي أمة ... وكانت على رق تحطم نيرها
هو الشعر نهواه ونهوى قديمه ... جديداً كشمس ما تغير نورها
تسيل على الأرواح منه سلافة ... من القلب لا العنقود يجري عصيرها
وما شعراء العرب إلا جداول ... تصب ببحر منه كان صدورها
ولن تدرك الأقوام في الشرق وحدة ... إذا لم يكن منها إليها مصيرها
تكافح للإصلاح والأمر أمرها ... وتفعل ما يوحي إليها ضميرها
منزهة الأهواء شرقية الهوى ... تسير وأحرار البلاد تديرها
فتمشي إلى استقلالها في كرامة ... يوحدها يوم الجهاد شعورها
فيا فاتحاً بالسيف أغمده وافتتح ... قلوباً إذا والتك هان عسيرها
أما لمست كفاك داعي جراحها ... وكم حملت من دهرها ما يضيرها
تهيم وادغال السياسة حولها ... تفح أفاعيها وتسطو نمورها
كبار أمانيها فحيناً بشيرها ... بجاذ بها البشرى وحيناً نذيرها
فما سفن أمراسها قد تقطعت ... تصارع أمواجاً توالي كرورها
تغير عليها موجة إثر موجة ... وأناتها تعلو ويعلو صفيرها
وتهوي بمن فيها إلى اللج تارة ... وتطفو ولا تدري أيأتي نصيرها
بأفجع من أرض تصيح شعوبها ... وتسمعها الدنيا ولا من يجيرها
نبي القوافي قد تنبأت صادقاً ... بآي على الأيام زاه نضيرها
ففي كل بيت حكمة نستمدها ... وفي كل شطر آية نستشيرها
رواتك في الآفاق غنت وصفقت ... لأبيات شعر خالدات سطورها
وكم قادة في الشعر تدلج في السرى ... وأنت بمصباح البيان تنيرها
لقد كنت من عرش ابن حمدان سيفه ... وشرعة إلهام يفيض غزيرها
ولولاك لم تخفق لأخشيد راية ... ولم يشتهر كافورها ووزيرها
ولولاك بم تعرف محاسن خولة ... وقد عطرت زهر رياض عطورها
محجبة عن كل عين ونسمة ... وترنو لأخرى لا يغيض غديرها
فكيف سفحت الدمع يوم نعيمها ... وقد جزتها بيداء يكبو هجيرها
شريد فلاة بل طريد صبابة ... وفيك جراحات تنزى كثيرها
على كبد حرى وقلب مروع ... فتنت بتيجان سباك غرورها
تكتم حباً قد براك وفي الحشى ... لبانة نفس كاللهيب زفيرها
حنانيك يا أخت الأمير فرحبي ... بمن أطرب الدنيا فغنت دهورها
هناؤك ملقاه وقد طاف باسماً ... بجنات خلد جاريات نهورها
لعينك ما لاقى الفؤاد من الهوى ... ودولة حمدان عزيز أسيرها
لقد غلبته كبرياءٌ وعزةٌ ... وشتى مواعيد تبين زورها
فشرق أحياناً وغرب تارة ... وآماله تذوي فتذوي جذورها
وودع في الشهباء دار إمارة ... وشيع إجلالاً عظيماً صغيرها
لقد فتكت ليلاً به كف فاتك ... فزلزل من شم الجبال ثبيرها
وفاضت إلى الخلاق نفس كبيرة ... وأفضى إلى عرش الخلود مسيرها
وأطبق جفنيه على شاعرية ... مثير طماح النابغين مثيرها
ألا فاعرضوا ديوان أحمد إنه ... ذخيرة أحداد يعز نظيرها
بدائع أقوال كبير نظيمها ... روائع أمثال كنظم نثيرها
إذا برزت للغانيات تزينت ... بأعلى وأحلى ما تحت نحورها
وإن حجبت يوماً تضوع عرفها ... وإن سفرت يوماً سباك سفورها
تمنيت لو ألهمت من فيض سحره ... قوى كمنت في شعره أستعيرها
فأنفخ في روح العروبة روحه ... وتنتفض الموتى وتمشي قبورها
وأنظم للأقوام في مهرجانه ... مدائح من ذاك الفرات نميرها
وأنشد باسم الضاد إلى قصيدة ... إلى الشاعر الكندي تهذى سطورها
ومن جارة الوادي ومن در نهرها ... على مفرق الفيحاء تلقى شذورها
فتى الكوفة الخضراء فجرت للنهى ... ينابيع في أذن الزمان خريرها(1/333)
نشأت طموحاً ثائراً متحفزاً ... أخا همة نحو النجوم تسيرها
تفلت من دنياك عن عبقرية ... بها أبصر الأعمى وتاه بصيرها
فخلدت عصراً أنت تاريخ قومه ... وكم باد أقوام وبادت عصورها
طويت من الأعوام ألفاً فتنطوي ... ألوف على الفصحى وانت أميرها
ولمحمد بن عمر بن عبد الوهاب العرضي الحلبي، المتوفي سنة 1071هـ يتوجع من إعراض بعض الرؤساء، وكان خصيصاً به، فوقعت بينهما وحشة فجفاه فقال يستعطفه
على أثلاث الواديين سلام ... وبعض تحايا الزائرين غرام
تذكرت أيامي بها وأحبتي ... إذا العيش غض والزمان غلام
وإلمامتي بالحي حيث تواجهت ... قصور بأكناف الحمى وخيام
ألام على هجرانهم وهم المنى ... وكيف يقيم الحر وهو يضام
هم شرعوا أن الجفاء محلل ... وهم حكموا أن الوفاء حرام
وأبلج أما وجهه حين يجتلى ... فشمس وأما كفيه فغمام
جرى طائري منه سنيحاً فعلني ... بدر أياد ما لهن فطام
وقد يسلب الرأي الفتى وهو حازم ... وينبو غرار السيف وهو حسام
وقد وجد الواشون سوقاً فنفقوا ... بضائع زور ما لهن دوام
يقرب دوني من شهدت وغيبوا ... ويوصل قلبي من سهرت وناموا
فأصبح شمل الأنس وهو مبدد ... لديه وحبل الوصل وهو رمام
وبعض كلام القائلين تزيد ... وبعض قبول السامعين أثام
تزوار حتى ما يرجى التفاته ... وأعرض حتى ما يرد السلام
فلا عطف إلا سخطة وتنكر ... ولا رد إلا ضجرة وسآم
فإن كان رأي زل أو قدر جرى ... لنازلة فيها على ملام
فولله ما قارفت فيك خيانة ... أعاب بها في محفل وأذام
ولاقر لي بعد التفرق مضجع ... ولا طاب لي بعد الرحيل مقام
حياء فإن الرفق خير مغبة ... ومعذرة إن الكرام كرام
أتبعد حتى ليس في العفو مطمع ... وتعرض حتى ما تكاد ترام
وتنسى حقوقي عند أول وهلة ... وأنت لأهل المكرمات إمام
هو الذنب بين السيف والعفو فاحتكم ... بما شئت لم يعلق بفضلك ذام
ولا تلبني بالبعد عنك فإنما ... حياتي إلا في ذراك حرام
إذا ما جزيت السوء بالسوء لم يكن ... لفضلك بين الأكرمين مقام
أعد نظراً في حالتي تلق باطناً ... سليماً وسراً ما عليه قتام
فمثلك لم تغلب عوائد سخطهِ ... رضاه ولم يبعد عليه مرام
أترضى لفضلي أن يضيع ذمامه ... ومثلك لا يخفر عليه ذمام
فإن نمت عني وأطرحت وسائلي ... فلله عيناً لا تكاد تنام
قال الشيخ محمد أفندي حافظ إبراهيم يمدح المرحوم الشيخ محمد عبده ويهنئه بتولي منصب الأفتاء
رأيتك والأبصار حولك خشع ... فقلت أبو حفص ببرديك أو علي
وخفضت من حزني على مجد أمة ... تداركتها والخطب للخطب يعتلي
طلعت بها باليمين من خير مطلع ... وكنت لها في الفوز قدح بن مقبل
وجردت للفتيا حسام عزيمة ... بحديه آيات الكتاب المنزل
محوت به في الدين كل ضلالة ... وأثبت ما أثبت غير مضلل
لئن ظفر الأفتاء منك بفاضل ... لقد ظفر الإسلام منك بأفضل
رجعنا إلى تمام المختار من شعر محمد بن عثيمين، قمن ذلك ما مدح به حضرة الحاكم المبجل ذا الهمم العالية، والمناقب السامية بيت المروءة والأمانة، وينبوع الكرم والديانة، حامي حمى المكارم والمعالي، أبا حمد الشيخ عبد الله بن قاسم بن ثني لا زال كهفاً للملتجي وأملاً دائماً للمرتجي آمين قال
وقفت على دار لمية غيرت ... معالمها هوج الرياح النواسف
فأسبلت العينان دمعاً كأنه ... جمان وهي من سلكه مترادف
أسائلها من فرط ما بي وإنني ... بعجمة احجار الديار لعارف
لعهدي بها بيض أوانس كالدمى ... غرائر عما لا يحل صوادف
إذا ما سحبن الأتحمي تمايلت ... غصون النقا مالت بهن الروادف
وفيهن معلاة الوشاح كأنها ... قضيب إذا ماست من البان وارف
ألا ليت شعري أين مني مزارها ... وقد حالت الصمان دوني وواجف
أظل نهاري انكت الأرض واجماًُ ... وفي كبدي في الليل تحمى المراضف(1/334)
وأجهل يوم البين أن يظهر الهوى ... وقد أعلنته الساجمات الذوارف
وإني وإن كانت إلى الغور نيتي ... لفي الربرب النجدي القلب شاعف
أقول لركب يمموا قلة الحمى ... على شد قميات طوتها التنائف
قفوا حدثوني عن أجارع رامة ... عسى انبجست فيها السحاب العواطف
وهل أمرعت أجراع لعلع بعدنا ... وهل رددت فيها اللحون الهواتف
سقى هضبات بعد ما وان في الحمى ... من المزن ثجاج العزاليّ واكف
وجاد ربوعاً باللوى كل مطفل ... أجش هزيم ودقه مترادف
فلي سكن ما بين متلف دوحها ... يعز عليه أن يطول التفاذف
يظل إذا أضمرت للبين نية ... يلاحظني والدمع هام وذارف
خليلي ودعت التصابي وقوضت ... مآرب لي في ربعه ومواقف
وأذن صبح الشيب في ليل لمتي ... فآبت ولكني على الليل آسف
وباعد من كنا نسر بقربه ... وآخر مطوي عليه اللفائف
رجال وأوقات وشرخ شبيبة ... مضوا وزمان ما يجيب مساعف
فقل ما تشا في مهجة قد تصدعت ... بلوعة موتور بما أنا واصف
جعلت سميري حين عز مسامري ... دفاتر أملتها القرون السوالف
فطوراً أناجي كل حبر موقف ... إذا ما دعا لبت نداه المعارف
وطوراً كأني مع زهير وجرول ... وطوراً يناجيني ملوك غطارف
تسليت عن كل بتذكار عصبة ... لهم في العلى مجد تليد وطارف
بها ليل سادوا من يليهم ومن نأى ... كهوف حصينات إذا اضطر خائف
مطاعيم في اللأوا مطاعين في الوغى ... بحور ندى لا يجتوبهن غارف
ربيع لأقوام جفته بلادهم ... إذا استحكمت غير السنين الجواحف
يعولونهم فضلاً ولا صهر بينهم ... ولا نسب يدينهم أو تعارف
ينسونهم أخدانهم وديارهم ... فكم أرمل في أدهم الفضل راسف
ليهن بني الشهم الغضنفر قاسم ... مآثر تبقى ما تخلف حالف
أولاك بنو خير له إن أردته ... وإن كان شراً فلأسود الزرالف
ولائي لهم لكن لمن حل في الثرى ... مزيد اختصاص بي وما ثم عاطف
سقى الله قبراً حله سيب رحمة ... ولقاه خيراً يوم تبلى الصحائف
لقد بان محمود النقيبة لم يكن ... بطائش لب والسيوف رواعف
ولي بعده ود بأروع ماجد ... أبي لخلات الكرام محالف
إذا الرائد الزهاف أخفق سعيه ... وضاقت بأرباب الموشى النفانف
هنالك إما رافد أو ممول ... يلوذ به الهلاك باد وعاكف
كذا الروع إن أبدى نواجذ عابسوخفت حلوم واستطيرت شراسف
ترى قسمات الأريحي ابن قاسم ... تهلل نوراً والوجوه كواسف
وإن قيل عبد الله وافى لمشكل ... تبجح مضهود وفاء مخالف
ألم تره يعطي الجزيل من اللهي ... ويقتحم الاهوال وهي مخاوف
فقل لامرئ يسعى ليدرك شأوه ... رويدك دون المجد فيح صفاصف
تعشقت أمراُ جل في كف سيد ... فهيهات تأتي فعله أو تناصف
فما المجد إلا قنة في ممنع ... ودون ارتقاها معضلات متالف
ودونك ابياتاً شوارد في العلى ... تهز إا تتلى لهن السوالف
أوابد إلا في مديحك أنسها ... نوافر إلا عن هلاك عوازف
وأحسن ختم النظام إذا انتهى ... صلاة وتسليم الإله المضاعف
على المصطفى الهادي الامين وآله ... وأصحابه ما طاف بالبيت طائف
وما هل مزن أو تألق بارق ... وما هتفت فوق الغصون الهواتف
وقال أيضاً يمدحه
نعم هذه أطلال سلمى فسلم ... وأرخ بها سبل الشؤون واسجم
وقف في مغانيها وعفر بتربها ... صحيفة حر الوجه قبل التندم
فثم مثيل الوجد لا بل مقامه ... وثم هوى نفس المشوق المتيم
ومسحب أذيال لغزلان جيرة ... سقوني سلاف الوصل غير مفدم
غضارة عيش قد توهمت أنها ... تدوم فكان الأمر غير التوهم
متى تذكراها لي يهج بين أضلعي ... عقابيل وجد كالحريق المضرم
أقول لصحبي والمراسيل ترتمي ... بناسهما ترمي الفيامي بسهم
ألا عوجة منكم على الربع ربما ... شفي بعض ما بي أو قضيت تلومي
فعاجوا فغطت ناظر العين عبرة ... فلم أتبين شاخصاً من مهدم(1/335)
أجدكما أن لا أمر بمنزل ... لمية إلا أمزج الدمع بالدم
ولا أستبين البرق يفري وميضه ... جلابيب مسدول من الجنح مظلم
يجزع اللوى إلا أبيت مسهداً ... كان شراسيفي نفدن بأسهم
سهرنا فناموا وارتحلنا فخيموا ... عناء لنجدي علاقة متهم
بلى حين خادعت اللجاجة بالأسى ... ومنيتها بالظن صبر المرجم
تراءت لمشغوف بها لتعيده ... ظلوم الهوى في دائه المتقدم
وأوحت إلى طرفي بإيماض طرفها ... وهزت قواماً كالقضيب المنعم
فكنت أمني النفس جد تسلياً ... فعدت بما شاهدته جد مغرم
وقائلة لي والركاب مناخة ... وقد رقرقت دمع الحزين المكتم
إلى كم بها ترمي الفجاج مخاطراً ... والمزق أسباب بغير التجشم
فقلت لها مهلاً فإن تقلقلي ... إلى كعبة يهوي لها كل معدم
وينتابها قوم كرام أعزة ... ففيها ابن عكاز وفيها ابن ضيغم
مناسك فضل قد أقيمت فروضها ... خلا أن من يسعى بها غير محرم
بناها عماد الدين والفضل قاسم ... وبوأها أبناءه قل فاعظم
هم القوم لا الجاني عليهم بسالم ... ولا جارهم للحادثات بمسلم
إذا نزلوا الأرض الجديب تزخرفت ... وإن نازلوا يشق القنا بالتحطم
وتجهل أيديهم على المال في الندى ... وتحلم عمن ذنبه بالتكلم
على رسلكم يا طالبي المجد فاتكم ... إلى غلواء المجد جري المطهم
أغر عليه للطلاقة ميسم ... يلوح له نور بغير توسم
سرى للعلى وهناً وهوم غيره ... وهيهات سار للعلىمن مهوم
هو الندب عبد الله والضيغم الذي ... به الاسد في يوم الكريهة تحتمي
فتى طلبات إن تباعدن نالها ... بجرد المذاكي والوشيج المقوم
وعزمة سباق إلى كل غاية ... وهمة مقدام على كل معظم
لعمري لفرع بين قيس وحاجب ... قديماً وللفياض قاسم ينتمي
لفرع زكا في مغرس الفضل أصله ... وفاح شذاه بين عرب أعجم؟
إليه مصونات المعالي تشوفت ... تشوف ذي وجد إلى الزوج أيم
ولوع يكسب الحمد والمجد هاجر ... خلال الدنايا شيمة بتشيم
يغادرون مغشي الرواقين باسماً ... قبائل شتى من فصيح وأعجم
فمن معلن شكوى ومن طالب جدى ... ومن مستقبل عثرة المتندم
أبا الفضل لم يفضلك زيد وحاتم ... ومعن إذا قسنا بغير التقدم
لئن هم أبانوا في العلى منهج الندى ... فكم شدت منها معلماً بعد معلم
ترحلت عنكم لا اغتباطاً بغيركم ... ولا من مقام في حماكم مذمم
فكنت وسيري واعتياضي سواكم ... كبائع دينار بمغشوش درهم
فجاءك بي ود قديم غرستهُ ... وتابعته سقياً بسجل التكرم
'ليك رحلنا كل محبوكة القرى ... أمون السرى بين الجديل وشدقم
إذا التحفت أكم الفيافي بآلها ... ونشر فيها كالملاء المعلم
تزف كهداج يؤم فراخه ... تكنس من ريح وغيم مخيم
هدى ما هدى حتى إذا الليل جنهُ ... وخاف ارتكام العارض المتبسم
تنفس مزؤوداً وخف كأنه ... فليتة مسنون الصوائد أقطم
طويت بأيديها الفلا متعسفاً ... بها ميثها في الأمعز المتنسم
وصل إلهي ما همى الودق أو شدا ... على الأيك مطراب بحسن الترنم
على المصطفى الهادي الأمين وآله ... وأصحابه والتابعين وسلم
وقال لما أغار الشيخ عبد الله بن القاسم على العجمان وأغاروا على بعض طوارف أهل قطر، فغزاهم وأوقع بهم، وقتل منهم خلقاًُ كثيراً، وغنم جميع أغنامهم، وذلك في ذي الحجة سنة 1327 قال
يا بارقاً بات يحيي ليلة سهراً ... هل ترو لي عن أهيل المنحنى خبرا
وهل تألقت في تلك الربوع وهل ... جرت عليك الصبا أذيالها سحراً؟
لا أستقيل الهوى مما أكابده ... ولا أبالي بمن قد لام أو عذرا
نفسي الفداء لأقوام متى ذكروا ... تحدرت عبراتي تشبه المطرا
من لي باحور مهزوز القوام إذا ... بدا توهمته في سعده القمرا
يجنيك من خده ورداً ومن فمه ... شهداً مذاباً ومن ألفاظه دررا
يحلو لعينيك حسناً في غلائله ... ويطرد الهم أما كان متزرا(1/336)
أستغفر الله مالي بعد ما بزغت ... شمس المشيب بليل الفود وانحسرا
فدع تذكر آرام شغفت بهم ... أيام روض التصابي بالصبا خضرا
واصرف مقالك فيمن لو نظمت له ... زهر الكواكب مدحاً كان محتقرا
ملك تكون من بأس ومن كرم ... يغني العفاة ويسقي ضده كدرا
طغت بيامٍ أمانيها فجر لها ... دهم الكتائب فيها كل ليث شرى
جرد متى صبحت حياً بمنزلة ... لم يلق مستعصماً منها ولا وزرا
فصبحتهم جنود الله ضاحية ... فغادرتهم لحد المشرفي جزرا
كتائب كتبت أيدي المنون بها ... آجال من خان دين الله أو غدرا
أهجتم أسداً تدمي أظافره ... كم أصيد تركت في الترب منعفرا
ما حكتم واقتضاكم ذو مماحلة ... ما اعتاد في طبعه جبناً ولا خورا
وليتم بين مقتول ومنهزم ... قد استعار جناح الرال إذ ذعرا
يدعو الوليد أباه بعد معرفة ... فما يرد له ليتاً وإن جأرا
لما انجلت عنكم غماء جهلكم ... كنتم كنا كثة الغزل الذي ذكرا
وبعدها إن أردتم سوء منقلب ... فشاغبوا أو فقولوا لا إذا أمرا
فمن يكون كعبد الله يوم وغى ... إذا الكماة تهاب الورد والصدرا
الضارب القرن هبراً والقنا قصداً ... والمكره الخيل حتى تركب الوعرا
شبل الأسود التي كانت فرائسهم ... صيد المليك إذا ما أشعروا صعرا
هلا سألتم عمانا كيف أشعلها ... ناراً إلى الآن فيها تقذف الشررا
لاذوا بمعقلهم أن سوف يمنعهم ... فجاءهم كعقاب الجو إذ كسرا
وأنتم ذقتم من بأسهم طرفاً ... يوم العنيقا دماكم الغيث هدرا
وفي البطارق يوم الشقب معتبر ... لو كان فيكم رجال تعقل الخبرا
يا أيها الملك الميمون طائره ... أنشر لواءك تلق العز والظفرا
بسعد جدك هذا الدهر مبتسماً ... بعد العبوس وهذا المجد مفتخرا
فانهض فأنت بحول الله منتصر ... وأملك إذا شئت باديها ومن حضرا
وشد قواعد مجد كان وطده ... قدماً أبوك وبحر الموت قد زخرا
وأشدد يديك بسيف إن ضربت به ... أصبحت تحمد من أفعاله الأثرا
أمضى من القدر الجاري عزائمه ... طوعاً لأمرك فيما جل أو صغرا
سامي المكارم وهاب الكرائم ... كساب العظائم لا يستعظم الخطرا
أخوك صنوك حامي كل عاثرة ... عبد الرحيم الذي بالبأس قد شهرا
لازلتما فرقدي أفق بلا كدر ... تقضيان بأسنى الرتبة العمرا
ولما بنى الشيخ عبد الله بن المرحوم الشيخ قاسم قصره المسمى بالريان، وذلك في سنة 1338.قال الشاعر المذكور ذاكراً للقصر ومادحاً له حرسه الله تعالى
أريج مجد من الريان حيانا ... أهدى لنا نشره روحاً وريحانا
إسم حكاه مسماه وطابقهُ ... فكم شضفى من أوام العدم عطشانا
فدىً له الزهرا وساكنها ... والغوطتان وملهى شعب بوانا
تفاوحت فيه أرواح الندى فسرت ... حتى لكادت تعيد الشيب شبانا
والجود والبأس ما حلا بمنزلة ... إلا أشادا لها بالمجد بنيانا
قد شرف الله أرضاً أنت ساكنها ... وفاخرت بحصاها القض عقيانا
بحر تعبق في أرجائه كرم ... يعلو الروابي لا نقعاً وغدرانا
لولا أواصر يرعاها ويحفظها ... لكان غير الذي بالأمس قد كانا
لأنه من أناس من سجيتهم ... محو الصغائر إجمالاً وإحسانا
لكن لهم فتكات عند غضبتهم ... تشجي العدو وتخلي منه أوطانا
يا ابن الألى طوق الأعناق فضلهم ... فقرطوا لهم في المجد آذانا
سموت للمجد إذ كنت الخليق به ... حتى لأرغمت آنافا وأذقانا
وليس سار إلى نبل العلاء كمن ... أضحى بنوم المنى والعجز وسنانا
أيحسبون العلى تجنى أزهارها ... بغير سيف وبذل المال مجانا
والناس قد فاوتت أقدارهم همم ... وقد أقمت على ما قلت برهانا
كما بهمتك العليا بنيت بها ... للمجد والفضل وأعلاماً وأركانا
قالوا هو الندب عبد الله قلت لهم ... لو كان عند سواكم عد سلطانا
فادعوا له بالبقا تبقى سعادتكم ... إذ كان روحاً وكان الغير جثمانا(1/337)
لا تخرجوه بكره عن سجيته ... فالليث لا يعرف البقياء غضبانا
إني أقول وخير القول أصدقه ... وليس من قال صدقاً مثل من مانا
لقد حبا الله كان مالكها ... منه بغيث يسح الجود هتانا
يسيم مثريهم فيه ومقترهم ... لم يخش من غيره ظلما وعدوانا
فيالها نعمة ما كان أكبرها ... فهل تصادف منا اليوم شكرانا
إن لم تفدك منا أنفس كرمت ... فقد جحدناك ما أوليت كفرانا
أقمت للمجد أسواقاً معطلة ... تعد قبلك شيئاً بان إذ كانا
كنا سمعنا بها في الغابرين فمذ ... أتيت كانث بعيد الوهم أعيانا
لو صور الله شخصاً من مكارمه ... صورت من كرم الأخلاق إنسانا
لما مدحتك قال الناس كلهم ... الآن مدحك بالممدوح قد زانا
فالله يبقيك محروساً ومغتبطاً ... آلاً وحالاً وأولاداً وإخوانا
ثم الصلاة على من كان مبعثه ... لنا السعادة دنيانا وأخرانا
وآله الغر والأصحاب كلهم ... ما قطع الليل تسبيحاً وقرآنا
ولما توفي الشيخ القادم إلى رحمة الله وغفرانه قاسم بن محمد الثاني، رثاه محمد بن عثيمين المذكور بهذه القصيدة وذلك في 15 شعبان سنة 1331هـ وقال
برغم المعالي فارق الدست صاحبه ... وثلث عروش المجد وأنهد جانبه
وأضحت بنو الآمال سهماً وجوهها ... تقلب طرفاً خاشعاً ذل جانبه
تقول إلى من نطلب المعروف بعدما ... على قاسم المعروف بنيت نصائبه
مضى كافل الأيتام في كل شتوة ... وموئل من ضاقت عليه مذاهبه
أقول لناعيه إليَّ مجاوباً ... بفيك البرى هل تدر من أنت نادبه
نعيت امرءاً للبر والدين سعيه ... وللجود والمعروف ما هو كاسبه
فيا قاسم المعروف للبأس والندى ... وللخصم مشتطاً على من يطالبه
ويا قاسم المعروف للطارق الذي ... من الزاد قد أصبحن صفراً حقائبه
وللمرهق المكروب يفرخ روعه ... إذا سلمته للخطوب أقاربه
وللجحفل الجرار يهدي رعيله ... إلى كل جبار أبي يشاغبه
هو المانع الخصم الألد مرامه ... وإن رام منه معضلاً فهو سالبه
فقل للجياد المشمعلات لاحها ... تجاوز الغيطان الفلا وسبابه
على قاسم فابكي طويلاً فإنه ... فتاك إذا ما استخشن السرج راكبه
إذا ما رمى المرمي البعيد ذرعنه ... به ناجيات زاملتها شوازبه
جحافل سهلن الروابي فأصبحت ... سباسب مما بعثرتها كتائبه
إذا نشرت أعلامهن تحدبت ... بأرجائها صيد الملوك تراقبه
فما مشرق إلا له فيه وقعة ... ولا مغرب إلا أرنت نوادبه
أقول لقلبي حين جد به الأسى ... وللجفن لما أقرحته سواكبه
تعز بما عزيت غيرك إنه ... طويل أساً من أودع اللحد غائبه
هو الدهر يستدعي الفناء بقاؤه ... وتستصغر الخطب العظيم مصائبه
له عثرة بالمرء لا يسقيلها ... إذا ما انيخت للرحيل ركائبه
أباح حمى كسرى بن ساسان صرفه ... فلم تستطع الدفاع مرازبه
وكر على أبناء جفنة كرة ... سقاهم بها كأساً ذعافاً مشاربه
وأعظم من هذا وذاك مصيبة ... قضى النحب فيه المصطفى وأقاربه
هم الأإسوة العظمى لمن ذاق غصة ... من الدهر أم من أجرضته نوائبه
بني قاسم إن كان أودعتم الثرى ... أباً طرزت يرد المعالي مناقبه
فخلوا الهوينا واجعلوا الرأي واحداً ... يهابكم نائي البلاد وصاقبه
وألقوا مقاليد الأمور لماجد ... أخي ثقة قد أحكمته تجاربه
بعيد المدى لا يدرك النبت غوره ... أبي على الأعداء محض ضرائبه
أبا حمد لولاك كان مصابه ... على الناس ليلاً لا تجلى غيائبه
سقى الله قبراً ضم أعظم قاسم ... من العفو شؤبوباً رواء سحائبه
وثن إلهي بالصلاة على الذي ... سمت في مقامات الكمال مراتبه
كذا الآل والأصحاب ما ناح طائر ... بأفنان دوح تستميل ذوائبه
وقال يرثي الشيخ المرحوم قاسم أيضاً، وكتب بها على ابنه المرحوم الشيخ عبد الرحمن تغمدهما الله بغفرانه، وأحلهما في مقر رحمته ورضوانه آمين(1/338)
ترى من حنيني كان شجو الحمائم ... ومن أدمعي كان استقاء الغمائم
فلا غرو أن انطقت بالشجو صامتاً ... وأبكيت حتى راتعات السوائم
فقل جل هذا الخطب حتى تدكدكت ... لموقعه شم الجبال المعالم
وحتى هوى بدر الدجنة واكتت ... له ظلمة زهر النجوم العوانم
لعمرك ما يوم قضى فيه قاسم ... على الناس إلا مثل يوم التزاحم
مضى هضبة الدنيا وبدر دجائها ... وفارسها المشهور بين العوالم
أجل إنه والله ما مات وحده ... ولكنه موت العلى والمكارم
وإلا فما بالي أرى البيض والقنا ... وجرد المذاكي بعده في مآتم
وما بال أبناء السبيل كأنما ... بهم لوحت هيف الرياح السمائم
يبكون مغشي الرواقين ماجداً ... أبياً على الأعداء صعب الشكائم
أخا الحرب لا يلفى لها متخشعاً ... إذا ما أتت بالمعضل المتفاقم
ولكنه يغشى لهيب شواظها ... إذ حاد عنها كل أروع غاشم
حلفت بمن حج الملبون بيته ... يؤمونه من نازحات المخارم
على أنه لو كان أزهق نفسه ... من الناس مرهوب الشبا والمناقم
لصحبه أبناؤه بجحافل ... لها زجل كالعارض المتراكم
وجاسوا خلال الدار منه بفتية ... على الموت امضى من شفار الصوارم
ولكنه المقدار والله غالب ... ونرضى بمن يقضي به خير حاكم
وهيجت لي يا ابن الأكارم لوعة ... تردد ما بين الحشا والحيازم
فلا تحسبني غافلاً أو مضيعاً ... أياد لكم عندي عذاب المطاعم
وفيك لنا لا زلت منه بقية ... شجاً للأعادي مغنم للمسالم
فيا عابد الرحمن يا خير من جرت ... به الجرد بين المأزق المتلاحم
يا خير مقصود أناخ ببابه ... رذايا سفار داميات المناسم
لكم مني الود الذي لا يشوبه ... مدى العمر تدليس المداجي المكاتم
وصلى إله العالمين مسلماً ... على المصطفى من عبد شمس وهاشم
كذا الآل والأصحاب ما قال قائل ... ترى من حنيني كان شجو الحمائم
وممن رثى الشيخ المرحوم قاسم رحمه الله ومدح ابنه الشيخ عبد الله، الشاعر المشهور علي العماري البغدادي بقوله
ومجدك ما نبهن وجدي الحمائم ... ولا الطرف إن نام الخليون نائم
ولا هزني برق تألق ومضهُ ... دجى فاستهلت للدموع غمائم
ولا ملكت قلبي فتاة طويلع ... فرفت خوافي شوقه والقوادم
بلى لملم قد أناخ بقاصم ... قرى المجد إذا أودى ابن ثانيه قاسم
فتى ثكلت فيه البداوة حاكماً ... به فجعت ضيد الملوك الخضارم
وبدراً به الأقطار ضاءت وقطره ... منير إذا ما قطب العام باسم
وقد فقدت منه الحضارة أصيداً ... يقل له في حوزة الحزم حازم
وله العرب العرباء ألقت زمامها ... ولا غرو فهو الفرد للكل خاطم
تسوس جماع الدهر منه رياضة ... يدين لأدناها الملوك القهارم
لقد أغمدوا في اللحد منه مذلقاً ... تفل لحديه السيوف الصوارم
ونافذ رأي سدد الحزم رمحه ... فيا لفداه النافذات اللهاذم
وما مات من أبقى لحوزة مجده ... فتى لعلاه لا يزال يلازم
تتوج عبد الله بالفخر والعلى ... ولفت عليه بالوقار العمتئم
فتى المجد والمعروف من جود كفه ... دنانيره وقف العطا والدراهم
لنعم بصدر الدست هضبة سؤدد ... يخف له رضوى إذا عد حالم
ونعم ركوب الخيل يملأ ظهرها ... إذا ما جرت جرد العتاق الصلادم
وهوب فلولا إن حاتم سابق ... لقلت عدا بيت السماحة حاتم
وكعب ابن مام في العطية دونه ... نعم إنه في حلبة السبق سالم
فيا ابن الهزبر اسمع مقالة صادق ... له ناثر يعنو خضوعاً وناظم
إليكم غدا أمي بغداد مرسلاً ... (على قدر أهل العزم تأتي العزائم)
وممن مدح الشيخ المرحوم قاسم الثاني رحمه الله وابنه الشيخ عبد الله بن قاسم الشاعر المشهور الأنطاكي صاحب جريدة العمران بهذه القصيدة وهي هذه
نسيم الصبا العطري عرج مسلما ... على قطر إني به كنت مغرما
وعرض بذكري في رباه لأهله ... لعلهم يعنون بالصب قبلما(1/339)
وقل لهم إني محب متيم ... وما مثلكم يجفو المحب المتيما
وافصح لهم عما يكن الحشا الذي بنار الجوى في ذا الهوى قد تضرما
وقل لهم أن المحب بمصره ... ينوح ويبكي بالمدامع والدما
فلا شاغل أَُعنى به غير ذكركم ... وما ذكر الأحباب إلا تتيما
أأصحابنا الأمجاد في قطر أما ... ترون لوصلي حسن وصلكم أما
وهل تذكروني في مرابع أنسكم ... وما زلت في ذكراكم مترنما
وأنتم من الأعراب أهل العلى الألى ... وقفت لهم نفسي ولن أتندما
كرام قد امتازوا بحسن الوفا لمن ... وفي لهم في الود أولهم انتمى
يراعون عهد الجار لو جار واعتدى ... فكيف بمن والى وصافى وذمما
وتلقون بالإكرام قاصد فضلكم ... وما خاب راج نحوكم قد تقدما
وتحمون بالبيض القواضب كل من ... بكم من خطوب الدهر قد لاذ واحتمى
وتعفون عن حلم وتعطون عن رضى ... فتحيون آمال البرية فيهما
ببطش وإقدام وجود وسؤدد ... لقد شدتم للمجد صرحاً مفخما
وباتت معاليكم يطاول فخرها ... السحاب وكادت أن تواصلها السما
وفخركم كالشمس لألأ نوره ... ولا ينكر الأنوار إلا أخو الأعمى
أما منكم قام الرسول بهدية ... فخلف معوج الضلال مقوما
بساطع آيات الكتاب لقد دعا ... الأنام إلى التوحيد حتماً وعاما
وكان نذير الناس وهو بشيرهم ... وفيهم أحكام الشريعة عمما
وساوى الرعايا بالحقوق فلم يدع ... بهم مسلماً في الجاه يفضل مسلما
وخلف في القرآن حسن حضارة ... مشيدها والله لن يتهدما
فمن قال إن الشرع قد فات وقته ... لقد قال قولاً في الحقيقة مبهما
وشرع رسول الله لولا ذيوله ... وشراحه أخلق به أن يعمما
لنلقى به أجلى وأزهى تمدن ... يشاد على رأس الصلاح واعظما
فيا علماء الدين هبو لشرحه ... بحسن اجتهاد يجعل القول محكما
فنظهر للأفرنج فاسد حكمهم ... عليه ونجلو في هداه التوهما
ويا أمراء العرب فيكم رجاؤنا ... لتجديد مجد عهده قد تقدما
فهبوا إلى إحياء دارس مجدكم ... بسعي حميد يترك الضد مرغما
وكونوا أسوداً للعروبة إنها ... بكم تلتقي هول القضا إن تجهما
نعم عندنا نحن الأعراب سطوة ... ضراغم في يوم الوغى تسفك الدما
وفي السلم تولي الناس في جودها الغنى ... فلم تر مبؤوساً ولم تر معدما
إذا تلق يوماً قاسماً في مقامه ... تلاقى عميداً بالمكارم أكرما
ومن حوله أهل العشائر جملة ... يرجون منه أن يفيض التكلما
فيخطب فيهم ناصحاً ومؤذناً ... ويحكم فيهم عادلاً ومقوما
فطوبى لمن أضفى له نال سؤله ... وأصبح محبوباً صيفاً مكرما
ويا ويل من ناواه قد ناله الفنا ... وكان لدى أهل القبيل مذمما
له الله إن أعطى العطايا بجوده ... لينثر من كفيه للناس أنجما
يجود بلا من ويسبق نيله ... سؤال الذي يرجو نداه تكرما
ويسعى إليه الناس مثنى وموحداً ... فينفع كلا ما أراد وينعما
وتقصده الركبان من كل جهة ... فيرحل كل من ذراه مكرما
وتنشده في شعرها باهر الثنا ... فتلقى من الإحسان غيثاً لقد همى
وتنظر منه مسفقاً محسناً أباً ... خليقاً بأن يغني ويعطي ويرحما
يقابلها في صدره الرحب محسناً ... كريم ويلقاه بثغر تبسما
كذلك من نال الزعامة حقق ال ... أماني وأضحى في الرعاية قيما
ويفني الى في سيفه وهوباسم ... ويسقيهم من مورد الموت علقما
وينثر هامات الرجال بضربة ... يخوض بها فوق المطهم بالدما
ويلقون من نيران بندق جيشه ... شظايا كما يلقون بعد جهنما
فقل لعداه راجعوا السلم وارفقوا ... بأنفسكم تلقون سيد أرحما
ألا واسألوه الصفح والعفو أنه ... أبى الحرب إلا أن يحارب مرغما
ولا تحرجوه للنزال فإنه ... ليشفق أن يفني الأعادي ويرحما
وإن كان في حسن السياسة حازماً ... وفي دفع آراء البرية أحزما
كذا عابد الله ابن قاسم ذو العلى ... هماماً وصنديداً وبراً ومنعما(1/340)
إذا انا لم أمدحه في كل مقول ... فلم شق لي الرحمن سمعي والفما
وإن أنا لم أنصفه في الحمد والثنا ... لما حق لي أن ألقى من العرب مكرما
وإن أنا لم أنظم بصادق وصفه ... الدراري لما نظمت عقداً منظماً
وقد شمت من آثاره الغر مابه ... على كل ذي أمر وذي سؤدد سما
أخا المجد عبد الله يا خير مرتجى ... وأفضل من يُثنى عليه وأكرما
تقبل عروس الفكر إنك كفؤها ... ولولاك لم تلمح لها الشمس مبسما
لعلياك بالإقبال بشرى نظمتها ... فزانت من الأيام جيداً ومعصماً
وما مهرها غير الرضى في قبولها ... فجد بالرضى عني وعنها تكرماً
ودم بالغاً أوج الفخار على المدى ... وعش بالهنا يا ابن العلي متنغما
وقال الشيخ سليمان بن سمحان النجدي قدس روحه، ونور ضريحه مهنئاً للشيخ قاسم بن محمد آل ثاني بانتصاره على من قصده من العساكر التركية، ويذكر ما من الله به عليه من العز والتأييد وقمع العدو الباغي العنيد، وكانت تلك العساكر في غاية القوة عدة وعددا، ولم يبق عند الشيخ قاسم رحمه الله إلا قليل من قوتهأهل الصدق والوفاء، وقد تفرق عنه كثير من الجند، وساءت الظنون فصبر هو وأولئك النفر القليل، فأعزهم الله على عدوهم، وفر الطغاة منهزمين لا يلوي منهم أحد على أحد، وقتل منهم الكثير، وأخذ سلاحهم وما معهم من المدافع وجميع آلة الحرب ورجعوا خاسئين ولله الحمد والمنة، وذلك في شهر رمضان سنة 1310 ألف وثلاثمئة وعشر
قال رحمه الله
هو الله معبود العباد فعامل ... فليس سوى المولى لراج وآمل
أليس الذي يرضى إذا ما سألته ... ويغضب من ترك السؤال لسائل
ولله آلاء علينا عديدة ... والطافه تترى بكل القضائل
فكم فتن جلى وكم فتن وقى ... وكم فادح من معضلات النوازل
أزاح حناديسا سجت بدجائة ... يعاليل كفر قد غشت بالعواضل
كعارض بؤس مكفهر عنانه ... له زجل بالموجفات القلائل
طما وطفا فالجو بالنقع اكلف ... وأرجاؤه مغبرة بالزلازل
وطاغية الأتراك من تركوا الهدى ... وهدوا من الإسلام شم المعاقل
وزلزلت الأحساء منهم مهابة ... وفر البوادي واعتلى كل واغل
ورحب أقوام بهم وتألبوا ... وحثوا على حرب الهدى كل جاهل
وساءت ظنون من أناس كثيرة ... وقد أزعجتهم موجات البلابل
وقد أظهروا للكفر والفسق والخنا ... وللحكم بالقانون أبطل باطل
وللمكر والمكروه والفحش جهرة ... وما الله عما يعملون بغافل
وجاؤوا من الفحشاء ما لا يعده ... ويحضيه إلا الله أحكم عادل
يزيل الرواسي مكرهم وخداعهم=يشيب النواصي إذا أتى بالهوائل
لذلك زلت بابن حمدان رجله ... إلى الأهوى وأسفل وسافل
فتعساً له من جاهل ذي غباوة ... وتباً له من زائغ ذي دغائل
لقد زاغ عن نهج الشريعة وارتضى ... ولاية أحباب الضلال الاراذل
وظن سفاهاً ظن سوء بربه ... وليس لعمري للمعالي بآهل
كما ظن غوغاء الكويت سفاهة ... سمواًوعزاً بالبغاة الأسافل
وأوباش حمقاء الحساء ذوو الغبا ... وأشياعهم من كل غاو وجاهل
أما علموا أن الإله لدينه ... يغار ويخزى كل باغ مخاتل
ويعلي ذوي الإسلام والدين والهدى ... وولكن أهل الريب من كل واغل
بغاث إذا أبصرن بازاً وإن خلا ... لها الجو صالت كالبوازي البواسل
وإن جن ديجور الضلالة أبصرت ... وجالت بليل حالك اللون حائل
وإن طلعت شمس من الدين والهدى ... تجحرن واستوحشن من كل صائل
لئن كان أعداء الشريعة قد طغوا ... وضاق بأهل الدين رحب المنازل
وقد أقبلوا والأرض ترجف منهم ... لقد أدبروا كالمعصرات الجوافل
يسوقهم ريح من الرعب عاصب ... وبرق صفاح المرهفات الصقائل
وزجل رعود المارتين وقد همت ... بوبل لأعداء الشريعة قاتل
وضرب يزيل الهام من مكناته ... وقد أسعرت نار الوغى بالجحافل
بأيدي رجال لا تطيش عقولهم ... ولا يعتريها خفة للزلازل
إذا عظم الهول استعدوا لدفعه ... بصبر وضرب المرهفات النواحل(1/341)
صوارم عزم ليس يفلل حدها ... وإن جل بغي من عدو مزايل
لعمري لقد أولادك مولاك رفعة ... وفخراً رفيعاً ماله من مماثل
وعزاً أطيداً بالثنا متألقاً ... يقصر عن إدراكه كل فاضل
فإن رمت أن تحيا عزيزاً مؤيداً ... وتصبح في ثوب من المجد رافل
فأعدد لأعداء الشريعة فيلقاً ... من الحزم مقروناً بعزم ونائل
ولا تأمنن من خون الله إنهم ... ذوو المكر فاحذرهم وكن غير حافل
لقد ضل سعيٌ من أخي ثقة بهم ... وخابي وأضحى عادماً للفضائل
وفاز فتى ناجاهم بحسامه ... وجاهدهم في الله لا للمآكل
ولا للعلى في الأرض والملك إذ هما ... عن الأجل الأعلى عجالة جاهل
فعامله بالتقوى لتقوى على العدى ... وتنجو من يوم عصيب وهائل
فثق واعتصم بالله ذي العرش واستقم ... أليس هو المولى لراج وآمل
وقد خصك الرحمن منه برحمة ... فأعلى بك الإسلام بعد التضاؤل
وهد بناء الناكبين عن الهدى ... بنصرك من بعد اعتلاء الأسافل
رماهم بك الرحمن فانثل عرشهم ... فآبوا وخابوا بل بلوا بالبلابل
وذلوا وقد عزوا وأبدل منهم ... بخوف فتعساً للطغاة الأراذل
ولما رأى الطاغي عقوبة بغيه ... نجا ولجا في البحر من خوف باسل
همام إذ لاقى الكماة سميدع ... أخي ثقة عند الأمور الجلائل
وولى على الأعقاب ناكصاً ... مخافة حد المرهفات الصواقل
وقد كان قبل الضرب في حومة الوغى ... وزج العوالي في صدور الجحافل
يسأئلهم خسراً من المال معضلا ... ويأمل أمراًفوق ذا غير حاصل
فخلى لكم كرهاً وأرخص ذلة ... بما قد حوى من بعد جهل التحامل
وأطلق من في الحبس من كان موثقاً ... صغاراً وذلاً والتجاءة واجل
فشكراً لمولاك الذي جل فضله ... عليك وأخزى كل طاغ مزاول
ولله ربي الحمد ما لاح بارق ... وما انهل وبل الساريات الهواطل
وما لاح نجم في الدجى متألق ... وازهر نور في مروج الخمائل
وقهقهه رعد أو تنسمت الصبا ... على الروض في أسحارها والأصائل
وأزكى صلاة يبهر البدر جسنها ... على السيد المعصوم سامي الفضائل
وأصحابه والآل ما قال قائل ... هو الله معبود العباد فعامل
وقال معزياً للشيخ قاسم أيضا بعد قتل ابنه المرحوم على بن قاسم المقتول شهداً في 17 رمضان سنة 1305 غفر الله له:
ألم ترىً أن الصبر أجمل بالفتى ... وأحمد في الأخرى لأهل البصائر
وبالصبر نال الأجر لكل موحد ... وفاز ببر الله أقدر قادر
فصبراً على ما قدر الله ربنا ... تنل كل خير من رحيم وغافر
فإن يك قد أود علي مصابه ... فبالأجل المحتوم فاصبر وصابر
فلا زال ريحان وروح ورحمة ... تسح كودق المعصرات المواطر
على جدث قد حله قمر العلى ... مدى الدهر في آصاله والبواكر
ولا زال رضوان الإله يمده ... بعفو وإحسان ومحو البوادر
لئن كان ذا علم وشأو حماسة ... تسامى بها نحو النجوم الزواهر
لقد كان ذا تقوى وآداب ماجد ... وفي طاعة الرحمن سامي المآثر
وحاذر من الأخلاق كل كريمة ... وكان فريداً في الزمان لسابر
وعاش حميداً مستفيداً من العلى ... مآثر أخلاق الكرام الأكابر
ومات شهيداً مستزيداً من التقى ... وصار إلى رب كريم وغافر
وأنا لنرجو أن يكون محبر ... مع الشهداء الصالحين الأطاهر
يروح ويغدو في الجنان منعماً ... ويسلو بحور في القصور القواصر
فلا تجزعن إذ كان ليس بأول ... من الناس في هذا وليس بأخر
فمن قبله مات النبي محمد ... وهل نحن إلا بعدهم للمقابر
تصبر وثق بالله لا رب غيره ... فربي بصير بالطغاة الغوادر
وما هذه الدنيا بدار إقامة ... ولكن إلى الأخرى إنتقال المسافر
وما هي إلا معبر لمقرنا ... بدار الجزا دار البقاء لعابر
فكن صابراً بالله وارج ثوابه ... فليس عظيم الأجر إلا لصابر(1/342)
وفي سنة 1326 ست وعشرين بعد الثلاثمئة والألف: قسم الله إن المرحوم عبد الله بن محمد بن خاطر يخرج للقنص مع صاحب له وبعض خدامه، وإتفق أن يعرض لهم ركب من آل جابر، وأغاروا على عبد الله وأصحابه، ورماهم عبد الله وأصاب منهم رجلاً، ورموا عليه عدد بنادق وقتلوه، فلما وصل خبر مقتله البلاد حزن الناس عليه حزناً شديداً لما يعهدون فيه من حسن السيرة وجميل الأخلاق، وكرم الذات، ورثي بالمراسي الفائقة. وممن رثاه الشيخ محمد بن حسن المرزوقي رحمه الله بمرثية طويلة أجاد فيها، واستقصى جميع مآثره، ولم أظفر بها، ثم أنه أرسلها إلى الشيخ سليمان بن سحمان وطلب منه أن يساعده بمرثية أخرى فأجابه بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان بن سحمان إلى جناب الأخ المكرم محمد بن حسن المرزوقي سلمه الله تعالى وأسبغ عليه نعمه ووالى، أمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأزكى واشرف تحياته وبعد. فقد وصلت إلينا المرثية في الأخ عبد الله بن خاطر، وطلبت مني الجوا ب وأنت لم تترك مقالاً لقائل، قد استوفيت المقصود ورثيت المفقود، ولكن لم يسعني إلا مجاوبتك بهذا النزر اليسير، ليكون لك تسلية في هذا الخطب الخطير.
يا راكباً من رياض المجد مرتحلا ... عجلان منتجعاً ذا العفة السامي
لذي الفضائل من دين ومكرمة ... محامياً لحمى الأخوان عن ذام
لله لا لهوى يدعوه أو طمع ... أكرم به من محب صادق حام
ولم يزل بازلاً للجد مجتهدا ... في قمع كل لئيم خانع رام
وقد دهاه مصاب من أخي ثقة ... وقد رثاه فأعلى مجده السامي
لفقده لأمور كان يأملها ... دينا ودنيا وتبجيلاً بأكرام
للوافدين من الأخوان أجمعهم ... وللمحاويج من كل وأرحام
وكان مما دهانا من مصيبته ... مما نؤمل من جود وأنعام
فوات عزم على موعوده وعلى ... طبع الصواعق ردي بهت أقوام
فهل ترى يا أخي من بعده أحداً ... يروم ما رامه في الخير أو حام
إني لأرجو إلاهي أن يعوضنا ... من إلاه الغر ذا عزم وإقدام
وفي بني الشيخ أعني قاسماً درر=غير ميامين من سادات حكام
هم أهل مجد ونور يستضاء به ... في الدين بل هم لعمري أهل عام
أنصار دين الهدى في كل معضلة ... كهف العفاة وأرحام وأيتام
وقد أتاني نظام منك تطلبني ... فيه الجواب ولم آلو بإكرام
لكن ما الخل قد أبدا محاسنه ... وقد رثاه فلم يترك لنظام
من الرثاء مقالأ في مدائحه ... أم من المآثر إحسان وإنعام
لكن إجيبك إكراماً وتسليةً ... فيما أصابك من غم وإثقال
فهاك نظام فريد في محاسنه ... نزراً يسيراً يسلي بعض أيامي
يا عين جودي بدمع هامع هامي ... على الأغر الآبي الفاضل السامي
لا تسأمي أن تفضي الدمع عن كثب ... على الدوام بدمع منك سجامي
على الوفي الصفي اللوذعيومن ... بادين يسمو عن الأدناس والذام
أخي المكارم عبد الله ما انحسرت ... في المسلمين له آثار إنعام
أبكيه لما أتانا نعيه حزنا ... يا لهف نفسي على ذي العفة الحامي
مجاهداً جاهداً فما يقربه ... من الإله بإخلاص وإعظام
وبذل جهد وإحسان ومكرمة ... قد كان ذاك منذ أعوام
يغار لله أن تؤتى محارمه ... لم يخشى في ذاك من لو مات لوام
يحب في الله أهل الدين مرتجياً ... فضلاً من الله من جود وإكرام
وان عرا الدين ثلم قام منتصراً ... في قمع كل مجد فيه أو رامى
حوى المكارم عن جدٍ أخي ثقة ... وعن مآثر أخوال وأعمام
ما كان في قطر من فضل منقضا ... إلا وقاسم فيها القادم والسامي
حامى على الدين حتى اعتز جانبه ... لله درك من حام لإسلام
يا لهف نفسي ويا حزني ويا أسفي ... على الذكي الرضي المنهل الطامي
مضى شهيداً وحيداً في مكارمه ... لله درك من حام وضرغام
لما أتاه الأعادي قاصدين له ... لم يثنه الخصم عن ورد وإقدام
ولا استكان لدى الأوباش من رهق ... منهم هنالك من ذل وإحجام
لكن رماهم فأوى من رماه فقد ... لاقى المنون ولاقى ضرب مقدام(1/343)
فليبكه كل ذي دين ومرمة ... على الدوام بدمع هامع هام
إذ كان ذا طاعة لله مجتهداً ... براً وصولاً لأيتام وأرحام
زكان ذاعفة عن كل معضلة ... وكل فاحشة تدعو لآثام
مصاحباً لذوي التقوى ويألفهم ... مجانباً لذوي الآثام والذام
فقل لقااتله بغياً وعن أشر ... لا زلت ما عشت في ذل وأسقام
لا زلت إن مت في مسجور لاظية ... من السعير وفي يحمومها الحامي
وحيث ذكرت مرثية الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله، في المرحوم الشيخ عبد الله ن محمد آل خاطر وأحببت أن أذكر طرفاً من سيرته وحسن سمته ومروءته، وهو عبد الله بن محمد بن حسن بن خاطر العيوني من القبيلة المعروفة بآل أبي عينين، وكان الشيخ المرحوم قاسم الثاتي رحمه الله جده لأمه، ومات أبوه صغيراً وربي في كنف جده الشيخ قاسم وخاله الشيخ عبد الله بن الشيخ قاسم وناله ببركة تربيتهما صلاح وحسن أدب وعفة وسمو للمكارم، واجتناب للرذائل، ولما توسما فيه مخائل النجابة جل في أعينها، وأمداه من المال بما جمله وأغناه، وكان يتجر في اللؤلؤ، ورزق في تجارته قبولاً وبركة وحسن توفيق. وكان رحمه الله من خيار بني جنسه في جميع أحواله، ذا دين متين ومحبة لأهل العلم والصلاح، وكان كثير المطالعة ف كتب العلم والتواريخ والأدب، وكان ذا شفقة على أقاربه وذويه وأصحابه ومن يداينه، يبذل لهم من الإحسان ما يقدر عليه بتواضع وتودد ونفس مطمئنة، لا يمله جليسه ولا ينفر منه أنيسه، فرزق لذلك محبة من الخاص والعام، ونظر بعين الإجلال والاحترام، وكان كثير التلاوة للقرآن وكان مواظباً على الأوراد في الصباح والماء، لا يخل بها. وأما الكرم والسماحة، وحسن الخلق وحسن المحاضرة، لمن جالسه فقد أخذ من ذاك بحظ وافر، وكان ذا عقيدة سلفية محباً لأهل هذه العقيدة، قالياً لمن سواهم، وكان مواظباً على الصلاة في أول وقتها، ومتفقداً جيرانه وخدامه مؤدبا لمن تخلف عنها بلا عذر، ولم يزل يزداد من الحصال الحميدة إلى أن اخترمته المنية، أحله الله أعلى منازل الأبرار آمين.
وكان بيني وينه مودة أكيدة دينية وصحبة أدبية لا أكاد آنس إلا بمجالسته، ولا أطمئن إلا بحاضرته، وكنت في ذلك الوقت مشتغلاً بطلب المعيشة، وأتأخر عن زيارته في بعض الأيام، فإذا زرته نسيت ما نابني من أمر معيشتي كما قيل:
خليل أظل إذا زرته ... كأني أنشأ خلقاً جديدا
أراني وان كثر المؤنسون ... ما غبت عنه فريداً وحيدا
بلوت سجاياه في النائبات ... فلم أبل منهن إلا حميدا
فلله دره من صاحب لا يمله صاحبه، ولا تسري إليه عقاربه، عار من الكبر، قبول للعذر، لا يحتويه خليل، ولا يمله نزيل كما قيل:
فكنت به أجلو همومي وأجتلي ... زماني طلق الوجه ملتمع الضيا
أرى قربه قربي ومغناه غنية ... ورؤيته ريَّا ومحجياه لي حيا
إلى أن قضى الله عليه ما قضاه، أحله الله أعلى منازل أحبابه وأوليائه آمين:
فما راقني من لاقني بعد موته ... ولا شاقني من ساقني لوصاله
ولا لاح لي مذ ند ندٌ لفضله ... ولا ذي خلال حاز مثل خلاله
وكان إذا انتقل في أيام الشتاء إلى البرية يتعاهدني بالمكاتبة، فوافق أنه غفل عن ذلك مدة لم تكن عادته، فأهمني ذلك وكتبت إليه:
خد من زمانك ما صفا ... واقتنع هديت بما كفى
واعلم بأنك لن تجد ... خلاً يدوم على الصفا
كلا ولن تر صاحبا ... فيا أهمك مسعفا
وإذا أخا ثقة رأي ... ت الود منه تكلفا
فتسل عنه ولا تكن ... متحزناً متأسفا
وإذا المحب رأيته ... متوددا متلطفا
فاشدد به عقد الوداد ... وكن له مستعطفا
كأخي الفضائل والتقى ... بيت المروءة والوفا
أعني ابن خاطر من بني ... للمجد بيتاً مشرفا
وسما على الأقران لا ... سما ولا متكلفا
ألف المكارم مذ نشا ... وأشاد منها ما عفى
لكنه قد سامني ... هجراً بصبري أجحفا
يا أيها الخل الذي ... ما زال قط ولا هفا
ما ذنب مملوك لكم ... أسقيته كأس الجفا
إن كان عن ذنب فإني ... قد عهدتك منصفا
تالله حلفة صادق ... في الجهر مني والخفا(1/344)
مالذ لي من بعدكم ... نوم وعيشي ما صفا
والقلب بعد فراقكم ... أضحى جوى متلهفا
فإلى متى هذا الصدود ... إلى متىهذا الجفا
ما كان ضرك لو كتب ... ت إلى محبك أحرفا
وكتب إليه في صدر كتاب:
سلام من المملوك ما لاح بارق ... وما هل ودق الهاميات المواطر
وما أخضر عود أو ترنم طائر ... وفاح شذى تلك الرياض العواطر
يخص به إن جفاني كل خل وصاحب ... ومن لم يزل يرعاه قلبي وخاطري
لقد جمع الله المروءة والوفا ... لما جد أعراق زكي العناصر
أخي همة تأبى لكل دينة ... تقي نقي العرض عف المآزر
له في العلى بيت أشاد عماده ... تراث جدود كالبدور السوافر
ولكنه قد زانه وبني له ... من المجد أركان العلى والمفاخر
وكتبت إليه أيضاً في صدر الكتاب:
فارقتكم وبقلبي من فراقكم ... ما ليس يوصف من هم ومن حزن
أشكو غل الله ما بالقلب من ألم ... فهو المرجى لكشف الضر والمحن
كيف السلو وعيني لا يلذ لها ... نوم وقلبي لا يخلو من الشجن
وناولني مرة مسواكا فاستحسنته وقلت على البديهة:
وهبت لي المسواك يا ابن محمد ... أثابك العرش خير جزائه
ولا زلت في الدنيا بعز ورفعة ... وأسكنك الفردوس يوم لقائه
ول زلت موسوما بكل فضيلة ... يقصر عن إداركها كل تائه
فلما قضى الله ما قضاه، أصابني عليه من اامتعاض والحزن ما لله به عليهم، وبيت أياما لا أخالط أحدا ولا آنس بفؤاد دام ولب حائر، وقلب في جناحي طائر، من هذا الطارق المطرق والنبأ المغص المشرق، فيا له من خطب جليل، أنساني جميع الخطوب ومصاب أليم شقت له القلوب، ولكنه أمر الله الذي لا يقابل بغير الرضا والتسليم له فيما قدر وقضى، سقى الله بغيث الرحمة ثراه وأضاء بنور الشهادة مثواه.
عجبت لصبري بعده وهو ميت ... وقد كنت أبكيه دما وهو غائب
وقال أيضاً:
فأية شمس فيه للمجد كورت ... وأي بناء للمكارم قد وهي
المجد يبكي عليه جازعاً أسفاً ... والفضل يندبه والجود والكرم
وكثيراً ما كنت أنشد قول الشاعر:
وأخ وفيّس لا أطيق فراقه ... حكم الإله بأن أراه مفارقي
وأخ الأسى إذ بان وابيضت أسى ... لنواه سود نواظري ومفارقي
ولم أزل أنشد قول بعضهم:
من لي بإنسان إذا أغضبته ... وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا طربت إلى المدام شربت من ... أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه ... وبسمعه ولعله أدرى به
سمع الخليقة لا يمل جليسه ... متضوعا كالمسك طيب جنابه
أقول ولا أتردد أنه ليس بدون من أتصف بهذه الأوصاف، يهد لي بذلك من عرفه ومارسه، ثم إن الله سبحانه وتعالى ألهمني الصبر والاختساب، وأكثرت من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف علي خيرا منها، فخلف اللع علي بأصحاب آنسوني وواسوني، فجزاهم الله عني، أحسن الجزاء، ثم إني تطفلت على نظم مرثية فيه أحله الله منازل الأبرار وهي هذه:
أعيني جودا بالدموع السواكب ... فإن بكاء الإلف أعظم واجب
ولا تبخلا بالدمع لو كان من دم ... على طاهر الأخلاق عف المذاهب
فلست يباك بعده فقد هالك ... ولا جزع من حادثات النوائب
إلى الله أشكوا ما دهى من مصيبة ... ونازلة من موجعات المصائ
مصيبة خل أورث القلب فقده ... لهيب جوى بين الحشى والترائب
مصيبة ذي الإحسان والفضل والتقى ... حليف الندى والمجد سامي المناقب
تقي نقي عابد متبتل ... تبارك من أولاه خير المواهب
محب لأهل حرب لضدهم ... مهين لأرباب الخنا والمعائب
فلله مقتول مضى لسبيله ... انعم الفتى عند الخطوب الكوارب
أبو الفضل عبد الله أعني ابن خاطر ... أخي إن جفاني كل خل وصاحب
اخو الصدق مأمون السريرة من سمت ... مكارمه أوج النجوم الثواقب
بلوت بني الأيام طراً فلم أجد ... صديقاً سواه مسعدا في النوائب
فأصفيته مني الوداد فلم يشب ... صفاء ودادي بالقذى والشوائب(1/345)
فأصبحت موتوراً أعزى لفقده ... أعلل نفسي بالأماني الكواذب
لئن ذهبت أيامه الغر وأنقضت ... فما الحزن من قلبي عليه بذاهب
بنفسي أخاً لم يصف لي العيش بعده ... ولا ساغ لي يوماً لذيذ المشارب
خليلي ما ذاك الهمام بعائد ... علينا ولا ذاك الغمام بساكب
فما أوحش الدنيا علي وأهلها ... غداة ثوى في الترب بدر الغياهب
فلله أياما تقضت بقربه ... فعادت كأحلام الرقاد والكواذب
إذا خطرت يوماً على القلب خطرة ... بتذكار هاتيك الليالي الذواهب
تكدرت الدنيا علي وأوحشت ... مسالكها عندي وضاقت مذاهبي
فلا غرو أني قد فجعت بسيد ... كريم على السمت الجميل مواظب
بعيد المدى بدر الدجى معدن الوفا ... كسوب الثنا والحمد عف المكاسب
حسيب كريم الذات والأصل ماجد ... جواد إذا انسدت وجوه المطالب
له في أثيل المجد بيت مشيد ... ومن رتب الإحسان أعلى المراتب
له خلق سهل ونفس أبية ... وكف تضاهى غاديات السحائب
له مجلس ينتابه كل طارق ... مناخ لا ضياف الشتاء السواغب
همام تحلى بالديانة والتقى ... ورفض الدنايا وابتذل الرغائب
عزيز جوار أريحي مهذب ... يعد إصطناع العرف أسبى المكاسر
وكم من سجايا لأبن خاطر لم يكد ... يحيط بها عداً يراع لكاتب
فإن يك عبد الله أقفر ربعه ... فأصبح ميدان الصبا والجنائب
وأقصده سهم من الموت صائب ... قضاء مليك لايغالب غالب
فما مات حتى فاق مجداًوسؤوداً ... وشيد بنيان العلى والمناقب
وأعظم فينا فقده ومصابه ... فكل فتى يوماًلاحدى النوائب
وأبقى من الذكر الجميل مآثرا ... مناراً لطلاب العلى والمراتب
حيا ما حيا ذا رفعة وجلالة ... واودى جميل الذكر عالي المناصب
عليه ربى الرحمن ما ذر شارق ... وما لاح برق في خلال السحائب
ولا زال مصحوباً بعفو ورحمة ... ومغفرةً من فضل جزل المواهب
وأني لأرجو الله جبر مصيبتي ... وتفريج هم صار ضرب لازب
واختم نظمي بالصلاة مسلماً ... على سيد السادات بدر الغياهب
محمد الهادي الشفيع وآله ... وأصحابه الغر الكرام الأطايب
وقد رثاه أيضاً الشيخ أحمد بن محمد ماجد الأحسائي رحمه الله بهذه القصيدة:
جرى الدمع حتى بل حجري هاطله ... وأشرقني بالريق مذ سال سائله
وضعضع طود المجد بل ثل عرشه ... وعاشرنا من غائل البين عاجله
وصارعنا صرف الردي برصوفه ... وحلت بنا منذ ناخ فينا كلا كله
وحاق بنا جور الزمان حكمه ... فجل بنا من فادح الخطب نازله
وأعظم فينا الرزء لما تخيرت ... يداه كريما وهو في المجد كامله
سخياً وفياً واسع الجود ماجداً ... جزيل عطاء يسبق الوعد نائله
سماهمة فوق السهاء ورفعة ... فهيهات أنى تنال منازله
تقدم بالتقوى بالدين والنهى ... فأخر عنه من أرداد يشاكله
عفيف إزار لم يطأ قط ريبةٍ ... نعم قد أتى من عف عفت حلائله
فتى همه كسب الثناء وذخره ... صنائع جود أبرزتها فضائل
رأى المال تفنى والمكارم تقتنى ... فجاد بما تحويه منه أنامله
له كف ضرغام بها البأس والندى ... تحاكى لصوب المزن إن صح أوابله
إذ أخلف الوسمي أو الوت السما ... أغاث الورى من صيب الجود وابله
وان كلح الوقت العبوس بوجهه ... فطوبى لوفد قد حوتهم مناهله
ترى الوفد حول الحي يأويه شرعاً ... كما أحدقت بالمى عاطشاً نواهله
لقد عطلت بئر الوفود لفقده ... وهدم من قصر السخاء معاقله
فقولوا لوفد يمموا الجود والندى ... رويداً فعبد الله ناخت كلاكله
وحط بلحد غيبته حنادس ... وواراه منه تربه وجنادله
حثوا فوقه من ذلك الترب والحصى ... وخلي به فرداً لوحش ينازله
وعطل منهم سرحاً أجرد سابح ... وقصر زهت لما حوته منازله
وربع به للوفد حط رحالهم ... إذا خفيف من ربيب الزمان غوائله
وحي به إن خيم البيت ضاربا ... لاطنابه حلت إليه أرامله(1/346)
وتقصده الركبان من كل وجهة ... من الخضر والأعراب تزجى رواحله
فالقوا رحال الإرتجال وأيقنوا ... بأن الندى والجود حقت مناهله
أمن بعد عبد الله تقصد ذا ندى ... فتظفر منه بالذي أنت آمله
فواحسرتا ماذا فقدت بفقده ... فرزؤك عبد الله للمرء قاتله
فقدنا به نور الحياة وطيبها ... وأسداء جود من نداه يواصله
فهل يشف شق الجيب أم شق مهجتي ... فطود العزا والصبر هدت معاقله
لواعج أحزاني ونار تلهفي ... يؤجهها في القلب ما عشت شاعله
على أروع وافي الزمام محبب ... منيع جوار لم يخب قط سائله
نعمنا به وقتاً بظل جنابه ... بناد به من كل حي أفاضله
منزهة من كل شين رباعه ... صفت لورد الواردين مناهله
عليه غزير الدمع وقفا أهله ... وقد حق أن يجري من الدمع باخله
لقد قل أن نبكه بالدمع والدمى ... ويجري عليه من دم القلب سائله
عليه من الرحمن واسع رحمة ... وصب عليه مغدق العفو هاطله
وأتحفه بالروح منه وبالرضى ... وبالجود وبالإحسان غاداه شامله
وعوضه جنات عدن منعما ... بحور وولدان وفوز ينازله
وأعظم إلهي أجر اخوانه الألى ... لهم طول مجد طال في الفضل طائله
ووازرهم بالعز والنصر عاجلا ... وجدد لهم عون هداك يواصله
وصل إلاهي ما تنسمت الصبا ... وما غرد القمري وناحت بلابله
على المصطفى الهادي الشفيع وآله ... وأصحابه ما انهل ملودق وابله
منظومة غراء ألقاها الشاعر الأديب عبد الكريم بن جهيمان، عند قدوم الملك المعظم الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل السعود في ذي الحجة سنة 1359 هـ اعزه الله تعالى مكة المكرمة زادها الله تشريفا.
قدم المليك تحفه النعماء ... واستبشرت بقدومهالبطحاء
وتهللت تلك المشاعر والربى ... وازينت لمجيئه الأرجاء
وأرى الحياة تدب في أجسامنا ... بقدومكم وتحوطنا السراء
أهلا بمولاي المليك ومرحبا ... طاب السرور وتمت النعماء
نتطلع الأخبار عنك إذا بدا ... نور الصباح أو انتهى الإمساء
حتى سعدنا بالقاء وإنه ... يوم سعيد بالسنى وضاء
فيكم تمثلت العروبة كلها ... وتجمعت في حبك الأهواء
وتفنن الأقوام في تمجيدهم ... وشدا ودد مدحكم الشعراء
كل يردد ما يجول بفكره ... في مدحكم وتسوقه الآلاء
والمسلمون على اختلاف شعوبهم ... لك في قلوبهم رضاً وثناء
أي امرىء إلا ويعجبه هنا ... عدل وأمن واسع ورخاء
حتى العدى لهجوا بذلك في الورى ... والحق ما شهدت به الأعداء
وصحائف التاريخ ملأى بالذي ... لا يستطيع لحصرها الإحصاء
العطف فيكم والحنان تمثلا ... والفائزون غدا هم الرحماء
كم من يد لك في الورى مشكورة ... هي في سجل المكرمات سماء
دبت إلى الفقراء في أكواخهم ... فغدا يرددها لك الفقراء
كم من يتيم جبرت مصابه ... وكشفت عنه ما به يستاء
وأرامل يشكرون فضلك في الدجى ... ويحثهن مكارم بيضاء
كم دعوة لك من فؤاد صادق ... هو بالقبول تلفها الظلماء
صعدت إلى رب السماوات العلى ... فغدا ًيكون لكم بهن جزاء
دم يا مليك العرب موفور الحمى ... ما جاء ليل واقتفاه ضياء
دم للعروبة كي تقيم حقوقها ... وتحوط مجداً شاده الآباء
دم للمكارم يأتي فيه المجتدي ... إن جاء قحط واستمر غلاء
دم للأمور المشكلات تحلها ... بمهارة تعنو لها العظماء
العرب لا ترضى سواك مليكها ... أبداً ولو غضب الورى جمعاء
الملك فيك وفي بنيك مخلد ... والعرب كلهم لكم نصراء
عرش الرياسة أنتم أولى به ... وبكل قطر منكم أمراء
فسعود في بلد الرياض مفخم ... يلتف حول مقامه الكبراء
وهنا بمكة في الحكومة فيصل ... شهم له في المعضلات مضاء
والله حافظكم مدى أيامكم ... من كل باغ دأبه الشحناء
مولاي هذى نفثه من مخلص ... لكم لديه محبة وثناء
فيه التفاني للمليك وشعبه ... ما خالطاه تصنع ورياء(1/347)
فاقبل يفضلك ما يقول فإنه ... يحدوه فيما قد تراه وفاء
أبقاك ربي للعروبة ناصراً ... ما شع بدر واقتفته ذكاء
ولمحمد بن حسن الأنصاري يمدح سعادة الشيخ الأجل عبد الله بن المرحوم الشيخ قاسم الثاني: وقال معزياً للشيخ قاسم أيضاً بعد قتل ابنه المرحوم علي بن قاسم المقتول شهيداً في 17 رمضان سنة 1305 غفر الله له:
ألم تر أن الصبر أجمل بالفتى ... وأحمد في الأخرى لأهل البصائر
وبالصبر نال الأجر كل موحد ... وفاز ببر الله أقدر قادر
فصبراً على ما قدر الله ربنا ... تنل كل خير من رحيم وغافر
فإن يك قد أودى على مصابه ... فبالأجل المحتوم فاصبر وصابر
فلا زال ريحان وروح ورحمة ... تسح كودق المعصرات المواطر
على جدث قد حله قمر العلى ... مدى الدهر في آصاله والبواكر
ولا زال رضولدان الإله يمده ... بعفو وإحسان ومحو البوادر
لئن كان ذا علم وشأو حماسة ... تسامى بها نحو النجوم الزواهر
لقد كان ذا تقوى وآداب ماجد ... وفي طاعة الرحمن سامي المآثر
وحاز من الأخلق كل كريمة ... وكان فريداً في الزمان لسابر
وعاش حميداً مستفيداً من العلى ... مآثر أخلاق الكرام الأكابر
تدوم بالعز والإقبال والظفر ... في نعمة الله تبقى مدة العمر
لا زلت ترقى وقدري عندكم أبداً ... ترقى إلى غارب السعدان والقمر
وبرج سعد صعدتم في العلى درجا ... من صولة قد سمت بالأنجم الزهر
بهمة ضاهت العيوق غايتها ... عنها يقصر أهل المجد عن قصر
زاد اشتياقي لما أن سمعت بكم ... والسمع أسبق أحياناً من النظر
كم بت في سهري قلبي أعلله ... "لعل بالجزع أعواناً على السهر"
ولم أزل في هموم قد برت جسدي ... والدمع ينهل من عيني كالمطر
لما أهاج لظى التذكار قلت له ... "يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر"
وقلت يا قلب لا تجزع فذا فرج ... أتى به الله وافانا على قدر
فافتر مبتسماً وقال مبتهجاً ... أهلاً وسهلا بكم يا غاية الوطر
فالورق تصدح والأغصان راقصة ... والغانيات ذوات الغنج والخفر
من كل فاتنة الألحاظ فاترة الأ ... جفان ساحرة الولهان بالحود
بطرة زانها ليل على قلق ... كطلعة الشمس تغنينا عن القمر
مظلومة الريق في تشبيهها ضرباً ... مهضومة القد في التشبيه بالسمر
نحيفة الخصر هيفاء القوام غدت ... تختال في حلل حمر وفي حبر
حوراء غيداء قد رقت شمائلها ... ولا شبيه لها في البدو والحضر
تهتز أردافها بالتيه من طرب ... والبدر ينقط بالإبريز والدرر
وأفصحت بلسان الحال قائلة ... وفي ابن قاسم عبد الله بالظفر
أعني ابن ثاني من سارت بسيرته الرُ ... كبان تمدحه في البدو والحضر
مولي الجزيل مربي للجميل له ... جمال وجه غدا يعلو سنا القمر
هو الهمام الأريب الأريحي ومن ... حاز المكارم عن آبائه الغرر
ذو فطنة ووقار لا يوازنه ... إلا أبوه طويل الباع خير سري
نقادة في تصاريف الأمور له ... رأي يخلص بين الدر والمدر
بحزم ذي وثبات والثبات له ... خلق بعزم غدا كالصارم الذكر
هذي نتائج افكاري بعثت بها ... ولست إلا كمهدي التمر في هجر
لا مال عندي أهديه لحضرتكم ... إلا قلائد سمط النظم كالدرر
تبقى على صفحات الدهر خالدة ... لكم تبث الثنا من نشرها العطر
فاقبل فرائدها واقبل خرائدها ... أتت إليك تجوب الأرض في قطر
لا ترتجي صلة إلا القبول لها ... والفوز فيها بحسن الفكر والنظر
في ليلة قالها نجل الحسين لكم ... أبو خليل يروم الفوز بالوطر
واسلم ودم في نعيم لا نفاد له ... يا تابعاً ما أتى عن سيد البشر
عليه مني صلاة لا انتهاء لها ... والآل والصحب في الآصال والبكر
ما سمح مزن وما غنت مطوقة ... على الأراك مدى الأعوام والعصر(1/348)
وقال السيد أمين بن مكين اليماني: مادحاً جلالة الشيخ عبد الله بن المرحوم الشيخ قاسم. قال: إلى زبرقان هالة سماء الفاضل، والمنهل العذب الزلال، دوحة المجد واللطافة، وكهف المستجير مما يخافه، غوث الملهوف ومعدن الفضل والمعروف، الماجد الشهم الشيخ المحترم عبد الله بن المرحوم الشيخ قاسم بن محمد الثاني دام مجده وعلا عزه وسعده. وبعد. فالذي ننهيه إلى جنابكم بأنا وصلنا إليكم من شقة بعيدة، مفارقين أهلنا وأوطاننا من مدة مديدة، حتى أوصلتنا الأقدار إلى هذه الدار، وقصدناك لما يبلغنا عنك بأنك تعظم أهل بيت النبوة، ونحن من سادات اليمن، وقد أصابنا في هذه السنين قحط وديون مجحفة، ولم يسعنا إلا الخروج لطلب الإعانة ممن هو مثلكم، وها نحن منتظرون حلول الأريبة، لا لت محروساً آمين.
دمعي من البين لا ينفك ساجمهُ ... وقادح الشوق في الأحشاء ضارمهُ
فمن لمن قذفت أيدي البعاد به ... وخانه الصبر وانحلت عزائمه
إن رام كتم الهوى شنت مدامعه ... فأظهرت لجوىً في القلب كاتمه
يبيت من ذكر من حل الحمى كلفاً ... ينوح شوقاً كما ناحت حمائمه
يرجو التلاقي بهم والدهر يبعده ... ولم يقل قد قضى بالجور حاكمه
أعني بذلك عبد الله من فضحت ... سحائب القطر بالجدوى براجمه
ومن هو الأسد الضاري إذا شرعت ... يوم الوغى البيض واستلت صوارمه
إلى المعاضيد ينمي وهو خير فتى ... من لم يكن في العلى شخص يزاحمه
بحر المكارم إنسان الزمان فما ... ذاك الزمان ومن في الجود حاتمه
فقد زهى قطر مذ شاخ في نعم ... عن غيره وبه طابت معالمه
ينبيك عن مجده في الناس سيرته ... وعن مناقبه تنبي تراجمه
عج بالرياض وسل عن ذات شيمته ... تجد خلائقه كالزهر باسمه
لو اشتكى أحد جور الزمان لما ... راعته في عمره يوماً مظالمه
أو جاءه زائر يوماً فليس يرى ... له نديماً سوى مجد ينادمه
يا ماجداً في الورى قد طاب محتده ... إليك نظماً قصير الباع ناظمه
فاقبله وافضل على منشيه محتسباً ... فقد شكى من صروف الدهر راقمه
واسلم ودم في سماء المجد مرتقياً ... أوج المكارم صافي العيش دائمه
ثم الصلاة على خير الورى حسباً ... ما لاح برق وما هلت غمائمه
وآله الطهر والأصحاب ما رقصت ... أغصان بان وما غنت حمائمه
شعر علي بن سليمان
هو الشيخ العلامة ذو العقل الراجح والشهامة، علي بن سليمان آل يوسف التميمي، ثم الوهيبي نسباً، والحنبلي مذهباً، والسلفي معتقداً، والبصري مسكناً، طلب العلم في بغداد على مشايخ كثر، منهم آل الألوسي ومنهم الشيخ نعمان الألوسي، والشيخ شكري الألوسي، ومشايخ لم أحفظ أسمائهم، وأدرك في كثير من الفنون إدراكاً تاماً، وقد رأيته واجتمعت به واستنفدت منه في مدة اقامته عندنا ببلدنا قطر، وهو إذ ذاك في صحبة الشيخ يوسف آل إبراهيم في أيام قدومه على الشيخ المرحوم قاسم الثاني رحمه الله سنة 1315،فرأيت رجلاً لا يجارى فيما تكلم فيه من أي فن، خصوصاً في الأصول وعلم العقائد والتحقيق لعقيدة السلف، والدعوة إليها والرد على من خالفها، وأما الشعر والأدب، فحدث عنه ولا حرج، إن نثر شنف بنثره الآذان، وإن نظم أزرى بعقود الجمان، له الأشعار الفائقة، والمعاني الرائقة، أنقل إن شاء الله منها في هذا المجموع نموذجاً يدلك على سمو مقامه وجودة نظامه. فمن ذلك ما كتبه تقريظاً على النسخة التي جمعها وهو إذ ذاك ببلدنا فإنه جمع سبع قصائد في عقيدة السلف أولها القحطانية النونية ذكرها في هذه الأبيات وهي:
أشمس سعود أشرقت من سما المجد ... أم المسك أمسى فائحاً من صبا نجد؟
أم الروضة الغناء باكرها الحيا ... فأحيا بها روض البنفسج والورد
أم البرق من أفق الخليصاء لائحٌ ... أم المزن حنت فازدهى حادي الرعد
أم البدر للسارين ليل تمامه ... تجلى فشاموا طالع الأنس والسعد
أم الغادة الحسناء أسفر وجهها ... فزدت بها يا صاح وجداً على وجدي
ولكنها مجموعة قد تجمعت ... بها نسخ تحكي الزواهر في العد
حوت حكما واستحكمت بأدلة ... تدل على نيل السعادة والقصد(1/349)
عقيدة أهل الحق من كل جهبذ ... هم القدوة المثلى لمن كان مستهدي
تقدم هذي السبع منها قصيدة ... لحبر بني قحطان والعلم الفرد
ويتلو سناها في الثنا واسطية ... وهاهي في التحقيق واسطة العقد
وميمية ابن القيم الجهبذ الذي ... به الله أحيا دارس العلم والزهد
ولامية السامي الذرى ابن مشرف ... وميمية فاقت على عبهر الند
وبائية الشهم الغيور أخي العلى ... أمام بني صنعا وتاج ذوي المجد
وتائية كالدر أندلسية ... تحت على كسب الفضائل بالجد
فسمعاً لما فيهن فاعتصموا به ... لتحظوا بدار الخلد في العيشة الرغد
وعضوا عليها بالنواجذ واسمعوا ... نصائح منها لا تنهنه بالعد
على منهج الأصحاب والسلف الألى ... أقاموا عماد الدين بالصارم الهندي
وقد أصبحت ترمي نجوم سمائها ... بشهب شواظ ويك مسعرة الوقد
على تابعي علم الكلام وأهله ... لقد أصبحوا عن منهج الحق في بعد
وقد سفهت أحلامهم حين مانحوا ... مسالك جهم واقتفوا مذهب الجعد
وقد عطلوا رب الورى عن صفاته ... لرأي شيوخ خالفت سبل القصد
وقالوا بأن الله ليس بمستو ... على عرشه بل قابلوا ذاك بالرد
وقد أنكروا معراج أحمد حيثما ... حباه إله العرش بالقرب والود
فدع قولهم يا من يروم سلامة ... فإنا نرى أقوالهم جرباً يعدي
فما الهدي إلا هدي أحمد لا كما ... يقول أولو التعطيل والمذهب المردي
فكن تابعاً ما قاله سيد الورى ... وقال به الصحب الكرام أولو الرشد
وتابعهم ثم الأئمة بعدهم ... كمالك والنعمان ذي العلم والزهد
كذا الشافعي الحبر ثم ابن حنبل' ... إمام مردي ذوي الزيغ والجحد
وكل إمام بعدهم ومحقق ... فهم قدوتي حتى أوسد في لحدي
فكن تابعاً ما قرروا في اعتقادهم ... وكن حذراً من منهج الخاسر الجعد
وقال مؤرخاً عام طبعه، وانتشر نفعه:
زهت روضة الإيمان وابتهج التقى ... وشيد عماد الدين من بعد وضعه
ولاحت شموس العلم في أفق الهدى ... وحلت بدور الفضل في سوح ربعه
وقرت عيون الحق بعد عمائها ... وبان من التوحيد أعلام رفعه
بطبع كتاب قد حوى كل محكم ... من القول من هدي النبي وشرعه
لقد ربحت فيه تجارة مقتف ... وخاب امرؤ قد فاته نيل نفعه
به فافتخر يا من يؤرخ مجده ... فقد سطعت في الكون أنوار طبعه
قال مادحاً الشيخ القادم إلى رحمة الله وغفرانه المرحوم قاسم بن محمد الثاني عليه الرحمة والرضوان:
شجاني بسفح البان سجع الحمائم ... فحل عزالي مقلتي بالسواجم
وأرقني منها ترنم نوحها ... وما ليل مأسور الفؤاد بنائم
وأجج في كانون قلبي ناره ... فزاد غراماً بالأسى المتفاقم
وما ذاك من وجد بسلمي وزينب ... فما أعقل من يهوى الحسان بسالم
فلا الوصل من سلمى بأسنى مآثري ... ولا زينب في القرب خير مغانمي
ولا شاقني ذكرى حبيب ومنزل ... ولا خفقت قلبي بروق المباسم
ولكنه يا سعد شوقاً لماجد ... يزيل عن العاني ثقال المغارم
فقد طفت في شرق البلاد وغربها ... وسيرت رحلي بين تلك المعالم
فلم أر من يرجى لكشفت ملمة ... ولم أر من يهوى اكتساب المكارم
فناد دع التسيار عنك فلن تجد ... لعمرك مطلوباً سوى الشيخ قاسم
همام لنصر الحق أضحى مجرداً ... ولا يختشى في الله لومة لائم
وندب له كسب الفخار سجية ... وميراث آباء أباة أكارم
وطود منيع لا يرام وجاره ... عزير وما اللاجي إليه بنادم
تضلع من علم وفهم وعفة ... وأمسى لديه الجود أسنى المغانم
فدته أناس لا تهش لمدحه ... ولا ترتجى يوماً لكشف المظالم
فمن حل في أرجائه حل آمناً ... وراح بعز من معاليه دائم
له صدمات أرجفت قلب ضده ... وما ليل من عادى علاه بنائم
مواقف صدق طم فيها على العدى ... ببحر حديد بالقنا متلاطم
فسل قطراً عن فعله أو سل الحسا ... وماذا حسا أعداؤه من علاقم(1/350)
وسل عنه جند الروم ماذا أصابهم ... وما بالهم أضحوا طعام القشاعم
وسل عنه خنوراً من حل سوحها ... وماذا دهاهم من سيول صوارم
وإن بني ثاني على البعد والنوى ... لبيت فخار ويك سامي الدعائم
أياديهم مشكورة لذوي العلى ... وأيامهم مشهورة في المواسم
أبا فهد يا فخر من سكن الفلا ... ويا عز أصحاب القرى والأعاجم
لكم عندنا أيد جزيل نوالها ... وإن علينا الشكر ضربة لازم
وما عندنا شيء يكافئ حقها ... سوى در نثر أو لآلئ ناظم
فلا زلت يا شمس السماحة والعلى ... بعز على مر الجديدين دائم
وكان لك الباري معيناً مساعداً ... لتنصف أهل الحق من كل ظالم
وله على الله عنه يمدح السيد طالب النقيب، وهي طويلة جداً فاختصرت بعضها وهي من غرر القصائد وفائق الشعر:
فؤادي إثر الظاعنين عميد ... وصبري إذا جد المسير فقيد
وشوقي إلى نجد وأطلال رامة ... سقتها الغوادي يا هذيم شديد
وإن غرامي باللوى وظبائه ... وسكان سلع ما عليه مزيد
تريد شجوني ما أضاءت بذي الغضا ... بروق وحنت بالعقيق رعود
ويسفح دمعي ما جرى الخفيف من منى ... فبحر دموعي وافر ومديد
ألا يا لقومي للصبابة والأسى ... فهل من مجير إنني لوحيد
عدمتكم هبوا لإسعاف مغرم ... به بين أفلاذ الضلوع وقود
أيهنيكم أن يحمل الضيم جانبي ... وأنتم على لين الوطاء رقود
تبيت فتاة الحي تردع همتي ... وتزعم أني في اللقاء شرود
اذاً لا نمتني من تميم كرامها ... ولا نجحت لي في العلاء جدود
بل إنني في مأزق الحرب فارس ... تحطم من فتكي ظبى وبنود
وإني في الهيجاء مسعر نارها ... وليث شراها إذ تذل أسود
وما ملكت مني القياد كماتها ... ولكن سبتني بالكريهة خود
وقيدني في ربقة الأسر حبها ... وللصب في أسر الغرام قيود
فما عشت لا أنسى ليال تصرمت ... بربع زرود لا جدبت زرود
وساعات أنس قد بلغت بها المنى ... إذ العيش غض والرقيب بعيد
وقد نسجت أيدي الربيع مطارفاً ... تفتح من أكمامهن ورود
فاضحك ثغر الأقحوان بأدمع ... بها أعين الغيث الملث تجود
ورصع في روض الشقائق أنجماً ... ولاح على عطف الشقيق برود
وإذ أشرقت نار المجوس بأكؤس ... لدنها الندامى ركع وسجود
شمول إذا ما مسها المزج أبرزت ... فقاقع تحكي الدر وهو نضيد
مشعشعة يعشي العيون سناؤها ... لها في العصور السالفات عهود
تطوف بها ريا الخلخل ناهد ... مهفهفة غرثى الوشاح ميود
بعيدة مهوى القرط لمياء ناعس ... تقد الحشا منها نواظر سود
تأرج من أردانها المسك فائحاً ... وضرج منها بالدماء خدود
تصول علينا والسيوف لواحظ ... وتفتك فينا والرماح قدود
وتبسم عن در نضيد وحبذا ... إذا لاح منها برقع وعقود
اما وبدور اشرقت وهي أوجه ... وسود ليال طلن وهي جعود
وأغصان بان تنثني في غلائل ... وسمر رماح فوقهن برود
لقد رقرق الدمع الهتون بمحجري ... شهيد غرام بالدمى وصدود
ولم ألف من عون سوى الشهم طالب ... وحسبي بمن فيه الكرام تسود
رفيع الذرى ليث الشرى عمت الورى ... مكارم منه يا هذيم وجود
فتى لا يراع المستظل بظله ... وعيش الموالي في حماه رغيد
وقرم إذا هز اليراع بكفه ... تسيل نفوس أو تسير جنود
وندب إذا ما أعطل الأمر حله ... بعزم به شم الجبال تميد
ومنهل جود أمه الناس فانثنوا ... لهم صدر من فيضه وورود
وسائس ملك في الرياسة معرق ... يدل بني السادات كيف تسود
وذو رتبة قعساء أما عروقها ... فتزهو وأما ظلها فمديد
وشهم دعا العليا فلبت كأنما ... عليها من العهد القديم عهود
وحاز فخاراً من طريف وتالد ... وما الفخر إلا طارف وتليد
فما سيفه المشهور إلا كبارق ... له فوق هام المعتدين رعود
وما ربعه المعمور إلا مرابع ... إذا سار وفد حل فيه وفود(1/351)
أخو همة يستصغر الدهر عندها ... وشأو إذا رام البعيد بعيد
يجلي ظلام المشكلات إذا دجت ... بصائب فكر والأنام رقود
فسل عن عطاياه خزائن ماله ... وعن بذله التيار حين يجود
يبن من عطاياه وحسن صنيعه ... قلائد في جيد الورى وعقود
له كل يوم للمفاخر نهضة ... وكسب ثناء والأنام هجود
وعزم لو أن البيض تحكيه ما نبت ... لها من رؤوس الدارعين حدود
إلى أن قال:
وفيك أرى الفيحاء يزدان ربعها ... وبحر نداها وافر ومديد
شفا النفس أن تسمو بعلياك رتبة ... وينقاد دهر أنت فيه وحيد
فلا زلت يا شمس السيادة في العلى ... وشانيك في كل البلاد طريد
ودمت مهنى في هناً ومسرة ... لها ما بقي هذا الزمان خلود
تم الاختيار من شعر الشيخ علي بن سليمان آل يوسف رحمه الله تعالى ويليه الاختيار من شعر الشاعر المشهور بطرس النصراني.
شعر بطرس النصراني
قال مجاوباً السيد الشيخ عبد الجليل الحسيني عن قصيدة أرسلها له جواباً عن قصيدة أرسلها إليه أولها:
سرت بالهنا سعدى إلي على بعد ... فأدنت كما شاءت جنى ثمر الورد
فأجابه بطرس بهذه الدالية يقول في مطلعها:
أنت تنجلي حسناً فهل نافع جدي ... إذا لم يساعدني على وصلها جدي
سلاها فؤاداً ما سلاها ولم يزل ... يهيم بها وجدا على القرب والبعد
غزالة حسن بالغزالة تزدري ... ومن عجب اشتاقها وهي في كبدي
إذا نسمات التيه لاعبن قدها ... فيا خجل الخطي ويا خجلة الملد
محجبة كم بات دون حجابها ... أخو لوعة بين الصبابة والوجد
مولعة بالفتك نادت لحاظها ... قفوا وانظروا فعل الجآذر بالأسد
وأبدت نبال الغنج في قوس حاجب ... وابيض فصالاً بأدعج مسود
في الجفن كسرى والنجاشي خالها ... نزيل على النعمان في روضة الخد
لقد غصبت مني الفؤاد وهاجرت ... أما للهوى شرع فيحكم بالرد
رأتني فقالت من أرى قلت مغرم ... أراقت دماه مقلتاك على عمد
ألا رب يوم والزمان مساعد ... ولم يك فيه من رقيب ولا ضد
أتتني بليل من ذوائب شعرها ... تجر على آثارها فاضل البرد
تميس وفي الأعطاف لين وصبوة ... وفي النشر من أردانها أرج الند
ومن ورد خديها ونور جبينها ... لقد بت أروي شرح لامية الوردي
رنت بلثام عن غدائر فرعها ... فحقاً رأيت الشمس في الحالك الجعد
تقول وقد هزت من القد أسمراً ... حذار رماح الخط من أسمر القد
ومنت وما أضنت بكأس مزاجها ... من المبسم الدري والحبب الشهد
تدير الحميا من سلافة ثغرها ... لتجمع بين الهزل في ذاك والجد
مداماً على أقداحها الزهر أشرقت ... حباباً يبث الروح في الحجر الصلد
تشابه لوناً خدها وسلافها ... ومن شبه لم أدر أيهما قصدي
فاحتسب الصهباء خدا وخدها ... سلافاً وقد أضللت بينهما رشدي
وشابه منها الثغر كأساً تديرها ... كما أشبه الدري كوكبها النهدي
نسيم الصبا إن جئت دار أحبتي ... سقاها الحيا غيث السماحة والرفد
فبثي من المشتاق نشر صبابه ... لسحار جفن عنده مثل ما عندي
يبلغني نشر الخزامى حديثه ... ويخبرني عن ثغره البارق النجدي
فابكي لذكراه ويبكي مردداً ... لذكري در الدمع في درر العقد
فكم بات مهتوك النقاد موسداً ... على عفة يهتز وجد على زندي
إلى الصبر أشكو ما لقيت من النوى ... وهيهات صبري إن شكوت له يجدي
وعاهدت قبل البين تصبرا ... ففر ولم يحفظ غداة النوى عهدي
نديمي أدر كأساً بذكرى الحادثات فإنها ... تدور مع الأيام بالحل والعقد
وباكر صبوحاً كالصباح وغنني ... بذكر الحسيني لا بنهد ولا دعد
خدين العلى عبد الجليل ومن غدا ... بآدابه الغراء كالعلم الفرد
هو البحر مداً بالعلوم ولم يكن ... بساحله جزر يطول على المد
فضائله بين الأنام كأنها ... نجوم سماء ليس تحصر بالعد
سليل كرام من مهذب ... أخي شيم قد طابقت شرف الجد(1/352)
فلم تره إلا مقيماً على الثنا ... ولم تلقه إلا الموشح بالحمد
فمن أدب زاه تسامى محامداً ... ومن نسب باه تزين بالمجد
إمام بني الآداب بالنفس تشتري ... على ربح فضل ما يعيد وما يبدي
لقد أنفذ الآذان دراً تلألأت ... فرائده نظماً يجل عن النقد
كريم حليم طاهر حسن الوفا ... شريف منيف قدره صادق الود
أبحت الورى مدحي فإذا الورى ... جميعهم مثلي ولست أنا وحدي
ألا أيها الندب الذي شاع فضله ... وليس له عند البلاغة من ند
أتاني بلا وعد كتابك زائراً ... ولله محبوب يزور بلا وعد
هو التحفة الزهراء من خير ما جد ... له الفضل من قبل علي ومن بعد
به من بنات النظم هيفاء غادة ... تجاوز معناها البليغ عن الحد
فكم من زهير تحت أزهار لفظها ... وكم طرفة تزهو على طرفة العبد
فمن كل معنى ألف بيت لناظر ... ومن كل بيت ألف معنى لمستجد
فما قيس مع لبنى يقبل ثغرها ... وعبد بن عجلان يدير لمى هند
بأوفر منى لذة حين أقبلت ... تبلغ من مولى ثناء على عبد
كفاني حديث الغانيات نسيبها ... وأغنت عن الصهبا فصيرتها وردي
ولما شفى قلبي الكئيب وصالها ... غفرت لدهري ما جناه من الصد
وصيرتها في غربتي خير مؤنس ... وأنزلتها في منزل الأهل والولد
وسميتها سلوى الغريب لأنها ... ألذ من السلوى وأحلى من القند
فمنى لها أهدي إليك وليدة ... جويرية فاقبل بفضلك ما أهدي
وخذها بعفو عن قصور فإنها ... بنية نظم من مقل على جهد
سرت من بلاد الروم وهي رقيقة ... ومن عجب أن لا تمل من الوخد
فلو كنت حسان البلاغة لم تقم ... بجمع معانيك الحسان يدا جهدي
وحسبك منها إنها من موحد ... بحبك عن توحيده غير مرتد
تسير بها أشواقها ودليلها ... نوافح فضل منك لا نفح الرند
لها كل يوم في مديحك رغبة ... ولكنها عن مدح غيرك في زهد
كريمة نفس وهي بنت كرامة ... تهادي كريم الدر أكرم مستهدي
بأوصافك الحسنى تتيهُ وتنجلي ... بحسن إلى روض البلاغة ممتد
فلا زلت مأوى كل عزٍ ومدحةٍ ... تزف لك الأشعار وفداً على وفد
وتخدمك الأيام فيما تريده ... سليم المنى من حادث الزمن النكد
قرين التهاني والمسرات ظافراً ... بنيل الأماني لا بسن حلل السعدي
وقال مادحاً عبد الله البحري كاتب خزانة والي الشام:
يهيجني تذكار خل كما البدر ... فليت التنائي لم نجده ولم ندر
أحن إذا ما ناح قمري روضة ... حنينا ًبأشجان يزدن على الصبر
رعى الله أيام مضينا فلم يكن ... لنا بعدها إلا التلذذ بالذكر
أويقات إنس قد سلفن بلذة ... وعصر هني كان يحسب من عمري
أبيت ولي قلب يهيم بذكرهم ... غراماً وأشواقاً توقدن بالجمر
خليلي عوجاً بالمنازل والحمى ... وقولاً لمن أهواه صبرك بالأثر
وخد سبتنا باللحاظ فلم تدع ... لناظر جفنيها فؤاد بلا سحر
مهفهفة بيضاء نور جبينها ... إذا أظلم الديجور يغني عن البدر
كأن الثريا عقد درٌ بجيدها ... توارت حياء من ضيا المبسم الدري
إذا افتر منها الثغر أو لاح وجهها ... أرتك سهيلا قد تصور بالثغر
وفي فمها المطار كأس مدامة ... سلاف رضاب لا سلاف من الخمر
إذا هز بأن القد منها دلاها ... تميس بأعطاف ثملن بلا سكر
علق بها حباً فلما تملكت ... فؤادي وأحشائي تصدت إلى هجر
تثنت فبان البان خيفة قدها ... وماست فأزرت بالردينية السمر
رأتني فقالت من أرى قلت مغرماً ... قتيل الهوى بين القلادة والخصر
أرتنا من الأجفان سحراً كأنه ... أساطير عبد الله ذي القلم البحري
هو الجوهر المكنون دلت صفاته ... عليه كما دل السحاب على البر
به افتر ثغر للبلاغة مشرق ... كما افتر ثغر الروض عن مزنة القطر
إذا سن أقلاماً وقط رؤوسها ... يقول الردين خجلة قط لا أجري
وإن ضمن القرطاس خطاً تخاله ... جبين مليح قد تلألأ بالشعر(1/353)
بدا فضله لما تعالى يراعه ... بإنشائه البالي كعقد على نحر
تقول له الحسناء حلوا بخطه ... على الورق تشبيه الوسام على صدره
فكم قلم هندي بدا في بنانه ... يفاخر هندياً صقيلاً إذا يسري
ويبدو لنا من قمه كل مطرف ... نوادر إنشاء أرق من السحر
أليس من الإعجاب أن جواهراً ... ودراً يرين في الطروس من الحبر
إذا مد قرطاس وأنشأ رسالةً ... يجر على سحبان أردية الستر
قلائد عقيان البديع كتاب ... عبارته الفصحاء تغني عن القطر
مهذب خلق في فصيح خطابه ... يشير لنا عما تضمن بالفكر
فكم وشح القرطاس برد رسالة ... مؤنقة زهراء تركية بكر
تقر لها الأتراك بالفضل إنها ... لهم تحفة جاءت تفوق على الزهر
لقد كان للكتاب ياقوت قدوة ... قديماً وأما الآن قدوة العصر
ألا أيها الكتاب عوجوا لنحوه ... تروا مورداً عذباً فموردكم يجري
وقال متغزلاً:
باح الفؤاد سر كنت أخفيه ... فكيف يخفي الهوى والشوق يبديه
ما زلت أكتم سر الحب في كبدري ... حتى أباحت دموعي بالذي فيه
وحق أيام أنس واللقاء بها ... وحق ورد جني كنت أجنيه
وحق ما فعلت تلك الجفون بنا ... وحق خمر حواه الدر في فيه
ما باح نطقي لكتمان الهوى أبداً ... لكن طرفي أبدا ما أواريه
وجد بي الوجد من عذل العذول وكم ... بدا رقيب بهذا الوجد يلحيه
فيا ليال قضيناها معانقة ... مع الحبيب قصيرات بناديه
وكم أويقات أنس بالربوع لنا ... فوق الأماني سقاه الغيث ساريه
كم موعد قد أقمنا للقاء بها ... وضمنا الربع إذا ضمت حواشيه
يا طالما ذاب قلبي في قواه وكم ... بدا لي ويلاً برشف الثغر ينشيه
عجبت من شخص قلبي مات فيه أسى ... وكيف رشف زلال الريق يحيه
فيا نسيما سرى من مهجتي سحراً ... قف بالجديد واعطف عن يمانيه
تجد نسيم غرام نافح وبه ... معطار نشر فعرج نحو هاديه
وسر بلطف إلى المحبوب متبعاً ... شذاء عرف ذكي شم من فيه
فانزل وسلم على ذاك الغزال وقل ... يقريك حبك شوقاً كاد يفنيه
واخفض جناح لديه عند رؤيته ... واشرح غرامي الذي فيه أعانيه
وقد تركت كئيبا فيكم شبحاً ... من الصبابة قد بانت خوافيه
يا صاح إن جزت ذاك الحي معتمداً ... نحو الأنيس الذي طابت أمانيه
أو جئت يا صاحبي نحو الديار فجز ... حمى العبيد وعطفاً عن شماليه
واقرأ تحية حب كالخيال فلم ... يدع له الوجد معنى من معانيه
فيا لو يلا تنا اللاتي سلفن لنا ... هل أنت بالطيف ميت الحب تأتيه
أحبابنا لم يكن لي بعد بعدكم ... صبر لا جلد مما أقاسيه
لك السلام أيا ربع الحبيب ويا ... حمى الحبيب ويا مغنى أهاليه
لك السلام يوم العناق ويا ... يوم الوداع ويوم ألاقيه
وقال متغزلاً أيضا:
أراك سخي الدمع طال بك الأمر ... أبرح فيك الحب أم نفذ الصبر
أبحت الذي كان عندي مكتماً ... وأعلنت وجداً فيك أم خفي السر
نعم أني في الحب ميت صبابة ... فأطوي غراماً ثم ينشه الفكر
يهيجني ذكر الربوع وأهلها ... وكل أخ عشق يهجيه الذكر
تذكرت أزمان الأحبة واللقا ... ليالي وأيام بوصلهم قصر
ليال قطعناها ونحن بمجلس ... تجلى على بدر السماء لنا بدر
من الخود هيفاء القوام غريرة ... تحلت بها الجوزاء وابتهج النسر
وقد ظهر المريخ في سيف لحظها ... وقابلت الأطمار فأنهم الأمر
ومن نور ثدييها النور قد اكتست ... ومن سحر جفنيها لقد علم السحر
كلفت بها حبا وشط مزارها ... وكم منع العشاق من لذة الدهر
رضعت هواها ثم صرت فطيمها ... بدأ الهوى حلو وأخره مر
ويوم على وصل المشوق تعذرت ... فلذ لنا سقم ولذ لها هجر
لقد كنت في رحب وبين غرامها ... فرحت بها مضنى وضاق بي البر
ألا رب يوم كان ل فيه موعد ... بصدق اجتمع الشمل وارتفع العذر
فجئت وقد غاب المنيران والسها ... وقد ظهرت في الأفق أنجمه الزهر(1/354)
ولما توافينا وقد غابت كاشح ... ونام رقيب واطمأن من القدر
أماطت عن الوجه المنير لثامه ... فأشرق منه البدر إذا بسم الثغر
تزود عن المرجان في صحن خدها ... حياءً بأجفان لها النهي والأمر
وأزرت قضيب البان لما تمايلت ... بأعطافها الحسنا يرنحها سكر
وأعجب مما في الجبين رأيته ... ظلاما وصبحا لاح بينهما بدر
فلولا ظلام الشعر لاح لنا الضيا ... ولولا ضياء الوجه جن بنا الشعر
فباتت تعاطيني المدلم صبابة ... ومن ثغرها الألمى المدامة والخمر
تدير الحميا بالظلام على سنى ... وأضممها شوقاً فينعطف الخصر
وما راعني إلا الصباح مفاجئاً ... وقد ذهب الديجور مذ طلع الفجر
ولما اعتنقنا للتودع وانقضت ... لويلتنا رحنا وأدمعنا بحر
وقمت عليلاً بالغرام مقيداً ... وأودعتها قلباً تلظى به الجمر
وكتب مجاوباً لنصر الله بن فتح الطرابلسي الحلبي ولم يكن احدهما لقي الأخر:
ورد الكتاب مسرحاً ومسطراً ... بحديث محبوب عشقت ولم أر
وافي وكان ورده ورداً لذي ... ظمأ به الغرام وأسعرا
ففضضت منه ختامه ولطالما ... فاضت دموع قبله لن تنكرا
ولثمت محياه فأشرق ثغره ... ورشفت كأساً من لماه معطرا
وثملت لما رشفت سلافة ... صهباء حب لا سلافاً أصفرا
أهدي إلى المشتاق نشأة مغرم ... فاحت رياح الشوق منها عنبرا
فكأن أسطره ذوائب غادة ... هيفاء لاحت من ترائب قيصرا
أو أن أحرفه مراشف أعين ... تعطي الرحيق معللا ومقطرا
وقلائد العقيان خلت جمانه ... أو ثغر محبوب تبسم جوهرا
أربي على سحبان سحب فصاحة ... لو شامها الكندي عاد مؤخرا
وكذا ابن ساعدة الأيادي لو رآ ... هـ لعاد منه مخجلاً متسترا
رق النسيم للطف معناه كما ... شهد الفؤاد فصاه لما قرا
يا حسن بق من محياه بدا ... عن نصر فتح الله لاح مخبرا
نشأت بنصر الله روح صبابة ... وأبى الفؤاد لغيرها أن يذكر
فرع لفتح الله أينع مخصباً ... بحديقة الآداب شب وأثمرا
ولذا اسم قلبي حين أشبه قلبيُ ... قلناه صرف الحب لما أن طرا
فإليك يعزى الفضل يا من لاح لي ... منه الوداد ولم يراني ويصرا
قراباً لدار كنت فيها وحبذا الش ... هباءُ نصر الله فيها قد سرى
واهاً لها لما حللت ربوعها ... رغداً وآهاً من بعادك أوفرا
يا ليت لا كان البعاد ولا النوى ... ياليت لا شط المزار ولا الذرى
أواه من حر البعاد وطالما ... جار البعاد على الأحبة وافترى
خذها لقد وافت من ابن كرامة ... برسائل الأشواق تهدي الأسطرا
تنبيك عن حب سماعي الهوى ... متجاوز حد القياس لدى الورى
فأجابه نصر الله المذكور من البحر والقافية بقوله:
زند القريحة مذ علقت بكم ورى ... يا من شهدت بحبهم بين الورى
وجعلت شخهم أمامي قبلة ... هيهات أن أرضى الرجوع إلى الورى
لولا توقع ضيف طيف خيالكم ... ليزورني زوراً لما اشتقت الكرى
كلا ولولا بارق من أرضكم ... ما أرسلت عيني سحاباً ممطرا
يا من كلفت بهم ولم أرى وجههم ... إني أراه بالفؤاد مصورا
ما كنت أشتاق النسيم هبوبه ... إلا لعلمي أنه عندكم سرى
فسقى طرابلس السحاب ليهُ ... سحاً وتهتاناً يرى متفجرا
بلد كأن الدهر عاندي بها ... فاستاق أهلي قبل أن أطأ السرى
لو فاخرت كل البلاد بأن في ... ها بطرس لكفا بذلك مفخرى
الأوحد ندب الفريد الأمجد ... الندس المجيد الألمع الأنورا
أقسيم روحي بل حشاشة مهجتي ... بل تاج أرباب الكمال بلا مرا
وفي كتابك موضحاً لبلاغة ... لو ناظرت ذاك الصفا تكدرا
وثملت لما أن رأيت جماله ... فغدوت معروفا وكنت منكرا
في ضمنه عربية قد أعربت ... نظماً فما طائيهم والشنفرى
وأهاجت الأشواق مني ظاهراً ... إذ كان حبي بل ذلك مضمرا
وغدا بقلبي لوعة فكأنها ... بين الجوانح نار أسعد للقرى(1/355)
وادمع من عيني حكى صوب الحيا ... بل كف أسعد حين يكن مقترا
يا نخبة الفضلاء بل يل سيد الشعراء بل مولى الكمال الأكبرا
من قال مثلك بالبلاغة كائن ... قد جاء إذاً بل جديثاً مفترى
خذها إليك عقيلة حلبية ... ولديك من خجل تروم تسترا
فاسبل عليها ذيل عفوك كونها ... إن قصرت عن شأَو تلك فتعذرا
شتان ما بين البديع وباقل ... أني يقاس يدا الثريا بالثرى
واسلم ودم بمهابة وكرامة ... يا مورداً لم أرض عنه مصدرا
ما سارت الركبان تقطع فدفداً ... من عاشق ولهان يهدي الأسطرا
قال مجاوباً له (عن كتاب نثري) :
زارت فكان بالأمر الله أسراها ... غراء قد خطرت فالكل أسراها
خليلة المجد قد هام الخليل بها ... وبات من وله بالنحو يهواها
أحيت عروض فؤاد الحب مذ بسمت ... ثغراً وقام إن بسام لمحياها
ترى شقاق خديها ممنعة ... عن ثابت وعن النعمان نعمان
أربت علىابن كثير في محاسنها ... حسناً كثيراً وعين اللطف ترعاها
بكر لمى فمها عذب مراشفه ... صافي المودة عند الب أوفاها
لو قابل العامري أسرار طلعتها ... لها في بيتها المعمور أو باهى
رشيقة اللفظ قد جادت وقد سمحت ... من البديع بما نالته كفاها
شمس تبعدها العبدي مذ بزغت ... يوماً وأغنت عن المغنى بمغناها
واستمطرت لؤلؤاً من لؤلؤ وروى ... عن النسيم غصون البان عطفاها
كأنما القطر من ترشاف ريقها ... يحيي بمبسمها صباً معناها
شهباء وافت من الشهباء ترتع في ... بين المضارب من عدنان مرباها
رقت كما رق جسمي في الهوى أسفاً ... لبعد من بلآلي نظمها فاها
البارع الفاضل الموصوف سيدها ... رب المفاخر من بالحسن أنشاها
المشعل إلى الآداب وهي له ... عرفاً ويزرع في أحكام مجاها
سباق غايات نظم فالبروق إذا ... جارته أوقفها سيراً وأعياها
في النظم تصفوا له أهل القريض وكم ... قلائد من لآلي النثر وشاها
تملك الروع مني حبه ودت ... بين الجوانح نار الشوق يصلاها
بحبه يا هواه جد بطرق كرى ... لعل بالطيف تلك الذات نلقاها
ويا نسيم الصبا إن جزت مربعه ... فخبري عن صباباتي وشجواها
وإن ظفرت بشيء من براعته ... لو لم يكن في جنان القلب مأواها
قد كاد يتلفني شوقي لطلعته ... لو لم يكن في جنان القلب مأواها
سقيت يا حلب الشهباء غيث ندى ... وجاد ربعك م الأنوار أنداها
شهباء مذ بزغت خضراء مد نثرت ... قعساء منبت زهر العز صحراها
جليلة القدر ذات الفخر معجبة ... جلا العيون من الأقذاء مرآها
فاقت على كل مصر وهي مشرقة ... ثغراً أضاء بنصر الله منشاها
يا سعد من نظرت عيناه روضتها ... ونز الطرف في فياح مغناها
حسناء غارت على الحور الحسان ضحى ... فاستخلصت من ثغور العيد لألاها
إني متيما إني المشوق لها ... إني المعنى بها إني لمضناها
يا صاحبي أطرباني وأنشد سحراً ... وعللا الصب من وجد بذكراها
عذراء مدت على كل البلاد يداً ... مخضوبة الكف وأشواقي لحناها
يا فاضلا حل في ساحاتها رغداً ... بشراك في عزها إذ فيك بشراها
وافت رسالتك الغراء تبسم عن ... در تضمن نثراً في ثناياها
أهدت كؤوساً بأسماع الورى شربت ... فعطلت كل خمر عند صهباها
تفاعست فتدانى كل مرتفع ... لما سما في القرطاس برداها
فاقت على العرب لما أعربت ورووا ... عنها البلاغة لما استنطقوا فاها
تفاخر الناظمون البارعون بها ... والكل يعجز عن إدراك معناها
مني إليك لها أهديك جارية ... مغضوضة عن قذى النقصان عيناها
من العدية قدماً غرس كرامتها ... والآن في روضة الفيحاء سكناها
فاسبل عليها ذيول الستر إذ خطرت ... ترجو القبول ورفقاً عند مسراها
هل ظالع مدرك يوماً على عجز ... شأو الضليع فعفواً عند مرماها
واسلم ودم في هناء غير منتقل ... ورتبة فوق مرقى الشهب مرقاها(1/356)
ما قال حبك عن شوق وعن ولهٍ ... زارت فكان بنصر الله أسراها
فأجابه نصر الله:
زارت بلا موعد ما كان أو فاها ... فهل أرى البدر أم ذي الشمس أوفاها
غراء يروي عن الضحاك مبسمها ... وقد روت عن أبي در ثناياها
وريقها العذب يروي في تسلسله ... عن المبرد والوردي خداها
وطرفها عنه مكحول روى سندا ... كما روى ابن هلال عن محياها
بديعة الحسن في خلق وفي خلق ... بيانه والمعاني من رعاياها
تتيه عجبا بخصر غير مختصر ... وردفها ثقله لا شك أعياها
تجلو الظلام بظلم اللعس من شبم ... ويجلب الليل بعد الصبح فرعاها
غصن إذا خطرت شمس إذا ظهرت ... ريم إذا نفرت واهتز عطفاها
ممنطق بعيون خصرها نظراً ... مخصب بدما العشاق كفاها
بالفضل كاملة بالحسن وافرة ... فجل من فتنة للناس سواها
غدوت في حبها لا أرعوي أبداً ... فهل ترى ذكرت من ليس ينساها
وهل بها مثل ما بي من هوى وجوى ... ولوعة كل نار دون أدناها
وهل تسامر نجم الأفق ليلتها ... شوقاً ولم تكتحل بالغمض عيناها
وهل تفي بمواعيد لنا سلفت ... وهل تراعى عهوداً قد رعيناها
وهل تضمن على المضنى بما وعدت ... بزورة في الدياجي لا عدمناها
وهل ترق لمكلوم الحشا دنف ... ماكان يعرف ما الاشجان لولاها
نعم نعم إنها تبغي لقاي كما ... أبغي لقاها وتهواني وأهواها
لم أنس لا أنس إذ زارت مسلمة ... وحنها عاد مقرنا بحسناها
فقمت أنشد من شو ومن طرب ... يا من بزورتها أحيت لقتلاها
يا فتنة لم تراعى في رعيتها ... حق العبيد ولا حنت لأسراها
ملكت رقي وهذي العين جارية ... أسرفت في الصب جوراً اتقي الله
فمهمل الدمع لما سال أعرب عن ... ضمائر في الهوى كنا سترناها
فاستضحكت ثم قالت وهي معجبة ... لا تعدي من لك روح أنت راه
فأسقطت دررا بالفظ من درر ... وأسكرت كل صب من حمياه
وفضلها عما كلا عندما سفرت ... لأنها أخذت من فضل مولاها
السيد المدره الملسان بطرسمٍ ... قد نال من طبقات الفضل أعلاها
اليلمع المسقع اليهفوف من وخذت ... نجب القريض إليه وهو وفاها
مولى البلاغة غواص غطامتها ... رب الفصاحة طلاع ثناياها
إذا انتضى القلم المحروث في يده ... يريك من واردات العلم أسناها
وإن يولج الصبح الطرس في غسق ... المداد فاتل وفل والليل يخشاها
سحر قصائده در فلائده ... بحر محامده يعييك أحصاها
الأريحي الذي ريح الوفا خطرت ... من عنده شفى الأرواح رياها
يا ذا العلا والولا والفضل من خلبت ... ألفاظ فيه قلوباً وهو يرعاها
وأوحد الناس إلا أنت معرفة ... ومنطقاً وكمالات رويناها
شرفتنا بكتاب منك قد بزغت ... أنواره فهدينا واقتبسناها
رسالة أرسلت للقلب تحفظه ... فما له ضاع مني عند مسراها
ظننتني بعدها نومي يواصلني ... فطال في الليل إيقافي وإياها
فيالها درراً من يمكم قذفت ... سفن العلوم فبسم الله مجراها
وشطرها من بنات البدو مشعرةً ... بالحب أشهد أن لا شعر إلاها
بلفظها فتنت لبي كما فتنت ... لبني لقيس فصار القلب مأواها
وصرت ألثمها شوقاً وأنشدها ... توقاً لمن لبديع النظم وشاها
إن أسعد الله عيني ساعة ورأت ... محياكم وجلت بالنور مرآها
غفرت للدهر ما أبداه من نكد ... ونلت من واردات العلم أهناها
صبراً فللدهر أوقات معينة ... ينال فيها الأماني من تمناها
ما زلت في نعم تترى وفي همم ... لا ترتضي منزل العيوق سكناها
ما قال ذو الشوق نصر الله من طرب ... وافت بلا موعد ما كان أوفاها
ومن جيد شعر بطرس قوله يتغزل ويتشوق إلى لبنان وقد بعث به المعلم نقولا الترك:
يا نائياً وفؤاد الصب مأواه ... رفقا ًبمن أضرمت بالوجد أحشاه
وعامل الله غدا دنفاً ... قد بات يرعى حبيباً ليس يرعاه
كسى النوى بدني ثوب السقام وقد ... نفى الحبيب منامي ورد ذكراه(1/357)
معذبي بالهوى عطفعاً على كبد ... أسير أيدي النوى والحب أغراه
دعاه يوم تنائينا الهوى فأتى ... طوعاً على عجل يسعى قلباه
لا أنس الله أيام الفراق فقد ... أودت بقلب فتى ذابت سويداه
حسبي الغرام الذي لا أرتضي أبداً ... إلا المنام قرى والبين ولاه
أستودع الله من بالطرف منزله ... حباً وإن سار كان القلب مسراه
إني ولو بالنوى والهجر أتلفني ... قرباً وبعداً على الحالين أهواه
سلوه أن يمنح المشتاق بعض كرى ... لعل طيف خيال منه نلقاه
لا آخذ إلا عينيه بما فعلت ... فالصبر ولى وهذا القلب يفداه
كيف السلو ولي العهد يذكرني ... من الحبيب وداداً لست أنساه
سقى معاهد لبنان الحيا غدقاً ... وجاده من سحاب الجود أوفاه
لقد سمى طوده بالأمن مفتخراً ... والبر زينه والعدل أنشاه
طابت مرابعه بالشيح واتشحت ... من الخزامى بثوب الرند صحراه
وقام غصن النقا يهتز من طرب ... لما شدت في رياض العز ورقاه
وفاح زهر الربى عرفاً شذا عطراً ... يا حبذانشره الذاكي ورياه
وغار سوسنه من عين نرجسه ... وقام ورد البها يزهو بسيماه
ولؤلؤ الطل في جيد الأقاح حكى ... ثغر الحبيب إذا افترت ثناياه
والياسمين من النسرين في وله ... يصافح البان لما اهتز عطفاه
وقال مادحاً علي بك الأسعد ويستعطفه وقد عتب عليه:
سل البان هل مرت عليه النوافح ... بوجدي وهل نمت بدمعي سوافح
وهل في ربى تلك الطلول مقيمة ... كعهدي على الأفنان ورق صوادح
سقى مدمعي الهتان فياح مربع ... تلوح به تلك الظباء السوارح
ولله مشتاق تذكر بعده ... فبات بأقداح الغرام يطارح
ومن عجب دمعي يفيض وفي الحشا ... سعير وزند الشوق وار وقادح
ولله صب حظه من أحبة ... بعاد وهجران ولاح يكافح
إذا ما دجا ليل الغرام تسهدت ... عيون لهجران الحبيب قرائح
فهل من رقاد والزمان محارب ... وقد هجر الأحباب والصبر جامح
إذا رمت كتمان الهوى باح مدمعي ... وإن الهوى العذري بالدمع بائح
يميناً بهم ما حللت عن قيد طاعة ... وهل حال عن رق عبد ومادح
فإني على عهد الوداد محافظ ... وإن وخدت بالبين عيس طلائح
ولي بين أطلال الحمى وهضابه ... فؤاد مهيم بالأجارع شاطح
أمالك رقي قل هجراً وجفوة ... إذا هجر الأحباب من ذا يصالح
رعى الله أيام التصافي وعهدها ... وأيام كنا للحبيب نصافح
وأيام عز نجتلي صفو كأسها ... هناء ولم ينجح إذا لام كاشح
بروحي دياراً قد سما برج عزها ... وطالت صحاريها وتلك الأباطح
بها خير قوم كالنجوم طوالع ... وغدران أنس بالسرور طوافح
تنوعت الأزهار في ظل دوحها ... فيا حبذا عرف من النشر فائح
وقامت بها الأغصان تهتز للصبا ... كأن غصون البان خود روادح
وفاضت عيون الجود فيها وقد زهت ... بمخضل فيحاها الربى الصحاصح
نسيم الصبا وهل نسمة من غيضها ... سحيراً وهلا من سذاها نفائح
ويا ماءها هل نهلة منك في فمي ... يداوى بها قلبي وتشفى الجوانح
ربوع ببرج المجد تسمو كما سمت ... بوصف العلي الأسعدي المدائح
أمير روت عنه المعالي فضائلاً ... وكل ثناء نحو علياه جانح
تظاهر في برج العلى نعم كوكب ... وفي بيت سعد بالسعادة لائح
إذا افتخرت الأمجاد يوماً فإنه ... على كل ذي فخر علي وراجح
غدا كفه للكف والو كف جامعاً ... فللضد أخاذ وللوفد مانح
همام تهاب الأسد صولة بأسه ... ففي العزم فتاك وفي الحزم ناجح
وفي البذل هتان وبالنصر قاطع ... وبالمجد معروف وبالرأي صالح
لقد خضع الأعدا لماضي يراعه ... فكيف إذا جاء العدا وهو رامح
إذا الخطب وافى مشكلاً أو معمياً ... فآراؤه للمشكلات شوارح
كفاني فخراً أنني من عبيده ... وقد فاخرت قبلي الرقاق الصفائح
فيعفو عن الجاني ويوسع بره ... فكنت انا الجاني ولا ذنب واضح(1/358)
أمولاي إن الحاسدين تفننوا ... بذنبي ولكن أنت عن ذلك صافح
فإني وإن لم أخط جئتك تائباً ... وإن كنت ذا ذنب فأنت المسامح
ولا أبتغي إلا رضاك لأنني ... عبيد ببحر من أياديك سابح
فشأنك صفح والسماح شعاره ... وبابك باب الحلم بالعفو فاتح
إذا صح لي من الرضى بت شاكراً ... وحققت أن الدهر بالعهد فاصح
وإن حزت صفحاً مثل عهدي بحلمكم ... فما الدهر إن خصم هو أم مصالح
فلا تنكروا عبداً نشا في نعيمكم ... أتقطع إذ تجني فروع سوانح
بنو أسعد للحلم أنتم وللرضى ... وإن جنت الظلماء أنتم مصابح
وإن شحت الأنواء أنتم سحائب ... وإن دارت الهيجاء أنتم صحاصح
لعلياكم هيفاء مدح تقدمت ... وفيكم لسان الحمد بالشكر فاصح
علي الرضى خذها بحلم ومهرها ... إذا سعدت عفو وهذا المهر رابح
فلا زلت ذا فضل يلألأ فضله ... تزف بنات النظم فيه القرائح
وقال متغزلاً ويذكر بعض معاهده:
سرى النسيم بعرف من ربى الطلل ... مؤرجاً بربوع الحي والحلل
محملاً نشر أشواق تفوح لنا ... شذاء عطر شممناه على عجل
أتى فخبر عن ذات الجعود وعن ... أم الخدود وعن دنانة الحجل
جرى فذكرني يوم الوداع وما ... عهدته باعتناق الحب والقبل
يا قلب صبراً وكن منه على أمل ... من حيث قررت أن العيش في الأمل
وذات حسن عرفناها وكم ذرفت ... يوم الرحيل دميعات على المقل
نأيت عنها ودهري غير معتدل ... وسوف من بعده يأتي بمعتدل
قامت تودعني يوم البعاد ضحى ... تميس مثل اهتزاز الشارب الثمل
ثم استمرت وقالت وهي باكية ... تالله ما عشت عن حبيك لم أمل
وأشواق قلبي لذياك الحمى وإلى ... أغصانه السالبات اللب بالميل
لله صب غدا بالوجد منفرداً ... مؤرق الطرف بياتاً على العلل
وجاذبته رياح الفجر عرف أسى ... ورنحت قده الأشجان بالوجل
يا حادي الركب قف بالشط معتكفاً ... نحو الديار وعج عن أيمن الجبل
وانشد هناك عن قلبي المشوق وسل ... ناشدتك الله عن جيراننا الأول
واحبس قلوصك يا حادي وعج بحمى ... وادي الجديد ذات السح والهطل
وسائل الريح هل مرت بذي حدر ... فوق الكناس ذوات الأربع الخضل
وقف بعوجاء وادي النهر واعش إلى ... تلك الطلول ومل بالربع واشتمل
عسى تصادف من أضحى به تلفي ... ومن سباني بنبل الأعين النجل
فاشرح له حال صب ما يكابده ... من لوعة البين والتشتيت والنكل
لولاه ما بات لي جفن أريق اسى ... كلا ولا فاض لي دمع على طلل
سقاك يار بع أحبابي ومعهدهم ... دمعي صباحاً ودمع العارض الهطل
فما فؤادي سلا عن حفظ حبهم ... وعهدهم ليس لي عنهم بمبتدل
كيف السبيل إلى السلوان يا تلفي ... هذا غرامي وفيه منتهى أجلي
يا صاحبي إذا شاهدتماه غداً ... فذكراه بماضي عيشنا النفل
وبلغاه وقولا في حديثكم ... الصبر غايته أحلى من العسل
وقال متغزلاً أيضاً:
كفي فإن سحاب الجفن قد وكفا ... وأنعمي إن ما لاقيت منك كفى
ما ترحمي حال مفتون الغرام ومن ... لغير حبك يوماً قط ما ألفا
قد حن لي مضجعي عند المنام كما ... قد رق لي عاذلي عند البكا لهفا
من لي بسحارة العينين مائسة ال ... عطفين قامتها الهيفا قد حكت ألفا
لم أنس حين أتت تهتز من وله ... لدى المحب وتثني قدها كلفا
ماست بغصن علاه البدر واك ... تسبت مستشرفين من البلور فد خطفا
يا عاذليَّ دعاني فالهوى تلفي ... ولست أصغي لعذل فاتركا السرفا
وعللاني بذكراها ومعهدها ... وأطربا مغرماً في حبها دنفا
أحبابنا كيف حال العهد عندكم ... إن الفؤاد بحال الحب ما خلفا
فمن رأى لوعتي بالوجد بان له ... صدقي وجدبه عشق وقد شغفا
ولو رأى وجهك الوضاح بدر دجى ... لعاد مستتراً أو راح منخسفاً
ول رأى المزن دمعاً كنت أسكبه ... هتان من مقلتي فيضاً لما ذرفا(1/359)
واستعظم الوجد صبري حين باعدني ... وسام للقلب سلواناً فما عطفا
معذبي والليالي بالهوى سلفت ... وخمر ثغر رشفناه فكان شفا
ما لذ جفني بنوم من بعدكم ... كلا وداعي الكرى بالطرف ما هدفا
لكنني والهوى قد بت ذا قلق ... أساجع الورق نوحاً كلما هتفا
هيهات ما كل ذي عشق أخي تلف ... كلا ولا كل حب بالغرام وفى
ومن غزلياته قوله:
يا مي يا ظبية وادي اللوى ... هواك لم يترك بقلبي هوى
يا هل ترى لاقيت مثل الذي ... لاقى معناك غداة النوى
أبيت أرى النجم ذا مهجة ... أضرم فيها الشوق نار الجوى
آها من البين ولوعته ... لولا النوى لم تلق صباً ثوى
واهاً لأيام مضت ذكرها ... ينشر وجداً في فؤادي انطوى
في ذمة الله حبيب إذا ... ما غاب عن عيني بقلبي ثوى
ذو قامة كالغصن مياسة ... من فوقها بدر الجمال استوى
أفديه دون الناس من شادن ... هاروت عن أجفانه قد روى
بدر إذا أسفر ريم إذا ... دنا رديني إذا ما التوى
مولع بالتيه لا يرعوي ... وخاطري عن حبه ما ارعوى
يا قمراً فارقه حبه ... ومن حميا ثغره ما ارتوى
وجؤذر يشتاق ناظري ... وإن يكن قلبي عليه احتوى
من سقم عينيك سقامي ومن ... نيران خديك فؤادي اكتوى
جد واردد النوم على مقلة ... ما سهرت قط بحب السوى
وابعث خيالاً منك يرتادني ... إذ علتي منك وأنت الدوا
وقوله:
ظبي بلبنان قد سلت لواحظه ... للعاشقين سيوف الغنج والحور
مورد الخد ساجي الطرف مبتسم ... عن الحباب وعن طلع وعن درر
في ذمة الله ذاك الريم إن له ... بين الجوانح عهداً غير مندثر
أفديه من قمر كم بن أرصده ... شوقاً له وهو في سمعي وفي بصري
لو لم يكن قمراً ضاءت محاسنه ... ما أصبحت داره تعزى إلى قمر
تم الاختيار من شعر بطرس ويليه الاختيار من شعر الرصافي البغدادي
شعر
الرصافي البغدادي
قال الرصافي البغدادي واسمه معروف:
أما آن أن يغشى البلاد سعودها ... ويذهب عن هذي النيام هجودها
متى يتأتى في القلوب انتباهها ... فينجاب عنها رينها وجمودها
أما أسد يحمي البلاد غضنفر ... فقد عاث فيها في المظالم سيدها
برئت إلى الأحرار من شر أمة ... أسيرة حكام ثقال قيودها
سقى الله أرضاً أمحلت من أمانها ... وقا كان رواد الأمان ترودها
جرى الجور منها في بلاد وسيعة ... فضاقت على الأحرار ذرعاً حدودها
عجبت لقوم يخضعون لدولة ... يسوسهم بالموبقات عميدها
وأعجب من ذا أنهم يرهبونها ... وأموالها منهم ومنهم جنودها
إذا وليت امر البلاد طغاتها ... وساد على القوم السراة مسودها
وصارت لئام الناس تعلو كرامها ... وعاب لبيداً في النشيد بليدها
فما أنت إلا أيها الموت نعمة ... يعز على أهل الحفاظ جحودها
ألا إنما حرية العيش غادة ... منى كل نفس وصلها ووفودها
يضيء دجنات الحياة جبينها ... وتبدو المعالي حيث أتلع جيدها
لقد واصلت قوماً وخلت وراءها ... أناساً تمنوا الموت لولا وعودها
وقد مرضت أرواحنا في انتظارها ... فما ضرها والهتفا لو تعودها
بني وطني ما لي أراكم صبرتم ... على نوب أعيا الحصاة عديدها
أما آدكم حمل الهوان فإنه ... إذا حملته الراسيات يؤودها
قعدتم عن السعي المؤدي إلى العلى ... على حين يزري بالرجال قعودها
لم تأخذوا للأمر يوماً عتاده ... فجاءت أمور ساء فيكم عتيدها
ألم تروا الأقوام بالسعي خلدت ... مآثر يستقصي الزمان خلودها
وساروا كراماً رافلين إلى العلى ... بأثواب عز ليس يبلى جديدها
قد استحوذت يا للخسار عليكم ... شياطين أنس صال فيكم مريدها
وما اتقدت نار الحمية منكم ... لفقد اتحاد فاستطال خمودها
ولولا اتحاد العنصرين لما غدا ... من النار يذكوا لو علمتم وقودها
إذا جاهل منكم مشى نحو سبة ... مشى جمعكم من غير قصد يريدها(1/360)
كأنكم المعزى تهاوين عندما ... نزا فنزا فوق الدحال عتودها
وما ثلة قد أهملتها رعاتها ... بمأسدة جاعت لعشر أسودها
فباتت ولا راع يراعي مراحها ... فرائس بين الضاريات تبيدها
بأضيع منكم حيث لا ذو شهامة ... يذب الرزايا عنكم ويذودها
أتطمع هذي الناس أن تبلغ المنى ... ولم تور في يوم الصدام زنزدها
فهل لمعت في الجو شعلة بارق ... وما ارتجست بين الغيوم رعودها
وأدخنة النيران لولا اشتعالها ... لما تم في هذا الفضاء صعودها
وإن مياه الأرض تعذب ما جرت ... ويفسدها فرق الصعيد رقودها
ومن رام في سوق المعالي تجارة ... فليس سوى بيض المساعي نقودها
وله أيضاً:
تيقظ فما أنت بالخالد ... ولا حادث الدهر بالراقد
فخلد بسعيك مجداً يدوم ... دوام النجوم بلا جاحد
وابق لك الذكر بالصالحات ... وخل النزوع إلى الفاسد
ورد ما يناديك عنه الصدود ... ألا در درك من وارد
وصر بين قومك في سيرة ... تميت الحقود من الحاقد
فإن فتى الدهر من يدعي ... فتأتي أعاديه بالشاهد
ولا تك مرمى بداء السكون ... فتصبح كالحجر الجامد
وكن رجلاً في العلا حوَّلاً ... تفنن في سيرة الراشد
إذا اضطردت حركات الحياة ... ومرت على نسق واحد
ولم تتنوع أفانينها ... ودامت بوجه لها بارد
ولم تتجدد لها شملة ... من السعي في الشرف الخالد
فما هي إلا حياة السوام ... تجول من العيش في نافد
وما يرتجى من حياة امرئ ... كماء على سبخة راكد
وليس له في غضون الحياة ... سوى النفس النازل الصاعد
يغض على الجهل أجفانه ... ويرضى من العيش بالكاسد
فذاك هو الميت في قومه ... وإن كان في المجلس الحاشد
وما المرء إلا فتى يغتدي ... إلى العلم في شرك صائد
سعى للمعارف فاحتازها ... وصاد الأنيس مع الآبد
وطالع أوجه أقمارها ... بعين بصير لها ناقد
فأبدى الحقائق من طيها ... وألقى القيود على الشارد
إذا هو أصبح نادى البدار ... وشمر للسعي عن ساعد
فكان المجلي في شأوه ... بعزم يشق على الحاسد
وإن بات بات على يقظة ... بطرف لنجم العلى راصد
وأحدث مجداً طريفاً له ... واضرب عن مجده التالد
وما الحمق إلا هو الإتكال ... على شرف جاء من والد
فذاك هو الحي حي الفخار ... وإن لحدته يد اللاحد
ومن قوله أيضاً:
الشعر مفتقر مني لمبتكر ... ولست للشعر في حال بمفتقر
دعوت غر القوافي وهي شاردة ... فأقبلت وفي تمشي مشي معتذر
وسلمتني عن طوع مقادتها ... فرحت فيهن أجري جري مقتدر
إذا أقمت أقامت وهي من خدمي ... وأين ما سرت سارت تقتفي أثري
صرفت فيهن اقلامي وحت بها ... أعرِّف الناس سحر السمع والبصر
ملكن من رقة رق النفوس هوى ... من حيث أطربن حتى قاسي الحجر
سقيتهن المعاني فارتوين بها ... وكن فيها مكان الماء في الثمر
كم تشرئب لها الأسماع مصغية ... إذا تنوشدن بين البدو والحضر
طابقت لفظي بالمعنى فطابقه ... خلواً من الحشو مملوءاً من العبر
إني لانتزاع المعنى الصحيح على ... عري فأكسوه لفظاً قد من درر
سل المنازل عني إذ نزلت بها ... ما بين بغداد والشهباء في سفري
ما جئت منزلة إلا بنيت بها ... بيتاً من الشعر لا بيتاً من الشَّعر
وأجود الشعر ما يكسوه قائله ... بوشي ذا العصر لا الخالي من العصر
لا يحسن الشعر إلا وهو مبتكر ... وأي حسن لشعر غير مبتكر
ومن يكن قال شعراً عن مفاخرة ... فلست والله في شعر بمفتخر
وإنما هي أنفاس مصعدة ... ترمي بها حسراتي طائر الشرر
وهن إن شئت مني أدمع غزر ... أبكي بهن على أيامنا الغرر
أبكي على أمة دار الزمان لها ... قبلاً ودار عليها بعد بالغير
كم خلد الدهر من أيامهم خبراً ... زان الطروس وليس الخبر كالخبر(1/361)
ولست أدكر الماضين مفتخراً ... لكن أقيم بهم ذكرى لمدكر
وكيف يفتخر الباقون في عمهٍ ... بدارس من هدى الماضين مندثر
لهفي على العرب أمست من جمودهم ... حتى الجمادات تشكو وهي في ضجر
أين الجحاجح ممن ينتمون إلى ... ذؤابة الشرف الوضاح من مضر
قوم هم الشمس كانوا والورى قمر ... ولا كرامة لولا الشمس للقمر
راحوا وقد أعقبوا من بعدهم عقباً ... ناموا على الأمر تفويضاً إلى القدر
أقول والبرق يسري في مراقدهم ... (يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر)
يا أيها العرب هبوا من رقادكم ... فقد بدا الصبح وانجابت دجى الخطر
كيف النجاح وأنتم لا اتفاق لكم ... والعود ليس له صوت بلا وتر
ما لي أراكم أقل الناس مقدرة ... يا أكثر الناس عداً عير منحصر
وقال مواسياً لصديق له قد أضاعه أصحابه وجفاه أحبابه:
علام حرمنا منذ حين تلاقيا ... أفي سفر قد كنت أم كنتلا هياً
عهدناك لا تلهو عن الخل ساعة ... فكيف علينا قد أطلت التجافيا
ومالي أراك اليوم وحدك جالساً ... بعيداً عن الخلان تأبى التدانيا
أنابك خطب أم عراك تعشق ... فإني أرى حزناً بوجهك باديا
وما بال عينيك اللتين أراهما ... تديران لحظاً يحمل الحزن واهيا
وأي جوى قد عدت أصفر فاقعاً ... به بعد أن كنت احمر قانيا
تكلم فما هذا الوجوم فإنني ... عهدتك غرِّيداً بشعرك شادياً
تجلد تجلد يا سليم ولا تكن ... بما ناب من ظروف الزمان مباليا
ولا تبتئس بالدهر إن خطوبه ... سحابة صيف لا تدوم ثوانيا
فقال ولم يملك بوادر أدمع ... تناثرن حتى خلتهن لآليا
لقد هجتني يا أحمد اليوم بالأسى ... وذكرتني ما كنت بالأمس ساليا
أتعجب من حزني وتعلم انني ... قريع تباريح تشيب النواصيا
لقد عشت في الدنيا أسيفاً وليتني ... ترحلت عنها لا عليَّ ولا ليا
وقد كنت أشكو الكاشحين من العدى ... فأصبحت من جور الأخلاء شاكياً
وما رحت استشفي القلوب مداوياً ... من الحقد إلا عدت عنها كما هي
وداريت حتى قيل لي متملق ... وما كان من داء التملق دائيا
وحتى دعاني العزم أن خلِّ عنهم ... فإن صريح الرأي أن لا تداريا
ورب أخ أوقرت قلبي بحبه ... فكنت على قلبي بحبه جانيا
فإن أحق الناس بالرحمةامرؤ ... أضاع وداداً عند من ليس وافياً
وما كان حظي وهو من الشعر ضاحك ... ليظهر إلا في سوى الشعر باكيا
ركبت بحور الشعر رهواً ومائجاً ... وأقحمت منها كل هول يراعيا
وسيرت سفني في طلاب فنونه ... وألقيت في غير المديح المراسيا
وقلت اعصني في الشعر يا مدح إنني ... أرى الناس موتى تستحق المراثيا
ولو رضيت نفسي بأمر يشينها ... لما نطقت بالشعر إلا أهاجيا
وكم قال يعني حيتن أنشدت مادحاً ... إلي الندى ناع فأنشدت راثيا
وكم بشرتني بالوفاء مقالة ... فلما انتهت للفعل كانت مناعيا
فلما بكى أمسكت فضل ردائه ... وكففت دمعاً فوق خديه جاريا
وقلت له هوِّن عليك فإنما ... تنوب دواهي الدهر من كان داهيا
وما ضر أن أصفيت ودك معشراً ... من الناس لم يجنوا لك الود صافيا
كفى مفخراً أن قد وفيت ولم يفوا ... فكنت الفتى الأعلى وكانوا الأدانيا
لعل الذي أشجاك يعقب راحة ... فقد يشكر الإنسان ما كان شاكيا
ألا رب شر جر خيراً وربما ... يجر تجافينا إلينا التصافيا
فلو أن ماء البحر لم يك مالحاً ... لرحنا من الطوفان نشكو الغواديا
ولولا اختلاف الجذب والدفع لم تكن ... نجوم بأفلاك لهن جواريا
وكيف نرى للكهرباء ظواهراً ... إذا هي في الاثبات لم تلق نافيا
تموت القوى إن لم تكن في تباين ... ويحيين ما دام التباين باقيا
فلا تعجبن من أننا في تنافر ... ألم تر التنافر في الكون ساريا
وهبهم جفوك اتليوم بخلاً بودهم ... ألم تغن عنهم ان ملكت القوافيا
فطر في سموات القريض مرفرفاً ... واطلع لنا في النجوم الدراريا(1/362)
فأنت امرؤ تعطي القوافي حقها ... فتبدو وإن أرخصتهن غوالبا
هذا آخر ما أردت نقله في هذا المجموع والحمد لله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً وكان الفراغ من تسويده في شعبان لثمان وعشرين خلت من سنة خمس وخمسين بعد الثلاثمئة والألف من هجرة خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وعلى آله الكرام وأصحابه السادة الأعلام بقلم جامعه الفقير إلى رحمة باريه الواثق به فيما يؤمله ويرتجيه عبد الرحمن بن عبد الله بن درهم.(1/363)