راحلة الكبير العصا ويمكن أن يكون بعيراً ذلولاً. يقول لا أقدر أن أركب صعباً لضعفي. وقال آخر المخبل:
كما قال سعد اذ يقود به ابنه ... كبرت فجنبني الأرانب صعصعا
أي لا تنفج فينفر بعيري، يقول لست أقدر على ضبطه لضعفي وكبر سني. وقال آخر:
وطالت بي الأيام حتى كأنني ... من الكبر البادي بدت لي أرنب
أي انحنيت فكأني صائد يختل أرنباً فهو يتطامن له كيلا يراه.
ومثله لأبي الطمحان القيني:
وقد طالت بي الأيام حتى ... كأني خاتل يدنو لصيد
وقال الحطيئة يذكر الكبر:
ويأخذه الهداج إذا هداه ... وليد الحي في يده الرداء
الهداج مشى فيه مقاربة خطو وسرعة، وهداه تقدمه، الوليد الصبي يعني أنه تقدمه يقوده، في يده الرداء أي قد يحمل عنه رداءه لضعفه.(3/1214)
وقال آخر في هذا المعنى:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر
وقال الحطيئة:
ويأمر بالركاب فلا تعشى ... إذا أمسوا وقد قرب العشاء
أي يقول لأهله لا تعشوها فإني أخاف أن يذهب بها في الليل لضعفه، ومثله قول النمر بن تولب:
وقولي إذا ما اطلقوا عن بعيرهم ... تلاقونه حتى يؤوب المنخل
أراد لا تلاقونه حتى - فأضمر لا - أي أقول لهم إذا أرسلوا بعيرهم: لا تقدرون عليه، أي يذهب أي أظن الناس كلهم مثلي لضعفي.
وقال آخر:
أتى الندي فلا يقرب مجلسي ... وأقود للشرف الرفيع حماري
أي لا أقدر أن أركب من الأرض لأني قد صرت شيخاً فأقود حماري إلى موضع مرتفع حتى أركبه.
وقال آخر:
يا ويح هذا الرأس كيف اهتزا ... وحيص موقاه وقاد العنزا
أي انحنى حتى صار كأنه يقود عنزا، حيص أي ضاق كأنه قد(3/1215)
خيط، يقال حص شقاقاً في رجلك، واهتز تحرك، والحوص الخياطة، والموقان مقدما العين، وقاد العنز انحنى يتقاصر لعنز يقودها.
ومثله قول لبيد:
أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدبّ كأني كلما قمت راكع
وقال العجاج:
جاري لا تستنكري عذيري ... وقدري ما ليس بالمقدور
وكثرة التحديث عن شقوري
عذيري حالي، وقدري يقول صرت من كبري أقدر ما لم أكن أقدر قبل اليوم، شقوري أموري وأخباري، ويقال أن الرجل إذا كبر كثر تحدثه عن الخالي من أمره، أبو عبيدة: شقوري عيوبي، قال بعض بني أسد: لأدقن شقورك، يعني العيب، لأدقن لأظهرن.
وقال زهير:
دقوا بينهم عطر منشم
أي أظهروه.
وحفظة أكنها ضميري ... والعصر قبل هذه العصور
مجرسات غرة الغرير ... بالزجر والريم على المزجور
الحفظة الغضب، أي صرت أغضب مما لم أكن أغضب منه(3/1216)
مجرسات يقول والدهر جرست الغر منا أي أحكمته، والريم الفضل بين الشيئين. قال المخبل:
فأقع كما أقعى أبوك على استه ... يرى أن ريما فوقه لا يعادله
والريم العظم يفضل من الجزور عن السهم فلا يتقسم، يقول الذي يزجر فعليه الفضل أبداً لأنه يزجر عن أمر قد قصر فيه.
وقال العجاج:
إن الهوى والقدر الكرارا ... ألبسن من ثوب البلي نجارا
يقول ألبستني خلقة الكبير وهيئته، والنجار الخلقة واللون.
وقال الكميت:
لا تغبط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لسنه حكما
إن سره طول عمره فلقد ... أضحى على الوجه طول ما سلما
أي لا تغبطه أن يقال هو حكم مجرب لطول عمره فإن ذلك كله نقصان من طول عمره وإن عمره وإن سره طول عمره فقد استبان على وجهه طول سلامته.
وقال النمر بن تولب في مثل هذا المعنى بعد أن ذكر الكبر وآفاته:
يود الفتى طول السلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة يفعل(3/1217)
وقال حميد بن ثور في مثل ذلك:
أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما
وقال الأصمعي في قول العجاج:
إما ترى دهراً حناني حفضا
أي ألقاني، يقال حفضت الشيء إذا ألقيته، ومنه قول أمية:
وحفضت النذور وأردفتهم ... فضول الله وانتهت القسوم
أي ألقيت. وقال ابن مقبل:
يا حرّ من يعتذر من أن يلم به ... ريب الزمان فإني غير معتذر
يقول من قال ضعفي من مرض أو غيره وليس من الكبر فإني غير معتذر من الكبر ولكني معترف.
راميت شيبي كلانا قائم حججا ... ستين ثم انتضلنا أقرب الفقر
الفقرة الامكان، يقال أفقرك الصيد أي امكنك، راميت شيبي مثل كأنه كان يراعيني وأنا أراعيه ستين سنة فلما جاوزتها أسننت فتمكن مني ورماني.(3/1218)
راميته هاهنا أي كان يرميني هو بالبياض وكنت أرميه بالخضاب والتغيير، ومثله قبله في خالي عمري من الأمراض فقد راميت أي دفعت عني بالدواء والعلاج.
أرمي النحور فأشويها وتثلمني ... ثلم الاناء فأغدو غير منتصر
النحور نحور الأهلة، يقال نحرت الشهر أي استقبلته بالعمل، أشويها أي أخطئ وتصيبني هي في الظهر والرأس.
في الظهر انحناء وفي الرأس شيب، حتى يستمر به أي يستشد به، والهجار حبل يشد في الرسغ ثم يشد إلى الحقب، وقصره أن لا يوسع للبعير فيه وهذا مثل لتقارب الخطو من الكبر، أراد بقوله به أي بي، كالفتر أي الفترة. وقال ابن أحمر:
لبست أبي حتى تمليت عمره ... وبليت أعمامي وبليت خاليا
أي تمتعت به حتى تمليت عمره أي عشت به ملاوة من الدهر، ويقال ملاوة.
وفي كل عام تدعوان أطبة ... إلى وما يجدون إلا الهواهيا
يعني صاحبيه وكان سقي بطنه، وما يغنون شيئاً، والهواهي ما ليس بشيء.(3/1219)
فإن تقصرا عني تكن لي حاجة ... وإن تبسطا لا تمنعاني قضائيا
يقول إن تكفا عني فلا تداوياني تكن لي حاجة في صدري من الدواء لأنني أظن شربي له نفعاً لي، وإن تبسطا علي فتداوياني لا تمنعاني مما قضى علي.
شربت الشكاعى والتددت ألدة ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا
الشكاعي نبت يتداوى به، والتددت من اللدود وهو أن يخرج اللسان ثم يلد في أحد الشقين، وأقبلت أفواه العروق أي جعلتها قبالة المكاوي.
ولا علم لي ما نوطة مستكنة ... ولا أيما فارقت أسقى سقائيا
النوطة الورم، يقوم لا علم لي بهذا الورم المستكن في جوفي ولا أي البلاد التي وطنت وخالطت أوعى في الداء وقال:
رأيت المنايا طبقت كل مرصد ... يقدن قيادا أو يجردن حاديا
طبقت كل مرصد أي ملأت كل طريق، يقدن إلى هذه المراصد قيادا أو يجردن سائقاً، وهذا مثل، وقال:
بان الشباب وأفني ضعفك العمر ... لله درك أي العيش تنتظر(3/1220)
يقول عشت مثل عمرين - وكان بلغ تسعين - وقال:
أو هل ترين الدهر عرى مسه ... إلا على لمم يروح ويغتدي
يقول إن لم يهلك الدهر الإنسان فإنه يغدو عليه ويروح بالنقصان. وقال:
زعمت غنية أن اكثر لمتي ... شيبت، وهان بذاك ما لم تزدد
لما رأت غربا هجائن وسطها ... مرحت وجالت في الصراع إلا بعد
غربا جاوز القدر ومنه يقال: استغرب فلان في الضحك، هجائن بيض، يقول لما رأت بي شيباً كثيراً مرحت بشبابها ونشاطها وجالت في الصراح الأبعد. وقال الكميت:
والشيب فيه لأهل الرأي موعظة ... ومن عيوب الرجال الشيب والغزل
إذ هما اتفقا نصا قعودهما ... إلى التي غبها التوقيع والجزل
قعودهما الرجل، والتوقيع الدبر، يقال بعير موقع والجزل أن ينزع من الكاهل عظم فيبقى مكانه منخفضاً وذلك البعير أجزل. وقال أبو النجم يصف دهراً مضى:
كيف وإن عادت علينا نعمه ... بنصف قد رابه تقسمه
أي هذا لا يرجع إن رجعت النعم يعني قوته وسواد شعره.
والصبح والشيب غريماً....يكرمه ... ينصفه طوراً وطوراً يظلمه(3/1221)
يقول إذا خضبه رجع إلى سواده فذلك انصافه وإذا نصل الخضاب بدا وذلك ظلمه، وقال المرقش الأكبر:
ليس على طول الحياة ندم ... ومن وراء المرء ما يعلم
يقول لا أندم إن فارقتني طول الحياة ومت وأنا حديث السن إذا كان من وراء ذلك الهرم والضعف والشيب، والندم هاهنا بمعنى التلهف، الأصمعي: من وراء المرء ما يعلم - يقول من عمل شيئاً وجده - ووراء هاهنا أمام.
يأتي الشباب الأقورين ولا ... تغبط أخاك أن يقال حكم
الأقورين الدواهي، ومن هاهنا أخذ الكميت:
لا تغبط المرء أن يقال له ... أمسى فلان لسنه حكما
وقال المرقش:
رأت أقحوان الشيب فوق خطيطة ... إذا مطرت لم يستكن صؤابها
الخطيطة الأرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين، شبه رأسه بها لصلعته لأن الخطيطة يقل نبتها ويذوي، والصوائب القمل، يقول لا شعر هناك فيستكن فيه. وأنشد أبو عبيدة لأبي محمد الفقعسي:
رأين شيخاً ذرئت مجاليه ... يقلى الغواني والغواني تقليه
ذرئت شمطت، مجاليه مقدم شعره، يقال غشيته ذرأة - إذا شمط(3/1222)
موضع جلحه، ومنه ملح ذرآني. وأنشد الأصمعي لأبي نخيلة:
وقد علتني ذرأة بادي بدي ... ورثية تنهض في تشددي
وقال النمر بن تولب:
لعمري لقد أنكرت نفسي ورابني ... مع الشيب أبدالي التي أتبدل
رابني تبدلي الضعف بالقوة ونحو ذلك.
فضول أراها في أديمي بعدما ... يكون كفاف اللحم أو هو أجمل
كأن محطا في يدي حارثية ... صناع علت مني به الجلد من عل
المحط خشبة تصقل بها الجلود، يقول كان جلدي في الشباب كأنه قد صقل، وإنما ذكر بني الحارث لأنهم بنجران وهم أصحاب أدم والصناع الحاذقة. وقال العجاج:
فإن يكن أمسى البلى تيقري ... والمرء قد يصير للتيير
مقررا بغير لا تقرير
تيقوري أي الأمر الذي وقرت به وهو فيعول من الوقار والتاء فيه مبدلة من واو أصله ويقور، والبلى هاهنا الكبر، يقول صيرني الكبر إلى الوقار، والمرء قد يرجع للمرجع أي للكبر، قد قرر بالرضا بالهرم، وليس ذاك مما يقرر به الناس.
بعد شباب عبعب التصوير(3/1223)
عبعب ضخم. وقال:
إما تريني أصل القعادا ... واتقي أن أنهض الأرعادا
من أن تبدلت بآدي آدا
القعاد جمع قاعد من النساء وهي التي قعدت عن الحيض والولد، يقول صرت شيخاً لا أزور الشواب من أجل أن تبدلت، والآد والأيد سواء وهما القوة. وقال طرفة:
ولقد بدالي أنه سيغولني ... ما غال عادا والقرون فأشبعوا
أي ذهبوا إلى شعوب وهي المنية ودخلوا فيها، يقال أشمل القوم دخلوا في ريح الشمال وكذلك الجنوب والصبا والدبور وأربعوا دخلوا في الربيع وكذلك أشتوا وأصافوا واخرفوا، فإن أردت أنهم أقاموا في هذه الأزمنة في موضع قلت فعلوا وكذلك إن أردت أن الرياح أصابتهم قلت فعلوا.(3/1224)
وقال الأعشى:
فإن يمسي عندي الشيب والهم والعشا ... فقد بنّ مني والسلام تفلق
بأشجع أخاذ على الدهر حكمه ... فمن أي ما تجني الحوادث أفرق
أي ذهبن برجل أخاذ أشجع يعني نفسه ويقال أراد الشباب، فمن أي شيء تجنبه الحوادث بعد هذه الثلاث أفرق.
وقال المرار الفقعسي:
لما رأى الشيب قد هاجت نصيته ... بعد الحلاوة حتى أخلس الشعر
تيمم القصد من أولى أواخره ... سير المنحب لما أغلي الخطر
النصى نبت، هاج اصفر ويبس، شبه شعره بذلك، بعد الحلاوة أراد سواده، يقول سار فيه الشيب وشاع كسرعة هذا المنحب الذي أغلى الخطر فهو أسرع ما يكون. وقال النابغة الجعدي:
ما كان أغنى عن أبي دهم مزنمة ... حمر الخدود وقينة بكر
وأبح جندي وثاقبة ... سبك كثاقبة من الجمر
وجديد حر الوجه حودث بال ... مثقال خبء خوالد الدهر(3/1225)
أبح جندي يعني درهما من ضرب أجناد الشأم، ثاقبة مضيئة سبك يعني سبائك الذهب جمع سبيكة، وخوالد الدهر الأيام.
وقال وذكر قوماً موتوا:
أنشد الناس ولا أنشدهم ... إنما ينشد من كان أضل
أي أبغي الناس ولا أبغيهم أقول أين فلان وفلان؟ فأما هؤلاء فقد حضرت هلكهم: وروى عن أبي عبيدة: انشد الناس ولا أنشدهم أي لا أخبر عنهم: وقال عدي بن زيد وذكر صباه:
شبابي فأضحى للشباب حفيظة ... لمن كان عن طول الغواية نازعا
فلله ما قد كان بعد ذهابه ... وبعد قناع الشيب ما ليس نافعا
يقول فعلت ذلك في شبابي فأضحى للشباب غضب على من نزع عن الجهل، فلله ما قد مضى بعد مضيه وبعد مجيء الشيب ما كان أعجبه!!.؟ وقال أبو ذؤيب:
وقد أرسلوا فراطهم فتأثلوا ... قلبياً سفاهاً كالأماء القواعد
مطأطأة لم ينبطوها وإنها ... لترضى بها فراطها أم واحد
فراطهم الذين سبقوا إلى القبر: تأثلوا اتخذوا قبراً، والسفا التراب وأنث سفاها أراد حفرة كأن ترابها إماء قواعد لأن الأمة تقعد(3/1226)
مستوفذة للعمل، والحرة تربع وتطمئن، يقال: بل أراد بالقواعد جمع قاعد وهي الطاعنة في السن، مطأطأة يعني الحفرة، لم ينبطوها لم يستخرجوا ماءها لأنها قبر وإن حافريها يرضون أن تكون أماً لواحد.
يقولون لما جشت البئر أوردوا ... وليس بها أدنى ذفاف لوارد
جشت أخرج ما فيها من التراب، والذفاف الماء القليل، يقول ليس هي بمكان يستقي منه الماء إنما هي قبر.
فكنت ذنوب البئر لما تبسلت ... وسربلت أكفاني ووسدت ساعدي
الذنوب الدلو، أي كنت كالدلو لما دليت ودفنت، وتبسلت كره منظرها. وقال ساعدة بن جؤية:
إذا ما زار مجنأة عليها ... ثقال الصخر والخشب القطيل
مجنأة يعني قبراً مسنماً، والقطيل المقطوع.
وقال صخر الغي:
لعمرك والمنايا غالبات ... ولا ينهي طوارقها الحماما
الطوارق هم الطراق بالحصى الذين يتكهنون، أي لا يدفعون ما(3/1227)
حم أي ما قدر. وقال يذكر ابنه ويرثيه:
لعلك ميت إما غلام ... تبوأ من شمصير مقاما
يقول لنفسه أي لعلك ميت إن غلام مات فتنبوأ قبراً بشمنصير المعنى أتموت إن كان غلام قد مات، وما في قوله إما صلة.
وقال البريق يرثي رجلاً رأى قبره:
فرفعت المصادر مستقيماً ... فلا عيناً وجدت ولا ضمارا
المصادر مواضع معروفة، يقول رفعت فيها فلم أره بعينه لم أجد من يخبر بغيبته، وإذا كان الشيء غائباً ليس بقائم بعينه فهو ضمار، ويقال هو في ضميري أي فيما غيبت.
أودع صاحبي بالغيب إني ... أراني لا أحس له حوارا
يقول وداعي له أن أدعو لقبره بالسقيا. وقال آخر:
وإنما الناس فاسعوا لا أبالكم ... أكائل الطير أو حشو لآرام
يقول إما مقتول لا يدفن فتأكله الطير أو مدفون، وكان الرجل إذا مات بنى على قبره مثل العلم، وواحد الآرام أرم، والأكولة شاة اللحم التي تؤكل. وقال آخر:
فإنك والتأبين عروة بعد ما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع(3/1228)
كالرجل الحادي وقد تلع الضحى ... وطير المطايا فوقهن أواقع
يعني الغربان تقع على المتقدمات.
فوليت عنه يرتمي بك سابح ... وقد واجهت أذنيه منك الأخادع
التأبين الثناء على الميت، يقول حدا بالإبل وقد تباعد عنها فوقع الحداء في غير موضعه فكذلك أنت وضعت التأبين في غير موضعه.
وقال أبو الطمحان القيني:
فإني رأيت الدهر إن تكر لا ينم ... وإن أنت تغفل تلقه غير غافل
دنت حفظتي وخصف الشيب لمتي ... وخليت بالي للأمور الأثاقل
دنت حفظتي أي امتعضت من الذل والضيم، وقوله: خليت بالي للأمور الأثاقل - أي تركت الصبا للأمور العظام من احتمال جريرة ودفع ضيم عن قومي ووفادة إلى ملك.
وقال آخر:
إني إذا شاركني في جسمي ... من ينتقي مخي ويبري عظمي
لم أطلب الذئب بثأر البهم
يعني الكبر، ويقال: الحمى. وقال الفرزدق:
وما من فراق غير حيث ركابنا ... على القبر محبوس علينا قيامها
يقول لا نتفرق بعد هذا المكان الذي نحن فيه وركابنا محبوس علينا قيامها، يعني ركاب أصحابه الذين شهدوا دفنه، يقول فليس(3/1229)
بعد هذا الفراق غيره لأنا لا نجتمع.
وقال أوس بن حجر يرثي:
على الأروع الصقب لو أنه ... يقوم على ذروة الصاقب
لأصبح رتما دقاق الحصى ... كظهر النبي من الكاثب
الصاقب اسم جبل بعينه وليس يريد أنه يصير فوقه وإنما هو مثل قولك فلان يقوم بأمر فلان وينهض فيه، يقول لو تحامل على هذا الجبل لأصبح الجبل دونه دقاقاً كظهر النبي وهو رمل بعينه، من الكاثب نسبه كما تقول كظهر المربد من البصرة.
وقالت أم تأبط شراً تبكي على ابنها تأبط: وا ابناه وا ابن الليل، ليس بزميل، شروب للقيل، يضرب بالذيل، كمقرب الخيل، وا ابناه ليس بعلفوف، تلفه هوف، حشي من صوف.
قولها: وا ابن الليل تريد أنه صاحب غارات، والزميل الضعيف، والقيل شرب نصف النهار، تقول ليس هو بمهياف يحتاج إلى هذه الشربة، يضرب بالذيل، تقول إذا عدا صفق برجليه في إزاره من شدة عدوه، والهوف الريح الحارة، يقال هيف وهوف، وقولها: حشي من صوف، تقول ليس هو بخوار أجوف، والمعلوف الجافي المسن فتضمه الريح فلا يغزو ولا يركب.(3/1230)
أبيات المعاني في الآداب
قال أبو خراش الهذلي:
أرد شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطعم
وأغتبق الماء القراح فأنتهي ... إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
يقال للجوع: في جوفي شجاع يتلمظ وهو مثل.
وقال أعشى باهلة:
لا يغمز الساق من أين ومن وصب ... ولا يعض على شر سوفه الصفر
وهي حية تكون في بطون الناس والمواشي تشتد على الإنسان إذا جاع وتعذبه، والطعم الطعام والطعم الشهوة، والمزلج الضعيف من الرجال الذي ليس بكثيف، أغتبق أشرب ليلاً، وأنتهي أي تنتهي نفسي. وقال آخر:
أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد
أي أقسم قوتي وأطعمه غيري وأجتزئ أنا بالماء البارد في الشتاء والبرد. وقال النمر بن تولب:
أزمان لم تأخذ إلي سلاحها ... إيلي بجلتها ولا أبكارها(3/1231)
أي لم تمتنع من أن أعقرها، بجلتها إن حسنت وهي البكار، والأبكار الصغار، أي أعقرها للأضياف ولا يمنعني من ذلك حسنها فجعل حسنها سلاحاً لها تمتنع به من النحر لأنه ينفس بها ويضن إذا كانت كذلك، وقد جاء مثل هذا الشعر كثيراً فاقتصرنا على هذا البيت منه. وقال مرة بن محكان وذكر الأضياف:
فقلت لما غدوا أوصي قعيدتنا ... غدي بنيك فلن تلقيهم حقبا
أدعي أباهم ولم اقرف بأمهم ... وقد هجعت ولم أعرف لهم نسبا
يقول هو أبو الأضياف. وقال أبو العيال:
أبو الأضياف والأيتا ... م ساعة لا يعد أب
وقال بعض الرجاز:
يا أيها الفصيل المعنى ... إنك ريان فصمت عني
تكفي اللقوح أكلة من ثن
صمت عني اسكت عني، ويقال صمت عني أي سكت عني ضيفي، يقول إذا صرفت اللبن عنك وسقيتهم سكتوا عني، إنك ريان أي إنك ستروي، تكفي اللقوح أي أمك، أكلة من ثن وهو نبات فيرجع هذا اللبن الذي أسقيته ضيفي فيها فتشرب فتروى فدعني أوثر بهذا اللبن غيرك. وقال الحطيئة يمدح قوما:
قروا جارك العيمان لما جفوته ... وقلص عن برد الشراب مشافره(3/1232)
سناماً ومحضاً أنبتا اللحم فاكتست ... عظام امرئ ما كان يشبع طائره
العيمان الذي يعام إلى اللبن أي يشتهيه مثل القرم إلى اللحم، والعيمان العطشان، وقلص عن برد الشراب أي عن برد الماء فلم يقدر على شربه لشهوته اللبن. ومثله له:
وهم سقوني المحض إذ ... قلصت عن الماء المشافر
ما كان يشبع طائره، يقول لو وقع عليه طائر وهو ميت لما شبع منه من قلة لحمه وشدة هزاله، أبو عمرو الشيباني: وصفه بالفقر يقول ما كان عنده ما يطعم طائره من سوء الحال.
وقال الشماخ:
أعائش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع
وكيف يضيع صاحب مدفآت ... على أثباجهن من الصقيع
قيل إنها لامته على امساكه فقال لها: ما لأهلك لا أراهم يضيعون أموالهم وكيف تأمريني بشيء لا يفعله أهلك، والدليل على ذلك قوله:
لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع
يقول: وكيف أضيع إبلاً في هذه الصفة، والقنوع السؤال من قول الله تبارك وتعالى: " وأطعموا القانع والمعتر " والقناعة الرضا، ولم نسمع بامرأة عاتبت على إفساد المال غير هذه، وإنما توصف العواذل بالحث على الجمع والمنع، والمدفآت الإبل الكثيرة الأوبار(3/1233)
والشحوم فقد أدفئن بهما من الصقيع، ويروى مدفئات، أي كثيرة تدفئ بعضها بعضاً بأنفاسها، ويقال إنه أراد، ما لأهلك يضيعون الهجان وأدخل لا حشواً كما تدخل في كثير من الأشياء كأنه لامهم على السرف والتبذير، ويدل على هذا قوله:
ولكني ألي تركات قوم ... بقيت وغادروني كالخليع
يقول لا أفعل فعلهم ولكني إلى من الولاية تركات قوم أي أقوام بحسبهم وشرفهم فلا أسأل الناس ولا أتعرض لما أشين به قومي يقول: إذا أصلحت مالي وثمرته كان أصون لي من تبذيره مع المسألة، والخليع الذي خلعه قومه وتبرأوا منه، يقول ماتوا فصرت فرداً كالخليع.
وقال الراعي:
هلا سألت هداك الله ما حسبي ... إذا رعائي راحت قبل حطابي
ذلك إذا اشتد البرد فراح الراعي بإبله قبل الحطاب لأن الأرض ليس فيها كثير مرعى وتحتبس الحطاب يجمعون الحطب لشدة البرد يريد أنه في الوقت يضيف ويقرى. وقال آخر:
ألا بكرت عرسي علي تلومني ... وفي يدها كسر أبح رذوم
الكسر العظم الذي لم يكسر، والأبح السمين: والرذوم القطور، الأصمعي: كأنه نحر بعيراً فأتته امرأته فقالت: مثل هذا ينحر؟ فلامته وعتبت عليه، وفيه قول آخر: أراد أنها في خصب وسعة وهي(3/1234)
تلوم ولا تقنع وتستبطئ وتزعم أنها ضيقة العيش، يقول كيف تضيق وفي يدها عظم يقطر من الدسم.
وقال آخر:
بلى إن الزمان له صروف ... وكل من معاركة السنين
فيسمن ذو العريكة بعد هزل ... وتعتر الهزيلة بالسمين
العريكة يقال ناقة عروك إذا لم يكن في سنامها إلا شيء يسير، وتعتر الهزيلة أي تأتي والهزيلة الهزال تعتريه أي تأتيه، والمعنى إن صروف الدهر تقلب فيسمن المهزول ويهزل السمين، والهزال من الشحم والهزل من الجدب والموت.
وقال عروة بن الورد:
أقيموا بني لبني صدور ركابكم ... فأي منايا الناس شر من الهزل
وقال:
أمن حذر الهزال نكحت عبداً ... وصهر العبد أقرب للهزال
وقال آخر يمدح قوماً:
ترى فصلانهم في الورد هزلي ... وتسمن في المقاري والحبال
الورد حيث ترد الماء يقول إذا وردت الماء سقوا ألبانها الناس(3/1235)
وتركوا فضالها فتهزل وإن جاء سائل فقرنوا له لم يقرنوا إلا سميناً. وقال آخر:
ولا يتقاضى القوم جاري هديتي ... بأعينهم في البيت من خلل الستر
أي لا تمتد أعينهم إلى ما أبعث إلى جاري الأدنى لأني أوسعهم كلهم من قرب مني ومن بعد فلا يحتاج البعيد إلى القريب.
وقال لبيد:
أعاذل قومي فاعذلي الآن أو ذري ... فلست وإن أقصرت عني بمقصر
أي لست وإن لمتني حتى تقصري عني بمقصر عما أصنع فإن شئت فلومي وإن شئت فدعي. وقال آخر:
فإن أقل يا ظمى حلا حلا ... تغضب وتعقد حبلها المنحلا
أي وكأنها تؤكد ما تصنع ولا تعتب، حلا أي تحللي واستثني.
وقال آخر:
من المهديات الماء بالماء بعد ما ... رمىى بالمقاري كل قار ومعتم
هذه امرأة سخية تهدي المرق وتصب عليه الماء ليكثر وتهديه(3/1236)
والمقاري الجفان، معتم بطيء بالقرى، يقول تقري إذا اشتد الزمان وترك القرى من يقري. ومثله:
تمد لهم بالماء من غير هونهم ... ولكن إذا ما قل شيء يوسع
وقال مسكين الدارمي:
أصبحت: عاذلتي معتلة ... قرمت بل هي وحمى للصخب
أصبحت تتفل في شحم الذرى ... وتعد اللوم درا ينتهب
تعوذ إبلي وتكبر قدرها عندي لئلا أهبها وتعد اللوم من حرصها عليه كالدر الذي ينتهب.
وقال رجل من عكل: ولا يتحشى أي يباليه من حاشي فلان، أعرضت به جعلته في عرضها والمرباع التي تنتج في أول الربيع، يقول ينحرها ولا يمنعها منه ولدها فيدعها له فتغذوه. وقال الكميت:
فأي عمارة كالحي بكر ... إذا اللزبات لقبت السنينا
أي إذا كان الجدب قيل سنة جدباء، وسنة جدبة، والضبع، وسنة(3/1237)
جماد، وعام الرمادة. وقال ابن أحمر:
أصم دعاء عاذلتي تحجى ... بآخرنا وتنسى أولينا
يقول وافق دعاؤها صمّا - يقال أتيناه فأبخلناه - فدعا عليها بهذا، وقوله تحجي يقول تلزم ذلك، وفعلت منه حجوت.
وقال العجاج:
فهن يعكفن به إذا حجا
وقال النابغة:
هلا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا الدخان تغشى الأشمط البرما
البرم الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، وإنما خص الأشمط لأنه قد كبر وضعف فهو يأتي مواضع اللحم.
وقال الأعشى:
وإني لا يشتكيني الألوك ... إذا كان صوب السحاب الضريبا
الألوك الرسالة، معناه لا أرد صاحبها بغير شيء فيشكوني في هذا الوقت البارد الجديب. ومثله للبيد:
وغلام أرسلته أمه ... بألوك فبذلنا ما سأل
أو نهته فأتاه رزقه ... فاشتوى ليلة ريح واجتمل(3/1238)
اجتمل من الجميل وهو الودك أي لم ترسله فارسلنا إليه ابتداء من غير سؤال. وقال ابن مقبل:
الم تعلمي أن لا يذم فجاءتي ... دخيلي إذا اغبر العضاه المجلح
فجاءته اتيانه ولم يستعد لذلك. والمجلح الذي أكلته الإبل حتى ذهبت بغضونه فبقي كالرأس الأجلح.
وقال ابن أحمر وذكر سنة جدب:
وراحت الشول ولم يحبها ... فحل ولم يعتس فيها مدر
أي ذهل الفحل عن الشول وأهمته نفسه من شدة الزمان، ويقال هو يحبو ما حوله أي يحميه ويمنعه، ولم يعتس فيها مدر، أي لم يسع ذو عس لأنه لا ألبان لها. وقال:
ويوم قتام مز مهر وهبوة ... جلوت بمرباع تزين المتاليا
أي ذهبت بغبرة البؤس فيه بما نحرت، والمرباع التي نتجت في أول الربيع، والمتالي جمع متلية. وقال خداش بن زهير:
ومطوية طي القليب حبستها ... لذي حاجة لم أعي أين مصادره
يعني نوقا شبه صلابتها بطي البئر، حبستها على الأضياف، ويقال أراد الأذن، ومثله:
ومطية طي القليب رفعتها ... لمستنبح بعد الهدو طروق(3/1239)
يعني أذنه يرفع سمعه ليسمع صوت مستنبح فيضيفه.
وقال الأخطل:
ومحبوسة في الحي ضامنة القرى ... إذا الليل وافاها بأشعث ساغب
يعني إبلاً. وقال المرار:
ولا يتقيني الشول بالفحل دونها ... ولا يأخذ الأرماح لي ما أطارد
أي لا يستتر الشول بالفحل دونها فإذا نظرت إليه امتنعت من عقرها، ولا يأخذ الأرماح لي ما أطارد من الإبل، وأرماحها حسنها وسمنها لأنها تمتنع من صاحبها بذلك إذا نظر إليه نفس بها.
ومثله:
لا أخون الخليل ما حفظ العه ... د ولا تأخذ الرماح لقاحي
وقال الكميت:
إذا اللقاح غدت ملقى أصرتها ... ولم تند عصوب كف معتصب
يلقي أصرتها لأنها لا ألبان لها والعصوب التي لا تدر حتى تعصب.
وجالت الريح من تلقاء مغربها ... وضن من قدره ذو القدر بالعقب(3/1240)
العقبة شيء كان يرده مستعير القدر من المرق في القدر وهو العافي وأنشد لمضرس الأسدي:
إذا رد عافي القدر من يستعيرها
وكهكه المدلج المقرور في يده ... واستدفأ الكلب بالمأسور ذي الذئب
أي نفخ في يده من البرد، والمأسور الغبيط وكل شيء عطفته وحنيته فهو مأسور، والذئبة فرجة بين عودى القتب والغبيط.
وقال يذكر سنة جدب:
وكان السوف للفتيات قوتا ... يعشن به وهنئت الرقوب
السوف التسويف، والرقوب التي لا يبقى لها ولد، هنئت أي يقال هنيئاً لفلانة ليس لها ولد فيحتاج إلى غذاء.
وصار وقودهم للحي أمّاً ... وهان على المخبأة الشحوب
يقول اجتمعوا حول النار فكأنها أم لهم، والمخبأة يهون عليها إن تبدو فيتغير لونها. وقال يمدح:
فأي امرئ أنت أي امري ... إذا الزجر لم يستدر الزجورا
ولم يعط بالعصب منها العصو ... ب إلا النهيت وإلا الطحيرا
العصوب التي لا تدر حتى تعصب فخذاها، والنهيت صياح ورغاء، والطحير أن تضرب برجلها، والزجور التي لا تدر حتى تزجر، وهذا في شدة الزمان.(3/1241)
يضج رواغي أقرانهم ... لهلاكها ويكيس العقيرا
يقول يعطي الإبل في هذا الوقت فتشد في الأقران وهي الحبال فترغو وتضج، والكوس أن يعرقب البعير فيمشي على عرقوبيه.
ومثله قول الآخر الأعور النبهاني:
ولم ينبح الكلب العقور ولم يخف ... على الحاطبين الأسود المتقوب
الأسود الحية، والمتقوب السالخ، وذلك أنه في شدة البرد لا يظهر. وقال أيضاً في مثل ذلك:
وأسكت رز الفحل واسترعفت به ... حراجيج لم تلقح كشافا سلوبها
رزه صوته انقطع من شدة البرد، واسترعفت تقدمت، والكشاف أن تلقح في دمها بعد الولد، والسلوب التي سلبت ولدها. وقوله:
إذا ما المراضيع الخماص تأوهت ... ولم يند من أنواء كحل جبوبها(3/1242)
كحل سنة مجدبة، والجبوب وجه الأرض. وقال يمدح:
وأنت ربيعها في كل محل ... إذا المهداة قيل لها العفير
المهداة التي تهدي، والعفير التي لا تهدي من الجدب لأنه لا شيء لها. وقال يمدح:
وأنتم غيوث الناس في كل شتوة ... إذا بلغ المحل الفطيم المعفرا
المعفر الذي تريد أمه فطامه فهي تعلله بالشيء ليستغني به عن اللبن، ومنه قول لبيد:
لمعفر قهد تنازع شلوه ... غبس كواسب ما يمن طعامها
وقال الكميت يذكر سنة جدب:
وكان لبيت القشعة الهدم والصبا ... أحاديث منها عاليات الأراود
القشعة بيت من أدم، والهدم الخلق، والصبا الريح، والأرواد من رويداً أي قليلاً، يقول فأضعفها شديد. وقال يذكر سنة جدب:
بعام يقول له المؤلفو ... ن هذا المعيم لنا المرجل
المؤلف الذي ألف بعير، والمعيم الذي يذهب بابلنا وبدرها ويعيمنا، والعائم إلى اللبن مثل القرم إلى اللحم، والمرجل الذي أرجلهم.
وكان سواءً لدى الناتجين ... تمام الحوارين والمعجل(3/1243)
أي ليس للأمهات لبن فالتمام يموت أيضاً، قال أبو عمرو: وهمنا حواران أحدهما تمام والآخر معجل.
وقال يذكر الفحل في سنة الجدب:
هدماً للكنيف يلقي لدى المب ... رك لا يتبع الصريف الهديرا
هدما أي هو محب لكنفيه لا يشتهي مفارقته، يقال ناقة هدمة إذا كانت تحب الفحل.
والرؤوم الرفود منهن بالأم ... س علوقاً لسقبها أو زجورا
الرؤوم العطوف على ولدها، والرفود التي تملأ رفدين في حلبة أي قدحين، والعلوق التي ترأم وتمنع درها، والزجور التي لا تدر حتى تزجر، يقول: صارت الرؤوم الرفود لشدة الضر وشدة الزمان علوقاً وزجورا. وقال:
فأي عمارة كالحي بكر إذا اللزبات ... لقبت السنين بكحل وأشباه ذلك.
أكر غداة إبساس ونقر ... وأكشف للأصائل إذ عرينا
الإبساس والنقر تسكين الدابة، والأصائل العشيات، عرين بردن، يقال ليلة عرية ويوم عري أي بارد، أي يكشفونها(3/1244)
بالإطعام، وقوله:
وبات وليد الحي طيان ساغباً ... وكاعبهم ذات الغفارة أسغب
الغفارة شعر الصدغ وما يليه. وقال الخرشب:
وإن وراء الخدر غزلان أيكة ... مضمخة أردانها والغفائر
ويروى: العفاوة، وهو ما يرفع للإنسان من المرق، ويروى القفاوة، من القفى وهو ما خص به الإنسان. ومنه قول سلامة:
ليس بأقنى ولا أسفي ولا سغل ... يسقي دواء قفي السكن مربوب
وقال ذو الرمة:
الأرب ضيف ليس بالضيف لم يكن ... لينزل إلا بامرئ غير زمل
يريد الهم.
أتاني بلا شخص وقد نام صاحبي ... فبت بليل الآرق المتململ
وقول الفرزدق:
وقوم أبوهم غالب أنا ما لهم ... وعام تمشي بالقراع أرامله
القراع الجرب واحدتها قرعة والجمة قرع، يقول تمشي الأرامل بالجرب تتصدق. وقال سويد بن أبي كاهل:
وأتاني صاحب ذو غيث ... زفيان عند انفاد القرع(3/1245)
ذو غيث أصله في البئر يقال: بئر ذات غيث إذا كان لها مادة، زفيان خفيف. وقال الراعي:
إني تأليت لا ينفك ما بقيت ... منها عواسر في الأقران أو عجل
أي لا أزال أعطي منها مخاضاً تعسر بأذنابها في الحبال أو عجلاً وهي الثكل، وذلك أن لها لبناً فهي أنفس من غيرها.
وقال آخر:
يكبون العشار لمن أتاهم ... إذا لم تسكت المائة الوليدا
العشار جمع العشراء من الإبل. يقول ينحرون في الجدب إذا لم يكن في مائة من الإبل ما يعلل به صبي إذا بكى ليسكت.
وقال آخر:
إذا النفساء لم تخرس ببكرها ... غلاماً ولم يسكت بحنز فطيمها
الحنز الشيء القليل. وقال آخر وذكر الضيف والجزور:
فإن يك غثاً أو سميناً فإنني ... سأجعل عينيه لنفسه مقنعا
يقول أذبح بين يديه الجزور وأتخذ له الطعام بحضرته ولا أغيب ذلك عنه غثاً كان أو سميناً لئلا يظن أني قد استأثرت بأطايب الجزور.
وقال الفرزدق وذكر برداً وجدباً:(3/1246)
وهتكت الأطناب كل عظيمة ... لها تامك من صادق الني أعرف
تامك سنام، أعرف طويل العرف، يقول إذا أصابها البرد دخلت في الخباء فتقطع الأطناب.
وقال ابن مقبل وذكر سنة جدب وبرداً:
يظل الحصان الورد منها مجللا ... لدى الستر يغشاه المصك الصمحمح
يقول يغشى الفرس البيت من شدة البرد، وأراد يظل الحصان الورد المصك الصمحمح مجللا من شدة البرد.
وقال الفرزدق يصف ناقة نحرها للأضياف:
شققنا عن الأفلاذ بالسيف بطنها ... ولما تجلد وهي يحبو بقيرها
يريد شققنا بطنها، وبقيرها ولدها الذي بقر بطنها عنه يحبو، ولما تجلد تسلخ، يقول لم ينزع جلدها بعد.
وقال الأخطل يصف ضيفاً نزل به، فأمر أن يذبح له:
فقال ألا لا تجشموها وإنما ... تنحنح دون المكرعات لتجشما
المكرعات من الإبل ما لبس الدخان رؤوسها وكواهلها.
وقال أوس بن حجر وذكر برداً:
وشبه الهيدب العبام من ال ... أبرام سقبا مجللا فرعا
الهيدب مثل العبام وهو الثقيل الغبي، والأبرام الذين لا ييسرون والفرع أول ولد تلده الناقة وكانوا يذبحون ذلك(3/1247)
لآلهتهم يقول فهذا قد لبس جلد الفرع من شدة البرد فكأنه فرع. وقال:
وذات هدم عار نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جدعا
النواشر عصب الذراع الواحد ناشرة وبها سمي الرجل، والتولب أراد طفلها وهو ولد الحمار مستعار، والجدع السي الغذاء، تصمته بالماء لأنه ليس لها لبن من شدة الضر. وقال طرفة:
ألقوا إليك بكل أرملة ... شعثاء تحمل منقع البرم
الأصمعي: منقع البرم، أبو عمرو وابن الأعرابي: منقع البرم، البرم جمع برمة وهي برام صغار تحملها المرأة تنقع فيها أنكاث الأخبية وهو ما نقض منها فإذا نزلوا واستقروا حكن ذلك الغزل واتخذت الأخبية. وقال لبيد:
تأوي إلى الأطناب كل رذية ... مثل البلية قالص أهدامها
أهدامها خلقان ثيابها، والبلية الناقة تعقل عند قبر صاحبها فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت. رذية امرأة مهزولة. وقال طرفة:
رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولأهل هذاك الطراف الممدد(3/1248)
يعني المحاويج، وغبراء السنة المجدبة. وقال الحارث بن حلزة:
أم علينا جرى حنفية أو ما ... جمعت من محارب غبراء
بنوا غبراء صعاليك سموا بذلك لأنهم خلط من كل ضرب.
وقال طرفة يذكر ناقة عقرها لبعض الحي:
يقول وقد تر الوظيف وساقها ... ألست ترى أن قد اتيت بمؤيد
وقال ألا ماذا ترون بشارب ... شديد علينا بغيه متعمد
فقالوا ذروه إنما نفعها له ... وإلا تردوا قاصي البرك يزدد
تر انقطع وأتررته قطعته، مؤيد داهية، أي مثلها لا يعقر.
وقال: ألا ماذا ترون بشارب، هذا قول صاحب الناقة والشارب طرفة، فقالوا: ذروه أي ذروا طرفة، فإنما نفعها له أي لصاحب الناقة لأن طرفة سيخلف عليه ويزيده، وإلا تردوا الإبل عليه وتمكنوه منها فإنه سيعقر أخرى، وقاصي البرك آخر الإبل.
وقالت أخت عمرو ذي الكلب الهذلية:
وليلة يصطلي بالفرث جازرها ... يختص بالنقرى المثرين داعيها
تقول من شدة الزمان والبرد يدخل يده في الكرش لتدفأ، والنقرى أن يدعو رجلاً من هاهنا ورجلاً من هاهنا، والجفلي والأجفلي أن يعم. وقال المتنخل:(3/1249)
فلا وأبيك نادى الحي ضيفي ... هدواً بالمساءة والعلاط
سأبدؤهم بمشمعة وأثني ... بجهدي من طعام أو بساط
نادى أي لا ينادي والعلاط سمة في العنق، يقال علطه بشر إذا وسمه ولطخه به، ومشمعة مزاح ومضاحكة، يقال قد شمع وما جدّ.
وأكسو الحلة الشوكاء خدني ... وبعض القوم في حزن وراط
الشوكاء الخشنة من الجدة لم يذهب زئبرها، والحزن جمع حزنة وهو ما غلظ من الأرض، والوراط جمع ورطة وهو أن يقع في موضع لا يقدر أن يخرج منه. وقال مزرد:
إذا مس خرشاء الثمالة أنفه ... ثنى مشفريه للصريح فأقنعا
الخرشاء جلد الحية شبه به الرغوة، وذكر ضيفاً أي هو حاذق بالشرب إذا خشنت عليه الرغوة ثنى مشفريه للصريح، فأقنع رفع رأسه. وقال جبيهاء يهجو ضيفاً:
فأقنع كفيه وأجنح صدره ... بجرع كأثباج الزباب الزنابر
أقنع رفع، وأجنح أمال وأثباج أوساط، والزباب فأر القف، والزنابر العظام الواحد زنبور، وقال أوس:
نحل الديار وراء الديا ... ر ثم نجعجع فيها الجزر(3/1250)
يقول نحن من عزنا وكثرتنا ننزل حياً وراء حي، نجعجع أي نحبسها حتى تنحر، وكل محبس جعجاع، ومنه قول أبي قيس ابن الأسلت:
من يذق الحرب يذق طعمها ... مراً وتتركه بجعجاع
أي تدعه في ضيق. ومثل هذا:
لففنا البيوت بالبيوت
وقال الكميت:
واحتل برك الشتاء منزله ... وبات شيخ العيال يصطلب
أي يجمع العظام فيطبخها بالماء ليخرج ما فيها من الودك، ومنه سمي المصلوب لأنه يسيل ودكه، وقول الفرزدق:
وكان حياً للممحلين وعصمةً ... إذا السنة الشهباء حل حرامها
أي يأكلون فيها الميتة والدم. وقال أوس:
فأحللتم الشرب الذي كان آمناً ... محلاً وخيماً عوذه لا تحلب
العوذ الحديثات النتاج، يريد أن الموضع وخيم لا يصلح المال فإذا لم يكن في العوذ لين فكيف بالملجبات.(3/1251)
وقال رؤبة يذكر سنة:
جدباء فكت أسر القعوش
القعش الهودج، يريد أنهم حلوا القد من هوادجهم وفكوها وأوقدوا بها من شدة البرد. وقال رؤبة:
وحق أضياف عطاش الأعين
هذا مثل، يريد أنهم سافروا من بعد فغارت عيونهم من الكلال.
وأنشد ابن الأعرابي:
ومفرهة تامك نيها ... تزين إذا ما تساق العشارا
لقيت قوائمها أربعاً ... فعدن ثلاثاً وعادت ضمارا
يقول اعترضتها فضربت إحدى قوائمها فنحرتها وصار ثمنها عليك نسيئة.
الأبيات في مكارم الأخلاق
قال لبيد:
فاقطع لبانة من تعرض وصله ... ولخير واصل خلة صرامها
واحب المجامل بالجزيل وصرمه ... باق إذا ضلعت وزاغ قوامها(3/1252)
لبانة حاجة، من تعرض وصلة أي لم يستقم لك وقوله: ولخير واصل خلة صرامها - أي قطاعها، يقول خير من تصله من يقطعك إذا استوجبت ذاك منه. أبو عبيد: يريد اقطع لبانتك منه ولا ترده وخير واصل ينشد بلا لام. ومثل قوله: تعرض وصله - قوله:
وارجع واشمة أسف نؤورها ... كففا تعرض فوقهن وشامها
وذلك حين يدار الوشم، إذا ضلعت يريد الخلة أي أعوجت، وزاغ قوامها استقامتها، يقول من جاملك فأجزل مكافأته، وصرمه باق عندك أي تستبقيه ولا تعجل به أي معد عندك إذا مال بخملته عنك وعدل، أي فحينئذ تصرمه. وقال آخر:
الناس إخوان وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعه بيت الأدم
بيت الأدم قبة الملك يجتمع فيها كل ضرب يأكلون فيها الطعام، يقول هم سواء في أنهم بشر، ثم ضرب بيت الأدم مثلاً وذلك يكون(3/1253)
فيه الجيد والرديء والصغير والكبير وكل ضرب فجعل الأدم مثلاً للناس في اختلاف طبائعهم. ويقال بيت الأدم بيت الإسكاف فيه من كل جلد رقعة. وقال آخر:
وإن قراب البطن يكفيك ملأه ... ويكفيك سوآت الأمور اجتنابها
قرابة أي مقاربته أي دون ملئه ويكفيك سوآت الأمور أن تجتنبها. وقال جرير: فإني لأستحي أخي أن أرى لأحد علي نعمة أو أثراً حسناً لا يرى هولي عليه مثله. وقال يزيد بن خذاق العبدي:
ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت ... سبل المسالك والهدى يعدي
أي إبصارك الطريق يعديك على الهدى على طريقك ومثله: أعداني السلطان - أي أعانني. وقال آخر:
توكل وحمل أمرك الله إن ما ... تراد به يأتيك أنت له مخلي
أي في خلاء منك أنت له مصحر. وقال أبو العيال:(3/1254)
إن البلاء لدى المقاوس مخرج ... ما كان من غيب ورجم ظنون
المقاوس جمع مقوس وهو الجبل الذي يمد على صدور الخيل عند مدفع الغاية أي فما كان عند الفرس فسيظهر حينئذ، وإنما هذا مثل، أي التجربة تخرج ما عند الإنسان من خير وشر.
وقال امرؤ القيس:
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ... بندرك أطراف الخطوب ولا آلي
يقول المرء ما عاش - وإن جهد في طلب ولم يأل - غير مدرك أواخر الأمور وغير بالغ كنهها. وقال ذو الرمة:
تشابه أعناق الأمور وتلتوي ... مشاريط ما الأوراد عنه صوادر
أعناق الأمور أوائلها، والمشاريط الأعلام، يريد أن الأمور إذا أقبلت التبست وأشكلت وعمي فيها الرأي فلم يصح منها وهي مقبلة ما يصح إذا مضت وقرت مقرها، كأنه قال: تشابه أوائل الأمور وتمتنع أعلام العواقب التي تصدر عنها الأوراد فلا يحاط بها.
وقال امرؤ القيس:
فإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب
يقول الضعيف لا تجاره فهو يتبرى عليك. وقال النابغة:
ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب(3/1255)
يقول من لم تصلحه تقومه من الناس فلست بمستبقية ولا براغب فيه، واللم الجمع لما تفرق من أخلاقه وفسد، يقول: إنك لا تجد مهذباً لا عيب فيه. وقال الأعشى:
فلسنا لباغي المهملات بقرفة ... إذا ماطها بالليل منتشراتها
المهملات الإبل بلا راع، والقرفة الظنة، أي لا يطمع فينا لأنا لسنا نهمل أمرنا، وهذا مثل، طها انتشر وتفرق. وقال جهنام يرد عليه:
إنا لحابسون صدر أمورنا ... إذا عجلت دون الصلاح هناتها
أي نكف أوائل أمورنا أي نتأنى وننتظر ولا نعجل فنقدم إذا عجلت الهنات من الشر دون الصلاح وهو الصلح.
وقال الأعشى:
إن محلاً وإن مرتحلاً ... وإن في السفر ما مضى مهلاً
أراد إن لنا محلاً يريد الآخرة، ومرتحلاً عنه يريد الدنيا، وإن في السفر تقدماً من يقدم شيئاً من العمل أصابه كما تقول: أخذ لذلك الأمر مهلته - أي تقدم فيه. وقال الشماخ:
كل خليل غير هاضم نفسه ... لوصل خليل صارم أو معارز
هاضم كاسر، يقول: كل خليل لا يقهر نفسه على وصل خليله فهو على حال صارم خليله، والمعارز المجانب، أبو عمرو: يقال استعرز مني فلان أي انقبض، وقيل هو المعاتب، وقيل هو المعاند،(3/1256)
وكل قريب من بعض. وقال لبيد:
واكذب النفس إذا حدثتها ... إن صدق النفس يزري بالأمل
هو ان يقول انفسه: تعيشين تصيبين خيراً ولو صدقها فقال: تهلكين تموتين لأزري بأمله:
غير أن لا تكذبنها في التققى ... واخزها بالبر لله الأجل
اخزها سسها لله الأعظم، خزوت الإنسان وغيره أخزوه أي سسته: وقال ذو الإصبع:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني
أراد الله ابن عمك، وعني بمعنى علي، أي لم تفضل في الحسب علي، والديان الذي يملي أمره، يقول لست والي أمري فتسوسني.
وقال لبيد:
وما البر إلا مضمرات من التقي ... وما المال إلا معمرات ودائع
معمرات من العمري، يقال: هذه الدار لك عمري.
وقال القطامي:
ومعصية الشفيق علك مما ... يزيدك مرة منه استماعا
يقول إذا عصيته مرة فتبين لك خطاؤك في معصيته استمعت منه الثانية. وقال:(3/1257)
أخوك الذي لا تملك الحس نفيه ... وترفض عند المحفظات الكتائف
الحس الرقة. تقول: إني لأحس عليك أي أرق عليك، يقول أخوك الذي لا يملك أن ينصرك، والكتائف الأحقاد واحدها كتيفة، يقول: تذهب الإحقاد يوم ترى أخاك في الشر فتنصره.
وقال ابن أحمر:
هذا الثناء وأجدر أن أصاحبه ... وقد يدوم ريق الطامع الأمل
أي ييبس ريقه في فمه. وقال المرار:
فلا تنقطع من وامق ذي مودة ... بغيب ولا واش يدب ويقدح
يقول: لا تنقطع عن خليلك لشيء غاب لم تره ولا لواش يدب بالنميمة.
فإن أمين الغيب يحصر صدره ... مراراً ويستحي الحبيب فيصفح
يقول ربما ضاق صدره بما يبلغه إلا أنه يستحي الحبيب فيصفح عنه.
فلا تصر من الدهر من قد حبوته ... بودك واعلم أهله حين يمنح
يقول: اعلم من هو أهل لودك، أي لا تضع ودك إلا موضعه فإذا وددت فلا تصرم. وقال الكميت يذكر نفسه:
لا خطوتي تتعاطى غير موضعها ... ولا يدي في حميت السكن تندخل(3/1258)
يقول: لا أخطو إلى ريبة، والحميت نحي السمن، والسكن الحي وهذا مثل، يقول: لا أخرق جلود الحي بالشتم، وقال:
وفي الناس أقذاع ملاهيج بالخنى ... متى يبلغوا الجد الحفيظة يلعبوا
أقذاع أصحاب قذع، وهو الشتم، يقول يلهجون بالشر وهم جادون فإذا جاء الغضب قالوا: إنما لعبنا.
ومن لا يكن في صدر أمر ينوبه ... كذي العجز البالي له حين يذهب
يصل من حبال الغدر فيما ينوبه ... بمرمقه يردي بها المتذبذب
مرمقة ضعاف، يردي يهلك. وقال:
وأقرب يومى ذي المواربة الذي ... ينال به من فرصة الحزم موردا
أي أقرب يوميه من حاجته اليوم ينال به مورد الخرم وقال ربيعة بن جشم:
أحار بن عمرو كأني خمر ... ويعدو على المرء مل يأتمر
خمر أي في عقب الخمار، ويقال أراد كأني خامرني داء أو وجع، ويعدو على المرء ما يأتمر، كقولك: من حفر حفرة وقع فيها، لأن الرجل إذا ائتمر أمراً ليس برشد فكأنه يعدو عليه فيهلكه. وقال مضرس الأسدي:(3/1259)
وراحلة قدمت أقتاد رحلهالمستردف لا يحقر الجهد آطره
أراد قدمت أقتاد رحلها بالحبال أي أشده بها وأعطفه وأنحى رحلي لأوسع لردفي، ثم قال: لا يحقر جهد مجتهد - فعذر نفسه، وقد استقل ذلك، ومثله قول المرار:
وكيف على جهد الجليل تلوم
كأني أصادي ذا دلال يصورني ... بقربي وقرض والحفاظ أواصره
الآصرة كل ما عطفك على الرجل من صهر وقرابة.
وقول عبد يغوث الحارثي:
ألم تعلما أن الملامة نفعها ... قليل وما لومي أخي من شماليا
قال: الشمائل الأخلاق واحدها شمال. وقال سويد بن أبي كاهل وذكر الله عز وجل:
ومتى ما يكف شيئاً لا يسع
أي لا يضاع يقال ضائع سائع وضاع وساع.
وقال عبد الله ابن سليمة:
ولقد اداوي داء كل معبد ... بعنيه غلبت على النطيس
معبد جرب، والعينة أبوال تطبخ مع أدوية ويطال أنقاعها وحبسها(3/1260)
ثم يعالج بها الجرب، وأصل التعنية الحبس، والنطيس المتنوق في الأشياء المبالغ ومنه للطبيب نطاسي، وهذا مثل، أراد إن عندي رفقاً بمن أنكر أخلاقه حتى اقومه. وقال المرقش الأكبر:
يا صاحبي تلبثا لا تعجلا ... إن الثواء رهين أن لا تعذلا
يقول إن مقامكما علي رهين بأن لا أعذلكما.
فلعل ريثكما يفرط سيئاً ... أو يسبق الإسراع شيئاً مرسلاً
الريث الإبطاء، يفرط يقدم، يقول: لعل إبطاءكم معي يتأخر بكما عن سيء فيتقدمكما ذلك الشر فيفوتكما ولعل إسراعكما يسبق بكما خيراً لأنه يتأخركما. وقال عدي بن زيد:
إذا ما امرؤ لم يرج منك هوادةً ... فلا ترجها منه ولا دفع مشهد
الهوادة الرخصة واللين، ومنه التهويد في السير، والمشهد المحضر والمعنى إذا لم يضعك الرجل موضع رجاء هوادة منك وموضع دفع عنه فلا ترج أيضاً ذلك منه فإنه يضعك من نفعه لك بحيث يرجوه من نفعك له.
وعدّ سواه القول واعلم بأنه ... متى ما يبن في اليوم يصرمك في غد
يقول: اصرف قولك عنه إلى غيره واعلم بإنه متى ما يبين لك شيئاً من جفائه فإنه متبعك بالصريمة في غد. ويروي: يبن بالفتح من البينونة.(3/1261)
إذا أنت فاكهت الرجال فلا تلع ... وقل مثل ما قالوا ولا تتزند
لا تلع لا تجزع وهو من لاع يلاع، ومنه هاع لاع وهائع لائع، ولا تتزند لا تغضب، يقال للرجل إذا كان سريع الغضب إنه لمزند ومتزند أيضاً: وروى المفضل: ولا تتزند أي لا تزد على ما قالوا.
وأبدت لي الأيام والدهر أنهولو حب من يصلح المال يفسد
يقال حب وأحب بمعنى، يريد أنه لو أحب إصلاحه لم يصلح ماله وهو يفسد. وقوله للنعمان حين حبسه: شيعتني أعانتني نعماه على نصري إياه وما كنت أعطيته من ميثاقي بنصره والنصح له. ثم قال: إن التقى شكور للمعروف.
وتمهلت قوزةً أحرزت عر ... ضي من الذم والشهود كثير
أي تقدمت في نعمة عندك، أحرزت عرضي من أن أذم وأنسب إلى تقصير، والتمهل السبق، والشهود على ما قلت كثير وذلك أنه كان عمل للنعمان عند كسرى دون إخوته حتى جعل إليه أمر العرب.
لا بسخط المليك ما يسع العب ... د ولا في نكاله تنكير
يقول لا يستطيع العبد أن يحمل سخط مليكه لشدة ذلك عليه.
ظنة شبهت فأملكها القس ... م فعداه والخبير خبير(3/1262)
يقول ظن ظناً فأملك تلك الظنة القسم أي جعلها ملكاً للرأي أي صدق ذلك الظن فأمضاه، وهو بمعنى قوله: فعداه. وقال بعضهم حمله ذلك على الاعتداء، والخبير الله عز وجل خبير بهذا الأمر، ويروى شبهت أي لبست عليه حتى لم يعرف وجهها.
وقال وذكر المنون:
كل حي يقوده كفّ هاد ... جنّ عين تغشيه ما هو لاق
جن عين أي ما هو مستتر عنه، وجن عين منصوب بالهاء في هاد أي يهديه إلى ما غاب عنه ما قدر له. وقال طرفة:
للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه
وقال أفنون التغلبي:
فطأ معرضاً إن الحتوف كثيرة ... وإنك لا تبقي لنفسك باقيا
يقول إنك إن أبقيت نفسك لم تبق لك. وقال زهير:
الجد من خير ما أعانك أو ... صلت به والجدود تهتصر
أي ربما كان لك إذا تولى عن آخر، وتهتصر تفتعل من هصرت إذا أملت وثنيت، أي تمال، وبين ذلك قوله بعد هذا البيت.
قد يقتني المرء بعد عيلته ... يعيل بعد الغنى ويفتقر(3/1263)
وقال أيضاً:
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنى ... أصبت حليماً أو أصابك جاهل
يقول إذا أنت لم تحلم وقعت بين أمرين رديئين إما صبت حليماً فسفهت عليه فأسأت أو أصابك جاهل فسفه عليك وأساء عليك.
وقال النمر بن تولب:
وإن أنت لاقيت في نجدة ... فلا تتهيبك أن تقدما
فإن المنية من يخشها ... فسوف تصادفه أينما
في نجدة أي في قتال وشدة، فلا تتهيبك أي لا تتهيبها وهذا من المقلوب.
وقال ابن مقبل:
ولا تهيبني الموماة أركبها ... إذا تجاوبت الأصداء بالسحر
فسوف تصار دفه أينما ذهب، وإن كان محذوفا وكان يحذف اختصارا.
وقال النمر بن تولب:
يلوم أخي على إهلاك مالي ... وما إن غاله ظهري وبطني(3/1264)
يقول لم يكن هلاكه في لباس ولا طعام ولكنه كان في العطايا.
وقال:
ولا أسقي ولا يسقي شريبي ... وأمنعه إذا أوردت مائي
يعل وبعض ما أسقي نهال ... وأشربه على إبلي الظماء
شريبه الذي يشرب معه، والمعنى: لا أسقي حتى يسقي شريبي كما تقول لا آكل ولا يأكل أخي أي لا آكل حتى يأكل اخي، وأمنعه أراد ولا أمنعه. ومثله للفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... ولم يكثر القتلى بها حين سلت
أي لم يغمدوها حتى كثرت القتلى بها، يعل أي يسقى مرة بعد مرة، وبعض ما أريد سقيه من أبلي نهال أي عطاش لإيثاري إياه.
وقال:
إعلمن أن كل مؤتمر ... مخطيء في الرأي أحيانا
فإذا ما يصب رشداً ... كان بعض اللوم ثنيانا
المؤتمر الذي يركب رأسه، يقال للرجل بئس ما ائتمرت لنفسك،(3/1265)
فإذا لم يصب رشداً لأمه الناس لوماً بعد لوم، الأول لركوبه هواه بغير مشاورة، والثاني على خطئه. وقال القطامي:
والناس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي والأم المخطيء الهبل
وقال الطرماح:
فاطرح بنفسك في البلاد فإنما ... يقضي ويقصر همه المتبلد
المتبلد الذي يذهب في البلاد. وقال العجاج:
والشحط قطاع رجا من رجا ... إلا اختصار الحاج من تحوجا
والأمر ما رامقته ملهوجا ... يضويك ما لم تحي منه منضجا
تحوج طلب الحاج، يريد لا يكون حاضراً بحاجتك، وما رامقته أخذت منه الرمق فهو ملهوج أي غير منضج ولا محكم وإذا عملت في الأمر بغير إحكام فأنت ترامقه، يضويك ينقصك من الضاوي ما لم تعمل فيه عملاً حتى تنضجه. وقال امرؤ القيس:
أقصر إليك من الوعيد فإنني ... مما ألاقي لا أشد حزامي
أي قد جريت حتى لا احتاج إلى أن أشدد للأشياء ولا أتحزم لها.
وقال آخر:
لله آباؤك يا يزيد ... للقوم يعطوك الذي تريد
يقول لن - من اللين ثم قال: لاه آباؤك كما قال: لاه ابن عمك،(3/1266)
يريد لله، أراد لن للقوم يعطوك الذي تريد - لله أبوك. ويروي: للقوم بالنصب ووجه لِ القوم - أماكن واليهم من الولاية، وإماكن فيما يليهم أي بحيالهم، ويعطوك جزم في الوجهين على جواب الأمر: وقال الشماخ:
وكنت إذا حاولت أمراً رميته ... بعيني حتى تبلغا منتهاهما
أي إذا طلبت أمراً وقع في عيني لا أغفل حتى أدركه.
وقال العجاج:
بات يقاسي أمره أمبر مه ... أعصمه أم السحيل أعصمه
أي يدبر أمره وينظر إذا أحكمه وأبرمه أذلك أعصم له - أي أمنع - أم الأعصم أن لا يفتل حبل الرأي ويرسله سحيلاً غير مقتول، والسحيل خيط واحد والمبرم خيطان. وقال عمرو بن كلثوم:
وإن غداً وإن اليوم رهن ... وبعد غد بما لا تعلمينا
يقول هذا الأيام محتبسة على صروف لا تعلمينها.
وقال ابن أحمر:
وإنما العيش بربانه ... وأنت من أفنانه مقتفر(3/1267)
من طارق يأتي على خمرة ... أو حسبة تنفع من يعتبر
ربانه حدثانه: وأنت من أفنانه أي نواحيه، مقتفر أي متبع ومن هاهنا بمعنى اللام المكسورة أي وأنت تأخذ منه بحظ وتدرك منه ما يأتي، على خمرة أي على استخفاء فأنت تصيب شهوتك، والحسبة أن ينظر في أمره ويقدره، يقال ما أحسن حسبته في هذا الأمر أي تدبيره ونظره، يقول فأنت تعيش بهذين النوعين ببلوغك شهوتك وإرادتك وبنظرك في الأمور واعتبارك. وقال زهير:
ومن يوف لا يذمم ومن يفض قلبه ... إلى مطمئن البر لا يتجمجم
يقول من وفى ولم يذمم، يقال وفى واوفى لغتان، وقوله ومن يفض قلبه يقول من كان في صدره بر قد اطمأن وسكن وليس ببر يرجف لم يتجمجم وأمضى كل أمر على جهته وليس كمن يريد غدراً فهو يتردد في أمره وينثني، والبر الصلاح. وقال:
ألا أبلغ لديك بني تميم ... وقد يأتيك بالخبر الظنون
الظنون الذي لا يوثق به ولا يكاد يصدق في خبر فربما صدق وأتى بالخبر، والمعنى أنه يقول نحن ببلدة ولا أدري أيبلغهم اليقين مما أقول أم لا فعسى أن يبلغهم قولي كما يصدق الظنون أحياناً.
وقال:(3/1268)
أبيت فلا أهجو الصديق ومن يبع ... بعرض أبيه في المعشر ينفق
يقال في المثل: من باع بعرضه أنفق، يقول من شاتم الناس وجد عرضه نافقاً يشتم، يقال أنفق الرجل إذا نفقت تجارته.
وقال:
وذي نعمة تممتها وشكرتها ... وخصم يكاد يغلب الحق باطله
أي نعمة لي على غيري تممتها ونعمة علي شكرتها.
وقال ابن مقبل:
سأترك للظن ما بعده ... ومن يك ذا اربة يستبن
يقول ظني صواب فأنا أمضي له ولا أشك وأترك ما بعده، والأربة العقدة، يعني من كان ذا عقل استبان الأمر لا يشك فيه.
وقال:
فإنك لا تبلو امرءاً دون صحبة ... وحتى تعيشا معفيين وتجهدا
يقول لا تعرف الرجل وأخلاقه حتى تصحبه وتبلوه في حال اليسر والعسر أراد معفيين من المكروه وإن كانا مجهودين يقال جهد الرجل فهو مجهود، يقول ... قال:
فلا تكونن كالنازي ببطنته ... بين القرينين حتى ظل مقرونا(3/1269)
قال: يقرن بعيران بحبل ... بعير آخر يدخل بينهما من ورائهما فينشب في.....معهما فلا يقدر أن يتخلص فلا يأكل ولا يشرب إلا إذا أكل البعيران ويبقى حتى يخلصه الراعي.
وقال عدي بن زيد:
لم أر مثل الفتيان في غبن ال ... أيام ينسون ما عواقبها
ما يغفلوا لا يكن لهم يتم ... في كل صرف تسعى مآربها
غبن الأيام ما يغبن منها فينقضي من غير أن يعملوا فيه لآخرتهم يقال غبن فلان في رأيه يغبن غبناً، فأما الغبن بإسكان الباء ففي البيع وقوله " لا يكن لهم " يتم اليتم البطء. وأنشد أبو البيداء:
لا ييتم الدهر المواصل بينه ... عن الفيل حتى يستدير فيصرعا
أي لا يلبث وإنما أراد: ما يغفلوا عن الاستعداد للموت ولم يكن ... لنا.... لا تلبثهم غفلتهم ولكن الموت يعمل عمله، ثم ابتدأ فقال.....
هذا آخر ما وجد من هذا الكتاب الجليل والحمد لله أولاً وآخراً على كل حال وصلى على رسول الله وآله الطاهرين وسلم.(3/1270)