وكنتُ أسمعُ على الخطِ الآخرِ
ايقاعَ المطرِ......)
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سراب
سراب
رقم القصيدة : 63759
-----------------------------------
سرابٌ أم بحرٌ أم مرآةٌ... هذه المرأةُ التي نزفتُ لأجلها أجملَ سنواتِ عمري على الورقِ (ما فائدة أن تحتفظي بأوراقي الآن... ألاجلِ أن تقولي لصديقاتكِ: كان يحبني هذا الشاعرُ حباً مجنوناً؟)... المرأةُ التي بدّدتني كالرملِ في قبضةِ البحرِ، وملامةِ الأصدقاء... ل
أكنتِ تحسبين خطواتكِ معي إلى حدود عتبةِ البيتِ المؤثّثِ، وعندما اكتشفتِ أنْ لا بيتَ لي سوى الشوارع، ولا أثاثَ عندي سوى القصائدِ، ولا كريستالَ سوى الدموعِ... غادرتني إلى أقربِ بيتٍ مؤثثٍ، وقررتِ أن تكوني منطقيةً، أن تنفصلَ خطواتنا: أنتِ إلى دائرةِ الطابو..
وتركتني لوحدي أواجهُ عواصفَ الذكرياتِ ونصالَ الآخرين بقلبي الأعزلِ... عارياً ويتيماً ووحيداً على ضفةِ البحر، وقد أحرقتُ كلَّ سفني... أتلفّتُ إليكِ تلوّحين لي من الضفةِ الأخرى وقد رجعتِ بسفنكِ العامرة...
أيتها النساءُ، يا مرايا الخديعةِ، أيها السرابُ، يا عرقٌ ومكرٌ وتفاحٌ، ها أنني أفتحُ أزرارَ قميصي لرياحكنَّ المتقلّبةِ غير مبالٍ بالطعناتِ أو الرمادِ، ملتذاً بهذا العبقِ الذي يذكّرني بغاباتِ طفولتي المنسيةِ، حيثُ أمي تغزلُ أغصانَ الصفصافِ والتنويماتِ ارجوح
أيتها النساءُ، يا وجعاً دائماً، ولذةً عابرةً، يا ضياعاً، يا شكولاتا، يا أرصفةً، يا نعناعاً، يا حبلَ غسيلٍ، وبصلاً، ودلالاً، وشرشفاً، يا قارةً ثامنةً أقرب بأنفاسها إلى خطِ الاستواءِ أو الجحيمِ منها إلى قطبِ قلبكِ المنجمدِ... يا دولابَ ذكرياتٍ وفساتين سهرةٍ
أيتها النساءُ... أيتها النساءُ... يا أنتِ...
********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> انكسارات حرف العين
انكسارات حرف العين
رقم القصيدة : 63760
-----------------------------------
- فصل أول -(69/163)
ماذا جنيتَ يا حرفَ العينِ. أعرفُ أنكَ خسرتَ كثيراً حتى الحقول، وأن القصائدَ المخبّأةَ في أدراجكَ سيقرضها الفأرُ، فلا يبقى منها سوى أرقامِ الباصاتِ. وحيداً تصعدُ سلّمَ المجلةِ إلى المحاسبِ، يتبعكَ حشدُ الدائنين... المؤجرُ الشرهُ ذو الكرشِ التاريخيِّ يفصّلُ ش
من أجلِ ماذا - إذن - أنكَ مضيتَ إلى الخرابِ؟ أمن أجلِ حفنةِ قصائدٍ سيقرضها الفأرُ والمؤجرُ، أم من أجلِ شَعركِ الطويلِ الذي يملأُ الآنَ سريرَهُ... يا لحياتي من تاريخِ بكاءٍ سريٍّ، يا لحياتي من جبلٍ شاهقٍ يتسلّقهُ رجلٌ وحيدٌ مجنونٌ... يا لحياتي من ادمانِ امرأةٍ
يا لحياتي - أذاً - من حياةٍ مضاعةٍ... خذوا أيامي كلَّها، قسّموها بينكم أيها الدائنون:
قسطاً للشقّةِ، قسطاً للزوجةِ والأطفالِ، قسطاً للكتبِ، قسطاً للوظيفةِ، قسطاً للأصدقاءِ، قسطاً للذكرياتِ، قسطاً للتسكّعِ، قسطاً للمخاوف، قسطاً لبائعِ الخضراواتِ، قسطاً...، قسطاً...، قسطا،ً قسّموها بينكم - أرجوكم - واتركوا لي حصةَ الشوارعِ. الشوارع وحدها ملك
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> انكسارات حرف العين(2)
انكسارات حرف العين(2)
رقم القصيدة : 63761
-----------------------------------
- فصل ثاني -
في الطريقِ إلى الشهرةِ، في الطريقِ إلى بائعِ الخضراواتِ، في الطريق إلى الباصِ، في الطريق إلى قبوِ الأضابيرِ، في الطريق إلى القرنفلِ الأبيضِ، في الطريق إلى دبقِ المقهى، في الطريق إلى بورخس، في الطريق إلى شطرنجِ الوظيفةِ، في الطريق إلى قلبِ المهرجِ، في الطر
ماذا أفعل..؟
********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> انكسارات حرف العين(3)
انكسارات حرف العين(3)
رقم القصيدة : 63762
-----------------------------------
- فصل ثالث -(69/164)
وصولاً إلى الدهشةِ، أتوغلُ في لحاءِ الشجرِ، وصولاً إلى النسغِ صاعداً باتجاه الوريقاتِ وهي تفتحُ عينيها - لأولِ مرةٍ - على عالمِ الخضرةِ والسواقي والأسواقِ. ها أنني أرتعشُ مع أصغرِ برعمٍ في الطبيعةِ، وأخفقُ مع أبعدِ طائرٍ أو نجمةٍ في السماءِ ... لي كلُّ هذا
وصولاً إلى الدهشةِ، أنحدرُ باتجاهِ الشوارعِ الخلفيةِ، باتجاهِ بائعةِ القيمرِ، وثرثرةِ صاحبِ الفندقِ عن النساءِ ومسحوقِ الغسيلِ والعرقِ وكراجِ النهضةِ، باتجاهِ الجسرِ الحديديِّ وأوراقِ العشبِ لوالت ويتمان، حتى حروف المصّححِ، مروراً بديوان كزار حنتوش والكتب
باتجاهِ الدهشةِ، وصولاً إلى ماذا؟
أقولُ الدهشةَ وأقصدُ الكتابةَ. أقولُ الكتابةَ وأقصدُ ذكرياتكِ وجنوني. أقولُ الحدائقَ وأقصدُ زهرةَ الياسمينِ. أقولُ الشوارعَ وأقصدُ شباكَ الأميرةِ المطلَّ على غابةِ قصائدي. أقولُ الصباحَ الجديدَ وأقصدُ زهورَكِ الصباحيةَ على طاولتي. أقول أسلاكَ الغيمِ الماط
أقولُ لأنكِ لم تمهلي فرحي أن يمطرَ فقد انفجرتْ غيمتي على صحراءِ الشرشفِ الأبيضِ ممسكاً بالنافذةِ وأنا أرى انتحارَ بروقي قريباً من أنفاسِ زهرتكِ الظامئةِ.
وصولاً إلى الدهشةِ، وصولاً إلى اللذةِ، وصولاً إليكِ، وصولاً إلى القصيدة المتمنعة... أتناثرُ يومياً في الطرقاتِ كشظايا المرايا وأعودُ مساءً لألملمها على الورقِ... تلك هي حياتي...
واقفاً أتطلعُ إلى ما حولي:
.... أقدامٌ تركضُ، أقلاٌم تركضُ، أحلامٌ تركضُ، تركضُ، تركضُ، تركضُ، تركضُ،.. متى تتوقف أيها اللهاثُ عن الركضِ على جسدِ السريرِ المائلِ من طرفٍ واحدٍ، باتجاهِ رائحةِ الإبطين، باتجاهِ رائحةِ بائعةِ القيمرِ في صباحاتِ الطفولةِ الشهيةِ على السطحِ الصيفيِّ، با
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> البحث عن عنوان
البحث عن عنوان
رقم القصيدة : 63763
-----------------------------------
خذْ ثمانيةَ أعوامٍ من عمري، وصفْ لي الحرب(69/165)
خذْ عشرين برتقالةً، وصفْ لي مروجَ طفولتي
خذْ كلَّ دموعِ العالمِ، وصفْ لي الرغيف
خذْ كلَّ زهورَ الحدائقِ، وصفْ لي رائحةَ شعرها الطويل
خذْ كلَّ البنوكِ والمعسكراتِ والصحفِ، وصفْ لي الوطن
خذْ كلَّ قصائدَ الشعراءِ، وصفْ لي الشاعر
خذْ كلَّ نيونِ مدنِ العالمِ وشوارعها الصاخبةِ،
وصفْ لي لذةَ التسكّعِ على أرصفةِ السعدون
خذْ كلَّ شيءٍ، كلَّ شيءٍ...
وصفْ لي نسيمَ بلادي
أما أنا فغير محتاجٍ لكلِّ هذا...
تكفيني قنينةُ حبرٍ واحدةٌ لأضيءَ العالم
يكفيني رغيفٌ ساخنٌ من تنورِ أمي
لأتأكدَ من حداثتي
أقرُّ أن الكلماتِ امتدادٌ لأصابعي
وأن الحدائقَ امتدادٌ لشعرها الطويل
أقرُّ أن القنابلَ علمتني الكثيرَ
أقرُّ أن القنابلَ مسحتْ الكثيرَ من أحلامي أيضاً
أقرُّ أن القنابلَ لا تكذبُ {كما تفعلُ البياناتُ والقادة}
خذْ إذن كلَّ القنابلِ وصفْ لي بشاعةَ الحربِ
خذْ كلَّ نزيفِ الحربِ... وصفْ لي سلامَ بلادي
أما أنا فغير محتاجٍ لكلِّ هذا
يكفيني أن أضعَ يدي في جيوبِ بنطالي
وأتمشى في الشوارعِ المشمسةِ
أصفرُ للأشجارِ والعابراتِ والبناياتِ العاليةِ وبائعي الصحفِ
لأتأكد من نهايةِ الحربِ...
يكفيني أن يخطيءَ ساعي البريد عنواني
فأتذكّرُ عشرات القنابلِ التي أخطأتْ عنواني
(أعرف أيضاً أن عنواني كثيراً ما ضاع في زُحمة أرقامكِ والأسماءِ والعناوين السريعةِ
فما عدتِ تتذكّرينه كثيراً..
أما أنا فما أن أضعَ أطرافَ أصابعي
على جانبي الأيسر
حتى تدلّني أنفاسُ الدروبِ عليكِ...)
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> هكذا قلتُ لها كلَّ شيء(1)
هكذا قلتُ لها كلَّ شيء(1)
رقم القصيدة : 63764
-----------------------------------
فصل أول -
"لا تتعجبوا يا أصدقائي اللطفاء
من أن جبهتي مقطّبةٌ، مجعّدةٌ
فأنا أعيشُ في سلامٍ معَ الناسِ
وفي حربٍ معَ أحشائي.."
- انطونيو ماتشادو -
......
في آخرِ المطرِ
في آخرِ الحربِ
في آخرِ ذكرياتكِ..(69/166)
مرتِ الحافلاتُ والجنودُ والبناياتُ الطويلةُ وأرقامُ هواتفِ الحبِّ
نظرتُ طويلاً إلى عينيكِ الواسعتين كسماءِ بلادي
وتذكّرتُ نعاسَ قلبكِ... الذي لمْ ينمْ منذ أولِ خفقةٍ أو قذيفةٍ
ونعاسِ ذاكرتي... التي اتعبتها الشوارعُ وغصونُ المواعيدِ المنكسرة وصريرُ السرفاتِ والطيورُ المهاجرةُ عن أعشاشِ روحي، إلى سماواتِ النسيانِ
تذكّرتُ - يا لحماقةِ قلبي -
أنني لمْ أقلْ لكِ حتى الآن
كلمةَ غزلٍ واحدة
لمْ أقلْ لكِ أيَّ شيءٍ...
واعتذرتُ...
فقد كنتُ محتشداً ومهووساً حدَّ الحنجرةِ
بصراخِ ذكرياتي على شارعِ الحربِ الطويلِ
حدَّ أنني نسيتُ
أن أقولَ لكِ حتى وداعاً
عندما أخذوني في قطارِ الحربِ
إلى جنوبِ السواترِ البعيدة
ولكنني عندما عدتُ إليكِ
يا واسعةَ العينين...
تعثرتْ خطى حنجرتي بأغصانِ العشبِ
الذي نبتَ - في غيابي -
على ممشى الكلامِ
المؤدي إلى كلمةِ: أحبكِ
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الوطن: شمس وطوابع بريد.. وأنتِ (2)
الوطن: شمس وطوابع بريد.. وأنتِ (2)
رقم القصيدة : 63765
-----------------------------------
- فصل ثانٍ -
قلتُ لها:
الصقي طوابعَ البريد على مظروفِ الغيمِ
وابعثيهِ على عنوانِ أيّةِ دمعةٍ أو محطةٍ أو شجرةٍ
لا بدَّ وأن يعودَ إلي
لمْ تصدقني..
وجلستْ على حافةِ البحرِ
تترقبُ أسرابَ الطيورِ والمراكب
وخطى ساعي البريدِ الكهلِ..
قلتُ لها:
انتظريني، سأعود من قطارِ الحربِ {المجنون}
لاحدثكِ يا فرحي المخبولَ عن كلِّ ما جرى
بالتفاصيلِ والقنابلِ والملاجيءِ الطويلة وسريري الوحيدِ والذكرياتِ والنسيانِ.
ستمرُّ عليكِ أسرابُ النجومِ والذكرياتُ وظلالُ المدنِ
ستمرُّ عليكِ الطائراتُ وقنابلُ التنويرِ المحنّطةُ..
سيمرُّ عليكِ نخيلُ البصرة والقصيدةُ الأخيرةُ والجنودُ العائدون من الإجازاتِ القصيرةِ
قلتُ لها انتظريني
وجلستُ على حافة قلقي
أترقّب خطى اشتياقكِ وهي تجوسُ أدغالَ قلبي(69/167)
وتقتربُ.. تقتربُ.. تقتـ..
احذري أن تدوسي لغمَ أحزاني
فلا طاقةَ لكِ على التشظّي...
قلتُ لها:
حضوركِ أقسى من الفرح
كمْ هو قاسٍ فرحي بكِ
يا واسعةَ العينين، يا واسعةَ القلبِ، يا ضيقةَ الصبرِ
قلتُ لها:
سأرهن نصفَ عمري لو تفهمين هذه المعادلةَ التي لا أفهمها
أدمنتُ غيابَكِ حتى وأنتِ قربي
ففيهِ أتأملكِ عن قربٍ
وأكتشفُ أبعادَكِ.. وأبعادَ قلبي..
لمْ تقلْ شيئاً..
ولمْ أقلْ شيئاً..
وافترقنا..
*********
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> من أوراق أبو نوّاس
من أوراق أبو نوّاس
رقم القصيدة : 63766
-----------------------------------
( الورقة الأولى )
" ملك أم كتابة ؟ "
صاح بي صاحبي , و هو يلقى بدرهمه في الهواء
ثمّ يلقفه ..
( خارجين من الدرس كنّا .. و حبر الطفولة فوق الرداء
و العصافير تمرق عبر البيوت ،
و تهبط فوق النخيل البعيد ! )
... ... ... ...
" ملك أم كتابة ؟ "
صاح بي .. فانتبهت ، ورفّت ذبابة
حول عينين لامعتين ..
فقلت : " الكتابة "
.. فتح اليد مبتسما ؛ كان وجه المليك السعيد
باسما في مهابة !
***
" ملك أم كتابة ؟ "
صحت فيه بدوري ..
فرفرف في مقلتيه الصبا والنجابة
و أجاب : " الملك "
دون أن يتلعثم .. أو يرتبك
و فتحت يدي ..
كان نقش الكتابة
بارزا في صلابة !
دارت الأرض دوراتها ..
حملتنا الشواديف من هدأ النهر
ألقت بنا في جداول أرض الغرابة
نتفرّق بين حقول الأسى .. و حقول الصبابة .
قطرتين , التقينا على سلّم القصر ..
ذات مساء وحيد
كنت فيه : نديم الرشيد
بينما صاحبي .. يتولّى الحجابة !!
يوقظون أبي !
خارجيّ
أنا .. !
مارق
من ؟ أنا !
صرخ الطفل في صدر أمّي
( و أمّي محلولة الشعر واقفة في ملابسها المنزليّة )
إخرسوا
واختبأنا وراء الجدار
اخسروا
تسلّل في الحلق خيط من الدم
كان أبي يمسك الجرح ،
يمسك قامته .. و مهابته العائليّة !
يا أبي
اخرسوا
و تواريت في ثوب أمّي ، و الطفل في صدرها مانبس(69/168)
ومضوا بأبي تاركين لنا اليتم متشحا بالخرس
( الورقة الرابعة )
... ... ... ...
صادرته العسس
... ... ... ...
( الورقة الخامسة )
... و أمّي خادمة فارسيّة
يتبادل سادتها النظرات لاردافها ..
عندما تنحني لتضيء اللّهب
***
نائما كنت جانبها ، ورأيت ملاك القدس
ينحني ، و يربّت وجنتها
و تراخى الذراعان عنّي قليلا
و سارت بقلبي قشعريرة الصمت
- أمّي ؛ و عاد لي الصوت
و أمّي ؛ و جاوبني الموت
أمّي ؛ و عانقتها .. و بكيت
و غام بي الدمع حتّى احتبس !
***
( الورقة السادسة )
لا تسألني إن كان القرآن
مخلوقا أو أزليّ
بل سلني إن كان السلطان
لصّا .. أو نصف نبيّ
( الورقة السابعة )
كنت في كربلاء
قال لي الشيخ أن الحسين
... ... ...
و تساءلت كيف السيوف استباحت بني الأكرمين
فأجاب الذي بصّرته السماء
... ... ...
إن تكن كلمات الحسين
و سيوف الحسين
و جلال الحسين
سقطت دون أن تنقذ الحقّ من ذهب الأمراء
أفتقدر أن تنقذ الحقّ ثرثرة الشعراء
و الفرات لسان من الدم لا يجد الشفتين ؟ !
***
مات من أجل جرعة ماء
فاسقني يا غلام صباح مساء
اسقني يا غلام ..
علّني بالمدام ..
أتناسى الدماء !
فاسقني يا غلام صباح مساء
اسقني يا غلام ..
علّني بالمدام ..
أتناسى الدماء !
فاسقني يا غلام صباح مساء
اسقني يا غلام ..
علّني بالمدام ..
أتناسى الدماء !
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> فى انتظار السيف (يوليو 1970)
فى انتظار السيف (يوليو 1970)
رقم القصيدة : 63767
-----------------------------------
وردة فى عروة السّرة:
ماذا تلدين الآن ؟
طفلا .. أم جريمة ؟
أم تنوحين على بوّابة القدس ؟
عادت الخيل من المشرق،
عاد (الحسن الأعصم ) والموت المغير
بالرداء الأرجوانىّ ، وبالوجه اللصوصى ،
وبالسيف الأجير
فانظرى تمثاله الواقف فى الميدان ..
(يهتّز مع الريح .!)
انظرى من فرجة الشبّاك :
أيدى صبية مقطوعة ..
مرفوعة .. فوق السّنان
(..مردفا زوجته الحبلى على ظهر الحصان)(69/169)
أنظرى خيط الدم القانى على الأرض
((هنا مرّ .. هنا ))
فانفقأت تحت خطى الجند ...
عيون الماء ،
واستلقت على التربة .. قامات السنابل .
ثم..ها نحن جياع الأرض نصطف ..
لكى يلقى لنا عهد الأمان .
ينقش السكة باسم الملك الغالب ،
يلقى خطبة الجمعة باسم الملك الغالب ،
يرقى منبر المسجد ..
بالسيف الذى يبقر أحشاء الحوامل .
***
تلدين الآن من يحبو..
فلا تسنده الأيدى ،
ومن يمشى .. فلا يرفع عينيه الى الناس ،
ومن يخطفه النخّاس :
قد يصبح مملوكا يلطون به فى القصر،
يلقون به فى ساحة الحرب ..
لقاء النصر ،
هذا قدر المهزوم :
لا أرض .. ولا مال .
ولا بيت يردّ الباب فيه ..
دون أن يطرقه جاب ..
وجندى رأى زوجته الحسناء فى البيت المقابل)
أنظرى أمّتك الأولى العظيمة
أصبحت : شرذمة من جثث القتلى ،
وشحّادين يستجدون عطف السيف
والمال الذى ينثره الغازى ..
فيهوي ما تبقى من رجال ..
وأرومة .
أنظرى ..
لا تفزعى من جرعة الخزى،
أنظرى ..
حتى تقيه ما بأحشائك ..
من دفء الأمومة .
***
تقفز الأسواق يومين ..
وتعتاد على ((النقد)) الجديد
تشتكى الأضلاع يومين ..
وتعتاد على الصوت الجديد
وأنا منتظر .. جنب فراشك
جالس أرقب فى حمّى ارتعاشك_
صرخة الطفل الذى يفتح عينيه ..
على مرأى الجنود!
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> بكائية ليلية
بكائية ليلية
رقم القصيدة : 63768
-----------------------------------
للوهلة الأولى
قرأت في عينية يومه الذي يموت فيه
رأيته في صحراء " النقيب " مقتولا ..
منكفئا .. يغرز فيها شفتيه ،
و هي لا تردّ قبلة ..لفيه !
نتوه في القاهرة العجوز ، ننسى الزمنا
نفلت من ضجيج سياراتها ، و أغنيات المتسوّلين
تظلّنا محطّة المترو مع المساء .. متعبين
و كان يبكى وطنا .. و كنت أبكي وطنا
نبكي إلى أن تنصبّ الأشعار
نسألها : أين خطوط النار ؟
و هل ترى الرصاصة الأولى هناك .. أم هنا ؟
و الآن .. ها أنا
أظلّ طول اللّيل لا يذوق جفني وسنا(69/170)
أنظر في ساعتي الملقاة في جواري
حتّى تجيء . عابرا من نقط التفتيش و الحصار
تتّسع الدائرة الحمراء في قميصك الأبيض ، تبكي شجنا
من بعد أن تكيسّرت في " النقب " رأيتك !
تسألني : " أين رصاصتك ؟ "
" أين رصاصتك "
ثمّ تغيب : طائرا .. جريحا
تضرب أفقك الفسيحا
تسقط في ظلال الضّفّة الأخرى ، و ترجو كفنا !
و حين يأتي الصبح - في المذياع - بالبشائر
أزيح عن نافذتي السّتائر
فلا أراك .. !
أسقط في عاري . بلا حراك
اسأل إن كانت هنا الرصاصة الأولى ؟
أم أنّها هناك ؟؟
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> كلمات سبارتكوس الأخيرة
كلمات سبارتكوس الأخيرة
رقم القصيدة : 63770
-----------------------------------
( مزج أوّل ) :
المجد للشيطان .. معبود الرياح
من قال " لا " في وجه من قالوا " نعم "
من علّم الإنسان تمزيق العدم
من قال " لا " .. فلم يمت ,
وظلّ روحا أبديّة الألم !
( مزج ثان ) :
معلّق أنا على مشانق الصباح
و جبهتي - بالموت - محنيّة
لأنّني لم أحنها .. حيّه !
... ...
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
منحدرين في نهاية المساء
في شارع الاسكندر الأكبر :
لا تخجلوا ..و لترفعوا عيونكم إليّ
لأنّكم معلقون جانبي .. على مشانق القيصر
فلترفعوا عيونكم إليّ
لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عبنيّ
يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكم .. مرّه !
" سيزيف " لم تعد على أكتافه الصّخره
يحملها الذين يولدون في مخادع الرّقيق
و البحر .. كالصحراء .. لا يروى العطش
لأنّ من يقول " لا " لا يرتوي إلاّ من الدموع !
.. فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق
فسوف تنتهون مثله .. غدا
و قبّلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق
فسوف تنتهون ها هنا .. غدا
فالانحناء مرّ ..
و العنكبوت فوق أعناق الرجال ينسج الردى
فقبّلوا زوجاتكم .. إنّي تركت زوجتي بلا وداع
و إن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراع
فعلّموه الانحناء !
علّموه الانحناء !(69/171)
الله . لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا !
و الودعاء الطيّبون ..
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى
لأنّهم .. لا يشنقون !
فعلّموه الانحناء ..
و ليس ثمّ من مفر
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد !
وخلف كلّ ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..
و دمعة سدى !
( مزج ثالث ) :
يا قيصر العظيم : قد أخطأت .. إنّي أعترف
دعني
ها أنذا أقبّل الحبل الذي في عنقي يلتف
فهو يداك ، و هو مجدك الذي يجبرنا أن نعبدك
دعني أكفّر عن خطيئتي
أمنحك - بعد ميتتي - جمجمتي
تصوغ منها لك كأسا لشرابك القويّ
.. فان فعلت ما أريد :
إن يسألوك مرّة عن دمي الشهيد
و هل ترى منحتني " الوجود " كي تسلبني " الوجود "
فقل لهم : قد مات .. غير حاقد عليّ
و هذه الكأس - التي كانت عظامها جمجمته -
وثيقة الغفران لي
يا قاتلي : إنّي صفحت عنك ..
في اللّحظة التي استرحت بعدها منّي :
استرحت منك !
لكنّني .. أوصيك إن تشأ شنق الجميع
أن ترحم الشّجر !
لا تقطع الجذوع كي تنصبها مشانقا
لا تقطع الجذوع
فربّما يأتي الربيع
" و العام عام جوع "
فلن تشم في الفروع .. نكهة الثمر !
وربّما يمرّ في بلادنا الصيف الخطر
فتقطع الصحراء . باحثا عن الظلال
فلا ترى سوى الهجير و الرمال و الهجير و الرمال
و الظمأ الناريّ في الضلوع !
يا سيّد الشواهد البيضاء في الدجى ..
يا قيصر الصقيع !
( مزج رابع ) :
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء
منحدرين في نهاية المساء
لا تحلموا بعالم سعيد ..
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد .
و إن رأيتم في الطريق " هانيبال "
فأخبروه أنّني انتظرته مديّ على أبواب " روما " المجهدة
و انتظرت شيوخ روما - تحت قوس النصر - قاهر الأبطال
و نسوة الرومان بين الزينة المعربدة
ظللن ينتظرن مقدّم الجنود ..
ذوي الرؤوس الأطلسيّة المجعّدة
لكن " هانيبال " ما جاءت جنوده المجنّدة
فأخبروه أنّني انتظرته ..انتظرته ..
لكنّه لم يأت !(69/172)
و أنّني انتظرته ..حتّى انتهيت في حبال الموت
و في المدى : " قرطاجه " بالنار تحترق
" قرطاجه " كانت ضمير الشمس : قد تعلّمت معنى الركوع
و العنكبوت فوق أعناق الرجال
و الكلمات تختنق
يا اخوتي : قرطاجة العذراء تحترق
فقبّلوا زوجاتكم ،
إنّي تركت زوجتي بلا وداع
و إن رأيتم طفلى الذي تركته على ذراعها .. بلا ذراع
فعلّموه الانحناء ..
علّموه الانحناء ..
علّموه الانحناء ..
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الموت في لوحات (1)
الموت في لوحات (1)
رقم القصيدة : 63771
-----------------------------------
مصفوفة حقائبي على رفوف الذاكرة
و السفر الطويل ..
يبدأ دون أن تسير القاطرة !
رسائلي للشمس ..
تعود دون أن تمسّ !
رسائلي للأرض ..
تردّ دون أن تفضّ !
يميل ظلّي في الغروب دون أن أميل !
و ها أنا في مقعدي القانط .
وريقة .. و ريقة .. يسقط عمري من نتيجة الحائط
و الورق الساقط
يطفو على بحيرة الذكرى ، فتلتوي دوائرا
و تختفي .. دائرة .. فدائرة !
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الموت في لوحات (2)
الموت في لوحات (2)
رقم القصيدة : 63772
-----------------------------------
شقيقتي " رجاء " ماتت و هي دون الثالثة .
ماتت و ما يزال في دولاب أمّي السّري
صندلها الفضّيّ!
دارها المشغول ، قرطها ، غطاء رأسها الصّوفيّ
أرنبها القطنيّ !
و عندما أدخل بهو بيتنا الصامت
فلا أراها تمسك الحائط .. علّها تقف !
أنسى بأنّها ماتت ..
أقول . ربّما نامت ..
أدور في الغرف .
و عندما تسألني أمّي بصوتها الخافت
أرى الأسى في وجهها الممتقع الباهت
و أستبين الكارثة !
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الموت في لوحات (3)
الموت في لوحات (3)
رقم القصيدة : 63773
-----------------------------------
عرفتها في عامها الخامس و العشرين
و الزمن العنّين ..
ينشب في أحشائها أظفاره الملويّة
صلّت إلى العذراء ، طوفّت بكلّ صيدليّة
تقلّبت بين الرجال الخشنين !(69/173)
.. و ما تزال تشتري اللّفائف القطنيّة !
.. ما تزال تشتري اللّفائف القطنيّة !
... ... ... .. .. ...
و حين ضاجعت أباها ليلة الرعد
تفجّرت بالخصب و الوعد
و اختلجت في طينها بشارة التكوين !
لكنّها نادت أباها في الصباح ..
فظلّ صامتا !
هزّته .. كان ميّتا !!
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الموت في لوحات (4)
الموت في لوحات (4)
رقم القصيدة : 63774
-----------------------------------
من شرفتي كنت أراها في صباح العطلة الهاديء
تنشر في شرفتها على خيوط النور و الغناء
ثياب طفبيها ، ثياب زوجها الرسميّة الصفراء
قمصانه المغسولة البيضاء
تنشر حولها نقاء قلبها الهانيء
و هي تروح و تجيء
... ... ... ... ... ... ...
و الآن بعد أشهر الصيف الرديء
رأيتها .. ذابلة العينين و الأعضاء
تنشر في شرفتها على حبال الصّمت و البكاء
ثيابها السوداء !
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الموت في لوحات (5)
الموت في لوحات (5)
رقم القصيدة : 63775
-----------------------------------
حبيبتي في لحظة الظلام ؛ لحظة التوهّج العذبة
تصبح بين ساعديّ جثّة رطبه !
ينكسر الشوق بداخلي ، و تخفت الرغبة
أموء فوق خدّها
أضرع فوق نهدها
أودّ لو أنفذ في مسامّ جلدها
لكن .. يظلّ بيننا الزجاج .. و الغياب .. و الغربة !
.. ... ... ... ... .... .. ...
وذات ليلة ، تكسّرت ما بيننا حواجز الرّهبة
فاحتضنتني .. بينما نحن نغوص في قرار التربة
تبعثرت في رأسها شرائح الصورة و النجوم
و اختلطت في قلبها الأزمنة الهشيم
لكنّها و هي تناجى
سمعتها تناديني
باسم حبيبها الذي قد حطّم اللّعبة
مخلّفا في قلبها .. ندبة !!
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> مزامير (1)
مزامير (1)
رقم القصيدة : 63776
-----------------------------------
مزامير
المزمور الأوّل
أعشق أسكندريّة ،
واسكنريّة تعشق رائحة البحر ،
و البحر يعشق فاتنة في الضفاف البعيدة !
***
كلّ أمسية ؛ تتسلّل من جانبي(69/174)
تتجرّد من كلّ أثوابها
و تحلّ غدائرها
ثمّ تخرج عارية في الشوارع تحت المطر !
فإذا اقتربت من سرير التنهّد و الزرقة
انطرحت في ملاءاته الرغويّة ؛
و انفتحت .. تنتظر !
و تظلّ إلى الفجر ..
ممدودة - كالنداء
و مشدودة - كالوتر
... ... ...
و تظلّ .. وحيدة !!
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> مزامير (2)
مزامير (2)
رقم القصيدة : 63777
-----------------------------------
المزمور الثاني
قلت لها في اللّيلة الماطرة
البحر عنكبوت
و أنت - في شراكه - فراشة تموت
و انتفضت كالقطّة النافره
و انتصبت في خفقان الريح و الأمواج
( ثديان من زجاج
و جسد من عاج )
و انفلتت مبحرة في رحلة المجهول ، فوق الزّبد المهتاج
ناديت .. ما ردّت !
صرخت .. ما ارتدّت !
و ظلّ صوتي يتلاشى .. في تلاشيها ..
وراء الموجة الكاسرة )
... .... ....
( خاسرة ، خاسرة
إن تنظري في الغريمة الساحرة
أو ترفعي عينيك نحو الماسة التي تزيّن التاج ! )
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> مزامير (3)
مزامير (3)
رقم القصيدة : 63778
-----------------------------------
لفظ البحر أعضاءها في صباح أليم
فرأيت الكلوم
ورأيت أظافرها الدمويّة
تتلوّى على خصلة " ذهبيّة "
فحشوت جراحاتها بالرمال ،
و أدفأتها بنبيذ الكروم .
... ... ... ....
و تعيش معي الآن !
ما بيننا حائط من وجوم
بيننا نسمات " الغريم "
كلّ أمسية ..
تتسلّل في ساعة المد ، في الساعة القمريّة
تستريح على صخرة الأبديّة
تتسمّع سخرية الموج من تحت أقدامها
و صفير البواخر .. راحلة في السواد الفحميم
تتصاعد من شفتيها المملّحتين رياح السموم
تتساقط أدمعها في سهوم
و النجوم
( الغريقة في القاع )
تصعد ... واحدة .. بعد أخرى ..
فتلقطها
و تعدّ النجوم
في انتظار الحبيب القديم !
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> شيء يحترق
شيء يحترق
رقم القصيدة : 63779
-----------------------------------
شيء في قلبي يحترق(69/175)
إذ يمضي الوقت ... فنفترق
و نمدّ الأيدي
يجمعنا حبّ
و تفرّقها .. طرق
***
.. ولأنت جواري ضاجعه
و أنا بجوارك ، مرتفق
و حديثك يغزله مرح
و الوجه .. حديث متّسق
ترخين جفونا
أغرقها سحر
فطفا فيها الغرق
و شبابك حان جبليّ
أرز ، و غدير ينبثق
و نبيذ ذهبيّ و حدي
مصطبح منه و مغتبق
و تغوص بقلبي نشوته
تدفعني فيك .. فتلتصق
و أمدّ يدين معربدتين
فثوبك في كفّي ..
مزّق
و ذراعك يلتفّ
و نهر من أقصى الغابة يندفق
و أضمّك
شفة في شفة
فيغيب الكون ، و ينطبق
...............
و تموت النار
فنرقبها
بجفون حار بها الأرق
خجلى !
و شفاهك ذائبه
و ثمارك نشوى تندلق
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> قالت
قالت
رقم القصيدة : 63780
-----------------------------------
قالت : تعال إليّ
واصعد ذلك الدرج الصغير
قلت : القيود تشدّني
و الخطو مضنى لا يسير
مهما بلغت فلست أبلغ ما بلغت
وقد أخور
درج صغير
غير أنّ طريقه .. بلا مصير
فدعى مكاني للأسى
وامضي إلى غدك الأمير
فالعمر أقصر من طموحي
و الأسى قتل الغدا
***
قالت : سأنزل
قلت : يا معبودتي لا تنزلي لي
قالت : سأنزل
قلت : خطوك منته في المستحيل
ما نحن ملتقيان
رغم توحّد الأمل النبيل
... ...
نزلت تدقّ على السكون
رنين ناقوس ثقيل
و عيوننا متشابكات في أسى الماضي الطويل
تخطو إليّ
و خطوها ما ضلّ يوما عن سبيل
و بكى العناق
و لم أجد إلاّ الصدى
إلاّ الصدى
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> ماريّا
ماريّا
رقم القصيدة : 63781
-----------------------------------
ماريّا ؛ يا ساقية المشرب
اللّيلة عيد
لكنّا نخفي جمرات التنهيد !
صبى النشوة نخبا .. نخبا
صبى حبّا
قد جئنا اللّيلة من أجلك
لنريح العمر المتشرّد خلف الغيب المهلك
في ظلّ الأهداب الإغريقيّة !
ما أحلى استرخاءه حزن في ظلّك
في ظلّ الهدب الأسود
...................
ماذا يا ماريّا ؟
الناس هنا كالناس هنالك في اليونان
بسطاء العيشة ، محبوبون
لا يا ماريّا(69/176)
الناس هنا - في المدن الكبرى - ساعات
لا تتخلّف
لا تتوقّف
لا تتصرّف
آلات ، آلات ، آلات
كفى يا ماريّا
نحن نريد حديثا نرشف منه النسيان !
..........................
ماذا يا سيّدة البهجة ؟
العام القادم في بيتي زوجة ؟ !
قد ضاعت يا ماريّا من كنت أودّ
ماتت في حضن آخر
لكن ما فائدة الذكرى
ما جدوى الحزن المقعد
نحن جميعا نحجب ضوء الشمس و نهرب
كفى يا ماريّا
نحن نريد حديثا نرشف منه النسيان
..................
قولي يا ماريّا
أوما كنت زمانا طفلة
يلقي الشعر على جبهتها ظلّه
من أوّل رجل دخل الجنّة واستلقى فوق الشطآن
علقت في جبهته من ليلك خصله
فضّ الثغر بأوّل قبله
أو ما غنّيت لأوّل حبّ
غنّينا يا ماريّا
أغنية من سنوات الحبّ العذب
........................
........................
.......................
ما أحلى النغمة
لتكاد تترجّم معناها كلمة .. كلمة
غنّيها ثانية ... غنّي
( أوف .
لا تتجهّم
ما دمت جواري ، فلتتبسم
بين يديك و جودي كنز الحبّ
عيناي اللّيل .. ووجهي النور
شفتاي نبيذ معصور
صدري جنّتك الموعودة
و ذراعي وساد الربّ
فينسّم للحبّ ، تبسّم
لا تتجهّم
لا تتجهّم )
..........................
ما دمت جوارك يا ماريّا لن أتجهّم
حتّى لو كنت الآن شبابا كان
فأنا مثلك كنت صغيرا
أرفع عيني نحو الشمس كثيرا
لكنّي منذ هجرت بلادي
و الأشواق
تمضغني ، و عرفت الأطراق
مثلك منذ هجرت بلادك
و أنا أشتاق
أن أرجع يوما ما للشمس
أن يورق في جدبي فيضان الأمس
.......................
قولي يا ماريّا
العام القادم يبصر كلّ منّا أهله
كي أرجع طفلا .. و تعودي طفله
لكنّا اللّيلة محرومون
صبى أشجانك نخبا .. نخبا
صبى حبّا
فأنا ورفاقي
قد جئنا اللّيلة من أجلك !
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> استريحي !
استريحي !
رقم القصيدة : 63782
-----------------------------------
استريحي
ليس للدور بقيّة
انتهت كلّ فصول المسرحيّة
فامسحي زيف المساحيق(69/177)
و لا ترتدي تلك المسوح المرميّة
و اكشفي البسمة عمّا تحتها
من حنين .. و اشتهاء .. و خطيّة
كنت يوما فتنة قدسّتها
كنت يوما
ظمأ القلب .. وريّه
***
لم تكوني أبدا لي
إنّما كنت للحبّ الذي من سنتين
قطف التفاحتين
ثمّ ألقى
ببقايا القشرتين
و بكى قلبك حزنا
فغدا دمعة حمراء
بين الرئتين
و أنا ؛ قلبي منديل هوى
جففت عيناك فيه دمعتين
و محت فيه طلاء الشّفتين
و لوته ..
في ارتعاشات اليدين
كان ماضيك جدار فاصلا بيننا
كان ضلالا شبحيّه
فاستريحي
ليس للدور بقيّة
أينما نحن جلسنا
ارتسمت صورة الآخر في الركن القصيّ
كنت تخشين من اللّمسة
أن تمحي لمسته في راحتي
و أحاديثك في الهمس معي
إنّما كانت إليه ..
لا إليّ
فاستريحي
لم يبق سوى حيرة السير على المفترق
كيف أقصيك عن النار
و في صدرك الرغبة أن تحتلاقي ؟
كيف أدنيك من النهر
و في قلبك الخوف و ذكرى الغارق ؟
أنا أحببتك حقّا
إنّما لست أدري
أنا .. أم أنت الضحيّة ؟
فاستريحي ، ليس للدور بقيّة
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> العار الذي نتّقيه
العار الذي نتّقيه
رقم القصيدة : 63783
-----------------------------------
هذا الذي يجادلون فيه
قولي لهم عن أمّه ، و من أبوه
أنا و أنت .
حين أنجبناه ألقيناه فوق قمم الجبال كي يموت !
لكنّه ما مات
عاد إلينا عنفوان ذكريات
لم نجتريء أن نرفع العيون نحوه
لم نجتريء أن نرفع العيون
نحو عارنا المميت
***
ها طفلنا أمامنا غريب
ترشفه العيون و الظنون بازدرائها
و نحن لا نجيب
( و ربّما لو لم يكن من دمنا
كنّا مددنا نحوه اليدا
كنّا تبنّيناه راحمين نبله المهين )
لكنّه .. ما زال يقطع الدروب
يقطع الدروب
و في عيوننا الأسى المريب
***
" أوديب " عاد باحثا عن اللذين ألقيناه للردى
نحن اللّذان ألقياه للردى
و هذه المرّه لن نضيعه
و لن نتركه يتوه
ناديه
قولي إنّك أمّه التي ضنت عليه بالدفء
و بالبسمة و الحليب
قولي له أنّي أبوه
( هل يقتني ؟ ) أنا أبوه(69/178)
ما عاد عارا نتّقيه
العار : أن نموت دون ضمّه
من طفلنا الحبيب
من طفلنا " أوديب "
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> رسالة من الشمال
رسالة من الشمال
رقم القصيدة : 63784
-----------------------------------
بعمر - من الشوك - مخشوشن
بعرق من الصيف لم يسكن
بتجويف حبّ ، به كاهن
له زمن .. صامت الأرغن :
أعيش هنا
لا هنا ، إنّني
جهلت بكينونتي مسكني
غدي : عالم ضلّ عنّي الطريق
مسالكه للسدى تنحني
علاماته .. كانثيال الوضوء
على دنس منتن . منتن
تفح السواسن سمّ العطور
فأكفر بالعطر و السوسن
و أفصد و همي ... لأمتصّه
فيمتصّني الوهم ، يمتصّني ..
***
ملاكي : أنا في شمال الشمال
أعيش .. ككأس بلا مدمن
ترد الذباب انتظارا ، و تحسو
جمود موائدها الخوّن
غريب الحظايا ، بقايا الحكايا
من اللّيل لليل تستلنّي
أرشّ ابتسامتي على كلّ وجه
توسّد في دهنه اللّين
و يجرحني الضوء في كلّ ليل
مرير الخطى ، صامت ، محزن
سربيت به - كالشعاع الضئيل -
إلى حيث لا عابر ينثني
هي اسكندريّة بعد المساء
شتائيّة القلب و المحضن
شوارعها خاويات المدى
سوى : حارس بي لا يعتني
ودودة كلبين كي ينسلا
ورائحة الشّبق المزمن
ملاكي .. ملاكي .. تساءل عنك
اغتراب التفرّد في مسكني
سفحت لك اللّحن عبر المدى
طريقا إلى المبتدأ ردّني
و عيناك : فيروزتان تضيئان
في خاتم الله .. كالأعين
تمدّان لي في المغيب الجناح
مدى ، خلف خلف المدى الممعن
سألتهما في صلاة الغروب
عن الحبّ ، و الموت ، و الممكن
و لم تذكرا لي سوى خلجة
من الهدب قلت لها : هيمني !
هواي له شمس تنهيدة
إلى اليوم بالموت لو تؤمن
و كانت لنا خلوة ، إن غدا
لها الخوف أصبح في مأمن
مقاعدها ما تزال النجوم
تحجّ إلى صمتها المؤمن
حكينا لها ، و قرأنا بها
بصوت على الغيب مستأذن
دنّوا ، دنّوا ففي جعبتي
حكايات حبّ سنى ، سنى
صقلت به الشمس حتّى غدت
مرايا مساء لتزيّني
وصفت لك النجم عقدا من
الماس شعّ على صدرك المفتنى(69/179)
أردتك قبل وجود الوجود
وجودا لتخليده لم أن
تغرّبت عنك ، لحيث الحياة
مناجم حلم بلا معدن و دورة كلبين ينسلّا
ورائحة الشّبق المزمن
***
ملاكي : ترى ما يزال الجنوب
مشارق للصيف لم تعلن
ضممت لصدري تصاويرنا
تصاوير تبكي على المقتنى
سآتي إليك أجر المسير
خطى في تصلبّها المذعن
سآتي إليك كسيف تحطّم
في كفّ فارسه المثخن
سآتي إليك نحيلا .. نحيلا
كخيط من الحزن لم يحزن
***
أنا قادم من شما الشمال
لعينين - في موطني - موطني !
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> أوتوجراف
أوتوجراف
رقم القصيدة : 63785
-----------------------------------
لن أكتب حرفا فيه
فالكلمة - إن تكتب - لا تكتب
من أجل الترفيه
( و الأوتوجراف الصامت تنهدل الكلمات عليه ،
تحيّيه
و تطرّز كلّ مثانيه !
ماضيك
و ماضي الأوتوجراف -
بقايا شوق مشبوه
بصمات الذكرى فيك ، وفيه
و خطى العشّاق المحمومه أدمت كلّ دواليه
لكنّي أطرد كلّ ذباب الماضي عن بابي
فدعيه
غيري قد يصبح سطرا من ورق
يقلّبه من يجهله أو من يدريه
غيري قد ينبش تابوتا برّاق اللّون
تعفّن خافيه
لكنّي أطرد كلّ ذباب الذكرى
عن غدي المشدوه
عن ثوبي ، و طعامي ، و فراشي
عن خطوة تيهى
.................
يا أصغر من كلماتي
لن أكتب فيه
فخطى العشّاق المحمومة أدمت كلّ دواليه !
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم أحمد الوافي >> شبيهتها !!
شبيهتها !!
رقم القصيدة : 63786
-----------------------------------
انتظري !
ما اسمك ؟
يا ذات العيون الخضر و الشعر الثري
أشبعت في تصوّري
( بوجهك المدوّر )
حبيبة أذكرها .. أكثر نت تذكّري
يا صورة لها على المرآة ، لم تكسر
حبيبتي - مثلك -
لم تشبه جميع البشر
عيونها حدائق حافلة بالصور
أبصرتها اليوم بعينيك
اللّتين في عمري ..
طفولة .. منذ اتّزان الخطو لم تنحسر
***
يا ظلّ صيف أخضر
تصوّري
كم أشهر و أشهر
مرّت و لسنا نلتقي
مرّت .. و لم نخضوضر
الماس في مناجمي
مشوّه التبلور(69/180)
و الذكريات في دمى
عاصفة التحرّر
كرقصة ناريّة من فتيات الغجر
................................
لكنّني حين رأيت الآن صورة لها
في مهجري
أيقنت أنّ ماسنا ما زال
حيّ الجوهر
و أنّنا سنلتقي
رغم رياح القدر
و أنّني في فمك المستضحك المستبشر
أغنية للقمر
أغنية ترقص فيها القرويّات
في ليالي السّمر
***
يا ظلّ صيف أخضر
تصوّري
كم أشهر و أشهر
مغتربا عن العيون الخضر و الشعر الثريّ
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> العينان الخضراوان
العينان الخضراوان
رقم القصيدة : 63787
-----------------------------------
العينان الخضراوان
مروّحتان
في أروقة الصيف الحرّان
أغنيتان مسافرتان
أبحرتا من نايات الرعيان
بعبير حنان
بعزاء من آلهة النور إلى مدن الأحزان
سنتان
و أنا أبني زورق حبّ
يمتد عليه من الشوق شراعان
كي أبحر في العينين الصافيتين
إلى جزر المرجان
ما أحلى أن يضطرب الموج فينسدل الجفنان
و أنا أبحث عن مجداف
عن إيمان !
***
في صمت " الكاتدرائيات " الوسنان
صور " للعذراء " المسبّلة الأجفان
يا من أرضعت الحبّ صلاة الغفران
و تمطي في عينيك المسبّلتين
شباب الحرمان
ردّي جفنيك
لأبصر في عينيك الألوان
أهما خضراوان
كعيون حبيبي ؟
كعيون يبحر فيها البحر بلا شطآن
يسأل عن الحبّ
عن ذكرى
عن نسيان !
و العينان الخضراوان
مروّحتان !
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الملهى الصغير
الملهى الصغير
رقم القصيدة : 63788
-----------------------------------
لم يعد يذكرنا حتّى المكان !
كيف هنا عنده ؟
و الأمس هات ؟
قد دخلنا ..
لم تنشر مائدة نحونا !
لم يستضفنا المقعدان !!
الجليسان غريبان
فما بيننا إلاّ . ظلال الشمعدان !
أنظري ؛
قهوتنا باردة
ويدانا - حولها - ترتعشان
وجهك الغارق في أصباغه
رسما
( ما ابتسما ! )
في لوحة خانت الرسّام فيها ..
لمستان !
تسدل الأستار في المسرح
فلنضيء الأنوار
إنّ الوقت حان
أمن الحكمة أن نبقى ؟
سدة !!(69/181)
قد خسرنا فرسينا في الرهان !
قد خسرنا فرسينا في الرهان
مالنا شوط مع الأحلام
ثان !!
نحن كنّا ها هنا يوما
و كان وهج النور علينا مهرجان
يوم أن كنّا صغارا
نمتطي صهوة الموج
إلى شطّ الأمان
كنت طفلا لا يعي معنى الهوى
و أحاسيسك مرخاه العنان
قطّة مغمضة العينين
في دمك البكر لهيب الفوران
عامنا السادس عشر :
رغبة في الشرايين
و أعواد لدان
ها هنا كلّ صباح نلتقي
بيننا مائدة
تندي .. حنان
قدمان تحتها تعتنقان
و يدانا فوقها تشتبكان
إن تكلّمت :
ترنّمت بما همسته الشفتان الحلوتان
و إذا ما قلت :
أصغت طلعة حلوة
وابتسمت غمّازتان !
أكتب الشعر لنجواك
( و إن كان شعرا ببغائيّ البيان )
كان جمهوري عيناك ! إذا قلته : صفّقتا تبتسمان
و لكن ينصحنا الأهل
فلا نصحهم عزّ
و لا الموعد هان
لم نكن نخشى إذا ما نلتقي
غير ألاّ نلتقي في كلّ آن
ليس ينهانى تأنيب أبي
ليس تنهاك عصا من خيزران !!
الجنون البكر ولّى
و انتهت سنة من عمرنا
أو .. سنتان
و كما يهدأ عنف النهر
إنّ قارب البحر
وقارا .. واتّزان
هدأ العاصف في أعماقنا
حين أفرغنا من الخمر الدنان
قد بلغنا قمّة القمّة
هل بعدها إلاّ ... هبوط العنفوان
افترقنا ..
( دون أن نغضب )
لا يغضب الحكمة صوت الهذيان
ما الذي جاء بنا الآن ؟
سوى لحظة الجبن من العمر الجبان
لحظة الطفل الذي في دمنا
لم يزل يحبو ..
و يبكو ..
فيعان !
لحظة فيها تناهيد الصبا
و الصبا عهد إذا عاهد : خان
أمن الحكمة أن نبقى ؟
سدى
قد خسرنا فرسينا في الرهان
***
قبلنا يا أخت في هذا المكان
كم تناجى ، و تناغى عاشقان
ذهبا
ثمّ ذهبا
و غدا ..
يتساقى الحبّ فيه آخران !
فلندعه لهما
ساقيه ..
دار فيها الماء
مادار الزمان !!
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الأرض .. و الجرح الذي لا ينفتح
الأرض .. و الجرح الذي لا ينفتح
رقم القصيدة : 63789
-----------------------------------
الأرض ما زالت ، بأذنيها دم من قرطها المنزوع ،(69/182)
قهقهة اللّصوص تسوق هودجها .. و تتركها بلا زاد ،
تشدّ أصابع العطش المميت على الرمال
تضيع صرختها بحمحمة الخيول .
الأرض ملقاة على الصحراء ... ظامئه ،
و تلقي الدلو مرّات .. و تخرجه بلا ماء !
و تزحف في لهيب القيظ ..
تسأل سمّمه المغول
و عيونها تخبو من الاعياء ، تستسقي جذور الشوك ،
تنتظر المصير المرّ .. يطحنها الذبول
***
من أنت يا حارس ؟
إنّي أنا الحجّاج ..
عصبّني بالتاج ..
تشرينها القارس !
***
الأرض تطوى في بساط " النفط " ،
تحملها السفائن نحو " قيصر " كي تكون إذا تفتّحت
اللّفائف :
رقصة .. و هديّة للنار في أرض الخطاه .
دينارها القصدير مصهور على وجناتها .
زنّارها المحلول يسأل عن زناة الترك ،
و السيّاف يجلدها ! و ماذا ؟ بعد أن فقدت بكارتها ..
و صارت حاملا في عامها الألفيّ من ألفين من عشّاقها !
لا النيل يغسل عارها القاسي .. و لا ماء الفرات !
حتّى لزوجة نهرها الدموي ،
و الأموي يقعى في طريق النبع :
" .. دون الماء رأسك يا حسين .. "
و بعدها يتملّكون ، يضاجعون أرامل الشهداء ،
و لا يتورّعون ، يؤذنّون الفجر .. لم يتطهّروا من رجسهم ،
فالحقّ مات !
***
هل ثبّت الثّقفيّ
قناعة المهزوز ؟
فقد مضى تموز ..
بوجه العربيّ !
***
أحببت فيك المجد و الشعراء
لكنّ الذي سرواله من عنكبوت الوهم :
يمشي في مدائنك المليئة بالذباب
يسقي القلوب عصارة الخدر المنمّق ،
و الطواويس التي نزعت تقاويم الحوائط ،
أوقفت ساعاتها ،
و تجشّأت بموائد السّفراء ..
تنتظر النياشين التي يسخو بها السّلطان ..
فوق أكابر الأغواث منهم !
يا سماء :
أكلّ عام : نجمة عربيّة تهوى ..
و تدخل نجمة برج البرامك ! ؟
ما تزال موعظ الخصيان باسم الجالسين على الحراب ؟
و أراك .. و " ابن سلول " بين المؤمنين بوجهه القزحيّ ..
يسري بالوقيعة فيك ،
و الأنصار واجمة ..
و كلّ قريش واجمة ..
فمن يهديد للرأي الصواب ؟ !
***
ملثّما يخطو ..
قد شوّهته النار !
هل يصلح العطار(69/183)
ما أفسد النفط ؟
***
لم يبق من شيء يقال .
يا أرض :
هل يلد الرجال ؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أفق
أفق
رقم القصيدة : 63790
-----------------------------------
تفتحُ البنتُ شباكها
أفتحُ
سرقاطةََ الأفقِ
ترنو إليّ الفتاةُ
وأرنو إلى البحرِ
تطلقُ من صدرها المشمشيِّ
الحمامَ
يحلّقُ بين الغروبِ.. وبيني
أطلقُ هذا الزفيرَ - بلاداً
تغيمُ هناك
وتعتمُ شيئاً فشيئاً
بذاكرةِ الخمرِ
لكنها في الصباح
تتقيؤني:
صحفاً للشتاتِ
شوارعَ محشورةً في فمِ المدفعيِّ
وسلالمَ تصعدني..
......
......
.........
تغلقُ البنتُ
شباكَها
غير أني سأتركُ روحيَ زرقاءَ..
مشرعةً
علَّ نجماً وحيداً
- بآخرةِ الليلِ -
يعلقُ بالنافذة
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> محاولة للنسيان
محاولة للنسيان
رقم القصيدة : 63791
-----------------------------------
تعبرُ البنتُ
يصفرُ شرطي المرورِ
إلى النحلِ
أن يعبرَ الآنَ
تصفرُ فينا بيوتُ التذكّرِ، ضيقةَ البابِ
تصفرُ ريحُ المدافعِ
...............
...............
يصفرُ شرطي المرور
إلى دمنا المرِّ
أن يتوقفَ
كي يمرقَ الباصُ
محتشداً بالمدينة
أشيرُ إليهِ...
(الأصابع من مطرٍ ذابلٍ
تتساقطُ فوق الرصيف)
فيعبرني صاخباً
بين ساقي فتاةِ العصيرِ المثلّجِ
أنحني كي ألمَّ بقاياي
من صحفِ اليومِ
يدفعني العابرون ..
......
.........
............
أشيرُ إلى البحرِ
مَنْ سيظلّلُ أحلامَنا في المنافي
وننسى
على كلِّ مرسى
مناديلَ بنلوب ينسجها أهلنا
للذين سيأتون ..
ما بيننا البحرُ
والمخبرون
وهذي البلادُ على بعد آهٍ
من الياسمين اليتيمِ بقمصاننا
...........................
.....................
المنافي تضيقُ بنا
والفيافي تحيقُ بنا
......
.........
............
تعبرُ البنتُ
يعبرُ قلبي
وأنسى
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> صورة جانبية
صورة جانبية
رقم القصيدة : 63792(69/184)
-----------------------------------
آخرُ الأمرِ ...
كان الرصاصُ
.. يلعلعُ ..
في الساحةِ الجانبية
والعائدون من البارِ
منهمكون بشتمِ النساء البدينات
والقطُّ يلحسُ ذيلَ الرصيفِ
ويقعي أمام المحطة
حيث صفيرُ القطارِ
يقودُ قطيعَ الوداعِ..
.. الى مرجِ أحداقنا
.......
........
..........
آخر الليلِ
كان يكشُّ الذبابَ المشاكسَ
عن صحنِ أحلامهِ
وهو يراقبُ جثته.. ، هادئاً
- خلفَ واجهةِ البارِ -
يسحلها الحارسُ الجهمُ
.. نحو القمامة
فيقومُ..
ليدفعَ فاتورةَ القيء
لا شيء...
في جيبهِ
غير تذكرةٍ لقطارٍ مضى..
منذ عشرين عاماً
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> جنوح
جنوح
رقم القصيدة : 63793
-----------------------------------
كان يلزمني لاجتراحِ القصيدةِ:
طاولةٌ خارج اللغةِ - البيتِ (معنى يشكّلهُ الطفلُ،
قبل الفراشاتِ،
في رعشةِ البرعمِ الغضِّ)
قلبٌ يدلُّ الغيومَ إلى زهرةِ الجلّنارِ (الأصابع تنسلُّ سهواً
إلى مرمرِ الصدرِ، تجفلُ،
تسألني بعدها:
كيف مررّتَ سهوكَ ثانيةً، تحتَ قوسِ القميصِ)
سيدةٌ لا تكرّر أحلامَها في نعاسِ الحداثةِ (أسمعُ من شرفةِ النصِ :
وقعَ ارتطامِ خطاكِ على البحر)
كان يلزمني للرحيلِ
انطفاءُ الحنينِ
وقبّرتان
وذلُّ التسوّلِ في الزمنِ - الثلجِ
ظلُّ التجمّلِ في الوطنِ - القمعِ
انكفأتُ على ما لدي: الحقائبُ تنثرني في الرصيفِ عراءً طويلاً ستطويه ريحُ المخاوفِ في درجِ الضابطِ الفظِّ وهو يوزّعني في البصاقِ على أوجهِ النائمين وقوفاً بأرضيةِ المخفرِ الرطبِ، منسرباً في الدروبِ التي هرّبتْ حزنَها في قناني الكحولِ إلى غرفِ النومِ والثكنا
- أين نسيتَ القصيدةَ
- لمْ أنسها
كان محضُ جنوحٍ إلى عزلةِ الروحِ
تلزمني غابةٌ للصراخِ ومحبرةٌ من دمٍ
كي أتمَّ القصيدة..
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بورتريه
بورتريه
رقم القصيدة : 63794
-----------------------------------
وطنٌ هاربٌ
في دمي(69/185)
هل يُخبّئُني..
أم أخبّئهُ
خلفَ سبورةِ الدرسِ
خارطة نصفها مطرٌ
... ومنافٍ
ونصفٌ شعارْ
والمدارُ الذي لفني
كسؤالٍ يتيمٍ
على رحلةِ الطفلِ
يكبرُ...
وهو يواجهُ عيني معلمهِ
دامعتين وراء الإطارْ
سوف يسأله ضابطُ السجنِ
محتدماً
- كيف سرّبتَ بين خطوطِ الطباشيرِ
هذا الحنينَ..؟
ويطفئهُ في الجدارْ
ثقب
طلقةٌ عابرةْ
ثقبتْ نومَهُ
فتدفقَ
- فوق وسادتهِ -
لزجاً
دمُ أحلامهِ الخاسرةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ثمالة
ثمالة
رقم القصيدة : 63795
-----------------------------------
انطفأتْ أضواءُ الحانة
وانطفأ العالمْ
لكنَّ الرجلَ المخمورْ
ظلَّ يدورْ
بحثاً عن سببٍ واحدْ
يوصلهُ... للبيتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بيان أول للحرب
بيان أول للحرب
رقم القصيدة : 63796
-----------------------------------
... قلتُ:
- إني أحبكِ حتى الـ.....
فقاطعني الشرطيُّ
على حافةِ الوردةِ التالية
تأمّلتُ ثغركِ يحمرُّ من خجلٍ
ويذوبُ على شفتيَّ:
- أحبكَ حتى الـ.....
.........
رأيتُ الغيومَ البعيدةَ تهبطُ
حتى تلامسَ أهدابَ عينيكِ
تنهمران...
فيورقُ صمتُ المدينة:
أشجارها
والبيوتُ التي استيقظتْ - في الصباحِ -
على جرسِ الحرب
كنت أرى من بعيدٍ
صعودَ الكروشِ مع اللافتاتِ
تصفّقُ: يحيا الـ.........
صحتُ: يحيا الوطنْ
ولكنهم قطعوا حلمنا بالهتافاتِ
...... والطلقات......
.........
......
.........
وقفتُ بناصية الشارعِ المتلاطمِ
منخذلاً...
أرقبُ اللافتاتِ تسدُّ الشوارعَ
كنتُ أرى وطني
خلفَ قاماتهم، وظلالِ العماراتِ،
والخوذِ الأجنبيةِ
مرتبكاً، يتلفّتُ نحوي ...
فيدفعهُ الشرطيُّ، إلى آخرِ الصفِ
يعثرُ......
تعلو الهتافاتُ
يسقطُ
تعلو المدافعُ
تعلو...
وتعلو...
وتعلو...
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> في الأرض الحرام
في الأرض الحرام
رقم القصيدة : 63797
-----------------------------------
الندى...(69/186)
فوق سلكِ السياجِ الصديءْ
قطرةً...
قطرةً
يتساقطُ من دمهِ
النوارسُ تعبرُ جثثَهُ - لامباليةً -
تعبرُ السرفاتُ
المفارزُ
صحفُ الصباحِ
المدافعُ
ساعي البريدِ
رياحُ السهولِ الخفيضةِ
وهو مسجّى - على العشبِ -
تفصلهُ طلقةٌ في الجبينْ
سلكٌ عالقٌ بملابسهِ العسكريةِ
وهو يهمُّ ليعبرَ......
............
...............
لا أحدٌ يعلمُ
ما كان يحلمُ
لحظةَ داهمهُ الموتُ
لا أحدٌ يعرفُ الآن
من أين هذا القتيلْ؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> وليمة شرف على جوع أمل دنقل
وليمة شرف على جوع أمل دنقل
رقم القصيدة : 63798
-----------------------------------
إلى أحمد الدوسري،.. قبل المحنة وما بعدها بسنوات مرّة
هو لمْ يدّعِ غيرَ أحلامِهِ
الجنوبيُّ:
في مدخلِ الحفلِ يسألهُ حارسُ البابِ عن أسمهِ
فيلوذُ بمعطفهِ والجنوبِ
غريبينِ:
بين الأغاني السريعةِ
والضحكةِ الماجنةْ
من رأى دنقلاً
ناحلاً - في القصيدة -
منكمشاً - كالقميصِ البليلِ -
على حبلِ أوجاعهِ المزمنةْ
من رأى أحمداً
يلفُّ المطاراتِ
يبحثُ عن وطنٍ
فيفاجئهُ الشرطةُ الواقفون
على الحدِّ
بين الندى المرِّ...
والسوسنةْ
ـ قفْ..!
أيهذا المشرّدُ
لا وطناً
غير ما تركَ الجندُ
ـ فوق الرصيفِ ـ
من البقعِ الداكنةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مرثية مبكرة
مرثية مبكرة
رقم القصيدة : 63799
-----------------------------------
أيهذا الفتى ..
يا أميرَ الصعاليكِ
لهفي عليك..
ملأتَ الشوارعَ بالياسمينِ المشاكسِ
آخيتَ بين الينابيعِ، والمخفرِ الرطبِ
بين الرمالِ، وحباتِ عمركَ، منفرطاً
فوق صحنِ الكلامْ
فكيف انزويتَ...
وراءَ ستائرِ غرفتكَ الآمنةْ
تراقبُ نهرَ المشيبِ
يشقُّ المروجَ.. إلى مفرقيك
فتبلعُ كبسولةَ القرحةِ المزمنةْ
هكذا...
بانتظامْ
وتنامْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> خسارات
خسارات
رقم القصيدة : 63800
-----------------------------------
هكذا نفترقْ(69/187)
الشوارعُ ملكي
الحدائقُ..
والخمرُ
والبحرُ..
والياسمينْ
.. وهذا الأفقْ
فما تملكينْ؟
والنجومُ نثارُ دموعي
على صفحاتِ الأرقْ
فأين إذن...
تسهرين؟
والنوافذُ لي
فما تحلمين؟
ما الذي أخسرُ - الآن -
لو...
ترحلين
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ارتباك
ارتباك
رقم القصيدة : 63801
-----------------------------------
الفتى هائمٌ
خلفَ طاولةٍ، من ندىً وفضولْْ
تفصلُ البحرَ عن دمهِ
والصبيّةُ
خلفَ المجلةِ، ساهمةً
صدرها من مرايا ولوزٍ
تفتّح تحتَ قميصِ الحقولْ
ارتبكا...
حين حطَّ على النافذةْ
ظلُّ طيرين... يعتنقان
نهضتْ أمها
تسدلُ السترَ، في حرجِ..
فاسترابا
وطارا بعيدين..
لكن ظلّهما...
ظلَّ مترسماً
في فضاءِ الذهولْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> اشتعالات
اشتعالات
رقم القصيدة : 63802
-----------------------------------
- طابَ مساء القرنفل
- طابَ المساء إلى بعد منتصفِ الكأسِ في شفتيكِ..
- طابَ شهيق المرايا، أمامَ زفيرِ الفساتين
يحسرها الرقصُ..
.........
- طابتْ مساءاتكَ القاحلة
تتلصصُ، من فتحةٍ في الستارِ
لعطرِ مساءاتهم
وتنامُ
على كسرةٍ من صهيلْ
.........
............
في الصباحِ
ستكنسُ عاملةُ البارِ
ما ظلَّ من رغباتِ المساءِ القتيلةِ
تنسى احتكاكَ عجيزتها، بسريركَ
وهي ترتّبهُ... قطعةً، قطعةً
وتغادرُ مسرعةً
غير عابئةٍ
باحتراقكَ من فرجةِ الباب
.........
............
الأسرّةُ منفى جسدْ
والليالي... بَدَدْ
والنساءُ - الأصابعُ
فوق رمالِ السريرِ...
زبدْ
(ماذا تفكّرُ أرملةُ الحربِ
وهي ترتّبُ فوضاكَ
يا أيها الأرملُ المتزوجُ
ماذا تفكر في شاعرٍ من خرابْ
كلُّ أيامهِ ورقٌ
وضبابْ)
............
...............(69/188)
أتسكعُ في شارعِ الوقتِ، أمضغهُ بالتلصصِ للواجهاتِ، وتكويرةِ الردفِ.. حتى انتصاف الظهيرةِ، ملتصقاً بالثيابِ اللصيقةِ، في الباصِ.. يا أيها القلقُ - الجمرُ.. بيتكَ ظلُّ الشوارعِ، أطفيءْ لهاثكَ في حانةٍ (لا نقودَ)، غوايةِ بنتٍ (كبرتَ على الغزلِ الفجِّ)، أيةِ
لا شيء يطفيءُ جمرَ غضاكَ
...
......
(- يا سيدي
اطفيءِِ الضوءَ
والتحفِ الذكريات
ودعني لهذا اللهاثِ - صرير سريري الحزينْ
أتآكلُ...
أو أتشاغلُ
بالصبية النائمينْ..)
.........
............
...............
- أين القصيدةُ !؟
- غَسَلَتْها مع البنطلونِ المبقّعِ
عاملةُ البارِ
... كانتْ تشيرُ
لحبلِ الغسيلِ
يقطّرُ بالكلمات..
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شاعر
شاعر
رقم القصيدة : 63803
-----------------------------------
انزلقتْ حنجرةْ
في دهانِ الهجاءِ الفصيحْ
فظلّتْ تصيحْ
عندما استيقظَ الامبراطورُ من حلمهِ - برماً -
صاحَ في جندهِ: كمموا الريحْ
غير أنَّ الصدى ظلَّ يركضُ، يركضُ
يركضُ
يركضُ.....
في جنباتِ الرواقِ الفسيحْ
.............
.............
في الصباحْ
وجدوا جثةَ الشاعرِ المتطفّلِ
...... طافيةً
فوق زيتِ المديحْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> طلقة
طلقة
رقم القصيدة : 63804
-----------------------------------
وقفَ الشاعرُ
خلفَ منصةِ لا
فمهُ يركضُ حافي القدمين
فوقَ أديمِ الميكرفون
وآذانُ الجمهور
قفزتْ، تستبقُ الريحَ إليه
فالتقيا،
في حمى التصفيقْ
لكنَّ الطلقةَ...
فزّزتِ الحلمَ
فهبَّ من النومِ إلى الشارع، مذهولاً
أبصرَ جثتَهُ تنزفُ
- وسطَ ركامِ الأحذيةِ المذعورةِ -
يسحلها الشرطةُ للتحقيقْ
.........
......
............
وقفَ الشاعرُ
مبهوراً
لا يدري من أيِّ الحلمين، يفيقْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تضيق البلاد
تضيق البلاد
رقم القصيدة : 63805
-----------------------------------
تضيقُ البلادُ
تضيقُ..
تضيقُ(69/189)
وتتسعُ الورقةْ
البلادُ التي نصفُها حجرُ
والبلادُ التي دمعُها مطرُ
والبلادُ التي...
تبيعُ بنيها..
إذ جوّعتها الحروبُ
فماذا تبيعُ إذا جوّعتكَ البلادُ
وضاقتْ بدمعتكَ الحدقةْ
.........
............
الجريدةُ منفاكَ
تصعدها سلماً، سلما
وتغادرها برما
تاركاً عند بابِ المحاسبِ أحلامَكَ النزقةْ
والقصيدةُ أبعد مما تصورتَ
أبعد...
أبعد...
يبتعدُ النخلُ والأهلُ
لا شيء غير رصيفِ التذكّرِ، مستوحشاً
وخطى روحكَ القلقةْ
كأنَّ السماءَ العريضةَ
أضيقُ من كوّةٍ، في قطارِ الوداعِ الأخيرِ
وأنتَ تطلُّ بدمعتكَ المطبقةْ
......
.........
تضيقُ البيوتُ
وتتسعُ العائلةْ
تضيقُ النساءُ، الخنادقُ، والأصدقاءْ
وتتسعُ الطلقةُ القاتلةْ
وبينهما أنتَ مرتبكٌ ووحيدْ
بين أن تبتدي في شتاتِ الجنونْ
أو تنتهي في سباتِ السجونْ
مسافةُ كفين في سلسلةْ
بينهما يطفيءُ الحرسُ الواقفون سجائرهم
أنتَ لا تطلبُ المستحيلْ
وطناً للحنين
وتذكرةَ الحافلةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أماناً.. أيها البحر
أماناً.. أيها البحر
رقم القصيدة : 63806
-----------------------------------
على شرفةٍ
من شذاً ونوارس..
ينحدرُ البحرُ
هل قلتُ: ينحدرُ البحرُ نحو رمالكِ
ما بيننا وطنٌ لا يؤوبْ
سفنٌ كالندوبْ
... على صفحةِ الماءِ
كفي وكفُّكِ تَرتعشانِ من البردِ
هل قلتُ: إنّا غريبان، في المدنِ الطحلبيةِ
نبحثُ عن نخلةٍ
لتظلّلَ أحلامنَا، في اليباسِ الأخيرِ
ما لهمْ واجمون إذن؟
.................
............
..............
المقاعدُ خاليةٌ
في الصباحِ
يلاصقنا البحرُ
نرسمُ فوقَ الرمالِ بلاداً
فيمسحها الموجُ
هل قلتُ: أحذيةَ العابرين
وأحلمُ..
فيروز ناعسةُ كالرذاذِ
على شفتيكِ
تذوبان
في شفتي
وأسكرُ...
هل قلتُ : إنكِ أكثر صدقاً من البحر
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غربة
غربة
رقم القصيدة : 63807
-----------------------------------(69/190)
السماءُ التي ظلّلتْ أرضَنَا
والمنافي التي أرّختْ جرحَنَا
سأقولُ لها
كلما طردتني بلادٌ
وساومني صاحبٌ
اتكأتُ على صمتي المرَّ...
أبكي الذي فاتَنَا
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تحت سماء غريبة
تحت سماء غريبة
رقم القصيدة : 63808
-----------------------------------
معادلةٌ صعبةٌ
أن توزّعَ نفسكَ بين فتاتين
بين بلادين
من حرسٍ وأناناس
بينهما، أنتَ ملتصقٌ بالزجاجةِ
في حانةٍ، تتقافزُ فيها الصراصيرُ
كانتْ لكَ الكلماتُ، الطريقَ إلى النخلِ..
من أين جاؤوا بأسوارهم
فانتحيتَ، تراقبُ
ضوءَ الصواري البعيدةِ
يخبو ، ويصعدُ
بين الشهيقِ، وبين الزفير
............
.............
معادلةٌ مرّةٌ
أن تظلَّ كما أنتَ
ملقىً على الرملِ
ترسمُ أفقاً، وتمحوهُ
برقاً، وتجلوهُ
إنَّ السماءَ القريبةَ، أشهى
السماءَ البعيدةَ.. أبهى
لكن أحذيةَ الحرسِ الملكيِّ
ستحجبُ عنك فضاءَ الحنينِ المعرّش
ما بين أزهارِ قلبكَ، والنافذة
............
.............
معادلةٌ صعبةٌ
أن أبدّلَ حلماً، بوهمٍ
وأنثى،.. بأخرى
ومنفى، بمنفى
وأسألُ:
أين الطريق!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> في حديقة الجندي المجهول
في حديقة الجندي المجهول
رقم القصيدة : 63809
-----------------------------------
الجندي، الذي نسي أن يحلقَ ذقنَهُ
ذلكَ الصباح
فعاقبهُ العريف
الجندي القتيلُ، الذي نسوه في غبارِ الميدان
الجندي الحالمُ، بلحيتهِ الكثّة
التي أخذتْ تنمو
شيئاً، فشيئاً
حتى أصبحتْ ـ بعد عشرِ سنوات ـ
غابةً متشابكةَ الأغصانْ
تصدحُ فيها البلابلْ
ويلهو في أراجيحها الصبيانْ
ويتعانقُ تحت أفيائها العشاقْ
..........
................
الجندي..
الذي غدا متنزهاً للمدينة
ماذا لو كان قد حلقَ ذقنَهُ، ذلك الصباح
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> دبابيس
دبابيس
رقم القصيدة : 63810
-----------------------------------(69/191)
النجومُ، التي يتوهمها المطبعيُّ، حروفاً متناثرةً على أديمِ الليل.
النجومُ، التي يراها المدفعيُّ، دموعَ الأراملِ التي سيخلّفها بعد كلِّ قذيفة
النجومُ، التي يحسوها السكّيرُ، حبيباتٍ طافيةً من الذكرياتِ المرّة
النجومُ، التي يتلمّسها السجينُ، سجائرَ مطفأةً في جلدهِ
النجومُ، التي تمسحها العاهرةُ، بقايا الفحولاتِ المنطفئةِ بين فخذيها
النجومُ، التي يتأمّلها العابدُ، رذاذَ ماءِ الوضوءِ
على سجادةِ الكون
النجومُ...
دموعنا المعلّقةُ - بالدبابيسِ - في ياقةِ السماء
ترى أين تختفي
عندما تفتحين نافذتكِ.. في الصباح
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حبل غسيل
حبل غسيل
رقم القصيدة : 63811
-----------------------------------
على قوسِ الصباحْ
تنشرُ المرأةُ
غسيلَ أيامها
تتلمسُ ثيابَهُ المبقّعةَ بغبارِ الحربِ
ونعاسَ شرشفها الفاضح
فجأةً.......
تختلسُ النظرات
لسطحِ جارتها
وهي تشرُّ ثيابها السود
فتمسكُ قلبها، بيديها
- كليمونةٍ معصورةٍ -
وتهبطُ مسرعةً
الى غرفةِ النومِ
متشبّثةً بعنقِ زوجها
وهو يفركُ عينيه
مذهولاً
لمرآى زوجته....
........ بالثيابِ السود
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> منتهى
منتهى
رقم القصيدة : 63812
-----------------------------------
إلى عبد الرحمن مجيد الربيعي
أفتحُ ثلاجةَ أحزاني
أخرجُ قنينةَ عرق
وأشربها كلها
نخبَ أصدقائي المهاجرين
عبرَ الأنفاقِ
بلا وطنٍ
ولا سجائر
ولا جوازات سفر
أرفعُ أنخابَهم كأساً، كأساً
أو جثةً، جثةً
وحين أسقطُ على الرصيفِ
من الثمالة
سيحملونني - في توابيتهم -
إلى البيت
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> كوابيس
كوابيس
رقم القصيدة : 63813
-----------------------------------
مرتْ مفرزةُ الإعدامْ
أمامَ نافذتها
فاختلجَ قلبها، كعصفورٍ مبللٍ بالزئبقْ
- إلى أين يسرعون بخطاهم الحديدية!؟
تناهى إلى سمعها
الإيقاعُ الأسودُ
يرتقي السلالمَ
درجةً، درجةً(69/192)
- لقد أخذوه قبل عام!...
............
.........
توقفتْ جزماتهم - فجأةً -
أمامَ بابِ شقتها
فتوقفَ نبضُها المتسارعُ
وتساقطتْ عقاربُ الساعةِ، من معصمها،
كطيورٍ ميّتةٍ، على السجادةِ
- ما الذي جاؤوا يفعلونه الآن!؟
...........................
...........................
طَرَقوا البابَ
مدّتْ أصابعها المرتعشةْ
وحين أدارتْ المقبضَ صارخةً
انفتحتْ عيونُ الجيرانِ، تحملقُ مذهولةً
لوجهها الشاحبِ
وهي تسألهم بفزعِ
ترى أين ذهبوا....؟!!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سذاجة
سذاجة
رقم القصيدة : 63814
-----------------------------------
كلما سقطَ دكتاتور
من عرشِ التاريخِ، المرصّعِ بدموعنا
التهبتْ كفاي بالتصفيق
لكنني حالما أعود الى البيتِ
وأضغطُ على زرِ التلفزيون
يندلقُ دكتاتورٌ آخر
من أفواهِ الجماهيرِ الملتهبةِ بالصفيرِ والهتافات
.. غارقاً في الضحكِ
من سذاجتي
التهبتْ عيناي بالدموع
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مشاكسة
مشاكسة
رقم القصيدة : 63815
-----------------------------------
لأنَّ الشمسَ
ظلتْ نائمةً إلى الضحى
في سريرِ الإمبراطورْ
لمْ تستيقظ المدينةُ - هذا الصباح -
غير أن السجينَ المشاكسَ
مدَّ أظافرَهُ الطويلةَ الحادةَ
- عبرَ القضبانِ -
ووخزَ جسدَها الأرجوانيَّ
فاندلقَ دمُها،
ساخناً
فوقَ كوّةِ زنزانتهِ
وأضاءَ العالم
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أبعاد
أبعاد
رقم القصيدة : 63816
-----------------------------------
أمامَ النافذةِ
طفلٌ يلحسُ البوظا
ملتذاً،
بلسانهِ الأبلق
خلفَ النافذةِ
رجلٌ يلحسُ فخذَ السكرتيرةِ الشقراء
بنظراتِهِ الشرهةِ
داخلَ النافذةِ
مخبرٌ قميءٌ يلحسني
مختبئاً، خلف ثقوبِ جريدتهِ
............
...............
تسقطُ البوظا
على الرصيفِ
فيبكي الطفلُ
تسوّي الفتاةُ تنورتها
- خلف الآلةِ الكاتبةِ -
فيرتبكُ الرجلُ
تعصفُ الريحُ بالجريدةِ
فيطيرُ الحمامُ(69/193)
لكنَّ النافذةَ
تبقى مفتوحة
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ما حدث للحكيم
ما حدث للحكيم
رقم القصيدة : 63817
-----------------------------------
بينما كان يلقي محاضرتَهُ..
في القاعةِ المحتشدةِ
كانوا هناك
يفصّلون جثتَهُ على مقاسِ التقاريرِ الواردةِ
ويتركون ما تبقى من دمهِ
في ثلاجةِ العائلة
حين ترجّلَ من المنصّةِ
وسطَ موسيقى التصفيق
تحسّسَ عنقه
لمْ يجدْ غيرَ فراغٍ مهولٍ
وثمةَ حزٌّ طويلٌ، ما زال ندياً فوق ياقتهِ
ركضَ هلعاً إلى الجمهور...
مستنجداً بالكراسي... الفارغة
متعثّراً بقهقهات الصدى
.........
............
لا أحدَ،
غير حارسٍ عجوزٍ
كان يهذي
عن رجلٍ مخبولٍ
شاهده - قبل قليل -
يبحثُ...
بين المقاعدِ
عن رأسهِ المقطوع
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أجاممنون
أجاممنون
رقم القصيدة : 63818
-----------------------------------
عائداً...
من غبارِ الحربِ
بقلبٍ مجرّحٍ
وذراعين من طبولٍ وذهب
حالماً بشفتي كليتمنسترا، العسليتين
اللتين كانتا في تلك اللحظة
تذوبان على شفتي عشيقها ايجستوس
ليلةً، ليلة
عندما فتحَ البابَ
رأى في دبقِ شفتيها
الآفَ الجثثِ التي تركها في العراء
فتذكر
أنه نسي أن يتركَ جثتَهُ هناك .
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غروب
غروب
رقم القصيدة : 63819
-----------------------------------
ما أسرع ما غادرتُ حدائقَ اللعبِ لأبيعَ السجائر
ما أسرع ما ضاقَ علي قميصُ المدرسة، ليعلّقني مسمارُ الوظيفة،
من ياقتي
ما أسرع ما كلّلتْ ثلوجُ السنواتِ الحامضة، مروجَ شعري،
فتأبطني موظفُ التقاعدِ، إلى الغروبِ
وأضابيرِ الأطباءِ
ومقاهي الندمِ
ما أسرعَ ما دقَّ جرسُ رحيلها
وأنا لمْ أكملْ بعدُ، أبجديةَ أنوثتها
فدرّسوني شخيرَ اللغة
ما أسرعَ ما أنفضَّ الحفلُ
لأبقى وحيداً.. في حانةِ القصيدة
طافياً على رغوةِ التصفيق
ما أسرعَ ذلك
ما أسرعَ ما مرَّ ذلك
إلى حدِّ أنني أخشى(69/194)
أن أفتحَ قبضتي، لأصافحكِ
فتفلتُ السنواتُ الباقية
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قصائد البحر
قصائد البحر
رقم القصيدة : 63820
-----------------------------------
مالي أبحثُ عن البحرِ
وهو بين أصابعي
أقصدُ : شعركِ
2/10/1991 بغداد
*
عندما لمْ يرني البحرُ
تركَ لي عنوانَهُ:
زرقةَ عينيكِ
.. وغادرني
2/10/1991 بغداد
*
هرعتْ إلى غرفتها
لتردَّ على رنينِ الهاتف الذي
كانتْ أمواجهُ ترتطمُ بالصخورِ
والجدرانِ
والمرايا
وتتشظى في الأثير
عندما رفعتِ السماعةَ
سَكَنَ البحر
1991 بغداد
*
من أجلِ أن لا يصاب البحرُ
بالإحباطِ
حين تهجرهُ المراكبُ
تعلّمَ - مثلي - أن يغطي جراحاتهِ
بزبدِ النسيانْ
25/10/1991
*
أيتها الفكرةُ اللابطةُ
كسمكةٍ عنيدةٍ
في حوضِ اللغة
أحاولُ أن أتتبعَ مساركِ في خطوطِ الماء
فتبتلُّ أصابعُ ذهني
وتزلقين
ماذا أفعل؟
إذا كانتْ أوراقي لا تسعُ البحر
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قصائد المطر
قصائد المطر
رقم القصيدة : 63821
-----------------------------------
يلعقُ المطرُ
جسدكِ..
ياه..
كيف لا يغارُ العاشق
4/6/1991 بغداد
*
أمامَ المرآةِ
كان المطرُ
يتساقطُ على النافذةِ
وأنا كنتُ ألملمُ نهاياتِ الضفيرةِ
.. عن دموعِ المشط
1991 بغداد
*
الفتياتُ
يحملنَ المظلات
خشيةَ البلل
لذا...
يزعلُ المطرُ..
ويرحل
13/9/1991 بغداد
*
قطراتُ المطرُ
تتسلّلُ تحتَ قميصكِ
تلحسُ عسلَ حلمتيك
وأنا أمام زجاجِ النافذةِ
ألحسُ دموعَ المطر
4/6/1991 بغداد
*
مَنْ يغسلُ للمطرِ ثيابَهُ اللازورديةَ؟
إذا اتسختْ بغبارِ المدينةِ
وأين ينامُ إذا رحلتِ السحبُ؟
وتركتهُ وحيداً، ملتصقاً
على زجاجِ النوافذ المغلقة
وحين يفكّرُ بمصاحبةِ امرأةٍ...
مَنْ ستتسكّعُ معه في الشوارعِ؟
وتتحملُ بروقَهُ ورعودَهُ؟
......
.........
واضعاً يدَهُ على خدهِ
ويفكّرُ في غربةِ المطر
3/10/1993 عمان
*
أيها المطرُ..
إبقَ في الشوارعِ نزقاً(69/195)
كالقططِ والأطفالِ
ابقَ على الزجاجِ لامعاً
منساباً كقطراتِ الضوءِ
ولا تدخلْ في معاطفِ الأثرياء
إلى المحلاتِ
خشيةَ أن تتلوّثَ يداكَ البيضاوان
بالنقود
4/6/1991 بغداد
*
المطرُ أبيض
وكذلك أحلامي.
ترى هل تفرّقُ الشوارعُ بينهما؟
المطرُ حزين
وكذلك قلبي
ترى أيهما أكثر ألماً..؟
حين تسحقهما أقدام العابرين
4/6/1991 بغداد
*
أيها المطرُ
يا رسائلَ السماءِ إلى المروجِ
علمني كيف تتفتقُ زهرةُ القصيدةِ
من حجرِ الكلام
1991 بغداد
*
حين يموتُ المطرُ
ستشّيعُ جنازتَهُ الحقولُ
وحدها شجيرةُ الصبير
ستضحكُ في البراري
شامتةً من بكاءِ الأشجار
4/6/1991 بغداد
*
المطرُ يعبرُ الجسر
المواشي تعبرُ الجسر
الغيومُ تعبرُ الجسر
الحافلاتُ تعبرُ الجسر
أيها الجسرُ - يا قلبي -
إلى مَ تبقى منشطراً على النهر
ولا تعبر الضفةَ الثانية
4/6/1991 بغداد
*
أيها المطرُ
- يا صديقي المغفّل -
حذارِ من التسكّعِ على أرصفةِ المدنِ المعلّبةِ
ستتبدّدُ - مثلي - لا محالةً
قطرةً، قطرةً
وتجفُّ على الإسفلتِ
لا أحد يتذكركَ هنا
وحدها الحقولُ البعيدةُ
ستبكي عليك
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قصائد الرحيل
قصائد الرحيل
رقم القصيدة : 63822
-----------------------------------
ذئابٌ سودٌ
تتسلّقُ ذاكرتي
تنهشُ جثثَ الأيامِ المنسية
في الأرضِ الحرامِ
وتتركني
- كلَّ مساءٍ -
أعوي ..
وحيداً
على ثلوجِ أوراقي
في منافي العالم
*
أتطلعُ إلى صورِ الأصدقاءِ
في ألبومِ الحربِ
وأحصي: كمْ قنينةً
سكبتُ - هنا، على طاولتي -
فوق حفرِ مقابرهم
التي سُوّيتْ على عجل
*
يا لحنيني
كلما فكّرتُ في السفر
قفزَ من عينيَّ
طفلان مخضَّلان، بالقرنفل والأسئلة
ووطنٌ، مدجّجٌ بالحراسِ
وامرأةٌ، لا تدري
كيف تدبّرُ مسواقَ البيتِ
.........
............
كلما فكّرتُ في الغربة
سبقتني دموعي إلى الوطن
*
نصفكَ: وطنٌ ضائعٌ في البارات
ونصفكَ الآخر: يهيّءُ حقائبَهُ للسفر(69/196)
يلتقي نصفاكَ، كعقربينِ في ساعةٍ عاطلةٍ
ويفترقان، كغريبين على أرصفةِ المنافي الحامضة
وأنتَ مسمّرٌ إلى النافذة
لا تملك غيرَ جوازِ سفرك المركون
... على الرفِّ
تبيّضُ فيه إناثُ العناكب
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> البتراء
البتراء
رقم القصيدة : 63823
-----------------------------------
أصغي لرنينِ معاولهم
تحفرُ التأريخَ
بأصابع من حجرٍ
وجلودٍ ملّحتها السياطُ
أصغي...
ثمةَ أنينٌ طويلٌ
يوصلني بسرّةِ الأرض
1993 عمان - البتراء
*
البحر الميت
وجدَ نفسَهُ طافياً
على زرقةِ البحرِ الميت
كقذيفةٍ فاسدةٍ
وأحزانه تذوبُ
في القاعِ اللزجِ
رويداً، رويداً
بينما كانتْ عيناه
معلقتين... هناك
كطائرين ينزفان...
على الأسلاكِ الشائكة
13/7/1993 عمان
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> البحر الأحمر
البحر الأحمر
رقم القصيدة : 63824
-----------------------------------
أكلُّ هذه الثورات
التي قامَ بها البحرُ
ولمْ يعتقلْهُ أحد
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الخليج العربي
الخليج العربي
رقم القصيدة : 63825
-----------------------------------
ترى كمْ من الينابيعِ
والسواقي
والأنهارِ
والبحيراتِ
امتزجتْ في مياهكَ
وضاعتْ بين أمواجكَ
دون أن تتذكّرَها
أيها البحر
1991 بغداد
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> البحر العربي
البحر العربي
رقم القصيدة : 63826
-----------------------------------
كلما تقدمتْ خرافُ الأمواجِ الغاربة
بأعناقها البضّةِ الناصعةِ
إلى سكين الصخور
قهقه البحرُ عالياً
وأصطبغَ الأفقُ بنجيعِ الشفق
1993 عمان
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> البحر المتوسط
البحر المتوسط
رقم القصيدة : 63827
-----------------------------------
أكلُّ هذه الهيجانات
التي تمورُ في أعماقكَ
والصخور والمراكب التي تتحطمُ عند قدميكَ
وأنتَ تحنو...
بخضوعٍ ولذةٍ
أمام المرايا..
تمشطُ للحورياتِ المضطجعاتِ(69/197)
على رمالِ سريركَ
خصلاتهنَّ الناعمة
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غور الأردن
غور الأردن
رقم القصيدة : 63828
-----------------------------------
يتراكضُ الشجرُ
في عينيها ...
صاعداً نحو جبلِ روحي الأجردِ
أمدُّ أصابعي
لبرعمٍ - في روحي - يتفتّحُ للتوِّ
فتغزني أشواكُ البعاد
1993 عمان
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> دموع الشمع
دموع الشمع
رقم القصيدة : 63829
-----------------------------------
شمعةً..
شمعةً
ستنطفيءُ السنواتُ
ويلفّني السعالُ والخريفُ
فلا أرى سوى بقعِ الشمعِ المتجمدةِ
... على سريري
ياه...
أيها القلبُ
ما أسرعَ ما تتشمعُ أصابعُ النساء
17/3/1993 بغداد
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شاعرة مبتدئة
شاعرة مبتدئة
رقم القصيدة : 63830
-----------------------------------
لأنها تخافُ الموجَ
أطلقتْ على رمالِ النثرِ مراكبها الورقيةَ
وجلستْ أمامَ البحرِ
تحلمُ...
بخفقِ الأشرعةِ البعيدة
25/10/1991 بغداد
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ذبول
ذبول
رقم القصيدة : 63831
-----------------------------------
صرخَ في المشيعين
وهم ينثرون أكداسَ الوردِ على ضريحهِ
- شكراً لكم على أيِّ حالٍ
فقد انقضتْ حياتي، بأسرعِ مما ستذبلُ به أزهاركم النديّة
1/1/1991 بغداد
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غيرة
غيرة
رقم القصيدة : 63832
-----------------------------------
ذاتَ يومٍ
اكتشفتْ في مرآتها
امرأةً ثانيةً
تتمرى معها
غضبتْ كثيراً
وهشّمتها - في عنفٍ -
فتطايرتْ شظايا الزجاجِ
في أرجاءِ الغرفةِ
وتكاثرتِ المرأة
7/3/1993 بغداد
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أرق
أرق
رقم القصيدة : 63833
-----------------------------------
حين بحثَ في أدراجِ الليلِ
ولمْ يجدْ سيجاراً
أشعلَ عودَ الثقابِ
وبدأ يدخنُ نفسَهُ - بهدوءٍ -
ملتذاً،
وهو يتلاشى رويداً، رويداً(69/198)
في سحبِ الدخان
19/10/1993 عمان
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حرية
حرية
رقم القصيدة : 63834
-----------------------------------
قبل أن يكملَّ رسمَ القفصِ
فرَّ العصفورُ
من اللوحة
29/11/1993 عمان
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ظمأ
ظمأ
رقم القصيدة : 63835
-----------------------------------
أماه...
مالي أراه
يحدّقُ بي كثيراً
يلحسُ شفتي الرقيقتين
بعينه الظامئتين
إلى حدِّ أنّهُ...
يجعلني أرتعشُ
من بللِ قبلاتهِ غير المرئية
20/10/1991 بغداد - كاليري إينانا
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> امرأة
امرأة
رقم القصيدة : 63836
-----------------------------------
من كثرِ اختلافِ مواعيدكِ معي
اضطرُ دائماً
أن أضبطَ ساعتي
على عقاربِ أعذاركِ
2/10/1991 بغداد
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عبق
عبق
رقم القصيدة : 63837
-----------------------------------
أزهارُ الشبّو
تتسلّلُ - كلَّ مساءٍ
إلى غرفتكِ
تسرقُ رائحةَ جسدكِ
وتعودُ إلى الحديقة
بخطى متوجسةٍ
لئلا تشي بها الأزهارُ النمّامة
1991 بغداد
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> همس
همس
رقم القصيدة : 63838
-----------------------------------
وأنتِ تتحدثين مع الآخرين
في الحفلِ
كانتْ شفتاكِ
تغزلان مواعيدهما
خارجَ جدرانِ القاعةِ
مع المطر
والأشجار
والأرصفة
4/6/1991 بغداد
*
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عاشقة
عاشقة
رقم القصيدة : 63839
-----------------------------------
رفقاً أيها المطرُ
قميصي تبلّل..
وها أنا أرتعشُ من الحبِّ
لماذا ينظرُ لي العابرون - بدهشةٍ -
هل أبدو عارية
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تنويعات
تنويعات
رقم القصيدة : 63840
-----------------------------------
حين لا ينحني الجسرُ
لن يمرَّ النهرُ
18/9/1993 عمان
*
منطرحاً
على السفحِ
يسألُ:
هل من شاغرٍ
في القمة؟
28/9/1993 عمان
*(69/199)
كلما كتبَ رسالةً
إلى الوطنِ
أعادها إليه ساعي البريد
لخطأٍ في العنوان
30/9/1993 عمان
*
للفارسِ في الحفلِ وسامُ النصر
وللقتلى في الميدانِ
غبارُ التصفيقِ
وللفرسِ في الإسطبلِ
سطلٌ من شعير
21/9/1993 عمان
*
كمْ من الهواء
لمْ يستنشقْهُ بعدُ
هكذا فكَّرَ بعمقٍ
داخلَ زنزانتهِ
فاختنقَ بالسعال
9/10/1993 عمان
*
خلف الخطى الصاعدة
إلى العرشِ
ثمةَ دمٌ منحدرٌ
على السلالم
24/9/1993 عمان
*
نقرُ أصابعكِ
على الطاولةِ
موسيقى طازجة
30/9/1993 عمان
*
وجدَ ظله نائماً
في الظلِّ
أيقظهُ..
واصطحبهُ معه إلى الضوء
30/9/1993 عمان
*
تجلسُ في المكتبة
فاتحةً ساقيها
وأنا أقرأُ..
ما بين السطور
28/9/1993 عمان
*
يدها قطعةُ شكولاتا
وأنا جائعٌ
جائعٌ
جائعٌ
منذ آلافِ العصور
لا يكفيني سوى الخبز
29/6/1992 بغداد
*
مقعدهُ في الحافلةِ
تابوتٌ مؤقتٌ
هكذا أسبلَ جفنيهِ
إلى آخرِ المحطةِ
دون أن يوقظَهُ صخبُ العالم
28/9/1993 عمان
*
كلّ عامٍ، في مخزنِ الشتاءِ
الطبيعةُ تجردُ موجوداتها
لاستقبال الربيع
وتنسى شجرةَ الحزنِ اليابسة
أمام نافذتي
28/9/1993 عمان
*
قالتْ له بغضبٍ:
- أيها المسمارُ المعوجُّ
مَنْ دقّكَ على حائطي؟
وعلّقَ مزيداً من المعاطفِ والأطفال
28/9/1993 عمان
*
رسائل البرقِ
مَنْ يمزقها
قبلَ أنْ تصلََ الأرض؟
29/11/1993 عمان
*
بين أصابعنا المتشابكةِ
على الطاولةِ
كثيراً ما ينسجُ العنكبوتُ
خيوطَ وحدتي
1993 عمان
*
الأشجارُ كلامُ الأرضِ
في أذنِ الريحِ
غيرَ أن الحطابَ
كثيراً ما يقاطعهما
بفأسِهِ
7/12/1993 عمان
*
كمْ علي أن أخسرَ
في هذا العالم
كي أربحكِ
1993 عمان
*
ينظرُ الشوكُ
بشماتةٍ
إلى أعناقِ الورودِ المقطّعةِ
14/12/1993 عمان
*
لمْ تتعلمْ السباحةَ
لكنكَ علّمتها أيها البحرُ
أن تتموجَ على ذراعِ مَنْ تحبُّ
دون أن تغرق
14/12/1993 عمان
*
طافَ أصقاعَ العالم
لكنه لمْ يصل
.. إلى نفسهِ
14/12/1993 عمان
*
في المرّةِ الوحيدةِ(69/200)
التي فكّرتُ بتقبيلكِ
قالتْ لي شفتاكِ:
وداعاً
1993 عمان
*
كلما تعانقتْ كلمتان
صرخَ الشاعرُ
- على الورقةِ -
آه...
كم أنتَ وحيدٌ أيها القلب
14/12/1993 عمان
*
أحياناً تنسى الطيورُ أعشاشَها
وتحطُّ على بياضِ يديكِ
لذلك عندما تصافحينني
كثيراً ما أرى الزغبَ
يغطي أصابعي
فأحلّقُ بعيداً في سماءِ الورقة
4/6/1991 بغداد
*
من أين أستدينُ أياماً صالحةً!؟
أيها الشعرُ
لقد أفسدتَ عليَّ حياتي تماماً
12/10/1993 عمان
*
أقفُ أمامَ المرآةِ
لكي أرى وحدتي
1993 عمان
*
الربّانُ المتردّدُ
يجدُ كلَّ الرياح
غيرَ مؤاتيةٍ ..
للإقلاع
11/1/1993 عمان
*
بسمِّهِ يموتُ
العقربُ الذي لا يلدغُ أحداً
15/11/1993 عمان
*
لا تولدُ الفكرةُ
إلا عاريةً
فمَنْ يلبسها كلَّ هذه المعاطفِ
والـ...
1993 عمان
*
أيها المخرجُ العجولُ
سرعان ما أنهيتَ حياةَ الجنودِ
على شاشةِ الحربِ العريضةِ
دون أن تتركَ للمتفرجين
فرصةَ تكريزِ أسمائهم
4/6/1991 بغداد
*
قالوا لها دموعكِ كاللؤلؤ
حين حملتها إلى الصيرفيِّ
فركها بأصابعهِ مندهشاً
لشدةِ بريقها
لكنّهُ لمْ يدفعْ لها فلساً
إذْ سرعان ما جفّتْ بين يديه
4/10/1993 عمان
*
كلما حلَّ عقدةً
طال حبلُ المسافةِ بينهما
12/10/1993 عمان
*
أعلّمُ أصابعي أبجديةَ الفرحِ
كي اقرأَ جَسَدَكِ
29/11/1993 عمان
*
الليالي...
التي بلا أرقٍ
أنساها
على سريري
في الصباح
1991 بغداد
*
أفكّرُ في شفتيكِ
فيسيلُُ العسلُ
على زجاجِ ذاكرتي
ألعقهُ...
دون أن تعلمين
قطرةً..
قطرةً
ترى أتؤلمكِ شفتاكِ؟
1991 بغداد
*
وأنا أقدّمُ للناشرِ مخطوطةَ ديواني
أحصيتُ مسبقاً عددَ الأعذارِ المطبعيةِ
التي سيعلقها على شماعتي
وأحصى مسبقاً عددَ القراء الذين سيضيفهم
إلى رصيدهِ في البنكِ..
لذلك لمْ نتفقْ..
لملمتُ انكساري...
ولملمَ أعذارَهُ...
وافترقنا
4/6/1991 بغداد
*
هدّئي من رنينِ أجراسكِ النحاسيةِ،
في صالةِ رأسي
- أيتها الكلمات .. -(69/201)
كي لا يفسدَ هذا الضجيجُ هدوءَ القصيدةِ
فعما قليلٍ ستخرجُ إلى الغاباتِ
متأبطةً قلبي
21/10/1991 بغداد
*
لأنني لا أستطيعُ أن أميّزَ
بين الوردِ وشفتيكِ
كثيراً ما توخزني الأشواكُ
في مروجِ الأحلام
1991 بغداد
*
لا تتركي نهديكِ
يثرثران كثيراً على سريرِ اللغةِ
بلاغةُ جسدكِ في الإيجاز
17/3/1993 بغداد
*
مالي أراهم
ينثرون باقاتِ الزهورِ الندية
على سريري - شاهدتي البيضاء
دون أن أعترضَ
أو أصرخَ
أو أبكي ..
هل متُّ حقاً..
ولا أدري
4/6/1991 بغداد
*
الأرقُ
نسي مفاتيحَ غرفتهِ
على طاولتي
ترى أين يبيتُ الليلة؟
1991 بغداد
*
تنطفيءُ الشمعةُ
وأشتعلُ بجسدكِ
ما من أحدٍ
يحتفلُ بالظلام
13/9/1993 عمان
*
كل زفيرٍ
يذكّرني..
كمْ من الأشياءِ عليّ أن أطردها
من حياتي
15/11/1993 عمان
*
النصلُ الذي يلمعُ
في العتمةِ
أضاءَ لي وجهَ قاتلي
4/3/1994 عمان
*
مَنْ قالَ أن الفرحَ طائرٌ قلقٌ
لا يستقرُّ على غصنٍ
ها هو غصنُ حياتي
ممتليءٌ بالعصافيرِ الميتة
6/12/1993 عمان
*
على جلدِ الجوادِ الرابحِ
ينحدرُ..
عرقُ الأيامِ الخاسرة
6/11/1993 عمان
*
الشعراءُ الأقصرُ قامةً
كثيراً ما يضعون لقصائدهم
كعوباً عالية
1993 عمان
*
كثرةُ الطعناتِ
وراءَ ظهري
دفعتني كثيراً
.. إلى الأمام
5/11/1993 عمان
*
أيتها الوردةُ
في الذبولِ الأخيرِ
لمن تلوحين الآن....!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> نص
نص
رقم القصيدة : 63841
-----------------------------------
نسيتُ نفسي على طاولةِ مكتبتي
ومضيتُ
وحين فتحتُ خطوتي في الطريق
اكتشفتُ أنني لا شيء غير ظلٍّ لنصٍ
أراهُ يمشي أمامي بمشقةٍ
ويصافحُ الناسَ كأنه أنا
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تأويل
تأويل
رقم القصيدة : 63842
-----------------------------------
يملونني سطوراً
ويبوبونني فصولاً
ثم يفهرسونني
ويطبعونني كاملاً
ويوزعونني على المكتباتِ
ويشتمونني في الجرائدِ
وأنا
لمْ
أفتحْ
فمي
بعد(69/202)
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> هواجس
هواجس
رقم القصيدة : 63843
-----------------------------------
أقلّ قرعة بابٍ
أخفي قصائدي - مرتبكاً - في الأدراج
لكن كثيراً ما يكون القرع
صدىً لدورياتِ الشرطةِ التي تدورُ في شوارعِ رأسي
ورغم هذا فأنا أعرفُ بالتأكيد
انهم سيقرعون البابَ ذات يوم
وستمتدُ أصابعهم المدربةُ كالكلابِ البوليسيةِ إلى جواريرِ قلبي
لينتزعوا أوراقي
و.....
حياتي
ثم يرحلون بهدوء
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أبواب
أبواب
رقم القصيدة : 63844
-----------------------------------
أطرقُ باباً
أفتحهُ
لا أبصر إلا نفسي باباً
أفتحهُ
أدخلُ
لا شيء سوى بابٍ آخر
يا ربي
كمْ باباً يفصلني عني
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حنين
حنين
رقم القصيدة : 63845
-----------------------------------
لي بظلِّ النخيلِ بلادٌ مسوّرةٌ بالبنادق
كيف الوصولُ إليها
وقد بعد الدربُ ما بيننا والعتابْ
وكيف أرى الصحبَ
مَنْ غُيّبوا في الزنازين
أو كرّشوا في الموازين
أو سُلّموا للترابْ
انها محنةٌ - بعد عشرين -
أنْ تبصرَ الجسرَ غيرَ الذي قد عبرتَ
السماواتِ غيرَ السماواتِ
والناسَ مسكونةً بالغيابْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ثلاثة مقاطع للحيرة
ثلاثة مقاطع للحيرة
رقم القصيدة : 63846
-----------------------------------
(1)
قال أبي:
لا تقصصْ رؤياكَ على أحدٍ
فالشارعُ ملغومٌ بالآذانْ
كلُّ أذنٍ
يربطها سلكٌ سرّيٌ بالأخرى
حتى تصلَ السلطانْ
10/3/1996 دمشق
*
(2)
بعد أن يسقطَ الجنرالُ من المشنقة
بعد أن يرسمَ الطيرُ دورتَهُ
في الهواء الطليقْ
بعد أن تتخضّبَ راياتُنا بالدماءِ....
ما الذي نفعلُ؟
19/7/1996 بيروت
*
(3)
جالساً بظلِّ التماثيلِ
أقلّمُ أظافري الوسخةَ
وأفكّرُ بأمجادهم الباذخةِ
هؤلاء المنتصبون في الساحات
يطلقون قهقهاتهم العاليةَ
على شعبٍ يطحنُ أسنانَهُ من الجوعِ(69/203)
ويبني لهم أنصاباً من الذهبِ والأدعية
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> رقعة وطن
رقعة وطن
رقم القصيدة : 63847
-----------------------------------
ارتبكَ الملكُ
وهو يرى جنودَهُ محاصرين
من كلِّ الجهاتِ
والمدافعَ الثقيلةَ تدّكُ قلاعَ القصرِ
صرخ:
أين أفراسي؟
- فطستْ يا مولاي
- أين وزيرُ الدولة
- فرَّ مع زوجتكَ يا سيدي في أولِ المعركةِ
تنحنحَ الملكُ مُعدّلاً تاجهُ الذهبي
وعلى شفتيه ابتسامةٌ دبقةٌ:
ولكن أين شعبي الطيب؟
لمْ أعدْ اسمعه منذ سنينٍ
فأنفجرَ الواقفون على جانبي الرقعةِ بالضحكِ
- لقد تأخرتَ يا سيدي في تذكّرنِا
ولم يبقَ لنا سوى أن نصفّقَ للمنتصرِ الجديد
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شهداء الانتفاضة
شهداء الانتفاضة
رقم القصيدة : 63848
-----------------------------------
هؤلاء الذين
تساقطوا أكداساً
أمامَ دباباتِ الحرسِ
هؤلاء الذين حلموا كثيراً بالأرضِ
قبل أن يحلّقوا بأجنحتهم البيضاء
هؤلاء الذين نما على شواهدِ قبورهم صبّيرُ النسيان
هؤلاء الذين تآكلتْ أخبارُهم
شيئاً ، فشيئاً..
في زحمة المدينة
إنّهم يتطلعون بعيونٍ مشدوهةٍ
إلى قدرتنا على نسيانهم بهذهِ السرعة
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قادة
قادة
رقم القصيدة : 63849
-----------------------------------
ستعرفينهم من الأحذيةِ التي تركوها
.. قبل أن ينهزموا
ستعرفينهم بالتأكيد
هؤلاء الذين ملأوا منابرَ المدينة
بطبولِ بطولاتهم
ترى أين نجدهم الآن
لنعرف كيفَ سمعوا قبلنا
بأولى الاطلاقاتِ
نحن الذين كنّا مجرَّدَ آذان
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> إتهام
إتهام
رقم القصيدة : 63850
-----------------------------------
الذين صُفّوا
في ساحةِ الإعدام
حملقوا بعيونٍ مرتجفةٍ
إلى الفوهاتِ السودِ
المصوبةِ إلى رؤوسهم الحليقةِ
لكنهم لمْ يروا عيونَ القتلةِ
كانتْ محجوبةً خلفَ صفِ البنادقِ الطويلِ
لهذا ظلّتْ نظراتهم(69/204)
مسمّرةً نحونا
.. إلى الأبد
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> درس في التاريخ (1)
درس في التاريخ (1)
رقم القصيدة : 63851
-----------------------------------
أطرقَ مدرسُ التاريخِ العجوزُ ماسحاً غبارَ المعاركِ والطباشير عن نظارتيه
ثم أبتسمَ لتلاميذهِ الصغارِ بمرارةٍ:
ما أجحدَ قلبَ التاريخِ
أكلّ هذا العمر الجميل الذي سفحتُهُ على أوراقِهِ المصفرةِ
وسوف لا يذكرني بسطرٍ واحدٍ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> درس في التاريخ (2)
درس في التاريخ (2)
رقم القصيدة : 63852
-----------------------------------
جالساً بين دفتي دمعتي
أفكرُ بالمصائرِ المجهولةِ
لملايين العيونِ المتحجرةِ
التي نسيها المؤرخون
بين الفوارز والنقاطِ
على هوامشِ الفتوحاتِ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> درس في التاريخ (3)
درس في التاريخ (3)
رقم القصيدة : 63853
-----------------------------------
نحن المنحنين إلى الأبدِ
كجسورِ الأريافِ الخشبيةِ
تمرُّ علينا الجواميسُ
والأحزابُ
والجنرالاتُ
والمركباتُ السريعةُ
والأحلامُ المتثائبةُ
ونحن نتأملُ خريرَ مياهِ التاريخِ
ونبتسمُ بعمقٍ
لأمواجِهِ التي ستتكسرُ عما قليلٍ
أمامَ صخورنِا
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> (!!...)
(!!...)
رقم القصيدة : 63854
-----------------------------------
هؤلاء الطغاة
أصحيحٌ يا ربي
انهم مروا من بين أناملِكَ الشفيفةِ
وتحملتهم!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حكاية وطن
حكاية وطن
رقم القصيدة : 63855
-----------------------------------
شَعَرَ تمثالُ السيد الرئيس بالضجر
فنزل من قاعدته الذهبية
تاركاً الوفودَ والزهورَ وأناشيدَ الأطفال،
وراح يتمشى بين الناس الذين اندفعوا يصفقون له:
"بالروح بالدم.. نفديك يا......"
انتعشَ التمثالُ.
وحين علمتْ تماثيلُهُ الأخرى بالأمر
نزلتْ إلى الساحاتِ
وراحتْ تتقاتلُ فيما بينها.
والناس يتفرجون(69/205)
لا يدرون
أيهم السيدُ الرئيس....؟!!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> لا
لا
رقم القصيدة : 63856
-----------------------------------
ا
إلى القاص حميد المختار
فمه الذي اعتادَ أن يقولَ لا
مرغوهُ بالترابِ
فنمتْ أشجارٌ كثيرةٌ على امتدادِ البلادِ
يسمعُ الإمبراطورُ حفيفَها وهي تعبرُ نوافذَ قصرهِ
أجراساً من اللاءات
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أشباح
أشباح
رقم القصيدة : 63857
-----------------------------------
دائماً كنتُ أسمعُ أصواتهم الغريبة
وهي ترطنُ باسمي
ثم أقدامهم الحديدية وهي تصعدُ السلالمَ
ثم قبضاتهم على الباب
ثم فوهاتهم في صدغي
ثم جثتي وهي تتدحرجُ
خلف هدير محركات سياراتهم
ثم صخب المتحلقين حولي وهم يتساءلون:
- من أين أتوا؟
لكنهم لم يأتوا
تركوا لي المشهدَ مفتوحاً
على اتساعِ الطلقةِ المؤجلة
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أحزاب
أحزاب
رقم القصيدة : 63858
-----------------------------------
لافتاتٌ تتقدمُ
بغابةٍ من الشعاراتِ
اختلفوا
مَنْ يتقدمُ الأولَ؟
ثم تشابكوا بالأيدي
ثم بالهراوات
ثم..
سقطتِ اللافتات
ولم نرَ نحن المحتشدين على جانبي الطريق
سوى غابةٍ من البنادق
تتقدمُ مشتبكةً
باتجاهنا...
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> باب
باب
رقم القصيدة : 63859
-----------------------------------
أراهم..
يدفعونني ويدخلون
يدفعونني ويخرجون
وأنا أصطفقُ بأضلاعي
وراءهم
لا أحد يلتفتُ
ليرى
كم هي مضنية
وصفيقة،
مهنة الباب
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> نقود الله
نقود الله
رقم القصيدة : 63860
-----------------------------------
على رصيفِ شارعِ الحمراء
يعبرُ رجلُ الدين بمسبحتِهِ الطويلةِ
يعبرُ الصعلوكُ بأحلامِهِ الحافيةِ
يعبرُ السياسي مفخّخاً برأسِ المال
يعبرُ المثقف ضائعاً
بين ساهو وحي السلّم
الكلُ يمرُّ مسرعاً ولا يلتفتُ
للمتسولِ الأعمى(69/206)
وحدهُ المطرُ ينقّطُ على راحتِهِ الممدودةِ
باتجاهِ الله
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سهم
سهم
رقم القصيدة : 63861
-----------------------------------
لحظةَ الانعتاقِ الخاطفةِ
بماذا يفكرُ السهمُ
بالفريسةِ
أمْ...
بالحرية
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> خطوط
خطوط
رقم القصيدة : 63862
-----------------------------------
أنتَ تمضي أيها المستقيم
دون أن تلتفتَ
لجمالِ التعرجاتِ على الورقِ
أنتَ تملكُ الوصولَ
وأنا أملكُ السعة
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شكوى
شكوى
رقم القصيدة : 63863
-----------------------------------
نَظَرَ الأعرجُ إلى السماء
وهتفَ بغضبٍ:
أيها الربُّ
إذا لمْ يكنْ لديكَ طينٌ كافٍ
فعلامَ تعجّلتَ في تكويني
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> علو
علو
رقم القصيدة : 63864
-----------------------------------
كلما نبحَ الكلبُ
خلفَ سحابةْ
عبرتهُ
ولمْ تنتبهْ
للدعابةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> خيوط
خيوط
رقم القصيدة : 63865
-----------------------------------
وحيدة تجلسُ أمامَ النافذةِ
تحوكُ الصوفَ
رجلٌ عابرٌ وحيدٌ
يسحبُ الخيطَ
يسحبُ النافذةَ
يسحبُ المرأةَ
يدخلُ سنارتَهُ فيها
ويظلُّ يحوكُ
هكذا ينسجان أحلامهما
كلَّ يومٍ
وبينهما خيطٌ مهموسٌ...
لا يصل
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> خيبات
خيبات
رقم القصيدة : 63866
-----------------------------------
انتظرتُ الأغصانَ الجرداءَ حتى أزهرتْ
والراياتِ المنكّسةَ حتى انتصبتْ
لكنْ ما أن تكوّرَ الوردُ حتى قطفَهُ غيري
وما أن سارتْ الراياتُ حتى تركتني على الرصيفِ
ومضتْ تشقُ طريقَها وسطَ الهدير .. إلى باحة القصر
وانتظرتُ السفنَ المبحرةَ حتى عادتْ
لكن ما أن نزلَ البحارةُ والمسافرون
لم أجدْ من يعرفني
وقرعتُ الزنازينَ حتى فُتحتْ
لكن ما أن خرجَ السجناءُ
فاتحين أذرعَهم ورئاتهم للحريةِ(69/207)
حتى جروني من ذراعي ورموني فيها
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> لو
لو
رقم القصيدة : 63867
-----------------------------------
لو مرةً
تعودُ الهراواتُ
والسياطُ
إلى الحقولِ
وتروي تأوهاتِ الأجسادِ التي تمزقتْ
تحت لسعها
لوأدتِ الأشجارُ أطرافَها
وأضربتِ الغاباتُ عن الطعامِ
فلمْ تعدْ هناكَ بلابل
أو غصون
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حصار
حصار
رقم القصيدة : 63868
-----------------------------------
نلوبُ بزعانفنا في طياتِ الماء
الهواءُ يختنقُ بنا
والجالسون أمامَ زجاجِ حوضِنا الأنيقِ
ينظرون بلذةٍ لشهقاتِنا الملونةِ وهي تخبطُ السديمَ
بحثاً عن بقايا الهواء
نحن الأسماك المحاصرة في حوضِ الوطن
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بياض
بياض
رقم القصيدة : 63869
-----------------------------------
الرقيبُ الذي في الكتابْ
ظلَّ يلتهمُ الكلماتِ
السطورَ
الحروفَ
الفوارزَ
حتى تكرّشَ من كثرة الصفحات
وغابْ
إلهي......
ما الذي سوف أفعلهُ
ببياضٍ كهذا
البياضُ حجابْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> وجبة
وجبة
رقم القصيدة : 63870
-----------------------------------
الجوعُ يمدُّ مخالبَهَ في بطني
فألتهمُ أوراقي
وأمشي..
واضعاً يدي على بطني
خشيةَ أن يسمعَ أحدٌ طحينَ الكلمات
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> معادلة
معادلة
رقم القصيدة : 63871
-----------------------------------
أنزلْ أو فاصعدْ
- لا فرق -
أيان تجوبْ..؟
القمة..
بئرٌ مقلوبْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الإسكافي الكهل
الإسكافي الكهل
رقم القصيدة : 63872
-----------------------------------
جالساً
على الرصيفِ
أمامَ صندوقهِ
يرنو
لأيامِهِ التي
ينتعلها الناس
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حساب
حساب
رقم القصيدة : 63873
-----------------------------------
أيها الربُّ
افرشْ دفاترك
وسأفرش أمعائي
وتعال نتحاسبْ(69/208)
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> هندسة
هندسة
رقم القصيدة : 63874
-----------------------------------
تربّعَ المربعُ
متنهداً
على أريكةِ الصفحةِ:
كان يمكنني أن أمضي معكَ إلى الأبدِ
أيها المستقيمُ
لولا انهم أغلقوا عليّ أضلاعي
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> هبوب
هبوب
رقم القصيدة : 63875
-----------------------------------
صافناً أمامَ رحيلكِ
كنسرٍ يخفقُ في مواجهةِ العاصفةِ
بينما ريشُهُ يتناثرُ في السهوبِ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> رجاء
رجاء
رقم القصيدة : 63876
-----------------------------------
عمرٌ..
أو عشرةُ أعمارْ
لا تكفي
يا ربي
كي أشبعَ من صحنِ أنوثتها
فامنحني اياها
بدلاً من حورك
والأنهارْ
أو ليستْ لي حرية أن أختارْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> فضول
فضول
رقم القصيدة : 63877
-----------------------------------
النهاراتُ التي ترحلُ
هل تلتفتُ
لترانا ماذا نفعلُ
في غيابها
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حبل
حبل
رقم القصيدة : 63878
-----------------------------------
الحبل الذي مدوهُ حولَ عنقِهِ
استطالَ بالصراخِ
ثم
انقطعَ
مَنْ سقطَ قبل الآخر
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شاعر
شاعر
رقم القصيدة : 63879
-----------------------------------
إلى الشاعر الشهيد علي الرماحي
في عصر الطغيانْ
كان الشعراءُ الخصيانْ
- كالفئرانْ -
ينكمشون بجحرِ السلطانْ
ويغنون
بأمجادِ جلالتهِ
وبنعمتهِ
وتظلُّ حروفك
- في كلِّ زمانٍ ومكانْ -
تمشي ....
وعلى كتفيها الصلبانْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> إليهم فقط...
إليهم فقط...
رقم القصيدة : 63880
-----------------------------------
كمْ أضاعوا من وقتٍ وورقٍ وأرصفةٍ
أولئك الذين شتموني في المهرجاناتِ
والمراحيضِ
والصحفِ
أولئك الذين لاحقوني بتقاريرهم السريةِ
من حانةٍ إلى قصيدةٍ
ومن وطنٍ إلى منفى
أولئك(69/209)
كمْ أرثي لهم الآن
حياتَهم الخاويةَ
إلى حدِّ أنهم لمْ يتركوا منها شيئاً
سواي
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عقدة
عقدة
رقم القصيدة : 63881
-----------------------------------
الفاشيون
والشعراء المخصيون
يقفون..
على طرفي حبلٍ،
معقودٍ
في عنقي
و...
يشدون
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عابر
عابر
رقم القصيدة : 63882
-----------------------------------
لمْ يفتحْ نافذةً في بيتْ
أو يزرع ورداً في راحةِ ليتْ
أو يطربه نايٌ أو بيتْ
مرَّ بهذي الدنيا ظلاً
لا تعرفه حياً أو ميْتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أفكار زائدة
أفكار زائدة
رقم القصيدة : 63883
-----------------------------------
أدخلُ دورةَ المياهِ
مفكراً بدورةِ الحياةِ
أسحبُ سيفونها
فتنجرفُ الأفكارُ الفاسدةُ
وأخرجُ طليقاً
كأنَّ رؤوسنا هي أيضاً
بحاجةٍ إلى دورةِ مياهْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ساعي بريد
ساعي بريد
رقم القصيدة : 63884
-----------------------------------
لنْ يطرقَ بابَكَ ثانيةً
فإلامَ ستجلسُ منتظراً
في الدارْ
توهمكَ
الصدفةُ
بالتكرارْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ألفة
ألفة
رقم القصيدة : 63885
-----------------------------------
منكباً في ورشتِهِ
يصنعُ هذا النجّارُ الكهلُ
توابيتاً للناسْ
ينسى التفكيرَ بموته
الألفةُ تفقدهُ الإحساسْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عربات
عربات
رقم القصيدة : 63886
-----------------------------------
بعد قليلٍ ....
أمرُّ
أدفعُ الحياةَ أمامي كعربةٍ فارغةٍ
وأهتفُ: أيها العابرون
احذروا
أن تصطدموا بأحلامي
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سيرة
سيرة
رقم القصيدة : 63887
-----------------------------------
من امرأةٍ إلى امرأةٍ
ومن رصيفٍ إلى آخر
أمشي
قاطعاً حياتي
سيراً على الأحلام
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حنو
حنو(69/210)
رقم القصيدة : 63888
-----------------------------------
أنحني كالقوسِ على نفسي
ولا أنطلقُ
أشياءٌ مريرةٌ تشدني إلى الأرض
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> نواعير
نواعير
رقم القصيدة : 63889
-----------------------------------
وإلامَ
تظلُّ تدورْ
وتدورْ
يا عبدَ اللهِ المغمورْ
كحصانِ الناعورْ
تسقي أرضاً
لمْ تنبتْ لكَ غيرَ البورْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قنينة
قنينة
رقم القصيدة : 63890
-----------------------------------
جالساً قبالتي يعبُّ الكؤوس..
واحدةً تلو الأخرى
حتى طفحتْ أعماقُهُ وسالَ
فهرعَ الندلُ يمسحونهُ بتذمرٍ
عن الطاولةِ والممراتِ والجالسين...
هل كان رجلاً
أم قنينة خمر؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بوصلة
بوصلة
رقم القصيدة : 63891
-----------------------------------
الربانُ المترددْ
بين السطحِ وبين القاعْ
يحسبُ كلَّ رياحِ العالمِ
غيرَ مواتيةٍ للإقلاعْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مثل شعبي
مثل شعبي
رقم القصيدة : 63892
-----------------------------------
عشرةُ أشخاصٍ
في الدار
يفسّونْ
فلمنْ أنتَ تبخّرُ
يا مجنونْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غبار
غبار
رقم القصيدة : 63893
-----------------------------------
بلا أجنحةٍ
يطيرُ الغبارُ ساخراً
من آلافِ الأشياءِ التي تركها على الأرض
*
مهما أثاروكَ أيها الغبارُ
ستهبطُ إلى القاعِ،
حتماً....
بأسرعِ مما علوتَ
*
ما انشدادهُ للأرضِ
هل للغبارِ وطن !!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تكوينات
تكوينات
رقم القصيدة : 63894
-----------------------------------
(1)
لا تقطفِ الوردةَ
انظرْ...
كمْ هي مزهوة بحياتها القصيرة
*
(2)
في بالِ النمرِ
فرائس كثيرة
خارجَ قضبانِ قفصهِ
يقتنصها بلعابِهِ
*
(3)
في الروحِ المذبوحِ
رقصٌ كثيرٌ
غيرَ أنَّ مدارَ الجسدِ لا يتسع
*
(4)
ما الذي يعنيني الآن
أيها الرماد(69/211)
انكَ كنت جمراً
*
(5)
كمْ نلعنكِ
أيتها الأخطاء
عندما لمْ تَعُدْ لكِ من ضرورةٍ
*
(6)
كلما ارتفعتْ منائرهم
خَفَتَ صوتُ الجائع
*
(7)
الجزرُ
عثراتُ البحرِ
راكضاً باتجاهِ الشواطيء
هكذا تلمعُ خساراته من بعيد
*
(8)
باستثناءِ شفتيكِ
لا أعرفُ
كيفَ أقطفُ الوردةَ
*
(9)
أصلُ أو لا أصلُ
ما الفرق
حين لا أجدكِ
*
(10)
تمارسُ المضاجعةَ
كما لو أنها تحفظها عن ظهرِ قلبٍ
*
(11)
لمْ تعدْ في يدي
أصابع للتلويحِ
لكثرةِ ما عضضتها من الندم
*
(12)
هل تتذكرنا المرايا
حين نغيبُ عنها
*
(13)
سأقطفُ الوردةَ
سأقطفها
لكنْ لمنْ سأهديها
في هذا الغسقِ
من وحدتي
*
(14)
لا أحد ينظرُ إلى أحدٍ
الكلُّ ينظرون إلى بعضهم
*
(15)
لولمْ يكنْ لجمالكِ مشجب
أينَ
نعلّقُ أخطاءَنا..؟
*
(16)
جمالها الذي عاشتهُ بإفراط
انفرطَ من بين أناملها
دون أن تتمكن
من الانحناء
لالتقاطِ ما تبقّى من حياتها
*
(17)
إنها لعنة الجسدْ
أنَّ ينامَ وحيداً على الجمرِ
مكتفياً بأصابعِهِ
عن نساءٍ يراودن أحلامَهُ
لا يخلّفنَ غيرَ الزبدْ
*
(18)
وأنتِ تمرينَ بخدكِ المشمشي
كمْ من الشفاهِ تلمظتْ بكِ
في الطريقِ إلي
*
(19)
بإبرتهِ المائيةِ
يخيطُ المطرُ
قميصَ الحقول
*
(20)
ماذا تفعلُ ظلالنا
في حضرةِ الضوء
*
(21)
هكذا نجلسُ
متقابلين
أصابعنا متشابكة
وقلوبنا تهيئ حقائبها للسفر
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> نصوص رأس السنة
نصوص رأس السنة
رقم القصيدة : 63895
-----------------------------------
(1)
يسقطُ الثلجُ
على قلبي
في شوارعِ رأسِ السنةِ
وأنا وحدي
محاط بكلِّ الذين غابوا
*
(2)
كلَّ عامٍ
الأذرعُ تتعانقُ
وأنا أحدّقُ
عبرَ نافذةِ المنفى
إلى وطني
كعصفورٍ يرمي نظرتَهُ الشريدةَ
إلى الربيعِ
من وراءِ قضبانِ قفصِهِ
*
(3)
كلَّ عامٍ
يقفُ بابا نوئيل
على بابِ الوطنِ
ويدقُّ
يدقُّ
لا أحد
الآباءُ بكّروا إلى مساطرِ الحرب
الأمهاتُ هرمنَ في القدورِ الفارغةِ(69/212)
الجنرالاتُ ذهبوا إلى الإذاعةِ
يلقون الخطبَ والتهنئات
والأطفالُ يئسوا
فناموا قرب براميلِ القمامةِ
يحلمون بهدايا
تليقُ بطفولاتهم المؤجلة
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بيادق
بيادق
رقم القصيدة : 63896
-----------------------------------
بيدقني السلطانْ
جندياً في حربٍ لا أفقهها
لأدافعَ عن رقعةِ شطرنجٍ - لا أدري -
أم وطنٍ أمْ حلبةْ
ولهذا أعلنتُ العصيانْ
لكنَّ الجندَ الخصيانْ
قادوني معصوبَ العينين إلى الخشبةْ
وأداروا نحوي فوْهاتِ بنادقهم
فصرختُ: قفوا
ستُجرّونَ على هذي الرقعة،
كبشاً كبشاً
كي تعلو - فوق سلالمِ أشلائِكمُ - التيجانْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> إلى..
إلى..
رقم القصيدة : 63897
-----------------------------------
الذي كان لي صاحباً قبل أن نفترقْ
في شجون القصيدةْ
والذي ظلَّ في الظلِّ منكمشاً
خوف ضوء النهارِ ونأي الطرقْ
ومضيتُ إلى الشمسِ
ما همّني أحترقْ
أو أهيم بسْحبِ الأماني البعيدةْ
الذي كان لي صاحباً..
لم يعدْ همُّهُ
غير أن يتعقبني في الدروب كظلِّي
ويشتمني في الجريدةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سيرة ذاتية لكاتم صوت
سيرة ذاتية لكاتم صوت
رقم القصيدة : 63898
-----------------------------------
(1)
لماذا يلمعني هذا السيد الأنيق
كل صباح
وهو يمضي إلى مهمته الغامضة
*
(2)
وراءَ زجاجِ احدى المكتبات
ظلَّ صاحبي يختلسُ النظراتِ إلى وجهِ رجلٍ
كان يقلّبُ كتاباً
حين وقعتْ عيناهُ - على مؤخرةِ بنطلونِ صاحبي - ارتبكَ
هل خافني الرجلُ؟
سألتُ صاحبي، فلكزني بحذرٍ
أن أسكتَ
لكن الرجلَ الذي التفتَ فجأةً إلي ورآني
اصفّرَ وجهُهُ
تركَ الكتابَ
وانسلَّ مسرعاً بين الزحامِ
تاركاً صاحبي
يبحثُ عنه بغضبٍ
*
(3)
كيف يعرف - سيدي - يا تُرى
ضحيته
وسط هذا الحشد من الأعناق
*
(4)
ذات مساء
وبينما كان المطرُ ينهمرُ
في شوارعِ المدينةِ
أخرجني من دفءِ جيبهِ
حركني ببرودِ أعصابٍ(69/213)
ووجهني إلى ظهرِ رجلٍ
كان منحنياً لالتقاطِ شيءٍ لمْ أرْهُ
إذ تكوّمَ الرجلُ فوقه فجأةً
بينما اتسعتْ خطواتُ صاحبي
*
(5)
بعد سنواتٍ من عملي
أصبتُ بمرضٍ عضال
فأخذني صاحبي إلى دكانِ رجلٍ ملطخٍ بالزيتِ
نظرَ لي طويلاً
ثم قطّبَ شفتيه بأسفٍ
متمتماً بأنني لم أعدْ أصلحُ لشيءٍ
تركني صاحبي بلا رفةِ قلبٍ أو مبالاةٍ
دون أن يدري أنهم سيرمونه مثلي ذاتَ يومٍ
*
(6)
بين كومةٍ من عظام وأشلاء حديدية
التفتُ بحذرٍ
رأيتُ حولي عشراتٍ من زملاء المهنة
بهيئاتٍ وحشرجات مختلفة
تبادلنا أطرافَ الأحاديثِ قبلَ أنْ ننامَ
عن جولاتِنا الليليةِ
عن العيونِ التي أطفأنا فيها البصيصَ
عن الأعناقِ التي كنا نراها مزهوةً
ونعجبُ
كيف ترتجفُ أمامنا فجأةً
وتتلوى كسنابل في الريحِ،
بينما كنا نضحكُ
عن تلك الحياة الشاسعة التي.....
لم تكن تعني لنا سوى ضغطةِ زناد
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الإله المهيب
الإله المهيب
رقم القصيدة : 63899
-----------------------------------
هالتهُ كثرةُ الشكاوى التي ضَجرَ الملائكةُ من إيصالها
والدموع التي لا تصلُ صندوقَ بريدِهِ إلا ذابلةً أو متسخةً
والشتائم التي تُكال له يومياً بسببٍ أو دونه
أرادَ أن يعرفَ ما يجري في بلادِنا
فتنكَّرَ بملابسِ قرويٍّ
ونزلَ من سمائِهِ البهيةِ
متجولاً في شوارعِ المدينةِ
وبينما هو ينظرُ مشدوهاً
إلى صورِ السيد الرئيسِ تملأُ الحيطانَ والهواءَ وشاشاتِ التلفزيونِ.
مرقَ موكبُهُ المهيبُ، مجلجلاً
- بين جوقةِ المصفقين واللافتاتِ والحرس-
فتعالى الهتافُ من فمِ الرصيفِ المندلقِ
ورقصتِ البناياتُ والشجرُ والناسُ والغيومُ
فلكزَهُ أحدهم هامساً بذعر:
صفّقْ أيها المغفّل،
وإلا جرجركَ حراسُهُ الغلاظ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أنا وهولاكو
أنا وهولاكو
رقم القصيدة : 63900
-----------------------------------
قادني الحراسُ إلى هولاكو
كان متربعاً على عرشِهِ الضخمِ(69/214)
وبين يديهِ حشدٌ من الوزراءِ والشعراءِ والجواري
سألني لماذا لمْ تمدحني
ارتجفتُ مرتبكاً هلعاً: يا سيدي أنا شاعرُ قصيدةِ نثر
أبتسمَ واثقاً مهيباً:
لا يهمكَ ذلك..
ثم أشارَ لسيافِهِ الأسودِ ضاحكاً:
علمْهُ إذاً كيف يكتبُ شعراً عمودياً بشطرِ رأسِهِ
إلى شطرٍ وعجزٍ
وإياكَ أن تخلَّ بالوزنِ
وإياكَ من الزحافِ والعللِ
امسكني السيافُ من ياقتي المرتجفةِ،
وهوى بسيفِهِ الضخمِ
على عنقي
فتدحرجَ رأسي،
واصطدم بالنافذةِ التي انفتحتْ من هولِ الصدمةِ.
فاستيقظتُ هلعاً يابس الحلق، لأرى عنقي مبللاً بالعرق، وكتابَ الطبري ما زالَ جاثماً على صدري، وقد اندعكت أوراقه تحت سنابكِ خيولِ هولاكو التي كانت تنهب الممالك والقلاع، وأمامي وشيشُ التلفزيونِ الذي انتهى بَثُّهُ بنهايةِ خطابِ الرئيسِ الطويلِ
قفزتُ مرعوباً
رأيت فراشي ملطخاً بدمِ الكتبِ التي جرفها نهرُ دجلة، ممتزجاً بالطمي والجهشات
حاولتُ أن أجمعَ شطري رأسي اللذَين التصقا بجانبي التلفزيون
وأصبحا أشبه بسماعتين يبثُّانِ الوشيشَ نفسَهَ.
في الصباحِ.......
على غيرِ العادةِ ،لم اقرأ نعيي في الجريدةِ ،
ولمْ تقفْ سيارةُ الحرسِ أمامَ البيتِ وعليها جنازتي
ولمْ أعرفْ تفاصيلَ ما حدثَ
ذلك لأنَّ هولاكو ضجرَ من الوشيشِ
فقامَ بنفسِهِ وأطفأَ التلفزيونَ
وعادَ إلى كتابِ الطبريِّ ثانيةً،
مبتسماً واثقاً مهيباً ،
بعد أن رفسني بخصيتي
لأنني نمتُ
قبل أن أكملَ بقيةَ سيرتِهِ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الظلُّ الثاني
الظلُّ الثاني
رقم القصيدة : 63901
-----------------------------------
وقفتُ أمام البنايةِ
مرتبكاً
يتعقبني ظلُّه من وراء الجريدةِ
لفَّ معي الطرقاتِ
وقاسمني مطعماً في ضواحي المدينةِ
والباصَ
والمكتباتِ اللصيقةَ
حتى انتهينا إلى دورةٍ للمياهِ
وقاسمتهُ هلعي في القصيدةِ، منكمشاً
أتحسسُّ طياتها من خلالِ التصاقِ القميصِ بنبضي الذي يتسارعُ
والعجلات التي تتسارعُ(69/215)
والقبلات التي تتسارعُ خلف الغصون
تحسسَ - حين استدارَ - انتفاخَ مؤخرةِ البنطلونِ
فأبصرتُ فوهةً تترصدني......
.........
ولم نفترقْ
قاطعتنا الشوارعُ
لم نفترقْ
قاطعتنا أغاني المقاهي التي سيحطُّ الذبابُ على لحنها ويطيرُ إلى الشاي، سيدةٌ بالثيابِ القصيرةِ تهبطُ من سلّمِ الباصِ تقرصها النظراتُ المريبةُ من فخذيها.. فتجفلُ، موجُ الزحامِ الذي يتلاطمُ فوق ضفافِ المحلاتِ منحسراً أخرَ الشهرِ نحو البيوتِ التي ستجففُ أيامَ
النوافيرُ...
ساحةُ بيروت...
لمْ نفترقْ...
.........
دلفتُ إلى البارِ
كان ورائي
يمد مخالبَهَ في ظلالي وكانَ الوطنْ
على بعدِ منفى وكوبٍ من الشاي
يقرأُ في صحفِ اليوم آخرَ أخبارِهِ
نافثاً في الزجاجِ المضبّبِ دخانَ سيجارةِ اللفِّ
يبصقُ..
[ .. حين أصافحهُ، سيمدُّ يداً بترتها الشظايا، يشيرُ... (لصورةِ جلادهِ ساخراً تتربعُ أعلى الجريدةِ مزدانةً بالنياشينِ ـ كمْ نفختهُ الجرائدُ ـ يتبعهُ الدبقُ، الحشدُ والكامراتُ) .. أشيرُ إلى المطرِ المتساقطِ من غيمِ أجفانِهِ وهو يرنو لجوعِ شوارعهِ والعماراتِ
تمصُّ دماه وتعلو...]
.. يرى الحافلاتِ التي تتدافعُ
والخطوات التي تتـ....
.. إلى أين يلهثُ هذا القطيعُ ؟
احتسيتُ ـ على قلقٍ ـ نصفَ كوبي
فبادلني النظراتِ
التفتُّ
رأيت الذي كان يرقبني
قابعاً خلف نظارتيهِ وظهري
يقرّبُ أذنيهِ من طرفِ الطاولةْ
نحنُ لمْ نتبادلْ سوى جملٍ نصف مبتورةٍ
فماذا يسجّلُ فأرُ الحكومةِ في أذنِ صاحبِهِ
ويُهيّيءُ- خلفَ التقاريرِ والمعطفِ الجلدِ - طلقتَهَ القاتلةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> لوليو
لوليو
رقم القصيدة : 63902
-----------------------------------
أسرّحُ طرفي
السماءُ التي أثلجتْ
لوّحتْ لي، وغامتْ وراءَ الصنوبرِ
مالي وهذا الصنوبرُ مُدّثرٌ بالعصافيرِ والقبلاتِ السريعةِ
مالي وتلك البناتُ يدخّن أسرارَهن وراءَ النوافذِ(69/216)
مالي وهذي البلادُ التي لمْ يعكرْ فضاءاتها مدفعٌ منذ قرنين
مالي
وهذي السماءُ التي أثلجتْ
أو ستصحو ...
................
...........
مالي
ولا أرض لي
غير هذي الخطى
لكأنَّ الحنين يقصّرها أو يسارعها
وأنا أتشاغلُ بالواجهاتِ المضيئةِ
عما يشاغلني
.........
أقول لقلبي إلى أين؟
هم خربوا وطني
وتباكوا علي
المفارز عند الحدودِ البعيدةِ
ترنو لوجهي المشطّبِ بالسرفاتِ
تدققُ منذ الصباحِ باسمي وتقذفني
لكأن بلادي ممهورة بالدموع التي تتساقط سهواً
لكأن المخافر تفترُّ بي
لكأني وحيد بزنزانتي آخرَ البار
أكرعُ ما ظلَّ لي جرعةً واحدة
وأغيبُ...
رويداً، رويداً
...........
.....
ليس لي غير هذي الثلوج تظلّلُ نافذتي والشجرْ
كلما سألتني الفتاةُ اللصيقةُ عن وجهتي
اشتبكَ الغيمُ فوق مدامعنا وأنهمرْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> يوليسيس
يوليسيس
رقم القصيدة : 63903
-----------------------------------
على جسرِ مالمو
رأيتُ الفراتَ يمدُّ يديهِ
ويأخذني
قلتُ أينَ
ولمْ أكملِ الحلمَ
حتى رأيتُ جيوشَ أمية
من كلِ صوبٍ تطوقني
وداعاً لنافذةٍ في بلادِ الخراب
وداعاً لسعفٍ تجردُهُ الطائراتُ من الخضرةِ الداكنةْ
وداعاً لتنورِ أمي
وداعاً لتاريخنا المتآكلِ فوق الروازين
وداعاً لما سوفَ نتركهُ في اليدين
وداعاً
نغادرهُ الوطنَ المرَّ،
لكنْ إلى أين؟
كلُّ المنافي أمرّ ...
...........
النخيلُ الذي ظلّلتني طوالعُهُ
لمْ يعدْ منه غير بقايا تصاوير شاحبةٍ
ومصاطب فارغةٍ
وجذوع مشانق ترنو لأعناقنا الحالمةْ
والفراتُ الذي عمدتني مواجعُهُ
لمْ يزلْ سادراً بأنينِ القرى الهائمةْ
آه.. عوليس
ليتكَ لمْ تصلِ الآنَ
ليتَ الطريق إلى Malmo كانَ أبعدَ
أبعدَ
أبعدَ
أبعد
...............
.........
أيهذا الغريبُ الذي لمْ يجدْ لحظةً مبهجهْ
كيف تغدو المنافي سجوناً بلا أسيجةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> العبور إلى المنفى
العبور إلى المنفى(69/217)
رقم القصيدة : 63904
-----------------------------------
أنينُ القطارِ يثيرُ شجنَ الأنفاقْ
هادراً على سكةِ الذكرياتِ الطويلة
وأنا مسمّرٌ إلى النافذةِ
بنصفِ قلب
تاركاً نصفَهَ الآخرَ على الطاولة
يلعبُ البوكرَ مع فتاةٍ حسيرةِ الفخذين
تسألني بألمٍ وذهول
لماذا أصابعي متهرئة
كخشب التوابيت المستهلكة
وعجولة كأنها تخشى ألاّ تمسك شيئاً
فأحدّثها عن الوطن
واللافتات
والاستعمار
وأمجاد الأمة
والمضاجعاتِ الأولى في المراحيض
فتميلُ بشعرها النثيث على دموعي ولا تفهم
وفي الركنِ الآخرِ
ينثرُ موزارت توقيعاتِهِ على السهوبِ
المغطاة بالثلج...
وطني حزينٌ أكثر مما يجب
وأغنياتي جامحةٌ وشرسة وخجولة
سأتمددُ على أولِ رصيفٍ أراه في أوربا
رافعاً ساقيَّ أمام المارة
لأريهم فلقات المدارس والمعتقلات
التي أوصلتني إلى هنا
ليس ما أحمله في جيوبي جواز سفر
وإنما تأريخ قهر
حيث خمسون عاماً ونحن نجترُّ العلفَ
والخطابات....
.. وسجائر اللفِّ
حيث نقف أمام المشانق
نتطلعُ إلى جثثنا الملولحة
ونصفقُ للحكّام
.. خوفاً على ملفات أهلنا المحفوظةِ في أقبية الأمن
حيث الوطن
يبدأ من خطاب الرئيس
.. وينتهي بخطاب الرئيس
مروراً بشوارع الرئيس، وأغاني الرئيس، ومتاحف الرئيس، ومكارم الرئيس ، وأشجار الرئيس ، ومعامل الرئيس، وصحف الرئيس، وإسطبل الرئيس، وغيوم الرئيس، ومعسكرات الرئيس، وتماثيل الرئيس، وأفران الرئيس، وأنواط الرئيس، ومحظيات الرئيس، ومدارس الرئيس، ومزارع الرئيس، وطقس
ستحدّق طويلاً
في عينيّ المبتلتين بالمطر والبصاق
وتسألني من أي بلادٍ أنا...
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أوراق من سيرة تأبط منفى
أوراق من سيرة تأبط منفى
رقم القصيدة : 63905
-----------------------------------
(1)
أتسكعُ تحتَ أضواءِ المصابيحِ
وفي جيوبي عناوين مبللةٌ
حانةٌ تطردني إلى حانةٍ
وامرأةٌ تشهيني بأخرى
أعضُّ النهودَ الطازجةَ
أعضُّ الكتبَ
أعضُّ الشوارعَ(69/218)
هذا الفمُ لا بدَّ أن يلتهمَ شيئاً
هذه الشفاه لا بدَّ أن تنطبقَ على كأسٍ
أو ثغرٍ
أو حجر
لمْ يجوعني الله ولا الحقولُ
بل جوعتني الشعاراتُ
والمناجلُ التي سبقتني إلى السنابلِ
أخرجُ من ضوضائي إلى ضوضاءِ الأرصفةِ
أنا ضجرٌ بما يكفي لأن أرمي حياتي
لأيةِ عابرةِ سبيلٍ
وأمضي طليقاً
ضجراً من الذكرياتِ والأصدقاءِ والكآبةِ
ضجراً أو يائساً
كباخرةٍ مثقوبةٍ على الجرفِ
لا تستطيعُ الإقلاعَ أو الغرق
تشرين ثاني 1993 عدن
*
(2)
كتبي تحتَ رأسي
ويدي على مقبضِ الحقيبةِ
السهول التي حلمنا بها لمْ تمنحنا سوى الوحولِ
والكتب التي سطرناها لمْ تمنحنا سوى الفاقةِ والسياطِ
أقدامي امحتْ من التسكعِ على أرصفةِ الورقِ
وأغنياتي تكسّرتْ مع أقداحِ الباراتِ
ودموعي معلّقةٌ كالفوانيسِ على نوافذِ السجونِ الضيقةِ
أفردُ خيوطَ الحبرِ المتشابكةَ من كرةِ صوفِ رأسي
وأنثرها في الشوارعِ
سطراً سطراً،
حتى تنتهي أوراقي
وأنام
آذار 1996 دمشق
*
(3)
سأحزمُ حقائبي
ودموعي
وقصائدي
وأرحلُ عن هذه البلادِ
ولو زحفتُ بأسناني
لا تطلقوا الدموعَ ورائي ولا الزغاريدَ
أريد أن أذهبَ
دون أن أرى من نوافذِ السفنِ والقطاراتِ
مناديلكم الملوحةَ.
أستروحُ الهواءَ في الأنفاقِ
منكسراً أمامَ مرايا المحلاتِ
كبطاقاتِ البريدِ التي لا تذهبُ لأحدٍ
لنحمل قبورنَا وأطفالنَا
لنحمل تأوهاتِنا وأحلامنَا ونمضي
قبل أن يسرقَوها
ويبيعوها لنا في الوطنِ: حقولاً من لافتاتٍ
وفي المنافي: وطناً بالتقسيط
هذه الأرضُ
لمْ تعدْ تصلحُ لشيءٍ
هذه الأرضُ
كلما طفحتْ فيها مجاري الدمِ والنفطِ
طفحَ الانتهازيون
أرضنا التي نتقيَّأُها في الحانات
ونتركها كاللذاتِ الخاسرةِ
على أسرةِ القحابِ
أرضنا التي ينتزعونها منا
كالجلودِ والاعترافاتِ
في غرفِ التحقيقِ
ويلصقونها على اكفنا، لتصفّقَ
أمامَ نوافذِ الحكامِ
أيةُ بلادٍ هذه
ومع ذلك
ما أن نرحلَ عنها بضعَ خطواتٍ
حتى نتكسرَ من الحنين(69/219)
على أولِ رصيفِ منفى يصادفنا
ونهرعُ إلى صناديقِ البريدِ
نحضنها ونبكي
كانون ثاني 1996 الخرطوم
*
(4)
حياتنا التي تشبه الضراط المتقطع في مرحاض عام
حياتنا التي لمْ يؤرخها أحد
حياتنا ناياتنا المبحوحةُ في الريحِ
أو نشيجنا في العلبِ
حياتنا المستهلكةُ في الأضابير
والمشرورةُ فوق حبالِ غسيلِ الحروبِ
ترى أين أوَّلي بها الآن
حين تستيقظُ فجأةً
في آخرةِ الليلِ
وتظلُّ تعوي في شوارعِ العالم
15/7/1999 ليلاً - قناة دوفر Dover بحر المانش
*
(5)
أضعُ يدي على خريطةِ العالمِ
وأحلمُ بالشوارعِ التي سأجوبها بقدمي الحافيتين
والخصورِ التي سأطوقها بذراعي في الحدائقِ العامةِ
والمكتباتِ التي سأستعيرُ منها الكتبَ ولن أعيدها
والمخبرين الذين سأراوغهم من شارعٍ إلى شارعٍ
منتشياً بالمطرِ والكركراتِ
حتى أراهم فجأةً أمامي
فأرفع إصبعي عن الخارطة خائفاً
وأنامُ ممتلئاً بالقهر
16/7/1999 حديقة الهايدبارك - لندن
*
(6)
سأقذفُ جواربي إلى السماءِ
تضامناً مع مَنْ لا يملكون الأحذيةَ
وأمشي حافياً
ألامسُ وحولَ الشوارعِ بباطنِ قدمي
محدقاً في وجوهِ المتخمين وراءَ زجاجِ مكاتبهم
آه..
لو كانتِ الأمعاءُ البشريةُ من زجاجٍ
لرأينا كمْ سرقوا من رغيفنا
أيها الربُّ
إذا لمْ تستطعْ أن تملأَ هذه المعدةَ الجرباءَ
التي تصفرُ فيها الريحُ والديدانُ
فلماذا خلقتَ لي هذه الأضراسَ النهمة
وإذا لمْ تبرعمْ على سريري جسداً املوداً
فلماذا خلقتَ لي ذراعين من كبريت
وإذا لمْ تمنحني وطناً آمناً
فلماذا خلقتَ لي هذه الأقدامَ الجوّابةَ
وإذا كنتَ ضجراً من شكواي
فلماذا خلقتَ لي هذا الفمَ المندلقَ بالصراخِ
ليلَ نهار
آب 1999 براغ
*
(7)
أين يداكَ؟
نسيتهما يلوحان للقطاراتِ الراحلةِ
أين امرأتكَ؟
اختلفنا في أولِ متجرٍ دخلناهُ
أين وطنكَ؟
ابتلعتهُ المجنزرات
أين سماؤكَ؟
لا أراها لكثرةِ الدخانِ واللافتاتِ
أين حريتكَ؟
أنني لا أستطيعُ النطقَ بها من كثرةِ الارتجاف(69/220)
1996 مقهى الفينيق - عمان
*
(8)
دموعي سوداء
من فرطِ ما شربتْ عيوني
من المحابرِ والزنازين
خطواتي قصيرة
من طولِ ما تعثرتْ بين السطورِ بأسلاكِ الرقيب
أمدُّ برأسي من الكتاب
وأتطلعُ إلى ما خلفتُ ورائي
من شوارع مزدحمةٍ
ونهودٍ متأوهةٍ
ورغباتٍ مورقةٍ في الأسرّةِ
وأعجبُ كيف مرّتِ السنواتُ
وأنا مشدودٌ بخيوطِ الكلماتِ إلى ورقة
تموز 1993 مهرجان جرش- عمان
*
(9)
لا شمعة في يدي ولا حنين
فكيف أرسمُ قلبي
لا سنبلة أمامَ فمي فكيفَ أصفُ رائحةَ الشبعِ
لا عطور في سريري فكيف أستدلُّ على جسد المرأة
لنستمع إلى غناءِ الملاحين
قبل أن يقلعوا بأحلامهم إلى عرضِ البحرِ وينسونا
لنستمع إلى حوارِ الأجسادِ
قبل أن ينطفئَ لهاثها على الأرائك
أنا القيثارةُ مَنْ يعزفني
أنا الدموعُ مَنْ يبكيني
أنا الكلماتُ مَنْ .. يرددني
أنا الثورةُ مَنْ يشعلني
تشرين ثاني1993 صنعاء
*
(10)
أكتبُ ويدي على النافذة
تمسحُ الدموعَ عن وجنةِ السماء
أكتبُ وقلبي في الحقيبةِ يصغي لصفيرِ القطارات
أكتبُ وأصابعي مشتتة على مناضدِ المقاهي ورفوفِ المكتبات
أكتبُ وعنقي مشدودٌ منذ بدءِ التاريخِ
إلى حبلِ مشنقةٍ
أكتبُ وأنا أحملُ ممحاتي دائماً
لأقلِّ طرقةِ بابٍ
وأضحكُ على نفسي بمرارةٍ
حين لا أجد أحداً
سوى الريح
1991 بغداد
*
(11)
كيف لي
أن أتخلّصَ من مخاوفي
رباه
وعيوني مسمرةٌ إلى بساطيلِ الشرطةِ
لا إلى السماءِ
وبطاقتي الشخصية معي
وأنا في سريرِ النومِ
خشيةَ أنْ يوقفني مخبرٌ في الأحلام
24/7/1999 امستردام
*
(12)
تحتَ سلالمِ أيامي المتآكلةِ
أجلسُ أمام دواتي اليابسةِ
أخططُ لمجرى قصيدتي أو حياتي
ثم أديرُ وجهي باتجاهِ الشوارع
ناسياً كلَّ شيءٍ
أريدُ أن أهرعَ لأولِ عمودٍ أعانقهُ وأبكي
أريدُ أن أتسكعَ تحتَ السحب العابرة
حتى تغسل آثارَ دموعي
أريد أن أغفو على أيِّ حجرٍ أو مصطبةٍ أو كتاب
دونَ أن يدققَ في وجهي مخبرٌ
أو متطفلةٌ عابرةٌ
أعطوني شيئاً من الحريةِ(69/221)
لأغمس أصابعي فيها
وألحسها كطفلٍ جائعٍ
أنا شاعرٌ جوّاب
يدي في جيوبي
ووسادتي الأرصفة
وطني القصيدة
ودموعي تفهرسُ التأريخَ
أشبخُ السنواتِ والطرقاتِ
بعجالة مَنْ أضاعَ نصفَ عمرِهِ
في خنادقِ الحروبِ الخاسرةِ والزنازين
مَنْ يغطيني من البردِ واللهاثِ ولسعاتِ العيون
وحيداً، أبتلعُ الضجرَ والوشلَ من الكؤوسِ المنسيّةِ على الطاولاتِ
وأحتكُّ بأردافِ الفتياتِ الممتلئةِ في مواقفِ الباصاتِ
لي المقاعدُ الفارغةُ
والسفنُ التي لا ينتظرها أحد
لا خبز لي ولا وطن ولا مزاج
وفي الليل
أخلعُ أصابعي
وأدفنها تحتَ وسادتي
خشيةَ أن أقطعها بأسناني
واحدةً بعدَ واحدة
من الجوعِ
أو الندمِ
تشرين أول1996 بيروت
*
(13)
أيها القلبُ الضال
يا مَنْ خرجتَ حافياً ذاتَ يومٍ
مع المطرِ والسياطِ وأوراقِ الخريفِ
ولمْ تعدْ لي
سأبحثُ عنكَ
في حقائبِ الفتياتِ اللامعةِ والمواخيرِ ومحطاتِ القطاراتِ
حافياً أمرُّ في طرقاتِ طفولتي
وعلى فمي تتراكمُ دموعُ الكتب والغبار
أجمعُ بقايا الصحفِ والغيوم الحزينة وصور الممثلات العارية
وأدلقُ وشلَ القناني الفارغةِ في جوفي
أجمعُ أعقابَ السجائر المطلية بالأحمر
وأظلُّ أحلمُ بما تركتهُ الشفاهُ الأنيقةُ من زفراتٍ
القصائدُ تتعفنُ في جيوبي
ولا أجد مَنْ ينشرها
الدموعُ تتيبسُ على شفتي
ولا أجد مَنْ يمسحها
راكلاً حياتي بقدمي من شارعٍ إلى شارعٍ
مثلما يركلُ الطفلُ كرتَهُ الصغيرةَ ضجراً منها
وأنا...
أتأملُ وجهي في المرايا المتعاكسة
وأعجبُ
كيف هرمتُ
بهذه العجالة
7/1/2000 أوسلو
*
(14)
سأجلسُ على بابِ الوطنِ محدودبَ الظهرِ
كأغنيةٍ حزينةٍ تنبعثُ من حقلٍ فارغٍ
يغطيني الثلجُ وأوراقُ الشجرِ اليابسة
أنظرُ إلى أسرابِ العائدين من منافيهم كالطيورِ المتعبةِ
أمسحُ عن أجفانهم الثلوجَ والغربةَ
إنهم يعودون...
لكن مَنْ يعيد لهم ما ضيعوهُ
من رملٍ وأحلامٍ وسنوات
أقلعتُ في أولِ قطارٍ إلى المنفى
وأنا أفكرُ بالعودة(69/222)
شاختْ سكةُ الحديدِ
وتهرأتِ العجلاتُ
وامحتْ ثيابي من الغسيلِ
وأنا ما زلتُ مسافراً في الريحِ
أتطايرُ بحنيني في قاراتِ العالم
مثل أوراقِ الرسائلِ الممزقةِ
دموعي مكسّرةٌ في الباراتِ
وأصابعي ضائعةٌ على مناضدِ المقاهي
تكتبُ رسائلَ الحنينِ
لأصدقائي الذين لا أملكُ عناوينهم
أنامُ على سطوحِ الشاحناتِ
وعيوني المغرورقةُ باتجاهِ الوطنِ البعيد
كطائرٍ لا يدري على أيِّ غصنٍ يحطُّ
لكنني دون أن أتطلعَ من نافذةِ القطارِ العابرِ سهوب وطني
أعرفُ ما يمرُّ بي
من أنهارٍ
وزنازين
ونخيلٍ
وقرى. أحفظها عن ظهرِ قلب
سأرتمي، في أحضانِ أولِ كومةِ عشبٍ تلوحُ لي من حقولِ بلادي
وأمرّغُ فمي بأوحالها وتوتها وشعاراتها الكاذبةِ
لكنني
لن أطرقَ البابَ يا أمي
إنهم وراء الجدران ينتظرونني بنصالهم اللامعة
لا تنتظري رسائلي
إنهم يفتشون بين الفوارز والنقاطِ عن كلِّ كلمةٍ أو نأمةٍ
فاجلسي أمامَ النافذة
واصغي في الليلِ إلى الريح
ستسمعين نجوى روحي
1998 مالمو
*
(15)
خطوطُ يدي امحت من التشبّثِ بالريحِ والأسلاك
ومن العاداتِ السرّيةِ
مع نساء لا أعرفهن
التقطتهنَّ بسنّارةِ أحلامي من الشارع
وهذه الشروخ، التي ترينها ليستْ سطوراً
بل آثار المساطر التي انهالتْ على كفي
وهذه الندوب، عضات أصابعي
من الندم والغضب والارتجاف
فلا تبحثي عن طالعي في راحتي
- ياسيدتي العرافة -
ما دمتُ مرهوناً بهذا الشرقِ
فمستقبلي في راحات الحكام
20/3/1990 كورنيش النيل- القاهرة
*
(16)
لا أعرفُ متى سأسقطُ على رصيفِ قصائدي
مكوّماً بطلقةٍ
أو مثقوباً من الجوعِ
أو بطعنة صديق
يمرُّ الحكامُ والأحزابُ والعاهراتُ
ولا يد تعتُّ بياقتي وتنهضني من الركامِ
لا عنق يستديرُ نحوي
ليرى كيفَ يشخبُ دمي كساقيةٍ على الرصيفِ
لا مشيعين يحملونني متأففين إلى المقبرة
الأقدامُ تدوسني أو تعبرني
وتمضي
الفتياتُ يشحنَ بأنظارهن
وهن يمضغن سندويشاتهن ونكاتهن المدرسية البذيئة
ومئذنةُ الجامعِ الكبير(69/223)
تصاعدُ تسابيحها - ليلَ نهار -
دون أن تلتفت لجعيري
.......
لا أعرفُ على أيِّ رصيفِ منفى
ستسّاقطُ أقدامي ورموشي من الانتظار
لا أعرفُ أيَّ أظافرٍ نتنةٍ ستمتدُ إلى جيوبي
وتسلبني قصائدي
ومحبرتي وأحلامي
في وضحِ النهار
لا أعرفُ على أيِّ سريرِ فندقٍ أو مستشفى
سأستيقظ
لأجد وسادتي خاليةً...
ودموعي باردةً
ووطني بعيد
لا أعرفُ في أيِّ منعطفِ جملةٍ أو وردةٍ
سيسدد أحدهم طعنتَهُ المرتبكةَ العميقةَ
إلى ظهري
من أجلِ قصيدةٍ كتبتها ذاتَ يومٍ
أشتمُ فيها الطغاة والطراطير
ومع ذلك سأواصلُ طوافي وقهقهاتي وشتائمي
عابراً وليس لي غير الأرصفةِ والسعالِ الطويلِ
ليس لي غير الحبرِ والسلالمِ والأمطارِ
سائراً مثلَ جندي وحيدٍ
يجرُّ بين الأنقاضِ حياتَهُ الجريحةَ
لا أريدُ أوسمةً ولا طبولاً ولا جرائدَ
أريدُ أن أضعَ جبيني الساخنَ
على طينِ أنهارِ بلادي
وأموت حالماً كالأشجار
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> المحذوف من رسالة الغفران
المحذوف من رسالة الغفران
رقم القصيدة : 63906
-----------------------------------
مستلقياً على ظهري
أحدّقُ في السماءِ الزرقاء
وأحصي كمْ عددَ الزفراتِ التي تصعدُ إلى الله كلَّ يومٍ
وكم عددَ حبات المطر التي تتساقطُ من جفنيهِ
أديرُ قرصَ الهاتفِ
وأطلبهُ
تردُّ سكرتيرتهُ الجميلةُ
إنه مشغولٌ هذه الأيام
إلى أذنيهِ
بتقليبِ عرائضكم التي تهرأتْ من طولِ تململها في المخازن
يا سيدتي أريدُ رؤيتَهُ ولو لدقيقةٍ واحدةٍ
ما منْ مرة
طلبتهُ
وردَّ علي
أريدُ أن أسألَهُ قبلَ أنْ أودّعَ حياتي البائسة
وقبل أنْ يضعَ فواتيرَهُ الطويلةَ أمامي:
يا الهي العادل
أمن أجلِ تفاحةٍ واحدةٍ
خسرتُ جنانَكَ الواسعةَ
أمن أجلِ أن يسجدَ لي ملاكٌ واحدٌ
لم يبقَ شيءٌ في التاريخ إلا وركعتُ أمامه
..............
يا أبانا...
يا أبانا الرحيم
أعرف أنكَ لنْ تضحكَ على ذقوننا مثلهم
لكني مهانٌ ويائس(69/224)
أريدُ شبراً من هذه الأرضِ الواسعةِ أضعُ عليه رأسي ونعالي وأنام
أريد رغيفاً واحداً من ملايين السنابل التي تتمايس أمامي كخصورِ الراقصات
............
......
أجلسُ أمامَ بابِ مسجدِ الكوفة
أجلسُ أمامَ كنيسةِ لوند
أجلسُ أمامَ حائطِ المبكى
أجلسُ أمامَ معبدِ بوذا
ضاغطاً راحتي على ركبتي
وأحصي كمْ يصعدون، ظهورَنا المحدودبةَ كالسلالم
وكم ينزلون
ومع هذا
لا أحد يلتفتُ إلى دموعنا المنسابةِ كالمزاريب
أريدُ أن أصعدَ يوماً إلى ملكوته
لأرى..
إلى أين تذهبُ غيومُ حشرجاتنا
وهذه الأرض التي تدور
بمعاركنا وطبولنا وشتائمنا واستغاثاتنا
منذ ملايين السنين
ألمْ توقظْهُ من قيلولتِهِ الكونيةِ
ليطلَّ من شرفتِهِ
وينظر لنا
مَنْ يدري
ربما سئمَ من شكوانا
فأشاحَ بوجههِ الكريم
ونسينا إلى الأبد.
أحلمُ أن أركلَ الكرةَ الأرضيةَ بحذائي المثقوب
ولا أدعها تسقطُ
حتى أعيدها إليه
كي يجيبني
بعيداً عن جمهرةِ المفسرينِ والدراويش والوعّاظ:
إذا كنتَ وحدكَ مالكَ الغيب..
ولمْ تفشِ أسرارَكَ لأحدٍ
فكيف علمَ أبليس
بأني سأعيثُ في الأرضِ فساداً
.......
وإذ كنتَ حرمتني
من دمِ العنقودِ
فلماذا أبحتهُ لغيري
..........
وإذا كان الأشرارُ لمْ يصعدوا إلى سفينةِ نوح
وغرقوا في البحرِ
فكيفَ امتلأتِ الأرضُ بهم ثانيةً
.............
و "إذا السماء انشقّتْ ، وأذِنتْ لربها وحُقّتْ ، وإذا الأرضُ مُدّتْ ، وألقتْ ما فيها وتخلّتْ"..
فأين ستذهب لوحات فان كوخ،
وقصائد المتنبي،
ومسرحيات شكسبير،
ونهج البلاغة،
وسمفونيات موزارت
وما الذي سنجده في متاحفِ الجنة..
..............
وإذا كنتُ سأجدُ في فراديسك الواسعة
حبراً
وخمراً
وصفصافاً
فهل أستطيعُ نشرَ قصائدي
دونَ أن تمرَّ على رقيبٍ
.............
وإذا أنكحتني
عشرةَ آلافِ حورية عين....
فماذا ستترك لحبيبتي
و.....
و.........
.......
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أُقحوان
أُقحوان
رقم القصيدة : 63907(69/225)
-----------------------------------
أيها الأُقحوانُ البخيلُ
أيها الورقُ الكاذبُ ـ الجمرُ متقداً بين كفي
وعشبُ الحديقة أندى
فكيف أدلُّ القصيدةَ
ـ مشغوفةً بتقاطيعِ جسمكِ ـ
نحو المرايا، التي خدعتني
وكيف أقولُ لهذا القرنفلِ
أن يتسلّقَ شرفةَ خديكِ
... كي يتوهجَ أكثرَ
..................
.........
أيها الأقحوانُ البليلُ
أيها الحلمُ الأزرقُ ـ النهرُ غافٍ على شفتي
والزوارقُ نائمةٌ...
أسفلَ الجسر
مَنْ سيدلُّ النعاسَ لجفني إذنْ...؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> رحيل..
رحيل..
رقم القصيدة : 63908
-----------------------------------
طَرْقَتانِ على البابِ
طَرْقَتانِ على القلبِ
ينفتحُ البحرُ:
لا سفنٌ في دمي للرحيلِ
ولا وطنٌ للحنين
ولا ندمٌ يتفتّقُ....
من أيِّ نافذةٍ في مساء القصيدةِ،
يقتربُ العشبُ، محترساً،....
في الممرِّ المؤدي إلى مرجِ صدركِ
أصغي لنبضِ الغصونِ التي تتمايسُ.. أو تتلامسُ...
تحتَ قميصكِ
منبهراً بالفراشاتِ ـ غيمِ الكلامِ الملوّنِ ـ
وهي تغطّي المسافةَ، بين أحبكِ..
... والقبلاتِ التي انفرطتْ...
...............
ينحسرُ الموجُ عن رملِ قلبي
يغطّيه بالزبدِ ـ الذكرياتِ
أخيطُ الليالي شراعاً
فتثقبهُ الريحُ............
ـ مالكِ مسكونةً بالتعلّلِ...!؟
ـ مالكَ منكسراً بالرحيلِ...!؟
يباعدنا البحرُ
لا مطرٌ في الحديقةِ
لا وطنٌ في الحقيبةِ
لا ياسمين لكفّيكِ..
وحدكَ والموجُ - يا قلبُ - تنكسرانِ..
على الصخرِ
حيث المراكبُ مرهونةٌ بالغيابْ
...........
طَرْقَتانِ على البابِ
لا......
طَرْقَتانِ..
ثلاثٌ...
ثلاثون...
أنتِ تمضين مسرعةً دائماً
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> لوحة
لوحة
رقم القصيدة : 63909
-----------------------------------
.. إلى فضل خلف جبر
مَنْ أنتَ؟
طاولةٌ تتنقّلُ بين الداوئرِ
مملوءةً بالتواقيعِ
كانتْ خطاكَ سماءً
فمَنْ ضيّقَ الخطوَ..؟(69/226)
ها أنتَ - في أولِ الصبحِ - تصعدُ للرفِّ
في آخرِ الظهرِ - تهبطُ بين الأضابيرِ
نحو صهيلِ الشوارعِ..
منكفئاً
يتعقّبكَ الندمُ - الظلُّ
والدائنون الذين ينامونَ بين جفونِ القصيدةِ
والراتبِ المتآكلِ - كالعمرِ -
كان النهارُ اصطفاقَ النوارسِ في البحرِ
مَنْ علّقَ البحرَ
في لوحةٍ
خلفَ كرسيّهِ
واستدارَ يُسائلُ هذا الموظفَ - قلبي
الذي يتأخرُ عن موعدِ الحافلةْ
لأنَّ النوارسَ تصحبهُ - في الصباحِ -
.. إلى البحرِ
..................
.......
أيها القلبُ
يا صاحبي في الحماقاتِ
يا جرحَ عمري المديدْ
أنت بادلتني الحلمَ - بالوهمِ
ثم..
انحنيتَ..
ترتّقُ ظلّكَ في الطرقاتِ
أنتَ أوصلتني للخرابِ
وسمّيتهُ"..................."
ثم بيتاً...
فنافذةً نصفَ مفتوحةٍ
أنتَ ضيّعتني...
ثم ضعتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مطر.. لسيدة البنفسج
مطر.. لسيدة البنفسج
رقم القصيدة : 63910
-----------------------------------
صباحاً لثغركِ، هذا البنفسجُ، مختلجاً في مرايا دمي، زهرةً للنعاسِ. يرشُّ الندى حلمَهُ فوق أوراقِها الغافياتِ، فيعبقُ توقُ التويجِ على كمِّها الليلكيِّ المنقّطِ. قلتُ: صباحاً لأزرارِهِ تتفتحُ عن غابةِ الياسمينِ، صباحاً لها، للطفولةِ، للطفلِ خلفَ رباطِ الوظي
يرى - في الضبابِ - المقاعدَ، خاليةً...............
....................................
....................................
....................................
المرايا تكذّبني دائماً، كيفَ لمْ أنتبهْ لغيابكِ قربي. أرى - آخرَ الليلِ - في رغوةِ الكأسِ طيفَكِ, ينسابُ بين الرموشِ وطاولتي، أرقاً يتكاثفُ فوق الرفوفِ، قصائدَ من مطرٍ وظلالٍ. أمرُّ على واجهاتِ المدينةِ, تسألني بائعاتُ الزهورِ الصبياتُ عن لونِ ثغركِ كيما
تصرخُ مذعورةً، وتفرُّ إلى......
...........................
...........................
...........................(69/227)
المرايا تكذّبني، وتصدّقُ جسمكِ. كنتُ ألملمُ أحلامنَا عن رموشِ المصابيحِ في آخِر الليلِ، أنسجها شرشفاً لأمانيكِ في صالةِ القلبِ. كنتُ......!
المرايا تكذّبني وتصدّقُ جسمكِ. أصرخُ بين الموائدِ والأقحوانِ القتيل،ِ فيرتدُّ - كالذكرياتِ - الصدى المرُّ: كانتْ هنا في انتظاركَ, من أولِ الحربِ، وارتحلتْ في قطارِ الزواجِ العتيقِ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> وداعاً..
وداعاً..
رقم القصيدة : 63911
-----------------------------------
أقولُ: وداعاً
نهارَ القصيدةِ، تشطبُهُ الطائراتُ على لوحةِ الأفقِ
بيتي، الذي يرثُ الشعرَ والسلَّ
ذاكرتي، هذّبتها المعاولُ
أسماءَنا، في الجرائدِ تمسحُ فيها المنظّفةُ القرويةُ
نافذةَ الفندقِ الرثِّ
أقفاصنَا، تتوسّعُ، أو تتقلّصُ، حَسْبَ مزاجِ العصافير
........................
........................
أقول: وداعاً
وداعاً...
ويا زورقَ العمرِ، امخرْ عبابَ انتظاري
وفجَّ مياهَ التصبّرِ، كي تصلَ الجزرَ المستحليةَ..
... بين دمي ورحيلكِ - سيدتي-
وطنٌ لا يباعدنا أو يقرّبنا...
حلمٌ عالقٌ تحت أجفاننا...
زمنٌ...
ينتهي...
دائماً...
بخساراتنا
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مبتدأ..
مبتدأ..
رقم القصيدة : 63912
-----------------------------------
إلى الشاعر عبد الوهاب البياتي
هكذا..
تنتهي
المسألةْ
ملكٌ
يحملُ
المقصلةْ
............
............
............
............
هكذا
تبدأُ
المسألةْ
شاعرٌ
يرتقي
الجلجلةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بكائية لامريء القيس
بكائية لامريء القيس
رقم القصيدة : 63913
-----------------------------------
بكى صاحبي
لما رأى الوطنَ ـ القلبَ، تنهشُهُ الطائراتُ
تنقّرُ في نبضِهِ، قطعاً من ضلوعِ المنازلِ.. والشهداءِ
فأدركَ أنّا انتهينا إلى حجرٍ
سوفُ نحملُهُ ـ في المنافي ـ رصيفاً لأزهارنا الذابلةْ
يضيّقُ بين السطورِ وأحلامنِا(69/228)
وأنَّ الندوبَ التي خلّفتها الحروبُ على جلدِنا
سوفَ تطمسُها السافياتُ
صحتُ:
يا صاحبي
في الضياعِ الكبيرِ
أعنّي على غربتي
بين نفسي وبيني
بلادكَ ضيّعتها..
وانتهيتَ..
وها أنتَ مثلي
أضعتَ الدليلَ إلى بابِ روما
رأيتُ الجنودَ يسدّونَ كلَّ المساربِ دونَ الحدودِ
فآخيتُ بين الرمالِ، وقلبي
وقلتُ:
هو الدربُ أبعد مما نظنُ..
إلى قيصرٍ
..........
..............
سنضربُ في التيهِ
ضربَ القمارِ
فأما نرى البحرَ ـ يا صاحبي ـ
أو نموتُ معاً، غربةً..
... في الرمالْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الأضابير
الأضابير
رقم القصيدة : 63914
-----------------------------------
البيوتُ - الأضابير
البلادُ - الأضابير
الحروبُ - الأضابير
الكروشُ - الأضابير
النساءُ - الـ...
يبدأ الصبحُ..
تفتحُ أولَ إضبارةٍ
تحتسي شايها..
وتراقبُ خطوَ الأضابيرِ في الطرقاتِ
تراقبُ: باصَ [ الطفولةَِ ] يعبرُ جسرَ [ كهولتَِها ]
الشجرَ [ الشرطةَ المورقين ] أمامَ البنايةِ [ راتبِها ]
تقاطعُ أحلامَها - في الرصيفِ المقابلِ - تنورةٌ مسرعة
صبغتها العيونُ المريبةُ، بالأحمرِ المشرئبِّ إلى الركبتين
خلسةً - سوف ترنو إلى ثوبها الأسودِ [ الانكسارِ الطويل أمام المرايا ]...
(مضى منذ عامٍ إلى الحربِ...
لكنه لمْ......)
تقلّبُ أوراقَها
الأضابير وهي تشيرُ لبعضِ الأضابيرِ، منفوخةِ البطنِ
تهبطُ سلّمَ أحلامِها
بالثيابِ العريضةِ، تعلكُ..
كانتْ تفكّرُ في طفلها البكرِ [ قائمةِ الكهرباء ]،
السريرِ الوحيدِ [العيون التي تتلمّظُ من حولها ] والأضابير......
الرقم: 377
المؤسسة العامة لـ...
الاسم : خديجة محمد
قربَ نافذةِ الغرفةِ الرطبة
الشمسُ تنكسرُ - الآن - بين الظلالِ السريعةِ، والشاي
حيثُ المذيعُ يغمّسُ بالحربِ كَعْكَ الصباحِ، وينشرُ فوقَ البناياتِ حبلَ غسيلِ المعاركِ،..(69/229)
من فتحةٍ لصق بابِ المديرِ [ التواقيعِ ] تنسابُ فيروزَ، خضراءَ، ناعمةً، تصعدُ الدرجاتِ، بطاءً إلى ردهاتِ الأضابير
حيثُ المذيعُ
صباحَ التواقيعِ
قلتُ: صباحَ البنفسجِ، يا ثغرها بالحليبِ المطعّمِ
فالتفتَ الأسودُ المستفَزُّ: (إلى مَ سيبقى هناك، مسجّىً مع الريحِ...!؟
...............)
وانكسرَ الضوءُ، ثانيةً
بين ظلِّ المرايا، ودمعتها الغافية
........................
.......
انتصفَ الظهرُ فوقَ الرفوفِ
المديرُ [ التواقيعُ ] غادرَ غرفتَهُ
والمذيعُ انطفا
غيرَ أنَّ [ الأضابيرَ ] ظلّتْ تلاحقُ قامتَهَ، والمسدسَ
بين الممراتِ
يعبرُ توقَ البنفسجِ
والأسودَ المستفزَّ...
ويعبرني،
دونما كلْمةٍ
غير عطرٍ خفيفٍ
يذكّرهم بالعلاواتِ
قلتُ: يذكّرها بالذي لن يعودَ
وقلتُ: يذكّرني بالأضابيرِ
إنَّ الأضابيرَ: ثوبُ الحكومةِ، لا ذكريات..
ولا قلب
إنَّ الأضابيرَ: لا تتذكّرُ وجهَ الموظف
إنَّ الأضابيرَ: نحنُ.........
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ندم القرنفل
ندم القرنفل
رقم القصيدة : 63915
-----------------------------------
مطرٌ دافيءٌ
من نعاسِ يديكِ على عشبِ النافذةْ
والصباحُ المشاكسُ يحشو الشوارعَ في جيبِ بنطالكِ الجينزِ
ينسربُ العابرون وظلي [أما كان يمكنني أنْ أشذّبَهُ؟
فلا يفتحُ الزرَ عن دفقِ البحرِ...
قلبي أنا خطئي
كلما هذّبتْ دمَهُ حكمةُ الكهلِ
أغوتهُ تجربةُ الطفلِ......]
قلتُ: تجيءُ المدينةُ
أشجارُها ندمٌ أخضرٌ يتفتّحُ تحتَ رذاذِ النوافيرِ، مرتعشاً
والمصابيحُ حافيةٌ تتسلّقُ أعلى النوافذِ
أعلى قميصكِ، منفتحاً للحمامِ يطيرُ إلى غابةِ السنديانْ
وأنا خلفَ دمعِ الزجاجِ الشفيفِ
أجفّفُ وقتيَ بالانتظارِ
كيفَ أجفُّ على ورقةْ!؟
يصفّفني الناقدُ البنيويُّ - على الرفِّ -
نهراً جفتهُ الينابيعُ
ها هو وردُ الحديقةِ يذبلُ
قبلَ انحسارِ خريفكِ
يطمرهُ الثلجُ والذكرياتُ
أعلّقُ قلبي على أيِّما زهرةٍ أو عمودٍ(69/230)
لعلكِ بين المياسمِ، تكتشفينَ الطريقَ... إلى شفتي، عبّدتها النساءُ بأحلامهنَّ
وغادرنني شارعاً مقفراً
يتناثرُ، بين الكلامِ، وبين الغمامِ
فلا أجدُ الآنَ لي
غيرَ طاولةٍ،
وأصابعَ من زبدٍ
وكتابٍ ينامُ على خدِّها،
حالماً بالسهولِ الفسيحةِ
تحتَ رموشِ المصابيحِ
هل غادرتكَ القصيدةُ، مشغولةً بتفاصيلها؟
أيها القلبُ - يا ندمي المتكرّرَ -
هل غادرتكَ الفتاةُ ببنطالها المترجرج،ِ مسرعةً...؟
كيفَ لمْ تنتبهْ لحماقاتها في المرايا
أنتَ لمْ تنتبهْ ليديكَ - ضجيعيكَ في القرِّ -
يرتعشانِ أمامَ بياضِ يديها
على الطاولةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ضجر غيمة
ضجر غيمة
رقم القصيدة : 63916
-----------------------------------
هكذا...
قادني ضجري - في الظهيرةِ -
... من ياقتي
ضائعاً في الشوارعِ،..
لا ظلّ لي غير غيمِ القصيدة
يبدّدني بين صمتِ الرصيفِ، ولغطِ دمي
أتساقطُ - كالنظراتِ - على أوجهِ العابرين
فتكنسني الريحُ، منفرطاً، كالدقائقِ
بين الأصابعِ:
نحو المقاهي، التي أورثتني الشرودَ اللذيذَ
الكتابِ، الذي كنتُ أرجأتهُ للمساءِ
الفتاةِ، التي ارتبكتْ من شحوبي
فغطّتْ بجلدِ حقيبتِها عريَ ركبتِها
الصحابِ، الذين مضوا في بريدِ الحروب
.........
............
هكذا، قادني ضجري - في الظهيرةِ -
من ياقةِ القلبِ......
نحو
سريركِ......
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> اقتراب أولي من البحر
اقتراب أولي من البحر
رقم القصيدة : 63917
-----------------------------------
يدها....
بدايةُ ما يضمُّ الوقتُ
من مطرٍ وموسيقى
تضمُّ أصابعي
.. فتسيلُ
كانتْ آخرُ الأنهارِ في مدنِ الرمادِ
لها النعاسُ، طفولةُ النارنجِ، والندمُ الشفيفُ
لها المدى، عبقُ الحديقةِ،
وانسيالُ الشمعِ في المحرابِ،
أوراقُ الغيومِ الزرق،
والغنجُ، الخريفُ...
وما تبقى من فتيتِ الندِّ فوقَ مجامرِ الكلماتِ
............
............
كانتْ لي يداكِ(69/231)
حمامةَ المنفى، مرايا الوهمِ، نافذةً تطلُّ على ارتطامِ البحرِ بالغرباءِ،
والزبدَ الذي يطفو على موجِ القصيدةِ،
ما يقولُ النجمُ عن صمتي
وما حلمتْ بصنعاءَ المراكبُ
وهي تحملُ زادَها وبكاءَها،
وطناً تحاصرهُ البنادقُ
والرمالُ...
رأيتُ كفّكِ تستطيلُ سفائنَ الأملِ البعيدِ،
تمرُّ في المنفى على قلبي تغطّيهِ بأجنحةِ الفراشاتِ - الصباحاتِ الندّيةِ
يزهرُ العشبُ الذي ينمو على طولِ المسافةِ
بين كفكِ واغترابي،
حينَ تقتربينَ من شفتي، طيورَ البحر،
أظمأها البكاءُ المرُّ والسفرُ الطويلُ
إلى جزائرِ حضرموت.........
................
................
يدُها
وأفتحُ ليلَ نافذتي
على مطرٍ
ينثُّ الأفقَ من عبقِ اشتهائكِ
ها هنا وجعي على البحر المحاصرِ
ها هنا قلبي يدثّرهُ صقيعُ يديكِ
في البلدِ الغريبْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أخطاء
أخطاء
رقم القصيدة : 63918
-----------------------------------
أيها الخطأُ المتكرّرُ
- يا عمرُ -
يا ندمَ الأصدقاءِ الجميلَ
سأفتحُ مشجبَ قلبي..
لكلِّ حماقاتكم
علّقوا ما تشاؤون:
من سمكٍ ميتٍ
وكحولٍ
ولا......
كلُّ شيءٍ تبرّرهُ الرغبةُ العابرةْ
عابراً مرجَ قمصانِكمْ
للشوارعِ......
أنسلُّ بين العناوين...
نحو المدينةِ
أصفِرُ في الريحِ
خلفَ خطى العشبِ والفتياتِ
أنا خطأٌ في القصيدةِ
يشطبهُ النحويُّ على لوحةِ الصفِّ
ينسلُّ خيطُ دمي - شاحباً -
يتعثرُ بين ذهولِ تلاميذهِ
والرقيبِ المشدّدِ باللامِ
أبصرُ....
- في الليلِ -
بين أصابعهِ الصفرِ
ما حذفتهُ المناهجُ مني
يرتّبهُ جملةً، جملةً
في فراغِ السرير
وينامُ على جنبهِ المرِّ
ملتصقاً بشخيرِ عجوزتهِ
أو عجيزتها.....
في الصباحِ
المطلِّ
على مكتبٍ فاخرٍ
سيدلقُ ما قصَّ من حلمهِ
في سلالِ الوظيفة
ثم يشطبني.......
هـ.......
كـ.....
ذ...
ا.......
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أولاد
أولاد
رقم القصيدة : 63919(69/232)
-----------------------------------
تتناسلُ.. في دمنا
قططُ الليلِ
نمضي إلى البارِ
نبحثُ عما يجمّلُ أخطاءَنا
ونرجعُ في آخرِ الخمرِ، منكفئين على زبدٍ
سالَ بين أناملنا - كالأماني -
وذابْ
فننثرُ فوقَ الأسرّةِ
ما ظلَّ في عمرنا، من رغابْ
رغبةً في الطفولةِ
أو حكمةً في الكهولةِ
أو ندماً سوفَ يكبرُ
في باحةِ البيتِ...
يحبو
تطولُ أظافرُهُ..
فنشذّبها بالمدارسِ
كي لا تخربشَ جلدَ قناعاتنا
وإذْ يكبرون......
نراقبهمْ - من خلالِ الجريدةِ -
يسّاقطون على دبقِ الشاي والفتياتِ
فنلصقهمْ في بريدِ الزواجِ السريعِ...
...... الخ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غيرة...
غيرة...
رقم القصيدة : 63920
-----------------------------------
أحبكِ...
إنَّ الطريقَ إلى شفتيكِ اغترابْ
وأقصدُ:
يا ما تشظّى دمي
في الشوارعِ
خلفَ ظلالكِ
عابرةً، بالمظلّةِ والعطرِ
ملتصقاً صدرُكِ المرمريُّ بعشبِ الكتابْ
فكيفَ سأحملُ قلبي إليكِ
وقلبي نهرْ..
أحبكِ...
قلتُ: أحبكِ
فانهمرَ الرازقيُّ على الشرفاتْ
وفاحَ قميصكِ بالرغباتْ
على عشبِ المنحدرْ
أحبكِ......
هل تفهمينَ ذبولي على زهرةٍ من حجرْ
وهل تفهمينَ
- إذا ما فتحتِ المظلةَ لصقَ صديقكِ -
حزنَ المطرْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غيمة الصمغ
غيمة الصمغ
رقم القصيدة : 63921
-----------------------------------
أقولُ: غداً
أتمدّدُ فوقَ النهارِ الفسيحِ
يظلّلني الغيمُ لا الطائراتُ
أفتشُ بين القنابلِ والطينِ
عمّا تبقى من العمرِ والأصدقاءِ
أعبّيءُ في رئتيَّ الشوارعَ والياسمينَ
وأمضي إلى البيتِ، دون بيانات
تقطّعُ حلمي إلى جثثٍ ومخاوف
[ أيها القلقُ المبتدا
أيها الوطنُ المنتهى
كلُّ ما نملكُ
وطنٌ مثل أحلامنا
وهوىً يهلكُ.......... ]
وأنا في عراءِ القذائفِ،
مَنْ أرتجي؟
رافعاً للسماءِ إنائي
أوزّعُ - بين ثقوبِ المواضعِ - وجهي
وهذا الفضاءَ القتيلْ
منكمشاً، مثل طيرٍ بليلْ(69/233)
يمرُّ الرصاصُ الأخيرُ على جسدي
فيطرّزُ أيامَهُ بزهورِ الخرابْ
سأرتّقُ في إبرِ الأمنياتِ
قميصَ شبابي الذي قُدَّ من جهةِ القلبِ
فتفتقُهُ الطلقاتُ
مَنْ يلمُّ الشظايا - غداً -
حينما تنتهي الحربُ، مرغمةً؟
مَنْ يعيدُ لأرملةِ الحربِ زهرتَها اليانعةْ؟
أتسلّلُ محترساً، تحتَ جنحِ الحنين
نحو غصنِ البلادِ الذي يتفتّقُ للتوِّ
أو يتيبّسُ للتوِّ
وأقارنُ بين غصونِ الربيعِ
وبين غصونِ القذيفة
وأقولُ: صباحَ البلادِ
التي علمتنا التشتّتَ
بين كراسي المقاهي العتيقةِ، والاعترافِ المكهربِ
بين البيوتِ الخفيضةِ، والمرأةِ الغادرةْ
سوفَ تحشرنا في المواضعِ
ملتصقين، بصمغِ المخاوفِ....
نرقبُ الأفقَ:
أسودَ.....
يخضرُّ بالأملِ - العشبِ، تحصدهُ الطائراتْ
أو أزرقاً....
سوف يحمرُّ من دمِنا
فتصادرهُ اللافتاتْ
أو رماداً بطيئاً
سيرسبُ في الروحِ
شيئاً، فشيئاً
كما الذكرياتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> دبق
دبق
رقم القصيدة : 63922
-----------------------------------
دبقٌ
يسيلُ على جدارِ الوقتِ
يلصقُ عمرَكَ الذاوي على سهوِ التقاويمِ
التي خلعتْ قميصَ البحرِ
كي تغفو على خشبِ الأريكةْ
تتساقطُ الأوراقُ من أدراجها
فنلمّها...
لندثّرَ الأيامَ من بردِ الكهولةِ
والحروب
ويداكَ من حجرٍ وفوضى
تنعسان على استدارةِ ردفها - الندمِّ الشهي
وتقلّبانِ رفوفَ مكتبةِ الحداثةِ
في انتظارِ قصيدةٍ يرضى بها النقادُ
هل يرضى بها الشعراءُ؟
تلقي نظرةً أخرى
على الباصِ المعطّلِ
وانكسارِ الوقتِ في ظلِّ الرصيفْ
مطرٌ....
وقلبُكَ من ورقْ
مطرٌ....
وعيناها خريفْ
مطرٌ....
وبينكما انكساراتُ المطرْ
فلأينَ تأخذنا الطرقْ؟
لا نلتقي
..... أو نفترقْ
عبثاً تحاولُ أنْ ترمّمَ ما تكسّرَ من زجاجِ القلبِ
كي تنسى يديها في يديكَ,
وتمضيانِ، إلى المواعيدِ، التي ذابتْ كحباتِ المطرْ
.............
........
كان الصباحُ
يصبُّ قهوتَهُ
ويرشفُ ما تبقى من سوادِ الليلِ(69/234)
يقلبُ - ساهماً - فنجانَهُ لصقي
ليقرأَ في الخطوطِ المستحيلةِ
ما يمرّ من الشوارعِ
والكلامِ - النملِ
والفتيات في أصص النوافذِ
يغزلنَّ جدائلَ الأزهارِ، للعشاقِ،..
كي يتسلّقوا أحلامَهنَّ
إلى المرايا...
واحتراقاتِ القصيدةِ
.............
........
أقرأُ في الجريدةِ:
نشرةَ التعبِ التي تمتدُّ كالأسلاكِ، من فمِّ المحرّرِ، للمذيعةِ، وهي تخفي خلفَ ضحكتها المُعدَّةِ، آخرَ القتلى، الزلازلَ. نازلاً من ضرسِهِ المنخورِ، حتى الحانةِ - الوطنِ المعلّبِ في قناني الخمرِ، من موسى الحلاقةِ, للصداقةِ، في مرايا الوهم, للمذياعِ يغسلُ عن
طق..،
طق،
لصنبورِ الخطابةِ،
للكآبةِ في دمِ المصباحِ يرقبُ جثّةَ الليلِ التي نزفتْ على الإسفلتِ،
من جرحٍ يُقالُ له:
البارات
للنفقِ المؤدي لارتعاشاتِ النساءِ أو الجيوبِ
وما تبقى
من
فواتيرِ
الحروبِ
غداً
تسدّدها
جراحاتُ
الشعوبِ
من ارتطامِ قصيدتين على المنصّةِ لاكتسابِ حماسةِ الجمهورِ. موسيقى التناسلِ خلفَ سطحِ الجارةِ الحمقاءِ. والعزّابُ ملتصقون خلفَ الشقِّ ينتظرون حبلَ غسيلها اليوميِّ بالزوجِ العقيمِ وبالسراويلِ الملوّنةِ الروائحِ. لا فضائحَ غير ما يرثُ الملوكُ من البنوكِ، وما
عبثاً يمرُّ النفطُ والفتياتُ والمتظاهرون
- أمامَ نافذةِ القصيدةِ -
نصف مغلقةٍ
على حلمٍ طواهُ القلبُ
خلفَ حقائبِ الترحالِ
تنكسرُ الظلالُ
على دمي ـ حبرِ المطابعِ، وهو يسيلُ بالطرقاتِ
من منفى إلى منفى
يمرُّ بكوتي، الدبقُ ـ النهارُ
وباعةُ الأوطانِ
والصحفُ ـ الطماطمُ
والجنودُ...
.........
ينوءُ هذا القلبُ تحت قميصيَ المثقوبِ
بالكلماتِ والطلقاتِ...
أخلعهُ
وأمشي
في
الشوارعِ،
عارياً،
كالضوء
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عزلة
عزلة
رقم القصيدة : 63923
-----------------------------------
أخيراً
سأختارُ لي كتباً
وأقولُُ: هي الأصدقاءْ
ورصيفاً أقسّمهُ بخطاي - كما أشتهي -
وطناً
ركنَ حانٍ
سماءْ(69/235)
سأرسمُ نافذةً في الجدارِ
وسربَ طيورٍ تحطُّ على غصنِ قلبي،
تشاغلني بالغناءْ
أخبّيءُ في شرشفي، حلماً للمساءْ
أتوهمهُ امرأةً لا تخونْ......
............
.......
هكذا أنتقي عزلتي
وسأعتادها......
............
غير أنّي إذا اشتقتُ للآخرين
سأجلسُ قلبي إلى الطاولةْ
وأحصي له
الطعناتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حكمةُ النادل الكهل
حكمةُ النادل الكهل
رقم القصيدة : 63924
-----------------------------------
أراها...
بزاويةِ البارِ
تحصدُ كدْسَ البنفسجِ، عن مرجِ فستانها
والعيونَ التي تتلصصُ...
ينحسرُ النهرُ
يذوي وحيداً
- كرقمِ البطاقةِ - كلَّ مساءٍ
على بابِ غرفتها الموصدةْ
ثمَّ تكنسهُ الريحُ
للطرقاتِ
أرى أنني تائهٌ
بين سيجارها الأجنبيِّ
وهذا الطريقِ الطويلِ إلى شفتيها
يظلّلني شَعرُها، والدخانُ
الذي يتبدّدُ:
عن شارعٍ ليسَ لي
وعن جسدٍ ليسَ لي
وعن وطنٍ ليسَ لي
وتوقظني - الآنَ -
فاتورةُ النادلِ!
..................
..................
أيها القلبُ
لا تطمئنَّ لوعدِ الثيابِ القصيرةِ
والضحكاتِ الغريرةِ
إنَّ الثيابَ التي تتقاصرُ
قد تتقاصرُ أشواقُها
والكؤوسَ التي تتخاصرُ
قد تتناثرُ أطباقُها
فوقَ مزبلةِ الحانةِ المطفأةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> علاقة
علاقة
رقم القصيدة : 63925
-----------------------------------
إلى س. ك
في المحطاتِ
في أولِ الحبِّ
يبدو الحنينُ غريباً
إذا ما تلامسَ ظلاّنِ
في زحمةِ العابرين
هكذا نلتقي:
القطاراتُ تعبرُ مسرعةً
والتذاكرُ تذبلُ مثلَ القُبلْ
هكذا نلتقي:
في الوداعِ الشهي
في التقاءِ الأصابعِ فوقَ رصيفِ الحقائبِ
في صدفةِ الرقمِ
في آخرِ الحانةِ المطفأةْ
............
............
أناملُ أشواقِنا
تتهامسُ
أو تتباعدُ... - حين تقاطعها النظراتُ -
فتنقرُ - في خجلٍ - طَرَفَ الكلماتْ
نتلفّتُ:
لا مقعدٌ فارغٌ
لا شوارع للبوحِ(69/236)
لا بائعُ الكرزاتِ يكفُّ عن الكلماتِ البذيئةِ
لا زهرةٌ للـ...
قلتُ: نمضي سريعاً
إلى آخرِ الحبِّ
في غرفتي
كتبٌ تتناثرُ كالذكرياتِ
وفوضى سريرٍ
وأنتِ على طرفِ القلبِ، عاريةٌ
تقرضينَ الأظافرَ - من سأم ٍ-
وأنا... - أكتبُ الآنَ - آخرَ فصلِ القصيدةْ
هكذا نفترقْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غموض
غموض
رقم القصيدة : 63926
-----------------------------------
تومضُ...
في ذاكرةِ المرآةْ
امرأةٍ عبقةْ
تتثاءبُ غاباتُ مفاتنها
تحتَ قميصِ المطرِ الشفافِ
وعلى مقربةٍ من موسيقى نهديها
شباكٌ مخمورٌ
يلهثُ...
ملتصاً، من ثقبٍ في الليلِ
وأصابعُ محترقةْ
.........
............
أقتربَ الشبّاكانِ،كثيراً
فأضاءَ الرجلُ المتسمّرُ عينيهِ الخابيتين
أطفأتِ المرأةُ، سيجارتَها
- في صحنِ الدبقِ الفاضحِ -
والضوءَ...
وظلتْ تتنصّتُ:
ررررررررررريحٌ...
وقعُ خطى......
طَرَقاتٌ
خفقُ تنفسهِ...
لا شيء...
............
...............
في الصبحِ...
ارتبكا في بابِ المصعدِ
- بضعَ ثوانٍ -
ثمَّ افترقا
مبتسمَين
بصمتٍ غامضْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> محاولة
محاولة
رقم القصيدة : 63927
-----------------------------------
ضعْهُ فوق السندانْ
واطرقْهُ بلا رحمهْ
اطرقْهُ...
اطرْقهُ...
قلتُ له:
- اطرقْهُ بشدّة
اطرقْهُ يا حدادْ
اطرقْهُ...
كي يتمدّدَ
... هذا القلبُ
ويُصبحَ جسراً
يوصلني للنسيانْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> المدير
المدير
رقم القصيدة : 63928
-----------------------------------
إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي
مَنْ ورّطَ الشاعرَ
في دوّامةِ التوقيعِ
كانَ البحرُ
في معطفهِ المثقوبِ
ينسلُّ إلى نافذةٍ
في شقّةٍ إيجارها ينسلُّ من أيامِهِ
رفَّ كتبْ
ما الذي غَيَّرَ إيقاعَ "صباح الخيرِ"
في فنجانِهِ المعتادِ
مَنْ قصَّرَ فستانَ سكرتيرتِهِ
كي لا يرى أبعدَ من صيفِ القرى
والشجرِ المنكسرِ الأحلامِ في الشارعِ(69/237)
كانَ القلبُ...
لا يعرفُ أنْ يستعملَ الهاتفَ
في الحبِّ
فمَنْ دَجَّنَ هذا القرويَّ، الحالمَ - الآنَ -
على كرسيِّهِ الفاخرِ
مشدوهاً
يديرُ القرصَ:
_ ...............
- هل أدخلُ...!؟
..................
ظلَّ البحرُ
محبوساً وراءَ الزرِّ
حتى اتكأتْ
فوق الأضابيرِ
انحنتْ
فاندلقَ البحرُ
على طاولةِ الشاعرِ
من أينَ لهذا الأزرقِ المفتوحِ
أنْ يفهمَ حزنَ الرملِ
في صدري
فلا تربكهُ عينا المديرِ الساهمِ
المشدودِ.........
ما بين التواقيعِ
ونهديها
وإيقاعِ القصيدةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> رفيف
رفيف
رقم القصيدة : 63929
-----------------------------------
قهوتي مُرَّةٌ
وصباحُكِ من عسلٍ
تفتحينَ قميصَكِ
للبحرِ:
حيثُ النوارسُ غافيةٌ بعدُ..
يندلقُ الموجُ - مرتبكاً -
فوق كفي
أمشّطُ شَعرَكِ من ذهبٍ ونعاسٍ
وحينَ تتيهُ المرايا
تتيه يدايا
سأجلسُ فوق الأريكةِ
منتعشاً برذاذِ المطرْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مرثية صديق
مرثية صديق
رقم القصيدة : 63930
-----------------------------------
ضائعاً في التلافيفِ
مستنفراً دمَكَ الأبيضَ (العابرات تصفّفهنَّ على شرفةِ الشرشفِ المرِّ) حلماً تراودهُ
ندماً وتطاردهُ
فندقاً أسفلَ البنطلونِ القصيِر
لذاذاتها - دبقاً في الأصابعِ
أو حُرقاً في الأضالعِ
تتركهُ وتغادرُ ضاحكةً...
زهرةً في حديقةِ نومِكَ لمْ تقتطفْها أناملهنَّ - الفراشاتُ...
ما الذي تفعلُ الكلماتُ
حين تهزمكَ الأخرياتُ
يباهين جوعَكَ، تحملهُ رايةً
بالثيابِ اللصيقةِ
والمركباتِ الأنيقةِ
تصحبُ كفَكَ نحو السريرِ
أناملَ من مطرٍ ونساءٍ
.........
............
أنتَ ضيّعتني
حين قدتَ خطاي إلى مرجها الضيقِّ
ونسيتَ القصيدةَ - في البارِ - ثملى، يتعتعها السكرُ والوجدُ
حتى ضللنا الطريقَ(69/238)
فأوصلنا - الناقدُ الألسنيُّ، الندى، الدركيُّ، فتاةُ الكوافيرِ، لائحةُ الشهداءِ، المباني، الجرائدُ، بابُ الحديقةِ، نايُ الجنوبِ الحزينُ، الإذاعاتُ، أرملةُ الحربِ، بوقُ المديحِ، المؤرّخُ، ليلى...... -
...... إلى بيتها
في أقاصي الندمْ
أنتَ أورثتني
كلَّ هذا الألمْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عانسة المشتل
عانسة المشتل
رقم القصيدة : 63931
-----------------------------------
العشاقُ:
يمرون على شفتيها
دبقاً...
من فرط حموضتهمْ، تغسلُ - كلَّ مساءٍ - أحلامَ أصابعها
وتعلّقها - كالآهِ - على نافذةِ الحرمانْ
لكنَّ يديها، وهي تلملمُ أوراقَ القبلاتِ
عن العشبِ النامي
وبقايا الكرزات
ترتعشانِ أمامَ مرايا وحدتها
فتقومُ إلى الدولابِ
لتختارَ عشيقاً
ستقولُ له:
أَنْ لا يُوجعَ - حينَ يطوّقُها -
غصنَ الرمانِ المائلَ
أنْ لا يُفرطَ حباتِ التوتِ
على صحنِ أنوثتها
أن لا يتوغلَ أكثرَ...
أكثرَ
في أحراشِ المرجانْ
.........
لكن الحارسَ
ما أنْ يبصرَها
تجتازُ البابَ
- كعادتها -
في صحبةِ غصنِ الرمانْ
سيراودُ غربتَها:
- يا عانسةَ المشتلِ
ما آنَ لأوجاعِكِ
أنْ تثمرَ
ما آنْ لأحلامِ العاشقِ
أنْ تصبحَ
- يوماً -
بستانْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مفتتح
مفتتح
رقم القصيدة : 63932
-----------------------------------
أتصفّحُ كتبَ التاريخ
فتتلوّثُ أصابعي...
... بالدم
كلما قلبتُ فصلاً لطاغية
قادني حرّاسُهُ
إلى الفهرست
فأرتجف هلعاً
أيها الجنرالات
ماذا صنعتم بأحلامنا؟
أكلُّ هذه الجزماتِ السودِ
التي تسلّقتْ أعناقَنا
وما زلنا نلوّحُ للشمس!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مرثية عازف النشيد الوطني
مرثية عازف النشيد الوطني
رقم القصيدة : 63933
-----------------------------------
فرّغتكَ الحروبُ
من الحبِّ
ها هو قلبُكَ طبلٌ
يرنُّ ـ على جلدِهِ المتقرّنِ ـ نقرُ الأناشيدِ(69/239)
تحملهُ جوقةُ العازفين إلى ساحةِ الاحتفالات
حيثُ الجموعُ التي تتلاطمُ من حولهِ
ثم ترتدُّ ـ محفوفةً بالبنادقِ ـ لمْ تقتربْ ساحلهْ!
تردّدُ محمومةً:
ـ عاشَ حامي البلاد
فتسمعُ جوفَكَ يصرخُ:
ـ عا... ثَ...
فيلكزُكَ المنشدون:
ـ انتبهْ
الحروفُ نميمةُ ريحْ
والطبولُ لحاءٌ تساقطَ من مقصلةْ
.........
....
يدفعونَكَ للقبوِ..
تنبحُ خلفَ دماكَ التقاريرُ والمقلُ القاحلةْ
فيصرخُ فيكَ المحققُ،
مرتعباً:
ـ كيف بدّلتَ شينَ الرئيسْ
بثاءٍ تعيسْ..
سلّلتهُ إليكَ المناشيرُ في لحظةٍ غافلةْ!؟
ـ سيدي
إنَّهُ محضُ طبلٍ
تشقّقَ من كثرةِ الضربِ
فاختلطتْ في تجاويفهِ الأحرفُ القاتلةْ
...........
عندما أخرجوهُ
من الكوّةِ المقفلةْ
بعد عشرين عاماً
لمْ يجدْ غيرَ كنسِ الشوارعِ مما تخلّفهُ المرحلةْ
هكذا ظلَّ يحلمُ...
بالثورةِ المقبلةْ
غير أنَّ السياطَ
التي ملّحتْ جلدَهُ فوق طاولةِ الأسئلةْ
لمْ تعدْ تسمعُ النقرَ.. يصعدُ
.. يصعدُ
في روحهِ الصاهلةْ
فرموهُ إلى المزبلةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ثورة
ثورة
رقم القصيدة : 63934
-----------------------------------
ترى..
ماذا كانَ يفكّرُ خدمُ القصر؟
وهم يمسحون بذيولهم الطاووسيةِ
ذرات الزمنِ العالقةَ بلحيتهِ الضوئية!
ترى ماذا كانتْ تحلمُ الغانياتُ؟
وهنَّ يمسّدنَ بحريرِ أصابعهنَّ، قلاعَهُ الميتة!
ترى ماذا كان يدبّجُ شاعرُ البلاط؟
حين انطبقتْ
- على ثنيةِ معطفهِ الطويل -
بابُ المرحاضِ الرئاسيِّ!
ترى بماذا كانت تسرحُ حلاّبةُ أبقار الإمبراطور؟
وهي تنثرُ علفَ أيامها في زوايا الإسطبل!
ترى على أيةِ بقعةٍ
من تضاريسِ وجههِ؟
انزلقتْ
نظراتُ الوزراءِ الزئبقيةُ!
لحظةَ...
أنْ تناهى لأسماعهم جميعاً
صوتُ أول الاطلاقاتِ، التي هشّمتْ كريستال القصر!!
وشقّتْ الطريقَ
ـ في الممراتِ المطعّمةِ بالحرسِ والفسيفساءِ ـ
أمام هديرِ الهتافاتِ المتلاطمة!!!(69/240)
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غياب
غياب
رقم القصيدة : 63935
-----------------------------------
رسمَ بلاداً
على شرشفِ الطاولة
وملأها بالبيوتِ المضيئةِ والجسورِ والأشجارِ والقطط
قطعَ تذكرةً
وسافرَ إليها
محمّلاً بحقائبهِ وأطفالهِ
لكنَّ رجالَ الكمارك
أيقظوهُ عند الحدودِ
فرأى نادلَ البارِ
يهزُّهُ بعنفٍ:
إلى أين تهربُ بأحلامِكَ
ولمْ تدفعْ فاتورةَ الحسابْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> زهرة
زهرة
رقم القصيدة : 63936
-----------------------------------
أتمشى أنا وشيخوختي
في رواقِ الجامعة
حيثُ الأزهارُ تتفتحُ عن شوارع ليستْ لي
والأزرارُ تتفتّقُ عن ربيعٍ ليس لي
أنا وشيخوختي...
نتسكعُ بلا صديقةٍ
ولا ذكرياتٍ
نتلصّصُ للسيقانِ البضّةِ
.. والمواعيدِ المختلسةِ من وراءِ ظهرِ سيبويه
ونبتسمُ بصمتٍ
ياه...
منذ متى لمْ أضعْ كفي عليه
فأتذكّرُ أنَّ لي شيئاً ينبضُ هناك
في هذه الزاويةِ المهجورةِ من صدري
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> دوار
دوار
رقم القصيدة : 63937
-----------------------------------
اقترحي وطناً لحنيني
ورداً لذبولِ أصابعنا
ومصادفةً عابرةً في باصٍ عابر
أو كرسيين نديين على البحر
اقترحي سبباً آخرَ للحب
أو سبباً آخر للهجر
ما في قلبي يكفيني
ما عدتُ أرى أبعدَ من شفتيكِ، بلاداً
تطردني أو تُؤويني
فأنا ربانٌ منسيٌّ
ضيّعتُ البحر
وضيّعني
فإلى أين أقود سفيني؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> لوحة
لوحة
رقم القصيدة : 63938
-----------------------------------
.. إلى فضل خلف جبر
مَنْ أنتَ؟
طاولةٌ تتنقّلُ بين الداوئرِ
مملوءةً بالتواقيعِ
كانتْ خطاكَ سماءً
فمَنْ ضيّقَ الخطوَ..؟
ها أنتَ - في أولِ الصبحِ - تصعدُ للرفِّ
في آخرِ الظهرِ - تهبطُ بين الأضابيرِ
نحو صهيلِ الشوارعِ..
منكفئاً
يتعقّبكَ الندمُ - الظلُّ
والدائنون الذين ينامونَ بين جفونِ القصيدةِ(69/241)
والراتبِ المتآكلِ - كالعمرِ -
كان النهارُ اصطفاقَ النوارسِ في البحرِ
مَنْ علّقَ البحرَ
في لوحةٍ
خلفَ كرسيّهِ
واستدارَ يُسائلُ هذا الموظفَ - قلبي
الذي يتأخرُ عن موعدِ الحافلةْ
لأنَّ النوارسَ تصحبهُ - في الصباحِ -
.. إلى البحرِ
..................
.......
أيها القلبُ
يا صاحبي في الحماقاتِ
يا جرحَ عمري المديدْ
أنت بادلتني الحلمَ - بالوهمِ
ثم..
انحنيتَ..
ترتّقُ ظلّكَ في الطرقاتِ
أنتَ أوصلتني للخرابِ
وسمّيتهُ...{وطناً}
ثم بيتاً...
فنافذةً نصفَ مفتوحةٍ
أنتَ ضيّعتني...
ثم ضعتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شاعر
شاعر
رقم القصيدة : 63939
-----------------------------------
انزلقتْ حنجرةْ
في دهانِ الهجاءِ الفصيحْ
فظلّتْ تصيحْ
عندما استيقظَ الامبراطورُ من حلمهِ - برماً -
صاحَ في جندهِ: كمموا الريحْ
غير أنَّ الصدى ظلَّ يركضُ، يركضُ
يركضُ
يركضُ.....
في جنباتِ الرواقِ الفسيحْ
.............
.............
في الصباحْ
وجدوا جثةَ الشاعرِ المتطفّلِ
...... طافيةً
فوق زيتِ المديحْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تشكيل
تشكيل
رقم القصيدة : 63940
-----------------------------------
أرسمُ دبابةً وأوجهها إلى شرفةِ الجنرال
أرسمُ غيمةً وأقولُ: تلك بلادي
أرسمُ لغماً وأضعهُ في خزانةِ اللغة
أرسمُ عنكبوتاً وأحنّطهُ على بابِ الأحزان
أرسمُ أبي وأقولُ له: لماذا تركتني وحيداً أمام اللئام
أرسمُ مائدةً وأدعو إليها طفولتي
أرسمُ ناياً وأنسلُ من ثقوبهِ إلى القرى البعيدة
أرسمُ شارعاً وأتسكعُ فيه مع أحلامي
أرسمُ قلبي...
... واسأله: أين أنتِ!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قبلة
قبلة
رقم القصيدة : 63941
-----------------------------------
وهما يتكآن على سياجِ الياسمينِ النمّام
يهمُّ بتقبيلها
فتفلتُ القبلةُ من فمِهِ
وتسقطُ على العشبِ
محدثةً رنيناً أخضرَ
ينحني ليلتقطها
فتضحك...(69/242)
ذلك أنَّ القبلَ الساقطةَ
كقطراتِ المطرِ
سرعانَ ما تجفُّ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عصفور
عصفور
رقم القصيدة : 63942
-----------------------------------
حطَّ العصفورُ
على شباكي المفتوحِ
وراحَ يغني...
حين رآني، ما زلتُ أغطُّ بنومي
صفّقَ جنحيهِ...
... وشتّمني...
ومضى نحو الغابةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حكمة
حكمة
رقم القصيدة : 63943
-----------------------------------
حين ترى المجروحَ..
يغني
- محترقَ الروحِ -
على قارعةِ الدربِ
فتوقفْ!
حتى تعبرَ آهتُهُ
نحو سماواتِ اللهِ
خوفاًَ أن تسحقها قدماك المسرعتانْ
حين تمرّانْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عابرة
عابرة
رقم القصيدة : 63944
-----------------------------------
إلى... ج
أكونُ لكِ الجسرَ
هل كنتِ لي نزهةً في أقاصي القصيدة...؟
أكنتِ ترين الأصابعَ - إذ تتشابكُ -
سلّمَكِ الحجريَّ... إلى المجدِ
أحني دمي، كي تمرَّ أغانيكِ، من ثقبِ قلبي
إلى مصعدِ الشقةِ الفارهةْ
وأختارُ لي ركنَ بارٍ
لأرقبَ في طفحِ الكأسِ،
ضحكتَكِ العسليةَ
في الحفلِ،...
في آخرِ الذكرياتِ
تسيلُ على الطاولاتِ
فتشربها الأعينُ القاحلةْ
فأقنعُ نفسي:
بأن المسافاتِ، كذبُ خطى
والصداقاتِ، كذبٌ أنيقٌ
والنساءَ الجميلاتِ،...
...... تكرارُ آهْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مرايا متعاكسة
مرايا متعاكسة
رقم القصيدة : 63945
-----------------------------------
أحياناً
... يوقفني وجهي في المرآةْ
أنتَ تغيّرتَ....
..... تغيّرتَ كثيراً
أتطلّعُ مذعوراً
لا أبصرُ في عينيّ سوى شيخٍ
يتأبّطُ عكّازَ قصائدهِ
... متجهاً نحو البحرِ
يتمرآى في صفحتِهِ الزرقاءْ
فيرى في أعماقِ الموجِ
ولداً في العشرين
يتطلّعُ مبهوراً
في وجهِ المرآة...
لا يدري الآنْ
أيّهما كانْ!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> خسارات
خسارات
رقم القصيدة : 63946(69/243)
-----------------------------------
هكذا نفترقْ
الشوارعُ ملكي
الحدائقُ..
والخمرُ
والبحرُ..
والياسمينْ
.. وهذا الأفقْ
فما تملكينْ؟
والنجومُ نثارُ دموعي
على صفحاتِ الأرقْ
فأين إذن...
تسهرين؟
والنوافذُ لي
فما تحلمين؟
ما الذي أخسرُ - الآن -
لو...
ترحلين؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> محاولة
محاولة
رقم القصيدة : 63947
-----------------------------------
ضعْهُ فوق السندانْ
واطرقْهُ بلا رحمهْ
اطرقْهُ...
اطرْقهُ...
قلتُ له:
- اطرقْهُ بشدّة
اطرقْهُ يا حدادْ
اطرقْهُ...
كي يتمدّدَ
... هذا القلبُ
ويُصبحَ جسراً
يوصلني للنسيانْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> امرأة
امرأة
رقم القصيدة : 63948
-----------------------------------
بين القميصِ الذي مالَ
والبرتقالِ الذي سالَ
حتى تبرعمَ عن حلمتين
فتحةٌ لارتباكِ الأصابعِ
منحدراً، من شتاءِ الجنونِ
.. إلى صيفِ خصركِ
يأخذُ قيلولةً للتغنجِ
- فوقَ سريرِ يدي -
استلذي بفوضاي
لا شاعرٌ دونَ فوضاه
لا مرمرٌ دون ساقيكِ
ينعكسانِ على شهوةِ السلّمِ المرمري
لا مطرٌ غير هذا الزغبْ
ينثُّ على ظمأ النافذةْ
............
.........
ماذا أفكرُ..؟
ماذا تظنّينَ أنّي أفكرُ..!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> وحدة
وحدة
رقم القصيدة : 63950
-----------------------------------
دائماً...
عند كشكِ المحطاتِ
أبتاعُ تذكرتين
دائماً، كنتُ أرنو لمقعدها الفارغِ
للحكايا التي كنتُ أعددتُها للطريقِ الطويلْ
دائماً، كنتُ أجلسُ ملتصقاً، قربَ نافذةٍ
في القطارِ المسافرِ، وحدي
وأتركُ
فوقَ
رصيفِ المحطةِ...
... تذكرةً ذابلةْ!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تساؤل خاص
تساؤل خاص
رقم القصيدة : 63951
-----------------------------------
بين الكرسيِّ المكسورِ، وطاولةِ القلب
فكّرتُ بحالِ الشعرِ، وحالي
ما جدوى أنْ تَسَعَ العالمَ
في بيتٍ شعريٍّ
وتعيشُ بلا بيتٍ(69/244)
ما جدوى أنْ تحتضنَ الفتياتُ دواوينَكَ
لكنكَ لنْ تحضنَ، في آخرةِ الليلِ...
سوى الأحلامْ
ما جدوى أنْ يتصدرَ أسمُكَ أعمدةَ الصفحاتِ..
ويعرفكَ القرّاءْ
لكنكَ حينَ تمرُّ أمامَ المطعمِ
لنْ يعرفَ منك سوى بنطالٍ رثٍّ
يجلسُ - كلَّ مساءٍ - منعزلاً، قلقاً
لا يجرؤُ، أنْ يطلبَ...
أكثرَ من صحنِ حساءْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> انطفاء
انطفاء
رقم القصيدة : 63952
-----------------------------------
رغبةٌ عارمةْ
لذةٌ من جنونْ
.. وانكسارُ مرايا
رغبةٌ كاللهاثِ على جسدٍ أو حجرْ
لذةٌ كالنصالْ
..........
هكذا، والدقائقُ جمرْ
هكذا، والشوارعُ خاليةٌ من خطى امرأةٍ
.. أو ظلالْ
هكذا، أطفأََ الرغبةَ المستريبةَ، بالحلمِ
ثم انطفا
لاهثاً
منهكاً
فوق صمتِ الأريكةْ
.....
.....
بعد عشرِ ثوانٍ
على موتهِِ
جرسُ البابِ يُقرعُ...
... ها أنّها قادمة...!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عزلة
عزلة
رقم القصيدة : 63953
-----------------------------------
أخيراً
سأختارُ لي كتباً
وأقولُُ: هي الأصدقاءْ
ورصيفاً أقسّمهُ بخطاي - كما أشتهي -
وطناً،
ركنَ حانٍ،
سماءْ
سأرسمُ نافذةً في الجدارِ
وسربَ طيورٍ تحطُّ على غصنِ قلبي،
تشاغلني بالغناءْ
أخبّيءُ في شرشفي، حلماً للمساءْ
أتوهمهُ امرأةً لا تخونْ......
............
.......
هكذا أنتقي عزلتي
وسأعتادها......
............
غير أنّي إذا اشتقتُ للآخرين
سأجلسُ قلبي إلى الطاولةْ
وأحصي له
الطعناتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> إلى مخبر قديم
إلى مخبر قديم
رقم القصيدة : 63954
-----------------------------------
صباحَ البنفسجِ، يا صاحبي
أنتَ تبصرُ أن الحديقةَ لم تنتشِ
والحقيقةَ لم ترتشِ
كيف أقبلتَ...
أيُّ الطريقِ إلى عنقي كان أسهلَ
أيُّ التقارير أعددتَ هذا الصباحَ المكّبلَ
أيُّ الحمائمِ قد أفزعتها البنادقُ
طارتْ تحلّقُ بين الفضاءِ
وبين قميصي المبلّل(69/245)
ألمْ تبصرِ اللوزَ أزهرَ؟
والأفقَ أدنى من امرأةٍ
ستشرُّ الغروبَ على حبلِ قلبي، لترحلَ
مالكَ مرتبكاً
خلفَ سورِ الحديقةِ
ترقبُ نافذتي
وتمايز ما بين عنقي، وهذي الأزاهيرِ
دانيةِ القطفِ
ترنو إليكَ
فتجفلُ...
........................
............................
قلتُ: صباحاً جميلاً
سأفتحُ نافذتي
وأسدّدُ قلبي إلى الطلقةِ القاتلة
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مناضل
مناضل
رقم القصيدة : 63955
-----------------------------------
-1-
بينما كانتْ بلادهُ تحترق...
كانت شفتاه تحترقان
على جسدِ الأرملةِ الفاتنة
التي كان زوجها يحترق...
على سواتر الحربِ
.... دفاعاً عن شرفِ الأرض
*
-2-
بينما كانتْ بلادهُ
تنفّضُ رمادها
كان ينفضُ سيجارهَ الأجنبيَّ في صحنِ أحلامه
ويدخّنُ بتلذذٍ
راسماً في دوائرِ الدخانِ المعطّر
- قبل أن يتبدّدَ -
عناقيدَ الكريستالِ في صالة قصرِه
والشعاراتِ التي سيعلّقها
على جدرانِ بيوتِ الطين
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شرخ في مرآة الحلاقة
شرخ في مرآة الحلاقة
رقم القصيدة : 63956
-----------------------------------
-1-
أصعدُ إلى ذقني
لأحلقَهُ
تسقطُ شظيّةٌ
في رغوةِ الصابون
وتنطفيءُ....
ألهذا لم أمتْ بعدُ
ولمْ احلقْ ذقني هذا الصباحْ
*
-2-
أتطلع إلى وجهي
في المرآة
شائخاً محني الظهر
أتركهُ في غرفتي، يصبُّ لي كوباً من القهوةِ المرّةِ
وأتجهُ إلى الشوارعِ راكضاً
بلحيةٍ كثّةٍ لمْ تشذبْها الطائرات
ألهذا كان الأطفالُ يختبئون في أدغالها من الذعرِ
والشوارعُ تهربُ إلى الملاجيءِ
تاركةً الجثثَ معلّقةً في الفراغ
*
-3-
عندما بدأتْ صافراتُ الإنذار
تطلقُ طيورَها الميّتة
في فضاءِ المدينةِ
هربَ الجميعُ إلى العلب
لحظةَ أن وجدتُ نفسي
ملتصقاً في مرآةِ الحلاقةِ
أتلاشى في قعرها رويداً، رويداً
حين مرّتِ الطائراتُ
سالَ الزئبقُ
فتشظّيتُ....
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> رقيب داخلي(69/246)
رقيب داخلي
رقم القصيدة : 63957
-----------------------------------
منذُ الصباح
وهو يجلسُ أمامَ طاولتهِ
فكّرَ أنْ يكتبَ عن ياسمين الحدائق
فتذكّرَ أعوادَ المشانق
فكّرَ أنْ يكتبَ عن موسيقى النهر
فتذكّرَ أشجارَ الفقراء التي أيبسها الحرمان
فكّرَ أنْ يكتبَ عن قرنفلِ المرأةِ العابقِ في دمه
فتذكّرَ صفيرَ القطاراتِ التي رحلتْ بأصدقائِهِ إلى المنافي
فكّرَ أنْ يكتبَ عن ذكرياته المتسكّعةِ تحت نثيثِ المطر
فتذكّرَ صريرَ المجنزراتِ التي كانتْ تمشطُ شوارعَ طفولته
فكّرَ أنْ يكتبَ عن الهزائم
فتذكّرَ نياشينَ العقداءِ اللامعةَ على شاشاتِ الوطن
فكّرَ أنْ يكتبَ عن الانتصارات
فتصاعدَ في رأسهِ نحيبُ الأرامل
ممتزجاً برفاتِ الجنودِ المنسيين هناك
................
.........
في آخرةِ الليل
وَجَدَ سلةَ مهملاتِهِ مملوءةً
وورقتَهُ فارغةً بيضاء
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> خرجتُ من الحربِ سهواً
خرجتُ من الحربِ سهواً
رقم القصيدة : 63958
-----------------------------------
أنا خارجٌ من زمانِ الخياناتِ
نحوَ البكاءِ النبيلِ على {وطنٍ} أخضرٍ
حرثتهُ الخنازيرُ والسرفاتُ
أنا داخلٌ في مدارِ القصيدةِ
نصفَ طليقٍ
ونصفَ مصفّدْ
فعليكمْ رثائي بما تملكون من النادباتِ
وليسَ عليّ سوى أن أشيرَ لكمْ
بأصابع "نائلةٍ"
لقميصِ البلادِ المعلّقِ فوق رماحِ العشيرةِ
تنخبُهُ الطلقاتُ
فينسالُ نهرُ الفراتِ المضرّجُ بين أصابعكم
حينما تكتبونْ
- عبثٌ كلُّ ما يكتبُ الشعراءُ
..............
فهذا الزمانُ يعلّمنا
أن نصفّقَ للقاتلين
حينما يعبرون الرصيفَ إلى دمنا
وهذا الزمانُ يعلّمنا
أن نقصّرَ قاماتنا
.... كي تمرَّ الرياحُ على رسلها
أن نماشي القطيعَ إلى الكلأ الموسميِّ
ولكنني..........
من خلال الحطامِ الذي خلّفتهُ المدافعُ
أرفعُ كفي معفّرةً بالترابِ المدمّى.....
أمامَ عيونِ الزمانِ
أعلّمهُ كيفَ نحفرُ أسماءَنا بالأظافرِ
كي تتوهجَ: لا(69/247)
نحنُ الذين خرجنا من الثكناتِ
نكشُّ ذبابَ العواصمِ عن جرحنا
أنخطيءُ - حين تمرُّ بنا الشاحناتُ الطويلةُ -
في عددِ الشهداءِ الذين مضوا في رحابِ القنابلْ
وفي عددِ الأصدقاءِ
الذين مضوا في الطوابيرِ
لكنني - والقصيدةُ {لمْ ترها بعدُ عينُ الرقابةِ} -
لا أخطيءُ الوجعَ المرَّ
حين نمرُّ على وجلِ الأمهاتِ
تسمّرنَ فوقَ رصيفِ المحطاتِ
يسألنَ مَنْ يعبرون إلى الحربِ
أن يأخذوا ليلهنَّ الطويلَ
مناديلَ دمعٍ تضمّدُ جرحَ المسافةِ
بين الرصاصةِ، والدعواتِ
يكابرنَ صبرَ السنينِ
أمامَ الأسرّةِ، فارغةٍ
في مستشفياتِ الحروبِ.. [... يشرّونَ فوقَ حبالِ الرياحِ
شراشفَ مَنْ رحلوا,
كي تجفّفَها للذين سيأتون عما قليلٍ...]
..................
إلى أين نمضي بأعمارنا - غضةً -
أيها الربُّ.........
سأكتمُ هذا الصراخَ بحنجرتي
ريثما تفطرونَ على صحفِ اليومِ، والشاي
أكتبُ عن قمرٍ سيجيءُ
وعن غيمةٍ عبرتْ قمحَنا
لتحطَّ على جرحِنا
أربّتُ فوق مواجعكمْ
كي أمرَّ كخيطِ القصيدةِ
يلظمُ قلبي بالطرقات
أخيطُ قميصَ المنافي على قَدِّ أحزانكمْ
وأتركُ دمَّ قميصي الذي قُدَّ من قُبلٍ
شاهدي ودليلي
لدى كاتبِ العدلِ
لمْ أنهزمْ....
أو أفرَّ - كخيلِ بني العمِّ -
من ساحةِ الحربِ
بيني وبين الرصاصِ مسافةُ صدقي
وهذي القصيدةُ, مبحوحةُ الصوتِ
من فرطِ ما هرولتْ في الخنادقِ
تصرخُ من فزعٍ وذهولْ:
ـ أوقفوا قرعَ هذي الطبولْ
مَنْ يمسحُ الآنَ عن قبوِ ذاكرتي
صورَ الأصدقاءِ الذين مضوا في بريدِ المعارك
بلا زهرةٍ أو نعاسٍ
ولمْ يتركوا غيرَ عنوانِ قلبي
أصدقائي الذين أضاعوا الطريقَ
إلى دمعِهمْ والمنازلْ
أصدقاءَ القنابلْ
أنا شختُ قبلَ أواني
ألمْ تبصروا رئتي سوّدتها الشعاراتُ لا التبغُ
ألمْ تبصروا قامتي حدّبتها خطى العابرين إلى الأوسمةْ
آهِ... مما يكتّمُ قلبي...
وما تعلنُ الصحفُ والفتياتُ
[ يراوغنَ نبضَ المحبِّ إلى مصعدِ الشقّةِ الفارهةْ ]
سلاماً بلادَ السنابلْ(69/248)
سلاماً بلادَ الجداولْ
سلاماً بلادي، التي كلما حاصرتها القنابلْ
حملتْ جرحَها رايةً لتقاتلْ
ومالتْ على جهةِ الرومِ،
لا روم غير الذي تركَ الأهلُ في ظهرنا
من طعانِ السنانِ المخاتلْ
...................................
......................
على شفتي شجرٌ ذابلٌ، والفراتُ الذي مرَّ لمْ يروني. ورائي نباحُ الحروبِ العقيمةِ يطلقها الجنرالُ على لحمنا، فنراوغُ أسنانها والشظايا التي مشّطتْ شَعْرَ أطفالنا قبلَ أنْ يذهبوا للمدارسِ والوردِ. أركضُ، أركضُ، في غابةِ الموتِ، أجمعُ أحطابَ مَنْ رحلوا في خريف
هلْ
خطأٌ
أنْ
نحبَّ
الحياةْ!؟...
......
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تكوينات (1)
تكوينات (1)
رقم القصيدة : 63959
-----------------------------------
ما أسرع ما غادرتُ حدائقَ اللعبِ لأبيعَ السجائر
ما أسرع ما ضاقَ علي قميصُ المدرسة، ليعلّقني مسمارُ الوظيفة،
من ياقتي
ما أسرع ما كلّلتْ ثلوجُ السنواتِ الحامضة، مروجَ شعري،
فتأبطني موظفُ التقاعدِ، إلى الغروبِ
وأضابيرِ الأطباءِ
ومقاهي الندمِ
ما أسرعَ ما دقَّ جرسُ رحيلها
وأنا لمْ أكملْ بعدُ، أبجديةَ أنوثتها
فدرّسوني شخيرَ اللغة
ما أسرعَ ما أنفضَّ الحفلُ
لأبقى وحيداً.. في حانةِ القصيدة
طافياً على رغوةِ التصفيق
ما أسرعَ ذلك
ما أسرعَ ما مرَّ ذلك
إلى حدِّ أنني أخشى
أن أفتحَ قبضتي، لأصافحكِ
فتفلتُ السنواتُ الباقية
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تكوينات (2)
تكوينات (2)
رقم القصيدة : 63960
-----------------------------------
مالي أراهم
ينثرون باقاتِ الزهورِ الندية
على سريري - شاهدتي البيضاء
دون أن أعترضَ
أو أصرخَ
أو أبكي..
هل متُّ حقاً..
ولا أدري؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تكوينات (3)
تكوينات (3)
رقم القصيدة : 63961
-----------------------------------
أكلُّ هذه الهيجانات
التي تمورُ في أعماقكَ(69/249)
والصخور والمراكب التي تتحطمُ عند قدميكَ
وأنتَ تحنو...
بخضوعٍ ولذةٍ
أمام المرايا..
تمشطُ للحورياتِ المضطجعاتِ
على رمالِ سريركَ
خصلاتهنَّ الناعمة
*
ماذا بوسعِ الرمالِ أن تفعلَ
إذا هاجَ البحرُ
ماذا بوسعِ الغيمةِ أن تفعلَ
إذا اشتعلَ الشاعرُ
ماذا بوسعِ أزرارِ قميصكِ أن تفعلَ
إذا فرَّ بجعُ صدركِ...
إلى ينابيعي
*
يدها قطعةُ شكولاتا
وأنا جائعٌ
جائعٌ
جائعٌ
منذ آلافِ العصور
لا يكفيني سوى الخبز
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تكوينات (4)
تكوينات (4)
رقم القصيدة : 63962
-----------------------------------
قبل أن يكملَّ رسمَ القفصِ
فرَّ العصفورُ
من اللوحة
29/11/1993 عمان
*
حين لا ينحني الجسرُ
لن يمرَّ النهرُ
18/9/1993 عمان
*
منطرحاً
على السفحِ
يسألُ:
هل من شاغرٍ
في القمة؟
28/9/1993 عمان
*
كلما كتبَ رسالةً
إلى الوطنِ
أعادها إليه ساعي البريد
لخطأٍ في العنوان
30/9/1993 عمان
*
للفارسِ في الحفلِ وسامُ النصر
وللقتلى في الميدانِ
غبارُ التصفيقِ
وللفرسِ في الإسطبلِ
سطلٌ من شعير
21/9/1993 عمان
*
كمْ من الهواء
لمْ يستنشقْهُ بعدُ
هكذا فكّرَ بعمقٍ
داخلَ زنزانتهِ
فاختنقَ بالسعال
9/10/1993 عمان
*
خلف الخطى الصاعدة
إلى العرشِ
ثمةَ دمٌ منحدرٌ
على السلالم
24/9/1993 عمان
*
نقرُ أصابعكِ
على الطاولةِ
موسيقى طازجة
30/9/1993 عمان
*
وجدَ ظلَّه نائماً
في الظلِّ
أيقظهُ..
واصطحبهُ معه إلى الضوء
30/9/1993 عمان
*
تجلسُ في المكتبة
فاتحةً ساقيها
وأنا أقرأُ..
ما بين السطور
28/9/1993 عمان
*
مقعدهُ في الحافلةِ
تابوتٌ مؤقّتٌ
هكذا أسبلَ جفنيهِ
إلى آخرِ المحطةِ
دون أن يوقظَهُ صخبُ العالم
28/9/1993 عمان
*
كلّ عامٍ، في مخزنِ الشتاءِ
الطبيعةُ تجردُ موجوداتها
لاستقبالِ الربيع
وتنسى شجرةَ الحزنِ اليابسة
أمام نافذتي
28/9/1993 عمان
*
قالتْ له بغضبٍ:
- أيها المسمارُ المعوجُّ
مَنْ دقّكَ على حائطي؟(69/250)
وعلّقَ مزيداً من المعاطفِ والأطفال
28/9/1993 عمان
*
رسائل البرقِ
مَنْ يمزقُها
قبلَ أنْ تصلََ الأرض؟
29/11/1993 عمان
*
بين أصابعنا المتشابكةِ
على الطاولةِ
كثيراً ما ينسجُ العنكبوتُ
خيوطَ وحدتي
1993 عمان
*
الأشجارُ كلامُ الأرضِ
في أذنِ الريحِ
غيرَ أن الحطّابَ
كثيراً ما يقاطعهما
بفأسِهِ
7/12/1993 عمان
*
كمْ علي أن أخسرَ
في هذا العالم
كي أربحَكِ
1993 عمان
*
ينظرُ الشوكُ
بشماتةٍ
إلى أعناقِ الورودِ المقطّعة
14/12/1993 عمان
*
لمْ تتعلمْ السباحةَ
لكنكَ علّمتها أيها البحرُ
أن تتموّجَ على ذراعِ مَنْ تحبُّ
دون أن تغرق
14/12/1993 عمان
*
طافَ أصقاعَ العالم
لكنه لمْ يصل
.. إلى نفسهِ
14/12/1993 عمان
*
في المرّةِ الوحيدةِ
التي فكّرتُ بتقبيلكِ
قالتْ لي شفتاكِ :
وداعاً
1993 عمان
*
كلما تعانقتْ كلمتان
صرخَ الشاعرُ
- على الورقةِ -
آه...
كم أنتَ وحيدٌ أيها القلب
14/12/1993 عمان
*
من أين أستدينُ أياماً صالحةً!؟
أيها الشعرُ
لقد أفسدتَ عليَّ حياتي تماماً
12/10/1993 عمان
*
أقفُ أمامَ المرآةِ
لكي أرى وحدتي
1993 عمان
*
الربّانُ المتردّدُ
يجدُ كلَّ الرياح
غيرَ مؤاتيةٍ ..
للإقلاع
11/1/1993 عمان
*
بسمِّهِ يموتُ
العقربُ الذي لا يلدغُ أحداً
15/11/1993 عمان
*
لا تولدُ الفكرةُ
إلا عاريةً
فمَنْ يلبسها كلَّ هذه المعاطفِ
والـ...
1993 عمان
*
قالوا لها دموعكِ كاللؤلؤ
حين حملتها إلى الصيرفيِّ
فركها بأصابعهِ مندهشاً
لشدةِ بريقها
لكنّهُ لمْ يدفعْ لها فلساً
إذْ سرعانَ ما جفّتْ بين يديه
4/10/1993 عمان
*
كلما حلَّ عقدةً
طالَ حبلُ المسافةِ بينهما
12/10/1993 عمان
*
أعلّمُ أصابعي أبجديةَ الفرحِ
كي أقرأَ جَسَدَكِ
29/11/1993 عمان
*
لا تتركي نهديكِ
يثرثران كثيراً على سريرِ اللغةِ
بلاغةُ جسدكِ في الإيجاز
17/3/1993 بغداد
*
تنطفيءُ الشمعةُ
وأشتعلُ بجسدكِ
ما من أحدٍ
يحتفلُ بالظلام
13/9/1993 عمان
*
كلّ زفيرٍ
يذكّرني..(69/251)
كمْ من الأشياءِ عليّ أن أطردها
من حياتي
15/11/1993 عمان
*
مَنْ قالَ أن الفرحَ طائرٌ قلقٌ
لا يستقرُّ على غصنٍ
ها هو غصنُ حياتي
ممتليءٌ بالعصافيرِ الميتة
6/12/1993 عمان
*
على جلدِ الجوادِ الرابحِ
ينحدرُ..
عرقُ الأيامِ الخاسرة
6/11/1993 عمان
*
الشعراءُ الأقصرُ قامةً
كثيراً ما يضعون لقصائدهم
كعوباً عالية
1993 عمان
*
الإمبراطور
الذي بنى عرشَهُ على رؤوسِ الحرابِ
ماجتْ بثقلهِ الأكفُّ
فسقطَ
على نصالها المدبّبة
*
لا أحتاجُ إلى حبرٍ
لكتابةِ تاريخي
بل إلى دموع
*
يتدفّأ قلبُه بالذكريات
بينما أطرافُهُ...
ترتجفُ من البرد
*
بماذا
تفكّرُ
الأفكارُ
التي
لا
نفكّرها
*
ذاتَ يومٍ
اكتشفتْ في مرآتها
امرأةً ثانيةً
تتمرى معها
غضبتْ كثيراً
وهشّمتها - في عنفٍ -
فتطايرتْ شظايا الزجاجِ
في أرجاءِ الغرفةِ
وتكاثرتِ المرأة
7/3/1993 بغداد
*
يتراكضُ الشجرُ
في عينيها...
صاعداً نحو جبلِ روحي الأجردِ
أمدُّ أصابعي
لبرعمٍ - في روحي - يتفتّحُ للتو
فتغزني أشواكُ البعاد
1993 عمان
*
كلما تقدمتْ خرافُ الأمواجِ الغاربة
بأعناقها البضّةِ الناصعةِ
إلى سكين الصخور
قهقه البحرُ عالياً
وأصطبغَ الأفقُ بنجيعِ الشفق
1993 عمان
*
أصغي لرنينِ معاولهم
تحفرُ التأريخَ
بأصابع من حجرٍ
وجلودٍ ملّحتها السياطُ
أصغي...
ثمةَ أنينٌ طويلٌ
يوصلني بسرّةِ الأرض
1993 عمان - البتراء
*
وجدَ نفسَهُ طافياً
على زرقةِ البحرِ الميت
كقذيفةٍ فاسدةٍ
وأحزانه تذوبُ
في القاعِ اللزجِ
رويداً، رويداً
بينما كانتْ عيناه
معلقتين... هناك
كطائرين ينزفان...
على الأسلاكِ الشائكة
13/7/1993 عمان
*
اصهلْ
اصهلْ
في براري القلبِ الشاسعة
وعلى الأرصفةِ المكتظّة
وسطوحِ البناياتِ
وضفائرِ الفتياتِ
أيها الحصانُ الأبيضُ
الراكضُ بلا سرجٍ أو لجامٍ
على حافةِ الغيم
*
أنام وحيداً
لا بأسَ
لكن مَنْ يمنعُ أحلامي
أن تنامَ لوحدها
*
بتعالٍ
ترنو إلى الساقية
السحابةُ التي مرّتْ منتفخةً بغرورها(69/252)
لكنها سرعانَ ما سقطتْ إلى الأرضِ
فانفجرتِ المروجُ بالضحكات
*
أكلُّ هذه الثورات
التي قامَ بها البحرُ
ولمْ يعتقلْهُ أحد
*
كثرةُ الطعناتِ
وراءَ ظهري
دفعتني كثيراً
.. إلى الأمام
5/11/1993 عمان
*
أيتها الوردةُ
في الذبولِ الأخيرِ
لمن تلوحين الآن....؟
29/11/1993 عمان
*
حين بحثَ في أدراجِ الليلِ
ولمْ يجدْ سيجاراً
أشعلَ عودَ الثقابِ
وبدأ يدخّنُ نفسَهُ - بهدوءٍ -
ملتذّاً،
وهو يتلاشى رويداً، رويداً
في سحبِ الدخان
19/10/1993 عمان
*
شمعةً..
شمعةً
ستنطفيءُ السنواتُ
ويلفّني السعالُ والخريفُ
فلا أرى سوى بقعِ الشمعِ المتجمدةِ
... على سريري
ياه...
أيها القلبُ
ما أسرعَ ما تتشمعُ أصابعُ النساء
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تكوينات (5)
تكوينات (5)
رقم القصيدة : 63963
-----------------------------------
كمْ صخرة
تحتاجُ الأرضُ
لتكتمَ صراخَ شهدائها
حين يمرُّ على أديمها القتلة
*
تحلّق الطيورُ في أقفاصها
لكن أين أحلّق؟
هكذا قفزتْ أحلامهُ داخل زنزانتهِ
فارتطمَ رأسُهُ ببسطالِ الشرطي
*
حينَ طردوهُ من الحانة
بعد منتصفِ الليل
عادَ إلى بيتهِ
أغلقَ البابَ
لكنه نسي نفسَهَ في الخارج
*
النصلُ الذي يلمعُ
في العتمةِ
أضاءَ لي وجهَ قاتلي
4/3/1994 عمان
*
أقودُ الكلامَ من يديهِ كضريرٍ
وأعبرُ به زحامَ المعنى
خشيةَ أن يدهسَهُ أحدٌ
في طريقهِ إلى النص
*
العزلة كتابٌ
لا نقرأهُ إلا تحت مصابيح الآخرين
*
أرادَ الحبُّ
أن يتسلّلَ إلى قلبها
فوجدهُ مكتظاً بالشيكات
لذا ظلَّ يعملُ
في مطبخها
غسّالَ صحونِ اللذة
*
أعرفُ الحياةَ
من قفاها
لكثرة ما أدارتْ لي وجهها
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تكوينات (6)
تكوينات (6)
رقم القصيدة : 63964
-----------------------------------
أراد أن يقلّدَ هديرَ البحرِ
فغرقَ في ضحضاحِ المحاكاة
*
كلُّ نصٍّ فضيحةٌ
فكيف أقولكِ
*
ظلُّكِ
غيرةٌ
نائمة
*
لكثرةِ ما جابَ منافي العالم(69/253)
كان يمرُّ منحنياً
كمَنْ يتأبطُ وطناً
*
أمطارهُ على سريرها
لا تكفي
لهذا تخونهُ مع البحر
*
كلما كتبَ أسمَ الجنرالِ
صرختِ الورقةُ
أنت توجعني أيها الشاعر
*
السحبُ
جسدُ امرأةٍ
يتمطى على سريرِ الريح
*
كلما اشتكى المنجلُ
من طولِ عنقِ السنبلة
تحسستُ عنقي
*
الشجرةُ
لن تسألَ العصفورَ المتأرجحَ على غصنها
كمْ ستمكثُ هنا، مستمتعاً بالغناء
وحده القناصُ..
يحصي الوقت
*
من يخيطُ للإبرةِ
ثوبَها المفتوق
*
الشمعةُ التي تركوها مشتعلةً
قامتْ وأسدلتِ الظلامَ
- على نفسها -
ونامتْ
*
كلما وضعتُ النساءَ في كيسِ أحلامي
وسحبتُ ورقةً
طلعتِ أنتِ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تكوينات (7)
تكوينات (7)
رقم القصيدة : 63965
-----------------------------------
العصفورُ يصدحُ
داخل قفصه
أنا أرنو إليه
وكذلك قطةُ البيت
كلانا يفترسُ أيامه
*
حصانُ الناعور
الذي ظلَّ يدور
ظنَّ أنه قطعَ عشراتِ الأميال
حين فتحوا عينيه
رأى أنه لمْ يبرحْ مكانَهُ
مَنْ سرقَ المسافاتِ من قدميهِ!؟
*
الطبالُ
الذي أرادَ
أن يحتفلَ بعرسهِ
وجدَّ طبلَهُ مثقوباً
*
كرشُهُ المتدلي
عربة يدفعها أمامه
مثقلةً بأطعمةِ الآخرين
*
هذه النوارسُ
أمواجٌ هاربةٌ من البحرِ
سرقتْ من الزبدِ ريشَها
وحلّقتْ بعيداً.......
*
الريحُ التي سمعتني أهمسُ: أحبكِ
ركضتْ إلى الأشجار وعانقتها
فتضرجتْ خدودُ الثمار
*
أجلسُ أمام النافذة
أخيطُ شارعاً بشارعٍ
وأقولُ متى أصلكِ؟
*
كم عيناً فقأتَ
أيها المدفعيُّ؟
لتضيءَ على كتفيكَ كلُّ هذه النجوم
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تباعد
تباعد
رقم القصيدة : 63966
-----------------------------------
أصيحُ: بلادي
فأجفلُ
هل تتذكّرُ أختامهم في الجواز
الصبي الذي نامَ في السجنِ حتى استفاقَ
على الصافراتِ تجرُّ المدينةَ من إبطها للملاجيء
كان بين وميضِ سجائرهم، وتنمّلِ جلدِكَ فوق البلاطِ
مسافةُ ظلِّ الجدارِ الذي يفصلُ البحرَ عن شفتيكَ(69/254)
الخطى تتباعدُ....
هل يتباعدُ ما بين مقصلتي، والقصيدةِ
هذا المدى....
شهوةٌ في التقدمِ
أم طعنةٌ في التقادمِ
أفتحُ نافذتي
فأرى الأفقَ أكثرَ من وطنٍ
يتشكّلُ غيماً، أعلّق حزني فيه... وأرحلُ
كان الفراتُ على بُعدِ كاسٍ بمقهاك
كانتْ منائرُ بغداد تمشي قبيلَ الغروبِ إلى الجسرِ
كي تتوضأَ في ماءِ دجلة
مَنْ سوّرَ النهرَ؟
مَنْ أبعدَ النخلَ عن ليلِ نافذتي؟
.........................
........................
أحملُ القلبَ خبزاً يتيماً
أوزّعهُ بين أهلي وبين المنافي
على قدِّ ما شردّتنا الدروبُ
الدموع التي سوف تتركها النادباتُ
على قبرنا....
ثم يعبرنَ في الحلكِ المرِّ
خشيةَ أن يستدلَّ نباحُ الرصاصِ على جرحنا
أقولُ لصحبي: ألا تبصرون دمي يابساً في الغصون؟
كلما نصبوا حاكماً
نصبوا ألفَ مشنقةٍ
وانقسمنا على الموتِ
بين الحروبِ
وبين السجون
أصيحُ: بلادي
واشهقُ...
أحتاج حبراً بمقدارِ ما يشهقُ الدمعُ في فمنا
لأكتبَ أحزانَ تاريخنا
وأنسلُّ من مدنٍ كالصفيحِ إلى صدرِ أمي
ألملمُ هذا الحنينَ الموزّعَ بين الحقائبِ
.... والوطنِ المتباعدِ
خلف زجاجِ المطاراتِ
يأخذني للشتاتِ
ويتركني للفُتاتِ
كلما عبرتْ غيمةٌ
اتكأتُ على صخرةٍ
قابضاً جمرتي
وألوّحُ: تلك بلادي
.......................
.......................
.......................
أرسمُ درباً وأمحوهُ
أرسمُ خطواً ويمحوهُ غيري
فمن أين ابدأ....؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سماء في خوذة (مفتتح أولي)
سماء في خوذة (مفتتح أولي)
رقم القصيدة : 63967
-----------------------------------
.. وما طاوعتني القصيدةُ
كان الوطنْ
على الساترِ المتقدّمِ...
.. يحصي شظاياهُ والشهداءَ
وصحبي يعدّون للمدفعيةِ بعضَ الفطارِ المقيتِ
وينتظرون لمائدةِ الحربِ، أن تنتهي..
سقطتْ خوذةٌ..
فتلمّستُ في رئتي موضعَ الثقبِ منها
امتلأتْ راحتي بالرمادْ
سقطتْ خوذةٌ
فتلمّستُ في وطني موضعَ الثقبِ منه(69/255)
شرِقنا معاً بالدمِ المتدفّقِ
مَنْ يوقفُ الدمَ..
مَنْ..؟
سقطتْ خوذةٌ..
ثم أخرى
وأخرى..
وأخرى
نظرتُ لموتي المؤجّلِ.. يرمقني ببرودٍ
ويخلعُ خوذتَهُ..
وينامْ
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> آخر المحطات.. أول الجنون
آخر المحطات.. أول الجنون
رقم القصيدة : 63968
-----------------------------------
- هي..؟
- لا....
في الطريقِ المؤدي لموتي الأخيرِ
انكسرتُ على حافةِ النافذةْ
فتشظّيتُ فوقَ المقاعدِ
لملمني نادلُ البارِ - وهو يلوكُ أغانيهِ - والفضلاتِ
تلوكُ المدينةُ بعضي
وبعضي توزّعَ في الثكناتِ
(السنينُ شظايا..
ولحمي عراءْ..)
ما الذي صنعتْ فيكَ هذي المدينةُ
أين ستمضي بهذا الخرابِ الذي هو أنتَ..
(تتكيءُ الآن فوق الأريكةِ
.. ساهمةً
ربما هي تصغي لنبضِ العصافيرِ فوق الغصونِ
ربما ستقلّبني كالمجلاتِ..
أو ربما...)
- سأقنعُ نفسي بأنكِ لستِ التي..
- .........
ها أنتَ منكسرٌ كالمرايا
ومنتثرٌ كالشظايا
تحاولُ أن تنتقي وطناً للجنونِ
فيفاجئكَ الحرسُ الصلفون
ينامون
بين قميصِكَ، والنبضِ
(- ماذا تحاولُ..؟
أو تحلمُ الآن..؟
- ......
لا شيءَ.........)
أنتَ، يا أيها الولدُ الصعبُ، مالكَ محتدماً هكذا
تفتشُ في المصعدِ الكهربائيِّ عن وطنٍ
وتنامُ على حجرٍ في الرصيف
كأنَّ الذي
بين جنبيكَ ...ز...(ئـ(بـ(ـقـ[لا]ـقـ)ـلـ)....ـب...
.............
........................
- هي...؟
- لا...
- شَعرها..!
.. انكسارُ الندى في الجفونِ!
وهذا الطريقُ اللذيذُ إلى الشفتين..!
- قد تتوهمُ.. أنتَ تراها بكلِّ النساءِ
- ولكنها...
- ربما يخطيءُ القلبُ - يا سيدي - مرةً
إذْ يزاحمهُ الهمُّ..
- لا
.. الرمادُ يغطي المدينةَ والقلبَ..
(ها أنني في شظايا المرايا، ألملمُ نفسي
مقعدٌ فارغٌ
وزمانٌ بخيلْ..)
- .. إنما حدسي لا يخيّبني
سأقولُ لكلِّ الشوارعِ: إنّي أحبكِ
أهمسُ للعابراتِ الجميلاتِ فوق مرايا دمي المتكسّرِ:
إنّي أحبكِ(69/256)
للياسمينِ المشاغبِ،
للذكرياتِ على شرفةِ القلبِ:
......... إني أحبكِ
للمطرِ المتكاثفِ،
للواجهاتِ المضيئةِ،
للأرقِ المرِّ في قدحِ الليلِ،
للعشبِ،
للشجرِ المتلفّعِ بالخوفِ،
للقمرِ المتسكّعِ تحت جفونكِ:
إني أحبكِ...
............
...............
..................
الصبيُّ المشاكسُ شاخَ...
وأنتِ...!؟
أما زلتِ مجنونةً برذاذِ النوافيرِ
أذكرُ كنّا نجوبُ الشوارعَ
نحلمُ في وطنٍ بمساحةِ كفي وكفكِ
لكنهم صادروا حلمَنا..
ها أنا الآنَ، أنظرُ من شقِ نافذةٍ
للشوارعِ
وهي تضيقُ..
تضيقُ
تضيقُ
فأبكي...
(غرفةٌ موحشة
ورقٌ وذبابْ
وبذلةُ حربٍ.. علاها الترابْ)
............
............
اجلسي، ريثما تستردُّ القصائدُ أنفاسَها
فأحكي لعينيكِ
حتى يحطَّ على شرفةِ الرمشِ
طيرُ النعاسِ
سأبدأُ من أولِ الحربِ
أو آخرِ الحبِّ
هل نبتدي هكذا:
غيمةً في كتابٍ يقصُّ الرقيبُ عناوينَ أحزانها
زهرتين تضجان من فرحٍ أبيضٍ..
وغماماً بخيلْ
أم ترى ننتهي بالزمان القتيلْ
سأبدأُ:
مرَّ المحبون
- تحت غصونِ المواعيدِ، ذابلة -
وانتظرتكِ..
مرَّ الجنودُ المستجدّون للحربِ
مرّتْ خطى الفتياتِ، فساتينُهنَّ القصيرةُ كالأمنياتِ
نيونُ الشوارعِ, والحافلاتُ...
فما التفتَ القلبُ..
إلاّ لهمسِ خطاكِ
على شارعِ الذكرياتِ الطويلْ
اجلسي، ريثما تستردُّ دموعيَ أنفاسَها
والزمانُ فواتيرَهُ
(كأنَّ الذي مرَّ
سبعُ دقائق
لا سنواتٌ مثقّبةٌ
بجنونِ انتظاري)
لا الذكرياتُ
ولا الشعرُ
لا الندمُ المرُّ...
يرجعُ ما قد تساقطَ من ورقِ الحب
اجلسي ريثما............
......
عيوني دوارٌ كثيفٌ
وأرصفةٌ
ونثيثُ مطرْ
(سأحكي لها عن بصاقِ المدينةِ
عن صحفِ اليومِ، والحربِ،
والمصطباتِ الوحيدةِ، مثلي...)
وأقولُ لكلِّ المحطاتِ: إنكِ باقيةٌ
وأقولُ لقلبي: بانكِ لنْ تتركيني كما الأخريات
فيوهمني الصيفُ أنكِ محضُ سحابٍ
وأنكِ أبعدُ مما توهمتُ
إنَّ القصيدةَ أبعدُ مما تصوّرتُ
**********(69/257)
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سماء في خوذة
سماء في خوذة
رقم القصيدة : 63969
-----------------------------------
أرتبكتُ أمام الرصاصةِ
كنّا معاً
في العراءِ المسجّى على وجههِ,
خائفين من الموتِ
جمّعتُ عمري في جعبتي,..
ثم قسّمتهُ:
بين طفلي..
ومكتبتي..
والخنادق
(للطفولة، يتمي..
ولامرأتي، الشعرُ
والفقرُ..
للحربِ, هذا النزيفُ الطويلُ...
وللذكرياتِ.. الرمادْ)
وماذا تبقى لكَ الآن من عمرٍ
كنتَ تحملهُ - قلقاً - وتهرولُ بين الملاجيءِ والأمنياتِ
تخافُ عليه شظايا الزمان
قالَ العريفُ:
هو الموتُ
لا يقبلُ الطرحَ والجمعَ
فاخترْ لرأسكَ ثقباً بحجمِ أمانيكَ
هذا زمانُ الثقوبْ...
أو...
فأهربِ
الآنَ..
من موتكَ المستحيلْ
(- لا مهربٌ...
هي الأرضُ أضيقُ مما تصورتُ
... أضيقُ من كفِّ كهلٍ بخيلٍ...
فمَنْ ذا يدلُّ اليتيمَ على موضعٍ آمنٍ
وقد أظلمَ الأفقُ..
وأسّودَ وجهُ الصباحْ)
.....................
ولا بأسَ..
كوّمتُ ما قد تبقى من السنواتِ البخيلةِ
ثم اندفعتُ...
- إلى أينَ...؟!
بينكَ والموتِ, فوهةٌ لا تُرى
وتساؤلُ طفلين:
- "بابا، متى ستعودُ..؟"
انكفأتُ,...
فصاحَ عريفي: هو الوطنُ الآنَ......
فأرتجفَ القلبُ من وهنٍ أبيضٍ
واختنقتُ بدمعةِ ذلي:
- يا سماءَ العراقِ..
أما من هواءٍ
تلفّتُ..
كانتْ سماءُ العراقِ مثقّبةً بالشظايا
وكانتْ............
........
تعثّرتُ في صخرةٍ
فرأيتُ حذائي الممزقَ يسخرُ مني...
(- لا بأسَ...
فليكتبِ المتخمون وراءَ مكاتبهم
... عن لحومِ الوطن)
.....................
في غرفةٍ، قبل عشرين
كانتْ ترتّقُ - في وجلٍ - بنطلوني العتيقَ
وتمسحُ ذلتها بالدموع
.....................
- أبي، أين يوميتي...؟!
الصحابُ مضوا لمدارسهم...
........................
(الصحابُ مضوا للرصاص
والزمانُ أصمْ...)
الصحابُ...
الصحابُ...
الصـ...
سقطتُ...
فلملمني وطني...
وركضنا إلى الساتر الأول
نتحدى معا موتنا(69/258)
- أيّنا سيخبّيءُ
يا وطني -
رأسَهُ...؟
ولنا خوذةٌ...
واحدة
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بريد القنابل
بريد القنابل
رقم القصيدة : 63970
-----------------------------------
إلى الشاعرة أ...
ربما بلا مناسبة
أنتِ لا تفهمين إذنْ
رجلٌ في كتابْ
سوف يعبرُ مبنى الجريدةِ، شَعرُكِ هذا الصباح
فيشغلني عن دوارِ القصيدةْ
أتأملُ فوضاكِ من فتحةٍ في القميصِ
وفوضاي في الورقةْ
سيمرُّ بي العطرُ
يأخذني لتفاصيلِ جسمكِ
أو لتفاصيلِ حزني
مَنْ سيرتّبُ هذا الصباحَ القَلِقْ!؟
الفناجينُ باردةٌ كالصداقاتِ
والحربُ تعلكُ أيامنا
وأنا في انتظارِ الندمْ
اقلبي الصفحةَ الآنَ
برجُكِ تشغلهُ الوفياتُ
وبرجيَ تملؤهُ الطائراتُ
.....................
.......................
...................
أنتِ لو تفهمين إذنْ
كيف يربكني خجلي
حين تفضحُ وجهي مرايا النساء
كيف يكسرني زعلُ الأصدقاءِ
فأجمعُ كلَّ نثاري
وأختارُ زاويةً للحنينِ
هي: الوطنُ - الكأسُ - والمرأةُ الواحدةْ
(في بريدِ القذائفْ
أوزّعُ قلبي على الأرصفةْ
وأنتظرُ العائدين من الموتِ في عرباتِ الصِدَفْ)
..........................
........................
أنتِ لو تفهمين إذن
كيف تجمعني الحربُ في طلقةٍ
ثم تنثرني في شظايا المدنْ
اقلبي الصفحةَ الآنَ
لا وقتَ..
إنَّ القنابلَ
تقتسمُ
الأصدقاءْ
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بائعة التذاكر
بائعة التذاكر
رقم القصيدة : 63971
-----------------------------------
غابةٌ من أكفٍّ
وهي من فتحةِ الكشكِ
من أفقٍ ضيّقٍ
تقطّعُ ساعاتها سأماً وتذاكرْ:
(أكفٌّ بلونِ الترابِ،
المواعيدِ،
والتبغِ،
أو كاللهاثْ
أكفٌّ مرابيةٌ،
أو منمّقةٌ،
خشنةٌ،
لا مباليةٌ،
أو مشاكسةٌ
نصفُ مفتوحةٍ،
نصفُ جائعةٍ،
نصفُ آه...)
...........................
...........................
يمرُّ على الكشكِ - كلَّ صباحٍ -
أصابعَ ناحلةً(69/259)
تتوهجُ حين تلامسُ شباكَها
ثمَّ في عجلٍ، تنطفي عند نافذةِ الباصِ
تبصرُ في كفِّها وردةً...
أو رمادْ
...........................
...........................
تمرُّ الدقائقُ..
والطرقاتُ..
سرابُ الأكفِّ..
وحافلةُ الحرب..
[ قربَ باب الإعاشة
سينادي العريفُ (أصابعُهُ خشنةٌ كالشظايا)
سيمدُّ له اصبعين يتيمين..
- ... في أولِ الحربِ، واختصروا من اجازتهِ موعدَ الياسمينِ
ومن كفِّهِ ثلاثَ أصابع.. -
لا بأسَ...]
...............
..................
... سوفَ يمرُّ على الكشكِ مرتبكاً
ـ ربما سوفَ تشهقُ حين تراني
غصوناً مقطّعةً
- ربما علمتها القذائفُ
إنَّ الأصابعَ - في الحربِ -
....... مثل التذاكر
********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سأم...
سأم...
رقم القصيدة : 63972
-----------------------------------
في الغرفة
الوقتُ..
يسيلُ ضجرْ
يتشكّلُ نافذةً من أرقٍ
أو جوراباً مثقوباً بالأحلامْ
أو ورقاً لكتابةِ آخرِ أخطائي في الحبِّ
أفتحُ دولابي الخشبي..
أعلّقُ - في المشجبِ -
... قلبي
... وأنام
*******
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> زعل
زعل
رقم القصيدة : 63973
-----------------------------------
... نفترقُ الآنَ
...............
سيشيخُ الوردُ..
وتسّاقطُ أوراقُ الوقتِ على نافذةِ الموعد
أتأملُ فستانَكِ - في المشجبِ -
متكئاً فوق ذراعي
أسحبُ حزني بهدوءٍ
كي لا أوقظَ طيفَكِ
العشاقُ يمرون على مصطبةِ القلبِ..
وأنتَ وحيدٌ..
لاشيءٌ..
وخريفْ
تتوزعكَ الطرقاتُ، ويومياتُ الحربِ، وضحكتها
يا قلبي..
نفترقُ الآنَ, إذن
كفين غريبين على طاولةِ الحبِّ
وفنجاني زعلٍ باردْ
...............
...............
في البدءِ،
سيفترقُ الكرسيان، قليلاً
ويجفُّ العشبُ النامي فوق أصابعنا المتشابكةِ الأحلام
في البدءِ، ستذبلُ أزهارُ الأشياء
في البدءِ،
سنبكي في صمت
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أمسية شعرية(69/260)
أمسية شعرية
رقم القصيدة : 63974
-----------------------------------
دخلَ
الشعراءُ الـ"......."
إلى القاعةِ
واكتظَّ الحفلُ
لكنَّ الشعرَ،
... غريباً
ظلَّ أمامَ البابْ
بملابسهِ الرثَّةِ
يمنعهُ البوابْ
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> إلى ايمان فقط....
إلى ايمان فقط....
رقم القصيدة : 63975
-----------------------------------
ريثما...
تنتهي من عناقْ
زهرةٌ وفراشة
دعينا, نمرُّ على العشبِ
محترسَينْ
خوفَ
أن
نوقظَ
العاشقَينْ
من ندى الاشتياقْ
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> إرتباك
إرتباك
رقم القصيدة : 63976
-----------------------------------
ما الذي سيقولُ صحابي
إذا ما رأونيَ في ساحةِ الموعدِ
أهشُّ ذبابَ الدقائقِ عن صحنِ وجهي الدَبِقْ
الشوارعُ تنفثُ سمَّ عماراتها في الوجوهِ الغريبةْ
وبغداد لا مصطبةْ
(ها أنني أتحسّسُ همسَ الأصابعِ,
- خلفَ النوافذِ -
حمراء
تشعلني رغبةٌ مبهمةْ..)
وأرقبُ في زحمةِ الوهمِ
وجهكِ
يبسمُ لي،
أو يقدّمُ أعذارَهُ
أو يهمهمُ...
(أنتِ تسيلين فوقَ المرايا
فيشربكِ العابرون
ووحدي،
ضللتُ الطريقَ
إلى شفتيكِ)
دمي يتفصّدُ فوق الزجاجِ
وأنتِ.. (- أعدتَ إلى السكرِ...؟)
(- إنَّ الرجالَ بذيئون جداً أمام الجميلاتِ)
.. قلتُ لها:
- أين يمكنُ...
فارتبكتْ
وأشارتْ إلى الشجرِ الملتصقْ
قربَ نبضي..
رأيتُ النوافذَ مفتوحةً..
والسماءَ تنفّضُ أوراقها من بقايا الغسقْ
قلتُ: نشربُ بعضَ العصيرِ المثلجِ
أو نتحاورُ...
مالكِ واجمةً هكذا......!؟
........................
...............
............
......
كان..
خلفَ
الشجيراتِ..
ظلٌّ قميءْ!!
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قصيدة حزن كلاسيكية
قصيدة حزن كلاسيكية
رقم القصيدة : 63977
-----------------------------------
الفتى اللاهي الذي قد تذكرينْ
صارَ أبْ
وله طفلانِ أو ذنبانِ، آهٍ
وديونٌ..
ووظيفةْ(69/261)
سرقتْ منه أراجيحَ الحنينْ
وأغاني الدربِ
والأمطارَ
والوجدَ الدفينْ
الفتى.. آهِ، الفتى
لو تعلمينْ
ما الذي قد صنعتْ فيه، مداراتُ الليالي
واحتراقاتكِ
والحلمُ الضنينْ
الفتى شاخَ
قُبيل الشيبةِ البكرِ
فهلا تبصرينْ
كيفَ عافتهُ المرايا, والصبايا
كيفَ لمْ يجنِ من العمرِ سوى هذا الأنينْ
فوقَ أوراقٍ..
ستطويها السنينْ
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ناقد
ناقد
رقم القصيدة : 63978
-----------------------------------
مرَّ من قربنا
واستدارَ بغليونهِ
لمْ يحيِّ أحدْ
نهضَ الحاضرون له...
ما نهضتُ
صفّقوا لمقالاتهِ,
والرباطِ الأنيقِ
فلملمتُ سخريتي...
... وانصرفتُ..
..................
..................
في الجريدةِ...
- في أولِ الصبحِ -
أبصرتُ ناقدنا
يتربعُ منتفخاً، فوق إحدى المقالاتِ..
يشتمني..!
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> إلى شاعر برجوازي
إلى شاعر برجوازي
رقم القصيدة : 63979
-----------------------------------
أوصلتني القصيدةُ للفقرِ
- هل أوصلتكَ القصيدةُ... للفقرِ؟
هل أسلمتكَ إلى حارسِ السجنِ
أو للتشردِ
أو للجنونْ؟
...........
.............
كنا معاً نستفزُّ الأزقةَ
دشداشتين مشاكستين
وقلبين دون حذاء
وحلماً صغيراً
بديوانِ حبٍّ،
وكِسرةِ بيتْ
فكيفَ افترقنا إذنْ..
في دروبِ القصيدة..؟
ها أنني.. بعد عشرين عاماً من الشِعرِ
لا أملكُ الآنَ
غيرَ نظافةِ قلبي
وجيبي
وحلمي القتيلْْ
فكيف حصلتَ على
شقةٍ فارهة
وكرشٍ ثقيلْ
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شقة رقم 1
شقة رقم 1
رقم القصيدة : 63980
-----------------------------------
صحبٌ كالكراسي..
وطاولةٌ من نعاسٍ رخيص
نتكاثفُ..،
أو نتقطّرُ، فوقَ الزجاجِ اللصيقِ
لساقي فتاةٍ تضجان
قربَ العمارة - حيثُ المداخلُ واحدةٌ،
تتشابهُ كالغرباءِ -
رأيتكَ تسألُ بوابها عن سماءِ المدينةِ
زرقتها،
والنجومِ الخفيضةِ..(69/262)
يلتفتُ الطفلُ منذهلاً
ويشيرُ:
سماءٌ من الكونكريتِ......
على الشرفةِ الجانبيةِ،
حيثُ انكسارُ الغروبِ على حبلِ أحلامنا والغسيلِ..
فتاةٌ ترشُّ دمانا على الأصصِ النائمةْ
فيثّاءبُ العطرُ بين انحسارِ القميصِ..،
وجوعي
إذن، أنتَ لا تشبهُ الآخرين
قميصٌ يتيمٌ..
وقلبٌ يتيمٌ..
وذاكرةٌ شاردةْ
كلهم غادروا الشقةَ الباردةْ:
"علي" المهذّبُ في زيّهِ الجامعيِّ (المعري الذي
يرتدي في الصباحِ رباطاً
وفي الليلِ مشنقةً)
و"مهدي" المعذّبُ في جرحهِ العربي...
وأبقى, وأنتِ...
وحيدين فوق رصيفِ المساءاتِ
ننتظر الباصَ, والراتبَ المتقطّعَ والـ......
(شققٌ أو أشعارْ
للبيعِ, وللإيجارْ
فلماذا أنتَ بلا مأوى...!؟)
........................
........................
كلهم غادروني..
الصنابيرُ ثلج
وعلى الطاولة
قطةٌ تتلصصُ - لا شيءَ غير الجرائدِ -
تقفزُ مستاءةًً نحو شقةِ جارتنا
وانطفى في الزوايا الحوارْ..
وظلتْ ملابسُ صحبي معلقةً في المساميرِ
كالذكرياتْ
* علي ومهدي: الشاعر العراقي علي الشلاه، والشاعر المصري مهدي مصطفى. وقد جمعهما سكن مشترك مع الشاعر الصائغ في غرقة صغيرة في حي الطالبية ببغداد قبل نهاية الثمانينات.
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> لا أسم للحرب
لا أسم للحرب
رقم القصيدة : 63981
-----------------------------------
يبدأ الوطنُ - الآنَ - من جملةٍ
نصفها مضغتها المطابعُ
فالتمسي في دمي كلمةً، لا يشوهها أحدٌ
أغني بها وطني، من شقوقِ المواضعِ والقلبِ
حيث ينامُ الجنودُ على يطغاتِ الحنينِ المبلّلِ
ملءُ جفوني، انكسارُ الندى، والبلادُ
وملءَ البلادِ، افترشنا أغاني الخنادقِ والعلبَ الاجنبيةَ
تحطبنا الحربُ:
مرَّ عريفُ الاعاشةِ، والطائراتُ الوطيئةُ
مرَّ شتاءُ الطفولةِ، والقملُ
مرَّ الصباحُ الحديديُّ فوق زجاجِ النعاسِ
فشظّى ترقبنا لنهارٍ جديد
لمْ يغتسلْ بعدُ من طمثِ القصفِ
مرَّ ثلاثون موتاً على موتنا،(69/263)
وقنبلةٌ واحدةْ
فاقتسمنا على طاولاتِ التوابيتِ،
خبزَ البقاءِ المثقّبَ،
والشاي
مرَّ الندمْ
إصبعاً، إصبعاً،
ستقطّعُ كفَّ طفولتنا، الحربُ
تمضي بنا - في غرورِ المقاولِ - نحو مساطرها
وتبيعُ الذي لن نبيعَ
تجوّعنا، ونكابرها بالوطن
وتشتّتُ أيامنا، فنشاغلُ أيامها بالتمني
وإذْ تستجيرُ طيورُ الحنينِ
بأعشاشِ أحزاننا
سوف نبكي على {وطنٍ}
ضيّعوه...
فضعنا
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> جائع
جائع
رقم القصيدة : 63982
-----------------------------------
يترنّحُ من جوعهِ
ويدورْ
ربما مطعمٌ في رصيفِ المروءةِ
لا يطردُ الغرباءْ
كسرةٌ أغفلتها كلابُ المدينةِ
أو ربما
آهِ، لو يُؤكلُ الشجرُ المتباهي بخضرتهِ
والخدودُ بحمرتها
والكروشُ التي......
والعماراتُ......
لو يستسيغُ رغيفَ المذلةِ..
لو..
لقمةَ الدم... لو
............
...............
..................
في البعيدِ، رأى قطعةً من نيونٍ تشعُّ
فحثَّ الخطى مسرعاً
يتعثّرُ في جوعهِ
...... ويدورْ
لمْ يجدْ في الرصيفِ
سوى معرضٍ للزهورْ
فبكى عند عتبتهِ، شاتماً
ثم بالْ
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> متسولان
متسولان
رقم القصيدة : 63983
-----------------------------------
في كفيها، ايمانٌ أبيض
وبعينيهِ، كفرٌ مفضوحْ
في آخرةِ الليلِ
ينحشران،
كقطين شريدين
لصقَ جدارِ الجامعِ
يدنو...
تتردّدُ......
يدنو...
تتـ......
فيشوبُ
آذانَ الفجرِ
خيطٌ من آهٍ مبحوحْ
********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> نساء
نساء
رقم القصيدة : 63984
-----------------------------------
(1)
طَرَقاتٌ ناعمةٌ
- مَنْ..!؟
- ......
ينهضُ من كرسي تأملهِ
هاهو يسمعُ..
قربَ البابِ
هسيسَ خطاها
في أدغالِ الروح
تتقدمُ...
يصغي
تتقدمُ...
يصغي...
تتـ...
يصغي ...
......
يصغي...
يصغي
يصغي
لا شيء،.....
.........
غير هسيسِ تنفّسهِ
*
(2)
امرأتان..
تنسلان،
إلى قلبِ الشاعرِ(69/264)
واحدةٌ...
تسرقُ من خزانتهِ
الأضواءَ، وربطةَ عنقه
والأخرى...
يكفيها أن تحظى بمسوّدةٍ لقصيدة
لمْ تُكملْ
*
(3)
خمسُ نساءٍ يدخلنَ إلى بيتِ الشاعر
خمسُ نساءٍ يخرجنَ
ويظلُّ الشاعرُ في منفاه
وحيداً
*
(4)
ثياب...
أنا أكثرُ حزناً منكِ
لكني لا أرتدي قميصاً أسود
حين تصادفين على رصيفِ دمعكِ الطويلِ
قلباً وحيداً يتسكّعُ
بقميصٍ أبيض
وربطةِ عنقٍ سوداء
فهذا أنا...
...............
..................
أنا أكثر حزناً منكِ
لكني لا أرتدي ثوباً أسودَ
بل قصائدَ سوداء
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> س
س
رقم القصيدة : 63985
-----------------------------------
يقلقني..
إنَّ العالمَ
منقسمٌ
نصفين:
نصفٌ أنتِ
ونصفٌ قلقي
*******
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> اغنيات على جسر الكوفة
اغنيات على جسر الكوفة
رقم القصيدة : 63986
-----------------------------------
مدخل...
مشكلتي، أني لا أعرفُ حداً للعالمْ
حين أحبُّ...
وحين أجوعْ...
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> اغنيات على جسر الكوفة(2)
اغنيات على جسر الكوفة(2)
رقم القصيدة : 63987
-----------------------------------
مدخل ثانٍ...
كالوردةِ...
يذبلُ قلبي...
.. ويموتْ
لو تقطعهُ..
من غصنِ الشعرْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مصادفة
مصادفة
رقم القصيدة : 63988
-----------------------------------
قلمٌ
مرَّ على ورقةْ
مرّ وما سلّمَ،
ما أحنى لمفاتنها عنقهْ
لمْ يعرفْ ما بين حناياها القلقةْ
من شوقٍ أخّاذٍ
للحبِّ،
ولمْ تفهمْ نزقهْ
كغريبين، معاً،
مرّا...
وافترقا...
رجلاً يتسكّعُ
وامرأةً محترقةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> كلمات...
كلمات...
رقم القصيدة : 63989
-----------------------------------
قالتْ سيدتي...
وبعينيها فرحُ الكلماتِ يضيءُ سماواتِ عذاباتي الزرقاء
كقوسِ قزحْ:
- أكتبْ شِعراً عن عينيّ السوداوين(69/265)
تملَّ مفاتنَ روحي الحلوة.. نرجسةً
.. نرجسةً
وارسمني - في دفترِ عمرِكَ, هذا المصفرِّ من الجدبِ,
وأحزانِ الدفلى,.. -
... نهرَ فرحْ
كانتْ أشجارُ الليمونِ تفوحُ شذىً
وجداولُ روحي تنسابُ - كشَعرِكِ -
في ظلمةِ هذا الليلِ...
تفيضُ مواويلاً...
تتصاعدُ من أكواخِ البردي, كالنجماتْ
تومضُ بين الخصلاتِ المضفورةِ - يا لله - بأحلامي
فأهيمُ مع الريحِ..
مع الدبكاتِ الريفيةِ في الأعراسِ
مع القمرِ السكرانِ
مع الكلماتِ الأولى لقصيدةِ حبٍّ لمْ تُكملْ بعدُ..
مع الخصلاتِ تظلّلني...
تحت رذاذِ الأمطار
ما أروعَ أنْ تضفرَ شعرَ امرأةٍ... تهواها
خيمةَ حبٍ...
... تسكنها حتى الموت!
*
آهٍ.. سيدتي!
الوردةُ تكبرُ في سندانةِ روحي
تغدو وطناً..
يضحك للناسْ
والضحكةُ تزهر في شفتيكِ
تغدو وطناً..
مشتعلاً بالجوري
والآسْ
وأنا بين الوطنِ الزاهرِ...
والشفتين
أزرعُ - تحت الشمسِ -
... بذورَ الكلماتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سماوات للحب
سماوات للحب
رقم القصيدة : 63990
-----------------------------------
محترقاً بالشعرِ.. وبالنظراتِ الأولى..، أتسكّعُ في مدنِ الكلماتِ.. وحيداً... أفتحُ قلبي للريحِ.. تمرُّ طيورُ النورسِ زاهيةً بسماوات بلادي, أسألها: لِمَ يرتعشُ القلبُ, إذا مرَّ على دكّةِ محبوبتهِ، وتفوحُ الأزهارُ.. ولا يرتعشُ العاذلُ حين يمرُّ، ولا...!!
يا جسرَ الكوفةِ حدّثني عن بستانِ اللوعةِ هلْ أزهرَ؟
عن آخرِ أشعارِ "كزار حنتوش"
أقول لجسرِ الكوفةِ: محترقٌ قلبي بالشعرِ... ومحترقٌ دمعي بالعشقِ... ومحترقٌ هذا العمرُ على أرصفةِ العينين الماطرتين... أفتّشُ في أروقةِ الروحِ المهجورةِ عن خصلةِ شَعرٍ تركتها امرأةٌ وارتحلتْ... عن قمرٍ منسيٍّ... عن أبياتٍ لمْ تُكملْ بعدُ... سأمنحُ هذا العش
أقولُ: صباحاً.. للعينين السوداوين الغافيتين على شطآن القلبِ...(69/266)
صباحاً يا "ميم" الحلوة.. يا أحلى من ورقِ الحزنِ الشفّافِ على طاولةِ الشاعرِ.. يا ضوءَ فوانيسِ الغربةِ في روحي.. يا مطري.. يا كلماتي..
مازلتُ - كعهدي الأولِ - أرقبُ خلف زجاجِ المقهى.. خطوتَكِ المسكونةَ بالدهشةِ.. أنسى قدحَ الشاي الساخن.. أنسى وجعي.. وقصاصاتِ الورقِ البيضاء على طاولتي... وأظلُّ أطاردُ خلفَ شرائطكِ الحمراء, غريباً.. كالريح..
أقولُ لقلبي: يا قلبي الضائعَ بين ضفافِ الكوفةِ حيث الفاتنة العينين، وسوقِ السراي.. أضعتُ سنيني.. ألهثُ خلف عناوين الكتبِ البرّاقةِ, بحثاً عن نجمٍ منفيٍّ لمْ يمسكْهُ أحدٌ.. يُدعى الشعر.. ويُدعى......!
قلتُ لعلَّ الفاتنةَ العينين تجيءُ بفستانِ الدفلى... قبل مغيبِ الشمسِ.. لتتركَ فوق العشبِ ندى الخطواتِ الخجلى... أو تنسى فوق المصطبةِ الخلفيةِ بعضَ الحبِّ... وتتركني محترقاً بالأحلامِ ككلِّ العشاقِ المجنونين، بهذا العالم...
أو قدْ تنسى - أعرفُ عادتها - موعدَنا.. وتمرُّ على بيتِ صديقتها.. لا شيء سوى تزجيةِ الوقتِ... ووحدي أبقى مشتولاً كالصفصافِ، أحدّقُ في ساعةِ عودتها... وككلِّ قصائدِ هذا العالمِ...
قد تأتي...
أو...
لا تأتي!!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تداعيات.. أمام باب القصيدة
تداعيات.. أمام باب القصيدة
رقم القصيدة : 63991
-----------------------------------
بعيداً...
عن الشعراءِ..
اتخذتُ لحزني ركناً قصيّاً..
بمقهى القصيدةْ
بعيداً عن الندواتِ, وثرثرةِ الصحبِ..
حاورتُ قلبي:
ألا أيها المتسكّعُ في المكتباتِ
وفي الطرقاتِ..
وحيداً
كثيرَ التلفّتِ والاشتهاءِ..
كثيرَ القراءةِ،
تحتَ ضياءِ المصابيحِ، والبقِّ...
في حارةٍ، لمْ تصافحْ جريدةْ
وتجمعُ في "دَخْلك" الخشبيِّ،
النقودَ...
لكي تشتري "البؤساء"،
و"شرح الحماسة"،
و"المتنبي"...
وغيرُكَ يلهو بـ "خرجية" العيدِ،
منتفخَ الجيبِ حلوى
وها أنتَ منتفخُ القلبِ،
شكوى...
تراقبُ طفلاً كسيحاً..(69/267)
وتعطي لشحاذةٍ كلَّ ما في يديكَ..
وحين تمرُّ أمامَ الأراجيحِ..
يغريكَ صاحبُها بالصعودِ مع الصبيةِ العابثين،
ستبني لوحدكَ.. أرجوحةً من خيالٍ..
وترحلُ نحو ضفافِ النجومِ البعيدةْ
وها أنتَ تكبرُ بين السطورِ..
وبين الطفولة،ِ والكتبِ المدرسيةِ..
بين الأزقةِ، والحلمِ..
تكثرُ كتبكَ..
يكثرُ صحبكَ..
تطرقُ بابَكَ
- ذاتَ صباحٍ بهيٍّ -
فتاةٌ، بعمرِ المحبةِ..
كي تستعيرَ كتاباً..
فتمنحها قلبكَ القرويَّ، كتاباً..
يضجُّ بشعرِ المروجِ
وصدحِ البلابلِ
والأغنياتِ الشريدةْ
ـ أأعجبَ آنستي.. يا ترى؟!
فتضحكُ في خجلٍ انثويٍّ لذيذٍ..
ـ أنا......!؟
وتدري بأنكَ كنتَ تجوعُ الليالي..
لكي تشتري في الصباحِ.. كتاباً
وأنكَ كنتَ تراسلُ كلَّ الجرائدِ..
علّكَ تبصرُ أسمَكَ هذا المشتّتَ..
يحتلُّ يوماً مكاناً صغيراً بإحدى الجرائدْ
وتبقى تعاندْ
حروفَ المطابعِ.. والحظَّ..
تبقى ولا شيءَ غير شماتةِ هذي اللعينة، هذي القصيدةِ، وهي تمدُّ اللسانَ بسخريةٍ...
فتمزقها - حنقاً - ثمَّ تلعنُ كلَّ حروفِ المطابعِ..
تلعنُ حظّكَ..
تلعنُ أنّكَ - ياللضياعِ - قد اخترتَ هذا الطريقَ المشاكسَ، هذا الطريقَ الطويلَ المريرَ إلى غابةِ الكلماتِ.. وحين يمرُّ بك الصحبُ، منطلقين.. إلى اللعبِ، سوف يرونكَ - من فتحةِ البابِ - منشغلاً بالقراءةِ، حدَّ الجنون
فيصرخُ أحّدهم هازئاً:
ما الذي سوفَ تجنيه
غيرَ المجاعاتِ..
يا فيلسوفَ الزمان..؟
*
بعيداً..
عن الشعراءِ..
اتخذتُ لقلبي ركناً نديّاً..
بمقهى القصيدة
وكنتُ وراءَ الزجاجِ المضبّبِ أبصرهم، واحداً، واحداً: بالرباطِ الأنيقِ، ومحفظةِ الجلدِ، واللغةِ المنتقاةِ..(69/268)
وما كنتُ أملكُ غيرَ قميصي الوحيدِ، ويتمي.. وما كنتُ أملكُ غيرَ ترابِ البلادِ، سافرُ بين الضلوعِ، وبين القصيدةِ.. بين الجفونِ، وبين حنينِ الطفولةِ للجسرِ والأمسياتِ.. وما كنتُ أفتحُ نافذتي لسوى الرازقيِّ، وسربِ النوارسِ... ما كنتُ غيرَ المتيّمِ بالشعرِ حتى ا
أصافحهم، واحداً، واحداً.. الأناملُ ناعمةٌ، ربما خدشتهم خشونةُ كفي..
وأبصرُ أشعارهم ترتدي بنطلوناً من الجنز، طُرّزَ بالبنيويةِ.. ترطنُ بالمفرداتِ الغريبةِ، وهي تمرُّ بحارتنا... فأسألُ: هل يشتري البسطاءُ القواميسَ.. كي يفهموا ما تقولُ القصيدةُ؟ يا وطني..
وإذ يصعدُ الشعراءُ لأبراجهم، متخمين يلوكون عصرَ الحضارةِ.. و"اليوت".. أنسلُّ للنهرِ وحدي
أذيبُ همومَ القصيدةِ في الموجِ..
تطفو على السطحِ رغوةُ قلبي وأشربها..
أيها المتعبون..
اشربوا نخبَ قلبي..
ثم أمضي مع الريحِ...
حيث الشوارعُ مغسولةٌ برذاذِ الصباحِ، ورائحةِ الناسِ والياسمينِ، وسربِ الجميلاتِ
حيث المصانعُ، والشجرُ المتطاولُ
حيث البلادُ تفتّحُ في كلِّ قلبٍ:
سماءً من اللازوردِ..
ونهرَ أمانٍ..
ومرجَ قصائد!.
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أغنياتٌ.. لها
أغنياتٌ.. لها
رقم القصيدة : 63992
-----------------------------------
الدربُ طويلٌ، يا بنتَ حميدِ المرعب، يبدأُ من نقطةِ حبرٍ سقطتْ فوق قميصكِ - هذا المترفِ، كالثلجِ، كزهرةِ قدّاحٍ لمْ تتفتّحْ - ذاتَ صباحٍ تشرينيٍّ, في الصفِّ.. ويبدأُ من سحبٍ ماطرةٍ، رحلتْ من بين أصابعِ كفي، وهي تمدُّ إليكِ بأُولى أشعاري، المسكونةِ باللوع
كانتْ أشجارُ الرمّانِ ببستانِ أبيكِ، توشوشُ للحارسِ عمّا نفعلهُ تحتَ الأغصانِ! وتحفظُ أشعاري
وأنا أذكرُ - ما زلتُ - خطانا الحيرى في "حي الأنصار"، وخفقَ نوارسِ قلبي حين تحطُّ على جسرِ الكوفةِ قبل ذبولِ الشفقِ الورديِّ، وهمسَ الجاراتِ أمامَ بيوتِ الحارة، حين أمرُّ غريباً متشحاً بالوجدِ(69/269)
أرقبُ شباكَكِ - من بُعدٍ - وأحدّثُ قلبي:
يا هذا المتشرّدُ تحتَ نثيثِ الأمطارِ.. تمهلْ
هل مازالَ بصدرِ العالمِ متسعٌ للحبْ..؟
*
الدربُ طويلٌ..
يا نفسي الصاعدَ والنازلَ..
والعمرُ قصيرٌ.. أقصرُ من فستانِ مراهقةٍ، عبرتْ واجهةَ المقهى، تتبعها النظراتُ الولهى..
وأنا أتبعُ خيطَ دمي... ينسابُ على الأوراقِ البيضاء ببطءٍ أخّاذٍ
وأنا مالي، ومراهقةٍ عبرتْ ـ قبلَ قليلٍ ـ واجهةَ المقهى
أوشكَ أن يفرغَ كيسُ العمرِ
ولمْ أكتبْ للآنَ قصيدةَ شعرٍ تسعُ الحزنَ البشريَّ، وجوعَ العالمِ..
لكنَّ العالمَ
ينسى في زحمتهِ المنكودةِ, أحزانَ الإنسانِ المنكودِ
وينساني...
وأنا أعرفُ أنَّ الوردةَ حين تموتُ
ستسحقها الأقدامْ!!
لكنَّ العطرَ سيبقى يملأُ قارورةَ قلبي...
*
الدربُ طويلٌ، يا بنتَ المرعبِ، يا شجرَ الحزنِ المورقَ في روحي
فضعي كفَّكِ في كفي.. نمضِ تحت الأمطارِ المجنونةِ، مرتعشين من الوجدِ, وبوحِ اللمساتِ الأولى...
ندخلُ سوقَ "السراي"
نفتّشُ بين رفوفِ الكتبِ المصفرّةِ..
عن حزنِ العالمْ..
عن أشعارٍ لمْ تُنشرْ للسيابْ
وعن موتِ الكلماتِ بهذا العصر..
فتغيمُ الأمطارُ المنسيةُ في عينيها،.. وهي تقلّبُ بؤسَ العالمِ في الأوراقِ المصفرّةِ
هل تعبتْ سيدتي..؟
هل تعرفُ أنَّ حضارةَ هذا العالم يحكمها السكين..؟!
لكنّا نختارُ ـ قريباً من جسرِ الصرّافية ـ مصطبةً فارغةً، نجلسُ - تحت رذاذِ الحبِّ الناعمِ - ملتصقين
تتماوجُ دجلة... خيطاً أزرقَ
يمتدُّ - وديعاً - من عينيها الصافيتين
..... حتى قلبي
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أمي
أمي
رقم القصيدة : 63993
-----------------------------------
لأمي ـ إذا انسدلَ الليلُ ـ حزنٌ شفيفٌ، كحزنِ الحدائقِ.. وهي تلملمُ في آخرِ الليلِ، أوراقَها الذابلةْ
لأميَ، سجادةٌ للصلاةِ
وخوفٌ قديمٌ من الدركيِّ
تخبّئنا ـ كلما مرَّ في الحيِّ ـ تحت عباءتها
وتخافُ علينا عيونََ النساءِ،(69/270)
وغولَ المساءِ،
وغدرَ الزمانْ
لأميَ، عاداتها.. لا تفارقها
فعندَ الغروبِ، ستشعلُ "حرملَها"، عاطراً بالتمائمِ،
يطردُ عن بيتنا الشرَّ -كانتْ تقولُ- وعينَ الحسودْ
وكلّ ثلاثاء..
تمضي إلى مسجدِ السهلةِ
توزّعُ خبزاً وتمراً
وتنذرُ "للخضرِ" صينيةً من شموعٍ،
اذا جاءها بالمراد
ستوقدها - في المساء -
على شاطيءِ الكوفةِ
فأبصرُ دمعتها تتلألأ تحت الرموشِ البليلةِ
منسابةً...
كارتعاشِ ضياءِ الشموعْ
ألا أيها النهرُ...
رفقاً بشمْعاتِ أمي
فنيرانها... بعدُ لمْ تنطفِ
وياسيدي "الخضر"...
رفقاً بدمْعاتِ أمي
ففي قلبها...
كلُّ حزنِ الفراتْ
*
لأميَ، مِغزلُها
يغزلُ العمرَ...
خيطاً رفيعاً، من الآهِ
كانتْ تبلُّ أصابعَها ـ اذا انقطعَ الخيطُ من حسرةٍ ـ
ثم تفتلهُ...
فمَنْ ذا الذي، سوف يفتلُ خيطَ الزمانِ...
إذا ما تقطّعَ بالآهِ ـ ياقرةَ العينِ ـ
مَنْ ذا...؟
فما زلتُ في حضنها...
الناحلَ القرويَ المشاكسَ
أبكي إذا دارَ مغزلها بالشجونِ..
وأسمعها في الليالي الوحيداتِ تشدو
بصوتٍ رخيمٍ:
"لبسْ خصر العجيج وخصر ماروجْ
أنا روّجني زماني قبل ما اروجْ
ولكْ لا تخبط الماي... ياروجْ
بعد بالروح عتْبه ويه الأحبابْ..
.........
لبس بالراس هندية وشيلهْ
ودموع العين ما بطلنْ وشيلهْ
تمنيت الترف..........
.................
..........."
........
وأبصرها خلسةً...
ثم أرنو لقلبي..!
أما زال يشجيكَ موّالُها
كلما دارَ فيكَ الزمانُ... ودارَ
ومرتْ على دربك الآنساتُ الأنيقاتُ.. يا صاحبي
وهي ترنو لمرآتها!!
جدول الشيبِ ـ ياللشماتةِ ـ
ينسابُ متئدأ في المروجِ
فمَنْ يرجعُ العمرَ - هذا السرابَ الجميلَ -
ولو مرةً..؟!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أحاديث خاصة ليست للنشر
أحاديث خاصة ليست للنشر
رقم القصيدة : 63994
-----------------------------------
إلى مدني صالح(69/271)
تحدّثني النفسُ.. أني سأتلفُ عمري الطويلَ العريضَ.. على كتبٍ، ونساءٍ، وحاناتِ حزنٍ، وصحبٍ يمرّون مثلَ السحاب..
تحدّثني النفسُ - يا ويلتي - من حديثِ اللعينةِ، تلك التي
تقودُ خطاي الضليلةَ..
نحو الغوايةِ والمشتهى..
فإنْ مرَّ عشرونَ عاماً من النثرِ، والجمرِ، والسفرِ البكْرِ، هذا الضياع المهذّب خلف خطى الفتياتِ.. وخلف دخانِ المكاتبِ، والشعرِ... أوقفني ندمٌ نازفٌ في الضلوعِ:
أهذا إذن كلّ ما قدْ حصدتَ من العمرِ... يا صاحبي
وأسمعُ تقريعها قاسياً، شاحباً
وهي تحصي أمام المرايا.. تجاعيدَ وجهي،
وأسناني الساقطة!
*
تحدثني النفسُ - في بوحِها - عكسَ ما قدْ يطيبُ لصحبي الحديثُ المثرّثرُ عن أيِّ شيءٍ سوى جمرةِ النفسِ، تلك الخبيئة، خلفَ رمادِ التذكّرِ، واللغةِ المنتقاةِ...
ولكنني حين أنبشُ في موقدِ القلبِ.. عن خصلةٍ تركتها امرأة...
وعن دفترٍ مدرسيٍّ نزفتُ به أولَ الكلماتْ
وعن نخلتين،... وأرجوحةٍ لاصطيادِ القمرْ
سأبصرها في ليالي العذابْ
تقاسمني غرفتي، والكتابْ
وكعادتها، في الحديثِ الطويلِ أمام وجومي...
ستجلسُ فوق سريري
وتسألني في اضطرابْ
عن مواعيدَ خائبةٍ...
ووجوهِ نساءٍ نسيتُ - بوسطِ الزحامِ - ملامحَها
وعناوينَ في صحفٍ قذفتها المطابعُ
عن آخرِ الأصدقاءِ
وعن.........
... بوحِ نفسي
وللنفسِ، هذا الحديثُ الفضوليُّ...
لائحةُ اللومِ حين تقدّمها...
- مثلما عوّدتني بكلِّ مساءٍ - كفاتورةٍ للحسابْ
ثم تسبقني في الهواجسِ
تسبقني في التخيّلِ، والمفرداتِ، الغواياتِ،
هذا الطريق الطويل إلى آخرِ العمرِ...، والذكرياتِ
وماذا تبقّى من العمرِ... يا صاحبي؟!
حفنةٌ من سنينٍ، وكدسٌ من الكتبِ المنتقاةِ، ستحشو بها رأسَكَ الفوضويَّ... وتمضي تثرثرُ... في الجلساتِ، وفي الندواتِ: عن الشعرِ، والموضةِ الألسنيةِ والنقدِ في حلباتِ الجرائدِ...
حتى إذا مرَّ عشرون عاماً... وعشرون أخرى(69/272)
وقلّبتَ بين يديك دواوينَكَ الخمسةَ، النائماتِ على الرفِّ...
تلك التي استنزفتكَ السنينَ الجميلاتِ، والحلمَ...
يا صاحبي
سيوقفني ندمٌ قاتلٌ في الحنايا...
وأسمعُ تقريعَها هادئاً، هازئاً
وهي تحصي أمام المرايا، حرائقَ رأسي المشوبِ بأحلامهِ البيضِ، والصلعةِ الناصعة
- أهذا الذي... كلّ ما قدْ جنيتَ من العمر...
يا صاحبي!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قصائد.. إلى سيدة البنفسج
قصائد.. إلى سيدة البنفسج
رقم القصيدة : 63995
-----------------------------------
(1)
تجيئين مسكونةً بالهواجسِ
تفترشين حدائقَ قلبي
وتمضين للنهرِ...
قبلَ مجيءِ الصبياتِ
تغتسلين بماءِ حنيني
وأمضي أنا...
أمشّطُ غاباتِ شَعرِكِ
أركضُ خلفَ الفراشاتِ..
.. والحلمِ
ثم أعودُ وحيداً
أجوبُ الشوارعَ
أبحثُ تحتَ رذاذِ القصيدةِ
.. والمطرِ الحلوِ
عن شفتيكِ..!
وأشربُ نخبَ ضياعي اللذيذ
لماذا يطاردني الحزنُ
- حين أكونُ وحيداً -
بكلِّ الشوارعِ..
كلِّ الحدائقِ
والمكتباتِ...
وخلفَ زجاجِ المقاهي...
فأبحثُ عنكِ
وأسألُ كلَّ صبياتِ حارتنا
وأسألُ كلَّ العصافيرِ في غابةِ الوجدِ...
أسألُ حتى...
إذا أنتصفَ الليلُ.. يا حلوتي...
وأقفرتِ الطرقاتُ من الناسِ
وانطفأتْ في البيوتِ، المصابيحُ..
والهمساتُ
وعدتُ إلى غرفتي.. متعباً
خائبَ الخطوِ..
منطفئاً بالرياحْ
سوف تقحمُ نافذتي!
وتنامُ - كما الحلم -
بين القصيدةِ، والجفنِ
... حتى الصباحْ
*
(2)
تجيئين في هدأةِ الليلِ
بيني، وبين الرصاصةِ
وجهكِ...
والثرثراتُ
وهذا الوميضُ القتيلْ
وبين دمي، والقصيدةِ
نافذةٌ......
طرزتها زهورُ البنفسجِ
كانتْ طيورُ الصباحِ...
...... تحطُّ أمامَ سريركِ
مفتونةً بانثيالِ الضفيرةِ
مجنونةً بالغصونِ البليلةِ
ثمَّ تحطُّ على موضعي
وتموتُ... بلا ضجةٍ، أو رثاءْ
أكانتْ طيورُ الصباحِ الجميلةُ
- وهي تغني على خشبِ الموضعِ المتآكلِ -
تعرفُ أنَّ الرصاصةَ
لا ترحمُ الزقزقاتِ،(69/273)
ولا تتنشقُ زهرَ البنفسجِ
حين تمرُّ.. على غصنِ روحي البليلْ
أم ترى أنها...
وقفتْ! فوق كوّةِ موضعنا
تتحدى الرصاصَ اللعينَ
تشاكسهُ بالغناءِ الجميلْ
ثم تشتمهُ...
وتموتْ!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بيروت...
بيروت...
رقم القصيدة : 63996
-----------------------------------
يا بريدَ الدمِ العربي!
ماذا ببيروت؟
إنَّ المحطاتِ موصدةٌ
والقطاراتِ ملغومةٌ بالجثثْ!
وبعض الجرائدِ، مشغولةٌ
- لا تزالُ -
بتمجيدِ حكّامِها
فماذا تقولُ القصيدةُ؟... بيروت!
إنَّ صيارفةَ العصرِ منتشرون بكلِّ زوايا المدينةِ
إنَّ رجالَ المباحثِ ملتصقون بكلِّ خلايا القصيدةِ
ماذا ببيروت..!؟
- لا شيءَ...!
- لا شيءَ...
- لا شيء ...
- لا شيءَ! يدعو لإطفاءِ غليونكَ الذهبيِّ
فثمة ناسٌ يموتون...
يا سيدي!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> في المقهى...
في المقهى...
رقم القصيدة : 63997
-----------------------------------
ودلفتُ إلى مقهى الأدباءِ.. وحيداً، مرتبكاً، أتحاشى نظراتِ الشعراءِ الملتفين على بعضهمُ، وحواراتِ النقاد... وجدتُ لنفسي كرسياً مهترئاً.. أتردّدُ بعضَ الوقتِ، وأجلسُ منحشراً قربَ دمي المتوجّسِ، أرنو لوجوههمُ ملتذاً.. أتذكرُ أني أبصرتُ ملامحَ بعضهمُ تتصدرُ أعم
حاولتُ بأن أتلهى بتصفحِ ما بين يدي من صحفِ المقهى...
كانتْ نفسُ الأوجهِ تبرزُ من خللِ الأسطرِ، تحدجني ببرودٍ لمْ أفهمْهُ!...
جاءَ النادلُ... لمْ "يتواضعْ" أحدٌ أنْ يطلبَ لي شاياً!
فطلبتُ من النادلِ... أن يأتيني بالبحرِ، وزقزقةِ الغاباتِ المنسيةِ في كراساتِ طفولتنا، ورسائلِ حبي الأولى تحت وسادةِ بنتِ الجيرانِ، ونوحِ نواعيرِ أغانينا فوق ضفافِ الكوفةِ، والقمرِ الحالمِ، والدفلى، وأراجيحِ العيدِ، وركضِ الصبيةِ تحت رذاذِ المطرِ العذبِ، وأش
هزَّ النادلُ كتفيهِ ذهولاً، ومضى يضحكُ من أحلامي المجنونةِ..
- لا بأسَ!... سأطلبُ شاياً!(69/274)
كان المقهى يغرقُ في ثرثرةِ الروّادِ، وغيمِ سجائرهم،..
وأنا وحدي أغرقُ في غيمِ دمي الماطرِ فوق الأوراقِ، وأرصفةِ العالمِ،.. منشغلاً بقصيدةِ حبٍّ بائسةٍ بدأتْ تنقرُ نافذةَ القلبِ - بكلِّ هدوءٍ - وأحسُّ خطاها تتسلّلُ عبرَ دمي والأدغالِ المصفرّةِ..
قلتُ لعلَّ الفاتنةَ الدلِّ تشاركني طاولتي، والغربةَ!..
في خجلٍ.. أخرجتُ - من المعطفِ - أوراقي البيضاءَ كقلبي...
حدجتني الأعينُ!.. وابتدأتْ همساتُ النقادِ، الشعراء، تحاصرني...
لمْ أتمالكْ نفسي..! لملمتُ بقايا أوراقي، وخرجتُ إلى الشارعِ - مندفعاً - تحت نثيثِ الأمطارِ وريحِ الغربةِ والكلماتِ المجنونةِ.. أبحثُ عن طاولةٍ هادئةٍ في هذا العالمِ...
تكفي لقصيدةِ حبٍّ بائسةٍ،
وأغاني رجلٍ جائعْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أفكار بصوت واطيء..!
أفكار بصوت واطيء..!
رقم القصيدة : 63998
-----------------------------------
إلى الشاعر يوسف الصائغ
قلتُ لنفسي...
وأنا أحملُ صلبانَ الكلماتِ على ظهري المحنيِّ، وأمشي مهموماً، محترقاً بعذاباتِ العالمِ، طولَ العمر:
- لِمَ تتعبُ نفسَكَ يا ع. الصائغ.. في البحثِ عن الشعرِ. وبين ضفائرِ تلك الفتياتِ الحلواتِ، قصائدُ حبٍ.. لمْ يكتبها أحدٌ بعدُ!
قلتُ:
- لماذا تفني أيامَكَ بين رفوفِ الكتبِ المصفرّةِ، من قرضِ العثِّ... وهذا المطرُ التشرينيُّ... ينثُّ قصائدَهُ... والوردَ، على أوراقِ الأرصفةِ المبتلّةِ.. والناسِ
على غاباتِ القلبِ... على أغصانِ الشجرِ المتسلّقِ شباكَ الفارعةِ الطولِ.. على الشَعرِ المتبقي من فروةِ رأسِكَ، هذا المكتظ بأحزانِ الدنيا
قلتُ لنفسي:
- ولماذا لا تشري "قاطاً" و"رباطاً"، تمرقُ في الطرقاتِ، أنيقاً، منتفخَ البطنِ من الشبعِ، تشاركُ صحبَكَ لعبَ "الدومينو"... ومعاكسةَ النسوةِ..., والثرثرةَ الفجةَ - في المقهى - وتبادلَ أشرطةِ الفديو.. بدلَ الكتبِ الحمقاء... وهذا الجوعِ المضني والسهرِ المعتادِ(69/275)
قلتُ لنفسي:
ـ العمرُ قصيرٌ.. لا يكفي للنزهةِ
.. لا يكفي لعناءاتِ العالمِ
أو عشقِ امرأةٍ
فلماذا تذبحهُ في شرحِ البرقوقي..
وعذاباتِ الحلاج..
وأزهارِ الشرِّ لبودلير..
وكتبِ أبي حيان التوحيدي
.........
.........
قلتُ لنفسي هذا
ودلفتُ لمكتبةٍ أخرى... في "سوق السراي"!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مقطعان
مقطعان
رقم القصيدة : 63999
-----------------------------------
من حياة الشهيد فاضل النجفي
(1)
زعل..
أما زلتَ زعلانَ... يا صاحبي؟
ومن قبل عشرين.. مرّتْ
كومضِ السجائرِ
لمْ تنطفىءْ حسرةٌ خلّفتها ضفيرتها العابثةْ
أما زلتَ زعلانَ من صدفةٍ؟
فلتتْ من يديكَ - كبعضِ مواعيدها -
وبين الحشا والرصاصةِ
هذي البلادُ التي تسعُ الحلمَ
هذي المسافاتُ حيثُ يلمُّ البنفسجُ أحزانَهُ
قربَ شباكِ فاتنتي
أما زلتَ طولَ الطريقِ لبستانِ عبد الحميد
تلملمُ بعضَ الحصى
وتراهنُ صحبَكَ..
أيُّ الطيورِ ستفلتُ من "كزوةٍ" صنعتها يداكَ..
أيُّ البناتِ ستفلتُ من نظرةٍ كسّرتها الهمومُ البليلةُ
أيُّ القصائدِ تفلتُ من شَرَكِ القلبِ... يا صاحبي
وبين التي سكنتْ أضلعي
والقصيدةِ
هذي البلادُ
فهل عذّبتكَ مواعيدُها؟
وهل لوّعتكَ البلادُ الحبيبةُ... قلْ لي؟
ولمْ تكُ تملكُ غيرَ الكراريسِ, بيتاً ظليلاً على ضفةِ النهرِ
يسكنهُ الحلمُ والشمعةُ العاشقةْ
وخلفَ النوافذِ تسرحُ عيناكَ
حيثُ المروجُ النديّةُ, والصبيةُ العابثون
ووحدكَ كنتَ بمنعطفِ الدربِ
مرتقباً خطوَها
يستفزُّ سنينَكَ
يشعلُ في غابةِ الروحِ أحطابها اليابسةْ
أتذكرُ...؟ كنتَ المشاكسَ
ترمي الصبياتِ بالوردِ
ثم تغني على الجسرِ منتشياً:
"عمي يا بياع الورد"
كلي الوردْ.. بيش؟.."
فمَنْ يشتري الوردَ.. يا صاحبي
في الزمانِ الرديء!؟؟
*
أتذكرُ..؟
كنتَ تموتُ إذا خاصمتكَ الحبيبةُ يوماً
تقطّعُ رجليكَ مشياً بحارتهم..
أم ترى سوف تجلسُ في البارِ وحدكَ
تحسو همومَ الزمانِ(69/276)
وتحلمُ في شَعرِها المتناثرِ عبر المحطاتِ
عبرَ السواترِ
عبرَ العذاباتِ
عبرَ الفيافي
وتدري بأنَّ الحبيبةَ يحلو لها الزعلُ المرُّ
لكنكَ الآنَ في الساترِ {المترمّلِ، ملقىً وحيداً،
بدون حراك}
زعلانَ من طلقةٍ
خيّبتْ ظنَكَ..
حين تلاشتْ دون وميضْ!
22/8/1983 بغداد
*
(2)
مواويل..
ناحلاً..
كان ينسابُ بين الأزقةِ
متشحاً بالصباباتِ
وقْعُ خطاهُ - تقولُ الفتاةُ الخجولةُ -
قد أسّرتْ قلبَها
واستباحتْ مواويلها
لمْ يكنْ يلتفتْ
حينَ يعبرُ شباكَها
ساهماً..
هائماً..
غير أنَّ على بابها
اكتشفتْ - ذات صبحٍ بهيٍّ -
زهوراً من الياسمين..
وبعضَ طيورٍ... تغني!
*
قِيلَ إنَّ الرصاصةَ مرّتْ كومضٍ
وكانَ يغني على الساترِ المتقدّمِ.. موالَهُ
"آه.. ياليل..
آه.. ياعين..
"الضعن سار بليل
دوب أسمع الويدْ
هاك أخذ روحي وياك
يالرايح بعيدْ...!"
ليتَ أنَّ المواويلََ.. يا فاضل النجفي
لا يقاطعها - في هدوءِ المساءِ المخيّمِ -
زخُّ الرصاصِ
وليتَ المواويلَ... تطرقُ في الليلِ
شباكَ فاتنتي
وتحدّثها عن هواي..
وما يشتهي القلبُ، هذا المحاصرُ بالموتِ والشوقِ
ليتَ الرصاصةَ...
مرّتْ كومضٍ
ولمْ تنطفِ... بين أضلاعهِ
والبلادِ الحبيبةِ...
والمشتهى...
حيثُ موالُهُ..
بعدُ.. لمْ ينطفِ!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تخطيطات أليفة... عن الأصدقاء
تخطيطات أليفة... عن الأصدقاء
رقم القصيدة : 64000
-----------------------------------
(1)
"الشهيد محمد عبد الزهرة ياسين"
في آخرةِ الليلِ
طَرَقاتٌ ناحلةٌ
فوق البابِ
ـ مَنْ..!؟
ـ محمد عبد الزهرة..!
يدلفُ للبيتِ.. كعادتهِ
ضحكتهُ المعهودةُ، والخطو الملكيُّ..
ورائحةُ الآسْ
ـ اليومَ قرأتُ قصيدتَكَ الحلوةَ في "الجمهورية"
عن وطنِ الوردةِ
والنورسِ...
والشهداءِ
و{ليل الدمعةْ}
فأتيتُ..
لكي أشعلَ - قربَ سريركَ -
شمعة!
15/12/1983
*
(2)
"الفنان محمد لقمان"
ماذا تقرأُ.. في الموضعِ!؟
ماذا ترسمْ..؟(69/277)
قلْ لي.. وبماذا تحلمْ!!؟
الأرضُ - أمامكَ - لوحةْ
واللونُ هو الدمْ!
1983
*
(3)
"حسن صكبان"
أبصرهُ..
في حانوتِ "الحربية"
وجهاً يحملُ كلَّ عذوبةِ نهرِ الديوانية
وأريجِ حدائقها..
ومواويلِ أهاليها..
كانَ يلّوحُ لي، بصحيفتهِ، منتشياً
يسألني:
- أقرأتَ - اليومَ - قصيدةَ هذا الديوانيّ الناحلِ
حدّ الحبِّ "كزار حنتوش"
1983
*
(4)
"الصديق الذي.."
تلفّتُ، أبحثُ عن مقعدٍ هاديءٍ
في انتظارِ صديقي..!
كان مقهى "أم كلثوم" مزدحماً
و"الزهاويّ" مستغرقاً في دخانِ النراجيلِ
و"البرلمان" الذي ابتلعتهُ المحلاتُ...
قلتُ لنفسي..
وكانتْ ظهيرةُ تموز تصهرُ قيرَ الدقائقِ
تصهرُ حتى الشوارعَ.. والأصدقاءْ
- ألمْ يأتِ بعدُ صديقي..؟
وقلتُ:
لأمضي إلى شارعِ "المتنبي"
أضيّعُ بعضاً من الوقتِ.. في المكتباتِ
أمشّطها - مثلما اعتدتُ - مكتبةً، مكتبةْ
ولكنني..!
بين كدْسِ الحروفِ
وبين الرفوفِ
نسيتُ صديقي..!
2/11/1983 بغداد
*
(5)
"عز الدين سلمان"
يا عِزي..
غنِّ.. يا عزي
فالدنيا لا تستأهلُ أن تحزنَ.. يا عزي
أعرفُ أنَّ الحانةَ
تطردُ في آخرةِ الليلِ.. زبائنها
وتظلُ خطاك الملعونةُ..
- وهي تمزّقُ صمتَ الطرقاتْ -
تبحثُ عن مصطبةٍ فارغةٍ
تتمددُ فيها..
رغمَ البقِّ وصفاراتِ الشرطةِ, والبردِ,
وحزنِ الكلماتْ
لكنكَ, حين يطلُّ الصبحُ ندياً
يمتليءُ الشارعُ بالناسِ.. وبالدفءِ..
وعطرِ الفتياتْ
عبثاً تبحثُ عمّا أفلتهُ النادلُ من بين أصابعهِ
لا بأسَ..!
ستمضي للشغلِ.. بدون فطور..
وعيناكَ الناحلتان.. تقلّبُ في أعمدةِ الصحفِ اليوميةِ
.. بحثاً عن كلماتٍ...
لمْ تكتبها!
1983
*
(6)
"كاظم عبد حسن"
قلقاً..
حتى العظمْ
وكأن على كتفيكَ المهزولين, همومَ العالمْ
لكنَّ العالمَ ينسى "كاظمَ عبد الحسن"...!
حين تموتُ غداً.. يا كاظمْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> كركرات الطفل مهند
كركرات الطفل مهند
رقم القصيدة : 64001(69/278)
-----------------------------------
زاحفاً فوق عشبِ الحديقةِ
ممتلئاً بالندى, والغصونِ الخفيضةِ, والكركراتْ
أراهُ يحدّقُ - مرتبكاً - في وجوهِ الضيوفِ الغريبةِ
منحشراً قربَ "شيماء" تلك اللعينة في اللعبِ
أو جالساً فوق حضني..
وكعادتهِ.. سيمصُّ بإبهامهِ.. عبثاً ما تحذّرهُ أمهُ
ولكنه! حين يضجرُ من عالمِ الجالسين الأنيقين,
والغرفةِ الجامدةْ
سوفَ يصحبُ "شيماء" للعبِ.. في أيّما لعبةٍ
أو سيزحفُ ثانيةً للحديقةِ..
يقطعُ بعضَ الزهورِ..
وينثرها عابثاً.. في الطريقْ!
*
وحين يراني.. بمكتبتي
غير ملتفتٍ نحوه
غارقاً بالقراءةِ،
أو بالتأملِ في عالمٍ من ضبابْ
سيسحبُ - ياللمشاكس - مني الكتابْ
ويدعونني للعبْ!
*
كركراتُ الطفولةِ ملءُ فمي.. إذْ أراهُ يكركرُ
يرنو إلى قطةِ البيتِ..
والقطةُ المستفزّةُ ترنو إليه
وبينهما عالمٌ من تحدٍّ لذيذٍ, وخوفٍ قديمْ
وبعضُ المسافةِ، للاشتباكْ
يراقبها حذراً..!
وتراقبهُ خشيةً للوثوبْ
يهمهمُ..! ماذا يقولُ "مهند" في هذه اللحظةِ الحاسمةْ!؟
يهشُّ إليها.. فتلمعُ - في لحظةِ الخوفِ - أحداقُها..
وتموءُ...
فيبكي من الخوفِ!
ـ ماذا أيهربُ من قطةٍ!؟
ولكنّهُ يتشجّعُ حين يرانا نراقبهُ...
يتقدمُ, محتدماً نحوها -
صارخاً...
فتفرُّ من البيتِ مذعورةً
وهو يمضي يلاحقها.. فرحاً, واثقاً
ويكركرُ منتصراً...
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> خمسون قذيفة هل تكفي؟
خمسون قذيفة هل تكفي؟
رقم القصيدة : 64002
-----------------------------------
(1)
لمخيّمِ "نهر البارد" شكلُ الجرحِ العربيِّ الراعفِ في الخطبِ الرسميةِ, والأروقةِ الصفراء، تقاسمهُ أبناءُ العمِّ, ولمْ يبقَ لبيروت المفجوعةِ بالحبِّ وبالموتِ سوى نهرِ رمادِ الحزنِ العربيِّ، وأقراصٍ "ضد الثأر"، وأشلاءِ الأهلِ، ونشرةِ أخبارٍ "ناعسةِ الطرفِ"،...
*
(2)(69/279)
لمخيم "نهرِ الباردِ" أن يرثي الزمنَ العربيَّ المتعثّرَ، بين خيامِ بني ذبيان وحاناتِ نيويورك،.. المتخثّرَ في أضباراتِ المجدِ المنسيّةِ فوق رفوفِ التاريخِ،.. اللاهثَ بين خطوطِ الطولِ, وبين...
خطوطِ الملصقْ!
*
(3)
- خمسون قذيفة!..
في صدرِ مخيم "نهر البارد" و "البدّاوي"!!
... هل تكفي...؟
- خمسون قذيفة!..
هل تصلحُ مانشيتاً لجرائدكم؟
- خمسون قذيفة!..
هل تكفي لفطوركَ يا مولاي!!؟
- .....؟
*
(4)
لمخيمِ "نهرِ البارد".. حين يجنُّ الليلْ
أن يخرجَ من باراتِ النصرِ, وحيداً
يترنحُ في الطرقاتِ، وفي الساحاتِ العربيةِ.. وهو يغني:
".. ونشربُ إنْ ورِدنا الماءَ صفواً
ويشربُ غيرنا......"
آهِ.. يا ليل!
آهِ.. يا عين!..
.......
لمخيمِ "نهرِ الباردِ"
أن يبلعَ "خمسين قذيفة"
منتحراً
قبل سقوطِ الزمنِ العربيِّ
تحت سنابكِ خيلِ الأخوةِ والأعداءْ!
*
(5)
- مَنْ يمنحُ "نهرَ البارد"،.. قرصاً للنوم؟
- مَنْ يشتلُ في "نهرِ البارد"، زهرةَ حبٍّ لا تسحقها أقدامُ القتلة؟
- مَنْ يكتبُ في "نهرِ البارد"، مرثيّةَ هذا العصرِ؟
- مَنْ يبنِ لمخيمِ "نهرِ الباردِ"، جسراً يمتدُ إلى ضفةِ الشمسِ العربيةِ
لا تنسفهُ دباباتُ بني العم..؟
- مَنْ يعرفُ أنَّ لـ "نهرِ البارد" طعم مياهِ الأنهارِ العربيةِ، ممزوجاً بالدم؟
- مَنْ يرسمُ عن "نهر البارد" ملصقْ!؟..
*
(6)
لمخيم "نهر البارد".. نشرةُ أخبار
لا تنشرها صحفُ العالم
فالتقطوا - ما شئتمْ - صوراً نادرةً، للذكرى
مع أحجارِ خرائبها
مع أشلاءِ بنيها
مع أمطارِ فواجعها
هذا زمنٌ.. صارَ به الجرحُ العربيُّ، منابرَ للشعرِ
وسوقَ مزادْ
صارَ به الموتُ العربيُّ مواسمَ للذكرى
- مَنْ يتذكّرُ كفرَ قاسم؟
- مَنْ يتذكّرُ ديرَ ياسين!؟
- مَنْ يتذكّرُ تلَّ الزعتر!؟
- مَنْ يتذكّرُ شاتيلا!؟
- مَنْ يتذكّرُ خمسينَ قذيفة...
في صدرِ مخيمِ "نهر البارد" و"البدّاوي"!؟
- مَنْ يتذكّرُ......!؟
- مَنْ.........؟
*
(7)(69/280)
خمسون قذيفة!
خمسون قذيفة!
هل تكفي لفطورِكَ...؟
يا مولاي!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مقطع عرضي..من حياةِ رقاصِ الساعة
مقطع عرضي..من حياةِ رقاصِ الساعة
رقم القصيدة : 64003
-----------------------------------
كان مثنى كالمصعدْ
يهبطُ...
يصعدْ...!
لكنَّ مثنى قرّرَ أنْ يتوقفَ عن هذا التعبِ اليوميِّ،
المللِ المتكّررِ..
أنْ يفتحَ نافذةَ القلبِ على البحرِ المزبدْ
أنْ يركضَ، يركضَ، حافي القدمين، على العشبِ الناعمِ
أنْ يتمددْ
أن ينسى كلَّ عواءِ السياراتِ...
ضجيج المدنِ الملغومةِ بالآلاتِ، وبالأضواءِ
موسيقى الديسكو، الإعلاناتِ
اللهث وراءَ اللقمةِ
صافرة الشرطيِّ،
أنين المصعدْ..!
ومثنى...
لمْ يسكرْ في بارٍ
لمْ يختلسِ النظراتِ لساقِ فتاةٍ في سلّمِ باصٍ
لمْ يسرقْ تيناً من بستانِ أحدْ
ومثنى لمْ يدخلْ مدرسةً
ويصدّق أنَّ الأرضَ تدورُ
وأصلَ الإنسانِ "من القردِ"..
وما خبّأ تحت وسادتهِ قمراً مجنوناً
أو أغنيةً لـ"أم كلثوم"
أو ديناراً من شغلِ الأمسِ
ولمْ يبكِ على ما فاتَ
ولمْ يحقدْ...
ومثنى... آهٍ
أضبط من رقّاصِ الساعة
في الثامنةِ المعتادةِ يذهبُ للشغلِ
وفي الثانيةِ المعتادةِ يرجعُ للبيتِ
وبين الشغلِ، وبين البيتِ
أضاعَ مثنى عنوانَ النهرِ، الصحب،
الأشجار،
وضيّعهُ الأصحابُ
ومقهى يرتادون
وشقراء.. لمْ تجنِ منه سوى الخجلِ القرويِّ
وسلّةِ تمرٍ، وحكاياتٍ بيضاء...
فعافتهُ وحيداً
محترقَ الأجفانِ أمام الشباكِ الموصدْ
ماذا لو يسترخي الآنَ أمامَ النافذةِ المفتوحةِ..
طولَ الصبحِ..
ويتركُ هذا الجرسَ الأحمقَ.. يقرعُ حتى...
ماذا لو يذهبُ للبستانِ - كما كان مع الأصحابِ -
ويجمعُ بعضَ السعفِ اليابسِ
يشوي ما اصطادَ من الأسماكِ.. على الجرفِ
ويأكلُ حتى التخمة...
ماذا لو...
يركضُ خلفَ فراشاتِ طفولتهِ الغافيةِ الآنَ
على أكمامِ الوردْ...
ماذا لو ينسى - لدقائق - أنَّ العالمَ
مشحونٌ بالأتعابِ..(69/281)
وبالدخانِ الأسودْ
ماذا لو.......
........
لكنَّ مثنى، وهو يفكّرُ أن يوقفَ سيرَ المصعدْ
يسرعُ نحو الشغلِ - كعادتهِ -
يجلسُ خلفَ الطاولةِ المتآكلةِ الأطرافِ
يفكّرُ بالترفيعِ..،
وخمسةِ أفواهٍ زغبٍ
وحياةٍ كالريحْ..!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> زهرة عباد الشمس
زهرة عباد الشمس
رقم القصيدة : 64004
-----------------------------------
معتادٌ، حين أعودُ وحيداً، ثملاً
في منتصفِ الليلِ
أنْ أشعلَ مصباحَ ممرِّ البيتِ
وأدلف...
وكعادتها،
تستيقظُ زهرةُ عباد الشمس
تتمطّى - في كسلٍ -
فوق بساطِ العشبِ المعتم
تلوي العنقَ بعكسِ الريح
تتلفّتُ، ظامئةً،
حائرةً
مندهشةْ..
تبحثُ عن ضوءِ الشمس
حتى تيأسَ
أو تنعس
تتذكّرُ أنَّ الساعةَ منتصف الليلِ
فتغمضُ جفنيها...
وتنامْ..!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> رسام
رسام
رقم القصيدة : 64005
-----------------------------------
إلى الفنان كريم العامري
أكملَ لوحتَهُ الأولى
واسترخى - بضعَ دقائق -
فوق الكرسي،
يتأملها..
لمْ تقنعْهُ..!
خلطَ الألوانَ الزيتيةَ، ثانيةً
ومضى يرسمُ لوحتَهُ الثانيةَ..
الثالثةَ..
الرابعةَ..
العا...!
لمْ تقنعْهُ
مزّقَ كلَّ اللوحاتِ
وراحَ بركنِ المرسمِ...
يبكي!!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الرسام.. ثانية
الرسام.. ثانية
رقم القصيدة : 64006
-----------------------------------
إلى الشاعر سامي مهدي (*)
أبصرهم..
بالضحكاتِ الرنّانة
تتزاحمُ أكتافهمُ نحو القاعةْ
العرقُ الممزوجُ برائحةِ العطرِ النسويِّ،
الياقاتُ البيضاءُ،
التعليقاتُ العابرةُ،
الأيدي تتصافحُ..
أصغي بشحوبٍ قلقٍ
(ماذا سيقولُ الروّادُ،
النقّادُ،
الصحفيون،
الـ"......"..
عن معرضهِ الأول؟)
لاذَ بركنِ المعرضِ، مرتبكاً
قلقاً
تتبعُ عيناه الحائرتان خطى النظراتِ
تجوبُ أزقتَهُ..،
والقلبَ
وأروقةَ الأحزانْ
(هذي الألوانُ... دمي)
(هذي اللوحاتُ الملصوقةُ في القاعةِ،...(69/282)
أيامي المنثورةُ في الطرقاتِ
وفي الريحِ)
علّقَ أحدهم ببرودٍ:
- هذي اللوحةُ تشبهُ لوحةَ سيزانْ
التفتَ الرجلُ المتأبطُ زندَ امرأةٍ، وكتاباً ضخماً
- بل تشبهُ لوحاتِ جواد سليم
صرخَ الرسامُ الكهلُ المتأنّقُ - في وجهِ الصحفيِّ العابرِ -
منفعلاً:
- بلْ... هي تشبهُ لوحاتي
...............
..................
............
...............
..................
لمْ يكترثِ الرسامُ الشاب
أغلقَ بابَ المعرضِ،
حين أنفضَّ الجمهورُ
ومضى يتسكّعُ ثانيةً،
في الطرقاتِ، وحيداً
يبحثُ عن لوحاتٍ أخرى...
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أحلام زرقاء.. في ظهيرة قائظة
أحلام زرقاء.. في ظهيرة قائظة
رقم القصيدة : 64007
-----------------------------------
... بمحاذاةِ الجدرانِ المتآكلةِ الألوانِ
أسيرُ وحيداً..
أتفيّأُ هذا الظلَّ المتعرّجَ، منعرجاً
لشوارعَ دون ظلالٍ
وشوارع مغلقةٍ
وشوارع لا تؤوي الغرباءْ
وظهيرةُ تموز تصهرني كالقيرِ المائعِ..
ياما كنا نركضُ فوق لهيبِ الإسفلتِ، حفاةً
نحو النهرِ...
وياما..
لكنَّ النهرَ... بعيدٌ
- كطفولتنا -
مَنْ يعرفُ في كركوك، الرجلَ الرثَّ، المتسكّعَ
في هذا القيظِ، وحيداً...
دون صديقٍ
وكتابٍ
تلفظهُ الطرقاتُ
وتشويه الغربةُ، والقيظُ، وآهِ الكلماتِ، وآه...
أحياناً يجلسُ في المقهى
وسطَ ضجيجِ الدومينو، يكتبُ شعراً
يصفنُ ساعاتٍ دون حراكٍ
ويعلّقُ عينيه الشاحبتين على مسمارٍ..
أو نجمٍ مصلوبٍ
.. أو امرأةٍ عابرةٍ
ثم - بلا تخطيطٍ - يدفعُ بابَ المقهى...
مندفعاً نحو الشارعِ، ثانيةً
لا يعرفُ - كالضائعِ، كالسائرِ في الحلمِ...
إلى أين تسيرُ خطاه التعبى..
وشوارعُ كركوك، تأخذُ - في هذي الساعاتِ المحروقةِ -
قيلولتَها...
حتى زهرة عباد الشمس...!
انكمشتْ في الظلّ
لكنّكَ - يا أبن الصائغ - تمشي محترقاً
تأتيكَ من النافذةِ المفتوحةِ، أحياناً،
رائحةُ امرأةٍ بثيابِ النومِ...(69/283)
وأحياناً، تهرشُ أمعاءَكَ رائحةُ الأكلِ
وأحياناً، تتلصصُ في وجهكَ - هذا المحفور بخارطةِ العرقِ، المغبرّ من التجوالِ المضني -
نظراتُ عجوزٍ، باردةٌ
أحياناً تتمهلُ - في العتبةِ - محترساً، ملتصقاً
فيرشُّ ظهيرةَ وجهكَ بعضُ رذاذِ هواءٍ بارد،
يتسرّبُ من فتحةِ بابٍ ما......
أتركُ وجهي يتبرّدُ، ملتذاً - بعضَ الوقتِ -
وأحلمُ...
- من خللِ البابِ المفتوحةِ للنصفِ -
بأشياءٍ زرقاء
آه.......
- يا ابن الصائغ - ......
لو......
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عن الأمنيات...
عن الأمنيات...
رقم القصيدة : 64008
-----------------------------------
بين أمنيةٍ،
تتوهجُ - بين الحقائبِ والقلبِ -
... كلَّ صباحْ
أو شمعةٍ،
تنطفي قرب نافذتي
بين عمرٍ يذوبُ...
وحلمٍ، يسافرُ نحو البلادِ القصيّةِ
نحو السماواتِ...
يومضُ بين الحشا،
نجمةً مستحيلةْ
أغادرُ..
نحو الشوارعِ..
أحصي الأماني البخيلةْ
تمرُّ فتاةٌ (... بعمرِ البنفسجِ
ميّاسةَ الخطو...
لا تلتفتْ للمشرّدِ مثلي...)
يمرُّ بي الباصُ، (مزدحماً
هل ترى أستريحُ على مقعدٍ فارغٍ
بعد هذا العناءِ الصباحي؟..)
يمرُّ بي الأصدقاءُ
(نثرثرُ - بعضاً من الوقتِ -
أو نتخاصمُ..
أو ننتشي بالخمورِ الرديئةِ،
أو بالنساء)
تمرُّ بي المكتباتُ
(ووقتي قصيرٌ - كما تعلمين -
فهل يسعُ العمرُ
.. هذي الرفوفَ المليئةَ بالهمِ، والكلماتِ..؟)
تمرُّ المقاهي... (الضياعُ الكسولُ..)
المحلاتُ... (تفتحُ سيقانها للزبائنِ)...
أيامنا الضائعاتُ
القصائدُ... (ياللحماقاتِ)...،
لعبُ الأزقةِ...، (لا وقتَ للحلمِ..!)
ضحكُ الصبياتِ...
حلمُ الوظيفةِ...
طعمُ الطفولة
............
ولكنني...
- عند كلِّ مساءٍ -
سأرجعُ للبيتِ، منكسراً
ثملاً
خائباً
وأمسكُ قلبي بكفي
ألملمُ عن دكةِ البابِ
كلَّ الأماني القتيلةْ!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الغريب...
الغريب...
رقم القصيدة : 64009(69/284)
-----------------------------------
لأنَّ المدينةَ قد أقفرتْ
والمصابيحَ أنعسها البردُ
فالتحفتْ ظلمةَ الطرقاتْ
قلتُ أرجعُ للبيتِ
(لا بيتَ لي...
غير بردِ المصاطبِ في آخرِ الليلِ..،
حزنِ الفنادقِ،..
وهي تنفّضُ - في الصبحِ -
أغطيةَ الغرباءْ
لا بيتَ لي
غير رفٍّ بمكتبةٍ...
عتبةٍ في الطريقِ المشتّتِ كالروحِ
نافذةٍ شبهِ مهجورةٍ
مقعدٍ ساهمٍ يتأرجحُ في الباصِ..)
من أين للعشبِ، هذا الندى؟
للنساءِ، التوهجُ..؟
والقلبُ أظمأُ من حجرٍ في الطريقْ
قلتُ أرجعُ للبيتِ.. إذْ يرجعُ الناسُ
أغفو على نجمةٍ..
أو حصيرٍ..
لعلَّ الصباحَ الجميلَ، الذي سوفَ يأتي
سيمنحني وردةً..
أو كتاباً
قلتُ أغفو...
وتوقظني حسرةٌ
لا تزالُ تنثُّ دمي
حلمٌ ضاحكٌ كعيونِ الصبياتِ
إذْ يعبثنَّ بأحجارِ قلبي
ويبنينَ بيتاً من الحبِّ...
(.. لا بيتَ لي...!)
أقولُ لقلبي
وإذْ يطردُ البارُ خلاّنَهُ
وتخرجُ منكفئاً، ثملاً
سوفَ تحصي الدراهمَ، والأصدقاءَ
فتدركُ أنكَ،
وحدكَ في آخرِ الليلِ
وحدكَ، لا حانةٌ تتذكّرُ وجهكَ
لا امرأةٌ سوف تؤويكَ
لا شقةٌ...
غير بيتٍ صغيرٍ... بإحدى القصائدِ
تسكنهُ...
والجنونْ...
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حقائب الغد
حقائب الغد
رقم القصيدة : 64010
-----------------------------------
أقولُ: غداً
سوفَ أشرعُ نافذتي للعصافيرِ
أرنو إلى شجرِ البرتقالِ،
يطاولُ جدرانَ بيتي العتيق
وأدهشُ:
(.. آهٍ..
متى كبرَ البرتقالُ
وأزهرَ رأسي بقدّاحهِ، والهمومِ)
وأبصرُ وجهي المجعّدَ،
... يكسرُ حلمَ المرايا...
التي خدعتني
(... وكيفَ تسلّقَ جدرانَ قلبي، وشاخَ
وأغصانُهُ، بعدُ، مثقلةٌ بالندى الحلوِّ
والزقزقات)
أقولُ: غداً..،
سأرتّبُ آثاثَ عمري كما أشتهي
أنفّضُ عنها غبارَ الشجونْ
وأمسحُ عنها القلقْ
وأصنعُ لي فسحةً للهدوءِ،
وطاولةً للكتابةْ
(... إلى مَ تظلُّ القصائدُ مثلي مشرّدةً؟
في المقاهي...
وأرصفةِ الذكرياتِ
تقاسمني حزنها(69/285)
وأقاسمها البردَ، والجوعَ، والأمنياتِ
أما آنَ أن نستريحَ معاً...!؟ ...)
أقولُ: غداً...
سوفَ أجمعُ كلَّ نثاري
الملمُ ما قد تبعثرَ من كتبي، وعناوينِ صحبي، المواعيدِ،
أحلامِ عمري (كومضِ النجومِ البعيدةِ...
أرقبها، تتوهجُ في عتمةِ الليلِ، أو تنطفي في الصباحْ...!)..،
رمادِ الرسائلِ،
بوحِ النساءِ،
الندى...
أقولُ غدا...
غدا...
دا ...
......
ويأتي الغدُ
مثقلاً بالمشاغلِ...
يتركُ في عتبةِ البابِ، أحزانَهُ والحقائبَ
(.... كمْ أتعبتني الحقائبُ مثقلةً)
وكعادتهِ، سوفَ يرنو لخيباتنا، هازئاً، ساخراً
ثم يمضي...
بدون اكتراث!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> طاسلوجة...
طاسلوجة...
رقم القصيدة : 64011
-----------------------------------
طاسلوجةُ والغربةُ والريحُ... وآخر مصباحٍ يُطفأُ في الليلِ دمي...
هل أغفتْ سيدتي الآنَ؟ ... (على الرفِّ مسوّدةُ الديوانِ تئنُّ من البردِ)
وقلبي مازال كأوراقِ الصفصافِ يئنُّ من الريحِ
وهل أسدلتِ الأستارَ الورديةَ؟ (ألتحفُ البطانياتِ الخمسَ،
ولكنَّ البردَ لعينٌ ينسلُّ إليّ، ويحرمني النومَ)
وغيركَ - يا ابن الصائغ - يلتحفُ الـ... !!
يتقلّبُ من ثقلِ التخمةِ..
(ما لكَ والناس
تقلّبْ ماشئتَ من الحرمانِ!...)
وهل تعرفُ سيدتي - اذ تغفو -
لِمَ يبقى المصباحُ الأحمرُ، في ركنِ الغرفةِ
مرتعشاً،
ووحيداً،
يرنو - عن كثبٍ - للثوبِ المحسورِ عن الغاباتِ العذراءِ وينزفُ...!
(كان النجمُ يلامسُ روحي، يرعى في أعشابِ الجبلِ المتدثّرِ بالثلجِ، ويشربُ - هلْ يظمأُ مثلي؟ - من نبعٍ صافٍ في أقصى القريةِ
تغتسلُ القروياتُ على ضفّتهِ المحفوفةِ بالأشجارِ
ويصغي - من مخبئهِ - لأغانيهنَّ العابثةِ المجنونةِ
أحياناً يتسلّلُ بين الأحجارِ، وئيداً، محترقاً، يلتصُّ النظراتِ إليهنَّ.. ويحلم...!!)...
القرويةُ تخرجُ للمرعى كلَّ صباحٍ(69/286)
نخرجُ من موضعنا نتدفّأُ بالشمسِ، وننشرُ فوق جذوعِ البلوطِ ملابسنا المبتلّةَ والبطانياتِ...
- صباحَ البهجةِ، فاضل يونس...
ما أحلى شمسَ بلادي
ما أحلى العشبَ ينفّضُ عنه ندى الليلِ
وفي كسلٍ يتمطى، اذْ توقظهُ أقدامُ الجندِ
وما أحلى كركرةَ القروياتِ يطاردنَ الغنمَ السارحَ
أو يحملنَ جرارَ الماءِ الى البيتِ
وما أعذبَ هذا النبعَ المترقرقَ من روحي...
حين يفيضُ قصائدَ حبٍّ تسعُ العالمَ
(كنتُ أحدّثُ هذا الجبلَ العالي عن حالِ الدنيا
فأراه..
في اليومِ التالي، مشتعلاً بالشيبِ كرأسي
قلتُ أما تشجيكَ الدبكاتُ الكرديةُ والزفّةُ والموّالُ المنسلُّ وحيداً، مرتعشاً، من بيتٍ ناءٍ يتغنى لحبيبته في الزفّةِ, باعتْ أحلى خفقاتِ أغانيه بسيارةِ شوفرليت وقصرٍ عالٍ.. آه..)
هَلُمْنَ صبيّاتِ القريةِ
واحملنَ جرارَ الوجدِ إلى بيتِ الشاعرِ، هذا المنفي وحيداً - في طاسلوجةِ - مغترباً
يتغنى بضفائرِ محبوبتهِ "ميم".. وجسرِ الكوفة..
فسينشدكنَّ أغانٍ
لمْ يتغزلْ فيها شيركو بيكه س أو أحمدي خاني!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مراجعات خاصة جداً...
مراجعات خاصة جداً...
رقم القصيدة : 64012
-----------------------------------
.... وأحصيتُ كلَّ المسرّاتِ في عمري المتناثرِ، واحدةً، واحدةْ:
الليالي الجميلاتِ، والنهرَ، والصحبَ، والنسوةَ العابراتِ - كما الريح - فوق رصيفِ احتراقي، اللواتي زرعنَ بذورَ القصائدِ في مشتلِ القلبِ، ثم توارين بين زحامِ المدينةِ والحزنِ... مَنْ يقطفُ الزهرَ - يا عابراتُ - إذا أورقَ القلبُ قدّامَ فاتنةٍ..؟.. وذوى - آهٍ
ثم تكسّرَ في الريحِ
كانتْ مسرّاتُ عمري بحجمِ الأماني التي لا تجيءُ...! بقبضةِ كفين بينهما يرجفُ القلبُ من بللِ الطرقاتِ، وبردِ التسكّعِ في أمسياتِ الحدائقِ...
ثم انتبهتُ إلى وجهها - فجأةً - يسرقُ العمرَ...
يرسمُ في دفترِ الحلمِ أرجوحةً للطفولةِ، منسيةً...(69/287)
وركضتُ - كحلمٍ يتيمٍ - وراءَ شرائطها البيضِ...
قلتُ: سأسرقُ بعضَ النجومِ التي عُلّقتْ بجدائلها... وسأصطادُ بعضَ الفراشاتِ، ثمَّ اخبّئها.. بين كرّاسةِ الرسمِ، والقلبِ...!
لكنها...! غافلتني...
......
......
وأحصيتُ كلَّ المرارات:
بيتاً قديماً، تناسلتِ الكدماتُ على وجههِ، وزقاقاً تلوّى كأفعى، تعرفتُ فيه على القملِ، والأصدقاء
كان يفضي إلى النهرِ أو للمدينةِ..
أو كان يفضي الى مخفرٍ فاغرِ الفاهِ.. أو للسماء
وما بيننا والزقاق، براءةُ كلِّ الطفولةِ، والبوحُ، مستنقعٌ للسباحةِ، شَعرُ البناتِ،.. ونافذةٌ للتسلّقِ والحلمِ...
أحصيتُ كلَّ السنين الحزينةِ، يوماً، فيوماً. وكنتُ أقطّرُ عمري - على دفترٍ مدرسيٍّ - دواةً، ودمعاً، ونهراً صغيراً تغني الصبايا على جرفهِ
وأشربُ وحدي عصارةَ حزنِ النساءِ اللواتي، تركنَ أمامَ الحدائقِ قلبي حزيناً، شريداً، يطاردُ خيطاً رفيعاً من العطرِ، أو موعداً لا يجيءُ...!
وأحصيتُ كلَّ ليالي التشّردِ في الطرقاتِ الخليّاتِ، والشعر والجوع...
كلَّ المخاوفِ إذ يطرقُ البابَ.. وجهُ المفوّض..
كلَّ المدارسِ تلك التي قابلتني بكلِّ برودٍ، وتلك التي طردتني
لأني بدون حذاءٍ
وكلَّ الدوائرِ إذْ يدخلُ الخوفُ قبلي،
يقابلُ وجهَ المديرِ...
ويتركني والعريضةَ لصقَ انفراجةِ بابِ المديرِ...
وكلَّ المطاعمِ، والمكتبات، التي تعرفُ الآن وجهَ الفضوليِّ من بين كلِّ الزبائنِ..،
كلَّ الصديقاتِ، كلَّ المقاهي، وكلَّ القصائدِ، تلك التي قاسمتني التسكّعَ والحزنَ والخبزَ...،كلَّ الوظائفِ، كلَّ الجرائدِ، كلَّ الشوارعِ، كلَّ التفاهاتِ، كلَّ المصاطبِ، كلَّ المخافرِ، كلَّ الشواطيءِ، كلَّ المواجعِ، كلَّ الحماقاتِ، كلَّ الكراريسِ، كلَّ رفوفِ
..........
.........
........
وأحصيتُ!.. أحصيتُ!.. أحصيتُ..
حتى انتهيتُ إلى آخر الورقةْ
.... دون أن أنتهي....
فبكيتْ!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سأم الكاتب(69/288)
سأم الكاتب
رقم القصيدة : 64013
-----------------------------------
.. كلَّ صباحٍ
كان يشقُّ خطاه التعبى
وسطَ ضجيجِ الكلماتْ
مندفعاً - دون حماسٍ - في موجِ الناسِ المندفعين،
وسربِ السياراتْ
يتأبطُ محفظةَ الأوراقِ
الى مكتبهِ المتواضعِ...
في إحدى الصحفِ اليومية
قبل الفنجانِ الأولِ...
قبل صباحِ الخيرِ..
تطالعهُ فوق الطاولةِ المملؤةِ، أكداسُ الكلماتْ:
(قصةُ حبٍ بائسةٌ...
نقدٌ لكتابٍ في النقدِ..
خمسُ قصائد شعرٍ... لمْ يفهمْ حتى اللحظة، ماذا تعني...
وحشودُ مقالاتْ...)
فَتَحَ النافذةَ الموصودةَ - من سأمٍ -
وتأمّلَ - في شغفٍ أخّاذٍ -
ضوءَ الشمسِ المتسلّلَ
... بين الأشجارِ، وفستانِ فتاةٍ فاتنةٍ تعبرُ مسرعةً
... بين عماراتٍ تعلو...، وخطى غربتهِ
وتذكّرَ سهرتَهُ المعتادةَ حتى منتصف الليلِ
مع البقِّ..،
وضوءِ المصباحِ الواني..،
وتلالِ الصفحاتْ..
- ماذا لو يركلُ هذي الطاولةَ الملعونةَ؟ ماذا...؟
ويفرُّ إلى الساحاتِ المفروشةِ
بالناسِ، وبالأزهارِ
وبالضحكاتْ
يقرأُ للأشجارِ قصائدَهُ المخبوءةَ
ماذا لو يوقفُ في ساعتهِ السأمى
موتَ الساعاتْ؟
أرخى عينيه الخائرتين..
حزيناً،
منطفئاً
وتذكّرَ أنَّ دراهمَهُ
لا تكفي... لشراء دواء أبنتهِ
لا تكفي... لعشاءٍ في أرخصِ مطعمْ
لا تكفي...!
شمّرَ ساعدَهُ..
ومضى يكتبُ.. يكتبُ.. يكتبُ.. يكتبُ.. يكتبُ
يكتبُ، يكتبُ
يكتبُ
يـ...
حتى ماتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> السيدة..
السيدة..
رقم القصيدة : 64014
-----------------------------------
أقولُ لقلبي: تمهلْ
اذا ما مررتَ بشباكها
متعباً، كالشوارعِ في الليلِ
مرتعشاً، كالقناديلِ في حانةِ الساعةِ الواحدةْ
أقولُ:
لعلَّ الستائرَ، تلك الموشاةَ بالياسمينْ
تبوحُ ببعضِ الحديثِ
لعلَّ النوافذَ، تحكي لسيدتي عن هواي الدفينْ
فما زالَ قلبي بكلِّ المواقدِ - حيث الأحاديثُ - مشتعلاً بالعذاباتِ(69/289)
مازالَ دمعُ النجومِ.. وراء الزجاجِ الشفيفِ
يطرّزُ جفني، وعشبَ الحديقةْ
وما زالَ خلفَ الستائرِ شيءٌ يُقالْ
أقولُ:
أتذكرُ - خطوي المضيّعَ - تلكَ الشوارعُ
إمّا انتهيتُ إلى حانةٍ - بعد منتصفِ الليلِ - موصدةٍ
أو إلى بابِ سيدتي
فلقد أتعبتني الشوارعُ.. حتى أنتهيتُ لقلبي
ولقد أتعبتني القصائدُ.. حتى مضيتُ
أفتّشُ عن حانةٍ لا تملُّ جنوني
أقولُ: لعلّي..
سأبصرها - ذاتَ يومٍ -
بضحكتها العابثة...
- صدفةً - ...
في طريقِ القصيدة
..........
..........
ولكنني إذْ أمرُّ - بكلِّ مساءٍ -
سأبصرُ، مصباحها مطفأً
والزهورَ - على البابِ - ذابلةً
سحقتها خطى العابرين
وأبصرُ قلبي...
وحيداً.. كما كان
محترقاً، قربَ شباكها الموصدِ..
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> موعد
موعد
رقم القصيدة : 64015
-----------------------------------
ربما أقبلتْ..
من يمينِ الطريقْ
ربما...
من يسارِ الطريقْ
ربما...
دلفتْ - دون أنْ ألحظَ الآن - بابَ الحديقةْ
إنما حدسي لا يخيبْ
لحظةً.. ثم يستنفرُ الدربُ.. أشواقَهُ
في انتظامِ خطاها الأنيقةْ
وتقبلُ ضاحكةً.. من شكوكي،
ولون اصطباري، على جمرةِ الدربِ
رائعةً.. في القميصِ المطرّزِ بالوجدِ
والقبّرات
شَعرُها الفوضويُّ.. المسافرُ دوماً مع الريحِ
- مثل القصيدةِ - يفلتُ مني
ويتركني
دونما كلْمةٍ...!
هاهي الآن تقبلُ..
مسرعةً
ثم تبطيءُ، حين تراني
تتطلعُ - في خجلٍ - .... نحو ساعتها
وكعادتها...
في جميعِ المواعيدِ
تسبقُ أعذارها،.. ضحكةٌ
كرذاذِ النوافيرِ.. مجنونةٌ
تطفيءُ الجمرَ.. واللحظاتِ العصيبةَ.. والـ...
- أنتَ تعرفُ.. أنَّ أزدحامَ الطريقِ...
- إنّهُ الباصُ.. معذرةً.. فاللعينُ الثقيلُ الخطى
كان دوماً يشاكسني...
ويؤخّرني عنكَ... يا سيدي!
..........
..........
أتأبطُ - في لهفةٍ - خصرَها
ثمَّ ندلفُ من مدخلٍ آخرٍ...
للحديقةْ!!
........
..........
ربما.........
من يسارِ الطريقْ(69/290)
ربما أقبلتْ من يمينِ الطريقْ
ربما عبرتْ - دون أن الحظَ الآنَ - بابَ الحديقةْ
وأبقى على جمرةِ الدربِ، منتظراً
ساعةً...
ثم أخرى.. وأخرى..
ولا شيء غير انتظاري...
وشكّي، وناري
وصمتِ الطريقْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> إمرأة من دخان
إمرأة من دخان
رقم القصيدة : 64016
-----------------------------------
تدخلُ...
مقهى القلب
تتخذُ - دون مبالاةٍ -
.. مقعدها
في زاويةٍ منسيةْ
تشعلُ سيجارتها
وتدخّنُ في صمتٍ
ثمَّ تقلّبُ بين يديها... ديواني
يدنو النادلُ منها.. مرتبكاً
- ماذا تأمرُ... سيدتي..؟!
- ... لا شيء....!
- ......
بعد قليلٍ
تطفيءُ سيجارتها.. في صحنِ رمادي
وتغادرُ.. مسرعةً!
تاركةً...
في جو المقهى....
... خيطَ دخانْ !
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> المحطة الأخيرة
المحطة الأخيرة
رقم القصيدة : 64017
-----------------------------------
المحطاتُ فارغةٌ
والقطاراتُ قد رحلتْ، هكذا
- بعد منتصفِ الليلِ -
مثقلةً بالحنينِ المبلّلِ..
وأنطفأتْ قبلاتُ المحبين،
والعرباتُ الثقيلةُ...،
والكلمات
ولمْ يبقَ في البارِ إلايّ!
إلاكِ...! في حببِ الكأسِ، طافيةً
كدخانِ القطاراتِ بعد الرحيل
ووحدي مع الحارسِ المتلفّعِ بالبردِ... دون قصيدة
ووحدكِ كنتِ بلا موعدٍ
تلوّحُ كفاكِ للوهمِ،
للطرقاتِ البخيلةِ،
للعابرينْ
ما الذي - ياوحيدةُ - تنتظرينْ
والقطاراتُ مرّتْ تعربدُ...
لا شيءَ غير الضبابِ، ووجهي
ومرَّ المحبون - تحتَ نوافذِ غرفتكِ الموصودةْ -
وما تركوا غيرَ أزهارِهمْ، ذابلةْ
... وقصاصاتِ شِعرٍ بها تحلمينْ
وها أنتِ - وحدكِ - فوق رصيفِ الحنينْ
تقهقهُ خلفَ خطاكِ...
رياحُ السنينْ
زرعتِ على كلِّ دربٍ.. هواكِ
انتظاراً حزينْ
ولمْ يأتِ فارسكِ الحلو...
لمْ يلتفتْ أحدٌ للرموشِ البليلةِ
ما لوّحتْ - من خلالِ الزجاجِ المضبّبِ - كفٌّ إليكِ
فلمَنْ كنتِ واقفةً...
في الرصيفِ المقابلِ حزني..؟(69/291)
ووجهكِ هذا الوحيدُ، الحزينُ، يطاردني
في المقاهي القديمةِ،
... والطرقاتْ
ويتركني حائراً كالقصيدةِ
أبحثُ عن أيِّ بارٍ بحجم حنيني
*
المحطاتُ قد أقفرتْ
... ربما لا يعودُ القطار
وتبقين والريحَ...
والساعةَ الواحدةْ
وماذا بليلِ المدينةِ..
غير نباحِ الكلابِ..
وصافرةِ الحارسِ الكهلِ..
والريحِ..
والعائدين من البارِ مثلي
بلا شقةٍ أو صديقةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سيناريو.. لقصة حب
سيناريو.. لقصة حب
رقم القصيدة : 64018
-----------------------------------
لقطة رقم... (1)
كلَّ مساءٍ
يتوكّأُ - في الستين - على عكازتهِ
منطفئاً، ووحيداً، يتنزهُ في أرجاءِ الغابة
أحياناً، يجلسُ تحت شجيرةِ يوكالبتوس
يتذكّرُ...
آهٍ...
.....
*
لقطة رقم... (2)
يتأبّطُ شابٌ خصرَ فتاةٍ فاتنةٍ في العشرين
تطلقُ ضحكتَها النشوى - في عبثٍ مرتبكٍ -
ويمران معا..
معتنقين
أمام الرجلِ الكهلِ..
........... إلى أعماقِ الغابةْ
...........
*
لقطة رقم... (3)
إمرأةٌ في الخمسين
تجلسُ تحت شجيرةِ يوكالبتوس
ترنو - عن كثبٍ -
من خللِ الأغصان،
... لظلّين
معتنقين
تتذكّرُ...
.. ضحكتها النشوى بين ذراعي عاشقها
- ذاتَ مساءٍ غابرْ -
حين اختفيا بين الأحراشِ
تلهثُ خلفهما،
نظراتُ عجوزٍ محترقة!
وصدى آهٍ...
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الحدائق تنسى عشاقها
الحدائق تنسى عشاقها
رقم القصيدة : 64019
-----------------------------------
للحديقةِ،
بابان...
أو أكثر...
يدخلها الناسُ، والعاشقون
وكلُّ الكلابِ، التي لمْ تجدْ في المدينةِ مأوى
ثم يمضون...
لا شيءَ غير بقايا السجائرِ، والكرزاتِ
وبوحِ المحبين تحتَ ظلالِ الغصونِ الخفيضةِ
والورد - ينظرُ ذبلانَ -
تسحقهُ الخطواتُ التي غادرتهُ...
بدون اكتراثٍ
ومثل الحديقةِ... قلبكِ
أدخلهُ...
مثلما يدخلُ الناسُ، والعاشقون
وأختارُ مصطبةً فارغةً
أقولُ:
لعلّي الوحيد، هنا
سوف يمضي الجميعُ... وأبقى(69/292)
إذا انسدلَ الليلُ..
وأنهمرَ الرازقيُّ، بليلاً
... كحزني
أقولُ:
سأتركُ خصلتها
تستحمُ على نهرِ أنفاسي العاشقة
سأحكي لها عن ضياعي، ويتمي
وموتِ العصافيرِ في غابتي
وسنختارُ، ركناً قصياً
ثمَّ أتركُ كفي تنامُ على خصرها...
ثمَّ........
و.........
*
.......
.......
للحديقةِ بابان
أو أكثر...
يدخلها الناسُ، والعابرون
وإذْ يقبلُ الليلُ
تنسى العصافيرُ كلَّ وجوهِ المحبين
تنسى الغصونُ،.. المواعيدَ، والملتقى
- لقد غادرَ الناسُ... ياسيدي!
- .. والحدائقُ تغلقُ - في آخرِ الليلِ - أبوابها!
- .....
ووحدي أنا،
فوق مصطبةٍ للضياعِ
ولا شيء غير خطى الحارسِ الكهلِ،
مشتعلاً بالسعالْ
يتقدمُ مني...
- أقولُ له.. انها واعدتني هنا...؟!
أقولُ بأني....................!
ولكنهُ سوفَ يرمقني، صامتاً
ثمَّ يغلقُ بابَ الحديقة
ويتركني، والطريقْ...
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> احتراق أولي
احتراق أولي
رقم القصيدة : 64020
-----------------------------------
في الموعدِ تأتي..؟ ضاحكةً تغسلُ كالمطرِ العذبِ، حديقةَ روحي، تلك المتربةَ العشب، اليابسةَ الأغصان، المغبرّةَ من طولِ الجدبِ،...
سأنسى أنَّ زهوري ذبلتْ بين يديكِ،
وكلَّ عصافيرِ قصائدِ شعري هربتْ من قضبانِ نوافذِ غرفتكِ الموصدةِ الأبوابِ... إلى الغاباتِ..
وأنسى أنّكِ كنتِ بدون مبالاةٍ
تطلين أظافركِ الحلوةَ من نزفِ دمي،... أنسى .. أنسى!
في الموعدِ تأتي..؟ مَنْ أبصرَ حزني يورقُ وردةَ جوري، في الركنِ المنسي.. إذا مرّتْ سيدتي..؟
مَنْ أبصرَ روحي تتسلّلُ في الليلِ إلى شبّاكِ الفاتنةِ الزعلانةِ، كالقمرِ الشاردِ،
حين تؤرّقني في الغربةِ أطيافُ هواها...
وأغني....
في الموعدِ.. تأت!.. فلماذا يحسدني الشارعُ حين تجيء..
وأزهارُ المشتلِ - آهٍ - تتلفّتُ ذاهلةً..
وتديرُ الريحُ العنقَ..!
أما كان الشارعُ يعرفُ هذا المتشرّدَ في أرصفةِ الوجعِ الليليِّ..(69/293)
أطاردُ ظلّي في الحاناتِ، وفي الأقبيةِ الرطبةِ..
يتبعني البقُّ.. وصفاراتُ العسسِ الليليين... (سأنسى الكدماتِ
على وجهي المصفرِّ..
وأطلبُ كأساً...
لكنَّ النادلَّ، يرمقني ببرودٍ...
يطفيءُ آخرَ ضوءٍ في حانتهِ، ويغادرني...)
في الموعدِ تأتي..؟ .. كانتْ بقميصِ الحبِّ الشفّافِ.. سحابةَ شِعرٍ رائعة.. تعبرني.. (.. آهٍ.. لو تمطرُ.. لو نمشي تحت رذاذِ الليلِ المجنونِ... تبلّلُ كلَّ أغانينا وملابسنا، القطراتُ... ونمشي..! ما أجملَ أن تتسكّعَ تحت نثيثِ الأمطارِ مع امرأةٍ تهواها...
... وتغني ملءَ هواك...! ..)
في الموعدِ تأتي؟ .. أعرفُ أنَّ النسوةَ قد يتأخّرنَ عن الموعدِ... بضعَ دقائق...!
... أو ساعاتٍ.. لا شيء سوى الغنجِ الحلوِّ.. وتلويعِ الروحِ.. وأعرفُ كيف يباهين بأن العاشقَ ظلَّ أمام النافذةِ الموصودةِ، منتظراً حتى الفجر.. وحتى يبستْ أعشابُ الصبرِ برجليهِ.. وحتى..! .. وأنا أعرف أن الدلَّ لذيذٌ.. ودمي قلقٌ حدَّ النزفِ.. وحدَّ اللعنةِ،
(.. كانتْ تتعذرُ دوماً بصديقتها..
أو بطءِ الباصِ.. وكانتْ..! ..)...
وأنا تحتَ مصابيحِ الطرقاتِ الخابيةِ الضوءِ.. أضيءُ..
وأنزفُ أشعاري...
هل تأتي في الموعدِ... سيدتي؟
أأصدّقُ أن امرأةً رائعةَ الفتنةِ مثلكِ...
يمكن أن تأتي...؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ريح
ريح
رقم القصيدة : 64021
-----------------------------------
للحزنِ نافذةٌ ـ في القلبِ ـ سيدتي
وللمساءاتِ.. أشعارٌ ومصباحُ
معتّقٌ خمرُ أحزاني.... أيشربهُ
قلبي، وفي كلِّ جرحِ منه أقداحُ
تسافرُ الريحُ ـ ويلي ـ في ضفائرها
ومَنْ يطاردُ ريحاً كيفَ يرتاحُ!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الفراشة الخائفة
الفراشة الخائفة
رقم القصيدة : 64022
-----------------------------------
.. وبين الندى
والحديقةِ...
يكبرُ برعمُ قلبي
يفتّحُ للشمسِ أوراقَهُ
فأرى طفلةً،
بثيابِ الفراشِ الشفيفةِ(69/294)
وهي تجرُّ الخطى والضفيرةِ..
للمدرسةْ
تشتهي زهرتي
وتخافُ عصا الحارسِ الجهمِ..
آهٍ...
سأنثرُ أوراقَ عمري
على راحتيها
إذا ما تجرّأتِ الآنَ
وأقتربتْ خطوةً..
خطوةً
من شذى زهرتي المشرئبّةْ
ولكنها...
اذ ترى الحارسَ الجهمَ، متجهاً نحوها
سوف ترمي على العشبِ.. دفترها المدرسيَّ
وتهربُ مذعورةً - كالقطا -
وأبقى أنا واجماً لا أقولُ
وقلبي.. على غصنهِ
زهرةً ذابلة
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> صباحات الحب
صباحات الحب
رقم القصيدة : 64023
-----------------------------------
صباحاً لعينيكِ
إنَّ القصائدَ تغسلُ في نهرِ دجلة، أحزانها..
تتمدّدُ فوق الحشائشِ، مبهورةً
بضياءِ الصباحِ.. ووجهكِ
مَنْ أيقظَ الوردَ من نومهِ..؟
الندى..؟
أم يدي..؟
وهي تقطفُ من غصنِ الوجدِ، نرجسةً
لتحيةِ هذا الصباحِ
فتبتسمين بدلٍّ لذيذٍ
ويمتليءُ الدربُ - ياحلوتي - بالأقاحْ
صباحاً لعينيكِ..
مازالَ بين دمي، والبلادِ
يموجُ هواكِ
لماذا إذا انسابَ خطوكِ، هذا القصيرُ، الأنيقُ، المهذّبُ...
فوق شوارعِ روحي
أحسُّ بأنَّ البراعمَ تفتحُ أكمامَها
وتشبُّ إليكِ
أحسُّ بأنَّ حدائقَ قلبي
تفتّحُ للناسِ أبوابها
وأنَّ صباحاتِ عينيكِ... لا تنتهي!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غربة
غربة
رقم القصيدة : 64024
-----------------------------------
أحملُ منفاي إليكِ...
ولا أدري
انّكِ أنتِِ... المنفى
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حيرة
حيرة
رقم القصيدة : 64025
-----------------------------------
أكانتْ تغارُ القصيدة
اذا ما تغزّلتُ باسمكِ... ياميمُ
تحمرُّ وجنتها
وأحسُّ اضطرابَ خطاها الوئيدة
على أضلعي..
هي ما بالها لا تطاوعني....
كلما حدستْ لوعتي
أهذي إذنْ..
غيرةُ الحبِّ.. - ياحلوتي-
أم دلالُ القصيدة!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> المطر في الشوارع.. متى أراكِ؟
المطر في الشوارع.. متى أراكِ؟
رقم القصيدة : 64026(69/295)
-----------------------------------
كان قلبي على العشبِ، يسقطُ مثلَ الندى
يقبّلُ كلَّ الزهورِ التي...
تركتها خطاكِ على الدربِ
حين تمرين في حيّنا
حلوةً.. حلوةً
مثل شمسِ الصباحْ
سلاماً... لعينيكِ...
إنَّ النوافذَ طرَّزها البرتقالْ
فاتركي لي يديكِ
فللعشبِ رائحةُ الوجدِ.. والثرثراتِ
إذا ما مررتِ على القلبِ
هامسةَ الخطو..
فوق الرصيفِ المطرّزِ بالآهِ
كلُّ الصباحاتِ.. مشمسةٌ
ومع الريحِ.. نمضي
نمشّطُ شَعرَ الشوارعِ
نغسلُ بالمطرِ العذبِ
نافذةَ الكلماتْ
لماذا تمرينَ مسرعةً
هل تأخرتِ - بضعَ دقائق - عن موعدٍ...؟
أم تخافين ياحلوتي
أن يبلّلَ فستانَكِ المدرسيَّ نثيثُ المطرْ!؟
أنا قلبي مع المطرْ
يبلّلُ كلَّ الفساتين
كلَّ الضفائرِ
كلَّ الدفاترِ
كلَّ الشوارعِ
كلَّ الشجرْ
فأتركي لي يديكِ
أتركي لي يديكِ
فكلُّ الحدائقِ مملوءةٌ بالزهرْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مَنْ أبصرَ سيدتي ميم...!؟
مَنْ أبصرَ سيدتي ميم...!؟
رقم القصيدة : 64027
-----------------------------------
كانت ميم..
تركضُ..
تركضُ..
- حافيةً -
فوق مروجِ قصائدِ شِعري
زاهيةً.. بقميصِ الشيفونِ الأزرقْ
هل تعبتْ سيدتي..؟
هل نسيتْ ذاك الشالَ الغجريَّ...
على المصطبةِ الخلفيةِ، يبكي غربتَهُ..؟
هل بلّلَ دفترَها..
مطرُ الأشواقِ المتساقطُ، من أحداقِ العشاقْ..؟
كانتْ تجري - كالطفلةِ - .... يا قلبي
لاهيةً بشرائطِها البيضاء المجنونةِ
تركضُ خلفَ القمرِ الصيفيِّ، وراء التلّةِ
وأنا.. والريحُ.. وأحلامي
مذْ سبع سنينٍ.. نجري خلفَ شرائطها
تعبتْ أحلامي..
وتعبتُ أنا..
تعبتْ كلُّ الريحِ
وما تعبتْ سيدتي ميمْ!!
......
كنتُ أراها...
بصباحاتِ الغاباتِ المنسيةِ، في روحي
تصطادُ فراشاتِ الوجدِ
وتقطفُ في سلّتها...
قدّاحَ اللوعةِ.. والليمونَ...
.. وأزهارَ الجوري
تنثرها.. - دون مبالاةٍ -
.. في الدربِ
... وتمضي!
تتباهى بين الفتياتِ...(69/296)
بأنَّ مفاتيحَ الغابةِ ..
ملكُ يديها
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غرور
غرور
رقم القصيدة : 64028
-----------------------------------
تمرين أنتِ
فكلُّ الدروبِ.. مرايا اشتياقي
تمرين.. مختالةَ الخطوِ..
فوق رصيفِ احتراقي
وشَعرُكِ، هذا المشاكسُ
يسرقُ مني قصائدَ شِعري
ويبتاعُ فيها الشرائطَ.. والياسمين
وواثقةٌ...!
إنَّ كلَّ القصائدِ..
سوف أسطّرها لكِ وحدكِ أنتِ
تفيضُ حنينْ
فتبتسمينْ..!
إذا ما تلألأ أسمكِ بين السطورِ
وهامتْ به مقلُ العاشقينْ
لذا...
كنتِ تمضينَ مزهوةً
بين كلِّ الجميلاتِ
- إنّكِ لوعةُ شاعرْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> خلود
خلود
رقم القصيدة : 64029
-----------------------------------
تشيخُ الورودُ
وتذبلُ
لكنها...
سوف تتركُ فوق يدي
عطرها
وتموتْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عصفور
عصفور
رقم القصيدة : 64030
-----------------------------------
حطَّ العصفورُ
على شباكي المفتوحِ
وراحَ يغني...
حين رآني، ما زلتُ أغطُّ بنومي
صفّقَ جنحيهِ...
... وشتّمني...
ومضى نحو الغابةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غابة..
غابة..
رقم القصيدة : 64031
-----------------------------------
احطبْ من روحي - يا فأسَ الشعرِ -
ففي غاباتي البكرِ،
.. المتشابكةِ الأغصانْ
أشجارٌ من كلماتٍ
لمْ تتشذبْ بعدْ!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> فكرة
فكرة
رقم القصيدة : 64032
-----------------------------------
يستنجدُ بالسيكارة أحياناً
يستنجدُ بالقهوةْ
أو بالكتبِ المنثورةِ
... أو بالخمرةْ
يستنجدُ بالهَوَسِ المجنونِ
بتقطيعِ الشَعرِ المتبقي في الرأسِ - من الغيظِ -
بفكِّ الأزرارِ...
بذرعِ الغرفةِ آلافَ المراتِ
ولكنْ...!
لن تأتي الفكرةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> فوضى
فوضى
رقم القصيدة : 64033
-----------------------------------
كتبٌ متناثرةٌ...
في أرضِ الغرفةِ،(69/297)
فوق سريرِ النومِ،
على طاولةِ الأكل
معجونُ حلاقة...!
أزهارٌ ميّتةٌ في السندانة...
قنينةُ خمرٍ للنصف..
وقلبٌ كالمنفضةِ المملوءةِ بالأعقابِ، يغطّيه دخانُ الكلماتْ
في قعرِ الكوبِ بقايا شاي متيبسْ
وبقعرِ الروحِ بقايا حزنٍ متيبسْ
صورةُ مارلين مونرو لُصقتْ بالصمغِ على الباب
سريرٌ في فوضى دائمةٍ
قمرٌ في الشباك
حذاءٌ
كبسولٌ للقرحة،
أقلامٌ سيئةُ الصنعِ
قصاصاتُ جرائد
ذقنٌ كثٌّ لمْ يُحلقْ
مذياعٌ مازالَ يثرثر...
حلمٌ مكسورٌ
كرسيٌّ مكسورٌ...
و..... و.... و.....
و..... و.....
و.......
و...
لو تدخلُ سيدتي الآنَ
فمن أينَ ستبدأُ....
بالترتيبْ!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> غزل
غزل
رقم القصيدة : 64034
-----------------------------------
هو الوطنُ المستفيقُ..
على جمرةِ الوصلِ..
يمتدُّ..
من قاعِ عينيكِ..
حتى مرافيءِ قلبي
شهيّاً
بهيّاً
مضيئاً
ككلِّ الصباحاتِ.. حين أراكِ
تميسين في ثوبكِ المدرسيِّ المطرّزِ بالأقحوانْ
.. زهرةً.. من حنانْ
تهشُّ فراشاتُ قلبي.. إليكِ
وأمضي..
وراءَ ضفائرِ شَعرِكِ..
حتى انطفاء الزمانْ
أفتّشُ عن دكّةٍ للقصيدة
تستريحُ عليها شجوني
وأحتارُ يا شاعرةْ؟
لماذا أحبكِ أنتِ
وأسألُ عنكِ..
عصافيرَ قريتنا..
والحدائقَ..
والنجمةَ الساهرةْ
وأوقدُ كلَّ شموعي..
على النهرِ
نذراً لعينيكِ
علّكِ تأتين.. يا حلوتي
فأبصرُ - في القاعِ - أيامي المُطْفَأةْ
وأحملُ قلبي على راحتيّ... وأمضي
أقلّبُ بين يديّ الشوارعَ...
والكلمات
لعلي أراكِ
تجيئين.. في ثوبكِ المدرسيِّ، المطرّزِ بالأقحوانْ
نسمةً من حنانْ
فأفتحُ كلَّ نوافذِ قلبي.. إليكِ
وأهمسُ في أذنيكِ
- أدخلي، بأمانْ!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> طفولة
طفولة
رقم القصيدة : 64035
-----------------------------------
تجذّرتُ - منذُ الطفولةِ -
بالوطنِ المستحمِّ على شرفتي
كنتُ... والشمسُ
نلهو معاً
.. في الأزقةِ
نبتاعُ حلوى
ونكتبُ شعرا(69/298)
ونركضُ خلفَ العصافيرِ
أسألها:
لِمَ تهربُ من قفصي...؟
وتحنُّ إلى عشها..
في أعالي الشجرْ
وتتركُ دفءَ يدي...
و "حبوبي"
وتصبو لهُ...
رغمَ عصفِ الرياحِ...
وزخِّ المطرْ
*
تجذّرتُ - منذُ الطفولةِ -
أعرفُ أنَّ هواه
يفيضُ بقلبي... حنيناً
ونسغاً.. تصاعدَ
من لهفتي
رائعاً.. عاشقاً.. كالنهرْ
وكان المطرْ
يبلّلُ ثوبي
وأفرحُ..
أركضُ..
أركضُ..
أركضُ..
أفتحُ.. كلَّ ذراعيّ
علّي أمسكُ شَعرَ المطرْ
*
وكان المعلمُ...
حين يعلّمني...
كيفَ أرسمُ.. فوقَ الكراريسِ
شكلَ الوطنْ
أغافلهُ....!!
ثمَّ ألصقهُ فوق قلبي
وأبكي...
لأني كسرتُ الزجاجةَ..
- في الصفِ -
يا لبراءةِ هذا {الشجنْ}
وأعرفُ...
إمّا نسيتُ نشيديَ - يومَ الخميسِ -
سيزعلُ مني الوطنْ
*
وكنتُ أطاردُ.. خلفَ الفراشاتِ
في كلِّ حقلٍ
أجففها...
ثم أندمُ......!!
... يا لهشاشةِ ألوانها الميّتةْ
أأرضى - أنا -..
أن يجففني أحدٌ في كتابْ
*
وكلَّ صباحْ
نمرُّ ببستان "عبود"
للآن....
أذكرُ ثقلَ "السوابيط"..
والرازقي
وحين تسلقتُ يوماً...
لأسرقَ رمانةً... راودتني
تَرَدَّدْتُ ساعتها
ورجعتُ لمدرستي... راكضاً
خوفَ أن يغضبَ اللهُ مني..
وَيَزْعل مني... الوطنْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> صباح الخير.. أيها المعسكر
صباح الخير.. أيها المعسكر
رقم القصيدة : 64036
-----------------------------------
تستفيقُ البنادقُ..
قبل العصافير
نركضُ...
فوق الندى والبطاحْ
نفلُّ ضفائرَ حلوتنا - الشمسِ -
ننثرها..
خصلةً.. خصلةً
للرياحْ
وحين يصبُّ العريفُ... حليبَ الصباحْ
ونقسمُ الخبزَ..
والضحكةَ الدافئةْ
نراها...
تمشطُ في صفحةِ الماءِ...
خصلتها الذهبيةْ
هنا نجمةٌ... سقطتْ من غدائرها
هنا زهرةٌ... نبتتْ
بين وقعِ الخطى.. والصباحْ
وكان الندى
يقبّلُ فوق شفاهِ الزهورِ.. افترارَ الندى
فألمسُ.. في رعشةِ الفجرِ
أوراقها العاشقةْ
هي اللحظةُ العابقةْ
ويرفلُ بالعطرِ...
ثوبُ المدى
*
و "مكي"..!؟(69/299)
أيدخلُ خيمتنا..
ـ في المساءِ ـ كعادتِهِ
يحدّثنا عن {عذاباتِهِ}
و "قاسم"
مازالَ يقرأُ أشعارَهُ
كلما عشّشَ الوجدُ... في مقلتيهِ
يذكّرنا... بالطفولةِ...
والرازقيِّ..
وضحكةِ جارتنا
وطيورِ الحباري
لماذا يحبُّ العريفُ فؤاد..
الجرائدَ.. والرازقيَّ
.. ونخلَ السماوة
يصبُّ لنا - كلَّ يومٍ - حليبَ الصباحْ
ويسألنا.. واحداً.. واحداً
من رأى زهرةً حلوةً
نبتتْ..
بين وقعِ الخطى والصباحْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أزهار.. على ضريح الجندي المجهول
أزهار.. على ضريح الجندي المجهول
رقم القصيدة : 64037
-----------------------------------
هائماً..
في فضاءِ العراقْ
باسطاً ظلَّ جنحيهِ.. حيثُ المدى
جسرُ ضوءٍ..
يمرُّ عليه البراقْ
كان يأتي لحارتنا..
يطرقُ البابَ
في كفهِ.. مطرُ الله
.. والعشبُ
.. والزمنُ المشتهى
.. والخيول العتاقْ
هو والفجرُ.. في موعدٍ
ولهُ قبل أن تضفرَ الشمسُ.. خصلاتها
موعدٌ.. للعناقْ
*
لَوّنَ الأرضَ
من دمهِ..
والثرى مَسّهُ
فاستفاقْ
زهرةً..
زهرةً
فكان..
العراقْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سلاماً.. يا جسرَ الكوفة
سلاماً.. يا جسرَ الكوفة
رقم القصيدة : 64038
-----------------------------------
يا جسرَ الكوفةِ.. اذكرني
إنْ مرّتْ محبوبةُ قلبي
تسألُ عني النهرَ.. وأشجارَ النارنجِ
وكلَّ عصافيرِ حديقتنا
في عينيها الضاحكتين.. قرأتُ قصائدَ حبي الأولى
ورأيتُ مروجَ بلادي.. تضحكُ تحت الشمس
وكتبنا - يالله - معاً..
فوق جذوعِ نخيلِ الكوفة..
اسمينا المرتعشين
هل تذكرُ - يا نخلَ الكوفة - موعدَنا الأولَ
هل تذكرُ أشعارَ السيابِ.. وعينيها الماطرتين..
.. وقلبي
هل تذكرني..!
كنتُ صبياً
أجلسُ تحت ظلالِ التوت
منتظراً.. خطوتها الخجلى
في وجلٍ عذبٍ
أكتبُ فوق سياجِ حديقتهم..
.. بعضاً من أبياتي
علَّ معذبتي.. تقرأُها
.. حين تمرّ..!
فترقُّ.. لحالي
*
يا جسرَ الكوفةِ..
لوتدري..
يا جسرَ الأشواقْ(69/300)
...... كمْ أشتاقْ
قسماً... لو أبصرها
سأعانقُ.. كلَّ عمودٍ
وأبوسُ.. نخيلَ الكوفةِ
جذعاً.. جذعاً
وأذوبُ عناقْ!
*
يا جسرَ الكوفةِ
خبّرني.. عن محبوبةِ قلبي
أحملْ - كالريحِ - سلامي
املأْ عيني.. بظلالِ ضفائرها
دعني - ياجسرُ - أعبُّ أريجَ المشمشِ والرمانْ
خبرّني.. إنْ مرّتْ فوق الجسرِ
تحيي.. المارين
وتسألهمْ عني
وأنا في الخيمةِ......!
كنتُ أحدّثُ "جسّامَ" الجالسَ قربي
.. عن ذاتِ الثوبِ الأزرقِ
.. والكوفةِ
.. والنارنجِ
*
كان ضياءُ القمرِ المتسرّبُ - يا جسرَ الكوفةِ -
من بين شقوقِ الغيمِ...
يذكّرني.. بأغانيها
تسهرُ في الليلِ معي
أحلامُ مدينتنا..
وأزقتُها..
وحدائقُها..
ومصابيحُ شوارعها
فأرى عينيها الشاعرتين
- من بين شقوقِ القلبِ العاشقِ -
تنهمرانِ سنىً...
من فرطِ الوجدْ
فلماذا - يا جسرَ الكوفة ِ- لا ترحمني عيناها في البعدْ
ولماذا حين تمرُّ الريحُ بليلِ ضفائرها
يرتعشُ العطرُ الجوريُّ، بسندانةِ قلبي
.. ويشبُّ الوردْ!
ولماذا حين أغني.. بأسمكِ
تصدحُ كلُّ عصافير العالم في غاباتِ فمي
ولماذا حين أحدّقُ في عينيكِ الضاحكتين
أبصرُ كلَّ مروجِ بلادي، تتماوجُ تحت الشمسِ
...... بلا حدْ!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تفاصيل لم تُنشر
تفاصيل لم تُنشر
رقم القصيدة : 64039
-----------------------------------
- من حياة الفنان.. حسين حيدر الفحام -
كنتُ أبصرهُ..
هائماً.. في الحدائقِ
يبحثُ عن زهرةٍ.. أو كتابْ
يشاطرهُ الليلَ.. والنجمةَ الساهرةْ
وفي الشرفةِ المستحمّةِ تحت ضياءِ القمرْ
كان يرسمُ لوحاتهِ..
عن طفولتهِ
وعيونِ التي......!!
وطيورِ الحباري.. تحلّقُ زاهيةً
في سماواتِ قريتهِ الوادعةْ
يشربُ الشايَ.. في عجلٍ
ويغادرنا...
نحو "بابِ المعظّمِ"
حيثُ الشوارعُ.. مفروشةٌ بالندى
والوجوه الأليفة..
والذكرياتْ
يفتّشُ بين الزحامِ الطويل
عن عيونِ التي......!!
يتطلعُ في "النصبِ"
في دهشةٍ(69/301)
... كلما مرَّ.. من تحتهِ
ثم يمضي.. إلى شغلهِ..
نحيلاً..
سريعَ الخطى..
.. مفعماً بالصباحْ
*
كنت أبصرهُ..
خلفَ واجهةِ المكتبةْ
ساهماً..
غارقاً.. في تصفّحِ بعض العناوين
.. ملتصقاً بالرفوفْ
وحين يراني..
يبادلني الإبتسامةَ
نخرجُ من شارعِ "المتنبي"
ونمضي معاً..
نتحدثُ عن ذكرياتِ الطفولةِ
والجسرِ
.. عن آخرِ الكتبِ الصادرةْ
نحيّي "الرصافي"
ونمضي..
نمشطُ - في الأمسياتِ -
شوارعَ بغداد...!
تحت رذاذِ المطرْ
......
.....
..
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> العصافير.. تموتُ في بيروت (*)
العصافير.. تموتُ في بيروت (*)
رقم القصيدة : 64040
-----------------------------------
فتحتُ قميصي..
لكلِّ العصافيرِ
قلتُ: استريحي
على غصنِ قلبي
وغنّي - كما شئتِ -
فالغابةُ الآنَ.. مُطفأةٌ
والبنادقُ محشوةٌ
.. في انتظاركِ
هذا زمانُ التوجّسِ
والموتِ.. في الطرقاتِ الحزينة
والدمِ......!
في الأرغفة!
*
إنّها الغابةُ الوادعهْ
هجرَ النهرُ.. أعشابَها
والعصافيرُ.. ودعتِ الأرزَ
والحارسُ الكهلُ..
نامَ على دكّةِ البابِ...
دون عشاءٍْ
باعَ - بالأمسِ - خنجرَهُ..
ثمناً للدواءْ
واللصوصُ على البابِ..
ينتظرونْ
دخلوا...!!
واحداً..
واحداً
ثم في لحظةٍ ..
أضرموا النارَ.. في الغابةِ الرائعةْ
(*) العنوان مستوحى من عنوان ديوان الشاعر الفلسطيني محمود درويش "العصافير تموت في الجليل"
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تداعيات شاعر
تداعيات شاعر
رقم القصيدة : 64041
-----------------------------------
كان النهرُ.. صديقي
منذ نعومةِ أحلامي
وأنا أتسكّعُ في ضفتهِ..
.. الممتدةِ حتى آخر أطرافِ القلب
بحثاً عن أعشابِ السحرِ
وأزهارِ الشعرِ
أداوي فيها أحزاني الأولى
وصباباتي الأولى
فتشكُّ الأشواكُ نعومةَ كفي
وتسيلُ دمائي في النهرْ
كنتُ كثيرَ اللهوِ..
أشاكسُ جارتنا
وأمرُّ على جسرِ الكوفةِ - في الليلِ -
وحيداً
محترقاً(69/302)
أقرأُ أشعارَ المتنبي والسياب
وبعضاً من أشعاري
وأنامُ......
مع الريح
فأرى.. امرأةً
تنثرُ أشواقَ ضفائرها.. في النهرِ
وتدعوني
أن أهبطَ..
أجلسُ فوق الدكّةِ.. أرقبها
.........
*
مَنْ يمنحني الليلةَ..
أقلاماً
أشواقاً
أوراقاً
كي أصبحَ شاعر؟
- الشعرُ.. سلاحُ الفقراءِ..
وأنتَ...!؟
- بيروتُ، احترقتْ... يا هذا...!!
لمْ يبقَ من الغاباتِ الحلوةِ..
والأطفالِ..
ودور النشر..
سوى.........!؟
- العالمُ أرصفةٌ للاعلاناتِ
فماذا تقرأُ هذي الليلة؟
- وخليل حاوي!
وجدوهُ بغرفتهِ.. منتحراً
برصاصةِ شِعر
- .........!!
مَنْ يمنحني الليلةَ...
{فانوساً
أوقدُ} أشعاري.. منه
...... وأمضي!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الرحيل إلى غابات الروح
الرحيل إلى غابات الروح
رقم القصيدة : 64042
-----------------------------------
الفجرُ يفترشُ الحقولَ المستحمّةَ.. بالندى
والنخلُ.. يلبسُ حلّةَ الأمراء
يبسطُ ساعديه.. على المدى
الشمسُ بين يديه
والنهرُ المرقرقُ.. والحمائم
تشدو له... ودمي الصدى
وأنا المتيّمُ بالطفولةِ.. والقصائدِ
أمنحُ الكلماتِ.. وهجَ الشمسِ
أنثرها.. على كلِّ البساتينِ الجميلةِ.. في بلادي
يا مهرجانَ القمحِ.. خذْ قلبي
مع الريحِ الخجولةِ..
يلمس الأغصانَ.. في ولهٍ
يغني للنخيلْ
وأظلُّ أحلمُ بالأصيلْ
حتى الطريق إلى المدينةِ.. ضيّعتهُ خطى الفتى
فاذا الطريقُ إلى المدينةِ.. لمْ يعدْ ذاك الطريقْ
كوخي هنا..
ومعي القصيدةُ.. والقمرْ
النهرُ.. أول ما يجيءُ.. يجيءُ لي
حتى الفصولْ
والريحُ..
حتى الريحْ
عذراء
صافيةٌ...
تصلّي في الحقولْ
والشمسُ.. آهِ.. الشمسُ
في غبشِ الصباحِ.. تجيءُ لي
طَرَقاتها الخجلى.. على شبّاكي الموصودِ.. أعرفها
وأعرفُ كيف توقظني..
فنركضُ في المروجْ
ومعاً.. سنقتسمُ السنابلََ والرغيفْ
ومعاً.. نغني
هذي المدينة.. ضيّعتني
*
سأعودُ للغاباتِ..
أسألها عن الأعشاشِ
هل رحلتْ معي... حين ارتحلتُ إلى المدينةْ(69/303)
وأُسائلُ الأنهارَ.. عن جسرٍ من الجذعِ القديمْ
أما يزالْ
يمتدُّ من قلبي... إلى بيتِ الحبيبةْ
وأروحُ أبحثُ في غصونِ البرتقالْ
عن موعدٍ
تركتهُ لي... ذاتُ الضفائر
سأعودُ.. يا قلبي
وداعاً...
يا مدينة
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أغنية.. على سفوح خليفان
أغنية.. على سفوح خليفان
رقم القصيدة : 64043
-----------------------------------
كان الضوءُ المتسرّبُ - من بابِ الخيمةِ - يغمرني
فأحدّقُ...
حيثُ سفوحُ خليفان
شلالٌ من خضرةْ
يتماوجُ - مثل ضفائرها الحلوةِ - تحت الشمس
خذني.. يا شلالَ ضفائرها
مرّرني... بحقول المشمشِ والرمانْ
اغسلْ أحزاني بينابيعِ المرجانْ
وأملأْ بالعشقِ سلالي
يا للهِ، إذا امتلأتْ بالعشقِ سلالي
ستجيءُ صبياتُ القريةِ
في غنجٍ...
ودلالِ
يحملنَ ثمارَ الحبِّ...
لمن يهوينَ!
وينثرنَ الدربَ، زهوراً...
ولآلي
فتعالي...!
يا زهرةَ روحي
وتغني... بدموعي ووصالي
ولتحملْ- ريحُ الشمألِ - روحي
تزرعني...
نخلةَ حبٍّ
فوق ضفافِ الكوفة
*
كان الضوءُ المتسرّبُ من بابِ الخيمةِ...
يغمرني
أتخيلها...
تتكيءُ الآن... على الشرفةِ
والضوءُ المتسرّبُ... من بين غصونِ النارنج
يتساقطُ كاللؤلؤِ
فوق ضفائرها
فتلملمهُ - يا للهِ - أناملُ روحي
كانتْ تقرأُ في ديواني
عن سفحِ خليفان
ونهرِ الزابِ..
... وعينيها الماطرتين
وتركضُ فوق مروجِ مصائفِ شقلاوة
تنسى وردتها... وحقيبتها
في بيخال
وتهرعُ... كي تلقاني
وأنا...
من بابِ الخيمةِ
أكتبُ... أحلى أشعاري
عن عينيها الناعستين
أسألُ نهرَ الزاب:
يا نهرَ الزابِ... تمهّلْ
كي أنشقَ عطرَ ضفائرها
يا نهرَ الزابِ... تعجّلْ
وأحملْ للمحبوبةِ - في الكوفةِ - أشواقي
... وسلامي
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ميم.. وقصيدة الأرض
ميم.. وقصيدة الأرض
رقم القصيدة : 64044
-----------------------------------
هي الأرضُ..
إذْ تتفتحُ بالعشبِ والأقحوانْ
وتلبسُ لونَ المدى(69/304)
وفي الفجرِِ.. تأتي طيورُ النوارسِ
قبلَ انثيالِ الضياءْ
تموجُ بلونِ الندى
يباركُ أنهارَها.. الشهداءْ
هو الجرحُ..
ذا يتفتحُ بالوردِ.. والوعدِ
يصبحُ لافتةً
طلقةً ثائرةْ
وطناً.. للعصافيرِ والفقراءْ
{يقاسمُ} آلامَهُ.. الشعراءْ
*
على غصنِ ميم
تكونُ النوارسُ..
مبتلةً
بالندى والرحيلْ
وتغفو النجومُ..
وتصحو
على شرفتي
- كلَّ ليلٍ -
ويصبغُ جرحي...
.. ضفافَ الأصيلْ
على كلِّ جنحٍ..
يرفرفُ قلبي
أنا عاشقُ المستحيلْ
فيا أنتِ..
إنَّ المراكبَ.. تنأى
وينأى - بعينيكِ - حزني الطويلْ
*
لعينيكِ يا ميمُ..
تصدحُ كلُّ العصافيرِ.. في الغابةِ المورقةْ
إنَّ قلبي.. على غصنِ ميم.. يغني
يكونُ دمي.. نسغَهُ..
زهرةً عابقةْ
نبضةً، نبضةً..
ويطلعُ.. من جذوةِ الأرضِ
غصناً.. من الحلمِ
غصناً.. من الضوءِ
غصناً.. من اللهفةِ الصادقةْ
والندى...
يا ندى.. يا ندى
تساقط على شعرها
قطرةً..
قطرةً رائقةْ
ولوّنْ جدارَ الحديقةِ
"بلّلْ" دفاترَها
"بلّلْ" ضفائرَها
أنا حارسُ الغابةِ العاشقةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> سيدةُ البحر
سيدةُ البحر
رقم القصيدة : 64045
-----------------------------------
إلى بيروت.. وخليل حاوي
وأنتِ
اشتهاء المحارب
يا قبّرات الفصولِ
.. هلمي
فأنَّ الأزاهيرَ.. تنفضُ أحزانها
والطريق.. إلى القلبِ
يبدأ من نظرةٍ عابرةْ
لماذا التوجّسُ
خوفَ المراراتِ
إن الحدائقَ غادرها العاشقون
ومازالَ بعضُ نداكِ اللذيذِ
يبلّلُ شعري
وعيناكِ.. تتركني حائراً
في الطريق
أُسائلُ عن دكّةٍ..
للقصيدةْ!
*
أكنتِ اشتهائي
وكانَ الطريقُ.. إلى قاسيون
يحاصرهُ الدركي
كلُّ المخافرِ.. تعرفُ وجهي
فكيفَ التقائي.. بسيدةِ البحرِ
في شفتيها..
امتزاجُ القصائدِ.. بالدمِ
والعشقِ.. بالموتِ
والنهرِ.. بالشهداءْْ
وكيف التقائي..
بنرجسةٍ..
في الجنوبِ
وما بيننا..
البحرُ.. والقتلةْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تأملاتٌ.. تحتَ نصبِ الحرية(69/305)
تأملاتٌ.. تحتَ نصبِ الحرية
رقم القصيدة : 64046
-----------------------------------
(1)
"قاسم مشعان"
في بابِ الخيمةِ
كنتُ....
أغني مولاً ريفياً
يحملُ رائحةَ الصفصافِ.. وشط الكوفة
يدنو مني "قاسم مشعل"
يقسمُ تفاحته نصفين
ويدخلُ للخيمة.. ملتاعاً
يحلمُ..
بالمحبوبةِ..
والأمطارْ
*
(2)
"كوخ"
أنسجُ..
من أهدابي
كوخاً.. للشعرِ
وأجلسُ.. فوق الدكّةِ
منتظراً
أن تأتي.. سيدتي
- ذاتَ مساءٍ -
وتشاركني.. القهوةَ
.. والكلماتْ
*
(3)
"نخلة"
تبقى النخلةُ..
عطشى
وتموتُ..
ولا تحني قامتها.. للريحْ
*
(4)
"امرأة"
كان طويلاً
نهرُ ضفائرها
وأنا......
أسبحُ
ضدَّ التيارِ..
إلى
الشفتينْ
*
(5)
"حالة"
في موجِ الناسِ المتلاطمِ
أنسى نفسي.. أحياناً
وأدندنُ أبيات قصيدةْ..!
لمْ تُكملْ بعدْ..!!
*
(6)
"إلى الفنان جسام محمد"
كان صديقي..
كانْ
ممتلئاً.. بالألوانْ
حين أحبَّ امرأةً
صارتْ نهراً
وصديقي.. أصبحَ بستانْ
*
(7)
"تحت نصب الحرية"
من تحتَ النصبْ..
مرَّ {الشاعر
مرَّ الثائر}
مرًّ العاملُ
مرًّ الجندي
مرًّ الطفلُ
ومرَّ.. "جوادُ سليم"
مبتسماً، مزهواً
حيّانا..
ومضى!!
{يسألُ عن آخرةِ الدربْ}
*
(8)
"جواد سليم"
في ساحاتٍ أخرى..
من بغداد
وأربيل..
وميسانْ
شاهدناه..
ببدلتهِ {المطلية بالأحلامِ وبالألوانْ}
مشغولاً..
في نحت تماثيل أخرى..
للأمِ
وللجنديِّ
وللحريةِ
والزمن العربي {القادم
من وجع الإنسانْ}
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مقاطع
مقاطع
رقم القصيدة : 64047
-----------------------------------
(1)
أنتِ أحلى.. وكلُّ نبضي اشتياقُ
أنتِ أحلى.. وفي دمائي العراقُ
أنتِ.. هذا الصباحُ.. يأتي بهياً
في بلادي.. فللعذابِ انعتاقُ
شَعركِ الحلو.. غابةٌ من أمانٍ
كمْ تغنّى بفيئها.. العشاقُ
روعةُ النخلِ.. أم قوامُكِ هذا
والمساءُ الشفيفُ.. أم أحداقُ
أنا هذا الفراتُ.. نبضٌ.. وشعرٌ
ونخيلٌ.. وزورقٌ.. .. و{أتلاقُ}(69/306)
لكِ قلبي.. لكلِّ نخلِ بلادي
لكِ عمري.. وكلُّ عمري عناقُ
*
(2)
ماذا يحدثُ
في شكلِ العالمِ!؟
ماذا يحدثُ لو....!
بدلاً من أنْ تزرعَ في صدري طلقةْ
تزرع..
في قلبي..
وردةْ...!؟
*
(3)
أحبُّ الشوارعَ... يا ميمُ
كلَّ الشوارعِ.. تلك التي مشّطتها مع الليلِ.. أقدامنُا الضائعةْ
بلا غايةٍ..
غير أنْ نتقاسمَ بوحَ المصابيحِ..
والشعرَ..
والذكرياتِ الجميلةْ
وتلكَ التي بعدُ لمْ نتسكعْ بها..!
أحبُّ المقاهي.. جميعَ المقاهي
وحيثُ جلسنا نثرثرُ في كلِّ شيءٍ
نحدّقُ في الواجهاتِ المضيئةِ..
في الطرقاتِ البليلةِ..
في العابرين
ونشربُ.. قهوتنا.. في انتشاءْ
أحبُّ الحدائقَ.. كلَّ الحدائقِ
حيثُ ركضنا... وراء الفراشاتِ
حيثُ استرحنا، على العشبِ، من تعبٍ ربما
أو لأقرأَ شعري..
إليكِ
أحبُّ الشجيراتِ.. كلَّ الغصونِ التي ظللتنا
بأفيائها
وحيثُ كتبنا على ضفةِ النهرِ.. موعدنا
وحيثُ اختبأنا.. من المطرِ المتساقطِ - ذاتَ مساءٍ
وكان الرذاذُ اللذيذُ.. يبلّلُ شَعرَكِ
ينسابُ كالخَدَرِ الحلوِ.. فوق جبينك
فنغرقُ في بللِ القبلاتِ
وحيدين في الظلمةِ الرائعةْ
أحبُّ..
أحبُّ..
لأني أحبكِ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أشياء.. عن علوان الحارس
أشياء.. عن علوان الحارس
رقم القصيدة : 64048
-----------------------------------
كان يحبُّ نوارسَ دجلة
والسمكَ "المسكوفَ".. على الشطِّ
وأورادَ الجوري.. تتفتحُ - في الليلِ -
كأوراقِ القلبِ
على شرفةِ محبوبتهِ الفارعةِ الطول
كان يحبُّ أغاني "حسين نعمة"
والمشي على أرصفةِ السعدونِ.. وحيداً
تبهرهُ أضواءُ الصالوناتِ.. وسربُ السياراتِ المجنونةِ..
.. والسيقانُ.. ورائحةُ "الهمبركر"
كان يحبُّ نثيثَ الأمطارِ
يبلّلُ أثوابَ الفتياتِ
فيركضنَ.. كغزلانٍ شاردةٍ
نحو مظلتهِ
ويكركرنَ.. اذا راحَ يغني:
"يا بو زبون الحمر... ومطرز بأبرة
كل الشرايع زلك... من يمنه العبرة"
آه... يا مطرَ الله
تساقطْ(69/307)
حتى يمتليء العالمُ..
بالأزهارْ
*
وإذا جنَّ الليلُ..
أحتضن "الكسريةَ"
ثم استقبلَ ليلَ الطرقاتِ.. نحيلاً
كمصابيحِ الحارةِ
أطلقَ صفّارته..
يجرحُ صمتَ مدينتهِ الغافيةِ العينين.. {على} وجلٍ
- نامي - بأمانٍ - يا أجفانَ الأطفالِ
فعمكمُ علوانُ الحارس.. يشعلُ عينيهِ بقلبِ الظلمةِ
ويمرُّ على حارتنا..
بيتاً.. بيتاً
- .. ها.. مصباحُ الصائغ...... لمْ يُطفأْ
ما زالَ كعادتهِ.. حتى منتصف الليلِ..
يقلّبُ أوراقَ قصائدهِ
- لِمَ تعوي خلف خطاي كلابُ الدربِ
وتنسى أحلامي النجمةْ
اللعنةْ!
مَنْ لا يعرفُ علوان الحارس في منتصفِ الليلْ
*
أبصرهُ.. يدلفُ للمقهى
مشتعلاً بعذاباتِ طفولتهِ
مدرسةٌ طردتهُ...
وكوخٌ.. من قصبِ البردي والطين
وفانوسٌ يسعلُ في البردِ
وأشياء أخرى..
يتّخذُ الآنَ.. بركنٍ منعزلٍ
مقعدَهُ
مرتشفاً كوبَ الشاي - على مهلٍ -
يتأملُ من خلفِ زجاجِ المقهى
موجَ الناسِ المتدافعَ نحو الفجرِ
ينهضُ مبتسماً
يغرقُ وسطَ زحامِ الشارعِ
مفتوناً.. بصباحات الوطنِ المشمسِ
............ والأزهارْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> في انتظار القصيدة
في انتظار القصيدة
رقم القصيدة : 64049
-----------------------------------
في انتظارِ القصيدة
أوقدتُ صبري.. على بابها
شمعةً.. للترقّبِ
ثم انحنيتُ..
على أضلعي
خشيةً
أنْ تفرَّ طيورُ الحنينِ الحبيسةُ.. نحوكِ
أنْ يفلتَ القلبُ..
هذا المبلّلُ بالوجدِ
.. من قفصي
ويضيعُ بغاباتِ حبكِ
مستوحداً
متعبَ الجفنِ
منطفئاً بالغصونْ
*
هو القلقُ الحلو...
يفترشُ الدربَ
ياليتها.. لا تجيءُ
فأنَّ الزوابعَ.. لا ترحمُ الغابةَ اليابسةْ
وأمضي..
بكلِّ الشوارعِ.. أمضي
بكلِّ الأزقّةِ.. حيثُ افترقنا
وحيث تلفّتُ - مثلَ المضيّعِ -
أبحثُ عن خطوكِ المتواربِ
بين الزحامْ
*
لماذا تركتكِ تمضين..
أيتها...؟
وكيف تركتُ شرائطَكِ البيضَ..
تنسلُّ - مثلَ الأماني الجميلةِ - من بين كفي(69/308)
- لو أني شغلتكِ - خمسَ دقائق أخرى -
ببعضِ الحديثِ.........!
- لو أنكِ.. كنتِ تركتِ على الرفِّ.. عنوانَ بيتكِ
حتى......!
- لو إنّا اتفقنا.. على موعدٍ
- لو...
ولكنني...!
كنتُ مضطرباً.. ساهماً
فلما استفقتُ.. بمنعطفِ الدربِ
كنتُ وحيداً...
تلفّتُ...
كان رداءُ المساءِ، يلفُّ المدينةْ
*
قدْ تجيءُ القصيدةُ..
.. أو لا تجيء
قدْ تمرُّ الأميرةُ.. تحت نوافذِ قلبي
وقد لا تمرُّ
ولكنني رغم بردِ الطريقِ.. وصمتِ الظلالْ
وما قيلَ عني... وما قدْ يُقالْ
سأشتلُ قلبي..
على الغيمِ -
صفصافةً ظامئة
وأبقى على الدربِ..
مرتقباً خطوَكِ الحلوَ...
... حتى أموتْ!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> من أين تأتي القصيدة؟
من أين تأتي القصيدة؟
رقم القصيدة : 64050
-----------------------------------
وأحتارُ..
كيفَ تجيءُ القصيدةْ؟
وتضربُ - كالموجِ - شطآنَ قلبي
... بلا موعدٍ
تتكسّرُ.. فوق رمالِ الورقْ
ثم ترحلُ.. نحو الضفافِ البعيدةْ
وتتركني... والقلقْ
*
...... ومن أين تأتي القصيدةُ؟
ما اسمها..؟
وأسألُ كلَّ الدروبِ:
أمرّتْ عليكنَّ..
سيدتي العابثة؟
وأسألُ كلَّ الصحابْ:
من رأى حلوتي في القميصِ الموشّى بحلمِ النجيماتِ؟
............ راكضةً
في بساتين قلبي
وكنتُ أطاردُ - منذ الطفولةِ -
خلف أريجِ ضفائرها..
متعباً
فتراوغني...
ثم تفلتُ مني،... مشاكسةً
فاللعينةُ.. تعرف أني أموتُ... إذا خاصمتني
لذا سوفَ تتركني.. هائماً
- طولَ عمري -
كسيرَ الخطى.. خلفها
وتذوبُ بموجِ الزحامْ
*
أنا أعرفها..
بشرائطِها البيضِ.. والنظرةِ الناعسةْ
تتسكّعُ فوق الرصيفِ المقابلِ حزني
وتغمزُ لي..
- من وراءِ الزجاجِ الشفيفِ -
فأتركُ كأسي
وثرثرةَ الصحبِ حولي
.. وأغنيةَ البارِ
أتبعها ثملاً..
في الحدائقِ
في المكتباتِ المليئةِ
في الطرقاتِ التي أقفرتْ بعد منتصفِ الليلِ
في المصطباتِ الوحيدةِ.. مثلي
فلا شيءَ..
غير حفيفِ الغصونِ..
وخطوي
وحين أعودُ..(69/309)
إلى شقّتي..
متعباً.. خائراً
سوف تنقرُ نافذتي
- هكذا بهدوءٍ -
وتجلسُ... فوق سريري...
وتتركني... والأرقْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> هي..
هي..
رقم القصيدة : 64051
-----------------------------------
من هنا
يبدأ القمرُ الغجريُّ.. حكاياته
- في المساءاتِ -
يهبطُ سلّمَ بيتي
حجراً..
حجراً
يُقرعُ البابُ.. في وجلٍ
- ذي غرفتي:
كتبٌ..
مقعدان قديمان
نافذةٌ، للعصافيرِ، والرازقي
وعلى الطاولة:
ديوانُ بودلير
فنجانُ قهوتها، ساخنٌ بعدُ
وردتها..
وحقيبتها المدرسية
يُقرعُ البابُ... ثانيةً - في هدوءٍ -
- ادخلْ!!
*
البراعمُ..
تبدأُ موسمها
بالتفتحِ قبل الأوانْ
والشجيراتُ..
حالمةً في الطريقِ الطويلْ
من هنا.. عبرتْ
كان في خطوها.. وجلٌ
شَعرها الفوضويُّ.. على موعدٍ
استدار الرصيفُ.. للفتتها العابرةْ
لمْ تقلْ أيَّ شيء
- أيها الموجُ......
خذني
إلى موعدِ الجمرِ.. والأقحوانْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> انتظار
انتظار
رقم القصيدة : 64052
-----------------------------------
ألمْ تبصري...
في الحديقةِ.. قلبي!؟
يبلُّ وريقاته.. الطلُّ
مشتعلَ النبضِ.. يا حلوتي
قربَ مصطبةٍ فارغة
تركَ العاشقانِ عليها...
بقايا ندى
.. بقايا أحاديثَ..
أو ربما موعدا
سيطويه.. صمتُ الحديقةْ
ومرّا..!
على غصنيَ المشرئبِّ.. بدونِ اكتراثْ
انتظرتكِ أنتِ
حجزتُ المقاعدَ..
كلَّ المقاعدِ.. منذُ الصباحْ
فرشتُ الممراتِ.. يا حلوتي
بالسنا والأقاحْ
لوقعِ خطاكِ الرشيقةْ
تمرُّ الثواني
تمرُّ الدقائقُ.. حتى
لأحسبَ عمري... دقيقةْ
وما زلتُ منتظراً..
يا صديقةْ
أناملَكِ المشتهاةَ الأنيقةْ
تلفُّ - بكلِّ البراءةِ - غصني النحيلْ
فأفتحُ أوراقَ قلبي
بلحظةِ نشوةْ..!!
وأسألُ:
هلا شممتِ رحيقهْ!؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ميم..!
ميم..!
رقم القصيدة : 64053
-----------------------------------
لعينيكِ.. يا ميمُ
كانت بساتين روحي..(69/310)
تفتّحُ أزهارها
للقاءِ فراشاتِ كفيك
وإذْ تجلسين على مقعدٍ ساهمٍ
تعبى من الوجدِ
تعبى من العشبِ
تعبى من الركضِ فوق جفونِ القمرْ
وكانَ الندى
يبلّلُ شَعرَكِ..
يالارتعاشةِ قلبي
اذا مسّهُ طرفٌ من جديلتِكِ العابقةْ
ومدّتْ زهوري..
سويقاتها العاشقةْ
للندى
ليديكِ
إنها النشوةُ الرائقةْ
*
فاقطفي أيّما زهرة.. تشتهينْ
هي قلبي أنا.. لو ترينْ
تضجُّ بشوقي إليكِ
فاملئي.. من زهوري سلالكِ..
وأمضي
وباهي الحسانَ.. بما في يديكِ
فيكفي غرور الزهورِ
انثيال الرحيقِ... على وجنتيكِ
ويكفي غرور الحديقةِ
إنَّ خطاكِ الأنيقةَ.. مرّتْ هنا
وبوحكِ.. في كلِّ أيكِ
ويكفي غروري..
بأنكِ لي
وكلّ قصائدِ شعري..
إليكِ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> القادم
القادم
رقم القصيدة : 64054
-----------------------------------
إلى ولدي.. مهند!
سوف تجيءُ.. كما الحب
من رحمِ الظلمةِ
تصرخُ في وجهِ العالمِ
مذهولاً.. مأخوذاً.. بالأشياءِ الأولى
وجهِ القابلةِ المأذونةِ
أحلامِ أبيكِ
الكتبِ المرصوفةِ.. كاللعنة!
وأغاني أمِّكَ - في الليلِ - على إيقاعِ المهدْ
نافذةِ الغرفةِ.. حيثُ القدّاحُ يعرّشُ فوق القضبانْ
وحيثُ عصافيرُ القريةِ.. تأتي أسراباً
تنقرُ شباكَكَ قبل مجيءِ الشمسِ
وتدعوكَ... إلى اللعبِ
وأنا......
في مكتبتي
أرقبُ خطوتك الأولى... مسروراً
تسقطُ..
تزحفُ فوق الأرضِ
وتبكي..
وتمزّقُ أوراقي..
وتبعثرُ حولكَ كلَّ الأشياءْ
*
وستكبرُ..
تكبرُ أحزانُكَ
تكبرُ أفراحُكَ
يكبرُ.. هذا العالمُ في عينيكَ
فتسألني.. عن أشياءٍ
لمْ تخطرْ في بالي.. من قبل
عن صورٍ.. لمْ أبصرْها
عن مدنٍ.. ما وطئتها أقدامُ أبيك
وتروحُ تحدثني..
عما قالتهُ معلمةُ الروضةِ
حيث رفعتَ العلمَ {السامقَ}
- في الساحةِ -
قدّامَ الطلابِ
وحين قرأتَ أناشيدَكَ
مزهواً.. فرحاً.. - في الصفِّ
وحين رسمتَ على السبورةِ
بالطبشورِ الأبيضِ.. والقلب
خارطةَ الوطنِ.. الغافي بين العينين(69/311)
النابضِ بين الأضلاعِ
.. الصاعدِ نحو الشمس
*
سوف تجيء
ويشيخُ أبوك الشاعرُ عدنان الصائغ
لكني......!
حين أرى أشعاري
تتوهجُ - كالقنديلِ - بعينيك الواعدتين
... وتكبرُ كالأشجارِ
أولدُ ثانية......
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حالة خاصة
حالة خاصة
رقم القصيدة : 64055
-----------------------------------
يا وطناً.. أحملهُ بين ضلوعي
وأسافرُ كالريحِ وراءَ الكلمات
بحثاً..
عن بيتٍ من شِعرٍ..
أسكنهُ
بحثاً..
عن مفردةٍ.. لمْ تُهتكْ
بدواوين الشعراء
بحثاً
عن بحرٍ منسيٍّ
لمْ تَجْدِفْ فيه مراكبُ صيادي الكلمات
بحثاً..
عن غاباتِ عيونِ امرأةٍ
لمْ يسرقْ من أشجارِ مفاتنها..
عصفورٌ
أو شاعرْ
بحثاً..
عن شبرٍ من وطني
لمْ تنبتْ فيه زهرةُ قداحٍ..
أو ثائرْ
بحثاً..
عن ساقيةٍ
ما مرَّ بها عابرْ
بحثاً..
عن جذعِ شجيرةِ تفاحٍ
لمْ ينقشْ فيها العشاقُ مواعيدَهم الأولى
بحثاً..
عن مقهى
لمْ يجلسْ فيها البياتي.. وحسين مردان
بحثاً..
عن أرصفةٍ..
لمْ تعرضْ زينتَها للمارين
بحثاً..
عن جسرٍ
ما مرتْ منه نسائمُ أنفاسِ السياب
بحثاً عن.........
............
يا وطني
أتعبني التجوالُ
فنمتُ على صدرِكَ.. أياماً
.. من دون قصيدة!
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> القطارات تتشابه دائماً
القطارات تتشابه دائماً
رقم القصيدة : 64056
-----------------------------------
ما الذي تريدُ أن تراه بَعْدُ
أكثرَ من كلِّ هذا الذي... رأيتهُ
ها قد انتصفَ الليلُ وأقفرتِ المحطة
واختفى آخرُ بائع سجائر
وآخر بائعة حب
وآخرُ شرطيٍّ
(بائع السجائر، قلتَ له: إنَّكَ لا تدخن غيرَ أحزانكَ
وبائعةُ الحبِّ أدركتْ - يا لخيبتها - أن آخرَ ما تفكرُ به هو جسدها
وآخرُ شرطيٍّ ألقى عليكَ نظرةَ ارتيابٍ
وعندما لمْ يجدْ في عينيكَ غيرَ الدموعِ والأحلامِ
وفي حقائبكَ غيرَ الأرصفةِ..
أطلق صافرتَهُ واختفى في الظلامِ...)
ما الذي تريدُ أن ترى..
أكثر مما رأيتهُ(69/312)
رغم أنكَ، لمْ تسافرْ
أو تدخن
أو تضيع في سوهو مثل كولن ولسن
حياتُكَ سفرٌ في الأحلام
وضياعٌ على الورقِ
وتسكّعٌ طويلٌ..
تحتَ أمطارِ القصائدِ والضفائرِ الطويلةِ
ما الذي تريدُ أن ترى..
أكثرَ من هذا؟
كتبكَ تباعُ على الرصيف
ورغم ذلك لا تجد في جيوبكَ المملوءةِ بالريحِ، ما تشتري به:
كتاباً جديداً،
أو قميصاً رخيصاً لطفلكَ
أحزانك تتناسلُ كالقطط
وأنتَ من نافذةِ غرفتك
ترقبُ الفتياتِ الجميلاتِ
متأففاً على نصفِ حياتكَ
مشاريعكَ الكتابيةُ كالمصعدِ الكهربائي
دائماً تعطل في الطابق الرابعِ
قريباً من غرفةِ رئيسِ التحريرِ
{حيثُ مقصاته بانتظاركَ}...
ما الذي تريدُ أن تراه إذن!؟ أكثرَ من هذا الذي رأيتهُ
ها قد انتظرتَ طويلاً...
طويلاً جداً
ولم يأتِ القطارُ (الذي وعدوك به في طفولتك،
محملاً بالحلوى وبالوناتِ السعادةِ والجواري والنقود)
مرت عشراتُ القطارات المملوءة بالجنودِ والبضائعِ والعرسانِ والنفطِ والأشجارِ والأجانبِ والمسافرين
مرّتْ آلافُ الوجوه... وآلاف الأقنعة
مرّتْ آلافُ الأنهارِ والطيور والمدن والكتب والهموم والشوارع
وما زلتَ تنتظرُ قطارَ فرحك
حتى أعشبتْ قدماك من الوقوفِ
(.. بائعُ السجائرِ هزَّ كتفيهِ ساخراً.. ومضى
الشرطي اكتفى بشتيمةٍ عابرة
بائعةُ الحبِّ التفتتْ مرتين... ثم بصقتْ
مفتشُ المحطةِ... قال:
لقد رأيتُ في حياتي كثيراً... من أمثاله:
هؤلاء المجانين.. ماذا ينتظرون!؟)
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تَذَكُّر
تَذَكُّر
رقم القصيدة : 64057
-----------------------------------
وقفتْ أمام مرايا قصائدي
تمشّطُ أحلامَ شَعرها الطويلِ الأسودِ
وتتمايلُ بغنجٍ لذيذٍ
وتتذكّرُ - وهي تتأملُ من على شرفةِ الورقةِ -
شريطَ يومياتها الذي مرَّ سريعاً
تذكّرتْ جنوني الذي تركتهُ على شفتيها
تذكّرتْ كلَّ حرفٍ وفوضى وقرنفلٍ فاضحٍ(69/313)
تذكّرتْ غرفتنا التي لا يملُّ المؤجرُ من طرقِ أبوابها، حتى منتصفِ الشهرِ التالي
تذكّرتْ رمالَ يدي اللتين كانتا
تحتضنان تلاطم أمواج خصرها
تذكّرتْ سنوات الحبِّ الثماني، وسنوات الحربِ الثماني،
التي أخذت من عمرنا الكثيرَ
تذكّرتْ بريدَ القنابل الذي كان يحملُ رسائلي إليها من السواترِ البعيدة
تذكّرتْ كلَّ التفاصيل التي عشناها معاً:
الشوارع الوجلة، الشوارع اللامبالية،
الشوارع الضاجة، الشوارع السعيدة،
الشوارع المقفرة،
الشوارع التي تشبهُ أيامنا،
وأحلامنا المتشّعبة التي تشبهُ الشوارع:
تتفرعُ، وتلتقي، وتنتهي، ولا تنتهي، وتضيقُ، وتتسعُ، وتسكرُ، وتشيخُ، وتتناسلُ، وتكذبُ، وتنامُ، وتبولُ، وتحلمُ وتموتُ...
الشوارع التي تحفظُ عن ظهرِ قلبٍ يومياتنا السرّيةَ، وخطى العشبِ، ومواعيدَ زعلكِ..
تذكّرتْ:
قيلولةَ الشاي، وأزهارَ الشقّة رقم (1)، وكذبَ الأصدقاء، وقصائدَ سان جون بيرس، وقائمةَ الديونِ، وأمطارَ الندمِ، والصباحاتِ المشاغبةَ، والباصَ المتأخرَ دائماً، والقلقَ النامي على سياجِ أحلامنا، وأغاني قطارِ البصرة تحت رذاذِ المطرِ والشظايا، والحماقاتِ التي ك
تذكّرتْ:
تسكعنا الطويلَ على الجسرِ الحديديِّ، البكاء َالطويلَ أمامَ يتيمٍ عابرٍ، سرياليةَ أحلامنا، بياناتِ الحربِ {السوداء}، معارضَ الفنِ التشكيلي، الكتبَ المستعارةَ، فتيات المدارس المشاكسات، المصاعدَ العاطلةَ، أزقةَ الهذيانِ، الندى الليلي، خرائطَ الجوعِ، أسرّةَ ا
تذكّرتْ كلَّ هذا
كلَّ ما يمكنها أن تتذكّرَهُ
فبكتْ...
بكتْ طويلاً...
بكتْ طويلاً جداً
بكتْ عمراً كاملاً كما بكيتُ أنا
*******
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أول أمطار الحنين
أول أمطار الحنين
رقم القصيدة : 64058
-----------------------------------
أحتفلُ بذكرى غيابكِ، لوحدي
أشعلُ - في صفٍّ واحدٍ - شموعَ حنيني إليكِ
وأرقبُ قطراتِ أيامي وهي تنحدرُ ببطءٍ على الطاولةِ(69/314)
بعد قليلٍ، سينطفيءُ آخرُ خيوطِ اللهبِ الحزين
وأبقى مع ركامِ الشمعِ المتجمّدِ، ركامِ سنواتي المنطفئة
محاطاً بالبردِ والتشتّتِ
أين أنتِ الآن؟
في هذه الساعةِ من ضياعي
في شوارعِ ذكرياتكِ..
أين أنتِ الآن؟
غرفتي بكاء ٌ،
جدرانها من جصٍّ ودموعٍ
ونوافذها من أحلامٍ ذابلةٍ وياسمين
أين أنتِ الآن؟
يا من تركتني أذرُّ رمادَ قصائدي في حاناتِ الأرقِ
فيشربُ نخبها الأصدقاءُ الثملون
وهم يودعونني إلى بيوتهم
وأودعهم إلى بردِ المصاطبِ
أين أنت الآن؟
لا شوارع اليوكالبتوز تدلّني عليك، ولا نوافير نصب الحرية، ولا حدائق إتحاد الأدباء، ولا مصابيح الجسر الحديدي المطفأة، ولا الهاتف القلق، ولا ساحة الأحتفالات، ولا لوحات ليلى العطار، ولا نميمة الأصدقاء، ولا صوت ناظم الغزالي، ولا دير العاقول، ولا قطار المربد، و
مالي استنجدُ بكلِّ ذكرياتكِ
فلا أزدادُ إلاّ ضياعاً...
ولا أعرفُ أين أنت؟
مالي أراكِ في كلِّ الشوارعِ... ولا أراكِ
مالي أراكِ في كلِّ الملامحِ... ولا أراكِ
مالي أراكِ في كلِّ المرايا... ولا أراكِ
مالي أراكِ في كلِّ الكلماتِ... ولا أراكِ
[ رأيتكِ...
توهمتُ أني رأيتكِ - ذات صباحٍ مندّى برائحتكِ -
تدلفين إلى القاعةِ بشعرك الأسودِ الطويلِ
بينما كنتُ أقفُ خلفَ المنصةِ، محتشداً بالجمهور والقصائد
اختضَّ تاريخي كلَّهُ، فجأةً
وأحسستُ بأصغرِ خليةٍ في كياني ترتجفُ
أحسستُ بقلبي يدقُّ
يدقُّ بعنفٍ
يدقُّ كمئةِ طبلٍ في قاعةٍ مغلقةٍ
أحسستُ أنكِ تسمعين الدقاتِ
تسمعين المارش الاحتفالي الكبير
فتمشين على دقةِ الطبولِ بغنج الملكاتِ...
عندما أفقتُ:
كانتْ طبولي ممزقةً
والشوارعُ مزدحمةً بالخطى...
ولا أثرَ للعشبِ ورائحتكِ..]
قولي:
أين أنتِ الآن؟
****
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> فصل.. في أول الغياب
فصل.. في أول الغياب
رقم القصيدة : 64059
-----------------------------------
غيابُكِ نافورةُ حرقة(69/315)
وأنا الضاميءُ (لمْ تروني شفتاكِ) أجلسُ على حافةِ حوضِ السيراميك
أمام مبنى دار الفنون
أتابعُ قطراتِ الماءِ.. وهي تتصاعدُ بقوةٍ، كأسلاكٍ ذهبيةٍ لا متناهيةٍ، سرعانَ ما تنحني...
وتعاودُ السقوط ثانيةً:
غيماً من الرذاذِ المتناثر - كشعركِ الطويل -
على المارةِ
وقميصي..
وغيرةِ الفتياتِ
أو تنحدرُ دوائر، دوائر - كسنواتِ عمري -
تتفرقُ.. تتسعُ.. تتسعُ، وتضيعُ، في الزحمةِ
لا شيءَ على السطحِ
غير فقاقيعِ الذكرياتِ تلوّنها أضواءُ الطرقِ الشاحبةِ
يا سيدتي.. يا ذاتَ العينين الواسعتين
تعرفين كمْ من الكلماتِ ضاعتْ
وأعرفُ كمْ من السنواتِ ستضيعُ
لا أحدَ، يوقف هذا الضياعَ المستمرَّ.. الذي يسمونهُ - خطأً - أيامنا
لا أحدَ، يوقف هذين العقربين المتراكضين على ميناءِ عمري
وهما يقضمان في طريقهما كلَّ شيءٍ:
الشوارعَ، والكتبَ، وأمنياتي..
المطرَ، والرسائلَ..
الأصدقاءَ وإجازاتي القصيرةَ،
والمشاريعَ المؤجلةَ، والمطاعمَ..
إلاّ أنتِ..
يا أنتِ، يا غيابكِ نافورةُ ندمٍ وحرقة واشتهاء..
أينما تذهبين..
ستطاردكِ الذكرياتُ..
أقولُ لك:
ما الذي ستفعلين غداً؟
حينما تنبشين شوارعَ بغداد، حنيناً وغربةً وبكاءً
ولا تجدينني..
أقولُ لكِ:
ما الذي سأفعلهُ غداً
بأيامي..
حين لا أجدكِ..
*******
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ناي الجنوب
ناي الجنوب
رقم القصيدة : 64060
-----------------------------------
أيها الناي
لي سلطانُ الكلام، وحاشيةٌ من الأحلامِ والريحِ
وجندٌ من المعاني والأشجارِ
مملكتي تمتدُ إلى ما لا نهايةِ الحلمِ..
يرسمونها على الخريطةِ أحياناً على شكلِ لافتةٍ..
أو مكتبٍ صغيرٍ في إحدى الصحفٍ..
أو رصيفٍ
وأرسمها على شكلِ قلبٍ أو ناي
وترسمينها على شكلِ مصطبةٍ لشاعرٍ مجنونٍ
لي هذا البحرُ بتعرجاتِ أغانيهِ على رملِ الموجةِ
البحرُ وشعرُكِ الطويلُ وديوني آخر الشهرِ..
ثمة ما يوصلني إلى الخراب(69/316)
وثمة ما يوصلكَ - أيها النايُّ، يا صديقي - إلى قرى القصيدةِ
وهي تنأى من خلالِ النافذةِ..
نافذة بكائي..
آه.. كيفَ لمْ ألتفتْ إلى النافذةِ، حيث تجلسُ هي ساهمةَ النظرات والأحلام
تفكرُ بالشاعرِ وقرصِ الأسبرين
قلتُ لها: غيابكِ نافورةُ حرقة..
ولكنها لمْ تعد
قلتُ لقلبي: سأذهبُ إلى البصرة، أفلّيها شارعاً شارعاً، بحثاً عنكِ..
سأقفُ أمامَ تمثالِ السيابِ - بلا زهورٍ ولا عنوان -
هكذا بكلِّ انكساري وغربتي
أسائل المارين عنكِ
وأبعثُ بطاقاتي في بريد البحرِ
يا لحماقاتي.. التي أورثتني كلَّ هذا التشرّد..
تشرّدي في شوارع حبكِ..
أيها النايُّ..
ساعةُ الحائطِ تتكتكُ..
كمْ مضى من الوقتِ على عطلي
نظرتُ إلى فوضى مكتبتي، وعرفتُ لماذا مضى نصفَ حياتي
بلا ترتيبٍ..
أيها النايُّ..
كم بأسمكَ من التأوهاتِ والقرى
وكم بأسمي من الفقرِ والغيومِ
لنا أن نأخذَ القطارَ، نفسَهُ، النازلَ إلى الجنوبِ
غريبينِ على مقعدين متقابلين
أنت تحدّقُ من النافذة لنباحِ أعمدةِ الهاتفِ وفوانيسِ القرى النائيةِ
وأنا أكتبُ..
وعندما نصلُ المحطةَ..
لن نجدَ أحداً في استقبالنا
سنذهبُ إلى أقربِ حانةٍ في المدينة
هنالك - وقبل الكأسِ الأخيرِ - سأبوحُ لكَ بشيءٍ خطيرٍ
أيها النايُّ.. يا صديقي الوحيد
سأبوحُ لك بأسمها..
فهل ستكتمُ السر!؟
ملتقى السياب - 1989 البصرة
*******
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بالون
بالون
رقم القصيدة : 64061
-----------------------------------
أنتَ تملكُ الصكوكَ..
وأنا أملكُ القصائدَ..
ورغم ذلك فأنا أكثرُ سعادةً منكَ
حياتُكَ: بنوكٌ، ومسابحٌ من الفسيفساءِ، وسكرتيراتٌ أنيقاتٌ، وكونياك، وملاعقٌ من ذهبٍ، وصفقاتٌ، ودم...
وحياتي: شوارعٌ من الريحِ، وكمبيالاتٌ مستحقةٌ، وأصدقاءٌ، ومطرٌ، وخبزٌ منقوعٌ بالباقلاء...
ورغمَ ذلك..
فأنا استطيعُ أن أضعَ رأسي على الوسادةِ وأحلمُ
أما أنتَ فلا تستطيع أن ترى غيرَ الكوابيسِ
*(69/317)
أنا الشاعرُ عدنان الصائغ
رأيتُ من الخنادقِ والمساطرِ والأكواخِ والمعسكراتِ
أضعافَ ما رأيتهُ أنتَ.. من الصالوناتِ والسهراتِ والمطاعمِ الفخمةِ..
وبيدي هاتين،.. اللتين كثيراً ما خدشتا أصابعَكَ الناعمةَ
وهما تصافحانكَ...
بيدي هاتين،..
حملتُ عشراتِ الجثثِ من ساحاتِ المعاركِ
وبعتُ السجائرَ والصحفَ على أرصفةِ المدنِ..
ونقلتُ الصناديقَ، في مخازنِ الشالجيةِ،.. والطابوقَ والجصَّ، لبيوتِ الأثرياءِ..
وغسلتُ الصحونَ في المطاعمِ الرخيصةِ
وعملتُ في المجاري والمقاهي والمكتباتِ
من أجلِّ لفّةِ همبركر...
أستطيعُ أن أمضغها ملتذاً
وأنا أجوبُ الشوارعَ عائداً إلى البيتِ
أما أنتَ...
فما أكثر ما كنتَ تشكو المللَ والتخمةَ
وأنتَ تنبشُ أسنانَكَ المنخورةَ
بعيدانِ الثقابِ
لتستخرجَ... لحمَ الآخرين
*
أعرفُ أن في شرايينكَ يجري ماءُ الكولونيا
وفي شراييني شوارعٌ من الوحلِ
وأن ثمنَ حذائِكَ
يعادلُ أضعافَ راتبي من المجلة
ورغمَ ذلك..
فأنا أكثر سعادةً منكَ..
أستطيعُ أن أغمضَ عيني
لأرى حشداً من النجوم تحطُّ على سطحِ بيتنا الطيني
وأن بين أصابعي تترقرقُ الآف الينابيع
وهي تنحدرُ إلى القرى
ما الذي نفعلُ
نحن الفقراءَ المنتشرين على أرصفةِ المدن
الفقراء الذين لا نملك سوى التسكّعِ والطيبةِ والحبِّ
ما أكثر ما نظرتَ إلينا بازدراء
وأنتَ تمرقُ أمامنا بسيارتكَ الفارهة
لقد قاتلنا بضراوةٍ..
من أجلِّ أن يكون لنا وطنٌ،
وشوارع، وشمسٌ، وأشجارٌ، وكرامةٌ، وخبزٌ، وقصائد
وتاجرتَ بشراهةٍ
من أجل أن يكون لك رصيدٌ
وصكوكٌ وعمارات
ماذا نفعل؟
إذا كنا قد انشغلنا بهموم الوطن
وانشغلتَ بهموم الصفقاتِ
إذا كنا قد غصنا في طين الجبهاتِ.. حدَّ الركبِ
وبقيتَ تتفرج على ثيابنا المبقّعةِ بدمِ المعاركِ وغبارِ القنابلِ
- من خللِ زجاجِ مكتبك الأنيقِ -
دون أن تجرؤَ حتى على لمسها
ورغمَ ذلكَ،
فأنتَ تستطيع أن تشتري القلاعَ والذممَ والشققَ المكيّفةَ(69/318)
ولكنك لن تستطيعَ أن تشتري حلمَ شاعرٍ
وذلك ما يؤرّقكَ طويلاً..
طويلاً جداً..
******
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> كركوك
كركوك
رقم القصيدة : 64062
-----------------------------------
كركوك..
شوارع تؤدي إلى القلعة
وقلعة تنفرطُ - كعنقودٍ مدهشٍ - إلى شوارع، وظلالِ بيوتٍ، ونساء، ومآذن، و"حَبِّ الشمسِ"، وجنودٍ مستجدين، ومقاهٍ مكتظةٍ، وشراويل براقةٍ، وفنادق باردةٍ..
أعود إلى كركوك بعد خمسة أعوام
ياه.. كمْ تتغير المدنُ..
أزقةٌ تتناسلُ كالقططِ،
وأخرى تنقرضُ كأحلامٍ قديمةٍ
ومحلاتٌ تغيّرُ عناوينها بتغيّرِ المواسم
ووجوهٌ تشيخُ
وجوهٌ تحييكَ ولكنك لا تعرفها
وجوهٌ تحدّقُ فيكَ ولا تعرفكَ..
كمْ شختَ إذن ولا تدري
أم أنّهُ قلبكَ المثقوب الذي تبرر به نسيانَكَ دائماً
أهي المدينة التي تغيّرتْ أم الذاكرة
ذهبتُ أفتشُ عن المكتبة التي تعوّدتُ في أيام النزول (كلّ اثنين وخميس) أن أتزودَ منها بالكتبِ والمجلاتِ، وأحياناً الصحف التي لا تصل...
عندما وصلتُ، وجدتُ مكانها مطعماً..
تحسّرتُ من كلِّ قلبي.. وقلتُ: لأدخل أيضاً..أتعشى إكراماً لذكرياتي
تأملتُ الحيطانَ المزيّنةَ بالصورِ، والمرايا التي تعكسُ الأفواهَ الماضغةَ..
وتذكرتُ مكانها:
الجدران التي كانتْ تنوءُ برفوفِ الكتبِ
هنا كان دانتي يحتسي قهوته مع أبي العلاء المعري
هنا مر جبران خليل جبران، وسعدي يوسف
هنا، على هذا الرفِّ المائل قليلاً
كان مايكوفسكي يصغي باهتمامٍ لصديقه أراغون
وهو يقرأ قصائده عن عيون إلزا
في هذه الزاوية سقط الجاحظ على رأسي
فتناثرتْ أوراقه وأفكاري
في هذا الركن رأيت زوربا فهربتّهُ معي إلى المعسكر..
علّقتُ ساخراً وأنا أغادرُ صاحبَ المطعم ذا الكرش المربع:
- إنها فئرانُ المطاعمِ التي تقرضُ المكتباتِ، والمقاهي أحياناً....
أين أمضي؟
لا أتذكّر عناوينَ أصدقائي القدامى
ولا عناوينَ أفلام السينمات تغريني بالتدافعِ مع الآخرين..(69/319)
والهاتفُ الوحيدُ في المدينةِ يكتظُ على اسلاكهِ حنينُ الجنودِ إلى أهاليهم،
أغلقَ إذنيه عن ندائي المبحوحِ...
مضتْ ساعتان
وأنا أجوبُ الطرقاتِ وحدي..
ما أوحشَ المدن بلا أصدقاء
قلتُ: لأتصل بجليل القيسي
كان مسافراً إلى أربيل
قلتُ: لأتصل بمحمود جنداري
كان مسافراً إلى الموصل
قلت لأتصل بمرشد الزبيدي
كان مسافراً إلى بغداد ..
يا لحماقة المصادفات المجنونة
ما هذا؟ كأنهم اتفقوا على أن يتركوني وحيداً مع خطاي وذكرياتي...
جرّبتُ الكتابةَ..
في السطرِ الثالثِ توقفتْ أفكاري تماماً
بدأ أخطبوطُ الكآبةِ يزحفُ على أوراقي
أوقفني جنديٌ على الرصيفِ:
- أين مقرُّ "السَرِيةِ الثانيةِ"؟
تأملتهُ صامتاً:
عينينِ وحيدتين مثلي،
و(يطغاً) صغيراً يختصرُ تأريخَ معاركٍ طويلةٍ ومدنٍ وشهداء وأفواجٍ، مثل (يطغي) الذي كنتُ أحملهُ في تنقلاتي، بين الأفواجِ والمعاركِ
وحقيبةً جلديةً سوداء ..، كتلك التي أضعتها في القطارِ
قلتُ له:
- هيا بنا...
أنا ماضٍ إلى هناك
لنقطع الطريقَ بالثرثرات
1988 معسكر كركوك
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شوارع.. ولغة.. وعيون سود
شوارع.. ولغة.. وعيون سود
رقم القصيدة : 64063
-----------------------------------
أريدُ لغةً أكبرَ من هذا، أكبرَ من هذا الصراخِ الذي يشقُّ حنجرتي، أكبرَ من هذا الفرحِ المجنونِ الذي.. أريدُ يا ربُّ لغةً أكبرَ وأشرسَ وأدقَّ وأعذبَ وأكثرَ قدرةً على التعبيرِ {والتمويهِ} تماماً بعيداً عن قوانينِ الإعرابِ {الصارمةِ وزخارفِ البلاغةِ التي أمات
شوارع للفرحِ، شوارع لشَعركِ الطويلِ المجنونِ، شوارع لعينيكِ الواسعتين، لأجملِ عينين على الإطلاقِ، شوارع لنشر الرصاص عالياً بريئاً لأولِ مرة، شوارع للحمامِ، شوارع للساعةِ الخامسةِ فجراً، شوارع لا تعرف الزعلَ، شوارع بلا نومٍ ومذيعينٍ، شوارع للسيرِ حتى ساحةِ(69/320)
وأتذكر يفتوشنكو: "لا يمكن أن يتضحَ معنى محدد لكلمة سلام إلا لهؤلاء الذي عرفوا ما هي الحرب.."..
وأتذكر ريتسوس: "السلام هو رائحةُ الطعامِ عند العشيةِ، عندما تعني الطَرَقَةُ على البابِ صديقاً. السلام هو كأسٌ من الحليبِ الدافيءِ، وكتابٌ أمام الطفلِ الذي سيستيقظُ.. يا أمهاتُ. إنَّ أفرانَ الخبزِ تنتظركنَّ لتعجنَّ فيها أرغفةَ السلام.."
مَنْ عرفَ معنى الحربِ غيرنا؟
مَنْ دخلَ مساماتها؟ مَنْ لاكته بين أسنانها ثمانيةَ أعوام؟
مَنْ تركَ أحلامَهُ معلقةً على مشجبِ الانتظارِ، وحملَ حقيبةَ الحربِ وأمشاطَ الرصاصِ وغابَ طويلاً في الأفواجِ المتقدّمةِ..
وها نحنُ نعود الآنَ ننفّضُ بقايا غبارَ المعاركِ عن أجسادنا وأرواحنا، ونجلسُ قليلاً في انتظارِ صوت المذيعِ المتهدّجِ وهو يعلن البيانَ الأخيرَ للحربِ، لنخرجَ أو قُلْ لنتدفقَ إلى الشوارعِ بكلِّ جنونِ الفرحِ المخبوءِ طيلةَ ثمانية أعوام، بكلِّ هذا السيل الذي أ
يا ربُّ.. أريدُ لغةً غير هذهِ.. أريدُ كلمات.. كلمات فقط.. كلمات غير هذه التي تخثرتْ على فمي طيلةَ الأعوام الماضية كبقعةِ دمٍ يابسةِ..
ماذا أفعلُُ الآن بكلِ نزيف ذاكرتي..؟
ماذا أفعلُ بكلِّ أحزانِ التاريخِ التي شربتها مساماتي منذ نعومةِ أحلامي، وأنا على مقاعدِ الدراسةِ..؟
ماذا أفعلُ بكلِّ تأريخ قصائدِ البكاءِ والرثاءِ والهجرانِ.. يا ربُّ
ماذا افعلُ بكلِّ فرحِ الشوارعِ وهي تتدفقُ فجأةً كنافورةٍ سوى أن أفتحَ صدري العاري المجرّحَ للقطراتِ الباردةِ، وأتركها تنسابُ على جروحي
ماذا أفعلُ سوى أن أعلنَ انتمائي لهذا الفرح
ولا تقولوا أن الشعراءَ أميل للحزنِ، حاشا،... فلمْ تعدْ مثل هذه الكذبةِ الملفّقةِ، طيلةَ قرون البكاء، لتنطلي الآن.. لا عليَّ ولا عليكِ
هاتوا لي فرحاً بحجمِ فمي، واتركوا لي حريةَ أن أحوّلَهُ - هذا الفمَ المتيبّسَ - إلى حقولِ مطرٍ، ونوافذِ ياسمين(69/321)
هاتوا لي شوارعَ غاصةً بكلِّ هذا الكرنفالِ الراقصِ حتى الصباح، وسأريكم كيفَ أغني..
هاتوا لي، كلَّ هذا..
وسأريكم كيف تكركرُ لغةَ الشعراءِ، كأطفالٍ عراةٍ، يركضون وراء المطرِ
وإذا كنا صبرنا على كلِّ هذا.. فذلك من أجلِّ وطن.. ليس إلاّ..، وها نحن نراه الآن عائداً من طين الجبهات ورصاص السواتر البعيدة، يخلعُ خوذتَهُ متعباً، فرحاً. ويستريحُ من عناءِ الحربِ إلى الأبد
الخامسة فجراً..
بل السادسة..
والشوارع لمْ تنمْ بعدُ
لا تريد أن تنام
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بطاقة حب
بطاقة حب
رقم القصيدة : 64064
-----------------------------------
صباح العيدِ ممتزجٌ ببهجةِ الشوارع، حيثُ تتكدّسُ كركراتكِ
على الأرصفةِ وأراجيحِ الطفولةِ والورقِ
صباح شفتيكِ تقطرُ بوحاً وحمرةً وقرنفلاً
تلحسها نهاراتي الظامئة
حدَّ أن تترنحَ من فرطِ الثمالةِ
صباح العشبِ وهو يتسلّقُ أصابعي
ليصافحَ ربيعَ يديكِ
صباح الفرحِ الذي باغتَ أحزاني فجأةً
وأقنعها بقصرِ العمرِ والفساتينِ
وراحا يتسكّعان معاً غير عابئين لشيءٍ..
صباح قميصكِ المنقّطِ وهو ينفتحُ على الغاباتِ
حيثُ يختبيءُ الحمامُ الزاجلُ خائفاً من عيونِ الصيادين
حيثُ رائحةُ الأزهارِ البريةِ تعبقُ تحت ابطيكِ فتثملني...
صباح الينابيعِ وهي تتدفقُ
باتجاه أيائلِ شعركِ
صباح القصائدِ التي تسلّلتْ من تحت وسادتي
إلى مرآتكِ..
ففضحتني
*
في العيدِ الثاني
في كلِّ عيدٍ
أصفُّ شموعَ عمري على الطاولةِ
وأشعلها بالشوقِ إليك، واحدةً واحدةً
محتفلاً بعيدكِ، أتأمل القطرات البيضاء
وهي تنسالُ بهدوءٍ كالأيامِ
أو كالأحلامِ
أو كالدموعِ
وبعد أن تذوبَ آخرُ شمعةٍ
سأجلسُ أمامَ ركامها - صفّ ذكرياتي -
متأملاً خيوطَ دخانها المتلاشي
وأقولُ لعينيكِ
ياهٍ.. إنها أجملُ أيامي معكِ
كيف ذابتْ سريعاً..
*
سأقولُ لساعي البريد
لا تستغربْ مني
إنك لا تحملُ بطاقةَ حبٍ
بل قلباً مغلّفاً
عليه عنوانها(69/322)
في أقاصي الحنين
فلا تخطيء هذه المرة
أرجوكَ
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بطاقة حب
بطاقة حب
رقم القصيدة : 64065
-----------------------------------
"أزيحي الحجابَ عن قلبكِ
يتجلَّ لكِ قلبي.."
- جلال الدين الرومي -
......
تأخرَ البريدُ هذا الصباح
وظلَّ قلبي معلقاً بين القنابلِ، وغبارِ العجلةِ - الأملِ - ذاتِ المحركِ القديم
ما الذي سيأتي؟
غبارُ شعركِ يتناثرُ عبرَ هذهِ المفازاتِ الشاسعةِ
مستصحباً معه أسرابَ الحمامِ الزاجلِ وقطعانَ النجومِ
ورسائل الأصدقاءِ تأتي متقطّعةً..
وروحي يحاصرها الحنينُ والشظايا..
كمْ قنبلةً عليكَ أن تحصي
لتقولَ: انتهتِ الحربُ
وكمْ زهرةً عليكَ أن تقطفَ
لتقول: يا للربيع
يا قلبي،
يا مدينة بلا عصافير
كمْ تحتاجُ من الكلماتِ لتقول لها: كمْ أحبكِ
كمْ من الأحزانِ عليك أن تعتصرَ
من أجلِ خلقِ قصيدة فرح..
*
أيتها الحربُ
{يا رحمَ الحياة المتورمَ}
زرعنا في أحشائك كلَّ شيءٍ:
طفولاتنا، وأمنياتنا، وقصائدنا، ومخاوفنا، وأعمارنا القلقة.
من أجل أن تنجبي - ذات صباح مندّى -
طفلَ السلام القادم
*
أنتِ، على بُعْدِ ساعي بريد كهلٍ، من فرحي
ياه.. كمْ أنتِ بعيدة إذن؟
ما الذي أخَّرَ حنينكِ عني
قلتُ: ربما ساعي البريد
وجاء
ربما أزيزُ الرصاصِ
وهدأ الآن كلُّ شيء..
ربما...
...............
مضيتُ أبحثُ عن شموعٍ وحنينٍ يليقُ بكِ
حجزتُ القطاراتِ والمحطاتِ وظلالَ الشجرِ
قلّبتُ كلَّ بطاقاتِ العالمِ بحثاً عن أسمكِ
آهٍ...
ما أطولَ صبري
وما أضيقَ القلب
وما أبعدكِ عني هذه الليلة...
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الوطن على ساتر القلب.. وأنتِ في القصيدة..
الوطن على ساتر القلب.. وأنتِ في القصيدة..
رقم القصيدة : 64066
-----------------------------------
"وتلفّتتْ عيني فمذْ خفيتْ
عني الطلولُ تلفّتَ القلبُ"
- الشريف الرضي -(69/323)
"يا ريحُ يا ابراً تخيطُ لي الشراعَ - متى أعودُ
إلى العراقِ...؟"
- السياب -
........
انتظرتكِ...
كان مطرُ الرصاصِ يهمي قليلاً، على الشبابيكِ والسواترِ والأشجارِ والقصائدِ.
فقد انقشعتْ غيومُ المعاركِ الأخيرة، وبلعتِ الحربُ "فاليومها" واسترختْ على الأريكةِ بين اليقظةِ والنومِ.
وحملنا حقائبَ ذكرياتنا المثقّبة
ومضينا في قطارات الجنوب، نحو مدننا المترقّبةِ
قلتُ ريثما تصحو ثانيةً من نعاسها المؤقّتِ
عليّ أن أهيّيءَ كلَّ شيءٍ:
خطاي للحدائقِ
وشعركِ للمرايا...
وذاكرتي للنسيانِ...
{وحقائبي للسفرِ..}
انتظرتكِ...
نظرتُ إلى عقاربِ عمري، تشيرُ إلى منتصفِ الحبِّ
وأنتِ... يا واسعةَ العينينِ...
يا أجملَ عينين على الإطلاق
يا انثيالَ أحلامي الخبيئة على نافذةِ اليوم
يا لقلبي
ما الذي تنظرين في غبار ِعيني
غبار الحربِ، والذكريات المنسية، ونثيث الشوارعِ، وآثار خطاكِ القلقةِ على عشبِ القلب، والندى الشحيح
ما الذي تنتظرين في بريدِ الحربِ
كلّ الرسائلِ لمْ تصل، وقلبي أيضاً
ما الذي تنتظرين في قطارِ الجنوبِ
عاد الجنودُ {الممصوصون} من الفاو، محمّلين بأخبار المعارك الضارية، وحناءِ {الدمِ} والتراب.
وعدتُ إليكِ...
غيمةً لزجةً...
محمّلاً بكِ والحربِ
يا أجملَ كلّ ذكرياتي وأقساها
*************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تساؤلات...
تساؤلات...
رقم القصيدة : 64067
-----------------------------------
نظرَ إلى الأفقِ.. طويلاً
ياه.. منذ متى لمْ يتملَّ هذه الزرقةَ الصافيةَ
منذُ كمْ وهو منسيٌ في هذا الشقِّ الأرضيِّ.. كقطرةِ مطرٍ
من أجلِ أن يورقَ - ذاتَ ربيع -
عشبُ الانتظارِ
في الدربِ المؤدي إلى كلمةِ: سلام
*
أصغى إلى زقزقةِ النسغِ
وهو يتصاعدُ من أعماقِ الأرضِ إلى حنجرةِ شجرةِ
ياه.. منذُ متى سرقتِ الشوارعُ من جيبِ قميصِ طفولتهِ.. الغابات
فنسي نبضَ الغصونِ في دمهِ
وانشغلَ بالضجيجِ المتصاعدِ، من كلِّ شيءٍ:(69/324)
من ملعقةِ الطعامِ.. حتى مكيّفةِ الهواء ..
آه...
مَنْ يعيدُ للعالمِ غاباتهِ التي... ابتلعتها معاملُ المدينةِ..
نظرتُ إلى شعرها الطويلِ.. طويلاً
وتذكرتُ شلالاتِ بلادي
تتساقطُ على دفاتري قصائدَ حبٍ
ورأيتُ الأنهارَ تفيضُ على يدي
بساتينَ فرحٍ، وسوابيطَ ضوءٍ
ياهٍ.. منذ متى لمْ أقفْ على جسرِ الكوفة
لأرى ظلالَ شعرها الطويلِ
تتماوجُ على صفحةِ النهرِ
وظلالَ بيتنا القديمِ
تتماوجُ على مرايا ذكرياتي
*
نظرتُ إلى الأفقِ... ثانيةً
ما زالَ فضاؤه اللامتناهي
يفيضُ زرقةً هادرةً
رغم سحابةِ دخانٍ أبيض
كانتْ تشقُّ السماءَ نصفين:
أوشكَ نصفها الأولُ أن يميلَ إلى الغروبِ
تجرهُ سلاسلُ ظلامٍ خفيّة
وتراءى من بعيدٍ قرصُ الشمس، معلّقاً بسنّارةِ الغسقِ
فاصطبغَ الأفقُ بدمهِ المطلولِ...
أما النصفُ الثاني فما زالَ ينبسطُ........
بكلِّ عذوبةِ صيفِ الساعةِ السابعةِ عصراً
بعد دقائق
اختفى خيطُ الدخانِ الأبيضِ
وعادتْ صفحتا السماءِ المشقوقة... للإلتئام
ولكن الظلامَ بدأ يتسرّبُ رويداً ، رويداً
بعد قليلٍ ستتصاعدُ قنابلُ التنويرِ...
بعد قليلٍ ستتكاثفُ نظراتنا {الوجلة} إلى الأفقِ
لننظر معاً عما سينجابُ ظلامُ المساء الطويل
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> فصل... خارج الفصول
فصل... خارج الفصول
رقم القصيدة : 64068
-----------------------------------
"إلى أين تسعى يا كلكامش
ان الحياةَ التي تبغي لن تجدَ.."
- من خطاب صاحبة الحانة لكلكامش -
"إذا كان المستحيل يجبُ أن لا يُرتاد
فلماذا أيقظتِ في قلبي الرغبةَ
التوّاقةَ إليهِ..."
- كلكامش -
.......
لا شيءَ يهدّيءُ هذه الروحَ الملتاعةَ
لا الشوارعُ
ولا أنتِ
ولا الكتبُ
ولا ظلالُ اليوكالبتوز
ما للمدينةِ، تنسلُّ من بين أصابعي
تنفرطُ شوارعها كحباتِ الرمانِ الحامضِ
تاركةً دبقها
ما لروحي، لا تستقرُّ على حجرٍ أو كلمةٍ(69/325)
ما لأشجارِ اليوكالبتوز، لا تفرّقُ بين ظلالِ قامتها، وظلالِ حزني
ما للدقائقِ، تكيلُ رمادي بملاعقها، وتذروهُ في الريحِ
مالكِ... بل مالي - لمْ نتقاسمْ فجيعةَ كلِّ هذا، بالتساوي
فتأخذين حصتكِ
من جنونِ التشرّدِ في شوارعِ روحي
وآخذُ حصتي
من جنونِ الحرب
في لافتاتِ العالمِ السوداء
*
أصفَرُ...
أصفَرُ...
كلُّ شيءٍ أصفَرُ...
من زهوركِ المكتظّةِ بالبوحِ.. حتى قميصكِ الأخيرِ
من بحيرةِ البجعِ... وحتى ورقِ رسائلكِ
يجتاحني حصارُكِ الأصفرُ
فألوذُ بغرفتي الصغيرةِ
تطالعني الجدرانُ
غابة يابسة من الخريفِ اللانهائي
وروحي أقدامٌ تائهةٌ تجوسُ الأوراقَ الصفراءَ المتساقطةَ
ما أجملَ خريفَكِ
ما أجملَكِ حتى في خريفكِ
*
يتمددُ الليلُ على سريري - هذه الليلة
تتبعهُ أيائلُ النجومِ
وعندما يطبقُ جفنيهِ أو يكادُ
تقفُ على مقربةٍ من النافذةِ المفتوحةِ
تحرسهُ بهدوءٍ ورهبةٍ
بانتظارِ يقظته
لتعودَ أدراجها إلى مراعيها البعيدة
أذرعُ الغرفةَ، جيئةً وذهاباً
وأنا أتفرسُ في جسدِ الليلِ الهائلِ
وهو يغوصُ في سريري
أسحبُ اللحافَ عن وجههِ، فجأةً...
أتطلعُ إلى تقاطيعهِ جيداً
ياه...!!
أنهُ ميت!
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> في أنظاركِ
في أنظاركِ
رقم القصيدة : 64069
-----------------------------------
- فصل سابع -
في ليالي الحربِ الطويلةِ
تبدو السماءُ أحياناً، بلا نجومٍ ولا ذكرياتٍ
نلقي شِباكَ الأرقِ
في بحيرةِ الأحلامِ الإصطناعيةِ
نترقبُ ما يعلقُ فيها...
تتقافزُ الأسماك أمامكَ
تتقافزُ الدقائقُ والمدنُ والنساءُ والأصدقاءُ والثكناتُ {والأسلاكُ} والقصائدُ والأشجارُ والطرقاتُ {والألغام}
ما من شيءٍ في شِباككَ الفارغةِ...
لا البحرُ يكفُّ عن لا مبالاتهِ
ولا الشِباكُ ترحمُ جوعَكَ..(69/326)
ولا الليلُ أيضاً، ولا الشايُ، ولا الشجارُ المفتعلُ، ولا مقهى الخضراء، ولا جبالُ حمرين، ولا نوباتُ الحراسةِ، ولا مواويلُ مطربِ السَرِيةِ، ولا قصائدُ طرفة بن العبد، ولا الطهي، ولا ترقبُ أيام أجازتكَ، ولا أغاني لوركا، ولا حكمةُ اتونابشتم، ولا المذياعُ، ولا ك
ما الذي تفعله إذن...
كي تنامَ..؟
*
ما من مرفأ
يا مركبَ روحي الهائم
أخذتها إلى عري البحر
وزرقةِ الأمواجِ العاتيةِ...
فسحبتني إلى السواحل الضيقة
آه.. يا روحي، ما أضيقَ السواحل
*
أشرتُ إلى الشجر
فأشارت إلى شَعرها الطويل
أشرتُ إلى قلبي...
فأشارتْ إلى واجهةِ المخزنِ المضيءِ
آه... يا قلبي...
ما أزيف واجهات المخازن
*
ذات ظهيرة ندم
افترقنا...
- بلا كلمةٍ، أو زعلٍ، أو وداعٍ -
أنا إلى فوضى قصائدي
وهي إلى غرفتها المرتّبة...
............
"ومع ذلك ..
فذراعاي على امتداد الكون
بانتظارها.." (*)
(*) الشاعر محمد الماغوط
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> شمس.. على حافة الحرب
شمس.. على حافة الحرب
رقم القصيدة : 64070
-----------------------------------
- فصل سادس -
على حافةِ "مجنون" أو على حافةِ الحربِ، كانتْ سرفاتُ أيامنا تمضي ثقيلةً، مثيرةً وراءها غبارَ الذكرياتِ والأصدقاءِ والمواضعِ.. تزحفُ خلفها أحلامنا أيضاً - متوجسةً -.. فوق دغلِ الألغامِ والزهورِ البريةِ المنتشرةِ على طولِ جسدِ الجبهةِ المتغضّنِ الذي لوّحتهُ
شمسٌ.. شمسٌ..، تمضي معك أينما تتجهُ، وعندما تتعب من الركضِ أمام نافذةِ السيارةِ.. تودعكَ تاركةً إياكَ لليلِ القنابلِ الطويل
(في الطريق إلى..)
قرصُ الشمس يخرجُ من تنورِ الأفقِ المحمرِ كرغيفٍ ساخنٍ مثقوبٍ بالشظايا.. وأنتَ جائعٌ منذ ليلةٍ أو أكثر، لا يهمُ.. فالتنقلاتُ السريعةُ لمْ تتركْ لكَ فرصة لتناول أيِّ شيءٍ أو كتابة أيِّ شيءٍ.. عدا قدح الشاي البارد من حانوتِ "السَرِية".. الذي كان آخر الذكريات(69/327)
(مجنون قبل الفجر بـ...)
ظلامٌ كثيفٌ.. وبقايا جثثٍ ومعلباتٍ طافيةٍ..
الاتصالاتُ مقطوعةٌ
يا للعزلةِ الخرافيةِ، ثمة أصدقاءٌ رحلوا بين أعواد القصبِ الطويلة.. وتركوا لك مهمة البقاء المريرة مع ذكرياتهم
(رسالة.. إلى شعرها الطويل)
أعرف أنكِ زعلانة.. لأنني لمْ أتصلْ بكِ منذ أسبوعين
ما الذي أفعلهُ؟..
يا أوسعَ قلبٍ في الدنيا
وأنا محتشـ د... (قطع...) ...
قصفٌ شديدٌ،
قصفٌ،
قطعت الرسالة، تركتها مبتورةَ الأحلامِ على يطغي المبعثرِ.. القصفُ شديدٌ جداً، لا مجال لغلقِ المظروف.. أو اكمال الرسالة.. قلتُ لنفسي سأبعثها هكذا.. وهي تفهمُ فوضانا.... نحن الذين علمتنا الحربُ أن نتركَ أشياءنا كما هي.. ونمضي..
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> زهرة عباد الشمس
زهرة عباد الشمس
رقم القصيدة : 64071
-----------------------------------
- فصل خامس -
غسقُ القنابلِ يتسربُ من شقوقِ الغيومِ، لا مطرَ هذه الليلة، فصيفُ الحربِ يقفُ على مسافةِ زهرةٍ من ربيعِ السلامِ القادمِ. أقلّبُ أوراقَ يومياتي السرية التي كتبتها في بطونِ السواترِ والأقبيةِ الممتدةِ على مساحةِ نصفِ عمري أو على مسافةِ عشراتِ الثكناتِ، فأجدك
"أترين هاتين اليدين
لقد جابتا الأرضَ
واستخرجتا المعادنَ والحبوبَ، وصنعتا الحربَ والسلمَ
وجمعتا بين البحارِ والأنهارِ
ومع هذا، عندما تجوبانِ جسدكِ
يا صغيرة، يا حبةَ قمحٍ، يا يمامةً
لا تكفيان لاحتوائكِ
تعجزانِ عن أن تطالا اليمامتين التوأمين
اللتين ترقدانِ أو ترفرفان في صدركِ
أنهما تجوبان ما بين ساقيكِ
وتلتفان حول هالةِ خصركِ
أنتِ عندي كنزٌ أكثر امتلاءً من رحابةِ البحرِ وعناقيدهِ
وأنتِ بيضاء وزرقاء ورحبة
كالأرضِ في موسمِ القطافِ
من أخمصِ قدميكِ.. حتى جبينكِ
سأقضي حياتي..
أمشي..
وأمشي.. وأمشي".
- بابلو نيرودا -
غداً، ستكبرُ زهرةُ عبادِ الشمسِ
وتدير رأسها الأصفرَ الصغيرَ في كلِّ الاتجاهاتِ(69/328)
ذاهلةً، مرتبكةً،
فثمة أكثر من شمس..
وعندما لا تجد خياراً أو ملاذاً
ستلقي بنفسها بين يديكِ
لتغفو..
تغفو.. تغفو..
مثل قلبي الذي أتعبتهُ - ذات ليلٍ - قنابلُ التنويرِ المشرّشة في كلِّ الاتجاهات
فألقى بأحزانهِ وأحلامهِ
بين يدي ذكرياتكِ..
ونامَ هادئاً، مطمئناً
كأنهُ لمْ ينمْ منذُ دهورٍ
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> كل شيء هادئ تماماً في ظهيرة البصرة
كل شيء هادئ تماماً في ظهيرة البصرة
رقم القصيدة : 64072
-----------------------------------
- فصل رابع -
"... وإنّي وتهيامي بعزةَ بعدما
تخليتُ عما بيننا وتخلتِ
لكالمرتجي ظلَّ السحابةِ كلما
تبوّأَ منها للمقيلِ اضمحلتِ"
- كثير عزة -
..........
ظهيرة البصرة، ولا ملاذَ غير ظلِّ القنابلِ وأكياسِ الرملِ
ظهيرة صمتكِ، ولا ملاذَ غير ظلِ الكلامِ
ظهيرة قلبي، وأنتِ على الشرفةِ
تنشرين أيامنَا على حبلِ غسيلِ النسيانِ
لتجفَّ..
*
قالتْ:
أرادوا أن يصادروا أحلامنَا كلَّ يومٍ
ويفردوا كفَّينا المتشابكتين، إصبعاً، إصبعاً
قلتُ لها:
ستظلُّ الشوارعُ ملكنا،
وهذا الشجرُ المتطاولُ، والمصطباتُ، وهذا الأفقُ المفتوحُ
على اتساعِ عينيكِ الواسعتين ..
سيظلُّ لنا كلُّ شيءٍ..
اطمئني..
ما دمنا نملكُ ورقةً، وحنيناً بحجمِ العالم
.......
ظهيرة البصرة..
القنابلُ تأخذُ قيلولتها ..
فقدْ تعبتْ طيلةَ ثمانية أعوامٍ من الركضِ في أزقةِ الحربِ..
بحثاً عن عنواني..
شكراً للصدفةِ، فهي وحدها التي أبقتني - في الحربِ - بلا عنوانٍ..
شكراً لكافافي فهو وحدهُ الذي قالَ لي، وأنا أعدُّ حقائبي:
(ما دمت قد خرّبت حياتكَ في هذا الركنِ الصغيرِ من العالمِ فهي خرابٌ أينما حللتْ..)
شكراً للتلمساني، شمس الدين بن عفيف، فهو وحدهُ الذي اختصرني هكذا:
رأى، فحبَّ، فرامَ الوصلَ، فامتنعتْ،
فسامَ صبراً، فأعيا نَيلَهُ، فقضى
...............
ظهيرة البصرة..
كلُّ شيءٍ هاديءٌ تماماً(69/329)
وحدها ذكرياتكِ وعزلتي يحاصرانني من كل الجهات..
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> من رماد الحرب.. حتى شعركِ الطويل
من رماد الحرب.. حتى شعركِ الطويل
رقم القصيدة : 64073
-----------------------------------
- فصل ثالث -
".. يكفينا من الجملِ الرنّانةِ
فعند الانطلاقةِ ستصبحُ الساحاتُ
لوحاتِنا، والحدائقُ ريشتَنا..."
- مايكوفسكي -
"سأرعى جسدَكِ، مثلما يرعى الجندي الذي
فَقَدَ في الحربِ، ساقَهُ الوحيدة.."
- مايكوفسكي - أيضاً
..............
(1)
أصداءُ المدافعِ تحاصرُ نعاسي المرتبكَ
وكذلك ذكرياتكِ
أخرجُ رأسَ أحلامي من النافذةِ فتحاصرهُ سماءٌ مليئةٌ بالثقوبِ
ماذا أفعلُ؟
وأنا مجنونٌ برغبةِ التسكّعِ - هذا المساء البليد -
على رصيفِ اشتياقي لكِ
حتى آخرِ نهاياتِ العالمِ
*
(2)
أتصلتُ بكِ
كانت الخطوطُ متشابكةً إلى حدِّ كدتُ أضيّع صوتكِ البعيد
في زحمةِ الاطلاقاتِ والبياناتِ والزعيقِ والأصدقاءِ
ماذا أفعلُ..؟
أيتها الرائعةُ
وأنا أحتاجُ شفتيكِ، هذه الليلة، بشكلٍ غريبٍ
أقفلتُ السماعةَ..
ونمتُ مبكراً
احتجاجاً على غيابكِ
*
(3)
من حدود الشلامجة
حتى حدود آخر القذائف
من ضفاف شط العرب....
حتى أطراف شعركِ المجنون الطويل
بهاتين الكفينِ الناحلتينِ، اللتينِ تنامان الآن تحت رأسي المتعبِ
جستُ غاباتِ شَعركِ، خصلةً.. خصلةً
ومساماتِ بلدي، شارعاً، شارعاً
وسواترَ الحربِ، جثةً، جثةً
وقلّبتُ كتبَ العالمِ، قصيدةً، قصيدةً
فلمْ أجدْ ما أقولهُ
لكِ...
يا واسعة العينين
سوى
أن لا أقولَ شيئاً
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الوطن: شمس وطوابع بريد.. وأنتِ
الوطن: شمس وطوابع بريد.. وأنتِ
رقم القصيدة : 64074
-----------------------------------
- فصل ثانٍ -
قلتُ لها:
الصقي طوابعَ البريد على مظروفِ الغيمِ
وابعثيهِ على عنوانِ أيّةِ دمعةٍ أو محطةٍ أو شجرةٍ
لا بدَّ وأن يعودَ إلي
لمْ تصدقني..(69/330)
وجلستْ على حافةِ البحرِ
تترقبُ أسرابَ الطيورِ والمراكب
وخطى ساعي البريدِ الكهلِ..
قلتُ لها:
انتظريني، سأعود من قطارِ الحربِ {المجنون}
لاحدثكِ يا فرحي المخبولَ عن كلِّ ما جرى
بالتفاصيلِ والقنابلِ والملاجيءِ الطويلة وسريري الوحيدِ والذكرياتِ والنسيانِ.
ستمرُّ عليكِ أسرابُ النجومِ والذكرياتُ وظلالُ المدنِ
ستمرُّ عليكِ الطائراتُ وقنابلُ التنويرِ المحنّطةُ..
سيمرُّ عليكِ نخيلُ البصرة والقصيدةُ الأخيرةُ والجنودُ العائدون من الإجازاتِ القصيرةِ
قلتُ لها انتظريني
وجلستُ على حافة قلقي
أترقّب خطى اشتياقكِ وهي تجوسُ أدغالَ قلبي
وتقتربُ.. تقتربُ.. تقتـ..
احذري أن تدوسي لغمَ أحزاني
فلا طاقةَ لكِ على التشظّي...
قلتُ لها:
حضوركِ أقسى من الفرح
كمْ هو قاسٍ فرحي بكِ
يا واسعةَ العينين، يا واسعةَ القلبِ، يا ضيقةَ الصبرِ
قلتُ لها:
سأرهن نصفَ عمري لو تفهمين هذه المعادلةَ التي لا أفهمها
أدمنتُ غيابَكِ حتى وأنتِ قربي
ففيهِ أتأملكِ عن قربٍ
وأكتشفُ أبعادَكِ.. وأبعادَ قلبي..
لمْ تقلْ شيئاً..
ولمْ أقلْ شيئاً..
وافترقنا..
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> هكذا قلتُ لها كلَّ شيء
هكذا قلتُ لها كلَّ شيء
رقم القصيدة : 64075
-----------------------------------
- فصل أول -
"لا تتعجبوا يا أصدقائي اللطفاء
من أن جبهتي مقطّبةٌ، مجعّدةٌ
فأنا أعيشُ في سلامٍ معَ الناسِ
وفي حربٍ معَ أحشائي.."
- انطونيو ماتشادو -
في آخرِ المطرِ
في آخرِ الحربِ
في آخرِ ذكرياتكِ..
مرتِ الحافلاتُ والجنودُ والبناياتُ الطويلةُ وأرقامُ هواتفِ الحبِّ
نظرتُ طويلاً إلى عينيكِ الواسعتين كسماءِ بلادي
وتذكّرتُ نعاسَ قلبكِ... الذي لمْ ينمْ منذ أولِ خفقةٍ أو قذيفةٍ
ونعاسِ ذاكرتي... التي اتعبتها الشوارعُ وغصونُ المواعيدِ المنكسرة وصريرُ السرفاتِ والطيورُ المهاجرةُ عن أعشاشِ روحي، إلى سماواتِ النسيانِ
تذكّرتُ - يا لحماقةِ قلبي -(69/331)
أنني لمْ أقلْ لكِ حتى الآن
كلمةَ غزلٍ واحدة
لمْ أقلْ لكِ أيَّ شيءٍ...
واعتذرتُ...
فقد كنتُ محتشداً ومهووساً حدَّ الحنجرةِ
بصراخِ ذكرياتي على شارعِ الحربِ الطويلِ
حدَّ أنني نسيتُ
أن أقولَ لكِ حتى وداعاً
عندما أخذوني في قطارِ الحربِ
إلى جنوبِ السواترِ البعيدة
ولكنني عندما عدتُ إليكِ
يا واسعةَ العينين...
تعثرتْ خطى حنجرتي بأغصانِ العشبِ
الذي نبتَ - في غيابي -
على ممشى الكلامِ
المؤدي إلى كلمةِ: أحبكِ
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قطار
قطار
رقم القصيدة : 64076
-----------------------------------
غرفةٌ من ورقْ
أو صريرُ سريرٍ على سطحِ ليلِ الفنادقْ
رغبةٌ في قطارٍ طويل
جمرةٌ...
عبثٌ...
أو قلقْ
في مساءِ الشظايا الأخيرِ,...
سأجمعُ - مثلَ القصائدِ - عمري
أبوّبُهُ...
ربما سوفَ أشطبُ - في لحظةٍ - نصفَهُ
ربما سوفَ تشطبهُ طلقةٌ عابرةْ
اتصلتُ بكَ اليومَ في......
في الجريدةِ..؟
لا
منتدى الأدباء....؟
لا...
في الجنون...!؟
...
موضعٌ ثقّبتهُ الشظايا..
وفأرانِ يختصمان على لحمِ يومي الطريِّ..
وقطُّ أرقْ
يتلمظُ منشغلاً بمراقبتي
أتشاغلُ والصحبَ (كلُّ الأحاديثِ مكرورةٌ)
بالقصائدِ (... مكرورةً)
بالنساءِ.... [أجرّدُهنَّ..
قطعةً قطعةً،
وأجفُّ
- ككلِّ مساءٍ -
على بركةٍ من لهاثْ]
......
......
مرتْ ثلاثُ قذائف...
عشرون...
هل سوف تحصي - كما اعتدتَ - موتَكَ...
أم ستنامُ على حجرٍ
ربَّما في الثلاثين...
أو...
فالمدافعُ لا تحسنُ العدَّ...
......
هل تحسنُ الحبَّ...؟
وأنتِ...؟
سأنتظرُ الباصَ...
لا شيء في أفقكَ - الآنَ -
غير المطرْ......
......
الشظايا موزّعةٌ في دمي كالرغيفْ
وعطركِ... يمضي بدون اتجاهٍ... كقلبي
(كلما عدتُ من سفرٍ أو رصيفْ
رأيتُ المسافاتِ تنأى
(كلما عدتُ من امرأةْ
رأيتُ النساءَ فماً واحداً...
وخريفْ)
.....
سأجلسُ عند المحطةِ، منتظراً
طلقةً
عسساً
أو نساءْ(69/332)
قطارُ التوهجِ يرحلُ في الأربعينْ
نظرتُ إلى ساعةٍ في الجدارْ
ما الذي ظلَّ لي...
غير عشرِ دقائق...
أو سنواتْ...
الثالثة بعد منتصف الليل 29/6/1986 بغداد
*************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ساحة ميسلون...
ساحة ميسلون...
رقم القصيدة : 64077
-----------------------------------
على قلقٍ...
أو على موعدٍ من رمادْ
يعبرُ الباصُ...
(هل تذكرين حماقاتِ قلبي...؟)
على مقعدين نديين، مرتْ بنا الطرقاتُ...
........ سماءُ المدينةِ
........والأثلُ
ما كنتُ أذكرُ غيرَ الرذاذِ اللذيذِ لشَعرِكِ
هل أوصدُ النافذةْ...؟
لا......
(نوافذُ قلبي بدون رتاجٍ
وأنتِ بلا قلب
والحافلاتُ بلا ذاكرة...)
يبطيءُ الباصُ حيَن يمرُّ على ميسلون
يتلفّتُ للواجهات,ِ
لمبنى الحكومةِ,
للشجرِ المتشابكِ،
... للمنتهى...,
للغريبِ ببنطالهِ الرثِّ (ماذا جنيتَ من الشعرِ...؟
قال المفوضُ لي,...
والفتاةُ الأنيقةُ...)
يلتفتُ الراكبون...
إلى زهرةٍ من دمي
ذابلةْ
تتناثرُ أوراقُها...
تحتَ وقعِ خطى الوقتِ، والعابرينْ
إلى رجلٍ من ضبابٍ،.. وحيدْ
يشيرُ لعابرةٍ
(تشيرُ الفتاةُ...
إلى واجهاتِ المخازنِ
أو ...)
اتفقنا إذنْ...!؟
في الخميس...!؟
الخميسُ التصاقُ دمي في المرايا
الخميسُ له نكهةُ الذكرياتِ القديمة,ِ والطرقِ الهائمةْ
الخميسُ انكساري الجميلُ على قمرٍ...
أو على نافذةْ
.........
.........
تتقاطعُ كلُّ الشوارعِ، في ميسلون
وقدْ تتقاطعُ في راحتي، ميسلون: مخازنُها، والبيوتُ الأليفةُ
قد ننتحي جانباً...
أرقاً، في انتظارِ القصيدةِ
أو قلقاً، في انتظارِ النساءِ الجميلاتِ
أو ننتشي بالأغاني الأخيرةْ
.........
.........
قلتُ يمضي بي الباصُ، حيثُ النهاياتُ........
يمضي إلى أيّما حانةٍ
أو إلى طرقٍ لا تؤدي لشيء
......
(النهاياتُ موحشةٌ كالعدمْ
النهاياتُ مثل المحطاتِ
مثل النساءِ الجميلاتِ
مصطبةٌ،
أو فمٌ،
أو سأمْ)
قلتُ يمضي بي الباصُ، أو...(69/333)
لا.......
.............
(إلى أين تمضي بروحِكَ حافلةُ العصرِ...
والعجلات)
تتشابهُ كلُّ المدائنِ والطرقات
في عيونِ الغريب
وقد تتشابهُ - في راحتيه - الدقائقُ، كلُّ الفنادقِ
والأوجهُ العابرةْ
غير أنَّ لكلِّ شريدٍ، هواهُ وغربتهُ
......
......
ووحدي، تغربلني الطرقاتُ
تغربلني نظراتُ النساءِ
فيسّاقطُ القلبُ مثل الندى (ألا تذكرين الندى
ومصاطبَ قلبي..؟)
على عشبِ الذكرياتِ...
فترتعشُ النجمةُ النائمةْ...
..........
غيّرتكَ المدينةُ، حاناتها،
وجرائدها،
والنساءْ
أترى حين تأوي إلى كأسِكَ المرِّ في آخرِ الليلِ
تذكرُ نخلَ القرى
وتحنُّ إلى قمرٍ في الجنوبْ
25/5/1986 بغداد الجديدة
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تمرين لكتابة قصيدة
تمرين لكتابة قصيدة
رقم القصيدة : 64078
-----------------------------------
إلى صديقي الشاعر عبد الرزاق الربيعي
في زحمةِ الطرقاتِ، آهْ
في زحمةِ الكلماتِ، آهْ
في زحمةِ الآهاتِ، آهْ
في ضجةِ المتدافعين إلى القصيدةِ، في المرايا، في التفاصيلِ الصغيرةِ، في عواءِ الروحِ، في الصفعاتِ، في الغرفِ الرخيصةِ، في مقاهي العاطلين، وفي انكفائي آخرَ الليلِ المعتّقِ، في شظايا الروحِ تحت موائدِ الباراتِ، في حزنِ المحطاتِ الأخيرةِ، في الندى المذبوحِ، ف
.........
.........
(- يا صاحبي ماذا جنيتَ من القصيدةِ؟
غير هذا الفقرِ والسفرِ المبكّرِ والجنونْ
ماذا جنيتَ من النساءِ؟
أوَ كلما أحببتَ أخرى...
... صادفتكَ على الرصيفِ
نسيتَ أنكَ جائعٌ ومشتّتٌ
ونسيتَ أنكَ دون بيتْ...!)
.........
.........
.........
في زحمةِ الوجهِ الجميل
وناهديها، والجنون
وأنتَ منكسرٌ أمام قميصها المفتوح
......
......
(- أقرأتِ ديواني النحيلْ؟
- ..................
..................
..................!)
في الليلِ، أحصيتُ التأوّهَ، ألفَ آهْ
في الليلِ، أحصيتِ النقودَ(69/334)
وكنتِ مدهشةً بفستانِ التوهّجِ والتغنّجِ
تبسمين لوجهي المصفرِّ،
للأضواءِ
للكهلِ الثريِّ...
وترقصيْن
......
......
(- وأنا وأنتَ...
على الطريقِ:
ظلاّنِ
منكسرانِ
في
الزمنِ
الصفيقِ...
إنْ جارَ بي زمني
اتكأتُ على صديقي...)
.........
.........
في زحمةِ الحرسِ المدجّجِ بالشتائمِ، في الليالي الكالحاتِ بلا بصيصٍ، في أغانيكَ الحزينةِ خلفَ نافذةِ القطارِ، وفي بقايا الزادِ والسفرِ الموحّدِ نحو حاميةِ المدينةِ، في الرشاوى، في المكاتبِ، في الدفاعِ المستميتِ عن القصيدةِ..., في التحمّلِ، في التجمّلِ، في ال
في زحمةِ المتدافعين، أضعتُ أولَ خطوتي
في زحمةِ المتراكضين، أضعتُ آخرَ خطوتي
وبقيتُ وحدي في الطريقِ...
مشتّتَ الخطواتِ
أبحثُ عن خطاي المستحيلةْ
3-10/10/1985 بغداد
*************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مرايا الوهم
مرايا الوهم
رقم القصيدة : 64079
-----------------------------------
توهمتُ أنَّ النساءَ سيحفظنَ ودي
وأنَّ المدينةَ - تلكَ الضياعُ الكبيرُ -
ستذكرُ وجهي,
إذا ما تغرّبتُ عن ليلِ حاناتها - ذاتَ يومٍ -
وأن المقاهي ستسألُ صحبي
لماذا تأخّرَ
عن شايهِ والجرائدِ؟
في أيِّ بارٍ تشظّى...؟
بأيِّ الزحامِ أضاعَ أمانيهِ والخطواتِ؟
على أيِّ مصطبةٍ داهمتهُ طيورُ النعاسِ المفاجيءِ
فأنسلَّ من بين أحلامهِ والجنونِ...
ونامْ
توهمتُ أنَّ الجرائدَ - يا للحماقةْ -
سترثي رحيلي المبكّرَ...
إنَّ عيونَ التي قايضتني الندى، باللظى
والقصيدةَ، بالبنطلونِ القصيرِ
ستغسلُ أخطاءَها بالدموعِ، ورائي..
توهمتُ أنَّ الحمامَ الذي كان ينقرُ نافذتي، في الصباحِ
سيهجرُ أعشاشَهُ، في الحديقةْ
إذا ما رأى مقعدي فارغاً..
والكتابَ الذي فوق طاولتي
مطبقاً, صامتاً
والأزاهيرَ كالحةً لا ترفُّ
.........
.........
توهمتُ...
يا ليتني ما صحوتُ من الوهمِ, يوماً
فأبصرُ كلَّ المرايا مكسّرةً(69/335)
والمساءاتِ فارغةً، في المدينةِ، حدَّ التوحشِ
لكنني...
- بعد عشرين عاماً مضينَ (.. وماذا تبقى؟) -
سأمضي مع الوهمِ...
حتى النهايةْ
آب 1985 بغداد
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> الثلاثون
الثلاثون
رقم القصيدة : 64080
-----------------------------------
ثلاثين أطفأتَ... يا صاحبي
وها أنتَ منكفيءٌ فوقَ طاولةٍ، آخرَ البارِ
بين القصيدة,ِ والحزنِ
ها أنتَ من دونِ بيتٍ
تكدّسُ كتبَكَ تحتَ السريرِ
وتحلمُ في بنطلونٍ جديدٍ
وفجرٍ جديدٍ، بوسعِ مجاعاتِ عمرِكَ
تحلمُ أنْ يتصدّرَ أسمُكَ بعضَ الجرائدِ
أنْ تتسكّعَ تحتَ رذاذِ الصباحِ اللذيذِ معَ امرأةٍ
أنْ تنامَ بدون ديونْ
وها أنتَ بين الفنادقِ, والبردِ
بين الليالي, ونافذةٍ
كنتَ تحلمُ من خلف قضبانها,
والزجاجِ المكسّرِ
- كالأمنياتِ -
ببيتٍ صغيرٍ، يسيّجهُ الشِعرُ والبرتقالُ
ومكتبةٍ،...
وصغارٍ، يضجّون في باحةِ البيتِ باللعبِ والزقزقاتِ
ثلاثون مرّتْ
فما ترتجي بعد هذا العناءِ الطويلِ
أَلمْ تقتنعْ بعدُ
أنَّ الأماني سرابٌ
وأنَّ حياتَكَ... محضُ احتراقْ
شمعةٌ تنطفي...
إثرَ أخرى
.........
............
............
............
وأعرفُ أنَّ ثلاثين عاماً،... يمرُّ
هو العمرُ...
لكنني لا أبوحُ
وما بعدهُ؟
غير أنْ تتوكّأَ عكّازةَ الشيبِ
متجهاً...
نحو قبرِكَ
قبلَ الأوانْ
14 كانون الثاني 1985 - السليمانية
*************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> هواجس لا تعني أحداً
هواجس لا تعني أحداً
رقم القصيدة : 64081
-----------------------------------
يكفيني
- في هذا العالمِ -
يكفيني
بيتٌ من طين:ِ
بنوافذَ من بحرٍ
وشجيراتٍ وارفةٍ
لا يقفُ الدائنُ في عتبةِ بابي - آخرةَ الشهرِ -
ولا...
تكفيني كسرةُ خبزٍ بمساحةِ قلبي
وكتابْ...!
فلماذا يحتجُّ الناسُ على حلمي؟
ويكيدُ لي الأصحابْ
أنا لا أطمحُ في كرشٍ منفوخٍ
وعماراتٍ
لا أطمعُ أنْ أتسلّقَ أعناقَ الخلاّنِ(69/336)
... إلى طاولةٍ فخمة
ورباطٍ للعنقْ
فلماذا تتسلّقُ عنقي المهزول؟
يا خلي...!
وتفكّرُ، من أيّةِ منطقةٍ،
يصلحُ للشنقْ
*
لكَ كلّ الأشياءِ
ولي هذا الحلمْ
لكَ - يا خلي - صخب العالم,
هذا المجنون على إيقاعِ الديسكو,
... والأضواءِ
ولي صمتُ الليل
فلماذا حاولتَ بأنْ تسرقَ من بيتي
ضوءَ الشمعة؟
لكَ كلّ الصالاتِ،
الحفلاتِ،
النسوةِ،
والندلِ الليليين...
ولي مصطبةٌ باردةٌ في آخرةِ المشتل
لكَ أموال الدنيا...
- آهِ -
ولي فقرُ الشعر
فلماذا حاولتَ بأنْ........
............
....!؟
4/6/1985 السليمانية - جوارتا
*************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أغنيات العريف صباح
أغنيات العريف صباح
رقم القصيدة : 64082
-----------------------------------
في وميضِ الرصاصةِ، كانتْ عيونُ الجنودِ، وراءَ السواترِ
تثقبُ جنحَ المساءِ المخيّمِ، تزدادُ وهجاً...
كجمرِ السجائرِ، في هبّةِ الريحِ...
مَنْ أوقدَ النارَ..!؟......
إنَّ الأوامرَ تمنعُ - في حلكِ الليلِ -
أيَّ وميضٍ...
سوى جمرةِ القلبِ،
تلك التي تتوهجُ
مثل المواقدِ "تشجرها" الذكرياتُ...
إذا حلّقَ الصحبُ،
كان "صباح"، العريفُ، يغني بصوتٍ رخيمٍ
- كبوحِ السواقي الحزينةِ -
يقطرُ وجداً:
"اللي مضيّع ذهبْ......
بسوق الذهب يلقاه...
واللي مضيّع محبْ
يمكن سنه وينساه ..."
تقاطعُهُ رشقاتُ المدافع
"بس المضيّع وطن
وين الوطن يلقاه...!؟"
ثم يجلسُ فوق سريري
يحدّثني عن هواهُ...
فيأتلقُ الليلُ: نجماتهُ والرصاص
...
......
قِيلَ كان صباحُ العريفُ إذا أطبقَ الموتُ فكّيهِ, غنى...
وقيلَ صباحُ المشاكسُ في الحبِّ والحربِ
طلقتهُ لا تخيبُ
يشمُّ النخيلَ, فيعرفُ أنَّ الحبيبةَ
مرّتْ - قبيلَ الغروبِ - بفستانها البرتقاليِّ
يعرفُ ماذا يخبّيءُ - خلفَ السواترِ - هذا المساءُ الثقيل
فيحملُ رشاشَهُ - صامتاً - ويغيبُ
بجوفِ الظلامْ
18/6/1983 بغداد
************(69/337)
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> موت طلقة...
موت طلقة...
رقم القصيدة : 64083
-----------------------------------
أعرفُ أنَّ الطلقةَ
قاسيةٌ حدَّ اللعنةِ
ـ حين تمرُّ أمامَ الموضعِ.. ـ
لا ترحمُ...
لكني...!
سأغني - رغماً عنها -
موالاً لـ"حسين نعمة"
وأمدُّ برأسي
كي أبصرَ أيَّ زهورٍ
نبتتْ هذا الصبحَ...
على سفحِ "خليفان"
وأنثرُ بعضَ فتاتِ الخبزِ...
لسربِ عصافيرٍ
حطَّ على "خزّان الماء"
وأصلي لله...
*
أعرفُ أنَّ الطلقةَ...
رعناءٌ حدَّ الموتِ
وميتةُ القلب
لا ترحمُ - في الحربِ - أباها
لكني...!
أسخرُ منها
وأمدُّ لساني - حين تمرُّ - بهزءٍ
أتحداها...
أنْ تغتالَ من القلبِ...
قصيدةَ حبٍّ...
ولدتْ - هذا الصبحَ -
ببابِ الموضع
أتحداها...
أنْ تمنعَ طيفَ امرأةٍ...
ينسلُّ إلى جفني المتعبِ
كلَّ مساءٍ
أتحداها...
أنْ تسكتَ في غابةِ روحي
تغريدَ عصافيرِ الفجر
1984 بغداد
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عن الفتى كريم...
عن الفتى كريم...
رقم القصيدة : 64084
-----------------------------------
إلى الشهيد كريم يوسف الذبحاوي
على نخلةٍ..
في "المحاجير"(*)
حطّتْ ثلاثُ حمامات
كان الصباحُ ينفّضُ أغصانَهُ من بقايا الندى
فيرتعشُ العشبُ...
كان أبوهُ بزهوِ عباءتهِ, والعقالْ
يسرّحُ عينيهِ نحو الفضاءاتِ
نحو الدروبِ التي نبتَ الدغلُ فيها
لعلَّ غريباً ببابِ "المضيفِ" يؤجّجُ جمرَ الدِلالْ
لعلَّ كريماً يجيءُ
بنجماتِهِ اللامعاتِ على الكتفين, وضحكتهِ الآسرةْ
ينفّضُ عنه شجونَ المشيبِ, وصمتَ الليالْ
لعلَّ......
*
إلى نخلةٍ في "المحاجير"
طارَ الحمامْ
يرفُّ على موكبٍ عابرٍ في الأثيرِ
اشرأبّتْ له
كلُّ أعناقنا
والنخيلُ المكابرُ
كلُّ المدى,
وعيونُ الرجالْ
*
يا عذارى "أبي صخير"(*)
إنْ جاءَكنَّ الفتى القرويُّ
على كفِّهِ قمرٌ وعراقْ
محنىً بدمِّ شهادتِهِ
فاحملنَّ صواني الشموعِ إلى عرسِهِ(69/338)
ثم حنّينَ من دمِهِ المستطابِ جدائلَكنَّ
فما كان يعشقُ إلاّ الأقاحي
ونخلَ "المحاجير"
والخصلاتِ المحنّاةَ في ليلةِ العرسِ
ما كان يحملُ في روحِهِ
غيرَ وهْجِ العراقْ
*
يا رجالَ العشيرةِ، لا تكسفوا "يوسفاً"
انحروا لمجيء كريم الذبائحَ
لا تقلقوا شيبَهُ والعقالَ الوقور
فالمضيفُ امتلأ بالرجالْ
وما زالَ دربُ "المحاجير"
يقطرُ بالناسِ من كلِّ فجٍّ
إلى بيتِهِ
ويا "أم كريم"، أما قلتِ: إنْ جاءَ - دينٌ عليَّ -
أزفُّ لعينيهِ أحلى صبايا "المحاجير"
ها هو جاءَ
فما تنظرين
والعذارى,
جميع العذارى, تقاطرنَ من كلِّ بيتٍ، إليكِ
على خفرٍ
كنَّ يرفعنَ ألحاظهنَّ،
لصورتِهِ
*
.........
........
إلى نخلةٍ...
في "المحاجير"
طارَ حمامُ العراقْ
2/4/1985 الكوفة
* المحاجير: قرية هادئة تقع على ضفاف نهر الفرات، في قضاء المناذرة (أبي صخير) جنوب مدينة النجف، نشأ فيها الشهيد كريم يوسف الذبحاوي.
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> نجمة..
نجمة..
رقم القصيدة : 64085
-----------------------------------
إلى حميد الزيدي
ولوجهِ صديقي...
لونُ النهرِ
وأكواخُ الفقراءِ
وحزنُ مواويلِ الريف
........
لوجهِ صديقي...
كتبٌ...
وملابس..
للعيدِ الآتي
خبّأها في صندوقٍ صدئٍ
وطيورٌ يعشقُها...
وجسورٌ من ألواحٍ ناتئةٍ
عبرتها قدماهُ الحافيتان...
إلى غاباتِ الحلم
لوجه صديقي
إذْ ألقاهُ يحدّقُ في الفتياتِ
عذوبةُ نهرِ الكوفةِ - في الليلِ الصيفيِّ -
ورائحةُ الآسْ
يسألُ عذّالَ الطرقاتِ المجنونةِ...
عن تلك الفارعةِ الطولِ
يقولُ لها:
إنَّ قصائدَ كلِّ العالمِ...
لا تكفي ضحكة عينيكِ
لوجهِ صديقي.. إذْ يحتدُّ
سماءٌ ممطرةٌ..
وزوابعُ لا ترحم
مَنْ قالَ بأنَّ حديقتَهُ الملأى بالأزهارِ
- إذا زحفَ الغرباءُ إليها -
لا تتحولُ أشواكاً وحرابْ؟
مَنْ قالْ......!
.........
*
هذي النجمةُ،...
- يا جدي... -
ليستْ كالنجمات!؟
- .........!(69/339)
- هذي النجمةُ،... تمشي...، يا جدي
تمشي، تمشي........!!
تعبرُ فوق سطوحِ القريةِ،...
بيتاً... بيتاً!؟
- بل هي - يا ولدي - طائرةٌ
تتجسّسُ - في الليلِ - على أحوالِ مدينتنا
- ...... ولماذا لا نسقطها يا جدي..!؟
.........!
*
الدوشكةُ...
تعرفُ أحزانَ صديقي
ولوجهِ صديقي - خلفَ الناظورِ -
عيونٌ تثقبُ قلبَ العتمةْ!
......
- آه ...
لو تعبرُ - ليلَ مدينتنا - تلك النجمةْ!
29/4/1983 بغداد
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> دم الولد العاشق
دم الولد العاشق
رقم القصيدة : 64086
-----------------------------------
لدمي...
هذا الوجدُ,
الضوءُ الراعشُ في كلِّ مصابيحِ الطرقاتِ الليليةِ
كنتُ أطاردُ ظلي
وأسابقُ صحبي حتى آخر مصباحٍ في المشتلِ
ثم أعودُ - مساءً -
تعباً،
أتمدّدُ فوق السطحِ... وأحلمُ
أحصي النجماتِ...
... وأغفو!
لدمي... آهٍ
أنْ يسقي أعشابَ الكلماتِ
ويزهرُ - كلَّ صباحٍ -
وردةَ قدّاحٍ
فوق قميصِ التلميذاتِ...
وفي راحاتِ العمالِ الخشنةِ...
... يمضون إلى الشغلِ
وفي الثكناتْ
لدمي...
حلمٌ فضيٌّ...
ونوافذُ بيضاء...
... وكراسةُ رسمٍ...
... وصبيٌّ كان يشاكسُ حتى الريحْ
امتلأتْ كرّاساتُ الرسم...
كبرتْ نافذةُ الحلمِ...
ولمْ يكبرْ هذا الولدُ اللاهي في الطرقاتْ!
1984 بغداد
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أغتيال حلم
أغتيال حلم
رقم القصيدة : 64087
-----------------------------------
ما بين الطلقةِ, والطلقةِ
ثمةَ متسعٌ للحلمِ
ألا تجلسُ، سيدتي, فوقَ الهدبِ المتكسّرِ
- بعضَ الوقتِ -
أقاسمها أرقي
وأحدّثها عن نجمٍ مغتربٍ... يدعى قلبي
سافرَ بين جدائلها...
منذُ سنين...
وما زال وحيداً, يبحثُ في غاباتِ المدنِ المقهورةِ
عن عصفورتِهِ المجنونةِ
هل تكفي ما في جعبةِ هذا العالم من كلماتٍ
كي أكتبَ عن عينيكِ... وحزني؟
أمْ أشتلَ روحي زهرةَ قدّاحٍ في شَعرِكِ
هذا المنسابِ رخيماً،(69/340)
متئداً،
مجنونَ العطرِ,
كنهرِ الكوفةِ...
ثم أموتْ!؟
هل تجلسُ فاتنتي...!؟
ـ خمسَ دقائق أخرى...
فالليلُ طويلٌ...
أطول من ليلِ العاشقِ, منتظراً
وجهَ الفارعةِ القامةِ،
يشرقُ مشتعلاً بالخجلِ القرويِّ...
- كعادتها -
حين تمرّ على دكّانِ أبيهِ
.........
.........
هل تفزعُ سيدتي...!؟
حين تمرُّ الطلقةُ من فوق الجفنِ
فتلملمُ أذيالَ الفستانِ الورديِّ
وتهرعُ راكضةً...
كغزالٍ مذعورٍ نحو الريحْ
فأصيحْ:
- اللعنة...أنْ تغتالَ الطلقةُ...
... حتى الحلمْ!
7/8/1983 بغداد
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> احتراقات القمر المشاكس
احتراقات القمر المشاكس
رقم القصيدة : 64088
-----------------------------------
في الليلِ،
كانتْ نجمةُ القلقِ الشريدةُ
تقتفي خطوي إلى بيتِ التي
منحتْ دمي هذا التوهجَ والجنونْ
كانتْ تقاسمني التسكعَ في الطريقْ
حتى إذا تعبتْ,...
ستتركني وحيداً...
بين نافذةٍ تضيءُ,
وزهرةٍ حمراء تذبلُ...
بين قلبي,
والقصيدةْ...
في الليلِ...,
أسترقُ الخطى
وأمرُّ كالقمرِ المغني
كالغريبْ
بين النوافذِ
والأزقّةِ
والسطوحِ النائمةْ
مالي، ونافذة تضيءُ... وتنطفي
مالي، وسيدة لها شَعرٌ من الأبنوسِ
توعدني
وتتركني ببابِ حديقةِ الأملِ المواربِ,
ذابلاً
وحدي، وزهر الياسمينْ
وحدي، ونجمة روحي البيضاء في ليلِ القصيدةْ
وحدي، أضيء!
23 آب 1984 كركوك
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تداعيات رجل حزين في ليلة 9 آب 1983
تداعيات رجل حزين في ليلة 9 آب 1983
رقم القصيدة : 64089
-----------------------------------
(1)
هل تبحثُ مثلي... في خارطةِ
الكلماتِ المنسيّةِ عن وجهكَ
هذا المغبرّ...
من التجوالِ...
وأتربةِ الغربةِ
أمْ تبقى تحت رذاذِ الحزنِ... وحيداً
- كشجيرةِ صفصافٍ يابسةٍ -
تتسكّعُ بحثاً عن امرأةٍ... تؤويكَ
بمنتصفِ العمرِ
تقاسمُكَ الرغبةَ في تهذيبِ العالمِ
بالكلماتِ
أو الموت، وحيدَين،...(69/341)
على أرصفةِ الأشعارْ
أيّ بلادٍ تعرفُ حجمَ حنينكَ في هذا القبوِ المظلمِ
تعرفُ أنَّ الشرطي.....
في ساحاتِ العالمِ
يبقى أكثرَ ظلاً من كلِّ الأشجارْ
*
(2)
كلُّ همومِكَ... تغرقْ
كلُّ حروفِكَ... تغرقْ
كلُّ خرائطِ قلبِكَ... تغرقْ
حين تكون أمامَ عيونِ امرأةٍ زرقاء
فلا يطفو فوق الساحلِ غير جنونِكَ ...
والزبدِ الأزرقْ
*
(3)
أعرفُ أني سأموتُ, بدون رثاءٍ،
مجهولاً في أحدِ المنعطفاتْ
لكنَّ قصائدَ قلبي ستظلُّ
كجرحِ مسيحٍ -
تنزفُ،
... فوق صليبِ عذاباتِ الفقراء
وتنمو،
كظلالِ اليوكالبتوز
بساحاتِ بلادي
هل أملكُ غيرَ الشعرِ...
فيا صافيةَ العينينِ...
دعيني أمطرُ أشعاري فوق رصيفكِ
قبلَ رحيلِ غيومي، نحو بلادٍ لا تعشقُ رائحةَ الأمطار
ولمْ تفتحْ - يوماً - دفترَ أشعار
ولمْ...!
آهٍ.. يا صافيةَ العينين
لماذا لا تفتحُ بعضُ المدنِ الحجريةِ...
غاباتٍ للعشاق!؟
وتفتحُ - كلَّ صباحٍ - زنزاناتٍ أخرى
*
(4)
هل يكفي - ما في العالمِ -
من أنهارٍ؟
كي أغسلَ أحزانَ يتيم
هل يكفي ما في هذا العصرِ من القهرِ
لأرثي
موتَ الإنسانِ
بعصرِ حقوق الإنسان!!؟
*
(5)
أتركُ متسعاً في صدري، لشجونٍ أخرى
سوف تجيءُ
فهذا الزمنُ الآتي ... لا يأتي
- قلْ عني المتشائمَ -
إلاّ بشجونٍ أخرى
أتركُ متسعاً في آخرِ أوراقي..
لقصيدةِ حبٍ.. قد تأتي
فالكلماتُ - ككلِّ امرأةٍ تركتْ موعدَها وارتحلتْ -
قد تأتي...
أو.......
لا تأتي
*
(6)
من أينَ يجيءُ الحزنُ
وقلبي، أوصدتُ جميعَ نوافذِهِ
لكنَّ الحزنَ... "لعينٌ"
يتسلّلُ أحياناً بثيابِ امرأةٍ لا أعرفها
أو بكتابٍ ممنوعٍ
أو بمواويلِ الغربةِ في ليلةِ صيفٍ قمراء
مَنْ ذا سأقاسمُهُ حزني... في هذي الساعةِ من آخرةِ الليلِ
ولا شيء سوى مصباحي الواني,
والبقِّ...
وأحزانِ الدنيا تتكاثرُ كالطحلبِ,
فوق ضفافِ دمي...
هذا الآسنِ.. في الزمنِ الآسنِ
لكني، لو أملكُ شيئاً غيرَ الشعرِ
لأطفأتُ المصباحَ..
ونمتْ!
9/8/1983 بغداد(69/342)
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ذلك البكاء الجميل
ذلك البكاء الجميل
رقم القصيدة : 64090
-----------------------------------
إلى 1985 .. و"وارد بدر السالم"
"ستكون حياتُكِ خاويةً.. إذا لمْ تجربي يومياتنا.."
- وارد... -
......
وكمْ نتحسّرُ - في آخرِ العامِ..!؟
نبكي على السنواتِ التي ارتحلتْ
مثلما سوفَ نبكي على السنواتِ التي سوف تأتي
وكمْ نستعيدُ عذاباتها في المقاهي الكسولةِ...
حلماً بعيداً
تجرجرنا حسرةٌ نحو ساقِ فتاةٍ تمرُّ...
وأخرى،... إلى حانةٍ...
نتذكّرُ - من خللِ الكأسِ -
نزْواتنا, والحدائقَ...
يا ما لهوتَ وراءَ الجسورِ البعيدةِ
يا ما نصبتَ فخاخَ الهوى للبناتِ الغريراتِ..
يا ما ركضتَ...
ويا ما عبثتَ بلحيةِ جدِّكَ..
(... كمْ كانَ يعبثُ في شَعرِكَ الذهبيِّ
ويرنو إليكَ بحسرتِهِ, والمشيبِ...)
ويا ما...
وتذكرُ - بين الوظيفةِ (يا لرتابةِ ساعاتها المبطئاتِ!)..
وبين ضجيجِ صغارِكَ في البيتِ -
"قاطَكَ"
والشيبةَ البكرَ
والاندفاعَ اللذيذَ وراءَ الأغاني الرديئةِ والأصدقاء
وراءَ سرابِ الوظيفةِ والفتياتِ
وراءَ القصيدةِ والحلمِ..
يا للحماقاتِ...
يالي...
.........
.........
ستبصرُ...
إذ تدخلُ - الآنَ - "مقهى الزهاويِّ"
أيامَكَ القادماتِ:
انحناءَةَ ظهرِكَ,
تقطيبةَ النسوةِ العابراتِ,
دخانَ (النراجيلِ),
موتَ المروجِ الخصيبةِ,
وقتَ الدواءِ...,
.........
.........
فتبكي على عمرِكَ المتسارعِ
تبكي لوحدكَ...
في آخرِ العامِ...
ثمَّ......!
........
......
13/12/1984 السليمانية
********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> في المكتبة
في المكتبة
رقم القصيدة : 64091
-----------------------------------
هدأتْ قاعةُ المكتبةْ
والضجيجُ المهذّبُ، والهمهماتْ
الفتاةُ التي ابتسمتْ
إذ دخلتُ
وكانتْ تبادلني النظراتْ
غادرتْ..
ها هو كرسيُّها فارغٌ مثلَ روحي..(69/343)
وما عادَ ذو النظّارتينِ، المكبُّ على الأسطرِ الصفرِ
يسعلُ..
أو يرقبُ البابَ، منتظراً حلماً لا يجيء
والمقاعدُ
ما عادَ يربكها الازدحامُ الجميلُ..
وهمسُ التلاميذِ من خللِ الصفحاتْ
...........
........
تلفّتُّ..
كنتُ وحيداً، أمامَ الكتابِ الذي بعدُ لمْ ينتهِ
وكانتْ "موظفةُ الاستعارةِ"، ترمقُ ساعتَها
ثم ترمقني بارتباكٍ لذيذْ
.....
...........
...............
كانون الثاني 1985 ـ السليمانية
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ليستْ هي مرثية... لي
ليستْ هي مرثية... لي
رقم القصيدة : 64092
-----------------------------------
الأَسِرّةُ غربةْ
والمنافيَ جوعْ
وزّعتني الأَسِرّةُ - لا فرقَ -
أو شتَّتَتْني القصائدُ
بين المحطاتِ، والكتبِ المستعارةِ
بين ثيابِ النساءِ القصيرةِ، والضحكةِ المستعارةْ
الأَسِرّةُ شبهُ وطنْ
الأَسِرّةُ نصفُ وطنْ
الأَسِرّةُ نصفُ عواءْ
الأَسِرّةُ..، عمري الموزّعُ
بين الفنادقِ، والقريةِ - الحلمِ
... بين الخنادقِ، والوطنِ - الحلمِ
(لا حلمَ..! في زمنِ اللوعةِ المستعارة)
والقصائدُ نزفْ
.........
............
(على الطاولةْ
ورقٌ، ودمي..
تجلسُ امرأةٌ،..
تتسلى بصبغِ أظافرها..
أتسلى بصبغِ القصيدةِ..
... أو
بالنزيفْ)
.........
............
البكاءُ أسِرّةْ
الجنونُ أَسِرّةْ
النساءُ أَسِرّةْ
والرجالُ.. مطرْ
(قميصكِ، هذا اللئيمُ الذي لا يبوحُ
قميصكِ، هذا اشتعالُ المرايا
فكيفَ سأتركهُ
في السريرِ وحيداً
وأمضي وحيداً...)
*
هامش (1)
مَنْ ذا يعيدُ إليَّ سريرَ الطفولةِ
والأنجمَ الحالماتِ...،
وهدهدةَ الأمِ...،
مَنْ ذا...!؟
...
غرّبتني الأسِرّةُ.. أو
غرّبتنا الليالي معاً...
أفي كلِّ يومٍ، سريرٌ جديدٌ
ومنفى...
وجوعْ
أفي كلِّ يومٍ،.. سأوقدُ نفسَ الشموعْ
وأطفئها بالدموعْ
شمعةً..
شمعةً
.... وأنامْ
*
هامش (2)
إذا ما تعبتَ من الوهمِ..
أو أتعبتكَ دروبُ الزمانْ
إذا شتَّتكَ النساءُ..(69/344)
إذا رفضتكَ الجرائدُ والأصدقاءُ..
إذا ما تذكّرتَ أنّكَ...
لا تملكُ - الآن - بيتاً، ولا شرشفاً
فنمْ .. في عراءِ الرصيفْ
التحفْ حلمَكَ الشاعريَّ
ولا تستدنْ حلماً أو سريراً ذليلاً..
من الآخرينْ
6/5/1986 بغداد
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> انطفاء
انطفاء
رقم القصيدة : 64093
-----------------------------------
رغبةٌ عارمةْ
لذةٌ من جنونْ
.. وانكسارُ مرايا
رغبةٌ كاللهاثِ على جسدٍ أو حجرْ
لذةٌ كالنصالْ
..........
هكذا، والدقائقُ جمرْ
هكذا، والشوارعُ خاليةٌ من خطى امرأةٍ
.. أو ظلالْ
هكذا، أطفأََ الرغبةَ المستريبةَ، بالحلمِ
ثم انطفا
لاهثاً
منهكاً
فوق صمتِ الأريكةْ
.....
.....
بعد عشرِ ثوانٍ
على موتهِِ
جرسُ البابِ يُقرعُ...
... ها أنّها قادمة...!
11/10/1986 بغداد
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أحزان المغني ع
أحزان المغني ع
رقم القصيدة : 64094
-----------------------------------
تتمايسين كسنبلةْ
وأنا سكونُ الصخرِ - في المنفى -
وموتُ الأسئلةْ
الريحُ مرّتْ، لا مباليةً
وقلبي لمْ يعدْ تشجيهِ أوراقُ الخريفِ الذابلةْ
ما عاد يشعلهُ انحسارُ قميصكِ الشفّافِ..
.. عن تلك التلالِ المذهلةْ
أنا يا صديقةُ..، لمْ أزلْ
متغرّباً، تحت النوافذِ
في المدائنِ ضيّعتني،
في أزقّةِ ذكرياتكِ...
تحت أحلامِ الرموشِ المسبلةْ
قيثارتي روحي..
شددتُ بها
أعصابي المتآكلةْ
لاشيء عندي غير موّالٍ حزينٍ
.. ضيّعتهُ الجلجلهْ
فلمنْ أغني..!؟
والستائرُ مُسدلهْ
والشارعُ الملغومُ بالخطواتِ
نامَ على رصيفِ المقصلةْ
وصديقتي قد فضّلتْ فيْلمَ المساءِ..
على جنونِ قصائدي
وخطى اشتهائي المثملةْ
فلمَنْ أغني..؟!
مَنْ أغني..!؟
.. تلك روحُ المشكلةْ
30/5/1985 جوارتا - السليمانية
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> جسر
جسر
رقم القصيدة : 64095
-----------------------------------
كنتَ تمتدُ...(69/345)
بين المدينةِ، والحلمِ
بين القرى، والبساتين
جذعاً نحيلاً من العمرِ
كمْ عبرتكَ خطى العابرين
وتفرحُ إذْ تبصرُ الناسَ، تمضي إلى شغلها
تتحدّثُ...
أو تتلصّصُ للفتياتِ الجميلاتِ
أو تتدافعُ في زحمةِ الآهِ
أو تشتكي
أنتَ لمْ تشتكِ مرةً...
وقْعَ أقدامهم،
فوق أضلاعِكَ الناحلةْ
*
أنتَ شقَّقكَ العطشُ- القيظُ
ترنو إلى النهرِ يسقي البساتينَ والناسَ...
كمْ هي أظمتكَ هذي المياهُ التي
تترقرقُ تحتكَ..
منسابةً، في برودٍ لذيذْ
فإذا ما هممتَ بأنْ تحتسي قطرةً
انكسرتَ..
على الجرفِ،
منقطعاً، ووحيداً
وعافتكَ..
- آهٍ - ..
خطى العابرين، إلى آخرٍ.....
سوف تبنيهِ...
.... جسراً جديداً
*
.........
............
بلا ضجةٍ..
ستموت
ويجرفكَ الموجُ،....
نحو النهاياتِ..
.. يا صاحبي..
7/6/1985 السليمانية - جوارتا
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> وحدة
وحدة
رقم القصيدة : 64096
-----------------------------------
دائماً...
عند كشكِ المحطاتِ
أبتاعُ تذكرتين
دائماً، كنتُ أرنو لمقعدها الفارغِ
للحكايا التي كنتُ أعددتُها للطريقِ الطويلْ
دائماً، كنتُ أجلسُ ملتصقاً، قربَ نافذةٍ
في القطارِ المسافرِ، وحدي
وأتركُ
فوقَ
رصيفِ المحطةِ...
... تذكرةً ذابلةْ!
28/6/1985 جوارتا - السليمانية
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أمواج
أمواج
رقم القصيدة : 64097
-----------------------------------
كنتُ أحدّقُ
من خللِ الأسطرِ -
في عينيها الزرقاوين
فيغرقني هذا اليمُّ الممتدُّ، إلى مرفأِ روحي الفارغِ إلاّ
من سفنٍ راسيةٍ للأحزانِ وأشرعةٍ مضغتها الريحُ...
وأبحرُ حيناً
من خللِ الجوعِ وخصلتها -
في أوراقي المنثورةِ
مجنوناً، بالضوءِ المرتعشِ الهابطِ من أبعدِ نجمٍ بسماواتِ بلادي..
حتى نافذة القاعةِ، حيثُ يعرّشُ حزني
- فوق القضبانِ -
وريقاتٍ بيضٍ،
من زهرِ القدّاحِ،
تنفّضُ عنها الطلَّ،
فترعشُ روحي......(69/346)
(كانتْ تقرأُ أشعارَ نزار قباني..
وأنا اقرأُ ناظمَ حكمتْ
تتركُ خصلَتها، تتدلى، بدلالٍ
فوق الأوراقِ
وإذْ أنسى نظراتي، ساهمةً
تتأملُ ربطتها الورديةَ،
والعِقدَ الذهبيَّ المتأرجحَ
.. ما بين الزرِّ المفتوحِ...
.. وبين جنوني
تحدجني - دون مبالاةٍ - ثمَّ تتابعُ...
أتركُ روحي، تنزفُ فوق الأوراقِ
وأحلمُ.........)
ها أني مرتعشٌ،
ووحيدٌ،
كغريقٍ أتشبّثُ بالأهدابِ
فرفقاً - يا أمواجَ العينين الزرقاوين - بعدنان الصائغ،
هذا المثقوب الروح، كقاربِ صيّادٍ منسيٍّ
لمْ يصطدْ - منذُ سنينٍ -
غيرَ مواويلٍ، ودخانِ سجائر لفٍّ، ومجاعاتٍ...
ها أني، بين جنونِكِ والأسطرِ، منفيٌّ وحزينٌ...
(أتأملُ وجهي البائسَ، في مرآةِ القاعةِ
حين أراها تبسمُ لي......
فأقلّبُ جيبي المثقوبَ...
وأبسمُ...)
كيف سأدعوها للنزهةِ في مشتلِ قلبي
وسمائي ممطرةٌ بالحزنْ
كيف سندلفُ للمقهى
لتناول كأسينِ
وأحشائي تصفرُ فيها الريحْ...
7/2/1985 السليمانية
********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> تساؤل خاص
تساؤل خاص
رقم القصيدة : 64098
-----------------------------------
بين الكرسيِّ المكسورِ، وطاولةِ القلب
فكّرتُ بحالِ الشعرِ، وحالي
ما جدوى أنْ تَسَعَ العالمَ
في بيتٍ شعريٍّ
وتعيشُ بلا بيتٍ
ما جدوى أنْ تحتضنَ الفتياتُ دواوينَكَ
لكنكَ لنْ تحضنَ، في آخرةِ الليلِ...
سوى الأحلامْ
ما جدوى أنْ يتصدرَ أسمُكَ أعمدةَ الصفحاتِ..
ويعرفكَ القرّاءْ
لكنكَ حينَ تمرُّ أمامَ المطعمِ
لنْ يعرفَ منك سوى بنطالٍ رثٍّ
يجلسُ - كلَّ مساءٍ - منعزلاً، قلقاً
لا يجرؤ، أنْ يطلبَ...
أكثرَ من صحنِ حساءْ
الثانية بعد منتصف الليل 28/6/1985 جوارتا - السليمانية
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> زوبعة العطر
زوبعة العطر
رقم القصيدة : 64099
-----------------------------------
هدأتْ
زوبعةُ العطرِ،
على المقعدِ
عشرُ أنامل،
من بلورٍ، حائرةٌ
حطّتْ فوق حقيبتها(69/347)
وابتدأ العالمُ يلهثُ..
...............
..................!
تتململُ
إذْ تضبطني، أتلصّصُ مرتبكاً
تسحبُ للأسفلِ،
تنورتها الضيقةَ المحسورةَ، عن ساقيها
في خجلٍ,
أو ضيقٍ
............
...............!
(- هل تسمحُ، سيدتي،
لو.......)
كانتْ عيناها - عبرَ زجاجِ الباصِ -
تجوبان، الأوجهَ،
والأضواءَ،
الأسواقَ،
محلاتِ التجميلِ
وقد تتوقفُ - دون مبالاةٍ -
في وجهي...
............
...............!
(- ... كأساً أخرى.. سيدتي؟
ندلفُ للمشتلِ
ملتصقين، ومحترقين، من الوجد
- احترقي يا أيامَ الوحشةِ والبرد -
نختارُ - بعيداً عن صخبِ الناسِ،
بعيداً تحت ظلالِ الشجرِ المتشابكِ -
مصطبةً فارغةً..)
............
...............
............
- ...... سيد... تي...!!
كانَ الباصُ، يحشرجُ،
في الموقفِ،
مرتجفاً
وأنا كنتُ، لوحدي...
23/11/1984 السليمانية
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أحزان عمود الكهرباء
أحزان عمود الكهرباء
رقم القصيدة : 64100
-----------------------------------
إلى ص. ن...!
هاكَ عمري،
وفلّهِ..
يا صديقي
لن ترى فيه غيرَ الشجونِ،
وهذا البياضِ الوقورِ
الذي يقفُ - الآنَ - بين المكاتبِ، والحلمِ..
بين اشتهاءاتِ روحكَ،... والنظرةِ المطفأةْ
لن ترى - بعد هذا العناءِ الطويلِ -
سوى قلمٍ ناحلٍ
يتآكلُ
شيئاً،
فشيئاً
كنتُ أبصرهُ
- في زحامِ المدينةِ -
مندفعاً في شرودٍ..
إلى بابِ إحدى الجرائدِ
أو حاملاً كيسَ صمونهِ، والكتابَ..
إلى بيتهِ
ما الذي ترتجيهِ من الركضِ
ها أنتَ قطّعتَ عمرَكَ
بين الوظيفةِ، والشعرِ
ها أنت وزّعتَ عمرَكَ..
لا...!
أنتَ وزّعكَ العصرُ
بين الدوائرِ، والشغلِ،
بين القصائدِ، والجوعِ...(69/348)
بين الصحابِ، النساءِ، المقاهي، المخافرِ، أبنائِكَ الخمسةِ، طاولةِ البارِ، قائمةِ الكهرباءِ، الغسيلِ على شرفاتِ الفنادقِ، منتصفِ الفيلمِ، لغطِ الإذاعاتِ، طعمِ الفلافلِ، باصِ الحكومةِ، سبورةِ الدرسِ، صفّارةِ الشرطيِّ، الجرائدِ، لائحةِ اليانصيبِ، الأغاني الع
الوردةِ الاصطناعيةِ،
الهاتفِ المتقطّعِ،
بابِ البنوكِ،
المعارضِ,...
..................
...............
قلْ لي متى تستريحُ إذنْ..؟
هي أعصابُكَ - الآنَ - مشدودةٌ
بين أعمدةِ العصرِ
مكتظةٌ بعواءِ المشاغلِ واللغطِ...
مَنْ يمنحُ العصبَ المتآكلَ، بعضَ الهدوءِ الجميلِ،
على مقعدِ البحرِ
مَنْ سوف يتركُ طيراً طليقاً
يتأرجحُ منفرداً,
فوق أسلاكِ أعمدةِ الكهرباء
مَنْ يُبدلُ - الآنَ -
هذا الموظفَ ذا الربطةِ الأرجوانيةِ اللونِ
بالحلمِ...!
بالأرجلِ الحافياتِ على ضفّةِ النهرِ...
بالدفترِ المدرسيِّ الممزّقِ...
بالـ......
حلمٌ أنْ تعودَ العصافيرُ, ثانيةً
بعد موتِ الحدائقِ في الروحِ
أنْ تفتحَ المدنُ الكونكريتيةُ القلبِ شبّاكَها للقصائدِ
أنْ تستقيلَ من الحزنِ, يا صاحبي!
حلمٌ أنْ تغني كما تشتهي
وتسيرَ كما تشتهي
وتموتَ كما تشتهي...!
6/6/1985 السليمانية - جوارتا
********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> المدينة
المدينة
رقم القصيدة : 64101
-----------------------------------
تتمطى المدينةُ, في الفجرِ
ناعسةً،
بثيابِ الضبابِ الشفيفةِ,
والكسلِ العذبِ....
تفتحُ شبّاكَها
لرذاذِ الصباحِ اللذيذ
وإذا انشغلتْ بتأملِ لغطِ العصافيرِ فوق الغصون
وأحسّتْ دبيبَ الشوارعِ بالعابرين
سوف تحملُ مسرعةً،
.. يومها
.. وحقيبتها
وتضيعُ بموجِ الزحامْ
.........
.........
في المساءِ الأخيرِ,
ستجلسُ متعبةً
قربَ مصباحها
وتشيّعُ فوق رصيفِ انكساراتها، آخرَ الراحلين
وتمسحُ عن فخذيها بقايا المساء
ستحصي مرارتها, والنقودَ
ورجْعَ غناءِ السكارى على بابها(69/349)
لذلك كانتْ تغطي تجاعيدها بالمساحيقِ,
والدمعةِ الذابلةْ
وتذوبُ أمام المرايا..... بطءْ
27/1/1986 بغداد
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> رغبة
رغبة
رقم القصيدة : 64102
-----------------------------------
تومضُ
في سطحِ الفندقِ، نجمةُ روحي...
أو تخبو
في صحنِ رمادِ الغربةِ، والكلماتْ
وعلى حبلِ غسيلِ الأحلامِ، نشرتُ قميصي المبتلَّ وقلبي
تخفقُ في أحزانهما الريحْ...
قلتُ: سأهبطُ للشارعِ
أذبحُ نصفَ الليلِ بقنينةِ خمرٍ مغشوشٍ,
أو حبٍّ مغشوشٍ - لا فرق -
أو أبحثُ عن أيِّ كتابٍ ينسيني قملَ الفندقِ
والضحكاتِ الفجّةَ عبرَ الحائطِ
فالنومُ صديقٌ لا يأتي في أوقاتِ الشدّةِ والحزنِ
وآخرُ امرأةٍ في الشارع
فتحتْ بابَ التكسي,...
تعلكُ ضحكتها
وتوارتْ
بين الرغباتِ
وبين الأضواء
وسكارى الباراتِ انسلوا
لا شيء سوى الريحِ، ووجهي...
في مرآةِ الفندقِ أبصرتُ شحوبَ الأشجارِ بغابةِ وجهي المنسيِّ,
تلمّستُ تجاعيدَ النهرِ، فنقّتْ ضفدعةٌ
لمْ أبصرْها في البدءِ...
نسيتُ على طاولةِ الفندقِ، آخرَ أشعاري
وترددتُ بفتحِ الباب...
فمَنْ يمكن أنْ يأتي
- في آخرِ صمتِ الليلِ -
سوى الذكرى
والريح...
... الطَرَقاتُ على البابِ
الطَرَقاتُ...
الطَرَقاتُ...
ورائحةُ القدّاحِ المتوهجِ، تفضحُ خطوَ امرأةٍ
تتقدمُ ساهمةً بقميصٍ شفافٍ
قلتُ: لعلّكِ - سيدتي - ... أخطأتِ الرقمَ...
ابتسمتْ...
لا أحدٌ يخطيءُ في الحبِّ...
سيدتي
لا أحدٌ...
.........
.........
لا أحدُ...
.........
.........
(.......
مَنْ تلك المجنونةُ،
تطرقُ بابَكَ
في هذي الساعةِ،
من منتصفِ الكأسْ!؟...)
قد يحدثُ أنْ تتوهمَ حتى في وهمكَ......
.........
.........
لكني أبقى - من فرجةِ نافذةِ الفندقِ -
ألتصُّ النظراتِ, وحيداً
ألهثُ,
مصلوبَ الأنفاسْ
يقفزُ قلبي بين عيوني في الظلمةِ
أرهفُ سمعي, والقلبَ
لعلَّ امرأةً قادمةً...
... في الممشى
19/2/1985 السليمانية(69/350)
************
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مقاطع صغيرة
مقاطع صغيرة
رقم القصيدة : 64103
-----------------------------------
(1)
ورقة ساقطة من الطلاسم
كيف يا ربُّ... خرجنا من تبوكْ
ووقفنا - كالمساكين - بأبوابِ الملوكْ
كيف بدّلنا الرماحَ السمهرياتِ بأوراقِ الصكوكْ
إنْ تكن
تدري...
فأني
لستُ
أدري...!
26/6/1985 السليمانية
*
(2)
حادثة مبكرة جداً
في زمانٍ قديمْ
بينما كنتُ أبحثُ عن دفترٍ أبيضٍ
للكتابةْ
عثرتُ على جثةٍ للقصيدةِ
مرميةٍ
في الطريقْ...!
29/6/1985 جوارتا - السليمانية
*
(3)
أفق
قلْ:
ما أوسعَ أفْقَ العالمْ
بلْ
قلْ:
ما أضيقَ صدرَ الإنسانْ
26/3/1986 بغداد
*
(4)
"....."
غابةٌ يابسةْ
وصبيٌّ عنيدْ
يجمّعُ ألواحَها،
ويفرّقُها
يبتني منزلاً،
ويهدّمهُ
جسراً، ويهشّمهُ
........
.......
......
غابةٌ مورقةْ
وصبٌّي قتيلْ
10/5/1986
*
(5)
أحتمالات
هكذا تنتهي
زقزقاتُ المطرْ..
زَغَبٌ أخضرٌ..
أو حجرْ
10/8/1985 في الطريق إلى بغداد
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ديوان..!
ديوان..!
رقم القصيدة : 64104
-----------------------------------
منزوياً، وحزينْ
بين مئاتِ الكتبِ المرصوفةِ
مَنْ يتلفّتُ نحوكَ يا ابن الصائغ..!؟
والناسُ أمامَ زجاجِ المكتبةِ اللمّاعِ
يمرّونَ بحزنِكَ ـ دونَ مبالاةٍ ـ
قدْ تتصفحُ إحداهنَّ أغانيكَ على عجلٍ
يتقافزُ قلبُكَ بين أناملها...
هاهي ـ كالحظِّ ـ تقطّبُ في وجهكَ..
تبتاعُ "دليلَ الطبخِ"
.... وتمضي
ويضيقُ أبو المكتبةِ الكهلُ، بديوانكَ...
يرميكَ بقاعِ المخزنِ
تبقى بين الأكداسِ الصفراء، المنسيةِ،
منذ سنين...
تحلمُ....
بالواجهةِ اللمّاعةِ،
بالنظراتِ،
وبالمارين
فتبكي أيامكَ....
ثم تموتُ..
بصمتْ !
21/2/ 1985 السليمانية
********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حكمة مؤقتة
حكمة مؤقتة
رقم القصيدة : 64105
-----------------------------------(69/351)
في ضجيجِ الطبولْ
لكَ أنْ تنتحي
جانباً
وتؤجّلَ ما.... ستقولْ
28/6/1985 السليمانية
************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> ثلاثة أمنيات على بوابة السنة الجديدة
ثلاثة أمنيات على بوابة السنة الجديدة
رقم القصيدة : 64106
-----------------------------------
مرة أخرى على شباكنا تبكي
ولا شي سوى الريح
وحبات من الثلج على القلب
وحزن مثل أسوق العراق
مرة أخرى أمد القلب
بالقرب من النهر زقاق
مرة أخرى تحني نصف أقدام الكوابيس...بقلبي
أضيء الشمع وحدي
وأوافيهم على بعد وما عدنا رفاق
لم يعد يذكرني منذ اختلقنا أحد غير الطريق
صار يكفي
فرح الأجراس يأتي من بعيد...وصهيل الفتيات الشقر
يستنهض عزم الزمن المتعب
والريح من الرقعة تغتاب شموعي
رقعة الشباك كم تشبه جوعي
و( أثينا ) كلها في الشارع الشتوي
ترخي شعرها للنمش الفضي...وللأشرطة الزرقاء...
كل شيء طعمه.. طعم الفراق
حينما لم يبق وجه الحزب وجه الناس
قد تم الطلاق
حينما ترتفع القامات لحناً أميا
ثم لا يأتي العراق
كان قلبي يضطرب... كنت أبكي
كنت أستفهم عن لون عريف الحفل
عمن وجه الدعوة
عمن وضع اللحن
ومن قادها ومن أنشدها
أستفهم حتى عن مذاق الحاضرين
أي الهي ان لي أمنية ثالثة أن يرجع اللحن عراقياً
وأن كان حزين
ولقد شق المذاق
لم يعد يذكرني منذ اُختلقنا أحد في الحفل
غير الاحتراق
لا يقاس الحزن بالأزرار...بل بالكشف
إلا في حساب الخائفين.
*******
لم يعد يذكرني منذ اُختلقنا أحد في الحفل
غير الاحتراق
لا يقاس الحزن بالأزرار...بل بالكشف
إلا في حساب الخائفين.
*******
لم يعد يذكرني منذ اُختلقنا أحد في الحفل
غير الاحتراق
كان حفلاً أمياً إنما قد دعي النفط ولم يدع العراق
يا إلهي رغبة أخرى إذا وافقت
ان تغفر لي بعد أمي
والشجيرات التي لم اسقِها منذ سنيين
وثيابي فلقد غيرتها أمس.. بثوب دون أزرار حزين
صارت الأزرار تخفى..ولذا حذرت منها العاشقين(69/352)
لا يقاس الحزن بالأزرار...بل بالكشف
إلا في حساب الخائفين.
*******
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> صرة الفقراء المملوءة بالمتفجرات
صرة الفقراء المملوءة بالمتفجرات
رقم القصيدة : 64107
-----------------------------------
أفل الليل
وكبرق في الأفق الشرقي يوازي السعف
يوازي همسات السعف
وثمة طير منكفئ تدفعه الريح
ورأسك في الطين البارد ساكنه
ترتاح إلى حجر
ارحم من هذي الدنيا وسفالتها
فالعالم آلة إيذاء
لا تتغير بعد الآن ولا الأرض
فانك بالاسم الأول أحلى الأسماء
اقسم إنك انك تلتفت الآن إلى بلد الموت
وقبرك بعض خيام فلسطين
تفتش عن بيت يجمع كل الغرباء
وتفتح جفنيك رطوبة ليل القدر نشيجا
لم يجد الوقت الكافي لديك بالأمس لديك
وحرف يكتظ بكل إدانات الشهداء
والحرف يشخص بعض الأوهام
وبعض الأسماء
هل أنت تصيخ خلال مسام الأرض
لريح بساتين اللوز
تهب على الغور
وتذر في الليل بقايا مذبحة في الأردن والأشلاء
لم يبق سوى وتد واحد في الأرض
يطل على نهر الأردن في صمت
ويثبت حقا بالعودة
أكثر من كل حدود الخوف العرجاء
أدين بموتك مقبرة حولي يتفسخ فيها الأحياء
أدين بموتك
أزياء التاريخ وقاعة المؤتمرات
وعرض النظريات الأشياء
أدين بموتك
عهر الشارع
يقرأ فيه الفاتحة وتثاؤبيين على الشهداء
أدين بموتك
لكن الصمت يعظ على قلبي
حين أواجه أن حروف المرتدين بدون حياء
ولم الصمت؟
وأول ساعات الفجر تقوم بأكفانك
في غضب تتوعد كالبرق بأعلى الصحراء
تتسلل عبر خيام يستكثرها الحكام عليك
تشد الغدارة في وجد
وتقبلها
والصدر الثوري رجاء
تمسح باب القدس بما فيك من الشوق لها
وترش حدائقها......
أقسم أن حمام الساحة سيعرف ثوبك
والأيتام سيجتمعون إليك بأمعاء فارغة
وعيون فارغة
وأماني فارغة
وملابس من صدقات السلم
وأنت تزور بيوت الفقراء
سيرونك تحمل صرة حزن مثل الفقراء
سيرونك...
تقطع تذكرة للصرة في الناص الإسرائيلي
وتجلس بين الناس الغرباء عن القدس(69/353)
تسافر في صمت
وترى السهم على زاوية الشارع
ينزل آخر من في الناص
تنزل أنت سريع الخطو
تخط على أبواب مطار الجلد خيانات ذوي القربى
وشركاتهم للأعداء
والآن فقط
توزع ثوبك....
أكفانك...
خاتم عرسك...
تمشي مجهولا
وتوزع تلك الأشياء الربانية في صرتك الزرقاء
بأرجاء مطار الجلد
وبعد قليل....
حسب التوقيت الصيفي
فأنت تحب التوقيت الصيفي
تنفجر الخزانات
وتنفجر الصالات
وينفجر الحل السلمي
وتهز اللد من النشوة
حين تراك تغادرها عجلا متقد القلب
تفتح دفترك الثوري لتسجيل أماكن أخرى
أدين بموتك
ألا تتفجر في الأرض أماكن أخرى
أدين بموتك
كثر ما تحشى بالتبن فقاعات الصابون
فتصبح أسماء كبرى
تدين بموتك أصلا
إن الثورة تقطع أرضا لتسمى تلك الأرض فلسطين
بديلا عمن مت لها والناس يموتون لها
ليست تلك فلسطين أبا مشهور
ولكن تلك خيانات كبرى
وأطايب بالسيف ليغسل بعض الأوهام
من كان مع السيد هنري فليرفع ياقته
من كان مع الثورة هذي فليرفع قبضته
قبضات الثورة أعلام
سيرونك تأتي من جهة القبر
تلوح عليك أفاح البدو
تلفعت بخرقة خام سمراء
تحزمت قنابل في من حبل من مسد تتوسط حول حقول النفط
كموعد عشق
ب اللّه.....
وقبل التنفيذ بمملكة النفط وشايات حصلت
وقبل التنفيذ..وقبل التنفيذ...
حذار...
حذار أبا مشهور حذار....
وألقى الحرس النفطي القبض عليك
وصار مصيرك مجهولا ثانية في الصحراء
يحضر مؤتمر القمة للتحقيق
وتنزع أكفانك تنبش
ما أسمك؟
لم تنبس
ما أسمك ها؟
لم تنبس
عمرك....؟
لم تنبس
وتبسمت
فليس هنالك عمر للشهداء
من أي بلاد أنت؟
تشير إلى البصرة...
تلك بلادي
لنشهد أنك منها.....
لنشهد أنك منها.....
وتغذيت من البارود بتربتها
نحن الشعب
ونشهد أنك منها وتغذيت من البارود
نقسم أن نسترجع كل فلسطين أو التدمير
ونسف الآبار وحتى العودة
أسهم يشير إلى الآبار
أسهم يشير إلى الأسماء الكبرى
أسهم يشير إلى الدول الكبرى
أسهم يشير إلى مكة
أسهم يشير إلى.........(69/354)
إذ ذاك يغص التحقيق
ويسقط ريش الحكام جميعا
ويصوت أن تدفن فورا
تدفن فورا
وتقوم وتدفن ثانية
وتقوم وفي يدك الصرة ثالثة
تدفن رابعة تذهب ألفا
تدفن ألفا
تذهب آخرة وفراقا
وتحاسب هذي الدنيا
حتى تشهد إنك منها
وتغذيت من البارود بتربتها.........
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> اعترافان في الليل والأقدام على ثالثة
اعترافان في الليل والأقدام على ثالثة
رقم القصيدة : 64108
-----------------------------------
في الهجر
جفاني اللؤلؤ
في الوصل
رعاني الصدف
كن أنت حضوري
مولاي!
تعذبني الصدف
لوثني عسل الليل
وغما قميصي الصيفي
ونهنهتي السعف.
وتمارس كلّ فراشات المرج
بأكمامي
شغل الليل
ومن عبقي
شبقا ترتشف
أسكبهنّ ثملات
شف مفاصلهنّ
نزيف لألق القمريّ
على مفصل ماء
بالست يرتجف
وأمد يدي مولاي!
إلى سرتها
تغرق...
في الطيب الشاميّ
ولا ترسو
إلا أتلفني التلف
تطردني لباب
تترك في جيب المفتاح
بأن فيها أنصرف
مولاي !
أدرت المفتاح ففاضت
كل زوايا الحجرة,
بالمسك
وكادت كالنخلة تنتصف.
نهرتني من خديّ كالطفل,
دخلت حجِرتها
ما أوسع هذا التصغير
وأرطبه
من صادف تصغيرا رطبا في النحو
تفرغت له
وبعون اللّه سأحترف.
********
أتوب
وصمتي معترف.
كيف الصبر على جسد
كان تنتأ زهرة لوز
فاضطرب الطلّ الخالق عشقا
وتهيجت النطف
واكتظّ حليب اللوز فهيما
وأنسحب الشر شف تحت النهدين
وشفف على ضلع فاترة
تتلجلج فيها الألوان المائية
والشغف.
أرجعت وثارة شر شفها الخمريّ
وغطيتهما
أقسم عذريا......
لكنهما مساني مسا
مولاي!لقد مساني مسّ "النوكة"
فاخلط الفستق والشرف
لم تر أعيينا أنفسنا
لكن مولاي!
سمعنا زقزقة بين الجسدين
كأن عصافير الدنيا,
تتأهب للصبح
وليس لها هدف
فيم أخذت حكايات وشايات الليل
أما كفروا!
شاركتك بالخلق!!!
وما شاركت سوى فيما يتنزل من حسنك
في
وترتفع السدل
**********
ضيع بيتك
أنصفني....
لا ألقاك
ولا يغازلنا الصمت(69/355)
ويحكي المشمش والتوت البريّ
وتختلق الطرف.
مضيه
فأشتاق إلى لا شيء
أنا أشتاق إلى أشياعك أيضا
تذهلني
أنت
ولا أنت
وأجهل أو أكتشف.
*********
ما غربة روحي ترف.
دقوا كفي بمسمارين من الصدأ الحامض
فارتج صليبي......
وانهاروا من ألمي
سألوا قدمي الغفران
وساح الماكياج على أوجههم والشرف
أين مولاي!
سكوتك أوجع من صلبي
وناداني في القفر.
كأن غزالا يسلخ في حمى العشق
شابك جفنيه ألوطف
هذا ثالث صلب
أخشى في الرابع
أكفر,يا مولاي!,بكل الأشياء
وأنت بقلبي تنعطف
أرذال كانوا مولاي!
اتفقوا ساعة إعدامي كالجرذان
وإذ أعدمت اختلفوا
وكآخرين قوادين لقوا رزقا
أسفوا للمهنة.
كم خجلت مهنتهم منهم
وتملكها الأسف
مولاي! شموعك ترتجف
سامحك العشق
أبالطين يشك الخزف
كن أنت حضوري الدائم في.
تعذبني فيك الصدف.
*********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> الأساطيل
الأساطيل
رقم القصيدة : 64109
-----------------------------------
...إيه الأساطيل لا ترهبوها
قفوا لو عراة كما لو خلقتم
وسدوا المنافذ في وجهها
والقرى والسواحل والأرصفة
انسفوا ما استطعتم إليه الوصول
من الأجنبي المجازف واستبشروا العاصفة
مرحبا أيها العاصفة..
مرحبا...مرحبا...مرحبا أيها العاصفة
مرحبا أيها العاصفة...
ارقوا أطقم القمع من خلفكم
فالأساطيل والقمع شيء يكمل شيئا
كما يتنامى الكساد على عملة تالفة
بالدبابيس والصمغ هذي الدمى الوطنية واقفة
قربا النار منها
لا تخدعوا إنها تتغير
لا يتغير منها سوى الأغلفة
مرحبا ...مرحبا أيها العاصفة
أيها الشعب احش المنافذ بالنار
أشعل مياه الخليج
تسلح...
وعلم صغارك نقل العتاد كما ينطقون
إذا جاشت العاطفة
لا تخف...لا تخف...
نصبوا حاملات الصواريخ
نصبوا جوعك
ضع قبضتك على الساحل العربي
وصدرك والبندقية والشفة الناشفة
رب هذا الخليج..
جماهيره
لا الحكومات... لا الراجعون إلى الخلف
لا الأطلسي ولا الآخرون وان ضحوا فلسفة
لا تخف... لا تخف...إننا أمة(69/356)
-لو جهنم صبت على رأسها -واقفة
محنى الدهر قامتها أبدا
إنما تنحني لتعين المقادير إن سقطت أن تقوم
تتم مهماتها الهادفة
يا حفاة العرب...يا حفاة العجم...
ادفعوا الهدي البشري المسلح
ضحكوا على عنق السفن الأجنبية
الووا مدافعها في ادعاءاتها الزائفة
حشدوا النفط
فالنفط يعرف كيف يقاتل حين تطول الحروب
وقد يتقن الضربة الخاطفة
يا جنود العرب ....
يا جنود العجم....
أيها الجند
ليس هنا ساحة الحرب
بل ساحة الالتحام لدك الطغاة
وتصفية لدك بقايا عروش
توسخ في نفسها خائفة
أيها الجند
بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
حطموها على قحف أصحابها
اعتمدوا القلب
فالقلب يرف مهما الرياح الدنيئة سيئة جارفة
هل أرى ...كل هذا السلاح
لقد داس متجها نحو يافا بنيرانه الجارفة
جاء يوم الجماهير ما أخطأت إنها لمقاديرها زاحفة
ليس واعدا على ذمة الدهر
غير الجماهير والعبقريات والعاصفة
مرحبا أيها العاصفة
مرحبا ...سيقوم من الجرح أكثر عافية وطني
بجراحاته النازفة
دفنوه عميقا فقام التراب به إذ تململ
فالقوتان هي القوة الخائفة
صرت شوقا مخيفا من لكثرة ما اشتقت يا وطني
أن أحط على كل باب خدودي وألثمها
أيها الدم العربي لماذا هزمت
وواجبك العسكري فلسطين
أنت أجب أيها الدم يا سيد المعرفة
أيها اليأس...
يا مثقلا بغرائزي سم على شفتي امتقع
أيها الزبد الأرجواني الثقيل على شفة الملحدين
بكل القبائل زد وارتفع
رفرفي راية الحدس
ردي الشجاعة للدهر تستيقظ الفلتات
وتعطي نبأتها القاصمة
اجمعي أمة الحزن واستأمنيها المفاتيح
دهرا فدهرا
فمهما بدت للوراء تسير بها النكبات
هي الأمة القادمة
شفتاي امتداد لجرح بها كلما صاح صحت
فأمي هي النخلة الحالمة
وأمي هي الأنهر الحالمة
وأمي التي علمتني على الصبر
آنئذ علمتني على الطلقة الحاسمة
وطني البدوي ... نساؤك منهوبة
ويباهي رجالك نصرا بأعضائهم فرحين
فما زالت العاصمة
تب قوم زعاماتهم أرنب عصبي جبان
وعزمهم خصية نائمة(69/357)
اسكتوا...فالحكومات في أستها نائمة
لا..لا..فحكومتنا دون كل الحكومات
فزت من النوم شاهرة سيفها
وعلى صدرها ما تشاء من الأوسمة
طعنتنا وبشهد الإله مثل البقية مستلزمة
إياس.. يا سيد الموقف اعصف ودمر
اقبل حزن يديك
اتقد... طهر الشعب من لعنة الجبر
شمر.. وذوب مقاديرنا الشاحمة
تمرد.. تمرد..فهذي الشراذم ملعونة الأبوين
على عهرها شدت الأحزمة
من جلالته بالحجاز يزج بكل أذان إله
إلى خير الأنظمة
شهوة نحرت باتجاه أميركة سبعا وسبعين في لحظة
وتضأ مجرمها بالدماء
وصلى إلى قبلة مثله مجرمة
يا جهيمان حدق فما يملكون فرائضهم
نفذت.. نفذت..زرعتهم قرحا
ونفذت نفذت بعيدا فأصلابهم عاقرة
فإذا طوفوا كان وجهك
أو سجدوا فالدماء التي غسلوها
تسد خياشيمهم ومنا خيرهم وقلوبهم الآثمة
لم يناصرك هذا اليسار الغبي
كان اليمين أشد ذكاء فأشعل أجهزة الروث
بينما اليسار يقلب في حيرة معجمه
كيف يحتاج دم بهذا الوضوح
إلى معجم طبقي لكي يفهمه
أي تفوه بيسار كهذا
أينكر حتى دمه
ويا ناصر بن سعيد
إذا كنت حيا بسجن
وإن كنت حيا بقبر
فأنت هنا بيننا ثورة عارمة
أيها الناس هذي سفينة حزني
وقد غرق النصف منها قتالا
بما غرقت عائمة
وشراعي البهي شموخي
تطرفت وعيا وأدرج في كل يوم
كأن لي في قتلهم قائمة
لا أخاف
وكيف يخاف جمهور بطلقته كاتمة؟
قدمي في الحكومات
في البدء والنصف والخاتمة
حاكم وحمت أمه عملة أجنبية في يومه
فأتى طبقها
وانقلاب بكل الحبوب التي تمنع الحمل يزداد حملا
وسلطنة ربعها لحية وثلاثة أرباعها مظلمة
ومشايخ ملء الخليج
مراحل بعد الفراغ
وأموالهم ذهب إنما أقزمة
والجماهير قد حولت وزنها ضجة
والبلاد إذا سمنت وارمة
وقد تشرق الشمس من حزننا غاربة
ينطبق الجوع منذ ولادتنا
ويشب بنا الموت والأتربة
وأجانب مهما نقاتل
والحاكمين الخصايا هم العرب العاربة
حاكم طوله وكرامته دون هذا حذائي
ويضرب طولا بعرض هو الصفر
مهما تك الآلة الضاربة
بصدق الانفجار بنيرانه اللاهبة(69/358)
أيها الجمع صه
لا تصفق لأنظمة غائبة
ما لها تتثاءب هذي الجماهير
تهتف وهي منومة
زلزلي..واكفهري... واكفهري...
اكفهري يا أجمل من أمة غاضبة
امسحيهم فهم حاكمين بغايا بأفواههم
والشريف الشريف شهامته سالبة
اركليهم فأقدارهم يركلون
وأقدارنا القوة الضاربة...
****************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> البقاع....البقاع
البقاع....البقاع
رقم القصيدة : 64110
-----------------------------------
لم يعد في المحطة إلا الفوانيس خافتة
وخريف بعيد...بعيد
وتترك حزنك بين المقاعد ترجوه يسرق
تعطي لوجهك صمتا كعود ثقاب ندي
بإحدى الحدائق
إن فرشت وردة عينها يشتعل
وتجوز خط الحديد
كأنك كل الذين أرادوا الصعود ولم يستطيعوا
أو انتظروا
أو كهاو اكتظ دفتره بالدموع
دموعك صمت
ثيابك بدعة صمت مقلمة بالبنفسج
لم يبق زر بها
وحقيبة حزنك قد ضيعت قفلها
لم تزر قميصك... بنطالك الرخو
لم يبق شيء يزر
لا أنت
لا صوتها
لا المحطة
لا الأمس
آخر قاطرة سلمت نفسها لم تقاوم
على فكرة
صوتها طائر ينهل الصبح من لوزة
سلمت نفسها
آخر القاطرات انتهت...
سلمت نفسها لم تقوم
أخذت رجائي وصغرته سنتين
وأجلسته فوق مصطبة سكرت من أريج النساء
لا تقلب متاعي الحزين أمام الأجانب
فالثياب القديمة مثل البكاء
وأخذت الهوية منه
ووجه الهوية مما مسحت الإساءات
لم يبق فيها انتماء
لم يعد في المحطة إلا الفوانيس خافتة
وخريف يسير بعكاز ورد
وتترك حزنك بين التذاكر
ترجوه يذكر في منزل
في طريق بطيء التذاكر
قاطرة أصبحت مسكنا
وتقدم وجهك عود ثقاب
لكل الذين قد استهلكوا
وعلى علبة الأمس
تقتات
تسحب نفسك
أمسك
في نفس هادئ
ونساء ببهو الثلاثين ضاعت تذاكرهن الرخيصة
تدفع تذكرتيك وتبتاع لمسة نهد مصغرة
وعلى فكرة
أنت من أشد الحزن والصمت تقطع تذكرتين لنفسك
تقطع حزن... حزن
تقطع كل القطار تبيع دموعا وحلوى
لأن القطار بلا امرأة أو صديق أنت دخلت ليالي الشتاء(69/359)
ساكنا كالصخور الحزينة في قمة الليل
تبك بكاء الصخور المنيعة
تجتازها الريح في آخر الليل
لم يبق من نجمتيك سوى ثؤلولتين وتبتسمان
تبتسمان كثيرا
ووجهك عرش من الشهوات تهدم
طال احترام النساء له
والسكارى حزينا
كأن حصانا من الشمع قبل الصهيل يذوب
كأنك طيب من الشمع لم تنطبق شفتاه ثلاثين عاما
وتهرب من قاعة الشمع
من خطب الشمع
والحاضرون يتيهون فوق الكراسي
تمنيت لو هذه الثلاثين عاما تنظف مغسلة
أو تبلط حجرة حزن
تمد الحديقة سكتها النرجسية صوبك
أنت مرايا تصير إذا لمستك الحديقة
أو غمزت تنام بزهرتها في المساء
كيف تستأجر الانتحار بدرب طويل
وتقطع تذكرة وتمزقها وتقدر ثانية
تستدين من الصحب جرعة خمر
وتذكرة ثقب مرتين
ورقعة ود
كأنك صندوق جمع الإعانات للحزن
تخدعهم في القطار
-تفضل
وتحني أمام المفتش رأسك ليس احتراما له
بل الثقوب البطاقة
- مثقوبة
- مرة...مرة سيدي
- مرتين
ويتلبث وجها من الشمع يأخذ منك إشتياقك
يأخذ منك البطاقة
يأخذ منك الهوية
- انزل....
- نزلنا
ويلقى الهوية قد مسحت مرتين
صحبك المدمنون على نفسهم غادروا مرتين
أغلقوا الحجارة و الصمت ولا مبالاة أبوابهم
والغبار بلون البنفسج يا سيدي
إنهم يكنسون السكارى
مناخ من الذكريات المطيرة
من عبروا الجسر لم يعبروا
والذين غنوا الأغنيات يرين السكوت عليهم
وهذي البطاقة قد عبرت أحدا مرتين
ريقها بارد... بارد مثل جرار قبر الحسين
كنت في حاجتين لها
تفتح الباب في كبكاء الحرير
وتفتح أفواهها وحكاياتها وبطاقتها النرجسية
في دفؤك العائلي الخطير
ثم ترفعها آخر الليل قارورة من عقيق
وتسكبها في ذكاء السرير
كنت في حاجة لكتابة شيء أخير
لم يعد أحد في المحطة
عادوا لأحزانهم أو هم اختطفوا مثلما يحصل الآن في كل يوم
أو استعملوا كالقناني الجميلة
أو بالقناني الجميلة
أو استهلكت نارهم
وغفوا بين رماد السنين
لم يعد سيدي...
ورجائي رجاء البنفسج أتلفت نفسك بالشرب
أي قطار بهذا المساء الحزين(69/360)
انتظر... انتظر...
انتظر أيها الصاحي جدا
هنالك قاطرة للبكاء تقل المغنين والحالمين
ألغيت
خذ إذن جرعة
رغم أن الجمهور وغير الخمور بهذي المحطة مغشوشة
ربما تفهم اللغز
سوف أروي المحطة فاصبروا
تعطي دخانا بلون المناديل والقبعات
تهز قناديلها أكثر مما لنا
كتب اللّه فوق الجبين
إن تأخرت... أغلق برقية الحزن للصمت
قد أخرتني
وأغلق للياسمين
أغلقت بابها
ما طرقت احتراما لغفوتها ولعشقي
ولم تأخرت بالباب حزني طويلا
رأيت مفاتيح غرفتها
ومشابكها
ومشداتها
وانتظاري بأيدي سكارى المواني
بكيت البلاد التي تقتل العاشقين
أين كانت كلاب حراستها
أم تراها تهز الذيول لمن يعتليها
وترسل أنيابها بالشحارير
إن كان صوتي أقل الشحارير شأنا فلم يرتجف
والمخالب تقدح حولي
ولا غيرت وزناتي لغير الهوى والحنين
اغرب الأمر.... بعض الشحارير
لما رأتني لست أحط على الفضلات كأحوالها
نبحت كالكلاب
إلهي إني كفيل بتلك تكفل بهذي
فأنت خلقت لها جناحا لها لتغني
فصارت تهز
تعظ وأخشى تعضك أنت كما الآخرين
لم تعد بلدة لا تراني كلابا مدربة
ضد من يرفعون مزاميرهم للصباح
فأين البقاع...؟
أحذره من دخول الكلاب بكل انتماءاتها
ليظل بلاد البنادق والأغنيات
وكل الذين على دهرهم خارجين
سوف أوري المحطة
بيت لنا بالبقاع أمين...أمين
يعشي البساتين...
يملأ مخزنها بالرصاص
وبين حراساته
أغنيات عن القاعدين بحضن المنى في
أيبقون في حضنها قاعدين
ولدتنا البنادق يوم الكرامة
والأمهات لهن حقوق على البالغين
أنت يا مدفعا
يا إله يمد بقامته بين زيتونتين بقاعتين
وينشق خطين مما ارتفاعك في الجو
لون السماء وسرب الغمام وسرب الحمام
كأن حديدك يفقد وزن الحديد لسرعته خلف أسرابهم
ليت كل المدافع تقرأ ما أنت قارئه في الظلام
ارفع الكف بصيرة جرحت نفسها
لونت وجهها وردة
في الضباب المشاغب عشقا
وأترك خطوة حب
تغرد ما بيننا بالرضا والرؤى والسلام
باليدين الفدائيتين غدوت إله(69/361)
إلا فإنك مما يكدس أهل الكلام
ثمل ليس عيب على ثمل السلاح
فان العراق قديم بهذا الغرام
أيها السكر كم قد سكرت بنا بالعراق
وأسكرتنا
نم بمرارة غربة العمر
فبعد العراق جهلنا ننام
وافترشنا لهيب الرمال
فواحاتها غازلتنا بجرعة ماء
رأينا الخناجر فيها
وما للغريب سوى واحة أن يكون الصيام
ارفع الكف تصبيرة جرحت نفسها
كذبوا ما انتميت لغير لهيب الدهور
كذب المنتمون لكل نظام
إنني شارة في طريق الجماهير ضد النظام
يتبارك هذا الضحى
مخملي يلمس الروح تبكي
فتى يرجم الشمس في غابة الصمت
والآخرون استقلوا فتوة أقدامهم
غازلتني البنادق زيتية النظرات
وضعت قميصي برحمة صفصافة
لم تسبح بغير رضا الشمس عنها
وأرجوحتان من القابرات تالف صوت الرصاص الفتي
تدغدغ خد البساتين
مرحى لهذي البيوت
مرحى لهذي القواعد
مرحى لهذي البساتين
تخرج للصبح عذراء
ماء اليافعة يكشف عن جسمها
تفرش للفرح الحلو سجادة
اجلسوا يا رفاق... خذوا قهوة الصبح
شق كشق الفواكه في القلب
من أنت....
يا أنت...
يا قاحلا ليس فيك سوى الحزن
يمسك رشاشة في الهجير
استرخ لحطة يا حبيبي هنا قهوة الصبح
أو تشتهي بالذخيرة تدخل في سورية الذاويات
تعانق قنطرة.....
ستمر مدرعة باتجاه الشمال عليها
اختفي....اقتربت
قبلت طرفا من حذائك
اتل فلسطين قبل الشهادة
اسحب أمانك....
اسحب أمانك....
اسحب أمان أمانك.... نار
حمل النهر شبه مدرعة
لا تزال بكفين مقطوعتين
تشد على صدرها
تقبض الروح منها
وترخي يديك قليلا وتفرح
ثم قليلا وتفرح
ثم قليلا وتفرح
زفوا جنازة ورد
وتذهب بين البساتين
بين القرى حقبا
وحكاياتنا حقبا
تختفي كالمصابيح ....
أعمدة الكهرباء
وجوه القرى في دخان القطار
خرجوا في أعالي الدجى
والقلوب بقبضاتهم تنشر النور
في غابة اللوز والعشق والذكريات
ولم يتركوا قربة ... فتشوا عنك ....
لم يلقوا البندقية
لم يعرفوا أنت للنهر سلمت
ونمت نعنى لا يقاوم إغراؤه
فرقة الليل عادت بثوبك(69/362)
فالأغنيات تعسكر بين البساتين رافعة شارة الانتصار
يتبارك هذا الضحى ...لفظ الندي أنفا سه
قطعة قصب الحلو أدت نشيد الخلود
وجدنا الشظية الطروبة فاغرة فمها
تتملى النجوم تلتقط من كرمة في الجليل وتصعد
كان يراقبها وتركناه
كان يريد يظل وحيدا
أمام فلسطين يحكي هواه
تركناه كاللوز يعقد بين عيون دلال
وبين الشهادة في الخالصة
نحن جئنا إلى العرس من آخر المدن العربية
من زمن القمع والقهر والقتل والتركات الثقيلة
شق كشق الفواكه في القلب
لم يحمل السيد البندقية مثل اللصوص بغيا إلى بيته
بل عرسا
وقد عقد العرس في زهرة التين
كل الدفاتر جاءت بثوبين من خالص الفجر
بعض القرى قدمت بالهدايا البسيطة
كان المهم المجيء
بعلك جاءت... وعامل...
طيبها اللّه أما وشيخا وراغب حرب
فهم منذ خيبر لوالد البندقية أب
جد وأب
إيه أهل الحمية...
أنصار يجثو على صدره باب خيبر
فاقتلعوه لديكم بهذا نسب
وهو السيد الآن يمسح أنف العروس
مسافة حزينين بالورد
والسيد الآن شد على قهوة الليل والصبر
أعصابه قاذفات اللهيب
أمر النار فاستبسلت في نقاء الذهب
صدر الأمر للراجمات
توازي رضا اللّه عنها وعزته والغضب
مسح الجرح في قدم ثبتت
ليتها ثبتت مثلما قدميك جيوش العرب
أبعد اللّه عنك وجوه المشاريع
تجعل حتى البندقية تبكي
ولا تطلق النار
إلا كما تطلق النار بعض اللعب
رافق الصمت يحمل نعشا من القابرات الحزينة
في حدقتا البساتين
تأتي القواعد باقات ورد
ويأتي الرصاص دموعا وحلوى
وتخفق في الدرب أم كراية حرب
برغم التمزق راية حرب
وشق كشق الفواكه في القلب
أرجوك سيدتي
لا تزيحي نقاب القتيل
فلم يبق إلا أصابعه طوقت مخزن النار
واسترسلت بالطرب
وجدنا قريبا من الدم كسرة خبز تزغرد
لا بد أطعم بعض العصافير
غنى لها أغنيات الوحيد أما الدروع
و لا بد.... لا بد ضاجع هذي القناطر واحدة بعد أخرى
ولا بد عانق سطح مدرعة
حل خوذتها بهدوء
وألقى الفواكه تفاحتين من الصمت
تفاحتين من النار(69/363)
تفاحتين من الجحيم...الجحيم
ولا تنتهي
أنت لا تنتهي
حزني يوم خرجك من بيروت
للملح... لليم كاليتيم
كاليتيم لا ينتهي كالقدر
أنتشر الآن جهتي راية عشق لديك
وصباره العمر تجمع عندك ماء لأسقامها
قطعوا الماء عنها فلم تنحن
هكذا كل صباره سيدي
إن رماها الظمأ أو رماها حجر
هكذا جئت كل المحطات صفا ورائي
فمن لا يجيء بقاطرة بالمحطات يأتي
فان لم يجدها يسافر يا سيدي بسفر
يا عريس البقاع تسج
فبعض الذين يحملون الزفاف يري العروس
وبعض الزغاريد يوجب أقصى الحذر
من زمان يبرح عشق البنادق غرنا قنا وغرا نقنا
ونسور العراق
وعشنا على جمرة الصمت
والوحل .... والبرد
من زرقة الشفتين كتبنا الأغاني الحزينة
كان البنفسج ينمو بأضلاعنا آخر الليل
انتظروا الشمس
لم ندر من أين في بادئ الأمر جاء الرصاص
تثقب ضلعي وضلع رفيقي
ولما يكن جاوز الوردتين و شهرا
ومن يكن يومها وضلوعي مزامير حزن يا سيدي والسهر
وزعت حقولا من الأسبرين المرير بجسمي
كأني صداع بهم ليس يشفى
انتظرت كياناتهم تنتهي فأعاتب شيئا يساوي عتابي
أعيد الدموع القديمة فوق الرفوف مع العلب الخزفية
إلا كما لا أصرح يا سيدي
دمعتين سأخفيهما تؤلماني
وفي مدخل البيت أسترجع الزنبقات
وعود أبي ينشر الفل في حجرة الشاي
علمني أتدرون قبل لقاء الضيوف
وقبل ارتفاعي إلى شرف البندقية
كان يقول الأغاني كشق الفواكه في القلب
كان يقول أهم المغنين من يشعلون الأغاني
ومن يمطرون المطر
قال والعد شارف آخر أحلامه
والمفاتيح لما تعد تستجيب له
أين أنت ....
لماذا تأخرت عن موعد النغمات الأخيرة والشاي
قلت أقبل كفيك في غربتي
لا أزال بأرصفة الليل يا ولدي
كل هذي البلاد بأرصفة الليل للشحن يا والدي
غير أني ما بعت وعودي
ولا مثل شيخ الغناء الرخيص
رقصت بها كلما جاء بغداد وال جديد
كثيرون باعوا
كثيرون ناموا هنالك واستغرقوا
وبقيت مغني المحطات والعربات التي لا مصابيح فيها
واسحب جفن الذين ينامون في الذل(69/364)
أنظر ماذا بأعينهم
يا عيوني...لماذا تنامون؟
انو المغني يغني
عن الفجر بالدشت والرشت
والرشت هذا أمير المقامات قبل الصباح
أمير الشعر
فأعلن.... فأعلن
( ) قبضوا
أصبحوا الآن أرصدة وانتهوا كرجال
باعوا الحقل سادتي
والمغني بحبة قمح يهيم على وجهه
دفع العمر من أجلها وسقاها على البعد بالدمع
يا رب احفظ بلادي
وأطفاله والأزقة والأمهات
وعودي أبي
واجتماع رفاق السلاح غلى خطة للنضال
رب لم يبق في العمر شيء
سوى ساعتين صباحا على دجاه والعراق معافى
نزيل المنافي عن الروح نغسلها ونوافيك غير حزانى
وأنظف شيء بنا القلب والراحتان
وأغنية للوصال
وهو السيد الآن يعقد ...يدعو ...يدعو البساتين
والزمن العربي لشن قتال
وتأتي من النهر مقبرة خدها المرمري الشموع
وتفتح مثل المدارس في ساعة الانصراف
إلى البيت أبوابها
يخرج الشهداء الصغار إلى العرس
من كان منهم رضيعا بصبره
يبقى على حجرها ضاحكا
يترك السيد الآن خيمته ويجيء إليها....وينفردان
تسلمه إصبعا لم تجد غيره
من تراه يكون
تقرب من رأسها رأسه...
يبكيان....
وتخفي أساها ويفي أساه...
تقلبه وتعود إلى حزنها المرمري كما للسواقي تعود الظلال
وتعلو الزغاريد في خيمة العرس
يا شعب
عاد الوسيط الجديد إلى أمه فاتحا فخذه ويعرج
ماذا به يا رجال
ربما الاجتماع
ربما...ربما...
صوت رشاشة صار فتقا به واتساع
بيجين... ريجن....شولتزن.....
فهززن....سلطا نزن....
كتائزن...ك هذا نهايته في البقاع
صاحبي ليس يعطي المفاتيح
كل المزامير تجلس بين يديه
وكل الموازين تجمع ميزانه للصراع
صاحبي صاحب الدهر هذا البقاع
كلما ارتفعت راية عانق الارتفاع
فإذا راية أنفت من يد نكستها
تخطفها عاليا
تتمارى النجوم بها وتغار القلاع
علم البندقية عز الهجوم وجنبها الذل
فاستبسلت وكأن هجوما بها في الدفاع
في غد في البقاع أعانقهم
وارى قبة البيت مزهوة في وجوه السلاح
وادمع مثل الصنوبر يصعد الشمس أمر الصباح
ينادي الأصلاب الجميلين(69/365)
أن يغسلوا ليلة الأمس
أن ينشروها على طولها
بين مشمشتين ورفوا جميع الجراح
وغدا في البقاع أقبل عزم السماء
وعزم الشباب
وعزم التراب
هو من كأمد اللوز عيناه عبارتان على الأولي
يحبهما
تعبران السماء المحلى كشاي ثقيل بعيد التوازن
أحصي الرصاصات في حجره
جلدا كالجدائل
حاول يحصي المرارة والحقد والشوق
هذي التي ليس تحصي
تلفت في قلبه...رائع كل شيء
سيسمع وكر الذئاب
ينوح النواح القديم
وطري خشونة كفيه بالرقراقات الحزينة
كان يغص كنهر من العشق
تنهل منه الذئاب
سحبت نفسها الشمس خلف الكواكب
ظل الرصاصات صار طويلا
ولولا البريق الفدائي في بؤبؤه بدا كرمة
صمت تفاحة
مشمشا....مشمشا...
أو غناء طيور يحير من أين يأتي
كهولة دهر بعينيه أو جبل بالشباب
ليس شيء يغرد مثل سلاح خفيف خاطف كالصقر زار
البيوت الصغيرة
قبلها عشبه...عشبه
وترقرق
باغت وجه العدو تثبت فيه مواقع الذل
وانساب في النهر مثل الهدوء
وأحصى الرصاصات
لم يبق إلا ثلاثة
واحدة للرجوع إلى كأمد اللوز
ألا خيران لهن بكل نظام حساب
هو من كأمد اللوز لكنه لم يعد
صار في كأمد اللّه
نام على كتف الأولي
لقد علم الكرم أن يطلق النار
نافذة أن تمد البنادق جسرا على الأولي
تعلم منه الشجاعة
حين يمر الشجاع بشيء سيصبح شيئا شجاع
في غد كأمد اللوز
تخرج تلقاه غطى ذوائبه بالندى السندسي
وفي صدغه المرمري كشاهدة
قمر عربي من الزعفران
يميل إلى الارتفاع
لم تتوج على الدهر وردة عشق
كانت كوجه الحزين البهيج الأمير اليافع
سيدي كأمد اللوز
خذ من غنائي الذي يمسح البندقية
واترك حروب الدموع
فهن العراق ينوح بنا في اللقاء ينوح بنا في الوداع
العراق طباع به عاشق مدمن شاعر
إنما البندقية أم الطباع
لم يعد في المحطة إلا غناء المغني
وسافر هذا إلى وجهة ليس يعلمها أحد
ترك العود في آخر المصطبة حزينا
وكراسة وللأغاني الجديدة
للقاطرات التي لا مصابيح فيها
لتذكرة ثقبت مرتين
لمن فضلوا أن يضيعوا على أن تضيع الأغاني(69/366)
سلام عليكن أرصفة الليل
سلام على العربات التي احتملتني
أنام بها ساعة في أمان سلام
فإن الكلاب تحيط بقلبي
سادتي سيداتي وسادتي: أنتهن آخر الأغنيات التي يمكن
الآن إنشادها
ربما يقتلون المغني
ويخفون آثاره ربما سيذوب أو يختفي
مثلما يحصل الآن في كل يوم
ولكنها الأغنيات
ستبقى تذوبهم أبد الآبدين
*********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> الرحلات القصية
الرحلات القصية
رقم القصيدة : 64111
-----------------------------------
لكل نديم يؤرق
والقلب مل نديمة
كأني عشق تذوق طعم الهزيمة
دخلت وراء السياج
فآه من الذل في نفحة الياسمين
زكي ويعرف كل الدرب القديمة
وآه من العمر بين الفنادق
لا يستريح
أرحني قليلا فإني بدهري جريح
لكم نضج العنب المتأخر
وان طرقت بعض حباته
كن يدا أيها الحزن
وأقطف
ولا تك ريح
رمتني الرياح بعيدا عن النهر
فاكتشفت بذرتي نهره
غطت الدرب
والفتية المنتمين إلى اللعب
والخطر البرتقالي في حدقتا الزقاق
وتدخل غرفة نومي
وهذي رسومي....وهذا صباي الحزين
وتلك مراهقتي في شبابيكها...ولهاث السفرجل
والشوق قد كبر عشرين عاما
وصار اشتياق
وما من دموع أداوي بها
حاضرات الهموم
إلا قميصي..وقلبي..وكلمة حزن
ينساها الرفاق
تفتق حزن غداة افترقنا
ولست أحد نادم
غير قلبي
فقد عاش حبا معاق
أحلق وحدي بطائرة
كل ركابها نزلوا في مطار غريب
وأعطس في البرد
لا طاقما...لا مضيفة..لا مطارات حب سأنزل فيها....
ولا بلدا عربيا
يكون تبرأ مني الزمان الحبيب
لكم كان يكفي قليل من الورق الناعم البالي
أصنع طائرتي وأهيم بها في الطفولة
والناس مثل الطفولة صحو
يغني به عندليب
وتلك النوايا الصغيرة جدا
تمر البساتين فيها وتبني قناطرها
والكلاب الصغيرة تركض في ثوبها الليل كي
وراء نحاس المغيب
وبستان نون على شفتي...مراهقة قبلتني
لأني طفل ولا أفهم الرحلات القصية
ما زلت طفلا تهجت
أو يتهج قلبي طيب
وأتقنت أقرأ مثل الكفيف(69/367)
بهذي الأصابع...خصرا وكسراته
فإذا ضمني مثله لم أعد معربا
بل بناء رهيب
لقد قدموني الحروف الى النون
ثم اكتفوا
فقين رضيعا
وعيني على الواو والياء أيتها الأحرف العربية
فالهاء حرف عجيب
وأمد الخيوط وطائرتي تسمع النبض
عبر خيوطي
وفي اللازورد السماوي في طرب تستجيب
وقد يعلق الخيط بمدخنة لرفيق قديم
فيجفل من رقة الخيط
هذا زمان دنيء كئيب
وأخجل أسحب خيطي الوفي
أراه لقد فحص الخيط حد الهزيمة
كفى.. تنفخين رمادي
قصدت أن أحرق القلب مستعجلا
أصفات الحريق السريع ذميمة...؟
لذاك احترقت
وأعطيت ما يعجز النور عنه
فإني على النور بعض النميمة
لكم كنت كالورق الناعم البالي حد الجريم
لقد خربش الحب أمسي
وقد خرجت خربشة الهوى لغدي
والتقت عند تلك المصاطب
والسرور والحانة المستديمة
هنالك مصطبة في (النواصي)
يطمرها القش والليل
كنت أحب عليها..وأنسى عليها وأربط طيارتي والسياسة..
والعشق
وقد اقتلعتها الدهور الأثيمة أعيد المصاطب قاطبة بيدي
إذا انتصر النهر والناس
أدهنها غير مصطبتي
سوف أتركها مثل ما هي كانت قديمة
والنسناسات التي يترك العشق....والسحر...والصيف...
قبل نهايته
والقوارب بيضاء في آخر النهر
في مسحة ضباب
رحيمة وأغفوا عليها
وزران قد قطعا من قميصي
ليخرج قلبي متى ما أراد
الى دجلة يتبرج ثم يعود
يمارس نفس الهوى الخطيئة
بل والجريمة
وأغسل عني الذي زور الملحقون بكل الدوائر
إذ وجدوا القلب دائرتي وحده
وبه أتحدى ومنه العزيمة
وأقرأ ثانية بالأصابع خصرا عشقته
والقراءة تأتي وإن كثر والتأتأة سليمة..
*********
*********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> المساورة أمام الباب الثاني
المساورة أمام الباب الثاني
رقم القصيدة : 64112
-----------------------------------
في طريق الليل
ضاع الحادث الثاني وضاعت زهرة الصبار
لا تسل عني لماذا جنتي في النار
جنتي في النار
فالهوى أسرار
والذي بغضي على جمر الغض أسرار(69/368)
يا الذي تطفي الهوى بالصبر لا باللّه
كيف النار تطفي النار؟
يا غريب الدار
إنها أقدار
كل ما في الكون مقدار وأيام له
إلا الهوى
ما يومه يوم...ولا مقداره مقدار
لم نجد فيما قطار العمر
يدنو من بقايا الدرب من ضوء على شيء
وقد ضج الأسى أسراب
والهوى أسراب
كنت تدعونا وأسرعنا
وجدنا هذه الدنيا محطات بلا ركاب
ثم سافرنا على أيامنا أغراب
لم يودعنا بهذا إلا الصدى
أو نخلة تبكي على الأحباب
يا غريبا يطرق الأبواب
والهوى أبواب
نحن من باب الشجى
ذي الزخرف الرمزي والألغاز والمغزى
وما غنى على أزمانه زرياب
كلنا قد تاب يوما
ثم ألفى نفسه
قد تاب عما تاب
كان ما في الكون أصحاب وأيام له إلا الهوى
ما يومه يوم....
ولا أصحابه أصحاب
نخلة في الزاب
كان يأتي العمر يقضي صبوة فيها
ويصغي للأقاصيص التي من آخر الدنيا
هنا يفضي بها الأعراب
هب عصف الريح واه يوماه يوم
وانتهى كل الذي قد تاه من دنيا
ومن عمر ومن أحباب
هاهنا ينهل في صمت رماد الموت
يخفي ملعب الأتراب
كم طرقنا بابك السري في وجد وخوف
لم تجبنا
وابتعدنا فرسخا هجرا
فألفيناك سكران جوابا
فلم نغفر ولم تغفر كلانا مدع كذاب
كل غي تاب
إنما غي وغي فيك قد غابا
وراء النرجس المكتوب للغياب
قد شغلنا ليلة بالكأس
والأخرى بأخت الكأس
و الكاسإت صح الذي يسقيك إياها
لها انساب
يا غريبة بابه غرب الحمى
مفتوح للربح والأشباح والأعشاب
قم بنا نفخ الخزامى طاب
ننتمي للسر
لا تسل لماذا ألف مفتاح لهذي الباب
لا تسل
من عادة أن تكثر الأقوال
فيمن ذاق خمر الخمر في المحراب
لم يقع في الشك
إلا إنه من لسعة الأوساخ
تنمو خمر الأعناب
لم يقل فيها جناسا أو طباقا إنما إطلاق
نبه العشاق
مدفن أودى بلا هجر ولا وصل بباب الطاقة
مرهق من خرقة الدنيا على أكتافه
لم تستر الأشجان والأشواق والإشراق
لم يكن أغفى
وحبات الندى سالت على إغفائه شوطاً
ودب الفجر في أوصاله رقراق
آه مما فزمن إغفاءة لم تلمس الأحداق(69/369)
أي طير لا يرى إلا بما يجاب عن ترديده البني
سعف النخل والأعذاق
موغل في السر مندس بنار الماء في الأعماق
يا طائر يحكي لماء أزرق بالوجد في الأعماق
ما أبعد الأعماق
ما أبعد الأعماق
لم يطق يوما ولم يأبه بمن قد فاق
مشفق مشتاق
كله إطراق
أثملت الخمر صحوا
فانبرى يبكي
وأطفال الزمان الغر ضجوا
حوله سخرية في عالم الأسواق
قل لأهل الحي
هل في الدور من عشق لهذا المبتلى ترياق
بأمة في العشق تكفي
نقطة تكفي
فلا تكثر عليك الحبر والأوراق
كل من في الكون تنقيط له إلا الهوى
فاحذر بالتنقيط(نهوي)
واسأل العشاق
هناك كأس لم يذقها شارب في هذه الدنيا
موشاة بحبات الندى سلطانها سلطان
إنها جسر الدجى للمعبر السري فلتعبر
ولا تنصت لمن أعيادها الإدراك والإدمان
لم يكن إيوان كسرى مثلما إيوانها إيوان
إن كأس اللّه هذي مسكها ربان
هذا درب وقد يفضي إلى بوابة البستان
إنما انفض الندامى والمغتني
فاتئد في وحشتي
يا آخر الخلان
*********
ولكن كلها خلل
ذئاب كلما سمت جريحا
بينها أجل
أطالت من مخالبها
وصارت فيه تقتتل
بمدأبه كذلك
كيف دعوى
يسلم الحمل
وكيف يقال أن الحكم
للأغماد ينتقل
سفاهات...وأسفهها
ضمير تحته عجل
يفلسف ثم ينقض
ثم لا عقم
ولا حمل
مزالق في مزالق
يرتشي فيها
وما زلل
بمختصر العبارة
أنه عهر تركب فوقه دجل
طباق أو جناس...أو مراحل
كلها حيل
فإن لم تقدحوا نارا
فكيف يراكم الأمل
فإن قدحت فكونوا لبها
فتظل تشتعل
ففي ليل كهذا الضوضاء ...والجمل
وما نظروا هذا الحضيض
وهذه العلل
قضيتنا وإن عجنوا..وإن صعدوا..وإن نزلوا
لها شرح يسيط واحد..حق
لم الهبل؟
لماذا ألف تنظير
ويكثر حولها الجدل
قضيتنا لنا وطن
كما للناس في أوطانهم نزل
وأحباب..وأنهار..وأجداد...
وكنا فيه أطفال...وصبيانا
وبعض صار يكتهل
وهذا كل هذا الآن محتل ومعتقل
قضيتنا سنرجع أو سنفني..مثلما نفنى
ونقصف مثلما قصفوا..ونقتل مثلما قتلوا
فإرهاب بعنففوق ما الإرهاب ثوري
يمينا هكذا العمل(69/370)
أقول ويمنع الخجل
بشج العين يكتحل
وكيف عروسكم حصص
وحصتكم بها نغل
أعولتم على جمل بمكة
تسلمون ويسلم الجمل
غفا جرح فأرقه
بماذا قد غفا كهل
وأنب قلبه
ما كان عشق فيه يكتمل
وكاد لما تصبى وإلتقت في روحه السبل
تطيب بريقه القبل
وأطيبهن تتصل
ولكن في قرارته
هموم ما لها مقل
كما قطط ولائد في عماها
والعمى كلل
تذكر أهله فطوى
فكابر دمعه الخضل
وكاد يجوب لولا
تمسك الآمال والحيل
وعاتب صامتا
لو كان يحكي إنما املل
فما أحبه يوما بأحباب
ولا سألوا
وما مسحوا له دمعا
كما الأحباب
بل عزلوا
ونقل قلبه لكنهم كانوا
هم الأول
فلم يعدل بنخلة أهله الدنيا
فنخلة أهله الأزل
وماؤهم الذي يروي
وماء آخر بلل
وحبره الذي نصف الهوى في قلبه
وحل
يخط عدوه من وطنه له شبرا
فينتقل
طباق.. أو أجناس...أو مراحل
كلها حيل
قضيتنا وأن نفخوا الكلى وشرارهم جبل
وصاغوا من قررات وإن طحنوا...وإن نخلوا
لها درب مضيء واحد رب
فا هبل...ولا لات..ولا عزى...ولا لف
ولا جدل
قضيتنا لنا أرض قد أغتصبت
وكنا عزلا لا نعرف السوق البرجوازية في الدنيا
ولا ما تصنع الأموال والحيل
وطالبنا فكان قرار تقسيم
وطالبنا فصرنا لاجئين وخيمة جربا تنتقل
كم اغتصبت عروس من مخيمنا
وكم جعلنا عرينا كم خجلنا
ثم طالبن فأصبح كل شبر مساخا
أما الآن لا طلبا ولكن
تحكم السكين..تختزل
لعنتم أطبقوا الفكين إطباقا على لوز الملوك
وأرسلوا السكين تختل
يمينا إنه درب إلى "حيفا" غدا يصل
تعافى جرحه من طهره وبدى سيندمل
ولكن نشأة فطرته
حتى كاد يشتعل
فغص بدمعه مضضا
وكابر حيث يحتمل
وعلل نفسه وتعله
فيما انتهى محل
فما شيء كعشق ينتهي
لا يرتجى أمل
أعدله فينخذل...وأخله فيعتدل
تغلب طبعه عن ثابت فيه
وينتقل
فبعض عاشق يصحو
وبعض عاشق ثمل
وكاد لولا كاد
لا دبر ولا قبل
وأمسكه هوى لبلاده ما
بعده غزل
عراقي هواه وميزة فينا الهوى
خبل
يدب العشق فينا في المهود
وتبدأ الرسل
ورغم تشردي
لا يعتريني بنخلة خجل
بلادي ما بها وسط(69/371)
وأهلي ما بهم بخل
لقد أرضعت حب القدس
وائتلفت منابرها بقلبي
قبل أن تبكي التي قد أرضعتني
وهي تحكي كيف ينتزع التراب الرب
من قبضات من رحلوا
وتغتصب الذوائب ثم ترمى
فوق من قتلوا
وكيف مشت مجنزرة
على طفل ...وكيف مسيرها مهل
وكيف تداخلت شرفاتها بعموده الفقري في حقد...
وصار اللحم في الشرفات ينتقل
فلم يسمع له صوت
وفي خديه ما زالت ظلال المهد
والقبل
وجاءت أمه تمشي بكفيها
على ما تترك الشرفات من لخم تنزت حوله القبل
تعثر صوت أمي
واعترى كلماتها اشلل
وقلت لي قضيتنا...وغصت بالدموع
فقلت يا أمي :قضيتنا الدمار
أو التراب الرب
لا وسط ولا نحل
قبيل ذهابكم للمسلخ الدولي وفدا
أرسلوا السكين وفدا
إنها أمل
سيسمع صوتها
وتشق دربا للرجوع
وينتهي الخطل
بذلت الروح حتى قيل يا مولاي يبتذل
وقد صار الفراق هوا جديدا
وهو متصل
فما أدري سلوت أم ابتدأت
تشابه الزعل
وإن من الهوى ما ليس عشق إنما سبل
وشاغلتني مخجلة ببيت في العراق
لائم فيها الفم العذري
إغفاء شديد الوصل بين الحاجبين
تمائم مكتوبة للنهد
نصف شراسة في الحلمتين
أطالة في الخصر ما طال الهوى
خصر وحزن توأمين
وطقس ليس يعتدل
ورغم تشردي لا يعتريني بدجلة خجل
فلست أرى ليومي
إنما ما بمحض الأمل
فما جوعي مذلي أو وعيد
كاهنا طفل
وأشهر كل ظفر في كياني
حينما النهار يرتجل
وقد يفتي بنفيي من هنا فأظل أفنيهم
وأرحل
أغيط بكل نهاز وجندي...وهم شلل
قضيتنا سلام بالسلاح...
فثم سلم حفرة
وسلامنا جبل
وإن العنف باب الأبجدية
في زمان عهره دول
قبيل ذهابكم للسلخ الدولي وفدا
أرسلوا السكين وفدا
ينتهي الخلل
**************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> السلخ الدولي وباب الأبجدية
السلخ الدولي وباب الأبجدية
رقم القصيدة : 64113
-----------------------------------
ولكن كلها خلل
ذئاب كلما سمت جريحا
بينها أجل
أطالت من مخالبها
وصارت فيه تقتتل
بمد أبه كذلك
كيف دعوى
يسلم الحمل
وكيف يقال أن الحكم(69/372)
للأغماد ينتقل
سفاهات...وأسفهها
ضمير تحته عجل
يفلسف ثم ينقض
ثم لا عقم
ولا حمل
مزالق في مزالق
يرتشي فيها
وما زلل
مختصر العبارة
أنه عهر تركب فوقه دجل
طباق أو جناس...أو مراحل
كلها حيل
فإن لم تقدحوا نارا
فكيف يراكم الأمل
فإن قدحت فكونوا لبها
فتظل تشتعل
ففي ليل كهذا الضوضاء ...والجمل
وما نظروا هذا الحضيض
وهذه العلل
قضيتنا وأن عجنوا..وأن صعدوا..وإن نزلوا
لها شرح يسيط واحد..حق
لم الهبل؟
لماذا ألف تنظير
ويكثر حولها الجدل
قضيتنا لنا وطن
كما للناس في أوطانهم نزل
وأحباب..وأنهار..وأجداد...
وكنا فيه أطفال...وصبيانا
وبعض صار يكتهل
وهذا كل هذا الآن محتل ومعتقل
قضيتنا سنرجع أو سنفني..مثلما نفنى
ونقصف مثلما قصفوا..ونقتل مثلما قتلوا
فإرهاب بعنففوق ما الإرهاب ثوري
يمينا هكذا العمل
أقول ويمنع الخجل
بشج العين يكتحل
وكيف عروسكم حصص
وحصتكم بها نغل
أعولتم على جمل بمكة
تسلمون ويسلم الجمل
غفا جرح فأرقه
بماذا قد غفا كهل
وأنب قلبه
ما كان عشق فيه يكتمل
وكاد لما تصبى وإلتقت في روحه السبل
تطيب بريقه القبل
وأطيبهن تتصل
ولكن في قرارته
هموم ما لها مقل
كما قطط ولائد في عماها
والعمى كلل
تذكر أهله فطوى
فكابر دمعه الخضل
وكاد يجوب لولا
تمسك الآمال والحيل
وعاتب صامتا
لو كان يحكي إنما املل
فما أحبه يوما بأحباب
ولا سألوا
وما مسحوا له دمعا
كما الأحباب
بل عزلوا
ونقل قلبه لكنهم كانوا
هم الأول
فلم يعدل بنخلة أهله الدنيا
فنخلة أهله الأزل
وماؤهم الذي يروي
وماء آخر بلل
وحبره الذي نصف الهوى في قلبه
وحل
يخط عدوه من وطنه له شبرا
فينتقل
طباق.. أو أجناس...أو مراحل
كلها حيل
قضيتنا وأن نفخوا الكلى وشرارهم جبل
وصاغوا من قرارات وأن طحنوا...وأن نخلوا
لها درب مضيء واحد رب
فا هبل...ولا لات..ولا عزى...ولا لف
ولا جدل
قضيتنا لنا أرض قد اغتصبت
وكنا عزلا لا نعرف السوق البرجوازية في الدنيا
ولا ما تصنع الأموال والحيل
وطالبنا فكان قرار تقسيم(69/373)
وطالبنا فصرنا لاجئين وخيمة جرباء تنتقل
كم اغتصبت عروس من مخيمنا
وكم جعلنا عرينا كم خجلنا
ثم طالبن فأصبح كل شبر مساخا
أما الآن لا طلبا ولكن
تحكم السكين..تختزل
لعنتم أطبقوا الفكين إطباقا على لوز الملوك
وأرسلوا السكين تختجل
يمينا إنه درب إلى "حيفا" غدا يصل
تعافى جرحه من طهره وبدى سيندمل
ولكن نشأة فطرته
حتى كاد يشتعل
فغص بدمعه مضضا
وكابر حيث يحتمل
وعلل نفسه وتعلة
فيما انتهى محل
فما شيء كعشق ينتهي
لا يرتجى أمل
أعدله فينخذل...وأخله فيعتدل
تغلب طبعه عن ثابت فيه
وينتقل
فبعض عاشق يصحو
وبعض عاشق ثمل
وكاد لولا كاد
لا دبر ولا قبل
وأمسكه هوى لبلاده ما
بعده غزل
عراقي هواه وميزة فينا الهوى
خبل
يدب العشق فينا في المهود
وتبدأ الرسل
ورغم تشردي
لا يعتريني بنخلة خجل
بلادي ما بها وسط
وأهلي ما بهم بخل
لقد أرضعت حب القدس
وائتلفت منابرها بقلبي
قبل أن تبكي التي قد أرضعتني
وهي تحكي كيف ينتزع التراب الرب
من قبضات من رحلوا
وتغتصب الذوائب ثم ترمى
فوق من قتلوا
وكيف مشت مجنزرة
على طفل ...وكيف مسيرها مهل
وكيف تداخلت شرفاتها بعموده الفقري في حقد...
وصار اللحم في الشرفات ينتقل
فلم يسمع له صوت
وفي خديه ما زالت ظلال المهد
والقبل
وجاءت أمه تمشي بكفيها
على ما تترك الشرفات من لخم تنزي حوله القبل
تعثر صوت أمي
واعترى كلماتها اشلل
وقلت لي قضيتنا...وغصت بالدموع
فقلت يا أمي :قضيتنا الدمار
أو التراب الرب
لا وسط ولا نحل
قبيل ذهابكم للسلخ الدولي وفدا
أرسلوا السكين وفدا
أنها أمل
سيسمع صوتها
وتشق دربا للرجوع
وينتهي الخطب
بذلت الروح حتى قيل يا مولاي يبتذل
وقد صار الفراق هوا جديدا
وهو متصل
فما أدري سلوت أم ابتدأت
تشابه العزل
وإن من الهوى ما ليس عشق إنما سبل
وشاغلتني كحجلة ببيت في العراق
فلائم فيها الفم العذري
إغفاء شديد الوصل بين الحاجبين
تمائم مكتوبة للنهد
نصف شراسة في الحلمتين
أطالة في الخصر ما طال الهوى
خصر وحزن توأمين(69/374)
وطقس ليس يعتدل
ورغم تشردي لا يعتريني بدجلة خجل
فلست أرى ليومي
إنما ما بمحض الأمل
فما جوعي مذلي أو وعيد
كالها طفل
وأشهر كل ظفر في كياني
حينما النهاز يرتجل
وقد يفتي بنفيي من هنا فأظل أفنيهم
وأرحل
أغيط بكل نهاز وجندي...وهم شلل
قضيتنا سلام بالسلاح...
فثم سلم حفرة
وسلامنا جبل
وأن العنف باب الأبجدية
في زمان عهره دول
قبيل ذهابكم للسلخ الدولي وفدا
أرسلوا السكين وفدا
ينتهي الخلل
**************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> إلى الضابط الشهيد إبن مصر...
إلى الضابط الشهيد إبن مصر...
رقم القصيدة : 64114
-----------------------------------
ليس بين الرصاص مسافة
أنت مصر التي تتحدى
وهذا هو الوعي حد الخرافة
تفيض وأنت من النيل
تخبره إن تأخر موسمه
والجفاف أتم اصطفافه
وأعلن فيك حساب الجماهير
ماذا سيسقط من طبقات
تسمي إحتلال البلاد ضيافه
ولس قتيل نظام يكشف عن عورتيه
فقط
بل قتيل الجميع
ولست أبرىء إلا الذي يحمل البندقية قلبا
ويطوي عليها شغافه
لقد قبضوا كلهم
وأحقهم من يدافع عن قبضة المال
مدعيا أنها الماركسية أم العرافة....
************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> بحار البحارين -1
بحار البحارين -1
رقم القصيدة : 64115
-----------------------------------
ملك العمق ...
أزور نجوم البحر أزواجها بنجوم الليل
أطيل لدى موضع أسرار الخلق زياراتي
وتفتح قلبي في الماء بكل المسك
وأرسلت يدي إلى الأعشاب المسكونة
فالتصق الشبق الوردي لماء الليل عليها
واختمرت لغة وتنفس في الأيل
ما أوقح لذته
تبني بغزالات أربعة....
ينزع عنهن ثيابا ربيعين...
تعبت.... تعبت.... تعبت....
قلبي مبتهج تعب
يا مثقل بالمنزلقات
ونون النسوة قد وضعت نقطتها فانوسا
هناك تلألأ
واعد للنسوة نقطتهن
تلألأت لهذي الساعة لألاء حسنا
وحرف العشق على شفتي السفلى نائمة
أخذتني الموجة من ثوب عقوقي
مسحت زهر الرمان وأبقته حزينا(69/375)
في الماء البارد خاض الطفل بلا صندله
يا موجة ... أركض...أركض
بين المرجان وبين الحزن دخلنا مرحلة الأبواب
صدمت قدمي بالباب الأبنوس مصادفة
فطرقت
من الطارق؟
ليس لديك جواب
أنت تذوب بصوتك
تطرق بابا أخرى من ذات الخشب المدلك
بجذب لا تعرفه
من أنت..؟ تعلم ؟أسلوب الطرق وعد
تعلم من أنت
تثاءب حرف لا أعرف قدرته
لقح ناقة الليل وراءات أبي صخر الهذلي تنام
صرفتني أم الأبواب وما عرفت قلبي فعلا
لا يتصرف إطلاقا
من أنت...وما قصة روحك؟
ماذا في الدنيا المألوفة والأيام فقدت
ومن جئت تزور
أنا...أخذتني اللعثمة الحلوة...
قلبي كالعشب كمقدام المنجل
روحي خائفة خوفا مرتفعا
قدمي حزن الأسفار عليها ليس يجف
وحزب المخصيين يطاردني
ابحث يا من تبحث عن باب أخرى
يورق في الرفض قبولي
وأحكمت الأبواب الآلهة المسئولة عنها
وضعوا شيئا خلف الأبواب كذلك
أرسلت يدي إلى الأعشاب المسكونة
فالتصق الشبق الوردي لماء الليل عليها
اياك وأنت قليل الخبرة
إن الطرق يزيد الباب المجهولة أبوابا
ومفاتيحك من لغة تغلق ما تفتحه
وتصد كما المرأة عند الماء
لمن لا تدخل بين حروف مباهجها
ونظنك من أهل الحدس
فما تتهجى جسد المحبوب
تلك كما الزبد الليلي تذوب أنوثتها
فيمن مد يديه بمعرفة عرف العمق
وزكى الهمزة بالبخور ثلاثا
حتى طرد السحر وأطلق عقدتها
بين أصابعه ينمو الصبح وكمون العشق
وتكشف نسمة صبح فخذيها وتدوس على ريحانه روحك
آه...
آه...للوجع الطيب
يا نسمة.. يا بالغة العفة
من أين دفعت الباب على العاشق
فالقمرية نائمة والعاشق أثملة التفكير الخاسر
والنجمة تستأذن أن تدخل بعد هزيع اثنين
فما إذن البحار العاشق
فالنجمة تحمل فاكهة
قال المعتكف البحار
أنا ما ذقت سوى طرف النهد
وصمت عن المشتهيات
رضعت العنبر من صدر العشق
وأمسكت بحلمتها الوردية في الليل أؤنبها
امتلأت كفاي رحيق الفستق واشتعل الخنصر
بين الورد وبين اللحن
وبين اللحن وبين الورد
احترق الخنصر
أعطى ضوءا عربيا(69/376)
ليس لإصبعي الوسطى في الليل أمان
وأدير على هذي الإصبع حكام الردة
أما آن فحانات العالم فاترة
مللي شبه علكة بغي لصقته الأيام بقلبي
يا بن ذريعه...
هذي الحانة باردة ...أوقد صوتك
يرحل بعض الإثم من الحانة
يا بن ذريعه ...
هات لنا نغما
بعض المشتهيات من الصوت السابع
قل نغما عصفورا
قل نغما سره أنثى....
قل نغما طرقة باب مجهول
من أنت ...؟
نصحنا أذنك أن تسمع تلك الأشياء المألوفة في الدنيا
آلهة المجهول
أتيت بآخر أشكال الهم وروحي لون مكتئب
طوقت عليه بزناد مراهقة
من يطرق ثانية
حذرناك فماذا تطلب؟
جازفت على فلك لا يعبر ساقيه
قيل تسفهه كل الصلبان وكل الأصنام
رفعت كؤوس الكفر عليها
يأخذك الجو
وترفع إبريق الخمر في الهم شراعا
كيف تجرأت تدق علينا في الليل فإن اللذات تنام وراء الباب بدون ملابسها
ويسيل لعابك... كيف اللذات تكون بدون ملابسها؟
تنساب ... وتنطق أشياء مبهمة
وتحاول أن تخرج من تأتأة في جسمك
تعلق جدران همومك
يعلق اظفر إبهامك بالمنزل
توقد عود السماك لدى فخذي أنثى
اسأم حسن اللّه عليها
واجتمع التلقيح فأعطى إنشاء ذهبيا
أوقدت فجن الحشرات
وهاج الموج وقام الزبد الفاسد
واضطرب البيض الفاسد
يا صاحب هذا الفلك المتعب
أنت تسميه سفينة عشق
إني أوقدت...
سيفقس هذا البيض الفاسد أوساخا مقذعة
ألديك فوانيس
زيت ما لمسته يدان
روح تبصر في الزمن الفاسد
أوقد بحار البحارين قناديل سفينته
أبقاها خافتة
بحار البحارين
ومن جمع اللؤلؤ والأضواء وأصوات البحر
بخيط لحبيبة أبقاها خافتة
تملك أحلى الهمزات حبيبته
تملك أحلى ميم اعرفها
ولها جسد مزجته الآلهة الموكولة بالمزج
بكل عطور الخلق
فمارس عشق الذات بالحسن عليها ارتبكت
أعرف بحار البحارين ومن سأحدثكم عن سيرته
كان يقوم أوساخا ممتعة يستمتع حين يقاومها
عيناه تألقتا كالجمر من الحمى
بعث الحمى بغلاف من ورق العشق لبيت حبيبته
وبيت حبيبته في الشام يقال
قرب الجسر الخشبي(69/377)
وبيت علي بن جهم يقال ...برام اللّه يقال
قيل بباق الخلق
وقيل يترهونه أيضا
من أنت..؟ وفي هذا الوقت المشبوه تزور
أطرق بحار البحارين وخبأ في الصدف الحي حكايته
فالعثة في بلد المعسكر
تفقس بين الإنسان وثوب النوم وزوجته
وتقرر صنف المولود
وأين سيكوي ختم السلطان على اليته
فإذا آمن بالحزب الحاكم فالجنة مأواه
--------------
يتبع ....
بحار البحارين-2
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> بنفسج الضباب
بنفسج الضباب
رقم القصيدة : 64116
-----------------------------------
حبيبتي...
أشم زنديك العروسين
وعقم الليل في فراشنا
والهمس
أنا أرى باللمس
ما عاد غير اللمس
مدينة يكذب فيها الناس على أنفسهم
تقول في أسوأ أوضاع لها
لا بآس
تموت فيها الشمس
حبيبتي...
كتبت أحزاني على الجسور والنساء
كتبت عمرك الصغير في بنفسج الضباب
نام فيه الماء
خبأته من غزوات الليل
من لصوص الجنس والأعداء
كتبته بالتبغ والنبيذ والذهول والضياء
وحينما أشتد أوار القصف في مدينتي
تكاثر الصلاة والبغاء
مدينة يكذب من فيها على شفاههم
ليس لها شفاء
حبيبتي...
بالأمس قد عبرت جسر اليأس والرياح
لم يكن في الطريق غير المخبرين والنباح
سألتهم إن وجدوا هويتي
ودفتر الديوان والمفتاح
فقلبوا شفاههم والقوا القبض علي
وأودعوني غرفة التوقيف
وانتظرت أن يجيء اللّه في الصباح
لم يأت يا حبيبتي
وها أنا ضيف على التعذيب
في زنزانة أخرى بلا مصباح
مدينة تلقي علي القبض يا حبيبتي
يصبح فيها أعجز الناس هو السلاح
أفرج عني صدفة بالأمس
وحينما خرجت من جعبتهم
كنت أرى باللمس
وربما قد مات في الزنزانة الأخرى
الذي دق على جداري
لم أكن هنا أسمع عبرة الليل غير الهمس
وقدا تناهى الهمس
وكانت الحانات عبر الشارع الطويل
تكتظ بالحزن وضبط النفس
مدينة يبول من فيها على أنفسهم
أنظف منها اليأس
وها أنا مشرد أقرأ وجه الناس
والباصات والأفلام في الطريق
أقرأ إعلانا عن السلم
وفيه أقرأ التلقين والتصفيق(69/378)
أبحث عن كتاب الحزن... أو صديق
يا عالما بلا صديق
يا عالما يختنق الإنسان فيه في الزفير مرة
ومرتين في الشهيق
مدينة يمنع فيها الشعر
أو يحتكر الكلام كالشعير يا حبيبتي
يقتلها النقيق
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> ترنيمات إستيقظت ذات يوم
ترنيمات إستيقظت ذات يوم
رقم القصيدة : 64117
-----------------------------------
كيس رمل بصمت المتاريس قلبي
مفاصل عشق مخلعة في الخراب
تفتش عن أحد
أحدق..أفديه
عن وصال صغير
إني محدق في هجرة ما فهمت
ومن يفهم الحب
أنت التفت يا فارغ الحقول وعمري
التفت
جاوز الجرح
جاوز حقل البنفسج
حدق مستغربا خلفه
اخرج القمامة السنوية قال
البرد تأخر دا..ز
ولم يلتمس الباب
دس الماتيب من فرجة الباب
غادر وهو يجيء وجاء يغادر
من نسمة الصمت..
من نبرة الصمت..والدمع
أعرف خط العراق
ومن مثل قلبي يعرف خط العراق
وياقاتك السمر يوم حصاد حزين
تقاطر فيه القبابر فوق ثيابي
تغازل غرفتها في شبق
ركنها داخل البيت
ضيعتها في الجوارير بين ثيابي
وأقلام صمتي تجنبتها
كيف لي أتجنب خفي إليك؟
نبشت الجوارير
أبحث عن أي شيء يداوي
يزيلك
يمحوك من خاطري
قميصي النهاري من ذكرياتي
ومن يغلق الآن هذه الجوار ير
من تعطه نفسه أن سيلمس الأمس
رائحة نفاذة
من هناك؟
شيء بزاوية البيت يبرى
أفتش..
ينقطع البري من قلمي البرتقالي
قلبي الذي صار يكتب من كل أطرافه
وصل الجرح
دس المكاتب
أهملتها
أنت أهملتني
أنت علمتني الهمل
علمتني أن أضرب النرد لي ولنفسي كخصمين
أين اختصمنا..؟ متى؟
لماذا افتعلت دواعي الخصام؟
ألست ترى وحدتي وانفرادي عن السرب
خطوت بعيدا..بعيدا
ولكن البعد يختلف الآن
والبعد الذي وصل الشيء واجتازه
جاوز الوصل
صار في الحب
لا في الحديد ولا في الوصول
ولا في الفراق
أنا من حدة العطر أجرح
انفض ريشي كالطير
اقتبس الصمت أكتبه في بدفاتر حبي
أساور ترنيمة أنت علمتني نصفها
يا لئيم فقط نصفها
أتذهب ما زلت في موضعي(69/379)
أنما لست فيه
وعندك أمسي
وراء المخافر واللوز والياسمين
أفتش عن كلمتين
واقنع نفسي بجدواهما
قلت: لم تكتمل هذه
غادرت عاقبت نفسي مغادرة
وأردت أكون كانت
أنت وليس التفاصيل
أنت بدون الحجارة
والباب والغرف الجانبية
كنت تخون
تخون أصول الخيانة أيضا
وتسحب طاولة اللعب
وتلعب ضدي ..
قامرت بالذكريات
هدرت دمعي في الكؤوس
ووزعته للرفاق
تقربت لا لم تقترب
كتب البعد في قاف قربك مني
وللقاف نردان أرميهما
والمقادير ترمى
ويخرج عن دينه النرد
مما لعبنا ومما خسرنا
ولم أنسحب
ثمل النرد باللاعبين
أقترب رميتين..
تدحرج نرد أقل قليلا من الشوق فيه
فكان الفراق
اقترب لا تخف
إني أدون بالرمل تهت
وتاه بنا الورد والنار والدار والجلنار
ولم ألق إلا السراب العظيم
فعانقته أجلا..أجلين..ثلاثا
رملا
رمالا
رمالاً قطعت
وحبة رمل تفاجئني تحت قلبي
فأواه..أواه هذا القلب الذي لا يطاق
وماذا الهوى غير نائيان يقتربان
إلا يلتقي المتوازي بصاحبه إن سقيناه خمرا
ويترك كل مذاق بصحبه
كم قليل من الناس
يترك في كل شيء مذاق
أذوق فتكتظ بالفستق المطري
وتنسل اغمس كتفي بسمرتها
أقرأ الليل مكتشفا لغتي
قبل أن يدخل الأسود الدؤلي عليها
إذا مسني الصمغ
يلسع من شدة الالتصاق
ولست أحب المواني
وأن خشبي متعب أنا لست أحب المواني
تنتشيني وتطربني رشفات الرذاذ وأنثى النورس
والأزرق الانتهازي واللغز
وأعبد جرحي إذا صاح
في مخزن الحاجيات التي ضاع أصحابها
هذه قصتي
هذه سنواتي الصغيرة
هذه التي ...وتقاطعني
رزمة تفترس وجهي
أنا كل ما ضاع
كل مالا يفتش عنه
وبعد على حدة أتنول بعد
أشد أضم وأفغم فغما لذيذا
وإلا بإحدى السكنات يقتلني الاختناق
متاهة المتاهات يا فلب
أثبت خلف المتاريس
اكتب على البندقية حبنا ووحيا بعيدا
وخذ طلقتين لعينيك حزني
كأن النجوم نوافذ أنت تزوجتها
كتبت لها قبلة للطلاق
تضارب بالهم كل سراب لديك
حريق من الماء
كم شربت الكوز خمرا وجف
عامله يا سيدي إنه جف بالخمر و...(69/380)
آه من هذه الواو تبدي الذي خلفها
فضحتني وغلقت الباب خلفي
فلم ينغلق غير نصف انغلاق
مسني مسه الحب أو حطم الكأس
دعني أحس..تحطمني
ثملا ليس صحوا
وتجمع مني الشظايا
ترتبه كهواك
كخمرك
أتكفيك كأسي وأنت الخمور الدهاق
شظاياي هذي الكؤوس
كذلك تعشق تسر يوما
فقدت وحطمتها
لم أقل للكؤوس لماذا لم تجيء المكاتب
لامسها
مسح الثلج من عتبة الأمس
دعنا نجرب حظ الحجارة ثانية
ونقيم الشبابيك من تعبي
وارتباك الأصابع
كفى تصافح كفك ثانية
تتذكر أنك خنثا محال أن أصافح كفك ثانية
وأضيف الجموع لهذي المسافة م بيننا
كأن حبا بريدا تأخر
عودا أردت أدو زنه بين عينيك
أنت أجرته
أنت خنت الطريق العريض
وخنت الزقاق
كيس رمل تعرض للنار من فئتين
وكتم حرصا على سمعة البندقية
والحب
والعمر
والكلمات الأخيرة من دفتر الشعر
لما رآك تخون مكانك
قال مكانك خان
مكانك خان الهوى
أنت أيضا مكانك أتلفني
كلمة الحب أتلفتها ودموعي
التفت أنت ماذا لا ولا تلفت
لم أعد ذلك اللغز بالأمس
صار الوداع وداعا
ولا يلتقي المتوازي بصاحبه
أصبح الخمر ماء بسيطا
رأيتهم يشترونك لم تفهم الحب
لم تفهم اللحظات التي
تستقيم النجوم إلى مركز اللّه
لم تفهم الربط بين الرصاصة
والحزن الأسود الدؤواي وقلبي
ولونت ثوبك بالأحمر القرمزي
تؤكد أنك منا محال
فإن القذارة لاتنتمي
وردة الشمع لا تنتمي للهوى
بالبنادق
دعني أريك الكثيرين خانوا
وهم يرفعون بنادقهم
يسقط الحرف والمجد لاحتراق
أتلفت القي حجاري حولي..شظاياي
أوراق شعري
بقايا تهدمت
حقا تهدمت
لكنني في المكان اخترت
ممتلئا بالحنان لنفسي و الحنين
لو عدت ثانية
صرت نفسي فاني ألوف
خلقت لنفسي أمين
أمطر الليل فأكثرت العين كحل الخريف
وامزجه الورق الرطب
وامتلأت راحتاي وراحة دهري
فلم تسعفيني بغير التغيب في جسدي
فرح الدم ...صار يحس قميصي
وما بين سطر وسطر
وجدتك فاردتين من الياسمين
بمحض اللبانة كنا
ورق اعصابه الشوق بالصبوات الأنيقة
فب الروح
في النهد(69/381)
في ثنية الخصر هذي التي أهلكتني
يدي ... اه اين يدي
أي ضيف دخلت واي شتاء
وغرفة عشق بها منقل و شراب عتيق
خذيني لغرفتك العربية هذي
لقد ثقل البرد سيدتي واشربيني
هذيني ننام سوية ..
فأن النجوم تنام سوية ..ناعمة البال مرصعة كاللؤلؤ
تذكرت وجهك انت التي تجلسين أمامي
تذكرت بيني وسجني وحضن عظامي
كان لنا طعم الحب
كانت لنا نكهة الزهر أحزان
حملت صرتي و ثيابي إلى الباب
ودعتهم فرفعت إلى أذني ياقتي
حزين
حزين تركنا لدى الماء آلامنا
وبنادقنا
وانسحبنا ....
حملنا الجروح التي ستشتعل
وتشتعل في غربة العمر نارا
وتسحب ساقية من البيوت البعيدة
للصبوة
لمن كل شيء بهم فرح وحنين
وددت أحب لا شيء إلا الهوى
واتاني لبريد فوزعته للذين يحبون بعدي
وقبل وصولي لقد غادروا
آه .. لقد غادروا..
كلهم غادروا في تتابع وانسدل الباب حائرا
إنهم يذهبون
صرخت وهم خارج الدهر
اسمعوني
اسمعوني
اسمعوني
تعبت من العمر من اللحظات التي سوف تأتي
من امرأة سكنت ثيابي الرقيقة
أو خرجت لهواها
من قناني الدواء المسائي
كيف يحتمل العمر من دون الدواء المسائي
تكتظ واحدة بعد واجدة في سلام
حتى مطلع الفجر والضائعين
أي ذل يذلون قلبي يدرسون في جرحه كلمات التبرع
زمن يطفئ النار لا بد شاهد شيئا
وراء الأمور وأوشك مما يبين بهم لا يبين
أيها الحب أشرب تذوق اختلافاتنا
أنت أهملتني ... أنت علمتني الهمل يا مهملا
و انتظرت بزاوية العمر لم تتذكر
كيس رمل بتلك المتاريس قلبي
انقله حيثما حصلت ثغرة أو أوسده لجريح
و متكأ لمقاتل يضعف القلب فيها
وبين الصخور الحزينة اتركه شاهدا
كلما الريح مرت أقول العراق
تركتني اشرب وحدي
حملت بها بالضباب بزهرة دفاي
على وحدتي تركتها
فملت بشباكها في الطريق بمن يعبرون
لقد كنت فوق الثمالة
لست أميز بين أوجه العابرين ملامحهم
كلهم وطني
و ملابسهم وطني
تعالوا لقد أوحشتني السنين
وامسك طفلا بعينيه أثمار أيلول
أتعرفني أتطلع فيه
وفي ضحكة الورد في خده(69/382)
أنت تعرف ماذا بقلبي
عشرين عاما من الانتظار المذل
لقد كنت طفلا كمثلك مثلك
عشرين عاما من الغرباء جرعتهم
كلنا وطن واحد
كنت آخذ هذا المسكن في الليل
وصار المسكين في حاجة للمسكين
عشرين عاما صرخت
لجأت إلى كل ما فيه دفء
فاني ارجف في الليل كاليليسان المريض
وتقتلني القشعريرة
عشرين عاما أخذوا وقتهم
وملابسهم
والرسائل
أم يتركوا لي سوى ألمي والبندقية
وذكريات تغيب
واعشقهم
حجزت الزمان لهم والبنادق والقلب
محتمل حضروا ..
سكنوا القلب من دون علمي
ومحتمل إنهم في المحطة
في الزمن الصعب
محتمل ان كل الهواتف معطوبة
ثم محتمل .. ثم محتمل ..
ثم محتمل .. محتمل كل شيء
سوى إنني مخطئ في غرامي بهم
والسؤال
أحبهم نكهة العمر ...
ملح الطعام
تركتهم في البساتين
في المقبورات البعيدة
في غرفة العرس
في الحلم ذهبوا كلهم
ابق أنت طويلا
فأنت أخر من لا تغلف سهادي بالصمت
ستسهر كل الأماني المحيطة
أعمدة الكهرباء الطفو لي
لعب الصبا..نزواتنا
وآخر ثوب من العمر أخرجته
من تراب الصناديق
نفضته وكويت ماضيه
أفردت كل القصاصات
كل الرسائل
كل الجوار ير
كل الحكايات
كل الذي أنت في العشق
آه يا غربة النار
في بلد الثلج
ابق طويلا..طويلا..
أعطني فرصة للذهاب ولو مرة
دائما يذهبون إلى خارج الدهر
أما ذهابي فتيها
سأذهب آتيك بالحب
والخمر والخبز والصحب
كل الذي تشتهيه سوى لحظات الفراق
أريد ثيابي القديمة فكل ثياب الصبا لا تلائمني الآن
والثوب هذا الذي على جسمي
ليس ذوبي اضطررت لأستر جرحي
وأواري بذاءتي أمام الغريب
وهل ثم شيء ليس غريب
كلنا وطن واحد
ورفاقك السمر يوم الحصاد
ولكنني لا أقلب عنك الجوار ير
إذ أصبحت شيء غريب.
**********
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> تل الزعتر
تل الزعتر
رقم القصيدة : 64118
-----------------------------------
هذي الأرض تسمى بنت الصبح
نساها العرب الرحل عند المتوسط
تجمع ازهار الرمان
وساروا باديتين(69/383)
ولما انتهوا وجدوا كل سقوط العالم فيها
قالوا مرثية
أيهم الميت إن القبر يزخرف
ام تكثرت الشاة لشكل السكين
نشاز مكتمل
ثدي في الأرض
إلى جانب كفين صغيرين كأوراق الكرمة
طفل يكبر بين الجثث المحروقة
قالوا يا عرب الردة مرثية
أيهم الميت إن القبر يزخرف
ام تكثرت الماعز للحقل اذا حضر الذبح!
ماذا يطبخ تجار الشام على نار جهنم ؟
إن الطاعون قريب
أول ما يظهر نجم مثقوب
قلق .. يرسل أضواء مهلكة
وتضيء محاجر جمجمة
تلعب فيها الريح بتل الزعتر
ان كراب العالم لايغمض عيني جمجمة
تبحث عن وطن
منذ قليل سقطت عاصمة الفقراء
صنوج العنة قد ضربت حتى البيت الأبيض
خصيان العرب الحكام ارتجفت شرفا
أبناء الكلب ... هنا
صرخ الكرش الأشقر .. أردى طفلا
سحب البزازة دامية من فمه وزدان بها
أبناء الكلب هنا.. يعني بالضبط هنا
حمد الأطفال
وقد ذهب البؤس بكل ملامحهم
وقف الله مع الأطفال الوسخين
فعاصمة الفقراء قد سقطت
حاول طفل ان يستر جثة جدته
فمن المخجل ان تعرض افخاذ الجدة
أردوه على فخذيها
لا بأس بني فذاك غطاء
هل تلد المرأة في الخيمة إلا جيشا
أولاد الوسخة
أولاد فلسطين
سوف تعودون إلى فلسطين ولكن جثثا
نظر الأطفال إلى الوطن العربي
خصيان الحكام العرب ارتجفت شرفا
صرح نفط بن الكعبة ان يغقد مؤتمرا
لسنا في زمن التفكير
سيأتي ذلك .. يأتي ذلك..يأتي ذلك
والجوكر في اللعبة اضحى معروفا
بلاع الموسى كذلك
كيف يغيب النخر عليكم ..
يا أهل الفطنة بالنخر لقد سقطت عاصمة الفقراء
وقيل قديما مأرب بالجرذ لقد سقطت نسفا والنسوة يرفعن
اياديهن ويمشين فرادى
والحامل بيت أنوثتها
طرحوا الحامل أرضا
سحبوا رحما فيها في الليل فدائي
أسمعتم عرب الصمت
أسمعتم عرب اللعنة
لقد وصل الحقد إلى الارحام
أسمعتم عرب اللعنة
ان فلسطين تزال من الرحم
دعاة الدين الأمريكي بمكة
والسوق عليها في اوجه
مزاد علني يا أشراف
نمانون على تجار الشام
ثمانية وثمانون على تعطيل الدستور كويتيا(69/384)
تسعون على ملك النفط
التفتوا أولاد الوسخة من أبطأ لفته الصلية
صمت .. صمت..صمت..
ما هذا الصمت يسمى في اللغة العربية
انهار البهجة
غارت في الليل سريعا
رفست جسدا واحدا للأطفال
تراب العالم أعلن عن وحشته
لم يكف الحقد
سمعنا الصلية ثانية
نال الله من الأرض
وأمعاء الأطفال على كفيه الضارعتين
بكى في الليل بكاء خشنا وتوسل بالناس
يعودون إلى تل الزعتر
فالله كذلك من عاصمة الفقراء
وهؤلاء الجيران تعودهم
وتعودان تنشر بين الخيمة والخيمة في الصبح ملابسهم
كان يلم ملابسهم أحيانا
لا تقتربوا.. لا تقتربوا
لحم الأطفال سيلعب والغميضة شاملة
هذي اللعبة لا يقطعها أحد أبدا خصيان الردة قد
كبرت
أسمعتم.. أسمعتم..
اسمع صوت الشعب الغاضب في لحمي
لا تقتربوا .. لا تقتربوا.. لا تقتربوا
ماذا ثمن الطفل الواحد..؟
ماذا ثمن الغمازة ..؟
ماذا ثمن العينين الضاحكتين صباحا ..؟
ماذا ثمن الحمل الطيب في زاوية الخيمة ..؟
والردات على الابواب
ماذا ثمن الشفتين مناغاة وحليبا ..؟
كلا .. كلا.. كلا..
لا تقتربوا
لحم الأطفال سيلعب والغميضة شاملة
للقاتل شيء آخر غير القتل
كم القتل قليل في هذا الموضع
عشرون على لحية قابوس
مزاد علني
سبعون أسد العلم الإيراني
مزاد علني يا سادة
تسعون على مؤتمر القمة
أوراق التوت لقد سقطت
نزل الأشراف من القمة بالعورات علانية
بينهم الصامت بالله يغطي عورته
أكثرهم خجلا كان الماموث
جماهير الصمت تغض الانظار.. هذا خجل
لا تقتربوا اكثر من ذلك
فالمذبحة الآن مشوهة
جثث الأطفال بلا فرح
وأميز رائحة الرضع
ةالخرز الأخضر يورق في اللحم المحروق
أكانوا قبل قليل حقا أطفالا
هذا اللحم يفوح دخانا ورديا
يصبغ خد الدين بحمرته .. ابتعدوا
ابتعدوا..
ابتعدوا..
ابتعدوا خطوات اخرى
خلو الأضواء وخلوا تل الزعتر يعتاد الظلمة
لم يحن الوقت
عاصمة الفقراء لقد سقطت
لن ابكي أبدا من قاتل
لن أبكي إطلاقا
ابكي من يبحث في القمة عن دولته
نزل الشرفاء من القمة(69/385)
آثار سحاق في جبهتهم
أكثرهم خجلا كان الماموث
رأيتهم أحدا يحمل قرنا منقرضا
ألقوا القبض عليه
فذاك ملك القوادين جميعا
غاص بوحل الردة إلا رأس القرن فظلت بارزة
وسخ كل الظلفيات الوطنية
وحلها
جعل الردة شاملة .. وحد أعلام الردة
أصحاب الأظلاف اجتروا فالظلمة قاسية
هذا ليل عربي...
والذبحة انطفأت توقيتا
فبل القمة اتهم الماموث النجدي وتابعه
ديوس الشام وهدهده
قاضي بغداد نجصيته
ملك السفلس
حسون الثاني
جرذ الأوساخ المتضخم في السودان
والقاعد تحت الجذر التكعيبي على رمل دبي
مشتملا بعباءته
وكذلك المعوج بتونس من ساقيه إلى الرقبة
استثني .. استثني المسكين برأس الخيمة
كان خلال الأزمة يحلم
والشفة السفلى هابطة كبعير
والانف كما الهودج فوق الهضبة
لا تقتربوت.. لا تقتربوا
كونوا ليلا
كونوا قدرا وجموعا داكنة غامضة الحجم
بدن قناديل..
و بدون صراخ شرقي
يفسد هذي المذبحة
المحتاجة للرضع
بصمت سيروا..
كونوا ليلا و تراتيلا دامية
من كان تشوه او كان يموت بطيئا يتقدم قدام الجناز
العين المفقودة
والكف المقطوعة
والساق المبتورة
والجثث المحروقة
تحمل واضحة
ويقول القبطان بدون عويل شرقي
وببطء أبطأ ..أبطأ
خلوا الأجساد كما هي كانت
أبطأ..أبطأ..
هذا الإبطاء اللائق محتلرم
وضعوا المذبحة الآن هنالك
قدام نيافات رصيد المال الديني
رصيد الدين المالي
رصيد القتل
آباء الغرب المحترمين سلاما
نحن النجس الشرقي جئنا لنقدم هذا الشكر لكم
احباب سفينتنا همس القبطان بدون عويل
وبدون صراخ شرقي
صفا صفا فالغرب يحب التنظيم
والا يهتم بعاصفة متأخرة يذرفها الشرق البائس
من اولئك .. قذر .. نجس شرقي
حاشى قدرك يا رب رؤوس الأموال
فنحن النجس الشرقي تراب اتفه من أي تراب
نحمل جثتنا عربونا لصداقتكم
أبطأ..أبطأ.. ان البند الثالث سوف يطل من الشرفة
سبحان البند الثالث
سبحان جلاسكو
سبحان وفاق الدبين
خوفنا الكهان من التفجير النووي
وللكن ذبحوا أثر من ذلك أضعافا(69/386)
هذا المنطق قيه ثقوب
تنقل موتا وأساطيلا
وعقودا للنفط
فأبطأ..أبطأ..أبطأ
فيم السرعة
قوات الردع لقد وصلت
خصيات الأمة رغم خلاف الأفكالا اتصلت
قوات الردع لقد وصلت
معجزة القرن العشرين لقد حصلت
وبالنفط هدمنا لبنان
وبالنفط سنبني لبنان
يا رب كفى خجلا
يا رب كفى ثيرانا
يا رب كفى
ها هو سفودي بالحقد أجمله
ها هي أقفاص صدور سبايا المسلخ تشتعل النيران بها
ها نحن نمد صراطك بين ضحايا تل الزعتر والدامور
ونحضر كل القردة
قردة...
أتحدى ان يرفع منكم أحد عينيه
أمام حذاء فدائي يا قردة
النار هنا لا تمزح يا قردة
الشعب الحاقد جاع..
انا اسمع أمعاء تتلوى ألما جوعا غضبا
كل يحمل سفودين اثنين
يا رب كفى خجلا
يا رب كفى حكاما مثقوبين
وهذي ساعة نار
القوا أقزام الردة في النار وهاتو الآخر
من انت؟
انا.. (يطرق)
يا بن ال....
القوه كذلك....
هانوا المتكرش
خلوا جمهور البحرين هنا يحضره
والله انا الشيخ بن الشيخ حفيد الشيخ
كفى هذي الخاء الوسخة
تشتاقك نار الله بكل عقالك
والدهن الهولندي المتأخر فيك
ها هو سفودي يا رب أ جمله
لن نرحم منهم أحدا
دلوهم في النار ببطء
منذ قرون يلتذون بنا
منذ قرون يشوون الشعب على نيران مناقلهم
أبطأ..أبطأ
ننسل حدث الأطفال ونقعد قدام كنيسة روما
نعر كل بضاعتنا
يا سادة يا سواح المعمورة
يا أبناء العطر الفاخر
هذا تل الزعتر
هذي الترقوة الشفافة فاطمة بنت فلان
و فلان بخس مجهول مات على جسر العودة
هاتيك جماجم فاخرة
يمكن ان يصنع منهن قناديل للميلاد
وأجمل أيقونات عرفت
هذي الفقرات السوداء لطفلين يتيمين من المسلخ
واحترقا ملتصقين
وبالإمكان لمن يشاء يجس ويختبر الجودة
جسوا.. جسوا
لا تخشوا شيئا
هذا النجس الشرقي رخيص
يا سيد من بلد الحرية
هذي المقل القلوعة
آخر أنماط صدرها تمثال الحرية
هذا ليس بفخار
بل جسدا كان يضيء كما الشمعة
ثم شراه بنو شمعون لتخرج منه الأفكار الثورية
أولئك نحن
عظام .. جمجمة.. زبل .. أيتام(69/387)
لكننا نقتحم التاريخ ونملأ عالمكم بالفقراء المشبوهين
سنقرع راحتكم بيتا بيتا
نخنقكم في اليقظة والكابوس
معاذ الله أثير الرحمة في أحد
ان اثارة أي حذاء اسهل من ذلك
أدعوكم لمشاهدة التحف الشرقية للمتعة
والله لمض المتعة
صرح نفط بن الكعبة
ماذا صرح نفط بن الكعبة ؟؟
كل العام مشول
ماكنة الأرقام ارتبكت
لا حول ولا قوة إلا بالله ..
فنفط بن الكعبة
لا يدري ما صرح نفط بن الكعبة
نفط بن الكعبة سريالي
يا رب كفى بقرا
يا رب كفى حكاما مثقوبين
وكل فقير يحمل سفودين
تعالوا فقراء الأقوام جميعا
نفتك نمسح أصباغ الطبقات المومس
يأكل قط ما يشبع عائلة في عدن
تنهبنا الشركات وتصدر نشرات
ان لصوصا عربا إرهابيين
يجوبون مطارات العالم
في كل مطارات بني عطر وخنازير
نجرد جردا تنفض حتى الفقرات
ويعلم كلب الشرطة ان يعرف رائحة العربي
ويعرف رائحة اللاجئ من غير اللاجئ
ان كلاب الشرطة هذه لتنسق بالتأكيد
مع السلطات العربية والأمريكية والقردة
قردة..قردة
يا سادة يا سواح المعمورة
في الشرق لنا حكام قردة
اجلس قدام كنيسة روما اعرض كل بضاعتنا
هذا الجوع العربي المالك للنفط
هذا نصف الخليج
تلك معاهدة ستسلم شط البصرة
هذي ريخيوت
وهنا يا سادة تسكن كل العبرات وابكي حمما
احد يعرف رخيوت ؟؟ أيعرف رخيوت وحوف؟
فما تلك من الأفلاك السيارة والمكتشفات
ولكن وطنا عربيا
مملكة للجوع وللأوبئة الجلدية والقيء
وللثورة ايضا
شاهدت بعيني الحامل تأكل مما يتقيأ طفل محموم
وتغذي الولد الآخر من نفس القيء الأسود
ما أعظم ما صنع النفط العربي بنا
نتجشأحتى التخمة جوعا
والملك النفطي يخاف على النقد من الفئران
وهذا الغرب بكل تكامله وتفاضله الذريين
وعلى النفط جميعا يجمعنا
وعلى النفط جميعا يذيحنا
يحيا النفط
يحيا الغاز
يحيا ملك الغازات
يحيا رأس الخيمة
تحيا لحية قابوس بن سعيد
هل أحد يعرف منكم كيف يكون الطعم المالح للقيء؟؟
و هل يعرف كيف التينة قد نسف النبع الطيب ؟(69/388)
من بين يديها
فالتفّت حتى يبست وتكاد تموت
فمدت اذ ذاك من الكاهل عرقا
وارتشفت ماء الجنة من بين يدي الله
فان التينة في الأرض العربية ليس تموت
هذه التينة أعجزت الخصي
وأعجزت الأحلاف وأعجزت الشاه
وبإسمك بإسمك أعلن صوتي
أدعوا الشعب ليحكل كل سفودين عظيمين
ومن كل الأطوال مسامير عليها
ألآن الآن وليس غدا
ونغلق أبواب الوطن العربي على الحكام القردة
سلطات القردة
أحزاب القردة
أجهزة القردة
كلا؟...أشرف منك فضلات القردة
إقتتلوا بسيوف السنة والشيعة والعلويين
وحتى المنقرضين
نطاح كباش
فئران تركب بعضا
جرذان تعزف دسبور الأقدار لها
تم إجتمعوا تحت عبائته
وأتموا الصفقة والبؤس
وصرح نفط بن الكعبة
ماذا صرح نفط بن الكعبة؟
نفط بن الكعبة مجتمع ..ترتفع الأسعار
نفط بن الكعبة يقضي حاجته...تنتظر الأسعار
فما أعجب ما إجتمع القردة
والعظمة يا نفط بن الكعبة
أنت تغص تغص بعظمة فاطمة بنت فلان
وفلان مات على جس العودة
ما كان لنا من زمن ندفنه
هذي العظمة من فاطمة بنت فلان
هذي الفقرات المحروقة تصلح مسبحة لرجال الكهنوت
هذا القيء البني الفاخر من رخيوت
أحد يعرف ما رخيوت؟
هذا تصريح جيوش الردة
هذا تل الزعتر
هذا الدامور
وسيناء
وأنطاكية
طنب الصغرى
طنب الكبرى
طنب الكبرى وأبو موسى
وإلى آخره
لكن يا سادة
لن يتعشى أحد بالشرق العربي على كبق من ذهب
صرح نفط بن الكعبة أن يعقد مؤتمرا
بالصدفة...واللّه بمحض الصدفة كان سداسيا
أركان النجمة ست بالكامل
يا محفل ماسون ترنح طربا
يا إصبع كيسنجر
إن الأست الملكي سداسي
*****
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> دوامة النورس الحزين
دوامة النورس الحزين
رقم القصيدة : 64119
-----------------------------------
نورس .. أصطيد ووضع في قفص الدجاج
النورس الحزين
لم يصدق أنه في قفص الدواجن
تذكر المحيط يلصق الدجى بصمته
والموج شب لؤلؤا قساح فضة
فنام في القرار هادئا كأجمل المعادن
فضض ريشه كزهرة الثلج على احتضاره(69/389)
ولم حوله أشرعة الخيال والضباب والمدى
وضجة السفائن
فمات في موكبه البحري رغم سجنه الصغير وارتج على
الدجاج أجراس الرذاذ؟
والنيرس الأمير يضرب الموج
ويعلو ساحبا روح المياه خلفه
عن جنة لجنة
فربما ينزل من وراءه الحنائن
بين الدجاج والنفايات وفي زوايا القفص الكئيب
اسلم المدى الفضي روحه
وانضت الأشرعة البيضاء والفضاء والرؤى
فليس من يجمع شمل الجو غير طائر المفاتن
ما أعجب المخيط
إذ يموت راقص الأمواج والمدى
في قفص الدجاج مثقلا
وأن تظل عينه مفتوحة
يسرق منها الموج أجمل الخزائن
واستشكل الأمر على الدجاج كله
فقرر الدجاج عقد قمة طارئة
وسيد الدجاج قد أناب من يبيض عنه بيضة الذهب
فأعلن الدجاج أنهم تضامنوا
وقوق المذيع...عاشت المداجن
دجاج مجلس الخليج جملة
أدار للفروج في منصة الرئيس ذيله
وأعلن الخليج جبهة
أطلق صاروخا من الرياح
ما تعدى جلسة الصباح
فاهتز الحضور من ضخامة الدوى
والرئيس طار من على كرسيه
ومن على يمينه ومن شماله
وانهارت المساكن
وألحقت قضية النورس بندا لاختلاف سادة الدجاج
فاحتد الوطيس
طار عرف من هنا
ومن هناك طارت الكرامات وراء درهم
واختلت الجلسة إلا أقصر الدجاج
ظل ضاحكا وساكن
لم يلتفت إلا أمين بيضة الدهر إلى النورس
غطه كما أوصي من أصحابه
بخطبة من الأم المطاحن
يا قمة الدجاج
ان البحر كله نوارس
ان البحر كله... نوارس
ان البحر كله.... نوارس
ويعقد اجتماعه السري في البحر العميق
بنده الوحيد محكوم قاطبة
تحصنوا أيها الدجاج
فالمحيط قادم
ترف في أعلامه الصوافين
يا سيد المحيط لفني بأذرع الهدير
مثلما تلفني النساء
خلاني في لحظة القرار واللؤلؤ والفيروز
في الصمت كالرصاص
واندلع في الزبد الداكن
وجه اللّه في أمواجك الزرقاء واغسل الحياة
ممن يضعون نورسا في قفص الدواجن
أمس ومن نافذتي
والعمر في أغطية الصوف
رأيت النورس الحزين عابرا فضاؤنا الميت
في شوق إلى فضائه البعيد
كان برد العمر في مفاصلي
نشرت ساعدي ألقيت غطائي(69/390)
وانتشيت-مثل مثل من يريد أن يطير-قامتي
لم أستطع
دخلت الدوامة....
لم أستطع
لكن أتى الفضاء ما بين عيوني ساجدا
لأنني حاولت أن أصير نورسا
واجتزت النفير والمآذن
*********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> رباعيات
رباعيات
رقم القصيدة : 64120
-----------------------------------
طائف قد طاف بي في غيهب السحر
ساكبا في عدم يصخب كأس العمر
صحت يا مولاي ما هذا الذي تفعله
شرز المولى فذهبت مهجتي بالشزر
قمت مذهولا إلى إبريق خمري ثملا
علني أطفيئ نيران ارتباكي بالطلا
سكب الإبريق كأسي نضوبا ضامتا
آه مولاي فراغ الكأس بالصمت إمتلى
أنقر الكأس إذا ما نضبت واشرب رنين
فهي ما ضمت سوى خمرتها عبر السنين
فإذا أنبك العشق يا عشق...فضجات
عصافير على غصن من الورد مكين
تبتلي العاشق بالخمر وبالحزن كثير
زد من الإثنين فالصحو من العشق خطير
أنا لولا أعشق الدنيا كما أعشق لقياك
قطعت الدهر وفي الغيب أطير
ما لبعض الناس يرميني بسكري في هواك
وهو سكران عمارات...يسميه رضاك
يا ابن جيبين ...حرام إنني
أسكر كي أحتمل الدنيا التي فيها أراك
مر ريقي بحروب الجهل من كل الجهات
أفما تملا إبريق بساتين الفرات
قلما ادعو شتات اطير يا أحباب لموا
الشمل فالقتال لا شيء سو هذا الشتات
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> طلقة ثم الحدث
طلقة ثم الحدث
رقم القصيدة : 64121
-----------------------------------
الدراج الأرجوان الذي يفضي إلى بيت الرضى الليلي
أطفأت دموعي فوقه منتشي بالخشب العابق بالحزن
وقبلت خطى أيامي الأولى على درجاته
درحاته ذابت جفوني
أحرس النقطة
ما فرطت بالنقطة يا من فرطوا بالنهر
نفسي لم تعد تغلق مما بلغ الحزن بها ابوابها
كنت نسيجي وحده
والعشق كان الغرزة الأولى
وفي الساعة حدسين تماما
كان يشتد هجيري من مجيري... كد و امتد
فلم تحتمل الصحراء
هذا ولهي الناري
حااولت دمي يطفئها دمعي...صراخي صراخي(69/391)
أتقدت حاولت أرمي فوقها كل الذي أملكه من جسدي
فامتنع الناس
ألا أملك حقا من حقوق البشر؟
هذا جسدي ..إني ..دمي..هذي قناعتي..
وهذا درج وطني أحمله
أرقاه في الليل
أرى أو أمسح النجمة
بسم اللّه هذا وطني
علمني ألتزم النار..
لماذا كل هذا الصمت؟
هذي الضجة الخرقاء
هذي الهامشية...الصراعات..الأكاذيب
لماذا أدخل القمع إلى القلب
وتستولي الرقابة على صمتي
وأوراقي..وخطوتي..ومتاهاتي؟
ألا أملك أن أسكت؟
أن أنطق؟
أن أمشي بغير الشارع الرسمي؟
أن أبكي؟
ألا أملك حقا من حقوق النشر والتوزيع للنيران مجانا؟
لماذا يضع السيد هذا وطني في جيبه الخلفي؟
من أرثه النفط وتسويقي؟
ومن ذا راودته نفسه أن يشتريني؟
قسما لا بالسموات لكن بالسموات التي تمطر في عيني
جنوبي يتيم في الحدث
أحرق بيته
طلقة ثم حدث!!
وأنا أعلن ناري
أعلن القلب نارا فوق أرنون الفدائيين
يستطيع ليل الكون والبعد الفلسطيني للدهر
وما يضمره الغيب
ألا يستبق العشق الحدث
طلقة غامضة تفتح في الشرق الحسابات
وسوف الطلقة الأخرى
ولما تبرد الأولى
ولا أرتاح الحدث
طلقة غامضة تفتح في الشرق حساب الصبر
وسوف الطلقة الأخرى
ولما تير الطلقة الأولى ولا أرتاح الحدث
يبتدي حي الحسين النار
يشتاق احسين بن علي خارجا بالدم من مرقده
يصطف من صلى صلاة السيف والطلقة
أمريكا هي الكفر
وأمريكا ومن سوف هنا (حسني ) الجنائي
ففي سوف صراع لم يحن
أجلته...استعجلني
كان يرى الأزمات...والأوساخ..والأبواب.. لا الطوفان
لا تحزن
فأني أعترف الطوفان لأبوا..والخانات
أو قلل طوفان رفث
أنت وحدت بغدارة ليل
لونها الكحل
وغرزت بعشق الأرض
ما من قدر إلا بإذن منك يستأذن
فأذن يا حبيبي
واحترس ما كل غث ثمر غث قد الذائق عث
أقدس الأمطار مدرارا
فإن زنبقة بنت ربيعين
سبت قلبك يا برق
فنسف بعد نسف
وكلا الحالين عشق
فافهم الحلين كي تسلك في الأحوال
واسمع عاشق البرق
كثيرا البث صمت...وكثير الصمت بث
إفهموا مصر(69/392)
فكم من عاشق أتلف سوء الفهم نجواه
وعري طاهر عندي
ولا ثوب مريض الطهر رث
إفهموا العمق
فما كان أتى من عمقها
واختمار العمق عشق
ولكن مختمر بالسطح
والعمق غثاء وعبث
قالت الطلقة أن يختزل الكل الخياني
فلا تختزلوا الطلقة بالسقف وبالرف
بل المنزل
كل المنزل الرسمي
حتى أكرة الباب التي قد حرست هذا الخنث
السكاكين هي المهلة
هل ترجو من الرحم الذي لقحه المال اليهودي
طهورا في الطمث
نجس كل ولا فرق سوى
لهف الأول بالجملة أوساخا
و( حسني) أحد الأخصاص فيما قد لهف
السكاكين هي المهلة
أو عصر يهودي سعودي
سيبني ألف ماخور
من التلمود في أطفالنا
في الحب..في القرآن..في الشارع.. في الأحلام ..فيمن
شهدوا بدرا
فيمن شهدوا واستشهدوا من أجل أن نحيا
ويستدعي الى محكمة
حتى النوايا والجثث
ها أنا أعلن قلبي
فهو إسعاف حزين في جروح العمر
والثوار ...والبابونج الشاحب
يبكي في بقايا جثث الأطفال في أنقاض صيدا
عمرها سيارة الإسعاف لا تغفو
لا تنسى عناوين جروح الناس
لا تلزمني أنظمة السير
ولا الشارات
وإني ذاهب للجرح..للطلقة ..للعمق الفلسطيني
لا تلتزم الطلقة..لا يلتزم الإسعاف
إل بالمهمات وخط السير
وقد يرتبك العداد
قد تشتبك الأحداث..والحارات..والخندق
أستهدي بطعم الألم الثوري
أستهدي بنجم غامض
لا يتلف البعد ولا تتلفه الأبعاد
أستهدي بقلبي كلما صنعت
هنا خريطة للوطن المحتل
لا تقبلوا شبرا ناقصا منه
وقد أمنها عندي بقلبي هاهنا الأجداد
أسري عاشقا والعشق أسراء
وقد بعثرني الهجران والبارود في شعب ظفاري
يداويني عود يابس أزهر
وأستحضر من أقصى جفاف
قطرة عاش عليها
آه يا قلبي على عود زكي لم يجد ماء
فأروي زهرة من عوده فورا
وهذي شيمة الأجاود
ها أنا أعلن قلبي
ها أنا أعلن أن الجرح يمتد
ولا يلقى سوى المستنقع القطري
حتى العظم ..والحزن البريدي..
سئمت الحزن برقيا
سئمت القتل تكرارا
كفى مهزلة
إني أحن الآن أن أقتل في بغداد
أعطوني قرارا واضحا(69/393)
أو أنني حرب على هذا تصديكم
ولا أفهم ما معنى صمود سالب أو وحدة في الدرج
قد تفنى وما زالت .. ويفنى بعدنا الأحفاد
طلقة ثم الحدث
سنبلة أولى.. وحدس بالحصاد
الدراج الأرجواني الذي شب من الأعماق
مركي على صدري
لمن يرقى عشيا فاضحا
بعض علاقاتي بالكون .. وبالنجم الجنوبي
ورأسي بصل .. اللون صبايا الشام
والضيق الذي صار مساحات بصدري
من غرامي بالعباد
مغرم قلبي بأن يبقى مع الناس
و إن عذبه القرب
وغطى وجهي النسيان
ما أصعب سكرا مطلقا بالنارفي كف الرماد
دائر قلبي مع الأيام والثوار والعشاق
لا يعرف طعما للرقاد
وحدودي كل إنسان يعاني غربة
حتى أرى غربة عادت إلى غربتها
واصطحب العمر إلى بلدته
يحمل القلب داميا من الفرح
أو عمر ..أو صاحب واراه في قبر وراء البحر
ما زال وراء القبر
يستقرىء أخبار البلاد
يطلب القوم إنطفائي .أي نعم
في ساحة العشق الفدائي
شهابا دفع الوعي به دون رماد
أنا لا أعرف تفسيرا لجدي غيره
لكن مت فسرت النار لطاها
متى كان لقنديل سوى الخفق
إلى آخر جفن في السهاد
سمع الطلقة فاهتز
فهذي طلقة قد أطربت حتى الجماد
شهق الكون من التنفيذ؟
من شاحنة الأقدار؟
واشتاقت برحم الغيب أجيالا
ترى خالد طودا يطلق النار
وقد فرت حكومات الجراد
يا لواء خامرا باللّه والتنفيذ
هذي كانت التكبيرة الأولى
لأركان صلاح الدين في أيامنا
من أي تركيب من الأحزان..والأعشاب..والعزة
مصر عجنت لحمك؟
من أي حنان حزن عينيك؟
وضعت الطلقة الأولى
وتلك الوقفة العملاقة النشوى
أيا عملاق
يا عملاق في التخطيط..في القفزة..في الإجهاز
في تخطيطك الكوني للموقف
تحيا مصر
في دعمك للبعد الفلسطيني...للنيل
وفي غيبوبة كنت بها لا في القدس
رآك الناس رؤيا العين
أطعمت بلون العشق ...والفيروز في الأقصى
كنت الأب والحلوى
وأعطيت يتيما دامع العين
ظرف الطلقة الأولى
وقالوا ذهب الطفل إلى قبر أبيه
أفعم الظرف ترابا
وأتى يركض...فاسغفيت
أو غبت عن الوعي
على طاولة التعذيب(69/394)
وانهارت على حمتك آلف العصي
إنهارت الدولة ..أمريكا
ومن أخرج كالنقنفذ من حت المقاعد
يرقص التعذيب ذئبا تحت أقدامك
فالترتيل باسم اللّه
والجوع قد صلب كالصخرة
هذا القلب لكني أرى عشق في قرار القلب
ثم النار..ثم البحر..والتاريخ
والوعي الرسالي لهذا الكون
غريب يمسك الجوع على الإيمان سكينا
غريب ليس يكفي الجوع..غريب يكفي الوعي
وعي الجوع..تلك الطلقة الخلقة الأولى
كم جعت ..وجاعت مصر
واستفردها النفط
قد إستفردها النفط
إستفردها النفط السعودي
ولكن وضعت كل الأسى والدمع
في مخزنك الناري
لما تنتهي الأشياء
تلك الطلقة الأولى..وللحدث شواهد
رجل الصحو تمنى كل شبل
أن يكون الأصغر في كفك
لا تحزن
ولا تكتب صكوك البعض في قلبك
هذا البعض لا يقرأ إلا وعيه الناقص للزهرة..
والخنجر..والأيام
لا يفهم إلا وهو قاعد
أنت نفذت فهلا نفذ التاريخ
ما كان إتفاقا بين عينيك وعينيه
وعادت ماسة النيل إلى العقد إلالهي
فحسن العقد من حسن الفرائض
أنت نفذت صراعا طبقيا سيدا
بعض صراع طبقي صار للسلطة طباخا
وبعض منه حشو الجيب.... أو حشو الجرائد
يا مصر سيري بالأناشيد
وخلي خبز أشجانك والشاي ..وأطفالك
والأزجال في وجه المتاريس
أمام السجن
في الساحة سيناء بهذا السجن
إيمانك والقرآن والوحدة
والإعداد للثورة ملقاة بهذا السجن غنيهم
و النيل ببحر البقر الدامي
بعيد المنعم المدفون في النسيان
" بأيام التلامذة..وعم حمزة..ونبيت لبيب..واللّه أكبر"
زغردي نارا وبركانا من الحزن الصعيدي
لجه الرجل اللحظة..والتاريخ..والبذل
لهم..للفتية السمر كما التصويب
صون العهد..قم للوعد..هدي للسجن يا مصر
أكتبي الأسماء آيات على وجه المساجد
منذ هذي الطلقة الفاصل
مشروع بن عزى لن يرى النور
ولن يخرج من قصر الأمير الخصي
لن يأكل إى الرمل ..إلا الشوك والغصة والتنديد
هذا الجرب الكلي لن تتركه (سهيات)
لن يتركه دم ( جهيمان)
لا ييتركه الوعد العتيبي ليرعى
وأرى قدح السكاكين من ( الأحساء)(69/395)
إني لأراها
وأرى خلف رماد الصمت ماذا في الموقد
السعوديون إسرائيل مهما كحلوا مشروعهم
ولقد يلقون بالعظمة
إسكاتا لمن ينبح من تحت الموائد
إنني أضحك مجموعة جرذان
كراش...فرقة العزف الخليجي
وقرد يضبط اللحن الخياني
وأبكي أننا لا شيء
أصفارا نعاني غرفة الصفر
احتلام الصفر...حسن الصفر.صمت الصفر
أخرج أيها الصفر
من النفي النهائي إلى الكون النهائي انتفض...كن
امحق الآلية العمياء
والنفي..ونفي النفي
فالإنسان لا الجبرية العمياء قائد
وأنا أعلن قلبي نجمة شذرية
بين سفين الليل
تستشعر بعض الدفء
في كوة حزن ما وراء البحر...والأيام
في سجن بعيد بالمنامة
لم ينم هذا السجين الجدلي الوجه
ما زالت مآقية كخط الفجر في الليل الخليجي
وما زال بخار البحر
والخلجان في تهويمة ..والموج..والأغنية الأولي
لقبطان جريء ...مبحر نحو القيامة
فز الطلقة وارشتد صداها
بين جنبيه مجيئا..وذهابا
وسعت كوة زنزانته
وازدحمت فيها نجوم الليل
والأشرعة البيضاء
والحب الذي أوسع من نجد وترنيم حمامه
وانقضى كل حدوس العمر والذكرى
وكانت رزما حالت من الدفن
وجارت عثة الأيام فيها
قرأ المكتوب بالعين التي أجدها الدهر
وغامت نكهة القرية في أقصى أقاصيه
وطعم الليلة الأولى من الإضراب
ثم إختلطت فيه الهتافات
وصوت النخل والأيام إغتصبته الإبتسامة
لم يعد يؤمن من دهر يعيد بسو النار
وهل ثم سواها
إذ يرف الوعي أو يبحث عن رقعة تبرير تغطية
فقد صار قمامة
سحب الأصفاد فاستيقظ عمق السجن
والأحزان ..والأبواب...والشارع
والميناء والبحر
وبحار قد استوطن فيه البحر
ولم يعط لغير اللّه بالضوء علامة
وتبادل الإشارات التي يفهمها الأطفال أيضا
لا يكون البرق إلا أن في الأفق غمامة
وتفاهمنا..
إنما البركان لا ينضج إلا داخل الأرض
ولايعطي لغير الوعي بالأرض زمامه
ثم سلمنا على الماء
فرد الماء بالؤلؤ والموج سلامه
لم أعد أعلن قابي فرحا إلا يسار الشمس
أستقتل في البحث عن الحوع الجنوبي(69/396)
أغذيه بأقصى الشعر والحقد
وأنساه بصمت الخندق المكتظ بالأمطار
والأبطال...والأهوال
أنساه بعيني عاكف في حلية خضراء
ما أضيق عينيه إذا صوب
ما أوسعهما حتما إذا أصاب الآن
أصاب الهدف الأول واستولى عليه الشوق للثاني
وأنساه مع الأيام
وأنساه مع الأيام في البصرة بغداد
مرميا على الأسلاك
بغداد بلا شباك
أنساه
ولكن قط لن أنسى
أنا قلبي إذا ما نفثت أفعى
وثاب السم..... والجاسوس ....والمشروع
لا بل طلقة ثم الحدث
الدراج الأرجواني الذي عمري سأعطيه
لمن سأعطيه
لمن لا يصل الشعر الحقيقي
لمن يلصق في وجه المحطات
أغاني الدم والشوق الفلسطيني
أو طفل وحيد في الحدث
سوف أعطيه لمن يرقى جدار السجن
يعطي خالدا قلبي...وشعري
وسلاما من كثير الحب بث
هكذا أرسيت أن القئد القائد تنفيذ
ولا يتجر بالدم لكي أثمان الجثث
وأخيرا كل يرضى بمشروع السعوديين
أو يدخل بابا منه
فهو من نفس الزنا..نفس الزنا
لكن بحالات الطمث...
********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> عبداللّه الإرهابي
عبداللّه الإرهابي
رقم القصيدة : 64122
-----------------------------------
الليل و عبدالله أقارب
العرق البارد والنار و حزن الأيام
وعبد الله أقارب
يفهم في اللج
وأفضل من يصنع مجذافين ولا يملك قارب
يدفع جفنيه يقاتل لولا الصف البطلي
يزيح الجدران
يصاهلر نار الأيام
أحبك يا عبد الله لنفك غاضب
وعلى نفسك غاضب
رشاشك يعقد قمته منفردا ونعالك في قمتهم
اصفعهم عبد الله بأرض نعالك
يخرج تاريخ عقارب
أن تسحب سحاب السروال عليهم
نزلت للأرض سراويلهم
وقرار يفتح فخذيه
وجلسات مغلقة وعجائب
افتح عبد الله مسدسك الحربي
افتتح الجلسة فيهم أعداء وأقارب
ان تكن الطعم .. فأنت السنارة قد علقت
لولا .. لعنت لولا
ملعون من يتبعها
تملك أسلحة الأرض وتسأل كيف نحارب
يا عبد الله بساعات الضيق
تحولت الدبابات أرانب
فتلت أسلحة الجيران شواربها ليلا وصباحا
حلقت وتصابت
وغدى الميثاق القومي بدون شوارب(69/397)
وصواريخ الفرجة ضجت
وأتمت يا عبد الله مهمتها
ضمن مهمات صواريخ القوم مقالب
أصحوت أخيرا يا عبد الله
أصحوت أخيرا
أصحوت
أوقد حزنك.
فرشاة الأسنان
زكامك
قهوتك المرة والمرأة والمرآة
تطلع في وجهك لا تتذكر
مثلك لا يتذكر .. لا وقت له للذكرى
وإلى صدغك تتجه الحرب وتلتهم الجرافات صحون الرز
تغطيها راحات الأطفال المبتورة
دهشتهم صرخات الليل
أتم الصمت العربي وليمتنا الكبرى
سقطت لقمة رز من فمهم فيها الأسنان
تدحرجت اللقمة حتى قلبك في الغربة وابتسمت
أقسم عبد الله بها تبدأ توا بالثأر
وكل دقيقة تأخير مذبحة أخرى
أسند كوعك للكوة يا عبد الله
أسند كوعك للكوة
مد الرشاشة في الفجر الشاحب
لا تتأخر عداد القلب وعداد القنبلة الموقوتة متفقان
ووعي السبابة قد بلغ النار
و أيام التاريخ تقبل راحتك اليسرى
ضع متراس الشك أمام ثمالة أيامك
و الألم الليلي
زخذ حصة حزن في قلبك لا تسمع إلا دمك الناري
جنونك .. زمجرة الجرافات
صراخ قتيل دون يدين
تفتش عن طفليها
إغتصبوا زهرتك الأولى .
ودعها ميتة يا عبد الله مجرد ذكرى
حصدوا الورد الخائف في خديها
اغتصبوا أمك أيضا من كلمات الله على شفتيها
من خمسين من السنوات دموعا للأرض بعينيها
هدموا الدار
وإذاعات العرب الأشراف تبول على النار
أعلنت التعبئة الجنسيو يا عبد الله درابكهم
حزنزا هزا
رهزوا رهزا ومضاجعة
وتمنوا انهم كانوا بمخيمك الدامي
يشتركون بفض إمرأة .. أكل صبي
عرب .. عرب .. عرب جدا أولاد الكلب
وأول ما تعرض خصيتيهم في نشرات الأخبار
أي براكين خامدة في نظرك
في زاوية الغرفة
أية قافلة برخت في الصمت الهائل
وجهك .. ما هذا الصمت العبد الله
مقدمة الحقد الأعمى العاجل
يا عبد الله القادر
يا عبد الله المتمكن فعلا
حدق في الشارع مرتابا
فعدوك في الشارع
أخبار الحرب جاء تتثاءب في الشارع
رجل الأمن التكعيبي يهرول في الشارع
جمهور لا يعرف يأكل
لا يعرف ينكح
لا يعرف في الشارع ماذا في الشارع(69/398)
سكينك يا عبد الله الساكن في البريات العربية
منفيا عن نفسك .. زوجك .. تبغك ..جرحك.
حزن شوارعنا
سكينك.. احذر أن تتدجن للمطبخ
يا عبدالله اشحذها
نفذها تنفيذا نفذها
أصبح ممنوعا أن تستشهد
أو تدفع جيبك عند حدود الجيران وتستشهد أيهما إسرائيل
أيهما إسرائيل
الخبز عليهما علامة إسرائيل
حبات الرز عليها إسرائيل
المسجد والخمارة والصندوق القومي لتحرير القدس
بداخله إسرائيل
وأنت إذا لم تفهم .. لم تتعلم يا عبد الله
تمتصك إسرائيل
ناعسة بيروت الغربية في كف المطر الليلي
وتزهر بين الإسفلت وحزنك والصمت
ولغم يحلم أحلاما طيبة
وجريح يصرخ:
بيسان.
إلى بيسان خذوني
يا عاشق يا عبد الله عيوني
لا تلبس أغنية شالا أسود في العرس إيقاعا مسرف
ولدينا عمل قبل الإفطار جليل كالله
سنخرب..
إن أطعمت حمامات العالم من قلبك أنت مخرب
أنت رصاص .. أنت رصاص
أو أنت ملأت جيوبك حلوى
تتحول يا عبد الله رصاص
أو غنيت لزوجك أغنية الليل
يكون اللحن كتفريغ المخزن في الليل
وتسعل يا عبد الله دخانا
وتنام براحتها عشقا وخلاص
إن درت العالم تكتب أشعار السلم
على التأشيرة .. تذكرة الرحلة ..
أبواب مطارات البرد
حافلة الليل
فوجهك أنت ومنذ ولدت تسمى عبد الله الإرهابي
وبناتك عبد الله العربي الإرهابي
وصوتك عبد الله الإرهابي
وموتك.
بعض الناس خطايا فادحة يا عبد الله
وبعض الناس قصاص
أنت قصاص
الحزن يجيء مع الريح وماء الحنفيات
وضوضاء الطرق
جنود الدبابات يبولون على وجه بلادي
وجهي في الارض ووجهك في الارض
إخرس لاتتنفس..لاتخرج للشارع..
لا تتفرس
ممنوع إن تصرخ في بطنك
آه يا عبدالله ألا فاصرخ
أصرخ يا عبدالله
أنفث في أسئلة الناس ..ملابسهم
ساعات أياديهم
صمتهم الإلزامي البارد
أقتلهم بوجودك ..إلحاحك .. حبك
آه من حبك يا عبدالله حزين أخرس
نتحداهم ..ننفذ من بؤبؤهم
نمسح وجه الأحجار بخلده
يا خلده يا قلعتنا البحرية لا يفتحها إلا العشق
وريح الفجر وصوت النورس(69/399)
تترك باقات الأعذار براحة كهل ترتاح بحضن الأنقاض
وكوفيات فدائيين عرفناهم وعشقناهم
أو لا نعرفهم وعشقناهم
يا أحباب تأخرنا
يا صرخات الأطفال بخلده والبربير تأخرنا
يا نادل مقهى أسلحة الليل تأخرنا جدا
وامرأة ما زالت تكنس شرفتها
وتلم شظايا قنبلة
إنهم يا عبد الله يرون حزوز الأيام بوجهك
كالرمانات اليدوية تنسف كل المؤتمرات
مسكتتك الملغومة تسحب عن أوجههم يا عبد الله
سراويل التصريحات
نظرتك الحربية جمرة
زيتونة ليل توقد مصباحا ذريا
لا يا عبد الله ولا.. وتكاد تضيء
ولو لم تك يا عبد الله حزوز في وجهك
كان لوجهك إرهاب مسدس
يا عبد الله ..الحي الله
جميل أنت .. جميل بتراب الحرب
ووجهك فوق وجوه الشهداء مظلة ورد
وبوجه الأعداء مفازة صبير لا حد لها ومسدس
أثبت عبد الله.. تحجر
ليس لربك أن يأمر إلا بثبات القلعة والنار
ولدينا عمل يا عبد الله
مقدس قبل الإفطار
نقرأ آخر برقيات الليل على الشارع
نتأكد أن منظمة التحرير انتصرت
رفضت رفضا قاطعا
نستوثق أن لنا كالناس وجوها
وذكورا ما حجزت للدولة يا عبد الله
وخمس أصابع
ونحب ونستشهد بدون عرائض أو أعذار
نتأكد عشنا يوما في الوطن العربي ولم نخص
غريب جدا
خطأ لا بد خصينا
نتأكد ما زلنا نطعم من شفة الحب عصافير الدار
ونحاول تغيير الدنيا
ولدينا عمل قبل الإفطار
تأكد خبزك
تأكد كوز الماء
تأكد أن شقوق الشفة السفلى لن تتغير وجهتها
وصراحتها
وأغانيها
سبابتك الإرهابية ليس تخاف التهمة بالإرهاب
وتعرف كيف تذل عيون الذل
وتسحب كالعشق مسدسها
وتعد إلى القدس لياليها
يا متهما بالشعر العربي
أليس لهذي التهمة يا عبد الله مغازيها
إن سلمت سلاحك سافل
وأنا سافل
وعشاء الليل البارد
والماء وفجر اليوم القادم سافل
ما يؤخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة ..
بالإرهاب
بقطع اللوز الصهيونية
بعد مخيم شتيلا يا عبد الله
مسدسك القانون الدولي
أقم في مخزنه عبد الله مخيمك الثوري
وحزنك والشعر وما تملك من أشياء(69/400)
وتجذر فيه..فإن الصف الأول لم يتجذر
فاتته الأيام
وخانته لياقته الثورية
برر ليلا ما كان يدين نهارا
حاول أن يلقى الشعب بجيب النفط
وكان هنا رأس الداء
قسما عبد الله بقبرين جماعيين بصبرة
بيروت تنجسها
'ن وضعت ملك المغرب
في إحدى قدميها الطاهرتين حذاء
و ستنهض من بين الأنقاض صنوبرية الحزن
وتغمر صبره بالأوفياء
وبساعات خروجك بسلاحك للتنظيف
وتشهد أنك قاتلت الغارات
وقاتلت البحر
وقاتلت طوابير الدبابات
وقاتلت خيانات الدبابات الأخرى
و صمدت صمود الأنواء
رشاشك كان وكالة أنباء الثوار
إذا كذبت فيك وكالات الأنباء
خذ جورب سيدة ذبحت
أحفظه بجيبك
ذاك صراطك يا عبد الله
في الليل تسلل .
هنالك جندي محتل
أخنقه بهذا الجورب يا عبد الله
لعلك تشفي واحد بالألف من الحقد بقلبي
هذا الجورب سكين.
حذاء شهيد سكين .
فرشاة حلاقته سكين
حالة عشق لا تتكرر يا عبد الله فلسطين
إن قدمت لهم ماء سألوك بحب إن ذقت مياه فلسطين
أو أكلوا سموا بسم الله وحب فلسطين
وقتلوا تحت الأرض
يعودون إلى حضن فلسطين
أو جاؤا باب الجنة
يلقى الله بأيديهم قبضة طين منها
يتمنى أن يستبدل جنته يا عبد الله بهذا الطين
تتربع للإفطار و زوجك والأطفال وكأس الشاي
بدون شهية
وقروح في أمعائك مزمنة
عدد الأنظمة العربية
وتحرك سبابتك المهمومة في فم طفلك
تسمع لذغته الناعمة الوردية
تبحث عن أول سن تجرح من أجل قضية
العضة ثأر
وبعضك عضات ناعمة .. يضحك في وجهك
يفهم أنك يا عبد الله
تدربه الدرس الأول للثوار ..
جميع الثوار
وبحدق في نار الشيب بوجهك
يفرش راحته في حجرك
ترقأوا دمعك مخافة أن يثقب راحته
وتهمهم أفراحا مبهمة
وتقبل راحته وتقوم لأخذ الثأر
وتدس وجوهك فيهم
شفاهك
آلاف عيونك
تمسكه من كتفيه الناعمتين
قتلنا أحدث أسلحة الموت بشهرين
قاتلنا الصمت العربي
شربنا البالوعات وماء البحر
دفنا القتلى بين الغارة والغارة في قبر مشترك
لا نتراجع يا ولدي لا نتنازل لا نغرق(69/401)
الطيران يهاجم في الفقرات
شرايين القلب .. البرج.. السلم ..عبد الناصر دوار الكولا ..
ستشفى البربير ..
قبور الموتى .. جثث الموتى تخرج غاضبة .. تقتل ثانية
تصعد في الليل كما الأفراح النارية
أبيض أحمرأحمر قان أزرق
نحن هنا لن نتزحزح عن هذا الخندق
الطيران يهاجم غفوة طفل يحلم بالطيارات العربية
يرفع كفيه يلوح للطيارين
يحملق في فجوة صاروخ في السقف
يرى طائرة سوداء
فلم يصل الطيران العربي إذا
لم يتجاوز أحد الطيارين أناقته وملابسه
(ماكو) أوامر يا عبد الله
فلا بغداد ولا جلق في جلق
ولكن قسما بالحزن وصور وصيدا
لن نتزحزح عن هذا الخندق
طلبوا شرف الكوفية من بيروت
أبت إلا أن تلبس كوفيته وتقاتل
وتقاسمه الخبزة والخندق والخذلان العربي
ويمسحها القصف مساء
تتحامل في الصبح على قدميها
تمسح تنورتها وتقول له
ليس على الصمت العربي المزري يا عبدالله
فالقصف توقف ثانيتين
ولا تأبه .. سنقتل يعني سنقاتل
تأكل من كتفيها بيروت
ولا تسحب شبرا من تحت مقاتل
تستشهد بيروت على أبواب منازلها
ومعاذ الله تسلم عفتها كالصمت العربي
ببيروت رجال .. رجل بجحافل
يمرق أنظر بين الدبابة والدبابة والألغام فدائي
عضلات الزند جميع الراجف الحربي
وبيتان من العشق
وسيف ومكارم
أعلن سوق الجزارين ضيافته
نطق المولودون من الخلف أخيرا
نشكركم باسم الشهداء
نشكركم بالسيقان المبتورة شكرا لا حد له
نشكر علانا وفلانا وفلينا والفلن الثاني وفهد
بالذات فهد
ما قصرتم أبدا
نشكر همة أعضاؤكم الجنسية
في صد هجوم الجيش الإسرائيلي
وإلقاء الصمت على المغتصبات
نشكركم يا فضلات
نشكركم باقون هنا
قرب مذابحنا وخرائبنا والشهداء نقاوم
بيروت على قدم واحدة ستقاوم
أتذكر يا عبد اللّه بأنك في بعض الليل
ضغطت على راحتها الوردية
أكثر مما الحب
أكثر مما الحزن ومما أنت
أحبتك كأستاذة حب
تعرف كيف تصفف باقات الزهر وساعات الليل
وطلقات مسدسك الإرهابي
أهينت يوم رحلت
خلف العكاز بكت(69/402)
خلف سياج الحزن ألمينائي بكت
عبد اللّه رجتك... دع الأوباش وما نسجوه
رجتك كثيرا لا ترحل
ورجتك بخيط الدمع تذكر أرنون
تذكره ولا ترحل
أرسلت دموع مسدسك الحربي
سلاما أرنون الأبدي
سلاما للصمت وللعتمة وللأحجار
سلاما ما هتف العمر وغنت ساعات الليل
لأحباب سكنوا قمتك الشماء بروقا رعودا
وزلازل
وتلوح مثل حقول التفاح
ويهيم الصمت على وجهك والطرقات
وأصوات صبايا النبطية
والحزن الشيعي القدري
إلى أين تسافر يا عبد اللّه إلى أين تحول
يا قافلة النار إلى أين
وأنت سلاح وقلاع حمر عابسة
وجروح سوف يعقمها البعد
ويعجز فيها الطب وصبرك
يا من جربت جميع الأدوية العربية
جرب يا عبد اللّه دواء النار
أعظم ما في الطب العصري دواء النار
وحذار يا عبد اللّه حذار
نصف دواء النار لئيم قاتل
يا عبد اللعنة والحزن
وزرع المستقبل في اللحن
وزاوية في قلبك فنجان القهوة
ما أروع هذا الفجر الحربي
ورائحة البن وضيعتك المغمورة
بالفيء الهادىء والشوق الفردي
لا تخسر ثانيتين من الوقت الطيب
في صب اللعنات على الحكام
فليس يساوي الواحد منهم ثانيتين
من الحزن الجدي
ولا البسط الجدي
فكر أي طريق تسلك من خلف خيانات الواقع
تبلغ بيروت الغربية
أرهن خاتم عرسك
حلي صغارك.... راتبك الشهري
وقد لا يكفي ذلك تذكرة
في القلب لديك عناوين المقهورين
وأولاد الدولة يا عبد اللّه يمدون يد العون
ويرجونك أن تحمل مكتوبين والنبطية
ولديك عناوين منظمة التحرير
وعنوان اللّه القهار
ثم تحط بثم مطار
وتفتش تفتيشا ذاتيا
وتبلغ يا عبداللّبأوسع بنط عربي
إنك موقوف منذ تقرر وقف النار
وتحاول أن تفهمهم
لست نظام مواحهة كذاب
لست رئيسا عربيا
لست خبيرا روسيا
إسمك عبد اللّه وعبد اللّه أبو إرهاب
ليس هنالك إلا الدم... سياج الميناء الساخن
ووجهك والقتلة
ليس الإنسان الآن بلا أذن
يعرضك الباعة للبحر وللملح
ومن بين يد الشغب وقبلته يسرقك السفلة
وعلى مضض يا عبد اللّه
يقبلك المنقرضون لتصبح منقرضا(69/403)
إدفعهم يا عبداللّه
طهر وجهك من رؤيتهم
كيف يقبل مرحض إعصار
أحد باع طريق الزعتر
باع الحزن
ودس حديد مسدسك الحربي فلم يقدر
حرق الفولاذ الأحمر كفيه و سمعته
ووقاحة عينيه
وسوف تطارده أنت
مطاردة الأقدار
شرعوا يعترفون بقاتلهم وكأن جراحك أعذار
كذا فيهم يا عبد اللّه
فأنت الحي الباقي القهار
أقتل دونك... أفديك
ولكني أتمنى أن تقتل مرفوع الهامة
لم يتزحزح فيك قرار
النار قرار منك وليس قرار فيك
فأنت النار وأنت قرار النار
لملم شفتيك القاهرتين وقهر الليل
وأول أيام البعد وعد في أول بارقة فالموسم للبرق
وللزخ المتواصل والزعتر ينمو
وصفيح مخيمك الساكن ينمو
وعصابات الليل الثورية تنمو
وحديقة حزنك في باب الصبار امتلأت بالصبار
ماذا سيضيفك المنحطون
سوى دائرة الأمن وحانة ليل
ورصيف
ومراجعة الهجرة ليل نهار
إن كان تقرر أين استشهادك ليس يطوعني قلبي واللّه
أقول استشهد
لكن واللّه استشهد
فهناك يمنون عليك المشية في الشارع
تمسك الشرطة أن لكفك خمس أصابع
ولكي تتذكر وجه شهيد تحتاج موافقة
تحمل خمسة أختام وطوابع
في قلبي شيئا أجهله
يفهم أنك باق معنا
يفهم أنك باق بين مقابرها وخرائبها والمستقبل
تغسل وجهك بالريح الساخن
وترقب أطفالك في الماء الآسن
قد نشروا أجنحة الضحك
وطاروا بين حجارات البيت عصافير سمراء
وبباقة شوق تذهب بين ثواني القصف
تزور رفيقا في البربير
يرجى أن تشفى ساق باقية تحمله لمثلثه الناري بخلده
فالقدس هناك
وبيارته الخضراء
في قلبي شيء... فرح أعرفه
أنك باق معنا في السراء وفي الضراء
أحببناك تشاجرنا
غنيناك
تصرفك الخاطئ أحيانا
وتصرفك الجيد دوما
ألقيت شتائمك المقبولة يا عبد اللّه علينا
لم تبخل
أرسلت مكاتيب العشق إلينا
تتحدث عن متراس وجليل أعلى
وضرورة مسح التاريخ من الأنظمة السوداء
كنا نغضب وأنت تهادنهم
وتعامل قلة حياء فيهم بحياء
نبكي إن أنت رحلت
ونبكي إن جاءت بهمومك كل الطرقات
نحفز حزنك في حجر الليل(69/404)
سنونوة ألفت دور النبطية
نذكر اسمك..
نزرعه في أفق الزهر على الشرفات
نتشبث صوتك
نعرفه معرفة الجرح..الفرح..الحزن...الصلوات
من صوتك تهرب حيات وحكومات وعقارب
الليل وعبد اللّه أقارب
العرق الساخن والكمون وحزن الليل
وعبد اللّه أقارب
يفهم في اللجة
وأقدر من يرفع وجه الشمس
على مجدافيه ولا يملك قارب
يرفع عينيه فيرتفع الموج وتصبح كل الأرض قضية
أشتم حريقا في ورقي
اسمك نار في ورقي
وأضيء وإن تعبت طرقي
وأطيب إبريق الشاي على شعري فيك
لأنك يا عبد اللّه قضية
ولأنك يا عبد اللّه محارب
الليل و عبدالله أقارب
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> عتاب
عتاب
رقم القصيدة : 64123
-----------------------------------
أعاتب يا دمشق بفيض دمعي حزينا لم أجد شدود الشحارير
القدامى ندامى الأمس...هل في الدوحة أنتم أم الوطن الكبير
.
غدى ظلاما وكان العهد أن الليالي نهب إلى بنادقنا احتكاما
أطربتكم وكان الصبح كأسي وأطربكم على الليل التزاما
وما مدت لغير الشعب والكاسات كفي وإن مدوا بغيرها السلاما
أتيتك والعراق دموع عيني لماذا تجعلين الدموع شاما
*************
فما عرفوا السجود ولا أحبوا ولا ذاقوا ولا عرفوا الهياما
سلام يا ندامى الأمس إني محال أن أفرط بالندامى
إذا ما تمرة علقت بأخرى فلن أملأ لغير العشق حاما
فإن أخذت لسلطان تروي فلم يملك من الطرب الزماما
فما قدمت كأسي بل تناهي الشيب يضطرما اضطراما
وذا طبع الخمور ومدمنيها وتسلك في الملامة إن ألاما...
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> عروس السفائن
عروس السفائن
رقم القصيدة : 64124
-----------------------------------
فوانيسُ في عُنُقِ المُهرِ.. علَّقَها الإشتهاءُ
ونجمٌ يضيءُ على عاتقِ الليلِ.. زيَّتَ نخلُ الهموم
وأعتقَ من عقدةِ الشاطئين رحيلَ السفينةِ
من سُفُنٍ لا تُضَاءُ
وناحت مزاميرُ ريحُ الفنارِ فأيقظْتَ رُبّانَها المُتّحيل
فذاقَ الرياحَ وأطرَبهُ الإبتلاء(69/405)
وسادنُ روحي وقد أطْبَقَ الموج
حتى تَجرحَّها
أنها وحّدَت نفسها بالسفينة
من ينتمي هكذا الإنتماء
فنيتُ بعشقٍ وأفنيته بفنائي
لينبتَ من فانيين بقاءُ
بنيتُ بيوتاً من الوهمِ والدمعِ
أين هوَ العشقُ.. أين هوَ العشقُ.. أين هوَ العشقُ.. تم البناءُ
عروس السفائن ألصقتُ ظهري الكسير
على خشب الشمس فيك
حريصاً على الصمت.. مدماً من الناس
في البئر أستنجد البحرَ.. قبل قراءاتِ بوصلتي ودليلي
وأخصفُ ما نهشتهُ الجوارح
من مضغةِ القلبِ أبقِ الجروحَ
مُفَتَحّةً في رياحِ المَمَالِحِ
لا يَحلمُ الجُرْح ما لم يُحَدِّقْ بسكينهِ عابساً
في الظلامِ الثقيلِ
إذاً.. دارت الشمسُ دورتها
وارتأتني الرؤى نائماً تحت ألفِ شِراعٍ
مجوسيةٌ قصتي
معبدُ النارِ فيها
وقلبي على عجلٍ للرحيل
بعيداً عن الزمن المبتلى.. يا سفينةُ
إن قليلاً من الوزر أمتعتي المزدرات
ولم تثقلي بالقليل
سأبقي المصابيح موقدةً في بواء الصباح
مصالحةً بين صحوِ الصباحِ وصحوي
وأُبقِ الرياحَ دليلي
وأسألُ عن نورسٍ صاحبُ الروحِ في زمن البرقِ
يومَ المُحيطاتِ كانت تنامُ بحضني نَشْوى
وما زالَ ثوبي أخضرَ من مائها
يا لهُ من زمانٍ مرَّ بين ألفٍ من السنواتِ الفتيةِ
يا وَجْدُ ما كُنتَ دون حَمَاسٍ.. وما ظَلَّ في خَاطِري الآن
إلا النشيجَ اللجوجَ من اللججِ النيلجية..
والزَبَدُ الأرجوان.. المعتق في غسقٍ باللآلئ..
والزبد الأرجوان.. المزخرف بالليل
والقمر الآن من زهرةِ البرتقال
تغيرتُ مستعجلاً أيها الفرح الضجري
وأصبحَ محشرُ أغربة سطحَ قلبي
ينحنح قبيل مغيب الهلال
عروس السفائن اني إنتهيت.. على سطحكِ الذهبي
ورأسي الى البحر يهفو رائحة اللانهايات
والليل.. تعبان.. يطوِّحها الموجُ ذات اليمينِ وذات الشمالِ
لقد ثَقًلَ الرأسُ بالخمرِ
والزمنُ الصعب قبل قليل
وأنهكني البحر في زمن للطحالب
عن طحلب بلا قلب.. يصيخُ معي في الهزيع الى جهة المستحيل
لدى الله كل النوارس نامت
ولم يبقَ إلا سفينتك الآن(69/406)
مبهورةً بالشمول
على وجهها من رذاذ الغروب
ومن عرق الله بالأرخبيل
فأين سيلقي المراسي الماء
بنيت بيوتاً من الماء هدمها الجَذْفُ
كيما يتم البناء
ومنذ نهارين في وحدة المتناقض
هذي السفينة يدفعها ويدافعها الإبتداء
أعللها بعليل الرياح.. ويغري بها أنها من طبيعتها تستمد
خليل السفائن سليني النهايات
يا لانتشائك إذا هَزَجَ البحرُ
بالزبد الزئبقي.. ويزهو اللبرجد واللازورد
إذا هزج البحر فالكون زاءُ ملونةٌ
فوقها شدةٌ.. فوقها شدةٌ
ثم مدُّ
وللشدِّ من بعد ذلك شَدُّ.. وللشدِّ شَدُّ
وإني على الحبل من مركبي.. في الظلام أشُدُّ
وعلى دمعتي في الهزيع
كما خصر أنثى أشُدُّ
وتندمل هنا يا صاحبي فالنجوم هنا لا تُعَدُّ
وأنت كما خلق الله في نخوة الخلق
بين الصواري يؤجج ما قد تبقى
من الشيب برقٌ
ويعبث فيما تبقى من القلب رعدُ
عجيب صراخك في غمرات البنفسج.. والكون
إذ يصل العتبات الأخيرة
في غفوةٍ لا يَنِدُّ
عروس السفائن لا تتركيني على أنقة الساحلين
يَجِنُ جُنوني إذا رنَّ في هدأة الليل بُعْدُ
أهيم إذا رنّ في هدأة الليل بُعْدُ
عروس السفائن لا تتركيني لذى حاكمٍ وسخٍ يَسْتَبِدُّ
لقد كفت الخمرة عن فعلها فيّ مما تداويت
واربد بالصبر جلد
أحب الحروف لها شهقةٌ بعدها لا تندُّ
وما العاشقون سوى شدة الله
أسراها لا تحدُّ
فإن ساح البنفسج في موهن البحر
صارت تَلِزُّ.. تَلِزُّ
وصُرتُ ألِزُّ.. ألِزُّ
عروس السفائن والبردُ في ألقِ الصُبحِ خَزُّ
وليس يهاجر في الفجر إلا الأوَز
رسى السأمُ السرمدي بجسمي
وليس سوى غامضاتِ البِحار
التي تستفزُّ
أصيحُ.. خذيني لأسمع أجراسها
ان برقاً بقلبي يلز
أنا عاشق أيهذي البحار لأجراسكن
فقد أوحشتني الشوارع
مما بها من لحى ً ورؤوس تجز
وفاض وفاض الإناء
بنيت بيوتاً من الوهم والدمع أين هوَ العشقُ.. أين هوَ العشقُ
أين هو العشق.. تم البناءُ
أُحاور روحي أحاورها.. وكل حوار مع الروح ماء
بكى طائر العمر في قفصي(69/407)
مذ رأى مخلب الموت
ينزل في صحبه ويَكُفّ الغناء
متى أيهذي العروسُ يجيء الزمان الصفاء
ففي القلبِ مملكةٌ للدمامل
والجسد الآن في غاية الإعتلال
خذيني.. لأقرأ روح العواصف
حين تخانق سخط الليالي
خذيني فإن العصارة تغرق بالأغلال
خذيني.. فما البحر في حاجة للسؤال
خذيني.. فليس سوى تعب البحر يشفي
وينقذ من فقمات المقاهي
كفى لغطاً عاهراً أيها الفقمات
كفى يا ضفادع هذا النقيق الدنيء
فأنتم سبات
سأصرخ يا بحر.. يا رب.. يا رقص.. يا عتمات..
زٌحَارٌ بكل التقاليدِ
لا يتبعَ البحرُ بوصلةً
بل تتابعه البوصلات..
زحار ببحارة يرهنون لحاهم على ساحل
واعصفي فالمقادير قد أفلتت عن إرادتها العجلات
سيولٌ على بعضها تتواكب في زحمة الإرتطام
وفي دمهم يعبرُ السائرونَ
إذا لَزِمَ المعبرُ
ومن قطرةٍ يعرف المصدر
هي اللحظة اقتربتْ فابشروا
تَهِبُّ البنادق تستهترُ.. وتصحو النيازك والعنبرُ
ويأتي دمٌ مُدْلَهِمٌ مُخيفٌ
أقَلُّ ارتطاماته مَحشرُ
وعاصفُ أسودُ ذو ألفِ عينٍ
على متنهِ عاصفٌ أحمرُ
وتمسي ذقونَ ذُنَابَ عَقاربَ
في أوجهِ الخائفينَ وما زوّروا
فذئبٍ بفخذينِ من آخرٍ
يَدفِنُ الوجهَ رُعباً
فهم نسقٌ راعشٌ أصفرُ
لقد كنتُ أحلمُ وعياً
وفي حلمٍ بالذي سوف يأتي وفاءُ
ومرّت جنازةُ طفلٍ على حُلُمي بالعَشِيِّ
يرادُ بها ظاهرَ الشامِ، قلتُ:
أثانيةً كربلاءُ
فقالوا من اللاجئين.. كَفَرْتُ
وهل ثم أرضٌ تسمى لجوءً لنُدفن فيها
وهل في التراب كذلك
مقبرةٌ أغنياء.. ومقبرة فقراءُ
تلفتّ في ظاهرِ الشام أبحثُ عن موضعٍ
لا يمتُّ لغير منابعه
ندفنُ الطفلَ فيه
وقد دبَّ فينا المساءُ
وكان على كل أرضٍ نظام الحوانيت
يتبعنا في الغروب
وكان يُشارُ لنا: غُرَبَاءُ
وحين دنونا لمقبرة ليس من مالكين لها
جَعْجَعَ الحرس الأموي بنا: فُرزَت للخليفة
قلت بل يفرز الخلفاء!!
وكان نسيم الطفولة ينضحُ من شقوق الجنازة
بين المخيم والشام تنبت أين اللقاء
جنازة من هذه؟ ولماذا بلا وطن؟(69/408)
وكلاب الخليفة تنبح من حولها
والمخيم يحملها راكضاً والشواهد تعرقُ
قلت: فلتعرقي
واكفهرّ على تلة في البعيد الشتاء
أليست هي الأرض ملك لرب العباد؟
وهذي الجنازة أصغر من أصبعي.. فادفنوها
وأم الجنازة يكسرها الإنحناء
وجد الجنازة أعمى يتأتئ
والعينُ يرشح منها على الصمت ماءُ
فقيل لنا: مبلغٌ يحسم الأمرَ
فاجتمع الفقراءُ
فللمال أفعاله يستفز
هنا دفن الطفل في آخر الأمر
يا أرض غزة فاسترجعيه
لئلا مقابرهم تستفزُّ
وليس يهاجر في موهن الليل إلا الأُوَزُّ
عروس السفائن ان المراكب
ان لم يكن فوقها عالمٌ بالبحار تنزُّ
ويلقي بها الليل منهكةً يتناول فيها النشيج
ويرتفع البحر جيما عجيبةَ
اما تصاعد منه الضجيج
وما نقطة الجيم الا البقية من جنةٍ
انا كالحبر فيها الأريجُ
وأسأل هل نزل الطفل في قبره...
لاجئاً بين أمواتنا
لكأن اللجوء مصير اللجوجِ
عروس السفائن أسندت ظهري على خشب الشمس فيك
حريصاً على الصمت.. أستنجد البحر
ان الجماهير في شاغل والدهاقين في قمة النفط
في حكةٍ بين أفخاذهم
والزمانُ على عجل للرحيل
وقد دارت الشمس دورتها
وانتهى اليوم
والشمس ترجئ بعض الدقائق.. قبل الأصيل
خذيني الى البحر
يا أيُّهذي العروس
لقد مَلَّ قلبي ألاعيبَ أهل السياسة
والرأس أثقله الخمر
والزمن الصعب.. قبل قليل
وكل النوارس نامت
ولم يبق إلا السفينة مبهورة بالشمول
عروس السفائن يا هودجاً.. يتهودج بين الكواكب
فليمرج البحر.. ولتحمليني لوادي الملوك
أرى عربات الزمان مُطَعّمَةً
ترجو الأبدية في معبد الشمس
شامخةً (طيبة) الآن
تلبس كل مفاتنها.. نهدها في اهتزازِ
ويرتفع الحزن من فوق أكتافها
يتبارك بالموكب الملكي
ترتفع الابتهالات.. فرعونُ.. فرعون.. فرعون
يرتفع الصبح.. فرعون.. فرعون.. فرعون
يرتفع المجدُ.. ترتفع الخيل بالرسل الذهبية
أصرخ قِفْ!
يتوقف رب الزمان
وقلبي توقف في الحزن كالحجر الأردوازي
و(طيبة) شامخة نهدها في اهتزاز
رفعت عيوني الى نثر طيبة(69/409)
فوق الجبين الذي مسحته الخليقة بالخمر
والإعتزاز
أفرعون يا من تُخلد أهرامكَ الموتى
أسرع هنالك من يَقتنيْ هرماً للمخازي
تقزّزَ وجهُ الإله.. وألهبَ طهرُ الجيادِ سياطاً وقرحها
صحتُ قفْ أيها السادنُ الأبديّ
فمن يملكون السدانة قد سرقوا شعب مصر
زَوّرُوا شعبَ مصرَ
وقعوا باسم مصر ومصر بُراءُ
شربوا نخبها وهي جائعة
ليس في قدميها حذاء
ولكن متى كان فرعون يصغي!
استجرت المماليك
لكنهم أرسلوا مصر فوق الجمال
لوالي الجزيرة كسوه
ووالي الجزيرة بين سراويله
الحل.. والربط.. والزيت.. والموت.. والحرب..
والسلم.. والعنعناتُ
وأكثر ما يُصرخ الأمعاتُ
ولكن لمصر مواعيدها.. للصعيد مواعيدهُ
للرصاص مواعيدهُ
والنجوم هنا لا تُعَدُّ
وليس أمام البراكين في لحظة الروعِ سَدُّ
وهذي الفوانيس تفضي لحلوان في الليل
حيث السلاح الخفي يُعَدُّ
أعدوا لهم ولعاهرهم، "ان عاهر نجد يعد"
لقد حاولوا أن يهدوا على "ناصر" قبره
فهو معترض دربهم
والقبور لهن لدى الله حَدُّ
ولكن لدى الله جند، ومصرُ الرحيمة
لا ترحم السفهاء
أنا لست بالناصري ولكنهم
ألقوا القبض ميتاً عليه
وعري من كفن نسجته قرى مصر من دمعتيها
إذاً.. سقط الآن عن بعض من دفنوه الطلاء
أقول لناصر أخطأت فينا اجتهاداً
ولكننا أمناء
وأن الذي في الكنانة مما رحمتَ فأطلقتَ بالأمس
يكافئكَ الطلقاء
لئن كان كافور أمس خصياً
فكافورها اليوم ينجب فيه الخصاء
تفتق فيه الغباءُ ذكاءً
ومن مُشْكِلٍ يتذاكى.. بدون حياءٍ غباءُ
وما عجبٌ ترسل الريح في أزمةٍ
وتلفُّ بموضعها الخنفساء
ولكن تموت على ظهرها وتكابر
مسألةٌ تقتضي فوهَ ماءُ
ومهما السجون تضم أماماً
يظل على شفة الكادحين الغناء
ومصر التي في السجون مع الرفض
أما التي في البيانات مصر البغاء
وحاشا فإن من النيل ما يغسل الدهرَ
مهما طغى الحاكمون الجفاءُ
لمن في الظلام الدماء
لمن في الظلام التوابيت تمشي
وفيم الحراسة حول المقابر(69/410)
قال الذي يتلفت: ان العزيز يمر على شهداء (المحلة) بالطائرة
فقلت: هو القسط يُدْفَعُ
أقفل فمك فالمباحث من حولنا كالبعوض
وفيم العجالة في الدفن؟
أسكت!
مخافة أن يزحف الدم في القاهرة
صرخت: سيزحف.. علمني زمن بالعراق
بأن الدماء هي الآخرة...
وحين الصعيد يطوق قصر المماليك
لست أبالغ يجتمع الله في الناصرة
تقول البيانات قد قتلوا عاملاً واحداً
تكذب العاهرة
فهذا دم يجمع العرب الفقراء من الأطلسي الى صفقة في الخليج
وقد كفرت نخلة حين بيعت
واني من النخلة الكافرة
أرى الأرض تنقل أيضاً مع النفط
في الباخرة
خنازير هذا الخليج يبيعوننا
والذين هنا يمسحون قذارتهم بالقروض
لقد تمت الدائرة
لمن في الظلام الدماء؟.. سؤال يلح
وتزهر من حوله أغنية السائرين على جثث
زيتتها المكائن والدم والكبرياء
ستبقى المكاتب هذي مزيتتة بالدماء
وينتج عنها قماش دماء
عروس السفائن أبحرت مبتعداً عن متاهات روحي فيك
فإني من أمة تتفجر في ليلها الصحراء
وما بدعة لا أرى في المذاهب غير جواهرها
ما بهذا انتقاء
أمد جذوري تضرب في الأرض
عن ثقة أن دهري سماء
وليس على ناظري الغشاوة فيما رأيت
ولكن على أمةٍ حَرّفَتْ مبدعيها غشاءُ
(أبا ذر) إنا نفيناك ثانيةً
حين قُلنا بمحض الفجاجةِ:
من غير روحك يبتدئ الفقراء
وما كَفَنٌ قد شَرَطْتَ وعشت به في الزمان
فناراً تحاولك العادياء
سوى أن فائض مال رفضتَ
وشرعّت أن الخلائق خَلْقٌ سواءُ
وأنك في الفكر والروح أصلٌ
ومن معجز الملتقى.. يتوحد فيك الثرى والفضاء
بنيت بيوتاً من الوهم والدمع
أين هوَ العشقُ.. أين هو العشق.. أين هو العشق.. تم البناء
بكى طائر العمر في قفصي
مذْ رأى مخلب الموت ينزل في صحبه
ويكفّ الغناء
فأنبته أن يصدح كي يسكر القفص الدنيوي
فإن انفلاتاً من الشرط بدءُ لفك الشروط
كما تتعرى مراهقةٌ تتمتع حلمتها
أن يراها الهواء
ومنذ نهارين والطائر المشرئب.. يحدق في الأفق
ماذا تراه يشفُّ الوراء(69/411)
كأن به هاجساً يتقرب من خطر
أو به خطر.. انها الأرض تدخل منزلةً وتشاء
هو الآن في وحدة المتناقض
حيث يتم النقيض الجديد
ويستكمل الدورة الإنحناء
أحاورُ روحي أحاورها
وحوارٌ مع الروح ماءُ
عروس السفائن أدعو النجوم الى قمرتي
فأنا أُولِمُ الليل نذراً
وألبسُ أبهى ثيابي
فقد كنت عند نخيل العراق.. وإن كان حُلماً
وكان العراقُ على مُهره عارياً
مثلما ولدته السماءُ
وكان على عتباتِ العراقُ الفضاءُ
وبين ضلوعي فضاءٌ.. به نجمةُ
لستُ أدري بماذا تُضَاءُ
وفي نجمتي تلك يجتمعُ الله والأنبياءُ
تأخرَ عنهم نبيٌ
سُئِلْتُ
فقلتُ: يُزَيِّتُ حَدَّ السِلاحِ
فإنّ نبيَّ الزمان الفداء
عروس السفائن صار العراقُ لطول المجافاةِ حُلْماً
ولكن به دجلة والفرات
كأن من الحلمِ يرشحُ عشقٌ وماءُ
يُشيرُ إلينا العراقُ.. وفي الحُبِّ حُلوٌ يشاء
أيا وطني قد ضاقَ بيَّ الإناءُ
كأن الجمال بليل الجزيرة
سوف يطولُ عليها الحذاء
كأن الذي قتل المتنبي بشعر إبتداءُ
لأمرٍ يهاجر هذا الذي أسمه المتنبي
وتعشقهُ بالعذاب النساء
وما قدرٌ أنه في الجزيرة يوماً.. وفي مصر يوماً.. وفي الشام يوماً..
فأرضٌ مجزأةٌ.. والتجزؤ فيها جزاءُ
عروس السفائن
كُلٌّ على قَدَرِ الزيتِ فيهِ يُضَاءُ
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> فتى إسمه حسن
فتى إسمه حسن
رقم القصيدة : 64125
-----------------------------------
سقط الطل...
وطوى رشاشته المسكونة بالليل
وعصافير المشمش
تسمع نبض الجسد الزيتوني
صمم أن الطلقة تسري سريان الدم
كم الطلقة يا قلبي تؤودي أضعاف مهمتها
سحب الأقسام كأن الدنيا إنسحبت
أعطى الصلية حريتها
فتمادىالأفق بعيدا وتناغم في الساقية الطل
زقزقت الساعة في حقل التفاح
وقام الورد تفرغ دالية
وتصاعد خط الماعز في الجو صنوبرة
كنت وراء سياج التفاح
أقمت الشتلات
مسحت مدامع أشجار التين
عن الرشاشة والذل
وحبات الفستق
عدت بصمت كالحكمة
كالسهم المتبادل بين البلبل
والبستان(69/412)
كأنك والساقية الحسناء تفاهمت على شيء
كم صمتك يشبه في الشمس
براعم مشمشة أمطرها اللّه كثيرا
كم يشبه صمتك في الليل
جيوش الأفتار
لم تستلق براحة بال
يتموج في خديك خمور الشتوي
كما الآن
يكاد لثقل الأفكار برأسك
يجتمع العشق وسادة
وفراشات الكلف الحمراء
تلف على إبهامه قدميك
كأن ضريحين من الورد
وهمت (بنت جبيل)
تصعد في العتر والزيتون
وطفلة تهديها البريين
كأن الأفكالا عبادة
تتلفت..
لم تمسك مسا
من كتف عركتها الأقدام
ورشاش الأخمص صارت قاعدة
تنطلق الأسلحة النارية منها
ما شاء اللّه
ما شاء اللّه حسن
كبرت كأنك كل الدنيا
أو تتجاوزها بمسدسك العبقي اللون
ستكتب في الليل نجوما أخرى
أو تجمع في دوامتك النجمات
لم تسقيك رضاع الحلو قلادة
وتزيل الشبق البني العاشق للرشاشة
عن كتفيك
وأطراف قميصك
والجو العبق المنعش في خديك
في شفتيك تتمتم أجمل أنواع الصمت
وهم مسدسك الفاجر
يرجم أرحاما للآنظمة العربية رغما عنها
ما شاء اللّه وما شاءت بنت جبيل
أغرق رب الكون
من الإبريق الفضي اللون
بساعات الفجر بصمت
فرشت صحف الصبح لها جسر
ووجهك كان يرفرف كالخفيشة
ينثر في الجو الساخن أنباء طاهرة
لو لا وجهك لم يقرأ صحف الرجعية هذي
أحيانا تخرج هذي الصحف المبوبوءة صامتة
كالغزات تخنق حتى البلبل في الجو
وتقتل في أقصى القلب أحب أغانيه
ولا تذكر إلا الأحزان الشعبية
أخبار الشفق الوردي
وصوع البارود الفاخر أياما
ولعل إلى الآن
ومضغة لحم
حطت كالطير الموحش قرب صبي
ذكروا لم يتدحرج كالأجسام اللبنية
أدخل كفيه عميقا في التربة
وإحتمل المضغة كاللذة
حاول يزرعها في باقي أشلاء الجسد الحي فأعيله
فصرح بالدمع
وكاد يضيف إليه يديك وحراسته
فالتفت اللحم إليه يناديه
فكر لا بد يضاف إلى الجسد درس
تزال وجوه الأوباش من الصفحات الأولى
والفتية لا بد يشبون سريعا
وبدا أن طفولته الشمعية تصبو
حدق في إصرار
مر وساعده البلوري الخافق يشتد
كأنك قبل الوقت تفجرت(69/413)
كبيت البدر لتنبيت فيه
حين الجرافات أرادت أن ترفع أشلاءك
والأقدام الثوري لعينك
إرتفع الشارع
واهتزت وهنا من ثقل الإيمان الجرافات
فتألق قلبك بالشمس
عادت كل الأشياء إليه
وفاضت كأس من خمر الجنة
لولا أن الكرمة بنت جبيل
وتركز فيها سكر لبنان وماضيه
يحمل هذا الليل نجوما أكثر مما يحتمل الليل
فما قدم يمشي إلا تشتاق نجمات في الكرم
وأشجار التفاح
وصمت الناس....ينابيع الضيعة
زقزق فيها اللؤلؤ والثلج
ستبقى تحفل جفنات قناديل المشمش
واللّه يذكي ساعده مثل صديقين عى كتفيك
وانت تحدثه معتذرا
إنك قبل الوقت يسامحك اللّه
ويمسح قطرة دم ما زالت في صدرك
يعطيك مفاتيح الجنة
تركض...
تزحف...
إن الشهداء يحبون العودة للضيغة قبل الجنة
يسترك اللّه
تهرول بين سواقي الليل إلى بنت جبيل
لولا ناداك تنسيت تودعه
ما زال بحب الضيعة قلبك مشغولا
وسريعا جئت وراء الصمت
والأف الأعشاب
قميصك كان كصوت الحسون يضيء
وآثارك في الطين الفضي
تعمدت على نفسك تخفيها
فلقد أنت خلقت
على العمل السري بصمتك مجبولا
لم تك تعلم
أن الضيعة رفعت كل مراسيها
وانحدرت في نهر العشق عروسا
تغسل في النبع البلوري
فتاوي قدميك المدنقتين
وتخلع عنا بقايا البارود
ونخجل أن تتعرى من هذا الثوب الحربي
لأنك سوف تعود إلى الحجز ثانية
في الوقت تماما
وكأنك لم تقنع بشهادتك الأولى
يا سيف اللّه تفيض بخمرة دينك
أو ما كنت ومن كنت
أو أنت من الخمر الأحمر
لم يخرج بالسلطة يوما
وتؤمن بالأسلحة النارية
وتربط ربطا ليس فكاك له بين رجالة إسرائيل
وإسقاط الأنظمة العربية دون إستثناء
أنت أمام العصر بحق
أشهد مولاي إستشهدت على حدسين
وليس على واحدة
ودليلي
لم يفرح أحد بإستشهادك أجهزة وطبولا
إنثت فراشات الغبش الزرقاء
والقى القمح قلادات العبق الخمري
جروحك أكثر من جسمك مولاي
عسى الشمس تخفف وطأة قبلتها
ويجوز رضاك الظل
سترقى به بعالمه حتى تتماثل للعودة
للدار وإن كنت تحب الغيبة(69/414)
أكثرنا عشقا وحضورا فيها وحلولا
لم تنف الموت
فمن أقصاه أتيك أتتك حياة
أتتك.كأريج حقول التفاح
ورائحة الصمت الأرضي
كأنك بطل بالفرح الإنساني مطير بالخير
يكاد يلون بالحب عيون الطير
وأعمدة الهتف تخضل
وتلتمس الحاجز
وتأخذه الخشية
إنك عبأت الموت كذلك بالبارود
واشتقت تواجه أعياد إستشهادك
حتى تلقى اللّه على الطور
تسلمه ألواح البارود
عليهن وصايا الشعب العربي
كم عاقبت بهذا الموت الحي تكايا هرمت
والطمث السلمي يعودها كل نهاية شهر
إن أوجعها خازوق نظام
لبست آخر أنعم منه
وأعرض قطرا أو قطريا
وكأن التاريخ يجوز على خازوق
سمة العصر
يكون ثقيلا
لأكاد إذا ألمحهم أقطع أنفاسي
ثم الطلف أو مد الأيدي لمصالحة
واللّه
تصيح يدي قلبي
سأقبلها مما العز بها
شكرا يا رب
شكرا يا رب خلقتها بالعز وخمرك
والنبت على خاصرة الورد تبتيلا
إلتفت إلى بيتك متكيء مرتاح
ومن النفح الصمغي يطل الزنبق
والصمت وأعشاب الليل تمد أياديها الناحلة القمرية
تبسط سجادة طل في الريح
تصلي أربع ركعات عبقا
أشجار الرمان صراع طبقي
والتين كعرس الزهراء
ما بال الصمت يخربش في الموقد
والطباخة تخرج كالأرغن مشرعة بالموت
وزناد البا يكاد
أأنت هنا؟
أعصاب المنفي تتوتر من غرفة نومك
تأتي أشجان المسك
أأنت هنا؟
فيم تخبأت كنار القدر بقطرة ماء
لعل تركب أشلاءك
والساعة
والعينين المتطرفتين جنوبا بين حقول اللوز
ورشاش العتم أكاد أميز طعمك
رقتك القصوى
قبل الإبهام وخنصرك الشمعي
أعدت عقارب ساعتك الهروسة
فالوقت أهم الأشياء لديك
منذ حضرت عقدت مواعيد مع الشمس
ولم يخلف أيكما الموعد تقريبا
وتقرمت الظ من الأسلحة النارية
ميقدا كازنبق في ساعات الصبح
وتغلبك العفة والخنفر الثوري
وأشجار العشق
كما حضرت صوفي يتنجس من ذكر الدولة
إذا لم يضطرب الصوفي فكيق يكون طوبا
الساعة يا حسن اآن قريب صلاة الفجر
وما زلت تركب أشلاءك
والساعة تلهما الوقت العادي الأفضل
لعل ندى الصبح الرد يؤذيها(69/415)
وجرح يمر به الطل على زجاج الرئتين
أو القلب ينهنهها الطل
فتسيقظ بدل وحنان متئدين
تلم فتتات اللحم
أخي حبيبي
ما هذا العبث الصبياني بمفهوم الموت
ما هذي الجدية في معرفة اللّه
وفي معرفة الشعر
ما هذه الكاية في مفهوم الكون
ما هذه الأنية يا مولاي كنغمة طير
لملم لحكمك ..أشلاء الساعة
سهرات العشق النثورة من رئتيك
على العشب البارد
أسرع
أسرع
أسرع
أسرع يا مولاي
تأتي كالإتيان الصعب
تشم الطرق الصخرية
أسئلة كالألوان الزيتية في عينيها
لم تجهش بعد
وكم صعب أن لا تجهش أم شهيد
وصلت في أزهار اللوز
لم جدائلها بالعبق الصيفي الغامض
أمطر قبلا بالطل
على قرآن أصابعها
واهمس مهما لا يسمح صوتك
في عالمك الصمتي الغامض إهمس
أمي..
تسمعها أكثر من أي هوائي يلتقط الشعرات الكونية
تدري أنك في البيت
لست تغادر إلا ليلة عيد
يا أمي.. يا أمي أنت هنا
ويرين الصمت كثوب الأرض الرطب
وتسري في قدميها الدوخة
وتهاوت..حطت فوق القدمين
لكم في تلك اللحظة كان اللّه قديما وتليد
سبحانك
خططت السلطات لحرق حقول اللوز
وعادت معها الأقلام الموبوءة تعوِ
أغضبا ليس لنل بل لغد
دمر..زلزل
هذي الدنيا خطأ
خطأ
خطأ
خطأ شائع
وجئنا بالدم والعشق وصدق النية
ساعدنا زهر الروح
يشف عليه الربع الخالي والأفق بعيد
أن نهزم السلطات الذئبة
فاللحم تصلب صار جليد
ما خطب دريد منحط
يظن بغانا مدفوعا سلفا يدفعنا
يا ابن أبيه لك الحق
فإن الأيام قوا ويد
شكل ..مد..تنافى
لست بأكثر من شرف بقليل يسرق
لا أتمثل أمثالك حرفا
صمت العشق يضيء بقلبي يكفي
ورغامك في وكر الغربان مديد
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> في الحانة القديمة
في الحانة القديمة
رقم القصيدة : 64126
-----------------------------------
المشري ليس بعيدا.. ما جدوىذلك أنت كما الأسفنج
تمتص الحانات
ولا تسكر يحزنك المتبقي من عمر الليل بكاسات الثملين
لماذا تتركوه؟
هل كانوا عشاقا؟(69/416)
هل كانوا لوطيين بحض إرادتهم كلقاءات القمة؟
هل كانت بغي ليس لها أحد
في هذي الدنيا الرثة؟
وهمست بدفء في رئتييها الباردتين...
أيقتلك البرد؟
أنا يقتلني نص الدفء.. ونصف الموقف أكثر
سيدتي ..نحن بغايا مصرك
يزني القهر بنا.. والدين الكاذب.. والفكر الكاذب..
والخبز الكاذب
والأشعار ..ولون الدم يزور حتى في التأبين رماديا
ويوافق كل الشعب..أو الشعب
وليس الحكم أعور
سيدتي .. كيف يكون الإنسان شريفا
وجهاز الأمن يمد يديه بكل مكان
والقادم أخطر
نوضع في العصارة كي يخرج منا النفط
نخبك؟؟ نخبك سيدتي
لم يتلوث منك سوى اللحم الفاني
فالبعض يبيع اليابس والأخضر
ويدافع عن كل قضايا الكون
ويهرب من وجه قضيته
سأبول عليه وأسكر..ثم أبول عليه وأسكر
ثم تبولين عليه ونسكر
المشرب غص بجيل لا تعرفه.. بلد لا تعرفه
لغة.. كركرة.. أمور لا تعرفها
إلا الخمرة بعد الكأس الأول تهتم بأمرك
تدفئ ساقيك الباردتين
ولا تعرف أين تعرفت عليها أي زمان
يهذي رأسك بين يديك
بشيء يوجع مثل طنين الصمت
يشارك الصمت كذلك
بالهذيان... وتحدق
في كل قناني العمر لقد فرغت
والنادل أطفأ ضوء الحانة مرات
لتغادر
كم أنت تحب الخمرة.... واللغة العربية...... والدنيا
لتوازن بين العشق وبين الرمان
هذي الكأس وأترك جنتك المسحورة
يا نادل لا تغضب فالعاشق نشوان
وأملأها حتى تفيض فوق الخشب البني
فما أدراك لماذا هذي اللوحة للخمر...
وتلك لصنع النعش.. وأخرى للإعلان.....
أملأها علنا
عفوا مولاي فما أخرج من حانتك الكبرى
إلا منطفئ سكران
أصغر شيء يسكرني في الخلق فكيف الإنسان
سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل
وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان
وقنعت يكون نصيبي في الدنيا.. كنصيب الطير
لكن سبحانك حتى الطير لها أوطان تعود إليها
وأنا ما زلت أطير... فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر
سجون متلاصقة
سجان يمسك سجان....
************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> قراءة في دفتر المطر(69/417)
قراءة في دفتر المطر
رقم القصيدة : 64127
-----------------------------------
" إنني أحمل قلبي كبرتقالة مضى الموسم ولم تنضج, وأعطت زهر
البرتقال , وفيها رائحة شمس البارحة
إلى أحمد صديقا من الشياح"
في الليل , يضيع النورس في الليل
القارب في الليل
وعيون حذائي تشتم خطى امرأة في الليل
امرأة , ليست أثر من زورق لعبور الليل
يا امرأة الليل , أنا رجل حاربت بجيش مهزوم
في قلبي صيحة بوم
وأخيرا...
صافح قادتنا الأعداء , ونحن نحارب
ورأيناهم ناموا في الجيش الآخر , والجيش يحارب
والآن سأبحث عن مبتغى , أستأجر زورق
فالليل مع الجيل المكسور طويل
في مقت الزيتونة , شباك للغرباء
تبكي الموجة فيه
أهلي فيه
ورجال فيه يصيدون أصابع أطفال غرباء
مازلنا بشرا ضعفاء
نبحث عن شوق , ليتبعنا كالشوق
ونحب ونكره حد الشوق
ورأيناهم ناموا في الجيش الآخر , والجيش يحارب
وبحثنا عنهم كالمبغي
يا شباك الزيتونة ... أبحث عن مبتغى
أبحث عن طين..
يا زهرة بيتي , يا وطني,
أأظل هنا حزنا مبعد!
أأظل على خرسي , تابوت قصاصات مجهد!
لا أعرف حتى خشبي...
لا أعرف أين سيتركني الجزر
وليل الماء على جرحي....
لا أعرف كيف يمر الإنسان بدرب الدمع
لا أعرف أيأس...
ألخضرة دبت في خشبي والمنفى
وسمعت شموعا تتلقح في قلبي
وصراخا أهمل أعواما لا يغضب... لا يبكي...
وتواطأت مع الأيام , نسيت , نسيت وفاجأني
أنت؟
وفي هذا الليل
أنت ! أنا لا أعرف وجهك , لا أعرف :"أنت"
أعواما بعدك , ما كان لبيتي باب
أعواما... ألهث.. ألقاك وراء النوم, وأنت سراب
فأنا أحببتك في زهرة بيتي , في وطني
وسمعت شموعا تتوهج في قلبي
ولماذا بعتم لغة البيت , وفيها "الشياح" وأهلي .. وأخي في
مطر الليل!
ولماذا استأجرتم لغة أخرى!
وأبحتم وجه مدينتنا لليل!
وتركتم في الهجر حروفي
كأصابع أيتام في الشباك
كزوايا فم طفل يبكي
من أقصى الحزن أتيت
كي أغلق أبواب بيوت المهزومين(69/418)
وأبشر بالإنسان ... وبالإنسان... و "بالشياح"
وبمن لا يملك سقفا, سيكون له سقف, في هذي الدنيا....
وينام
لكن .. واخجلي من بيت مهزوم
وسيخجل من باعوا لغتي
فأنا مكتوب في الأرز وفي العسل الأخضر في التين
وأن أطعم بالسكر نخلات "الكوفة"
والأطفال على رابع جسر في " العشار"
أنا لا أمللك بيتا أنزع فيه تعبي
لكني كالبرق أبشر بالأرض
وأبشر أن الأمطار ستأتي
وستغسل من لوحتنا كل وجوه المهزومين
وستغسل من يبحث عن خيبته عن مبتغى
وستغسل بالمطر الدافئ جنح النورس
وبيوت أحبتنا....
والحرف الأول في لغتي
يا زهرة بيتي ,يا وطني ,أمطرني...
حزن بلادي فوق الماء
ماذا غير الزرقة تنمو فوق الماء
وخضار أصابع أطفال غرقى
تنمو في الطحلب أياما.... وتموت
الماء طريق للغرباء....
الماء طريقة عرسي
والزهرة... والرشاش..
وخبز الصمغ عشاء النجمة في الصمت....
وعشائي.....
الماء طريق للماء
وبيت, لا ندرس فيه
وننشف خديه إذا ابتلا...
ونرافق فانوس النوم
من أيام زهرة بيتي
فارقت نعاسي
وتواطأت مع الأنهار وكل جسور الناس
إليك .. إليك..
ونسيت
نسيت بأنك ماء في وطني
اسمك في الليل يسيل الصمغ عن التفاح
نهر ينتاب الحر ليالي الصيف
ويواعد كل الأمطار
ويواعدني...
الصحو يواعدني ؟
وكذبت بقلبي
كذبت كنشرة أخبار
يكذب... يكذب... صحوك يكذب باستمرار
باستمرار
فكأنك غربة...
وكأنك كنت رصيفا في الغربة
وكأنك مألوف في الغربة
وكأنك ..لا أدري , .. غربة
بلل فيك , كماء الليل على الأشجار
اسمك لي بيت في الليل
ونسيت لسرعة قلبي, كل نوافذه مشرعة لليل
نسيت..نسيت..وأيقظني..
ريح الشباك على وطني
يا وطني , وكأنك غربة
وكأنك تبحث في قلبي عن وطن أنت
ليؤويك
نحن الاثنان بلا وطن ... يا وطني
كالبارحة اشتقت ومرت في قلبي
طرقات مدينتا تبكي
الدمع على أرصفتي يبكي... يبكي
ومدينة أيامي , باعوها , في الساحة تبكي
يا امرأة الليل أنا رجل, باعوا لليل مدينة أيامي(69/419)
باعوني ككتاب يطبع ثانية, باعوا أحلامي
نامي يا امرأة الحزن , فمن يبحث عن إنسان؟
من يعرف جنديا في هذي الغربة
من ينصت للحزن المتأخر
من يعرف وجهي في السوق ؟
يوشك زيتك يطفئني !
ما زيتك من زيت ؟
يا قمحا يأتي
يشمس شباك البيت
لو كنت أعرف بأنا نملك بيتا خلف ظلام الدنيا
وصغارا مثلك في البيت
لو كنت عرفت سلاحا
لو كنت عرفت لماذا نتغطى الصمت وحزن الإصرار
لو كنت عرفت معسكرنا , وقبور الماء وصوت الليل
ورأيت وجوه رفاقي التسعة قبل النار
لو كنت عرفت لماذا يسكن جوع في الأهوار
جوع وثلاثة أنهار
لو كنت عرفت الخجل المر
على جبهة ثوري ينهار
لعرفت الثورة
لعرفت لماذا الثورة
لعرفت أن الثائر لا ييأس من دفع الصفر بوجه الليل
لعرفت , لماذا أبحث عن مبغي
لعرفت لماذا أبحث في وجه الناس عن الإنسان
في وجهك أبحث عن إنسان ... عن إنسان...
عن إنسان
أبحث في طرقات مدينتكم عن وجه يعرفني
أبكي كالبوم المجروح , على جدران الليل
والبارحة اشتقت , ومرت في قلبي كل خرائبها...
تبكي...
يا مدن الناس....... مدينتنا تبكي
المنقذ يأتي ... كشموع تحت الماء
سنتان تعلم حزنا تحت الماء
سنتان نمت أسماء القتلى , اتخذت أسماء
ونما النسيان..
ونما للمنقذ... درب وصليب من أشتات خضراء
حزين قلبي للمنقذ
مثل كتاب الأحزان
مثل كتاب الريح
مثل رثاء النصر إذا ساوم قلب القائد
وكما يقرأ في الكبغى , قرآن
وحزين قلبي
كحديث العمر الذاهب
للمنقذ...
في طرقات مدينتكم حقرتم حزني..
المبغي في ليل مدينتكم أكثر تسلية من حزني
القبر بليل مدينتكم , أكثر أفراحا
وأنا من أقصى الحزن أتيت أبشر
بالإنسان وبالمنقذ
وأخاف على أيام مدينتكم منكم
من لغة أخرى..
في الطرقات المشبوهة بالإنسان , وزهر الصبار اتسخت
روحي
يا منقذ .. واتسخت روحي
وتعذب حتى وسخي..
عانيت لأنك تعرفني الغربة..
عانيت , لأنك في ثقة متعبة , كالشك
وتعلمت مع الغربة
عانيت.. وماذا تدري ؟
ولماذا تدري ؟
بالأمس , ذهبت..(69/420)
على وجهك حزن الأسماك
وسألت... سألت...
وعنك سألت الصيادين
سألت لماذا لا تدري ؟
وجملت صليبك لا تتركني في النسيان
لا تتركني , فالشك سيقتل في الإنسان
لا تتركني , أفلست المنقذ ؟
ولأجل صليبك أورق في الليل
على الأبواب
ولأجل صليبك نمت مع المبغي , ووجدت صليبك يبكي ندما
في الشباك
لا تتركني, فأنا وحدي
والناس هنا في غربة
***********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> قصيدة من بيروت
قصيدة من بيروت
رقم القصيدة : 64128
-----------------------------------
واقف في الخراب أثنيه
عاش جلالتكم
مرة ينبت العقم ضد القوانين
يحترم الانحطاط كرامته
يقف القبر منحنيا من جلال الولاة بالجهض
هذا الفساد الحضاري يلهمني
أتحول من خيبتي إلى حلزونا
يعشش في مستبسلا
وتطور في المشارط علم الجراحة
من كل هذا الجمال المهدم
صرح سليمان يبنى
وقد أرسلوا هدهدا عالمنا بالنساء
إلا فافرحي يا بغيا تسمى
فما تلك الأخريات من القهر حتى حقوق البغاء
أنا فرح يا بغيا تسمى
وأرقص بين الجنازات
ون الجنازات هذا دميم
أنا أمه الراقصة البدوية قدام قاتلها
جاءت الساعة الصعبة
ما تملك الظلمات سفيه تنفس
صمت تفرخ فيه المآتم
أيوب في الليل
أيوب في لحظات التفسخ
أيوب ينمو
وتأتي الظباء من البر مورقة
جاءت الساعة الصعبة...
الصعبة..الصعبة..
واقتحموا
صاحب القيم البربرية
كان الجراد ألغولي يأكل أقدام أيوب
أيوب مستسلما
فتشوا الجلد والحشوات المليئة بالسل والقمل
لا تتلفت
أنت أيوب..لا تتلفت
وأغار الجراد على عين أيوب
أيوب مستسلما
ورأيت الجراد يجر عينه
أيوب مستسلما
أيوب في الموقف الدولي
وجرارة وقفت في الخراب تنظف أسنانها
أيها الرب
إن بقية أيوب تنبض
قف بالخراب
وقفت..
وكنت أراهم كم السنديان المكابر في الرعد
فلتفرحي يا بغيا
ففي مجدك اكتملت جوقة العزف
لكنها الساعة الصبة الآن
والاختيار الذي فضح الضلعين من الضفتين
وأعرف أن الدماء الزكية تدعوا العقارب(69/421)
اقتربي ...اقتربي يا عقارب
اقتربي..
اقتربي أيها الصحف الأجنبية
واكتسبي فرحا يافعا
وانظري للعرايا على الأرض
تم الحصاد بهن
فقد كان فقر يدافع منذ قليل وأخفق
ما أقبح الفقر حين يدافع
يا أيها الفقر هاجم
وأعلنها علنا أنني عالم بالوثائق والسندات
وهو واقف في الخراب
أرى الانتهاك يراقبني
والدويلات ترفع أعلامها الطائفية مزهوة
نفذوا سندا واحدا والباقي جيرة
إن هذي النبوءة قد عذبتني
ولست أقول سوى عاشت الشقق الملحقات بندب
ويعقوب راقب بنيك
لقد دخل العقم هذي المتاهة
ما أصعب اللعب بالعقم
ما أصعب البندقية حين تصوب في ضحكة لصغير
وتتركه في المحاق
أيها السافلين
أما تستحي البندقية حين ترى امرأة
تتوسل تحت البصاق
أما تستحي القمة العربية من قاتل
يجهل اللغة العربية يحكي مطالبها
أما يستحي الشعب من صمته
إن طاولة الزهر ضاقت بنا فاستحوا
أنت قف بالخراب
أنا واقف والخرائب تركض
والطلقات تزيد الصفيح المثقب
فقرا ومذلة
وأقول أنا الحق لا أستحي
إن القبور الفقيرة كانت على الجهتين
وبيروت ما أحرقت
أنما أحرقا
وقح... وقح... وقح...
وقح أنت... قف بالخراب ولاتتطاول
واقف أنا....
لا علاقة لي غير أني طفحت من الحزن
صارت عيوني ترى من قفاها
وقد جئت أمسح وجه الشواطىء من عرق الطلق
فالمهات يعانين طلقا عظيما بميتة أبنائهن
وتصبح روحي ساعة أمن
وينزل فيها الفراغ البطيء
أنا خائف في شبابيك هذا الخراب
عواء لطفل يشجعني أن أرى أي وجه لنا في الحضارة
أعوي أنا
فالعواء يوازن هذا الخراب
واحضن يتما تكون بين الصواريخ
نصبح يتيمين في عالم نملك اليتيم فيه
ويصبوا إلي بروح عدائية
ثم تعطي الغريزة كل مفاتنها
فيمد يديه المحطمتين ليحضن في العواء
وأحضن فيه الذي حفرته القنابل
هذا بناء جميل وهندسة للقيامة
ولا بد أن جلالتكم تعرفون
بأن مشاعية سوف تنبت بين الخرائب قاطبة
وتقاوم كل المبيدات من نفطكم
أتلفت في فرح
كان هذا إنفجار وأعطى صنوبرة من دخان(69/422)
وثمة شارة ضوء تواصل أعمالهم
إبتدأ النهب.....
كنت أرى جثثا يصرخ الصمت والنهب فيها
كنت أرى إمرأة تستباح وتنهب
والطفل يرضع في صدرها
كان يلعب في الإلتصاق
ولكنهم بتروا راحتيه وعانوا بصرخته
شجر بالحليب نما
حملت موزة كل أجراسها فوق بيروت
كان المسيح على النهر يغسل صلبانه
إغسلوا كعبة اللّه أيضا من الأثمين
قبيل رحيل محمد من قبره في المدينة
ثم عطر يؤرقني
وأزحت المشيمة كان دخان البيوت الفقيرة مرتبكا
وألتفت إلى جهة الليل
أدخلوا الهمجية في طفلة كنت أسمع صرختها
قمرا يتآكل في خجل
من يغطي على فخذيها
فإنهما في مواجهة اللّه مكسورتان
كما بددت فرحا
والخنازير تعبث
يا رب قد ملأوا فمها بحشاء دنيء
أما تستحي أنت يا رب منهم
لقد وسخوا الكون
فاغضب قليلا
هلا لك قد جعلوه وعاء لأثامهم
صليبك قد عاقفته العصابات نارية
خجل...خجل...خجل...
خجل من حشاء الخنازير
كانت تلوح بقيتها ثم حين إنتهوا
راقبت خطوة للإنتصار المشين
التي قد مشوها وماتت
إلا أيها الرب
هذا إضطراب وليس صراعا
وهذا دخول على الطائفية والجاهلية والبربرية
يا جيفا يا نتانات
أين دياناتكم
أين عقائدكم
يا بهئم
إن البهئم ما نهبت بعضها
ولماذا تركتم على الجسد الغض
خرقة ثوب مبللة بالحشاء
إنهبوها..زإنهبوها لتكمل أخلاقنا
إنزعوا قرطها الطفل
فالسندات القديمة تفتح فينا رصيدا جديدا
ويعقوب راقب بنيك
فهذا إنهيار عظيم وليس صراعا
وإني على قدرتي حامل حجر للبناء
ولكن على كل هذا الخراب المبجل كيف يتم البناء
وأعلن محكمة وإتهامي خطير
قفوا سأقول قرارا خطيرا
رأيت القتيل يساعد قاتله... والأدلة كافية
وأنا أرصد من كل فج
وهذا قرين يراقبني كيف أجمع بين القرائن
وابتدأ العزف في
ولكنني كشفت عن الفخ
هذي النبوءة أفزعتني
هنا خنجر ... وهنا وردة خنجر فافهموا
خراب في المدينة
أوشك لما رأى من رؤى أن أعانقكم
إننا لغة خبأ اللّه فيها مفاتيح جنته
ليت الفوارق تسقط ما بيننا(69/423)
التجيء الآن من حذري البدوي إلى لغة الشرق
أقسم أني رأيت رؤى
لم أكن حالما
إنما كان جسني في حلم لم أكن يقظا
إنما كان قلبي يجتمع الناس فيه
قتلتني المدينة
لكن طلقتها اشتعلت في فلبي عشقا
أكادوا أعنقكم نظفوا العنق
لا تتركوا في السلاح شكوكا وشكوا وراء السلاح
المهم إني رأيت رؤى
منذ عامين حدثت عنها لكشف الثواني
وكان تراب الوجود ورائي
رأيت وعدت حزينا...
وعدت رأيت وعدت معافى
لقد جئت من كل عمق
وكلي مدخرات وحزن وأبرق
فاستمعوا ولد الآن مولود عشق
وبالعشق قال المنجم ينفى
ويرقبه في كل بيت فساد
وبالعشق تطلق نار على جسدي الفوضوي وأنمو
وبالعشق في بيت بيروت أوقد كل شموعي
تبارك زيتك منها ومطفأة
أما المدائن تلد
وتعاني فناء بطيئا
وليس لها كل هذا الحريق المبارك
فلتفرحي وارقصي واكشفي فخذيك المعذبتين
فأنا الآن مثلك أعرف ما الحزن ما الفرح الهمجي
وما الاتزان الذي ممكن في اضطراب المقاييس
ها كاشف فخذي كثور الأساطيل
أرني بكل الحكومات لكن بعشق
بعشق...بعشق
سألقى الشوارع بعد الزنا وأتمثل في فرح
أعرف أن العصافير في الزقاق المعدنية
تبقى تمسح ريشاتها لصباح جميل
امسح ريشة حزني يا رب
يا قادما حولك الفقراء وأسمع صوتك في العالي
أيه القادم المستبد جمالا وعذلا وخمرا
تقدم فإن المدائن واقفة هجرة
والجماهير غابت عن المذبح الوطني
ما تم في الأفق إلا دبيب من الفرح
والمتعطش مستبسل
أي فطر بهيج أطل من الوسخ المتربع
بين أصابع أقدامهم
والأكف الصغيرة في الضوء
كان لها عفن فستقي
وكان من الشمس لون رحيب
على عنق سلختها السكاكين هذا نبات حزين
وهذا مكان يسمى على كل خارطة
وطنا غريبا
وفي الأرض ملك لصهيون يدان
أضيء أيها المشهد المتواضع للحطة الآدمية
خبر بان النفايات كان فقيرا شريفا
يكد ويطعم مبرزة من جياع
وهذا البهار ألبهاري حثه أم وطفلتها
والذين هنالك ينمون فطرا وخبيزه
في الصفيح صغار
وقد ذبحوا بين أعين أبائهم
كل هذا يقال له وطن(69/424)
وجلست إلى هذه الطفولة ... ناغيتها
كان صوت حنيني يفوق المجاهل
حضرت هذا النبات العجيب
لقراءة بدائية للتراب أمامي
حفرت بسباتي الطين مستوحشا
رمش الطين بين يدي مقلة لصغير
وبعد كما كان يلعب مفتوحة يرقص الفطر فيها
وأجفلت
كان بها رعب جرارتين تعاقب الحقد فيها
أهلت التراب الرحيم...
ناحت من الدفن
خذني إلى حضن أمي أنام قليلا
بكيت و أطبقتها وأهلت التراب الحزين
وبعد قليل سمعت لغات من النوم تبكي
وكان كأن من الفطر طفل يناغي
أوراقي يا دمامل
أوراقي في فرح الجسد الحي وابتهلي
وانتشر أيها البر غش الزئبقي
ويا روث كن تاج حزني
فإني اكتشفت بأني مستفرد
كأثاث حزين بهذا المزاد الجنوني
كل مزاج فحصني
وتبارت على جسدي الشائعات
فأوقدت قنديلا عشقي
على كل هذا التعاطف بين الطلاب
تبارت كتاباتهم
قلت حزن يشيح
وتصعد في طعون الصداقة والخمر
كل الذين رحلت على مائهم خذلوا قاربي
واكتشفتهم وجدا ولا موسميا
وحين دفنت بأقصى المدينة فانوس حب
بكيت سنينا وما زالت لكن بعيدا عن الناس أبكي
وعلمني الدفن أن أمسح الطين عن أصدقائي
وعلمني الدفن أن يكون من النهر أبدية مائي
وعلمني أعشق الرحم الأزلية لأرض
وامرأتي حين كل النساء
ولن ألتفت رهبة من جديد
فلست بلهف جديد
غدا سأرتمي في جسد يتحرك كالرمل
فاستبعدني فلن ألتفت
ببلاء بكت
ببلاء بكت
ببلاء بلاء بكت
أيها الفحل مزق لها شعرها اللي لكي
فقد خرجت للبغاء مسلحة
صبغت وجهها بكل اللغات
وأعلن كل الأزقة قد راودتها على نفسها
والملوك المواخير قد كتبوا قد كتبوا نعيها في بياناتهم
تركوها تعاني مخاضا دميما
من المرض الهمجي بأصلابهم
من شيوخ الخليج زنت
من شيوخ الحجاز زنت
من شيوخ اليسار ثلثه في اللسان
وثلثاه عند اليمين زنت
كل بارقة لقحتها
وبعض السفارات قد واقعتها سحاقا
فألقوا بها عند باب بامتهان
تعاني من الطلق والخجل المتأخر
ليس لها الآن من أحد غير فانوسها
وطن آخر يولمون عليه
وقد أعلنوا في الدكاكين عنه(69/425)
ووالي الجزيرة أعطى كثيرا ليأكل سرتها
أيها السادة انصرفوا ..أجهضت
كلما قد كتبتم على رحمها بالمداد الملوث
وأعطت الآن عشرين ألف قتيل فهذي ولادتها
تخرج الآن متعبة
تشتري الخبز في خجل وعفاف نشيطين
كالخبز تعرف جيرانها الفقراء
أزالت مساحيقها....
فضحت سندات الصهاينة المثقلين المكاييل
حتى إذا طفح الكيل خفت موازينهم أمهم هاوية
آه يعقوب... راقب بنيك فما افترس الذئب يوسف
لكنه الحب....
آه من الجب في الأمة العربية آه...
ها قد واقف في العراء أدونهم
حطموا رقما في الخيانة
اجمعهم وأحاكمهم باسم عشرين ألف دم
إن علم عظيم تعلم وكن
العراء الذي يحكم البحر
يأتي بآنية من ندي ذهبي
وصوت النوافذ يكشف أي خواء هناك
لقد هاجرت مدن من مواقعها
ثم شاحنة تنقل السرقات الأنيقة في الأفق
وامرأتان تسران بعضهما
تحت ستر سماء رصاصية
وصراخ رضيع يكوم ليلا
صغيرا على أمه المستباحة
جاء جند سليمان
أيها النمل فادخلوا لمساكنكم
من هنا مر وجه المذابح فاشتعلت هدنة
والصغير بتوق لغمضة عين بلا صرخة
كنت أصحو وأحلم لأتين مقبرة بالقرنفل والحب
أو تحملين رضيعا إلى رجل ميت
كنت فيه مثاليا
صار القرنفل من بعض أنيتي
بالملاحم طرزت ثوبي
إن هذا القرنفل من صلب أنيتي
وكانت لنا قصة أثمرت
ولكن قطعوا الماء عنها فلم يطل السهر
انتظري.... انتظري....
غن نهرا سيأتي ونورق ثانية
إنما ترجعين إذا رجع الماء
واتحد الوطن العربي هزيما
أحبك رغم الحرائق والنهب والقمع
والقهر والسلطات السخيفة
فاستعيديني أنا وطن
ثم شيء غريب
أصحو بلا نجمة ؟
أفراش بلا جسد شرس
أي نار تبث الضفادع في هذي الليلة الأبدية
كيف تراقب هذي الضفادع كونا؟
وكيف أحرك قيثارتي في خصم المعارف ؟
ماذا تقول عصا قائد الوتريات ؟
ثم ارتباك وفوضى....
فإن الخليفة في هذه الظلمات توزن مالأتها
ولذلك أحمل قيثارتي بين قوى الجموع الغفيرة
أنساق انسياق العاشقين للعزف
لكي أبدأ النغمة البدأة(69/426)
أن عذابي وعشقي قد أعطياني حق التفرد والبدء
ها واقف للقيامة أعطي الإشارة أن نتوحد
فالصحو نجم كما النجم صحو
وكيف الفراش بلا جسد شرس
أعزف العشق فيه
وأعطي فصول التحول
كيف الدخول مع النهر؟
كيف الدخول على النهر؟
كيف البقاء مع النهر ؟
يا من جميع المعارف من أجل يومك
كيف تأخرت مستعجلا ؟
من تكونين أيتها القوة العبقرية في جسدي
مستعجلا بين عشب البراري
أحاول إيقاظ موتاها
استيقظوا
استيقظوا
استيقظوا
استيقظوا
أيها الناس استيقظوا فهم راكبون عليكم
وإلا فكونوا صحيحا
كل هذا الخراب على النقرس الطيفي
أعوذ بكل العرافة
إن الرياح تنبئني أن طوفان نوح هناك
فابنوا السفينة مكنة
أوقدوا جيدا يا شباب
نرى الخشب السنديان
وكونوا لدى معمل الليل
نعطي لهذه السفينة هيكلها
ولا تبوحوا بسر فإن المطواعين بثت براغيثها
واسمحوا لي أوجه أول أخشاب هذي السفينة
لي خبرة بالبناءات مارستها بوفاء
وأحمل ناري ولا ملك لي
غير حلمي بهذي السفينة
في كل يوم من الجاهلية داويت أخشابها
كنت أستقري اللّه حتى وصلت الدراية
كنت أزيل المعالم خلفي وأترك فيها
محاذرة أن يخادعني الناكصون إلى رجعة
وصعدت...صعدت...صعدت...
وأعطاني الكون أول أسراره في البناء
بأن أبتدئ ولقفا
وأكون أنا خشبا في بنائي
إلا أوقدوا جيدا يا شباب
فأني قد وهن العظم مني
واشتعل الرأس شيبا
ومازلت ألقم نارك يل رب من خشبي وزيتونتي
وأعرف كيف أحب ترابي
فمن لا تراب له لا سماء له
والقناديل قد رجفت
وتوسلت بالزيت أن يستمر
فإن الرياح الكريهة قادمة
والرياح العظيمة قادمة
أيها القادم المستبد جمالا وعذلا وخمرا تعال
كفرت بمن يحملون القواميس في حرب صفين هذي
فأول كل العلوم التراب
فمن لا تراب له لا سماء له
فلك وحساب
أنجم أن المكاييل مهما توازن
فالاختلال الرهيب سيقلب كل المواني
فابنوا السفينة ماكثة
أوقدوا للسفينة كل الشموع الصبا
لنرى ما صنعناه حين المصابيح غابة
ونفحص أنفسنا
ونفحص الناس(69/427)
نفحص كل الحروب
فإن اختلاط الضحايا مع القاتلين مصاب
أنا واقف في الخراب
أسميه أو لا أسميه عن حذر
إنما هل شبعتم دما
هل شبعتم صبايا وغلمان
من كل هذي السبايا
أحمل المقبرة
وأحاول إيقاظ موتاها
*************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> قل هي البندقية أنت
قل هي البندقية أنت
رقم القصيدة : 64129
-----------------------------------
الدجى والمدى جنحه
نجمة للصباح الجميل
كرياح الأعالي إختفى
ما أحسست به غير زيتونة
ألف قلب على كل غصن بها
في الجليل
شفرته إلى الأرض
فارتفعت فقبلت قدميه
لقد جاء في الزمن المستحيل
يمطر الجو مما غزارته والشياب
ويلتمس اللّه مرضاته
ساحبا بالأمان إلى آخر الأزرقاق السماوي
إهبط عليهم فإنك قرآننا
قل هي البندقية أنت
ومالك من كفو أحد
بين قتلاك قمة عمان
والرشوات وأقساطها
ولسان اليمين الطويل يركضون بلا أرجل
وتدلت خصاهم من الرعب
جمعت فيها الإصابات
أين تعلمت تخصي الجيوش
وكيف إقتلعت المعسكر يا إبن ثلاثة وعشرين
اللّه أكبر والبندقية
عاد علي إلى باب خيبر
يا علم سجل خلايا العروبة تنقل تلك الشجاعة
جيلا فجيل
أكيد...أكيد من الجو تم إتصالك بالكون
ومضات عينيك....
كانت تضيء رؤوس الجبال وأكتافها
وتفتش عن موضوع في إرتفاع بسيط
لكنه شرفة الدهر
ميزته من بعيد
سمعت الرفاق الثلاثة ( الخالصة )
من داخل القبر
قد رفعوا زهرة صوتهم
السلام عليك يوم ولدت ويوم تموت وتبعث حيا
كما كان صوتهم دافئ قط لا يتغير ولا شعرة
رغم صمت السنين الطويل
لا تزال تحوم في الجو
لا تزال .. ما أنت ؟
لا تزال تحوم ملء الفضاء
فكل عقاب تخيل أنت
وكل دوي
يفر الجنود كأنك في أذنيهم
بدأت المباراة بين السماوات والأرض
هذا هو الدرب
فلتتبارى الفصائل
جوا وبحرا وبرا فصليا تفصيل
جئت إلى فلسطين مهما انتماؤك
دم الشهادة ليس بجير
نحن نجير بالدم
كل البلاد
وهذا قليل .. قليل
*********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> جزر الملح(69/428)
جزر الملح
رقم القصيدة : 64130
-----------------------------------
الآن ....
والعلم برتقالة
تدور في بنفسج الأرواح
من قوة ذاك السائل الوحشي في أعماقها
تفتح تلك الشفرة العديمة الألوان للبوح
على غرائز وجهك الذابل من أعوامي
ليلتين في السرير
وصمتك المرتاب طائر مقيد صغير
تم احتضار العالم القديم
وارتخت قبضته
لم يبق إلا طلقة الرحمة في جبينه الجنائزي
ثم تطلق العصافير إلى بلادها
ويرجع الأسرى الذين فحمتهم رحلة الليل
سوف يعود مركبي العتيق مثلهم
لكنني مدبق القميص بالدم البنفسجي
والصمغ الذي تفرزه العودة في الخد الرمادي لكل الذكريات
والشبابيك التي ولى صباها
ولا تنامي فإني أشتم طيات دموعي
تنشر الآن
وأصوات احتجاجات على التأخير
في مرائي الأغراب والتلكؤ الحزين
لم يبق إلا أن ارتب الغربة في صندوقنا
مع الثياب والأوراق والمهانات
التي سمعناها
من المستنقع الموبوءة في غياهب السنين
هذا دخان المركب الكبير يا حبيبتي
يجلو القناديل المدلاة على الميناء
يا للزرقة الملائكية الجناح
يا للنار تلقي نورها السحري في وجه المعذبين
إنهم ينتزعون ذلك الروح العنيد في المرساة
حتى تستطيل العضلات في وجوههم
وينصتون للمحيط في قراره الرهيب
لقد دفنا نصف من نحبهم في جزر الملح
واقعينا على الشاطئ كالفقمة في صمت
وكانت سفن الأغراب تلقي بفتات الخبز
في وجوهنا
لكنني نهيت بعد ذلك الموت الكبير
لم أعد من المكوث والرحيل
لم أعد هنا
علمني البحر في أن أنام في أزقاقه السري
منصتا لعالم الأعماق
والتنفس الماسي
للؤلؤ
والتواصل ألغرائزي
والأسماك والسكون
يا رحم اللؤلؤة والنخيل
يا بلادي يا حزينة البيوت
مدى يد الوشم
فقد عدت إليك بالمعاضد الخضراء من حياتي
يا حزينة البيوت
والآن
والعالم برتقالة تدور في بنفسج الأرواح
من قوة ذاك السائل الوحشي في أحشائها
عدت إليك حاملا شفرة هذا الكون
وانتهت طفولتي
وصرت من طفولة الوجود
واختلط البحر المتنفس بلعتم(69/429)
برائحة الليل الفضية
والغمغمة الرطبة تقطر من صمتك
والأشباح تمسك في وهج الظلمات
بأن هنالك ساحل وهم
وهم...
وهم.. وامرأة تبكي
أي مزاج هذا مزحه اللّه
فلا يترك إلا القشرة تغريك بزاوية البحر
وأنت بزاوية أخرى
وتمد يديك
تمدهما تخترق الساعات
وتخترق الليل
وجيوش السفن الأخرى
لوثت القلب
وشعر شم نساء الأرض بفخذيك
ويمسح من رئتيك دخان مواني
يعوى الثلج بها
وعوانس تبحث عن رجل
أهمل في بعض قمامات الليل
رأى الميناء يضيع فأجل رحلته
أمسك حبل الميناء
فمي جدوى حبل سفينته إن ضاع الميناء
غسلت عيوني بالجعة الذهبية
كي يترنح هذا الحزن
وحطمت على أرصفة الغربة كأسي
غازلت البعض شظايا الكأس
شظايا لا يمسكني أحد
كي لا يمسكني أحد صرت شظايا
أجرح حتى حين أنام
يا ولد البحر ترجل
في طيك أسلحة
في طيك أحلام
يا ولد البحر الأزرق
موحشة عيناك
كأن الإبحار اجتمعت فيها
لتسر بشهوتها
إن يلقى يوسف ثانية
وزليخة هذه المرة تعبي
قدت من كل جهات اللحم
حريرا مغسولا أنهكه الغسل
وكاد تمزقه الأيام
واختلط البحر
وكنت على سطح القمرة
ملقى كالسمك النتن
نخثر كل دوار البحر بعينيك
وتوشك أن تغرق في اللجة
بعد ثوان
يا ولد البحر ويعلوا الزورق ثانية
وبحب هواء الليل
موزعة عيناك
كأن الغرباء يقصون حكايتهم فيها
وتهرب صفقة أفيون
وتعلقت بنات الموجة
فالبحر سديم مجنون
أين شجاعتك الآن ؟
إن كتاب الليل مخيف يقتل قارئه
فتشجع
أنت غدا إحدى أوراق كتاب الليل
ويقرؤك الجهلاء الأتون
أي مزاج هذا مزحه اللّه
فإن كتاب الدنيا صار مملا
ولعل اللّه يفكر إلا يكمله الآن
ويشرع في دنيا أخرى
وعلى الرف سنطوي تحت غبار الأزل البني
لعل اللّه يعاوده الشوق ليكمل قصتنا
أرسي المركب يا ولد البحر
كبرت على الرحلات
وصارت عيناك تنزان دموعا
حيث تحدق في ألومن الآتي
وترعش كفاك الحاضنتان لعود الكبريت
وأنت تضيء سراج القمرة
للأغرار بعلم البحر
تريهم خارطة الحزن...
هنا وطني(69/430)
أول شيء في الدنيا أعرفه يا أحفاد
وآخر شيء يعرفني
وينحني الأحفاد وراءك مسحورين
كمرجان البحر
بلادي ملك الورقاء
أضاع العشب
وضاجع في الأرز بكارة عشتا خضراء
وقام من العمش السنوي
يطهر في أصل الماء
بكارت الشبق البصلي
وسجى صاحب عينيه بغابات الأرز
بكى كالشجر اليابس قدام الموت
نواح يسمع في سفن اللؤلؤ في اليم
ورائحة الزعتر والعرعر
في سهل الروح ورب الأسوار
وباني أسقفه العبد عاد قتيلا
يا ولد البحر
موشاة أحلامك بالشعر
كأن الكوفة فيها وأبا الطيب سهده الهم
فأشعل تفعيلة شعر قنديلا
وتشخص عيناك كبوصلتين إلى بلد النخل
ويغلب فيك جلال الطين
ومئذنة أبهية يأتي اللّه احتار بعالمه
وتعبت من البحر وتكره فعل الإرساء
وليس لها من هدف هذي الرحلة
أنت قفزت وحيدا في الجبل العلوي
ومكتشفا وحدتك القصوى ورأيت
لقد كان شمول أنت
وصول فيه ويكمن فيه الأزل الكل
وملتصقا بالرحم الكل كيمن ورد
يحمل تجربة العطر وتاريخ النشوان
ومشاكل هذي الدنيا
وفقدتك حين رجعت من الرؤيا
كان لساني أصغر من ألف مبيض للسوسن
والليمون
وطيور السندس تجتاز الصمت
وينفش الريش الأخضر في ليل عيوني
فاجأني الصحو المتفجر
حاصرني فقر الألوان
هددني المالك بالطرد
وأقفل سفر الرؤيا
أعرف إن هنالك لاقطة
زرعتها أجهزة اللقط
لذاك نزعت ثيابي وتعريت على باب الدنيا
هذا جسدي الموشوم بكل الشهوات
واخبار الغزو الليلي
وخوض القصب الجارح في الأهواز
وقائمة الجلد الرجعي
ما رست جميع الأفعال السرية
فاستدعيت صباحا
أعلنت ممارستي بالقلم السري
وأبعد عن البلد المعني يتهمة قذف
قلت نعم...
قلبي حرضت
وقلبي بين الوعي وبين جنوني
نفيت وبالقلم المشحوذ
دخانا كتبوني
فاسدة هذه البضة
فاسدة يا ولدي لا يخرج منها عصفور
فلماذا تحمل عش البيض الفسد
في دوحة كفيك حريصا
ألق العش إلى البحر
تحرر من أنك ملتصق بالبر
وغمر
فالكل على الكل مغامر
والعلم أجساد وخناجر
هاتوا صخرة بركان سوداء
لا حفر زهر جنوب السودان(69/431)
وصوت البوق الأزلي
وزمجرة السحر الأسود
في قدم الراقصة السوداء
فإن البرق سيفتح باب الخوف على مصراعيه
بفجر كيس الطلع بجسمي
تتفجر برقا أوردتي
هاتوا أيديكم
أعطي الوحي لكم
كيف أسجل الأف الأجراس
بحجل تفطط منه الأقمار
هل أسد أفزع هذا النهد
العبد تفضض أنسجة كغزال مولود
فأخذت أمسحه بخدودي
لسعتني النار
هاتوا صخرة بركان سوداء مطهرة بالنار واقة مسك لاصب
قوالب من هذا العبد الأبدي
ومبخرة ومسارج للرقص
وكوزا أرسم وشي بني العباس السفاح
وسافرت إلى الغابات
ظبي ذبح الآن
وللنبع عصافير
نقطة ضوء حرقتني في الفخذ اليسرى
ملت..
فضخ الكون عصافير ملونة
صعدت على سلم زقزقة
فاهتز الشجر الموغر بالتمر الهندي
غطاني السندس
أغمضت
وصدع من خرزة أمس
وفي رأسي نهد والنهد لقد فر مع الطير صباحا
وتحريت مطارات العالم
لم أسمع غير الكذب
وأقعى طفل في عفن الشمس
تغوط في دعة وتمسح كالجن
بآخر تصريح في صحف الأمس
وللنبع المجرور إلى الظل
وتسحبه الشمس ببطء
كل عصافير الغابات ومأتم ظل في قلبي
والخرطوم تذيع نشيد الزجا
يحمل رأس ثلاثة ثوريين
ووجه نمري منكمش كمؤخرة القنفذ
أين ستذهب يا قاتل
يا قنفذ
الناس عراة في الشارع
الناس بنادق في الشارع
الناس خحيم
أي الأبواب فتحت
فهنالك نار
وللّه جنود من عسل
وعلى رأسك يا (محجوب)
رأينا سلة خبز تأكل منه الطير
في ساعات الصبح سيمثل إسمك فيك
وضج الكون دما وعصافبر خرساء
مفقأة الأعين
وارتفعت أدخنة الكيف الدولي
إلهي أي مزاج تمزج هذا
ليسدل شيء فوق المسرح
أنا ملك الترحال على قدمي
وتج التيجان على رأسي حبة قمح
والأعداء يدوسون على فخذيها
وتصلي وبكاء الثور قريب منها
ورعاة الليل
يهزون فوانيس الفرح الوحشي لماعزة
تلد الآن
ومرسة الأطفال على التل
وفوق السبورة حرف عربي
مخزن طلقات
أعطاني الأطفال رسوما
لمراع وقرى وطفولات مزقها الأحباش
فأين سأعرضها وأنا لا املك غفوة عين
والأطفال كثرن على قدمي(69/432)
وحررني السير المتواصل في الشمس السوداء
أعطاني السهل المفتوح غناء الثور
وكنت كأشجار الصمغ لهذا الفرح البحري
أنوح فإن الأخبار تجيء الآن
بأنك تقتتلين بلا معنى
حوطت عليك ضلوع اللوعة يا باكر
إن رياح قوادات تتجمع من كل الدنيا
وقيادات باعتك
لعن اللّه الولد الغارز مقودة الخشبي
في ثدييك ليزداد حليبه
وصرخت بوادي الرحمة
يا اللّه أعمي في ولد يزني في بقعة مولده
أصوات جنودك
والكيزان الذهبية مشرعة
أبدا ويموت الأعداء
وتصطف السفن السود على المرسى
لا يتقوس ظهر الثورة إلا يصبح قوسا
أعرف بين جنودك عبد اللّه
وآدم.. والولد الأسود ( دكنج)
وأعرف موسى يا بلد الثورة...
والأشجار
لقيتك في بلد الأخزان عروسا
ناديتك في الليل حبيبة
قليل إن الفارب يغرق إذ يتمايل صاحبه
وإن البقرلت يمتن وأنت الراعية السوداء
إلهي ليسدل شيء فوق المسرح
كل الأدوار إرتبكت
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> مرثية لأنهار من الحبر الجميل
مرثية لأنهار من الحبر الجميل
رقم القصيدة : 64131
-----------------------------------
يسافر في ليلة الحزن
صمتي
غيوما
تتبعته ممطرا
واشتريت دروب المتاعب ألوي أعنتها فوق رسغي
ليالي أطول من ظلمات الخليقة
خال سوى من فتات من الصبر
في ركن زاويتي
والدجى ممطر
*********
أأنت الوديع كساقيه
من خبايا الربيع
قتلت ؟!
وغص بنعيك من قتلوك
كأنك مقتلهم لا القتيل
**********
لم إستفردوك بقبر عدو , وراء الضباب؟!!!!
وفيم تسألت ذات مساء من الحزن
عمن سيأخذ ثأرك !
هل كنت تعرف أن الرجال قليل ؟؟؟
هل التصفيات بديل عن الأرض
والفشل المستمر؟!
وأي مقايضات تلك
خير الرجال
بشر النقود
ومن شركاء الجريمة ؟!!!!
ما هذه المسرحية بالدم والنار
تبكي التماسيح فيها ؟!
لقد طالت المسرحية
والصبغ سال على أوجه البعض
************
ألا ننتهي ؟؟
صار صوت الملقن
أعلى من البهلوان المهرج فوق رؤوس الجماهير
هل سوف نخرج مما على نفسنا
نتضاحك(69/433)
أم ستعاد الفصول؟؟!!!
يقولون :
يا زهرة الحزن!.. مت
وضاع أريجك خلف الضباب
وأغلق عمر جميل
من الحزن والإحتجاج الطفولي
عمر حكيم من العشق
تحضن في جناحيك فلسطين دافئة
كالحمامة
تطعمها بشفاهك تسمع نبضاتها تتضور قبل
تضورها
تحرث الأرض... والطب ... والصيدليات..
تبحث عما يداويكما
************
ترسم صمتا نظيفا
فإن المدينة تحتاج صمتا نظيفا
وترسم نفسك متجها للجنوب
البقاع
العروبة
كل فلسطين!!!!!!!!!!
********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> من الدفتر السري الخصوصي لإمام المغنين
من الدفتر السري الخصوصي لإمام المغنين
رقم القصيدة : 64132
-----------------------------------
الليل كمستنقع فجر يتبخر بالأبنوس
يمسح بالماء الفسقي على جسدي الخامل
وعلى الجوسق من زنديك
أعض بنفسجتي
وأصابع كفي تموء على الدفء البشري
وفير لحمك يزداد معاشرة
وبرودات الموت تراودني
تلقي كفي على كفيك
فنسي نعشا يجمع كل ثياب الأعراس
ونهوي في عبق
عبق
عبق
عبق
ومن الكوة تنبجس الشمس
وتدفع فوق الجسدين النكهين
كفاكهة ناضجة
أكداس ندي ملتهب
والقوس الذهبي الصرف
يكاد يمضي جديلتك الخضراء
فتقدح فارسة في الليل
ويفتح في الوعي نظام من ألق
ألق
ألق
واضج كمستنقع فجر
يتبخر بعد صلاة الشهوة بالأبنوس
هذي اللحظة من لحظات التدنيس الطاهر
في الفردوس
لولا ندم ساور آدم بعد ضياع الجنة
لا ندمل الجرح الطازج في حواء
وكانت جنة وحشته
والنهر أضاء كفانوس الزفة في المطر
وترنم هذا المتوتر بالنبلة والقوس
ما أصعب عودة هذا الحيوان المتكبر
فوق سرير العرس
بفروته صوب رحاب الفردوس
ياآدم بهيما والليل بهيم
خلصت صحراء العشق
فإن هامت الآن
فأين أهيم
والسرطان الكوني يقلي أحجار الياقوت بعينيه
ونهر الروح يضج بزلزال منقرض
ومراهقة لبح اللّه النور على رفغيها
في فرح
وتشهى أن يبدع في غمازتها لثلاثين ضحى
وأتم الإبداع في وخزة ليل
تفرو من غير مواعيد عسلا(69/434)
ولكم أعمى بين طيور الأيل والطير علي
غشيتني غاشية الرؤيا
لأتم اللحن الملكوت بأوتار مقطعة
يا من سمع لحن الألحان بلا وتر
والخمر تدار بدون نديم
والليل بهيم
والروح سديم ضد سديم
في الليل سألتك يا رب القيثارة
إن ترخى للكسل العذب مفاتيحي
أتعبني لغط أصابعك الغولية
بالشجن الديني علي
والحالك أغواني
وتساقط نار الأحزان على خشب أحرقني
ووقف حزينا
لا يشبهني إلا الناي
أروح الروح تعبا يا مولاي
الناقة خاملة
ونشاط الروح تثبط مرات
وقدحت حصاتين طوال الليل فما اتقد العشق
ولا اشتد حماس الروح
إياك الصبر علي
وثوبك يكشف أكثر مما كنت أبوح
فلماذا تبكي إذا خمد الموقد واكتظ رمادا مثلي
وتدفق عيناك كحوصلتي قبر تين تشفان بهجرة صامتتين
أنا بيتك... إني في الليل مغطى بالقرميد
سأكون الليلة ملكك
أما بعد الليلة فالنجم يكون بعيد
قلبت كتاب الموت وكان على الفصل الأول اسمي
يتتوج بالزهر الأسود والهجر
وعلى آخر فصل اسمك.. تاء طفلة شقراء
وتحت طقوس التعميد
سأكون الليلة
ملكك صرفا
أما بعد الليلة فالنجم يكون بعيد
وقبل نهوض الغسق الأزرق
نفتح كفيا العرقين قليلا فقليلا
كالكهف
ونهوي الريح وأصوات البحر
وهسهسة الغيب المجهول
وأنفك يرضع فوق قميصي
بعد قليل تبدأ أشرعتي
ما عدا المكث يلاءم روحي
لا ترتعبي..
فأنا أرسم فوق الثياب الملتاعة
فوق خبايا جسمك كل جروحي
أرسم في دفترك المسودة كل جروحي
لا أبقي جرحا واحدا لي
أنت المالكة الآن... وعيدك يملأ كل الأعياد
في الصبح أنا للناس
وفي الليل أنا للمطلق
ماذا أفعل
لا يشفع لي جسدي
فماذا أفعل
وقميصي بيرق مقبرة للضجرين
ومأوى لعصافير ليس لها في الأرض بلاد
وعيوني قبابر حمراء مبللة
حنجرتي تتذوق كل الأبعاد
هل عمرك ذاق لسانك طعما واحدا للبعد
فمن أنت
لماذا التشنج
لماذا صوتك كصوت قطاه في البر
عشيا تسمع قصة ذئب
أتخافين من النجم القطبي
أتخافين من الريح وراء الشباك
أتخافين دلافين البحر
أخاف أنا(69/435)
وأغالب هذا الخوف بتحريك اللذة في زندي
فتمسي الفقرات إذ ذاك نيازك حمراء
وخضراء وسوداء
أصير مفاعل ذري أكتظ مواعيد
ونكبات وتوابيت
لقفل باب الوهم عشية غادرت سريرك
يا سيدة الوهم فأين أبيت
موت واحد علمني الدنيا
ونبي واحد علمني الإلحاح
وحمل قناديل الرؤيا
أراني الدرب السري لحصن الموت
فما أتلفت في جدل في الليل
كما إذ ذلك قناديلي
رأيت وجودها في البئر الروحي
هتفت..
إذن سأراكم
فاختلج البئر وغابوا
فتح الباب ..
وتم طلاسم فوق الباب
طيور من فضة سوداء
يتابعهن عقاب
وكان هنالك دهليز غموض ينزل في الغيب الموحش
ثم يضيق ويلتف دهاليز
هنالك عليت وعلق فوق عظام لغريب كفني
نهشتني أنياب لا فك لهن
تركن تسوسهن قريبا من حزن الروح
وماجة في العفن الزفرة
عناكب تتناكح فوق وجوه الموتى
تثقب جفناي بيوتا للنمل الأحمر فاستأنست
لأن العالم أكثر من ذلك عذبني
ونزلت وكانت ظلمة روحي تكتظ
وتنكشط الأعماق بخوف من أزرق لازمي
ببنفسج أبيض سري
مؤتلقا في حلقات ينطق وصلا و عناقا
وعتاب زمان طال بلا تجربة
والتف الهمس علي كزند عروس
عبق.. دبق .. عرق..
كشف المحجوب
وحمحم في الزمن المغلي حصان أبيض
طفل عسلي الذيل
يسلط عينيه علي فيغسلني
وأرجع طفلا
ويصير نزولي إذ ذاك صعودا في ذاتي
وترامى الهمس السري
تأمل في ذاتك أنت الصفر إذا شئت
وأنت الرقم ألا متناهي
أخذتني الغيبوبة شوطا جدليا
وتمازح وحي الألوان ووحي الأجراس
وأوشكت أراك فأنت إلهي
فهنالك نهر فاغتسلوا
وتعالوا في الليل بهذا العري المطلق
فالباب سيفتح ثانيتين إلى الشق الفاسق
بين الخنصر والبنصر في قدميها
المدن فتين من السقا
كشف المحجوب دعوني الآن أتم الرؤيا
وتندى وجهي .. وعرقت شفتي
والتهبت عيناي
كما كرتين من اللهب الأزرق تتقدان
بدمع زيتي اخضر
وانغمست قدماي بسماء أخرى ونظرت
سماء تحتي وسماء فوقي
وتعجان عواصف أكثر من شبق العشق
وشحيرة نور كان العشق
وكان الموت مجاري أرضية تحمل جيفتنا(69/436)
لمحيط البهجة والضوء
وألف لسان في الجيفة منغمس.. فأشحت
وكان مصير الإنسان من القسوة كالوحش
يقود الأجساد الحلوة في وحل الموت
ويتركها تتخمر في المخمر بضع سنين
إلى هذا الحد أبيع القول
وإن كنت رأيت وراء السر
فإن العودة للإنسان وحمل السيف مع الفقراء
هو اللّه جميعا
وابتدأ اليوم الأول في الدنيا بمظاهرة
وحجار وملفات
ومراهقة ترسم وشمين على زندي بعود أخضر ريحان
يزرع دغدغة وأنا أخضل وأخرج من حلم
وأكاد أجر الحلم وما فيه من الزنبق والأطياف
إلى الشمس ورائي
أوشكت..
ولكن أول زنبقة خرجت لليقظة أفزعها عالمكم
وارتج عليها
فالخارج من حلم لا يرجع ثانية
والداخل في حلم لا يرجع ثانية
جمعت ندى الليل على زندي المخضلة بالتفاح
لا مسح عفتها بأصبع عاشقة
فأفاضت عسلا
أورث كفي مراهقة
وهوى اللمس
وحين تشدان على وبر نسوي في الليل
تمجان روائح خضراء
ونكهة تبغ محترق
وتضج أفاويها على الرفع
فأخرج بالرحمة من أجداث الخوف كأيوب
من الكهف كأهل الكهف
غريبا تتفرس في صبايا لا أعرفهن
فأهوى واحدة بالعشق
أنا قادم من كهف
ولثماك قبل النضج قليل فأحببني
ليأت البحر
سأغسل من منظري الكهل
وارتد إليك رهف الخصر فتى مكتمل الصبوة
أنساب عذوبة نهر في الصيف
واخجل منك
وعيناي كما فرح المرجان من الرغبة والحس
خدني لأنام لديك
لعل ضجيج الجسد الدافئ يشفيني
وخذنني لننام سويا فنجوم البحر تنام سويا
ناعمة البال مرصعة باللؤلؤ
تعترف الحس بصمت
وتناغم مشبوبا حذار كالوعي
كأن كيان اللذة بح ممارسته وتفتق تجريدا
وتماوج في الماء ليسكن عمق البحر
يموج برفق لا يوقظ هذا العشق الأبدي
نجوم البحر تنام سويا
وأنا في الوحشة أطوي الزمن الأسود
مثل فنار يلقي الضوء
وليس هنالك من سفن قادمة في العتمة
وآخر زورق عشق غادر منذ قليل
يحمل تابوتا عبقا طفلا
أستحلفكن صغار الموج
أستحلفكن كبار الموج
تهد هدن التابوت برفق وتمهلينا سحر
أي فنار أنت
تضيء تظل تضيء وتنتظر
أفما أنت تعبت ؟(69/437)
تلف على نفسك كالدائخ في الظلمات
تستجدي الليل وما خبأه القدر
ما بال ضيائك يلتف كالدائخ في الريح
أما من حجر ترتاح عليه
تعبت ... تعبت
وما صادفني الحجر
وتعبت فمن أنت..؟
لماذا النشيج
دموعك أبصال نادرة..
والرمل زوابع في روحي موغلة
تحتفل بالبرق
فما أوشح أن يؤذن في بالبرق
وينشج في غير مواسمه المطر
أعشق فيك اثنين
نقيضي وموافقتي في الحلم
إذا بالغ في ترجمتي السفر
من أنت..؟
تجيئين إلي عروس خائفة الخطى
وتحجبك الكلمات
فلماذا تنتظرين؟
أنا حجر قذف البركان به الغيب فأفلت ملتهبا
تتباعد عنه الأفلاك
فبالغ في البعد وبالغ في القرب
وبالغ ما بين القرب وبين البعد
رأى ما ليس يرى
وأنطفأة الآن فماذا تنتظرين
سيحزنك اليوم لدي
ويحزنك الليل لدي
فأحب الأحباب لهذا الحجر المطفأ قد قبروا
لا شيء يعيد الرونق بعد الآن إليه
سوى الرعد البشري يدوي في الكون
ووقفة قامات الفقراء على آخرها
ونهاية عقد الغيلان على الأرض ويبتدئ البشر
متى يبتدئ البشر؟
شوهني الجزر وإن كنت أقاوم
شوهني الجزر متى يبتدئ البشر
لا شيء هناك في أفق العالم و أسفاه
سوى بعض بصيص
تخلقه الظلمات
مخافة أن تندلع النار
وتحتدم النذر
ومن الغيب هديلا تأتي الأحزان
كخفافيش وخشخشة مبهمة تعلق في القلب
طلاسم سوداء وتندفع الأحلام مراجل للزفت
فراس أصفر صحبها في طرق الليل
وثم غراب كف عن النحب
وتصبح كفاي العاشقتان عناكب
تصطاد ذبابا وغبار الطرق اللا مرئية فوق حذائي
جربت ثمار اللذة حتى امتلأت برماد أذناي
وأعقاب سجائر التبغ
وقبلك أطفأت على الدكة أخطائي
وأسلمت مآزري الذهبية للريح
وجئت قراحا
فخذي امتلأ فواقي تفاح وحشي
لونه النوء
وأحمل بين يدي قلائد من ذهب الحكمة والشمس
أبلغ رؤاي وقد شحبت حانات العمر ورائي
لقد بلغ هذا العالم في إيذائي
ألهمني لغة الأجساد صغيرا فقرأت وراء الحرف
وما في النقطة من كتم ونما جسدي الفاضح
وازداد العالم تنقيطا
فأخذت أفض النقطة بعد النقطة(69/438)
كالأيل في الغابة يقضم زهرا
وإذا ميسم زنبقة للتو يمج نقاطا من العسل
رغم لهاث الخنجر
لا تخضع للجسد المسعور ولا تقتض
أحسست عيوني تدحرجتا
من كل جهات كنت أرى
أتعثر من كل جهات
فالخالق في الغمز هنا
مقتصدا ما يقدر بالذبح نجد ما نجد فالجسد الباذخ أعراس
سأعض الغمازة أن سمح الجسد المزموم
واترك من لذة أسناني خندق سم لحراستها
وأعود ويعرفني الحراس
آناء الصبح الكوز إلى دجلة فرعاء
وشعرك محلول للساق
وزندك مكشوف بالعضة للناس
ما ينمي اللذة أن يتقول فينا الناس
سيعيرك الناس بأن فقيرا مثلي راود زنديك
دعي العضة إذ ذاك تكلمهم
فالعضة مثل نبي يتكلم في المهد
ومن كان يتعذر فيه المقياس
لا أملك غير مسدسي من زمن الترك
نقشت عليه تواريخ الجوع
تواريخ الهجرة في طرقات الشام
أسماء حبيباتي في الكرخ
وأصوات الرجال كانوا الأصدق في كل العمر
تحكم فيه نسناس
يا وطني يتحكم فيه النسناس
يا وطني الأراضي جرعت الغربة حتى الفقر
فالتفت علي من الدهشة والألم الكأس
من كان نبيا يتعذر فيه المقياس
لقفلت الأبواب وصلى الناس صلاة العهر الحجاج
فكبر للعهر الناس
حرف في قلب المسجد قرآن الفقراء
وخص الأقرب فالأقرب بالخمس
كذلك الدنيا أخماس
وقفوا بين يدي الحجاج
فصحت على اشرف من فيهم
واللّه كان خصيا يحمل سيفا فاربد
قد يخصى القلب من الخوف وتكثر فيه الأرجاس
يا أهل الكوفة
لو سيف واحد بالحق يسل
سيقصى الحجاج
ويعتق هذا التاريخ العربي من الذل
فماج المسجد... صاحوا
يكفر الحجاج
فكيف لماذا ... لا يلقي القبض عليه الحراس
صرخت بهم
لا يلتبس الأمر عليكم
هذي إحدى طرق الحجاج
فما بال الكوفة تنسى
سكتوا واطل علي من الأعين شرك إفلاس
كان الحجاج يطل على المسجد من فوق المنبر
يقلب أرواح الناس بكفيه
مكتنز الجفنين من الخبث
يسرح لحيته وجيء بصحن عبري
صف عليه رؤوس الشهداء
وعب المسجد وخضلت بدم الشهداء
لحي تهتز ببسملة اللّه
وجيء برأس فلسطين وزنديها
فألتم عليها ذوو النهي(69/439)
يكشف كل عن عورته
وكنت أميز بين النهمين
بنانه كافور و أبرهة الحبشي وعمرو بن العاص
وأجداث مسيلمة الكذاب
وحاكم مكة والقانون الجائر في البحرين
وقابوس
وكل المأمورين بأمريكا
فتعوذت.... وصحت
ستؤكل والله فلسطينكمو
ونستجدي في الطرقات
وقمت ..توضأت .. وفوضت بأمري للسيف
وأنا في النوافذ اتبع طير الصدى
ثم تخفي الطريق القديم دموعي
وتمطر ..تمطر ..تمطر.. تمطر
في الحدس تكتظ جمجمتي بالشقائق
والحدس والفكر والليل
ويعشوشب المفرق الأنثوي الرفيع المميز
لامرأتي بين كل النساء
وتذهب كل الخفايا الخجولة في مرقد الليل
حيث الخلفاء الوثير إلى سلم لؤلئي
يؤدي إلى حلم
حلم يستفيق على بركتين
وفي البركتين هلام يشف على وحشة وافتراس
هنا يتكون والانتفاض اللذيذ يصير جنينا
وتمطر ..تمطر ..تمطر.. تمطر
والشبابيك ليست هنا
والندى الفستقي يمسح وجه ضياع الجنوب
ويتوجها الكرم والتين والحب والذكريات
على باب هذا الجنوب لدى كل حلم يبيت
وكل نجوم السماء بنات
ويستل جرح الفراشات والنوم في برك لا نهائية
يحبس الحسن أنفاسه إذ يخوض بها
والقرى خلفها مطر
وأنا في النوافذ اتبع طير الصرى
ثم تخفي الطريق دموعي
وتمطر ..تمطر ..تمطر.. تمطر
تبدو كتابات روحي ثانية من وراء غبار الخريف
وتورق لاماتها
تورق النون .. والواو ..والراء...والسن
تورق لاماتها
لم تزل هذه الروح كوفية الخط
غرمه بانتهاك قراصنة الليل
بين اصطفاف البنفسج والفخذين
وركب الخيول المنحاة صوب بخارى
وفي الليل يجتمع الحلم فيه
ويترك قراءات نوم العصافير
إن العصافير في كرمة في الجنوب سكارى
أحب الجنوب لشيئين فيما يبوحان كتمهما
قد بذلت القصار
واطل من البوح كتم يشير إليك بإصبعه
ويدل وأنت وغيرك فيما يبوح حيارى
وحين تنامين يلوي النشوء بأعناقه
وتشف على بعضها الغفوات
وفي أولاة المواسم يبتدئ العشق بين النعاج
ويعشق من يفسدون النعاج الرعاة
وحين يروحون في الشرق أبقى وحيدا
وتنتشر الخلوات(69/440)
واحلم أني على صهوة المهر
اقطف تفاحة أخبئها
بين نهديك خضراء
تنضجها الشهوات
وبين الخلائق من يخلقون النواة
وأما الكثير خلقته النواة
وتلك معادلة صعبة
واشد الصعوبات فيها الثقات
أني على مطلق الأمر اعرف كل نواة بتاريخها
واعرف كيف تمد إليها اليدين الحياة
وكنت مع الحلم احلم احمل فانوس كل نهار يجيء
أواصل سكري بالكون من دون مزج
ويربكني أن أقوى الخمور الرديء
واغسل حنجرتي بالنبيذ
ففي القلب حزن جبان
وحزن جريء
لكم عذبتني الرياح تغير وجهتي دون سابقة
والفراق دنيء
وكم أنت رغم الوضوح خبئ
وكم أنت مثل جناح الفراشة في الحلم زاه بطيء
وكم أنت تعشق رأس الحسين
الذي فوق رمح ولا يستريح
تأبى الذوائب مذ ثبتتها الدماء على غرة أن تزيح
ومن ثبته الدماء محال يزيح
دعوتك أنت المعلم إن كان علم
فتلك الجروح
ألوف.
ألوف وراءك في الدرب سارت
لينهض شيء صحيح فما نام إلا الصحيح
يباهي اليسار الصحيح
بأنك في قمة قد حملت السلاح
وغاليت في مبدأ اسمه سلطة الفقراء
وهذا غلو صحيح
يلومون أني أنفخ نار التراث
أنا ارفض الخردوات من الفقهاء
فثم تراث وثم فحيح
لقد ظل قلبي أمينا لمعدنه معدن الفقراء
ولي أمة طالما كل الناس لها مدية
لغة. طالما لغتي تشعل الأبجديات عشقا
وصريح
أحب زوايا عيون النساء صريح
وامقت من يشهرون النصوص سيوفا
ومن يكسرون النصوص
كل الانحراف ريح
وامقت .. امقت .. امقت كن يشهرون الحسين
لغير الوصول إلى ثورة
مثلما جوهر الأمر فيه وإلا جنوح
لعل الحسين إذا ما رأى طفلة في شوارع بيروت
تنهش من لحمها الشهوات
وثم شظايا من القصف فيها سينكر مأساته
والجروح على رئتيها تقيح
يقولون من أمها وأبوها
فقات الجنوب وتاريخه والبيوت الصفيح
وعدت واعترضت
هو الجوع اكبر أبائنا الثائرين
ومن كان هذا أباه تغلب فيه الجموح
متى ما يوزع هذه العمارات للفقراء
وتجزر ألف انتهازية
والسلاح يقوم أداء لمهمته سيقوم المسيح
ولست ابشر بالحب إلا عنيفا(69/441)
وان أستريح على ذلة وأريح
كفاكم نزوحا وإلا فما تنتهي
ويسد الطريق على المدعين النزوح
هنالك فداء بغير سلاح
وكل التخريج في غير هذا التفاف صريح
ومن أخطئوا ليس عيبا
بل العيب ان تبتنى فوق ذاك الصروح
ولست أخاف العواقب فيما أقول
فان الشهادة من أجل قول جريء ومعتقد
قبة وضريح
إذا كان بعض يفكر في النيل مني
فهذا أنا
لست املك إلا القميص الذي فوق جلدي
وقلبي وراء القنص يلوح
خبرت الخليفة سطحا وعمقا وطولا وعرضا
فكان اكبر درس تلقيته
ان أكون فصيح المحبة والحقد
فالعصر جيف صريح
متى تنهضون ؟
لعنتم على الركض خلف كروش الزعامات
فيما الزعامات باعت ذبيحا وحيا
وثم هنالك صفقة ارض
فكونوا على حذر البندقية
فالديك سوف يصيح
بحق السموات حتى إذا الديك صاح على خطأ
فهنالك نار
وحين تكون الشرارة حقا وليس كلاما
فان الهيثم العظيم يثار
إذا كان البعض يدين سماعي الغيوب
سمعت انفجارا سيأتي
ويتبعه في الهدوء انفجار
رثيت الذين تتاح لهم الفرصة ان يكونوا من الثائرين
ويدفنهم في الجحور الغبار
لقد سافر الحلم قاطرة والشبابيك لا تنتهي
والوداع استمر تخالطني نكهة المشمش المتأخر
ثم لمحتك في آخر العربات ولم ينتظرني القطار
لقد بالغ الانتظار
ثوى في السقوف الحمام
وما زلت في سكة الحلم أحلم
احمل فانوس كل القطارات
حتى اطل النهار
وفي أولاة المواسم تصبح روحي بدون سياج
ومفتوحة لبهاء الشتاء
ونوح السواقي ورجع الحمام
وينزلق الدمع تلقاه من وداعين
ثم الى غير ذي رجعة في الظلام
وقد نلتقي
إنما القلب ودع شيئا كثيرا
وودع أكثر لما رمته المرامي
لي اللّه في غربة
ما خفضت الجناح لغير الأحبة فيها
وفي يقظتي والمنام
يفتشني الحزن في كل ليل
علام يفتش هذا الغراب الغبي بهذا الحطام
وقيل أذل من الجوع
قلت أجوع يا سافلين
وازرع في الشام طيب انتسابي
لقد سافر الحلم قاطرة كلهم ما ودعوني
كأني مررت بألف حطام
على فجأة كانت الريح مجهولة
قطع اللحم كانت مزابل رسمية تقرع الزفت(69/442)
وضعوا قيدهم في يدي
ذبحوا هودجا من قطا
علموا فوق قلبي بأختام خيل
وكل الحدود التي رأتني
اشترت علكة
وتباهت بخصيتها ساعتين أمامي
لكان القيامة أهون من مركز في الحدود
وشبر من الأرض مصطنع بين هذي البلاد
وبين الشام
وفي أول الأمر علمني الحزن كيف أحدق فيهم
وازوي فمي ألشبقي كما سمك الليل
لا شي يجدي
لقد صار كل صليبي
ولا شيء يرجى علمني الحزن كيف أوضب في التافهين
علمني الحزن كيف أبول على الشرطة الحاكمين
فان غضبوا
لات ثانية عليهم
هذا زمان البول فوق المناضد والبرلمانات والوزراء
أبول عليهم بدون حياء
فقد حاربونا بدون حياء
كأن مؤخرة لمريض يوسخ من تحته
عالم أي عالم ومرضى...ولكنهم أي مرضى
تصافح لؤما ذنباي عقارب والسم يغلي
وكيف تحب العقارب ليلا
وسم العقارب في الليل أمضى
وكيف المساواة بين الحفاة وبين العقارب
لا افهم العهر يرضى
يقولون تسكر قلت بخمري
رغم اعتراض المواخير طولا وعرضا
عجيب حجار المراحيض يظهر طهرا
ويزوي على بعضه والهزائم تفرض فرضا
أأمشي على راحتي لأقنع ان هزائمكم تلك نصر ؟
واخلط بين المياه وبين السراب
وفي أولاة المواسم يحتد القلب من زهرتين
تمسان بعضها بارتعاش
وأصبح سلكا بلا عازل في الظلام
وانتظر الزائر الأرجواني يغمسني كالطباشير
في حبره الأنثوي
ويكتبني نورسا لا بلاد له
عير دهشة بالطقوس وما أهملت من دموعي
وعشاقي في دفتري وثيابي
لقد طرز تني البروق من الأمس هجرتها
ثم لج على طلعتي في الربيع الظلام
وكل العصافير قد مارست عشقها في رفوفي
فبعض الرفوف تثير الغرائز دافئة في حنان
وبعض الرفوف تنام
ثلاثون ما نام رف بقلبي
ولا عدت أعرف ماذا يفيق وماذا ينام
وما قلبي ينام
وشيئا فشيئا خبا الرقص في قاعتي والمرايا
وخف الزحام
وغادر آخر من اصطفيه
وفارقته فوق جرحي ابتسام
وسافر صحبي على ناقة اللّه ما ودعوني
أبهذا الغبار الذي خلفوه سلاما
مساء الغد ينفض النخل أزهاره
وفي سواقي السعال على رئتي(69/443)
ويرشرش حزن قديم تراب المقابر قدام بابي
فقدت الكثيرين ممن أحب
فصرت أمت كثيرا لهذا التراب
وها أنا اقفل في آخر الليل
والمدمنون يقولون كانت هنا حانة
يسكر العشق فيها
وغادرها مثقلا في الضباب
لكم مدمن أيها العشق على حالتي
وتحب عتيق الشراب
ولست أرى الآن صفصافة
لم تكن في الطفولة بيتا لروحي
وعشقا اللاصق أوراقها كالجنين
وكل الدروب المنحاة بين البساتين تصغي إلي
وفي آخر الحلم أملأ عبي بصوت الشحارير
كنت شقيا تفجر روحي الدروس
ولكنني الآن بين دروس السفالات أشقى
أقاوم حرب المواخير
في غابة من خيال الحشيشة والجعجعة
وتقرع فيها الطبول
فان رحب البحر بالحرب أنزلت الأشرعة
قضم الرهان على خاتم الأشعري
وفيم الذهاب لجلب الضحية للمسلخ الدولي
ولف العمامة زيفا على القبعة
متى كان في لحية النفط أو في الزبيبة من شرف
أيها الراقصون لهم كالقرود كفاكم ضعة
فما ترجعون بغير السلاح وكشف الوجوه بلا أقنعة
حزين . أحاول ان اعبر الآن كل ضجيج الشوارع
مرتبكا من مجال السياسة والجاز
تدفعني كتل لا وجوه لها
والمظلات ذات الأذى النرجسي
تحوم على الليل حلم
أتغلف وجها من الأزرق الناعم المستفيق
وكأرنبة ولدت توها في نهار صبوح
بكل أناقة أرى وجهي وغربتي وقروحي
وتصعد بين المظلات صوب الوجوه الحزينة روحي
واعرف وجها يفرح قلبي به
واكشف بين يديه التي تعرف اللطف كل جروحي
أريه باني رأيت الذباب يفقس
في قلب من يعرفون هواي
تركت طموحي
وأرسيت بين القوارب قارب حزني
ما عاد لي أنيس سوى دفتري
والذي يعرف الحزن يعرف كيف تعذر وزني
حزين أحاول ان اسأل الحزن ماذا يسبب حزني
أرى صراعا وحماسا جبانا وحشدا بلا أي أذن
وحشدا بلا أي عين
تعج شوارع هذه البلاد بحرب البسوس
وليس يوزر إلا المحاسب فيها
فيأتي الخليط بلون ويصعب تحديد أي لون
ويفتح فيها الرصاص منابره أل فلان وال فلين
ويسند هذا بقصف العدو
ويسند هذا بقصف الحكومة
والحكم للاحتكار المنسق ما بين وبين(69/444)
فهم مستلزمين ومستخنثون وبعض توزع في الجانبي
وتفتك فيه المصارف خشية دين قديم على الأغنياء
ودين الفقير على آكلي لحمه كأن الصياد فه اتفقوا على ان
يدك الجنوب على أهله
ويقدم من لحمه طبق اليوم
بين الطناجر والخمر والمتخمين
وقدم لقد افرغ الأمويون خمارتهم فوق رأس الحسين
وأشياء .. وأشياء تجمع بين الجنوب ورأس الحسين
وبيني
وأشياء وأشياء تجمع بين الخيام
وبين الفدائي وبين الجنوب رأس الحسين وبيني
إلا ألا تخافوا فما قلة نحن
كل انفجار يضاعفنا
ولذلك يقوم الرهان الكبير على بغلة الدولتين
ستدمغ جنبا الى جنب
حوافز كل التيوس على صفقة إلا هذي
ولرب دعي شيوعية سيصلي وراء اليماني في الحرمين
وليس كثيرا على سمة العصر
في ان تقوم التراويح بعد صلاة العشاء
تبرأت من هذا العجيب
وهذا لمن يدرك الباطنية في العشق بعض انتمائي
أنا انتمي للجموع التي رفعت قهرها هرما
وأقامت ملاعب صور وبصري
وأضاءت بروج السماء بأبراج بابل
أنا انتمي للجياع ومن سيقاتل
أنا انتمي للمسيح الجذ فوق الصليب
وقد جرح الخل خد الإله على رئتيه
وظل به أمل ويقاتل
لمحمد شرط الدخول إلى مكة بالسلاح
لعلي بغير شروط
وللرذي يدق على قحف كل غني
فما زال منهم كثيرون حول معاوية يضربون الصنوج
ويرعون شأن الحروب
أنا انتمي للفدائي .. ولأس الحسين
وللقرمطية كل انتمائي
وللماركسيين شرط القبات مع الفقراء
وشوط القيام بها بالسلاح كما هي أصلا
بدون التفاف ودون رياء
وشرط يقال على خفية للجماهير صاحبة الأمر
لا ينهض الأمر إلا بحد السلاح وحد الخفاء
ولست في خلع في شدة صاحبي وأعود إليه بخفي حنين
كما الأشعري فاني مقيم
وتبا لمن كل يوم يبذل من نفسه مرتين
واني المح لا تسألوني
فخط التراجع نحو السلاح عريض
فيا أخوة في السلاح خذوا حذركم
فوراء الحياطين ثم حوار بغيض
تحيد فيه الفقر تمام الحياد
هو العالم من فئتين
هنا الفقراء على جوعهم واقفين
وخلف قلاع الخزائن يجتمع الاحتكار وأزلامه(69/445)
ويمارس بعض الزنا بالسلاح
فمال بفن وعهر بفن
وليس خلاص بغير الرصاص الذي علمته التجارب
لا بالرصاص الغبي
فثم رصاص وثم رصاص تجني
أأجمل من نخلة حملت فتسند عذق على سعفها
ويمامة ظهر تدغدغ منقارها تحت جنح حمام رحيم يغني
وانهار في خاطري وبيوت قديمة
ظلت تضيء على بعدها
والزقاق يلف بقلبي
والشبابيك ممسوحة بدموعي ودالية
إلى بيت عشق قديم
ومسحة حزن بلادي العظيمة
بالرغم مما تجنت ومما شردتني
كأنك أنت هنا ما تغير شيء
فنفس الجياع ونفس الفئات التي طاردتني
ونفس الدموع ونفس النساء ونفس الغلابة
وفي أولاة الموسم كنت أعيش على الحبر والطل
والانفساخ السماوي
والبقر البرتقالي يحرث في الصمت ارض الآبه
وأمي تعلم أطفالها مثلما علمتني
بان الحروف البسيطة شيئا فشيئا تصبح كتابة
ثلاثون عاما كتبت على مل شيء
فيا من يعلمني كيف انس الكتابة
وارجع صرخة روح بدائية لم تلوث بأمراض جدرانكم
تحدق في مل يوم في نفس الرتابة
سأرفض لكنما الرفض وعي وتعبئة وسلاح
وليس التردد بين الخلافة والقرمطية
أو بالترجرج بين الصحابة
وارفض لكنما لست بطرس قبل صياح الديوك
يسب المسيح
وبعد ارتفاع الصليب تكون الجموع احتسابه
سنرفض عن ثقة
بان هذي الجموع تميز بين الهزيل وبين الرهيق
وتكره من يرفضون على ظهرها بالكتابة
لا شيء غير الكتابة
يقولون شورى أيا شوهه بوهة أي شورى
قد قسّم الأمر بين أقارب عثمان ليلا
ولم يتركوا للجياع ذبابة
وكيف تقام على كل ذاك فلسطينكم
بل أقل كثيرا
أنا ثكلتني التواكل ان كنت افهم هذا
وانحاز يوما لغير الجماهير
ليست الطريق طويلة وان هلكوا
ولا بد يوما كل يقدم حسابه
نورس فضية في ضباب الصباح
على ساحة البرج والروح محبوسة
بين ليدي الصيارفة الميتين
وبؤس المقاهي
وهمّ خفيف يحرك حزنا الستائر في عرس قلبي
وإحدى البغايا تصلح ما خرب الليل من وجهها ويثير النسيم
الخريفي شيئا من الروح ما زال فيها
فثمة من اللّه شيء بكل النفوس يثير انتباهي(69/446)
تحاول ان تستفيق الأنوثة فيها ويحبطها عابر محبط
كل ما فيها من رجل عورة كالحكومة
ان الحكومات في الشرق تكملة للملاهي
وجدت بغاء الأزقة في البرج جوعا
وحرت بمن يقفون صفوفا على الجوع
جوع سيئ كل جوعا
وما زال بعض النورس يجتاز نخل العراق
المثبت في ساحة البرج في نشوة
والقوافل تمشي حزينة وبعض المدائن
تغرق من أحزانها إيه بيروت
أنت اشد من الحزن في هذه الساعة الأبدية
اعتبر يني عشيقا لما تكتمين وقولي لي لماذا أنت حزينة
وتفرغ فيك البواخر أحزان كل المواني
أم انه البحر والرمح والضجر المستمر
وتأوي طيور اللغات مزقزقة لشواطئك
ثم تحب .. وتنسى تواصل هجرتها
وتضج الفنادق والعربات وكل سقوف المقاهي
وفي كل بيت بكل اللغات لهن مقر
ولكن لنا لغة إيه بيروت ... أم
ولا تملك الأخريات حنان المنازل فيها
فما المرضعات كما الأمهات
وأحلى اللغات الإبر
حليب الرضاع يفي
وحدوا القوافل والخلجات الخفية في الروح
والأهل ... شام ... عراق ... حجاز ومصر
وكل الكواكب في العالم العربي
الذي في خضم الحروب في الطبقات سيرفع قسرا
فلا بد في لغة الطبقات الفقيرة قسر
حلمت بأن الجموع سترفع بيرقها العربي
على ذمم الكادحين
وليس ببيرقها العربي
على خوذة العسكرية والأغنياء
وشعر لعمرك تلك المسيرة شعر
وما يتحرى الضمائر كمفترق يتربع من يتربع فيه
يتقاعد من يتقاعد فيه
وتبقى المسيرة هادرة في هضم المعارك
طالت أظافرها وخناجرها ولحاها
ليافا التي اغتصبت
اسمعوا صوت يافا تزغرد
رافعة دمها بيرقا بانتظار المسيرة
واستبقوا صوب حيفا قبيل العشي
ولا تنصتوا للذين ارتشوا
قد عرفنا الطريق وان الكرامة جسر
الهي .. الهي .. الهي وويل لمن يتأخر
فان النداء لأوضح من مشرق الشمس
قد أخبرتني سنونوة ان نجمة داود قد افلت
وهو يحتضر الآن فوق عصاه
وتنعشه مواكب الوسيطات والانتظار
وان الواسطة في آخر الأمر عهر
تقاعد بعض على نصف ثورية
ونظّر التقاعد مرحلة قلت كفر(69/447)
لماذا المزاد الطويل العريض لماذا ؟
إذا كان يلتمس العذر بعض فنقص الكرامة عذر
وفي أولاة المواسم يزهو في القدس صوت الحمام
وتذهب بيارة البرتقال الى البئر تغسل أقدامها
فالقادمون أحبتها
وهي قد كتمت دمعها ريثما يرجعون
ويبدأ فصل المطر
وتصعد في الجو رائحة الكستناء الجديد
وست البنات التي ضاجعتها الخيول
وفاض البنفسج فوق السطوح
وشيئا فشيئا.. فشيئا
تدب الطراوة في الجفن .. يعرق ثانية
كالمراهق حين يعالج أول مني
وعبق فيه اللزوجة والزهرات العراقية الأصل
وتمطر ... تمطر ... تمطر ... تمطر ...
في الحدس تمطر ... تمطر ... تمطر ... تمطر ... تمطر
بعد رحيل العدو يكون المطر
*************
*************
*************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> نهنهي الليل
نهنهي الليل
رقم القصيدة : 64133
-----------------------------------
نهنهي الليل
على كتفي بستان اللوز
وكان الصمت نبي
خافتة من زمني الطفلي على البعد بكت
وتغمدني برحيم الريحان أبي
ولقد يسكنني الطل فأسكن
أو يتحرك بالرفع قميصي
أو أكسر بعض العشب
وجماري يترك في الليل مجرة حزن بيضاء
يخوض في العشق يشاركني طربي
طرب بالكون ومن لا يطرب بالكون غبي
من ظن يبدل نعلا منه يكنز
يخطيء في التعب
قرفصت لأغسل بعض الصبر على النهر
ففاضت لغة بمزامير القصب
أنا من أختم سبحان اللّه كتاب العشق
أيختم بالصمت على قربي
أيتها اللغة الضع بين كرام النخل
مذ الشمس فتاة
والبدر صبي عربي يلعب بالشهب
أن كان نفاني من يتجر بالعبث العربي عما
فأيائل مكة في نسبي
أول ما يتلى في العشق وبعدي
يتلوا العشاق ومن لهبي
لي في الكون حبيب
يفتح أزهار المشمش في الليل
يغازلها أو يمطر
أو يصعد في الحبب
وضعتني أمي في البستان لديه
يهجئني الورد وقالت لأبي
سأكون النذر فلم يجب
ووفى النذر
فإن مأذن شعري تتكبر أن تتزين بالذهب
تذهب في الصحو
ويعتذر الصحو إليها هو يأتي
فالصحو يحب بلاد العرب
عرب رضعوا العزة(69/448)
شم ..أنف..
لا عرب حلبوا الخنزير
فبال من الحلب
استعري يا نار
استعري يا نار استعري وهبي
أو فاستعري لجرد أن تستعري
فأنا العاشق
لا أركض بين العلة والسبب أشرفت
على الزجل الباكر للنهر
ورحل حماري مملوء بنجوم الليل
وفجر يهتز بأول ما يهتز من الزغب
قلبي مبثوث بين عصافير النهر
وألتف من الشوق كما يلتف خطيء السحب
فعلى محض ذراعين من المسك
منازل أهلي
وأبعداه ذراعان
هما أخطاء الكون من الخبب
كيف عبرت ولم ..؟
فأنا في الطرفين من النهر
كأن الكوفة في حلب
وطني أنى ينطق بالعربية صافية
من دون القطرية والكذب
وبعمق التاريخ ورفعة عين الصقر
أحن إلى الوحدة
أمد يدا في خاتمها دمعة شوق للوحدة
من جفن المتنبي جف الأمراء وما جفت ويجفون
وتبقى الوحدة والشعب
وكأس المتنبي والعنب
صمم في أذني لكثرة ما سنيت غريبا
وتداولني البين على الغرب
وصداحي يجتذب الخطر الصرف
فما أمزج بالماء العذب
أعرف أن القاتل خلف حذائي
في الشارع في السلم في الغرفة
في المسموح من الكتب
رحب وطني بالطير وبالبسطاء وبالعشق وباليلب
الفطرة ليس لها من سبب
مهما اكتحل الثعلب ليس ظبي
ومن العيب تحط القومية فوق المشجب
في حفلات العرس
ونلبس في طنب
طنب عرب ليس جدالا في ذلك
والنبطية تلك اليس من العرب
أهنا في العرب النجب وهنا في العرب الجنب
قبلت عيون قوافل تخرج للشام بمحض الشوق
فما زلت أعشق حتى يكتمل العقد
بحانتها عتبي
في أكثر من سجن لي أحباب
دخلوا عن سبب أكثر من سبب
اطلب أن يطلق أحبابي
إن ليس مشاركة في الحرب
مشاركة في السد من النوب
أول حتى للوحدة هذا
وأنا مثل الوحدة لا أتراجع عن طلبي
إن ركب الجو النسر سينقض شهابا
أو سجن النسر يمد الرأس من القضبان
يحدق في الشهب
وأجيء إلى صدرك يا شام
تداوين جروحي منك
وحد لساني عهدك بي
أو ليس من التعبئة العربية
إلا يترك في السجن فتى عربي
ولكي لا يالتبس المسك
فأحبابي يرفع كل زنزانته من داخلها
وينقض بملحمة الطرب
*************(69/449)
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> وتريات ليلية
وتريات ليلية
رقم القصيدة : 64134
-----------------------------------
الحركة الأولى
وشجيرات البر تفيح بدفء مراهقة بدوية
يكتظ حليب اللوز
ويقطر من نهديها في الليل
وأنا تحت النهدين إناء
في تلك الساعة حيث تكون الأشياء
بكاءً مطلق،
كنت على الناقة مغموراً بنجوم الليل الأبدية
أستقبل روح الصحراء
يا هذا البدوي الضالع بالهجرات
تزوّد قبل الربع الخالي
بقطرة ماء
كيف اندسَّ بهذا القفص المقفل في رائحة الليل!؟
كيف أندسَّ كزهرة لوزٍ
بكتاب أغانٍ صوفية!؟
كيف أندسَّ هناك،
على الغفلة مني
هذا العذب الوحشي الملتهب اللفات
هروباً ومخاوف
يكتبُ في
يمسح عينيه بقلبي
في فلتة حزن ليلية
يا حامل مشكاة الغيب!
بظلمة عينيك !
ترنَّم من لغة الأحزان،
فروحي عربية
يا طير البرِّ
أخذت حمائم روحي في الليل،
الى منبع هذا الكون،
وكان الخلق بفيض،
وكنت عليّ حزين
وغسلت فضائك في روحي أتعبها الطين
تعب الطين ،
سيرحل هذا الطين قريباً،
تعب الطين
عاشر أصناف الشارع في الليل
فهم في الليل سلاطين
نام بكل امرأة
خبأ فيها من حر النخل بساتين
يا طير البرق! أريد امرأة دفء
فأنا دفء
جسداً كفء فأنا كفء
تعرف مثل مفاتيح الجنة بين يديَّ وآثامي
وأرى فيك بقايا العمر وأوهامي
يا طير البرق القادم من جنات النخل بأحلامي!
يا حامل وحي الغسق الغامض في الشرق
على ظلمة أيامي
أحمل لبلادي
حين ينام الناس سلامي
للخط الكوفي يتم صلاة الصبح
بإفريز جوامعها
لشوارعها
للصبر
لعلي يتوضأ بالسيف قبيل الفجر
أنبيك علياً
ما زلنا نتوضأ بالذل
ونمسح بالخرقة حد السيف
وما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف
ما زالت عورة عمرو بن العاص معاصرةً
وتقبح وجه التاريخ
ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية
ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء ،
يؤلب باسم اللات
العصبيات القبلية
ما زالت شورى التجار، ترى عثمان خليفتها
وتراك زعيم السوقية
لو جئت اليوم(69/450)
لحاربك الداعون إليك
وسموك شيوعا
يا ملك البرق الطائر في أحزان الروح الأبدية
كيف اندس كزهرة رؤيا في شطة وجد صوفية
يمسح عينيه بقلبي في غفلة وجد ليلة
يكتب في يوقظ في
يا مشمش أيام الله بضحكة عينيك
ترنم من لغة القرآن فروحي عربية
هل تصل اللب
هناك النار طري
ويزيدك عمق الكشف غموضا
فالكشف طريق عدمي
وتشف بوحيك ساعات الليل الشتوي غموضا
هناك تلاقي النيران وتغضب الكلمات
وتصبح روحي قبل العشق بثانية فوضى
وأوسد فخذ امرأة عارية
بثيران من الشبق الأسود والسكر بعينيها الفاترتين
وجمرة ريا
تقطر نوما ورديا
تتهرب كالعطر وامسكها فتذوب بكفيا
وأدي بأنفي المتحفز بين النهدين يضحكان عليا
يا طير..أحب..واجهل
كيف..لماذا..من هي..لا اعرف شيئا
الحب بألا تعرف كيف يكون الشاعر بالحب
لقاء جميع الأنهار ومجنونا وخرافيا
ويهاجر في غابة ضوء من دمعته
ويموت لقاء أبديا
يشتعل الجسد الشمعي سنيا
وأرى تاريخ الشام مليا
وأكاد اقلب أوراق الكرسي الأموي
وتخنقني ريح مرة
تنفرط الكلمات واشعر بالخوف وبالحسرة
تختلط الريح بصوت صاحبي
يقرع باب معاوية ويبشر بالوردة
ويضيء الليل بسيف يوقد فيا لمهجة جمرة
ماذا يقدح في الغيب الأزلي اطلوا..
ماذا يقدح في الغيب..
أسيف علي
قتلتنا الردة يا مولاي
كما قتلتك بجرح في الغرة
هذا رأس الثورة يحمل في طبق في قصر يزيد
وهذي البقعة أكثر من يوم سباياك
فيا لله وللحكام ورأس الثورة
هل عرب انتم..
ويزيد عمان على الشرفة
يستعرض أعراض عراياكم ويوزعهن كلحم الضأن لجيش الردة
هل عرب انتم..
والله أنا في شك من بغداد إلى جدة
هل عرب انتم
واراكم تمتهنون الليل
على أرصفة الطرقات الموبوءة أيام الشدة
قتلتنا الردة..
قتلتنا الردة..
قتلتنا الردة..
قتلتنا ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده
من أين سندري ان صحابيا
سيقود الفتنة في الليل بإحدى زوجات محمد
من أين سندري ان الردة تخلع ثوب الأفعى
صيفا تلوث وجه العنف
وضج التاريخ دعاوى فارغة(69/451)
وتجذ من لياليه
يا ملك الثوار..
أنا ابكي بالقلب لان الثورة يزني فيها
والقلب تموت أمانيه
يا ملك الثوار..
تعال بسيفك ان طواويس يزيد تبالغ في التيه
يا ملك الثوار..
أنا في حل فالبرق تشعب في رئتي وأدمنت النفرة
والقلب تعذر من فرط مراميه
والقلب حمامة بر لألأتها الطل
تشدو والشدو له ظل
والظل يمد المنقار لشمس الصحراء
لغة ليس يحل طلاسمها غير الضالع بالأضواء
والظل لغات خرساء
وأنا في هذي الساحة بوح أخرس
فوق مساحات خرساء
أتمنى عشقا خالص لله
وطيب فم خالص للتقبيل
وسيفا خالص للثورة
في تلك الساعة من شهوات الليل
وعصافير الشوك تفلي الأنثى بحنين
صنعتني أمي من عسل الليل بأزهار التين
تركتني فوق تراب البستان الدافئ
يحرسني حجر اخضر
وحملت هناك بسكين
وتحرك في شفتي سحاق السكر
أين تركت نادماك حبيبي
عبروا جسر السكر وماتوا الواحد بعد الآخر
وبقيت أحدق في الخمرة وحدي
وغمست يدي وبصمت على القلب سأسكر
أسكر..
أسكر..أسكر..أسكر
فالعلم مملوء بالليل
فكيف تعاتبني كيف أتوب
هل تاب النورس من ثقل جناحيه المكسورين
وهل تاب الطيب الفاغر في رفغ امرأة خائفة فأتوب
هل تاب الخالق من خمر الخلق
ومسح كفيه الخالقتين لكل الازوار الحلوة في الارض
فتلك ذنوب
تعال لبستان السراريك الرب على اضفر برعم ورد
يتضوع من قدميه الطيب
قدماه ملوثتان بشوق ركوب الخيل
تاء التأنيث خفيه تذوب
ما دام هناك ليل ذئب فالخمرة مأواي
وهذا الجسد الشبقي غريب
صنعتني ليلة حب امي اقطر في الليل
واسأل ثلج الإنسان متى سيذوب
تركتني فوق تراب البستان الدافىء
يجمعني الفقراء ومر غريب
يعرف قدر الزهر فأفراد حجرته لروحي
وتساقطت له ذلك مكتوب
فبكيت..وجف الدمع زبيبا
يا طير البرق لقد اوشك ماء العمر يجف قريبا
وفتحت معابد روحي المهجورة
اذ كنت سمعتك تخفق في الليل غريبا
ايقظت الاقواس وكل حروف الزهد تناديك حبيبا
وامنتك ان الشجن الليلي توضأ في لهيبها
ووضعت امام سنى عينيك توسل كفي(69/452)
وما ابقته الأيام لدي
وانت بآفاق الروح شروقا ومغيبا
واخذتك للخلوة ناديتك:
يا ثقتي اسرفت عليهم بالخمر
واغفيت وخمري تتدفق بين اصابعهم
فلماذا انزل نعش الحزن ليدفن في عافيتي ؟
يا طير البرق
رأيتك وهما في افق الماضي رافق قافلتي
وتساقط في العتم الكلي سنى حرفيك على رئتي
ورأيتك صحوا يتذرذر من نهدين صبييين
كان الشبق الناري يعذبني
مذ كنت حليبا دافىء في النهدين
وكانت تبكي من لذتها شفتي
يا للوحشة أنصت فستبكي لغتي
ما كدت رأيتك لا تكتب في الليل هروبك من نافذتي
لا تكتب لغة العالم في
نغرق باللغة الضائعة اليومية
كل الفوانيس الله مبللة
ونجومك تلثغ بالنوم على ابواب الابدية
وانا لرقب ان تأتي
في غسق جن من الفيروز بزهرة دفلى
مكن وطني كسلام الناس رمادية
ارقب ان تنفر فوق الباب المهمل مرتبك النظرات
وتوقظ بادية العشق الزاهد في عيني
يا طير هنالك في اقصى قلبي دفنوا رابعة العدوية
وبكيت وشب الدمع لهيبها
وكشفت مقابر عمري في غسق
لتراني شوكي الشفتين غريبا
لهبي العينين كأن سماء الله تعج ذنوبا
ما كنت أنام بغير دمى عارية في المهد
كم كان اله الشهوات يقبل جسر سريري
ومددت يدي تمسك ضحكته
ما وصلت كفاي اليه وفر لعوبا
وامتلأ العمر الفارغ احلاما برؤاك
وامس اتيت تأخرت
فو أسفاه تأخرت
وصار رحيل القرصان إلى بحر الظلمات قريبا
يا طير البرق تأخرت
فاني اوشك ان اغلق باب العمر ورائي
اوشك ان اخلع من وسخ الايام حذائي
يا للوحشة اسمع
فوراء محيطات الرعب المسكونة بالغيلان
هناك قلعة صمت
في القلعة بئر موحشة كقبور ركبن على بعض
آخر قبر يفضي بالسر إلى سجن
السجن به قفص تلتف عليه أغاريد ميته
ويضم بقية عصفور مات قبيل ثلاث قرون
تلكم روحي
منذ قرون دفنت روحي
منذ قرون دفنت روحي
منذ قرون كان بكائي
ابحث عن ثدي يرضعني فأنا خاو
اريد حليب امرأة بإنائي
في تلك الساعة من ساعات الليل يجوع انائي
والكلمات يصلن لجد الافراز(69/453)
في العاشر من نيسان بكيت على الابواب الاهواز
فخذاي تشقق لحمها من امواس مياه الليل
اخذت حشائش برية تكتظ برائحة الشهوة
اغلقت بهن جروحي
لكن الناموس تجمع في خيط الفردوس المشود
كنذر في رجلي
ناديت : اله البر سيكتشفوني
وسأقتل في العاشر من نيسان
نسيت على ابواب الاهواز عيوني
وتجمع كل ذباب الطرقات على فمي الطفل
ورأيت صبايا فارس يغسلن النهد بماء الصبح
وينتفض النهد كرأس القط من الغسل
اموت بنهد يحكم اكثر من كسرى في الليل
اموت بهن
تطلعن بخوف الطير الآمن في الماء إلى قسوة ظلي
من هذا المتسبل في الليل بكل زهور النخل
تتأجج فيه الشهوة من رؤيا النخل الحالم في الليل
شبقا في لحم المرأة كالسيف العذب الفحل
من هذا الماسك كل زمام الانهار
يسيل على الغربات كعري الصبح
يراوغ كل الطرقات المألوفة في جنات الملح
يواجه ذئبية هذا العالم لا يحمل سكينا
يا ابواب بساتين الاهواز اموت حنينا
غادرت الفردوس المحتمل
كنهر يهرب من وسخ البالوعات حزينا
احمل من وسخ الدنيا
ان النهر يظل لمجراه امينا
ان النهر يظل يظل يظل امينا
ان النهر يظل امينا
فأين امراة توقد كل قناديلي
فالليلة تغتصب الروح حزينا
هذا طينك يا الله يموت به العمر
ويشتعل الكبريت جنونا
هذا طينك قد كثرت فيه البصمات
وافسق فيه الوعي سنينا
هذا طينك..طينك..طينك
تتقاذفه الطرقات بليل المنفي والامطار
دلتني الاشعار عليك
فكيف ادل عليك بجمرة اشعاري
جعلتني الدمعات كمنديل العرس طريا
لا اجرح خدا
خذني وامسح فانوسك في الليل
نشع بكل الاسرار
لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر
فالجوع ابو الكفار
مولاي انا في صف الجوع الكافر
ما دام الصف الاخر يسجد من ثقل الازوار
واعيذك ان تغضب مني
انت المطوي عليك جناحي في الاسحار
اله نجوم البحر
لقد ابحرت اليك كآخر طير في البر
وكادوا يقتنصوني
اله البحر سيكتشفوني
اله البحر الست تشم مساحات سكاكين الدم
سيكتشفوني
سباخك
يا رب الليل يشد على قدمي المتورمتين(69/454)
واقدامي تهرب في قلب عدوي صارخة
وسيكتشفوني
انقذ مطلقك الكامن في الانسان
فان مدى المتبقين من العصر الحجري تطاردني
انقذني من وطني
اذ ذاك التفت على جسدي الواهن روح المطلق
متشحا بالقسوة والنرجس والزمن
حملتني ريح الغيب إلى درب
تترقرق فيه بواكير الصبح
وأول عصفور زقزوق في الافق الازرق ملتهبا
امن..امن..امن
ايقظخبزي
ايقظ في القرية رائحة الخبز
فغافلني تعبي والشبق المتأصل في وجوعي للانسان
فذقوا بابا مؤصدة
ناداني صوت ما زال كخيمة عرس عزبي
والصوت كذالك انثى
والغربة حين احتضنتني انثى
والدكة انثى
من ذاك ..
اجبت كنار مطفأة في السهل انا يا وطني
من هرب هذي القرية من وطني
من ركب اقنعة لوجوه الناس والسنة ايرانية
من هرب ذاك النهر المتجوسق بالنخل على الاهواز
اجيبوا.. فالنخلة ارض عربية
جمدانيون بويهيون سلاجقة ومماليك اجيبوا
فالنخلة ارض عربية
يا غرباء الناس بلادي كصناديق الشاي مهربة
ابكيك بلادي ...ابكيك بحجر الغرباء
الام ستبقى يا وطني ناقلة للنفط
مدهنة بسخام الاحزان واعلام الدول الكبرى
ونموت مذلة
الام أتا وطن في العزلة
يا غرباء الناس أغص لأن الدمع يجرح أجفاني
في الحلم يطينني الدمع
وتأتي الأفراح كسلسلة من ذهب من كنزك
يا ملك الأنهار بقلب بلادي
ابكيك بلاد الذبح كحانوت تعرض فيه ثياب الموت
امتد إليك كجسر من خشب الليل
وسيعبر تاريخ الغربة
كل جسور الليل تسوسن سوي جسري
احتك بكل الجدران
كأت الغربة يا قاتلتي جرب في جلدي
أتشهّى كل القطط الوسخة في الغربة
لكل نساء الغربة أسماك
تحمل رائحة الثلج
وأتعبني جسدي
يا أيّ إمرأة في الليل!
تداس كسلة تمر بالأقدام تعالي!
فلكل إمرأة جسدي
وتد عربي للثورة, يا أنثى جسدي
كل الصديقين وكل زناة التاريخ العربي
هنا أرث في جسدي
أضحك ممن يغريني بالسرج
وهل يسرج في الصبح حصان وحشيّ
ورث الجبهة من معركة " اليرموك"
وعيناه "الحيرة"
والأنهار تحارب في جسدي!؟
قد أعشق ألف إمرأة في ذات اللحظة ,(69/455)
لكني أعشق وجه إمرأة واحدة
في تلك اللحظة
إمرأة تحمل خبزا ودموع في بلدي
اعبر اسواق اللحم فأبكي
يا بلدي يا سوق اللحم لكل الدول الكبرى بلدي
يا بلد يتناهشها الفرس
ويجلس فوق تنفسها الوالي العثماني
وغلمان الروم
وتحتلم (الجيتات) الصهيونية بالعقد التوراتية فيها
بلد يخرج حتى ملك الأحباش الجائف عورته في جهلك
يا بلدي!
يا بلدي ورماح بني مازن قادرة أن تفتك فيك
والكل إذا ركب الكرسي يكشر في الناس كعنتره
فتعالي..
تعالي نبكي الأموات ونبكي الأحياء
فانت حزينة والحزن ثقيل في الليل
في تلك الساعة من شهوات الليل
وقرى الأهوز المسروقة من وطني
يتسلل نحو مخادعها
ملك الريح المكتوب بأقصى الصحراء
والزغب النسوي
هناك يته كرأس الهدهد في البرية
يكتظ عليه الدفء كجمرة ليل
وأنا فوق مقلوب كإناء
في تلك الساعة
حيث تكون الأشياء هي الشبق المطلق
كنت على الناقة مذهولا بنجوم الليل الأبدية
استقبل روح الصحراء
يا هذا البدوي المعن بالهجرات
تزود للقاء الربع الخالي بقطرة ماء
**************
**************
**************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> يا قاتلتي
يا قاتلتي
رقم القصيدة : 64135
-----------------------------------
يا قاتلتي بكرامة خنجرك العربي
أهاجر في الفقر
وخنجرك الفضي بقلبي ... وأولادي
عشقتني بالخنجر.. والأجر بلادي
ألقيت مفاتيحي في دجلة
أيام الوجد وما عاد هنالك
في الغربة مفتاح يفتحني
ها أنذا أتكلم من قفلي
من أقفل بالوجد وضاع على أرصفة الشارع سيفهمني
من كان مخيم يقرأ فيه القرآن
بهذا المبغى العربي سيفهمني
من لم يتزود حتى الآن ... وليس يزود في كل مقاهي الثوريين
سيفهمني
من لم يتقاعد كي يتفرغ للهو
سيفهم أي طقوس للسرية في لغتي
وسيعرف كل الأرقام ... وكل الشهداء ... وكل الأسماء
وطني علمني أن أقرأ كل الأشياء
وطني علمني أن الحروف التاريخ مزورة
حين تكون بدون دماء
وطني علمني أن التاريخ البشري
بدن الحب(69/456)
عويلا ونكاحا في الصحراء
يا وطني هل أنت بلاد الأعداء؟
هل أنت بقية داحس والغبراء؟
وطني أنقذني من رائحة الجوع البشري
مخيف
أنقذني من مدن يصبح فيها الناس
مداخن للخوف وللزبل
مخيس
من مدن ترقد في الماء الآسن
كالجاموس الوطني وتجتز الجيف
أنقذني كضريح نبي مسروق
في هذي الساعة في وطني تجتمع الأشعار
كشعب النار
وترضع في غفوات البر صغار النوق
يا وطني المعروض كنجمة صبح في السوق
في العلب الليلية يبكون عليك
ويستكمل بعض الثوار رجولتهم
ويهزون على الطلبة والبوق
أولئك أعداؤك يا وطني
***********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> القدس عروس عروبتكم
القدس عروس عروبتكم
رقم القصيدة : 64136
-----------------------------------
من باع فلسطين وأثرى بالله
سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام
ومائدة الدول الكبرى ؟
فإذا جن الليل
تطق الأكواب بان القدس عروس عروبتنا
أهلا أهلا أهلا
من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة ؟
أقسمت بأعناق أباريق الخمر وما في الكأس من السم
وهذا الثوري المتخم بالصدف البحري ببيروت
تكرش حتى عاد بلا رقبة
أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة
لن يبقى عربي واحد إن بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الكسبة
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ؟؟
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فما أشرفكم
أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة ؟
أولاد القحبة
لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم
لا تهتز لكم قصبة
الآن أعريكم
في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي
في كل زقاق أجد الأزلام أمامي
أصبحت أحاذر حتى الهاتف
حتى الحيطان وحتى الأطفال
أقيء لهذا الأسلوب الفج
وفي بلد عربي كان مجرد مكتوب من أمي
يتأخر في أروقة الدولة شهرين قمريين
تعالوا نتحاكم قدام الصحراء العربية كي تحكم فينا(69/457)
أعترف الآن أمام الصحراء بأني مبتذل وبذيء كهزيمتكم. يا شرفاء المهزومين
ويا حكام المهزومين
ويا جمهورا مهزوما
ما أوسخنا .. ما أوسخنا.. ما أوسخنا ونكابر
ما أوسخنا
لا أستثني أحدا. هل تعترفون
أنا قلت بذيء
رغم بنفسجة الحزن
وإيماض صلاة الماء على سكري
وجنوني للضحك بأخلاق الشارع و الثكنات
ولحس الفخذ الملصق في باب الملهى
يا جمهورا في الليل يداوم في قبو مؤسسة الحزن
سنصبح نحن يهود التاريخ
ونعوي في الصحراء بلا مأوى
هل وطن تحكمه الأفخاذ الملكية ؟
هذا وطن أم مبغى ؟
هل أرض هذه الكرة الأرضية أم وكر ذئاب ؟
ماذا يدعى القصف الأممي على هانوي ؟
ماذا تدعى سمة العصر و تعريص الطرق السلمية ؟
ماذا يدعى استمناء الوضع العربي أمام مشاريع السلم
وشرب الأنخاب مع السافل (فورد) ؟
ماذا يدعى تتقنع بالدين وجوه التجار الأمويين ؟
ماذا يدعى الدولاب الدموي ببغداد ؟
ماذا تدعى الجلسات الصوفية قي الأمم المتحدة ؟
ماذا يدعى إرسال الجيش الإيراني إلى (قابوس) ؟
وقابوس هذا سلطان وطني جدا
لاتربطه رابطة ببريطانيا العظمى
وخلافا لأبيه ولد المذكور من المهد ديمقراطيا
ولذلك تسامح في لبس النعل ووضع النظارات
فكان أن اعترفت بمآثره الجامعة العربية يحفظها الله
وأحدى صحف الإمبريالية
قد نشرت عرض سفير عربي
يتصرف كالمومس في أحضان الجنرالات
وقدام حفاة (صلالة)
ولمن لا يعرف الشركات النفطية
في الثكنات هناك يراجع قدراته العقلية
ماذا يدعى هذا ؟؟
ماذا يدعي أخذ الجزية في القرن العشرين ؟
ماذا تدعى تبرئة الملك المرتكب السفلس ؟
في التاريخ العربي
و لا يشرب إلا بجماجم أطفال البقعة
أصرخ فيكم
أصرخ أين شهامتكم..؟
إن كنتم عربا.. بشرا.. حيوانات
فالذئبة.. حتى الذئبة تحرس نطفتها
و الكلبة تحرس نطفتها
و النملة تعتز بثقب الأرض
وأما انتم فالقدس عروس عروبتكم
أهلا..
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل السيلانات إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب(69/458)
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فأي قرون أنتم
أولاد قراد الخيل كفاكم صخبا
خلوها دامية في الشمس بلا قابلة
ستشد ضفائرها وتقيء الحمل عليكم
ستقيئ على عزتكم
ستقيىء الحمل على أصوات إذاعتكم
ستقيىء الحمل عليكم بيتا بيتا
وستغرز أصبعها في أعينكم
أنتم مغتصبي
حملتم أسلحة تطلق للخلف
وثرثرتم ورقصتم كالدببة
كوني عاقرة أي أرض فلسطين
كوني عاقرة أي أم الشهداء من الآن
فهذا الحمل من الأعداء
ذميم ومخيف
لن تتقلح تلك الأرض بغير اللغة العربية
يا أمراء الغزو فموتوا
سيكون خرابا.. سيكون خرابا
سيكون خرابا
هذي الأمة لابد لها أن تأخذ درسا في التخريب !!
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> بكائية على صدر الوطن
بكائية على صدر الوطن
رقم القصيدة : 64137
-----------------------------------
الحركة الثانية
في تلك الساعة .. حيث تكون الروضة فحل حمام
في جبل مهجور
وأضم جناحي الناريين على تلك الأحذية السرية
واريح التفاح الوحشي
يعض كذئب ممتلىء باللذة
كنت اجوب الحزن البشري .. الأعمى
كالسرطان البحري
كأني في وجدي الأزلي
محيط يحلم آلاف الأعوام
ويرمي الأصداف على الساحل
كم اخجلني من نفسي هذا الهذيان المسرف
بالوجع الأمي
كأني أتنبأ بذور اللذة مدت ألسنة خضراء
وشفرات في رحم الكون
وأعطت جملا أبدية
مولاي لقد عاد حمام الجبل المهجور
يمارس عادته النهرية
هل تعرف عادته النهرية؟
أما أنت فأصحرت وعرفتك لا تنوي الرجعة !!
أصحرت بلا أي علامات وبلا أي صور
وعرفتك لا تنوي الرجعة
فالقلب تعلم غربته .. وتعلم بالبرق
تعلم ألا ينضج كل النضج
فيسقط بالطعم الحلو .. و يسقط في الطعم الحلو
وأرق وامتنع النوم علي لأبواق أزلية
عرف المفتاح الكامن في القفل
وما يربطه بالقفل الكامن بالمفتاح
فباحت كل الأشياء
وتضجر قلبي بالأنباء
يا هذا البدوي المسرف بالهجرات
لقد ثقل الداء
قتر ربقك لليل
فلابد لهذا الليل دليل(69/459)
يعرف درب الآبار
ويقبع بالحذو الناقة بالصحراء
يا هذا البدوي تزود وأشرب ما شئت
فهذا آخر عهدك بالماء
من مخبر روحي أن تطفأ فانوس العشق
وتغلق هذا الشباك
فإن الليل تعرى كالطفل
وان مسافات خضراء احترقت في الوعي
فأوقدت ثقابا أزرقا
في تلك النيران الخضراء
لعل النار أرى
ولعل اللحظة تعرفني
من ذلك يأتي
بين عواء النفس و بين عواء الذئب
وبين غروب النخل يرافقني نصف الدرب
وبعد النصف يقول يرافقني
ناديت بكلتا أذني .. فأوقفت مجاهيل الصحراء
وعيني في الطين
أعدل من قدمي الملوبة
و الأضواء افترستني
أمسكت على الطين لأعرف أين أنا
في آخر ساعات العمر
رفعت الطين الى الرب
بهذا الدين .. تقترب اليه
فأطرد عاطفتيه
وكانت قبضته تشتعل الآن بنيران سوداء
وكان المطر الآن صباحا
وانطبقت كل الأبعاد
وصرت كأني صفر في الريح
وصلت الى باب النخل .. دخلت على النخل
أعطتني احدى النخلات نسيجا عربيا
فعرفت بأن النخلة عرفتني
وعرفت بان النخلة في عربستان أنتظرتني
قبل الله
لتسأل ان كان الزمن المغبر غيرها
قلت .. حزنت
فأطبق صمت وبكى النخل
وكانت سفن في آخر شط العرب
احتفلت بوصولي
ودعني النوتي وكان تنوخيا تتوجع فيه اللكنة
قال الى أين الهجرة
فارتبك الخزرج .. و الأوس بقلبي
ومسحت التلقيط من الحبس
لئلا يقرأني الدرب
وسيطر قنطار وعاش الصبح
فجاء الله الى الحلم
وجاء حسين الأهوازي يفتش عن دعوته
جاء النخل .. وجاء التعذيب .. وجاءت قدمي الملوية
جف الطين عليها
في البرد .. وزاغ الجرح
وطارت في عتمات القلب
فراشات حمراء .. و أشجار الحزبية
قد شحنت بالحزن و بالنار
نزلت الى ذاتي في بطء
آلمني الجرح .. مددت بساقي
خرجت قدمي كالرعب من الحلم
وكان الابهام هي عين عمياء
تشم برودة ماء (الكارون)
وهذا أول نهر عربي في قائمة المصروفات
وشم الذئب الشاهنشاهي دمي
شم الذئب دمي .. سال لعاب الذئب على قدمي .. ركضت
قدمي
ركض البستان
وكان الرب أصغر برعم ورد(69/460)
ناديت عليه فذقت الكر كمركض الرب .. الدرب .. النخل .. الطين
و أبواب صفيح تشبه حلم فقير
فتحت ووجدت فوانيس الفلاحين
تعين على الموت حصان يحتضر
عيناه تضيئان بضوء خافت فوق ألوف الفلاحين
وتنطفآن وينشج
لو مات على اليح
وبين لفيف الضوء البري
لكان الشعب سيحتضر
غطى شعب الفلاحين فوانيس الليل
برايات تعبق بالثورات المنسية
فاستيقظت الخيل .. وروحي
كالدرع ائتلقت وعلى جسر البرق
صرخت الهي هؤلاء الفلاحين كم انتظروا
علمهم ذاك حسين الأهوزي من القرن الرابع للهجرة
علمهم علم الشعب على ضوء الظلمة
كان حسين الأهوازي بوجه لا يتقن الا الجرعة
و النشوة بالأرض
وقال انتشروا فانتشروا
كسروا الأنهار كسورا مؤلمة برضاها
كسروا ساقيتين
أشاعوا الظلمة و الأرحال
وراء النخلة وانتشروا
لفوا جسدي بدثار زركش بالطير
أورثهم أياه حفاة الزنج
فقلت لهم لقد علمهم ذاك حسين الأهوازي
عشية يوم في القرن الرابع للهجري
كيف نسينا التاريخ ؟
دخان .. أمل أطلق فلاح في أقصى الحنطة نارا
فانقضت كل وطاويط الشاه هناك
وكانت قدمي الملوية قد تركت
بقع خضراء من الدم المخلص
واستجوبت الأشجار فلم ينطق حجر
كيف نسينا التاريخ ؟
وكيف نسينا المستقبل ؟
كان القرن الرابع للهجرة فلاحا
يطلق في أقصى الحنطة نارا
تلك شيوعية هذي الأرض
وكان الله معي يمسح عن قدمي الطين فقلت له
اشهد اني من بعض شيوعية هذي الأرض
ودب بجسمي الخدر
وغفوت وكان الفلاحين يردون غطائي فوقي
في العاشر من نيسان تفرد عشقي
أتقنت تعاليم الأهوازي
ووجدت النخلة .. والله .. وفلاحا
يفتح نار الثورة في حقل الفجر
تكامل عشقي
ما عدت أطيق تعاليم المخصيين
تفردت .. نشرت جناحي
في فجر حدوث
ووقفت أمام القرن الرابع للهجرة
تلميذا في الصف الأول
يحمل دفتره .. يفترش الأرض .. يعرف كيف تكلم عيسى في المهد
فإن الثورة تحكي في المهد
ويسمع صوت السبل النارية تبدأ بالخلق
اللهم ابتدئ التخريب الآن
فإن خرابا بالحق .. بناء بالحق(69/461)
وهذا زمن لا يشبه إلا القرن الرابع للهجرة
او ما سمي كفرا .. زندقة .. او أدرج بالفتن
في طهران وقفت امام الغول
تناوبني بالسوط .. و بالأحذية الضخمة عشرة جلادين
وكان كبير الجلادين له عينان
كبيتي نمل أبيض مطفأتين
وشعر خنازير ينبت من منخاريه
وفي شفتيه مخاط من كلمات كان يقطرها في أذني
ويسألني:من أنت؟
خجلت أقول له :
"قاومت الإستعمار فشردني وطني"
غامت عيناي من التعذيب
رأيت النخلة .. ذات النخلة
والنهر المتشدق بالله على الأهواز
وأصبح شط العرب الآن قريبا مني
والله كذلك كان هنا
واحتشد الفلاحون علي وبينهم كان
علي .. وأبو ذر .. والأهوازي .. ولوممبا .. وجيفارا .. وماركس
لا أتذكر فالثوار لهم وجه واحد في روحي
غامت عيناي من التعذيب
تشقق لحمي تحت السوط
فحط علي رأسي في حجريه
وقال : تحمل فتحملت
وجاء الشعب فقال : تحمل فتحملت
و النخلة قالت .. و الأنهر قالت
فتحملت وشق الجمع
وهبت نسمات لا أعرف كيف أفيق عليها
بين الغيبوبة والصحوة
تماوج وجه فلسطين
فهذي المتكبرة الثاكل
تحضر حين يعذب أي غريب
أسندني الصبر المعجز في عينيها
فنهضت .. وقفت أمام الجلاد
بصقت عليه من الأنف الى القدمين
فقدت رأسي ثانية بالأرض
وجيء بكرسيّ حفرت هوة رعب فيه
ومزقت الأثواب عليّ
ابتسم الجلاد كأن عناكب قد هربت
أمسكني من كتفي وقال
على هذا الكرسيّ خصينا بضع رفاق
فاعترف الآن
اعترف
اعترف
اعترف الآن
عرقت .. وأحسست بأوجاع في كل مكان من جسدي
اعترف الآن
وأحسست بأوجاع في الحائط
أوجاع في الغابات وفي الأنهار ، وفي الإنسان الأول
أنقذ مطلقك الكامن في الإنسان
توجهت الى المطلق في ثقة
كان أبوذرّ خلف زجاج الشباك المقفل
يزرع في شجاعته فرفضت
رفضت
وكانت أمي واقفة أمام الشعب بصمت...فرفضت
إعترف الآن
إعترف الآن
رفضت
وأطبقت فمي ,
فالشعب أمانة
في عنق الثوؤي
رفضت
تقلص وجه الجلادين
وقالوا في صوت أجوف :
نترك الليلة...
راجع نفسك
أدركت اللعبة(69/462)
في اليوم التاسع كفوا عن تعذيبي
تزعوا القيد فجاء اللحم مع القبد,
أرادوا أن أتعهد ,
أن لا أتسلل ثانية للأهوز
صعد النخل بقلبي...
صعدت إحدى النخلات ,
بعيدا أعلى من كل النخلات
تسند قلبي فوق السعف كغذق
من يصل القلب الآن!؟
قدمي في السجن
وقلبي بين عذوق النخل
وقلت بقلبي : إياك
فللشاعر ألف جواز في الشعر
ألف جواز أن ستسلل للأهواز
يا قلبي ! عشق الأرض جواز
وأبو ذر وحسين الأهوزي ,
وأمي والشيب من الدوران ورائي
من سجن الشاه إلى سجن الصحراء
إلى المنفى الربذي , جوازي
وهناك مسافة وعي ,
بين دخول الطبل على العمق
السمفوني
وبين خوج الطبل الساذج في الجاز
وقفت وكنت من اللّه قريبا....
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> زنزانته وما هم ..ولكنه العشق
زنزانته وما هم ..ولكنه العشق
رقم القصيدة : 64138
-----------------------------------
هام
لم يدر متى أطفأه الشوق
وأين احترقا!
سنة
ما كاسين غفا
ثم صحا
واغتبقا..
سقطت زهرة لون
عفه
في كأسه
احمرت عيناه شوقا
وتلظى شيقا
تركت من تاجها
في خمره
غيمه تغرق
فاستل إليه الغرقى
تطرق الحانة
في أطرافه
حزنا
فإن حدق
صارت حدق..
عرف الدنيا
طريقا
بين كأسين
فشق الدمع في خدمه منها
طريق
صحبه ناموا على أعناقهم
وغدوا
من طاولات الخمر
إلا رمقا
وهو ينضو
بين أعناق القناني،
عناق
وبعينيه
يلم الغسقا
يدفع الكأس
لكفي خله
ربما ينشر
فالقنينة الكبرى
اشرأبت
والضحى بالباب
رش الحبقا..
يا مولاي!
على الصمت،
نادماها ثقالا غادروا
مزق تسحب منهم
مزقا
أخذتهم طرق ....
عادت سريعا دونهم
أين أخفتهم؟!!!
وكيف البحث في الدهر؟!
وأين الملتقى؟!!
بهجتي كانوا...
فلما خلت الأيام من ضحكاتهم
ضحكت في عبها
مما أناديهم بعبي
فارغ قلبي وملأن
بهم
وجديد
رابني كم عتقا
أسمع المقبرة الصفراء
تنعاهم
تمط الأفق
والعصفر على طاولة الخمر
فراق ولقيا
ينهلن بقايا خمرهم
وينفضن
الندى والألقا
لا تمت !يا صاح!
مما خلت الحانة منهم(69/463)
طارت الزهرة
في الريح
وظلت عبقا
لا تمت
لسنا قناني عرق
فارغة
يقذفها الدهر
بنا قد سكر الدهر
وقطرناه في كأس الليالي
عرقا
ثمل الله بنا
مما فهمنا أدب الشرب
وأنهينا القناني
حيرة
في لغزه
سماره كنا
وكان الأرقى
سيدي!
مولاي!!
لا تعف
تأمل زهرة اللون
امن ربعيه ملت؟!!
أنا الأيام لم تقدر على رأسي
وقد يثبت رأسا
قلقا
إن أكن أطبقت جفنيا
فأصحو داخليا
وإذا كأسي
مالت
فكما البلبل ينساب
أنيقا
للسقا
يا لكأسي وجبين الصبح،
كم مالا على بعضهما!
ليس في الحنة غيري
وأخو"الفتحة"من أيا هم
يكتبني!!!
أنا يا (عرص)انقلاب أبيض
من عرق
قطره الدهر...
فمن أنت ؟!ومن فوقك؟!
أو فوقكما؟!!
سبحانه ماذا من الوردة ناسا
ومن الأقذار ناسا
خلقا!
طائر اللذة
ملقى بين ضلعيك
سجينا
خذ رشفات
وحرره قليلا..
ربما يشتاق من نافذة الحانة
لله ...
وغر الأفقا
أنا لم أشرك
ولم ألق سوى الحنة هذي!
أغلق الأبواب في وجهي مرارا
وطني...
وأظن الغربة الخرقاء
تستكثر منها كوة
اصرخ منها ألمي..
فحشتها خرقا!
رب سامحهم وأن لم يسكروا...
كيف يشتاق إلى خمرة جناتك
من لا يعرف الخمر
ويشتاق صباياها
إذا كان هنا ما عشقا؟!!!
هام
لم أدار
ماذا أسر الشوق
وماذا أعتقا..!؟
سقطت زهرة لوز
غيمة
في قدحي
يا رب ما هذا النقا ؟!
غرقت..
لم أستطع إنقاذها
أصعبي زاغت من السكر
وقلبي شهقا
ما لهل الكرامة لا تعرفني؟!
أمس رقرقت لها
خمرتها
وأنا اليوم على خمرتها
دمعي وأمسي..
رقرقا...
طينتي ، قد عجنت كأسا..
فماذا لكور الطينة
شعرا؟!!
أنت يا رب ؟
أم الكور؟!
أم الطينة طابت خلقا؟
نطنط العصفور
فيما قد تركنا
من فتات
وسفحنا حرق.
ولوا من عنقه الزيتي
حتى مس قاع الكأس،
يا أبله!
لم نترك
ولا مثقال سكر..
أبله من عقوق
ادع .. رفيقاتك
يؤنسن حجار الحانة الفقراء
إن عاش في خمرا،
من عاش في خمارة
لو سكت السمار يوما
نطقا
يا سكارى بعدنا..
إن سقطت في كأسيكم
غيمه ورد..
اذكرونا
رشفة
كنا نوازي الدهر .. أو نسبقه
عشقا،(69/464)
رعى الله زمانا
وسقى..
إن أكن أفرطت..
يامولاي!
فهل يقتصد العشق
ام يأبق عشقا؟!!
ضاقت الروح
وعظمي من صدود ،أبقا
قفص الدهر
كما أنت ترى
ضايقني..
واشتهتني لغة من خارج الدهر
فهزته..
فما بال فؤادي للذي يسجن فيه
أشفقا
هاجني غصن نسم
راقص بالزهر
والخمر برأسي لعبت
أهو ذنبي
زهرة من قطيه قد سقطت؟!!
ذنب من مولاي !
لم يبق من البستان إلا وهم عود
صامت
لست سفيها
أبلها..
أسأل عن زهري
ولم تبق علي الورقا..!
أغمدت في قدمي .. فامتشقا
الصبوحان بكأسي...
سيدي !..
ربما أأمن للزهرة كأسي
من مهب الريح
أغضب مثلما شئت
فعشقي لم يساومك على شيء
وما الجنة والنار
سوى ناريين
فيمن عشقا
أغمدت
فاستلت السهد
وقد كنت نويت
الغسقا
شمت
لو أعلم شمت..وأتعبتهما
كذب الغيم
على حالي
والصحو
وإن قد صدقا
سيدي!
من عجب في داخل السكر
أصلي...صادقا
مهما تجازني سرابا
أدمعي تسقيك في بحر النقا
همت....
لا أدري
عصافير الضحى
من قدحي... من صاحبي...
كلهم طاروا...
لئيم صاحب الحانة
لم يرحم بقاياي بهم
خذ أباريقك
إني منك سكران
سأمضي خلفهم
ربما ألقاهم....
أحجز كراسي الأمس
لم نندم
سدى لم يكتف العمر
وإن كنت غششت العرقا
اسمع المقبرة الصفراء
تنعانا
تمط الأفقا
يا خطايا ! يا خطايا !
كم كبيرة هذه الأيام من كان خطايا
أنا منهم
توبتي
لم أنكسر
إل لتقبيل نهيد نزقا
إن يكن تاب السكارى!...
أنا بالسكر أناجيك
فما جرحي بالريش , ولا رب
بالريش التقى
ليس بي فاحشة
إلا بأن
لذتي أكثر مني خلقا
**************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> أيها القبطان
أيها القبطان
رقم القصيدة : 64139
-----------------------------------
اسقنيها
وافضحي في الظلاما
بلغت نشوتها الخمرة
في خديك
نثر الورد في كأس الندامى
وروت مبسم ورد
نزع التاج وألقاه بأرواح السكارى
بمعان نزعت ألفاظها
وقف العشق على كفيه مجنونا من النشوة
والعود ارتخت أوتاره
واللحن قاما
وانتضائي ضائع اللّب(69/465)
بعيني من السكر دم العصفور
والحفن إنكسارات خزانى
جسدي مرتعش بالطّل
أنضوه
كأني افعوان ّ
ترك الثوب ألسمومي
على صكه نهديك ضراما
متعب
أبصم إن أحسستني جسمي
فإني لست ألقاه
وإن قد أشعل الليل
أنينا وسقاما
ربما يقوى على حملي
إلى بيت تعودت على فقدانه
ألقاه في عيني
وأغفو
كأن النوم ناما
**********
رسموا بحرا من الحبر
وحطوا مركبا فيه
ويا غافل ! يا أنت لك اللّه
ركبنا!!!
فوجدنا نفسنا في ورق الرسم
بلا صوت!
ومشطوبين بالأحمر!!!!
والقبطان مشروخا إلى كعبيه بالذل
أدفعوني
ومضى يفتك بالنسوة في قمرته العليا
اهتما بالجماهير
وبالفخذ اعتصاما!
ليس بالمركب والبحر ثقوب
إنما أنت هو الثقب
ولن يمنحك البحر احتراما
تدعي المركب !؟ هيهات!!!!
ومن أين ولم تبحر؟
وتاريخك وحلّ
ودم النوتية الأمجاد في عنقك
أصبحت على البحر إماما!!!!!!!؟
أسقينها
لم يزل للبحر في رأسي , دويّ
والمدى لعبة أطفال بكفي
وتقي أشربها
راحتاها فستغفره اللّه لنا
والعود يلتف
كمن يحتضر الروح ضراما
أسقينها وفدى خفيك من يشرب خمرا
وهو لا يعرف للخمر مقاما
أيها الشارب
إن لم تك شفافا رقيقا
كزجاج الكأس
لا تدخل طقوس السكر والكينونة الكبرى
فسوء الخمر يؤذي
بينما يقتل سوء الخلق
فاشربها كريما دمثا
تطمع أنّ النار تستثني الكراما
قارب الأيام
ته بيّ
وتهني ....
فأنا أسمع تيها غامض البعد....
وزرّ البحر من خلفي ,
وضيّعني أماما ....
ابتعد عن أيّ شاطئ
أيها النذر الشبابيّ
بمقدار نوايا الشمع
تعط البحر بقشيشا
من الماء أضافيا
وطعما ...
وغماما ...
أنت ..أنت المركب النشوان
ألواحا
ومجدافا ..وروحا
وتتهادى في نئيج الموج والطير
وصمت المطلق السينيّ
يا سينيّ!!يا سينيّ
يا سرا من الأسرار
حققت الزمان الضدّ
غصنا فارغا بالورد
ممشوقا غلاما..
كاشفا عن فخذيك الجبروت
أفادت من الرّز
وصمت الفيروز باديّ
وكل امرأة تسندها
تسمع صوت الغرانيق
وجيش الزنوج
تنضم....
وتعطيك الزمام
**************(69/466)
أين وعد الذين استضعفوا ري الأرض
والركض إلى السلخ يوميا!؟
أنا أصرخ يا ربّ! فلتفت للناس
ما هذي القيادات المنافيخ فراغا
تشتكي من سوء هضم
داخل المخ
وتجتر نياما
أنا سكران بمن تخلقهم
من نطفة اللوز
ونطق الكسل الصيفي
سكران بمن....
يا ربّ يا تدري بمن!
يا ربّ يا تدري بمن!
قابض راحتي على جمرة كأسي
بهدوء ورضا
أمنح دنياي على علتها أقمار زرقاء
ونارا وخياما
لم أزل أرجع للكتّاب
والخاتمة والقرآن , طفلا
دائما ألقاك في شارعنا الفرعي
تؤويني من الصيف العراقي
بثوبيك
وتتلو صبر أيوب على وجهي
ولكني مهووس غراما:
ببيوت أذن اللّه بأن يذكر فيها
وكثيرا هيمنتي
ألم نشرح "...."
والضحى"....."
يا أخت هارون ولا أمّك قد كانت بغيا""
زكريا""
وسليمان بن خاطر " كان صديقا نبيا"
وإماما
قبل القبر " أكياد"
فهذا الهرم الطفل
احتوى أسرار مصر كلّها
وأقانيم خلود الروح والطوفان والطود
أما كان كليم اللّه
في رابية الطود
وناداه: سليمان بن خاطر
طهّر البيت من الأرجاس وانزل أرض مصر
حذر الأحزاب في دوامة السلطة
والنصفية العاهر
بلغها بأن الّه لا يرضى إلا بالبوار يد
السلام
يا صراخ الكوة السوداء
ي حيى نبي اللّه!
سالومي" تؤدي رقصة الموت"
وألقت آخر الأشياء للستر
على استقلال مصر
والمزامير صوت النقر من بيت رئيس الجيش
ضلّ ركعة الموت
فإن الرأس مطلوب
ولم تصح الجماهير تماما
أسقينها...
لا يزال الليل يشتدّ
وأشتد
ولا يبدو على الأفق ذليلّ
ربما كلّت من الخيبة عيني
وأضافت ظلمات
أو يزوغ الأفق أمعانا بشيء
إنما أبصر من عين الذين استضعفوا
إن أطبقت كل المقادير جهما
نأى سكران بمن تخلقهم
من نطفة طاهرة
مثل مياه الصبح
في الحدّ قناديل من السمك
وفي العين شرود الظبي في الصحراء
أنا
أنا سكران بمن
يا رب يا تدري بمن
لا مني الحبّ على الحبّ
فأغويت الملام
أمسك الصحب السكارى
ليل ردني
سقط الزرّ عليهم قمرا
وتدلي سلما خيط
إلى حصته من قدحي
صار يلتف بروجا(69/467)
أيّ كون بين كأسي ويدي!!!
ربّ! لا تغضب , فإني "استضعفوا"
يأخذ الترتيل بالآية لبّي
فإذا ما بسملت شاحنهّ بالحزن والبارود
سجّلت على حاشية القرآن
اسما
شاحنات للذين استضعفوا
أهدافها شتى
فيا حضرة كتّاب التقارير,
تشيطنت
ولم أذكر نظاما
رافعا فردة سياطيّ
كالهاتف ,
كي أشتمهم
يا أخوات أل!!....
قطع الخطّ ولم أكمل مراسيم احترامي
ربما بالغردة الأخرى
أرادوا الاحترام
**************
أسقينها
ودعي سبابتي الحمقاء
تستفتح بالنهد
ولا أدري الختام
إنني صبّ
أسمّي كلّ ما سلب لبي حمرة إن كان حسنا
أو قراح الماء في كف كريم
أو حزاما ناسفا
أو بيت شعر
أو مدام
**************
**************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> يوميات عروس الإنتفاضة
يوميات عروس الإنتفاضة
رقم القصيدة : 64140
-----------------------------------
بدأ الصمت
والطرقات الصغيرة
حطت على كتفها صبرها
والدموع المباركة الرزق
كانت تضيء البيوت
أمام الغروب العظيم
ورياح السموات
تمسح رفتها بالغسل
فما زال من بقع الدم
نجمات عشق تضيء وتخبو
كأن يبرق الدم شفرته عبر كل الزمان
كأن الجريمة تمت بمدخل نابلس
كانت جموع الأفاعي الدميمة
تسحبهم في الظلام العظيم
الجريمة تمت بمدخل نابلس
تلك الجريمة تمت بمدخل نابلس
نابلس...نابلس
تلك الجريمة تمت بمدخل نابلس
كانت حقول من اللوز
تغرق في الصمغ
لشتات .... هنا دفنوهم
لقد بقي الطين ينبض حتى الصباح
ولم يملأ أعينهم
أصبح الطين ينظر من أعينهم
وابتدأت كل عين كحبة زيتون
تدفع الأرض
طين رحيم كرب رحيم
ليلتفت ولد الأفاعي
فكل فتى في المخيم
يعرف كيف يدوس رؤوس الأفاعي
لكل حجارته
فتية الوطن العربي
حجار كثير يا وطننا
فانهضوا للأفاعي
بأشياء الركب قاطبة
حجر فوق أفعى هناك
أرادوا جحيما بمقدار ما نشتهيهم
نعم .. وليعم الجحيم
ارم رب الحجر
ارم .. شلت مدرعة تحت طليات عينيك
تلتف نابض نار رشيقا
فما حجر طاش
من أين هذي الرشاقة للقدر الضخم(69/468)
أم أنت مما صبرت نحت القدر وقف....
كأنك تزلزل ظهر الزمان
بمقلاعك الأرض ثقلا
ووجهك بين دخان الدوالي
اسطع من شمس تموز
تقحم أو تتراجع مثل تخفي القمر
لا تحدق بكل مرارة روحك
غربا وشرقا
فان الهزيمة ترفع أوقاتها
نحن شعبك أنت ولسنا شعوبا لهم
شعبك أنت بكل جمالك
وجّه ... ولا تتوجه
بزيف نصائحهم
عجزوا إذا قدرت
أزحهم وأيقظ حجار الجحيم
فان تآمرهم ضد وعي الحجارة
لا يغتفر
*************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> براءة الأم
براءة الأم
رقم القصيدة : 64141
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا بني ضلعك من رجيت
لضلعي جبرته وبنيته
واحسب الشيب اللي من عمرك جنيته
يا بني طش العمى بعيني
وجيتك بعين القلب أدبي على الدرب ألمشيته
شيالة العلاكة يا بني
تذخر جفوني بلعب عمرك عليهن
سنة وكفوفك وردتين على رأسي
وجيلك أناغي كل فرح عمري لنسيته
يا بني شوقك يبعث الماي الزلال بعودي وأحيى وأنا ميتة
أبيض عيونك لبن صدري
وسواد عيونك الليل اللي عد مهدك بجيته
وأبنك التو يناغي الخرز بالكوك يا بني
كتلة لا تخاف اليتيم جده
كتله يا بن وليدي من يجبر على الأيام
تكله حزام أبوك الماطواني وما طويته
تكله منه خطوط أضمهن حدر ضلعي
لحد ما موت بعز على السر الحويته
يا عمد بيتي وكمر ليلي وربيع الشيب والعمر الجنيته
جيت أهزك يا عمد
بيتي
يكون الدهر ضعضع عظم منك للخيانة
وساومت جرحك على الخسة وأخفيته
يا بني خلي الجرح ينظف
خله يرعف خله ينزف
يا بني الجرح أليا رفض شداده علم الثوار يرفرف
يا بني ابن الجلب يرضع من حلبيي
ولا ابن يشمر لي خبزه من البراءة
يا بني يأكلني الجلب عظما ولحم
وتموت عيني ولا دناءة
يا بني ها الأيام يفرزنها اقحط أيام محنة
يا بني لا تلثم شرفنا
يا بني يا وليدي البراءة تظل مدى الأيام عفنة
تدري يا بني بكل براءة
كل شهيد من الشعب يعاد دفنه
وخلي إيدك على شيبي واحلف بطاهر حلبي
كطرة كطرة وبنظر عيني العميته(69/469)
قلي ما ينهار اسمي أنت أمي وذاك حزبي
زخرن أبوي المالواني وما لويته
قلي ما اهدم حزب بيدي بنيته
***********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> براءة الأخت
براءة الأخت
رقم القصيدة : 64142
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
خوي كابلت السجن
حر وبرد ليلي ونهاري
تحملت لجلك شتايم على عرضي
وأشعلت ليلي بنهاري
تالي تهتكني بخلك وصلة جريدة
كرة عيونك يخوي بهاي جازيت انتظاري
بهاي اكابل كل أخت تنتظر منك ثار لعرضها
بهاي أكابل أمهات الناس وهمومي أفضها
جنت ارضي أتدوس أعظامي
وكلك حيل رضها
جنت ارضي تذبح أبطني جنيني
ولا براءة عار متبركع تجيني
ولا تكون الكاع تبلعني ش خبر الناس
ولينشد شكله
شلون تجابل عيون المحلة
شلون أوصفك وأنت كلك عار وذلة
بعد مالك ارض ويانا وخبز
لا تصل يمنة وهاك اخذ عار الجريدة
ولف ضميرك والكرامة
مثل ما تبريت من شعبك
تبرينا من اسمك
يا شعب هذا ألتشوفه موش ابنا
*************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> موت العصافير
موت العصافير
رقم القصيدة : 64143
-----------------------------------
على دكة مولاي أبي الليل
يا مسيل الفرس الزرقاء الغسق
وعلى سرجك ينثال رماد الليل والغمد
موشى بعراكات العصافير
وفجر المشمش الأزرق
مسترخ على راحة أقدامك
ووراء القمر الفج
أوت كل العصافير إلى جمجمة الحجاج
لن تعثر على جذوة تهديد
وأعينها تاهتز صغيرات بأقصى محجريه الثقافيين
غدا كل العصافير تموت
وأنا من سيفك إني أفق نخل بارد
هذا الصبا
أين البيوت ؟
وأنا اصرخ في وادي الباطير وقاعات المماليك
بان الشمس زرقاء على مئذنة العمر تموت
والعصافير على دكه مولاي تموت
أنت في بستان أحلامك بين الخمر والريحان
والعمر قد فارق على ناقة حزن للرحيل
ما ترى أنا رحلنا بعد يافا
نحمل الخيمة في ليل الجليل
وغدا أي الحكومات ترى تذبحنا
عذرا لمولاها الذي خلف الجبل
يا أبا الليل أفق
فالطل غطى حاجبيك النبويين(69/470)
وقد مات من الجوع الجمل
أين نيسان تغطيك من الحمى وتسقيك الزهور
فبيسان وان قد سرقوا منها قفير النحل
ما زالت تبيع البرتقالات العتيقة
تحمل السلة ملآ بالزرازير
التي قد وخست مئذنة اللّه العتيقة
والبوار يد التي صارت من الصمت
أنابيب لتصرف الوساخات عتيقة
والزعامات العتيقة
وارى ذيبا
أرى الشام غزالا راكضا في المسك
لا يحلم إلا ان كعبا سيعيدون الجبل
فرسي وراء الجبل
زوجتي وراء الجبل
كلنا نحك من خلف الجبل
وارى حسان ما زال على شاربه المسكي
من خمر الشمال
أيها القاطع إغفاء الزرازير
ونوم البلبل النخلي في الفجر
وغفوة البرتقال
ها تثاءبت وقد هومك الوجد إلى اهلك
والنوم بعينيك زوايا
خذ لبيسان حكايا البشوات المستجدين
لكي تصنع للسواح لعبات جريح عربي وهدايا
قل لها كل الحكايا
فإذا ما حزنت عند وجاق النار
فارو من نكات الشعب في مصر
وخبرها بان النكت الآن مرايا
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> الاتهام
الاتهام
رقم القصيدة : 64144
-----------------------------------
اتهم واقتحم وبغير المنايا البنادق لا تلتزم
قل أنا البندقية لست يزيدا ولا المعتصم
تدلهم اعرف ادلهي ستبرق اذا تدلهم
وتطوي طربا على نارها حيث لم يستقم
شد صلبك بالبندقية يشتد...
ام الجباءر هذي وام العزم
واقتحم او فأنت الذي اتهم
ان لحمك من لحم سيفك
فاضرب بمذبحة يلتهمونك او تلتهم
انما الرجل البندقية لا يستريح ولا يحتلم
مقدم البندقية نعم المبيت ونعم الرحم
راهنوك على دمعتي أمة إصنع الدهر من دمعهم
وارمه وانتقم
مالنا والطلاسم والحظ
انهض إلى حربة اكملت وعيها نتحكم
لا تقوم الجسور ولا تستقيم اذا كان بناؤها ينهدم
اقتحم واحترق
لا تسلم عنانك للاشعري ولا تنزلق
اوثقت بمن بمواقفه لا يثق
ربما خدعتك المقاييس كل بتاريخه يلتصق
قتلتنا الرتوق
فهذي الرتوق وما بلغت تنفتق
العراة السكاكين منهم انا
لا الرتوق لا ثوب ذل خلق
اقتحم ...(69/471)
ذئب خزي بلحم الجماهير في مصرنا يهتدم
ابشع العهر عهر هرم
ما غريب يقبل دعر عزيزته
نسب سافل يلتحم
الغريب تأخرا اسيافنا والذي نعتزم
طلقة والقرار لمصر
فمصر التي لعروبتها تنتقم
اقتحم ..
انسيت بانهم شنقوك لأنهم انزلوك من المشنقة
انهم حلقة
لا تصدق دعاة بدون بنادقهم
فانا كنت في تكلم المحرقة
انه العصر كل بحجم بنادقه
وهنالك من حجمهم بطنهم وشعارهم الملعقة
ايها القانعون بما تحتهم وطنا ومعالقهم ملصقة
البنادق ثم البنادق ثم البنادق
والخطوة الواثقة
لا اخاف عدوا يواجهنا
بل عدوا بنا اسمه القمع والسلطة المطلقة
نياشين دم الضحايا على صدرهم زنبقة
شعبنا من الخطب الخائفة
أي شعب تنادون للحرب
ان السجون على أمة مطبقة
اتركوا الشعب يعمل وفق اسليبه
فاساليبهم لا الدينات منهما ولا الهرطقة
حضر الكركدن على قمعكم والتفاسير والحرتقة
لا يفتحون على القدس ابوابها المغلقة
اقتحم واسحب السلسلة
تجد الحل جزءا من اللغز
واللغز جزءا من الحل المعضلة
الذئاب هم قادة القافلة
فإذا اكلوك لعشق قضيتهم
او اكلوها بدعوى لاجلك ما المشلكة
نحن في سلة المهملات إذا انتصروا
وإذا هزموا حملونا هزيمتهم كاملة
ايها الوطن المبتلى بالقيادات خنثى ومسترحلة
نفذ المهزلة
والتحم وقتحم بيد قد برتها البنادق
عن وحشة جوعها يبتسم
إن هذي يدا تبدأ الخير من طلقة وبها اتسم
طبقوا وحدة البندقية
وحدة اعدائكم تنهزم
***********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> بالخمر وبالحزن فؤادي
بالخمر وبالحزن فؤادي
رقم القصيدة : 64145
-----------------------------------
عسل الورد الخامل ريقك
والنهدان أراجيف دفوف لألاء
اهتز كما ياهتزان
أحد من الشفرة طبعي
ورقيق ماء
أوسخ طين سيدتي ينبت فلا إن لقي الحب
وأطيب طين لا ينبت حين يساء
مسكون بالغربة
يجري الفيروز بأوردتي حزنا
هل تسمح سيدتي أنساب إلى جانبها
ليس علي سوى برد العمر رداء
دوريات الإخصاء تجوب الشارع
أغرب شيء ...(69/472)
أي فم يفتح ...
فورا يجري التخدير ويخصى
ما هذا الصمت المتحرك بالشارع إلا إخصاء
جئتك من كل منافي العمر
أنام على نفسي من تعبي
ما عدت أزور فنارا
البحر تخرب
يحتاج البحر إلى إصلاح
والغرق الآن هو الميناء
مازلت على طاولة الحانة لست أعي
إلا ثملي بالكون
فالبعض على طاولة أخرى للسكر بدم المخلوقات
أنا .... هذي طاولتي
يقرأني من يرغب حسب ثقافته في العشق
وقد يخطئ لا أستاء
يا من تسعل من كل مكان إلا حلقك
البرد شنيع وأنت تراقبني
العرب العراب من البحر إلى البحر بخير
وسجون ممتعة
وإسرائيل ترش علينا ماء الورد من الجو
وأنت تراقبني
ما أجمل هذا المنظر
إسرائيل ترش وأنت تراقبني مبسوط ....؟
مبسوط لا شك
وأنا واللّه كذلك جدا
شكرا .. ولدي رجاء
اكتب ما شئت لمن شئت بما شئت
ووجهك للحائط أرجوك
تشكيلة وجهك تزعجني
عفوا لا أقصد جرحك في شيء
هل ظل هنالك ما يجرح فيك
ولكن خطأ في خطأ تشكيلة وجهك
يا رب لماذا الأخطاء
أنت مصر يا سيد تزعجني
هل آذيتك في شيء
أنزلت مرتبك الشهري
سبقتك في طابور الخبز
إن كنت بهذا التقرير توفر خبز عيالك
سيشبون حراما
أو كنت تريد شراء حذاء
أنت وتقريرك والراتب يا دوب حذاء
أهل الحانة ناموا
سامحني لأنصرف الآن
فؤادي مملوء بالخمر والحزن
بي شوق أتمرغ بالرمل
ورائحة البطيخ بشاطئ دجلة
سامحني ان كنت أسأت فما قصدي
نفق القلب ....
أعشق ألقاك غدا في الحانة إنسانا
تقدر يا سيدي إن أنت تشاء
فرشت وفي قلبي الحانة
مرتعش بالمطر الفضي
كهر فقد المأوى
أتمسح بالأبواب
أقوس ظهري الثلجي
برأسي مشغل ماس منتظر شحنة نهدك
والعمر يباب
مولاي ... لقد نام ملوك الأرض وغلقت الأبواب
تنثرني الريح قبيل شجيرات الشارع والثلج
مطاعم آخر ساعات الليل تضيء هنا وهناك
تلكأ وجهي ...
أسمع طفلا يغثوا في المهد
وأسمعه يغثوا ..
يا رب يشب له وطنا
فأنا عشت بلا وطن
وأنا أعرف كيف يعيش الزرع السائب في الماء
ويشتاق إلى أي تراب
عصفور في الشباك الضلع في نومك(69/473)
زقزق في زخرفة الشامي
وأغمض عينيه على أقدام أغنية غناها
رئتاي دمعا يوما ما ...
شغل الدنيا بالعشق
ولم يلق سوى الصيادين جواب
هرم الصيد هرم الصيادون
ومازال العصفور كما كان يزقزق
كان يقول ..
إن مر حزين آخر ساعات الليل
كأن العصفور يقول له مساء الفل تأخرت
أقول صباح الخير لقد طلع الفجر
وبغداد تقوم الآن من الحلم بدون ثياب
تمسح بالطل وزرقة قبل الفجر مفاتنها
تدخل عند اللّه وتخرج بالشمس والشاي
البصري الموجع بالنعناع
شواطئ دجلة ما زالت نائمة
والسيد قد نسي التقرير على طاولة الخمر وغادر
مكتوب في التقرير أن الخمرة سيئة
السيد كذاب السيد كذاب
حتى في الخمرة يا سيد تكذب؟!!!
حتى في الخمرة يا سيد تكذب؟!!!
***********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> رسالة حربية عاشقة
رسالة حربية عاشقة
رقم القصيدة : 64146
-----------------------------------
نداء على الطيارين العرب مازال مفتوحا
في الليل تسلل
حمل طائرة الفجر قنابل وهلا هل
نفذ عشقك
اخرج عن أمر قياداتك
خذ في الجو طريقا مشبوها تعرفه وأنا اعرفه
وجماهير الأمة في عين الحلوة تعرفه
امرق سهما منتصرا
امرق نسرا شامخا منتحرا
اخترق الجبن الرسمي
الآن ... الآن العاصفة الاسرائيلية تحتك
من قصف الدمور
من احرق صور
من أمطر ألاف قنابله العنقودية في ارنون وخلده تحتك
من دفن النبطية فلم تدفن
بالضبط هو الآن هنالك تحتك
افتح أبواب جهنم يا نسر
رشاشاتك يا نسر
حبك للدنيا
غضبك
ألهب أحزانك ...
غربتك المر في صمت العالم
نارك
العب لعبتك الربانية على عنق مدافعهم
وتأرجح نشوانا .. نشوانا ... نشوانا
مثل سكارى العالم قاطبة بين قذائفهم
نفذ نارك
يا اللّه نفذ أقدارك
يا نسر إذا حاصرك الأعداء
يا نسر إذا حان لقاء اللّه
خل جبين الطائرة الفذة نحو الأرض
تماما نحو الأرض
خذ سرعتك القصوى
دمر أي مكان في العاصمة الاسرائيلية واستشهد
فاللّه سيلقاك قبيل وصول الأرض
أو أنت وصلت احتضنتك فلسطين(69/474)
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> الخوازيق
الخوازيق
رقم القصيدة : 64147
-----------------------------------
للّه ما تلد البنادق من أن جاع سيدها وكف عن القمامة
إن هب لفح مساومات كان قاحلا
قاتلا لا ماء فيه ولا علامة
وهو السلاح المكفهر دعامة
حتى إذا نفذ الرصاص هو الدعامة
قاسى فلم يتدخلوا
حتى إذا شهر السلاح
تدخل المبغى ليمنعه اقتحامه
لا يا قحاب سياسة
خلوه صائما .. موحشا
فوق السلاح
فإن جنته صيامه
قالوا مراحل
قولوا قبضنا سعرها سلفا
ونقتسم الغرامة
لكن أرى غيبا بأعمدة الخيام
تعرت الأحقاد فيه جهنما
وتحجرت فيه الغلامه
حشد من الأثداء .... ميسرة تعج دما
وحلق في اليمين لمجهض دمه أمامه
حتى قلامة أظفر كسرت
ستجرح قلب ظالمها
فما تنس الغلامه
وأرى خوازيقا صنعن على مقاييس الملوك
وليس في ملك وخازوق ملامة
للّه ما تذر البنادق حاكمين
مؤخرات في الهواء
ورأسهم مثل النعامة
ودم فدائي بخط النار يلتهم الجيوش
كما الصراط المستقيم
به اعتدال واستقامة
لم ينعطف خل على خل
كما سبابة فوق الزناد
عشي معركة الكرامة
نسبي إليكم أيها المستفردون
وليس من مستفرد
في عصرنا
إلا الكرامة
**************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> باب الكون
باب الكون
رقم القصيدة : 64148
-----------------------------------
لا توقدا الليلة في وحاصل الأقة الرطبة
غير الدمع والسلاح
واخرجوا أطفالكم قلا ئدا حزينة
تطوق الدم الفدائي المباح
وللرضيع تؤخذ التعاويذ
من الثوب المرقط الشجاع
تشرئب خنجرا قراح
عقارب الساعة تعطي زمنا آخر
غير هذا الزمن الرديء
كأنما تقحم مفرزة من الرماح
وفجرت فأنصت الزمان كله
واتسعت مساحة الكفاح
ترتطم الدهور والتابوت هذا مثلما بارجة
قد رفعت مدفعها تواجه الأقدار والرياح
حشد الجماهير الذي يحملها لقبرها تحمله لفجره
دم الشهيد واسع الجناح
مخطئة أنظمة السفاح
مخطئة .... لا يقهر الفدائي ولا يزاح(69/475)
إذا أراد احتدمت جهنم لأكثر من طاقتها
بلى ... فحرر السلاح أولا
فأولا يحرر السلاح
مخطئة أنظمة المخابرات
ليس تنطفئ النجوم بالرصاص والظلام والنباح
وليس يمرض الفدائي
سوى من قائد به انفتاح اعرف منهم واحدا
صلت على أذياله من خلفه الرياح
لا توقدوا الليلة في بيت الشهيد أي شيء
فالجراح وحدها تضيء فوق رأسه
ووحدها لا تنطفئ الجراح
لم يزل القرار تحت جفنه مفتحا
ولم تزل سبابة اليمين صليه
والقلب ثابتا كأن مهرا ثابتا على الجناح
اضاف نبضه للأرض كي تسر في مهامها
وأول المهام حقله
وآخر المهام حقله
يفتح باب الكون للصداح
ها هي بيسان على أهدبه
في خده في شفتيه
في جبينه تنتظر الصباح
*************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> سلفيني
سلفيني
رقم القصيدة : 64149
-----------------------------------
ذابت السنوات الفتية في هدأت النهر
لم احتجز زورقا لهذي الصباحات
ذات القميص المنشى
لكم يجرح الروح هذا
بحد النشاء الوثير جرحت .. لماذا ... ؟
لماذا تضيفين جرحا بسيطا ... ؟
لماذا تضيفين قطرة طل .... ؟
على قدح تتفايض كأس الندامى
خذيني إلى مركز اللوز فاتحة ذراعيك
والزنبق البدوي المعافى
كأن المجاديف عاجزة
امسك البرق ...
اكشف عن فخذي الضباب
اسلوهما
آه أنت هما
إنه صحو هما ورذاذهما
والرطوبة بين السفرجل انت ... وانت وانت
كما غابة ضيعت عندليب
وانت المرايا
تلم زوايا العطور وغير الزوايا
ووجهك توا تنضى من السلفان الرخيم
وألب في لبه القلب كل النوايا
واستغفر اللّه إطباقة الفم اعفاءة اللّه بين الخطايا
ونهد تركز تركيزه الاقحوانة
مثل الخروج إلى غزوة طافحا
والدخول الوثير إلى حانة دمثا
ملكا للتأمل ركب التكايا
أنا متعب سلفيني رداءك ومشبك شعرك
اجمع حزني وطمث السنين الخوالي
وكأسا له شفتان إضافيتان تلمم شتائي
وتثبت سكري بهذا الطريق
أحب الطريق
وتزعجني باب خمارة أغلقت
ونوافذ دائرة الأمن
لم يبق من احد لم ينم غيرنا ليلة البارحة(69/476)
لا أزال أراقب هذي الشبابيك
ليس لشيء أريد أبول
إلا تستحي ابنة الكلب من نقطتين ومن شارحة
مسكوني ثانية بملابسي الداخلية فوق الحكومة
لم يرحموا رغبتي الجارحة
مطر ... مطر ... مطر
قطة فوق سور الحديقة تقرأ وجهي وتمسحه
والمذيع المسائي يلقي النفايات مبتسما
نشيد .. فقرة من خطاب الرئيس العتيد
سورة الفاتحة
ملك من له الآن زاوية يتجمع فيها ويرضع ربعيه
يترك الباب منفتحا ليس من احد
إنما يترك الباب مفتوحة ربما
ربما يأتي الحزن يمشط
تأتي الحديقة تكوي ملابسها
ربما نهدها يشتهي ليلة البارحة
ربما يشتهي ان يراها النور
جذب .. مطري
أتشهى ثيابك فوق السرير النسائي
أركان قواتك العربية
حزن الحوار الصباحي
تدلف فيه العصافير
تأخذ بعض الأواني
مطلق خدري جمرة غفوتي
والزمان نسائي
تمر المباهج في ضجة لا تراني
تمر القيامة ثم تلفت نحوي
أنا عاشقة يا قيامة
وبين عشق وعشق كثير ثواني
إذا لم أجد زورقا للهيام
أهيم كل المواني
ومن أين دفتر عمري انتهى
اشترى زورقا
استدين
وأبحر سدا لكل الديون
إلا من يسلفني ورقا والسداد أغاني
الأمس وجه الزوارق
أدعو رحيلا عظيما لمن يملكون زوارقهم
آه هو الذي لا يتوازن
فكيف اتزان
************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> بيان سياسي
بيان سياسي
رقم القصيدة : 64150
-----------------------------------
ليست تسوية ... أو تسوية بل منظور رؤوس الأموال ...
ومنظور الفقراء أعرف من يرفض حقا
من تاريخ الغربة والجوع بعينيه وأعرف أمراض التخمة
يمكنني أن أذكر بعض الأسماء
لن تصبح أرض فلسطين لأجل سماسرة الأرضيين
وان حمي الاستنماء
لا تخشوا أحدا في الحق
فما يلبس حق نصف رداء
ليس مقاتل من يدخل نجد بأسلحة فاسدة
أو يجبن
فالثورة ليست خيمة فصل للقوات
ولا تكية سلم للجبناء
وإياكم أبناء الجوع فتلك وكالة غوث أخرى
أسلحة فاسدة أخرى
تقسيم آخر
لا نخدع ثانية بالمحور او بالحلفاء
فالوطن الآن على مفترق الطرقات(69/477)
وأقصد كل الوطن العربي
فأما وطن واحد او وطن أشلاء
لكن مهما كان فلا تحتربوا
فالمرحلة الآن
لبذل الجهد مع المخدوعين
وكشف وجوه الأعداء
المرحلة الآن لتعبئة الشعب إلى أقصاه
وكشف الطباخين
وأي حصاة طبخوا بالوعد وبالماء
هذي مرحلة ليس تطول
وأول سيف يشهر ضد الثورة
مشبوه عن سابع ظهر
من كل الفرقاء
لا تنسوا أن سلاح الكحالة ضد فلسطين جميعا
جزء أو أجزاء
كشف البطل اللعبة
أما التفتيش
فما كشف شيئا في الأشياء
تتوحم هذي الرجعية ليلا نهارا
فلا تنسوا تزييت بنادقكم
أيلول ما زال هنا يتربص في الأنحاء
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> ندامى
ندامى
رقم القصيدة : 64151
-----------------------------------
اسقنيها لأوه أجمل عاما
بلغت نشوتها الخمرة في خديك
نثر الورى في كأس الندامى
فبسط الراح كي آخذ حظي
وبعيني من السكر انكسارات الخزامى
فلربي تاه وأطبقت له جفني
ابتعد جيدا
ما عاشق من لم يته فيها وهاما
كل بحار عتيق يشرك الدفة بالسكر
ويرخي جفنه لليل
نم يا ليل أنا لم نناما
ته ..
ته وهذي رشفة علمني البحارة العشاق
ميناء الليالي
ها أنا امضي ولا اسمع من سافر في ساقيه
يشكو من البحر الغراما
دفعوا في دهرهم أحزانهم
وأنا آخذ أحزاني
ولما قارنوا أغمضت جفني على البحر
وسلمت على الطحلب والصمت احتراما
أنت والصحب السكارى عطر ردني
سقط الزر عليهم قمرا
وتدلى سلما خيط حرير
مس من طاولة الخمرة أعصابا
سكارى نحن واللوحة هذه
والكراسي والقناني
ليس صاحب بيننا إلا أخ السكر الكلام
ان تمادت راحتي في عزفها الأسود
في شعرك يا سيدتي
أقدامي لم يعجبها هذا اللحن
والأنغام لم تأت كما الآن انسجاما
أيها الصحب مفاتيحي على آخرها
اسكتوا أوتاركم
اعزف وحدي
أو تكونوا وتراتكم في حالتي
يترك العود رمادا وضراما
كم مغن تاه في الخمر
أنا الخمر أعطتني اهتماما
آه من رخص المغنين
احترم صمتي
لم اعد اغني غير في أقذر حانات الأسى(69/478)
هيا بكأس يا رفاق الحانة الأولى
خذوا قلبي
اعزفوا لحنا على خاطركم
والذي اقرب للباب
يسلم لي على الصحو سلاما
لم اعد أمزج خمري غير بالخمر
فمن دجلة أولا
لم أجد ماء وسكرا مثلهما في الذمام
***********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> اللون الرمادي
اللون الرمادي
رقم القصيدة : 64152
-----------------------------------
دمشق عدت بلا حزني ولا فرحي
يقودني شبح مضنى إلى شبح
ضيعت منك طريقا كنت أعرفه سكران مغمضة عيني من
الطفح
أصابخ الليل مصلوبا على جسد
لم أدر أي خفايا حسنة قدحي
أسى حرير شآميّ يداعبه
إبريق خمر عراقيّ شج نضج دفعت روحي على روحي
فباعدني
نهدان عن جنة في موسم لقح
أذكى فضائحه لثما فيطردني
شدا إليه غريرا غير مفتضح
تستقري الغيب كفي في تحسّسه
كريزه فوق ماء ريّق مرح
يا لانحدار بطيء أخمص رخص
ولارتفاع سريع طافح طمح
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه؟!"
نهد عليّ ونهد كان في سرح
هذا يطعنني حتى أموت له
وذاك يمسح خدي بالهوى السمح
كأن زهرة لوز في تفتحها
تمجّ في قبضتي بالعنبر النفح
دمشق عدت وقلبي كله قرح
وأين كان غريب ذي قرح
هذي الحقيبة عادت وحدها وطني
ورحلة العمر عادت وحدها قدحي
أصابح الليل مطلوبا على أمل
أن لا أموت غريبا ميتة الشبح
يا جنة مر فيها اللّه ذات ضحى
لعل فعيا نواسي على قدح
فحار زيتونها ما بين خضرته
وخضرة الليل والكاسات والملح لقد سكرت من الدنيا
ويوقظني
ما كان من عنب فيها ومن بلح
تهرّي خلفي كلاب الحيّ ناهشة
أطراف ثوبي على عظم من المنح
ضحكت منها ومني فهي يقتلها
سعارها وأنا يغتالني فرحي
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> الريل وحمد
الريل وحمد
رقم القصيدة : 64153
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
مرّينه بيكم حمد , واحنه ابقطار الليل واسمعنه , دك اكهوه ...
وشمينة ريحة هيل
يا ريل ...
صيح ابقهر ...
صيحة عشك , يا ريل
هودر هواهم ,
ولك ,
حدر السنابل كطه(69/479)
يا بو محابس شذر , يلشاد خزامات
يا ريل بللّه .. ابتغنج
من تجزي بام شامات
ولا تمشي .. مشية هجر ...
كلبي..
بعد ما مات
وهودر هواهم
ولك
حدر السنابل كطه
جيزي المحطة..
بحزن ..
وونين ..
يفراكين
ما ونسونه ,ابعشكهم...
عيب تتونسين
يا ريل
جيّم حزن...
اهل الهوى امجيمين
وهودر هواهم
ولك
حدر الستابل كطه
يا ريل
كلعوا دغش...
والعشق جذابي
دك بيّه كل العمر...
ما بطفه عطابي
تتوالف ويه الدرب
وترابك ..
ترابي
وهودر هواهم
ولك..
حدر السنابل كطه
آنه ارد الوك الحمد .. ما لوكن لغيره
يجفّلني برد الصبح ..
وتلجلج الليره
يا ريل باول زغرته...
لعبته طفيره
وهودر هواهم
ولك .. حدر السنابل كطه
جن حمد....
فضة عرس
جن حمد نركيله
مدكك بي الشذر
ومشلّه اشليله
يا ريل....
ثكل يبويه..
وخل أناغي بحزن منغه...
ويحن الكطه
كضبة دفو , يا نهد
لملمك ... برد الصبح
ويرجنك فراكين الهوه ... يا سرح
يا ريل....
لا.. لا تفزّزهن
تهيج الجرح
خليهن يهودرن..
حدر الحراير كطه
جن كذلتك...
والشمس...
والهوة...
هلهوله
شلايل برسيم...
والبرسيم إله سوله
واذري ذهب يا مشط
يلخلك...اشطوله !
بطول الشعر ...
والهوى البارد....
ينيم الكطه
تو العيون امتلن ....
ضحجات ... وسواليف
ونهودي ز مّن...
والطيور الزغيره...
تزيف
يا ريل ...
سيّس هوانه
وما إله مجاذيف
وهودر هواهم
ولك...
حدر السنابل كطه
*************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> أفضحهم
أفضحهم
رقم القصيدة : 64154
-----------------------------------
لا تقهر انتفاضتي
وموقعي
في موقعي
ولا أزاح
جهنم الحمراء
ملك قبضتي
أوجّه الزمان
مثلما توجّه السفائن , الرياح
أقتلع لامحتّل
والمختّل بالتطبيع
والذين مارسوا الخنا
إن علنا
او خفية
او بين وبين!!!
هذا حجري يوشك بالصياح
أفضحهم...
قد غسلوا وجههم ببولهم
بولوا عليهم....
علّهم يصحون من غبائهم
ولست مازحا
ارادة الشعوب تكره المزاح
قد أذّن الدم ازكيّ :(69/480)
أن " محمد الدرة " من يؤمكم
فيا رجال !
يا رجال !
وحدوا الصفوف خلفه
حيّ على السلاح
جئت من التاريخ كلّه
وجاء من فراغه العدّو
شاهرا فراغه ...
وعقمه ...
شهرت بندقيتي الشّماء للكفاح
لا تقهر انتفاضتي ,.
وموقعي أدوس أنف من يشك
أنّ بندقيتي
تلقح الزمان
أشرف اللقاح
*************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> زرا زير البراري
زرا زير البراري
رقم القصيدة : 64155
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
حن ....
وانه حن
و أنحبس ونه....
ونمتحن
مرخص بس كبة الدمع
شرط الدمع
حدة الجفن
**********
جفنك جنح فراشة غض
وحجارة جفني وما غمض
يلتمشي بيه
وبه نبض
روحي على روحك تنسحن
حن بويه حن
***********
عيونك
زرازير البراري
بكل نشاط جناحها
بعالي السحر
والروح مني
عوسجة بسر
ما وصل ليه النده
ولا جاسها بكطرة مطر
وصفولي عنك بالنباعي تفيض
وتعنيت ليله ... وبه الكمر
وصفولي عنك كل مسامة تفيض
منك عطر .. يلحسنك نهر
تنزل بصدري وبه النفس وبدمي
غصبن تنعجن
وأشهك وأصعدك للسمة
بحسرات وبعنة حزن
حن ... بويه حن
**********
شفافك ولا كولن ورد .....
عنابه معكودة عكد
تمتلي بكد ما تنمرد
لا هو دفو لا هو برد
***************
سكتاتك تشكل خواطر بالكلب ...
مالي عرف بيهن كبل
مبروم بره الريزة
يا ريان ومخوصر خصر
لف العكل
كل جملة منك ...
نبعة ريحان .. بالدلال ...
ما تحمل ثكل
وصفولي عنك
وردة القداح ريش جناح
زاهي بالسحر
وصفولي عنك
شال منك غيظ بستان الورد
والنرجس الرايج سكر
حني بفوازير ولحن ...
حنة حمامات السجن
حنة إلي ...
حنة إلك ...
واللي يعجبه خلي يحن
حن بويه حن
*************
آنه من أشوفك
يمتلي الامضي الجدب
زهرات بيض من الوفه
وروحي سواجي من الحنين تصير
وأنتبه وكت بيه غفه
يا محجل إن بيه ردود
أرد أردود للعشرين ....
من عمر الجفه
وأنصف عمر منك
نصفته بالهجر ...
والهجر منك ما كفه
حتى الهجر يا روحي
منك ما كفه(69/481)
وكلبي عله هجرك كام أيحن
حن ... بويه حن ... حن ....
وآنه حن
وأنحبس ونه ...
ونمتحن
مجبور أرخصك على الدمع
شرط الدمع يجوي الجفن
**********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> قمم
قمم
رقم القصيدة : 64156
-----------------------------------
قمم
قمم..
معزى على غنم
جلالة الكبش
على سمو نعجة
على حمار
بالقدم
وتبدأ الجلسة
لا
ولن
ولم
ونهي فدا خصاكم سيدي
والدفع كم ؟!
ويفشخ البغل على الحضور
حافريه
لا . نعم
وينزل المولود
نصف عورة
ونصف فم
مبارك .. مبارك
وبالرفاه والبنين
أبرقوا لهيئة الأمم
أم قمم
كمب على كمب
أبا كمباتكم
على أبيكم
جائفين
تغلق الأنوف منكم الرمم
وعنزة ... مصابة برعشة
في وسط القاعة بالت نفسها
فأعجب الحضور ..
صفقوا .. وحلقوا...
بالت لهم ثانية
وستعر الهتاف...
كيف بالت هكذا ..!!!
وحدقوا .. وحللوا...
وأجلوا
ومحصوا
ومصمصوا
وشخت الذمم
وأهبلتكم أمكم
هذا دم أم ليس دم ؟؟!
يا قمة الأزياء
يا قمة الأزياء
سوّدت وجوهكم
من قمة
ما أقبح الكروش من أمامكم
وأقبح الكروش من ورائكم
ومن يشابه كرشه فما ظلم
قمم ... قمم .. قمم...
قمم
معزى على غنم
مضرطة لها نغم
لتنعقد القمة
لا تنعقد القمة
لا.تنعقد القمة
أي تفو على أول من فيها
إلى آخر من فيها
من الملوك .. والشيوخ .. والخدم
***********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> وأنت المحال
وأنت المحال
رقم القصيدة : 64157
-----------------------------------
لم تكن
تتقي
وابل المجرمين
بظهر أبيك
ولكن ترص عزيمته
لاختراق الرصاص
ورغم صراخك
كم كان صوتك عذبا
كأن جميع الطيور قد ذبحت
وهي تشدو
وبين الرصاص
لمحت حذاءك
كان صغيرا...
قدر لا مناص
وغطى دم الوطن العربي قميصك
كل الرصاص يوجه للوطن العربي !
وما زال لم يفهم الأغبياء
بأن الرصاص طريق الخلاص !!!
محمد !
قد كشفت قمة العهر
عن كل عوراتنا
خطب الذل باعت دماءك !
كلا ...
فأنت المحال الذي لا يباع
وأنت التراب الذي لا يباع(69/482)
وأنت السماء
وأنت القصاص
***********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> يا ريحان
يا ريحان
رقم القصيدة : 64158
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أشكد نده ...
نكط على الضلع
ونسيت أكلك .. يمته
أشكد رازقي ونيمته
وأشكثر هجرك عاشر
ليالي الهوى وما لمته
غنت سحنت الليل
بكليبي
وكلش موش أنت
**********
يامه التراجي مرجحن
حسك الصافي وغفه
ويامه الدمع ضوه سواد العيون
جانب ترفه
وتدري تنيت الدفو
بلهفه ورده
وما جيت ونيمني الثلج ...
والشته كله أتعده
لا بالمحطة رف ضوه و لاخط جانه من البعد
لا ريل مر على السده
والشته كله تعده كله تعده
وأعلكنه للصيف اليجي
روازينه السمره ...
شمع
من ينزل أول الدفو بنيسان
يهتز نبع
يمكن يخضر دمع ...
يمكن بعد بالروح يا ريحان وصلة تنزرع
والكيظ أجانه وأنكضه ورد أنكضه
ورد كيظ أجه
والزلف هجرك فضفضه
ورد فضفضه
وما مش رجه
*********
ولساع من همسه جي من بعيد
يخضر دمع
كل نسمة ترفه من تفك الباب
يخنكني الدمع
لساع .. ولذته أنكضت
أهجس على الكصايب شمع
وردود أكلك .. يمته ؟؟
أشكد رازقي
ونيمته
أملني يسمر بيك
كل عمري أنكضه وأملته
حنه خيالك بالحلم
خايف يجي وأمنته
***********كل لحظة من هذا العمر
وعت حسافه بكلبي
يا أول الريحان يلعطيت
نويه بدروبي
ي آخر سوجي حنيني وحبي
من يوم طيفك هجر نومي ما نمت
حنية يا جذاب منك
ما شفت
من ظني كضك بالحلم
عنبر فحت
من ردت أجيسك جست روحي
وفرفحت
أترف من أجفاف المهر
قندون ... ما ضايك شكر
يا حلو يا بوسة سهر ...
يا ترف يا ييزي قهر
شيضرك .. بكل شته الولهان
لو صحوة مطر ؟
والشته كله تعده
والكيظ هم أتعده
شجاب العشك ؟ وأشوده ؟
لا بالحطة رف ضوه ...
لا خط أجانه من البعد
لا ريل مر على السده
**********
ولساع ... مشدوده شبكتك
عل الخصر
والركبه من تلتاف للبوسه
جسر
بس أنت تدري شون رصعة بالنحر
والشته شايل شليله
من يمنه وعبر
واسألته يا شته العشاك(69/483)
ما عندك خبر
لك يا شته العشاك ما عندك خبر ؟
والكي أجانه وأنكضه ورد أنكضه
ورد كيظ أجه
والزلف هجرك فضفضه
ورد فضفضه
وما مش رجه
***********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> من الدفتر الخصوصي لإمام المغنيين
من الدفتر الخصوصي لإمام المغنيين
رقم القصيدة : 64159
-----------------------------------
على أول الذكريات
تهب رياح الشتاء
وفي أولاة المواسم
تمطر شيئا على الحدس قبل المطر
وتصعد في الجمر رائحة الكستناء
وست البنات التي ضاجعتها الخيول
وقاص البنفسج من روحها
واحتواها القمر
وشيئا فشيئا تدب الطراوة في الجفن
يعرق ثانية
كالمراهق حين يعالج أول منعا
وتعبق فيه اللزوجة
والزهرات الشتائية الأصل
تمطر في الحدس
تكتظ جمجمتي بالشقائق ... والفكر .. والليل
تمطر... تواكب كشف قميصي
ويعشوشب المفرق الأنثوي الرفيع
المميز لامرأتي بين كل النساء
وترغب كل الخفايا الخجولة في مغطس الليل
حيث الحفاء الوثير
يؤدي إلى سلم لؤلئي
يؤدي الى حلم
يستفيق على بركتين
وفي البريمتين ولام
يشف على وحشة وافتراس
هنا نتكون
والانتفاض اللذيذ يصير حنينا
فتمطر والشبابيك ليست هنا
والندى الفستقي يمسح وجها ضياعا الجنوب
ولللتو توجها الكرم ... والتين .. والحب.. والذكريات
على باب هذا الجنوب
لدى كل حلم أبيت
وكل نجوم السماء بنات
ويشتعل الجرح الفراشات
والنوم في برك لا نهائية
يحبس الحسن أنفاسه
إذا يخوض بها والقرى خلفها مطر
وأنا في النوافذ
أتبع طير الصدى
ثم تخفي الطريق القديم دموعي
وتمطر .. وتبدو كتابات روحي ثانية
من وراء غبار الخريف
وتورق لاماتها
لم تزل هذه الروح كوفية الخط
مغرمة بانتهاك الطلاسم
بين صفات البنفسج .. والفخذين...
وركب الخيول المنحاة صوب بخارى
وخاتمة النوم كعبك
يجتمع الحلم فيه
ويترك في قراءات نوم العصافير
ان العصافير في كرمة
في الجنوب لشيئين
فيما يبوحان كتمهما قد بذلت القصار
وأقسى من البوح
كتم يشير إليك
بإصبعه ويدل(69/484)
وأنت ... وغيرك فيما يبوح حيارى
وحين تنامين يلوي النشوء بأعناقه
وتشف على بعض الغفوة
وفي أولاة المواسم يبتدئ العشق
بين النعاج
ويعشق من يفسدون النعاج الرعاة
وحين يروحون في الشرق
أبقى وحيد وتنتشر الخلوات
وأحلم أمي على صهوة المهر
وأقطف تفاحة
وأخبؤها بين نهديك خضراء
تنضجها الشهوات
وبين الخلائق من يخلقون النواة
وأما الكثير فقد خلقتهم نواة
وتلك معادلة صعبة
وأشد الصعوبات فيها الثقاة
وأني على مطلق الأمر
أعرف كل نواة بتاريخها
وكيف نمد لها اليدين الحياة
وكنت مع الحلم أحلم
أحمل فانوس كل نهار يجيء
أواصل سكري بالون من غير مزج
ويربكني أن أقوى الخمور الرديء
وأغسل حنجرتي بالنبيذ
ففي القلب حزن جبان وحزن جريء
لكم عذبتني الرياح تغير وجهتها
دون سابقة والفراق دنيء
وكم أنت رغم الوضوح خبئ
وكم أنت مثل جناح الفراشة
في الحلم زاه بطيء
وكم أنت تعشق رأس الحسين الذي فوق رمح
ولا يستريح
تأبى الذوائب مذ ثبتتها الدماء
على غدة أن يزيح
دعوتك أنت المعلم
وان كان علم فتلك الجروح
ألوف وراءك في السرب سارت
لينهض شيء صحيح
فما نام إلا الصحيح
يباهي اليسار الصحيح بأنك في قلة قد حملت السلاح
وغاليت في مبدأ اسمه سلطة الفقراء
وهذا غلو صحيح
يلومون أني أنفخ نار التراث
أنا أرفض الخردوات من الفقراء
ولي امة طالما كل ناس لهم مدية
لغة طالما لغتي تشعل الأبجديات عشقا
وصريح أحب زوايا عيون النساء
صريح
وأمقت من يشهرون النصوص سيوفا
ومن يكسرون السيوف
كلا الانحراف ريح
وأمقت من يشهرون الحسين لغير الوصول إلى ثورة
مثلما جوهر الأمر فيه والجنوح
لعل الحسين إذا ما رأى طفلة في شوارع بيروت
تنهش من لحمها الشهوات
وثم شظايا من القصف فيها
سينكر مأساته
والجروح على رئتيه تطيح
يقولون: من أمها وأبوها
أقول: الجنوب وتاريخه ... والبيوت الصفيح ..
وعدت أعترف
هو الجوع أكبر من آبائنا الثائرين
ومن كان هذا أبوه
تغلب فيه الجموح
متى ما يوزع هذه العمارات للفقراء(69/485)
وتجز ألف انتهازية
والسلاح يقوم أداء لمهمته
سيقوم المسيح
ولست أبشر بالحب إلا عنيفا
وان يستريح على ذلة
وأريح
كفاكم نزوحا وإلا فما ننتهي
ويسد الطريق على المهطعين النزوح
هناك فداء وليس فدائيين
لا تخدعُ بفداء بغير سلاح وكل التعاريج في عير هذا الكفاح
كسيح
ومن أخطئوا ليس عيبا
بل العيب ان تتبلي فوق ذات الصروح
ولست أخاف العواقب فيما أقول
فإن الشهادة من أجل قول جريء ...ومعتقد
قبتا وضريح
إذا كان بعض يفكر في النيل مني
هذا أنا
لست أملك إلا القميص الذي فوق جلدي
وقلبي وراء القميص يلوح
خبرت الخليقة سطحا ... وعمقا .. وطولا.. وعرضا
فكان أكبر درس تلقيته
ان أكون فصيح المحبة والحقد
فالعقل زيف صريح
متى تنهضون
لعنتم على الركض خلف كروشَ الزعامات
فيما الزعامات باعت ذبيحا.. وحيى
وثم هنالك صفقة أرض
فكونوا على حذر البندقية
فالديك يصيح
بحق السماوات حتى إذا الديك صاح على خطأ
فهنالك نار
وحين تكون الشرارة حقا وليس كلاما
فإن الهشيم العظيم يصار
إذا كان بعض يجيد سماع الغيوب
سمعت انفجارا
سيأتي ويتبع ذالك انفجارا
رثيت الذين تتاح لهم فلتة
ان يكونوا من الثائرين
وناموا على صغرهم خانعا
ويدفنهم في الجحور الغبار
لقد سافر الحلم قاطرة
والشبابيك لا تنتهي.. والوداع استمر
تخالطه نكهة الشمس المتأخرة
ثم لمحتك في آخر العربات
ولم ينتظرني القطار .. لقد بالغ الانتظار
ساورت شكوك الحمام
مازلت في سكة الحلم
أشحذ فوانيس كل القطارات حتى أطل النهار
وفي أولاه الموسم تصبح روحي بدون سياج
ومفتوحة لهباء الشتاء
ولغط السواقي...... وردع الحمام
وينزلق الدمع في القائظ من وداعين
نما الى غير ما رجعة في الظلام
وقد نلتقي إنما القلب
ودع شيئا كثيرا
وودع أكثر لما رمته المرامي
لي اللّه في غربة
ما خفضت الجناح لغير الأحبة فيها
وفي يقظتي والمنام يفتشني الحزن في كل ليل
فماذا يفتش هذا الغراب الغبي
بهَذا الحطام
وفيما أؤذن للجوع
بما في الجماهير(69/486)
ان السلاح يشق الطريق
إذا ظل تحت احتلال الشراذم
شبر
ومن هان أمر التراب عليه
فكل التراب يهون ...
فما في الضمائر ثمن .. وخمس .وعشر. ..
**************
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> أر ... بي ...جي ...سفن
أر ... بي ...جي ...سفن
رقم القصيدة : 64160
-----------------------------------
بماء العنبر والشالات الوردية والحزن
ورقرقة الجسد الصيفي تشابك بالرشاشات
تسلل بين مدرعتين
رقيقا كالزيت
ولا أسمع غير الموت
ولا أسمع غير تنفسه الخافت
والحزن ينوح على شجر الموز
وزقزقتي عصفورين حزينين
بحفرة كعبيه
الرائعتين الواثقتين القارئتين أغاني الدرب
ولا أعرف من أي قرى عامل
من صيفين تخرج
لا أعرف من أي قرى عامل
من صيفين تخرج
لا أعرف إلا أحرفه الأولى أر..بي .. جي
أيلول الممطر
كان لعينه تألق حقل اللوز
منذ نهارين
كآبة حقل الألغام
لقد أومض حين اخترقته الرشاشات
سمعنا متململ حرفا
والحرف الآخر لم نسمعه
رأيناه وكان الليطاني مراياه
دون صورته
والآن إذا اشتقنا
أول من يصل الليطاني يراه
وقبل الليطاني
يقبل قطرة دم تتدحرج من أرنون
رأت رجلا يحمل آر. بي . جي
النهر هو
في الظل كمين في مخزننا الناري
في الحبق الممطر في ذاكرة الليل
رقيقا كالزيت
وبدلف بين مدرعتين كأن بدايات الآيات المكية
لا أعرفه..وكأني قبل ولادته أعرفه
أفطرت له
وسهرت له
وتقدم مجموعته
عبر الليطاني فقدناه
وتبعنا رائحة الجرأة والدم وجدناه
حاولنا نأخذ باروده لم نتمكن
هو والبارود في السهل دفناه
أو هو يدفننا نحن الأموات هو الحي
وحرب التحرير سجاياه
والآن إذا اشتقنا
من سيواصلها
في كل كمين في حقل اللوز يراه
الاسم الكامل : آر . بي . جي.سفن
***************
شعراء العراق والشام >> أحمد مطر >> شهادة
شهادة
رقم القصيدة : 64162
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
في ساعة الولادة
امسكني الطبيب بالمقلوب
لكنني صرخت فوق العادة(69/487)
رفضت أن أجيء للحياة بالمقلوب
فردني حرا ا إلى والدتي
قال لها تقبلي العزاء يا سيدتي
هذا فتى موهوب
مصيره في صمته مكتوب
و قبل أن يغادر العيادة
قبلني ثم بكى و وقع الشهادة .
شعراء العراق والشام >> أحمد مطر >> الأرمد والكحال
الأرمد والكحال
رقم القصيدة : 64163
-----------------------------------
هل إذا بئس كما
قد عسى لا إنما
من إلى في ربما
هكذا سلمك الله قل الشعر
لتبقى سالما
هكذا لن تشهق الأرض
و لن تهوي السما
هكذا لن تصبح الأوراق أكفانا
و لا الحبر دما
هكذا وضح معانيك
دواليك دواليك
لكي يعطيك واليك فما
وطني يا أيها الأرمد
ترعاك السما
أصبح الوالي هو الكحال
فابشر بالعمى
شعراء العراق والشام >> أحمد مطر >> آية النسف
آية النسف
رقم القصيدة : 64165
-----------------------------------
لا تهاجر
كل ما حولك غادر
لا تدع نفسك تدري بنواياك الدفينة
وعلى نفسك من نفسك حاذر
هذه الصحراء ماعادت أمينة
هذه الصحراء في صحرائها الكبرى سجينة
حولها ألف سفينة
وعلى أنفاسها مليون طائر
ترصد الجهر وما يخفى بأعماق الضمائر
وعلى باب المدينة
وقفت خمسون قينة
حسبما تقضي الأوامر
تضرب الدف وتشدو: " أنت مجنون وساحر"
لا تهاجر
أين تمضي ؟ رقم الناقة معروف
وأوصافك في كل المخافر
وكلاب الريح تجري ولدى الرمل أوامر
أن يماشيك لكي يرفع بصمات الحوافر
خفف الوطء قليلا
فأديم الأرض من هذي العساكر
لا تهاجر
اخف إيمانك
فالإيمان ــ أستغفرهم ــ إحدى الكبائر
لا تقل إنك ذاكر
لا تقل إنك شاعر
تب فإن الشعر فحشاء وجرح للمشاعر
أنت أمي
فلا تقرأ
ولا تكتب ولا تحمل يراعا أو دفاتر
سوف يلقونك في الحبس
ولن يطبع آياتك ناشر
إمض إن شئت وحيدا
لا تسل أين الرجال
كل أصحابك رهن الإعتقال
فالذي نام بمأواك أجير متآمر
ورفيق الدرب جاسوس عميل للدوائر
وابن من نامت على جمر الرمال في سبيل الله: كافر
ندموا من غير ضغط
وأقروا بالضلال
رفعت أسماؤهم فوق المحاضر(69/488)
وهوت أجسادهم تحت الحبال
إمض إن شئت وحيدا
أنت مقتول على أية حال
سترى غارا
فلا تمش أمامه
ذلك الغار كمين
يختفي حين تفوت
وترى لغما على شكل حمامة
وترى آلة تسجيل على هيئة بيت العنكبوت
تلقط الكلمة حتى في السكوت
ابتعد عنه ولا تدخل وإلا ستموت
قبل أن يلقي عليك القبض فرسان العشائر
أنت مطلوب على كل المحاور
لا تهاجر
اركب الناقة واشحن ألف طن
قف كما أنت ورتل آية النسف (1) على رأس الوثن
إنهم قد جنحوا للسلم فاجنح للذخائر
ليعود الوطن المنفي منصورا إلى أرض الوطن
(1) "وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا
لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا
إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً "
شعراء العراق والشام >> أحمد مطر >> أين المفر ..؟
أين المفر ..؟
رقم القصيدة : 64166
-----------------------------------
المرء في أوطاننا
معتقل في جلده
منذ الصغر
وتحت كل قطرة من دمه
مختبئ كلب أثر
بصماته لها صور
أنفاسه لها صور
المرء في أوطاننا
ليس سوى اضبارة
غلافها جلد بشر
أين المفر؟
* * *
أوطاننا قيامة
لا تحتوي غير سقر
والمرء فيها مذنب
وذنبه لا يغتفر
إذا أحس أو شعر
يشنقه الوالي.. قضاء وقدر
إذا نظر
تدهسه سيارة القصر.. قضاء وقدر
إذا شكا
يوضع في شرابه سم
.. قضاء وقدر
لا درب.. كلا لا وزر
ليس من الموت مفر
يا ربنا
لا تلم الميت في أوطاننا إذا انتحر
فكل شيء عندنا مؤمّمٌ
حتى القضاء والقدر!
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الوقوف على قدم واحدة!
الوقوف على قدم واحدة!
رقم القصيدة : 64168
-----------------------------------
كادت تقول لى ((من أنت ؟))
.. .. .. ..
(.. العقرب الأسود كان يلدغ الشمس ..
وعيناه الشّهيتان تلمعان ! )
_أأنت ؟!
لكنّى رددت باب وجهى .. واستكنت
(.. عرفت أنّها ..
تنسى حزام خصرها .
فى العربات الفارهة !
***
أسقط فى أنياب اللحظات الدنسة
أتشاغل بالرشفة من كوب الصمت المكسور
بمطاردة فراش الوهم المخمور(69/489)
أتلاشى فى الخيط الواهن :
ما بين شروع الخنجر .. والرقبة
ما بين القدم العاربة وبين الصحراء الملتهبة
ما بين الطلّقة .. والعصفور .. والعصفور !
***
يهتزّ قرطها الطويل ..
يراقص ارتعاش ظلّه ..
على تلفّتات العنق الجميل
وعندما تلفظ بذر الفاكهة
وتطفىء التبغة فى المنفضة العتيقة الطراز
تقول عيناها : استرح !
والشفتان .. شوكتان !!
***
(تبقّين أنت : شبحا يفصل بين الأخوين
وعندما يفور كأس الجعة المملوء ..
فى يد الكبير :
يقتلك المقتول مرتين!
أتأذنين لى بمعطفى
أخفى به ..
عورة هذا القمر الغارق فى البحيرة
عورة هذا المتسول الأمير
وهو يحاور الظلال من شجيرة إلى شجيرة
يطالع الكفّ لعصفور مكسّر الساقين
يلقط حبّة العينين
لأنه صدّق _ ذات ليلة مضت _
عطاء فمك الصغير ..
عطاء حلمك القصير ..
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> ملكوت الطفل البحري
ملكوت الطفل البحري
رقم القصيدة : 64169
-----------------------------------
منذ ولدت نطفة
كانت تأسرني الأحلام
(1)
تنْتهي النُّطفَة اللامَرئية رعْشة
تسْتكين للعَراء
شَذرات رمْل ..
ويمتدّ وُجودي سُؤالًا
لطفْل يَعشق عتَمات
الأزقّهْ ..
(2)
يجُوب أفقَ المَدارات
ودرُوب المَطر
في الجيب أحلامُه
وفي القَلب قَصيدة
الطّفولة ..
(3)
طفلٌ رَاوده مَلكوتُ البَحر
فانْساق للسّماء يَلهو
(4)
هكذا كنتُ أرْنو إلى هيْكل
القماط كما الورْد أحْضنه/ويحْضنني
الجنون/كَفى على وَجهي صلاة
للغياب/ وكَفيّ الأخرى لا تملك وجهًا
آخرَ/وَعيناي تتسرَّبان نحْو الأفق :
حمامتان/زوْرق صَغير يلتَحف الأشْرعة
/الله كمئذنة/والبَحر كالرّماد/الألوَان
القُزحية/ونَوارس كسُعاة البريد يُرحِّلون
الرّسائل إلى الضّفاف المَنسية ورَاء
الجدار/كلما اعتَرتني ابتسامةُ الثَّعلب
الذي كنتُه اختَرقتُ شَفتّي ...
(5)
هِي ذي الاعْترافات اللَّامرئية/
والذِّكريات الورقيهْ ! ..
(6)
ألهْو
حينَ أُخفي جَسدي
في أنامِل يَدي
(6)(69/490)
- وَرقٌ من سحاب الغَيْم
- شجَر من حْبر المطَر
( والطِّفل إغفاءَة صُبح
تتَدلَّى
نطْفة ..)
[ هَكذا حدّثني الوَقت ...]
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> طفولة الغيم فراشتي
طفولة الغيم فراشتي
رقم القصيدة : 64170
-----------------------------------
(1)
نَبْضُ الفَرح فراشَه
كإقاع القلب
شاكَس نحْلَه ..
وغيْمة تدلّت كطُفولة الوَقت
سحَابهْ ..
(2)
تُسافر المَراكبُ
نحْو أبْراج الحَدائق
فتدْنو البِجَعُ الحَزينة
منْ محار الشّاطىء
لتُعلن عرْس الطّحلب الجَميل !
(3)
يَزُفّ إلي المَساء شجَني المفُْعم
بالحَبق .. والسّوسن
كُلما اعتراني
الدَّمع المالح
غنّيت للبحْر آيتَه
وللطّفل عِناده ..
(5)
طِفلاً كنُتُ /
وَلا أزال
أُداعب السّراب حيناً /
وحيناً أبْحَث عنْ هشيم
الكَفِّ
وعنْ أطْلال الوَقت
كيْ أبْكيَها ...
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> موت الميكانيكي
موت الميكانيكي
رقم القصيدة : 64171
-----------------------------------
( إلى ذاك الذي غاب ونرك طفله
الصغير يعاند الأسئلة .. )
(1)
كان يستكين إلى صمته
الوثنيّ
حين ينهار المكان
ويحتسي من نبيذ الخريف
مسافات لأحزانه الأولى
علّه ينسى
( أن للزمان اعتبارا آخر..
وأن للعالم وجها آخر .. )
غير الذي تنفرد به الروح
ساعة أحلامها .. !
(2)
ثمّ /
أنه ترك غرفته
كما لو أنها عشقَتْ لغة
الرماد :
( - مفاتيحٌ هنا / هناك ..
- بعض قطع الغيار
- زجاجات فارغة
- وعنكبوت نسج في ركن
خيوطه كهَنْدَسة
قصيدة
بسعة
الشاهدة ... )
وظل طفله /
ذاك الوجه النوراني
يعبث بخصلات شعره
الطوال ..
ويحكي لأطفال الحي
أن أباه قد مات
خلسة /
واختفى في هوس
الغياب ..
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> موت بنيتي
موت بنيتي
رقم القصيدة : 64172
-----------------------------------
" طوبى للحزانى لأنهم يتعزون "
( إنجيل متى 5 : 4 )
(1)
لم تُخْفي لغة
الموت
أحزانَ من نال من
قداس
الوطن(69/491)
صلاة المنفى .. ؟!
يا عناد الروح الملائكية
كأن لأيقونة المسافات
جرح القلب اختيارا .. /
والغيمة نخبا للرحيل
(2)
(...تصوري
يا حبّيّ المنفي في جراح
القلب
ياسحر الله في دمي ..
هناك .. /
من قال عنه
أن المطر لم يستهوه
للشرب
إلا خَمْرُ الرب ..
فهو للصلوات ..
طوبى له .. )
(3)
- أعقاب السجائر .. /
- نبيذ المساءات ..
- و الرسائل القديمة الموصودة
منذ عشرين سنة
ظلت على الرف
تحكي للغياب فوضاه
فهو العاشق لأقبية المدينة
استكان له الصمن
ثم رحل في السؤال
حرفا
حرفا
حَـ ..
رْ ..
فـ ..
...
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> موت الكولونيل
موت الكولونيل
رقم القصيدة : 64173
-----------------------------------
... ... الباب
ذابل
مُشْرَعٌ على العزاع
... ... و الكراسي
جاثمة على الجدار القديم
... ... والداخل
حزن رتيب
تذرف فيه الصبية
ما تبقى من دمع الوفاء
و " الكولونيل "
في قماط الرحيل ينأى
يكابر بياض الغياب
... ... ...
... ... ...
(- وقبل لحظات
عبر الشارع
يسائل المارة عن
أسرار الحرب
وجديد القتلى ..
... ... ...
... ... ...
اختلس من وداع العمر
برهة
تصفح جرائد اللعنة .. !
وزع السلام و الكلام
على العابرين
وفر علبة لسجائر تنخر الصدر
بسعال عنيد .. !
مسح الرصيف بنعله
ودخل .. !
... ... ...
... ... ...
كان الموت يرابض في السرير بعُرْيه
نام " الكولونيل "
لكن ، دون أن يصحو
أبدا
أبدا .. ! )
كان الغياب يشتهي
أشلاء الوقت
يوزع الجسد على سكنات القلب
ويدنو من أنامل أقدامه
ساعة الرحيل ...
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> موت الجار
موت الجار
رقم القصيدة : 64174
-----------------------------------
( إلى حارس السيارات ... )
لسنوات
ظل الجار باتعاشات يديه
يختلس أجور البناء
في غمرة ليل قارس
عله يشيد صرح بيت
يحضن وهم أحلامه
في امتلاك خابية
تفيض ذهبا .. !
ولسنوات
أيضا
ظل باله
لا يعرف للنوم سبيلا
ستون سنة
يقض مضجع اليقضة(69/492)
دون أن ينام ..
يحاكي الليل بسيره البطيء
رويدا ..
يحتسي تبغ الرداءة في نشوة
يتوقع صبحا مدهشا
وقبل أن يموت بلحظات
أحرق وصفة الدواء
ما دامت تشاكس خشونة الجيب
وانسل إلى ماخوره
يشتم حيف الحياة
و شراسة الموت ..
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> قفازات بدائية
قفازات بدائية
رقم القصيدة : 64175
-----------------------------------
قوافي . .
لحكم تشبه العدم
***
ولأني لا أتقن
سوى الخيانة .. !
خيانة البلد
والفراغ
أخط الآن
حروفا ترغب في القيء.. !
***
كأن للقصيدة
وعي النبوءة .. !
***
كلهم قامروا بحياتهم
حين تركوا قطع الغيار
ينال منهم فسحة الأنخاب
حتى الشهداء
وعمال المناجم
تركوا حظهم يستعصي
على الغياب
***
لامعنى
لأشلاء تعلق لحمها
في مشجب العمر
وترغب
في الحياة .. !
***
ليس في
داخلي
عدا
الخواء .. !
***
فندق
وسرير يحوي أربع سيقان
تلك لحظة للمد
يباغثها جزر
حتى الصباح.. !
***
زغب
امرأة
هو الرباط الوحيد
الذي يشدني لما تبقى من
هذا
الخواء
***
الآن فقط
لك أن تعيديني
بحلم يشبه مقبرة ..
... ... ...
... ...
... !
***
ما تبقى من حروف
لم تبدأ بعد
هي الأيديولوجيا
وأفكار تنام في الرف
كالدوالي هادئة
***
ليس لي
من هذا الوطن
سوى حاناته
وبيوت لنساء
من وشم الأطلس
بعن الجسد
واللذة
للعابرين.. !
***
ماذا ...؟
لو علقت قادة الأحزاب
في رباطات عنقهم
عل أفقا
خال من شراسة
الوهم
يتضح
لأختار
قبرا لي
في محار
بعيدا
عن المخبرين
وصراخ القتلى.. !
***
ماذا
لو وضعت كل كتبي
في حب
وتركت الحروف تفر
كالفراشات
***
يفصلني عن هزيع الليل
علب من
الدخان
وسعال بارد... ... ...
... ... ...
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> أَرْوِقةٌ لأَزِقَة الضِيَاءْ
أَرْوِقةٌ لأَزِقَة الضِيَاءْ
رقم القصيدة : 64176
-----------------------------------
(1)
لِكَيْ أَبْحَثْ عَنِّي
عَنْ مُرَادِفٍ لِعَدَمِ الإِسْمِ
أَحْتَاجُ مِجْهَر عَالمٍ مُتقاعِدٍ(69/493)
وَغِرْبَالا لِجَمْع شتَاتِ الحَقيقَةِ...
وَعَقَاربَ سَاعَاتٍ مُتْرَبَة...
وَحَقِيبَة أسْرَارِ بَارِدَةٍ..!
(2)
رُبَّمَا أَجِدُنِي
كَمَا طُفُولَة البَارِحَة
مُفْعَمًا بالسَرَاحِ المُطْلَقِ
وَبَيَاضِ الألْوَانِ...
(3)
لِلْغُرْبةِ رَائحَة الْموتَى
ولأنَامِلهَا سِعَة الشَاهِدَة
هَذَا القبْرُ لِي لنْ أبْرحَهُ
حَتى يَأذن القِمَاطُ
وَرِمَادُ الكَفَنِ
مَاذَا لَوْ أَجْهشَ بِالسُكْر
وَنادِمَ المَسَاءَ بِعُرْيهِ
وَشُرْفَة الإِغْترَاب مُشرْعَةٌ
فِي اكْتِئَابٍ
تَشْتَهِي تَذْكرة السَفَر
إِلى وَرْشِ الوِلاَدَة
وَرَحِمِ
الصحْرَاءْ...
(4)
لِلضَياعِ أَرْوِقَةِ السُلَحْفَاة
وَلِمَتاهة الأزِقة ضِيَاءٌ
وَنَفْس المَسَافةِ الوَاقِيةِ لِدِرْع
الأحْزَانِ
جَازَفَتْ بِالهَوَاءِ
لِتُنشِئَهُ مُدنًا
وَالحَانَات مَنْ يُرثيهَا
غَيْرُ نَديم الحِكْمةِ
سَألَتْ أقْدَاحُ التَاريخِ
وَمَالَتْ جَدَاوِلاً لِلْخُلُودِ...
(5)
عَلَّ كآبةَ الوُجُود
تَحثُ خَطْوي عَلى المَشْيِ
نَحْو مَجْهُول أَرْخَبيلاَت الذَاتِ
أَوْ نَحو رْقصَةِ الرَغَبَاتِ..
خَرابٌ هَذَا العُمْر
أُجازفُ حِين أسَمِيهِ البَقَاءَ
وَيبْقى سُؤَالُ الوَجْدِ
لَيْس فِي بَهْو المَكَانِ
عَدا إِسهَامات الغَجَر
وَدَوالِي البَدْو الرحَل
وأسْفَارِ
العُتَاةْ..!
(6)
مُتَعددٌ فِي اللَّحَظَاتِ
أَخيطُ الزَمنَ مُنْفرِداً
بِدَهْشَة الحَكْيِ تَارَةً
وَأُخْرى بِهَدْمِ السرَابِ
أهِيمُ فِي مَرْتَع الشَغَب
فَراشة تَحُومُ فِي فَنَاءِ الدَّار
وَأَتْركُ قَيْضَ الظَهِيرَةِ
لهُتَافَاتِ الشَّمْسِ...
(7)
قَمِيصُ الشَتَاتِ
مَاثِلٌ فِي صُنْدُوقِ البَرِيدِ
يُعَاتِبُ ذِكْرى امْرَأةٍ
لهَا عِوض القِنَاع شِرَاع
وَعِوَض الوَهْمِ
سُؤَالِ هَذِي البِلاَد
المَفْتُونَةِ بِخَريطَةِ الجِدَارِ...
اسْتِعَارَاتٌ
أَخَالُ
الذِي يَحْدُثُ مِنْ حَوْلِي
وقْع أَشياء تَسْتعير
لُغةَ واقعٍ ما :
الشَّارع(69/494)
الذِّي يُخْفِي أَنْيابه
في مُلْصَقَاتِ الجِدَار
وواجهات المَتَاجر
يَزِيغ عَنْ منْقَارِ الأزقَّة
لِتَهْتَدِي إِلَيهْ الأَقْدام
وَالسّيقان
سِيان..!
الفَراشات
في انْبِهارٍ
تَحومُ حولَ
حَتْفها
كُلَّما رَقَصَتْ
لِفَيْضِ اللَّهبَ
وشَرَارة الهَشِيمِ..
الكَراسي
المُشْبَعَةُ بشَهوة السُّلطة
تُرْثي حَالَ صَاحِبِهَا
بِاسْتعَارَة لُغةِ النَّاس
وَنَبْشِ مَا تبقّى مِنْ حَفِيفِ
ورَق
يُحَاكي دَوْرَة المِيَاه..!
المَنَافي
-هَكَذا- بقيتْ في دُرْج
السُّؤال
تُكَابِرُ انْشطَار الهُوية
في جَوَازاتٍ مُلونة
ممتدَّة مِنَ البَحر
إلى رَقْصِ قوارب الموتِ
حيثُ الضفة الأُخرى - هناك -
مَاثِلة كفردوسِ واهمٍ..!
الشَّاعِرُ
الذي يُشْبِهُنِي
ما يزال يبحثِ
عن بلاغة القول
ورشح الأشياء..
أَخالني
أَكْتبُ القَصيدَة
غير أنّي أَسعى بِلاَ مَعْنَى
لِهَدْمِ عقاربِ اسْتعارَاتٍ
مُعطَّلة ..!
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> الذِّئْبُ الَّذي كان ..؟؟!!
الذِّئْبُ الَّذي كان ..؟؟!!
رقم القصيدة : 64177
-----------------------------------
أَوْهَامُه
في اسْتِدراك رَقْص الخَفَافيش
على أَنغام طُبول الفَزَع
يَبْكيه إلى حدّ نسيانه
لمُسْتنقعاتِ دَمٍ تُجاور
بؤر مخالبه...
(1)
الذّئْبُ
الَّذي كان ..؟؟!!
أَضْحى قِطْعَة فَرْوٍ
تُمْسِكُ بِمِقْوَدِ قطَاعِ غِيار
قَدِيمة
توصَّل إلى شَتات مَسالك
بلا ظلّ غامضة
كفوهة بركان..!
أَقْفَرَتْ تَفَاصيلُ مَكْتبه
عَنَاكِبُ غُبار المَوْت
اسْتَعار مِنْ عَرائِسَ كَانَت له
مَدارا لَـ"صَمْتِ الحِمْلاَنِ"
واخْتفى يعدّ سكنات ذَيْله
كَطَاووس رَاقَتْهُ أُشرعةُ
ريشةٌ
لحظة أَغْواها عواءُ
الهواءِ..
(2)
الذّئْب
الذّي كَان ..؟؟!!
أَلْقى عَلى مَرْأَى
من متَاهَات مِرْآتِه
غَيب مَصيره
وانسلَّ إلى سَرادِيبِ الظُّلْمة
يبحث عن جدوى
احْتِفاء الشَّمس بحدائق
النهار..(69/495)
شعراء المغرب العربي >> إدريس علوش >> اللَّيْلُ مِهْنَةُ الشُّعَراءِ .. وكَفى ..!
اللَّيْلُ مِهْنَةُ الشُّعَراءِ .. وكَفى ..!
رقم القصيدة : 64178
-----------------------------------
سَأَخْتَبِرُ
عَتَبةَ المَسَاء
إذَا شَاءت ذَخيرةُ الوَقت
حيثُ فَقَاعَاتُ الصَّباح الَّذِي وَلَّى
تنقر مِسْمَارَ الظَّهِيرة...
وأَسْتَعِير
مِنْ خطواتِ الطَّريق
بَوْصَلَة لِشَرْخٍ يتفَتَّتُ ذّرات...
أُبْحِرُ - هكذا - في القَصيدة،
وَعرَاءِ المَعْنَى،
في انْسِياب اللاَّشَيْء، في تصدُّع الفَلْسفة، في هَدْم العُمْرَان، في مَحار النَّهر، في مَحْو الشَّكْل، في رقْص النَّافُورة، في هَذيان الشك، في عَرَصات الأقَاليم، في فَوَاتِير المحفظَة، في جُزُر المَجَازِ، في وَقْعِ الكَبْوَةِ، في وَهَجِ البَلاَغة، في دُك
أُرَاوِدُ مِرْوَحَةَ الأَمْكِنَة وَتَاجِ الكَلِمَاتِ، والنِّهَايَات بِدَايَاتٍ أَعْتَقِدُ لِقَفْرِ آخَر، والفَرَاغَ بقُوة الأَشْياء يُصْبح مقبرة..! لا أَكْثرت لِرَصيف اللُّغة، لقاء النسيان أهْتِف لِظلِّي السُّكَارَى وَحْدَهُم قَادِرُون على حلّ إضْرابِ الت
نديمي في الكأس
في المحبة .. واللاَّحربَ..!
ما الذي يحدث الآن في دولاب الموسيقي
وأنت..؟
ما خَطْبُكَ، لَوْ أَنَّ اللَّيل انْزَاحَ عنْ غَسق الصبح..؟
وكأْسُكَ، هلْ شَرِبْتَه عن آخره أولاً..؟
معك أنا في خراب النص،
واللحظة،
والقصيدة..!
(كُلَّمَا ضَاقَتِ العِبَارَةُ...
أَذْهَبُ لحالِ سَبيلي..!)
نديمي في غُرَف الأَرْض
في الهَواء المُثْخَن بِرَعْشَةِ
الزِّلْزالِ..!
هَيَّا نَصْعَدُ معا سُلَّم الوَظيفةِ
نَتسلى بِرَاتب الشَّهر المَبْحوح
نُحاكي رَقْصَ الغُربَانِ
نُرَتِّب فَوانيس النَّهَار
أما اللَّيل، فهو مهنة الشُّعراءِ
.. وكفى ...
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> عربي على دراجة هوائية
عربي على دراجة هوائية
رقم القصيدة : 64179(69/496)
-----------------------------------
وُلدتُ في قلب جُمَّيزة
ولدتُ في ممرات الحديقة الزرقاء
رأيت الأبجدية تتقافز في مشية الوعل
عزقتُ التراب وابتنيت داراً قرب تربة أجدادي
كنت البحة النائمة على العتبة الشمعية
شطحتْ كيزاني على أثواب الصيبات
عبدٌ أنا، آبقٌ أنا يتعلم نظام اليمامة
طاردتُ الصدى في خفقة السوط
قلعتُ حجارة المعبد لأبني حوضاً أرى فيه السماء
انني سنبلة تتمايل قرب فم الأفعى
انني الظبي أترنح سكران بثوبي المزركش بين جبال الكرد
إخضرتْ آلامي في اخضرارات الغضار الصيني
انني الثقلان
أنا العشبة الخنثى تتسلق شباك الجارهْ
سأدق طبولي يوم ختان الحضارهْ
هاه... هاه... هاه... هاه...
أنا الغربية المتكومة في حجرتها بانتظار الربيع
وأعليتُ من شأن الجروح الطفيفة على ساعد الجندي المستوحد في ظلمة المغارهْ
طَيَّبْتُ أثوابي لعرس صديقي
لا سكينة في قلب غرابي المهاجر بين ليلين
هاه... هاه... هاه... هاه...
غنيتُ العشبة التي كانت تغني الغصون
داعبتُ طيور السجن وواسيتُ المجنون
إنني شاعر إكزوتيكي
وطاردتُ غراب الجزيرة من سواد لسواد
ألمْ أقُلْ للكثير بأن يَقِلَّ
أنّى لي بهذا وذاك
قلتُ للشفة كوني ظلاً لجسدي
قلتُ للعين الجميلة كوني
أفلم أحيد عن السراط لكي أحدِّدهُ
ألم تتضح عورتي بعد لعيون العذارى
كم من ريح أفسدها لهاثُ فأسيَ الهابط الصاعد
أنا حشرة ما قبل التاريخ المحفورة على حجرٍ
ضجرٌ ينام على ضجرٍ
سخر المهرجون من خطواتي وتصويتي
أنا صديق الفلكيين حاسبي العدم في الحبة والقيراط
أنا عين الحَجَل
حبات الغيظ المتساقطة من جبهتي
أجفلتْ قهقهتي أعمدة سمرقند
أنا ورق الخريف المتبعثر تحت أقدام الرخويات
أنا رقصة الجند في ليلة إحتلال العاصفه
فتشتُ عن الحقيقة الجارية في السواقي
لكن تدفق الفجر أكلني
لم يهجع الأخطبوط اللابط في قلبي
هاه... هاه... هاه... هاه...
أنا الكلمة الأخيرة التي قالها الياقوت
أنا أول خطوة في غربة المتنبي(69/497)
أنا النوء الكربلائي محمر العينين
تحرَّزتُ بخلخال هاجر
أنا حكمة اللاشيء في غرفة الإغريقي
هاه... هاه... هاه... هاه...
وعقلتُ الجَمَال في بنصري
أنني شاعرٌ مستفعلٌ في ظلامٍ فاعلٍ
سيقهقه هذه الشاعر
قلتُ للشفة كوني ظلاً لجسدي
لأكون فداك
قلتُ للعين الجميلة كوني
أفلمْ أختلق مرآتي
أفلم أحيد عن السراط لكي أحدِّدهُ
أفلم أقل بانني سيِّد الرنة ومملوك النغمات
ألم تتضح عورتي بعد لعيون العذارى
كم من جرح خفقتْ حمامتي فوقه
كم من ريح أفسدها لهاثُ فأسيَ الهابط الصاعد
كم من قرارة يأس فاحتْ في قرارة كأسي
أنا حشرة ما قبل التاريخ المحفورة على حجرٍ
أنا شاعر خرَّبه التنقل في زخارف المعموره
ضجرٌ ينام على ضجرٍ
أنا أقطاعي الشعر
سخر المهرجون من خطواتي وتصويتي
لكم تأخرتْ العجلات باللحاق بقدمي
أنا صديق الفلكيين حاسبي العدم في الحبة والقيراط
أنا قرين الكوارث التي خصَّب عماها النبات
أنا عين الحَجَل
تزوجتُ فلاحة مصرية قبَّلتْ، مرة، في ظل نخلة
حبات الغيظ المتساقطة من جبهتي
أحببتُ الخسارات ونبذتُ الخمور
أجفلتْ قهقهتي أعمدة سمرقند
وحرَّكتْ أقراط النساجات الكبيرات العاقلات
أنا ورق الخريف المتبعثر تحت أقدام الرخويات
في شارع التأوهات العاليه
أنا رقصة الجند في ليلة إحتلال العاصفه
بحثتُ عن معنى في حبات الرمانه
فتشتُ عن الحقيقة الجارية في السواقي
أكلتُ قلب الشجره
لكن تدفق الفجر أكلني
نمتُ رخي البال بين فكي أسود بابل
لم يهجع الأخطبوط اللابط في قلبي
ولم تنم الزنابق الدوارة حول أسطورتي
هاه... هاه... هاه... هاه...
أنا الإستعارة التي إستعارها الثمل لكي لا يقول
أنا الكلمة الأخيرة التي قالها الياقوت
انا يوسف النائم في خيوط العنكبوت
أنا أول خطوة في غربة المتنبي
أنا دمعة موليير
أنا النوء الكربلائي محمر العينين
أنا كأس أبي نواس الرجراجة بالخناس
تحرَّزتُ بخلخال هاجر
لأنني النسمة التي تنعش الوسواس في قلب الفاجر(69/498)
أنا حكمة اللاشيء في غرفة الإغريقي
أنا رجل أستاطيقي
هاه... هاه... هاه... هاه...
أطلقتُ العقل لفوضاه
وعقلتُ الجَمَال في بنصري
فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن
أنني شاعرٌ مستفعلٌ في ظلامٍ فاعلٍ
هاه... هاه... هاه... هاه...
سيقهقه هذه الشاعر
من يقدر أن يعتقه من نجواه ؟
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> الغريب
الغريب
رقم القصيدة : 64180
-----------------------------------
أمسك بالطمأنينة ونوَّمها في سرير الصغير
أمسك بالسعادة ونفخ في رقبتها
أمسك ببطر الأميرهْ
أمسكَ بالإيمان وعَلَّمه التواضعْ
وأغلق عليه القنينهْ
في غسق المدينهْ
على درجات السلم الحجريّ
مرسومة فوق نياط القلب الهاجعْ
لم يعرف، في المنفى، أندادا
تلقَّط بقاياه فحسب
ما أشدَّهْ
ما أبهج فجره المفطور فطرا
في لمعة النجمهْ
أمسك الفضائل ورقَّصها ترقيصة السائر في نومهْ
أمسك الهواجس وألبسها فستانا
أمسك بالظنونْ
أمسك بالفنون وزيَّن بها الحربْ
إمَّحتْ آثار الشرق أمامه وعلامات الغربْ
أمحى الأمام أمامه
وهو يغطّي المساء بمعطفهِ
وهو يقلِّب العلة والسببْ
حنانيهْ
أمسك بالجرح وبعث به الى باريسْ
أمسك باللوعة ولوَّعَها
أمسك بالطاسة الخزفية وشرب منها
وطيَّب به أثواب الإخوانْ
أمسك بالحظ المائلْ
الحنطة والرماد لديه سواءْ
والقول هراءٌ فاترْ
أمسك بالعِبَر وذكَّرَها ببهجات الحانهْ
أمسك بالظنونْ
وطيَّنَ بها قاعة المسجونْ
أمسك بالفنون وزيَّن بها الحربْ
حنانيهْ
إمَّحتْ آثار الشرق أمامه وعلامات الغربْ
إمَّحى الحصن الحصين أمامه
أمحى الأمام أمامه
ما أنظر وجهه المجلو بماء الذهبْ
وهو يغطّي المساء بمعطفهِ
وهو يتجول بين اللهفة والحيرهْ
وهو يقلِّب العلة والسببْ
التفاحة طازجةٌ بين يديهْ
حنانيهْ
أمسك بالعالم وعلَّمه الطيرانْ
أمسك بالجرح وبعث به الى باريسْ
أمسك بالرجس ومزَّق صورته الشمسيه
أمسك باللوعة ولوَّعَها
أمسك بعروس الشعر فألفاها دون عريسْ(69/499)
أمسك بالطاسة الخزفية وشرب منها
أمسك بالهجران وشرب من نبعهِ
أمسك بالفرقد ووضعه تحت السندانْ
أمسك بمندل الخديعهْ
وطيَّب به أثواب الإخوانْ
أمسك بالسرمدي وسيَّجَه بالزائلْ
أمسك بالحظ المائلْ
ووجهه نحو خط الإستواءْ
الحنطة والرماد لديه سواءْ
الصمت يسمّم الهواءْ
والقول هراءٌ فاترْ
يُفْسِد عزلة الطائر في بحبوحة الغناءْ
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> أعشابٌ موسميةٌ
أعشابٌ موسميةٌ
رقم القصيدة : 64181
-----------------------------------
في الطريق الريفيِّ نجمةُ الصباحِ سقطتْ على شعْر الجميلهْ
عشبةٌ حامضة لذعتْ لسانها
ضربة الشمس ترنحتْ طويلاً في رئتيها
وكانت زهرة الجبل المهدَّبة
تتقلبُ في التراب المتناثر حول قامتها
الغنائم والهزائمْ
مراَّ على ظهرها العاجيْ
الصقور والحمائمْ
تطايرا من بين ثدييها
القصائد والتمائمْ
مكتوبان على جبهتها
النمرُ الوليدُ وغزالُ العراقْ
تمرِّغا تحت عُري أقدامها
المسيح والبُراقْ
مازالا مرفرفين على سريرها منذ حين
سماءٌ مائلهْ
تمايلت ذاك الصباح فوق جفونها الذابلهْ
فُستقةٌ كبيرةٌ
طفرتْ من قلبها
ليلة القَدْرِ بين يديها كانت تفوحُ برائحةِ التُفّاحْ
شتاءات الصعتر كانت ترتجف تحت تنورتها
كان العالم يزدهر في هفوات شفتها شديد الحمرة
وكان يطلع من جرحها، مدمىً، آدم النوّاحْ
صارخاً على بابها العاري
بابها العالي الملتمع تحت ضربات الصواعقْ
بابها الغارقْ
في احتشاد الأعشاب الموسميهْ
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> الحجر الصقيلي
الحجر الصقيلي
رقم القصيدة : 64182
-----------------------------------
حجرٌ يقول إلى حجرٍ
حدثني عن ماضيكَ
ويحلم، فجراً، تحت وطأة الفجر الصقيلي
حجرٌ يهذي تحت ثقل الجذوع الملفوعة بالنار الأزلي
الماء كريمٌ يترجرج في اليد
والهواء النوّاح يتوغل في عروق الأميره
النائمة في الضفة الهاذية الأخيره
من العالم البحري
ضفائرها الطويلة المسواةْ(69/500)
تطفو في غبطة المياه الوثيره
الموت والحياةْ
ينامان في حجرتها المضاءة بالتماعة الزيتونِ
الصحو والسباتْ
يتناوبان النظرْ
إلى مهدها الرعويْ
المترنح مع قوارب النجاةْ
كم تسلقت العنزة السوداء سلمها الجبلي
كم تمايل الريحان ثملاً في خضرة عينيها
لكم سيظل العقل السعيد مهاجراً في ليلها
الدمعة تلمع في عين الغزالْ
الممكن والمحالْ
يتزاوجان في القفص المشرع على البحر
الحلو والمرْ
يأكلان في صحنها الخزفي
النبيل واللئيم
يتقاسمان شفتيها
يتقاسمان رمانتها المفطورهْ
البحر والمعمورهْ
يسوّيان سكِّينة الأبَدِ من جسدها
فوق مهدها وفوق لحدها
تضيء فوانيس الإغريقْ
ترفرف أخطاء العرب
الفرحة والكربْ
يقبعان في حاجب السيدة الحزينه
القابعهْ
في كهفها البحري
حجرٌ يحدِّث حجراً عن ماضيه
الصياد والصقر يسهران على الحجر الكريم
الصياد يغرق في زرقة السماء
وعين الصقر تسيلْ
الكثير والقليلْ
يتقلبان على سريرها
الألم القوي يبكي أمام شاهدة الهواء العليلْ
الرجس والطهارهْ
ينقشان في قلبها ذات العبارهْ
الحذاقة والغرارهْ
ينبثقان في دمعتها الشمسية الفوّارهْ
آه أيها الزنجبيلْ
الفواح في ثيابها
آهٍ يا أيها الفيل
المتبسم لانبعاث الأمير من الرماد والإمارهْ
في ثوب الحدادْ
آه أيها الماضي
الذي يجرح قلب العشبة في الوادي
آه أيها الماضي الذي يعض على إصبعه ندماً
الذي يأكل قلوب العاشقات الرومانيات الخارجات من الحمّام
أيها النهر الذي يشيخ مبكراً في منفاه الغريني
أيها الماضي
أيها الماضي
أيها الماضي
أيها الماضي
أيها الحجر الصقيلي
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> الناس
الناس
رقم القصيدة : 64183
-----------------------------------
الناس تقول انقرض الناموسْ
الناس تؤول موتَ الناسْ
تقرأ كف المَيْتِ وروح المحبوسْ
الناسُ توسوس في قلب الجمرهْ
وتقلقل حِمل الشجرهْ
الناس غلاةٌ وغيارى
يمضون حيارى
من طاقات النورِ إلى رائحة السوسْ
الناس سهارى(70/1)
في ليل الطاعونْ
يمدون يداً للأبديِّ المطعونْ
الناس التوَّاهونَ جهارا
بين دروب الجعلان السودْ
الناس القديسون يُصلُّون على قبرٍ منفردٍ في الأرضْ
والبوَّالون على قبر في الأرض كذلكْ
الملاكون لروح الزئبق
والحمَّالون لروح السوقْ
الغول، الثؤلول، التوأم والثوم، الأرضيون وعُبَّاد النور، القرآن، الماحوز، الناس البلبل والسجادة والقرميد، الفتك، السحر وغالية الهند، القرحة والفرح السنوي ويوم الفيضان، الناس الإشماس وسكرة عربيد العرب النائم في حد السكين، طويل الوجه، الشامة في جسد المعبودة
يمدّد رجليه سعيداً كالهفوهْ
كهوامِ البيت بعيداً في الطرف المغرور من المنزلْ
كالحوَّةِ في شفة العازبْ
الناسُ الحيرانةُ في ليلِ القَدَر الأعمى
قرّاء البخت مِنَ أجل البخت العاثرِ والعانسْ
الناس المخلوعون مُذِ اليوم السادسْ
من ملكوت الربِّ
المبهورون بألوان الضبِّ
على ساق النبتهْ
الناس الحكمة والفلتهْ
هائمةً في سُكْرِ الفاجرْ
الناس الحاكم والشاعر والتاجرْ
يستجدون الأبديَّ الواقف في الريحْ
التاريخ سُدَى
والكائن رمية أحجارٍ في السهب العاري
التاريخ سُدى
التاريخ مدى
وكتاب مطعونٌ بالسكينْ
التاريخ سُدى
والأعشاب مُدَى في خاصرة العاشقْ
التاجر والشاعر والفاسقْ
مجتمعون على مائدة السرمديْ
من أجل هلال العربيْ
ورايات الكردي المارقْ
في الجبل العالي
الناسُ حظوظٌ عاثرة في الصيفْ
وخطوط مبهمةٌ في الرمل
الناسُ طيوفٌ مرمية فوق الحائطْ
الفَتَكَهْ
ذو الخِرْقة والصعلوكْ
المالك والمملوكْ
الدمعة تتلألأ في العين العارية الكبرى
والماء المتبقي في جوف البئرْ
سِلْمُ الخاسر والمتنبي في ذات القبرْ
الجاحظ والأحوص في ذات العَتَمَهْ
فاطمة وثريا الموطوءة بنعال المُغْل على ذات الهودجْ
النجم الثاقب والقمر الأهوجْ
يعتنقان بفسحة عدم الله
الله الله على الناسْ
الوردةُ والخناسْ
المأكولان سُدىً
منذُ متى عُرِّفتَ بأن الأعشاب سكاكينٌ في خاصرة العاشقْ(70/2)
الله الله على الولد الغارقْ
في أمواج زُحَلْ
في القافية الطنانهْ
والرنّانهْ
والطنانهْ
والرنّانهْ
والطننّنانه
الرنّا...
الطّنا...
الرنُّ، الطنُّ، أننننننننن............
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> وداعاً يا وحيد القرن
وداعاً يا وحيد القرن
رقم القصيدة : 64184
-----------------------------------
أغنية إلى نهاية القرن العشرين
وداعاً أيها الحصان المعدني، وأهلاً يا غزالة الأثير..
لكم قطّعتَ أنفاسنا بقفزاتكَ المثيرة في الحلبة المئوية،
لكم فَجَعَتْنا نظراتُ عينيكَ الساهمتين في الكواكب،
لكم آلمتْ رفساتكَ أكباد أمهاتنا. أخواتنا ينظرن الى ذلك الشيء الخارج من بين قدميكَ الخلفيتين،
آباؤنا يتطلعون إلى صهوتكَ المزركشة بالمصابيح
أيها الحصان الحصان الذي تعلم الطيران في درب التبّانة والذي يفجع تحليقه حمائم الكنائس
الجموح المنمسخ الى وحيد قرن هجم على دواجننا وكلابنا وغرف القصب التي ابتناها أجدادنا،
أيها الأدرد وداعاً،
وداعاً أيها البهلول الخارج مبلولاً في عواصف الكهرباء،
في فوحانات الغازات السامة،
في أنواء المغناطيس المتثائبة بين السلالم الضوئية،
في المركبات الدائخة قرب النجوم،
بين الذرات والزهور السامة،
أيها المتقلب في قوارير المختبر الذي طالما اختبر أرواحنا،
أيها الناهض من اندثار الغابات وانقراض الجوارح،
أيها الأخضر النائم في رائحة الدولار،
يا مَبْكى القرون على الحائط الآيل للسقوط لكن الشاخص حتى اللحظة مبرقشاً بذرق الطيور ومحاولات اللبلاب.
أيها (الحبّاب) العارج عرضاً الى شارع الداعرات العجائز
وداعاً يا مُذلّ الكواسر ومروّض الأفلاك وكاسر قلوب الشعوب،
أيها التلميذ النجيب في مدرسة العاطلين عن العمل منتجي القيمة وفائضها،
أيها العاض بظر إمه في صعود الرايخ وفي سقوط القدس،
أيها البطل الباكي قدام أغنيات الامريكان اللاتينيين الخاسرين ،
والماشي في ترنُّحات ثمل الشيوعية،(70/3)
يا مُقٍّسم حبة الحنطة ومُغْرق البُن،
يا حارق الغابة الإستوائية والقاسم بالقسطاس حدود القارات،
يا فلذة طفرت من أكباد الشهداء بين الحربين،
يا مُبذّر قروش الأيتام،
يا باذر الأمراض الجنسية في الحديقة الآسيوية،
يا مخترع السياحة على بشرة النحاس.
أيها المندهش من سماكة عمائم الشيعة،
أيها المختفي في القمقم الذري،
لا حدود لك،
لقد اخترتَ الخروج عن حدود كُرَتِنا،
لا تخوم لبسالتكَ ونذالتكَ كليهما،
لعظمتكَ وسفالتكَ النائمتين في غرفة واحدة.
شجرتك تتحجر وعصافيرها تتعرى من ريشها،
لا حدود لعدالتكَ وظلمكَ المتزوجين منذ الأزل لكن المخرِّفين في نهاية العمر.
عمركَ..أنت المشتعل بين الألوان والأشكال عسيرة الولادة،
بين النغمات والرقصات المنفلتة من مداراتها،
الأعظم أنت في الأغنية اليائسة،
الجمال الأكبر المتكبر يوما بعد آخر.
أنت جناحا الفراشة التي تأبدت في الحديد.
أنت الطارق الذي خضَّ أبواب العصور.
صدرك مُعرَّى وظهرك مخرومٌ بالرصاص.
يا مكتشف الزهرة البلاستيكية والأوزة الجصية،
أيها النائم في كهوف اللاوعي،
السابح في بحيرات الوعي البشري حيث لتحويم الهوام طنين عالٍ..
ماذا سأقول أنا ابنك البار الفاني...
وداعاً يا وحيد القرن.
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> الفم الأحمر المتشظي على المخدة البيضاءْ
الفم الأحمر المتشظي على المخدة البيضاءْ
رقم القصيدة : 64185
-----------------------------------
الفم الأحمر المتشظي على المخدة البيضاءْ
ما زال يطلِّع الأسئلهْ
ما زال يدمدم بأغنية الهواءْ
ما لنا كلنا جوى
يقول ظلام الفناءْ
ما للعظاية لا تتمطى إلا في رهبة الشتاءْ
ما للهياكل لا تقوم إلا في صعود الأخيلهْ
وفي طلوع الأهلَّة أعلى من جبل الجلجلهْ
والبكاءْ
البكاء المرُّ يَطْلَعُ كما تطلع الأسئلهْ
من العين التي تسيلْ
في عتمة الرواقْ
الفم المحمرُّ ما زال يدندن للقرب وللفراقْ
والعين تدمع من أجل ظل الشجرة التي تميلْ(70/4)
في لحظة الذراع المرتعشهْ
ساعة العناقْ
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> جارات يوسف الناصر
جارات يوسف الناصر
رقم القصيدة : 64186
-----------------------------------
هذا الطفل المدلل المسترخي تحت سماء من العناب
هذه الحدوة المرمية تحت السرير
هذا الغصن الذي يطقطق في حركة الكرسي
هذه القطة النائمة في القشرة اليابسة للبطيخة الحمراء
هذه الجارات التي لا تكف عن المروق في الحديقه
- ما هذا يا يوسف ؟
- أشباحي...
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> عيون فان كوخ
عيون فان كوخ
رقم القصيدة : 64187
-----------------------------------
سوّى الحصان عرفهُ
وانحنى محدقاً في الحشرهْ
في بتلة الغاردينيا المتفسخة في الطينْ
عدّ الى العشرهْ
واختفى خلف سياج الياسمينْ
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> فيرونيك
فيرونيك
رقم القصيدة : 64188
-----------------------------------
إنكسرت مرآة القوالة بالحق
فلم تستطع ان ترى حمرة السماق على الشفهْ
لم تستطع رؤية الجرح الصغير على الجبينْ
ولا أنفها الملوث بالطحينْ
ولا عين السحلب الذاهب للمعركهْ
انكفأت (فيرو) الى مدخل الحوش الرزين
شباكها مرآتها الان......
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> جوليانا
جوليانا
رقم القصيدة : 64189
-----------------------------------
داعبتْ قطة
وسمتها ايطاليا
ثم دحرجت امامها الصوف
وسمته العالم
داعبت هرتها ذات العينين الشمسيين
وسمّتْ السجادة سهوب لومبارديا
ثم وضعت بين مخالبها فضائل الفيلسوفْ
خدها مقمر وعينيها ياقوتيتان
جوليانا الطالعة مبلولة في برنسها
تحت اصوات الدفوفْ
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> سيرجو
سيرجو
رقم القصيدة : 64190
-----------------------------------
الفاجر ذو الحزام المطعم بالفصوصْ
يلتهم شمعة الكنيسة
في عيد الصقالبة الكبيرْ
الفاجر البولوني آكل المرارهْ
في حرب الحدودْ
إنتهى الى الغابة البنفسجيهْ(70/5)
فالفى عزاءه في البتلة الوحيدهْ
الصابرة في نهاية الطرف المسدودْ
شعراء العراق والشام >> شاكر لعيبي >> ماتياس
ماتياس
رقم القصيدة : 64191
-----------------------------------
سارق الحجارة من المعبد الأثني
لن يسرق النص
سارق النارْ
لن يسرق الأثمارْ
خصَّبتْ روحه الصاعقهْ
وأجهش وحده في ظلمة الغارْ
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> ناعماً ينبت العشب
ناعماً ينبت العشب
رقم القصيدة : 64192
-----------------------------------
مثل أول رشفهْ
ــ من قهوةِ الصبحِ ــ
أنتِ
***
أهجسُ
أن أحتويك كثيرا أن أحتويك كثيرا
وحين اضمُّكِ صوب ضلوعي
أهشِّمُ أنفاسَ حبكِ بين أصابعِ
خوفي
***
كلما حرثتْهُ شفاهُكِ ،صدري،
ناعماً
ينبتُ العشبُ بعد رذاذك
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> شقراء قصيَّة كروحي
شقراء قصيَّة كروحي
رقم القصيدة : 64193
-----------------------------------
(1)
تجيئين
يتبعكِ الموج في السرِّ وقت الرَّحيل
كما
النَّقش في خاتمٍ
عتَّقته الأصابع حتى
انمحى
(2)
أسألُ
من سرق العمر حين
دلفنا لبوَّابتيه ؟
من فلَّ جدرانه الأربعه ؟
أي الرِّجالِ bsp; أي الرِّجالِ
سيخلعُ نعلاً قديماً
وساعته المهمله ؟
(3)
في زمانٍ تزيَّف بالأصدقاء
تحدثني bsp; تحدثني
عن سراب المغنين
عن وجهها
عندما يستحيل إلى
سحْنةٍ في وجوه
المعزِّين
(4)
حين غنيتُ وحدي تعبتُ
فكلُّ العصافير قد غادرتني
وجاءت لتفضحني فاطمةbsp; وجاءت لتفضحني فاطمة
أخجلُ 000
تخجلُ 000
يحتقن الوقتُ
في وجنتيها
تفرِّخُ في خصلتيها البيوت
احتفال بياضٍ على جبهتيها
تراتيل حمَّى على نسغها
وحمحمة الغيرة المزمنه
(5)
هي البحرُ
أول مايشتهيه المسافر
من أغنيات السفر
أول نرجيلةٍ قبَّلتها
شفاه غريب
(6)
تهمسُ
أن الظلام
يلفُّ الطريق
ولا شيء يخدش دجو المدينة
سوى
نظرات الغريب الحزينة
(7)
تعودين كالحلم
من لحظةٍ شاردة
أفتِّش عنك الجيوب
أبعثر
كل الحقائبِ
كل الخرائطِ(70/6)
فيفجؤني سمتك القرويُّ
تخبئهُ
شارةُ البوصلة
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> فاصلة
فاصلة
رقم القصيدة : 64194
-----------------------------------
كلما عدتُ للقرية النائيةْ
فرَّ مني القمرْp; فرَّ مني القمرْ
كلما لذتُ نحو الحميمين من أصدقاء الطفولة
يبكي علينا الشجرْ
كلما أُبتُ من سفرٍ يحتويني سفرْ
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> قصائد المخاض
قصائد المخاض
رقم القصيدة : 64195
-----------------------------------
- فتى -
في الطريق إلى الفيصلية *
فنارٌ لأحلامنا
ومأوى قطيعٍ من النوق
قرب السَّلام تساقط تبراً
نشكِّله مرمراً ورخاماً يزيد بهاء البيوتْ
وئيداً أخبُّ إلى صفِّنا
بخارطتي* دفترالواجب المنزليِّ وكسرة عيشٍ
مع الزمزميةْ
ولأني فتىً طيبٌ شاكس الأشقياء خطايَ
لأمنحهم كسرتي ثم أندسُّ في دفء فانوس أمي
تطرِّز بي صوتها :
( يانوم إِيجَهْ من أَمْ حَرِيجَهْ
في عيون ولْدي أغده وإيجهْ
يا لله طلبتكْ منك الهدايهْ الهدايهْ
طه ويس وكلَّ آيهْ)
تحسُّ بأني فتاها الذي يرقب الصحو
يفضح زيف المدينة
- تينة -
كان في بيت جدي تينةْ
أقبِّل أغصانها مرةً
وأجرِّحها خفيةً
ليسيل الحليب البهيُّ
على جذعها
فأبكي على التينِ
أبكي على بيت جدي
على الطفل
في داخلي
يـ
خ
ت
ف
ي
- الرَّيْن -
للحقول براءتها أينما وزَّعتها
على الدَّوم
أوشجر الرين
آه يا شجر الرينْ
كنا صغيرينْ
أعلِّمها
صنعَ فقَّاعةٍ من ورقْ
رسم قلبٍ به عاشقينْ
أول حرفٍ من اسمي
ومن زهرة الرين عقداً يضيء ضفيرتها
أهِ يا شجر الرين
ها نحن عدنا غريبين
وها أنت مغتربٌ
مثلنا 0
- حَمَام -
في باحة الدار
كنتُ أربِّي الحمامْ
ذات قيظٍ
تطاير حتى تجاوز صندوق جاري
فأدركت أن الحمام يحب الهواء نقياً
وأني اختنقت بجو القفص
- علوان -
فتىً أخضرٌ لا يملُّ الحياة
ويمنحها مقلتيه كفردوسةٍ شاردةْ
يستلُّ مزودة الماء / ناياً عتيقاً وإبريقه المتفحِّمْ(70/7)
تلبَّسَ سمت الرعاة إذا غبَّشوا بالمواويل
والدندنات الحزينةْ
يهيم بفاتنةٍ شبَّ من خصرها العنفوان
إذا دغدغ النايَ إصبعه رقصت غنم الحيِّ منه
فتبكي الفتاة كثيرا
وحين يهلُّ الغروب يخاتلها
دسَّ في حزمةٍ من قصبْ
شيحاً وزعترْ ؛
ثم طَّوقها بالسّكبْ 0
ـــــــــــــــــــــــــ
* مدرسة
* حقيبة من القماش
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> الأصدقاء
الأصدقاء
رقم القصيدة : 64196
-----------------------------------
أجرحُ هذي المدينةْ
وأعلمُ
أني أشكِّل من ذكرياتي بها فيلقا
هل
سأنسى التي أسكنتْ في دمايَ
نسيب القرى ؟
* * *
منذ أن شقَّقتْكَ الوجوه البعيدة جدًّا
وأنت
تدلِّي نهارك
تشنقه في جدار القصيدة
* * *
أتذْكُرُ يا والدي
حين حذَّرتني
من نساء المدينة ؟
وقلتَ :
المدينة ليست لأمثالنا000
آهِ
ها إنهم أصدقائي
الشَّوارع والأرصفة !!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> مرثية العصافير
مرثية العصافير
رقم القصيدة : 64197
-----------------------------------
كيف أسرجُ هذا الحنين وأيُّ جوادٍ تكون سنابكه من نجوم ؟ كيف أُخرِجُ من أضلعي غابة الياسمينِ، وبيتاً من الشعر قوَّس أطرافه فتشقَّق مثل جريد الصبا ؟ قامةُ الخيزران التي أسندت هامتي تسحيل إلى وتَرٍ يستطيل إلى حتفهِ، والبروجُ التي كنتُ أشنقها ف
(عاد من عادَ) خان الذي خانَ ، أبقى كهذي الجبال التي ترقب الناس من حولها وهي جامدةٌ لا تحنّ ؛ الأخلاء يمضونَ والأصدقاء يخونون لاذوا بأغصان خضراء ، ما انتظروا أن بوح ، فأيُّ الجراح سأفتحُ ؟
ـ أمي التي ودعتني نقيَّاً وخنتُ وصيتها لأعاقر هذا السحاب فأقعي وحيداً بمنفايَ أجترُّ أطياف شيخوختي ؛ هل تصدِّقُ أن الصبي الذي مسَّدت رأسه ذات ليلٍ يخيط النهار بأصداغه أحرف العنكبوتْ ؛ أو تصدق أنيَ أُجهدُ نفسي كثيرا لأذكر أوصاف من قاسموني الأسرَّةْ(70/8)
قلتُ : أيُّ الجراح سأفتحُ / أيُّ المراثي تليق لأُعلن موتاً بطيئا بسكينَ مثلومةٍ منذ عشر سنينْ ، لا الخبوت التي علمتني الغواية تطفئُ من وحشتي ،لا الصغار الذين ألاعبهم يذكرون ، ولا أثلة الدار أغصانها تتذكر كم ظللتني بُعَيْدَ الشقاوات من فرْك
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> أطلال
أطلال
رقم القصيدة : 64198
-----------------------------------
علَّق الأصدقاء وجوهاً كثيرةْ
وراحوا يغذَّون صوب القرى
وقفتُ هنا العمر علِّي أضاجع صمت الأثرْ
لا البكاء براني
ولا الوجد أذكى عفاء الممرْ
* * *
مثلما نخلةٍ
ــ لا عروق بها
ولا ماء من حولها
شاخ في وجنتيها الثمرْ ــ
تضاحك مني الشجرْ
* * *
وحدي
أغنِّي البيوت الفقيرةْ
وأبكي وجوهاً كثيرةْ
فمَنْ لي بوجهٍ
كأُمِّي ؟
* * *
قلتُ للعمْرِ:
قِفْ
لا تمرَّ سريعاً فتفضح سرِّي
وقَفَ العُمْر
لكنني
كنتُ شختُ كثيرا
* * *
مرةً قالها :
أما حان أن تجمع الكلمات الكسولةْ
كأوراقِ عمْركْ ؟
ــ قلتُ :
كيف رؤى ؟
هل تحبُّ الذي لا ترى منه غير الصورْ ؟
إيهِ يا ولدي ؛
رؤى أصبحت أثلةً فارعةْ
دون أن تنتظرْكَ
فأغفيتُ محتضناً حسرتي!!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> قصائد المتعبين
قصائد المتعبين
رقم القصيدة : 64199
-----------------------------------
(1)
صاغ لي من مساميره خنجراً
فاشتهتني يداه
رابضٌ في الزوايا
وصمت الطريق مداهْ
كلما هاج بالسرِّ من وهجٍ
سقطت دمعتاهْ
(2)
كقطعان هائمة في الصحاري
تحوِّم أسرابهم في الشوارع
والشوارع بيضاء 00 بيضاء
غير صدىً من تآكل أطرافهم
وهي
بيضاء 00 بيضاء
تحت صليل المكانس
(3)
شفةٌ ينبع البؤس من طرفيها
كتنهيدة الروح صاعدة للسماءْ
وقفةٌ شاحبةْ !!
رعشةٌ باليدينْ
غصَّةٌ
ذوَّبت منه ماء الجبينْ
(4)
زفَّ عرْبته للرياح
وأنشأ أعراسه للرصيف
الميادين خرساء بين يديهْ
حين يلكزه الأشقياء
يشيِّعهم لعنه
بعصاً أشبهت ساقه فلَّ سرب الذباب(70/9)
بشَّ نحو الطريق وذاب 00 و ذ ا بْ
(5)
يداه مملَّحةٌ بالطباشير
(مرزابه) مائلٌ
يدوِّن في دفتر الوقت
ما ذاب من عمره
تحت سبّورة الفصل
وفي حوصلات تلاميذه
الأشقياء
(6)
يحمل أوراقه ويغني
لوجوهِ البنيَّات للرملْ
كنتُ أرمقه
كيف يفري القواميس عن لغةٍ هذليةْ
وحين يفيء إلى سمته
تخاتله اللغة الشاعريةْ
(7)
فوق كومته يستطيل
أريكته من قصبْ
داعب الغيم مسرابه
فاستلذَّ التعبْ
السنابل من زهوه وشوشت بعضها
فأضحت مواسمه ذهباً أبيضاً وسكبْ
(8)
فوق تنُّوره استلَّ سيفاً صقيلا
ليرسم في الأفق جمجمةً وهياكل
ثم أومأ للنار أن
تستكين سلاماً وخبزا 0
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> ريحانة
ريحانة
رقم القصيدة : 64200
-----------------------------------
غرستها أمي في صحن الدار
لعروسي نذرتها
في أول أيام العرس
تورقُ
خمسين بلاطة !
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> قصائد رديئة
قصائد رديئة
رقم القصيدة : 64201
-----------------------------------
-حُب - :
ليس لي
غير أن أتعاطاكِ تبغاً رديئاً
بقلبي الذي صار منفضةً للسجائر
- حياة - :
بحياةٍ تسرقهم حلموا
000 وكأوراق خريف يصحونَ
قد التصقوا بالأغصان
دلَّوا أيديهم والأعناقَ
لأول ريح
- طلْقة - :
قبل الطلقةْ
ينسى الرجل
ــ في زيِّ الصيادِ ــ
زغب العصفورة في العشsp; زغب العصفورة في العش
- وهْم - :
نحن الموهومين 000
راوحنا في وطنٍ لم يشبهنا
مسروقٌ نصف ملامحنا
والنصف الآخر غيَّبه الترحال
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> خيوط لعزلته
خيوط لعزلته
رقم القصيدة : 64202
-----------------------------------
نزِقٌ من أخطاء الناسخْ
وقصائدهُ
تُكمِلُ فجوةَ رفٍّ ما !
* * *
يفرك فروة آخر حلمٍ له
ملتذّاً بالعزلة
فيما تلك المرأة
متواطئةٌ مع مشجب خيباته
* * * * * *
كاللصَّ الحاذقِ
للشقة في الدور العلوي
يصعدُ
حيث الأحلام الوردية
كزهور المرضى
متحنطةً بممرات الرغبة
* * *(70/10)
في البنك يروه أنيقا
طول الياقة مع ربكتها
تنبيءُ عن ـ ـ
يتوسط صفَّ الشحاذين !
يتوسط صفَّ الشحاذين !
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> تجريد
تجريد
رقم القصيدة : 64203
-----------------------------------
للحقيقةِ
لون الزجاج
للزجاج مذاق التراب
هل يكون التراب زجاجا ؟
* * *
الأزرق لون البحر
والأخضر لون الأشياء
لو أن الأخضر لون البحر
والأزرق لون الأشياء
* * *
كنعناعٍ
تهدَّلُ
من
بخار
الوقت
روحي
* * *
حين يأتي المطرْ
شرفتي ترتبكْ
حين توحش روحي
أكون فقأتُ القرى
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> مواجهة
مواجهة
رقم القصيدة : 64204
-----------------------------------
هذا الصباح
أراوغ كل الذين يراؤون وجهي
فأرسم بسمة صفراء
وعينين تزهو الرموش حواليهما
وفي غفلةٍ سألونهما أحمراnbsp; وفي غفلةٍ سألونهما أحمرا
ثم أرقبهم
يُحرقون
* * *
أيضاً
سأعلِّق قلبي من رجليهِ
وأصفعهُ
حتى يلفظَ آخرهم
* * *
من عامي الأولِ
أحملها تثقل كتفي
كرةً لا تحبل إلا بالوهمْ
لو كالسَّيَّاف تجاسرتُ
فأدحرجها لأعود فأدحرجها لأعود
طليقاً
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> اعتراف
اعتراف
رقم القصيدة : 64205
-----------------------------------
حين اقتادوه ليخلع بعض أصابعه
اعترفوا
لن يؤذوه
000
تخرجُ
معصمه معطوبة
* * *
ألْفَوْهُ طريح جذاذاته
بحثوا في آخر أوراقه
وجدوا :
(بلدٌ كامرأةٍ حبلى بآلاف الدمامل)
أطْفَوا في جثته أعقاب سجائرهم
ومضوا
* * *
في محبرتهْ
ثمت كلماتٍ مختبئة :
( لو أني أمتلك الجرأةْ ( لو أني أمتلك الجرأةْ
لمخرتُ برجليَّ البحرَ
كي أسكنه عريي)
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> ارتياب
ارتياب
رقم القصيدة : 64206
-----------------------------------
من قبل هسيس الشرفة جارتها
وسوستُ وسوستُ
بأن الريبة بينهما
ضدي
* * *
لشقوقٍ في كاحل رجلي الضخمة
يومياً
يتوسَّل سجاد العتبة
يتأفف من تهشيم ضلوعه
* * *
لو(70/11)
أن الأدراجَ
تتقافزُ
هاربةً 00
* * *
بعد لأْيٍ
شنقتُ الستائر قرب بكاء الجدارْ
بعدما نضجت حفلة الشنقْ
تحكُّ الستائرجلد الجدارْ
حول حلقي أحس انغماس أظافر
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> قبول
قبول
رقم القصيدة : 64207
-----------------------------------
كخيوط حريرٍ
لم تنضج ،
كبخار حنين ،
كبقايا حبٍّ مسعور،
كأمانٍ مهجورة ،
يقبل بي
ركنٌ في المقهى ركنٌ في المقهى
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> نشوة
نشوة
رقم القصيدة : 64208
-----------------------------------
ما بين يديك ملاكٌ في جسدٍ بضّ
شهقةْ 000
أخرى 000
الآن فقطْ
كومةُ ذنبٍ
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> ذباب المقهى
ذباب المقهى
رقم القصيدة : 64209
-----------------------------------
أين تذهب هذا الصباح ؟
للمقهى !!
كل الإرجيلات امصتك لحدِّ القيءْ
ظهر الكرسي ـ دهنته ريحتك اللزجة ـ
يجترُّ الأنفاسَ في مجهودٍ خارق
حتى سحب الدخان بعيداً عنك تطير
لا يبقى غير ذباب المقهى يكنس
ر
و
ح
كْ
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> رتابة
رتابة
رقم القصيدة : 64210
-----------------------------------
السرير وفوضاهُ
مشروع نصٍّ رديءٍ بنصف المخدَّةْ
الكتاب المعار
بين هذا الركام أفضُّ اشتباكاً لجفنيَّ
من ليلة البارحة
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> كلماتي
كلماتي
رقم القصيدة : 64211
-----------------------------------
كصبيٍّ يجمع أعقاب السيجارات
ليطلق متعته في ركنٍ مهجورٍ
أو فوق سطوح البيتْ
كلماتي تخرجُ ــ في ذعرٍـ تتلفَّت 00
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> نص
نص
رقم القصيدة : 64212
-----------------------------------
كوليدٍ يصرخُ بين يديكْ
تنسى آلام الطلْقِ
وتلقمهُ
حلمة رأسك
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> مراوغة
مراوغة
رقم القصيدة : 64213
-----------------------------------
ها أنت
كما المومسْ(70/12)
تتمرَّسُ في اللذَّةْ
أحرفكَ
المخصية
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> مشابك
مشابك
رقم القصيدة : 64214
-----------------------------------
نحْلُمُ
نَ حْ لُ مُ ، نحْلُمُ ، نَ حْ لُ مُ ، نحْلُمُ ..
في الصبْحِ نحْمِلُ أحلامَنا لنجفّفها
وكي لا تطير بعيداً
نثبّتها بمشابكْ
المشابكُ
محْضُ كلام ...
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> .....
.....
رقم القصيدة : 64215
-----------------------------------
سنةً كاملةً ننتظرُ ،
ننزع ورقات التقويمْ
بدّلنا قطعاتِ أثاثٍ ، ديكوراتٍ
لبّسْنا الأطفالَ جديدَ ثيابٍ
أترَعْنا علبَ الحلوى
لم يتبقَ سوى البسماتْ
ألصقناها
ومضَيْنا مع فرحةِ أطفالِ
العيدْ
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> وسام
وسام
رقم القصيدة : 64216
-----------------------------------
فرْحتُهُ
بالمكتبِ ذي الأدراجِ المنزلقهْ
بسريرِ الأطفالِ بمرتبة الإسفنجْ
الدولاب الزاهي بالألوانْ ...
هل كانتْ مثلي
يوم انتزعَ أبي خشباتِ صناديقِ الشايْ
ليسمِّرَ دولابي
الأولْ ؟
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> جدران
جدران
رقم القصيدة : 64217
-----------------------------------
ثَمَّ حنينٌ يجدُرُ أن نحملهُ
ألا نبصرَ عرْيَ الذكرى ،وقّعها من رحلوا،
مكترثين لأشياء كثيرهْ ، نتعبُ من لصق الأوراقْ ...
الجدرانُ جلودٌ ندْبَغُها
، شهقاتٍ ، فتحاتِ مساميرٍ ، ضحكاتٍ ...
عاريةً
نتركها.. تنتظرُ ..
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> خطوات
خطوات
رقم القصيدة : 64218
-----------------------------------
المصعد قبر الخطوات
العشب النائم وسط حديقته يتأذّى من وقْعِ كواحلنا
الأرصفة تواقيع الأرجلِ تكنسها الريحُ
لتبقى الدرجاتُ شواهدَ من عبروها
ةً
عد
صا
.. ها
بط
ـةً
سنواتٍ مقصوصهْ
قوالبُ للأعمار التزقتْ واحدةً تلو الأخرى
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> هجر
هجر
رقم القصيدة : 64219(70/13)
-----------------------------------
الثوبُ البالي
لحفيفِ اللامعِ نتركهُ ،
الإصبعُ تمتدّ مغادرةً طرف حذاءٍ مقطوعٍ ، نستبدلُ ،
بيتُ الطينِ
حكايا الجَدَّاتِ فناجيناً تتحسّرْ
"حناتيلُ" طفولتنا المتروكةِ ،فارغةً،
تَتَمَرْجَحُ تحت أهازيجِ
الأقدامِ
المهجورهْ
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> صور
صور
رقم القصيدة : 64220
-----------------------------------
1ـ مودّعه
إلى/ أحمد
وهْيَ تهفُّ ذباباً
تحلَّقَ إبريقَ شايٍ حنون ،
وهْيَ تنفخُ لهفتها ،
وهْيَ تبرِّدُ رشفَتَه بفناجينَ مرْبوشةٍ ،
وهْيَ توغلُ وسْطَ حقيبتهِ رزْمةَ
العشراتْ ، مدْلوكةً عنبراً ،
وهْيَ تنتِفُها بين ... ملتَطِمَيْنِ بحرْقَتِها ،
وهْيَ تُدَفِّي ارتعاشَ ملابسهِ
ببخور أصابعها
وهْيَ تشتمّ علاقةً فارغهْ
وهْيَ تربِطُ أحشاءَها
وتلُفُّ بـ"خُنَّتِـ"ـها وَجْنَةً
ثلَّمَتْها المساريبْ ،
وهْوَ ينسلُّ من حضْنِها
وهْيَ ترفو اصطفاقةَ نَعْلَيْه
" ودَّعْتَ بَكْ ربي "
2ـ علي حبيبي
تزهرُ الدارُ
وحْشَتَها
كلُّ ركنٍ
يطقْطِقُ
فيه حنينٌ
لأنفاسهم تترنَّحُ
فوق البلاطْ
علَّقوا ضجَّةً
بالجدارِ
تلوِّحُ من غبرةٍ
في المرايا
عيونٌ مسمَّرةٌ
ذي المشاجبُ ،فارغةً،
صندلٌ بالخِزَاناتِ
يهجرُ أخشابَها
حوضُ الزهورِ
يرَاوغُ نتفَ
مواضِعِ قُبْلاتِهمْ
مُبَخَّرَةٌ ،بجراحاتها،
ما يزالُ يجُسُّ
الشراشفَ غيمُ أصابِعِها
في السريرِ وحيداَ ،ينامُ،
يلمُّ مواجِعَهُ :
: لن أشاجرَهمْ ثانياً
لو همُ ...
بل
أصبُّ
عيوني
نشاءَ
"مرازيبهم"
.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> وحل
وحل
رقم القصيدة : 64221
-----------------------------------
بَجَعُ السَّدِّ
قاومَ وحْلَ بحيرتهِ ؛
غير مكترثٍ ، ما يزال قبيل الغروب يهاجرُ
فوق سماءِ البيوتْ
وصمتِ الحقولِ مجفَّفةً ،من غناء الصغار،
" طيرَ أَمْـ بحْرْ شاغدّيك وآعشِّيكْ
واذْبحْ لكْ راسَ أَمْـ دِيكْ"
بجعُ السَّدِّ يخفقُ حيرتَه(70/14)
ينثرُ ريشاتِهِ
زغباً موحلاً ليس "تَدْعَكُهُ" الكلماتْ
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حبيبي >> عادة
عادة
رقم القصيدة : 64222
-----------------------------------
أزيزَ جنادبَ
أنفاسُكَ المسرعاتُ ، تقطعُ ،
تحشرِفُ نورتَهُ بيباسِ الضلوع ، جدارٌ،
يعيدُ رتابتَهُ ، كلُّ شيءٍ ،
تحتسيهِ البيوتُ ، خدَرٌ،
تواصلُ إيناسها ، كلابٌ ،
البعوضُ يئزّ حواليكَ ، رشْقُ ،
معكوفتان لكيسٍ تعقِّمُ فيه بقاياكَ ، رجلاك ،
ينخرها الذرُّ فوق سطوحٍ مصبّاتها حُشيتْ بالغبار
تدلِّي أباريقَ روحٍ مهشّمةٍ
مثل منشفةٍ نُتِشَتْ بخيوطِ الكلام
سيجارةٍ يتفحَّمُ إسفنجها
الكلمات ترنِّحُهَا بِعِصِيِّ الظلام
نثار حروفٍ تكزّ ابتراداً
على ورْقةٍ عسفتها الرطوبة
منسربٌ
للدرجْ ،
نفسُ
خُطَاكَ
الثمانْ
سريرٌ تناطِحُهُ وتنامْ ..
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> العزم وأبناؤه
العزم وأبناؤه
رقم القصيدة : 64223
-----------------------------------
هو العزم لا ما تدعي السمر والقضب
وذو الجد حتى كل ما دونه لعب
ومن أخلفته في المعالي قضية
تكفل في إنتاجها الصارم العضب
ومن يتطلب مصعبات مسالك
فأيسر شئ عنده المركب الصعب
ومن لم يجد إلا ذعاف مذلة
وروداً فموت العز مورده عذب
وهل يظمأ اللاوى من الذل جانباً
وبيض الظبا رقراقها علل سكب
إذا رمت دفع الشك بالعلم فاختبر
بعينك ماذا تفعل الأسد الغلب
أما والهضاب الراسيات ولم أقل
عظيما ، فكل دون موقفه الهضب
لئن أسلمتهم عزة النفس للردى
فما عودتهم أن يلم بهم عتب
أحباي لو لم تمسك القلب أضلعي
لطار أسى من برج ذكراكم القلب
قضيتم وفي صدر الليالي وليجة
وما غيركم يستلها ، فلها هبوا
سقاك الحيا أرض العراق ولا رقت
جفون غوادية ، وناحت بك السحب
تضمنت ، لا ضمنت شراً لظالم
كواكب ليل الخطب إن حلك الخطب
بكيت وحيداً في رباك ولم أرد
مخافة واش ، ان يساعدني الركب
فيا شرق حتى الحشر تربك فوقه
دليل لمن يدر ما فعل الغرب(70/15)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> رثاء شيخ الشريعة
رثاء شيخ الشريعة
رقم القصيدة : 64224
-----------------------------------
أبن ما لهذا الدين ناحت منابره
وقل خفية أين استقلت عساكره
ولم شرق الناعي بمنعاه عله
رأى شامتا يخشى وعيناً تحاذره
فخافت فلا تفصح بما طرق الهدى
جهارا وقل قد أسلم الغاب خادره
وشكواك فاكتمها وقل متجلدا :
زمان مضت أولاه هذي أواخره
وهل ينفع المفجوع حبس دموعه
وباطن ما يخفيه يبديه ظاهره
وقالوا : بنو الآمال تشكو من الظما
فقلت : نعم ، بحر الندى جف زاخره
لفقدك أبكي باطن الأرض ظهرها
فعادت سواءً دوره ومقابره
إذا كان ورد الموت من عمر ماجدٍ
فما عن سوى الأمجاد تهوى مصادره
أبا حسن في الصدر مني سريرة
سأكتمها حتى تباح سرائره
أعدوك للأمر الجليل وأضمرت
خلاف الذي قد أضمروه مقادره
ولم تدرك الثأر المنيم من العدى
فجفنك لم أغضى وهوم ساهره؟
سلام على النعش الخفيف فقد ثوت
ثقال المعالي عنده وأواصره
أنا عيه خفض ، فالشريعة تعتزي
إلى شيخها فانظر لما أنت ذاكره
لفقدك حال الدين عما عهدته
فمسلمه في ذمة الشرع كافره
فلا بلغ الناعي على دين أحمد
مناه ، ولا حاقت يديه بواتره
فلو شاء ذاك القبر بين كم به
أماني نفوس قد طوتها ضمائره
فيا لاسقت إلا يداه ضريحه
ففيه مسح الغيث حل وماطره
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ثورة العراق
ثورة العراق
رقم القصيدة : 64225
-----------------------------------
إن كان طال الأمدُ
فبعد ذا اليومِ غدُ
ما آن أن تجلو القذى
عنها العُيون الرَّمد
أسياُفُكم مرهفة
وعزمٌكم متقد
هبوا كفتكم عبرة
أخبار من قد رقدوا
هبوا فعن عرينه
كيف ينام الأسد
وثورة بل جمرة
ليعرب لا تخمد
أججها إباؤهم
والحر لا يستعبد
لا تنثني عن بلد
حتى يشب البلد
خفوا إلى الداعي
وفي الحرب جبالاً ركدوا
واستبشروا بعزمهم
فهلهلوا وغردوا
وأقسموا الى العدى
أن لا يلين المقود
يأبى لكم أن تقهروا(70/16)
عزمكم والمحتد
إن كان أعيا مورد
غير الأذى لا تردوا
أو كان لا يجديكم
قربى لهم فأبتعدوا
كم جلب الذل على
المرء حسام مغمد
زيدوا لقاحاً حربكم
لعل عزاً تلد
إياكم والذل إن
جرحه لا يضمد
وللفرات نهضة
مشهودة لا تجحد
هاجوا بها لا لعب
فيما أتوا أودد
غطارف من الظبا
صرح لهم ممرد
وفتية على المنى
أو المنايا احتشدوا
ناديهم الحرب وصهوة
الجياد المقعد
لو أوردوا على ظماً
بذلة ما وردوا
من كل مشتد الحصاة
رأيه مستحصد
ناشد بذاك عوجة
ومثلها يستنشد
هل اشتفت من العدى
أم بعد فيها كمد؟
وهل درت أبناؤها
أن الثنا مخلد
هم عمروها خطة
يصلى بها وتحمد
خالدة ما ضرهم
أنهم ما خلدوا
وللقطار وقعة
منها تفز الكبد
ما تركوا حتى الحديد
سلسلوا وقيدوا
مر وقد تحاشدت
عديده والعدد
كأنما لسانه
خطيب جمع مزبد
كأنه آلى على
أن لا يطول المدد
تكاد من هيبته
صم الجبال تسجد
تحتثه النار كما
بالروح سار الجسد
لم يلف إلا موعدا
فمبرق ومرعد
حتى إذا ما أجل
دنا وحان الموعد
لم ينجه من الردى
حديده الموطد
هيهات يغني عن
قضاء زبر مصفد
من بعد ما قد
أبرم الأمر قدير أوحد
هناك لو قد وجدوا
سم خياط نفدوا
واستنجد وأين من
حين النفوس المنجد
ملحمة تشكر مصليها
الوحوش الشرد
ودعوة مشهودة
تدعو ليوم يشهد
قام بها مقلد
بعزمه مجتهد
" محمد " ومعجز
مثلك يا " محمد "
ألقحتها شعواء لا
يطاع فيها السيد
يرون أقصى مطمع
في الحرب ان يستشهدوا
كأنما ليست لهم
نفوسهم والولد
حتى إذا ما ويلسن
ضاقت بها منه اليد
ولم يجد ليناً بهم
وهل يلين الجلمد
وما رأى ذنباً سوى
أن حقوقا تنشد
وأنهم أولى بما
قد زرعوا أن يحصدوا
سواعد مفتولة
بعزمها تعتضد
وهمة شماء لا
ينال منها الفرقد
مال إلى الحق ولم
يكن لحق يرشد
وقال : هذا عاصف
هب وبحر مزبد
وجذوة تلهم من
أطرافها ما تجد
ولست أقوى حمل ما
تنوء عنه الكتد
يا ثورة العرب انهضي
لا تخلقي ما جددوا
لا عاش شعب أهله
لسانهم مقيد
سيان عندي مقول
أو مرهف مجرد(70/17)
أفدي رجالاً أخلصوا
لشعبهم واجتهدوا
كم خطبة نفاثة
فيها تحل العقد
ومقول قصر عن
تأثيره المهند
هذا لساني شاهد
عدل متى تستشهدوا
أن لا تزال أضلعي
تطوى على ما تجد
عهداً أكيداً فثقوا
أني على ما أعهد
صبراً وما طاب لكم
مرعاكم والمورد
صبراً وما عودتموا
من قبل أن تضطهدوا
إن رفعت رواقها
الحرب فأنتم عمد
وأنتم إذا الوغى
أعوزه من يوقد
نيران حرب يصطلي
الأدنى بها والأبعد
مواطني شقت وأبناء
السقوط " سعدوا
يا أخوتي كل الذي
أملتموه بدد
نصيبكم من كل ما
شيدتموه النكد
تتركوا ، تأرمنوا
تنكلزوا ، تهندوا
أولا فان عرضكم
ومالكم مهدد
قد أكلت نتاج
أقوامي أناس جدد
اخو الشعور في العراق
ضائع مضطهد
يحت من فؤاده
ما لا يحت المبرد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الثورة العراقية
الثورة العراقية
رقم القصيدة : 64226
-----------------------------------
لعل الذي ولى من الدهر راجع
فلا عيش إن لم تبق إلا المطامع
غرور يمنينا الحياة : وصفوها
سراب وجنات الأماني بلاقع
نسر بزهو من حياة كذوبة
كما افتر عن ثغر المحب مخادع
هو الدهر قارعه يصاحبك صفوه
فما صاحب الأيام إلا المقارع
إلى ما التواني في الحياة وقد قضى
على المتواني الموت هذا التنازع
ألم تر أن الدهر صنفان أهله
أخو بطنه مما يعد وجائع
إذا أنت لم تأكل أكلت ، وذلة
عليك بأن تنسى وغيرك شائع
تحدث أوضاع العراق بنهضة
ترددها أسواقه والشوارع
وصرخة أغيار لإنهاض شعبهم
وإنعاشه تستك منها المسامع
لنا فيك يانشء العراق رغائب
أيسعف فيها دهرنا أم يمانع
ستأتيك يا طفل العراق قصائدي
وتعرف فحواهن إذ أنت يافع
ستعرف ما معنى الشعور وكم جنت
لنا موجعات القلب هذي المقاطع
بني الوطن المستلفت العين حسنه
أباطحه فينانة والمتالع
يروي ثراه " الرافدان " وتزدهي
حقول على جنبيها ومزارع
تغذيه أنفاس النسيم عليلة
تذيع شذاهن الجبال الفوارع
أأسلمتوه وهو عقد مضنة
يناضل عن أمثاله ويدافع(70/18)
وقد خبروني أن في الشرق وحدة
كنائسه تدعو فتبكي الجوامع
وقد خبروني أن للعرب نهضة
بشائر قد لاحت لها وطلائع
وقد خبروني أن مصر بعزمها
تناضل عن حق لها وتدافع
وقد خبروني أن في الهند جذوة
تهاب إذا لم يمنع الشر مانع
هبوا أن هذا الشرق كان وديعة
" فلابد يوماً أن ترد الودائع "
ويوم نضت فيه الخمول غطارف
يصان الحمى فيهم وتحمى المطالع
تشوقهم للعز نهضة ثائر
حنين ظماء أسلمتها المشارع
هم افترشوا خد الذليل وأوطئت
لأقدامهم تلك الخدود الضوارع
لقد عظموا قدرا وبطشا وإنما
على قدر أهليها تكون الوقائع
وما ضرهم نبوا السيوف وعندهم
عزائم من قبل السيوف قواطع
إذا استكرهوا طعم الممات فأبطأوا
أتيح لهم ذكر الخلود فسارعوا
وفي الكوفة الحمراء جاشت مراجل
من الموت لم تهدأ وهاجت زعازع
أديرت كؤوس من دماء بريئة
عليها من الدمع المذال فواقع
هم أنكأوا قرحا فأعيت أساته
وهم اوسعوا خرقا فأعوز راقع
بكل مشب للوغى يهتدى به
كما لاح نجم في الدجنة ساطع
ومما دهاني والقلوب ذواهل
هناك وطير الموت جاث وواقع
وقد سدت الأفق العجاجة والتقت
جحافل يحدوها الردى وقطائع
وقد بح صوت الحق فيها فلم يكن
ليسمع ، إلا ما تقول المدافع
كمي مشى بين الكمات وحوله
نجوم بليل من عجاج طوالع
يعلمهم فوز الأماني ولم تكن
لتجهله لكن ليزداد طامع
وما كان حب الثورة اقتاد جمعهم
إلى الموت لولا أن تخيب الذرائع
هم استسلموا للموت ، والموت جارف
وهم عرضوا للسيف ، والسيف قاطع
بباخرة فيها الحديد معاقل
تقيها وأشباح المنايا مدارع
وإن أنس لا أنس " الفرات " وموقفا
به مثلت ظلم النفوس الفظائع
غداة تجلى الموت في غير زية
وليس كراء في التهيب سامع
تسير وألحاظ البروق شواخص
إليها وأمواج البحار توابع
تراها بيوم السلم في الحسن جنة
بها زخرفت للناظرين البدائع
على أنها والغدر ملء ضلوعها
على النار منها قد طوين الأضالع
مدرعة الأطراف تحمي حصونها
كمأة بطيات الحديد دوارع(70/19)
ألا لا تشل كف رمتها بثاقب
حشتة المنايا فهو بالموت ناقع
من اللآء لا يعرفن للروح قيمة
سواء لديها شيب ورضائع
فواتك كم ميلن من قدر معجب
كما ميل الخد المصعر صافع
أتتها فلم تمنع رداها حصونها
وليس من الموت المحتم دافع
هنالك لو شاهدتها حين نكست
كما خر يهوي للعبادة راكع
هوت فهوى حسن وظلم تمازجا
بها وانطوى مرأى مروع ورائع
فان ذهبت طي الرياح جهودنا
فعرضك يا أبناء يعرب ناصع
ثبت وحسب المرء فخراً ثباته
" كما ثبتت في الراحتين الأصابع "
ومحي لليل التم يحمي بطرفه
ثغوراً أضاعتها العيون الهواجع
تكاد ، إذا ما طالع الشهب هيبة
تخر لمرآه النجوم الطوالع
مدبر رأي كلف الدهر همه
فناء بما أعيا به وهو ظالع
مهيب إذا رام البلاد بلفظة
تدانت له أطرافهن الشواسع
" ينام باحدى مقلتيه ويتقي
بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع "
يحف به كل أبن عم إذا رنا
إلى الحي ردت مقلتيه المدامع
يرى أينما جال اللحاظ مهاجما
يصول وما في الحي عنه مدافع
تثور به للموت أبية
وتأبى سوى عاداتهن الطبائع
يطارحه وقع السيوف إذا مشى
كما طارح المشتاق في الأيك ساجع
وقد راعني حول الفرات منازل
تخلين عن ألافها ، ومرابع
دزائر من بعد الأنيس توحشت
وكل مقام بعد أهليه ضائع
جرى ثائراً ماء الفرات فما ونى
عن العزم يوماً موجه المتدافع
حرام عليكم ورده ما تزاحمت
على سفحه تلك الوحوش الكوارع
هم وجدوا حول الفرات أمانياً
لطافاً أضلتها نفوس نوازع
ولو قد أمدته السيوف بحدها
لغص بموار من الدم كارع
ومهر المنى سوق من الموت حرة
بها يرخص النفس العزيزة بائع
فلا توحدوه إنه يستمدكم
بأنفاسه تياره المتتالع
على أي عذر تحملون وقد نهت
قوانينكم عن فعلكم والشرائع
على رغم روح الطهر عيسى أذلتم
براء ذماء هونتها الفظائع
فيا وطني إن لم يحن رد فائت
عليك فان الدهر ماض وراجع
وأحلامنا منها صحيح وكاذب
وأيامنا منهن معط ومانع
كما فرق الشمل المجمع حادث
فقد يجمع الشمل المفرق جامع(70/20)
وما طال عصر الظلم إلا لحكمة
تنبيء أن لابد تدنو المصارع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الليل والشاعر
الليل والشاعر
رقم القصيدة : 64227
-----------------------------------
وليل به نم السنا عن سدوفه
فنمت بما تطوى عليه الأضالع
تلامع في عرض الأثير نجومه
كأن الدجى صدر وهن مطامع
رعيت به الآمال والنسر طائر
إلى أن تبدى الفجر والنسر واقع
خليلان مذهولان من هيبة الدجى
تطالعني من أفقها وأطالع
سجية مطوي الضلوع على الأسى
متى يرم السلوى تعقه المدامع
صريع أمان لم يقر به جاذب
لما يرتجي الا وأقصاه دافع
عمى لعيون الهاجعين وأسلموا
لحر الأسى جنباً قلته المضاجع
أفي العدل صدر لم تضق عنه أضلع
تضيق به الست الجهات الشواسع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الشاعر المقبور
الشاعر المقبور
رقم القصيدة : 64228
-----------------------------------
دعا الموت فاستحلت لديه سرائره
اخو مورد ضاقت عليه مصادره
عراه سكوت فاسترابت عداته
وما هو إلا شاعر كل خاطره
وحيدًا يحامي عن مبادئ جمة
اما في البرايا منصف فيوازره
تفرد بالشكوى فاسعده البكا
لقد ذل من فيض المدامع ناصره
يهم يبث النجم سراً فينثني
كأن رقيباً في الدراري يحاذره
وتنطقه الشكوى فيخرسه الأسى
فيسكت لاحيه إذا جد عاذره
يروم محالاً أن يرى عيش ما جد
أوائله محمودة وأواخره
فؤادي وإن ضاق الفضا عنه فسحة
فلابد أن تحويه يوماً مقابره
فؤادي وكم فيه انطوت لي سريرة
عظيماً أرى يبلى وتبلى سرائره
سيحمل همي عند منزل وحدتي
وتصبح آمالي طوتها ضمائره
فيا طير لا تسجع ويا ريح سكني
هبوبا على جسمي ليسكن ثائره
ويا منزل الأجداث رحمة مشفق
عليه ففيك اليوم قرت نواظره
ويا بدر من سامرته وجدك انقضى
فمن لك بعد اليوم خل تسامره؟
عساك إذا ضاقت بصدرك فرجة
تطالعه في رمسه فتذاكره
ويا خلة الباكي عليه تصنعاً
ألم تك قبل اليوم ممن يغايره؟
تحمل ما ينأى فشاطره الردى(70/21)
فما ضر لو كانت الرزايا تشاطره
ويا غاضبا قلبي لترقيق حره
سراحاً فقد دارت عليه دوائره
دعا بك يستشفي فاغضيت فانطوى
وما فيه إلا الهجر داء يخامره
أمن بعدد ما وسدته بت جازعاً
إذا مات مهجوراً فلا رق هاجره
فيا ظلمة الآمال عني تقشعي
فقد تتجلى عن فؤادي دياجره
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> شكوى وآمال
شكوى وآمال
رقم القصيدة : 64229
-----------------------------------
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع
وأشكو الليالي ، لو لشكواي تسمع
أكل زماني فيك هم ولوعة
وكل نصيبي منك قلب مروع
ولي زفرة لا يوسع القلب ردها
وكيف وتيار الأسى يتدفع
أغرك مني في الرزايا تجلدي
ولم تدر ما يخفي الفؤاد الملوع
خليلي قد شف السها فرط سهدها
فهل للسها مثلي فؤاد وأضلع
كأني وقد رمت المواساة في الورى
أخو ظمأ مناه بالورد بلقع
كأن ولاه الأمر في الأرض حرمت
سياستهم أن يجمع الحر مجمع
كأن الدراري حملت ما أبثه
إلى الليل من شكوى الأسى فهي ضلع
كأن بلاد الحر سجن لمجرم
وما جرمه إلا العلى والترفع
ستحملني عن مسكن الذل عزمة
باسعافه دون البرية أطمع
أرى لك في هذا التورع مقصداً
وإلا فما ضب الفلا والتورع
تلفعت بالتقوى وثوبك غيره
فلله ذياك الضلال الملفع
لعل زماناً ضيعتني صروفه
يرق فيرعى فيه قدر مضيع
وخلاً أساء الظن بي إن بدت له
حقيقة ما أخفي عن الشر يقلع
إليك زماني خذ حياة سئمتها
هي السم في ذوب الحشاشة ينقع
وإني وإن كنت القليل حماقة
فلي مبدأ عنه أحامي وأدفع
ولو أنني أعجلت خيفت بوادري
ولكن صبر الحر للحر أنفع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> صحو بعد سكر
صحو بعد سكر
رقم القصيدة : 64230
-----------------------------------
أأن عن في جنح الدجى بارق الحمى
طويت على الشوق الفؤاد المتيما
وباتت تعانيها ضلوعك جذوة
تضيئ إذا ما طارق الوجد أظلما
جهدت فلم تملك مع الحب مهجة
بها لم يصح الشوق إلا لتسقما
تود وفيه الحزم لو كانت بالحشا(70/22)
ضنينا ويأبى الحب الا تكرما
سلوت الهوى فليردد النوم سالب
فجفني لم يخلق لكيلا يهوما
فما أنا من ريم الحمى بمكانه
تهون من قدري لديه ليكرما
ولا أنا ممن يقتفي الجهل كاشفاً
فؤادي مرمى للغواني مرجما
ومالي وسلسال بخد مرقرق
نصيبي منه لوعة تورث الظما
قلى لك يا ظبي الصريم وللهوى
فذاك زمان كان ، ثم تصرما
بمثل الذي راشت لحاظك للحشا
رماني زماني لا عفا الله عنكما
وما فيك يا عرش الشباب مزية
على الشيب الا السير فيك على عمى
سلمت وقد أسلمتني بيد الأسى
كأني إلى الموت اتخذتك سلما
خليلي هل كان السها قبل واجدا ً
خفوق الحشا أم من فؤادي تعلما ؟
وهل بحمام الأيك ما بي من الأسى
شكا فتغني ، واستراب فجمجما
أظنك ما رنمت إلا تجلداً
وإن قال أقوام سلا فترنما
وما ذاك من ظلم الطبيعة أن ترى
شجياً، ولكن كي ترى الحزن مثلما
ولم تبكك الأزهار وجداً وانما
نثرت عليهن الجمان المنظما
فنح ينح القلب المعنى فانما
أقام علينا الليل بالحزن مأتما
وبح لي بأسرار الغرام فرحمة
بأهل الهوى غني مغن ونغما
ولا تحذر الشهب الدراري فلم يدع
لها برح الشهبين قلبا لتعلما
ومنك تعلمت القريض منمنماً
فحق بان أهديك شكري منمنما
فلا تبتئس أن آلمتك حوادث
فأن قصارى الحر ان يتالما
افي كل يوم للحواسد جولة
ارى مقدماً فيها الذي كان محجما
كأن لم أسر من مقولي في كتيبة
ولا حملت كفي اليراع المصمما
ولا كان لي البدر المعلى مسامراً
وان كنت أعلى منه قدراً واكراما
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> منى شاعر
منى شاعر
رقم القصيدة : 64231
-----------------------------------
حمامة أيك الروض مالي ومالك
ذعرت ، فهل ظلم البرية هالك
نفرت وقد حق النفور لأنني
مجسم أحزان وقفت حيالك
ولولا جناح طار عن موقع الأسى
لكان قريباً من منالي منالك
أعندك علم أنني من معاشر
أبوهم جنى واختار أدنى المسالك
رماهم إلى شر المهالك آدم
فهم أبرياء حملوا وزر هالك(70/23)
هلمى .هلمى . أن هاتيك نسبة
تقرب ما بيني وبين الملائك
ألسنا وان كنا شتاتا يضمنا
اسانا وإن لم تمس حالي كحالك
ألفت الرياض الزهر يسم ثغرها
وما ألفتي غير الوجوه الحوالك
هزجت فنظمت الدموع قلائداً
فليت مثالي كان لي من مثالك
بعيشك كم غنى مثيلك طائر
وكم نائح مثلي ثوى في ظلالك
تقولين : خلق ليس يدري سوى العنا
عجيب ..فمن أنباك أني كذلك
رأيتك قبلت الغدير لأنه
على صفحتيه لاح مرأى خيالك
وداعبت فيه البدر فانصاع مذعراً
موج ارتجافا خشية من جلالك
فقلت مطاراٍ امة الشرق هكذا
تملكت الاطيار أعلى الممالك
تباكوا وقالوا : الشرق مال دعامه
وهل دعم قامت بغير التمالك !
وقالوا : هي الدنيا عراك ، رويدكم
فانا ضعاف مالنا والتهالك
نصحنا ولا يجدي وكم قبل رددت
بمثل مقالي صحفهم ومقالك
سألتك ما معنى وجود مكون
إذا لم تكن عقباه غير المهالك
وهل هذه الدنيا سبيل لعابر
أم الأرض مهواة الغواة الهوالك
وإني أراني بين نوم ويقظة
أسيان حالي في هنا أو هناك
أجيبي فلي صوت يقطعه الأسى
فقد لذ للقلب المعنى سؤالك
فردت وأوردت مثل زند لقادح
خواطر يسمو وقعها عن مداركي
وقالت : نعم في ذلك السر حكمة
فقلت : وما شككت في غير ذلك
وبتنا كما شاءت اخوة جنسنا
خليلين أصفى من عقيل ومالك
درسنا كتاب العاطفات وما آعتنت
بنو نوعنا الا بدرس التفارك
الى ان بدا وجه الطبيعة سافراً
يضاحك من ثغر الاقاح المضاحك
وقد شردت فكري هنالك ضجة
لأطيارها تدعو بنبذ التفاكك
إذا ما السماء كانت دخانا كما أدعوا
فليس سوى أنفاس أهل الحسائك
هناك شكرت الطير رأفة مشفق
على جنسه شأن الحزين المشارك
منى خالجت نفسي وأحبب بها منى
تريني حياتي فوق الشهب النيازك
فقلت الى اللقيا سلام مودع
هنالك عيش الخالدين هنالك
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في الليل
في الليل
رقم القصيدة : 64232
-----------------------------------
وليل دجوجي الحواشي سعرته
بنار الأسى بين الجوانح فاستعر(70/24)
نشرت به الآمال وهي هواجس
بعقد الثريا لو غدا مثلها انتثر
وردد لي همس الطبيعة نغمة
من الشعر ما كانت سوى خاطر خطر
أعرت الدراري فكرة تبعث الأسى
إلى القلب شأن الناظرين ذوي الفكر
شكوت إلى البدر الهوى شأن من مضى
قبلي فلم أسكت ولا نطق القمر
بثثت إليه أنه توهن الصفا
فلما تغاضى صح لي أنه حجر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> مبادلة العواطف
مبادلة العواطف
رقم القصيدة : 64233
-----------------------------------
يا أخا البلبل رفقاً
هجت لي وجداً وذكرا
لمت في أمري ولو
اسطيع ما أخفيت أمرا
أنت لو تعلم ما
يلهب نفسي ، قلت عذرا
كان لي سر ولكن
بك قد أصبح جهرا
قد طويت الحزن أزمانا
فخذه اليوم نرا
أنا ما غردت لو أني
رضيت العيش أسرا
أنا ما لجلجت في أغنيتي
لو كنت حرا
أنا أخشى النفع إن
جاهرت فيه كان ضرا
غالط الوجد وسل القلب
وادع الحزن شعرا
فأنا ذاك الفتى يطلب
بعد " الخمر " "أمرا"
وسيبدو لك ما تهواه
من أمري ..فصبرا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يا شعب ...
يا شعب ...
رقم القصيدة : 64234
-----------------------------------
زعموا التطرف في هواك جهالة
أكذا يكون الجاهل المتطرف
هذا فؤادي للخطوب دريئة
وأنا المعرض فيكم فاستهدفوا
أما هواك فذاك ملء جوانحي
تحنو على ذكراك فيه وتكلف
يا شعر نم على الشعور فكم وكم
نمت على زمر العواطف أحرف
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بين القلب والاستقلال
بين القلب والاستقلال
رقم القصيدة : 64235
-----------------------------------
وهواجس في الليل رامت حملها
شهب فعثن بشملها المجموع
ما أنصفت فيه الطبيعة حبّها
لما دعا للشوق غير سميع
أبت الجوانح أن تقر ، فمن يطق
ملكا فلست بمالك لضلوعي
حبّ الرجوع إلى الشباب ولم أجد
في مرِّه ما يرتجى لرجوع
بين الأضالع صخرة لكنّها
مما جنى الأحباب ذات صدوع
قلب عليه تحالفت زمر الهوى
فمنيعه للذُّل غير منيع(70/25)
قالوا استقلَّ عن الهموم فقلت لا
فهو التبيع لظالم متبوع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> فطار الحمام
فطار الحمام
رقم القصيدة : 64236
-----------------------------------
ياشعب كم في القلب من لوعة
عليك تغلي يا مهيج الغرام
شكوت عيشاً خلته وصمة
وحبذا عيشك لو كان دام
تزاحمت فيك أماني الورى
" والمورد العذب كثير الزحام "
هم نصبوا للصيد أشراكهم
فلم يجد بداً ، فطار الحمام
حنَّت قلوب لك شوَّقتها
يا معهد الشوق سقاك الغمام
إن نجحت فيك أمان لنا
فهى ، وإّلا فعليك السلام
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يا يراع الحر
يا يراع الحر
رقم القصيدة : 64237
-----------------------------------
أيها الطالب إنصافا لقد رمت محالا
أنت مثلي عاطش غرك إذ أبصرت آلا
كاذب ما نال شعب بسوى القوة نالا
يا يراع الحر قد ضاق بك الحر مجالا
فصموتاً فلكم جرَّ لك النطق وبالا
واعتزالاً أو يكون الحق حراً..فاعتزالا
يا أخا البلبل شدواً وشعوراً واعتقالا
كلُّنا يدري الذي تلقى .. كفيناك مقالا
لم تطل دولة هذا الظلم الا لتدالا
عثرة يا شعب كانت أحرام أن تقالا
أإلى الأحرار تشكو وهم أسوأ حالا
تهت لما أخمدوها فكرة ..كانت ذبالا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> جناية الأماني
جناية الأماني
رقم القصيدة : 64238
-----------------------------------
فتنة الناس وقينا الفتنا
باطل الحمد ومكذوب الثنا
جلبت لي الهم والهمُّ عنا
آه ما أروحنى لولا المنى
آه ما أخيبني من غارس
شجر الآمال لكن ما جنى
كلما حدِّثت عن نجم بدا
حدثتني النفس أن ذاك أنا
أمل أخشى عليه زمني
فلو استطعت أطلت الزمنا
لا تذكرني الهنا يشجو الحشا
ذكره إني ألفت الشَّجنا
إنما أشكو حياة كلُّها
تبعات كنت عنها في غنى
لا تخله في هناء ظاهر
كلُّ من في الأرض لا يدري الهنا
غرّد الطير فقالوا : مسعد
ربَّ نوح خاله الغرُّ غنا
وانثنى الغصن ولولا أنه(70/26)
حامل ما لم يطقه ما أنثنى
أترى الانجم طرّاً تشتكي
ذا أم الآلام خصت نجمنا ؟
بات يرعى الشُّهب مضنى جالباً
سهراً راق له وهو ضنى
أترى اسجليت منها غامضاً
أنت يا من بالدراري افتتنا
آه ما أبهاك يا ليل على
ظلمة فيك وما أجلى سنا !
أترى مرتهناً بات بك البدر
أم بتَّ به مرتهنا
قمن أنت ذا لم تهوه
فبه سرُّك أضحى علنا
كم فؤاد فيك مطوي على
حرق من غير ما ذنب جنى
ومعنًّى أزعج الشُّهب له
حر أنفاس فرادى وثنى
فعلى الرفق فما أبقى الأسى
أملا يجدي على الرفق بنا
أنا حَّملتك يا طير الأسى
أنا ، حتى عدت منه ألكنا
تلك أثقال المنى شاطرتني
حملها أنت فأسديك الثَّنا
أنت مثلي شاعر معتزل
فتغنى كي تميل الغصنا
أنت لا تطلب ما لا ينبغي
فدع الألقاب عنّا والكنى
أنت يا آمال قد عاهدتني
بالوفا لا لا تخوني عهدنا
غنّني باسم عراقي تشجني
واترك الشَّام وخلِّ اليمنا
لا أرى لي بدلا عنه وقد
عذب الورد وطاب المجتنى
أترى يغنيك عنه وطن
أنت يا من خان هذا الوطنا
لم تبع شعبك لو أنصفته
فمن الشَّعب قبضت الثّمنا
خلَّف المجد لنا من سلفوا
افيخزي عارنا من بعدنا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بين الأحبة والبدر
بين الأحبة والبدر
رقم القصيدة : 64239
-----------------------------------
لئن شكر الصبح المحبون إنني
شكرت الدجى إذ كان ما بيننا سترا
وليل رثى لي والأحبة نوَّم
له مقلة بالشُّهب من لوعتي عبرى
بكيت فرَّق النجم لي وهو صخرة
إلى أن جرت منه مجرَّته نهرا
ومالي صدر ينفث الهمَّ زفرة
ولكنّه الهمُّ الذي ينفث الصدرا
خليلي ما اخترت الدراري لو أنني
وجدت بكم من يحفظ العهد والسرّا
وما أهون الآلام لو كان سرُّها
يباح ، ولكن أحمل الوجد والصبرا
على البدر من غدر الأحبة مسحة
فكل قسى قلباً وضاحكني ثغرا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بلية القلب الحساس
بلية القلب الحساس
رقم القصيدة : 64240
-----------------------------------(70/27)
تلبَّد لكن ما حكاه غمام
وناح ولكن أين منه حمام
ألا ليت إحساسا وسلوى تجمعا
وكيف ، وهل يلفى سنى وظلام ؟
فمن أين للحساس قلب يريحه
ومن أين للقلب الغبيِّ غرام ؟
أكلُّ نسيم للأسى هبَّ زعزع
وكل ضباب للهموم قتام ؟
تطلَّب دقيقات الأمور تفز بها
وخل التي تنوي فتلك جسام
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بين النجف وأمريكا
بين النجف وأمريكا
رقم القصيدة : 64241
-----------------------------------
أأمريك يابنت " كولمبس "
لحبِّك وقع على الأنفس
صبوت إليك وأين الفرات
وأهلوه من بحرك الاطلس
حنّنا ولو كان في وسعنا
سعينا إليك على الارؤس
إذا آنس الصبَّ ذكر الحبيب
ففي غير ذكرك لم آنس
هواجس تدني إليك المنى
ولولا المنى قط لم اهجس
وأني ، ومابي حبّ الصخور
أحن إلى صخرك الأملس
هوى لو بشهب الدراري صبت
ولو بالعواصف لم تهمس
إذا كان من ثمر للمنى
ففي غير أرضك لم يغرس
وكم قائل ما اصطلى في الهوى
بناري وقد غرّه ملمسي
أليس سواها نفيس يرام
فقلت : هواي مع الأنفس
أحبّاى حتى م يصبو لكم
معاف ويذكركم من نسي
ألا هل أتاكم بأني متى
تدر كأس حبّكم أحتس
وأني كالليل بادي الهموم
وأني كالنجم لم انعس
ولي قلب حر عصيُّ الزمام
فإن راضه حبُّكم يسلس
وكم ليلة بتُّ في عزلة
ومن طيب ذكراكم مجلسي
وبلدة ذل تميت الشعور
فمنطيقها الحرُّ كالأخرس
أحب بلادي لو لم أخف
بها شرَّ ذي الغدرة الأشرس
يجاذب قلبي إليها الهوى
ويأبى المقام بها معطسي
جفوني ولا ذنب إلا الاباء
وإن طاب من بينهم مغرسي
وقالوا تناسى ولا حنة
وهل بلبل حنَّ للمحبس !
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> إبن الشام
إبن الشام
رقم القصيدة : 64242
-----------------------------------
أسفا تبيت رباك ، وهي مدرّة
للرزق ، رهن الفقر والاملاق
خدعوك إذ سمّوا قيودك حلية
ما أسبه الاصفاد بالأطواق
لك في العراق جوانح ملهوفة
تشكو الذي تشكينه وتلاقي
أني شآمي إذا نسب الهوى(70/28)
وإذا نسبت لموطن فعراقي
ويذيع منك البرق كامن لوعتي
فيدي على قلبي من الاشفاق
رقت طباع بنيك فهي إذا انبرت
سألت كصفو نميرك الرقراق
كم في الجوانح لي إليهم زفرة
كمنت ليوم تزاور وتلاقي
ورسائل برقية مهزوزة
اسلاكها من قلبي الخفاق
أما الهوى فدليله شرقي متى
ذكروا رباك بدمعي المهراق
أرقت أجفاني فلو راودتها
غمضاً لما طاوعن في الاطباق
قالوا : دمشق ، فقلت : غاية الربى
قالوا : لذاك تطاول الاناق
أبن الشام سلام صب واجد
يهدي إليكم أكرم الأعلاق
يهفو إليكم لوعة لا مدَّعي
ما أهون الدعوى على العشاق
أنا ما بكيت الشعر ذل وإنما
أبكي الشعور يباع في الأسواق
أنا للتجاذب نقطة إن سَّرني
لقياكم ساء العراق فراقي
ما كان أصفى ما أسال من الهوى
هذا اليراع بهذه الأوراق
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ذكرت الوئام
ذكرت الوئام
رقم القصيدة : 64243
-----------------------------------
وليل ذكرت به صبوتي
فعدت إلى الزمن الأول
تجردت عن تبعات الجدود
وبتُّ عن الغير في معزل
قست شهبه عن شكاه الهوى
وحدّقن شزراً ولم تحفل
أبثُّ لها همَّ عصر مضى
فتبسم عن عصري المقبل
سهرنا وشتان ما بيننا
وأين من المستهام الخلي !
أمان تسامت فمن أجلها
حياتي ، وفي شرحها مجملي
وآنست في جنحه وحدتي
فبتَّ كأني في محفل
سكون الدجى وجلال الغرام
جناحان للشاعر الأعزل
وعاذله في الهوى لو درت
بحال المحبّين لم تعذل
" ذكرت الوئام " فمن عبرة
تسيل ومن زفرة تعتلي
كمالك جر عليك الفناء
أخا القرد ليتك لم تكمل
كأن الدُّنا خص في واحد
فكل يقول الذي فيه لي
وهاتفه راعها مقدمي
فلاذت بأغصانها الميَّل
أيا ورق لا تذعري ، إننا
شربنا العواطف من منهل
ولا تنفري سانحات المها
أصبت الأمان على المقتل
ويا ليل ردد صدى من مضى
وأن كنت يا ليل لم تعقل
فكم بثَّ مثلي أخو حسرة
إليك الغرام فلم تحفل
ويا بدر كرر حديث الشُّجون
فلولا هوى بك لم تضؤل
ايا ليل كم فيك من خاطر(70/29)
لذي لوعة بالأسى ممتلي
وكم مقلة فيك سهرانة
وكم غلَّة فيك لم تبلل
تجلى بك البدر ربُّ الجمال
فهام بطلعته المجتلي
أيا ليل هام بك المغرمون
لما فيك من عالم أمثل
فراشاً بجنحك حاموا على
سنا البدر ينزل أو يعتلي
على رغد أيها النائمون
فجفني بالغمض لم يكحل
وياليل رحماك يا ذا الجلال
ويا بدر عطفاً فأنت العلي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ماهذه النفوس قداح
ماهذه النفوس قداح
رقم القصيدة : 64244
-----------------------------------
قلى لك يا عصر الشبيبة والصبا
فإنك مغدى للأسى ومراح
صحبتك مر العيش لا الروض يانع
لدىَّ ولا الماء القراح قراح
تفيأت أطلال التصابي وإنما
نصيبي منها حسرة وبراح
حشى أفسحت فيه المنى خطواتها
فضاقت به الأرجاء وهي فساح
يقولون : محصوص الجناح هفت به
هموم وماذا يستطيع جناح
على رسلكم إن الليالي قصيرة
وما هي ألا غدوة ورواح
أأحبابنا ماذا التغير لا الهوى
بصاف ولا تلك الوجوه صباح
تحولتم عن ركب الحب واستوى
مشوب وداد عندكم وصراح
إلى م انخداعي بالمنى وهي غرة
وتركي فيها الجدَّ وهو مزاح
هموم ترى في كل حين بمظهر
سواء هديل شائق ونواح
أغاض دموعي أنهن كرائم
وأن النفوس الآبيات شحاح
وما أعربت خرس الأراك بلحنها
عن الحب إلا كي يقال فصاح
لأهل الهوى ياليل فيك سرائر
عجاب وغدر ان ينمَّ صباح
رأوا فيك مخضر الأماني فعرسّوا
بجنحك ا شاء الغرام وناحوا
نغض لمرآك الجفون وإنما
عيون الدراري في دجاك وقاح
خروق نجوم في سماء تلاوحت
كما لاح في جسم الطعين جراح
ومرضى قلوب من وعود وخلفه
ولم تهو يوماً أنهن صحاح
براها الأسى حتى استطار شرارها
فرفقاً. فما هذي النفوس قداح
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تحية العيد أو الملك والإنتداب
تحية العيد أو الملك والإنتداب
رقم القصيدة : 64245
-----------------------------------
لمن الصُّفوف تحفُّ بالأمجاد
وعلى من التاج الملمع باد(70/30)
ومن المحلّى بالجلال يزينه
وقر الملوك وسحنة العبّاد
ليت الرشيد يعاد من بطن الثرى
ليرى الذي شاهدت في بغداد
حيث الملوك تطلعَّت تّواقة
لك والوفود روائح وغوادي
وعلى المواكب من جلالك هيبة
غصَّ الصعيد بها وماج الوادي
شّوال جئت وأنت أكرم وافد
بالعيد تسعد كعبة الوفّاد
أما العراق فلست من أعياده
وعليه للأرزاء ثوب حداد
ملك العراق هناك ملك أنه
وقف على سبط النبي الهادي
زف العراق إلى علاك سلامه
ما بين حاضر ربعه والبادي
يدعوك للأمر الجليل ولم تزل
ترجى ليوم كريهة ونآد
فكَّ العراق من الحماية تحيه
وامداد لسورّيا يد الإسعاد
عجباً تروم صلاح شعبك ساسة
بالأمس كانوا أصل كلِّ فساد
صرِّح لهم بالضدِّ من آمالهم
أولست ممن أفصحوا بالضاد ؟
قم ماش هذا الشعب في خطواته
لا تتركن وطني بغير سناد
ألله خلفك والجدود كلاهما
وكفاك عون الله والأجداد
هذي الرقاب ولم تعوَّد ذلة
تشكو إليك نكاية الأصفاد
علت الوجوه الواضحات كآبة
ومحا الذبول نضارة الأوراد
والرافدان تماوجا حتى لقد
أشفقت أن يثبأ على الأسداد
ولقد شجاني أن ترى في مأتم
أمَّ الخلائف مرقد الأسياد
سل عن تشرشل كيف جاذبه الهوى
حتى استثار كوامن الأحقاد
هيهات من دون الذي أمَّلته
وقع السُّيوف ووثبة الآساد
ومواطن حدبت على استقلالها
بالسيف ترضعه دم الأكباد
يكفيكمو بالأمس ما جرَّبتم
فدعوا السيوف تقرُّ في الأغماد
أبني الشعوب المستضامة نهضة
ترضي الجدود فلات حين رقاد
هذا تراث السالفين وديعة
لا تخجلوا الأجداد في الأحفاد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> العلم والوطنية
العلم والوطنية
رقم القصيدة : 64246
-----------------------------------
.يا علم قد سعدت بك الأوطان
فليسم منك على المدى سلطان
وليسق حبّيك العراق ليشتفي
منه الغليل ويرتوي الظمآن
هذِّب لنا أخلاق أهليه فقد
غشّى عليها الجهل والعدّوان
ياأيّها النشىء الجديد تسابقاً
بالعلم إن حياتكم ميدان(70/31)
صونوا البلاد فانما عزماتكم
قضب ومن أقلامكم خرصان
يا شعب هل تخشى ضياعاً بعدما
حاطت عليك حياضك الشبان
شادوا المدارس بالعلوم تنافساً
فكأنَّما بين البلاد رهان
يا جهل رفقاً بالشعوب فأهلها
كادت تذيب قلوبها الأضغان
لا لن تفرقنا الحدود ولم تكن
تدري الحواجز اخوة جيران
ماذا يريد اللائمون فانّه
وطن يحبُّ ، وحبُّه إيمان
سنذود عنه بعزم حر صادق
منه ضمير يستوي ولسان
لا يرتضي إلا المنية منهلا
أو منزلاً من دونه كيوان
لي فيك آمال وصدق عزائم
لا بد تنشر طيَّها الأزمان
ولئن هتفت بما أجن فعاذر
فلقد اضر بصدري الكتمان
يا موطن النُّجد الغزاة هضيمة
كيف ارتقت عن شأنك الأوطان
ماذا التواني منك في شوط العلى
هلا نهضت وكلنا أعوان
إن تخش سطوة ظالم فلقد ترى
والغرب منه لحكمك الاذعان
غرُّوك اذ دارت كؤوس خداعهم
حتى سكرت فعقَّك النُّدمان
أمن المروءة أن تنال حقوقها
لقط وأنت نصيبك الحرمان
بئست علاقة واغلين وإنما
عيش الكريم مع اللئيم هوان
قد سرَّ اكناف الجزيرة ما رووا
يا مصر عنك ومادت الأركان
مديِّ برجك للعراق يبن له
نهج الرشاد ، أمدَّك الرحمن
يا أيها الوطن المفدى دونه
يوم الفداء الأرض والأوطان
فدّتك ناشئة البلاد وشمرت
لك عن سواعد عزمها الفتيان
زاحم بمنكبك النجوم ولا يطل
شرفا عليك ببرجه " كيوان "
وارع الشباب وصن كريم عهودهم
فهم لصفحة مجدك العنوان
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> خل النديم
خل النديم
رقم القصيدة : 64247
-----------------------------------
خلِّ النديم ، فما يكون رحيقُهُ
وأدر لَماك إذا غفا إبريقُهُ
لم يُصبني كأسُ النديم وخمرُهُ
لو دام لي ثغر الحبيب وريقه
أن تحمِ عن أهل الهوى كأس اللَّمى
فالخمرُ أجود ما يكون عتيقه
حاشا لعهدك بعد ما عوذتَه
بدقيق خصرك أن يُحَلَّ وثيقه
عين تؤرقها عدتك قروحها
وحشاً تؤججه عداك حريقه
حمّل فؤادي ما تشاء يُطق به
إلاّ جفاكَ فذاك لست أطُيقه(70/32)
ما نسبة الخَصرْ النحيف مع الحشا
فهل استُعير من الوشاح خفوقه
أنا ليس لي عنه غنى فلو ارتضى
دينَ المسيح فانني بِطْريقه
لا أدّعي هجر الخيال وإنما
أرَّقْتُ اجفاني فَسُد َّ طريقه
طرف تنازعه هوىً ومهابة
هذاك يجذِ به وذاك يعوقه
أم كيف يسلو عنك نشوان ومِن
كأس الغرام صَبوحهُ وغَبوقه
قالوا : نَزالِ . فقلت : هل يخشى الوغى
قلبي واسمر قده معشوقه
كذَب الوُشاة فما يزال كعهده
رَغم الصدود يشوقني وأشوقه
ما راق في عيني سواه ولا انثني
شئ سواي عن الأنام يروقه
بالرغم مني بعد طول تواصل
أرضى بطيف منك عز طُروقه
وقف البيان عليكما فتغزُ لي
بك والثناء إلى " علي " أسوقه
ما أبعدَ الشأوين هذا إن يضيق
منه الحشا فبذا يُفَرَّج ضيقه
دع عنك من كعبٍ وحاتِم إنما
للّجود معنى عنده تحقيقه
المجد ما روجت فيه بضائعاً
للمكرُمات فما عُكاظُ وسوقه
نسب زهت بابي الجواد فروعُه
وإلى محمدِ ينتمين عروقه
ذو عزمة مشهورة لو طاردت
شُهْبَ السما ما عاقه عَيُّوقه
صال العدى فقست صلود صفاته
وسرى الندى فاهتز منه وريقه
لو يدَّعي الحساد شأوك في العلى
لعريق مجدك يُستَذمُّ عريقه
أنعم بليلتك التي قضَيتها
والبدرُ من بين السُّتور شروقه
لله أيُ رِتاج باب رمتَه
حتى استُبيح بهجمة مغلوقه
عجباً لقلبٍ بالوصال تروعه
ودمٍ بلا ذنب هناك تُريقه
لي فيك صوغٌ للبلاغة لو خلا
جيدُ الفتاة لزانها منسوقه
أرفدتُه لك لا كبائر سلعة
لكن كما هنّا الصديق صديقه
دُمتم على مر الزمان مباهيا
بكمُ ، وأخطي جمعكم تفريقه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> استعطاف الأحبة
استعطاف الأحبة
رقم القصيدة : 64248
-----------------------------------
كلُّ ما في الكون حب وجمالُ
بتجليك وان عز َّ المنالُ
بسط النور فكم ثائر بحر
هادئاً بات ، وكم ماجت رمال
ورياض ضاحَكَ الزهرَ بها
ثغرُك الصافي وناجاها الخيال
وسهول كاد يعرو هَضْبَها
نزقٌ من صبوة لولا الجلال
ما لمن يهوى جمالا زائلا(70/33)
وعلى البدر جمال ما يُزال
لا عدمِناك مروجاً للهوى
جدَة فيها ، وللدهر اقتبال
عيشُنا غض وميدان الصبا
فيه مجرىً للتصابي ومجال
يا أحباي وكم من عثرة
سلفت ما بالُ هذي لا تقال
علَّلونا بوعود منكم
ربما قد علل الظمآنَ آل
وعدوني بسوى القرب فقد
شفَّني الهجرانُ منكم والوصال
لا أمَّل العيش ما شئتم فكونوا
لسوى حبكم يحلو الملال
أمن العدل وما جُزْتُ الصبا
ومداه يألف الشيبَ القذال
إنها أنفُسُ لم تخلق سدى
ورقيقات قلوب لا جبال
أشتكى منكم وأشكو لكمُ
إنَّ دائي في هواكم لعُضال
فعلى الرفق ! كفاني في الهوى
ما أُلاقي ، وكفاكم ذا المِطال
ألذنبٍ تصطلي حَرَّ الجْوى
مهجٌ كانت لها فيكم ظِلال
أرتجيها صفوة منكم وأن
زَعَموها بغيةً ليست تنال
إنما أغرى زماني بكم
نِعَمٌ طابت وأيام طِوال
لا أذُم الدهر هذي سُنة :
للهنا حال وللأحزان حال
قد حثثناها مطايا صبوة
لكُمُ أوشك يعروها الكلال
ورجعنا منكمُ خِلواً ولو
أكلت منهن آمال هزال
لا تقولوا : هجرُنا عن علة
ربما سَرَّ حسوداً ما يقال
أنا من جربتموه ذلك الطاهرُ
الحبِ إذا شِينت خِصال
شيم هذَّبْنَ طبعي في الهوى
مثلَّما يجلو من السيف الصِّقال
أيها الناعمُ في لذاته :
لذةُ النفس على الروح وَبال
شهوة غرَّتك فانقدْتَ لها
ومُنى المرء شعور وكمال
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> لبنان في العراق
لبنان في العراق
رقم القصيدة : 64249
-----------------------------------
أرض العراق سعت لها لبنانُ
فتصافح الانجيلُ والقرآنُ
وتطلَّعت لكَ دجلةٌ فتضاربت
فكأنما بعبُابها الهَيَمان
أأمين أن سُرَّ العراقُ فبعدما
أبكى ربوعَ كولمبس َ الهجران
لك بالعراق عن الشآم تصبر
وبأهله عن أهلها سُلوان
لو تستطيع دنت إليك مُدّلةًً
فتزودت من رُدنك الأردان
وحِّد بدعوتك القبائل إنه
ألقى إليك زمامَه التِّبيان
كيف التآلفُ والقلوبُ مواقد
تغلي بها الأحقادُ والاضغان
أنِر العُقول من الجهالة يستبنْ(70/34)
وضحَ السبيلِ ويهتدي الحيران
وأجهز بحد رهيف حدٍ لمَ ينُبْ
لك عن شَباه مهند وسنان
خضعت لعنوته الطغاةُ ، فأقسمت
أن ليس تعدو حُكْمَه التيجان
نار تُذيب النار وهي يراعةٌ
عضبٌ يفُل العضب َ وهو لسان
أنّي يقصِر بالعِنان اذا انبرى
وهو الجموح وفكرك الميدان
زِدنا بمنطقك الوجيز صبابةٍ
فهو السَّلاف وكلُّنا نشوان
ما كل حي قائل ما قلته
لكنْ أمدَّ بيانك الرحمن
الشرق مهتز بنطقك معجب
والغرب أنت بجوه مِرنان
والقول ما نَّمقْتَ ، والشعر الذي
يوحي إليك ، فصاحةٌ وبيان
انا خصم كل منافق ! لم يَنْهَني
حَذرٌ ولم يقعُد بي الكِتمان
عابوا الصراحة منك لما استعظموا
أن يستوي الاسرارُ والاعلان
يا شعب خذ بيد الشباب فإنهم
لك عند كل كريهة أعوان
واعرِف حقوق المصلحين فانما
بهم الحقوق الضائعات تصان
واعطف لريحان النُّفوس ورَوْحها
فله عليك تعطف وحنان
واسِ الضعيف يكن ليومك أسوة
وكذا الشُعوب كما تدين تدان
يا شرق ، يا مهد النوابغ شدّما
ساوى مكانٌ بينهم وزمان
للناس كان .. وإن أبت لبنان
" فأمين " ليس لها ولا " جبران "
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الوحدة العربية الممزقة
الوحدة العربية الممزقة
رقم القصيدة : 64250
-----------------------------------
حتى مَ هذا الوعدُ والايعادُ
والى كتمِ الابراقُ والارعادُ
أنا إن غصصتُ بما أحسُّ ففي فمي
ماء وبين جوانجي إيقاد
يا نائمينَ على الأذى لا شامُكم
شامٌ ولا بغدادُكُمْ بغداد
تلك المروج الزاهراتُ تحولت
فخلا العرينُ وصوّح المرتاد
هُضِمت حقوقُ ذوي الحقوق ، وُضيِّعت
تلك العهودُ وخاست الآساد
أعزِزْ على الأجدادِ وهي رمائم
أن لا تُعزَّ تراثَها الأحفاد
فزِعت الى تلك المراقد في الثرى
لو كان يُجدي بالثرى استنجاد
قَرِّى شعوبَ المَشرقَيْنِ على الأسى
ميعادُ فكِّ أسارِك الميعاد
أخذوا بأسبا السماء تعالياً
واستنزلوكِ الى الثرى أو كادوا
يسمو الخيال بنا ويسمو جهُدهم(70/35)
بِهمُ ، فكلُّ عنده منطاد
ايهٍ زعيم الشرق نجوى وامق
لَهجٍ بذكركَ هزَّهٌ الانشاد
ان فَتَّ في عضُدِ الخِلافة ساعدٌ
فلكَمْ هوت بسواعد أعضاد
ولكم تضرَّت في القلوب عواطفٌ
ثم انثنت وكأنهنَّ رماد
خُطَّت على صفحات عزمك آيةٌ:
إن الحياة ترفعٌ وجهاد
حاطت جلالَك عصبةٌ ما ضرّها
أن أبرقت ، أن يكثُر الارعاد
أنا منكم حيث الضُّلو خوافق
يهفو بها التصويبُ والاصعاد
انا شاعرٌ يبغى الوفاق موِّحد
بين الشُّعوب سبيلُه الارشاد
ما الفرسُ والأعراب إلا كَفتا
عدل . ولا الاتراكُ والأكراد
لم تكفنا هذي المطامع فُرقةٍ
حتى تُفرِّقَ بيننا الأحقاد
ألغات هذا الشرق سيري للعلى
جنباً لجنب رافقتك الضاد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أمين الريحاني
أمين الريحاني
رقم القصيدة : 64251
-----------------------------------
لمنِ المحافلُ جمّة الوُفّادِ
جَلَّ المَقام بها عن الانشادِ
مَنْ زان صدرَ المجلس الأعلى وقد
طفح الجلال بحيثُ فاض النادي
مِن صاحبُ السِّمة التي دَّلت على
أدب الحضارة في جمال البادي
يا نجلِ " سوريا " وتلك مزية
شهِدت بها بمهارة الأولاد
في كل يوم للمحافل رنةٌ
لك من نيويوركٍ إلى بغداد
ما قدرُ هذا الاحتفالِ وإنما
كلُ الزمان محافلٌ ونوادي
تَعْدادُ مجد المرء منقصة إذا
فاقت مزاياه عن التَّعْداد
يا كاشف الآثار زور أهلها
وكفت بذوُرك عندهم من زاد
رُحماكِ بالامم الضَّعاف هوت بها
إحنٌ ، فَمُدَّ لها يدُ الأسعاد
وأشفق على تلك الجوانح إنها
حُنيت أضالعُها على الأحقاد
وَّجدْ بدعوتك القبائل تهتدي
عن غَيِّها ولكل شعب هادي
إقرأ على " مصر " السلامَ وقل لها
حَيَّتْ رباكِ روائحٌ وغوادي
لا توحشي دارَ الرشيد فانها
وقفٌ على الإبراق والإرعاد
وتصافحي بيد الاخاء فهذه
كفُّ العراق تمُدُ حبل وداد
لا تْرهَبَنَّكِ قسوةٌٌ من غاصبٍ
عاتٍ فان الحق بالمرصاد
لا تَخْدعَنَّك حِليةٌ موهومة
ما أشبه الأطواقَ بالأقياد(70/36)
ما أنصفوا التاريخ وهو صحائف
بيض نواصع لفعت بسواد
أمثقِفَ القلم الذي آلى على
أن ليس ترجَحُ كفهُ استعباد
ومشَّيداً ركناً يلتجى
منه بأمنعِ ذمة وعماد
أنصِفْ شكية شاعر قد حَّلقت
بالصبر منه فظائع الأنكاد
إني سمعت ، وما سمعت بمثله ،
نبأً يرن على مدى الآماد
سورية أمُّ النوابغ تغتذي
هدفَ العداة فريسةَ الأوغاد
تُّضحي على البلوى كما تُمسي وقد
خَفَت الزئيرُ فريسةَ الآساد
لم تكفِها الظُّلَمَ التي
غَشيتْ ولم تَهمُمْ بقدح زناد
أكذا يكون على الوداد جزاؤها
أم لست من ابنائها الأمجاد
حنَّت إليك مرابعٌ فارقتها
لو أن بُعداً هز قلبَ جماد
حدث عن الدنيا الجديدة إنها
أم الشعوب حديثة الميلاد
ماذا تقول غداً إذا بك حدَّقت
خُوْصُ العيون بمحضر الأشهاد
وتساءل الاقوامُ عنّا هل نما
فينا الشعور وما غناء الحادي
وتعجَّبوا من مهبِط الوحي الذي
سمِعوا وليس سوى قرارةِ وادي
وعلمت ما في الدار غيرُ تشاجر
وتطاحن ومذلة وفساد
أتذيع سرّ حضارةٍ ان غُيبَّت
منها السرائر فالرسوم بوادي
" كل المصائب قد تمر على الفتى
فتهون غير شماتة الحُسّاد"
قل إن سُئلتَ عن الجزيرة مُفصحاً
ما أشبهَ الأحفادَ بالأجداد
ما حُوِّلت تلك الخيامُ ولا عَدَتْ
فينا على تلك الطباع عوادي
نارُ القِرى مرفوعةٌ وبجنبها
نارُ الوغى مشبوبةُ الايقاد
أبقيةَ السلف الكريم عجيبةٌ
ما غيرتكِ طوارئ الآباد
ما لوَّثَتْ منك الحقائبُ مسحة
موروثةً لك قبلَ أعصر عاد
ما للحوادث فاجأتكِ كأنها
كانت على وعد من الأوعاد
نام " الرشيد " عن العراق وما درى
عن مصره فرعون ذو الأوتاد
حالت عن العهد البلاد كأنها
لبست لفقدِهُمُ ثياب حِداد
واستوحشت عرصاتُها ولقد تُرى
دارَ الُوفادة كعبة الوُفاد
إذ مُلْكُها غض الشباب ، وروُضها
زاهي الطراز ، مفوف الأبراد
وعلى الحِمى للوافدينَ تطلع
بتعاقب الاصدار والايراد
أغرى بها الاعداءَ صيقلُ حسنها
وجنت عليها نَضْرةُ المرتاد
فتساندوا بعد اختلاف مطامع(70/37)
أن لا يقيمَ الشرقَ أيَّ سناد
وإذا أردتَعلى الحياة دلائلا
لم تلق مثلَ تآلف الأضّداد
إن هزكمْ هذا الشعورُ فطالما
لانَ الحديدُ بضربة الحداد
او تنكروا مني حماسة شاعر
فالقومُ قومي والبلاد بلادي
عَجِلَتْ على وطني الخطوبُ فحتَّمت
ان لا يقَرَّ وسادهُ ووسادي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في سبيل الكتاب
في سبيل الكتاب
رقم القصيدة : 64252
-----------------------------------
إعاةُ الكُتْبِ رسمُ
بين الصِّحاب ورمزُ
وقد أخذتَ كتابي
أظُنُّه سيُبَزّ!
المستعارُ عزيز
والمستعير أعز
" قَرناكَ" تغدو طحيناً
والصوف منك يُجَز!
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يا أحباي
يا أحباي
رقم القصيدة : 64253
-----------------------------------
يا ليالي السفح من جنب الحِمى
قابلي حَرَّ الجوى من نفسي
إن رعينا في هواكِ الذَِّمما
فَلكَمْ عندكِ عهدٌ قد نُسي
يا أحبّاي وإن حال الودادْ
وذوى غصن الصِّبا وهو رطيبْ
فلكم ما بين أضلاعي فؤاد
حظُّه منكم عذابٌ ووجيب
فسقى دمعي لاصوبَ العهاد
زمناً مرَّ ولم يدرِ الرقيب
تُشهدُ الأرضُ بنا شُهب السما
فسوى الريبة لم نحترسِ
عَرِيت أشواقُنا لكنما
حاكتِ العفةُ أبهى ملبس
يا مراح العيش في " الحيرة " لا
زلتَ ضحَاكا من الغيث العميمْ
كنتَ فينا للتصابي مأهلا
حيثُ صح الجو وأعتل النسيم
ان يكن روض سبابي أمحلا
فلقد يُقنعني منه الشميم
ليت ملاّكَ الهوى ما حرّما
ثمرَ اللَّهو على المغترسِ
ودرى ايَّ فؤاد إذا رمى
منه أضحى نَهزةَ المفترس
يا مواثيق عهود سلفتْ
ذكّري أحبابنا ما عاهدوا
وانشُديهم نفس حر تَلَفَت
في هواهمْ ضلّ عنها الناشد
عَرفوا كفّ النوى ما خلّفت
فيَّ لو بعض همومي كابدوا
لا ترى في الحب خَطبْاً مثلما
مُصْعَبٌ يُعطي قيادَ المسلسِ
شيمة منها أُعيذ الكَرما
يستوي المحسنُ فيكم والمسِي
لي فؤاد فيكُمُ إن سُعِّرا
بلظى الشوق يَقُلْ :هل من مزيدْ
أفمِن أجل حديث مفترى(70/38)
يؤخذُ المغدور بالحكمِ العنيد
أم كذا الأحباب كانوا أم ترى
ضاعت الأخلاقُ في العصر الجديد
كيفما شئتمْ فكونوا إنما
لكم انقادت ضعاف الأنفسِ
لم يَدَعْ منها الجفا إلا دَما
كبقايا غسقٍ في غلس
انا ما استبدلتُ عن كاس اللَّمى
بدلا يشهدُ لي مرشفُهُ
ذكِّروه العهد والسفح وما
ضمَّنا إن قال لا أعرفُه
فاذا رقَّ َفقولوا حرّما
ربُُّك الظلم فلِمْ تُتْلِفُه
وإذا ما ازور قولوا أجرما
وهو من عَطْفك لما ييأس ِ
إنما الحب ضلال وعمى
فاهدِهِ نورَ الرضا يستأنس
مستهام بكُمُ إن عَنَّفا
عاذلٌ داجاه عن اشواقِهِ
قلت لا ترجع ْ لعهدٍ سلفا
" إن عمراً شبَّ عن اطواقه"
قال غالطت خبيرا عرفا
كل ما في القلب من إخفاقه
قلت يا قلبُ نقضت المبرما
أنا لولاك شديدُ الملمسِ
ظالم خاصمته فاختصما
آه لو أمهل دقُّ الجرس
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> هجرت الديار
هجرت الديار
رقم القصيدة : 64254
-----------------------------------
هجرتَ الديارَ فقلتُ العفا
لربع السُّرور وزُزارِهِ
وبتُّ بليل لفرط الأسى
كَلَيل الضجيع على ناره
وظل يحن فؤاد المشوق
لذكر الحبيب وأخباره
تفيض دُموعي بتَذكاره
زماناً تَقَضّى بأوطاره
ولوبِنتَ - لا بنتَ - عن ذا المحيط
لضاق عليَّ بأقطاره
أطلت المُقام ألا عودةٌ
تحيي " الغريَ " بأنواره
لعمري أساء اليك الصنيع
زمان يُشاب بأكداره
كذا الدهرُ كم حاز من خامل
وحرٍ تصدى لأفكاره
علوت على موجه بعدما
تحداك عارم تياره
تنُم بطيب شذاك البلاد
كما الروضُ فاح بأزهاره
بعيشك شاطر فؤادي الهموم
فقد ضاق صدري بأسراره
فمثلك يُنهِضُ قطرَ العراق
ويَجْمَعُ أشتات أحراره
فلا تحرِمِ الشرقَ من مقولٍ
تروع عداه ببتاره
دُعُوا ودُعيتَ لنظم القريض
فكنت َ السَّبوقَ بمضماره
فهل أنت تغنَمها فُرصةٍ
فتُنهِضَ قطركَ من عاره
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الشباب المر
الشباب المر
رقم القصيدة : 64255(70/39)
-----------------------------------
طوت الخطوبُ من الشباب صحيفةً
لم ألقَ منها ما يُعِز فراقها
ومسهدٍ راع الظلامَ بخاطر
لو كان بالجوزاء حَلّ نطاقها
ترنو له زُهرُ النجوم وإنها
لو انصفته لسَوّدتْ احداقها
أفدي الضُّلوع الخافقات يروعني
أن الرقاد مسكِّن خفاقها
وأنا الموآخذ في شظايا مهجة
حَمّلْت مالا تستطيع ، رقاقها
ضمنت لي العيش المهنأ لوعة
أَخذت على شُهْب السما آفاقها
يشتاق إن يردَ اللواذع منهلا
صبٌ ولولا لذةٌ ما اشتاقها
هزجٌ اذا ما الوُرق نُحن لانني
خالفت في حب الأسى أذواقها
كم نفثةٍ لي قَنَّعتْ وجه الدجى
هماً وأوحت للسُها إخفاقها
ومهونٍ وجدي عَدَتْهُ لواعجٌ
اخرسن ناطقَ عذله لو ذاقها
ما في يديْ هي مهجةٌ وهفا بها
داءٌ ألّح ، وَعبرةٌ وأراقها
يا مهبِطَ الرسل الدعاة إلى الهدى
عليا بنيك عن العلى ما عاقها
زحفت بمدرجة الخُطوب ففاتها
شأو المُجِدِّ من الشعوب وفاقها
لحقت فلسطينٌ بأندلسٍ اسىً
والشامُ ساوت مصرَها وعراقها
مهضومةٌ من ذا يرد حقوقها
وأسيرةٌ من ذا يفُك وَثاقها
يسمو القويُّ وذاك حكم لم يدع
حتى الغصونَ فشذَّبت أوراقها
نقضت مواثيقَ الشُّعوب ممالكٌ
باسم العدالة أبرمت إرهاقها
لم تُنْصفوا الأمم الضِعافَ ، ورَدَتُمُ
عذْب الحياة وأُرِدت غَسْاقها
ان الذي قسم الورى جعل الحبا
نصفاً وقسَّم بينهم أرزاقها
هُبي ليوثَ المشرقينِ وجددي
منها الحياة وقوِّمي أخلاقها
صبحٌ من الآمال أشرق إن يكنْ
حقاً فشمسكَ عاودت إشراقَها
أسمعت تَهْدار الأُسود مهاجة
تحمي العرينَ وهل رأيت وفاقها
تلك الشُّعوب المستكينة . من جلا
عنها القذى ؟ من حثَّها ؟ من ساقها ؟
ولقد علمت بان ذاك لغاية
تسمو بها إذ أكثرت إطراقها
لك في محاني " الدردنيل " معاصم
آلت تمد على رُباك رِواقها
حلَفت بمجد الشرق لا خانت له
عهداً، فأحكمَ حِلفُها ميثاقها
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الروضة الغناء
الروضة الغناء
رقم القصيدة : 64256(70/40)
-----------------------------------
نسجَ الربيع لها الرداء الضافي
وَهَمَتْ بها كفُّ الحيا الوكّافِ
فضَّت بها عذراءَ كلِ سحابة
خطرت فنبهتِ الهزار الغافي
قضّى الربيع بها ديون َ مصيفها
من سَح كل مُدرة الأخلاف
الحب ما ضَمِنت ضُلوع سمائها
للأرض لا ما يدعيه الجافي
قلب كما اتَّقدت لظىٍ، جوانحٌ
رَعْدٌ ، وجَفْنٌ دائم التَّذراف
ان الذي قَسم الحظوظَ مواهباً
أعطى الربيع نِقابة الأرياف
وكأنما لبست به أعطافها
حُللا يُوشِّها الَّحاب ضوافي
وكأنما هَزَجُ الرعود إذا حَدّتْ
ركب َ السحاب ، بشائر الألطاف
وكأنما العُشبُ النضير خمائلٌ
ومن الورود لها طِراز وافي
وكأن مياسَّ الغُصون إذا انتشى
غِبَّ السحاب يُعبُّ صِرف سلاف
وكأن مختلف الورود صحائفٌ
فيها تُخط بدائع الأوصاف
وكأن خلاّق الطبيعة شاعرٌ
نَظَمَ الرياض قصائداً بقوافي
وتلبد الجو المغيم كأنه
قُطرٌ عرته سياسة الإجحاف
وكأنما الماء النمير مهند
للمَحْل تصقُله يد الإرهاف
وكأنه سَلَبَ الاصيلَ رداءه
او دسّ قرنَ الشمس في الأجراف
أين الصفي سرائراً وخلائقاً
يحكي لنا لُطْفَ النمير الصافي
مترقرقاً تلقى السماء بأرضه
لو لا خيالُ تشابك الصفصاف
وتخال ان لمعت حَصاهُ لآلئاً
تُجْلى بكف النيْقدِ الصرّاف
ترتد عنه الطير وهي مُليحة
مما عليه من الجلال الطافي
اوحى النسيم إليه أ عواصفاً
بعدي فأرجف خِشية الإرجاف
واهتاج حتى ود أن ضفافه
سالت فلم يُصبْحْ رهين ضفاف
ليت الذي قاد الزعازع ردّها
عن مثل هذا الجوهرِ الشفاف
الروضةُ الغناء مفرشُ لذتي
حيثُ الخيالُ مطَّرزُ الأفواف
تتساند الاعشاب في جَنَباتها
فترى القويَّ يَشُدُّ إزر ضعاف
باكرتُها والنجمُ متقدُ السنا
لِهثٌ وقد ضرب الدجى بسِجاف
والطيرُ يكتُم نطقه متحذراً
خوف انتباه الصبح للأسداف
حتى إذا ما الفجر حان نشوره
وسطا الصباح بجيشه الزحاف
خلعت عليه ذُكا ملاءة نورها
فتباشرت منها ربّى وفيافي
فاخذت انشدها وعندي هاجس(70/41)
أخذ الهمومَ عليَّ من اطرافي
لو شاء من ضم الأزاهر لم تكن
لتعيثَ في الأكوان كف خلاف
وِلِما تزاحمت القوى وتهافتت
منها سِمانٌ لانتهاك عجاف
متكالبين كأنَّ رب لغاتهم
ماخط فيها لفظة الإنصاف
لو أن ألقاب الورى في قبضتي
حلَّ الوضيعُ محَلَّة الأشراف
لو كان في مال الغنىِّ لمعوزٍ
حق لسادت عيشه بكفاف
يسمو الغني على المُقل وعنده
ان الثراء قوادم وخوافي
عاثوا بشمل الاجتماع فحبذا
يومٌ يَعيث القصد بالإسراف
خير من الأشر الضنين صعالك
لا يسألون الناس بالألحاف
لِتبَجلِّ الناس الغنيَّ فانني
كلفٌ بتبجيل الفقير العافي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> النقمة
النقمة
رقم القصيدة : 64257
-----------------------------------
قد كنتُ أقربَ للرجاء فصرت أقربَ للقنوطِ
كلُّ البلاد صعودٍ ةالعراقُ الى هبوط
في كل يوم مبدأٌ ، أُواهُ من هذا السُّقوط
وطنٌ أقامت ركنه شباننا بدمٍ عبيط
يا للرجال تلاقفته يدُ الأعاجم والنَّبيط
سقط النشيط على افتقار الخاملين الى النشيط
ولقد بَكَيْتُ على حُبوطِكِ يا بلادي لا حبوطي
يا نائماً ما نَّبهَتْهُ الحادثاتُ من الغطيط
لم يبقَ من نسج الأكفِّ المحكمات سوى خُيوط
خُدِعت جموعٌ عن صريح الحق بالكَلِمِ البسيط
أبداً تَقَرُّ على ضياع في حقوق أو غموط
أما أنا فكما ترى بين الطبيعة والمحيط
أُفٍ لها من عيشةٍ ما بين وغدٍ أو لقيط
يا شعرُ ثُرْ إن الشعور مهدَّدٌ ، يا نفس شيطى
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أمنعم القلب الخلى
أمنعم القلب الخلى
رقم القصيدة : 64258
-----------------------------------
امنعمَ القلب الخلي
تركتني حِلْفَ المحنْ
لم ترع عهد فتى رعاك
على السريرة وأتمن
سل جفنك الوسنان هل
علمت جُفوني ما الوسن
لحظ الحبيب أثار بين
النوم واللحظ الفتن
ان كان لا بد الرِّهانُ
فرحمةً بالمرتهن
رفقاً بقلب ما درى
غيرَ الشجى بك والشجن
يصبو لذكرك كلما
ناح الحمام على فنن(70/42)
اخشى يطول على الصراط
عذاب مطلعك الحسن
ما ضرَّ من ضمن الحشا
لو كان يرعى ما ضمن
طَرْفٌ قرير كان فيك
رماه هجرك بالدَّرَن
الله ماذا حَمَّلت
كفُّ النوى هذا البدن
لا تحسبوا ماءَ الفرات
كعهدكمْ فلقد أجَن
حسد الزمان ليالياً
سَمَح الوصال بها فضن
أعذَرْتُمُ لولا النوى
ووَفَيْتُمُ لو لا الزمن
لو تشترى بالروح
أيام الصبا قل الثمن
ولقد وقفتُ بداركمْ
وكأنها بطن المِجَنْ
يا مألف الأحباب حُلْتَ
وحال عهدُك بالسَّكن
واعتضتَ آراماً سوانحَ
فيك عن ريمي الأغن
وذَعْرتَ سِربي بالفراق
فليت سربَك لا أمِن
ويحَ المعذب بالبِعاد
تَهيِجُه حتى الدِّمن
ماذا على العُذّال إن
وجد المقيم بمن ظعن
أيلام إلْفٌ بان عنه
أليفُه فبكى وحن
لو لم يشُفِ القوس
مرمى سهمه ما كان رن
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> النشيد الخالد
النشيد الخالد
رقم القصيدة : 64259
-----------------------------------
تزاحمت الآمال حولكِ وانبرتْ
قلوب عليهنَّ العُيون شواهدُ
مشت مهجتي في إثرِ طرفِكِ واقتفت
دليل الهوى والكلُّ منهنَّ شارد
حُشاشةُ نفسٍ أجهدت فيك والهوى
يطاردها عن قصدها وتطارد
أجابت نفوسٌ فيك وهي عصية
ولانت قلوب منك وهي جلامد
أعلَّ السُّها مسرى هواك وأوشكت
تَنازَلُ عن أفلاكهنَّ الفراقد
ورغبَني في الحب ان ليس خالياً
من الحب إلا بارد الطبع جامد
إذا كان وحي الطرف للطرف مدليا
بأسرار قلبينا فأين التباعد
خليلي ما العين في الحب ريبةٌ
إذا كُرمت للناظرين المقاصد
ولي نزعات أبعدتها عن الخنا
سجية نفس هّذبتها الشدائد
أقاويل أهل الحب يفنى نشيُدها
وأما الذي تُملي الدموع فخالد
وما الشعر إلا ما يزان به الهوى
كما زَيّنت عطلّ النحور القلائد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> سلام على أرض الرصافة
سلام على أرض الرصافة
رقم القصيدة : 64260
-----------------------------------
صبوت إلى أرض العراق وبَرْدها
اذا ما تصابى ذو الهوى لربى نجدٍ(70/43)
بلاد بها استعذبتُ ماء شبيبتي
هوىٍ ولبست العزَّ بُرداً على برد
وصلت بها عمرِ الشباب وشَرخَه
بذكر على قرب وشوق على بعد
بذلت لها حق الوداد رعايةً
وما حفظ الود المقيم سوى الود
سلام على أرض الرُّصافة إنها
مراح ذوي الشكوى وسلوى ذوي الوجد
لها الله ما ابهى ودجلةُ حولها
تلف كما التف السوارُ على الزند
يعطر أرجاها النسيم كأنما
تنفس فيها الروض عن عابق النَّد
هواؤكِ أم نشر من المسك نافح
وأرضك يا بغداد أم جنة الخلد
أحباي بالزوراء كيف تغيَّرت
رسوم هوىً لم يُراعَ جانبهُ بعدي
رَضِينا بحكم الدهر لا جو عيشنا
بصاف ولا حبل الوداد بممتد
كأن لم نحمِّلْ بيننا عاتق الصبَّا
رسائل أعيته من الأخذ والرد
جفوتم ولم انكر جفاكم فلستمُ
بأولِ صَحْب لم يدوموا على العهد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> لا تفكوا أساره
لا تفكوا أساره
رقم القصيدة : 64261
-----------------------------------
شباب ولكن في هواكم أضعتُه
وغرس ولكن ما جنيت ثمارهُ
أسَرْتُم فؤاداً لا يحب انعتاقه
بحب سواكم ما رضيتم إسارة
خذوه تُريحوا أضلعاً كابدت به
هموماً برتها .. أبعد الله داره!!
ولم أنس يوم السفح اذ طلَّه الندى
ولا كأس الا طرفه فأداره
اقول له لا ترجع اللحظ إنني
من النظرة الأولى عَرفتُ اقتداره
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الشاعر السليب !
الشاعر السليب !
رقم القصيدة : 64262
-----------------------------------
"بَلِينا وما تَبْلى النجوم " الرواكدُ
رسومٌ عَفَت منها العلا والمحامدُ
أصاخَ بها للجهل طيرٌ مشردَّ
وسابت بها للغي رُقْمٌ أساود
وليلة بتنا بالغريّ بساطُنا
رياض ، ومن خد الشقيق الوسائد
تخال الصبَّا إما سرت كفَّ لا قط
وقد نُظِمتْ للطلِّ فيها فرائد
تجمع للأحزان جو ملبدٌ
وهبّت من البلوى رياحٌ رواكد
ومما شجا أن الثلاثة قادهم
لما قادني حَظٌ عن الكل شارد
صغارٌ بغوا للنحو شرَّ وسيلة
تضِل بها للسالكين المقاصد(70/44)
يقولون أعْرب قام زيد وخالد
وما جرّ الا الشؤمَ زيد خالد
فقلتُ: لئن قاما فذاك الفعل حاضر
وقد بان عما تسألون الشواهد
وقالوا : جلاميدٌ أقيمت مَحْارِباً
فقلت : جسومٌ دونهن الجَلامد
فلما دنونا وانجلى ضوء بارق
من الحق ، جلّى الظن ُ ، والظن فاسد
هناك التقى الجِنُحان منها وأخفقا
ضعيفان مقصودٌ هناك وقاصد
وما منهمُ الا كما البرجُ ناهض
علينا ومثل الكلب للتُرب ساجد
يقولون : لا تَهمِس ، وبالهمس قولهم
فقلت : استوى منا خليُّ وواجد
أراكم " حسبتم كل بيضاء شحمةٍ"
من الناس أو ضاقت عليكم فدافد
وإلا فهل اغنتكُمُ عن طرائف
من المال هذى البالياتُ الأوابد
لهم حسب في اللؤم دقَّت عروقُهُ
طوارفُه تسمو بهِم والتوالد
مُحالاً أرى تصحو من الغي قفرة
أراذلها تُكسى تَعرى الأماجد
لئن سلبوا ثوباً أرَّثَّ فبعدما
كستهم ثياب العار مني القصائد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> على ديوان ابن الخياط
على ديوان ابن الخياط
رقم القصيدة : 64263
-----------------------------------
وما الروضُ رواحَهُ مثقَلٌ
من المُزْن يَحْمِلُ ما لا يطيقُ
فعاطاه من صوب أكوابه
هنالك ما لا يعاطي الرحيق
وفَضَّت لطائمَهُنَّ الرياحُ
عليه كما فاح مسك فتيق
باحسنَ مما أجاد القريض
وحلاه هذا الكلامُ الرشيق
بألفاظه وهي غرُّ رِقاقٌ
ومعناه وهو الغريب الدقيق
سيُبْلى زمانُك حتى الحديد َ
ويُبليه هذا النسيجُ الرقيق
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> صوت من النجف
صوت من النجف
رقم القصيدة : 64264
-----------------------------------
أنابغةَ الدين الذي دون عِرضه
تدافع يُسراه وتحمي يمينُهُ
مقالُك هز المشرقَيْنِ وقد بكى
لما هاجه ركن َ الصفا وحَجونه
شحذتَ له الذهن الذكي توقداً
كما شحذت عضبَ الغِرار قُيونه
فجاء كما راقت شَمولٌ أجادها
بنا جَوْدُها دهرأسفَّتْ سنسنه
وما كنت شيعياً ولكن مذهباً
دعاك لكف الظن عنه يقينه
صدقتَ فإما ذنبُه فسكوتُهُ(70/45)
لدنيا وأما عاره فسكونه
كثيرٌ محبوه الكرام وإنما
لما قد عراه أخرستهم شجونه
هو الدين اما حاكمته خصومه
فقرآنُهُ يقضي عليهم مبينه
وما هو الا واحد في جميعه
وإن رجم الغاوي وساءت ظنونه
أخلايَ ما أحلى التآلفَ في الهوى
إذا كثُرت عُذّالُهُ وعُيونه
هلُموا فهذا الروض زاهٍ أريضُهُ
لنرتاده والماءُ صاف معينه
نسير معاً لا العرق مني بنابِض
سواكم ولا عهد الإخاء أخونه
فلو ريْمَ كشفُ الستر عن قبر أحمدٍ
إذن لشجانا نَوْحُه وحنينه
تجمعنا من أمره لو نطيعه
ووحدتناً من عهده لو نصونه
أعد نُصرةَ الاسلام تقض دُيونه
سيَجزيك عنه الله فالدين دينه
أثرها على اسم الله نفثةَ واجد
تهيج الذي يطوى عليه حزينه
الستَ الذي إن قال أصغت لشعره
رياض الحمى واستنشدته غُصونه
يبين له السرُّ الخفي اذا خفى
على غيره ما لا يكاد يبينه
وتُرقص أوتار القلوب لحونُه
يُخال بها مسُ الصبَّ او جنونه
فلا تبتئسْ ان طاولتك قصائر
وناطحتك الكبشُ الخفاء قرونه
فذلك دأب الدهر جرَّع من مضى
بمثل الذي جُرِّعَته مَنْجَنُوْنُه
مضى عالم الآداب عنا فهذه
حقائقه تفنى ويحيا مُجونه
وللعلم مثل َ الشعب عمرٌ مقدر
وكلا أراه حان للموت حينه
أفي العدل يعلو من ذُباب طنينه
ويَصغِر بالليث الهزبر عرينه
ويسكت عن حق ويعزى بباطل
وتغضي على هضم الأبي جُفونه
ويُظلم من كانت تَهَشُ لصوته
سهول الفلا شوقاً وتبكي حُزونه
يُردّد في صدح الهزار صُداحُهُ
وتستقطر الصخر الاصم لُحونه
وما كان بالمستضعف العزم من سطا
بعز المعالي والمعالي تُعينه
وراءك أقلام يهوِّن وقعُها
شبا السيف إن ساوى القرينَ قرينه
تُمَدُّ بها أيدٍ طِوال يُطيعها البيانُ
جنيباً إن تعاصت فُنونه
ويَرْفِدها الفكر الغزير كأنه
مصبُّ غدير طافحات ٌ مُتونه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أعيذكم من كذبتين
أعيذكم من كذبتين
رقم القصيدة : 64265
-----------------------------------
خذوا كبدي قبل الفراق فإنها(70/46)
معودة الاّتَقَرَّ على النَّزْحِ
ومن نسمات الصبح روحٌ جديدة
بعثتم بها لي قبل منَبلجِ الصبح
يذكرِّني علياكُمُ رونقُ الضحى
اذا ارتفعت شمس النهار على رمح
ونُبّئتُ أن البعد زنادكُم
فلم تعِرفوا غير الوقيعة في قدحي
هلموا انظروا قلبي فان صفاءه
يبين الذي خلَّفتمُ فيه من قَرح
محضتُ لكم رشح الوداد كعادتي
ولم تعرفوا لي غير مختلط الرشح
لئن سركم أني الى العيش كادح
لقد ساءني أني لغير العلى كدحي
فما عرفت كفي التسول للغني
ولا صافحت كفاً تُمَدُّ الى المنح
وانيَّ مذ فارقتكم ْ كان لي غنى
وشغل عن المال المجمع بالطرح
أُعيذكُمُ من كذبتين فلم يكن
ليصْدقَ في الذم المصدَّق في المدح
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> على اطلال الحيرة
على اطلال الحيرة
رقم القصيدة : 64266
-----------------------------------
وقفت عليه وهو رِمةُ أطلالِ
أسائله عن سيرة العُصُر الخالي
مضَوا أهلُه عنه وخُلّف موحشاً
معاصرَ أجيال مترجمَ أحوال
خليلَيَّ ما لوح الكتاب مخلَّداً
[أفصحَ منه وهو مندرس بالي
مهيجَ بلبالٍ " المناذرةِ" الأولى
بأنسك هجتَ اليومَ بالحزن بلبالي
أهابُك إنْ أدنو اليك كأنني
أرى الملكَ الغضبانَ َفي دسته العالي
أفي يوم بؤسٍ أم نعيم زيارتي
إليك لَقد خاطرت بالنفس والمال
أخاف " أبا قابوس " أن لا يسره
لساني ولا يُرضيه شكلي ولا حالي
أبعد ابن ذبيانٍ زيادٍ لسانِهِ
ونابغِه يُصغي ليسمعِ أقوالي
بلادك يا " نُعمان " سلْ كيف اصبحت
فغيرُك ليس اليوم عنها بسآل
فلا تحسبنْ أن العروبة معقِلٌ
منيعٌ : فقد أضحت نِهابباً لدُخّال
ولا تحتقرْ هذا المقالَ فانه
وإن قلَّ . يكبو دونه كل ُّ قوّال
لقد أعدت العربَ المقاويلَ رطنةٌ
وزمزمةٌ ليست بزجر ولا فال
لو أن " زياداً" و " المنخّلَ" راجعا
زماني لما جاءا براء ولا دال
يَعيبُكِ يا أم الجمال مبغَّضٌ
من القول عارٍ عن جمال وإجمال
خليليّ باع الناس بخساً بلادهم(70/47)
فما لي وحدي سُمتها الثَمن الغالي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> وخزات
وخزات
رقم القصيدة : 64267
-----------------------------------
طال السكوت لأمرٍ
خيراً عسى ان يكونا
قالوا ليومٍ وشهرٍ
فكيف عاد سنينا
ما بين "أمرٍ" و " خمرٍ"
ظنَّ" العراق " الظنونا
لا تفهموا من كلامي
يا ناس ُ ايَّ اعتراضِ
أساخطٌ ليت شعراي
" مولاي " أم هو راضي؟!
" طيارة " في بلادي
تَكفي لحلِ " المشاكلْ"
وحفنةٌ من نُضار
تهُدُّ كل " الهياكل "
أصاحب " الأمر "يهوى
شيئاً ونحن نجادل
نُريد وضعاً جديداً
لكن بغير مخاضِ
شعبي لهذا وهذا
غنيمةٌ بالتراضي
اشكو ضَياعيْ ولكن
أشكو من الحُرّاسِ
ماذا جنتْه بلادي
من كل هذا الغِراس
أما انا فبراسي
لم يبقَ أي " عُطاس "
لم يبقَ ايُّ حراك
في قلبي النضَّاضِ
يا حاكمي ياخصيمي
إقضِ بما أنت قاض
أواجدون لشعبي
في كل يوم دسيسَهْ
يَهنْيكُمُ قد أكلتم
حتى عظامَ الفريسة
حتى " الدجاجةُ"تأبى
ترفعاً أن تسوسه
قالت بما في مبيضي
من صُفرة وبياض
وزارة أنا فيها
قبلتها بامتعاض
ظننتُ ماءً فلما
سبحتُ سَبْحاً طويلا
لم أُلفِ الاّ سرابا
وساء ِورداً وبيلا
أردت شيئاً كثيراً
لم أُعطَ حتى القليلا
العيشُ صوّح لكن
آمالُنا في رياض
عن دجلةٍ وفراتٍ
غنى لنا بالحياض
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> مستهام
مستهام
رقم القصيدة : 64268
-----------------------------------
إن سعى الواشي يُريك الغَيَّ رشدا
لا تكن أهلاً وصُن للود عهدا
حاشَ لله بقايا ذمةٍ
منك ان تُشْمِتَ بي خصماً ألدا
أنا إنْ بُلِّغتُ عنكم ريبةً
قلت : شكراً لهم مني وحمدا
وإذا قيل جفا من سلوة
قلت : لا أسلو وإن عاف وصّدا
مستهام كَرَعَ الدمع فما
زادَه إلا جوى فيكم ْ ووقدا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تذكر العهود
تذكر العهود
رقم القصيدة : 64269
-----------------------------------
أُعِدَّ لك النَّهَجُ الواضحُ(70/48)
فسِر لا هفا طيرُك السانحُ
وحيّاك ربك من ناصح
اذا عزّنا المشفقُ الناصح
يحدث عنك بطيب الهُبوب
نسيمٌ له عبَقٌ نافح
فكل مكان ربيع يروق
وكل تراب شذىً فائح
سلام الاله على طالعٍ
يَحارُ بطلعته المادح
مَهِيب يرُدُّ سناه العيون
وان أُجْهد النظرُ الطامح
مليكَ العراق وكم جمرةٍ
يَضيق بأمثالها القادح
ينوح المغرد شجواً فلا
يَغُرَّنْكَ إن غرّد النائح
أبُثُّك أن الفؤاد الرقيقَ
يُمِضُّ به الحادث الفادح
الا لا يُقَلْ ، وحُبِيتَ الحياةَ ،
وريدُك أنت له ذابح
وإنك مستبدِل باليسَار
يميناً لها الشرف الراحج
وانك خودعتَ عن نية
فؤادُ الحسود بها طافح
فقد سار بين حُداة الركاب
حديثٌ يرِق له الكاشح
تنُمَّ الشَمال به للجَنوب
ويُنبي به الغاديَ الرائح
وحاشاك ، حاشاك كيف استُخِفَّ ،
لما بلَّغوا ، حِلْمُك الراجح
بودي لو مجمَلاتُ الحديث
تباح لينشُرَها شارح
لتعلمَ كيف خبايا الصُّدور
ومن هو في غيبهِ جارح
لئن سرهم أننا عزَّلٌ
فقد أخطأ المقتلَ الرامح
وفيمن تصول لرد الصَّيال
يمينٌ لها عَضُدٌ طائح
تذكَّرْ لعل ادكارَ العُهود
يُراح به نَفَسٌ رازح
غداةَ استضّمك في " كربلاء "
وإياهم المجلسُ الفاسح
هُمُ ألْقحوا الأمر حتى إذا
تَمخَّض لم يَجْنِه اللاقح
فيا جَبرَ اللهُ ذاك الكسير
ويا خَسِرَ الصفقةَ الرابح
ووالله لا الوِرْدُ عذبُ النمير
ولا العيشُ من بعدِهِمْ صالح
وأقسمُ لولا أمانٍ يُراض
بتعليلهن الحشا الجامح
لبِتنا وكلٌّ له شاغل
وكلٌّ على قربه نازح
ولولا قدومُك كان " الغري "
لفقدهم وجهُهُ كالح
وإنا لنأمُلُ نصرَ اللُّيوث
وأن يُلْقَمَ الحجرَ النابح
ودام مَقامك للوافدين
كالركن ما مِسِحِ الماسح
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يا فراتي
يا فراتي
رقم القصيدة : 64270
-----------------------------------
إي وعيشٍ مضى عليك بَهيِّ
وشُعاعٍ من شّطِكِ الذهبيِّ
والتفافِ النَّخيل حولَكَ حتَّى
لو تقصَّيْتَ لم تجدْ غيرَ في(70/49)
وانبساطِ السَّفْحِ الذَّي زاحمته
دَفَعاتٌ من مَوجكَ الثَّوْري
وسنا الشَّمس حين مجَّتْ لُعاباً
ارسلته من نورها الكسروي
فتخالُ الضياءَ والماءُ موجٌ
في رواحٍ من جانبٍ ومجي
كخيوطٍ من فضَّةٍ بتْنَ طوع الرّيح
بين الشمال والشرقي
وابتسام البدرِ المطلِّ إذا ما
بات يجلو الدُّجى بوجهٍ وَضي
وزمانٍ حلوٍ كطلِّ ندّيٍ
لم يَشُبْهُ صفوُ السَّماء بشي
لو تحولْتَ عن مجاريك أو حُلت
لما جئتَ بالنكير الفري
يا فُراتي وهل يُحاكيك نهرٌ
في جمالِ الضُحى وبردِ العَشِي
ملكتْ جانبيك عُرْبٌ أضاعوا
إذ أضاعوا حِماكَ عهدَ قُصي
نضجتْ بالصَّغار منهم جلودٌ
ولقد تنضج الجلودُ بِكَي
إي ومجرى الجيادِ يومَ التنّاَدي
ومجرِّ الرماح حول الندي
دنَّسَتْ طُهْرَكَ المطامعُ حتَّى
لم تَعُدْ تَنْقَعُ الغليلَ برِيِ
الخَنى ..أين عنه نفسُ أبيّ
والحِمىَ.. أ]ن عنه طَرْفُ الحَمِي
لا القنا يومَ تنثني لِمَذَبٍ
عن حريم ٍ ، ولا الظبى لكمي
آه ..لولا خِصبُ العراق وريفٌ
هو لولاه لم يكن بمرِي
ما استجاشتْ له المطامعُ والتفَّتْ
عليه من المَحَلِّ القَصِي
واستخفَّتْ به الشعوبُ ، وباتَتْ
وهي ترنو له بلحظٍ خفيّ
قد نطقنا حتَّى رُمينا بهُجْرٍ
وسكتنا حتَّى اتُهِمنا بِعي
ورضِينا حُكْمَ الزَّمانِ وما كانَ
احتكامُ الزمانِ بالمَرْضي
فإذا كلُّ يومِنا مثلُ أمسٍ
وإذا كلُّ رُشدنا مثلُ غَي
وعلمنا ان ليس نملك أمراً
فصبرنا على احتكام " الوصي !"
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> النجوى
النجوى
رقم القصيدة : 64271
-----------------------------------
يقولون : ليلٌ علينا أناخ
نهارٌ على الغربِ يُعشي العيونا
وأنَّا نسينا عناءَ القلوب
لأنَّا بهذى الدُّجى هادئونا
وأنْ ليس في الكون من رحمةٍ
يواسي بها معشراً آخرونا
فليتَ عيوناً سُهاداً درتْ
بأنا - كعادتنا - راقدونا
سألناكمُ عن مَثار السَّديم
فَعَنْ حُرَقِ الهمِّ لا تسألونا
فانَّ معاملَكمْ والبخار(70/50)
وقلبي وزفرَتهُ مستوونا
أرى أُمماً هي والمالكين
متاعٌ أعدَّ لِمنْ يأكلونا
نظنَّهُمُ خُلقوا للغلاب
وأنَّا خُلِقْنا لأنْ يغلبونا
وعصرٌ تَناهضَ فيه الجمادُ
عجيبٌ به يجمُدُ النَّاهضونا
ألا هِزَّةً تستثيرُ الشّعوب
فقد يُدْرِكُ النَّهْزَةَ الثائرونا
ألا قبساً من شُعاعِ الكليم
تُعيدُ على الشَّرق يا" طُورَ سينا "
خليليَّ أين نبوغُ العراق
وأين ذوو حُكْمهِ النابغونا
أذاكَ الذَّي خَلَّفَ الذّاهبون
كهذا الذَّي ترك الوارثونا ؟
أغير َ المطامعِ لا تعرفون
وغيرَ الهياكلِ لا تعبدونا ؟
زفيفاً وقد حلَّقَ المعتلون
وزحفاً وقد أبْعَدَ الرّاكضونا ؟
ولسنا وقد أعجزتنا الحياة
عن الموتِ في نيلها عاجزينا
وإن أنسَ لآ أنس حول " الفرات "
مناظر تُصبي الحليمَ الرزينا
نسيماً يلاطف رِخوَ النمير
كما حرَّكَ الوَرَقَ اللاعبونا
وساكن جوٍ يعيدُ الأثير
كما الحبُّ شاء شجيّاً حزينا
ونوراً كسا سُدُفاتِ الأثير
جمالاً يردُّ التَّصابي جنونا
يدلُّك يا بدر هذا الجمالَ
على الخَلق لو انصفَ الشاكرونا
كفتنيْ الكرى واجباتُ المِحاق
فجئتُ تَماسَحُ مني الجفونا
تَجَلىَّ علينا إلهُ الشعور
سجوداً معي أيُّها الشاعرونا
على مَهَلٍ بعضَ هذا الخداع
فنُورك قد أوهمَ اللاقطينا
إذا ما اعتلى البدرُ خيطَ الرمال
تخيَّلها الطرفُ عِقْداً ثمينا
بامركَ تحريكُ درع الفضاء
وان رَجَمَ الخلق فيك الظنونا
سلامٌ على أنفُسٍ رفرفتْ
من الحبِّ هام بها المغرمونا
خليليَّ حتى وعورُ الجبال
تَهيجُ الصبَّابةَ لي والحنينا
ولي مضغةٌ بينَ عُوج الضلوع
تحاولُ أنْ تجعلَ الفَوْقَ دونا
فديتُ المُنى أنَّها رَوحةٌ
وروحٌ يعيشُ بها الشاعرونا
ولو لا قلوب تحس الاذى
لما عرف اللذة العاشقونا
رقاق ٌ ترى أنَّ مَيْل الغصون
إذا ما الصبا جالَ في الروضِ هُونا
وإنَّ ممنَ الشّعْر وهو الخيالُ
عروشاً وأنهمُ المالكونا
خليليَّ إنَّ ادكارَ الصبّا
يُهَيّجُ من عيشنا ما نَسينا(70/51)
هَلُمّوا رفاقي فهذا الضياء
سينشرُ أعمالَنا إنْ طُوينا
ابن أيُّها البدرُ كيفَ النَّجاة
وأين اقتنْصنا ، وأني رُمينا
وكيفَ استحالَ صفاءُ الربيع
هموماً تصاحِبنا ما بَقينا
وكيفَ اختفائيَ تحتَ الظلال
زمانَ صِبايَ مع اللاعبينا
وكيف إذا البدرُ حتى الوِهاد
نَخِفُّ لطلعتهِ أجمعونا
نسير على خُطُواتِ الشّعاع
كأنا إلى غايةٍ سائرونا
وكيف السَّلامُ عَقيبَ الصِدّام
وكيفَ التمازجُ ماء وطينا
أعيدوا الطفولةَ لي إنَّها
تُعيدُ النواهةَ لي والقينا
وليلٍ أراني دبيبُ السَّنا
بهِ كيف تحيا أمانٍ بَلينا
وقد ذهب الَّليلُ إلاَّ ذَماً
كما ردَّدَ النَّفَس َ الجارضونا
وآذنَ بالصبحِ صوتُ الهَزار
كما هيَّجَ النَّغَمَ العازفونا
صُداحٌ هو الشّعر زاهي البيان
يُكذِّبُ ما زخرفَ المُدَّعونا
وكم هاجَ في شدوهِ الأعجمي
خواطرَ أعجزتِ المُفصحينا
يهبُّ على نَسَماتَ الصْباح
إذا ما استهانَ بها الرّاقدونا
خليليَّ روح الحياة النَّسيم
فلولا انتشاقُ الصَّبا ما حيينا
ويوم ٌتضاحكَ فيه الرَّبيع
وحيَّتْ ورودُ الرُّبى المجتلينا
تمشَّى على الروض روحُ الاله
فمالَ ومِلْنا له ساجدينا
حدائقُ خَطَّ عليها الجمال
قصائدَ أعْجَزَتِ النَّاظمينا
كأن جلالَ الهوى شَّفها
ففاضتْ دموعاً وسالتْ عيونا
وساقيةٍ باتَ قلبُ الدُّجى
يُعيد عليها الصَّدى والأنينا
جرتْ وأجرَّتْ دموع الغرام
فلا عَذُبَ الوِرْدُ للشاربينا
عليها رياضٌ كساها الرّبيع
مَطارفَ يَعيا بها المُبدعونا
أُحِبُ الحقولَ لأنَّ الجمال
تجمَّعَ فيها فنوناً فنونا
فيا ساكني فَجَواتِ البطاح
هنيئاً لكمْ أُيُّها الخالدونا
نعيماً فلا الريحُ خاوي المهبّ
ولا الرُّوحُ ذلَّلها الطَّامعونا
خليليَّ أُفٍ لهذي المروج
إذا ما استبدَّ بها المالكونا
وليتَ الفداء لكوخ الفقير
قصورٌ أنفَ بها المْترَفونا
إذا ما استدارتْ خطوبُ الزَّمان
ستعلمُ أيُّهُمُ الخاسرونا
فانَّ الهبوطَ بَقدْرِ الصعّود(70/52)
فانْ شئتَ فَوْقاً وإنْ شئتَ دونا
وَمنْ في البسطةِ يَفدي البسيط
ويفدي ذَوُو الجَشعِ القانعيا
ألا هَلْ أتى نوَّماً في العراقِ
أنَّا للأجلِهِمُ ساهرونا
أحبَّتنَا إنَّ همسَ البحار
زفيرُ الأحَّبةِ لو تعلمونا
أصيخوا ولَوْ لاهْتزازِ القلوب
فليسِ من العدلِ أنْ تُوحدونا
إذا ما وردتمْ نميرَ الحياة
وراقَ لكمْ وِرْدُه فاذكرونا
وإن لاحَ صبحٌ لكمْ فاذكُروا
بأنَّا بليلِ العمى خابطونا
وإنَّ عُضالاتِ هذا المحيط
نقائصُ أعوزها المصلحونا
هياكلُ أخنى عليها الجمود
فغيرََ الذي وجدوا لن يكونا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عاطفات الحب
عاطفات الحب
رقم القصيدة : 64272
-----------------------------------
عاطفات الحبِّ ما أبْدَعَها
هذّبتْ طبعي وصفَّتْ خُلُقي
حُرَقٌ تملاء روحي رقةٍ
أنا لا أُنكِرُ فضلِ الحُرَق
أنا باهَيْتُ في الهوى
لا بشوقي أين من لم يَشْتَق
ثق بأن القلبَ لا تشغَلُهُ
ذكرياتٌ غيرُ ذكراك ثق
لستَ تدري بالذي قاسيتُهُ
كيف تدري طعمَ ما لم تَذُق
لم تدعْ مِنّيَ إلا رَمَقاً
وفداءٌ لك حتى رمقي
مُصبحي في الحزن لا أكرهُهُ
إنما أطيبُ منه مَغْبَقي
إن هذا الشعر يشجي نقلُهُ
كيف لو تسمعُه من منطقي
ربّ بيتٍ كسرت نبرته
زفرات أخذت في مخنقي
أنا ما عشت على دين الهوى
فهواكم بَيْعةٌ في عنقي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في بغداد
في بغداد
رقم القصيدة : 64273
-----------------------------------
يا نسمة الريح مِن بين الرياحينِ
حيي الرُصافة عني ثم حَيّيني
ان لم تمري على ارجاءِ شاطِئها
فلَيتَ لم تحملي نشراً لدارين
لا تَعبَقي أبداً إلاّ مُعطّرةً
ريانةً بشَذَى وردٍ ونِسرين
أهديت لي ذكرَ عَصرٍ قد حَييت به
من عَلَّم الريحَ أن الذكرَ يُحييني
حيثُ الزمانُ وَريقُ العودِ رَيّقه
والدهرُ دَهرُ صباباتٍ تواتيني
معي من الصحب يسعى كلُّ مُقتَبِلٍ
نَضْرِ الشباب طليقِ الوجهِ ميمون(70/53)
خالٍ من الهَمّ لو لامَسْتَ غُرَّته
أعداكَ واضحُ تَهليلٍ وتَحسين
ولي الى الكرخِ من غربيِّها طَرَب
يكادُ ُمن هِزَّةٍ للكرخِ يرميني
حيث الضفافُ عليها النخلُ متِّسقٌ
تنظيمَ أبيات شعرٍ جدِّ موزون
وللنسيم استراقٌ في مرابعها
للخطو مَشْيٌ ثقيلُ القيد موهون
يا ربةَ الحسن لا يُحصَى لنَحصِره
وصفٌ فكلُ معانينا كتخمين
والله لو لا ربوعٌ قد ألِفتُ بها
عيشَ الأليفينِ أرجوها وترجوني
وان لي من هوى أبنائها نَسَباً
دونَ العشيرة للأصحاب يَنميني
لاخترتُها منزلاً لي أستظلُّ به
عن الجنان وما فيهن يُغنيني
لخبَّرت كيفَ شوقُ الهائمين بها
وكيفَ صَفْقُ عذولي كفَ معبون
اخوانُنا حيث راقَ الجَسرُ وانتظَمَتْ
الى مغانيكم أنفاسُ مَحزون
فالشمس كل بروج الافق تصحبها
سيراً وتسري الى برج بتعيين
سقاكُمُ ريِّقٌ من صَوب غاديةٍ
ينهلُّ عن عارض بالبشرِ مقرون
لا تحسبوا أن بُد الدارِ يُذهلني
عنكم ولا قِصرَ الأيامِ يُنسيني
ضِقتُمْ قلوباً لما ضمَّتْ جوانحُنا
لو كانَ يسمَحُ في نشر الدواوين
ذاوي النبات هشيماً لستُ آمنَ من
ريح الصَّبا أنها جاءت لتذروني
خلِّ الملامةَ في بغدادَ عاذلنتي
علامَ في شم رَوح الخُلد تَلحيني
هل غيرُ نَفسٍ هَفَت شوقاً لمالئها
شوقاً ، يصعِّد بين الحين والحين
أما النسيمُ فقد حَملتهُ خَبَراً
غيرُ النسيم عليه غيرُ مأمون
ما سرَّني وفنونُ العلم ذاويةٌ
أنَّ الأفانينَ لُفَّتْ بالأفانين
ولا الربوع وان رقَّ النسيم بها
إن كان من خَلفها أنفاسُ تِنّين
هيهاتَ بعد رشيدٍ ما رأت رَشداً
كلا ولا أمِنَت من بعد مَأمون
أما اللسانُ فقد أعيا الضِرابُ به
وكان جِدَّ رهيفِ الحدِّ مَسنون
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عدِّ عنك الكؤوس
عدِّ عنك الكؤوس
رقم القصيدة : 64274
-----------------------------------
عَدِّ عنك الكؤوسَ قد طِبتُ نَفسا
واسقينيها مراشفاً لك لُعْسا
ان يُحسَّ الغرامَ قلبي فحقٌّ(70/54)
خلق اللهُ عَبده لُيحِسّا
لست انسى عيشي ، وخيرُ زَمانٍ
زَمَنٌ طِيبُ عيشهِ ليسَ يُنسَى
حبذا دجلةٌ وعيشيَ رَهْوٌ
طيب الرَوحتين مغدىً وُممسْى
حينَ ايامُنا من الدهر يومٌ
فيه تُستَفرغ الكؤوس وتُحسى
يَحسَب الشَربُ أنهم علموا الغيب
وهم يخطئون ظَنّاً وَحدْسا
طاف وهناً بها علينا إلى أن
لم يكد أن يعي من القوم حِسا
عيَّ منا اللسانُ فالكل خُرْسٌ
ينقُلون الحديثَ رَمزاً وهَمسْا
رمتُ كأساً ومذ تلجلجتُ اوميت
بكفي فظنّني رُمتُ خَمسا
فأتاني بها فلمْ اعترضها
حذراً أن يكونَ مثليَ جبسا
إن ردَّ الكريم عارٌ على النَفس
وحاشاي انني صُنتُ نَفسْا
أُفرغَت كالنُضار بل هي أبهى
فعليها لم يوجب الشرعُ خُمسا
ولها في العُروقِ نبضٌ خفيٌ
مثلما يُمسك الطبيبُ المِجَسا
وكأن النديمَ لما جلاها
افقٌ يُطلِعُ المَسرَّةَ شمسا
يا نديمي أمري اليكَ فزدْني
او فدَعني فلستُ أنطقُ نَبسا
لا تقطِّبْ اني ارى الانس جِناً
وتبسَّمْ لأحسَبَ الجنَّ إنسا
ما ترى الفجرَ والدجى في امتزاج
مثل خيطَي ثوب خِلاطاً وَمسَّا
كم أرادَ الصبحُ المُتاحُ انطلاقاً
وأرادت له دَياجيه حَبْسا
ما شربنا الكؤوس الا لانّا
قد رأينا فيها لخديكَ عَكْسا
انتَ تدري حرمانَ ذي العقل في الناسِ
فزدني منها جُنوناً ومَسا
لا تُمِلها عني وفيَّ حَراكٌ
واسقنِها حتى ترانيَ يَبسا
إن عُمْراً مستلطَفاً باعه المرء
بغير الكؤوس قد بيعَ بَخْسا
أنا حِلس الطِلا ولست كشيخ
خلسَ الدينَ وهو يُحسَب حِلسا
لو يبيع الخَمّار دَيناً بدينِ
لاشتراها وباع أخراه وكسْا
ان أحلى مما يسبح هذا الحبرُ
قرْعُ النديم بالكأس جَرْسا
لا تلُم في الطِلا ولا في انتهاكي
ما أبى الله .. اذ نهى ان تُحسّا
ان نيل الحرام أشهى من الحِلِّ
وأحلى نيلاً واعذبُ كأسا
قد طويتُ الحديثَ خوفَ رقيب
يبتغى فيه مطعناً ليَدُسّا
وهجرنا الكؤوسَ لكن لعُرسٍ
هو اصفى كأساً واطيبُ أُنسا
وانتقلنا لكن لبُرج سُعود
قَرنَ الله فيه بدرْاً وشَمسا(70/55)
هي جَلَّت عُرساً فزيدت بهاءً
دارةُ المجدِ إنهُ جلَّ عُرسا
طاب مُمسى سروره فليبكِّرْ
أبدَ الدهر مُصبِحاً حيث أمسى
لك عمٌّ احيا مزايا ذويه
وأرانا الجدودَ تنفُضُ رمْسا
لا تلمه ان هزَّ للشعر عِطفاً
إنّ فيه من دوحة المجدِ رِسّا
هو اصفَى من اللُجينِ وأوفى
في المعالي من الهضاب وأرسَى
وهو إن ينتسِبْ فمن أهل بيت
اذهبَ الله عنه عاراً ورِجسا
بيت مجدٍ كالبحر طامٍ ولكن
أنت فيه أبا الضيائينِ مَرْسى
يا بنَ بنتٍ البيت الذي كان نَجماً
لكَ سعداً وفي أعاديك نَحسا
لستُ انسى مدحَ الجواد ومن كان
من المدح فرضُه كيف يُنسى
مستفيضُ الندى وكم من يَمينٍ
صخرةٌ زلقَة الجوانب مَلسا
حَيَّرت مادحيكَ رقهُ طبعٍ
تَحلِفُ الخمرُ أنها منه أقسى
قد بلونا سجليكَ قبضاً وبسطا
وخَبَرنا دَهرَيك نُعمى وبُؤسى
فوجدناكَ في الجميع رضيّاً
وحميداً مصَّبحاً ومُمَسَّى
وهززنا في الأريحية غُصناً
ورأينا في الدست رضوى وقُدْسا
وكأن اللغات بتن يفرقن
كما تشتهيه نِعمَ وبئسا
فكسونَ الصديقَ شهماً ونَدْبا
واعدن العَدُوَّ نذلاً ونِكسا
وارتديتَ العلى لباساً وتاجاً
وسواك ارتدى الحريرَ الدِمَقسا
لك كفٌ كالركن فينا فأقصى
منيةِ النَفس عندنا ان تُمَسّا
وبليدٍ لا يكتفي من سَنا النار
بومضٍ حتى يجرِّبَ لمسا
قال هل القنَّه قلتُ : تَعْيَا
قال : حتى غباره قلتُ : نَحسْا
رُوضِّت كُّفه فلولا رجامُ
الناس اقرى بها الطيور وعسا
رِدْ نداه وبطشَه وتُقساه
واتركُنْ حاتِماً وعمراً وقُسّا
وذكرنا في اليوم عُرسَ علىٍّ
فكأنَّ السرورَ قد كان أمسى
حيث مُدّاحه تجول وثوب النحس
يُنضى ومِطرفَ السعد يُكسي
طاب غَرْساً مُصدّقاً لا كمن يُحسَبُ
نُكراً ان قيل قد طاب غَرْسا
هو قاسٍ ان اغضَبُوه ولكن
لو يَهُزّ الصَفَا نَداهُ لحَسّا
لو تكون النجوم بُرداً وتاجاً
لكسيناكَهُنّ عِطفاً ورأسا
ان علوتم فحقكم اولستم
قد رَفَعتم لكعبةِ الله أسُّا
هزني مدحُكم فقلتُ ولا يصلُح(70/56)
عودُ الغناء حتى يُجَسّا
ايها المقتفُونَ شأْوي هَلمّوا
وخذوا عَنيَ البلاغةَ دَرسْا
انا آليت ان أُعيد رسوماً
منه أضحت بعد ابن حبوبَ دُرسا
انا لا أدَّعي النبوةَ الاّ
أنني أرجعُ المقاويلَ خُرسْا
انا في الشعر فارسٌ إن أغالَب
يكنِ الطبعُ لي مِجَنّاً وتُرسا
كل ُّ محبوكةٍ فلا تُبصرُ المعنى
مُعّمىً ولا ترى اللفظ لَبْسا
واذا ما ارتمت عليَّ القوافي
نلتُ مختارَها وعِفتُ الأخسا
ان اكن اصغرَ المجيدين سِناً
فانا أكبرُ المجيدين نَفْسا
طبقّت شهرتي البلادَ وما
جاوز عمري عشراً وسبعاً وخمساً
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> على مجلسي
على مجلسي
رقم القصيدة : 64275
-----------------------------------
على مجلِسي مادمت حياً أخطُّها
وفي مرقدي ان مِتُّ خطواُّ نصائحي
فهل غيرَ أن أقضي وعندي بَثّةٌ
نعم سوفَ اشكوها لأهل الضرائحِ
بعين الهوى لي بالفراتين وَقفة
أهاجَت كمينَ الشوقِ بين الجوانح
وقد خَفَت الليل البَهيمُ فما به
سوى هاجساتِ الفكرِ لي من مَطارح
أأبهَجُ من هذا جمالاً ومنظراً
فما بالُها سَدَّت علىّ قرائحي
اتعِرفُ امواجَ الفُراتين مُهجتي
اذا استنشدُوها عن قلُوبٍ طوائح
ابحتُ لكِ الشَكوى فهل تسمعينها
والا فبَعدَ اليوم لستُ ببائح
أقمنا بجوٍّ كلُّ ما عند أهله
مجالسُ ألهاها صفير المدائح
ألا هل يعودُ الشعر فينا كأنه
من الظهر يملى عن غيُوث رواشِح
فأحسنُ مما رَدَّدَت نبراتكم
من الكلم العاري غناءَ المراسِح !
قطعتُ، ولم يبلغ بيَ العمرُ شوطه
من الشعر أشواطاً بِعادَ المطارح
فقل لسنَيحٍ الطير إن لم تتَرُق له
أهازيجُ شعرٍ أين عنه " سوانحي "
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الشاعر
الشاعر
رقم القصيدة : 64276
-----------------------------------
لا أريدُ " الناي " إني
حاملٌ في الصدرِ نايا
عازفاً آناً فآناً
بالأماني والشَّكايا
ألبلايا أنطَقتْهُ
سامحَ اللهُ البلايا
حافظاً كلَّ الذي(70/57)
مرَّ عليه كالمرايا
سّيء الحالِ ولكنْ
حَسُنَت منه النَّوايا
حجزَ الهمُّ على
أنفاسِه إلاَّ بقايا
أفلتت في نَبراتٍ
شائعاتٍ في البرايا
ترقصُ الفتيانُ إن
غَنَّيتُ فيه والفتايا
هو وِردي في صباحي
وصَلاتي في مسايا
مُعجِزٌ تهييجُهُ كلَّ
المُغَنّينَ سِوايا
أدركتْ ظاهره النّاَسُ
وأدركتُ الخفايا
رنَّةُ المِعَولِ في الحفرةِ
صوتٌ لِلمنايا
كومةٌ للرملِ أم
جُمجمةٌ طارتْ شظايا
حملَ الناسُ سكوناً
وجَلالاً في الحنايا
شاعراً أدركهُ الموتُ
غريباً في الزوايا
سبرَ الأفق بعينٍ
أدركتْ منه الخبايا
فانبرى يُوحي إلى النَّاس
منَ الأسرارِ آيا
ثمَّ أغفاها وفي النَّفْسِ
ميولٌ ونوايا
قالَ لمَّا لَقَّنوهُ :
أنَا لا أملكُ رايا..
لستُ أدري ما أمامي ..
لستُ أدري ما ورايا
لا أرى مَن شيَّعوني
منكمُ إلاَّ مطايا!
رجعتْ ، إذ لم يجدْ سائقها
للسيرِ غايا
حَزِنَ " الشيخُ " ولكنْ
ضحِكتْ منه الصبَّايا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> كذب الخائفون
كذب الخائفون
رقم القصيدة : 64277
-----------------------------------
رمق الأُفقَ طرفُه فترامى
ورأى الحق فوقه فتعامى
كلَّ يوم للحاكمين كؤوس
جرَّعوها الشعوب جاماً فجاما
كَذَب الخائفون ما الضيمُ منا
أيُّ شعب يُرضيه أن يستضاما!؟
إن حفِظتمْ على الصُّدور وساماً
فمن الشعب قد أضعتم وساما
آيتا العرب في ندىً وزِحام
طيِّبوا ذكركم ، وموتوا كراما
انا ذاك الحر العراقي إمّا
حَنَّ يستنهضُ العراقُ الشاما
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> سبحان من خلق الرجال
سبحان من خلق الرجال
رقم القصيدة : 64278
-----------------------------------
يا للرفاقِ لموطن لجّوا به
حتى ازدرى اخلاقه فتخلقا
فإذا نزت همجٌ الى طمع نزا
اوصَفّقَتْ فيه قرودٌ صفقا
ترك القريبَ من الصلاح ففاته
ورجا البعيدَ من الظنون فأخفقا
دبّت عقاربه الى جيرانه
اوما ترى بغداد أعدت جِلَّقا
أهل الخورنق والسدير ولو سعوا(70/58)
رفعوا سديراً ثانياً وخورنقا
سبحان من خلق الرجالَ فلم يجدْ
رجلاً يحق لموطن أن يُخلقا
ما إن يزالُ مرَّشحاً لأُموره
متجبراً أو طامعاً أو أحمقا
وطني وداؤك أنفسٌ مملوءة
جَشَعاً فمن لي أن تُبِلَّ وُتفرقِا
بلوى الشعوب مخادعون إذا ادَّعوا
للنصح كذَّبتِ الفِعالُ المنطقا
الآن يلتمسون فكّ وَثاقه
من بعد ما نزل البلاء وأحدقا
وطني ومن لك ان تعود فترتقي
من بعد ما أعيا وعزّ المرتقى
ما إن ترى عينٌ لصبْحِك مَصْبحاً
للعاشقين ولا كليلِك مَغْبقا
زَهَرْت رياضك واجَتليتَ محَّلثاً
وصفت مياهك واحْتسيْتَ مرنقا
أفتلك دجلةُ بالنعيم مرفرفاً
تجري وبالعذب الزلال مصَّفقا
باتت تدفقها الرياح وإنما
ضاقت مسايلُ مائها فتدفقا
وبكت لواردها أسىً وكأنها
أمست تصعِّد منه صدراً ضيِّقاً
أقضى مرامِك أن تَفيضَ فتشتكى
ظمأ ربوعُك او تفيض فتغرقا
لو يعلم الشجرُ الذي أنبتَّهُ
ما حل فيك منَ الأذى ما أورقا
رَجَعت خلاءً كفُّهم بك ثرةً
وَرَجعت انت أبا الخزائن مُملِقا
اشفقت مما قد مُلكت قساوةً
ان لا ترِقَّ اذا ملكتَ فتُشفقا
مالي وطارقةُ الخطوب اذا دهت
فلكم سألت الله ان لا تُطرقا
عزم الرجال اذا تناهى حدهُّ
مثلُ الكِمام اذا استوى فتفتقا
مَثَلٌ جرى فيما مضى لمحنكٍ
من " يعرب " رام السداد فَوُفِّقا
أعيا به جمع العِصي فلم يُطِق
تحطيم َوحدتهنَّ حتى فرَّقا
أهدى لكم ، لو تقتفون سبيله ،
مَثَلاً به كان السبيلَ الى البقا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بم أستهل
بم أستهل
رقم القصيدة : 64279
-----------------------------------
بم أستَهِلُّ بِموته ورثائِهِ ؟
أم قبل ذاك بعُرسه وهنائِهِ
عيَّ اللسانُ فان سمِعتَ بِمِقول
فاعلم بأني لستُ من أكفائه
هو موقفٌ ما بين قلبي والأسى
جَلّى ، فكان الصبرُ من شهدائه
سكن الثرى من كان لا يطِأ الثرى
وهوى اليه وكان في جوزائه
ولقد خشِيتُ عليه من نَفسَ الصَّبا
أسفاً لواهُ الموت في نكبائه(70/59)
نجم هوى من أُفقه فتناقصت
ولتشهدنَّ عليه شُهْبُ سمائه
من كان يفترش الجْفُون وطاؤه
قد وسدته الترب غيرَ وِطائه
بشرى أبيكَ وبورك العُرسُ الذي
زفوك فيه الى ثرى بَوغْائِه
ما الموت أطبقَ ناظريكَ وإنما
رق الصَّبا فكَرعْتَ من صهبائه
امجانباً عرض البسيط أعيذه
من ان يَضيقَ عليك رحبٌ فضائه
لكن رأى زمراً تمور وعالماً
خلط الظلال هديره بِرُغائه
فطواك في أحشائه متخوفاً
من أن يضيع الدُّر في حصبائه
هذا الربيع - وأنت من أزهاره -
يَبكيك طيبَ أريجه وهوائه
أسفاً فلا روضُ الحمى زاهٍ ولا
نُوارُه متفتحٌ بشذائه
ما اهتز نعشك يوم صفف عوده
الا لأنك كنت من خطبائه
يَبكيك مِنْبَرُكَ الرفيعُ وإنما
يبكى لفقد وقاره وعلائه
قد كان يأمُل أن يبلغ مُنيةٍ
حتى يراك وأنت من بلغائه
لا توقظوه بالدموع فربّما
أغفى لطول سُهاده وعنائه
ولقد خشِيتُ عليه قبلَ حِمامه
أن سوف يُحرِقُه لهيبُ ذكائه
غصْن لوته الحادثات فلم يُطِق
دفعاً لها فذوى بخضرة مائه
جاذبنه فضل الحياة فقصّرت
منه وما قصُرت فضول رادئه
قالوا أأعوزه الدواء جهالةً
ولربما مات الفتى بدوائه
يا أيها " السلك " المبلغ نعيَهُ
هلاّ حملتَ لنا حديث لقائه
ركب تحمل والحِمامُ يسوقه
عَجِلاً ووقعُ البرق صوتُ حُدائه
قلت : البشارةُ بالقدوم ، فهذه
أوتارهُ هزِجت بلحن غنائه
فإذا على أسلاكه مهزوزةً
نبأ يرِن الحزن في أثنائه
عجباً له خِلو الحشا من لوعة
وجليلُ رزء الموت في أحشائه
قاسٍ تحمل وقع كل عظيمة
جللٍ تحطُ البدر في عليائه
كالعود في أهزاجه ، والسهم في
إصماته ، والطَرفِ في إيمائه
متملكٌ سمعَ المُلوك وإنما
يروي فصيح القول في فأفائه
لا يستكنُّ السرُّ بين ضلوعه
وتراه محموداً على إفشائه
تتراجع الأفكار رازحةََ الخطى
ما بين عودته الى إبدائه
ما كنت أعلم " والغريُّ " مَحِلّةٌ
لك أن ستقضي في ربى " فيحائه "
كنت الهلال تنقلاً وقد ارتدى
ثوب المِحاق رعايةً لاخائه
لفُّوْهُ في شَطَن الردى ومضى فلم(70/60)
يحللْ لغير الله عقد قَبائه
أفديه مصدورَ الفؤاد تقاطرت
افلاذُه بالنار من صُعَدائه
أبكيه ريانَ الشباب ، رداؤه
نَضِرُ الصبِّا ، شَرِقٌ بحسن روائه
أبكيه منطوياً على نارين من
داء النَّوى ، وهو الأمضّ ، ودائه
أبكيه مذعوراً تقسَّمَ طرفُهُ
ما بين أهليه ، الى رفقائه
أو بعدَما بَرَقَتْ أسِرَّتُّه لنا
وبدت مخايلُ حسنِه وبهائه
تنتاشُه كفُ المنية صارماً
عَضْباً يفُلُ العضبَ حدُّ مضائه
ما بعدَ يومك غيرُ عينٍ ثَرّة
ومدامعٍ سُحٍّ وحِلْمٍ تائه
لا تسألنِّي عن " أبيكَ " فبعض ما
لاقاه أن بكاءَنا لبكائه
عين تسيل دماً لفقد سوادها
وحشىً يذوب أسىً على سودائه
والمرء سلوة والدٍ متصبرٍّ
فاذا استقلَّ فصبره بازائه
ولقد عهِدْتُكَ والشمائلُ غضةٌ
غنيَ النديم بهن عن نُدمَائه
قالوا : " الوباءُ " فقلت من أدوائنا
وهو القتيل بهن لا بوبائه
رُحْ سالماً ، ودع الحياة لجاهل
وغروره ، أو عالم وريائه
والدين ، كلُّ الناس تعرف حَمْلَهُ
والفرق كلُّ الفرق عند أدائه
هل كنت لو نُجِّيتَ الا ساخراً
من حكم دهرك ، سادراً بشقائه
صبراً أباهُ وإن دهاك برزئه
دهر يذوب الصبر في أرزائه
أخذ الاله واخذُه أجرٌ كما
أعطى ، وكان الفضل في اعطائه
ولربما جزِع الفتى من علّة
كانت سبيلَ الشكر عند شِفائه
صبراً وشافع من تسمّى " محسنا "
أملٌ بحسن الصبر عند بلائه
بالخلد عن هذي الحياة تصبراً
يُغنى وعن أكدارها بصفائه
إني نظمت الدمع فيه قصيدة
لما وجدت القول دون رثائه
وعلمت أن الخلد ملك " محمد "
فعسى أكون هناك من شعرائه
صبراً وإن ذهب " العليُ " وأنتم
" بسعيد " هذا الجيل من سعدائه
على حدود فارس
أحبابنا بين مَحاني العراقْ
كلفتُمُ قلبيَ ما لا يُطاقْ
العيشُ مرٌّ طعمهُ بعَدكم
وكيف لا والبُعْدُ مرُّ المذاق
أمنيَّةٌ تَستاقُها شقوة
آهٍ على أمنيَّةٍ لا تُعاق
كلُّ لياليكُمْ هنيئاً لكم
بيضٌ ، ودَهري كلُّه في مِحاق
لي نَفَسٌ كيف بتَصعيده
والشوقُ مني آخِذٌ بالخِناق(70/61)
الله يَرعَى " حَمَداً " انه
غادرني ذكراه رهنَ السياق
هل جاءه ان أخاه متى
يَذكرْه يَشَرقْ بدموع المآق
يكفيكُمُ من لوعتي أنني
في فارس أشتاقُ قُطرَ العراق
لا سوحُها وهي جِنان زَهَتْ
بكلِّ ما رقَّ جمالاً وراق
ولا الربى مخضّرة تزدهي
حسناً حواشيها اللطافُ الرِقاق
خُطَّتْ على أوساطها خضرةٌ
سبحان من قدّر هذا النِطاق
تنال من شوقي وهل سلوةٌ
لمن قضى اللهُ له أن يُشاق
صبَّ الشتاء الثلج فوق الرُبى
يرفعُه فيها طباقاً طباق
حتى إذا الصيفُ انبرى واغتدتْ
تُصَبِّحُ الأرض بكأسٍ دهِاق
هبَّ عليلاً ريحُها لاصَحَا
زماسَ سُكراً روضُها لا أفاق
أحسن ما في وجهِ هذا الثرى
عيونُه لا رمُيتْ بانطباق
تجري وتجري أدمعي ثرةً
وأدمُعي أولى بشأو السباق
لمُ يحيِ هذا الماءُ مَيْتَ الثَرى
لو لم يكنْ ماءُ حياةٍ يُراق
ذكرتكُمْ والنفسُ مسحورةٌ
وللخُطى بين المروج إستراق
ليس يقي النفْسَ امرؤ من هَوى
إلا إذا كانَ من الموت واق
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الذكرى المؤلمة
الذكرى المؤلمة
رقم القصيدة : 64280
-----------------------------------
أقول وقد شاقتنيَ الريحُ سحرةً
ومَنْ يذكرِ الاوطانَ والأهلَ يَشْتَقِ
ألا هل تعودُ الدارُ بعد تشتُّتٍ
ويُجْمَعُ هذا الشملُ بعدَ تفرُّق
وهل ننتشي ريحَ العراقِ وهل لنا
سبيلٌ الى ماء الفرات المصفَّق
حبيبٌ إلى سمعي مقالةُ " احمدٍ " :
" أأحبابَنا بين الفراتِ وجِلَّق "
فو اللهِ ما روحُ الجنان بطيّبٍ
سواكم ولا ماءُ الغوادي بريق
ووالله ما هذي الغصونُ وإن هَفَتْ
بأخْفَقَ من قلبي إليكم وأشوق
شرِبنا على حكمِ الزمانِ من الأذى
كؤوساً أضرت بالشراب المعتق
فما كان يَهنيه صَبوحٌ ومغبقٌ
فإن من البلوى صَبوحي ومغبقى
خليليَ لا تُلْحى سهامُ مصائبٍ
أُتيحت فلولا حكمه لم تُفَّوق
تعنف أحكام القضاء حماقة
كأن القضاءَ الحتمَ ليس بأحمق
كفى مخباً بالحال أنْ ليس مُنيةٌ
لنفسيَ إلا أن نعودَ فنلتقي(70/62)
وما فارسٌ الا جنانٌ مُضاعةٌ
ويا رُبَّ خمْرٍ لم تجد من مُصفق
هنيئاً فلا مسرى الرياح بخافتٍ
وبيٍّ ولا مجرى المياهِ بضيّق
اتى الحسنُ توحيه إليها من السما
يدُ الغيث في شكل الكمام المفتَّق
مضى الصيفُ مقتاداً من الحسن فيلقاً
وجاء الشتا زحفاً إليها بفيلق
كأن الثلوجَ النازلاتِ على الرّبى
عمائمُ بيضٌ كُوِّرتْ فوق مَفْرِق
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> على كرند
على كرند
رقم القصيدة : 64281
-----------------------------------
خليليَّ أحسنُ ما شاقني
بفارس هذا الجمال الطبيعي
الى الآن تجري مُتون الجبال
علينا بمثل مذاب الدُّموع
هَلُما معي نحو هذي الرياض
نجددْ عهوداً بفصل الربيع
فقد أضحتِ الأرضُ مخضرةً
تَضاحكُ عن شمل حسن جميع
ومهلاً فظلمٌ لهذا الجمال
نمر عليه بلحظٍ سريع
خليليَّ إن جيوش الغَمام
عرفن لفارسَ حسنَ الصنيع
ألم تريا كيف ضَرْعُ الغمام
يرِق لهذا النبات الرضيع ؟
ولِمْ لا تريع بأريافها
بلاد تسيل بماء مريع ؟
خليليَّ ما في بِقاع الوجود
أبهجُ من وشي هذا البقيع
بني الفرس فارسُكُمْ لا العراق
وزاهي رُبوعكمُ لا ربوعي
وما ابهج الشمسَ عند الغروب
يحي رُباها وعند الُّطلوع
خليليَّ ما غيرت فارسٌ
محل البصير بكم والسميع
ولو شئت حملت برقية
تُزَفُّ لكم من رجيف الضُّلوع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الريف الضاحك
الريف الضاحك
رقم القصيدة : 64282
-----------------------------------
كلُّ أقطارِكِ يا " فارسُ " رِيفُ
طابَ فصلاك : ربيعٌ وخريفٌ
لا عرَتْ أرضُكِ من لطفٍ فقد
ضَمِنَ الحسنَ لها جوٌ لطيف
يا رِياضاً زهَرَتْ في فارسٍ
شكرَتْكنَّ عُيونٌ وأُنوف
مثلَّما للقلبِ من حرِّ الجوي
رفَّةٌ للطيرِ فيكنَّ رفيف
ألشيءٍ غيرَ أنْ نقطِفَه
ثمراً غضّاً دنتْ منكِ القُطوف
نزلتْ ضيفاً بها أرواحُنا
فَقَرَتْها خيرَ ما تُقرى الضُّيوف
مِن جمال خُط معناهُ على
فارسٍ واختصَّتِ الأرضَ حروف(70/63)
وخيَالٍ تُطربُ النفسَ به
هِزَّةُ الروضِ ويشجوها الحفيف
صَنعةٌ للفرسِ في الوشيِ ولا
مثلَ ما وشَّى بها الروضُ المفوف
لذَّ مشتاها فأنسانا بما
هزَّ منّا أنَّه لذَّ المصيف
ما لأكنافِ الرُّبى مبيضَّةً
أتُراها بُدِّلت منها الشُّفوف
أمْ هو الشيبُ دَهاها عَجباً
شيَّبت حتى الرُّبى هذى الصُّروف
إنما جلَّلها الثلجُ الذي
غُمِرتْ منه جبالٌ وكهوف
فارِسٌ أينَ وأُلافُ الصِّبا
أوَ هلْ يبقى على النأيِ أليف ؟
أمن الناسِ تُرجِّي صفوةً
عنكَ يا ناشدُ فالحيُّ خَلوف
لا تعُدْ تسلُكُ فيها قفرةً
فطريقُ الودِّ في الناسِ مَخوف
كلُّ هذا وهو يومٌ واحدٌ
كيف لو مرَّتْ مئاتٌ وألوف
قد تَناوَمنْا على رغمِ الكرى
لنراكمْ .. أفلا طيفٌ يطوف
سِمةٌ للشوقِ كانتْ سبباً
لسؤالِ الناسِ : مَنْ هذا النحيف؟
لا تقولوا وَحدةٌ تُوحِشُه
كيف يستوحشُ والشوقُ رديف
أيها الحَضْرُ وفي أبياتكم
أوجه تُفدى بما ضم النصيف
لم يفتها ترف الظل ولا
نال من أوراكها السير الوجيف
حبذا حبُّكُمُ من معهدٍ
كم نما فيه أديب وظريف
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بين قطرين
بين قطرين
رقم القصيدة : 64283
-----------------------------------
سقى تُربَها من ريِّقِ المزن هطّالُ
دياراً بعثْنَ الوقَ والشوقُ قتالُ
خليليَّ أشجَى ما ينغِّص لذتي
مَناحٌ أقامته عيالٌ وأطفال
وأيد وأجيادٌ تُمَدّ وتلتوي
ومنهن حال بالدموع ومعطال
خليليَّ لو لم يَنطق الوجدُ لم أقل
فقد كذَّبت قبلي لذي الحبّ أقوال
وحيداً فلو رُمتم على الوجد شاهداً
لما شَهِدت الا بُكورٌ وآصال
وما برِحت أيدي الخطوب تنوشُني
بفارسَ حتى بغَّضَ الحلَّ ترحال
وما سرني في البُعد حال تحسَّنَتْ ،
بلاديَ أشهى لي وان ساءتِ الحال
فمن شاقه بَردُ النعيم بفارسٍ
فاني إلى حَرِّ العراقين ميّال
أُحب حصاها وهو جمر مؤجَّج
وأهوى ثراها وهو شَوكٌ وأدغال
واني على أنَّ البلادَ جميلةٌ
تروق كما ازدادت من الدلِّ مِكسال(70/64)
منعَّمة أما هواها فطيّب
نسيم وأما الماءُ فيها فسَلسال
يسيل على أجبالها وهو لجّةٌ
ويجري على حَصبائها وهو أوشال
تحيط به خُضرُ الرياض أنيقةً
كما رُقِمت فوق الصحائف أشكال
أحنُّ إلى أرض العراق ويعتلي
فؤادي خُفوقٌ مثلَما يَخفُق الآل
وما الهول غِشيانَ الدروبِ وضيقُها
عراكُ الهوى والوجدُ والذكرُ أهوال
خليليَّ أدنى للبيب رُقيُّهُ
إلى النجم من أن يَسلَم العزُ والمال
ألا مُبلغٌ عني " المعرِّيَ " أحمداً
ليسمَعَه والشعر كالريح جوّال
بأني وإيّاه قرينا مصائبٍ
وان فَّرقت بين الشعورينِ أحوال
واني وإياه كما قال شعره :
" مغاني اللوي من شخصكَ اليوم أطلال "
" تمنيت أن الخمر حلَّت لنشوة
تُجَهِّلُني كيف استقرَّت بيَ الحال "
احباي بين الرافدين تيقَّنوا
بأني وان أُبعِدتُ عنكم لسّآل
لئن راقكم ماءُ الفرات وظلِّلتْ
عليكم من الصَفصاف والنخل أظلال
فانيَ من دمعٍ عليكم أُذيله
شَروبٌ ومن سَوداءٍ قلبي أكّال
لقد كان هذا القلب في القُرب مضغةً
وها هو من بعد الأحبَّة أوصال
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الأحاديث شجون
الأحاديث شجون
رقم القصيدة : 64284
-----------------------------------
جَدِّدي ريحَ الصبَا عهد الصِبا
وأعيدي فالأحاديثُ شُجونُ
إن أباحتْ لكِ أربابُ الهَوى
سِرَّه فالحكمُ عندي أن يصونوا
جدِّدي عهدَ أمانيه التي
قُرِنَ العيشُ بِها نِعمَ القرين
يومَ كنّا والهوى غضٌّ وما
فُتِحَتْ إلاّ على الطُهْر العُيون
ما عَلِمنا كيفَ كُنّا ، وكذا
دينُ اهلِ الحبِّ والحبُّ جُنون
أشرقَ البدرُ على هذي الرُبى
أفلا يُخسِفُه منكُمْ جَبين
جَلَّ هذا الجِرمْ قدراً فلقد
كادَ يهتزُّ له الصخرُ الرزين
كل أوقاتيَ رهنٌ عندَه
الدجُى . الفجرُ. الصبحُ المبين
سَألونا كيف كنتم ْ ؟ إن مَنْ
دأبُه ذكرُكمُ كيفِ يكون !
هوَّن الحبَّ على اهل الهَوى
أن تَركَ الحبِّ خطبٌ لا يهون
ما لهُمْ فيه مُعينونَ وما
لذَّةُ الحب إذا كان مُعين(70/65)
ميَّزَت ما بين أرباب الهوى
ودَعاويهم : وجوٌ وجُفون
وهواكُمْ لا نَقَضْنا عهَدكُمْ
وَضمينٌ لكُمُ هذا اليمين
ايفى النجمَ فيبقى ساهراً
مُحيياً سودَ الليالي ونخون
شَرَعٌ في الناس والدينُ وعودٌ
عم فيها الخُلْفُ والوعدُ ديون
أين من يُرضيكَ منه حاضِرٌ
وهو في عِرضِكَ إن غبتَ ضَنين
فعلى الخير يقينٌ ظَنُّهُ
وعلى الشرِّ فكالظنِ اليقين
جدِّدي كيف اطِّراحي فارساً
ولمرأى وَطَني كيفَ الحنين
وَسلي قلبيَ لِمْ ضاقتْ به
فارسٌ وهي رياضٌ لا سُجون
ضَحِكَت فيها من الروض وجوة ٌ
وجَرَت بالسَلْسَلِ العَذبِ عُيون
واكتَسَتْ بالحسنِ هاماتُ الرُبى
كيفَما شاءَ لها الغيثُ الهَتون
حبذا فارسُ من مُستوطَنٍ
عافَه وخلاّه القَطين
أفَهذا قصرُ " فَرهادِ " الذي
جمعته مع " شيرينَ" المَنون
مثَّلا للحبِّ دوراً طاهراً
لم يَشُبْ أثوابَه البيضَ مُجون
ليس منه غيرُ رسمٍ دارسٍ
مُخبرٍ أنَّ رَحى الدهرِ طَحون
أولا كسرى ولا أجنادهُ
خُلِّيَتْ منهم قِلاعٌ وحُصون
سلَفَت فيهم سنونٌ تَرفاً
واتَتهْم بالبَلِّيات سنون
وكذا الدهرُ على عاداتِه
إن صَفَا حِِينَ نبا والتاث حين
جدِّدي ذكرَ بِلادي إنَّني
يهواها أبدَ الدهرِ رَهين
انا لي دينان : دينٌ جامع ٌ
وعراقي وغَرامي فيه دِين
القوافي أدُمُعٌ منظومةٌ
والأناشيدُ بُكاءٌ وحَنين
كيف لا تُحزنكُم أُهزوجةٌ
كانَ من اوتارها القلبُ الحزين
اكسُ ياربِ بلادي رحمة ً
وحناناً مثلما يُكسَى الجنين
امحُ عنها ذُلَّ ارهاقِ العِدى
أنها ما عُوِّدَت عاراً يَشين
يا مُدانينَ اضاعُوا وطناً
هو للحشرِ بمن فيه مدين
اين كانَ الوطنُ المحبوبُ إذْ
قَلَّتِ الزينةُ مالٌ وبَنون
ليسَ يخفَى أمركُم من بعِدما
قَلِّبَت منه ظُهور وبُطون
كم يُروى منفوخةً أوداجُهُ
من نِعاجٍ هُزِلَتْ ، ذئبٌ سمين
تَبخَس الأوطان ظلماً حقَها
ثم لا يُسترخَصُ العمرُ الثمين
هذه بغدادُ ، هذا كرخُها
هذه دجلةُ والماءُ المَعين
هذه الدورُ التي شيَّدها(70/66)
للسَمَا " مستنصرٌ " أو " مستعين "
كلها تُصبحُ إرثاً ضائعاً
ليَنُح" هارونُ " وليبكِ " الأمين "
ليس تنفكُّ بلادي كلُّها
يَبَسٌ أو كلُّها ماءٌ وطين
دجلةٌ والنيلُ والشامُ معاً
و" الصَّفا " تندُبُ شجواً و " الحَجون "
قُطِّعَتْ أوصالُها ، وافترقتْ
فشِمالٌ ليس تدري ويَمين
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> وفى الربيع
وفى الربيع
رقم القصيدة : 64285
-----------------------------------
غَدرَ الصِبا وَوَفى الربيعُ لريفِه
شتانَ بين أليفنا وأليفِه
عادت لتفويفِ الصبا أزهارهُ
أترى صبايَ يعود في تفويفه
سقياً لشرقيِّ الرُصافة اذ صَفَا
عيشٌ بمرتَبَع الهَوى ومَصيفه
من سفح دجلةَ حين رق نسيمهُ
سَحَراً وراقت دانيات قُطوفه
أحبابَنا في الكرخ هل من زورةٍ
لنَحيل جسم بالفراق نحيفه
أهوَى لأجلكُمُ العراقَ فمُنيتي
في قُربكم لاخصبِه أو ريفه
لي فيكُمُ قَمرٌ يُهيُّجني له
ان البِعادَ يَروعُنى بخُسوفه
ومسجفٌ لو لم يُحَجَّبْ كانَ مِن
زفراتِ أنفاسي بمثل سُجوفه
متنقلُ الأوفياء شْيَّعَ ركبَه
نَفسَي يُناطُ بسَيره ووُقوفه
يَلوي الوعودَ فلا تُزَرُّ جيوبهُ
إلاّ على نزْرِ الوفاء ضعيفه
ما الطيرُ حامَ على الغدير فراعَه
وحشٌ فظَّل يحوطهُ برفيفه
ظمآنَ لاوِردٌ سواه فَينثنى
عنه ولا يسطيع خوض مَخوفه
يوماً باولعَ من فؤادي إذ نأوا
عنه بمجدولِ القَوام رهيفه
لا تُنكروا قلبي الخَفوقَ فانما
هي مهجةٌ قد عُلِّقت بشُفوفه
ما هاجَ قلبَ الصبِّ الا الصدغُ في
تشويشَه والشَعرُ في تصفيفه
أرَّقْتَ طَرْفاً لم تَرِقَّ لقَرحه
وأخَفْتَ قلباً لم تُرَع لحفيفه
الله يشهدُ أنني القىَ الهوى
بلسانِ فاسقِه وقلبِ عفيفه
اني وإن كانَ التصابي هفوةً
مني وكم ساع لجلبِ حُتوفه
لأحِنُّ للعهد القديم صبابةً
كحنين إلفٍ نازحٍ لأليفه
ولئن سلوتُ ففي التهاني سلوةٌ
" بمحمد " صَفْوِ الندى وحليفه
يابن " الحسينِ" وانت تخلُف ذكرَه
أكرمْ بمخلوف مضى وخليفه(70/67)
سرَّت ثراه بروقُ عرسِك فاغتدت
عنه وذكر هناكَ أُنسُ مخوفه
بك في " العلي " عن " الحسينِ " تصبرٌ
بممجدٍّ ثبتِ الجِنان رؤوفه
لا تُجهدنَّ الشعر يا نَظامَه
فصفاتُه تُغنيك عن تَوصيفه
جَمَّ النَدى أنساه عن عثراتهِ
في الجودِ بذلُ مئاتهِ وألوفه
طَرِبٌ يُغَنِّنيه سَميرُ ضيوفه
لا " معبدٌ " بثقيلِه وخفيفه
شَيِمٌ أنافَ تليدُها لطريفها
فسما بها بتليده وطريفه
يابنَ النبيِّ وتلك أشرفُ نسبةً
ومُضافُ مجدٍ ينتمى لمُضيفه
لم يُرغَم الحسّادُ الا مفخراً
أغناهُم التنزيل ُ عن تحريفه
شَرَفٌ محلّ الشهب دونَ مَحلِّه
ومُنيفُ بُرجِ الشمسِ دون مُنيفه
بيت به طاف العُفاةُ ففضلهُ
باد كفضل البيت في تَطويفه
يَغديكَ من ضربَت به المثلَ الورى
نُجلاً فقُرصُ الشمس قُرصُ رغيفه
سَحَّت عطاياه فما من ناظرٍ
الاتمنىَّ الطيفَ من مَعروفه
لو رام يمحو البخل عنه مُدافعٌ
عكفت طبيعتُه على تعنيفه
ويقولُ إن قالوا تصرف درهمٌ
ليت الجمودَ عَداهُ عن تصريفه
ولقد أراكَ ولليراعةِ مَرحٌ
في القول بين غريبِه ولطيفه
قَلَمٌ سقاهُ فيضُ كفِّك فالتقَت
بيضُ الأماني بين سودِ حُروفه
لدنٌ إذا ما الدهرُ جّد فهزَّة
في طِرسه تكفيكَ ردَّ صُروفه
ما جال في جَلبَات طِرسِكَ سابقاً
الا وجاءَ من النَدى برديفه
كم مُشكلٍ مُستَنبَط بدقيقهِ
وسمينِ خطبٍ مُذعنٍ لعجيفه
كالسيلِ في تحديرهِ والسيفِ في
تطبيقِه والرُمحِ في تثقيفه
وكأنه بين السُّطور مدِّبرٌ
للجيش اعَجَبه انتظامُ صُفوفه
معروفُ شعري في مديح محمدٍ
أزْرَت بدائعُه على " معروفه "
نَفَسٌ شأى نَفَسَ الكهول وإنما
ظَرْفُ الشباب يلوحُ في تفويفه
وقصائدٍ رَّقتْ فكان مدبُّها
كالخمر من ثَمِل القَوام نزيفه
أسِفَ الحسودُ بما علون وان أعِشْ
لأطَولنَّ بهن حزنَ أسيفه
إن زِينَ قومٌ بالقصيد فانني
باسمي يزانُ الشعرُ في تعريفه
دمتُم ودام المجد في تشريفه
جُوداً ، ودامَ الفضلُ في تأليفه(70/68)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تحت الرسم
تحت الرسم
رقم القصيدة : 64286
-----------------------------------
أ"أحمدُ " م أبْثَثَتُكَ الهمَّ والجوى
مكاشفةً إلا لأنك " عارفُ "
ألا لا تَنَلْ شكوايَ منكَ فانها
تُؤلِّمُ حتى الصخرَ هذي القذائف
يقولون " " مطبوعُ القريض لطيفُه "
فهل قوبلت باللطف تلك اللطائف
ألا لو يبوحُ الشعر مني بما انطوى
لَهَبَّتْ على هذي الطُروس العواطف
سيُغنيك رسمي عن أمور كثيرة
فظاهرُهُ عن باطن الأمر كاشف
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> لولا...
لولا...
رقم القصيدة : 64287
-----------------------------------
الروح أشْقَتني وجُلُّ صَحابتي
ما أشقتِ الشعراءِ إّلا الروحُ
توسي الجروحُ وليس يوسي شاعرٌ
بصميم إحساساته مجروح
في القلب من أثرِ الهُموم ووَسْمِها
سِمةٌ على النَّفسَ الحزين تلوح
فَنِيَتْ قواف ما قرحن وإنما
خلدت بذكرى " ذى القروح " قروح
ولَكَمْ طَرِبتُ فما أجَدتُ وحسبكم
أني أُجيد الشعر حين أنوح
أما التباريحُ الحِرارُ فإنها
للنَفْس مما تشتكي ترويح
يا موطناً عَزّت به " خرطوشةٌ "
ذُلاًّ وهانَ دمٌ له مسفوح
لولا اتقاءُ رواصدٍ مبثوثةٍ
هتكتْ مُتونَ المجملات شروح
ولقد يَحسُ الشاعرون بأنهم
عبءٌ على أوطانِهِم مطروح
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ضحايا الأنتداب
ضحايا الأنتداب
رقم القصيدة : 64288
-----------------------------------
سل الأخوين معتنقين غابا
لأيةِ غايةٍ طَويَا الشبابا
وعن أي المبادئِ ضيَّعوهُ
دماً لم يألُهِ الناسُ اطِّلابا
أللاؤطان وهي تَعِجُّ شكوى
كعهدهما وتصطخبُ اصطخابا
ولو كَدَمَيهما سالت دماء
محرَّمة لما رأت انقلابا
على الأخوين معتنقين صفا
كما صفَّفتَ أعواداً رِطابا
عَتَبتُ وغاية في الظلم أني
أحمِّلُ فوق ما لقيا عتابا
أدالَ الله من بيتٍ مُشادٍ
على بيتٍ يخلِّفهُ خرابا
ولاَ هنأتَ بما لَقِيت أناسٌ(70/69)
على قبريكما رَفَعوا القِبابا
مشى نعش يجرُّ وراه نعشاً
سحابٌ مُقلع قَفّى سحابا
وناحتْ خلفه أشباحُ حزنٍ
يُخفِّي نطقُها الالمَ اكتئابا
بعين الله منتظرينَ أوباً
بما يُبكي الصخورَ الصمَّ آبا
دم الاخوين في الكفنين يغلي
خطاب لو وَعىَ قومٌ خطابا
سيعلمُ من يخال الجَوَّ صفواً
بانَّ الجْوَّ مملوء ضبابا
ومن ظن المجالسَ عامراتٍ
بمدح أنها شُحِنَتْ سِبابا
ويعرفُ من أراد صميمَ شعبي
رَميِّاً أيَّ شاكلةٍ أصابا
ويُدرِكَ أينَ صفوُ الماء عنه
وريِّقُهُ إذا وَرَدَ اللصابا
ولو عَرَفت بلادي ما أرادَت
بها النُواب لم ترد انتخابا
فلا وأبيكَ ما ونَتَ الليالي
تُديف لموطني سُمّاً وصابا
حَدَدْنَ لقلبه ظُفراً فلما
وَجَدْنَ بقيةً أَنشبْنَ نابا
فيالكَ موطناً واليأسُ يمشي
فلو رام الرَجا حُلُماً لخَابا
أرادَ الرأسَ لم يحصلْ عليه
مكابرةً ولا لزمَ الذُنابي
لمن وإلى مَ مِن ألمٍ يُنادي
كَفاَه مذَّلةً أن لا يجابا
وهل طرَقتْ يمينُ الحق بابا
ولم تسدد شِمال الظلمِ بابا
فواأسفاً لمطّلبٍ طلابا
يخال الموتَ اقربَ منه قابا
وقد اتخذوا لحومَ بنيهِ زاداً
وقد لبِسوا جلوَدهُمُ ثيابا
رضُوا من صُبحِهم فجراً كِذاباً
ومن أنوار شمسهِمُ اللعابا
وقرَّت للأذى منهم صُدورٌ
فسَمَّوهُنَ افئدةً رِحابا
ووقر من أتاحَ العابَ فيهم
وقالوا إنهم يأبَون عابا
لقد طاف الخيالُ عليَّ طيفاً
رأيتُ به الحمامةَ والغُرابا
فكان العدلُ ممتلئاً سَقاماً
وكان الظلمُ ممتلئاً شبابا
فيا وطني من النكبات فَأمَنْ
فقد وَفََّّتكَ حظَّك والنصابا
وان خَشُنَتْ عليك مكاشفاتٌ
فحسبُك أن تُجامَلَ أو تحابَى
وان طُوِيت على دَغَلٍ قلوبٌ
فقد أُعطِيتَ ألسنةً رطابا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ايها المتردون !
ايها المتردون !
رقم القصيدة : 64289
-----------------------------------
أساتذتي أهلَ الشعورٍ الذينَ هُمْ
مناريَ في تدريبتي وعمادي(70/70)
أروني انبلاجا في حياتي فانَّني
سئمتُ حياةً جُلّلتْ بسواد
وما الشاعرُ الحسَّاسُ صِنوٌ لِعيشةٍ
مكرَّرةٍ مخلوقةٍ لجماد
خذوا بِيدَيْ هذا " الغريب ِ" فانَّه
لكلِّ يدٍ مُدَّتْ إليه مُعادي
لئن جئتُ عن أزمانِكمْ متأخراً
فإنّي قريبٌ منكمُ بفؤادي
لغيرِ زمانٍ كَوَّنَ الدهرُ نزعتي
وكوَّنَ أعصابي لغير بلاد
وعنديَ منكمْ كلَّّ يومٍ مَجالسٌ
ترفُّ بها أرواحُكم ونوادي
معي روحُ "بشَّارٍ" وحَسبْي بروحه
تقرّبني من حكمةٍ وسَداد
تعّلِمني سُخفَ القوانينِ في الورى
وسوءَ نظامٍ لم يجئ برشاد
وطوراً مع الشَّهم الظريف " ابن هانيءٍ "
يراوح خمَّاراً له ويغادي
يسجّل ما احصْت يداه بدقَّةٍ
ويمزُج منه صالحاً بفساد
ومن قبلُ " للحاناتِ" كانت ولم تزلْ
لدى الشعراء النابهينَ أيادي
تعوِّضهمْ عن وحشةٍ بانطلاقةٍ
وعن يقظةٍ مذمومةٍ برقاد
أساتذتي ، لا تُوحِدوني فانَّني
بوادٍ وكلُّ الشاعرين بوادي
ولا تعجبوا أنَّ القوافي حزينةٌ
فكلُّ بلادي في ثيابِ حِداد
وما الشعر إلاَّ صفحة من شَقائها
وما أنا إلاَّ صورة لبلادي
فلا تذكروا عيشي فانَّ يراعتي
تَرفَّعُ عن تدوينه ومدادي
أمرُّ مَن المِلح الأُجاج مواردي
وأرجعُ من شوكِ القتادةِ زادي
تقدَّمني مَن لستُ أرضى اصطحابه
وطاولني من لم يكنْ بعدادي
وضُويقتُ حتى في شعوري وإنَّما
شعوري ّبُقيا عُدَّتي وعتادي
وما لذَّةُ الدُّنيا إذا لم أكن بها
أُمتَّع في تفكيرتي ومرادي
وما أنا بالحُرِّ الذي ينعتَونه
إذا لم يكن في راحَتَيَّ قيادي
أُصرِّفُه فيما أروم وأشتهي
وأبذلُ فيه طارفي وتلادي
وماذا يريدُ الناسُ مني وإنَّما
" لنفسي صلاحي أو عليَّ فسادي "
فلا تَنشُدوا حُريّةَ الفكر إنَّها
"ببغدادَ " معنى نكبةٍ وصفاد
فما كان بشَّارٌ بأوَّلِ ذاهبٍ
ضحيَّةَ جهلٍ شائنٍ وعناد
إلى اليوم في" بغداد " خنقُ صراحةٍ
وتعذيبُ الافٍ لأجل أحاد
مداخلةٌ في مجلسٍ ومساربٍ
وتضييقةٌ في جِيئةٍ ومَعاذ(70/71)
وخلّوا اهتضامَ الشعر إنَّ حديثَه
شجونٌ ، اقضَّتْ مضجعي وَوِسادي
خلَتْ حَلبةُ الآداب إَّلا هجائناً
ملفَّقَةً سدَّتْ طريق جياد
تشكَّى القريضُ العابثين بَحقله
كما يتشكَّى الروضُ وقعَ جراد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الأدب الصارخ
الأدب الصارخ
رقم القصيدة : 64290
-----------------------------------
ونَفسٍ لاقتِ الصدماتِ عزلى
وكانت وهي شاكيةُ السلاحِ
وقد كانتْ سباخاً فاستثيرت
وفلَّ صميمَها وقعُ المساحي
وأفراحٍ شحيحاتٍ أديفت
بأتراحٍ جُبِلْنَ على السَّماح
أأقرَبُ ما أكونُ إلى انقباض
وأبعَدُ ما أكون عن انشراح
وَشتَّان اقتراحات الليالي
وما تَبغيه مني واقتراحي
فليتَ حوادثأً ما رفَّهَتْ لي
نطاقَ العيشِ لم تحصُصْ جناحي
وليتَ مخابراً قَبُحَت دَهَتني
مجرَّدةً عن الصُورِ القِباح
إلى ألَمٍ وعن أَلَمٍ مسيري
فما أدري غُدويَّ من رَواحي
وما أختارُ ناحيةً لأنّي
رَماني الدهرُ من كل النواحي
وملء القلبِ إذ حبست لِساني
ظروفٌ مغرماتٌ باجتياحي
جراحٌ لم تَفِضْ ، فملئن قَيحاً
وبعضُ الشر لو فاضت جِراحي
رأيتُ معاشرَ الشعراء قبلي
تعدُّ الخمر مَجلبةَ ارتياح
وقد أُغرِقْتُ في الأحزان حتى
سئمتُ مَنادمي وَذَممتُ راحي
وما سكرانُ يقتحِمُ البلايا
كمُقتحِمِ البليةِ وهو صاحي
بعينِ الشعرِ والشعراءِ بيتٌ
هَتَفْتُ به فطارَ مع الرياح
يَهُبُّ مع الصَبا نَفسَاً رقيقاً
ومؤتلقاً يطيرُ مع الصَباح
له من وقعهِ نَسَبٌ صريح
يمتُّ به إلى الماءِ القراح
ولو في غيرِ أوطاني لجالتْ
به نظم القلائد والوِشاح
وقائلةٍ ترى الآدابَ سَفَّت
وقد غطّى النُعابُ على الصُداح
وما نفعُ السكوتِ وقد أُضيعتْ
حقوقُ ذوي الجدارهِ بالصياح:
تقدَّمْ للقوافي واقتَحِمْها
فقد يُرجى التقدُّمُ بالكفاح
أقول لها :دعي زَندي فاني
أخافُ عليك بادرةَ اقتداحي
وكلُّ حقيقةٍ ستَبينُ يوماً
وكل تصنّعٍ فإِلى افتضاح
وما بغدادُ والآدابُ إّلا(70/72)
كما انتفخت طبولٌ من رياح
تُوفّي الحُرَّ من حقٍ مُضاعٍ
ومن عِرضٍ تمزِّقُه مُباح
ولما أنْ رأيتُ الشعرَ فيها
أداةً للتشاحن والتلاحي
أنرتُ ذُبالَ مسرجتي بكفي
أفتشُ عن أديبٍ في الضواحي
فكان هناك تحتَ ستارِ بُؤسٍ
يجلِّله وفي ثوب اطراح
أقول له : ألا وجهٌ حييٌ
يقيكَ طوارقَ النّوَبِ الوِقاح؟
أما في الحيِّ معترفٌ بفضلٍ
يناشِد عن غدوِّكَ والرواح؟
فقال وأرعشتْ شفتاهُ : دعني
أقابلْ جِدَّ دهرِكَ بالمُزاح
ومثلي ضحَّت الدنيا كِثاراً
فهبني بعضَ هاتيك الأضاحي(70/73)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الشاعر والعود
الشاعر والعود
رقم القصيدة : 64291
-----------------------------------
ما سَمِع السامعونَ آسى
من شاعرٍ ضَيمَ في العراقِ
ألوى على عوده شَجيّاً
يبُثُه فَرْطَ ما يُلاقي
إذا بكى ارتدَّ يبكي
شَجْواً لألحانه الرِقاق
في ذمةِ الله ما تُلاقي
يا عودُ منّي وما أُلاقي
روحانِ مني ومنكَ باتا
من وَطأة الهمِّ في الترَاقي
ما ضاق منك الخِناقُ يوماً
لو نفَّسَ الدهرُ عن خِناقي
يا دهرُ خُذني واحلُلْ وَثاقاً
أرهَقَ عُودي واحلُلْ وَثاقي
أو لا فحِّولْ أنّةَ أسري
عنه إلى نغمةِ انطلاق
فَغَمْغَمَ العودُ واستجاشَت
أشجانُهُ خطرةً الفِراق
اِسْلَمْ رفيقَ الصِّبا ، ألوفٌ
تفدِّيك مثلي وأنتَ باق
قبلكَ واسيتَ ألفَ شاكٍ
والفَ حاسٍ وألفَ ساق
من فضلِ ما أوحت الرزايا
إليَّ مُيِّزت عن رفاقي
أقول لما انبرتْ غُصونٌ
أعوادَها تبتَغي لَحاقي
أحْملْنَ مثل الذي أُلاقي
من اصطباحي أو اغتباقي
طارِحنَ مثلي أخا شجونٍ
شاركنَ مثلي اخا اشتياق
ربَّ نهارٍ كنتُنَّ فيه
جنباً إلى جنب في اعتناق
قضيته جنبَ ذي شجونٍ
أخافُ من بثِّه احتراقي
وربَّ ليلٍ سهِرتُ فيه
أشدو حزيناً مع السواقي
اصبْر قليلاً يا عودُ إنّا
عما قريبٍ إلى افتراق
حملتَ عني ماضي همُومي
فاحمل قليلاً من البواقي
وَلَّى شبابي إّلا بقايا
ضحيةَ القلب والمآقي
والنفسُ تأبى إّلا انطلاقاً
والدهرُ يأبى إّلا ارتهاقي
والحزنُ لم يدخر صُباباً
يُبقه في كأسِه الدِهاق
اَلانِطفائي كان اشتعالي
اَلاحِتراقي كانَ ائتلاقي
وحين جاء الظلامُ يُرخي
سِتراً على الأوجه الصِّفاق
ورفَّ روحُ السلامِ يُخفي
غريزةَ الحِقْدِ والنِفاق
باتَ بطيّاته فؤادٌ
يشكُرُ لُطفَ الموت الذعاق
وجنبَه عودُهُ يُناغي
حَشرجةَ الصدرِ في السياق
الى التلاقي " عودي" وداعاً
وكيف بعدَ الموتِ التلاقي
اقرأْ سلامي على الرزايا
أعني سلامي على الرفاق
ذاك أديبٌ مات اضطهاداً(71/1)
ذاك هو الشاعرُ العراقي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> صفحة من الحياة الشعبية أو بيت يتهدم
صفحة من الحياة الشعبية أو بيت يتهدم
رقم القصيدة : 64292
-----------------------------------
سألَ شِعري بالرَغم عَنيَّ حزناً
أبتغي فَرحةً فما تَتَسَنَّى
كلُّ صَحْبي يشكون شكوايَ لكنْ
ربّما يضحكونِ خُسْراً وغَبنْا
لو لـ" جوتٍ " تبد وتعاسةُ هذا الشعبِ
يوماً لكانَ أجملَ فنّا
لتناسَى " الآمَ فَرترّ " طرّاً
رُبَّ حزنٍ يُنسِي أخا البؤسِ حزنا
من شبابِ العراق تعلو الكآباتُ
وُجوهاً تفيضُ طُهراً وُحسْْنا
لو تَراها عجبتَ ان لا يَهُزَّ الشرخُ
قلباً او يُضحِكَ الزهوُ سِنا
أعلى هذه النُّفوسِ - من اليأس
استماتت - مستقبلُ الشعب يُبنى
يَتَغَذَّى دمَ القُلوب شبابٌ
لا يُريدُ الحياةَ ذُلاًّ ووَهْنا
خُدْعةٌ هذه المظاهرُ ما في القوم
فردٌ يعيشُ عَيشاً مُهَنْا
الثياب الفَرْهاء رفَّتْ عليهم
كضمادٍ غطَّ جِراحاً وطَعْنا
والاحاديثُ كلُّها تشتكي " البؤسَ "
وفصلُ الخطاب أنّا " يَئِسْنا "
إيهِ أُمّاهُ ما أرابَ شقيقَ النفسِ
منّا حتى تَبعَّدَ عنّا
منذ يومينِ ليسَ يَعرِف عمّا
نحنُ فيه شيئاً ولا كيفَ بِتْنا
جائيا ذاهبا يقسِّم في الأوجه
لحظَيهِ من هُناكَ وهَنْا
إيه أُمّاهُ إن نفسي أحسَّت
ما يُُقذِّي عينا ويُوقِرُ أُذْنا
فانبرت دمعةٌ تُترجم عما
في ضمير الأُمِّ الحنونِ استَكَنّا
اِسمَعي يا عزيزّتي أنَا أوفى
منكِ خُبْراً إذْ كنتُ أكبر سِنا
ولدي مُذْ عَرَفتُه يملأ البيتَ
بتفكيرِهِ ارتهاباً وحُزناً
ولدي طامحٌ تُعنَيه آمالٌ كِثارٌ
إن الطَّموحَ مُعَنَّى
يَتَمنَّى كلَّ السُرور ولا يسطيعُ
نيلاً لبعض ما يَتَمنّى
لو بكفِّي مَنْعتُ جُلَّ القوانينِ
على الحقِ نِقْمةً أن تُسَنَّا
لا نظامٌ حرُّ فيرْعى الكفاءاتِ
ولا مَن يُقيمُ للحر وزْنا
عُكِسَتْ آيةُ الفضائلِ فالأعلى
مَقاماً من كانَ في النفس أدْنى(71/2)
ساكنُ القصر لو إلى ذِمة ِ الحقِ
احتكمنا لكانَ يسكُنُ سِجنا
ولكانَ الحريَّ أن تتحاشاهُ البرايا
لا أن يُبَرَّ ويُدْنى
إنَّ ما يجتنيه من مُنكَرات العيشِ
من شَقْوةٍ البريئينَ يُجْنَى
وقناني الخمرِ التي عَصَرُها
من دُموعي ومن دُموعِكِ تُقْنَى
ولدي اختَشي عليه من الموتِ
انتحاراً وختشِي انْ يُجَنّا
أسمعتيه بالأمس ِ اذ يَتحدَّى الناسَ
إني عَرَفتُ مَرْمَاهُ ضِمنا
هوَ يشكوُ من النَّذالةِ خَصْماً
وهو يشكو من الخيانةِ خِدنْا
ولدي لم يكنْ ليحملَ - لولا
ان يُلِحُّوا به - على الناسِ ضِغْنا
ما لزَوجي إذا ذَكَرتُ له الأنسَ
وما أرتجي من العيشِ أنا
انَّّةٌ سرُّها عميقٌ وفيها
ألف معنَّى من القُنوط ومعنى
كاسراً جفنَه يخالِسُني اللحظَ
لأمرٍ في النفسِ يكسِرُ جَفْنا
اتُرى من اشفاقةٍ هذه النظرةُ
أم ساءَ بي ، وحاشايَ ، ظنّا
خَلَتِ الغُرفةُ الصغيرةُ من توقيعِ
زوجي فلستُ اسْمعُ لَحنا
أنا واللهِ كنتُ أستشعرُ
معنَى الحياةِ إذْ يَتَغَنى
في سوادِ الدُجى وعاصفةِ الأقدارِ
هبَّت تَجتَثُّ بالعُنفِ غُصنا
من على دجلةٍ تِكَشَّفُ للضيف
عزيزاً على الطبيعة - حِضنا
شَبَحٌ لاح من بعيدٍ يَحُثُّ
الخطوَ طوراً وتارة يتأنَّى
يا لَه موقفاً يمثِّلُ مذهولاً
يُعانِي حالَين خَوفاً وأمْنا
زوجتي سوفَ تستفيقُ من النومَ
صَباحاً فما تَرانيَ وَهْنا
سوف تجتاحُها الظُنونُ ولهفي
اذ تُنبَّي عن صدق ما تَتَظَنّى
زوجتي ما اقترفتُ إثماً ولكنْ
كيفما شاءتِ النواميسُ كُنّا
زوجتي أوسِعي النزاهةَ ما اسطعتِ
سِباباً وأوسعى الحقَ لَعْنا
أُقتلي بنْتَكِ الصغيرةَ لُبنى
لا تكابدْ ما كابدت أمُّ لبنى
وعجوزٌ هنا لِكُمْ حسبُها من رحمةِ
الدهرِ أنْ ستفقِد إبْنا
لو تخيرتُ لي الهاً لما ألَّهْتُ
إلاّ من هيكل الأم بطنا
و"ربابٌ " شقيقتي بعد موتي
أبداً بالحياة لا تَتَهنّا
وسأقِضي فيوسع الناسُ تاريخي
بعد المماتِ سّباً وطَعنا
يا لها من نذالةٍ في أحاديثَ(71/3)
تُسمِّي شجاعةَ الموتِ جُنبا
اشهَدي دجلةٌ بأني - كما كنتُ -
قوياً جسماً وعزماً وذِهنا
شاعرٌ بالوجود أُغمِضُ عما
فيه من هذه المناظِرِ جَفنا
كلُّ هذا وسوف أنتحرُ اليوم
لأنيّ أرى المعيشةَ غَبنا!
احملي " دجلةٌ " سلامي الى الأهل
وقولي : قد استراحَ المعنّى
حَمَلوا - بعد أربعٍ - جُثةً لم
تتميز منها النواظرُ رُكنا
وانحنَتْ فوقها الأمومةُ خرساءَ
تُزجّى يُسرى وتَرفع يُمنَى
لم تُطِق أنةٍ فماتت - وقد يدفع -
موتاً عن ثاكلٍ أن تئنّا
واستخفَّ الشقيقةَ " الصْرعُ " فهي اليومَ
نِضوٌ يعالج الموتَ مُضنَى
وحديثُ الأخرى اتركوهُ فقد
يُغنيكُمُ عن صراحةٍ أن يُكَنّى
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أمان الله
أمان الله
رقم القصيدة : 64293
-----------------------------------
وَداعا ما أردت لكَ الوَداعا
ولكنْ كانَ لي أملٌ فضاعا
وكمْ في الشرقِ مثلي من مُرَجٍّ
أرادَ لكَ النجاحَ فما استطاعا
وإنَّ يداً طوتكَ طوتْ قلوباً
مرفرفِةً وأحلاماً وِساعا
وقد كانت متى تذكَرْكَ نفسي
تَطِرْ -إذْ تمتلي فرحاً - شَعاعاً
فها هيَ بينَ تأميلٍ ويأسٍ
تُصبَّرُ ساعةً وتجيشُ ساعا
أمان الله والدُّنيا "هَلوكٌ "
أبتْ إلَّا التحوُّلَ والخِداعا
بغيرِ رويَّةٍ حُبّاً وكُرهاً
إذا كالتْ تُوفّي المرءَ صاعا
تثَّبتْ لا ترعُكَ فليس عدلاً
ولا عَّودتَ نفسكَ أنْ تُراعا
إلهُ الشرِّ جبارٌ عنيدٌ
يحبُّ معَ الجبابرةِ الصراعا
وأحكامُ القضاءِ مغفَّلاتٌ
يُسئنَ إذا انتخبنَ الإِقتراعا
أرى رأسَ " ابنَ سقاءٍ " محالاً
يُطيق بتاجكَ الألِقِ اضطلاعا
بلى وأظنّه عمَّا قريبٍ
سيشكو من تحمّله الصدداعا
لقد أودى بعاطفتي ركودٌ
فها أنا سوفَ أندفعُ اندفاعا
تقدَّمْ أيها الشرقيُّ وامددْ
يديكَ وصارعِ الدُّنيا صِراعا
فقد حلَفوا بأنَّك ما استطاعوا
ستبقى أقصرَ الأقوامِ باعا
وأنَّك ما تُشيِّدْ من بِناءٍ
تَجِدْ فيه انثلاماً وانصداعا
وليس بأوَّلِ التيجانِ تاجٌ(71/4)
أرْدنَ له مطامعُهم ضياعا
فيا لِشقاء شعبٍ مَشرقيٌٍّ
إذا وجدوا به ملِكاً مُطاعا
وهبْ أوفى بـ " أنقرة " وأنعمْ
رُواءُ المُلك يَزدهرُ التماعا
فلمْ تكنِ " البَنيَّةُ " وهيَ فردٌ
لتعدِلَ ألفَ بنيانٍ تداعى
سأقذِفُها وإنْ حُسِبَتْ شذوذاً
وإن ثقُلتْ على الأذنِ استماعا
فما للحرِّ بدٌّ من مَقالٍ
يرى لضميرِهِ فيه اقتناعا
إذا لم يشْمَلِ الاصلاحُ دِيناً
فلا رُشْداً أفادَ ولا انتفاعا
وأوفقُ منه أنظمةٌ تُماشي
حياةَ الناسِ تُبتدَعُ ابتداعا
أتتْ " مدنيَّةُ الاسلام " لمّاً
لشعثٍ لا انشقاقاً وانصداعا
ولا لُترى مواطِنُها خراباً
ولا ليبيتَ أهلوها جِياعاً
ولا لتكونَ للغربيِّ عوناً
يهدَّدُ فيه للشرقِ اجتماعا
وإلَّا ما يُريدُ القومُ منَّا
إذا ألقتْ محَّجبةٌ قِناعا
أعندَ نسائنا منهمْ عهودٌ
بأنَّهُمُ يجيدونَ الدِّفاعا
أإنْ حُلِقتْ لحىً مُلئتْ نِفاقاً
تَخِذْتُمْ شَعرها دِرْعاً مَناعا
رفعتمْ رايةً سوداءَ منها
وثوَّرتمْ بها ناساً وِداعا
عَفتْ مدنيَّةٌ لدمارِ شعبٍ
وديعٍ تخدُمُ الهمجَ الرَّعاعا
همُ نفخوا التمرُّدَ في خِرافٍ
وأغرَوهنَّ فانقلبت سِباعا
ومن خُططِ السياسةِ إنْ أرادتْ
فساد المُلك أفسدَتَ الطّباعا
على أني وإنْ أدمى فؤادي
ليومك ما أضيقُ به ذراعا
أُحمِّلكَ الملامةَ في أُموراٍ
بِطاءٍ قد مشيِتَ بها سِراعا
وقد كانت أناةٌ منكَ أولى
وإنْ كنتَ المجرِّبَ والشجاعا
" وخيرُ الأمرِ ما استقبلتَ منه
وليسَ بأنْ تتبَعهُ اتباعا"
" ولكنَّ الأديمَ إذا تفرَّى
بلىً وتعيُّباً غلبَ الصَّناعا"
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> علموها!
علموها!
رقم القصيدة : 64294
-----------------------------------
علَّموها فقد كفاكُمْ شَنارا
وكفاها أنّ تحسَبَ العلمَ عارا
وكفانا من التّقهقُرِ أنّا
لم نعالج حتى الأمورَ الصغارا
هذه حالُنا على حينَ كادتْ
أممُ الغربِ تسبِقُ الأقدارا
أنجب الشرقُ جامداً يحسبُ المرأةَ(71/5)
عاراً وأنجبت طيارا
تحكم البرلمانَ من أمم الدنيا
نساءٌ تمثلُ الأقطارا
ونساء العراقِ تُمنعُ أن ترسمَ خطّاً
أَوْ تَقْرأَ الأسفارا
علِّموها وأوْسِعوها من التّهذيب
ما يجعلُ النّفوسَ كبارا
ولكي تُحسنوا سياسةَ شعبٍ
بَرهنوا أنّكم تسوسون دارا
أنَّكُمْ باحتقاركُمْ للنساء اليومَ
أوسعتُمُ الرّجالَ احتقارا
أفَمِنْ أجلِ أنْ تعيشوا تُريدونَ
لثلْثّيْ أهلِ البلادِ الدّمارا
إنَّ خيراً من أن تعيشَ فتاةٌ
قبضةَ الجهلِ أن تموتَ انتحارا
أيُّ نفعٍ من عيشةٍ بين زوجينِ
بعيدين نزعةً واختبارا
وخلال البيوتِ لا تجدون اليومَ
إلاّ خصومةً وشِجارا
اختياراً بالبنت سيروا إلى صالحها
قبل أن تسيروا اضطرارا
فعلى قدر ما تزيدون في الضغط
عليها ستُوجدونَ انفجارا
وَهَبوا مرةً نجحتم فلا تنخدعوا ،
سوف تُخْذلون مرارا
ولدى الأمرِ لا محالةَ مغلوبٌ
ضعيفٌ يقاومُ التّيارا
وأرى جامداً يصارعُ تجديداً
كَقَزْمٍ مصارعٍ جبّارا
أينَ ، عن حرمة الأمومةِ داستْها
وحوشٌ ، المصلحونَ الغَيارى
قادة للجمودِ والجهلٍ في الشرق
على الشعب تنصُرُ استعمارا
لو بكفي ملأت دور المحامين
عن المرأة الجْهولةِ نارا
ازدراءً بالدينِ أن يُحسَبَ الدّينُ
بجهلٍ وخزيةٍ أمّارا
وبلاءُ الأديانِ في الشرق هُوجٌ
باسمه سامَوا النفوسَ احتكار
تُزدَرى رغبةُ الجماهيرِ في الشرقِ
وتُنْسى إنْ خالفت أنفارا
أسلَموا أمرهم إلى " الشيخ " عُمياناً
وساروا يَقفونه حيثُ سارا
وامتطاهم حتى إذا نالَ بغياً
خَلَعَ اللُّجْمَ عنهُمُ والعِذارا
نَبذَ القِشْرَ نحوهم باحتقار
وَحوَى اللبَّ وحدَهُ والخِيارا
دفعوا غُنْمَهمُ إليه وراحواً
يحمِلون الأثقالَ والأوزارا
عاطلاتٍ نساؤهم ونساء " الشيخ "
حُلِّينَ لؤلؤاً ونُضارا
وإذا جاءت الشدائدُ تَترى
قدَّموهم وولَّوا الأدبار
حالةٌ تُلهب الغيَارى وتستصرخ
غُلبَ الرجالِ والأحرارا
ان بينَ الضُلوعِ ، مما استغلوه
بتضليلهم ، قلوباً حِرارا(71/6)
يُعوزُ الشعبَ كي يسيرَ إلى المجد
حثيثاً وكي يُوَقَّى العِثارا
حاكمٌ مطَلَقٌ يكون بما يعرف
من خير شعبه مختارا
يتحرَّى هذى الشنائعَ في الشرق بنفس
لا تَرهَب الأخطارا
إن يُطَعْ كان مشفقاً ، واذا ما
أحوجوا كان فاتكا جزارا
أو فلا يُرتَجى نهوضٌ لشعبٍ
ان يُقدِّمْ شبراً يُعيَقْ أشبارا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الرجعيون !
الرجعيون !
رقم القصيدة : 64295
-----------------------------------
ستَبقى طويلاً هذه الأزماتُ
إذا لم تُقصِّرْ عُمرَها الصدَّمَاتُ
إذا لم يَنَلْها مُصلحونَ بواسلٌ
جريئونَ فيما يَدَّعونَ كُفاة
سَيبقى طويلاً يَحمِلُ الشعبُ مُكْرَهاً
مَساوئَ مَنْ قد أبْقَتِ الفَتَرات
قُيوداً من الارهاقِ في الشرقِ أُحكِمَتْ
لتسخير أهليه ، لها حَلَقات
ألمْ ترَ أنَّ الشْعبَ جُلُّ حقوقهِ
هي اليومَ للأفرادِ مُمتلَكات؟
مشتْ كلُّ جاراتِ العراقِ طموحةٍ
سِراعاً، وقامتْ دونهُ العَقَبات
ومِنْ عَجَبٍ أن الذينَ تكفَّلوا
بانقاذِ أهليهِ همُ العَثَرات
غداً يُمْنَعُ الفتيانَ أنْ يتعلَّموا
كما اليومَ ظُلماً تُمنَعُ الفتيات
أقولُ لقومٍ يَحْمَدونَ أناتهم
وما حُمِدتْ في الواجباتِ أناة :
بأسرعَ مِن هذي الخُطَى تُدرَكُ المُنى
بِطاءٌ لَعَمْري مِنكمُ الخُطُوات
وما أدَّعي أنَّ التهوُّرَ صالحٌ
متى صَلُحَتْ للناهضِ النزوات؟!
ولكنْ أُرَجي أنَّ تقوم جريئةً
لصدِّ أكُفِّ الهادمين بُناة
أُريدُ أكُفّاً مُوجِعاتٍ خفيفةً
عليها - متى شاءتِ - الَّلَطمات
فانْ ينعَ أقوامٌ علىَّ مقالتي
وما هي إلَّا لوعةٌ وشَكاة
فقد أيقَنتْ نفسي ، وليسَ بضائري
بأنّيَ في تلكَ العُيونِ قَذاة
وما النقدُ بالمُرضي نفوساً ضعيفةً
تهدُّ قُواها هذهِ الحَمَلات
وَهَبْني ما صلَّتْ علىَّ معاشرٌ
تُباعُ وتُشرى منهمُ الصَّلَوات
فلو كنتُ مِمَّنْ يطعمونَ بمالهِ
لعادَتْ قِداساً تلكمُ اللعنات
دَعُوها لغيري عَلَّكُمْ تحِلُبونها(71/7)
ستُغنيكمُ عن مِثليَ البَقَرات
وما هيَ إلاَّ جمرةٌ تُنكرونَها
ستأتيكُمُ من بَعدِها جَمَرات
قوارصُ قولٍ تقتضيها فِعالُكُمْ
وتدعوا " الهَناتِ " القارصاتِ " هَنات "
وإنْ يُغضِبِ الغاوينَ فضحٌ معاشرٍ
همُ اليومَ فيه قادةٌ وهُداة
فما كان هذا الدينُ ، لولا ادّعاؤهم
لِتمتازَ في أحكامهِ الطَّبَقات
أتُجبى ملايينٌ لفردٍ ، وحوَلُه
أُلوفٌٌ عليهمْ حَلَّتِ الصَّدقات؟!
وأعجبُ منها أنَّهم يُنكرِِونَها
عليهم ، وهمْ لو يُنصِفونَ جُباة
قذىً في عيونِ المصلحينَ شواهقٌ
بدتْ حولَها مغمورةً خَرِبات
وفي تلك مِبطانونَ صُغْرٌ نُفوُسُهم
وفي هذه غرثى البطونِ أُباة
ولو كانَ حُكْمٌ عادلٌ لتهَّدَمتْ
على أهلِها هاتيكمُ الشُرُفات
على باب " شيخِ المسلمين " تكدَّسَتْ
جِياعٌ عَلَتْهم ذِلَّةٌ وعُراة
همُ القومُ أحياءٌ تقولُ كأنَّهم
على بابِ " شيخِ المسلمين" موات
يُلَمُّ فتاتُ الخُبزِ في التربِ ضائعاً
هُناك، وأحياناً تُمَصُّ نواة
بيوتٌ على أبوابها البؤسُ طافحٌ
وداخِلَهُنَّ الأنسُ والشَّهَوات
تحكَّمَ باسمِ الدّينِ كلُّ مذَمَّمٍ
ومُرتكِبٍ حفَّتْ به الشُبُهات
وما الدينُ إلا آلةٌ يَشهَرونها
إلى غرضٍ يقضُونه ، وأداة
وخلفَهُمُ الأسباطُ تترى ، ومِنهُمُ
لُصوصٌ ، ومنهمْ لاطةٌ وزُناة
فهَلْ قَضتِ الأديان أن لا تُذيعَها
على الناسِ إلَّا هذه النَّكِرات
يدي بيدِ المستضعَفِينَ أُريهمُ
من الظُلْمِ ما تعيا به الكَلِمات
أُريهمْ على قلبِ " الفُراتِ" شواهقاً
ثِقالاً تَشَكَّى وطأُهنَّ " فُرات"
بنتْهُنَّ أموالُ اليتامى ، وحولَها
يكادُ يَبينُ الدمعُ والحسَرات
بقايا أُناسٍ خلَّفوها موارداً
تسدِّدُ لهوَ الوارِثِينَ ، وماتوا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> فلسطين الدامية
فلسطين الدامية
رقم القصيدة : 64296
-----------------------------------
لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألما
على فِلسْطينَ مسودّاً لها علما(71/8)
ساءت نهاريَّ يقظاناً فجائعُها
وسئن ليليَ إذ صُوِّرْنَ لي حلما
رمتُ السكوتَ حداداً يوم مَصْرَعِها
فلو تُرِكتُ وشاني ما فتحت فم
أكلما عصفت بالشعب عاصفةٌ
هوجاءُ نستصرخُ القرطاسَ والقلما ؟
هل أنقَذ الشام كُتابٌ بما كتبوا
أو شاعرٌ صانَ بغداداً بما نظما
فما لقلبيَ جياشاً بعاطفةٍ
لو كان يصدقُ فيها لاستفاضَ دما
حسب العواطف تعبيراً ومنقصةً
أنْ ليس تضمنُ لا بُرءاً ولا سقما
ما سرني ومَضاءُ السيفِ يُعوزوني
أني ملكتُ لساناً نافثاً ضَرما
دم يفور على الأعقاب فائرُهُ
مهانةٌ ارتضي كفواً له الكلما
فاضت جروحُ فِلَسْطينٍ مذكرةً
جرحاً بأنْدَلُسٍ للآن ما التأما
وما يقصِّر عن حزن به جدة
حزن تجدده الذكرى إذا قَدُما
يا أُمةً غرها الإِقبالُ ناسيةً
أن الزمانَ طوى من قبلها أمما
ماشت عواطفَها في الحكم فارتطمت
مثلَ الزجاجِ بحد الصخرة ارتطما
وأسرعت في خطاها فوق طاقتها
فأصبحت وهي تشكو الأيْنَ والسأما
وغرَّها رونقٌ الزهراء مكبرة
أن الليالي عليها تخلع الظُّلَما
كانت كحالمةٍ حتى اذا انتبهتْ
عضّتْ نواجذَها من حرقةٍ ندما
سيُلحقون فلسطيناً بأندلسٍ
ويَعْطفون عليها البيتَ والحرما
ويسلبونَك بغداداً وجلقةً
ويتركونِك لا لحماً ولا وضما
جزاء ما اصطنعت كفاك من نعمٍ
بيضاء عند أناسٍ تجحد النعما
يا أمةً لخصوم ضدها احتكمت
كيف ارتضيتِ خصيماً ظالماً حكما
بالمِدفع استشهدي إن كنت ناطقةً
أو رُمْتِ أن تسمعي من يشتكي الصمما
وبالمظالمِ رُدي عنك مظلمةً
أولا فأحقر ما في الكون مَنْ ظُلِما
سلي الحوادثَ والتأريخَ هل عرفا
حقا ورأياً بغير القوةِ احتُرما
لا تطلُبي من يد الجبار مرحمةً
ضعي على هامةٍ جبارةٍ قدما
باسم النظامات لاقت حتفَها أممٌ
للفوضوية تشكو تلْكم النظما
لا تجمع العدلَ والتسليحَ أنظمةٌ
الا كما جمعوا الجزارَ والغنما
من حيث دارتْ قلوبُ الثائرين رأتْ
من السياسةِ قلباً بارداً شبما
أقسمتُ بالقوة المعتزِّ جانبُها(71/9)
ولست أعظمَ منها واجداً قسماً
إن التسامح في الاسلام ما حصدت
منه العروبة الا الشوكَ والألما
حلتْ لها نجدة الأغيار فاندفعت
لهم تزجي حقوقاً جمةً ودما
في حين لم تعرف الأقوامُ قاطبةً
عند التزاحم الا الصارمَ الخذما
أعطت يداً لغريبٍ بات يقطعُها
وكان يلثَمُها لو أنه لُطِما
أفنيتِ نفسَكِ فيما ازددتِ مِن كرم
ألا تكفّين عن أعدائك الكرما
لابَّد من شيمٍ غُرٍّ فان جلبت
هلكاً فلابد أن تستأصلي الشيما
فيا فِلَسْطينُ إن نَعْدمْكِ زاهرةً
فلستِ أولَّ حقٍ غيلةً هُضِما
سُورٌ من الوَحْدةِ العصماءِ راعَهُمُ
فاستحدثوا ثُغْرَةً جوفاءَ فانثلما
هزّت رزاياكِ أوتاراً لناهضةٍ
في الشرق فاهتَجْنَ منها الشجوَ لا النغما
ثار الشبابُ ومن مثلُ الشباب اذا
ريعَ الحمى وشُواظُ الغَيْرَةِ احتدما
يأبى دمٌ عربيٌ في عروقِهِمُ
أنْ يُصبِحَ العربيُّ الحرُّ مهتضما
في كل ضاحيةٍ منهم مظاهرةٌ
موحدين بها الأعلامَ والكلما
أفدي الذينَ إذا ما أزمةٌ أزَمَتْ
في الشرق حُزناً عليها قصَّروا اللِمَما
ووحدَّتْ منهُمُ الأديانَ فارقةً
والأمرَ مختلفاً والرأيَ مُقتَسمَا
لا يأبهون بارهابٍ إذا احتدَموا
ولا بِمَصْرَعِهِمْ إن شعبُهم سَلِما
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> النزغة ! أو ليلة من ليالي الشباب
النزغة ! أو ليلة من ليالي الشباب
رقم القصيدة : 64297
-----------------------------------
كم نفوسٍ شريفةٍ حسَّاسه
سحقوهنَّ عن طريقِ الخساسه
وطباعٍ رقيقةٍ قابَلتهنَّ
الليالي بغِلْظَةٍ وشراسه
ما لضعفٍ شكوايَ دهري
فما أنكرُ بأسي وإن تحاميتُ باسه
غيرَ أني أردتُ للنجحِ مقياساً
صحيحاً فلم أجدْ مقياسه!
وقديماً مسَّتْ شكوكٌ عقولاً
وأطالتْ من نابهٍ وَسواسه
اِِِستغلَّتْ شعورَها شعراءٌ
لم تُنشني ظرافةً وكيَاسه
وارتمت ْ بيْ لإلى المَطاوحِ نفسٌ
غمرتها انقباضةٌ واحتراسه
عدَّتِ النُبلَ رابحاً واستهانتْ
من نعيمٍ ولذَّةٍ إفلاسه(71/10)
كلَّما أوشكتْ تبلُّ .. من الاخلاصِ
والصدقِ عاودتْها انتكاسه
تَعِسَ المرءُ حارِماً نفسَه كلَّ
اللذاذاتِ قانعاً بالقداسه
اِستفيقي لا بدَّ أنْ تُشبهي الدَّهرَ
انقلابا .. وأنْ تُحاكي أُناسه
لكِ في هذه الحياةِ نصيبٌ
اِغنميهِ انتهازةً وافتراسه
فالليالي بلهاءُ فيها لمن يُحسن
إبساسةً لها ، إسلاسه
مُخلَفاتٍ حلبتِها .. وأُناسٌ
حلَبوها درّارةً بسَّاسه
كلُّ هذا ولستُ أُنكرُ أنّي
من لذاذاتها اختلستُ اختلاسه
ألفُ إيحاشةٍ من الدَّهر قد
غطَّتْ عليها في ليلةٍ إيناسه
ليلةٌ تُغضبُ التقاليدَ في الناس
وتُرضي مشاعراً حسَّاسه
من ليالي الشبابِ بسَّامةٌ ، إنَّ
لياليَّ جُلّها عبَّاسه
ومعي صاحبٌ تفرَّستُ فيه
كلَّ خيرٍ فلمْ تخني الفَراسه
أريحيُّ ملء الطبيعةِ منه
عزَّةٌ وانتباهةٌ وسلاسه
خِدْنُ لَهوٍ ..إني أُحبّ من الشاعر
في هذه الحياةِ انغماسه
عرَّقتْ فيه طيّباتٌ ويأبى
المرءُ إلاَّ عروقَه الدسَّاسه
ولقد رُزْتُه على كلّ حالاتِ
الليالي فما ذممتُ مَساسه
كان مقهى " رشيد " موعدنا عصراً
وكنَّا من سابقٍ أحلاسه
مجلسٌ زانَهُ الشبابُ ، وأخلوا
" للزهاويِّ" صدرَه والرياسه
هو إنْ شئتَ مجمعٌ للدُّعاباتِ
وإن شتتَ معهدٌ للدراسه
ثمَّ كلن العِشاءُ فانصرف الشيخُ
كسيحاً موِّدعاً جُلاّسه
وافترقنا نُريد" مَهَرانَ" نبغي
وَرطة ًفي لذاذةٍ وارتكاسه
تارةً صاحبي يُصفِّقُ كأسي
وأنا تارةً أُصفِّق كاسه
وجديرٌ أنْ يُمتِعَ المرءُ بالخمرةِ
نفساً . وأنْ يُثقِّلَ راسه
قبلَ أن تَهجُمَ الليالي عليه
فتُعري من الصِّبا أفراسه
أتُراه على حياةٍ قديراً
بعدَ ما يُودِعونه أرماسه
فاحتسبنا كأساً وأُخرى فدبَّتْ
سَورةٌ لم تدعْ بنا إحساسه
وهَذينْا بما استكنَّت به النفسُ
وجاشتْ غريزةٌ خنَّاسه
لا " الحسينُ الخليعُ " يبلغُ شأوينا
ولا " مسلمٌ " ولا ذو " النُواسه"
قال لي صاحبي الظريفُ وفي الكفّ
ارتعاشٌ وفي اللسانِ انحباسه :
أين غادرتَ " عِمَّةً " واحتفاظاً(71/11)
قلتُ : إني طرحتُها في الكُناسه
ثم عُجنا لمسرحٍ أسرجته
كلُّ رَودٍ وضَّاءةٍ كالماسه
حدَّدوةُ بكلّ فينانةٍ خضراءَ
بالزهرِ عطرتْ أنفاسه
ولقد زادتِ الوجوهَ به حُسناً
ولُطفاً للكهرباء انعكاسه
ثمَّ جَسُّوا أوتارَهم فأثرنَ
اللهوَ أيدٍ قديرةٌ جسَّاسه
وتنادَوا بالرقصِ فيه فأهوى
كلُّ لدنٍ للدنةٍ ميَّاسه
خُطةٌ للعواطف الهُوج فاقَتْ
خُطّةَ الحربَ جذوةً وحماسه
أُغرمَ الجمعُ واستجاب نفوساً
تتقاضاهُ حاجة مسَّاسة
ناقِلاً خطوَةُ على نغمةِ العودِ
وطوراً مرَّجفاً أعجاسه
وتلاقى الصدرانِ .. واصطكَّتِ
الأفخاذُ .. حتى لم تبقَ إلا لُماسه!!
حرَّكوا ساكناً فهبَّ رفيقي
لامساً باليدينِ منه لباسه!!
ثمَّ نادى مُعربداً لُيحيِّ
الله مغناكَ وليُدِمْ أعراسه
وخرَجْنا منه وقد نصلَ الليلُ
وهدَّتْ إغفاءَةٌ حُرّاسه
ما لبغدادَ بعدَ هاتيكمُ الضجَّةِ
تشكو أحياؤها إخراسه
واقتحمنا بيتاً تعوَّد أنْ نطرق
في الليلِ خُلسةً أحلاسه
وأخذنا بكفِّ كلِّ مَهاةٍ
رنَّقَتْ في الجفونِ منها نُعاسه
لم أُطِلْ سومَها وكنتُ متى يعجبني
الشئُ لا أُطيلُ مِكاسه!
قلتُ إذ عيَّرتنيَ الضعفَ لمَّا
خذلتني عنها يدٌ فرّاسه:
لستُ أعيا إنْ فاتني أخذيَ الشيء
بعنفٍ ، عن أخذهِ بالسياسه
ثمَّ كانتْ دعابةٌ فَمُجونٌ
فارتخاءٌ . فلذةٌ .! فانغماسه !!
وعلى اسمِ الشيطانِ دُستُ عَضوضاً !
ناتئَ الجنبتَينِ .! حلوَ المداسه!
لبَداً .. تنهلُ اللُبانةُ منه !
لا بحزْنٍ ضَرسٍ .. ولاذي دَهاسه!
وكأنّ العبيرَ في ضرَمِ اللذَّةِ
يُذكي بنفحةٍ أنفاسه..!
وكأنّ الثِقْل المرجّحَ بين الصدرِ
والصدرِ .. يستطيبُ مراسه
وكأنّ " البديعَ " في روعة الأسلوب !
يُملي " طِباقه ! " و" جِناسه"
واستجدَّتْ من بعدِ تلك أمورٌ
كلّهنَّ ارتيابةٌ والتباسه
عرَّفتنا معنى السعادةِ لمّا
أنْ وضعنا حدّاً بها للتعاسه
بسَمَ الدهرُ وتجافى
بعدَها كاشِراً لنا أضراسه
صاحبي لا ترُعكَ خِسَّةُ دهر
" كم نفوسٍ حسَّاسه"(71/12)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ساعة مع البحتري في سامراء ...
ساعة مع البحتري في سامراء ...
رقم القصيدة : 64298
-----------------------------------
أسْدَى إليَّ بكَ الزَّمانُ صنيعا
فحمِدْتُ صيفاً طَيَّباً وربيعا
أجللتُ منظرَكِ البديع ومنظرٌ
أجللته لِمْ لا يكونُ بديعا
دَرَجَ الزمانُ بها سريعاً بعد ما
ناشدتُه ألا يمرَّ سريعا
قرَّتْ بمرآها العُيونُ وقرحةٌ
للعينِ ألا تُبصرَ المسموعا
ونعمتُ أُسبوعاً بها وسعيدةٌ
سَنَةٌ نعمتُ خلالهَا أسبوعا
ألفيتُ حسن الشاطئَيْنِ مرقرقاً
غضّاً وخِصْبَ الشاطئينِ مَريعا
وأضعتُ أحلامي وشرخَ شبيبتي
وطَلاقتي فوجدتُهُنَّ جميعا
صبحٌ أغرُّ وليلةٌ جذلانةٌ
بيضاءُ تهزأُ بالصباحِ سُطوعا
والبدرُ بالأنوارِ يملأُ دجلةً
زَهْواً ويبعثُ في النفوسِ خُشوعا
وترى ارتياحاً في الضِّفافِ وهِزَّةً
تعلو الرّمالَ إذا أجدَّ طُلوعا
وجرتْ على الحصباءِ دجلةُ فِضَّةً
صُهِرَتْ هناكَ فمُُوِّعتْ تمويعا
وكأنَّما سبكوا قواريراً بها
مضَّ السَّنا فتصدَّعتْ تصديعا
وترى الصخورَ على الجبالِ كأنَّما
لَبِسَتْ بهنَّ من الهجير دُروعا
دُورُ الخلائفِ عافها سُمَّارُها
وتقطَّعَتْ أسبابُها تقطيعا
درجتْ بساحتها الحوادثُ وانبرى
خَطْبُ الزمانِ لها فكان فظيعا
حتى شواطئُ دجلةٍ منسابةً
تأبى تُشاهد منظراً مفجوعا
أبَّنتُها مرئيَّةً ولطالما
غازلتُ منها حسنَها المسموعا
ولقد تُذَمُّ جلادةٌ في موقفٍ
للنفس أجملُ أن تكونَ جزوعا
قصرُ الخليفةِ جعفرٍ كيف اغتذى
بيد الحوادثِ فظَّةً مصفوعا
وكَمِ استقَرَّ على احتقار طبيعةٍ
لم تألُه التحطيمَ والتصديعا
ولقد بَكْيتُ وما البكاءُ بِمُرجِعٍ
مُلكاً بشهوةِ مالكيهِ بيعا
زُرْ ساحةَ السجنِ الفظيعِ تجدْ بهِ
ما يستثيرُ اللومَ والتقريعا
إن الَّذينَ على حساب سواهُمُ
حلبوا ملّذاتِ الحياةِ ضروعا
رفعوا القصورَ على كواهلِ شعبهِمْ
وتجاهلوا حقّاً له مشروعا(71/13)
ساسوا الرعيةَ بالغرورِ سياسةً
لا يرتضيها من يسوسُ قطيعا
حتى إذا ما الشعبُ حرَّركَ باعه
فاذا همُ أدنى وأقصرُ بوعا
ووقفتُ حيثُ البحتريُّ ترقرقت
أنفاسُه فشفعتُهُنَّ دُموعا
أكبرتُ شاعرَ جعفرٍ ، وشعورُهُ
يستوجبُ الاكبارَ والترفيعا
ولَمَستُ في أبياتِه دَعةَ الصِّبا
ولداتهِ والخاطرَ المجموعا
ولئن تشابهتِ المنَاسبُ ، أو حكى
مطبوعُ شعري شعرَهُ المطبوعا
فلكَمْ تَخالَفُ في المسيلِ جداولٌ
فاضَتْ معاً وتفجرَّتْ ينبوعا
عَبثَ " الوليد " بشرخِ دهرٍ عابثٍ
وصَبا فنالَ من الصِّبا ما اسطيعا
ونما رفيعاً في ظلالٍ خلائفٍ
في ظلِّهمْ عاش القريضُ رفيعا
لا عن بيوت المال كان إذا انتمى
يُقصَى ولا عن بابهم مدفوعا
قَدَرُوا له قَدْرَ الشعورِ وأسرجوا
أبياتَهُ وسْطَ البيوتِ شموعا
ضيفَ العراق نعمتَ من خيراتهِ
وحَمِدْتَ فيه قرارةً وهجوعا
إنْ تُعْقَدِ الحَفلاتُ كنتَ مقدَّماً
أو تُنبرِ الأمراءُ كنتَ قريعا
وأظُنُ أنَّكَ لو نمتْكَ ربوعُهُ
لشكوتَ منه فؤادَكَ المصدوعا
ولكنتَ كالشعراءِ من أبنائه
ممَّنْ تُجوهلَ قدرُهُمْ فأُضيعا
لك في " الَّتي " راشَتْ جناحك رِفقةٌ
لولا جلادتُهم لماتوا جوعا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> جربيني!..
جربيني!..
رقم القصيدة : 64299
-----------------------------------
جرّبيني منْ قبلِ انْ تزدَريني
وإذا ما ذممتِني فاهجرِيِني
ويَقيناً ستندمينَ على أنَّكِ
من قبلُ كنتِ لمْ تعرفيني
لا تقيسي على ملامحِ وجهي
وتقاطيعِه جميعَ شؤوني
أنا لي في الحياةِ طبعٌ رقيقٌ
يتنافى ولونَ وجهي الحزين
فبلكِ اغترَّ معشرٌ قرأوني
من جبينٍ مكَّللٍ بالغُصونٍ
وفريقٌ من وجنتينِ شَحوبين
وقدْ فاتتِ الجميعَ عُيوني
إقرأيني منها ففيها مطاوي النفسِ
طُراً وكلُّ سرٍّ دَفين
فيهما رغبةٌ تفيضُ . وإخلاصٌ
وشكٌّ مخامرٌ لليقين
فيهما شهوةٌ تثورُ . وعقلٌ
خاذِلي تارةً وطوراً مُعيني
فيهما دافعُ الغريزةِ يُغريني(71/14)
وعدوى وراثةٍ تَزويني
أنا ضدُّ الجمهور في العيشِ
والتفكيرِ طُرّاً . وضدُّه في الدِّين
كلُّ ما في الحياةِ من مُتَع العيشِ
ومن لذَّةٍ بها يزدهيني
التقاليدُ والمداجاةُ في الناسِ
عدوٌّ لكلِّ حُرٍّ فطين
أنجِديني : في عالمٍ تَنهشُ " الذُئبانُ "
لحمي فيه .. ولا تُسلِميني
وأنا ابن العشرين مَنْ مرجِعٌ لي
إنْ تقضَّتْ لذاذةَ العشرين
إبسِمي لي تَبسِمْ حياتي ، وإنْ كانتْ
حياةً مليئةً بالشُّجون
أنصِيفيني تُكفِّري عن ذُنوبِ
الناسِ طُرّاً فإنهمْ ظلموني
إعطِفي ساعةً على شاعرٍ حر
رقيقٍ يعيشُ عيشَ السجين
أخذتني الهمومُ إلّا قليلاً
أدركيني ومن يديها خذيني
ساعةً ثم أنطوى عنكِ محمولاً
بكُرهٍ لظُلمةٍ وسكون
حيث لا رونقُ الصباح يُحييِّني
ولا الفجرُ باسماً يُغريني
حيثُ لا " دجلةٌ " تلاعبُ جنبيها
ظِلالُ النخيلِ والزيِّتون
حيثُ صَحبي لا يملكونَ مُواساتي
بشيءٍ إلّا بأنْ يبكوني
مَتِّعيني قبلَ المماتِ فما يُدريكِ
ما بعدَه وما يُدريني
وَهبي أنَّ بعدَ يوميَ يوماً
يقتضيني مُخلِّفاتِ الدُّيون
فمَنِ الضامنونَ أنَّكِ في الحشرِ
إذا ما طلَبتِني تجديني
فستُغرينَ بالمحاسنِ رُضواناً
فيُلقيكِ بين حُورٍ وعِين
وأنا في جهنَّمٍ معَ أشياخٍ
غواةٍ بِغيَّهمْ غمروني
أحرَجتني طبيعتي وبآرائِهم
ازدَدْتُ بَلةً في الطين
بالشفيعِ " العُريان " استملكي خيرَ
مكانٍ . وأنتِ خيرُ مكين
ودعيني مُستعرضاً في جحيمي
كلَّ وجهٍ مُذمَّمٍ ملعون
وستُشجينَ إذ ترينَ معَ البُزلِ
القناعيسِ حيرةَ ابن اللبون
عن يساري أعمى المعرَّةِ و " الشيخُ "
الزهاويُّ مقعداً عن يميني
إئذَني لي أنزِلْ خفيفاً على صدركِ
عذْباً كقطرةٍ من مَعين
وافتحي لي الحديثَ تستملحي خفَّةَ
رُوحي وتستطيبي مُجوني
تعرِفي أنني ظريفٌ جديرٌ
فوقَ هذي " النهود" أنْ ترفعني
مؤنِسٌ كابتسامةٍ حولَ ثغريكِ
جذوبٌ كسحرٍ تلكَ العيون
إسمحي لي بقُبلةٍ تملِكيني
ودعي لي الخَيارَ في التعيين(71/15)
قرِّبيني من اللذاذةِ ألمَسْها
أريني بداعةَ التكوين
إنزليني إلى " الحضيضِ " إذا ما شئتِ
أو فوقَ ربوةٍ فضعيني
كلُّ مافي الوجودِ من عقباتٍ
عن وصولي إليكِ لا يَثنيني
إحمليني كالطفلِ بين ذِراعيكِ
احتضاناً ومثلَه دَّلليني
وإذا ما سُئلتِ عني فقولي
ليسَ بِدعاً إغاثةُ المسكين
لستُ أُمّاً لكنْ بأمثالِ " هذا "
شاءتِ الأُمهات أنْ تبتليني
أشتهي أنْ أراكِ يوماً على ما
ينبغي مَن تكشُّفٍ للمصُون
غيرَ أني أرجو إذا ازدهتِ النفسُ
وفاضَ الغرامُ أنْ تعذُريني
" اِلطمِيني "إذا مَجُنتُ فعمداً
أتحرَّى المجونَ كي تَلْطمِيني
وإذا ما يدي استطالتْ فمِنْ شَعركِ
لُطفاً بخُصلةٍ قيِّديني
ما أشدَّ احتياجةِ الشاعر الحسَّاسِ
يوماً لساعةٍ مِن جنون
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الى السعدون..
الى السعدون..
رقم القصيدة : 64300
-----------------------------------
فيم الوجومُ؟ وجومُكم لا ينفعُ
نَفَذَ القضاءُ وُحمَّ ما لا يُدفَعُ
فيم الوجومُ؟ أبو عليٍّ قد مضَى
وقد انقضىَ الخيرُ الذي يُتوقَّع
وقد اختفى رمزُ البطولة ، وانطوتْ
تلكَ المحاسنُ والشمائلُ أجمَع
الشعبُ محتشِدٌ هنا يتسمَّعُ
ماذا يقولُ الشاعرُ المتفجِّع
احذرْ لساني أن تكونَ مقالةً
ليست تَليقُ به فانكَ تُقطَع
يا سادتي أما اللسانُ فواهنٌ
متلجلجٌ فَلْتُلْهِبَنْكُمْ أدمُع
يعتاقُ إبدعي ارتباكُ عواطفي
فاذا مَلكتُ عواطفي فسأُبدِع
وستَحمَدون قصائداً مهما عَلَتْ
قَدْراً فَقدْر أبى عليٍّ أرفَعَ
أُمُّوا ضريحَ أبي عليٍّ واكشِفوا
فيه الرؤوسَ وفي الشدائد فافزَعوا
وإذا ألمَّتْ بالبلاد مُصيبةٌ
فتوَّسلوا بزعيمها وتضرعَّوا
قولوا له يا مَن لأجل بلادِه
هَدْراً مضى : ان البلادَ تُروَّع
هذا الضريحُ ضريحُ أمةِ يَعرُبٍ
فيه خِيار خِصالِها مُتجَمِّع
أن كنتُ لم أسْجُدْ ولم أركَع فما
قَدْري ركعتُ عليكَ أولا أركَع
فسَيركعُ التاريخُ فوقَك كلُّه(71/16)
وسيركَعُ الوَطنُ الذي بك يُمنَع
وسَيركعُ الجيلُ الذي شرَّفتَه
وتمرُّ أجيالٌ عليكَ وتَركَع
ولسوف تركَع نخوةٌ ورويَّةٌ
وشهامةٌ وصراحةٌ وتَمنُّع
للموتِ فلسفةٌ وَقفتُ ازاءَها
مُتخشِّعا وبرغم أنفي أخشَع
أيموتُ شَهْمٌ تستظل بخيره
دنيا ، ويبقى خاملٌ لا ينفع
ناشدتُهُمْ وقد اعْتْلَيتُ حَفيره
أأبو علي وَسْطَ هذا مُودَع
أو تهزأون بقدرِه ما هذه الاحجارُ
ما هذي الصخورُ الاربَع؟
أهُنا ينامُ فتىً يُهابُ ويرتَجَى
أهُنا يعاف فَتىً يَضرُّ وينفَع
إنهضْ فُدِيتَ " أبا عليٍّ " وارتجلْ
بين الجمُوعِ قد استَتَمَّ المَجْمَع
واسمعْ تُشَرِّفْ باستماعِكَ قِيلَتيِ
أسفاً وأنكَ مَيِّتٌ لا تَسَمع
ماذا فَعَلتَ لقد أتَيتَ عظيمةً
ينبو الأريبُ بها ويَعيَا المِصقَع
وافتْ مروِّعةٌ فهوَّنَ خطبَها
وأتت أناساً هادئينَ فرُوِّعوا
أعلِمتَ إذ اطلقتَها نارّيةً
ما أنتَ بالوطن المفدَّى تصنَع
وإذ انتزَعْتَ زنادَهُ مُستَوريا
عن أيِ ثُكلٍ للمُواطِنِ تُنزَع
با مِدفعَ الأبطالِ أنَّك حاملٌ
من كانَ ينهضُ حينَ يعجَزُ مِدفَع
من خاصَ أمواجَ السياسةِ رافعاً
رأساً ورُبَّ مخاضةٍ لا تُرفَع
يمشي إليها بالرؤيةِ مدركاً
بالشِبرِ ما لا تَستطيعُ الأذرُع
يكفيك من أبناء شعبِك غَيرَةٌ
حمراءُ ان صنَعوا الذي لم يصنَعوا
نِصفانِ بَغدادٌ فنِصفٌ مَحشَرٌ
ساحاتهُ اكتضَّتْ ونصفٌ بَلقع
متماوجُ الأشباحِ حزناً ما به
الا حشاً دامٍ ووجهٌ أسفَع
مَرصودةٌ ستُّ الجهات لساعةٍ
نكراءَ محسودٌ بها المتطلِّع
وتوجَّعَ الملكُ الهمامُ ولم يكُنْ
إلا لأعظمِ حادثٍ يَتَوَجَّع
وانقضَّ فوقَك كالعُقابِ وأنَّه
لسواكَ عن المامةٍ يترَففَّع
وهفا فؤادٌ كالحديدِ على وأسبَلَت
عينٌ تُفاخر أنها لا تدمَع
ولقد يَعِزُّ على المليك وشعبِهِ
والمشرقينِ نجيعُك المتدَفِّع
لا يرتضي الوطنَ الذي فَدَّيتهَ
بالنفس أن تَدمَى لكفك اِصبَع
هِبَه العروبة للبلادِ أهكذا
مُستدمياً متظلِّماً تُستَرجع(71/17)
تأريخُ شَعبٍ سُوِّدَت صفحاتُهُ
فاتى فبيَّضَهنَّ هذا المَصرعَ
هذي الرجولةُ ضُيِّعَتْ ممنوحةً
واليوم يُعرَفُ قدرُها إذ تُرفَع
حصَدَت خصومُك حسرةً وخجالةً
حتى لودّوا أَنهم لم يزْرَعوا
كانت حياتُك للبلاد منافعاً
جُلََّّى وأنك في مماتك أنفَع
غيرتَّ راهنةَ الأمور بطلقةٍ
مستقبلُ الأوطان منها يَلمَع
يُنسى دويُّ مدافعٍ وعواصفٍ
وأزيزُها حتى القيامةِ يُسمَع
ووقَفتَ أقطابَ السياسة موقفاً
يرتدُّ حيراناً به المتضلِّع
يتساءلون بأي عُذرٍ نختفي؟
عن شعبنا وبأيِ وجهٍ نَطلُع
واسترجعوا أحكامَهم مرفوضَةً
ناسٌ بحكمهمُ عليكَ تسرَّعوا
غَطَّى على المتبرعينَ مُبجِّل
بحياتِه لبلادِه يتبَّرع
قولوا لأشباه الرجالِ تصنعاً
إلّا تكونوا مثلهُ فتقنَّعوا
لا تُزعجونا بالتشدُّقِ اننا
بسوى التخلص منكمُ لا نقنع
قد يدفع الدمُ ما يحيق بأهله
فاذا صدقتُم بادعاءٍ فادفَعوا
أما كتابُك فهو أفَضلُ ما وَعى
واعٍ وخزيُ معاشرٍ إن لم يَعُوا
طِرْسٌ على التاريخ يَفخَر أنه
من كلّ ما يَحوي أجلُّ وأرفَع
دستورُ شَعبٍ لا يُمَسُّ وشِرعةٌ
هي فوقَ ما سنَّ الرجال وشرَّعوا
هذي الوصيةُ ذخرُهُ ان أعوزَتْ
طيارةٌ وبنادقٌ ومُدرَّع
مَشَتِ الأناملُ هادئاتٍ فوقَها
والموتُ يمشي بينَهنَّ ويُسْرِع
قرَّعت شعبَك ان يَعُقَّك ، مرحباً
بأبي البلاد على العُقوق يُقرِّع
وشكوتَه أن ليسَ يسمعَ ناصحاً
نمْ هادئاً ان البلادَ ستسمَع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> المجلس المفجوع
المجلس المفجوع
رقم القصيدة : 64301
-----------------------------------
يبكي عليكَ وكلُّهُ أوصابُ
شَعبٌ يمثِّلُ حزنَه النُواب
غطَّت على سُود الليالي ليلةٌ
وعلى المصائبِ كلِّهِنَّ مُصاب
المجلِسُ المفجوعُ رُوِّع أهلُهُ
وبكتْكَ أروقةٌ له وقِباب
قد جلَّلتْه وجلَّلتهُمْ رَهبةٌ
فهل البلادُ يسودُها إِرهاب
كادت تحِنُّ لفقدِ وجهِك ساحةٌ
فيه ويُسألُ عن دخولِك باب(71/18)
عبءٌ على الأوطانِ ذكرى ليلةٍ
عن مثلِ مَصرع " مُحسنٍ " تَنجاب
عن مصرعٍ في المجلِسَين لأجلهِ
وهما البلادُ بأسرِها إِضراب
بالدمع يَسألُ عن غيابك سائلٌ
في المجلسَين وبالدموعِ يُجاب
هذي الثمانونَ التي هي جُلُ ما ارتضَتِ
البلادُ وضمَّتِ الاحزاب
مُتجلببونَ سكِينةً وكآبة
ومن السواد عليهم جِلباب
متشنجون يخالَهم من راءهُم
للحزن - أنَهمُ عليه غِضاب
ناجي لسانَ النثر قمْ واخطُب بهم
وأعِنْ لسان الشعر يا ميرابو
هَدِّأْْ بنطقِك رَوعَهم قد أوشكت
للحُزنِ ان تتمزقَ الأعصاب
ولقد أقولُ لرافعين أصابعاً
ليست تُحِسُّ كأنَّها أحطاب
رهنَ الاشارة تختفي أو تعتَلي
وينالُ منها السَلْبُ والإيجاب
ماذا نَوَيتمْ سادتي : هل أنتُمُ
بعد الرئيس - كعهده - أخشاب
هل تنهضونَ إذا استُثيرتْ نخوةٌ
أو تجمُدون كأنكم انصاب
هل أنتُمُ - ان جدَّ أمرٌ ينبغي
توحيدَ شملِكُمُ به - أحزاب
يا أيها " النوابُ " حسبُكُمُ عُلا
قولي لكم يا أيها " النواب "
روحُ الرئيس ترفٌ فوقَ رؤسِكم
ارَعوا لها ما تقتضي الآداب
سترى حضوراً غائبينَ بفكرهم
سترى الذين بلا أعتذارٍ غابوا
سترى الذين له أساءوا تُهمة
وإلى البلاد جميِعها ، هل تابوا
سيقولُ ان خَبُثَت نواياً منكُمُ
اخشَوا رفاقي أنْ يحِلَّ عذاب
لتكنْ محاكمةُ الخصومِِ بريئةً
في قاعِكم وليحسُنِ استجواب
تأبى المروءةُ ان يُقدَّسَ خائنٌ
أو أن يطولَ على البريءِ حساب
من أجل أن ترعَوا مبادئَ " مُحسنٍ "
لتَكنْ أمامَكُمُ له أثواب
متضرّجاتٌ بالدماء زكيةٌ
فيهنَّ للجرحِ البليغِ خطاب
فيهنَّ من تلك " الرَّصاصة " فَتحْةٌ
هي للتفادِي ان وَعَيتُمْ باب
ليكُنْ أمامَكُمُ كتابٌ صارخٌ
فيه ثوابٌ يُرتَجى وعِقاب
فيه الوصيةُ : سوف َتحنوا رأسَها
عَجَباً بها الأجيالُ والأحقاب
أوحى " الزعيمُ " إلى الجزيرةِ كلَّها
أنْ ليسَ يُدركُ بالكلام طِلاب
يا هذهِ الأممُ الضِعافُ تَروّ ياً
لا تنهضي صُعُداً وأنت زِغاب(71/19)
لا تقطعي سبباً ولا تتهَّوري
نزقاً إذا لم تكمُلِ الأسباب
لا تقرَبي ظُفرَ القويِّ ونابَه
ان لم يكنْ ظُفْرٌ لديك وناب
وإذا عتبتِ على القويِ فلا يكنْ
إلا بأطرافِ الحرابِ عتاب
فاذا تركَتِ له الخيارَ فانه
أشهى إليه أن يكونَ خراب
هذا القصيدُ " أبا عليٍ " كلُّه
حزنٌ وكل سطوره أوصاب
ثق أنَّ أبياتي لسانُ عواطفي
ثقْ أنَّ قلبي بينَهن مُذاب
الحزن يملؤُها أسىً ومهابةً
ويُمدُّها بالروح منه شباب
منسابةً لطفاً وبين سطورها
حزناً عليك مدامعي تنساب
ماذا عسى تََقوىَ على تمثيله
بمصابِك الشعراءُ والكتاب
ضُمّوا القلوبَ إلى القلوبِ دوامياً
ستكونُ أحسنَ ما يكونُ كتاب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الى الخاتون المسبل
الى الخاتون المسبل
رقم القصيدة : 64302
-----------------------------------
قل لِلْمِسِ الموفرة العرض التي
لبستْ لحكم الناس خيرَ لباسِ
لي قيلةٌ تلقى عليك بمسمعٍ
وبمحضرٍ من زمرةِ السواس
ان كانَ سَرَّكِ في العراق بأن تري
ناساً له مضروبةً بأناس
فلكِ التعزي عن سياستكِ التي
عادتْ عليكِ بصفقة الافلاس
خُطَط وقفتِ لها حياتَك أصبحت
شؤماً عليكِ وانت في الأرماس
إن تهزئي منهم فعذركِ واضح
فهم الذين سَقوْكِ أوبأَ كاس
وهم الذين أرَتْكُمُ وقفاتُهُمْ
لَطْمَ الخدودِ ونَتْفَ شَعْرِ الرأس
وهم الذين عِظامُهم وعظامُكمْ
معروضةٌ للناس في أكياس
لو كان فيهم للخيانةِ مطمعٌ
لعرفتِ كيف إقامةُ " القُدّاس"
لكنّهنّ شناشنٌ معروفةٌ
لكُمُ تليق بعرقِكِ الدساس
ملء العراق أماجدٌ لولاهمُ
هو مثلُ بنيان بغير أساس
قد أصبحوا ولهم عليه دخالة
يالَلظليمةِ من قضاء قاسي
للحشر بين حلوقِكم وضلوعِكم
من فضلِ ما صنعوا كحزِ مواسي
لا بأس ، أخداني فهذا كله
من أجل أنكُمُ شديدو الباس
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الملك حسين
الملك حسين
رقم القصيدة : 64303
-----------------------------------(71/20)
أرى الشعبَ في أشواقه كالمعلَّقِ
لَما حدَّثُوه عنكَ يرجو ويتَّقي
يغالط نفساً فيكَ إن قيلَ لابثٌ
يكذِّبُ أنْ قالوا سيأتي يصدِّق
صبَتْ لك أنحاءُ العراق وفتِّحَت
للُقياكَ صَدرَ الوالِهِ المتشوِّق
وأجدرْ بأن يشتاق مثلُك مثلها
وأنعِمْ بأن تحنو عليها وأخلِق
سَرَت بُردُ الأشواقِ تحمِلُ طَيَّها
تحياتِ خُلصانٍ شديدي التعلّق
ر|طاباً كأنفاس النسائم سَحرةً
عِذاباً كماء الرافدين المصفقَّ
وقد سَمَتْ الزَوراءُ ترفَعُ رأسَها
على الأرض تِيهاً مثلَ نَسر مُحلِّق
وتفخَرُ أن نالَتْ بتفضيل أرضِها
على سائر الجاراتِ حظَّ الموَّفق
فقد نافسَتْ بغدادُ بطحاء مكّةٍ
وقد غبرَّت بغدادُ في وجهِ جِلَّق
وقد حَسَدَت بغدادُ شَتى عواصمٍ
من الشرق لم تنعُمْ بهذا التفوُّق
ولو نَطَقتْ قالتْ هَلمَّ لمَصبحٍ
جميلٍ على الشطَّينِ مني ومَغْبِق
هلمَّ فعندي مُشتهى كلَّ ماجدٍ
ومن كلِّ ذوق طيّبٍ فتذَّوق
فحقِّقْ لها أمنيةً فيكَ تَستَعضْ
بها عن أمانٍ جمةٍ لم تُحقَّق
وأدخلْ عليها فرحةً فهي بَلْدةَ
بها ثارت الأتراحُ ثورةَ مُحنَق
تمشَّت بها تعتاقُها عن نُهوضِها
خطوبُ الليالي زَردَقاً بعد زَرْدَق
أبغدادُ وهي القحمةُ السِنِّ خِبرةً
تَلَهَّى بألعابٍ كطفلٍ مُحمَّق
توقِّعُ باليمنى صكوك انعتاقِها
وتُومي لها اليسرى بأن لا تصدِقي
وتَفشلُ اسبابٌ لترقيع وحدةٍ
تمزِّقُها الأضغانُ شرَّ مُمزَّق
وشعبٍ تُمشيِّه السياسةُ مُكرهاً
على زَلَقٍ من حُكمها كيفَ يَرتقي
سلامٌ على شيخ الجزيرة كلِّها
سلامٌ على تأريخِه المتألِّق
سلامٌ عليه يوم شطَّت رِكابُهُ
سلامٌ عليه يومَ نحظَى فنلتقي
سلامٌ على عُمرٍ تَقَضَّى بصالحٍ
سلامٌ على ما فات منه وما بَقى
أبا فيصلٍ بعضَ التعزي فكم رَمَت
شهامةُ قومٍ شملَهمْ بالتفرّق
وقبلَك غمّت عزةٌ رَبَّ كندةٍ
وشرَّد صونُ العرض رَبَّ الخَورَنق
وما قَدْرُ عُمرِ المرءِ إن لم يُرَعْ به
وما طيبُ عيشِ المرء إن لم يُرَنَّق(71/21)
أبا فيصلٍ إن الحياةَ ثقيلةٌ
على غير مذمومينَ وغدٍ وأحمق
سلِ القومَ ما معنى المرونةِ تختبرْ
تُستِّرهم عن خِسّةٍ وتَملُّق
وعن ذمِّ محمودٍ لفرط مَنَاعةٍ
وعن حَمد مذمومٍ لفرطِ التحذلُق
يسفُّون بالأخلاقِ إذ يُطلقونها
على كلِّ ما يَزري بحُرٍ مخلَّق
أبا فيصل أشجى التحايا تحيةٌ
تمازجها الذكرى بدمعٍ مُرقرٌق
تحيةُ مشتاقٍ لو اسطاع نُهزةً
تلقّاكَ من غر القوافي بفيلَق
أخي عاطفات لم يَشُنها تكلُّفٌ
وذي خُلُقٍ لم يُمتَهنْ بتخلُّق
لقد هزّت الأشواقُ قلباً عهِدتُهُ
إلى غيرِ أربابِ العُلى غير شيِّق
ونفساً على أن لا تزالَ أمينةً
أخذتُ عليها كلَّ عهدٍ وموثَّق
ولي فيك قبل اليوم غُرُّ قصائدٍ
كفاها سموّا أنها بعضُ منطقي
من اللاء غذّاها " جرير " بروحه
ولاءَمَ شَطرَيها نسيج " الفرزدق"
شربنَ بماء الرافدين وطارَحَت
بأسجاعِها سجعَ الحمام المطوَّق
ومن قبل كانوا إن أرادوا انتقاصةً
من الشِعر قالوا عنه لم يتعرَّق
فان لا تبذَّ المفلقينَ فانّها
يقصِّرُ عنها شاعرٌ غير مُفلِق
سهرتُ لها الليلَ التّمام اجيدُها
أغوصُ على غُرِّ المعاني فأنتقي
وأحبِبْ بها من مُورقاتٍ عزيزةٍ
عليّ وبي من مُستهامٍ مؤرَّق
فجئتُ بها مبغى أديبٍ مقدّرِ
ومنعى حسودٍ موَغرِ الصدرِ أخرق
وجاءوا بمرذولِ القوافي كأنما
" مركبةٌ أبياتها فوق زِئبق"
وحسبكَ من خمس وعشرين حجةً
بها الشيخ ذو السبعين من حَنَقٍ شَقِي
يقول وقد غطَّى شُعاعي بصيصَه
ترّفقْ وهل لي طاقةٌ بالترفّق
فيا أيها الشعرُ الجميل انحطاطةً
بغيضٌ إلى قلب الحسود تفوُّقي
مكانَك قِفْ بي حيثُ أنتَ فحسبُه
وحسبُك من شَوط تقدَّمتُ مالقي
إذا قال شرِّقْ لا تغرَّبْ إطاعة
وإن قال غرّبْ فاحترس لا تشرّق
وإن قال رِّفةْ عن حياتي فرأفةٌ
وإن قال دع لي فرجةً لا تضيِّق
وعنديَ من لفظٍ جزيلٍ وصنعةٍ
لبابٌ وطبعٌ كالُمدام المعتَّق
خوافٍ بشعري حلَّقت وقوادمٌّ
وما خيرُ شعرٍ لم يَطرِ فيُحلِّق(71/22)
إذا ما تبارَى والقوافي بَحلْبْة
صَرختُ به إن كنتَ شعري فأسِبق
ولم لا يسيل الشعرُ لُطفاً ورقةً
إذا كان من فَيض القريحة يستقي
يجيء به النسجُ الرقيقُ مُهَلْهَلاً
كمُوشِيِّ روضٍ أو كثوبٍ منَمَّق
ويُردفهُ صوبُ المعاني فيزدَهي
زَها الروضُ عن صوب الحيا المتدِّفق
وإن ضاعفتَه مسحةُ الحزن رَونقاً
فمن فضلِ أشجان أخذْن بمخنِقي
فمن يَتنَكَّرْ من همومٍ فإنني
لأنكِر أن أعتادَ غيرَ التحرُّق
وأنكرُ نفسي أن تُرى في انبساطةٍ
وأُنكر صدري أن يُرى غيرَ ضيق
أخِفُّ إلى المرآة كلَّ صبيحةٍ
أرى هل أشابَ الهمُّ بالأمس مفرِقي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في الأربعين
في الأربعين
رقم القصيدة : 64304
-----------------------------------
زانَ العروبةَ هذا المُفرَدُ العَلَمُ
وقد تُخلِّدُ في أفرادِها الأُمَمُ
وقد تَسيلُ دماء جَمَّة هَدَراً
وقد يُقَدَّرُ من دون الدماءِ دَم
حَظٌّ من الموتِ محسودٌ خُصِصتَ به
والموتُ كالعيش مابين الورى قَسَم
لولا سموُّ مفاداةٍ لما احتَفَلتْ
هذي المحافلُ فياضاً بها الألم
لو كانَ غُنْمٌ لها ما هكذا ازدَحَمتْ
هذي الجموعُ التي للغُرْمِ تَزدَحِم
إن تَنْتَفِضْ لا تجد كفٌّ لها سَعَةٌ
أو تَنقلْ لا تجِدْ أرضاً لها قَدَم
يا أيُّها السادةُ الأحرارُ كلُّكم
للشَعب ان أعوزَتْه خِدمةٌ خَدَم
هذي الضحيةُ في تبجيلها عِظَةٌ
ان الذي خَدَمَ الأوطانَ محتشِم
ان البلادَ بمرصاد ومن سَفهٍ
ان تحسبوا الناسَ طراً لعبةً لكُم
إن تنصُروها فان الشَعبَ منتصرٌ
أو تخذلِوها فان الشعبَ منتقم
أو تُحتَقَرْ " وسيوف الهند مُغمَدةٌ
فقد نَظَرتُم إليها والسيوفُ دَم"
حسبُ الظنينِ بوجدانٍ محاكمةٌ
بها تُزيَّفُ أو تُستَوضحُ التُهم
حسب الفتى بيد التاريخِ مُحصيةً
ماقد جَنَتهُ يدٌ أو ما ادعاه فَم
فاستغنِموا اللذَّةَ العُظمى مُخلَّدةً
في السعي فاللذةُ الدنيا هي الألَم
تبقى من الشهوة العمياء سوأتُها(71/23)
للمشتهينَ ويفنَى الحرصُ والنَهَم
هل ابنُ سَعدونَ يُعفيني ويَعذِرُني
وهو الكريم نَماه مَعشَرٌ كَرُموا
لم تأتِني من بليغِ القولِ قافيةٌ
إلا وأبلغُ منها عندَه شِيمَ
من كل مرهوبةٍ صَعْبٌ تَقَحمَّها
كأنها البَحْرُ هَوْلاً حين يَقتَحم
عبءٌ على الشعر ان تحصى بساحتِه
على الرجالِ مَساعيهم إذا عَظُموا
وفي المفُاداةِ للأوطان مُعجِزةٌ
بها البَيانُ وان جوَّدتُ يصطدم
عسى مُعَلَّقةٌ غرّاءُ ثامنةٌ
تُحصي مآثَركَ الغَرّا وتَنتظِم
يا منظراً يَشتهِي فيه العَمى بَصَرٌ
ويانَعِيّاً عليه ُ يُحمَدُ الصَمَم
بات العراقُ عليه وهو مُرتجفٌ
بأسره لأمانٍ وهي تنهدِم
في ذمة الله حزنُ الشعب حينَ رأى
وديعةَ الله عند الشعب تُستَلم
مألومةٌ غيرُ مشكورٍ لها سَهرٌ
على الحقوقِ ولا مَرعيّةٌ ذِمَم
هل رايةُ الوطنِ المفجوعِ عالمةٌ
على مَن اشتملتْ والمِدفَع الضَخِم
ان الذي فيكَ شعبٌّ هدَّ جانبَه
وأمةٌ قد أُضيعَتْ أيُّها العَلَم
ان الذي فيك مرهوبٌ إذا احترَبوا
يومَ الخصامِ ومرضيُّ اذا احتكَمُوا
أن الذي فيكَ حتى خصمهُ شغِفٌ
به وحتى من الأعداء مُحترم
غُرُّ الفِعال إلى العَلْيا دلائلُه
حتى المماتِ عليه دلهُ الكَرَم
مُستَأثِر بخِيار الخَصلتينِ إذا
خَيَّرتَه بين ما يُردى وما يَصيم
زَها الوجودُ بذاك الوجهِ مفتخراً
واليوم يفخَر إذ يحظَى به العَدَم
يا نبعةً عولجتْ دهراً فما انحطَمَتْ
ما كنتَ لولا يدُ الاقدار تَنحطِم
ما ناشَ كفَّك من تياره بللٌ
لّما تحدّاك موجُ الموت يلتَطِم
أبقيتَها حُرَّةً تمشي أناملها
يَمدُّهنَّ النُهى والنُبْلُ والهِمَم
حتى اذا ما انتهت من حَشدِها جُمَلاً
أخفُّ من وقعهنَّ الصارمُ الخذِم
فيهنَّ يشكو إلى الأملاكِ طاهرةً
روحٌ من البَشَر الأدنَينَ مُهتضَم
رميتَ نفسَك في احضانِه فَرحاً
وجلَّلَ الشعبَ يومٌ حزنُه عَمَم
براءةٌ لكَ عندَ الموسِعِيك أذىً
تُبينُ مالك من حقٍّ وما لَهُم
نَمْ هادئاً غيرَ مأسوفٍ على زَمنٍ(71/24)
يشقى بريءٌ ويَهنَا فيه متَّهَم
قد أخجلَ الظالمينَ الناسَ مُحتشِمٌ
من نفسِه في سبيلِ الناسِ ينتقم
أبا عليٍ سلامٌ كيف أنتَ؟ وهلْ
علِمتَ من بعدِك الأقوامُ كيفَ هم ؟
تَولَّتِ الأربعونَ السودُ تاركةً
جَفناً قريحاً وقلباً شفَّه الوَرَم
ولو تقضَّتْ عليهم مثلها عَدَدا
من السنين لما مَلّوُا وما سَئِموا
يُسلي التقادمُ عن ثُكْلٍ وعندهُمُ
ثُكْل عليه يُعينُ الجِدَّةَ القِدَم
جُرْحٌ تَذُرُّ عليه غيرَ راحمةٍ
كفُّ السياسةِ مِلْحاً كيفَ يلتئم
تأبَى ليومِكَ ان تنسَى ظَلامتَه
مظالِمٌ خَصمُنا فيها هو الحَكَم
يُغري بتهييجه نقضٌ يجدُّ إذا
ما كاد حبلٌ من الآمال ينبرِم
باسم ابنِ سَعدونَ فَاضتْ حرقةٌ طُويَتْ
دَهْراً وأعلَنَ شجوٌ كانَ يكتَتِم
بالحزنِ يَفتتحُ الأقوالَ قائلُها
وبالسياسةِ والأجحافِ يَختَتم
للثُكلِ ثُمَّ لأسبابٍ له اجتَمَعتْ
ملءَ النواظر دمعٌ والقلوبُ دَم
وحسبُ ابناءِ هذا الشَعبِ موجدةٌ
أن يَستَغِلّوا به البَلوْى ويَغتَنِموا
ماذا أقولُ فؤادي ملؤُه ضَرَمٌ
وهل تُوفِّي شُعوري حفَّه الكَلِم
حراجةٌ بالأديبِ الحرِّ موقفُه
حيثُ الصراحةُ بالارهابِ تَصطدم
بين الشعورِ وخَنقٌ مُسكِتٌ رَحِمٌ
في الرافدين فلا كُنّا ولا الرَحِم
هذي المناصبُ ان كانتْ بها نِعَمٌ
للناس فهْيَ على آدابِنا نِقَم
للشاعرينَ قُلوبٌ في تململها
هي البَراكينُ إذ تَهتاجُها الحِمَم
لواعجٌ هي إنْ أبديتَها شَرَرٌ
يُصلي اللسانَ وانْ اخفيتَها سَقَم
رسائلٌ لي مع الآهاتِ أبعثها
إذ لا اللسانُ يؤدّيها ولا القَلَم
فليشهَدِ الناسُ طراً إنني خَجِلٌ
وليشهَدِ الناسُ طراً إنني بَرِم
وليسمعِ الناسُ شكوىَ من له اجتمعتْ
غضاضةُ العيشِ والأرهاقُ والبِكَم
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في اربعين السعدون
في اربعين السعدون
رقم القصيدة : 64305
-----------------------------------
سَلوا الجماهيرَ التي تَبصرونْ
ماذا أتاحتْ لكُمُ الاربعونْ(71/25)
تخبركُم حرقةُ انفاسِهم
كيف - تقضَّت - وانتفاخُ العيون
سَلوهُمُ ما بالُكُمْ كلَّما
عنَتْ لكم خاطرةٌ تنحَبون
أكلُ شيٍْ موجبٌ للبكا
أكلُّ شيء باعثٌ للشجون
ريعتْ قلوبٌ واستضيمتْ جفون
واحتقروا أعزَّ ما يملكون
راضونَ ممتَّنون عن حالةٍ
لا يرتضيها مَن به يحتفون
يبكون للشعرِ ولا يعرفون
وللخطاباتِ ولا يسمعون
ما رقة الأشعارِ أبكتهُمُ
لكنهم بالقلب يستعبِرون
مكدودةٌ أنفسهُمْ حسرةً
وبالبكاء المرِّ يستروَحون
وهكذا الدمع بريئاً يُرى
وهكذا الحزنُ بليغاً يكون
أبكى وأشجى لوحةً أحكمت
تصويرَها كفُّ الزمانِ الخؤون
مَغنىً على دجلة مستشرفٌ
دامعة ترتدُّ عنه العيون
احتلَّت الوحشةُ أطرافَه
ورفرفَ الحزنُ به والسكون
أخلاه فرطُ العزَّ من ربِّه
والعزُّ باب مُشرَعٌ للمنون
أقولُ للقوم الغَيارى وقد
أعوزَهُم كيفَ به يحتفون
أحسن من كلِّ اقتراحاتِكم
مما تشيدون وما تنحِتون
قارورة يُحفَظ فيها دم
يعرفه الخائنُ والمخلصون
يلقَى بها تشجيعةً مخلصٌ
وعبرة مخجلة مَن يخون
مِيتةُ هذا الشهم قد بيَّنتْ
للقوم أنا غيرُ ما يدَّعون
وأننا ناسٌ أباةٌ متى
نُرهق فمضطرُّون لا مُرتَضون
وأننا بالرُغم من صبرِنا
إن حانت الفرصةُ مستغنِمون
انتبهوا لا الحزنُ يُجديكُمُ
شيئاً ولا استنزافُ هذي الشؤون
هاتوا بما نبني دليلاً على
أنا على آثاره مقتفون
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عناد...
عناد...
رقم القصيدة : 64306
-----------------------------------
عِنادٌ من الأيَّامِ هذا التعَّسفُ
تحاول منّي أنْ أُضامَ وآنفُ
وتطلبُ أن يُستَّل في غير طائلٍ
لسانٌ فراتيُّ المضاربِ مُرهف
وللنفسُ مِنْ أنْ تألفَ الذلَّ خُطَّةَ
أجلُّ . ومن أن تُرخص القول أشرف
فكان جزائي شرَّ ما جُوزي امرؤ
عن العيشِ ملتاثِ المواردِ يعزف
تعرَّفْ إلى العيش الذي أنا مُرهقٌ
به . وإلى الحال التي أتكلَّف
تجِد صورةً لا يشتهي الحرُّ مثلَها
يسوءُ وقوفٌ عندَها وتَعرُّف(71/26)
تجد حَنقاً كالأرقم الصلِّ نافخاً
وذا لَبدٍ غضبانَ في القيد يرسف
أُنغَصُّ في الزاد الذي أنا آكلٌ
وأشْرَق بالماءِ الذي أترَّشف
كما قذفَ المسلولُ من لُبَّة الحشا
دماً ، أستثيرُ الشعرَ جمر وأقذف
وإنّي وإنْ مارستُ شَّتى كوارثٍ
إذا راحَ منها مُتْلِفٌ جاء متلف
فما حزُّ في نفسي كغدرةِ غادرٍ
له ظاهرٌ بالمُغرِيات مُغلَّف
وفرحةِ أقوام شجاهم تفوُّقي
بأني عنهم في الغنى متخلِّف
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ويلي لأمة يعرب
ويلي لأمة يعرب
رقم القصيدة : 64307
-----------------------------------
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا
وتراكضُوا شِيباً ومُرْدا
وتحاشَدوا خَيرُ التسابق
للعُلى ما كانَ حَشْدا
صولوا بعزم ليس يصدأُ
حدُّه والسيفُ يصدأ
لا تَقعُدوا عن شحنِها
هِمَماً تَئِدُّ الدهرَ أدَّا
أوَلستُمُ خيرَ المواطنِ
موطناً وأعزَّ جُنْدا
فاز امرؤٌ عرف التقلُّبَ
في الليالي فاستعَدَّا
في لَوح ربِّك "آيةٌ "
خُطَّت على من كانَ جلْدا
لا ييأسَنْ من خاب ممسىً
أن ينالَ الأمر مَغدى
ذَلَّ امرؤٌ قعَدَت به
آمالهُ قَيْداً وَشدّا
بَينْا يُمَنِّي المرء خيراً
نفسَه اذ قيلَ أودَى
أينَ الذين اذا انحتْهم
شِدَّةٌ كانوا الأشَدّا
واذا الخطوبُ عَرَتْهُمُ
لم يضْرَعوا للخطب حَدّا
تَخذِوا الثباتَ سلاحَهُمْ
وتدَّرعوا حَزْماً وجِدّا
أبني مَعدَّ بلادُكم
لا تُغضِبوا فيها مَعَدا
وطنٌ مُفَدىً خيرُ ما
حَضَن الفَتى وطنٌ مُفدَّى
" الرافدان " بجانبيه
تجارَيا خمراً وشُهْدا
والزاهراتُ من الرياض
تضوَّعت أرَجاً ونَدّا
وكِسِتْ رُباه يد الطبيعة
من بديعِ الحُسْن بُردا
فَرْدُ الجمال وفي الغُلُّوِ بحبِّه
أصبحتُ فَرْدا
صبّاً نشأتُ وكلَّما
زادتْ سنيني زدتُ وَجْدا
وَطَنٌ اذا ذكروه لي
وبيَ الغليلُ وَجَدت بَرْدا
ولو استَفْفتُ ترابه
لوجدْتُ عيشي فيه رَغْدا
أعزِزْ بأني لا أطيقُ
لما دَهَى وطني مَرَدَّا
" الله " يَشهَد أنني(71/27)
لم آلُهُ في النصح جُهْدا
لا تأسفَنْ وطني وكُنْ
ثَبْتاً على الأيام صَلْدا
ظُلمْ تَعدَّى حدَّه
والظلم يُردى إن تَعَدّى
" الله " يَجِزي خيرَ ما
جازَى به مولىً وَعبْدا
صِيداً " ليعرب " شَيِّدوا
عزاً وللأوطان مجدا
في ذمةِ الوطنِ الذي
بَذلوا له نَفْساً وَوُلْدا
رُوح بظلمٍ أُزِهقَت
وَدمٌ جَرَى ظُلْماً وَعَمدا
أفَكان عُقْبى مالَقوا
أن زادتِ النفقاتُ عَدّا
ويلي لغلِمة " يَعرُبٍ "
هدَّتْهم الأيامُ هَدّا
الجَور ألحَمَ بُردَة البَلوى
لَهم والضَيمُ سَدَّى
وَيلي لكّفٍ لم تجِدْ
عَضُدأً تصولُ به وزَنْدا
وَيلي لمن كانَتْ لهم
أيّامُهم خَصْماً ألَدّا
من أين دارُوا واجهوا
نكبِاتها سُودا ورُبْدا
هَوَتِ العروشُ كأنما
بعضٌ بشَرِّ البعضِ يُعدَى
فَقَدَتْ " دِمشقٌ " زَهوهَا
وجمالُ " بغدادٍ " تَرَدَّى
وجزيرةُ " العُرب " ازدرَتْ
نُورَ " النبوة " فاستُرِدَّا
باتت بها أحقادُها
يوسِعْنَ خَرقاً لن يُسَدّا
ويلي لأمة يعرب
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا
وتراكضُوا شِيباً ومُرْدا
وتحاشَدوا خَيرُ التسابق
للعُلى ما كانَ حَشْدا
صولوا بعزم ليس يصدأُ
حدُّه والسيفُ يصدأ
لا تَقعُدوا عن شحنِها
هِمَماً تَئِدُّ الدهرَ أدَّا
أوَلستُمُ خيرَ المواطنِ
موطناً وأعزَّ جُنْدا
فاز امرؤٌ عرف التقلُّبَ
في الليالي فاستعَدَّا
في لَوح ربِّك "آيةٌ "
خُطَّت على من كانَ جلْدا
لا ييأسَنْ من خاب ممسىً
أن ينالَ الأمر مَغدى
ذَلَّ امرؤٌ قعَدَت به
آمالهُ قَيْداً وَشدّا
بَينْا يُمَنِّي المرء خيراً
نفسَه اذ قيلَ أودَى
أينَ الذين اذا انحتْهم
شِدَّةٌ كانوا الأشَدّا
واذا الخطوبُ عَرَتْهُمُ
لم يضْرَعوا للخطب حَدّا
تَخذِوا الثباتَ سلاحَهُمْ
وتدَّرعوا حَزْماً وجِدّا
أبني مَعدَّ بلادُكم
لا تُغضِبوا فيها مَعَدا
وطنٌ مُفَدىً خيرُ ما
حَضَن الفَتى وطنٌ مُفدَّى
" الرافدان " بجانبيه
تجارَيا خمراً وشُهْدا
والزاهراتُ من الرياض
تضوَّعت أرَجاً ونَدّا(71/28)
وكِسِتْ رُباه يد الطبيعة
من بديعِ الحُسْن بُردا
فَرْدُ الجمال وفي الغُلُّوِ بحبِّه
أصبحتُ فَرْدا
صبّاً نشأتُ وكلَّما
زادتْ سنيني زدتُ وَجْدا
وَطَنٌ اذا ذكروه لي
وبيَ الغليلُ وَجَدت بَرْدا
ولو استَفْفتُ ترابه
لوجدْتُ عيشي فيه رَغْدا
أعزِزْ بأني لا أطيقُ
لما دَهَى وطني مَرَدَّا
" الله " يَشهَد أنني
لم آلُهُ في النصح جُهْدا
لا تأسفَنْ وطني وكُنْ
ثَبْتاً على الأيام صَلْدا
ظُلمْ تَعدَّى حدَّه
والظلم يُردى إن تَعَدّى
" الله " يَجِزي خيرَ ما
جازَى به مولىً وَعبْدا
صِيداً " ليعرب " شَيِّدوا
عزاً وللأوطان مجدا
في ذمةِ الوطنِ الذي
بَذلوا له نَفْساً وَوُلْدا
رُوح بظلمٍ أُزِهقَت
وَدمٌ جَرَى ظُلْماً وَعَمدا
أفَكان عُقْبى مالَقوا
أن زادتِ النفقاتُ عَدّا
ويلي لغلِمة " يَعرُبٍ "
هدَّتْهم الأيامُ هَدّا
الجَور ألحَمَ بُردَة البَلوى
لَهم والضَيمُ سَدَّى
وَيلي لكّفٍ لم تجِدْ
عَضُدأً تصولُ به وزَنْدا
وَيلي لمن كانَتْ لهم
أيّامُهم خَصْماً ألَدّا
من أين دارُوا واجهوا
نكبِاتها سُودا ورُبْدا
هَوَتِ العروشُ كأنما
بعضٌ بشَرِّ البعضِ يُعدَى
فَقَدَتْ " دِمشقٌ " زَهوهَا
وجمالُ " بغدادٍ " تَرَدَّى
وجزيرةُ " العُرب " ازدرَتْ
نُورَ " النبوة " فاستُرِدَّا
باتت بها أحقادُها
يوسِعْنَ خَرقاً لن يُسَدّا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> من النجف الى العمارة
من النجف الى العمارة
رقم القصيدة : 64308
-----------------------------------
أنا مذ همتُ فيكمُ كانَ دأبي
أنَّ ما ترتَضون يحمله قلبي
إن تزيدوا الجوى فأهلاً وإلا
حَسبُكُم ما لقيتُ منكم وحسبي
وبحسبي من الأحبةِ ظُلماً
ان يُعَدَّ الغُلُوُّ في الحبِّ ذنبي
يعلم الناسُ ما لأكابدُ منكمْ
في سبيل الهَوى ويعلَمُ ربي
يا أبا صادقٍ أُحبُّك حُباً
ليس يبقي على اصطبار المُحِّب
إن عتَبنْا فلم يكن عن مَلال
أحسَنُ الوُدِّ ما يشاب بعَتْب
لستُ أدري عَقَقْتُ صَحبيَ لما(71/29)
هِمتُ أم عَقَّني لأجلك صَحْبي
غير أني أراكَ وافقتَ طَبْعي
دونَ هذا الوَرَى وجانَسْتَ لُبي
واراني صَبّاً بأخلاقك الغُرِّ
وما كنتُ قبل ذاك بصَب
ولعَمري لقد تربيَّتُ حتى
عَرَفَ الناسُ فيكَ فضل المربي
ايُّ عيشٍ لي في العمارة رَغْدٌ
وزَمَانٌ مَضىَ هنالِك عَذْب
وأحاديثُ لا تُمَل من الوجدِ
بلَفظٍ كاللؤلؤ الرَطَبِ رَطْب
حبذا دجلةٌ وعن جانبيها
تَتَمشّى الظلالُ جَنباً لجنب
ان تَسَلْني عن الزَّمان وأهليهِ
فاني طِبٌّ بهم ايَّ طِب
عِش كما تشتهي اذا كنت خِبّاً
والزَم البيتَ إن تكنْ غيرَ خِب
ليت مولى " حَمدان " يُنشَرُ حياً
ليرى كيفَ حالهُ " المتنبي "
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في ذكرى الخالصي
في ذكرى الخالصي
رقم القصيدة : 64309
-----------------------------------
سَلْمُ الزمانِ ، وإن حرصتً ، قَليلُ
لا بدّ أنْ سيغول شملَك غولُ
بالرغم مما رجفت أوهامُنا
ياتي المخوف ويُمنع المأمول
كم ذا يسرُّك أن تفوتَك ساعةٌ
طالت أأنت إلى الممات عجول
حقاً أقولُ ، وما الحِمامُ بتاركي،
إني على كُرْه الرَّدَى مجبول
يكفي العقولَ جهالةً تعريفُها
للموت أنَّ سبيلَه مجهول
الليلُ مغبرُّ النجومِ حزينُها
والصبحُ في حبلِ الدُّجى موصول
والشمسُ كاسفةُ الجْببين مُُشيحةٌ
والبدرُ حيرانُ السُّرى مذهول
حزناً ليومَ أبي محمدَ إنّهُ
يومٌ على يومِ الحسابِ يطول
الله يَجْزيكَ الجميلَ فكلُّ ما
خلّفتَه في المسلمينَ جميل
المُعوِلاتُ عليك غُرُّ مكارمٍ
قامت عليها رنّةٌ وعويل
وطَنْتَ نفسَك للصِعاب فذُللت
إنّ الصعابَ يروضُها التذليل
وبذرتَ للأوطانِ أشرفَ بذرةٍ
ستطول أفراعٌ لها وأصول
أعمالُك الغُرُّ الحسانُ خوالدٌ
والمرءُ عن أعماله مسؤول
كن آمنا أن لا تضيع مَتاعبٌ
سيُقيمُها التِمثالُ والتَّمثيل
مهّدْتَ للنَشءِ الجديدِ سبيلَه
فليشكرنَّك بعد جيلِكَ جيل
وملكتَ لم تَقُدِ الرعيلَ وإنما
يُغنيك رأيُك أنْ يُقادَ رعيل(71/30)
حَمَلَتْ لنا الأسلاكُ نعيَك موجزَاً
حتى كأنْ لم يوحَشِ التنزيل
أو أنَّ دينَ محمدٍ لم ينصدعْ
حتى بكى قرآنَه الانجيل
أعيت بما حملت فجاءت عَيَّةٌ
لا تستبينُ النطقَ حين تقول
منهوكة لم يبق فيها من ذماً
نبأٌ على سَمْعِ الزمانِ ثقيل
الله ما هذا الجلال، حياتُهُ
ترنيمةٌ ومماتُه تبجيل
هل مدَ روحُ اللهِ عيسى روحَه
ام كان يَنْفُثُها به جبريل
قم وانعَ للبيتِ الحرامِ شعارَهُ
وقلِ انطوى التكبيرُ والتهليل
وتعطلتْ سُبُلُ المحامدِ والتقى
والمكرماتِ فما هناك سبيل
قد قلتُ فيك وقلتُ ثانيَ مَرَّةٍ
ولسوف أرجِع كرّتي فأقول
أما العراق ، وقد قضيتَ ، فكفُّهُ
مشلولةٌ وحسامُهُ مفلول
إنْ ينتفضْ فَبِقوةٍ مستغلبٌ
أو ينتهضْ فَبِذِلَّةٍ مغلول
الله ، والأوطان تعرِفُ نيّتي
وعليَّ فيما أدعيهِ ، وكيل
إني إذا شَغَل الغرامُ متَبَّلاً
فانا الذي ببلادِه مشغول
وطنٌ جميلٌ ، وجهُهُ بغدادُه ُ
ورُضابَهَ من دجلةٍ معسول
كيف السُّلُوُّ وليس تبرحُ بُكْرَةٌ
فيه تَهِيجُ صبابتي وأصيل
إني لأشتاقُ الفراتَ وأهلَهُ
ويَروقُني ظِلُّ عليه ظليل
وأُحبُّ شاطئَهُ وروعةَ سَفْحِهِ
تحنو على الأمواجِ فيه نخيل
أشفى على جُرف المهالك موطنٌ
بيديهِ لا يدِ غيره مقتول
آلامُه صدعُ الشقاق بأهله
وبلاؤهُ الأوهامُ والتضليل
في كل يوم ضجة ملعونة
أنْ يحدثَ التغييرُ والتبديل
يا شرقُ يا مهدَ السَّلامِ ألمْ يَئن
أنْ يستطيرَ إلى السلام رسول
إن يُسْرِجِ المستعمرون خيولَهم
فلهم تِراتٌ جمّةٌ وذُحول
أو تنس "عمور " وما دفعوا بها
لم تُنس " قرطبةٌ" ولا " إشبيل "
مَخَرَتْ بأشباهِ البُحور سفائنٌ
وعدت بأمثال الصُّقورِ خُيول
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ذكرى دمشق الجميلة
ذكرى دمشق الجميلة
رقم القصيدة : 64310
-----------------------------------
كؤوسُ الدمعِ مُتْرَعةٌ دِهاقُ
وللحزنِ اصطباحٌ واغتباقُ
مضى " فرْعَوْنُ " لم تَفقِدْهُ مصرٌ(71/31)
ولا " هارونُ " حنَّ له العراق
أُديف " الرافدان " فلن يرادا
ولا " بردى" من البلوى يُذاق
وكيف يَلَذُّ للوُرّادِ ماءٌ
عليهِ من بنيهِ دمٌ يُراق
ثباتاً يا دِمَشقُ على الرزايا
وتوطيناً وإن ضاق الخناق
وفوزاً بالسِّباق وليس أمراً
غريباً أن يكونَ لكِ السباق
دمشقُ وأنتِ غانيةٌ عروسٌ
أمشتبك الحرابِ لكِ الصََّداق؟
أذنباً تحسبون على البرايا
إذا ما ضويقوا يوماً فضاقوا
بعين اللهِ ما لقيتْ شعوب
لحد السيف مكرهةً تُساق
عجافاً أُطلقت ترعى ولكن
معاهدة القويّ لها وَثاق
وعيقَتْ مُذْ بَغَتْ حقاً مضاعا
وساموها الدمار فلمْ يُعاقوا
ذروا هذي الشعوبَ وما اشتهته
مذاقُهُمُ لهمُ ولكم مذاق
تحررتِ البلادُ سوى بلادٍ
ذُيولٍ شانهن الالتحاق
أبابُ الله يُفتح للبرايا
وعن هذي البلاد به انغلاق
وكيف تسير مطلقةً بلادٌ
عليها من احابيلٍ نطاق
فيا وطني ومن ذكراك روحي
إذا ما الروحُ أحرجها السياق
أُشاق إلى رُباكَ وأيُّ حرٍّ
أقَلَّتهُ رُباك ولا يُشاق
ويا جوَّ العراقِ وكنت قبلاً
مداواةُ المراض بك انتشاق
لقد خَبُثَتْ الأنفاسُ حتى
لروحي منك بالروح اختناق
على " مدنية " زهرت وفاقا
سلامٌ كلما ذُكرَ الوفاق
تولى أسّها الباني اعتناء
وشيد ذِكْرَها الحَسَنَ اتفاق
أُشاق لها اذا عنَّت خيامٌ
وأذكرها اذا حنَّت نِياق
تغشتها النزاهةُ لم تَشُبْها
أساليبٌ كِذابٌ واختلاق
كما شيّدتُمُ شِدْنا وزِدنا
ولكن ما لقينا لم تلاقوا
وما سِيانِ بالرفق امتلاكٌ
لمملكة وبالسيف امتشاق
سلوا التاريخَ عن شمس أُديلت
وعن قمر تَعاوَرَهُ المحاق
هل الأيامُ غيّرتِ السجايا
وهل خَشُنَتْ طباعُهُمُ الرِقاق
وهل إفريقيا شهِدت سَراةً
بها كالعرب مذ عُبِرَ الزُّقاق
غداةَ البحر تملِكه سفينٌ
لنا والبر تحرُسُهُ عتاق
و " طارقُ " ملؤُهُ نارٌ تَلَظَّى
وحشوُ دروعِه سمٌّ ذُعاق
بأنْدَلُسٍ لنا عرشٌ وتاجٌ
هوى بهما التخاذلُ والنفاق
هما شيئان ما اجتمعا لشعبٍ
فاما الملكُ فيهِ أو الشقاق(71/32)
أولئك مَعشرٌ سَكرِوا زماناً
وناحُوا ملكَهُم لما أفاقوا
فانْ كُتِبَ الفراقُ لنا فصبراً
على كل الورى كُتِبَ الفراق
لنا شوق إذا ذكروا رباها
وإنْ نُذكَرْ لها فلها اشتياق
يُطاق تقلبُ الأيام فينا
وأما أنْ نَذلَّ فلا يُطاق
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> إلى روح العلامة الجواهري
إلى روح العلامة الجواهري
رقم القصيدة : 64311
-----------------------------------
حذِرتُ وماذا يُفيد الحذرْ
وفوقَ يميني يمينُ القَدَرْ
ومما يهوِّن وقَع الحِمام
أن ليس للمرء منه مفر
يُوَقِّعُ ما شاء عُودُ الزمان
ويبكي ويضحك منه الوتر
" فيومٌ علنا ويوم لنا
ويوم نُساء ويوم نُسر "
تعشقتُ من " عمرٍ " قوَلهُ
وكم حكمة في معاني عمر
أرى دهرنا مسرحاً كلُّنا
نروح ونغدو به كالصُّور
اقول وقد قيل جاء البريد
ينث اليك بهذا الخبر
عجِيب له كيف لم يوِهِه
فقالوا صدقتَ لهذا عثر
عَرَفت الكتاب بمضمونه
يُحَدّث : أن اليراع انكسر
خليليَّ ما انتما صانعان
بدمعٍ ترقرق ثم انحدر
تحير بين النُّهى والهوى
فهذا نَهاهُ وهذا أمر
هلُّما ننوح على دوحةٍ
ذوى الأصل منها وجفَّ الثمر
ولا ترغبا في اعتذار الزمان
متى زلَّ دهرُكُما فاعتذر
وهِّونَ من حُرقتي أن أرى
دَمَ الناس عند الليالي هدر
حَلَفْتُ لقد كنتَ عفَّ اللسان
وعف اليدين وعف النظر
جَنانُك لا تعتليه الشكوك
ونفسُك لا يزدهيها البَطَر
شباب مضى كنَتَ برّاً به
وشيخوخةٌ كنت فيها أبر
فلم تدر في صِغَر ما الصَّغار
ولم تدر ما الكِبْرُ عند الكِبَر
ونفسُك للنفع مخلوقة
فلو رُمت ، لم تدر كيف الضرر
لقد جلَّ خطبك عن أن يقاس
بما خلَّفته خُطوب أُخر
فتلك يُلامُ بها جازع
وهذا يلام به من صبر
بكيتُكَ للعلم مَحَّصْتَهُ
وابرزته نافعاً مختصر
كتاب ابيك ومن ذا يعيد
عليه ، وقد رحت عنه ، النظر
وللنفس تزهَد في عاجل
وترغب في الآجل المدخر
لفقد صيامك يبكي النهار
ويبكي لفقد القيام السحر
بكيتك للبيت عالي العماد(71/33)
فخاراً نُعيِت اليه فَخَر
تعطَّل من حَلْيهِ جيدهُ
وعِقدُ الجواهر منه انتثر
رأيت من الناس ما دونه
يُفَلُ الحديد يُفَتُ الحجر
نُسيتَ لأنكَ رُمت الآله
وغيرُك رام الورى فاشتَهر
وعافتك دنياكَ إذ عِفتها
وما بك لو رُمتها من قِصَر
وأعظمُ ما جرّ خطب الزمان
ملائكةٌ تُبلى بالبشر
ثمَانينَ في الله قضيّيْتَها
ستُظْهر من فاز ممن خسر
على قدر ما اختلف الواردون
يكونَ اختلافهُمُ في الصَّدَر
ولو نَفَعتْ عِبرةٌ في الورى
لكانت حياتك أمَّ العبر
لقد كلمتك خطوب دهت
لو الصخرُ كابدهنَّ انفطر
شبابان كنا بلطفيهما
نباهي الخميلة أُمَّ الزهر
فقدتَهما لم يكن بين ذا
وذلك إلا كلمح البصر
أتعلم إذ شيعت نعشَه
لمن ذا تُشيِّع هذي الزمر
وهل عَرَف الموت إذ غاله
بما أيِّ عِلْقٍ نفيس ظفِر
ولو كنتَ تُرثى كما ينبغي
لكنت الجدير بأم السُّور
ولكن على قدْر ما أستطيعُ
أتيت أقابل طوداً بِذر
وما أنا إلا مُسئٌ أقر
وما أنت الا كريمٌ عذر
هو الحزن نَمَّ عليه البيان
أو الجمرُ نمَّ عليه الشرر
رأيت الهموم نَتاجَ الشعور
فلا يْفَرَحنَّ امرؤٌ عن شعر
ودونَ القصيد الذي تقرأون
اذا جاشت انفس وخزُ الابر
وما المرءُ إلا بآثاره
وذكرك بالخير نعم الأثر
أبا حسنٍ يا جواد النَّدى
اذا المَحْلُ عمَّ ، وصِنوَّ المطر
ويا نابغاً حينَ جَفَّ النُّبوغ
وضلت عن الفكر أهلُ الفكر
يَهشُّ لك السمع قبل العِيان
وتشتاقك البدو قبل الحضر
فلا تجزَعنْ ، نِعم عُقبى الفتى
تَحَّملُ ما لم يُطِقْ فاصْطَبر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> البادية في إيران
البادية في إيران
رقم القصيدة : 64312
-----------------------------------
بهجة القلب جلاء البصرِ
هذه الأرياف غِب المَطَرِ
يا أصيلاً هاجَتْ الذكرى به
نسمةً أنسَتْ نسيمَ السحر
أنت هيَّجتَ شُعوري طَرَباً
أنا لو لم تحلُ لي لم أشعرُ
لطفُك اللهُمَّ ما أعظمَه
أفهذا كلُّه للبشَر
أبساطُ الورد ممدوٌ على(71/34)
هذه الأقطارِ مَدَّ البصر
وبأنفاسٍ حِرارٍ خَبُثَتْ
تتلاشى نفحاتُ الزَهَر
يا خليليَّ أجيلا نَظَراً
تَرَيا الآفاقَ كُحلَ النظر
تريا " البقعةَ " من بعد العرا
تَكتسي نورَ بساطٍ أخضر
عَمِيت عيني َ أن أشغلَها
منظرٌ عن حُسن هذا المنظر
ألشيءٍ غيرَ أنَ تؤنسَني
تظهرُ الأرضُ بهذا المظهر
لستُ بالشاعر ان لم يُصْبنِي
أينما كان ، جمالُ الصُورَ
في الثرى ، في الروضِ ، في أفق السما،
في شأبيبِ الحيا ، في الحَجَر
واشكري يا أرضُ ألطافَ السّما
تُسلَبُ النعمهُ إن لم تشكري
واذكري الشدةَ في فرحِتها
واعرفي حُسنَ صنيعِ المطر
حَسُنَت باديةٌ فارهةٌ
هي أَنستْنيَ حُسنَ الحضَر
كم على أُمواهها تعريسةٌ
ومَقيلٌ تحت ظلِّ الشجر
ونهارٌ مشمِشٌ نَقْطَعُهُ
بالأحاديثِ كليلٍ مقمر
راقت الوحدةُ لي في غربتي
أنا لا أهوى ضجيج الزُمِر
شُغِل الناسُ بسُمّارِهُمُ
وأنا وحدي هواكم سَمَري
انا والروضُ وأشباحُكُمُ
نتناجى تحتَ نُور القمر
هيَّجوا أوتارَهم وانبعثت
هِزّةُ الحب فهاجت وَتَري
نَفسَ للشعر في تقطيعه
أثرٌ من نَفَسِ المحتضَر
يا أحبايَ وما أصبرَكم
أحسَنُ الأحباب من لم يَصبِر
طال إسهابي وما أشوقَني
لكتابٍ منكُمُ مختصَر
كم أرى منتظراً وعدَكمُ
ثَقُلَ الوعدُ على المنتظِر
أنا إنْ عَدُّوا عليكم عثرة
قلت : أيُ الناس من لم يعثُر
وإذا ما قيل : ظلمٌ هجرهُم
قلتُ : لا لو زلةٌ لم أهجُر
يطمع القلب بسُلوانِكُمُ
فاذا حاوَلَه لم يقدِر
تعتريهِ هزَّةُ الشوقِ لكم
ومن القسوة أن لا تَعتري
أتُرى ريحَ الصبا يُثقلها
خبرٌ تحمله عن جَعفَر
عن أديبٍ جَمَعَتْ أنفاسُه
صنعةَ " الفنِ " وطبعَ " العبقري "
أنا خاطرت بنفسي في الهوى
والهوى لذَّتهُ في الخَطَر
قد سَهِرْنا فوجدنا أنه
فوق طعم النوم طعمُ السَهَر
حب قلبي ذكركم تعويذةً
وأماناً من صروف القدر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> على دربند
على دربند
رقم القصيدة : 64313(71/35)
-----------------------------------
أحبَّتنا لو أُنزل الشوقُ والهوى
على قلب صخرٍ جامدٍ لتصدَّعا
خليليَّ ما أدنى الممات إلى الفتى
وأقربَ حبلَ العمرِ أنْ يتقطَّعا
ولمْ تطلُعِ الأقمارُ إلاَّ لتختفي
ولا عقربُ الساعات إلا لنُلسعا
فانْ لم يكن إلاَّ نهارٌ وليلةٌ
فما أجدرَ الإنسان أنْ يتمتَّعا
ولمَّا أبتْ أيَّمُنا غيرَ فُرقةٍ
ولم تُبْقِ في قوس التصبرُّ منزعِا
وكنَّا وفي كأس الرزايا صُبابةٌ
فما برِحتْ حتى شربناه أجمعا
نوينا فأزمعنا رحيلاً وما التوت
بنا نُوبُ الأيَّام إلاَّ لنُزمعا
نزلنا ففرَّقنا هموماً تجمَّعتْ
أبى صفو " شمرانات " أن تتجمَّعا
أحتىَّ لدى الجنَّاتِ أهفو إليكمُ
ويسمعني داعي الصبابة أنْ دعا
رعى الله أُم الحُسن " دَرْبندَ " إنَّنا
وجدنا بها روضاً من الصفو مُمرِعا
لقد سرَّنا منها صفاها وطيبَها
ولكن بكيناه جمالاً مضيَّعا
مَريعاً من الحُسن الطبيعيِّ لو سَعتْ
بنوه إلى إنعاشه كان أمرعا
قُرىٍ نظِّمتْ نظمَ الجُمانِ قلائداً
أو الدُّرِّ مُزداناً ، أو الماسِ رُصِّعا
صفوفٌ من الأشجار قابلْنَ مثلَها
كما مَصرعٌ في الشعر قابل مصرعا
نَظَمنا فأهدَينا القوافي بديعةً
وكانَ جمالُ اللهِ فيهنَّ أبدَعا
وقفتُ على النهر الذي من خريرِه
فرْعتُ من الشعر الالهيِّ مطلعا
لقد وقَّعتْ كفُّ الطبيعةِ لحنه
وشابهه في الشعر طبعي فوَّقعا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بريد الغربة
بريد الغربة
رقم القصيدة : 64314
-----------------------------------
هبَّ النسيم فهبتِ الأشواقُ
وهفا إليكمْ قلبه الخّفاقُ
وتوافَقا فتحالفا هو والأسى
وحَمامُ هذا الأيكِ والأطواق
عارٌ على أهل الهوى ان تُزدرى
هذي النفوسُ وتُشترى الأعلاق
ذَم الفراقَ معاشرٌ جهلوكُمُ
من أجلكم حتى الفراقُ يُطاق
ما شوقُ أهل الشوق في عُرفِ الهوى
نُكرٌ فقد خُلِقوا لكي يشتاقوا
أما الرفاقُ فلم يَسُؤْني هجرهمْ
إذ ليس في شرع الغرام رفاق(71/36)
لو أُبرم الميثاقُ ما كَمَلَ الهوى
شرطُ الهوى ان يُنقَض الميثاق
كُتُبُ الاله تشّرفت في ذكره
وبذكركمْ تتشرفُ الأوراق
هذا القريض تكبَّرت بُرُآتهُ
إذ ضاق من ألم الفراق خناق
عَمَرت بذكركمُ اللذيذِ مجالسٌ
وازَّيَّنَتْ بهواكُمُ أسواق
ماذا أذُم من الهوى وبفضله
قد رق لي طبعٌ وصحَّ مَذاق
هي " فارسٌ " وهواؤها ريح الصَّبا
وسماؤها الأغصانُ والأوراق
وَلِعَتْ بها عُشّاقها وبليةٌ
في الشرق إنْ وَلِعَتْ بها العشاق
سالت بدفاق النُّضار بقاعُها
وعلى بنيها شحتِ الأرزاق
يا بنتَ " كومرثٍ " أقلَّى فكرةً
فلقد أضرَّ برأسك الإخفاق
وتطلَّعي تَتَبَيَّني الفجرَ الذي
تتوقعينَ وتنجلي الآفاق
لي في العراق عصابةٌ لولاهمُ
ما كان محبوباً الىّ عراقُ
لا دجلةٌ لولاهمُ ، وهي التي
عذُبت، تروق ولا الفراتُ يذاق
" شمرانُ " تُعجِبُني ، وزهرةُ روضها
وهواؤها ، ونميرُها الرَّقراق
متكسراً بين الصخور تمُدّهُ
فوقَ الجبال من الثُّلوج طِباق
وعليه من وَرَقِ الغُصونِ سُرادقٌ
ممدوةٌ ومن الظِلالِ رُواق
في كل غصْنٍ للبلايل ندوةٌ
وبكل عودٍ للغنا " إسحاق "
كانت منايّ فلم تُعَقْ وعجيبةٌ
أني أُحب منىً فلا تُعتاق
سرُّ الحياة نجاحُ آمالِ الفتى
أما المماتُ فسرُّه الإخفاق
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أقْرِنْ إلى حُسْنِ وجهكَ الحسنِ
أقْرِنْ إلى حُسْنِ وجهكَ الحسنِ
رقم القصيدة : 62304
-----------------------------------
أقْرِنْ إلى حُسْنِ وجهكَ الحسنِ
فعلكَ وانظُرْ بعين ذي فطن
تنظر إلى أحسنِ المناظر مق
روناً بأدنى فعالكَ الحسن
عنيتني والعناء أفدح ما
يقدح في العارفات والمنن
فانفعْ أو امنعْ ولا تكن رجلاً
ميعادُهُ محنة ٌ من المِحَنِ
أولا فإني أرد قرضك والذ
ذمَّ جميعا عليك في رَسَنِ
ولا يراني الإلهُ يملِكني
لا أحدٌ هكذا بلا ثمن
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ضربتُها عنك صفحاً بعدما لحِقت
ضربتُها عنك صفحاً بعدما لحِقت
رقم القصيدة : 62305(71/37)
-----------------------------------
ضربتُها عنك صفحاً بعدما لحِقت
إليك قِدماً قوافٍ لا تُعدّينا
إن الهجاءَ إذا نَدَّت شواردُه
لا يرعوينَ لأصواتِ المُهِّنينا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> بَخِلَت عليَّ بجدوى سواكَ
بَخِلَت عليَّ بجدوى سواكَ
رقم القصيدة : 62306
-----------------------------------
بَخِلَت عليَّ بجدوى سواكَ
وضاق به بطنُك الأعكَنُ
وحِستَ بأمرٍ تضمَّنته
ومثلُك خاسَ بما يَضمَنُ
ولم يخف عنى إذ كان ذاك
بما دبَّر الثَّيْتلُ الأقْرن
نصيبك ليس نصيبي بخس
ت لو كنت تعقلُ أو تَدْهَن
تعاورتماني بكيد النساء
فكِيدا فكيدُكما الأوهَن
سيرميكُما بالذي فيكما
لسانٌ بحمدكُما ألكَنُ
أبا حسن إنها غيلة ٌ
كناصية ِ الفَجْر بل أبين
ولو كنتُ أرضيت تلك العجو
ز عاملتَني بالذي يَحْسنُ
ولكن أبى ذاك لي أنني
عفيفٌ أسِرُّ كما أعلِنُ
فكدني أكِدك ولا تألُني
ستعلم مَنْ كيدُه أمتن
وما ابنُ مَنينٍ قتيلٌ ثَوى
فسوفَ يُرَى عِرضُه أَمْين
هو ابن الشهيد الذي لا يُثاب
ثوابَ الشهادة بل يُلعنُ
قتيلُ الزنا والخنا صُبرة ً
بسيف الإمام فبئس الهَنُ
علا ألفَ أنثى بلا حِلِّها
على أنه رجلٌ مُحصِن
وأحسبُ أمَّ ابنِهِ بعضهنْ
ن بل لستُ أحسب بل أوقِن
وقِدماً علمتُ إذا ما علمت
من جوهر المرءِ ما المعدن
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ألا خذها إليك عن الحَرونِ
ألا خذها إليك عن الحَرونِ
رقم القصيدة : 62307
-----------------------------------
ألا خذها إليك عن الحَرونِ
تَناسخَها القرونُ عن القرونِ
أبا فَسْوَى لقد دانيت منا
غريماً لا يُماطل بالديون
أتاني عنكَ أنك نلتَ مني
ولستَ على المودة بالأمين
عساك أمنتَ بادرتي وصدِّي
لما أغلقْتَ بيتك من رُهُونِ
غُررتَ وأطعمتك ظنون كِذْب
وأضعفُ عصمة ٍ عِصَمُ الظنونِ
أفاطمُ آذِني بالصرم مني
كما انقطع القرينُ من القرينِ
أرى لأبيك إدلالاً وعِرضي
أعزًّعليَّ مَرْزَأة ً فبيني(71/38)
فلستُ أراك قيمة َ كَظم غيظي
ولا عرضي من العرض الثمين
سَيكفيني مكانك وصلُ أخرى
وأبطشُ غير مَثني اليمينِ
هبيني كنتُ أهضمُ فيك عرضي
أأهضِمُ ضلَّة ً عرضي وديني
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أقولُ لراجي خالدٍ إذ رأيته
أقولُ لراجي خالدٍ إذ رأيته
رقم القصيدة : 62308
-----------------------------------
أقولُ لراجي خالدٍ إذ رأيته
وقد ضلَّ في تلك المخازي وقدْ وَنى
ليكفيكَ ما قد قيل مما تقولُه
فلا تَكُ ممن يَعِنه الله بالعَنا
بلى سَمه أوسمِّ من ضمَّ رحلَهُ
وحسبُك بالأسماء تكفي وبالكُنى
متى أطعمتك النفسُ في سبق خالدٍ
بمعنًى بديعٍ ليس فيه من الخنا
فإنك يا مغرور فيما رجوْتَهُ
كمن يرتجي سبق المقادير بالمُنى
له نسوة ٌ لو مُلِّك الليلُ أمرَهُ
لأوشك عنهنَّ الزوالَ وما ثنا
إذا دُفعتْ أيدي الزناة ِ بسُحرة ٍ
رفعن لمرتادِ الزنا أرجُلَ الزنا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> من قال يوماً خالدٌ
من قال يوماً خالدٌ
رقم القصيدة : 62309
-----------------------------------
من قال يوماً خالدٌ
فلَيَبْدَ حينئذٍ بلعنِهْ
رجلٌ يُطيب عِرسَه
لتزورَ ناكتها بإذنه
فأرى أن أنيكها ثم أرمي
ها بما قد شهدتُه بالعيان
فإذا ما شتمتُ أمَّ مهاجٍ
لم أنكها خشيتُ قفَ حصان
غير أني امرؤ وإن كنتُ شيخاً
ليس ينفك شاعرٌ قد هجاني
نِكت أُمّيهما وما زلتُ قدما
بالأعادي مظفَّر الجُرذان
سائلاً خالداً بأنباء أيري
وأبا يوسفٍ فقد مارساني
فمن ارتابَ تَمارى بقولي
من عدو فشأنه وامتحاني
ولقد أَخلقَ الزمانُ شبابي
غير أيري فإنه كالسِّنان
لا بمالٍ ولا بفضل جمالٍ
بل بجَدٍّ وحظوٍ في الزواني
أمُّ من شئتُ من أَعايَّ طهر
أمتطيه بقُدرة ِ الشيطان
لستُ أنفك نائكاً حين أُهجَى
مَنْ هجاني وأَمَّهُ في مكان
أنا الشيخ أنيك أمَّ مُهاجيْ
يوأَفْري أديمَهُ بلساني
أنتُم معشرٌ غُررتُمْ بأيري
وجهلتم من القوافي مكاني
خفيف ايها الشاتميَّ في كل حينٍ
يتحدونني وكلِّ أوانِ(71/39)
فعلاهُ قرنٌ شك ما
بين السماءِ وبين أُذنه
فكأن بعض الأنبيافعلاهُ قرنٌ شك مابين السماءِ وبين أُذنه خفيفايها الشاتميَّ في كل حينٍيتحدونني وكلِّ أوانِ أنتُم معشرٌ غُررتُمْ بأيريوجهلتم من القوافي مكاني أنا الشيخ أنيك أمَّ مُهاجيْيوأَفْري أديمَهُ بلساني لستُ أنفك نائكاً حين أُهجَى مَنْ هجاني وأَمَّهُ
ءِ دعا له بشبابِ قرنه
فاعذروني فإنما أنا شيخ
أفتدي بالزنا من البُهتان
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ياقحطبي كما يقالُ وربما
ياقحطبي كما يقالُ وربما
رقم القصيدة : 62310
-----------------------------------
ياقحطبي كما يقالُ وربما
رُمي البريءُ بأعظمِ البُهتانِ
أيقود قحطبة ُ الجيوشَ مُسوَّما
بالخافقين كحُوَّم العِقبان
وتقود عرسَك للزناة مسوَّماًيا ربُ أضيافٍ جعاتَ قِراهُمُسُمَّانة ً ليست من السُّمان باتتْ تُشاوِلُهم برجلَي سمحة ٍتُنِسي المًطاعن جَذْلَ كلِّ طِعان
بالقَرِن مُعترفاً بكل هوان
يا ربُ أضيافٍ جعاتَ قِراهُمُ
سُمَّانة ً ليست من السُّمان
باتتْ تُشاوِلُهم برجلَي سمحة ٍ
تُنِسي المًطاعن جَذْلَ كلِّ طِعان
ألا اتعظْتَ وقد رأيتَ مَواسمي
هيهاتَ ثَقَّل رَأسَك القرنان
ولقد رأيتُ من الرجال معاشراً
ثَقُلت رؤوسهمُ بلا تيجان
كم آمنٍ منِّي العُرامَ تركتهُ
لا يستظل الدهرَ ظلَّ أمان
أَصْحَبْتُه في ليله ونهارهِ
خوفاً يؤرقُ مُقلة َ الوسنان
أشعرتُه خوفاً يصورني له
صوراً ممثلة ً بكل مكان
قد قلتُ إذ قالوا هجاك تعجبا
أنى تفرغ خالد فهجاني
ما كنتُ أحسِبُ أن في خَطراته
وهمومه فضلا عن الجرذان
حتى أتاني بالمغيب هجاؤه
فعلمتُ أني عندَهُ بمكان
كم خطبتَ أليَّ أيري جاهداً
حتى إذا أعيا خطبْتَ لساني
العصر العباسي >> ابن الرومي >> لله كلب مرَّ بي فخسأتُه
لله كلب مرَّ بي فخسأتُه
رقم القصيدة : 62311
-----------------------------------
لله كلب مرَّ بي فخسأتُه
والكلبُ معترِفٌ بكلِّ هوانِ
فأجابني مستنكفاً أتقول لي(71/40)
اخسأْ وأنت وخالدٌ أخوان
يكفيك أنك صِنوهُ من آدم
وشريكُه في صورة الإنسان
وعساهُ أيضاً من أبيكَ لأمه
فيها تصيب فياشل الشبان
العصر العباسي >> ابن الرومي >> قالوا هجاك أبو حفصٍ فقلتُ لهم
قالوا هجاك أبو حفصٍ فقلتُ لهم
رقم القصيدة : 62312
-----------------------------------
قالوا هجاك أبو حفصٍ فقلتُ لهم
أخي وخلِّي ونَدماني وصَفعاني
عِرضي له الدهرَ يهجوني وأصْفعهُ
وإن أبى زدتُه أعراض إخواني
العصر العباسي >> ابن الرومي >> للحريثيّ نكهة ٌ
للحريثيّ نكهة ٌ
رقم القصيدة : 62313
-----------------------------------
للحريثيّ نكهة ٌ
تترك البيتَ مُنتنا
تصرع الفارسَ الشجا
عَ إذا كرَّ أو ونَى
إنما تحسن في كني
ف إذا كان عندنا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> إبليس إن كنتَ من المُنْظرينْ
إبليس إن كنتَ من المُنْظرينْ
رقم القصيدة : 62314
-----------------------------------
إبليس إن كنتَ من المُنْظرينْ
وكُنتَ لا تهلكُ في الهالكينْ
هذا أبو حسانَ سيفُ الردى
كَلِّمهْ إن كنت من الصادقين
لك في هَنْكِ خَصلتانِ من الجنْ
نة ِ بَردٌ كبردهاوصحون
لا ترومي بنيكك ذلك شيءٌ
لم يكن مثلهُ وليس يكونُ
ليس لي دينُ يُونسٍ فأرجِّي
نجوة ً بعد أن تفيءَ النون
أنا من أفْحل البريَّة إلا
أنّني عنك مُخفرٌ عِنين
خفيف قل لمن عنك أخَّرَتَهْا المنونُ
ليس يجري في بَحْركم لي سفينُ
ويشفي غليلَ استه بالمنيِّ
ورُب شِفاء بماءٍ مهين
يقلقِل أحشاءه باركاً
بعَرْد طويل غليظٍ متين
وشيخ يبيتُ غلامٌ له
يُنعِّمُهُ بنعيمٍ مُهينْ
والله لو راجعْته لفظة ٍ
ما رِمْت أو يقطع منك الوتين
غير أَنَّ بردَها يطيبُ وما أن
فيك طيبٌ بك فيك داءٌ دفينُ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> مهما يكُن للقيان زَيْناً
مهما يكُن للقيان زَيْناً
رقم القصيدة : 62315
-----------------------------------
مهما يكُن للقيان زَيْناً
فصبوة ٌ عودَة ُ القيانِ
تبكي لوقتِ انصرافِ بيضٍ(71/41)
يحسُن في الضرب والأغاني
فإن تغنَّتْ لنا وَدِدْنا
لو هي قامتْ عن المكانِ
قلتُ لها والكلامُ شيءٌ
يبدو لمستخرج المعاني
ليستْ من النار فيك شيءٌ
لكن من الخلد خلَّتان
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أنتما عندي يا بني رمضانِ
أنتما عندي يا بني رمضانِ
رقم القصيدة : 62316
-----------------------------------
أنتما عندي يا بني رمضانِ
يشهدُ الرحمنُ ذاكُم أحمقانِ
يابني القرفَة ِ والتربِذِ والجُنْ
د بيد ستر والشِّبّ اليماني
العصر العباسي >> ابن الرومي >> رأيتُ الناسَ أكرَمهم عليهِ
رأيتُ الناسَ أكرَمهم عليهِ
رقم القصيدة : 62317
-----------------------------------
رأيتُ الناسَ أكرَمهم عليهِ
ذوو الأجسام والصُّورِ الحسانِ
يَروُعهمُ الطَّريرُ إذا رأَوْهُ
كأنهمُ نساؤهمُ الزواني
العصر العباسي >> ابن الرومي >> كُفِّي مَلامَكِ قد ملكتُ عناني
كُفِّي مَلامَكِ قد ملكتُ عناني
رقم القصيدة : 62318
-----------------------------------
كُفِّي مَلامَكِ قد ملكتُ عناني
وحفِظتُ فيك نصيحة النَّدمانِ
أأغيبُ عنكِ فتنعمينَ برقدة ٍ
لا خيرَ بعدك في حبيب ثاني
هلاَّ وَفيْتِ بما وعدت كما وفى
لكِ من وطئت به على الإحسان
إن كان صافحَ للكرى لي ناظراً
طيفٌ فلا عَمرتْ به أجفاني
حَسبي من العيشِ الذي خُوِّلتُه
في ظلِّ وصلِكُم وطيب زماني
شُربي الكؤوسَ على منادمة ِ الصِّبى
وغناء منْ إن شئتُه غنَّاني
لمن الديارِ ببُرْقة ِ الروحان إذْ
لا نبيعُ زمانَنا بزمان
العصر العباسي >> ابن الرومي >> قل يا أبا حسن لا زلتَ في مِنَنٍ
قل يا أبا حسن لا زلتَ في مِنَنٍ
رقم القصيدة : 62319
-----------------------------------
قل يا أبا حسن لا زلتَ في مِنَنٍ
يا ماليءَ القلب والأذنين إحسانا
تُدير صوتاً لَنَا ما زال مُقْترحاً
أبقَى بقلبي أَطراباً وأشجانا
يا حبَّذا جبلُ الريان من جبلٍ
وحبذا ساكنُ الريان مَنْ كانا
ولن تراني إلا حاملاً قَدَحاً(71/42)
وشارباً وعليهِ منهُ سكرانا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> شمسٌ مكوَّنة ٌ في خَلْق جارية ٍ
شمسٌ مكوَّنة ٌ في خَلْق جارية ٍ
رقم القصيدة : 62320
-----------------------------------
شمسٌ مكوَّنة ٌ في خَلْق جارية ٍ
باتتْ تُدير بعيدِ الدِّنح قُربانا
أبصرتُها بين أترابٍ هَززْن على
عَقْد الزنابير بالكُثبان أغصانا
يحملنَ وهي تَهادى بينهم حَذَراً
للعينِ من فاخر الياقوتِ صُلبانا
لو يستطِعن من الإشفاق إذ بَرزتْ
للمشي أَوْطأتُها منهنَّ أجفانا
كيف الطريقُ إلى الطير المشُوم وقد
أذاقنا تعبا منه وعَنَّانا
فقلت لا علمَ لي فاستضحَكتْ شَجناً
وضَمَّن القلبُ منها فيَّ أشجانا
فيا لهنَّ بُدوراً لا شبيهَ لها
وأوجُهاً أشرقت حُسناً وألوانا
ويا لها نظرة ً نلت النعيمَ بها
والحبَّ فالتَذتِ العينان من كانا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> لم يبقَ لي صبرٌ ولكنما
لم يبقَ لي صبرٌ ولكنما
رقم القصيدة : 62321
-----------------------------------
لم يبقَ لي صبرٌ ولكنما
أبقى بقلبي البَيْنُ أشجانا
أبدَلْتَني بُعداً بقربِ الذي
قد كان من حُزني سُلوانا
وكان لي أُنساً لدَى وَحْشتي
وكان لي رَوْحا وريحانا
يا بدرُ ما أسرعَ ما رابني
في وصلِكَ الدهرُ وما خانا
غِبت فغاب النوم عن ناظري
وسامني طيفُك هِجرانا
كانت بك الدنيا لنا جَنة ً
فنغَّصتْ لذة َ دُنيانا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> مُسْقِمٌ عن سُقْمِ جَفْنِ
مُسْقِمٌ عن سُقْمِ جَفْنِ
رقم القصيدة : 62322
-----------------------------------
مُسْقِمٌ عن سُقْمِ جَفْنِ
ضاحكٌ عن حَبِّ مُزْنِ
مُطلِعٌ من جَيبه شَمْ
ساً بدت في يوم دَجْن
لائثٌ مِئْزَرَهُ فَوْ
قَ كثيبٍ تحتَ غُصن
رشأٌ قد جاوزَ الحُسْ
نُ به حدَّ التَّمنِّي
آدميٌّ غير أن الْ
خَلقَ في صورة ِ جِنِّي
مُؤْنِسِي في كل حالٍ
مُسعِدِي في كل فَنّ
مُلِّكتْ كَفَّايَ منه
مثلَ ما مُلِّكَ مِنِّي
لستُ عنه صابراً يو
ماً ولا يصبِر عني(71/43)
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ولَمَّا رأيتُ البينَ قد جدَّ جَدُّه
ولَمَّا رأيتُ البينَ قد جدَّ جَدُّه
رقم القصيدة : 62323
-----------------------------------
ولَمَّا رأيتُ البينَ قد جدَّ جَدُّه
وقد قُرِنَتْ للبين عشرُ سفائنِ
أماطتْ رداء الخزِّ عن حُرِّ وجهِها
ولم تخشَ من داياتها والحواضنِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> م وَلع الزمانُ بأن يحرك ساكِناً
م وَلع الزمانُ بأن يحرك ساكِناً
رقم القصيدة : 62324
-----------------------------------
م وَلع الزمانُ بأن يحرك ساكِناً
وبأن يثيرَ من الأوابدِ كامنا
وهُم الأحبة ُ مَنْ أقام ترحَّلوا
عنهُ فكلهمُ يُودِّعُ ظاعنا
أضحى الزمانُ مُدائناً لك فيهمُ
ولعل رشداً إن قَضيتَ مُدائناص وَلع الزمانُ بأن يحرِّكَ ساكِناً
وبأن يثيرَ من الأوابدِ كامنا
وهُم الأحبة ُ مَنْ أقام ترحَّلوا
عنهُ فكلهمُ يُودِّعُ ظاعنا
أضحى الزمانُ مُدائناً لك فيهمُ
ولعل رشداً إن قَضيتَ مُدائنا
فأرى الليالي ما نقضنَ مَعاهداً
فيما أتينَ ولا هَجَمْنَ مآمنا
رحَّلنَ إلفَك عن مساكِن قلعة ٍ
كانت لقوم آخرين مساكنا
فاقْن الحياءَ أبا الحسينِ فلم يكن
شيءٌ فريٌّ لم تخلهُ كائنا
كان الذي قد كُنت توقنُ أنه
سيكون فاجزعْ واقِناً لا واهنا
هوِّن عليك المُقطَعاتِ ولا تكن
بنصيحة ٍ من مخلص مُتهاونا
إن الحوادثَ قد عدونَ فواجعاً
فاشدُد إزاركَ لا يكن فواتِنا
لا تُنكرن من المصائبِ منا أتى
حتى كأنك كنت منها آمنا
أنكره إنكار امرىء عرف الردى
ورأى النفوس بأن يَمتْن رهائنا
إني نَكِرتُ على الليالي أن أتَتْ
ما قد أتتهُ لم يكُنَّ ظنائنا
هل كُنتَ غِرَّا بالنوائب قبلها
أم خِلتَهنَّ لما تُحبُ ضوامنا
بل كنتَ فيما قد لقيتَ مفكرا
حتى كأنك كنتَ ثَمَّ مُعاينا
فعلامَ تَنْفِر نفرة ً وحشيَّة ً
وتُعدُّ دهركَ غائلا لك خائنا
ماخان دهرٌ مُؤذِنٌ بصروفهِ
ما انفكّ يُرسل بالمواعِظ آذنا
طامِنْ حشاكَ أخا البقاء لدائهِ(71/44)
فلتَزجُرنَّ أشائماً وأيامنا
داءَ البقاءُ الرفءَ إمَّا عاجلاً
لا زلتَ تُوفاهُ وإما آينا
من عاشَ أَثكلَه الزمانُ خليلَهُ
وسقاه بعد الصفوِ رَنْقاً آجنا
وكذا شِربُ العيش فيه تلونٌ
بيناهُ عذبٌ إذ تحوّلَ آسِنا
والمرءُ ماعَدتِ الحوادثُ نفسَهُ
يلقي الزمان محارباً ومُهادنا
دار الزمانُ بليلهِ ونهارهِ
فأدار أرحاءَ المنونِ طَواحِنا
فتأمل الدنيا ولاتعجبْ لها
واعجبْ لمن أضحى إليها راكنا
قضَّى أبو العباسِ خلّك نَحْبَهُ
فجعلتَ نحبكَ دَمْعَك المتهاتِنا
ووَدْتَ أنك منه أولُ لاحق
أوكنتَ مضموناً إليه مُقارنا
لكن أبى ذاك الإله فلا تُرِدْ
مالم يُرد لقضائه وارض العزاء مخادنا
لاتسجُّننَّ الهمَّ عندك إنه
مازال مسجوناً يعذِّبُ ساجنا
واصْبر كما أمرَ المليكُ فإنما
يهدِي المدينُ إذا أطاع الدائنا
والله يمنحُك الخلودَ مجاوراً
أخيك في جنّاته ومُساكنا
من بعد أن تحيا حياة َ ممتَّع
لا كالمشيع علو بين ظعائنا
مامات خلُّك يوم زار ضريحَه
بل يوم زار قوابلاً وحواضنا
بل منذ أُودع من أبيهِ وأمهِ
مستودعيه فكن لذلك فاطنا
بل قد يَمُتْ دون الألى فوق الثرى
نطقَ البيانُ مُكاتباً ومُلاسِنا
مازال خِلُّك ميتاً ولميتٍ
في الميتينِ مُصاهرا ومُخاتِنا
مات الخلائقُ مُذْ نعاهُمْ ربُّهم
بل مذ رأتْ عينٌ قريناً بائنا
أفللتقدُّم والتأخُّر يمتري
عينيكَ أسرابَ الدموع هواتنا
ساق الخليل إلى الخليلِ فناؤه
ليكون مدفوناً له أو دافنا
ولربما اختُطفا جميعاً خطفة ً
والدهرُ أخطفُ ماتراه مُحاجنا
ولما جلوتَ صفاح قلبِك واعظا
إنِّي رأيتُ عليه ريناً رائنا
لكنهُ التذكيرُ يَهْديه الفتى
لأخيه حينَ يرى أساهُ راحَنا
ولئن عبأتُ لك الأسى لَعَلى امرئٍ
أمسَى الحزين عليه لا المتحازنا
ولئن أمرتُك بالتجلد ظاهراً
لقد امتلأتُ عليه شجواً باطنا
ولقد أقول غَداة َ قامَ نَعيُّه
هيَّجْتَ لي شجناً لعمرُك شاجنا
صَفَن الجوادُ وقد يطولُ جِراؤه
ولتسمعَن بكلِّ جارٍ صافنا(71/45)
وطوى العتيقُ جناحَه في وَكْنِه
وقُصارُ ذي الطيران يُلقى واكنا
والحيُّ يرتَعُ ثم يسرعُ برهة ً
فإذا قضى أَرَبْيهِ أمسى عاطِنا
مات الذي نالَ العُلا متناولا
من بعدِ مانال العُلا متطامِنا
مات الذي كان النصيحَ مساتراً
مات الذي كان النصير مُعالِنا
مات الذي فتَح الفتوحَ مُلايناً
لاعاجزاً عن فتحِهن مُخاشنان وَلع الزمانُ بأن يحرِّكَ ساكِناً
وبأن يثيرَ من الأوابدِ كامنا
وهُم الأحبة ُ مَنْ أقام ترحَّلوا
عنهُ فكلهمُ يُودِّعُ ظاعنا
أضحى الزمانُ مُدائناً لك فيهمُ
ولعل رشداً إن قَضيتَ مُدائنا
فأرى الليالي ما نقضنَ مَعاهداً
فيما أتينَ ولا هَجَمْنَ مآمنا
رحَّلنَ إلفَك عن مساكِن قلعة ٍ
كانت لقوم آخرين مساكنا
فاقْن الحياءَ أبا الحسينِ فلم يكن
شيءٌ فريٌّ لم تخلهُ كائنا
كان الذي قد كُنت توقنُ أنه
سيكون فاجزعْ واقِناً لا واهنا
هوِّن عليك المُقطَعاتِ ولا تكن
بنصيحة ٍ من مخلص مُتهاونا
إن الحوادثَ قد عدونَ فواجعاً
فاشدُد إزاركَ لا يكن فواتِنا
لا تُنكرن من المصائبِ منا أتى
حتى كأنك كنت منها آمنا
أنكره إنكار امرىء عرف الردى
ورأى النفوس بأن يَمتْن رهائنا
إني نَكِرتُ على الليالي أن أتَتْ
ما قد أتتهُ لم يكُنَّ ظنائنا
هل كُنتَ غِرَّا بالنوائب قبلها
أم خِلتَهنَّ لما تُحبُ ضوامنا
بل كنتَ فيما قد لقيتَ مفكرا
حتى كأنك كنتَ ثَمَّ مُعاينا
فعلامَ تَنْفِر نفرة ً وحشيَّة ً
وتُعدُّ دهركَ غائلا لك خائنا
ماخان دهرٌ مُؤذِنٌ بصروفهِ
ما انفكّ يُرسل بالمواعِظ آذنا
طامِنْ حشاكَ أخا البقاء لدائهِ
فلتَزجُرنَّ أشائماً وأيامنا
داءَ البقاءُ الرفءَ إمَّا عاجلاً
لا زلتَ تُوفاهُ وإما آينا
من عاشَ أَثكلَه الزمانُ خليلَهُ
وسقاه بعد الصفوِ رَنْقاً آجنا
وكذا شِربُ العيش فيه تلونٌ
بيناهُ عذبٌ إذ تحوّلَ آسِنا
والمرءُ ماعَدتِ الحوادثُ نفسَهُ
يلقي الزمان محارباً ومُهادنا
دار الزمانُ بليلهِ ونهارهِ
فأدار أرحاءَ المنونِ طَواحِنا(71/46)
فتأمل الدنيا ولاتعجبْ لها
واعجبْ لمن أضحى إليها راكنا
قضَّى أبو العباسِ خلّك نَحْبَهُ
فجعلتَ نحبكَ دَمْعَك المتهاتِنا
ووَدْتَ أنك منه أولُ لاحق
أوكنتَ مضموناً إليه مُقارنا
لكن أبى ذاك الإله فلا تُرِدْ
مالم يُرد لقضائه وارض العزاء مخادنا
لاتسجُّننَّ الهمَّ عندك إنه
مازال مسجوناً يعذِّبُ ساجنا
واصْبر كما أمرَ المليكُ فإنما
يهدِي المدينُ إذا أطاع الدائنا
والله يمنحُك الخلودَ مجاوراً
أخيك في جنّاته ومُساكنا
من بعد أن تحيا حياة َ ممتَّع
لا كالمشيع علو بين ظعائنا
مامات خلُّك يوم زار ضريحَه
بل يوم زار قوابلاً وحواضنا
بل منذ أُودع من أبيهِ وأمهِ
مستودعيه فكن لذلك فاطنا
بل قد يَمُتْ دون الألى فوق الثرى
نطقَ البيانُ مُكاتباً ومُلاسِنا
مازال خِلُّك ميتاً ولميتٍ
في الميتينِ مُصاهرا ومُخاتِنا
مات الخلائقُ مُذْ نعاهُمْ ربُّهم
بل مذ رأتْ عينٌ قريناً بائنا
أفللتقدُّم والتأخُّر يمتري
عينيكَ أسرابَ الدموع هواتنا
ساق الخليل إلى الخليلِ فناؤه
ليكون مدفوناً له أو دافنا
ولربما اختُطفا جميعاً خطفة ً
والدهرُ أخطفُ ماتراه مُحاجنا
ولما جلوتَ صفاح قلبِك واعظا
إنِّي رأيتُ عليه ريناً رائنا
لكنهُ التذكيرُ يَهْديه الفتى
لأخيه حينَ يرى أساهُ راحَنا
ولئن عبأتُ لك الأسى لَعَلى امرئٍ
أمسَى الحزين عليه لا المتحازنا
ولئن أمرتُك بالتجلد ظاهراً
لقد امتلأتُ عليه شجواً باطنا
ولقد أقول غَداة َ قامَ نَعيُّه
هيَّجْتَ لي شجناً لعمرُك شاجنا
صَفَن الجوادُ وقد يطولُ جِراؤه
ولتسمعَن بكلِّ جارٍ صافنا
وطوى العتيقُ جناحَه في وَكْنِه
وقُصارُ ذي الطيران يُلقى واكنا
والحيُّ يرتَعُ ثم يسرعُ برهة ً
فإذا قضى أَرَبْيهِ أمسى عاطِنا
مات الذي نالَ العُلا متناولا
من بعدِ مانال العُلا متطامِنا
مات الذي كان النصيحَ مساتراً
مات الذي كان النصير مُعالِنا
مات الذي فتَح الفتوحَ مُلايناً
لاعاجزاً عن فتحِهن مُخاشنا
مات الذي أحيا النفوسَ بيُمنه(71/47)
وأمات منها للملوك ضغائنا
مات الذي صانَ الدماءَ ولم يزلْ
عن كل إثم للأئمة ِ صائنا
مات الذي أغناه لطفُ حَوِيلهِ
عن أن يُهز صوارما وموارنا
مات الذي رأب الثأَي مُتعالياًوَلع الزمانُ بأن يحرِّكَ ساكِناً
وبأن يثيرَ من الأوابدِ كامنا
وهُم الأحبة ُ مَنْ أقام ترحَّلوا
عنهُ فكلهمُ يُودِّعُ ظاعنا
أضحى الزمانُ مُدائناً لك فيهمُ
ولعل رشداً إن قَضيتَ مُدائنا
فأرى الليالي ما نقضنَ مَعاهداً
فيما أتينَ ولا هَجَمْنَ مآمنا
رحَّلنَ إلفَك عن مساكِن قلعة ٍ
كانت لقوم آخرين مساكنا
فاقْن الحياءَ أبا الحسينِ فلم يكن
شيءٌ فريٌّ لم تخلهُ كائنا
كان الذي قد كُنت توقنُ أنه
سيكون فاجزعْ واقِناً لا واهنا
هوِّن عليك المُقطَعاتِ ولا تكن
بنصيحة ٍ من مخلص مُتهاونا
إن الحوادثَ قد عدونَ فواجعاً
فاشدُد إزاركَ لا يكن فواتِنا
لا تُنكرن من المصائبِ منا أتى
حتى كأنك كنت منها آمنا
أنكره إنكار امرىء عرف الردى
ورأى النفوس بأن يَمتْن رهائنا
إني نَكِرتُ على الليالي أن أتَتْ
ما قد أتتهُ لم يكُنَّ ظنائنا
هل كُنتَ غِرَّا بالنوائب قبلها
أم خِلتَهنَّ لما تُحبُ ضوامنا
بل كنتَ فيما قد لقيتَ مفكرا
حتى كأنك كنتَ ثَمَّ مُعاينا
فعلامَ تَنْفِر نفرة ً وحشيَّة ً
وتُعدُّ دهركَ غائلا لك خائنا
ماخان دهرٌ مُؤذِنٌ بصروفهِ
ما انفكّ يُرسل بالمواعِظ آذنا
طامِنْ حشاكَ أخا البقاء لدائهِ
فلتَزجُرنَّ أشائماً وأيامنا
داءَ البقاءُ الرفءَ إمَّا عاجلاً
لا زلتَ تُوفاهُ وإما آينا
من عاشَ أَثكلَه الزمانُ خليلَهُ
وسقاه بعد الصفوِ رَنْقاً آجنا
وكذا شِربُ العيش فيه تلونٌ
بيناهُ عذبٌ إذ تحوّلَ آسِنا
والمرءُ ماعَدتِ الحوادثُ نفسَهُ
يلقي الزمان محارباً ومُهادنا
دار الزمانُ بليلهِ ونهارهِ
فأدار أرحاءَ المنونِ طَواحِنا
فتأمل الدنيا ولاتعجبْ لها
واعجبْ لمن أضحى إليها راكنا
قضَّى أبو العباسِ خلّك نَحْبَهُ
فجعلتَ نحبكَ دَمْعَك المتهاتِنا
ووَدْتَ أنك منه أولُ لاحق(71/48)
أوكنتَ مضموناً إليه مُقارنا
لكن أبى ذاك الإله فلا تُرِدْ
مالم يُرد لقضائه وارض العزاء مخادنا
لاتسجُّننَّ الهمَّ عندك إنه
مازال مسجوناً يعذِّبُ ساجنا
واصْبر كما أمرَ المليكُ فإنما
يهدِي المدينُ إذا أطاع الدائنا
والله يمنحُك الخلودَ مجاوراً
أخيك في جنّاته ومُساكنا
من بعد أن تحيا حياة َ ممتَّع
لا كالمشيع علو بين ظعائنا
مامات خلُّك يوم زار ضريحَه
بل يوم زار قوابلاً وحواضنا
بل منذ أُودع من أبيهِ وأمهِ
مستودعيه فكن لذلك فاطنا
بل قد يَمُتْ دون الألى فوق الثرى
نطقَ البيانُ مُكاتباً ومُلاسِنا
مازال خِلُّك ميتاً ولميتٍ
في الميتينِ مُصاهرا ومُخاتِنا
مات الخلائقُ مُذْ نعاهُمْ ربُّهم
بل مذ رأتْ عينٌ قريناً بائنا
أفللتقدُّم والتأخُّر يمتري
عينيكَ أسرابَ الدموع هواتنا
ساق الخليل إلى الخليلِ فناؤه
ليكون مدفوناً له أو دافنا
ولربما اختُطفا جميعاً خطفة ً
والدهرُ أخطفُ ماتراه مُحاجنا
ولما جلوتَ صفاح قلبِك واعظا
إنِّي رأيتُ عليه ريناً رائنا
لكنهُ التذكيرُ يَهْديه الفتى
لأخيه حينَ يرى أساهُ راحَنا
ولئن عبأتُ لك الأسى لَعَلى امرئٍ
أمسَى الحزين عليه لا المتحازنا
ولئن أمرتُك بالتجلد ظاهراً
لقد امتلأتُ عليه شجواً باطنا
ولقد أقول غَداة َ قامَ نَعيُّه
هيَّجْتَ لي شجناً لعمرُك شاجنا
صَفَن الجوادُ وقد يطولُ جِراؤه
ولتسمعَن بكلِّ جارٍ صافنا
وطوى العتيقُ جناحَه في وَكْنِه
وقُصارُ ذي الطيران يُلقى واكنا
والحيُّ يرتَعُ ثم يسرعُ برهة ً
فإذا قضى أَرَبْيهِ أمسى عاطِنا
مات الذي نالَ العُلا متناولا
من بعدِ مانال العُلا متطامِنا
مات الذي كان النصيحَ مساتراً
مات الذي كان النصير مُعالِنا
مات الذي فتَح الفتوحَ مُلايناً
لاعاجزاً عن فتحِهن مُخاشنا
مات الذي أحيا النفوسَ بيُمنه
وأمات منها للملوك ضغائنا
مات الذي صانَ الدماءَ ولم يزلْ
عن كل إثم للأئمة ِ صائنا
مات الذي أغناه لطفُ حَوِيلهِ
عن أن يُهز صوارما وموارنا(71/49)
مات الذي رأب الثأَي مُتعالياً
عن أن يصادف ضارباً أو طاعِنا
يا أحمدَ المحمودَ إن عيونَنا
أضحتْ كما أمستْ عليك سخائنا
يا أصبغيّ المُلك إنّ ظواهراً
أَكْسَفتها منا وإنَّ بواطنا
تلك المفارحُ أصبحت
قُلبت هموماً للعظام شوافِنا
لا تبعدَنَّ وإن نزلتَ بمنزلٍ
أمسى بعيداً عن أَوُدِّكَ شاطنا
فلقد أصابتكَ الخطوبُ حواقداً
ولقد أشاطَتْكَ المنونُ ضواغنا
كنت الذي تَقْتادُهُنَّ على الوجى
وتُذِلُّهنَّ مَخاطما ورواسنا
سُقيت معونَتك الوزير فلم تكن
إلا مُعاون جمّة ومعادنا
وأُثيبَ سعيُك للإمام فلم تزل
لثغورهِ بجنود رأيكَ شاحنا
ما كانت العزَّاء تزحَمُ منكُم
إلا جبالاً لا تزولُ ركائنا
ماكانت الللأواءُ تَلقى منكُم
إلا مُضابِرَ نوبة ٍ ومُماتنا
لهفي أبا العباس لهفة َ آملٍ
كان ارتجاكَ على الزمان مُعاونا
ولساسة ُ الدنيا أحقُّ بلهفتي
منّي وأوْلى بالغليلِ جنَاجنا
لَهفي عليكَ لخُطة ٍ مرهوبة ٍ
ما كنتَ فيها بالذميم مَواطنا
لَهفي عليمَ لُهاً إذا أزَماتُها
ضاقتْ على الزّولِ الرحيب معاطِنا
كمْ من أعادٍ قد رقَيْتَ فلم تدعْ
فيهم رُقاك الشافيات مُداهِنا
أطفأتَ نارهُم وكنَّ نوائراً
وأبحتَ حقدَهمُ وكان دواجنا
متألِّفاً لهمُ تألُّفَ حُوَّلٍ
لو شاءَ سَيَّر بالقفارِ سفائنا
متلطفاً لهمُ تلطُّف قُلَّبٍ
لو شاء شادَ على البحارِ مَدائنا
ماكان سعيُك للخلائف كلِّها
إلا معاقِلَ تارة ً ومعادِنا
إن نابَهم خطبٌ درأتَ وإن بَغَوْا
مالاً ملأتَ خزائناً وخزائنا
كم قد فتحتَ لهم عدواً جامحاً
كم قد حرثْتَ لهم خراجاً حارنا
أنشرْتَ آراءً وكنّ هوامداً
وأثرتَ أموالاً وكنَّ دفائنا
كانت فتوحُك كلُّها ميمونة ً
تأتي وليستْ للحتوف قرائنا
بالخيلِ لكن لاتزال صوافناً
والبيضِ لكن لاتزال كوامنا
عجباً لفتحِك بالسيوفِ كوامناً
تلكَ الفتوح وبالجيادِ صوافناص وَلع الزمانُ بأن يحرِّكَ ساكِناً
وبأن يثيرَ من الأوابدِ كامنا
وهُم الأحبة ُ مَنْ أقام ترحَّلوا(71/50)
عنهُ فكلهمُ يُودِّعُ ظاعنا
أضحى الزمانُ مُدائناً لك فيهمُ
ولعل رشداً إن قَضيتَ مُدائنا
فأرى الليالي ما نقضنَ مَعاهداً
فيما أتينَ ولا هَجَمْنَ مآمنا
رحَّلنَ إلفَك عن مساكِن قلعة ٍ
كانت لقوم آخرين مساكنا
فاقْن الحياءَ أبا الحسينِ فلم يكن
شيءٌ فريٌّ لم تخلهُ كائنا
كان الذي قد كُنت توقنُ أنه
سيكون فاجزعْ واقِناً لا واهنا
هوِّن عليك المُقطَعاتِ ولا تكن
بنصيحة ٍ من مخلص مُتهاونا
إن الحوادثَ قد عدونَ فواجعاً
فاشدُد إزاركَ لا يكن فواتِنا
لا تُنكرن من المصائبِ منا أتى
حتى كأنك كنت منها آمنا
أنكره إنكار امرىء عرف الردى
ورأى النفوس بأن يَمتْن رهائنا
إني نَكِرتُ على الليالي أن أتَتْ
ما قد أتتهُ لم يكُنَّ ظنائنا
هل كُنتَ غِرَّا بالنوائب قبلها
أم خِلتَهنَّ لما تُحبُ ضوامنا
بل كنتَ فيما قد لقيتَ مفكرا
حتى كأنك كنتَ ثَمَّ مُعاينا
فعلامَ تَنْفِر نفرة ً وحشيَّة ً
وتُعدُّ دهركَ غائلا لك خائنا
ماخان دهرٌ مُؤذِنٌ بصروفهِ
ما انفكّ يُرسل بالمواعِظ آذنا
طامِنْ حشاكَ أخا البقاء لدائهِ
فلتَزجُرنَّ أشائماً وأيامنا
داءَ البقاءُ الرفءَ إمَّا عاجلاً
لا زلتَ تُوفاهُ وإما آينا
من عاشَ أَثكلَه الزمانُ خليلَهُ
وسقاه بعد الصفوِ رَنْقاً آجنا
وكذا شِربُ العيش فيه تلونٌ
بيناهُ عذبٌ إذ تحوّلَ آسِنا
والمرءُ ماعَدتِ الحوادثُ نفسَهُ
يلقي الزمان محارباً ومُهادنا
دار الزمانُ بليلهِ ونهارهِ
فأدار أرحاءَ المنونِ طَواحِنا
فتأمل الدنيا ولاتعجبْ لها
واعجبْ لمن أضحى إليها راكنا
قضَّى أبو العباسِ خلّك نَحْبَهُ
فجعلتَ نحبكَ دَمْعَك المتهاتِنا
ووَدْتَ أنك منه أولُ لاحق
أوكنتَ مضموناً إليه مُقارنا
لكن أبى ذاك الإله فلا تُرِدْ
مالم يُرد لقضائه وارض العزاء مخادنا
لاتسجُّننَّ الهمَّ عندك إنه
مازال مسجوناً يعذِّبُ ساجنا
واصْبر كما أمرَ المليكُ فإنما
يهدِي المدينُ إذا أطاع الدائنا
والله يمنحُك الخلودَ مجاوراً(71/51)
أخيك في جنّاته ومُساكنا
من بعد أن تحيا حياة َ ممتَّع
لا كالمشيع علو بين ظعائنا
مامات خلُّك يوم زار ضريحَه
بل يوم زار قوابلاً وحواضنا
بل منذ أُودع من أبيهِ وأمهِ
مستودعيه فكن لذلك فاطنا
بل قد يَمُتْ دون الألى فوق الثرى
نطقَ البيانُ مُكاتباً ومُلاسِنا
مازال خِلُّك ميتاً ولميتٍ
في الميتينِ مُصاهرا ومُخاتِنا
مات الخلائقُ مُذْ نعاهُمْ ربُّهم
بل مذ رأتْ عينٌ قريناً بائنا
أفللتقدُّم والتأخُّر يمتري
عينيكَ أسرابَ الدموع هواتنا
ساق الخليل إلى الخليلِ فناؤه
ليكون مدفوناً له أو دافنا
ولربما اختُطفا جميعاً خطفة ً
والدهرُ أخطفُ ماتراه مُحاجنا
ولما جلوتَ صفاح قلبِك واعظا
إنِّي رأيتُ عليه ريناً رائنا
لكنهُ التذكيرُ يَهْديه الفتى
لأخيه حينَ يرى أساهُ راحَنا
ولئن عبأتُ لك الأسى لَعَلى امرئٍ
أمسَى الحزين عليه لا المتحازنا
ولئن أمرتُك بالتجلد ظاهراً
لقد امتلأتُ عليه شجواً باطنا
ولقد أقول غَداة َ قامَ نَعيُّه
هيَّجْتَ لي شجناً لعمرُك شاجنا
صَفَن الجوادُ وقد يطولُ جِراؤه
ولتسمعَن بكلِّ جارٍ صافنا
وطوى العتيقُ جناحَه في وَكْنِه
وقُصارُ ذي الطيران يُلقى واكنا
والحيُّ يرتَعُ ثم يسرعُ برهة ً
فإذا قضى أَرَبْيهِ أمسى عاطِنا
مات الذي نالَ العُلا متناولا
من بعدِ مانال العُلا متطامِنا
مات الذي كان النصيحَ مساتراً
مات الذي كان النصير مُعالِنا
مات الذي فتَح الفتوحَ مُلايناً
لاعاجزاً عن فتحِهن مُخاشنا
مات الذي أحيا النفوسَ بيُمنه
وأمات منها للملوك ضغائنا
مات الذي صانَ الدماءَ ولم يزلْ
عن كل إثم للأئمة ِ صائنا
مات الذي أغناه لطفُ حَوِيلهِ
عن أن يُهز صوارما وموارنا
مات الذي رأب الثأَي مُتعالياً
عن أن يصادف ضارباً أو طاعِنا
يا أحمدَ المحمودَ إن عيونَنا
أضحتْ كما أمستْ عليك سخائنا
يا أصبغيّ المُلك إنّ ظواهراً
أَكْسَفتها منا وإنَّ بواطنا
تلك المفارحُ أصبحت
قُلبت هموماً للعظام شوافِنا(71/52)
لا تبعدَنَّ وإن نزلتَ بمنزلٍ
أمسى بعيداً عن أَوُدِّكَ شاطنا
فلقد أصابتكَ الخطوبُ حواقداً
ولقد أشاطَتْكَ المنونُ ضواغنا
كنت الذي تَقْتادُهُنَّ على الوجى
وتُذِلُّهنَّ مَخاطما ورواسنا
سُقيت معونَتك الوزير فلم تكن
إلا مُعاون جمّة ومعادنا
وأُثيبَ سعيُك للإمام فلم تزل
لثغورهِ بجنود رأيكَ شاحنا
ما كانت العزَّاء تزحَمُ منكُم
إلا جبالاً لا تزولُ ركائنا
ماكانت الللأواءُ تَلقى منكُم
إلا مُضابِرَ نوبة ٍ ومُماتنا
لهفي أبا العباس لهفة َ آملٍ
كان ارتجاكَ على الزمان مُعاونا
ولساسة ُ الدنيا أحقُّ بلهفتي
منّي وأوْلى بالغليلِ جنَاجنا
لَهفي عليكَ لخُطة ٍ مرهوبة ٍ
ما كنتَ فيها بالذميم مَواطنا
لَهفي عليمَ لُهاً إذا أزَماتُها
ضاقتْ على الزّولِ الرحيب معاطِنا
كمْ من أعادٍ قد رقَيْتَ فلم تدعْ
فيهم رُقاك الشافيات مُداهِنا
أطفأتَ نارهُم وكنَّ نوائراً
وأبحتَ حقدَهمُ وكان دواجنا
متألِّفاً لهمُ تألُّفَ حُوَّلٍ
لو شاءَ سَيَّر بالقفارِ سفائنا
متلطفاً لهمُ تلطُّف قُلَّبٍ
لو شاء شادَ على البحارِ مَدائنا
ماكان سعيُك للخلائف كلِّها
إلا معاقِلَ تارة ً ومعادِنا
إن نابَهم خطبٌ درأتَ وإن بَغَوْا
مالاً ملأتَ خزائناً وخزائنا
كم قد فتحتَ لهم عدواً جامحاً
كم قد حرثْتَ لهم خراجاً حارنا
أنشرْتَ آراءً وكنّ هوامداً
وأثرتَ أموالاً وكنَّ دفائنا
كانت فتوحُك كلُّها ميمونة ً
تأتي وليستْ للحتوف قرائنا
بالخيلِ لكن لاتزال صوافناً
والبيضِ لكن لاتزال كوامنا
عجباً لفتحِك بالسيوفِ كوامناً
تلكَ الفتوح وبالجيادِ صوافنا
مازلتَ تجتِنبُ الدماءَ وسفكَها
فإذا طغتْ وجدتْك حَيْناً حائنا
تضعُ السلاح تأثُّماً وتكرماً
وتظلُّ بالرأي السديدِ مُزابنا
فكأنك المقدارُ يخفَى شخصُه
ويُحرك الأشياءَ طُرّاً ساكنا
ولئن وضعتَ القوسَ ثمَّ لمُعتدٍ
إن شاءَ عبأ للرِّماء كنائنا
ولئن وضعتَ الرمح ثَمَّ لمصدرٍ
إن شاء هيأ للطعان مطاعِنا
ولئن وضعتَ السيفَ ثم لمنجدٍ(71/53)
إن شاء وطَّأ للضِّراب أماكنا
يغدو المقاتلُ ماهِناً لاماهراً
أبداً وتعدو ماهراً لاماهنا
كم قد ظفرتَ مُكاتباً ومخاطبا
حتى خُشيتَ مُضارباً ومَطاعنا
كم قد غلبتَ ذوي الشِّقاقِ مسالماً
لاسافِكاً لدمٍ ولكن حاقنا
فوَقَيْتَ من دَنسِ الدماء أئمة ً
ووقيتَ من قَوَّمَتِ رُكناً دائنا
نَفَّلتهم أموالهم ودماءهم
ونساءهم فتركتُهنَّ حواضنا
ولو التوَوْا لرميتَهم بمكائدٍ
أخفَى من الأجلِ الحبيسِ مكامنا
كم قَسْوَرٍ قَلَّمتَ منه أظافراً
تقليمَ مَنْ لم نُخْفِ منه براثنان وَلع الزمانُ بأن يحرِّكَ ساكِناً
وبأن يثيرَ من الأوابدِ كامنا
وهُم الأحبة ُ مَنْ أقام ترحَّلوا
عنهُ فكلهمُ يُودِّعُ ظاعنا
أضحى الزمانُ مُدائناً لك فيهمُ
ولعل رشداً إن قَضيتَ مُدائنا
فأرى الليالي ما نقضنَ مَعاهداً
فيما أتينَ ولا هَجَمْنَ مآمنا
رحَّلنَ إلفَك عن مساكِن قلعة ٍ
كانت لقوم آخرين مساكنا
فاقْن الحياءَ أبا الحسينِ فلم يكن
شيءٌ فريٌّ لم تخلهُ كائنا
كان الذي قد كُنت توقنُ أنه
سيكون فاجزعْ واقِناً لا واهنا
هوِّن عليك المُقطَعاتِ ولا تكن
بنصيحة ٍ من مخلص مُتهاونا
إن الحوادثَ قد عدونَ فواجعاً
فاشدُد إزاركَ لا يكن فواتِنا
لا تُنكرن من المصائبِ منا أتى
حتى كأنك كنت منها آمنا
أنكره إنكار امرىء عرف الردى
ورأى النفوس بأن يَمتْن رهائنا
إني نَكِرتُ على الليالي أن أتَتْ
ما قد أتتهُ لم يكُنَّ ظنائنا
هل كُنتَ غِرَّا بالنوائب قبلها
أم خِلتَهنَّ لما تُحبُ ضوامنا
بل كنتَ فيما قد لقيتَ مفكرا
حتى كأنك كنتَ ثَمَّ مُعاينا
فعلامَ تَنْفِر نفرة ً وحشيَّة ً
وتُعدُّ دهركَ غائلا لك خائنا
ماخان دهرٌ مُؤذِنٌ بصروفهِ
ما انفكّ يُرسل بالمواعِظ آذنا
طامِنْ حشاكَ أخا البقاء لدائهِ
فلتَزجُرنَّ أشائماً وأيامنا
داءَ البقاءُ الرفءَ إمَّا عاجلاً
لا زلتَ تُوفاهُ وإما آينا
من عاشَ أَثكلَه الزمانُ خليلَهُ
وسقاه بعد الصفوِ رَنْقاً آجنا
وكذا شِربُ العيش فيه تلونٌ(71/54)
بيناهُ عذبٌ إذ تحوّلَ آسِنا
والمرءُ ماعَدتِ الحوادثُ نفسَهُ
يلقي الزمان محارباً ومُهادنا
دار الزمانُ بليلهِ ونهارهِ
فأدار أرحاءَ المنونِ طَواحِنا
فتأمل الدنيا ولاتعجبْ لها
واعجبْ لمن أضحى إليها راكنا
قضَّى أبو العباسِ خلّك نَحْبَهُ
فجعلتَ نحبكَ دَمْعَك المتهاتِنا
ووَدْتَ أنك منه أولُ لاحق
أوكنتَ مضموناً إليه مُقارنا
لكن أبى ذاك الإله فلا تُرِدْ
مالم يُرد لقضائه وارض العزاء مخادنا
لاتسجُّننَّ الهمَّ عندك إنه
مازال مسجوناً يعذِّبُ ساجنا
واصْبر كما أمرَ المليكُ فإنما
يهدِي المدينُ إذا أطاع الدائنا
والله يمنحُك الخلودَ مجاوراً
أخيك في جنّاته ومُساكنا
من بعد أن تحيا حياة َ ممتَّع
لا كالمشيع علو بين ظعائنا
مامات خلُّك يوم زار ضريحَه
بل يوم زار قوابلاً وحواضنا
بل منذ أُودع من أبيهِ وأمهِ
مستودعيه فكن لذلك فاطنا
بل قد يَمُتْ دون الألى فوق الثرى
نطقَ البيانُ مُكاتباً ومُلاسِنا
مازال خِلُّك ميتاً ولميتٍ
في الميتينِ مُصاهرا ومُخاتِنا
مات الخلائقُ مُذْ نعاهُمْ ربُّهم
بل مذ رأتْ عينٌ قريناً بائنا
أفللتقدُّم والتأخُّر يمتري
عينيكَ أسرابَ الدموع هواتنا
ساق الخليل إلى الخليلِ فناؤه
ليكون مدفوناً له أو دافنا
ولربما اختُطفا جميعاً خطفة ً
والدهرُ أخطفُ ماتراه مُحاجنا
ولما جلوتَ صفاح قلبِك واعظا
إنِّي رأيتُ عليه ريناً رائنا
لكنهُ التذكيرُ يَهْديه الفتى
لأخيه حينَ يرى أساهُ راحَنا
ولئن عبأتُ لك الأسى لَعَلى امرئٍ
أمسَى الحزين عليه لا المتحازنا
ولئن أمرتُك بالتجلد ظاهراً
لقد امتلأتُ عليه شجواً باطنا
ولقد أقول غَداة َ قامَ نَعيُّه
هيَّجْتَ لي شجناً لعمرُك شاجنا
صَفَن الجوادُ وقد يطولُ جِراؤه
ولتسمعَن بكلِّ جارٍ صافنا
وطوى العتيقُ جناحَه في وَكْنِه
وقُصارُ ذي الطيران يُلقى واكنا
والحيُّ يرتَعُ ثم يسرعُ برهة ً
فإذا قضى أَرَبْيهِ أمسى عاطِنا
مات الذي نالَ العُلا متناولا(71/55)
من بعدِ مانال العُلا متطامِنا
مات الذي كان النصيحَ مساتراً
مات الذي كان النصير مُعالِنا
مات الذي فتَح الفتوحَ مُلايناً
لاعاجزاً عن فتحِهن مُخاشنا
مات الذي أحيا النفوسَ بيُمنه
وأمات منها للملوك ضغائنا
مات الذي صانَ الدماءَ ولم يزلْ
عن كل إثم للأئمة ِ صائنا
مات الذي أغناه لطفُ حَوِيلهِ
عن أن يُهز صوارما وموارنا
مات الذي رأب الثأَي مُتعالياً
عن أن يصادف ضارباً أو طاعِنا
يا أحمدَ المحمودَ إن عيونَنا
أضحتْ كما أمستْ عليك سخائنا
يا أصبغيّ المُلك إنّ ظواهراً
أَكْسَفتها منا وإنَّ بواطنا
تلك المفارحُ أصبحت
قُلبت هموماً للعظام شوافِنا
لا تبعدَنَّ وإن نزلتَ بمنزلٍ
أمسى بعيداً عن أَوُدِّكَ شاطنا
فلقد أصابتكَ الخطوبُ حواقداً
ولقد أشاطَتْكَ المنونُ ضواغنا
كنت الذي تَقْتادُهُنَّ على الوجى
وتُذِلُّهنَّ مَخاطما ورواسنا
سُقيت معونَتك الوزير فلم تكن
إلا مُعاون جمّة ومعادنا
وأُثيبَ سعيُك للإمام فلم تزل
لثغورهِ بجنود رأيكَ شاحنا
ما كانت العزَّاء تزحَمُ منكُم
إلا جبالاً لا تزولُ ركائنا
ماكانت الللأواءُ تَلقى منكُم
إلا مُضابِرَ نوبة ٍ ومُماتنا
لهفي أبا العباس لهفة َ آملٍ
كان ارتجاكَ على الزمان مُعاونا
ولساسة ُ الدنيا أحقُّ بلهفتي
منّي وأوْلى بالغليلِ جنَاجنا
لَهفي عليكَ لخُطة ٍ مرهوبة ٍ
ما كنتَ فيها بالذميم مَواطنا
لَهفي عليمَ لُهاً إذا أزَماتُها
ضاقتْ على الزّولِ الرحيب معاطِنا
كمْ من أعادٍ قد رقَيْتَ فلم تدعْ
فيهم رُقاك الشافيات مُداهِنا
أطفأتَ نارهُم وكنَّ نوائراً
وأبحتَ حقدَهمُ وكان دواجنا
متألِّفاً لهمُ تألُّفَ حُوَّلٍ
لو شاءَ سَيَّر بالقفارِ سفائنا
متلطفاً لهمُ تلطُّف قُلَّبٍ
لو شاء شادَ على البحارِ مَدائنا
ماكان سعيُك للخلائف كلِّها
إلا معاقِلَ تارة ً ومعادِنا
إن نابَهم خطبٌ درأتَ وإن بَغَوْا
مالاً ملأتَ خزائناً وخزائنا
كم قد فتحتَ لهم عدواً جامحاً
كم قد حرثْتَ لهم خراجاً حارنا(71/56)
أنشرْتَ آراءً وكنّ هوامداً
وأثرتَ أموالاً وكنَّ دفائنا
كانت فتوحُك كلُّها ميمونة ً
تأتي وليستْ للحتوف قرائنا
بالخيلِ لكن لاتزال صوافناً
والبيضِ لكن لاتزال كوامنا
عجباً لفتحِك بالسيوفِ كوامناً
تلكَ الفتوح وبالجيادِ صوافنا
مازلتَ تجتِنبُ الدماءَ وسفكَها
فإذا طغتْ وجدتْك حَيْناً حائنا
تضعُ السلاح تأثُّماً وتكرماً
وتظلُّ بالرأي السديدِ مُزابنا
فكأنك المقدارُ يخفَى شخصُه
ويُحرك الأشياءَ طُرّاً ساكنا
ولئن وضعتَ القوسَ ثمَّ لمُعتدٍ
إن شاءَ عبأ للرِّماء كنائنا
ولئن وضعتَ الرمح ثَمَّ لمصدرٍ
إن شاء هيأ للطعان مطاعِنا
ولئن وضعتَ السيفَ ثم لمنجدٍ
إن شاء وطَّأ للضِّراب أماكنا
يغدو المقاتلُ ماهِناً لاماهراً
أبداً وتعدو ماهراً لاماهنا
كم قد ظفرتَ مُكاتباً ومخاطبا
حتى خُشيتَ مُضارباً ومَطاعنا
كم قد غلبتَ ذوي الشِّقاقِ مسالماً
لاسافِكاً لدمٍ ولكن حاقنا
فوَقَيْتَ من دَنسِ الدماء أئمة ً
ووقيتَ من قَوَّمَتِ رُكناً دائنا
نَفَّلتهم أموالهم ودماءهم
ونساءهم فتركتُهنَّ حواضنا
ولو التوَوْا لرميتَهم بمكائدٍ
أخفَى من الأجلِ الحبيسِ مكامنا
كم قَسْوَرٍ قَلَّمتَ منه أظافراً
تقليمَ مَنْ لم نُخْفِ منه براثنا
ومنيعِ ظهرٍ راحَ قد حمَّلتَه
تحميلَ مَنْ لم تُدْمِ منه سَناسنا
فغدا سليمَ القلبِ غير مُضاغنٍ
ولربما خنعَ العَدو مُضاغِنا
ملكَ الرقابَ أخو القتالِ مخاشناً
وملكتَ أفئدة َ الرجالِ مُلاينا
أحسنتَ أدواءَ الأمورِ مُفاحشاً
بالسيف أنْ تَلِي الأمورَ محاسنا
فغدوتَ تعتدُّ القلوبَ مُصافيا
وسواك يَعتَدُّ القلوبَ مُشاجناص وَلع الزمانُ بأن يحرِّكَ ساكِناً
وبأن يثيرَ من الأوابدِ كامنا
وهُم الأحبة ُ مَنْ أقام ترحَّلوا
عنهُ فكلهمُ يُودِّعُ ظاعنا
أضحى الزمانُ مُدائناً لك فيهمُ
ولعل رشداً إن قَضيتَ مُدائنا
فأرى الليالي ما نقضنَ مَعاهداً
فيما أتينَ ولا هَجَمْنَ مآمنا
رحَّلنَ إلفَك عن مساكِن قلعة ٍ
كانت لقوم آخرين مساكنا(71/57)
فاقْن الحياءَ أبا الحسينِ فلم يكن
شيءٌ فريٌّ لم تخلهُ كائنا
كان الذي قد كُنت توقنُ أنه
سيكون فاجزعْ واقِناً لا واهنا
هوِّن عليك المُقطَعاتِ ولا تكن
بنصيحة ٍ من مخلص مُتهاونا
إن الحوادثَ قد عدونَ فواجعاً
فاشدُد إزاركَ لا يكن فواتِنا
لا تُنكرن من المصائبِ منا أتى
حتى كأنك كنت منها آمنا
أنكره إنكار امرىء عرف الردى
ورأى النفوس بأن يَمتْن رهائنا
إني نَكِرتُ على الليالي أن أتَتْ
ما قد أتتهُ لم يكُنَّ ظنائنا
هل كُنتَ غِرَّا بالنوائب قبلها
أم خِلتَهنَّ لما تُحبُ ضوامنا
بل كنتَ فيما قد لقيتَ مفكرا
حتى كأنك كنتَ ثَمَّ مُعاينا
فعلامَ تَنْفِر نفرة ً وحشيَّة ً
وتُعدُّ دهركَ غائلا لك خائنا
ماخان دهرٌ مُؤذِنٌ بصروفهِ
ما انفكّ يُرسل بالمواعِظ آذنا
طامِنْ حشاكَ أخا البقاء لدائهِ
فلتَزجُرنَّ أشائماً وأيامنا
داءَ البقاءُ الرفءَ إمَّا عاجلاً
لا زلتَ تُوفاهُ وإما آينا
من عاشَ أَثكلَه الزمانُ خليلَهُ
وسقاه بعد الصفوِ رَنْقاً آجنا
وكذا شِربُ العيش فيه تلونٌ
بيناهُ عذبٌ إذ تحوّلَ آسِنا
والمرءُ ماعَدتِ الحوادثُ نفسَهُ
يلقي الزمان محارباً ومُهادنا
دار الزمانُ بليلهِ ونهارهِ
فأدار أرحاءَ المنونِ طَواحِنا
فتأمل الدنيا ولاتعجبْ لها
واعجبْ لمن أضحى إليها راكنا
قضَّى أبو العباسِ خلّك نَحْبَهُ
فجعلتَ نحبكَ دَمْعَك المتهاتِنا
ووَدْتَ أنك منه أولُ لاحق
أوكنتَ مضموناً إليه مُقارنا
لكن أبى ذاك الإله فلا تُرِدْ
مالم يُرد لقضائه وارض العزاء مخادنا
لاتسجُّننَّ الهمَّ عندك إنه
مازال مسجوناً يعذِّبُ ساجنا
واصْبر كما أمرَ المليكُ فإنما
يهدِي المدينُ إذا أطاع الدائنا
والله يمنحُك الخلودَ مجاوراً
أخيك في جنّاته ومُساكنا
من بعد أن تحيا حياة َ ممتَّع
لا كالمشيع علو بين ظعائنا
مامات خلُّك يوم زار ضريحَه
بل يوم زار قوابلاً وحواضنا
بل منذ أُودع من أبيهِ وأمهِ
مستودعيه فكن لذلك فاطنا
بل قد يَمُتْ دون الألى فوق الثرى(71/58)
نطقَ البيانُ مُكاتباً ومُلاسِنا
مازال خِلُّك ميتاً ولميتٍ
في الميتينِ مُصاهرا ومُخاتِنا
مات الخلائقُ مُذْ نعاهُمْ ربُّهم
بل مذ رأتْ عينٌ قريناً بائنا
أفللتقدُّم والتأخُّر يمتري
عينيكَ أسرابَ الدموع هواتنا
ساق الخليل إلى الخليلِ فناؤه
ليكون مدفوناً له أو دافنا
ولربما اختُطفا جميعاً خطفة ً
والدهرُ أخطفُ ماتراه مُحاجنا
ولما جلوتَ صفاح قلبِك واعظا
إنِّي رأيتُ عليه ريناً رائنا
لكنهُ التذكيرُ يَهْديه الفتى
لأخيه حينَ يرى أساهُ راحَنا
ولئن عبأتُ لك الأسى لَعَلى امرئٍ
أمسَى الحزين عليه لا المتحازنا
ولئن أمرتُك بالتجلد ظاهراً
لقد امتلأتُ عليه شجواً باطنا
ولقد أقول غَداة َ قامَ نَعيُّه
هيَّجْتَ لي شجناً لعمرُك شاجنا
صَفَن الجوادُ وقد يطولُ جِراؤه
ولتسمعَن بكلِّ جارٍ صافنا
وطوى العتيقُ جناحَه في وَكْنِه
وقُصارُ ذي الطيران يُلقى واكنا
والحيُّ يرتَعُ ثم يسرعُ برهة ً
فإذا قضى أَرَبْيهِ أمسى عاطِنا
مات الذي نالَ العُلا متناولا
من بعدِ مانال العُلا متطامِنا
مات الذي كان النصيحَ مساتراً
مات الذي كان النصير مُعالِنا
مات الذي فتَح الفتوحَ مُلايناً
لاعاجزاً عن فتحِهن مُخاشنا
مات الذي أحيا النفوسَ بيُمنه
وأمات منها للملوك ضغائنا
مات الذي صانَ الدماءَ ولم يزلْ
عن كل إثم للأئمة ِ صائنا
مات الذي أغناه لطفُ حَوِيلهِ
عن أن يُهز صوارما وموارنا
مات الذي رأب الثأَي مُتعالياً
عن أن يصادف ضارباً أو طاعِنا
يا أحمدَ المحمودَ إن عيونَنا
أضحتْ كما أمستْ عليك سخائنا
يا أصبغيّ المُلك إنّ ظواهراً
أَكْسَفتها منا وإنَّ بواطنا
تلك المفارحُ أصبحت
قُلبت هموماً للعظام شوافِنا
لا تبعدَنَّ وإن نزلتَ بمنزلٍ
أمسى بعيداً عن أَوُدِّكَ شاطنا
فلقد أصابتكَ الخطوبُ حواقداً
ولقد أشاطَتْكَ المنونُ ضواغنا
كنت الذي تَقْتادُهُنَّ على الوجى
وتُذِلُّهنَّ مَخاطما ورواسنا
سُقيت معونَتك الوزير فلم تكن
إلا مُعاون جمّة ومعادنا(71/59)
وأُثيبَ سعيُك للإمام فلم تزل
لثغورهِ بجنود رأيكَ شاحنا
ما كانت العزَّاء تزحَمُ منكُم
إلا جبالاً لا تزولُ ركائنا
ماكانت الللأواءُ تَلقى منكُم
إلا مُضابِرَ نوبة ٍ ومُماتنا
لهفي أبا العباس لهفة َ آملٍ
كان ارتجاكَ على الزمان مُعاونا
ولساسة ُ الدنيا أحقُّ بلهفتي
منّي وأوْلى بالغليلِ جنَاجنا
لَهفي عليكَ لخُطة ٍ مرهوبة ٍ
ما كنتَ فيها بالذميم مَواطنا
لَهفي عليمَ لُهاً إذا أزَماتُها
ضاقتْ على الزّولِ الرحيب معاطِنا
كمْ من أعادٍ قد رقَيْتَ فلم تدعْ
فيهم رُقاك الشافيات مُداهِنا
أطفأتَ نارهُم وكنَّ نوائراً
وأبحتَ حقدَهمُ وكان دواجنا
متألِّفاً لهمُ تألُّفَ حُوَّلٍ
لو شاءَ سَيَّر بالقفارِ سفائنا
متلطفاً لهمُ تلطُّف قُلَّبٍ
لو شاء شادَ على البحارِ مَدائنا
ماكان سعيُك للخلائف كلِّها
إلا معاقِلَ تارة ً ومعادِنا
إن نابَهم خطبٌ درأتَ وإن بَغَوْا
مالاً ملأتَ خزائناً وخزائنا
كم قد فتحتَ لهم عدواً جامحاً
كم قد حرثْتَ لهم خراجاً حارنا
أنشرْتَ آراءً وكنّ هوامداً
وأثرتَ أموالاً وكنَّ دفائنا
كانت فتوحُك كلُّها ميمونة ً
تأتي وليستْ للحتوف قرائنا
بالخيلِ لكن لاتزال صوافناً
والبيضِ لكن لاتزال كوامنا
عجباً لفتحِك بالسيوفِ كوامناً
تلكَ الفتوح وبالجيادِ صوافنا
مازلتَ تجتِنبُ الدماءَ وسفكَها
فإذا طغتْ وجدتْك حَيْناً حائنا
تضعُ السلاح تأثُّماً وتكرماً
وتظلُّ بالرأي السديدِ مُزابنا
فكأنك المقدارُ يخفَى شخصُه
ويُحرك الأشياءَ طُرّاً ساكنا
ولئن وضعتَ القوسَ ثمَّ لمُعتدٍ
إن شاءَ عبأ للرِّماء كنائنا
ولئن وضعتَ الرمح ثَمَّ لمصدرٍ
إن شاء هيأ للطعان مطاعِنا
ولئن وضعتَ السيفَ ثم لمنجدٍ
إن شاء وطَّأ للضِّراب أماكنا
يغدو المقاتلُ ماهِناً لاماهراً
أبداً وتعدو ماهراً لاماهنا
كم قد ظفرتَ مُكاتباً ومخاطبا
حتى خُشيتَ مُضارباً ومَطاعنا
كم قد غلبتَ ذوي الشِّقاقِ مسالماً
لاسافِكاً لدمٍ ولكن حاقنا(71/60)
فوَقَيْتَ من دَنسِ الدماء أئمة ً
ووقيتَ من قَوَّمَتِ رُكناً دائنا
نَفَّلتهم أموالهم ودماءهم
ونساءهم فتركتُهنَّ حواضنا
ولو التوَوْا لرميتَهم بمكائدٍ
أخفَى من الأجلِ الحبيسِ مكامنا
كم قَسْوَرٍ قَلَّمتَ منه أظافراً
تقليمَ مَنْ لم نُخْفِ منه براثنا
ومنيعِ ظهرٍ راحَ قد حمَّلتَه
تحميلَ مَنْ لم تُدْمِ منه سَناسنا
فغدا سليمَ القلبِ غير مُضاغنٍ
ولربما خنعَ العَدو مُضاغِنا
ملكَ الرقابَ أخو القتالِ مخاشناً
وملكتَ أفئدة َ الرجالِ مُلاينا
أحسنتَ أدواءَ الأمورِ مُفاحشاً
بالسيف أنْ تَلِي الأمورَ محاسنا
فغدوتَ تعتدُّ القلوبَ مُصافيا
وسواك يَعتَدُّ القلوبَ مُشاجنا
وأصحُّ من مَلك الرقابَ لمالكٍ
مَلكَ القلوبَ بردِّهِنَّ أوامنا
فليهنأِ الأملاكَ أن ملَّكتَهم
مِلْكَ السلامة ِ زائناً لا شائنا
واسعدْ بمرضاة ِ الملوكِ فلم تكن
وسْنانَ دونَهُم ولا مُتواسِنا
مازلتَ تكلؤهم بعينِ نصيحة ٍ
وتَبيتُ للفكر الطويل مُثافنا
متقدماً متأخراً متصعِّدا
متحدراً مُتياسراً متيامنا
متجاسراً حتى لظَنَّك جاهلٌ
غُمْراً تخالُ الليثَ ظبياً شادنا
متحرِّزاً حتى لخَالكَ خائلٌ
رجلاً شديد الجُبْن أو مُتجابِنا
والفتكُ إلقاءُ الدروعِ بأسْرها
والحزمُ تعلية ُ الدروعِ جواشنا
وكلاهما قد كانَ فيك وإنما
بهما سبقْتَ السابقين مُراهِنان وَلع الزمانُ بأن يحرِّكَ ساكِناً
وبأن يثيرَ من الأوابدِ كامنا
وهُم الأحبة ُ مَنْ أقام ترحَّلوا
عنهُ فكلهمُ يُودِّعُ ظاعنا
أضحى الزمانُ مُدائناً لك فيهمُ
ولعل رشداً إن قَضيتَ مُدائنا
فأرى الليالي ما نقضنَ مَعاهداً
فيما أتينَ ولا هَجَمْنَ مآمنا
رحَّلنَ إلفَك عن مساكِن قلعة ٍ
كانت لقوم آخرين مساكنا
فاقْن الحياءَ أبا الحسينِ فلم يكن
شيءٌ فريٌّ لم تخلهُ كائنا
كان الذي قد كُنت توقنُ أنه
سيكون فاجزعْ واقِناً لا واهنا
هوِّن عليك المُقطَعاتِ ولا تكن
بنصيحة ٍ من مخلص مُتهاونا
إن الحوادثَ قد عدونَ فواجعاً(71/61)
فاشدُد إزاركَ لا يكن فواتِنا
لا تُنكرن من المصائبِ منا أتى
حتى كأنك كنت منها آمنا
أنكره إنكار امرىء عرف الردى
ورأى النفوس بأن يَمتْن رهائنا
إني نَكِرتُ على الليالي أن أتَتْ
ما قد أتتهُ لم يكُنَّ ظنائنا
هل كُنتَ غِرَّا بالنوائب قبلها
أم خِلتَهنَّ لما تُحبُ ضوامنا
بل كنتَ فيما قد لقيتَ مفكرا
حتى كأنك كنتَ ثَمَّ مُعاينا
فعلامَ تَنْفِر نفرة ً وحشيَّة ً
وتُعدُّ دهركَ غائلا لك خائنا
ماخان دهرٌ مُؤذِنٌ بصروفهِ
ما انفكّ يُرسل بالمواعِظ آذنا
طامِنْ حشاكَ أخا البقاء لدائهِ
فلتَزجُرنَّ أشائماً وأيامنا
داءَ البقاءُ الرفءَ إمَّا عاجلاً
لا زلتَ تُوفاهُ وإما آينا
من عاشَ أَثكلَه الزمانُ خليلَهُ
وسقاه بعد الصفوِ رَنْقاً آجنا
وكذا شِربُ العيش فيه تلونٌ
بيناهُ عذبٌ إذ تحوّلَ آسِنا
والمرءُ ماعَدتِ الحوادثُ نفسَهُ
يلقي الزمان محارباً ومُهادنا
دار الزمانُ بليلهِ ونهارهِ
فأدار أرحاءَ المنونِ طَواحِنا
فتأمل الدنيا ولاتعجبْ لها
واعجبْ لمن أضحى إليها راكنا
قضَّى أبو العباسِ خلّك نَحْبَهُ
فجعلتَ نحبكَ دَمْعَك المتهاتِنا
ووَدْتَ أنك منه أولُ لاحق
أوكنتَ مضموناً إليه مُقارنا
لكن أبى ذاك الإله فلا تُرِدْ
مالم يُرد لقضائه وارض العزاء مخادنا
لاتسجُّننَّ الهمَّ عندك إنه
مازال مسجوناً يعذِّبُ ساجنا
واصْبر كما أمرَ المليكُ فإنما
يهدِي المدينُ إذا أطاع الدائنا
والله يمنحُك الخلودَ مجاوراً
أخيك في جنّاته ومُساكنا
من بعد أن تحيا حياة َ ممتَّع
لا كالمشيع علو بين ظعائنا
مامات خلُّك يوم زار ضريحَه
بل يوم زار قوابلاً وحواضنا
بل منذ أُودع من أبيهِ وأمهِ
مستودعيه فكن لذلك فاطنا
بل قد يَمُتْ دون الألى فوق الثرى
نطقَ البيانُ مُكاتباً ومُلاسِنا
مازال خِلُّك ميتاً ولميتٍ
في الميتينِ مُصاهرا ومُخاتِنا
مات الخلائقُ مُذْ نعاهُمْ ربُّهم
بل مذ رأتْ عينٌ قريناً بائنا
أفللتقدُّم والتأخُّر يمتري
عينيكَ أسرابَ الدموع هواتنا(71/62)
ساق الخليل إلى الخليلِ فناؤه
ليكون مدفوناً له أو دافنا
ولربما اختُطفا جميعاً خطفة ً
والدهرُ أخطفُ ماتراه مُحاجنا
ولما جلوتَ صفاح قلبِك واعظا
إنِّي رأيتُ عليه ريناً رائنا
لكنهُ التذكيرُ يَهْديه الفتى
لأخيه حينَ يرى أساهُ راحَنا
ولئن عبأتُ لك الأسى لَعَلى امرئٍ
أمسَى الحزين عليه لا المتحازنا
ولئن أمرتُك بالتجلد ظاهراً
لقد امتلأتُ عليه شجواً باطنا
ولقد أقول غَداة َ قامَ نَعيُّه
هيَّجْتَ لي شجناً لعمرُك شاجنا
صَفَن الجوادُ وقد يطولُ جِراؤه
ولتسمعَن بكلِّ جارٍ صافنا
وطوى العتيقُ جناحَه في وَكْنِه
وقُصارُ ذي الطيران يُلقى واكنا
والحيُّ يرتَعُ ثم يسرعُ برهة ً
فإذا قضى أَرَبْيهِ أمسى عاطِنا
مات الذي نالَ العُلا متناولا
من بعدِ مانال العُلا متطامِنا
مات الذي كان النصيحَ مساتراً
مات الذي كان النصير مُعالِنا
مات الذي فتَح الفتوحَ مُلايناً
لاعاجزاً عن فتحِهن مُخاشنا
مات الذي أحيا النفوسَ بيُمنه
وأمات منها للملوك ضغائنا
مات الذي صانَ الدماءَ ولم يزلْ
عن كل إثم للأئمة ِ صائنا
مات الذي أغناه لطفُ حَوِيلهِ
عن أن يُهز صوارما وموارنا
مات الذي رأب الثأَي مُتعالياً
عن أن يصادف ضارباً أو طاعِنا
يا أحمدَ المحمودَ إن عيونَنا
أضحتْ كما أمستْ عليك سخائنا
يا أصبغيّ المُلك إنّ ظواهراً
أَكْسَفتها منا وإنَّ بواطنا
تلك المفارحُ أصبحت
قُلبت هموماً للعظام شوافِنا
لا تبعدَنَّ وإن نزلتَ بمنزلٍ
أمسى بعيداً عن أَوُدِّكَ شاطنا
فلقد أصابتكَ الخطوبُ حواقداً
ولقد أشاطَتْكَ المنونُ ضواغنا
كنت الذي تَقْتادُهُنَّ على الوجى
وتُذِلُّهنَّ مَخاطما ورواسنا
سُقيت معونَتك الوزير فلم تكن
إلا مُعاون جمّة ومعادنا
وأُثيبَ سعيُك للإمام فلم تزل
لثغورهِ بجنود رأيكَ شاحنا
ما كانت العزَّاء تزحَمُ منكُم
إلا جبالاً لا تزولُ ركائنا
ماكانت الللأواءُ تَلقى منكُم
إلا مُضابِرَ نوبة ٍ ومُماتنا
لهفي أبا العباس لهفة َ آملٍ(71/63)
كان ارتجاكَ على الزمان مُعاونا
ولساسة ُ الدنيا أحقُّ بلهفتي
منّي وأوْلى بالغليلِ جنَاجنا
لَهفي عليكَ لخُطة ٍ مرهوبة ٍ
ما كنتَ فيها بالذميم مَواطنا
لَهفي عليمَ لُهاً إذا أزَماتُها
ضاقتْ على الزّولِ الرحيب معاطِنا
كمْ من أعادٍ قد رقَيْتَ فلم تدعْ
فيهم رُقاك الشافيات مُداهِنا
أطفأتَ نارهُم وكنَّ نوائراً
وأبحتَ حقدَهمُ وكان دواجنا
متألِّفاً لهمُ تألُّفَ حُوَّلٍ
لو شاءَ سَيَّر بالقفارِ سفائنا
متلطفاً لهمُ تلطُّف قُلَّبٍ
لو شاء شادَ على البحارِ مَدائنا
ماكان سعيُك للخلائف كلِّها
إلا معاقِلَ تارة ً ومعادِنا
إن نابَهم خطبٌ درأتَ وإن بَغَوْا
مالاً ملأتَ خزائناً وخزائنا
كم قد فتحتَ لهم عدواً جامحاً
كم قد حرثْتَ لهم خراجاً حارنا
أنشرْتَ آراءً وكنّ هوامداً
وأثرتَ أموالاً وكنَّ دفائنا
كانت فتوحُك كلُّها ميمونة ً
تأتي وليستْ للحتوف قرائنا
بالخيلِ لكن لاتزال صوافناً
والبيضِ لكن لاتزال كوامنا
عجباً لفتحِك بالسيوفِ كوامناً
تلكَ الفتوح وبالجيادِ صوافنا
مازلتَ تجتِنبُ الدماءَ وسفكَها
فإذا طغتْ وجدتْك حَيْناً حائنا
تضعُ السلاح تأثُّماً وتكرماً
وتظلُّ بالرأي السديدِ مُزابنا
فكأنك المقدارُ يخفَى شخصُه
ويُحرك الأشياءَ طُرّاً ساكنا
ولئن وضعتَ القوسَ ثمَّ لمُعتدٍ
إن شاءَ عبأ للرِّماء كنائنا
ولئن وضعتَ الرمح ثَمَّ لمصدرٍ
إن شاء هيأ للطعان مطاعِنا
ولئن وضعتَ السيفَ ثم لمنجدٍ
إن شاء وطَّأ للضِّراب أماكنا
يغدو المقاتلُ ماهِناً لاماهراً
أبداً وتعدو ماهراً لاماهنا
كم قد ظفرتَ مُكاتباً ومخاطبا
حتى خُشيتَ مُضارباً ومَطاعنا
كم قد غلبتَ ذوي الشِّقاقِ مسالماً
لاسافِكاً لدمٍ ولكن حاقنا
فوَقَيْتَ من دَنسِ الدماء أئمة ً
ووقيتَ من قَوَّمَتِ رُكناً دائنا
نَفَّلتهم أموالهم ودماءهم
ونساءهم فتركتُهنَّ حواضنا
ولو التوَوْا لرميتَهم بمكائدٍ
أخفَى من الأجلِ الحبيسِ مكامنا
كم قَسْوَرٍ قَلَّمتَ منه أظافراً(71/64)
تقليمَ مَنْ لم نُخْفِ منه براثنا
ومنيعِ ظهرٍ راحَ قد حمَّلتَه
تحميلَ مَنْ لم تُدْمِ منه سَناسنا
فغدا سليمَ القلبِ غير مُضاغنٍ
ولربما خنعَ العَدو مُضاغِنا
ملكَ الرقابَ أخو القتالِ مخاشناً
وملكتَ أفئدة َ الرجالِ مُلاينا
أحسنتَ أدواءَ الأمورِ مُفاحشاً
بالسيف أنْ تَلِي الأمورَ محاسنا
فغدوتَ تعتدُّ القلوبَ مُصافيا
وسواك يَعتَدُّ القلوبَ مُشاجنا
وأصحُّ من مَلك الرقابَ لمالكٍ
مَلكَ القلوبَ بردِّهِنَّ أوامنا
فليهنأِ الأملاكَ أن ملَّكتَهم
مِلْكَ السلامة ِ زائناً لا شائنا
واسعدْ بمرضاة ِ الملوكِ فلم تكن
وسْنانَ دونَهُم ولا مُتواسِنا
مازلتَ تكلؤهم بعينِ نصيحة ٍ
وتَبيتُ للفكر الطويل مُثافنا
متقدماً متأخراً متصعِّدا
متحدراً مُتياسراً متيامنا
متجاسراً حتى لظَنَّك جاهلٌ
غُمْراً تخالُ الليثَ ظبياً شادنا
متحرِّزاً حتى لخَالكَ خائلٌ
رجلاً شديد الجُبْن أو مُتجابِنا
والفتكُ إلقاءُ الدروعِ بأسْرها
والحزمُ تعلية ُ الدروعِ جواشنا
وكلاهما قد كانَ فيك وإنما
بهما سبقْتَ السابقين مُراهِنا
ولذاك قَدَّمَك الملوكُ ولم تزلْ
بقديم مثلِك للملوكِ ديادِنا
وجَزَوْكَ أنْ أصبحتَ بين ضلوعِهم
قد بَؤّؤُكَ من الصدور مدائِنا
ذكراكَ طولَالدهرِ حشوا قلوبهِم
قد حاولوا منها ثوِّيا قاطِنا
هذا لذاكَ أبا الحسين وبعدَه
إجراءُ مدحِك شأوَه المُتباطِنا
ومُسائل لي عنك قلتُ نفوسُنا
تَفدي الجميلَ ظهائراً وبطائِنا
ساءلتَ عن متغابن في دينهِ
إذ لا يُرى في دينه مُتغابنا
مستأثِرٌ بالحمدِ قدماً مُؤثرٌ
بالحمد مازال الخميص البادنا
ممن ترى الأخلاقَ في هذا الورَى
هُجناً وما يُعْدمن فيه هجائنا
تلقاهُ بالعرفِ القريبُ مُقارباً
وتراه بالشأوِ البعيدِ مُباينا
ألْفَتْهُ مُجتبياً كريماً راجحاً
إذ لا نكادُ نرى كريماً وازِنا
نَبلو فنحمدُ منه حلماً ناسِكا
أبداً ونعذُل منه جوداً ماجنا
وإذا جهلَنا ما عواقبُ خُطبة ٍ
ظِلنا نسائُل منه رأياً كاهنا(71/65)
سمع الدعاءَ وقد تصامَمَ غيرُه
ووعى الثناءَ وكان طَبّا طابنا
وتحفَّظَ المدحَ الذي أهديتُه
كرماً ودوَّنه لديهِ دَواوِنا
وأحب تعريفي تَحفِّيهِ به
فافتنَّ فيه مُسائلاً ومُفاطِنا
يَعني معانيه ويلفظُ لفظَه
لحناً بذلك كُلهِ لا لاحنا
ومَن السعادة ِ أن تُنادِي سامعاً
عند الدعاء وأن تقرظ لاقنا
ولما مَدَحْتُك مائناً في مدحتي
ومتى تُلاقي مادحاً لا مائِنا
ولقد غدا مَدْحِي لقومٍ زائناً
ولقد غدَوْتُ له بنيلِك زائنا
وافخرْ بأنّك لاتُنازعُ مَفْخراً
يا أيها الرجلُ الكريمُ شَناشِنا
ولأنت أسْكتُ حين يفخرُ فاخرٌ
ولأنتَ أنطقُ إذ سَكتَّ مَحاسنا
والحرُّ أحصرُ حين يَفْخرُ غيرُه
أبداً وأحضرُ شاهداً وبَراهنا
أسهبتُ فيكَ وذاك ما كلَّفتني
بمواهبٍ لك لم يكنّ مَلاعنا
عجبي أطلتُ لك الرشاءَ ولم أجدْ
جَدواكَ غَوْراً بل مَعينا عائنا
وإخالُ أنك لا تَمُجُّ إطالتي
إلا كراهة َ أن تكونَ الغابنا
ولما عنيتُ وكيف ذاك وإنّماه وَلع الزمانُ بأن يحرِّكَ ساكِناً
وبأن يثيرَ من الأوابدِ كامنا
وهُم الأحبة ُ مَنْ أقام ترحَّلوا
عنهُ فكلهمُ يُودِّعُ ظاعنا
أضحى الزمانُ مُدائناً لك فيهمُ
ولعل رشداً إن قَضيتَ مُدائنا
فأرى الليالي ما نقضنَ مَعاهداً
فيما أتينَ ولا هَجَمْنَ مآمنا
رحَّلنَ إلفَك عن مساكِن قلعة ٍ
كانت لقوم آخرين مساكنا
فاقْن الحياءَ أبا الحسينِ فلم يكن
شيءٌ فريٌّ لم تخلهُ كائنا
كان الذي قد كُنت توقنُ أنه
سيكون فاجزعْ واقِناً لا واهنا
هوِّن عليك المُقطَعاتِ ولا تكن
بنصيحة ٍ من مخلص مُتهاونا
إن الحوادثَ قد عدونَ فواجعاً
فاشدُد إزاركَ لا يكن فواتِنا
لا تُنكرن من المصائبِ منا أتى
حتى كأنك كنت منها آمنا
أنكره إنكار امرىء عرف الردى
ورأى النفوس بأن يَمتْن رهائنا
إني نَكِرتُ على الليالي أن أتَتْ
ما قد أتتهُ لم يكُنَّ ظنائنا
هل كُنتَ غِرَّا بالنوائب قبلها
أم خِلتَهنَّ لما تُحبُ ضوامنا
بل كنتَ فيما قد لقيتَ مفكرا(71/66)
حتى كأنك كنتَ ثَمَّ مُعاينا
فعلامَ تَنْفِر نفرة ً وحشيَّة ً
وتُعدُّ دهركَ غائلا لك خائنا
ماخان دهرٌ مُؤذِنٌ بصروفهِ
ما انفكّ يُرسل بالمواعِظ آذنا
طامِنْ حشاكَ أخا البقاء لدائهِ
فلتَزجُرنَّ أشائماً وأيامنا
داءَ البقاءُ الرفءَ إمَّا عاجلاً
لا زلتَ تُوفاهُ وإما آينا
من عاشَ أَثكلَه الزمانُ خليلَهُ
وسقاه بعد الصفوِ رَنْقاً آجنا
وكذا شِربُ العيش فيه تلونٌ
بيناهُ عذبٌ إذ تحوّلَ آسِنا
والمرءُ ماعَدتِ الحوادثُ نفسَهُ
يلقي الزمان محارباً ومُهادنا
دار الزمانُ بليلهِ ونهارهِ
فأدار أرحاءَ المنونِ طَواحِنا
فتأمل الدنيا ولاتعجبْ لها
واعجبْ لمن أضحى إليها راكنا
قضَّى أبو العباسِ خلّك نَحْبَهُ
فجعلتَ نحبكَ دَمْعَك المتهاتِنا
ووَدْتَ أنك منه أولُ لاحق
أوكنتَ مضموناً إليه مُقارنا
لكن أبى ذاك الإله فلا تُرِدْ
مالم يُرد لقضائه وارض العزاء مخادنا
لاتسجُّننَّ الهمَّ عندك إنه
مازال مسجوناً يعذِّبُ ساجنا
واصْبر كما أمرَ المليكُ فإنما
يهدِي المدينُ إذا أطاع الدائنا
والله يمنحُك الخلودَ مجاوراً
أخيك في جنّاته ومُساكنا
من بعد أن تحيا حياة َ ممتَّع
لا كالمشيع علو بين ظعائنا
مامات خلُّك يوم زار ضريحَه
بل يوم زار قوابلاً وحواضنا
بل منذ أُودع من أبيهِ وأمهِ
مستودعيه فكن لذلك فاطنا
بل قد يَمُتْ دون الألى فوق الثرى
نطقَ البيانُ مُكاتباً ومُلاسِنا
مازال خِلُّك ميتاً ولميتٍ
في الميتينِ مُصاهرا ومُخاتِنا
مات الخلائقُ مُذْ نعاهُمْ ربُّهم
بل مذ رأتْ عينٌ قريناً بائنا
أفللتقدُّم والتأخُّر يمتري
عينيكَ أسرابَ الدموع هواتنا
ساق الخليل إلى الخليلِ فناؤه
ليكون مدفوناً له أو دافنا
ولربما اختُطفا جميعاً خطفة ً
والدهرُ أخطفُ ماتراه مُحاجنا
ولما جلوتَ صفاح قلبِك واعظا
إنِّي رأيتُ عليه ريناً رائنا
لكنهُ التذكيرُ يَهْديه الفتى
لأخيه حينَ يرى أساهُ راحَنا
ولئن عبأتُ لك الأسى لَعَلى امرئٍ
أمسَى الحزين عليه لا المتحازنا(71/67)
ولئن أمرتُك بالتجلد ظاهراً
لقد امتلأتُ عليه شجواً باطنا
ولقد أقول غَداة َ قامَ نَعيُّه
هيَّجْتَ لي شجناً لعمرُك شاجنا
صَفَن الجوادُ وقد يطولُ جِراؤه
ولتسمعَن بكلِّ جارٍ صافنا
وطوى العتيقُ جناحَه في وَكْنِه
وقُصارُ ذي الطيران يُلقى واكنا
والحيُّ يرتَعُ ثم يسرعُ برهة ً
فإذا قضى أَرَبْيهِ أمسى عاطِنا
مات الذي نالَ العُلا متناولا
من بعدِ مانال العُلا متطامِنا
مات الذي كان النصيحَ مساتراً
مات الذي كان النصير مُعالِنا
مات الذي فتَح الفتوحَ مُلايناً
لاعاجزاً عن فتحِهن مُخاشنا
مات الذي أحيا النفوسَ بيُمنه
وأمات منها للملوك ضغائنا
مات الذي صانَ الدماءَ ولم يزلْ
عن كل إثم للأئمة ِ صائنا
مات الذي أغناه لطفُ حَوِيلهِ
عن أن يُهز صوارما وموارنا
مات الذي رأب الثأَي مُتعالياً
عن أن يصادف ضارباً أو طاعِنا
يا أحمدَ المحمودَ إن عيونَنا
أضحتْ كما أمستْ عليك سخائنا
يا أصبغيّ المُلك إنّ ظواهراً
أَكْسَفتها منا وإنَّ بواطنا
تلك المفارحُ أصبحت
قُلبت هموماً للعظام شوافِنا
لا تبعدَنَّ وإن نزلتَ بمنزلٍ
أمسى بعيداً عن أَوُدِّكَ شاطنا
فلقد أصابتكَ الخطوبُ حواقداً
ولقد أشاطَتْكَ المنونُ ضواغنا
كنت الذي تَقْتادُهُنَّ على الوجى
وتُذِلُّهنَّ مَخاطما ورواسنا
سُقيت معونَتك الوزير فلم تكن
إلا مُعاون جمّة ومعادنا
وأُثيبَ سعيُك للإمام فلم تزل
لثغورهِ بجنود رأيكَ شاحنا
ما كانت العزَّاء تزحَمُ منكُم
إلا جبالاً لا تزولُ ركائنا
ماكانت اللأواءُ تَلقى منكُم
إلا مُضابِرَ نوبة ٍ ومُماتنا
لهفي أبا العباس لهفة َ آملٍ
كان ارتجاكَ على الزمان مُعاونا
ولساسة ُ الدنيا أحقُّ بلهفتي
منّي وأوْلى بالغليلِ جنَاجنا
لَهفي عليكَ لخُطة ٍ مرهوبة ٍ
ما كنتَ فيها بالذميم مَواطنا
لَهفي عليمَ لُهاً إذا أزَماتُها
ضاقتْ على الزّولِ الرحيب معاطِنا
كمْ من أعادٍ قد رقَيْتَ فلم تدعْ
فيهم رُقاك الشافيات مُداهِنا
أطفأتَ نارهُم وكنَّ نوائراً(71/68)
وأبحتَ حقدَهمُ وكان دواجنا
متألِّفاً لهمُ تألُّفَ حُوَّلٍ
لو شاءَ سَيَّر بالقفارِ سفائنا
متلطفاً لهمُ تلطُّف قُلَّبٍ
لو شاء شادَ على البحارِ مَدائنا
ماكان سعيُك للخلائف كلِّها
إلا معاقِلَ تارة ً ومعادِنا
إن نابَهم خطبٌ درأتَ وإن بَغَوْا
مالاً ملأتَ خزائناً وخزائنا
كم قد فتحتَ لهم عدواً جامحاً
كم قد حرثْتَ لهم خراجاً حارنا
أنشرْتَ آراءً وكنّ هوامداً
وأثرتَ أموالاً وكنَّ دفائنا
كانت فتوحُك كلُّها ميمونة ً
تأتي وليستْ للحتوف قرائنا
بالخيلِ لكن لاتزال صوافناً
والبيضِ لكن لاتزال كوامنا
عجباً لفتحِك بالسيوفِ كوامناً
تلكَ الفتوح وبالجيادِ صوافنا
مازلتَ تجتِنبُ الدماءَ وسفكَها
فإذا طغتْ وجدتْك حَيْناً حائنا
تضعُ السلاح تأثُّماً وتكرماً
وتظلُّ بالرأي السديدِ مُزابنا
فكأنك المقدارُ يخفَى شخصُه
ويُحرك الأشياءَ طُرّاً ساكنا
ولئن وضعتَ القوسَ ثمَّ لمُعتدٍ
إن شاءَ عبأ للرِّماء كنائنا
ولئن وضعتَ الرمح ثَمَّ لمصدرٍ
إن شاء هيأ للطعان مطاعِنا
ولئن وضعتَ السيفَ ثم لمنجدٍ
إن شاء وطَّأ للضِّراب أماكنا
يغدو المقاتلُ ماهِناً لاماهراً
أبداً وتعدو ماهراً لاماهنا
كم قد ظفرتَ مُكاتباً ومخاطبا
حتى خُشيتَ مُضارباً ومَطاعنا
كم قد غلبتَ ذوي الشِّقاقِ مسالماً
لاسافِكاً لدمٍ ولكن حاقنا
فوَقَيْتَ من دَنسِ الدماء أئمة ً
ووقيتَ من قَوَّمَتِ رُكناً دائنا
نَفَّلتهم أموالهم ودماءهم
ونساءهم فتركتُهنَّ حواضنا
ولو التوَوْا لرميتَهم بمكائدٍ
أخفَى من الأجلِ الحبيسِ مكامنا
كم قَسْوَرٍ قَلَّمتَ منه أظافراً
تقليمَ مَنْ لم نُخْفِ منه براثنا
ومنيعِ ظهرٍ راحَ قد حمَّلتَه
تحميلَ مَنْ لم تُدْمِ منه سَناسنا
فغدا سليمَ القلبِ غير مُضاغنٍ
ولربما خنعَ العَدو مُضاغِنا
ملكَ الرقابَ أخو القتالِ مخاشناً
وملكتَ أفئدة َ الرجالِ مُلاينا
أحسنتَ أدواءَ الأمورِ مُفاحشاً
بالسيف أنْ تَلِي الأمورَ محاسنا
فغدوتَ تعتدُّ القلوبَ مُصافيا(71/69)
وسواك يَعتَدُّ القلوبَ مُشاجنا
وأصحُّ من مَلك الرقابَ لمالكٍ
مَلكَ القلوبَ بردِّهِنَّ أوامنا
فليهنأِ الأملاكَ أن ملَّكتَهم
مِلْكَ السلامة ِ زائناً لا شائنا
واسعدْ بمرضاة ِ الملوكِ فلم تكن
وسْنانَ دونَهُم ولا مُتواسِنا
مازلتَ تكلؤهم بعينِ نصيحة ٍ
وتَبيتُ للفكر الطويل مُثافنا
متقدماً متأخراً متصعِّدا
متحدراً مُتياسراً متيامنا
متجاسراً حتى لظَنَّك جاهلٌ
غُمْراً تخالُ الليثَ ظبياً شادنا
متحرِّزاً حتى لخَالكَ خائلٌ
رجلاً شديد الجُبْن أو مُتجابِنا
والفتكُ إلقاءُ الدروعِ بأسْرها
والحزمُ تعلية ُ الدروعِ جواشنا
وكلاهما قد كانَ فيك وإنما
بهما سبقْتَ السابقين مُراهِنا
ولذاك قَدَّمَك الملوكُ ولم تزلْ
بقديم مثلِك للملوكِ ديادِنا
وجَزَوْكَ أنْ أصبحتَ بين ضلوعِهم
قد بَؤّؤُكَ من الصدور مدائِنا
ذكراكَ طولَالدهرِ حشوا قلوبهِم
قد حاولوا منها ثوِّيا قاطِنا
هذا لذاكَ أبا الحسين وبعدَه
إجراءُ مدحِك شأوَه المُتباطِنا
ومُسائل لي عنك قلتُ نفوسُنا
تَفدي الجميلَ ظهائراً وبطائِنا
ساءلتَ عن متغابن في دينهِ
إذ لا يُرى في دينه مُتغابنا
مستأثِرٌ بالحمدِ قدماً مُؤثرٌ
بالحمد مازال الخميص البادنا
ممن ترى الأخلاقَ في هذا الورَى
هُجناً وما يُعْدمن فيه هجائنا
تلقاهُ بالعرفِ القريبُ مُقارباً
وتراه بالشأوِ البعيدِ مُباينا
ألْفَتْهُ مُجتبياً كريماً راجحاً
إذ لا نكادُ نرى كريماً وازِنا
نَبلو فنحمدُ منه حلماً ناسِكا
أبداً ونعذُل منه جوداً ماجنا
وإذا جهلَنا ما عواقبُ خُطبة ٍ
ظِلنا نسائُل منه رأياً كاهنا
سمع الدعاءَ وقد تصامَمَ غيرُه
ووعى الثناءَ وكان طَبّا طابنا
وتحفَّظَ المدحَ الذي أهديتُه
كرماً ودوَّنه لديهِ دَواوِنا
وأحب تعريفي تَحفِّيهِ به
فافتنَّ فيه مُسائلاً ومُفاطِنا
يَعني معانيه ويلفظُ لفظَه
لحناً بذلك كُلهِ لا لاحنا
ومَن السعادة ِ أن تُنادِي سامعاً
عند الدعاء وأن تقرظ لاقنا
ولما مَدَحْتُك مائناً في مدحتي(71/70)
ومتى تُلاقي مادحاً لا مائِنا
ولقد غدا مَدْحِي لقومٍ زائناً
ولقد غدَوْتُ له بنيلِك زائنا
وافخرْ بأنّك لاتُنازعُ مَفْخراً
يا أيها الرجلُ الكريمُ شَناشِنا
ولأنت أسْكتُ حين يفخرُ فاخرٌ
ولأنتَ أنطقُ إذ سَكتَّ مَحاسنا
والحرُّ أحصرُ حين يَفْخرُ غيرُه
أبداً وأحضرُ شاهداً وبَراهنا
أسهبتُ فيكَ وذاك ما كلَّفتني
بمواهبٍ لك لم يكنّ مَلاعنا
عجبي أطلتُ لك الرشاءَ ولم أجدْ
جَدواكَ غَوْراً بل مَعينا عائنا
وإخالُ أنك لا تَمُجُّ إطالتي
إلا كراهة َ أن تكونَ الغابنا
ولما عنيتُ وكيف ذاك وإنّما
أَثنى بما يُغْني الغناءَ الراهنا
مازلت أستكفيكَ كُلَّ مصيبة
فتزيلها حتى حسبتُك ضامنا
فانظُرْ أأبلُغ مابدلتَ مكافئاً
واذكر أأعدِلُ مافعلتَ مُوازنا
وأمُدُّ كفي نحو كلِّ رغيبة ٍ
فتنيلُها حتى حسبتُك خازنا
أرني الغناء على الثناء ومَن يرى
عدلَ السَّنام من الجذورِ فراسِنا
صادفْتَ قَشْفاً فكنتَ جلاءَهُ
ورأَيْتَ بي شَعْثاً فكنتَ الداهنا
وسألتُ أقواماً فساءَ نَوالُهم
ولقد رأوا زمَني لِعَظْمي سافنا
وأبت إضافَتي الخليقة ُ كلُّها
وأَضفْتَني حتى أضفتُ ضَيافنا
ما أظهروا عذراً ولا حجبوا قِرى
إلا رأيتُك تامراً لي لابنا
أنت الذي تُضحي وبيتُك كعبة ٌ
جَعلت يداك الجود فيها سادِنا
وَسعَ الأنامَ ربيعُ فضلِك كلَّهم
حتى لقد لحقَ الهزيل السامنا
صادفتَ أعلام الثناءِ خسائساً
فجعلتها بالعارفاتِ ثمائنا
ووجدتَ أنفسنا بهن مذائلا
فرددتَ أنفسنا بهنَّ ضنائنا
فضلاً نعشْتَ به جدودَ معاشرٍ
وجنأتَ منه أجنَّة ً وجنائنا
أعطيتَ حتى باتَ بين حلائلٍ
صَرِدٌ فَرشْتَ له فِراشاً ساخناً
فغدا يحبُّ حياتَهُ ولقد يُرى
لحياته قبل امتنانِك لاعنا
لوكُنتَ عينَ المجد كنت سَوادَها
أو كنتَ أنفَ المجد كنتَ المارنا
أو أن أفلاكَ المعالي سبعة ٌ
لخَرقْتها صُعُداً إليها ثامنا
خُذها إليك أبا الحسين كأنّها
قِطعُ الرياض لبسْنَ يوماً داجِنا
نثرتْ عليكَ ثناءَها فكأنما(71/71)
نثرتْ من المسكِ الذكيّ مخازِنا
لاراعت الأيامُ سرحَكَ بعدها
أبداً ولانظرت إليك شوافِنا
وإذا الزمانُ أصابَ فمُنصِفاً
ومؤدِّباً ومُقوِّماَ لا فاتنا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> يافؤادي غلبتني عصيانا
يافؤادي غلبتني عصيانا
رقم القصيدة : 62325
-----------------------------------
يافؤادي غلبتني عصيانا
فأطِعْني فقد عصيتَ زمانا
يافؤادي ماتَحنُّ إلى طُوْ
بَى إذا الريحُ هَبَّت الأغصانا
مَثِّلِ الأولياءَ في جنّة الخلْ
دِ إذا ما تقابلو إخوانا
قد تعالَوْا على أسِرَّة دُرٍّ
لابسينَ الحريرَ والأرجوانا
وعليهم تيجانُهم والأكالي
لُ تباهي بحُسنها التيجانا
يتعاطَوْنَها سُلافاً شَمولاً
في جِنانٍ مجازِرَاتٍ جِنانا
يتلقّاهمُ بقولٍ حَفّي
مرحباً مرحباً بكم رُكبانا
وتجلَّتْ عن وجههِ حُجُبُ الن
ور فسبحانَ وجهِه سبحانا
واستفادوا بشاشة ً وسروراً
ينفيانِ الشرورَ والأحزانا
ثم آبوا فاستقبلْتَهُم حِسانٌ
من بناتِ النعيم فُقْن الحسانا
بوجوهٍ مثل المصابيح لا يَعْ
رِفْنَ إلا الظلالَ والأكنانا
مُرْسَلاتٍ على الروادفِ منهنْ
نَ فُروعاً تمج مِسكاً وبانا
لو رأى الدرُ بعضهُنَّ أو الشمْ
سُ لَذلاَّ لوجهها واستكانا
فتلقينهمُ بأهلاً وسهلاً
رافعات إليهمُ الريحانا
كُنَّ بالأولياء مُفتناتٍ
ثم زِيدوا نوراً فزِدْنَ افتِتانا
فتراهُنَّ مقبلاتٍ عليهم
بابتهاجٍ قد عَصْفروا الألوانا
راشفاتٍ أفواهَهُمْ رشَفَك الما
ءَ إذا ما شَرِبْتَهُ ظمآنا
قائلاتٍ عيلَ التصبُّرُ عنكم
فانزلوا آن أنْ نراكُمْ وحانا
فَتنوا أرجُلَ النزولِ وحلُّوا
في المقاصير لابسينَ أمانا
تارة ً بعضُهم يزورون بعضاً
ويزورونَ ربَّهم أحيانا
ثم يَخْلُون بعد ذلك بالحُوْ
رِ إذا ما تشوَّقوا الأوطانا
فهمُ الدهر في سرورٍ جديدٍ
ليس يخلونَ من سرورٍ أوانا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> إني لأغضي عن الزلات أثبِتُها
إني لأغضي عن الزلات أثبِتُها
رقم القصيدة : 62326(71/72)
-----------------------------------
إني لأغضي عن الزلات أثبِتُها
ذِكرا إذا كان بعض الغضِّ نِسيانا
أمَضَّ ماكنت من أَقذاء معتبة ٍ
أَغَضَّ ماكنتُ للإخوانِ أجفانا
أُغضِي الجفونَ عن السوأى مراقبة ً
لمِا يكون من الحُسنى وماكانا
أجزي الأخلاءَ صَفْحاً عن إساءتِهم
إذا أساءوا وبالإحسان إحسانا
اذَكِّرُ النفسَ مَثْنَى من محاسنهم
إذا ذكرْتُ ذنوب القومِ وحدانا
وليس ذاكَ لآبائي ومجدِهِمُ
ولكن لأنّي اتخذتُ العَدْلَ ميزانا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> سَقِّني الأسكركع الصِّنْ
سَقِّني الأسكركع الصِّنْ
رقم القصيدة : 62327
-----------------------------------
سَقِّني الأسكركع الصِّنْ
بِرَ في جَعْضَلفونِهْ
واجعل الفَيْجَنَ في الأفْ
واهِ منه بغُضونِه
إنّه مِصفْاة ُ أعلا
هُ وعِطرٌ لبُطونه
وليكن من صنعة ِ الكو
فيِّ غريد زُبونه
واطبُخِ الدِّباء والحِي
رابِ لوناً بمُتونه
إنه يستنقذ المجْ
نونَ من داء جُنونه
واطبُخَنْ لي اللبنَ الرا
ئب لوناً بلَبُونهِ
ومن السِّكباجِ فاطبخْ
لَي ثوراً بقرونِه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> يامانعي باليأسِ مِنْ
يامانعي باليأسِ مِنْ
رقم القصيدة : 62328
-----------------------------------
يامانعي باليأسِ مِنْ
إحسانهِ روحَ التمنِّي
ومُرِّوِعي في كل يوم
بالقطيعة والتجنِّي
ماهكذا بكَ كان حي
نَ بدأتَني بالوصل ظنِّي
إني لأرحم من وصل
تَ وإن عدلتَ إليه عَنِّي
العصر العباسي >> ابن الرومي >> وباذنجان مَحْشِي تراهُ
وباذنجان مَحْشِي تراهُ
رقم القصيدة : 62329
-----------------------------------
وباذنجان مَحْشِي تراهُ
يعومُ كعنبرٍ في دُهنِ بانِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أيلتمسُ الناسُ الغنى فيصيبهم
أيلتمسُ الناسُ الغنى فيصيبهم
رقم القصيدة : 62330
-----------------------------------
أيلتمسُ الناسُ الغنى فيصيبهم
وألتمسُ القوتَ الطفيف فيلتوي
ويمنعني وردَ الشرائع أهلُها(71/73)
ويسرع غيري في السحاب فيرتوي
لما خِلتُ هذا الجَوْر للدهر يستوي
وعينُك تصفو لي ورأيكَ يستوي
إلى أينَ بي إنْ خانَ حبلُكَ قَبْضَتي
وأي النوى إن كان ذلك أنتوي
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ياذا الذي منه التَّنَكْ
ياذا الذي منه التَّنَكْ
رقم القصيدة : 62331
-----------------------------------
ياذا الذي منه التَّنَكْ
كُرُ والتغيُّر والنُّبوُّ
إن كانَ أدرككَ الملا
لُ فقد تدراكني السُّلو
العصر العباسي >> ابن الرومي >> مدحتُك أكلأ النَّسريْنِ لَيْلي
مدحتُك أكلأ النَّسريْنِ لَيْلي
رقم القصيدة : 62332
-----------------------------------
مدحتُك أكلأ النَّسريْنِ لَيْلي
فما أرعيتَني عيناً كُلُوَّا
هدأتَ على الإساءة بي مُصرَّا
ونفسي قد أَبَت عنك الهُدُوا
أسرَّكَ أن تكونَ طَليقَ حِلمي
أم الأخرى فأجزي السوءَ سُوَّا
هما أمران مكروهان فاخترْ
طَريقَ السهل واجتنب الدروّا
ولا تتَطاولَنَّ عليَّ إني
أرُدُّ تطاول الطاغي لُطُوّا
سفكتَ دمَ الحياء فلا تُتابعْ
لجَاجاً والتمسْ لدمٍ رُقُوا
وبؤْ بالذنب والعُتبى وإلا
فليسَ بضائري ألاَّ تَبوا
وكنْ مُتوقِعّاً عَوداتِ ذمِّي
كذاتِ الحيض تنتظر القُرُوّا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أبلغْ أباكَ إذا هلكتَ وقلْ لهُ
أبلغْ أباكَ إذا هلكتَ وقلْ لهُ
رقم القصيدة : 62333
-----------------------------------
أبلغْ أباكَ إذا هلكتَ وقلْ لهُ
يامُقْصِيَ القوم الكرامِ إذا دنوا
للهِ درّك لو قصرتَ حجابة ً
جُعلتْ عليك على العيال لما زنوا
بلْ أيها الرجلُ المفوّه في الوَرى
والقامعُ المتشدقينَ إذا اكتنوا
أقسمتُ لو تَرمي العيالَ بأَسهمٍ
ترمي بهنَّ الناس كَفُّوا أو ونَوا
بل هُمْ أحقُّ بأن تقومَ بشكرهم
إذ صرّحوا لك بالعِهار وماكَنوا
قد نزّهوكَ عن الخداعِ ونكَّبوا
سُبل النفاقِ وإن جَنَوا لك ماجَنَوْا
ولما غَنَوْا مكروهَ نفسِكَ عندها
لكنهم محبوبَ أنفسِهم عنوا(71/74)
فاعذرْ عيالَ أبيكَ في أفعالِهِم
فلطالَ ماحدبوا عليك وما حَنوا
أثْني عليهم بالجميل وإن بَنَوا
لك من قُرونِك أو كشوخِكَ مابنوا
لوجدتَهم مرضى القلوبِ إذا خَلوا
ورأيتَهم مرضَى العيون إذا رنَوا
لايمنعون الماءَ عند وروده
غُلل السُقاة ِ ولا السّناة إذا سنوا
سَقياً لهم وإن اجتويتَ فعالَهم
لقد اجتَبوا لك مايقُوتك واقتنوا
فافخر بعيشك ياعيال عيالِه
وبهم فكم بدأوا الجميلَ وكم ثَنَوا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> سهادُ أخي البلوى حقيقٌ به السَّهْوُ
سهادُ أخي البلوى حقيقٌ به السَّهْوُ
رقم القصيدة : 62334
-----------------------------------
سهادُ أخي البلوى حقيقٌ به السَّهْوُ
ولم يُلْهه عن هَجْرٍ أحبابه لهوُ
وباتَ ولمّا يطعَمُ الغُمْضَ طرفُه
يكابد أحزاناً وقد هجعَ الخلْوُ
وأنّى يُرَى ذو اللُّب مالكَ صبوة
إذا لم ينلْهُ مِنْ أحبته العفوُ
أسالبتي حُسنَ العَزاءِ بصدِّها
أما آن لي من طولِ ذي السَّقمِ البروُ
فإن كان حقاً مازعمتِ اجترمتُه
فلا قلَّ من أوجاعه بدني النِّضوُ
ولا استمتعتْ عيناي منك بنظرة ٍ
ولامحَّ من قلبي لهجرِكُم شَجْوُ
وكيف أُمنّي النفسَ عنكِ تسلياً
وماليَ إلا أنتُم في الهوى كفُو
حُرمتُ إذن منك الوصال ونعمة ٌ
ولاعادَ لي عيشٌ بقربكُم حُلو
وفَارقني زيرٌ ومثنى ومَثْلثٌ
وبَمَّ وسرَّى عني السّكَر الصحو
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أذقتَنا ودَّك حتَّى إذا
أذقتَنا ودَّك حتَّى إذا
رقم القصيدة : 62335
-----------------------------------
أذقتَنا ودَّك حتَّى إذا
قلنا لذيذٌ كدتَ أن تغلو
خِفتَ متى واصلتَ إملالَنا
فخفّ إذا هاجرتَ أن نَسْلو
العصر العباسي >> ابن الرومي >> سُمتَني جفوة ً فأظهرتُ سَلوهْ
سُمتَني جفوة ً فأظهرتُ سَلوهْ
رقم القصيدة : 62336
-----------------------------------
سُمتَني جفوة ً فأظهرتُ سَلوهْ
كلُّ ذي جَفْوه حقيقٌ بَسلوَهْ
قد سلونا إن كنت أعرضتَ عمداً(71/75)
واعتقدنا الإعراضَ إن كانَ هفوه
لاتجشَّمْ لي التخلُّق إن كنْ
تَ مَلولاً إنَّ التجَشُّم شِقْوه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> مغنية ٌ حقاً بإسقاطِ نقطة ٍ
مغنية ٌ حقاً بإسقاطِ نقطة ٍ
رقم القصيدة : 62337
-----------------------------------
مغنية ٌ حقاً بإسقاطِ نقطة ٍ
إذا ماشَدَتْ ظلَّتْ وأشداقُها تَلْوَى
لها نكهة ٌ تحكي بها إنْ تَكَلَّمتْ
فأهدتْ إلى المُشْتمِّ من رِيحها الفَسْوَى
إذا شهدت للقوم في اللّهو مْعَرَساً
غدا مأتماً يمحو بأحزانه اللَّهوى
وإنَّ امرأً يقوى على لَثْمِ ثَغْرِها
على الضغط والتعذيب في قبره يَقْوَى
جَفَتْ هامة ٌ منها ودُقِّق ساقُها
فماصلحت إلا لِبَنْجَقِها مَلْوى
العصر العباسي >> ابن الرومي >> بادرْ غُروسَ يديكَ بالسُّقْيَا
بادرْ غُروسَ يديكَ بالسُّقْيَا
رقم القصيدة : 62338
-----------------------------------
بادرْ غُروسَ يديكَ بالسُّقْيَا
وأغِثْ بريٍّ قبلَ أن يَذْوى
هذي صَنَائِعُكَ التي نطقَتْ
بالشكر أخْرِسها عن الشَّكوى
جاءتْكَ تَستعدِي نَداك على
رَيْبِ الزمان فأَعْدِ بالجَدْوَى
أصبحتَ ذا نُعمَى عليَّ فلا
تكُ مُلْحقي بالعُدْوة َ القُصوى
فامنُنْ بإنجاز لوعدكَ فال
إنجاز فيه المنُّ والسَّلْوى
وافكك من البلوى وثاقَ فتى ً
سلبتْهُ ثوبَ يَسارِه البلوى
العصر العباسي >> ابن الرومي >> إنَّ عبدَ القوي عبدٌ قويٌّ
إنَّ عبدَ القوي عبدٌ قويٌّ
رقم القصيدة : 62339
-----------------------------------
إنَّ عبدَ القوي عبدٌ قويٌّ
في استِهِ أخذ الكتابَ بقُوَّهْ
أشبَهُ العالمينَ في أخذه الكُت
بَ بيحيى النبيِّ حاشا النُّبوه
يكرهُ الصومَ والصلاة َ جميعاً
ويرى الكفرَ والبُغاءَ مُروَّه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> إذا ماشئت أنْ تَعْر
إذا ماشئت أنْ تَعْر
رقم القصيدة : 62340
-----------------------------------
إذا ماشئت أنْ تَعْر
ف يوماً كَذبَ الشهوَهْ
فكُلْ ماشئتَ يصْدُدْكَ(71/76)
عن العَذْبة والحُلوهْ
وطأ مَنْ شئتَ يَصْدُدْكَ
عن الحسناء في الذِّروه
وكَمْ أسلاكَ ماتهوا
هُ نَيلُ الشيء لم تَهْوَهِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ما رأى الناسُ كابنِ هرثمة َ العا
ما رأى الناسُ كابنِ هرثمة َ العا
رقم القصيدة : 62341
-----------------------------------
ما رأى الناسُ كابنِ هرثمة َ العا
جزِ في فرط جُبْنِهِ مِنْ شبيهِ
عائذٌ دهرَهُ إذا سطع النَّقْرجز تفاحة في رأس سنْبويهْتهواهما الحسناء عند الرُّويه
عُ بمعنى مُصَحَّفِ اسمِ أبيه
تفاحة في رأس سنْبويهْ
تهواهما الحسناء عند الرُّويه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> شهر نسْكٍ قرينُهُ يوم لَهْو
شهر نسْكٍ قرينُهُ يوم لَهْو
رقم القصيدة : 62342
-----------------------------------
شهر نسْكٍ قرينُهُ يوم لَهْو
صار بعد البعاد مثلَ أخيهِ
ومن المنكر العجيب وفاقُ الضدْ
دِ ضدا مُنافراً يَنفيه
غير أن الأمير أصلح يبن الضْ
ضِدِّ لازال ضدُّه يَفديهِ
لم تزلْ تُرشِدُ الغَوِيَّ من الْ
أيامِ أفعالُه الرشيدة ُ فيه
مِنْ صلاة ٍ ومن صيام ومن بذْ
لِ نوالٍ ومن سَدى ً يُسديه
وسوى ذاك من تُقى اللَّهِ حتى
صار شهرَ الصيامِ لا يجتويه
ولقد كان قبلَ ذلك يَنْفي
هِ فأضحى لرُشْدِهِ يجتبيه
وعسى قائلٌ يقول بجهلٍ
قولَ حيرانَ في ضلالٍ وتيه
أي صُلْحٍ رأيتَهُ واتفاقٍ
بين هذين يا أخا التمويه
حاشَ للَّهِ بل هما في عناد
غيرِ مُسْتَبْهمٍ على مُبْصِريه
شَنَّ هذا على الجلود من الما
ءِ وهذا حَماه من شاربيه
إن هذين ماعلمتَ لَضِدَّا
ن بعيدان عند ذي التشبيه
فجوابي هناكَ لِلْمجتديهِ
كجواب امرىء أخي تفويه
لم يعانِدْ أخٌ أخاه بأن خفْ
فَفَ من ثِقْل مِحْنَة ٍ عن بنيه
شنَّ فيه على الجواد بروداً
فأباخَ الحَرورَ عن صائميه
وأماتَ الغليل منهم فأضحَوْا
في نعيم به وفي ترفيه
بل طَهوراً نَفَى به درن الآ
ثام والسيئات عن مذنبيه
وكذاك الذي حَمَى الماء لمَّا
يذهبُ المذهبَ الذي يعنيه(71/77)
من خلافٍ على أخيه ولكن
رائضٌ راض مَنْ يلي ويليه
منع الماءَ والطعام ليحْظَوْا
بهما في ظلالِ عيشٍ رَفيه
وحماهم من المعاصي فأضحَوْا
في عفاف به وفي تنزيه
وبيُمْنٍ الأمير أسعدهُ اللَّ
هُ وأبقاهُ مُرْغَماً حاسديه
وفَّقَ اللَّه بين هذين حتى
عاينا بالصلاح مَنْ يَعنيه
وَلعاً للأمير من عثرة الشَّكْ
وِ ونفسي وكلُّ نفسٍ تَقيه
محنة ٌ ضاعَفتْ له الأجرَ في الصو
م ويا رُبَّ خِيرة ٍ في كريه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> عليَّ دينٌ ثقيلٌ أنتَ قاضيهِ
عليَّ دينٌ ثقيلٌ أنتَ قاضيهِ
رقم القصيدة : 62343
-----------------------------------
عليَّ دينٌ ثقيلٌ أنتَ قاضيهِ
يامَنْ يُحَمِّلني دَيْني رَجائيهِ
وقد حماني إخواني مواردَهم
ووكلتني إلى بحرٍ سواقيه
قالوا أنسقي مِنَ الطوفان موردُه
كما يقال لمولى أنت واليه
وهل تُنازعك المعروفَ في رجلٍ
يَدٌ لتكفي أمراً أنتَ كافيه
ماذاك قَدْرُ بني الدنيا وإن عَظُمَتْ
أقدارهم غيرَ مخْصوصٍ بحاشيه
وما أحالوا على ضَحْلِ ولا ثَمِدٍ
ولا تَظَنَّوْا بغيبِ ظنَّ تَشْبيه
فلا تُصْعِني وتَجْني لي إضاعتَهُمْ
إيايَ لاضاع أمرٌ أنت راعيه
يابن الوزيرَيْنِ قد عَمَّتْ صنائعُكم
غيري فقد ولَّهتني كلَّ توليه
للَّهِ موقعُ معروفٍ أراه لكم
نِيلتْ أقاصيه واحتيزت أدانيهِ
كم من أناسٍ رَجَوْا بي رَيْعَ دولتكم
حَظُوا وأُوسِعْتُ حِرماناً أُشافيه
ومامن العدل أن يُقْضَى نَعيمُهم
ومُصْطَلاي بِبَرْحٍ مُبْرحٍ فيه
لاتتركنَّ وليَّاً ذا محافظة
ونارُ حَسْرة ِ فَوْتِ الحظ تكويه
لا تجعلنه كراجي الغيثِ أصعَقَهُ
وإنما أمَّلَ الإسقاءَ راجيه
الحالُ مُرهقة ٌ والنفسُ مُشفِقَة ٌ
من دائها المتمادي أو تُداويه
وهو الإياسُ أو الإيناسُ من كَثبٍ
فلا تدعْني من أمريَّ في تيه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ياطول غلَّة نفسِي المبلاهِ
ياطول غلَّة نفسِي المبلاهِ
رقم القصيدة : 62344
-----------------------------------(71/78)
ياطول غلَّة نفسِي المبلاهِ
بظباء بين أجارع وجِلاهِ
منْ كُلِّ رَيَّا لاتجودُ بشَرْبة ٍ
وجنابُها مُتدفِّقٌ بمياه
تُضْحِي وتُمْسِي يُغب مُحِبُّها
مَلْهَى كرى أو مأثم استنباه
يَحْظَى العميدُ بها ويَسْعد راقداً
ويظَلُّ عند النُّبْهِ في إذلاه
وأبى هوايَ لقد غدا مُسْتَفرِهاً
أعداءَ عقلي أيمَّا استفراه
سُقِيَ الزمانُ إذا الحسانُ يَصِلْنني
ويُنلنني طوعاً بلا إكراه
وإذا المشيبُ شبيبة ٌ منضورة ٌ
وإذ المواعظُ كلُّهُنَّ مَلاه
لا والذي لو شاء بَدَّلَ صَبْوَتي
بلهى ً وطولَ صبابتي بتناه
ماقيل إن مع السمَّاك فضيلة ٌ
إلى تناولها عُبَيْدُ اللَّهِ
ملك حلا مَخْبورُه ورواؤه
فحلا على الأسماعِ والأفواه
عَذْبُ اللسان ولن تراه كليلَه
عضبُ اللسان وليس بالعضَّاه
ناهيك من صَمْتٍ بلا عيٍّ به
وكفاك مِنْ لسَنٍ بغير سِفاه
مُتَيَقِّظٌ أبداً لفعلِ كريمة ٍ
وعلى الطِّلابِ لشكرِها مُتساهي
يَهَبُ الرغيب بِشُكْرِهِ فعُفاتُه
مُتفاكهون وتلكَ حالُ فُكاه
لكنه مع ذَلكمْ مُسْتَنَزهٌ
رَوْضَ المحامِدِ أيَّما استنزاه
مُتَظَلِّلٌ من طَوْله بحدائقٍ
مُتَمَرِّسٌ من حده بعِضاه
وكأَنَّ حُبْوته تُلاث بشامخ
يَنْحطُّ عنه الصخرُ في دَهْداه
ملكتْ سكينتُهُ عليه أمرَه
فكأنه ساهٍ وليس بساهي
وعفا وعامَل بالأَناة ِ عَدُوَّه
فكأنه لاهٍ وليس بلاهي
مِمِّنْ يراه الحَقُّ غِبْطَة َ دولة ٍ
وسعودَ مَمْلكة ٍ وفضلَ إله
فإذا الزمانُ غدا وراح معبِّسا
فزمانه متضاحِكٌ متباه
مازال يُؤْنِسهُ جميلُ فَعاله
قِدْماً ويُوحشه منَ الأشباه
تتعاورُ العَرَبُ الكرامُ وفارِسٌ
ذِكراه بالبَخْباخ والبَهْبَاه
شفعَ السماحُ إليه في سُؤَّاله
فَمرى جداهُ لهم عريضُ الجاه
يَمِّمْهُ إنك منه بين مُثَوّب
بالمُعْطشينَ ومِذْودٍ نَدَّاهِ
يَشْفِي الصَّدَى ويَذُودُ كلَّ مُلِمَّة ٍ
عنا بحزمِ مُفَكِّرٍ بدَّاه
قل للأمير حلَتْ ليالي عُمْرهِ
في غيرِ منقطع ولا متناهي(71/79)
يامن أمرَّ على الحُلوقِ مذاقُه
وحلا وطاب لألسُنٍ وشفاه
لِيَفُزْ من الأمراء شاهنشاههمُ
بِفَتى ً من الوزراء شاهنشاه
أضحَى وماضاهاه خادمُ سيِّدٍ
وكذاك مالك في الملوك مُضاهي
انظرْ فإنكَ ناظرٌ بجلِيَّة ٍ
هل في وزيرك عن وزيرك ناهي
هل مُلِّكَ الأعداء عند قيامه
إلا تذلُّلَ آنُفٍ وجباه
سَجَدُوا ولو عَنَدُوا مكانَ سجودهمْ
لرَماهُمُ مِنْ كيدهِ بدواهي
إن الوزيرَ إذا تَأَمَّلَ ناظرٌ
لَعَتادُ مُحتاطٍ وتاجُ مُباه
نَمْ كيف شِئْتَ فما البناءُ بخاشع
كلاَّ ولا أسُّ البناء بواهي
ظفِرتْ يداك من الوزير بقيِّم
تأتي نصيحتُه بلا استكراه
أمَّا ظِهارتُه فسلطانيَّة ٌ
وله بطانة ُ مُخْبِتْ أوَّاه
فاسدُدْ يديكَ بخادم من شأْنه
عكْس الرياء إذا تَصنَّع داه
نامتْ على الإنباه أعيُنُ معْشرٍ
ورعاكَ منتبها بلا إنباه
ياصاحبيَّ علا الوزيرُ وأعصفت
صعقاته بالنَّبْحِ والوَهواه
قومٌ على سننِ الطريق وآذِناً
في الصادرين وواردي الأمواه
صانَ الوزارة أحمدٌ عن معشرٍ
خُلِقُوا لِكاسبِ القُوت بالأستاه
كانوا إذا قسطوا فأقسطُ واعظٍ
ظلُّوا هنالك منه في فَهفاه
صانتْه صائنة ٌ تُكافيءُ سَعْيَهُ
وزَهَتْهُ من شرفِ الفَعال زَواهي
وجزَتْ جوازي الخيرِ صاحبَ أمرِه
فهُوَ النَّجاهُ أمام كلِّ تجاه
لا كابن بلبلٍ الدعيَّ وعُصبة ٍ
عَدِمُوا خِلالَ الخيرِ غيرَ هواه
ياسائلي بابنِ اللَّبون وقد ثوى
في النارِ تَطْهاه هُناكَ طواهي
كانَ المُحيَّنَ ذئبَ رَدْهة ِ دَهْرِه
ورجالُ دولتهِ ذئاب رِداهِ
ثم اعتدَى فإذا هُوَ ضَيْغَمُ غابة ٍ
وزهاه من فَرْطِ الجهالة زاهي
فعتا ويَهْيَهَ في الكلامِ تَعارُباً
حتى كنيناه أبا اليهْياه
مُتصامِماً متكامهاً عن ربه
فرماهُ بالإصمام والإكماه
غابَ المُوَفِّقُ فاستراب بغيبهِ
وأتى فصادف منه مِرْجلَ طاهي
ومعانِدُ التقوى مُعِدُّ مغالة ٍ
لخلافة ِ ووقاحة ٍ لوَ جاه
قال المُوفَّقُ إذْ تبين غَوْلَه
قسماً لقد ساهيت غير مساهي(71/80)
وغدا أبو العباس يطلب ثأره
فرمَى الزمانُ مُداهياً بدواهي
كُفءُ المُخاتِل والمبارز قَسْورٌ
لاينثني للزجر والجَهْجاهِ
ركِبَ الأميرُ قَرا المحجَّة ِ فاهتدى
وطغَى الدَّعيُّ فتاه في أَتْواهِ
لا يَعجَبْن أحَدٌ لخيْبة ِ وجِهِهِ
هل كان عَبداً مُقْرنا بخُذاه
وجهٌ كما للصالحين وما عنى
للصالحين فشاهُ كلَّ مَشاه
ولقد نَهَتْه لو أُعينَ بنَهيهِ
وحِجَى نواهٍ بعدهُنَّ نواه
تَجِهُ الصنيعة ِ والصنيعة ُ حرة ٌ
فثنتْ أعِنتها عن التُّجَّاه
وأتتْ فتى ً ماسارَ سيرة َ تائهٍ
في حِفْظِ نعمتهِ ولا تَيَّاه
إنْ تائهُ جَبَهَ الوجوهَ ببشرِهِ
ولُهَى يديهِ فليس بالجَبَّاه
وترشَّفَتْهُ ولم تكن مكروهة ً
نكهاتُ مِسكٍ عند ذي استنكاه
كَلأَتْه نيتَّهُ التي منْ سُوسها
صِدْق الكَلاءة والقلوبُ سواهي
ورعاهُ معروفٌ يُخامِرُ نَفسَهُ
ويفيضُ عنها والنفوسُ لواهي
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أضحى أبو الصقر وأفعالُه
أضحى أبو الصقر وأفعالُه
رقم القصيدة : 62345
-----------------------------------
أضحى أبو الصقر وأفعالُه
كأنما تنتجُ مِن وجهِهِ
عارضَ بالإحسانِ حُسناً له
لايبلغ الوصفُ مدَى كُنهِه
ليسَ له عيبٌ سِوى أنَّه
لاتقعُ العينُ على شِبْهه
يا وارداً حوضاً سوى حَوْضِهِ
عَدّ عن الغِبِّ إلى رِفْهِه
تلقَ فتى ً تَرضى العُلا فِعْله
في عَقْب ما يأتي وفي بَدْهه
تَسْتَضْحِكُ الآمالُ عن بِشْره
وتَذْعَرُ الأحداث عن نَجْهِه
لم تُلْهِهِ عن سُؤددٍ لذة ٌ
متى تُغازِلُ غيرَه تُلْهِهِ
يَقْصُرُ ما يُعطيكَ في حُلْمه
عن بعضِ مايُعطيك في نُبْهِهِ
يَجْبَهُ بالآلاف سُؤَّالَه
ياحبذا ذلكَ من جَبْهِهِ
أكثرُ شكوى ضيفِهِ أنَّه
يُغَبُّ بالبِرِّ على كُرْهِهِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> نُزْهَة ٌ عندي كاسمها نُزْهَهْ
نُزْهَة ٌ عندي كاسمها نُزْهَهْ
رقم القصيدة : 62346
-----------------------------------
نُزْهَة ٌ عندي كاسمها نُزْهَهْ(71/81)
لاشكَّ في ذاك ولا شُبْهَهْ
ياجاعلَ الليل لها طُرَّة ً
وجاعلَ الصُّبح لها جَبْهَهْ
وجاعلَ الدُّر لها مَضْحكاً
وجاعلَ المسكِ لها نَكْهَهْ
دعْ حبها يحكُم في مُهْجتي
وأمُرْهُ بالجَوْر ولا تَنْهه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> عينُ المحبِّ إلى الحبيبِ سريعة ٌ
عينُ المحبِّ إلى الحبيبِ سريعة ٌ
رقم القصيدة : 62347
-----------------------------------
عينُ المحبِّ إلى الحبيبِ سريعة ٌ
والعينُ تألفُ شخصَ من يَهْواها
لاتجزعَنَّ من الصدود فإنما
غرض المفَدِّي أن يرى تَيَّاها
حُكماً بأن النفسَ تبغي شكلَها
والشكلُ إلفٌ لا يُحِبُ سِواها
العصر العباسي >> ابن الرومي >> لو أنَّ لي أختاً فأنكَحْتُها
لو أنَّ لي أختاً فأنكَحْتُها
رقم القصيدة : 62348
-----------------------------------
لو أنَّ لي أختاً فأنكَحْتُها
بني قضاة الأرضِ ماتهْتُ
لأنني إن تُهْتُ في حيرتي
بنائك أخْتي سُفِّهْتُ
يامَنْ تحدَّاني بتقصيره
شُبهت في عينيك شُبِّهْتُ
لَهْفي على شُكْرِيك فيمامضَى
طَوْعاً كأني كنتُ أُكرهت
لو كنتُ نُبهتُ لمَا قُلْتُه
لكنني ماكنت نُبهت
العصر العباسي >> ابن الرومي >> إنَّ أبا حفصٍ له
إنَّ أبا حفصٍ له
رقم القصيدة : 62349
-----------------------------------
إنَّ أبا حفصٍ له
هامة ُ صدقٍ نَزِهَهْ
صَنَّعَهَا خالقُها
للصفعِ من كل جِهه
لو لم تَجُل فيها يَدي
يوماً لظلَّتْ ولهِه
كأنها أمنية ٌ
أو حاجة ٌ مُتَّجهه
تنزلُ فيها فَتَرى
صَحَارِياً مُشتبهه
تظلُّ كَفِّي كُلما
نزلتُ فيها فِكهه
كأنما لَمَسْتُها
ثَدْيُ فتاة فَرهِه
مالمتُ نَفْساً أصبحتْ
غَرْثَى إليها شرهه
تَحلُم في النومِ بها
بالليلِ بل مُنْتَبهه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ليعاقب وسْمِيَّ جُودٍ وَليُّهْ
ليعاقب وسْمِيَّ جُودٍ وَليُّهْ
رقم القصيدة : 62350
-----------------------------------
ليعاقب وسْمِيَّ جُودٍ وَليُّهْ
مِنْ كريم رجا نداهُ وليُّهْ(71/82)
إن تباطَى لديه فالبِرُّ يَزْكُو
عنده أن يُرَى إليه مجِيُّهْ
ياجوادٌ إذا تأبَّى قَريضٌ
أسعَدَ المادحين فيه أبيُّهْ
لايضعْ أملٌ لديك ولا يُحْ
رَمْ عطاءً جزيلاً وأنتَ سَميُّه
أنت زَينٌ لكلِّ مدح وحَلْيٌ
يُتَبَاهَى به ويُزْهَى رويُّهْ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أبا حسنٍ لم أمْسِ من حال بالكمْ
أبا حسنٍ لم أمْسِ من حال بالكمْ
رقم القصيدة : 62351
-----------------------------------
أبا حسنٍ لم أمْسِ من حال بالكمْ
وإن كنتُم تُمسون من حالِ باليا
أتَنْسونَ من يَرْعَى لكمْ كلَّ ليلة ٍ
نجومَ القوافي والنجومَ التَّواليَا
تُذيقوني حتى إذا ما تَشَوَّقَتْ
مُنايَ بدا لي مُنْكُ ما بدا ليا
فتذويقُ إشباعٍ هَذَى اللَّه سعيكمْ
وإلا فحسماً يتركُ القلبَ ساليا
أمبتورة ٌ عندي صنيعة ُ كاملٍ
وقد شَهِدَتْ آراؤه بكماليا
فتى ً زيدَ في الأخلاقِ والخَلْقِ بسطَة ً
بأمثالها نالَ الرجالُ المعاليا
أتمَّ له الإحسانُ حُسْنَ روائهِ
وأضحى من الإحسان والحُسْنِ حاليا
يقول لمنْ يلحاه في بَذْلِ مالِهِ
أَأُنْفِقُ أيامي وأُمْسِك ماليا
نسبناهُ والقوم الكرام إلى العُلى
فكان صريحاً والكرامُ مَواليا
لعَمْري لئن أضحى يَسُرُّ زمانَه
سناءٌ لقد ساءَ السنينَ الخواليا
ولم يَخْلُ من شوقٍ إلى وجهه غدٌ
فلا انصرفَ الأمسُ المُودَّع تاليا
فداهُ أُناسٌ أرخَصَ الحمدَ بُخْلُهم
وأعلى عطاياهُمْ فأضحتْ غواليا
يُجِدُّون أثواباً وما يَرْتَضُونها
ويَرْضُونَ أعراضاً رِماماً بواليا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> رَثَتِ الأمانة ُ للخيانة إذ رأتْ
رَثَتِ الأمانة ُ للخيانة إذ رأتْ
رقم القصيدة : 62352
-----------------------------------
رَثَتِ الأمانة ُ للخيانة إذ رأتْ
بالشمس موقفَ أحمد بنِ عليّ
منْ ذا يؤمِّلُ للأمانة ِ بعده
لوَليِّ سُلطانٍ ثوابَ وَليِّ
بدرٌ ضَحَى للشمس يوماً كاملاً
فبكتْ هناك جَليَّة ٌ لجِليِّ
من يَخْلُ من جزع لضَيْعة حُرْمة ٍ(71/83)
من مثله فالمجدُ غيرُ خَليَّ
ياشامتاً أبدى الشماتة لاتَزلْ
تَصْلَى بمرمَضَة أشدَّ صُلِّي
ستراك عيناهُ بمثل مَقامهِ
وببعضِ ذاك يكون غير مَليِّ
وقعتْ قوارعُ دهرِه بصَفاتِه
فتعلّلتْ عن مَصْدَقٍ سَهْلِيِّ
عن ذي الشهامة والصرامة ِ والذي
ماعيبَ قطُّ بمذهب هَزْلَي
عن ذي المرارة والحلاوة والذي
لم يؤت من خُلق له مَقلي
وأبي الوزير بن الوزير أبَى له
إلا الحفاظ بمجدِهِ الأصلي
بل كاد من فَرْط الحميَّة أن يُرَى
فيما تقلَّد رأي معْتَزلي
وإذا أبو عيسى حَمَى مُتَحرِّماً
أضحى يَحُلُّ بمَعْقِل وعَلِّي
أبقى الإله لنا العَلاءَ مُمتَّعاً
بعلائِهِ القَوْلي والفِعلي
فاللَّه يعلمُ والبريَّة ُ بعدَهُ
وكَفى بعلْم الواحد الأزلِّي
ماضَرُّ دُنيا كان فيها مِثْله
ألا يُحلَّى غَيرُهُ بحُلِّي
ذو منظرٍ صافي الجمالِ ومَخبرٍ
وافي الكمالِ ومَنْطِق فَصلي
جمع الشَّبيبة والسَّدادَ فلم يَبعْ
فوزَ الحكيم بلذة ِ الغزَلِّي
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ومُنْزل الوحْي علي نبيِّهِ
ومُنْزل الوحْي علي نبيِّهِ
رقم القصيدة : 62353
-----------------------------------
ومُنْزل الوحْي علي نبيِّهِ
لأنزلنَّ الشعر من حبيهِ
على الخُزاعيِّ وخَطَّابِيِّهِ
مدحاً ترى الحِكمة في صَبِيه
ويونسُ الأسواقِ في عَرَبيِّه
وفي حَضريِّ الشعر أعرابيه
ولا وَمِد الظل ولا وَبيِّهِ
مكِّيّ بين المَجْدِ أخشبيِّه
مهاجريِّ النصرِ يثربيِّهِ
فرعي مجدٍ بعدَ مَنصِبِّيه
سِرْبي مرعى الوحشِ ربْربيه
بَدْريِّ حُسن الوجه كوكبيِّه
مُجالسيِّ الشخصِ مَوْكبيِّه
فرزدقي الطَرْز أغلبيه
ما شئتَ عجّاجِيه رُوبيِّهْ
لم يتقاصر عَنْ مُسَيبيِّه
ولا الزُّهيريِّ ولا كعبيه
بل الكُلَيبيِّ وتغلبيِّه
مُوشي بُرْد المدح شَرعَبيه
سَيفِّي وقع القِدْح نشابيِّه
كلاهما أذْعنَ مِنْ سَبيِّه
بلَمْلَمِيِّ الحكم كَبكبيهِ
غَشَمْشَمِّي السَّيلِ مأربيِّه
سِلْميِّه أسعدَ من حربيه(71/84)
مُسترجَحِ العقل مُهَلّبيه
مُفَضَّلٍ في العلم صَقْعَبيِّه
مقدم في النحو قُطربيه
رفْعِيِّهِ خَفِضيِّهِ نَصْبيِّه
طريفه غير مُودبِّيه
تُعليه عن رُتْبة ِ مكْتَبيِّه
مُقفّعيِّ النثرِ عَتَّابيه
لامُجْتَوي القُرب ولا مابيِّهِ
لَحِقّ مولاهُ وأجنبيِّه
ماشئتَ من مرأى ومن حَبيِّه
تجرُّراً والدهرُ في غَبيِّه
جارٍ من اللُّؤمِ على كلْبيِّه
ومن تعديِّه على ذئبيه
ليَجتني لي الصَّفْوَ من مَجْنيه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أشهدُ مايكونُ على هجاءِ
أشهدُ مايكونُ على هجاءِ
رقم القصيدة : 62354
-----------------------------------
أشهدُ مايكونُ على هجاءِ
هُجيتَ به إذا عاقبتَ فيه
وأبذأُ ما تُصادِفُ مِنْ هجاء
إذا ولّيتَ عفوكَ قاتليه
ولا والله ما حَبَّرتُ فيكم
سِوى مَدْحٍ يُزَيِّنُ لابسيه
ففيم عددتُم مدحي هجاءٍ
وقد شَجَى القضاءُ بمنشديه
فإن قُلْتُم نراكَ أخا سفاهٍ
فقد يقعُ السفيهُ على السفيه
هجوتُ الظالميَّ ولستُ أهجو
رئيساً أتقيهِ وأَرْتَجيه
أيهجو المرءُ من يُضحي ويمسي
ورَوحُ حياته فيما يليه
شهدتُ بأن ذلك ليس حقاً
ولا لِلحَقِّ أيضاً بالشبيه
دَعُوا أحدوثة ً حَسُنَتْ يسارِي
لكم أخواتُها في كلِّ تيه
فإن الظلم من كلِّ قبيحٌ
وأقبحُ مايكون مَن النبيه
شَفَعْتُ إليكُم بالطَّوْلِ منكم
وكمْ من شافع فيكم وجيه
فردُّوني إلى ماكنتُ فيه
من الإكرامِ والعيش الرفيه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ليس يستَيْقِنُ العناية مشفُو
ليس يستَيْقِنُ العناية مشفُو
رقم القصيدة : 62355
-----------------------------------
ليس يستَيْقِنُ العناية مشفُو
عٌ إليه حتى يُذَلَّ عليها
وليلُ العناية الحَثُّ والتَّحْ
ريكُ في الحاجة المُشارِ إليها
فَتَوخَّ الإعذارَ واعلُ عن التعْ
ذير لازلت للعُلى ولديها
وحقيقٌ ألا تُروَّعُ نفسٌ
أعَلَقَتْ في ذراك يوماً يديها
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أنا واش بسوء حالي إليكا
أنا واش بسوء حالي إليكا(71/85)
رقم القصيدة : 62356
-----------------------------------
أنا واش بسوء حالي إليكا
طال تَشنيعُها برغمي عليكا
كلما قلتُ فيك قولاً جميلاً
ناقَضتهُ وردعُهُ في يديكا
ولما ذاكَ بالعقاب ولكن
بالثواب الذي يُرجَّى لديكا
قد تَصرَّفْتُ في نَواحٍ من الأرْ
ضِ فرَدَّتني النواحِي إليكا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> سبيلي إليكَ كتابي إليكا
سبيلي إليكَ كتابي إليكا
رقم القصيدة : 62357
-----------------------------------
سبيلي إليكَ كتابي إليكا
فلا تقطَعَنَّ سبيلي إليكا
أعيذُك بالله مِنْ عِلة ٍ
يُسدُّ بها بابُ جَدوى يديكا
فأوصِ خليفتك المُرْتَضى
بكتْبي وعَرّفه حالي لديكا
ولولا احتراسي من المنْسيا
ت كفاني الكتابَ اعتمادي عليكا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> قد ذقتُ أنواعَ الطعوم فلم أجدْ
قد ذقتُ أنواعَ الطعوم فلم أجدْ
رقم القصيدة : 62358
-----------------------------------
قد ذقتُ أنواعَ الطعوم فلم أجدْ
فيهنَّ طعماً مثل طعم العافيهْ
فاقصدْ وحاذر أن تُمرّرَ حُلوَهُ
مما تُصيبُ وأن تُكدرَ صافيه
لا تَشفينَّ غليلَ صدرك بالتي
تُدوِي فليست للغليلِ بشافيهِ
ومتى شَرِهْتَ فإن أيسرَ لدة
لك إن نظرتَ مع السلامة ِ كافيهْ
فإذا جَرتْ ريحٌ فطاب نسيمُها
فاعدِلْ مخافة يوم ريح سافيه
أحسِنْ فلرُبَّ يد لديك حقيرة ٍ
مَهِدَتْ لحينك والمضاجعُ جافيه
واعلم بأن يداً تقدَّم نفعُها
أجدى عليكَ من اليدِ المتلافيه
وافْزعْ إلى شُورى الرجالِ فإنها
أفساد رأيك حسن يفسدُ نافيه
لا ترضينَّ برأي نفسِك وحدها
فلرُبَ خافية ِ عليك وخافيه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> إذا جُددتْ نعمة ُ لامرىء
إذا جُددتْ نعمة ُ لامرىء
رقم القصيدة : 62359
-----------------------------------
إذا جُددتْ نعمة ُ لامرىء
فتكميلُها جدَّة ُ العافيَة ْ
وبالشكر قُدِّر تجديدُها
وللَّه بعدُ يدٌ شافيه
ولو صُفِّيتْ كان أصفى لها
ولكنَّ دُنيا الفتى جافيه(71/86)
ولولا مُكدرة ٌ رَنْقَة ٌ
لما قُدِّرت قَدرُها صافيه
ولابدَّ للمرءِ من محنة ٍ
لفتنة ِ نَعمائِه نافيه
ودولتُكم قدجرتْ ريحُها
مُسددة َ الجري لا هافيه
ولابدَّ للريح من أن تكو
ن في بعضِ هَبَّاتها سافيه
فصبراً وعَافية ً غضّة ً
وأمناً إلى مئة ِ وافيه
فداكُم من السوء ضدٌ لكم
مخازيه بادية ٌ خافيه
وليست بعالية ٍ حالُه
ولكنها جِيفة َ طافيه
ولولا كراهة ُ إملالِكم
خطبتُ إلى آخرِ القافيه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> لعاً من عاثر لك يابنَ يحيى
لعاً من عاثر لك يابنَ يحيى
رقم القصيدة : 62360
-----------------------------------
لعاً من عاثر لك يابنَ يحيى
يموتُ الكاشحون وأنت تحيا
على أن الممات لكلِّ حيٍّ
وُقيتَ به من الحَدَثان مَحيا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> قد طال بسطُك آمالي قد ملأتْ
قد طال بسطُك آمالي قد ملأتْ
رقم القصيدة : 62361
-----------------------------------
قد طال بسطُك آمالي قد ملأتْ
عرضَ الفضاءَ فخلِّ الرِّفدَ يطويها
خَلِّ الأمورَ بكفيِّهِ إذا اضطربتْ
فهنَّ إذ ذاك قوس وهو باريها
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ياقاصداً ليدٍ جلّتْ أياديها
ياقاصداً ليدٍ جلّتْ أياديها
رقم القصيدة : 62362
-----------------------------------
ياقاصداً ليدٍ جلّتْ أياديها
وذاق طعْم الردى والبؤْسِ شافيها
يدُ الندى هي فارفُق لاتُرِق دمها
فإنَّ أرزاق طُلاَّب الندى فيها
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أرى ابنَ حريثٍ لا يُبالي عضيهتي
أرى ابنَ حريثٍ لا يُبالي عضيهتي
رقم القصيدة : 62363
-----------------------------------
أرى ابنَ حريثٍ لا يُبالي عضيهتي
ومازال قِدما بالعضيهة راضيا
ولو نكت أيضاً لم يبالني
كما أنه لم يلتبِس بهجائياً
وماضرَّه ألا يُبالي بعدها
ركوبي إياها بحيث يرانيا
لساني وأيري لوتبيَّن أمرَه
سواءٌ إذا ما قنَّعاهُ المخازيا
هما الطرفان العارمانِ كلاهما
سواءٌ على من كان غيران حاميا(71/87)
ألم تر أن اللهَ حَدَّ عليهما
بحدٍّ وكان اللَّهُ بالعدل قاضيا
أيا بنَ حريثٍ نكت أمك في استها
تصبَّرُ مهجوراً وأجزعُ هاجيا
فدونك فاصبِرْ للهجاء فإنني
زعيمٌ به ما أصبح النيلُ جاريا
إذا لم يبالِ المرءُ عَبطَ أديمِهِ
فعابطُهُ أحرى بأنْ لا يُباليا
هجائيكَ يَشفيني وإن لم تُبالِه
وحَسبُك داءً أن أنال شِفائيا
حلفتُ لئن أصبحت تضحكُ هازئاً
بشعري لقد أمسى ضَميرُك باكيا
وإنك في تنبيح شِعْري وقد بدَتْ
نواقدُه من صفحتك دواميا
لَكا لكلب في تَعضيضه قرنَ قِرنه
وقد أنفَدَتْه طعنة ٌ هي ماهيا
وأصبحَ يُخفي ما به مُتَجَلِّدِاً
وإن كان لا يُخفي بذلك خافيا
تكلَّف حِلماً ليس منه سَجية ً
وأَغضى على أقذائه مُتغاضيا
ليُبلِغَني عنه رباطة َ جأشِه
فيكسُر في ذَرْعي ويُكْسَفُ باليا
وما احتالَ إلا بعدما عيلَ صبرُه
وأَوْلى بداهٍ أن يُخادعَ داهيا
كأني أراهُ حين قَدَّر أمرَهُ
فأمَّر نفسيه هنا لك خاليا
فقالت له إحداهما إنَّ ذِلة ً
من المرءِ أن يُحمي وألا يُحاميا
ولستَ من القومِ الذين إذا حَمَوا
فلا تتعرضْ للذي لستَ كافيا
وقالتْ له الأخرى ومانصحتْ له
بلى وارْكب الغوْصاءَ واغشَ المغاشيا
فزاولها عن كيدِها ونكيرِها
فلم يرَ إلا التُّرَّهاتِ اللواهيا
فأصغى إلى أمرِ التي نصحتْ له
وإمّا أتى رشداً فما ذاك غاويا
عسى ابن حُريثٍ تستريحُ ظنونُه
إلى أنني عانيتُ فيه القوافيا
فيَشفي جواهُ أو يُنفِّس كَربه
تظنِّيهِ أنْ قد شقَّني وعنانيا
فلا يتخيلْ فيَّ ذاك بجهله
فلستُ لما أهدي إليه مُعانيا
وأنَّى أعاني فيه شعراً أقوله
وهاجيهِ لا يبغي إله المرَاقيا
وذاك لأن الشتْم في كلِّ ساقط
يجيءَ مجيءَ السيل يطلبُ واديا
سيولٌ دعاها مستقَرٌ وقادها
مَسيلٌ فجاءت مُفْعَمات طواميا
بَلى إنما المَرقَى الكؤود على امرىء
تطلَّع أشرافَ الجبالِ العواليا
كأهل الندى والبأس والعِلم والحجى
سقى اللَّه هاتيك الذُّرى والروابيا(71/88)
العصر العباسي >> ابن الرومي >> عجباً يا قوم للصُنْ
عجباً يا قوم للصُنْ
رقم القصيدة : 62364
-----------------------------------
عجباً يا قوم للصُنْ
عِ وأسبابِ العطايا
كلَّ يوم يُخرِجُ الدهْ
رُ لنا مِنه خبايا
صِرتَ ياحامدُ تُستكْ
فَى وتسترعي الرعايا
ويح هاتيكَ الرعايا
فلقد أمسَتْ سبايا
لستَ تألوها خَبالا
في خَراجٍ وبقايا
دائباً تصليها طو
راً وتُغزيها السّرايا
لارعاك اللَّهُ عبداً
غيرَ راعٍ للوصايا
فلقد أصبحتَ للدوْ
لة ِ من أخزَى الخزايا
بك صارتْ نِعمُ اللَّ
هِ على الخلقِ رزايا
صارت الضيعة ُ للتأن
ني هموماً وبلايا
ولك الغِلمانُ والخي
لُ وأنواع المطايا
حين لاتشكرُ نَعْما
ءً ولا تخشَى المنايا
لاتُغرَّنَ فلن يغ
فَلَ علاّمُ الخفايا
بِئسَ ما كافأتَ ما أهْ
دَاهُ من حُرِّ الهدايا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> هنيئاً يا أبا حسن هنيئاً
هنيئاً يا أبا حسن هنيئاً
رقم القصيدة : 62365
-----------------------------------
هنيئاً يا أبا حسن هنيئاً
بلغتَ من الفضائل كلَّ غايهْ
شركتَ القِردَ في سُخْفٍ وقبح
وماقصرْتَ عنه في الحكاية
وكنتَ إذا جريتَ إلى المخازي
إلى أبويكَ جاوزتَ النهاية
شَهدتُ بأنَّ من تَنْمَى إليه
خلافُ أبيك لكنْ كان دايه
صَححتَ من الخمولِ ألا فصبراً
ستُرفع راية ٌ لك بعد رايه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> لو يعلمُ ابنُ أبي سُميَّه
لو يعلمُ ابنُ أبي سُميَّه
رقم القصيدة : 62366
-----------------------------------
لو يعلمُ ابنُ أبي سُميَّه
كم من شجاع يتقيهِ
لزها وتاه بقُبْحه
تِيهاً يحاقِرُ كلَّ تيهِ
كم حاجة ٍ باكرتُها
بالسعدِ والوجهِ الوجيهِ
فرجعتُ حين رأيته
باليأسِ مما أرتَجيهِ
اللَّه يعلمُ أنّني
من كل شيءٍ أجْتَويهِ
كلُّ الأنامِ تخافه
خوفَ الأصاغِر من بنيه
تُغْضَى الجفونُ إذا بدا
من هَوْل منظرِه الكريهِ
قد قُلتُ إذ قَذِيتْ به
عَيْني وأعينُ مُبصريهِ
ياليتَ لي بصحيحتي(71/89)
عوراءة ً مما يليهِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أصبح هذا الحجرُ قد وافَقَتْ
أصبح هذا الحجرُ قد وافَقَتْ
رقم القصيدة : 62367
-----------------------------------
أصبح هذا الحجرُ قد وافَقَتْ
أسماؤه الشنعُ معانيهِ
لم يخل من أير ومن عَيْبة ٍ
مُذْ شُقَّ فوهُ لمُناغيهِ
فَحَيَّة ٌ تدخُل في دُبرهِ
وحيَّة ٌ تخرجُ من فيهِ
كذلك الحيّاتُ فيما يُرى
تأتي من الحُجْرِ وتأتيه
وليس مايأْتي بهِ مُنْكَرا
ولا يقولُ الإفكَ هاجيه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> شَهَد اللَّهُ وهو عدلٌ رضيٌّ
شَهَد اللَّهُ وهو عدلٌ رضيٌّ
رقم القصيدة : 62368
-----------------------------------
شَهَد اللَّهُ وهو عدلٌ رضيٌّ
أنَّ عبدَ القويِّ عبدٌ قويٌّ
آخذُ الناسِ كلهم لكتَابٍ
أَخْذَ يَحيى لكنَّ يحيى نبيُّ
وهو يَحيي لولا النجاسة ُ والجهْ
لُ وإن لم يَجِىء به زكريُّ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> يا خالداً ابن أبيهِ
يا خالداً ابن أبيهِ
رقم القصيدة : 62369
-----------------------------------
يا خالداً ابن أبيهِ
لَيْسَ الذي يَدَّعيهِ
قد قلتُ إذا حَذَّروني
كَ ناك أم أبيهِ
إن كان شيخاً سفيهاً
يَبذُّ كُلَّ سفيهِ
فقد أصابَ شبيهاً
بهِ وفوقَ الشبيه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> صدقَ القائلونَ إنك ياخاتَدَّعي سَخْلَة ً له ولأملم تزلْ تحتَهُ فِراشاً وَطّيا ثِقلُ أوركها على عاتِق
صدقَ القائلونَ إنك ياخاتَدَّعي سَخْلَة ً له ولأملم تزلْ تحتَهُ فِراشاً وَطّيا ثِقلُ أوركها على عاتِق
رقم القصيدة : 62370
-----------------------------------
صدقَ القائلونَ إنك ياخاتَدَّعي سَخْلَة ً له ولأملم تزلْ تحتَهُ فِراشاً وَطّيا ثِقلُ أوركها على عاتِقَيهِ ولك النسلُ جئتَ شيئاً فَرِياً
لدُ أصبحتَ تَظلمُ الشوكيّا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> تَدَّعي سَخْلَة ً له ولأم
تَدَّعي سَخْلَة ً له ولأم
رقم القصيدة : 62371
-----------------------------------(71/90)
تَدَّعي سَخْلَة ً له ولأم
لم تزلْ تحتَهُ فِراشاً وَطّيا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ثِقلُ أوركها على عاتِقَي
ثِقلُ أوركها على عاتِقَي
رقم القصيدة : 62372
-----------------------------------
ثِقلُ أوركها على عاتِقَي
هِ ولك النسلُ جئتَ شيئاً فَرِياً
فاتقِ اللَّهَ بل إخالكَ شيخاً
يَتَّقِي اللَّه أن يكون تقياً
العصر العباسي >> ابن الرومي >> يا أخي مِنْ أبي وماكان يَزْني
يا أخي مِنْ أبي وماكان يَزْني
رقم القصيدة : 62373
-----------------------------------
يا أخي مِنْ أبي وماكان يَزْني
حاشَ للَّهِ بل صحيحُ التَّقِيَّهْ
غيرَ أنَّ التي رمتْ بكَ بنتاً
شرعتْ فرجها لِحَوْضِ المَنِيه
ليسَ منه ولا من الموت بُدٌّ
لرشيدٍ ولا لنفسٍ غويَّهْ
قد سمِعنا بحاتم وبكعب
فهما يعدُوان بينَ يديهِ
ما عجيبباً ألا يَغارَ عليها
بل عجيبٌ ألا تغارَ عليه
ليسَ ينفكُّ عبدهُ رايَ عينٍ
فوقَ أمِّ العالِ من زوجتيه
يَتَغَاضَى عن زوجتيهِ اغتفاراً
وهما ضُرَّتاه في عَبْديهِ
من رأى مثلَ خالدٍ فضلَ حلمٍ
وسماحٍ ام مَنْ يُقاسُ إليه
اعفُ عني خطيئتي بالذي يُعْخفيف من رأى مثلَ خالدٍ فضلَ حلمٍوسماحٍ ام مَنْ يُقاسُ إليه يَتَغَاضَى عن زوجتيهِ اغتفاراًوهما ضُرَّتاه في عَبْديهِ ليسَ ينفكُّ عبدهُ رايَ عينٍفوقَ أمِّ العالِ من زوجتيه ما عجيبباً ألا يَغارَ عليهابل عجيبٌ ألا تغارَ عليه قد سمِعنا
طيكَ ماتشتهي من القحطبيهْ
إذ سحا نفسَه بماءٍ مَسوس
ولظى النار بين جاعِرتَيْهِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> خالدٌ أمُّها وأنتَ أبوها
خالدٌ أمُّها وأنتَ أبوها
رقم القصيدة : 62374
-----------------------------------
خالدٌ أمُّها وأنتَ أبوها
فاتَّقِ اللَّهِ أيها الشوكيُّ
هي بنتٌ ولدتُماها جميعاً
فلهَ حَمْلُها ومِنْك المني
ماحَنِقنا عليكَ وهو عدوٌّ
مُوفقٌ سَهمُه وأنت الوليُّ(71/91)
فاستريحا من التنازعِ فيهاسريع لنا صديقٌ يدّعي مُنَّة ً من فضلِ ما أودع فيه المَنّي لا يُحْقِرُ الفَيْشَاتِ ممن أتتَمن رجَل ذي كرم أو صبي مثلَ طريقٍ شرعَتْ للورى يجتازُ ذو الفضلِ بها والدَّني ما خِلتُ ان الله سبحانهيجمع ما فيهِ وبُغض النَّبيَ ينتحِلُ الدهر
قد جلا الشُّبهة َ البيانُ الخفيُّ
لنا صديقٌ يدّعي مُنَّة ً
من فضلِ ما أودع فيه المَنّي
لا يُحْقِرُ الفَيْشَاتِ ممن أتتَ
من رجَل ذي كرم أو صبي
ما خِلتُ ان الله سبحانه
يجمع ما فيهِ وبُغض النَّبيَ
ينتحِلُ الدهرَ فيا ليته
لم يكُ ذا فيهِ وكان الغَبيَّ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> يا قَابِلَ المدحِ فيه مِنَّا
يا قَابِلَ المدحِ فيه مِنَّا
رقم القصيدة : 62375
-----------------------------------
يا قَابِلَ المدحِ فيه مِنَّا
وباخلٌ منه بالعطايا
جُرْتَ علينا وكنتَ ممن
يجورُ في الحكم والقضايا
نحنُ على هَدْمِ ما بَنَيْنَا
أقدرُ منا على البِنايا
لاسيما والمديحُ زورٌ
والحقُّ في تلكُم الخَبايا
ليأتينك الهجاءُ فيه
صواعقٌ تَقْدُم المنايا
مثالبٌ لا يُخافُ فيها
إثمٌ ولا تُتَّقى خطايا
يسرى بها في البلادِ شِعْرٌ
تحمِلُ أعباؤه المطايا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> بأبي وجهٌ مضيءٌ
بأبي وجهٌ مضيءٌ
رقم القصيدة : 62376
-----------------------------------
بأبي وجهٌ مضيءٌ
ولباسٌ بَرْمَكيُّ
وفَتى ً حسنُ القا
مة ِ والقَدِّ سَرِيُّ
فيه تأنيثٌ وتخني
ثٌ وحلمٌ أحْنَفيُّ
ومُحالٌ يعشقُ التخ
نيثَ إلاَّ حَلَقِيُّ
قيل لي إنَّ أباه
شِيروِيٌّ نبطي
فلئن كان كما قي
لِ فجِسمٌ نَبَوي
لأبيهِ فيه لا شكْ
كَ شَرِيكٌ هاشمي
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أمُّ حفصٍ صلعة ُ الشيْ
أمُّ حفصٍ صلعة ُ الشيْ
رقم القصيدة : 62377
-----------------------------------
أمُّ حفصٍ صلعة ُ الشيْ
خِ أبي حفصٍ فَدَيْتُكْ
أنا واللَّهِ عميدٌ
بك صَبٌّ مذ رأيتُك
نَعِّمي كفِّي فإني(71/92)
بِعتُ عرضي واشتريتك
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ألا أيهذا السائلي عَنْ مَعاشر
ألا أيهذا السائلي عَنْ مَعاشر
رقم القصيدة : 62378
-----------------------------------
ألا أيهذا السائلي عَنْ مَعاشر
يَزيدُهُمُ لؤمُ الفَعَالِ تعاليا
لعمرُك مافيهم صرفتُ عنايتي
إلى القول بل في الدهر حُكت القوافيا
تنبّه للأرذالِ يرفع أمرهم
فأصبح عن أهلِ المروءة ِ ساهيا
كحيرانَ لا يدري الهدى كيف وجهُه
ضلالاً ومايَلقى إلى الرشدِ هاديا
ترى كل ذي لبٍّ بأسفلِ تَلعة ٍ
وكلَّ جهولِ الرأي يعلو الروابيا
كذي جيفِ الغرقى إذا هي أنْتَنَت
وأجوت بطون الماءِ تعلو طوافيا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ياثلج ماءٍ مالح آسنٍ
ياثلج ماءٍ مالح آسنٍ
رقم القصيدة : 62379
-----------------------------------
ياثلج ماءٍ مالح آسنٍ
فاض من الحمَّام في الجيه
فليس بالمشروبِ من خُبْثِهِ
ولامُعَدٌّ لرصاصِيَّه
إذا أجابتْ شنطفٌ طَبْلَهامن نَغْمة ٍ تَضْرطُ في حلقِهاونكهة ٍ تفسُو كُرُنْبيَّه بذيء طيزٌ رحيبٌ وفمٌ مثلُهمُسْتَرقٌ من وجهِ جَريه بذيء
ناحَ عليه نوحَ مَعْنيه
من نَغْمة ٍ تَضْرطُ في حلقِها
ونكهة ٍ تفسُو كُرُنْبيَّه
طيزٌ رحيبٌ وفمٌ مثلُه
مُسْتَرقٌ من وجهِ جَريه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> نَوْكٌ وغَيٌّ وعيٌّ
نَوْكٌ وغَيٌّ وعيٌّ
رقم القصيدة : 62380
-----------------------------------
نَوْكٌ وغَيٌّ وعيٌّ
وأنت مَعْ ذا دَعيُّ
عما قليل سينبو
بك الفراشُ الوَطيُّ
لو كنت تعقِل ما في
كَ أيُّهَذَا المُسيُّ
لم يصفُ عيشُك لكنْ
عيشُ الغَبِيِّ هَني
العصر العباسي >> ابن الرومي >> تباينَ الأصلُ منه
تباينَ الأصلُ منه
رقم القصيدة : 62381
-----------------------------------
تباينَ الأصلُ منه
ودعوة ٌ يدَّعيها
تبايُنَ اسمِ أبيهِ
وكُنية ٍ يَكْتنيها
العصر العباسي >> ابن الرومي >> إنما ألبَسُ العمامة َ في الصي
إنما ألبَسُ العمامة َ في الصي(71/93)
رقم القصيدة : 62382
-----------------------------------
إنما ألبَسُ العمامة َ في الصي
فِ لأنِّي أروقُ أختَكَ فيها
ليَ رأسٌ يُقرُّها لا كرأسٍ
مازالقرنُه ينفيها
العصر العباسي >> ابن الرومي >> مافيهِ معنى ً لمشتهيهِ
مافيهِ معنى ً لمشتهيهِ
رقم القصيدة : 62383
-----------------------------------
مافيهِ معنى ً لمشتهيهِ
عجبْتُ من جهلِ عاشقيه
لأيِّ معنى ً تخيَّرُوه
وكلُّ عيب له وفيهِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> كم قرونٍ في رُؤوسٍ
كم قرونٍ في رُؤوسٍ
رقم القصيدة : 62384
-----------------------------------
كم قرونٍ في رُؤوسٍ
ذات طولٍ قَفَديِّهْ
عُلِّيَتْ فيها قِبابٌ
قبل عبدِ الصَّمَديّه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> قلتُ إذ قيلَ جَوْهَرِيٌّ طريف
قلتُ إذ قيلَ جَوْهَرِيٌّ طريف
رقم القصيدة : 62385
-----------------------------------
قلتُ إذ قيلَ جَوْهَرِيٌّ طريف
لم يكن قطُّ ذلكم جوهريا
إنما قيلَ جوهريٌّ لعبدٍ
نكحوهُ فلُقِّبَ الجَوْحَرِيا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> عِلجٌ إذا قَلَّمَ أظفارَهُ
عِلجٌ إذا قَلَّمَ أظفارَهُ
رقم القصيدة : 62386
-----------------------------------
عِلجٌ إذا قَلَّمَ أظفارَهُ
قَلَّم أيضاً من صَياصِيهِ
له صياصٍ من شقاقٍ به
في قَدَمَيْهِ مايداويهِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> أبن لي تعمّم طابقيا
أبن لي تعمّم طابقيا
رقم القصيدة : 62387
-----------------------------------
أبن لي تعمّم طابقيا
وفيم لبستَ رِبقاً برمكيّا
أتذكرُ إذ أبوك ببرطَباثا
يصيدُ بنهرِها سمكاً طريّا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> لايُنكِرُ الناسُ هزلاً
لايُنكِرُ الناسُ هزلاً
رقم القصيدة : 62388
-----------------------------------
لايُنكِرُ الناسُ هزلاً
في عُرض شعرٍ نقيِّ
قَدْ يضرِطُ الشعرُ حيناً
في لحية ِ البيهقي
العصر العباسي >> ابن الرومي >> رأيتُك تدّعي رمضانَ دعوى(71/94)
رأيتُك تدّعي رمضانَ دعوى
رقم القصيدة : 62389
-----------------------------------
رأيتُك تدّعي رمضانَ دعوى
وأنت نظيرُ يومِ الشك فيهِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> بأبي حُسنُ وجهك اليُوسفيِّ
بأبي حُسنُ وجهك اليُوسفيِّ
رقم القصيدة : 62390
-----------------------------------
بأبي حُسنُ وجهك اليُوسفيِّ
يا كَفَّي الهَوَى وفوق الكَفِيِّ
فيه ورود ونرجسٌ وعجيبٌ
اجتماعُ الرِّبعيِّ والخِرفيِّ
ما لقلبي يُضحي ويُمسي خفيَّا
منك ياسيدي بغير حَفِّي
قَطْرُ سهميكَ من دماء المحبي
ن على وجنتيكَ غيرُ خَفيِّ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> شَبهي بوجنتك الملي
شَبهي بوجنتك الملي
رقم القصيدة : 62391
-----------------------------------
شَبهي بوجنتك الملي
حة موجبٌ حقِّي عليكا
فبحرمتي لما استبح
ت لجاعلي سببا إليكا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> تَعللتُ ريقاً يطردُ النومَ بردُهُ
تَعللتُ ريقاً يطردُ النومَ بردُهُ
رقم القصيدة : 62392
-----------------------------------
تَعللتُ ريقاً يطردُ النومَ بردُهُ
ويشفي القلوبَ الحائمات الصواديا
وهل ثَغبٌ حصباؤه مثلُ ثغرِها
يصادَفُ إلا طَيِّبَ الطعمِ صافيا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> مُعَذَّرٌ فوق مَوْردَيهِ
مُعَذَّرٌ فوق مَوْردَيهِ
رقم القصيدة : 62393
-----------------------------------
مُعَذَّرٌ فوق مَوْردَيهِ
قد ضربَ الحسنُ على خَدَّيْهِ
حَدَّيْهِ ثم انجابَ في حدّيهِ
فصار حسنُ الناسِ في يديهِ
يُزْهَى به الإسلامُ في عِيديه
لَبَّيهِ مقرونٌ إلى سَعْدَيْهِ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> طيَّر النومَ عن جُفوني خيالٌ
طيَّر النومَ عن جُفوني خيالٌ
رقم القصيدة : 62394
-----------------------------------
طيَّر النومَ عن جُفوني خيالٌ
من حبيب فبتُّ أرعى الثُّريّا
مُوجباً رَعْيها لكثرة ِ تشبي
هِي لها بالذي أُحب عَليا
حَجَبوهُ لكي أرى ساليا عن
ه على نأيهِ فأُعقبتُ غَيَّا(71/95)
لم يَروا أن كلَّ ماشطَّ عني
زادَهُ بعدُه اقتراباً إليَّا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> لابنَة ِ الوائليِّ وَسوَاسُ حَلي
لابنَة ِ الوائليِّ وَسوَاسُ حَلي
رقم القصيدة : 62395
-----------------------------------
لابنَة ِ الوائليِّ وَسوَاسُ حَلي
آخرَ الليل فوقَ صدرٍ خَليِّ
ولمن تَيَّمتْهُ وسواسُ هَم
سائرَ الليلِ تحتَ صدرٍ شجيِّ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> رَمِدتْ مُقلتي إشتياقاً إليكا
رَمِدتْ مُقلتي إشتياقاً إليكا
رقم القصيدة : 62396
-----------------------------------
رَمِدتْ مُقلتي إشتياقاً إليكا
واكتسى الذُّلَّ وجهُ حِرصي عليكا
وانقضتْ كلُّ حسرة ٍ لك إلا
حسرتي للمغيب عن ناظريكا
أيها السيدُ المُحَجب عني
أنت لي واقفٌ على حالتيكا
حين أبهجتَ بي الصديقَ وأشجي
تَ عدوّي قذفتني منْ يديكا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> نبكي الشبابَ لحاجاتِ النساءِ ولي
نبكي الشبابَ لحاجاتِ النساءِ ولي
رقم القصيدة : 62397
-----------------------------------
نبكي الشبابَ لحاجاتِ النساءِ ولي
فيه مآربُ أخرى سوفَ أبكيها
أبكي الشبابَ الرَوْقٍ كان يُعجبني
منه إذا عاينتْ عيْني مرائيها
ماكان أعظم عندي قدرَ نعمته
لنفسه لا لخوْدٍ كان يُصبيها
كانت لعيني منهُ قُرة ٌ عَجبٌ
دونَ العيون اللواتي كان يَرْقيها
ماكان أكثر أعجابَ النساءِ به
والنفسُ أوجبُ إعجاباً بمافيها
كم كان يُونقُ من عين تَقَرُّ
وكان يونقُ من أخرى يبكّيها
كم كان يجلو قذى عينٍ برونقهِ
حتى إذا جال فيها عاد يقذيها
تَغدو النساءُ فترميه بأعينها
فبالسهام التي فَوَّقن يرميها
يثني عليهن نبلاً ظَنَّ مُرسلها
أنْ ليسَ شيءٌ من الأشياء يثنيها
أبكي الشباب للذات القنيص إذا
ثَقلت عنها وغاداها مُغاديها
هناك لا ميعة ُ الشبان تبعثُني لها
ولا النفسُ عن طوعٍ تُخليها
فإن غدوتُ فعنْ نفسٍ مكلَّفة ٍ
مثلَ الحسير يُزجِّيها مزجيها
أبكي الشبابَ للذات الشَّمولِ إذا(71/96)
غنَّى القيانُ وحثَّ الكأسَ ساقيها
هناك لا أنا مرتاحٌ فشاربها
ولا أخو سلوة ٍ عنها فساليها
كم زفرة ٍ لي ملءَ الصدرِ حينئذ
عن حسرة ٍ في ضمير القلب أطويها
أبكي الشبابَ لنفس كان يُسعِفُها
بكل ما حاولتهُ من ملاَهيها
أبكي الشبابَ لآمالٍ فُجعتُ بها
كانت لنفسي أُنساً في معانيها
أبكي الشبابَ لنفس لاترى خلفاً
منه ولا عِوضاً مذ كان يُرضيها
أبكي الشباب لعينٍ كَلَّ ناظرها
بعد الثقوبِ وحار القصدِ هاديها
عينٌ عَهدتُ لها نبلاً مُفوِّقة ً
تُصمِي وتَنمي فأَشوَى الآن راميها
أبكي الشبابَ لأذن كان مَسْمعها
وقد يُجابُ على بعدٍ مناديها
أذنٌ وإن هي كَلَّت ماعهدتُ بها
وقَراً سوى وَقْرها عن لَوْمِ لاحيها
أبكي الشباب لكفٍّ مُنَّ ساعِدُها
وقد تَردُّ وتلوي كفَّ لاويها
كفٌّ عهدتُ ثمارَ اللَّهوِ دانية ً
منها فقد قَلصتْ عنها مَجَانيها
كان الشبابُ وقلبي منه منغمسٌ
في فرجة ٍ لستُ أدري ما دواعيها
رَوْحٌ على النفس منه كان يُبردها
بَرْدَ النسيم ولا ينفكُّ يُحْييها
كأن نفسي كانت منه سارحة ً
في روضة ٍ بات ساقي المُزنِ ساقيها
كأن نفسي كانت منه يَفْعَمُها
نسيم راحٍ وريحانٍ يُحَيِّيها
كأن نفسي كانت منه لاقية ً
في كل حالٍ يَديْ حبٍّ يُعاطيها
من مات ماتت كما قد قيل حاجتُه
إلا الشبابَ وحاجاتٍ يُبَقِّيها
يَمضي الشبابُ ويُبقي من لُبانتِه
شجواً على النفسِ يشجوها ويُشجيها
ليتَ اللبانة كانت تنقضي معه
أو كان يبقَى الدهر باقيها
كلا ولكنه يمضي وقد بقيتْ
في النفس منه بقياتٌ تَعَنّيها
وإن أبرحَ مااستوْدَعَتهُ خَلداً
لبانة ٌ لك لا تسطيعُ تقضيها
وكانت النفسُ ينهاها إذا غويتْ
ناهٍ سواها فمنها الآن ناهيها
العصر العباسي >> ابن الرومي >> كفى بسراجِ الشيب في الرأس هاديا
كفى بسراجِ الشيب في الرأس هاديا
رقم القصيدة : 62398
-----------------------------------
كفى بسراجِ الشيب في الرأس هاديا
إلى من أضلَّهُ المنايا لياليا(71/97)
أمِنْ بعد إبداءِ المشيبِ مقَاتلي
لرامي المنايا تحسبيني ناجيا
غدا الدهرُ يرميني فتدنو سهامُه
لشخصي وأَخلقُ أن يصيب سَواديا
وكان كرامي الليلِ يَرْمي ولا يرى
فلما أضاء الشيبُ شَخْصِي رآنيا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> يارُبَّ جَرِّي شَوّاءٍ مررتُ بهِ
يارُبَّ جَرِّي شَوّاءٍ مررتُ بهِ
رقم القصيدة : 62399
-----------------------------------
يارُبَّ جَرِّي شَوّاءٍ مررتُ بهِ
كأنه فِدَرُ الفالوذِ مَشْويّ
لافلسَ فيه ولاشوكٌ ينغّصُه
كما تكون لشبّوطٍ وبُنيّ
يفوزُ في الوجه فوراً من حَرارتهِ
طُوبى لحلقٍ بذاك الحرِّ مَكويِّ
نِعَمَ الطعامُ لأعمى جائعٍ ضَرِمٍ
مُعلمٍ عالمٍ بالشعرِ نحوي
من شيعة الكهْلِ خالِ المؤمنينَ على
رَغْمِ ابن شيبة َ أو رَغم الدمشقِيّ
محمد بن عليٍّ إنه رجل
من دينه أكلُ زمَّارٍ وجرّي
حتى تخالَ سبالَ الشيخ قد دُهِنَتْ
من ذا وذاك بيانٍ أو بخيريّ
فضلاً من اللَّهِ أعطاهُ وحرَّمهُ
شَقيٍّ من الضُلاّلِ شيعيِّ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> لي طيلسانٌ أنا في يديه
لي طيلسانٌ أنا في يديه
رقم القصيدة : 62400
-----------------------------------
لي طيلسانٌ أنا في يديه
مثلُ الأسير خانعٌ لدَيه
زَعْزعتِ الأيامُ جانبيه
قد هدمتْ أيامُه رُكنيه
تُسرعُ كلُّ آفة ٍ إليه
كأنَّ كلَّ صيحة ٍ عليه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> قد ساءني أن بزتِرْبي قناعه
قد ساءني أن بزتِرْبي قناعه
رقم القصيدة : 62401
-----------------------------------
قد ساءني أن بزتِرْبي قناعه
وأضْحى قناعي حالكَ اللّون داجيا
وقد كنتُ أهوى أن أفضَّل دونه
بكل لباسٍ يستميلُ الغَوانيا
فلما علاهُ الشيب أيقنتُ أنه
عَناني ولكن باسم غيري دعانيا
العصر العباسي >> ابن الرومي >> كأنَّ نسيمَها أَرَجُ الخُزَامَى
كأنَّ نسيمَها أَرَجُ الخُزَامَى
رقم القصيدة : 62402
-----------------------------------
كأنَّ نسيمَها أَرَجُ الخُزَامَى(71/98)
ولاهُ بعدَ وسميِّ وليُّ
هديّة ُ شمألٍ هَبَّتْ بليلٍ
لأفنانِ الجِنانِ لها نَجِيُّ
إذا أنفاسُها نسمتْ سُحيراً
تنفَّس كالشجي لها الخَليُّ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> إذا ما الدهرُ أمضى من مَداهُ
إذا ما الدهرُ أمضى من مَداهُ
رقم القصيدة : 62403
-----------------------------------
إذا ما الدهرُ أمضى من مَداهُ
مدى يومٍ مضى منهُ إليه
ويأتي الفتى يوم فيومٌ
وما ياتي لهُ يأتي عليه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ولحية ِ سوءٍ ولكنّها
ولحية ِ سوءٍ ولكنّها
رقم القصيدة : 62404
-----------------------------------
ولحية ِ سوءٍ ولكنّها
على عِرْضِ صاحبها واقيَهْ
يقولُ المريدونَ أن يشتموه
أمُّكَ من لحية ٍ زانيهْ
العصر العباسي >> ابن الرومي >> وَلِحْيَة ِ سُوءٍ وَلكنَّهَا
وَلِحْيَة ِ سُوءٍ وَلكنَّهَا
رقم القصيدة : 62405
-----------------------------------
وَلِحْيَة ِ سُوءٍ وَلكنَّهَا
لِصَاحِبهَا أبداً افَديه
يَقُولُ المريدونَ أَن شْتُمُوهُ
ألاَ في حر أُمِّكَ مِنْ لِحْيَه
شربْ على ذكر الأحبَّة إنَّهم
عما قليلٍ قادمون عليكا
لا تنسينَّهمُ فإن لَدَيهمُ
شوقاً وشوقاً للحديث إليكا
وكأنني بهمُ لديكَ وإنما
شمسُ النهارِ بهم هناك لديكا
ولقد ملأتَ يديِهمُ بكَ غِبْطة ً
ولقد ملأتَ بهم كذاك يديكا
كامل إن كنت تمقتُ من أساءَ لأنَّه
مِمّنْ أساءَ وإن سَلمتَ عليهِ
فلقد ظلمتَ بَمَقْتِ ثالثِ صاحب
ما زال مجتهداً يُسيءُ إليهِ
أنَّى ينهنهُ ناقمٌ عن ظالمٍ
ولهُ الأيادي الشيئات لديه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> إذا أنتَ نَفَّستَ للباسليق
إذا أنتَ نَفَّستَ للباسليق
رقم القصيدة : 62406
-----------------------------------
إذا أنتَ نَفَّستَ للباسليق
دموعاً من أجفانهِ واهيَهْ
رأيتَ اعتلالَكَ يبكي دماً
وتضحكُ في جسمِكَ العافيه
العصر العباسي >> ابن الرومي >> ياسائلي عنْ مجمع اللذّاتِ
ياسائلي عنْ مجمع اللذّاتِ(71/99)
رقم القصيدة : 62407
-----------------------------------
ياسائلي عنْ مجمع اللذّاتِ
سألتَ عنه أَنْعَتَ النُّعاتِ
فهاكَ ما استنبأْته من قَصِّهِ
مُسلَّماً من شَوْبهِ ونقصه
خذ يامُريدَ الأكل اللذيذِ
جَرْدَقَتَي خُبْزٍ من السَّميدِ
لم تَر عينا ناظرٍ شبهيهما
فاقْتِسر الحرفين من وجهيهما
حتى إذا ماصارتا صَفا صفا
فانتف على إحداهما تنائفا
من لحم فروجٍ ولحم فَرخ
يدورُ جواذبهما بالنَفْخِ
واجعل عليها أسطُراً من لوزِ
معارضات أسطراً من جَوزِ
إعجامُها الجبنُ والزيتونُ
وشكلُها النَّعنعُ والطَّرْحون
واعمد إلى البَيْض الصليق الأحمرِ
فرصِّع الجُبنَ بها ودَنِّر
حتى ترى مابينها مثلَ اللبنْ
مقسومة كأنها وشيُ اليمن
وترِّب الأسطرَ بالملح ولا
تُكثر ولكن قَدَرا معدَّلا
وردِّد العينين فيها لحظا
فإن للعينين منها حظّا
ومتِّع العين بها مَليَّا
وأطبق الخبزَ وكلْ هنيا
طوراً تُرى كفِلكة ِ الدولاب
وتارة ً كعسجدِ الذُّؤابِ
وتارة ً مثل الرَّحى بلا شُعَبْ
قد شَذَّبت عنها ثناياك السَّذِب
واهاً ثناياكَ وكَدماً كدما
تُسرعُ فيما قد بنيتَ الهَدما
لهفي عليها وأنا الزعيمُ
لمعْدة ٍ شيطانُها رجيم
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> أطلّت على سُحبِ الظلامِ ذُكاءُ
أطلّت على سُحبِ الظلامِ ذُكاءُ
رقم القصيدة : 62408
-----------------------------------
أطلّت على سُحبِ الظلامِ ذُكاءُ
وفُجِّرَ من صخرِ التنُوفة ِ مَاءُ
وخُبّرت الأوثانُ أنَّ زمانَها
تولى ّ وراحَ الجهلُ والجهلاءُ
فما سجدت إلاّ لذي العرشِ جبهة ٌ
ولم يَرتفعْ إلاّ إليه دُعَاءُ
تبسم ثغرُ الصبحِ عن مولدِ الهُدى
فللأرضِ إشراقٌ به وزُهاءُ
وعادت به الصحراءُ وهي جديبة
عليها من الدينِ الجديد رُوَاءُ
ونافست الأرضُ السماءَ بكوكبٍ
وضِيء المحّيا ما حَوَتْه سماءُ
له الحق والإيمانُ باللّه هالة
وفي كلِّ أجواءِ العقولِ فَضاءُ
تألّق في الدنيا يُزيح ظلامَها(71/100)
فزال عمى ً من حولهِ وعَماءُ
وردّ إلى العُرْب الحَياة وقد مضى
عليهم زمانٌ والأمامُ وراءُ
حجابٌ طوى الأحدَاثَ والناس دونهم
فأظهر ما تجلو العيون خَفاءُ
بنت أممٌ صرحَ الحضارة ِ حولهم
وأقْنعهم إبلٌ لهم وحُداءُ
عُقولٌ من الأحجارِ هامت بمثلها
وكل بَكيمٍ للبكيمِ كِفاءُ
فكم كان للرومانِ والفرسِ صولة ً
وهمْ في بوادي أرضهم سُجناءُ
عِرَاكُ وأحقادٌ يشبّ أوارها
جحيماً وكِبرٌ أجْوَفٌ وغَباءُ
عجبتُ لأمرِ القومِ يحمونَ ناقة ً
وساداتهم من أجْلِها قُتلاءُ
بدا في دُجى الصحراء نورُ محمدٍ
وجلجلَ في الصحراء منهُ نِداءُ
نبيُ به ازدانت أباطِحُ مكة ٍ
وعزَّ بهِ ثَوْرٌ وتاه حِرَاءُ
يُنادي جريء الأصغريْن بدعوة ٍ
أكبَّ لها الأصنامُ والزُعماءُ
دعاهم لربٍ واحدٍ جلَّ شأنه
له الأمرُ يولى الأمرَ كيف يَشاءُ
دعاهم إلى دينٍ من النورِ والهُدى َ
سَماحٌ ورفقٌ شاملٌ ووفَاءُ
دعاهم إلى نبِذ الفخارِ وأنهم
أمامَ إله العالمينَ سَواءُ
دعاهم إلى أن ينهضوابِعُفاتهم
كِراماًفطاحَ الفقرُ والفقراءُ
دعاهم إلى أن يفتحوا القلبَ كي ترى
بصيرتُه ما يُبصر البُصراءُ
دعاهم إلى القرآنِ نوراً وحكمة ً
وفيه لأدواءِ الصدورِ شِفاءُ
دعاهم إلى أن يهزموا الشركَ طاغياً
تسيلُ نفوسٌ حوله ودِماءُ
دعاهم إلى أن يبتَنُوا الملكَ راسخاً
له العدلُ أسٌّ والطموحُ بناءُ
دعاهم إلى أن الفَتى صُنعْ نَفْسِهِ
وليس له من قومه شُفعاءُ
دعاهم إلى أن يملكوا الأرضَ عُنوة ً
مساميحَ لا كِبرٌ ولا خُيلاءُ
فلبّاه من عُليَا مَعدٍ غضافِرٌ
كماة ٌ إذا اشْتدَّ الوغَى شُهداءُ
أشِّداء ما باهى الجهادُ بمثلهم
وهم بينهم في أمرهِم رُحماءُ
أساءوا إلى الأسيافِ حتى تحّطمت
وما مَرّة ً للمستجيرِ أساءوا
وقد حملوا أرواحَهُمْ في أكفِّهم
وليس لهم إلاّ الخلود جَزاءُ
إذا حكموا في أمَّة ٍ لان حكمُهم
فما هي أنعامٌ ولا هي شَاءُ
فهل تعلم الصحراء أنَّ رعاءَها
حُماة ٌ بآفاق البلاد رُعَاءُ(71/101)
وأنهمُ إن زاولوا الحكمَ سَاسة ٌ
وإن أرسلوا أَحكَامهم فُقهاءُ
لقد شربوا من منهل الدين نُغبة ً
مطهرة ً فالظامئون رِوَاءُ
وقد لمحوا من نور طه شُعاعة ً
فكل ظلامٍ في الوجودضِياءُ
نبيٌّ من الطُهرِ المصفّى نجاره
سماحة نفسٍ حُرّة ٍ وصَفاءُ
وصبرٌ على اللأواءِ ما لانَ عُودهُ
ولا مَسَهُ في المعضلاتِ عَناءُ
وزهدٌ له الدنيا جناح بعوضة
وكل الذي تحت الهباءِ هَباءُ
تراه لدى المحراب نُسكاً وخشية ً
وتلقاه في الميدانِ وهو مَضَاءُ
إذ صالَ لم يترك مَصالاً لصائل
وإن قَال ألقت سمعَها البُلغَاءُ
كلامٌ من اللّه المهيمن روحُه
ومن حلل الفُصحى عليه رداءُ
كلامٌ أرادته المقاويلُ فالتوى
عليها وضلَّت طُرقَه الحُكماءُ
كلامٌ هو السحرُ المُبين وإن يكن
له ألفُ مثل الكلام وَبَاءُ
عجيبٌ من الأميِّ علمُ وحكمة ٌ
تضاءَل عن مرماهِمَا العُلماءُ
ومن يَصطفِ الرحمن فالكون عبده
ودُهم الليالي أينَ سارَ إماءُ
نبي الهدى قد حرَّق الأنفسَ الصدَى
ونحن لفيضٍ من يديك ظِمَاءُ
أفِضْها علينا نفحَة ً هاشمية ً
يُلَمُّ بها جُرحُ ويبرأُ دَاءُ
فليس لنا إلاّ رِضَاكَ وسيلة ٌ
وليس لنا إلاّ حِمَاكَ رَجاءُ
حننا إلى مجدِ العروبة ِ سامقاً
وما نحنُ في ساحاتِه غُرباءُ
زمان لواء العُربِ يُزهى بقومه
وما طالَه في العالمين لِواءُ
زمان لنا فوق الممالكِ دولة ٌ
وفي الدهر حكمٌ نافِذٌ وقضاء
فيا رب هيىء الرشادِ سبيلَنَا
إذا جَار خَطبٌ أو ألمّ بَلاءُ
ونصراً وهدياً إن طغى السيلُ جارفاً
وفاضَ بما يحوى الإناء إنَاءُ
نناجيكَ هذي راية العُربِ فاحمها
فمن حولها أجنادُكَ البُسَلاءُ
رميْنا بكفٍّ أنت سدّدت رميها
فما طاشَ سهمٌ أو أخلّ رِمَاءُ
أعِرْنَا بحق المصطفَى منك قوّة ٌ
فليس لغيرِ الأقوياء بَقاءُ
وأسبغْ علينا درعَ لطْفِك إنّها
لنا في قتامِ الحادثاتِ وِقاءُ
إليك أبا الزهراء سارت مواكبي
مواكبُ شعرٍ ساقهن حَياءُ
وأَنى َّ لمثلي أنْ يُصوّر لمحة ً(71/102)
كَبَادُون أدنى وصفها الشُّعراءُ
ولكنها جهدُ المحبِ فهل لها
بقُدسِك من حظ القبولِ لِقاءُ
ولي نسبٌ يُنمى لبيتكَ صانني
وصانته منيِّ عِزّة ُ وإباءُ
عليك سلامُ اللّهِ ماذَرّ شارِقُ
وما عطَّر الدنيا عليكَ ثناء
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> صوّرَ الله فيكِ معنى الخُلُودِ
صوّرَ الله فيكِ معنى الخُلُودِ
رقم القصيدة : 62409
-----------------------------------
صوّرَ الله فيكِ معنى الخُلُودِ
فابلُغى ما أردتِه ثمَّ زيدِي
أنتِ يامِصْرُ جَنَّة ُ اللّهِ في الأرْض
وعَيْنُ العُلاَ وَوَاوُ الوجود
أنتِ أمُّ المَجْدَيْنِ بَيْنَ طَرِيفٍ
يتَحَدَّى الوَرَى وبَيْنَ تَلِيدِ
كم جديدٍ عليه نُبْلُ قديمٍ
وقديمٍ عليه حُسْنُ جديدِ
قد رآك الدهرُ العَتِيُّ فَتاة ً
وهو طِفلٌ يلهو بِطَوْقِ الوليدِ
شابَ من حَوْلكِ الزمانُ ومَاَزلْ
تِ كغُصْنِ الرَّيْحانَة ِ الأُمْلُودِ
أنتِ يا مِصْرُ بَسْمة ٌ في فم الْحُسْ
نودمعُ الْحَنانِ فوقَ الْخُدُودِ
أنتِ في القَفْرِ وَرْدَة ٌ حَوْلَهاَ الشُّوْ
ك وفي الشوك عِزَّة ٌ لِلْوُرُودِ
يَلْثمُ البحرُ مِنْكِ طِيبَ ثغُورٍ
بَيْنَ عَذْبِ الَّلمَى وبَيْنَ بَرُودِ
يَابْنَة َ النيلِ أنتِ أحْلَى مِنَ اُلْحُ بِّ وأّزْهَى من ضاحِكاتِ الوُعُودِ
نَثَرَ النيلُ فيك تِبراً وأوْهَى
لِينُهُ من قسَاوة ِ الْجُلْمودِ
فَتَنَ الأَوَّلِينَ حَتَّى أشارُوا
نحو قُدْسِيِّ مائهِ بالسُّجُودِ
وَوَشَى للرِّيَاضِ ثوباً وَحَلَّى
كلَّ جِيدٍ من الرُّباَ بعُقُودِ
أنتِ للاّجِئينَ أُمٌّ وَوِرْدٌ
لِظِماءِ القلوبِ عَذْبُ الورودِ
قدْ حَمَلْتِ السِّراجَ للناسِ وَالكَوْ
نُ غريقٌ في ظُلْمِة ٍ وَخُمودِ
لا نَرى فيك غير عهدٍ مَجيدٍ
قَرَنتْهُ العُلاَ بعهدٍ مَجِيدٍ
وجُهودٍ تَمثَّلَتْ في صُخُورٍ
وصخورٍ تشبَّهتْ بجُهُودِ
عِظَمٌ يَبْهَرُ السَّمَاءُ وشَأْوٌ
عَاقَ ذات الْجَناحِ دُونَ الصُّعُودِ(71/103)
أنتِ يامِصْرُ صَفْحَة ٌ مِنْ نُضَارٍ
لَمَعَتْ بَيْنَ سَالِفَاتِ العُهُودِ
أيْنَ رَمْسِيسُ والكُمَاة ُ حَوَاَليْ
هِ مُشاة ٌ في الموْكِب المشْهُودِ
مَلأَالأرضَ والسماَءَ فَهذِي
بجنودٍ وهذِهِ بِبُنُودِ
وجُموعُ الكُهَّانِ تهِتفُ بالنَّصْرِ
وتتلو النّشيدَ إثْرَ النَّشيدِ
وبناتُ الوادِي يَمِسْنَ اخْتِيالاً
ويُحيّين بين دُفٍّ وَعُودِ
أين عَمْرٌو فتى العُرُوبة والإِقْدامِ
أَوْفَى مُجاَهدٍ بالعقودِ
شَمّريٌّ يُحَطِّمُ السَّيفَ بالسَّيْ
فِويرمِي الصِّنديدَ بالصِّندِيدِ
لَمْ يكن جَيْشُه لدَى الزَّحْف إِلاَّ
قُوَّة َ الَعزْمِ صُوِّرتْ في جُنودِ
قِلَّة ٌ دَكَّتْ الحُصون وبَثَّتْ
رِعْدَة َ الرُّعْبِ في الْخِضَمِّ العَدِيدِ
ذُعِرَ الموت أنَّهم لَمْ يَخافُو
هُ ولم يَرْهَبوا لِقاءَ الحديدِ
ينظرون الفِرْدَوْسَ في ساحة ِ الْحَرْ
بِ فيستعجلون أجْرَ الشَّهيدِ
صَعِدُوا للعُلاَ بريشِ نُسُورٍ
ومَضَوْا للرَّدَى بِعَزْمِ أسُودِ
أينما ركَّزُوا الرِّماحَ ترى العَدْ
لَ مُقيماً في ظِلِّها الَممْدودِ
وترى المُلْكَ أَرْيحِيَّا عَلَيْهِ
نَضْرة ٌ من سَمَاحَة ِ التَّوحيدِ
وترَى العزمَ عابِساً لُوثُوبٍ
وتَرى السيفَ ضاحكاً في الغُمُوِدِ
وترى العِلْمَ يلتقي بهُدَى الدَّين
على مَنْهَجٍ سَوِيٍّ سديدِ
ملكُوا الأرضَ لم يُسيئوا إِلى شَعْبٍ
ولم يحكموه حُكْمَ العبيدِ
هُمْ جُدُودِي وَأينَ مِثْلُ جُدودي
إن تَصَدَّى مُفاخرٌ بالجدُود
فَسَحُوا صَدْرَهُم لحِكْمِة يُونَا
نَ وآدابِ فارسٍ والهُنُودٍ
وأصاروا بالتَّرجَماتِ علومَ الرُّو
مِ وِرْداً للنَّاهِلِ المستفيدِ
حَذَقوا الطِبَّ والزمانُ غُلاَمٌ
والثقافاتُ رُضَّعٌ في المُهُودِ
وَشُعوبُ الدنيا تُعالِجُ بالسّحْ
رِ وحَرْق البَخُّورِ والتَّعقيدِ
هَلْ ترى لابن قُرَّة ٍ من مثيلٍ
أو تَرَى لابن صاعدٍ من نديد
والطبيبُ الكِنْدِيُّ لم يُبْقِ في الطَّ
بِّ مَزِيداً لحاجة ِ المسْتَزِيدِ(71/104)
أين أين الرَّازيُّ أين بَنُو زُهْرٍ
دُعاة ُ النُّهُوضِ والتَّجْدِيدِ
وابنُ سِينا وأينَ كابنِ نَفيسٍ
عَجَزَ الوَهْمُ عن مداه المَديدِ
هذه أُمَّة ٌ من الصَّخرِ كانت
في قِفَارٍ من الحياة وَبِيدِ
تأكُلُ القَدَّ والدُّعاعَ من الجُو
ع وتَهْفُو شوقاً لِحَبِّ الْهَبِيدِ
وتُثِيرُ الحروبَ شَعْواءَ جهْلاً
وتدُسُّ الوَئيدَ إثْرَ الوَئيدِ
نَبعَ النورُ بالنُّبُوَّة ِ فِيهَا
فطَوَى صفحة َ الَّلياليِ السُّودِ
ومَضى يملأُ الممالكَ عَدْلاً
بَاسِمَ الوعْدِ مُكفَهِرَّ الوَعيدِ
أَطْلَقَ العقلَ من سَلاَسِلهِ الدُّهْمِ
ونحّاه عن صَلَيلِ القُيُودِ
بَلغَتْ مِصرُ في التَّآلِيف أوْجًا
فات طَوْقَ المُنَى ِ بمَرْمًى بَعِيدِ
فاسأل الفاطِميَّ كَمْ من كتابٍ
زَان تاريخَهُ وسِفْرٍ فِريدِ
والصَّلاحِيُّ والمماليكُ كانوا
مَوْئِلَ العِلْمِ في عُصورِ الرُّكُودِ
تلك آثارُهُمْ شُهُوداً عَلَى المَجْ
دِومَاهُمْ بحاجَة ٍ لشُهُودِ
اتَّئِدْ أيّها القَصِيدُ قَلِيلاً
أنا أرتاحُ لاتِّئاد القَصيدِ
وإذا ما ذكرتَ نَهْضَة َ مِصْرٍ
فامْلأ الْخَافِقَيْنِ بالتَّغْرِيدِ
ثم مَجِّدْ مُحمَّدًا جَدَّ إِسْمَا
عيلَ واصْعَدْ ماشئتَ في التّمْجِيدِ
جاءَ النَّاسُ في ظَلامٍ من الظُّلْ
مِ وعَصْفٍ من الخُطُوبِ شَديدِ
حَسَراتٌ للذُّلِّ في كل وَجهٍ
وسِمَاتٌ للغُلِّ في كلِّ جِيدِ
فَأَزَاحَ الغِطَاءَ عنهم فقاموا
في ذُهُولٍ وأقْبَلُوا في سُمُودِ
وهَدَاهُمْ إلى الحياة ِ فَسَارُوا
في حِمًى من لِوَائِهِ المَعْقُودِ
كَمْ بُعُوثٍ للغَرْبِ بَعْدَ بُعُوثٍ
وَوفُودٍ للشرقِ بَعْدَ وُفودِ
غَرَسَ الطبَّ في ثَرَى مُلْكِهِ الخَصْبِ
ورَوَّى من دَوْحِهِ كُلَّ عُودِ
وأَتَى بَعْدَهُ المجدَّدُ إسْمَا
عِيلُ ذُخُر المُنَى ثِمَالُ الْجُودِ
وَ فُؤَادُ تعيشُ ذِكرَى فُؤَادٍ
في نَعيمٍ من رَحْمة ٍ وخُلُودِ
رَدَّ مَجْدًا لِمِصْرَ لَوْلاَ نَدَاهُ(71/105)
وَحِجَاهُ ما كانَ بالمَرْدُودِ
كلَّ يوْمِ لَهُ بناءٌ مَشِيدٌ
للمعالي إلى بِنَاءٍ مَشِيدِ
ما اعْتَلَى الطِبُّ قِمَّة َ النَّجْمِ إلاَّ
بجِنَاحٍ من سَعْيِه المَحْمُودِ
سَعِدَتْ مِصر بالْجِهَابِذِ في الطِبَّ
فكَمْ مِنْ مُحاضِرٍ ومُعِيدِ
وَعَلَى رَأْسِهِمْ أبو الحسن الْجَرَّا
ح مَنْ كَالَّرئِيس أَوْ كَالعَمِيِد
أيُهَا الوَافِدُونَ من أمَمِ الشَّرْ
قِ وأشْبَاله الأُبَاة ِ الصِّيدِ
اِهْبِطُوا مِصرَ كَمْ بِهَا مِن قلوبٍ
شَفَّهَا حُبَّكُمْ وكَم منْ كُبُود
قَدْ رَأيْنَا في قُرْبِكُمْ يَوْمَ عِيدٍ
قَرَنَتْهُ المُنَى إلَى يَوْمِ عِيد
إِنَّ مِصراً لكم بلادٌ وأهْلٌ
لَيْسَ في الْحُبِّ بَيْنَنَا من حُدُود
جَمَعْتَنَا الفُصْحَى فما من وِهَادٍ
فَرَّقَتْ بَيْنَنَا وَلا من نُجُودِ
يَصِلُ الحِبُّ حَيْثُ لا تصِلُ الشَّم
س ويجْتَازُ شَامِخَاتِ السُّدُودِ
أُمَّة َ العُرْبِ آن أنْ يَنهَضَ النِّسْرُ
فَقَدْ طَالَ عَهْدُهُ بالرُّقُودِ
صَفِّقِي باَلْجناحِ في أُذُنِ النَّجْمِ
وَمُدِّي فَضْلَ العِنَانِ وسودِي
وأعِيدِي حَضَارة ً زانتْ الدُّنْيَا
فكم وَدَّتِ المُنَى أَنْ تُعِيدي
إنَّمَا المَجْدُ أَنْ تُرِيدِي وَتَمْضِي
ثُم تَمْضِي سَبَّاقَة ً وَتُريدِي
لا يَنَالُ العُلاَ سِوَى عَبْقَرِي
راسِخِ العَزْمِ كالصَّفَاة ِ جَلِيدِ
قَدْ أَعَدْنَا عهْد العُرُوبَة ِ فِي مِصْ
رَ وذِكْرَى فِرْدَوْسِهَا المفْقُودِ
وَبَدأْنَا عَصْراً أغَرَّ سَعِيداً
بِمَليكٍ مَاضٍ أَغَرَّ سَعِيدِ
قَدْ حَباه الشبابُ رأيًا وعَزْمًا
عَلَوِيَّ المَضاءِ والتَّسدِيدِ
قام بالأمْرِ أرْيحيًّا رَشِيداً
فَذَكَرْنَا بِهِ عُهُودَ الرَّشِيدِ
إنَّ حُبَّ الفَارُوقِ وَهْوَ وَحِيدٌ
فِي مَكانٍ منَ القلوب وَحِيدِ
أَلْسُنُ الْعُرْبِ كلُّهَا دَعَوَاتٌ
ضَارِعَاتٌ بالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ
أبْصَرُوا في السَّماء مُلْكًا عَزِيزًا(71/106)
رافِع الرَّأسْ فَوقَ صَخْرٍ وَطيِدِ
وَرَأوْا عَاهِلاً يَفِيضُ جَلاَلاً
مِنْ هُدَى ربِّه العَزِيزِ الْحَمِيدِ
عَاشَ لِلْمُلْكِ وَالعُرُوبَة ِ ذُخْرًا
مِنْ هُدَى ربِّه العَزِيزِ الْحَمِيدِ
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> داعِبِ الشرقَ باسماً وسعيداً
داعِبِ الشرقَ باسماً وسعيداً
رقم القصيدة : 62410
-----------------------------------
داعِبِ الشرقَ باسماً وسعيداً
وائتلِقْ ياصباحُ للناسِ عِيدا
نَسَيَتْ لَحنَها الطيُور فصوِّرْ
لِبنَاتِ الغُصُونِ لحنًا جديدا
فَزَّعتْها عن الرياضِ خَفافي
شٌ تَّسُدُّالفضاءَ غُبْرًا وسُودا
ألِفَتْ مُوحِشَ الظلامِ فودَّتْ
أن تبيدَ الدنيا وألاّ يبيدا
فاسجَعي ياحمامة َ السلْمِ للكو
ن وهُزِّي أعطافَه تغريدا
غرِّدي فالدموعُ طاح بها البِشْ
رُ وأضحى نَوْحُ الَثكالَي نشيدا
واسمَعي إنّ في السماء لحُونا
أسَمَعْتِ الترتيلَ والترديدا
كلّما اهتزَّ للملائكِ صَوتٌ
رجّعْته أنفاسُنا تحميدا
رنَّة ُ النصر في السماواتِ والأر
ضِ أعادتْ إلى الوجودِ الوجودا
مَوْلدٌ للزمان ثانٍ شهدْنا
ه فيامَنْ رأى الزمانَ وليدا
سكن السيفُ غِمْدَه بعد أنْ صا
لَ عنيفاً مُناجِزاً عِرْبيدا
ما احمرارُ الأصيلِ إلا دماءٌ
بقيتْ في يَدِ السماء شُهودا
طائراتٌ ترمي الصواعقَ لا تخْ
شى إلهً ولا تخافُ عبيدا
أجهدتْ في السُرى خوافقَ عِزْري
لَ فرفّتْ من خَلْفِهِنَّ وئيدا
كلّما حلّقَتْ بأُفْقِ مكانٍ
تركتْ فيه كلَّ شيءٍ حصيدا
كم سمِعْنا عَزيفَها من قريبٍ
فغدا الرأْيُ والسدادُبعيدا
يلفَحُ الشيخَ والغَلام لَظاها
ويُصيبُ الشجاعَ والرِعْديدا
كم وحيدٍ بين الرجامِ بكى أمًّ
ا وأمِّ بكتْ فتاها الوحيدا
مُدُنٌ كُنَّ كالمحاريبِ أمْنَّا
ترك الْخَسْفُ دُورَهنَّ سجودا
وقُصُورٌ كانتْ ملاعبَ أُنسٍ
أَصبحت بعد زَهْوهِنّ لحودا
لَهْف نفسي عَلَى دماءٍ زكيّا
تٍ كَقْطرِ الغمامِ طُهْراً وجُودا
سِلْنَ من خَدِّ كلِّ سيفٍ نُضارا(71/107)
بعدما حَطَّم الحديدُ الحديدا
لَهفَ نفسِي عَلَى شبابٍ تحدَّى
عَذَباتٍ الفِرْدَوسِ زَهْراً وعُودا
لَهفَ نفسِي والنارُ تعصِفُ بالجيْ
شِ فتلقاه في الرياح بَديدا
ذكّرتْنا جَهنّماً كلَّما أُلْ
ِقَى فَوْجٌ صاحتْ تُريدُ المَزيدا
كالبراكينِ إنْ تمشَّتْ وكالب
حر إذا جاشَ باَلْحميم صَهُودا
وإذا الماءُ كان ناراً فَمَنْ يَرْ
جو لنارِ إذا استطارتْ خُمودا
أُمَمٌ تلتَقي صباحاً على المو
تِ لتستقبلَ المساءَ هُمودا
وفريقٌ للفتك يلقى فريقاً
وحُشودٌ للهَوْلِ تلقى حُشودا
كم حُطامٍ في الأرضِ كان عقولاً
ورَمادٍ في الْجَوّ كان جُهودا
وأمانٍ ونَشْوة ٍ وشَبابٍ
ذهبتْ مثلَ أمسها لن تَعودا
قُبُلاتُ الحسانِ مازلن في الخَ
دِّ فهل عفَّرَ الترابُ الْخُدودا
ووعودُ الغرامِ ماذا عراها
أغدتْ في الثَّرَى الْخضيبِ وعيدا
كم دُموعٍ وكم دماءٍ وكم هَوْ
لٍ وكم أنَّة ٍ تفُتُّ الكُبودا
إنَّما الحربُ لعبة ُ اللّهِ في الأر
ضِ وشَرٌّ بمَنْ عليها أريدا
صَدَّقَتْ مارأى الملائكُ من قَبْ
لُ وما كان قولهم تَفْنيدا
إن لله حكمة ً دونَها العق
لُ فَخَلِّ المِراءَ والترديدا
كيف نصفو ونحن من عُنْصِر الط
ينِ فساداً وظلمة ً وجُمودا
ذَهَبَ الموتُ بالْحُقودِ فماذا
لو محوتم قبلَ المماتِ الْحُقودا
شهواتٌ تدِّمُر الأرضَ كي تح
يا وتجتاحُ أهلَها لتسودا
وجنونٌ باُلملْكِ يعصِفُ بالدن
يا لكي يملِكَ القُبورَ سعيدا
يذبح الطفلَ أعْصَلَ النابِ شيطا
ناً ويحسو دَمَ النساء مَرِيدا
ويُسَوِّي جَماجمَ الناسِ أَبْرَا
جا ليبغي إلى السماءِ صُعودا
قد رأينا الأُسودَ تقنَعُ بالقُو
تِ فليتَ الرجالَ كانت أسودا
قُتِلَ العلمُ كيف دبّر للفَتْ
كِ عَتاداً وللدّمارِ جنودا
فهو كالخمر تَنْشُرُ الشرَّ والإثْ
مَ وإنْ كان أصلُها عُنقودا
أبدعَ المهلكاتِ ثم توارَى
خلفَها يملأُ الوَرى تهديدا
مادتِ الراسياتُ ذُعْراً وخَفَّتْ
مِنْ أفانينِ كَيْدهِ أنْ تميدا(71/108)
وقلوبُ النجوم ترجُفُ أن يج
تازَ يوماً إلى مَداها الْحُدودا
مُحْدَثاتٌ عزّتْ على عقلِ إبلي
سَ فعَضَّ البنانَ فَدْماً بليدا
عالِمٌ في مكانهِ ينسِفُ الأر
ضَ وثانِ يحُزُّ منها الوَريدا
حَسْرَتا للحياة ِ ماذا دهاها
أصبح الناسُ قاتلاً وشهيدا
أصحيحُ عاد السلامُ إلى الكو
ن وأضحى ظِلاً به ممدودا
ورنينُ الأجْراسِ يصدَحُ بالنص
ر فيا بِشْرَهُ صباحاً مَجيدا
سايَرَتْها قلوبُنا ثم زِدْنا
فأضَفْنا لشَدْوِهنَّ القصيدا
رَدِّدي ردِّدي ترانيمَ إسحا
قَ وهُزَّي الحسانَ عِطْفاً وجِيدا
أنتِ صُورُ الحياة ِ قد بَعَثَ النا
سَ وكانوا جماجمًا وجُلودا
قد سِئمْنا بالأمْسِ صَفَّارة َ الإنْ
ذارِ والوَيْلَ والعذابَ الشديدا
ردِّدي صوتَكِ الحنونَ طويلاً
وابعَثيِ لحنَك الطروبَ مديدا
واهتِفي يا مآذِنَ الشرقِ باللَّ
ه ثناءً وباسمِه تمجيدا
واسطًعي أيها المصابيحُ زُهْراً
واجَعلي شوقَنا إليك وَقودا
قرَّتِ النفسُ واطمأنَّتْ وكانت
أملاً حائرَ الطريقِ شَريدا
ليت شعري ماذا سنجني من النص
رِ وهل تصدُقُ الليالي الوُعودا
وهل الأربعُ الروائعُ كانت
حُلُماً أو مواثِقاً وعُهودا
وهل انقادتِ الممالكُ للعد
لِ فلا سيِّداً تَرى أو مَسُودا
وهل الحقُّ صار بالسلمِ حقَّاً
وأذابَتْ لظَى الحروبِ القُيودا
وهل العُرْبُ تستردُّ حِماها
وتُناجي فِرْدَوْسَها المفقودا
وَترى في السلامِ مجداً طريفاً
جاء يُحْيى بالأمسِ مجداً تَليدا
بذَلتْ مصرُ فوقَ ما يبذُلُ الطَّوْ
قُ وقد يُسْعِفُ النديدُ النديدا
في فيافيِ صَحْرائِها لَمَعَ النص
رُ وولَّى رُوميلُ يعْدو طريدا
فهي إذْ تنثرُ الورودَ تُناغي
أملاً ضاحكاً يفوقُ الورودا
وهي ترجو لابل تريدُ وأجْدِرْ
بابنة ِ النيلِ وَحْدها أنْ تُريدا
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> لاَ الدَّمعُ غاضَ وَلا فُؤادُكَ سَالى
لاَ الدَّمعُ غاضَ وَلا فُؤادُكَ سَالى
رقم القصيدة : 62411
-----------------------------------(71/109)
لاَ الدَّمعُ غاضَ وَلا فُؤادُكَ سَالى
دَخَلَ الْحِمَامُ عَرِينة َ الرِّئْبالِ
وَأَصابَ في المَيْدانِ فارسَ أُمَّة ٍ
رَفَع الكِنَانة َ بَعْدَ طُولِ نِضَال
رَشَقَتْه أحْداثُ الْخطوبِ فأقْصَدَتْ
حَرْبُ الخُطُوبِ الدُّهْمِ غَيرُ سِجَال
لِلْمَوْتِ أَسْلِحَة ٌ يَطِيحُ أَمَامَها
حَوْلُ الَجْرِيء وَحِيلَة ُ المُحْتَال
ماكَانَ سَعْدٌ آية في جِيلِه
سَعْدُ المُخَلَّدُ آية ُ الأَجْيَال
تَفْنَى أَحادِيثُ الرِّجالِ وَذِكْرُهُ
سَيظَلُ في الدُّنْيا حَدِيثَ رِجَالِ
سَارٍ كمِصْبَاحِ السَّمَاءِ يَحُثُّه
كرُّ الضُّحَى وتَعاقُبُ الآصال
أرأيْتَ مصرَ تهُبُّ لاسْتقلالِها
والسَّيْفُ يَلْمَعُ فوقَ كلِّ قَذَالِ
والذُّعرُ يعصفُ بالقُلوب كَمَا جَرتْ
هُوجُ الرِّياحِ على كَثِيبِ رِمال
والأرضُ تَرْجُفُ والسَّماءُ مَرِيضَة ٌ
والنَفْسُ حَيْرَى والهُمُومُ تَوَالى
والناسُ في صَمْتِ المَنُونِ كأنّهُمْ
صُوَرٌ كَسَاها الحزْنُ ثَوْبَ خَبال
إنْ حَدَّثوكَ فَبِالْعيون لِيَتَّقوا
رَصَدَ العيون وشِرَّة َ المُغْتال
والموتُ يَخْطرُ في الْجمُوعِ وحَولَه
أَجْنادُه من أَنْصُلٍ وَعَوالى
ريّانَ من مُهَجِ الشَّبابِ كأنَّما
مُهَجُ الشَّبابِ سُلافَة ُ الْجِرْيَالِ
وجَنَانُ مِصْرَ عَلَى جَنَاحَى ْ طَائرٍ
مِمَّا أَلَحَّ عليه مِنْ أَهْوال
ترْنُو إلى أبنائِها بنَوَاظرٍ
غرِقتْ بماءِ شُؤُونها الهَطّال
وإذَا بصَوْتٍ هزَّ مصرَ زئيره
غضَبُ الُّليوثِ حماية ُ الأشْبَال
صوْتُ كَصُورِ الحشْرِ جَمَّع أمّة ً
مَنحلَّة َ الأطرافِ والأوْصال
فتطَلَّعتْ عَيْنُ وأصغَت بعدَها
أُذنٌ وهمت أَلْسُنٌ بسؤال
مَنْ ذلك الشَّعشَاعُ طال كأنَّه
صدرُ القَنَاة ِ وعامِلُ العَسّال
مَنْ ذلك النَّمِرُ الوَثُوبُ وذلك ال
أَسَدُ المُزَمْجِرُ ذُو النِّداءِ العالي
ومَنْ الذي اخْتَرقَ الصفوفَ كأَنّه
قَدَرُ الإلهِ يسيرُ غيرَ مُبالي
سْعدٌ وحسبكَ منْ ثَلاثة أحْرفٍ(71/110)
مافي الْبَرِيّة ِ من نُهًى وكمالِ
كَتَب الكتائب حَوْل مِصرَ سِلاحُها
صبْرُ الكريمِ وهمَّة ُ الفَعّال
ومنَ السُّيوفِ إرادة ٌ مَصْقُولة ٌ
طُبِعَتْ ليوْمِ كريهة ٍ ونِزال
ومِنَ السَّوابِغ حِكْمة ٌ سَعْديَّة ٌ
تُزْرِي بوَقْعِ أسِنَّة ٍ ونِبَال
ومِن الحصونِ فؤادُ كلِّ مُصَابرٍ
جَهْمِ العَزيمة ِ ضاحكِ الآمال
فَمضَى إلى النَّصرِ الُمِبِين مُؤزَّرًا
والشَّعبُ يَهتفُ بِاسْمه ويُغَالي
وَهَدَى الشَّبَابَ إلَى الْحيَاة ِ فأَدْرَكُوا
مَعْنَى الْحيَاة ِ وَعِزَّ الاِسْتِقْلالِ
وَجَرَى يُغَبِّرُ لاَ العَسِيرُ بِخَاذِلٍ
أمَلاً ولا نَيْلُ السُّهَا بِمُحال
فكأَنّه سَيْفُ الْمُهَيْمِن خَالِدٌ
وكَأَنَّ دَعْوَتَهُ أذَانُ بِلاَل
مَارَاعَهُ نَفْيٌ وَلاَ لَعِبَتْ به
في حُبِّ مِصْرَ زَعَازِعُ الأَوجَال
وَيَرى الْحتُوفَ وَقَدْ مَلأْنَ طَرِيقَه
نَارَ الْحُبَاحِبِ أَوْ وَمِيضَ الآل
يزدَادُ في عَصْفِ الشَّدَائِدِ قُوَّة ً
وَيَجُولُ حِينَ يَضِيقُ كَلُّ مَجالِ
كَالشُّعْلَة ِ الْحَمْراءِ لَوْ نَكَّسْتَها
لأَضَفْتَ إشْعَالاً إلَى إِشْعَالِ
وَالسَّيْلُ إنْ أَحْكَمْتَ سَدَّ طَرِيقَه
دَكَّ الْحصُونَ فَعُدْنَ كَاْلأَطلاَلِ
وَالصَّارِمُ الفَصَّالُ لَمْ يَكُ حَدُّه
لَولاَ اللَّهِيبُ بِصَارِمٍ فَصَّال
خَصْمٌ شَرِيفٌ نَالَ مِنْ خُصَمَائِهِ
ما نَالَ مِنْ إِجْلاَلِ كُلِّ مُوالى ِ
عَرفُوهُ وَضَّاحَ السَّرِيرة ِ طَاهِراً
شَرُّ الْبَلاَءِ خُصُومَة ُ الأَنْذَالِ
إِنَّ الشَّجَاعَة َ أنْ تُنَاضِلَ مُصْحِرًا
لاَ أَنْ تَدِبَّ كَفَاتِكِ اْلأَصْلاَلِ
إنْ قَامَ يَخْطُبُ قُلْتَ حَيْدَرَة ُ اْنَبَرى
لِلْقَوْل فِي سَمْتٍ وَصِدْقِ مَقَالِ
إِعْجَازُ عَارِضَة ٍ وَنُورُ بَدِيهَة ٍ
وَبَدِيعُ تَنْسِيقٍ وَحُسْنُ صِقَالِ
يَختَارُ مِنْ آي الْكَلاَمِ جَوَاهِرًا
دُرَرُ الْبَلاَغَة ِ كَاسْمِهِنَّ غَوَالي(71/111)
مَاعَقَّهُ حُرُّ الْبَيَانِ وَلاَ جَزَتْ
أُمُّ اللُّغاتِ وَفَاءَهُ بِمطَال
وَالسَّامِعُونَ كأَنَّمَا لَعِبَتْ بِهِمُ
صَهْبَاءُ قَدْ نُفِحَتْ بِرِيحِ شَمَال
فَإِذَا أَثِيرَ رَأَيْتَ بُرْكَانًا رَمَى
حُمَمًا وَدَكَّ الأَرْضَ بِالزَّلْزَالِ
مُتَنَمِّرًا كَاللَّيْث دِيسَ عَرِينُه
مُتَوَثِّباً يَدْعُو الرِّجَالَ نَزَال
كَلِمٌ إذَا حَدَرَ اللِّئامَ رَأَيْتَهَا
حَالَتْ إلَى مَسْنُونَة ٍ وَنِصالِ
لاَتَذْكُرُوا نَارَ الصَّوَاعِقِ عِنْدَهَا
نَارُ الصَّوَاعِقِ عِنْدَهَا كذُبَال
نَفْسٌ كَأَنْفاسِ الْمَلائِكِ طُهِّرَتْ
وشَمَائلٌ أَحْلَى من السَّلْسَال
وَتَوَاضُعُ النُّسَّاكِ فِيهِ يَزِينه
شَمَمُ الْملُوكِ وَعِزَّة ُ اْلأَقْيَال
وَخَلائِقٌ كَالزَّهْرِ سَارَ عَبِيرُهُ
مَا بَيْنَ أَمْوَاهِ وَبَيْنَ ظِلاَل
وَعزيمة ٌ جَبَّارَة ٌ لَوْ حُمِّلَتْ
أُحُدًا لَمَا شَعَرتْ له بِكَلال
وَشَجَاعَة ٌ فِي اللّه يَكْلؤُها الحِجا
وَالْحَزْمُ في الإْدْبَارِ وَالإِقْبَال
وَعَقِيْدَة ٌ لَوْ هُزَّتِ اْلأَجْبَالُ مِنْ
ذُعْرٍ لَمَا اهْتَزتْ مَعَ اْلأَجْبَال
دَارُ النِّيَابَة ِ عُوجِلَتْ فِي مِدْرَهٍ
كَانَ الزَّمَانُ بِهِ منَ البُخّالِ
ضُرِبَتْ بِهِ اْلأَمْثَالُ لَمَّا أَنْ غَدَا
فِي دَهْرِهِ فَرْداً بِلاَ أمْثَال
قَدْ كَانَ فَيْصَلَهَا إِذَا عَجَّتْ بِهَا
لُجَجُ الْخِلاَفِ وَلَجَّ كلُّ جِدَالِ
يَزِنُ الْكَلاَمَ كَمَا يُوَازِنُ صُيْرَفُ
في النَّقْدِ مِثْقَالاً إلَى مِثْقَال
وإذَا الْحقِيقَة ُ أَظْلَمَتْ أَسْدَالُهَا
صَدَعَ الدُّجَى فَبَدتْ بِلاَ أَسْدَال
جَمَعَ الْقُلُوبَ عَلَى الْوفَاقِ وصَانَه
مِنْ وَهْنِ رعْدِيدٍ وَطَيْشِ مُغَالي
لم يَنْتَقِلْ حَتَّى تَفَجَّر نَبْعُهُ
وشَفَى النُّفُوسَ نَمِيرُهُ بِزُلاَل
عَقَدَ الإلَهُ عُرَاهُ جَلَّ جَلاَلُهُ
أَتَرَى لِعَقْدِ اللّهِ مِنْ حَلاَّلِ(71/112)
لَهْفِي عَلَيْهِ وَهْوَ رَهْنُ فِرَاشِهِ
مُتَفَزِّزًا مِنْ دائِه القَتَّال
لَهْفِي عَلَى لَيْثِ الكِنَانَة ِ أُغْمِدَتْ
أَظْفَارُهُ مِنْ بَعْدِ طُولِ صِيَال
قَنَصَتْ بَنَاتُ الدَّهْرِ واحِدَ دَهْرِهِ
وَرَمَتْهُ مِنْ أَدْوَائِها بعُضَال
يَرْنُو إِلَيْهِ الْعَائِدُونَ بِأَعْيُنٍ
غُزْرِ الدُّمُوعِ كَثِيرة ِ التَّسَآل
مُتَقَدِّمِينَ تَسُوقُهُمْ لُمَعُ المُنَى
مُتَرَاجِعِينَ مَخَافَة َ الإِعْوَال
والْمَوْتُ يَسْخَرُ باَلْحيَاة ِ وطِبِّها
جُهْدُ اَلْحياة ِ نِهَاية ُ الآجَال
والشَّعْبُ يَسْأَلُ كَيْفَ سَعْدٌ مالَه
والنَّاسُ في ذُعْرٍ وفي بَلْبَالِ
يَفِدُون لِلْبَيْتِ الْكَرِيمِ كَأَنَّهُمْ
زُمَرُ الحجيجِ تَسِيرُ في أَرْسَال
يَفْدُون بالنَّفْسِ الرَّئيسَ وإنَّما
نَفْسُ الرَّئيسِ بقَبْضَة ِ المُتَعَالي
عَرَفُوا الْجمِيلَ ولا تَزَالُ بَقِيَّة ٌ
في النَّاسِ لْلإِحْسَانِ والإجْمَالِ
مَنْ يَشْتَرِي حُسْنَ الثَّناءِ فإِنّما
بِفَعَالِهِ يَشْرِيهِ لا بِالْمَالِ
يَأَيُّها النَّاعِي حَنَانَكَ إِنّما
هِيَ أُمَّة ٌ أَضْحَتْ بِغَيْرِ ثِمَال
ماذا تَقُول ولِلرَّزيئَة ِ رَوعَة ٌ
تُغْنِي بَلاغَتُها عن الأَقْوال
مَنْ كَان يَرْثي أُمَّة ً في وَاحِدٍ
تَكْفِيهِ بارِقة ٌ مِن الإجْمَال
وإذا الْبَيَانُ أَبَى عليهِ فَرِيدُهُ
فالدَّمْعُ فِيه فَرائِدٌ ولآلِى
سَارَتْ مَطيَّة ُ نَعْشِهِ عُجْباً به
تَختَالُ بين الوَخْدِ والإرْقَالِ
فِيهَا كَتَابُوتِ الْكَليمِ سَكينَة ٌ
وَبَقِيَّة ٌ مِنْ هَيْبَة ٍ وَجَلاَل
لا تَحْمِلوه عَلَى المَدَافِعِ إِنّما
فَخرُ الزَّعيمِ قِيادَة ُ الأَعْزَالِ
أَجْدِرْ بِمَنْ حَمَلُوه فِي غَزَوَاتِهِ
أَنْ يَحْمِلُوهُ عَشِيَّة َ التَّرْحَال
سِيرُوا عَلَى سَنَنِ الزَّعِيمِ فَإنَّهُ
سَنَنُ الْهُدَى وَجَلاَئِل الأَعْمَال
قَدْ خَطَّ مِنْ أَخْلاقِهِ وجِهَادِهِ(71/113)
لِلفِتْيَة ِ السَّارينَ خَيْرَ مِثَالِ
إنْ كانَ لَمْ يَنجُلْ فإنَّ لهُ بِكُمْ
عَدَدَ النُّجُومِ الزُّهْرِ مِنْ أَنْجَال
لا تَيْأَسُوا فَلَكَمْ أُبِيدَتْ قَبْلكُمْ
أُممٌ بِيَأسٍ قَاتِلٍ وَمَلاَل
إِنَّ الشُعُوب تُصابُ في أَبْطَالِها
وحَياتُها في سِيرَة ِ الأبْطَالِ
هِيَ قُدْوَة ٌ للعامِلينَ وَأُسْوَة ُ
الْمُسْتَبْسِلِينَ وَقصَّة ُ الأَطْفال
سَعْدُ حَيَاة ٌ في الَمماتِ وَقَبْرُهُ
مَهْدُ الْجِهاد ومَجْدُ الاسْتِقْبَال
أَحْرَى بَمنْ وَهَبَ الْحَياة َ لِقَوْمِهِ
أَلاَّ تُمَسَّ حَياتُهُ بزَوَال
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> طموح وإلاّ ماصِراعُ الكتائبِ
طموح وإلاّ ماصِراعُ الكتائبِ
رقم القصيدة : 62412
-----------------------------------
طموح وإلاّ ماصِراعُ الكتائبِ
وعَزمٌ وإلاّ فيمَ حَثُّ الركَائبِ
إذا المجد لم يترك ورَاءَكَ صَيحة ً
مُدَويِّة ًفالمجد ُأوهامُ كاذبِ
يخوضُ الهمامُ العبقري بِعزمهِ
ظلامَ الفيافِي في ظلامِ الغَياهبِ
وأرْوَعُ ما تهفو له العينُ راية ٌ
تُداعبها الأرواحُ في كَفِّ غَالبِ
وكم بَطلٍ في الأرضِ غابَ وذكرهُ
يُحلِّق في الآفاقِ ليسَ بغائبِ
يُدوِّنُه الميلادُ بينَ لِداتِهِ
ويكتُبه التاريخُ بينَ الكواكبِ
وما مَاتَ من أبقى لمصر مجادة ً
تُطاول أعنانَ السماءِ بغَاربِ
حَماهَا بعزمٍ لورأَتْه قواضبٌ
لأضحَى سناهُ حسرة ً في القواضبِ
ومن مثل إبراهيم إن حمى الوغَى
وأمطرت الأرضُ السماءَ بحاصبِ
صَواعِقُ تلقى للحتَوفِ صَواعقاً
وسُحْبٌ عُجَاجٍ تلتقي بسحائبِ
وزمزمة ُ تُنسى الرعودَ هزيمَها
وتثقب آذانَ النجومِ الثواقبِ
سلُو عنه عكا إنَّها إن تكلَّمتْ
معَاقلُها حدثتكُمْ بالعجائبِ
رماهَا بجيشٍ لو رمَى مشرِقَ الضُحى
لفر حسيرَ الطرفِ نَحو المغاربِ
رماهَا فتى ً لا يعرف الشك رأيه
ويعرف بالإلهَام سرَّ العواقبِ
ممنعة ٌ ما راضَها عزمُ قائدٍ
وعذراءُ لم تَظْفَرْ بها كَفُّ خَاطبِ(71/114)
أتاهَا بنوبارتٌ يُداوي ندوبَهُ
وآبَ يصُك الوجه صَكَّ النوادبِ
أتاهَا يجُر الذْيلَ في تيه واثقٍ
فعادَ يَجُر الذْيلَ في خِزي خَائبِ
رآهَا وفي العنقودِ والكرم ما اشْتهى َ
وأيْنَ من العنقُودِ أيدِي الثعالب
وكم وضَعت مِنْ إصْبعٍ فوقَ أنفها
وكم غمزَتْ أسوارُهَا بالحواجِبِ
رأت فاتحَ الدنْيا يفرُّ جبانة ً
ويُلْقى ِ على الأقدار نظرة َ عاتبِ
ولكنَّ إبراهيم في الروْعِ كوكبٌ
إذا انقضّ فالآطام لُعبة لاعبِ
ويوم نصيبين التي قامً حولها
بنُو التركِ والألمانُ حُمْرَ المخالبِ
عَلاهَا فتى مصرٍ بضربة ِ فيصلٍ
ولكنَّها للنصرِ ضربة لازبِ
فريعَ لها البوسفورُ وارتجّ عرشُه
وصاحت ذئابُ الشِّرمن كلِّ جانبِ
أبى الغربُ أن تختَال للشرقِ راية ٌ
وأن يقفَ المسلوبُ في وجه سالبِ
أَيُدْعى َ سليلُ الشرقِ للشرق غَاصباً
ومغتاله في الغربِ ليسَ بغاصبِ
سياسَة ُ حِقْدٍ أيَن من نفثاتِهاَ
لعاب الأفَاعِي أو سموم العقاربِ
حنَاناً لإبراهيم لاقى كتائِباً
من الكيدِ لم تعْرِف نضَال الكتائبِ
غزُوه بجيشِ بالدهاءِ مُحارِبٌ
ولكنَّه بالسيف غير محاربِ
فماليَّنُوا منه قناة ً صليبة ً
ولا كدّرُوا من صفو تلك المناقبِ
عرفنا لحامى ِ القبلتيْنِ جهادَهُ
وكَمْ هانَ مطلوبٌ لعزّة طَالبِ
له العُرْبُ ألقت في إباءٍ زِمَامَها
وكانت سَراباً لا يُنالُ لشاربِ
فوحَّدهَا في دولة ٍ عربية ٍ
تُزاحم في ركب العُلاَ بالمناكب
يقولون قِفْ بالجيش ماذَا تريدُه
وماذا تُرجِّى من وَرَاءِ السباسب
فقالً إلى أَنْ تنتهى الضادُ أنتهى
وحيث تسيرُ العُرْبُ تسري نجائِبي
لقد زُهيت مصر بباعثِ شعِبها
لكسب المَعالي واقتناء الرغائبِ
وكَمْ كتبَ التاريخُ لابن محمدِ
خَوالِدَ والتاريخُ أصدقُ كاتبِ
وكَمْ صانَ مصراً من بنيه مملكٌ
بعيد منال العزمِ جَمّ المطَالبِ
شمائلُ فاروقٍ وعزّة ُ ملكهِ
تَزِيدُ جَلالاً في جلال المناسبِ(71/115)
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> مالي فُتِنْتُ بلحْظِكِ الْفَتَّاكِ
مالي فُتِنْتُ بلحْظِكِ الْفَتَّاكِ
رقم القصيدة : 62413
-----------------------------------
مالي فُتِنْتُ بلحْظِكِ الْفَتَّاكِ
وسَلَوْتُ كُلَّ مَلِيحَة ٍ إِلاَّكِ
يُسْرَاكِ قَدْ مَلَكَتْ زِمَامَ صَبَابتي
ومَضَلَّتِي وهُدَاي في يُمْنَاكِ
فَإِذا وَصَلْتِ فَكُلُّ شَيْءٍ باسِمُ
وإذا هَجَرْتِ فكلُ شَيْءٍ باكِي
هذا دَمِي في وَجْنَتَيْكِ عَرَفْتُهُ
لا تَستَطِيعُ جُحُودَهُ عَيْنَاكِ
لو لم أَخَفْ حَرَّ الْهَوى وَلَهِيبَهُ
لَجَعَلْتُ بَيْنَ جَوَانحي مَثْوَاكِ
إِنِّي أَغارُ منَ الْكُؤوسِ فَجنِّبِي
كَأْسَ الْمُدَامَة ِ أَنْ تُقَبِّلَ فَاكِ
خدَعَتْكِ ما عَذُبَ السُّلافُ وإنَّمَا
قد ذُقْتِ لَمَّا ذُقْتِ حُلْوَ لمَاكِ
لَكِ مِنْ شَبَابِكِ أَوْ دَلاَلِكِ نَشْوة ٌ
سَحَرَ الأَنَامَ بِفِعْلِها عِطْفَاكِ
قالَتْ خَلِيلتُها لها لِتُلِينَها
ماذا جَنَى لَمَّا هَجَرْتِ فَتَاكِ
هِيَ نَظْرَة ٌ لاقَتْ بِعَيْنِكِ مِثْلَهَا
ما كَانَ أَغْنَاهُ وما أَغْناكِ
قد كانَ أَرْسَلَهَا لِصَيْدِكِ لاهِياً
فَفَررْتِ مِنْهُ وعادَ في الأَشْرَاكِ
عَهْدِي بِه لَبِقَ الْحدِيثِ فَمَالَهُ
لا يَسْتَطيعُ الْقَوْلَ حِينَ يَرَاكِ
إِيَّاكِ أَنْ تَقْضِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ
عَرَفَ الحياة َ بحُبِّهِ إِيَّاكِ
إنَّ الشَّبَابَ وَدِيعَة ٌ مَرْدُودَة ٌ
والزُّهْدُ فِيهِ تَزَمُّتُ النُّسَّاكِ
فَتَشَمَّمِي وَرْدَ الْحياة ِ فَإِنَّهُ
يَمْضِي ولا يَبْقَى سِوَى الأَشْوَاكِ
لم تُنْصِتي وَمَشَيْتِ غَيْرَ مُجِيبَة ٍ
حَتَّى كأَنَّ حَدِيثَها لِسِواكِ
وَبَكَتْ عَلَيَّ فما رَحِمْتِ بُكاءَها
ما كانَ أَعْطَفَهَا وما أَقْساكِ
عَطَفَتْ عَلَيَّ النَّيِّرَاتُ وساءَلَتْ
مَذْعُورَة ً قَمَرَ السَماءِ أَخاكِ
قالَتْ نَرى شَبَحَا يَرُوحُ ويَغْتَدِي
ويَبُثُّ في الأكْوانِ لَوعَة َ شاكِي(71/116)
أَنَّاتُ مَجْرُوحٍ يُعالِجُ سَهْمَهُ
وزَفِيرُ مأسُورٍ بِغَيْرِ فَكاكِ
يَقْضِي سَوادَ الَّليْلِ غَيْرَ مُوَسَّدٍ
عَيْنٌ مُسَهَّدَة ٌ وقَلْبٌ ذاكِي
حَتَّى إذا ما الصبْحُ جَرَّدَ نَصْلَهُ
الْفَيْتَهُ جِسْمًا بِغَيْرِ حَراكِ
إِنَّا نكادُ أسًى عَلَيْهِ ورَحْمَة ً
لِشَبابِهِ نَهْوى مِنَ اْلأَفْلاكِ
مِنْ عَهْدِ قابِيلٍ ولَيْسَ أمامَنا
في الأرضِ غيْرُ تَشاكُسٍ وعِراكِ
ما بَيْنَ فَاتِكَة ٍ تَصُول بِقَدِّها
وفَتًى يَصُولُ بِرُمْحِهِ فَتَّاكِ
يا أرْضُ وَيْحَكِ قَدْ رَوِيتِ فأَسْئِري
وكَفَاكِ مِنْ تِلْكَ الدِماءِ كَفَاكِ
في كلِّ رَبْعٍ مِنْ رُبُوعِكِ مَأْتَمٌ
وثَوَاكِلُ ونَوادبٌ وبَواكِي
قد قامَ أَهْلُ الْعِلْم فِيك ودَبَّرُوا
بِرَئَتْ يَدِي مِنْ إِثمِهِمْ ويَداكِ
كاشَفْتِهِمْ سِرَّ الْعَناصِرِ فَانْبَرَوْا
يَتَخَيَّرُونَ أمَضَّها لِرَداكِ
نَثَرُوا كنانَتَهُمْ وكُلَّ سِهامِها
لِلْفَتْكِ والتَدْمِيِر واْلإِهْلاكِ
دَخَلُوا عَلَى العقبانِ في أوْكارِهَا
وتسَرَّبُوا لِمَسابِحِ الأسْمَاكِ
فَتَأَمَّلي هَلْ في تُخُومِكِ مَأْمَنٌ
أَمْ هَلْ هُنالِكَ مَعْقِلٌ بِذُرَاكِ
ظَهْرُ الُلُيوثِ وذاكَ أَصْعَبُ مَرْكبٍ
أَوْفَى وأَكرَمُ مِنْ أَدِيمِ ثَراك
لَيْتَ الْبِحارِ طَغَتْ عَلَيْكِ وسُجِّرتْ
أو أَنَّ مَنْ يَطْوِي السَماءَ طَوَاك
لم يَبْقَ في اْلإِنْسانِ غَيْرُ ذَمائِهِ
فَدَراكِ يارَبَّ السَماءِ دَراك
وإِذا النُفُوسُ تَفَرَّقَتْ نَزَعاتُها
قامَتْ إِذا قامَتْ بِغَيْر مَساك
والسَيْفُ أَظْلَمُ ما فَزِعَتْ لِحُكْمِه
والْحَزْمُ خَيْرُ شَمائِلِ الأَمْلاكِ
ومِنَ الدماءِ طَهارَة ٌ وَعدالَة ٌ
ومِنَ الدماءِ جِنايَة ُ السُّفّاكِ
والْعِلْمُ مِيزانُ الْحَياة ِ فإِنْ هَوَى
هَوَتِ الْحَياة ُ لأَسْفلِ الأَدْرَاك
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> جدّدي يا رشيدُ للحبّ عَهْدَا
جدّدي يا رشيدُ للحبّ عَهْدَا(71/117)
رقم القصيدة : 62414
-----------------------------------
جدّدي يا رشيدُ للحبّ عَهْدَا
حَسْبُنا حسبُنا مِطالاً وصدَّا
جدّدي يا مدينة َ السحرِ أحلا
ماً وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغْدا
جدّدي لمحة ً مضتْ من شبابٍ
مثل زهر الربا يرِفُّ ويندَى
وابعثي صَحْوة ً أغار عليها الش
يْبُ حتَّى غدتْ عَناءً وسُهدا
وتعالَى ْ نعيشُ في جَنَّة ِ الما
ضي إذا لم نجِدْ من العيشِ بُدّا
ذِكْرياتٌ لو كان للدهرِ عِقْدٌ
كنّ في جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا
ذِكْرياتٌ مضتْ كأحلام وصلٍ
وسُدًى نستطيعُ للحُلْمِ رَدّا
قد رشفنا مختومهنَّ سُلافاً
وشممْنا رَيّا شذاهُنّ نَدّا
والهوَى أمْرَدُ المحيَّا يناغي
فِتْية ً تُشبهُ الدنانير مُرْدَا
عبِثوا سادرين فالْجِدُّ هزلٌ
ثمّ جدّوا فصيَّروا الهزلَ جِدّا
ويح نفسي أفدى الشبابَ بنفسي
وجديرٌ بمثلهِ أن يُفَدَّى
إنْ عددنا ليومِه حسناتٍ
شغلتْنا مساوىء ُ الشيْبِ عَدّا
جذوة ُ للشبابِ كانت نعيماً
وسلاماً على الفؤادِ وبَرْدا
قد بكيْناه حينَ زال لأنّا
قد جهِلْنا من حَقّه ما يُؤَدّى
وقتلناه بالوقارِ ضلالاً
وهو ماجار مرّة ً أو تعدَّى
ما عليهم إن هام عمرٌو بِهندٍ
أو شدا شاعرٌ بأيامٍ سُعدى
شُغِفَ الناسُ بالفضُولِ وبالْحِقْ
دِ فإِنْ تلقَ نعمة ً تَلقَ حِقدا
أرشيدٌ وأنت جِنَّة ُ خُلْدِ
لو أتاح الإلهُ في الأرضِ خُلدا
حين سَمّوْكِ وردة ً زُهِي الحس
نُ وودّ الخدودُ لو كنّ وَرْدا
توّجتْ رأسَكِ الرمالُ بتبر
وجرَى النيلُ تحت رِجْليْك شهدا
وأحاطت بكِ الخمائلُ زُهْراً
كلُّ قَدٍّ فيها يعانقُ قَدّا
والنخيلُ النخيلُ أرخت شعوراً
مُرسَلاَتٍ ومدَّت الظلَّ مدّا
كالعذارَى يدنو بها الشوقُ قُرْبًا
ثم تنأَى مخافة َ اللّومِ بُعْدَا
حول أجيادِها عقود عقيقٍ
ونُضارٍ صفاؤه ليس يصدا
ياابنة َ اليمِّ لا تُراعي فإنّي
قد رأيتُ الأمورَ جَزْراً ومدّا
قد يعودُ الزمانُ صفواً كما كا
نَ ويُمسي وعيدُه المُرُّ وعدا(71/118)
كنتِ مذ كنتِ والليالي جواري
كِ وكان الزمانُ حولَك عبدا
كلّما هامت الظنونُ بماضي
كِ رأتْ عَزْمَة ً وأبصرن مجدا
بكِ أهلي وفيكِ مَلْهَى شبابي
ولكَمْ فيكِ لي مَراحٌ ومَغْدَى
لو أصابتكِ مسّة ُ الريحِ ثارت
بفؤادي عواصفٌ ليس تَهْدا
أنا من تُرْبِك النقي وشعري
نفحاتٌ من وَحْيِ قُدْسِك تُهْدى
كنتُ أشدو به مع الناس طفلاً
فتسامَى فصرتُ في الناسِ فَرْدا
من رزايا النبوغِ أنّكَ لاتل
قَ أنيساً ولا تَرَى لكَ نِدّاً
قد جَزيْناكِ بالحنانِ حَناناً
وجزينا عن خالصِ الوُدِّ وُدَّا
ليتَ لي بعد عودتي فيك قبراً
مثلما كنتِ مَنْبِتاً لي ومَهْدا
أصحيحٌ أن الخطوبَ أصابت
كِ وأنّ الأمراضَ هَدَّتْكِ هدّا
وغدا الفيلُ فيكِ داءً وبيلاً
نافثاً سُمَّه مُغيراً مُجِدَّا
كم رأينا من عاملٍ هدَّه الدّا
ءُ وأرداه وَقْعُه فتردّى
كان يسعَى وراءَ لُقْمة ِ خُبْزٍ
ولَكَمْ جدَّ في الحياة ِ وكدّاَ
فغدا كالصريع يلتمسُ الْجُهْ
دَ ليحيا به فلم يَلْقَ جُهدا
إن مشى يمش بائساً مستكيناً
كأسيرٍ يجرُّ في الرجْلِ قِدّا
خلفه من بَنيه أنضاءُ جوعٍ
وهو لا يستطيع للجوعِ سَدّا
كلّما مدّ كفَّه لسؤالٍ
أشبعتها اللئامُ نَهْراً وطَرْدا
أمن الحق أن نعيش بِطاناً
ويجوعَ العَليلُ فينا ويصْدَى
ولكَمْ تلمَحُ العيونُ فتاة ً
مثل بدرِ السماءِ لمَّا تبدّى
هي من نَعْمَة ِ البشائِر أحلَى
وهي من نَضْرة ِ الأزاهرِ أندَى
تتمنَّى الغُصُونُ لو كنَّ قدًّا
حينَ ماستْ والوردُ لو كان خدَّا
حوّمتْ حولَها القلوبُ فَراشاً
ومشت خلفَها الصواحبُ جُنْدا
وارتدت بالْخِمارِ فاختبأ الحس
نُ يُثير الشجونَ لما تردّى
لعِبتْ بالنهَى فأصبح غَيَّا
كلُّ رُشْدٍ وأصبح الغَيُّ رُشدا
حسَدَ الدهرُ حسنَها فرماها
بسهامٍ من الكوارثِ عَمْدا
طرقتها الحمَّى الخبيثة ُ ترمى
بشُواظٍ يزيده الليلُ وَقْدا
روضة ٌ من محاسنٍ غالها الإعْ
صارُ حتى غَدَتْ خمائلَ جُرْدَا
حلّ داءُ الفيل العُضالُ برِجْلَيْ(71/119)
ها وألقَى أثقالَه واستبدّا
كم بكتْ أُمُّها عليها فما أغْ
نَى نُواحٌ ولا التحسُّرُ أجْدَى
ويحَها أين سِحْرُها أين صارت
أين ولَّى جمالُها أين نَدّا
أين أين ابتسامُها ذهب الأُنْ
سُ ومال الزمانُ عنها وصَدّا
أين فَتْكُ العيونِ لم يترك الدهْ
رُ سيوفَا لها ولم يُبْقِ غِمْدا
أين خَلْخالها لقد خلعتْه
وهي تبكي أسى ً وتنفُثُ صَهْدا
طار خُطّابُها فلم يَبْقَ فردٌ
وتولَّى حَشْدٌ يحذِّرُ حشدا
لسعتها بعوضة ٌ سكنت بِئْ
رًا وقد كان جسمُها مستعدّا
إن هذا البعوضَ أهلك نُمْرو
ذَ وأفنى ما لم يُعَدُّ وأعْدَى
فاحذروه فإنّه شرُّ خَصْمٍ
وتصدَّوْا لحربهِ إنْ تصدَّى
جَرِّدوا حَمْلة ً على الفيلِ أنجا
دًا كرامًا ومزِّقوا الفيلَ أُسْدا
أرشيدٌ دونَ المدائنِ تبقَى
مُسْتراضًا لكِّ داءٍ ووِرْدا
يفِتكُ السم في بَنيها فلا تر
فَعُ كَفًّا ولا تحرِّكُ زَندا
ثم تُلْقي السلاَح إلقاءَ ذلٍّ
والجراثيمُ حولَها تتَحدَّى
يا لَعارى فليت لي بين قومي
بطلاً يكشِفُ الشدائدَ جَلْدا
ظَمِىء الشعْرُ للثناءِ فهل آ
نَ له أن يَفيضَ شكراً وحمدا
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> مجدٌ على الأمواجِ يُشْرِفُ عالي
مجدٌ على الأمواجِ يُشْرِفُ عالي
رقم القصيدة : 62415
-----------------------------------
مجدٌ على الأمواجِ يُشْرِفُ عالي
هذا جهادُكِ مصرُ في تمثالِ
هذا ابنُ إبراهيَم واهبُ قومِه
نِعَمَ الحياة ِ وباعثُ الآمالِ
هذا الذي جَلّتْ عظائمُ سَعْيِه
عن أنْ تُصِّورَها بَنانُ خَيال
هذا المليكُ العبقريُّ عَنَتْ له
أُمَمٌ ودانتْ صَوْلَة ُ الأبطال
هذا أبو الأشبالِ سَلْ عنه العُلا
تُنْبئِكَ حقاً مَنْ أبو الأشبال
هذا أبو التاريخِ من أضحَى اسمُه
أُنْشودَة َ الأجيال للأجيال
هذا الذي يَبْنِي فيُنْشِىء ُ دَوْلَة ً
أبقَى على الدنيا من الأجبال
هذا أبو الذهبِ الذي غَمَرَ المُنَى
بعوارِف الإحِسان والأفضال
هذا الهُمامُ وهذه أعمالُه(71/120)
أرأيتَ كيفَ جلائلُ الأعمال
هذا الذي فاروقُ مِصْرَ حَفيدُه
زينُ الشبابِ وسيدُ الأقْيال
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> مَنْ مُجِيرِي مِنْ حالِكات اللّيالِي
مَنْ مُجِيرِي مِنْ حالِكات اللّيالِي
رقم القصيدة : 62416
-----------------------------------
مَنْ مُجِيرِي مِنْ حالِكات اللّيالِي
نُوَبَ الدَّهْرِ مالكُن ومالِي
قد طوَاني الظلامُ حتّى كأنِّي
في دَيَاجى الوجودِ طَيفُ خَيَال
كلُّ ليلٍ لهُ زَوالٌ ولَيْلى
دقَّ أطنابَهُ لِغَيرِ زَوَال
كلُّ ليلٍ لهُ نجومٌ ولكنْ
أينَ أمثالهُنَّ من أمثالي
تّثِبُ الشّمسُ في السماءِ وشَمْسي
عُقِلَتْ دُونَها بألْفِ عِقَال
لا أرَى حِينما أرَى غَيرُ حَظِّي
حَالِكَ اللَّونِ عَابِسَ الآمال
هو جُبُّ أعِيشُ فيه حزيناً
كاسِفَ النَّفسِ دائمَ الْبَلْبَالِ
ما رأتْ بَسْمة َ الشُّموسِ زَوَايا
هُ ولا دَاعَبتْ شُعَاعَ الْهِلال
فإذا نِمْتُ فالظَّلامُ أمامِي
أَوْ تيقَّظْتُ فالسَّوَادُ حِيالي
أتَقَرَّى الطّريقَ فيهِ بِكَفِّي
بين شَكٍّ وحَيْرَة ٍ وضَلال
وأُحِسُّ الهواءَ فهْوَ دَليلِي
عن يَميني أَسِيرُ أوْ عَنِ شِمالي
كُلّما رُمْتُ منه يَوْمًا خَلاصًا
عَجَزتْ حِيلَتي ورَثَّتْ حِبالي
عَبَثًا أُرْسِلُ الأنِينَ مِن الجُبِّ
إلى سَاكِني القُصُورِ العَوالي
مَنْ لسَارٍ بِلَيْلة ٍ طولُهاالعُمْ
رُيَجُوبُ اْلأَوْجالَ لِلأَوْجالِ
مُتَرَدٍّ في هَاوياَت وِهادٍ
لاهِثٍ فوقَ شامِخاَتِ جِبال
عند صَحْراءَ للأعاصيرِ فِيها
ضَحِكُ الْجِنِّ أو نَحيبُ السَّعالي
لم يَزُرْها وشْيُ الرّبيعِ ولكنْ
لك ما شئْتَ من نسيجِ الرِّمال
لَيْس للطيرِ فوقَها من مَطارٍ
أوْ بَنِي الإنْسِ حَوْلَها من مَجال
خَلَقِ اللّه قَفْرَها ثم سَوَّى
من ثَراهُ أنامِلَ البُخَّال
رَهْبة ٌ تَملأُ الْجَوانِحَ رُعْبًا
وأَدِيمٌ وَعْرٌ كحدِّ النِّصال
وامتدادٌ كأنَّه الأَمَلُ الطَّا
ئشُ مَا ضاقَ ذَرْعُهُ بمُحَالِ(71/121)
سارَ فيها الأعمَى وَحِيداً شريداً
حائراً بينَ وَقْفَة ٍ وارْتحالِ
في هَجِيرٍ ماخَفَّ حَرُّ لَظَاه
بِنَسيمٍ ولا ببرْدِ ظِلاَلِ
مَلَّ عُكّازُه من الضَّرْبِ في الأر
ضِ على خَيْبة ٍ ورِقَّة ِ حال
يَرْفَعُ الصّوتَ لا يَرَى مِنْ مُجِيبٍ
أَقْفَرَ الكَوْنُ من قُلُوبِ الرّجال
مَنْ لِهَاوٍ في لُجَّة ٍ هِيَ دُنْيا
هُ وأَيَّامُ بُؤسِه المُتَوَالي
ظُلَمُ بَعضُها يُزاحِمُ بعْضًا
كَلَيالٍ كرَرنَ إِثْرَ لَيالي
يَفْتَحُ الَمْوجُ ماضِغَيْهِ فَيَهْوِي
ثمّ يطْفُو مُحطَّمَ الأَوْصال
لا تَرَى منه غيرَ كَفٍّ تُنادِي
حينما عَقَّه لسانُ المَقَالِ
والرِّياحُ الرِّياحُ تَعْصِفُ بِالْمِسِ
كينِ عَصْفَ الأيّامِ بالآجال
يَسْمَعُ السُّفْنَ حَوْلَه ماخِراتٍ
مَنْ يُبَالِي بِمِثْلِه مَنْ يُبَالِي
يسمُع الرَّقْصَ والأهازيج تَشْدُو
بَيْنَ وصْلِ الْهَوَى وهَجْرِالدَّلاَل
شُغِلَ الْقوْمُ عنه بالقَصْفِ والَّلهْ
وِ وهامُوا بِحُبِّ بِنْتِ الدَّوَالي
ما لَهُمْ والصَّريعَ في غَمْرة ِ اللُّ
جِّ يَصُدُّ الأهْوَالَ بالأهْوَال
لا يُريدُون أنْ يُشَابَ لهم صَفْوٌ
بِنَوْحٍ للبُؤْسِ أو إِعْوَال
هكذا تُمْحلُ القُلوبُ وأَنْكَى
أن تُباَهِي بذلكَ الإِمْحال
هكَذا تُقْبَرُ الُمرؤة ُ في النّا
س ويُقْضَى على كرِيمِ الْخِلال
مَنْ لهذا الأعْمى يَمُدُّ عصَاه
عاصِبَ البَطْنِ لم يَبُحْ بسُؤَالِ
مَنْ رآهُ يَرَى خَليطًا من البُؤ
سِ هَزيلاً يَسِيرُ في أسْمَال
هو في مَيْعَة ِ الصِّبا وتَراهُ
مُطْرِقَ الرَّأسِ في خُشُوعِ الكِهَال
ساكناً كالظَّلاَمِ يَحْسَبُهُ الرَّا
ءُونَ معْنًى لليأسِ فِي تِمْثَالِ
فَقَد الضَّوْءَ والحياة َ وهل بَعْ
د ضِيَاءِ العَيْنَيْن سَلْوَى لِسال
مَطَلَتْهُ الأيّامُ والناسُ حَقًا
فَقَضَى عَيْشَه شَهِيدَ المِطَال
مارَأَى الرَّوْضَ في مَآزِرِهِ الْخُضْرِ
يُبَاهِي بحُسْنِها ويُغَالي
ما رَأى صفحة َ السماءِ وَمَا(71/122)
رُكِّبَ فيها مِنُ باهِرَاتِ الّلآلي
ما رَأى النِّيلَ في الْخَمائلِ يَخْتَا
لُ بأذيالِهِ العِراضِ الطِوالِ
ما رَأى فِضَّة َ الضُّحَى في سَنَاها
أوْ تَمَلَّى بعَسْجَدِ الآصال
فدعوه يَشْهَدْ جَمَالاً من الإِحْسَ
انِإِنْ فاتَه شُهُودُ الْجَمال
ودعوه يُبْصِرْ ذُبَالاً من الرَّحْمَة ِ
إِنْ عَقَّه ضِياءُ الذُّبَال
قد خَبَرتُ الدُّنيا فلم أرَ أَزْكَى
مِنْ يَمينٍ تَفتَّحتْ عَنْ نَوَال
أيُّها الوَادِعُون يَمْشُون زَهْواً
بَيْنَ جَبْرِيّة ٍ وبَيْنَ اخْتِيالَ
يُنْفقُوِن القِنْطارَ في تَرَفِ العَيْ
شِ ولا يُحْسنون بالمِثقال
ويَرْونَ الأَموالَ تُنْثرُ في الّلهْ
وِ فلا يَجْزَعون ِلْلأَمْوَال
إِن في بَلْدَة ِ الُمُعِزِّ جُحُوراً
مُتْرَعاتٍ بأدْمُعِ الأَطْفَالِ
كلُّ جُحْرٍ بالبُؤْسِ والفَقْرِ مملو
ءٌ ولكنّه من الزَّادِ خالي
بَسَقَتْ فيه للجَرَاثيمِ أفْنا
نٌ تدلَّتْ بكلِّ داءٍ عُضاَل
لوْ رأيتَ الأشباحِ مِنْ ساكنيه
لرَأيْتَ الأطْلاَلَ في الأطْلال
يَرْهَبُ النُّورُ أنْ يمرَّ به مَ
رَّا وتَحْشَى أذَاهُ ريحُ الشَّمَال
تَحْسِبُ الطفلَ فِيه في كَفَنِ الموْ
تَى وقَدْ ضمَّه الرِّدَاء البالي
أيّها الأغنياءُ أين نَدَاكُمْ
بَلَغ السّيْلُ عالياتِ القِلال
هُمْ عِيالُ الرَّحمنِ ماذا رأَيتُمْ
أو صَنَعْتُم لهؤلاءِ العِيالِ
رُب أعمَى له بصيرة ُ كَشْفٍ
نفذَتْ من غَيَاهِبِ الأَسْدالِ
أَخَذَ اللّه مِنهُ شيئًا وأَعْطَى
وأعَاضَ المِكْيالَ بالْمِكْيال
يَلْمَحُ الْخَطْرة َ الْخَفِيَّة َ للنفْ
سِ لها في الصُّدورِ دَبُّ النمَال
ويَرَى الحقَّ في جَلاَلة ِ معنا
هُ فيحيا في ضَوْءِ هذا الْجَلاَل
كان شَيْخُ المَعَرَّة ِ الكَوْكَبَ السَّا
طِعَ في ظُلْمة ِ الْقُرُونِ الْخَوَالي
فأتَى وهْوَ آخِرٌ مِثْلَما قا
ل بما نَدَّ عَنْ عُقُولِ اْلأَوَالي
أنقِذُوا العَاجزَ الفَقِيرَ وصُونُوا
وَجْهَه عن مَذَلَّة ٍ وابْتِذَال(71/123)
علِّموهُ يَطْرُقْ مِنَ العَيْشِ بابًا
وامْنَحُوه مَفَاتِحَ الأَقْفَالِ
لاتَضُمُّوا إلى أَسَاهُ عَمَى الْجَهْ
لِ فَيَلْقَى النكَالَ بَعْد النكَال
كُلُّ شيءٍ يُطاقُ مِنَ نُوَبِ الأَيَّامِ
إِلاَّ عَمَاية َ الْجُهَّال
علِّموه فالِعلْمُ مِصْباحُ دُنْيا
هُ ولا تَكْتَفُوا بصُنْعِ السِّلاَل
إنْ جَفَاهُ الزّمانُ والآلُ والصّحْ
بُ فكونوا لِمِثْله خيرَ آلِ
نَزلَ الوَحْيُ في التَّرَفُّقِ يالأع
مَى وبْسطِ اليديْنِ للسُّؤَال
سوف تتلو الأجيالُ تاريخَ مِصْرٍ
فأعِدُّوا التاريخَ لِلأَجْيال
بالأيادِي الحِسانِ يُمْحَي دُجَى البؤ
سِ وتَسْمُو الشعوبُ نَحَو الكَمال
يَذْهبُ الفقرُ والثَّراءُ ويَبْقى
مابَنَى الخِّيرونَ من أَعْمال
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> صادِحَ الشَّرْقِ قَدْ سَكَتَّ طَوِيلاَ
صادِحَ الشَّرْقِ قَدْ سَكَتَّ طَوِيلاَ
رقم القصيدة : 62417
-----------------------------------
صادِحَ الشَّرْقِ قَدْ سَكَتَّ طَوِيلاَ
وَعَزِيزٌ عَلَيْهِ أَلا تَقُولاَ
أَيْنَ ذَاكَ الشعْرُ الذي كُنْتَ تزْجِيهِ
فَيَسْرِي في الأَرْضِ عَرْضاً وَطُولا
قَدْ سَمِعْنَاهُ في الْمَزَاهِرِ لَحْناً
وَسَمِعْنَاهُ فيِ الْحَمامِ هَدِيلا
وَشَمِمْنَاهُ فِي الْكَمائِمِ زَهْراً
وَشَرِبْنَاهُ فِي الْكُؤُوسِ شَمُولا
تَنْهَبُ الدُرَّ مِنْ عُقُوِدِ الْغَوَانِي
ثُمَّ تَدْعُوهُ فاعِلاتُنْ فَعُولاَ
خَطَرَاتٌ تَسِيرُ سَيْرَ الدَرَاري
آبِياَتٍ عَلَى الزمانِ أُفُولاَ
تَخْدَعُ الْجَامِحَ الشمُوسَ مِنَ الْقَوْ
لِ فَيُلْقِى الْعِنانَ سَهْلاً ذَلُولا
غَزَلٌ كالشبَابِ أَسْجَح رَيَّا
نُ يُذِيبُ الْقَاسِي ويُدْنِي الْمَلُولا
وَنَسِيبٌ يَكادُ يَبْعَثُ فِينَا
مِنْ جَدِيدٍ كُثَيِّراً وَجَمِيلاَ
وَقَوافٍ سَالَتْ مِنَ اللُّطْفِ حتَّى
لَحَسِبْنَا المجتث منها طويلا
نَقدتْ جَيّد الكلام وخلّت
سقطاً مِنْ وَرَائِها وفُضُولاَ(71/124)
عَبِثَتْ بالْوَلِيدِ ثُمَّ أَرَتْهُ
مِنْهُ أَنْقَى مَعْنًى وَأَقْوَمَ قِيلاَ
لَوْ وَعَاهَا مَا اهْتزَّ يُنْشِدُ يَوْماً
ذَاك وادِي الأَرَاكِ فَاحْبِسْ قَلِيلاَ
قِفْ مَشُوقاً أَوْ مُسْعِداً أَوْ حَزِيناً
أَوْ مُعِيناً أَوْ عَاذِراً أَوْ عَذولاَ
بَرَزَتْ نَفْسُهُ بِها فَرَأَينَا
هُ نَبِيلاً يَنُثُّ قَوْلاً نَبِيلاَ
هَبَطَتْ حِكمَة ُ الْبَيانِ عَلَيْهِ
فَاذكُروا فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلاَ
لَوْ شَهِدْتَ الردَى يَحُومُ عَلَيْهِ
وَالْمنَايَا تَرْمِي لَهُ الأُحْبُولاَ
لَرَأَيْتَ الطّوْدَ الأَشَمَّ الَّذِي كَا
نَ مَنِيعَ الذرَا كَثِيباً مَهِيلاَ
وَرَأَيْتَ الصمْصامَ لاَ يَقْطَعُ الضِغْ
ثَ وَقَدْ كَانَ صَارِماً مَصْقُولاَ
وَرَأَيْتَ الرُّوحَ الْخَفِيفَة َ حَيْرَى
إِنَّ عِبْءَ السقَامِ كَانَ ثَقِيلاَ
شيَّعَ الدَّمْعُ يَوْمَ شَيَّعَ صَبْرِي
دَوْلَة ً فَخْمَة ً وَعَصْرًا حَفِيلا
خُلقٌ لَوْ يَمَسُّ هَاجِرَة َ الْقَيْ
ظِ لأَمْسَتْ عَلَى اْلأَنَامِ أَصِيلاَ
وَخِلالٌ مِثْلُ النَسِيمِ وَقَدْ مَ
رَّ بِزَهْرِ الربَا عَلِيلاً بَليلاَ
وَحَدِيثٌ حُلْوُ الْفُكَاهَة ِ عَذبٌ
لَمْ يَكُنْ آسِناً وِلاَ مَمْلُولاَ
يُذْهِلُ الصَبَّ عَنْ أَحادِيثِ لَيْلاَ
هُ وَيُنْسِيهِ حَوْمَلاً وَالدخُولاَ
يقصُرُ الَّليْلُ حِينَ يَسْمُرُ صَبْرِي
بَعْدَ أَنْ كَانَ نَابِغِيًّا طَوِيلاَ
يَوْمَ صَبْرِي هَدَمْتَ لِلْمَجْدِ رُكْنَاً
وَتَرْكْتَ الْعَلْيَاءَ أُمّا ثَكُولاَ
يَوْمَ صَبْرِي أَغْمَدْتَ فِي التُرْبِ سَيْفاً
حِينَ جَرَّدْتَ سَيْفَكَ الْمَسْلولاَ
إِنَّمَا نَحْنُ فِي الْحَياة ِ إِلَى
حِينٍ شَبَاباً وَفِتْية ً وَكُهُولاَ
نَتَمَنَّى الْحَياة َ جِدَّ تَمَنٍّ
وَهْيَ لَيْسَتْ إِلاَّ مَتَاعاً قَلِيلاَ
وَقَفَ الطِبُّ حَائِراً وَالْمَنَايَا
ساخِرَاتٍ يَغْتَلْنَ جِيلا فَجِيلاَ
دَوْرَة ُ اْلأَرْضِ كَمْ أَمَدَّتْ قَبِيلاً(71/125)
بحَيَاة ٍ وَكَمْ أَبَادَتْ قَبِيلاَ
نَضْرَة ٌ فِي أَزَاهِرِ الصُبْحِ تُمْسِي
بَعْدَ لأَيٍ تَصَوُّحاً وذُبُولاَ
رُبَّ قَصْرٍ قَدْ كَانَ مَلْعَبَ أُنْسٍ
صَيَّرَتْهُ اْلأَيَّامُ رَبْعاً مُحِيلاَ
وَفَتَاة ٍ طَوَى مَحاسِنَهَا الدَهْ
رُ بَنَانًا غَضًّا وَخَدًّا أَسِيلاَ
نَأْكلُ اْلأَرْضَ ثُمَّ تَأْكُلُنَا اْلأَرْ
ضُ دَوَالَيْكَ أَفْرُعاً وَأُصُولاَ
يامَلِيكَ الْبَيَانِ دَعْوَة َ خلٍّ
وَجَد الصَبْرَ بَعْدَكُمْ مُسْتَحِيلاَ
أَنا أَرْثِيكَ شاعِراً وأَديبًا
ثُمَّ أَبْكِيكَ صَاحِباً وخَلِيلاَ
قلْ لِحَسَّانَ إِنْ مَرَرْتَ عَلَيْهِ
فِي ظِلاَلِ الْفِرْدَوْسِ يُطْري الرَّسُولاَ
إِنَّ مِصْرًا أَحْيَتْ مَوَاتَ الْقَوَافِي
وَأَقَامَتْ عَمُودَهَا أَنْ يَمِيلاَ
وَأَعَادَتْ إِلَي سَلِيلَة ِ عَدْنَا
نَ شَبَاباً غَضًّا وَمَجْداً أَثِيلا
قُلْ لَهُ غَيْرَ فاخرٍإنَّ صَبْرِي
بَعْدَ سَامِي هَدَى إِلَيْها السَبِيلاَ
وَيْكَ يا قَبْرُ صِرْتَ لِلْفَضْل مَثْوَى
لا يُسَامَى وللنُّبُوغِ مَقِيلاَ
فِيكَ كَنْزٌ لَمْ تَحْوِ أَرْضُ الفَرَاعِينِ
لَهُ بَيْنَ لاَبَتَيْهَا مَثيلاَ
فِيكَ سِرٌّ الْجَلالِ والْخَطْبُ فِيهِ
كَانَ يَاقَبْرُ لَوْ عَلِمْتَ جَلِيلاَ
ضُمَّهُ ضَمَّة الْكَمِيِّ حُسَاماً
تَرَكَ النَّصْرُ حَدَّهُ مَفْلُولاَ
لَهْفَ نَفْسي عَلَيْهِ يَفْتَرِشُ التُرْ
بَ وَقَدْ كَانَ لِلسماكِ رَسِيلاَ
لَهْفَ نَفْسِي عَلَيْهِ لَوْ كَانَ يُجْدِي
لَهْفَ نَفْسِي أَوْ كَانَ يُغْنِي فَتِيلاَ
كُنْ عَلَيْهِ ياقَبْرُ رُوحاً وَرَيْحَا
ناً وَمَثْوًى رَحبْاً وَظِلاًّ ظَلِيلاَ
لَمْ يَمُتْ من يَزُولُ مِنْ عَالَم ِالْحِ
ناً وَمَثْوًى رَحبْاً وَظِلاًّ ظَلِيلاَ
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> طَرِيقُ الْعُلاَ وَعْرٌ مَطيَّتُهُ الْجِدُّ
طَرِيقُ الْعُلاَ وَعْرٌ مَطيَّتُهُ الْجِدُّ
رقم القصيدة : 62418(71/126)
-----------------------------------
طَرِيقُ الْعُلاَ وَعْرٌ مَطيَّتُهُ الْجِدُّ
وهَلْ يَعْتَلِي مِنْ غَيْرِهِ البَطَلُ الْفَرْدُ
إذَا وَهَنَتْ فِيهِ الْقِلاصُ وَأَدْبَرَتْ
فَذَاكَ شَديدُ الْحَوْلِ مُحْتَمِلٌ جَلْدُ
يَخُبُ فَلاَ اْلأَخْطارُ تَلْوي زِمَامَهُ
وَلاَ عَنْ بَعيد الْقَصْدِ يُقْعِدُهُ الْجَهْد
سَئِمْتُ حَيَاتِي بَيْنَ قَوْمٍ فَضَائِلي
لَدَيْهِمْ يُغَطِّيها التَّدَابُرُ وَالْحِقْد
إذَا مابَدَتْ تَرْنُو إِليْهِمُ فَضِيلَة ٌ
تَصَدَّى لَهَا نَذْلٌ وَكَرَّ لَهَا وَغْدُ
إذَا كَانَ عَيْبِي بَيْنَهُمْ أَنَّني فَتًى
صَغِيرٌ وَشَعْرِي بالشَبِيبَة مُسْوَدُّ
فَمَهْلاً أَنَا النَجْمُ الَّذِي يُبْصِرُونَه
صَغِيراً وَيُحْفي قَدْرَهُ عَنْهُمُ الْبُعْدُ
إذا صالَ عَزْمِي فَهُوَ سَيْفٌ مُهنَّدٌ
لَهُ الْحِلْمُ وَاْلإِغْضاءُ مِنْ خُلُقِي غِمْدُ
تَمُدُّ الْمعَالي نَحْوَ مَجْدِي رِقابَها
وَجُذَّتْ إذَا كَانَتْ لِغَيْريَ تَمْتَد
سَتَنْدُبُني الْفُصْحَى إذَا مِتُّ قَبْلَها
ومَاتَ الذَّي في النَّاسِ لَيْسَ لَهُ نِدُّ
إذَا قَلَّ مالِي فَالْقَنَاعَة ثَرْوَتِي
وَما كُثْر قَوْمٍ ما وَرَى لَهُمُ زَنْدُ
وَرُبَّ غَنٍّى في احْتِيَاجٍ إلَى يَدٍ
تَرُوحُ بما يَحْوِي مِنَ الْمالِ أَو تَغْدُو
أَرَى الْمَالَ مِثْلَ الْماء يَخْبُثُ رَاكِداً
وَيُزْكِيهِ الاسْتِعْمالُ والأَخْذُ الردُّ
وَكَيْفَ يُفِيدُ الْمالُ وَهْوَ بِحِرِزهِ
يُحيطُ بِهِ سُورٌ وَيَحْجُزُهُ حَدُّ
وَهَلْ قَطَعَ الصَمْصَامُ في جَوْفِ غمْدِهِ
وَهَلْ طَابَ نَشْراً قَبْلَ إِحْراقِه النَدُّ
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> يا ابنة َ السابقين من قَحْطانِ
يا ابنة َ السابقين من قَحْطانِ
رقم القصيدة : 62419
-----------------------------------
يا ابنة َ السابقين من قَحْطانِ
وتُراثَ الأمجادِ من عَدْنانِ
أنتِ علَمْتِني البيان فما لي(71/127)
كلّما لُحْتِ حار فيكِ بياني
رُبَّ حُسْنٍ يعوق عن وَصْفِ حُسْنٍ
وَجَمَالٍ يُنْسي جَمَالَ المَعَاني
كنْتُ أشدُو بَيْنَ الطُّيورِ بِذِكْرا
كِ فتعلو أَلْحَانَها ألحاني
وأصوغُ الشِّعرَ الذي يَفْرعُ النَّجْ
مَ وتُصْغِي لِجَرْسِه الشِّعْرَيانِ
ياابنة َ الضَادِ أنتِ سرُّ من الحُسْ
نِ تجلَّى عَلَى بَنِي الإِنسان
كنتِ في الْقَفْرِ جَنَّة ً ظلَّلَتْها
حالِياتٌ من الْغُصونِ دَواني
لغة ُ الفنِّ أنتِ والسحْرِ والشِّعْ
رِ ونُورُ الْحِجَا وَوَحْيُ الْجَنانِ
رُبَّ جَيْشٍ من الْحَديدِ تَوَلَّى
واجِفَ القلبِ مِن حَديدِ اللِّسانِ
وبيَانٍ بَنَى لِصاحِبِه الْخُلْ
دَ مُطِلاًّ مِن قِمَّة ِ الأْزمان
وقصِيدٍ قد خَفَّ حتَّى عَجِبْنا
كَيفَ نالَتْهُ كِفَّة ُ الأوْزانِ
بلغ العُرْبُ بالبلاغَة ِ والإسْ
لامِ أَوْجاً أعْيَا عَلَى كَيْوانِ
لَبِسوا شَمْسَ دَوْلة ِ الفُرْسِ تاجاً
ومَضَوْا في مَغافِرِ الرومان
وجَرَوْا يَنْشرون في الأرْضِ هَدْياً
مِنْ سَنا العِلْمِ أو سَنا القُرآن
لا تَضِلُّ الشُعُوبُ مِصْباحُها العِلْ
مُ يُؤاخِيِه راسِخُ الإِيمانِ
فإِذا أُطْفِىء َ السِّراجُ فَمْينُ
وضَلالٌ ما تُبْصِرُ العَينان
أينَ آلُ العبّاسِ رَيْحانَهُ الدهْ
رِ وأينَ الكِرامُ مِنْ مَرْوانِ
خَفَتَ الصَوْتُ لا البِلادُ بِلادٌ
يَوْمَ بانوا ولا المغَانِي مَغَاني
أزهرتْ في حِماهُم الضادُ حِينًا
وذَوَتْ بَعْدَهُمْ لِغَيْرِ أَوان
إِنْ أصاخَتْ فالقَوْلُ غيرُ فَصِيحٍ
أَوْرَنَتْ فالوُجوهُ غيرُ حِسان
فمضتْ نحوَ مِصرَ مِثْلَ قَطاة ٍ
فَزَّعَتْها كَوَاسِرُ العِقْبان
يكدُرُ العَيْشُ مرة ً ثم يَصْفو
كَمْ لِهَذِي الْحَياة ِ مِنْ أَلْوانِ
ثم هَبَّت زَعازعٌ تَرَكَتْها
بَيْنَ مُرِّ الأسَى وذُلِّ الهَوانِ
وإذا نَهْضَة ٌ تَدِبُّ بِمِصْرٍ
كَدَبِيبِ الْحَياة ِ في الأبْدان
وإذا اليَوْمُ باسمُ والليالي
مُشْرِقَاتٌ والدَهْرُ مُلْقِي العِنان(71/128)
وإذا الضَادُ تَسْتَعِيدُ جمَالاً
كادَ يَقْضي عَلَيْهِ رَيْبُ الزَمانِ
نزلتْ في حِمَى فُؤادٍ فأضْحَتْ
مِنْ أياديه في أعزِّ مَكان
مَلِكٌ شادَ لِلْكنانة ِ مَجْداً
فَسَمَتْ باسْمِهِ عَلَى البُلْدان
كُلَّ يَومٍ يَمُدُّ لِلْعِلْمِ كفّاً
خُلِقَتْ للْوَفاءِ والإِحْسان
إنّ دارَ العُلُومِ بِنْيَة َ إِسما
عِيلَ تُزْهَى بِه عَلَى كلِّ بانِ
مَنْ يُسامِي أبا المواهِبِ والأشْب
الِ في فَيْضِ جُودِهِ أو يُداني
هي في مِصْرَ كَعْبَة ٌ بَعَثَ الشَرْ
قُ إليْها طوائِفَ الرُّكْبان
قد أعادتْ عَهْدَ الأعارِيب في مِصْ
رَ إلى ناعمٍ من العَيْشِ هاني
وأظلَّتْ بِنْتَ الفَدافِدِ والبِي
دِ بِأَفْياءِ دَوْحِها الفَيْنان
دَرَجَتْ بَيْنَ فِتْيَة ٍ وشُيُوخٍ
كلُّهُمْ يَنْتَمِي إلَى سَحْبانِ
وأَطَلّتْ من الخِباءِ عَلَيْهِمْ
فَسَبَتْهُمْ بِسِحْرِها الفَتّانِ
فُتِنوا بالعُذَيْبِ والسَّفْحِ والجِزْ
عِ ووادِي العَقيقِ والصمَّانِ
يتلقَّوْنَ وَحْيَها كُلَّ حِينٍ
ويناجُون طَيْفَها كُلَّ آنِ
ويُغَنُّونَ باسمِها مثلَ
ما غَنَّى زُهَيْرٌ بِسِيرَة ِ ابْنِ سِنانِ
نثرتْ دُرَّها الفَريدَ فكانوا
أسْرَعَ الناسِ في الْتِقاطِ الجُمان
رُبَّ شَيْخٍ أفنَى سَوادَ الليالي
ساهِدَ العَيْنِ جاهِداً غَيْرَ واني
مِنْ بُحُوثٍ إِلَى كتابة ِ نَقْدٍ
ثُمَّ من مُعْجَمٍ إِلَى دِيوان
يَقْنِصُ الآبِداتِ عَزَّتْ على الصَّيدِ
فماسَتْ بَيْنَ الرُّبا والرِّعانِ
سارحاتٍ كأنّها قِطَعُ الوَشْي
يُطَرِّزْنَ سُنْدُسَ القِيعان
إِنْ تَسمَّعْنَ نَبْأَة ً غِبنَ في الرِي
حِ كَسِرٍّ يُصانُ بالكِتمان
فإِذا ما أَمِنَّ يَخرجْن أَرْسا
لاً كَخَيْلٍ نَشٍطْن من أرْسانِ
كلُّ جُزْءٍ في جِسْمِهِنَّ له عَيْ
نٌ على الشرِّ أو له أُذُنان
لم يَزَلْ صاحبي يُعالِجُ مِنْهُ
نَّ نِفارا مُسْتَعْصِياً ويُعانِي
في فلاة ٍ لا تَحْمِلُ الرِيحُ فيها
غير رَنَّاتِ قَوْسِهِ المِرنانِ(71/129)
كلّما طارَ خَلْفَهُنَّ تَسَرَّبْنَ
هَباءً في غَيْهَبِ النسْيان
فتراهُ حِيناً كما وَثَبَ اللَّيْ
ثُ وحِيناً يَنْسابُ كالأُفْعُوان
وهي تلهو به فَآنَّا تُجافِيهِ
وآنَّا تُمْلِي له فَتُداني
مرة ً في مدَى يَدَيْهِ وأُخْرَى
ماله باقْتِناصِهِنَّ يَدانِ
لم يَقِفْ نادِماً يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ
فَعَالَ الْمُجَوَّفِ الْحَيْرانِ
ثم كانت عَواقِبُ الصَبْرِ أَنْ ذَلَّتْ
له الشَارِداتُ بَعْدَ الحِران
مَلَّكَتْهُ أعْناقَها في خُضوعٍ
وَحَبَتْه قِيادَها في لَيان
رَبَّ شِعْرٍ لَه يُرَدِّدُه الدهْ
رُ فتُصْغِي مَسامِعُ الأكوان
يَتَمَنَّى الربيعُ لو تَخِذَتْ مِنْهُ
حُلاها ذَوائِبُ الأغْصان
من بَناتِ الخيالِ لو كان يُسْقَى
لَعَدَدْناه من بَناتِ الدِّنان
ردّدَتْه القِيانُ يُكْسِبْنَهُ حُسْناً
فأرْبَى عَلَى جَمالِ القِيانِ
قد أثارَ الغُبارَ في وَجْهِ مَيْمُو
نٍ وَعَفَّى عَلَى فَتَى ذُبْيان
شيخَة َ الدارِ أنْتُمُ خَدَمُ الفُصْ
حَى وحُرَّاسُ ذلكَ البُنْيانِ
لَبِسَتْ جِدَّة َ الصِّبا في ذراكُمْ
وغَدَتْ من حُلاه في رَيْعان
غَيْرَ أنَّ الحياة َ تَعْدُو ولا يُدْ
رِكُ فيها طِلاَبَهُ المُتوانِي
سابِقوها بالدِينِ والْخُلُقِ السَّ
مْحِ وصِدْقِ الوَفاءِ للإِخْوانَ
سابِقوها بالْجِدِّ فالجِدُّ
والمَجْدُ كما شاءتْ العُلا نَؤمان
ذلِّلُوا للشَبابِ مُسْتَعْصِيَ الفُصْ
حَى فإنَّ الرَجَاءَ في الشبّان
وانثُرُوها قَلائداً وعُقُودا
تَتَحَدى قَلائدَ العِقْيانِ
بَسَم الدهرُ أَنْ رآكم بِناءً
عَبْقَرِياً مُوَطَّدَ الأركان
كم رَجا الدهْرُ أَنْ يُشاهدَ يَوْماً
جَمْعكم سالماً من الشَنَآن
إِنّما الكَفُّ بالبَنانِ ولا تُج
دِي فَتِيلاً كَف بغير بَنان
جَمعتْكُمْ أَواصِرٌ وصِلاتٌ
طَهُرتْ من دَخائلِ الأضْغانِ
فاسلُكوا المَهْيعَ القويم وسيروا
في شُعاعِ المنى وظِلّ الأماني
واشكروا للوزير بِيضَ أيادِ
يه ومِدْرارَ فَيْضِهِ الهَتّان(71/130)
يَبْذُلُ الْخَيْرَ فِطْرَة ً ليس يَثني
هِ عن الْخَيْر والصَنيعَة ِ ثاني
هو ذُخرُ الطُلاّبِ كَمْ وَجدُوا فيه
أمانامن طارقِ الحدثانِ
يَبْعَثُ الغَيْثَ والرجاءَ لقاصٍ
ويَمُدُّ اليَمينَ بِرّاً لِداني
كم له مِنَّة ٌ عَلَى الضَادِ هَزَّتْ
كُلَّ لَفْظٍ فيها إلَى الشكْرانِ
سَعِدَ العِلْمُ واسْتَعَزَّ بِحِلْمِي
وغَدَا دَوْحُهُ قريبَ المَجاني
سار مُسترشداً بِهَدْي مَلِيكٍ
ما لَهُ في أصَالة ِ الرَأْي ثاني
مَلِكُ تَسْعَدُ البِلادُ بِنُعْما
هُ ويُزْهَى بنورهِ القَمَران
عاشَ للدِينِ والمَكارِمِ والنُّبْ
لِ وَبَثِّ الْحَياة ِ والعِرْفان
ولْيَعِشْ للبِلادِ فاروقُ مِصْرِ
قُدْوَة َ الناهِضِينَ رَمْزَ الأَماني
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> أَبْصَرْتُ أَعْمَى فِي الضَبابِ بِلَنْدَنٍ
أَبْصَرْتُ أَعْمَى فِي الضَبابِ بِلَنْدَنٍ
رقم القصيدة : 62420
-----------------------------------
أَبْصَرْتُ أَعْمَى فِي الضَبابِ بِلَنْدَنٍ
يَمْشِي فَلاَ يَشْكُو وَلاَ يَتَأَوَّهُ
فأَتَاهُ يَسْأَلُهُ الْهِدَايَة َ مُبْصِرٌ
حَيْرَانُ يَحْبِطُ فِي الظلاَمِ وَيَعْمَهُ
فَاقْتَادَهُ اْلأَعْمَى فَسَارَ وَرَاءَهُ
أَنَّى تَوَجَّهَ خَطْوُهُ يَتَوَجَّهُ
وَهُنَا بَدَا الْقَدَرُ الْمُعَرْبِدُ ضَاحِكاً
وَمَضَى الضبابُ ولا يَزَالُ يُقَهْقِهُ
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> دَعْوتُ بَيانِي أن يفَيضَ فَأَسْعدَا
دَعْوتُ بَيانِي أن يفَيضَ فَأَسْعدَا
رقم القصيدة : 62421
-----------------------------------
دَعْوتُ بَيانِي أن يفَيضَ فَأَسْعدَا
وَنادَيْتُ شِعري أن يُجيبَ فغَرَّدا
وأبْدعْتُ نَظْماً كالرَّبيع مفوَّفاً
يُجَمِّلُ عَصْراً كالشبَّابِ مُجدَّدا
وما الشِّعرُ إلاّ تَرْجُمانٌ مُخلَّدٌ
يَقُصُّ على الأجيْالِ مَجداً مُخَلَّدا
فَلَولا السَّجَايا الغُرُّ ما قال قَائِلٌ
ولولا فؤادٌ ما غَدَا النِّيلُ مُنْشِدَا(71/131)
فَسَلْسَالهُ أَضْحَى بِنُعْمَاهُ كَوْثَرا
وقِيعَانُه أمستْ بِمَسْعاه عَسْجَدا
مَليكٌ حَبَتْه مِصرُ مَحْضَ وَلاَئِها
صَمِيماً وأوْلَى مِصرَ عِزّاً وسُؤدَدا
أصاَلة ُ عَزْمٍ أَخْجَلَتْ كلَّ صَارِمٍ
مِنَ البيضِ حَتَّى خاف أنْ يَتَجَرَّدا
وَرَأْيٌ كَوَجْهِ الصُّبْحِ ما ذَرَّ نُوره
على مُدْلَهِمِّ الْخَطْبِ حتَّى تَبَدَّدا
ووّجْهٌ كأنوارِ اليَقِينِ رَأيْتُه
فأبْصَرَتُ فيه المجْدَ والنُّبْلَ والنَّدَى
أَلمْ يُعْلِ صَرْحَ العِلْمِ شُمّاً قِبَابُه
تُطَالِعُهَا زُهْرُ الكواكِبِ حُسَّدَا
فَمِنْ مَعْهَدٍ يُبْنَى على إِثْرِ مَعْهَدٍ
إلى أنْ غَدَتْ أرضُ الكنَانة ِ مَعْهَداً
زُهِينَا على الدُّنْيا بِجَامِعَة ٍ غَدَت
حَدِيثاً بأُذْنِ الشَّرْقِ حُلْواً مُرَدَّدا
تَرُدَّ الشَّبَابَ الغَضَّ حَزْماً وَحِكْمَة ً
وتَصْقُلُه صَقْلَ القُيونِ المُهَنَّدا
تُزَوِّدُهُ التَّوفيقَ في كلِّ مَطْلَبٍ
وَمَنْ طَلَبَ العِلْمَ الجلِيلَ تَزَوَّدا
غَدَتْ دَوْحَة ً فَيْنَانَة ً حُلْوَة َ الْجَنَى
بَعيدَة َ مَدِّ الظِّلِّ فَيَّاحَة َ المَدَى
غَرَسْتَ وهذا فضلُ ما قد غَرَسْتَه
وهذا هوَ الغُصْنُ الذي كان أَمْلَدا
تَعَهَّدْتَه كالزَّارعِ الطَّب نَوْمُه
غِرَارٌ إلى أن يُبْصِرَ الزَّرْعَ أَحْصَدا
بِكَفِّ من الإِحْسانِ وَالرِّفقِ صُوِّرَتْ
وعَيْنٍ تَرَى في يَوْمها ما تَرَى غَدَا
كَذاكَ ابنُ اسماعيلَ يَنْتَهِبُ المُنَى
دِرَاكاً ويَمْضِي لِلْمَحَامِدِ مُصْعِدَا
وَيُدْرِكُ ما يُعْيِى الْجَحَافِلَ وَحْدَهُ
وَيَبْلُغُ شَأْوًا يُعْجِزُ الْجْمعُ مَفْرَدا
وَيَسعى إلى أنْ يُذْهِلَ النَّجْمَ سَعْيُه
ويَبذُلُ حَتى يُدْهِشَ الْجُودَ وَالْجَدا
ويَرْقب رَبَّ العَرْشِ فِما يُريدُه
ويَنْصُرُ دِينَ الْحَقِّ والنُّورِ والهُدَى
إذا مَا انْتَهَى مِنْ مَقْصِدٍ لانَ صَعْبُه
دعاهُ هَوى مِصرٍ فجدَّدَ مَقْصِدا(71/132)
رُوَيْدَكَ أجهَدْتَ المؤَرِّخَ ما وَنَى
ولا فَارَقْتَ يَوْماً يَرَاعَتُه اليَدَا
هَزَزْتَ إلى التَّأْلِيفِ كُلَّ مُبَرِّزٍ
أَدِيبٍ إِذَا مَا أَرْسَلَ الفِكْرَ سدَّدا
فَفَاضتْ بجَدْواكَ العقولُ وَبلَّلَتْ
بمصْرَ ظِماءً كان حَرَّقهَا الصَّدَى
ففي كلَّ يومٍ لِلْعُلُومِ مُجَلَّدٌ
حَقيقٌ بما أسْدَيْتَ يَتْلُو مُجلَّدا
سلوا مكْتَباتِ الْعِلْمِ تنْطِقُ كُتْبُهَا
بآثارِ مَجْدٍ يَنْتَمِينَ لأَحْمَدَا
وَمَنْ يَبْنِ فَوْقَ العِلمِ وَالعدلِ مُلكَه
رَفيعاً فَقَدْ أَرسَى الأساسَ ووطَّدا
بَهرْتَ رجالَ العلم في الغَرْبِ فَانْثَنَوْا
إليكَ يَسوقونَ الثنَاءَ المنَضَّدا
وأَوْلَوْكَ أَلْقَاباً نَواصعَ كالضُّحَا
ضِخاماً على آثارِ فَضْلِكَ شُهَّدا
وأَصْبَحتَ رَمْزاً عالَمِيًّا سَعتْ له
جِهابِذُ أهلِ الأرضِ مَثْنَى وَمَوْحَدا
فِخاراً أبا الفارُوقِ لم يَبْقَ مَنهَجٌ
إلى العلمِ إلاَّ صار سَهْلاً مُعَبَّدا
تَطَلَعتِ الآمالُ شرْقاً وَمَغْرِباً
فَلم تَجدِ الآمالُ إلاّكَ مَعقِدا
وحامًتْ قُلوبُ الشَّعبِ حَولكَ مِثْلمَا
تَحومُ عِطَاشُ الطَيْرِ أَبْصَرنَ مَوْرِدا
فَعِشْ لِبني مِصرٍ غِياثاًوَرحمة ً
فآمالهم في أن تَعيشَ وَتَسْعَدا
وَعَاشَ وَليُّ العهدِ قَرَّة َ أَعْيُنٍ
وَدامَ مِنَ اللّهِ العزيزِ مُؤَيَّدا
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ
رقم القصيدة : 62422
-----------------------------------
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ
الأرضُ مسكٌ وهمسُ الدوحِ الحانُ
هل الحِسانُ على العهدِ الذي زعمت
وهل رِفاقُ شبابي مثلَما كانوا
أين الصبا أين أوتاري وبهجتُها
طوت بساط لياليهنَّ أزمان
أرنو لها اليومَ والذكرى تُؤرِّقني
كما تنبَّه بعد الْحُلمِ وسنان
هَبْني رجعتُ إلى الأوتارِ رنَّتَها
فهل لَشرْخِ الصبا واللهوِ رُجْعان(71/133)
لا الكأس كأسٌ إذا طاف الحباب بها
بعد الشبابِ ولا الريحانُ ريحان
ما للخميلة ِ هل طارت بلابلُها
وصَوَّحتْ بعد طول الزَهْوِ أفنانُ
وهَل رياضُ الهوى ولَّت بشاشتُها
وغادرْت ضاحكَ النُوَّارِ غُدران
كم مَد غصنٌ بها عيناً مشرَّدة ً
إلى قدودِ العذارى وهُو حيران
لقد رأى البانَ لا تسعَى به قدمٌ
فيالدَهْشتِه لمّا مشى البَانُ
غِيدٌ لها من شذَى لُبنانَ نفحتُه
ومن مجانيه تُفَّاحُ ورمَّان
من نَبْعِه خُلِقَتْ مابالُها صرفتْ
سِرْبَ الشفاه الحيارَى وهو ظمآن
عينان أسكرتا شعري فإن عَثَرَتْ
به السبيلُ فعذراً فهو نشوان
وطلعة ٌ كخدودِ الزهرِ غازلها
من الأصائِل أطيافٌ وألوان
من الملائِك إلاَّ أنها بشرٌ
وأنَّ نظرتَها البَهماءِ شَيْطَانُ
للّه أيامُنا الأولَى التي سلفتُ
وللصبابة ِ مَيْدانٌ ومَيدان
والحبُّ كالطير رَفَّافٌ على فَنَنٍ
له إلى الإلْفِ تغريدٌ وتَحنان
هيمانُ والماءُ في لُبنانَ عن كَثَبٍ
لكنّه بسوَى الأمواهِ هيمان
بدت له جارة ُ الوادي الخصيبِ ضُحاً
كلُّ الأحبة ِ في لُبنانَ جيران
فأرسل العينَ في صمتٍ بلاغتُه
بكلِّ ما قال في دنياه سَحْبان
وللعيُونِ أحاديثٌ بلاكلِمٍ
وكم لها في الهَوى شرحٌ وتبيان
والحبُّ سِرٌّ من الفِرْدوسِ نَبْعَتُهُ
وخيرُ ما يحفَظُ الأسرارَ كتمان
رنا لها فتمادتْ في تَدلُّلها
العينُ غاضبة ٌ والقلبُ جذْلانُ
وغطَّتِ الوجهَ بالمِنْديلِ في خَفَرٍ
كما تَوارَى وراءَ الشكِّ إيمانُ
وأعرضتْ وإباءُ الغِيدِ لُعْبَتُها
فكلّما اشتدّ عُنْفاً فهو إذعان
إنَّ العذارَى حماك اللّهُ أحْجِيَة ٌ
بها النفورُ رضاً والحقُّ نُكْران
هَزَزْتُ أوتارَ شعري حول شُرْفَتها
كما ترنّم بالأسحارِ رُعْيان
شعرٌ من اللّه تلحيناً وتهْيئَة ً
لا النَّايُ نايٌ ولا العيدانُ عِيدان
إذا شدا أنصتتْ أُذْنُ الوجودِ له
وللوجودِ كما للناس آذان
شدا لها فرأى ليلُ الهوى عَجَباً
ولْهى يجاذُبها الأشواقَ ولهان(71/134)
رَيّا حوت فتنة َ الدنيا غلائلها
يضمُّها شاعرٌ للِغيد صَدْيَانُ
لانتْ لشعري كما لانتْ معاطفُها
والشعرُ سِحرٌ له بحرٌ وأوزان
فتنتُها حينما همّتْ لتفتِنَني
والشعرُ للخفراتِ البِيضِ فتّان
سلاحُها لحظُها الماضي وأسلحتي
فَنٌّ يجرِّدُه للغزوِ فَنّان
كان الشبابُ شفيعي في نضارتِه
الزهرُ مؤتِلقٌ والعودُ فَيْنان
ماذا إذا لمحتني اليومَ في كِبَري
وملءُ بُرْدَيَّ أسقامٌ وأَشجان
طويتُ من صَفَحاتِ الدهرِ أكثَرها
وَعرَّقتني تصاريفٌ وحِدثان
إني كتابٌ إلى الأجيال تقرؤهُ
له التغنِّي بمجدِ العُرْبِ عُنوان
مجدٌ على الدهرِ مذ كانت أوائلُه
ودولة ٌ لبني الفُصحى وسُلطَانُ
صَوَارِمٌ ريعت الدنيا لوثبتِها
وحُطِّمتْ صَوْلَجاناتٌ وتيجان
الناسُ عندهُمُ أبناءُ واحدة ٍ
فليس في الأرض ساداتٌ وعُبْدان
تراكضوا فوقَ خيلٍ من عزائمهم
لهم من الحقِّ أَسْيافٌ وخُرْصان
وكلّما هدموا لِلشركِ باذِخة ً
اُقيم للدينِ والقِسْطاسِ بُنيان
في السلم إن حكموا كانوا ملائكة ً
وفي لَظى الحرب تحتَ النقْعِ جِنَّان
أقلامُهم سايرتْ أَسيافَ صولتِهم
للسيفِ فتحٌ وللأقلامِ عِرفان
فأين مِن شرعِهم روما وما تركت
وأين من علمهم فُرْسٌ ويونان
كانوا أساتذة َ الآفاقِ كم نهِلتْ
من فيضِهم أممٌ ظَمْأَى وبُلدانُ
كانوا يداً ضمّت الدنيا أصابعُها
ففرّقتْها حَزازاتٌ وأضغان
تنمرّ الغربُ واحمَّرت مخالبُه
وأرهفت نابَها للفتكِ ذُؤبان
ثاراتُ طارقٍ الأولى تُؤَرِّقُهم
وما لما تتركُ الثاراتُ نسيان
تيقّظ الليثُ ليثُ الشرقِ محتدماً
فارتجَّ منه الشرى واهتزَّ خَفَّان
غضبانَ ردَّ إلى اليافوخِ عُفْرَتَه
وَمَنْ يصاولُ ليثاً وهو غضبان
لقد حَمْينا أُباة َ الضيمِ حَوْزَتَنا
من أن تُباحَ ودِنَّاهُم كما دانُوا
بني العروبة ِ إنَّ اللّه يجمعُنا
فلا يفرِّقنُا في الأرضِ إنسان
لنا بها وطنٌ حرُّ نلوذُ به
إذا تناءت مسافاتٌ وأوْطَانُ
غدا الصليبُ هلالاً في توحُّدِنا(71/135)
وجمّع القومَ إنجيلٌ وقرْآن
ولم نبالِ فُروقاً شَتَّتتْ أُمماً
عدنانُ غسّانُ أو غسّانُ عدنان
أواصرُ الدّمِ والتاريخِ تَجمعُنا
وكلُّنا في رِحابِ الشرقِ إخوان
قلبي وفيضُ دموعي كلّما خطرتْ
ذكرى َ فِلَسْطين خفَّاقٌ وهتَّان
لقد أعاد بها التاريخُ أنْدلُساً
أخرى وطاف بها للشرِّ طوفان
ميراثُنا في فتى حِطّينَ أين مضى
وهل نهايتُنا يُتْمٌ وحِرمان
ردّوا تراثَ أبينا ما لكم صِلَة ٌ
به ولا لكمُ في أمرِنا شان
مصيبة ُ بِرم الصبرُ الجميلُ بها
وعّز فيها على السُلْوانِ سلوَانُ
بنى فلسطين كونوا أُمَّة ً ويداً
قد يختفي في ظِلالِ الوردِ ثُعبان
وكيف يأمنُ رُعيانٌ وإن جَهِدوا
إذا تردَّى ثيابَ الشَاءِ سِرْحان
ومصرُ والنيلُ ماذا اليْومَ خطبُهما
فقد سَرى بحديثِ النيلِ رُكْبان
كنانة ُ اللّه حصنُ الشرقِ تُحرسُه
شِيبٌ خِفافٌ إلى الْجُلَّى وشُبَّان
أَبَوْا على القسر أن يرضَوْا معاهدة ً
بكل حرفٍ بها قيدٌ وسَجّانُ
وكم مَشَوْا للقاء الموتِ في جَذَلِ
والموتُ منكمشُ الأظفارِ خَزْيان
لكل جسمٍ شرايينٌ يعيشُ بها
ومصرُ للشرقِ والإسلامِ شِرْيان
بني العروبة مُدّوا للعلوم يداً
فلن تُقامَ بغيرِ العلمِ أركانُ
جمعتُمُ لشبابِ الشرقِ مؤتمراً
بمثله تزدهى الفصحى وتزدان
فقرِّبوا نَهجهم فالروحُ واحدة ٌ
وكلُّهم في مجالِ السبقِ أقران
لا تبتغوا غيرَ إتقانٍ وتجربة ٍ
فقيمة ُ الناسِ تجريبٌ وإتقان
وحبِّبوا لغة َ العُرْبِ الفصاحِ لهم
فإنّ خِذلانها للشرق خذلان
قولوا لهم إنّها عنوان وحدتهم
وإنّهم حولَها جندٌ وأعوان
وكمِّلوهم بأخلاقٍ ومَرْحَمة ٍ
فإنّما المرءُ أخلاقٌ وِوِجْدان
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> جَمَعَ الشُّجُونَ وَبدَّدَ الأَحْلاَمَا
جَمَعَ الشُّجُونَ وَبدَّدَ الأَحْلاَمَا
رقم القصيدة : 62423
-----------------------------------
جَمَعَ الشُّجُونَ وَبدَّدَ الأَحْلاَمَا
خَطْبٌ أَنَاخَ بَكلْكَلٍ وأَقَامَا(71/136)
أَخْلَى الكِنَانَة َ مِنْ أَمَرِّ سِهَامِها
عُوداً وَرَاع النِيلَ والأَهْرَاما
وعدَا عَلَى رَوْضِ الشَّبابِ وظِلِّه
فَغَدا بِه رَوْضُ الشَّبَابِ حُطَاما
غُصْنَان هَزَّهُمَا الصِّبَا فتَمَايلا
وسَقَاهُما الأَمَلُ الرَّوِيُّ جِمَاما
نَجْمان غالهُما الزَّمانُ فأصْبحَا
بَعْدَ التَّألُّق والسُّطُوعِ رُكَاما
نَسْران لو رَضِيَ القَضَاءُ لحلَّقا
دَهْراً على أُفُقِ الدِّيارِ وَحَاما
اِبْكِ الشَّبَاب الغَضَّ في رَيْعَانِه
وأَفِضْ عَليه مِنَ الدُّمُوعِ سِجَاماَ
وانثر أزاهيراً على الزهرالذي
كانت له كل القلوب كمامَا
وابْعَثْ أَنينَكَ للسَّحابِ شِكَاية ً
فإلاَمَ تحْتَبِسُ الأَنِينَ إِلاَما
لَهْفِي عَلَى أَمَلٍ مَضَى في لَمْحَة ٍ
لَوْ دَامَ في الدُّنْيا السُّرُورُ لَدَاما
لمْ نَشْكُرِ الأَيَّامَ عند بَرِيقِه
حَتَّى أَخَذْنَا نَشْتَكِي الأَيَّاما
لم تَلْمَحِ الْعَيْنُ الطَّمُوحُ شعُاعَه
حَتَّى رَأَتْ ذَاكَ الشُّعاعَ ظَلاَما
حَجَّاجُ لاقيْتَ اليقينَ مُكَافِحاً
بَطَلاً وياشُهْدِي قَضَيْتَ هُمَاما
رَكِبَا الهَوَاءَ وكلُّ نفْسٍ لَو دَرَتْ
غَرَضٌ تَنَازَعُهُ المنُونُ سِهَاما
والمَوْتُ يَلْقَى الأُسْدَ في عِريسِها
ويَغُولُ حَوْلَ كِناسِها الآرَاما
لا الدِّرْعُ تُصْبِحُ حينَ تَبْطِشُ كفُّه
دِرْعاً ولاَ السَّيْفُ الْحُسَامُ حُسَاما
رَكِبَا جَمُوحَ الْجَوِّ يَلْوِي رَأْسَه
كِبْراً ويَأْنَفُ أَنْ يُنيلَ زِمَاما
في عاصِفَاتٍ لم تُزَعْزِعْ مِنْهُما
عزْماً كَحَدِّ السَّيْفِ أَوْ إِقْدَاما
والْجَوُّ أَكْلَفُ والسَّماءُ مَرِيضَة ٌ
واللَّيْلُ دَاجٍ والْخُطُوبُ تَرَامَى
والمْوتُ يَخْفِقُ في جَنَاحَيْ جَارِحٍ
مَلأَالفَضَاءَ شَرَاسَة ً وعُرَاما
بسَمَا إلى الْخَطْب العَبُوسِ وإنّما
يَلْقَى الكميُّ قَضَاءَه بَسّاما
لَهْفِي عَلَى البَطَلين غالَهُما الرَّدَى
لَمْ يَمْلِكا دَفْعاً ولاَ إِحْجَاما(71/137)
المَوْتُ تَحْتَهما يَصُولُ مُخَاتِلاً
والمَوتُ فوقَهما يَحُومُ زُؤَاما
ثَبَتَا لِحُكْمِ اللّه جَلَّ جَلاَلهُ
والْخَطْبُ يَلْقَاه الكِرَامُ كِرَاما
والسَّيْفُ أَكْثَرُ ما يُلاقِي حَتْفَه
يومَ الكَرِيهة ِ صَرماً صَمْصَاما
قد يُنْسىء ُ المَوتُ النِّمالَ بِجُحْرِها
ويَغُولُ في آجَامِه الضِّرْغَاما
ياهَوْلَها من لَحْظَة ٍ لا نَارُها
بَرْدٌ ولاَ كَان اللَّهِيبُ سَلاَما
هَلْ أَخْطَرا فِيها عَلَى بَالَيْهما
النيلَ والآباءَ والأَعْمَاما
والمَوْطِنَ الصَّدْيَانَ يَرْقُبُ عَوْدة ً
وَيْلاَه قَدْ عادَا إِليهِ رِمَاما
أَتَقَاسَما فيها الوَدَاعَ بلَفْظَة ٍ
أَمْ لَمْ تَدَعْ لَهُما المَنُونُ كلاَما
هل فكَّرا في الأُمِّ تندُب حَظَّها
والزَّوْجِ تُسْكِتُ وَالهِينَ يَتَامَى
إنّ السَّلامَة َ قد تَكونُ مَذَلَّة ً
ويَكُونُ إقْدامُ الجريء حِمَاما
والمرءُ يَلْقَى باختيارِ كِلَيْهِما
حَمْداً يُحلِّقُ بِاسْمِه أَوْ ذَاما
والمَجْدُ يَعْتَدُّ الْحَيَاة َ قَصِيرة ً
ويَرَى فَناءَ الْخَالِدِين دَوَاما
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> وَقَفْتَ تُجدِّد آثَارَها
وَقَفْتَ تُجدِّد آثَارَها
رقم القصيدة : 62424
-----------------------------------
وَقَفْتَ تُجدِّد آثَارَها
وتُنْشِرُ للعُرْب أشْعَارَها
وتَرْجِعُ بَغْدادَ بعد الفَنَاءِ
تُحدِّثُ للنَّاسِ أَخْبارَها
وتَبْعَثُ حَسَّان من رَمْسِهِ
وتُحِيي عُكاظَ وسُمَّارها
بِشِعرٍ له نَبَراتٌ تَهُزُّ
نِياطَ القُلوبِ وأوْتَارِها
أطاعتْ قوافيه بعد الشماس
جريء القريحة جبّارها
ونظم له نَفَحَاتُ الرِّياضِ
إذَا نَقَّط الطَّلُّ أزهارَها
فمِن حِكمة ٍ عَلَّمتْها السِّنونَ
حِوارَ النفُّوسِ وإِسْرَارَها
لها صَفْحَة ُ الْكَوْن مَنْشورة ٌ
يُتَرْجم بالشّعر أَسْطارَها
وتَشْبِيبِ لاهٍ لَعُوبِ الشَّبابِ
يُناجي السّماءَ وأقْمارَها
تراه وَظِلُّ الصِّبَا وارفٌ(71/138)
جَموحَ العَرِيكة ِ مَوَّارَها
يُغَني كَما صَدَحت أيْكة ٌ
وقد نَبَّهَ الصبحُ أطيارها
ويَبْكي فَيُبْكي رُسومَ الديارِ
حَنَاناً عَليه وآثارها
ويَنْسَبُ حتى يَلينَ الهَوَى
وتَقْضي الصَبَابة ُ أَوْطارها
وتنْسَى الكواعبُ آيَ الحِجابِ
وتَبْكي العَجائزُ أعمارَها
وتصْويرِ طَبٍّ صنَاع اليَدَيْن
حَبَتْه الطَّبيعة ُ أَسرارها
كأنَّ رُفائيلَ في كَفِّهِ
يُعيدُ الفُنونَ وأَعْصارها
يُريك إذا خَطَّ في طِرْسِه
حياة َ القُرون وأدْوَارها
ويَرْسُم أندُلُساً باليَرَاعِ
فتلمِسُ كفُّك أَسْوارها
وإن وَصَف الحربَ خِلْتَ الْحِرابَ
تَسُدُّ من الأرض أقطارها
فتُمْسِكُ جَنْبك ذعراً تخافُ
قَناها وتَرْهَبُ بتَّارها
أشَوْقِي وأنت طَبيبُ النُّفوسِ
وَضَعْت عن النفس آصارَها
نَصَرْتَ الفَضيلة َ مِن يَعْدِ أنْ
طَوَاها الزمانُ وأنْصَارَها
وجِئْتَ لمِصْرَ كعيسى المسيح
تُفَتِّحُ للنّور أَبْصَارَها
بِآيٍ تُفَصِّلَها مُحْكَمَاتٍ
كأنَّ مِنَ الوَحْى أَفْكارَها
تَرُدُّ الشبِيبَة َ للصالحاتِ
وتَرْجِعُ للدِّين هَتَّارَها
جَزَيْتُ بِشِعْرِك شعراً وهل
تُجازِي الخمائلُ أمطارَها
فكنتَ شَريفَ قَوافي البَيانِ
وكنتُ بِفَضْلك مِهْيارَها
فَغَرِّد كما شِئْتَ لافُضّ فُوكَ
وعِش بَطَلَ الضّادِ مِغْوارها
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> ذَاكَ لأْلاؤهُ وهذا رُراؤُه
ذَاكَ لأْلاؤهُ وهذا رُراؤُه
رقم القصيدة : 62425
-----------------------------------
ذَاكَ لأْلاؤهُ وهذا رُراؤُه
والضيِّاءُ الِذي تَرَوْنَ ضِياؤُهْ
وبَهاءُ الرِّياضِ كَللَها الغَيْ
ثُ فتَاهَتْ بنَوْرِهنّ بَهاؤُهْ
والنَّسِيمُ الذِي جَرَى طَيِّبَ النَّشْ
رِ جَرَى ذِكْرُهُ به وثَناؤه
ذاك وَجْهُ المَلِيكِ وَجْهُ أبي الفا
رُوقِ هذَا سَنَاهُ هذَا سَنَاؤه
ظَهَر الرَّكْبُ والقُلُوبُ حَوَاليْ
هِ تُرَجِّيهِ والنُّفوسُ فِدَاؤه
تَجْتَلِيِه العُيُونُ مُسْتَبْشراتٍ(71/139)
وبَريقُ السُّرور فيها وماؤُه
وهُتَافُ الإِخْلاَصِ يَخترِق الْج
وَّ فُتمْليِه واضحاُ أَصْدَاؤه
وَدَّتِ النَّيِّراتُ لو هَبَطَتْ فِي
هِ فزَاد ازْدِهاءَهُنَّ ازْدهاؤُه
مَوْكِبُ لم يَنَلْهُ رَمْسِيسُ ذو التَّا
جَيْن في عَصْرِهِ ولا خُلَفاؤه
حَكَموا شَعْبَهمْ ولم يَملكُوهُ
مِقْوَدُ الشَّعْبِ حُبَّهُ ووَلاؤُه
عَاد للقُطرِ ربُّهُ مثلَما عا
دَ إلى المِدْنَفِ العَلِيل شفاؤُه
وَبَدا كالصَّبَاحِ فانْهَزَمَ اللَّيْ
لُ ووَلَّتْ مَذْعُورة ً ظَلْماؤه
مَلِكٌ شَادَ لِلْكنَانة ِ مَجْداً
أحْكَمَتْ وَضْعَ أُسِّهِ آباؤُهْ
كُلُّهمْ كانَ لِلْمحامِدِ بَنّا
ءً أبِيّاً عَلَى الزَّمَانِ بِناؤه
هِمَّة ٌ تَفْرَغُ السَماءَ وعَزْمٌ
لَيْسَ للسَّيْفِ حَدُّهُ ومَضَاؤه
ونَفَادٌ في المُعْضِلاتِ برَأْيٍ
ثَاقِبٍ يَكْشِفُ الغُيوبَ ذَكاؤه
ومُحَيّاً فيه مِنَ اللّه سِرٌّ
كادَ يُغْشِيِه نُورُهُ وحَيَاؤُه
صَفْحَة ٌ خَطَّها الإلهُ ففيها
أَلِفُ النُّبْل لو قَرَأْتَ وياؤُه
بَهَرَ الغَرْبَ طَلْعَة ٌ مِنْك كادَتْ
تَتَمَشَّى شَوْقاً لها أَرْجَاؤه
لَمَحُوا عِزَّة ً وشَامُوا بِكَفَّيْ
كَ غَمَاماً هَتَّانة ً أَنْدَاؤه
وبَدَا للْعُيونِ والدُكَ المِسْمَا
حُ تُحْيِيهِ ثانياً أَبْناؤه
فِيكَ منهُ الْجَبينُ والْخُلُقُ الرَحْ
بُ وبُعْدُ المَدَى وفِيكَ إِبَاؤه
لُحْتَ فيهم فأدْرَكُوا صَوْلَة َ الشَّرْ
قِ ومَرَّتْ بِذِكْرِهم أَنْبِياؤه
ورَأوْا في الْجَلالِ تُوتَّنْخَموناً
صَاعِداً جَدُّه رَفِيعاً لِواؤُه
أَيْنما سَارَ فالْعُيونُ نِطَاقٌ
وقُلوبُ المُجَاهِدينَ وِقَاؤُه
تَتَمَشَّى في رَكْبِه الشَّمْشُ إِكْبَا
راً ويَنْشَقُّ عَنْ سَنَاها رِدَاؤُه
أَنْتَ أعْلَى كَعْباً وأبْقَى عَلَى الدَّهْ
رِ وإِنْ زَاحَم اُلْخُلودَ بَقاؤُه
لَو وَزَنّا بما أَقَمْتَ من الدُّسْتُ
وِر آلاءَه اخْتَفَتْ آلاؤه
عَجَز الدَّهْرُ أَنْ يُحِيطَ بمَعْنا(71/140)
كَ وأَلْقَتْ قِيادَها شُعَراؤُه
إنَّ مَنْ رامَ لِلْكَواكِبِ عَدّاً
يَتَساوَى ابتداؤُهُ وانْتهاؤه
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> أَخرجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ
أَخرجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ
رقم القصيدة : 62426
-----------------------------------
أَخرجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ
هَاتِ ما شِئتَ من قَرِيضكَ هَاتِ
زَهَرَاتُ تَتِيهُ بالغُصْنِ زَهْواً
وغُصونٌ تَتِيهُ بالزَّهَرات
صَيَّرتْ صفْحَة َ الرِّياضِ سماءً
وَتَجنَّتْ فيها عَلَى النَّيِّرات
لم تُفارِقُ كِمَامَها وشذاها
يَنْشُرُ الطِّيبَ في جَمِيع الْجِهات
تَرْهبُ الرِّيحُ أن تَخذَّ لَهَاخَ
دًّا فَتَجْرِي في خَشْيَة ٍ وأناة ِ
مُصْغِياتٌ إذا الْحَمائمُ رَنَّتْ
بين تلكَ الْخمائِلِ النَّضِرَات
ضاحِكاتٌ إذا بَكَى عابس الْغَيْ
ثِ وفاضتْ عَيْناه بالعَبَرَات
وإذا ماجَرَى الغَدِيرُ تدَانتْ
لتُحَيِّي الغَدِيرَ بالقُبُلات
إِنَّ للرَّوْضِ في مَعانِيه حُسْناً
فَوْقَ حُسْنِ الَمَلامِحِ الفاتِنَات
كَمْ مِنَ الزَّهْرِ فيه مِنْ سِحْرِ عَيْنٍ
ومِن النَّبْتِ فيه مِنْ قَسَمَات
فانظُر الرَّوضَ لا تَرَى غَيْرَ تِبْرٍ
من تُرَابٍ ودُرة ٍ مِن حَصَاة ِ
حَبَّة ٌ أَنْبَتتْ سنابلَ سَبْعاً
ثُمَّ مِلءَ الفَضَاءِ من سُنْبُلاتِ
ونَواة ٌ جادتْ بنَخْلٍ ونَخْلٍ
وَارِفِ الظِّلِّ دائمِ الثَّمَرَات
يُرْسِلُ الطَّيْرُ في مَداه نَشيداً
مَوْصِليَّ الأَدَاءِ والنَّبَرات
يَمْلِكُ النَّفْسَ أينَما نَظَرَتْه
فَهْوَ قَيْدُ النُّفُوسِ والنَّظَرَات
كم تهادَى مع النَّسِيم اخْتِيالاً
كالعَذَارَى يَمِسْنَ في الْحِبَرَات
تَتَناءَى به الظِّلاَلُ لِجَمْعٍ
ثم تَدْنُو مُدِلَّة ً لِشَتَات
مِثْلَ كفِّ الرسَّامِ جاءتْ ورَاحتْ
بَيْن قِرْطَاسِه وَبَيْنَ الدَّوَاة
أو كوَجْهِ الحَسناءِ يَبْدُو ويَخفَى
بين مَيْل الْهَوَى وخوْفِ الوُشَاة ِ
كلّما رُمْتَ منه قَطْفَ جَنَاة ٍ(71/141)
سَبقَتْ راحتَيْك ألْفُ جَنَاة
وإذا بارَك الإِلَهُ بأرْضٍ
حَعَل التِّبْرَ في مَكانِ النَّبَات
وحَبَاها خِصْباً إذا مَسَّ صَخْراً
تَرك الصخرَ جَنَّة َ الجَنَّات
رُبّ أَرْضٍ للغَافِلين مَوَاتٌ
وهْيَ لِلْعامِلينَ غَيْرُ مَوَاتِ
إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابذُلْ
تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّة ُ الكَائِنات
لَكَ كَفّان تلك تُعْطى وهَذِي
تَتَلقّى مَثُوبة َ الْحَسنَات
تَرْتَجِي الْحَصْدَ ثمَّ تقعُدُ في الشَّمْ
سِ لك اللّه يا أَخا التُّرَّهَات
ضِلَّة تَطُلبُ الزُّلالَ من النّا
رِ وتَبْغِي غَضارة ً من فَلاَة
ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأَحْ ع لاَمِ فانهَضْ وُقِيتَ شرَّ السُّباتِ
قَدْ غَرَسْناهُ رَوْضَ عِلْمٍ فأزْرَى
حُسْنهُ بالْحَدائقِ الباسِقات
وَبذَرْنا به القُلوبَ صِغاراً
وكِرَامَ النُّفُوسِ والمُهَجَات
وسَقَيْنا ثَرَاهُ مَاءً مِنَ الأَذْ
هانِ أَحْلَى مِنْ كُلّ ماءٍ فُرَات
وَغَذَوْنَاهُ طَيِّباً بجُهودٍ
ضاعَفَتْ مِن ثِمَارهِ الطَّيَّبَات
وَحَميْناهُ أن تَعيثَ به الأَيْ
دِي وتَجْنِي عَلَيْه كَفُّ الْجُنَاة
وجَعَلْنا له مِنَ الْخُلُقِ العَا
لِي سِيَاجاً مُوَثَّق اللَّبِنَات
وحَفِظْنا من الرِّيَاحِ جَنَاهُ
وَوَقَيْناه شِرَّة الْحَشَرات
إِيهِ يا رَوْضَة َ المَعارِف لازِلْ
تِ مَثَابَ الْخَيْراتِ والْبَرَكَاتِ
أنت أنَبتِّ في ثَرَى النِّيلِ شَعْباً
نافِذَ الرَّأْي طاهِرَ النَّزَعات
أَعْجَز الغَرْبَ هِمَّة ً وذَكاءً
وكذا الشَّرْقُ مَوْطِنُ المُعْجِزات
خُطُواتٌ نَحْوَ المعَالي فِساحٌ
لا عَدَاها السَّدادُ مِن خُطُوات
سَلكَتْ أوْسطَ الطَّرِيقِ وجَازَتْ
كُلَّ مافي الطَّرِيقِ من عَقَبَات
وجُهُودٌ تمضي وتَأتِي جُهُودٌ
مُحْكَماتٌ مَوصُولة ُ الْحَلَقَات
نَسَجتْ من جِهَادها لبَنِي مِصْ
رَ دُرُوعاً حَصِينة ً سابِغَات
إِنَّما مَوْلِدُ المَعَارِفِ في مِصْ
رَ دَبِيبُ الْحَياة ِ بين الرُّفَات(71/142)
جَلّ رَبِّي آمنتُ باللّه ربي
فالقِ الْحَبّ باعِثِ الأَمْوات
أَرْسَل اللّه للكِنَانة ِ نَدْباً
هِبْرِزيَّ الأعْراقِ والعَزَماتِ
فأَتَاها محمَّدٌ جدُّ إِسْما
عِيلَ بالْخِصبِ مُورِقاً والْحَيَاة
هلْ رأيتَ النَّجْمَ الذي يَبْهَرُ العَيْ
نَ وَيمْحُو دَيَاجِرَ الظُّلُماتِ
هلْ رأيتَ الغَدِيرَ يَنْسَابُ في القَفْ
رِ فَيهْتَزُّ مُخْصِبَ الْجَنَبَات
هل رأيتَ الْحًياة تَسْرِي إلى الجِسْ
مِ فتُحْيِي عِظاَمَه النَّخِرَات
هل رأيتَ الآمالَ بَعْد نِفارٍ
واقْتبالَ الشَّبَابِ بَعْدَ فَواتِ
لَقِيتْ مصرُ قَبْلَه ما يُلاقِي
غَرَضٌ جَاء فِي اتّجاهِ الرُّمَاة
جَهِلوا دَاءَها الدَّفِينَ وشَرٌّ
مِنْ دَفِينِ الأدْواءِ جَهْلُ الأُسَاة ِ
نكَئوا جُرْحَها فسالتْ دِمَاهَا
قَطَرَاتٍ تجْرِي إِلى قَطَرَات
لا تَرَى في الظَّلامِ للعِلْم إِلاّ
مُقْفِراتٍ من دُورِهِ دارِسات
يَكْرهُ الظُّلْمُ كلَّ شيءٍ منَ الضَّوْ
ءِ ولو كانَ في ابِتسامِ الفَتَاة
لمَ يَكُنِ منْهُ غَيْرُ وَمْضٍ منَ الأزْ
هَرِ يَبْدُو مُفَزَّعَ اللَّمَحَات
كَذُبَالِ المِشْكاة ِ قَدْ جَفّ إِلاّ
أَثَراً من بُلاَلة ِ المِشْكَاة
فَأتَى مُنْقِذُ البِلادِ فَأَحْيَا
ها بِرَأْيٍ وَعَزْمة ٍ وَثَبَات
لو دَعا أَنْجُمَ السَّماءِ لَلبَّتْ
مُهْطِعاتٍ لأمْرِه صاغِرَاتِ
شادَ في مِصْرَ للمعَارِفِ دِيوا
نّا مَنِيعَ الأعلامِ والشُّرُفَات
وبَنَى للعُلُومِ خَيْرَ بِنَاءٍ
عَلَويِّ فكانَ خَيْرَ البُناة
نَهضتْ مِصْرُ بَعدَه نَهَضَاتٍ
تَسْتَحِثُّ الْخُطَا إلى نَهَضَات
أَرْسَلَ العِلْمُ نورَه فَسَرَى الرَّكْ
بُ يقُودُ المُنَى إلى الغَايَات
ورَأَيْنا بكُلِّ أَرْض رِياضاً
دانياتٍ قُطُوفُها زاهِيَات
كلَّ يومٍ عند الصّباحِ تَرَى جَيْش
اً مِنَ النَّشءِ صَادِقَ الوَثَبَات
جعلو كُتْبَهُم مكانَ المواضِي
ويَراعَاتِهم مكانَ القَنَاة
طَلَعوا أَوَّل الغَداة ِ فَزَانُوا(71/143)
بِسَنا ضَوْئهمْ جَمَالَ الغَدَاة ِ
مِثْلَ سِرْبٍ للطَّيْر هَمَّت خِفَافاً
ثم راحتْ لوَكْرِها مُثْقَلات
نَثَرُوا جَمْعَهم فأبْصَرْتُ فِيهم
أنجُماً في الفَضَاءِ مُنْتَثِرات
ورأيتُ الفِلْذَاتِ تَمْشي على الأرْ
ض فَخَلُّوا الطَّرِيقَ للفِلْذَات
هُمْ أَمانِيُّ مِصْرَ هم مُرْتَجاها
هُمْ حَنايا ضُلوعِها الْخَافِقَات
مائَة ٌ من سِنِي المعارف مَرَّتْ
زَاهياتٍ بما حَوَتْ حافِلاَت
بَلَغَتْ مِصْرُ في مَداهُنَّ شَأْواً
فوقَ شَأْوِ الكَواكِب السّابِحات
وغدَا مَجْدُها الْحدِيثُ وقد شا
عَ شذَا عِطْره حديثَ الرُّوَاة
أصبحتْ كَعْبَة ً يَحُجّ إِليها الشَّرْ
قُ بين الْخُشُوعِ والإِقْنات
تَتَهادَى وحَقَّ أنْ تَتَهادَى
بين ماضٍ زاهِي الْجَبينِ وآتِي
كلُّ تاريخها كتابٌ من المَجْ
دِ كريمٌ مُطَرَّزُ الصَّفَحَات
بَعَثتْ دارِسَ الفُنونِ وأحْيَتْ
بعد يأسِ الزَّمان أُمَّ اللُّغَات
وأعادَتْ إلَى العُلوم مَنَاراً
كان صُبْحِ الدُّجَى وهَدْي السُّرَاة
أَنجَبتْ للْبِلاد أبطالَ عَزْمٍ
هُمْ دُرُوعُ البِلادِ في الأَزَمَاتِ
دَعَوُا الشَّعْبَ للعُلاَ فَرَأَيْنا
خَيْرَ شَعْبٍ أَجابَ خَيْرَ الدُّعَاة
أَنْجبَتْ كلُّ عالمٍ بَهَرَ الكَوْ
نَ بآياتِ عِلمِهِ البَيِّناتِ
أَنْجَبَتْ كلَّ شاعرٍ عَبْقَريٍّ
صادِقِ الْحِسِّ بارعِ اللَّفَتَات
تَتَمنَّى الأزْهارُ لوكنَّ يَوماً
في قَوافِيه مَوضِعَ الكَلِمَات
أنْجبَتْ كُلَّ كاتِبٍ يَمْلِكُ السَّم
عَ بآثارِ فَنِّهِ الْخَالِداتِ
أنْجبتْ كُلَّ مِدْرَهٍ وخَطِيبٍ
سَاحِرِ القَوْلِ صادِقِ الحَمَلات
وحَمَتْ شِرْعَة الخَلائق أنْ يَغْ
بَرَّ صَافِي نَميرِها بقَذَاة
قد وَلَجْنا الْحَياة َ من كلِّ بابٍ
فَرَأَيْنا الأَخْلاقَ بابَ النَّجَاة
أصْبحتْ مِصْرُ مَعْهداً لشَبابِ الشَّ
رْقِ يَسْعَونَ نَحْوَها بالمِئَات
عَقَدَتْ بَيْننا الَّليالي صِلاَتٍ
مُحْكَمَاتٍ أَحْبِبْ بها مِن صِلاَت(71/144)
إِنْ عِيدَ المَعارِفِ اليَوم عِيدٌ
للنُّهَي والْجُهُودِ والذِّكْرَيَات
عِيدَ يُمْنٍ لِمصْرَ فالدَّهْرُ دانٍ
خاضِعُ الرَّأسِ والزّمانُ مُوَاتى
بَلَغتْ مِصْرُ ما تُرَجِّي وفَازَتْ
بَعْد طُولِ الأَسَى وذُلِّ الشَّكاَة
وأطاَحتْ قُيُودَها فَاستقلّتْ
وامّحَى ما تَرَكْنَ مِنْ نَدَبَاتِ
واسْتَعزّتْ بِطلْعة ِ المَلِكِ الفَا
رُوقِ زَيْنِ الحِمَى وفَخْرِ الحُمَاة
يُشْرِقُ المُلْكُ بالمَلِيكِ ويُزْهَى
بمَجَالي آلائِه المُشْرِقَات
تَجْتَلِيه العُيونُ بَدْراً وتَفْ
ِديهِ عُيونُ الزَّمانِ بالحَدَقَات
عَهْدُه في العُهُود أَنْضَرُ عَهْدٍ
كجمَالِ الرَّبِيِع في الأَوْقَات
بَهَر الشِّعْرَ أن يُحيط بمَعْنى ً
مِن مَعانِي صِفَاتِه الباهِرات
عاشَ للعِلْمِ والبلادِ هُماماً
مِن مَعانِي صِفَاتِه الباهِرات
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> اكْشفوا التُرْبَ عن الكَنْز الدفينْ
اكْشفوا التُرْبَ عن الكَنْز الدفينْ
رقم القصيدة : 62427
-----------------------------------
اكْشفوا التُرْبَ عن الكَنْز الدفينْ
وارفعوا الستْرَ عن الصبح المبينْ
وابعثوه عَسْجداً مُؤْتِلقاً
زاد في لألائه طولُ السنين
وانتضوا من غمدهِ سيفَ وَغى ً
كان إن صال يَقُدُّ الدارعين
وقناة ً جَلَّ من ثَقَّفها
للحِفاظِ المُرِّ والعزمِ المكين
لوتِ الدهرَ على باطله
وهي كالحقِّ صَفاة ٌ لا تلين
هزمت جيشَ الأباطيلِ فما
غادرتْ غير جَريحٍ أو طعين
كتب اللّه على عامِلها
إنما الْخُلْدُ جزاءُ العاملين
جدث ضمَّ سناء وسنا
ومصاص الطهر في دنيا ودين
طاعة الأملاك فيه امتزجت
في السموات بعز المالكين
فتشوا في الترب عن عزمته
وعن الإقدام والرأي الرصين
واخفضوا أبصاركم في هيبة ٍ
إن رأت أبصاركم نور اليقين
واخشعوا بالصمت في محرابه
أفصح الألسن صمت الخاشعين
وانتحوا من قبره ناحية ً
واحذروا أن تزحموا الروح الأمين
وحنانا بضريحٍ طالما
صقلته قبلات الطائفين
وجثت مصر به خاشعة(71/145)
تذرف الدمع على خير البنين
صَيْحَة ٌ قدْسِيَّة ٌ إن سكتَتْ
فلها في مِصْرَ رَجْعٌ ورَنينْ
وعَرينٌ حَلَّ فيه ضَيْغَمٌ
رحمة ُ اللّه على لَيْثِ العرين
ومضاءٌ عَرَفَتْ مِصْرُ به
أنَّ للحقِّ يميناً لا تمين
لا أرَى قَبْراً ولكني أرَى
صفحة ً من صَفحاتِ الخالدين
أو أراه قَصَبَ المجدِ الذي
دونه ينفَقُ جُهْدُ السابقين
أو أراه عَلَماً في فَدْفَدٍ
لمعتْ أضواؤُه للحائرين
أو أراه روضة ً إنْ نَفَحتْ
خَجِلَ الوردُ وأغْضَى الياسَمين
أو أراه دَوْحَة ً وارفة ً
نَشرَتْ أفياءَها للاجئين
أو أراه قلبَ مصرٍ نابضاً
بِمُنًى تمحو من القلبِ الأنينْ
نَقَلوا التابوتَ تَحْتَفُّ به
رَحَماتٌ من شمالٍ ويمين
ذاك بَعْثٌ حَيِيَتْ مصرُ به
من جديدٍ تلك عٌقبى الصابرين
هل علمتم أنَّ مَنْ واريتُمُ
في حَنايا كلِّ مصريٍّ دفين
ما لسعدٍ حُفْرة ٌ واحدة ٌ
هو مِلْء القلبِ ملءُ الأرَضين
كلُّ بيتٍ فيه سعدٌ ماثلٌ
في إطارٍ من حَنانٍ وحنين
نظرة ُ الرئْبالِ في نظرته
وانبلاجُ الحقِّ في ضَوْءِ الجبين
وضعتْ مصرُ به آمالَها
فاستقرَّتْ منه في حِصْنٍ حصين
هو للأَبناءِ عمٌّ وأبٌ
وهو للآباءِ خِلٌّ وخَدينْ
كان سعدٌ عَلَماً منفرداً
هل يُرَى للشمس في الأفقِ تَنين
إنّ أمَّ المجدِ مِقْلاتٌ فكم
سَوَّفَتْ بين جَنينٍ وجَنين
تبخَل الدنيا بآسادِ الشرَى
أيّها الدنيا إلى كم تَبْخَلين
أنتِ قد أنجبت سعداً بطلاً
وقليلٌ مثلَه مَنْ تلدين
وجدتْ مصرُ به واحدَها
ربَّ فَرْدٍ بأُلوفٍ ومئين
ومن الناسِ نضارٌ خالصٌ
ومن الناس غُثاءٌ وغَرين
ومن الناس أسودٌ خُدَّرٌ
ومن الناس ذُبابٌ وطنينْ
قاد للمجد مناجيد الحمى
كلُّهم أرْوَعُ مُنْبَتٌ القَرينْ
تقرأُ الاقدامَ في صفحتِه
مثلَما تقرأُ خطَّ الكاتبين
كلّما مرّتْ به عاصفة ٌ
زَعزَعٌ مرَّت على طَوْدٍ رَكين
تقرَعُ الأقدارُ منه عَزْمَة ً
أنِفَتْ صخرتُها أنْ تستكين
يا بني الرُبّانِ لا تستيئسوا
إنْ مضى الموتُ برُبانِ السفين(71/146)
إنّ سعداً أخضع الريح لكم
والبقيَّاتُ على الله المعين
لاحتِ الفرصة ُ في إبّانِها
إنّها لا تُرْتَجَى في كلِّ حين
فهلموّا فاقْنِصوا طائرَها
كلّكُمْ بالسبق والنصر قمين
صَدَقَ اللّه تعالَى وعدَه
إنما الفوزُ ثواب المخلصين
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> يابْنَتِي إِنْ أردْتِ آية َ حُسْنٍ
يابْنَتِي إِنْ أردْتِ آية َ حُسْنٍ
رقم القصيدة : 62428
-----------------------------------
يابْنَتِي إِنْ أردْتِ آية َ حُسْنٍ
وجَمالاً يَزِينُ جِسْماً وعَقْلاَ
فانْبِذِي عادة َ التَّبرجِ نَبْذاً
فجمالُ النُّفوسِ أسْمَى وأعْلَى
يَصْنَع الصّانِعُون وَرْداً ولَكِنْ
وَرْدَة ُ الرَّوضِ لا تُضَارَعُ شَكْلا
صِبْغَة ُ اللّهِ صِبْغَة ٌ تُبْهَر النَّفْ
سَ تعالى الإلَهُ عَزّ وجَلاّ
ثمَّ كُوني كالشَّمس تَسْطَع للِنَّا
سِ سَواءً مَنْ عَزّ مِنْهُم وَذلاّ
فامْنَحِي المُثرِيَات لِيناً ولُطْفاً
وامْنَحِي البائساتِ بِراً وفَضْلا
زِينَة ُ الوَجْه أَن تَرَى العَيْنُ فيه
شَرَفاً يَسْحَرُ العُيُونَ ونُبْلا
واجعَلِي شِيمة َ الْحَيَاءِ خِماراً
فَهْوَ بِالْغَادة الكَريمة ِ أَوْلَى
ليس لِلْبِنْت في السَّعادة حَظٌّ
إِن تَنَاءَى الحياءُ عَنْها ووَلَّى
والْبَسِي مِنْ عَفَاف نَفْسِكِ ثوْباً
كلُّ ثوبٍ سِوَاه يَفْنَى ويَبْلَى
وإِذا ما رأَيْتِ بُؤْساً فَجُودِي
بدُموع الإِحْسَان يَهْطِلْن هَطْلا
فدُمُوع الإِحسان أَنْضَر في الْخدّ
وأَبْهى من الّلآلِي وأَغْلَى
وانظُرِي في الضَّمير إن شِئْتِ مرآ
ة ً ففيه تبدُو النفوسُ وتُجْلَى
ذاكِ نُصْحِي إِلى فتَاتِي وسُؤْلي
وابْنَتي لا ترُدّ للأَب سُؤْلا
شعراء مصر والسودان >> علي الجارم >> مَلَّ مِنْ وَجْدِهِ وَمِنْ فَرْطِ مَا بِهْ
مَلَّ مِنْ وَجْدِهِ وَمِنْ فَرْطِ مَا بِهْ
رقم القصيدة : 62429
-----------------------------------
مَلَّ مِنْ وَجْدِهِ وَمِنْ فَرْطِ مَا بِهْ(71/147)
وَأرَاقَ الشَّرَابَ مِنْ أَكْوَابِهْ
وَإِذا الْقَلْبُ أَظْمَأَتْهُ الأَمَانِيُّ
فَمَاذَا يُرِيدُهُ مِنْ شَرَابِهْ
وَإِذَا النَّفْسُ لَمْ تَكُنْ مَنْبِتَ الأُنْ
سِ تَنَاءَى الْقرِيبُ مِنْ أَسْبَابِهْ
وَأَشّدُّ الآلاَمِ أَنْ تُلْزِمَ الثَّغْر َابت
ساماً وَالْقَلْبُ رَهْنُ اكتِئاَبِهْ
كُلَّما اخْتَالَ في الزَّمانِ شَبَابٌ
عَصفَتْ رِيحُهُ بِلَدْنِ شَبَابِهْ
وَالنُّبُوغُ النُّبُوغُ يَمضي وَتَمْضِي
كلُّ آمالِ قَوْمِهِ في رِكَابِهْ
غَرِدٌ مَا يكَادُ يَصْدَحُ حَتَّى
يُسْكِتَ الدَّهْرُ صَوْتَّهُ بِنُعابِهْ
وحَبابٌ إِذَا علاَ الْسَماءَ وَلَّى
فَاسْأَلِ الْمَاءَ هَلْ دَرَى بِحَبابِهْ
وسَفينٌ مَاشَارَفَ الشَّطَّ حَتَّى
مزَّقَ الْيَمُّ دُسْرَه بِعُبَابِهْ
بَخِلَ الدَّهْرُ أَنْ يُطَوِّلَ لِلْعَقْ
لِ فيَجْري إلَى مَدَى آرَابِهْ
كلَّمَا سَارَ خُطْوَة ً وَقَفَ الْمَوْ
تُ فَسَدَّ الطَّريقَ عَنْ طُلاَّبِهْ
وَابْتِدَاءُ الْكَمَالِ في عَمَلِ الْعَا
مِلِ بَدْءُ الشَّكاة ِ مِنْ أَوْصَابِهْ
ضِلَّة ً نَكْتُمُ الْمَشِيبَ فَيَبْدُو
ضَاحِكاً سَاخِراً خِلالَ خِضَابِهْ
أَينَ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُرْشِدَ الدُّنيَا
وَسَوْطُ الْمَنُون في أَعْقَابِهْ
أَيُهَا الْمَوْتُ أَمْهِلِ الْكَاتِبَ الْمِسْ
كِينَ يُرْسلْ أَنْفَاسَهُ في كِتَابِهْ
آهِ لَوْ يَشْتَرِي الزَّمَانُ قَرِيضى
بِسِنينٍ تُعَدُّ لِي في حِسَابِهْ
مَا حَيَاتِي وَالْكَوْنُ بَعْدَ جِهَادٍ
لَمْ أَزَلْ وَاقِفاً عَلَى أَبْوابِهْ
تَظْمأُ النَّفْسُ في حَيَاة ٍ هِيَ الْقَ
فْرُ فَتَرْضَى بِنَهْلة ٍ مِنْ سَرابِهْ
أنَا قَلْبي مِنَ الشَّبَابِ وَجِسْمي
أَثْخَنَ الشَّيْبُ رَأْسَهُ بِحِرَابِهْ
أَمَلٌ هَذِهِ الْحَيَاة ُ فَهَلْ يَعْثُرُبِ
ي الْمَوتُ دُونَ وَشْك طِلاَبِهْ
كُلَّمَا رُمْتُ لَمْحَة ً مِنْ سَنَاهُ
هَالَنِي بُعْدُهُ وَطُولُ شِعَابِهْ(71/148)