فأوغل في متاهاتي
أواري الحزن في طيّات أغواري
وأطمر في رمال الغيب أسراري
على شفتيّ قد صلبوا حنين الحرف
أهانوا عفّة الكلمة
أرادوا الموت للكلمة
أرادوا الصمت للشاعر
وما حسبوا بأنّ الحرف بحر ما له آخر
وأنّ المجد للشاعر
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> العابر
العابر
رقم القصيدة : 65029
-----------------------------------
كان يمشي واهي الخطو حزينا
شارد الطرف رهيبا في خطاه
وجهه المغبّر يطوي ,
في تجاعيد الأسى بوح جراحه
كان في أحداقه سيل دموع
ولقد كان سجينا
بإسار الصمت , باستغراقه في الحزن ,
والتحديق في الأفق البعيد
ومضى عنّا وما عدنا نراه
دون أن نفلح في إدراك أغوار أساه
ظلّ لغزا في العيون
مثل وهم لا يصدّق
ظلّ باب في ضمير الغيب مغلق
***
نحن كم جئنا إليه
وابتهلنا أن يعرّي ,
حزنه المدثور بالكتمان والصمت الرهيب
وفتحنا شرفة القلب له ,
وغمرناه بسيل من حنان
كان لا يعرف معنى الإبتسام
كان يحيا عمره دون كلام
فهو دوما صامت الحرف يعيش الكلمة
في أتون الشوق في عينيه في قلب الحياة
***
أمس والظلمة كانت تحضن البلدة والليل حزين
كنت وحدي ,
أعبر الدرب إلى بيتي القديم
أنقل الخطو وفي الأعماق ينمو ,
ألف إحساس كئيب
ينسج الليل مع الوحشة والخوف طريقي
كنت وحدي وخيالات من الأمس القريب
زاحمت فكري وهزّت ,
خافقي الثاوي بعمق اللاقرار
وتحقّقت يقينا
أنّ درب الغربة السوداء دربي
أنّني أمخر في المنفى بحارا وبحار
مرفأي ضيّعته , والمركب المهزوم تنئيه الرياح
فجأة لاح أمامي ,
ذلك العابر يمشي واهي الخطو حزينا
جفّت البسمة في قلبي ,
وكأن الليل ينساب كئيبا
يسكب الحزن الأصيلا
في وعاء الروح , في عمق قراري
ذلك العابر قد عانق ظلّي
يوقظ الأمس فلا يجدي فراري
من خيوط نسجت في الحلم في ليل السهاد
جعبة الأحلام ضاعت بين أكوام الضباب
وتلاشيت وحيدا في الزحام.
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أغنية في الطريق
أغنية في الطريق(67/177)
رقم القصيدة : 65030
-----------------------------------
أحبابنا ,
هل يبسم الزمان مرّة لنا
وهل يعود حبّنا
يعانق الحياة , يسكب المنى
في غور أعماقنا ؟
أحبابنا ,
هل يفرح المعذّبون في متاهة الضياع ؟
وهل نظلّ نمضغ السؤال
ونذرع الطريق في ابتهال ؟
وفي المسير نحو موعد تزفّه لنا الصدف
إن كان يا أحبابنا الجواب أن نظلّ سائرين
يا ويلنا ,
يا ويل أعمارنا
من طول ما نسير
في دربنا المغبرّ الحزين
في ليلنا الطويل دونما سنا
***
الله يا أحبابنا
يا بؤسنا وعذابنا
ويا احتراق الشوق في أحداقنا
ترى يطول بيننا البعاد ؟
ترى تظلّ هذه الأسوار بيننا
تحيل حلمنا رماد
تمزّق الفؤاد ؟
أحبابنا وأنتمو هناك في البعيد
فوق احتمال الوعد واللقاء
وفوق أن يضمنّا مكان
نعيش رغم قسوة الجدار
نعيش في انتظار
بشارة بوعد
بكلمة تضمّ في حروفها الحنان
***
أحبابنا سيضحك الزمان
رغم امتداد السور بيننا
فرعشة الحياة في الفؤاد
خفّاقة المنى ,
تمدّنا ببسمة الأمل
تنير دربنا
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أيار والأحزان
أيار والأحزان
رقم القصيدة : 65031
-----------------------------------
لو مرّة أيار تأتينا وفي شفتيك وعد أو بشارة
لو مرّة تحنو , تعانقنا , ومن كفّيك تمنحنا الشرارة
لو تطفأ الأحزان في عينيك يا ذلاّ حملنا ,
في دروب النفي عاره
كنّا ورغم الغربة السوداء نبسم , نستفيق ,
يشعّ في كلماتنا نور العبارة
كنّا هدمناها جسور الوهم أبحرنا إلى عينيك يا وطني
كنّا نسيناها أغاني السهد والحزن
كنّا زرعنا الأفق يا أيار أنغاما
كانت مواويل العتابا , ميجنا
تندي روابينا حنينا دافئا , خصبا , سلاما
لكنّما أيار أنت تثير بي شجني
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الإبحار والمركب
الإبحار والمركب
رقم القصيدة : 65032
-----------------------------------
تتلفّت العينان حولي لا أرى
إلاّ صحابا ها هنا متفرقّين
تتجسّد المأساة في نظراتهم(67/178)
صورا من الأحزان والألم الدفين
ويروح يمخر في عباب البحر مركبنا الحزين
ونظّل نغرق في دياجير السنين
والليل يا أيار في بلدي ,
جدار يصفع اللحظات من أعمارنا
سوداء إذ تأتي ولا جدوى ,
وهذي الريح تلعن خطونا
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الحصاد
الحصاد
رقم القصيدة : 65033
-----------------------------------
ها نحن نحصد ما زرعنا ,
والحصاد العام أحزن ما يكون
فمواسم الأيام ما أعطت
وجفّت كلّ أزهار الفصول
وسماؤنا يا ليل موصدة , ملبدّة
سحائب من تراب
والريح تركض خلفنا , وتصبّ لعنتها
ويمضي الركب , يوغل في مفاوز غربة الحزن العميق
يا حادي الأحزان نحن بلا دليل
ضاع الطريق
ضاع الطريق
وحداؤك النوّاح أعماق معذّبة جريحة
ينثال في غور الجوانح أنّة حيرى ,
تردّدها الصحارى ,
تسكب الأحزان في الكلمات ,
تغرق في بحار التيه والصمت المخاطيّ الجدار
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الغنوة الأولى
الغنوة الأولى
رقم القصيدة : 65034
-----------------------------------
غنّيت يا وطني ,
وكانت غنوتي الأولى مبلّلة بأحزان الرحيل
وعشقت يا وطني ,
وكانت من عشقت صبيّة حسناء من يافا ,
فلسطينية القسمات تبسم للشعاع ,
يطلّ , يحمل رعشة الأنسام ,
تجزع إذ تلوح خطى الغروب
كانت تغنّي للصباح
ينداح موج الذكريات على الجفون
ويروح يصفعني العذاب ,
ولسعة الأشواق والليل الغريب
الصمت إذ يمتدّ , يحبل بيننا في الليل أحزانا رمادية
تسّاقط الزهرات يا وطني
ونسمع كلّ يوم ألف أغنية .
فلترسل الأنّات , غنّ عذابنا ,
يا حادي الآلام يا مبكي الجراح
فلعل يغفو الجرح أو يتفجّر البركان
قد طال هذا الليل في بلدي ,
وقافلة الضياع تلجّ عبر غياهب المجهول تحملنا ,
وفي الأحداق زاد من رؤى الأحباب خلف السور ,
منسيّون نحن هنا ومنفيّون تلعننا الرياح .
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> نهر بلا روافد
نهر بلا روافد
رقم القصيدة : 65035(67/179)
-----------------------------------
رفيقة هدبي المكسور
أعود إليك حين تزورني الأحزان
أعود إليك كلّ مساء
شريدا دونما بيت
أعود إليك مثل يتيم
يودّع بالدموع لحود أحبابه
تغلّفني كآبة عمري المنشور فوق جدائل الحرمان
ويصلبني حنين الآن
إليك إليك يا شمسا ربيعيّة
تذيب صقيع أحزاني وتحضن قلبي المقرور
تهدهده بعذب الوهم , تلثم جرحه لمسات تحنانك
وأعرف أنّني نهر بلا روافد
يعود إليك يغرق أرضك السمحاء بالأشجان
وأنّك وهمة الوافد
ظلمتك حين شدّتني الخيوط إليك ,
وحين تجمّعت كلماتنا نجما على بابك
وحين وضعت زادي فوق مائدتك
غريبا كنت أمضغ غربتي السوداء في الطرقات
تطاردني وحوش الأرض كنت مقيّد الخطوات
وكنت مطيّة للصمت والأنواء
تقاذفني إليك وكنت أنت منارة ,
في الشاطىء الآخر
عبرت إليك جسر الحزن بعد عناء
وكان الوعد منذ وجودنا أن نلتقي غرباء
وتصافحنا بلا أيد ولا نظرات
تكلّمنا بلا حرف بلا بسمات
جمعنا الحزن والصمت العميق فعزّت الكلمات
وأذكر أنّني مذ كنت لم أحلم كما الأطفال
بثوب العيد والحلوى
ولا منّيت أيّامي بعودة غائب ,
يجتاز عتبة حزني الفيّاض , ينشر بهجة الدنيا
فماذا , لم يكن في الدار نجم الحبّ يحضنني
يبرعم في غدي الآمال
ويمسح عن جبيني حرقة الشجن
فأبصرت العذب يحوط سور حديقتي ويشوّه الأزهار
لمحتك حينما عيناي يا عمري تفتحتا ,
وكانت حفتني أسرار
دنوت إليهما ,
صلّيت للآلام لحظة أن دنوت ,
وما ابتسمت ,
قرأت تاريخ الضياع على جبينك , كنت مثلي ,
مقودي في قبضة الغيب
على كتفيّ أحمل بؤس أقداري
وألوانا من الغربة
فعانقني حنينك يا معذّبتي ,
ونوّح في فؤادي بوحك الصامت
تلاقينا على الحرمان في ظلمات هذا العصر
ولم نعرف كلانا كيف نشدو غنوة الحبّ
لأنّا ما ابتسمنا قبل , لم نحلم بفرحته ,
وما هي خفقة القلب
كنّا نخنق الآهات , نطفىء في مواقد حزننا أوهامنا ,
ونذيب شوق العمر
مشينا دربنا يمتدّ , ترصدنا عيون الموت(67/180)
وغنيّنا فضاع نشيدنا في وشوشات الصمت
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> اللغو بالكلمات
اللغو بالكلمات
رقم القصيدة : 65036
-----------------------------------
صمتنا كلّ هذا العمر لم نرفض ولم نحتج
ولا يوما تمردنا وعفنا ليلنا المقرور
نسامر نجمة الأحزان لا زاد أسوى الحسرة
نلوك سنين ماضينا البعيد ونخنق الغصّة
بقلب واهن مقهور
وسائدنا من الأحلام , نزرعها بأرض الغد
ونغفو في انتظار الغد
وينفض غيرنا عنهم غبار الذلّ ,
نرسف نحن في قيد رضيناه
نظلّ نعيش هذا الرعب تنفثه أفاعي الليل
تنزّ دماؤنا والصمت يخرسنا وهذا الرعب
إلام نظلّ نحرث في حقول الجدب ؟
تروّعنا رؤى الأشباح , يرعبنا قدوم الموت
إلام يطول هذا الصمت ؟
إلام نظلّ ننسج في الخفاء قصائد الأحزان ,
نذرف دمعنا تحت اللحاف إلام هذا الخوف ؟
***
- جبان أنت
جبان أنت حين تصلّبت شفتاك , حين صمت
وحين رميت رأسك بين كفّيك الملوّثتين ,
تلتمس الرجاء المرّ نسيانا
وتلغو الآن بالكلمات
ترى ماضيك , تخجل ,
تغمض العينين , تقصي ذكريات الأمس
وتنكرك الدروع وعنتر العبسيّ مات
ووحلا قد غدت في ناظريك الشمس
فلا دفء يسلّ الرعب من عينيك ,
يدحو عن دروب التيه ليل اليأس
تظلّ تعيد في حزن ,
حكايتك القديمة عن سنابل حقلك المهجور
بيادرك الدفينة في عيون الحزن ,
كيف حرمت من خيرات ذاك الصيف
وكيف غزتك أسراب من الغربان
أبادت كلّ ما جمّعت من غلّة
فأقفرت السهول أسى , نعيق البوم عمّ مقابر القرية
وكان زقاق قريتك الحزين مقّطع الأنفاس
سنابك خيلهم داست بطون الناس
***
وراء الباب كنت مطّية الخوف
فلم ترفع بوجه الغول مقبض سيف
وتلغو الآن بالكلمات ؟
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> المصلوب
المصلوب
رقم القصيدة : 65037
-----------------------------------
لأني حينما أبحرت في عينيك كان الحزن موّالي
وكان الجرح في أعماق أعماقي ,
ينزّ دما ويروي ذلّ مأساتي(67/181)
لأن الخيبة السوداء كانت كلّ ما جمعّت ,
قبض الريح كان الحصاد ماضينا
تكوّمنا على قش الحصير نلوب بالحسرة
وفوق الموقد الناريّ قدر للحصى والماء
وقاسية نيوب الجوع خالية روابينا
لأنّ سواعد الإخوان ما اتّحدت
ولا وقفت
تصدّ عن الحقول جراد ذاك العام
فبات الحزن فوق شفاهنا نغما نغنّيه
نجوس العمر يا ويلاه من تيه إلى تيه
لأني حينما أبحرت في عينيك كان الحزن موّالي
تريّن الحبّ في عينيّ غير الحب
رهيبا يرفض البسمات , قلبي غارقا في الجبّ
***
وكنت على جدار الليل مصلوبا
وكان الصمت جلاّدي
لأن الحرف مثلي كان مغلولا بلا شفتين
وكان السوط مرفوعا ولم أهتف
خرست وكان في الأعماق توق الروح للكلمة
يعذّبني ولكن لم أقل حرفين
لأني كنت في الزحمة
غريبا ضائع الخطوات منسيّا
وكنت أعيش في منفاي كلّ جروح إخواني
وظلّ العار يتبعني
ولم أعرف سوى حزني
رفيقا يحمل المأساة يرويها لخلاّني
ترى هل تدركين الآن ما حزني ؟
كبير قدر قريتنا الكئيبة وهي تغفو ضمن أطلال الأماني
غريب يا معذّبتي
لأن جذوره تمتدّ في عينيّ مذ قالت ,
لي الريح السموم بأنّنا أغراب
وأنّ حصادنا ما كان غير سراب
فلا نجم المجوس يطلّ , يفضح عتمة الدرب
ولا إشراقة في ليلنا المملوء بالرعب
تلّم شعاثنا وتفجّر البركان في شعبي
فكيف تنوّر الأحلام وهي قتيلة ,
مذ عانقتني نظرة العينين ؟!
ألا تدرين أني مثقل ومقرّح الجفنين
وما في جعبتي غير الأسى وحكاية للجرح ؟
فخلّيني
تعشّش في شراييني
عناكب حزننا المشبوب , خلّيني
أغني للرياح الحاملات أنين إخواني
لغربتنا ونحن نكابد الآلام , نطعم ذاتنا للحرف والفكرة
..................
.................
أموت , وهل تموت الشمس لو طالت خيوط الليل ؟
سيزهر حزننا , إمّا يعانق شعبنا فجر الخلاص ,
ويكسر الجرّة .
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> السنابل القتيلة
السنابل القتيلة
رقم القصيدة : 65038
-----------------------------------(67/182)
لو أنّها الرياح في مدينتي
تكنّس الغبار عن رفوفها
وتغسل اليباب بالمطر
وتبعث الحياة من خريفها
لو أنّها الرياح أو سواعد الرجال
تمرّ بالحقول في المساء
لتسمع النساء
ينعين موسم الحصاد , والجفاف
أذبل في العيون زهرة الفرح
فهنّ في ابتهال
لئن تعود نخوة الرجال
فالشوق والحنين والعذاب
سحابة من الأسى تنوح
على السنابل القتيلة
على مدينتي اليباب
على رجالها الذين يبحرون
في زورق المنون
عن قلبها , عن جرحها الحزين
ويصمتون ,
ويصمتون
ويصمتون
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> يوسف في الجبّ
يوسف في الجبّ
رقم القصيدة : 65039
-----------------------------------
كلماتك يا حادي الركب حزينة
كلماتك ريح والليل ذئاب مجنونة
والقادم غبّر بالوحل جبيني
وأنا مطعون
عذّبني الأعداء لآني
لم تعشق عيناي سوى وطني
صلبوني في الغربة يا حادي الركب
قيدّني إخواني
ورموني في الجبّ
قتلوني بجواب الصمت
قتلوني يا حادي الركب لأني أحببت .
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> ماساة الصبي الأعرج
ماساة الصبي الأعرج
رقم القصيدة : 65040
-----------------------------------
سيّدتي حين أطلت عليك المشوار
في إحضار الخضرة والفاكهة من السوق
لم تسألني عيناك الأسباب
بل صفعتني نظرتك الشزراء
لم يخطر في بالك أنّ الأولاد الأشرار
لاقوني في الدرب
هزؤا من قدمي العرجاء
فتعثّرت
واعتصر الحزن القلب
سيّدتي ما كنت لأملك دفعا
سيّدتي يكفيني صفعا .
***
سيّدتي هذا الصبح المغبّر الطالع
قمّطني في ثوب الأحزان
صادفت أبي يتسوّل في الشارع
أخبرني أنّ شقيقتي الكبرى تضع الآن
و شقيقتي الكبرى أرملة من أيام
فتذّكرت البيت الخاوي من أيّ طعام
ما عادت تغسل أمي للجيران
ما عادت تحضر معها بعض الفضلات
حين صرخت أبي فرّت من عينيه الدمعات
وأسودّ العالم في نظري
ماتت كلّ الكلمات
وبكينا فوق رصيف الشارع
سيّدتي لست بكذّاب
لكّني منحوس الطالع
توصد في وجهي الأبواب
حتى بابك يا سيّدتي
***(67/183)
سيّدتي عفوك إني جائع
ما كنت لأقصد بابك هذي الأمسية
كنت وحيدا في الشارع
قالت أمي ما أفطرنا بعد ,
والوقت مساء
عزّ على نفسي أن تسأل عطف الناس عطاء
فوجدت يدي تطرق بابك
سيّدتي أنا فقراء
سيّدتي باع أبي فرشته الصوف
وربابته المحفوظة من عهد صباه
ثمنا لحليب حفيده
فلقد ماتت يا سيّدتي الأم
إثر نزيف
دام طويلا , عذّبها , عذّبها
ما استطعنا أن نحضر أيّ طبيب يبعد عنها الداء
سيّدتي نحن أناس فقراء
ماتت يا سيّدتي وأبي صامت
كان يفكّر في حزن , يتساءل , ولماذا ماتت ؟
قالت أمي : تلك مشيئته العليا
ردّ أبي في ثورة
صكتا , صمتا
أيّة عليا يا مخلوقة
بنتك ماتت جوعا
ماذا قدّمت لها حين ولادتها غير الخبز الناشف ؟
والمرق الساخن والعدس المجروش ؟
ماذا قدّمت لها غير الأحزان ؟!
وبكت أمي في صمت مجنون أخرس
سيّدتي جئت إليك الآن
أسألك الرحمة سيّدتي باسم الإنسان
***
سيّدتي هذا اليوم السابع
ووعودك لم تزهر يا سيّدتي
ما زالت تسّاقط أمطارا , وتمّنيني بالصبر
وأنا ما زلت ألفّ دروب التيه , أنا ما زلت الضائع
لم ترو الأمطار غليل الظامىء
فيلوذ بظلّ الخيبة سيّدتي , لا يدرك ما هو صانع .
سيّدتي درت كثيرا في الطرقات
وبحثت عن اللقمة سيّدتي فعملت بإحدى الحانات
أجلي الكاسات
وأنظّف أرض الصالة بعد خروج السادات
سيّدتي لكنّ الأيام السوداء
تأبى إلاّ أن تستكمل أبعاد المأساة
ذات مساء
وأنا أعمل والصالة رقص وغناء
إنشقّ الماء
عن شبح لصبيّ يتسوّل بين الناس
أحسست بأني وحدي المقرور
في قبضة هذا الليل المسعور
فارتجفت أوصالي
وتذكّرت أبي ,
أمي ,
أختي ,
فاضت عيناي بأحزاني
غامت كلّ الأشياء
وتهاوت من بين يديّ الكأس
كسرت ,
وصفعت , طردت , وعادت تحضنني الطرقات
لم أحزن يا سيّدتي لكن ,
ما زال يرنّ بأسماعي صوت حاقد
أخرج , أخرج
سيّدتي ما ذنبي في أنّي أعرج ؟
من حقّي سيّدتي أن أحيا .
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أمام المدينة المقصورة(67/184)
أمام المدينة المقصورة
رقم القصيدة : 65041
-----------------------------------
سيّدتي منذ أعوام مرّت
لم يعرف قلبي طعم البسمة
لم تسكب كلماتي فوق الورق الأصفر غير عذاب الجرح
والدلو , يظلّ الدلو ثقيلا
لا يطفح ماء , لا يعطي غير الملح
والبئر عميق , أعمق من أحزان الغربة
ما زالت تصفع وجهي من أعوام جدران الخيبة
توصد نافذة الأمل المشرق
تقتل أشواق الكلمة
حين يعانقها النور من الداخل
سيّدتي لا تسعفني الكلمات
ويجردني بعدك عني من ثوب الحكمة
أهذي في عرض الشارع بالأشياء
وأذيب حرارة حبّي بالبوح
أفقد وجهي بين نعال الغرباء
***
بيدي سوّرت سياجي
أطفأت سراجي
أجهشت بكاء
ومضيت ألفّ , أدور الأرض
أبحث عمّا ضاع هباء في سنوات الأخطاء
حين تعرّت ضحكتنا من نفحات الحب
حين تعاشينا عند الإشراق
معذرة يا سيّدتي إن جئت
أغسل قلبي الأسيان على أعتابك
سيّدتي ما زلت على فيض شبابك
وأنا ما زلت هنا أسترحم نظرة أهدابك
هل يمضي سيّدتي عمري ,
ويداي تدقّان على بابك ؟
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الموت والخيبة
الموت والخيبة
رقم القصيدة : 65042
-----------------------------------
أحنّ إليك ما يجدي الحنين وبيننا ,
ليل طويل ما له آخر
أحنّ إليك لكن في زمان الجدب ,
ماذا يملك الشاعر ؟
سوى أنّ الرياح تظلّ تجحده ,
يهمّ يعود , تصفعه أياد غير منظورة
تردّ خطاه , يجرح علقم الأحزان ,
أجنحة المنى في النفي مكسورة
خلاء يديه والحلم الذي ماتت أزاهره ,
على عتبات أيامه
يذوب تشوّقا للعيش , دبّ الجوع في بيداء أحلامه
يموت هنا , تراه يموت ؟!
وأنت بعيدة والليل ما أقساه
متى تدنو مراكبنا ,
ألا قولي , متى , أوّاه ؟
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> راية في الريح
راية في الريح
رقم القصيدة : 65043
-----------------------------------
بحثت بأدمعي عنكم
وناشدت الرياح السود عن أحوالكم خبرا
صدى ذكراكم ينداح في غور الجوانح ,
كاحتراق مشاعل الذكرى(67/185)
ولا من بارق منكم
يمنّيني وينعش قلبي المحرور بالأفياء
ترى ما زلتم أحياء ؟!
يعذّبني الغياب فكيف يا اهلي تغربتم ؟
عن الليمون والتين
وعن عشّ الحساسين
على الزيتونة التي حفرت على أغصانها أسمى محبتّكم
عن البلد الذي روّت ثراه دماؤكم ,
في ساعة الهول التي كانت سنابكها .
تدوس زهورنا الخضراء , تفرش أرضنا حزنا ؟
تشرّدتم
ولكن ما تخاذلتم
ولا بنتم
عن الأرض التي في قلبها يوما توحّدتم
وها أنتم بلا أرض ولا دار
***
وعدت إليكم عبر الليالي السود من منفاي
أقاسي خيبة الآمال ,
أبحث عن أحبتي الذين طواهم الغدر
على جسر الدموع وجدتكم , لا ظلّ , لا مأوى
ولا زاد , ولا سلوى
تمدّدتم على وجع ,
على جوع ,
على عري ,
رفضتم ذلة الشكوى
وكان الحزن يرفدكم , يمدّ وجودكم معنى
يشدّ خطاكمو للأرض ,
يزرعكم بعين الشمس وهج تمرّد , قمما .
***
قدمت إليكم وقد افترشتم حلّة الغبراء
وكان ندائي المكموم
يعانق جرحكم والأرض تصرخ ,
- غاص نبع الصفو , غشّى
جبهة الأفق الكئيب وشاح أرملة ,
حنت ريح المنايا غصن واحدها
فأحلكت الدروب أسى ,
ومات الصبح مخنوقا على بوّابة الأحزان-
" يا تعبي , يا شقاي .
يا شماتة عداي "
نواحك أيقظ الأوجاع في صدري
وأطفأ في عيوني شعلة الفجر
رأيت تحّجر الآلام في الأحداق
سؤالا حائرا مجروح
إلى أينا ؟
تظلّ قوافل الأحباب تغرب عن بيادر ارضنا , تنأى
يرافقها حنين النورس الباكي إلى مرفأ
ارقب يا أحبائي خطاكم وهي تعبر ضفّة النهر
وفي عينيّ أحمل ما بأعينكم من الأحزان والقهر
فمي سدّ أمام تفجّر الكلمات
تعذّبني من الأعماق
وتغرس شوكها في قلبي الدامي
لأن الصمت والكلمات ما أقساهما مأساة
فيا عاري إذا ما زالت الكلمات
سلاحي , والطريق علامة حمراء
فكيف أصمّ آذاني وأقعد عن نداء الأرض والشهداء ؟
وفي عينيّ إصراري
وشاهدة كتبت حروفها من جرحي الناري
لترفع فوق قبري راية في الريح
" فلسطينية أرضي
فلسطينية أرضي "(67/186)
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> جراح فلسطينية
جراح فلسطينية
رقم القصيدة : 65044
-----------------------------------
ولو أنّ الطريق إليك ميسور
لما وهنت خطاي , وسمّرت نظراتي اللهفى وراء الباب
ولا سهدت عيونك في انتظار زيارة الأحباب
ولا ما بيننا حال العدى والموت والسور
ولكنّ الثعالب في ربوعك تزرع الأهوال
وتغتال ابتسام الصبح فوق مباسم الأطفال
" يا دار , يا دار ,لو عدنا كما كنّا
لاطليلك يا دار , بعد الشيد بالحنّا "
معتّقة جرار الحزن من عشرين في قلبي
اشيل عذابها الموروث في روحي وفي هدبي
ولا أسطيع إفلاتا ونسيانا
وتصفعني عيون الغير في المنفى تعرّيني
تشير إليّ ,
- أين تروح , أيّ هوية تحمل ؟
.....؟
- فلسطيني , أجل إنّي فلسطيني
هويتي العذاب يظلّ مصلوبا على وجهي ويدنيني
من الينبوع في وطني , هناك " بكفر عانة " وجهي
المفقود وجهي الأصل
وأعبر دربي المزروع بالنظرات والعتمة
وأعبر دونما كلمة
ألوذ بصمتي المشحون بالمأساة
وأحضن حزني الموّار , أركن للأسى الخلاّق يبعثني
ويزهر في غد حقلا من البسمات
أذيب به عذاباتي
وترحل عن فمي مرّ الحكايات
وتحملني الرياح على متون الشوق للأحباب
أعانق طفلة الفجر الجديد وأطبع القبلات فوق جبينها القمحي
وأشدو غنوة الفرح
ولكن آه .. موصدة هي الأبواب
ويأتي صوت والدتي العجوز مبلّلا بالحزن والأمل
" بالله يا طير الحي إن جيت دارنا
ريّض إلا يا طيرنا وارتاح
قل لها بحال الجهل يا طول عزّنا
ياما قعدنا ع الفراش صحاح
يا من درى يصفى زماني وأعاتبه
وأعاتبه باللي مضى لي وراح "
ويزداد الحنين ويقطر الموّال أشجانا
متى يصفو الزمان يعود كلّ مشرّد لتراب أوطانه ؟
يقبلّه , ويجثو في اخضرار الجرح فوق قبور من ماتوا ,
يقول لهم ,
لقد عدنا فلا تبكوا على الأحياء
ونرقب رزقة الفقراء
متى يصفو ... ؟
متى يصفو ... ؟
أهاجر في العيون أطالع الحرمان
" يا دار.. يا دار..لو عدنا ..."(67/187)
لئن نامت على شرفاتك الأحزان , غنّى طائر الألم
يظلّ هواك نبض دمي
وإن هدموا الجسور إليك , أبحرت المراكب عنك للمنفى
فأنت معي
فأنت معي
وإن سيق البنون , مواكبا للسبي يا وطني
وإن هاموا بصحراء الدجى والتيه والشجن
وإن طعنوا بسكين الطوى في عتمة الليل
وإن نهبت مواسمنا بلا عدل
وإن طالت حبال النفي والبين
فلن ننساك , لن ننساك , يا وطني
فما زال الوميض يشعّ في الأحداق
وميض الرفض , والإصرار والثورة
وما زال المشرّد في الطريق إليك يا حلمي ولن يثنيه
عذاب الغربة المرّة
لأنك فيه أنت الروح , أنت الوهج والفكرة
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> النسيان , لا
النسيان , لا
رقم القصيدة : 65045
-----------------------------------
ربطت حول إصبعي الخيطان
وقلت لا , لا يقدر النسيان
أن يسرق الهموم من قصائدي والذاكرة
لأنني مذ كنت لا أجيد حرفة النسيان
لأن قلبي شقّ ذات يوم
وضاع نصفه ,
وذاب في قرار حوض دم
لذا أسير عاريا في وضح الظهيرة
بنصف قلب
أمضي لموعدي هناك مع حبيبتي الأميرة
عمواس يا أميرة
يا حرّة في قبضة العدى أسيرة
عمواس يا قصيدتي الأخيرة
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> العروس
العروس
رقم القصيدة : 65046
-----------------------------------
من الرماد يولد الرجال يا عمواس
من السقائف المهدّمة
ترابك المجبول بالدماء ما يزال مزهرا
يظلّ يحمل الشذى
عبيرهم يظلّ عالقا , على بقية الجدران يا حبيبتي والمصطبة
عمواس يا معذّبة
أتعلمين يا عروس
أتعلمين عن طيورنا المغرّبة
تجيء مثل الريح والرعود والمطر
تشيل في منقارها لجرحك الدواء
فلترقبنّ في الليالي المعتمة
أسرابها إليك قادمة
عمواس يا مهدّمة
عمواس يا مهدّمة
الرمح بعد ما انكسر
الرمح بعد ما انكسر
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> ريم وانسكاب الجرح
ريم وانسكاب الجرح
رقم القصيدة : 65047
-----------------------------------
تسألني الصغيرة
تجرحني أصابع البراءة الصغيرة(67/188)
تقول لي :
" عمو..
وين بيتكو ؟"
الله يا عصفورة
من بدّل الألعاب للصغار بالعذاب
ليسألوا بحيرة ؟
إن كان لي أن أنطق الجواب
فكيف تفهمين يا صغيرتي سطوره ؟
بيتي على المدى هناك داميا ,
في أرضنا المقهورة
تبكي على شبّاكه شحرورة
تبكي لنا ,
لكلّ شعبنا لكي نزوره
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> عابر الليل
عابر الليل
رقم القصيدة : 65048
-----------------------------------
إنني أحمل آلامي وأمضي
عبر آلاف الدروب الشائكه
ليس ينئيني ابتعاد
عنك يا ذات العيون المالكة
فأمديني بشوق لا يموت
إنّه حبّي باق في قرار الأرض يا عمواس ,
منقوش على كلّ البيوت
آه عيناك تحيطاني , تطلاّن عليّ
كيف لي أن أملك الآن مفاتيح الحوار
وحقول الصمت تمتدّ أمامي ,
وأنا أخشى من الأعتاب أن ترفض خطوي ,
قبل أن يأتي النهار ؟
ويراني الغاصبون
كلّموني أيها الأحباب من تحت الركام
جئت مشتاقا إليكم
جئت وا لهفي عليكم
بعد عام
كلّموني ,
كلّموني
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> السجين
السجين
رقم القصيدة : 65049
-----------------------------------
أحكموا الباب عليّ
أغلقوا كلّ الشبابيك وجاؤوا بالستائر
حجبوا عني ضياء الشمس والوجه الذي أهوى ,
وأطفالي الصغار
فتتّوا ما كنت أحوي من سجائر
كسروا ظهري بعقب البندقية
ثم قالوا : أتهاجر ؟
قلت : يا ليت فقلبي صار طائر
وأنا لا أملك الآن زمامه
قيل تبقى ها هنا حتى القيامه
قلت : أحلى في بلادي
تستحيل النار بردا وسلاما
وانثنوا ضربا على رأسي بأكعاب البنادق
قلت : ما همّ فقلبي صار عصفورا ,
وأغصاني حدائق
قلت قلبي صار زرعا وسنابل
أشعلوا فيه الحرائق
واعلموا أنّ جذوري سوف تبقى وتناضل
أحرقوني
يخصب الأرض رمادي
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> العاصفة
العاصفة
رقم القصيدة : 65050
-----------------------------------
أخفضوا الأصوات , خلّوا السلاح خلوا ,
لتمرّ العاصفة(67/189)
حان أن تذرع هذا المسرح المخدوع بالأوهام ,
فالطفل الذي طوّف في المنفى يعود
باحثا عن أمه المسبيّة الأحلام من عشرين عام
بعدما أنبت هذا المسرح الكاذب في العينين صبّارا وشوكا
فالهتافات وأزهار الوعود
لم تكن إلاّ ظلالا زائفه
حان دور العاصفه
****
مثلما يطلع صبح
مثلما يعبر رمح
في صميم الليل ماتت كلّ غيلان الأساطير ,
ترامينا على الأبواب , كسّرنا مرايانا القديمة
فاحضنينا
وأعيدينا من المنفى إليك
أنت يا ضوء ليالينا , ويا خبز اليتامى
يا اشتياق الظامىء الملهوف أن يروي غليله
منك يا روح القبيلة
أنت يا رفض المزامير التي بحّت أسى مرّا ,
ولم تخرسك أجراس الهزيمة
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> إشراقة الصعود
إشراقة الصعود
رقم القصيدة : 65051
-----------------------------------
برغم هذا الليل يا رفيقتي الحزينة
برغم جرحنا الذي ينام واهنا على مشارف المدينة
كقطّة تموت في سكينة
ترود عيناها على وليدها يلهو به الصغار
برغم هذا كلّه
نغذّ خطونا لرحلة انتصار
كما يغيب الليل مدبرا ,
سيقبل النهار
***
لمحتها على جرائد الصباح والمساء
كنّا معا ,
عيناك كانتا بحيرتيّ شقاء
وكنت حانيا عليهما ومشفقا
مهدهدا أساهما للحظة اللقاء
***
وقفت كالصليب يا رفيقتي على مداخل " الكرامة "
باركتها وشارعا فشارعا
صلّيت خاشعا
على غبار بابها
حلمت أن أموت واقفا على ترابها
لا باكيا على الأطلال
لا نادبا , لا راثيا من سقطوا ,
في حلبة القتال
فكلّ ما يقال
أصغر من أن يطال
ردما من البيوت
أو زهرة تموت
أو حبة من التراب
مجبولة بأشرف الدماء
لمحتها على جرائد الصباح والمساء
البلدة الصبورة الجلود
لمحتها واغرورقت عيناي
تألقّت إشراقة الصعود
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> العاشق والأرض
العاشق والأرض
رقم القصيدة : 65052
-----------------------------------
ذلك الشيء الذي أطفأ دفء الكلمات
كان عنوان حياة
حينما سيف المنايا وقعا(67/190)
باسما كان رفيق الأمنيات
فايز العاشق والمحبوب والأرض معا
أمس ودّعناه في عرس من النار وعزم الأغنيات
ثم عدنا ,
نشعل الكبريت في الليل , نضىء
ألف قنديل على الدرب لتمضي القافلة
فهو سوما سيجيء
من فؤاد العائلة
ما شققنا الثوب آن
لوّحت كلّ المناديل لتابوت المسافر
ملحوظة صغيرة :
حينما لم نبك فايز
ليس معناه بأنا لم نعد نملك حسّا
والذي بين حنايانا حجر
إنّما نحن بشر
لم تكن تخلو خوابينا من الجوع وأكواب البكاء
وتلفّتنا ولكن ,
ليس من قلب على أحزاننا يوما شعر
فعزمنا بيننا ,
أن يظلّ الحزن في الداخل وعدا كالبذار
ورفضنا الإنتظار
وتسربّنا إلى الأرض , انزعنا كبرياء
مهرها ليس بكاء
مهرها ليس بكاء
***
" طلّت البارودة والسبع ما طلّ
يا بوز البارودة من الصدا مختلّ
بارودة يا مجوهرة شكّالك وين
شكّالي ع عاداتو سرى في الليل
بارودة يا مجوهرة شكّالك راح
شكّالي ع عاداتو سرى مصباح "
***
مثلما يأتي المطر
مثلما ينبت في الأرض الزهر
مثلما المشتاق يأتي من سفر
فهو يوما سيجيء
لم يمت فايز , من قال يموت
ذلك الحبّ الصموت
فهو كالنبع , ولّما هزّه التحنان للنور انفجر ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أم صابر
أم صابر
رقم القصيدة : 65053
-----------------------------------
مثل عمّال بلادي البسطاء
راح صابر
ودّع البيت صباحا مع جموع الثائرين
ومضى يهتف في الشارع مرفوع الجبين
وأعادوه مساء
***
كانت " الوحدات " عرسا من دماء
كلّ أم في انتظار
ابنها الغائب , كانت أمّ صابر
بعد أن أدّت صلاة المغرب الدامي تدعو ,
أن يجيء
ابنها صابر , لكن لم تعد ,
ضحكة الوجه البريء
سألت عنه الرفاق
أين صابر ؟
سألت حتى حجار الطرقات
ومشت في كلّ حاره
أين صابر ؟
أين صابر ؟
.................
..................
واحتواها الصمت , غابت في تلافيف المخيم
وصدى " يا كلّ أولاد الحلال
من رأى صابر من ؟
آه يا ابني تعال ..."
ظلّ مصلوبا على كلّ جدار(67/191)
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> مقاطع من مدائن الأسفار
مقاطع من مدائن الأسفار
رقم القصيدة : 65054
-----------------------------------
على جواد الانتظار
أرحل في المساء يا أحبّتي إلى مدائن النهار
أعانق الآتي على جناح ريح
تنشلني يداه من قرارة البحار
فأستريح
وتنتهي الأسفار
***
رأيت سيدي المسيح
يبكي على الضفاف
والنهر يستحمّ تحت غيمة من الدخان
أومأ لي وما ابتسم
وكان صمته اعتراف
بما يعاني من ألم
وراح في تطواف
***
رأيته على الخليج
ممتطيا خيول الحزن
يشكو من اغتراب
أعماقه تمور بالنشيج
سألته فما أجاب
وانسل ّمن عينيّ الزحام ,
عبر رحلة اغتراب
***
طوّفت وحدي في حدائق المساء
قبرّة بلا غناء
نادمت في الشوارع الملساءغربتي العجوز
وحينما جرعت كأسي الأخير واستضافني البكاء
مالت برأسها إليّ , تمتمت ,
الدمع يا صديقي الحزين لا يجوز
***
أحبابنا في الريح والأهوال والمطر
أحبابنا هناك في العراء
يسطّرون روعة البقاء
ويجدلون من عذابهم للمجد أغنيات
ويبسمون رغم قساوة الحياة
أحبابنا ,
والأرض ,
والإنسان في خطر ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> تورّق الأشجار
تورّق الأشجار
رقم القصيدة : 65055
-----------------------------------
زنبقات الحزن في قلبي ,
يعانقن الظهيرة
يتساقطن على طاولة المقهى ..
ووجهي لوحة ,
ينقصها اللون الأخير
قهوتي تبرد في ظلّ الشبابيك الحزينة
وأنا أرقب أن تأتي ,
ولكن ..
خاننا التوقيت في هذي المدينة
أعرضت عن وجع اثنين مضاعين :
أسير وأسيرة
زنبقات الحزن في قلبي
يعانقن الظهيرة
***
" إمبارح جينا حارتكم
يا دار ما بيّنتو
يا علّة في الصدر
ما يداويها إلاّ انتو .."
والذي أحضرني اليوم هنا
كانت رصاصة
أخطأتني أمس أثناء العبور
حين تابعنا المسيرة
زنبقات الحزن في قلبي ,
يعانقن الظهيرة
***
عذّبتني وأنا أمضي إليها
عفّرتني برمال الأرض , آه
آه , كم كان جميلا
ذلك الرمل الذي ,
يمسح عن وجهي التعب(67/192)
وهو يستنبت في قلبي ,
أشجار الغضب
***
أنا أحببت زهور الياسمين
منذ أشرعنا الكوى ذات مساء
صار حبّي شجرا ,
ينبت في كلّ الحدائق
فأنا أعرف أن الموت ,
قد يأتي وقلبي
بعد لم يفرح بزهرة
قطفتها لي يداك
فوق أرض الشام مرّة
فلذا أنزف محموما ,
لذا حبّي صادق
***
أستبيح الأرض عذرا
أمس في الطابور والخندق ,
عانقت ظلالك
كانت الغابة موسيقى ,
من الصمت وكانت
تورق الأشجار ,
مع صوت البنادق
فاستحال العرق المخلوط بالرمل ,
على جلدي رياحين وعطرا
وحضنت الظلّ كالطفل ,
وأسندت جبيني
مستريحا ..
وتنسّمت على مهلي
شذي أرض الوطن
***
تحت حدّ السيف يا حبّي ,
وفي ظلّ السلاسل
وعلى الدرب الذي يفضي ,
لساح الجلجلة
تطلع الآن من الجرح ,
أناشيد وعود , وسنابل
وشظايا فوق أرض المعركة
يا حبيبي ,
***
إنّني أفهم أن يبكي نورس
حينما يقضي سحاب اليوم جائع
وأنا أفهم أن تعبس ,
في وجهي الشوارع
حينما تبعد عن عيني الحبيبة
وأنا أفهم أنّ الانتظار
خطوة نحو مرايا الضوء ,
ميلاد خصوبة
وتباشير نهار
فلماذا صوتي الآن تيّبس ؟
***
إغرسي السكين في صدري ,
وخلّيني أموت
شهقة تتبع شهقة
في حنايا الزرع ,
في ظلّ البيوت
واسدلي آه على وجهي خرقة
ودعيني لندى الأعشاب ,
أبتلّ
فأحيا
وأعود
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> آثار جرح
آثار جرح
رقم القصيدة : 65056
-----------------------------------
من يمنح الحنان في بيروت
فاطمة التي شممت في حروفها ,
تنفّس الأعشاب في الحقول
فاطمة التي تمزّقت على أسلاكها ..
آهات قلبي الذبيح
راحت وخلّتني أموت
مخّيما
على ضفاف اليأس والسكوت
ماذا أخطّ أو أقول ؟
في دفتر الأوجاع والجروح
فالحزن في بيروت
يحاور الأشجار , يسكن البيوت
أبو فراس ها هنا يموت
من دون قيد الروم ,
ها هنا يموت
فلتفزعي إليه ..
***
وقفت خلف بابكم , ناديت
لكنّني أواه , ما افتديت
أنا الغريب
في أرضكم تدّعني ..
عيونكم , شفاهكم , قلوبكم
ويستمر , يستمر ..(67/193)
مدّ شوقي المشرّع الكوى
لأن أضمّكم
في جانحي يا أحبتي
برغم أنّكم
قوّستمو أخي وصاحبي
ولم تزل في ظهري المحنّي صلية .
وفوق حاجبي
آثار جرح
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الكوكب
الكوكب
رقم القصيدة : 65057
-----------------------------------
مشرع صدرك للريح ,
وطلقات البنادق
والتي كنت تحبّ
ذات يوم حينما رفرف في جنبيّك قلب
يترامى جيدها الموجوع ,
في كلّ الشوارع
تسأل العابر ضوءا وجوابا
عن فتى أسمر , يبدو
فارع الطول , نحيف الجسم غائب
ويشيل الهمّ في جنبيه ,
سهما
كوكبا
يطلع من بوّابة المغرب شاحب
لم تزل تفترش الأرض اغترابا
وهي لا تعرف بعد
أنّه صار محارب
ربما يبحث في الوديان ,
عن كسرة خبز
ربما يعبر نهر الموت ظمآنا وجائع
ربما يرقب إطلالة نجم
وهو في ليل الخنادق
مشرع صدرك للريح ,
وطلقات البنادق ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> قمر الجوع
قمر الجوع
رقم القصيدة : 65058
-----------------------------------
أمطري في القلب ,
زخّات عذابات وجوع
أمطري ..
أرضي ظمأى ,
وأنا تجتاحني حمّى الرجوع
أمطري أيتها الذكرى ,
ورشّي العين حبّات دموع
فالمغنّي كمّموا فاه ,
وسدّوا ..
بحجار القهر بابه
خطفوا منه الربابة ..
***
مرّة أخرى يعود الآن ,
يستجديك رشفة ..
آه من بخل الزمان
إذ يغلّ الفقر أيامك ,
لا تمنح رجفة
رجفة الصعلوك
إذ يحظى بخبز وأمان ..
أعطني من صمتك الطافح ,
حزنا ومرارة
أعطني من شجر الأيام ,
من لحم التواريخ القديمة
أعطني منها العصارة
علّه يطلع من حقل الرماد
قمر الجوع رغيفا وثمارا
علّني أبعث من هذي التعاسات ,
نبيّا ..
بين عينيه البشارة ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> السقوط في المنفى
السقوط في المنفى
رقم القصيدة : 65059
-----------------------------------
صار للريح طعم الدم
والأغاني بكاء
لا تجيئي لمأتمي
وتقولي لي العزاء
***
وجهك الأمس كان لي
كان خبزي ومطرحي
والحكايات بيننا(67/194)
تمّحى , آه تمّحى
لحظة الحب والعناق
كبر الآن جرحنا
راعفا خارج الوطن
كيف لا تخجل المحن
تحت شبّاكنا بكاء
يتلوّى على ,
جمرة الهجر والفراق
فاغفري لي وقوفي
على شرفة القنوط
وأسعفيني من السقوط ..
صار للريح طعم الدم
ليته خانني فمي
ليت دمعي انهمر
قبل أن قلت للتي
قلبها الطيب انكسر
هات مفتاح غرفتي
هات إنّي على سفر
ليت أن ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> عزف منفرد
عزف منفرد
رقم القصيدة : 65060
-----------------------------------
الأغاني انطفأت هذا الصباح
والمدينة
غادة ترفض ودّي
وأنا أبحث في كلّ الوجوه
عن يد تسند ظهري
ها أنا أسقط وحدي
وسط هذا الشارع المملوء ..
بالأقدام ملتفّا بصمتي
ليس لي قدرة أن أصرخ ,
من يسمع صوتي ؟
هذه الصحراء رحب لا يحدّ
الحوانيت بوجهي مقفلة
وعيون السابلة
أسهم تعبر جسمي ..
لا تراني
والأغاني ,
الأغاني انطفأت هذا الصباح
فتحسست الجراح
والسكاكين التي ,
تغرس في القلب على ..
إيقاع أنغام حزينة
ليتني أستطيع أن أبعث ,
من هذا الرماد
نبضة الفرحة والميلاد ..
أهديها لطفلي
وجه طفلي ,
لم يزل يسأل عن موت المدينة ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الدفوف
الدفوف
رقم القصيدة : 65061
-----------------------------------
تقاسمتك ادفوف
عشية الحب ماتا
فما فاد الوقوف
ولا مللت التفاتا
***
قد عزّ طيفك حتى
ذابت جموع الأغاني
صلبت جبنا وصمتا
بكيت مما أعاني
***
كبرت عندي حضورا
على حدود المكان
وظلّ قلبي أسيرا
مسافرا في الزمان
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> القهر
القهر
رقم القصيدة : 65062
-----------------------------------
لو اليدان يا حبيبتي طليقتان
ما نّوحت في أفقنا حمامتان
غداة قوّست يد الردى
وحيدنا
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الفراق
الفراق
رقم القصيدة : 65063
-----------------------------------
حين كتبنا إسمينا المرتاعين ,
على جذع شجرة
سقطت ثمرة
وبكت حزنا(67/195)
أينع فينا الوجع الحارق
والعالم جنّا
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الوداع
الوداع
رقم القصيدة : 65064
-----------------------------------
أقف الآن وحيدا
تحت شبّاك أماسيك ولا أحكي ,
عن السهد وعن جرح المواويل ,
وعن موتي الطويل
هذه المرّة لا أحمل قيثارا ,
ولا أتلو نشيدا
وجيوب السترة السوداء خلو من قصيدة
فاعذريني من نفاذ الصبر ؟
ها أنا آخذ شارات الرحيل
عابرا ليل المسافات , لآفاق بعيدة..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الموت والعناق
الموت والعناق
رقم القصيدة : 65065
-----------------------------------
حينما تسقط في ساحاتنا حتى الحجارة
حينما يهدم بيت تلو بيت
يصبح الموت إشارة
وبدايات لصوت
***
عانق الموت بوجه الريح عانق
كلّ لون فوق وجه الأرض , في
نسغ البدن
أنت إن أصبحت عاشق
يسقط المحتلّ في الطين , ويبقى
وحده مجد الوطن
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> مكابدة الشوق والغصة
مكابدة الشوق والغصة
رقم القصيدة : 65066
-----------------------------------
-1-
أشتاق أن أراك في شوارعي المغبّرة
أشتاق , أشتاق يا قبّرة
موّال حب
ينقذني من الجفاف في حياتي المسوّرة
بالشوك والأسلاك
أواه يا مدينتي المنوّرة
متى يحين موعدي , متى أراك ؟
متى تذيب غربتي يداك ؟
-2-
يصدف أن ألقاك ,
في دروبي المنتحبة
سحابة مغتربة
فنعبر الدائق العجاف ,
مثل طائرين ظامئين
لا نملك الإنسداد
الله يا عيني على الحنين والبعاد
الله .. يا فراقنا المجتاح ما استطعت
أن تزرع النسيان في قلوبنا المعذّبة
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> تعالي نبوس التراب
تعالي نبوس التراب
رقم القصيدة : 65067
-----------------------------------
تعالي ,
لنمحو أسماءنا من جواز السفر
تعالي لنكتب أسمائنا من جديد
تعالي لنرسم خارطة للبلاد ,
ونغتال فينا انتظار البريد
تعالي ,
فبعد فوات الأوان
وموت القصيدة
سنشقى , ونرضخ قسرا ,
لتقويم هذا الزمان(67/196)
تعالي نبوس التراب
تعالي نعانق كلّ الشجر
تعالي نسطّر تاريخنا ,
وسط هذا الحريق
ونصغي لصوت ينادي : تعالي
تعالي , تقول الرياح : إذا ما أتيت ,
سنفقد حتى الكفن
ويبرأ منا تراب الوطن ..
***
غدا ,
آه لو عيّروني
بماذا أجيب ؟
وأين أخبىء وجهي
وهم يسألون ؟
عن الحب والياسمين
وكيف انتهى كلّ هذا ؟
تعالي نقيم لنا منزلا ,
أو كمين
نواصل منه لظى المعركة
لقد خاننا الأصدقاء
علانية ,
فاحذري من ستار النهاية
وألمحهم يستبيحونك الآن ,
ويصلب وجهك في كلّ ساحة
وتمحى تضاريس جسمك ,
تبنى عليه الهياكل
وإسمك ينفى من الخارطة
تعالي
تعالي
تعالي نقاتل
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> إيقاع 1
إيقاع 1
رقم القصيدة : 65068
-----------------------------------
وشوشني الريح , قال عنك : سافرت
وقال هاجرت
ضربت رأسي في الجدار
حضنت بندقية عتيقة
وكان صوت النار
يجيء ناضجا , محمّلا ,
بأطيب الثمار
يقول لي : حبيبتك
لمّا تمت ببد ..
ولم تهاجر ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> إيقاع 2
إيقاع 2
رقم القصيدة : 65069
-----------------------------------
أراك على امتداد سواحل الغربة
معفّرة الجبين , تعيسة , تعبة
أراك هنا , هناك ..
تلملمين القش والأوراق
وتهيّئين طعامك العشبيّ للغياب
تمرّ عليك قافلة الظلام , حداؤها
الليليّ يبعث فيك رنّة كامن التذكار
ويعلو في فناء الدار
نداء بنيك جوعانين ما أكلوا
ووحدك أنت , وحدك ترقبين ..
إياب من رحلوا
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> عودة المغني
عودة المغني
رقم القصيدة : 65070
-----------------------------------
أبيع المدينة
أبيع المواعيد والأغنيات
أبيع دفاتر شعري ,
وكلّ حكايا الأماسي الحزينة
وآتي لأشرب من حدقتيك ,
شعاع الحياة
وأزهو بأني
أعيش بأرض بلادي
وأحضن رمل بلادي
وأنّي أسير هواك
وأنّي حظيت كعشب البراري
بخصب التراب ,
وسرّ حنان المطر
لأن المغنّي
تعذّب فوق الصليب
وطاف أقاصي الدروب(67/197)
وظلّ يلوب
سنينا ليأتيك طفلا جديدا ..
تعّرى ,
وألقى ثياب السفر
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الصورة والتذكار
الصورة والتذكار
رقم القصيدة : 65071
-----------------------------------
-1-
وأذكر لم يكن أحد ,
عشيّة أن رحلت فعادني حزني
تلفّت قلبي الموجوع بالأشواق
وألقى نظرة مكسورة الأهداب ,
فوق رفوف مكتبتي ..
وكان فراس
جميلا يرسم البسمات خلف إطار
وكان فراق
يجلّل وجه أمّي بالأسى ,
فتهمّ أن تبكي ..
فأضحك كي تشاركني
وفي جنبات قلبي يطلع الصبّار
فيا تعبي :
أشيل حقائبي , أمشي ..
ولا ألقاكمو قربي
وأحمل ما تضيق به الجوانح ,
-2-
يا شوارع أينهم صحبي ؟1
ويا مقهى " رقيق الحال " كانوا ..
أمس في ركنك
ترى غابوا ؟
فهات إذن " طويل العنق " , أشربه ,
وآخذه معي تذكار
ونمشي والطريق أمامنا تمتدّ للصحراء
فتورق في القرار قصائد التحنان ,
أدرك أنّني في التيه ..
أنقل يا أحبّائي الخطى
وأكابد الإعياء
وأقرأ فوق صفحة هذه الكثبان
رسائلكم
تقول سطورها ويجاهر العنوان
بأنّ طريقنا تفضي إلى البحر
فعد يا أيّها الربّان ,
عد لعروسة الفقر ..
وأومن أن في كلماتكم ..
يا أيّها الأحباب منجاتي
من التجوال والغربة
وأومن أنّ نارا في العروق تعانق الآتي
وتبدع من أحاسيس العذاب خيوط رايتنا
-3-
وماذا بعد ؟
وماذا ينبيء العرّاف , ماذا تضمر الأيام ؟
يقول الكفّ أنّي ..
سوف أرحل باتجاه جزيرة الأحلام
وسوف أخوض نهرا من دم ,
ويصير لون قميصي الكاكيّ ..
أحمر مثل حطّة والدي ,
- الله يرحمه - أبيّا كان
فعاجله رصاص الإنجليز ,
- وكان عمري يومها سنتين -
فهاهت ساعة أمي ,
وكان البين
عميق الحزن ,
فيا أحباب
بعيد ذلك الجرح الذي ,
يمتدّ من عمري
إلى قبري
فذاكرة الطفولة لا تموت ,
ولم تزل في دفتري صورة
لأمي وهي جاثية أمام أبي
وكان جبينه ينزف
وكانت ساقه تنزف
ولهوي يومها بعقاله ,
فلبسته وركضت في الحارة
فأشرق وجهه بالبشر ..
أذكر أنّه قد قال :(67/198)
" يا ولدي "
وأحنى رأسه وغفا
ولم ~أعرف
لماذا كان يبتسم لي ..
لماذا كان يبتسم لي
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> بطاقة إلى فراس
بطاقة إلى فراس
رقم القصيدة : 65072
-----------------------------------
يا لغتي , يا رعشتي المنسابة
في جانحيّ , يا تدفّق الكآبة
يا كلّ هذه المكابدات ,
والتأوهات ,
والرؤى الأسيانة
يا جوع هذا القلب , يا عذابه
يا قمرا على بوّابة
إذا أتتك هذه الكتابة
من يحمل الربابة
من يبعث الحياة في الأوصال
من ينشد الموّال ؟
ومن ..
ومن ..
ومن
تعبت من مرارة السؤال
هل تهطل السحابة ؟
ويهدل الحمام في الوطن ؟
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أيتها الغربة وداعا
أيتها الغربة وداعا
رقم القصيدة : 65073
-----------------------------------
-1-
كان صديقي خالد
ممتلئا بالحب
كان رقيقا وعنيفا كالنسمة والإعصار
كان معي في هذا البلد يكابد ..
غربته ,
مرتقبا سيل النار
مسكونا بالفعل الحيّ الصامت
وكان يعانق في الصحراء
واحته المنفيّة خلف جدار باهت
ويحدّثني إذ ألقاه
عن فقدان المعنى والتيه
عن تلك الأيام الصفراء
عن موت الإنسان الضائع ,
خلف قناع التمويه
عن غضب سوف يجيء
يكنس فينا هذا الفقر المعتم ويضيء
غرفا في النفس رماديّة
كان يواجهني بالبسمة
محتجّا ..
إذ أسمعه بعض الشعر الأسيان
- يا قيسيّ
دعنا من هذي السوداويّة
- الحزن خميرتنا يا خالد
والحزن سلاح لا يغمد
نغسل أعماق الروح به ,
نسمو , نتجدّد
حين يرافقنا في اليقظة والنوم
يتنفّس معنا , ويشاركنا الخبز
لا نقدر أن نتجاهل هذي النعمة
يا خالد
-2-
كان جريئا في زمن الصمت
لا يخفض هام الكلمة
لا يرسلها زلفى لأمير أو حاكم
كان يجلّ الصدق
يحلم بمدائن تحتضن الإنسان
لا تورده الموت
لكنّ صديقي خالد
طولب أن يصمت
طولب أن يكسر قلمه
طولب أن يخنق ألمه
طولب أن يرضى بالأمر الواقع
-3-
أسألكم ..
من يرضى أن يسقط طوعا ؟
من يقدر أن يمنع أمّا ,
معدمة , جوعى(67/199)
من أن تحمل سيفا ؟
وإذا لزم الأمر
أن تسرق ثمن حليب الطفل الجائع ؟
طوبى لأبي ذر
-4-
لم يسرق خالد , لم يحمل سيفا
لم يقتل يوما نملة
كان صديقا للناس , محبّا للفقراء
لكنّ الخوف على أمن الدولة
يلزمهم أن لا تبقى الكلمة مسموعة
أن لا يبقى خالد حرّا
-5-
فوجىء خالد ذات صباح
بدخول الشرطيّ عليه
يحمل بين يديه
كومة أصفاد
في اليوم التالي
نشرت بعض الصحف اليوميّة
أمر الإبعاد
-6-
" ملاحظة ..
في ذلك اليوم , بكت طفلتان صغيرتان , لأن
أباهما تأخر عن موعده , ولم يعد للبيت ,
كانت تنتظران أن يحمل لهم حبّا , وأمنا ,
وحلوى ..
ربما كانت جائعتين .."
-7-
لم أر خالد ذاك اليوم
لكّني كنت أرى جبهته ,
سارية في الريح , منارة
لم يوهنها الإبحار
كان الإصرار
مرسوما في عينيه علامة
كان يردّد أنّ الصبح ,
- وإن طال سيأتي
واحتضن وسامه
ومضى ..
يبحث عن أرض ,
تطعمه خبزا وكرامة ..
-8-
لا أذكر كم مرّ من الأعوام
حين تقابلنا أول مرّة
في باحة فندق
وسط دمشق
أذكر كان عناقا ,
عبر الصمت مليئا بالصدق
حيث أعاد إلى سمعي الكلمات الحرّة
كان كلانا ,
يبحث في رحلته عن شاطىء
عن قطعة أرض غالية ,
يسند جبهته المتعبة عليها ..
تطفىء ظمأ الأيام
عن شجر يمنحه الظلّ
عن بيت دافيء
يؤويه إذا جاء الليل
-9-
وفتحنا كلّ شبابيك الجرح
-10-
كان تراب الوطن العربي
ما زال طريّا أخضر
والجثث المقتولة في سيناء
وغزة والجزلان
ينهشها الطير ولم تدفن
وتحدّثنا في ذاك اليوم ,
عن الآمال البرّاقة
وعن السفر الثاني ,
وزنود الفتيان الغلاّبة
إذ تلج بجنح الليل
أبواب فلسطين بلا تصريح
مثل الريح
تحمل شارات الصبح ..
-11-
كنّا نعبر في الطرقات معا
أحزنني وجه دمشق
بردى كان بلا صوت
لاحظت لأول مرّة
أنّ ملابس خالد كانت كاكيّة
لكن فيما بعد عرفت
أنّ صديقي من زمن ,
يلتزم بتدريبات يوميّة
فسرحت ببصري في الصمت
وتحدّث خالد , فاجأني بسؤاله
- ما حال الغربة والأصحاب ؟
جالت في أعماقي الكلمات المرّة(67/200)
.. .. .... ............
....................
لكنّي أطرقت
-12-
يا أيام الغربة أعطيني إسمي
أعطيني أوراقي ويدي
أعطيني قلمي
آن لنا أن نفترق الآن
آن لهذا القلب المحكوم عليه
أن يرتاد الأبعاد
ركضا خلف خلاص موهوم
آن له أن يستقبل ,
فعل المرتقب المحتوم
بعد سنّي التجوال
أزهر يا غربة في أرضي الليمون
وامتلأ " المارس " بسنابل معطاءة
وابتهج الفلاحون
أمّا الفقراء فقد مدّوا أيديهم ,
واحتضنوا قمر الثورة
يا غربة هاتي كفيّك
أودعك بها كلماتي المرّة
ورنين الزمن الجاحد
إني أرتحل الآن
فيّاضا بالفرح إلى خالد ..
شعراء العراق والشام >> قاسم عزاوي >> فاتحة
فاتحة
رقم القصيدة : 65074
-----------------------------------
لم يكن في يدي صولجانْ
لم أكن قد شددت'
وثاق الزمانْ
عندما هربتْ
من دمي القاطرةْ
شعراء العراق والشام >> قاسم عزاوي >> مأساة العبق الأخضر
مأساة العبق الأخضر
رقم القصيدة : 65075
-----------------------------------
عبقٌ أخضرٌ هائمٌ
في الصباحْ
عانق الأغنياتِ التي
شَرَدت من شفاه الدجى
ليلة البارحة
حطَّ في باحة الدارِ
مدّ بساطاً من الوجدِ
تحت جفون العريشةِ
ثم تمطَّى
وأرخى جوانحه
واستراحْ
حين جاء الضحى
داهمته الدبابيرُ
أدْمَتْهُ حتى استحالَ
إلى حفنة من ترابْ
حفنة نسيت عبق الاخضرارِ
وما عاد في دمها رائحة
شعراء العراق والشام >> قاسم عزاوي >> الرقص بين ضلوع القصب
الرقص بين ضلوع القصب
رقم القصيدة : 65076
-----------------------------------
عبث كل هذا الذي يملأ الأمكنة
عبث كل هذا الذي يوقد الأزمنة
باهت شعرك المستعارُ
وربطة عنقك مشدودةٌ
فوق خصركَ
حين تراقص ظلّكَ
في حانة عند شطّ الفراتْ
جُنّ وهج قصائدكَ
اللاهثات على حلبة الرقصِ
تاهت قوافيكَ
بين ضلوع القصبْ
سرتَ في حلبة الليلِ
منتعلاً حزنك الليلكيَّ
وصوت الفرات يحشرجُ
في مسمعيك يقولُ :
استفقْ
فالعجاج استوى سيداً
فوق كلِّ الضفافْ
لم يكن في يديك شموسٌ(67/201)
تلوذ بها عن عيون الشبابيطِ
وهي تلاحق خطوكَ
إذ جئت تحمل فوق سنامكَ
كلّ هوان الخليجِ
وذلَّ المحيطِ
وقد زاغ من محجريك الزمنْ
شعراء العراق والشام >> قاسم عزاوي >> مجزرة الغَرَبْ
مجزرة الغَرَبْ
رقم القصيدة : 65077
-----------------------------------
جرسٌ رنَّ في هدأة الحلمِ
والليل أغفى كنهر رضيعْ
هزني صوته فاستفاقت عظامي
رأت نجمةً
أشعلت ضوءها في دمي
فأنارت تلالاً من الشوكِ
غطت تضاريس مقبرةٍ
في جوار سريري
حاصرتني جماجمُ
ألقت على جسدي ظلَّها
ثم راحت تؤرجح أكفانها
فوق رأسي
وتنشد أرجوزةً
عمرها منذ بدء الخليقة
جرسٌ رنَّ في مسمعي
فاستفقت فإذْ بالفراتِ
وحيداً بلا زبدٍ
أو ضفافْ
وقد رقدت عندَ خُفَّيْهِ
أشلاء آخر مجزرة للغَرَبْ
شعراء العراق والشام >> قاسم عزاوي >> حنظلة
حنظلة
رقم القصيدة : 65078
-----------------------------------
مهداة إلى الشهيد ناجي العلي
--
مورقٌ قلبه بالحداءِ
الذي يعشق الغيمة الماطرة
موحل دربه في هجير المنافي
التي غادرتها الطيورُ
وأتعبها الركض خلف السرابْ
موغل جرحه في رماد الدروبِ
التي توقد الأمنياتِ
انتظاراً لحين الإيابْ
لم تسعه البلاد التي
تنبت النفط والموتَ
فاختار سكناه خلف الضبابْ
عائدٌ رمسه في صلاة الهجيرِ
وقد زال عن جانحيه الكفنْ
يجمع الناس حول العشاء الأخيرِ
ويهدي لهم لوحة المذبحة
حبره أسودٌ
مثل ضوء الصباحِ
الذي عانق الأضرحة
إنه حنظلة
ذلك العاشق المستظلُّ
بفيء المنى المثقلة
عاشق يرسم الأغنيات بلون الوطنْ
إنه شاهدٌ في الزمان الرديءِ
زمان الخياناتِ
والنطعِ
والمقصلة
شعراء العراق والشام >> قاسم عزاوي >> تضاريس
تضاريس
رقم القصيدة : 65079
-----------------------------------
على شرفة العمرِ
تجري خيولي
تحمحم بحثاً عن الحُبِّ
والدفءِ والأرغفة
وتأتي إليكِ
لتنهدَّ فوق تضاريس نهديكِ
وهْي تداعب كثبان روحي
تخضِّر أمداءها
وتعانقني
من جميع الجهاتْ
يلذُّ لكفي صعود الهضابِ(67/202)
لأنصب خيمة عشقي هناكَ
وأدعو إليها جميع الطيورِ
وأولِمُ مأدبةً للرياحْ
فتغدو أخاديد قلبي ربيعاً
يغطي المسافاتِ
يختصر التكتكاتِ
التي أنتشتْ حين أغفتْ
عيون الزمنْ
فأنهض من غفلة الوقتِ
أرمي عباءة حزني
وأستلُّ محبرةً من دمي
فأخطُّ شموساً لنهديكِ
أوقدها حين تقفز فوق ضلوعي
سنونوة الشعرِ
وهي تردد وصلتها الغجريِّةَ
بعد إياب المزاميرِ
من رحلةٍ في تخوم الزمانْ
فأرنو إلى الشفقِ
الأشعث الشعرِ
وهو يداعب دميته الخائفة
تضاريس نهديكِ
راحت تجوب البلادَ
لتبحث عن طفلةٍ روعتها الحروبُ
وقصَّت جدائلها الوارفة
وحين التقتها
حبت ثغرها
حلمةً بللتها المواويلُ
غازلها القمر المستطيلُ
وألقت على خدها
قبلةً راعفة
تضاريس نهديكِ
تأتي إليَّ
وتلقي على مسمعي
حزمةً من رنينٍ
يخضله الشيحُ
والمطر البدويُّ
وتغفو على فمه الأسئلة
فيأتي الفرات الجليل إليكِ
ويحبو على سفحك الرطبِ
يرتاح فوق تضاريس نهديكِ
يرنو إلى الشفق الأشعث الشعرِ
وهو يداعب دميته الخائفة
شعراء العراق والشام >> قاسم عزاوي >> القطا والصنوبر
القطا والصنوبر
رقم القصيدة : 65080
-----------------------------------
سماء الصنوبر غطّتْ
فضاءات روحي
فصرت وإياكِ
مثل قطاتينِ
هاجرتا من بوادي الفراتْ
قطاتين لم تعرفا
كيف تغفو البحور'
على كتف الرملِ
عند أفول القمرْ
ولم تعرفا كيف تصحو الرياحُ
على صخب الغيمِ
وهو يدندن معزوفةً للجبلْ
تُصَفِّرُ من حولنا
كائنات أتت نحونا
من تخوم الأزلْ
وحين تكفُّ عن اللهوِ
يشتعل الصمتُ
في جنبات الصنوبرْ
طيور تهرولُ
خلف الغصون العجافِ
لترسو عند الشطوط البعيدة
هنا ولدت مفردات الوجودِ
وصارت غناء بكل اللغاتْ
قطاتي تعالي إليَّ
دعيني أحبَّكِ
فوق أديم الصنوبرْ
دعيني أقاسمك كل خلايايَ
حتى يؤوب القطا
من بوادي الحجازْ
فإن لعشقك رائحةً
مثل عطر الترابِ
بُعَيْدَ عناق المطرْ
وطعماً يشابه دهشةَ
طفلٍ رضيعٍ
غداة اكتشاف أصابعهِ
في يديهْ
قطاتي تعالَي(67/203)
فما عاد في العمرِ
بوابة للرحيلْ
ولا عاد في القلبِ
زوادة للسفر ْ
شعراء العراق والشام >> قاسم عزاوي >> انتظار
انتظار
رقم القصيدة : 65081
-----------------------------------
ظلّكَ يتمدد فوقَ
سراب الإسفلتِ
يغازلني
ويمدُّ إليّ جوانحَهُ
يرمقني بعيونٍ
توقدها الأحزانْ
وأنا أهرب نحو خيام البدوِ
أهيل على جسدي
رمل العشقِ
وأنشد ترتيلة حبٍّ
لعروس الكثبانْ
أنتظر قدومكَ
كي تحملني
نحو مسيلٍ يكمنُ
في طرف الباديةِ
لكي أتعمد بمياه المطرِ
و أُخلقَ ثانية طفلاً
يبكي..يضحكُ
لكن لا يعرف كيف الحقدُ
يعمُّ الأكوانْ
شعراء العراق والشام >> قاسم عزاوي >> مطر
مطر
رقم القصيدة : 65082
-----------------------------------
كان سرب القطا متعباً
حين حطَّ على سفح نهديكِ
بحثاً عن الظلِّ والارتواءْ
عندها أمطرت غيمتي
فوق أحلامك الذابلة
فانتشت أضلعي
عندما هربت ضحكةٌ من يديكِ
اللتين تحيكان شعراً
وقوس قزحْ
ضحكةٌ أنجبت كمأً مقمراً
وخرافاً بلون الصباحاتِ
حين تقبِّل وجه الندى
لم يكن ما أرى شبحاً
أو سرابْ
إنما كان نافورة للرؤى
والحداء الذي يعتلي
صهوة القافلة
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> حديقة الغروب
حديقة الغروب
رقم القصيدة : 65087
-----------------------------------
خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ
أما سئمتَ ارتحالاً أيّها لساري؟
أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت
إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟
أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا
يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بقِيَتْ
سوى ثُمالةِ أيامٍ.. تذكارِ
بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا
قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري
***
أيا رفيقةَ دربي!.. لو لديّ سوى
عمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري
أحببتني.. وشبابي في فتوّتهِ
وما تغيّرتِ.. والأوجاعُ سُمّاري
منحتني من كنوز الحُبّ. أَنفَسها
وكنتُ لولا نداكِ الجائعَ العاري
ماذا أقولُ؟ وددتُ البحرَ قافيتي(67/204)
والغيم محبرتي.. والأفقَ أشعاري
إنْ ساءلوكِ فقولي: كان iiيعشقني
بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ.. وإصرار
وكان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه
وكان يحمل في أضلاعهِ داري
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلاً
لكنه لم يقبّل جبهةَ العارِ
***
وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه
ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ
ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ
يهيمُ ما بين أغلالٍ. وأسوارِ
هذي حديقة عمري في الغروب.. كما
رأيتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ
الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ
والوردُ أطرقَ يبكي عهد iiآذارِ
لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي
فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلاً
وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ
***
ويا بلاداً نذرت العمر.. زَهرتَه
لعزّها!... دُمتِ!... إني حان إبحاري
تركتُ بين رمال البيد أغنيتي
وعند شاطئكِ المسحورِ. أسماري
إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي
ولم أدنّس بسوق الزيف أفكاري
وإن مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلاً
وكان طفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري
***
يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه
وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به
علي.. ما خدشته كل أوزاري
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي
أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> الحمّى
الحمّى
رقم القصيدة : 65088
-----------------------------------
أحس بالرعشة تعتريني
و الموت يسترسل في وتيني
و موجة الإغماء تحتويني
فقربي مني و لامسيني
مري بكفيك على جبيني
و قبل أن أرقد حدثيني
* * *
قصي علي قصة السنين
حكاية المشرد المسكين
طوف عبر قفره الضنين
يشرب من سرابه الخؤون
و يشتكي النجود للحزون
و جرب الغربة في السفين
و هام في مرافئ الجنون
كسندباد أحمق مأفون
و عاد بالحمى و بالشجون
محملا بصفقة المغبون
* * *
هاتي كتاب الشعر أنشديني
قصيدة رائعة الرنين
كتبتها في زمن الفتون
أيام كنت ساذج العيون
قبل انتحار الوهم في اليقين(67/205)
و غضبة الكهل على الجنين
و صحوتي في الواقع الحزين
هل تذكرين الان؟..ذكريني
براءتي في سالف القرون
قبل قدوم الزمن الملعون
يبيعني حينا..و يشتريني
يمنحني المال.. و لا يغنيني
يسكب لي الماء.. و لا يرويني
و يجعل الأغلال في يميني
و يزدري شعري.. و يزدريني
يال شقاء البلبل السجين
في القفص المذهب الثمين
ينشد ما ينشد من لحون
خافتة.. دافئة الشؤون
مثل دم يسيل من طعين
* * *
تعبت من جدي و من مجوني
من كل ما في عالمي المشحون
من مسرح محنط الفنون
مشاهد باهتة التلوين
أغنية رديئة التلحين
إمرأة شابت فما تغريني
برمت بالمسرح.. أخرجيني
مري بكفيك على جبيني
و قبل أن أرقد.. ودعيني
****
الرياض:
1399هـ
1979م
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> حين تغيبين
حين تغيبين
رقم القصيدة : 65089
-----------------------------------
يبعثرني الشوق حين تغيبين
فوق الجبال و تحت البحار
و يرسلني في هبوب الرياح
و في عاصفات الغبار
و يزرعني في السحاب الثقال
وراء المدار
* * *
وا واه لو تبصرين العذاب المكبل
في نظراتي
و في كلماتي
وا واه لو تلمحين الخناجر
ترضع من ضحكاتي
* * *
و أعجب كيف أخوض الجموع
بدونك
و أرقص فوق الحراب
بدونك
أمثل في مسرح الزيف ألف رواية
و أهذي بألف حكاية
و أرجع عند انسدال المساء
فأحلم أني رميت شقائي
بليل عيونك
و نمت.. و نام الشقاء
* * *
إذا غبت لا شيء.. لا شيء.. لا شيء
هذي الحياة
بكل شذاها و ألحانها
بكل صباها و ألوانها
و أقزامها.. و الكبار الطغاه
و ما دبجته أكف المنى
و ما سطرته دموع الضنى
كأن الحياة إذا غبتي عكس الحياة
***
لندن:
1978م
1398هـ
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> بسمة من سهيل
بسمة من سهيل
رقم القصيدة : 65090
-----------------------------------
أرجع في الليل
أحمل في صدري جراح النهار
يثقلني ظلي
و تكتسي روحي ثياب الغبار
حاربت بالشعر
في عالم لا يفهم الشعرا
غنيت للطهر
في عالم يغتصب الطهرا(67/206)
* * *
و عدت يا سلمى
ممزقا بعد العناء الشديد
لن أدرك الحلما
ففيم أمضي في صراعي العنيد؟
هتفت بي: أهلا!
و ضوأت لي بسمة كالقمر
و قلت لي كلا
لن ينحني الشعر لزيف البشر
* * *
و قلت لي حاذر
أن تترك الساح لمكر الكبار
فنحن يا شاعر
نفعل ما نفعله للصغار
أعود في الفجر
أشق بالشعر صدور الخيل
و ذاك.. لو يدري!
لبسمة ساحرة من سهيل
***
الرياض
1397هـ
1977م
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> بيروت
بيروت
رقم القصيدة : 65091
-----------------------------------
بيروت
بيروت! ويحك! أين السحر والطيب؟
و أين سحر على الشطآن مسكوب؟
و أين رحلتنا و الوجد مركبنا؟
و البحر أفق من الأحلام منصوب؟
و أنت مترعة النهدين مترفة
دنياك وعد بشوق الوصل مخصوب
في مقلتيك من الأهواء أعنفها
و في شفاهك إيماء و ترحيب
و في يميني ورود جئت أزرعها
على ضفائر فيها الليل مصلوب
* * *
بيروت! ماذا يقول الناس؟ هل ذبحت
بيض الأماني.. و غال الطفلة الذيب؟
و هل توارى مليح كان يأسرني
و هل قضى قبل يوم الوعد محبوب؟
و أين ما كان-يابيروت-إذ رقصت
لي الليالي.. و طارت بي الأعاجيب؟
و أين شعر جميل لست أذكره
على الصنوبر و التفاح مكتوب؟
و أين أول حب ضمني.. و مضى
و وقده في حنايا القلب مشبوب؟
* * *
بيروت! لا تصفي لي الجرح.. أعرفه
فإنه في دمائي الحمر معصوب
أنا اللذي أسرته الروم.. ما لحقت
به العراب.. و خانته الأعاريب
حملت في كبدي الآلام فانفطرت
و طوحت بي إلى اليأس التجاريب
ياللزعامات تلهو بي.. و أعشقها
و ربما عشق الازراء منكوب
كم أرضعوني شراب الوهم. كم سخروا
مني.. و كم غصبت روحي الأكاذيب
لا تنتهي غفلة عندي معتقة
و لا انتهت عندهم تلك الألاعيب
* * *
بيروت! نحن الألي ساقوك عارية
للموت يصرخ في عينيك تعذيب
كم ناشدتنا شفاه فيك ضارعة
و كم دعانا عفاف منك مسلوب
فما استفاق ضمير في جوانحنا
مخدر في ضفاف الزيف محجوب
حتى إذا ضحك الجلاد.. ما دمعت(67/207)
عين و لا غص بالاهات مكروب
سقطت و انتفض التاريخ يلعننا
و أطرقت في أسى المجد المحاريب
* * *
نهيم خلف سلام عز مطلبه
و مل من وعده الممطال عرقوب
عشنا مع الذل حتى عاف صحبتنا
نمنا على الصبر حتى ضج أيوب
أكلما قام فيهم من يذبحنا
قلنا: السلام على العلات مطلوب
و كلما استأسد العدوان باركه
منا جبان إلى الإذعان مجذوب
* * *
لا ترجع الأرض إلا حين يغسلها
بالجرح و النار يوم الفتح شؤبوب
***
الرياض:
1398هـ
1978م
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> و غدا..!
و غدا..!
رقم القصيدة : 65092
-----------------------------------
الدجى شوق و عطر و وتر
و دنا منا القمر
و امتطينا الحلم مهرا
و انطلقنا في متاهات القدر
لا تقولي الآن شيئا
طالما ضقت بحمل الكلمات
كاذبات.. خائنات.. خادعات
و لنعش أعنف أسرار الحياة
لحظة ما شابهتها اللحظات
* * *
و غدا...
نرجع من عبقر لا شيء لدينا
غير ومض باهت في مقلتينا
و بقايا رعشة في شفتينا
و غدا نرسف ما بين الجموع
بقيود الندم الفظ.. و نقتات الدموع
فكأنا ما التقينا
* * *
و غدا...
نرجع للعرس الحزين
في ضفاف الميتين
الألى لم يدفنوا.. يسعون في الأرض
الحيارى الضائعين
و غدا نذكر جوع الفقراء
و عذاب البؤساء
و غدا تلمسنا الحمى فننهار
كباقي الأشقياء
***
الرياض:
1398هـ
1978م
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> الموت و جلاجل
الموت و جلاجل
رقم القصيدة : 65093
-----------------------------------
* مات عدد من الطالبات عندما
انهارت عليهن مدرسة في جلاجل
----------------
بسط الموت يا جلاجل كفيه
فماذا اعطيته يا جلاجل؟
كل هذي الزهور؟ ما أفجع الزهر
صريعا على نيوب المناجل!
كل هذا العبير من طيب مريول
و من خفقه الصبا في الجدائل؟
كل هذا الجمال؟ ما رأت الأحلام
أبهى من الصبايا الغوافل
بسط الموت يا جلاجل كفيه
فكان العطاء من غير باخل
* * *
قلب الموت طرفه فرأى العش
دماء على بقايا بلابل(67/208)
الصغيرات في الحطام ضلوع
و دموع و حشرجات جوافل
ذرف الموت دمعتين و أغضى
عن ضحاياه.. و هو خزيان ذاهل
* * *
يا صغيرات!.. يلتقي ذات يوم
في رحاب الردى جبان و باسل
يلتقي السائر المغذ و من سار
وئيدا.. كل الدروب حبائل
يلتقي الطفل في الغضير من العمر
و شيخ مغضن الروح ناحل
ما ارتوى الطفل بالحليب و لا
الشيخ رواه طوافه بالمناهل
تتلاشى الحياء فهي سراب
عند هذا و عند ذاك مخاتل
* * *
يا صغيرات!.. ليس عند الليالي
بعد طول العناء إلا المقاتل
***
الرياض:
1397هـ
1977م
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> أمتي
أمتي
رقم القصيدة : 65094
-----------------------------------
-1-
يقولون: إنك مت
يقولون: إن غسلت.. كفنت
ثم دفنت
يقولون: هذا ضريحك
دنسه الفاجران الرخيصان
ما قمت
ما ثرت
يا دمية الغاصبين الغزاة
لعنت!
-2-
سلام!
على قاتل الغيد و الأبرياء السلام!
على بائع الأرض و الكبرياء السلام!
و بوركتما تصنعان السلام
و بوركتما تنثران الحضارة في مربع الجهل
تبتسمان و تعتنقان و ترتجلان
ألذ الكلام
سلام!
-3-
وداعا.. وداعا
فهذا هو القدس ضعنا و ضاعا
وداعا.. وداعا
فها هي ذي ضفة النهر في يدهم
أمة إشتروها و باعا
وداعا.. وداعا
فهذا تراب فلسطين يقطر دمعا
و يندي التياعا
-4-
و يا شعراء العروبة لا تنشدوا
بعد-في هند شعرا
بنات اليهود أرق دلالا و أعمق سحرا
و راشيل افتك نهدا و أقتل خصرا
و ليلى الغبية لا تحسن الرقص
جاهلة هي كالبهم
راجيل أصبح وجها و أشبق عطرا
أغنى لراشيل.. راشيل أحلى
و تسقط هند و ليلى
و يسقط كل رعاة الغنم
-5-
يقولون: أنت انهزمت
يقولون: إن فقيرك أثخنه البؤس
كيف يطيق فقير كفاحا؟
يقولون: إن ثريك أفسده المال
كيف يهز غني سلاحا؟
-6-
يقولون.. لكنهم يكذبون
و أعرف.. أعرف ما يجهلون
أحسك في.. كأن دمائي
رادار نبضك.. أبصر ما يختفي
خلف صمتك.. أواه لو تبصرون
و سوف تقومين.. سوف تقومين.. سوف تقومين
تبقين أنت.. و هم يذهبون
-7-(67/209)
تموتين؟! كيف؟! و منك محمد
و فيك الكتاب الذي نور الكون
بالحق حتى تورد
و طارق منك..
و منك المثنى..
و أنت المهند
تموتين؟! كيف؟!
و انت من الدهر أخلد!
-----------
الرياض:
1399هـ
1979م
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> أمة الدهر
أمة الدهر
رقم القصيدة : 65095
-----------------------------------
إلى الصديق الشاعر محمد حسن فقي
وحيدا.. مع الحمى و طيفك و الشعر
أسأل عمري كيف بعثرت يا عمري
تمر بي الأيام يشبه فجرها
دجاها.. و لم أنعم بليل و لا فجر
أعلل بالأوهام نفسي كما شكا
إلى الال عبر القفر ظام على القفر
و أحسو من الآمال كأسا خمارها
يدب بقلب لم يذق نشوة الخمر
* * *
أمن عاصف يا قلب نمضي لعاصف
ألم يسأم البحار زمجرة البحر؟
و من موقف باك على أذرع اللقا
إلى موقف دام على راحة الهجر
و من وقع سيف نام بين أضالعي
إلى وقع رمح راح يوغل في ظهري
ألا فامنحيني هدأة.. رب هدأة
ترد شتيتا من ظنوني و من فكري
* * *
أسلماي.. يا بدرا لمحت بريقه
على أفق ما كان يأنس بالبدر
خذي من عيوني قصتي و ملامحي
و كيف ذرعت اليأس أحلم بالنصر
و كيف صحبت الناس حتى عرفتهم
فعدت جريح العين و اليد و الصدر
و كيف منحت المجد روحي فباعها
فعدت بلا روح أعض على العشر
أسماي.. لو أعطاني الدهر مهجتي
و هبكتها.. لكنها أمة الدهر
يظل بها يلهو.. أأبصرت بلبلا
جريحا يغني و هو في قبضة الصقر؟
يعللها بالفقر حينا و بالغنى
و يخدعها بالشعر طورا و بالنثر
أأعطيك آلامي.. أأعطيك غصتي؟
أأعطيك روضا صامتا واجم الزهر
أعيذك من حب شقي و من هوى
كسيح و من شوق تلفع بالذعر
يطالع غيري في عيونك أنجما
و ألمح فيها الليل سترا على ستر
يغنيك غيري كل لحن محبب
و أشدو فما أشدو سوى النوح في ثغري
و يهديك غيري الدر.. يا ويح شاعر
يقول: خذي مني قصائد كالدر
* * *
أسلماي.. لا تلقي فؤادك في يدي
أخاف عليه و هو طفل من الكسر
و لا تسفحي الدمع الثمين على آمرئ(67/210)
تعلم أن الدمع ضرب من المكر
أحب فجازته الخلائق بالأسى
وفى فأجابته الخلائق بالغدر
إذا قال: أهوى كذبته تجارب
مخضية بالحزن و الألم المر
* * *
دعيه لدنياه فقد ألف الشقا
و أدمن طول السير في المهمه الوعر
كأن الليالي أقسمت لا تذيقه
سلاما ولا أملا سوى في دجى القبر
-----------
جدة:
1977م
1397هـ
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> رسالة إلى ميت
رسالة إلى ميت
رقم القصيدة : 65096
-----------------------------------
حديثنا مضيعة للوقت
فإنني حي و أنت ميت
و بعد ما دفنت
لأني أؤمن بالشروق و الزهور
و رقصة الربيع في الوديان
و ضحكة الأحلام في الثغور
و نبضة الفرحة في الإنسان
و أنت لا تهوي سوى القبور
و النعق في الأطلال كالغربان
* * *
لأنني أمجد الحياة
أرشي ابياتي على شجعانها
الزراعي دروبها بالأمنيات
و الناثري الورد على أحزانها
و أنت لا تهوى سوى الرفات
لأني أحب كل طفله
أحب كل خصلة
أحب كل رمله
و أعشق الجبال و السهول و البحار
و أنت من بغضك تحيا في إسار
تود لو خنقت ضوء الشمس في النهار
و لو قتلت اللحن في المزمار
و لو وأدت الحب في الأفكار
-------------
فرانكفورت:
1977م
1397هـ
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> حسبي و حسبك !
حسبي و حسبك !
رقم القصيدة : 65097
-----------------------------------
لمي ضفائرك الشقراء و ابتعدي
أخشى عليك اللظى الموار في جسدي
أخشى عليك معاناتي.. مكابرتي
تمزقي.. يقظة الآلام في سهدي
تشردي في بلاد الله أذرعها
خطوي جريح.. و قلبي نابض بيدي
* * *
يا زهرة بطيوب الصبح عابقة
إني أتيت و ريح الليل في كبدي
يا ضحكة بالصبا الممراح ضاخبة
أما رأيت خيوط الدمع في كمدي؟
و يا حمامة دوح تستريح على
فخ من الشوق.. إن لم ترحلي تصدي
* * *
حسبي و حسبك حلم في تنفسه
ما في العوالم من طيب و من رغد
عشنا على راحتيه نشوة ضحكت
لنا.. و ما ابتسمت قبلا على أحد
ما كان يوما و لا يومين موعدنا(67/211)
بل كان عمرا و عشناه الى الأبد
------------
جنيف:
1977م
1397هـ
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> يارا.. و الرحيل
يارا.. و الرحيل
رقم القصيدة : 65098
-----------------------------------
"أبي! ألا تصحبنا؟ إنني
أود أن تصحبنا... يا أبي!"
و انطلقت من فمها آهة
حطت على الجرح.. و لم تذهب
و أومضت في عينها دمعة
مالت على الخد.. و لم تسكب
و عاتبتني-كبرت دميتي-
و هي التي من قبل لم تعتب
"أهكذا تهجرنا يا أبي
لزحمة الشغل و للمكتب؟"
* * *
يا أجمل الحلوات.. يا واحتي
عبر صحاري الظمأ الملهب
أبوك مذ أظلم فجر النوى
يعيش بين الصل و العقرب
يضحك.. لو تدرين كم ضحكة
تنبع من قلب الأسى المتعب
يلعب.. و الأحزان في نفسه
كحشرجات الموت لم تلعب
يود-لولا الكبر-لو أنه
أجهش لما غبت... لا تذهبي!
* * *
يا أجمل الحلوات.. يا فرحتي
يا نشوتي الخضراء.. يا كوكبي
أبوك في المكتب لما يزل
يهفو إلى الطيب و الأطيب
يصنع حلما: خير أحلامه
أن يسعد الأطفال في الملعب
من أجل يارا و رفيقاتها
أولع بالشغل... فلا تغضبي
-----------
الرياض:
1977م
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> حواء العظيمة
حواء العظيمة
رقم القصيدة : 65099
-----------------------------------
أنت السعادة و الكآبه
و الوجد حبك و الصبابه
أنت الحياة تفيض بالخصب
المعطر كالسحابه
منك الوجود يعب
فرحته و يستدني شبابه
و على عيونك تنثر
الأحلام أنجمها المذابه
و على شفاهك يكشف الفجر
الجميل لنا نقابه
* * *
أوحيت للشعراء ما كتبوا
فخلدت الكتابة
و همست للخطباء فارتجلوا
البديع من الخطابه
و خطرت في التاريخ طيفا
تعشق الرؤيا انسكابه
* * *
ضل الألى حسبوك
جسما لا يملون اعتصابه
و ضجيعة مسلوبة الإحساس
طيعة الإجابه
و ذبيحة نحرت ليأتي
الذئب منها ما استطابه
و بضاعة في السوق باعتها
العصابة للعصابة
تبقين أنت فقهقهي
مما يدور ببال غابه
تبقين أنت و يذهبون إذا
الصباح جلا ضبابه(67/212)
تبقين أنت و يذهبون
ذبابة تتلو ذبابه!
-------------
الرياض:
1978م
1398هـ
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> فيم العناء؟
فيم العناء؟
رقم القصيدة : 65100
-----------------------------------
جميع المطارات عندي سواء
جميع الفنادق عندي سواء
و كل ارتحال قبيل الشروق
و بعد المساء
سواء
و كل الوجوه
تطاردني عند كل وداع
تلاحقني عند كل لقاء
سواء
ففيم العناء؟
* * *
أفيق مع الفجر
أشرب شاي الصباح
أسير إلى عنابة الأمس و اليوم
حيث تسيل الدماء
أصافح نفس الأيادي المليئه
بالعطر و المكر.. ألمح نفس الرياء
و نفس الخداع
و نفس الغباء
ففيم العناء؟
ففيم العناء؟
* * *
و ألهو بنفس القرارات
أهذي بنفس الخطابات
أسمع نفس الغناء
أطوف بنفس الجموع
و أبصر نفس الدموع
و أضحك حين يشاء القضاء
و أحزن حين يشاء القضاء
ففيم العناء؟
ففيم العناء؟
* * *
و لا يعرف الفقر أني
سكبت دموعي عليه
و لا يعرف الحب أني
ارتميت.. لثمت يديه
و لا يعرف الظلم أني
تململت في قبضتيه
و لا يعرف الناس أني
غضبت و قد عذب الأبرياء
و حاربت حين طغى الأدعياء
ففيم العناء؟
ففيم العناء؟
* * *
و حين أغيب
وراء المغيب..
يقولون: كان عنيدا
و كان يقول: القصيدا
و كان يحاول شيئا جديدا
و راح و خلف هذا الوجودا
كما كان قبل غبيا بليدا
ففيم العناء؟
ففيم العناء؟
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> قفي!
قفي!
رقم القصيدة : 65101
-----------------------------------
قفي! لا تتركيني في الرياح
أحارب بالنوازف من جراحي
و مأساة الوجود تحز قلبي
و تلتهم البقية من كفاحي
و في شفتي أبيات حزاني
تغنت-و هي تجهش-للصباح
* * *
قفي! لا تحرميني-والليالي
نصال-في ضلوعي-من سلاحي
تنكر لي الصديق فما اندهاشي
و قد قفز العدو إلى اجتياحي
أطالع في الوجوه فلا تريني
سوى رقص السراب على البطاح
* * *
قفي! لا تتركيني للفيافي
تصب الجمر في وجهي المباح
وحيدا تتبع الذؤبان خطوي(67/213)
و تزدحم النسور على جماحي
تثور زوابع الصحراء حولي
و أحلم بالورود و بالأقاحي
* * *
قفي! فالليل بعدك من عذابي-
يضج.. و كان يطرب من مراحي
و أنكر حين ما تمضين حلمي
و أهزأ بالمدجج من طماحي
و أعجب كيف يغريني طريقي
و موتي فيه أقرب من نجاحي
* * *
قفي! فالكون لولا الحب قبر
و إن لم يسمعوا صوت النواح
قفي! فالحسن لولا الحب قبح
و إن نظموا القصائد في الملاح
قفي! فالمجد لولا الحب وهم
و إن ساروا إليه على الرماح
---------------
الرياض:
1977م
1398هـ
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> أشعار حب يابانية
أشعار حب يابانية
رقم القصيدة : 65102
-----------------------------------
-مترجمه عن الإنجليزية-
-1-
الليل
و هذا الباب المفتوح
و أضواء القمر البسام
قال حبيبي
سأجيء الليلة في الأحلام!
-2-
يسيل المطر
و لكنني لا أحس المطر
لأني اتخذت هواك مظله
-3-
لا تيتسم
كالجبل المخضر غطاه السحاب
سيعرف الناس بأنا عاشقان
-4-
و ترحل عني يوما
و أشعر في غربتي
بأنك سافرت من ألف عام
فحين تغيب
ينوح الغدير
و حين تعود
يعود شعاع القمر
إلى غرفتي
-5-
ليتني ما انتظرته
ما تجلدت للسهر
ليتني ضعت في السبات
و أبحرت في الخدر
ليتني ما انتظرته
هاهنا أرقب السحر
و أرى الليل كالخضم
هوى نحوه القمر
-6-
أتدرين كم ذا أحبك؟
لا تسخري يا حبيبه
إني أحبك حتى أكره كل الألي
اجترأوا أن يحبوك
حتى لأكره-أكثر-كل الألي
اجترأوا أن يروك و لم يعشقوك!
-------------
الرياض:
1978م
1398هـ
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> يا أهلا بك
يا أهلا بك
رقم القصيدة : 65103
-----------------------------------
* إلى طفلي فارس في شهره الثاني *
يا أهلا بك في زمن وأد الفرسان
أودى بجميع الشجعان
لم يبق سوى السيف المثلوم
و بذاءات القزم المهزوم
و هو يقبل قدم العدوان
* * *
يا أهلا بك في زمن
الأفاقين, الكذابين, المرتدين
من بصقوا في جرح فلسطين
من ساقوا لفراش هولاكو(67/214)
كل بنات صلاح الدين
و رموا حطين
للبيع بسوق النخاسين
* * *
يا أهلا بك
في زمن الجوع إلى الأبطال
في زمن الكافر و الدجال
في زمن لم يبق نقي فيه
غير الأطفال
---------------
الرياض:
1977م
1397هـ
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> إذن لن نهيم معا
إذن لن نهيم معا
رقم القصيدة : 65104
-----------------------------------
ترجمة لقصيدة بيرون
إذن لن نهيم معا في الدروب
و نوغل في الليل حتى السحر
برغم الحنين بهذا الفؤاد
و رغم البريق بذاك القمر
فقد أكل السيف من غمده
و قد أضنت الروح صدري الجريح
فلا بد للقلب من هدأة
و لا بد للحب أن يستريح
* * *
قصير هو الليل.. ليل الغرام
قريب هو الصبح.. صبح البشر
و لكننا لن نجوب الدروب
و نوغل تحت شعاع القمر
------------
الرياض:
1977م
1397هـ
العصر الأندلسي >> الحصري القيرواني >> ياليل الصبّ متى غده
ياليل الصبّ متى غده
رقم القصيدة : 65105
-----------------------------------
يا ليل الصب متى غده ؟
اقيام الساعة موعده
رقد السمار فأرقه
أسف للبين يردده
فبكاه النجم ورق له
مما يرعاه ويرصده
كلف بغزال ذى هيف
خوف الواشين يشرده
نصبت عيناى له شركا
فى النوم فعز تصيده
وكفى عجبا أنى قنص
للسرب سبانى اغيده
صنم للفتنة منتصب
أهواه ولا أتعبده
صاح والخمر جنى فمه
سكران اللحظ معربده
ينضو من مقلته سيفا
وكأن نعاسا يغمده
فيريق دم العشاق به
والويل لمن يتقلده
كلا لا ذنب لمن قتلت
عيناه ولم تقتل يده
يا من جحدت عيناه دمى
وعلى خديه تورده
خداك قد اعترفا بدمى
فعلام جفونك تجحده
إنى لأعيذك من قتلى
وأظنك لا تتعمده
بالله هب المشتاق كرى
فلعل خيالك يسعده
ما ضرك لو داويت ضنى
صب يدنيك وتبعده
لم يبق هواك له رمقا
فليبك عليه عوده
وغدا يقضى أو بعد غد
هل من نظر يتزوده
يا أهل الشوق لنا شرق
بالدمع يفيض مورده
يهوى المشتاق لقاءكمُ
وصروف الدهر تبعده
ما أحلى الوصل وأعذبه
لولا الأيام تنكده
بالبين وبالهجران فيا(67/215)
لفؤادى .. كيف تجلده ؟؟
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> مع مروج
مع مروج
رقم القصيدة : 65106
-----------------------------------
هذي فتاتك يا مروج ، فهل عرفت صدى خطاها
عادت اليك مع الربيع الحلو يا مثوى صباها
عادت اليك ولا رفيق على الدروب سوى رؤاها
كالأمس ، كالغد ، ثرة الأشواق . . مشبوبا هواها
هي يا مروج السفح مثلك ، إنها بنت الجبال
درجت على سفح الخضير ، على المنابع والظلال
روحا تفتح للطبيعة ، للطلاقة ، للجمال !
*
روحا شفيفاً رققته لطاقة الجو النضير
روحا رهيف الحس ، متقد العواطف والشعور
يهوى الجمال ، يعب لا يروى ، من الفيض الكبير
*
قد جئت ، ها انا ، فافتحي القلب الرحيب وعانقيني
قد جئت أسند ههنا رأسي الى الصدر الحنون
فهنا بحضنك أستريح ، أغيب ، أغرف في حنيني
*
وهنا ، هنا في جوُك المسحور ، جو الشاعريَة
كم رحت أستوحي الصفاء رؤى خيالاتي النقيَة
فتضمَني في نعمة الإلهام أجنحة خفيَة
*
كم رحت أرقب في انجذابي طلعة القمر الرهيف
متوحَداً ، تلقي الغيوم عليه هفهاف السجوفِ
أحلامه الفضية انتشرت على الأفق الشفيف
*
بيضاً ، كأحلامي ، نقيَاتٍ مجنحة الطيوف
كم رفَ قلبي يا مروج لكوكب الراعي الخفوقِ
سبق النجوم الى الطلوع وراح في الأفق السحيق
يصغي ، كما تصغين أنت معي ، الى الصمت العميق
ونذوب مندمجين ، متحدين بالكون الطليق !
*
أوَاه ، لو أفنى هنا في السفح ، في السفح المديد . .
في العشب ، في تلك الصخور البيض ، في الشفق البعيد.
في كوكب الراعي يشعُ هناك ، في القمر الوحيد . .
أواه ، لو أفنى ، كما أشتاق ، في كل الوجود !.
*
أوَاه ، لو أفنى هنا في السفح ، في السفح المديد . .
في العشب ، في تلك الصخور البيض ، في الشفق البعيد.
في كوكب الراعي يشعُ هناك ، في القمر الوحيد . .
أواه ، لو أفنى ، كما أشتاق ، في كل الوجود !.
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> خريف ومساء
خريف ومساء
رقم القصيدة : 65107(67/216)
-----------------------------------
ها هي الروضة قد عاثت بها أيدي الخريف
عصفت بالسَجف الخضر وألوت بالرفيف
تعس الإعصار ، كم جار على اشراقها
جرَدتها كفَه الرعناء من أوراقها
عريت ، لا زهر ، لا أفياء ، لا همس حفيف
*
ها هي الريح مضت تحسر عن وجه الشتاءِ
وعروق النور آلت لضمورٍ وانطفاء !
الفضاء الخالد اربدَ وغشَاه السحابُ
وبنفسي ، مثله ، يجثم غيم وضباب
وظلالٌ عكستها فيَ أشباح المساء !
*
وأنا في شرفتي ، أصغي الى اللحن الأخير
وقَعته في وداع النور أجواق الطيور
فيثير اللحن في نفسي غمَا واكتئابا
ويشيع اللحن في روحي ارتباكا واضطرابا
أي أصداء له تصدم أغوار شعوري !
*
الخريف الجهم ، والريح ، وأشجان الغروب
ووداع الطير للنور وللروض الكئيب
كلها تمثل في نفسي رمزاً لانتهائي !
رمز عمرٍ يتهاوى غاربا نحو الفناء
فترةً ، ثم تلفّ العمر ، أستار المغيب
*
سيعود الروض للنضرة والخصب السّريّ
سيعود النور رفّافاً مع الفجر الطّريّ
غير أني حينما أذوي وتذوي زهراتي
غير أني حينما يخبو غداً نور حياتي
كيف بعثي من ذبولي وانطفائي الأبديّ ؟!
*
آه يا موت ! ترى ما أنت ؟ قاس أم حنون
أبشوش أنت أم جهمٌ ؟ وفيٌّ أم خؤون ؟!
يا ترى من أي آفاق ستنقضّ عليّه؟
يا ترى ما كنه كأسٍ سوف تزجيها !!
قل ، أبن ، ما لونها ؟ ما طعمها ؟ كيف تكون ؟
*
ذاك جسمي تأكل الأيم منه والليّالي
وغداً تلقى الى القبر بقاياه الغوالي
وي ! كأني ألمح الدود وقد غشّى رفاتي
ساعياً فوق حطام كان يوما بعض ذاتي
عائثاً في الهيكل الناخر ، يا تعس مآلي !
*
كلّه يأكل ، لا يشبع ، من جسمي المذاب
من جفوني ، من شغافي ، من عروقي ، من غهابي
وأنا في ضجعتي الكبرى ، وحضن الارض مهدي
لا شعورٌ ، لا انفعالات ، ولا نبضات وجد
جثّة تنحل في صمتٍ ، لتنفى في التراب
*
ليت شعري ، ما مصير الروح ، والجسم هباء ؟!
أتراها سوف تبلى ويلاشيها الفناء ؟
أم تراها سوف تنجو من دياجير العدم . .(67/217)
حيث تمضي حرّةً خالدةً عبر السُدم . .
ساط النور مرغاها ، ومأواها السماء ؟!
*
عجباً ، ما قصة البعث وما لغز الخلود ؟
هل تعود الروح للجسم الملقّى في اللحود ؟
ذلك الجسم الذي كان لها يوما حجابا !
ذلك الجسم الذي في الأرض قد حال ترابا !
أو تهوى الروح بعد العتق عودا للقيود ؟!
*
حيرةٌ حائرةٌ كم خالطت ظنّي وهجسي
عكست ألوانها السود على فكري وحسّي
كم تطلعت ؛ وكم ساءلت : من أين ابتدائي؟
ولكم ناديت بالغيب : الى أين انتهائي؟
قلقٌ شوَش في نفسي طمأنينة نفسي!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الشاعرة والفراشة
الشاعرة والفراشة
رقم القصيدة : 65108
-----------------------------------
هناك فوق الربوة العالية
هناك في الأصائل الساجيه
فتاة أحلام خالية
تسبح في أجوائها النائيه
الصمت والظلّ وأفكارها
رفاقها ، والسرحة الحانية
*
حياتها قصيدة فذّة
منبعها الحسّ ونيرانه
وحلم محيّر تائه
من قلق اللهمة ألوانه . .
حياتها بحر نأى غوره
وإن بدت للعين شطآنه
*
رنت فتاة الشعر مأخوذةً
بصور الطبيعة الخالية
والأفق الغربي تطفو به
ألوانه الورديه اللّاهبه
كأنه أرض خرافيّةٌ
هوت اليها شمسه الغاربه
*
ودّت وفيها لهفٌ كاسح
لو تأخذ الكون الى صدرها
تحضنه وتشبع الروح من
آياته الكبرى ومن سحرها
تعانق الأرض . . تضمُ السنا
تقبّل الغيوم في سيرها
*
ودفعت بعينها في المدى
تنهبه بالنظرة الواغله
ما أجمل الوجود ! واستغرقت
في نشوة فائضة شامله
تلتهم الكون بإحساسها
بقلبها، بروحها الذّاهلة
*
ما أجمل الوجود !! لكنها
أيقظها من حلو أحساسها
فراشة تجدَ لت في الثرى
تودعه آخر أنفاسها
تموت في صمت كأن لم تفض
مسارح الروض بأعراسها
*
دنت إليها و انثنت فوقها
ترفعها مشفقة حانيه:
أختاه ، ماذا ؟هل جفاك الندى
فمتّ في أيامك الزاهية ؟
هل صدّ عنك الزهر ؟هل ضيّعت
هواك أنسام الربى اللاهيه؟
*
كم أشعلت روحك حمّى الصبى
وأنت سكرى بالشذى و الرضاب
طافرةً بين رياض الهوى(67/218)
راقصة فوق الربى و الهضاب
توشوشين الزهر حتى يُرى
منفعلاً من هذيانِ الشباب
*
كم بلبل بالورد ذي صبوةٍ
ألهبت فيه الغيرة السّاعرة
كم زنبق عانقته كم شذى
روّيت منه روحك الفائره.
فأين منك الآن دنيا الهوى
وأين أحلام الهوى الساحره!!
*
ماذا ؟ تموتين ؟ فوا حسرتا
على عروس الروض بنت الربيع
أهكذا في فوران الصّبى
يطويك إعصار الفناء المريع
وحيدةً ، لا شيّعتك الربى
ولا بكى الروض بقلب صديع
أختاه لا تأسي فهذي أنا
أبكيك بالشعر الحنون الرقيق
قد أنطوي مثلك منسيّةً
لا صاحب يذكرني أو رفيق
أواه : ما أقسى الردى ينتهي
بنا الى كهف الفناء السحيق !
واضطربت اعماقها مثلما
دوّم إعصارٌ بقلب الخضم
و انتفضت مذعورة في أسىً
و ارتعدت مرعوبة في ألم
فلم يكن يصدم أحلامها
إلا رؤى الموت وطيف العدم
وحدّقت في غير شيء وقد
حوّمت الأشباح في رأسها
ولا صور الوجود خلابة
تنبعث النشوة في نفسها
ولا رؤى الخيال رفّافة
تخدّر المحموم من هجسها
و دفق الليل كبحر طغى
فانحدرت تحت عباب المساء
تخبط في الدرب و قد غمغمت
شاخصة المقلة نحو السماء
يا مبدع الوجود ، لو صنته
من عبث الموت و طيش الفناء !.
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> أوهام في الزيتون
أوهام في الزيتون
رقم القصيدة : 65109
-----------------------------------
في السفح الغربي من جبل
(جرزيم) حيث تملأ مغارس الزيتون
القلوب و العيون ، هناك ، ألفت
القعود في أصل كل يوم عند زيتونة
مباركة تحنو على نفسي ظلالها،و تمسح
على رأسي غذ بات أغصانها : و طالما
خيل الي أنها تبادلني الألفة و المحبة،
فتحس أحساسي و تشعر بشعوري.
و في ظلال هذه الزيتونة الشاعرة،
كم حلمت أحلاماً ، و وهمت أوهاماً !.))
هنا،هنا، في ظل زيتونتي
تحطّم الروح قيود الثرى
و تخلد النفس الى عزلة
يخنق فيها الصمت لَغوَ الورى
هنا، هنا، في ظل زيتونتي
في ضفة الوادي . يسفح الجبل
أصغي الى الكون و لمّا تزل
آياته تروي حديث الأزل(67/219)
هنا يهتم القلب في عالم
تخلقه أحلامي المبهمه
لأفقه في ناظري روعة
و للرؤى في مسمعي هيمنه
عالم أشواق سماويةٍ
تطلق روحي في الرحاب الفساح
خفيفةً لا الأرض تثنى لها
خطوا و لا الجسم يهيض الجناح
واهاً : هنا يهفو على مجلسي
في عالم الأشواق روحٌ حبيب
لم تره عيناي لكنني
أحسه مني قريباً قريب !
أكاد بالوهم أراه معي
يغمر قلبي بالحنان الدّ فيق
يمضي به نحو سماء الهوى
على جناح من شعاع طليق
زيتونتي ،الله كم هاجسٍ
أوحت به أشواقي الحائره.
وكم خيالات وعى خاطري
تدري بها أغصانك الشاعرة
نجيّتي أنت و قد عزّني
نجيُ روحي يا عروس الجبل
دعي فؤادي يشتكي بثّه
لعل في النجوى شفاءً ، لعلّ !
يا ليت شعري أن مضت بي غداً
عنك يد الموت الى حفرتي
تراك تنسين مقامي هنا
و أنت تحنين على مهجتي ؟!
تراك تنسين فؤداً وعت
اسراره أغصانك الراحمات
باركها الله ! فكم ناغمت
وهدهدت أشواقه الصارخات
زيتونتي ، بالله إما هفت
نحوك بعدي النسمة الهائمة
فاذ ّكري كم نفحتنا معاً
عطورها الغامرة الفاغمة
و حين يستهويك طير الربى
بنغمةٍ ترعش منك الغصون
فاذّ كري كم طائرٍ شاعرٍ
ألهمه شدودي شجّي اللحون!
تذكّرني كلما شعشعت
أوراقك الخضراء شمس الأصيل
فكم أصيل فيه شيعتها
بمهجة حرّى و طرف كليل
إن يزوها المغرب عن عرشها
فالمشرق الزاهي بها يرجعُ
لكنني ،آها !غداً تنزوي
شمس حياتي ثم لا تطلع !
ويحي؟ أتطويني الليالي غداً
وتحتويني داجيات القبور
فأين تمضي خفقات الهوى
وأين تمضي خلجات الشعور
ونور قلبي ،والرؤى والمنى
وهذه النار بأعماقيه
هل تتلاشى بدداً كلها
كأنها ما ألهبت ذاتيه؟!
أما لهذا القلب من رجعة
للوجد ،للشعر ، لوحي الخيال؟
ايخمد المشبوب من ناره؟
واشقوة القلب بهذا المآل !
يا ربّ ، إما حان حين الردى
و انعتقت روحي من هيكلي
و أعنقت نحوك مشتاقةً
تهفو الى ينبوعها الأول
و بات هذا الجسم رهن الثرى
لقىًعلى أيدي البلى الجائرة
فلتبعث القدرة من تربتي(67/220)
زيتونة ملهمةً... شاعره !.
جذورها تمتصّ من هيكلي
ولم يزل بعدُ طرياً رطيب
تعبّ من قلبي أنواره
ومنه تستلهم سرّ اللهيب !.
حتى إذا يا خالقي أفعمت
عناصري أعصابها و الجذور
انتفضت تهتز أوراقها
من وقدة الحسّ و وهج الشعور
و أفرعت غيناء فينانة
مما تروّت من رحيق الحياة
نشوى بهذا البعث ما تأتلي
تذكر حلماً قد تلاشت روءاه
حلم حياة سربت و انطوت
طفّاحة بالوهم .. بالنشوة
لم تك إلاّ نغماً شاجياً
على رباب الشوق و الصبوة!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> مع سنابل القمح
مع سنابل القمح
رقم القصيدة : 65110
-----------------------------------
أوت الى الحقل كطيف كئيب
يرسو بعينها أسى غامر
في روحها اللهفى اضطراب غريب
وقلق مستبهم ، خائر . . .
غامضة ، في العمق أغوارها
فيض انفعالات وإحساس
صيّرها شذوذ أطوارها
غريبة في عالم الناس
تأملت في السنبل الوادع
يموج في الحقل زكيّا نماه
تكاد في سكونها الخاشع
تسمع في السنبل نبض الحياه
وفي رؤى خيالها الشارد
منجذباً بروعة السنبل
لاحت لعينيها يد الحاصد
يخفق فيها شبح المنجل
رأت رغيفا جبلته دموع
دموع مكدودين مستضفين
أنضاء حرمان وبؤس وجوع
هانوا على الرحمة والراحمين
رأته في كفّ غنيّ بخيل
سطت عليه يده الجانيه
الخبز في كيانه يستحيل
خلجات شح كزّةً قاسية
ومدّت الأفكار أظلالها
فلم تزل شاخصة في وجوم
من أبصر استغراقها خالها
مخبولة تهيم فوق الغيوم
كانت تناجي ما وراء الفضاء
قوى القضاء الغامض المبهم :
من يمطر الرزق على ذي الثراء
ويمسك الرزق عن المعدم ؟
كم بائس ، كم جائع ، كم فقير
يكدح لا يجني سوى بؤسه
ومترف يلهو بدنيا الفجور
قد حصر الحياة في كأسه
أرحمه الله بعليا سماء
تقول أن يكتظّ جوف الثري ؟!
ويحرم المعوز قوت الحياة
في عيشه المضطرب الأعسر
أليس في قدرته القادره
أن يمسح البؤس ويمحو الشقاء !
أليس في قوّته القاهره
أن يغمر الأرض بعدل السماء !
وراعها صوت عميق مثير(67/221)
جلجل فيها مثل صوت القدر :
لم تحبس السماء رزق الفقير لكنه في الأرض ظلم البشر . .
وأطرقت ، نهباً لشك مريب
يملؤها منه أسىً غامر
في روحها اللهفى اضطراب غريب
وقلق مستبهم ، حائر!..
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> هروب
هروب
رقم القصيدة : 65111
-----------------------------------
كرهت حقائق دنيا الورى
وهمت بأوهام دنيا الخيال
فما يتصبّاك إلا الرؤى
وسحر الطيوف وسحر الظلال
متى يا ابنة الوهم تستيقظين
متى ينجلي عنك هذا الخيال
أفيقي ، كفاك ، لقد طال مسراك
عطشى وراء سراب الرمال
تعيشين في ذهلة الحالمين
بعيداً بآفاق كون عجيب !
ويملأ روحك في قيده
حنين المشوق وشجو الغريب
ومن فلك الأرض كم تطلقين
خيالك فوق الفضاء الرحيب
يجوز مدار النجوم ويمعن
في اللانهائيات ، عبر الغيوب
قفي ، أين تمضين ؟ فيم اندفاعك ، من ذا ترين بأفق الشرود
وما هذه ؟ رجفة في كيانك ممّا تشدّ عليه القيود
تمرّد روحك في سجنه
يريد يحطّم تلك السدود
ليسمو طليقاً خفيف الجناح
وراء الزمان ، وراء الحدود
قفي ؟ أين تمضين ؟ من ذا ترين
هنالك عبر الفضاء العظيم ؟
وماذا يشوقك ؟ أم من ينادي
ويومئ من شرفات السديم ؟
تمر امامك هذي الحياة
مواكب مختلفات الرسوم
فتلوين وجهك لا تنظرين ..
وفي مقلتيك ظلال الوجوم
ألا كم تهمين في عالم
تناءى بعيداً بعيداً مداه
وفي عمق روحك شوق ملح
جموح لظاه ، عنيف ظماه
تراك هنالك تستلهمين السموات سرّ الردى والحياه
تراك هنالك تستطلعين خفايا الوجود وكنه الإله ؟!
ألست في الارض ؟ فيم انخطافك ؟ فيم انجذابك نحو الاعالي
أأنكرت في الارض هول الفناء ، وظلم القضاء ، وجور الليالي
تراك افتقدت جمال العدالة فيها ، فهمت بأفق الخيال
محيّرة ولهاء ، تنشدين الحقيقة في غامضات المجالي
أراعك في الأرض سيل الدماء وبطش القوى والرزايا الكبر
أراعك فيها شقاء الحياة ؟
اراعك فيها صراع البشر ؟
أمن صرخات القلوب الدوامي
تعضّ عليها نيوب القدر(67/222)
تلوذين في لهف ضارعٍ . .
بكونٍ تسامى نقيّ الصور
بلى ن هي هذي المآسي الكبار تعذّب فيك الشعور الرقيق
فتنأين عن واقع راعبٍ
الى عالم عبقريّ سحيق . .
هو الوهم ، عالمك الشاعريّ ، المثاليّ ، مسرى الخيال الطليق
توحّدت فيه بأشواقك الحيارى ، بهذا الحنين العميق!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> أشواق حائرة
أشواق حائرة
رقم القصيدة : 65112
-----------------------------------
ماذا أحس ؟ هنا ، بأعماقي
ترتجّ أهوائي و أشواقي
بي ألف إحساس يحرّقني
متدافع التيار ، د فّاق
ألف انفعال ، ألف عاطفة
محمومة بدمي ، بأعراقي
ماذا أحسّ ؟ أحسّ بي لهفاً
حيران يغمر كلّ آفاقي
جفت له شفتاي و ارتعشت
أظلاله العطشى بأحداقي
نفسي موزّعة ، معذّبة
بحنينها ، بغموض لهفتها
شوقٌ إلى المجهول يدفعها
متقحمّاً جدران عزلتها
شوقي الى ما لست أفهمه
يدعو بها في صمت وحدتها
أهي الطبيعة صاح هاتفها ؟
أهي الحياة تهيب بابنتها؟
ماذا أحسن ؟ شعور تائهةٍ
عن نفسها ، تشقى بحيرتها
قلبي تفور به الحياة و قد
عمقت ومد ّت فيه كالامد..
فتهتزّ أغواري نوازعه
صخّابةً ، فاقة المدد
و يظل منتظراً على شغف
و يظل مرتقباً على وقد
أحلام محروم تساوره
متوحد في العيش منفرد
و يود لو تمضي الحياة به
للحب ،مصدر فيضها الابدي!
و هناك تومىْْْءلي السماْْْْْْْْء وبي
شوق إليها لاهف عارم
فأحس إحساس الغريب طغى
ظمأ الحنين بروحه الهائم
و أرى كواكبها تعانقني
بضيائها المترجرج الحالم
تهمي على روحي أشعتها
وتلفّه بجناحها الناعم
فأودّ لو أفنى و أدمج في
عمق السماء و نورها الباسم
مالي يزعزعني ويعصف بي
قلق عتيٌ جائح الألم
تتضارب الأشواق حائرة
في غور روحي ، في شعاب دمي
الأرض تعلق بي و تجذ بني
و تشدّ قبضتها على قد مي
و هناك روحي هائم شغف
بالنور فوق رفارف السدم
مستحقراً الأرض ، تفزعه
دنيا التراب ، وهوّة العدم
روحي يلوب بدار غربته
عطشاً الى ينبوعه السامي
فهناك أصداد يسلسلها(67/223)
صوت السماء بروحي الظامي
وهنا ،هنا ،الأرض يهتف بي
صوت يقيّد خطو أقدامي
صوتان .. كم لجلجت بينهما
يتنازعان شراع أيامي
أنا كيان تائه قلق
يطوي الوجود حنانه الظامي !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ليل وقلب
ليل وقلب
رقم القصيدة : 65113
-----------------------------------
هو الليل يا قلب ، فانتشر شراعك ، و اعبر خضّم الظلام العميق
وجذف بأوهامك الراعشات في زورق ما به من رفيق
وأنك كالليل شيء كبير ..
بعيد القرار سحيق سحيق
وفيك كألغازة المبهمات
أفانين من كل لغز دقيق
هواجس مختلفات رؤاها
تهوّم طوراً و طوراً تفيق
ولليل يا قلب أي امتدادٍ
يحيط بهذا الوجود العظيم
سرى و احتوى الكون في عمقه
فلف ّالبحار ولفّ الأديم
وكالليل أنت ، حويت وجوداً
من العاطفات كبيراً جسم
ففيك السماء ، وفيك الخضمّ، وفيك الجديد ، وفيك القديم !
وتنتظم الكون في خفقةٍ
وأنت بجنبي هنا لا تريم !
و دونك يا قلب هذا الفضاء
تجوز به السحب العابرة
مراكب تمخر إثر مراكب
تدفها قوّة قاهرة
كأني أرى في شكول السحاب
نواتيّ أبصارهم حائره
أضلّوا المنار فهم تائهون
يغذون في اللجج الكافره
كذلك أنت ببحر الحياة
توهان في ظلم سادره
ورجرجة النجم كم ساجلتك
بصدر السماء خفوق الحنين
أبا النجم ما بك من لهفة
أبا النجم مثلك شوق دفين؟
أتجهش في قلبه الذكريات
وتأخذ منه بحبل الوتين؟
فما باله قلقاً خافقاً يراعي الدجى في سهوم حزين
لعلّ أليفاً له قد هوى
وبات كخذنك في الآفلين!
وأصغ معي في السكون الرياض
وقد لفّها غسق الغيهب
طيور توشوش جنح الدجى
وتكشف عن همّها المختبي
فهذا الخريف تدبّ خطاه
ليعصف بالزهر المعجب
ويخنق ألحان أشواقها
ويلوي بترجيعها المطرب
و كيف تغنّي لزهر ذوى
بروضٍ سليب الحلى مجذب
وأنت ... وأنت تخاف الخريف
و تشفق من ريحه العاتيه
تخاف على زهرات الصبّى
تبدّدها كفّه القاسيه
فلا نور يشتاق طل الصباح
و يوحي بأنغامك الظاميه
تخاف تزايلك الملهبات(67/224)
و تخمد أشواقك الطاغيه ...
ويفرغ نايك من لحنه
ويثوى حطاماً بأضلاعه
وسعت عوالم يا قلب ماجت
يحم الطيوف وشتّى الصور
أحاسيس حيرى تهيج وتطغى
هياج العباب اذا ما غمر
وأخرى تهبّ ، هبوب النسيم
تنفّس في جانحيه الزهر
وتظلم يا قلب حتى كأنك
ليل بصدري الكظيم اعتكر
وتشرق حتى إخال الضياء
بأقطار نفسي منك انتشر
وتخصب طوراً فكلك حبّ
يعانق قلب الوجود الرحيب
تفيض سلاما كأن يد الله مرّت عليك بنفخ رطيب
تحبّ العدوّ وتحنو عليه
وخنجره منك دام خضيب
وطوراً تغيض سوى من رواسب كرهٍ عصيٍ وبغض رهيب
كأنّ أكفّ الشياطين غلغلن فيك فأنت مخوف جديب . .
فيا قلب ، يا أحد الأصغرين ، كيف اتسّعت لهذا الوجود
وكيف احتمالك هذا الزحام ومن خلجاتٍ كثار العديد . .
تحبّ وتبغض حراً طليقاً
فلا من سدود ولا من قيود
تصدّ نداء المحب القريب
وتهوى نداء العدو البعيد !
فيا لك أعمى يقود زمامي
كما شاء فعل اللجوج العنيد !
هو الليل يا قلب ، فانشر شراعك واعبر خضمّ الظلام العميق
وجذف بأوهامك الراعشات في زورقٍ ما به من رفيق
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حياة
حياة
رقم القصيدة : 65114
-----------------------------------
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق ، وديوان شعر، وعود
حياتي ، حياتي أسىً كلهّا
اذا ما تلاشى غداً ظلّها
سيبقى على الأرض منه صدى
يردد صوتي هنا منشداً :
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق ، وديوان شعر ، وعود
بليل الشجون
وعمق السكون
تمر أمامي كحلم سرى
طيوف أحبّاي تحت الثرى
فتزعج ناري خلف الرماد
ويغرق سيل الدموع وسادي
دموع الحنين
الى راحلين
مضوا وطواهم ظلام اللحود
بقلبي اليتيم
تنادي كلومي
أطلّ بروحك يا والدي
لتنظر من أفقك الخالد
فموتك ذلٌ لنا أيّ ذلّ
ونحن هنا بين أفعى وصل
ونفث سموم
وكيد خصوم
بدنيا العقوق ، بدنيا الجحود
ويبدو خيال
بغفو الليالي
خيال أبي شقّ حجب الغيوب
بعينيه ظلّ شعورٍ كئيب
أراه فتهم له أدمعي
ويحنو علي ويبكي معي
وأدعو : تعال(67/225)
رحيلك طال
بمن نستظل وانت بعيد!
وفي ليل سهدي
يحرّك وجدي
اخٌ كان نبع حنانٍ وحبّ
وكان الضياء لعيني وقلبي
وهبّت رياح الردى العاتية
واطفأت الشعلة الغالية
وأصبحت وحدي
ولا نور يهدي
ألجلج حيري بهذا الوجود
وهذا شبابي
أمان كوابي
شباب سقاه الأسى ورواه
اذا ما دعته إليها الحياه
وأشواقها ، شدّه ألف غلّ
وطوّقه ألف طوق مذلّ
شباب عذاب
رهين اغتراب
يضيع شذاه بأسر القيود :
واطرق رأسي
بوحشة يأسي
وفي الروح تصخب أشواقها
وفي النفس ترعد آفاقها
وأفزع للشعر سلوة روحي
أصور أشواق عمر ذبيح . .
فيهدأ حسي
وتخشع نفسي
وتسكن لهفة روحي الشريد
وأجذب عودي
لقلبي الوحيد
فتخفق أوتاره باللحون
تهدهد قلبي وتجلو شجوني
بفنّي وشعري والحان عودي
أصارع آلام عمر شهيد
وهذا نشيدي
نشيد وجودي
سيبقى ورائي صداه يعيد :
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق ، وديوان شعر ، وعود!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حياة
حياة
رقم القصيدة : 65115
-----------------------------------
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق ، وديوان شعر، وعود
حياتي ، حياتي أسىً كلهّا
اذا ما تلاشى غداً ظلّها
سيبقى على الأرض منه صدى
يردد صوتي هنا منشداً :
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق ، وديوان شعر ، وعود
بليل الشجون
وعمق السكون
تمر أمامي كحلم سرى
طيوف أحبّاي تحت الثرى
فتزعج ناري خلف الرماد
ويغرق سيل الدموع وسادي
دموع الحنين
الى راحلين
مضوا وطواهم ظلام اللحود
بقلبي اليتيم
تنادي كلومي
أطلّ بروحك يا والدي
لتنظر من أفقك الخالد
فموتك ذلٌ لنا أيّ ذلّ
ونحن هنا بين أفعى وصل
ونفث سموم
وكيد خصوم
بدنيا العقوق ، بدنيا الجحود
ويبدو خيال
بغفو الليالي
خيال أبي شقّ حجب الغيوب
بعينيه ظلّ شعورٍ كئيب
أراه فتهم له أدمعي
ويحنو علي ويبكي معي
وأدعو : تعال
رحيلك طال
بمن نستظل وانت بعيد!
وفي ليل سهدي
يحرّك وجدي
اخٌ كان نبع حنانٍ وحبّ
وكان الضياء لعيني وقلبي
وهبّت رياح الردى العاتية
واطفأت الشعلة الغالية(67/226)
وأصبحت وحدي
ولا نور يهدي
ألجلج حيري بهذا الوجود
وهذا شبابي
أمان كوابي
شباب سقاه الأسى ورواه
اذا ما دعته إليها الحياه
وأشواقها ، شدّه ألف غلّ
وطوّقه ألف طوق مذلّ
شباب عذاب
رهين اغتراب
يضيع شذاه بأسر القيود :
واطرق رأسي
بوحشة يأسي
وفي الروح تصخب أشواقها
وفي النفس ترعد آفاقها
وأفزع للشعر سلوة روحي
أصور أشواق عمر ذبيح . .
فيهدأ حسي
وتخشع نفسي
وتسكن لهفة روحي الشريد
وأجذب عودي
لقلبي الوحيد
فتخفق أوتاره باللحون
تهدهد قلبي وتجلو شجوني
بفنّي وشعري والحان عودي
أصارع آلام عمر شهيد
وهذا نشيدي
نشيد وجودي
سيبقى ورائي صداه يعيد :
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق ، وديوان شعر ، وعود!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> طمأنينة السماء
طمأنينة السماء
رقم القصيدة : 65116
-----------------------------------
عج الأسى في نفسها الشاعره
في ليلة مقرورة كافره
وحيدة ، ضاق بها مخدع
توغل في الوحشة السادره!
كم شهد المكبوت من شجوها
تثيره خلجاتها الثائرة . .
كم التوت فيه على قلبها
تبكي أماني قلبها العاثرة
وكم ، وكم ، ولا يد برّةٌ
تأسو جراح الزمن الغائرة !
تنهدت مما عراها ، وقد
مالت على شرفتها حانيه
وقلّبته بصراً تائهاً في
جوف تلك الظلمة الغاشية
لا ومضة تخفق من كوةٍ
لا نبأة تصعد من ناحية
سوى هزيز الريح تهتاجها
أصداؤه المفجوعة الباكيه
وقلبها المحروم ما يأتلي
يدقّ خلف الأضلع الواهيه !
ورجّت الوحشة أعماقها
في هيكل الليل الكئيب الضرير
فاصطرعت فيها أحاسيسها
كاللج يطغي في الخضم الكبير
ووثبت أشباح آلامها
مجنونة ، تشب شبّ السعير
فجمدت في جفنها دمعة
تصاعدت من قلبها المستطير
ثم همت محرورةً مرةً
كأنها تضرّع المستجير
تلفّتت وراءها في أسى
نحو مهاوي أمها الغابر
لعلّ في أغواره لمحةً
تلوح من ذكرى سني عابر
لعلّ في الماضي وأطيافه
عزاءها من قسوة الحاضر
فما رأت غير حطام المنى
على صخور القدر الغادر . .
وبعض أشلاء هوىً حالم(67/227)
مرتطم بالواقع الساخر . .
وسرّحت أمامه طرفها
عبر غدٍ مكتنف بالضباب !
فأبصرت ، ما أبصرت ؟ مهمهاً
مستبهم الافق مخوف الشعاب
تبعثرت فيه الصور واختفت
معالم السبل وراء اليباب
وهي على الدرب ذعور الخطى . .
رفيقها الوحدة والإغتراب . .
والظمأ الكاسر لا يرتوي
في قلبها الهائم خلف السراب ! . .
وكان أقسى ما شجى نفسها
وابتعث الراعب من هجسها
تدفق الظلمة في يومها . .
في غدها المحروم . . . في أمها . .
ظلمة عمرٍ كل أيامه
ليل تدجّى في مدى حسها
النور ، أين النور ؟ هل قطرة
تسيل منه في دجى يأسها
من أين والأقدار قد جفّفت
منابع الأضواء من نفسها
وفي شرود مبهم غامضٍ
تعلقّت مقلتها بالسماء !
فانشق صدر الليل عن كوكب
مشعشع الوهج دفوق الضياء
كان روح الله من فوقه
تمدّه بنورها عن سخاء
فانخطفت في ذهلة روحها
خلف النهايات . . وراء الفضاء
هناك حيث النور لا ينتهي
هنالك حيث النور فوق الفناء
هناك غشّتها طمأنينة
علويّة ما لمداها حدود
وصاح من أعماقها هاتف
ينتظم الأرض صداه البعيد
يا أرض ، أحزانك مهما قست
وطبّقت حولي مجالي الوجود
هيهات ان تلمس روحاً سرى
فيها من الله ضياء الخلود !.
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في درب العمر
في درب العمر
رقم القصيدة : 65117
-----------------------------------
أتيت درب العمر مع قلبي
أغرس زهر الحب في الدرب
ليغرق الناس بأشذائه
تنهل في دفق وفي سكب
ليغمر الصحب بعطر الهوى
فينعموا في فيئه الرطب
فبعثروا زهري بأقدامهم
و وطأوه في الثرى الجدب ! . .
وارتجّ قلبي خلف صدري أسى
ولجّ في دقّ وفي وثب
فقلت : في أهلي وفي أخوتي
غنىّ عن الناس ، عن الصحب
وخلتني ملأت منهم يدي
وخلتهم قد ملأوا قلبي . .
فلم يطل وهمي حتى هوى
خنجرهم وغاص في جنبي !
وضحكت نفسي في سرّها
هازئةً منّي ومن حبي . .
وسرت مع قلبي وحيدين . . لا
شيء سوى الأشواك في الدرب !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في ضباب التأمل
في ضباب التأمل(67/228)
رقم القصيدة : 65118
-----------------------------------
في ليلة مجنونة الإعصار ، ثائرة مثيرة
تتراقص الأشباح فيها خلف نافذتي الصغيرة
ألقيت فوق وسادتي آلام روحٍ مثقلٍ
مصدومة شاردة أقلب في الظلام كتاب عمري
صور ، وأطياف كئيبات ، تلوّن كل سطر
فهنا خيال شاحب لم ترحم الدنيا ذبوله
هذا خيال طفولة لم تدر ما مرح الطفولة
وهنا صباّ عضّت عليه قيود سجنٍ واضطهاد
باكٍ ، ذوت أيامه خلف انطواء وانفراد . .
وهنا شباب ما يزال يجوس قفراً بعد قفر
متحرّق أبدا إلى شيء . . إلى ما لست أدري ! . .
تغدوه فوق دخانها متعطشاً يقفو السرابا
أحلامه الحيرى معلقّة بأفلاك الغيوم
ستظل أحلاماً عطاشى ، تائهات في السديم
وهناك عن قمم النزوع ؛ هناك عن قمم الطموح
دنيا منىً ، وبروج آمال تهاوت للسفوح . .
وتململت بقفار قلبي ، في فراغ توحدّي
نفسٌ تسائل نفسها في حيرة وتردّد :
لم جئت للدنيا ؟ أجئت لغاية هي فوق ظني ؟
املأت في الدنيا فراغا خافياً في الغيب عني ؟
أيحس هذا الكون نقصاً حينما أخلي مكاني ؟!
وأروح لم أخلف ورائي فيه جزءاً من كياني؟!
إن كان غيري في وجودهم امتداد للوجود
صورٌ ستبقى منهم يحيون فيها من جديد . .
فانا سأمضي ، لم أصب هدفاً ولا حققّت غاية !
عمر نهايته خواء فارغ . . مثل البداية !
هذي حياتي ، خيبة وتمزّقٌ يجتاح ذاتي
هذي حياتي ، فيم أحياها ؟ وما معنى حياتي؟!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> من الأعماق
من الأعماق
رقم القصيدة : 65119
-----------------------------------
سرت وحدي في غربة العمر ، في التيه المعمّى ، تيه الحياة السحيق
لا أرى غاية لسيري . . ولا أبصر قصداً يوفي إليه طريقي
ملل في صميم روحي ينساب ، وفيض من الظلام الدفوق
وأنا في توحّشي ، تنفض الحيرة حولي حولي أشباح رعب محيق
سرت وحدي ، في التيه ، لا قلب يهتزُّ صدى خفقه بقلبي الوحيد
سرت وحدي ، لا وقع خطو سوى خطوي على المجهل المخوف البعيد(67/229)
لا رفيق ، لا صاحب لا دليل ، غير يأسي ووحدتي وشرودي
وجمود الحياة يضفي على عمري طلّ الفناء . . . طل الهمود
والتقينا . . لم أدر أي قوىً ساقتك حتى عبرت درب حياتي
كيف كان اللقاء ؟ من ذا هدى خطوك ؟ كيف انبعث في طرقاتي
لست ادري لكن رأيتك روحاً يوقظ الشوق في مسارب ذاتي
ويذرّي الرماد عن روحي الخابي ، ويذكي ناري ، ويحي مواتي
حدّقت مقلتاك فيّ ، وآلامي يغشّي ضبابها مقلتيّه
لست أدري ما استجلتاه ولا ما رأتا خلف وحدتي الأبديّه . . .
غير أني أبصرت روحك تهتّز انعطافاً ، في رقة علويّه
وهنا خلتني شعرت بروح الله رفّت من السماء عليّه!
وافترقنا ، و بين كفّي رسمٌ
لم يزل كلّ زاد روحي المتيّم
كم تلمّست عمق عينيك فيه
و بعينيّ أدمعٌ تتضرّم ...
يا لقلبي ، كم راح بين يديه
يهتك الحجب عن هواه المكتّم..
أصغ ، تسمع عبر الصحارى صداه
يترامى إليك شعراً مرنّم !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> غب النوى
غب النوى
رقم القصيدة : 65120
-----------------------------------
مضيت ؟ إلى أين؟ هلاّ تعود إليّ ، إلى روحي اللاّئب
حنانك ، ضفت وضاقت حياتي بهذا الصدى المحرق اللاهب
بأشواقي العاتيات تزلزل صدري ، في عنفها الصاخب
حنانك ، قلبي يذوب وراءك ، أوّاه من قلبي الذّائب
تلفّت ، وراع بقايا تذوي و تنفى مع الأمل الغارب
مضيت ؟ و كيف ؟ ألا رجعة
تردّ إلى القلب دنيا رؤاه
لقد أقفز الكون في ناظري
و غشّى الظلام مجالي ضياه
وكيف أحسّ جمال الوجود
ووجهك عني توارى سناه
فما أقبح العيش يا موحشي
وياما أشدّ سواد الحياه
وأنت بعيد بعيد هناك ...
وقلبي وحيد يعاني أساه
مضيت ؟ فيا لحني إليك
وواهاً لأمسي القريب البعيد
زمان أمرّ بدرب الكروم
وللدرب نفح جنان الخلود..
ويشرد طرفي ويطوي المدى
ولقياك غاية طرفي الشرود
وفي القلب نار جموح الوقود
ينادي بها الشوق : يا نار زيدي
وطرفي قرير بذاك الشرود
وقلبي سعيد بذاك الوقود
ويفجأني وقع خطو بعيد(67/230)
ورائي ، إليه طويلا
ويهتف قلبي : هذي خطاه
أرى في صداها عليه دليلا
خطى العنفوان ، خطى الكبرياء
تنمّ عليه عظيماً نبيلا
وتختطف الروح غيبوبةٌ
وقد رحت تدنو قليلاً قليلا
وأغرق في حلم ساحرٍ
أحال حياتي فنّا ً جميلا
وفي غمرات الذهول العميق
تطالعني القامه الفارعه
فأشخص ، ثم أغضّ حياءً
واكسر من لهفتي الجائعه
وأبدي جمود الخليّ كأن لم
ترجّ دمي الطلعة الرائعه
وتحت جمودي اضطراب عصوف
أداريه مغضبةً وادعه
وتحت جمودي من العاطفات
أعاصير جارفة دافعه
وتنهب عيناك وجهي وقد
عرا مهجتي منهما ما عرا
فيمحني بعينيّ كلّ الوجود
ويمحي بعينيّ كلّ الورى
وما لفتة النسر يا فتنتي
تطلّع من عاليات الذرى
وسلّط لحظاً على إلفه
عنيف التوقّد مستكراً
بأروع منك وعيناك فيّ
أوارٌ تلظّى وسحر سرى
وتمضي ، وأمضي مع العابرين
وما بيننا غير نجوى النظر
وطيف ابتسام على شفتيك
ووهج هيام بعمقي استعر
وقد هبط الليل حلو الغموض
خلوب الرؤى ، عبقري الصور
وماجت مع الريح خضر الكروم
مشعشعة بضياء القمر
وفاض الوجود شعوراً و شعراً
وذاب من الوجد حتى الحجر !
سل الدرب كم جئت غبّ النوى
أجرّ الخطى في الغروب الحزين
وحولي من الذكريات الخوالي
طيوف تثير لهيب الحنين
أخاف تكرّ عليها الليالي
وتدفن تحت ركام السنين
فيبسط قلبي جناحي هواه
عليها ويحنو حنوّ الضنين
وأنت بأعماقي روحي صلاة
يسبّح باسمك روحي الأمين
مضيت ؟ إلى أين ؟ هلاّ تعود
لروحي اللهيف ، لقلبي الغريب؟
توحّدت بعدك يا موحشي
على الدرب ، درب الكروم الجديب
أسير إلى غير ما غاية
وكفّي على جرح قلبي الخضيب
وفي مقلتي ّ غيوم حزانى
وفوق جبيني وجوم كئيب
وسمتك في خاطري ماثل
يهيج الحنين ويذكي اللهيب
إلى أين ؟ رحماك يا ابن الصحارى
وبرّد ظماء الفؤاد العميد
فما برمال عطاشى نمتك
كهذا الغليل الملّح العنيد
إلى أين؟ يا لك طيفاً ألمّ
وعانق روحي بحلم سعيد
ويا لك وهم سراب تألق
في قفز عمري لقلبي الشريد(67/231)
حنانك عد؛ كيف أحيا الحياة ، وأنت هناك بعيد بعيد
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> إلى صورة
إلى صورة
رقم القصيدة : 65121
-----------------------------------
(( لاتتكلم ، إن التفسير يقلل من طرافة الموضوع ! ))
اذهبي ، واعبري الصحارى إليه
فإذا ما احتواك بين يديه
ولمحت الأشواق في مقلتيه
مائجات أشعةً وظلالا
مفعمات ضراعةً وابتهالا
فإذا الليل سفّ منه الجناح
ومضت في انسراحها الأرواح
تتلاقى على مهاد الأثير
عبر آفاق عالم مسحور اللاشعور
عالم الحلم ، مسبح اللاشعور
فاسبقني أنت كل حلم إليه
واستقرّي هناك في جفنيه
عانقي روحه ، ورفّي عليه
انشديه شعري وغنّي لحوني
في هواه ،
بثّيه كلّ شجوني
صورّي لهفتي له وحنيني
حدّثيه . . حتى يلوح الصباح
فاذا قبّل النى عينيه
وصحا ، لم يجد هناك لديه
غير (( لا شيء)) ماثلاً في يديه
وارجعي أنت صورةً بكماء
وجهها خامدٌ بلا تعبير
ميّت القلب والهوى والشعور !.
هكذا وليظل حبّي سرا
غامضاً ،
إن للغموض لسحرا
آسراً ، يجذب النفوس اليه
حيث تبقى مشدودة في يديه
ليس تقوي على الفكاك
فكوني
أنت مثلي لديه عمقاً وغورا
هكذا ، وليظلّ نهب الظنون
تائها بين شكه واليقين!.
أنت روح طائر . . يشدو على كل الغصون . .
يرتوي من خمرة الحب ، ومن نبع الفتون
وأنا روح سجين قصّت الدنيا جناحي
نغمي ينبيك عني ، عن مدى عمق جراحي !
رحمة يا شاعري ، وانظر الى اصداء روحي
إنها في شعري الباكي استغاثات ذبيح!
إنها يا شاعري أنات مظلوم طريد
إنها غصّات مخنوق بأطواق الحديد
كلّما ضمّك حضن الليل في صمت وحزن
ومضى قلبك حيران الهوى يسأل عني . .
أرهف السمع ، تجد روحي مجروح النداء .
ضارعاً في ألمٍ:
رحماك لا تظلم وفائي!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> سموّ
سموّ
رقم القصيدة : 65122
-----------------------------------
أحبّك للفنّ ، يسمو هواك بنفسي نحو الرحاب العلى
فيدني إليها معاني السماء ، وينأى بها عن معاني الثرى(67/232)
سموت بقلبي وروحي فراحا يفيضان بالشعر شعر الهوى
ونضّرت عيشي ، فأمسى غضيراً ترف عليه زهور المنى
ورفرف في القلب حلم سعيد جميل الخيالات حلو الرؤى
وقد كنت في وحشة لا أرى لي أليفاً يبدّد عنّي الأسى
فلا النفس يسعدها فيض حب ، ولا القلب يسطع فيه السنى
الى ان تجليت روحاً مشعاً كنجم تلألأ لأبن السّرى
فضوّ أت أيامي الحالكات وأفغمتها بذكيّ الشذى
وأحييت نفسي بأسمى هوى هو الخلد أو نفحات السما
وأرويت روحي بصوب الحنان كالروض أرواه صوب الحيا.
ومن عجب أنني لا أراك ولكن أحسك روحاً هفا
يحن إليّ ويحنو عليّ وينساب حولي هنا أو هنا
إذا ما صحوت ، اذا ما غفوت ، اذا ضجّ يومي وليلي سجا
رقيقاً شفيفا كنور الصباح زكياً نقياً كقطر الندى
فيا أيها الروح ، ما أنت ؟ قل لي ، أأنت من الله روح الرضى ؟
وهل أنت ظلّ الأمان الظليل دنا ليّ من سدرة المنتهى ؟
ترى شعّ نور الإله بنفسي ليجلو الطريق ويهدي الخطى ؟
وهل للملائك الحان حبٍ فأنت بقلبي رجع الصدى ؟
فإني أحسّك روح الرضى وظلّ الأمان ونور الهدى
وأصغي لدقّات قلبي لحناً طهوراً بعيد المدى
يوقعه حبك المستفيض فيذهلني وقعه المشتهى
وتغمرني سكرات التجلي كأن الإله لعيني بدا ! . .
أخالك صورة حبس كبير
جلاها لعيني وحي السما
تهيئ روحي لصوفيّةٍ
وتنفض عنها غبار الثرى
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في محراب الأشواق
في محراب الأشواق
رقم القصيدة : 65123
-----------------------------------
هذا مكانك ، ههنا محراب أشواقي وحبّي
كم جئته والدمع ، دمع الشوق مختلج بهدبي
كم جئته والذكريات تفيض من روحي وقلبي
يمددن حولي ظلهن ، وينتفضن بكل درب
هذا مكانك ، كم أتيت الى مكانك موهنا
تمضي بي الساعات لا أدري بها ، وأنا هنا
روح أصاخ لهتفة الذكرى ، وللماضي رنا
يتنسم الجوّ الحبيب ، ويستعيد رؤى المنى
هذا مكانك ، مثل روحي ، فيه إحساس كئيب
متحسرٌ . . يصبو الى الماضي ، الى الامس الحبيب(67/233)
متسائل عن شاعرين ، هواهما حلم غريب
كم رنّحا بالشعر جوّهما ، ففاض جوى مهيب
هذا مكانك ، أين أنت ؟ وأين أطياف الفنون ؟!
المقعد الخالي يحنّ إليك مرفقه الحنون . .
أسوان ، يرمقني وقد أهويت أنشج في سكون
ومواجدي ملهوفة الثيران ، تهدر في جنون ؟
ذنبي الذي قد هاج ثورة قلبك المرتفع
كَِفَرت عنه بأدمعي ، بتنهدي بتوجعي
كفرت عنه بما ترى من ذلتي و تخشعي
و يخفض قمة كبريائي الشامخ المتمنع !
ذنبي ؟ و ما ذنبي ألا ويلاه من ظلم القيود !
ما حيلتي و الغل في عنقي على حبل الوريد
أواه ؛ حتى انت لم تنصف قلبي الشهيد؟!
أواه؛ حتى أنت تضلمني مع القدر العنيد؟!
قلبي يئن، يلوب في ألم ، يسائل في شرود:
لم لا يعود ؟ فلا يجيب سوى صدى : (لم لا يعود )
و أروح ، في شفتي أشعار، و في كفي عود
و أععاتب الأيام ..و الزمن المفّرق ..و الوجود !..
لم لا تعود ؟ أنا هنا وحدي بهيكل ذكرياتي
وحدي ، و لكني أحسّك في دمي ، في عاطفاتي
أصغي لصوتك ، للصدى المنغوم في أغوار ذاتي
و أراك من حولي ، و في ّ ،و ملء آفاق الحياة !..
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> قصة الموعد
قصة الموعد
رقم القصيدة : 65124
-----------------------------------
هنا في جوانحي الخافقة
هنا ملء مهجتي العاشقة
نما أمل العمر يا شاعري
تغذيه لهفي الحارقة
و ترويه أشواقي الدفقة
و راحت مع الأمل المسعد
ترف بقلبي رؤى الموعد
و حلم اللقاء ،لقاء الغد
و كنت أقول لقلبي اللهيف :
و راحت مع الأمل المسعد
ترف بقلبي رؤى الموعد
و حلم اللقاء ، لقاء الغد
وكنت أقول لقلبي اللهيف :
رويدك يا قلبي ، ماذ دهاك
رويدك ، أي جنون عراك
وأي اصطخاب وأي اندفاع
وكأنك مستقبل في عراك
تصارع فيه انتظار السنين !
رويدك زعزعت صدري الضعيف
بهذا الخفوق القويّ الضعيف
بهذا الوثوب، بهذا الصراع
وكنت أقول لأشواقه :
تحملت دهراً عذاب الفراق
وأنت على ظمأ واحتراق
فما بالك اليوم لا تصبرين
فما وقف الفلك الدائر(67/234)
ولا اليوم ليس له آخر
مساء و يمضي و يأتي الغد يجمعنا الموعد
ونلقاه ، أوّاه كم تهدرين
رويدك عصفت بأضلاعه
وقطّعت أنفاسي الواهيه
ورحت بأشواقي الجامحات
أشق السحاب وأطوي السما
ورائي تموت ليالي العذاب
أمامي ترفّ مجالي الهناء
ونفسي سكرى بحلم اللقاء
تشعشع من فرح باللقاء
فكنت أحس بها تتألق في روعة .. في سنىً .. في بهاء ..
تذرّ على الكون أنوارها
وتغمره ببحار الضياء ..
فما كنت أعلم هل أنا ذاتي ، أم أنا نجم يجوب الفضاء !! أفي الحب قوّة خلق تحيل نفوس الحبين كيف تشاء ؟
ترى ما الهوى ؟ أهو روح الحياة ؟ ترى ما الهوى ؟ أهو سر البقاء
أتعرف ما هو ؟ قل لي ، لا ، لا تقل لي ودع سرّه في انطواء
فسحر الهوى هو هذا الغموض وسحر الهوى هو هذا الخفاء
كفافي بأن الهوى قد أحال فراغ حياتي غنىً وامتلاء
وإني وإياك قصة حبّ
يخلّدها الشعر رغم الفناء !
وكان الغد الحلو يا شاعري
تنسمت في جوّه الناضر
شذى الموعد المقبل الساحر
وقلبي في نزق ثائر
يعدّ خطى الزمن السائر
ويرقص في خفة الطائر ..
وأقبلت .. روح هوى خافقاً
يلاقيه دربٌ ويطويه درب
أحث خطاي وملء كياني
رؤى لاهثات وشعر وحب
وهل أنا إلا ّخيال يشبّ
وهل أنا إلاّ شعورٌ وقلب
وكان يصوّر قلبي اللقاء
وماسيجيء .. وما سيكون !
وكيف ستلقى العيون العيون
وكيف سيصرخ فيها النداء
نداء الحنين .. نداء السنين
فنخنقه تحت خفض الجفون
وكيف سترجف أشواقنا
وكيف سترعش كفٌ بكف
وقلبي وقلبيك معتنقان
على راحتنا بشوق ولهف !!
كطيرين راحا معاً يلهثان انبهارا ، وفرط اختلاج ورفّ.
فيا لخيالات حرمانيه!
ويا لخرافة ميعاديه!
فما كنت أعلم شاعري
بأن يد القدر الجانيه
تلوح لي برؤى المستحيل
وتصنع منهنّ حلمي الجميل
لتحكم ضربتها القاسية
وتلهو بمأساتي الدّاميه . .
فها أنا بالدار ، ماذا ؟ فراغٌ يمد ووحشة صمت كئيب
وقفل ثقيل ، يعض على الباب كالوحش ، أبكم لا يستجيب
تمثّل لي قدراً راصداً
يحدّ جني بجمود رهيب(67/235)
تراجعت ، أين أنا ؟ أين أنت ؟ فواحيرتي في المكان الغريب
ويا صعقة الروح ؛ ماذا ؟ ضللت طريقي ، وغمّت عليّ الدروب
فما كانت الدرب درب اللقاء ولا كانت الدار دار الحبيب !
وأحسست في أفق روحي ظلاماً وأحسست في غور قلبي دويّا
دوّي فراديس حلم اللقاء تنهار فيه وتهوي هويا !!
وأطرقت . . يعقد يأسي المرير سحابة دمع ٍعلى مقلتيا
. . . . . . .
هناك على شاطىء كم حواك
و كم ضم من ذكريات هواك
تململ قلبي فوق الرمال
يعانق ذرّاتها في ابتهال
و أجهشت في وله ضارع
و قد بتّ من يأسي الفاجع
أفتش عن عالمي الضائع !!
هنا و انتهت قصة الموعد
و لا شيء من أملي في يدي
سوى غصص اليقظة القاسية
تبدّد أحلام أشواقيه
و تنقض وحشية ضارية
على قلبي التائه المجهد!!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> نار و نار
نار و نار
رقم القصيدة : 65125
-----------------------------------
بجسمي قفقفة و انخذال
فيا نار زيدي لظى و اشتعال
و مدّي يجوّي دفيء الجناح
فللبرد عربدة و اجتياح
و أما تسعين احتدام النضال
نضال العواصف فوق الجبال
وأنت اعصفي ، واملئي ليلني
بدفء بهدّيء من رعدتي
فحولي يدب صقيع الشتاء
فبثّي الحرارة في غرفتي
ألا يا إبنة الأعصر البائدة
ألا قدّست روحك الخالدة
ثبي وازفري ، ننضنضي والهبي
بلى ، هكذا ، هكذا واسربي
بروحك في عزلتي الهامدة
وفي قلب جدرانها الباردة
بلى ، هكذا عانقي ذاتية
بموجة أنفاسك الدافيه
أحسّ بقرب لظاك الحبيب
شعوراً غريب
خفياً كألغازك الخافيه
فها أنا أطفىء مصباحيه
وأعنو لغمرة إحساسيه
فتحملني نحو ماضٍ سحيق
وأرنو هناك لطيف رقيق
لطيف طفولتي الفانيه
بأيامها المرة القاسية
وإذ أنا يا نار شيء صغير
يفتش عن نبع حب كبير
سدّي ، ويظل لقىً مهملا
فيمضي الي
رؤاه ، وفي أفقهنّ يطير
وإذ انت دنيا غموض تلوح
لعين خيالي الطليق السبوح
فكنت رفيقة أوهاميه
ومسرح أحلام يقظاتيه
وادفع نحوك جسماً وروح
وأخشع قرب لظاك الجموح(67/236)
وأمضي ، وفيّ انجذاب عميق
أحدّق مأخوذة بالحريق
وأرقب في سكرة وانذهال
جموح الظلال
ترجرج فوق الجدار العتيق
وألمح خلف اشتعال الحطب
وقد شبّ في ثورة والتهب
خيالا لدوحٍ قديم وريف
نمته الحياة بغابٍ كثيف
قد ازدحمت في حشاه الحقب
. . . وكنت إخال كأن اللهب
تعانق فيه ضياء القمر
ولون الغروب ، ولون السحر
وكل شعاع على الدوح مر
وظل عبر
قد ارتدّ في اللهب المستعر
وفي سبحاتي بدنيا الأوار
تباغتني حزمة من شرار
قد انقذفت من فم الموقد
تؤزّ ؛ فأرسل فيها يدي
هنا وهناك بشوقٍ مثار
لأخطف تلك النجوم الصغار
فكانت تروغ وتركض في
مداها ، وسرعان ما تختفي
وأسأل نفسي : أين يغيب
شرار اللهيب
وهل تحزن النار إذ ينطفي
وها أنا يا نار لو تعلمين
فتاة طوت حزمةً من سنين
وما زلت رغم العهود الطوال
تثيرين فيها جموح الخيال
وحين تفورين أو تزفرين
كأنك نفسٌ تقاسي الحنين
أغوص الى عمق أغواريه
أجوس عوالمها القاسيه
فألمس فيها أواراً غريب!
وما من لهب !
أوار شعوري وإحساسيه!
أمن عنصر النار أعماقيه؟
أروحك يا نار بي ثاويه
فما هذه العاطفات الحرار
لها في الجوانح أيّ استعار
وما هذه اللهفة العاتيه
تشب فتلهب خلجاتيه
وتعكس وهجاً على مقلتيّه
وتلفح لفحاً على شفتيّه
وهذا الحنين ، وهذا القلق
وهذي الحرق
كأن بذاتي ّ ناراً خفيّه!
مضى الليل غير هزيع قصير
و أنت همدت كأهل القبور
و حبّات جمرك بعد اتّقاد
خبت و استحالت تلول رماد
أتخمد مثلك نار شعوري
غدا ، و تؤول لهذا المصير ؟
أيغشى أواري رماد السنين ؟
أيهمد قلبي كما تهمدين ؟
لماذا ؟ أتدرين ؟ أم أنت مثلي
أسيرة جهل
أجيبي أجيبي، أما تسمعين ؟!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في مصر
في مصر
رقم القصيدة : 65126
-----------------------------------
يا مصر ، حلم ساحر الألوان ، رافق كل عمري
كم داعبت روحي رؤاه فرفّ روحي خلف صدري
حلم كظل الواحة الخضراء في صحراء قفر
أن اجتلي هذا الحمى . . . واضمه قلباً وعين. .(67/237)
واليوم ، في حلم أنا ، أم يقظةٍ ، أم بين بين !؟
صدحت بقلبي إذ وطئت ثراك أنغامٌ سواحر
فكأنما في قلبي المأخوذ غنّى الف طائر
وغرقت في أمواج إحساسٍ بعيد الغور فائر
أأنا هنا ؟ في مصر ، في الوادي النبيل ؟!
أأنا هنا في النيل ، في الأهرام ، في ظل النخيل ؟!
وتلفتت عيناي في دهشٍ ، وفي لهف غريب . .
ماذا ؟ هنا الدنيا الخلوب تثير أهواء القلوب . .
ماذا ؟ هنا نار الحياة تؤجّ صارخة اللهيب . .
في كل مجلىً فتنةٌ رقصت ، وسحرٌ مدّ ظلّه
ماذا ؟ أمصرٌ أم رؤى أسطورةٍ من ألف ليله!؟
كيف اتجهت تجاوبٌ وصدىً لموسيقى الوجود
في النيل يعزف لحنة الأبدي للشط السعيد
في وشوشات النسمة المعطار ، في النخل الميود
حتى النجوم هنا أحسّ لهنّ الحاناً شجيّه
حتى السحاب أخاله تحدوه موسيقى خفيّه
يا مصر ، بي عطش الى فرح الحياة . . الى الصفاء . .
يا مصر ، نحن هناك أمواتٌ بمقبرة الشقاء
لا يطمئن بنا قرارٌ . . . لا يعانقنا رجاء . . .
لا شيء إلا ضحكة الهزء المرير على المباسم !
كالضحكة الخرساء قد يبست على فك الجماجم!!
نفسي مصدّعة . . فضميني لأنسى فيك نفسي
قست الحياة وأترعت بمرارة الآلام كأسي
والظلمة السوداء مطبقة على روحي وحسي
فاحني عليّ وزوّديني من مفاتنك الجميله . . .
هي نهزة لم أدر كيف سخت بها الدنيا البخيله !
يا ليتني يا مصر نجم في سمائك يخفق
يا ليتني في نيلك الأزليّ موجٌ يدفق
يا ليتني لغزٌ ، أبو الهول احتواه ، مغلق . . .
تهوى وتنسق الدهور مواكباً ، وأنا هنا
بعض خفيٌ من كيانك لست أدرك ما أنا !!
يا مصر حلم ساحر الألوان رافق كل عمري
كم داعبت روحي رؤاه ، فرف روحي خاف صدري
حلم كظل الواحة الخضراء في صحراء قفر
أن أجتلي هذا الحمى وأضمّه قلباً وعين
واليوم في حلم أنا ؟ أم يقظة ؟ أم بين بين ؟!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> وأنا وحدي
وأنا وحدي
رقم القصيدة : 65127
-----------------------------------
في الليل ، إذ تهبط روح الظلام(67/238)
مرسلة فيه الرؤى الهائمة
يطيف بي في يقظتي الحالمه
طيف ولكن ما له شكل
يحضنه جفني ، ولا ظلّ
وإنما بحسّي الملهم
أعيه شيئاً ملغزاً مبهم
كأنما طلسمه الليل
وكلما رفعت في وحدتي
له مصابيحي انزوى في القتام
في الليل ، اذ تنعس روح الوجود
يخطفني شيء وراء الفضاء
كأنما تحملني في الخفاء
ضبابة تسير في تيه
لا لمعة تجلو دياجيه
لكن روحاً غير منظور
وإراده دوني ألف ديجور
أحسّه في لا تناهي المدى
يشّدني الى بعيد بعيد
في الليل إذ تخشع روح السكون
أسمع في الهدأة صوتاً غريب
صوتاً له طعم ولون رطيب
طعم ، ولكن غير أرضي
لون ، ولكن غير مرئي
طيب ، ولكن . .
لا ، فما أدري
ما كنهه ، كأنما يسري
من عالم هناك غيبيّ
تظل روحي وهي مأخوذة
تصغي اليه من وراء الدجون
ما أنت يا من في ظلال الليال
احسّه ملء حنايا الوجود
في الأرض ، في الأثير في اللاحدود
في قلب قلبي في سماواتي
هلاّ توضّحت لآفاقي ؟!
هلاّ تجسّدت لأشواقي ؟!
هلاّ ؟
ولكن كيف ؟
هيهات
فأنت مثل الغيب ما تنجلي
يا لغز . . يا حقيقة كالخيال !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> وجود
وجود
رقم القصيدة : 65128
-----------------------------------
كنت على الدنيا سؤالا شريد
في الغيهب المسدول
جوابه استتر
وكنت لي إشراق نور جديد
من عتمة المجهول
أطلعه قدر
دار به الفلك
ودار مرتين . .
حتى انتهى إلي
إشعاعه الفريد
وانقشع الحلك
وفي انتفاضتين
وجدت في يدي
جوابي الفقيد
يا انت ، يا أنت القريب البعيد
لا تذكر الأفول
روحك يستعر
الكون لي ولك
لنا ، لشاعرين
رغم المدى القصي
ضمّتها وجود !!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> تهويمة صوفية
تهويمة صوفية
رقم القصيدة : 65129
-----------------------------------
أي لحن مسلسل رقراق
راح ينساب في مدى الآفاق
أيقظ الكون حين منبثق الفجر على غمرةٍ من الأشواق
وإذا الحب ملء هذا الوجود الرحب يسري في روعة وانطلاق(67/239)
وإذا الكائنات يغرقها الوجد الإلهيّ في سنى الاشراق !
السموات من حنين ووجدٍ
خاشعات خلف الغيوم الرقاق
والجبال الشّماء تشخص نحو الله سكرى في ذهلة المشتاق
وندى الفجر في الرياض الحوالي
أدمع الشوق رقرقت في المآقي
كلّ ما في الوجود من روعة اسم الله في نشوةٍ وفي استغراق !
أي لحن مخلّد سرمديّ
من لحون الآزال و الآباد
أي لحن قد صيّر الكون أغرودة حب رخيمة الإنشاد
يا لهذا النشيد تنطلق الأرواح فيه من ربقة الأجساد
يا لهذا النشيد أوغل في أعماق ذاتي محطّماً أصفادي
يا لقيدي الارضيّ يسحقه اللحن ويذروه حفنةً من رماد
وإذا الروح في تجرده يسمو مشعّاً كالكوكب الوقّاد
عانق اللحن مصعداً وتوارى يتخطى شواسع الأبعاد
غارقاً في صفائه ، قد تغشّته غواشي غيبوبةٍ وامتداد
كلّما رنّ في السكون صدى تسبيحة الله رائع الترديد
و سرت في الأثير الطهر و أوغلن في الفضاء البعيد
أهطعت أنفس و ذابت قلوب
يزهيها الفناء في المبعود !
و تسامىالشعور يلهب فيها
خلجات الأيمان و التمجيد
يا لهذا الصفاء ..يا لتجّلي الله .. يا روعة الجلال الفريد!
لكأني بالكون يهتف : يا رب ، و يمضي مستغرقاً في الشرود
لكأني أحسّ و شك اتصالي .. لكأني أشم عطر الخلود!
أنا يا رب ّ قطرة منك تاهت
فوق أرض الشقاء و التنكيد
فمتى أهتدي الىمنبعي الأسمى و أفنى في فيضه المنشود
ضاق روحي بالأرض ،بالأسر ،بالقيد ،فحرر روحي و فك قيودي
ضمني ، ضمني ،فقد طال انفصالي ،و طال بي تشريدي
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> من وراء الجدران
من وراء الجدران
رقم القصيدة : 65130
-----------------------------------
من وراء الجدران
بنته يد الظلم سجناً رهيباً
لوأد البريئات أمثاليه
وكرّت دهور عليه وما زال يمثل كاللعنة الباقيه
وقفت بجدرانه العابسات
وقد عفّرت بتراب القرون
وصحت بها : يا بنات الظلام
ويا بدعه الظلم والظالمين
لعنت ؛ احجبي نور حريتي
وسدّي عليّ رحاب الفضاء
ولكن قلبي هذا المغرّد(67/240)
لن تطفئي فيه روح الغناء
فقلبي يد الله صاغته لحناً
تدفقّ من عمق نبع الحياه
ورغم شموخك يا مجرمات
يرنّ على كل أفق صداه
لعنت ؛ اختفي كل حلم ينضر قلبي ويغذوه عطراً ونور
فأحلام قلبي لن تنتهي
ولو حجبته زوايا القبور !
وإني وإن أوثقتني لديك
بألف وثاق أكفّ الغباء ..
فلي من خيالي وفنّي ودنياي ألف جناح وألف سماه
ألا كم براعم قلبي نمتها
لديك هنا لعنات القدر
ذوت تحت أصفادها وانحلت
على ذاتها أملأ منتحر
كما انحطم الناي واللحن فيه
حبيس فما رفّ يوماً بفم
كذلك كانت تموت وفيها
نشيد الحياة حبيس النغم
وكانت تموت وفي قلبها
خيال الغدير وصوت الخرير
وأنت هنا كالألى شيّدوك
أنانيةٌ مات فيك الشعور
لعنت ، سواي أمامك تعنو
وتخرسها غضبات الطغاه
ولكن مثلي ستبقى برغمك
بنت الطبيعة ،بنت الحياه!
أغني ولو سحقني القيود
أغاريد نفسي وأشواقها
تبارك لحني أمي الحياة
فلحني من عمق أعماقها
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في سفح عيبال
في سفح عيبال
رقم القصيدة : 65131
-----------------------------------
ها أنا وحدي في ثنايا الجبل
كأنني أسطورة تائهة
تهمسها الريح بإذن السفوح
ها أنا والفضاء حولي غزل
والكون عشق ، ورؤى والهه
وأنت قلبي وعيني روح
يومىء لي نحو غدٍ أخضر
يغفو الشذا في دربه المزهر
ها انا وحدي ومعي صبوتي
ترف في صدري بألفي جناح
وانت سر في كياني استتر
وكلما هتفت من فرحتي
اسأل : ما أنت ؟ سمعت الرياح
تقول لي في مثل همس القدر
إنك يا حبي نشيد الخلود
وإنني صداك عبر الوجود
وتعتريني نفضة من شعور
بغبطة تملأ أحنائيه
كأنها لحن مضيء النغم
فأنثني أحفر فوق الصخور
إسمك في نشوة إحساسيه
وأشبع الأحرف لثماً وشم
والفرح الكبير يا حبي
تهدر موسيقاه في قلبي
وترتمي عيناي في مرتمى
أفق بعيد حال ما بيننا
وكلما أشخص روحي تراك
أحسّ عينيك وما فيهما
من وهج يطفر منه السّنى
حولي تشعّان بنجوى هواك
نارهما السوداء كالصاعقة
تنقضّ من نظرتك الحارقة(67/241)
وأرسل ((الآوف)) غناء حنون
يسيل من روحي وأوصالي
فتنتشي ((بالأوف)) حتى السفوح
لحن هوىً ، مرتعشٌ بالحنين
سمعته يوماً (( بعيبال)) . .
إذ أنت في السفع غريب الجروح !
فبات وهو اليوم أغنيتي
يحملني اليك في وحدتي
هل نلتقي ؟ أواه ؛ هذي أنا
سوسنة فتّح أكمامها
دفء الهوى والأمل المشرق
تلوي بها الريح ، وتبقى هنا
تستودع السفوح أحلامها
وأنت عطر مسكر يعبق
في دمها . . أوّاه هذي أنا
وحدي هنا في السفح وحدي هنا !!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> يتيم وأم
يتيم وأم
رقم القصيدة : 65132
-----------------------------------
هاضه الوهن ، وأعياه الألم
وسطا الضعف عليه والسقم
خاشع الأطراف من إعيائه
ما به يقلب كفّاً أو قدم
متداعٍ جسمه ، منخذلٌ ، لجّت الحمى عليه فاضطرم
ساكن الأوصال إلا بصراً
زائغاً ، يطرف حيناً ، ويجم
ابن سبع برّح اليتيم به
رحمة الله له نضو يتم
كسرت من طرفه مسكنةٌ
لبست هيأته منذ انفطم
وا حناناه لأمٍ أيّمٍ
طوت النفس على خوف وغم
فنضت عنها الثياب السود ؛ لا
لا تظنوا جرحها الدامي التأم
بل لدفع الشؤم عن واحدها
يا لقلب الأم إن أشعر هم !
وبدت في اليبض من أثوابها
من رأى إحدى حمامات الحرم
عطفت من رحمة تحضنه
إنما دنيا اليتامى حضن أم
ومضت تمسح بالكف على
جبهةٍ رهن اشتعال وضرم
ولقد تندى فتخضّل له
وفرة ٌ مثل الظلام المدلهم
نظر الطفل اليها صامتاً
وبعينيه حديث وكلم . . .
ليت شعري ، ما به ؟ ما يبتغي
أبنفس الطفل سؤلٌ مكتتم ؟
لو أراد النجم لاحتالت له
كل سؤل هيّن ، مهما عظم
وحنت تسأل عن طلبته
فرنت عين له ، وافترّ فم . .
قال : يا أمي . واسأليه رجعةً
فلكم يفرح قلبي لو قدم !
لا تسل عن جرحها كيف مضى
من هنا أو من هنا ينزف دم
ضمّت الطفل اليها بيدٍ
وبأخرى مسحت دمعاً سجم
عزّ ما يطلبه ، يا رحمتا
كيف تأتي برفات ورمم !؟
قلّب البؤس على أوجهه
لن ترى كاليتيم بؤساً محتكم
ينشأ الطفل ولا ركن له
ركنه من صغر السن انهدم(67/242)
خائضاً في لجج العيش على
ضعفه ، والعيش بحر محتدم
تائهاً في ظلمٍ ما تنتهي
حائراً يخبط في تلك الظلم
ليس في الدنيا ولا في ناسها
فهو يحيا في وجود كالعدم
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> على القبر
على القبر
رقم القصيدة : 65133
-----------------------------------
(( الى روح ابراهيم))
آه يا قبر ، هنا كم طاف روحي
هائماً حولك كالطير الذبيح
أو ما أبصرته دامي الجروح
يتنزّى فرط تبريحٍ ويأس
مرهقاً مما يعنّيه الحنين
وهنا يا قبره أشوق نفسي
يا لأشواق على تربك حبس
وهنا قبلة أحلامي وهجسي
قرّبتني الدار ، أو طال نزوحي
فخيالي بك رهنٌ كل حين
إن نأى بي البعد ردّتني اليك
لاعجات ما تني وجداً عليك
لست تدري أي دنيا في يديك
من حنان وبشاشاتٍ وأنسٍ
يا قلبي ! أصبحت في الهامدين
آه يا قبراً له إشعاع نور
لا أرى أجمل منه في القبور !
فيك دنياي ، وفي قلبي الكبير
مأتم ما انفكّ مذ بات لديك
قائماً يأخذ منه بالوتين
وإذا ينزف دمع المقل
يجهش القلب أسىً ما يأتلي
نادباً عندك أغلى أمل
باكياً فيك نصيري وظهيري
ساكباً من ذوبه غير ضنين
أوحش السامر من ذاك السمير
غير أصداء فؤادٍ وشعور
نغم أفعم أمواج الأثير
بالاماني والهوى والغزل
وترامى بين أحضان السنين
زهرة عطّرت الدنيا بنشر
ثم مالت بين أحلام وشعر
وذوت عن عمر للزهر نضر
هكذا تنفذ أعمار الزهور
و الشذا باقٍ بروح العابرين
كلما أشرق في الليل القمر
مترعاً بالنور أعصاب الزهر
أظلمت نفسي و هاجتني الذكر
كيف غيّبتك في ظلمة قبر
كيف أسلمتك للترب المهين
وإذا ران على الدنيا هجود
وغفا فيها شقيٌّ وسعيد
لم يزل يهتف بي صوتٌ بعيد
من وراء الغيب وافى وظهر
ومضى يهمس همس العاتبين
عتبه أخذي بأسباب البقاء
أتملّى من وجودٍ وضياء
وعديل الروح في وادي الفناء
السّنى ضنّ عليه والوجود
فهو بالحرمان لم يبرح رهين
أيها الهاتف من خلف الغيوب
ما ترى نبع حياتي في نضوب ؟
لم أزل أضرب في عيش جديب(67/243)
موحشٍ كالقفر ، موصول الشقاء
منذ أمسى نجمه في الآفلين
أين إبراهيم مني ، أين أين؟!
حبة القلب ونور الناظرين
أنا من عيشٍ وموت بين بين
فلعل الحين موفٍ عن قريب
يمسح الجرح والآم الحنين
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الروض المستباح
الروض المستباح
رقم القصيدة : 65134
-----------------------------------
أين الغناء العذب يا طائري
تسبق فيه كلّ شادٍ طروب
وأين أفراح الصبّا الزاخر
باللهو ، أم أين المراح الدؤوب
مالك تلقي نظرة الحائر
يريد يستجلي خفايا الغيوب ؟
وما الذي في قلبك الشاعر
قل لي ، فإن البثّ يشفي القلوب
ما ترى حولك همس الورق
يسكبه في أذن الجدول
كأنه نجوى محبٍ سرق
هنيهةً من غفلة العذ ّل
والزّهر الرفاف إما عبق
عبيره يسري مع الشمأل
وهذه الدنيا ، وهذا الألق
فمتّع النفس ولا تهمل
بين الفراشات وزهر الربيع
هيمنة الصبّ ، إذا يعتب
ويح الفرشات ، هواها خدوع
تلهو بهذا ، و بذا تلعب
كم توهم الزهر هيام الولوع
و قلبها يا طائري قلّب
فيها إلى التبديل طبع نزوع
و الطبع غلاّب فما يغلب
وهذه الوردة ذات الرّواء
كم تشتهي لحنك في حبها
بلبلها اليوم إليها أفاء
وأرسل العطر إلى قلبها
وفيّ لها ، تلقى الوفاء
أجمل ما تهداه من صحبها
غنّّ ومتّعها بهذا الصفاء
أو ، لا، فلن تنجو من عتبها
سوا عجبي ! صمتك رهيب
يا طائري ، ضمّن معنى الحذر
ترمي بلحظ الصقر نحو الدروب
كأنما أنذرت منها بشر
ما تأتلي ترقب كالمستريب
أشعر من حوليه وشك الخطر
أقعى ، على أهبته للوثوب ،
في كبرياء تتحدّى القدر!
ماذا أرى ؟ هذاك (بومٌ) غريب
منطلق ، حبهم المحيا ، وقاح
يحوم في الروضة حوماً مريب
غدوّه متّهم .. والرواح
يطلّ من عينيه قلب جديب
لكنه أرعن ، فيه جماح
اقتحم الباب اقتحام الغصوب
وجاس في الروض طليق الجناح !
عيناه إذ ر أرأتا جمرتان
قد شبّتا ، ما تطمعان الكرى
عن وكرك المطول لا تحسران
تطلّعاً يا طائري منكراً ..
أشرع منقاراً كحد السنان(67/244)
مضاؤه ، ملتوياً أحمرا
ومخلباً يصرع قلب الأمان
يا ضيعة الوكر وقد أشهرا
ما شأن ذيّاك الدعيّ الدخيل
في الروض ، والروض حماك الحبيب
وكيف يغدو مستباحا ذليل
أو غرضاً يرمي بسهمٍ غريب
أغضيت عن روضك دهراً طويل
يا طائري ، مغرىً بحلم كذوب
واليوم تصحو عن خيالٍ جميل
مضى مع السّحرة ، غبّ الهبوب !
أنفض جناحيك من الرقدة
يا طائري ، أخشى عليك المصير
لا تمكن (البوم ) من الروضة
أرى لذاك (البوم ) شأناً خطير
أضبّ اليوم للوكر على شرّة
فيما أراه ، وأذى مستطير
عليك بالحذر ، فكم غفلة
يؤخذ منها المرء أخذاً نكير
ويلك ، لا تأمن غريب الديار
فخلفه من مثله معشر
يا طائري ، إنّ وراء البحار
مثل عديد الذرّ لو تنظر
تربّصوا في لهفة وانتظار
ودبّروا للأمر ما دبّروا . .
تحفزهم تلك الأماني الكبار
وأنت أنت المطمع الأكبر
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> اليقظة
اليقظة
رقم القصيدة : 65135
-----------------------------------
أيها الشرق ، أي نور جديد
لاح في عتمة الليالي السود
لف شمّ الجبال والسهل والحزن ، وهام الربى ورمل البيد
وإذا أنت يفتح النور عينك ، فتصحو على الضياء الوليد
وتمطيت من طويل خمودٍ ومسحت الجفون بعد هجود
وتطلعت في حماك ، حمى الأمجاد ، ربع العروبة الممدود
عجباً ! أين أين ما وطّدوه
من صروحٍ شمٍ وملك عتيد
وتلمست يا أبا الصيد فيه
أوجه الغرّ من بينك الصيد
الميا من بواقي ((المثنى))
و((المعنّى )) في فيلق ((ابن الوليد))
تتساقى الحتوف دون حماها
وتهزّ السيوف تحت البنود
وإذا أنت لا ترى غير عانٍ
وطليحٍ مجرّحٍ ، وشهيد
البنون البنون صرعى الرزايا
يا قلب الأبوّة المفؤود !
يا لها الله صرخةً منك دوّت
في شعاب وأغورٍ ونجودٍ
يا لها صرخةً أهابت فأحيت
عزماتٍ وطوّحت بقيود
نفخت في بنيك ، فانطلق العاني ، وهبّ الكابي ، وحيّ المودي
وتداعوا من ههنا وهنا ، وانتظموا تحت بندك المعقود
ما تراهم تسايلوا بين عينيك خفاقاً ، من قاهم ونجيد(67/245)
نفروا نفرة الأبيّ وقد ضيم ، وهبّوا بعزمه المشدود
بعث الهامدون ، آمنت بالبعث ، بآيات يومه المشهود !
يا بني الشرق ، يمّن الله يوماً
قمتم فيه من هوان القعود
أتم الطيبون ، صيّابة العرب ، حماة الحمى ، بقايا الجدود
هو ذا العيد أقبل اليوم محدوّ اً بروح في بردتيه جديد
فيه شيء من اعتزاز قديم
عرفته له خوالي العهود
يوم لعرب مقعد في النجوم الزهر ، يزهو بركنه الموطود
في فؤاد القدس الجريح اهتزاز
لكم رغم جدّه المنكود
انثنى ، موجعاً على الجرح يشدو
ويحيّي أفراحكم في العيد
قام يزجي لكم عذارى القوافي
راقصاتٍ موقّعات النشيد
قدّس الشعر ، إنما الشعر أنّات شقيّ أو أغنيات سعيد!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> بعد الكارثة
بعد الكارثة
رقم القصيدة : 65136
-----------------------------------
يا وطني ، مالك يخني على
روحك معنى الموت ، معنى العدم
أمضّك الجرح الذي خانه
أسأته في المأزق المحتدم
جرحك ؛ ما أعمق أغواره
كم يتنزّى تحت ناب الألم
أين الألى استصرختم ضارعاً
تحسبهم ذراك والمعتصم
ما بالهم قد حال من دونهم
ودون مأساتك حسٌ أصم
قلبّت فيهم طرف مستنجد
فعزّك المندفع المقتحم . . .
واخلجتا ! حتّام أهواؤهم
تغرقهم في لجّها الملتطم!!
هم الأنانيون . . قد أغلقوا
قلوبهم دون البلاء الملم
لا روح يستنهض من عزمهم
لا نخوة تحفزهم ، لا همم !
أحنوا رقاب الذل ، يا ضعفهم
واستسلموا للقادر المحتكم
يا هذه الأقدار لا ترحمي
فرائس الضعف ، بقايا الرمم
بالمعول المحموم أهوي على
تلك الجذوع الناخرات الحطم
كوني أتياً عارماً واجرفي
كل ضعيف الروح ، واهي القدم
كوني كما شئت ، لظىً يغتلي
أو عاصفاً يقذف حمر الحمم
واكتسحي أنقاض هذا الحمى
من كل ركن خائرٍ . . منهدم
اكتسحيها وانفضي أمّتي ممّا
علاها من رماد القدم !
ستنجلي الغمرة يا موطني
ويمسح الفجر غواشي الظلم
والأمل الظامىء مهما ذوى
لسوف يروى بلهيب ودم
فالجوهر الكامن في أمتي(67/246)
ما يأتلي يحمل معنى الضرم
هو الشباب الحر ، ذخر الحمى
اليقظ المستوفز المنتقم
غلّوا جناحيه وقالوا : انطلق
وشارف الأفق وجز بالقمم
واستنهضوه لاقتحام اللظى . .
والقيد ، ياللقيد ، يدمي القدم
لكن للثأر غداً هبّةً
جارفة الهول ، عصوفاً عمم
فالضربة الصماء قد ألهبت
في كل حرٍ جذوةً تضطرم
لن يقعد الأحرار عن ثأرهم
وفي دم الأحرار تغلي النقم !
مع لاجئة في العيد
أختاه ، هذا العيد رفّ سناه في روح الوجود
وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيد
وأراك مابين الخيام قبعت تمثالا شقيا
متهالكاً ، يطوي وراء جموده ألماً عتيّا
يرنو الى اللاشيء . . منسرحاً مع الافق البعيد
أختاه ، مالك إن نظرت الى الجموع العابرين
ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفين . .
من كل راقصة الخطي كادت بنشوتها تطير
العيد يضحك في محيّاها ويلتمع السرور
أطرقت واجمة كأنك صورة الألم الدفين ؟
أختاه ، أيّ الذكريات طغت عليك بفيضها
وتدّفعت صوراً تثيرك في تلاحق نبضها
حتى طفا منها سحاب مظلم في مقلتيك
يهمي دموعاً أو مضت وترجرجت في وجنتيك
يا للدموع البيض ! ماذا خلف رعشة ومضها؟
أترى ذكرت مباهج الاعياد في (يافا) الجميلة ؟
أهفت بقلبك ذكريات العيد أيام الطفوله؟
اذ أنت كالحسون تنطلقين في زهوٍ غرير
والعقدة الحمراء قد رفّت على الرأس الصغير
والشعر منسدلٌ على الكتفين ، الجديلة ؟
إذ أنت تنطلقين بين ملاعب البلد الحبيب
تتراكضين مع اللّدات بموكب فرح طروب
طوراً الى ارجوحة نصبت هناك على الرمال
طوراً الى ظل المغارس في كنوز البرتقال
والعيد يملأ جوّكن بروحه المرح اللعوب ؟
واليوم ؛ ماذا اليوم غير الذكريات ونارها ؟
واليوم ، ماذا غير قصة بؤسكنّ وعارها
لا الدار دارٌ ، لا ، ولا كالأمس ، هذا العيد عيد
هل يعرف الأعياد أو أفراحها روحٌ طريد
عان ، تقلبّه الحياة على جحيم قفارها ؟
أختاه ، هذا العيد عيد المترفين الهانئين
عيد الألى بقصورهم وبروحهم متنعمين(67/247)
عيد الألى لا العار حرّكهم ، ولا ذلّ المصير
فكأنهم جثث هناك بال حياة او شعور
أختاه ، لا تبكي ، فهذا العيد عيد الميّتين!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> رقية
رقية
رقم القصيدة : 65137
-----------------------------------
من صور النكبة
تدلّت عن الأفق أمّ الضياء
ملفّعة باصفرارٍ كئيب
وقد لملمت عن صدور الهضاب
وهام التلال ذيول الغروب
وجرّت خطاها رويداً رويداً
وأومت إلى شرفات المغيب
فأطبقن دون رحاب الوجود
وأغرقنه في الظلام الرهيب
وغشّى الدجى مهجاتٍ نبضن
بشوق الحياة ، بوهج اللهيب
وأخرى تلاعب ثلج السنين
بها فخبت في حنايا الجنوب
وأوغل في حاليات القصور
وأوغل في كل كوخ سليب
فمدّ الجناح على بسمات الشفاه ، وفوق جراح القلوب
وضمّ السعيد بأحلامه ، وضمّ أخا البؤس نضو الكروب
وفي وحشة الليل ، ليل المواجع ،ليل المواجد ، ليل الهموم
وللريح ولولة في الشعاب
وللرعد جلجلة في الغيوم
وللبرق خفق توالى دراكاً
يشق حجاب الظلام البهيم
بدا ( جبل النار ) ترب الخلود
له روعة الأزليّ القديم
تعالى أشمّ أمام السماء
تجاذب منها حواشي الأديم
كأنّ ذراه رفعن هناك ،
على الأفق ، متكأ للنجوم
وكان وراء غواشي الدجى
رهيب السكون عميق الوجوم
تحسّ به رجفة الكبرياء الجريحة والعنفوان الكليم
وفي قلبه النار مكبوتة الزفير ، فيا للّهيب الكظيم !!
هنالك ، في سفح البطولات ، والمجد ، والوثبات الكبر. !
هنالك ؛ تحت الضباب المسفّ ، والأرض غرقى بدفق المطر
كأن الرحاب العلى بعيون السحائب تبكي شقاء البشر. .
هنالك ضمّ (رقيّة) كهف
رغيب عميق كجرح القدر
تدور به لفحات الصقيع
فيوشك يصطكّ حتى الصخر
وتجمد حتى عروق الحياة
ويطفأ فيها الدم المستعر
(رقية) يا قصة من مآسي الحمى سطّرتها أكفّ الغير
ويا صورةً من رسوم التشرد ، الذل ، والصدعات الأخر
طغى القرّ ، فانطرحت هيكلاً
شقيً الظلال ، شقي الصور !!
تعلّق شيء كفرخٍ مهيضٍ
على صدرها الواهن المرتعد(67/248)
وقد وسّدت رأسه ساعداً
وشدّت بآخر حول الجسد
ولو قدرت أودعته حنايا الضلوع ، وضمّت عليه الكبد !
عساها تقيه بدفء الحنان
ضراوة ذاك المساء الصّرد
وعانقها هو يصغي الى
تلاحق أنفاسها المطّرد
وكانت خلال الدجى مقلتاه
كنجمتين ضاءا بصدر الجلد
تشعان في قلبها المدلهم
فيوشك في جنبها يتّقد
وغمغم : أمّ؛ وراحت يداه
تعثيان ما بين نحرٍ وخد
فأهوت على الطفل تشتمّ فيه
روائح فردوسها المفتقد
وفي مثل تهوية الحالمين
وغيبوبة الانفس الصافية
أطّلت على أفق الذكريات
وفي عمقها لهفة ظاميه
تعانق بالروح طيف الديار
وتلثم تربتها الزاكية . .
وأفياءها الدافئات وتلك الدهاليز في الروضة الحالية
وإلف الحياة يشيع الحياة
بأجواء جنّتها الهانيه
فيا دار ما فعلته الليالي
بأشيائك الحلوه الغالية
وربّك ، كيف تهاوت به
يد البغي والقوة الجانيه؟
ومرّ على قلبها طيف يومٍ
دجى الضحى ، عاصف مربد
وقد نفرت في جموع الإباء
نسور الحمى للحمى تفتدي
دعاها نفير العلى والجهاد
فهبّت خفاقاً الى الموعد
تذود عن الشرف المستباح
وتدفع عنه يد المعتدي
وتقتحم الهول مستحكماً
وتسخر باللهب الموقد
فتنقضّ مثل القضاء المتاح
وتهبط كالأجل المرصد
وليست تبالي وجوه الردى
كوالح في الموقف الأربد
فيا للحمى ، كم حميّ أبيّ
تجدّل فيه ، وكم أصيد
أباجوا له المهج الغايات
وأسقوا ثراه دم الأكبد
وطالعها في رؤى الذكريات
فتاها ، نجيّ العلى والطماح
إباء الرجولة في بردتيه
وزهو البطولة ملء الوشاح
يشدّ على الغاضب المستبد ويضرب دون الحمى المستباح
ويلقي عراك المنايا وجاهاً
ويكسح الهول أي اكتساح
وتعرف منه الوغى كاسراً
قوى الجناح ، عنيد الجماح
يخط على صفحات الجهاد
سطور الفدى بدماء الجراح
نبيل الكفاح اذا الخصم راغ
ومن شرف الحرب نبل الكفاح
فيا من رأى النسر تجتاحه
وتلوي به بفتات الرياح
تهاوى صريعاً وأرخى على
حطام أمانيه ريش الجناح !
وفاضت لواعجها ، لا أنيناً
جريحاً ، ولا عبرة زافره(67/249)
ولكن زعافاً من الحقد والبغض والضغن والنقم الغامره ؟
متى يشتفي الثأر ؟ يا للضحايا
أ تهدر تلك الدماء الطاهره
ويا للحمى ! من يجيب النداء
نداء جراحاته النافره
وقد أغمد السيف ، لا ردّ حقاً
ولا أطفأ الغلة الساعره !.
تململ في حضنها فرخها
فضمّته محمومةً ثائره . .
ومالت عليه وفي صدرها
مشاعر وحشيةٌ هادرة . .
لترضعه من لظى حقدها
ونار ضغائنها الفائره . .
وتسكب من سمّ خلجاتها
بأعماقه دفقةً زاخره !.
هنا جبل (النار) كان يطوّف
حلم بأجفانه الساهره
تغاديه فيه طيوف نسورٍ
تغلّ بأفق العلى طائره
مخالبها راعفات . . وملء
جوانحها نشوة ظافره
وبرد التشفي بثاراتها
وراء مناسرها الكاسره!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> نداء الأرض
نداء الأرض
رقم القصيدة : 65138
-----------------------------------
تمثل أرضنا نمته و غذته
من صدرها الثرّ شيخاً و طفلاً
و كم نبضت تحت كفيّه قلباً
سخياً و فاضت عطاءً و بدلاً
تمثّل و هو يلوب انتفاضاً
ثراها إذا ما الربيع أهلاً
و ماج بعينه كنز السنابل
يحضنه الحقل خيراً مطلاً
و لاح له شجر البرتقال
و هو يرف عبيراً و ظلاً
و هاجت به فكرة كالعواصف لا تستقر
تواكب تلك الطيوف تساير تلك الصور :
أتغصب أرضي ؟ أيسلب حقي و أبقى أنا
حليف التشردّ أصحب ذلّة عاري هنا
أأبقى هنا لأموت غريباً بأرض غريبة
أأبقى ؟ و من قالها ؟ سأعود لأرضي الحبيبة
بلى سأعود ، هناك سيطوى كتاب حياتي
سيحنو علي ّ ثراها الكريم و يؤوي رفاتي
سأرجع لا بد من عودتي
سأرجع مهما بدت محنتي
و قصة عاري بغير نهاية
سأنهي بنفسي هذي الرواية
فلا بدّ ، لا بدّ من عودتي
و ظلّ المتشرد عن أرضه
يتمتم : لا بد من عودتي
و قد أطرق الرأس في خيمته
و أقفل روحاً على ظلمته
و أغلق صدراً على نقمته
و ما زالت الفكرة الثابته
تدوم محمومة صامته
و تغلي و تضرم في رأسه
و تلفح كالنار في حسه
سأرجع لا بد من عودتي
. . . . . . . . . . . . . ..(67/250)
و في ليلة من ليالي الربيع الدفيئة
مشى ذاهل الخطو تحت النجوم المضيئة
و راح يدور بأفق خواطره الشاردات
يلاحقهن و يمعن بعداً مع الذكريات
و يبصر يافا جمالاً يضيء على الشاطىء
و يسمع غمغمة الموج في بحرها الدافىء
و يلمح بالوهم طيف القوارب و الأشرعة
تقبّل وجه الصفاء في الزرقة المتلرعة
و مرت على وجهه وهو يحلم نسمه
مضمّضة بشذى البرتقال تعطّر حلمه
وكانت كهمسٍ مصدره واستتر
كهمسٍ من الغيب وافاه يحمل صوت القدر
وأوغل تحت ضياء النجوم
يمشي ويمشي كمن يحلم
وكان بعينيه يرسب شيء
ثقيلٌ كآلامه ، مظلمٌ
لقد كان يرسب سبع سنين
انتظارٍ طواها بصبر ذليل
تخدّره عصبة المجرمين
وترقده تحت حلم ثقيل
لقد كان يرسب سبع سنين
طوال المدى عاشها في سؤال :
متى سأعود ؟ وكان الجواب
صمتاً يمدّ رهيب الظلال
وما زال يمشي سليب الإرادة
تدفعه قوّة لا تردّ
إلى أين ؟ لم يدر . كان الحنين
نداءً ألحّ به واستبدّ
كأن الأرض ، من أرضه
تصاعد يدعوه صوتٌ شرود
يجلجل في قلب أعماقه
ويجذبه ما وراء (الحدود)
هناك تناهت خطاه ، هناك
تسمّر عند السياج العتيق
هناك تيقّظ وعياً رهيفاً
وحسّاً عجيب التلقّي دقيق
وفي نفسه كان يزدحم الدمع
والشوق والسورة المفعمه
ورجع نداء ملحّ قويّ
وموجة عاطفة مبهمة
ورائحة الأرض في قلبه
مزيج حنان ونفخ شذيّ
وللصمت من حوله ألف معنىً
يعانق ألف شعور خفيّ
وأهوى على أرضه في انفعال يشمّ ثراها
يعانق أشجارها ويضمّ لآلي حصاها
ومرّغ كالطفل في صدرها الرحب خدّاً وفم
وألقى على حضنها كل ثقل سنين الألم
وهزّته أنفاسها وهي ترعش رعشة حبّ
وأصغى إلى قلبها وهو يهمس همسة عتب :
رجعت إليّ؟!
- : رجعت إليك وهذي يدي
سأبقى هنا ، سأموت هنا ، هيّئي مرقدي
وكانت عيون العدو اللئيم على خطوتين
رمته بنظرة حقد ونقمة
كما يرشق المتوحش سهمه
ومزق جوف السكون المهيب صدى طلقتين
.......................................
بدا الفجر مرتعشاً بالندى
يذرذره في الربى والسفوح(67/251)
ومرّ بطيء الخطى فوق أرضٍ
مضمّخة بنجيعٍ نفوح
تلفّ ذراعين مشتاقتين
على جسدٍ هامدٍ مستريح
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> شعلة الحرية
شعلة الحرية
رقم القصيدة : 65139
-----------------------------------
(( هدية إلى أم الأعمال العظيمة مصر الثورة في حرب السويس ))
هبة الله السخية
هذه الشعلة ، إرث البشرية
ارفعيها أنت يا مصر ارفعيها
للملايين الذين
كم حنى أعناقهم ذلّ السنين
ارفعيها للملايين الذين
لم يزالوا ظامئين
لينابيع الضياء
الضياء السمح يهمي في سخاء
ارفعيها لهمو
للملايين على الدرب فأفق الدرب داجٍ معتم
فجّري الأعماق كل السّر فيها
فانتفاضات الشعوب
وانطلاقات الشعوب
كلما تكمن فيها
من هنا تنهار جدران الظلام
من هنا تنحطم القضبان ترتدّ حطام
فجّريها هذه الأعماق كلّ السر فيها
وارفعي الشعلة يا مصر ارفعيها
انها سرّ البقاء
هي مهما أخمدوا أنفاسها ، أو
أطفأوا أقباسها
هي مهما مرّغوها
هي مهما أرخصوها
سوف يبدو وجهها الحرّ مهيب الكبرياء
للملايين الذين
عشقوها من قرون وقرون
سوف تبدو من خلال المحن .
من رزايا الوطن
سوف تبدو من ثنايا المعركة
ودخان الموت يلتفّ جبالاً بجبال
والقرابين بساحات النضال
يطرقون الباب ، باب الأبدية
وبأيديهم تراب المعركة
التراب الطيب الطاهر روّاه الفداء
هذه الشعلة من قال يلاشيها الطغاة الغادرون
البغاة المجرمون
وهي إرث البشرية
هبة الله السخيه
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حلم الذكرى
حلم الذكرى
رقم القصيدة : 65140
-----------------------------------
إلى روح شقيقي إبراهيم
أخي ، يا أحب نداء يرفّ
على شفتيّ مثقلاً بالحنان
أخي ، لك نجواي مهما ارتطمت
بقيد المكان وقيد الزمان
أحقاً يحول الردى بيننا
ويفصلني عنك سجن كياني
فمالي إذا ما ذكرتك أشعر
إنك حولي بكل مكان
أحسّ وجودك أؤمن أنك
تسمع صوتي هنا وتراني
وكم طائف منك طاف بروحي
إذا ما الكرى لفّني واحتواني(67/252)
أخي ، أمس والليل يعمق غورا
ويحضن قلب الوجود الكبير
وذكراك تعمر أقطار نفسي
وتملأ قلبي بفيض غمير
تفلّت بين انعتاق الرؤى
خيالك في غفوة من شعوري
تحدّر من فاشرت الخلود
على هودج من غمام وثير
وقوس السحاب على الأفق تحتك
تطويه معبر لون ونور
كأن يد الله مدّته درباً
إلى الخلد بين حقول الأثير
أخي ! وهتفت بها واندفعت
إليك بكل حناني وحبي
أخي ! غير أنك رحت تصوّب
عينيك نحو المدى المشرئبّ
وكنت حزيناً وكانت على
جبينك مسحة غمّ وكرب
وجرح عتيق بجنبك يدمى
شعرت به يتنزّى بجنبي
وأرسلت عينيّ حيث رنوت
وقد دبّ ثقل خقيّ بقلبي
خلال دخان علا واستدار
رأيت الحمى خربةً ماحله
على العتبات تدبّ هوام
وتعبر قافلة قافلة
وبين الزوايا عناكب تحبو
وتمعن في زحفها واغلة
وأبصرت أشلاء قومي هنا
وهناك على طرق السابلة
عيون مفقّأة بعثرت
على الأرض حباتها السائله
وأيدٍ مقطّعة ووجوه
غزا الترب ألوانها الحائلة
وكان هناك وراء الدخان
قطيع تشتت في كل بيد
قطيع وديع . . . بقية قومي
فهذا شريد وهذا طريد
تظللهم في العراء الخيام
وقد أخلدوا في هدوء بليد
براكين خامدة لا تفور
استحال اللظى في حشاها جليد
قصارى مطامحهم لقمة
مغمّسة بهوان العبيد
تجود بها كفّ جلادهم
لتخديرهم كل صبح جديد
وأرجعت نحوك طرفأً ثقيلاً
وفي شفتيّ سؤال كئيب :
(( أخي أرأيت القضية كيف
انتهت ، أرأيت المصير الرهيب
أتذكر إذ أنت ترسل شعرك
يطوي الحمى عاصفاً من لهيب
تحذّرهم من هوان المآل
كأنك تقرأ لوح الغيوب ))
ولكن طيفك كان يغيب
وراء المدى صامتاً لا يجيب
وجرحك يقطر أزكى دماء
همت في حواشي غمام خضيب
وراحت تعانق جرح الحمى
حمانا المسمّر فوق الصليب
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> وجدتها
وجدتها
رقم القصيدة : 65141
-----------------------------------
وجدتها في يوم صحو جميل
وجدتها بعد ضياع طويل
جديدة التربة مخضوضرة
نديانة مزهرة
وجدتها والشمس عبر النخيل
تنثر في الحدائق المعشبة(67/253)
باقاتها المذهبة
وكان نيسان السخّي المريع
والحب والدفء وشمس الربيع
وجدتها بعد ضياع طويل
غصناً طرياً دائم الاخضرار
تأوى له الاطيار
فيحتويها في حماه الظليل
إن عبرت يوماً به عاصفة
راعدة من حوله راجفة
مال خفيفاً تحتها وانحنى
أمامها ليّنا
وتهدأ الزوبعة القاصفة
ويستوي الغصن كما كانا
مشعشع الأوراق ريّانا
لم تنحطم أعصافه اللدنة
تحت يد الريح
ويمضي كما
كان ، كأن لم تثنه محنه
يضاحك الجمال في كل ما
يراه ، في إشراقه النجمة
في هفة النسمة
في الشمس في الانداء في الغيمة
وجدتها في يوم صحو جميل
بعد ضياع بعد بحث طويل
بحيرة رائقة ساجية
ان ولغت مرة
في قلبها الصافي ذئاب البشر
أو عبثت فيها رياح القدر
تعكرت فترة
ثم صفت صفاء بلّور
ورجعت مرآة وجه القمر
ومسبح الزرقة والنور
ومستحمّ الانجم الهادية
وجدتها ، يا عاصفات اعصفي
وقنّعي بالسحب وجه السما
ما شئت ، يا أيام دوري كما
قدّر لي ، مشمسةً ضاحكه
أو جهمة حالكة
فان أنواري لا تنطفئ
وكل ما قد كان من ظل
يمتد مسوداً على عمري
يلفه ليلاً على ليل
مضى ، ثوى في هوّة الأمس
يوم اهتدت نفسي الى نفسي
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ذكريات
ذكريات
رقم القصيدة : 65142
-----------------------------------
انا وحنيني البعيد اليك
ورائحة الليل والذكريات
وأنشودة عبر موج الأثير
تبارك سحر الهوى والحياة
وغيبوبة ، وانتقال بعيد
وراء القفار
وعبر الصحاري
وكان اللقاء الغريب السعيد
طوانا هناك على الشطّ ليل
نديّ الغلائل ، شفّ مضيء
وأنت بجنبي طفلي الحبيب
تنفض قصة عمر مليء
تحدثني عن الحياة الكفاح
وخوض الردى
وكان الصدى
مثيراً ، وكانت هناك جراح . .
تلمّست تلك الجراح الغوالي
وشيء بصدري كحسّ الامومة
تلمستها وحنوت عليها
بروحي الرؤوم ونفسي الرحيمة
وفي غمرة الحب مرّت يدي
بدفق الحنان
ودفء الأمان
على رعشات الجبين الندي
ووسّدت رأسك قلباً سخيّ
العطاء ، ولفّ النقاء كلينا
وغنّت بأعيننا العاطفات(67/254)
وابتسم الحب في شفتينا
ومرّ نسيم طري علينا
ترشّ يداه
عبير الحياة
شربنا الشذى منه حتى ارتويتا
وكان هوانا جميلا كهذا
الوجود ، عنيفاً كعنف الحياة
وكنا معاً نغماً واحداً
وكنا معاً نغماً واحداً
عميق الرنين فسيحاً مداه
نموت ولا يتلاشى صداه
ويبقى يدور
يلف الدهور
يبارك سحر الهوى والحياة
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> وانتظرني
وانتظرني
رقم القصيدة : 65143
-----------------------------------
حين تبدو الحياة في يومك المقفر مني -
كئيبة مملوله
ويلحّ الشوق اللجوج فتدعوني ودوني -
مجاهل وبراري
وأماني شوامخ الأسوار
فامض نحو الجسر الكبير مع الذكرى
ورعشاتها العذاب الجميلة
ستراني هناك أمشي إلى جنبك
أنت استغراقتي وابتهالي
وأنا كنزك الذي تحتويه
بيدي باخلٍ وحرص ضنين
وتواريه عن فضول العيون
والاصيل الملوّن الحلو يطوينا -
حبيبين ناسجي آمال
وسنمضي معاً الى الضفة الأخرى -
بعيداً عن اصطخاب المدينة
في الطريق الممدود نمشي وللصمت خشوعٌ -
يلفّ جوّ هوانا
ليس إلا النجوى ووقع خطانا
وطمأنينة تكلل روحينا وأمنٌ -
واحة وسكينة
وسنمشي ونحن نجهل من يدفعنا -
في المدى وما سنلاقي
وسنمشي معاً بعيداً ولا ندري -
متى ينتهي الطريق الوثير
أو إلى أين سوف يفضي المسير
ونداء المجهول صوت خفي
هاتف من قرارة الأعماق
وسنبقى هناك نمشي ولا نعلم إلا -
شيئاً يحسه قلبانا
هو ايماننا المقدّس بالحب -
ثوى في أغوارنا المجهولة
وحدانا على الدروب الطويلة
وزكا شعلة تضيء بعينينا -
فنمضي على سناها كلانا
هكذا كلما ألحّ عليك الشوق
عد للماضي ، وعش في الذكرى
واحي أيامنا ونحن على النهر -
ونيسان ضاحك في الضفاف
راقص الظل رائع الأطياف
وانتظري ، غداً سيجمعنا الحبّ -
شتيتين في حماه استقرّا
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الانفصال
الانفصال
رقم القصيدة : 65144
-----------------------------------
الى اين أهرب منك وتهرب مني
إلى أين أمضي وتمضي(67/255)
ونحن نعيش بسجن
من العشق .
سجن بنيناه نحن اختيارا
ورحنا يداً في يد
نرسّخ في الأرض أركانه
ونعلي ونرفع جدرانه
من العشق شدناه ، من لبنات الأماني
ورسم خطوط الغد
ومن الف رائحةٍ الف لون
من الذكريات
من العاطفات
من العبرات بنيناه من
تفجّر ضحكاتنا الهانئة
وفيض مشاعرنا الدافئة
ومن كلمات لنا لا تعدّ
ومن رغبات لنا لا تحدّ
من الانتصار
سكرنا معاً بمراراته
من الرأي إذ نلتقي عنده يا حبيبي
من الفكرة الواحدة
من الشعلة العذبة الخالدة
ومن ألف حلم ندي جميل
وأشياء أخرى تقاسمتها
واياك نسيانها مستحيل
إلى أين أهرب منك وتهرب مني
إلى أين أمضي وتمضي
ونحن نعيش بسجن
نحاول منه انعتاقاً عسانا
نلاقي الخلاص كلانا
إلى أن تخور قوانا
وننهار عجزاً ، وتبقى أمامي
وأبقى أمامك وجه لوجه
وفي شفتينا
لهاث أوام
وفي وجنتينا
ظلال ضرام
ونلقي السلاح وتمضي يدانا
تلفّ هوانا
بحبٍ وعطفٍ تلفّ هوانا
ونفنى رضىً ونذوب حنانا
فكيف الفرار حبيبي وأننا
ونحن ندور ونجري ونهرب
منّا الينا
سدى ومحال
سدى لا انعتاق لنا لا انفصال
محالٌ حبيبي محال
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> هل كان صدفة ؟
هل كان صدفة ؟
رقم القصيدة : 65145
-----------------------------------
. . . وجمعتنا الصالة المحتشدة
وحسب الآخرون
لقاءنا محض صدفة
دخلتها في غفوة حلوةٍ
من غفوات الزمان
وامتدّ طريقي هناك
ودار في خطفه
يبحث عن عينين
ضحّاكتين
ولم يكن ضمّك بعد المكان
ما أوحش ا لفردوس إن لم تكن
فيه ،
وأقبلت فيا بهجتي
ورفّ قلبي حين مسّت خطاك
أوتاره ألف رفّه
لم ألتفت نحوك ، لا بسمه
شعّت على الشفاه
لا كلمه
لا عين ناغت عين
وبيننا خطوة
وكنت لي في وهمهم ، ماذا؟
لا شيء . . .
مخلوق غريب الديار
لا أمل يربط قلبينا
لا حب لا أسرار
من أين يدري سرّنا الآخرون
وسرنا ثروة
مخبوءة في عمق روحينا
هم يحسبون
لقاءنا محض صدفة
هل كان صدفة ؟
من قال ؟ من أين همو يعلمون ؟ أنت الذي يعلم
واحمر الشفاه(67/256)
والعطر والمرآه
وزينتي هي التي تعلم
لا همو
العصر العباسي >> دوقلة المنبجي >> اليتيمة
اليتيمة
رقم القصيدة : 65148
-----------------------------------
هَل بِالطُلولِ لِسائِل رَدُّ
أَم هَل لَها بِتَكَلُّم عَهدُ
درس الجَديدُ جَديدَ مَعهَدِها
فَكَأَنَّما هو رَيطَةٌ جُردُ
مِن طولِ ما تَبكي الغيومُ عَلى
عَرَصاتِها وَيُقَهقِهُ الرَعدُ
وَتُلِثُّ سارِيَةٌ وَغادِيَةٌ
وَيَكُرُّ نَحسٌ خَلفَهُ سَعدُ
تَلقى شَآمِيَةٌ يَمانِيَةً
لَهُما بِمَورِ تُرابِها سَردُ
فَكَسَت بَواطِنُها ظَواهِرَها
نَوراً كَأَنَّ زُهاءَهُ بُردُ
يَغدو فَيَسدي نَسجَهُ حَدِبٌ
واهي العُرى وينيرُهُ عهدُ
فَوَقَفت أسألها وَلَيسَ بِها
إِلّا المَها وَنَقانِقٌ رُبدُ
وَمُكَدَّمٌ في عانَةٍ جزأت
حَتّى يُهَيِّجَ شَأوَها الوِردُ
فتناثرت دِرَرُ الشُؤونِ عَلى
خَدّى كَما يَتَناثَرُ العِقدُ
أَو نَضحُ عَزلاءِ الشَعيبِ وَقَد
راحَ العَسيف بِملئِها يَعدو
لَهَفي عَلى دَعدٍ وَما حفَلت
إِلّا بحرِّ تلَهُّفي دَعدُ
بَيضاءُ قَد لَبِسَ الأَديمُ أديم
الحُسنِ فهو لِجِلدِها جِلدُ
وَيَزينُ فَودَيها إِذا حَسَرَت
ضافي الغَدائِرِ فاحِمٌ جَعدُ
فَالوَجهُ مثل الصُبحِ مبيضٌ
والفَرعُ مِثلَ اللَيلِ مُسوَدُّ
ضِدّانِ لِما اسْتُجْمِعا حَسُنا
وَالضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ
وَجَبينُها صَلتٌ وَحاجِبها
شَختُ المَخَطِّ أَزَجُّ مُمتَدُّ
وَكَأَنَّها وَسنى إِذا نَظَرَت
أَو مُدنَفٌ لَمّا يُفِق بَعدُ
بِفتورِ عَينٍ ما بِها رَمَدٌ
وَبِها تُداوى الأَعيُنُ الرُمدُ
وَتُريكَ عِرنيناً به شَمَمٌ
وتُريك خَدّاً لَونُهُ الوَردُ
وَتُجيلُ مِسواكَ الأَراكِ عَلى
رَتلٍ كَأَنَّ رُضابَهُ الشَهدُ
والجِيدُ منها جيدُ جازئةٍ
تعطو إذا ما طالها المَردُ
وَكَأَنَّما سُقِيَت تَرائِبُها
وَالنَحرُ ماءَ الحُسنِ إِذ تَبدو
وَاِمتَدَّ مِن أَعضادِها قَصَبٌ
فَعمٌ زهتهُ مَرافِقٌ دُردُ(67/257)
وَلَها بَنانٌ لَو أَرَدتَ لَهُ
عَقداً بِكَفِّكَ أَمكَنُ العَقدُ
وَالمِعصمان فَما يُرى لَهُما
مِن نَعمَةٍ وَبَضاضَةٍ زَندُ
وَالبَطنُ مَطوِيٌّ كَما طُوِيَت
بيضُ الرِياطِ يَصونُها المَلدُ
وَبِخَصرِها هَيَفٌ يُزَيِّنُهُ
فَإِذا تَنوءُ يَكادُ يَنقَدُّ
وَالتَفَّ فَخذاها وَفَوقَهُما
كَفَلٌ كدِعصِ الرمل مُشتَدُّ
فَنهوضُها مَثنىً إِذا نَهَضت
مِن ثِقلَهِ وَقُعودها فَردُ
وَالساقِ خَرعَبَةٌ مُنَعَّمَةٌ
عَبِلَت فَطَوقُ الحَجلِ مُنسَدُّ
وَالكَعبُ أَدرَمُ لا يَبينُ لَهُ
حَجمً وَلَيسَ لِرَأسِهِ حَدُّ
وَمَشَت عَلى قَدمَينِ خُصِّرتا
واُلينَتا فَتَكامَلَ القَدُّ
إِن لَم يَكُن وَصلٌ لَدَيكِ لَنا
يَشفى الصَبابَةَ فَليَكُن وَعدُ
قَد كانَ أَورَقَ وَصلَكُم زَمَناً
فَذَوَى الوِصال وَأَورَقَ الصَدُّ
لِلَّهِ أشواقي إِذا نَزَحَت
دارٌ بِنا ونوىً بِكُم تَعدو
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني
أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
وَزَعَمتِ أَنَّكِ تضمُرينَ لَنا
وُدّاً فَهَلّا يَنفَعُ الوُدُّ
وَإِذا المُحِبُّ شَكا الصُدودَ فلَم
يُعطَف عَلَيهِ فَقَتلُهُ عَمدُ
تَختَصُّها بِالحُبِّ وُهيَ على
ما لا نُحِبُّ فَهكَذا الوَجدُ
أوَ ما تَرى طِمرَيَّ بَينَهُما
رَجُلٌ أَلَحَّ بِهَزلِهِ الجِدُّ
فَالسَيفُ يَقطَعُ وَهُوَ ذو صَدَأٍ
وَالنَصلُ يَفري الهامَ لا الغِمدُ
هَل تَنفَعَنَّ السَيفَ حِليَتُهُ
يَومَ الجِلادِ إِذا نَبا الحَدُّ
وَلَقَد عَلِمتِ بِأَنَّني رَجُلٌ
في الصالِحاتِ أَروحُ أَو أَغدو
بَردٌ عَلى الأَدنى وَمَرحَمَةٌ
وَعَلى الحَوادِثِ مارِنٌ جَلدُ
مَنَعَ المَطامِعَ أن تُثَلِّمَني
أَنّي لِمَعوَلِها صَفاً صَلدُ
فَأَظلُّ حُرّاً مِن مَذّلَّتِها
وَالحُرُّ حينَ يُطيعُها عَبدُ
آلَيتُ أَمدَحُ مقرفاً أبَداً
يَبقى المَديحُ وَيَذهَبُ الرفدُ
هَيهاتَ يأبى ذاكَ لي سَلَفٌ
خَمَدوا وَلَم يَخمُد لَهُم مَجدُ
وَالجَدُّ حارثُ وَالبَنون هُمُ(67/258)
فَزَكا البَنون وَأَنجَبَ الجَدُّ
ولَئِن قَفَوتُ حَميدَ فَعلِهِمُ
بِذَميم فِعلي إِنَّني وَغدُ
أَجمِل إِذا طالبتَ في طَلَبٍ
فَالجِدُّ يُغني عَنكَ لا الجَدُّ
وإذا صَبَرتَ لجهد نازلةٍ
فكأنّه ما مَسَّكَ الجَهدُ
وَطَريدِ لَيلٍ قادهُ سَغَبٌ
وَهناً إِلَيَّ وَساقَهُ بَردُ
أَوسَعتُ جُهدَ بَشاشَةٍ وَقِرىً
وَعَلى الكَريمِ لِضَيفِهِ الجُهدُ
فَتَصَرَّمَ المَشتي وَمَنزِلُهُ
رَحبٌ لَدَيَّ وَعَيشُهُ رَغدُ
ثُمَّ انثنى وَرِداوُّهُ نِعَمٌ
أَسدَيتُها وَرِدائِيَ الحَمدُ
لِيَكُن لَدَيكَ لِسائِلٍ فَرَجٌ
إِن لِم يَكُن فَليَحسُن الرَدُّ
يا لَيتَ شِعري بَعدَ ذَلِكُمُ
ومحارُ كُلِّ مُؤَمِّلٍ لَحدُ
أَصَريعُ كَلمٍ أَم صَريعُ ردى
أَودى فَلَيسَ مِنَ الرَدى بُدُّ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> الهدهد
الهدهد
رقم القصيدة : 65149
-----------------------------------
يأتيني الهدهد بعد صلاة الفجر ْ
فيحط على غصن الزيتونْ
في عينيه الملأى بالدمع أرى مكتوباً من ورق البردي ملفوف
بشريط أسود حول النصف ْ
فأقول له ما الأمرْ ؟
ما الأمرْ ؟!
[ كالسهم النافذ في طبقات القلب ْ
كالموج الهادر يضرب وجه الصخرْ
كالليلْ
كالبحرْ ! ]
يلقي مكتوب الهجر ْ !
.....................................
.....................................
مكتوبكِ آخر أمر يصدر بعد الفتحْ
أن أرجع كل الجند إلى ما خلف الخلفْ
أن أبقى بعدكِ أحكي للقبطان لماذا اخترتُ البحرْ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> قُطري بن الفجاءة سلام أما بعد
قُطري بن الفجاءة سلام أما بعد
رقم القصيدة : 65150
-----------------------------------
] لن ندخل الكوفة !
الريح التي عصفت في جيشنا
ملأت أجفاننا رمدا
و الماء في دمنا مرٌ وما بردا
فلنبقَ ، لليل أنفاسٌ هنا
ولنا أن تسكن الخيل حتى نرتدي
بُردة الصبح الجديد ندى [
وانظر إلى شجري
وانظر إلى الماء يغزو عصرك الحجري
واعبر معي(67/259)
كل جسر ٍأنت حامله جسري
وكل الينابيع التي انفجرت ،
في قلبك الآن في سمعي وفي بصري
عد بي إلى جسدي المرتاح يا قُطَري
عد بي لوادي الغضى
عد بي لمروحتي
عد بي لمزرعتي
عد بي إلى ضيعتي
عد بي لساقيتي
عد بي إلى قربتي
عد بي إلى خيمتي
عد بي إلى مسجدي
عد بي لوادي القرى
للماء في قِرَبِ الأشواقِ
للمطرِ الغافي على البانِ
عد بي للظِبى
و إلى عرار نجدٍ وما ظني أراه غدا
عد بي إلى الناس ِ في أسواقهم
حيث لا سيف يسيل دما ً
ولا رؤوسا ً على أعناقها فصلتْ
عد بي إلى البئر في روحي
وعد بي إلى حيي وضاحيتي
قد ضاع ما ضاع من مالي ومن عُمُري
ماذا جنينا من الإرهاب يا قُطَري
أفواهنا ملئت رملاً
وما ملئتْ تينا ً ولا عنبا
لا وردَ في دمنا يجري ولا ذهبٌ
ما أُحرقتْ بعْدَنا إلا قنابلنا
أجسادنا جُعلتْ ناراً لمن حطبا
أرواحنا ذهبتْ رُخصْاً لمن طلبا
عظامنا كسرتْ
أنوفنا جدعت ْ
ماذا جَنينا ؟!
وما أدري لعمريْ إذا ً
ماذا جنيتَ من الإقدام و الظفرِ
ويلي و ويلك من عُقباك يا قُطري
هذي الجحافل غطَّت بالقَنا الأفقا
وهذه الأرض صكَّت في الربى طُرُقا
فلا تفر قطاةٌ ما لها نابل ٌ
بسرها نطقا
من أمرها سبقا
بالأمس تصقل في الأهواز قافيةً
و اليوم تصقل خيلي حافراً برقا
لا يعرف الفر إلا من رأى كوكباً
يهوي على رأسه من ضربة ٍ عضبٍ
أو يعرف الكر إلا من نمت يده
على المهند بين القوس و الوترِ
ماذا قرأت من القرآن يا قُطَري
أيصلح الله أرضا ً أهلُها قَتلوا
أيوصل الله حبلاً بعدما قطعوا
أيقطع الله حبلاً بعدما وصلوا
اللهَ الله في أسيافنا دمهم !
اللهَ في دمها لو أنها ناقةٌ
اللهَ في دمعهم لو أنها طفلة ٌ
أو أنه رجلُ
الله في زرعهم لو أنها قمحة ٌ
أو أنه بصل ُ
اللهَ فينا ولو غنَّتْ ركائبنا:
( قالوا الركوب ؟ فقلنا تلك عادتنا
أو تنزلون فإنَّا معشرٌ نُزُلُ )*
إما نعود ُفما تُغْني مدائحنا
يوم الحسابِ إذا أعْمَالُنا عُطُلُ
أو لا نصيب دما ً في أمَّةٍ أبداً(67/260)
عجمٍ ولا عربٍ
بدو ٍ ولا حَضَرِ
رحماكَ رحماك يا الله من قُطَري
رحماكَ رحماك أنْ ألقى إلى سقرِ
رحماك أسألك اللهمَّ مغفرةً
يا سامع الخفق و الآهات في السَحَرِ
نجواك في وحشة الصحراء تؤنسني
وهل سواك له النجوى بلا خفرِ
أسوق عذري فإن تعفو فمكرمةٌ
أو عجل اليوم في عمْري لتأخذني
ربي إليك ولا تبقي على أثري
رحماك أسألك اللهمَّ مغفرةً
يا سامع الخفق و الآهات في السَحَرِ
نجواك في وحشة الصحراء تؤنسني
وهل سواك له النجوى بلا خفرِ
أسوق عذري فإن تعفو فمكرمةٌ
العفو عفوك لا شكٌ لمعتذرِ
أو عجل اليوم في عمْري لتأخذني
ربي إليك ولا تبقي على أثري
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> نجدية العينين
نجدية العينين
رقم القصيدة : 65151
-----------------------------------
بيني وبينكِ قهوةٌ في بُنها
هذا الصباحُ حديقةً يعشوشبُ
وأظلُّ طيراً في يديكِ مكبلاً
قلبي جناح يمامة يتقلبُ
ماذا سأغرف في يدي
نجدية العينين ماذا سوف يملأ جرتي
حتى أذوِّب في دموعكِ نجمتين وأشربُ
وأظل أحلف باليمين لعاذلي :
لازلت ألمس روحها بأناملي
وتراً على وترٍ
وقافيةً بقافيةٍ تذوب على فمي
فأحسُّ قلبي أقربُ
لسلامِها لكلامِها ولوردةٍ
نزلت بشاطئ جيدِها تتطيبُ
سأمدُّ قافلتي إلى بغدادها
في ليلتي الألف التي تتسربُ
وأظل أعزف كل قافيةٍ لها
قلباً يطرِّبُها وقلباً يطربُ
في قلبها عصفورتان تغردان كلامَها
ولثغرها قمرٌ يجيء ويذهبُ
وتقول لي أين الزمانُ الطيبُ ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> رحيل بين قافيتين
رحيل بين قافيتين
رقم القصيدة : 65152
-----------------------------------
1
أسافر من راحتيها بدون جناحينِ من نسْجِها،
و حرير يديها و لكن على فزةِ الشوقِ في مقْلتيها
أسافرُ في لغتي المرمريَّةْ
إلى حيث أفقدُ تفَّاح وقتي و بوصلتي الذهبيَّةْ
إلى عالمٍ لا يراهُ سوايَ إلى حيثُ ينبتُ قلبُ
مرايا على رعشاتِ الغديرِ كجيدِ صبيَّةْ(67/261)
لأسقي البلاد كلاما
فتمطر حولي سلاماً
سلاما
2
وحيداً أعدُّ رذاذَ المطرْ
وكلٌّ يداري حبيبتَهُ عن رشاشِ الوحولْ
تناظرُ عينايَ عينا فتاةٍ تسيرُ
كأني أراها على هَوْدَجٍ تتهادى كغصنٍ رطيبْ
وقافلتي في جوار القليبْ
في انتظار السقايةْ
3
على الشانزِ اجلسُ وحدي بطاولةٍ
ليس فيها سوى شبحٍ لرفاقِ الرياضِ
فاطلبُ قهوتي العربيةْ
باني طلبتُ الذي يهربُ الناسُ منهُ
فقلتُ المماتَ أم الذكرياتْ
فيضحكُ ثمَّ يشيرُ بفنجالِيَ العربيّ !
4
وفي الهَيدِبَاركَ أسرِّحُ قلبي ليلعبَ عند البحيرةِ
أرقدُ تحت سماءٍ تنشفُ خدِّي البليلْ
كأني أنختُ المطايا بظل النخيلْ
بمقربةٍ من دمشقْ
وجفني المسهَّد في حبِّ ليلى يفسِّرُ قافيتي
ففي مقلتيَّ ليالي الرياضِ
تراثُ أبي الأسود الدؤليِّ براحلتي
وصوتُ أبي الطيب المتنبي تسلَّقَ حنجرتي كحشيشةِ بحرٍ
كلَّ ستين ثانيةٍ كَحمامةْ
بقرطبةٍ فوق تلٍّ فسيحْ
يخيَّلُ لي أنَّ مئذنةً أو فتاةً تصيحْ
يمرُّ البكاءُ بسمعي كدفقةِ ماءٍ وهبَّةِ ريحْ
فتأخذُني لفتةٌ في الفؤادِ و تغلبُني دمعةٌ في الوريدْ
و يمسكني حجرٌ من يدي
ويركضُ بي نحو سهلٍ بعيدْ
" ألستَ ابن زيدونَ يا سيدي
هنا في انتظاركَ تحت الحديقةْ "
7
رحيلٌ طويلْ
تعاني يدي في الكتابةِ ذاك الرحيلْ
مذهبةٌ كلُّ أغنيةٍ من أغاني رحيلي
بنرجسةٍ وصهيلْ
أعود إليها على حجلٍ بين قافيتينِ
ولي دجلةٌ من فراتٍ و نيلْ
أعودُ لها موجةً ترتمي في يديها
معللةً بخضابِ الأماني
كأن الحياةَ تضيقُ و هذا الزمانُ بخيلْ
رحيلٌ طويلْ
تعاني يدي في الكتابةِ ذاك الرحيلْ
مذهبةٌ كلُّ أغنيةٍ من أغاني رحيلي
بنرجسةٍ وصهيلْ
أعود إليها على حجلٍ بين قافيتينِ
ولي دجلةٌ من فراتٍ و نيلْ
أعودُ لها موجةً ترتمي في يديها
معللةً بخضابِ الأماني
مضرجةً بدماءِ الأصيلْ
كأن الحياةَ تضيقُ و هذا الزمانُ بخيلْ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> الرجل ذو الساق الخشبية
الرجل ذو الساق الخشبية(67/262)
رقم القصيدة : 65153
-----------------------------------
[ كم قلت لكم إني لا أصلح طباخا ً في البحرية
كفاي معطلتان بتقطيع الخضراوات وتغسيل الأطباقِ
وتجميع ملابسكم فحري أن يأتي النور إليكم من هاتين
العينين أضيء لكم ظلمات الأفلاك على الفلك الشرقية ْ ]
البحر له وجهان من الفضة ْ
وجه يتراءى للناس كسيف مصقول في (عرضةْ)
أما الوجه الآخر يعرفه القبطان ْ
[كم قلت لكم لا تثقوا في النورس ، لا ترموا الطحلبَ
قد نحتاج إليه ، ولا تنسوا رأس الحكمة ، لا تفشوا أسرار
الرحلة للبحارة و الميناء ، وقولوا نصف النية ْ ]
الليل هنا في البحر تحول من ليلٍ لثلاث ليالْ
ليل الليل ، وليل البحر ، وليل مدسوسٌ خلف الجفنينْ
و الحكمة أن تدري في الظلمة أين يداكْ
أن تنصت للنجمة و الأسماكْ
وعلى أي الجنبين ينام الجار الآنْ
[كم قلتُ لكم إني أعرفُ وجه القرصان وحجم يديهِ
ولو بعد الموت ، ولم أتعلم كل لغات العالم لكني أفهمُ
ما قال الدلفين وما لمحت الحيتان إليه وأفهم خفقة قلب
القاتل قبل الإطلاق وأعرف هسهسة الغدر القادم من
خلف الكتفين برغم الكتمان ورغم السرية ْ ]
كفي سمكة ْ
ليست للطب ولكن للحركة ْ
ضد الأمواج ومن فك الشبكةْ
[ كم قلت لكم إن الميناء خلاص الناس وليس خلاص البحارةِ
والميناء لتغيير الأقنعة البحريةِ
و الملح الباقي فوق الشفتين سيبقى
لا يغسلُهٌ المطر القرويُّ ولا صابون المدن الصحراوية ْ ]
النورس يسألني عن رملٍ أبيض يرتاح عليه ْ
يتنفس تحتي البحر ولا أدري كم نحتاج إليهْ
[كم قلت لكم إن الطوفان هو الحل الأمثل للقرصنة
الإنسانية يركبها القرصان الرومانيُّ ويغزو فيها أرض الله
على خيل لم نعهدها وبيارق من دمِّ الأجدادِ
ليأتينا هدهدهم كي يخبرنا أن الطوفان أصاب الكرة الأرضية ْ ]
وجه أذنيك إلى الساحل ْ
أنصت لرياح الهندْ
وتجاهل أنات المركب حتى تسمع نبضة قلبك في أذنيكَ
الموج يقبل كف الرمل ، ضجيج الناس ، حفيف النخلِ ،(67/263)
و أنفاس الرائح و الغادي
الراكب و الراجل ْ
هل تسمع شيئاً يشبه صوت العجلات وهل تسمع صوْ ..
إني أسمعهمْ !
ماء ٌ في كوزْ
شيخٌ يتوسم في شبانٍ خيراً ، سيدة تبكي موت أخيها قرب النافورة ،
لهجة إيطالي من جنوا يحكي قصته للتجار العرب الحكماءْ
وأظن بأني أسمع صوت بناءْ
أوتدري ما يبنونْ ؟
لا ، لا أدري فالضوضاء ْ ...
يبنون حصوناً من إكسير النور ومن حجر الجبل الجرنيتي المنحوتْ
أقوى من عزم الريح ومن فك الموج ومن ناب الحوتْ
فالطوفان الآن على الأبوابْ
إما أن تفتح مفتاحك يا أستاذي وتميط رباط العينينْ
أو يأتيك الطوفان من النيلين ومن هضبات الأورالْ
[ كم قلت لكم مخطوطات ابن الهيثم و الجرجاني أماناتٌ
لا ترموها في النهر ستغرق ثم تذوب فهل علمتم قلب الطفل
الرمي وهل علمتم قلب الطفل الإبحار إذا وقفت أمواج البحر
على قدميها أم هل علمتم قلب الطفل ركوب الخيل
الريح/الصحراء/الإنترنت/ النظريات الفيزيائية ْ ]
لا يكفي أن تحمل عينيك بريق عيون العباسيين ولا نبل الأيوبيينْ
لا يكفي أن تسترخي كالماء ولا أن تشتدَّ كأشجار التينْ
ليست كفاك بجمر كي تمسك جمراً
أو ما حولك مشتعل ٌ كي تصبح من فِلينْ
فمياه البحر الأحمر جامحةٌ ، و البحر المتوسط مشتبكٌ ،
وجبال الأطلس كالتنينْ
والساحل مسنونٌ يتعرج كالسكينْ
إما أن تقطع منه وتيناً أو يقطع منك وتينْ
إما أن ترحل عن غرناطة أو تبقى في حطينْ
[ كم قلت لكم لكن لا ينفع قول في هذا العصر ِ
القصديري المثقوب ، ولا في هذا الجو العذري المفضوضِ
سأطلق نفسي في البحر لعلي أنجو من نتن المدنية علِّي
أفلتُ من قبضة وقتي الفولاذية ْ ]
نظفْ رئتيك من الكربون بهذا الورد البريْ
ضع قمحاً في أذنيك َ ليمتص الإشعاع النوويْ
شطف عينيك من الزرنيخ بهذا المحلول الملحيْ
فغداً سنغوص وبعد غدٍ نبحر بحثاً عن هندٍ أخرى
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> رأيت جرحي واقفاً
رأيت جرحي واقفاً
رقم القصيدة : 65154(67/264)
-----------------------------------
في قلبي الشهدُ كم من جرة كسروا
وكم بقلبي رشاً من دمِّها سَكِروا
غنَّوا له صوتُهم ريحٌ فما عزفوا
لحناً يدندنُهُ في حُزْنِهِ وترُ
خَطُّوا له، حِبْرهمْ ماءٌ، فما نقشوا
شيئاً ليحفظَهُ في جذْعِهِ شجرُ
ولا أضاؤوا فوانيساً بساحتِهِ
سقوهُ أعذبَ ما يبكي به حجرُ
و قطَّعوا ما تبقَّى من سحابتهِ
و أشعلوا زيتَهُ من بعد أنْ ظهروا
ذاقوا وما ذقتُ إلا مرّ قافيةٍ
تحتَ اللسانِ وفي الفَودينِ تستعرُ
العابرونَ دمي مجْذافهم هدبي
المحرقون أغانيهم و قد عبروا
حِنَّاؤهم من دمي فنٌّ ومن عنبي
كحْلٌ ومن مقلتي يُسقون ما عصروا
على ليالٍ مضتْ من أيِّ نافذة
نظرتُ شوقاً رأيتُ القلب ينكسرُ
فلا وقفتُ على أطلال ذاكرةٍ
إلا تلألأ في أسْمالها أثرُ
ولا مررتُ بها إلا وفاح لها
شوقٌ ورفرفَ في أجْفانها سفرُ
وما نسجْتُ على أستارها لغةً
إلا و ثقَّب في أستارها النظرُ
بكيتُ لم تبقَ من عينيَّ زاويةٌ
إلا لها دمعةٌ في الركن تنتظرُ
ولا سرى بعدهم فكري براحلةٍ
إلا يُظَلِّلُهُ في سيره سهرُ
فإن تكسَّر كوبي كل سوسنةٍ
كوبٌ وكلُّ هوى من بعدهم خطرُ
غداً سأمحو التضاريسَ التي نزلوا
و أدفن الماءَ و البئرَ الذي حفروا
نوارسٌ تركتْ في شاطئي أثراً
لتَمحُهُ موجةٌ أو يُجِلِه مطرُ
و زهرةٌ نَشرتْ في الصيفِ مهجتَها
يأتي عليها شتاءٌ ثم تنتحرُ
و نسمةٌ أخطأت عنوانَ ساقيةٍ
لتلتقي دمعةً في الرمل تنتشرُ
أحلى الفراقِ فراقٌ لستَ تفهمُهُ
كالغيمِ يأتي ظلالاً ثم ينحدرُ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> قندهار
قندهار
رقم القصيدة : 65155
-----------------------------------
1
قندهار ْ
قمرٌ يولد من ماءٍ ونارْ
2
قندهارْ
ليلة أخرى وينشق النهارْ
3
قندهارْ
كيف للفئران أن تدخل للحقل كغزلان الجوارْ
4
قندهارْ
ما الذي خلف الغبارْ
ما الذي تحمله هذي القوافلْ
ما الذي تسكبه هذي الجرارْ
وإلى أي طريق ٍ مظلم ٍ(67/265)
نأخذ الأطفال في هذا القطارْ
5
من ترى أحرق كوخاً دافئاً
كنا على الحق بنيناه قويا
من ترى يدفنه في قلبنا
خندقاً كنا حفرناه سويا
ليلة يا قندهارْ
6
كلما سرنا بدرب ٍ وحدنا
نرفع قنديلاً بليل ٍ كسروهْ
وإذا نرقع للقربة شقاً
بين غدران ٍ مرايا فتحوهْ
وإذا نغزل للجرح مخيطاً
بين نور ٍ وظلام ٍ نكثوهْ
وصلوا حبلاً مددناه إليهم
وعلى أول جسر قطعوهْ
7
من رمى قلبك ِ في الليل وطارْ
قد وجدنا ريشهُ ثم اختلفنا بعدها في اللون ِ
مسودُ ، غراب البينِ
مبيضٌ ، حمام الدار ِ ، ماذا ؟!
أسقانا فرمانا ؟
أم رمانا فسقانا ؟
كلما نشعل في نافذة شمعتنا
يطفئها شيءٌ ، أريحٌ ؟!
ربما !
ربما سرب يمامٍ حام أو أنفاس مجهول ٍ
أفي الغابة من يرصدنا ؟!
لابد من حلٍ إذنْ !
قبل أن يركبنا البحر ويغزونا الدوارْ
8
قندهارْ
كلما يسقط من عينيك موتى أو دمارْ
ينزل الدمع رويداً طائراً ينقر في ذاكرتي :
أسمع قرع الباب في الليل ،
دمي ينزف في قلبك من قلبي ،
يدي تسقيك من زمزم ماءً سلسبيلا
جالساً أنقش في كفيك اسمي
راسماً قلبا ً ووروداً و نخيلا
ألهذا كنت أبكي كالمجانينِ
وأمشي في الميادين طويلا
وأنادي : قندهارْ !
قندهارْ
قندهارْ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> غرناطة لي
غرناطة لي
رقم القصيدة : 65156
-----------------------------------
لا أنادي من هنا
خشية أن يرجع صوتي معه شباك قصري
لأرى أمي تنادي
وأرى من مجلسي رائحة الريحان شرقاً
وأرى غرباً خلاخيل الجواري
بيد أني كلما أنظر في مرآة نبع لا أرى شيئاً
إلى أن يتهادى ماء وجهي كدراً
ثم أرى غصني الذي يحرقه الوقتُ
أرى مئذنة تفلت مني
باب نجد فاتحا نافذة التاريخ كي أخرج منها
طائراً مشتعلاً يرفل في زيت ونار ِ
مغمضاً عينيّ من راية قشتالة في الحمراء أجثو
قربة الصمت تغني بفمي
إذ لحظةً أنصت لا أسمع إلا زفرة تلحقني
أخلع ملكي ثم أجري
تتقفاني كظلي
أتخفى غابةً
تمتد في إثري حريقاً(67/266)
أرتدي خفة روحي قبل أن أقفز ظبياً
تمتطي خلفي حرير الريح سهماً
عابراً بين غديرين غديراً...
أنتهي قلعة نفسي
بينما تلحقني زاحفة جيشاً وفي رايته ليل حصاري
وأنا أهمس "غرناطة لي"
يصعد غيم من فمي
يصعد مني هكذا: "غر... نا... طتي"
غينا تسل الراء من روحي
ونوناً خرجت تترف مني ألف الآه التي في خصرها
طاء تجر التاء أنثاها التي أعقد يائي حولها شالاً
إذا أمسكه تفلت غرناطة مني
بينما تحملها الريح بعيداً كوكباً فوق البراري
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> زواج صديق
زواج صديق
رقم القصيدة : 65157
-----------------------------------
ها أنا أمشي على الظل وحيداً كانت الخِطًّة ُ
أن نمشي سوياً نحو أصفى جدولٍ قبل الأصيل ْ
كانت الخيل على علم ٍ بما يجري
ولكني اكتشفت ُ النية البيضاءَ من غسل الأواني
و العبير الزيزفونيِّ الذي يملأ ُ أرجاء المكانْ
عندها رتبت ُ أشيائي و آثرت الرحيلْ
كانت الشقة لاثنين ولا تصلح ُ للسكنى لأنثى
لا زهورٌ من جبال الهملايا ، لا أغاني ، لا عصافيرَ ، ولا حتى مرايا ،
بينما السقف من الجص وهدَّاب النخيل ْ
كنت تحكي عن ليالي الشوق ِ
عن صفصافة تنبت في الساحل في الليل ِ على حزن أهالي البر ِّ ،
عن مخطوطة للأرض ِ أخرى ما رأيناها ،
وعن منطقةٍ نعبرها بعد قليل ْ
خطوة ً تسبقني ، ها أنت ذا تزرع غير الشعر ،
تبني غير ما تعرف من ذاكرةٍ ذاكرة ً أخرى،
وموالاً جديداً ما صنعنا مثلهُ ، تكبر قبلي ،
تحتسي الحب سليم القلب مرتاحاً
وترمي جسداً للغيم منهَّداً من الشوق و أوزان الخليل ْ
أتُرى تأتي بلا قلبٍ وفي كفك لي جورية ً كسلى ؟
أتنسى لغة ً تشبهنا أكثر من أي غدير ٍ ،
لغة ٌ تشرب من جرة راعيْ ،
ترتوي من نايه حتى تغني،
وردة ٌ حمراء لا تذبل في شعر الصبايا
عندما يحملها العشاق جيلا ً بعد جيل ْ
كلما مرت بنا قبَّرة ٌ سلمتها قافية ً تزرعها في أي وقتٍ
ربما صادفتَها في كوب شاي أو على جيد فتاة ٍ ،(67/267)
ولقد تلحظها في جيبك الأيمن أو في عينك اليسرى
فهلَّا عدت للشرفة كي تستنشق الذكرى على ليل امرئ القيس الطويل ْ
ربما أنت َ لي المرآة أم أنت لي المشكاة َ من دربٍ إلى دربٍ
ومن ليلٍ إلى ليلٍ وهل أنت لي النورُ الذي في آخر الدهليز
أم عين بكتْ لي حين أبكتني الليالي ،
ربما أنت وقود الفنِّ في الدنيا ، الدليلُ الاصطلاحيُّ ،
مغنينا الخرافيُّ ، أم الخلُّ الوفيُّ المستحيل ْ
إنه الوقت الذي تكشف عيناه لنا عن سرِّ معناك الجميلْ
وحده السر الجميلْ
وحده الوقت الجداريُّ الصقيلْ
تحت أوراق الخريف الصفر في الدرب المؤدي
نحو أصفى جدولٍ قبل الأصيل ْ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> زحام
زحام
رقم القصيدة : 65158
-----------------------------------
قلبي يتعلق بالأحلام ويعشق وجه البحرْ
يتفطر مثل تويج الزهرْ
يمشي فوق البحر ِ
ويسقط في ماء النهر ِ
ويعشب مثل الصحراء إذا عاجلها غيمٌ مشتاقْ
قلبي يتساقط منه التفاح على سطح المكتبْ
يتدحرج فوق الأوراق ْ
ويذوب على ضوء المصباحْ
تتشربه الصفحة كالإسفنج ْ
وسكاكين تدعى أقلاماً تملأ وجه الصفحة بالشاماتْ
شامات الشعر على الأطباقْ
وعلى شفة الإبريق المنضود لحفلة شاي بعد العصرْ
تحت السجاد الإيراني هنا بعض الأبياتْ
كشظايا الفنجان الصيني المكسورْ
قلبي يتمطق ُ من طعم الحبِّ الحلو الحامضْ
يتعرقُ في هذا الحمام التركي ويأخذ شكل الأيامْ
مظلوم هذا القلب ومجنون كالأطفالْ
محمولٌ كالزورقْ
يتهادى بين البيرق و البيرقْ
يتخطى كل الحراس ولا يغرق ْ
قلبي يتفتق هل تسمع أصوات الأبوابْ
هل تسمع أصوات السيارات ْ
الناس يمرون على قلبي كمحطة بنزين
ويمرون َ كأسراب النورس ِ أسراباً أسرابْ
منهم من ينسى في قلبي قلباً
من ينسى في قلبي قمراً ،
قنينة طيب ٍ من باريس ، وينسى باريس ، يطوف بقلبي أياماً أعوامْ
ينسى أني من قلبٍ
فيمر على درجي ودفاتر أحزاني من دون كلامْ(67/268)
ويقلب أوراقي فيثير الحبر ، يثير الأقلامْ
قلبي يا صاحْ
مفتوح لجميع الزوارْ
حتى السياحْ
في الليل أنفض قلبي وأكنِّس آثار الأقدامْ
وأرتب كرسياً للقادم في الصبح ِ
القادم من جزر الأحلامْ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> خمس أغان ٍ قيسية
خمس أغان ٍ قيسية
رقم القصيدة : 65159
-----------------------------------
1
مجنون لو ضيعت مكان الكنزْ
أو لو مزقتُ خريطة أحلامي
وحفرتُ لها قبراً في قلب الأوهام ِ
أو لو أحرقتُ أكاليلي
إني مجنونك وحدك يا ليلى
رغم الأشعار ورغم الظلم المجنونْ
إني مجنونك يا ليلى
بين العذال وبين مواويلي
لكن
وأنا مشحون بالألحان ِ
وبالأطيافِ
وبالأفكارْ
ما بين الصخر وما بين النهرين ِ
وفي العتمة ْ
أشعلت ُ لديك قناديلي
2
أخشى من ظلم هواك ولا أخشى حد السيفِ
إني أهواك ولا أخشى نزف الخوفِ
إني أبكي .. أبكي
هلَّا استجوبت مناديلي !
هلَّا تابعت مشاويري
لتري جرحي المسكين على ثوبي
وتري أحلامي تشكوكِ
وتضيئي مشكاتي
وتديني كل أقاويلي
3
آه لو تدرينا
آه لو أدري كم أهواك وكم أشقى .. هل تشقينا ؟!
في الأمس وصلت إلى الشام ِ
ووصلتُ إلى أعماق مجاهيلي
وبعدتُ ، بعدتُ ، بعدتْ
عنكِ
كالأمواج ِ
يرميني النهر إلى البحرِ
يرميني البحر إلى البحر ِ
للشاطئ أو للمجهول المجهولِ
يرميني في عين الشمس ِ
وأعود شهاباً في الليل ِ
موصولا ً بالغيمات ِ
ومحمولا ً بالنور من القدمين إلى الرأس ِ
والليل ينادي لي !
4
رمل الصحراء ينام على كفي
ونخيل الأيام ِ
وكلامي يكسر أقلامي
فأخط على الرمل اسمك بالعيدان ْ
من دجلة للنيل ِ
وأهيم على وجهي بين الطرقات ِ
وأمشي في الأسواقْ
وأقص حياتي للأطفال و للعشاقْ
أهذي
أتعلم فن التمثيل ِ
5
لليل مكان في قلبي
وأسمي الصبح به ليلى !
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> رجل في انتظار الباص العربي
رجل في انتظار الباص العربي
رقم القصيدة : 65160
-----------------------------------
1(67/269)
يحتمي الناس بأوراق الجفافْ
يلمع الإسفلت كالزئبقِ في ليلٍ وحيدْ
ساعتي تحفظُ وجهي بعدَ تحديقي الطويلْ
فوق ظلٍّ بارد يلتحفُ إسمنتَ الرصيفْ
أحسب الوقتَ بخاراً أو قصيدةْ
وهي تبكي تحت زخاتِ المطرْ
ساعتي مبلولةُ العقربِ تزهو بشعارِ الانتصارِ المستحيلْ
4
نُخرج الأغنام و الماعزَ و التبنَ و انسابَ الخيولِ العربيةْ
كم مضى من عمرنا نحملُ نفسَ الأسطواناتِ ونفسَ الأغنيةْ
6
في انتظار الباص كم نحتاج من عمرٍ ونحن الواقفون الحاقدونْ...
ينتهي الرمل الذي في ساعتي
8
ليتنا فينا نمضي
عندما ترسم زورقْ
انتبه قد يغرق الزورقُ في الحبر و تغرقْ
عليك النار حالاً ولكنتُ الآن حراً ولما خفتُ من الجيرانِ أو منكِ
11
صخرةً نصمدُ لا ننفجرُ
قبل أن أقتل نفسي بالدخانْ
13
وهيَ في ظلي بدتْ تنظر يابانية تنوي الحديثْ
رئتي تشرب من عطر النَّدى بعدّ الهطولْ
يهطلُ الغيثُ على عشبِ الزوايا من جديدْ
في انتظار الباص كم نحتاج من عمرٍ ونحن الواقفون الحاقدونْ...
7
ينتهي الرمل الذي في ساعتي
وأنا لازلت أمشي داخلي
8
ليتنا نقرأ في الخبز أغانينا و نمضي
أو نرى في المجد ماضينا و نمضي
ليتنا نعبر ميناءً ونمضي
ليتنا فينا نمضي
9
عندما ترسم زورقْ
لا يكن حبرُك أزرقْ
انتبه قد يغرق الزورقُ في الحبر و تغرقْ
10
لو رميتِ القلبَ بالأحجار لو ترمينني كالطفلِ، كالطفلِ
الفلسطينيِّ في ثورة عز ٍ لو تعاملتُ كجنديٍّ يهوديّ لأطلقتُ
عليك النار حالاً ولكنتُ الآن حراً ولما خفتُ من الجيرانِ أو منكِ
ولا خفتُ من اليوم الذي تلقينني فيه إلى البحرْ
11
كلما يضرب فينا المطرُ
صخرةً نصمدُ لا ننفجرُ
بينما ننتظر الباص الذي
ينتظرُ الباص الذي ينتظرُ...
12
قبل أن أقتل نفسي بالدخانْ
أقذف العلبة من شباكها
13
يستمر الغيم في عزم بكاء أسطوانيّاً حزينْ
وهيَ في ظلي بدتْ تنظر يابانية تنوي الحديثْ
[ واضحٌ في وجهها آثار آلاف السنينْ
رغم ما للزي من لونٍ حديثْ ]
14(67/270)
رئتي تشربت من عطر النَّدى بعدّ الهطولْ
و إلى أنْ يستعيدَ الوقتُ منِّي ما عسى أنْ يستعيدْ
يهطلُ الغيثُ على عشبِ الزوايا من جديدْ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> دراما الحلم الأخير
دراما الحلم الأخير
رقم القصيدة : 65161
-----------------------------------
الإهداء إلى أخي محمد الدرة
ذات ليلٍ بينما تنعكس النار على مرآة عينيَّ
وقد أوقدتها من شدة الخوف من الغدْ
بدأ النوم دبيباً ثم أزبدْ
وتخدَّرتُ إلى أن جاءني طيفُ محمدْ
واقفاً في غيمة خضراء من ظلٍّ بعيدٍ
راح ينمو فيه، عيناه رمت برقاً شفيفاً
وعلى الخدّ المورّدْ
تلعب النسمة في غرّتهِ،
يبكي فتجري فوق كفيه دموعٌ وهو مبلول الرداءْ
قتلوني يا أبي
لم أكن في حظ يوسفْ
لم يكونوا إخوتي كي يرحمونْ
حفروا بئراٍ بقلبي، هذه المرة كانوا أقوياءْ
هذه المرة كان البئر أعمقْ
وأنا لست نبيّاً !
لم يجيئوك بدمٍ كذبٍ
هذه المرة كان الدمُ أصدقْ
قتلوني يا أبي
لمعت نيّتهم في ذهبي
قتلوا السيارة الآتين في وعثائهم كي ينقذونْ
منعوا الرحلة من مصر إلى البئرْ
ومن البئر إلى مصرْ
منعوا عنّي الهواءْ
هذه المرة كانوا أقوياءْ
هذه المرة ليست حيلة، ما اتهموا
الذئبَ ولا قدّوا قميصي وأنا ألعبُ بالرّملِ
لتلقيني أياديهم إلى الجبِّ
ولم يأتوا عشاءً يعصرون الماءَ من أحجارهم عصراً
ومن قمصانهم لم ينفضوا أغنيةً عالقةً من هدبي.
قتلوني يا أبي
عندما ظنوا بأني لن أموتْ
ألأنَّ الأرض لا تحملهم مثلي و حلمي
ليس مفهوماً وقتلي ليس صعباً وأنا أرمي
بجذعي وسط الريح إلى الحقلِ،
أبي روحي لها لمستها في كل شيءٍ
فعلى أشجارهم ظلي على غيمتهم شكلي،
على بصمتهم اسمي، على الخبزِ
وفي رائحة الفلِّ وفي قهوتهم في حرثهم
في نسلهم في كل شيء تركتَ روحي
لهم رائحة الدمِ على كل حساءْ
يا أبي هم ثقبوا غيمتنا هم سرقوا الأعناب من كمّي
وهم من دفشوني عندما كنت أرى في النهر وجهي(67/271)
"ما الذي يبقى له من وجه أمي بعد عشرين خريفا؟"
هم يغارون من السحر الذي فيَّ الذي في وطني
هم من رموني بالسكاكين نهار السبتِ
هم من ذبحوا ماعزتي. يا أبتِ الأيام دارت
ذبحوني هذه المرة عصفوراً بعشٍّ...
لم يكن لي حجر في القلب لم أقذف به طائرهم
لم يترسب حقدهم فيَّ بما يكفي ولم أكتب سوى
اسمي على حائط بيتي
فإذا هم شاهدوني زعموا إني أغني بفلسطين الأغاني
وبأني بلدٌ وحدي وأني وطنٌ يمشي
وأني غيمةُ تمطر ثوراتٍ وحقداً
ألهذا قتلوني ألأني أفهم الأرض التي تحملهم اكثر منهم
ألأني أرد النبع ظُبَيَّاً
لا وحوش الغاب تؤذيني ولا باقي الظباءْ
قتلوني قبل أن تشرح لي عن وطنِ
حبةُ زيتونٍ بفمِّي لم احدد طعمها تحت لساني
لغة لم يبقَ منها غير حرفين وفعلٌ لأغنيها وحيداً
عائداً من بيت خالي في المساءْ
قلت لي: "حافظ على النبعِ الذي
تحمله فيك فيوماً ترتوي منهُ بذورٌ طالما
استسقت وقفرٌ طالما اشتاقَ لأعشابٍ وماءْ"
أيُّ نبعٍ يا أبي فيَّ وأيُّ الاتجاهات التي قلتَ:
"ورثناها عن الأجداد كي نحفظ سرَّ
الأرض، لا يعرفها إلا بنوها البسطاءْ"
لم تجبني حينما قلت: "أفي الوقت مكانٌ
نبدأ الهجرة فينا، كالهلاليين و البدو القدامى"
لم تجبني إنما أغلقت شبَّاك الكلام الحرِّ
في قلبي، أبي أنتَ الذي قلت كثيراً:
"كلما نمشي على الدرب رأينا جسرنا أوضح من قبل"
أبي قل لي لماذا نقفُ الآن إذن؟! لن يقف الدمُ
على أية حال ٍ ، لن نرى الوردَ ينادينا لكي نقطفه ،
لن نعرف الوقتَ إذا لم نسبق الساعة في دورتها.
قل لي لماذا نقف الآن إذن؟! قد قلتَ لي:
"ادرس كلامي جيداً واحفظ مكان القمر الأول
في الشهر ولا تنسَ كلام الله إن شاهدتهم
انظر لعينيهم ترى الخوفَ بهم يعوي"
أبي هل نعرف الظلَّ كما يعرفنا
يبقى دَمِي فيه شريطاً قطنه
يبصرُهُ العميانُ في الليل وقد ناموا
على مصطبة الذكرى لهم ظهرٌ إلى الأرضِ وأنفٌ للسماءْ
يا أبي سلِّم على التينة في الصيف و سلِّم لي على أمي(67/272)
إذا قمت مع الفجر تصلي إنني أشربُ من عينيكَ حلمي
إنني أصعد عطراً في دعاء الأنبياءْ
قتلوني يا أبي
كانت الروح على موعدها...
تسألُ من هذا الذي من يدها...
يأخُذٌها منّي إلى فوقْ ؟!
لفّت الروحُ بجسمي لفَّتينْ
ورأيتُ النورَ يخبو مرتينْ
اكتشفتُ البردَ يغزو جسدي، كتَّفني في يرقةْ
خنقتني قبضة الطوقْ
حلقاتٍ
حلقاتٍ حلقاتٍ
حلقاتٍ
واعتراني يا أبي شوقْ
قبل أن يحملني الضوءُ لأمي قبلة محترقةْ
قتلوني يا أبي
وخيالي وحده يبقى حبيس الظلِّ،
يبقى رهن شاشات الفضائياتِ
و الفوتوغرافيَّات التي تفضحني في كل وقتٍ
لألاقي كلما عدت لها نفس مصيري نفس نفسي
خائفاً أبكي. ظلامٌ ثم نورٌ ثم غيمٌ فأزيزٌ
ثم نورٌ ثم جرحٌ، وجه أمي، فظلامٌ "لن أموت الآنَ"
ثقبٌ داخل القلب ظلامٌ من جديدٍ فظلامٌ فظلامٌ مستمرٌّ
فسكونٌ سرمديٌّ وعراءْ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> مذكرات طفلة فلسطينية
مذكرات طفلة فلسطينية
رقم القصيدة : 65162
-----------------------------------
أنا أحبُّ بابا
أنا أحبُّ ماما
ألعب في قلبي و احفظ الأناشيدْ
أنشودتي الحلوة في البيتْ
"عندك بيتٌ
عندي بيتْ"
عروستي ضاعت مع الحربْ
أحفظُ أسماء النجومْ
أرسم أشكال الغيومْ
هذي الغيوم كالخرافْ
وهذه الغيمة أرنبْ
أتعب قبل النوم أتعبْ
أحب أختي هي لا تتعب مثلي فهي نامتْ عند ربي
أنا أحبُّ أن أنامَ عند ربي و أبي يغضب مني
لو تكلمتُ عن الموتِ وعن أختي سميةْ
يقول لي: "عيبٌ عليكِ إن تكلمتِ بمن ليس هنا"
أختي هنا !
أمي تقول دائماً: "أختكِ في قلبي هنا"
أمي تحبُّنا جميعاً وهي تبكي عندما أطلبُ ألعابَ سميَّةْ
وهي التي تقولُ دائماً لنا: "لا تحرموا الأطفال من ألعابكم!"
ألعابُ أختي لم تزلْ جديدةً، ثيابُها نظيفةٌ معطرةْ
سريرُها بجانبي، أقلامها المبعثرةْ
غرفتنا بيضاءَ من صورتِها المشغولةِ الدورةْ
وصوتها: "عندك بيتٌ
عندي بيتْ"
في كلِّ بيتْ
سمعتُ مرة أبي يقول لي: "الأرض لنا!(67/273)
وهذه القطة يا بنتي لنا!
وذلك السورُ على البيتِ لنا أيضاً فهل
تنسينَ من أنتِ وهل تنسينَ من نحن هنا!"
يقول إنَّ الأرضَ لي لكنه يغضب لو ألعب بالرملِ
ولو احفر أنفاقاً بها
يقول: "ازرعي بها شيئاً مفيداً لفلسطينْ"
سمعته يقول مرةً لأمي: "لا تخافي إنَّ ربي معنا"
سألت أمي بعدها مِمَّ تخافينْ
فجاوبتني: "إنني أخافُ أن يؤذوا سميةْ!"
دعوت ربي أمس أن نبقى بنفس البيتِ
قد ترجع في الليل سميةْ
قلتُ لأمي: "قد تعودْ
إن سكن البيتَ سوانا عندما ترجع قد
تحسبُ أنَّا قدْ تغيرنا و أصبحنا يهودْ
إن لم تجد ألعابها إنْ لم تجد أسماءنا مكتوبةً في العشبِ
أو إنْ لم تجد آثار تسبيحٍ وآثار سجودْ"
ابتسمتْ لي ثمَّ قالت اذهبي و ساعدي
أباك في النقلِ فلما عدت شفتُ الدمعَ
في الغرفة مسكوباً كزيتْ
رأيتُ أمي قبل أن نركب في رحلتنا
تحفر في تينتنا
سمعتُها تقول: "من قلبي إلى روح سميةْ
أترك في البيت لك الروح و أيامي الهنيَّة
إن عدت للبيت فلا تبكي فمشوارٌ قريب و نعودْ"
قلت لأمي "سنعود؟!"
قال أبي: "حتماً فيوماً ستعودْ
يوماً بلا شكٍّ تعودْ!"
أندلسيات
1
جئتُ يوماً فصار شهراً وعاما
كان حرباً فصار شعري سلاما
كنتُ طفلاً تلحَّف الليلَ حتى
قرأ الشعر للنَّدامى وناما
كنتُ مداً، فجئتَ أرضاً، وكنتَ
الشمسَ تحصي وتكشفُ الأياما
كنتَ موالاً...
لا يزال الخليجيُّ يغنيهِ في الحجاز مقاما
في يديكَ المصباحَ ترمي عمودَ النورِ
كالرمحِ إذ رميتَ الظلاما
ما أراك المودع اليوم لكنْ
قد أراني أودعُ الأحلاما
2
نخلةٌ أم مدينةٌ تحمل الحبَّ
وبستانٌ يزرعُ الأقلاما
جئتنا بالزهورِ و النورُ برقٌ
ومددتَ اليدين كأساً مداما
وملأتَ الدواةَ حبراً وصغتَ
الشعرَ لحناً. كما أردنا تماما
ودخلتَ القلوبَ فتحاً مبيناً
فسُقِينا مودةً أعواما
وكشفتَ السماءَ عنَّا غطاءً
فانطلقنا على يديك حماما
3
منذ عام سلَّمتني الأقلاما
بعد عامٍ حمَّلتني الأعلاما
فأضأتَ النيران لي من بلادٍ(67/274)
لبلادٍ كنتَ فيها الإماما
و تقدَّمتني يدٌ في يدٍ
كنت صديقاً وكنتَ درعاً حساما
ولوائي عقدتَهُ بيميني
و قبضتُ المدادَ منك زِماما
كنتُ في الخلف و الأمام أمامي
فلماذا تركتَ خلفي الأماما؟
4
أيُّها الراحل الذي لا يبالي
أين ترسو به الليالي سلاما
حَكِّم الشوقَ إن أردت لذكرانا
كلاماً يردُّ فينا الكلاما
واجمع الأيامَ التي جمعتنا
واحمل الذكرى في يديك وساما
وتوشَّح بكلِّ شعر كتبنا
وتذكَّر مجالساً ومقاما
من خيولِ المساء سرجاً
ومن نور روابينا معطفاً ولثاما
خذ ليالي نجدٍ وغيم عسيرٍ
وعيون الأحساء و الدَّمَّاما
خيمةٌ في ظلالها خَبَّأتنا
وحديثٌ يسكِّن الآلاما
5
يا رحيلَ السواحل استبق ِ حيناً
لبكاء المرجان حينٌ ترامى
هكذا..
هكذا ترجلتَ ليلاً
لترشَّ النَّدى وتطوي الخياما
إنني و الظهران نبكي سوياً
ويداها تمد نبتَ الخزامى
أي أمرٍ رحلتَ عنَّا إليه
شاقكَ النيلُ أم مللتَ الكراما
يا أبا ياسر إلى أينَ تمضي
ولمن يا تُرى تركتَ اليتامى
صدفة
أتيْتيني على غفْلَة ْ
و كنتِ الطفلةَ الطفلة ْ
فكُنْتيني
دخلتِ القلبَ بالصُّدفة ْ
وكانت دمعتي غُرفَة ْ
ستُؤويني
أخذنا الحبَّ بالقوة ْ
أكان الشوقُ يا حُلوة ْ
سَيُنهيني
زرعتِ العشبَ في صدري
أكانَ العمرُ يا عمري
سَيَكْفيني
قتلتيني برمشيكِ
وقد قلتِ بعينيكِ
ستحييني
أشهداً ذُقْتُهُ خمراً
أدمعاً سالَ أم نهراً
من الطينِ
أذقتينيهِ أم ذقنا
أكأسٌ أنتِ أم سكنى
سكنتيني
أعينيكِ لي المرآةْ
سقتني الآهَ و الأوّاهْ
و تسْقيني
أتبقى رحلةَ الطيبِ
بأنفي رحلة الطيبِ
و تُبقيني
تركْتيني على الوردَةْ
لبعدٍ يشتكي بعدَهْ
ويشكوني
يمرُّ الوقتُ من عندي
من الصين إلى الهندِ
إلى الصينِ
من الخيمةِ للخيمةْ
تركتيني على الغيمةْ
تركتيني
إلى أين إلى أينَ
تركتِ القلب و العينَ
بلا لينِ
على دربٍ يعنّينا
سيُبكيك و تمشينا
و يبكيني
شاهدت جرحي واقفاً
في قلبي الشهدُ كم من جرة كسروا
وكم بقلبي رشاً من دمِّها سَكِروا(67/275)
غنَّوا له صوتُهم ريحٌ فما عزفوا
لحناً يدندنُهُ في حُزْنِهِ وترُ
خَطُّوا له، حِبْرهمْ ماءٌ، فما نقشوا
شيئاً ليحفظَهُ في جذْعِهِ شجرُ
ولا أضاؤوا فوانيساً بساحتِهِ
سقوهُ أعذبَ ما يبكي به حجرُ
و قطَّعوا ما تبقَّى من سحابتهِ
و أشعلوا زيتَهُ من بعد أنْ ظهروا
ذاقوا وما ذقتُ إلا مرّ قافيةٍ
تحتَ اللسانِ وفي الفَودينِ تستعرُ
العابرونَ دمي مجْذافهم هدبي
المحرقون أغانيهم و قد عبروا
حِنَّاؤهم من دمي فنٌّ ومن عنبي
كحْلٌ ومن مقلتي يُسقون ما عصروا
على ليالٍ مضتْ من أيِّ نافذة
نظرتُ شوقاً رأيتُ القلب ينكسرُ
فلا وقفتُ على أطلال ذاكرةٍ
إلا تلألأ في أسْمالها أثرُ
ولا مررتُ بها إلا وفاح لها
شوقٌ ورفرفَ في أجْفانها سفرُ
وما نسجْتُ على أستارها لغةً
إلا و ثقَّب في أستارها النظرُ
بكيتُ لم تبقَ من عينيَّ زاويةٌ
إلا لها دمعةٌ في الركن تنتظرُ
ولا سرى بعدهم فكري براحلةٍ
إلا يُظَلِّلُهُ في سيره سهرُ
فإن تكسَّر كوبي كل سوسنةٍ
كوبٌ وكلُّ هوى من بعدهم خطرُ
غداً سأمحو التضاريسَ التي نزلوا
و أدفن الماءَ و البئرَ الذي حفروا
نوارسٌ تركتْ في شاطئي أثراً
لتَمحُهُ موجةٌ أو يُجِلِه مطرُ
و زهرةٌ نَشرتْ في الصيفِ مهجتَها
يأتي عليها شتاءٌ ثم تنتحرُ
و نسمةٌ أخطأت عنوانَ ساقيةٍ
لتلتقي دمعةً في الرمل تنتشرُ
أحلى الفراقِ فراقٌ لستَ تفهمُهُ
كالغيمِ يأتي ظلالاً ثم ينحدرُ
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> أندلسيات
أندلسيات
رقم القصيدة : 65163
-----------------------------------
1
جئتُ يوماً فصار شهراً وعاما
كان حرباً فصار شعري سلاما
كنتُ طفلاً تلحَّف الليلَ حتى
قرأ الشعر للنَّدامى وناما
كنتُ مداً، فجئتَ أرضاً، وكنتَ
الشمسَ تحصي وتكشفُ الأياما
كنتَ موالاً...
لا يزال الخليجيُّ يغنيهِ في الحجاز مقاما
في يديكَ المصباحَ ترمي عمودَ النورِ
كالرمحِ إذ رميتَ الظلاما
ما أراك المودع اليوم لكنْ
قد أراني أودعُ الأحلاما
2(67/276)
نخلةٌ أم مدينةٌ تحمل الحبَّ
وبستانٌ يزرعُ الأقلاما
جئتنا بالزهورِ و النورُ برقٌ
ومددتَ اليدين كأساً مداما
وملأتَ الدواةَ حبراً وصغتَ
الشعرَ لحناً. كما أردنا تماما
ودخلتَ القلوبَ فتحاً مبيناً
فسُقِينا مودةً أعواما
وكشفتَ السماءَ عنَّا غطاءً
فانطلقنا على يديك حماما
3
منذ عام سلَّمتني الأقلاما
بعد عامٍ حمَّلتني الأعلاما
فأضأتَ النيران لي من بلادٍ
لبلادٍ كنتَ فيها الإماما
و تقدَّمتني يدٌ في يدٍ
كنت صديقاً وكنتَ درعاً حساما
ولوائي عقدتَهُ بيميني
و قبضتُ المدادَ منك زِماما
كنتُ في الخلف و الأمام أمامي
فلماذا تركتَ خلفي الأماما؟
4
أيُّها الراحل الذي لا يبالي
أين ترسو به الليالي سلاما
حَكِّم الشوقَ إن أردت لذكرانا
كلاماً يردُّ فينا الكلاما
واجمع الأيامَ التي جمعتنا
واحمل الذكرى في يديك وساما
وتوشَّح بكلِّ شعر كتبنا
وتذكَّر مجالساً ومقاما
من خيولِ المساء سرجاً
ومن نور روابينا معطفاً ولثاما
خذ ليالي نجدٍ وغيم عسيرٍ
وعيون الأحساء و الدَّمَّاما
خيمةٌ في ظلالها خَبَّأتنا
وحديثٌ يسكِّن الآلاما
5
يا رحيلَ السواحل استبق ِ حيناً
لبكاء المرجان حينٌ ترامى
هكذا..
هكذا ترجلتَ ليلاً
لترشَّ النَّدى وتطوي الخياما
إنني و الظهران نبكي سوياً
ويداها تمد نبتَ الخزامى
أي أمرٍ رحلتَ عنَّا إليه
شاقكَ النيلُ أم مللتَ الكراما
يا أبا ياسر إلى أينَ تمضي
ولمن يا تُرى تركتَ اليتامى
شعراء الجزيرة العربية >> زياد آل الشيخ >> صدفة
صدفة
رقم القصيدة : 65164
-----------------------------------
أتيْتيني على غفْلَة ْ
و كنتِ الطفلةَ الطفلة ْ
فكُنْتيني
دخلتِ القلبَ بالصُّدفة ْ
وكانت دمعتي غُرفَة ْ
ستُؤويني
أخذنا الحبَّ بالقوة ْ
أكان الشوقُ يا حُلوة ْ
سَيُنهيني
زرعتِ العشبَ في صدري
أكانَ العمرُ يا عمري
سَيَكْفيني
قتلتيني برمشيكِ
وقد قلتِ بعينيكِ
ستحييني
أشهداً ذُقْتُهُ خمراً
أدمعاً سالَ أم نهراً
من الطينِ(67/277)
أذقتينيهِ أم ذقنا
أكأسٌ أنتِ أم سكنى
سكنتيني
أعينيكِ لي المرآةْ
سقتني الآهَ و الأوّاهْ
و تسْقيني
أتبقى رحلةَ الطيبِ
بأنفي رحلة الطيبِ
و تُبقيني
تركْتيني على الوردَةْ
لبعدٍ يشتكي بعدَهْ
ويشكوني
يمرُّ الوقتُ من عندي
من الصين إلى الهندِ
إلى الصينِ
من الخيمةِ للخيمةْ
تركتيني على الغيمةْ
تركتيني
إلى أين إلى أينَ
تركتِ القلب و العينَ
بلا لينِ
على دربٍ يعنّينا
سيُبكيك و تمشينا
و يبكيني
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد الصالح ( مسافر ) >> في رثاء الشيخ بن باز
في رثاء الشيخ بن باز
رقم القصيدة : 65165
-----------------------------------
كبير أن تكون لنا.. المصابا
لقد متعتنا.. حِججا.. عذابا
ألست ضمير أمتنا أمينا
ترد ضلال من في الغي شابا
كبرت مجاهدا ورعا تقيا
مضيئا في تألقه شهابا
عظيما في تواضعكم.. حليما
بسطت لكل معضلة جوابا
لقد فزَّعت.. كل الناس حبا
فكيف وأنت أزمعت الغيابا
رحلت.. وأمة الإسلام.. تشكو
من الأحداث.. أنكاها.. عذابا
خبت روح الجهاد.. وبئس قوم
أمالوا عن جهادهم.. الركابا
أبا العلماء.. والفقراء.. إنا
نكاد نعيش دنيانا.. اغترابا
حلتت شغافها حبا.. وعفت
- عن الدنيا - خلائقك احتسابا
وألقيت المهابة.. في جلال
على العلما.. فأصبحت المهابا
أرى.. كرسي فتواك.. استجاشت
به العبرات.. ينتظر الإيابا
وطلاب.. تحروك اشتياقا
تعلمهم.. وتلقيهم خطابا
كأنهم إلى لقياك ساروا
لتسمعهم من التشريع بابا
يتاماك.. المنابر مطرقات
ومن عشقوا إلى العلم الكتابا
قلوب المسلمين تزف نعشا
إلى من لا يخيِّب.. من أنابا
لئن رفعوا على الأكتاف نعشا
فقد حملت قلوبهم المصابا
.. وأن له.. إلى الرحمن وفدا
-بإذن الله- لن يخشى الحسابا
إمام العلم والرأي المجلي
لك العتبى ولم تأت العتابا
وألقيت المهابة.. في جلال
على العلما.. فأصبحت المهابا
وداعك.. في النفوس له أوار
وفقدك هز من حزن شبابا
أرى.. كرسي فتواك.. استجاشت
به العبرات.. ينتظر الإيابا(67/278)
ومحراب.. تعطره.. بآي
من الذكر الحكيم.. إليك ثابا
وطلاب.. تحروك اشتياقا
تعلمهم.. وتلقيهم خطابا
أرى الجمع العظيم بكل فج
تسيل جموعهم فيه انصبابا
كأنهم إلى لقياك ساروا
لتسمعهم من التشريع بابا
وتفتيهم.. وتقرئهم دروسا
وتمنحهم من العلم اللبابا
يتاماك.. المنابر مطرقات
ومن عشقوا إلى العلم الكتابا
بذلت لهم.. مواعظ نيرات
أزالت عن بصائرهم حجابا
قلوب المسلمين تزف نعشا
إلى من لا يخيِّب.. من أنابا
أرى "الحرم الشريف" يموج خلقا
كأن هديرهم.. عجبا عجابا
لئن رفعوا على الأكتاف نعشا
فقد حملت قلوبهم المصابا
أليس إمام سنتهم مسجى
وأن رحيله.. قد صار قابا
.. وأن له.. إلى الرحمن وفدا
-بإذن الله- لن يخشى الحسابا
قلوبهم.. إذا يحثون تُربا
لتغبط في محبته.. الترابا
إمام العلم والرأي المجلي
لك العتبى ولم تأت العتابا
وداعا - يا حبيب الناس- إنا
بفقدك.. نسأل الله الثوابا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد الصالح ( مسافر ) >> العشق أبها
العشق أبها
رقم القصيدة : 65166
-----------------------------------
إليكِ ترسل هذا الحب أفئدة
تهوي إليكِ .. وفيها للقاء ظما
مشت إليكِ بأشواق تسيرها
قلوب أنهلها حب بها احتدما
مليحة .. ومعين الغيم أرضعها
هذا الجمال .. فما ملت وما فَطَما
تفتقت أرضها عن سر فتنتها
مرابعاً أتعبت في عشقها أمما
ألقى لها المزن هتان الهوى غدقاً
فكل وادٍ يباهي حسنه القمما
قد تيمته وكانت في دفاتره
قصيدةً تُسْكر الأوراق والقلما
أبياتها لغة ما افتض أحرفها
إلا ليكتب عنه العشقُ ما نظما
ذكرى تلامس طيباً في خمائلها
فاهتز يسأل عنها قلبه الشبما
كانت هنا يا أبا "غسان" مشرقة
عرفت أهلاً بها قد عانقوا الشمما
عرفت أعذب أيام بكم عذبت
" أبو محمد " في أيامها العلما
مجالس عبق الذكرى يخلدها
عبر الزمان ومهما عهدها قدما
أبها لها القلب والذكرى تعلله
والقلب يستعجل الأيام ما كتما
مشى إليها الهوى يُلْقى طواعية
مفاتناً ومغانٍ عانقت عشما(67/279)
أبها لها في مدار السحب منزلةٌ
سريرُ هدهده نفح الصَّبا فَهَما
أبها وهذا ثراءُ الحسن أبدعه
من أبدع الكون أرضاً أخصبت وسما
تلفتت أعين العشاق مبصرة
ما أبهج العين أو أغرى بها القدما
شدوا إليها السُّرى والشوق يحملهم
على ثرى الحسن يلقى الناس مبتسما
أحبابنا الصيف فيها بعض فتنتها
فجئت أعشق فيها الصحو والديما
وأعشق الأرض ناساً طاب معادنهم
فاستنبتوا الأرض هذا العشق والكرما
في كل شبر تقول الأرض أنت هنا
حبيبها فلتكن في سمعها النغما
تشدوا بها ملء سمع الأرض قافية
تنثال طيب شذا تفترُّ بوح لما
أبها هي الشعر لا معنى ولا لغة
تُطَاوِلُ الحُسْنَ ريَّاناً ومُحْتشما
إذا تفيأ منها المرء مورقة
حنت عليه غصون كلما سئما
الصيف بين يديها رجعُ أغنية
وعاشقٌ منذ فجر الدهر ما اغتلما
أحبابنا ومساء الشعر يسألني
ألم تكن بجنون العشق متهما
يا شعر إن كان عشق الأرض تيمني
فإن لي وطناً بالعشق قد خُتِما
إليه كل جنون العشق يسكنني
وما اقترفت به هجراً ولا ندما
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد الصالح ( مسافر ) >> تقولين ماذا؟!
تقولين ماذا؟!
رقم القصيدة : 65167
-----------------------------------
تنادينَ..؟؟
- في لحظة العشقِ -
من أين.. يأتي الخريفْ..؟!
- وأنّى له أن يجيءَ -
لقلب.. يريدُ..
وحبٍّ له أن يشاءْ.
****
تعيدينَ.. بعضَ الحكايا
وتُلْقين في وجه هذا المساء.. همومكِ
لا تعلمينَ..؟!
متى يبتدي.. زمنُ الشعرِ
يعبر في كل نَسغٍ..
ينبّه خوفَ العيون النواعسِ
كالنبض.. يسري بكلّ الدماءْ.
****
وتبدأ.. كلُّ حروف الهوىتستعيد حديثَكِ
تدخل كالنور.. عبرَ النوافذِ
عبر المسافاتِ
تنفذ.. في كلّ شلال ماءْ.
بعينيكِ..؟!
ألقيتُ.. هذا العناءَ
ومَسَّحْتُ.. من تعبي في الرموشِ
ومارستُ فكّ قيودي
فما كان..؟!
غيرُكِ قيدي
وما كان.. غيرك لي كبرياءْ.
تقولينَ:
... ماذا.. تريدُ....؟؟
إذا ما التقى الشوقُ فينا
على موعدٍ.. ليلهُ ساهرُ
تقولين:(67/280)
.... ماذا... سيأتي هواكَ...؟؟
إذا ضمّنا في غدٍ.. سامرُ.
تقولينَ:
.... صمتُكَ.. أغرى شكوكي
بما في ضميرِكِ
ماذا.. يقول الهوى الماكرُ..؟؟
تقولينَ:
.... ماذا..؟؟
وفي أدمعي..
تفيق المآسي..!!
ويصحو بقلبي.. الفتى الآمرُ.
****
أُريدكِ..!!
في أَلق.. الذكرياتِ
هوىً يستبدُّ
ويزهوكِ.. صدرٌ
بما خبأتْه المنى.. عامرُ.
****
أريد.. الشفاهَ
- كما تشتهي -
تُحدِّثُ عن شوقها.. في غرورٍ
وتُعطي.. كما يشتهي الآخرُ
أريدكِ
ثغراً.. شهيَّ المذاقِ
عصيّاً..!!
على رغبة بوحُها في اللقا.. فاجرُ.
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد الصالح ( مسافر ) >> طيبٌ طعمك
طيبٌ طعمك
رقم القصيدة : 65168
-----------------------------------
طيب طعمك - يا سيدة المستضعفين -
طيب .. كيف..؟!
وقد خُلِّقتِ من ماء وطين
الهوى..؟!
أهواك
إني - مثلما تدرين -
في عشقك خير العاشقين
طيب طعمك..؟!
في الصحو.. وفي الغفوة
في الحزن وفي الأفراح
في الألوان
في الظلمة من كل العيون
طيب طعمك في كل السنين
****
كم يقولون:
زمان الناس هذا..!!
زمن تكثر فيه المعجزات
ينتهي العالم.. أميًا
ويأتي العقل في أدنى الصفات
كم يقولون:
ويمحو ما يقولون اختلاف السنوات
فتعالي..!!
هارب من وجع الحاضر
ما أبقى.. ضلال الناس
- في عينيَّ - إلا نكرات
هارب.. من ذكرياتي
فتعالي..!!
أرجعي لي ذكرياتي
بعدما اغتالوا جلال الذكريات
يا جنونًا..!!
- سكن الأعصاب -
لا أملك.. إلا
شفة مقطوعة
ماتت لديها سطوة الأحرف
أحلى القبلات
كيف أدعوك..؟!
إذا الدفء دعاني
هجرتني حكمة العشق
وهذي الليلة..؟!
استبطن فيها الهول أمن الكلمات
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد الصالح ( مسافر ) >> انتفضي ايتها المليحة
انتفضي ايتها المليحة
رقم القصيدة : 65169
-----------------------------------
غداة تستطيع أن تقول
وتبدأ اللحظة من عمرك
والإنسان في عينيك ومضْ
وغداة تستطيع صون العرض
وحفظ ماء الوجهِ
عشق حلوةٍ سمراء تدعى الأرض(67/281)
يقتادك الوجع
يعتادك البطن الذي ما ملَّ من شبعْ
يعتادك.. الشهوة
والوسواس والجشع
****
إن شئت أن تكون:
في الأسماع والبصر
أن تكسر الصليب تقهر التتر
إفتح لعينك المدى
إفتح لقلبك الهدى
حدِّث ولا حرج
إبدأ بمن تعول
إحمل هموم الناس
خاطب العقول
إن شئت أن تكون
****
يا أيها.. المغلول بالذنوب
موجعًا بنفسه
وبالأغراب واليهود
يا واحدًا..!!
له من الأشياء ما يريد
يا قزمًا.. تسكنه المعاصي
طلعُهُ الصديد
أمركَ..؟!
يستفحل في الأحرار
في الإماء
والعبيد
تعيذك الغيلان من شرورها
تطلبك الأجنّةُ المخبَّئات للقصاص
تطلبك..
الحرائر التي ما هتكت ستورهن
قبل هذا اليوم
جئت تغشاهن
- في خدورهن - كالنعاس
عملتَ كل شيء
تركتَ بعض شيء
ملكت.. ما في "العُبِّ" و "الجُراب"
ما تحت ضوء الشمس
ما تحت التراب
شربتَ.. في الحانات
كم ثملتَ في المحراب
****
لا ترفعنَّ.. "أيها"..!!
مصاحفًا.. على الرماح
وأنتمُ.. "يا أيها"..!!
لا تُدخلوا بوابة "الاصطبل"
"هذا".. من يشاءُ؟!
رأسه معتلَّة بالراح
يا حلوة..!!
تُغسلُ في الصباح والمساء بالنواح
إنتفضي..!!
إنتفضي!!
أثوابك الفضفاضة..؟!
اشتهتها.. جوقة الغلمان
عيناكِ..؟!
بحر ليس يملك الهدوء بعد الآن
مناطق الحلال والحرام..؟!
مسَّها الفُساق..
وافضيحة الأعراب..!!
يا لعزة القبيلة..!!
تناسخت في بضعك الرؤوس
والأذناب
مُدَّت الحرابُ.. ساءت المقولةْ
ما لون .. هذا الوقت..؟!
ما نوع.. هذا الموت..؟!
وأي فِريةٍ تجيء في ظلال صمت
****
خذ من فتوة الشجاع للجبانْ
قارب خطاك
للقاء.. شاهدان
بصُرتَ بالذي لم يبصروا به
ومالئتكَ عاهرات "الروم"
- بعدًا - ..!!
أعلنوا - يا سيدي - ما جئت
أو ما قد تجيء.. في بيان
****
انتفضي..!!
يا حلوة العينين
يا طريةً.. كعود بانْ
انتفضي..!!
للحرف سطوة
وللكلام صولجانْ
قولي.. لكل العاشقين
الصمت مات.. منذ الآن
انتفضي..!!
ستنبتين في العيون والأجفان
في لحظة الوداع.. واللقاء(67/282)
تنبتين.. في الوريد والشريان
ما أعظم الحسناء..!!
يوم أن تقول:
كُن.. فكان
انتفضي..!!
انتفضي..!!
فالعشق لا يكون بالكتمان
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> الوطن المفدى
الوطن المفدى
رقم القصيدة : 65170
-----------------------------------
سَقَتِ الغادياتُ أرضاً رعتْني
طاب للظبي في رُباها المقامُ
ورعى اللهُ تربةً أنشأتْني
وعهودُ الصِّبا بها أحلام
خلعتْ حسنَها عليها الليالي
وازدهتْ في ظلالها الأيام
وعليها تناثرتْ دُرَرُ القَطْـ
ـرِ انتشاراً وانحلّ ذاك النِّظام
إن غصناً أطلَّ في القلب غَنّى
فوقه بلبلٌ وناح حَمام
كلّما اهتزّ جانبُ القلبِ للذِّكْـ
ـرى، فللوجدِ فوقه أنغام
ساقني موطني على البعد شوقَ الطْـ
ـطَيْرِ للظلّ قد براه الأُوام
والمهى للمروج والأرضِ للغَيْـ
ـثِ إذا أمحلتْ وماج القَتام
جئتُها والخشوعُ ملءُ ضلوعي
بعد أن عُلّلتْ بها أعوام
فرأتْ من خلال دمعيَ عيني
أثراً للذين في الربع ناموا
طَللٌ قد ضحكنَ فيها الأماني
فَهْي بَضّاء ليس فيها مَلام
فاخلعِ النعلَ إنها تربةٌ بُو
رِكَ في نَبْتها سقاها الغمام
تربةٌ قد تَسلسلَ الماءُ من تَحْـ
ـتِ رُباها تَزينها أعلام
لفحتْها الرياحُ والشمسُ حمرا
ءُ ، كلون الزجاجِ فيها المُدام
خُضرةٌ فوق حمرةٍ قد جلتْها
صُفرةٌ فوقها خفقنَ الخِيام
وعُقودٌ من اللآلئ يَهديـ
ـها لِجِيد الحسانِ بحرٌ طغام
عَلِقتْها نفسي شباباً وبُرْدُ الْـ
ـعَيْشِ غَضٌّ فطاب فيها الغرام
لا أرتْني الحياةُ بعدَكِ أرضاً
موطنَ الدُّرِّ لا علاكَ مقام
تلك أرضُ الجدودِ أرضُ أَوالٍ
حلّ مغناكِ نَضْرةٌ وسلام
شعراء العراق والشام >> نزيه أبو عفش >> الحفّار ..
الحفّار ..
رقم القصيدة : 65171
-----------------------------------
منذ زمانٍ وأنا أحفرُ في هذا الظلام الموحشِ؛
لا أحفرُ بحثاً عن مفاتيحِ قلاعٍ أو كنوزِ مدنٍ ميّتةٍ،
عن رُقُمٍ سوداءَ أو تيجانِ أجدادٍ ملوكٍ(67/283)
حُفظتْ أسمالهم في الطينِ.
لا؛ بل أحفرُ الظلام كي أُبصر أسمائيَ في آخره ..
أحفرُ كي أنظف المرآةَ من غبارها الأبكمِ ..
أحفرُ الغيابَ كي أَرى
شهوةَ نفسي حيّةً في صدأ الغيابْ.
أحفرُ .. لا مستعجلاً ولا ملُولاً،
أجمعُ الغصاتِ في إنائها الأسودِ
والدموعَ في إنائها الكحليَّ
والدماءَ في إنائها الحزينِ ....
ثم أنفخُ الحياة في الحبرِ.
... إذنْ: أحفرُ.
.. .. .. ..
بلْ أحفرُ كي أرى
ما لا يُرى إلا بعينِ القلبْ:
أحفرُ كي أراني.
وهاأنا الآنَ كأنْ لستُ أنا
أعود كالمنجّمِ الأعمى إلى ديار أسلافي:
أَعدُّ الحجرَ الصامتَ والغبارَ/
حيرةَ الأشجار في هوائها الشائخِ..
ما خلّفهُ النسيانُ من تأتأةِ الطيورِ
فوق غُصُنِ الحضارة الدامي..
أَعُدّ ضجرَ الظلالِ فوق نَعشها الأخضرِ
(لا ظِلَّ لها سواها
طافيةً فوق الخرابِ!..).
وأَعُدّ وحشتي.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
سمعتُ أنّةَ الظلام تعلو، فطرقتُ حجرَ الظلامْ.
طرقتُ حتى استيقظتْ عناصرُ الخليقةِ الأولى:
العظامُ استيقظتْ .. ونهضتْ تمشي
الضلوعُ استيقظتْ .. ونهضتْ تمشي
النعاسُ استيقظَ ..
استيقظتِ العناكبُ، الديدانُ، ذرّاتُ الهيولى الأمِّ،
نملُ التعبِ الممجَّدُ ..
استيقظتِ الروحُ ....
وفرّتْ نحلةٌ!!..
شهقتُ:
يا إله الأرض هذي نحلةُ الأجدادِ ما زالت هنا
تُقطِّر الربيعَ من لعابها الأشقرِ؛
والدودُ الشقيٌّ ينسجُ النعاسَ في أبدهِ الداكنِ؛
والنملُ الذي كان هنا منذ قرونٍ لم يزل هنا
يديرُ مغزل الموتِ ويصنع الحياااة/
و "اعبُدْني" .. يقولُ النملُ لي.
"اعبدني" .. تقولُ يَرَقاتُ الضجرِ.
"اعبدني" .. يقولُ السَرْوُ، والهواءُ،
والنحل الشجاعُ (راهبُ الزهوْرِ)
والماءُ البنيُّ .. توأمُ النور الذي يشهقُ تحت النوْرِ
والبذورُ ..
والطحالبُ العمياااءُ ....
كلها تقول لي:
"اعبدني ...".
فأَطرُقُ الظلامَ كي أَعبدَ ما يفيضُ من أنواره على فمي
أهزّ قلبَهُ الشقيَّ(67/284)
باحثاً (في قلبهِ الشقيّ) عن لؤلؤةِ اللطافةِ الأولى.
أهزُّ قلبَهُ .. (لكي أهزّ قلبَهُ)
فتسطعُ الحيرةُ زرقاءَ!...
عِمِي إذنْ أيتها الحيرةُ ..
عِمْ يا جدّيَ الظلامُ ..
يا أرضُ عِمِي ..
وعِمْ أخي الدودُ .. حكيمَ الندمِ الأعمى.
وعِمْ صديقي النحلْ.
وها أنا الآنَ، هنا، كأنني سوايَ:
ندمي عالٍ وبأسي مالحٌ،
وليس لي من فطنةِ الأمواتِ غيرُ أنني
أحرثُ في حديقةِ الأموات:
أستنطِقُ ما يهبُّ من ظلامهم على فمي ..
أقولُ ما قالوه؛
أُحْيي شجنَ الكلامِ في محبرة الكلامِ؛
أرعى غنمي على مروجهم؛
أشربُ من إناءِ موتهم؛
أقول ما قالوهُ: (ما يقوله الظلامُ لي)؛
أستحضرُ الفطنةَ من طلاسم العبارةِ الأولى
وأحني كبرياءَ الوحشِ قدّامَ إلهِ الوحشِ:
"يا اللهُ، يكفي ألماً.
تعبتُ. بل تعبتُ. بل تعبتُ مّما تتعبُ الوحوش منهُ.
تعبتْ مخالبي، ناري، حديدي، شهوتي.
تعبتُ من طيشِ رماحي .. وتعبتُ منكَ.
داوِني إذنْ ..
داوِ حديدي بحليبِ الضعف ..
داوِ حيرتي بحيرةِ الجمااالِْ"
..والأمواتُ، في حديقةِ الأمواتِ، أمواتٌ.
يهذّبون حمتهم بعسلِ الظلامِ،
يبنون بيوتهم من الظلامِ،
يبكونَ ظلاماً ..،
ويربّون إناثَ النحل في أفواههم
لكي يلطّفوا
مذاقَ نومهم.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
"أقولُ ما قالوهُ":
هذا نحلنا الباكي،
وهذا النحلُ شيخُ سعْينا الشقيّ،
هذي الدودةُ الشقراءُ صوتُ نومنا،
وهذه المروجُ .... دمُنا الأخضرُ.
.. والماءُ لهاثُ ضعفِنا.
"أقولُ ما قالوهُ".
أستخدمُ ما كان لهم من حِيلِ العيشِ: الفؤوسَ، الكتبَ،
النيرانَ، زهوَ الفقهاءِ، صلفَ الحديدِ، حبرَ الشعراءِ، شهواتِ
الليلِ، ضعفَ العاشقينَ، الغضبَ، الحياءَ، ملحَ الخوفِ،
طعمَ الألمِ الحامضَ، خوفَ الموتِ .....
ثم الموتُ !!...
والهواءْ
أزرقُ كالنسيانْ.
.. .. .. ..
.. .. .. ..
"أقول ما قالوهُ"..
ثم أنحني عليّ باكياً كأني حيرةُ الموتى ..
كأني روحُهم تنهضُ في شجاعةِ النحلِ وحكمةِ النمااالِ/(67/285)
"ما الذي جئتُ لكي أفعلهُ؟ .. -أقولُ هامساً لي.
ما الذي أرغبُ في رؤيتهِ غيري؟ .. وما الذي؟ ...".
- جئتُ أصلّي لأله الضعفِ ..
جئتُ أعبد الجمالَ صامتاً.
..وهكذا ينفتحُ الظلامُ لي.
أنامُ كالميْتِ إلى جوارهم .. فأبصرُ النجومْ
أبصرهم فيها
أبصرُ صوتَ موتِهم
أشمُّ ملحَ الخوفِ في هوائهم (خوفي ...)
أشمّ طعم الصلواتِ، الندمَ، الغفرانَ ..
والضعفَ الذي صيّرهم آلهةً:
أرى الجمالَْ.
شعراء العراق والشام >> نزيه أبو عفش >> خجل الصّحوُ
خجل الصّحوُ
رقم القصيدة : 65172
-----------------------------------
خجل الصّحوُ فللطلّ انهمارْ
آنَ خبّأتِ بعينيكِ البحارْ
طاب للصيف وقد أخجلتِهِ
هربٌ منكِ، وأغواهُ الفرار
ليت لي "تمّوزُ"، كي أسفحَهُ
فوق عينيكِ تضاعيفَ اخضرار
جُزُراً خلف شبابيك المدى
تكنز الدفءَ، فلِلدفءِ مزار
بحثتْ أغنيةٌ عن أصلها
عند عينيكِ فأعماها الدُّوار
لهفةٌ للمنتهى تحملني
والمشاويرُ بعينيكِ انتحار
موعدي اليومَ مع الصيف فلا
تسألي عني إذا هُدبكِ غار
كبرياءُ الريح في ملعبها
تتحدّى رفّةَ الطيب المثار
مَخدعا "تشرين" يا لي منهما
ضَيّقا الدنيا على الصيف فحار
المدى ارتاع وأعيا كبرَهُ
بلبلٌ حام بعينيكِ وطار
ترك الغيمَ على أعتابهِ
كُوَماً تحكي أساطيرَ احتضار
لا تقولي: أين أبحرتَ، أما
رجعةٌ يهفو لمغناها المغار؟
همُّكَ الوهجُ بأعماقي، ولم
تندملْ بعدُ جراحاتُ الصّغار
أنتِ أطفاتِ القناديلَ، فهل
يعتبُ الضوءُ إذا العاصفُ ثار؟
سيُجَنّ الصيفُ لو أنكرتُهُ
وتخيّرتُ بعينيكِ المدار
اغْرُبي عني، ولا تضطربي
مُشتهى قلبيَ أن يبقى بوار
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> الغصن الذاوي
الغصن الذاوي
رقم القصيدة : 65173
-----------------------------------
لَهْفي على غُصْنٍ ذوى قَهْرا
أودى ولمّا يُنبِتِ الزَْهّرا
غُصْنٍ نضيرٍ كان يبعث من
طيبِ الروائحِ حوله نَشْرا
كُنّا نُؤمِّل أنْ يمدَّ لهُ(67/286)
فَرْعاً فنرفع فوقه وَكْرا
ويُرى نضارتُه إذا انبثقتْ
أوراقُه وبدتْ لنا خُضْرا
فأتى عليه الدهرُ في قِصَرٍ
وقضى على آمالنا قَسْرا
يا دهرُ ويحَكَ كم تُبيد ولا
يشفيكَ ما تجتزّه قهرا
كم روضةٍ غَنّاءَ مُورقةٍ
أسدلتَ دون نعيمها سِترا
وطويتَ غُصناً كان منبثقاً
وعريتَ عُوداً كان مُخْضَرّا
يا دهرُ في جُنْح الدجى دُرَرٌ
منثورُها آياتُكَ الكبرى
يكفيكَ لو أحصيتَها عدداً
البغضُ من حبّاتها الصُّغرى
والحالُ يقضي أن تكونَ بها
في غبطةٍ لا تُضمر الشَّرّا
واهاً فما يدعوكَ تأخذ كُلْ
ـلَ خَريدةٍ من أرضنا قهرا
أتراكَ إنْ سألتْكَ والهةٌ
عمّا بدا تُبدي لها عُذْرا
غصبتْ يدُ الأيامِ لؤلؤةً
كنّا نُؤمّلها لنا ذُخرا
إن التي كانت لنا سَكَناً
يا نفسُ فاضت روحُها حَسْرى
أودى بها الدهرُ الخؤونُ وَلَمْـ
ـمَا تقضِ من عهد الصِّبا زَهْرا
عاشت على مضضِ الحياةِ ولو
بقيتْ لما عرفوا لها قَدْرا
ربّي قضيتَ بما قضيتَ فهل
ألهمتَ قلباً حَبَّها صبرا
يا حبُّ كنتَ إذا لجأتَ بنا
تحنو عليكَ قلوبُنا شُكْرا
لو غاب شخصُك َعن نواظرنا
يوماً سكبنا الدمعَ مُحْمَرّا
طابت لنا بوجودكَ الذكرى
واليومَ أندبُ نفسَكَ الحَرّى
كنّا كغُصنَيْ بانةٍ حملتْ
من كلّ لونٍ زاهرٍ زَهْرا
والعيشُ في روض المنى رَغِدٌ
في ظلّ سَرْحٍ ينثر الدُّرّا
كنّا زماناً لا يُكاتمنا
أملٌ لأغراض الهوى سِرّا
ما زالتِ الأيامُ تُنذرنا
والنفسُ تحسب عُرْفَها نُكْرا
والشُّهْبُ في الظلماء ترصدنا
وتَعُدّنا ونَعُدّها دهرا
حتى سكنَّ بنا على جدَثٍ
خَطّتْ عليه يدُ الردى سَطْرا
للنفس ساعاتٌ تُسَرُّ بها
فتخال أنّ خلودَها يُشْرى
لكنّها، والحقَّ قد جهلتْ،
في القبر تلقى الراحةَ الكبرى
لا أنسَ نظرتَكِ التي بعثتْ
في القلب من آلامها جَمْرا
أَأُخَيَّ قد أزف الرحيلُ فهلْ
تبكي لفقدكَ أختَكَ الصُّغْرى
في ذِمّة الأيّامِ لؤلؤةٌ
مكنونةٌ أودعتُها القبرا
ويحَ الجُسومِ الغُرِّ إنْ نزلتْ(67/287)
بعد الأحبّةِ منزلاً قَفْرا
يا ساكنَ الأجداثِ هل نبأٌ
يجلو حقيقةَ أمرنا جهرا
حَدِّثْ بسرِّ الموتِ أنفسَنا
إن كنتَ مِمّنُ يُدرك السِّرّا
يا حبُّ! خَبِّرْنا اليقينَ بأنْـ
ـنا سوف نحيا نشأةً أُخْرى
والجسمُ إنْ زالت معالمُهُ
فالروحُ تبقى بعده دهرا
تبقى تحوم كطائرٍ غَردٍ
حتى تُقيمَ لنفسها وَكْرا
عُودي إذن بالحقِّ راضيةً
مَرْضيّةً يُسِّرْتِ لليُسْرى
وتَبَوَّئِي عرشاً حَباكِ بهِ
ربٌّ سما فوق النُّهى قَدْرا
طوبى لها روحاً رأتْ كَدَراً
في عالمٍ يعثو بنا غدرا
فمضتْ من الأوصاب سالمةً
تشدو بنعمة ربّها ذِكْرا
يا ليلُ! لا تَمننْ عليَّ يداً
يا شمسُ! لا تُفشي لنا سِرّا
إن الحِمامَ جلاءُ غامضةٍ
لا تبلغانِ لكُنْهها فِكْرا
غمرَ الإلهُ بفيض رحمتهِ
لحداً حواكِ وعَظَّمَ الأَجْرا
إنْ غَيّبتْكِ صحائفٌ فلقد
خَلّدتِ ما يُحيي به ذِكْرا
سَقْياً لقبرٍ قد نزلتِ بهِ
وسقى ثراكِ سحائبٌ تَتْرى
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> أرض الشهداء
أرض الشهداء
رقم القصيدة : 65174
-----------------------------------
يا فلسطينُ وما كنت سوى
بيعةَ الأرضِ
على كفِّ السماءِ
اشْهَدِي.. أنّ بياني قد روى
فيكِ ما يُرضي
قلوبَ الشهداءِ
هذه التربةٌ.. مُذ غنّى بها أهلُ الحداءِ
لم يُطهّرها من الرجس سوى تلك الدماءِ
كم زكا المسجدُ من أعرافهم، بعد الفناءِ
كم بكى الغيثُ على أجداثهم، وَسْط العراء
كم ربيعٍ مرّ.. لم يَعرُج عليهم بهناءِ
فاستمرّ العُود عُوداً ما به أدنى رُواء
وشتاءٍ.. طال حتى مُلَّ من فَرْط البلاءِ
وتمادى الظلمُ فيها لغُزاةٍ أدعياء
فكأنّ الليلَ شيءٌ ما له معنى انتهاءِ
ثم.. جاء الفجرُ يسعى بتباشير الضياء
فإذا البعثُ.. له ألفُ لسانٍ في الفضاءِ
غَنّتِ البيدُ بها - ثانيةً - لحنَ السماء
هذه أرضُكِ يا دعدُ ، وأرضُ الشهداءِ!
شعراء العراق والشام >> نزيه أبو عفش >> ندم الله
ندم الله
رقم القصيدة : 65175(67/288)
-----------------------------------
أغمضْ عينيك... ؛ القصيدةُ مرئيَّةْ:
روحُ الأرضِ الحكيمةِ التي تستيقظُ مع كلِّ طعنةِ فأسٍ في الترابْ.
أعشابٌ كريمةٌ تنقشُ على الهواءِ سيرةَ عدمٍ كونيٍّ
*
أزلٌّ يتنفَّس.
دمٌ أخضرْ.
جمالٌ أوجعُ من الذَّبحْ: (أُنظر إلى الوردةْ).
أغمضْ عينيكْ:
كلُّها تقول: ما فعلتُهُ حسنٌ وكريمْ...
الجمالُ أخلدُ من العقلْ.
امْشِ على مهلْ...
***
أرى الشبهَ ما بين
ما بين حبَّة قمحٍ ومسيحْ.
*
ما نطقتْ به الآلهةُ
: الحياةُ صنيعةُ ضجرِ الله.
امْشِ على مهلْ...
كلُّ ما هو حيٌّ وجميل... وريثُ موتى.
إنما يخرجُ من رحمِ موتْ:
يحيَوْن على هدايا موتِهم.
الحياةُ طفلٌ أبدي... عمرُه آلافُ القرونِ وملياراتُ الموتى.
: لا تَقْسُ عليها
الأرضُ وحدها... رحمٌ لا يشيخْ.
أتنصَّتُ إلى الجَلَبةِ السرِّيةِ للكونْ:
أعشابٌ تتنفسْ...
حلازين تشهقُ في خلواتِ حبّ...
فراشاتٌ، بكاملِ قمصانِها، تستحمُّ في جداولِ نورْ.
صوتُ كريستالٍ يضحكْ...
***
الحياةُ... معجزةُ دمْ.
"الصُدْفة":
لماذا إذنْ يصرُّ الإنسانُ على اعتبارِ نفسهِ المخلوقَ الوحيدَ الذي انفردَ باحتكارِ الفضائلِ والدياناتِ وأدواتِ صناعةِ القوةْ؟!...
: القوةُ زبدٌ أسودْ.
***
(الديدانُ لها عقائدها أيضاًُ)
: سعي إلى فطرةِ الحياةْ.
القوةُ مذكَّرةْ. السلطةُ مذكَّرةْ. الدياناتُ مذكَّرةْ. السلاحُ مذكَّرْ!...
***
صورةُ جنديٍّ ميْت... مطروحٍ على حافةِ خندقْ.
"رحماكِ ياأمِّي!"؟....
الله... ابنُ ضعفِ الإنسانْ.
موتٌ فوقَ موتْ...
الربيعُ لهاثُ موتى...
***
شجرة، عصفور، شاعر، جنديٌّ، سلحفاة، طفل، وردة، زيز، امرأة، تلميذ، عاشقة، الخ، الخ...
***
لجعلتُ كلَّ شيء مختلفاً.
منذُ ملايينِ السنين(67/289)
أبداً لم يسبقْ لي أن رأيتُ معزاةً أو بقرةً أو دودةَ ربيعٍ تحملُ مسدساً، وترفعُ مشنقةً، وتبتكرُ قانوناً لإعدامِ من يكتشفُ أن لونَ السمواتِ أزرق، وأن حصَّةَ الحياةِ كافيةٌ لمن يريدُ أن يقول: "شكراً" للحياةْ.
أكثرُ الكائناتِ سذاجةً على الأرضْ:
ربما لأنه لا يعترفُ بفضيلةِ السذاجةْ.
ما أعجبَها الأرض...
أحياناً: أبشعُ مزرعةٍ لإنتاجِ الموتْ!...
احذروا...
***
دائماً هي هكذا... : عذراء
***
أنصِتوا إلى الألوانْ...
تلك رسائلُهم:
***
: ربما نحنُ أحلامُ موتانا.
ابكوا دونما ضجيج.
*
... ... ... ... ... ...
كلُّ زهرةٍ صغيرةٍ تحتَها قلبٌ نائم.
: كم مليون ألفِ قلبٍ تلزمُ لصناعةِ حقلْ؟...
لزمتْ لصناعةِ كوكبْ؟!...
الحياةُ كريمةْ
يا إلهي... كم نحنُ أثرياءْ!...
كلَّ ما لا يساوي شيئاً...
لم نفعلْ شيئاً. لم نصنعْ حياةً:
***
جاءتْ من قلوبٍ وندمٍ وأحلامْ.
: السماءُ تحتَ أقدامِنا.
يؤنِّبون القصيدةَ على ضعفِها!...
***
أنتم ندمُ الله.
أيار 2000
هل اتَّسعَ له الوقتُ ليقول:
"رحماكِ ياأمِّي!"؟....
***
الله... ابنُ ضعفِ الإنسانْ.
لماذا إذن يدجِّجون خصرَهُ بكلِّ هذه الخناجرْ!...
موتٌ فوقَ موتْ...
أمواتٌ يواسون أمواتاً!!...
الربيعُ لهاثُ موتى...
الربيعُ عزاءٌ أخضرْ.
***
في كلِّ ثانيةْ... عشرةُ آلافِ شهيدْ:
شجرة، عصفور، شاعر، جنديٌّ، سلحفاة، طفل، وردة، زيز، امرأة، تلميذ، عاشقة، الخ، الخ...
!! لا أحد يقولٌ للحياة: "عفواً".
***
لو كنتُ الله
لجعلتُ كلَّ شيء مختلفاً.
***
منذُ ملايينِ السنين
وأنا أتجوَّلُ في هذهِ الحظيرةِ الدامية... ؛
أبداً لم يسبقْ لي أن رأيتُ معزاةً أو بقرةً أو دودةَ ربيعٍ تحملُ مسدساً، وترفعُ مشنقةً، وتبتكرُ قانوناً لإعدامِ من يكتشفُ أن لونَ السمواتِ أزرق، وأن حصَّةَ الحياةِ كافيةٌ لمن يريدُ أن يقول: "شكراً" للحياةْ.
***
أكثرُ الكائناتِ سذاجةً على الأرضْ:
الإنسان.(67/290)
ربما لأنه لا يعترفُ بفضيلةِ السذاجةْ.
***
ما أعجبَها الأرض...
أجملُ مقبرةٍ لإنتاجِ الحياةْ...
أحياناً: أبشعُ مزرعةٍ لإنتاجِ الموتْ!...
***
احذروا...
: الأرضُ لها روح.
***
الأرضُ أُمُّك... ؛ ادخُلْ في جوفِها.
دائماً هي هكذا... : عذراء
عذراء بلا حزامِ عفَّةْ.
***
أنصِتوا إلى رائحةِ الحَبَقْ...
أنصِتوا إلى الألوانْ...
أنصِتوا إلى وشوشةِ الأعشابْ...
تلك رسائلُهم:
الأجدادُ يتوجَّعون من الندمْ.
***
كيف لنا أن نعرفَ أيَّنا حقيقةُ الآخر؟!...
: ربما نحنُ أحلامُ موتانا.
***
ابكوا دونما ضجيج.
حتى الأعشابُ تعرفُ أن تبكي.
*
: انحنوا لدموعِ الأعشاب.
... ... ... ... ... ...
: انحنوا... الأرضُ خزانةُ موتى:
كلُّ زهرةٍ صغيرةٍ تحتَها قلبٌ نائم.
: كم مليون قلبٍ تلزمُ لصناعةِ طوقِ بنفسجْ؟...
: كم مليون ألفِ قلبٍ تلزمُ لصناعةِ حقلْ؟...
: كم مليون مليون ألفِ قلب
لزمتْ لصناعةِ كوكبْ؟!...
***
الحياةُ كريمةْ
تملأ قلوبَنا بالرِّضى... وأحضانَنا بالأزهارْ.
يا إلهي... كم نحنُ أثرياءْ!...
يكفي أن نملكَ كلَّ هذا...
كلَّ ما لا يساوي شيئاً...
***
لم نفعلْ شيئاً. لم نصنعْ حياةً:
الحياةُ يرقةُ الماءِ الأزليّ.
***
صُنِعْنا من نطفةِ موتْ
جاءتْ من قلوبٍ وندمٍ وأحلامْ.
لم تُرسَم صورتُنا فوقْ...
: السماءُ تحتَ أقدامِنا.
***
يؤنِّبون القصيدةَ على ضعفِها!...
الحبُّ... على ماذا يؤنَّبْ؟!...
***
أيُّها الناس...
أنتم ندمُ الله.
*** *** ***
أيار 2000
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> يد بيضاء
يد بيضاء
رقم القصيدة : 65176
-----------------------------------
(1)
بدا من أفقه البدرُ
يُسامر جُلاّسَهْ
على مهلِ
على مهلِ
فحرّكَ جفنَه الزهرُ
وصَعّدَ أنفاسَهْ
من الكللِ
إلى القُبَلِ
نفض البدرُ على الغُصْـ
ـنِ الذي حيّاه.. نُورَهْ
جاعلاً من أصغر الأَوْ
راقِ في الحُسن نََظيره
مُلْقِياً للزهر دُرّاً
كلّما ألقى عبيره(67/291)
في رياضٍ نمنمَ اللَّيْـ
ـلُ حوالَيْها سُتُوره
كلّما اهتزّتْ مَعَ الما
ءِ حواشيها المنيره
رقصتْ بين يَدَيْ دا
ئِرَةٍ أُخرى صغيره
وزكا في الليل عَزْفٌ
علّمَ الطيرَ صفيره
كاد يُنسي كلَّ شيءٍ
قلبَه إلاّ سُروره
فمضى يهتف بالحُسْـ
ـنِ ، ويستدعي سميره
صَيْدَحِيٌّ وَدَّ لو شا
طَرَهُ البدرُ شُعوره
من رأى في راحة الأَوْ
راقِ كالطفل سَريره
خافياً يحسبه الشا
عِرُ في الليل ضميره
(2)
رأتْه وَسْطَ دنياهُ
على الغصن الرَّطْبِ
يُمنيِّها
بأنغامهْ
فلمّا قاربتْ فاهُ
طفتْ قُبلةُ الحبِّ
على فيها
لإكرامهْ
لمح القُمْريُّ خَوْداً
كتم الليلُ سُراها
وأبي الحسنُ بأن يَطْـ
ـويَ أذيالَ صِباها
يفخر العشبُ على الزَّهْـ
ـرِ إذا مَسَّ خُطاها
ويفوح الماءُ كالمِسْـ
ـكِ إذا قبّلَ فاها
جمدتْ - لمّا التقتْ عَيْـ
ـناهما - حيث رآها
إنّه يلوي لها الجِيْـ
ـدَ فترعاه انتباها
"ليت شعري ما الذي تَهْـ
ـمِسُ سِرّاً شفتاها؟
هل رأتْني وَسْطَ دنيا
يَ مُطِلاً من ذُراها
أبداً أبتكر النَّغْـ
ـمَة َحُبّاً في صداها؟"
هيَ تصغي لكَ يا قُمْـ
ـرِيُّ فاصدحْ بهواها!
وانْشُدِ الليلَ لماذا
سُمِّيَ البدرُ أخاها
سيلوذ الوردُ بالصَّمْـ
ـتِ.. وتحكي وجنتاها
(3)
شدا القُمْرِيُّ بالحبِّ
فهل بثَّ أشجاني
بتجويدهْ
على بانِهْ
فقد وَقّع من قلبي
على وترٍ ثانِ
بتغريدهْ
وألحانهْ
وشدا القُمْريُّ بالحُبْـ
ـبِ كما شاءت وشاءَ
ناعماً يبعث مُوسِيـ
ـقاهُ في النفس هناء
مُوقِظاً في طَرْفها الحا
لِمِ أشباحاً وِضاء
فكأنّ الأرضَ عطشى
صادفت في الشدوِ ماء
واستحالت أنجمُ اللَّيْـ
ـلِ جميعاً شُعَراء
كلُّها تخفق بالحُبْـ
ـبِ ، وتهتزّ غِناء
فأصاخت وَهْي لا تَأْ
لُو بعينيها احتفاء
في يد الظلماءِ حتى
نَشَرَ الصبحُ لواء
صوتُه يغمرها بالْـ
ـلَحْنِ كالماء صفاء
تارةً يملأ أُذْنَيْـ
ـها وطَوْراً يتناءى
ويداها فوق خَدَّيْـ
ـنِ ، قد احمَرّا حياء
تشهد الظلمةَ نُوراً(67/292)
وترى الحبَّ رجاء
(4)
أفاق الفجرُ من حُلْمِهْ
فمن علَّم الشادي
يُباكرُهُ
يُناديهِ
بأن النهرَ من نَظْمِهْ
وفي شطرَيِ الوادي
أزاهرُهُ
قوافيهِ
وقف الفجرُ على الوا
دِي مُطِلاً من هِضابِهْ
كأميرٍ عبقريٍّ
زانه حُسْنُ شبابه
فاستفاد الزهرُ من غُرْ
ـرَتهِ لونَ خِضابه
وكأنّ الفَنَنَ المَيْـ
ـيَادَ نشوانُ لما به
فمشتْ... داعيةً للزْ
ـزَهْرِ بالسُّقْيا وعُودِه
وفمٌ حولهما لا
يتواني في نشيده
في سرورٍ وابتهاجٍ
ذَكَّرا المرءَ بعِيده
تارةً من وَسَطِ الغا
بِ ، وأُخْرى في حُدوده
ريثما تأتي إلى قَصَـ
ـرِ أبيها في بُنوده
فترى في رَدهْة القَصْـ
ـرِ أميراً في قُيوده
سابحاً في دمه مِنْ
أثرِ الجرحِ بجِيده
حاسرَ الرأسِ يجرّ السْـ
ـسّاقَ جَرّاً في حديده
أسروه بعد أن فَجْـ
ـجَعَ في خير جنوده
فإذا مرّوا به.. أَلْـ
ـقَتْ على دامي جُهوده
نظرةً تَنزل كالطْـ
ـطَلِّ على قلب عَميده
(6)
تملّكَ حبُّه قلبي
ففوق الدمعِِ جفني
ومن سِلْكِهْ
على دُرِّ
*
وما ينفعه قُربي
إذا لم يُمَكِّنّي
على فكّهْ
من الأسرِ
وأحبّتْ "طارقاً" بِلْـ
ـقِيسُ من أَوّلِ نَظْرَهْ
فَهْيَ من شُرفتها تَرْ
قُبُ في البُرْج مَقَرّه
وَهْي في خلوتها تُحْـ
ـيِي مع الأنجم ذِكْره
كلّما ناجت أخاها
غمرَ الإشفاقُ صدره
وتوارى خلفَ رقْرا
قٍ؛ من الغيمِ بحَسْره
كعذارى الديرِ لا يَمْـ
ـلِكْنَ دفعاً لمضرّه
كيف تُفضي بهواها
إنها تخشى المَعَرّه
"أيّها القَسُّ الذي لم
ينسَ في الآحاد بِرّه
النواقيسُ تُدوّي
والترانيمُ مَسَرّه
وملاكي .. في صلاةٍ
تملأ العينين عَبْره
ليتها تبلغ مَنْ شا
طَرَهُ قلبيَ أَسره
أفلا تدعوه أنْ يَرْ
فَعَ (للعذراء) "شُكْره"
(7)
قضى في الأَسْر أياماً
كأنّ اليومَ شهرُ
من الطولِ
بظلماءِ
ولا يقتات إلاّ ما
يُموّنُهُ الأَسْرُ
مِنَ الفولِ
مع الماءِ
ويمرّ اليومُ تلوَ الْـ
ـيَوْمِ رَهْناً بشَكاتِهْ
هي في فردوسها تَجْـ
ـني بخوفٍ ثمراته(67/293)
والفتى عن عالم الفِرْ
دَوْسِ مشغولٌ بذاته
يبزغ النورُ عليهِ
سارحاً في ظُلُماته
يائساً في غمرات السْـ
ـسِجنِ حتّى من نَجاته
فإذا اشتدّ عليه الضْـ
ـضَغْطُ من جَوْر عُداته
عاذ بالفُرْقان يَسْتَفْـ
ـتِحُ في لَمّ شَتاته
قالتِ الغادةُ: "ما أَمْـ
ـعَنَ قومي في أَذاته!
آهِ! كم حاولتُمُ أَنْ
تفتنوه في صلاته
هل رأيتُم نورَ ما يُضْـ
ـمِرُهُ في نَظراته؟
إنه يؤمن بالحُبْـ
ـبِ ، ولكنْ في صفاته
فدعُوه لحياتي
ودعُوني لحياته"
(8)
سلوا عن مهجتي خَبَرَهْ
فِلمْ يختصُّ دوني
بإحساسهْ
وآلامِهْ
دعوني أقتفي أثرَهْ
وإلاّ أَسْعِدوني
بأنفاسِهْ
وأحلامِهْ
بَدّدتْ محكمةُ التَّفْـ
ـتِيشِ آمالَ الحزينَهْ
ليس يُرضيهم سوى أَنْ
يُنكرَ المسلمُ دينه
وأبى طارقُ أَْن يُلْـ
ـبِسَ بالشكّ يقينه
أإذا لاح صليبٌ
مرّغَ الجبهةَ دونه؟
هو لن يُشركَ بالْـ
ـلَهِ ولو ذاق مَنونه
وقضاها ليلةً لا
يطرق النومُ جُفونه
في اجتلاء البدرِ حتى
كاد ألاَّ يَستبينه
شاخصاً.. في ومضات الْـ
ـبَرْقِ يجتاز سِنينه
سَنَةٌ يبسم منها
سَنةٌ تُندي جَبينه
إنه يذكرها الآ
نَ ، ولا ينسى فُتونه
عندما شارف قُرْصُ الْـ
ـبَدْر أسوارَ المدينه
كيف ناجاه من الخَنْـ
ـدَقِ طيفٌ بسَكينه
(9)
تَخلّلَ سجنَه نورُ
أخيطُ الفجرِ ذلكْ
على الأفقِ
كإيمانِهْ
وحدّقَ وَهْو مذعورُ
ووجهُ الليلِ حالكْ
إلى الشرقِ
بإنسانِهْ
يا له صوتاً رقيقاً
ذاب في أُذْنَيْه طَلاّ
قبل أن يدهمَه الفَجْـ
ـرُ ، فلا يملك حَلاّ
إنه يدعوه أن يَلْـ
ـتَقِطَ الحبلَ مُطِلاّ
فإذا أوثقه مِنْ
نفسه رَبْطاً تَدلّى
ولوى طارقُ بالحَبْـ
ـلِ على الكفِّ وتَلاّ
فرآه مُحكَمَ الشدْ
دِ ، فسَمّى واستقلاّ
كلّما أمسكَ جُزءاً
منه عن جزءٍ تَخلّى
هالهُ البعدُ فغضّ الطْـ
ـطَرْفَ خوفاً أن يَزِلاّ
وتَقرّى حائماً بالْـ
ـلَمْس للوطء مَحَلاّ
ريثما أثبتَ خُفّيْـ
ـهِ على الأرض وحَلاّ
ثمّ ألقى طرفَه حَيْـ
ـثُ الدجى أعمقُ ظِلاّ(67/294)
فإذا طيفُ فتاةٍ
تبهر العينين دلاَّ
(10)
ظفرتُ بمُنْيَتي لمّا
رمى بالحبل جَنْبا
على حَيْرَهْ
وحاذاني
فسمّى لي بما سمّى
وفاض القلب حُبّا
مع النظرَهْ
إلى الثاني
ودنا منها بوجهٍ
باسمٍ.. يُخفي ذهولَهْ
شاعراً في القلب مَعنًى
عاجزاً عن أنْ يقوله
فرآها في لباسٍ
قَلّدَ الطاووسُ طوله
آيةَ الطهرِ إذا جَرْ
ـرَتْ على الأرض ذُيوله
والتقتْ بالنظرة الأُخْـ
ـرَى فلم تُخْطئ مُيوله
ذكّرتْهُ ثانياً في الطْـ
ـطِيب أحلامَ الطفوله
ورأتْ فيه فتىً مَهْـ
ـهَدَ للمجد سَبيله
تتمنّى الغِيدُ لو تَظْـ
ـفَرُ منه بوسيله
اصبِري! أُلهِمتِ بِلْقيْـ
ـسُ من الصبر جَميله
لا يدوم الوصلُ هذا
غيرَ ساعاتٍ قليله
فلسانُ الفجرِ في الشَّرْ
قِ، يُمنّيكَ البطوله
كاد أن يطغى على اللَّيْـ
ـلِ سَناه فيُزيله
(11)
حياتي فيضُ كفّيكِ
فلا أدري بماذا
أجازيكِ
أفيديني
فؤداي بين عِطْفيكِ
وحسبي بعضُ هذا
بناديكِ
إلى حينِ
قال: "سُبحانَ الذي زَكْـ
ـكَى وجودي بحنانِكْ
بعد أن ذقتُ الأمَرَّيْـ
ـنِ ، فلم أحفل بذانك
ليت شعري إنّ من كا
نتْ على رفعة شانك
كيف تُنسَى يدُها البَيْـ
ـضاءُ.. ملأى بجُمانك
فاسمحي بلقيسُ! أنْ أَلْـ
ـثِمَ أطرافَ بَنانك"
بقيتْ بعدكَ - يا طا
رِقُ - حيرى في مكانك
هل سألتَ الأُفْقَ عنها
إذ توارت عن عِيانك
كلّما أبعدتَ عنها اضْـ
ـطَرَبتْ مثلَ عِنانك
إنّها تذكر بالحُسْـ
ـنَى على دُرِّ بيانك
قُبْلةً أودعتَ فيها
شاكراً كلَّ امتنانك
واستفاض الصبحُ ضوءاً
واختفى صوتُ حِصانك
وَهْي تدعو: "يا إلهَ الْـ
ـحُبِّ، خُذْهُ في أمانك!"
شعراء العراق والشام >> نزيه أبو عفش >> إله الباب
إله الباب
رقم القصيدة : 65177
-----------------------------------
الآن، وقد غابت شمسي، أتذكَّرُني!
الآن، وقد مالتْ أغصاني وتنكَّرَ قلبي لي، أتذكَّرُني.
الآن، وقد أُقفِل دوني بابُ الأبوابِ وغادَرَني أصحابي
أتفقَّدُني...
فأراني أعْتَمْتُ وصرتُ وحيداً.(67/295)
... ... ... ... ... ... ... ...
والآن، وقد أَعتمتُ وصرتُ وحيداً،
أنهضُ عن كرسيِّ نعاسي كالقرصانِ المخمورِ...
فأشعِلُ قنديلي وأعلِّقهُ في سقفِ البيتِ.
أُعدُّ رغيفي الحامضَ... وأرتبُ أقداحَ شرابي.
أَنقلُ كرسيَّ الضيفِ إلى حيث يضيء المصباحُ جبينَ الضيفِ
فينعسُ في السرِّ.
أُعدُّ فِراشَ المرأةِ.
أنفضُ - عمَّا نسيَتْهُ المرأةُ فوق الصندوقِ - غبارَ غيابِ المرأةِ...
ثم أُلمِّعُ ضحكةَ عينيَّ وقلبي وزجاجاتِ نبيذي
وأَقوم إلى حيث البابُ لكي أفتح بابي
وأصلِّي لإله البابِ
لعلَّ إذا صلَّيتُ له
يَدْخلهُ "لاأحدٌ" ما.
... ... ... ... ... ... ... ...
الآن، وقد أعتمتُ وصرتُ وحيداً...
"لاأحدٌ" يأتي؟!...
"لاأحدٌ" لا يأتي.
... ... ... ...
... ... ... ...
الآن، وقد غامتْ شمسُ الناسكِ
وانفضَّ ربيعُ المرأةِ
وتفرَّقَ شملُ الأصحابْ...
أدعو لإلهِ البابْ
أن يسندَ شمسَ الناسكِ كي لا ينعسَ قلبُ الناسك...
أدعو ألاَّ يخذلني، من خلفِ الباب، إله البابْ
أدعو... وأَشُدُّ البابْ
أدعو... وأشدُّ
وأدعو.. وأشدُّ
(لعلَّ.....)
فلا ينفتحُ الباب...
... ... ... ...
... ... ... ...
- هل من "لاأحدٍ" خلف البابْ؟...
- ما من "لاأحدٍ" خلف البابْ
محضُ هواءٍ أسودَ... وغرابٍ كذَّابْ
يزعمُ أنِّي صاحبُهُ!...
وأنا وحدي أنعسُ تحت القنديلِ
(انطفأَ القنديلْ!...)
خلف البابِ... أنا.
قُدَّام البابِ... أنا.
فوق الكرسيِّ... أنا.
تحت النور... أنا.
فوق سرير المرأةِ، فوق الصندوقِ، على الشرشفِ،
قُدَّام المرآةِ: أنا... وأنا...!
ونبيذي قُدَّامي
والخبزُ الحامضُ قُدَّامي
ورمادُ الضحكةِ والقلبْ...
وغبارُ الأشياءِ يواسي فوضى الأشياءْ.
فإذنْ ماذا أفعلُ يا ذا "اللاأحدُ" الكذَّاب؟...
ماذا أفعلُ؟...
أرفعُ كأسي
كي أشربَ في صحةِ نفسي
ثم أقولُ: تفضَّلْ
يا ذا "اللاأحدُ"
الواقفُ
يتلصَّصُ
من ثقبِ البابْ.
... ... ... ... ... ... ... ...(67/296)
... ... ... ... ... ... ... ...
في 03/01/2001
شعراء العراق والشام >> نزيه أبو عفش >> سورة: "الآخَر..."
سورة: "الآخَر..."
رقم القصيدة : 65178
-----------------------------------
سورة: "الآخَر..."
أو: خندق الميليشيا
-------------------
"أنا الآخَرُ، وأنتمُ الآخَرون.
تسمُّونني أخاً
وأدعوكم: إخواني!!..."
أبداً، أبداً
لستُ الشقيقَ ولا الصاحبَ ولا شريكَ الحياة.
أبداً، أبداً...
لستَ شقيقي ولا صاحبي ولا شريكَ حياتي.
كلانا: "آخَر"...
كلانا: مجرَّدُ آخَر!...
*
ليَ عيناكَ وقلبكْ
ليَ فمكَ ورئتاكَ وآلامُ ندمكْ...
رجْفَتُكَ من الخوف
وشهقةُ روحكَ في حضرةِ الجمالْ.
لكنْ، فجأةً،
تحت قشرةِ التآخي الكوني
لسلالاتِ الديكةِ والتماسيحِ والأرانب،
ينكشفُ عطشُ الفولاذ، وشذوذُ الدم،
ونَهَمُ ميليشياتِ أبناءِ الربِّ
إلى احتكارِ عضويةِ "نادي العراةِ" السماويّْ:
تنكشفُ صورةُ "الآخَرِ"
مُكفَّراً في عماء سريرةِ الآخَرْ...
(تنكشفُ السكِّين!!...)
وينكشفُ أنْ:
كلانا آخَرُ الآخَرْ
كلانا قابيل...
وكلانا ذبيحتُهْ.
... ... ... ...
فإذنْ
لا تَلُمِ الضعف
لا تَلُمِ الخوف
لا تَلُمْ حيرةَ المنبوذْ
لا تَلُمْ رعشةَ يدِ الجبانْ
لا تَلُمْ شهوةَ المطارَدِ
إلى خندقٍ
أو وكرٍ
أو سقيفةِ بيتْ.
لكنْ...
لُمْ سلاحكَ الذي يتحفَّزُ تحت ضوضاءِ العرسْ
لُمْ سلاحَ أخيك (أخيك "الآخَر"!...)
الذي يتربَّصُ خلف تحصيناتِ "العدوّْ"...
لُمِ الضغينةَ مقنَّعةً بتسامُحِ رُسُلها العميانْ...
لُمْ قوَّةَ يقينِ "الآخر"
الذي لا يرى في "الآخَرِ"
غيرَ ضلالِ "الآخَر..."
لُمِ الخندقَ الذي حفرناهُ معاً
(أنتَ الآخرَ وأنا آخَر الآخَر)
حفرناهُ معاً...
وها نحن الآن، على ضفَّتيهِ العدوَّتين
- ملثَّمينِ بعقائدنا وبَغْضائنا،
ملثَّمينِ بأكذوبةِ أُخوَّةِ الحيوانات -
منطرحانِ كلٌّ خلفَ تلَّةِ ترابهِ... أو تلَّةِ عقيدته:
العينُ على الهدفْ
والإصبعُ على الزنادْ(67/297)
والقلب يرتجفْ!...
... ... ... ...
: كلانا نعجةُ الذئب.
... ... ... ...
أنا "الآخَرُ"
وأنتَ "آخَرُ الآخَر"...
: كلانا يملكُ الحقيقة
لكنْ، لا أحد يملك الحقّْ.
: سيَخْلُدُ الشرّْ!!...
... ... ... ...
أنتَ "الآخَرُ"
وأنا "آخَرُ الآخَر"...
: كلانا يملك الحقّ
لكنْ، لا أحد يملكُ الحقيقةْ.
: نعم، سيَخْلُدُ الشرّْ!!...
*
لا تبتسمْ
أرجوكَ، لا تبتسمْ
فخلفَ هذه الوردة
أشمُّ رائحةَ موتْ.
***
5 تشرين الثاني 2001
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> ذلك الصوت
ذلك الصوت
رقم القصيدة : 65179
-----------------------------------
يا ابنةَ الحسنِ! ... قد عشقتُكِ صوتاً
يتهادَى على جناح الأثيرِ
أنا أُصغي إليكِ في كِلّةِ اللَّيْـ
ـلِ، كأني في عالمٍ مسحور
ليت شعري أيضحك البدرُ لي، أمْ
أنا في وَسْط حفلةٍ للطيور
لم أكُن قبلَ ذلك الصوتِ أدري
أَنّ في الأرض كلَّ هذا السرور
ما وعتْ من لحونكِ الأُذْنُ لحناً
إنّما غِبتُ.. غِبْتُ بين الزهور
يا طريدَ الجِنانِ! عَرِّجْ على الخُلْـ
ـدِ، فما ذاكَ غيرُ صوتِ البشير
هُوَ كالروحِ .. في ضلوعيَ منه
خفقةٌ بلّلتْ أَرَقَّ شُعوري
هُو كالورد.. ما نشقتُ بأنفي
ريحَه، بل لمستُه في ضميري
هُو كالصيفِ... ليلُه مرّ بالأنْـ
ـجُمِ، يزهو في قلبيَ المحرور
هُو كالنجمِ... ما تصوّرتُ إلاّ
أنّه في السماءِ باتَ سميري
كنتُ في ظلمَةٍ، أعيشُ لذكرى الْـ
ـحُسْنِ، حتّى حظيتُ منه بنُور
هو دنيا من الشعورِ لقلبي
يا لَدنيا - في وحدتي - من شُعور
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> دمية
دمية
رقم القصيدة : 65180
-----------------------------------
يا ابنةَ الحسنِ! ... عشتُ أهواكِ لحناً
فإذا أنتِ فتنةٌ للرائي!
نهلتْ من جمالكِ العينُ ما كا
نَتْ به الأُذْنُ - قبلَها - في ارتواءِ
كنتُ أجري مع الخيالِ، إلى أنْ
لُحْتِ ، فانتهيتُ من خُيَلائي
روعةُ الحسنِ في تأمّله الخا
لبِ أضعافُ روعةِ الإصْغاء(67/298)
أومضَ الحبُّ في سماءِ وجودي
فإذا الكونُ ضاحكُ الأرجاء
لا تميلي بناظرَيْكِ دلالاً
أمهليني تنفُّسَ الصُعَداء
دُرّةٌ أنتِ - يا لَحسنكِ - في جِيـ
ـدِ - الليالي الحسانِ ذاتُ بهاء
وردةٌ أنتِ - يا لَطهركِ - رفّتْ
حُمرةً في خميلةِ الشعراء
نجمةٌ أنتِ - يا لَلحظِك - إذ يُعْـ
ـلِنُ معنى الحقيقةِ الغَرّاء
حَيّةٌ أنتِ - يا لَسحركِ - في الإغْـ
راءِ، إذ تنهدين باستحياء
اعذريني إذا تلمّستُ قلبي
بينَ تلك الضفائرِ السوداء
دميةَ الهندِ! أبدعتْكِ يدُ الخَلْـ
ـلاقِ كي تُعبَدي، فهاكِ.. غِنائي
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> ملاكي
ملاكي
رقم القصيدة : 65181
-----------------------------------
سلوا النَور، هل بثّ عن أمّها
وعنها حديثاً، رواه القمرْ..
رأتْها تهشّ له ضاحكاً
فجاءت تَزفّ إليَّ الخبرْ
وتهتف بي : "من رأى كابنتي؟
بكاء على ضَحِكٍ مُستتِر
حوى ثغرُها - ما ترى - دُرّتينِ
وفي وجنتيها تُضيء الأُخَر!"
وأقبلتُ أنظر في المهد "هنداً"
ومن دونه أُمُّها تنتظر
فما هزّها من معاني الخلودِ
كبُرعمها في الهوى يَثَّغر
تَبغّمُ من طربٍ كالغزالِ
وكالطير في خفّةٍ ما تَقَر
كأن يديها - وما همّتا
بشيءٍ - تحوشان بعضَ الأكر
أَوَ انَّ على قدميها يداً
تُدغدغ، فهْيَ تُزيح الأثر
وتضحك .. يا مَنْ أَحسّ الورودَ
على ثغره هامساتٍ بسِر
وما جاوزَ الضحكُ همساً، بلى
صداه يرنّ كجسّ الوتر
وتبكي.. فأُشْبهها بالزهورِ
إذا المزنُ خَضّلها بالدُّرَر
وفي مُقلتيها تخال السماءَ
بكامل أنجمِها تزدهر
فما غمرتْ حبَّنا نشوةٌ
على الحسنِ، تحت شعاعِ القمر
كجلوة "هندٍ" وقد أقبلتْ
علينا ، تَصَعّدُ فينا النظر
فتطفو على ثغرها بسمةٌ
نَودّ معاً لثمَها، لو قدر
وكم بذرتْ أُمُّها قُبلةً
فمِلَتُ بفِيَّ لقطف الثمر
ملاكي! حوتْكِ يدا جَنّتي
وبينكما أنا أَحْظى البشر!
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> ليلاي
ليلاي
رقم القصيدة : 65182(67/299)
-----------------------------------
"بورك للعروس في زفافها
كالسوسن الأبيض في عفافها"
ليلايَ! بالأمسِ كنتِ
كأنما "هيَ" أنتِ
فتاةَ حُلمي... التي قد
تمثّلتْ ليَ.. بِنتي
كم ليلةٍ عدتُ فيها
في وحْدتي، فأعنت
يطولُ منكِ انتظارٌ
فإن سكنتُ سكنت
وما رأيتُك يوماً
على الحضور مَنَنْت
حتى إذا لاح صبحٌ
سبقتِ لي الصُبحَ أنت
فيا لها سَبَحاتٍ
تمرُّ بي، منذِ بنْت
ذكراكِ فيها كنَجمٍ
يضيءُ لي حيث كنت
بوركتِ ليلايَ عِرْسا !
وطبتِ بالغد نَفْسا !
وكيف أنساكِ بنتي!
إذ كنتِ في المهد طفلَهْ
ترعاكِ عيني بحبٍّ
أرى لأمّكِ مثله
وكلُّ دنياكِ زَنْدٌ
وكلُّ زادِك قُبْله
تُقلّبينَ لِحاظاً
وما كلحظِكِ مُقْله
تَبثّني... وهواها
يظلّ يفعلُ فِعْله
ولا كنومكِ.. لا نَسْـ
ـتَقِرُّ حتى نُظلّه
وتألمين فنخشى
عليكِ من كل غفله
وتنطقينَ فأهفو
كأنّما الكونُ حفله
بُوركتِ ليلايَ عرسا !
وطِبْتِ بالغد نفسا !
ولستُ أنساكِ بنتي!
إذ كنتِ بعدُ غريرَهْ
حتى كتبتِ من العُمْـ
ـرِ - باحتبائكِ - سِيره
تَلهين في "العشِّ" شَدْواً
كأنّكِ العُصفوره
عليكِ ثوبٌ طويلٌ
وفي يمينكِ صُوره
تُهيّئين لها كُلْ
ـلَ جَلْوةٍ مَنظورَه
فتنثرينَ عليها
معَ الصباحِ زهورَه
كم سرّني أنّ بنتي
"كعِرْسها" مسروره
أُلفي إذا غابَ بدرٌ
على مُحيّاكِ نُوره
بوركتِ ليلايَ عرسا !
وطبتِ بالغد نفسا !
ولستُ أنساكِ بنتيَ
إذ عُدتِ في أَخَواتِكْ
ما بين صُغرى وكُبرى
وكلُّهنّ كذاتك
لهنَّ منكِ جميعاً
معنى الحَيَا من حياتك
تُلقِّنينَ "ثُريّا"
و"مَيَّ" حُسْنَ التفاتك
كأنما كلُّ شِعري
حتى ليُفعِمَ قلبي
ما رقَّ من نَفَحاتك
بوركتِ ليلايَ عرسا !
وطبتِ بالغد نفسا !
ولستُ أنساكِ بنتيَ
إذ أنتِ ذاتُ نِقابِ
تَخَايلين على مَدْ
رَجِ الهُدى والصواب
مَعنِيَّةً بشؤونٍ
مشغوفةً بكتاب
تُدرِّسين صبايا
بلحنكِ المستطاب
وهنَّ منكِ ليَنشقْـ
ـنَ نفحةً من شبابي
إذ كنتُ - مثلَكِ - أُعْنَى(67/300)
بالنشءِ ، رغمَ صعابي !
حتّى إذا عدتِ للبَيْـ
ـتِ عُدتِ لي.. ولما بي..
وللملابس تُكوى
لحَفْلةٍ أو خِطاب
بوركتِ ليلايَ عرسا !
وطبتِ بالغد نفسا !
وأمسِ .. ليلايَ.. أمسِ
جُليتِ في ثوب عُرْسِ
فالبيتُ يرقص تِيهاً
والليلُ مَشْرِقُ شمس
لقد أتتكِ حِسانٌ
يخطرنَ ، من كلِّ جنس
يكاد يملأ أُذْني
تغريدُهنّ بأُنْس
كأنَّ أمَّكِ ما بَيْـ
ـنَهُنَّ "وردةُ" أمسي
أَمّا أبوكِ فقد ظَلْ
ـلَ وحدَه حيث يُمسي
حتى جَلَونكِ طِيباً
وما الحديثُ بهمس:
"أختاهُ ناديه حتى
يرى العروسَ.. بنفسي !
فجئتُ أنظر في رَوْ
ضِهِنَّ أطيبَ غرسي
طبعتُها قُبلةً فَوْ
قَ جبهةٍ مثل وَرْس
ليلايَ بُوركتِ عِرْسا !
وطبتِ بالغد نفسا !
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> ولكن ماذا ؟
ولكن ماذا ؟
رقم القصيدة : 65183
-----------------------------------
"إلى أختي نازك"
لماذا تَودّينَ قبلَ التململِ أنْ نفترقْ
وألاّ أعيرَ لعُودكِ أُذْناً وإنْ يصطفق
وهذا الغرامُ الذي كان يُرضعنا كأسَهُ
ويبعثُ كالنار في ميّت القلب إحساسَهُ
يرفُّ علينا
فنغمض عينا
ونُنكره رغمَ هذي الحُرَقْ
ونُخفت في القلب أجراسَهُ
****
أَمَا ظهرتْ في خضمّ الوجود بنا موجتانْ
قضى البحرُ ألا تحسّا التلاطمَ إلا ثوانْ
وللريح ما حولنا - حيث طارت بنا - دمدمَهْ
وقيل لنا إنْ تَألّقَ برقٌ فما أكرمَه
يضيُ الوجودْ
لأقصى الحدودْ
فبانَ لذاتي وذاتكِ شأن
فهلا لقطنا معاً أنجمَهْ
****
سلي كيفَ من بعدنا الشوقُ يبقى على حالهِ
وقد لا تطول بموجدنا حيرةُ الواله
فقد ننتهي قبل أن ترفعَ الريحُ أنفاسَنا
وقد لا نلمّ إلى سجدةٍ غيرها باسَنا
فما ضرَّهُ
وقد سرَّهُ
غداةَ خطرنا على بالهِ
لَوَ انّا جمعنا لها راسَنا
****
تحدثّتِ عن نغمٍ في الشفاه كوقع الوترْ
تَلمّستِ في ظلمةِ الليل معناه حتى السَّحَر
فما للّيالي تبوحُ وأنجمُها شاهدهْ
بأن حياتكِ مثلُ حياتي بلا فائده
وطَرْفُ السوادْ
الذي لا يكادْ(67/301)
يحلم إلا بعمر القمرْ
يعود بأَعْصُره البائدهْ
****
أبالبرد تشعرُ من داعبتْ شُهُباً بالبَنانْ ؟
أيغمرها الخوفُ من جاء يسعى إليها الزمان ؟
هَبينا غريبين.. باعدَ ما بيننا كلُّ شيْ
أليس - فديتكِ - أزهارُ فنّكِ ملءَ يَدَيْ
خُذي من صلاتي
فإن حياتي
ربيعٌ يجدّده طائرانْ
ستحيين للدفء ما أنا حَيْ
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> أهكذا ؟
أهكذا ؟
رقم القصيدة : 65184
-----------------------------------
.... في شرقنا العربي :
يعقدُ الجيشُ حفلةً.. باعتدادِ
كلما عادَ خاسرا
هكذا الشعبٌ - غفلةً - في بلادي
لا يَملّ المَظاهرا
****
... الناس :
مَنْ أتى الناسَ ضاحكاً.. لأذاهمْ
ضحكوا كلُّهم مَعَهْ
بينما لو بكى بكى لأساهم
وحدهَ.. يا لها ضَعَهْ
****
.... الشرق والغرب :
لا تقلْ: إن في العِدى كتلتينِ...
ما عدوٌّ كآخرِ...!
قد خبرنا.. فما عدا حالُ ذينِ
بينَ صادٍ وصادرِ
...... الشباب :
يا شباباً، هفا لها ، كفَراشِ
كلُّنا ذلك البطلْ
غايةٌ لن تنالها بارتعاشِ
اِغشَها.. فهي تشتعلْ
.... الحرب :
قلتُ للحرب: أينَ أبناءُ صدقِ
صدقُهم من غرورها؟
فاستمرّتْ - ولم تجبني بنطقِ
في لظًى من سعيرها
****
... الحب :
فُجعت في حبيبها، ذاتَ مَنِّ
فَهْي تذري شئونَها
أيُّ دنيا وطيبها.. في التمنّي
أسدلَ السترُ دونها
.... الشاعر :
بثَّ في الشعر وجدَهُ، ثم نادى:
خنتَ يا ليلُ بلبلَكْ
فرعى الليلُ عهدَه وتفادى
قولَه بالذي مَلَكْ
****
.... الماضي :
ذكرياتٌ.. تمرُّ بي منذُ أمسِ
ليت للفجر نورَها
إيهِ يا نفسُ! جرّبي فضلَ كأسي
فَهْي تُعطي سرورَها
.... الجنّة :
لا تقلْ: ما رأيتَها ، فَهْي معنى
غاب عنّا مكانُها
جنَّتي قد أتيتُها، حيث تُعنى
بجريحٍ حسانُها
.... المجد
يا سراباً.. بعين رائيه حقُّ
تحت مَجلى سمائهِ
كم من الحَرِّ والظما رامَ خَلْقُ
عبثاً بَرْدَ مائهِ
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> مشاركة
مشاركة(67/302)
رقم القصيدة : 65185
-----------------------------------
"إلى التي تعيش هناك وحدها"
أنا لستُ وحدي في انتظاركْ
في الروض ألفُ فمٍ يُبارِكْ
لم يدرِ إلا بلبلٌ
ما كان عنكِ حديثُ جارك
فمضى يُلقّنه الخُزا
مى في الخميلة حول دارك
كم أنبأتْ طَرْفي الحَشا
ئِشُ عن خُطاكِ، فلم أُجارك
حتى التفتُّ.. وكان أَوْ
وَلَ مَرّةٍ، دون اختيارك.....
فبدتْ بطلعتها كشَمْـ
ـسِ الأمسِ تسطع في نهارك
هذا الجمالُ عهدتُهُ
من قبلُ يحرقني بنارك
عطّرتُ من ذكرايَ ما
ضي حبِّها، فأتى يُشارك
****
يا ثغرُ أَشْبَهُ من رأَيْـ
ـتُ بها ، فديتُكَ في افترارك
أُصغي لسحر حديثها
في غير لفظٍ من حِوارك
أنا لاضطراري قد عرضْـ
ـتُ مُسلِّماً، لا لاضطرارك
حَيّيتُ فيكِ وميضَها
فكأنّ دُرّي من نُثارك
يا أختَها، يا من تَجدْ
دَدَ فنُّها لي في إطارك
فلَوَ انّني أدعوكِ حُبْـ
ـباً باسمها "هي" لم أمارك
أَسْرَى على العشب النَّسِيـ
ـمُ ، فمال ميلَكِ في نِفارك؟
حَسْبُ المفجَّعِ أنْ يرا
كِ ، وإنْ تَملْملَ في جِوارك
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> حواء
حواء
رقم القصيدة : 65186
-----------------------------------
تَمثّل الحبُّ للفنّان بين يدَيْ
ذكراه.. كالنار تغشى طُورَ سيناءِ
وقال حين رآه في تَململهِ
يُقلّب الطرفَ بين الزهرِ والماء
"يا من عَكفتَ على الدنيا وزينتَها
حتى صممتَ عن الأنغامِ من نائي
تحيا الحياةََ بلا إلفٍ تلوذ بهِ
إلا ارتيادَكَ في أفياء فيحاء
حتى كأنّ ضلوعاً أنتَ حاملُها
تُطوى على كبدٍ ليستْ بحَرّاء
هذا الوجودُ إطارٌ لا كفاءَ لهُ
وغايةُ الفنِّ فيه رسمُ "حَوّاء"
لها الشبابُ الذي تشفي برُقيتهِ
ما كابد القلبَ من صدٍّ وإغراء
لها الجمالُ الذي تعنو لعزّتهِ
فيما تُشاهد من ظِلٍّ ومن ماء
لها الودادُ الذي تبقى أشعّتُهُ
تنير خطوَكَ في طوفان أهواء
كأنها الشمسُ إشراقاً.. تُبادلها
مرآةُ قلبكِ لألاءً بلألاء(67/303)
لا تكذبِ النفسَ في مجدٍ حلمتَ بهِ
فلستَ تُحْسِنُ إلا قولَ "أهواها"
شُغِفْتَ بالحسن لا تنفكّ تطلبهُ
عيناكَ .. حتى ولو في كأس صهباء
وليس أجملُ ما في الكون من أثرٍ
إلا اقتباساً بدا من شكل حسناء
انظرْ إلى شفتَيْها، هل ترى زَهَراً
يفترّ عن نُقَطٍ كالطَلّ وَطْفاء ؟
انظرْ إلى وجنتَيْها، هل ترى شفقاً
يلوح من شعرها في وَسْط ظلماء؟
انظرْ إلى ناظرَيْها، هل ترى أَلَقاً
كأنه صادرٌ عن كوكبٍ ناء ؟
ما في الطبيعة من حُسْنٍ فمنعكسٌ
عن صدرها البضّ في عينيكَ يا رائي
وأطيبُ الطيبِ ما في الخلد من زَهَرٍ
وإنما غرستْها كفُّ "حوّاء"
فكيف تُكبِر من شأن الجميلِ ولا
تُثيبها عن يدٍ قبّلتَ بيضاء
وما تؤمّل في الفردوس منفرداً
إلا رجاؤكَ أن تَحظى بلُقياها ؟
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> في سكون الليل
في سكون الليل
رقم القصيدة : 65187
-----------------------------------
غفا الكونُ... إلا ما يكون من الصَّبا
إذا حرَّكتْ مهدَ الزهورِ النواعسِ
تخالينها - يا ميُّ - طُهراً مُجسَّماً
على كلّ غصنٍ في الخميلة مائس
ويحبس من أنفاسها الليلُ ريثما
يُخالطها بردُ الندى المتقارس
فتُرسل طِيباً حولها في دوائرٍ
تدور إلى أنْ يغمرَ الطيبُ هاجسي
وقد سكنتْ حتى المياهُ كأنها
هنالك تُصغي في الظلام لهامس
يُصقّلها مَرُّ النسيمِ فتنجلي
بها صورُ الأشياءِ شبهُ رواكس
وينظر في مرآتها النجمُ حائراً
فليس يرى إلا شرارةَ قابس
أنزعمُ أن اللهَ أبدع هذهِ
لنقضيَ ريحانَ الصِّبا في المحابس؟
ولا طيرَ إلا وهْو طاوٍ جناحَهُ
على الرأس حتى المنكبين.. كبائس
تخالينه من لفّهِ الجِيدِ ناعساً
ولكنّه - يا ميُّ - ليس بناعس
فإن لذكرى كلِّ لحنٍ شدا بهِ
سحابةَ يومٍ هزّةً في المغالس
تُؤرقّه تلك الهواجسُ مَوْهِناً
فيُشفق من جَرّاء تلك الهواجس
وكم دوحةٍ في الروض حال سوادُها
بأنوار بدرٍ شَعَّ بين المغارس
ليُلبِسَها من نسجه بعد عُرْيها(67/304)
نِقاباً لُجَيْنِيَّ السّنا كالعرائس
وتحت شعاع البدرِ أسفرتِ المنى
وعاينتُها تحنو حُنوَّ الأوانس
تعالَي هنا.. نَخلدْ من العمر ساعةً
يداً بيدٍ في نجوةٍ وتَهامُس
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> مي
مي
رقم القصيدة : 65188
-----------------------------------
ولما تفيّأنا ظلالَ خميلةٍ
تَساقطَ مثلُ الدرِّ فوق خُطانا
وحَدّثتُها بالحبّ - وَهْي مُصيخةٌ
على أملٍ أن تلتقي شفتانا
أشاحت إلى الأزهار عنّي بوجهها
دلالاً وقالت لي : "كفى هذيانا
أتأمل مني أن أُصدّقَ بالهوى
جُزافاً.. وطَرْفي لا يراه عِيانا؟"
فقلتُ لها : "يا ميُّ! ما الروضُ ناضراً
ولا الطيرُ أحلى ما يكون لِسانا
بأحسنَ من خَدٍّ تَورّدَ في الصِّبا
وأعذبَ من ثغرٍ يفيض بيانا
لقد كان أولى أن نُبيحَ لبعضنا
عوالمَ بعضٍ في ربيع صِبانا
وما قيمةُ الأزهارِ في جانب الصِّبا
أليس الصِّبا - يا ميُّ - أعظمَ شأنا؟
أُناشدكِ الحبَّ الذي عهدُنا بهِ
سَويّاً كأخفى ما يكون مكانا
ألم تشعري شيئاً تَمثَّلَ بيننا
لأوّلِ عهدٍ تَمّ فيه لِقانا؟
أبعدَ تعاطينا معاًَ كأسَ أُلفةٍ
يجوز لنا ألا نُحسَّ صَدانا؟
فما لكِ تَسْتعدينَ قلبي على الهوى
كأنكِ ما شاطرتِهِ الخفقانا !
تعالَي إلى عهدٍ وثيقٍ من الهوى
نعيش عليه في الحياة كلانا
فلا يزدهي قلبي بشيءٍ مُؤَمّلٍ
إذا لم يصادف في فؤادكِ شانا
ونُفرغ في كأس الأمانيِّ حُبَّنا
فتسعى به ما بيننا شفتانا
ولا نلتقي إلا كما لفّتِ الصَّبا
فُروعاً تفيّأنا بهنَّ أمانا
ونختال في روض المحبّةِ وحدَنا
فلا يتغنّى طيرُها لسوانا
وإن تعهدي يوماً فؤادَكِ خافقاً
شعرتُ لقلبي مثلَه خفقانا
كأنّ الذي ينساب ملءَ كليهما
صُبابةُ ما ساقي الغرامِ سقانا
وآناً نُبكّي كالطيور وجودَنا
بلحنٍ... وكالأزهار نضحك آنا
فنُسعد بعضاً باشتراك سرورنا
ونُسعد بعضاً باشتراك أسانا
كذلك نحيا بالسَّواء... وها فمي
ضماناً لعهدٍ لو أردتِ لكانا"(67/305)
فعندئذٍ مالت إليَّ ببِشْرها..
وملتُ... وأُنسينا الوجودَ كلانا
فأدنيتُ ثغري باشتياقٍ لثغرها
فما افترَّ حتى قبّلتْه حنانا
وطوّق زَندي خصرَها فتمايلتْ
عليه بغنجٍ ريثما تََتدانى
وقالت "إذن، هذا هو الحبُّ" قلتُ: "بلْ
هو الراحُ" قالت: "فلنبلَّ صَدانا"
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> القبّرة
القبّرة
رقم القصيدة : 65189
-----------------------------------
تُحَوِّم في أفق السماءِ أصيلا
كنجمٍ تراءى للعيون ضئيلا
فيتّخذُ الصوتُ الذي تستجدّهُ
مع الريحِ في رحب الفضاءِ سبيلا
يدقّ على الأسماع خافقَ جَرْسهِ
فإنْ أعلنتْه الريحُ جاوزَ مِيلا
وتدركه شيئاً فشيئاً غِشاوةٌ
من الحزن حتى يستحيلَ عويلا
أقُبّرةٌ! هل أنتِ في الجوّ قطعةٌ
من الحسّ سالت باللحون مَسيلا ؟
تُغالين في الألحان حتى إذا انتشتْ
بها روحُكِ الولهى خفتِّ قليلا
كما تخفت الأوتارُ بعد رنينها
ويبقى صداها في النفوس طويلا
فقد برأ اللهُ الطبيعةَ وَهْي لا
تُحسّ به.. حتى بُعثتِ رسولا
فأحسنتِ في الترتيل حتى كأنما
بآيكِ ظِلُّ الروضِ صار ظليلا
ولَقنّتِنا سِرَّ الجمالِ ولم نكنْ
لندركَ - لولاكِ - الوجودَ جميلا
فما زهرةٌ في الروض تفتح جفنَها
على الدمع إلا وَهْي تَنْشُد سُولا
فتُغرينها في شجوها بابتسامةٍ
ببثّكِ معنًى للخلود جليلا
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> ليلى
ليلى
رقم القصيدة : 65190
-----------------------------------
قلتُ يومآً لا بنتي ليلى وقد
أخذتْ ديوانَ "قيسٍ" تَتغنّى
فكأن الحسنَ أولاها يداً
فأرادت باسمه أن تتجنّى:
"طبتِ يا ليلايَ نفساً فافهمي
ليس كالشاعر في الأرض مُعَنّى
هو من أحلامه في جَنّةٍ
فإذا حدّثَ عنها قيل جُنّا
كلُّنا طائرُه في قفصٍ
إنما يطلقه المجدودُ منّا
لو درى الضاحكُ في سكرتهِ
أنه يشرب دمعاً لتأنّى
والليالي يتطاولنَ إذا
أفلَ النجمُ الذي نَوَّرَهُنّا
قُمْنَ في عافيةِ من حبّهِ
يتباهينَ به ما بينهنّا(67/306)
يحسب الناسُ جَواه أدباً
قََلَّ من شاركه فيما أَجنّا
ثم يطوي ليلَه صبحٌ فلا
هو للحبّ.. ولا مَنْ حَبَّهُنّا"
فأجابتني غناءً في الصِّبا
بالذي حَيَّرَ مَن أكبرُ سنّا
"لا تسلني - فوجودي عدمٌ -
طائرُ الخلدِ هنا كيف اطمأَنّا
هو يهفو لجمالٍ رُبّما
خفيتْ آثارُه في الكون عَنّا
فإذا شاهدَه في روضةٍ
أو سحابٍ مَثّلَ الإحساسَ فَنّا
والذي يُطربنا من نغمٍ
مُسترقّاً كلّما الليلُ أَجَنّا
لم يكن غيرَ نياطِ الحبِّ في
قلبه كالوتر الحسّاسِ رَنّا
هو في نشوته يُفضي بها
نغماتٍ تملأ الآفاقَ حُسنا
لا تقلْ دنياكَ ظِلٌّ زائلٌ
فشعاعُ الحبِّ فيها ليس يَفْنى
لو تَجلّتْ قدرةُ الخلاّقِ في
لفظةٍ.. صاغ لها الشاعرُ معنى"
وانحنتْ فوق يدي تلثمها
خجلاً - حين رأتْ رأسيَ يُحْنى
ثم قالت وَهْي تلهو بالذي
قُلِّدَتْهُ دون أن تحملَ مَنّا
"حَسْبُ عِقْدي إن حوى واسطةً
ما لها في الدُّرِّ صِنْوٌ فتُثَنّى
عشتَ للشعر ولي يا أبتِ
أنتَ للشعرِ ولي ما أتمنّى"
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> الوشم
الوشم
رقم القصيدة : 65191
-----------------------------------
الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين
حيث لا شيء
يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره
سوى الاسفلت
سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو
ولن أنهض
حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
في العالم
وتوضع أمامي
لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..
حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين
من قبضات أصحابها
وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)
في غاباتها
أضحك في الظلام
أبكي في الظلام
أكتبُ في الظلام
حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي
كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره
سترتُ أوراقي بيدي
كبغيٍّ ساعةَ المداهمه
من أورثني هذا الهلع
هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ
ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه
أو قبعةً من فرجة باب
حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها
ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه(67/307)
كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات
تطارده من شريان إلى شريان
آه يا حبيبتي
عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي
المأساة ليست هنا
في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار
إنها هناك
في المهد.. في الرَّحم
فأنا قطعاً
ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه
بل بحبل مشنقة
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> قلادة
قلادة
رقم القصيدة : 65192
-----------------------------------
قضيتُ شبابي بها مُغْرَما
فما كان - ياقلبُ - أحلاهما
تعيش بأحلامه في ربيعٍ
وتحيا بأنفاسها مُلْهَما
أتذكر يا قلبُ ساعةَ قَرّبْـ
ـتُ من فمها في جنونٍ فَما
ومن حولنا الزهرُ في حالتَيْـ
ـهِ تُرقِص أيقاظُه النُّوَّما
لقد كنتَ كالطفل فيما تُحسّ
وإحساسُها كان بي أَنْعَما
فألهبَ من خَدّها جمرتينِ
وفَتّقَ من ثغرها بُرعما
أتذكر يا قلبُ ساعةَ أرخَيْـ
ـتَ فوق ترائبها مُنْعِما
قلادةَ دُرٍّ - زهتْ كالدمو
عِ حَبّاتُه - توأماً توأما
وَقَولي: "اقْبليه فدتكِ الحسانُ
فلو أنّ كفّي تطول السَّما
إذن لجعلتُ نُثاركِ منهُ
ونَظّمتُها ثانياً أنْجُما"
فمدّتْ - لألثمَه - مِعْصماً
وألوتْ على سِمطه معصما
وقالت: "أتنذره هو أيضاً
بتلك النجومِ؟ فما أَشْأما
ملأتَ به بهجةً ناظريَّ
فصدّعتَ بي قلبَه أَعْظُما
أأحقر منشأَه في البحارِ؟
ولولا تَألمُّه ما نما
أَأُنكر عبرتَه في الحليِّ؟
ولم يبكِ إلا لكي أبسما
فحسبي به زاهياً كالنجومِ
وإنْ فاتني حظُّها في السَّما
على الأرض لا يخلد الحسنُ حتى
يُقيم على نفسه مأتما
فيا ليتني إذ سمعتُ الحديثَ
عصرتُكِ - لا أدمعاًَ - بل دَما
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> توطئة
توطئة
رقم القصيدة : 65193
-----------------------------------
دِنتُ بالفنّ صغيراً منذ شبَّ الطفلُ فِيّهْ
لعبةًً ترعى مجاليها العيونُ النرجسيّه
من رأى الخالقَ كالشاعر يختار رويّه
كلما وَقّع لحناً مثّلتْه البشريّه
فإذا المأساةُ والمهزلة اسمٌ لقضيّه(67/308)
هي أسطورةُ حوّاءَ جرتْ في إثْر حَيّه
إنْ تُرجّعْها طيورُ الخُلْدِ أنغاماً شجيّه
فهْيَ في كوكبنا الأرضيِّ أوراقٌ نَديّه
طالما خَضّلها دمعُ ضحايا المدنيّه
غيرَ أن الدمعَ هذا قطراتٌ لؤلؤيّه
عطّرَ الفنَّ - بما نَدّتْه من زهرٍ - نَديّه
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> الفردوس الأرضي
الفردوس الأرضي
رقم القصيدة : 65194
-----------------------------------
1 - نشيد آدم :
ورقة تين
أريني ناظريكِ... فما
صحا قلبي بإدمانِهْ
لأسبرَ فيهما عمقَ الْـ
ـمُحيطِ وراءَ شطآنه
وخَلّي خدَّكِ الورديَّ
يَفتنني بألوانه
لأنثرَ فوقه قُبَلي
وأُطفِئَ بعضَ نيرانه
وضُمّي ثغرَكِ المحشوَّ
بالدُّرّ ومَرجانه
لأختمَ في ثناياهُ
رحيقاً راق من حانه
ودَنّي صدرُكِ المصقولُ
مَزهوّاً برُمّانه
أُجِلْ شفتيَّ بينهما
وآنسُ رَوْحَ ريحانه
ولُفّي شَعْركِ الضافي
على ما ماس من بانه
أمَرُّ أناملي فيهِ
فيُعديني بطغيانه
فلا يبقى لقلبي ما
يمجّ دماً بشريانه
على إحساسه إلاّ
وقد بالغتُ في شانه
2 - نشيد حوّاء :
تفاحة
غادرَ كالشمعة جسمي لظاهْ
فكُنْ عليه لا له .. في هواهْ
كأنّما يصرعني ماردٌ
جُنّ فما تسكن عنّي يداه
يصرخ للشهوة ألاّ تَني
وفي قرار النفسِ يدوي صداه
إنّيَ من جَرّاه محمومةٌ
فاجعلْ مداواتَكَ لي بالشفاه
ثغراً على ثغرٍ.. ولا أتّقي
من مُطْرَفٍ يخزّني أو سواه
أنْعِمْ بحُسني لا بأكفانهِ
فالحبُّ قد جرّدني للحياه
واخترْ لدنياكَ سبيلَ الغِنى
في شَعريَ المرسلِ حتى قَفاه
فإنْ تراختْ مثلَه رعشةً
أعضاءُ جسمي وتلاشت قُواه
وغمّتا عينايَ من حُمرةٍ
تلظى على وجهي بها وجنتاه
ضُمَّ إلى وجهكَ صدري ولا
ترفقْ بنهديَّ إذا لامساه
وارْشِفْهما بالفمِ رَشْفاً فكم
ضَيّقَ أنفاسيَ ما زرّراه
جسميَ روضٌ حافلٌ بالذي
تراه عينُكَ وما لا تراه
كان ليَ اللهُ ... لقد همّ أنْ
يعبقَ "نَوّاري" بأحلى شَذاه
وبعضُه التفَّ على بعضهِ
فكاد أن يطوي على ما طواه(67/309)
فانشرْ جناحَيْكَ على حسنهِ
وبُلَّ - في ظلّ جناحيكَ - فاه
نُجدِّدُ العهدَ الذي باركتْ
ملائكُ الخُلْدِ لنا في سَماه
فَاعْجَبْ لِطاوُوسٍ جَلا ذَيلُهُ
لِناظرَيْ أُنْثاهُ زَهْوَ الحَياهْ
فانتشرتْ بين يدي حُسنهِ
حَتى إذا افتَرَّا سَواءً ...طَوَاه
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> أسطورة الخيام
أسطورة الخيام
رقم القصيدة : 65195
-----------------------------------
(1)
في أرض إيرانَ حيث الهَضْبُ لابسةٌ
زنّارَها
من الثلوجْ
كالحُورْ
تستقبل الشمسَ .. والأنهارُ هامسةٌ
أسرارَها
بين المروجْ
للنُّورْ
جلا الربيعُ بنيسابورَ موكبَهُ
فزاد عِيداً إلى أعيادها الأُخَرِ
يا ناعماً في ربوع الخلدِ ليلتَهُ
مسّتْ خطاكَ ثرى الوادي مع السَّحَر
فلم تزل خُفَراءُ الطيرِ تهتف في
أفنانها لنجومِ الأرضِ بالخبر
حتى تلألأنَ في ضوء النهارِ ثُنًى
وفزنَ منك فُرادى بالشذى العَطِر
فالزهرُ في قاعها يفترّ مَبسمُهُ
يا ليلُ هل صبغتْ فاهُ يدُ القمر؟
والعشبُ من حولها يزهو بخضرتهِ
يا أفقُ! هل هو ميدانٌ إلى النظر؟
والطيرُ من فوقها في ظلّ وارفةٍ
يا غُصْنُ! هل أخذتْه رَشّةُ المطر؟
والنهرُ من تحتها في موجه أَلَقٌ
يا شمسُ هل هو مرآةٌ إلى الشجر؟
إني لأسمعُ في أرجائها ضَحِكاً
كنغمةٍ بعثتْها هِزّةُ الوتر
يا من يُؤمّل في الفردوس بُغْيتَهُ
قَررتَ عيناً بها في هذه الصور
لَبِّ الحياةَ فقد عمّتْ بدعوتها
وما الربيعُ سوى تجديدِ ذكراها
(2)
أتى الربيعُ إلى الدنيا كعادتهِ
بما اجتناهْ
من الجِنانْ
ملءَ اليدِ
فكاد يشغل عنها في عبادتهِ
بما رآهْ
من الحسانْ
في المعبدِ
وأقبلتْ تتهادى في غلائلها
بنتُ الجِنان تُحيّيها كحوّاءِ
لو حاول الليلُ أن يغزو غدائرَها
لماج يسأل: أين الكوكبُ النائي
تَضاحكَ الوردُ لما قيل "وجنتُها"
أكنتَ، يا وردُ، مَشغوفاً بإطراء؟
فأسفرتْ عن مُحيّا في بشاشتهِ
يكاد يقطر منه الحسنُ كالماء
شفَّ الحريرُ الذي وارى ترائبَها(67/310)
عن فاتنَيْنِ.. فهل هَمّا بأشياء
لم تسحبِ الذيلَ فوق الزهرِ سائرةً
إلا ومال يُزّكيها بإيماء
حتى أتتْ مَحْفلاً في الروض منزوياً
قد لاذ في السُّكْر أهلوه بأفياء
هذا أخو شيبةٍ ألقى اليراعَ على
ما خطّه وانثنى في شبه إغفاء
فهيّأتْ كأسَه... حتى إذا نظرتْ
ما في الصحيفة .... غَنّتْ للأحبّاء
- والشوقُ في دمها والعُودُ في يدها
يُعيد نغمتَها الأولى بأصداء -
"يا نائماً في ظلال الكرمِ وابنتُهُ
في الحُلْم تُؤنسه.. قُمْ وارتشفْ فاها"
***
(3)
هذا الجمالُ الذي كم وَد َّناظرُهُ
في ميعةٍ
من صباهْ
لو نالهُ
يا وردُ! مثلكَ إنْ حيّاه شاعرُهُ
بنغمةٍ
مِن هواهْ
أصغى لهُ
"شيرينُ! غنّيتِ صوتاً كان يطربني
ليت الأحبّاءَ عادوا لي مع النغمِ
ناموا.. وهدهدتِ الأزهارَ بعدَهُمُ
يدُ الربيعِ على عيني.. فلم تنم
ذكّرتِني بشبابي إذ تطوف بهِ
في باحة الخُلْدِ آمالٌ مَدى الحُلُم
إذ كنتُ أُطلق نفسي في سجيّتها
فلا تَني السبقَ من جَرْيٍ على قدم
أشكو مواقعَ عينَيْ كلِّ فاتنةٍ
مفتونةٍ بالذي أجلو من الشَّمَم
باحت بسِرِّ شَكاةِ القلبِ رائعةٌ
تلوح كالبرق في داجٍ من الظَّلُم
ما للبياض - أحال اللهُ جِدَّتَهُ -
يُفضي إلى الهمِّ ... لا يُفضي إلى الهِمَم
نُعدّ للصبر أنفاساً مُحرِّقةً
حتى تَحولَ رماداً فحمةُ اللِّمَم
لأقطعنَّ نياط َالقلبِ إنْ وجدتْ
نفسي سبيلاً إلى غرس المنى بدمي
فلو سفرتِ عن الآمال كان بها
ما بي من الزمن الموفي على الهَرَم
فجَدّدي ليَ باللحن الجميلِ رؤىّ
لا زلتُ تحت ظلال الكرمِ أرعاها
(4)
يا طَرْفَها! إنه قَضّى الحياةَ إلى
مشيبهِ
في اكتناهِ الشُّهْبِ
وظلّ مَجمرُه في الأرض مشتعلا
بطيبهِ
لإلهِ
الحُبِّ
"شيرينُ! حسنُكِ أعطى الأرضَ زينتَها
حتى ولو لم يزنْها كفُّ نَيْسانِهْ
فكيف والطيرُ قد بلَّ الندى فمَهُ
فطار يملأ مَغناها بألحانه
هذا الربيعُ قد استلقى بحاشيةٍ
من الزهور على الوادي وشُطآنه(67/311)
يُصيخ للبلبل العربيد.. وَهْو على
أرجوحةٍ من نسيم الروضِ أو بانه
يهزّ أرجاءَها هزّاً بنغمتهِ
ولا يفيق - كأن السكرَ من شانه
فلقِّنِيه من الألحان أطربَها
إلى النفوس... وجازيه بإحسانه
وبادلي الروضَ أنفاساً مُعطَّرةً
فما أرقَّ الصَّبا في ظلّ أفنانه
وضاحكي الوردَ في إبّان حُمرتهِ
فربّما عاد مطويّاً لأشجانه
ودونكِ النهرُ.. فانْسِي في تَدفّقهِ
هذا القميصَ الذي يُزري بإنسانه
أما كفى الحسنَ أنّ الموتَ يرصدُهُ
فما له في الصِّبا يسعى بأكفانه
وقبّلي الكأسَ ما دامت مُشعشعةً
ولا تشحّي على ثغري بُبقياها"
(5)
يا ربّةَ الحُسْنِ! إن السُّكْرَ مبعثُهُ
عيناكِ
وحدَهما
لا الكاسْ
وأين من شفتيكِ السِّحرُ ينفثهُ
صرعاكِ
باسمهما
في الناسْ
طافت عليهم بها كالشمس ساطعةً
يرى على الخَدّ من لألائها شَفَقُ
فعبَّ فيها ثلاثاً وَهْي تسندُهُ
حتى تَماسكَ في أحشائه الرَّمق
وعاودَ العُودَ شيءٌ من تململهِ
لما غدا العُودُ بين الجمر يحترق
فظلّ يبعث في الأسماع أنّتَهُ
موصولةً دون أن ينتابَها قلق
ثم استمرّتْ تُغنّيهم - بما حملتْ
يدُ الربيعِ لهم - والعودُ يصطفق
"يا عاشقَ الوردِ! ما جاء الربيعُ لكي
يحيا حبيبُكَ محفوفاً به الورق"
وصوتُها ماج بحراً لا هدوءَ لهُ
من كلّ نجمٍ على أمواجه أَلَق
يعلو.. فتحسبه شَقَّ القلوبَ إلى
حَبّاتِها.. وطوى آلامَها الغرق
حتى إذا خفَّ - مغموراً بموجتهِ -
شيئاً فشيئاً ... تراءى حولها الأُفُق
فمال كلُّ نديمٍ في تَرنُّحهِ
على سواه من الصوت الذي عشقوا
"فاقطفْه في زهوه.. وانظرْ إلى دمهِ
هل مازجَ الكاسَ إذ تسقي وتُسقاها"
(6)
بات الهزارُ بقرب الوردِ يعبدُهُ
يا طلُّ
كنْ كالخمرِ
رقراقا
وقُلْ إلى النجم إنّ الفجرَ موعدُهُ
يظلُّ
حتى الفجرِ
بَرّاقا
وتَمّ للشمس في الأفلاك جولتُها
فجاوزت بخُطاها الغربَ في خَفَرِ
وظلّ من بعدها ما احمرَّ من شفقٍ
يسائل الأرضَ هل غابت عَنِ النظر
فانفضّ في الروض حفلٌ كان مُنشدُهُ(67/312)
من الطيور وساقيه من الزَّهَر
وأقبلَ الليلُ يحدوه تَطلُّعُهُ
إلى الذي خلّف الندمانُ من أثر
يا ليلُ! اِنفرطَ العِقْدُ الذي امتلأتْ
به يداكَ ففاض الكونُ بالدُّرَر؟
لولا سناها لما عاينتَ شاعرَهُمْ
وقد تَوسّدَ كفَّيْه على النَّهَر
بجنب شيرينَ.. مأخوذاً بروعة ما
تُدليه في مائه الجاري من الشَّعَر
ووجهُها باسمٌ يُغني بطلعتهِ
عن الشموعِ - ويُمناها على الوتر
قال: انظري كيف يبدو في الظلام لنا
سِرُّ الجمالِ الذي يَخفى مع السَّحَر
شيرينُ! لو كان لي بعد البِلى أملٌ
لما تمنّيتُ إلا ثانياً عُمُري
فعشتُ في هذه الدنيا كعهدكِ بي
للحسن.. يُشعل لي ناراً فأغشاها"
(7)
للحسن فينا - كما فيه لنا - وَطَرُ
من لم يَحُمْ
بين يَدَيْ
نُوْرِهْ
عاش الندامى وحَلّى كأسَهم قَمَرُ
على النغمْ
من عرش دَيْـ.. ـجُوْرِهْ
عاد الربيعُ لنيسابورَ ثانيةً
وقد تبدّلَ زاهي أمسِها بغدِ
فكان في الموكب التالي كسابقهِ
يمشي مع الحُسنِ مختالاً.. يداً بيد
كم ذاب قلبُ هَزارٍ في تَرنُّمهِ
حتى تَضوَّعَ هذا الزهرُ وَهْو ندي
عاد الربيعُ.. وقد حفَّ الحِسانُ بهِ
إلا الذي كان يهوى الحُسْنَ لم يَعُد
سَلِ الورودَ وقد وارت بكِلَّتِها
ضريحَه لِمَ لمْ تُكْثِر من العدد
هناك حيث قديماً طاب محفلُهُمْ
حلّ الندامى على أنماطها الجُدُد
عاد الربيعُ.. فلا ردّوا تحيّتَهُ
إلا بأحسنَ منها - دائمَ الأبد
بشعلةٍ في يديها.. روحُ شاعرهمْ
مثلَ الفَراشِ حواليْها مع الحَشَد
حتى إذا تَمَّ دَوْرُ الكأسِ بينهُمُ
تهتزّ أوتارُه من صوتها الغَرِد:
"واضيعةَ الكأسِ يوماً إن عثرتُ بها
على رفاتي.. فلم أنعمْ برؤياها"
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> الخياميات
الخياميات
رقم القصيدة : 65196
-----------------------------------
أفِقْ يا نديمُ استهلَّ الصّباحْ
وباكِرْ صَبوحَكَ نَخْبَ المِلاحْ
فمُكْثُك بينَ النَدامَى قليلٌ
ولا رَجعةٌ لكَ بَعدَ الرواحْ
**(67/313)
لقد صاحَ بي هاتفٌ في السُباتْ:
أفيقوا لرشفِ الطِّلا يا غُفاةْ!
فما حقَّقَ الحُلْمَ مثلُ الحَبابِ
ولا جَدَّدَ العُمْرَ غيرُ السُّقاةْ
**
ألا أترِعِ الكأسَ نَخبَ العَدَمْ
فمَنْ نامَ منّا كمَنْ لم ينَمْ
ولا أمْسِ ظَلَّ ولا الغَدُ حَلَّ
فما يَمنعُ اليَومَ أن يُغتنَمْ؟
**
فهاتِ حبيبي لي الكأسَ هاتِ
سَأنسَى لها كلَّ ماضٍ وآتِ
غَداً؟ ويحَ نفسي غداً قد أعودُ
وأَعْرقُهم في البِلى مِن لِداتِي
**
إلهيَ! رُحماكَ أينَ الصَباحْ؟
فقلبي يَكاد أسًى يُستباحْ
وغُفْراً.. لساقٍ سَعتْ بي إليها
جُنوناً، وراحٍ تَمادتْ بِراحْ
**
وكم لِيَ من توبةٍ عن جَناها
فهل كنتُ أصْحو وقد عِفتُ فاها؟
ويَنفحُنِي الوردُ وَرْدُ الربيعِ
فلا أملكُ النفسَ حتّى تَراها
**
لَئِنْ قُمتُ في البَعثِ صُفْرَ اليَدينِ
وعُطّلَ سِفْرِيَ من كُلِّ زَيْن
فيَشْفعُ لي أنَّنِي لم أكُنْ
لأُشركَ باللّهِ طَرْفَةَ عَيْنِ
**
أَ آلهةَ الخَمْرِ! بئسَ التَجنّي
قَلَبْتُنَّ للصَبِّ ظَهْرَ المِجَنّ
طرَحْتُنَّ في الكأس بُرْدَ وقاري
عرَضْتُنَّ جِدّي لِلَهوِ المُغنِّي
**
نَذرتُ لحُسنِكِ نَجْوى صَلاتي
وفي غَمْرَةِ العِشقِ ضَيَّعتُ ذاتي
فلوْ خَيَّرونيَ.. لَمْ أرضَ إلاّ
بتِلكَ حَياتي - فأنتِ حياتي
**
سيَحيَا لحبّك قَلبي المُعنّى
لِجَوْرِك، ما دام وعدُكِ مَنّا
لطَرْفِكِ، يَسقي مع الخمرِ خَمراً
فيُبدعُ - فَنّاً - وأُبدعُ فنّا
**
ويا لَيتَ شِعري أتِلكَ الزُهورُ
عرائسُ نُعمَى جَلتْها السُّتورُ؟
فمِنْ قُبلةِ الشَمسِ هذا الحياءُ
ومن لُؤلُؤِ الطَلِّ ذاك السُرورُ
**
فَجَدِّدْ معَ الكأسِ عَهدَ غَرامِكْ
وحَلِّ مَرارتَها بابْتِسامِكْ
وعَجَّلْ فَجَوقَةُ هذِي الطُيورِ
قد لا تُطِيلُ الطَوافَ بجامِكْ
**
ويا وهَجَ القلبِ كُنْ مُحرِقا
صَبوتَ فزادَ الصِّبا رَونَقا
وما أضيَعَ العُمْرَ لو أنَّني
حَملتُكَ من غَيرِ أن تَخفِقا
**
لئن عادَ عِندَك مَدعاةَ نُكْرِ(67/314)
بُكوري لِشُربٍ ونَومي بسُكر
فما أسفي غَيْرَ أنّيَ ضَيّعتُ
في الصَّحْوِ أجْملَ أيامِ عُمري
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> برقيّة
برقيّة
رقم القصيدة : 65197
-----------------------------------
"إلى رفيق العمر حبيبي نزار"
نَعِي.. فإذا الرَمزُ عَينُ الظُهورِ
وما "الحَيُّ" إلا بمعنى الحُضورِ
ومَوكُبنا بَين نارٍ ونورِ
نُلمُّ بأحداثهِ في ثوانٍ
ونُلغِي القُرونَ لبُطء المسيرِ
****
فيا راصداً كَونَنا في كيانِهْ
وكانَ له أثرٌ في زمانهْ
يَزيدُ وينقصُ حسبَ أوانِهْ
ولم نَعْدُ عن كونِنا في مَداهُ
على زبَدِ المَوجِ حَبَّ جُمانهْ
****
أفي عُنفُوانِكَ؟.. ها أنتَ حَقّا؟
على الجَنْبِ في بَعضِ مَثواكَ مُلْقى!
سلامةَ عُمرِكَ! عِشتَ لتَبقَى!
لكم قَبلَها فوق تلك الحُشود
جَلجَلَ صوتُكَ رعداً وبَرْقا!!
****
هُواةٌ؟ بغُربتهم في الوطَنْ
بلا سِحرِهِ بَينَ فنٍّ وفَنْ
إزاءَ تَحرُّكهم في الزمنْ
فقاقيعُ تُشبِهُ أمثالَها
تَنوءُ بدَورٍ.. كأنْ لم يَكُنْ!
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> أتبقى گـذا
أتبقى گـذا
رقم القصيدة : 65198
-----------------------------------
أتَبقى كذا؟
في زمانِكَ
ظّلا
تَعيشُ
بتقليدِ ما جاءَ نقلا
تُكفّرُ
مَن يُنكر النقلَ أصلا
ومَنْ
فوقَ دُنياكَ
شاهدتَ جاهَهْ
بنَى هو أقمارَهُ
واستنارْ .
****
وها أنتَ! - لاهٍ كما كنتَ قبلا
وإني لأعلمُ
منذُ متى كانَ ذاكْ
أحقّاً - أمامَ خُطانا؟
أمامَ خطاكَ وجدتَ الصِراطَ
طريقَ هُدانا، طريقَ هُداكْ
جدارا؟ .
أكان مصيرُ البشرْ..
بأن يتطوَّرَ للأحسنِ؟
فطالت خُطاه، وأمَّ القمرْ
ليبحثَ في الكَونِ عن مأمنِ
فأرسَى حيالهْ؟
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> لا كان أمس
لا كان أمس
رقم القصيدة : 65199
-----------------------------------
وما خَطبُنا اليومَ؟
ماذا يُقالُ؟
ونحنُ الذين سدَدْنا المَسالِكْ!
طريقَ الهُدى لم يَعُدْ مُستقيماً(67/315)
ولا هو سالِكْ
لكَثرةِ ما طُلَّ فيهِ
دمُ الأبرياءِ
اغتيالاً .. وصَبرا .
****
صراطٌ أمامَ خُطانا
نراه على ضوء ما كانَ أمسِ
(لا كانَ أمسِ)
جَوازاً لمستنقعٍ في الدماءِ
كما لو بَنَينا هُناكَ
جِداراً
فيا شرَّ حالَهْ!
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> في الشتات
في الشتات
رقم القصيدة : 65200
-----------------------------------
وما من مُفارقةٍ بينَ أمَّتنا وَبقايا الأُمَمْ
سوى أنَّنا في الأساس نَدينُ بأعلى القيمْ
ولكنْ هنا عَبثُ العابِثينْ:
رَأَوْا هُمْ...
مُصلّينَ قد وحَّدُوا صفَّهم في الصَلاةْ
عَلى كل أرضٍ
جُموعاً غفيرهْ
فهالهمو ما رَأَوْا..
فاستباحُوا طريقَ القناةْ
وَبثّوا الوُلاةْ
بدفعٍ وقَبضِ
لأقبحِ سيرهْ.
ولا عند أنفسنا
نحن كنا سوى "فِرَقٍ" في الشتاتْ
تُسَرُّ بإرهابها
بلْ بحربِ الإبادهْ
بَعضُها ضدَّ بعضِ
ولا منْ جريرهْ.
****
أليس بفألكَ..
ما زال ماضيكَ مرآةَ حالكْ؟
ترى الغيبَ فيها بعين خيالكْ؟
ولا غَدَ....
تنأى به عن ضلالكْ؟
****
وكانت كبيره
بلا شكِّ واعٍ، ولا من يقينِ
سوى أنِّ "حرزَ" الشهادةِ
"بالمعنَيَيْنِ"
وقفٌ على الفرقةِ الناجيهْ
فرضَ عَينْ
فعنهُمْ..
وعَنها "الحديثُ" يُثيرُ شُجوني!
****
فكيف الإقاله؟
ومنذ أوائلِ من حَدَّثوا..
لم نزل نحن - عبرَ القرونِ -
كما لو رضينا بأن نلعقَ السمَّ
حتى الثُّمالهْ!
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> قصب السبق
قصب السبق
رقم القصيدة : 65201
-----------------------------------
إلى اليأس أقربُ ، ما ارتجيهِ
فتلكَ قَضايا لنا - مُستَحيلَهْ
وإنْ هي تَمَّتْ ، وإنْ لَم تَتِمَّ
فليستْ سوى غايةٍ ... لا وَسيلَهْ
****
فسَوفَ يظلُّ التسامُحُ مفتاحَ كُلِّ الحُلولِ
فَنَحفَلُ بالغدِ - لا بنُجومٍ وسَاسَهْ
وعَهدِ الخلافَهْ
فلا أحسَبُ الدينَ مَسرَحَ "قالٍ وقيلِ"
وثَلَّةَ أسماءِ مَنْ مَثَّلوا باسمِهِ
لِنقرِنَ أدوارَهُم بالقداسَهْ(67/316)
ونَنسَى الرِيادهْ!
****
فقَد رَضِيَ اللهُ عن خلقهِ أجمعينَ
جَلالاً - وقدَّرَ مَجلى رضاهُ اكتمالا
فسبُحانَه إذ قَضى بينهُم "كُلِّ تلكَ الخلائقْ"
قَضى لابن آدمَ وَحْدَهْ
"لإحرازهِ" قَصَبَ السبقِ دوماً
بأن يستعينَ
وأن يتعالى
وكالنيِّرات يَشعُّ جَمالا
فيَحيَا احتفالاً - إلى أبد الآبدينَ
ويبقى سُؤالا
ولا كالحقيقة نعجَزُ عنها خَيالا!
فيا أنتَ!
ما أنتَ في كُلِّ هذا...
حِمىً ومَلاذا؟
وفي عَالمِ الغَدِ
لو كنتَ تَعلمْ....
بِحُرِّية الرَأيِ نفيٌ لوضْعٍ مُشرذَمْ
"معاصيه أكثرُ فيما يُحَلَّلُ...
لا ما يُحَرَّمْ"
فما بالُنا لا نُحقّقُ للغَدِ فالَهْ.
****
صُروفُ الزمانِ رَأتْ دَورَنا
في السِّياسَهْ
(وقد طالَ)
لا يَتَعَدّى الرِئاسَهْ !
ونَفرُضُه في العبادَهْ
قِبالَ "عَدُوٍّ" حَرِيٌّ بِنا أن نخافَهْ
فَنلقَى مَآلَهْ!
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> غرة الشهر
غرة الشهر
رقم القصيدة : 65202
-----------------------------------
أنصدقُ أنفسَنا بالحقائقْ
ونقتلعُ الشرَّ من جَذْرِهِ
ولو قد فعَلْنا بدون عوائقْ
وأسعفَنا النُورُ في نَشرِهِ:
****
إذَنْ لسَألنا..
ولَم نَخشَ ردَّ السُؤالِ
ففي حكمة الردِّ (لا الردِّ) عينُ الأصالهْ
يُعقِّبُ خَصمٌ عليه بما قد بَدا لَهْ
وما ليسَ يَخطُرُ في الشَرقِ يوماً ببالِ
إذنْ لَتَحسَّنَ نوعُ العلاقاتِ فينا
وعامِلُنا آمنٌ رِزقَهُ في القِطافِ
يُجيزُ له في التَباحُثِ حَسْمَ الخلافِ
ويضمنُ إنْ سارَ ، في غُربة الدارِ، زَادَهْ
إذَنْ لقَضَينا عَلى كُلِّ ما يَصْطلينا
يُثيرُ العِداءَ ، ويُورِي زنادَهْ .
****
وَفي غُرَّةِ الشهرِ من كُلِّ عَهدٍ
يَلينا
كما وَحَّدَ الناسَ قِبلَتُهُم
في العَدالهْ
نُناجِي - بحقٍّ - هِلالَهْ
ونَحيا مِثالَهْ!
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> بين الأشواك
بين الأشواك
رقم القصيدة : 65203
-----------------------------------(67/317)
أين للبلبل أن يُلقي بيانَهْ
وهو لا يعرف في الظلّ مكانَهْ
فَتْرةٌ مَرّتْ عليه في الربى
كان كالمشدوه في حمل الأمانه
فإذا أرسلها ضاحكةً
هزّتِ الأصداءَ بالوجد كيانه
وسرتْ في الروض منها نفحةٌ
طفق الفجرُ بها يُغري حِسانه
صَوّحتْ تلك الربى من زهرها
آفةٌ لم تتركِ الطيرَ وشانه
فإذا لاذ بصمتٍ بعدها
فلكي يطوي عن الإفك لسانه
ما الذي قَرّتْ به عيناه مِنْ
مشهدِ الحُسْنِ فيُوليه حنانه
لا يرى الروضَ على حالتهِ
ضاحكَ الوردِ، ولا يُبصر بانه
لو تَبدّى "اليأسُ" في وحشتهِ
شبحاً يمشي على الأرض.. لكانه
يا ابنَ ودّي غاب عنه أمسُهُ
لا تُذكِّرْه - وقد فات - زمانه
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> إلى أحمد صبري
إلى أحمد صبري
رقم القصيدة : 65204
-----------------------------------
يا عبقريَّ العصر غيرَ مُدافَعٍ
والكوكبُ الوقّادُ في ظلمائهِ
مضتِ القوافلُ وَهْي تخبط في الدجى
حتى استضاء فكبّرتْ لضيائه
ما سَرّني مدحيه إلا بعد أنْ
ألفيتُه للشرق بابُ رجائه
تلك القرونُ .. كأنّما هي ليلةٌ
ليلاءُ، أسفرَ صبحُها بذُكائه
إن الذي برأَ العقولَ سما بها
صُعُداً وخصّكَ دونها بسَمائه
فاسلمْ! فما هذا الزمانُ سوى فمٍ
يشكو ، وتعلم أنتَ موضعَ دائه
ما كان للصحراءِ أن تظما وفي
أعماقها هذا الغديرُ بمائه
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> شواظ جحيم
شواظ جحيم
رقم القصيدة : 65205
-----------------------------------
فداكِ سناً كلُّ من لا يغارُ
تَشابَهَ ليلُهُمُ والنهارُ
ولو قلتُ يفديكِ ذو غَيْرةٍ
لعزَّ الفداءُ، وطال انتظار
أأرثيكِ؟ أنّكِ لم تبعدي بَلْ
سعدتِ بقاءً فأنتِ الديار
تحوّلتِ للخُلْد في ومضتينِ
كأنّ حياتَكِ لا يستعار
رآكِ العدوُّ شواظَ جحيمٍ
غداةَ بدا لكِ منهم قِطار
فهل عاينوا غيرَ إرهابَهم
يدور بمصرعهم حيث داروا
عجبتُ لأنثى أبتْ أنْ تُعا
نِقَ إلا الحِمامُ فطاب الخِيار
مضى العهدُ قبلكِ ليلَ حِدادٍ(67/318)
فلا حقُّ، لا ملجأٌ، لا قرار
لقد جمدَ الحزنُ في العين دمعاً
وعاد إلى القلب وَهْو شَرار
بطول مآسيه حتى انطلقتِ
شهاباً وإذ للنضال انفجار
تَباهي فما في رُبى الخلدِ قَطُّ
زان بجلوة عرسٍ إطار
كجلوكِ.. إذ كبّر الخالدونَ
وما كان أحلاكِ لولا الغبار
وأفتنُهم بكِ كان الشُّراةُ
وبينهُمُ طاب منكِ الحوار؟
فهل بعد سعيكِ فضلٌ لساعٍ
وعاش بمثل طِلابكِ ثار؟
وهل مثلُ حِنّاكِ شاهدُ عرسٍ
وحلّى كمثل "يديكِ" سِوار؟
وكلّلَ حين تطايرَ شَعرُكِ
هامةَ مثلكِ في الحرب غار؟
وأنتِ كفاكِ من الخُلْدِ أنْـ
ـنَكِ جاورتِ ربّكِ نِعْمَ الجِوار
على الريف بعدكِ أشرقَ بدرٌ
وصفّقَ نهرٌ وغنّى هَزار
وفي الحرب حولكِ تضحك للمَوْ
تِ أعينُ أحرارها إذ تُثار
تَباهي فما لجلال الشهادةِ
داعٍ وعى كيف يُحْمَى الذِّمار
تَجمّعَ في حشدهم كلُّ لَسْنٍ
وأمّا تَدافعُهم فاضطرار
فإنْ وحّدَ العُرْبُ يوماً خُطاهم
وشايعهم مجدُهم حيث ساروا
فأنتِ سَناً قد أنرتِ الطريقَ
ودون الردى لا يتمّ انتصار
لقد قصرتْ عن مداكِ الملوكُ
فحسبُكِ أنّكِ أنتِ المنار
نفذتِ كسهمٍ إلى ما أردتِ
وبين خُطاهم يلجّ العِثار
تَراوحَ حيث التقى جمعُهم
كأمسٍ ليَصدرَ ليلاً قرار
فلا كابدَ الخوفَ منهم صباحاً
عدوٌّ ولا آنسَ الأمنَ جار
كأنّ العروبةَ عندكِ صَرْحٌ
وما باسمها يُعلنون انهيار
إذا الأرضُ تحت احتلالِ الغزاةِ
فكلُّ سلامٍ مع العجزِ عار
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> سعاد الصباح
سعاد الصباح
رقم القصيدة : 65206
-----------------------------------
طاولي كلَّ طَوْدٍ أشمِّ
ما عهدناكِ إلا كأمِّ
يا ابنةَ الخُلْدِ أيُّ علاءٍ
لُحْتِ منه لصادق حُلْمي
حزتِ في الخَلْق وحدَكِ قلباً
نَيّراً بينما الحبُّ يُعمي
تستظلّين رايةَ عِزٍّ
ولنجواكِ لألاءُ نجمِ
كيف عايشتِ أهلَ جوارٍ
خانقٍ بين خالٍ وعمِّ
كم تنادَوْا لبعض قضايا
وتمادَوْا بها دون حَسْم
لقّنتْ ضربةُ الشمسِ درساً(67/319)
كلَّ رامٍ فما عاد يرمي
يا ابنةَ الخُلْدِ محضُ دعاءٍ
قدرُ اللهِ... همُّكِ هَمّي
مع تلك النوايا خُلوصاً
كالأعاصير وَسْطَ الخِضمِّ
أن تَقَرّي بدنياكِ عيناً
في الورى بين مَدْحٍ وذَمّ
لقَرارٍ كبََرقةِ مُزْنٍ
من تُسَمّين ، من لم تُسمّي
في احتجاز الأخصِّ ، سليهم:
كيف ضلّوا طريقَ الأعمِّ؟
حيث يزهو سِواهم بآتٍ
هم بماضٍ - لدورٍ أهمّ
هو عَوْدٌ على البدء ، حتى
عند من عاش غيرَ مُلِمِّ
بعُرى أمّةٍ في انفصامٍ
أيُّ دَوْرٍ يُراد لأُمّي!
ليس (ما قدّروه علاجاً
شافياً) غيرَ جُرعةِ سمّ
إنهم أمّةٌ في انقسامٍ
عَوْذُ قاضٍ وحيرةُ ذِمّي
لم يغب عنكِ ما غاب عنهم
بدّلَ القرنُ كَيْفاً بكَمِّ
هم كحادينَ خارت قُواهم
فأناخوا ورَكْبٍ أصمِّ
يا لذاكراكِ والليلُ داجٍ
أين عن مثلها بدرُ ِتمِّ
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> مرة في الزمان
مرة في الزمان
رقم القصيدة : 65207
-----------------------------------
سَمّ ما شئتَ صُنْعَنا في الرباطِ
قِمّةٌ سيلُها يعمّ الشواطي
في المسيرات ما لزخمٍ سُموقٌ
فالمغالون ضِدّ كلِّ انضباطِ
وحدَها - لقطةٌ حياتُكَ لولا
طولُ عُمْرٍ مُدَرَّجٍ في النشاط
لقطةٌ لا تُجاوز الصفرَ قَدْراً
مع أخرى في القَدْر مِليونُ واط
مَرّةً في الزمان عشتُ مثالاً
لو وعى الخَلْقُ هَدْيَةً للصراط
ليس خيراً ما شبّهَ الحقّ فيهِ
ليس شرّاً ما زانَ توبةَ خاطي
بَشَرٌ.. عاجزون في كلّ أرضٍ
سِمةُ القابعين تحت السياط
لا بمعنى عجزِ الريادةِ صِرْفاً
بل لذاك الشعورِ بالإحباط
سوف ترضى عصرَ الأنابيبِ أم
عهدُها بالرعيل لفُّ القِماط
لم يعطِّلْ شمولَها في النوايا
كبقاء الجنسين دون اختلاط
ما أبرَّ الشهيدَ - مات ليحيا
نقطةَ الفصلِ في اتّساق النُّقاط
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> وطني ..
وطني ..
رقم القصيدة : 65208
-----------------------------------
أحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف
ولكنني أحب الرصيف أكثر(67/320)
.....
أحب النظافة والاستحمام
والعتبات الصقيلة وورق الجدران
ولكني أحب الوحول أكثر.
*****************
فأنا أسهر كثيراً يا أبي
أنا لا أنام
حياتي سواد وعبوديّة وانتظار
فأعطني طفولتي
وضحكاتي القديمة على شجرة الكرز
وصندلي المعلّق في عريشة العنب
لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري
*********
المرأة هناك
شعرها يطول كالعشب
يزهر و يتجعّد
يذوي و يصفرّ
و يرخي بذوره على الكتفين
و يسقط بين يديك كالدمع
**** *****
وطني
.......
على هذه الأرصفة الحنونة كأمي
أضع يدي وأقسم بليالي الشتاء الطويلة
سأنتزع علم بلادي عن ساريته
وأخيط له أكماماً وأزراراً
وأرتديه كالقميص
إذا لم أعرف
في أي خريف تسقط أسمالي
وإنني مع أول عاصفة تهب على الوطن
سأصعد أحد التلال
القريبة من التاريخ
وأقذف سيفي إلى قبضة طارق
ورأسي إلى صدر الخنساء
وقلمي إلى أصابع المتنبي
وأجلس عارياً كالشجرة في الشتاء
حتى أعرف متى تنبت لنا
أهداب جديدة، ودموع جديدة
في الربيع؟
وطني أيها الذئب الملوي كالشجرة إلى الوراء
إليك هذه "الصور الفوتوغرافية"
**********
لماذا تنكيس الأعلام العربية فوق الدوائر الرسمية ،
و السفارات ، و القنصليات في الخارج ، عند كل مصاب ؟
إنها دائما منكسة !
**** ****
اتفقوا على توحيد الله و تقسيم الأوطان
********
((مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير
أناشدك الله يا أبي:
دع جمع الحطب والمعلومات عني
وتعال لملم حطامي من الشوارع
قبل أن تطمرني الريح
أو يبعثرني الكنّاسون
هذا القلم سيقودني إلى حتفي
لم يترك سجناً إلا وقادني إليه
ولا رصيفاً إلا ومرغني عليه))
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> مرافعة بين العلم والدين
مرافعة بين العلم والدين
رقم القصيدة : 65209
-----------------------------------
على لسان العلم :
صمدنا له.. ضائعاً في الزمانِ
تجاهل في الفنّ أطوارَهُ
تُباح الحقوقُ فيُدعى ضميرا
وكم حَوّلتُه السياسةُ نِيرا(67/321)
فما سايرَ العصرَ حتى قضاءً
ولا ناجزَ الحكمَ حتى مُشيرا
قُداماهُ... هل توّجتْ قطُّ نصرا
بدون حشودٍ تظلّ كأَسْرى
لواقعهم في انتظار الخلاصِ
وبُشراهُمُ أنْ غدا الغيبُ بُشْرى
جهادٌ رَضُوه بمعنى القدرْ
تَعزّزَ من حُجّتَيْه السُّوَرْ
وكَلّوا... وما قطُّ كلَّ اللسانُ
فلا الخيرُ خيرٌ ولا الشرُّ شَرْ
سلي اليومَ: ما خطبُ أهلِ الجِنانِ
سلي القدسَ : هل آمنتْ جارَهُ
على لسان الدين :
كفرنا به.. تائهاً في الفضاءِ
وقد حَمّلَ الخَلْقَ أوزارَهُ
نماها ديوناً فألغى المعاشا
وتنميهً بالرِّبا تتلاشى
مُبطَّنةً حولنا لانفجارٍ
وعدوى المجازرِ بين العطاشى
كذلك في سعيه للسلامِ
هلاكُ الألوفِ برمية رامِ
تلا آيةَ النورِ لا للتجلّي
ولكنْ لطمس القُرى في الظلامِ
تمادى لعين الخفاءِ الأثرْ
بفضل التنافسِ في المختبرْ
لعرض محاذيرهم بالسخاءِ
أفي الشرِّ خيرٌ وفي الخيرِ شَرْ؟
وتلك محطّاتُهم في السماءِ
بإرهابها هل محتْ ثارَهُ
قرار المحكمة :
نُقررّ أنا نظمنا الصفوفَ
مرافعةً دون أن نلتزمْ
فإنّ لضِدّيّة الجانبينِ
فصولاً تطولُ وقد لاتهمْ
مُثولُكما إذ يصحّ مثالاً
لعمق المعاناة بين الأُممْ
تموج نظائرُها كالسرابِ
لعين المحقّقِ منذ القِدَمْ
بحَيْوانها آمناً في الكهوفِ
وإنسانها عاثراً بالقيمْ
وذاك يزيدٌ وهذا حسينٌ
كشأنِكما بين مدحٍ وذمْ
فليس لمحكمةٍ قد تَتالى
على البتّ في حلبةٍ لن تتمْ
سوى أنْ نشيدَ بحُسْن المآبِ
ونتركَ سائرَه للذممْ
وما عُدتما اليوم في المزدحَمْ
لحسم القرارِ بلا أو نعمْ
وجودُكما صار لا بدَّ منهُ
لإنقاذ عالمنا من عَدَمْ
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> بين يدي الزمان
بين يدي الزمان
رقم القصيدة : 65210
-----------------------------------
جار في حكمه الزمانُ وحابى
عالَماً في غبائه فتغابى
في اختلاف اللونين بِيضاً وسُوداً
كعُداةٍ طوراً وطوراً صِحابا
واعتناقِ الحدودِ إنْ هي قَرّتْ(67/322)
في مَراعٍ، أو هاجروا أسرابا
فاختراقٍ، ما كان في الأصل إلا
ثغراتٍ ، أو للحداثة بابا
مَعرِضُ الحُلْمِ كالحقيقة ، لولا
فاصلُ الجدِّ في التمثّلِ ذابا
فإذا الفنُّ ليس بالفنّ أصلاً
وإذا الرشدُ بانَ للرشد عابا
لم يعد فيه للمروءة شأنٌ
إنما الشأنُ فيه عاد انتسابا
بقُوى الأرضِ موطناً لغلوٍّ
طمس الحُسنَ جذوةً ورغابا
في طقوسٍ لها دلائلُ شتّى
لم يجاوز قصيُّها الأربابا
شهدتْ ظرفَها الشعوبُ غيابا
دام بين الحضورِ ظُفْراً ونابا
لاذ في ظلها الجموعُ انصياعاً
واستمرَّ الوجودُ كالأمس غابا
لقضاةٍ يُحلّلون انتهاكاً
لولاةٍ تصول فيه ذئابا
وحماةٍ كم مارس الشرَّ بعضٌ
في حِماهم تَفرُّغاً واكتسابا
قد قضَوْها لقلّةٍ في نعيمٍ
كابدَ الأكثرون منها العذابا
بديونٍ ترعى النموَّ ربيعاً
فإذا بالشتاء أرسى الخرابا
كذا بين سيّدٍ ومَسودٍ
ظلّتِ الناسُ تجهلُ الأسبابا
غيرَ أن الزمانَ كان سؤالاً
ما وعَوْا ردَّه ، وكان الجوابا
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> إنسان أي إنسان
إنسان أي إنسان
رقم القصيدة : 65211
-----------------------------------
بين ألفيّتينِ عهدُكَ طابا
عشتَ للخَلْق في مَداهُ شهابا
هنّأتْكَ الوفودُ أصغرَ سِنّاً
حين وافتكَ شِرْعةً وانتدابا
عشتَ أندى يداً وأرحمَ قلباً
ولكُلِّ الجُموعِ أشرعَ بابا
لكأنّ المصيرَ كان سراباً
تَيَّهَ العاثرون فيه المآبا
فأنرتَ الطريقَ حتى استبانوا
رشدَهم فيه روحةً وإيابا
يا لَذكراكَ إذ أصمَّ بكَ النا
عي ، وموتُ الحبيبِ جلَّ مُصابا
أنا في محنتي أذلُّ ليأسي
وتُناجي نفسي القضاءَ اكتئابا
كم رعاني إذ كنتُ أشكو زماني
في اغترابي ، وكم حباني اقترابا
كيف أنساه في ذُهوليَ "معنًى"
قد تحدّى به ، وما قطُّ خابا
لا تقلْ مات، لا يموت فقيدٌ
كان غَوْثاً ومَيْسماً وخِطابا
في شغاف القُلوبِ تلقاه وجهاً
رصدتْه الشعُوب دَوْماً مُهابا
أورث النهجَ بعد نَشْرٍ وطَيٍّ
خيرَ أهْلِيه حكمةً وشَبابا(67/323)
بأخيه كأمس لا فرقَ يلقى
حَمَداً ، لا يغيبُ عنه جنابا
فهما اليومَ (ما تَغيّبَ عنّا)
في حضورٍ - لا يفرضان حِجابا
لم يزل عالَمٌ يُراوغ سَلْباً
حسبُنا نتّقي الأذى إيجابا
حسبُنا روحُه تُكلِّل طوراً
أخطأ المغرضون فيه الصوابا
حسبُنا موطنٌ له دَوْرُ نجمٍ
نورُه ساطعٌ يغطّي العُبابا
نحن فيه ونهجُه غَيرُ خافٍ
لو يعمُّ الورى لَزاد ثوابا
وحدَنا في الخليج أغنى إخاءً
وعلى ضِيقه لأَزكى رحابا
فعزاءً لنا جميعاً مُصاباً
وهناءً لنا جميعاً مَثابا
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> الإنسان
الإنسان
رقم القصيدة : 65212
-----------------------------------
فيا من وعى كونَه في كيانِهْ
كأنّ له أثراً في زمانِهْ
وأنتَ كظاهرةٍ في مَداهُ
من زبد البحرِ بعضُ جُمانه
هنا كلُّ شيءٍ رهينُ الظهورِ
ولا حيَّ إلا بمعنى الحضورِ
نلمّ بأحداثه في ثوانٍ
ونلغي القرونَ لبُطء المسيرِ
أننعاه مَيْتاً؟ أنرثيه حَقّا
على الجَنْب في بعض مَثواه مُلْقى
وماذا يُميِّز - وَهْو الغريقُ -
أنْ عاشَ في الماء أو مات غَرْقا
ألا ليت للحيّ شأناً كـ "حَيِّ"
يُميّزه بعد نَشْرٍ وطَيِّ
كفُقّاعةٍ في مهبّ الرياحِ
تلاشى أمام البِلى كلُّ شَيِّ
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> مرآةُ عصرنا
مرآةُ عصرنا
رقم القصيدة : 65213
-----------------------------------
أنتَ مرآةُ عصرنا يا ابنَ عيسى
بكَ في العصر نحن أهنأُ قَوْما
إن رثى النيّرانِ في الظرف عجزي
منكَ عذري بالصمت يعدل لوما
يحسب المادحون أنّهُمُ قَدْ
بلغوا في المديح شأوكَ دوما
بينما الحقُّ - أنتَ ما زلتَ تعلو
فوقُ حتى الذي تخيّلتَ يوما
أنتَ في حُلكة الدجى اليومَ حُلْمٌ
إذ يغطّ الرعاةُ حولكَ نَوْما
إذ حملتَ الميثاقَ فينا ضماناً
كيف يرضى في عهدكَ الناسُ ضَيْما
لم أجد في الملوك قبلَكَ فرداً
حالفَ الغربَ ثم باراه سَوْما
كلُّ بابٍ طرقتَه كان فتحاً
ومضيقٍ عبرتَه كان عَوْما(67/324)
إن تُجَدِّدْ لكلّ سَعيٍ لباساً
فلأنّ النشاط يفرض حَوْما
عشْ لدنياكَ سائلاً ومُجيباً
ولدنيا سواكَ صحواً وغيما
يسند "العمُّ" في الجهاد خُطاها
بخيوطٍ تدور في الكون رَيْما
لابنكَ المرتقى وقد قام فينا
مَثَلاً يُحتذى صلاةً وصَوْما
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم العريض >> أمّتي
أمّتي
رقم القصيدة : 65214
-----------------------------------
يا أمّةً لم تجاوز أمسَها لغدِ
كيف السبيلُ لكي تَنسي فتتّحدي
كفى مكابرةً - ما تؤمنين بهِ
ما غاب - مثلُكِ - معنى الغيبِ عن أَحَدِ
عايشتِ مطلعَ إرهابٍ ، يُدان بهِ
ذووكِ من قِدَمٍ ، أَدّى إلى بَدَد
ولا مُبرِّرَ في تكفير بعضِهِمُ
بعضاً سوى ذلك الإدمانِ في "السند"
فلا المساجدُ تدعو من منابرها
إلى احترام حقوقِ الفردِ في البلد
ولا "الشهادةُ" تعني للجموع سوى
خُلْفٍ - تعالجه بالبطش والقَوَد
هيهات يحمد إنسانٌ جِوارَهُمُ
إن المهوَّسَ فيهم بُغضُه أَبَدي
كم عانتِ "القلّةُ العصماءُ" بينَهمُ
أذىً ، وكم لبثوا في سجنِ مُضطهِد
وعشتِ يا أمتي! لا تحفلين بنا
رعى احتفالُكِ دوماً كثرةَ العدد
ولا كعهدِكِ إذ تَمّتْ سيادتُهُ
في الخافقَيْنِ - وباسم الدينِ لم يَسُد
محا التخلّفُ ما سُنَّ الجهادُ له
فبِتِّ والدةً... رُوحاً بلا جسد
حقُّ الشعائرِ بالتقوى ، تُوجّهها
لله خالصةً - كالطائر الغَرِد
خُذي صداكِ، يُدوّي من مآذننا
هل قطُّ تضخيمُه أفضى إلى رَشَد؟
أنَّى لشاهدهم تقويمُ ظاهرةٍ
كغُرّة الشهرِ بين السبت والأحد
أو المعارضِ إذ تزهو بثروتنا
ما قيمةُ الجمعِ لولا فضلُ مُقتصِد
أو ما يُقدّره في كلّ مُؤتمَرٍ
حول الزعامةِ، مِشوارٌ لذي حسد
جميعُها قدوةٌ مُثْلى لسائرها
وليس تَخفى مراميها على أحد
لولا حقيقتُنا وَهْمٌ نلوذ بهِ
يا أمَّتي لبلغناها يداً بيد
هُمُ بنوكِ وقد ناموا على حُلُمٍ
طال النهارُ به دون ارتيادِ غد
كأنهم إذ يرَوْن الحالَ خانقةً
تُلقي بمن شكَّ في دَوّامة العُقَد(67/325)
وإذ مصّممةُ الأزياءِ تُفْزِعهم
بموقفٍ لفتاة العصرِ مُنفرِد
عادوا سواسيةً، لا يملكون لها
إرادةً ، غيرَ فتوى أيِّ مُجتهِد
هنا، أعدُّوا مع الأيام عِدَّتَهم
لخوض ماضٍ لهم بالذكريات نَد
واليومَ... لا سُورَ في الدنيا على وطنٍ
إلا تَسوَّرَه الإرهابُ في رَصَد
ما أظلمَ الدارَ تُعشي عينَ ساكنها
عن جلوة الكونِ في إسحاره الجُدُد
إن كان هذا هو الإسلامُ مُعْتمِراً
فيا لوحشةِ من يشقى مع الحشد!
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> مختارات
مختارات
رقم القصيدة : 65215
-----------------------------------
عكازك الذي تتكئ عليه
يوجع الإسفلت
فـ"الآن في الساعة الثالثة من هذا القرن
لم يعد ثمة مايفصل جثث الموتى
عن أحذية المارة"
*****
ياعتبتي السمراء المشوهة،
لقد ماتوا جميعا أهلي وأحبابي
ماتوا على مداخل القرى
وأصابعهم مفروشة
كالشوك في الريح
لكني سأعود ذات ليلة
ومن غلاصيمي
يفور دم النرجس والياسمين..
*****
مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير
أناشدك الله يا أبي:
دع جمع الحطب والمعلومات عني
وتعال لملم حطامي من الشوارع
قبل أن تطمرني الريح
أو يبعثرني الكنّاسون
هذا القلم سيقودني إلى حتفي
لم يترك سجناً إلا وقادني إليه
ولا رصيفاً إلا ومرغني عليه
*****
نحن الجائعون أمام حقولنا..
المرتبكين أمام أطفالنا...
المطأطئين أمام اعلامنا..
الوافدين أمام سفاارتنا..
نحن.......الذي لا وزن لهم إلا في الطائرات
نحن وبر السجادة البشرية التي تفرش أمام الغادي والرائح في هذه المنطقه ...
ماذا نفعل عند هؤلاء العرب من المحيط إلى الخليج ؟
لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن ،،
أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات ،،
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية ،،
أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب ،،
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد،،
أعطونا الحليب المجفف واخذوا الطفولة ،،
أعطونا السماد الكيماوي واخذوا الربيع ،،
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان ،،(67/326)
أعطونا الحراس والأاقفال وأخذوا الأمان ،،
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة ،،
************
إن تسكنَ وجهكَ موجةٌ
لا تعترف بذنوبها.
أن تدخلَ ثوبَ التشرد،
فيكون تيفالاً لسهرةٍ لكَ في أعالي
البوستر.
أن تستمعَ للوردّ ناطقاً رسمياً
باسم الحرائقِ.
أن تحتسيّ حياتكَ كأساً مع العواصم
والمقاماتِ والقرابين.
أن تجتهدَ
فتصبح حرفاً يمشي
بقوائم المثنى الثلاث الرباع
لتوبيخ التاريخ.
فذاك ما يفسد الأصواتَ في الأجراس.
**
[[ما يؤنسكَ حقاً.. إشاراتُ المرور. فكن على درّاجتك. هناك في الأبد.]]
******************
لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن ،،
أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات ،،
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية ،،
أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب ،،
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد،،
أعطونا الحليب المجفف واخذوا الطفولة ،،
أعطونا السماد الكيماوي واخذوا الربيع ،،
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان ،،
أعطونا الحراس والأاقفال وأخذوا الأمان ،،
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة ،،
***************
شعراء المغرب العربي >> عثمان لوصيف >> جرس لسماوات تحت الماء
جرس لسماوات تحت الماء
رقم القصيدة : 65216
-----------------------------------
جرس أطارده فيجرحني الرنين
صدى يسافر في يدّي
غمامة تدنو وأخرى تهربُ
وأنا أهرول في سهوب العمر
أبحث عن جراحاتي التي انهمرت هنا
بالأمس منّي هل رعاها الأنبياء
فبرعت مزهوّة
أم أنها طارت إلى آفاقها تتلهّبُ
ويسيل لحن من فمي
فإذا البروق تدغدغ الأرض المريضة
تمسح الأعشاب والأهدابَ
والشجرُ المضرّج بالصبابة.. يطربُ
وإذا الطبيعة كلها سرّ يكاشفني
فأبصر في مراياها الحميمة طفلة عصماء
تسقيني الحنان فأشربُ
وأصير طفلا يستجيب للغوها
ويضيع في أحداقها الخضراء
يا ليت الطفولة سحرها لا يذهبُ
آهٍ ! على جرس توغّل في الضباب
فلا يعود سوى زفرات ناي نازف
أمطاره لا تتعبُ
أشدو .. أصلّي فالعناصر كلها تتأهّبُ(67/327)
شوق النواميس استبدّ
ولألأت أسطورة قد مسّها الإغواء
فالكون استوى أيقونة من فضة
وأنا أنت نسيح في تاريخها
ماذا؟ وروحانا توحّدتا بها
هل تبصرين قصيدة
في مهرجان سطوعها تتوثّبُ؟
يا حبُّ يا جمر الكلام أعد.. أعد ما تكتبُ !
-2-
من أين حنجرة بزغت على الوجود
موقّعا تاريخك الشبقيّ
يا وجعا سماويا ويا شفقا مذاب ؟
هل كنتَ في رحم السدائم
ثم إذ خنّت إليك الأرض بعد سقوطها
في دورة الأشياء مزّقت الحجاب
وهرقت عشقك أنجما وحمائما
تنساب في غبش أنجما الضباب ؟
يا أيها الجرح الإلهي اشتعل
وخذ الخطاب
أنت الندى.. أنت المدى
أنت البداءة أنت.. أنت أنا
وأنت قصيدتي تجتاح هذا البرزخ المهجور
تخترق السراب
وتفيض ملء حقولنا الجدباء
عيدا من سحاب
جرس.. هو النبض السديميّ البعيد
هو الهوى الكونيّ وهو المعجزات الألف
تزهر في كتاب
يا أيها السارون في عمه الدجى
سيروا على إيقاع هذا الحرف
وانتصروا .. لكم سهري شهاب
برق هو الصوفيّ.. واللغة النبيّة
وابل يغشى اليباب !
شعراء مصر والسودان >> محيي الدين فارس >> أذرع الصفصاف
أذرع الصفصاف
رقم القصيدة : 65217
-----------------------------------
أخذت تهامسني ممرات الحقول
وشبك الصفصاف أذرعه
يصد حرارة الرمضاء عنى
تتبخر الأحزان مني حين اذرع دربها نخلا
وأسقيها قرابيني وفنى
فتعيدني لطفولتي..
وتعيد لي الوتر المغني
وتمدني بعصارة النبت الجديد
تقيلني من عثرتي... وتزود عني
تخضر آلاف الخلايا في تضاعيفي
وينمو البرعم الغافي بأعماقي
ويزهر كل غصن
الآن اخرج من شبابيك الدجي
لاغيب في المجهول
أمرق من إسار الطين
أمرق من كوي الإزمان
تشربني السماء
لأعود للنبع الالهي المضاء
وصحوت تملأني ارادات الحياة..
تقيلي لقضائه
في كل منعطف أجن
ومضيت أرسم للحياة طريقها
وأعيد ترتيبي وأبني
وإقيم للدنيا سرادقها
واغسل شرفة الالهام
... بالمطر المغني
اعددت اشيائي
وريشاتي... ولوحاتي... وفني
وجلوت أوتاري نفضت غبارها
وملأت دني(67/328)
وحسبت اني
قد نجوت من الهجير
ومن عذاباتي وحزني
وزجرت نفسي
ما لذى اغراك بالدنيا؟
وماهي بالمقر المطمئن
ان اقبلت او ادبرت
سيان عندك في التجني
وواريت نفسي وهي بالايمان صامدة
وفي الظلماء أنواء وعصف
تتناسل الأهوال من حولي
وصبري ماله حد ووصف
فلم التوقف في محطات الزمان
وحولنا للنهر عزف!!
من نحن؟
نحن كنخلة خضواء في الوادي تزف
تعطي... ومابخلت
وكل عطائها للناس وقف
ستظل واقفة
الي ان تسقط الأوراق منا.. أو تجف
الشمس تشرق كل يوم من جديد والحياة
هديرها الموار فينا لايكف
تجري كما الانهار
ان طبيعة الانهار أن تجري
تشق طريقها
لاتستدير ولاتلف!!
فابدأ حياتك بالكفاح وعش
علي أمل جديد
الشمس تشرق من جديد
والفجر يضحك من جديد
واغسل ضلوعك باليقين
وبالبشاشة.. والنشيد
شعراء مصر والسودان >> محيي الدين فارس >> الجواد والريح
الجواد والريح
رقم القصيدة : 65218
-----------------------------------
مهشمة كانت الذاكره
وبيت المشيمة عند المخاض.. غدا مقبره
وقابلة الليل قد حاصرتها
يدُ الريح.. في الظلمة الممطره
وحدَّثتُ عرافة الغاب..
أين طقوس الولادة..?
.. باب المذابح. ما ضمخته دماء الكباش الجميله
أين بساط الولائم?..
... وانطفأت.. أعين المجمره
على عتبات المدينة
طنَّ السكون.. وفاح كلام الظلام..
.. العصور الجديدة تولد
تبرح بوابة الدير.. عرافة الغاب
تنزل من جبل الصمتْ
وتشعل في الليل كل القناديل
تفرش بالضوء كل العشايا
يقوم الضحايا
ملابسهم أرجوان.. وأعينهم تتحدى الرزايا
تقول النبوءة:
يأتي على فرس أدْهمٍ
يسبق الضوء..
يخترق الريح..
يدَّرعُ الليل
يفتح بوابة العصر..
ينسج وجه الهويه
ينزع جلد المرابين
يكنس قشر الكلام.. يغني
تصادره الشمس
ثم يصادر هودجها الذهبيَّ
ويجدل من شعرها مقصله
ويفتح أبوابنا المقفله
لمحتك في زَبدِ النار ياقوتة
رضعَتْ من حليب الشموس..
ارتوت من رحيق الحضارات
.. واتّكأت في جبين الزمان...(67/329)
اللصوص اختفوا تحت شباكها
ثم مدوا على عجل
.. سُلَّمات الصعود
فجرِّد حسامك..
كل الحوارات أطروحة لم تتم
وسفسطة ما تزال
وكل الطواغيت مشغولة بالطواغيت
واللابسون رداء الكهانات
كالبوم... فوق طلول الزمن!!
وقد حمحمت في البحار السفن
دعيني
فللبحر.. رائحة منعشه
وقد حمحمت سفني للرحيل
وصفقت الريح في الأشرعه
فهذي المدينة تأكل أبناءها
ثم تنسَلُّ..
تقبع في الظلمة الموحشه
شعراء مصر والسودان >> محيي الدين فارس >> ليالي المنفى
ليالي المنفى
رقم القصيدة : 65219
-----------------------------------
كنا نحدق في فراغات الزمان
وتأكل الصحراء أوجهنا
وتذرونا الرمال.. على الرمال
نجري.. ونقتحم اللظى. ونموت في المنفى
.. تبعثرنا الجبال.. على الجبال
تتقيأ الدنيا أَظِلّتَنا..
فنركض في مناكبها.. هياكل..
ترتقي جبل الهموم.. بلا ظلال
ونخيلنا ما لقَّحته الريح.
ما ألقت جدائله على كتف الجزيره
والنهر مسلول الجوانح. ما به شبق.. ولا زبد
فقد نسيت أواذيه ترانيم (الدميره)
تخبو مصابيح الخيام
تموت ثرثرة النهيرات الصغيره
قابيل ثانيةً يحاول قتل هابيل
فتنتفض القبيلة والعشيره
والنمل يخرج من مغارات الجبال مهاجراً
يعلو.. ويهبط في النتوءات الخطيره
وحدي.. أصد الليل
يُفلت من يدي, ويطل منه الوحش
تزحمني, الأعاصير. المغيره
قابيل ما هشَّت لك الأبوابُ
ما ضحكت لمقدمك المماشي
والممراتُ المضيئه
بيني.. وبينك عالم الظلمات
سبعة أبحر سود ودورات الفصولْ
هدأت طبول الغاب لكنْ في دمي صخب الطبولْ
غاصت عيوني في مغارات الضباب
تغربل الدنيا, وترصد في البعيد مصادم الأشياء..
عند مخاضها.. ومغارب الأضواء في ثبج الأصيل
قابيل ثانية يحاول قتل هابيلٍ..
وقد غنى له الشعراء في عرس الضحايا
أشعل حرائقك اللعينةَ
فالرياح تمد ألسُنها
تسافر باللظى المجنون
تلتهم الضحايا
صدئت هنا الكلمات..
زَيْفٌ أيها الشعراء أضرحةُ العبارات الخُواء
السيل جاء
الموت جاء(67/330)
هدرت مواويل البحار الهُوج
تقتلع النبات الرخو.. تلتهم الغثاء
يا أيها الموتى زجاج الموت أعينكم
ترى شبح الفناء
فتحتفي بالقادمين على توابيت الدماء
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد الصالح ( مسافر ) >> لواعج على ورق الحنين
لواعج على ورق الحنين
رقم القصيدة : 65220
-----------------------------------
إلى الأحباب في الرياض
أحبابَ .. هذا الشعر..!!
تسألني .. القصيدةُ:
كيف حالُ الأهل.. والأحباب..؟!
كيف.. الشعر بَعْدُ..؟!
وأنت تأخذك القُرى.. بُعْداً
ويُقْصيك الزمانُ
وتَجْتَبِيكَ .. مواجعُ الأحباب
توغل.. تستبدُّ بك الشجونْ
أحبابَ.. هذا الشعر..!!
تطلبني القلوبُ
فكيف أهربُ
من قلوب أحبتي..؟!
وبأيِّ.. قافيةٍ...؟!
سأكتب حبَّهمْ
وبأي أحزاني .. وأفراحي
أُحدِّث عنهمُ..؟!
وبأي ... حرفٍ ..؟!
سوف أستغشي السكونْ
أحباب .. هذا القلب..!!
كيف الحبٌّ يُقرأُ .. في العيونِ
قصيدةً .. وحكايةً
ليست تُقالُ
وليس يُعْربها النُّحاة
وليس يَرْقيها الحواة
ولا الرُّواة تحيطها
أو أن تجيشَ بها الظنون
أحباب تلك الذكريات البيض
بعضَ حنانكم..!!
فالقلبُ.. أوجعه النوى
وتملكَتْهُ الذكريات
يفرُّ من بين الضلوع
إلى ضلوعِ وفائكم
ولكم به صرحٌ مكين
أحبابَ .. هذا القلب..!!
لا عتبٌ .. فقد أسكنتكم
وطناً بقلبي
في الشغافِ لكم هوىً
ولكم حلولٌ في الوتين
أحباب .. هذا الشعر..!!
لا تثريب بَعْدُ
الحبُّ يورقُ في مساء الشعر
حقلَ سنابلٍ
وبيادراً من ياسمين
يختالُ .. هذا الحب
في لغةِ القصائد
في قلوبٍ هزَّ هذا العشقُ
من أغصانها ورقَ الحنين
يا أيُّها الأحبابُ..!!
هذا الحب.. أُمُُّ بَرَّةٌَ
وأبٌ له عين الرضا
ورفيقةُ الدرب الطويل
هو البراعم
يملأون الكونَ
فيضاً من حنان
إنه الأصحابُ.. والأحبابُ
والأرضُ الثريَّة
بالهُداة .. وبالندى
وبأمّةٍ .. لا تستكينُ ولا تلينُ
لها من "القرآن"
سلطانٌ مبينْ
الحبُّ .. هذا الشاعرُ
المسكونُ بالدنيا
يضمِّدُ جرحها المبتلَّ(67/331)
بالألم الُمَبِّرحِ
يعتلي عرش الهوى
ويذوب .. في أحلى العيون
الحبُّ .. بذرةُ سدرةِ العشق
التي كمْ هزّها شغفاً
ونادمها.. هزيع شبابه
وتساقيا كأس الغرام
على مراشف..
من شفاه المترفات
ربيعه يأتي كنسمات الصَّبَا
وألذَّ .. من غيثٍ هتونْ
الحبُّ .. يا منْ يقرأون الشوقَ في الأحداق
يبدأُ .. صبوة الفرح الجميل
يُغيْضُ في العشاق
ملحمة التمرد والجنونْ
الحبُّ .. في رحم الحياة..
الشاعر المسكونِ بالمأساةِ
والممتدُّ .. في نُطَفِ الثرى
المنداحُ .. في كلِّ القرونْ
الحبُّ .. ينبت مثقلاً بالخلق
ينفذ في مسارب همِّهم
يفتضُّ .. خافية النفوس بسحره
أقوى من البأساءِ
من أُسْدِ الشرى
وأرقُّ من ماءٍ معينْ
الحب ..
وسواس القصيدةِ
بعض ما أوحى القرينُ
إلى القرينْ
شعراء مصر والسودان >> عبد الله الطيب >> بين الرياء والحياء
بين الرياء والحياء
رقم القصيدة : 65221
-----------------------------------
كلما لاح برقها خفق القلـ
بُ وجاشت من الحنين العروقُ
وأُراها بغتا فيوشك أن يُسـ
ـمَعَ من هاجس الضلوع شهيق
وعلى صدرها ثنايا من الخزْ
ـزِ مُلِحّ من تحتهن خُفوق
وتراءت بجيدها مثلما يشـ
ـترف الظبي أو يَشِبُّ الحريق
أتمنى دُنُوَّها ثم أنأى
فَرَقَ الناس, إنني لَفَروق
وأظن الرقيب يرمقني من
كل فج له سهام وبوق
وهي تزجي الحديث من فمها النا
عِسِ, يا حبذا النبيذ العتيق !!
وأشارت بنانها ومن العسـ
ـجد وَقْفٌ وللثنايا بريق
والمحيّا ريّان طلق وطفل الـ
ـحب في الناظر الضحوك غريق
تَدّعي غير حبها فتعاصيـ
ـه وفي سرك الحفيُّ الرفيق
وتخاف الصدود منها إذا صدْ
ـدَتْ وإن أقبلت فأنت تضيق
ذق لَمَاها وضُمّ موجة ثدييـ
ـها فإن الحياء دِين رقيق
مشرق في شبابها عنب الفتـ
ـنةِ هَلا وقد دعاك تذوق
شاقك المورد الرّويّ وما حظْـ
ـظك إلا التصريد والترنيق
أَوْمضت مُزْنة الجمال بساقيـ
ـها وطير الصِّبا حبيس يتوق
ليت شعري عن الرقيب أيغفو
ناظر منه أم إليها طريق(67/332)
أم يَبَرّ الزمان لاعج أسوا
ن بوصل فقد براه العقوق
عَدِّ عنها فقد عداك رياء النْـ
ـناس لا يسلك الرياء المشوق
وابك أيامك اللواتي تقضّيـ
ـن فقد باين الشبابُ الأنيق
ما تملّيت غير زهرة آما
ل طوتهامن الليالي خريق
وعزاء الفؤاد كأس من الشعـ
ـر دِهَاق حَبابُها مرموق
أَنّةُ المرهق الأسير وفي جنـ
ـبيه من ثورة مَريدٌ طليق
أي شيء هذي الحياة سوى قيـ
ـد يُعنّي الخطا وذعرٍ يسوق
وعبيدٌ هذا الأنام وعين الـ
ـله عَبْرى وسيفُه ممشوق
ونظن الحقوق ترجعها العقـ
بى وضاعت مع المطال الحقوق
وكأن الحمام غاية ما يطـ
ـلبه المستهام والمعشوق
فَرُوَيْدَ الفؤاد في سِنَةِ العمـ
ـر رويدا فعن قليل يُفيق
حين لا تنفع الندامة إذ خرْ
ـرَ من الأَيْنِ عَدْوُكَ المسبوق
شعراء مصر والسودان >> عبد الله الطيب >> إلى الخرطوم
إلى الخرطوم
رقم القصيدة : 65222
-----------------------------------
إلى الخرطوم من بعد اغترابِ
وبعد بِلَى الشهيّ من الشبابِ
غريب في بلاديَ سوف يفنى
غريباً في سباسبها سرابي
وآثرت الكتاب على خليل
يرائيني بأصناف الكذاب
وألفيت الكتاب يلوح منه
جبين الله في الظّلَمِ الرِّهاب
يحدثني عن الأشباه ولّوْا
فحولي معشر مثل الذئاب
وآواني الرضا في سِتر بيتي
من الأهواء والإحَن الغضاب
أُحِبّ النيل ذا التيار يطمو
ويلطم جانبيه بالعباب
سمعت بكاءها والعمر غض
يعللني بآمال عذاب
وبين السُّنط في الأسمال شُعْثٌ
دلَفن مع العشية لاحتطاب
أحب النيل حين صفا وشعت
تهاويل الأصيل على الروابي
وآواني الرضا في سِتر بيتي
من الأهواء والإحَن الغضاب
ومن صور ألاقيهن صُورٍ
من القبح انتقبْن بلا نقاب
أُحِبّ النيل ذا التيار يطمو
ويلطم جانبيه بالعباب
أحب النيل زمجر ثم لجّت
سواقيه الشجية في انتحاب
سمعت بكاءها والعمر غض
يعللني بآمال عذاب
وعزّاني تنهدها مطيفاً
به سجع القماريّ الطراب
وبين السُّنط في الأسمال شُعْثٌ
دلَفن مع العشية لاحتطاب(67/333)
وشِمْت البرق مثل السوط شق الدْ
ـدُجُنة بين مركوم السحاب
أحب النيل حين صفا وشعت
تهاويل الأصيل على الروابي
تهبّ به الشمال على شراع
كسالفة الإوزة ذي انسياب
شعراء مصر والسودان >> فاروق شوشة >> رسالة إلى أبي
رسالة إلى أبي
رقم القصيدة : 65223
-----------------------------------
يفاجئني الذي اكتشفت : أنت في نفسي حللت !
في صوتي المرتج بعض صوتك القديم
في سحنتي بقية منن حزنك المنسل في ملامحك
وفي خفوت نبرتي ـ إذا انطفأت ـ ألمح انكساراتك
وأنت ..
عازفا حينا ،
وحينا مقبلا
وراضيا ، تأخذني في بردك الحميم
أو عاتبا مغاضبا
فأنت في الحالين ، لن تصدني ..
وتستخير الله ، أنت تكون قد عدلت !
يفاجئني أنك لم تزل معي
وأنت شاخص في وقفتي الصماء ، والتفاتاتي
أرقبني فيك ،
وأستدير باحثا لدي عنك
تحوطني ، فأتكئ
تمسك بي ، إذا انخلعت
تردني لوجهتي
مقتحما كآبة الليل المقيم
الآن ، عندما اختلطنا
صرت واحدا ،
وصرت اثنين ،
عدت واحدا ،
عنك انفصلت ، واتصلت
لم أدر كم شجوك النبيل قد حملت
أضفته لغربتي
ومن إبائك الذي يطاول الزمان .. كم نهلت
فاكتملت معرفتي
واتسعت أحزان قلبي اليتيم
بالرغم من أبوتك
وأنت ناصحي المجرب الحكيم
لم تنجني من شقوتك !
***
أبي تراك في مكانك الأثير مانحي سكينتك
وقد فرغت من رغائب الحياة
فانسكبت شيخوختك
على مدارج الصفاء والرضا
وصار قوس الدائرة
أقرب ما يكون لاكتمالها الفريد
هأنذا ألوذ بك
أنا المحارب الذي عرفته ، المفتون بالنزال
وابنك ..
حينما يفاخر الآباء ، بالبنوة الرجال
منكسرا أعدو إليك
أشكو سراب رحلتي
وغربتي
ووحدتي
محتميا بما لديك من أبوتي
ولم يزل في صدرك الرحيب متسع
وفي نفاذ الضوء من بصيرتك
جلاء ظلمتي وكربتي
فامدد يدك الذي قد غاله الطريق
واخترقت سهامه صميمه .. فلم يقع
لكنه أتاك نازفا مضرجا
دماؤه تقوده إليك
زندبة في جبهتك
وصرخة مكتومة يطلقها .. إذا امقتع
هذا ابنك القديم ،
وابنك الجديد ..(67/334)
يبحث فيك عن زمانه ،
وحلمه البعيد
فافتح له خزانتك !
شعراء مصر والسودان >> فاروق شوشة >> بغداد يا بغداد
بغداد يا بغداد
رقم القصيدة : 65224
-----------------------------------
كيف الرقاد ! وأنت الخوف والخطر
وليل بغداد ليل ماله قمر !
ها أنت فى الأسر : جلاد ومطرقة
تهوي عليك وذئب بات ينتظر
وذابحوك كثير ؟ كلهم ظمأ
إلى دماك ؟ كأن قد مسهم سعر
أين المفر؟ وهولاكو الجديد أتى
يهيئون له أرضا فينتشر
أنى التفت فثم الموت ؟ تعزفه
كفان بينهما التاريخ ينشطر
بغداد حلم رف واستدار
كما يزف طائر
نأى به المدار
وحينما قصدت بابها الوصيد ذات يوم
على أضيع فى رحابها الفساح
أسلمت نفسى للهوى القديم واستكنت
فتحت هذه الحجارة المهمشة
يرقد
-في شوارع الرشيد والمنصور أو أبى نواس -
جميع من قرأت من نجومها
ومن رجالها الأقمار
ومبدعى ديوانها المملوء بالفتوح
والأفراح والجراح والعمران
والخراب والفنون والجنون
والثورات والثوار !
وليلها المزهر فى سماء عنفوانها !
كأنه نهار
وها أنا
أسير بين الكرخ والرصافة
أبحث عن عيون هاته المها
أسأل كيف طاب لابن الجهم
موسم الغرام ؟ والأشعار !
وحينما تمتد ساعة التسيار
أعود من مسيرة الأشواق
مستلقيا على ضفاف دجلة
والسمك المسجوف يشعل الحنين
والتذكار
أسير فى تزاحم الوجوه والرفاق
هنا توقف أيها الدليل
فهذه مكتبة المثنى
تفتح أبوابا من الكنوز
تنفض الغبار
عن كتب مطوية عتيقة
لما تبح بما حوته من غرائب الأسرار
وتنزل الستار !
أبحث فى بغداد والعراق
عن شاعر يعيش لحظة المحاق
ويدرك الأفول
والذبول
ملء عيون لم تزل
تعيش لحظة انتظار
لقادم يجئ ؟ عله ؟
أو لا يجئ
وما الذى يحمله الغد الخبئ
من ظلمة ؟ ومن دمار !
وهل ترى ينبه الصحاب والرفاق
إلى الغد الذى يلاحق الصغار !
أبحث فى بغداد والعراق
أبحث فى لفائف الذهول والإطراق عن صاحب وعن دليل
يرشدنى إلى مواطئ القدم
لواحد من عترة الأخبار
كان إذا مشى ؟ وإن أشار أو تكلما(67/335)
فوجهه الوضئ يمنح الوجود
دارة وأنجما
يعطيه أنسه وحسه
ومجلسه ..
وكان من شذا يديه تورق العطور
وتهطل الخيرات والثمار
ومن جنى لسانه تساقط اللآلئ
عقدا من النجوم
كأنه فيض الندى ؟ تغتسل القلوب فيه
أو كأنه در البحار !
أبحث عن هذا الحكيم
فى زمن للتيه والضلال والنزق
لعله الحلاج...
أو لعله الجاحظ ؟
أو أبو حيان...
أو واحد لا نعرفه
فى موكب النفاق والخديعة اختنق
أبحث عن هذا الحكيم
لعله يعود بالضياء للحدق
لعله ينجى من الغرق
من قبل أن يهدم ذاك المسرح الكبير
وتنزل الستار !
******
دار السلام ! وهل جربته أبدا
وأنت قنبلة بالهول تنفجر
طاشت رصاصاتك اللاتى قذفت بها
فى كل صوب ؟ فزاغ العقل والبصر
كيف ارتضيت خنوعا لا مثيل له
والروح فى قبضة الطاغوت تعتصر
كم نافقوك ؟ وكم صاغوا ملاحمهم
والحلم يطوى ؟ وظل المجد ينحسر
داست سنابك جلاديك فوقهمو
فالناس صنفان : مقتول ومنتحر
ياكم جنيت وقد أبقيتنا بددا
فى أمة ساد فيها الذل والخور
ماذا ترومين ؟ جلاد وعاصفة
ونحن بالصمت والخذلان نعتذر
جيكور ماتزال ؟ والسياب
يبحث فى الشناشيل التى تهدمت
عن ابنة الحلم ؟ وعن جبينها الوضاء
مازال واقفا يصيح :
كيف ارتضيت أن تكونى للطغاة
سدرة ومتكأ ؟
وأن يعشش الخراب فيك سيدا ملكا
وصبح الزمان داجى الرؤى ؟ محلولكا !
يا ويل من أن ببابهم أو اشتكى
فصار للكلاب عظمة ؟
ومضغة لكل من روى ومن حكى !
وفى البعيد يضرع النخيل ؟ والهواء
منعقد ؟ كأنه أنشوطة المخنوق
ساعة الإعدام ..
ثم شئ ضاغط ؟ كهجمة الوباء
وقع الدرابك التى تهتز بالغناء
كأنه النشيج ? أو لعله البكاء
الأرض قد ضاعت
فأين طلة السماء !
وأين وجه شارد قد هام فى العراء
وأين ظل ؟
كان فى جيكور ظل باذخ وماء !
وكان نخل شامخ ؟
فيه شموخ العراق
وكان صوت هاتف يفترش الآفاق
وينشد الأطفال من قصيدة السياب :
يا مطرا يا حلبى
عبر بنات الجلبى
يا مطرا يا شاشا
عبر بنات الباشا
يا مطرا من ذهب !(67/336)
الموت فى جيكور ؟ فى جنين ؟
فى الأقصى ؟ وفى بيسان
وموكب الدمار يسحق النخيل والزيتون
ويخرس الأطفال فى عرائش الكروم
ويطفئ النجوم
ويملأ الحلوق بالرمال
بغداد
يا بغداد
يا بغداد
يا روعة الحلم الذى .. هل يستعاد ؟
ترى يصيح الديك فيك من جديد
ويصدح الناقوس والأذان !
وتشرق الشمس على دروبك السجينة
وهل ترى ينداح فيك من جديد
صوت أبى تمام
مبددا كآبة الأحزان
من قبل أن تضيع عمورية المحاصرة
ملء دفاتر الهوان !
هذا يهوذا قادم فى شملة المسيح
ولص بغداد الجديد طائش غرير
يحلم بالمجد ؟ وبالفتوح
أم أن هولاكو يعود فى زماننا الكسيح
مراوغا ؟ كعهده ؟بالغمز والتلميح
أمامه الأعلام والأوهام والبيارق
وخلفه الحشود والرعود والصواعق
تسد عين الشمس ...
يظنها..
تستر وجهه القبيح !
شعراء مصر والسودان >> فاروق شوشة >> لحظة لقاء
لحظة لقاء
رقم القصيدة : 65225
-----------------------------------
كم يبقى طعم الفرحة في شفتينا !
عمرا؟
هل يكفي!
دهرا مسكوبا من عمرينا...
فليهدأ ناقوس الزمن الداوي في صدرينا
وللتوقف هذي اللحظة في عمقينا .
لن نذكر الا أن طوقنا الدنيا أغفينا
واتاحت كفانا......تغرس دفئا في روحينا
لن نذكر إلا أنا جسدنا حلما
وارتاح الوهج الدامي في عينينا.
*****
قلبك في صدري, يسمعني أغلى نبضاته
يهدأ في خجات اللقيا.أغفو في أعمق خجاته
أطل عليك.ضياء العمر,ونضرة واحاته
أقبس ومض الامل المشرق في لفتاته
أرشف نبع الضوء الهامي في نظراته
يتساقط كل رحيق العالم في قطراته
وأرى دنيناي وأيامي أبدا تمشي في خطواته
*****
أسأل :هل تتسع الأيام لفرحةقلبين؟
تعبا,
حملا الدنيا ,
هل يخبو هذا الألق الساجي في العينين
ونخاف يطير ,فنمسكه,ونضم الدنيا بيدين
ونعود إلى عش ناء نرتاح إليه طيرين
أسأل:هل تتسع الأيام لنضرة حلمين!
أقرأ ايامي عندهما كونا يتفجر لأثنين
*****
عيناي تقول ,يداي تحدق,والأشواق
فيض يغمرني ,يغرقني في لفح عناق(67/337)
وحريق يألك أيامي ....يشعل نيران الاحداق
مازلنا من خلف اللقيا في صدر مشتاق
أملا يتجدد موصولا......
معسول شراب ومذاق.
الموضوع الثاني بعنوان(بين عينيك موعدي ):
بين عينيك موعدي
وأنا احمل ايامي وأشواقي اليكا...
وأرى في الأفق النائي يدا تمتد كالوعد,وتهفو
وأراني نحوها ........طوع يديكا
من قديم الدهر ,كانت نبضة مثل اهتزازالبرق
مثل اللمح,
شئ لست ادريه احتواني
فتلاصقت لديكا...... يومها
واترعشت عينان
اغفى خافقان,
استسلما للخدر الناعم ينساب ويكسو وجنتيكا
يومها, واتحدت روحان,
أغفت مقلتان,
اختارتا حلما برئ الوجه,حلو السمت
عشناه نديا أخضر اللون,وضيئا
وقرأت العمر مكتوبا......هنا ....في مقلتيكا
*****
بين عينيك موعدي
وأنا كل صباح اتلقى نبرة اللحن المندي
ساكبا في قاع أيامي ربيعا واشتياقا ليس يهدا
ليس يرتاح ....سوى أن عانق العمر وضما
ليس يرتاح....سوى أن اشبع الأيام تقبيلا ولثما
وتهادى كاخضرار الفجر ,
مزهز الأسارير
طليق الوجه ,مضموما إلى الوجه المفدى
لمسة ,وانطلقت منك يد
تعزف انغاما....
وتهتز رياحين ووردا
مسحة جبهة ايامي ,ومحت عنها عناءا وتهاويل وكدا
واستقرت في يدي لحظة صدق,خاشع الخفقة
ينساب وعودا
ذقتها وعدا فوعدا
ذقتها يامسكري ....شهدا .....فشهدا
*****
بين عينيك موعدي
يومنا القادم احلى لم يزل طوع هوانا
كلما شارفت الحلم خطانا ,واطمانت شفتانا
واستراحت مقلتانا
وتنينا ,فكان العمرأشهى من أمانينا,واغلى
وظننا أن خيطا من ضياء الفجر يهتز بعينينا
سلاما وامانا
كلما قلنا بدأنا وانتهينا
صرخت فينا وفيأعماقنا ,لحظة جوع ليس يهدا
فرجعنا مثلما كنا,
وكنا قد ظننا الشوق قد جاوزنا,وانداح عنا
ويد تمتد من خلف الليالي ,كي تطلا
نسجت ثوب حنان ليس يبلى
صوقت أيمان الخضراء أحلامنا وريحانا وظلا
يومنا القادم ...احلى
يومنا القادم ...أحلى.
شعراء مصر والسودان >> فاروق شوشة >> أنا إليك
أنا إليك
رقم القصيدة : 65226(67/338)
-----------------------------------
أنا اليك مبتداي ,حاضري ونهايتي
اشعلت أيامي فصارت نارها حقيقتي
فإن سألت عن هواي هذه حكايتي
ندية كوجهك الملئ بالطفولة
رخيمة كصوتك المنساب في سريرتي
عميقة كعطرك الزكي في حديقتي
حسبي على طول الزمان ,أنت حبيبتي
*****
لو نجمة تنير لي لو كان يهمس القمر
بأن موعدا لنا ,نسرقه من القدر
فالتنطلق أنفاسنا ....وشوقنا الذي أستعر
وليحمل النسيم الشجي بوحنا إن عبر
ولتسترح عيوننا....في واحة مدى البصر
ياكم تشاكينا ,
ظمئنا ,
ثم أقبل المطر
*****
سيشرق الصباح حبيبتي ,سيشرق الصباح
فليسكت الأسى الذي اظلنا,ولتسكت الجراح
اليوم لا مكان للدموع في عيوننا,ولا نواح
إنا معا على المدى ,يظلنا معا جناح
مادمت ملء خافقي ,فألف اهلا يارياح
القصيدةالرابعة(هل تذكرين)
إذا رن صوتك في مسمعي
وطوف في العالم الأوسع
رأيتك في كل شئ معي
وأطرقت اصغي إلى همسة
ترفرف في خافقي المولع
****
بأعماق عينيك أبصرت حبسي
وأبصرت واحة امني وخصبي
تفجر دنياك في خاطري
ترانيم شوق توسدن قلبي
فيا طائري الحلو,عيناك افقي
وخطوك لحني,ودربك دربي
*****
غدا.... سوف يعبر يومي غد
وتمتد خلف رؤانا يد
تطوق أيامنا بالحنان
ليجمعنا في غد موعد
ويرتاح قلبي إلى شاطئ
يطوف فيه الهوى الأسعد
غدأ..... إن عُُُُش هوانا غد
*****
سأذكر بارقة من حنين
أضاءت بقلبي فراغ السنين
وأذكر موجة حب دفين
تداعب أحلامنا كل حين
وتطفو على صفحات العيون
سأذكر ماعشت هل تذكرين.
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> جمرة الماء
جمرة الماء
رقم القصيدة : 65227
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
لو صرخت. النار لاتحطب ضلوعك
زادها وزنادها مني وفيِّه
وان صرخت. النور لاتوقد شموعك
في عيوني من غبار الشمس فيَّه
وان صرخت الموت لاتنزف دموعك
مانزف طاهر كما دم الضحيه
ليه تبني فوق رعش احلام جوعك
عرش عراف المسافات القصيه
وإنت دايم سلمك يرقى طلوعك(67/339)
ماستوى طينك لتوطينك هويه
كل منفي داخلك ملفي ربوعك
وانقطاعاتك لطاعاتك عصيه
اعص ولاّطيع عصيانك بطوعك
لاتطفي جمرة آلما في يديه
هاك نار القلب لاتحطب ضلوعك
تحطب ضلوعك ونار القلب حيه
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> السحاب أحمر
السحاب أحمر
رقم القصيدة : 65228
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا كثر ما يشتكي ...لو يشكى الدفتر !
من نزعة الحرف في عقلي وتجميعه
أحيان ما يحن في جوفي نبات أخضر
وأحيان في " ثانية" تورق مطاليعة
يبرق ويرعد خفوقي والقلم يمطر
وأنا اتعمد ضما حرفي وتوجيعه
في داخلي صمت .. يحتاج انفعال اكثر
من زخرف القول يا " خالد" وتصنيعه
الشعر بعيون أخوك / الحلم والمهجر
خوف وبعض صدق تنزفني ينابيعه
وش لون تمطر سمانا - والسحاب أحمر ؟!
والبرق يدمي جوارحنا بصابيعه
محدٍ خبر سيل .. لا يدفن ولا يحفر ..
وان جف يحزن ثرا الوادي لتوديعه
كف وحدا على التصفيق ما تقدر ..
لاشفت ماهو مطاوعك الزمن طيعه ..!
ما هو ضروري يلامس جرحك الخنجر
ولا أنت مجبور .. حتى تعلن البيعه .
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> القاتل المقتول
القاتل المقتول
رقم القصيدة : 65229
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
بلشت بعرفنا الفاضل ..بسحر الخاتم المعمول
عطوني حب واخذوا ماغلى من تركة اجدادي !
سيوف معلقة وخيام ودلال وسروج خيول
مرابطها خشب وتقاعدت في قرنها الحادي
تموت الخيل عطشا في ( المذاود) والشعاب سيول
تلحفنا جلود احلامنا... في المرقد الهادي..
( أحبك في الشتا والصيف ..أحبك في شهر ايلول !!
أهالينا بخير ...تزوجت هند ونجح شادي !!)
وحنا صابرين وننتظر سيف الله المسلول
يجينا من بلاد الشام يقفل موجة الرادي !
نضت حيلي مدارات العطش ياما تهد حيول
تعبت استشرق الغفران واعصي طاعة اسيادي !
أبقتل مولدي وادري بـ اصير القاتل المقتول
ولكني كسرت المستحيل ونقطة ابعادي(67/340)
على جسر الضياع المنتمي للخوف والمجهول
افتش عن سطور الموت عن تاريخ ميلادي
ولاأملك غير حبر لدفتر أشعار وقلم مشلول !!
وعرفان الحنان : أمي وأبوي وطيبة ابلادي !
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> جيتك خيالي
جيتك خيالي
رقم القصيدة : 65230
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
جيتك خيالي دخل خارج مجارات الردى
جيتك وبعيوني قرى ترفض جباهٍ تستكين
ابي صباحاتك مدن تستاهل دموعي ندى
ابي نهار مصافحك يستاهل اعصابي يدين!
ابي تزيديني ضلال الشاعر ان ضل اهتدى
ابي على طول انتظر و انت تجين ولا تجين !
للدرب عمري ما اقتديت الدرب لخطاي اقتدى
درب قتل كل الخطا ..عندي يموت بخطوتين
في سلة أحلامي (خبر) يرفض حصار (المبتدى)
أنا الفقير اللي نطق بفواه كل المعدمين!
أحلامنا توجد صغار وتكبر ذنوب وعدا
بين احتمالات الحياه ورهبة الموت اليقين !!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق شوشة >> الرماد أمامك
الرماد أمامك
رقم القصيدة : 65231
-----------------------------------
الرماد أمامك ..
والبحر خلفك ..
فاترك - لمن خلعوك- الخلافة
هذا زمان لدهماء هذا الزمان
يعيثون فيه فسادا
ويرجون منه امتدادا
ويحيون ...
يرتكبون صنوف الخطايا
وفي طيشهم يوغلون
فلا يستدير إليهم أحد !
الرماد يسود ..
تقدم ...
وكن واحدا لا نصيب له
في الرهان
ولا شوكة تستفز ,
وإلا ...
فأنت الحصاة التي تفسد الزيت
في آلة الناهبين ,
وأنت البلاء المسلط ,
أنت الدمار المسيطر
حاذر
فرأسك أول ما سيطير
إن ارتفع الرأس عن شبره المفترض
أو تجاوز أبعد من كتف القانص
المعترض
أو تأمل بعضا من اللوحة المدهشة
مشهدا ,
مشهدا ,
كازدحام الأفق ..
بالجياع الذين يبيعون أعمارهم
لاقتناء رصاصة
والصغار الذين يسيرون تحت النعوش
لكي يكبروا في القبور
والشيوخ الذين يؤهلهم عجزهم
لابتلاع المرارة
وتهوي الأوابد عبر المفاوز
وهي تنقب عن طلل في الرمال
هنالك ..
تصبح عولمة الفاتحين شظايا(67/341)
وبعض زجاج تهشم
فوق الرؤوس المليئة بالكبر
لاتمتلك الآن غير الخشوع
لسيدها الموت
يدفعها في اتجاه العناد
وفي لوثة الكبرياء
لعل الجراح يرممها الثأر
والثأر نار بغير انتهاء !
***
الرماد انطلق ..
هل تطيق لصهيون هيمنة لاترد !
وهل تتنازل عن قدس أقداسك
المستباحة؟
هل يطمعونك حتى تكون شريكا
وأنت الذي يتحلق حولك
كل الذين يرونك خيط الرجاء
إلي وطن مستباح
وأرض
وخاتمة ــ حرة ــ للمطاف؟
هل تخون دمك؟ !
إنه وطن ساكن في شرايين قلبك
ملتصق في وتينك
مشتعل في رؤياك
ومخضوضل في جبينك
مرتسم في يقينك
منطلق في جناحيك
محتشد في قرارة ذاتك
مستمسك بالضلوع !
فانطلق ..
لا رجوع !
***
ولا حائط غير جلدي
ومتكأ غير مائك
مسرجة غير وجهك
أنت الرفيق الذي لايخون
وأنت المعين الذي لا يضيق
وأنت الدليل الذي لا يضل
وأنت الزمان القديم الجديد
الزمان الذي ليس عنه بديل !
فلتطل هجمات الرماد القبيح
وليضع مرة واحدة
مابدا واهنا من رجاء شحيح
وليفز بالغنيمة من يهرعون
ومن يؤجرون
ومن يهتفون ..
لايهم !
وحدك الآن ..
تبقي مدى الدهر
أنت الحقيقي ,
أنت الصحيح
وأنت الجميل الجليل !
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> نهاية مطاف
نهاية مطاف
رقم القصيدة : 65232
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
بس ماخذت من صمتي نهاية مطاف
دمي أخضر ..ورماي القفا مايصوب
ترعد اقلوبهم - لكن مطرها جفاف
وش يميت القلوب الا جفاف القلوب
من يصدق ؟ نهر يغتال حلم الضفاف
بين جزر الشمال وبين مد الجنوب
ماهقبت أن في عشق الرمال انحراف !
لين خانتني الخطوة ..وخنت الدروب
بعدها صرت " للصفين" معنى وقاف
وابتسامة على ثغر المواجع تذوب!
الاماني / سنابل ..ينتظرها القطاف ..
والمواسم / تعاني جوع كل الشعوب!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> الحصاد الموسمي
الحصاد الموسمي
رقم القصيدة : 65233
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------(67/342)
عند الحصاد الموسمي للنور يتساقط فراش !
واللي غرس شوك وذرا - ما يجني إلا ما غرس
ماجيت أسوم امكبرات الصوت والمقعد بلاش
جيت بيدي ورد وحروف ..وممتطي صهوة فرس!
فوق الثريا هامتي والرمل لا قدامي ...فراش
لا من ورا ظهري ..ولا يمشون قدامي حرس!
جيت اعطي الظلما قمر جيت اعطي الفجر انتعاش
جيت ارسم البسمه على وجه امتلا غيظ وخرس !
جيت اسقي الزرع / الهشيم اللي سمع صوتي وعاش
جيت اكتسي ريش بدال اللي تكسر وانهرس!
حزين ! لكن ماني ابغيمه ولادمعي ...رشاش
مهموم! لكن ماني اللي.. من همومه مفترس!!
احرق فتافيت الدبش بالنار واهتج ( المحاش )
واكسر غضب موج البحر ..واتجاهل ارباح ( البرس )
هذا أنا .. ضد الوحل .ضد الغرق ..ضد المناش
جيت وهذا صوتي أنا ..للمسمع البارد جرس !!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> ذاكرة أعمى
ذاكرة أعمى
رقم القصيدة : 65234
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
وأقول : انه ترجّل ما سقط عن صهوة المهرة
مثل نجم توهج وأحترق في ذاكرة أعمى !
يقلي صاحبي وأشعلت جمر الغيض في صدره
سبايا يرقصن مع الغزاة بهودج الظلما !
وأقول : أن اللي مايكره يحب واللي يحب يكره !
تخلص من شغب ذاتيتك حاول تكون أسمى
أبد ماظل للنظرة مدى ..كل المدى نظرة
توحد في شتات الكون ..كون ابن السما والما
أنا ذاك الذي عمره غدا للي غدا عمره !
اجوع إن جاع طفل وإن (ظمت) بعض الخبول أظما !
تحت جفن الرماد أبقى وميض النار والجمره !
أنا ابقى رجا (ممكن) تعلق في وعد (مهما)!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> وجه ماجد
وجه ماجد
رقم القصيدة : 65235
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
كم وجه ماجد يشبه الوجه القديم لصاحبي
كم هي يدينه تشبه اقواس النبال اقواسها
لاشفت ياماجد هوى غصن الزمان وطاح بي
والنار في جرحي تصب اخر نشيد اعراسها
اكتب عزاي اني تعقبت السواد .. وراح بي(67/343)
دربٍ طويل من العطش بين الشفاه وكاسها
اكتب عزاي اني بصِل .. لو دربي اكملها حبي
وادخل من ابواب المدن ريح ٍ تدق اجراسها
برق ايتعرج في كهوف المعدن الرمل الغبي
فوق المرايا .. ف القرايا .. في الوجوه وناسها
واصيح في عمق الثرى ي ( ابن الرمال الطحلبي )
يابن ( ال.. ) اللي لوى اعناق النخيل وداسها
والله ودمعة ماجد البيضا مثل دمعة ( نبي )
صرنا خيول من الورق مضمارها قرطاسها
يادمعته ( عنا ) خذي من تين صدري واكتبي
هذي رسوم اجيال واللعنة على كراسها
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> برزخ النور
برزخ النور
رقم القصيدة : 65236
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
رغبة القصيدة رغبة الطير للتحليق
سماي اصبعين وبينها جرح مسباقي
تعودت اموت بصدق وارحل بلا تعليق
كفاني احس بلذة الموت في اوراقي
ولا احط نفسي وثن يشرب التصفيق
على شان يدخل برزخ النور لأعماقي
مهو لازم اقطع دابر الشك بالتصديق
ولاهو ضروري تعكس اشعاري / اخلاقي!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> المسافة
المسافة
رقم القصيدة : 65237
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
آه يا قربك ويا بعد المسافة
اقرب من القرب لكنك بعيد
أنت عمر صب في عمري جفافه
نصف نار ونصفه الثاني جليد
أنت نهر عندي استودع ضفافه
واعذابي لا افتكرت إني وحيد !
حزني ابسقف المسا يأخذ كثافه
ويتصاعد صبح دخان وحديد
وارتمي بين الحقيقة والخرافة
جوف صدري عذق وضلوعي جريد
افتح الدفتر ويصفعني غلافه
ويتساقط كل ما به من قصيد
وتختنق دمعه ويسقط حلم تافه
وارجع ارسم اكتب احلم من جديد !
آه يا قربك ويا بعد المسافة
اقرب من القرب لكنك بعيد !
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> افتراض
افتراض
رقم القصيدة : 65238
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
هاجرت من نرجسيات المطر
مثل غيمه هدها جوع المخاض
وانعتق من قضبة المجري نهر(67/344)
صح مافي اللاوعي كان افتراض
التقينا اثنين والثالث قمر
والسما حفت مفاصلنا بياض
هزنا الشوق وتساقطنا ثمر
والعيون اللي بهن السحر فاض
نام فيه النوم والموت انتحر
من حورها لا صحاح ولا مراض
آه لو به دم في وجه الدهر
ماحذفنا في الوجود المستفاض !!
مثل عصفورين والثالث حجر
نشرب النظرات رعشة وانتفاض
الوطا جدب أو أنانيه مطر
والغيوم ..وهدها جوع المخاض !
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> خبز الفراغ
خبز الفراغ
رقم القصيدة : 65239
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ماكبرنا حيل لكن المحابر
(ضوها) - شابت يدينا من سواده
دمنا غيث الورق / عطر الدفاتر
فرحة المحزون في قمة حداده !!
ايه نمشي والعصا كنز المسافر
كلما هز العصا تورق بلاده !
نستلذ العيش - كون العيش نافر
وان تحصل مالنا في العيش راده !!
هات من خبز الفراغ ..الجوع كافر
موتنا ياسيدي موت الولاده !
نزرع الدنيا قصيده والف شاعر
وغيرنا يتعلق -الدنيا / قلاده!
لا (ألاهبي بصبحك ) يالخواطر
(واصبحينا ) بـ اسود ناصع مداده
للضحى دمي وللخيل الحوافر
في كتاب الرمل مفتاح السعاده
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> ظنون الأرصفة
ظنون الأرصفة
رقم القصيدة : 65240
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
اذكر .. ومبتل السكوت اطفاك واشعلك الحوار
ليلة شتا فيها تقاسمنا ظنون الأرصفه
قلت انك اطول مايسور قامتك ظل الجدار
قلت انك اجمل ماتشوهك الحياة المترفه
قلت ان اقوى مانقيضك غير هذا الانكسار
في صوتك الليله ولاهو صوتك اللي بعرفه
خابرك تحكي عن خلاص الورد واغصان الحصار
تلمع تلاشي تنبعث من كل شي في اطرفه
مسفر .. قم انفض ثرثرة دفترك عن صمت الغبار
حتى تنامى من فضا الغبشه عصافير احرفه
وان كان من غيم الجبل سيلت بالوادي نهار
جب لي معك من سدرة الوادي هديل .. ورفرفه
اذكر عن الموتى يجي لاصار للفي انحدار(67/345)
مع لمة الفيه على بالك كلام تسولفه
ماعاد في قلبي تشب لدهشة التخمين نار
صمت المدينه في عيونك ضج رقص .. وغطرفه
اسمع دوي ريح الجبال اللي لها بصدري قرار
يممت لك تيارها يجرفك .. ولاتجرفه
تعبت افتش عن ينابيعي وخطواتي بحار
تعبت افتش عن سما حفنة رمال مجغرفه
ماخترت اكون من الهوى .. والنار .. والطين اختيار
ماخترت الم البحر دمع ٍ في عيوني واذرفه
ماخترت اغني موجة الياماااال من لول البحار
لكني اخترتك تقاسمني ( ظنون الأرصفه )
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> مقاطع ..
مقاطع ..
رقم القصيدة : 65241
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
وهم ..
.. وأوهام ..
امد خلف النافذة يدي ..
أقبضها ... أردها
ألقى بها حفنة ظلام ..
أروح للصنبور ..
أغسلها أنام ..!!
*********
( موت )
أمدد أقدامي
جدار قدامي
وجدار من خلفي
أموت .. رغم أنفي
*********
( غبن )
صار اصبعي ريشة
صار القلم فرد
ومشرد حروفي ... ترعى مضارب جرد
بعض القصايد سم
والبعض الآخر كذا
صرخة بليا فم
ومابين هذا وذا
شوف المسافة كم ..؟
*********
ياسيدي الجمهور ..
لولا عذوبة مانقول .
كان الحقول
صارت اراضي بور ..
عزيزي الجمهور
ان مافهم الي نقول .
تقدر تطفي النور ..!!
*********
أمدد أقدامي
وجدار قدامي
وجدار من خلفي
أموت رغم أنفي !
* * *
تقول أمي وهبني شعري الخلاق عز وجل
جمعت لها النجوم بثوبها وأبتلت أسماله!
* * *
ياطفلة الريح افتحي شرفة الغيم
على العطاشا ينفض البرق ظله !
* * *
انت ملحد
انت فاسق
انت زنديق
وحداثي
انت تهذي
انت تجهل
ماتقول
وقاطعه :
أنت عشق الليلك
اليابس على
عتاب المدى ..
انت صدى
صوت الجميع
وماتعرف من الفصول
الا الربيع !!
* * *
قال الشعر قلة حيا
قلت : الشعرقل لتحيا !
* * *
لغيابك المثمر تصب العناقيد
لذة حريق الثلج في سلة النار
* * *
من رقى نخلة الدفتر وشق السحابه
تغسله بـ احتمالات المطر والتراب!
* * *(67/346)
انام وادخل قميص الليل مع كمه
واخرج صلاة الفجر مع كمه الثاني!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> شمس أبجدية
شمس أبجدية
رقم القصيدة : 65242
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يارب ! هذا الطريق افعى تفّح وعتمة اعشاب
ظلمه وطين وبلل .. وعظام ناس اموات .. حيّه
الليل غابه ! ونبض انفاس صدري فاس حطاب
يستنبت النار .. فاكهة الشتا " شمس ابجديّه "
من فيض برد الغبش .. من زرقة الشفاف .. تنساب
من رجفة اللون .. من تفاحة البرد الشهيّه
من سلة الريح .. من غيم الصدف .. لا بلل ثياب
ولد يخون بوفا بنت بخيانتها وفيّه
والشارع .. الصمت نهر اسود من المطاط .. جلباب
يشرب صدى خطوة العابر .. ملامح سرمديّه
ياموت .. وبيوت حارتنا علب سردين .. وتراب
ترى التعدي لغير اول قرابينك زريّه
الريح تصفر .. وينعق طير بوم .. وتنبح كلاب
ويضج صمت المدينه .. كلنا نذر المنيه
قلت المدينه : تثاوب في وهن .. ونعاس الابواب
والناس من غير تلقي بال .. تلقي بالتحيّه
ابسألك صاحبي ! خايف ومتردد .. ومرتاب
كم من سؤال يموت وينولد ويموت فيّه
هذا الحذر والتوجّس في الملامح ماله اسباب ؟
هذا الترقب .. وهذا الريب والخوف المعيّه
الصبر طبع الجمل طيّب ! عرفنا سر الاعجاب
هذا الوفا في الكلاب الوافيه .. طبع وسجيّه
ابسألك صاحبي .. واقسى كما يقسون الاحباب
وجهك هو القاتل .. المقتول .. من فيك الضحيّه
عمرك مجرد زمن تافه .. غبي .. جوف الزمن ذاب
من منبع الليل .. الى صبح المصبّات القصيّه
للجوع مخلاب .. من قال ان ما للجوع مخلاب ؟!
لافي الثرى ضاجعتك ولا ارضعتك الرازقيّه
واحلامك اللي تروح اسراب طير .. وتقبل اسراب
ملت .. تقاسمك اغانيك ومواسمك البهيّه
ياحكمة الطيش .. ليش نخلّد الأسامي والالقاب
ما يمكن اسم الورد .. اشواك ؟ واسم الشمس فيّه ؟!
لو للغموض المبين .. وللبيان الغامض .. كتاب ؟!
محدٍ بقى لي عليه .. ولا بقى لحدٍ عليّه(67/347)
عرفتني كنت انا صاحبك .. واصحابك لي اصحاب
امدّ لمصافحك يدّي .. تصافحني يديّه
ابسألك عن ملامح وجه طفل في القرى غاب ؟
غيّبت .. الا القرى .. ياطفل غابت فيك هيّه ؟
قلت القرى : واجهشت لك في البلاد " رعوش الاعناب"
والمشمش " المستوي " واغصان لوزه عثّريّه
والما تقول بـ" كضايمها " زبرجد في المدى راب
والعشب .. مجدول بخيوط الصباحات النديّه
ابسألك صاحبي ! غمض عليها جفن واهداب
ياما لصبح القرى من وشوشات الما .. هنيّه
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> الدخول إلى الخارج
الدخول إلى الخارج
رقم القصيدة : 65243
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
انتي خرجتي من سواحل صوتي المتعب صدى
طفلة قصيده .. أو قصيدة طفل مجهولة حنين
ماتشبهين الحلم مادام لصباحاتك مدى
تعبت اصبك في مكان الجرح نار وتنطفين
جيتك خياليٍ دخل خارج محارات الردى
جيتك وبعيوني قرى ترفض حياة الميتين
ابي صباحاتك مدن تستاهل ادموعي ندى
ابي نهار مصافحك يستاهل اعصابي يدين
ابي تزيديني ضلال .. الشاعر ان ضل اهتدى
ابي على طول انتظر وانتي تجين .. ولاتجين
للدرب عمري ماقتديت الدرب لخطاي اقتدى
دربٍ قتل كل الخطا عندي يموت بخطوتين
في سلة احلامي خبر يرفض حصار المبتدى
انا الفقير اللي حكى بافواه كل المتعبين
أحلامنا تولد صغار وتكبر ذنوب وعدى
بين احتمالات الحياة ورهبة الموت اليقين
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> على عُهدةِ الراوي
على عُهدةِ الراوي
رقم القصيدة : 65244
-----------------------------------
السيدةُ المحترمةُ
ترتقُ الثوبَ في البيتْ ،
تواري أعضاءَ رخوةً
للاعبِ سيركٍ
لم تُفلحْ معه العقاقيرُ
ولا التفافُ البناتِ حولَ حوضِ السباحةِ
في حفلِ التأبينِ الجنسيّ.
الثوبْ
الذي أفصحتْ صدعاتُه
عن طحالبَ شائخةٍ
كانت تمشي في المساءْ
تذيبُ الموتَ في الكوبِ الغافلِ
مُستغلَّةً
تشبُّعَ السُّكرِ
و ازدحامَ القاعةِ بالمشيعين(67/348)
في جِنازِ الروائيّ
الذي قتلَهُ السرطانُ
في منتصفِ حُزيرانْ.
المستمعُ الأمينْ
لم يكن أمينًا طوالَ الوقتْ ،
ولا مُسْتمعًا
ظلَّ يُطلِقُ صفيرًا مُنغَّمًا
فيما يجمعُ توقيعاتِ مجلسِ الشيوخ
حولَ استقلالِ الدُّميةِ
و بيانِ نزعِ السُّلطةِ عن الأمِّ
و الرَّجُلْ.
السيدةُ المحترمةُ
انتبهتْ آخرَ الأمرِ لمسارِ الأحداثْ
فأودعتِ الغزلَ جانبًا ،
وقفتْ عند الحائطِ الرابعِ
تعدُّ الداخلينَ
واحدًا ... واحدًا ،
........
يفتحونَ الخزائنَ
يعتمرونَ الآدمَ
و الساديَّةَ و العجزَ الجنسيّ ،
فيما المشاءونَ في الكواليسِ
يتحركونَ في اتجاهِ القصرِ الرئاسيّ،
بينما الغلامُ
الذي احترفَ الرقصَ فوق الحبال قديمًا
يبتسمُ بلا سببٍ
و ينادي على بضاعتِه البائرةِ
بعدما سقطَ من ثقبِ قميصِه
شيءٌ
أسفلَ الشوايةَ.
اكتملَ العددُ
ولم يبقَ خارجَ المحرقةِ
إلا النساءْ،
ثمَّ
يُصْفَقُ البابُ صَفقةً
لم تعرفْها دميةُ إبسن ،
صفقةً
لا تشبهُ إلا نفسَها
أو تشبِه
سقوطَ حجرٍ ثقيلْ
في ماءٍ راكدِ الحافةِ ،
عَطِنْ.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> رِهانات
رِهانات
رقم القصيدة : 65245
-----------------------------------
لا نستطيعُ غالبًا أن نُحدِدَ
لحظاتِ الفوضى
وقتَ نستبدلُ بأرجلِنا
عصواتٍ خشبيةً
بأطفالِنا دمىً
تثرثرُ كثيرًا
ترقصْ ،
فقط لنحافظَ على أجسادِنا بيضاءْ
أقصدُ بيضاءَ فعلاً ،
ولذا
ستفاجئُنا أصابعُنا هذا المساءْ
- قبل أن تتثاءبَ كعادتِها -
برفضِها القاطعِ لدخولِ الآذانْ
تُخلِّينا
لتلوثِنا
المشاعريِّ
بل
وتساعدُ الدمى الصغيرةَ تلكْ
على وضعِ نظَّاراتِها
بشكلٍ يشي بالديبلوماسية
لتُذهِبَ بقايا ارتباكٍ
سقطَ سهوًا من حكايا الصحاب.
أطفالُنا الذِّين
خبأناهم داخلَ الرملِ هناك
يدركون حتمًا
أن للشعراءِ قانونًا مختلفًا
ولهذا
سيفتشونَ عن شرائطِ الأسبرين
يلقون بها من النافذةِ
قبل انتحارِ شاعرةٍ مهمَّة
بساعتين تقريبًا
لا لشيء(67/349)
سوى لأن شركاتِ الأدويةِ
تستوردُ خاماتٍ فاسدة
ثم تفسدُها في التصنيع.
ولذلك
فنحنُ نعلمُ جيدًّا
أن الدقائقَ كلَّها
التي قضيناها في قضمِ الأظافرِ
أمامَ الهاتفِ
لا تعني
سوى أن شاعرًا
- الآن -
يراقصُ زوجتَه
فوق النيل.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> شيخُ الطريقةِ
شيخُ الطريقةِ
رقم القصيدة : 65246
-----------------------------------
كان يعلِّمُنا في الليلْ
المواقفَ ، والبكاءَ في حضرةِ الحاجةِ ،
و يفسِّرُ
كيف أنّ المخاطباتِ الداديّةَ
تفرِّغُ ساعةَ الرُّدهةِ من الأرقامْ ،
وتُحرِّضُ صبيَّ البوابِ
أن يدفعَ الجريدةَ تحتَ بابِ البيتِ ،
يركضَ صوبَ الحديقةِ
ليلحقَ أباه الذي برَحَ موقعَه
كي يراقبَ الشرفةَ من زاويةٍ أفضلْ.
الشَّيخُ
الذي تعلَّمَ على ديكارتْ ،
أوقفَنا في الليلِ وقالْ:
الذي دمجَ الهندسةَ بالجبرِ كان مُغفّلاً
لأن الأتربةَ التي تتكونُ
في الفراغِ بين الفستانِ والجلدْ
تقدِّمُ برهانًا مقبولاً
على جوازِ الإدانةِ بأثرٍ رجعيّ
و تضعُ الفلاسفةَ في حَرَجٍ بالغْ
لأنهم عجزوا عن تفسيرِ دموعِ البنتِ
يومَ عُرسِها
بناءً على مقولتِهم :
الاستقراءُ يشدُّ الخطَّ البيانيَّ
و يكسرُه عند نقطةِ الخضوعْ .
فمَرَّةً ،
كتبتْ في ورقةِ الإجابةِ :
المسافةُ بين العُنُقِ والقدمين
نتوءاتٌ في النصِّ
لابدَّ من اختزالِها ما أمكن ،
فمالت الأمُّ عليها
و تكلمتْ بإيجازٍ
عن نَولِ الرَّجلِ وراءَ البحرِ الأحمرْ،
ثمَّ نظرتْ في ساعتِها ،
و مضتْ إلى " أحمد عكاشة "
حيثُ محاضرةٌ
عن " إلكترا والعُصابُ الفُصاميّ " ،
و مرَّةً ،
كان يأتي كلَّ شهرٍ
بمجموعةٍ شعريةِ وفتاةْ ،
و يؤكّدُ
أن اصطدامَ عالَميْن متناقضيْنِ
ينطوي على فلسفةٍ لا تخلو من متعةٍ
و أن لحظةَ الكَشْفِ
يهونُ أمامَها
اندثارُ البشريةْ .
لكنَّ البنتَ الطوباويةَ
- بعد أن عقرتْ عقاقيرُ الاكتئابِ ذاكرتَها -
قدمّت أطروحةً أخرى :
- لن أكونَ رقمًا
لأنني أكرهُ الإحصاءْ ,(67/350)
- ولا عنزةً
لأنني لا أؤمنُ بالنشوءِ والتطور ،
- و لا صفحةً في كتاب
لأنني أسخرُ من فكرة التناسخْ .
الأنسبُ
أكونُ لصًّا
لعشرِ سنينَ قادمةْ ،
وفي تمام الأربعينْ
أدفعُ بالرَّصاصةِ إلى سقفِ الحَلْقِ
بعد كتابةِ وصيّةٍ مؤثرةٍ
ورسمِ انطباعٍ دراماتيكيٍّ
على الوجه.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> قطاعٌ طوليٌّ في الذاكرة
قطاعٌ طوليٌّ في الذاكرة
رقم القصيدة : 65247
-----------------------------------
يسقطُ الضَّوءُ على وجهي
مرتينِ في العامْ.
المقطعُ الطُّوليُّ يقولُ
إن سُمْكَ الجدارِ ثلاثون عامًا
بعد أن تسرَّبَ يومانِ خِلسةً
من عوازلِ الرطوبةِ والحرارةْ.
لابدَ من فواصلِ هبوطٍ وتمددٍ
لجدارٍ بهذا الطولِ
والصَّمتْ.
طبقاتُ الأرضِ الافتراضيةُ
يحتلُّها بالتتابعِ :
صخرٌ / رصاصٌ
نورٌ / ماءٌ
ترقُّبٌ
ماءٌ
وموتْ .
ولذا
لم يجدِ البنَّاءُ بُدًّا
من زرْعِ أوتادٍ
بعمقِ الخيبةِ الزاحفةِ على وجهي
في العامِ الأخيرْ ،
ومَدِّ فَرْشَةٍ من الأسمنتِ
تضمنُ ثباتَ البنايةِ في الزلازلْ.
الرسوماتُ التنفيذيةُ
أخذتْ مسارًا آخرَ
غير اسكتشاتِ المُصَمِّمِ
لأن عاملَ الأمانِ المُفترضَ
لم يناسبْ مواصفاتِ الحفرِ
سيَّما
وقد اكتشفَ الموقعيونَ
أن الجسَّاتِ التي تمَّتْ للتربةِ
شابَها التزييفُ.
الحقُّ
أن هذا الاكتشافَ المذهلَ
جاءَ مصادفةً :
في ليلةٍ مقمرةٍ
وبينما أحدُ الخفراءِ بالموقعِ
يعدُّ لكوبِ شايٍ
لمحَ نبتةً صغيرةً تشقُّ الأرضَ
بعدما غافلَهُ
بعضُ الماءِ وسقطْ
التربةُ طينيةٌ !
التربةُ الطينيةُ
لا تطمئنُ للأبنيةِِ التاريخية،
أكثرَ من مرةٍ
شوهدتْ أراضٍ تتركُ مواقعَها
وتفرُّ
تاركةً للفراغِ
أبنيةً معلقةً في الهواءْ.
الإنشائيونَ
استحدثوا طرائقَ مبتكرةً :
الشَّدُّ من أعلى
بأسلاكٍ معلقةٍ في السماءِ ،
أو بناءُ حوائطَ ساندةٍ
تحولُ دون مصبَّاتِ المياه.
المعماريون
- في جلساتِ العصفِ الذهنيِّ -
يرفضونَ الحلولَ التقليديةَ(67/351)
يفضلونَ أن يخلِّصوا المبنى
من الوزنِ الذاتيِّ أصلاً
لا ليسخروا من قانونِ الجذبِ
لا سمح الله
لكن ليتيحوا لأنفسِهم
مجالاتِ خلقٍ جديدةً
تجعلُ الأطفالَ يفرحون.
الضَّوءُ سقطَ على وجهي مرتينِ في العامْ
أقصدُ العامَ الأخيرْ.
الجدارُ سميكٌ طبعًا
لكن
الضَّوءُ يسيرُ في برابولا من الدرجةِ الثالثةِ
تسمحُ له بالتعاملِ مع حوائطَ
خالفَها الذكاءُ
الضَّوءُ يخدعُ ويناورُ
يلتفُّ حولَ الحجارةِ
ويدخلُ قدسَ الأقداسِ
- من ثغراتِ العراميسِ -
مرتينِ في العامِ
لا في أيلولَ و آذارَ
لكن في الردهةِ الصَّامتةِ
نصفِ المعتمةِ مرةً
ومرةً في غرفةِ الطعامْ.
الضوءُ لا يسقطُ على وجهي مرتينِ في العامْ.
الضوءُ سقطَ
مرتين
في عامْ.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> كلوسترو فوبيا
كلوسترو فوبيا
رقم القصيدة : 65248
-----------------------------------
الفنارُ الذي انتزعوا أحداقَه
واستبدلوا بها كوّةً بقُطْرِ الرأسْ
لم تتوقفْ مدينةٌ أمامَه مرتين .
أحذيتُهم
ثقيلةُ الخطوِ
لا تمرِّرُ عطري إلى أنوفِهم ،
يسيرونَ بعيونٍ أفقيةٍ
و أعناقٍ ثابتةْ ،
بينما صوتي
يرتدُّ إليّ
من منتصفِ الارتفاعْ.
الفنارُ القديمْ
الذي ظلُّه يتمددُ
كانتحارِ سمكةِ قرشٍ فوق لوحةٍ صفراءْ ،
لم يكترثْ لزفيري ،
أعُدُّ به الأيامَ فوق الزجاجْ ،
و أعُدُّ دوائرَهمْ
متوازيةً على الرمالْ
و كثيرةْ.
الرمالْ !
.......
.......
التي ضيَّعتْ قطرتي الأخيرةْ.
القطرةَ الباقيةَ في قنينةِ عطرٍ
جلبَها أبي من بغدادْ
قبل عشرِ سنين .
الضوءُ ،
اقتراحي الأخيرْ
كأن أمرِّرَ إشاراتٍ متقطعةً لا يعوِّقُها صخبُ الأقدامْ
ولا
تصلُّبُ عضلاتِ العنُقْ .
و حدَه الضوءُ
يفلِحُ في التعاملِ مع الصممِ الإراديّ .
صممُهم
الذي يخلِطُ بين نداءاتي
وصفيرِ الواقفِ عند الرايةِ السوداءْ
يعدُّ الغرقى.
يلزمُني :
- مرآةٌ
- شعاعٌ ممتدٌ
- و اتكاءةٌ مزمنةٌ
فوق حافةِ الشباكْ .(67/352)
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> مغنٍّ قديم
مغنٍّ قديم
رقم القصيدة : 65249
-----------------------------------
أوقفناهُ في الشِّعرِ.
فقالَ:
"تمنيتُ أن أكونَ إلهًا !"
بلْ
وراحَ في غيِّهِ
يستقْطِّرُ المِدادَ وروحَ الدلالةِ
من عيدانِ خيزُرانٍ ،
سكبتْ فناءَها في غاباتٍ
تُطِّلُ بوجهِها الباردِ
على خيطِ الاستواءْ.
راح يجنحُ نحو مجاهلَ
عميقةِ الإعتامِ
ساكنةْ ،
تنتهي عند سبَّابةِ " عبد الصبور"
في مسرحِ الجامعة
ليعلنَ انتهاءَ العرضِ بموتِ الراويةِ
إثرَ سكتةٍ دماغيةٍ
باغتتْه قبل إسدالِ الستارِ
نتيجةَ طولِ النصِّ الشعريّ
وغيابِ
مسافريّ الليل.
أوقفناهُ في الشِّعرِ
فظلَّ يقتنصُ من كلِّ ساعةٍ لحظةً
كي يكَّوِنَ في عشرينَ سنةً
مرآةً
مغبَّشةَ الزجاجِ
مقعَّرةً
يرقب فيها انعكاسَ جميلتِه القديمة
خلفَ حوانيتِ قاهرةِ المعزّ ،
فيرتدُّ إليه بصرُه
عند بدايةِ القرنِ ،
كأنه هو
كأنها هي
كأن الجامعةَ أفرغتْ حملَها
واستراحتْ.
سيكون بمقدورِنا استكناهُ الأمرِ
على نحوٍ معقولْ
إذا قامرَ على حصانٍ آخرَ
له سابقُ عهدٍ
بالحواجزِ والباحاتْ ،
حِصانٍ
لا يخسرُ دائمًا
ولا
يقتلُه مكعَّبُ السُّكرِ
بمجردِ أن يمسَّ لسانَهُ
رحيقُ المرَّةِ الأولى.
سنهيئ له فرصةً جديدةً
نوقفهُ في التخلّي
ليرصدَ وجهَها في مَحاقِه
شاحِبًا
مصدوعًا
و موغلاً في السقوط.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> نصفُ نُوتة
نصفُ نُوتة
رقم القصيدة : 65250
-----------------------------------
رتَّبا المساءَ إذن
على النحو الذي
يليقُ بشاعريْن.
يمكنُ لشاعرٍ
أن يشقَّ البحرَ بخنصرِه
يروِّضَ المعاركَ ،
يلهو بقطعِ الكونِ فوق طاولتِه ،
ثم يُخرجَ من جيبِ سترتِه حفنة شهبٍ
ينظِمُها عُقدًا لامرأتِه.
وحدَه الشاعرُ
من أقنعَ التاريخَ
بالتنحّي.
رتَّبا المساءْ ،
بعدما أغلقا النافذةَ
على الصواريخِ ذاتِ الرؤوسِ ،
وأقدامِ المارينز صوب دجلةَ ،
أغمضا عن عيونِ الثكلاواتِ(67/353)
لأن الخنساءَ
لم تقرأْ "سوزان برنار" ،
وآذارَ
وقتُ الحياةْ.
قالَ :
لنا جبهةٌ أخرى :
ساحةُ الورقِ
و طلقاتُ المدادْ ،
ثم إنَّا من نشجبُ القراراتِ
وننددُ بخرقِ معاهدةِ جنيف ،
عدا فائدتنا
في استشعارِ الخطرْ
على قولِ" عبد الصبور "
حين قارنَ بين الفئرانِ
وبيننا.
ثم قرأ قصيدتَه.
قالت :
لأني أمتلكُ حدسَ الشعراءِ:
فإن معركةَ التحريرِ النظيفةَ
ستغدو احتلالاً
بعد واحدٍ وعشرين يومًا ،
ولأن شاعرًا نصفَ كلاسيكيٍّ
قال قولةً أحببتُها ،
و لبعد الحداثةِ
أن تتفوقَ بحسِّها الحياديّ ،
وبما أن عشراتِ الدواوين ستُكتبَ ،
أبادرُهم قائلةً:
"إلى بغدادَ طريقٌ واحدٌ
يَمرُّ من فوهةِ
قلمْ !"
أنهيا القصيدتين .
افترشا أرضَ الردهةِ
ببساطِ كرداسةَ ،
غلَّفا الحيطانَ بالأفرخِ الزرقاءْ
و إصداراتِ العامِ الجديدْ ،
أحكما عوازلَ الصوتِ
و أعدّا المقاعدَ للأوركسترا .
بائعُ القناديلِ وفيروزْ
تورطّا في الأمرِ سريعًا ،
فتحدثَ النِّفَّريُّ
عن اتساعِ الرؤيةِ وضيقِ التنفسِ ،
بينما استسلمَ ناجي للرَمَلِ
و أطلالِ الموصِلِ وقَسوةِ الحبيبةِ وحزبِ البعثْ ،
و اعتذرَ " أبو نواس " عن المجيء.
يتكلمونَ عن الاثنين وثلاثينَ إنذارًا
وقرارِ نزعِ السلاحْ ،
والبنتِ
- ذات الـ تي شيرت الأحمرْ -
التي دهستْها الشاحنةُ قبل يومين ،
أمامَ مجلسِ الأمن.
يتكلمونْ
عن المرأةِ التي التقطتْ حبيبَها
من جوارِ السفارةِ البريطانيةِ ،
ليبتكرا مساءً
يخصُّ الشعراءَ وحسبْ .
مساءً
أجادَ صنعَه المدعوون
المقاعدُ الخاليةُ ، و الأبنوديُّ
بياعُ القناديلِ وسجادُ كرداسةَ ،
و الألمْ .
وحدَه " نصير شمّة "
من أفسدَ الخُّطةَ ،
إذ اعترضَ على اختيارِ هذا المساءِ تحديدًا
فحذفَ نصفَ النوتةِ
ردًّا
على قصفِ بغدادْ !
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> كريسماس
كريسماس
رقم القصيدة : 65251
-----------------------------------
في احتفالِ نهايةِ العامِ
يحدثُ
أن تتلكأَ السيارةُ(67/354)
عند بدايةِ صلاح سالم
بينما الكهلُ
ينتظرُ حسناءً
تناخبُ وحدتَه.
تكسرُ الإشارةَ إثرَ مهاتفةٍ سريعةْ
فينحني الطريقُ بغتةً
ويضحكُ المقهى
للقاءٍ قصيرٍ جدًّا
- اعتراضي -.
عشرُ دقائقَ صامتةْ
و كوبَا ليمون ،
ثم خمسِ ساعاتٍ أمامَ الحاسوب
لترجمة " شيروود أندرسون "
و " انتصارِ البيضة "
و عند انكسارِ القشرةِ بالضبطْ
تدقُّ الثانيةُ عشرة
فيما الصحابُ
يتناولون البيتزا
و قبلاتِ الكريسماس
بينما الكهلُ
كأسُه في الهواءِ
معلقةً ماتزال
و ابتسامُته أيضًا.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> المشاءون
المشاءون
رقم القصيدة : 65252
-----------------------------------
المترفون
ذوو الأقدامْ ،
لا مِلْحَ في معاطفِهم ،
ولا قذىً
يسحبُ الرؤيةَ إلى الورقْ.
هناك ،
حيث الشجرُ يختلطُ بالظلامْ
ينسى الرَّبُ أمتعتَه
داخل الكهفِ ،
فيأتي العابرونَ
يلتقطونَ الحياةَ ويمضونْ
بينما الفقراءُ
ذوو العكازاتِ
و النظاراتِ الطبيَّةِ الموبوءةْ
ينتظرون الموتَ الذي
دائمًا يتأخر.
بماذا قايضنا على الفرَحْ ؟
حيثُ الكلُّ يخشى الاقترابْ
لأن الشللَ مُعْدٍ
و العميانَ
يفكرون كثيرًا.
المترفونَ
ذوو الحُلْم
يحيكونَ نهاراتِ واسعةً
تناسبُ شبكاتِ الطُّرُقِ المعقَّدةَ
وضجيجَ الكلاكساتْ
التي لا تُغضِبُ أحدًا،
وفي المساء
يحوِّلونَ الحُلمَ أجنحةً
وكؤوسَ نبيذٍ
وحواديتَ.
الطفلُ الصامتُ
يعرفُ الأمرَ كلَّه
لأنه استنقذَ مدينتَه من الأمهاتِ المبتسراتِ
ناقصاتِ النموِ
ذواتِ الذاكرةِ الممسوحةِ
و كراسي المقعَدين ،
الأمهاتِ اللواتي
لا يُجِدْنَ الطهوَ
ولا الجلوسَ إلى التليفزيون
لأنهن يسقطنَ المشابكَ دومًا
قبل اكتمالِ السطرْ.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> ماوتسي تونج
ماوتسي تونج
رقم القصيدة : 65253
-----------------------------------
ليس صدفةً
أن عينيّ مشدودتان إلى أعلى
و لا أنْ اتخذتْ قدماي
شكلَ منقارِ بجعةٍ بريّة.
للمرةِ الألف(67/355)
أخطئُ العدَّ وأبدأُ من جديد
" دعْ ألفَ زهرةٍ تتفتحْ "
كلما نمتْ زهرةٌ
ضاقت الصواميلُ وتقلصتْ قدمي
و ازدادتْ خطوطُ عيني توترًا.
" الحرسُ الأحمر"
يصرعون العصافيرَ بالنبال
فيقطرُ الحَبُّ المسفوحُ من عيونِها
بينما تونج
يبتسمُ للفكرةِ .
يا الله!
متى يحطُّ الحادي رحالَه
في المسيرة الكبرى
و تنيخُ آخرُ ناقةٍ
في مستقرٍّ لها
بمؤخرةِ الرأس ؟
متى يفتحُ الله عينيه
ليترسبَ المِلحُ في القاع ؟
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> كاتلوج
كاتلوج
رقم القصيدة : 65254
-----------------------------------
الحدسُ : أن تتوقفَ الساعةُ
عند الرابعةِ والنصف
لأن المؤذنَ يقولْ
لا تناموا
الصباحُ الوشيكُ مختلفْ
مع هذا ينامونْ
بغير مطالعةِ الجريدة.
الكابالا : أن تراهنَ على بغدادَ
بشطيرةٍ من البسطرمة ،
لأن النفطَ العربيَّ
يتسربُ إلى قناةِ بنما ،
و جامعةُ الدولِ العربيةْ
ليستْ في شارعِ جامعةِ الدولِ العربيةْ.
السنتمانتالية : أن يقولُ واحدٌ " عجـ
و يُكْملُ الآخرُ ـوة "
فيموتُ الأصدقاءُ القدامى
بجلطةِ المخّ.
الجدلُ : أن يشتري رجلٌ جميلْ
ربطةَ عنقٍ جميلةْ
لتفرحَ بنتٌ جميلةْ
في يوم الخريجينْ
بينما الماءُ يغلي فوق الرأسْ
والممرُّ
باردٌ ومعتمْ.
البرجماتية : أن تدافعَ عن خوفِ البنتْ
التي سقطتْ توكةُ شعرِها في مرسيليا
حين نظرتْ في عينِ الرجلِ البُنِّيَّة
ولم تجدْه
لأن " عفاف يوسف"
كانت في نفسِ اللحظةِ
تُغنّي فوقَ النيل
" يا عاقدَ الحاجبين "
تمهّلْ
و اخف ِ المكاتيب
الغرباءُ على أبواب المدينة !
التخاطر : أن يتقاسم" فيفالدي وفيروز وأبو نواس "
صحنَ الثريدْ
في شاليه البنتِ التي فرحتْ ،
بينما " بيكون "
ينادي باستعبادِ الطبيعة.
الإدراك : أن تحصي المناديلَ الورقيةَ في جيبِكَ
كلَّ يومْ
فتجدها لا تتغيرْ.
الراديكاليةُ : أن يقامرَ رجلٌ على اختلافِ امرأةٍ
لأن الأولى تقرأُ ،
و الثانيةَ تراقبُ مخروطَ الرؤيةِ ،
بينما أقولُ :(67/356)
لونانِ من الانهزامْ .
أنا أيضًا
لم أقرأِ الكتابَ جيدًّا
وإلاّ
ما اتسعتِ الحدقةُ
حين رأيتُ الدولاراتِ
يرميها القنّاصُ في النهرْ
ثمنًا لحفنةِ جنونْ.
لستُ عدميةً يا صاحبي
أنا فقط
أنظرُ في المرآةِ
كثيرًا.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> صيرورَة
صيرورَة
رقم القصيدة : 65255
-----------------------------------
لمحةٌ سريعةٌ للمرآةِ تكفي
لأتعلّمَ
أنَّ صفقةً وشيكةً
أحْرى بها أن تَتِمَّ،
أن عيونَ الأطفالِ وحدَها
تعكسُ المرئياتِ
بشكلٍ طبيعيٍّ ،
ثَمَّةَ مُدُنًا
لا تحوِّلُ الأراضي الفضاءَ
إلى خراباتٍ
فقط
لتُعْلنَ عن وجودِ بشرْ.
نظرةٌ وحيدةٌ تحكي
كيف انصهرَ داخلي
أَمسَى جسدي مُجَوَّفًا
مَحشوًّا قشَّا و أرَقًا.
قريبًا
سأطالبُ بشيءٍ من الميتامورفُزيس
ألملمُ كلَّ زوائدي
أظافرَ ، أنوفًا وأقلاما
أحوِّرُها
جَناحَيْنْ.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> جزيرة بعيدة
جزيرة بعيدة
رقم القصيدة : 65256
-----------------------------------
يا عُمريَ المفقود ،
إني قد أضعتُكَ من قديمٍ
بعدما
أغرقتَ ذاتَكَ
في بحارِ الأغنية
شاركتَني
في جُرمِ مقتل حبِّنا
أهملتَني فوق الرمال
ومضيتَ تسبحُ
في الهجيرِ ،
إلى جزيرتكَ البعيدة ..
ونحتَّ من أشجارها قلمًا
وأفنيتَ النهارْ
متعبِّدا
في قدس مملكةِ الحروفْ
ونسيتَ أني عند قوسِ الأفقِ
وحدي
أصطلي جمرَ الفراقْ
ولأنّني
عشقَتْ عيوني جنّتَك
ظللتُ أرقبُ عوْدتك
عشرين عمرًا لا تؤوبُ لأيكتي
فرميتُ نفسي في محيطٍ اليأسِ أنتظر الوصال
وسبحتُ حتَّاكَ التقيتُكْ
في خدر ربّات الخيالْ
لم تلتفتْ
وتركتَني في عزلتي .
يا ناسكًا
في قُدسِ محرابٍ الكلامِ ،
كما عشقتُ جنونَ حرفكْ
أحببتُ فيكَ تصوُّفَكْ
ساءَلتُكَ :
هل حانَ وقتُ تعلُّمي شرعَ الحروف ؟
وشرعتَ تَجذبني إلى دينِ الخليل
وتدٌ .. سببْ
رَمَلٌ .. خببْ
فإليكَ أستاذي الجليلِ
أقولها :
متفاعلن .. متفاعلن ..
متفاعلن ..
أحببتُكَ .(67/357)
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> دوائر الطباشير
دوائر الطباشير
رقم القصيدة : 65257
-----------------------------------
لن ألتقيكَ اليوم؟
فقد محوتَ وجهَكَ القديمَ من ذاكرتي
واستبدلتَ به
خطوطًا جامدةً
ارتسمتْ عند باحة "رابعة العدويّة"
التي أطرقتْ في صمتٍ
يليق بالمحنةِ القادمة،
ثم أغمضتْ
حين التصقَ وجهُكَ بصدرِها
شاحبًا كقديس،
ينسربُ بياضُه من الأصابعِ
في وهنٍ
يشبه الحروب الباردة.
أيها المشجوجُ بفأسٍ
ألابدَ أن نلتقي؟
في مرسمِ البنتِ التي غدرت بكَ،
وغاصت في الدائرة التي رسمتْها بالأمس؟
البنتِ التي أطاحتْ بحُلمِكَ
ثم صالحتْكَ بريشةٍ
ورزمةِ أوراقِ فارغةٍ؟
مغدورةٌ أنا مثلك
شجَّني ولدٌ
ثم فرَّغَ بالمثقَبِ جُمجمتي
ليملأَ موضعَ الفوضى
لونًا وقشًّا
وكثيرًا من الصمتْ.
كان لي ولدٌ
كان لي ولدان
سرقتْهما دائرةُ الطباشير القوقازية
ألهاني ألمُ الرأسِ عن جذبِ ذراعيهما
فضاعا.
للصامتين أن يلتقوا مساء الأحد
في مراسمِهم التي أعدّوها على عجلٍ
قبل أن تبتلعَهم الدائرة التي،
لا تنمحي.
لكن ذوي الشجِّ
يمتنعون.
بوسع المشجوجون
أن يلملموا الترابَ والبنَّ من الجبل
ليسدوا الشروخ في أعماقِهم،
بوسعهم أن يساوموا دودةَ القزِّ
علّها تتقيأُ شيئا من التوتْ
الذي ادخرته في جوفِها
ثم يدارون سوءاتِ رؤوسِهم المصدوعةِ
بأوراقه الخضراء.
"مها" ستعود يومًا،
حين ينفلتُ "مازن" من الأنشوطة الخائنة
وحين يتكلم "عمر" ليهتفَ:
أيها الرجل
كيف استطعتَ أن تحوّلَ المحنةَ
إلى لونْ !!
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> البعيد
البعيد
رقم القصيدة : 65258
-----------------------------------
مكدودًا في الظهيرةِ ،
على جبينِكَ خيطُ نُحاسْ .
لماذا قتلتَ البحرَ إذن
وأشبعتَ الطرقاتِ مشيًا
إلى البعيدْ ؟
في البلدةِ ،
تحملُ المصباحَ في يدِكَ
وبالأخرى
تهَشُّ الفراشاتِ عن ضَيْعَتِكْ
في حوزتِكْ واحدةٌ
ويرقتانْ ،
فيهنَّ
خاصمتَ الشِّعرَ والمطرْ.(67/358)
لمْ تراقصِ العالمَ منذ سنينْ
أو تخطّ قصيدةً على حائطٍ
تدورُ وحسبُ حولَ الفراغِ
فيعلو جدارُ الحريرِ المقعَّرُ
شيئًا فشيئًا،
فلماذا قتلتَ البحرَ
وأوسعتَ الطرقاتِ إطراقًا ؟
الوردةُ
ماتتْ
أبَحْتَ أحمرَها وأخضرَها ،
وعِطرُها
عالقٌ بين سبَّابتِكَ وإبهامِكْ
لا يُغسَلُ
فأنتَ لم تعبأ بالسَّهمِ المرسومِ على الطريقْ.
كنبيلٍ قديمٍ
يكسو النُّحاسُ ملامحَه
جئتَ من أقصى البلدةِ تسعى
مسارُكَ خطٌّ ثابتٌ .
لا تلتفتْ للخلفِ .
فالأساطيرُ حقيقةٌ
والتماثيلُ دليلْ .
وأنتَ غادرتَ البحرَ
واخترتَ الطريقْ .
مكدودًا
عدتَ من بلدتِكْ
تُنظِّرُ للشِّعرِ وللحُبِّ
و امرأتُكْ
تنتظرُ هناكَ
خلفَ النافذةِ
بعضَ خبزٍ ... وحفنةَ ماء.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> بلادونا
بلادونا
رقم القصيدة : 65259
-----------------------------------
الجميلاتُ هناك.
اللواتي لا يدعن الدهشةَ المزمنةَ
تتلفُ الرقصةَ ،
فتنتهي
بلحظةِ صعودٍ
تستقطبُ انتباهَ حوائطَ صامتةٍ
فتنخرطَ في التصفيق.
الجميلاتُ
رتَّبنَ الكتبَ فوق الرفِّ
ليسكنَها الترابُ ،
ثمَّ درَّبنَ أصابعَهن على الغناءْ
غيرَ حافلاتٍ
بالعباءاتِ الرماديَّةِ الثقيلةِ
رديئةِ التوصيلِ للصوتِ
والحياة.
طرَّزنَ الشِّعرَ فوقَ الأسرَّة
ثم استلقينَ على ظهورِهن
يجدلنَ من ضفائرِهن الاستوائيةِ
شجيراتِ بلادونا
لا تعرفُ الألمْ .
صنعنَ شروخًا في الهواء
تبصُّ على الألوانِ
و تقرأُ القصصَ القديمةَ
متثائبةً ،
قصصنَ لحيةَ بوذا
و حشونَّ فمَه بالقشِّ
ثم مضينَ
لا ينظرنَ للوراء.
الجميلاتُ
تركنَني.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> حروف محترقة
حروف محترقة
رقم القصيدة : 65260
-----------------------------------
يا سيدي..
رفقاً بأعصابي التي
أحرقتَها
وجعلتَ مني دميّةً
تلهو بها.
وطلبتَ فردوسَ الوجودِ
جميعَهُ
أقصيتني في هامشِ الأوراقِ
سيدةً يلازمُها الخفاءُ ،
وسُكْنَةً وقتَ الفراغْ.
ونسيتَ كيفَ وهبتُكَ(67/359)
الوقتَ الذي بددتَهُ
حبيّ الذي أزهقتَهُ
أدميتَ خاصرتي
بسيفٍ من جمودْ
ووقفتَ ترقبَ نزفها حتى الممات.
أشقيتني..
ونسيتَ أني لستُ أقبلُ
-مطلقاً-
إحناءَ قامتيَ
انخفاضةَ جبهتي.
أوَ لستَ تدري ما الذي قد ساءني..
في سالفِ الأيامِ..
أنتَ تعيدهُ..
أنا إن أضعتُ
كرامتي يا سيدي
لم يبقَ مني غيرَ صفر ٍ منكرٍ
تسعونَ شخصاً,
طوَّفوا بالقصرِِ
لم أفتحْ لهم
و نظمتُ فيكَ..
قصائداً معقودةً
بشرائط ٍ بيضاءَ من
ثوبِ الزفاف.
مزقتَها..
و مضيتَ تقتلُ عِزّتي.
الآنَ فارحلْ عن سمائيَ
لم أعدْ
أعبا بزيفِ حروفكَ الولهى
وقلبٍ شُقَّ
من حجرٍ أصَّمْ.
أمَّا قصائديَ التي أذللتَها..
فاحذرْ حريقَ الحرفِ منها
أن يذيبَك
أو تخوضَ جحيمَه.
شعراء مصر والسودان >> فاطمة ناعوت >> شاهدٌ على الماء
شاهدٌ على الماء
رقم القصيدة : 65261
-----------------------------------
في الماءِ أسبحُ كلَّ يومٍ عائدًا
و أنسِّقُ الأحداثَ
من أفكارِ ناسٍ سافروا
وحملتُهم.
عشرونَ عامًا
في الربيعِ وفي الخريفْ
يرمونَ في جوفي العميقِ سلالَهم
أسرارَهم ،
اِضْرِبْ بمجدافيَّ في عمقِ المياه
لأشاغبَ الصِبيانَ حين يتمتمون
لا يسكتون!
و أعابثُ الأحلامَ في قلبِ البناتِ العاشقاتْ
فأدغدغُ الوترَ الرقيقْ
في الماء أكتمُ نشوتي .
في جعبتي
سأجمِّعُ الضحكاتِ من أحداقِهمْ
والحزنَ من ظلِّ الجفونِ الباكيةْ
حتى إذا ضمَّ المساءُ شراعيا
أفردتُهُ فوقَ الرمالْ
أفرغتُ فيه سلةً
تحوي شتاتَ الذكريات
كلُّ الصحابِ تجمعوا :
هيا انظروا سِفْرَ البَشَرْ
كلماتُهم في حوزتي
أفكارُهم ووعودُهم
دقاتُ قلبِ المتعبين
رفَّاتُ عينِ الخائنين
وحدي أنا
من يكتِمُ الأسرارَ في عمقِ المياه
وحدي أنا رعْ
من أرَّخَ الأزمانْ.
شعراء مصر والسودان >> محيي الدين فارس >> بلادي
بلادي
رقم القصيدة : 65262
-----------------------------------
لأول مرة ........
أحسّ بأني حرٌ ... وأن بلادي حُره(67/360)
وأن القيود التي عذبتني وأدمت يديا
ألقت سلاسلها الصدئات لدى قدميا
وأن بلاد الكنوز .... بلاد الكنوز الغنية
بلادي
ستفتح أبوابها للضياء
لتغرس قطره
فتحصد أجيالنا ألف قطرة
إذا الفجر مدّ الجناحا
وألقى على الشاطئين الوشاحا
فحتى الأجنّة
سمعت أغاريدها في الدجنّه
تظلّ إلى غدها مطمئنه
وحتى أنين سواقي تلك التي عذبت مسمعيا
أضحى غناءً .. غناءٌ يصافحني في العشيّه
وحتى كهول القرى المقعدون
تندّت عيونهم بالأغاني الشجيه
بلادى أنا .. يا بلاد الكنوز الغنية
تفتحت مثل انطلاق العبير تحدّر من شفةٍ برعميه
كلؤلؤةٍ ساحلية
كأجنحة الطيب رفّت مع النسمات الندية
لأول مرة
أحس بأني حر ..وأن بلادي حُره
وأن سمائي حرّه
فلا طير فيها غريب يناوئ نجمي
ولا طيف غيم
وأن الطريق الذي رصفناه يوما جماجم
سنغسله بالعبير ونفرشه بالبراعم
وشدو الحمائم
اذا الفجر مدّ الجناحا
بلادي أنا .. يا بلاد الكنوز الغنية
تمد يداَ من قلب النجوم ..بيضاء مثل صفاء الطويّه
إلى كلّ شعبٍ مضى صاعداً إلى النبع بين الجبال العتيّه
فأغرودة من بلاد الجنوب تعانق أغرودة آسيويه
فتحنا النوافذ يا فجرُ فانثر ضفائرك البيض والسوسنية
وبعثر على عتبات الطريق أغاريدك الحلوة الشاعرية
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> فوق ضريح عبدالناصر
فوق ضريح عبدالناصر
رقم القصيدة : 65263
-----------------------------------
هنا ينام متعباً
من أتعب الأيام والفصول
من عبرت خيوله فوق جبين الشمس والزمن
فما ونى ولا وهن
حتى ونت من تحته الخيول
و استسلمت لراحة الكفن
فآثر القفول
ونام موهن البدن
***
من أيقظ العيون
... هنا
ينام متعب الجفون
***
بالأمس مر في سمائنا
على جواد الفجر كالصباح
أيقظنا من الخدر
مر بكفه فوق مواقع الجراح
قال لنا: أنتم بشر
كنا نسينا أننا بشر
و أن شمسنا مشلولة الجناح
فاستيقظت سهولنا، و انتفض القدر
على جبالناالمجنونة الرياح
***
يا إخوتي هل تذكرون حين مر(67/361)
"كيف بكى حزناًعلى "بلقيس" و "بن ذي يزن
ماتا فلم يضمهما قبر و لم يسترهما كفن
كان على سفر
فثار واستقر
وصاح في الأطلال و الدمن
ثوري، تحركي
فثارت الأحجار والشجر
و ثارت اليمن
***
تناثرت من حولها سجون "القات" و الكهوف
تقاطرت من قبرها الآلوف
و الفارس الذي أيقظها ممتشقاً حسامه
يضرب وجه الليل و الإمامه
و يسحق (الأقزام) والسيوف
و خلفه، أمامه
تشتجر الأخطار و الحتوف
لا الليل .. لا عواصف الشتاء
و لا زئير الرمل و الجبال
تثنى حوافر الجوادالممعن التحليق في الفضاء
تهز ذرة احتمال
عبر يقين الفارس المتشح الضياء
حتى تكسرت على طريقه النصال
و احترقت كهوف الليل والفناء
ولامس الجبين الأسمر السماء
***
و بعد الف رحلة و رحلة إنتصار
يعود للديار فارس النهار
يعود متعباً ليستريح
لينفض الجراح و الغبار
هنا على جوانب الضريح
و في غد يستأنف المسار
من جوف قبره يصيح
متابعاً بقية الحوار
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> بطاقة إليها
بطاقة إليها
رقم القصيدة : 65264
-----------------------------------
أنا من بلاد القات مأساتي تضج بها الحقب
أنا من هناك قصيدة تبكي وحرف مغترب
غادرت سجن الأمس ملتحفا براكين الغضب
أثر القيود على يدي ساقي تنوء من التعب
لا عطر لا بترول أحمله وليس معي ذهب
ما زلت أغسل في مياه البحر أشرب في القرب
قدماي حافيتان عاري الرأس موصول السغب
وسفينة الصحراء طائرتي وقصري من خشب
إن دندن الموال في الأغوار يقتلني الطرب
ويشدني نآي الحقول أذوب إن ناح القصب
لكنني في الحب موصول العراقة والنسب
"مجنون ليلى" في دمي و "جميل" مجنون اللهب
أنا والهوى جئنا شببت بظله حُلما وشب
هل تقبليني بعد؟ هل ترضين بي شمس العرب؟
أنا فيك مجنون تحير سير عمري واضطرب
لما تلاقى المعجبون أمام موكبك العجب
قالوا ومات اللفظ مشنوقا على شفتى اللهب
هزتك ثرثرة الشفاه وخاب صمتي وانتحب
وذهبت تقتاتين ، تغتسلين في موج الصخب(67/362)
والصمت لو تدرين ..أبلغ من ملايين الخطب
القاهرة ديسمبر1963م
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> إلى فأر
إلى فأر
رقم القصيدة : 65265
-----------------------------------
ذهبت مثلما أتيت ملعون المساء والنهار
أيامك الطوال عار
وعهدك القصير عار
أكبر منك نملة
أشهر منك ريشة على جدار
يا أمسنا الذبيح
يا فأرنا القبيح
يا قاتل الأطفال يا مهدم الحياة والديار
ظننت أنك الإله .. أننا العبيد
تفعل ما تريد
تعبث في مصائر العباد
فخانك الظن وخانك الرشاد
أصبحت كومة من الرماد
تنام في انفراد
تصحو على انفراد
تسألك الريح ، يسألك الجماد
ماذا صنعت قل ..
ماذا صنعت للبلاد؟
ماذا تركت من ذكرى على ضميرها ومن أمجاد؟
لا شيء ياصغير
لا شيء غير لعبة المزاد
رفاقك القرًاد والقوًاد
وعاصف الفساد
ماذا تركت للذين يقرأون؟
ماذا سيكتب الأطفال عنك حين يكبرون؟
سيكتبون .. مر من هنا منتفخا
فأر صغير يرتدي ثوب مغامر جلاد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> الصوت والصدى
الصوت والصدى
رقم القصيدة : 65266
-----------------------------------
في الذكرى العشرين للنكبة
----------
الصوت :
عشرون عاما لم أنم
عيناي جثتان ينهش الظلام فيهما
وينخر الألم
حنجرتي مقطوعة ، صرت بغير فم
صرخت
مات الصوت في الأعماق
الريح حولي ترسم الاخفاق
تأكل ما تبقى من حروف الأمل القديم
والأشواق
***
الصدى :
و " سالومي " تغني في ملاهي القدس
تنشر لحمها في المسجد الأقصى
وتطلب كل رأس راكع فيه
لترفع عاليا من حائط المبكى
***
الصوت :
على سريري كل ليلة يضطجع الأغراب
في جسدي يرقد ليل الحقد
تنهش الذئاب
وتختفي الخناجر
وتنطفي كل مساء لذة الشيطان .. والسجائر
بغداد في صمت ومثلها الجزائر
انتحرت في مكة المنائر
والليل يمضي مثقلا
والنجم فوق شاطي العبور ساخر
***
الصدى :
(يهوذا) في القصور .. على مكبرات الصوت
ينادي يالهول العار
وحين تضج معركة
ينام مسًلما إخوانه للموت(67/363)
***
الصوت :
عشرون عاما وأنا مصلوبة على طريق الليل والنهار
أهلي بلا مأوى
وأبنائي بلا ديار
الريح والصقيع .. دار
وخيمة من الدموع والأشعار
كم حفروا إلى سجني طريقهم
كم حفروا جدار
تسلًخت أقدامهم فوق الصخور ذابت الأظفار
وهم على الطريق في إصرار
متى أضمهم إلى صدري ؟
متى أطفي بهم سعير النار ؟
***
الصدى :
تقول " سدوم " أن ربيعها قد عاد
وأن مقابر الأجداد
سترجع مرة أخرى
لتُفرغ حقدها في سوأة الأحفاد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> أسئلة ... ومرايا
أسئلة ... ومرايا
رقم القصيدة : 65267
-----------------------------------
(1)
هل أخطأتُ طريقي
حين اخترتُ الحرفَ فضاءً وجناحا
أُطلق قلبي في ملكوت الذكرى
أبحث في نفقٍ لا ضوءَ بهِ
عن برقٍ مسجونٍ يرسم لليل صباحا ؟
هل أخطأتُ طريقي
فانسكب الحرفُ على دربي شوكاً وجراحا
(2)
يا أُمّي
كنتُ جنيناً في جوف الوردْ
وكان الوردُ جنيناً في جوف الماءِ
وكان الماءُ جنيناً في جوف الرعدْ
كيف تخلّى عني الوردْ
تخلّى جسدي عن روحي
كيف تخلّى الماءُ عن الماءِ الرعدِ - الوعدْ ؟
(3)
تحملني الريحُ على أطراف أصابعها
ويواريني الليلُ على أطراف أصابعهِ
وكبوذيٍّ
يتسوّل لغةً من تابعهِ
أتعثّرُ،
أغفو،
أشكو،
فيُلبّيني صمتي بمواجعهِ
وينام على صدري كلَّ مساءْ .
(4)
دثَّرني صمتي بلحافٍ من ماء الكلماتْ
وأخفى رأسي تحت سحابتهِ
لم أندم، عانقتُ الصمتَ
وأيقظتُ حروفي وطقوسَ شجوني فيهِ
وأطلقتُ لأجفاني ماءَ الحزنِ
وغيمَ الحسراتْ .
(5)
نصفُ بلادٍ لا تكفي
نصفُ صباحٍ لا يكفي
نصف صديقٍ لا يكفي
ويخاتلني فرحٌ ينشر ضوءاً مكسوراً
فوق مسائي
أيّةُ أشباحٍ تسرقُ نصفي
أيُّ غرابٍ يصطاد إذا جاء الليلُ
غِنائي ؟
(6)
عيناكِ غدي
عيناكِ ظلالٌ ترقصُ فوقَ بقايا
جسدي
يا واحةَ ضوءٍ بضفائرها
تنهلُّ
وتغسل قمصانَ الخوفِ
تُبلّل بالذكرى كبدي
عيناكِ غدي .
(7)
يتخلّى عني الأصحابُ
فأهجرهم(67/364)
وأرى في الشمس، وفي الشجر الأخضرِ
في الورد، ملايينَ الأصحابْ
يهجرني الشعرُ
فأشعر أنّ حدائقَ روحي معتمةٌ
وجدارَ القلبِ بلا نافذةٍ أو بابْ
....
....
يتخلّى عني السلطانْ
فتخضّر الروحُ بوديان من وردٍ
ورياحينْ
وأرى قفصاً يتهاوى
وقيوداً حولي تتساقطُ
وأفرّ كعصفورٍ يتشوّق للشمسِ
وللنسماتْ
وتفلتُ روحي من جثثٍ
ووجوهٍ كالأحذية الملقاةِ
على العتباتْ .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> الخروج من دوائر الساعة
الخروج من دوائر الساعة
رقم القصيدة : 65268
-----------------------------------
- 1 -
من شجر القات ، ومن قواميس اللغات الميته
أخرج شاهرا حرفي ، ممتطيا صوتي
أسير ،
في يميني وردةُ الميلاد
في يساري نخلة الميعاد ،
في دمي بشارة القيامه
- 2 -
تقرأني أصابع الموتى
تنتفض الغابة في شرايين التراب
تلفظ القبور أهلها
تصحو حجارة المدينة النعسى
وتستفيق جدران البحار الضامئه
- 3 -
تضحك اسناني
تضحك نار الحزن
أمضغُ الأحجار والأشجار
باحثا في الماء عن وجهي
عن وجه نهر الريح
عن حروف القا .. ت
عن شجيرات الخيال ،
أين تختفي خيلي ؟
- 4 -
عتيقة كآبتي
تحوم حول جثة الماضي
ترسم وجه اليوم
تمتطي جرح غدي
على شراع القات
- 5 -
في وجوه المغرب البليدة
الصمت صار لغتي
والساعة السليمانية امتدت عروقها
صارت شبابا كالشيوخ
يمضغون خضرة الأيام
يشربون ماء العمر
أين ضوء الحُلم والبراءه ؟
- 6 -
من يرتدي حزني ؟
من يكتب الأصوات في نهار الصمت ؟
في ليل الدخان ؟!
من يميتُ الاخضرار في الوجوه
في الشفاه
في الأجفان ؟؟
- 7 -
تذبحني سيوف الصمت
تسقط الدماء في ظلي
أخرج شاهرا حرفي
ممتطيا صوتي ،
ارفعُ حزن الأرض عن صدري
اصيح في موج الجموع
انطلقي
تألمي
تكلمي
تذبحني سيوف الصمت في الشفاه الصامته
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> قطرات من دم الجبل
قطرات من دم الجبل
رقم القصيدة : 65269
-----------------------------------(67/365)
كل عصر يجيء وفي كفه قطرات من الدم
في ثوبه وردةُ تتوهج
تحفظُ للشمس أشواقها للنهار .
وتمنحُ ألوانها
للنجوم الشتائية الضوء
تغسل معطف أحزانها
تتناسل في عتمات من الزمن الطبقي
شظايا ..
وتغسل أزماننا .
قطرات من الدم تخلقُ عصرا
وتهدم عصرا
وتطرح أسئلة
تتشرد عبر القرى
تنذرُ الخائفين
تجوسُ خلال الحواري العتيقة- أوردة الفقراء النبيين-
في الشارع العام تركض باحثة عن شهيد
***
قطرات من الدم
كان يحاصرها ليل تاريخنا .
وهي تطوي القرون بخيل من الريح
تفتح بوابة وتسابق موتا
وتمتص نوح النوافذ
والشهقات التي غيبتها الزنازن
تتطلب ، في ساحة الضوء ، فوق التلال البعيدة ، وجها
وتنقش قبرا
وترسم عشب البكاء
***
من تكونين ؟
يا قطرات
من الدم
تصنع هذا الطريق المؤدي
لمقبرة الموت ؟
هذا الطريق المؤدي
لنهر الزغاريد ؟
ألمحُ في ظل عينيك صوت حبيب لنا
وأشاهد نار عصور من القلق المتوهج
أشهدُهُ ..
يُنبت الجبل البكر ضؤ أصابعه
ألف سنبلة أثمرت في الرمال ، خطاه
وألف سؤال حزين على شفة الجبل المتألم ،
خطت دماهُ
وطني ... كان
ما زال
يبقى
سخيا بأمواته
وسخيا بأحزانه
شجرُ البن
يا وطني ، كنت
أنت
الشهيد
وكنا ... صغارا على راحتيك
نداعب وجه التراب
نقبّل جدرانك الهرمات
وحين سمعنا نداء الجبال تطير به قطرات من الدم
جئنا
أفقنا
استجبنا ..
حملنا هموم القرى
وحملنا عن الجرح أحزانه
ووقفنا نناديك :
يا طالعا
من نسيج شرايننا
أنت علمتنا أن نكون
وعلمت أشجارنا أن تكون
فكانت
وكان الشهيد
وكان المطر .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> احتجاج العائد من رحلة الخوف
احتجاج العائد من رحلة الخوف
رقم القصيدة : 65270
-----------------------------------
يا صدر أمي
ليتني حجرُ على أبواب قريتنا
وليت الشعر في الوديان ماء أو شجر
ليت السنين الغاربات ،
حكاية مرسومة في نهر راعية عجوز
ليت السماء قصيدة زرقاء
تحملني إلى المجهول ،
تغسلني من الماء - التراب(67/366)
ليت القلوب ترى ، وتسمعُ
والعيون نوافذ مسدودة ،
من لي بعين لا ترى ؟
من لي بقلب لا يكف عن النظر
*****
وسط الظلام وجدتُ ايماني
وفي قلب النهار فقدتُ ايماني
لماذا يا كتاب الشمس تقرأني ،
وأعجز أن أراك ؟!
أرى حروف دمي ،
بُقعا من المرجان
ضوءا في فمي
مرٌ هو الليل الطويل
الشعر مر ..
وصوت " فيروز " بلا طعم
وبين النوم والعينين بحر من رمال
***
رفقا بأهدابي
ورفقا يا أظافرهم بأعناق القصائد
أين أخفيها ؟
أأحملها معي للضفة الأخرى من النهر الذي لا ماء فيه ؟!
لا .. لست مجنونا ، واحلامي تطارد حشدهم
وأمد أظفاري ،
اعض بنارها وجه الظلام
أموتُ من خوفي ،
ومن غضبي ،
ومن قهري
أموتُ .. أموت من البكاء
***
لا تكذبي
يا صافنات الشك ،
موجود أنا ..
جسدي وروحي تغرقان
وصوتُ احزاني ذئاب
تنهش الكلمات
ليت الشك ينشر ليله حولي
ويطويني العدم
ليت النهار يغيبُ ، لا يأتي
وليت الليل لا يأتي ،
وليت الأرض نجم لا يدور
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> قراءة أولى في كتاب التحدي
قراءة أولى في كتاب التحدي
رقم القصيدة : 65271
-----------------------------------
وقوفا : يقول التراب
وقوفا : تقول الحجارة ،
طعمُ الحياة لذيذ كطعم الممات
دفاعا عن الأرض ،
عن نخلة في السجون تقدم خاتم خطبتها
للذي إن دعته الزنازن لم يتردد
وإن دعته المشانقُ لم يتردد
( شهيد الهوى )
للذي لا يساوم في لحم اطرافها
للذي لا يخون دماء التراب
******
أيها المستحمون بالوحل
صوتُ الهوى في دم العاشقين كتاب من الحلم يفضحكم
العيونُ المليئة بالصمت خلف المشانق تفضحكم
جسدُ العاشق المتأرجح في زحمة الليل يفضحكم
أين ؟
أين تولون أدباركم ؟!
ساعة الدم دقت
وطفل يسمونه العدل
طفل يسمونه الغد
ينمو ،
على شجر الدم تمتد اذرعه
وتصيرُ له عضلات من الصخر
ها هو ذا قادم
كلما ارتفعت في الميادين مشنقة زاد عنفا
وتخضر أحلامه في الزنازن
لا تفرحوا
إن موت المناضل نصر له(67/367)
إن سجن المناضل وعد بوصل المطر
****
أيها المتعجلُ قتلي
لماذا يطاردني حقدُك الهمجي
ويرعبني ظلك المتوحش ؟!!
إن سلاحي هو الحرف والكلماتُ الحزينةُ
في ساحة الحب أعزفُ لحنا من الورد ،
أعزف لحنا من الشوق
هل تتذكر ما الحب يا قاتل الشجرات العظيمة ؟
للحب أشرعة وطيور من النور
أسرابها تتجول في ليل عينيك
تكتب من دمها في جدار العشيات :
( إن غاب وجهي
وغيبني حقدك الهمجي
فإن الأغاني ستذبل
أما أنا فسأبقى
وتبقى دمائي تدق نوافذ كل القلوب
تحاصر حقدك عبر جميع الجهات
وتمنعُ عنك التنفس ، والماء ، والغفوات
وإن لم تمت فزعا
سوف تقتلك الكلمات..)
****
يخلع الدمُ صك عبوديتي ومراسيم خوفي
وأنا المتدثرُ بالحزن يغسلني فرح خالدُ
كلما دقت الساعة الدم
أعلنت مبتهلا رافع الكف :
إن صلاتي لله .. للشعب .. للفقراء دمي
كل قطرة دمع ترقرقُ من عين أرملة
تتحول مشنقة وقبورا
تدق بأحزانها ساعة الدم
فانتظري أينا الزبد الطفحُ
ولتعلمي أينا سوف يطرده الله من عطفه
وإذا مات من ستلاحقه لعنةُ الدم
من سوف ينمو على قبره شجرُ اللعنات ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> المساومة
المساومة
رقم القصيدة : 65272
-----------------------------------
- 1 -
إبنُ هند يساومني أن أبيع لساني
وصوت غدي
وجماجم جند الحسين ،
ضع السيف حيث تريد
هنا في فمي
ههنا في دمي
أبغض الموت ، لكنني أتعشقه
حين يغدو الخلاص لجمجمتي من رماد الخيانة
- 2 -
قال لي ،
ورماد الخيانة يحجب عينيه
والليل يسقط من شفتيه :
الموائد في الشام متخمة
وبساطُ "عليّ " من البلح الجاف ،
أي الطريقين تسلك يا صاحبي ؟
قلت : حيثُ يكون "عليّ" أكون ، يظللني سيفه
وأصلي وراء سحابته
حين أظمأ ، صوت العدالة مائي
وإن جعتُ فالوجبةُ : التمرةُ اليابسة
- 3 -
قال منتفخا :
إن رأسك تشكو من الجسد المرتخي تحتها
وأرى الجسد المشتكي يتمطى من الأين
يرفضُ أن تتسلقهُ صخرة لا تحب الشهي على نهر مائدتي(67/368)
وهي واحدة من رؤوس تدلت
وحان أوانُ قطافي لها
كم من العمر عاشت على جذعها
قلت مبتسما :
ليس بالزمن - الخبز
بالزمن - الأرض
تحيا الرؤوس الجديدة في عصرنا
ليس عمرُ الحسين المسافة بين
المدينة والموت
عمرُ الحسين جميعُ الزمن
- 4 -
سقط الضوءُ ..
في أضلع الأرض ، في صدرها يرقد الآن ،
أحرفُ أشعاره تتدلى بروقا ،
قنابل ،
تنحب موتا
وتغتال ليل يزيد وأنصاره
وجنود المساومة الزرق
ها هي ذي الآن تمطُر رؤيا
وتحتل ذاكرة الشمس
ترحل عبر الزمان إلى كل جيل .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> على قبر دمشق
على قبر دمشق
رقم القصيدة : 65273
-----------------------------------
" 1 "
دمشق التي قاتلت
ودمشق التي احترقت
ثم عادت من النار ، لم تحترق
كيف تحترق الأن في السلم ؟
تفقدُ لون ظفائرها ؟!
كيف يهجُرها " بردى "
وينامُ على قبرها " قاسيون " ؟!
" 2 "
أيها القمر الذهبي - الذي كان -
كيف ترى طفلة الشام
يجلدها العابثون
فلا تتحرك أشجارُك الشامخاتُ
ولا حجر من " أميّة "
يا سيد الأفق .. رُد
ألا تستطيع ؟
هل استعجمت في زمان الحروب الحروف ؟!
" 3 "
أيها المتعبون
الطريق طويل ...
وأعناقنا لا تهابُ المسير
الخيول التي نمتطيها دماءُ قرانا
وأحزان أجدادنا
فاستريحوا
لأن الخيول الجريحة
ظامئة للمسير .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> مأرب يتكلم
مأرب يتكلم
رقم القصيدة : 65274
-----------------------------------
أهرام مصر بعد رحلة الصمت الحزين
ثارت
تكلمت على شواطئ السنين
حتى أبو (الهول) الصموت
آثر أن يمزق الستار
تدحرجت من فمه الأحجار
ألقى بصمته للرمل والرياح
أطلق للحنجرة السجينة الجناح
وحوله
تكلمت أحجار بعلبك
وصوت أوراس العظيم
يهز جدران النجوم
يدق أبواب الفلك
"وتدمر" الصامتة الرمال والأحجار
تذبح صمتها
تطعمه للنار
تنشب في جدرانه الأظفار
و "نينوى"
وكل صامت ، تكلما
لم يبق غيري صامتا
على طريق العصر واجما(67/369)
جذور صمتي اللعين
أنبتت السجون والجماجما
وها أنا
بموجة النيران والدماء
غسلت وجهي الحزين
مزقت وجه الصمت والعدم
أطلقتها من قبضة الألم
أرسلتها حزينة النغم
هل تسمعين : هذه الصخور
صوت الذي يثور
صوت الذي يغادر القبور
صوت الذي يعبر جسر الصمت والوجوم
يجرب التحليق والكلام
يزرع في الخرائب الشاحبة الرسوم
بعض زهور الحب والسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"تدمر" مدينة أثرية في الشمال الشرقي من دمشق
"نينوى" مدينة أثرية في العراق عاصمة بلاد أشور القديمة
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> تأملات حزينة فيما يحدث
تأملات حزينة فيما يحدث
رقم القصيدة : 65276
-----------------------------------
حزين أنا .. والنهار
وشباك نافذتي .. والجدار
وصورتها .. يوشك الحزن يذبح قلب الإطار
كتابي حزين .. وهذا القلم
وعصفورة خلف بابي تنث الألم
وأشجار حارتنا والكلاب حزينة
ووجه المدينة
وفي الأفق غيمةُ حزن ترش الفضاء
تعد مشانقها للنجوم
تنقر وجه الضياء
نهارا - يقولون - ولكنه كالمساء
***
هناك على شارع الشمس حيث الظلام الصدى
يداعب قطتنا
يحفر الليل في الحائط الأرمد
لتدفن في ظله الأسود
بنيها .. وتأكلهم ساعة المولد
هناك
قلوب كسيرة
عيون كثيرة
تحدق في ثورة عاصفة
ولكنها واقفة
وأقدامها راجفة
تريد لتمشي
لتصنع شيئا ولكنها خائفة
*********
وفي حينا ..
يرتدي الناس أحزانهم ثم لا يهجرون البيوت
يظلون فيها عرايا كما العنكبوت
لتغزل أحزانهم نسجها الدائري
وتهدمه في انفجار صموت
موائدهم مثقلات ولكنهم دون قوت
لأن الصباح على كل عين
وفي كل باب يموت
***
كرهتك نفسي
كرهت الحروف التي غرقت في الدماء
كرهت الجبال ،
كرهت السهول ووجه السماء
كرهت الحناجر تهتف ظامئة للظما
كرهت البصيرة مفتوحة
وكرهت العمى
أنأكل أنفسنا في المدينة
ومن حول أسوارها تتمطى العيون اللعينة؟
أنشحذ للأقربين الحناجر؟
ونزرع فوق البيوت المقابر(67/370)
ونصلب أحلامنا في سكينة
وأعداؤنا يسلبون الديار
شموع النهار
أقول لكم إننا تافهون
وإن مدافعنا كالقلوب جبانة
نوجهها حيث يحتشد الظالمون
فترجع خائبة ومهانه
لتحصدنا ..
لتسد العيون
فلا تجتلي في الدخان رؤوس الخيانة
أغسطس 1968م
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> أيوب المعاصر
أيوب المعاصر
رقم القصيدة : 65277
-----------------------------------
أيوب ..
على طريقكم مصلوب
أمال رأسه
ألقى به على صدر مهشم منخوب
تجفل منه النظرات
تجفل القلوب
حاول أن يسكب دمعة أمامكم
كي تمنحوه بعض العطف والرثاء
تحسس الجفون
فتش أغوار العيون
محاولاته تحطمت
تبددت هباء
لا دمعة أجدت
ولم تعصر من الجفون ماء
منذ قطعتم ثدي أمه في زمن الرضاعة
دموعه مضاعه
سالت على المهد مع الحليب
اختلطت مع الدماء
تناثرت في ليله الرهيب
ما عاد صابرا
وليس في وقوفه شجاعة
فالصبر بئرنا الغريب
"أيقونة" الجبان .. والصليب
ثار ، بكى
مشى على طريق النائحين والحواه
مزق ثوب الصبر قال : آه
****
حاول أن يمتدح الخناجر
أن يستعير صوت مطرب وشاعر
أن يمنح الجلاد بعض الحمد والمديح
لكن لسانه المقطوع
صوته الذبيح
خاناه في محنته الكبيرة
في الليلة الضريرة
فما استطاع أن يطلق أسر صوته وأن يصيح
وحين خانته بقايا الكلمات والدموع
حاول أن يرفع كفه مستجديا براءة الجموع
كان ذراعه مقطوع
وأنفه مجدوع
أعاد رأسه على الصدر المهشم الجريح
رمى بعينيه إلى التراب
ودًع في مرارة عالمه القبيح
أطلق روحه أنقذها من دنس الكلاب
عاش بلا صبر
ومات في العذاب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> على أبواب شهيد
على أبواب شهيد
رقم القصيدة : 65278
-----------------------------------
أتسمح لي أن أمر ببابك؟
أتقبلني لحظة في رحابك؟
لألثم حيث هوى السيف،أقبس بعض الشعاع
لأقرأ بين يديك اعتذاري
لأحرق في الكلمات الحزينة عاري
لأشعر -لو لحظة - أنني آدمي
وأني بظلك صرت الشجاع(67/371)
فإني جبان تخليت عنك غداة الوداع
تركتمك للموت
للقاتلين الجياع
*********
أتسمح لي أن أعفر وجهي
أمرغ شعري
بباقي الدماء
أمزق وزري
لأعرف باب السماء
وعذري إليك ، إلى شمس عينيك
أني جبان
ولكنني رغم جبني
بكيتك ملء عيون الزمان
نقشت اسمك البكر عبر المدى والمكان
ولم أقرع الرأس - رأسك - مستنكرا
مثل أصحابنا الآخرين
*********
ومهما فعلت فإني انؤ بعاري
أجرر في الليل ظلي
وأكره وجه نهاري
إلى أن أجسد في الواقع الجهم
في ساعة الصفر ثأري
واغسل في نار " تموز " ذلي
*********
قتلناك حين هتفنا : الشريف البطل
يموت احتراقا لتحيا البلاد
ولما احترقت اختفينا
كأنا رماد
كأنا بقية نجم أفل
وجفًت بأفواهنا كلمات الجهاد
وكنت البطل
وكنت الأمل
تقدمت نازلت آخر وحش قديم
تعاركتما ثم ألقيته مثخنا بالجراح
وأسلمته للجحيم
ولكنه قبل أن يختفي
مد أظفاره شج وجه الصباح
فأغمضت عينيك
ودعت ..
لكننا لم نكن في الوداع
فأجهشت : أوًاه
ياللوفاء المضاع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> في انتظار عودة الشهيد
في انتظار عودة الشهيد
رقم القصيدة : 65279
-----------------------------------
لا تنتظرن ..
قد يطول الليل قبل ان يعود من رحلته النائية الشهيد
جف الغناء في الذرى
وضاع عند السفح
رجع البوق والنشيد
فامسحن دمعة تحدرت على تمائم الأطفال
وأبصقن في وجوه .. في عمائم الرجال
الواقفين في انتظار عودة الشهيد
ليغسل الديار من أحزانها
لكي يموت من جديد
********************
لا تنتظرن
سوف تمتلى الطريق بالأشباح
سيأكل الظلام الزرع ، يمضغ الأرواح
سيختفي تمساح
ويستوي على ظهورنا تمساح
حتى يعود من رحلته الشهيد قادما مع الصباح
"بلقيس" في سحابة الحزن تمر بالسفوح بالجبال
بحثا عن الأبطال
أشلاؤهم لما تزل مهجورة يغفو عليها ينحني الرماد
وحين يلقى رأسه الشهيد
حين تعود كفه إلى الزناد
ستصرخ الجبال : عاد
وتصرخ السهول : عاد
********************
لا تنتظرن ..(67/372)
ربما من الظلام
وربما حين يعربد النهار في الظهيرة
سيمتطي جواده محلقا
ويعلن البداية .. المسيرة
سيصعق الطغاة يومها
ويسقطون في الخنادق الأخيرة
ويومها تمسح عينيها
وتصحو من سباتها القيم شمسنا الأسيرة
*********************
لا تنتظرن ..
كم تهز الصخر والجدار
على الطريق .. نظرة انكسار
وتسحق الرؤوس همسة استفسار
ودمعة انتظار
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> إلى السلاح..أيها المواطنون
إلى السلاح..أيها المواطنون
رقم القصيدة : 65280
-----------------------------------
إلى أبطال المقاومة والصمود في حصار السبعين
-------------
إلى السلاح
إلى السلاح
دوى النفير
انتشرت على جوانب الشمس الجراح
يكاد يلفظ الأنفاس
يختفي تحت العباءة الصباح
فقاتلوا ...
(أيلولكم) مجنونة من حوله الرياح
المجد للأحرار ..
للمقاتلين ..
الموت (للوشاح)
الموت (للوشاح)
********
(جنكيز خان) والمغول قادمون
الأهل والديار والبنون
غدا سيعدمون
إن لم نعد السور والخنادق
ونشرع البنادق
سترتدي المدينة السواد
ستغرق النساء في الحداد
سيرجع الفساد
الليل ، والارهاب ، والسجون
سيرجعون
إن لم نقف على الأبواب في الجبال في المداخل
نقطع رأس كل حيًة على حدودنا
نحفظ للبلاد فجرها .. نقاتل
نكتب بالدماء ، بالجراح
وثيقة الصباح
إلى السلاح
إلى السلاح
********
ياأيها الرجال..ياضمير شعبنا العظيم
ياحاملي رءوسكم على الأكف في تصميم
يا من تقاتلون في الجحيم
أنتم نهار الشمس في العيون
ولن تهون أمة ، أنتم بنوها
لن تهون
تاريخنا أمانة على أعناقكم والغد
أطفالنا..أكف أمهاتنا إلى سمائكم تمتد
لاتجعلوها-يا شموسنا- خائبة ترتد
ردوا جحافل الأعداء
لا تغمضوا أعينكم
شدوا على جموعهم شدًا
فأنتم اليوم الذي يصول
أنتم الغد الذي يثور لن يهدأ
وأنتم السلاح والكفاح
إلى السلاح
إلى السلاح
يناير1967م
-----------------------------------
-----------------(67/373)
أيلولكم :إشارة إلى ثورة 26 سبتمبر1962م
الوشاح:اسم السياف الذي كان يعدم الثوار في عهد الإمامة
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> إلى اللقاء ...
إلى اللقاء ...
رقم القصيدة : 65281
-----------------------------------
إلى اللقاء ...
حين افترقنا واختفت عيناك في نهاية الطريق
أجهش في عيني وأظلم المكان
وامتد ..
لم أجد لعيني شاطئا ولا ميناء
أحسست أنني الغريق
أن طيور حبنا الجميلة البيضاء
ترحل خارج الزمان
تلهث في الحريق
تغرق في الدموع ، تستحم في الأحزان
**********
وقفت تائه المسار
واريت حبي مثخنا
أطعمته طحالب البحار
أسقيته عصير الصمت .لم يزل إليك ظامئا
يفتش الأمواج والقواقع
تمر حوله الأيام تختفي
وهو هناك..في المكان راكع
أنلتقي ؟
ما أوجع السؤال
يعصرني ..
يحفر في الأعماق والعيون
دوائر الظنون
ويورق الأشجان والظلال
**********
"إلى اللقاء ..."
"إلى اللقاء ..."
تنقذني تشدني من الضياع
تزرع في طريق يأسنا ومضا من الشعاع
ما أوجع الوداع
لو لم تكن " إلى اللقاء "
المرفاء القريب للمسافرين
والأمل الأخضر والشراع
ما أوجع الوداع
إلى اللقاء ...
إلى اللقاء ...
إلى اللقاء ..
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> لو ..
لو ..
رقم القصيدة : 65282
-----------------------------------
لو كنت في جيش مشاعره ، مواقفه أمينه
لو أن ما تخفيه أعماقي تحس به الجماهير الحزينة
لو كانت الأشعار صاروخا يحلًق أو سفينة
أطعمت قطاع الطريق النار
أشعلت الحرائق في المدينة
أعددت للاقطاع"مأدبة المماليك" السمينة
**********
لو أنني شمشونها الجبار في ليل الضياع
وزًعت كل الأرض بين الكادحين على المشاع
ألقيت ما جمع القساة المتخمون إلى الجياع
وكتبت للمستضعفين وثيقة العدل الجماعي
**********
لو أن فارسنا فتى أحلامنا بالأمس جاء
في موكب التحرير ممتشقا أعاصير الرجاء
لم يذبح الاقطاع فرحتنا
ولم يرجع إلى النهر الدجى
لكنه سيجىء(67/374)
هذا صوته في الفجر قادم
ويل لأصحاب القصور المتخمات ، لكل ظالم
ويل لمن يمشي على درب من الأشلاء قاتم
ويل لمن باع البلاد وأهلها - ولمن يساوم
ويل لهم منا ..
ومن أحقادنا في يوم قادم
**********
يا أصدقائي في التشرد والمجاعة والصلاة
لا تيأسوا من يومنا
يوم الجياع السمر آتي
أقسمت أن أحدو خطاكم في الطريق إلى الغداة
شعري لكم
عمري لكم
إني وهبت لكم حياتي
1962م
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> في انتظار جودو
في انتظار جودو
رقم القصيدة : 65283
-----------------------------------
من السماء .. ربما
من زبد الأمواج من رياح الأرض أن ضنت به السماء
لابد أن يأتي ذلك الشيء الذي تعددت
تكاثرت من حوله الأسماء
فلترفعوا القلاع في طريقه
شيدوا جدار الدم والدموع
لتطفئوا الشموع
لتطلقوا على الذين يهتفون في انتظاره كلاب الجوع
لكنها
تنهدات الأم آهة السجين
أشواقنا إليه والحنين
تضيء كالنهار
طريقه الجبار
أقدامنا ثابتة على الطريق
أعيننا مشدودة إلى الحريق
ولن نمل مهما طال
مهما لجّ الانتظار
**********
"جودو" ...
سجيننا يحفر ثغرة في الباب
لكي يراك قادما من خلل الضباب
حين تعيد للأم ، وللمدينة الشباب
والأم والمدينة
من خلف كل دمعةٍ داميةٍ حزينه
ترقب "جودو" تستعد للخلاص
تحبل من أحزانها الحراب والرصاص
فمرحبا بالجوع والدموع
"تهامة" الأحزان بعد أن يأتي لن تجوع
لن يعرف الأطفال والرجال جوع
أيّ جوع
1969م
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> عصر يهوذا
عصر يهوذا
رقم القصيدة : 65284
-----------------------------------
وكان " يهوذا " هناك
يقبل رأس " المسيح "
ويشرب نخب الإله
وفي كل رشفة كأسٍ يصلّي
يناجي .. يصيح
يعيش الإله
يعيش الرسول ، وشعب الرسول الذبيح
ويقرأ مستغرقاً في خشوع
حكايات من صُلبوا في الطريق
وفي عينه يرقص الحزن
تبكي الدموع
وفي صوته يتعالى حريق
**********
وعند الصباح يموت النهار(67/375)
ويرقد فوق الصليب الرسول
وخلف السجون يعاني ، يموت الإله
وتغرق "روما" بأحزانها ، بالذهول
وتًدمي المسامير والشوك وجه الحياة
ويبدو هناك "يهوذا" بقصر الزعيم
يغني يدق الطبول
" يعيش الزعيم العظيم
يعيش الذي شد كل الجباه
إلى الشمس .. شد عيون الحفاة "
وفي جفنه يرقص الحقد ، يطفو المرح
وفي شفتيه الطحالب تنمو
وفي صوته يتلوى الفرح
**********
مشيتُ ...
مشيت بأقدام قلبي
لعلي أحس على الأرض صدقا
لعلي أعانق حقا
مشيت مع الشمس غربا
رحلت مع الفجر شرقا
وجدت - يهوذا - هنا يأكل الجائعين
ويسمع أقوالهم في شجاعة
وكان هناك يداعبهم خائفين
ويأكل أحلامهم في براعة
"يهوذا" هنا .. وهناك الأمين
وصاحب كل الطقوس المباعة
ونحن البضاعة
ونحن الجموع المضاعة
نغير لون الوجوه
نغير أدوارنا كل يوم ليرضى الزعيم
لكي لا نتوه
ويُلقى بنا غاضبا في الجحيم
**********
كفرتُ بهذا الزمان
بكل الزمان
كفرتُ بصمت الكهوف
بلون الحروف
بهذي القصيدة
بكل قصيدة
بكل عقيدة
بدين "يهوذا"
بعصر "يهوذا"
بما تكتبون
بما تقرأون
تعالوا لكي تصلبوني
لكي تنقذوني
فاني كفرت بعصري
بنفسي
بإنسان عصري
فلا ترحموني
فلا ترحموني
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> أغنيات صغيرة للحزن
أغنيات صغيرة للحزن
رقم القصيدة : 65285
-----------------------------------
اللقاء الثاني
والتقينا
لم يعد في العين شيءُ من بريق
جف نهر الحب
أغفى في صقيع الليل محموم الحريق
نغم الأمس الذي هدهدنا
سكنت أوتاره .. الصوت عتيق
قد مللنا ولكم سرنا فما
ملّت العين ولا طال الطريق
غرقت في الضفة الأخرى حكايانا
فماضينا غريق
لم تعد أهدافنا واحدة
ورفيق العمر ما عاد الرفيق
حطم الكأس لكم قد صدئت
شفتاها .. فقد اللون الرحيق
**********
الشعرة البيضاء
يكبر الحزن ونكبر
كل عام نتشظى نتكسر
جرحنا النّغار ينمو يتخثر
أمسنا مات ، غدُ لن يتأخر
أي شيءٍ حولنا لايمطر الموت ، وفي أعماقنا لا يتبخر
طفلنا جف ، تحجر(67/376)
أنكرت لثغته الشمس ، ووجه الأرض أنكر
وفتانا .. احترقت أقدام عينيه تعثر
كان أصغر
كانت الصخرة أكبر
أي شئ سوف يبقى بعدُ أخضر ؟
فلماذا تزرع الحزن خطانا ؟
تتكسر ...
تتفجر ...
**********
ظل حزيران
ويمتد - ما زال - بئرا عميقا من الليل فوق العيون
ونصلا قبيحا على القلب
يرقص فوق الجفون
ويحفر في كل وجه شتيمه
ويرسم بومه
وينقش في كل ممشى
على كل عين " هزيمة "
هزيمه
وأشباحه العور تعبث ، تلعب
على كل مكتب
تثور وتغضب
إلى أين نمضي ؟
إلى أين من ظلها العاقر الجدب نذهب ؟
**********
الغربة
حزني غريب الوجه واللسان
ليس له عينان
لا قلب لا يدان
يمر من عيني وفي دمي
يمشي على رأسي كما يمشي على جرح الدجى ثعبان
فأين أمضى ؟
أين اختفى من موكب الغربان
من عفن الأحزان
في غربتي هتفت بالمجان
بكيت بالمجان
ضحكت بالمجان
وقفت تحت كل الماء والألوان
أكلت نفسي
بعتُ أطفالي
مسحت كل نعلٍ مر بالميدان
غسلت بالدمع الغزير قطة السلطان
جبُنت لم أقل حين مشت حولي مواكب الشيطان
" الله ..."
لم أذكر ولا تعويذة واحدة من القرآن
لست أنا الذي يقال لي "جبان"
الجبن في الغربة ، لا الإنسان
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> آه ...
آه ...
رقم القصيدة : 65286
-----------------------------------
آه ...
يا وطني
الشعراء في ذرى "الأوليمب" عند قوس النصر
يغرقون في الكؤوس
يفتشون عن أغاني الحب
عن "فينوس"
وأنت مصلوب وليلك العبوس
ينام في العيون
أشباحه المدى
تداعب الأعناق تحصد الرؤوس
تحترق النجوم في سماك ، تطفى الشموس
والشعراء صامتون
على مشانق الحروف ميتون
لمرمر السيقان
لليهود الجائعات ينشدون
تركتهم
هجرت شعرهم
وجئت في ليالي الفرح المكذوب
أحدث الناس عن المكتوب
أقرأ ما قد أخفت الأسفار عن أيوب
أيوبنا
ياشعبنا المصلوب
**********
ياوطني
ما كنت شاعرا ولا أحببت أن تمضغ وجه عمري الأوهام
يفضحني
ينثرني الكلام
لكنها أحزانك الكبار
الشوك في عينيك والأحجار(67/377)
أشعلت الحروف الغافيات في دمي
الراعشات في فمي
علّمت الشجون والآلام
أن تنظم الدموع .. أن تعاني الأشعار
فكانت العواصف الحزينة الرعود .. كانت الأمطار
**********
ياوطني ..
حين يصير الصوت موت
حين يصير الموت صوت
حين تجف "الآه"
ويسقط الظلام ناشرا أشباحه على الأفواه
حين يغيب في جدار الصمت وجه الله
لا بد أن يقول المؤمنون : الكلمة المعادة
أن ينطقوا تحت حبال الموت بالشهاده
أن يبصقوا على جبين كل "شاهنشاه"
أن يحفروا على مرايا كل قيصرٍ
على سريره وفي سماه :
"أوّاه" .. آه
"أوّاه" .. آه
"أوّاه" .. آه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> هابيل الأخير
هابيل الأخير
رقم القصيدة : 65287
-----------------------------------
هابيل ...
كم عام مر وأنت قتيل
مطروح في الطرقات
تبحث عن حفار قبور بين الأموات
قابيل الآثم حين رآك
مقتولا فر إلى البحر
ابتلعته الأسماك
وبقيت بلا قبر- وحدك- يبكي الجسد العريان
خجلا
وتمر حواليه الغربان
علّ بقايا إنسان
يشهد رحلتها اليومية
كيف توارى في حزن موتاها
في رعبٍ قتلاها
لكن العام يمر
تتعاقب حول الجثة أعوام
والجسد العاري الحر
مطروح في الطرقات
تسطو الديدان على عينيه
تثني سوأته الريح
تنزو حشرات الليل عليه
وتسير على الوجه الظلمات
**********
لو كنت القاتل ياهابيل
ما كنت بلا قبرٍ
كان البحر أو النيل
قبرا يخفي وجهك من ضوء الشمس
عن حزن الأمس
فتحسس خنجرك المسموم
أغمده بلا خوف
أفتح قلب أخيك المحموم
إني أدعوك لكي تبقى أنت القاتل
أنت الضارب وجه الباطل
**********
هابيل ...
أقتل ...
أقتل أياك تقول:
أنا المقتول
أنا المقتول
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> شكوى إلى أبي نواس
شكوى إلى أبي نواس
رقم القصيدة : 65288
-----------------------------------
يا أبا النوّاس
مات الشعر والكأسُ انكسر
لم يعد في العصر للضمئآن ماء
لم يعد في ليلنا الوحش سمر
والسماء ..
ما عاد شيء في السماء(67/378)
يُلهمُ الشعر قلوب الشعراء
أجدب الغيمُ ،
على افاقنا جف المطر
**********
في فيتنام جثث
في بلادي جتث تمشي على هام جثث
في عيون الناس في الشرق وفي الغرب جثث
حدثُ يأكل أنباء حدث
سقط الحرف غريقا في الدماء
أصبح الشعر بكاء
**********
لم يعد ليل المغنين هُياما
وندامى
ان شربنا فدموعا مالحات في الجماجم
أو رقصنا فعلى أشلاء مقتول ...
على آهات واجم
نُقلُنا أكباد أطفال الصغار
شُنقوا جوعا -وأحيانا- عيون
نحرق الأحزان في النار
فتخضّر الشجون
كم على الحائط .. في البار
تلاقى ميتون
وظنون أمسكت رأس ظنون
حاننا بيت الجنون
يا أبا النواس غلمان المدينة
كل غلمان المدينة
رحلوا عنها إلى إحدى المواقع
ثم ماتوا قبل أن تهمس بالسر المدافع
فبكيناهم ولكن
في سكينه
والعذارى فقدت في زمن الجوع البكاره
فقد الفجر الطهاره
غرقت حتى " جنان "
خلف أوكار الدعارة
فانطوى الشعر وهان
غربت شمس العباره
والذي يحكم بغداد ، ويحتل مقاصير الرشيد
رأسه لا تهضم الشعر وأذناه جليد
كلما أورقت الأشعار
سالت من مزاريب القصيد
ثار مجنونا .. وألقى تحت أقدام العبيد
برؤوس الشعراء
سقط الحرف غريقا في الدماء
أصبح الشعر بكاء
9 سبتمبر1970م
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> خطاب مفتوح إلى أيلول
خطاب مفتوح إلى أيلول
رقم القصيدة : 65289
-----------------------------------
إلى المسئول الذي طلب إليه صديق مناضل أن يجدد له جواز سفره فقال:أنت من الغرباء ، وباسم ذلك المناضل الشريف كانت هذه القصيدة .
------------------
أنت يامحبوبنا
يا من عبرنا نحوه جسر الدماء
يا أبانا
أنت تدري أننا نحن بنوك
أمّنا حين أتينا
لم تكن قد عرفت بعد الزنا
لم يكن ضاجعها بعدُ "أخوك"
لا ولا مرت بعينيها خيول الدخلاء
فلماذا يزدرينا سارقوك ؟
كيف صرنا غرباء ؟
**********
( تلخيص )
قتل الليل الصباح
نزفت من كل نجمٍ والتظت سود الجراح
سجن الموج الرياح
**********
أنت تدري أننا نحن بنوك(67/379)
كم زرعناك على أعماقنا
ونقشناك على أحداقنا
والذين اغتصبوك
قتلوك
خلف بئر الحزن - يوما - صلبوك
كلهم لا ينكرون
أننا نحن البنون
فلماذا يا أبانا
لا ترانا
كيف نمضي غرباء
سئم الليل أسانا
وبكانا
ملت الغربة مثوانا .. وضاقت بخطانا
كلما هم شريد أن يعود
رفعوا في قفر عينيه الجدار
أطلقوا وحش الحدود
صادروا كل طريق للديار
**********
( تلخيص )
خشب السفن احترق
نقشت في كل عين ربةُ الشوق الأرق
نهش الحزن الحدق
**********
أنت يا محبوبنا
يا من وهبنا فجره أغلى الجماجم
كيف أصبحت غريبا
والبنون ...
تائهون ...
في دجى ليل من الغربة قاتم
كل عام يفتح الإرهاب أبواب السجون
لنرى وجهك كالمصلوب واجم
باسمه يحتفلون
باسمه تُنصب للناس المشانق
تحصد الشعب البنادق
وإذا رن على الأفق عتاب
قال جلاد الضحى في بربرية :
لا تخف يا ملك الصحراء
يا وحش الضباب
إنما نبصق في وجه الملايين الغبيه
بشعارات السلام
لتدب الحشرات الآدمية
وتنام
كلما مر على "أيلول" عام
سبتمبر 1968م
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالعزيز المقالح >> الشمس تسقط في المغرب
الشمس تسقط في المغرب
رقم القصيدة : 65290
-----------------------------------
إلى الصديق الزميل المحمدي بن فرج في محنته الأليمة
-----------------
جوقة :
خيول "طارق" نافرة الخطى
و"طارق" على رمال الأطلسي ذبيح
"موسى" يضج في القيود
"عقبة بن نافع" جريح
والشمس مذ هوت من الأعياء
على مقابر الأحباب
مفجوعة
فاقدة الضياء
والليل يأكل النوافذ الحزينة الكوى
وينهش الأبواب
**********
الصوت :
تهشم الألق
تكسرت حوائط النهار .. والشفق
مد ظلاله الدميمة الغسق
سارت على شوارع المدينة البكاء
كتائب الظلام .. والفِرق
أعلن حكمه الطوفان ، سالت الدماء
سل حسامه من غمده الغرق
ومات كل شيء في عيوننا
احترق
**********
جوقة :
عصفورة مذعورة فرت
تحدت الأسوار
تحمل في المنقار
حكاية الشمس التي هوت
تكسرت على الجدار
تنوح في انكسار(67/380)
"رأيتهم هناك يذبحون الفجر
يشنقون كل نجمة على الفضاء
يحاكمون كل خيطٍ ، كل لمعةٍ من الضياء
فابتلع المحيط اللمعان
ابتلعت أمواجه البريق
وصار كل شيء ميتا
وصامتا
في المغرب الغريق "
**********
صوت :
تساءلت في الأفق نجمتان
غريبتان
- أتنظرين يا أختاه نهر الدم ؟
يسير نحو اليم
- لا أحد في أفقنا يثور أو يهتم
كأن شيئا يمنع الأفواه
- يقيد الأقلام يا أختاه
تمر حوله العيون مرةً ومرةً فلا تراه
**********
جوقه :
الليل مر والعيون في الدجى تنتظر الشروق
متى يعود
ولن يعود
فالشمس جيدها على رمال الأطلسي مشنوق
مكسورة العمود
ترقب في تمرد حزين
سيف "أمير المؤمنين"
وترقب الجنود
في كل كف أسود سكين
وكل قلب أبيض طعين
وطفلة تصرخ " وامحمداه"
وامرأة عجوز تسأل الإله
أن يحفظ ابنها السجين
المغرب السجين
**********
الصوت :
بكت سهول "فاس"
وأجهش "الأوراس"
والجامع الكبير في دمشق غاضب حزين
والأموي تحت النقع محني الرأس
يبحث في صحارى الميتين
عن عقبة جديد
عن مدد وثائرين
أطرق فوق صهوة الجواد
قلّب عينيه الحزينتين حول الناس والجماد
كان الفراغ قاتلا
لا شيء غير الصمت والسواد
19 يوليو 1971م
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> أذكريني
أذكريني
رقم القصيدة : 65291
-----------------------------------
اذكريني
اُذْكُريني كُلَّما هَبَّ النَّدامى
لِتَحَسِّيها غَبوقاً، وَصَبوحْ
وإذا ما هَزَّتِ الذكرى الحَمَاما
فَغَدا في الدَّوْحِ يَشْدو، وَيَنُوحْ
اذكريني
****
اذكْرُيني كُلَّما زَفَّ الشَّمُولْ
ذاتَ دَلٍّ وَدَلالٍ أَوْ غُلامْ
وإذا ما اسْتَرْجَعَ الشَّرْبُ العُقولْ
فَغَفَوْا، تَكْلأُهُمْ عَينُ السَّلامْ
اذكريني
****
اذكريني كُلَّما "آذارُ" وَافَى
وارْتَمى سَكْرانَ ما بينَ يَدَيْكِ
وإذا "نَيْسانُ" عَاطاكِ السُّلافا
وَحَنَا شَوْقاً وَتَحْناناً إليْكِ
اذكريني
****
اذكريني كُلَّما هامَ الفَرَاشْ(67/381)
لارْتِشافِ الرَّاحِ مِنْ ثَغْرِ الزُّهورْ
وإذا ما هاجَكِ الشَّوْقُ وَجَاشْ
صارِخاً في نَفْسِكِ الوَلْهَى الشُّعورْ
اذكريني
****
اذكُريني كُلَّما نَاغَى الهَزارْ
- ثَمِلاً - أفْراخَهُ عِنْدَ الشُّروقْ
وإذا ما هَزَمَ اللَّيْلُ النَّهارْ
واسْتَثارَ الوُرْقَ تَنْحَابُ المشوقْ
اذكريني
****
اذكريني كلَّما الشَّمْأَلُ هَبَّتْ
وَسَرَتْ يا زيْنَةَ الدُّنْيا جَنُوبْ
وإذا ما صَحَتِ الطَّيْرُ وَعَبَّتْ
خَمْرَةَ الفَجْرِ على نَفْحِ الطُّيوبْ
اذكريني
****
اذكريني كلَّما النَّايُ تَرَنَّمْ
وَهَفَا قَلْبٌ على قَرْع الكُؤوسْ
وإذا ما شاعِرُ الحيِّ تَأَلَّمْ
فَبَكى في الشَّجْنِ واسْتَبْكى النُّفوسْ
اذكريني
****
اذكريني كلَّما الصَّيْفُ أَتى
يَحْمِلُ البُشْرى لأَرْبابِ الغَرامْ
فَالْتَقَتْ كُلُّ فَتاةٍ وفَتى
فإذا الدُّنْيا سَلامٌ وابتِسامْ
اذكريني
****
اذكريني كلَّما نامَ السَّكارى
بَيْنَ أحْضانِ الرِّمالِ النّاعِمَهْ
وإذا ما سَامَرَ الموْجُ السَّهارى
حَوْلَ هاتِيكَ الصُّخورِ الجاثِمَهْ
اذكريني
****
اذكريني كلَّما لاحَ أَخُوكِ
في السَّماءِ اللازَوَرْديَّةِ لَيْلا
وإذا ناجَيْتِهِ - لا فُضَّ فوكِ -
في سُكونِ الليلِ يا ليلى لِكَيْلا
اذكريني
****
اذكريني كلَّما جاءَ الخَريفْ
ناثِراً ما نَظَمَتْ كَفُّ الرَّبيعْ
ماحِياً كُلَّ أنيقٍ ولَطيفْ
ماسِخاً كلَّ جَميلٍ وبَديعْ
اذكريني
****
اذكريني كلَّما حَلَّقْتِ فَجْرا
وانْتَشَتْ روحُكِ في دُنيا الخَيالِ
اذكريني يا فَتاتي (رُبَّ ذِكْرى
قَرَّبَتْ مَنْ نَزَحَا) رُغْمَ اللَّيالي
اذكريني
****
آهِ يا حبُّ ، ولمْ أَشْكُ مَلالا
فَاضَتِ الكَأْسُ فَرُحْماكَ بِحالي
قَدَرٌ سَلَّطَهُ اللّهُ تَعالى
قَطَعَ اليُمْنى، ولمْ يَتْرُكْ شِمالي
اذكريني
****
أيُّهذا اللّيْلُ والصَّمْتُ الرَّهيبْ
جَدِّدِ اللّوْعَةَ في القَلْبِ الطَّعينِ
أَيْنَ قِيثارِي وَكُوبِي والحَبيبْ؟(67/382)
وشُموعي، ونَديمي، وحَنِيني
اذكريني
****
يا مَلاهي الصَّحْبِ في تِلْكَ الرِّمالِ
أنا مُذْ أقْفَرْتِ ، في عَيْشٍ مَريرْ
أنا مَوْتورٌ، ولكنْ ما احْتيالي
آهِ، وا شَوْقي إلى اليومِ الأخيرْ
اذكريني
****
أنا إنْ مِتُّ أَفِيكُمْ يا شبابْ
شاعرٌ يَرْثي شبابَ "العَسْكرِ"؟
بائساً مِثْليَ عَضَّتْهُ الذئابْ
فَغَدا مِنْ هَمِّهِ في سَقَرِ
اذكريني
****
يا رِفاقي أكْؤُسُ الصَّابِ المريرهْ
أجَّجَتْ نارَ الأسى في أضْلُعِي
فإذا ما انْطَلَقَتْ روحي الأسيرهْ
فادْفِنوا كُوبي، وقِيثاري، مَعي
اذكريني
****
فاشْهَقي يا روحُ، وازْفِرْ يا سَعيرْ
واضْطرِبْ يا عَقْلُ، واشْرُدْ يا أَمَلْ
واجْرِ يا دَمْعُ وأَقْبِلْ يا نَذيرْ
وابْكِ يا قَلْبُ وأَسْرِعْ يا أَجَلْ
اذكريني
****
واصْرَخي يا ريحُ وانْحَبْ يا وَتَرْ
واعْبِسي يا كَأْسُ، واغْرُبْ يا قَمَرْ
وتَعَالَيْ وَدِّعي قَبْلَ السَّفَرْ
بُلبُلاً قَصَّ جناحَيْهِ القَدَرْ
اذكريني
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> بسمة و دمعة أو صرخة من أعماق السجون
بسمة و دمعة أو صرخة من أعماق السجون
رقم القصيدة : 65292
-----------------------------------
حيِّ الأَساتِذةَ الكرامَ تحيَّةً
تُزرى بِعرْفِ المِسْكِ والرَّيْحانِ
عَذرَاءَ مصدَرُها سُوَيْداءُ الحشا
أحلى وأشهى من عروسِ الحان
وأرقُّ منْ نَغَمِ البلابل عندما
تَستَقْبِلُ الاصْباحَ بالألحان
وأخَفُّ من نسماتِ نيسانٍ وقدْ
خطرتْ مُداعبةً غُصونَ البان
وأحرُّ من قلبِ المَشُوقِ إذا دعا
داعي الفراقِ ومُهجةِ الغَيران
فأزفُّهَا لكمُ يشاركُني بها الشْـ
ـشَعبُ الكريمُ وصفوةُ الشُّبَّان
والقلبُ من فَرطِ السُّرورِ مُصفِّقٌ
والروحُ تَرقصُ رقصة النَّشوان
والكلُّ مُغتَبطٌ بَيومِ إيابكُم
فرحٌ وهذى حالةُ الولهان
فلو انَّنا نَستقبلُ العيدَين في
أفراحه لاستَبْشَرَ العِيدان
زَهَتِ المدارسُ وانْثَنى طُلابُها
لقدومكم يتبادَلونَ تهاني(67/383)
لا غَرْوَ فالطُّلاَّبُ قد عشقوا بكم
صِدقَ الوفا وطَهارةَ الوجدان
والعَطفَ والميلَ البريءَ ولا غرا
بَةَ فالمعلِّم والدٌ مُتفان
شَكَتِ الأُوامَ نُفُوسُهمْ فَتَذوَّقَتْ
تلك النُفُّوسُ حلاوةَ الإيمان
وأمامَ مصباحِ الثَّقافةِ قدْ تلا
شَتْ ظُلمَةُ الأفكار والأذهان
وغَرستمو بحدائق الأرواح كلْ
لَ حميدةٍ والرُّوحُ كالبُستان
فالمرءُ بالعقلِ المنير، وإن دَجا
ما الفرقُ بين المرءِ والحيوان؟
إنَّ الشَّبابَ إذا زَكَتْ أخلاقُه
والنَّفسَ طهَّرها منَ الأدران
هو في البلادِ، ولا إخالُك جاهلا،
بمثابة الأرواح بالأبْدان
هُو قلبُها الخفَّاقُ والرُّكنُ القويـ
ـمُ وسُورُها الحامي من العُدوانِ
****
بالله يا رُسُلَ الثّقَافة خَبِّرو
نا كَيفَ حَالُ الأختِ يا إخواني
أعني فلسطينًا وكيفَ أمينُها
وجنودُهُ وبقيَّةُ السُّكَّان؟
بعدَ الكفاحِ وبعدما بثَّ اليهو
دُ شُرورهُم فيها بكُلِّ مكان
إنِّي سَمِعتُ نِداءها وسَمعتُ تلـ
ـبية الضَّياغِم من بني عدنان
وزئيرَ أشبالِ العُروبةِ من بني
غسَّان لا نُكِبُوا بنو غسَّان
ونقُولُ يا أشبَالَ آسادِ الشَّرَى
جاء اليهودُ ودنَّسوا أحضاني
لا درَّ درُّ الغادرينَ فإنَّهم
وعَدوا اليهودَ بقسمةِ البُلدان
وبنيَّ كالغُرباء في أوطانِهم
أوَ لَيسَ هذا مُنتهى الطُّغيان؟
فهُناكَ فاضت بالدُّموعِ محاجري
وأجَبتُها بتوَجُّعٍ وحَنان
يا مَهبطَ الوحي القديم ومَرقدَ الـ
ـرُّسلِ الكرامِ ومنبعَ الأديان
لا تَحزني لَيستْ بصفقةِ رابحٍ
يا أختُ بل هي صفقةُ الخسران
ما وعدُ (بلفور) سوى أُمنيَّةٍ
ونداؤه ضَربٌ منَ الهذيان
أبناء عَدنانٍ وغسَّانَ وما
ناديتُ غيرَ الصِّيد والشُّجعان
الصَّامدونَ إذا الصُّفُوفُ تلاحَمَت
وتَصادمَ الفُرسانُ بالفُرسان
والضَّاحكونُ إذا الأسنَّةُ والظبا
هَتكَت ظلامَ النَّقعِ باللَّمعان
والهاتفونَ إذا الدِّماءُ تدَفَّقَت
أعني دما الأبطالِ بالميدان
وإذا الصَّوارمُ والقَنا يومَ الوَغى(67/384)
ذَرَفت على الشَّهداءِ دمعًا قاني
آن الأوانُ وُقِيتُمو كَيد العدا
والخَصمُ بالمرصادِ كالثُّعبان
ثُوروا وردّوا كيدَهُ في نَحرهِ
وذيولهِ لا عاش كلُّ جَبَان
ثُوروا بوجهِ النّاكِثينَ عُهودَكُم
الغاشمينَ. كثورةِ البركان
ما كان بالحسبان أن يَهبُوا اليهو
دَ بلادَنا ما كانَ بالحسبان
لتُبرهِنوا أنَّ النُّفوسَ أبيَّةٌ
ولِيرجُعوا بالذُّلِّ والخذلان
****
يا نشءُ هل من نَهضةٍ نُحيي بهاالـ
ـمجدَ الأثيلَ كنهضةِ الجابان؟
يا نشءُ هل من وَثبةٍ نُشفي بها
هذا الغليلَ كوثبةِ الطليان؟
يا نشءُ هل من صَرخةٍ تَدَعُ العِدا
صرعى الذُّهولِ كَصَرخةِ الألمان؟
...............
..............
هَيْهَاتَ نبني ما بنَاهُ جُدودُنا
وننالُ في هذى الحياةِ أماني
وشريعةُ الهادي غَدَتْ واحسرَتا
في عالم الإهمالِ والنِّسيان
نرجو السَّعادةَ في الحياة ولم نُنفْـ
ـفِذْ في الحياة أوامر القُرآن
بالدين قد نالَ الجُدودُ مُناهُمُ
وغدوا ورَبِّي، بهجَةَ الأزمان
فَتَحوا الفَتُوحَ ومهَّدوا طُرقَ العُلا
واستَسلمَ القاصي لهم والدَّاني
طَرَدوا هِرَقلَ فراحَ يَندبُ ملكهُ
وقَضَوا على كسرى أنو شروان
وعَنَت إلى الخطَّاب تخطبُ ودَّهُ
رُسلُ الملوكِ لهيبةِ السُّلطان
والسَّعدُ رَافَقَ سعْدَ في غَزَواتهِ
فَقَضى صَلاة الفَتحِ بالإيوان
وتقَهقرتْ ذُعرًا لصَولةِ خالدٍ
يومَ النِّزال كتائبُ الرومان
قادَ الجيوشَ بهَّمةٍ وَثَّابَةٍ
وبه تَحُفُّ ملائِكُ الرَّحمن
والمجدُ تَوَّجَهُ بتاٍج زاهِرٍ
ما مِثْلُهُ تاجٌ من التِّيجَان
وغزا صَميمَ الشَّرقِ جيشُ قُتيبةٍ
وتَوغَّلَ ابنُ زيادِ في الأسبان
وبَنى مُعاويةٌ بجلَّقَ عَرشهُ
فأضا سماءَ الشَّرقِ تاجُ الباني
وحَنتْ لهَيبتِهِ الملُوكُ رؤوسَهَا
ولِمنْ تَلاهُ من بني مَروان
وأقام هرونُ الرَّشيد وإبْنُهُ الـ
ـمأمونُ صَرحَ العِلمِ في بَغدان
ومَجالسُ العلماءِ والعظماء والـ
أدباءِ والشُّعراءِ والنّدمَان(67/385)
واليَومَ، أينَ حَضَارةُ العربِ التي
أنوارُها سَطَعتْ على الأكوانِ؟
وبنَايَةُ المَجدِ التي قد ناطَحَت
هَامَ السِّماكِ ومشعل العِرفان؟
عَصَفتْ بها ريحُ الفَسَادِ فهدَّتِ الـ
أرْكانَ رغمَ مَنَاعَةِ الأركان
وَطَني، وَصَيَّرنا الزَّمانُ أذِلَّةً
لِنَعيشَ في الأوطانِ كالعُبْدَان؟
نعصي أوامرَ كلِّ فردٍ مُصلحٍ
والدِّينُ ينهانا عن العِصيان
والخَتْلُ والتّدجيلُ قد فتَكا بنا
وتَقودُنا الأطماعُ كالعميان
كلٌّ بميدانِ اللذائذِ والهوى
تلقى عَوَاطِفَه بغيرِ عنان
ذو المال نَغفِرُ ذَنبَهُ وَنجلُّهُ
أبدًا فَتَلقاهُ عظيمَ الشَّان
أمَّا الفقيرُ فلا تَسَل عن حالِهِ
حالٌ تُثيرُ لواعجَ الأشجان
والحُرُّ نُشبعُهُ أذىً ونُذيقُهُ
سُوءَ العذابِ ولا يزالُ يُعاني
ونُحيطُ بالتَّعظيمِ كلَّ مُنافق
باعَ الضَّمير بأبخس الأثمان
ما نحنُ في وطنٍ إذا صَرخَ الغيو رُ به يرى نَفَرًا من الأعوان
ما نحنُ في وطنٍ إذا نادى الأبـ
ـيُّ بهِ يُجابُ نِداهُ يا أقراني
وطنٌ به يتجرَّعُ الأحرارُ وا
أسفاهُ صَابَ البُؤس والحرمان
وَيلاهُ أجنحةُ الصُّقور تكسَّرت
والنَّسرُ لا يقوى على الطَّيران
وأرى الفضاءَ الرَّحب أصبحَ مسرحًا
واحسرتا، للبُومِ والغِربان
والليثُ أمسى بالعَرينِ مُكبَّلاً
والكلبُ يرتَعُ في لحُومِ الضَّان
ما أن يُطبِّل في البلاد مُطَبِّلٌ
حتى تُصَفِّقَ عُصبَةُ الشَّيطان
أو كُلَّما نَعَبَ الغُرابُ وغصَّ في
تَنعابه نَعَبَ الغُرابُ الثَّاني
فلِمَ التَّخاذُلُ والعُروبَةُ أمُّنا
ولمَ الشِّقاقُ ونَحنُ من عَدْنان؟
ولمَ التَّفاخرُ بالموائدِ والملا
بسِ والأثاث وشَاهق الجُدران؟
ولمَ التَّعصُّبُ بالمذاهب، يا بني الـ
أوطانِ، وهو أساسُ كلِّ هوان؟
فقلُوبنا للهِ والأجسامُ للـ
ـغبراءِ والأرواحُ للأوطانِ
فَتعَاضدوا وتكاتَفوا وتآلفوا
وتسانَدوا كَتَسانُدِ البنيان
وتآمروا بالبرِّ والتقوى ولا
تَتآمروا بالإثم والعُدوان
****(67/386)
تَجري السَّفينةُ في محيطٍ هَائل
وَعُيُوننا تَرنو إلى الرُّبَّان
كَيفَ السَّبيلُ إلى النَّجاةِ ولم تزَلْ
عُرضَ الخِضَمِّ سَفائِنُ القرصَان؟
رَبَّاهُ جار الأقويا فانظُرْ إلى
مَا يَفْعل الإنسانُ بالإنسان
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> يا بني العرب
يا بني العرب
رقم القصيدة : 65293
-----------------------------------
يا بني العرب إنما الضعف عارٌ
إي وربي سلوا الشعوب القويّة
كم ضعيف بكى ونادى فراحت
لبكاه تقهقه المدفعية
لغة النار والحديد هي الفصحى
وحظ الضعيف منها المنيّة
هاهي الحرب أشعلوها فرحماك
إلهي بالأمة العربية
يا بني الفاتحين حتّام نبقى
في ركودٍ أين النفوس الأبية
غيرنا حقق الأماني وبتنا
لم نحقق لنا ولا أمنية
فمن الغبنِ أن نعيش عبيدًا
أين ذاك الإباء ؟ أين الحمية ؟
قم معي نبكِ مجدنا ونسحُّ
الدمع حزنًا ونندب القوميّة
قم معي نسأل الطلول عساها
تشفِ بالرد غلة روحيّة
عن بني العربِ يوم سادوا وشادوا
مجدهم بالسيوف والسمهريّة
وعن ابن الخطاب من حكمه العدل
وسعدٌ بوقعة القادسيّة
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> كفي الملام
كفي الملام
رقم القصيدة : 65294
-----------------------------------
كفي الملامَ وعلليني فالشك أودى باليقينِ
وتناهبت كبدي الشجون فمن مجيري؟ مِن شجوني
وأمضني الداء العياء فمن مغيثيي؟ من معيني؟
أين التي خلقت لتهواني وباتت تجتويني
الله يا أماه فيَّ ترفقي لا تعذليني
أرهقتِ روحي بالعتاب فأمسكيهِ أو ذريني
أنا شاعرٌ أنا بائسٌ أنا مستهامٌ فاعذريني
أنا من حنيني في جحيمٍ آه من حر الحنين
ضاقت بي الدنيا دعيني أندب الماضي دعيني
وأنا السجين بعقر داري فاسمعي شكوى السجين
بهزال جسمي باصفراري بالتجعد بالغضون
وطني وما أقسى الحياة به على الحر الأمين
وطني وما أقسى الحياة به على الحر الأمين
وألذ بين ربوعه من عيشتي كأس المنون
وألذ بين ربوعه من عيشتي كأس المنون(67/387)
قد كنت فردوس الدخيل وجنة النذل الخؤون
لهفي على الأحرار فيك وهم بأعماق السجون
ودموعهم مهج وأكباد ترقرق في العيون
ما راع مثل الليث يؤسر وابن آوى في العرين
والبلبل الغريد يهوي والغراب على الغصون
وطني وأدت بك الشباب وكل ما ملكت يميني
وقبرت فيك مواهبي واستنزفت عللي شؤوني
ودفنت شتى الذكريات بغور خافقي الطعين
وكسرت كأسي بعدما ذابت بأحشائي لحوني
وسكبتها شعراً رثيت به الروح الحزين
وطويتها صحفاً ظننت بها وما أنا بالظنين
ورجعت صفر الكف منطوياً على سر دفين
فلا أنت يا وطني المعين وما هزارك بالمدين
وطني وماساءت بغير بنيك ، ياوطني ظنوني
أنا لم أجد فيهم خديناً آه من لي بالخدينِ
واضيعة الأمل الشريدِ وخيبة القلب الحنونِ
رقصوا على نوحي وإعوالي وأطربهم أنيني
وتحاملوا ظلماً وعدواناً عليّ وأرهقوني
فعرفتهم ونبذتهم لكنهم لم يعرفوني
وهناك منهم معشرٌ أفٍّ لهم كم ضايقوني
هذا رماني بالشذوذِ وذا رماني بالجنونِ
وهناك منهم من رماني بالخلاعة والمجونِ
وتطاول المتعصبون وماكفرت وكفروني
وأنا الأبي النفس ذو الوجدان والشرف المصون
الله يشهد لي وما أنا بالذليل المستكين
لادرّ لا درّهمُ فلو حزت النضار لألهوني
أو بعت وجداني بأسواق النفاق لأكرموني
أو رحت أحرق في الدواوين البخور لأنصفوني
فعرفت ذنبي أن كبشي ليس بالكبش السمينِ
ياقوم كفّوا ، دينكم لكمُ ، ولي ياقومُ ديني
ليلاي يا حلم الفؤاد الحلو يا دنيا الفتون
يا ربة الشرف الرفيع البكر والخلق الرصين
يا جمرة القلب الشجي وحجة العقل الرزين
صنت الهوى ولم أحد عنها فيا ليلاي صوني
عودي لقيسك بالهوى العذري بالقلب الرهين
عودي إليه واسمعي نجواه في ظل السكون
فهو الذي لهواك ضحى بالرخيص وبالثمين
ليلى تعالي زوديني قبل الممات وودعيني
ليلاي لا تتمنعي رحماك بي لا تهجريني
ليلى تعالي واسمعي وحي الضمير وحدثيني
ودعي العتاب إذا التقينا أو ففي رفق ولين
لم لا وعمر فتاك أطول منه عمر الياسمين(67/388)
لله آلامي وأوجاعي إذا لم تسعفيني
هيمان كالمجنون أخبط في الظلام فأخرجيني
متعثرأ نهب الوساوس والمخاوف والظنون
حفت بي الأشباح صارخة بربك فانقذيني
واشفي غليلي وابعثي ميت اليقين ودلليني
ليلى إذا حل الرحيل وغص قلبك بالأنين
ورأيت أحلام الصبا والحب صرعى في جفوني
ولفظت روحي فاطبعي قبل الوداع على جبيني
وإذا مشوا بجنازتي ببنات فكري شيعيني
وإذا دفنت فبللي بالدمع قبري واذكريني
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> البلبل
البلبل
رقم القصيدة : 65295
-----------------------------------
ولهان ذو خافقٍ رقتْ حواشيه
يصبو فتنشره الذكرى وتطويه
كأنه وهو فوق الغصن مضطربٌ
قلبُ المشوقِّ وقد جد الهوى فيهِ
رأى الربيع وقد أودى الخريفُ به
بين الطيور كميتٍ بين أهليهِ
فراح يرسلها أناتُ محتضرٍ
إلى السماء ويشكو ما يعانيه
لا الروضُ زاهٍ ولا الأكمامُ باسمةٌ
ولا عرائسه سكرى فتلهيهِ
يُحيلُ ناظره فيه ويُطرق في
صمتٍ فيشجيه مرآه ويبكيهِ
ماذا رأى غير أعوادٍ مبعثرةٍ
على هشيمٍ به وارى أمانيه
فللخريف صراخ فيه يذعره
والريح تزفِرُ في شتى نواحيهِ
حيران ما انفك مذهولاً كمتهمٍ
لم يجنِ ذنباً ولم ينجح محاميهِ
تُطِل من كوة الماضي عليه وقد
أشجاه حاضره أطيافُ ماضيهِ
يرنو إليها كما يرنو المريضُ وما
أبَلَّ بعدُ إلى عيني مداويهِ
فيستمر نواحاً كالفطيم رأى
ثدياً فصاح وأين الثدي من فيهِ؟
وإن غفا راحت الأحلام عابثةً
به فتدنيه أحياناً وتقصيهِ
وكم تراءت له من خلفها صورٌ
يختال فيه الربيع البكرُ في تيهِ
فيستفيقُ فلا الأغصان مورقةُ
كلا ولا السامر الشادي يناجيهِ
فيسكبُ اللحن أناتٍ يغص بها
ويْحَ الشتاء فما أقسى لياليهِ
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> بأبي وأمّي من مددت لها يدي
بأبي وأمّي من مددت لها يدي
رقم القصيدة : 65296
-----------------------------------
بأبي وأمّي من مددت لها يدي
بعد العِشاءِ مصافحاً في الأحمدي(67/389)
غيداءُ عرّج بي عليها أغيدٌ
في دارها أنعم بذاك الأغيدِ
لبّيت داعيها وصافحَ قلبها
قبل اللقا قلبي وقبل تقيّدي
ذُقت الهوى وكأنني ماذقته
حتّى دخلتُ ولامَست يدَها يدي
الّفت بيّن جماله وجمالها
في ليلةٍ أدمت قلوبَ الحسَّدِ
قد كان لي رأيٌ فلما زرتها
أيقن ان الحُسن حسن الخرّد
**
الآن طب ياقلبُ وارقص في السما
فلقد سقتك وجنّحتك وعربدِ
والآن ياروحي الحبيسةُ رفرفي
واستلهميها في السماءِ ، واوردي
والآن يانفسُ اطمئني واشهدي
أن لا حبيب سوى " فتوحَ " وأشهدي
**
شرقيةٌ تسبيك لاغريبةٌ
بجمالها الموهوب فاعشق وافتدِ
ملكت عليّ مشاعري بحديثها
وبلطفها وذكائها المتوقّدِ
دُنيا من الأشذاء والأضواء في
فستانها الزاهي الرقيقِ الأسودِ
أين الغزالةُ في الضحى من دلّها
وبهائها فاخشع وكبّر واسجدي ؟!!
أين الزهورُ اذا الزهورُ تفتّحت
عن لؤلؤٍ في طيبها وزُمرّدِ ؟؟
أين القطا والبانُ ان هي أقبلت
. بتمايُلٍ أو أدبرت بتأوُّدِ ؟!!
أين الأسنةُ والظُّبى من جفنها
. ذرها تصولُ علىالقلوبِ وتعتدي
ماقيمة الأرواح ان لم ترتشف
خمرَ الغرامِ ، وتحترق في المعبدِ
فهنا السموّ هنا النعيم هنا المنى
وهنا السعادةُ والخلودُ السرمدي
حوراءُ يادنيا العرائسِ والرؤى
أنا في الكويتِ أخو الشقاءِ فأسعِدي
الله في ابن الارض يابنت السما
قد تاه في القَفرِ المخيفِ فارشدي
قضّى ربيع العمرِ فيه معذَّباً ؟؟؟ يشكو أذى الدنيا وجورَ الأعبُدِ
يستعرضُ الأحلام وهي عوابسٌ
طَوراً ويهتف بالطُيوفِ الشرُّدِ
وبه كبا عند السباقِ جوادُه
يالتعاسةِ والعذابِ المُقعِدِ
ماراع مثل الشمسِ تكسفُ في الضُحى
والوردُ يسقط وهو فوّاحٌ ندي
فصليهِ يادنيا الأماني واصدعي
قي قلبه شمل الشجونِ وبددي
وبحقّ "مريم"كفكفي عبراتهِ
وبحقّ " عيسى " علليه وزوّدي
**
قالت وقد مسحت دموعي لاتنُح
ومعي اغتبق ياعندليبُ وغرّدِ
قد قيل لي بالأمسِ انك شاعرٌ
فاشرب على نخبي فلم أترددِ
ماكان أرخم صوتها وأرقّه(67/390)
حين انتشت وشدت وقالت : أنشدِ
فشربت ثانيةً وثالثةً الى
سبعٍ ، وقالت خذْ وزد وبيَ اقتدي
أنشدتها والكأس في كفي ولي
قلبٌ يحوم على مراشفها صدي
فترنّحت طرباً وكم من كاعبٍ
طارت بالحاني وكم من أمردِ
**
وهناك قُمنا للوداع ويالها ؟؟؟ من ليلةٍ فيها صفى لي موردي
مرّت مرور الريحِ واشوقي لها
من مُسعفي ؟ إن لم تعد من منجدي
فلحسن حظّي أنني لم أنصرف
حتى ظفرتُ بقُبلةٍ وبموعدِ
**
ياصاحبي قد كان ماشاءَ الهوى
فإلى الكنيسةِ سر بنا لا المسجدِ
أو قيل ضلّ فلست قبل زيارتي
وتدلّهي .. بالزاهدِ المُتعبّد
يامعشر المُتعصّبين رويدكم
أمن الرّغام قلوبُكم والجلمدِ
بالله هل تُطوى السماءُ إذا هفا ؟
وصبا لمشركةِ فؤادُ موحِّدِ ؟
فاليوم قادت من تُحبُّ لدينها
وغداً يعودُ بها لدينِ مُحمّد
بالله هل تُطوى السماءُ إذا هفا ؟
وصبا لمشركةِ فؤادُ موحِّدِ ؟
فاليوم قادت من تُحبُّ لدينها
وغداً يعودُ بها لدينِ مُحمّد
بالله هل تُطوى السماءُ إذا هفا ؟
وصبا لمشركةِ فؤادُ موحِّدِ ؟
فاليوم قادت من تُحبُّ لدينها
وغداً يعودُ بها لدينِ مُحمّد
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> بأبي هائمةٌ زفّت لهائم
بأبي هائمةٌ زفّت لهائم
رقم القصيدة : 65297
-----------------------------------
طرقتني فجر يوم المولدِ
وأبوها عاكفٌ في المسجدِ
فالتقى الثغرانِ رغم الحسَّدِ
وكلانا مُتعب القلب صدي
**
غادةٌ لم تخشَ إنذارَ أبيها
لا ولم تحفل بتهديدِ أخيها
حين قالت أمُّها قومي اغنميها
ساعةً ، هيا معي لاتقعدي
**
فارتدت ثوبَ أخيها وهو نائم
وأتت تحرسها ، والجو غائم
بأبي ، هائمةٌ زفّت لهائم
موجعُ القلب جريح الكبدِ
**
فشجا نفسيَ مامرّ ببالي
حين أبكاها شُحوبي وهُزالي
قُلت صونيها فإن الدمعَ غالي
أدْمُعاً للروحِ لا للجسدِ
**
ونشرنا وطوينا صفحاتِ
وسخرنا من أراجيف الوشاةِ
وتصفّحنا سجلّ الذكرياتِ
برهةً واندمل الجرح النَّدي
**
ثم قالت ورذاذ المطرِ(67/391)
حبَس الطير ولمّا يطرِ
هاتِ بنت النخل يابن العسكرِ
. لايطاق الصحو في ذا البلدِ
**
هاتها بيضاءَ من خمرالعراقِ
كم بها حلّق بالندمانِ ساقِ
ولنعاقرها معاً قبل الفراقِ
ثم قامت ونضت ماترتدي
**
يالمرآى شاعرٍ يُسقي غريرة
ويناغيها بالحانٍ مثيرة
ولمرآى غادةٍ نشوى صغيرة
وهي تسقيهِ وكم قالت : زدِ
**
وشفينا إذ سكرنا الغُللا
وتغنّت بهوانا كيف لا
فانتشى الكونُ وقد أصغى الى
صوتها العذبِ الحنونِ الغَردِ
**
واعتنقنا يالها من لحظاتِ
هي سرّ العيشِ بل معنى الحياةِ
من رآنا خالنا صرعى السّباتِ
. آه لو كان سباتاً أبدي
**
وترشّفنا حُميّا القُبل
وتركنا النومَ للغرّ الخلي
وتحدّثنا عن المستقبلِ
وأزحنا الستر عن دنيا الغدِ
**
وأفقنا واذا بالشيخِ قادم
وكِلانا مطمئنُّ النفس ناعم
وافترقنا ولتقُم شتّى المزاعِم
. فلظى ، مأوى الأثيمِ المعتدي
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> شهيق وزفير
شهيق وزفير
رقم القصيدة : 65298
-----------------------------------
ليلى تعالي زوديني
قبل الممات وودعيني
ليلاي لا تتمنعي
رحماك بي لا تخذليني
ليلى تعالي واسمعي
وحي الضمير وحدثيني
ودعي العتاب اذا التقينا
او ففي رفق ولين
لم لا وعمرفتاك أطول
منه عمر الياسمين
لله أ لامي وأوصابي
اذا لم تسعفيني
هيمان كالمجنون أخبط
في الظلام فأخرجيني
متعثرآ نهب الوساوس
والمخاوف والظنون
حفت بي الأشباح صا
رخة، بربك أنقذين
واشفي غليلي وابعثي
ميت اليقين ودلليني
ليلى اذاحم الرحيل
وغص قيسك بالأنين
ورأيت أحلام الصبا
والحب صرعى في جفوني
ولفظت روحي فاطبعي
قبل الوداع على جبيني
واذا مشوا بجنازتي
ببنات فكري شيعيني
واذا دفنت فبللي
بالدمع قبري واذكريني
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> وطني و ما أقسى الحياة به
وطني و ما أقسى الحياة به
رقم القصيدة : 65299
-----------------------------------
وطني و ما أقسى الحياة
به على الحر الأمين
و ألذ بين ربوعه(67/392)
من عيشة كأس المنون
قد كنت فردوس الدخيل
و جنة النذل الخؤون
لهفي على الأحرار فيك
و هم بأعماق السجون
و دموعهم مهج و أكباد
ترقرق في العيون
ما راع مثل الليل يؤسر
و ابن آوى في العرين
و البلبل الغريد يهوي
و الغراب على الغصون
وطني وأدت بك الشباب
و كل ما ملكت يميني
وطني و ما ساءت بغير
بنيك يا وطني ظنوني
أنا لم أجد فيهم خدينا
آه من لي بالخدين
و هناك من هم معشر
أف لهم كم ضايقوني
هذا رماني بالشذوذ
و ذا رماني بالجنون
و هناك منهم من رماني
بالخلاعة و المجون
و تطاول المتعصبون
و ما كفرت و كفروني
و أنا الأبي النفس
ذو الوجدان و الشرف المصون
الله يشهد لي و ما
أنا بالذليل المستكين
لا در درهم فلو
حزت النضار لألهوني
أو بعت وجداني بأسواق
النفاق لأكرموني
أو رحت أحرق في الدواوين
البخور لأنصفوني
فعرفت ذنبي، إن كبشي
ليس بالكبش السمين
يا قوم كفوا، دينكم
لكم، و لي يا قوم ديني
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> أوقديها وذريها في حشايا
أوقديها وذريها في حشايا
رقم القصيدة : 65300
-----------------------------------
أوقديها وذريها في حشايا
تحرق القلب وتجتاح الحنايا
أوقديها نارَ شوق جامح
نارَ حرمان تلظى يا مُنايا
مرحبا بالهم وبالاوجاع في
ساعة تغمرها ذكرى هوايا
مرحبا بالآه والآلام في
صادق الحب وأهلا بالرزايا
أوقديها لا تقولي حسبهُ
جور دنياه واجحاف بنيها
فرهينُ الوجدِ لا توهنه
قسوة الدنيا وما يلقاه فيها
وأذى الناس وأوصاب الصدى
ولا تعيريها اهتماما وازدريها
لا تقولي انني اخشى الردى
والتجنيلا تقولي أوقديها!
أوقديها يا ابنة النور فقد
خبتِ النيران نيران النوى
أسعدي اللوام اشقيني فها
كان ما شائوا وزيديني جوى
وانكأي بي كل جرح ودعي
جرح قلبي ان يكن عنك ارعوى
أنا أهوى فيك موتي ناشدا
كلَّ آسٍ لي , يرى الموت الدوا
أوقديها واصهري أحساس من
جمد الاحساسُ في أغواره
وهو يرجوك مصرا ولقد
أشهدَ الله على اصرارهِ(67/393)
لم يجد للحب في فردوسه
لذة ان عبَّ من انهاره
لم يجد, وهو الذي يشكو الصدى
نشوة مثل التي في ناره
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> نوحي
نوحي
رقم القصيدة : 65301
-----------------------------------
نُوحي بعُقرِ السجنِ نوحي فصداهُ في أعماقِ روحي
نوحي فقد سالت جروحُكِ مثلما سالت جروحي
نوحي فما أغنى غَبوقُكِ لا ولا أجدى صَبوحي
نوحي وبالسِّرِ المقدّسِلا تبوحي او فبوحي
**
نوحي فجسمكِ مثل جسمي قد طواهُ اليأسُ طيّا
نوحي فروحُكِ مثلُ روحي كمْ كواها الَوجدُ كيّا
نوحي فنفسُكِ مثلُ نفسي لم تجد زاداً وريّا
يا للشقاءِ ، ويالبؤسِ شقيّةٍ تهوى شقيّا
**
نوحي فقلبُكِ مثلُ قلبي لم يبُلَّ أوامهُ
نوحي على طللِ الصّبا ، واستعرضي ايّامه
نوحي على الحبّ البريء وكفّني أحلامه
نوحي على القلبِ الجريحِ وشيّعي أوهامه
**
نوحي على جَدَثِ المنى في غور خافِقِكِ الكئيبْ
نوحي فقد ولّى الربيعُ وأجدب الوادي الخصيب
نوحي فكم قمريّةٍ فيه تنوحُ وعندليب
وهناك كمْ من زهرةٍ ذبُلت ، وكم غُصنٍ رطيب
**
ليلايَ ، يانجوايَ ، يادُنيايَ ، يا املي الوحيد
طَوتِ الفُرُوقُ بساطنا وتنكّر العيشُ الرّغيدْ
والذكرياتُ مطلّةٌ من كُوَّةِ الماضي البعيد
ترنو لحاضِرنا الشقيِّ وتندبُ الماضي السعيدْ
**
يابنتَ من وأد الفضيلةَ بين أحضانِ الرذيلة
وطغى فراح يبلُّ من دم كلّ منكوبٍ غليلهْ
لَهَفي على تلك المشاعر والأحاسيسِ النبيلهْ
وعلى جمالِكِ والشّبابِ الغضّ ، لهفي ياخميله
**
ياللشراسةِ والرعونةِ والحماقةِ والجهالهْ
يا للدناءةِ والسفاهةِ والسفالةِ والنذالهْ
باعوكِ بالثمن الزّهيد ، فأين ياليلى العدالهْ
وسَقَوكِ كأساً ملؤها صاب الأسى حتى الثّمالهْ
**
زجّوك وا أسفاهُ في سجنِ التقاليدِ القديمهْ
للهِ ما كابدتِ فيه من الأساليبِ العقيمهْ
لا دَرَّ درُّكَ من أبٍ فَظٍّ ووالدةٍ لئيمه
ياقاتل اللهُ التعصّبَ ، كم تمخَّضّ عن جريمهْ
**(67/394)
حجبوكِ عن عيني ، وعين القلبِ تخترقُ الحجابْ
فليوصِدوا سُحقاً لَهُمْ بيني وبينكِ الفَ بابْ
حربٌ ، وكم ياربّ أعلنها الثعالبُ والذئابْ
تُذْكي المطامعُ نارَها ، ووقُودُها مُهَجُ الشّباب
**
قد أرغموكِ على الزواجِ بذلك الّشيخِ الوضيعْ
أغْرَاهمُ بالمالِ وهوَ المالُ معبودُ الجميع
فقضوا على آمالنا ، وجنوا على الحبِّ الرفيعْ
ما راعَ مثلُ الوردِ يذْبُلُ وهو في فصلِ الربيعْ
**
قد زيّنوا الأحداثَ ويلهمُ وسمَّوها مَخَادع
كمْ ذُوِّبَت فيها كُبودٌ ، واكتوَت فيها اضالِعْ
وتحطّمتْ مُهَجٌ ، وسالت أنفُسٌ ، وجرَت مدامعْ
هذا ، وما من زاجِرٍ ، كلاّ ولا في الحيِّ رادعْ
**
زُفَّت وهلْ زُفَّتْ فتاةُ الحيِّ للزوجِ الحبيبْ ؟
هل أخفَقَت أم حقَّقتْ بزفافها الحلْم الذّهيبْ
وارحمتاهُ لها ، فقد زُفَّتْ الى الِّسجنِ الرهيبْ
وغَدَت بهِ نهْبَ الجوى ، والشَّجْوَ ، والهمّ المُذيب
**
هل كانَ في استقبالها فيه سِوى شَبَح الرّدى
قَد أُدْخِلت ليلاً عليهِ فكان ليلاً سَرْمَدَا
شُلّتْ يداهُ فكمْ بها عاثَت ، الا شُلَّت يدا
وحسا على صرخاتها دَمَها الزكيَّ وعربدا
**
أو كانَ أهلُكِ يافتاتي والأقاربَ والصِحابْ
إلا الأراقم والعَقاربَ والثعالبَ والكلابْ
قدْ شيَّعوكِ ، فخَبِّريني بعدَما طُويَ الكِتابْ
ماذا لقيتِ بذلك القَبر المخيفِ من العَذاب
**
ليلى ، وما الدُنيا سِوى نارِ الكريمةِ والكريمْ
أوّاهُ من داءٍ قد استشرى وَجُرْحٍ في الصّميمْ
رَبّاهُ رِفقاً بالجديدِ ، فكمْ شكا جَوْرَ القديمْ
وطَغَتْ أبالِسةُ الجحِيمِ على ملائكةِ النعيم
**
يا للمهازلِ والجرائِمِ والمآسي والمساخر
غَدَتِ العذارى كالعقائدِ والمباديء والضَّمائِرْ
سِلَعاً تُباعُ وتشترى علناً بأسواقِ الحَواضِرْ
والرَّابحون بها لهُمْ منّا التّهاني والبشائِرْ
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> هاتي الدواء وكحلي بصري
هاتي الدواء وكحلي بصري
رقم القصيدة : 65302(67/395)
-----------------------------------
ياميّ والأحلام شاردةٌ
رحماك ردّيها لمفتقرِ
ياميّ والأيامُ عابسةٌ
بالله غنّي وارقصي وذري
ياميّ والأقدار ساخرةٌ
منّا ولم نسخر ولم نثُرِ
قومي لنسخر مثلما سخِرت
من كلّ مدّخرٍ ومحتكرِ
مالي أحيّي الشمس مغتبطاً
عند الغروبِ بأروع السوَرِ
مالي أودّعها اذا طلعت
بمدامعي وأعودُ بالكدرِ
مالي أرى الغربان طائرةً
والصقرُ دامي القلب لم يطرِ
مالي أرى جاري يكفّرني
ويقدّم القربانَ للحجرِ
مالي أرى العريان يسأله
عن بيت ليلى كلُّ مؤتزرِ
مالي أرى ( شمعون ) يظلمهُ
ويبيتُ مرتاحاً علىالسررِ
مالي أرى ( ألبيرَ ) منتفخاً
وقميصهُ قد قدّ من دُبُرِ
مالي أرى ( ساسون ) يجرحني
ويقول لإبنة عمّه اعتذري
مالي أرى ( حزْقيلَ ) يقتل من
يهواه من أنثى ومن ذَكرِ
**
قد طال هجرك ياربيع فيا
لتعاسة الأطيارِ والزهَرِ
دنيا المهازلِ والشذوذِ غدت
نار الليوثِ وجنّة الحُمُرِ
من لي بمشنقةٍ أحزّ بها
بعض الرقابِ وصارمٍ ذكرِ
فلسوف ينفخ ُ يالخيبتهم
بالصور إسرافيلَ فانتظري
فمُشبّهوا ليلى بوالدها
شتان بين الفحمِ والدُررِ
**
سرق بن آوى ديكنا سحراً
ودجاجنا منه على خطرِ
والفأرُ يشرب بيضها طرباً
أبداً ، فيا لتبلبُلِ الفِكَرِ
إن جُعتَ ياصيّادُ ويحك لا
تتعب ، وخلّ الطيرَ في الشجرِ
وتعال حدّثنا وصلّ بِنا
وأكل كغيركَ أطيب الثمرِ
**
لا تحسبي ياميُّ أن يدي
مغلولةٌ غلّت يد الأشرِ
فالحرّ مِن جور الزمان هنا
وهناك بين النابِ والظُفُرِ
حسناءُ هاكِ وحطّمي قدحي
فالكأسُ قد دارت على البقرِ
لاتعجبي مما صدعتُ به
فالنارُ لاتخلو من الشررِ
حسناءُ والأجفانُ قد ثَقُلت
هاتي الدواء وكحّلي بصري
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> خمس ُ لوحات ٍ لجنون ِ لحظة
خمس ُ لوحات ٍ لجنون ِ لحظة
رقم القصيدة : 65303
-----------------------------------
(1)
أفْتَقِدُكَ
وأشعرُ أنّي بدأتُ أفقِدُ
بَعْضَ نَبْضَ إحساسي بكَ
وأنَّكَ(67/396)
تتسربُ منَ الذ ّاكرة
كما الرّمل
فأتورط بالتفكير بكَ
للتكفير عن
غيابِ وشم ِ ملامِحِكَ
عن جسدِ الحُلم
(2)
أفْتَقِدُكَ
وأكبِتُ وَخْزَ حنينِي
وأكتبُ جنونَ اللحظة
رموزا هيلوغرافيّة
على جناحيّ سنونوة ٍعاشقة
تحملها إليكَ
وترحل
تبحثُ لكَ عن عُنوان
خلفَ الطرقات ِ المستحيلة
والنوافذ المُوْصَدة
وأنتظرْ ..
أخشى أنْ ..
تكونَ قَدْ ..
أسقَطْتَ جنينَ حُبّي
من رَحِم ِ العاطفة
(3)
أفْتَقِدُكَ
ويهزمُنِي ضعفي
وحاجتي إليكَ
لتكونَ لي وطنًا
يُهديني مساحاتِهِ
من جنوبِها لشمالِها
ويدًا
تأتيني كلَّ غروب ٍ
بعِقْدِ فُلّ
(4)
أفْتَقِدُكَ
وأجتهدُ أنْ
أمحو بصماتِكَ
عن خلايا شغفي بِكَ
فتنبعثُ ذبذباتُ صوتِكَ
من حضن ِ الماضي :
" أ ح ِ بُّ كِ "
لِتُبَعْثِرَنِي
" أحِبُّكِ "
وتُلَمْلِمَنِي !
(5)
أفْتَقِدُكَ
وأتأرجحُ هذي اللحظة
ما بينَ لونَيّ الفرح ِ والحُزن
أستجديكَ وأدْعُوكَ :
تعالَ
لتأتي معكَ ألوانُ الطّيف
ِ تعالَ
لم نَعُدْ أنا وأنتَ
خطَّين ِ متوازيين
نحنُ قلبان تائهان
حولَ محور دائرة
تعالَ
لستَ حُلمًا
أنتَ أكبرُ من كُلّ أحلامي
لستَ لُغتي
أنتَ أكبرُ من كلِّ اللغاتِ
تعالَ
قد تكونُ المسافة ُ شاسعة
ما بينَ حلمنا والواقع
مع ذلك
ها أنا أمارسُ أولى الخطواتِ
فتعالَ .. تعالَ .. تعالْ
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> أيّهذا الشاعر
أيّهذا الشاعر
رقم القصيدة : 65304
-----------------------------------
أيّهذا الشاعر المغترب الباكي أصيلا
حسبك الله تجلّد واتّئد واهدأ قليلا
وأصِخْ لي واتخذني يا أخا البؤسِ خليلا
فكلانا لم يجد إلا الى ( الآل ) سبيلا
**
يارفيقي يارسول الحبّ في دنيا القلوبِ
مالذي أشجاك ؟ هل سُخريةُ الآلِ الكذوبِ
أم شحوبُ الشمسِ أم ماتركت بعد الغروبِ
أم هجومُ الليلِ بالأشباحِ في الشاطي الصخوبِ
**
كفكف الدمعَ فما أثمن دمع البؤساءِ
هو عند الله أزكى من دماءِ الشهداءِ
وادّخر ماتركت منه العوادي للشتاءِ(67/397)
عندما تهتفُ ذكرى الصُبحِ في صمت المساءِ
**
هاكَ كوبي واغتبق في مأتمِ الفصلِ الغَضُوبِ
علَّ في النهلةِ مايشفي ولو بعضَ الريوبِ
والتمس للنفسِ والقلبِ عزاءً في شُحوبي
فالخطوبُ الغُبر لم تترك بكفّي غير كوبي
**
ياطريد الدهرِ والنحسِ قرين الشُعراءِ
سائل الليل فبي مابك من داءٍ عَياء
وكِلا الداءين من دنيا المآسي والعناءِ
فالأذى والبؤسُ فيها حظُّ أبناء السماءِ
**
إن تسلني فانا ابن الريبِ مذ كنتُ صبيّا
آه ما أشقى الذي يوهب حسّاً شاعرياّ
الشجَى والأرَقُ امتصا السنى من مُقلتيّا
كذبوا والله لم أُطفىء سراجي بيديّا
**
كم رمى الأوغادُ والأهدافُ أفذاذٌ كرامُ
آثروا الصمت وغبنٌ أن يصابوا وحرامُ
وقديماً قالها شاعرنا الفحلُ الهمامُ
" ما أنا منهم ولكن معدنُ التبر الرَّغامُ "
**
الأكاذيبُ وقد طال سكوتي والقعودُ
أصبحت رائجةً ، لاعاشَ في الناسِ الحسودُ
يُوقدُ النارَ فيصلاها ، وتخبو ، فيَعودُ
والأراجيفُ سلاحٌ والنّميماتُ جنودُ
**
آه من عا صفةٍ هوجاءَ في نفسي الشقيّة
زلزلت قلبي ، وأودت برؤاهُ الذهبية
أنا في طخياءَ كم للهمِّ فيها من ضحيّة
لم تغيِّب شاعراً إلا ووافته المنية
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> خدعوها
خدعوها
رقم القصيدة : 65305
-----------------------------------
( تخميس لقصيدة خدعوها لأحمد شوقي )
لي طرفٌ لم يدر ما الإغفاءُ
وفؤادُ عاثت به الأدواءُ
يومَ ولّت يقودها الرّقَباءُ
" خَدَعوها بقولهم حَسْناءُ
والغَواني يَغُرٌهُنَّ الثناءُ "
صِحتُ لمّا حان الفراقُ وحمّا
وَيكِ بالحب أشبعيني ضمّا
أنكرَتني وأوسَعَتني ذمّا
" أَتراها تناست اسمي لما
كثرت في غرامها الأسْماءُ "
يا تُرى هل فُؤادها يتألم
بعدما حِيلَ بينها والمتيّم
فاسألوها لأيّ شيء لأعلم
" إن رَأَْتْنِي *تميلُ عني ، كأن لم
تك بيني وبينها أشْياءُ "
يوم جاءت فقلت جنَّ الظلامُ
لا تخافي إن الوشاةَ نِيامُ
فرَنَت ثم أقبَلَت ، والغرامُ(67/398)
" نظرة ، فابتسامة ، فسلامُ
فكلام ، فموعد ، فَلِقاءَ "
منَحَتني من ثَغرِها الحُلوِ منّا
وهبتني ولم تزَل تتثنّى
قُبلة وهي كل ما أتمنى
" يوم كنا ولا تسل كيف كنا
نتهادى من الهوى ما نشاءُ
يوم قالت العيش ليس يطيب
يا حبيبي لمن جفاهُ الحبيب
فخُذ العهد فالصباح قريبٌ
" وعلينا من العفاف رقيبُ
تعبت في مراسِهِ الاهْواءُ "
يوم قمنا وأدبَرَت فتعالَت
من فؤادي التنهداتُ والآهاتُ
ثم لمّا اطمأنَّ قلبي ومالت
" جَاذَبَتْني ثَوبي العَصيِّ وقالَتْ
أنتم الناس أيها الشعراء "
فبخمرِ الجمالِ أنتُم سُكارى
لا تزالون ليلَكم والنهارا
واتّخَذتم حُبَّ الغواني شِعاراً
" فَاتّقوا الله في قُلوبِ اَلْعَذَارَى
فالعذارى قُلوبُهُن هَواءُ "
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> ليلة
ليلة
رقم القصيدة : 65306
-----------------------------------
ليلة ذكرياتها ملء ذهني
وهي في ظلمة الأسى قنديلي
ليلة لا كليلة القدر بل
خير وخيرٌ والله من ألف جيل
أنا ديني الهوى ودمعي نبيي
حين أصبو ووحيه إنجيلي
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> المولد النبوي
المولد النبوي
رقم القصيدة : 65307
-----------------------------------
كفكف بربك دمعك الهتانا
وافرح وهنيء قلبك الولهانا
واهتف وصفق واحسُ من راح اللقا
كأسًا لكيما تطرد الأحزانا
واسكب أناشيد اللقاء بمسمعِ
الدهر المصيخ وردد الألحانا
بشراك ذا يوم الولادة قد أتى
فعساه يوقظ روحك الوسنانا
أو ما رأيت صفاءه وبهاءه
وجلاله وجماله الفتانا ؟؟
قم يا أخا الشوق الملح وحيّه
وانثر عليه الورد والريحانا
يا فجر يوم ولادة الهادي أطل
على النفوس ، وبدد الأشجانا
وابعث بها ميت العواطف واطرد
اليأش الممض ، وأيقظ الإيمانا
بك أشرق المختار في رأد الضحى
شمسًا أنار سناءها الأكوانا
إني لألمح في جمالك مسحة
من حسنه أغرت بك الوجدانا
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> حيّ الصباح إذا تبسّم
حيّ الصباح إذا تبسّم(67/399)
رقم القصيدة : 65308
-----------------------------------
حيّ الصباح إذا تبسّم
وصغ العقود إذا تكلّم
واعبد بمملكة الجمالِ
جلالة الملك المعظم
فالحسن حين يصان يعبد
فيه خالقه ويكرم
وإذا سألت وجاد يومًا
ما بوعدٍ أو تكرّم
فاستقبل الدنيا بزينتها
ولا تشرك فتندم
واستوحهِ واستلهمنّه
فكم وكم أوحى وألهم
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> فلسطين صرخة آخر الليل ...!!
فلسطين صرخة آخر الليل ...!!
رقم القصيدة : 65309
-----------------------------------
موجوعة هذي الحجارة
في أيدي
صغار العصافير
موجوعة هذي الصخور
من مناقير النسور
موجوعة ظلالنُا
على خريطة
الصقور
: ياأيها الوجع
آن الأوان
لاعلان
هُوية النَّدى
: ياأيها الوجع
آن الأوان
لعودة
فقراء الفَرَاش
المُرهَق
من قهر الشتات
آن الآوان
لتنمو وتتكاثر النوارس
على ضفافك
يا فلسطين
فأنت الحلم الأكبر
المُلقى على
كفة المَوازين
وأنتِ الأخضر
الممتدّ عبر قحط
المَعايير
وأنتِ صَرخَةُ
آخر الليل
يا فلسطين!
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> عيد
عيد
رقم القصيدة : 65310
-----------------------------------
يا عيد عدت فأين الروض والعود
والهف نفسي وأين الراح والغيد
بل أين أحباب قلبي والمواعيد
عيدٌ بأي حال عدت يا عيدُ
بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ ؟
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> ناديت
ناديت
رقم القصيدة : 65311
-----------------------------------
ناديتُ .. ناديتُ
لعلّكَ ترحم حُزني وآلامي
لعلّكَ تُدركُ أنّي
وحدي قادرةٌ على
منحِكَ كلّ الدفء كلّ الحنان
ناديتُ .. ناديتُ
لعلّكَ يوما تتوقفُ عن
مُطاردة فراشاتِ الحقل
لعلّكَ يوما تكُفّ عن الرّكض
فوقَ الطرق
لعلّكَ تُدركُ وحدَكَ أنّكَ
لا تزالُ وسوفَ تظلّ
في بحث مُتواصل عنّي
.. ناديت
لم تسمعني إلا الرّيح
لم يَسْكُنّي إلا المطر
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> الحقيقة والظل
الحقيقة والظل
رقم القصيدة : 65312(67/400)
-----------------------------------
"الظل"
في القلب فراشة
صغيرة صغيرة
منسيّة
بينَ دفاتر صمتي
تُرفرفُ تُرفرفُ
داخلَ جُدران قلبي
لتنفض عنه وعنّي
غُبارَ العُزلة
تتنقلُ باصرار
بينَ مدن مللي
لتُشعِلَ فيها
كبرياء الثقة بالنفس
تتمردّ تتمردّ
على صمتي
تثيرُ إرادتي
تُضيءُ شمسَ ايجابيتي
تزرعُ اشجارَ وُجودي
" الحقيقة"
أحاولُ رويدا رويدا
فتحَ أبواب قلبي
أحطّمُ شيئا فشيئا
قضبانَ العُزلة
وأخرُجُ عن حُزني
بحثا عن
حزن الإنسان الآخر
أخرجُ عن صمتي
وأنا أعلن بكبرياء
ملء صوتي
عن ميلادي أنا
ك:
"كيان"
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> (مَدْخَل)
(مَدْخَل)
رقم القصيدة : 65313
-----------------------------------
أسيرُ
حول أسوار اللغة
ثلاث عشرة مرّة
فتسقط أسوار الكلمة
وأبتدئ رحلتي
عبر فيض النّور
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> (ومضات متفرقة)
(ومضات متفرقة)
رقم القصيدة : 65314
-----------------------------------
صرخة إعراب
الى متى
يظلّ الإنسانُ الصادقُ
ضميرا مستترا
وتظلّ الأقزام
المشبّهة بالأفعال
تنصب وترفع
ما تشاء
!! .. متى تشاء
*********
علاقة
*
اكتشفتُ
أنّ بحرَ مشاعركَ
مُعْرَب
فتمنيتُ
لو لم تكنْ
علامة بنائي أنا
السّكون
*********
توأم الرّوح
*
كأنّني
ولدتُ يوما توأما
نصفُهُ الأوّل
أنا
ونصفُهُ الثّاني
أنت
*********
همسة ماطرة
*
حينما
جاءني صوتُكَ
دونما استئذان
أحسستُ أنّني شجرة
تستقبلُ عُصفورا
جاء ببراءة
ليبني عشّا
على أغصانِها
الخضراء
*********
حروف الأبجديّة
*
نثرتَ
داخلَ أتلام أفكاري
...بذورا
... بذورا
وبعدَ المطر
نمتْ على أوراقي
أشجارٌ
منَ الأبجديّة
*********
قيثارة صامتة
*
حينَ تُبعثرُ
دفء يديكَ
على أوتار القيثارة
تتمنى
لو لم تُوْلد صامتة
لتعرفَ كيفَ
تُبادلُكَ
هذا الحنين
*********
سندريلا
*
تمنيتُ
مرارا مرارا
تمنيت
لو أنّ حذائي
يرتدّ عن قدمي
سهوا
ليتوهَ أميرٌ ما
في رحلةٍ بحثِ مُضن
عنّي(67/401)
*********
زقزقة الهاتف
*
أعتبُ عليك
كيفَ يغمَضُ لكَ جَفن
لتبحثَ عنّي
داخل سراديب الخيال
وصوتي يُعَشّش
! داخلَ أسلاكِ الهاتف
*********
وجع المَدى
*
أمُدُّ يدي اليكَ
فتبعثرُني الرّيح
ويكويني
صمتُ المدى
أصُدُّ يدي عنكَ
فيبكيني الهمسُ
الجريحُ
ويضيعُ صوتي
والصّدى
*********
الوداع
*
عندما
غابَ وجهُكَ
داخلَ الزقاق الطويل
...رويدا
... رويدا
حسدتُ الزقاقَ
لأنّهُ
عانقَ ولو لحظة
خُطواتِكَ المُهاجرة
*********
لماذا
تقولُ وداعا
أما كانَ بإمكانِكَ
تجميلَ الفراق
باحتمالِ لقاء..؟
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> لاالروض روض ولا الصهباء صهباء
لاالروض روض ولا الصهباء صهباء
رقم القصيدة : 65315
-----------------------------------
لاالروض روض ولا الصهباء صهباء
ولا التدامى ميامين أحباءُ
شط المزار فلا طيف ولا أمل
أين الأخلاء لاعاش الأخلاء
(حواء) أواه من داءٍ تأصل فى
قلبى فعز الدوا واستفحل الداءُ
ومن لواعج شوقٍ قطعت كبددي
حتى رثى لى أعداءٌ ألداءُ
من للجريح قد شُقت مرارته
من للحزين وقد مستهُ ضراءُ
من للكئيب وقد أودت بمهجتهِ
كآبة فى صميم النفس خرساءُ
فلا الطعام مساغ حين يطعمهُ
ولايبل صداهُ -ويحهُ - الماءُ
يعيش فى هذه الدنيا بلا أملٍ
نصيبه نوبٌ منها وأرزاءُ
يامشعل الروح كم قال العواذل لى
لاأنت أنت ,لا حواءُ حواءُ
هجرت والروح لا تنفك حائرةً
وجرت والأذن عن شكواي صماءُ
وفى جحيم الجوى نفس معذبةٌ
وما لطِرفى مذ فارقت إغفاءث
سلي الصبا أنني أودعته نبأٌ
وطالما هيجتنى منه أنباءُ
حواء تذكار ذاك العهد برَّح بى
وما أنا يا حياةَ الروح نساءُ
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> (اغتراب)
(اغتراب)
رقم القصيدة : 65316
-----------------------------------
رماد سيجارة
يعانق حضن منفضة
...وأنا
خلف النافذة
وحيدة
اتلّهى بجريدة
ذَوَتْ على شفتيها
كلُّ الكلمات
وشارع
يحتلّهُ
عويل ثرثرة
وصدى خطوات(67/402)
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> لقاء يتجدد
لقاء يتجدد
رقم القصيدة : 65317
-----------------------------------
نلتقي صُدفة
تتفجّرُ براكينُ شوقي
تُشرقُ شمسي
يُشرقُ قمري
تُسافرُ مراكبُ فَرَحي
تُسافِرُ قطاراتُ عطري
.. أتمنى لو
أخبِرُكَ .. أن
لا رجُلَ على الأرض سواك
!... أتمنى
تقولُ وداعا
!.. وتترُكنِي رمادا
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> مرايا الوهم
مرايا الوهم
رقم القصيدة : 65318
-----------------------------------
أما آنَ لي أن
احرّرَ من قارورة العطر
... جسدي
أحرّر من توابيت القبيلةِ
... وجعي
أحرّر من مشنقة الغبَن
... عُنُقي
ومن مرايا الوهم
... وجهي
لأبحثَ عن صوتي
في ثرثرة النّوارس
لأمواج البحر
وأرسم بطاقة كِياني
في وشوشة الورق
لأمواج الحبر ..!!
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> كلمة
كلمة
رقم القصيدة : 65319
-----------------------------------
في البدء كانت :
"كلمة"
اقتحمتْ نوافذ وجودي
كما الإعصار
وفكّتْ أزرارَ مشاعري
دونما اعتذار
أيقظتْ نوارسَ أفكاري
فانطلقتْ تُغرّدُ
خلفَ أسوار جسدي
كصفارّة إنذار
منحتني تأشيرة دخول
لمدن الدّهشة
وأسرار الكتابة بالنّار
غسلتني بصابون اللهفة
وعمّدتني بعطر الإنتظار
ثمّ...
استراحتْ
في اليوم الثامن
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> ياصاحبي قد كان ماشاءَ الهوى
ياصاحبي قد كان ماشاءَ الهوى
رقم القصيدة : 65320
-----------------------------------
ياصاحبي قد كان ماشاءَ الهوى
فإلى الكنيسةِ سر بنا لا المسجدِ
إن قيل جُنّ فانَّ عُذري واضحٌأ
و قيل تاه ففي يديها مِقوَدي
أو قيل ضلّ .. فلست قبل زيارتي
وتدلّهي .. بالزاهدِ المُتعبّدِ
يامعشر المُتعصّبين رويدكم
أمن الرّغام قلوبُكم والجلمدِ
بالله هل تُطوى السماءُ إذا هفا ؟
وصبا لمشركةِ فؤادُ موحِّدِ ؟
فاليوم قادت من تُحبُّ لدينها
وغداً يعودُ بها لدينِ مُحمّد(67/403)
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> أنا امرأةٌ أخرى
أنا امرأةٌ أخرى
رقم القصيدة : 65321
-----------------------------------
( الى الشاعر نزار قباني
ردّا على قصيدة الى امرأة لا تقرأ ولا تكتب)
----------------
أنا امرأة
تقرأ وتكتب
وتتذوّق سفرَ الكلمة
فوق آفاق اللغة الثائرة
****
أنا امرأةٌ أخرى
مجبولة
من طين الأرض
مولودة
من براكين التعب
ووجع الأحلام
التائهة
****
قلبي أنا
زورقُ كبرياء
حينَ تشتدّ العاصفة
قلبي أنا
نداءٌ متواصل
للقلوب الحائرة
****
أيّا شاعر النساء
في عصر الظلمة
ألم تعلم بعد
أنّي أنا
أنا
استثناء القاعدة
شعراء الجزيرة العربية >> فهد العسكر >> يا جارة الوادي
يا جارة الوادي
رقم القصيدة : 65322
-----------------------------------
"يا جارة الوادي طربت وعادني"
ما زادني شوقا إلى مرآك
فقطّعت ليلي غارقا نشوان في
"ما يشبه الأحلام من ذكراك"
"مثلتُ في الذكرى هواك وفي الكرى"
لما سموت به وصنت هواكِ
ولكم على الذكرى بقلبي عبرة"
والذكريات صدى السنين الحاكي"
"ولقد مررت على الرياض بربوة"
كم راقصت فيها رؤاي رؤاكِ
خضراء قد سبت الربيع بدلها
"غنّاء كنتُ حيالها ألقاكِ"
"لم أدر ما طيب العناق على الهوى"
والروض أسكره الصبا بشذاكِ
لم أدر والأشواق تصرخ في دمي
"حتى ترفق ساعدي فطواك"
"وتأودت أعطاف بانكِ في يدي"
واحمر من خديهما خداكِ
"ودخلت في ليلين: فرعك والدجى"
والسكر أغراني بما أغراك
فطغى الهوى وتناهبتك عواطفي
"ولثمتُ كالصبح المنور فاكِ"
"وتعطلت لغة الكلام وخاطبت"
قلبي بأحلى قبلة شفتاكِ
وبلغت بعض مآربي إذ حدّثت
"عيني في لغة الهوى عيناكِ"
"لا أمس من عمر الزمان ولا غد"
بنواك..آه من النوى رحماكِ
سمراء يا سؤلي وفرحة خاطري
"جمع الزمان فكان يوم لقاكِ"
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> يوميّات غجريّة عاشقة
يوميّات غجريّة عاشقة
رقم القصيدة : 65323
-----------------------------------
همسة
*(67/404)
هذي جراحي َ
فادخلوها َ
آمنين
**********
وِلاَدَة
*
كُلَّمَا
........ كَتَبْتُ
.................أُولَدُ
........ مِنْ
جَدِيدٍ
**********
اعتراف
*
عَاشِقَةٌ أَنَا
لاَ لِرَجُلٍ مَا
إِنَّمَا
لكلِّ مَفَاتِنِ
اللُغَةِ
**********
ذَاكِرَةُ الْقصِيدَة
*
أَتَقَلَّبُ
عَلَى جَمْرِ الْقَصِيدَة
أُقَلِّبُ أَلْبُومَ الرُّوح
فَتَنْقَلِبُ قَارُورَةُ الْقَلْب
لِيَتَدَفَّقَ الْحُلُمُ
عَلَى الْوَرَق
**********
فَوْضَى الذَّاكِرَة
*
أُبَ عْ ثِ رُ
أَوْرَاقَي بِفَوْضَى
وَأَسْتَلُّ مَا أَشَاءُ
مِنْ جِرَاحِي
لأُعَمِّدَ الذَّاكِرَة
بِحنان حُضُورِكَ
الْمُقَدَّس
**********
دُمُوع الْقَصِيدَة
*
لاَ تَغْتَسِلْ
بِمَطَرِ حُزْنِي
كَيْ لاَ تُصَابَ فِي
لَحْظَةِ احْتِرَاقْ
بِعَدْوَى الْكِتَابَة
مِنْ عمقِ الأَعْمَاقْ
**********
مملكة الحلم
*
خَيَالٌ
لاَ شِفَاءَ مِنْهُ
يَظَلُّ يُلْبِسُنِي
غَارَ الْكَلِمَات
**********
فَضْفَضَة
*
أَحْلُمُ لِكَيْ أَحْيَا
أَحْيَا لِكَيْ أُحِبَّ
أُحِبُّ لِكَيْ
أَزْدَادَ إِنْسَانِيَّةً
أَزْدَادُ إِنْسَانِيَّةً
لِكَيْ تُحِبَّنِي أَكْثَر
**********
مَدِينَةُ الأَحْلاَم
*
أَسْبَحُ فِي بَحْرِ الْكَلِمَات
كَسَمَكَة
أَصْطَادُ فَيْرُوزَ اللُّغَة
وَلاَ تَصْطَادُنِي
صِنَّارَةُ الضَّجَر
**********
أُسْطُورَة
*
أَسْدَلْتُ حُلُمي
فَزَلَّ قَلْبُ فَارِسِي
وَتَسَلَّقَ جُدْرَانَ حُزْنِي
بِلَهْفَةٍ.. بِشَغَفٍ
لِيَفُكَّ أَسْرِي وَيَتَعَثَّرَ بِحُبِّي
**********
زَخَّةُ حُبّ
*
بَلَّلَتْنِي زَخَّةُ حُبِّكَ الْمُفَاجِئ
وَأَنَا أَتَسَفَّع
عَلَى شَاطِئِ اللَّهْفَة
تَغَلْغَلَتْ
فِي دَوْرَتِي النَّفْسِيَّة
وَصَارَ حُبُّك
حَالَةً مُزْمِنَة
**********
أجنحة الحلم
*
لاَ تَدْخُلْ قَفَصَ قَلْبِي
كَطَائِرٍ أَلِيف
كُنْ حُرًّا حُرًّا
طِرْ عَالِيًا عَالِيًا
لأَنِّي هكَذَا فَقَطْ
مُمْكِنٌ أَنْ أَعْشقك
**********(67/405)
عقَارِبُ الْقَلْب
*
إِنَّهَا الثَّالِثَةُ بَعْدَ مُنْتَصَفِ الْحُبّ
وَقَلْبِي قُنْبُلَةٌ مَوْقُوتَة
لاَ أَقْوَى عَلَى إِبْطَالِ مَفْعُولِهَا
مَا زِلْتُ ثَمِلَةً مُنْذُ الْبَارِحَة
مُنْذُ احْتَسَيْتُ نَبِيذَ انْبِهَارِي بِكْ
حَتَّى آخِرِ قَطْرَة
**********
خَاتَمُ الشِّعْر
*
لِنَزْرَعَ حُبَّنَا جَنِينًا
فِي رَحِمِ الرُّوح
كَيْ نُؤَثِّثَ مَعًا
شِقَّةَ الْحُلُم
وَنْسْبُكَ خَاتَمَ الشِّعْر
وَنُوَزِّعَ عَلَى القُرَّاء
بِطَاقَاتِ فَرَح
**********
حَبِيبَتُه
*
أَغَارُ مِنْ أَشْعَارِي
لأَنَّهَا تَسْكُنُ عَيْنِيْك
دُونَمَا تَأْشِيرَةِ دُخُولٍ
تُدَاعِبُ رُوحَكَ وَيَدَيْك
تَغْفُو كَقِطَّةٍ
عَلَى وِسَادَةِ قَلْبِك
تَتَدَثَّرُ بِأَحْلاَمِك
فَتَنْسَانِي
**********
شَبَكَةٌ الرُّوح
*
مُخْتَالاً تَأْتِي
كَمَا الشِّبْلُ
تَدْخُلُ شَبَكَةَ الرّوحِ
تَطْلُبُ أَنْ أَصْطَادَك
وَقَدْ تَمَّ اصْطِيَادُنَا
فِي شَبَكَةِ الْحَيَاةِ
!!.. حَبِيبِي
**********
زَوَاجٌ رُوحِيّ
*
أُعْلِنُنَا
رَجُلاً وَامْرَأَةً
أَمَامَ مِحْرَابِ الْعَاطِفَة
فِي السَّرَّاءِ وَفِي الضَّرَّاء
نُبْحِرُ فِي زَوْرَقِ الْحُبِّ
يَدًا بِيَد
نَسْتَقِلُّ قِطَارَ الرُّوحِ
قَلْبًا بِقَلْب
أَطْفَالُنَا أَشْعَارُنَا
:شِعَارُنَا
اصْطِيَادُ أَشِعَّةِ الحلم
الآنَ
وَكُلَّ آن
آمِين
**********
إِخْتِنَاق
*
أُجَفِّفُ كَلِمَاتِك
بَيْنَ أَوْرَاقِ
حَوَاسِيَّ الْخَمْس
عَلَّهَا تُرَوِّينِي
كُلَّمَا قَهَرَنِي
العَطَش
وَازْدَادَ شَوْقِي
إِلَى الْهَوَاءِ
**********
عَلاَقَة
*
كَخَطَّيْنِ مُتَوَازِيَيْنِ الْتَقَيْنَا
وَكَانَ لِقَاءُ الصَّيْفِ بِالشِّتَاء
كَمُثَلَّثٍ مُنْفَرِجِ الزَّوَايَا افْتَرَقْنَا
وَكَانَ الأَلَمُ غَانِيَةً سَمْرَاء
تَرْقُصُ بِحُرْقَةٍ فِي دَائِرَةٍ
مِنَ دُمُوعٍ عَلَى أَمَلِ لِقَاء
**********
أَنْتَ أَمِ الْقَصِيدَة
*
لَطَالَمَا(67/406)
لاَحَقْتُ خُطُوَاتِ رَجُلٍ مَا
بِصِنَّارَتِي
لاصْطِيَادِ قَصِيدَةٍ مَا
وَحِينَ أَحْبَبْتُ
صَارَتِ الْقَصِيدَةُ
تَصْطَادُ ضَعْفِي
وَتَصْطَادُ قُوَّتِي
**********
صَمْتٌ قَاتِل
*
بَكَى الْعُصْفُورُ
وَنَاحَ
أَمَّا الشَّجَرَة
فَظَلَّتْ صَامِتَة
**********
مَحْلُولُ الرُّعْب
*
بَعْضُ الْقُلُوبِ مَغَائِرُ رُعْبٍ
تَدْخُلُهَا مَرَّةً وَمَرَّة
بِفَرَحِ اكْتِشَافِ خَبَايَاهَا
وَتُغَادِرُهَا مَذْعُورًا
مُشْبَعًا بِمَحْلُولِ رُعْبٍ
مُكَوَّنٍ
مِنْ ذَرَّةِ أُكْسِيدِ مَكَائِد
وَذَرَّتَيْ ثَانِيَ أُكْسِيدِ دَسَائِس
**********
حَظْرُ تَجَوُّل
*
تَسَلَّلْتُ بِحُرِيَّة
إِلَى مَدِينَةِ أَفْكَارِك
فَاسْتَوْقَفَنِي جُنْدِيٌّ عَابِر
عَلَى بَوَّابَةِ أَسْرَارِك
! "وَصَرَخَ: "هُوِيَّة
وَحِينَ أَدْرَكَ أَنِّي عَرَبِيَّة
صَادَرَ أَحْلاَمِي
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> مَنْ أنْتَ..؟
مَنْ أنْتَ..؟
رقم القصيدة : 65324
-----------------------------------
أيُّهَا الْوَجْهُ الْغَجَريُّ َ
الصَّاعِدُ مِنْ ضَبَاب ِ الْحُلُمْ
تَقْرَعُ بَابَ الأمَلْ
تُبَاغِتُنِي
وَأنَا أتَثَاءَبُ
فَوْقَ وسَادَةِ الضَّجَرْ
تَخْلَعُ حُزْنَكَ الْقَديم
عَلَى أعْتَاب ِ انْتِظَاري
وَتَنْتَظِرُ
شُرُوقَ الْقَمَرْ
تُرَاودُنِي عَنْ احْتِضَاري
بِسَلام ٍ فَيْروزيٍّ
واحْتِمَالاتِ قُبَلْ
قُلْ لِي
قَبْلَ أنْ تَعْشَقَ زَهْرَ اللَّيْمُون ِ
قَلْ يَا تَوْأم حُلُمِي
الْمُشْبَع ِ بِرَائِحَةِ الْبَحْرْ
مَنْ أنْتَ...!!
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> رؤيا
رؤيا
رقم القصيدة : 65325
-----------------------------------
قَطْرَةٌ
وَقَطْرَةٌ
وَقَطْرَةٌ
تَتَسَاقَطُ مِنَ الْمِحْبَرَة
يَنْهَضُ الْحُلُم
فَيُشْعِلُ
مِصْبَاحَ الرُّوح
صَبَاحٌ
مَسَاءٌ
وَلَيْلٌ
يَمُرُّ
وَأَنَا هُنَا وَهُنَاك
أَنْظُرُ وَأَنْتَظِرُ
وَلاَ يَأْتِي وَلاَ
أَحَد(67/407)
فَتَهْوِي فِي نَبَضِي
اللَّهْفَة
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> ومضاتٌ متفرقة -2
ومضاتٌ متفرقة -2
رقم القصيدة : 65326
-----------------------------------
********
تَحْذيِر
-
: قِيِلَ
" أعْذَبُ الشِّعْرِ أكْذَبُهُ "
: وَأقُولُ
بَريئةٌ أنَا "
" مِن نَزيِفِ حِبْري
********
لصوصيّة
-
الحياةُ قنديلٌ
لكن
من سرقَ زيته
!؟
********
مَكِيدَة
-
أصْعَبُ الَقصَائِد
تلْكَ الّتي تُداهمُِكَ
... أثْنَاَء الـ
فَتَحْتَار
أيُهُمَا َتخْتَار
********
شِيزُوفْرينْيَا
-
قَرَنْفُلَةً مَزْهُوَّةً
بِشَمْسِهَا
كَانَتْ
.. قَطَفَهَا
وَعَلى رَفٍّ مَا
في مَنْزلٍ نَاء
.. خَلَّفَهَا
مِنْ غَيْر مَا
مَاء
وَإلَى الآنْ هِيَ
أنَا
********
رسالة
-
لَقَدِ اقْتَرَفْتَ
جَريمَتَكَ الأخِيرَة
بحَقِّ قَلبِي
فَأرْدَيْتَنِي
صَديِقَة
********
إنسِجَام
-
أنا الخُطْوَة
أنْتَ الطَّريق
********
حُلُم عَلَى مُفْتَرَقِ
القَصِيدَة
-
:كَذَبَ مَنْ قَال
الطّيُورُ عَلَى أشْكَالِهَا"
" تَقَعُ
ها أنَا، مَا أنْتَ
طَائِران تَوْأمَان
لَمْ نَقَع
يوْمًا فِي جُبّ
حَلّقْنَا
فِي فَضَاءِ الكِتَابَة
تُطْعِمُنِي حَبّةَ قَمْح ٍ
أطْعِمُكَ حَبَّات ٍ وَحَبَّاتْ
بِمُنْتَهَى
الحَبّ
********
هَنْدَسَة
-
إلْتَقَيْنَا
فَصَارَ حُبًّا
قَائِم
الزَّاوِيَة
مُتَسَاوي
الأَضْلاَع
********
خَاتَمُ الشِّعْر
-
لِنَزْرَعَ حُبَّنَا
جَنِينًا فِي رَحِمِ الرُّوح
كَيْ نُؤَثِّثَ مَعًا شِقَّةَ الْحُلُم
وَنْسْبُكَ خَاتَمَ الشِّعْر
وَنُوَزِّعَ عَلَى القُرَّاء
بِطَاقَاتِ الفَرَح
********
أيَجُوزُ عُبُور النّهْر
مَرّتَيْن؟
-
قُلْتُ لَكَ
قَدْ تَعُودُ مَسَاءً
مُشْتَاقًا
مُلْتَاعًا
فَأكُونُ أنَا
وَلا تَكُونُ القَصِيدَة
وَحينَ عُدْتَ
كَانَت القَصِيدَة
وَلَمْ أكُنْ أنَا
أنَا
********
بَيْضَاء كَالثّلْج
-
تَمْتَّدُ يَدٌّ عَبْرَ الْمِرآة
تُكَفْكِفُ الْعَبَرَاتِ(67/408)
التِّي بَلَّلَتْ زُجَاجَهَا
وَتَنْقِشُ عَلَى جَبينِهَا
رُمُوزًا مَا
مِنْ شَاعِر مَفْتُون
********
لا أمْلِكُ إلا أن أحْلُم
-
أعْرِفُ أنَّ القَلبَ
سَيَتْعَبْ
وَأنَّ الغُروُبَ يَقْتَرِبُ
يَقْتَرِبْ
مِنْ شَظَايَا الحُلم
المُغلَقْ
لكنّي لا أمْلِكُ أمَلا
إلا أنْ أحْلُُمْ
أنِّي بِحُبّ مَلائِكِي
سَأغْرَقُ إنْ يَومًا أغْ....رَقْ
فالسّاكِتُ عن الحُلمِ
يا أنا
أحْمَقْ
********
ضَرْبَةُ جَزَاء
-
أمْس ِ
تَسَلَّلْتَ بِشَقَاوَةٍ
إلَى مَلْعَبِ أ َفْكَاري
غَافَلْتَ حَارسَ الْمَرْمَى
وَسَدَّدْتَ حُلُمًا
إلَى شَبَكَةِ مَشَاعِري
فَصَفَّقَ قَلْبِي بِجُنُون
أمَّا عَقْلِي
فَشَهَرَ فِي وَجْهِكَ
بِطَاقَة ً حَمْرَاء
********
الوَجْهُ الآخَرُ للحُبّ
-
أَعْشَقُ
فَتَتَوَهَجُ القَصِيدَة
********
أَيْنَ المَفَرّ ؟
-
أَسْتَقِلُّ القِطَارَ
وَأُسَافِرُ فِي رِحْلَةِ
نَقَاهَةٍ مِنْ قَدَرِكَ
فَأَجِدُكَ وَقَد
شَغَلتَ المَقْعَدَ الشَّاغِر
فِي قَلْبِي
وَفَي يَدِكَ تَذْكَرَة
بِاتجَاهٍ وَاحِد
********
لَنْ أرْحَلَ عَنْكَ
-
حِيِنَ تُقْلِعُ بِي
الطَّائِرَة
بَعِيدًا عَنْ مَطَارِ حُبِّكَ
سَأُتَوِجُكَ مَلِكًا
عَلَى عَرْشِ كُلِّ قَصِيدَة
جَديِدَة
********
حُبّ مُفَخَخّ
-
كُنْتَ كَمَا السّيَارَة
المُفَخَخّة أمَامَ شُرْفَة
فَحِينَ دَنَوْتُ
لأتَحَسَسَ نَبْضَ حُلمِكَ
انْفَجَرَتْ
وَكَانَ مَوْتِي أنِّي
كُنْتُ شّاهِدَةَ العَيَانِ
الوَحِيدَة
عَلَى نَصّ غَدْركَ
********
إصْرَار
-
وُلِدْتُ
دَاخِلَ قِطَارٍ مُسَافِرٍ
مُنْذُ الشَهْقَة الأُولَى
نَحْوَ الحُلُم
وَقَد مَلَّتِ المَحَطَّاتُ
صَبْري
وَطُولَ انْتِظَاري
********
عَلَى قَارعَةِ الْحُلم
-
وَقَفْنَا عَلَى بَابِ الْحُلُم ِ
دُونَمَا رُخْصَة
بُولِيصَةِِ تَأمِين ٍ وَأحْزمَة
فاسْتَوقَفَنَا شُرطِيُّ مُرُور
وَحَرََّرَ لَنَا مُخَالَفَة
جَرّاءَ حُلْم مُجْهَض
عَلَى الْقَارعَة
********(67/409)
تَعَاقُبِ الْفُصُول
-
أيُّهَا الرَّبيع الذِّي
سَيَسْكُنُنِي
حَتَّى أقْصَى الْغُرُوب
لا تَغْرُب
لأنَّكَ حِينَ تَعُود
لَنْ أكُون
********
حِوَارُ الخَرَائِب
-
ماذا تَقُولُ شَجَرَةُ الزَّيْتُون
لِحِجَارَة المَنْزل التِّي تَتَسَاقَطُ
عَلَى غُصُونِهَا
وَهِيَ تُوَاجِهُ إبَادَةً قَصْريَّة !؟
********
هَامِش
-
تُهْمَتُكَ أنَّكَ
قَد تُشْبِهُنِي
تُهْمَتِي
أنّي لا أُشْبِهُ نَفْسِي
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> مرايا
مرايا
رقم القصيدة : 65327
-----------------------------------
(مَرَايَا)
نَظَرَ الأوّلُ
فِي عَيْنَي إمْرَأة
رَأى مِرْآةً عَكَسَتْ ذَاتَهُ
"!قَالَ: " أنْتِ إمْرَأةٌ فَاتِنَة
نَظَرَ الثّانِي
فِي عَيْنَيّ ذَات ِ الْمَرْأة
رَأى مَا رَآهُ الأوّلُ
حِينَ عَكَسَتِ المِرْآ ة ذَاتَهُ
"!! فَقَالَ: " كَمْ أنْتِ إمْرَأةٌ مَاكِرَة
نَظَرَ الثّالِثُ فِي عَيْنَيّ تِلْكَ المَرْأة
رَأى مَا لَمْ يَرَهُ الأوّلُ وَلا الثّانِي
حِينَ نَزَفَتِ المَرْأةُ المَوْجَ
مِنْ مَرَايَا عَيْنَيْهَا
فَهَتَفَ: " أيتُهَا المَرْأة
كَمْ أنْتِ عَذْبَة!!
"! ..وَكَمَا البَحْر.. حَالِمَة
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> أأنَا أنَا
أأنَا أنَا
رقم القصيدة : 65328
-----------------------------------
أحَاولُ
.. أنْ أصْعَدَ.. أصْعَدَ
فَ
أ
سْ
قُ
طَ
فَوْقَ مَقْعَد ٍ مُقْعَد ٍ
دَاخِل عَتْمَةِ حَوَاسّي
: أرَاقِبُ حَرَكَةَ ذَاتِي
! .. أأنَا .. أنَا
أمْ أنَا.. لا تَسْتَقِرُّ عَلَى.. أنَا
أمْ لَحْظَةَ إدْرَاكِي لِكَنْهِي
تَسْتَقِيلُ أنَا مِنَ الأنَا
وَأعُودُ مُنْهَكَةً
أنَا تِلْوَ أنَا
أنَا تِلْوَ أنَا
وَيُعَاودُنِي
ا
ل
قُ
نُ
و
ط
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> وَجْهٌ لِلأمَل ِ وَآخَر
وَجْهٌ لِلأمَل ِ وَآخَر
رقم القصيدة : 65329
-----------------------------------
هِيَ نِهَايَة:
فِي الثّانِيَةِ عَشْر لَيْلا(67/410)
حِينَ كَانَتْ كُلّ النّقَاط ِ فَوْقَ الحُرُوف ِ
أتَى الوَجْهُ الذّي اعْتَادَتْ أنْ تَرَاهُ
قَرّرَتْ أنْ تُحَدّقَ فِي مَخَالِبِهِ
زَادَ النّزيِفُ.. زَادَ.. زَادَ
وَفَرّ هُوَ بَاحِثًا عَنْ آخَرَ يَسْكُنُهُ..
ظَلّتْ تُرَاقِبُهُ
إلَى أنْ أتَى الوَجْهُ الآخَرُ لَهُ
وَرَاحَ يُحَررّ
كُلّ النّقَاط ِ عَنْ كُلّ الحُرُوف ِ
فِيمَا يُقَاربُ الثّانِيَةَ عَشَر لَيْلا
حِينَ رَأتْ أنْ تِلْكَ
هِيَ بِدَايَة
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> وَمَنْ لا يعرفُ ريتا
وَمَنْ لا يعرفُ ريتا
رقم القصيدة : 65330
-----------------------------------
ريتا
زَيتُونَة شَهِيَّة
نَاحَتْ
مَخَاضًا خَلْفَ مَخَاضٍ
عَبْرَ عُصُورِ الصَّمْتِ الفَاضِح
:وَحْدَهَا
تَحَدَّت عَذَابَ المِقْصَلَة
:وَحْدَهَا
تحَدَّتْ ضَبَابَ المَرْحَلَة
:وَحْدَهَا
نَادَتْ كُلَّ فِئَاتِ الطُّيُورِ التِّي
رَحَلَتْ
لَحْظَةَ حَرَثَ البُلْدُوزَرُ أرْضَهَا
عِرْ ضَهَا
:وَحْدَهَا
مَدَّتْ أشْلاءَ جُذُورِهَا
فِي التُّرْبَة الخصْبَة
فَانْتَفَضَتْ
الأرْضُ شُمُوخًا وَعِزَة
:وَحْدَهَا
رَفَعْتْ حِمْلَهَا
حُلْمَهَا
عَلَى كَتِفَيّ كُلِّ القَضِيَّة
وَلَم تَرَ عَيْن
وَلَم تَسْمَعْ أُذُن
وَلَمْ يَعْرفْ أحَدْ
مَن هِيَ ريتا
(هَل عَرَفَ أَحَد؟)
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> دَوّامَة
دَوّامَة
رقم القصيدة : 65331
-----------------------------------
وَعَدْتَنِي
بِصَدَاقَة غَلِيظَة
وَغِبْتَ
فَكَانَ غِيَابُكَ
أغْلَظَ من هذي الصّدَاقَة
ثمّ عُدْتَ
تَسْتَجْدي حَريرَ العَلاقَة
: فَقُلتُ
أتَسْألُنِي عَن ِ الغِيَابِ)
وأنْتَ
مَنْ مَزَجْتَ عَنَاصِرَهُ
: حين قُلْتَ
أنّ المخبرينَ وَجَدُوا ريتَا
(! "مَيّتةً في قَلبِكَ "
وَجَلَسْتَ
تَتَأمَلُ ثَاني أكْسِيد الغِيَاب
النَاتِج عَن
كيميَاء مَا قُلْتَ حينَ مَزَجْتَ مَا مَزَجْتَ
وَغِبْتَ
ثُمَّ عُدْتَ(67/411)
تَتَربَصُ ثَانيَةً بِطُيُور الصّدَاقَة
التّي لمَّا تُحَلّق في فَضَاء هذي العَلاقَة
وَغِبْتَ
ثُمّ عُدْتَ
ثُمّ غِبْتَ
ثُمّ عُدْتَ
ثُمّ
ثُمّ
ثُمّ
.
.
.
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> المُعَادَلاتُ الصَّعْبَة في العِشْق
المُعَادَلاتُ الصَّعْبَة في العِشْق
رقم القصيدة : 65332
-----------------------------------
لَو افْتَرَضْنَا أنّنَا
قَد قَسَّمْنَا مَسَافَةَ
سُهُولِ عِشْق غَجَري
÷
سُرعَةِ غَدْر بَدَوي
لكانَ النَّاتِجُ
" زَمَنَ العَلاقَة "
وَلَو افْتَرَضْنَا أنَّنَا
ضَرَبنَا سُرْعةَ النِفَاق
X
زَمَنِ العَلاقَة
يَكونُ النَّاتِجُ
مَسَافَة
بَل
مَسَافَات
مَا فَاتَه مِن حَريِر العَلاقَة
بَعْدَ أوجَاع الفُرَاق
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> !؟؟؟؟؟
!؟؟؟؟؟
رقم القصيدة : 65333
-----------------------------------
أضَعُ اللَّوْنَ عَلَى اللَّوْنِ
عَلَى اللّوْحَة
أضَعُ الْخَطَّ عَلَى الْخَطِ
أبْحَثُ لَهُ عَنْ هَيْئَة
أرْسُمُهُ سَمَاءً
مَاءً .. هَوَاءً
يَمْتَزجُ الأحْمَرُ بالأزْرَقْ
تَتَأوَهُ باقي الألوان
عَبَثًا ..تَتَذَمَرّ ُ..تَتَلَوَى
أتْرُكُهَا تَجِف ُّ
وَأعود ُ
أطِلُّ عَلَى عَالَمِهَا بِحُرْقَة
فَتُطلُّ عَليّ
بِعَلامَةِ تَعَجُبّ خَضْرَاءْ !
وخَمْسُ عَلامَاتِ اسْتِفْهَام
ٍ صَفْرَاء ؟؟؟؟؟
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> أحبّكَ إلى ما بعد الحُلم
أحبّكَ إلى ما بعد الحُلم
رقم القصيدة : 65334
-----------------------------------
1
أصنعُ من حُلمي
لحظة
ً بينَ أحبُّكَ ولا أحبُّكَ
كي أحبّكَ
أبعدَ
من كلِّ احتمالات
ِ كهذا انفجار
2
أصنعُ من حُلمي
مشهدًا
كي أحبّكَ
حروفًا , نقاطًا
وفواصلا
ً و أحبّكَ
فصلا ًفصلا
ً إلى ما بعد اسدال ِ
السِتار
3
أصنعُ من حُلمي
قنديلا
ً كي أحبّكَ نورًا
ينتشلُ عويلَ ظلِّي
عن ظَلام ِ الجدار
4
أصنعُ من حُلمي
يَدًا
تمتَدُّ
عَبْرَ المَدَى
تصيرُ لبَردي
نارًا(67/412)
ولمنفاكَ
وطنًا وديار
5
أصنعُ من حُلمي
ظلا
ًّ يَتْبَعُنِي
لا يُتْعِبُني
ولا يَتْعب
حتّى لو
تمطَّى انتظارٌ
أو تثاءبَ حِصَار
6
أصنعُ من حُلمي
لحنًا
وأ ُنصِتُ ..
لأحبَّكَ همسًا
بعدما
ضجَّ بكَ الفِكْرُ
ليلَ ..نَهَار
7
أصنعُ من حُلمي
سُنبلة
ً أقطفُهَا وأ ُخفيها
بينَ ضفتيّ دفتر
كي لا
تحسدني عليها عينٌ
ولا يَطالُها
مِنْقَار
8
أصنعُ من حُلمي
خمرًا
وأحبُّكَ ماض ٍ ,
مضارع
وأمْرًا
فَقَدْ يأتي
الغَدُ
دون أن يأتي
بالمزيد والمزيد
من حكايا شهرزاد
لشهريار
9
أصنعُ من حُلمي
حُلمًا آخَرَ
كي أحبّكَ
إلى ما بعدَ ما
سيأتي به الحلم
من انبهار
أو انكسَار
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> يحِقّ لي كلّ ما يحِقّ لكم
يحِقّ لي كلّ ما يحِقّ لكم
رقم القصيدة : 65335
-----------------------------------
(1)
يحِقّ لي
أنْ أوقِدَ القصيدة
بقليل ٍ منَ الحُبّ
وكثير ٍ منَ الحُلم
فأبجديتي
قابلة ٌ دوما
للألقْ
(2)
يحِقّ لي
أن أستعيرَ
من صغار العصافير
أحلامها
كي أغرّدَ
فألف زغرودة
تروادني
على أوردة من وَرَقْ
(3)
يحِقّ لي أن أموتَ
وأنبعثَ من رماد
ِ الحُبّ
لأغرقَ وأغرقَ
وأعشقَ
رقّة َ الغَرَقْ
(4)
يحِقّ لي
أن أعيشَ شيهانة
ً حينَ ثلاثًا
تُنكرني
القبيلة
وتُرديني قتيلة
َ القلق , الأرق
(5)
يحِقّ لي أن أهوي
في اغراءات ِ
الشَفَق
لأرى
فعيني الثالثة
قلم ٌ نَزقٌ
يهوَى
فَضَّ بياض
ِ الحبر
ليفيضَ البحرُ
نوارسًا
تُسبّحُ ربَّ
الفَلَق
(6)
يحِقّ لي كلّ ما يحقّ
للشعراء
ولا يحقّ لغيرهم
من بهاء النبوؤة
من مطلع القصيدة
وحتّى آخر رَمَق
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> ومضات متفرّقة -3
ومضات متفرّقة -3
رقم القصيدة : 65336
-----------------------------------
صمت
-
لنصمتَ قليلا
لنُنْصتَ طويلا
:هاهُم
إنَّّ
وأنّ
وليتَ
ولعلّ
يهرولون إلينا
ونحن
وحيدان وحيدان
*********
توأم الحُلُم
-
أشتهي أن تظلَّ حلما
كي لا أفقدك
ولا أدري لمَ كلَّما(67/413)
لمحتُ عاشِقَيْن ِ
أفتَقِدُك
*********
أمَل ٌ رَمْلِيّ
-
منذ توقدَ حلمُنا
ونحن نكدّسُ أكياسَ الرّمل
ِ على أبوابهِ والنَّوافذ
كم منَ الرّمل ِ
بقيَ في صحاري
الكوْن ..!؟
*********
انتمَاء
-
قدرُكَ أن تكونَ مبتدأ
وقدري أن أكونَ لكَ خبرًا
وقدرُنَا
ألا ّ نكون َ يومًا معًا
في جملة ٍ مفيدة
*********
إلهام
-
ذهبتُ للبحر لم أجد حورية ً
ذهبتُ للحقل لم أجد قمحا
ذهبتُ إلى القصيدة
: وجدتكَ أنتَ
بحرًا وحقلا
*********
ازدواجيّة
-
التجأتُ لكفِّكَ
عَدوًا خلفَ
قمح ِ حَنَان ٍ
فاكتشفتُ أنّها
قادرة ٌ
أيضًا على الصَّفع ِ
*********
إختنَاق
-
أمْلكُ أمَلا
لكن
لا أملك نافذة ً
أ ُطِلُّ منها
عليه
*********
ضَيَاع
-
مَرَّ بِي الأمَلُ
فأبْصَرتُهُ
كَفيفًا
تمَامًا
كَمَا فَرَحِي
*********
صِرَ ا ع
-
يُحاصرُني الحزنُ
فأحاصرُه ُ حتّى آخر رَمَق
حقًا: البقاءُ دومًا للأقوى
-
أحلامُ سِنْدْريِلا
-
لا زالتْ
تمسحُ الغبار َ
وتحلمُ
أن تتحرّرَ
من نصّ أسطورة
ألا تكون مسحورة
أن يُبصرهَا فارسُها
فيهيمُ شوقًا لأنَاهُ
فيما يُشبهُ
الثانيّة عشر ليلا
أو ما يُقارب
*********
الحبر أبقى
-
كَفاكَ عويلا
على حلم ٍمٍَسْكُوب
كَفْكفْ دَمعَكَ
: واكتُبني
الحبرُ أبقَى
مِن الحُبّ
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> أحبكَ.. والبقية تأتي
أحبكَ.. والبقية تأتي
رقم القصيدة : 65337
-----------------------------------
أحبّكَ
يا بعضي وكلّي
ونجم جبيني
أوسع من كلّ مدى
أبعد من كلّ اتجاه
أنقى من كلّ اعتراف
وأكثر حدّة من وابل شجن
أحبّكَ
وأدركُ أنّّي
لا أستطيع الذهابَ إليكَ
مع ذلك سأذهبُ
فقلبك صراطي المستقيم
الذّي عليه سأسير وأسير
حتّى لو كانَ في ذلك
حتفي وحتفك
فأنا أحبّكَ حتّى أقاصي التعب
وأتحدى بك كلّ مقاصل العتَب
فقد أيقظت طائر حُبّ يتيم
اشتدّ به وَهنُ الوَسَن
أحبّكَ
أرضًا خصبة لسنابل الحنين
وأعدُكَ أن نلتقي
كالتقاء جبل بـ جبل(67/414)
ولتتغيّر بعدنا معالمُ الوطن
فللحبّ بقيّة
لا بُدَّ أن تأتي وستأتي
مهما تمهَّلَ
مخاضُ الزمن
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> العَامّ ُ الأوّل على حبّنَا
العَامّ ُ الأوّل على حبّنَا
رقم القصيدة : 65338
-----------------------------------
(1)
حين يُراودني الحزنُ عن نفسي
أهرعُ للبحر ,
أسألُ الرّياحَ أنْ تجري كما يشتهي القلب ,
كي أبحِرَ إليكَ
فالرحلة التي تمتّدُ ألف ميل
حتّى شواطئ الحلم الشهيّ ,
تبدأ دومًا بنبضة :
" أحبّك "
(2)
لا أقلّ من بَحر ,
أهديكَ في مطلع العام الأوّل على حبّنا
فأنتَ أكثر من البحر صخبًا ,
حينَ تعصفُ بصخرة الحلم أمواجُ الغيِرة
فتُخَلِّفَ فيها أكثرَ من ثُقب !
وأنتَ أكثرُ من البحر حيِرة ,
حينَ تستكينُ حروفُكَ كقط ّ قُربَ مدفأة
لتبوحَ بأغلى أسراركَ
(3)
حبيبي
يا وطني ومنفَايَ
ألَمْ تستوطن غرفَ القلب الأربعة ؟
ألم تمحو عن جدران الذ ّاكرة كلّ إسم ووشم؟
ألم تجلسَ سُلطانًا على عرش نبضي
تتحكم بمجرى كُريَات ِ الحُبّ ؟
ألا تكفيكَ كلّ ُ السّجلاتِ التي وقّعتُها
راضيّة ً مرضيّة
في أنّكَ وحدكَ
مالكُ كلّ بقاع القلب؟
(4)
غريبِي
يا أملي ويا ألمي
أما آنَ لقمر حبّنا أن يكتمل ؟
أما آنَ لكَ أن
تنظرَ مليًّا في مِرآة هذا القلب ,
(الذي لا يستحق أن يُصابَ بفقر ثقة)
لن تَرى إنعكاسًا شهيّا
سوى لملامحكَ أنتَ
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> في الرّحيل الصغير
في الرّحيل الصغير
رقم القصيدة : 65339
-----------------------------------
1.
حين تعلِنُ عَن
إقلاعِكَ
عَن قِلاع ِ العَاطِفَة
لترحلَ إلى مَطار آخر وآخَر
كما العصافير الشَّريدَة
لا
تَلْعَنَ تَفاصيلَنَا
الصغيِرَة
فقد كنتَ فُراتًا
قبلَ أن أفتقدك وفي ومضة
صِْرتَ سَرَابًا
وصَارَ سَرابُكَ وحلاً
كثيفًا.. كثيفًا
2.
إرْحَلْ كما أتيتَ مِلحًا
إرحَلْ كَما انتَهَيْتَ صَريرا
كَفَاكَ وُقُوفًا
عَلَى أعْتَاب ِ الذّاكرَة
إرْحَلْ وَدَعْنِي
لا(67/415)
!.. تُوَّدعْنِي
مَا كَانتِ الطُّيُورُ
لِتُسْجَنَ في أقفاص ِ
الغيِرَة
إرْحَلْ لأبْقَى
سُنونُوَّةً طليقَة
مصيرُهَا سَمَاء
حنانُهَا شِتَاء
دَلالًهَا كِبْريَاء
إرْحَلْ لأَتَحَرَّرَ
مِن حُبٍّ
احتَلَّ حُضُوري
كما يحتَلُّ مطرُ حزيران
هَدْأةَ المَسَاء
ارحَل كما أتيتَ صَغيرا
ارحَل كما انتهيتَ صغيرا
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> بداية ُ الحُبِّ حُلُم
بداية ُ الحُبِّ حُلُم
رقم القصيدة : 65340
-----------------------------------
تُرَفْرفُ رُوحُهَا وَتَطِيرُ , لَمَّا
يَفيضُ هديلُ قلبِهِ , تُرَاهَا تُحِبُّهْ ؟
تَصِيرُ سحابة ً وتهيمُ , لَمَّا
يطُولُ غِيَابُ ظلِّهِ , تُرَاهَا تُحِبُّهْ ؟
يذ وبُ حَنينُهَا ويثُورُ لمَّا
يعُودُ لعُشِّ عشقِهِ , تُرَاهَا تُحِبُّهْ ؟
يقولُ أهْوَاكِِ فتصيرُ عِطْرًا
! يفُوحُ شَذاهُ : هيَ تُحِبُّهْ .. هيَ تُحِبُّهْ
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> بِكَ انتهيْتُ
بِكَ انتهيْتُ
رقم القصيدة : 65341
-----------------------------------
لم أخبِر العصافير
الصغيرة عنَّا
فالعصافيرُ كانت
تسكُننا
وهاجرت
حين نحن هجرنا
هديلنا ورحلنا
***
فككتَ حبيبي
أصفادي
ومنحتني هُويّة الدموع
فككتُ حبيبي أصفاد َكَ
ومنحتُكَ حُريَّة الرجوع
لأنّكَ كنتَ وستبقى
صلتي الوحيدة
بالبحار والحقول والشّموع
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> أحلامٌ خاصّة جدا
أحلامٌ خاصّة جدا
رقم القصيدة : 65342
-----------------------------------
أحبّك بالثلاثة
وأحلمُ
أن نقرأ قصيدة
الحُبّ
صباحَ مساء
لتحلّ بنا روحُ العشق
فنحيا مَلاكين
في فردوس السماء
(2)
أحبّك بالثلاثة
وأحلمُ
أن نصعدَ
من بئر الرثَاء
لنغتنم معا
ما تبقَّى
لنا في قصر فرعون
من وعد ٍ
بسنابل وَ لَه ٍ وَثَرَاء
(3)
أحبّك بالثلاثة
وأحلمُ
أن نعبُرَ
نهرَ العَنَاء
لنَعُودَ
إلى أرض ِ العسل ِ
أدْمَث آدم
وأحَنّ حواء(67/416)
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> كُن ربيعًا .. لأحبَّكَ
كُن ربيعًا .. لأحبَّكَ
رقم القصيدة : 65343
-----------------------------------
(1)
لا أريدُ منَ
الآنَ
أنْ تَحلُم َ بكَ
القصيدة
أريدُ
أنْ أحلم بكَ
أنَا
لأنّي لا أرى
الآنَ
سِوا كَ
وبعضًا من حرير
ِ الغَد ِ
(2)
لا أريدُ منَ
الآنَ
أنْ أحدّقَ
في الظلام ِ طويلا ً
يكفيني أن أوقدَ
أملا ً واحدًا
لأبصرَكَ
وأبصرَ النوافذ َ
والمنافذَ
فوقَ جدران ِ الأماني
المتصـ..... ـدِّعَة
(3)
أيّها الحزن
أ ُغْرُب عن
أحلامي
لن تكونَ من الآن
حقيقيتي الوحيدة
فقد سقطتْ
من حقائبِكَ
كُلّ ُ أوراق ِ
الخَريف
س ق ط ت
ك ل
أ و ر ا ق
ا ل خ ر ي ف
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> ثُمَّ ماذا ...!؟
ثُمَّ ماذا ...!؟
رقم القصيدة : 65344
-----------------------------------
ثُمَّ ماذا ...!؟
هل أستجديكَ
بجملة أو شبه جملة
أن تمرَّ ببحري
بعدما مررتَ
ولم تَرَه
فأقفرَ الحُلمُ
من ثاغ ٍ ومن راغ ٍ
وحلَّ موسمُ البُكاء
؟!
ثُمَّ ماذا ...!؟
هل أقَشِّرُ قلبي كبُرتقالة
لأهبَكَ اللُبَّ
بعدما
سقطتْ الأسوارُ
من حول ِ قصرنا
ففرَّتْ خيولُ أفكاركَ
وأطلَّ وطالَ
موسمُ الجفاء
؟!
ثُمَّ ماذا ...!؟
أيُساورُنِي نَدَمٌ
على هجرة ِ طيوركَ
بعدمَا
لمحتُكَ حُلمًا
وحينَ دنوتُ راحَ يَنفينِي
ويُفْنِيِني
وقد كنتَ لوني
وكنتُ لكَ
كلَّ ألوان ِ الرجاء ..!؟
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> رسائلي إلى نجوى
رسائلي إلى نجوى
رقم القصيدة : 65345
-----------------------------------
قبل الاختِناق بدمعة
(رسائلي إلى نجوى_1)
آه نجوى!
النافذة هنا مُشرّعة على ألم..
والريح تعصف بستائر الندم منذ رحيله!
هنا أنا..
وحيدةٌ كما شجرة زيتون على سفح جبل..
أرتدي معطف الذكريات ولا أبحث عن مدفأة..
المطر خفيف ٌ.. مُخيِف ْ..
وفي الغابة على مدى الحلم..
ألف ذئب ما زال يترّصد بسلة أزهاري
يتلهف ليعيثَ فيها نفاقاً !(67/417)
وحدي هنا.. لا أنتظر أحدا..
لا أحد ينتظرني !
لا أحد يستحق الانتظار سواه..
له وحده
انحنتْ سيقان قمحي, التي ضجّت بسنابل الغرور دهرا!
حصدَ شوقي..
ناولني صليبًا من خشب النسيان
وقال: اتبعيني.. فتبعته بفرح , دون أن أتلفت حولي ,
دون أن تشلّني صيحات الغربان على الطريق!
وتدحرجتُ خلفه ككرة ثلجية..
خطوة خطوة في درب الغيرة والحيرة.
تدحرجتُ .. تدحرجت .. وجمعتُ في طريقي كلّ قشّ الخصام.!
ثمّ سقطتُ في أتون الفُراق!
آه نجوى!
هل بقي في القلوب متّسع للحبّ ؟
أما استحالت زوارقنا, أوراقا تبحر في محيط القلق ؟!
أما استحالت عصافيرنا, حبرا لا تغرد إلا على ورق ؟
أيتها الصديقة الحنون,
هل تأتين كل فجر ..
لتضعي ولو وردة جافة واحدة على قبري
لعل مناقير الطيور تهبط.. تحملَها
فلا يبقى من الحلم إلا ذكريات
ذكريات
********
قبلَ أن يُدركنَا فُراق
(رسائلي إلى نجوى-2)
آه نجوى !
هل أقصّ عليكِ أسراري من ياء اليباب
إلى ألف اللقاء الأوّل الشهيّ..
حينَ أدركَ أنّهُ يعشقني...!
بدأ يُبعِدُني عن منهل حنانه..
وهو ُيدركُ أننّي..
كما الفراشة الصغيرة في مهبّ العاصفة.!
لا أقوى مقاومة جفاف النفي عن قلبه.
آه أيتها الصديقة الدافئة ..
الرّوح تهجر الجسد مرّة , وأنا هجرتني روحي ألف ألف مرّة منذ غيابه !
وحده .. كانَ قادرا أن يتمدّد ويتقلص
يثور وينحسر , كما البحر
داخل محارة حواسي!
مرّ بقلبي..
كما التاجر الأنيق.. فاشترى كل منتوجات كياني.. من حنان وحنين
غيرة وحيرة, جنون وظنون..
وحينَ منحته وسام الترقية..
تاهَ في سوق الغُربة!
دنوتُ منه ..
كما سنونوة يصطادها حب استطلاعها للحياة.!
إلى اسلاك قفص .
اقتحمتُ قلبه.. فأبْقَى نافذة مُشرعّة للرحيل..
لكنني رفضتُ أن يُقصيني عن وطن..
أعلنت انتمائي لدفئه.
دنوتُ من حنانه حتّى ثمالة الفرح ..
فراحَ يبتعدُ مرتعدًا..
كقطار سريع ٍ ينزلقُ على سكّة حديديّة مألوفة!
آه يا غالية ..(67/418)
أخبريني بربّك ِما السبيل للّحاق ِ به؟!
أو.. أخبريه أن يتوقف حيث هو..على جسر الشوق..
لآتيه حوريّة ًبحلم ٍحريريّ.
آه يا عمري .. توّسلي إليهِ
أن يتوقفَ حيث هو.. لأدركَهُ قبل أن يُدركَنَا فُراقٌ.. فنندم..!
حيثُ لا ينفع ألم... ولا ندمْ!
********
يحبني..؟ لا يحبني ..! يحبني..!!
(رسائلي إلى نجوى_3)
آه ٍ نجوى ...!
من سواكِ شاهدَ حوريّةً تغرق في بحر العمر !!
تتعلّق بقشّة صبر ..
ويمرّ بآخر خيوط الأمل مركبُ أحلام ٍ فردوسيّة, يعجّ بالملائكة, والأنغام السماويّة ..
فتتدلى يدان لتنتشلا الحوريّة من موجة قهر ..
وتوّقعا على وثيقة انتمائها لقلب
صار أوسع من وطن منذ قررتْ أن تمارس حق اللجوء إليه!
آه ٍ نجوى .. يا رفيقة الكتابة والكآبة ..!
يقولون: (الأقحوان لا ينمو إلا على الأرض.!)
لكنّني شاهدته بساتينا في عينيه..
فأثملني الشذى !
يقولون: (الكروان لا يحلّق فوق الشّمس..!)
وأنا شاهدته يرفرف فوق جبينه..
يغرد على أغصانه, فأثملني الصوت والصدى!
آه نجوى .. يا تربة أسراري ..!
منذ التقى واحدُنا نصفه الآخر والبشر يحيون الجفاف ونحن نحيا المطر..
نبني عُشّ أحلامنا كلّ فجر قشّة قشّة..
ونوقد كلّ القشّ مساءً لنحتمي بالدفء حين يجمعنا حضن واحد..
أوسع من رحم العاطفة!
آه ٍ يا غالية ..
لماذا ..
كلّما قطفتُ في غيابه أقحوانة..
أعرّي بتلاتها بتلةً بتلة ..
أستطلع خفايا قلبِه:
يُحِبُّنِي..!
لا يحبني..!
يحبني..!
تسقطُ كلّ ُ اللاءات
حتّى آخر بتلة!
********
الحبّ كالعمر لا يأتي إلا مرّة
(رسائلي إلى نجوى_4)
آه ٍ نجوى..!
في القلب أكثر من دمعة ..
وأنا عاجزةٌ عن السير عكس اتجاه القلب !
ألم يأتني كعندليب يتحرّش ُ بشجرة..
فاحتويته بين أغصان حناني..!
وحلمتُ أن يحملنا الحُبّ على جناحيه إلى الذُروة..
دون أن نتقهقر كـ (سيزيف..!)
خلف صُخور خيباتنا..
لكننّا تقهقرنا..
مرّة ومرّة ..!
وها هو ..(67/419)
يهددني بنزق طفوليّ بإجهاض جنين حبّنا من رحم العاطفة..
وهو راغبٌ بلبَن حنينِي حتّى الثمالة!
رجلُ البحر هو ..
يعيشُ المتناقضات داخله في حالة توازن خفيّ
تارةً يُنعشنِي بأمواج هادئة
وأخرى يُغرقنِي بثورة صاخبة!
معه تعلمت أن أقرأ نقاط الغيرة قبل حروف الحيرة!
فما بين اندلاع ثوراته الفُروسيّة وعودته الطفوليّة لحضن حنيني..
تضيقُ بي كلّ الآمال ..
فأحمل حلمي على كتفي وأسير حافية في صحارى قتلها العطش!
وكلّما كسر لوحة من الوصايا العشر العالقة بين قلبينا..!
تتناثرُ ال..
تنزفُ الذاكرة.. وينفرط عِقدُ الثقة ..
وفجأة يعود حالمًا نادمًا يستجدي مطر الغفران.!
يمدّ جذوره في تربتي حتّى آخر ذرّة دونما استئذان!
آه ٍ يا غالية ..
زهرة عباد الشمس أنا.. وهو شمسي!
له وحده تشرئِب ُّ بتلاتي وذاتي ..
فهو الذي يمدّ أنوثتي بكلوروفيل الكبرياء!
آه ٍ نجوى ..
الحبّ كالعمر لا يأتي إلا ّ مَرّة ..!
وأنا أحبّه ..حتّى الرمق الأخير..
وأنا أحبّه .. حتّى أقاصِي المستحيل!
********
الآخرون هم الجحيم ..؟!
(رسائلي إلى نجوى_5 )
آه ٍ نجوى ..
كلّ الطرقات ِ التي كانت تُؤدّي إلى قلبي
نبذَتني!
وبقيتُ هنا.. وحدي ..
كصخرةٍ عارية في جوف بحر كفيف!
يضربُني بأمواج ِ العتاب تارةَ وبالجفاء أخرى..
ولا يستكين ..!
أهٍ يا رفيقة أحلامي ..
ما زالت طواحينُ الغدر تدور وتدور..
وطيوري ترفرف حولها بصمت مشلول!
الريحُ عاتية..!
وما من إبحار سوى في محيط الحلم,
مرتعنا الأبدي للأمل..
وربّما.. ربّما.. للجنون !
مُتعبة أنا يا غالية ..!
مُتْعَبَة ٌ من النظر في وجوه فقدت ملامحها
وصارت أشبه بأكواز الصّبار !
متعبة من الصبر على أحلامي المجهضَة !
كلّ فجر أصنع من الأمل خمسة أرغفة..
وأهيمُ..أهيمُ في الطرقات بحثا عن تّنور حنان نقيّ!
أوّزعُ خطواتي هنا وهناك بعفويّة ..
فتتلقفني حفرةُ خصام مُباغتة...
أهوي .. أهوي .. ولا أفيقُ إلاّ(67/420)
وقد أ ُجهضَتْ كلّ آمالي فوق أشواك الوجع.
آهٍ نجوى ..
من سواكِ يدركُ أنّه أيقونة أحلامي ,
وأنّي أحبّه .
كما هو أحبّه .
يجلدني بسياط العتاب... وأحبّه !!
يُجافيني في اليوم ثلاث مرّات وأكثر ..
وأحبّه!
يُجهضني فوق منفى الفراق.. وأحبّه !!
ويأتيني بعد كلّ نوبة جنون
يقول: أحبُّكِ يا صغيرتي..!
وأحبّه !! آه ٍ نجوى ..
أنا في طريقي إلى الجنون..
والجنون ضربٌ من ضروب الجحيم.
الآخرون ليسوا جحيما ..
نحن .. نحن من نصنع لنا الجحيم..!
********
يليق بي أن أفيضَ أنوثة
(رسائلي إلى نجوى_6)
آه ٍ نجوى ..
ها هو الطائر الدوريّ يُدركُ
أنّه أينما هاجر سأكونُ لأجنحته سماءً ,
وأكونُ حضنًا يستوعبُ نزقَ مزاجيتِهِ.
ها هي النجوم ُ تعودُ لتزيّنَ أوراقي..
ها هي سحبُ الوجوم تنقشع من آفاقي ..
آهٍ يا رفيقة أفراحي ..
في قلب العاصفة, رأيتُ النّور !
عبرتِ الطيورُ وألقتْ أغصانَ الزيتون ِ الأخضر
على كتفي المثقل بأكفان همّ أسود, رفعتُ رأسي
إلى السماء, فأبصرتُ أجنحة ً بيضاء تُرفرفُ
على خلفية حمراء وسمعتُ صوتًا كما التهاليل
يقول:
لا تخافي ! رحلَ الفارسُ لكنّ قلبَهُ معك ِ,
فانتظري عودته.
وانتظرتُ ...
ها قد عاد َ ليشيّدَ لي حصنًا يطرح خارج أسواره
كلّ حطب الغيرة والحيرة والحزن المزمن ..
ها قد عدتُ لأشيّدَ له أسرارًا أسطوريّة
في أقاصي القصيدة.
أتدرين يا رقيقة ..
الأصل في الأشياء السكون, ما لم تكُن هنالك قوّة !
وهو القوّةُ التي أيقظتني من سبات "أمرأة الكهف ".
أفلا يليق ُ بي أن أمتلئ دهرًا بالشوق فأفيضَ
أنوثة ً كي أسلّمَهُ مفاتيحَ أحلامي
بعدما عاد عاشقًا مُتأملا غجريّا حالمًا
لكي نبدأ الحكاية
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> حُضُور أكثر مِن عَادي
حُضُور أكثر مِن عَادي
رقم القصيدة : 65346
-----------------------------------
سَآتيكَ كَمَا أشَاء
مَتَى أشَاء.. كَيْفَمَا أشَاءُ
قَدْ آتيكَ فَجْرًا(67/421)
بَعدمَا يُغَادرُكَ حُلمُ أنْ آتِي
وَيَجِفّ هَذَيَانُكَ
فِي انتظَار غُبَار خُطُواتِي
فَآتِي
قَد آتيكَ غُرُوبًا
بَعْدَ أنْ تُعِيدَ الأمَلَ
لِغِمْد المُحَال
فآتِيكَ صُورةً شِعْريَّة
تَروي غُيُومَكَ بِالخَيَال
وَقَد آتِيكَ غُرُورًا
والحَنَانُ في كَبدِ الحُلُم
لأبُُوحَ بِحَنِيني
لمَطْلَع هَذَيَانِكَ الآتي
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> هواجسُ الميلاد
هواجسُ الميلاد
رقم القصيدة : 65347
-----------------------------------
أسيرُ مُمتَلئَة ً ببوحِكَ الشهيّ
بين مئَات ِ الوجوه المُتْعَبَة
المُثقَلة بقَلق
المُهرولة مساءً إلى
شجرة الميلاد , وأنين ِ مدْفَأة
وأدركُ أنْ وَحْدَه قلبَكَ
وطني
**
تعلو ترانيمٌ فيروزيّة
من مُكبّر صوت ٍ
(المجدُ لله في العُلَى)
فيخفق قَلبي
ويردّد :
(وعلى الأرض إحتلا ل
والقلوبُ عَطْشَى للمَسَرَّ ة)
**
تقرعُ أجراسٌ
تشُقّ ُ ضبابَ القدس
كطبول حَربٍ
فأرَى
أشباحَ طائرات ٍ
تنفثُ الحقدَ منَ السماء
وتترنّمُ فيروز
) ثلج .. ثلج
شَتّي خَير وحُبّ وثلج )
فيتراكمَ الهَمّ
في مِذ ْوَد ِ القلب
***
المطرُ خفيفٌ .. خفيف
وعلى درب الالام جياع ُ وعِطَاش
ما زالوا يحاصورن حصارَهم
ويحلمون بنبوؤة السلام
***
ما زال صوتُ فيروز ينخرُ العظام:
( ثلج ...ثلج )
أتَد ثَّرُ
بوَعدٌ وعَهد
أن أبقى طوعَ حبّنَا
مدَى الأحلام
بعدما عَصَفَتْ أمواجُ الحُبّ
بصخور قَلبي
فتَشَظّى
وتَلَوَّى
ثُمّ تَلَى سُورة َ النّور
وسقطَ كما السمكة في بحْر كَ
راضيًا مَرْضيّا
***
غريبي
أيُّها القابعُ في ثَلج ِ الشّتات ِ
كلّ ليلة تكون فيها شهريَاري ,
تُنْصِتُ لحكايَاتي
المريرة النقيّة
عن جفاف ِ منفى ووجع ِهُويّة
إلى أن أحْتّلَ عَرْ شَ
عواطفِكَ
هي َ .... هي َ
ليْلَة ُ الميلاد
2003
شعراء العراق والشام >> ريتا عودة >> ومضات
ومضات
رقم القصيدة : 65348
-----------------------------------
غياب
-
كالنهر
الذي فرّ
من مجراهُ
أنتَ(67/422)
كالسكة
التي غادرها
قطارها
أنا
*********
صرخة
-
إلى متى
يظلّ الإنسانُ الصادقُ
ضميرا مستترا
وتظلّ الأقزام
المشبّهة بالأفعال
تنصب وترفع
ما تشاء
متى تشاء..!!
*********
انعتاق
-
أكون لكَ
سنونوّة
حينَ لا تكون
ليَ القفص
*********
قبل ميلادى وُلدتُ
-
هل أتاكَ
حديثُ عشقي
أنْ...
منذُ الفجر الأوّل
ِ لميلاد ِ حزن
ٍ من حزن
ِ والعُميُ يُبصرونْ
والعُرجُ يسيرونْ
والعشّاقُ
يتناسلونْ
نجومًا
على جبين ِ
القمرْ ..؟!
*********
كروانُ
-
دثِّرنِي
قمِ الآنَ الآنَ
بحبِّكَ
زمِّلنِي
كنْ خرزةً زرقاءَ
على جبيني
كُنْ
بخورًا مغربيًا
في محرابِ
أنيني
كنْ حارسًا فرعونيًا
على بابِ
أمنياتي
وكاهنًا دمشقيًا
يستقبلُ بفتور ٍ
كلّ اعترافاتي
*********
شتاءُ ريتا
-
لا ...
تستعجل الطعنة
لا...
توقظ الجوعى
لفتات حقد
لا ترقص
الفالس ولا
التانجو
نخب شتاء ريتا
الأخير
ما زال يا صاح
في القنديل الدري
زيت ،
ما زال فيه فتيلْ
*********
ولادة
-
بين الفكرة والورقة
حبلُ سريّ
لا أتخلص منه
إلاّ حين أتأكد
من سلامة المولود
*********
أسطورة
-
يا لهُ
من فجر ٍ عظيم
فقد استيقظ
َ المجنونْ
ليبصرَ:
أميرة ً تتهادَى
كغزالة ٍ شاردة
على سفح القمر
تحملها الملائكة
في موكب
ٍِ أسطوريّ
وتزفّها
آمرة ً ناهية
على قلبه
.
.
.
قبره
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن علوان >> قالت سأمضي
قالت سأمضي
رقم القصيدة : 65349
-----------------------------------
قالت سأمضي ..ولم أدرك حقيقتها
هذي التي أغرقتني في حكاياتي !
كنا ننقب في كهفين واتسعت
أنبوبة الليل .. فابتلعت متاهاتي
غافٍ أدبُّ ونصف الشاي منسكبٌ
على ذراعين من بوحٍ .. وإنصاتِ
كل الكلام وحوشٌ .. لستُ آلفها
تعضُّني كلما فاحت كتاباتي
كأنما الجوع يطويني ويرمقها
كأنما هي حاجاتي .. وغاياتي
كأنها شهوةٌ ما زلتُ أحبسها
كأنها مومسٌ ضاقت بشهواتي
جفت يدي فوقها ..والموسم اختصرت
منه السنابلَ آلافُ الجراداتِ(67/423)
دارت برأسي قواميسٌ بأكملها
وما انتقيتُ سوى بعض النفاياتِ
أكلتُ أظفار أظفاري وما خلعت
عنها لباساً وما حفلت بعوراتي
قلبي يموء مواءً تحت أرجلها
ومزَّقت كلَّ أوراق الشفاعاتِ
لعل هذا السكوت الصعب ينفضني
فيسقط الحرف من جيبي ومشكاتي
قالت سأمضي.. وضوءالصبحِ يرقبها
واستعجلت خطوها المتكبر العاتي
راحت .. وما وقفت بالفقر في ورقي
والعيِّ في شفتي .. والجوع في ذاتي
كأنما هي تعطيني حقيقتها
هذي التي أغرقتني في حكاياتي !
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن علوان >> كتابةٌ خارج المشيئة
كتابةٌ خارج المشيئة
رقم القصيدة : 65350
-----------------------------------
نزولاً على وحدة الروح،
لن يفهم القفل ماذا فعلتُ
ولكن نفضْتُ التعاليمَ
وانكَسَرَت في فراغي الخطيئة
وقاسمتها..
لو تماديتِ في الشرخ سوف
أقول كلاماً كثيراً،
يُلَعثِمُهُ الصمتُ،
فانحسري..
ليس في حجرة الحبر متسعٌ للكدرْ !
دعكتُ فمي بالغبار،
وقلتُ صلاة الهزيمةِ،
فانتقلت كلُّ ذراتِ روحيَ
حسبَ الطقوسِ
إلى حيث لا تحتويني مشيئةْ !
.
.
.
ولا يرتمي في طريقي..
قَدَرْ !
** ** **
نزولاً على قسوة البوحِ،
رحتُ أراجعُ ما سجّل الصمتُ
لي من خدوشٍ،
وما صادرته يدُ الأقوياء..
على السطرِ..
((كل الفواجع مرصودةٌ حسب تاريخ شنقي بها !))
يالدقَّةِ حزني !
أراجعُ:
((كل الهزائم شاخصةٌ في انتظار البكاء))
وماذا تبقّى !
أسائلهُ
حين أرتاحُ فيك،
أتعرفُ شيئاً عن المشي
فوق تراتيل كاهن موتيَ
كل مساءْ !
أتعرفُ شيئاً عن الجوع،
أو عن طقوس الحجامةِ،
أو عن طريق الذنوب من الأرض
حتى السماءْ
أتعرف كيف تلامس
قعر الخراب الذي في دمي
دون أن تتراجع في
داخلي..
الكلماتُ/الشرانقْ !
وكيف تعلّقني
في فضاء الحقيقة.. مثل الدقائقْ !
تجردني من خيوط اضطهادي
القديمِ،
على مهلٍ..
.
.
حيث لا تحتويني مشيئة..
.
.
ولا يرتمي في طريقي..
.
.
قدرْ !
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن علوان >> طفلة
طفلة(67/424)
رقم القصيدة : 65351
-----------------------------------
لمي أوراقكِ .. وابتعدي
أنا لولا إحساسي أنكِ
لكنَّكِ أسرفتِ كثيراً
مرَّت أيامكِ .. وانقضتِ
بغبائكِ ضيَّعتِ البيدق
وسلكتِ طريقاً شائكةً
وامتدَّ الليل وما وُلِدت
ما هذا الحب ؟.. أواثقةٌ
نحبسه بين الكلماتِ
لا حبَّ سيبقى مختصراً
لو كنتُ أفكر تفكيركِ
أنا عشقي ليس ريالاتٍ
لو أعشق .. تختلف الدنيا
تتحوَّر كلُّ الأشياء
لا تقفي من خلف جدارٍ
ماذا أعطيكِ ؟ .. وذاكرتي
أأمرَّرُ قلبي من ثقبٍ ؟!
لا بد لبوحي من ثمنٍ
يقرأني من شاء وير
لا أعلم كيف ستمضين
أظننتِ بأنكِ لو نزلت
أنا قصة شوقٍ أولها
فتواري عني ما دامت
فأنا تحليقي علويٌ
من تدخل في الدنيا بحري
في وجهي .. وتضيع القِبلة
تتحوَّر كلُّ الأشياء
وترتجف الأوراق .. لوهلة ..
لا تقفي من خلف جدارٍ
فغرام الجدران مذلَّة
ماذا أعطيكِ ؟ .. وذاكرتي
صمَّاء .. وروحي محتلَّة
أأمرَّرُ قلبي من ثقبٍ ؟!
أو أركم حزني في سلَّة
لا بد لبوحي من ثمنٍ
يعدله ! .. أنا لست مجلة ..
يقرأني من شاء وير
ميني - إذ يغفو- حوله
لا أعلم كيف ستمضين
بأعماقي .. ومياهكِ ضحلة !
أظننتِ بأنكِ لو نزلت
أمطاري .. تكفيكِ مظلة ؟
أنا قصة شوقٍ أولها
الإعصار .. وآخرها الظُّلَّة !
فتواري عني ما دامت
أفكاري تبدو منحلَّة
فأنا تحليقي علويٌ
لا يفهمه .. إلا قلة !
من تدخل في الدنيا بحري
لا تخرج إلا مبتلة !
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن علوان >> آخر الأخبار عني
آخر الأخبار عني
رقم القصيدة : 65352
-----------------------------------
آخر الأخبار عني يا صديقْ
لم يزل صدقي متاهاتي التي تستنزف العمر الشفيقْ
مبدأي في الأرضِ إحساسي ..
وإحساسي نقيضٌ موغِلٌ في السُّكْرِ ..
لا أصحو على ما جدَّ من بؤسي لديه
ولا أفيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
لم يزل في الروحِ نحَّاتانِ من وجْدٍ .. وضيقْ
لم يزل بحري الذي أغرقتُ فيه الصمت مخنوقاً بتذكار المضيقْ(67/425)
لم يزل دهري الذي أخشاه نخاساً ..
وأحلامي رقيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
نمتُ قبل الأمس محموماً ..
ولم يحدث ، طوال العمر ، أني دون عينيها .. أفيقْ !
قاءني صمتي ..
وجاع الجوع في جسمي ..
وراحت آكلاتُ الجلد تستلقي
على تلك الحروقْ
آخر الأخبار عني يا صديقْ
هاتفتني قبل أسبوعٍ فتاةٌ تدَّعي
أني على وصلٍ بها ..
"ربما كانت هيَ !
ربما أني نسيتُ النبرة الحسناء
والصوت الرقيقْ !"
قلَّبتني فوق شكِّي نصف أسبوعٍ
ولم ترجعْ ..
وألقتني على الأمل المعرَّى كالغريقْ
حلم بحارٍ بكف الرملِ مغشياً عليهِ
يسفُّ أصدافاً ..
ويهذي ..
ذات ملحٍ .. أستفيقْ !
كان حولي كبريائي ..
بضع أشلاءٍ ..
وأصداءٌ ..
وبروازٌ عتيقْ !.
آخر الأخبار عني يا صديقْ
جابني الحزن بلاداً ..
وجسوراً .. وبيوتاً ..
وجحوراً .. وشقوقْ !
سائحاً في الروح وحده ..
لم أجرِّب كيف أستقبل حزناً
جاء من دون رفيقْ !
في زقاق الصبح أمشي
مثل طعم الفقر في حلق الطريقْ
أبلع الأوجاع ريقاً بعد ريقْ
أقتفي الشمس التي تنحلُّ ..
أرميها ..
فتهوي في يدي الرعناء ..
مصباحاً له بؤس البريقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
أصبح الشعر ارتجافاتٍ من العهد الصفيقْ !
قطعةً من كهرمان العمر ولَّتْ
عقدُ هيفاءٍ .. تخلَّتْ
وجه طفلٍ طاعنٍ في البؤسِ ..
في ثوبٍ أنيقْ !
لم يعد عندي مراجيحٌ له ..
لم يعد في كفي العجفاء إلا إصبعاً يقتات من جرحي العميقْ
صرتُ ألقيه بجوف الدفتر
المهجور أياماً .. فلا يدري ..
أماسورٌ خيالي .. أم طليقْ !
آه .. هذا الطفل أعياني ..
ولم يكبر ..
ولم يفهم ..
ولم يفتح لأحلامي سوى نصف الطريقْ
بعته حتى أنامْ ..
واشتراه العابر المخدوع من حولي ..
بقرصي فاليومٍ للنوم ..
للصدغِ الشقيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
راودتني النفس عن ألبومها المخبوء في الدرجِ العميقْ
كان ليلاً ناعباً بالدمعِ مشقوق اللسانْ
مصَّني .. كالأفعوانْ !
أفرغ التذكار سماً في العروقْ
صورةٌ أخرى ،(67/426)
وما خانت وفاء العهد عند الله منها .. للشروقْ
الجبين القاهر الغلاَّبُ ..
والخدُّ الموشَّى بالبريقْ
صورةٌ أخرى ،
أرتمي في بوح عينيها
ويعدو في حنيني ..
مهرجانٌ من عقيقْ
صورةٌ أخرى ،
وأخرى ،
ثم يبدو العاشق الليليُّ
مقتولاً على ذكرى عشيقْ
آخر الألبوم يطويني ..
وتلك النظرة النجلاء ترميني ..
وتلقيني على جمري العتيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
أشتهي يوماً ..
صباحاً ناعماً في الحزن ..
مخبوزاً على تنور عينيها البعيدْ
أشتهي يوماً ..
لعاب النوم في فيها ..
وذاك البن يذكي روحها البيضاء في الكوب الوحيدْ
أشتهي ..
تاريخنا في الحب ..
لا عتبى تنافي طعمه الأشهى ..
ولا ذكرى تعيقْ
أشتهي ..
تحريفنا في اليوم ..
لا قيدٌ ..
ولا عُرفٌ ..
ولا قانون في الدنيا .. ولا عهدٌ وثيقْ
أشتهي ..
كلْماتنا الصغرى ..
وتلك اللكنة العوجاء .. والحرف الرقيقْ
أشتهي
أسلوبنا العفْويَّ
في التدليل ..
والتزوير في الأسماءِ ..
والأشياءِ ..
حتى .. نبلغ المعنى الدقيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
صار صوتي كائناً من صرخةٍ شوهاء
جاءت .. كالنقيقْ !
ضفدع الحزن أنا !..
مستنقعي وهمي ..
وتحتي ..
طحلبُ الدنيا .. يضيقْ !
كلما أوغلتُ في الإيمان عاد الشك يغويني ..
طريقاً في طريقْ
كلما قدَّمتُ للأوطان قرباناً
تراءى داخلي منفى .. وأغراني رفيقْ !
منذ أن راحت جراح الغيب تسري
في دمي ..
من ذلك اللوح العريقْ
منذ أن أيقنت أن الرغبة الصعلوكة الحمقاء
ميلادي ..
ومشواري ..
وإيقاعي الشقيقْ
لم أفكر أيَّ ثوبٍ سوف يرفو كل عُريي ..
كان بحثي يا صديقْ ..
عن بكاءاتٍ تليقْ !
شعراء الجزيرة العربية >> سعاد الصباح >> قصيدة حبّ إلى سيف عراقي
قصيدة حبّ إلى سيف عراقي
رقم القصيدة : 65353
-----------------------------------
انا امرأة قررت ان تحب العراق
وان تتزوج منه امام عيون القبيلة
فمنذ الطفولة كنت اكحل عيني بليل العراق
وكنت احني يدي بطين العراق(67/427)
واترك شعري طويلا ليشبه نخل العراق
انا امرأة لا تشابه اي امرأة
انا البحر والشمس واللؤلؤة
مزاجي ان اتزوج سيفا
وان اتزوج مليون نخلة
وان اتزوج مليون دجلة
مزاجي ان اتزوج يوما
صهيل الخيول الجميلة
فكيف اقيم علاقة حب
اذا لم تعمد بماء البطولة
وكيف تحب النساء رجالا بغير رجولة
انا امرأة لا ازيف نفسي
وان مسني الحب يوما فلست اجامل
انا امرأة من جنوب العراق
فبين عيوني تنام حضارات بابل
وفوق جبيني تمر شعوب وتمضي قبائل
فحينا انا لوحة سومرية
وحينا انا كرمة بابلية
وطورا انا راية عربية
وليلة عرسي هي القادسية
زواجي جرى تحت ظل السيوف وضؤ المشاعل
ومهري كان حصانا جميلا وخمس سنابل
وماذا تريد النساء من الحب الا
قصيدة شعر ووقفة عز
وسيفا يقاتل
وماذا تريد النساء من المجد
اكثر من ان يكن بريقا جميلا
بعيني مناضل
++++++++++++
سلام على ذكرياتي بشط العرب
سلام على طائر الماء يرقص بين القصب
سلام على الشمس تسقط فوق مياه الخليج
كاسوارة من ذهب
سلام عليه ابي وهو يهدي الى بعيدي
كتاب ادب
سلام على وجه امي الصبوح كوجه القمر
سلام على نخلة الدار تطرح اشهى الثمر
سلام على قهقهات الرعود
سلام على قطرات المطر
سلام على شهقات الصواري
وحزن المراكب قبل السفر
+++++++++++++++++
عراق عراق
اذا ما ذكرتك اورق في شفتي الشجر
فكيف سألغي شعوري ؟
وحبك مثل القضاء ومثل القدر
++++++++++++++
انا امرأة قررت ان تحب العراق
لماذا العراق ؟
لماذا الهوى كله للعراق ؟
لماذا جميع القصائد تذهب فدوى لوجه العراق ؟
لان الصباح هنا لا يشابه اي صباح
لان الجراح هنا لا تشابه شكل الجراح
لان عيون النساء تخبيء خلف السواد السلاح
لماذا العراق ؟
لماذا تفيض دموع المحبين حين يفيض الفرات ؟
لماذا شناشيل بغداد تختزن الكحل والذكريات ؟
لماذا المقام العراقي يدخل في قلبنا من جميع الجهات ؟
لماذا الصلاة امام ضريح علي
تعادل الف صلاة ؟
+++++++++++++++(67/428)
لماذا تقاتل بغداد عن ارضنا بالوكالة
وتحرس ابوابنا بالوكالة
وتحرس اعراضنا بالوكالة
وتحفظ اموالنا بالوكالة
لماذا يموت العراقي حتى يؤدي الرسالة
واهل الصحارى
سكارى وما هم بسكارى
يحبون قنص الطيور
ولحم الغزال ولحم الحبارى
لماذا يموت العراقي والاخرون
يغنون هندا وستعطفون نوارا؟
لماذا يموت العراقي والتافهون
يهيمون كالحشرات مساء ويضطجعون نهارا ؟
لماذا يموت العراقي والمترفون
بحانات باريس يستنطقون الديارا؟
ولولا العراق لكانوا عبيدا
ولولا العراق لكانوا غبارا
++++++++++++++
يقولون
ان الكتابة اثم عظيم
فلا تكتبي
وان الصلاة امام الحروف حرام
فلا تقربي
وان مداد القصائد سم
فلا تكتبي
فاياك ان تشربي
وها انذا
قد شربت كثيرا
فلم اتسمم بحبر الدواة على مكتبي
وها انذا
قد كتبت كثيرا
واضرمت في كل نجم حريقا كبيرا
فما غضب الله يوما علي ولا استاء مني النبي
+++++++++++
لماذا احب العراق لماذا
ايا ليتني قد ملكت الخيارا
الم تك بغداد درع العروبة
وكانت امام المغول جدار؟
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن علوان >> صداع
صداع
رقم القصيدة : 65354
-----------------------------------
وقلتُ :
(( إذا ارتادني هاجسُ البوحِ يوماً ..
أنادي عليكْ
أضمُّكَ في غرفة الغرباءِ .. وأبكي ،
كأني تلاشيتُ من دفتر البؤسِ يومَ
التقى كتفانا ..
وبحتُ ! ))
تلعثمتُ في دفتري ساعتينِ ،
شممتُ على الورقِ المستبدِّ
روائحَ ما بَعَثتها يديْ !
وما بَرِحَ الخوفُ يلقي أمامي جَزُورَ الكتابة !
وكان طريقي اضطهاداً طويلاً ،
يمصُّ الدقائقَ من موعديْ
جلستُ على آخر السطرِ
أحصي خرافي ..
وأحملُ في داخل الجرحِ ذاك الثغاءَ الأخيرْ !
ومن أول الجوع ِ
مارستُ قبل اكتشافِ الحقيقةِ
رعيَ الكلامْ !
ومن أول الإحتقانِ تعلمتُ ،
قبل اختراع الكآبة ،
كيف أرشُّ الدموع لترطيبِ همي ،
وكيف أداعب خدشَ المرارةِ في داخلي
كي أنامْ !
وها أنتَ ذا جئتَ تصفعني(67/429)
لتغيِّر فوق الملامح هذي الرتابة !
ها أنت مؤتزراً بالشتاتِ
أتيتَ لتفرض فوضاكَ ،
أهلاً ..
وسهلاً ..
ركامَ الركامْ !
تعال احترق هاهنا في بقية
مدفأتي قبل أن يسرق السهد
ما ظلّ من حفناتِ الرمادْ
يقولون إن الرماد على الحزن
مثل الظلال على السفحِ ،
مثل النحيبِ على الحلقِ ،
مثل الحنينِ على عتباتِ البيوتِ القديمة ،
مثل المناديلِ .. فوق الزكامْ !
تعال ارتجف ها هنا ،
بعضُ جلدكَ يرقص من ضجة القلبِ ،
أعلمُ هذا ..
وأعلمُ أنكَ آخر خدشٍ يوقِّعه
فوق جلدي الزحامْ
تعال .. تعال ،
وأفرغْ على الجرحِ قِطْراً
فلن ينقبوه سوى حين يأذن ربي
لقيحكَ أن يفسد الذاكرة !
تعال .. اتكئ فوق رأسي ،
وقاوم مؤامرة الصمتِ فوق جبيني ،
لئلا يؤممني الغير ذات هجوعٍ ،
وأنسى الكلامْ
تعال احتضر ها هنا ،
في فراغي ،
كضوءٍ قديمٍ
تلوّى على دكّة الليل ،
ثم هوى ميِّتاً .. في الظلامْ
تعال انتفض ها هنا ..
يا صداعي ..
ومت في سلامْ !
* * * * * *
تعيساً ..
أشاهدُ وجه الجدارْ
وفي داخلي ألفُ طبشورةٍ
تستعدُّ بغبنٍ لهذا الحوارْ !
(( أنا يا إله الأماكنِ
أكره كالموتِ هذي المدينة !
أنا أكره الجرعاتِ المقيتةِ منها ،
تسافر في شريان عيوني ،
تسمِّمُ ذائقتي ،
تترسّبُ مثل الدهون القبيحةِ
في قعر عقلي ..
وأكرهها حين تزحفُ نحوي
برائحة الجوعِ ،
تقتحمُ الروح قسراً وتأكلُ
في عشِّ رؤياي ..
بيضَ السكينة !
أنا أكره المشي في
وسط أحشائها ،
ليس عندي طقوسٌ من الغثيان
بحجم حقارتها !
ليس عنديَ قيءٌ بطول سنيني
لأغسل هذي الدهاليز في جوف
صدريَ من لعناتِ قذارتها !
أنا يا إله الأماكن بذرة بؤسٍ
رمتها الطيور هنا .. خطأ ً ..
وسقاها بصاقُ المشاةِ ،
لتنموَ بين الرصيفِ
وبينَ الطريق ،
وتأكلَ من غمغماتِ العبورْ
أنا قملةٌ سقطت من ضفيرة
بنتٍ يتيمة !
لها والدٌ دون قلبٍ ..
وأمٌ .. ولكن بدون أمومة !
أنا بثرةٌ وسط حقل بثورْ
أحاول أن أتعامد مع مستوى
القبحِ لكنني عاجزٌ عن ممارسة(67/430)
الواقعيةِ في السِرِّ ..
دون حضورِ الحضورْ !
أنا يا إله الأماكنِ عندي جوازٌ
عبرتُ به من حنينٍ لآخرَ
لكنه ظلّ دون ورقْ !
وعندي ملامح وجهٍ
بلا سمةٍ ،
تتغيّرُ كل مساءٍ .. بفعلِ القلقْ !
وأيقنتُ أن المكان هنا
لا يؤرشفني جيداً ..
مثلما لا يؤرشف أيُّ الأماكن
سقْطَ الهوامشْ !
توترتُ ،
وامتزجت داخلي الأمنياتُ
مع اللعناتِ ،
وحاولتُ أن أستفزّ دمي
دون جدوى ..
أنا يا إله الأماكن جداً
فقيرٌ ، ومنذ شهورٍ وكل ُّحروفيَ
لم تستلم راتباً واحداً من دميْ ! ،
كيف أكتبْ ؟
وما زلتُ دون اقتناعٍ
أعلِّلُ من ظلَّ منهم بأن
القصائد سوف تجيء غداً ..
والكتابة في حفرة الكبتِ
تخرج أقوى ..
وأمضى ..
وأرقى ..
ومن ظلَّ حتى غدٍ سوف
يعرفُ كم كنتُ أكذبْ !
أنا يا إله الأماكن
لونٌ تسلّل في طيفه
الموتُ ، ما زال مرتهناً بالغبار
على سطح لوحته الواهنة !
إذا شدَّني الليل فوق
صليب شجوني غليتُ السكوتَ ،
لأنثر من فوقه حفناتٍ من الدمع
أكنسها من رصيف السجودِ ..
وأكسر عودين من حسرتي ، ثم
أدهن جسمي ..
وأسمع حين أنام شجاراً على
سطح جلديَ بين التمرد .. والمسكنة !
أنا ليس تدخلني الأدوية ..
كما أنني ، يا إله الأماكن ، لست
أزور مكاناً سوى لأزيد على
حرقتي الأمكنة ! ))
* * * * * *
أنا ..
وأنا ..
ولعلمكَ : عمري إلى الآن
خمسون ألف حصارْ !
وفي داخلي يتشظَّى الفلاسفة
السائرون إلى حيث ترشدهم
في المتاهاتِ أنفُ العصا .. أو يلوِّح
في أفْقِهِم قبسٌ للنهارْ
لحاهم مبللةٌ بشكوكي ،
وظلّوا طوال الطريق جياعاً ،
وما أطعمتهم عروقي سوى طلحةِ الإنتظارْ !
لعلمكَ : عقلي إلى الآن ليس
يميز بين الشهية .. والإشتهاءِ ،
وبين النهاية .. والإنتهاءِ ،
ولا يتخيل شكل "اتخاذ قرارْ" !
فلا تندهشْ ، وتأمل ورائي ..
عشر سنينٍ .. طفولة ..
وأخرى ..
كهولة !
أين من العمر أجلس
في هدأةٍ لأقشِّر جوز الظنونِ العنيدة !
لعلمكَ : لم يبق عنديَ ثوبٌ
لأرقعه بالنصائحِ ..(67/431)
لا بابَ حوليَ للطارقينَ ،
ولا دربَ فوقيَ للسالكينَ ،
فوفِّر من النصح واجلس ندخِّن سوياً ..
أو ارحل ..
فلم يبق إلا لفافة تبغٍ وحيدة !!
* * * * * *
لماذا ترى يكتبون الوصايا ؟ ،
وهل هو أسلوبهم في مغايرة الموتِ ؟ ،
أم هي آخر نقلاتهم فوق رقعةِ
أرضٍ ستخلو غداً منهمو ؟ ،
أم ترى كان حقاً .. حسدْ !
لماذا ؟ ، وقد كان أولى
بتلك الوصية يومُ الولادة
لا يومُ يرتحلون ،
ترى أي معنى لرغبتهم بعد ذلك ! ،
كم كنتُ مشتبهاً بالسؤالِ ،
وتطردني طرقات الإجابة !
ويوم ولدتُ
كتبتُ بماء الصراخ وصية عمري ،
وعشتُ ولم يحترمها أحدْ !
مارستُ نفسي هنا
أتأمل خلف المكانِ ،
وأقلبُ ذاكرتي مثلما يقلب الطفل
حصالة المال بعد شهورٍ ،
أفتِّشُ جيباً قديماً ،
وأفتحُ درجاً عتيقاً ،
وأبحثُ ..
ما زلتُ أبحثُ ..
منذ قرونٍ ..
وحتى الأبدْ !
وقد كنتُ أجلس في كل مقهى ،
وأدخل في كل بيتٍ ،
أجوب الشوارع كالحشراتِ الحبيسة
تبحثُ عن منفذٍ للخروج ،
وعن فرجةٍ لتمرر منها طعام الشتاءْ
وكلَّ اصطدامٍ جديدٍ
أفيق بكاءً ..
أفكِّر في أي أنموذجٍ لأركِّبَ
روحي الحزينةَ فوق تراب الجسدْ !
تجاهل فمي حين يغدو كلامي
نقيعاً من البؤسِ ،
لكن تفهَّمْ ،
فلن أتحامل وهماً على الغير ،
لن أتعارك مع صنم العمر
من أجل مجتمعٍ خانقٍ .. وبلدْ !
فما هكذا تتجلّى حياتي ،
وما هكذا يتهيأ صوتي ،
ولكن إذا شئت قل : إنني
عاشقٌ مضطهدْ !
* * * * * *
ترى أيُّ شيءٍ تبقى لنا ؟
لماذا مشينا بكلِّ اتجاهٍ
ولم نمش ، لو مرةً ، نحونا !
تراك تميِّز طعم الفصول
إذا نمتَ في وسط البوصلة ؟!
تراك تحسُّ بلون الرياحِ
إذا كان جسمك صندوقَ شمعٍ
ووجهك نافذةً مقفلة ؟!
تراك تراقب أوركيدة العمر
في غسقٍ غارقٍ في الهواجسِ ،
تغسل صوتك في جدولٍ غمست
فيه بنت الرؤى رجلها ..
وطفت فوقه الروح
نرجِسةً مستحيلة !
تراك تحمّست يوماً لتختار
أطول سنبلةٍ في الحقول ..
وتحملها مثل فرشاة رسمٍ ..
وتعبر فوق المساء ..(67/432)
وفوق الكلام ..
وفوق القبيلة !
تراك اتكأت على خصر أنثى ،
ونمتْ ..
وكان من النور أن بايعتكَ
النجوم نبياً لها ..
واعتذرتْ !
تراك تخيلت يوماً جمالاً كبيراً ..
وكانت عيونكَ أضيق مما تخيلت
فانسكب الماء منها ..
تراك سعيت لأنبوبة الأغنيات
التي تنتهي بالغيوم ،
وكنتَ مهيضاً بفرحك ..
فابتعدت خطواتك عنها !
لأنك من سطوة الحزن
لا تستطيع التآلف مع
حالة واحدة !
.........................
.........................
آسفْ !
هذيتُ طويلاً !
ولا شئ متَّسقٌ مع دروب الخواء !
هنا كلُّ سهمينِ عكس اتجاهيهما
يرحلانِ ..
كأن الصداع .. غريزة !
ومنحنياتُ انطفائي تكنِّسُ
في النفس حلم الرضا ،
والممرَّ العريقَ ،
وتطفئ نار الطموحِ المهيبة !
.
.
.
.
.
أغْلقْ حنيني وراءكَ ..
وارحل .. لعلي أنامْ
لقد نزفتني إلى الموتِ هذي القصيدة !
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن علوان >> فوبيا
فوبيا
رقم القصيدة : 65355
-----------------------------------
مرَّت
كطوقٍ من الأمنياتِ
على رسغ روحي،
وذاكرتي صائغٌ أشيبٌ
لا يموتُ ،
ضحكتُ ! ،
وكان الليل يشمٌّ الأرضَ ،
كطفلٍ يحبو !
هذي المرأةُ
مازالت تسكن مثل الرعشةِ
في تجويف الأعصابِ ،
وكادت أن تجعلني أحزنْ !
كادت أن تجعلني ..
أحزن !!
وأنا منذ سنينٍ
أبلعُ حبّاتِ النسيانِ ،
ويؤذيني
هذا الغثيانُ اليوميّ ،
وهذا البلعُ الصعبُ !
لكن أ ُشفى ..
والقلب الأعرجُ يمشي منذ شهورٍ
فوق امرأةٍ أخرى ..
والرجفةُ حين توقفتُ على صورتها
مصدرها بعض شظايا الحلم المكسورِ
وليس الحبُّ !!
أضحكُ حين أراها
تقفز من جوف الصورةِ ..
تبحث عن جذوة شوقٍ
في ماضينا ..
راحت
تخبو ..
تخبو ..
تخبو ..
* * * * * * * *
هذي الصورة كانت تجلس
فيها مثل ملاكٍ يتدلى من
من غصن النور ..
ويسقطُ في خفرٍ ..
وجمالٍ ..
وجلالْ !
كادت أن تجعلني أحزنْ !
هذي الصورة تتأملني
فيها كحصانٍ مكسورِ
الساقين ، ومنغمسٍ
في الضجة ..
والفوضى ..(67/433)
وهوان اللهفة .. والترحالْ !
هذي الصورة تتملَّقني
كي أتذكَّر عهدَ الدانوب
المزرقِّ ..
ودقَّاتِ اللغةِ الضوئية !
هذي تسألني بعض الدمعِ ،
وبعض الفهمِ ،
وبعض الحُلمِ ،
وأشعر أني أتفاوضُ
مع حزنٍ .. محتالْ !
هذي الصورة تشكو فيها
أن البرد أغار على الشفتينْ
وأنَّ الجسم البلوريِّ المتشكِّلِ
من نسغ الجناتِ
تدمَّر من حملينْ !
هذي الصورة تخدشُ فيها
صمتي ..
تكشفُ عن نهدين من البابَوْنَجِ
كانا .. قُوْتي !
تكشفُ عن بطنٍ مهجورٍ
غابت عنه مياهي ..
فاستنقعَ ..
صار مليئاً بالأقزامِ ..
وبالأوحالْ !
ها هي تبكي ..
تقذفُ أحطاباً بلَّلها النسيانُ
على مجمرةٍ كانت دفءَ العمرِ
وصارت تخبو ..
تخبو ..
تخبو !
* * * * * * * *
وَقَفت مثل السهم الناريِّ
على حافَّةِ وجعي !
يخرجُ من صورتها ذاك
الحسن السامُّ ،
وتلك النظراتُ الكيميائية !
كم عشتُ سنيناً لا أتحمل
هذا الألبومْ !
فوبيا التذكار المحمومْ !
كم عشتُ سنيناً لا أتحمل
حتى أسماءً تشبهها ..
أو طرقاتٍ كنا في الخفية
نسلكها ..
ونسافر عكس الكونْ
بشرتها البيضاء تجوبُ
عيوني مثل الغازِ ..
وتخرج من شريانٍ ..
نحو الثاني ..
نحو الثالث ..
نحو الأوجاع المنسية !
كادت أن تجعلني أحزن !
وأنا أتظاهر أني مشغولٌ
بالأوراقِ ..
وهذي الأوراق رأتني
أدفن طفل حنيني عمداً
في الأعمال الروتينية !
أفتح أغنيةً صاخبةً ،
وأغافل حزني في دهليز الضوضاء
ليَفقدني ..
أخلقُ فوضى ..
أشربُ كولا ..
أنفخُ في العلكِ
وأصنعُ بالوناتٍٍ عشوائية !
أفصلُ عن ذاكرتي التيَّار ،
وأقطع ذاك الضوء الغوغائي
المجنون ..
وأتركه ..
يخبو ..
يخبو
* * * * * * * *
في مظروفٍ أبيضَ
راحت خصلتها تتهالك
كي تفتح جرحي ..
تلقي أسوَدَها في وجهي ..
تصرخ .. خذني !
كادت أن تجعلني أحزنْ !
وأنا أتذكر كم دائرةً
رسمتها هذي الخصلات
بحضني !
ماذا تفعل هذي الخصلة
بعد رحيل الخصلاتِ الأخرى !
هذا تفريطٌ ..
إهمالٌ ..
تخريبْ !(67/434)
هذا إمعانٌ في التعذيبْ !
هذي الخصلة لا يمكن
أن تبقى حتى تفسد
أخلاق يديَّ ،
وتغوي فتياتِ الجفنِ !
سترحل في حوض النسيانِ
إليها !
وستبصر في الرحلة شيئاً
من تاريخ هواني !
وسأغلق أدراجي ..
في صمتٍ لا يشبهه صمتٌ آخرْ
وستخبو المرأةُ..
تخبو ..
تخبو ..
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن علوان >> أنا وسعاد
أنا وسعاد
رقم القصيدة : 65356
-----------------------------------
قائمٌ قبل انفصام الليل
أبكي ،
بينما كانت سعادْ
تعجن الجرح الذي ناء
بجرحين .. استجارا بالرمادْ
تلقفُ الأحزانَ مني
تنزف الروح .. على الروح
سهاداً .. في سهادْ !
* * * * *
طفلنا مات ولم يشبع به ثدي سعاد !
وفطمنا ثغره اللوزيَّ
في القبر
بأطنان السواد !
واختنقنا بالحليب الفائضِ
المسكوب في جوف الحدادْ !
واحترقنا ..
عندما انهارت على أحلامنا الخضراء
أخشابُ المهادْ !
وتضوَّغنا على الثكلِ
ونمنا ليلةً أخرى
على جنب ابتعادْ !
دائماً ما نشتري بالصمتِ أحلاماً
ونبتاع اضطهادْ !
يخطف الإعصار ما قد
أثمرته الأشهر
الحبلى بأنفاس الحصادْ !
دائماً ما يشتهي الموتُ الثمارَ
ويتركُ الجذعين مصلوبين حزناً .. للجرادْ !
* * * * *
وجهه الوضَّاء
والدمعات تجري فوقه
والغمغماتْ !
ضحكةٌ تشبه تسبيح ملاكين
وإتمام صلاة !
غارقٌ في النوم أو
مستيقظٌ
يلتقي جفناه نيلاً .. في فراتْ !
يسقط النور على وجنته
يستحي منه
ويلغي سلطة الضوء ..
وينمو .. كالنباتْ !
طفلنا الساقط مثل النجم
في ليل السراة !
وقَّع الله على عينيه
أسرار الحياةْ
لم يقلها ..
ظلَّ عامين وفياً ..
ثم .. ماتْ !
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> الصائد
الصائد
رقم القصيدة : 63306
-----------------------------------
[إلى روح محمد بن سعيد، شهيداً بلا جسد]
عام 1989، حيث التقينا في الجزيرة لأول مرة
في سيارة لاندروفر؛ كانت أحلامنا البسيطة
تقود حاسة السلاحف إلى ساحل أضاءه الله
بفيروز الأبديّة.(67/435)
كانت الليالي حقلاً
من الملائكة
والحدائق
قيامةً من الذكريات
والوظيفة
محرابنا الوحيد
الذي تؤمّهُ زهور برية
تصلي الجمعة
في هواء طلق
ينثره تشايكوفسكي
مصيدةً واسعة للحنين.
.. والحرب التي ربما تنتظر
لم تلقِِ أوزارها بعد
كما لم تبدأ في غيابي.
أنت الباحث
عن عسل الأيام
في قارورة الصبر
تخفي دمعة الشمعة
في مشكاة البيت
وترحل
بفرحة نمر يخمش قصيدته الأولى
في السماء.
???
أعرف أنك لم تعد تبتسم لحجرٍ
يخفي الشمس في الأعراس
ولم تعد تتلو القرآن في المكتبة..
لم تعد حتى طائرة ورقية
يذرفها الأهلون
كما لم يعد بحرُ العرب
حصيرة بيضاء
لخطواتي.
كانت أحلامنا البسيطة
فقط
وغرفة بلا صديقين
يُحدقان في بوصلة
يكسوها دم المأتم.
كانت أيضاً:
نافورة صغيرة
من الأسرار
في ساحل بعيد
جفت في حوضه
دموع النسر.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> الرياحين السوداء
الرياحين السوداء
رقم القصيدة : 63307
-----------------------------------
أعطيتكم ساعاتي
تمرح بين أيديكم
والرياحين السوداء
تملأ ساحل وجوهكم
بالكسور والأجنحة
بالكلمات
ثقيلة على أكتافكم
كنورس في ظهيرة
لا تحط ولا تطير
تلمع بحبات عرَقها في
أبدان السفن
ودشاديش الحَمّالين
آتيةً ذاهبة بالبضائع
كأشرعة صغيرة
تُحفز نسمةً على الهبوب
في الفُرضة (التي لم تسافروا منها
بجواز الإمامة) في ساعة مسروقةٍ،
في ضحى ضرير
يطيل لحى الغرباء
بأبجدية معطلة
تُنزف من بئر في كبد البازلت
تروي لعامل في ال P.D.O
قصة اختراع المسبار في أحشائها
الأنابيبَ الممرغة في دورة اليابسة
أنفاسها..
وحشرجةَ العالم.
تروي، كما لو كان ناسياً
هو الآخر أمثولته
ماثلةً بحذافيرها أمام عينيه
ت
ر
ف
ر
ف
بعمائمها البيض في "مدارج الكمال"
تضيء ماءه الأول بهلال من الرمل
في جِدة الحراسيس، أو حادٍ يروي كمن
فقد لسانه في دمعة يوقفها البوليس
بتهمة السقوط في كأس فارغة..
فارغة
حتى من الأمثولتين.(67/436)
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> أبو الكلام
أبو الكلام
رقم القصيدة : 63308
-----------------------------------
لم يضرب بعصاه الرمل
أتى من قريته النائية في خليج البنغال
تاركاً أبويه في رصيف المحطة
بين كسرة خبز وبطانية مرقعة
بحواسهما الخمس.
مُستسلماً في حارته الجديدة
لمكيف هواء
ومذياع صغير
يدلق في أذنيه
انقلاباً عسكرياً
وفيضاناً بحذافيره.
(مثرثراً مع رفاقه عن مقاول جديد)
يحتسي ثلاثة كؤوس من كولونيا رخيصة
بعد ظهيرة من الإسمنت
وأربعين دولاراً
يرسلها كل هلالين
لأبيه المجدور
........................
..................
مطفئاً صهريج الشمس
بلمسة زرِّ في مخيلته
يتوسدُ فُتات أحلامهِ
وينام.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> بطانيات بوذا
بطانيات بوذا
رقم القصيدة : 63309
-----------------------------------
كموجةٍ مُخضلّةٍ في السرير
يُسقط شكوك الظل
من أطرافه
يصغي لرنين الغيب
ينقرُ قنديل الطاولة
بساحلٍ من الخشب
يصطادُ فمَ الماء
من نافذة مثلومة
في غفلة الأساطير
يلهو
بشِصٍّ ذهبي
أخفتْهُ الألوان
في عينين مشقوقتين
بخجل الضوء
أنّى تثاءبَ بندولٌ
في الصندل
وأغمضت جزيرةٌ
ساحلها اليتيم
في يديه
مُلتحفاً بطانيات بوذا
حالماً في الكوكايين
بدمٍ نادر
يسيلُ من فم تنّين
يذرعُ لؤلؤة الزرقة
بصالات وداع ملكية
وجنود
حيث لا سمكة بعينها ترشدُ حفيف المارة
إلى ظل نسيه في قارعة الطريق
جدارٌ مائل
اسّاقَطَ قبل قليل.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> خطب الأسماك
خطب الأسماك
رقم القصيدة : 63310
-----------------------------------
يجمعُ خُطب الأسماك
في سلةٍ بكماء
تهبط قوس القاع
مشدودة إلى حبل رفيع
يتدلى من فم صياد
فضّضته القيامة
بصريرها الطافي في ضريحه.
مصافحاً بلسان مقطوع
نظرةً كفيفة
لنسرٍ في ساحلٍ مُحبّبٍ
بقواقع الرمان
أبقى سرّه دفيناً
في سُلم العصور.(67/437)
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> تمثال الماء
تمثال الماء
رقم القصيدة : 63311
-----------------------------------
يبدأ الصباح مُهدهداً قصص المياه النائمة
في عروق الأشجار
بقُبلات صافية
تلمعُ في عيون شفاهه
كلما قبّلَ كأساً وفكر في امرأة
حليبُها المعتم
يروز حنينهُ بتمثالٍ
من الماء
يصهر ظلهُ في الكفّة الأخرى
لقصةٍ ناقصة.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> انتظار في بابل
انتظار في بابل
رقم القصيدة : 63312
-----------------------------------
مُسوّراً ظهيرة المشنقة
بحيزومٍ من الضحك
تاركاً مباهج الأدلة
تضمّخُ العَدم
بعد أن أحرق الجثث الماكرة
عن بكرة أبيها
يرسل ضفيرة الذئاب على عواهنها
بهدوء من لا يلوي على شيء
مُنتظراً في وبَر الضوء
حُلم البارحة
كحربةٍ صقيلة من خشب
الصندل
تجوسُ مياهَ حدائق بابل.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> سكينةٍ لا توحي بشيء.
سكينةٍ لا توحي بشيء.
رقم القصيدة : 63313
-----------------------------------
يعرضُ رمحهُ الأثير للبيع.
ولا بأس: لحربٍ قد تدور رحاها
بين قناعين
مُطيلاً عنق النهار
بخطوة واحدة
حتى خيمة الأفُق
يَروزُ حكمة الباوباب
(شجرة الألف سنة)
بالحصى النابت في محجريه
غير آبهٍ لذبابة زرقاء
تطفئُ قنديل الألوهة
بين نهدي فتاة أطفأت لُفافتها
في صفير الريح
بعد أن ودعت ساحر قبيلتها
بقُبلةٍ محشوةٍ بألف فرنك
وساحلٍ من العاج
يتدلى من طائرة مروحية
تمخر الأعالي
بسكينةٍ لا توحي بشيء.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> سهرة الصقر في نومه
سهرة الصقر في نومه
رقم القصيدة : 63314
-----------------------------------
كؤوسٌ من ظِلال
تندى أحداقها في النبيذ
ترشقُ الزوايا بظلال المطر
بين أمهر الضحكات في الليالي
الوسيعة وحبلها السري
يخدشُ حياءها بخاتمه..
بقنّينةٍ معشوشبة
تضفر الشفق
بسهراتٍ صغيرة
يدنو بأحجاره
وينأى
كريشةٍ من حنان أسلافه
كياقوته الثمين(67/438)
لامعاً في محاجر الطرائد
لاهباً متحفه الطلق
بأقواس قزح
لا يراها سواه.
ضاحكاً في سفح غمامهِ ومراثيه
يرنو لدموعه البيضاء
يُصغي لجناحيه الأسيرين
في وسادة الريح..
لرنين سقوطه يُصغي، وحيداً
وحيداً في آخر السهرة
كنصف تمثال
لم يُنحت في الهواء
ولم يصل الهاوية.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> بورتوريه
بورتوريه
رقم القصيدة : 63315
-----------------------------------
يسبقُ الصباح إلى النافذة
بقهوة مُرةٍ وريشةٍ ذهبية
بموتسارت جارحاً صوابه
في ربيع الصالة
يرسم ماءً في الماء..
طيوراً تطيل أهداب الحديقة
بومضةٍ أقصر من ظل..
صيادين، صَوارٍ، وقوارب
تلفظ أخشابها الأخيرة في بحيرته
الناجية من طوفان.
مُضيفاً إلى جزيرة التفاصيل:
عينين تقبلانه واحداً واحداً..
حانةً يجمع فيها السواحل
بضربة حظ واحدة.
دون أن ينسى في المتن أو الحاشية:
نمراً تطلقهُ يداه في براري النافذة
لا يعود إلا بفريسةٍ - عُذرهُ الأثير حتى
لا ينسف نهراً أفسدته الألوانُ إلى أجلٍ
لا تسميه ريشته.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> تمثيل ضوئي
تمثيل ضوئي
رقم القصيدة : 63316
-----------------------------------
يملأون ماء الضوء بأحصنتهم
بالصهيل في رواق الكشمير
يغمر شاش المرايا بأصداف
صغيرة
تتلمسُ يد النعاس
في ثنية السّاري
وضحكة امرأة
تطرق رصاص النبيذ
بأحرف اسمها الظليل
كجزيرة في المحيط الهندي
لم تغمرها حدائق الماء
بعد.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> غياهب الشمعة
غياهب الشمعة
رقم القصيدة : 63317
-----------------------------------
ليلٌ فاتر لم يوقظ ساعته البرّية
يغمر سماء تصطاد غفوة الطيور
من كتفها العارية
في مخمل الظل
بعيداً عن إبرة المرسم
قريباً من وَشَق عابر غياهب الشمعة
يغمض حجر جفنيه
منتشياً بانتصاره على قرنٍ
من الحراسة
لتمثالها المهجور
في أقصى الغابة
منذ اختلستهُ يدٌ
لم يُشر إليها الكُهّان(67/439)
يدٌ أذابت حنينها المعتم
في رخام المتحف
واختفت
دونما صبرٍ
يُؤوِّلُ الإزميل.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> بينن القبلة والسكين
بينن القبلة والسكين
رقم القصيدة : 63318
-----------------------------------
صخرةٌ قفزت في الدرب المترب
كادت تودي بنا في منعطف
منعطفٍ محرشفٍ كثعبان
عينهُ ربوةٌ بيضاء وجناحا شاهين
تسلقَ عرينهُ الطلق.
ماضياً للبحث عن..
فكرتُ بالموت، صارخاً لأول مرةٍ
بقُبلة الحياة الناعسة في شفتيّ
فكرتُ، كنرد في سُرة
بين القبلة والسكين
(صارخاً لأول مرة)
يرفس السكون الأبدي
للفريسة
آخذاً بها شهيقاً وزفيراً
آخذاً بها..
تاركاً في بقعةٍ كبيرة من الدم
ربوةً بيضاء وهدير محرك.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> صلاح عبد اللطيف
صلاح عبد اللطيف
رقم القصيدة : 63319
-----------------------------------
بعد عشرين سنة من ترحاله المثمر
يضحك في عنب الأصدقاء
كمن لم يذق تين الألم
وكأساً في مراكش
استبقه إليها أبو نواس.
يصحو في النوم
بقميص أحمر
آخذاً فرائسه إلى دمها المنثور
في تبر الأسرار.
يروي في آخر الجملة
وقته الثمين
بالغيب والفارزة، سائساً
إبريق مخيلته
إلى أحسن القصص والأشجار.
مُقامراً بتعويذة البابليين
في ابتسامة عارمة
تنسيه فحوى القصة التالية
ثم يهش قطيع السهرات
ببرجٍ في الكنيسة المجاورة
كملك يعترف لأول مرة
بالصرخة الفائضة بين
فَتاةٍ وفُتات.
ساهماً عن المارة
في نيسّن شتراسّه
يخدر الفيلة والتماثيل
بحقائب جلدية
يلقيها في الرّاين
قنطرةً تعبرها قصائد
لم يكتبها بعد.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> المرآة لم تر ذلك
المرآة لم تر ذلك
رقم القصيدة : 63320
-----------------------------------
ستخرج من القميص المثلث
كما سيظهر وجهها دون سائر الوجوه
في كرة المرقص الزجاجية
وحيدةً هذه المرة
وحيدةً ككل مرة
تدخن في لمبات الليزر سيجارة
تكتفي إثرها بنسر مجنح
ينشد قصائد للخنساء(67/440)
وابن خفاجه
غير آبهةٍ به ككل ليلةٍ
ككل ليلةٍ بقطرة بيضاء
تمطر صحراء رغبته
في المرآة التي لم تر ذلك.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> فتاة المتحف
فتاة المتحف
رقم القصيدة : 63321
-----------------------------------
مطوحة قامتها الوديعة
في صمت المتحف الخالي
إلا من نظراتنا
ترتب فصوص الفوضى:
دالي على دراجة دوشان
بول كلي مرفرفاً على الرف
وفرانك ستيلاّ يقلب الدرج
على عطر العابرين.
مطيلةً قميص اليوم
بحذاء رياضي -
تأخذ شفق الوجوه الغريقة
نحو المصعد الذي لم يعد
يعمل.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> قناديل إشبيلية
قناديل إشبيلية
رقم القصيدة : 63322
-----------------------------------
تهز مضجع أخشابك
بقطرات الندى في عين
بجعة
بالبقرات السمان يتراقصن
بين الكلام والكلام
تمريناً ناقصاً لعضلةٍ لم تنم
في لسان الفواصل، حيث لا فاصلة
سوى خرير فودكا الأمس
تُذبذب قناديل إشبيلية
بمُستقطر قلاوون..
وتروي أشجارك
بسحره النضر في حبات القرنفل
وصولجان دورة الكلام
الذي لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم
قبل فاصلة
بين نقطتين
لم تسقط آخرهن من فمك.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> بين كأسين يتبادلان الأصابع
بين كأسين يتبادلان الأصابع
رقم القصيدة : 63323
-----------------------------------
-1-
تمثالٌ يضيءُ
أحجيَةَ الفراش.
-2-
جسدان يلعبان الشطرنج
للمرة الأولى.
-3-
ماءٌ
يبكي منذ الأزل.
-4-
جسرٌ معلق
على التفاتة غامضة
لأيِّلِ الحب.
-5-
وردة حياة
مفقودةٍ في الإناء.
-6-
قبة كاتدرائية
تلون مئذنة النسيان
بزجاج مُعشّق
في بطاقة بريدية
يعرضها للبيع
سليل بحارة
لم ينجُ منهم أحد.
-7-(67/441)
غيتار خطوتين شاردتين في ساحة المتحف تعزفهما صديقة جمعية حماية الطيور في لشبونه. نورسة من الظل يخفق جناحاها لرفة قمر من القرون الوسطى تضيء زرقة الليل في ساحل مطرحْ. كقديسة صغيرة تعتلي منارةً وهميةً في جبل الفحل، تتلو مقطعاً لـ فرناندو بيسوّا أكملناه مع
-8-
زاويةٌ قصيّة
في آخر اللؤلؤة
تخلعُ أضلاعها
على الطاولة
ونافذة
تهبط الزقاق وتصعد
بريشة جُهدٍ موسيقيّ
تُخفيه خطوة المخمل
لنادلٍ يستنبت في حديقة
أحلامه كأسين آخرين
تحيةً وارفة
لحصان الرغبة
يطيح بآخر قلعةٍ
في اللعبة.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> غفوة صعبة المنال
غفوة صعبة المنال
رقم القصيدة : 63324
-----------------------------------
في ثالوث الظهيرات أسترخي
مع كتابٍ خفيف
أخاتل بفراشةِ حكاياته السبع
غفوةً صعبة المنَال.
وعندما لا أفلِحُ في ذلك؛
أستميحُ المُذيع عُذراً
في خفض صوتهِ المليء بالأخطاء
حتى أتمكنَ من الإنصات لسرب طيور
مهاجرة
في غابة التليفزيون.
لكن فحيح فرامل الشاحنة
التي تُفرغ كل يوم بُحيرةً من البنزين
في صهريج المحطة -
تصلُ رائحةُ أسماكها الجُوراسيّة
أنفَ الحكايةِ السابعة
وتجعلني أفشلُ
من جديد.
لِذا
كنتُ أرحلُ إلى قارات
مُقمرةٍ بالنوم
وبُلدانٍ يحسدني نُبلاؤها ومُعدموها
على دولارات البنزين
التي لم تكن في جيبي.
وعندما..
عندما أخبرهم أن كل مالديّ
جوازُ سفرٍ بخنجرٍ وسيفين، و..
أوراقٌ بيضاء
أكتبُ عليها
مُسوّدات قصائد-
لا يُصدقونني
بل يُدخلون أيديهم في جيوبي
ليشمّوا رائحة البنزين العالقة
في ورقة كلينكس سوداء.
.. وحتى العزيز "مندلشتام"
الذي أحملُ كتابهُ وموتَهُ في الطريق
إلى سيبيريا (تعويذةً من شرور السفر
أوصاني بها مُجرّب)
يهزّ أذنيهِ الكبيرتين
خارج الغِلاف:
مُكذباً حكايتي
ووصيّةَ المُجرب!
مع ذلك
مازلتُ أعودْ
بصُورٍ فوتوغرافية
وحقيبةِ ظَهر
وقصائد
تتدلى منها
أرقامُ الرحلات
وأخفافُ حُنينْ.
ثُم(67/442)
رحلةٌ جديدةٌ، وهكذا دواليك
(بين خنجرٍ وسيفين)
مع سائحٍ أمريكي في هانُوي
أو في الخط المعلّق بين مكةَ
والجُزُر العذراء
ولاحقاً في شارع الملك محمد الخامس
وحتى أمام البوذا الرخامي في تشيانغ ماي
كنتُ أفكّر..
وتلك الليلة التي قضيتُ مآخيرها
بين زيجنشور وداكّار مُنصتاً
لمبادئ عِلم الملاحة وتعاليم
القناع المعلّق فوق شاشة الرّادار..
(كنتُ أُفكّر)
في نسر العاصفة
الذي هَبّ من خرزةٍ مكسورة
وأسقطَ القناعَ بعيداً
عن ريشةِ النسر
وبُحيرة البنزين
التي لم تنفجر بعدُ
كأشلائي..
كأشلائي
في المرآة التي لن تبكي،
ولن يستميحها المُذيعُ عُذراً
عندما يُقلدُ ريز خان في السي إن إن
بخبرٍ صغير عن هيروشيما الشُرفة
بعد أن ينسى، ويُزيح جانباً:
غفوةً صعبةَ المنال
وطائراً لم يُهاجر
من غابةِ التليفزيون.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> ينبوع الحصان
ينبوع الحصان
رقم القصيدة : 63325
-----------------------------------
عندما ركض الحصانُ
نحو الهاوية المُهيّأة في
كأس
لم تسقط الوردةُ السوداءُ
من غُرّته
رغم أن القبيلة المنسية في المَضارب
كانت تضحكُ من الألِف المنصوبة
مكان الأشجار التي محتها
صورةُ العائدِ من ظِلال المائدة-
المائدة التي ترامت أغصانُها
حتى تُخوم النسيان
وغُبارِ السيارات التي تُشخبطُ الأفُق
بقصائد النّبط الإلكترونية
وفتياتِ الإعلان عن جَمَلٍ ومارلبورو
يَعبُران واحةً مُتخَيلة
تنزفُ حقيقتها الصغيرة
من عُروق الأسلاف
بتلك السّهولة العابقة
في عطر مكالمة هاتفية
بين الصحراء والجنّة:
كأنْ يشرب العائدُ
كأسَ ماء
كأن تضحك القبيلةُ
من جديد
أو
كأن يدقّ الحصانُ عُنقه
في هاوية تلك الكأس
ويُبقي الوردة بيضاء
حتى آخر قطرة
من ينبوعه النازف.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> زاوية مائلة
زاوية مائلة
رقم القصيدة : 63326
-----------------------------------
لم تكن شريكَ المعنى ونقيضه
لكنّك بين بابين(67/443)
تخطو بأنصاف الكلمات
تذرع سقف الحُلم
بالمغامرة الطاعنة
في السِّن.
تذرعُ الذراعَ
والعُكاز الذي أضحى طريقاً..
الطريقَ التي أمست مساءً
في المراثي والمرايا.
.. ولم تكن وحدكَ
على منحدر حياتك
على منحدر حياتك التي
لم تكن وحدك.
كانت يدك التي تضيء
قناديل الهواء
صورةُ الفجر الفوتوغرافية
كانت تحيكُ عتمة الصباح
بإبرةٍ نائمة
وخصلة امرأة لا صباح لها
في المرآة الهائلة..
المرآة التي
في آخر المنحدر
تعكسُ ذات الصورة
بزاوية مائلة
لم تفهم أنها حياتك المشنوقة
على باب الفردوس.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> بيادق الرمل
بيادق الرمل
رقم القصيدة : 63327
-----------------------------------
الغرقى ظلوا في عتمة
الزجاجات
والقمرُ مضى
في حال سبيله.
كذلك الدشاديش
ظلّت مكويّةً في انتظار
أعمارهم التي
ذهبَ بها الصيد
إلى مَحفلٍ مُترب بالطرائد
والغراب الذي
أدمى بعينيه ريشةً
نسيت أن تضع حصاناً
في لوحة العُشب-لم يتفتّق
ذهنهُ عن حيلةٍ جديدة
للوقوف على الأشجار
أو حتى أي لونٍ آخر
مازال يُخفي حفيف الأوراق الساقطة
في رُواقٍ مُغرورقٍ بالظل.
لم يأتهم أحدٌ
ولم يتبادلوا بيادق
الرمل
أو أنصاف كلماتٍ
يبلّلون بها نَظرات الجِمال
كما لم يحدث
أي شيء آخر
لأنهم انتظروا طويلاً
حتى ماتوا.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> ولادة في بنسيون المنصور
ولادة في بنسيون المنصور
رقم القصيدة : 63328
-----------------------------------
استقبلتني بابتسامةٍ مسحورةٍ بعد أن قرأتُ بيتيها المحفورين في منحوتةٍ لا تُظهر سوى كفيهما الغائمتين في قُبلةٍ سوداء، وخبّأتني خبأتني بين نهديها كلّ ظهيرةٍ غابها أبوها لإيداع بيزاتهِ في البانكو دي أندلوسيا
هاتفةً:
"أغارُ عليكَ من عيني ومني
ومنكَ، ومن زمانكَ والمكانِ
ولو أني خَبَأتُكَ في عُيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني"
ثلاثةٌ أيام بلياليها "أضحى التداني بديلاً عن تنائينا"(67/444)
ثلاثةٌ أيام بثاءٍ إسبانيةٍ تُغرغرُ في أذنيّ الرطبتين:
أغار عليك
أغار عليك
بثاءٍ إسبانيةٍ ولُعابٍ ضرير عن تحريفي
لمطلع ابن زيدون..
تلك التي عندما أعطيها مفتاح
الغرفة
في طريقي إلى جامع قُرطبة
أو عائداً من حديقة النصر
لم تكُن في بهوِ البنسيون
تُحدثني طويلاً.
لكنها في مخمل الظهيرات
تدقُّ بابَ الغرفة التاسعة
(راقصةً الفلامنكو على إصبع واحدة)
قبل أن تقدم لي قهوةً مغليّةً بماء أندلسي
غالباً ما يبردُ
مُنتهياً إلى أبديّتهِ الصغيرة
في زورقِ الفنجان.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> قهوة الشيخ علي في زنجبار
قهوة الشيخ علي في زنجبار
رقم القصيدة : 63329
-----------------------------------
منذ ربع قرن والشيخ علي يُقرفص أمام طاولةٍ خفيضةٍ قُرب الكنيسةِ التي كانت مزاداً لبيع العبيد بقميصهِ البالي، يُقرفص، وإزارهِ المُخطّط وطاقيّته التي تُخفي
إبريقاً من اللغات.
فنجانٌ لكلّ عابر
عشرون شيلينجاً لكلّ فنجان
كلٌّ لُغةٍ بحكاية،
كلُّ حكايةٍ بلُغة.
عينهُ المضيئةُ على العابرين
والمطفأةُ في بُويضاء القلب
يدُهُ منفاخُ النار والإبريق
بُراقُهُ الفجرُ
ودعابتهُ لعابر السبيل.
كان طباخاً في سُفن الإنكليز
وبعد الثورة كاتباً
في ديوان الألمان الشرقيين:
أحبتني حوريّةٌ
منهم واقتادتني من إزاري هذا إلى برلين.
أنجبتُ منها إسماعيل، وعندما طُردتُ من
هناك اصطفاني الجنرال ديبون لتحضيرِ طعامه.
أسلافي سلاطينُ حضرموت..
ولكن، كما تَرى، ها أنذا وريثٌ مثاليّ
لسُنّةِ الحياة.
(قال وسيجارةُ سبورتسمان تحترقُ بين شفتيه)
غير مُبالٍ بشَعرات الأسى والضحك
تتساقطُ في كل كلمةٍ وفنجان.
أبحرتُ من عَدن إلى مسقط. وفي صُور
نسيتُ مزمار الحرب التي أضحت طبلةً في أذُني وسمكةً في زادي. وفي البُصرة أبصرتُ عبداً فاشتريتهُ بسبعةِ دنانير، أخبرني أنهُ مَلكٌ في بلاد الزنج فأعتقتُهُ قبيلَ جلوسه على عرشهِ من جديد.
أطربتهُ قصائدي المُقفّاة(67/445)
وكافأني بغانيةٍ ومنصبٍ
كسرتهُ أغصانُ قبيلته.
الأغصان التي ما فتئَ يُرمّمها
بالضحكات والصلوات.
لكنني ملولٌ كسائرِ الملوكِ..
كالرّعيّةِ من مُلوكها
مَلولٌ
ولم يكن لي، حينها، مهربٌ
سوى الهرب.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> خورخي في المدينة
خورخي في المدينة
رقم القصيدة : 63330
-----------------------------------
وُلد في المَريّة
بشارع غارثيا لوركا.
تاهَ بين مكتبة بورخيس والمدينةِ القديمةِ
في قُرطبة
حتى تصادفنا في سالفِ العُصور
واللحظة.
أسرَّ لي، بعد قضمةٍ من التشيبس
أنهُ ماركسيٌّ حتى النخاع
رغم إعجابِ أبيه بالدكتاتور
كما أن العين لا تُخطئ زُلالَ
مشيتهِ ومفرقَ شعرهِ الطويل. لكنهُ
عندما اختفى، بإضمامةِ لُغاته السبع، عادَ يمسحُ
دموعهُ بمنديل النادل.
وقبل أن أرفع بُحيرةَ الكأس
من رائحة السَّاج
راح يرثي عشيقهُ الإيرلندي بقصائد
يستعيرُ مفاتيح أقفالها من لوركا، دونما التفاتٍ
إلى حُرمةِ الأقواس (فهما أندلسيّان!).
لكنهُ بعد إغماضةٍ
في سُندس العتمة
أفاقَ من صليبِ مراثيه وطلبَ دورةً أخرى
في صحة العاربةِ والمستعربة، سائلاً
بمبسمٍ ظلَّ مزموماً في طريق الغابةِ
المنحدرة من فصوص القصر: إلى أيِّ
الجذرين غصنُ أسلافهِ
يميل؟
ثم مال بزاويةٍ تركَ أمر تحديدها لأودين
لكنهُ في اللحظةِ الأخيرة أبى
(إجلالاً لذكرى ديفيس) تاركاً
عربون صداقةٍ في قُرص ليزر:
الفُصولَ الأربعة
مضغوطة في ليلةٍ ماطرة.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> Zanzy Bar
Zanzy Bar
رقم القصيدة : 63331
-----------------------------------
امّحت عيونُ الحديقة
وأزهرَ الماء.
ضحكت ليلى
وأصغت رملة.
مضى النادلُ
بيده / الطاولة
وأتت جوزفين بحكاية.
.. وها كأسٌ مزدوجٌ من البورتْ
للقبطان العائد من ممباسة
وآخر من جوز الهند للعائلة.
ها رجلٌ من أسمرة
يشربُ بيرةَ حياته الأولى
وها تمثالٌ لا يثمل.
ها قنديلٌ في الرُّوزنَة(67/446)
يصطادُ عصافير الفراشات
وها جون لينون يتخيّلُ هندياً
بَلَّلَ في كأسه ثقةَ الله بالدولار.
ها قطةٌ تلعب الدومينو وها زرافةٌ
تضع على الطاولة شوكةً وسكيناً وشريحة
خرتيت.
ها "هكونا ماتاتا" وهاهم الطيارون الإسكندناف
يمرحون وعلى أكتافهم حكمةُ الأسلاف:
قُصَّ جناحيك
وأدِر كأسك
وامضغ عشبةَ الجزيرة.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> فيروز المبكي
فيروز المبكي
رقم القصيدة : 63332
-----------------------------------
(أغنية)
القطةُ خلف زجاج المقهى..
ترقُبني،
وتنامُ قليلاً.
تتقوّسً كالجَملِ المبحر
في رملِ الواحةِ..
أعياها الليلُ
وأعيتها الحيلة.
تضحكُ في الوجه الغامضِ..
تبكي كالورقات الظلِّ
على أغصان الأسطورة
تلمعُ عيناها بالفيروزِ
ولا تدري:
فيروزُ معي
والقهوةُ تغرق في عيني
فيروز
ولا تدري:
أن النادل بعد قليلٍ
سوف يعودُ وفي يده قِطٌ أعمى
وزجاجةُ بيرة.
.....................
........................
القطةٌ بعد ثلاثٍ
لم تذهب أبعد من ذلك..
لم تشرب بيرتها بعدُ
ولم تتركني
أبكي
أو أكتبُ في دفتريَ المبكى:
الليلةُ
قاحلةٌ ومطيرة.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> قميص الضاد
قميص الضاد
رقم القصيدة : 63333
-----------------------------------
هاهو الدربُ بينهما في الثلاثاء، في هذه الغرفة، وحيدان في الكرَز والنافذةِ الماطرة في الرُّواقِ المعتم حيثُ ترنُّ الأساطيرُ والمفاتيحُ الخشب.
وها
هُما
في وردةِ
ابتسامتين
تحت شمسيةِ الظهيرة
يمسحانِ بقايا العسل
بمنشفةٍ كثَّةِ الوَبر
كقصيدة هايكو على حافة المسبح
تنسى كاتبها المغمور
وتغمرُ وجهها بالماء.
ها
هما
على هذه الأرض
التي لم تصِفها سمكةٌ
تلبطُ في السوق
ولا تمثالُ قُرصانٍ
نائمٌ في ساعة الميناء
وحيدان
بين الحروف العارية
من قميص الضاد
وحيدان
في الوزنِ..
في القُبلاتِ المطيرةِ
والمئزرِ الحُر
لا خُطوةٌ
خارج الدربِ،
مُنتصفٌ في الحليبِ(67/447)
ومنتصفٌ كالنعاسِ المكوَّرِ
في شفةِ النومِ
والشفةِ المَعمعة.
ثُم
موجٌ
من الشرق والغربِ
أغنيةٌ..
وكوخٌ صغيرٌ على ساحلٍ
من القَصبِ الغض
والأشرعة.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> Body Shop
Body Shop
رقم القصيدة : 63334
-----------------------------------
لم أفكر في مُستحضرات التجميل التي في حبر الجريدة وعُنق الزرافة. في ريشةِ القناةِ الفضائية والهندي الأحمر. في نظرةِ الصقر التي افترستْ غزالةً لم تمُت جيداً في شارع السلطان قابوس. في وَرْسِ البدويةِ التي أعطتني ذات نَهدٍ قائظ أزهار الشَّر ولم تعترف أ
في الجُزُر العذراء
عندما قبّلتُ في غَوَّاصةِ الجامعة
حُوريّةَ البحر
وانزلقنا في اللجة
بساقٍ مُحرشفةِ الألوان.
لكنَّ مليحةَ سايغون
أضحت شمطاء بعد حربٍ واحدة
وإحدى وعشرين قُبلة.
وذات القِصة
كانت ماثلةً بحذافيرها
عندما قرأتُ قصةً قصيرة
فضحها طولُ الصباح.
ولم أفهم معنى عِبارةٍ
في لوحة إعلان، فخفتُ من مُداهمة
البوليس لإضبارةِ أفكاري
ورفعت الرايةَ زرقاء
في السريرِ والتليفزيون
حتى
مضت شهرزاد
وفاحَ الصباح
بدكَّان الجسد.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> شعراء
شعراء
رقم القصيدة : 63335
-----------------------------------
يجلسون في المقهى
يطلبون شاياً
وقصيدةً كتبها صاحبُ المقهى.
ينامون
في الريشةِ والفراشة
ثُم يتحدثون:
عن الغيمةِ التي في يدِ الله
والماء الذي لم يأتِ به النادل.
القصر الذي يحلمون به
والكوخ الذي يكتبون بسَعَفه
القصائد.
الفتاةِ التي خانت كاتب القصص
القصيرة
وحبَّةِ الطماطم الفاسدة في قصصهِ
القصيرة.
الحُروب والمجاعات..
غُرف التعذيب
وبيانات الحرّية.
القنبلة النيوترونية
وذئبِ السهوب.
قصائد يانيس ريتسوس..
والحصانِ الصينيّ الذي روى في مخطوطةٍ
حكايةَ الأميرةِ التي قَلَمت قصائدَ الإمبراطور وأطالت
أظافِرَه.
عن كلوديا شِيفَر وعنترة العبسيّ
يُقبلُ أحدهما الآخر(67/448)
على شاشة البريتش أيرويز.
عن ثَور الغيرنيكا الذي هَاجَ
في متحف الفن الحديث
قبل أن يُضاجع النيويوركيّات
في ظُلمات المترو.
عن الإخوة كارامازوف
يُبارزون المتاهة
في الرّبع الخالي.
عن بيت بيتهوفن
وكفِّ كافكا.
عن المراثي التي أقضَّت
مضجع ريلكه
والهواء الذي يستهلكونهُ
أكثر من اللازم في قصائدهم.
عن مولانا أبو الكلام آزادْ
ولبن العصفور الخاثر
في لمبةِ توماس أديسون.
عن أفخاذ فَراشةِ عين شمس
وغُلامِ خوانْ غويتيسولو.
عن العهد القديم
والموسيقى النائمة
تحت فَجر السُّلَّم.
عن جائزة نوبل..
وعن أوكتافيو باز حينما عاتب الخالق
في منحوتةِ حَنينٍ إلى المكسيك:
كم أنتِ قريبةٌ
من الولايات المتحدة
وكم أنتِ
بعيدةٌ عن الله.
يتحدثون:
عن جائزة نوبل (مرَّةً أخرى)
عن مايكلْ أنجيلو. عبد الحميد بن باديس. آلان غينسبرغ. ماياكوفسكي. صُنع الله إبراهيم. جمال عبد الناصر. أُندريه بريتون. عبد القادر الجنابي. طاغور. كاواباتا. ميلُوش فورمان. محمود درويش. هيرمان هسّه. هُوتشي مِنه. زاهر الغافري. ماركوبولو. ميكي ماوس. كريستيان د
والبقيّة.
ثُم
يشربون الفناجين
ويتركون القهوةَ
لعيون النادل
الحلوى
للعابراتِ
مخمل المخيّلة
الأصفارَ للصيرفيّ
والبلاغةَ لعليّ ابن أبي طالب.
.. وعندما لا يجدون ما يفعلونه
يكتبونَ عن أيّ شيء.
مثلاً:
عن جبلٍ
وزهرةِ رمان
في الجبل المُطل
على قصيدة هايكو.
عن ماءٍ مُعشوشب
في الصيغة الكيميائية
لحدائق الكلور.
عن سهرةٍ
أرختْ سُدولها في مقبرة.
عن أحلام مُعتقة
في زجاجة ويسكي.
عن عاطفةِ قُمصانٍ
في مهب الريح.
عن غُراب على مقصلة
وبستان أحجار
في منزل مانويل بانديرا.(67/449)
عن خِرفان. خُرافات. وظيفة. بطانية. مسمار. بيوت من الأسمنت. زجاجة نبيذ في مفازة. سفينة على مدرج مطار. أيائل في بطون حيتان. نيويورك في نيوأورليانز. مبغى في هانوي. قديس أمام الجيوكندا. زهور في عُيون المارّة. حليب في النيل. قاموس في بركةٍ آسنة. حَرباء في بان
عن أيِّ شيء،
أيِّ شيء
يكتبون..
يبكون..
يضحكون.
لكنهم
يذهبون إلى حُتوفهم
بأحذيةٍ عارية
ومياهٍ زرقاء
ثم لا يعودون
إلى الغابةِ بالفوانيس
ولا إلى النهار
بالظلام
ولا إلى الشمعة
بما يصْبُونَ إليه
لأنَّ البُحيرات
في كفِّ عُمر بن أبي ربيعة
أدنى إلى ينابيعهم
من شاحنةٍ محمّلة
بأقواس قُزح
وسيارات الأجرة
أبطأُ من تلك التي شاهدوها
في أفلام هيتشكوك.
والأوراقَ التي في حقائبهم
لم تعد صفراء
كما كانت في عُشبِ والت ويتمان
وهذه الأيام الصفراء
صفراء كهذه الأيام.
وهُم كذلك:
لا يجدون خاتمةً
لقصيدةٍ في نبيذ المَطلع
ولا غُرفةً في بنسيون
السيدة العذراء
ولا سريراً
في أضلاعِ حبيباتهم
ولا قطرة ماء
في دمعة الصنبور.
لذلك
يبتسمُ اللهُ في وجوههم
عندما يذهبون إلى البحر
ويُهدونهُ أسماك أسلافهم
عندما يقطفون بُكاء الغابة
ويُطعمونهُ صِغار الدلافين
عندما يجدون أنفسهم
في منجمٍ للذهب
ويتركونهُ للطبيعة
والدليل.
وعندما..
عندما ينتهون في المتاهة
إلى
لا
شيء
يموتون
ثم يضحكون في أغلفةِ الكتب
يموتون
ويبكون طويلاً في الكلمات.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> المقهى الطافي أمام بيت العجائب
المقهى الطافي أمام بيت العجائب
رقم القصيدة : 63336
-----------------------------------
على الساحلِ المُسمى بالسَّواحيلية: فَرَضاني
كان السلطانُ يرقبُ أبدان السفن التي تُضَمّخُ
موانئ اليابسة بشذى القُرنفل.
فبعد أن خانهُ الخِلان
وهربت الأميرة
أضحت تلك تسليتهُ الوحيدة
في فصِّ خاتم الجزيرة.
على هذا الساحل
(المُتكتِّم على ينابيع حكايته تلك)
يتأرجحُ المقهى الطافي(67/450)
بندولاً قطباهُ الذكرى والنسيان
الأسطورةُ ونسيمُها المرفرف
في الأشرعة المثلثة
كما لو كانت ساعةُ الزمن
راسيةً في مينائها البكر
أو
كما لو كانت مُبحِرةً
في غُروب مرآة.
عَبرتْ قهوتَهُ الحروبُ
وتلوّنت فوق ساريته
الأعلام.
بكى واستبكى الموجةَ التي
تحت قدميه.
امتدحَ زجاجه المكسور
وطاولاته التي طاولت
أعناق السفن
ثم
استأسدَ في عَريشِ غابته
ظافراً بإمبراطوريةٍ وخطايا.
بيدَ أن للذنوب غفّارُها
فالعاطلون عن كهرمان الحياة،
قاطفو ثمرات جوز الهند
والبحارة المزمنون يرتادونهُ
في قيلولاتِ الحيلة.
وبين الفينةِ والأخرى
شقراواتٌ بمعاطف سفاري
يبتسمن بين أفخاذهنّ
لساحرٍ يعتصرُ زجاجةَ ميرندا
ويقرأ كفَّ اليابسة في الأماسي
ذات الشمس الحمراء، الأماسي التي
لا تكلُّ من تكرار شمسٍ حمراء
وأطفالٍ على حافة الزرقة
يترنمون بصوتٍ يكاد أن يكون
واحداً:
من يُباهي بقفزة
كهذه؟
"ترنيمةٌ خِلتُها مقهى طافٍ أمام
بيتِ العجائب"
قال غريقٌ في بحر الظلمات..
لكنَّ بحاراً - أطفأ سيجارتهُ المُعشوشبة
ونَشرَ شراعهُ المثلث -
كانَ قد سبقهُ إليها.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> أمثولة الجندي
أمثولة الجندي
رقم القصيدة : 63337
-----------------------------------
ليسَ مع بابلو هذه المرة،
ليس مع بابلو في هذا المضيق
المضاف إليه طارق بن زياد
وخاتم الأمبراطورية فيما بعد.
ليس مع بابلو. وليس أبداً
في هذا العُنق ولا في هذه الزجاجةِ التي
في نُقطةٍ مجهولةٍ تكسر ضوء الضّفتين
تهتف:
إسبانيا في القلب،
إسبانيا في القلب.
لكنهم عندما فتحوا الحقيبةَ في الضفة الأخرى لم يجدوا سوى دليلِ الأندلس السياحي وقميصين و400 دولار. وعندما فكروا في السجائر تذكروا أنها تُهرَّبُ في الاتجاه المعاكس. وعندما أعيتهم الحيلةُ وفكروا من جديد، لم يجدوا حشيشةً مُهربةً في بطن دولفين بحجم راحة الي
لكنّما ولاَّدةٌ في القصر
والأهلون في الممشى إلى غرناطةٍ(67/451)
والوردُ في النهرين
والجسرُ المرفرفُ في تَعاشيق
الكُوى
عصفورةٌ طارت
بغُصن القلب.
واللهُ في القلبينِ قلبٌ
ماءُ زمزمَ
مريمُ العذراءُ
في المنحوتة البيضاء
والإزميلْ
كأسٌ
دار فيها الدربُ
والحِبرُ الذي ما جفَّ
في الصلوات والقنديل.
..................
.............................. إلا أنتَ
من ضاقَ الطريقُ به
ومَرَّ..
فلم يجد في الضفةِ الأخرى
سوى أمثولة الجندي
ترويها العنابرُ للعنابر: قُل لبابلو (أيِّ بابلو)
لم تعد إسبانيا في القلب.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> السيرةُ لم تعد في جزيرة التلغراف
السيرةُ لم تعد في جزيرة التلغراف
رقم القصيدة : 63338
-----------------------------------
لاحظ الشيخ صقر في أواخر الأربعينات
أن الجيولوجيين يجمعون في أكياسٍ مُرقَّمة
عيناتٍ من الصخور قُرب مضاربه
لم يجد لذلك تفسيراً، لكنهُ بعد أن
قدم لهم قهوةً وابتسامةً (باردتين؟)
سألهم عن مصير تلك الأكياس؟
أخبروه، دون مُواربةٍ، أنها ستُشحنُ
إلى إنكلترا. فاستدرك خطأهُ القاتل وأخفى
في حصنهِ المنيع كنزَ الأحجار ذاك.
لكنّ إدوارد هندرسون (إثر رحلةٍ على سفينة خان صاحب حسين ذات الشراعين والبوصلة الأثرية التي أبعدت خط سيره ثلاثين ميلاً بحرياً عن جزيرة التلغراف) عرفَ من أين تؤكلُ كتفُ الطريق..
عندما استدار على فخذ الخريطة وتغلَّبَ في أقصى الدُّوار والغُبار على آخر عقبةٍ في "فهود":
فهد قبيلة الدروع.
مُبتسماً في غلاف سيرته تلك
أكثر مما ينبغي..
مُبتسماً
بعد أن سَفحَ دمعةَ البئر الأولى.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> قرنفلة الحب
قرنفلة الحب
رقم القصيدة : 63339
-----------------------------------
هذا الفجرُ للصياد العائد من الفجر
بسمكةٍ وقنديل.
لرائحة الذكريات المُخمَّرة
في غرفة الأميرة (جنباً إلى جنب مع قُرآنها
الذهبي وأطيافها العائلية المُرمَّمة في هامبورغ).
لخطها العربي مُعتذراً إلى السلطان(67/452)
عن قرنفلة الحب.
وهذا الفجرُ
للموجة التي خانت أسلافها مرتين
للحياة - السلحفاةِ
في أعين الوقت
للضحكاتِ
والأعيادْ
في نصف الجزيرةِ
للهواء مُلوناً في الباب
للسجن - الجزيرةِ
بين ساريتين..
للمعنى يؤجِلُ كُنههُ
في الحبر والأختام
(حيث جزيرةٌ أخرى..)
وحيث الماءُ تحت الماءِ
يروي صخرةَ الأصفادْ.
وهذا الفجرُ
في متحف القصر
والصلوات الخمس
في الحانة - الدُكّان
والزقاق المرصوف
بدولارات الآغاخان
في خطوات العُمانيين الذابلة
كجوازاتهم التنزانية
في عشب المطارات
لصباح الشراع الرمادي
هذا الفجرُ، لم تنفخه المزامير.
للغرباء والسفن
لشحنات القرنفل اليابسة
في دمِ الفُرضَة
ولمقعد الحب الذي تركه السلطان
شاهداً على القصيدة والشرفة.
لكنه أيضاً هناك
في أعلام الثورة الملونة
بدموع الأسماك
وأسنان المُسنِّين
في المفاتيح والأقفال الثقيلة
تصطادُ سيماء اللصوص
بقوس وسهم بَرتهُما فكرةُ الغابة
المورقة
بشراعٍ سفينة
رحلت دونما قرنفلة
في ياقةِ الوداع.
كأنما ليطولَ الوقت مرتين
في جناح شمس
لم تسَّاقط
أسنانُ ريبتها بعد.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> الغبيراء
الغبيراء
رقم القصيدة : 63340
-----------------------------------
مِنْ جِبالِ السحرِ والتقوى..
منَ الغيمةِ والمسحاةِ بين الحبر والكُراسْ
منَ الأسطورة المثلومة الينبوعِ والنبراسْ
من الطينِ الذي في البيتْ
والبئرِ التي في الماء
من الرملِ الذي في لحظةٍ
سواهُ تمثالاً..
على ظهر حصانٍ جاءْ
يستعيدُ الفكرةَ البارقةَ الغرقى
وتحت النخلةِ الوثقى
يُواري دمعَ ذاك الماءْ
المسدَّسُ المصنوع في بروكسل عام 1314 هجرية لم يخدش دماً في نومه. كان يتثاءبُ في المرايا الكالحةِ بصورة الطاووس ويحلمُ بمنظارٍ يسهو في عين غزالةٍ تَرفُو تلال الأزل. يسمعُ صياحَ الديكة، ثُغاء الماعز وحَفيف الأوراق الناعسةِ في خنجر الصورة.(67/453)
لم يُصدقهُ الرُّواةُ الذين قمطوا بالليمون اليابس هواجسه، ولم تُكذبهُ دشاديش البحارة ومثلثاتُ الأشرعة. فالإمامُ لم يسافر إلى مُمباسة، ولم يستورد من عبق الهند سوى بوابات الحصن. ورغم أنهُ سمح للنسوةِ بوضعِ كُريّات الأفيون في آذان الرُّضَّع، إلا أنهُ لم ي
لم يُخبروهُ أن الغَلَّة، بعد أن اصفرَّ الفَلَجُ بالطاعون، لم تعد غَلَّةً. وعندما تفقد الحصنَ بعد المبايعة لم يذكروا لهُ أن سجن النساء كان تحت مربط الحصان. لذلك أضحى في بطن السريرةِ سِبطَ الله، وباتوا في غَافِ السهلِ أصهار البارود. فالحصانُ الذي كان
كان في البيت وحيداً
حين نُودي:
نامْ
يستعيدُ الفكرةَ البارقةَ الغرقى
وتحت النخلةِ الوثقى
يُواري شمسَ ذاك العامْ.
كانت السدرة - المُنتهى
في الجوار..
النسوةُ المستدقاتُ في الحقل واللون. حقلُ الجراد. قصيدةُ مدح الأثيرةِ في بؤبؤ القلب. سقفُ الجذوع الذي بعدُ ما انهار. أخبارُ من عاد من زنجبار. التداوي بعُشبةِ ريّا. البريقُ الذي هَلَّ في قمر الطفلِ. ظِلُّ العصافير في عُصفُر الظلِّ. وشمُ المُغيَّبِ. شيخ
أغنيةَ الدَّارْ.
بَيرقُ الحصنِ
أبيضهُ الحُرُّ..
أيامُهُ المدلهماتُ
أيامُهُ
جَدُّه المتخشبُ
في مدمع الجص
جَدٌ
وذكراهُ ذكراه
نخلتهُ
قُربَ مجرى الفَلجْ
نسيمُ الضحى..
والسماءُ التي خلق اللهُ
زرقتها وحديقتها
مفاتيحُ أسلافهِ
والبُويبُ الذي ما رَتَجْ.
- أماتَ الخليليُّ في سجنهِ؟
- لا
- وعيسى بنُ صالحَ؟
- لا
- ومن ضمَّد الجرح؟
- لا أحدٌ ضلّعَ الكُوَّةَ المستديرةَ في الكُوت
- وابنُ حِميَرَ في عرشه؟..
- يُحاولُ مُلكاً وكأسَ نبيذ
- ومُستودعُ الفحمِ في ساحلِ الجِصَّةِ امتازهُ
المسيو أوتافي لصالح باريس؟
- لا. فقد عارضَ اللوردْ كيرزنْ، ولكنهُ حين
فاوضَ كان يفاوض باللغة العربيةِ.
صمغُ الوثيقةِ باللغة العربية. والشاهدان:
الخليلُ بن أحمدَ
واللغةُ العربيةُ
فصحى قليلاً على ساحلٍ
كان بالحبرِ والبندقية أفصَحْ(67/454)
- وعَزَّان؟
- عِزٌّ وعِزان (من يذكرُ الآن؟)
نورُ التُّقى أم بضائعُ ميناء مطرحْ
- وتلك العمامةُ بيضاء لما تدُم؟
- والقصيدة أيضاً..
ودولتهُ. والبطانة صفراء. ساحرُ بهلا الضريرُ. البراءةُ من ذا وذاك. الذخيرةُ في ثعلبِ البئر. تلك العصا. الأنبياء. الشياطين.
(من قال آمين؟)
أورِدةٌ في الدشاديش عطشى؟
غُرابٌ يُمزقُ أكفان جمجمةٍ
في الغبار تُبسمِلُ؟
أحذيةٌ لم تزل حَيّةً في جُلود الجِمال؟
محاولةٌ للعبور بحرفٍ من الأبجدية
ما بين ماسورتين لـ "صَمعا وصمعا"؟..
أم كهوفُ الجبالِ التي سحرت
عنق الدربِ؟
...............
..........
دربٌ يطولُ
وآهٍ يطولُ
ومن قال في لحظةٍ تستديرُ
على عقبيها..
لأكثرَ من ذلك الماءِ والزادِ
يطمحْ؟
من قال:
البرجُ سليلُ الفراسة
الجبلُ مرصادُ الأثر
البئر غيمةُ القافلة
الريحُ وَشَقُ السريرة
الرُّوزنَةُ مثلبةُ الجدار
الخيمةُ أنثى البدويّ
والرمل/النمل
النمل/الرمل
فاكهةُ الشعراء.
ومن قال:
أن الليلَ
ليلٌ في مسقطَ والمعلقات السبع
وأن نونيّةَ أبي مُسلم
لم تكن في المعنى
معنية بالعُمانيين
وأن الأبراج خزاناتٌ
لحفظ سلالات الأحقاد
وأن الغازَ مُسيلٌ
للدموع والدولارات
وأن حصنَ جبرين
أُضلولةٌ منحوتةٌ
في الضاد
وأن جَبل الفحل
ناقلةٌ معطوبة
تركها البرتغاليون
لتسلية مصفاة النفط
وأن البُسورَ والعُشور
ترادفٌ لفظي لا أكثر
وأن خلفان بن ثنيَّان
لم يكن قاطع طريق في الرّستاق
ولا صيادَ وعولٍ في الانترنت
وأن مسدس الماغنوم
لم يكن أفعلَ التفضيل
عندما وضع حداً
لحروب الغافرية والهناوية.
لكنَ المُغني في الهواء المشقوق بين
مفتاح وقُفل لم يكن
أفعلَ التفضيل في روايةٍ أخرى..
ولم يكن بدشداشته البيضاء
في حديقةٍ سوريالية
يبتاعُ العبيد والقرنفل ونهايات
ذلك القرن.
كان وحيد المَقيلِ في بيته الطين
يذرو رياح الساعة الرملية
ونبوءة البخور، عازفاً عن
قُبلةِ خنسائه وعشائه الأخير
باسماً في مانشيت الجريدة(67/455)
وفضَّة التليفزيون، أكثر مما ينبغي
لوجه قتيلٍ في دم اللحظة تلك
أكثر مما ينبغي لوجه قتيلٍ:
يستعيدُ الفكرةَ البارقةَ
الغرقى
وتحت النخلة الوُثقى
يُواري الروحَ والمعنى
الذي استعصى
على عُصفورةِ التأويل.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> خانُ الوصُولِ بعد عُبور الرّبع الخالي
خانُ الوصُولِ بعد عُبور الرّبع الخالي
رقم القصيدة : 63341
-----------------------------------
بشِقّ الأحلام والأنفُس عبرناه
ذاك الكؤودُ، ذاك العارمُ غير مُصدقين
تاركين الشروق والغروب توأمين من لحمٍ ودمٍ حتى
في عزّ الظهيرةِ، توأمين بجناحين عندما
يلتقي الهلالان تحت سدرةِ
ا
ل
م
ن
ت
هـ
ى
(حيث تذكرنا أسلافنا الرّحالة..
وانحنينا، في الليلةِ الظلماء، إجلالاً لفكرة
سفينة الصحراء)
لاعنين، إثر كلِّ تَغريزةٍ في حروف الكثبان وبطونها
فكرةَ الدفع الرّباعي: حيث كلُّ فراسةٍ،كلُّ بَعرةٍ، كلّ إبرةٍ
مُمغنطة.. كل خريطةٍ سرّيةٍ للقُواتِ المسلّحةِ
قبضُ ريح
في النقطة الفاصلة بين أن تموت بأعجوبةٍ
وتحيا في "أمّ السّميم" ورمالها المتحركة بأعجوبتين
حالماً في كفّكَ بالماء، في كفك الأخرى بثلاثة
أرباع الدنيا، إن نجوت بدشداشةٍ - رايةٍ في عين صقرٍ
مُقامرٍ بزينةِ الحياة.
???
في النقطة الفاصلةِ تلك..
في ال (·) حيثُ لا بئر ولا بؤرة:
كان لا بُد من قمرٍ يملأ الكأس بالبيدْ
بمُعلّقةٍ ولَبيدْ
بحُريّةٍ تملأ الرأس في الفجر بالروحِ والرّاح..
بعد أن يشربَ الصقرُ (في صحّةِ الفجر) قنّينةً
ثم يروي حكاياتهِ
عن فَلاةٍ وسبعٍ عجافٍ وعن...
بعد أن ننتهي والجناحان مِروحَةً
حُلماً غامضاً..
حُلماً لا يراهُ السراجُ البعيدْ
???
هكذا، بشق الأحلام في عين صقرٍ
لم ير الرّايةَ عَبرناه
مُختاراً لنا أمثولةَ الأمل:
أحجيتهُ الأخيرةَ بعد آخر
قطرتين من الماء والبنزين -
خانٌ مسحورٌ (لا ندري في الجزيرة، في فردوس
الوصول، في حضرموتَ أم في ظَفار)
قلنا لصاحبه:(67/456)
هات المفاتيح وهات المُدام
هاتِ الثُلاثي الكوكباني ودعهُ يُغني
(إن كان واحداً)
دعهم يغنون إن كانوا ثلاثة
والصباح رَباحٌ x رَباح.
غنِّ لنا أنت إن شئت. ودع بنات آوى يُولِمن.
اتركْ رائحة البصل في قميص الفردوس،
وانسَ بُقعة الفواتير الصفراء
نائمةً في ضلع سورة البقرة.
قرشُك النمساوي، بل ماريا تيريزا
(ذاتُ الحسب والنسب)
سيتبادلان قُبلة الرنين في مئزرك.
غنّ لنا أنت الليلة، ودندن
دونهُ، دون عُبورهِ مرّةً أخرى
ذلك الرّبع، يا صاحب الخانِ، خَرطُ القَتاد.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> كما في الحياة، كما في الأفلام
كما في الحياة، كما في الأفلام
رقم القصيدة : 63342
-----------------------------------
تذهب المُديةُ إلى آخر المَدى..
إلى الحشرجة مبحوحة بثلاث
لغات، وربما بعواء ذئبٍ بين
لغتين.
ثم (بعد أن تكتمل المهمة)
تعودُ إلى الغمد مزرقّةً بالدم.
تعودُ، بعد أن فرَّ الغرابُ المحنَّطُ
إلى الغابةِ..
إلى الرّفِّ قرب الزينةِ، تعودُ
ووحدها الأيامُ دارت
وحيدةً..
وحدها الغرفة السوداء لم تُدر بَابَها إلى
النظرة المهشمة قرب فترينة الزينة.
وحدَهما، في الحقيقة، محلولُ التحميض
والقميصُ المعلقُ في الدولاب يُفكِّرانِ
في نيجاتيف الفيلم.
(الحبكةُ واضحةٌ إذن)
كلمعة المُدية في شمس الضحى.
كالصورة الفوتوغرافية في سماء زرقاء
واضحة، إذن
لكن..
لنفترض أن الغموض ما زال يكتنف
النهاية
إحدى النهايتين في الحقيقة:
التي فرّت كما الغراب إلى الغابة،
والتي لم يُعثر لها على أثر بين لَمعةِ المديةِ
بين الصورة الفوتوغرافيةِ
وجثة أغاثا كريستي
هذه هي النهاية (في النهاية)
كما في الحياة، كما في الأفلام:
عيونٌ تستعجلُ الخروج
إلى الحياة
قبل أن ترى أسماء القتلة
على بياض الشاشة.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> شكسبير في مطار هيثرو
شكسبير في مطار هيثرو
رقم القصيدة : 63343
-----------------------------------(67/457)
في صالة المغادرين بوّابةٌ خشبيةٌ
تخطف أعُين العابرين إلى زنازينها الضيقة
وأقبيتها المضاءةِ بكُحل الفوانيس
إلى الكؤوس المترعة بأنخاب الآلهة والشياطين
على الزيتيات والمائيّات
حيث الحياةُ في مهدها الأولِ، في لحدها الأخيرِ
قبل الإقلاع تتنفّسُ هواءها المخضرم،
هواءها الفوّاح بالرائحة الخالدة
لهاملِتْ
المعتّق بخيط الصباح وإبرته
في قميص الذاهلة عن رمّانتيها الجانحتين
بعطر Poème
في صالة المغادرين
حيث المسافرون المتعبون من التحديق
في الشاشات ومتاجر السوق الحُرّة،
من الرحلات الطويلة بين آسيا والأمريكتين..
من ملابس أطفالهم الوسخة،
وتبرُّم زوجاتهم البدينات ومن الجلوس على
المقاعد الفائضة بلافتات ممنوع التدخين
عندما تتأخر رحلةٌ إلى
كوالالمبور، أنتيغوا، دبي
فيلادلفيا
وكوبنهاغن
يدخلون تباعاً إلى عَبق الفارس والحصان
تباعاً..
لاحتساء قدحٍ من البيرة والضباب.
متحدثين عن بلدانهم المطيرةِ والقاحلة، مزايا اللوفتهانزا
والسنغافوريّة، أعباء الحياة التي تسوطها عصا الضرائب
والأحلام المثلجة في حَبَب الكؤوس..
وعن شكسبير صاحب الحانة الغائب
غاطسين في حكاياتٍ لا زُبدة في دموعها
إلاّ عندما قال لي مسافرٌ إلى فيلادلفيا:
يؤخرون الرحلات، في الغالب، لنتسوّق
ونشربَ البيرة
لنُصابَ
بجرثومةِ الحنين إلى الأصدقاء،
ونتصل ببطاقات فرانس تيليكوم
حتى لو كنا هنا في مطار هيثرو.
صدقني، صدقني يفعلون ذلك عن عمد
وإلاّ ما الداعي للنهوض مبكراً إلى موعد
مُؤجلٍ سلفاً؟
(قالها بمرارةٍ، ومضى إلى المرحاض)
إلى الهاتف..
حتى تتأخر في أحلامها ساعتين إضافيتين
هناك في فيلادلفيا
لكنه عاد يشكو من رنين الهاتف
الذي لا ليل لهُ ولا نهار
متحدِّثاً عن الخيانةِ بحركةٍ مسرحيةٍ
(لا بد منها كما يبدو!)
بعد أن خانتهُ العبارةُ في تذكُّرِ حكمةٍ
للملِك لير.
مُفكراً في بيرةٍ أخرى
علّها.. (علّ الفكرة)
تخفي دمعةً كان لا بدّ أن
تسيل من مآقي عُطيل.(67/458)
هكذا تساوينا في زنزانة شكسبير
مُنتَظرَينِ طائرين لا يطيران
لا إلى فيلادلفيا
ولا إلى كوبنهاغن.
مُنتظرَين، حتى تغيرت قائمةُ الإنتظار
على الشاشة:
اسطنبول، بانكوك،
بيروت،
هلسنكي، الجنّة
ومطار العودة المفتوح
إلى تفاحةٍ في حَلْقِ الجحيم.
مُنتظرَينِ طائراً واحداً في الحقيقة
طائراً..
ط ~ ا ~ ئ ~ ر ~ اً
حتى أفلس الجميعُ، واختفى طيفُ الملكة
من الجنيهات الإسترلينية
مُمرّرين (بمرارةٍ لا تخفى) بطاقات الفيزا
والماستركارد في الشق الإلكتروني لحاسبة
النادل السخية بعواطف البيرة.
طائراً طائراً
بعد خمس ساعات من الإنتظار
في الماء المنحوت كالطائر الحجريّ
في الغابة المُجاورة لوسادة ذكرياتهم
تذكروا،كالطائر الحجري، كأسلافهِ
بعد دهرٍ، بعد خمس ساعات..
أنّ تاجراً على ضفة النهر
يصطادُ الغابة ويُحصي دولاراتهم، هنا..
وهناك في البندقية.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> كلمات صاحب الحانة المُقترحَة على حافَّةِ الصحراء
كلمات صاحب الحانة المُقترحَة على حافَّةِ الصحراء
رقم القصيدة : 63344
-----------------------------------
هنا الضحكُ، هنا البدوياتُ
هنا الماء القراحُ والكحولُ. تلك صحراءٌ خارج الباب. هذا نمر ورقيّ يتبختر على الطاولةِ
(كما لو كان في الغابةِ،
ينامُ كما لو كان في العرين)
في الظهيرة أو في الليل، على جمَلٍ أو شاحنة جنودٍ، صاحين كنتم أم سكارى..
أناملي صَدوقةٌ، كهذا الرمل، في فاتورة الحساب
وكلماتي...
عندما تتناولون العشاء، عندما تهشّمون نظرة النمر بالشوكة والسكين
ثم تُدوّنون صوت الصحراء في آذانكم _
كلماتي فقط
هي ما تَصبُونَ إليه في المرّات القادمة.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> تكرار البكاء والضحك
تكرار البكاء والضحك
رقم القصيدة : 63345
-----------------------------------
هكذا تبكي وهكذا تضحك.
هكذا تبكي هكذا وتضحك هكذا، أنتَ
وهي.
بديهيٌ أنكما تضحكان وتبكيان..
(أنتما هكذا!)(67/459)
هكذا تضحكان وتبكيان
لكن لم البكاء والضحك؟ ولم التكرار؟
المللُ سيدٌ وعقابه أن يكون خدوماً (أي أن يكون مٌمِلاً)
وظيفته الأخرى، وظيفتهُ التي بدّدها في الأنهار
التي لم تفصح عن نبع البكاء
ومصب الضحك: أن يكون مَرحاً فقط.
أن يفرح ويبكي دون أن ينسى أنهُ
الملل.
لكنه، كما يبدو، مُخاتلٌ
كثعلب مل من الاستشهاد به في المناسبات.
مخاتلٌ يروي احتمالاً آخر عن
حَمَلِ المناسبة: ربما، ربما تكون
هي المخاتلة.
أما التكرار فتلك قصةٌ أخرى،
قصةٌ تنتظر الراوي بين النبع والمصب.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> نسينا حُبكَ للطيور..
نسينا حُبكَ للطيور..
رقم القصيدة : 63346
-----------------------------------
(سيرة حياة صالح بن أحمد القصيرة)
كنتَ طائراً يُرفرف منذ البداية
بجناحين لا تراهما عيوننا التي
ترى كلّ عينٍ، كل ليلٍ
عدا رفّة جناحيك .
كنت طائراً
لذلك فاجأتنا بحُبك المبكر للطيور المهاجرة
فاجأتنا ..
وربّيتها في البيت
أبعدتَ عنها المُواء والطنين
أطعمتها الحبوب وسقيتها الماءَ القُراح
كأنما لتقولَ لنا
بفصيح الإشارة:
أنا طائر.
فيما نقولُ عن قناعةٍ:
"تربيةُ الطيور لا تليق بك".
ونسينا ما علينا قولهُ لقناعتنا تلك بالذات.
نسينا أنك طائر
واقتدنا ريش قدميك
إلى شمس المدرسة وأشجارها .
نسينا..
ربما لتنسى الطيورَ التي احتمى بها حصانُ دَمِك
حتى آخر لحظة، حين أتى يومٌ ليس كالأيام،
يومٌ سمّموكَ فيه بأقراصهم الكيميائية
( الأقراص التي لا بد منها لإنقاذ جناحيك - كما قالوا )
كما يقولون للخارجين من بين أيديهم بالحياة
أو بدونها.
نسينا حُبّك للطيور، بعد أن شممنا الفورمالين، ولبسنا
الأقنعة والقفازات وخطوات الممرضات البيضاء..
نسينا، وسمّمناك من جديد بأضلاع مدرس الرياضيات
ومثلثاته المُحكمة بتزكيةٍ من فيثاغورس
تلك التي لم تكن (رغم التزكية والحكمة)
سوى أخماس في أسداس الحكمة.
كنتَ طائراً منذ البداية(67/460)
وككل الطيور.. داعبتْ خيالك الصغير أفكارٌ صغيرة
كفراشة حياتك: لم تكن الحكمةُ دليلك
ولا القناديلُ مسراك.
فاكهةٌ وعربةٌ صغيرة لبيع المرطبات
( ليس للذاهبين إلى الوظائف )
وإنما للفراشات الهاربة
من ألوان المدرسة.
لا أكثر ولا أقل من ذلك.
لا الفتاة ولا الأحلام
لا المستقبل الماضي كخنجرك المعلق على
الحائط في انتظار الأعياد...
ولا عربة الماضي التي خانها الحصان
قبل الوصول.
لا أكثر ولا أقل..
طائراً كنتَ حتى في النهاية
بين بحرين، بين شرق وغرب تنزفُ
أيامك المعدودات لتعود في قارورة جسدك
برماد الغابة السوداء..
بالريش
تذروه على صحرائك التي فَتحتْ بابها
لأول مرّةٍ، وأغلقتْهُ للمرّة الأخيرة
أجنحةُ طيورك.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> على حافّة النصيحة
على حافّة النصيحة
رقم القصيدة : 63347
-----------------------------------
قال - قبل أن يزلزلَ بعصاهُ
خطوات السفح:
عندما تلقي بك فلقةُ الزمان على قمَّةِ هذا الجبل
تحدث عن نفسكَ، تحدث
عن رمانة الشمس وعن وصيفاتها النائمات
تحت آيةِ الليل
عن دشداشتكَ المعصفرة بالصبر
كاللؤلؤةِ المخبأة بين زيت البندقيةِ
وتَمراتها الخمس في المخزين.
تحدثْ (بعد أن ألقى عصاه) عن القهوة المرّة
في كفّ ابتسامةِ الراعي
تُديرُ ينبوع الهواء في الكهف
عندما تلقي بك فلقةُ الزمان
كرفّةِ العقعق العالي
قُبيل طلقة الضحى.
ثم تحدث (في أرجوزةٍ من تأليفك) عن عدوٍّ
لا يُرى في هدير الطائرات العائدة إلى "بيت الفلج"
بعد أن تمسحَ عن ريشها اللامع
علامةَ الماء الخاشع في دم المحراب.
عن كل شيء، وعن أي شيء :
(عن انتظاركَ الطويل في بَرِّ الحِكمان لقروش القرنفل، عن الجمل النافق كالنصيحة المؤجلة في زنجبار، عن التمرة العذبة في ملح الغرقى عندما تجنحُ أبدانهم على ساحل الأبديَّة) بعدها..
بعدها، فكّر في شُح الذخيرة والماء. ثم استشِرْ
جراد المؤونة في الأمر، وفكّر من جديد: في صعوبةِ(67/461)
القصائد العصماء على مروّضي الحروب
حتى إذا ما أتاك الماءُ طائعاً
من فم البدويٍّ مُرهُ بالعودة إلى النبع.
مُرهُ ودعهُ
يمضي خفيفاً إلى حتفه.
وإذا ما أعيتك الحيلةُ، إذا ما أعيتك..
صوّب أحلامكَ أمام كهفك الأول.
صوّبها ببصيرةِ الأعمى..
وانتظر، بعد سقوط الرايتين، إماماً معمّماً
في الظهيرةِ، إماماً يغفو تحت غافةٍ، في طريقك
المزدوج إلى الفردوسين:
الجنةِ والجحيم.
هذه نصيحتي، ولا مزيد.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> سلحفاة غوغان
سلحفاة غوغان
رقم القصيدة : 63348
-----------------------------------
كنتُ في القمر ليلة الرابع عشر.
كنتُ جائعاً وكانت الحُمّى
برداً يرتعد على ذلك الساحل.
كنتُ جائعاً وكانت الطبيعة مُعلّقةً
على مخلب ذروتها في السكينة والصخب.
في الضحكِ الذي تتموج به أشباه الأحجار
المنقطعةِ ابتسامتُها في آخر موجة
في الغروبِ الذي يشبه شُروقاً
والمعدن الممزق في مخلب سرطان.
كنت في الصدى
وكانت الطبيعة في الحصاة التي دفَعتها
الأمواج لتصير سلحفاةً ينقصها الدم
ولا تنقصها النظرة.
سلحفاةٌ من صنيع غوغان..
من صنيع الخالق على الأرجح، من صنيعه
فقط
دنوتُ منها وتناولت من مخبأ السّر،
كاتم الأسرار وفاضحها بيضةً فقستُها في فمي
حتى أفل القمر وعادت الطبيعةُ إلى الله
ظافراً بطيف لغز كان يرعى عشبةً
مهجورةً في الضفاف.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> الحكمة وراء الباب
الحكمة وراء الباب
رقم القصيدة : 63349
-----------------------------------
الكلماتُ الحُمر والساطور
كتابُ الفرسان الثلاثة
الضّوء الزعفران
البيرقُ الأبيض والفتاةُ العاريةُ، جميعهم
كانوا في الكوخ.
لكنّ الحكمة ظلت وراء الباب..
والغامضُ الذي كان يصغي بأذنٍ واحدة
تحت الشجرة - ظلّ يُصغي بأذنه الأخرى
فوق الشجرة
حتى أنهُ فكّر مليّاً في كتاب الفرسان.
ظلّ يصغي... حتى أنه استلّ من صفحة
النوم فارساً بيد مبتورة(67/462)
غيّرَ مجرى السيل الذي سيسلكُهُ
كلّ على حِدة:
دمُ الجريمةِ ودمُ العقاب.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> قبيل بلوغ الحتف
قبيل بلوغ الحتف
رقم القصيدة : 63350
-----------------------------------
هذه حكايةٌ تركتها على العشب، على العشب
تركتها تحت الشجرة، وعدتُ
أحمل على ظهري، لا أدري، ذنوبها أم ذنوبي؟
عدتُ لا أدري، فتركتها هناك على العشب.
ساحباً تلك الليلة من حُلكتها، ساحباً تلك الليلة
نحو الموجة التي ابيضّت (من الألم ربما)..
وربما من اللذة قبيل بلوغ الحتف.
عدتُ، لا أدري، ناسياً حكايةً
تركتها على العشب، ولا أدري:
ذنوبُها على ظهري أم ذنوبي.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> قصيدة الأميرة
قصيدة الأميرة
رقم القصيدة : 63351
-----------------------------------
تبدأ الحكايةُ من هنا:
رحلةٌ لا معنى لها، رغم أنهم
في المطار ظنوا، كما يظنون
في العادةِ، أن ثمت هدفاً لكل
مسافرٍ يمهَرُ جَوازَ سَفرهِ ويُدخِلُ
شجرة العائلةِ وأزهارها في الحاسوب
الذي لا يُخطىء الحسبة إلاّ
هذه المرّة
أخطأوا جميعاً:
المايكروسوفت،
لوحةُ المفاتيح، وأصابعُ الجمركيّ.
***
من هُنا تبدأ الحكاية:
من هنا، كما يحدثُ في ألفِ ليلةٍ وليلةٍ،
من هنا، حدث في الرحلة التاليةِ ما لم
يكُن في حسبان الحاسوب.
كانت في انتظاري:
في انتظاري على بُلبُل
الهاتف النقّال:
أوصيتهُم، يا حبيبي، أوصيتُهم بِجناحٍ يليقُ
بعاشقٍ يُخفي حماقاته وراء نظارة
بولارويد، حماقاته التي لا تخفى على
أحَدٍ في ثُقوبِ الجينز الأسود.
سآتيكَ في سَوادِ عَباءتي، سأضغطُ
زرَّ الطابق الرابع
ثُم
ستصلُك الرائحةُ قبلَ الخُطوات.
لا أنسى أن خِماري هذا وخمرتُكَ تلك قد غابا عن بالِ
ميشيما، غابا عن بالِهِ في شمسِ الإعتراف المُتبادل
للأقنعة.
(هل أُسمّي هذا، يا حبيبي، اعترافاً؟)
ليس حيث نمارسُ أفانين الحُب على سريرك، ليس حيثُ(67/463)
نمارسهُ بداوةً مهجورةً على جسدي وجسدك في الصحراء
التي اشرأبّتْ من النافذة، إنما عندما نعبُرُ البهوَ أمام
موظفي الاستقبال (ذوي الياقات والفراشات السوداء)
الذين قبل أن يدهشهم ما يحدث يبتسمون أمام دهشتهم
تلك..
حيث على الإبتسامة أن تنحني، تماماً، كالوظيفة.
***
حبيبي، حبيبي
إرنست همينغواي كان يبتسم في رُخام تمثاله
أيضاً.
يبتسم أكثر من بريق الرخام في عين السمكة
والصياد.
يبتسم، وابتسامتُهُ لا بُدّ منها كما يبدو
حتى تُمطر سماءُ هذه الليلة
لا بُد منها سماءُ هذه الليلة
حتى تُمطر،
وحتى نكون رومانسيين أكثر من المطر
هيّا بنا إلى الجنّة
إلى ظِلال الخطيئة
هيّا،
هيّا بنا ياحبيبي.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> لا غرابة في الأمر حتى هنا
لا غرابة في الأمر حتى هنا
رقم القصيدة : 63352
-----------------------------------
بقمصانٍ مشجّرة يعبرون بين حانةٍ وأخرى، بعد أن تحطّ
بهم الطائرات من أصقاع الأرض، بقمصان مشجّرةٍ وفانلات
تحمل شعارات ترويجية عن مفاتن الجزيرة
(بالإنكليزية في أغلب الأحوال) وبالرموز التي يبتكرها
قسم الدعاية والإعلان في فيليب موريس إنكوربوريشن.
يعبرون، ولا غرابة في الأمر حتى هنا، لا غرابة.
لكنَّ سائحاً بين الجموع مرَّ أمامي وعلى ظهرهِ
بالعربية الفصحى هذه العبارة:
يعملون، في الوقت الذي
يلعب فيه الآخرون كرة القدم.
مرّ أمامي، بالعربية الفصحى
فيما الآخرون يَعبُرون بين
حانةٍ وأخرى.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> نصيحة المتنبي في الهليتون
نصيحة المتنبي في الهليتون
رقم القصيدة : 63353
-----------------------------------
نقفز اللحظة قبل الأخيرة في المترو..
في التاكسي، ثم ننسى مهارة الهبوط بالمظلات في البهوِ
حيثُ ننسى حيواناتنا الأليفةِ، في الغرفةِ
حيثُ تتذكَّرُنا واحداً واحداً (أنا وأنتِ)
كضفَّتي نهرٍ، هنا أو هناك..
كشطري بيتٍ(67/464)
تناثرت أحجارهُ طويلاً، ثم نامت على وسادة الدهرِ
حتى نام الدهرُ على وسادتها..
وصَحا علىنصيحة المتنبي:
لا تلق دهرك إلا...
ثم تفصلنا الطرقاتُ، عينُ الرقيب وجفافٌ قبل المصبّ في الحلق
عندما يختنقُ الهاتف بصوتينا المبحوحين،
بل بالكلمات ذاتها التي تسيلُ في الفواتير الباهظة
كالسيل على مُنحدَر (تدفعينها أنتِ فيما مضى)
تدفعينها أنتِ، عندما كانت الأسلاكُ تنسى
وتداعبنا أحياناً:
كُفّا قليلاً.
تعبنا من أزيز الكهرباء الذي يقرص الخاصرة،
من العازل الطبيِّ المضمَّخ بالعطر
والمنحدرِ الذي ما عاد في مكانه بعد أن هبّت
ريحٌ أخرى، بعد أن ذبُلت أزهار السيل..
واقتفى المتنبّي آثار قافيته
كُفّا، كُفّا قليلاً..
(ولم نكُفّ حتى اليوم)
في خُرجهِ أثرُ القافية..
في حقيبتكِ بطاقةُ الباب الممغنطة
وفي رأسي هذا (كلّما نسيتُ النصيحة)
أرقامُها السّرية .
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> فتاة اليونيسيف
فتاة اليونيسيف
رقم القصيدة : 63354
-----------------------------------
في 10/3/2541 من عام النّمر التقينا.
في ليلةٍ كان عليها أن تدور على الحانات بحثاً
عن متبرع لصالح الطفولة الشقية. أنا وفتاة اليونيسيف
المتطوعة لاستجداء السياح
بضعة قروش (مقابل طيف بوذا أو تمثال للملك).
وعدتُها بضعف المبلغ المقترح للمنظمة ليلة محفل القمر المكتمل.
تمنَّعت في البداية، لكنها رافقتني في الطريق المظلم إلى جنّة
الساعة الواحدة.
مختاراً طيف بوذا تذكاراً لا ينسى
من اليونيسيف، بعد أن توقفت المروحةُ
وتصبّب العرقُ في الشرشف،
مبجلاً تعاليمهُ في جنّة الساعتين.
هكذا كان الوداعُ، دون أن يخطر
في بالي طيفُ ابتسامةٍ، في نوم
الصباحات التالية، يطلّ من البحر بزهرة أوركيد
وتمثالٍ جديدٍ للملك.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> غلمان الباوهاوس
غلمان الباوهاوس
رقم القصيدة : 63355
-----------------------------------(67/465)
يذهبون إلى الحياة ولا يعودون إلاّ في منتصفات الليالي
إلى الليالي، ولا يعودوٍن إلاّ في منتصف الحياة
غلمانُ الباوهاوس، في الرقصة الأخيرة يذهبون..
ولا يعودون إلاّ بالجوهرة، يذهبون ولا يعودون
إلاّ بعمر الخيام مختوماً كعلامةِ البلاك ليبل في القناني،
وبالفتيات الفاتنات في إيوان نظّام المُلك، يعودون
إن دعت الحاجةُ إلى حشيش أو قاتل محترف
يقتلع الفردوس من أطرافه، بوعد سكّيرٍ
نسي الكلمةَ وأسعفته المدية. إن دعت الحاجةُ،
إن دعت..
دون أن يعرف الآمر الناهي شيخُ الجبل حسنُ الصّباح.
شعراء الجزيرة العربية >> محمد الحارثي >> فسيفساء حواء
فسيفساء حواء
رقم القصيدة : 63356
-----------------------------------
التي ولَدَتْنا
وتركتنا في رنين الصرخة.
التي قبل أن نولد
ضحكت وبكت.
التي نسيت الوصية
فطفقت تخصف عليها
من ألسنة النار.
التي شذّت
فاستبدّت
التي استقامت
فسادت
التي تنفست الأكسجين في الأعالي
(حيث المجد لهُ وحده)
النُّفساء التي تنفست الماء
والخمر
والحليب
والعسل.
الطافيةُ في النّهر
الغانيةُ في الجاهلية
اللعوب في الكنيسة
القديسة في الحَبَب
التي في المسجد والعسجد
التي في المبغى والمعبد
التي بين شجرتين
التي في بئرين
التي بين نهدين
تجدل، في نسياننا، ماءً
وضفيرتين
التي تُنالُ ولا تُطال
الصامتةُ عندما تُقال
التي عنا تمضي
ثم إلينا تعود.
التي ببنطلون جينز ضيق
في الحديقة الخلفية للجنة
سرقت من الملائكة نظراتهم
وما غضِب الله.
حوّاءُ البدء
حوّاءُ البادية
حوّاءُ الأفعى
حوّاءُ نيويورك
حوّاءُ الكتابِ
حوّاءُ سومطرة
حوّاءُ الصليل
حوّاءُ المقصلة
حوّاءُ بانغ كاو
حوّاءُ كازابلانكا
أم قابيل وهابيل
زوجة آدم في الجنة
وعشيقتُهُ في الجحيم
أم ريشة الهنود الحُمر
وأم سرغون الثاني
أم بوذا وتوت عنخ آمون
أم موسى وعيسى ومحمد
أم الصعلوكِ
والشجرة
أم الرضيع والمسلّح والأدرد
أم المليونير ينسى أمّه
أم الطاغية والباغية(67/466)
أم الكلوشار في الأندرغراوند يعزف
غيتاراً بين كاميرا اليمين وكاميرا اليسار
(بالضبط، حيث لا تراهُ العدستان)
زوجةُ آدم في الجنّة
وعشيقته في الجحيم.
التي من ضلعهِ
وفيما بعد، من مَنيِّه.
الصليبُ المصلوب في صُلبه.
الترابُ الصقيل في ترائبه.
التي في الشق والوتد
التي في الإبرة والمِغزل
التي
في الغزالةِ
ت ~ ر ~ كُ ~ ضُ
وفي السهم تسهو
التي في القوس دائراً حول
فكرة القميص.
التي في القميص، بلا فكرة دائرة.
التي في الكبرياء تبكي
وفي الذّلِّ تضّاحك
التي تتسوّق في هارودز
وتعرى في تمبكتو..
التي في القلم في الدمعة على جفن الواحة في الدفتر في محطة البنزين تحت النخلة في المطبخ على الساحل في بار نيغرسكو في المتحف البريطاني حول الرائحة في الظلِّ تحت الشمس قرب رسائل الحُب في الشمس تحت قوس النصر فوق طابع البريد تلوّحُ بالراية من الشرفة وتلحس الآيس
حواءُ الذكر
وحواء الأنثى
المانكان والمكنة
الغريقة وحبلُ الإنقاذ
العين والشفة
القُبلة واللعاب
اللوحةُ والصورة الفوتوغرافية
مارلين مُونرو والجيوكندا
مريمُ العذراء ومومس بانكوك
تتبادلان الريشةَ والعدسة
الموناليزا وغريتا غاربو
تتبادلان الحائط الأبيض
الليدي دي والسيدة فيروز
(معاً، ولا تتبادلان شيئاً).
الرفيقةُ في الحياةِ والممات
في الجمجمةِ والموديل
(رفيقةُ أراغون وعُمر بن أبي ربيعة)
رفيقتنا على الشاشة
إن فاضت القُبلة في الظلام ببياض المنِيّ
الذي
لكثرتهِ تبيضُّ الشاشةُ
وتمضي مادونا إلى الظلام.
رفيقتنا
رفيقتنا
في النضال والسرير والسريرة
في حطين وبدر وواترلو
في راية العلمين
في ربيع براغ
في خريف تشي
في شتاء سايغون
في تموز بغداد
وهافانا فيدل.
حواء البيت وحواء الحقل
حواء الديناصور وحواء ال G.S.M
حواء القنينة وحواء الشمعة
حواء البورصة وحواء الخادمة
حواء الصلعاء وحواء ال CITY BANK
حواء الرومانس مُنسلاًّ من
شرشف قصيدته
حواء الأكذوبة العذبة
العذبة تلك الأكذوبة(67/467)
العذبة تلك..
العذبة حتى
حتى لو كنا..
لو كنا نعرف
نتمنى
ونتمنى
ألاّ نعرف.
التي نهديها الذهب
فتعيد سِلال الفضة إلى المناجم
التي ننساها في الفحم
فتبعثها العنقاء
التي تنسانا،
فلا تطل من الشرفة
التي تتذكرنا أحياناً فترمي الوردة حمراء
شرفة صديقتها
حتى لو كانت وحيدةً
في فيلم بلاك آند وايت.
القرصانةُ والمقروصةُ في الخاصرة.
البرجُ والبئر في غفلةٍ عن
الهواء المزدوج.
الجبل والبحر غريبان عن فِطرة النهر
عندما يتزوج.
الساحةُ مليئةً بها، مهما
تكاثر الرجال حول الجمر.
النار والرماد
النهر والنهروان
المتاهةُ والدليل
العاصفةُ بعد المَيل
والهدوء، وحيداً يشربُ ماء النيّة
بعد العاصفة.
الطفلةُ في الطفو
العجوز في التجاعيد
وفي الحكمة إذ تحتكم
إلى النوم.
القبلةُ والقابلة
الآنسةُ والسيدة
السيدةُ والأنس
العانسُ، أحياناً
والثيّبُ وهي العروس.
العذراء في الصِّفة
المنحوتةُ في ألم الإزميل
الفراشةُ والحنينُ إلى فِراشٍ
حتى لو كنا فيه معها، وعرايا
اللقيطةُ والحُرّة
القلادة والأيقونة
اليقين والشك
العلبةُ والمثلث
الببغاء والغيبوبة
الماء الحرام والخمرة الحلال
الأسدُ الباكي في الشجاعة
البقرةُ الضاحكةُ في الجبن
حليبُ النيدو وضرع الناقة
زوجةُ الهند وجوزةُ الهند
ذات المئزر والجلاّبة
ذات المايوه والعباية
الناهيةُ الآمرة
القاهرةُ المقهورة
مدبرةُ الإنقلابات
غاضّةُ الطرف عن النتائج
عندما تعوي ونستلذ في السرير
عندما تعوي..
لنعيد الكرّة
لنستدرج الحربَ إلى الوطيس
لنشمّ رائحة الدم
دمِها القليل في الوغى
دمها الأقل على شرشف السرير
دمها النادر بعد قفل الهزيمة
ومفتاح النصر
دمها المنتصر، وحدهُ، بعد كلّ حرب.
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> مدوّر الهيّن
مدوّر الهيّن
رقم القصيدة : 63357
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يامدور الهيّن ترى الكايد أحلى
و أسأل مغنّي كيادات الطروقي
الزين غالي لكن الأزين أغلى(67/468)
و الكلّ شرّاي ٍ بضاعة وسوقي
النوّ عالي و السما فوقه أعلى
و لا فاق علم ٍ جاه علم ٍ يفوقي
الصعب هلاّ قلت يا صعب سهلا
دامك تبيني فأنت يا صعب شوقي
أحب اعسف المهرة اللي تغلّى
و أحب أروّض كل طرف ٍ يموقي
و أحب أسافر مع سحاب ٍ تعلّى
و أحب فوق الغيم لمع البروقي
و أحب أساهر بدري اللي تجلّى
و ارسم شعاع الشمس عند الشروقي
يا من على ثاير فؤادي تولّى
خلّك على قلب الكرامه شفوقي
أكرم عزيز ٍ بالعمر مستذلاّ
يسوق عمره للمشاريف سوقي
اخترتك من الناس للقلب خلاّ
يا حيثك مرادي و كيفي و ذوقي
ما رحت أدوّر كل زول ٍ تحلّّى
لولاك تسوى ما عطيتك خفوقي
......
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> المعاناة
المعاناة
رقم القصيدة : 63358
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ياليل خبرني على أمر المعاناة
هي من صميم الذات ولا أجنبيه
هي هاجس يسهر عيوني ولا بات
أو خفقه تجمح بقلبي عصيه
أوصرخه تمردت فوق الاصوات
أو ونة وسط الظماير خفيه
أوعبرة تعلقت بين نظرات
أو الدموع الى تسابق هميه
أعانى الساعه وأعانى مسافات
وأعانى رياح الزمان العتيه
وأصور معاناتى حروف وابيات
يلقى بها راعي الولع جاذبيه
ولاني بندمان على كل ما فات
أخذت من حلو الزمان ورديه
هذي حياتي عشتها كيف ماجات
آخذ من أيامي وأرد العطيه
....
....
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> أستكثرك
أستكثرك
رقم القصيدة : 63359
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أستكثرك وقتي على وغدا بك
عادة زماني كل ما طاب هون
ليت الذي وداك يزين جابك
تشوف عقبك كيف الأيام سون
شرق مشيت وغرب وقتي مشابك
والقلب ماله لئيم فيك لون
عقب إلهنا بك ذاق لوعه عذابك
تلونت دنياه ولا تلون
طويتني طي الورق في كتابك
حتى مغاليق الحش لق تطوون
اشتقت لأيام الهوى في جانبك
يوم الشموع بليل الأحباب ضوت
واشتقت أقول لهاتفك مرحبا بك
واشتقت لغيوم الصحارى تكون(67/469)
عوا ترى داع الهوى عند بابك
وأروى القلوب الى بعد ماترون
غنيت لك عمري ولاجا جوابك
واسمي مع مجنون ليلى تذون
....
....
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> يالله دخيلك
يالله دخيلك
رقم القصيدة : 63360
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ستّل جناحه ثمّ حام يرقى على متن الهوى
يزفّه بعيد ٍ و أنا محدود في حدّ النظر
له بالهوى شف و مرام يلعب مع الغيمة سوا
و لا جناح ٍ لي و أطير و الأرض صارت لي مقر
فكري تغشّاه العسام أمسيت و فكري ما ضوى
الأرض كفر ٍ من الونس و الليل من فرحي قفر
طيري ضرب جوّ الهيام ولو دعيته ما ألتوى
عزّي لمن طيره غدا ولا له من أمره مفر
شبّيت ضوّي في الظلام في صحصحٍ ذيبه عوى
مالي أنيس إلا النجوم أو نور وضّاح القمر
خالي وكنّي في زحام قلبي تلهب و أنشوى
ما عاد أميّز بالحشا ولا على ضوّ الجمر
وين أنت يا داعي سلام وين أنت يا بايع دوا
ردّوا لي النومه ترى فالعين جلاّد السهر
دوّرت في الشدّه حزام ولا لقيت اللي قوى
يالله دخيلك ما لقيت اللي نشد به الظهر
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> اللي تودّه
اللي تودّه
رقم القصيدة : 63361
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
إلى منه جفاك اللي تودّه
ولا تدري وش الّلي عنك صدّه
تجرّع مالح التعبرات واصبر
ترى كثر الشكاوى ما تردّه
وإلى من الّليالي عوّدت به
تغانم كل فايت واستردّه
حذار تنشغل بعتاب خلّك
ترى كثر العتب يمحي المودّه
ليالي العمر لحظاتِ قصيرة
وما ودّعت منها لا تعدّه
تنهَض مثل صقرِ مد شوفه
غداة الصبح روحه مستهدّه
وإذا حوّل على جول الحباري
تولَّى خربها وإن طار ردّه
ترى الرجَال يثبت للشّدايد
إذا ما هدّها وإلاّ تهدّه
.....
.....
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> في سحابه
في سحابه
رقم القصيدة : 63362
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
في سحابه ..
على متن التمني
شفت عمري(67/470)
خيال في سحابه
يا ذهابه ..
تعدى ما ارجهن
كن عامه
نهار يا ذهابه ..
من غدا به
ربيع العمر مني
حسبي الله
على وقت غدا به ..
إلتوى به
رجا قلب يون
ويل قلب تعلق والتوى به
في شبابه ..
حبس نشواه عني
ما تهيا لذيذه في شبابه
ذا صوابه
عقب ما هو طعني ..
لو نسيته يذكرني صوابه
من هقابه ..
يخيب كل ظني
واعذاب الخفوق اللي هقابه
رد بابه ..
زماني وامتحني
يوم ثور عجاجه
رد بابه
يا ربابه ..
على المسحوب غني
من قصيدي
بكى قوس الربابه
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> أجاذبك الهوى
أجاذبك الهوى
رقم القصيدة : 63363
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
اجاذبك الهوى و أطرب و أغنّّي
و أبادلك الغرام بكلّ فنّي
و اشاهد صنعة الله في جمالك
و حكم الذي فيك امتحنّي
و أشوف الودّ فعيونك و لاكن
يرد الودّ خوفٍ فيك منّي
ولا أدري وش يخيفك يا حبيبي
و أنا بك مغرمٍ جاك متعنّي
ولو أنك تلاحظ شفت عيني
و هي تروي حديث الحبّ عنّي
تنعّم دام توّك في شبابك
ليالي العمر ما قطّ أمهلنّي
تعال أسقيك من جدول غرامي
شرابٍ فيه للعاشق تهنّي
و اهيم بكل سماوات المحبّه
الين أنك بعد مثلي تغنّي
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> في غير الزمان
في غير الزمان
رقم القصيدة : 63364
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
في غير الزمان
في نفس المكان
مرتني الذكرى و انا واقف
في نفس المكان
في غير الزمان
ياما ياما ضحكت أيام لكني بكيت
ياما ياما حلمت أحلام لكني صحيت
منها ابتديت و فيها انتهيت
الا من الذكرى
قالت لي الذكرى كلام عني ... والله بغيت انساه
و صاحت ربابة شوق و اثر النغم مني
يشكي و أنا شكواه
و غنى صوت في لحظة فرح
و هلت عين و قلبي انجرح
في عينها نظرة عتب
و بصوتها جرح و تعب
و شفت ابتسامة عليها هلت الدمعة
و نظرة ملامة من الماضي على ربعه
و انا مع الذكرى
في نفس المكان في غير الزمان
تعطيني الذكرى و لا تاخذ أبد(67/471)
تحكيلي الذكرى و لا تسمع لاحد
و انا عندي كلام ممنوع حتى عن الخاطر
لا ياخذه أمسي و لا يقبله باكر
مقدر أوضح غايب الصورة
و لا أزود للمسا نوره
الله الله يا ذكرى
الله يا ذكرى ياما فهمتيني خطأ
ياما قدم رجلك على جمرك خطا
و اليوم هيضني هواي
أمشي و لا ادري وش بلاي
هو من شقاي اللي مضى و الا هناي
و انا مع الذكرى
في نفس المكان
في غير الزمان
.....
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> في غربتي
في غربتي
رقم القصيدة : 63365
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
في غربتي ، عارضت أنا ركب الأغراب
أشد.. وأنزل .. والليالي ركايب
أضداد .. وأقران وعدوان .. وأصحاب
متناقضات الخلق .. ماغاب غايب
أسهر معا تهويم نجمات الأحباب
حتى يصير النجم بالصبح غايب
أصبح على فجرٍ ضحوكٍ ..وعجاب
وأمسي على همسات، ستر العجايب
وقامت تجاذبني على درب..الأسباب
نفس الشباب..يحدها عقل اشايب
مشيت في رمضا..وسنّدت بهضاب
وعارضني سيول ،وهبّت هبايب
وأمسيت في صحرا..و قيّلت في غاب
ومن طاول الغربات،شاف العجايب
مرتني الدمعه، بها الوجد ماذاب
في غربة الأشواق ، راحت هبايب
مرتني البسمه، تقل فوقها حجاب
وراك خجلي يارسول الحبايب
والحب.. مريته غريبٍ على باب
عقب القصور ..أمست قصوره خرايب!!
بغيت أسلي خاطره .. عقب ماشاب
لقيت ماله بالتسلي طلايب
أقفى مع المقفين .. وجلٍ ومرتاب
على عقوق الوقت ،بالحيل عايب
في غربتي.. مريت رجلي وركاب
أرزاق .. من رب الخلايق ، وهتايب
....
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> الله أكبر
الله أكبر
رقم القصيدة : 63366
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
الله اكبر كيف يجرحن العيون
كيف ما يبرى صويب العين ابد
احسب ان الرمش لا سلهم حنون
اثر رمش العين ما ياوي لاحد
يوم روّح لي نظر بعينه بهون
فز له قلبي وصفق وارتعد
لفني مثل السحايب والمزون
في عيوني برق وبقلبي رعد
نقض جروحي وجدّد بي طعون(67/472)
قلت : يكفي قالت عيونه بعد
وانعطف هاك الشعر فوق المتون
وانثنى عوده وقفى وابتعد
اشغلتني نظرة العين الفتون
حيرتني بالتوعد والوعد
هي تمون العين والا ما تمون
لى خذت قلبي وقفت يا سعد
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> طال السفر
طال السفر
رقم القصيدة : 63367
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
طال السفر
والمنتظر مل صبره
والشوق با محبوب في ناظري شاب
رد النظر
خليت بالكف جمره
سعيرها في داخل القلب شباب
عز الخبر
والمهتوي ضاق صدره
يا من يرد العلم عن هاك الأحباب
طيفه عبر
ما أرسل مع الطيف عذره
هو خاطره من لوعتي ما بعد طاب
هو ما ذكر
أن الجفا فيه كسره
للخافق اللي من هوى صاحبه ذاب
يا ما سهر
طرفي على حبس عبره
اردها والوجد للدمع جذاب
دمعٍ حدر
جاله على المنع جسره
عظيم وجدي للدمع شرع الباب
يوم وشهر
عزاه والعمر مره
والناس واجد لكن الولف غلاب
......
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> لو نسيت
لو نسيت
رقم القصيدة : 63368
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
لو نسيت العمر ما انسى دمعتك
صرخة ذابت من عيونك دموع
ترتعش مرتاعة في وجنتك
وانتفض قلبي لها بين الضلوع
أزعجت صمت الليالي عبرتك
بالخفا ثوره وبالظاهر خشوع
تسكب الدمعه وتظمى نظرتك
مشهد النظرة وهي تظمى يروع
يا ضياع العمر ضيعة بسمتك
ضاع معها خافق مثلك جزوع
ليت من يمتص جارح لحظتك
والفرح يشعل دياجيرك شموع
....
....
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> تدلل علينا
تدلل علينا
رقم القصيدة : 63369
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
تدلل علينا ياسمي الظبي وش عاد
تدلل ولك بامر الهوى شافع عندي
ولك في خيال الشاعر المهتوي ميعاد
ومجلس على غيمة وليلة قمر نجدي
اسافر معك لبلاد وانزل معك في بلاد
ومن غيمة لغيمة ولا للسما حد،
رسمتك ضحوك الفجر يافرحة الاعياد
ولمعة شعاع ينغمس في ندى ورد(67/473)
وغنيت بك صوت لقلب الهوى ميلاد
ونغمة غرام ذاب في لحنها وجدي
اشوفك مطر هتان لا برق لا رعاد
من الوسم يبعث بالصحاري زهر ودي
احبك وصل وبعاد احبك رضا وعناد
ولايختلف وعدي ولاينتقض عهدي
.....
....
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> دستور
دستور
رقم القصيدة : 63370
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
دستور يالساحل الغربي
فلّيت في بحرك شراعي
ياموج هوّن على قلبي
داعيه من شطّكم داعي
اللي لها مبسمٍ عذبي
رعبوب و عيونها وساعي
مملوحه زادها ربّي
لفتة ظبي يوم يرتاعي
لو ما تهيّت على دربي
لقتني بدربها ساعي
حنّيتها من حمل ذنبي
لى مت وعيونها تراعي
...
...
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> خذاك الزمن منّي
خذاك الزمن منّي
رقم القصيدة : 63371
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
خذاك الزمن مني
وترك لي أشواقي
ليته خذا ذكراك من كل أوراقي
السهر ولا حياتي ليتها دمعة قهر
تذكر أيام القمر كيف السهر أصبح سهر
كيف الأماني اصبحت شكوى عمر
ليه انطفى فيك الزمان
ليه اختفى فيك الأمان
خذاك الزمن مني
يا روعة الماضي ولوعة حاضري
يا بهجة الخافق ومتعة ناظري
تذكر الحب الأمل قبل يصبح
ذكريات
تذكر الفرحة ولهفاتي عليك
أسبق الموعد عليك
لحظة الشوق الكبير
والخفوق اللي من اللهفة يطير
ورقصات الدقايق عند الوعد
وهمسات الحقايق قبل الوعد
ليه انطفى فيك الزمان
ليه اختفى فيك الأمان
الله على وقت مضى
فيه الرضى
فيه العيون اللي تعانق أحباب العيون
فيه الخليل اللي على خله يمون
حتى الظنون ما تختفي
فيه الهوى نشوان
فيه ابتسامات الزمان
أحكي الهوى واشكي النوى
وأساهر القلب الأليم
بعد الهنى
بعد ما كنا سوى
لايمي الحب العظيم
ليه انطفى فيك الزمان
ليه اختفى فيك الأمان
.....
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> قلبي اللي
قلبي اللي
رقم القصيدة : 63372
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------(67/474)
قلبي اللي لواه مْن الصواديف لاوي
جرّحته الليالي و الحظوظ الرديّه
و الله أنّي بوسط الناس كنّي خلاوي
من يلوم المفارق عقب فرقا خويّه
أشهد ان المفارق من عظيم البلاوي
مير هذا نصيبك يالعيون الشقيّه
أتجلّد و أقول أنّي على البعد قاوي
و الله أعلم بقلبٍ فيه الأشواق حيّه
كيف راحت يابو تركي حياتي شقاوي
وين درب السعاده و الحياة الهنيّه
ليت لأهل الهوى و الحب قاضي دعاوي
كان أداعي عيون اللي فراقه خطيّه
كنّي المبلي اللي قطّعته المكاوي
كلّما جظّ بالونّات زادوه كيّه
...
...
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> يا صقر
يا صقر
رقم القصيدة : 63373
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ياصقر و اهنيك لك جناح تطير
لى طرى لك نزعت وطرت يم الهوا
بين قلبي وبينك فرق والله كبير
لى كفخت انطلقت ولى كفخت التوى
انت حايم وانا بالقاع دوبي اسير
في صحاري زماني ذيب ليلي عوى
فوق جوك سحاب وحدر جوي هجير
القدم فوق رمضا والخفوق التوى
الحذر يا صقر لا يشبكونك اسير
ويل صقرٍ يتله مربطه لى نوى
برقعته اللّيالي فوق وكرٍ قصير
عقب صفقه جناحه بالهوا لى اهتوى
كل حرٍ الى ضاق انتهض للمطير
حومته بالسما ساعة لقلبه دوا
واعذاب الجناح اللّي يجره كسير
كّلما فزّ مكسور النواهض هوى
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> الونّه
الونّه
رقم القصيدة : 63374
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
اونّ ورياح الليالي تونّي
و البرد في جوفٍ كما الغار خاوي
ما كنّ لي عقلٍ ولا قلب كنّي
جذعٍ وقف في وجه الأيام ذاوي
وبي عبرةٍ محبوسةٍ تمتحنّي
في عيني وْحلقي و صدي شكاوي
وبي من قديم الوقت جرحٍ مكنّي
وبي من جديد أيام وقتي مكاوي
ان قلت زانت خالف الوقت ظنّي
و أن قلت هانت عاجلتني بلاوي
اجامل ايام ولا جاملنّي
هامت بي الدنيا هيام الخلاوي
و الوقت جاير و الليالي أسهرنّي
و الحزن ما بين الضلوع مْتلاوي
أون وكلٍ يحسب أنّي أغنّي(67/475)
عليل و كلٍ يحسب أنّي مداوي
...
...
شعراء الجزيرة العربية >> خالد الفيصل >> بنت الكحيلة
بنت الكحيلة
رقم القصيدة : 63375
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
بنت الكحيله مهرتي
وخيالتي من كل اصيل
ألقى عليها طربتي
بين المعنق والشليل
صدر وقطاة فلوتي
العنق والساق الطويل
وقع الحوافر نغمتي
وحداتنا رجع الصهيل
أبوي وجدي قدوتي
لو ما لهم عندي مثيل
بالدين تفخر عزوتي
والرمح والسيف الصقيل
ماكر حرار ديرتي
ما في هل العوجا ذليل
....
شعراء العراق والشام >> أحمد مطر >> أحاديث الأبواب
أحاديث الأبواب
رقم القصيدة : 63376
-----------------------------------
(1)
(كُنّا أسياداً في الغابة.
قطعونا من جذورنا.
قيّدونا بالحديد. ثمّ أوقفونا خَدَماً على عتباتهم.
هذا هو حظّنا من التمدّن.)
ليس في الدُّنيا مَن يفهم حُرقةَ العبيد
مِثلُ الأبواب !
(2)
ليس ثرثاراً.
أبجديتهُ المؤلّفة من حرفين فقط
تكفيه تماماً
للتعبير عن وجعه:
( طَقْ ) !
(3)
وَحْدَهُ يعرفُ جميعَ الأبواب
هذا الشحّاذ.
ربّما لأنه مِثلُها
مقطوعٌ من شجرة !
(4)
يَكشِطُ النجّار جِلدَه ..
فيتألم بصبر.
يمسح وجهَهُ بالرَّمل ..
فلا يشكو.
يضغط مفاصِلَه..
فلا يُطلق حتى آهة.
يطعنُهُ بالمسامير ..
فلا يصرُخ.
مؤمنٌ جدّاً
لا يملكُ إلاّ التّسليمَ
بما يَصنعهُ
الخلاّق !
(5)
( إلعبوا أمامَ الباب )
يشعرُ بالزَّهو.
السيّدةُ
تأتمنُهُ على صغارها !
(6)
قبضَتُهُ الباردة
تُصافِحُ الزائرين
بحرارة !
(7)
صدرُهُ المقرور بالشّتاء
يحسُدُ ظهرَهُ الدّافىء.
صدرُهُ المُشتعِل بالصّيف
يحسدُ ظهرَهُ المُبترد.
ظهرُهُ، الغافِلُ عن مسرّات الدّاخل،
يحسُدُ صدرَهُ
فقط
لأنّهُ مقيمٌ في الخارِج !
(8)
يُزعجهم صريرُه.
لا يحترمونَ مُطلقاً..
أنينَ الشّيخوخة !
(9)
ترقُصُ ،
وتُصفّق.
عِندَها
حفلةُ هواء !
(10)
مُشكلةُ باب الحديد
إنّهُ لا يملِكُ
شجرةَ عائلة !
(11)
حَلقوا وجهَه.(67/476)
ضمَّخوا صدرَه بالدُّهن.
زرّروا أكمامَهُ بالمسامير الفضّية.
لم يتخيَّلْ،
بعدَ كُلِّ هذهِ الزّينة،
أنّهُ سيكون
سِروالاً لعورةِ منزل !
(12 )
طيلَةَ يوم الجُمعة
يشتاق إلى ضوضاء الأطفال
بابُ المدرسة.
طيلةَ يوم الجُمعة
يشتاقُ إلى هدوء السّبت
بابُ البيت !
(13)
كأنَّ الظلام لا يكفي..
هاهُم يُغطُّونَ وجهَهُ بِستارة.
( لستُ نافِذةً يا ناس ..
ثُمّ إنني أُحبُّ أن أتفرّج.)
لا أحد يسمعُ احتجاجَه.
الكُلُّ مشغول
بِمتابعة المسرحيّة !
(14)
أَهوَ في الدّاخل
أم في الخارج ؟
لا يعرف.
كثرةُ الضّرب
أصابتهُ بالدُّوار !
(15)
بابُ الكوخ
يتفرّجُ بكُلِّ راحة.
مسكينٌ بابُ القصر
تحجُبُ المناظرَ عن عينيهِ، دائماً،
زحمةُ الحُرّاس !
(16)
(يعملُ عملَنا
ويحمِلُ اسمَنا
لكِنّهُ يبدو مُخنّثاً مثلَ نافِذة.)
هكذا تتحدّثُ الأبوابُ الخشَبيّة
عن البابِ الزُّجاجي !
(17)
لم تُنْسِهِ المدينةُ أصلَهُ.
ظلَّ، مثلما كان في الغابة،
ينامُ واقفاً !
(18)
المفتاحُ
النائمُ على قارعةِ الطّريق ..
عرفَ الآن،
الآن فقط،
نعمةَ أن يكونَ لهُ وطن،
حتّى لو كان
ثُقباً في باب!
(19)
(- مَن الطّارق ؟
- أنا محمود .)
دائماً يعترفون ..
أولئكَ المُتّهمون بضربه !
(20)
ليسَ لها بيوت
ولا أهل.
كُلَّ يومٍ تُقيم
بين أشخاصٍ جُدد..
أبوابُ الفنادق !
(21)
لم يأتِ النّجارُ لتركيبه.
كلاهُما، اليومَ،
عاطِلٌ عن العمل !
(22)
- أحياناً يخرجونَ ضاحكين،
وأحياناً .. مُبلّلين بالدُّموع،
وأحياناً .. مُتذمِّرين.
ماذا يفعلونَ بِهِم هناك ؟!
تتساءلُ
أبوابُ السينما.
(23)
(طَقْ .. طَقْ .. طَقْ )
سدّدوا إلى وجهِهِ ثلاثَ لكمات..
لكنّهم لم يخلعوا كَتِفه.
شُرطةٌ طيّبون !
(24)
على الرّغمَ من كونهِ صغيراً ونحيلاً،
اختارهُ الرّجلُ من دونِ جميعِ أصحابِه.
حَمَلهُ على ظهرِهِ بكُلِّ حنانٍ وحذر.
أركَبهُ سيّارة.
( مُنتهى العِزّ )..قالَ لنفسِه.
وأمامَ البيت
صاحَ الرّجُل: افتحوا ..(67/477)
جِئنا ببابٍ جديد
لدورةِ المياه !
(25)
- نحنُ لا نأتي بسهولة.
فلكي نُولدَ،
تخضعُ أُمّهاتُنا، دائماً،
للعمليّات القيصريّة.
يقولُ البابُ الخشبي،
وفي عروقه تتصاعدُ رائِحةُ المنشار.
- رُفاتُ المئات من أسلافي ..
المئات.
صُهِرتْ في الجحيم ..
في الجحيم.
لكي أُولدَ أنا فقط.
يقولُ البابُ الفولاذي !
(26)
- حسناً..
هوَ غاضِبٌ مِن زوجته.
لماذا يصفِقُني أنا ؟!
(27)
لولا ساعي البريد
لماتَ من الجوع.
كُلَّ صباح
يَمُدُّ يَدَهُ إلى فَمِه
ويُطعِمُهُ رسائل !
(28)
( إنّها الجنَّة ..
طعامٌ وافر،
وشراب،
وضياء ،
ومناخٌ أوروبّي.)
يشعُرُ بِمُنتهى الغِبطة
بابُ الثّلاجة !
(29)
- لا أمنعُ الهواء ولا النّور
ولا أحجبُ الأنظار.
أنا مؤمنٌ بالديمقراطية.
- لكنّك تقمعُ الهَوام.
- تلكَ هي الديمقراطية !
يقولُ بابُ الشّبك.
(30)
هاهُم ينتقلون.
كُلُّ متاعِهم في الشّاحِنة.
ليسَ في المنزل إلاّ الفراغ.
لماذا أغلقوني إذن ؟!
(31)
وسيطٌ دائمٌ للصُلح
بين جِدارين مُتباعِدَين !
(32)
في ضوء المصباح
المُعلَّقِ فوقَ رأسهِ
يتسلّى طولَ الليل
بِقراءةِ
كتابِ الشّارع !
(33)
( ماذا يحسبُ نفسَه ؟
في النّهاية هوَ مثلُنا
لا يعملُ إلاّ فوقَ الأرض.)
هكذا تُفكِّرُ أبواب المنازل
كُلّما لاحَ لها
بابُ طائرة.
(34)
من حقِّهِ
أن يقفَ مزهوّاً بقيمته.
قبضَ أصحابُهُ
من شركة التأمين
مائة ألفِ دينار،
فقط ..
لأنَّ اللصوصَ
خلعوا مفاصِلَه !
(35)
مركزُ حُدود
بين دولة السِّر
ودولة العلَن.
ثُقب المفتاح !
(36)
- محظوظٌ ذلكَ الواقفُ في المرآب.
أربعُ قفزاتٍ في اليوم..
ذلكَ كُلُّ شُغلِه.
- بائسٌ ذلك الواقفُ في المرآب.
ليسَ لهُ أيُّ نصيب
من دفءِ العائلة !
(37)
ركّبوا جَرَساً على ذراعِه.
فَرِحَ كثيراً.
مُنذُ الآن،
سيُعلنون عن حُضورِهم
دونَ الإضطرار إلى صفعِه !
(38)
أكثرُ ما يُضايقهُ
أنّهُ محروم
من وضعِ قبضتهِ العالية
في يدِ طفل !
(39)
هُم عيّنوهُ حارِساً.(67/478)
لماذا، إذن،
يمنعونَهُ من تأديةِ واجِبه ؟
ينظرُ بِحقد إلى لافتة المحَل:
(نفتَحُ ليلاً ونهاراً) !
(40)
- أمّا أنا.. فلا أسمحُ لأحدٍ باغتصابي.
هكذا يُجمِّلُ غَيْرتَه
الحائطُ الواقف بينَ الباب والنافذة.
لكنَّ الجُرذان تضحك !
(41)
فَمُهُ الكسلان
ينفتحُ
وينغَلِق.
يعبُّ الهواء وينفُثهُ.
لا شُغلَ جديّاً لديه..
ماذا يملِكُ غيرَ التثاؤب ؟!
(42)
مُعاقٌ
يتحرّكُ بكرسيٍّ كهربائي..
بابُ المصعد !
(43)
هذا الرجُلُ لا يأتي، قَطُّ،
عندما يكونُ صاحِبُ البيتِ موجوداً !
هذهِ المرأةُ لا تأتي، أبداً ،
عندما تكونُ رَبَّةُ البيتِ موجودة !
يتعجّبُ بابُ الشّارع.
بابُ غرفةِ النّوم وَحدَهُ
يعرِفُ السّبب !
(44)
( مُنتهى الإذلال.
لم يبقَ إلاّ أن تركبَ النّوافِذُ
فوقَ رؤوسنا.)
تتذمّرُ
أبوابُ السّيارات !
(45)
- أنتَ رأيتَ اللصوصَ، أيُّها الباب،
لماذا لم تُعطِ أوصافَهُم ؟
- لم يسألني أحد !
(46)
تجهلُ تماماً
لذّةَ طعمِ الطّباشير
الذي في أيدي الأطفال،
تلكَ الأبوابُ المهووسةُ بالنّظافة !
(47)
- أأنتَ متأكدٌ أنهُ هوَ البيت ؟
- أظُن ..
يتحسّرُ الباب :
تظُنّ يا ناكِرَ الودّ ؟
أحقّاً لم تتعرّف على وجهي ؟!
(48)
وضعوا سعفتينِ على كتفيه.
- لم أقُم بأي عملٍ بطولي.
كُلُّ ما في الأمر
أنَّ صاحبَ البيتِ عادَ من الحجّ.
هل أستحِقُّ لهذا
أن يمنحَني هؤلاءِ الحمقى
رُتبةَ ( لواء ) ؟!
(49)
ليتسلّلْ الرّضيع ..
لتتوغّلْ العاصفة ..
لا مانعَ لديهِ إطلاقاً.
مُنفتِح !
(50)
الجَرسُ الذي ذادَ عنهُ اللّطمات ..
غزاهُ بالأرق.
لا شيءَ بلا ثمن !
(51)
يقفُ في استقبالِهم.
يضعُ يدَهُ في أيديهم.
يفتحُ صدرَهُ لهم.
يتنحّى جانباً ليدخلوا.
ومعَ ذلك،
فإنَّ أحداً منهُم
لم يقُلْ لهُ مرّةً :
تعالَ اجلسْ معنا!
(52)
في انتظار النُزلاء الجُدد..
يقفُ مُرتعِداً.
علّمتهُ التّجرُبة
أنهم لن يدخلوا
قبل أن يغسِلوا قدميهِ
بدماءِ ضحيّة !
(53)
( هذا بيتُنا )(67/479)
في خاصِرتي، في ذراعي،
في بطني، في رِجلي.
دائماً ينخزُني هذا الولدُ
بخطِّهِ الرّكيك.
يظُنّني لا أعرف !
(54)
(الولدُ المؤدَّب
لا يضرِبُ الآخرين.)
هكذا يُعلِّمونهُ دائماً.
أنا لا أفهم
لماذا يَصِفونهُ بقلَّةِ الأدب
إذا هوَ دخلَ عليهم
دون أن يضربَني ؟!
(55)
- عبرَكِ يدخلُ اللّصوص.
أنتِ خائنةٌ أيتها النّافذة.
- لستُ خائنةً، أيها الباب،
بل ضعيفة !
(56)
هذا الّذي مهنتُهُ صَدُّ الرّيح..
بسهولةٍ يجتاحهُ
دبيبُ النّملة !
(57)
( إعبروا فوقَ جُثّتي.
إرزقوني الشّهادة.)
بصمتٍ
تُنادي المُتظاهرين
بواّبةُ القصر !
(58)
في الأفراح أو في المآتم
دائماً يُصابُ بالغَثيان.
ما يبلَعهُ، أوّلَ المساء،
يستفرغُهُ، آخرَ السّهرة !
(59)
اخترقَتهُ الرّصاصة.
ظلَّ واقفاً بكبرياء
لم ينزف قطرةَ دَمٍ واحدة.
كُلُّ ما في الأمر أنّهُ مالَ قليلاً
لتخرُجَ جنازةُ صاحب البيت !
(60)
قليلٌ من الزّيت بعدَ الشّتاء،
وشيءٌ من الدُّهن بعد الصّيف.
حارسٌ بأرخصِ أجر !
(61)
نحنُ ضِمادات
لهذه الجروح العميقة
في أجساد المنازل !
(62)
لولاه..
لفَقدتْ لذّتَها
مُداهماتُ الشُّرطة !
(63)
هُم يعلمون أنهُ يُعاني من التسوّس،
لكنّ أحداً منهم
لم يُفكّر باصطحابِهِ إلى
طبيب الأسنان !
(64)
- هوَ الذي انهزَم.
حاولَ، جاهِداً، أن يفُضَّني..
لكنّني تمنَّعْتُ.
ليست لطخَةَ عارٍ،
بل وِسامُ شرَف على صدري
بصمَةُ حذائه !
(65)
- إسمع يا عزيزي ..
إلى أن يسكُنَ أحدٌ هذا البيت المهجور
إشغلْ أوقات فراغِكَ
بحراسة بيتي.
هكذا تُواسيهِ العنكبوت !
(66)
ما أن تلتقي بحرارة الأجساد
حتّى تنفتحَ تلقائيّاً.
كم هي خليعةٌ
بوّاباتُ المطارات !
(67)
- أنا فخورٌ أيّتُها النافذة.
صاحبُ الدّار علّقَ اسمَهُ
على صدري.
- يا لكَ من مسكين !
أيُّ فخرٍ للأسير
في أن يحمِل اسمَ آسِرهِ ؟!
(68)
فكّوا قيدَهُ للتّو..
لذلكَ يبدو
مُنشرِحَ الصَّدر !
(69)
تتذمّرُ الأبواب الخشبيّة:(67/480)
سَواءٌ أعمِلنا في حانةٍ
أم في مسجد،
فإنَّ مصيرَنا جميعاً
إلى النّار !
(70)
في السّلسلةِ مفتاحٌ صغيرٌ يلمع.
مغرورٌ لاختصاصهِ بحُجرةِ الزّينة.
- قليلاً من التواضُعِ يا وَلَد..
لولايَ لما ذُقتَ حتّى طعمَ الرّدهة.
ينهرُهُ مفتاحُ البابِ الكبير!
(71)
يُشبه الضميرَ العالمي.
دائماً يتفرّج، ساكتاً، على ما يجري
بابُ المسلَخ!
(72)
في دُكّان النجّار
تُفكّرُ بمصائرها:
- روضةُ أطفال ؟ ربّما.
- مطبخ ؟ مُمكن.
- مكتبة ؟ حبّذا.
المهمّ أنها لن تذهبَ إلى السّجن.
الخشَبُ أكثرُ رقّة
من أن يقوم بمثلِ هذه المهمّة !
(73)
الأبوابُ تعرِفُ الحكايةَ كُلَّها
من ( طَقْ طَقْ )
إلى ( السَّلامُ عليكم.)
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> يا أبناء الأرض
يا أبناء الأرض
رقم القصيدة : 63377
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا أبناء الأرض انتشروا
دقت أجراس الميلاد ْ
ضموا السهل الجبل انهمروا
خطوتكم نبض الأعيادْ
يا أبناء الأرض اندلعت
خيل قدت من أحجارْ
فارسها كف وانتصبتْ
شدت هبت شعلة نارْ
يا أبناء الأرض التموا
ناي الشمس على الأبوابْ
شدوا السيف التحموا انضموا
قامتكم شجر وحرابْ
نادتكم والتحمت فيكمْ
غزةُ والقدسُ وبيسانْ
فجر فلسطين أغانيكمْ
ولكم في غدها الألحانْ
يا أبناء الأرض اقتربوا
وعد الشمس لكمْ أفراحْ
خطوتكم نور فاقتربوا
شجر خطوتكم وصباحْ
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> تسلم إيديكو
تسلم إيديكو
رقم القصيدة : 63378
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
فرساننا زين الشبابْ
زين الشباب فرساننا
نادى الوطن كانوا الجوابْ
تسلم إيديكو رجالنا
شدوا على خيل النهارْ
علوا البطولهْ بأرضنا
ما همهم عنف الحصارْ
ردوا العدا بحجارنا
دفعوا مهور الأغنياتْ
قالوا ويرخصْ دمنا
بحب الوطن والأمنياتْ
نفرد جسر اجسادنا
مهما الوطن يطلب نجودْ
يوخد جميع عمارنا
نفرش على الدرب الزنودْ(67/481)
نحمي الأرض بصدورنا.
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> موال: أرضي يا أحلى من الهوى
موال: أرضي يا أحلى من الهوى
رقم القصيدة : 63379
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أرضي يا أحلى من الهوى ومن لهفتو
سكر المطر لما إيديكِ ضمتو
حتى الشجر حبكْ ظهرْ في لفتتو
كيفْ الفلسطيني وحبكْ كونو
عنكْ رجال بيشربو كاس الفدا
بيعطو الصخرْ قوه ويردو اللي اعتدى
عندكْ رجال ويا أرضْ خلوا الردى
يقول الفلسطيني كسرني بوقفتو
فجر الندا طل وطلتو شعبي الأبي
نادى الشمس من جبهتي قلا اشربي
ركعتْ على جبينو وقالت مطلبي
ترجع فلسطين الحبيبه محررهْ.
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> الفجر الفلسطيني
الفجر الفلسطيني
رقم القصيدة : 63380
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
فجرك طلع واللهْ
مع زهرك بلادي
سيفك حجر واللهْ
وما اتأخروا ولادي
زغرودة يا يما
للثورة زغرودهْ
والأرض يا يما
بالنصر موعودهْ
حيوا انتفاضتنا
الله يحييكو
يا أهلنا واللهْ
النصر جاييكو
عود الزتون أخضرْ
يا وعدنا النادي
والشمس رح تكبرْ
بإيديكي يا بلادي
العود الفلسطيني
طول العمر أخضرْ
الفجر الفلسطيني
متل الشمس نورْ.
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> صخر بلادي
صخر بلادي
رقم القصيدة : 63381
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
وطن وحمل السيف نهارْ
بوجه الغاصب هب وثارْ
انتشر الوطن وطلع رجالْ
للحريهْ زنود جبالْ
طلع الوطن .. جبال .. رجالْ ..
وانتفاضه .. انتفاضه .. انتفاضهْ ..
يا شعبي وتقاتل صامدْ
مثل جبال بلادك صامدْ
تمحي الليل تحارب صامدْ
ولا تتراجع صامد صامدْيا
شعبي رح تبقى صامد ْ
انتفاضه .. انتفاضه .. انتفاضهْ
ويا شعبي يا صخر بلادي
بتنادي جبالك بتنادي
شمس الحريه رح تطلعْ
تسطع من دم الشهادهْ
ويا شعبي سدد الحجارْ
ورميها بتطلع هدارهْ
خلي ليل الغاصب يرحلْ
وتعود البسمة نوارهْ
يا شعبي التاريخ بزندكْ(67/482)
والأرض بتشرب من عهدكْ
وبلادك يا شعبي بتشهدْ
ما إلها قبلك ولا بعدكْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> الزفة
الزفة
رقم القصيدة : 63382
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
طلوا الخيالهْ
حلو الشمايلْ
إحنا رجالكْ
اشهد يا بلدي والدمْ
اشهد يا بلدي والدمْ
فوق ترابك شمس التمْ
يا عريس الزينْ
يا عريس الزينْ
يا غالي
والله يا زينْ
والله يا زينْ
تحلالي
بكرة الحرية بتعودْ
وشمس العدالة بتسودْ
زغروده يما
وزغردي
للزين يما
وزغردي
* ** *
على دلعونهْ على دلعونهْ
يا بنات بلادي التمو وهنونا
خيال وحامل علم فلسطيني
إيدو ع إيدي نحرر أراضينا
عريسنا زين الرجالْ
عريسنا زين الرجالْ
عريسنا
عريسنا
عريسنا ما لو مثالْ
عريسنا ما لو مثالْ
عريسنا
عريسنا
حيوا العريس يا رجال الثوره حيوا
حيوا العريس يا بنات الثوره حيوا
من بين البيوت من بين البيوتْ
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> طرحة فدا
طرحة فدا
رقم القصيدة : 63383
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
زفوا العروس وللوطن طرحة فدا
مهر الأصيله بأرضنا نرد العدا
مالت وزندي الأرض وصمود الشجرْ
كل البيوت الواقفة بوجه الخطرْ
مالت وزندي الأرض وصمود الشجرْ
كل البيوت الواقفة بوجه الخطرْ
سيف الفلسطيني صموده والحجرْ
واحلف بحبك عرسنا في نصرنا.
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> بعمر الزهر
بعمر الزهر
رقم القصيدة : 63384
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
كانوا بعمر الزهور ولادي
مشيوا ولون الخطوة عيادْ
ضحكوا وغنوا ركضوا وطاروا
وعود النعنع شدّ وتارو
ابني وقف ضحك ولوحْ
على بسمه من شفافي تمرجحْ
فجأة رصاص وغدر وليلْ
وجه الغاصب نقط ويلْ
ركض الشارع مع البيوتْ
ابني يا ابني وصرخة تموتْ
ابني فوق الأرض التمْ
وجرحو فوق الشارع دمْ
فرد إيديه ونادى يا يمهْ
حطي إيديكي ع قلبي يا يمهْ
ليش الدمع بعينك يمهْ(67/483)
رايح ألحق خيي يا يمهْ
ضم بقلبو إيدي ونامْ
وسكت القمر وغمض نامْ
حبيبي يا قلبي يا روحي يا يمهْ
نار فراقك والله يا يمهْ
بوسو لَخَيك سلم يمهْ
يمكن بكرة أجيلك يمهْ
شعبك وأقف صامد يمهْ
وليل الغاصب زايل يمهْ
شعبك ماشي بزفة عرسكْ
وهي زغرودهْ لعرسك يمهْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> دبكة
دبكة
رقم القصيدة : 63385
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
* على دلعونا على دلعونا
انتفاضه وهبت ما بهدونا
وقفنا يا أهلي بعزة وكرامهْ
بحجاره نقاتل نرمي أعادينا
* يا ظريف الطول والله يا غالي
راسنا المرفوع هو رسمالي
رد بسيفك ليل يا جبين العالي
خلي العيشه تجود وتصفى بدارنا
* من بين البيوت من بين البيوت
طلعوا رجال الثوره من بين البيوت
حقي ما يموت حقي ما يموتْ
انتفاضة وبتنادي الحق ما يموتْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> هجم الظلام
هجم الظلام
رقم القصيدة : 63386
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
هجم الظلام هجم الظلام هجم الظلام ْ
حرقوا رموا وتجبروا قتلوا السلام ْ
والقيد في أعناقنا
والجرح في أجسادنا
ذبحوا أهالينا
داسوا أمانينا
سرقوا الطعام من البيوتْ
طلبوا أرادوا أن نموتْ
والعالم .. الناس .. الأممْ
ظلوا على صمت .. وكمْ
صحنا اشهدوا ثم اشهدوا ثم اشهدوا
صاحوا اصبروا ثم اصبروا
لا تعتدوا ..
صحنا وما سمعوا وكمْ
واشتد في الطرقات دم
يا أهلنا يا حبنا يا نبضنا
لا تصبروا لا تصبروا
لا تصبروا
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> يا حجر بإيدينا
يا حجر بإيدينا
رقم القصيدة : 63387
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا حجر بإيدينا بيشعل نارْ
انتفاضة وهبينا صغار كبارْ
من قوة خطوينا بيطلع شرارْ
يا فلسطين مشينا واحنا ثوارْ
لما الأرض تنادي ما منتأخرْ
بتطلب منعطي زيادة الروح وأكترْ
يا دم العباد هْالشجر تعطرْ(67/484)
ويا عرس الشهاده الوطنْ بيعمرْ
لما الأرض تنادي
بتطلب نعطي زيادهْ
ويا عرس الشهادة
إحنا ثوارْ
انتفاضهْ وهدارة إحنا جينا
من القرية والحارة والمدينهْ
غاره بتلحق غارهْ إحنا مشينا
الثوره هل نهاره بصمودنا
انتفاضة وهداره من القرية والحاره
والثوره هل نهاره واحنا ثوارْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> على دلعونا
على دلعونا
رقم القصيدة : 63388
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
على دلعونا على دلعونا
طلوا النشامى طلوا وحيونا
عرس انتفاضه والفرح دايرْ
بمولوتوف وحجر نضرب أعادينا
عرس فلسطيني والدم مندفعْ
والروح منعطي مشينا وما منرجعْ
الأرض بتحكي والعالم يسمعْ
شمسك يا وطني عزم بتعطينا
طلع المخيم نادى المنادي
انتفاضه وهبت قامت ببلادي
قريه ومدينه التله والوادي
إحنا هبينا وللنصر مشينا
نادى المنادي يا نهاري الماشي
المولوتوف سلاحي وحجري رشاشي
بغير الحرية والله ما ارضاشي
وحبهْ من ترابي والله ماتهونا
نادى المنادي والسيف بيلمعْ
التاريخ بيهدر والحق بيسطعْ
الزند بيحكي والشمس بتطلعْ
فجرك يا وطني نورو بعينينا
نادى المنادي وسيفك يا شعبي
حجارة من بلادي وهبة وراهبة
بتهد الباغي وبتزيل الغربهْ
وبتخلي الفرحة تزين أراضينا
نادى المنادي ويا عالم اشهدْ
عرس انتفاضهْ ونهاري ورّدْ
خطوه وبفجر الحرية بنسعدْ
وزهور النصر بترقص حوالينا.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> طفل بإيدو مرتينه
طفل بإيدو مرتينه
رقم القصيدة : 63389
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
طفل بإيدو مرتينهْ
ناحتها من الزيتونهْ
بترمي حجر بوجه الليلْ
بتقلع عين الصهيوني
عندو جيش ولاد صغارْ
مدرب على خوض الأخطارْ
حمل حجار وباس الأرضْ
وصمم يمحي الاستعمارْ
أطلق طلقهْ شد ومالْ
رصاص الغادر صال وجالْ
وقع وحضن المرتينهْ
ونادى ع جيشو هجموا يا رجالْ
هجم الجيش وشال الأرضْ
ملا الجو حجاره ورفضْ(67/485)
ودم الطفل انتشر وظلْ
بوجه العالم طول وعرضْ
قصة وكانت مرتينهْ
من الزيتونهْ الحزينهْ
قصة طفل صغير كبيرْ
اتحدى الوحش الصهيوني.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> ثورة ثورة
ثورة ثورة
رقم القصيدة : 63390
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ثورة ثورة ومشينا إحنا مشينا
كيف الأرض بتطلبنا بتلاقينا
زيت الثورة عبينا دم وأرواحْ
وجذر الماضي بعينينا ما تخلينا
مهما الغاصب يتجبر عنف وإرهابْ
ما منتراجع يا بلدي عن أمانينا
مستعمر مهما تحاصر وتصب النارْ
ما منرجع ما منتحول عن خطوينا
هب الحق فلسطيني من دار لدارْ
غير النصر بيوم الغد ما بيرضينا
إحنا وقودك يا ثورهْ ونفدي الأوطانْ
قدم دم ونحمي الشمس بأراضينا
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> دم الشهداء
دم الشهداء
رقم القصيدة : 63391
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ع العميم ع العمام
دم الشهداء ما بينامْ
الشجر انتفض الشجر التمْ
مشي مع شعب الثورة انضمْ
لما الأقصى غرق بدمْ
ولفت أبوابه الآلامْ
وحيات الجرح المفتوحْ
والدم الغالي المسفوحْ
رح ندفع ع الدرب الروحْ
ولا حبة رمل بتنضامْ
اشهد يا شجر الزيتونْ
رح نحمي التاريخ نصونْ
وما نخلي هالأرض تهونْ
وبالثورة نعلي السلامْ
أرضي بلادي أرض النار
أرض الهمة والإصرارْ
ما بترضى غير الثوارْ
يعطوا عنوان الأيامْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> يا صامدين
يا صامدين
رقم القصيدة : 63392
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا صامدين بالبلدْ
وحجارتكو المرتينهْ
إيدكو النار اتولدْ
كل الهمة فيها
عهد البطولة انكتبْ
بالدم الفلسطيني
والحرية غاية وطلبْ
خطوهْ وبتلاقوها
ثورتكو متل الجبلْ
بصمودها مزيونهْ
وقفتكو صارت متلْ
الله يحييها
سيروا ع درب النصرْ
مدوا للعرس الزينهْ
سيروا يا زنود الفجرْ
والفرحة ردوها.
* *
* *(67/486)
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> غازلي
غازلي
رقم القصيدة : 63393
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
غازلي شمساً لها دمي دمي
واغزلي من نورها حلمي حلمي
يمتصني من كل زاوية بريقْ
حيفا ومن شوقي لها
حبي الفلسطيني
أمضي على وجد بها
وأصيح ضميني
لحمي على درب الرجوع فسارعي
وخذي إلى لحن اللقاء أصابعي
مسكونة بالشوق أيام الغريبْ
يمضي إليك وما سواك له الحبيبْ
حيفا ومن شوق ٍ لها
حبي الفلسطيني
أمضي على وجد بها
وأصيح ضميني.
* * * *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> وامعتصماه
وامعتصماه
رقم القصيدة : 63394
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
وامعتصماه ْ
صرخت فاطمة العربيهْ
صرخت سكين ٌ همجيهْ
ذبحتْ أحلامي الورديهْ
شقت أشرعةَ الحريهْ
ركضت فاطمة إلى الشارعْ
حملت طفلتها والفاجعْ
نسفوا بيتي قتلوا زوجي
أخذوا ولدي
* * *
وامعتصماهْ
يا مدناً .. مدناً عربيهْ
وسيوفاً كانت مضريهْ
لمعت من أجل الحريهْ
سرقوا وطني
اغتصبوا حلمي
وامعتصماهْ
* * *
فاطمة انطرحت في الشارعْ
ضمت طفلتها والفاجعْ
ودمٌ أقدامٌ همجيهْ
ورصاص خوذ حربيهْ
قتلوا فاطمة العربيهْ.
* * * * *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> ع الشوملي
ع الشوملي
رقم القصيدة : 63395
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ع الشوملي ع الشوملي
مشتاق يا ديرة هلي
قلب الفلسطيني اندبحْ
من كتر ما نبضو انجرحْ
حب الوطن ما أروعكْ
مع كل خفقهْ منسمعكْ
مشتاق لشموخ الشجرْ
يشرب مواويل المطرْ
مشتاق والله يا زمنْ
مشتاق لتراب الوطنْ
ع الشوملي وطاب القسمْ
والله لترجع يا علمْ
* *
* *
يطلع فلسطيني الثمرْ
يسمع حكايا الدرغلهْ
مشتاق والله يا زمنْ
مشتاق لتراب الوطنْ
غيرو بقلبي ما سكنْ
حبو آيات منزلهْ
ع الشوملي وطاب القسمْ
والله لترجع يا علمْ
متل الشمس فوق القممْ
ونعود يا ديرة هلي.
* *
* *(67/487)
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> أنا ماشي
أنا ماشي
رقم القصيدة : 63396
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
على دربي أنا ماشي
أنا ما شي
وخطوة عزم جبارهْ
نحت السيف من صخري
أنا ما شي
وغزهْ زندي الأسمرْ
بنور الشمس تتغندرْ
وغزهْ زندي الأسمرْ
ونور الحق ما يسطعْ
ونور الحق ما يسطعْ
أنا ماشي
وفوق سهولي وجبالي
وفوق سهولي وجبالي
بيارق نصرنا تلمعْ
لحد الفجر ما يطلعْ
لحد الفجر ما يطلعْ
أنا ما شي.
* ** *
* ** *
وفوق سهولي وجبالي
أنا ما شي.
أنا ما شي.
* *
وفوق سهولي وجبالي
أنا ما شي.
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> إحنا الفلسطينيات
إحنا الفلسطينيات
رقم القصيدة : 63397
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
إحنا الفلسطينيات مهرنا غالي
ما منوخد غير الشبْ اللي جبينو عالي
ما منوخد غير الشب اللي بيحمي أرضو
واللي كل حبة تراب هي دمو وعرضو
إحنا الفلسطينيات مهرنا معروف
وبين كل الناس مشهور وموصوفْ
ما منوخد غير الشب اللي روحو على كفو
اللي بتحدى الموت مهما العدا اصطفوا
إحنا الفلسطينيات بنات ذات الهمهْ
مهما الحرب تشتد بتزيد عنا الهمهْ
وحياة كل حبة تراب لنرد الأعادي
ومهما طلبت الدار بنعطيها وزياده
إحنا الفلسطينيات ما منهاب الردى
جنب رجالنا ع طول بالحرب والفدا
يا الله يا أهل البلد خلو الإيد ع الإيد
زفوا الأرض للشمس وملوا العرس زغاريدْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> يا غربان الليل
يا غربان الليل
رقم القصيدة : 63398
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا غربان الليل ارتحلوا
جاء نهار جاء نهارْ
مهما كنتم لا لن تصلوا
أرض الثورة للثوارْ
جئنا من نبع الشهداءْ
نسقي الكرمة وعد الدمْ
نطرد من وطني الغرباءْ
نمسح عن جبهته الهمْْ
قسماً بعظام الأجدادْ
بتراب يسطع بالنورْْ
سنحطم قيد الجلادْ
وسنرجع ضحكات الدورْ
قسماً قسماً بالأحلام(67/488)
بالشمس ونبض الأشجارْ
تمضي كما شئنا الأيام
نصنع مجداً ضوء نهارْ
يا غربان الليل ارتحلوا
مهما كنتم لا لن تصلوا
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> خيلي وخيلك
خيلي وخيلك
رقم القصيدة : 63399
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
خيلي وخيلك يا خيالْ
وقفة عز وعزم جبالْْ
الأرض بتطلب واحنا نسدْ
بتعطي ولاد منعطي رجالْْ
حبك والله يا فلسطينْ
خلا اولادك فدائيينْ
صمدوا بساح الحرب وهبوا
وثاروا ضد المحتلينْْ
تشهد علينا الأزمانْ
رجال وأطفال ونسوانْْ
مشينا الدرب وما منكلْ
وبالدم الحق بينصانْ
خلي العالم كله يشوفْ
وجه الغاصب ع المكشوفْْ
ويعرف كيف الحجر اتصدى
وما خاف البطش المعروفْ
حجر وإحنا إيد بإيدْ
نعلي نهار ونعطي نزيدْ
ما منبخل والأرض تنادي
يا اولادي بكره الزغاريدْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> طلع الفجر
طلع الفجر
رقم القصيدة : 63400
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
طلع الفجر علينا
طلع الفجرْ
شمس ومن إيدينا
شمس النصرْ
شعبك يا فلسطين
صامد ما بلينْْ
ماشي والله ماشي
للنصر المبين
نحلف بالبيارهْ
والقرية والحارهْ
وزنود الجبارهْ
للنصر ماشيينْ
نور الحق بيسطعْ
من رايتنا بيطلعْ
وكل العالم يسمعْ
إحنا فدائيينْ
ما منهاب الغاصبْ
منقاتل ونحاربْ
بنار الزند الغاضبْ
بحجارهْ وسكاكينْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> ما في خوف ما في خوف
ما في خوف ما في خوف
رقم القصيدة : 63401
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ما في خوف ما في خوفْ
الحجر صار كلاشنكوفْ
بإيدك يا شعب فلسطينْ
والحكي مش متل الشوفْ
أرضك يا بلادي من نارْ
ضد المحتل الغدارْ
حجارك رملك مياتكْ
بتصرخ إرحل يا استعمارْ
اضرب اضرب هالمحتلْ
بكره الحريه بتهلْ
ومنزرع أرضك يا فلسطينْ
أعراس وزينات وفلْ
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> يا ثورتنا امتدي(67/489)
يا ثورتنا امتدي
رقم القصيدة : 63402
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا ثورتنا امتدي .. امتدي
شعلة غضب ولا ترتدي
أرضي السمرا .. صارت جمرهْ
حجارهْ ونار وغضب وثورهْ
يا ثورتنا امتدي .. امتدي
شعلةْ غضب ولا ترتدي
حجر وإيد الشعب الماردْ
شعبي الصامد .. صامد .. صامدْ
يا ثورتنا امتدي .. امتدي
بكره الفجر بيطلع شدي
ولا ترتدي .. امتدي .. امتدي.
* * * * *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> راح منظل
راح منظل
رقم القصيدة : 63403
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا مستعمر يا محتلْ
مهما تحاولْ .. راح منظلْ
نتحدى رصاصك .. والنارْ
ولا منتراجع مهما صارْ
مهما صارْ
تمنعْ عن البيوت المي ّ
تسكر شارع تضرب حي ّ
تلاحق حتى شوية في ّ
وراح منظلْ
مهما تحاولْ
راح منظل ْ
صخر وصامد مابكلْ
ولا منسلم يا محتلْ
وراح منظلْ
سيف وحدو جبل النار ْ
رفح بزندو والفوارْ
ومهما صار ْ
راح نتحدى النار بنارْ
ونزرع هالأرض بثوارْ
مهما صارْ.
* * * * *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> يا حاملين المي
يا حاملين المي
رقم القصيدة : 63404
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
كم غربتنا الريحْ
قلبي عناقيدو
عرف الهوى تجريحْ
لكن أنا اريدو
لا تسألوا شو صارْ
عاشق أنا أسمرْْ
من ضحكتو الأنهارْ
بتتزنر بعنبرْ
يشبه عريس الزينْ
شامه على خدو
يذرف دموع العينْ
وحاير أنا بعدو
يا حاملين المي
صعب الفراق وهمْْ
أدفع عمر وشوي
وخلوا الشمل يلتمْْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> ام الشهيد
ام الشهيد
رقم القصيدة : 63405
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يمهْ افتحي الأبوابْ
وزغردي يمهْ
حب الوطن غلابْ
مهما طلب يمهْ
جيتك ودمي سالْ
نعشي زهر أحمرْ
بيكتب هوى وموالْ
والأرض تتعطرْ
يا ام الشهيد وزغردي
واجب وطنا نفتدي
يا ام الشهيد يايمهْ
الأرض نادت يايمهْ(67/490)
يا ام الشهيد ونادينا
الأرض طلبت وارضينا
نعطيها الدم وتعطينا
الراس المرفوع بيكفينا
يمه افتحي الأبوابْ
جايين رفقاتي
حب الوطن غلابْ
ما نسيو دماتي
بكره شموس الخيرْ
من دمنا بتطلعْْ
وبيرجع لأهلو الطيرْ
والشمل يتجمعْْ
يا ام الشهيد وهيلا هيلا
زفي العريس وهيلا هيلا
زين الشباب هيلا هيلا
غزه يا إمو .. هيلا هيلا
حيفا يا جسمو .. هيلا هيلا
الضفة يا دمو .. هيلا هيلا
علمو فلسطيني .. هيلا هيلا
عربي فلسطيني .. هيلا هيلا.
* * * * *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> فرساننا
فرساننا
رقم القصيدة : 63406
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
فرساننا يما شدوا على ضو الفجر خيل ْ
وصاحوا لا بد ما ينجلي عن أرضنا الليل ْ
مندفع مهر هذا الوطن من دمنا
وتطلع شمس أحلى شمس بنهارنا
فرساننا شدوا وثاروا ..
سلاحهم كان الحجر ..
لا تعجبوا ... وتتعجبوا
أرض البطولة ولادها اتحدوا الخطرْ
نادت عليهم هللوا ..
كانوا الغضب .. شعلةْ غضب .. ما اتأخروا
مشيوا على درب البطولة والشرفْ
صاروا حكاية هالزمن يللي اعترفْ
إنو الحجر لما الحقيقة بتسندو
وإيد البطولة والشهامه تسددو
بيكسر رصاص الغاصبين بيدحروا
مهما تمادوا بظلمهم .. واتجبروا.
* * * * *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> حنة شهيد
حنة شهيد
رقم القصيدة : 63407
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
حنة وحنيت الشجرْ
دمي على بابك مطرْ
- يا خلي حنةْ أرضنا
زهرة على إيدي وهنا
- تراب الوطن غالي وغلي
حنة عروس مناضلهْ
- ياخلي ونجوم السما
من فرط حسنو منجمهْ
- حنة شهيد وحنتهْ
ورد الأمل يالهفتهْ
* *
* *
- ياخلي ونجوم السما
من فرط حسنو منجمهْ
تراب الوطن ياروعتهْ
حنة أمل متبسمهْ
- حنة شهيد وحنتهْ
ورد الأمل يالهفتهْ
لما انحنى وباس الأرضْ
طلعت شمس من جبهتهْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> ضاع السلام
ضاع السلام
رقم القصيدة : 63408(67/491)
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ضاع السلام وراحْ
وضاع العدل يا ناسْ
بأرض السلام جراحْ
وغصن الزتون انداسْ
هدم ودخان ونارْ
والقدس دم وليلْ
قتل ونسف وغبارْ
عتمةْ وآهات وويلْ
دم الطفل مسفوحْ
غاب الأمان انبادْ
لون الفرح مدبوحْ
طعم المرار ازدادْ
***
***
سمعنا حكي وأخبارْ
عن نصرة الإنسانْ
هيئة أمم وكبارْ
قالوا العدل ميزانْ
بيكفي يا ناس سكوتْ
وجه العدالة اسودْ
ليش الحقيقة تموتْ
ليش الظلم يشتدْ
وين الضمير الحرْ
يشهد على الطغيانْ
يوقف جنود الشرْ
ويعطي العدل عنوانْ
ويعطي العدل عنوانْ
ضاع السلام يا ناس.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> يا فلسطين
يا فلسطين
رقم القصيدة : 63409
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا فلسطين عشاق وحبايبْ
جينا الدار نسقي القلب الدايبْ
جينا القدس قدس الشعب الثايرْ
صمود القدس بيوزع بشايرْ
غزه العهد يا أرض الكرامهْ
فيك رجال عنوان الشهامهْ
رام الله يا كتاب الرجولهْ
وقلقيليه يا سيف البطولهْ
حيفا تمد للمجدل إيديها
وصفد ترد و النور بعينيها
يا فلسطين راح نرجع راح نرجعْ
ونور الحق يا بلادي رح يسطعْ
* *
* *
ويا نابلس بتظلك أصيلهْ
أرض العز بترفض أعادينا
حيفا تمد للمجدل إيديها
وصفد ترد و النور بعينيها
يافا تهدْ ليل ٍ حواليها
ويا بيسان عرسك رح يجينا
يا فلسطين راح نرجع راح نرجعْ
ونور الحق يا بلادي رح يسطعْ
بعد الليل شمس نهار بتسطعْ
ويا فلسطين مدينا خطوينا.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> يا فلسطيني
يا فلسطيني
رقم القصيدة : 63410
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا فلسطيني صوتك أعلى .. أعلى
زندك أقوى ... أقوى
يا فجر الثوارْ
يا جبلاً من نار
يا فلسطيني قامتك الأشجار انتصبتْ
جبهتك الأعلام ارتفعتْ
خطوتك الميلاد انتشرتْ
يا فجر الثوارْ
يا جبلاً من نار
يا فلسطيني وقف الجبل وقاوم قاومْ(67/492)
ركض السهل وقاوم قاومْ
شمسك خيل قاوم قاومْ
يا فجر الثوارْ
يا جبلا ًمن نارْ
يا فلسطيني يا جنين و غزة وطبريا
طوباس ورفح و قلقيليهْ
يا جبين بيبني الحريهْ
يا فجر الثوار
يا جبلا من نار.
* * * * *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> ع العميم
ع العميم
رقم القصيدة : 63411
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ع العميم ع العمامْ
رفرف يا طير الحمامْ
احنا بأرضك يا فلسطينْ
لا منسلم ولا ننضامْ
ثورة وقامت بفلسطينْ
هبت بالسبعة والتمانينْ
بكانون الأول والنارْ
قادت في وجه الظلامْ
حجارة وما هديت والنارْ
هجموا وصبوها الثوارْ
كتبوا بروح وكتبوا بدمْ
عمره الثور ما بتنامْ
اشهد يا بلدي والدمْ
فوق ترابك شمس التمْ
ولما الحرية بتعودْ
منعيش الكل بسلامْ
بكرة الحرية بتعودْ
وشمس العدالة بتسودْ
والوطن الغالي موعودْ
تتطلع بالنصر الأيامْ.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> جمل المحامل
جمل المحامل
رقم القصيدة : 63412
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
جمل المحامل طلْ
إيدو على جبالو
فوق الشفايف ظلْ
للأرض موالو
نادى ع أرضو وقالْ
لا بد ما نرجعْ
الليل مهما طالْ
الفجر رح يطلعْ
لا بد ما يطلعْ
جمل المحامل مدْ
خطواتو لبلادو
حمل السلاحْ وشدْ
ونادى على ولادو
عهد الأرض مكتوبْ
نبضو فلسطيني
شدت عليه قلوبْ
والوعد حطيني
نبضو فلسطيني
جمل المحامل نارْ
ما ينطفي جمرو
ضد الأعادي ثارْ
وامتدت الثورهْ
نادى وهب الصوتْ
في أرضنا حجارهْ
توقف بوجه الموتْ
بزنود جبارهْ
بزنود جبارهْ.
* * * * *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> بيوم الثامن
بيوم الثامن
رقم القصيدة : 63413
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
بيوم الثامن من كانونْ
كانون الأولْ
صرخةْ نهار ضد الظلامْ
صرخة نهارْ
نتحدى الظالم ونرده ْ
وزنودك يا شعبي قويهْ
نحارب ونقاتل ونصده ْ
بغير الحرية ما نهدي(67/493)
ليل المستعمر منهدهْ
وشموسك تطلع نوارهْ.
نتحدى الظالم ونرده ْ
وزنودك يا شعبي قويهْ
يا شعبي ثورة ممتدهْ
ضد المستعمر مشتدهْ
نحارب ونقاتل ونصده ْ
بغير الحرية ما نهدي
يا شعبي ثورة هدارهْ
وأبطالك غارة ورا غارهْ
ليل المستعمر منهدهْ
وشموسك تطلع نوارهْ.
* * * * *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> كل الطرقات
كل الطرقات
رقم القصيدة : 63414
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
هي .. هي .. هي . يا يما
كل الطرقات يا يما
شعلة غضب نار ولهبْ
سيف وعلى الباغي انتصبْ
سلاحْ الحجرْ لما انتشرْ
صار الصخرْ يقدح شررْ
فجر انتفاضه وابتدا
يا فلسطيني
عرس البطولة والفدا
عرس البطولة والفدا
يا فلسطيني
هي .. هي .. هي .. يا يما
هي .. هي .. هي .. يا يما
جينا جينا
كل الطرقات يا يما
كل الطرقات يا يما
بتنادينا
عزمك صخر عزم الجبلْ
عزمك صخر عزم الجبلْ
يا فلسطيني
إيدك بيوتك والسهلْ
إيدك بيوتك والسهلْ
يا فلسطيني.
* *
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> ما أحلى الحجر
ما أحلى الحجر
رقم القصيدة : 63415
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ع الشوملي ع الشوملي
امتدي يا ثورتنا اشعلي
ما احلى الحجر يقدح شررْ
والزند يقدح مرجلهْ
ع الشوملي يا بيوتنا
يا سهولنا ويا جبالنا
ردي العدا يا أرضنا
حتى لشمسك توصلي
هبه وزنود ومعركهْ
ونار انتفاضة مباركهْ
الأقصى ودياري بتشتكي
غير الحجاره ما إلي
ع الشوملي وعهد انكتبْ
إحنا انتفاضتنا لهبْ
غير النصر ما في طلبْ
والأرض إلنا يا هلي.
* *
* *
شعراء العراق والشام >> طلعت سقيرق >> يوم النصر
يوم النصر
رقم القصيدة : 63416
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
زفوا العروس وللعرسْ
فارس بسيفو والترسْ
وصلت إيدينا للشمسْ
أرضك فلسطين الهنا
زفوا يا أهلي وزعردوا
النصر هل بموعدو
علوا الأغاني ورددوا
وخلوا البيوت مزينهْ
غزة تعانقها صفدْ(67/494)
والقدس تضحك للبلدْ
أرضي يا أغلى من الولدْ
نلنا وحققنا المنى
قلبي ما عاد بمطرحو
حبك يا أرضي مرجحو
عاشق عينيك بتدبحو
ولمسة إيديكِ حنينا
عاشق ودمعي من الفرحْ
وردة على الأرض انطرحْ
قلبي فلسطين انشلحْ
ريحة ترابك عمرِنا.
* *
* *
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> دائماً في الزحام
دائماً في الزحام
رقم القصيدة : 63417
-----------------------------------
-1-
دائماً في الزحام
حين يرتطم الوجه بالوجه
والصوت بالصوت....،
يطلع وجهك عاصفةً ...
من خلال الزحام.
فيزرعني في الشوارع ...لُغماً ...
ويغزو يقيني ....
ويدحرني ...
فألوذ الى الصمت .. وهو كلام.
... بأي اللغات ..
أمارس حق التحية
حق الرحيل ....
حق اللجوء إليك ...
وحق السلام.
وكيف يحج اليك المحبون
كيف يجيئون ...
كيف يكونون عند التحية ...
عند السلام.
-2-
أنا مستهام،
عاشقٌ من زمان المحبين ..
ضيّعني العشق ...
ضيّعت عنوانه .. في زحام
زمن الشرك
واليأس ..
والجاهلية ..
والوأد .. والإنقسامْ.
فزمان المحبين ولى
وجاء زمان الفجاجة ..
والنثر ...
والقهر .. والانهزام .
فبأي اللغات - إذن -
يحمل العاشقوك .. تشاويقهم ..
وبأيّ ضروب الكلام.
أمنحيني السلام،
فأنت جميع اللغات..
جميع القصائد ...
ما كان منها ...
وما لم يكن،
وإني لصاحبك المستهام
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> بغداد ..!!
بغداد ..!!
رقم القصيدة : 63418
-----------------------------------
اني أجِيئُكِ يا بغدادُ .. يا بَغدادْ
خالعاً عن جسدي عُروبة الأقوالِ ..
إن عُروبة الأفعالِ
دائماً .. بغدادُ
إني أجيئُكِ
واهباً ما كانَ ..
أو سيكونُ ..
كَيْمَا ــ دائماً ــ
تَبقينَ سِت الكونِ والامجادْ
فَيّا بغدادُ .. يا بغدادُ .. يا بغدادْ
ظّلي لنَا
عاصمة الصمودِ ..
بَل كُوني لنَا ..
مَيسرة الأبطالِ ..
أو مَيْمنَة الجِهاد
إنَّ الذينَ يَخطبُونَ
رأس بغدادَ ..
عَليهُمُو ــ من قبلُ ــ(67/495)
ان يُنَكِسُّوا اعلامَهُم ..
ويُعلِنُوا الحِدادْ
لأنَّ بغدادَ لنا باقيةٌ
لأن بغدادَ بنا باقيةٌ
لأنها عَصِيةٌ
لأنها وصية الأجدادِ .. للأحفاد!
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> نحن من علَّم الغرامَ الغراما
نحن من علَّم الغرامَ الغراما
رقم القصيدة : 63419
-----------------------------------
(1)
عاتبَتْني حبيبتي وأدارت
وجهها الحلوَ... ثم فاضت خِصاما
وتهاوى الياسمين من مقلتيها
وتداعى... وراح يروي كلاما
كيف - بالله - هانَ عندكَ قلبي
كيف صار الهوى لديك اتهاما
وأنا كنت من سمائك شمساً
ونخيلاً ونرجساً وخزامى
وأنا كنت فوق رأسكَ تاجاً
وأنا كنت للحقول غَماما
كيف- بالله - ياأنيس حياتي-
صار حبي الكبير... صار حطاما!
********
********
(2)
نحن كنا.. ومانزال لأنا
نحن من علَّم الغرامَ... الغراما
نحن جئنا به وكان يتيماً
وسقيناه نحن عشْق اليتامى
نحن شلناهُ في البلاد رسولاً
وبعثناه للعباد... إماما
نحن من أيقظ المشاعرَ في الأر
ض... ومن قبلُ... كانت نياما
وسنمضي إلى النهاية إنا
نحن من صيَّر الحياةَ.. هُياما
*********
********
(3)
اعذريني إن كنتُ أغلظتُ شوقي
فهو شوق المتيَّمين القدامى
أَوَتدرين كيف يعتمل الحب
حين تمضي الأيام عاماً.. فعاما
إنه صرخة المشاعر في النا
سِ, وصوت المعذبين اليتامى
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> رغم ذلك!
رغم ذلك!
رقم القصيدة : 63420
-----------------------------------
(1)
لم يَعدْ يعجبنا
شيء هنالكْ
كل مافي بيتنا
صار كذلكْ
(2)
لم نعد نفهم شيئا
ضاقت الأرض علينا
والمسالكْ
كلما قلنا نجونا
ألقتِ الدنيا
مزيداً من مهالكْ
(3)
لست أدري
أين نمضي
لست أدري... فيمَ ذلكْ
(4)
يابلاداً
كل مافيها... هَلوكٌ...
وابن هالكْ
(5)
يابلاداً
كانتِ الدنيا لها بعضَ الممالكْ...
حين كانت أهْلَ ذلكْ
(6)
لم تعودي
غير أرضٍ بين قوسين..
ونهرٍ غير سالكْ
(7)
لم تعودي
غير تذكارٍ من التاريخ..(67/496)
مرميٍّ.. ومنسيٍّ.. كذلكْ
رغم ذلك...
ماتزالين بلادي... يابلادي
رغم ذلكْ
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> من قصيدة: لا تساوم !
من قصيدة: لا تساوم !
رقم القصيدة : 63421
-----------------------------------
(1)
لا تساومْ
بين مظلوم وظالمْ
لا تساومْ
حين يأتي الثأر يجتاح المظالمْ
لا تساومْ
بين أمر الله في العدل
وهاتيك المزاعمْ
لا تساوم
أيها المذبوح في الوطن المسالمْ
إنهم صبوا عليك الزيت والنارَ..
وخلَّوك جماجمْ
لا تساوم
بين رب الناس -
يا وطني - وأرباب المغانم!
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> إعترافات عاشق في الأسر
إعترافات عاشق في الأسر
رقم القصيدة : 63422
-----------------------------------
1-
ليس لي غيَّركِ الآنَّ - سيدتي -
ليس لي مِنْ وطْر
ولا مِنْ مفْر ،
فكلُّ المخارجِ مغلقة'' في طريقِ السفرْ
وكلُّ المداخلِ موصدة'' في سبيلِ الإيابْ ،
لا مناص أمامي - إذنْ -
نهض البحر قّدام خيلي..
وعلمها الإنسحابْ.
-2-
فأنتِ جميعُ النساءِ اللواتي
تربعنّ فوق ذرى الأَمكنه
وأنتِ جميعُ النساءِ اللواتي
سيولدن في مُقبلِ الأزمنه
ويمنحنَ شعراً جديداً .. وفكراً ،
ويكتُبْنَنا وطناً أحسنا .
-3-
وأنتِ هجرتي إلى مدائنِ الشعرِ
وصولتي في باحةِ النثرِ ،
وسيفيَ المسلولُ عند حومَةِ الوغى..
وخيليَ المقتحمه
حين تحين لحظةُ المصادمه ،
وأنتِ رحلةُ الإيابْ -
للفارسِ الظافرِ -
سالماً وغَانما
ورابحاً تجارةً وفيره ،
وأنتِ - يا أميره -
تلامسين قلبي مثلما
يلامس السحابُ قُننَ الجباْل
فيهمر المطْر
يسقي الحقولَ والأنهارَ والأطيارَ والوهادْ
فتورقُ الرحمةُ..
ثم يبدأُ الميلادْ.
-4-
سيدتي المتوجة
بالوهِج والدهشةِ والحضورْ ،
سيدتي الموسمه
بالحبِ .. والغبطةِ والسرورْ ،
أعترفُ الآنْ
بأنْ أبقى لديكِ
عاشقاً متوجاً
وفارساً موّسما
تلامسين قلبَه كما يلامس السحابُ قُننَ الجبال ،
فيهمر المطْر(67/497)
وتطرح الأرض الغلالَ والظلالَ .. والأطفاْل.
1983
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> كبير الدراويش نام
كبير الدراويش نام
رقم القصيدة : 63423
-----------------------------------
(إلى روح شيخنا محمد المهدي المجذوب )
-1-
... حينما انكسرتْ
هامةُ الزمنِ المشرئبِ...
وانغرستْ لا مكانْ
ندَفَ الصّمتُ فوق تخومِ الزّمانْ
فتحجرتْ الساعةُ الحائطَيةُ في ساحة ِ المهرجانْ
وكانت تدقُ
طبول ( بعانخى )
وتعلنُ أسفارَ (سنارَ)
تنشدُ أمجادَ (كررى)
وتتلو ...
فيختلجُ السهلُ والشاطئانْ
... هاهي الآنَ
موغلة'' في الظلامِ
ومدبرة'' في الحطَامِ
وهاهو ذا الزمنُ الحجريُّ
ترهل عبر المكانْ...
كبيرُ الدراويش أرهقه الذكرُ
فافترش الأرضَ
أخفى بسبحته فمَه
وتدثر جبتَه..
ثم نامْ ..
-2-
..سكت الطّارُ
لمّا تهالك ضاربُه
حينما ارتطمتْ ساقهُ بالرُّغامْ ،
فهرولت الأرضُ تحت عويلِ الدراويشِ
حين هوتْ ساقهْ
فهوى...
وتهاوى الكلامْ ،
وأدبرت الشمسُ واجفةً
وتردى على ساحةِ المادحين الظلامْ .
-3-
كبيرُ الدراويشِ نامْ
حين أكمل كلمته
حين جوّد..
حين نال الشرافةَ ..
واللوحُ نامْ ،
عليه السلامْ ،
وسبحانك الله
جلّ جلالُك
أشهدُ أنْ لا إله سواكَ
وأنك وارثُ هذا المكانِ .. وهذا الزّمانْ.
تونس -1982 -
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> الماضي والمضارع
الماضي والمضارع
رقم القصيدة : 63424
-----------------------------------
-1-
يا معشرَ الخزرجْ
صِفوا ليَ الحربَ ،
كيف تقاتلون من يبدأُ بالعداءْ
ويستبيحُ مدنَ الأطفالِ والنساءْ .
قال كبيرُهم :
نرميه بالنبِل وبالرماحِ ..
ثم نمشي بالسيوفِ ،
حتى يسقط الأعجلُ منا ..أو من العدو ،
فنحنُ أهلُ حربْ .
-2-
يا معشَر العربْ
(من الخليجِ الثائرِ إلى المحيطِ الهادرِ).
صِفوا ليَ الحربَ ،
كيف تقاتلون مَنْ يبدأُ بالعداءْ
ويستبيحُ مدنَ الأطفالِ والنساءْ .
قال خطيبهُم :-
نُحرضُ الجرائدَ الصفراءْ(67/498)
ونعرضُ السيوفَ في المذياعِ والتلفازْ
ونُحسنُ القصائدَ العصماءْ
ثم نجلدُ البعضَ ،
فبعضُنا جاسوسْ
وبعضُنا كابوسْ
وبعضُنا ينخُر فيه السُوسْ ،
ثم نمشي بالوعيدِ ..
حتى يسمع الأعجلُ منا .. أو مِن العدوْ ،
فنحن أهلُ نَصْبْ .
-3-
تكلم الماضي ...
فكت المضارعْ
ولطمتْ خدودَها الشوارعْ
واستغرق العالمُ في المدامعْ.
1983
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> لهذا الوطن
لهذا الوطن
رقم القصيدة : 63425
-----------------------------------
لهذا الوطنْ
معمدة'' جبهتي بالحَزَنْ ،
ومنذورة'' كلُّ لحظةِ شِعرٍ ..
وميلادِ أُّغنيةٍ .. أو شجنْ ،
O لهذا الوطنْ
معمده''. كلُّ رعشةِ حبٍ .. ،
وكلَّ ابتساماتِ هذا الزمنْ ،
O ومنذورة'' .. كلُّ أيامِ عمري ..
فما كان منها ...
وما لَمْ يكنْ ،
O لهذا الوطن.
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> إهانات مسببة
إهانات مسببة
رقم القصيدة : 63426
-----------------------------------
إهانات مسببة
إلى العالم العربي المعاصر
الفاتحة :
نفتتحُ الآنَ
باسمِ العروبةِ
والقهرِ .. والجاهليه
حفلَ السقوطِ
وحفلَ البكاءِ
وموتِ القضية
ونقرأُ في البدءِ
فاتحةَ الضارعين ..
على أُّمةٍ عربيه ،
الشهادة :
ها نحن ما بين دجلة والنيلِ ...
نلقى الأمّرينْ
فها هي بغدادُ
ما بين قوسينْ
وها هي بيروتُ
ما بين نارينْ ،
فيا ربُّ اشهد
بأنّا احتربنا ..
وكنا شقيقينْ
وكان العدو على البابِ يطرقُ..
أو قاب قوسينْ ،
الخروج :
يا وطنَ الشعرِ
والشمسِ ..
والفتحِ .. والقادسية
يا وطنَ السيفِ
والخيلِ ...
والفكرِ .. والعبقرية
ويا وطنَ الراحِ ..
والرّوحِ والرّيحِ .. والأريحيّة ،
ماذا دهاكَ
ومَنْ ذا رماكَ ..
لعصر من اليأسِ والجاهليه ؟
وكيف كبوتَ
وكانت خيولُك..
تختالُ مقدامةً للمنية
وكيف انكفأتَ
وعُفَّر وجهُك
بالقهرِ والحزنِ .. والبربرية ؟
الدخول :
هاهم الآنَ
من كلَّ فاصلةٍ فيكَ - يا وطني-
يطلعونْ
وهاهم الآنَ(67/499)
من كلَّ جارحةٍ فيكَ - يا وطني -
يخرجونْ
بكلِّ المداخلِ - يا سيدي - يدخلونْ ..
فها هم يُقيمون في طولِ شارعك العربيّ
وهاهم ينامون في عرضِ تاريخك العربّي
وها هم يبيعون رسمَك للسائحِ الأجنبيّ
وهاهم يبولون في حرمِ المسجدِ الأمويّ
وها هم يبيحون كلَّ حفيداتِ بيتِ عليّ ،
وها أنتَ ..
لم يبق منكَ ..
سوى اسمك العربّي.
الخاتمة :
نختتمُ الآن
باسمِ العروبةِ ..
والقهرِ .. والجاهلية
حفلَ السقوطِ..
وحفلَ البكاءِ
وموتِ القضيه ،
فمدوا مباهجكم ..
أيها العربُ الأوفياءْ
ارفعوا الكأسَ ...
فالأرضُ دارتْ ..
وعدنا إلى زمنِ الهمجية ،
فها هي أيامُنا جاهلية
وها هي راياتُنا فارسيه
وها نحن في آخرِ الأمرِ عدنا ..
بدون هويه
ودون قضيه .
1982
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> بكائية على بحر القلزم
بكائية على بحر القلزم
رقم القصيدة : 63427
-----------------------------------
-1-
أغني لتلك السواحلِ
يمضغها الرملُ ،
يأكلها وجع'' من بطونِ التواريخِ ،
اتكأتْ عند خطِ التماسِ السماواتِ بالبحرِ ،
تغزلُ من موجهِ خيمةً
يستريح بها القهرُ والصبرُ والانتظارْ.
أغنّي وصوتي مئذنة'' حملتها الرّياحُ ..
تُزفزفُ من آخرِ الزمنِ الآسيويِّ -
فريح'' تُدحرجها للوراءِ
وأُخرى تلوذ بها للأمامِ - الذي
يتحصنُ بين الشذى والبهارْ .
-2-
أغني لرملِ السواحلِ
احتشدتْ فيه أشباحُ عشاقِ عصرٍ
من النورِ كانَ ،
وإنّ عصورا من النورِ سوف
تجيىءُ .. مع النورسِ القُلْزُميِّ ..
ومن كلِّ صوبٍ وحدبٍ
مع الخيلِ والليلِ .. والفرحِ المستجيشْ .
أغني لرملِ السواحلِ
والصوتُ يَعلو .. ويَسمو
وينثالُ فوق القراميدِ ،
يُدلج في البحرِ
يضربُ في البِّر ...
حتى إذا أدركته المرافىءُ
حطَّ لكي يستريحْ .
-3-
يساورني -
حين ألقاكَ نهباً مباحاً لكلِّ قراصنةِ البحرِ...
كلِّ لصوصِ أُوربا ..
وكلِّ نفاياتِ آسيا - بكاءْ .
فأمتشقُ السيفَ والنصلَ
أغزوكَ ،
أغزو المروءةَ فيكَ(67/500)
وأغزو البطولةَ فيكَ
وأنتهرُ الخيلَ كي تستفيقَ ..
وأنتهرُ العربَ القدماءْ .
وأخرجُ فيكَ بجيشيَ..
لا تغربُ الشمسُ فوق مضاربه ،
جندُه باع دنياهُ
واقتحم الموتَ ..
متظراً في الحدودِ الإشارةَ
حشداً من الشهداءْ .
فقُمْ .. أيها البحرُ ..
قُمْ واغتسلْ وتوضأ واقرأ ،
لنعطي الاشارةَ
للواقفين صفوفاً .. كُتوفاً
من البابِ للبابِ ..
بالسيفِ والنصلِ والكبرياءْ .
-4-
فها هي ذي السُفنُ العربيةُ
تنشرُ فوق البحارِ القُلوعَ ...
تعود محملةً بالتوابلِ والعاجِ والعطرِ والآبنوسِ
من الهنِد والبونِت ،
طالعةً في أعالي البحارِ
وهابطةً في المرافىءِ بالفوز والربحِ .. والانتصارْ .
وهاهُم على ساحليْكَ يعودون
رُوماً .. وفُرساً..
بطالمةً .. ويهودْ..
وها هو أبرهةُ الحبشيُّ يحصر مكةَ بالمنجنيقِ..
وبغدادُ - حاضرةُ الشرقِ - مذبوحةُُ للوريدْ..
وهاهي كلُّ مداخلك الآنّ مسدودة'' بالمغولِ
وكلُّ مخارجك الآنّ محروسة'' بالتتارْ .
فقُمْ .. أيها البحرُ..
قُمْ واغتسلْ وتوضأ واقرأ ،
لنعطي الاشارةَ ..
نعطي البشارةَ
للواقفين صُفوفاً .. كُتوفاً
من البابِ للبابِ ..
يمضُغهم وجعُ الانتظارْ.
-5-
أغني لرمل السواحلِ ،
يا أيُّها الوجعُ المستبد بنا .
أيُّها المستبيحُ مراقدَنا
مثلما تفعل النارُ في الأرضِ
حين تمورُ ،
كما الشوقُ في القلبِ حين يروادنا العشقُ
أو نتداركه في خريفِ الزمانْ.
أما حان أنْ يطلع البدرُ فينا
فنلقاهُ عند الثنياتِ ..
بالدُّفِّ والكفِّ .. والمهرجانْ..
نشيلُ البيارقَ -
تِلوَ السيوفِ-
وفوق الكتوفِ ،
ندوسُ بها فوق جيشِ المغولِ
الذي استراح..
وقد استباح رمالَ السواحلِ ،
يمضُغها وجع'' يستبد بنا
كلَّ آونةٍ من أوانْ .
-6-
أغني لرملِ السواحلِ .
صوتي مشتعل'' كصهيلِ جوادٍ من الحُلمِ ،
من أولِ الزمنِ العربيِّ الخرافِّي
من آخرِ الزمنِ العربيِّ الخرافِّي ،
من كلِّ نجدٍ من الزمنِ
القُرشِّي اللسانْ .
أغني لرمل السواحلِ(68/1)
متكئاً فوق سَجادِه العربيّ
أشاهدُ وجهَ عليّ
وخالدَ بن الوليدِ
وطارقَ بن زيادَ
وأيوبَ مصرَ ..
وعنترةَ العَبَسيّ.
أشاهدُ جيشيَ لا تغربُ الشمسُ فوق مضاربه ،
فَيْلق'' في الخليجْ
فَيْلَق'' في المحيطْ
فَيْلَق'' في البحارْ
فَيْلَق'' في الديارْ ،
فأمتشقُ السيفَ يقطُر من دمه الأجنبيّ .
وأعبُر بابَ الجزيرةِ ..
والكونُ تحت سنابكِ حيليَ .. وبين يديّ .
-7-
أغني لرمِل السواحلِ ما شهدته السواحلُ
ما وشوش الموجُ
ما فعل الفوجُ .. بالأوّلينْ
فينفلقُ البحرُ ..
إنبهل الطودُ .. وانسدل الموجُ
وارتحل البحرُ .. بالآخَرِينْ ،
-8-
أغني لتلك السواحلِ
يمضُغها الرملُ ..
يأكلها وجع'' من بطونِ التواريخِ ،
إتكأتْ عند خطِ التماسِ السماواتِ بالبحرِ ،
تغزلُ من موجه خيمةً
يستريحُ بها القهرُ والصبرُ والانتظارْ
تونس - مارس -1982
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> تقول لِى شنو !
تقول لِى شنو !
رقم القصيدة : 63428
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
-1-
تقول لِى شنو
وتقولى لِى منو ،
-2-
أنحنَا السَّاسْ
ونَحنا الرَّاسْ
ونحن الدّنيا جبناهَا
وبَنيناها..
بِويت ..فى بِويتْ
وأسْعل جدى ترهاقَا
وخلى الفَاقة .. والقَاقا
-3-
تقول لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-4-
تَالا أبوى .. بعنخى لَزَمْ
وتَالا اللُمْ..أَبوىْ أوْلبَابْ
وأمى مهيرة بتْ عبودْ
وأخويا المهدى ..سيد السيفْ
والخلى النصارى تقيفْ
هناك ..فى القيفْ ،
-5-
تقول لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-6-
ونحن الشينْ
ونحن الزينْ
ونحن العقبه والعتمور
ونحن القِبله .. والقرعانْ
ونحن الشانْ
ونحن النانْ
أتينا عشانْ
نسوى الدّنيا للإنسانْ
تقول لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-8-
ونحن الصّافى
والوَافى ،
ونحن الشّافى
والكافِى ،
ونحن الزادْ
ونحن العِينه
والزِيّنه ،
ونحن - يمين - أهالينا
أهلى سرورْ
ووكَتين ينزل المستورْ
تَرَانَه النور
-9-
تقول لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-10-(68/2)
ونحن الجبنه واللبريقْ
ونحن قداحنا سَاوات ضيقْ
ونحن بيوتنا مفتوحاتْ
مَسَاىْ .. وَصباحْ
ونحن وشُوشنا
مطروحاتْ
مَسَاىْ وصباحْ
ونحن السَمحه
والقَمحه
ونحن الطله .. واللمحه ،
ونحن الصِيدْ
ونحن العيدْ ،
-11-
تقولى لِى شنو
وتقولى لِى منو ،
-12-
ونحن عُزَازْ
ونحن حَرَازْ
ونحن هَشَابْ
ونحن قُمُوحْ
ونحن تُمُورْ
ونحن عُيُوشْ
ونحن النيلْ
وَكضَاب - يا زويل - منْ قالْ
إنّك .. تانى لينا متيلْ ،
تقولى لِى شنو
وتقولى لِى منو ،
-13-
ونحن الحَجه والتوبه ،
ونحن الهِجره .. والأوبه ،
ونحن كُتَارْ
ونحن كُبَارْ ،
ونحن - يمين - جُمَال الشيلْ
ونحن - يمين -نَضِمنا قليلْ ،
-14-
تقول لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-15-
ونحن مِحايه
نحن طِرايه
نحن فِدايه
نحن سِمايه
نحن حجاب
ونحن اللوحْ
ونحن شَرَافه فى الدنيا
ونحن كِتاب عِلمْ مفتوحْ
على كل البُلودات ..نُورْ ،
ونحن - يمين - مَداين نورْ ،
ووشنا نورْ ،
-16-
تقول لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-17-
ونحن الحِنه والجرتقْ
ونحن الزفه والسيره ،
ونحن ..أبشرى والشبال ،
ونحن السَىْ
ونحن الوَىْ
ونحن الرقبه .. والتُمْ تُمْ
ونحن اللَمْ ..
يكون فى الدنيا ..متلنا ..لمْ
-18-
تقولى لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-19-
ونحن العَاجْ
ونحن الصَاجْ
ونحن البوشْ
ونحن الحوشْ
ونحن الناسْ
وكتين الديارا ..يباس
وإن درت العديل والزين
تعال يا زول ،
وإن كست الكعب والشين
أرح .. يا زول
-20-
تقولى لى شنو
وتقول لى منو ،
-21-
ونحن السورْ
ونحن الحُورْ ،
ونحن بناتنا محروساتْ
ونحن وِلادنا ضُلالاتْ
ونحن أُماتنا ياهِنْ ..ديلْ ،
وجِيب ورينى زيىِّ منو ،
وتقول لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-22-
ونحن فَزَعْ
ونحن وجَعْ
ونحن اليُمه ..واليَابَا
ونحن أريتو بالتَابَه ،
ونحن - يمين - إذا حَرّتْ ،
نخلى الواطه ..رُقَابه ،
-23-
تقولى لِى شنو
وتقولى لِى منو ،
-24-
ونحن زَغَاوه والعطرونْ
ونحن الدُونَا ..مافيشُ دونُ
ونحن وِلاد مَلك خِرتيتْ(68/3)
وسَابَ الجرْ
وحجَر السِكه ،
والتاكا ،
وسيّدنا الفى الجبل ..دَاكَا
ونحن - يمين - نضِمنا كُتُرْ
وشيَتنا كُتُرْ
وأسعَل ناس كَرن والطُورْ ،
وأسعَل كَررى .. والعَتْمُورْ
وأسعل - يا جنَاَ - الخرتُومْ ،
وشوف كيفن زعلنا كُتُرْ ،
وشوف كيفن فرحنا كُتُرْ ،
أنحنا الـ للرجال خُوسَه ،
ونحن -يمين - جِنَات موسى ،
-25-
تقولى لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-26-
ونحن الدوكه
والضُلاله ، والدونكه ،
ونحن الدانقه ،
والراكوبه ، والواطه ،
ونحن الفَكَه
والشِبكَه
ونحن الحجزه .. والعكَه ،
ونحن الجُودْ ،
ونحن أسودْ ،
ونحن النَانْ ،
حديثنا إذا أرِدتو رُطَانْ
وحين دايرين ..نسوى بَيَانْ ،
-27-
تقول لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-28-
ونحن الخَلوهَ والدايره ،
ونحن تَكيه العايره ،
ونحن الضُّلْ ،
ونحن الكُلْ ،
ونحن سبيل غريب الليلْ ،
ونحن صباح مسافر الليلْ ،
ونحن فَنَاجرةَ الدّنيا ،
ونحن حَبَابْ
حديثنا حَبَابْ
تعال شَرِف .. وشوفنى منو ،
وتقولِى شنو ،
وتقولِى منو ،
-29-
أقيف لِسَعْ
وأقيف وأسمعْ ،
ونحن صديرى منضوم ويلْ
ونحن القَرمصيص ..بلحيلْ ،
ونحن التوبْ
ونحن الووبْ
وناس حبوبْ
وناس حَرّمْ
ونحن إذا رأينا كبيرْ
نقيف طولنا ..ونقولْ لُه ..حَبَابْ
ونديه البُكَان ..ترحابْ
ونحن. اليَانَا ديل .. يا زولْ
وتسعلنى .. وتقول لِى منو
وتقولِى شنو ،
-30-
أقيف لسعْ
وأقيف .. وأسمعْ
ونحن التَايَهْ
والاندايَهْ
والزِريعهْ
والعيزومهْ
واتفضلْ ،
ونحن الرايَه مرفُوعه
ونحن الكُلفَه مرفُوعه
ونحن حلفتَ ... مدفوعه
-31-
تقول لِى شنو
وتقول لِى منو ،
-32-
وأما عجيبْ
وأما غريبْ ،
وأقيف لسعْ
وأقيف .. وأسمعْ ،
-33-
أنا الكَعَب البسوى الويلْ
وأنا الزول السَمِحْ ..بلحيل ،
وداير ..منَِّهُمْ .. يَاتُو ..،
تقولى لِى شنو
وتقول لِى منو ،
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> ((( هروب )))
((( هروب )))
رقم القصيدة : 63429
نوع القصيدة : عامي(68/4)
-----------------------------------
-1-
كُتْ قايل صحيحْ الهجرة تِرياق للجراحاتْ
ورَاح أرتاح من أحْزانى القديماتْ ،
وقُمْ طشيتَ فى دُنياتْ .. بعيداتْ
برايا جريحْ
أكاتل الريحْ
وأكوس فوق التخاياتْ ،
وأغلب الشوقْ .. ،
وأقول أصبُر خلاس فِضْلن شِوياتْ
عشان ترتاح من أوجاع حُبَك الفاتْ ،
وكم مرات
أحِنْ للارضِ .. والناس الحليوينْ
وادَفْدِف فوق بُلود الغيرْ مِطيراتْ ،
وكم مراتْ ،
... أوَاصلَ الهجرة فى الذاتْ ،
... ورُحتَ بعيدْ
وضيَّعتَ المسافاتْ
وضيّعتَ العناوين والجواباتْ ،
وقُتَ خلاسْ
خلاس الماضِى قد ماتْ ،
وودعتَ الجراحاتْ
-2-
.. ومرت بيّا زى شوبتينْ
وزىْ شِيتاً حميمْ .. ودفينْ
يجيكْ وكتَ الوجع .. والشينْ
يجيكْ زىَّ العديل ... والزينْ
حضرنى شعورْ
شعورْ بحضورْ
حُضور محضورْ
وسادِى الدنيا .. جايى عليّا .. زفة نورْ
.. واتلَفَتَ .. بى هجمة فرحْ .. مسحورْ
وجُوه النورْ
بَشُوفِك نورْ
شَلَح تَالاىْ
تقول مَقطعْ من الدوباىْ
بِفتش ليهو .. لى غناىْ ،
أتاريكْ .. كُتِ دِيمه معاىْ
مهاجرة .. وفى الضُلوع .. جُواىْ ،
-3-
أتاريكْ .. رُحتِ قبلى هناكْ
وشلتِ معاكى كل الفاتْ ،
-4-
لِقيتِك واقفه فى كل المطاراتْ
ومتظرانى بالشوق والبسماتْ
وايدِك راعشة بِتقول لىْ .. سلاماتْ ،
لقيتك فى محطات القطاراتْ
والتُلوج نازلات على وِشيشك وصاباتْ ،
وإنتِ تحاحى بالتوبْ .. الدِميعاتْ
-5-
أتاريكْ رُحتِ قبلى هناكْ
وشلتِ معاكى .. كل الفاتْ ،
-6-
لِقيتِك فى الشوارع والمطوراتْ
وجارية معايا مرات للضُلولاتْ
وواقفه معايا مرات فى الشموساتْ ،
وقاعدة معايا فى قهواية مراتْ
وتحكى لىْ حكاياتْ ،
وأشوف عينيكى ضاواتْ
كما أُمبارحْ ...
ومليانات محناتْ ،
-7-
أتاريكْ رحتِ قبلى هناكْ .
وشلتِ معاكى .. كل الفاتْ
تَّصاويرنا
وغناوينا
وفريحاتنا .. ومشاويرنا ،
وحاجاتنا الصغيرونات
والخليتَه تذكاراتْ
ورايا هناكْ
لِقيتَه معاىْ
بِتمشى معاى(68/5)
وتقعد جَنْبى تتكلمْ
تعيد ليا جميعَ الفاتْ ،
-8-
أتاريكْ .. رُحتِ قبلى هناكْ
وشلتِ معاكى .. كل الفاتْ ،
-9-
وكُتْ قايل .. صَحيح الهجرة بتداوى
ولقيتَ الهجرة .. بتكاوى ،
وتَفتِحْ لينا ماَضينا
وتخلينا
مساجينُو ،
وكُلْ مادُرنا نَهرُبْ مِنوُ ...
نَلقانا ... مساجينوُ ،
-10-
أتاريكْ . . رُحتِ قبلى هناكْ
وشلتِ معاكى . . كُلَّ الفاتْ.
باريس -مايو -1974-
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> (( أدبي )))
(( أدبي )))
رقم القصيدة : 63430
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
-1-
أنا ، واستغفْر المولى ،
من قولة .. أنا .. ، أدبى ،
شاردْ من التاريخْ
ونازل بدون تصريحْ
وشايل قَلمْ دهبى
وقرطاسْ ورقْ عربى ،
وبكتب كلامْ أدبى
وما عندى غيرو أنا فى الدنيا .. من أرَبِ
-2-
كلامْ عشان الحُزُنْ .. والناسْ ..
كلام أدبى ،
ما عندى غيرو أنا فى الدنيا . . من أرَبِ ،
لا خزنة . . لا سُلطانْ
لا غيرا .. من طَلبِ
الناسْ مطالبى أنا . . والحبُ للأدبِ ،
-3-
يا أيُها مطرودْ
إنى أنا زولَكْ
وأيُها محزونْ
إنى أنا هُولَكْ ،
هَادِى مطالبى أنا ..
والحبُ للأدبِ .
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> (( حصل ))
(( حصل ))
رقم القصيدة : 63431
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا جَنَا .. أبداً جَرَالَكْ أمرْ مِن هَذَا القبيلْ ،
إنك مسافر فى بلاد بره .. وزول عابر سبيلْ
تلقاك بنية حليوة .. زى موية السبيلْ ،
والدنيا حرْ ..
والجوف عليلْ ،
تنده عليكْ
يا ماشى زى الغابة .. يا زولْ .. يا جميلْ
وَقفْ .. وهاكنى معاكْ .. وسافِرْ .. يا جميلْ ،
- أيوه حَصَلْ ،
بس المطرْ كان قاجى .. والليل كان جميلْ
والبندقية .. جزيرة الطِليان ..
يمين . . مليانة شيلْ
والبحرِ رايقْ .. والمزاجْ . .
والجيب تقيلْ ،
وشربنا . . ناماً شُفنا ايطاليا مدنقرة فى المحيطْ،
وتقول ياليلْ(68/6)
ويمين - حلفنا - نعومْ .. وكان الكيفْ تقيلْ
والواطة ليلْ ،
يا زول حَصَلْ .. زى ما حَصَل . .
ما الدنيا ليلْ
والزول مسافرْ
والطلايناتْ ديكْ . . يا ليلْ ،
- أيوه حَصَلْ
. . . بَس المطر كان قاجى .. والليل كان جميلْ
البندقية -مارس -1975
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> (( منام عشان حبيبي ))
(( منام عشان حبيبي ))
رقم القصيدة : 63432
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
-1-
أُمبارحْ
بى قِليلْ
وكت الليلْ
فَلْفَلْ . . بلحيلْ
. . شُفتَ منامْ
-خير إنْ شَا الله
- خيرْ
شُفتِكْ لا بسة بياضْ . . فى بياضْ
والدنيا دِى . . فوقِك . . زى العاجْ ،
فوق راسِك . . تاجْ
وسيف مسلولْ
والحِنه تزغرتْ فوق ايديكْ
وحريرة
ونور بيضوى عليكْ . .
- خيرْ ان شَا الله ،
- خيرْ
شُفتِك قاعدة . . تقول فوق عرشْ
والعالم كُلو . . بقول .. لبيكْ ،
-2-
وجَنْبِك ميه بتْ فرحانه
- خيرْ إنْ شا الله
- خيرْ
وناسْ
وزحامْ
وكلامْ
وسلامْ
وغناوى . . ونور
وحكاوى . . تدورْ
وشُفتَ كمانْ
واحد فرحانْ
قاعد جَنبْك
- خيرْ انْ شا الله
- خيرْ
أقول زى لا بسْ
نورْ فى نورْ
وبعاين ليكْ . . زى المسحورْ
-خيرْ إنْ شا الله
-خيرْ
وجنبو جماعه ،
كُتَارْ بلحيلْ
نازلين فى الداره ،
تقول الخيلْ
والليل شبالْ ،
والليل تُمْ . . تُمْ
والليل دلوكه ،
غناها . . نَضِمْ .
والليلْ . . يا ليلْ
مجنون . . بلحيلْ .
-3-
خيرْ إنْ شَا الله ،
خيرْ إن شَا الله
- خيرْ
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> سندباد في بلاد السجم والرماد
سندباد في بلاد السجم والرماد
رقم القصيدة : 63433
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
إلى الشقى .. جَنَا الشقى .. المصطفى جَنَا سعيد ،
الله لا كَسَبُه دُنيى . . وآخرِى ..
-1-
ملعون أبو الغُربه
وملعون أبو عِلانْ ،
القالْ تهاجر .. يجيكْ
شِيتاً كتيرْ . . بلحيلْ
شِيتاً يجيكْ بالوَعَا ..(68/7)
وشيتاً يجيكْ بالليلْ
ناساً يجوكْ طاشينْ
وواحدين يجوك ْ نازلينْ
من السَما العشرينْ ،
زىّ الخِدرْ .. داجينْ
شايلين كلامَ الكتابْ
وشايلين كتابَ الكلامْ ،
وشايلينْ . . كمان شايلين
كلّ السَمحْ .. والزينْ ،
-2-
سمِعْ كلام السَفِيهْ
وقُمتَ دَجيتَ
ومشيتْ وراكْ يا سرابْ
ناماً .. أنا حِفيتَ ،
كُلْ ما أدور أرتاحْ ..
أشم دُعاشَكْ قريبْ
وأتابعَ السِكة ،
يا سكة آخرِك وين
يا سكه وين الوصول
داير لى ضلا زين
وزول يقول لى الزين
يقعد حداى يكب الجبنه .. فنجانين
وأقول كفاى .. ويقول .. تدفنى .. تانى .. اتنين
يا حليل ضلول الضحا
ويا حليل بيوت الطين
ويا حليلن الطيبين
العندهم حقك .. حتى ولكان ملين
-3-
يا حليلْ نسايم الليلْ
فى مقرن النيلين
وحليوة الحلوينْ
عينيها براقين
شايلين خريف وشتا
وصابين علينا . . حنينْ
-4-
يا حليلْ أهلنا الكتار
والمو أهَل . . وكتار
يجوك وكت الفرح
ويجوك ساعة الترح
وبينن ساعة الترح
وبينن اللتنين
يجوك خفاف وسراع
ويقولو ليكا .. سلام
ويجيك معاهم سلام
-5-
يا حليلْ كَبوبنا وعَجاجنا
ويا حليل سجمنا ورمادنا
وزعلنا دون أسباب
وفرحنا دون أسباب
وبُكانا دون أسباب
يا حليلو هُه الما غابْ
راقد تقول تمساح
حارس العقاب بالناب
راقد تقول محدود
فى الدنيا . . من غير حد
طيب . . وزين . . وفقير
وغروره فايت الحد
يا اخوانا - بالله
قولو لى كيف الزول
يقدر يخون بلده
مهما تكون بلده
تعبانه . . فايته الحد ،
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> لازم نقول الحق
لازم نقول الحق
رقم القصيدة : 63434
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
-1-
لازمْ نقول الحقْ
ما الحقْ ده سُودانى
مولودْ فى جرفَ النيلْ
شاربْ من الجدولْ
ولا بِسْلُو جِبه قُطنْ
ودارعْ صديرى نخيلْ
وتَقْيَان كَما السودانْ
ومارقْ يقولْ .. يا ليلْ
-2-
لازم نقول الحقْ
م الجنسْ سودانى
والأصلْ سودانى
والفصلْ سودانى
يا سلامْ عليكْ يا جَنَا(68/8)
يا ابنِ سُودانى
-3-
شايل معاكْ البَحَرْ
والنهرِ ... والغابه
وشايلَ خِصالَ الخلا
والخلوه والداره
وشايل السَمحْ شاره
وطالعْ وَسَطْ خُضْرَه
ونازلْ وَسَطْ نُضْرَه
وقادلْ وَسَطْ سُمرَه
والهِمه غَلابه
-4-
لازمْ نقول الحقْ
ما الحق دَه سُودانى
والاصلْ سُودانى
يا سلامْ عليكْ يا جَنا..
يا ابنِ سُودانى
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> أجيك عاشق مسافر ليل
أجيك عاشق مسافر ليل
رقم القصيدة : 63435
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أجيكْ عاشقْ مسافرْ ليلْ
واجيكْ ولداً جَنَبْ بلحيلْ
اجيكْ لا خَاتِراً مكسورْ
ولا فارساً مَهيِضَ الحيْل
أجيكْ سيفاً سنينْ مسلولْ
وراكزْ ضُمه فوقَ الخيلْ
أجيكْ مسدارْ من الدوبايْ
واجيكَ دُعَاشْ وراهُ السيلْ
واجيكْ لا خَاتي ... لا ظالمْ
واجيكْ في القدلة زيَّ النيلْ
واجيكْ يا مُبتَدا التاريخْ
ويا خَبرَ اللِي كانوا قِبيلْ
لأنَكْ ديمة كُنتَ معايْ
مسولتْ بَيْ نهارْ في ليلْ
ودايماً كُنتَ ليّا أصيلّ
ولاكْ بَرَاني .. لانِي عَميلْ
ودايماً كُنتَ بيّا كبيرْ
ولاكْ هَيِّنْ .. ولانِي قليلْ
وأهلَكْ ديله ..هُمْ أَهَلِي
البِشيِلو الشيله فوق الشيلْ
وانتَ أبويْ .. وأنتَ أخويْ
وانتَ الهُولي .. ما هُولْ زولْ
بشوفَكْ هَالي في حلفا
وفي نِمُولي .. وفي توتيلْ
واجيكْ يا موطنَ الحلوينْ
ويا نيلاً ضُلُولُه نخيلْ
عَشَانْ ما زالْ لدينا كلامْ ...
كلاماً كُلُّه زينْ وعديلْ
أجيكْ الليله شَانْ أفديكْ
وشَانْ تَبْقَالنَا ديِمه دليكْ
وشَانْ أديكَ عُمري الفاتْ
وكُلَّ الجايي .. جيلْ في جيلْ
عَشَانْ أشقي
وعَشَانْ تلقي
وعَشَانْ تَبْقَالنَا ديِمة جميلْ !
صنعاء - الخرطوم -11/11/1992
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> كنت قايلك
كنت قايلك
رقم القصيدة : 63436
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
1-
كنتَ قايلِك لىْ ضَهَرْ أركزْ عليهُ(68/9)
وكنتَ قايلك لىْ صَدُر أهجعْ اليهُ
وكنتَ قايلكِ حُبْ كبيرْ ..
دقيتَ صدرى أباهى بيهُ
ورُحتَ أقدل فى البلدْ
وأدوبى ليكى .. أنِمّ ليهُ
وكنتَ قايلك لى زمنْ لِسَعْ...
وقايلِك جايه بيه
وفيه أطفالْ .. فيه أشعارْ
فيه خيرْ وسلامْ .. وفيه
وفيه سُودانا البنحلم بيه
والدايماً نكاتل نِحن ليه
-2-
كنتَ قايلْ ما فى بعدكِ
تانى زولاً أشتهيهُ
ولا جمالاً غير جمالِك
فى بلدنا نفيستى فيه
ولا وطنْ غيرك سَكَنْ
يدينى .. ما تدينى ليه
وجيتْ برايا إلى ضَراكِ
إتضارى من أحزانى بيه
مُحبْ مُطاردْ من بلاده
والعجيبه بلادهُ فيه
خافقه فى كُلْ نبضة ليه
وشايله أمطارْ فى عينيه
-3-
جيتَ قايلِك لىْ ضَرايه
ولىْ صَدُر يهجعْ معايا
وكنتَ شايلِك لىْ تميمه
وكنتَ كاتبِك لىْ محايه
ولما جات الحارة دايره
ودارتْ الأيامْ عليّا
لقيتكْ إنتِ غريبة عنى ...
وواقفه فى جانبْ عِدايا
كأنه يومْ ما كنتِ ليّا
وكنتَ ليكى هدفْ وغايه
كنت قايلِكْ لى برايا ...
وفى النهاية .. بقيتْ برايا !
23/يوليو/1991
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> سيد البلاد
سيد البلاد
رقم القصيدة : 63437
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
سَاعةَ الطياره
يا دوبَكْ تقوم
وتِنْتَكي فوقْ بُري
أو بحري ...
وتحومْ
فوق المزارعْ
والمصانعْ
أو تكورِك في سَمَا الخرطومْ عُمُومْ
وقبْلِ ما تَسْتعْدِلَ السِكه
تقومْ في راسَكْ العَكَه
ويكوركَ الشوقْ
وينده يا وطنْ
باسمَكْ
وتاريخَكْ
وعنوانَ السَكَنْ!
يا وطنْ
يا مَالي أيامنا
ومالينا شَجَنْ
مَالَكْ
وكتْ نَمرُقْ
نشوفَكْ يا وَطنْ
مَالي المكانْ
مالي الزمَانْ
مالي البدَنْ
مَالَكْ
مسولتْ بينا
في كُلَّ المدنْ
مَالَكْ
مساسِقْ بينا
في الدنيا العَبُوسْ
ملعونْ
أبو الفقر
اللي خَلانَا نكوسْ
في بحورَ الحزنِ
عن صُرة
فلوسْ
ملعونْ أبو الفقرِ
اللي خَلانا نعوسْ
في بلادْ عالمْ مجوسْ!
يا وَطنْ
يا مَالي أيامنا
ومالينا شَجَنْ(68/10)
نحن بنكوسَكْ في الخليجْ
وفي المحيطْ
وفي بلادْ كُلَّ العَجَمْ
نحنَ بنكوسَكْ
شانْ نعود ليكْ
بالتعاريفْ
والمصاريفْ
شَانْ تقومْ
تَقدِلْ
كما كانْ .. يا وَطنْ
وتوري هذي الدنيا
إنَكْ .. أيْ نَعَمْ
سِيدْ في العبادْ
سِيدْ في الفَهمْ !
ساعة الطياره
يا دوبَكْ تقومْ
يَعرفْ الزولْ
ايه يكونْ
من دونْ وَطنْ
ويَفْهَمْ الزولْ
إنو هذي الدنيا
من دونَ الهُمومْ
ومعاها كَتَاحَة سَمُومْ
ودُعاشْ بَعيدْ
ومطرْ رُعُودُه مُكَرْكِرَه
ومُجَرْجرَه
شيتاً جديدْ
في يومْ من ايام الوطنْ
ما بتسوى شيْ
وإنو أجملْ شيْ يكونْ
إنَكْ تكونْ
موجودْ
ومفقودْ
وانتَ ماليهُ
ومالِيكَ الوطنْ
حتى ولوْ كانْ
في جيوبكْ مَافي شيْ!
ما برضُو يكفيكْ
إنو في جيبكْ
وفي قلبَكْ وَطنْ
سِيدْ في البلادْ
سِيدْ في العبادْ
سِيدْ في الفهمْ !
تونس -يوليو -1985
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> مسافرة خلاس
مسافرة خلاس
رقم القصيدة : 63438
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
1-
مسافره خلاسْ !
ونحنَ الدوبنا
يا دوبْ جينا
شايلينْ فى العُيونْ أمطارْ
وجايينْ
من ليالى الشوقْ
ودايرِنكْ تكونى نهارْ
وجيناكْ
قُلنا نبقى سَوا
ونكون للحبْ أهلْ وديارْ
وجيناكْ
شانْ تكونْ ريدتنا
للعُشَاقْ وطنْ ومزارْ
عشَانْ الدنيا
تبقى حديقه
من أطفالْ .. ومنْ أطيارْ
تقومى تسافرى !
شِنْ يَبْقَالنَا
مِنْ بَعْدِكْ
وشِنْ يَبْقَالنَا من أشعارْ !
-2-
مسافره خلاسْ !
ولكينْ كيفْ
مُنو البِكرِمْ
مَعَايا الضيفْ
مُنو البِرْكِزْ
معاىْ فى الحاره
فوق القيفْ
مُنو البتحدى فى تَالاَيا
بردَ الليلْ
وحرَ الصيفْ
مُنو السَّوانى
أبقى جميلْ
بَعَدْ ما كتَ زىَّ الطيفْ
بحبِكْ
أيوه يا حليوه
لأنكْ لىْ دُعاشْ وخريفْ
لأنكْ
لىْ وَطنْ جايى
من التاريخْ ... بحدَّ السيفْ
شعراء مصر والسودان >> سيد أحمد الحردلو >> وكان - عليه سلام - تقول مازول حياة !
وكان - عليه سلام - تقول مازول حياة !(68/11)
رقم القصيدة : 63439
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
(فى رثاء الأستاذ مصطفى سيد أحمد )
-1-
... تانى قام واحدْ جميلْ فى بلدنا ماتْ
وكان بِغنى للمساكين والمسولتين والحفاةْ
وكان بِغنى للمنافى والعصافير والرُعاةْ
وكان بِغني لى بلدْ فى الحُلم شايل أغنياتْ
وكان بِطنبر .. وكان بِدوبى للحياةْ
-2-
تانى قام واحدْ مَلِكْ رَوَّحْ وفاتْ
وكان مَلِكْ فى الريدْ .. وانسانْ فى الصفاتْ
وكان مهاجر فى دموعْ كُلَّ البُكاةْ
وكان وترْ مشدودْ .. ومسكونْ دندناتْ
وكان - عليه سلامْ - تقولْ ما زولْ حياةْ !
-3-
يا مصطفي
طاري الجماعه الكانوا سَاكِنكْ دوامْ
من منفى لى منفي
ومن عودْ .. لى سَفرْ
طاري العصافير المسافراتْ دون جوازْ
طاري اللى داجين فى المطرْ
عبد الرحيم وهلمَّ جَرْ
طاري القطرْ
طارى الحرازْ
... الليله كانوا جميعْ هناكْ
قَسَماً يمينْ
كان الجميعْ باكين عليكْ
كان المطارْ والطائراتْ فارشينْ عليكْ
كان الجميعْ مشتاق اليكْ
يا سلام عليكْ
لمان تكون زولاً عزيزْ
عِنْ ناسْ عُزازْ
يا سلام عليكْ
-4-
.. يعنى كان لازم تفوتْ
والحُزنِ مشرورْ فى البيوتْ
والدنيا مَا زال فيها حُوتْ
وفيها لِسَعْ عنكبوتْ !
... يعنى كان لازم تفوتْ
وتخلى أوتارك سُكوتْ
ولسه عندنا ريدْ جديدْ
ولسهَ عندنا ليكْ قصيدْ !
... يعنى كان لازم تفوتْ
وتخلى هذا الحبْ يموتْ !
-5-
يا سلامْ عليكْ
لمان تكون زولا عزيزْ
عِنْ ناسْ عُزازْ
يا سَلامْ عليكْ !
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> المآب
المآب
رقم القصيدة : 63440
-----------------------------------
(رفيق من رفاق الصِّبا، رآه الناظم
عليلا محمولاً بعد غربة طويلة)
خاطبتُ عنك فما تركتُ مخاطباً
وسألتُ حتى لم أدْع مسؤولا
صدأُ الحوادثِ بدّل الاشراقَ في
فكري وكدّر خاطري المصقولا
يا مَن نزلتُ بنبعهِ أردِ الهوى
فأذاقنيه محطماً ووبيلا
وتتابعُ الأنواءِ في أفَق الصّبا(68/12)
لم يُبقِ لي صحواً أراه جميلا
ذهب الصبا الغالي وزالت دوحةٌ
مدت لنا ظلَ الوفاء ظليلا
أيام يخذلني أمامك منطقي
فإذا سكتُّ فكل شيءٍ قيلا!
ويثور بي حُبي فإنْ لفظٌ جرى
بفمي تعثر بالشفاه خجولا
يا مَن نزلتُ بنبعهِ أردِ الهوى
فأذاقنيه محطماً ووبيلا
يا مَن نزلتُ بنبعهِ أردِ الهوى
فأذاقنيه محطماً ووبيلا
وتتابعُ الأنواءِ في أفَق الصّبا
لم يُبقِ لي صحواً أراه جميلا
ذهب الصبا الغالي وزالت دوحةٌ
مدت لنا ظلَ الوفاء ظليلا
أيام يخذلني أمامك منطقي
فإذا سكتُّ فكل شيءٍ قيلا!
ويثور بي حُبي فإنْ لفظٌ جرى
بفمي تعثر بالشفاه خجولا
ويثور بي حُبي فإنْ لفظٌ جرى
بفمي تعثر بالشفاه خجولا
وتتابعُ الأنواءِ في أفَق الصّبا
لم يُبقِ لي صحواً أراه جميلا
يا مَن نزلتُ بنبعهِ أردِ الهوى
فأذاقنيه محطماً ووبيلا
ذهب الصبا الغالي وزالت دوحةٌ
مدت لنا ظلَ الوفاء ظليلا
أيام يخذلني أمامك منطقي
فإذا سكتُّ فكل شيءٍ قيلا!
أيام يخذلني أمامك منطقي
فإذا سكتُّ فكل شيءٍ قيلا!
ويثور بي حُبي فإنْ لفظٌ جرى
بفمي تعثر بالشفاه خجولا
ويثور بي حُبي فإنْ لفظٌ جرى
بفمي تعثر بالشفاه خجولا
ذهب الصبا الغالي وزالت دوحةٌ
مدت لنا ظلَ الوفاء ظليلا
يا مَن نزلتُ بنبعهِ أردِ الهوى
فأذاقنيه محطماً ووبيلا
أيام يخذلني أمامك منطقي
فإذا سكتُّ فكل شيءٍ قيلا!
ويثور بي حُبي فإنْ لفظٌ جرى
بفمي تعثر بالشفاه خجولا
يا مَن نزلتُ بنبعهِ أردِ الهوى
فأذاقنيه محطماً ووبيلا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ساعة لقاء
ساعة لقاء
رقم القصيدة : 63441
-----------------------------------
يا حبيبَ الروحِ يا روِحَ الأماني
لستَ تدري عطش الروح إليكا
حلّ يا ساحر سفوٌ وسلام
بعد فتكِ البينِ بالقلبِ الغريبْ
**
**
أنت يا معجزَةَ الحسنِ ملكْ كلُ لفظٍ
منك شعرٌ قُدسيّ
كيف يفنى ما كتبناهُ بنارْ
وخططْناهُ بسهدٍ ودموعْ
***
***
يتمشى القسمُ في قلبِ الأًجلْ
وأراني لك ما وفّيتُ دَيْني(68/13)
كيف يفنى ما كتبناهُ بنارْ
وخططْناهُ بسهدٍ ودموعْ
***
***
لم تزَلْ ذكراهُ من بالي وبالِكْ كيف
ينسى القلبُ أحلامَ صباهْ؟
التقت أرواحُنا في ساحةٍ كغريبينِ
استراحا من سَفرْ!
وتساءلتُ عن الماضي وهلْ حَسُنت
دنيايَ في غير ظلاِلكْ؟
يا حبيبي! أين أمضي من خجل
وفؤادي أين يمضي من سؤالِكْ!
يتمشى القسمُ في قلبِ الأًجلْ
وأراني لك ما وفّيتُ دَيْني
درجَ الدهرُ وما أذكرُ بعدَكْ
غيرَ أيامِك يا توأم نفسي!
درجَ الدهرُ وما أذكرُ بعدَكْ
غيرَ أيامِك يا توأم نفسي!
وأنا الطائرُ! قلبي ما صبا
لسوى غصِنك والوكرِ القديمْ
ما تبدّلنا! ولا حالُ الصِّبا
والهوى الطاهرُ والودُّ الكريمْ
ما تبدّلنا! ولا حالُ الصِّبا
والهوى الطاهرُ والودُّ الكريمْ
لم تزَلْ ذكراهُ من بالي وبالِكْ كيف
ينسى القلبُ أحلامَ صباهْ؟
قد صحتْ عيني على فجر جمالكْ
كيف يُنسى الفجر يا فجرَ الحياهْ؟
قد صحتْ عيني على فجر جمالكْ
كيف يُنسى الفجر يا فجرَ الحياهْ؟
وحطَطْنا رحلَنا في واحةٍ
زادُنا فيها الأمانيْ والذِكرْ
وتساءلتُ عن الماضي وهلْ حَسُنت
دنيايَ في غير ظلاِلكْ؟
يا حبيبي! أين أمضي من خجل
وفؤادي أين يمضي من سؤالِكْ!
شدَّ ما يُخجِلُني جهدُ المُقِلْ
مِنِ شباب ضاعَ أو من نورِ عينِ
يتمشى القسمُ في قلبِ الأًجلْ
وأراني لك ما وفّيتُ دَيْني
أنا شاديكَ ولحني لك وحدكْ
فاقضِ ما ترضاهُ في يومي وأمسي
درجَ الدهرُ وما أذكرُ بعدَكْ
غيرَ أيامِك يا توأم نفسي!
وأنا الطائرُ! قلبي ما صبا
لسوى غصِنك والوكرِ القديمْ
ما تبدّلنا! ولا حالُ الصِّبا
والهوى الطاهرُ والودُّ الكريمْ
لم تزَلْ ذكراهُ من بالي وبالِكْ كيف
ينسى القلبُ أحلامَ صباهْ؟
قد صحتْ عيني على فجر جمالكْ
كيف يُنسى الفجر يا فجرَ الحياهْ؟
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> العودة
العودة
رقم القصيدة : 63442
-----------------------------------
هذه الكعبةُ كنّا طائفيها
والمصلّين صباحاً ومساءَ(68/14)
دار أحلامي وحبي لقيتنا
في جمود مثلما تلقى الجديد
رفرف القلبُ بجنبي كالذبيحْ
وأنا أهتف : ياقلب اتَّئِدْ
لمَ عُدْنَا؟أولَمْ نَطو الغَرَامْ
وفَرَغْنَا مِن حنينٍ وألَم
أيها الوكر إذًا طارَ الأليفْ
لا يَرَى الآخرُ معنىً للسماءْ
والبلى ! أبصِرتُه رأيَ العيانْ
ويداه تنسجان العنكبوتْ
وطني أنتَ ولكني طريدْ
أبديُّ النفي في عالَمِ بؤسي !
والبلى ! أبصِرتُه رأيَ العيانْ
ويداه تنسجان العنكبوتْ
ركني الحانَي ومغنايَ الشفيقْ
وظلالُ الخلدِ للعاني الطليحْ
كلما أرسلتُ عيني تنظرُ
وثبَ الدمعُ إلى عيني وغامَا
فإذا عدتُ فللنجوى أعودْ
ثم أمضي بعدما أفرِغُ كأسي !
وأناخَ الليلُ فيه وجثَم
وجرَت أشباحُه في بهوهِ
صحتُ! يا ويحك تبدو في مكانْ
كل شىء فيه حيٌّ لا يموت !
وأنا أسمع أقدامَ الزمنْ
وخُطى الوحدةِ فوق الدرج
وأنا أسمع أقدامَ الزمنْ
وخُطى الوحدةِ فوق الدرج
ركني الحانَي ومغنايَ الشفيقْ
وظلالُ الخلدِ للعاني الطليحْ
موطنُ الحسنِ ثوى فيه السأمْ
وسرت أنفاسُه في جوَّهِ
علم اللهُ لقد طال الطريقْ
وأنا جئتك كيما أستريح
وعلى بابِك ألقي جَعبتي
كغريبٍ آبَ من وادي المحنْ
وأناخَ الليلُ فيه وجثَم
وجرَت أشباحُه في بهوهِ
افيك كف اللهُ عني غربتي
ورسا رحلي على أرضِ الوطن !
وطني أنتَ ولكني طريدْ
أبديُّ النفي في عالَمِ بؤسي !
فإذا عدتُ فللنجوى أعودْ
ثم أمضي بعدما أفرِغُ كأسي !
والبلى ! أبصِرتُه رأيَ العيانْ
ويداه تنسجان العنكبوتْ
صحتُ! يا ويحك تبدو في مكانْ
كل شىء فيه حيٌّ لا يموت !
كل شىء فيه من سرورٍ وحَزَنْ
والليالْي من بهيجٍ وشجى
وأنا أسمع أقدامَ الزمنْ
وخُطى الوحدةِ فوق الدرج
ركني الحانَي ومغنايَ الشفيقْ
وظلالُ الخلدِ للعاني الطليحْ
علم اللهُ لقد طال الطريقْ
وأنا جئتك كيما أستريح
وعلى بابِك ألقي جَعبتي
كغريبٍ آبَ من وادي المحنْ
افيك كف اللهُ عني غربتي
ورسا رحلي على أرضِ الوطن !
وطني أنتَ ولكني طريدْ(68/15)
أبديُّ النفي في عالَمِ بؤسي !
فإذا عدتُ فللنجوى أعودْ
ثم أمضي بعدما أفرِغُ كأسي !
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الحنين
الحنين
رقم القصيدة : 63443
-----------------------------------
أمسي يعذبني ويضنيني
شوقٌ طغى طغيانَ مجنون
أين الشفاء ولمَ يعد بيدي
إلاَّ أضاليلٌ تداويني
أبغي الهدوء ولا هدوء وفي
صدري عبابٌ غير مأمون
يهتاج إن لَجَّ الحنين به
ويئن فيه أنينَ مطعون
ويطل يضرب في أضالعه
وكأنها قضبان مسجون
ويحَ الحنين وما يجرعني
من مُرِّره ويبيت يسقيني
ربيتُه طفلاً بذلتُ له
ما شاء من خفضٍ ومن لينِ
فاليوم لمّا اشتدّ ساعدُه
وربا كنوارِ البساتينِ
لَم يرضَ غير شبيبتي ودمي
زاداً يعيشُ به ويفنيني
كم ليلةٍ ليلاءَ لازمني
لا يرتضي خلاً له دوني
ألفي له همساً يخاطبني
وأرى له ظلاً يماشيني
متنفساً لهباً يهبُّ على
وجهي كأنفاسِ البراكينِ
ويضمُنا الليلُ العظيمُ وما
كالليلِ مأوى للمساكينِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الناي المحترق
الناي المحترق
رقم القصيدة : 63444
-----------------------------------
كم مرَّة يا حبيبي
والليل يغشي البرايا
أهيم وحدي وما في
الظلامِ شاكٍ سوايا
أصيِّرُ الدمعَ لحناً
وأجعَلُ الشعرَ نايا
وهل يلبّي حطام
أشعلته بجوايا
النارَ توغل فيه
والريحُ تذرو البقايا
ما أتعسَ الناي بين المنى
وبين المنايا
يشدو ويشدو حزيناً
مرجعاً شكوايا
مستعطفاً مَنْ طوينا
على هواه الطوايا
حتى يلوح خيالٌ
عرفته في صبايا
يدنو إلى وتدنو
من ثغره شفتايا
إذا بحملي تلاشى
واستيقظت عينايا
ورحت أصغي. وأصغي
لَم أُلْفِ إلاَّ صدايا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> المنسي
المنسي
رقم القصيدة : 63445
-----------------------------------
متى يرق الحظ يا قاسي
ويلتقي المنسيُّ والناسي!
متى! وهل من حيلةٍ في متى
وفي خيالاتٍ وأحداسِ؟
هدَّ قراري جريُها في دمي
وهمسُها في كر أنفاسي
وأنت مثل النجم في المنتأي(68/16)
وفي السنا الخاطف كالماسِ
يزنو له الناسُ ويبغونه
وما يبالي النجمُ بالناسِ!
وأنت كأسُ الحسنِ لكننا
مثل حبابٍ حامَ بالكاس
طفا وقد قبّل أنْوارَها
ورفَّ مثل الطائر الحاسي!
وجفَّ أو ذاب على نورها
كما يذُوب الطلُّ بالآس!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الحياة
الحياة
رقم القصيدة : 63446
-----------------------------------
جلستُ يوماً حين حلَّ المساءْ
وقد مضى يومي بلا مؤنسِ
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا
يا ويحه حين تغير الغضون
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
ويعبثُ الدهرُ بحلو الجنَى
وتستر الصبغةُ إثمَ السنينْ!
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
وانظر إلى هذا القويِّ الجسدْ
الباترِ العزم الشديد الكفاحْ!
أجبتُ: يا دنياي من تخدعين؟!
إِني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ
وهذه السيارةُ العاتيهْ
وربُها الجبارُ كالبرقِ سارْ
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
كم صِحتُ إذا أبصرتُ هذا الجهادْ
ومبسم الذلة فوق الجباهْ
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا
***
***
قد أقبل الليلُ فحيّ الجلد
في رجلَ يدأبُ منذ الصباحْ
أجبتُ: يا دنياي من تخدعين؟!
إِني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا
يا ويحه حين تغير الغضون
***
***
ما هي الا شُعَلٌ فانيهْ
نصيبُها مثلُ شعاع النهارْ!
ما هي الا شُعَلٌ فانيهْ
نصيبُها مثلُ شعاع النهارْ!
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
وكيف لا أبكى لكدح الفقيرْ
أقصى مناه أن ينال الرغيفْ!
وكيف لا أبكى لكدح الفقيرْ
أقصى مناه أن ينال الرغيفْ!
كم صِحتُ إذا أبصرتُ هذا الجهادْ
ومبسم الذلة فوق الجباهْ
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ(68/17)
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل
وكم يرانا اللهُ أطفالا!
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل
وكم يرانا اللهُ أطفالا!
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبورْ!
نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبورْ!
أجبتُ: يا دنياي من تخدعين؟!
إِني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ
مزَّقتِ عن عيشي هنيّ السنين
لأنني مزقتُ عنكِ القناعْ!
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا
يا ويحه حين تغير الغضون
ويعبثُ الدهرُ بحلو الجنَى
وتستر الصبغةُ إثمَ السنينْ!
وهذه السيارةُ العاتيهْ
وربُها الجبارُ كالبرقِ سارْ
ما هي الا شُعَلٌ فانيهْ
نصيبُها مثلُ شعاع النهارْ!
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
وكيف لا أبكى لكدح الفقيرْ
أقصى مناه أن ينال الرغيفْ!
كم صِحتُ إذا أبصرتُ هذا الجهادْ
ومبسم الذلة فوق الجباهْ
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل
وكم يرانا اللهُ أطفالا!
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبورْ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> قلب راقصة
قلب راقصة
رقم القصيدة : 63447
-----------------------------------
أمسيتُ أشكو الضيقَ والأنيا
مشغرقاً في الفكرٍِ والسأمِ
فمضيتُ لا أدري إلى أينا
ومشيت حيث تجرّني قدمي
فرأيتُ فيما أبصَرَتْ عيني
مَلهيً أعِدَّ ليبهجَ الناسا
يجلون فيه فرائدَ الحسنِ
ويباع فيه اللهو أجناسا
بغرائب الألوان مزدهر
وتراه بالأضواء مغموراً
فقصدته عَجِلاً ولي بصرٌ
شبه الفراشة يعشق النورَا!
ودخلتهُ أجتازُ مزدحماً(68/18)
بالخَلق أفواجاً وأفواجا
وأخوضُ بحراً بات ملتطماً
بالناس أمواجاً وأمواجا
فقدوا حجاهم حينما طربوا
ودووا دويَّ البحرِ صخّابا
فإذا استقرّوا لحظةً صخبوا
لا يملكون النفسَ إعجابا
متوثبين يميلُ صفُهم
متطلعَ الأعناق يتقدُ
ومصفين عَلَتْ أكفُهم
فوّارةً فكأنها الزبدُ!
لِمَ لا أثورُ اليومَ ثورتهم؟
لِمَ لا أضجُّ كما يضجونا؟!
لِمَ لا تذوق كؤوسَهم شفتي؟
إنَّ الحجا سُمّي وتدميري
في ذمةِ الشيطانِ فلسفتي
ورزانتي ووقارِ تفكيري!
يا قلبُ! ضقتَ وها هنا سعةٌ
ومجالٌ مصفودٍ بأغلال
أتقول أعمارٌ مضيعة؟!
ماذا صنعت بعمرك الغالي؟!
أنظر ترَ السيقان عاريةً
وترَ الخصورَ ضوامراً تغري
وتجدْ عيون اللهو جارية
فهنا الحياة! وأنت لا تدري
مَنْ هذه الحسناءُ يا عيني؟
السحرُ كلَّلها وظلَّلها
كالطيرِ من غصنٍ إلى غصنِ
وثّابةَ، وثب الفؤاد لها!
تراه حسناً غيرَ كذابِ
لا ما يزيفه لك الضوء
ويزيد فتنتَها باغرابِ
حزنٌ وراءَ الحسن مخبوءُ!
ثم اختفتْ والجميعُ يرقبها
ويلحُّ: عودي! ليس يرحمها
هي متعةٌ للحسِّ يطلبها
وأنا بروحي بتُّ أفهمُها!
ورأيتُها في آخر الليلِ
في فتيةٍ نصبوا لها شركا
يعلو سناها الحزنُ كالظل
مسكينة تتكلّفُ الضحكا
فمضيتُ توّاً، قلت: سيدتي!
زنتِ المراقص أيّما زين!
هل تأذنين الآن ساحرتي
تأكيدَ إعجابي بكأسين؟
فتمنّعت وأنا ألحّ سديً
بالقول أغريها وأعتذر
فاستدركتْ قالت: أراك غداً
ان شئتَ. إني اليوم أَعتذر
وتحوَّلت عني لرفقتها
ما بين منتظرٍ ومرتقبِ
فتَّانة تغري ببسمتِها
وتحدّدُ الميعادَ في أدبِ
حان اللقاءُ بغادتي وأنا
أخشى سراباً خادعاً منها
متلهفاً أستبطىءُ الزمنا
وأظل أسأل ساعتي عنها
وأجيل عينَ الريب ملتفتاً
متطلعاً للباب حيرانا
وأقول: ما يدريك أي فتى
هي في ذراعيْ حبه الآنا!
مَنْ ذا يُصدّقُ وعدَ فاتنة
لا ترحمُ الأرواحَ إتلافا
أنثى تلاقي كل آونةٍ
رجلاً وترمي الوعدَ آلافا
وهمتُ بعد اليأسِ أن أمضي(68/19)
فإذا بها تختالُ عن بُعدِ
ميّزتها بشبابها الغضِّ
وبقدِّها، أُفديه من قدِّ!
يا للقلوب لملتقى اثنين
لا يعلمان لأيما سَبَبِ
جمعتهما الدنيا غريبين
فتآلفا في خلوةٍ عَجَبِ
عجباً لقلب كان مطمعه
طَرَباً فجاء الأمرُ بالعكس
وأشدّ ما في الكون أجمعه
بين القلوب أواصرُ البؤس
مَن أنت يا مَن روحُها اقتربت
مني وخاطب دمعُها روحي
صبّته في كأسي! وما سكبتْ
فيه سوى أنَّاث مذبوحِ
عجباً لنا! في لحظة] صرنا
متفاهمين بغير ما أمدِ!
يا مَن لقيتُك أمس! هل كنا
روحين ممتزجين في الأبد؟!
هاتي حديثَ السقمِ والوصبِ
وصِفي حقارةَ هذه الدنيا
اني رأيتُ أساكِ عن كثبِ
ولمستُ كَربَكِ نابضاً حيَّا
لا تكتمي في الصدرِ أسرارا
وتحدثي كيف الأسى شاءَ
أنا لا أرى إثماً ولا عارا
لكن أرى امرأةً وبأساء
تجدين فكرَك جدّ مبتعد
والقومُ كثرٌ لا يُعدّونا!
وتريْن حالك حالَ منفرد
والقومُ كثرٌ لا يُعدّونا!
وترين إنكِ حيثما كنتِ
ترضين خوّانين أنذالا!
يبغونه جسداً فإن بعتِ
بذلوا النضار وأجزلوا المالا!
يا حرَّها من عبرةٍ سالتْ
مِن فاتكِ العينين مكحولِ
وعذابها من وحشة طالتْ
وحنين مجهولٍ لمجهولِ
أفنيتِ عمرَك في تطلبه
ويكادُ يأكلُ روحَكِ المللُ
فإِذا بدا مَنْ تعجبين به
وتقول روحُك: ها هو الأملُ!
أدميتِ قلبَك في تقرّبهِ
والقلبُ إن يخلص يَهُنْ دمُهُ
فإِذا حسبتِ بأن ظفرتِ بهِ
فازت به من ليس تفهمُهُ
سكتت وقد عجبت لخلوتنا
طالتْ كأنَّا جدّ عشاقِ
وأقول: يا طرباً لنشويِنا
صرعى المدامة والجوى الساقى!
أفديكِ باكيةً وجازعةً
قد لفّها في ثوبهِ الغسقُ
ودعتُها شمساً مودّعة
ذهبت وعندي الجرحُ والشفقُ
تمضي، وتجهلُ كيف أكبرها
إذ تختفي في حالك الظلم
روحاً إذا أثمت يطهرها
ناران: نارُ الصبرِ والألَمِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الميعاد
الميعاد
رقم القصيدة : 63448
-----------------------------------
إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ
أنا إِلف روحك آخر الأبدِ(68/20)
ظمأٌ على ظمإِ على ظمإِ
ومواردٌ كثرٌ ولم أردِ
مرَّ الظلاُم وأنت لي شجنٌ
وأتى النهارُ وأنت في خلدي
لا يسمع البحرُ الغضوبُ إلى
شاكٍ ولا يصغي إلى أحدِ!
كم لاح لي حربُ الحياة على
أمواجهِ المجنونةِ الزبدِ
ورأيتُ طيفَ الضنك مرتسما
في عاصفِ الأنواءِ مطَّردِ
في الليل مدَّ رواقَه وثوى
كجوانحٍ طُويت على حسدِ
قبر مَباهجُه بلا عددٍ
لفتى متاعبُه بلا عددِ
مَن يومه يوم بلا أملٌ
وغدٌ بلا سلوى وبعد غدِ
لولاك والعهد الذي عقدتْ
بيني وبينك مهجتي ويدي
أضجعتُ جنبي جوفَ غيهبه
وأرحتُ فيه باليَ الجسدِ
يا مختلفَ الميعادِ عُدْ لترى
جزعَ الغريبِ وضيعةَ الرشدِ
وليالياً موصولةً سهراً
أبديةً حجريةَ الكبدِ
وطليحَ أسفارٍ وعلّته
قتالة لَم تشفَ في بلدِ!
يا شعر أيامي وأغنيتي
وغليل ظمآن الشفاه صدي!
يا ظالمي! عيناك كم وعدت
قلبي إذا شفتاك لَمِ تعدِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الميت الحي
الميت الحي
رقم القصيدة : 63449
-----------------------------------
داوِ ناري والتياعيْ
وتمهَّلْ في وداعيْ
قفْ تأمل مغربَ العمر
وإخفاقَ الشعاعِ
واضياع الحزن والدمع
على العمر المضاعِ!
ما يهمّ الناس من نجم
على وشك الزماعِ
طال بي سُهدي وإِعيائي
وقد حان اضطجاعي
فصدور الغيد سيَّان
وأنياب السباعِ!
كم تمنيتُ وكم من
أملٍ مُرّ الخداع!
ساعة أغفر فيها
لك أجيال امتناع
ومتاعاً لعيوني
وشميمي وسماعي
دمعة الحزن التي
تسكبها فوق ذراعي!
فصدور الغيد سيَّان
وأنياب السباعِ!
آهِ لو تقضي الليالي
لشتيت باجتماع
كم تمنيتُ وكم من
أملٍ مُرّ الخداع!
وقفة أقرأ فيها
لك أشعار الوداع
ساعة أغفر فيها
لك أجيال امتناع
يا مناجتي وسرِّي
وخيالي وابتداعي
ومتاعاً لعيوني
وشميمي وسماعي
تبعث السلوى وتنسى
الموت مهتوك القناع:
دمعة الحزن التي
تسكبها فوق ذراعي!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الوداع
الوداع
رقم القصيدة : 63450
-----------------------------------(68/21)
حان حرماني وناداني النذيرْ
ما الذي أعدّدْتُ لي قبل المسيرْ
زمني ضاع وما أنصفتني
زاديَ الأولُ كالزاد الأخيرْ
ريّ عمري من أكاذيبِ المنى
وطعامي من عفافٍ وضميرْ
وعلى كفِك قلبٌ ودمٌ
وعلى بابِك قيدٌ وأسيرْ!
حانَ حرماني فدعني يا حبيبي
هذه الجنةُ ليستْ من نصيبي
آه من دارِ نعيمٍ كلما
جئتها أجتازُ جسراً من لهيبِ
وأنا إلفك في ظل الصِّبا
والشباب الغضِّ والعمرِ القشيبِ
أنزلُ الربوةَ ضيفاً عابراً
ثم أمضي عنك كالطيرِ الغريبِ
لِمَ يا هاجرُ أصبحتَ رحيما
والحنانُ الجمُّ والرقةُ فيما؟!
لِم تسقينيَ من شهدِ الرضا
وتلاقيني عطوفاً وكريما
كلُّ شيء صار مرّاً في فمي
بعدما أصبحتُ بالدنيا عليما
آه من يأخذُ عمري كلَّه
ويعيدْ الطفلَ والجهلَ القديما!
هل رأى الحبُّ سكارى مثلنا؟!
كم بنينا من خيالٍ حولنا!
ومشينا في طريق مقمرٍ
تثبُ الفرحةُ فيه قبلنا!
وتطلعنا إلى أنجمه
فتهاوين وأصبحنَ لنا!
وضحكنا ضحك طفلينِ معاً
وعدونا فسبقنا ظلنا!
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق
وأفقنا. ليتَ أنا لا نفيقْ!
يقظةٌ طاحت بأحلامِ الكَرَى
وتولّى الليلُ، واللَّيْلُ صَدِيقْ
وإذا النُّورُ نَذِيرٌ طَالعٌ
وإِذا الفجرُ مُطِلٌّ كالحَرِيقْ
وإذا الدُّنيا كما نعرفُها
وإذَا الأحْبَابُ كلٌّ في طَريق
هاتِ أسعدْني وَدَعْني أسْعدُكْ
قَدْ دَنا بعدَ التَّنائي موردُكْ
فأذقنيه فإِني ذاهِبٌ
لا غدي يُرجَى ولا يُرجَى غدُكْ
وا بلائي من لياليَّ التي
قرَّبَتْ حَيْني وراحَتْ تبعِدُكْ!
لا تَدَعْني للَّيالي فغداً
تجْرَحُ الفُرْقةُ ما تأسو يَدُكْ!
أزف البينُ وقد حان الذّهابْ
هذه اللَّحظةُ قُدَّت مِن عَذَابْ
أزف البينُ، وهل كان النَّوى
يا حبيبي غير أن أغْلق بابْ ؟!
مَضتِ الشّمْشُ فأمسيتُ وقد
أغلقت دونيَ أبوابُ السَّحابْ
وتلفَّتُّ على آثارِهَا
أسْألُ اللَّيْلَ! ومَنْ لي بالجوابْ؟!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الزائر
الزائر
رقم القصيدة : 63451(68/22)
-----------------------------------
يا للحبيبِ المفدَّى
غداةَ زار وسلَّمْ
مستَحيياً والهوى في
ركابه يتضرَّمْ
وصامتاً وهو أيكٌ
بألفِ شدوٍ ترنَّمْ
ناداه قلبي! وناجاه
خاطري! وهو يعلَمْ
يا مطلعَ السحر والنور
والجمال! تكَلَّمْ!
أبِنْ! وإلا أعنْ قلبي
الممزَّقَ وارحَمْ!
يا غازياً القلب
وهو حصنٌ مُحَطَّمْ
لمَّا طلعت عليه
وهَى وأَنَّ وسلَّمْ
يا فتنة تتهادى
ورحمة تتبسَّمْ
إن لم يكن لي رجاءٌ
ولا لحظيَ مغنمْ
أو لَمْ يعُدْ لي نصيبٌ
دعني بحسنك أحلمْ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الليالي
الليالي
رقم القصيدة : 63452
-----------------------------------
(1)
قد أمَّكَ الهاربُ الطريدْ
فآوهِ أنتَ والظلامْ
يا حقبةَ الوهم والخيالْ
هلاَّ تمهلتِ للأبدْ؟!
أراحةٌ فيك للضمير
أم موعدٌ فيك من حبيبْ؟
ينفضُ عن عينه كراهُ
ويقبل الراقدُ المسجَّى!
عجبتُ للمرءِ كم يئنّ
ويستطيبُ الحياةَ مَرعَى
وعلم السمحَ أن يضنَّا
وثبَّت الجبنَ في الطباعْ!
طال بنا الصمتُ والجمودْ
لا البدر يوحي ولا الغديرْ
هربتُ من عالمٍ أضرَّا
وجئتُ عَلي لديكِ أحيا!
ملكَ في هاته العوالمْ
مهزلةَ الموت والحياةْ
هياكلٌ تعبرُ السنين
واحدةُ العيش والنظامْ
وواحد ذلك الطلاء
يسترُ خزياً من الطباعْ
بعينها كذبةُ الدموعْ
بعينها ضحكةُ الخداعْ
(3)
يا ويحه كيف قد أطاقْ
شكوى البرايا على السنينْ؟!
كالقلب إن ضاق واكتأبْ
تخفف الذكريات عنهُ
مبيدة حيثما استقرت
فان نبُحْ سمِّيت قريض!
لو يفهم النجمُ ما نقول!
أو يفهم الليلُ ما نُسرْ!
تطل من قاتمِ الحلك
بغيرك فهمٍ ولا ذكاءْ!
وكلّما جَدَّ لي أنينْ
تسخر بي أنَّةُ الرياحْ!
وحظ شعرٍ إذا أطاعْ
يا ليته عاش لا. يطيع
ولن ترى في الوجودِ مَنْ
يدري عذاب الذي تلاهْ!
يا أيها النهر بي حسدْ
لكل جارٍ عليك رفّ
ومن حبيب إلى حبيب
ترنو حناناً وتبتسمْ
يا نهرُ روّيتَ كل ظامي
فراح ريّان إن يذُقْ
يا نهر لي جذوة بجنبي(68/23)
هادئة الجمرِ بالنهارْ
وقفت حرّان في إِزائكْ
فهل ترى منك مسعدُ؟
عالج لظاها فإن سكنْ
فرحمةٌ منك لا تحدْ
تريني الهاجر الشتيت
وقربه ليس لي ببالْ
تمر ذكرى وراء ذكرى
وكل ذكرى لها دموعْ
ماضٍ وكم فيه من عثارْ
ومن عذابٍ قد انقضى
يا من أرى الآن نصب عيني
خياَله عطَّر النسمْ
في ذمة الله ما أضعتمْ
إنَّا غفرنا لمن أساءْ
يخدعنا أنّه التأمْ
ولم يزل يحبىءُ الصديدا!
طال عذابي! وطال شكي
ومات قلبي، وما تأسَّى!
ما بالها أعين الفلك
منتثرات على الفضاءْ
تطل من قاتمِ الحلك
بغيرك فهمٍ ولا ذكاءْ!
ألا وفيُّ ألاَ معينْ
في مدلهمٍ بلا صباحْ؟!
وكلّما جَدَّ لي أنينْ
تسخر بي أنَّةُ الرياحْ!
هبنا شكونا بلا انقطاعْ
ما حظ شاكٍ بلا سميعْ
وحظ شعرٍ إذا أطاعْ
يا ليته عاش لا. يطيع
يضيعُ في لجةِ الزمنْ
مبدداً في الورى صداهْ
ولن ترى في الوجودِ مَنْ
يدري عذاب الذي تلاهْ!
(4)
يا أيها النهر بي حسدْ
لكل جارٍ عليك رفّ
أكُلُّ راجٍ كما يودّ
يروي ظماه ويرتشفْ
ومن حبيب إلى حبيب
ترنو حناناً وتبتسمْ
وكل غادٍ له نصيبْ
من ماِئك الباردِ الشبمْ
يا نهرُ روّيتَ كل ظامي
فراح ريّان إن يذُقْ
فكن رحيماً على أوامي
فلي فمٌ بات يحترقْ
يا نهر لي جذوة بجنبي
هادئة الجمرِ بالنهارْ
فإن دنا الليلُ برَّحَتْ بي
وساكن الليل كم آثارْ
وقفت حرّان في إِزائكْ
فهل ترى منك مسعدُ؟
وددتُ ألقي بها لماِئكْ
لعلها فيك تبردُ
عالج لظاها فإن سكنْ
فرحمةٌ منك لا تحدْ
وإن عصت نارُها فكنْ
قبراً لها آخر الأبدْ!
تريني الهاجر الشتيت
وقربه ليس لي ببالْ
وكلّما خلتني نسيتْ
مَرَّ أمامي له خيالْ
تمر ذكرى وراء ذكرى
وكل ذكرى لها دموعْ
وتعبر المشجياتُ تترى
من كل ماضٍ بلا رجوعْ
ماضٍ وكم فيه من عثارْ
ومن عذابٍ قد انقضى
كم قلت لا يرفع الستارْ
ولا ادكارٌ لما مضى!
يا من أرى الآن نصب عيني
خياَله عطَّر النسمْ
بالله ما تبتغيه مني
ولم تدع لي سوى الألَمْ
في ذمة الله ما أضعتمْ(68/24)
إنَّا غفرنا لمن أساءْ
لا تحسبوا البرءَ قد أَلَمّ
فلم يزل جرحنا جديدا
يخدعنا أنّه التأمْ
ولم يزل يحبىءُ الصديدا!
يا أيها الليل جئتُ أبكي
وجئتُ أسلو وجئت أنسى
طال عذابي! وطال شكي
ومات قلبي، وما تأسَّى!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الجمال الضنين
الجمال الضنين
رقم القصيدة : 63453
-----------------------------------
قلْ للبخيل إِذا ما عزَّ مشرعهُ:
يا مانع الماء عني كيف تمنعهُ
غرَّ حسنك أن الخلدَ جدولُه
وأنّه من غريبِ السحرِ منبعهُ؟
با أيها الكوكب المحبوس في فلكٍ
مبددٌ مجده فيه مضيّعُه!
هيهاتَ يخلد حسنٌ لا يؤلهه
شعرٌ من النسق الأعلى ويرفعُه!
أنا شهيدك، والقلب الضحوك إِذا
أدميتَه، والمغنّي إِذ تقطّعُه
هل منك يوم رضىً ضنَّ الزمانُ به
أعيا خيالي وأضناني توقعُه؟!
كم بتُّ منتبهاً أصغي لخطوته
أراه في الوهم أحياناً وأسمعهُ!
وأنت في أُفق الأوهام طيف صبا
سما ودقَّ على الأفهام موضعهُ
كأنك النسمُ النشوانُ منطلقا
أظل كالنفس الحيرانِ أتبعهْ
تعالَ وادنُ بيوم لا تحسُّ به
أجسادَنا. في صفاء، لا نضيعهُ!
لكن أحسك تجري في صميم دمي
أنت الحياةُ، وأنت الكونُ أجمعُهُ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ليالي الأرق
ليالي الأرق
رقم القصيدة : 63454
-----------------------------------
هل في العصيب المدلهمْ
مصغٍ لشاكٍ لم ينمْ
سهدٌ على سهدٍ وذكرى
فوق ذكرى تزدحمْ
وحنين قلب لا يثوب
إلى خيالٍ لا يلمْ
يا من أحب وافتدي
ويلذُّ لي فيه الألمْ
لو كنتَ تسمع لاسترحت
من الشكايةِ للظلمْ
ان الكواكبَ ضقنَ بي
ذرعاً وآسيها سئِمْ
ومن العجائبِ في الليالي
والحوادث تستجمْ
شكوى الحيارى في الحياة
إلى حيارى في السدمْ!
لمنْ انتظاري في الظلام
كأنَّ بي شبه اللممْ؟
وتساؤلي في حالكٍ
لا صوت فيه ولا قدمْ؟
وعلام اصغائي لعلَّ
خطاكِ هذي عن أَممْ؟
ليلِي العشية مثل ليلِي
في غرامكِ من قدَمْ
يا طالما أدنتكِ أوهامٌ
كواذبُ كالحُلمْ(68/25)
فلمحت صبحكِ في السوادِ
وخلتُ روحكِ في النسمْ
وشفيتُ. وهمي من رضاكِ
ورُبَّ ذي يأسٍ وَهَمْ
ورويتُ أذني من حديثكِ
وهو معبود النغمْ
وحرقت قلبي من سناكِ
على جمالٍ يضطرمْ
كفراشةٍ حامت عليكِ
وأيّ قلبٍ لَم يحُمْ!
لك حسنُ نوّار الخميلةِ
طُلَّ صبحاً فابتسمْ
لك نضرةُ الفجر الجميل
على الدوائبِ والقممْ
لك طلعةُ البرِ المرجَّى
بعد مستعصى السقمْ
لك كل ما أوفى على
قدر النهاية واستتمْ
فبأي قلبٍ أتقي
وبأي حصنٍ أعتصمْ؟
يا زائراً عجلانَ لَمْ
يطلِ اللقاءُ ولَمْ يقمْ
ودّعتَ ما أشبعتَ لي
روحي ولا نظري النهِمْ
ومضيتَ عن دنيا خلَتْ
وجرت بنعمى لَم تَتِمْ
لم يبقَ من أثرِ اللقاء
بها سوى عبقٍ ينمْ
وسؤالِ دمعك حين يسألني
ومَن لي بالكلمْ
لِمَ يا أليفَ خواطري
غفت العيون ونحن لَمْ؟!
وإِلامَ تدفعنا الحوادث
في عُبابٍ يلتطمْ
دَفَعتْ بمركبنا المقاديرُ
الخفيةُ والقِسمْ
خَرَجَتْ وما تدري الغَداة
بأي صخرٍ ترتَطٍمْ
بدَأتْ عَلَى ريح الرضا
والله يدري المختتمْ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> صخرة الملتقى
صخرة الملتقى
رقم القصيدة : 63455
-----------------------------------
سألتكِ يا صخرةَ الملتقى
متى يجمع الدهرُ ما فرَّقا!
إذا نشر الغربُ أثوابَه
وأطلق في النفس ما أطلقا
أريك مشيبَ الفؤادِ الشهيدِ
والشيبُ ما كلَّل المفرِقا
لنا الله مِنْ صورَةٍ في الضمير
يَرَاهَا الفتى كلما أطْرقا!
ويأبَى الوَفَاء عَليه اندمالاً
ويأبَى التَّذَكُّر أن يشفقا!
أريك مشيبَ الفؤادِ الشهيدِ
والشيبُ ما كلَّل المفرِقا
فلمَّا قضى الحظ فك الأسير
ِ حنَّ إلى أسره مطلقا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الشكوى
الشكوى
رقم القصيدة : 63456
-----------------------------------
بي ما تحسّ وفي فؤادكِ ما بي
فتَعال نبكِ أيا نجيَّ شبابي
أنكرت بي ناري عشية لاَمَسَتْ
شفاتي مِنْكَ أناملَ العنابِ
وسألتَ ما صمتي وما اطراقتي
وعَلاَم ظلَّت حيرة المرتابِ(68/26)
أقبِلْ لأقسمَ في حياتي مرةً
ان الذي أُسقاه ليس بصابِ
مَنْ أنتَ؟! من أيِّ العوالم ساخرٌ
مستأثرٌ بأعنة الألبابِ؟
ما يصنع الملكُ الطهورُ بعالَمٍ
فانٍ وأيَّامٍ كلمع سرابِ؟
دوَّارةً أبدَ السنين كعهدِها
من ليل آثامٍ لصبح متابِ
يا هيكل الحسنِ المبارَك ركنه
الساحر النور الطهور رحابِ
قدمتُ قرباني إِليك بقية
من مهجةٍ ضاعت على الأحبابِ
حدَّثتُ نفسي إِذ رأيْتُكَ بادياً
وأطَلْتَ تسآلي بغير جوابِ
ما يصنع الملكُ الطهورُ بعالَمٍ
فإنٍ وأيَّامٍ كلمع سرابِ؟
ما يصنع الأبرارُ بالأرض التي
ساوت من الأبرار والأوشابِ؟
دوَّارةً أبدَ السنين كعهدِها
من ليل آثامٍ لصبح متابِ
تغلو الحياة بها إلى أن تنتهي
عند التراب رخيصةً كترابِ!
يا هيكل الحسنِ المبارَك ركنه
الساحر النور الطهور رحابِ
لا صدقَ إلاَّ في لهيبك وحده
وجلالُه الباقي على الأحقابِ
قدمتُ قرباني إِليك بقية
من مهجةٍ ضاعت على الأحبابِ
وَأَذبْتُ جوهَرَهَا فدَاءَ نَوَاظِر
قُدْسِيَّةٍ، عُلويّةِ المحرابِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> خواطر الغروب
خواطر الغروب
رقم القصيدة : 63457
-----------------------------------
قلتُ للبحر إِذ وقفتُ مساءَ
كمٍ أطلتَ الوقوفَ والإصغاءَ
لكأنّ الأضواءَ مختلفاتٍ
جَعَلَتْ منكَ رَوْضَةً غَنّاءَ
إِنما يفهم الشبيهُ شبيهاً
أيها البحر، نحن لسنا سواءَ
وعجيبُ إليك يممتُ وَجهي
إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
ما تقول الأمواجُ! ما اَلَم الشمسَ
فولّت حزينةً صفراءَ
وعجيبُ إليك يممتُ وَجهي
إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي
لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ!
كل يومٍ تساؤلٌ .. ليت شعري
من ينبِّي فيحسن الإِنباءَ؟!
ما تقول الأمواجُ! ما اَلَم الشمسَ
فولّت حزينةً صفراءَ
تركتنا وخلفتْ ليلَ شكٍّ
أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ
تركتنا وخلفتْ ليلَ شكٍّ
أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ
وكأنَّ القضاءَ يسخر مني
حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ(68/27)
أبتغي عندك التأسّي وما تملك
رَدّاً ولا تجيب نداءَ!
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي
لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ!
كل يومٍ تساؤلٌ .. ليت شعري
من ينبِّي فيحسن الإِنباءَ؟!
ما تقول الأمواجُ! ما اَلَم الشمسَ
فولّت حزينةً صفراءَ
تركتنا وخلفتْ ليلَ شكٍّ
أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ
وكأنَّ القضاءَ يسخر مني
حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي
لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> مناجاة الهاجر
مناجاة الهاجر
رقم القصيدة : 63458
-----------------------------------
دع النفسَ تمرحُ في خيالٍ وأوهام
وخلِّ لأجفاني كواذبَ أحلامي!
***
***
وأنفق فيه قلبه وشبابه
فلم يَبْقَ إلاَّ الجرح والشفق الدامي!
ولو كنت أدري كيف يصفو مغاضبٌ
كأن رضاه في ذرى الكوكب السامي
فا أملي النائي إِذا كنتُ مذنباً
فقد تبتُ عن ذنبي إِليك بآلامي!
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه
وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ
جمالُك نبراسي وروحُك كعبتي
وعيناك وحيي في الحياة وإِلهامي!
***
***
كأن ائتلاق النجم والنجم مُشرقٌ
ثناياه تبدو في عبوسة أيامي
كأنَّ نسمَ الليلِ يحمل طيبه
كأنَّ اصطدام الموج معبودُ أقدام!
كأنَّ نسمَ الليلِ يحمل طيبه
كأنَّ اصطدام الموج معبودُ أقدام!
فا أملي النائي إِذا كنتُ مذنباً
فقد تبتُ عن ذنبي إِليك بآلامي!
ولو كنت أدري كيف يصفو مغاضبٌ
كأن رضاه في ذرى الكوكب السامي
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه
وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ
جمالُك نبراسي وروحُك كعبتي
وعيناك وحيي في الحياة وإِلهامي!
كأن ائتلاق النجم والنجم مُشرقٌ
ثناياه تبدو في عبوسة أيامي
كأنَّ نسمَ الليلِ يحمل طيبه
كأنَّ اصطدام الموج معبودُ أقدام!
فا أملي النائي إِذا كنتُ مذنباً
فقد تبتُ عن ذنبي إِليك بآلامي!
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه
وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ
جمالُك نبراسي وروحُك كعبتي
وعيناك وحيي في الحياة وإِلهامي!(68/28)
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الصورة
الصورة
رقم القصيدة : 63459
-----------------------------------
يا رسمَ من أعطى الهوى
مفتاحَ قلبي المقفلِ
في حبه فنيَ الصبا
وشباب أيامي بلي
يا ويح ما ضيعت فيه
من قليل مخجلِ
ماضيَّ ضاع ولو قدرت
لجدت بالمستقبلِ
يا رسم! كم من ليلةٍ
أبكي وأستبكيك لي
حتى رجعتُ مخادَعاً
ومضيتُ جدَّ مضلَّلِ
أرنُو لدمعي بادياً
في وجهك المتهللِ
فأخال عينك هَزّها
شَكوى الغريب المهمَلِ
فبَكَتْ وتلك دموعها!
هَذِي تَسيل وذِي تَلي!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> رجوع الغريب
رجوع الغريب
رقم القصيدة : 63460
-----------------------------------
عادتْ لطائرها الذي غَنّاهَا
وشَدَا فهاج حَنينَها وشَجاهَا
أيُّ الحظوظ أعادها لوَ فيِّها
ونجيِّ وحدتها وإلفِ صباهَا
مشبوبة التحنان تكتم نارَها
عبثاً وتأبَى أن يبين لظاهَا
يا إِلفيَ المعبود! سِرّك ذائع
نار الحنين دفينها أفشاهَا
ماذا لقينا من لقاءٍ خاطفٍ
وعشية كالبرق حان ضحاهَا؟!
يا ويح هاتيك الثواني لَم تقف
حتى نسيغ هناءةً ذقناهَا!
حتى يمتع باليقين مكذب
عينيه في رؤيا يضلُّ سناهَا
تمضي لها الأبصارُ مُشعلة الهوى
وتحول عنها ما تَطيق لقاهَا!
تخبو العواطفُ في الصدور وتنتَهي
ويَجف في زهرِ القلوبِ نذاهَا!
وأنا أحسُّ اليومَ بدءَ علاقةٍ
وعنيف ثورتها وحزّ مدَاهَا!
لم تُرو منكِ نواظري وخواطري
ورجعت أزكى مهجةً وشفاهَا!
مدَّ الخريفُ على الرياض رواقَةُ
ومضى الربيعُ الطلقُ ما يغشاها
ما بالرياض؟! كآبةٌ في أرضِها
وسحابةٌ تغشى أديمَ سماهَا!
جمدت حمائمُ إيكِها وأنا الذي
شاكيتُها فاغرورقت عيناهَا!
كيف السبيلُ إلى شفاء صبابه
الدهر أجمع ما يبلُّ صداهَا!!
وإلى نسائم جنة سحرية
قرّحتُ أجفاني على مغناهَا!
قضيتُ أيامي أضمُّ خيالَها
وأضعت أيامي أقول عساهَا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> قميص النوم
قميص النوم
رقم القصيدة : 63461(68/29)
-----------------------------------
يا ليلةً سنحت في العمر وانصرمَتْ
هَلاَّ رجعتِ؟ وهلاَّ عادَ أحبابي؟
لَم أَنسَ مُهديَتي جلبابَها وعلى
جسمي من السقمٍ منها أيُّ جلبابِ
وأنتَ لو أنّ روحاً أزمعت سفراً
أعدتَها وخَيالُ الموت بالبابِ
وإن عجزتَ فكنْ في الموت لي كفناً
أمتْ وألقى إِلهي غيرَ هيَّابِ
وأنتَ لو أنّ روحاً أزمعت سفراً
أعدتَها وخَيالُ الموت بالبابِ
فَذُدْ خيالَ المنايا اليومَ عن رجُلٍ
أنشبنَ في ورحِه أشباهَ أنيابِ
وإن عجزتَ فكنْ في الموت لي كفناً
أمتْ وألقى إِلهي غيرَ هيَّابِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الغد
الغد
رقم القصيدة : 63462
-----------------------------------
**
أنا في بُعْدِكَ مفقودُ الهُدَى
ضائعٌ أعْشُو إلى نورٍ كريمِ
لا تقُلْ لي في غدٍ موعدُنا
فالغدُ الموعُودُ ناءٍ كالنجومِ!
عَبَرَتْ بي نَشوةٌ مِن فَرَحٍ
فَرَقَصْنَا أنا والقلبُ سُكَارَى
سنَذمُّ النورَ حتى يَتَلاشى
ونذمُّ الليلَ حتى يتوارَى!
فركبنا الوهمَ نبغي دارَها
وطوينا الدهرَ والعالَم طَيَّا
ولقينا الحسنَ غَضّاً والصِّبَا
وتملَّيْنَا الجلالَ الأبدِيَّا
أتراها خدعةً حاقت بنا؟!
أتراها ظِنةً مما ظَنَنَا؟
إذِنَ اللهُ به بعد النوى
فثوينا واسترحنا وأمِنّا!
أيها الآمرُ في مُلكِ الهوى!
اعف عن لهفةِ روحي وأواري
غير أني كلّما امتدت يدي
لعناقٍ جِفتُ أن تؤذيكَ ناري!
ملكت قلبي ولُبي رهبةٌ
عصفت بالقلب واللُّبِّ جميعَا
وحبيسٍ من عتاب في فمي
قد عصاني فتفجَّرتُ دموعَا!
واختفتْ تلك الرُّؤَى عن ناظري
وطواها الغيبُ في سِحْريِّ بُرْدِ
وإِذا بي غارقٌ في محنَتي
وبلائي، أقطعُ الأيامَ وَحْدٍي
ودَع الصدق لمن ينشده
الحجى خمصيَ فاغمرْ بالضلالِ
يا جِنانَ الخًلْدِ قَدَّمْتُ اعتذاري
إِذ يَطوف الخلدَ سقمى ودَماري
خلِّني بالشوقِ أستدني غداً
فغداً عندي كآبادٍ طوالِ!
أيها الآمرُ في مُلكِ الهوى!
اعف عن لهفةِ روحي وأواري(68/30)
أشتهي ضَمَّكَ حتى أشتفي
فكأني ظامىءٌ آخذ ثاري!
غير أني كلّما امتدت يدي
لعناقٍ جِفتُ أن تؤذيكَ ناري!
أيها النورُ سًَلاماً وخشوعاً
أيها المعْبَدُ. صَمْتاً ورُكُوعَا
ملكت قلبي ولُبي رهبةٌ
عصفت بالقلب واللُّبِّ جميعَا
رُبَّ قول كنتُ قد أعددتُه
لكَ إِذ ألقاك يأبى أن يطيعَا
وحبيسٍ من عتاب في فمي
قد عصاني فتفجَّرتُ دموعَا!
لذعتني دمعة تلفح خدي
نبهتني من ضلالٍ ليس يُجْدِي
واختفتْ تلك الرُّؤَى عن ناظري
وطواها الغيبُ في سِحْريِّ بُرْدِ
وتَلَفَّتُّ فلا أنت ولا
جنةُ الخلد ولا أطيافُ سَعْدِ
وإِذا بي غارقٌ في محنَتي
وبلائي، أقطعُ الأيامَ وَحْدٍي
هاتِ قيثاري ودَعْني للخيالِ
واسقني الوهْمَ! وعَلِّلْ بالمحالِ!
ودَع الصدق لمن ينشده
الحجى خمصيَ فاغمرْ بالضلالِ
وخُذ الأنوار عنّي، ربما
أجدَ الرحمةَ في جوفِ الليالي
خلِّني بالشوقِ أستدني غداً
فغداً عندي كآبادٍ طوالِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> رثاء شوقي
رثاء شوقي
رقم القصيدة : 63463
-----------------------------------
قلْ للذين بكَوْا على (شوقي)
النادبين مصارعَ الشُّهبِ
وا لهفَتاه لمصر والشَّرْقِ
ولدولة الأشعار والأدبِ!
دنيا تَفرُّ اليومَ في لحدٍ
وصحيفةٌ طُويتْ من المجدِ
ومُسافرٌ ماضٍ إلى الخلد
سبَقتهُ آلاءٌ بلا عَدِّ
هذا ثَرى مصْرَ الكريمُ، وكمْ
أكرمتَهُ وأشدْتَ بالذكرِ
يلقاك في عطفِ الحبيبِ فنمْ
في النور لا في ظُلمةِ القبْر!
كم من دفينٍ رحتَ تحييهِ
وبَعثْتَهُ وكَففْتَ غُرْبَتَهُ
فاحللْ عليهِ مُكرّماً فيهِ
يا طالما قَدَّست تُربتَهُ
يا نازلَ الصحراء موحشةً
ريَّانةً بالصمت والعدمِ
سالتْ بها العبراتُ مجهشةً
وجَرت بها الأحزانُ من قدمِ!
هذا طريق قد ألفناهُ
نمشي وراءَ مُشَيَّعٍ غالِ
كم من حبيبٍ قد بكَيْنَاهُ
لم يُمْحَ من خَلدٍ ولا بالِ
وكأنَّ يومَك في فجيعتِهِ
هو أولُ الأيامِ في الشَّجنِ
وكأنَّما الباكي بدمعتِهِ
ما ذاق قبلك لوعةَ الحَزنِ!(68/31)
فاذهبْ كما ذهب النهارُ مضى
قد شيَّعَتْه مدامعُ الشفقِ
ما كنتَ إلاَّ أمةً ذهَبتْ
والعبقريَّةُ أمَّةُ الأُمَم
أو شُعلةً أبصارَنا خلبتْ
ومنارةً نُصبَتْ على عَلَمِ
يا راقداً قد بات في مَثوىً
بَعُدَتْ به الدُّنْيا وما بَعُدَا
أيْن النجوم أصوغ ما أهْوى
شعراً كشعْرك خالداً أبدَا؟!
لكنَّ حزني لو علمْت به
لم يُبْقِ لي صبْراً ولا جُهْدَا
فاعذر إلى يوم نفيك به
حقَّ النبوغِ ونذكرُ المجْدَا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> هبة السماء
هبة السماء
رقم القصيدة : 63464
-----------------------------------
راحوا بأرواحٍ ظماءْ
يتهافتون على الفناءْ
نمضي إليه فنستقي
ونَعُبُّ منه كما نشاءْ
***
***
فكأنما هبة السّماءِ
قد استردَّتها السَّماءْ!
فكأنَّه والسُّحْب تطويه
فيمعن في الخفاءْ
***
***
هذي الجموعُ الباكياتُ
الساخطاتُ على القضاءْ
لِمَ لا توفِّيك الجميلَ
وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟!
***
***
والمجد يوغل في حنايا،
روحه والمجدُ داءْ!
ذاك الرقادُ بساحةٍ
لك الرجال بها سواءْ
***
***
هذي الجموعُ الباكياتُ
الساخطاتُ على القضاءْ
أوَ لَمْ تجدكَ لسانها الشاكي
إِذا احتدام البلاءْ؟
لِمَ لا توفِّيك الجميلَ
وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟!
ما بالهُ حملَ الهمومَ
وجشَّم القلبَ العناءْ!
***
***
أضنى قواه ولم يدعْ
من جسمهَ إلاَّ ذماءْ
صرحٌ من الأدبِ الصميمِ
له على الدنيا البقاءْ
الدَّهرُ يحمي ركنَه
والفنُّ في روح البناءْ
أمَمٌ يُصبِّرُ بعضُها
بعضاً، وهيهات العزاءْ!
(شوقي)! على رغم التفرّدِ
والتفوقِ والعلاءْ
ذاك الرقادُ بساحةٍ
لك الرجال بها سواءْ
وبرغم ذهن كالفراشة
حول مصباحٍ أضاءْ
هذي الجموعُ الباكياتُ
الساخطاتُ على القضاءْ
مثواك لا تشكو السكونَ
ولا تمل من الثواءْ
قاسمتها أشجانها
ووفيت ما شاءَ الوفاءْ
أوَ لَمْ تجدكَ لسانها الشاكي
إِذا احتدام البلاءْ؟
أَوَ لَمْ تكن غِرّيدَها
ونديمها عند الصفاءْ؟
لِمَ لا توفِّيك الجميلَ(68/32)
وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟!
ومُنَعَّمٍ بين القصورِ
قد اسْتَتَمَّ له الثراءْ
ما بالهُ حملَ الهمومَ
وجشَّم القلبَ العناءْ!
وينوءُ بالعبءِ الذي
هو عن أذاه في غَناءْ!
ويحَ الذكاءِ وما يكلِّفُهُ
من الثَّمَنِ الذكاءْ!
أضنى قواه ولم يدعْ
من جسمهَ إلاَّ ذماءْ
والمجد يوغل في حنايا،
روحه والمجدُ داءْ!
صرحٌ من الأدبِ الصميمِ
له على الدنيا البقاءْ
الدَّهرُ يحمي ركنَه
والفنُّ في روح البناءْ
(شوقي)! على رغم التفرّدِ
والتفوقِ والعلاءْ
ذاك الرقادُ بساحةٍ
لك الرجال بها سواءْ
وبرغم ذهن كالفراشة
حول مصباحٍ أضاءْ
مثواك لا تشكو السكونَ
ولا تمل من الثواءْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> هجاء أعمى بغيض. زوج حسناء
هجاء أعمى بغيض. زوج حسناء
رقم القصيدة : 63465
-----------------------------------
يا جمال الصِّبا وأنس النفوسِ
خبِّرينا عن زوجكِ المنحوسِ!
حَدِّثي أنت عن عماه "الحيسي"
وصفي لي الغرام (بالتجسيسِ)!
حدثينا عن اللهيب المفدَّى
وجمالٍ يُصَيِّرُ الحُرَّ عَبْدا
وجنونِ الأعمى إِذا ما استجدى
وهو يعشو لنارهِ كالمجوسِ!
يا جمالاً في التربِ يُلقَى ويُرمَى
يا لَظلمِ الحظوظِ والحظُّ أعمى!
وبلائي أني أسميه ظَلماً
وهو لفظٌ ما جاءَ في القاموس!
آه من قسوةِ الطبيعة شقتْ
ظلمةً في مكان نورٍ ورقتْ
دونَ قصدٍ لعينه فاستَبْقَتْ
كوةً في فضائها المطوسِ!
كوّنً تنفذ الحفيظةُ عنها
ويُطلُّ الدهاءْ والخبثُ منها!
طالعتنا في طلعةٍ لم تزنها
"كالفتيل" الحقيرِ في (الفانوس)
كذليل الأبقار إِذ ربطوه
وتراهم بخرقةٍ عَصَّبوه
فاذا ما عصاهمو ضربوِه
وتمشَّى على غناءِ "الالوس"!
وتراه تقولُ يقطر بغضا
حيوانٌ يريد أن يَنقَضَّا
حسبك الله! عشت تنظر أرضا
فابق فيها! حُرمْتَ نورَ الشموس!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الانتظار
الانتظار
رقم القصيدة : 63466
-----------------------------------
لعينيكَ احتملنا ما حتملنا(68/33)
وبالرحمانِ والذلِّ ارتضينا
وهان إِذا عطفتَ ولو خيالاً
وأين خيالك المعبود أينا؟!
تعالَ! فلم يعد في الحي سارٍ
وهوَّنت المنازلُ بعد وهنِ
وران على نوافذها ظلامٌ
وقد كانت تطلُّ كألف عينِ
تعالَ! فقد رأيتُ الكون يحنو
عليّ ويدرك الكرب الملمَّا
ويجلو لي النجومَ فأزدريها
وأغمض لا أريد سواك نجما!
ومنتظرٌ بأبصاري وسمعي
كما انتظرتكَ أيامي جميعا
وهل كان الهوى إلاَّ انتظاراً
شتائي فيك ينتظر الربيعا!
أرى الآباد تغمرني كبحرٍ
سحيقِ الغور مجهولِ القرار
ويأتمر الظلام عليَّ حتى
كأني هابط أعماق غارِ
وتصطخبُ العواطف ساخرات
وتطعنُني بأطرافِ الحرابِ
وتشفقُ بعدما تقسو فتمضي
لتقرع كل نافذةٍ وبابِ
فصحت بها إلى أن جف حلقي
فحين سكتُّ كلمني إِبائي
وأشعرني العذابُ بعمق جرحي
وأعمق منه جرح الكبرياءِ
ولمّا لَمْ تفزْ بلقاك عيني
لمحتك آتياً بضمير قلبي
فأسمعُ وقعَ أقدامٍ دوانٍ
وأنصتُ مصغياً لحفيفِ ثوبِ
وأخلقُ مثلما أهوى خيالاً
لناءٍ صار من قلبي قريبا
أمدُّ يديَّ في لهف إليه
أشاكيه بمحتسب الدموع
فيسبقني إلى لقياه قلبي
وُثوباً يبرُدُ في ضلوعي
فتصطخب العواطفُ ساخراتٍ
وتطعنُني بأطراف الحرابِ
وتشفق بعدما تقسو فتمضي
لتقرعَ كلَّ نافذةٍ وبابِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> صلاة الحب
صلاة الحب
رقم القصيدة : 63467
-----------------------------------
أحقّاً كنت في قربي
لعلي واهمٌ وهما
تكلَّمْ سيدَ القلبِ
وقل لي: لَمْ يكن حُلما
دنوتَ إِليَّ مستمعا
فُبحْتُ، وفرطَ ما بحْتُ
بعادك والذي صنعا
وهجرُك والذي ذقتُ
وحبِّي! ويحه حبِّي
تَبيعك حيثما كنتَ
تكَلَّمْ سيدَ القلبِ
وقل بالله ما أنتَ ؟!
أرى في عمق خاطركَ
جلالاً يشبه البحرا
وألمحُ في نواظركَ
صفاء الرحمة الكبرى
وأنت رضيً وتقبيلُ
وأنت ضنىً وحرمانُ
وفي عينيك تقتيلُ
وفي البسمات غفرانُ
وأنت تَهَلُّلُ الفجرِ
وبسمتُه على الأفق
وحيناً أنَّهُ النهر
وحزان الشمس في الغَسقِ(68/34)
وأنت حرارةُ الشمسِ
وأنت هناءةُ الظلِّ
وأنت تجاربُ الأمسِ
وأنت براءةُ الطفل
وأنت الحسنُ ممتعاً
تحدَّى حصنه النجما
وأنت الخيرُ مجتمعاً
وعندك عرشهُ الأسمى
وعندك كل ما أظما
وردّ القلبُ لهفانا
وعندك كل ما أدمى
وزاد الجرح إِثخانا
وعندك كل ما أحيا
وشدَّد عزمه الواهي
حنانُكَ نضرة الدنيا
وقربُكَ نعمةُ اللهِ!
وفيم هواجس القلب
وفيم أطيلُ تسآلي
أحبك أقدسَ الحبِّ
وحبك كنزيَ الغالي
سناكَ صلاة أحلامي
وهذا الركنُ محرابي
بهِ ألقيت آلامي
وفيه طرحت أوصابي
هوىً كالسحر صيّرني
أرى بقريحة الشهبِ
وطهَّرني وبصَّرني
ومزَّق مغلقَ الحجبِ!
سموت كأنما أمضي
إلى ربٍّ يناديني
فلا قلبي من الأرض
ولا جسدي من الطين!
سموت ودق إِحساسي
وجُزتُ عوالم البشر
نسيت صغائر الناسِ
غفرت إِساءَة القدرِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> مصافحة اللقاء
مصافحة اللقاء
رقم القصيدة : 63468
-----------------------------------
أهاب بنا فلبّينا
منادٍ ضمّ روحينا
كأنا إِذ تصافحنا
تعانقنا بكفينا
كأن الحبَّ تيار
سرى ما بين جسمينا
يؤجج في نواظرنا
ويشعل في دماءين!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> مصافحة الوداع
مصافحة الوداع
رقم القصيدة : 63469
-----------------------------------
يا أميري! أزف البين
وما زلت ضنينا
أصغ لي! وانظرْ ودع كفك
في كفيَ حينا
آهِ من يمناك هذي
والذي منها سقينا
عللتنا بالأماني
فشربنا ظامئينا
ثم دارت بالمنايا
فوردنا طائعينا
آه من قاسية ريانة
ضعفاً ولينا
يا بناناً ساحراً قد
حكَّم الأقدار فينا
شفتي موتورة ظمآنة
جنت جنونا
وكأن الآن كفي
حملت ثأراً دفينا
تتمناك حبيساً
عندها العمرَ سجينا
طائراً ألفى على راحتها
وكراً أمينا
وشعاعاً قدسياً
هاديَ النور مبينا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> أُغنية في هيكل الحب
أُغنية في هيكل الحب
رقم القصيدة : 63470
-----------------------------------
كم تجرّعنا هوانا(68/35)
ولقينا في هوانا
وبلونا نار حب
لَم نذقْ فيها أمانا
وإِذا حلَّ الهوى هيهات
تدري كيف كانا
فإِذا ما ملك الأنفس
أصلاها عونا
فهو نصلٌ مستقرٌّ
ولهيب لا يداني !
يا حبيبي هدأ الليل
ولم يسهر سوانا
لا الدجى ضمَّد جرحينا
ولا الصبح شفانا
لا الهوى رقّ على الشاكي
ولا قاسيه لانا
قد غدونا غرضِ الرامي
كما شاء رمانا
وافِنيْ بالله نطرقْ
هيكل الحب كلانا
ساعة نبكي على الكأس
ونشكو من سقانا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> دعاء الراعي
دعاء الراعي
رقم القصيدة : 63471
-----------------------------------
يا أيها الحملُ الوديعُ أنا الذي
يحنو عليك. أنا الحبيبُ الراعي
كم ليلة والرعبُ يمشي في الدجى
والهولُ منتشرٌ على الأصقاع
أغفيت في كنفي وفي ظلِّ الكرى
كالطفلِ في أمنٍ مِنَ الأوجاعِ
ياربِّ! قد وهت العصا واستأثرتْ
غيرُ الليالي بالقويِّ الباعِ
يا ربِّ إِن تك قد حكمتَ بفرْقةٍ
وإذنتَ للراعي بوشك زماعِ
فانظر إِلى الحملِ الوديع ووقِّه
شرَّ النفوسِ وفتنةَ الأطماعِ
نضِّره له الدنيا ومد ربيعَها
وانشرهُ مؤتلقاً بكل شعاع
واجعلْ له الأيامَ ظلاًّ وارِفاً
وخريرَ أنهارِ وخصبَ مراعي!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> التذكار
التذكار
رقم القصيدة : 63472
-----------------------------------
معرّبة عن "الفرد دي موسيه"
بي نزوعً إِلى الدموعِ الهوامي
غير أني أخافُ من آلامي
أيهذا المكان! يا غالي الترب!
ومثوى عبادتي واحترامي!
أنت مثوى الذكرى ومدفنُها الغا
لي القصيُّ المجهولُ في الأيام
هذه خلوتي فلا تمنعوني
ما الذي تحذرون يا خلاني
انها عادتي التي كنت أعتادُ
وأهوى في سالفِ الأزمانِ
أخذتني لذِي الرحاب وقادت
قدمي في سبيلِ هذا المكان!
أنظروا هذه السفوحَ وهذا النبتَ
إذ قام مزهراً تيّاها!
لكأني ما زلتُ تسمع أذني
في صموتِ الرمالِ وقع خطاها
وكأن النجوى بكل ممرٍّ
طوقتني في سترهِ يمناها!
قد تراءى الصنوير النضر إذ أينع(68/36)
في قاتمٍ من الألوانِ
وتراءَى ليَ المضيقُ البعيدُ
الغور يمتدُّ في رخيّ المجاني
موحشات لكنما كن آلا
في ومهد الهنيء من أزماني
أنا ما جئتَ ها هنا أذكر الأشجانَ
في موطنٍ عرفت فيه هنائي
ذلك الغاب رائع الحسن والصمت
مثال الجلال والكبرياءِ
وفؤادي عاتٍ كرائعِ هذا الغابِ
مستكبرٌ على البرحاءِ!
من يشأ أن يفيضَ يوماً بشكواه
فما هذا موضع الأحزان
قل لشاكٍ هلاَّ مضيت لتجثو
عند مثوى ميت من الخلان!
كل شيء حيٌّ هنا وباتُ القبرِ
ينمو في غيرِ هذا المكان!
طلع البدرُ يرتقي ذروةَ الأُفقِ
ويجتازُ حالكَ الأسدادِ
يا أمير الظلام إِنك تبدو
حائرَ الرأي، واضحَ التردادِ
ثم تمضي مجاوزاً حجبَ الليلِ
وترمي بنوِرك الوقَّادِ
كلّما شارف الثرى فيض نورٍ
مرسلٍ من جبيِنك الوضّاحِ
وإِذا الأرض قد تضوَّعَ منها
عن ثراها النديِّ عطرُ الصباحِ
استشرت عطرَ القديمِ من الحبِّ
دفين العبيرِ في الأرواح
أيهذا الوادي المجبب ما زرتك
حتى سألت عن أوصابي
إيْن راحت لواعجي أيْن آلامي
اللواتي أهزمنَنِي في الشباب
عاودتني طفولتي فيك حتى
خلتُ أني ما اجتزتُ يومَ عذاب!
يا خفاف السنين! يا صولة الدهرِ
قويّاً مثل الجبابرِ عاتي
كل ماضي صبابة قد أخذتن
فمن مدمعٍ ومن حسراتِ
ورحمتنَّ لي أزاهر ذكرى
علقتْ في ذبولها بالحياةِ
فسلام مني على الأيامِ
كيف آستْ في النازلاتِ الجسامِ
لم أكن أدرِي أن جرحاً بما كابدتُ
منه من فاتك الآلامِ
معقبٌ لذةً لنفسي واحساسَ
هناءٍ لديَّ بعد التئامِ
فليبْن عنيَ السخيفُ من الرأيِ
وتنأَى سفاسفُ الأقوالِ
وهمومٌ كواذبٌ كفنت أثْوابٌها
حُبَّ عاشقين ضآلِ
جعلوها مظاهراً لهواهم
والهوى الحقُّ ليس منهم ببالِ
ايه دانتي! أأنت ذاك الذي قال
قديماً عن ذكرياتِ الهناء:
انها إن مرَّت على ذاكريها
زمن الحزن فهي أشقى الشقاء!
أي بؤسي أملت عليك مرير القولِ
حقّاً أسأت للبأساءِ!
أو إنْ أقبل الدجى بعد ادبارِ
نهارٍ صافي الضياء قضيتَهْ(68/37)
تنكرُ النورَ في الوجودِ فيغدو
محضَّ وهمٍ كأنه ما رأيتَهْ
ذلك القول وهو جدّ عجيب
أيها الخالد الأسى كيف قلتَهْ
قسماً بالطهورِ من لهب الحبِ
مضيئاً في القلب شبه المنارِ
ما عهِدْنا في قلبك الوافر الإيمـ
ـانِ هذا الظلال في الأفكارِ
لا أرى للهناءِ والله صدقاً
مثل صدقِ الهناءِ بالتذكارِ
أو إنْ أبصرَ الشقيُّ وميضاً
في رمادِ الهوى فقام إليهِ
باسطاً نحوَه يديهِ بلهفٍ
حارصاً أن يمرَّ من كفَّيهِ
وبه من إشعاعهِ أثرُ البرقِ
إذا مرّ خاطفاً ناظريه
أو إن غاصت روحهُ في عبابِ الذ
كريات التي طوتها السنينْ!
أو هذا السرور من ذِكرِ الماضي
تسميه بالعذابِ المبين!
ان تروى أدمعي فلا تزجروني
ودعوني اني أحب الدموعَا
لا تجفف ايديكمُ أدمعاً تنفعُ
قلباً لمّا يزلْ موجوعا
أدمعي سترٌ مسبلٌ فوق ماضٍ
قد تولى ما يستطيع رجوعا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> البحيرة
البحيرة
رقم القصيدة : 63473
-----------------------------------
معربة عن لامارتين
.......
.......
من شاطئِ لشواطئٍ جددِ
يرمي بنا ليلٌ من الأبدِ
ما مَرّ منه مضى فلم يعدِ
هيهات مرسى يومِه لغدِ!
سنةٌ مضت! وختامُها حانا
والدهرُ فرّق شملَنا أبدا
ناجِ البحيرةَ وحدك الآنا
واجلسْ بهذا الصخرِ منفردا!
قل للبحيرةِ تذكرين وقد
سكن المساءُ ونحن باللجِّ
لا صوت يسمع في الدنى لأحدْ
الا صدى المجدافِ والموجِ
فاذا بصوتٍ غير معتادِ
هزّ السكونَ هتافهُ العذبُ
أصغى العبابُ ورجَّع الوادي
أصداءَه وتناجتِ السحبُ
يا. دهر في وفق ولا تدرِ:
ساعاته في هينة وقفى
حتى تتاح هناءةُ العمرِ
وتطول لذتُها لمقتطفِ
هلا التفتَّ لذلك الكونِ
وعلمت كم في الناس من باكي
يدعوك خذني والأسى المضنيْ
خلِّ الممتِّعِ وامضِ بالشاكي
هذا النعيم وهاته المحنُ
يتنافسان الدهر اقلاعا
فبأي عدلٍ أيها الزمنُ
تتشابهُ الحالان إسراعا
يا أيها الأبد السحيق أجبْ
وتكلمي يا هوة الماضي
ما تصنعان بأشهرٍ وحقبْ(68/38)
ونعيم عمرٍ غير معتاض
ناج البحيرةَ والصخورِ وعُدْ
فاستحلِف الأغوارَ والغابا
قل! صُنْ ذكر غرامنا فلقدْ
صين الشبابُ عليك أحقابا
ولتبق يا هذي البحيرة في
حاليك ثائرة وهادئةً
في باسق للماء منعطفٍ
في رائعات الصخر نائتةً
في عابر النسماتِ مرتجفَا
في النجم فضض صفحةَ الماءِ
في الريح أنّ أنينه وهفا
في الغصن نفَّسَ حر أحشاءِ
في الجو معتبقاً بريّالِ
خطرت ملاعبة رقيق صبا
في كل هذا هاتفٌ باكي
سيقول يا أسفا لقد ذهبا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> فرحة جديدة
فرحة جديدة
رقم القصيدة : 63474
-----------------------------------
أدركت عندك يوميَ الموعودا
ولقيت فيك مثاليَ المنشودا
وا فرحتي بك فرحة الطفل الذي
يلهو ويخلق كل يوم عيدا
وا فرحتي بك فرحة الطير الذي
ملأَ الروابي المصغيات نشيدا
طربتْ لصدحِته وصفق ظافراً
جذلانَ في عرض الفضاءِ سعيدا
في موكبٍ من قلبِه وحبيبِهِ
من راح تحسبه العيون وحيدا
وا فرحتي بك فرحة الضال الذي
يطوي القفارَ اللافحاتِ شريدا:
لاحت له بعد الهواجر أيكةٌ
غنّاء تبسط ظلها الممدودا
ما أعجب الدنيا التي بعث الهوى
وأحالها روضاً أغر جديدا
شتى غرائبها وأعجبها فتى
يغدو لمهجته عليك حسودا
يتهالكا على جمالك صبوة
يتنافسان ضراعة وسجودا
يتنازعانك غيرة وتغضباَ
كل يراك حبيبه المعبودا
ما أعجب الإِيمان يغمر خاطري
كالفجر قد غمر السماء وئيدا
مزقتِ شكي فاسترحتُ لأعين
علمنني الإِيمان والتوحيدا
شعراء مصر والسودان >> عزت الطيري >> النسيان الجميل
النسيان الجميل
رقم القصيدة : 63476
-----------------------------------
الحقيبة مكتظةٌ
بالخواتم
أقلام أحمرها المستبد
وعطر قديم
وكحلٍ
ومرآتها المرمرية
منديلها القرمزى
المطرز بالحلم
قائمة للهواتف
" كشفٍ "
بأسماء
قتلى هواها
ومفتاح سر خزانتها
وبها ما بها
من مباهج
أو من خيالٍ رهيفٍ
وملقاط تهذيب حاجبها
قطعة من فؤاد الفتى
نزعتها
لتلقى بها
وبأوجاعه
عند أول منحدر(68/39)
قادم
الحقيبة
مكتظة
منذ بدء الحقيبة
فى سالف الجلد
بالنسيان الجميل
فهل بالحقيبة
صورتها
وهى تعدو معى
فوق جسر اليمام
وهل فى الحقيبة
قاموس أحلامنا
زهرة السنط
صفراء ، صفراء .
مثل شموس بغت
زهرة السيسبان الحزينة
مثل بكاءٍ نبيل
وتاريخ ميلاد حزن الفتى
نسخة من جواز الرحيل
إلى مدنٍ رحبةٍ
هاربين ،
غريرين
من ليل قريتنا
منذ خوفٍ قديمٍ
وعشرين تنهيدة
فى الهجير ...
الحقيبة مكتظة
سوف تفرغها بعد ليل
على طاولات الحنين
وتصبح فارغةً
مثل قلبٍ
ولا يتبقى سوى
النسيان الجميل
شعراء مصر والسودان >> عزت الطيري >> صدقة جارية
صدقة جارية
رقم القصيدة : 63477
-----------------------------------
تمشين صباحاً
كالظبى المختال
بسحر عذوبته البيضاء .
تهبين الشعر
إلى الشعراء
والكحل الأسود
يهمى
من عينيك
إلى ألوان الرسام
والتفاح المتساقط
من خديك
إلى الجوعى
وهواء النعناع الهارب
من فمك العطرى
إلى مرضى الصدر
والرمان المتقافز
من شجر النهدين
إلى الطفل المفتون
بكرة المطاط
تهبين
وتهبين
كأنك إذ تمشين
صدقات جارية
تمشى !!
شعراء مصر والسودان >> عزت الطيري >> إلى أين أذهب بي
إلى أين أذهب بي
رقم القصيدة : 63478
-----------------------------------
إلى أين أذهب
بي
فأبى
لم يعلم فؤاد ابنه
كيف يسبح
ضد الحنين
ولم يهده للرماية
أو لركوب خيول العذابِ .
والأصدقاء الأخلاء
قد غادروني...
ولم يتركوا فرصة
للعتاب
إلى أين أذهب بي
أو سأشرح ما بي.
والحدائق
أوصدت الباب
دوني
والبنفسج قال لعشاقه الطيبين
اتركوه
ففروا
ولم يعرفوني
وناي الصبابات
لم يعزف اللحن
عمدا
ولم يستمع برهة
لأنيني
إلى أين
والأمنيات الجميلات
مرت
ومرت قطاراتها المثقلات
بأفراحها
وبسكرها
ومضت للجنون ....
إلى أين اذهب بي
للحديقة
أم للحقيقة
أم للفتاة التى عبرت
نهر قلبي
استقرت بعيدا
مزقزقة كالعنادل
ناعمة
كالقطيفة
رائقة كالندى الساحلى
وساحرة
كالأساطير
مترفة
كشذى الياسمينِ(68/40)
لأبكي على بابها السندسي
افتحي
وادخلي لوعتي
واسكني
فى حنيني
إلى أين اذهب
لا ............
سوف افترش الحلم .
التحف النجمة البابلية
أرقد
ما بين
بيني
وبيني
ربما يزهر البرق فى حقلنا
بوح صفصافة تحتويني
....................
خذيني!!
شعراء مصر والسودان >> عزت الطيري >> رحيل السوسن
رحيل السوسن
رقم القصيدة : 63479
-----------------------------------
سوسنٌ راحلٌ
في اتجاه دمي...
ودمي
يستعد لدهشته
ناعساً
ويؤجل أعراسه
موسماً خامساً....
هل تجيء اليماماتُ..
من شرق غُربتها?
هل تفيض بفضتها
وعناقيد نجمتها...?
هل
تبادلني صيفَها الساحلي الجميل
بقيظ الجنوب?
وهل ينثني العشب سجادةً
للمساء الطروب...?
سوسن قادم ....
سوسن نادم....
سوسن
عند أهدابها
يرتمي ....!!
و(منى)..
سهل ورد, وفل رحيم
يتابعني
ويباغتني
ويسد طريق الكلام
لمرْج فمي..
ومنى...
تقف الآن
بين دمي
ودمي ...
ومنى.. تستدير وتغرسُ فتنتها
في شهيقي...,
وتغرس قامتها
في عروقي...
وترمي بعصفورة القلب,
مذبوحة
لرمال الطريق ..
وتمنحني
فرصة للعذاب المؤجَّل,
تسْلمني للحريق...
فأرشف جمر المسافات,
ألمس صهد البروق
كيف أنسى منى?...
دورة الميم,
أو قمر النون,
أو رقصة الياء
في ليلتي يا صديقي?
كيف أنجو بقلبي...
وكيف
أفرُّ من الوجد,
منها.. إليها?
ليس لي مهرة ...
ليس لي
غير مُهرِ اشتياقي
ليس لي
غير تلك الكراريس
مملوءة بالشجار
مع الشعر,
مملوءة بالفواصل,
مثقوبة بالنقط ...
ليس لي
غير هذا الفراغ الرجيم,
وعصفورة,
فوق لوحة هذا الجدار,
تشاكسني بالغناء,
تداعب زوجَ القطط
كل ..
هذا ..
فقط...!!
شعراء مصر والسودان >> عزت الطيري >> على طريق الريح
على طريق الريح
رقم القصيدة : 63480
-----------------------------------
العشب سيدهُ
ووِجْهته المياهْ
ويمامتان
على طريق الريح,
تقتفيان موكبه...,
وتبتكران كوكبه...
وترتجزان أغنيةً...,
يرددها سواه
هو في غمام,
يبتني بيتاً,(68/41)
يسيِّجه.. بمرارحنظله,
ويمعن في أساه...
هو مفرد, جمع
تمام ناقص
يمشي الهوينى,
في دروب الدمع,
يسرع في خطاه...
غِرٌّ, يسير
بدونه
معه
ويقفز فوق سور الليل,
يطرق باب من يهوى
فيرجعه الرِّتاج, الصهد,
يصدمه صداه...!!
فيفر منه الصحو,
يخلع ضلعه,
متيمِّماً,
بتراب جدوله
ويسرف
في
دماه
تبَّتْ يدا,
هذا الفتى المتلاف,
قايض عمره
بورود خدِّ غزالةٍ,
شقراء
لا....
سلمت يداه ...!!
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> إلى إمرأة لاتجيء
إلى إمرأة لاتجيء
رقم القصيدة : 63481
-----------------------------------
يحدث أن ألتقي امرأة
فتصافحني
ثم تمضي
وتترك في الكف ريحانها
مثل أي ربيع
* * *
يحدث أن ألتقي امرأة
فتوسدني شعرها
وتريح جداولها في دمي
ثم تمضي
وتتركني للصقيع
* * *
يحدث أن ألتقي امراة
فترافقني حيث أمضي
نسير معا
ثم قبل الوصول تضيع
* * *
يحدث أن ألتقي امرأة
فأهيم بها
و أصيح : هنا وطني
ثم سرعان مايكشف العمر لي
أنها موطن للجميع
* * *
ينقضي العمر
يا امرأة لا تجيء
و يا موعدا كلما صرت فيه
يؤجلني للربيع
* * *
ينقضي العمر يا امرأة
والمسافات ما بيننا
ولا درب يجمعنا
ثم لا نلتقي
بعد ألف ربيع ..
* * *
ينقضي العمر يا امرأة
يستضيء بها القلب
لكن تظلين وشما
تظلين حلما
يهدهد كل رضيع
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> جداريات سحرية
جداريات سحرية
رقم القصيدة : 63482
-----------------------------------
* مجيئ
حين تأتي الحبيبة
يغمرني فرح عامر
تصبح الأرض غير التي كنت أعرفها
قبل مقدمها ...
لكأن المساء
يغير جلدته حين تأتي النساء ..
* إرتياب
صدق فؤادك أيها المرتاب
فلأجل عرسك صفت الأنخاب
صدق فؤادك فالأغاني كلها
من أجله، والرقص والألعاب
صدق و لا تعتب على نبضاته
فلكل قلب في الهوى أسباب
* سؤال
مالذي تريده امرأه
من شاعر
أضاع عمره ..
أضاع حلمه ..وأخطأه ..
مالذي تريده
من شاعر
كل ما أضاؤوا في يديه قبسا(68/42)
قام إليه فجأة ...و أطفأه ..
مالذي تريده
لقد أضاعت عمرها ببابه
لكنه ..وكلما أبصرها
أصابه تلعثم وتأتأه...
* رؤيا
كأني وحيد زماني
كأني احتويت الوجود برمته
واحتواني
كأن خطاي على الأرض سيدة
وطريقي مرصعة بالمعاني
إذا مر بي عاشق
استظل بظلي
إذا امرأة أبصرتي
استكانت إلي
كأني تقدمت في العشق
تقدمت في العشق
حتى غدا ذرة في كياني ..
ويلتي !
كيف أفصح
كيف أحدث عما أعاني ..
* ما بعد الممكن
لم تعد تكفي ذراعاي امرأه
لم يعد يكفي عذاباتي وطن
لم يعد يكفي لأحلامي الزمن
مالذي يكفي إذا
حين لا تكفي لهذا التيه والإبحار آلاف السفن
حين لا تكفي غواياتي وأشواقي أنا كل المدن
مالذي يكفي إذا
مالذي يكفي سوى
حجر يسند رأسي ..وكفن ..
* مكاشفة
رائع أن يحتويك الناس بالحب
وأن تصبح حلم الفتيات
رائع يا أيها الرائع
أن يأتي إليك الشعر من كل الجهات
رائع يا سيدي الشاعر
أن تبني وتبني مدنا من كلمات
ثم تدعو الناس أن يأووا إليها
حين لا ملجأ يأويهم ...وحين الأزمات ..
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> وردتان
وردتان
رقم القصيدة : 63483
-----------------------------------
لي وردتان
وللندى وهم الحديقه..
لي نشوتان
وللمدى وهم الحقيقة ..
***
لي غيمتان على امتداد القحط
لي ولهي الكبير
وما تجذر في خلايا الروح من هوس
ومن لغة طليقه ..
وأنا انبجاسك في اكتمال السهو
أوقد ما يزيد الحب
أحفر في الكلام القلب
أختصر المواجد والمواعيد الدقيقه
في دقيقه ..
***
ما بين أن تمضي
وأن تعدي الرجوع
وأن تظلي ..
لحظة
قمر يطل على الظلام
ونجمة في الماء تغسلها الحقيقه ..
***
لي وردتان
أصير أجمل لو أحب
لو يورثني البنفسج نفسه ويغيب
لو يأتي الصباح
ولا يودعني حبيب
سأعد مايبقى لكم ولها
دمي ..
أو قبلتي في الريح
موكبها الكئيب
لي وردتان
وفي دمي حجر يوسدني النهاية
في فمي
فرس تسابق ..ثم تخسرني الرهان
وفي يدي
خط بسيط واضح
خط يؤرخ للذي يأتي
فتجرحه يدان ..(68/43)
هل آدم إلاي يدرك ماسيحدث
أو يكون ..
هل ثمة امرأة تبدل ثوبها بالقلب
حليتها الأغاني ..
عطرها وهج الجنون ..
لو مرة يأتي الجنون
ويلبس الفوضى لتصبح وادعة
لومرة يقف الزمان للحظة
ليعيد ترتيب الخطى المتسارعه ..
لو مرة تمضي الطيور
ولا تعود إلى مواسمها..
فمن يرث المكان ..
لو مرة أنسى ..بأني عاشق ..
أنسى بأني في مهب الريح - يجرحني الزمان
لو مرة يهتز هذا العرش
يبصر نفسه في الصحو
يبصرني ..
يراني ..
واقفا في اللا مكان ..
***
لي وردتان
ووجنة تهتز
أعرف ما سيكفي لإحتمال الوقت
ما يكفي الوداع
سنلتقي في اللآلقاء ..وفي الجنون ..
ونستفز الورد كي يصل البداية
أو يتابعها ..ويحذر مايكون ..
لي وردتان وغابة في الثلج
أحتمل الغياب
وأحتفي بالشاي
بالخط المنمق في الرسائل
لا بريد اليوم
لا أحد سيسأل أو يبعثر همسه عبر السحاب
ودعتهم لآنام أو أصحو
لأحصي ما تبقى من الفجيعة
والجنوح إلى الخراب
لا يعرف المنفى سواي
لا يعرف المعنى المحصل من جدار الروح
إلا من تعاقره رؤاي
تعبت خطاي
أجتثني في الصمت ..أكتب شاهدي
لي وردتان ..ونشوتان
والتي ترسو على شط الملامح
لم تكن أبدا أناي ..
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> بدء العناء
بدء العناء
رقم القصيدة : 63484
-----------------------------------
جاءت صفية
غابت صفية . . وانفلتت دمعتان
أيها الناس ما للمدينة لا ترحم المتعبين
أم أن الذين يموتون بالعشق
لا يعرفون السلاما . .
ولا يلتقون لهم مرفأ أو مقاما . .
أيها الناس
من جرحيّ المتورد يولد بعثي
وفي قمة الموت ألقى نهاري
أسافر في الموت لكنني لا أموت تماما
ألملم ما قد توزع من تعب في ضلوعي
وأرسم في شفتي ابتسامة . .
لعلّ صفيّة خلف البحار
تكابد هم انتظاري
لعلي أراها على صهوات الغمام
سنى أو حمامة . .
لكل الأحبة في القلب جنات عدن وفردوس حب
لكل الأقارب في القلب جنات عدن وفردوس حب
فماذا تبقى بقلبي لقلبي ؟ ! . .
* * *
واستكان إلى نجمة(68/44)
يصطفي حدّ هذا التوهج
يذكي عذابات حب تدلى على شرفات الفؤاد
يوحّد بين جراح يفتّقها العمر في الجنبات
وبين انكسار على طعنات البلاد . .
ونادى بهم :
أيها الناس ليست صفية منكم
صفية من خلوة لم تروها
ومن كلمات القصيدة
من رحم الكبد النبوي تولّد حبّ صفية . .
صفيّة هذا المحال الذي حيّر الروح
والأنبياء
صفية هذا المدى كله . . و الصفاء . .
صفية مني . .
ولي . .
من نزيف القصائد، من دمعتي وانكساري
ولي أن أقول بأن صفية هذا العناء . .
وهذا العذاب الموسد قلبي على راحتيه . .
صفية ليست لغيري كما تدعون . .
صفية ماذا يخبئ هذا الزمان لقلب هواك ؟
سوى أنه لا يراك
وأنت القريبة منه
ومن قلبه المتلاشي على أفق قد حواك
آه لو تعلمين
ضيعتني عذابات هذا الشتاء
وكم ضيعتني دروب الشمال
وحيدا . .
أموت على جمرات الترقب والكبرياء
أ أعلن سر انتمائي إليك
أ لست السماء ؟ !
أ لست الذي قدّر الحب أن لا يموت
ولو هددته صروف الفناء
صفية يا راحة الروح
أنت وجودي المدلل سمرة وجهي
أيا حلمي المستحيل الجميل . .
سألتك بالصلوات اللطيفة
أيّ الدروب يفيض عطاء
إذا ما إلتقيتك روحا معي في المساء ؟ !
صفية ها أنا ذا الآن
يغمرني الحلم في أول الانكسار،
فأوغل في الحلم وحدي . . أراك
أكابد كم ذا أكابد ناري،
وأصرخ : يا أيها الناس
لي ما لقلبي من الحزن، من كبد الانتظار
ومن ألم الانكسار
لماذا إذا تسكنون القصيدة قبلي
تنامون في حضنها . .
وأنا أتململ خلف الجدار ! . .
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> أربعاء الفرجة
أربعاء الفرجة
رقم القصيدة : 63485
-----------------------------------
ذلك الأربعاء
الوحيد الذي مرّ متشحاً بسواد الغيوم
والوحيد الذي لم يدع ما يدلُّ عليه
سوى شجر ذابل
وسماء ملبَّدة بانكساراتها
وطيور تحوم...
ذلك الأربعاء
تقدّمنا نحو آخر فصل من الحرب
آخر ضوء على الدرب
قبل انكفاء الحياة
وقبل انطفاء توهجها في النجوم!!
.....(68/45)
ذاك أني ابتليت بها
فتورّطت في حبها
حين شبّت غوايتها في دمي الملتهب
على أقحوان اللقاء
تهدّج أمل الأنوثة مستسلما لابتهاج أساريره
إذ رآني انحنيت
وقد أسكرتني أغاني العنب
فاجأتني بقامتها
وبطلعتها الساحلية ذبتُ
إلى أن تدفقت في بحرها المضطرب
كيف لي يا إلهي
وقد غمرتني شساعتها أن أقاوم تلك الفتن
ذاك أني ابتليت بها, واتّبعت هواي
فلم تكفني طيبة القلب
لم تكفني نيّتي لأمرّ على كلّ تلك المحن!
وما كان لي غير أن أتقدم في الحرب حتى نهايتها
علني سأضرّسُ أنيابها بدمي الممتحن
تبارك هذا الذي يتماوج بيني
وبين الحبيبة تحت سماء الوطن!!
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> فاكهة الريح
فاكهة الريح
رقم القصيدة : 63486
-----------------------------------
إيه كم عشقتني امرأة
فلم أستجب لهواها
انسحبت.... وخلّفتها نجمة مطفأة
إيه كم عمرُ هذا العذاب
عمرُه أزلٌ و أبد
وحنينٌ على قبضة اليد
ولم نلتق بعد
لم ننصهر في أتون التوحد
لم نمتزج جسداً بجسد!!
..........
مرّ دهرٌ على الحزن
كلّ الذي حولنا قد تغيّر غير الألمْ
لم يزل قارساً في الضلوع
وفي أعين لم تنمْ
نحن لم نرتكب أيّ إثم
سوى أمل غامض لم يتم
فلماذا إذاً كل هذا الألم?!
وكان الرجالُ على الباب
لم أحص تعدادهم
غير أني تذكرت آخرهم
وهو يغرسُ طعنته في الكبد
انتظرت إلى أن هوى الانتظارُ على ركبتيَّ
وقد طال عنه الأمد!!
........
ولا شيء غير الرياح
هي البدءُ والمنتهى والأبد
هي الكلّ في الكلّ
فانتشروا في الصباح , افتحوا صدركم للهبوب
ولا تقفوا بين أخذ ورد
دعوا نبضة القلب بين أكفّ الرياح
افتحوا كل باب ونافذة كي تحط العصافيرُ
أو تتنفس رمانة في فضاء البلد!
وعود أخرى:
تمسك امرأة شجر القلب
ثم تنادي على الريح كي تعتريني
لعلي إذا ما انحنيتُ تمرّ عليّ الفصول
ولكنني رجلٌ ثابتٌ
رجلٌ كالمياه التي تتدّفق في باطن الأرض
أو كامتداد السهول
.........
كيف أصبحتَ?(68/46)
هل نمتَ, هل أبصر القلب أحلامه في المنام?
أبداً... أبداً
غير أني رأيت الأسى.. طافحاً في زوايا الظلام
إيه يا زمن الريح والقبعات
تغير شكل الفصول
تأخرت عن موعدي, لم تخض بعدُ نصف الحروب التي خضتها
منذ سبع وعشرين عاماً
ربحت القتال, وما هزمتني سوى الحرب
كان فؤادي لها راية ودمائي خيول!!
............
وما اعترف القلب بامرأة غيرها
لذلك ظلّ وحيداً
إلى أن أتى من يدل عليها وقد أسلمت روحها للذبول
سأعود إلى أوّل الغيم
حيث ابتكرت الأناشيد والشعر
أسند رأسي إلى قبر أي شهيد
وأنشد .........أنشد.... أنشد
حتى أهيِّج ريحان كلّ الحقول
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> حدود المسافات
حدود المسافات
رقم القصيدة : 63487
-----------------------------------
كأنا اتحدنا معا ذات يوم
ليشتعل الضوء فينا ..و لا ينطفيء
كلانا مضى نحو آخر أحلامه وأمانيه
منفردا
وكلانا تخلص من كل ماضيه
من كل أحزانه .. و صبأ
كلانا تراجع عن كل إيمانه ..وانكفأ..
ولم يبق من صرحنا ..
من أناشيدنا ..
غير ضوء على القلب كنا نسميه حبا
وبعد مرور السنين اكتشفنا الخطأ
كل ذلك كان إذا خطأ في خطأ ..
وافترقنا ..
ولم نلتق أبدا
مرت السنوات ..ولا هاتف أو نبأ ..
كلانا ترقب من خله لفتة أو سؤالا
كلانا ترقب حتى النهاية ما لم يجيء ...
وهانحن في آخر العمر
مشتركان معا في الظمأ
كلانا يرى خله
دون أن يرتوي من ينابيعه
كلانا يحس بهذا الفراغ
ولا يجد الدرب كي يحتفي بالأحبة
أو من فضاءاتهم يمتليء ..
وها نحن من بعد كم
نتوازى كخطين
لا نحن مفترقان
و لا نحن ملتقيان
و لا أحد يعرف الآن ما شاءه في الحياة
وما لم يشأ ..
لم يعد أي معنى لما كان
غير الذي ظل ما بيننا
من ضياء
و رغم هبوب العواصف
رغم اختلاف المقادير لم ينطفيء ..
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> نغم المساء
نغم المساء
رقم القصيدة : 63488
-----------------------------------
ربت على كتف المساء فربما(68/47)
عزف المساء على هواك فأطربا
وهفا إلى شمس الأصيل يزفها
عبق اللقاء المستفيض تطيبا
يتأجج القلب الجريح وفي المدى
خطواتك الثملى تغني للصبا
مازلت تحلم باللقاء وفي الخطى
قبس من النار القديمة ما خبا
يمتد ملحمة هواك فتلتقي
في كل شبر من فضائه مشربا
***
ربت على كف المساء فربما
صلى المساء على يديك تقربا
ولربما آب الشتاء وعاودت
كل البلابل شدوها كل الربى
وانشر على الدنيا ظلالك مثلما
نشر النخيل شتا ئلا و تعذبا
فاخضرت الواحات قرب مقامه
و تدفق النبع الزلال مشببا
***
يا أيها الدوري كم من عاشق
لاقى الذي لاقيته ....و تغربا
ضاقت به الدنيا بما رحبت وما
ألفى بها قلبا محبا طيبا
فاصبر على الآتي..ودونك لحظة
صغها كما شاء الهوى أن تكتبا
***
ربت على كف المساء فربما
سقط الشتاء على يديك مخضبا
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> شمعة في الريح
شمعة في الريح
رقم القصيدة : 63489
-----------------------------------
01
كم سيحتاج من المعنى
لكي يسكن في قلب الحقيقه
كم سيحتاج من التيه
لكي يرتاح من أسماله الأولى
ومن عمر بلا روح
وكي يحتمل الموت الذي يذبحه
كل دقيقه ..
إنه الأن على حافتها
يهوي ..
ولا يملك من ينقذه منها
سوى فكرته الأولى .. ورؤياه العميقه ..
يجرح الحاضر عينيه
فيمضي مغمض العينين يستجلي طريقه ..
ذلك الهارب من أزمنة الحقد
يرى ما لا يرى في الصحو
يبني خيمة للشعراء
ثم يدعوهم إلى معرفة الحب
إلى الإبحار في مطلقه الممكن
في الرؤيا التي تفضي إلى سر الطريقه
إنه الآن وحيد
بيته القلب
وعيناه فضاءات سحيقه ..
إنه الآن وحيد
للمتاهات وللحزن
ولكن
يبصر الناس على موقده
الضوء الذي يحملهم نحو الحقيقه ..
02
كانت الدهشة فوق المقدره
كانت الرغبة ما يسبق ميلاد الرذاذ
في الأماسي الممطره ..
لم أكن إلا بقايا الرمل
تدفعني الريح إلى أقصى الكره ..
كان بالإمكان أن أبحر
لكني تراجعت ..تراجعت
و سلمت الأغاني للظلال المبحره ..(68/48)
ها أنا الآن و قد عدت وحيدا
لظلام المقبره ..
ها أنا الآن وقد أخلصت في الرغبة
واغتلت دمي
أتعرى لأغطي الشجره ..
فارحلي حيث تشائين
استريحي وقت ما شئت
وكوني القصب العاري ..كوني المثمره ..
لي رجاء واحد
أن تحفظي الدهشة في القلب
احفظيها
كي تكون المقدره ..
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> إصرار
إصرار
رقم القصيدة : 63490
-----------------------------------
كان يمكنه أن يحبّ
ولكنه لم يشأ ْ
كان يمكنه أن يعبّ من النهر
لكنه اختار أن يستمر الظمأ
كان يمكنه أن يراجع أخطاءه
ولكنه اختار أن ينتهي في الخطأ
كان يمكنه أن يعد ّل في سيره
ولكنه اختار أن ينتهي
في الطريق الذي كان منه ابتدأ
* * *
في مآقيه شوق
وفي قلبه لهفة مارده
على صدره صورتان
صورة لبلاد تقمصها حالة للعذاب
وأخرى
لامرأة ومضت ذات يوم على أفقه
ثم غابت . .
لتترك بين يديه السراب..
* * *
كان دوما على سفر
رجل لا ينام ولا يستريح
على وجهه رقة و حنان
وفي عمقه كبرياء جريح . .
وفي عمقه كبرياء جريح
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> أغنيات إلى زينب
أغنيات إلى زينب
رقم القصيدة : 63491
-----------------------------------
أغنّي لزينب
تلك التي اشتعلت بين كل النجوم
وتلك التي خطفت من جميع الشواطئ زينتها
واستراحت على الرمل
مثل عروس على صدرها الأغنيات تحوم
أغني لها وأعيد الغناء
أعيد النشيد
إلى أن أبدد من حولها سرّ هذا الوجوم
وزينب قال المغني:
الربيع الذي لم تطلْه العيون ُ
ولم يلتفت نحوه الانتظار ُ
النشيد الذي قاله شاعر مرة
ثم أسقطه بين أوراقه . . فطوته السنون
وزينب أغنية في الشفاه . .
وصفصافة في المهب
وأمنية تنحني للصلاة . .
وتغريدة المغترب ..
* * *
وكانت تحدثهم بالعيون
وتشرح أحزانها للقوام الذي ينتظر
وكانت تعلّم أحلامها
كيف يمكنها أن تظل ّ . . ولا تنكسر . .
وكانت إذا أبصرت عاشقين
بكت
وراحت تشْيعهما بالنظر * *
وكانت إذا عبرت شارعا . .(68/49)
أشعلت جسمها فتنة ودلال
ونادت بهم : هؤلاء الرجال ُ
فأين المحبّون . .
أين الدموع التي كالمطر ؟
أنا زينب الأغنيه
أنا آخر امرأة بقيت في المدينة
ترثي النساء اللواتي تهدّ من كالأبنيه
تأخرت عن رحلة العمر
مر الرجال، ولم اختطف واحدا
لم أعلق سوى أمنية
و ها إنني أطلع الآن من بينكم كالشجر
وأدعوا الرجال، جميع الرجال
إلى جسد لم يعد ينتظر * *
* * *
ما الذي تفعل امرأة بالقصيدة
أو بقلوب الرجال ؟
غير ما فعلت هذه الطفلة / النهر ُ
هذي السماء التي نشرت في المدى
نجمة وهلال
ما الذي تفعل امرأة
غير ما فعلت زينب بالرجال . .
إنها الطفلة الساحلية
تلك التي أخذت كل ما في الشواطئ
من فتنة ودلال
وتلك التي من ضفائرها
تنسج السفن مرساتها
ومن صدرها يستضيء الجمال . .
* * *
ما لذي يجعل امرأة لا تنام . .
ما لذي يجعل القلب مرتبكا بين عشاقه
هاهي الآن تجفل من بينهم
دون أي كلام . . . .
وتترك من صدرها سحره الأنثوي
ومن قلبها زفرات الهيام . .
هي ذي امرأة
كلما عبرت شارعا أو زحام . .
تركت كل شيء به . .
يتذاوب من شوقه للغرام . .
* * *
وقفت أمها تترقب عودتها
وقف الشارع الوطني، الرصيف ، الشبابيك
كل هنا واقف في انتظار ..
أين كنت ؟
أعلت اليتامى، وهدهدت أنفاسهم
ثم علمتهم بعض ما علمتني الحياة . .
وهذا المسار . .
ثم ماذا ؟
عرجت إلى جهة كان فيها محبون
قد هد هم قلق الانتظار . .
فمسّحت من حزنهم، ثم قلت لهم فرحا
سيجيء النهار . .
ولكن متى متى يا ابنتي ..
..متى سيجيء النهار ؟ ؟
هكذا يسأل الأبوان . .
وزينب قرب الثلاثين أو بعدها
أجمل امرأة صافحتها يدان . .
إذا عبرت مجلسا
تركت بين أحضانه قامة
من شذى العنفوان . .
وزينب ماذا تريد ؟
إنها لا تريد سوى أن يكون لها حبّها
سيدا في صنوف الهوى . . ومصان . .
إنها لا تريد سوى أن يعود الهوى
( مثلما كان ) نافذة للأمان ..
* * *
إنها تختفي الآن كي لا يراها أحد
وكي لا تعذبها نظرة(68/50)
أو لعاب الجموح الذي في الجسد . .
إنها تختفي الآن
لا تسألوا قمرا هل رآها . .
ولا تسألوا أي غصن سواها . .
إسألو ا الشعر
هل ثمة امرأة قد يغني لها شاعر في البلد
هل ثمة امرأة - غير زينب -
تلك التي وفقت بين شمس الا له
وبين تراب الجسد ؟ *
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> أطلال
أطلال
رقم القصيدة : 63492
-----------------------------------
هنا أقاموا لبعض الوقت وارتحلوا
ودونهم سدت الأبواب والسبل
هنا أقاموا سنين الجمر ما غمضت
لهم جفون ..ولا ارتاحت لهم مقل
يكاد من فرط ما عانوا هنا زمنا
من نفسه يهرب التاريخ والأجل
هنا أقاموا وعند التل خيمتهم
كانت يحج إليها الضوء والأمل
ماذا تبقى..على أطرافها سكنت
عناكب الوقت حتىالوهم والخبل
هنا أقاموا رماد الوقت سيجهم
وبين أضلعهم لاشيء يكتمل
كأنهم شبه موتى ليس يذكرهم
من الخليقة إلا الريح والطلل
هنا بقايا أهازيج ..هنا لغة
تمر خجلى على الأفواه تختزل
هنا تباريح أنثى ترتجي أملا
تخفيه بين حناياها وتحتمل
هنا أقاموا لأجل الحلم واختلفت
بهم مسالك من أطرافها اكتحلوا
والآن ماذا..كأن الوقت أمنية
أوبعض وهم..يليه الصمت والملل
أوبعض سهو من الدنيا وقد عبرت
بهم سريعا فما ارتاحوا وما وصلوا..
لم يجدهم أنهم عاشوا هنا وبنوا
أحلامهم فوق هذي الأرض وارتجلوا
***
هنا أقاموا ..هنا كانوا ..وباغتهم
من الزمان زمان ليس يحتمل
كأنهم ما أقاموا ..أو كأن يدا
من السديم أرادت غير ما فعلوا
***
ما ضر لو أن من يأتي ليخلفهم
يضيء بعض الذي من أجله احتملوا ..
شعراء المغرب العربي >> عبدالكريم قذيفة >> نخلتان لأوراس والغرباء
نخلتان لأوراس والغرباء
رقم القصيدة : 63493
-----------------------------------
أغني . .
لهذا الر ذاذ الذي ضمخ القلب هذا السماء
إيه أوراس * يا مطرا ينعش الغرباء
الطريق طويل . . طويل . .
و ها أنت بحر الزخم ! !
متعب أن نسافر في الصمت قال
وجدير بناء أن نجاهد فينا الألم !(68/51)
خذ يدي إليك
وافترش زندي المتوهج . . خذني إليك
إنني شاعر مثلك الآن يا عاشقي
فالتحفني ونم !
نصطفي نحن لون الغمام
نصطفي نحن كل الألم
تصطفينا الجراح التي أبدا تلتئم
وسوى الله والعاشقين
الوجود عدم . .
* * *
آه يا بن السبيل
للتي ضيع العمر نافذة في الفؤاد
وبوابة للحلم . .
فانصهر في ضلوعي طويلا طويلا
وفي قمة الانصهار ابتسم ! !
دم العاشقين دمي . .
ودم الشهداء دمي . .
ولا عاصم اليوم للعاشقين سواي
فالتحف بي ونم . .
* * *
مرّ من ها هنا شاعر
كان يحمل في كفه "دقلة النور" **
قيل: استراح قليلا على جرحه ما التأم ! !
وحين أفاق رأته سماه
رآها بكى . . بكى التمر
لاحت كنخلته . .الحنين
كم أحس بوخز الحنين
لهذا اللقاء الذي لم يتم ! !
هل لهذي الدموع رؤى ؟ !
ربما . .
ردني للطريق التي ضيعتني أنا عاشق
وفي مقلتي الندى والحلم
أبحث الآن عنها . .
وعن وطن ضاع مني
ولا بد للحزن أن يحتوينا
ولابد أن يعترينا السأم . .
لكي نلتقي . . ولكي ننسجم ! !
* * *
شاعر كان يحمل حزن القبيلة في قلبه
وعيون الألم . .
يزرع الشوق في الطرقات وفي الخلجات النغم
متعبا كان
مثل السماء التي أمطرته أسى
وكان . . . .
السماء تبين لعاشقها
يشعر القلب أن المسافات موغلة في البعاد
وأن التنكر للصمت صار الملاذ الأخير
فليبح لي الفؤاد الأصمْ
كل هذي الفجاج ارتوت من دمي
كل هذي الأكفّ رمتني
هم انتهزوا وقفتي في البلاط وحيدا
لكي يصلبوني . .
ربما هو ذا الهذيان الذي أرّق العاشقين
فارفعوا عن سمائي القلم
ودعونا (ننام معا) فمًا يستحم بفم . .
* * *
من سنين نمت في فؤادي أنا نخلة
تعشق الكبر كانت ككل القمم . .
لم أر وجهها . .
كان حلما صغيرا . . ومن يومها لم انم ! !
كنت أعشقها حتى موتي
وأعشقها، ثم أعشقها كالألم . .
والتقينا معا . .
لحظة لليقين الذي ضيع العمر
آمنت يا وجهها بالهوى . .
ولكنني بعد لم أستقم ! !
* * *
كم سنينا مضت ؟ !
قبل يوم وبعض من اليوم(68/52)
هل ممكن خلق كل السماوات في لحظة
واجتياز بحار السأم ؟ !
السؤال الذي حير الناس في الطرقات
وفي العمق مدّ الزخم
أنا وحبيبي أنا
رحلتان لهذا الأبد . .
موجتان . . ولا بحر غير الكبد . .
سافري . .
قمة الجرح والبوح أنت
ادخلي مملكات فؤادي التي لم يطأها أحد . .
سافري في دمي . .
ربما قدر أن نموت معا ذات يوم
وفي عمقها حزن هذا البلد . .
مؤمن بك
والله يشهد أنا معا عاشقان
وهو أنا أحد . . وهو أنا أحد ! !
فاذكري . .
دمعتان لحبي أنا
وردتان وبيت من الشعر أو من ضنى
أتراني أحب النساء جميعا
بعينيك يا فاتنة ! !
إيه يا "باتنة" ***
أنت يا هذه الدرة الفاتنة
متعب أن أحبك
إني أحبك حدّ العياء وحد الغضب
فاصلبيني طويلا طويلا
ولا تسأليني السبب . .
إيه يا باتنة ..
من زمان يحاصرني الحلم . .
يتبعني في المحطات، في جامعات البلد . .
باحثا عن هوى . . عن يد تشرئب إلي . .
أحمل الله واسم صفية وشما بقلبي
وأبحر، أبحر حتى الأبد . .
وها أنا في حضنك الآن
يا أمّ أوراس . . فاحتضني تعبي المستجد . .
* * *
( الظلال التي غادرته هناك . .
سكنته هنا
الظلال وما بعد أحلامه . . موسم للضنى )
ذلك قلبي أنا ! !
وأنا وحبيبي أنا سورتان
وكل الذي يشغل الناس في الطرقات
موسم للكلام الذي ضيع الوطنا
الكلام الذي ضيع الزرع والضرع والممكنا
وحبيبي أنا
كل ما يحتفظ القلب من أرضه
سوسنه، وحنين لفصل جديد
تموت هناك . . وتعود هنا . .
وأنا وحبيبي أنا . . غيمة تعبر الوطنا . .
وحبيبي أنا . .
كان من ضيع الزمنا . .
كان من ضيع السفنا ..
يقرأ الله من قلبه، يقرأ الناس من قلبه
وحبيبي أنا
كان يحمل هذي البلاد على قلبه
كنت أحمله الوطنا . .
* * *
هي ذي لحظة العرى يا آخر الملكات
هي ذي أجمل الأغنيات
فافتحي الصدر لي
خبئي العمر فيه رؤى
وامنحيني القليل من الصمت والصبروالكلمات . .
خبئيني قليلا..لكي أدخل القلب فتحا جديدا
وكي لا أحبك كالأخريات . .
* * *
يحاصرني وجهك الآن(68/53)
كل الدروب ملغمة بالحنين إليك
وتنتابني لحظة للتجلّي . .
يفجرني شوقي الآن
كل القصائد، كل الشوارع تنزف مثلي
وتشتاق مرحلة للرحيل الطويل . .
متعب أن نسافر دون انتماء
يظللنا حزن يلدتنا والنخيل . .
وها أنت في أول الدرب تعتنقين التوزع
مثلي
وعيناك أرجوْحتان لهذا الربيع الذي سوف
يأتي
تراه سيأتي ! !
وها أنت سيدتي ملكونت انتمائي
وفصل التجلي . .
فلو تسمحين
قليلا من الصمت - إني أصلّي ! !
احبك يا وردة هي كل جمال النساء وأحلى
هي النبض حين يصلى لها القلب وصلا
أحبك كم ذا أحبك
عز هوانا و جلاّ ! !
* * *
نحن حين نحبّ
نرى الله فينا يقينا بأنا
وإن ضيعتنا صنوف القضاء
نلتقي في الوداع
نلتقي في الضياع . .
نلتقي في النسيم الربيعيّ،
في الشفق المغربيّ وفي رقصات الشعاع . .
نلتقي حبّ أوراس يجمعنا
نلتقي قدر المستطاع . .
* * *
فؤادي أنا
بحر من يعشقون الخطايا
ومن يبدعون الخطايا . .
فمزق ستاره يا حبّها . . وحطّم جميع المرايا
لتحملني الآن صدقا إليها . . .
وتزرعني في الحنايا . . .
النخيل بأوراس يا غربتي
ظمئ للظمأ ْ . .
كل هذه البلاد جنان سبأ
وحدنا العاشقان هنا
وحدنا الضائعان هنا
وكلانا صبأ ْ ! !
فيا نخلة الغرباء ويا خيمة الغرباء
خبئيني قليلا . . لكي اسكر الآن منك
وأحلم أحلم انك في العمق أنت البقاء
آخر القول يا نخلتي
عرف هذه المدينة لا يرحم الغرباء
وعزاء الغريب هنا
دمعتان وأوراس والشهداء . .
هوامش :
* أوراس : الجبل الذي انطلقت منه الثورة الجزائرية وهو رمزها الوطني
** دقلة النور : أجود أنواع التمر في الجزائر وفي العالم
*** باتنة : مدينة في الشرق الجزائري على بعد 300 كلم من العاصمة
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> استقبال القمر
استقبال القمر
رقم القصيدة : 63494
-----------------------------------
أَقبِلْ بموكبك الأغَرْ
ما أظمأَ الأبصارَ لكْ!
تضمي وراءَ سحابةٍ
تحنو عليك وتلثمُكْ
كن حيث شئتَ فما أنا(68/54)
إلاَّ معنَّى بالمحال
وأقول صبراً كَّلما
عزً الفكاك على الأسيرْ
مهما تسامى موضعُكْ
وعلا مكانُك في الوجودْ
قمرَ الأماني يا قمر
إني بهمٍّ مسقمِ
أفرِغ خلودَكَ في الشبابْ
واخلعْ على قلبي الصفاءْ
خذني اليك ونجّني
مما أعاني في الثرى
مهما تسامى موضعُكْ
وعلا مكانُك في الوجودْ
فأنا خيالُك أتبعُكْ
ظمآن أرشفُ ما تجودْ!
قمرَ الأماني يا قمر
إني بهمٍّ مسقمِ
أنت الشفاءُ المدَّخرْ
فاسكب ضياءك في دمي
أفرِغ خلودَكَ في الشبابْ
واخلعْ على قلبي الصفاءْ
أسفاً لعمرٍ كالحبابْ
والكأسُ فائضة شقاءْ
خذني اليك ونجّني
مما أعاني في الثرى
قدحي ترنَّق فاسقني
قدح الشعاع مطهّرا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الفراشة
الفراشة
رقم القصيدة : 63495
-----------------------------------
أجلْ! يعلم الحبُّ أني لظاهُ
وتدري الفراشة أنِّي اللهبْ
وبين ذراعيَّ سرُّ الحياةِ
وفي ناظريَّ بريقُ الشُّهُبْ
وشتّان بين السنا والظلا
مِ لعابدةٍ للسنا عن كثبْ!
يلوح لها شبحٌ لِلعذاب
ويبدو لها الأبدُ المقتربْ
فراشة روحي تعاليْ وُثوباً
ستلقين قلباً إليكِ يثبْ
وفي صدرها لهفة للعناقِ
وفي قلبها جنةُ المغتربْ
يلوح لها شبحٌ لِلعذاب
ويبدو لها الأبدُ المقتربْ
كأن اللظى قدَحٌ من سلافٍ
لها فوقه وثباتُ الحببْ
فراشة روحي تعاليْ وُثوباً
ستلقين قلباً إليكِ يثبْ
إذا ما امتزجنا احترقْنا معاً
ونلنا الخلود بهذا العطَبْ!!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الى س . .
الى س . .
رقم القصيدة : 63496
-----------------------------------
جئتُ أشكو لكِ روحي وجواها
وردت ظمأى وعادت بصدَاها
آه من عينكِ! ماذا صنعتْ
بغريبٍ مستجيرٍ بحماها؟!
نبعته تقتفي أحلامَهُ
كلّما أغفى أطلَّت فرآها
يا سقى اللهُ "لِليلى" أيكةً
وجزاها الخيرَ عنّا ورعاهَا
وغذاها من أمانينا ومِن
حبنا الشهدَ المصفى وصقاهَا
قرِّبي عينكِ مني قرّبي!
ظلليني واغمريني بصفاهَا!(68/55)
وأريني هدأة البحرِ إذا انـ
ـبسط البحرُ جلالاً وتناهَى
وأريني لجةَ السحرِ التي
ضلَّ في أعماقها الفكرُ وتاهَا
ألمحُ اللؤلؤ في أغوارها
وأرى الطيبةَ تطفو في سناهَا
وأراها تُخبِّئُ الخلدَ لمن
باع دنياه وبالروح اشتراهَا!
نحن أرواحٌ حيارى افترقتْ
ثم عادت فتلاقت في شجَاهَا
سوف ينسى القلبُ إلاَّ ساعةً
مِنْ رضاً في وكرِك الحاني قضاهَا
هتف القلب وقد حدثتني
أيَ ماضٍ كشفت لي شفتاهَا
هَمَسَتْ في خاطري فاستيقظتْ
روحيَ الحيْرى وأصغت لنداهَا
فأنا إنْ لَمْ أَكُنْ توأمَها
فكأني كنت في الغيبِ أخاها
نحن أرواحٌ حيارَى ثملتْ
وانتشتْ سكرى على لحنِ أساهَا
قرِّبي روحَكِ مني قرِّبي!
ظلليني واغمريني برضاهَا!
وتعاليْ حدّثيني! حدّثي!
انت مرآة شجوني وَصَدَاهَا
فهبيني ساعة الصفو التي
تقسمُ الأيامُ ما فيها سواها
ثم أمضي لحياةٍ مرَّةٍ
صبْحُها عندي سواءٌ ومَساهَا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> نداء للشباب
نداء للشباب
رقم القصيدة : 63497
-----------------------------------
وطنٌ دعا وفتىً أجابْ
بوركت يا عزم الشبابْ!
يا فتية النيل المسا
لم والكريم بلا حسابْ
جناته مرآتكمْ
ولكم خلائقها العِذابْ
ولكمْ جمال الزهرِ رفَّ
على الأماليدِ الرطابْ
ولكم فؤاد النهر رق
على المحاني والشعابْ!
يمضي فيضحك للسهول
ولا يضن على الهضابْ
حتى إذا طغت الكوارث
واستفزكم العذابْ
أصبحتم كالغيل تحميه
الليوثُ بألف نابْ
قل للشباب اليوم يومكم
الأغر المستطابْ!
اليوم يبدو حبّ مصر
فلا خفاءَ ولا حجابْ!
إن كان اثماً يا شبابُ
فلا رجوع ولا متابْ!
الله ينظرُ والليالي
عندها لكم الحسابْ
والعهدُ في القلبِ المصابرِ
والأمانةُ في الرقابْ!
هاتوا الفدا الغالي لمصر
وأرخصوه كالترابْ
المال، والأرواح كل
ضحيةٍ ولها ثوابْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في يوم الشباب
في يوم الشباب
رقم القصيدة : 63498
-----------------------------------(68/56)
اليوم يومُك في الشباب فنادِ
لا نوم بعدُ. ولا شهيَّ رقادِ
قل للذي يبغي الصلاحَ لقومهٍ
بنبيل صنعٍ أو شريفِ جهادِ
بالطبِّ أو بالشعر أو بكليهما
كل الجهودِ فداءُ هذا الوادي!
لا خير في قلمٍ اذا هو لَمْ يكنْ
حراً طهوراً كالشعاعِ الهادي
لا خير في طبٍّ اذا هو لم يزُرْ
ظلم الحياة كفرحةِ الأعيادِ
يا أيها الوطن الجريح وجرحه
بصميم كل حشاشة وفؤادِ
صبراً فنحن أساءتك الرحماء في الـ
ـبأساءِ قد جئنا بكل ضمادِ
قل للبناةِ المصلحين ألا اخلقوا
شم الذرى ورواسخَ الأطوادِ
جيلاً من النشء القوِي إذا مشوا
رفعوا الرؤوسَ بعزةٍ وعنادِ
لا خير في الأرواحِ تسكن منزلاً
متهدما رثاَ من الأجسادِ
لا خير في الأرواحِ تسكنُ موطناً
متخاذلاَ لا يرتجى لجلادِ
أبَكَتْ عيونُكم الضعيفَ يصير في
ناب القويِّ فريسةَ استعبادِ
فتبينوا اذنِ الحقيقَةَ واعلموا
ان الطبيعةَ هكذا من عادِ
الجوُّ ملكُ النسر يغشاه على
ما يشتهي والغابُ للآسادِ
مهلاً بني قومي أتيت مذكراً
في ساحةٍ مجموعة الأشهادِ
واخجلتا مما نقدمه إذا
حان الحسابُ وجاء يومُ معادِ
أي الصحائف في غد وحسابكم
في ذمةِ الأبناءِ والأحفادِ
أيّ البلاد هو السعيد وأهله
يتنابذون تنابذ الأضدادِ
كل يعيش لنفسِه في أمةٍ
شقيتْ بطولِ تفرقِ الأفرادِ
فخذوا السبيلَ إلى الحياةِ تآلفاَ
وتكاتفاً في رغبةٍ ووادادِ
خير الصحائف ما كتبتَ سطورَه
بيد الكفاح الحر لا بمدادِ
صونوا البلادَ وأدركوا فلاَّحَكم
كاد الحمى يغدو بغير عمادِ
حيران من مرضٍ إلى بؤسٍ الى
كربٍ تمر به بلاد تعدادِ
هذي ديارُكمُ وهذي شمسُكم
طمعُ الغريب وحرقةُ الحسادِ
ومن المصائب في زمانك أن ترى
بلداً كثير مناهل الروادِ
والخيرُ مدرارٌ عليه وربه
جوعان محروم الرعاية صادِ!
والزرع نضر في الحقول وأهله
يتهيأون لمنجل الحصادِ!...
هذا زمانكم وذا ميدانكم
ماذا بكم من عدة وعتادِ؟..
نبغي شداد القوم قد شحذوا القوى
في ليل أحداث نزلن شدادِ(68/57)
ونريد شباناً بمصر استعصموا
ومضوا يصدون الغريبَ العادي
ونريد اطفالاً اذا ما أُرضعوا
فرضاعهم وطنية بسهادِ
لطفل منهم مثل أمي أو أبي
شفتاه أول ما تقول بلادي!...
يُغذون في الأرحامِ حب بلادهم
لتكَون مصراً صرخة الميلادِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> إلى روح الشاعر
إلى روح الشاعر
رقم القصيدة : 63499
-----------------------------------
موقفٌ حانَ فاغتنِمْ
وتخير مِن الكلمْ
كلَّ لفظٍ أورقَّ مِن
ضحكةِ الزهر للدِّيمْ
مستَمَدٍّ من الرُّبى
مُستعارٍ من الَنّسمْ
اجمعِ الآنَ طاقةً
غضَّةَ النور تبتسمْ
أُهدِها روحَ شاعرٍ
خالدٍ بالذي نَظمْ
قلمي! ما الذي لديكَ
من الخيرِ يا قلمْ؟!
قمْ فذكّر وناج قومَكَ
واخطُب وقل لهُمْ:
قل لأهل الغناءِ في كنف
المعهد الأَشمّ
ذلك الشاعرُ الذي
بات في خاطر الظُلمْ
هو منكم وفنُّهُ
علمَ الله فنكمْ
كان لجناً فصار ذكراً
كما يُذكَرُ الحُلمْ
انما الشعر مزهرٌ
قد حكى قصةَ الأممْ
وبأوتاره المنى
تتلاقى وتزدحمْ
هو نايٌ مُرجَّعٌ
لشجيٍّ وما كتمْ
هو قيثارةُ الزمان
ونجواه مِنْ قِدَمْ
هو أنشودة الحياةِ
وفيضٌ من النغمْ
أبها المعهد الذي
بلغ المجدَ واستتمّ
كلُّ لحنٍ مذكرٍ
أشعل القلب فاضطرمْ
نظمته يدُ الأسى
وقًعته يدُ السقمْ
وأناشيدكم وما
صاغه الفنُّ من عِظمْ
هي أنّاتُ أنفسٍ
بالمقادير ترتَطِمْ
وصباباتُ أعينٍ
يشهدُ الليل لَم تنمْ
وأغانيكمْ التي
هي في قمةِ القمَمْ
هي آهاتُ شاعر
عرف الحبَّ والألمْ!
ذلك الشاعرُ الذي
روحهُ الآن بينكمْ
لكأني أراه حَيّاً
وألقاهُ عن أمَمْ
وهو في ذروة الشباب
وفي خفةِ القَدَمْ
غاشياً كلَّ منتدىً
عاليَ الرأسِ محترمْ
كلما قال شعرَه
غمر السهلَ والعلمْ
دافقاً ليس ينتهي
أبداً سيلُه العرمْ
باذلاً للصديق والأ
هلِ كلّ الذي غِنَمْ
زوجه والبنون هُم
مجدهُ والرجاءُ هُمْ
درجوا في ذُرَا العلا
نوَّروا في رُبى النعمْ
نشأوا في حِمى العفافِ
وجلُّوا عن التُّهمْ(68/58)
حين ظنوا بأنَّ ما
أمَّلوا في الزمانِ تمْ
إذ شكا الضعفَ سيد
البيتِ خارت به الهممْ
نام في حصنهِ الضَّنى
وعلى صدره جَثمْ
واذَا بالطيور قد
دخل الموتُ وكرهُمْ
شِبْهَ لصٍّ مخادعٍ
غشىَ البيت فالتهَمْ
وإذا الفاقةُ الجريئةُ
تَطْغَى وتَنْتَقِمْ
صنعتْ في رجائهمْ
فعلَة الذئبِ بالغنمْ
كأتونٍ مستعَّر
غاضبٍ ينثرُ الحُمَمَْ!
مَن رأى البؤسَ إن عدا!
مَنْ رأى الضنك إن هَجَمْ؟
مَن رأى العفةَ العريقةَ
بالدهر تصطدمْ؟!
أُمَّتي! ليس يُهزَمُ الفنُّ
في أمَّة الشَّمَمْ
أُمَّتي! ليس يخذلُ الجُودُ
في أمَّة الكرَمْ
أُمَّتي! أُمَّةُ العلا
وأبي الهول والهرَمْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ساعة التذكار
ساعة التذكار
رقم القصيدة : 63500
-----------------------------------
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ
مَنْ مُسعدِي في ساعةِ التذكارِ
قُمْ يا أميرُ! أفِضْ عليَّ خواطراً
وابعث خيالَك في النسيم الساري
واطلع كعهدك في الحياةِ فراشةً
غراءَ حائمةً على الأنوارِ
يا عاشقَ الحرية الثكلى أَفِقْ
واهتفْ بشعرك في شباب الدارِ
يا مَنْ دعا للحق في أوطانهِ
ومضى ليهتفَ في ديار الجارِ
الشامُ جازعةٌ ومصرُ كعهدها
نهبُ الخطوبِ قليلةُ الأنصارِ
والحظُّ أطمارٌ كما شاءَ البلَى
والعيشُ رثٌّ والسنونُ عوارِ
عامٌ مضى يا للزمان وطيِّه
فينا ويا لسواخر الأقدارِ!
عامٌ مضى وكأنّ أمس نعيُّه
يا ما أقلَّ العامَ في الأعمار!
أيْنَ الامارة والأميرُ ودولة
مبسوطةُ السلطان في الأمصار
خمسون عاماً وهي وارفة الجنَى
تحت الربيعِ دؤوبة الأثمارِ!
مَدَّ الخريفُ على الرياض رواقةُ
ومضى الربيعُ الضاحكُ النّوارِ!
هيهات أنسى قبلَ بينك ساعةً
جمعتْ صحابَك في غروب نهار()
والشمس في سقم الغروب شعاعاً غارباً
لونِ الشحوب معصفرٌ ببهارِ
منحتْ وقد ذهبت شعاعاً غارباً
كسناكَ طوّافاً على السّمارِ
تشكو ليَ الضعفَ الملمَّ لعلَّ في
طبي مقيلاً مِن وشيكِ عثارِ(68/59)
وكشفتَ عن متهدِّمٍ جال الردى
متهجماً في صَرحه المنهارِ
فرأيتْ ما صنع الضنى في صورةٍ
حالتْ، وخلى هيكلاً كإطارِ
ووجمتُ! المحُ في الغيوب نهايةً
وأرى بعينيَ غايةَ المضمارِ
وأرى النبوغَ وقد تهاوى نجمُه
والعبقريةَ وهي في الإِدبارِ!
أوَلم يكن لك من زمانِك ذائداً
وثباتُ ذهن ماردٍ جبارِ؟
أوَلَمْ يكن لكَ من حِمامِك عاصًماً
ذاك الجبينُ مكللاً بالغارِ؟
ولَّيتَ في إثر الذين رثيتهُم
واقمتَ فيهم مأتمَ الأشعار
وسُقيتَ من كأسٍ تطوف بها يدٌ
محتومةُ الاقداح والأدوارِ
والدهرُ يقذف بالمنايا دفَّقاً
فمضيتَ في متدفق التيارِ
في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به
قيثارةٌ سحريةُ الاوتارِ
صدحتْ بألحان الحياة ووقَّعتْ
أنغامَها المحجوبة الأسرارِ
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذاً
منها ومن إعجازها بغرارِ
مسترسلاً رحباً كعينٍ ثرّةٍ
شتى السيولِ سحيقةِ الأغوارِ
متعالياً حتى الأشعةِ مشرقاً!
متألفاً كالكوكبِ السيَّارِ!
شوقي! نظمتَ فكنت برّاً خيِّراً
في أمة ظمأى إلى الأخيارِ!
أرسلتَ شعرَك في المدائن هادياَ
شبهَ المنارِ يطوف بالأقطارِ
تدعو إلى المجد القديمِ وغابرٍ
طيّ القرون مجلَّلٍ بوقارِ!
تدعو لمجدِ الشرق: تجعل حبَّهُ
نصبَ القلوبِ وقبلةَ الأنظار!
تبكي العراقَ اذا استُبيحَ ولا تضنّ
على الشآم بمدمعٍ مدرارِ
وترى الرجالَ وقد أُهين ذمارهم
خرجوا لصون كرامةٍ وذمارِ
فلو استطعتَ مددتَ بين صفوفهم
كفّاً مضرجةً مع الاحرارِ!
ما زلتَ تُبعثُ في قريضِكَ ثاوياً
أو ماضياً حَفِلاً بكلِّ فخارِ
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ: شاعرٌ
ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ!
فجلوتَ ما لَم يشهدوا، ورسمت ما
لَم يعهدوا من معجز الأفكار!
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ
وجناُنهُ في نضرة الأسحارِ
ويحسُّ تبريحَ الصبابَةِ واصفاً
مجنونَ ليلى في سحيقِ قفارِ
ويروح يبعث كليوباترا ناشراً
تلك العصور وطيفَها المتواري!
ويرى الحياةَ الحبَّ والحبَّ الحياة!
هما شعارُ العيش أيُّ شعارٍ(68/60)
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> دَين الأحياء
دَين الأحياء
رقم القصيدة : 63501
-----------------------------------
دَينٌ . . . وهذا اليومُ يومُ وفاءِ
كم منَّةٍ للميْتِ في الاحياءِ!
إن لَم يكن يُجزَى الجزاءَ جميعَه
فلعلَّ في التذكار بعضَ جزاءِ
يا ساكنَ الصحراء منفرداً بها
مستوحشاً في غربةٍ وتنائي
هل كنتَ قبلاً تستشفّ سكونَها
وترى مقامَك في العراء النائي
فأتيتَ - والدنيا سرابٌ كلها-
تروي حديثَ الحبِّ في الصحراءِ
ووصفتَ قيساً في شديدِ بلائه
ظمآن يطلب قطرةً من ماءِ
ظمآن حين الماء ليلى وحدُها
عزَّت عليه ولَم تُتح لظماءِ!
هيمان يضرب في الهواجر حالماً
بظلال تلك الجنة الفيحاءِ
فاذا غفا فلطيفها، وإذا هفا
فلوجهها المستعذبِ الوضّاءِ
يا للقلوب لقصةٍ بقيت على
قِدم الدهور جديدةَ الأنباءِ
هي قصةُ الطيف الحزين، وصورةُ
القلب الطعين، مجللاً بدماءِ
هي قصةُ الدنيا، وكم من آدم
منا له دمعٌ على حوّاءِ
كل به قيسٌ إذا جنَّ الدجى
نزع الإباءَ وباح بالبرحاءِ
فاذا تداركه النهارُ طوى المدا
معَ في الفؤاد وظُنَّ في السعداء
لا تعلم الدنيا بما في قلبه
من لوعةٍ ومرارةٍ وشقاء
كلٌّ له "ليلى" ومن لَم يَلقها
فحياته عبثٌ ومحضُ هباءِ
كلٌّ له "ليلى" يرى في حبها
سرّ الدُّنى وحقيقة الأشياءِ
ويرى الأماني في سعير غرامها
ويرى السعادةَ في أتمِّ شقاءِ
الكونُ في احسانها والعمرُ عند
حنانها، والخلدُ يومُ لقاءِ
يا للقلوب لقصةٍ محزونةٍ
لم تُروَ إلاَّ روِّحَتْ ببكاءِ
خلُدت على الدنيا وزادت روعةً
ممّا كساها سيدُ الشعراءِ
خلدتْ على الدنيا وزادت روعةً
من جودة التمثيل والإلقاءِ
من فنّ (زينبها) ومن (علاّمها)
زين الشباب وقدوةِ النبغاء
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الأجنحة المحترقة
الأجنحة المحترقة
رقم القصيدة : 63502
-----------------------------------
يا أمتي كم دموعٍ في مآقينا
نبكي شهيديك أم نبكي أمانينا؟!(68/61)
يا أميت إن بكينا اليوم معذرةً
في الضعفِ بعضُ المآسي فوق أيدينا
واهاً على السرب مختالاً بموكبه
وللنسور على الأوكار غادينا
قالوا الضباب فلم يعبأ جبابرةٌ
لا يدركون العلا إلاّ مضحِّينا
والمانش يعجب منهم حينما طلعوا
على غوارِبِهِ الغيرى مطلِّينا
فاستقبلتهم فرنسا في بشاشتها
تجزي البسالة ورداً أو رياحينا
قالوا النسور فهبَّ القومُ وادَّكروا
نسراً لهم ملأَ الدنيا ميادينا
وهلل السِّين إذ هلَّت طلائعنا
طلائع المجد من أبناء وادينا
حان الأمانُ ووافَى السربُ فافتقدوا
نسرين ظنوهما قد أبطآ حينا
لكنه كان إبطاءَ الرَّدى فهما
لما دعا المجد قد خَفَّا ملبينا
فلبيكِ من شاء وليُشبعْ محاجرَهُ
ولينتحبْ ما يشاءُ الحزنَ باكينا
يبكي الحبيب وتبكي فقد واحدها
من لا ترى بعده دنيا ولا دينا
هُنيهة ثم يسلو الدمعَ ساكبُه
لا يدفعُ شيئاً من عوادينا
فكلما حلَّ رزءٌ صاحَ صائحُنا:
فداك يا مصر لا زلنا قرابينا
فداك يا مصر هذا النجم منطفئاً
والنسر محترقاً والليث مطعونا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> أَصوات الوحدة
أَصوات الوحدة
رقم القصيدة : 63503
-----------------------------------
يا وحدتي جئت كي أنسَى وهائنذا
ما زلتُ أسمعُ أصداءً وأصواتا
مهما تصاممتُ عنها فهي هاتفةٌ
يا أيها الهاربُ المسكينُ هيهاتا!
جَرَّتْ عليَّ الأماني مِنْ مجاهلِها
وجمَّعَتْ ذِكَراً قد كُنَّ أشتانا
ما أَسْخَفَ الوحدةَ الكبرى وأضيعهَا
إذا الهواتف قد أرجعن ما فاتا
بَعثن ما كان مطويّاً بمرقدهِ
ولم يزَلْنَ إلى أن هبَّ ما ماتا
تلفَّتَ القلبُ مطعوناً لوحدته
وأين وحدته؟ باتتْ كما باتا!
حتى إذا لم يجدْ ريّاً ولا شبعاً
أفضى إلى الأمل المعطوب فاقتاتا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الختام
الختام
رقم القصيدة : 63504
-----------------------------------
عجباً لقلب هيض منكَ جناحُهُ
وجرى به نصلُ الندامةِ يذبحُ
ومضى الحِمامُ يدبُّ فيه فإن جرتْ(68/62)
ذكراك طار إليك وهو مجنَّحُ
لهفي على الناقوس بين جوانحي
وعلى بقيةِ هيكلٍ لا تصلحُ
لا فرق بين أنينه ورنينهِ
وصداه في وادي المنيةِ أوضحُ
يا قلب! صهباء الهوى وبساطه
وكؤوسه المتجاوبات الصُّدَّحُ
وقفٌ على متنقلين على الهوى
يبغون من لذاته ما يسنحُ
متبدِّلين موائداً وأحبةً
ما خاب من حب فآخر يفلحُ
فالحبُّ آسيه وراء عليله
فيهم، وبلسمه على ما يجرحُ
يا قلبُ! ويح ثباتنا ماذا جنى
أترى شعاعاً في البقيةِ يُلمحُ!
يا أيها الحبُّ المقدَّسُ هيكلاً
ذاق الردى من عابديك مسبحُ
كثرت ضحاياه وطال قياُمه
وصيامه فمتى رضاءَك تمنحُ؟
يا دوحة الأرواح يُحمد عندها
فيءٌ ويعبد زهرُها المتفتحُ
أينال ظلَّك والرعايةَ عابثٌ
بجلالك البادي وآخر يمزحُ
ويبيت يحرمه قتيل صبابةٍ
قضّى الحياةَ إلى ظلالك يطمحُ
ليلى! حببتُكِ كالحياة وذقتُ في
ناديك كأساً بالأماني تطفحُ
فتكسرت قدح المنى ورجعتُ من
سقم الهوى وهزاله أترنحُ
نزل الستار على الرواية وانقضتْ
تلك الفصولُ وفُضَّ ذاك المسرحُ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في الظلام
في الظلام
رقم القصيدة : 63505
-----------------------------------
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشدِ
فردي على المشتاقِ مهجتَه ردِّي
أينسى تلاقينا وأنت حزينةٌ
ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهدِ
أقول وقد وسّدتُه راحتي كما
توسّد طفلٌ متعبٌ راحة المهدِ..
تعاليْ إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ
حبيبٍ وركنٍ في الهوى غير منهدِ
بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي
تهاوت على نحرٍ من العاجِ مُنقدِ
ترامتْ ما شاءتْ وشاء لها الهوى
تميل على خدٍّ وتصدفُ عن خدِ
وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ
بياض الأماني من عناقيدها الرّبْدِ
فيا لك عندي من ظلامٍ محببٍ
تألق فيه الفرقُ كالزمن الرغد
ألا كُلُّ حسنٍ في البرية خادمٌ
لسلطانة العينين والجيدِ والقدِّ
وكل جمالٍ في الوجود حياله
به ذلةُ الشاكي ومرحمةُ العبدِ
وما راع قلبي منك إلا فراشةٌ(68/63)
من الدمعِ حامتْ فوق عرش من الوردِ
مجنحةٌ صيغتْ من النور والندى
ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى وردِ
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيِّدي
من الشجن القتال والظمأ المُردي
لقد أقفر المحرابُ من صلواته
فليس به من شاعرٍ ساهرٍ بعدي
وقفنا وقد حان النوى أي موقفٍ
نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي
كأن طيوفَ الرعبِ والبين موشكٌ
ومزدحمَ الآلامِ والوجدُ في حشدِ
ومضطرمَ الأنفاسِ والضيقُ جاثمٌ
ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
مواكب حُرس في جحيم مؤبد
بغير رجاءٍ في سلام ولا برد
فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها
ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
تقلصتِ إلا طيفَ حبٍّ محيّرٍ
على درجٍ خابي الجوانب مسودِّ
تردَّدَ واستأنى لوعد وموثقٍ
وأدبرَ مخنوقاً وقد غص بالوعدِ
وأسلمني لليلٍ كالقبرِ بارداً
يهب على وجهي به نفسُ اللحدِ
وأسلمني للكون كالوحش راقداً
تمزقني أنيابُه في الدجى وحدي
كأن على مصر ظلاماً معلقاً
بآخر من خابي المقادير مربدِ
ركودُ وإبهامٌ وصمتٌ ووحشةٌ
وقد لفها الغيبُ المحجبُ في بُردِ
أهذا الربيعُ الفخمُ والجنةُ التي
أكاد بها أستافُ رائحةَ الخلدِ
تصيرُ إذا جن الظلامُ ولفها
بجنحٍ من الأحلام والصمتِ ممتدِّ
مباءةَ خمّارٍ وحانوتَ بائعٍ
شقيِّ الأماني يشتري الرزق بالسهدِ
وقد وقف المصباحُ وقفة حارس
رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجدِّ
كأن تقياً غارقاً في عبادةٍ
يصوم الدجى أو يقطع الليلَ في الزهدِ
فيا حارس الأخلاق في الحيِّ نائمٌ
قضي يومَه في حومة البؤسِ يستجدي
وسادته الأحجارُ والمضجعُ الثرى
ويفترش الافريزَ في الحر والبردِ
وسيارةٌ تمضي لامر محجبٍ
محجبة الأستار خافية القصدِ
إلى الهدف المجهولِ تنتهبُ الدجى
وتومض ومض البرق يلمع عن بُعدِ
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالكٍ
مرنقة بالجوع والصبرِ والكدِّ
ينقبُ كلبٌ في الحطام وربما
رعى الليل هوٌّ وساهرٌ وغفا الجندي
أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ
ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفردِ(68/64)
أهاجرتي، طال النوى فارحمي الذي
تركتِ بديدَ الشملِ منتثرَ العقدِ
فقدتكِ فقدانَ الربيعِ وطيبَهُ
وعدتُ إلى الإعياء والسقم والوجدِ
وليس الذي ضيعتُ فيك بِهَيِّنٌ
ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقدِ
بعينيك استهدي فكيف تركتني بهذا
الظلام المطبق الجهم أستهدي
بورْدِكِ أستسقي فكيف تركتني
لهذي الفيافي الصم والكثب الجردِ
بحبكِ استشفي فكيف تركتني
ولم يبق غير العظم والروح والجلدِ
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي
وهذي المنايا البيض تختل في فودي
وكنت إذا شاكيت خففت محملي
فهان الذي ألقاه في العيش من جهدِ
وكنت إذا انهار البناءُ رفعتُهُ
فلم تكنِ الأيامُ تقوى على هَدِّي
وكنت إذا ناديتُ لبيْتِ صرختي
فوا أسفاً كم بيننا اليوم من سدِّ
سلامٌ على عينيك ماذا اجنتا
من اللطف والتحنان والعطف والودِّ
إذا كان في لحظيك سيفٌ ومصرعٌ
فمنكِ الذي يحي ومنكِ الذي يردي
إذا جُرِّد لم يفتكا عن تعمدٍ
وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمدِ
هنيئاً لقلبي ما صنعتِ ومرحبا
وأهلا به إن كان فتكُكِ عن عمدِ
فإني إذا جن الظلامُ وعادني
هواك فأبديتُ الذي لم أكن أبدي
وملتُ برأسي باكياً أو مواسياً
وعندي من الأشجان والشوقِ ما عندي
أُقبِّلُ في قلبي مكاناً حللتِه
وجرحاً أناجيه على القرب والبعدِ
ويا دار من أهوى عليكِ تحية
على أكرم الذكرى على أشرف العهدِ
على الأمسيات الساحرات ومجلسٍ
كريمِ الهوى عفِّ المآرب والقصدِ
تنادُمنا فيه تباريحُ معشرٍ
على الدم والأشواك ساروا إلى الخلدِ
دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا
فقد نقشوا الأسماءَ في الحجرِ الصلدِ
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا
فإن دموعَ البؤسِ من ثمنِ المجدِ ..
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> أنوار
أنوار
رقم القصيدة : 63506
-----------------------------------
طابت بكِ الأيامُ وافرحتاهْ
أنتِ الأمانيْ والغنى والحياهْ
فليذهبِ الليلُ غفرنا لهُ
ما دام هذا الصبح عقبى دجاهْ
يا من غَفَتْ والفجرُ من دارِها(68/65)
شعشعَ في الآفاق أبهى سناهْ
قد طرق الباب فتىً متعبُ
طال به السير وكلَّت خطاهْ
نقَّل في الأيام أقدامَهُ
يبغي خيالاً ماثلاً في مناهْ
عندك قد حطّ رحال المنى
وفي حمى حسنِك ألقى عصاهْ
كم هدأ الليلُ وران الكرى
إلا أخا سهدٍ يغنِّي شجاهْ
ناداك من أقصى الربى فاسمعيْ
لمن على طول اللياليْ نداهْ
نادى أليفاً نام عن شجوهِ
عذبٌ تجنيه عزيزٌ جناهْ
أحبَّكِ الحبُّ وغنّى بهِ
غفَّ الأمانيْ والهوى والشفاهْ
وإنما الحبُّ حديثُ العلى
أنشودة الخلدِ ونحنُ الرواهْ..
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> أحلام سوداء
أحلام سوداء
رقم القصيدة : 63507
-----------------------------------
رُبَّ ليلٍ قد صفا الأفق بهِ
وبما قد أبدعَ اللهُ ازدهرْ
وسرى فيه نسيمُ عَبِقٌ
فكان الليلَ بُسْتَانٌ عَطِرْ
قلتُ يا رب لمن جمَّلته
ولمن هذي الثريات الغررْ..؟
فعرا الأفقَ قَتامٌ وبَدَتْ
سحبٌ تحبو إلى وجهِ القمرْ
كلما تقرب تمتد لهُ
كأكفٍّ شرهاتٍ تنتظر
صحت بالبدر: تنبَّهْ للنذرْ
ادركِ الهالةَ حفت بالخطرْ
لا تبحْ مائدة النور لهم
لا تبحْها لسوادٍ معتكرْ
قهقه الرعدُ ودوَّى ساخراً
فكأنَّ الرعدَ عربيدٌ سكرْ
قمتُ مذعوراً وهمت قبضتي ...
ثم مدت، ثم ردت من خَوَرْ
لهف القلب على الحسن إذا
قهقه الغربانُ والذِّئبُ سخرْ
تحتمي الوردةُ بالشوكِ فإن
كثر القطافُ لم تغنِ الابرْ
آهِ من غصنٍ غنيٍّ بالجنى
ومِن الطامع في ذاك التمرْ
آه من شك ومن حب ومن
هاجساتٍ وظنونٍ وحذرْ
كست الأفقَ سواداً لم يكن
غيرَ غيمٍ جاثمٍ فوق الفكرْ
طالما قلت لقلبي كلما
أنَّ في جنبي أنينَ المحتضرْ
إن تكن خانتْ وعقَّت حبَّنا
فأضِفْها للجراحاتِ الأخرْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الميعاد الضائع
الميعاد الضائع
رقم القصيدة : 63508
-----------------------------------
يا من طواها الليلُ في بَيْدائه
روحاً مفزعة على ظلمائهِ
إن تظمئي ليَ كم ظمئت إليكِ
جمع الوفاءُ شقيةً وشقيا(68/66)
أسفاً عليكِ وأنت روحٌ حائرٌ
والكونُ أسرارٌ يضيق بها الحجى
***
**
وكذا تمر بمثلكِ الأيامُ
مجهولةً وعذابُها مجهولُ
وكعادةِ الحظِّ الشقيِّ وعادتي
أقبلتُ بعد ذهاب نجمي الأوحدِ
وكأنما هذا الفضاء خطيئة
وكأن همسَ نسيمِه استغفارُ
وكأنه أحزانُ قومٍ ساروا
هذي مآتمهم وثم ظلالها
ران السواد على وجودِ الدورِ
وسرى إليّ نحيبُها والأدمعِ
وكعادةِ الحظِّ الشقيِّ وعادتي
أقبلتُ بعد ذهاب نجمي الأوحدِ
حملتْ لنا أملاً فلما ودَّعت
لم يبقَ بعد رحيلها للناظر
إلا خيال سعادة قد أقلعت
ووداع أحبابٍ ودمع مسافر
تتعاقبُ الأقدارُ وهي مسيئةٌ
كم عقنا ليلٌ وخان نهارُ
وكأنما هذا الفضاء خطيئة
وكأن همسَ نسيمِه استغفارُ
وكأنه أحزانُ قومٍ ساروا
هذي مآتمهم وثم ظلالها
عفتِ القصور وظلت الأسوار
كمناحة جمدت وذا تمثالها
ران السواد على وجودِ الدورِ
وسرى إليّ نحيبُها والأدمعِ
وكأنني في شاطئ مهجورِ
قد فارقتهُ سفينةٌ لا ترجعِ
حملتْ لنا أملاً فلما ودَّعت
لم يبقَ بعد رحيلها للناظر
إلا خيال سعادة قد أقلعت
ووداع أحبابٍ ودمع مسافر
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> اثنان في سيارة
اثنان في سيارة
رقم القصيدة : 63509
-----------------------------------
العمرُ أكثرهُ سدى وأقلُّهُ
صفوٌ يتاحُ كأنه عمران
كم لحظةٍ قصرت ومدت ظلَّها
بعد الذهاب كدوحة البستانِ
ويمر في الذكرى خيالُ شباَبها
فكأن يقظَتها شبابٌ ثاني
مَنْ ذلك الطيف الرقيق بجانبي
كفّاه في كفَّيَّ هاجعتانِ
لكأننا والأرضُ تُطوى تحتَنا
نجمان في الظلماءِ منفردانِ
لكأننا والريحُ دونَ مسارنا
خطان في الأقدارِ منطلقان
إني التفت إلى مكانك بعدما
خليتهِ فبكيتُ سوء مكاني
هل كان ذاك القربُ إلاَّ لوعةً
ونداء مسغبةٍ إلى حرمان
حمى مقدرة على الإنسان
تبقى بقاء الأرض في الدورانِ
وكأنما هذي الحياة بناسها
وضجيجها ضرب من الهذيانِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> لقاء في الليل
لقاء في الليل(68/67)
رقم القصيدة : 63510
-----------------------------------
قالت تعال فقلت لبيكِ
هيهات أعصيْ أمرَ عينيكِ
أفديكِ مقبلةً على جزعِ
بسطت إليَّ يمينَ مرتجفِ
***
***
فتلفتّتْ كحبيس أشراكِ
وحكى اضطراب الموج نهداها
قلتُ اهدئي لم ثورة الندمِ
كفّاكِ ترتجفانِ يا أملي
وجذبتُها بذراعِها نمشي
نمشي وما ندري لنا غرضا
يا لحظة ما كان أسعدها
وهناءة ما كان أعظمها
***
***
كشفت لعينيْنا وقد ومضت
ظلين مقنعين في السورِ
وكأن ضحكتها وقد طربت
قطرات ماء فوق بلورِ
وكواكب ليست بمجدية
ظلم مكدسة وأحجارُ
عثرت بها فرفعتها بيدي
جسماً يكاد يشف في الظلمِ
وكأنني مما يسوء خلي
وحياتيَ انجابت حوالكُها
ملكتها الدنيا بما وسعتْ
وأنا أهامسها بأسراري
***
***
وكأن منها منذرا هتفا
بلغ المسير نهاية، فقِفا
وكأن ضحكتها وقد طربت
قطرات ماء فوق بلورِ
يا توأما من صدري انتزعا
يا من دعا قلبي له فسعى
عوذتها من شر أمسيةٍ
تعيا بها وتضل أبصارُ
لم أيها الداعي هواك دعا
والدهر يأبي أن نظل معَا
***
***
انظر ذراعيَّ اللذين هما
قد طوقاك مخافة البينِ
وكواكب ليست بمجدية
ظلم مكدسة وأحجارُ
أقسم بأنك عائدٌ لهما
إني لممدودُ الذراعينِ
عثرت بها فرفعتها بيدي
جسماً يكاد يشف في الظلمِ
ويرف مثل الزهر وهو ندى
ويخف مثل عرائس الحلمِ
وكأنني مما يسوء خلي
وحياتيَ انجابت حوالكُها
أرمي الطريق بناظريْ رجل
وأنا لها طفل أضاحكُها
ملكتها الدنيا بما وسعتْ
وأنا أهامسها بأسراري
وأسرها بحكاية وقعت
ورواية من نسج أفكاري
وإذا الطريق يسير منعطفا
وإذا رياح تضرب السدفا
وكأن منها منذرا هتفا
بلغ المسير نهاية، فقِفا
يا توأما من صدري انتزعا
يا من دعا قلبي له فسعى
لم أيها الداعي هواك دعا
والدهر يأبي أن نظل معَا
انظر ذراعيَّ اللذين هما
قد طوقاك مخافة البينِ
أقسم بأنك عائدٌ لهما
إني لممدودُ الذراعينِ(68/68)
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ختام الليالي
ختام الليالي
رقم القصيدة : 63511
-----------------------------------
الليالي! يا ما أمرّ الليالي
غيبتْ وجهك الجميل الحبيبا
أنت قاسٍ معذبٌ ليت اني
أستطيع الهجران والتعذيبا
ان حبي إليك بالصفح سبّاقُ
وقلبي إليك مهما أصيبا
يا حبيبي كان اللقاءُ غريبا
وافترقنا فبات كل غريبا
غير أني أستنجد الدمعَ لا ألقى
مكان الدموعِ إلا لهيبا
آه لو ترجع الدموعُ لعيني
جف دمعي فلست أبكي حبيبا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ذات مساء
ذات مساء
رقم القصيدة : 63513
-----------------------------------
وانتحينا معا مكاناً قصياً
نتهادى الحديث أخذاً وردّا
سألتني مللتنا أم تبدلتَ
سوانا هوىً عنفياً ووجدا
قلت هيهات! كم لعينيكِ عندي
من جميلٍ كم بات يهدى ويسدى
انا ما عشت أدفع الدين شوقا
وحنينا إلى حماكِ وسهدا
وقصيداً مجلجلاً كل بيتٍ
خلفَه ألفُ عاصفٍ ليس يهدا
ذاك عهدي لكل قلبك لم يقض
ديونَ الهوى ولم يرعَ عهدا
والوعودُ التي وعدتِ فؤادي
لا أراني أعيش حتى تؤدَّى
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> رواية
رواية
رقم القصيدة : 63514
-----------------------------------
نزل الستارُ ففيمَ تنتظرُ
خلت الحياةُ وأقفر العمرُ
لم يبقَ إلا مقفر تعس
تعوى الذائبُ به وتأتمرُ
هو مسرحٌ وانفضَّ ملعبُهُ
لم يبقَ لا عينٌ ولا أثرُ
ورواية رويت وموجزها
صحبٌ مضوا وأحبّةٌ هجروا
عبروا بها صوراً فمذ عبروا
ضحك الزمانُ وقهقه القدر
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> يأس على كأس
يأس على كأس
رقم القصيدة : 63515
-----------------------------------
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي
وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي!
أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها
***
***(69/1)
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي
وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي!
غال الزمانُ ضبابَها وحبابها
وتبخرتْ أحلامُها ورؤآها
أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها
تلك الوليدة لم تطل بشراها
لمّا تكد تطأ الثرى قدماها
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها
حتى اذا الأقدار شئن وعدت لي
راجعتُ نفسي واهتمت صوابي
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي
وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي!
هات اسقني واشربْ على سر الأسى
وعلى بقايا مهجة وشجاها
مهلا نديمي! كيف ينسى حبها
من ينشد السلوى على ذكراها
ما زلت تسقيني لتنسيني الهوى
حتى نسيتْ، فما ذكرت سواها
كانت لنا كأسٌ وكانت قصةٌ
هذا الحباب أعادها ورواها
الآن غشاها الضبابُ وها أنا
خلفَ المآسي والدموعِ أراها
غال الزمانُ ضبابَها وحبابها
وتبخرتْ أحلامُها ورؤآها
لا تبكِها ذهبْت ومات هواها
في القلبِ متسعٌ غدا لسواها
أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها
تلك الوليدة لم تطل بشراها
لمّا تكد تطأ الثرى قدماها
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> عاصفة روح
عاصفة روح
رقم القصيدة : 63516
-----------------------------------
أين شط الرجاءْ
يا عُباب الهمومْ
ليلتي أنواءْ
ونهاري غيومْ
أعولي يا جراحْ
اسمعي الديّانْ
لا يهم الرياحْ
زورقٌ غضبانْ
***
***
البلى والثقوبْ
في صميم الشراعْ
والضنى والشحوبْ
وخيالُ الوَداعْ
اسخري يا حياهْ
قهقهي يا رعودْ
الصبا لن أراهْ
والهوى لن يعودْ
الأماني غرورْ
في فم البركانْ
والدجى مخمورْ
والردى سكرانْ
راحتِ الأيامْ
بابتسام الثغورْ
وتولى الظلامْ
في عناق الصخورْ
كان رؤيا منامْ
طيفك المسحورْ
يا ضفاف السلامْ
تحت عرش النورْ
***
***
اطحني يا سنين
مزقي يا حرابْ
كل برق يبينْ
ومضه كذابْ
اسخري يا حياهْ
قهقهي يا غيوبْ(69/2)
الصبا لن أراهْ
والهوى لن يؤوبْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> كبرياء
كبرياء
رقم القصيدة : 63517
-----------------------------------
(1)
نداؤك يا فؤادَ كفى نداءَ
أما تنفك تسقيني الشقاءَ
أنا ظمآن لم يلمعْ سرابٌ
على الصحراءِ إلا خلتُ ماءَ
وأنت فراش ليلى كل نور
وتبعث كلَّ برق قد أضاءَ
فؤاديْ قل لها لما افترقنا
على شجن، وما نرجو اللقاءَ
حببتكِ ما شدوت شعراً (!!)
ولكني اعتصرت لكِ الدماءَ
إذا أنا في هواك أضعت روحي
فلست أضيعُ فيك دمي هباءَ
غرامُكِ كان محراب المصلى
كأني قد بلغتُ بكِ السماءَ
خلعت الآدميةَ فيه عني
ولكن ما خلعت به الإباءَ
فلم أركعْ بساحته رياءَ
ولا كالعبد ذلاًّ وانحناءَ
ولكني حببْتُكِ حبَّ حرٍّ
يموتُ متى أراد وكيف شاءَ
(2)
وحبيب كان دنيا أملي
حبه الحرابُ والكعبةُ بيتُهْ
من مشى يوماً على الوردِ له
فطريقي كان شوكا ومشيتُهْ
من سقى يوماً بماءٍ ظامئاً
فأنا من قدحٍ العمرِ سقيتُهْ
خفق القلبُ له مختلجاً
خفقةُ المصباحِ إذ ينضبُ زيتُهْ
قد سلاني فتنكرتُ لهُ
وطوى صفحةَ حبي فطويتُهْ
(3)
أقبلتُ للنيلِ المباركِ شاكياً
زمني وقد كثرتْ عليَّ همومي
ومسحتُ كفيْ والجبينَ بمائهِ
علِّي أهدئ ثورةَ المحمومِ
وجلست أنثرُ جعبةً معمورةً
بالذكرياتِ جديدِها وقديم
لهفي لحب مات غيرَ مدنسٍ
وشباب عمر مرَّ غيرَ ذميمِ
خان الأحبةُ والرفاقُ ولم أخنْ
عهدي لهم وصفحتُ صفحَ كريمِ
ايخيفُني العشبُ الضعيفُ أنا الذي
أسلمت للشوكِ الممضِّ أديمي
وإذا ونى قلبي يدق مكانه
شممي وتخفقُ كبرياءُ همومي
اني لأحمل جعبتي متحديا
زمني بها وحواسدي وخصومي
أحني لعرش الله رأساً ما انحنى
بالذل يوماً في رحابِ عظيمِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> اذكري
اذكري
رقم القصيدة : 63518
-----------------------------------
اذكري ذاك المساءَ
كيف كنا سعداءَ
لم يدعْ عنديَ همّاً
ومحا عنك الشقاءَ
ملأ الدنيا صفاءَ
عندما شئتِ وشاءَ(69/3)
أحسن الدهرُ إليْنا
بعدما كان أساءَ
كلما أقبلت السحب
فظلَّلن السماءَ
قاتمات غائمات
يتهادينَ بطاءَ
لاح نجمٌ من بعيد
فتجلى وأضاءَ
وتصدّى قمرٌ راح
على الأرضِ وجاءَ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> رسائل محترقة
رسائل محترقة
رقم القصيدة : 63519
-----------------------------------
ذوت الصبابةُ وانطوتْ
وفرغتُ من آلامها
لكنني ألقى المنايا
من بقايا جامها
عادت إليَّ الذكرياتُ
بحشدها وزحامها
في ليلة ليلاء أرّ
قني عصيب ظلامها
هدأت رسائل حبها
كالطفل, في أحلامها
فحلفت لا رقدت ولا
ذاقت شهيَّ منامِها
أشعلت فيها النار ترعى
في غزيز حطامها
تغتال قصة حبنا
من بدائها لختامها
أحرقتُها ورميت قلبي
في صميم ضرامها
وبكى الرماد الآدمي
على رماد غرامها
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الغريب
الغريب
رقم القصيدة : 63520
-----------------------------------
يا قاسيَ البعد كيف تبتعدُ
اني غريبُ الديارِ منفردُ
إن خانني اليومُ فيك قلت غداً،
وأين مني ومن لقاك غدُ
إنّ غداً هوةٌ لناظرها
تكاد فيها الظنون ترتعدُ
أطل في عمقِها أسائلها
أفيك أخفى خيالَهْ الأبدُ
ألامس الجرحَ ما الذي صنعتْ
به شفاهٌ رحيمةٌ ويدُ
ملء ضلوعي لظى واعجبُهُ
اني بهذا اللهبِ ابتردُ
يا تاركي حيث كان مجلسنا
وحيث غنَّاك قلبيَ الغرِدُ
أرنو إلى الناس في جموعِهم
أشقتهمُ الحادثاتُ أم سعدوا
تفرقوا أم بها احتشدوا
وغوَّروا هابطين أم صعدوا
اني غريبٌ تعال يا سكني
فليس لي في زحامِهم أحَدُ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> بعد الفراق
بعد الفراق
رقم القصيدة : 63521
-----------------------------------
(1)
أجل! أهواكِ أنتِ مُنى حياتي
وأنت أحب من بصري وسمعي
وهل أنساكِ كلا لست أنسى
هوى قد كان إلهامي ونبعى
لبست من التصبرِ عنكِ درعا
فها أنا تنزعُ الأيامُ درعى
وها أنا لست أدري عنك سرا
عرفتِ محبتي ورأيتِ دمعي
تلاشت قوتي وغدا قؤادي
كأن خفوقَه خلجاتُ نزعِ(69/4)
ابشره فيرقص في ضلوعي
وأنظرُ سودَ أيامي فأنعي
وقد نضبَ الخيالُ وغاض طبعي
ومات على حياض اليأسِ زرعي
أجرجرُ وحدتي في كل حشدٍ
وأحمل غربتي في كل جمع
(2)
مزَّقَته فصار والله لا يقدر
حتى أن يسأل اللهَ رفقا
لجةٌ بعد لجةٍ كلما صارع
ردت له أمانيهِ غرقى
فيلقٌ بعد فيلقٍ حجب الشمس
ولم يبقِ للنواظر أفقَا
وسنانُ الغروب تغزوه حمرا
وسنانُ العذاب تطعن زرقا
وجيوشُ الظلامِ تزحفُ زحفاَ
وثقالُ الأقدامِ تسحقُ سحقا...
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> المآب
المآب
رقم القصيدة : 63522
-----------------------------------
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني
رفاقي! تلك مصر يا رفاقي
أتدفعني وقد هاضت جناحي
وتجذبني وقد شدت وثاقي
خرجتُ من الديارِ أجرُّ همي
وعدتُ إلى الديار أجرُّ ساقي
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في الأوتوجراف
في الأوتوجراف
رقم القصيدة : 63523
-----------------------------------
طلبتِ الكتابةَ يا جنتي
وماذا تريدين أن أكتبا
وما في الجوانح خافٍ عليكِ
وقلبك يعلم ما غيبا
سأكتب أنكِ أنت الربيعُ
وأنكِ أنضر ما في الربى
وأنكِ أنت الجمالُ الفريدُ
وفجرُ الشبابِ وحلمُ الصبا
أهلل باسمكِ عند الصباح
وأطوي على ذكركِ المغربا..
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> شكوى الزمن
شكوى الزمن
رقم القصيدة : 63524
-----------------------------------
يا ويلتا من عمريَ الباقي
هذا سوادٌ تحت أحداقي
هذا بياضُ الشيب واعجبي
من مغرب في زِي اشراقِ
ويلي على كأسٍ معربدةٍ
وعلى دمٍ في الكأس مهراقِ
وعلى سراب خادعٍ وعلى
متألقِ اللمحاتِ براقِ
طاف الزمان به على نفرٍ
مالوا بهاماتٍ وأعناقِ
صُرعوا وأنت تظنهم سكروا
مات الندامي أيها الساقي
يا دهر لم أشك الكلالَ ولا
ملكتْ خطوبُ الدهر إرهاقي
عذبت أيامي بعِفَّتها
وقتلتها بصفاء أخلاقي
يا كم غرست وكم سقيت وكم
نضرت من زهر وأوراقِ
ما حيلتي والأرضُ مجدبةٌ
سيان إقلالي وإغداقي(69/5)
أين الذين رفعت فانحدروا
وبنيتُهم بنيان خلاق
أن الوفاءَ بضاعةٌ كسدَتْ
ومآل صاحبِها لإملاقِ
إن كنتُ لم أغنمْ فقد ظفرا
مني بمغفرتي وإشفاقي
لكنني والجرح يُلهب لي
حسي ويكوي كَي إحراقِ
هيهات أنسى أنهم عبثوا
ووفيْتُ لم أعبث بميثاقي
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> كل الورى
كل الورى
رقم القصيدة : 63525
-----------------------------------
كل الورى يدعون حبكْ
أنا الوحيد الذي أحبكْ
صدرُك فيه اضطرابُ شوقٍ
يقرع قرع العبابِ جنبكْ
فكيف تخلي به مكاني
وتسكن الغادرين قلبكْ
لما اعتنقنا على اشتياقٍ
لمست بالساعدين خطبكْ
تعال لا تعتذر لذنب
بقدر حبي غفرت ذنبكْ
***
***
طال على المتعب الطريق
بلا حبيب ولا صديق
قد بعد الشاطئ المرجى
والموج لا يرحم الغريق
في واضح النور جنح ليل
وفي الرحاب الفساح ضيق
يا أرجوان الغروبِ مهلا
ولتتئدْ أيها العقيق
صبغت عمري فصرت أمشي
على دمائي التي أريق..
***
***
يا مسرحاً والفصول تترى
عليه مالي بك اغترارْ
فلا بخير ولا بشرٍّ
ولا طوال ولا قصارْ
ما خنت عهدي لمن تولى
كلا ولا خانني اصطبارْ
أين الليالي التي تسرُ
بلا لقاء ولا مزارْ
كم قلت ذا مشهد يمرُّ
ولم أقلْ أنه ستارْ
***
***
إن كان للمشجياتِ رسمٌ
إني تمثالها المقامْ
بلا دموع ولا شكاةٍ
قد جمد الدمعُ والكلامْ
يا طالب الحزن في المآقي
لا تنشد الدمع في الرخامْ
وخذهُ من أخرسٍ مريرٍ
من شفه دمعُها سجامْ
فهل فمٌ قد بكى بكائي
من ذا رأى دمعةَ ابتسامْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> راقصة
راقصة
رقم القصيدة : 63526
-----------------------------------
عجباً لعارية كساها
الفنُّ حسناً رائعا
سمراء وشتها بنانتُه
بياضاً ناصعا
شبه الفرائد قد كسين
في الغمام براقعا
خبأن نصفا هي الدجى
وجلون نصفا لا معا
من أي وديان الظباء
ملاعبا ومراتعا؟
من عبقرٍ، ومن الالمب،
ومن فنونهما معا
تبدين ريان الثدي
لنا وخصراً جائعا
وترين كونا يشبه الكونَ(69/6)
الرحيبَ الواسعا
متغاير الإبداع مختلف
المحاسن جامعا
لك خفة البطل المحلق
طائراً أو واقعا
لك خفة البطل المجلي
مقبلاً أو راجعا
متمهلاً للخصم حينا
للقاءِ مسارعا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الصنم الجميل
الصنم الجميل
رقم القصيدة : 63527
-----------------------------------
يا قلبي الشاكي المعذب
هذه الشكوى لِمَا
حان الفرارُ وآن للمسجون
أن يتنسما
حان الحسابُ وأن للموتور
أن يتكلما
يا طفليَ النواح آن
اليوم أن تتعلما
أسفي لغالي الدمع تبذله
لمرتخص الدمى
أفنيته ورجعت حتى
من دموعك معدما
فإذا افتقدت الدمع عز
فتبكينّ تبسما
تبكي على العرش المصوغ
من المدامع والدما
تبكي على الصنم الجميل
يكاد أن يتهكما
تبكي تراب الأرض
مصبوغا بألوان السما
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الليل في فينيسيا
الليل في فينيسيا
رقم القصيدة : 63528
-----------------------------------
يا رب ما أعجب هذي البلاد
لا ليلَ فيها! كل ليلٍ صباح
وكل وجه في حماها ضِماد
ومصر لا تنبت إلا الجراح
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> شكوك
شكوك
رقم القصيدة : 63529
-----------------------------------
يا رامي السهم يدري أين موضعه
مني ويعلم ما داريت من ألمِ
رميتَ في ساحةٍ موسومة بدمٍ
منقوشةٍ بندوب الحبِّ والندمِ
لا يخدعنَّكَ منها وهي صامتةٌ
صمت القبور فراغُ الموتِ والعدمِ
فكم شفاه جراحاتٍ إذا انطبقت
جرح الإباءِ عليها غير ملتئم
فيم انتقامك من قلب عصفتَ به
لم يبقَ من موضع فيه لمنتقمِ
وفيم لذعة سخطٍ من جوى برمٍ
ترمي بجمرته في جوف مضطرم!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> النسيان
النسيان
رقم القصيدة : 63530
-----------------------------------
حان الشفاءُ فودع الألما
واستقبل الأيامَ مبتسما
ضيفٌ من السلوان حل بنا
حدبُ اليدين مباركٌ قدما
أو ما ترى الضيفَ الذي قدما
يطوي الغيوبَ ويذرعُ الظلما
في كفِهِ كأسٌ يقدمها(69/7)
تمحو العذابَ وتغسلُ الندما
فاشربْ ولا ترحمْ ثمالتَها
لهفي عليك شربتَ أي ظما
فيض من النسيان يغمرني
اني لأحمد سيله العرما
مستسلماً للموج يغمرني
فرحان حين أعانقُ العدما
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> المساء
المساء
رقم القصيدة : 63531
-----------------------------------
يا غلة المتلهفِ الصادي
يا آيتي وقصيدتي الكبرى
ماذا تركت لديَّ من زادِ
إلا استعادة هذه الذكرى
يا للمساء العبقري وما
أبقى على الأيام في خلدي
شفتاك شفا لوعةً وظما
وجمالك الجبار طوعُ يدي
نمشي وقد طال الطريقُ بنا
ونودُّ لو نمشي إلى الأبدِ
ونود لو خلتِ الحياة لنا
كطريقنا وغدتْ بلا أحدِ
نبني على أنقاض ماضينا
قصراً من الأوهام عملاقا
ونظل ننسج من أمانينا
وشيا من الأحلام براقا
وأظل أسقيها وتملأُ لي
من مورد خلف الظنون خفي
حتى إذا سكرت من الأملِ
وترنحت مالت على كتفي
حلفت بأني مغتد معها
حيث اغتدت وهواي في دمها
فمسحت بالقبلات أدمعَها
وطبعت ميثاقي على فمها
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> عذاب
عذاب
رقم القصيدة : 63532
-----------------------------------
ألمي محا ذنبي إليك وكفّرا
هبني أسأت ألم يحنْ أن تغفرا
روحي ممزقةٌ وأنت تركتَها
لمخالب الدنيا وأنيابِ الورى
روحي ممزقةٌ ولو أدركتها
جمّعت من أشلائها ما بعثرا
أو ليس لي في ظل حبك موضع
أحبو إليه وأرتمي مستنصرا؟
ما كنت أصبر عن لقائك ساعة
كيف اصطباري عن لقائك أشهرا
من بدّل الثغرَ الجميلَ عبوسة
ومضى إلى وجه السماء فكدرا
يا هاته الأقدار! عينك لا ترى
تحت الدجى سأمان ممتنع الكرى
ظمآن، لو باع الأحبةُ قطرةً
بالعمر والدنيا جميعاً لاشتري
اخفى جراحك واستعز بفتكها
غريدك الشادي المحلق في الذرى
يرنو إليك على البعاد ويعتلي
فيجره الجرحُ المميتُ إلى الثرى
قد عاش وهو معذبٌ بإبائه
ولقد يلاقي يومَه مستكبرا
حتام كتماني وطول تجلدي
يا أيها الجاني عليَّ وما درى
ومتى المآب إلى رحابِك مرةً(69/8)
لأريك جرحي والدما والخنجرا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ملحمة السراب
ملحمة السراب
رقم القصيدة : 63533
-----------------------------------
(1)
...
...
كيف للنازح الحبيبِ ارتحالي
وجناحاي السقم والبرحاءُ
ادركي زورقي فقد عبث اليم
به والعواصف الهوجاءُ
أفق لا يحد للعين قد ضاق
فأمسى والسجن هذا الفضاءُ
عجبي من ترقبي ما الذي أرجو
ولما يعدْ لقلبي رجاء
التقينا كما التقى بعد تطوافٍ
على القفر في السرى انضاءُ
في ذراعي أو ذراعيك أمن
وسلامٌ ورحمةٌ ونجاءُ
كم أناديك في التنائي فترتد
بلا مغنم ليَ الا صداء
وأناديك في التداني وما أطمع
إلا أن يستجاب النداءُ
لفظة لاتبين تنطلق الأقدارُ
عن قوسها ويرمي القضاءُ
وهي في الطرس قصةٌ تذكر الأحبابُ
فيها وتحشد الأنباءُ
فقليلٌ من السعادةِ لا يكمل
فيه ولا يطولُ الهناءُ
ما بقائي وأجمل العمر ولّى
وانتظاري حتى يحين الشتاءُ
وبنفسي دب المساءُ وحل الليل
من قبل أن يحين المساءُ
ولك الوجه أومض الحسنُ فيه
والتقى السحرُ عنده والذكاءُ
ولك الجيد أتلعا أودع الصانعِ
فيه من قدرة ما يشاءُ
وأنا الطائر الذي تصطبي نفسي
السماوات والذرى الشماءُ
مرحباً بالهوى الكبير، فإن يبقَ
وإن تسلمي يطبْ لي البقاءُ
مرّ يومي كأمسِه مسرحاً تعرض
فيه الحياةُ والأحياءُ
لم يحلْ طبعه ولا ذات يوم
لبست غير نفسها حواءُ
والحطامُ الفاني عليه اقتتالٌ
والأماني بريقُها إغراءُ
والغيوبُ المحجباتُ رحابٌ
تعبت في رموزها الحكماءُ
مرّ يومي كأمسه وأتى ليلٌ
بهيج تزف فيه السماءُ
لم تزل تسكب السلاف وللأقـ
ـداحِ فيها تجددٌ وامتلاءُ
غير نجم في جانب الليل يقظان،
له روعة بها وجلاءُ
كم أغنِّيهِ بالحنين كما غنت
على فرعِ غصنها الورقاءُ
موقداً للغريب نار ضلوعي
فعسى للغريب فيها اهتداءُ...
بالذي فيك من سنا لا تدعني
فيم هذا المطال والإبطاءُ
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ
لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ
حسنات كانت يد الدهر عندي(69/9)
فانطوت بانطوائك الآلاءُ
(2)
...
...
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها
وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا
لمركب فزع في الشط إرساءُ!
خرساء آونة هوجاء آونة
وليس تخدع ظني وهي خرساءُ
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي
فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا
لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم
وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت
كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها
وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني
وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ
والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً
إلى المغيب وما للبين إرجاءُ
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها
كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ
ومن تنفست حر الوجد في فمه
فما ارتويت وهذا الري إظماءُ
***
***
السراب في السجن
يا سجين الحياة أين الفرارُ
أوصد الليلُ بابه والنهارُ
والتعلات من هوى وشباب
قصة مسدلٌ عليها الستارُ
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض
وفي المضجع الغضا والنارُ
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي
تتهاوي كشامخ ينهارُ
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ
بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش
وفي ركبها اللظى والدمارُ
وذراعيَّ في انتظارٍ، وصدري
فيه بالضيف فرحةٌ واحتفاءُ
موقداً للغريب نار ضلوعي
فعسى للغريب فيها اهتداءُ...
لمَ خليتني وباعدت مسراك
ومالي إلى ذراك ارتقاءُ
بالذي فيك من سنا لا تدعني
فيم هذا المطال والإبطاءُ
ما تراني وقد ذهبت بحظي
اخطأتني من بعدك النعماءُ
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ
لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ
ومشى الحسن في ركابك والإحسان
طراً والغرة السمحاءُ
حسنات كانت يد الدهر عندي
فانطوت بانطوائك الآلاءُ
(2)
السراب على البحر
لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا
ولا لقلبك عن ليلاك أنباءُ،
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها(69/10)
وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ
يا شافي الداء قد أودى بي الداءُ
أما لذا الظمأ القتال إرواءُ
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا
لمركب فزع في الشط إرساءُ!
عندي سماء شتاءٍ غير ممطرةٍ
سوداء في جنبات النفسِ جرداءُ
خرساء آونة هوجاء آونة
وليس تخدع ظني وهي خرساءُ
وكيف تخدعني البيداءُ غافية
وللسوافي على البيداء إغفاء
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي
فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ
لبيكِ لو عند روحي ما تطير به
وكيف ينهضُ بالمجروحِ إعياءُ
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا
لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ
وآخرون كسالى في أماكنِهم
كأنهمْ في رمال الشط أنضاءُ
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم
وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ
ضاقت نفوسٌ باحقادٍ ولو سلمت
فإنها كسماء البحر روحاءُ...
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت
كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ
طابت من الظل، ظل القلب ناحيةٌ
لنا، وقد صَلِيَتْ بالحرِّ أنحاءُ
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها
وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
لو أنه أبدٌ ما زاد عن سنةٍ
ومدةُ الحلم بالجفنين إغفاءُ
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني
وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ
إذا نطقت فما بالقول منتفعٌ
وان سكت فإن الصمتَ افشاءُ
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ
والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ
يا ليل من علم الأطيارَ قصتنا
وكيف تدري الصبا أنا أحِباءُ
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً
إلى المغيب وما للبين إرجاءُ
شابت ذوائبُ، وانحلت غدائَرُها
شهباء في ساعة التوديع صفراءُ
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها
كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ
يا من تنفس حر الوجد في عنقي
كما تنفس في الأقداح صهباءُ
ومن تنفست حر الوجد في فمه
فما ارتويت وهذا الري إظماءُ
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد
ولن تواريك عن عينيّ ظلماءُ..
(3)
السراب في السجن
يا سجين الحياة أين الفرارُ
أوصد الليلُ بابه والنهارُ
فلمنْ لفتةٌ وفيم ارتقابٌ
ليس بعد الذي انتظرت انتظارُ
والتعلات من هوى وشباب
قصة مسدلٌ عليها الستارُ(69/11)
ما الذي يبتغي العليلُ المسجَّى
قد تولى العوادُ والسمارُ
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض
وفي المضجع الغضا والنارُ
وهَب السجنُ بابه صار حرا
لكَ لا حائل ولا أسوارُ
وعفا القيدُ عنك كفاً وساقاً
فإذا الأرض كلها لك دارُ
أين أين الرحيل والتسيار
بعدت شقة وشط مزار
والخطى المثقلاتُ باليأس أغلالٌ
لساقيك والمشيبُ عثارُ
ما انتفاع الفتى إذا عفت الجنة
واجتاح دوحَها الأعصارُ
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي
تتهاوي كشامخ ينهارُ
تحت عيني ويذبل الحسنُ فيها
ويموتُ الربيعُ والأنوارُ
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ
بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ
وبقاء البساط بعد الندامي
كأس سم بها يدور البوارُ
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش
وفي ركبها اللظى والدمارُ
الدمار الرهيب والعدم الشامل
واللفحُ والضنى والأوارُ
يا ديار الحبيب هل كان حلما
ملتقى دون موعد يا ديارُ؟
يا عزيز الجنى عليك سلام
كيف جادت بقربك الأقدار
بورك الكرم والقطوف واوقات
كأن العناقَ فيها اعتصارُ
كلما أطلقتك كفي استردتك
كما يحفز الغريم الثارُ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> آمال كاذبة
آمال كاذبة
رقم القصيدة : 63534
-----------------------------------
لا البراء زار ولا خيالك عادا
ما أكذب الآمال والميعادا
عجباً لحبك يا بخيلة كيف يخلق
من جوانح عابد حُسادا
إني لأهتف حين أفترش المدى
وأرى الجحيم لجانبي مِهادا
آها على الرأس الجميل سلا وأغفى
مطمئنا لا يحس سهادا
فرشت له الأحلام واحتفل الهدوء
يد ومد له الجمال وسادا
يا حبها ما أنت ما هذا الذي
جمع الغريب وألَّف الاضدادا
كم أشرئب إلى سماك بناظري
مستلهماً بك قوةً وعمادا
ولكم أبيتُ على السآمة طاويا
في خاطري شبحاً لها عوادا
فأراك تعبث بي كطفل في السماء
يصرف الأقدار كيف أرادا
ولقد أقول هوى كما بدأ انتهى
فإذا الهوى وافى النهاية عادا
مات الرجاءُ مع المساءِ وإنما
كان المماتُ لحبنا ميلاداَ
ماذا صنعت بناظر لا ينثني(69/12)
متطلعاً متلفتاً مرتادا
وأنا غريب في الرخام كأنني
آمال اجفان حرمن رقادا
ولقد ترى عيني الجموعَ فما ترى
دنيا تموج ولا تحس عبادا
فإذا رأيتك كنت أنت الناس والأ
عمار الآباد والآمادا
وأراك كل الزهر كل الروض أنت
لديَّ كلُّ خميلةٍ تتهادى
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> البعث
البعث
رقم القصيدة : 63535
-----------------------------------
يا جمالا وجلالا يتدفقْ
رجع البلبلُ أم عاد الربيعْ
بهر النورُ عيوني فترفقْ
حين تدنو انني لا أستطيعْ
أيها الورد الذي طاف بنا
أيها الطل الذي بلَّ الظما
لا أراك الله حالي وأنا
أطأ الشوك ويغزوني الغما
يا أماني وحبي وخيالي
لا تضيع لحظة فالعمر ضاعْ
لا أراك الله حالي والليالي
كاسفات ليس فيهن شعاعْ
قد بلوت الويلَ فيها لا بلوتا
وانا أبدأ يومي بالمساء
وعرفت الضيق ضيق القلب حتى
لم أجد في الكون ثقباً من رجاء
***
***
لا وربي ليس في الدنيا ختام
حين يغدو البعث نجوى من حبيب
حين يستيقظ قلب من منام
والمنادي أنت والحب المجيب
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> المنصورة
المنصورة
رقم القصيدة : 63536
-----------------------------------
باي معجزة في الحب نتفقُ
يا قلب لا يتلاقى الفجرُ والغسقُ
يا قلب انا لقينا اليومَ معجزةً
تكادُ في ظلماتِ الليل تأتلقُ
ظللتُ أسأل نفسي كيف تعشقها
بقيةٌ من بقايا العمرِ تحترقُ
وافيتُها وفلول النور دامية
تطفو وترسب أو تعلو فتعتلقُ
لم أدر حين تبدتْ لي إذا شفقي
ابصرته أو على المنصورة الشفقُ؟
يا من منحت الأماني البيض معذرة
اني بهذي الأماني البيض أختنقُ
أين الهدوء المرجى في جوانبها
اني رجعت وليلي كله أرقُ
أقبلتُ أنشد أمنا في هواك بها
فلم أنل وتولى قلبي الفرقُ
لا بالقلوب ولا الأرواح يا أملي
إنَّا بشيءٍ وراءَ الروحِ نعتنقُ
ويحي على كفكِ البيضاء إذ بسطتْ
عند السلام وويحي حين تنطبقُ
هل يسمع النيلُ إذ سرنا بجانبهِ
والموجُ مجتمعٌ فيه ومفترقُ(69/13)
صوتاً تماوجَ في روحي فجاوبه
من جانب القلبِ موجٌ راح يصطفقُ
تظل تنهبُ اذني من أطايبه
كأنها من خفايا الغيبِ تسترقُ
يا جنة من جنان الله أعبدها
لن تبعدي ولدي السحر والعبقُ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> وقفة على دار
وقفة على دار
رقم القصيدة : 63537
-----------------------------------
قف يا فؤادُ على المنازل ساعا
فهنا الشبابُ على الأحبة ضاعا
وهنا أذلَّ اباءَه متكبرٌ
أمرت عيونٌ قلبه فأطاعا
أحسست بالداء القديم وعادني
جرح أبيت لعهده إرجاعا
ومشى مع الأمل الذهول كأنما
طارت بلبي الحادثات شعاعا
كثرت عليّ متاعبي فمحونني
ومحون حتى السقم والأوجاعا
يا من هجرت لقد هجرت إلى مدى
فإلى اللقاء ولن أقول وداعا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الراهبة الباكية
الراهبة الباكية
رقم القصيدة : 63538
-----------------------------------
لمن العيون الغائرات خشوعا
لمن النواظر قد صفت ينبوعا
وتكللت بالطهر مؤتلقَ السنا
وجلت لنا معنى الجمال رفيعا
مهلاً فتاة الدير والحسن الذي
تصبو له مهجُ العبادِ جميعا
الحسنُ من حق الورى وحملتِه
مستخفيا متأبيا ممنوعا!
في الدير مثواه وفي جنح الدجى
يتحدر الحسنُ الشهيدُ دموعا
يا مؤنس الدنيا فديتك موحشاً
تهتاج وجداً أو تضيق ضلوعا
تتحرق الدنيا عليك وربما
أوقدت نفسك في الظلام شموعا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> مظلمة
مظلمة
رقم القصيدة : 63539
-----------------------------------
أنا لا أظل، وكل شيى
مستمد من جلالكْ
في قاتم محلولك
سدّت علي به المسالكْ
ان لم تضعني في سناك
حمدت حظي في ظلالكْ
ان لم تضعني في يمينك
فالتفت لي في شمالكْ
الرأي رأيك ليس في الأوقاف
شيء غير ذلك
يا أحكم الحكماء لا يفتى
وفي الأوقاف مالكْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> شكوى واعتذار
شكوى واعتذار
رقم القصيدة : 63540
-----------------------------------
أبي! أخي! كعبة آمالنا
أكرمتني أكرمك اللهُ(69/14)
أعجب ما في الشكر أني أمرؤ
بيانه عندك يعصاهُ
يا من يرى القلبَ وشكواه
ويعلم الشعر ونجواهُ
كم شاعر منطقه خانه
فاغرورقت بالشعر عيناهُ
ما أكرم الخلق وأسماه
وأعذب الطبع وأصفاهُ
انك فردٌ دون ثانٍ ولن
يرى لهذا النبل أشباهُ
عفوك عن حال فتى متعب
بات على الأشواك جنباهُ
طال به الليل على حيرة
وامتد كالموجة يغشاهُ
يسائل الليل على طوله
عن ذلك الليل وعقباهُ
والنور أين النور؟ هل غاله
ماحٍ محا الفجرَ وأخفاهُ؟
قد كدتَ لولا ثقة لا تهي
وخشية الله وتقواهُ
أقول جف البر لا ديمة
تهمي ولا المزنة ترعاهُ
حتى رأيت الخير في طلعة
تحمل لي الخير وبشراهُ
في لمعة تومض في فرقد
في فلك أنت محياهُ
حمدت ربي وعرفت الرضى
يا رحمة الله ونعماهُ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> بطل الأبطال
بطل الأبطال
رقم القصيدة : 63541
-----------------------------------
بطل الأبطال من أرض الهرمْ
لبس الغار وجلّى وغنمْ
كيف تذرون عليه دمعكم
وهو وضاحُ المحيا يبتسمْ
كيف يبكي منكم الباكي على
عَلَمٍ لف شهيداً في عَلَمْ
يا شباب النيل فتيان الحمى
وحماة الدار أشبال الأجمْ
زعموكم أمة هازلة
كذب الزاعمُ فيما قد زعمْ
تتحداهم على طول المدى
ثورة نكراء شبت تلتهمْ
ومقال الدهر عنا في غد
وحديث المجد عن عبدالحكمْ
كم أغر في بواكير الصبا
ناضر يسحب أذيال النعمْ
طبعه الجود فلما هتفت
مصر تدعوه تناهى في الكرمْ
قدم الورحَ اليها ومشى
ثابت الخطوةِ جبارَ القدمْ
كلفتهُ اليقظةُ الكبرى بها
همة ترعى وعيناً لم تنمْ
جشمته خطة دامية
وعرة المسالك حفت بالألمْ
يجد الموتُ بها لدته
ويرى العار إذا المرء سلمْ
يا لهذي الجنة الفيحاء كم
فتحت قبراً لباغٍ قد ظلم
يصبح الصبحُ على هذي الربى
فإذا الورد ضحوك في الأكمْ
فإذا أمسى المساء انقلبت
فوهة شعواء ترمي بالحممْ
لست تدري إذ تراها ظمئت
فروى الأحرار واديها بدمْ...
ذاك لون الورد أم لون الردى
الجاثم أم لون الحميم المضطرم!(69/15)
يا شباب النيل فتيان الحمى
وحماة الدار أشبال الأجم
حطموا القيد الذي حطمكم
واجعلوا أمتكم فوق الأمم
وإذا استشهد منكم بطل
جاده الغيث وحيته الديم
ولقد أدى لمصر دينه
ذلك الفادي، ووفى بالقسم..
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> حب على الصحراء
حب على الصحراء
رقم القصيدة : 63542
-----------------------------------
أحبكَ ما حييتُ وأنتَ حسبي
فجربْ أنت قلباً بعد قلبي
ويا أسفاً على صحراءِ عمرٍ
جفاها بعدك المطرُ الملبي
نهاري في لوافحِها سرابٌ
وليلي من أباطيلٍ وكذبِ
وفي أذنيَّ من شفتيكَ عتبٌ
إذا أنا ساعةً اضجعتُ جنبي
وتلك قوافلُ الأيامِ تترى
تمر علي سراباً بعد سربِ
عوابِسُ لا يطل سناك منها
ولم ألمحْ مطالعُه بركب
فإن غفلتْ عيونُ الحظِّ عنا
وصرت -ولم أكن أدري- بقربي
تبينِّي فتلك خيامُ حبي
واني موقدُ لك نار قلبي
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> القافلة الصغيرة
القافلة الصغيرة
رقم القصيدة : 63543
-----------------------------------
تعالَ سلِ القبيلةَ والجمالا
لأيةِ غايةٍ شدوا الرحالا
وكيف تبدلوا أرضاً بأرضٍ
وكيف تغيروا حالا وحالا..
تطلعتِ العيونُ لعل ماءً
يتاحُ على الهواجرِ أو ظلالا
ومدّ الشيخُ في الصحراء لحظاً
كلحظ الصقرِ في الآفاق جالا
كأن بنيه سقما أو هزالا
خيال جر هيكلهُ خيالا
أقافلة الحياة أريتنينها
فلم ترَ مثلها عيني مثالا
أجل هي نحن في الدنيا حيارى
وما ندري لقافلةٍ مآلا
رأيتُ حياتَنا. كم من غريب
على جنبيه بالإعياء مالا
وكم من سائلٍ لم يلقَ ردا
وقد سأل الهواجرَ والرمالا
فإن تجب القفار عليه يوماً
تردّ له سوافيها السؤالا
أقافلة الحياة أريتنيها
خيالا أو ضلالا، أو محالا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> عاصفة
عاصفة
رقم القصيدة : 63544
-----------------------------------
صورةٌ للبحر أم صورةُ نفسِ
عندما النفس من اليأس تثورُ
قد علا الموجُ وقد عز التأسي
لم يعدْ إلا عبابٌ وصخورُ(69/16)
زلزل البحرُ على راكبه
مثلما زلزل قلبٌ ضجرُ
سفر صار على طالبه
ركبُ ضنك، والمنايا سفرُ..
غرَّب الحظُّ كما مال الشراعْ
هكذا الأعمار في الدنيا تميلْ
وسرتْ في الجو أشباحُ الوداع
وتنادي كل شيء بالرحيلْ
أإذا اشتد على القلب البلاء
أإذا جار عبابٌ وتناهي
تعصف الأمواجُ عصفاً بالرجاء
كيف ننسى أن للكون إلها...
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> عينان
عينان
رقم القصيدة : 63545
-----------------------------------
طوى السنين وشق الغيبَ والظلما
برقٌ تألق في عينيك وابتسما
يا ساري البرق من نجمين يومضُ لي
ماذا تخبئُ لي الأقدارُ خلفهما
أجئتَ بي عتبات الخلدِ أم شركا
نصبتَ لي من خداع الوهم أم حلما؟
كأنني ناظرٌ بحراً وعاصفةً
وزورقاً بالغد المجهولِ مرتطما
حملتني لسماءٍ قد سريت لها
بالروحِ والفكرِ لم أنقل لها قدما
شفّت سديماً ورَقَّت في غلائلَها
فكدت أبصر فيها اللوحَ والقلما
رأيت قلبين خط الغيبُ حبهما
وكاتبا ببيان النورِ قد رسما
وسحر عينيكِ إني مقسم بهما
لا تسألي القلبَ عن إخلاصه قسما
واهاً لعينيكِ كالنبعِ الجميل صفا
وسال مؤتلقُ الأمواجِ منسجما
ما أنتما؟ أنتما كأسٌ وان عذُبت
فيها الحمامُ ولا عذر لمن سلما
لمَّا رمى الحبُّ قلبينا إلى القدرِ
له المشيئةُ لم نسألْ لمن ولما
في لحظةٍ تجمعُ الآباد حاضرها
وما يجيء وما قد مر منصرما
قد أودعتْ في فؤاد اثنين كل هوىً
في الأرضِ سارتْ به أخبارُها قدما
كلاهما ناظرٌ في عين صاحبهِ
موجا من الحب والأشواقِ ملتطما
وساحة بتعلاّت الهوى احتربت
فيها صراعٌ وفيها للعناق ظما
يا للغديرين في عينيك إذ لمعا
بالشوق يومضُ خلفَ الماءِ مضطرما
وللنقيضين في كأسين قد جمعا
فالراويان هما والظامئان هما
بأي قوسٍ وسهم صائب ويدٍ
هواك يا أيها الطاغي الجميل رمى
يرمي البريء في آن وأعجبه
ان الذي في يديه البرءُ ما علما
وكيف يبرئني من لست أسأله
برءاً وأوثر فيه السهدَ والسقما(69/17)
لو أن للموت أسبابا تقربني
إلى رضاك لهان الموتُ مقتحما
إن الليالي التي في العمر منك خلتْ
مرت يبابا وكانت كلها عقما
تلفتَ القلبُ مكروبا لها حسرا
وعض من أسف ابهامَه ندما
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ايمان
ايمان
رقم القصيدة : 63546
-----------------------------------
قدرٌ أراد شقاءنا
لا أنت شئت ولا أنا
عزَّ التلاقي والحظوظُ
السودُ حالت بيننا
قد كدت أكفر بالهوى
لو لم أكن بكِ مؤمنا!!!.
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> اليها
اليها
رقم القصيدة : 63547
-----------------------------------
أيها الماضي الذي أودعته
حفرةً قد خيم الموتُ بها
أيها الشعر الذي كفنتهُ
مقسما لا قلتُ شعرا بعدها
أيها القلب الذي مزقتُه
صارخا: عهدك يا قلب انتهى
قسما ما مات منكم أحد
انها رقدةُ يأسٍ إنها
آه لو قام رسولٌ ضارعٌ
أو شفيعٌ منكمُ ويمضي لها
آه من يخبرها عن طائر
نسي الأوكارَ إلا وكرها!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> بعد الحب
بعد الحب
رقم القصيدة : 63548
-----------------------------------
أرى سمائي انحدرتْ وانطوتْ
لا تحسبي النجمَ هوى وحدهُ
فيا نجوم الليل لا نجم لي
ولا أرى لي أفقاً بعدهُ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> أنوار المدينة
أنوار المدينة
رقم القصيدة : 63549
-----------------------------------
ضحكتْ لعينيَّ المصابيحُ التي
تعلو رؤوسَ الليلِ كالتيجان
ورأيتُ أنوارَ المدينةِ بعدما
طال المسيرُ وكلَّتِ القدمان
وحسبتُ ان طاب القرار لمتعب
في ظل تحنانٍ وركنِ أمانِ
فإذا المدينة كالضباب تبخرتْ
وتكشفْ لي عن كذوبِ أماني
قدرٌ جرى لم يجرِ في الحسبانِ
لا أنتِ ظالمة ولا أنا جاني
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> خمر الرضا
خمر الرضا
رقم القصيدة : 63550
-----------------------------------
يا حبيبي اسقني الأمانيَ واشربْ
بوركتْ خمرةُ الرضا وهي تسكبْ
بورك الكأسُ والحبابُ الذي يرقصُ(69/18)
في الكأس والشعاعِ المذهبْ
نضبت رحمةُ الوجودِ جميعاً
وبكَ الرحمة التي ليس تنضبْ
وإذا ضاقت السماءُ بشجوي
فالسماءُ التي بعينيكَ أرحبْ
كم تمنيتُ والصدور تجافيني
وتزورُ الوجوه تقطبْ
كم تمنيت صدرك البر يرتاحُ
على خفقهِ الطريدِ المعذبْ
هات وسّدني الحنان عليه
جسدي متعب وروحي متعب
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> تكريم كاتب
تكريم كاتب
رقم القصيدة : 63551
-----------------------------------
يا صفوة الأحباب والخلانِ
عفواً إذا استعصى عليَّ بياني
الشعرُ ليس بمسعفٍ في ساعةٍ
هي فوق آي الحمدِ والكشرانِ
وأنا الذي قصّى الحياةَ معبراً
ومرجعاً لخوالج الوجدانِ
أقف العشية بالرفاق مقصراً
حيران قد عقد الجميل لساني
يا أيها الشعر الذي نطقت به
روحي وفاض كما يشاء جناني
يا سلوتي في الدهرِ يا قيثارتي
ما لي أراكِ حبيسةَ الألحانِ..
أين البيان وأين ما علمتني
أيام تنطلقين دون عنانِ
نجواك في الزمنِ العصيبِ مخدرٌ
نامت عليه يواقظُ الأشجانِ
والناسُ تسأل والهواجسُ جمةٌ
طبٌّ وشعرٌ كيف يتفقان؟
الشعرُ مرحمةُ النفوسِ وسرُّهُ
هبةُ السماءِ ومنحةُ الديانِ
والطبُّ مرحمةُ الجسومِ ونبعُه
من ذلك الفيض العلي الشانِ
ومن الغمامِ ومن معينٍ خلفَهُ
يجدان إلهاما ويستقيانِ
***
***
يا أيها الحب المطهر للقلوبِ
وغاسل الأرجاس والأدرانِ
ما أعظم النجوى الرفيعة كلما
يشدو بها روحان يحترقانِ
أنفا من الدنيا وفي جسديهما
ذلُّ السجين وقسوةُ السجانِ
فتطلعا نحو السماءِ وحلقا
صعدا إلى الآفاق يرتقيان
وتعانقا خلف الغمامِ واترعا
كأسيْهما من نشوةٍ وحنانِ
أكتبْ لوجه الفن لا تعدلْ بهِ
عرضَ الحياة ولا الحطام الفاني
واستلهمِ الأمَّ الطبيعةَ وحدَها
كم في الطبيعة من سري معاني
***
***
الشعرُ مملكةٌ وأنت أميرُها
ما حاجة الشعراء للتيجانِ
هومير أمَّره الزمان بنفسه
وقضت له الأجيال بالسلطانِ
اهبطْ على الأزهار وامسح جفنَها
واسكبْ نداكَ لظامئ صديانِ(69/19)
في كل أيكٍ نفحةٌ وبكلِّ روضٍ
طاقةٌ من عاطر الريحانِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> غصن صغير
غصن صغير
رقم القصيدة : 63552
-----------------------------------
رأيتِ غصناً صغيراً
منوراً ونضيرا
أرق ما تشتهي النفسُ
منظراً وعبيرا
جذبتُه جذب عنفٍ
قد كاد يذوي الزهورا
فلم يئنَّ لجذبي
وكان غصناً صبورا
لكنني لم أدعْهُ
حتى علا مسرورا
وارتد يضربُ وجهي
ضرباً عنيفاً مثيرا
وعاد ينشر في الأيك
ذا الحديثَ الاخيرا
تضاحك الأيكُ جذلانَ
شامتاً مسرورا
ضحكُ الذي بعد صبر
قد فاز فوزاً أخيرا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> دعابات
دعابات
رقم القصيدة : 63553
-----------------------------------
حفلة عرس
في منزل الوزير الأديب دسوقي أباظه
(الدعابة موجهة إلى صديقه الشاعر
النابغ الأستاذ محمود غنيم)
دعوتَ فلبينا ودارُك كعبةٌ
بها انعقد الإخلاصُ والحبُّ طُوَّفا
خميلتُنا تهفو إليها قلوبُنا
وأي فؤادٍ للخميلةِ ما هفا
بنوك الألى تحنو عليهم تعطفا
وترعاهم براً بهم متلطفا
إذا خلعوا بعض الوقاء فسعهم
فمثلك عن مثل الذي صنعوا عفا
هنا اطرح الأعباء مثقل كاهل
وخفف من وقريه من تخففا
فما على الفضل الأباظي طامعا
وأغرق في الجود الأباظي مسرفا
فيا ندوة السمار هل من مسجل
يدوّن إعجاز القرائح منصفا
ليشهد أن الشعر شيء مشى بنا
مع الطبع جل الطبع أن يتكلفا
وفي دمنا يجري به متواصلا
مع النفس الجاري وينساب مرهفا
فهل ناقل عني الغداة وناشر
مقالة صدق قد أبت أن تحرّفا
حديث غنيم والردنجوت والذي
جرى بيننا ما كنت بالحق مرجفا
***
***
بصرت به والصحن بالصحن يلتقي
فلم أر أبهى من غنيم وأظرفا
تراءى له لحم فلم يدر عنده
تديك من بعد الطوى أم تخرفا
وأومأ لي؛ باللحظ يسألني به
أتعرفه أومأت باللحظ مسعفا
وقدمته للديك وهو كأنما
يطير إليه واثبا متلهفا
غنيم! أخونا الديك! قدمت ذا لذا
فهذا لهذا بعد لأي تعرفا
وما هي إلا لحظة وتغازلا(69/20)
وقد رفعا بعد السلام التكلفا
فمال على الورك الشهي ممزقا
ومال على الصدر النظيف منظفا
***
***
جزى الله أسنانا هناك عتيقة
ظللن على الصحن الأباظي عكفا
تعير ناجي بالرد نجوت جاءه
معاراً فغامرْ واستعرْ أنت معطفا
وأقسم لو أن الرد نجوت نلته
وجاد به من جاد كرها وسلّفا
لقلّبته ظهرا لبطن محيرا
به تحسبن الوجه من عبط قفا
رأيتك والعدس الأباظي قادم
كما انتفض المحموم بشر بالشفا
وناهيك بالعدس الأباظي منظر
عظيم كما هيأت للعين متحفا
على أنه ما جاء حتى رأيته
توارى كطيف لاح في الحلم واختفى
***
***
فلله من لفظ ببطنك راسب
قرير ومعناه برأسك قد طفا
قِفا نبك أونضحك على أي حالة
قفَا صاحبي اليوم من عجب قفا
كأن صحاف الدار في عين صاحبي
غوان كستهن المحاسن مطرفا
أشار لاحداهن إذ برزتَ له
وناجته عن بعد وأبدت تعطفا
"يسائلني من أنت وهي عليمة"
وهل بفتي مثلي علىِ حاله خفا؟
سأخبرها من أنت! انك شاعر
قنوع إذا ما الخير جاء تفلسفا
ومن أنت حتى ترفض النعمة التي
اتيحت وتأبى مثلها متقشفا
فتى حاله غلبٌ وآخره الطوى
وخطته عريٌ ومشروعه الحفا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> هجو
هجو
رقم القصيدة : 63554
-----------------------------------
رجل أرى بالله أم حَشَرَهْ
سبحان من بعبيده حشَرَهْ
يا فخر داروين ومذهبه
وخلاصة النظرية القذرهْ
أرأيت قرداً في الحديقة قد
فلت أنثاه على شجرهْ؟
عبدالحميد أعلم فأنت كذا
ما قال داروين وما ذكرهْ
يا عبقرياً في شناعته
ولدتك أمك وهي معتذرهْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> هجو شاعر
هجو شاعر
رقم القصيدة : 63555
-----------------------------------
أيها الحي وما ضر
الورى لو كنت متا
أوَ شعر! ذاك لا بل
حجر ينحت نحتا
تلقم الناس وترميهم
به فوقا وتحتا
صحت من يأسي لما
بركيك الشعر صحتا
آه يا قاتل يا سفاك!
حتى أنت حتى!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الخريف
الخريف
رقم القصيدة : 63556(69/21)
-----------------------------------
يا حبيبي غيمة في خاطري
وجفوني وعلى الأفق سحابهْ
غفر اللهُ لها ما صنعت
كلما شاكيتها تندى كآبهْ
صرخ القفرُ لها منتحِباً
وبكى مستعطفاً مما أصابهْ
فأصمّ الغيثُ عنهُ أذنَهُ
ما على الأيام لو كان أجابهْ
كثر الهجرُ على القلب فهل
من سلو أو بعاد يرتضيهِ
أنت فجرٌ من جمال وصبا
كل فجر طالع ذكَّرنيهِ
كيف جانبتك أبغي سلوةً
ثم ناجيتك في كل شبيهِ
أيها الساكن عيني ودمي
أين في الدنيا مكان لست فيهِ
***
***
عندما أزمعَ ركب العمرِ
رحلةً نحو المغاني الأخرِ
ظهرت تجلوك كفُّ القدرِ
صورةً أروع ما في الصورِ
تتراءى في الشباب العطرِ
نفحةً تحمل طيبَ السحرِ
وقف العمرُ لها معتذراً
وثنى الركبُ عنانَ السفرِ
***
***
عندما أقفرتِ الدنيا جميعاً
لحتَ لي تحمل عمراً وربيعا
إن يكن حلماً تولى مسرعاً
أجمل الأحلام ما ولى سريعا
إن يكنْ ما كان دَيْناً يقتضيْ
خلني أدفعه عنك دموعا
قد شريناه عزيزاً غالياً
إن تكن بعتَ فإني لن أبيعا
***
***
يا ندامى الحب سُمار الهوى
سكبوا لي السهدَ في ذاك الشراب
ارقوني أجرع السقم وبي
صفرة الكأس وأوهام الحباب
كلما تقبل أيام المنى
تنجلي النعماءُ عن ذاك السراب
وترى أياميَ الحيرى على
عرسها الضاحك أحزان الضباب
***
***
لم أقيدك بشيء في الهوى
أنت من حبي ومن وجدي طليقْ
الهوى الخالص قيد وحده
رب حر وهو في قيد وثيقْ
مزّقت كفيك أشواكُ الهوى
وأنا ضقت بأحجار الطريقْ
كم ظميٍ يرتوي
وغريق مستعين بغريقْ
***
***
يا ليالي العمر ما سر الليالي
البطيئات المملات الطوالِ
مسرعات مبطئات ولها
خفة الموت وأثقال الجبالِ
كاسفات البال عرجاء المنى
عاثرات الحظ شوهاء الظلالِ
عجباً للعمر يمضي مسرعاً
للمنايا بسلحفاة الملال (؟!)
***
***
يا قمارى الروض في أيك الهوى
جفّتِ الورضةُ من بعد النديمْ
حل بالأيك خريفٌ منكرٌ
وظلال قاتماتٌ وغيومْ
ماتت الروضةُ إلا طائفاً
من هوى حي على الذكرى يقومْ(69/22)
فإذا أنكر ما حل بها
فر يبغي سربَه بين النجومٍْ
شاهت الدنيا وجوهاً ورؤىً
وتولاها سهومٌ ووجومْ
يا عذارى الحسن في ظل الصبا
كل حسن بعد ليلاي دميمْ
يا نعيم العيش في ظل الرضا
آه لو أعرف ما طعم النعيمْ
أنكر الجنةَ قلبٌ ضجرٌ
أبدي النار موصول الجحيمْ
***
***
طالما موهتُ بالضحك فما
غيَّر التمويهُ رأياً لك فيا
كلما تنظر في عيني ترى
سريَ الغافي ومعناي الخفيا
وترى في عمق روحي زهرةً
قد سقاها الحزنُ دمعاً أبديا
ويراه الناسُ طلا وترى
أنت دمعاً غائماً في مقلتيا
***
***
يا فؤادي ما ترى هذا الغروبْ
ما ترى فيه انهيار العمرِ؟
ما ترى فيه غريقاً ذا شحوبْ
ينلاشى في خضم القدرِ؟
ما تراها اتأدتْ قبل المغيبْ
ورمتْ من عرشها المنحدرِ
لفتةَ الحسرةِ للشط القريبْ
قبل أن تسقط خلف النهرِ...
يا فؤادي قاتل اللهُ الضجرْ
وعذابي بين حل وسفرْ
ما ترى قنطرةً من بعدها
راحة ترجى وبال يستقرْ
ذلك الجرح وما أفدحه
ما عليه لو إلى السلوى عبرْ
قد طواه اليوم في بردته
وأتى الليلُ عليه فانفجرْ
***
***
مرَّ يومي فارغاً منك ومن
أملِ اللقيا فما أتعسَ يومي
أنت يومي، وغدي أنت، وما
من زمان مرّ بي لم تكُ همي!
آهِ كم أغدو صغيراً، حاجتي
لكَ كالطفل إلى رحمةِ أمِّ
ولكم أكبر بالحب إلى أن
أغتدي مستشرقاً آفاق نجمِ
أي سرٍّ فيك إني لست أدري
كل ما فيك من الأسرار يغري
***
***
خطرٌ ينسابُ من مفتر ثغر
فتنة تعصف من لفتة نحرِ
قدر ينسج من خصلة شعر
زورق يسبحُ في موجةِ عطرِ
في عباب غامض التيار يجري
واصلاً ما بين عينيك وعمري
***
***
ذات ليلٍ والدجى يغمرنا
أترى تذكر إذ جزنا المدينةْ؟
كلما روعت من نار شجٍ
حر ما يصلى تلمست جبينَهْ
بيدٍ شفافة مثل الندى الرطبِ
تعيد النار بردا وسكينه
أيها الآسي لناري هذه
ما الذي تصنع بالنار الدفينه؟
أخيالاً كان هذا كلُّهُ
ذلك الجسر الذي كنا عليه؟
والمصابيح التي في جانبيه
ذلك النيل وما في شاطئيه؟
وشعاع طوفت في مائه(69/23)
وظلالٌ رسبت في ضفتيه
وحبيب وادع في ساعدي
ووعود نلتها من شفتيه؟
رب لحن قص في خاطرنا
قصةَ الحادي الذي غنّى سهادَهْ
وكأن الصمت منه واحدةٌ
هيأتْ من عشبِها الرطبِ وسادَهْ
ها أنا عدت إلى حيث التقينا
في مكان رفرفت فيه السعادَهْ
وبه قد رفرف الصمتُ علينا
إنَّ في صمت المحبين عبادَهْ
رفرف الصمتُ ولكن أقبلتْ
من أقاصي السهلِ أصداءً بعيدَهْ
تتهادى في عبابٍ ساحرٍ
مرسلٍ للشطِّ أمواجاً مديدَهْ
كم نداء خافت مبتعد
تشتهي أذنُ الهوى أن تستعيدَهْ
عاد منساباً إلى أعماقها
هامساً فيها بأصداءٍ جديدَهْ
***
***
رفرف الصمتُ ولكن ها هنا
كل ما فيك من الحسنى يغني
آه كم من وتر نام على
صدر عودٍ نومَ غاف مطمئنِ
وبه شتى لحون من أسى
وحنينٍ وأنينٍ وتمني
رقد العاصفُ فيه وانطوتْ
مهجةُ العودِ على صمتٍ مرنِ...
***
***
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها
أين في الرضاء ظل من ظلالكْ
ربما تزخر بالحسن وما
في الدمى مهما غلت سر جمالكْ
ربما تزخر بالنور وكم
من ضياء وهو من غيرك حالكْ
لو جرت في خاطري أقصى المنى
لتمنيتُ خيالاً من خيالك
***
***
أنا إن ضاقت بي الدنيا أفئْ
لثوانٍ رحبةٍ قد وسعتنا
إنما الدنيا عبابٌ ضمنا
وشطوطٌ من حظوظٍ فرقتنا
ولقد أطفو عليه قلقاً
غارقاً في لحظة قد جمعتْنا
كلما تترى المعاني أجتلي
خلف معناها لأسرارِك معنى
***
***
ما الذي صبك صباً في الفؤادْ
ما الذي إن أقصِه عنيَ عادْ
طاغياً يعصفُ عصفاً بالرشادْ
ظامئاً سيان قرِب وبعادْ
ساهر العينين موصول السهادْ
ما الذي يجري لهيباً في الرمادْ
ما الذي يخلقنا من عدم
ما الذي يجري حياةً في الجمادْ
***
***
كم حبيب بعدت صهباؤه
وتبقت نفحةٌ من حببِهْ
في نسيجٍ خالدٍ رغم البلى
عبث الدهرُ وما يعبث بِهْ
ما الذي في خصلة من شعرهِ
ما الذي في خطه أو كُتبِهْ
ما الذي في اثرٍ خلَّفه
من أفانين الهوى أو عجبِهْ
ما الذي في مجلس يألفه
عقد الحبُّ عليه موعدَهْ
ربما يبكي أسى كرسيُّهُ(69/24)
إن نأى عنه وتبكي المائدَهْ
ربما نحسبها هشتْ إذا
عائدٌ هش لها أو عائدَهْ
ربما نحسبها تسألنا
حين نمضي أفراق لعدَهْ؟
***
***
كم أعدت لك ستراً في الخفاء
وتوارت عن عيون الرقباء
كم أعدت نفسها وانتظرت
واستوت موحشة تحت السماء؟
وهي لو تملك كفا صافحت
كفَّك الحلوةَ في كل مساء
وهي لو تملك جوداً بذلت
كل ما تملك كفٌّ من سخاء
***
***
رب كرم مده الليل لنا
فتواثبنا له نبغي اقتطافَهْ
وعلى خيمته أسوده
عربي الجود شرقي الضيافَهْ
وجد العرس على بهجته
وسناه دون ورد فأضافَهْ
ثم وارت يدَه جنيةٌ
وطوته بأساطير الخرافَهْ...
***
***
أرج يعبق في أنحائه
حملته نحو عرشينا الرياحْ
كل عطر في ثناياه سرى
كان سرّاً مضمراً فيه فباحْ
يا لها من حقبة كانت على
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ
نتمنى كلما طابت لنا
أن يظل الليل مجهول الصباحْ
***
***
يا فؤادي العمر سفرٌ وانطوى
وتبقتْ صفحة قبل النوى
ما الذي يغريك بالدنيا سوى
ذلك الوجه، وذياك الهوى
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> العائد
العائد
رقم القصيدة : 63557
-----------------------------------
أجرْ غربتي أيها العائدُ
فقد ملّني الداءُ والعائدُ
أجرْ غربتي فبلادي الهموم
وليلٌ بطيء الخطى راكدُ
تقاسمني في نواك الديار
وأنتَ لي الوطن الواحدُ
محياك داري ومنك نهاري
إذا ضمك الصدرُ والساعدُ
أجرْ شفتي من عذاب الظما
أما أذن اللهُ أن ترحما!
أتمعن في الهجر حتى ترانا
بكينا دما واحترقنا فما؟
ولي رمقٌ صنتُهُ كي أراك
فاشفِقْ على رمقي ريثما
إذا طلب الحبُّ برهانَهُ
من الموت لبَّيتُ كي تعلما..
لياليّ مرت هباء عقيما
فهل تتوالى البواقي سدى؟
أسائل جرحيَ عمن جناهُ
وارنو فاستخبر العودا
فما اطلعوا اليوم بالبشريات
ولا عللوا بالتلاقي غدا...
فلما تنكرَ حتى المحب
تلفت أسألُ عنك العدا
***
***
سلام على غائب عن عيوني
حملت حطامي إلى دارهِ
وقلت لقلبي تمهل بنا
وخبئ شقاءَك أو دارهِ
تناسَ الأسى ها هنا أو يقال(69/25)
حملتَ الظلامَ لأنوارهِ...
أتغدو إلى عتبات النعيم
بلفحِ الجحيم وإعصاره!..
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> زازا
زازا
رقم القصيدة : 63558
-----------------------------------
أنا وحدي في البيدِ حيرانُ هائمْ
فمتى تذكرُ القفارُ الغمائمْ
رحمةً يا سماء إن فمي جفّ
وحلقي عن المواردِ صائمْ
غاض نبع المُنى ولم يبقَ حتى
ومضة الحلم في محاجر نائمْ
أيها الطاعم الكرى ملء جفنيك
وجفني من الكرى غيرُ طاعمْ
أَبكني واستبِد بي واقضِ ما شاء
لك الحسنُ فيَّ وظلِمْ وخاصمْ
غير هذا النوى فإن لياليه
ظلالٌ من المنايا حوائمْ
تضمحلُّ الحياةُ فيه وتنهدُّ
كأن النهارَ معْولُ هادمْ
لا تكلْني لذلك الأبد الأسود
في قاع مُزبدِ اللُّج قاتمْ
لا تكلني لِهُوَّة تعصف الأشباحُ
في جوفها وتعوي السمائمْ
لا تكلْني إلى جناحِ عُقابٍ
في ضلوعي محَلِّق الرعبِ جاثمْ
لا تكلْني إلى جناحِ عُقابٍ
في ضلوعي محَلِّق الرعبِ جاثمْ
لا تكلْني لضائع في حنايا
ها غريب في مهمهٍ من طلاسمْ
يسأل الزهرُ والخمائلُ والأنْوارُ
عن تِربها الضحوك الباسمْ
ذاق ما ذاق في الصبابة إلا
ذبحة الروح وانفصال التوائمْ
إن تَعُدْ محسناً إليّ فعُد بي
للعهود المقدسات الكرائمْ
وإذا ما رأيتَ عزميَ ينهارُ
فثِّبتْ بالذكريات الدعائمْ
جئتني في الخريف والروضُ عارٍ
فكسوتَ الربى عذارى البراعمْ
وأجال الربيع أخضرَ كفّيهِ
ليمحو اصفرارَه المتراكمْ
رحلة للنجوم لم تك أوهاماً
وبعضُ النعيمِ أوهامُ حالمْ
آه كم ليلة أراجع أيامي
أعُدُّ العُلى وأُحصي العظائمْ
وحسبت الخسران فيها فكان
الغبنُ عندي زمانيَ المتقادمْ
قبل أن نلتقي فلما تلاقينا
عرفت الغنى وذقت المغانمْ
حيثما أغتدي فإن الدراري
ملءُ روحي وفي خيالي بواسمْ
إن أبتْ جائعاً فثمّة زادي
أو أبتْ معسراً فثمَّ الدراهمْ
وعجيبٌ قد كنت لي حسد الحساد
فيها وكنت أنت التمائمْ
بالذي صنتُ عهدَه لم أخنْهُ
ومتى خانتِ الأكفُّ المعاصمْ؟(69/26)
والذي حكمه كأقدار عينك
فما منهما ولا منه عاصمْ
أيُّ صوتٍ من الغيوب يناديني
فأطوي له الدُّنى والمعالمْ
قدر مشعلٌ على شفةٍ تدعو
فأخطو على اللظى غيرَ نادمْ
وفؤادي يحومُ بالنار لا يحفل
أني على المنيَّة حائمْ
الهوى مصرعي وكم من حِمامٍ
كان باباً إلى الخلود الدائمْ
وطريقاً من الأسنّةِ والشوكِ
روتْ أرضَه الدموعُ السواجمْ
شهد اللهُ ما قضيتُ الليالي
ناعمَ الجنب فوق مهدٍ ناغمْ
أيُّ جَيشيك مغرقي ليلي الطاغي
أم الشوق وحدهُ وهو عارم؟
آهِ مِن رُبما ومن أملٍ يُمْسكُ
نفسي رجاء يومٍ قادم
قد تجيءُ الأنباءُ من شاطئ النيل
غداً والمبشراتُ النسائمْ
وتكونُ النجاةُ في القمر الساري
على زورقٍ من النورِ حالمْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> بقايا حلم
بقايا حلم
رقم القصيدة : 63559
-----------------------------------
آهِ من وجْدك بالهاجر آه
تتمنى أن تراه؟ لن تراه!
خدعَتْنا مقلتاهُ خدعتْنا
وجنتاه خدعتنا شفتاهْ
والذي من صوته في مسمعي
وخيالي غادرٌ حتى صداهْ
حلم مرَّ كما مر سواه
وكذا الأحلام تمضي والحياهْ
***
***
أين يا ليلاي عهد الهرم
أين يا ليلاي حلو الكلِم؟
هامسات بين أذني وفمي
سارياتٍ غرداتٍ في دمي
كلمات عذبة معسولة
ضيَّعت وارحمتا للقسمِ
ذهبت مثل ذهاب الحلم
إنني أعلم ما لم تعلمي
كيف صدَّقنا أضاليلَ الهوى
بنُهى طفل وإحساس صبي؟
حسبُنا منه سماء لمعتْ
فوق رأسينا وكوخ خشبي
حلم ولّى ووهم لم يدُم
ما تبقّى غير خيط ذهبي!
***
***
ذات يوم في أصيل فاتن
ذابت الشمسُ فسالت ذهبا
كست النيلَ نُضاراً وانثنَتْ
تغمر الصحراء نخلاً وربى
ما على الجيزة أن قدم أبصرتْ
شفقي معتنقاً فجر الصبا
قد رأتنا مثل طيفَيْ حلمٍ
ما عليها أقبلا أم ذهبا!
***
***
قلتُ هيا! قلتِ نمشي سرْ فما
من طريق طال لا نذرعهُ
قلتُ والعمر بعيني كالكرى
وأنا في حلم أقطعهُ
جمع الدهرُ حبيباً وامقاً
بحبيب وغداً ينزعهُ
أطريقان: طريق دونه
في حياتي وطريق معهُ؟(69/27)
***
***
كلما خلَّى حبيبي يده
لحظة قلت وحبّي أبقِها!
أبقها أنفض بها خوف غدٍ
وأحسَّ الأمن منها وبها
أبقها أشددْ بها أزري إذا
ضعُف الأزرُ أو العزمُ وهي
أبقها أُومنْ إذا لامستها
أن حبي ليس حلماً وانتهى
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في ظلال الصمت
في ظلال الصمت
رقم القصيدة : 63560
-----------------------------------
ها أنا عدت إلى حيث التقينا
في مكان رفرفت فيه السعادهْ
رب لحنٍ قص في خاطرنا
قصةَ الساري الذي غنى سهادهْ
سمتَ السّهلُ ولكن أقبلتْ
من ثنايا السهل أصداءٌ بعيدهْ
كلُّ لحنٍ في هدوءٍ شاملٍ
تشتهي النفسُ به أن تستعيدَهْ
فإذا ما ذهب الليلُ بها
تزخرُ النفسُ بأصداءٍ جديدهْ
***
***
ناقلاً للنّهر والسهل معاً
قصةً يشرحُها عنك وعني
ما الذي في خصلة راقدة
ما الذي في خطِّه أو كتبِهْ؟
ما الذي في مجلس يألفه
عقد الحب عليه موعده
ربما يبكي أسىً كرسيُّه
إن نأى عنه وتبكي المائده
ولقد نحسبها تسألنا
حين نمضي أفراق لعِدَه؟
وهي لو تملِك كفّاً صافحت
كفَّكِ الغضّة في كل مساء
وعلى خيمته حارسه
عربي الجود شرقي الضيافهْ
وجَد العرس على بهجته
وسناه دونَ وَرْدٍ فأضافهْ
أرجٌ يعبقُ في جُنحِ الدّجى
حملَته نحو عَرْشيْنا الرياحْ
يا لها من حقبة كانت على
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ
نتمنى كلما امتدت بنا
أن يظل الليل مجهول الصباحْ
إنما الدنيا عُبابٌ ضمَّنا
وشطوطٌ من حظوظ فرَّقتنا
ومعاني الحسن تترى وأنا
ناظرٌ فيها لمعنىً خلف معنى
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها
أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالكْ
ولقد تزخر بالنور وكم
من ضياء وهو من غيرك حالكْ
***
***
أين يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتبى
لهواه واصطفاه لي خدينا؟
لم أكن أطمع أن تُضمِر لي
آسياً يُبرئُ لي الجرح الدفينا
***
***
لا تمِل واسخرْ من الدنيا إذا
شاءت الأيام يوماً أن تميلا
ما الذي مكَّن في القلب الودادْ
ما الذي صبَّك صبّاً في الفؤادْ؟
ما الذي ملَّك عينيك القيادْ(69/28)
ما الذي يعصف عصفاً بالرشادْ؟
يا لها من حقبة كانت على
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ
ما الذي إن أُقصهِ عنيَ عادْ
طاغياً سِيّان قربٌ أو بعادْ؟
نتمنى كلما امتدت بنا
أن يظل الليل مجهول الصباحْ
ما الذي يخلقنا من عدم
ما الذي يُجري حياة في الجمادْ؟
***
***
أنا إن ضاقت بيَ الدنيا أفئْ
لثوانٍ رحبةٍ قد وسِعتنا
كم حبيب بَعُدت صهباؤه
وتبقت نفحة من حبَبهْ
في نسيج خالدٍ رغم البلى
عبث الدّهرُ وما يعبث به
أين سلطاني ومجدي والذي
حبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعزَّه؟
إنما الدنيا عُبابٌ ضمَّنا
وشطوطٌ من حظوظ فرَّقتنا
أين إلهامي ونوري والذي
أيقظَ القلبَ إلى البَعْثِ وهَزَّه؟
ولقد أطفو عليه قلِقاً
غارقاً في لحظةٍ قد جمعتنا
ومعاني الحسن تترى وأنا
ناظرٌ فيها لمعنىً خلف معنى
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها
أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالكْ
ربما تزخر بالحسن وما
في الدًّمى مهما غلت سحر جمالكْ
ولقد تزخر بالنور وكم
من ضياء وهو من غيرك حالكْ
لو جرت في خاطري أقصى المنى
لتمنيت خيالاً من خيالكْ!
قلت للّيل الذي جلّلنا
والذي كان على السرِّ أمينا
أين يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتبى
لهواه واصطفاه لي خدينا؟
لم أكن أطمع أن ترحمني
بعد أن قضَّيت في الوجد السنينا
لم أكن أطمع أن تُضمِر لي
آسياً يُبرئُ لي الجرح الدفينا
لم أكن أعلم يا ليل الأسى
أن في جنحك لي فجراً جنينا
أيها اللائذ بالصمت كفى
وأدِر وجهَكَ لي وانظرْ طويلا
لا تمِل واسخرْ من الدنيا إذا
شاءت الأيام يوماً أن تميلا
ما الذي مكَّن في القلب الودادْ
ما الذي صبَّك صبّاً في الفؤادْ؟
ما الذي ملَّك عينيك القيادْ
ما الذي يعصف عصفاً بالرشادْ؟
ما الذي إن أُقصهِ عنيَ عادْ
طاغياً سِيّان قربٌ أو بعادْ؟
ما الذي يخلقنا من عدم
ما الذي يُجري حياة في الجمادْ؟
كم حبيب بَعُدت صهباؤه
وتبقت نفحة من حبَبهْ
في نسيج خالدٍ رغم البلى
عبث الدّهرُ وما يعبث به
أين سلطاني ومجدي والذي
حبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعزَّه؟(69/29)
أين إلهامي ونوري والذي
أيقظَ القلبَ إلى البَعْثِ وهَزَّه؟
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> نأى عني
نأى عني
رقم القصيدة : 63561
-----------------------------------
قد نأى عني الذي يرحمني
والذي يفهم آلامي وروحي
والذي أعبد منه غُرَّةً
كندى الأزهار في الوجه الصبيحِ
والذي أشتَمُّ منه غادياً
عبقَ الأنداءِ في الوادي الصدوحِ
آه يا هند جراحي كثُرَت
فتعاليْ ضمدي أنتِ جروحي!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> قصة حب
قصة حب
رقم القصيدة : 63562
-----------------------------------
مرت حياتي دون أمنيةٍ
وتقلّبت مَللا على مللِ
حتى لقيتكِ ذات أمسية
فعرفت فيكِ مطالع الأمل
***
***
طافت بي الأيامُ واحدة
لم تلقني فرحاً ولا جزعا
وتمرّ فارغة وحاشدة
وقد استوت ضِيْقا ومتسعا
***
***
والعمرُ سارَ كأنه العدمُ
سقمي به عندي كعافيتي
فأذقني ما لم يذقه فمُ
من أي كأس كنت ساقيتي؟
***
***
ما هذه الدنيا التي اقتربتْ
فيها المنى والظلُّ والثمرُ؟
تجتاز وامضة فمذ وثَبَتْ
وثَبَ الهوى وتمهَّلَ القدرُ!
***
***
قدماك ما انتقلا على درج
حاشك بل خطرا على ثبجِ
كسفينة خفّت على اللجج
نشوى بما حملت من الفرَجِ!
***
***
في مظلم متعرج كابٍ
والليل تغزوني جحافلهُ
دقّت يدُ النعمى على بابي
والعيش خابي النجم آفلهُ
***
***
يا للمقادير الجسام ولي
من ظلمها صرخات مجنون
باكي الفؤاد مشرّد الأمل
وقف الزمان وبابه دوني
مزّقتِ ظلمة كل ديجورِ
وألنت ما قد كان منه عصَى
وفتحتِ مصراعيه للنورِ
ما كنتِ إلا ساحراً وعصا
***
***
ماءٌ ضربتُ الصخر فانبجسا
وجرى الغداةَ زلالهُ العذبُ
أيقول دهري إن ما يبسا
هيهات يرجع عودهُ الرطبُ
صيّرت دعواه لتفنيدِ
وحطَّمته وهزمت حجّتهُ
وأعدتِ ما جفّ من عودي
مخضوضراً وأقمت صعدتَهُ!
***
***
يا من رأت طلالاً كتمثالِ
يستعرض العمرَ الذي مرَّا
وكأنه في رسمِهِ البالي
ندم الأسيف ودمعة حرَّى
ورد ذوي أو طائر صمتا(69/30)
العمر مثل الظلّ منتقل
الناس لا يدرون من ومتى
والناس إن علموا فقد جهلوا
ما خطبهم في روضة حالت
أو صوّحت أفنانها الخضُل
نزل الربيع بها فنضّرها
وأحالها بشبابه لحنا
ومشى الشتاءُ لها فغبّرها
وأحالها لفظاً بلا معنى
***
***
هذا حديثٌ يشبه السِّحرا
هيهات أفرغ من روايتهِ
شفق المغيب جعلته فجرا
وبدأت عمري من نهايتهِ
إني لطيرٌ حائر باكِ
قد كانتْ الأحزانُ فلسفتي
ذابيت حناناً يوم لقياكِ
وجرت أغاريداً على شفتي
***
***
يا من طويت عليه جارحتي
وسألت عنه الأنجمَ الزّهرا
وضربت في الصحراء أجنحتي
أستلهم الكثبانَ والقفرا
والماء أنهَل حيثما كانا
والبرق أتبع حيثما لمعا
فأرى صفاءَ الوردِ غيمانا
والمطلقُ المجهولُ ممتنِعا!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> بقية القصة
بقية القصة
رقم القصيدة : 63563
-----------------------------------
كلاّ ولا لغة له إلا الذي
قد جال في عينيك أو عينيّا
***
***
أنتِ التي علمتِني معنى الحياة
حبيبةً ونجيَّةً وصديقا
لا تسأليني عن غدٍ لا تسألي
فغداً أعود كما بدأتُ غريبا
***
***
بَكياكِ بالحبَب الحزين وربما
بكت الكؤوسُ على النديم السالي!
وكأن راهبة هناك سجينةٌ
مغمورة بدموعها وعذابها
حتى إذا عفتِ الصبابةُ وانقضى
ما بيننا أقبلت أسألهنَّ
يا زهرة عذراء تنشرُ عطرَها
وتذيعُ في جفن الضُّحى أحلامها
وحبيس شجوٍ في دمي أطلقته
متدفقاً ودعَوتُه أشعارا
يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى
ركني وأقفر موئلي وملاذي
هل كان عهدَكِ قبل تشتيت النوى
إلا مخالسة الخيال الطارق؟
شفتاكِ في لجِّ الخواطرِ لاحَتا
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر
***
***
***
***
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها!
إن كان داءً فالسقامُ دواؤَه
أو كان ذنباً فالمآب قصاص!
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً
وإلى الفناء مشينَ جِدَّ سِراعِ
يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا
وهناك تشرقُ في الحمى والدُّورِ(69/31)
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي
وأنا الذي أشقى بهذا النورِ!
قد كان قلباً فاستحال على المدى
لحناً تناقله الرواةُ فسارا!
يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى
ركني وأقفر موئلي وملاذي
***
***
والدهر يغريني فأُعرض لاهياً
فيظل يفتنُني بتلك وهذي
يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى
ركني وأقفر موئلي وملاذي
نعطي نأخذ في الحديث ومقلتي
مسحورةٌ بجمالك الأخَّاذِ
والدهر يغريني فأُعرض لاهياً
فيظل يفتنُني بتلك وهذي
والدهر يَهزل والغرام يجدُّ بي
ما كنتِ ساخرة. ولا أنا هاذي
هل كان عهدَكِ قبل تشتيت النوى
إلا مخالسة الخيال الطارق؟
***
***
أو لمعةٌ لم تتئدْ ذهبتْ بها
دكناء مدَّتْ كفها من حالقِ
هل كان عهدَكِ قبل تشتيت النوى
إلا مخالسة الخيال الطارق؟
إشراقة وطغى عليها مَغرب
غيران يخطفها كخطف السارقِ
أو لمعةٌ لم تتئدْ ذهبتْ بها
دكناء مدَّتْ كفها من حالقِ
شفتاكِ في لجِّ الخواطرِ لاحَتا
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر
وكأن ثغرَك والنوى تعدو بنا
شفقٌ يلوحُ على نضيد زنابقِ
إسعادُ ملهوفٍ ونجدةُ غارقٍ
وعناقُ أحبابٍ وعَودُ مسافرِ
شفتاكِ في لجِّ الخواطرِ لاحَتا
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر
لهما إذا التقتا على أغرُودةٍ
خرساء في ظلِّ الجمالِ الساحرِ
إسعادُ ملهوفٍ ونجدةُ غارقٍ
وعناقُ أحبابٍ وعَودُ مسافرِ
***
***
وبراءةُ الملكِ المتوجِ حُسنه
بجمالِ رحمنٍ وطيبةِ غافرِ
***
***
صحب الحياة فآده استصحابُها
ركبٌ على طرقِ الحياةِ كليلُ
فتلفَّتَ الساري لعل لعينه
يبدو صباحٌ أو يلوحُ دليل
خدعت ضلالاتُ الحياةِ تبيعَها
والدربُ وعرٌ والطريقُ طويل
فتلفَّتَ الساري لعل لعينه
يبدو صباحٌ أو يلوحُ دليل
***
***
فبدا له نورٌ وأشرق منزلٌ
أَلِقٌ ورفت جنةٌ وخميل
***
***
يحمي مغارسَها ويرعى نبتها
راعٍ يجنِّبُها البلى ويقيها
لكِ في خيالي روضةٌ فينانةٌ
غنّى على أغصانِها شاديها
يحمي مغارسَها ويرعى نبتها
راعٍ يجنِّبُها البلى ويقيها(69/32)
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها!
فإذا النوى طالت عليَّ وشفَّني
جرحي وعاد لمهجتي يدميها
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها!
فيكون فيه القيد وهو تحرّرَ
* ويكون فيه الموت وهو خلاصُ
***
***
بعض الهوى فيه الدمارُ وإنما
بعض النفوس على الدمار حراصُ
إن كان داءً فالسقامُ دواؤَه
أو كان ذنباً فالمآب قصاص!
فيكون فيه القيد وهو تحرّرَ
* ويكون فيه الموت وهو خلاصُ
آمنت بالحب القوي وحتمه
ما من هوايَ ولا هواكِ مناص
فسخرْتُ من صرخاتِهم وبكائهم
لا دمع إلا الدمع في أحداقي
إن كان داءً فالسقامُ دواؤَه
أو كان ذنباً فالمآب قصاص!
أصبحتُ والدنيا وداع أحبَّةٍ
ودموع خلاّن وحزن رفاقِ
متدفقاً مثل العُباب ومزبداً
متفجراً كالسيل في أعماقي!
فسخرْتُ من صرخاتِهم وبكائهم
لا دمع إلا الدمع في أحداقي
لا صوت إلا صوت حبك في دمي
أُصغي له وأراه في أطواقي
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً
وإلى الفناء مشينَ جِدَّ سِراعِ
متدفقاً مثل العُباب ومزبداً
متفجراً كالسيل في أعماقي!
ساهراتُ أحلامَ الظلامِ وكلها
أشاح هجر أو طيوف وادعِ
أبصرتُ في المرآة آخرَ قصتي
ونَعى بها نفسي إليَّ الناعي!
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً
وإلى الفناء مشينَ جِدَّ سِراعِ
حتى إذا سَفكَ الصباحُ دماءَهُ
وهوى قتيلُ الليلِ بعد صِراعِ
يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا
وهناك تشرقُ في الحمى والدُّورِ
أبصرتُ في المرآة آخرَ قصتي
ونَعى بها نفسي إليَّ الناعي!
***
***
وأُحِسُّ في نفسي نقاءَ سمائِها
أَصفى برونقِها من البَلُّورِ
يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا
وهناك تشرقُ في الحمى والدُّورِ
ومن الشموس دفينةٌ في خاطري
مخبوءةُ الأضواء طيَّ شعوري
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي
وأنا الذي أشقى بهذا النورِ!
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي
وأنا الذي أشقى بهذا النورِ!
وأُحِسُّ في نفسي نقاءَ سمائِها
أَصفى برونقِها من البَلُّورِ(69/33)
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي
وأنا الذي أشقى بهذا النورِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> خاطرة
خاطرة
رقم القصيدة : 63564
-----------------------------------
نارٌ من الشوقِ إثرَ نارْ
فلا هدوءٌ ولا قرارْ
إنك لي مبدأ وَعَوْدٌ
منك إلى صدرك الفِرارْ
يا مرفأ الروحِ لا تدعْني
بلا دليلٍ ولا منارْ
موجٌ وريحٌ وزحفُ ليلٍ
فمن دمارٍ إلى دمارْ
إن أنت أخلفت وعد حبي
لم تؤوني في الديارِ دارْ
وليسَ لي في الهوى اصطبار
وليس لي دونك اختيار
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ظلام
ظلام
رقم القصيدة : 63565
-----------------------------------
لا تقلْ لي ذاك نجمٌ قد خبا
يا فؤادي كلُّ شيءٍ ذهبا
هذه الأنوارُ ما أضيعها
صِرْن في جنبي جراحاً وظبى
***
***
فإذا حبُّكِ يطغى مُزبداً
كدفوق السل طُغيان الجنونْ
ما على الهجر معينٌُ أبداً
وعلى النسيان لا شيء يُعينْ
ذلك الحب الذي فُزت بهِ
لا أُبالي فيه ألوان الملامَهْ
إنه مزَّق قلبي قسوةً
وسقاني المرَّ من كاس الندامَهْ
***
***
ذلك الحب الذي صوَّر من
مُجدِب القفرِ لعينيَّ ربيعا
وجلا لي الكونَ في أعماقه
أعيُناً تبكي دماءً لا دموعا
قدرٌ نكَّس مني هامتي
آذن الدهر ببَينٍ وأِذنتِ
لهفَ قلبي لهفة لا تنقضي
كنت دنياي جميعاً كيف كنتِ؟
كنتِ في برجٍ من النور على
قمة شاهقة تغزو السحابا
فَرِحٌ بالنورِ والنارِ معاً
طار للقمَّةِ محموماً وآبا
***
***
وهو عمرٌ كاملٌ عشتُ به
كلَّ أعمارِ الورى مجتمعات
***
***
واغنمي نفح الصّبا وانتقلي
في الصِّبا الممراحِ من غصنٍ لغصن
لن يُحبّوكِ كحبي! لن ترَيْ
ضاحكاً مثلي ولا حزناً كحزني!
زعموا أنيَ قد خلّدْتُها
بأغانيَّ وألحاني العِذاب
لم أزل أقرأُ حتى سجدوا
وجعلتُ الخُلدَ عنوانَ الكتاب
يا ابنة الأصدافِ والبحرُ أبي
قبل أن يُلقي بي الموج هنا
إن هجَرْنا القاعَ والليلَ إلى
قممٍ شُمٍّ وعشنا في السَّنا
***
***
اسألي عن مقلة مخلصة(69/34)
خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ
بعدما غوَّر نجمي ودليلي
ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟
الغريبان عليها التقيا
يستعينان على الدربِ الطويلِ
***
***
ما الذي نصنعُ بالعيش إذا
ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟
عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ
وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ
عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً
وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ
***
***
أدَّعي أني مقيم وغداً
ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ
كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها
رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ!
يا دياراً يومها من سُحُبٍ
وغيوم وضباب أُفق غدْ
ضاع عمرٌ وحصاد وغدا
من هشيم كل ما كنت أعِدْ!
قُم بنا والكون جهم كالدجى
نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا
لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن
في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا
***
***
انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ
آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ
***
***
هذه الأكذوبةُ الكبرى التي
خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه!
نحمدُ اللهَ على أنَّا بها
لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه
عبَثاً أهربُ من نفسي ومن
ذلك الساكنِ روحي والبدنْ
أينما أمضي فحوْلي ذِكَرٌ
وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ
أنا لا أدري متى كان ولا
أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ
عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ
متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ
مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ
مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ
نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ
واحدٌ حتى الردى متحدان!
***
***
عاصفٌ عاتٍ تمنيت له
هدأةً أين له ما تطلبينْ
اسألي عن مقلة مخلصة
خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ
سهرتْ ترعاك مهما لقيتْ
في سبيل العهد والودِّ المكينْ
أقسمتْ لا تسأل النومَ ولا
تطلبُ الرحمةَ منه بعض حينْ!
بعدما غوَّر نجمي ودليلي
ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟
في طريق الشوكِ والصخرِ وفي
شُعَب الإرهاقِ والكدِّ الوبيلِ
الغريبان عليها التقيا
يستعينان على الدربِ الطويلِ
ما انتفاعي بحياتي بعدما
ساقكِ التَّيَّارُ في غيرِ سبيلي؟
***
***
يا لجهل اثنين أقدارهما
آه يا ليتهما قد عَرَفا!
ما الذي نصنعُ بالعيش إذا(69/35)
ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟
ما الذي نصنع بالعيش إذا
ما السبيلان عليه اختلفا؟
ما الذي نصنع بالعيش إذا
صار تذكاراً فأمسى أسفا؟
عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ
وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ
عندما يكشِف بؤسٌ وجههُ
سافِرَ اللعنةِ مفقودَ الخلاقِ
عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً
وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ
يا فؤادي انظرْ وفكرْ وأفقْ
أيُّ قيدٍ لكَ بالأحبابِ باقِ؟
***
***
كلُّ جِدٍّ عَبَثٌ والدهرُ ساخرْ
وخبيءُ السر للعينين ظاهرْ
أدَّعي أني مقيم وغداً
ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ
عندما صافحتُ خانتني يدي
ووشى خافٍ من الأشجان سافرْ
كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها
رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ!
***
***
يا دياراً يومها من سُحُبٍ
وغيوم وضباب أُفق غدْ
كل نبت عبقريٍّ أطْلعتْ
جعلت منه طعاماً للحسَدْ
أَخْلَفَ الميثاقُ من كان بها
كل آمالي فلم يبقَ أحدْ
ضاع عمرٌ وحصاد وغدا
من هشيم كل ما كنت أعِدْ!
***
***
قُم بنا والكون جهم كالدجى
نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا
وانجُ منه ببقايا رمَقٍ
أو حطام وقليلٌ مَنْ نجا
لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن
في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا
واسألِ الرحمنَ أن يُصْلحَ عهداً
كسيحاً وزماناً أعرجا
***
***
عشتُ وامتدَّتْ حياتي لأرى
في الثرى من كان قبلاً في القممْ
انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ
آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ
مَن يكنْ عَضَّ بناناً نادماً
فأنا قطَّعتُ إبهامَ الندَم
وإذا انحطَّ زمانٌ لم تجدْ
عالياً ذا رفعةٍ إلا الألمْ!
***
***
ضِحكةٌ ساخرةٌ هازلةٌ
وخيالٌ تافهٌ هذي الحياهْ
هذه الأكذوبةُ الكبرى التي
خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه!
ذلَّ فيها المالُ والجاهُ إلى
أن غدا أحقرها مال وجاه
نحمدُ اللهَ على أنَّا بها
لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه
***
***
عبَثاً أهربُ من نفسي ومن
ذلك الساكنِ روحي والبدنْ
من لقلبٍ مستطار اللَّبّ مَن
كلما عاوده التذكارُ جُنّ
أينما أمضي فحوْلي ذِكَرٌ
وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ(69/36)
وربيعُ دائمُ الخضرةِ في
روضةِ النفسِ وطيرٌ وفننْ
قصةٌ خالدةٌ لا تنتهي
وهي ما كان لها يومُ ابتداءِ
أنا لا أدري متى كان ولا
أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ
حينما لاحَ شِهابٌ في سمائي
أسمرُ النورِ رفيعُ الخُيَلاءِ
عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ
متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ
هو في الأفقِ بعيدٌ وهو دانِ
هو لي نفسي وروحي وكياني
مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ
مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ
هو شطْرُ النّفسِ لا توأمُها
هو منها هو فيها كل آنِ
نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ
واحدٌ حتى الردى متحدان!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> وحيد
وحيد
رقم القصيدة : 63566
-----------------------------------
إني على كاسي أُعيد السنين
وأبعثُ الماضي البعيدَ الدفينْ
وما الذي يُجدي طعينَ الهوى
لَمْسُكِ يا هندُ جراحَ الطعينْ
كم أزرع السّلوانَ في خاطري
وكيف ينمو في مَحيلٍ جديبْ؟
الجامُ يبكي لوعةً ام أنا
جامي غريبٌ وفؤادي غريبْ
***
***
لم يَجْرِ همسٌ لك في خاطرٍ
إلا جرى عندي كأني صداكْ
أصونُ حزني لك حتى اللقا
وأحبسُ الفرحَةَ حتى أراكْ
حَبَستُ هذا الصوتَ لم ينطلقْ
إلا على حزنكِ أو فرحتِكْ
***
***
وَافرَحِي اليومَ بحريَّتي
بأيِّ ليل مدلهمٍّ أطير
كم شُعَبٍ لاحتْ فلم تختلفْ
لأيِّها نغدو وأنّى نسيرْ
***
***
هيهات تدرين انطلاقَ الهوى
كجمرةٍ نضّاحةٍ بالدمِ
وصارخاً كبحتُه في فمي
وطاغياً كبّلتُه في دمي
لا أنت تدرين وما من أحدْ
بواصف حسنَكِ مهما اجتهدْ
أو مدرك عمق المعاني التي
في لمحةٍ عابرةٍ تحتشدْ
أنكرتُها طُرّاً ولم أعترفْ
إلاّ بطيبٍ جاء من جنّتك!
***
***
وَافرَحِي اليومَ بحريَّتي
بأيِّ ليل مدلهمٍّ أطير
رُدِّي على قلبي قيودَ الأسير
وذلك الصبحَ الوضيءَ المنيرْ
كم شُعَبٍ لاحتْ فلم تختلفْ
لأيِّها نغدو وأنّى نسيرْ
بعد سِني الأنوار خلّفتِ لي
جهم المساعي وخفِيَّ المصيرْ
***
***
علمتِ حالي؟ لا وحقِّ الذي
صيَّرني أشفِق أن تعلمي(69/37)
هيهات تدرين انطلاقَ الهوى
كجمرةٍ نضّاحةٍ بالدمِ
هيهات تدرين وإن خِلتِه
وثبَ الهوى الضاري وفتكَ الظمي
وصارخاً كبحتُه في فمي
وطاغياً كبّلتُه في دمي
***
***
لا أنت تدرين وما من أحدْ
بواصف حسنَكِ مهما اجتهدْ
أو بالغٍ سرَّ الذكاءِ الذي
يكادُ في لحظِكِ أن يتّقِدْ
أو مدرك عمق المعاني التي
في لمحةٍ عابرةٍ تحتشدْ
أو فاهم فن الصناع الذي
أبدع الاثنين: الحِجا والجسدْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> أطلال
أطلال
رقم القصيدة : 63567
-----------------------------------
يا من بِواديهِ حَطَطْتُ الرحالْ
ورحَّبتْ بي وارفاتُ الظلالْ
بسطتََ كالآباد عمر المنى
لطامع في لحظاتٍ قِلالْ
***
***
أمهلْ فؤادي ساعةً ريثما
أخلعُ عن قلبي سرابَ الضلالْ
خليعةُ الطبعِ على كُثبها
عربدةُ الريحِ وكفرُ الرمالْ
خلعتُ إيماني على شكِّها
وبدَّدتْه السارياتُ الثِّقالْ
نادتنيَ الصحراءُ وهْي التي
آدَتْ جحيمي في السنين الطوالْ
تُريد سرِّي إن سرِّي هنا
في مُغلقٍ أسرارُه لا تنالْ
خليعةُ الطبعِ على كُثبها
عربدةُ الريحِ وكفرُ الرمالْ
قالت بهذا الصمت ما لم يُقلْ
وقلت بالزفْرات ما لا يُقالْ
هيهات للقلب صلاة بها
ولا عليها معبد وابتهالْ
خلعتُ إيماني على شكِّها
وبدَّدتْه السارياتُ الثِّقالْ
نادتنيَ الصحراءُ وهْي التي
آدَتْ جحيمي في السنين الطوالْ
تُريد سرِّي إن سرِّي هنا
في مُغلقٍ أسرارُه لا تنالْ
قالت بهذا الصمت ما لم يُقلْ
وقلت بالزفْرات ما لا يُقالْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ذنبي
ذنبي
رقم القصيدة : 63568
-----------------------------------
أيكون ذنبي أن رفعتُك
وارتفعت إلى السماءْ؟
وعلى جناحك أو جناحي
قد رقيتُ إلى الصفاءْ
إن كان حقّاً أو خيالاً
فهو وَثْبٌ للضياءْ
وتحرُّرٌ مما جناه
طينُ آدم في الدماءْ
أيكون ذنبي أن جعلتُكِ
فوق عرش من سناءْ
وجثوت في محراب قُدْ
سكِ عابداً هذا الرُّواءْ
أيكون ذنبي أنني(69/38)
بك أحتمي من كل داءْ
وأراك عافيتي فأضْرعُ
طالباً منكِ الشفاءْ
أيكون ذنبي أن أراك
لخاطري قَبَساً أضاءْ
وأُحسنُّ وحيَكِ من علٍ
لي دون أهل الأرض جاءْ
أيكون ذنبي أن يُناط
بك التعلُّل والرجاءْ
وإليك شكوى القلبِ نجوى
الروحِ أجمع النداء
أيكون ذنبي أن أحبّكِ
لي من الدنيا وقِاءْ
فإذا رضيتِ فإن نعمَتَها
ونقمتَها سواءْ؟
أيكون ذنبي .. أي ذنب
صار لي إلا الوفاءْ
إني عشقتكِ ما طلبتُ
على محبّتيَ الجزاءْ
مَن همُّه هَمّي سيحمل
من حبيبٍ ما يشاءْ
ولقد يُساءُ فما يرى
من حُبِّه أحداً أساءْ
قد كان عندي عزَّه
بصبابتي ولي احتماءْ
إن لانَ عودي للخطوبِ
شدَدتِ أزري باللقاءْ
أنسيتِ كيف نسيتِ يادنيا
على الدنيا العفاءْ!
يا للهوى لا صَبح لي
ألإِ هواكِ ولا مساءْ
أشوامخُ الأحلامِ والمثلُ
الرفيعةُ كالهباءْ؟
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الطائر الجريح
الطائر الجريح
رقم القصيدة : 63569
-----------------------------------
أيُّ جوادٍ قد كبا
وأيُّ سيفٍ قد نبا
تعجبتْ زازا وقد
حقَّ لها أن تعجبا
لما رأتْ فيَّ شحوب
الشمسِ مالت مغربا
وهي التي زانت مشيبي
بأكاليل الصِّبا
وهي التي قد علّمتْني
حين ألقى النُّوبا
كيف أُداري النابَ إن
عضَّ وأخفي المخلبا
لاقيتُها أرقصُ بشراً
وأُغني طربا
وهي التي تهتك سِتْرَ
القلبِ مهما انتقبا
لا مغلقاً تجهله
يوماً ولا مُغَيّبا
في فطنةٍ تومضُ حتّى
تستشفَّ ما خبا
رأتْ وراء الصدرِ طيراً
قلِقاً مضطربا
في قفصٍ يحلمُ بالأفقِ
فيلقى القُضُبا
إنَّ زماناً قد عفا
وإنَّ عمراً ذهبا
وصيّرتْهُ طارقاتُ
السقمِ وَقراً متعبا
ورنَّقتْ موردَهُ
أنّى له أن يَعُذبا؟
إني امرؤٌ عشت زماني
حائراً معذَّبا
عشت زماني لا أرى
لخافقي منقلبا
مسافراً لا قوم لي
مبتعداً مغتربا
مشاهداً عَلِّيَ في
مسرحِهِ أن ارقبا
رواية مُلَّت كما
مُلَّ الزمانُ معلبا
وظامئاً مهما تُتَحْ
موادٌ أن أشربا
وجائعاً لا زادَ في
دناي يشفي السغبا(69/39)
فراشة حائمة
على الجمال والصبا
تعرَّضت فاحترقت
أُغنية على الربى
تناثرت وبعثرت
رمادها ريح الصّبا
أمشي بمصباحي وحيداً
في الرياح متعبا
أمشي به وزيتُه
كاد به أن ينضبا
وشد ما طال الصراع
بيننا واحربا
ريحُ المنايا تقتضيني
نسماتي الخُلّبا
وليس بالأحداث فيما
قيل أو ما كتبا
كالعمر والسقم إذا
تحالفا واصطحبا
لولاك ما قلت لشيء
في الوجود مرحبا
ولم أَجد ركناً غنّياً
بالحنانِ طيِّبا
أنتِ التي أقمت مر
فوعَ البناءِ من هَبا
وإنني الصخرُ الذي
أردتِ أن لا يُغلبا
ويضرب البحرُ عليه
موجَه منتحبا
علمتِ يأسي وجنوني
وجهلتِ السببا
يا أملي إنك يأسُ
القلبِ مهما اقتربا
يا كوكباً مهما أكن
من بُرجه مقرَّبا
فإنه يظل في السَّمْتِ
البعيدِ كوكبا
وأين مني فلك
قد عزّني مطَّلبا
ليس إلى خياله
إلا السهاد مركبا
أستبطئُ الريحَ له
وأستحثُّ الكتبا
ولو طريق حبّه
على القتاد والظُّبا
وقيل للقلب هنا الموتُ
فعُدْ تسلم أبى
إني امرؤٌ عشتُ زماني
حائراً معذّبا
لا أحسِب الأيام فيه
أو أعُدُّ الحِقبا
ضقتُ بها كيف بمن
ضاق بها أن يَحسبا
تغيّرتْ واختلفتْ
وسائلاً ومطلبا
وارتفعتْ وانخفضتْ
طرائقاً ومأربا
سلوت على الحالين حُمْلاناً
بها وأذؤُبا
وشاكلتْ لناظري
سهولَها والهُضُبا
دخلتها غِرّاً وعدت
فانياً مجرِّبا
لا أسأل الأيام عن
أعمالها معَقِّبا
إن كان هذا الدهر فيما
جرَّه قد أذنبا
فإنه تاب وأدَّى
وعدَهُ المرتقبا
لقاكِ ماحٍ للذنوب
كيف لي أن أعتبا
ضممتُ عطْفيْكِ غداة
الروع أبغي مهربا
كم خفتُ من أن تذهبي
وخفتِ من أن أذهبا
كأن طفلاً خائفاً
في أضلعي حلَّ الحُبى
يضرب ما اسْتطاع على
جدرانها أن يضربا
يكافحُ الأمواجَ أو
يصرعُ جيشاً لجبا
إن بَعُد الشطُّ فقد
آن له أن يقرُبا
أنتِ الحياةُ والنجاةُ
والأمانُ المجتبى
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> القمة
القمة
رقم القصيدة : 63570
-----------------------------------
يا أيُّها العالي الغفورُ الصفوحْ(69/40)
هل ترحم القمَّةُ ضعْف السُّفوحْ
تاجُك في النور غريقٌ وفي
عرشك غبَّى كل نجمٍ صَدُوحْ
وأين هامات الربى نُكِّسَتْ
من هامةٍ فوق مُنيفِ الصُّروحْ؟
وأين أوراقٌ خريفيّةٌ
أرْجَحَها الشكُّ فما تستريحْ
من باسقٍ راسٍ به خضرَةٌ
ثابتةُ الرأي على كل ريحْ
بَرئتَ من هذي الوهادِ التي
نَغْدُو على أنّاتِها أو نروحْ
وأين في مبتسمات الذرى
برق الأماني من وميض الجروحْ؟
أصغِ لهذي الأرضِ واسمعْ لما
تشكو، لمن غيرك يوماً تبوحْ؟
تطفو على طوفان آلامها
وأين في آلامها فُلْكُ نوح
أروع شيء صامت في العُلى
أفصح مفْضٍ بالبيانِ الصريحْ
يعيِّر الأرضَ إذا أظلمتْ
بما على مفرقِه من وضوح
هل تسخرُ الحكمةُ مما بنا
من نزواتٍ وعنانٍ جَموحْ
حمقى، قُصارى كل غاياتنا
عزمٌ مَهيضٌ وجناحٌ كسيحْ
أُعيذ عدل الحقِّ من ظلمنا
فكم على القِيعان نسْر جريحْ
أنت له كل الحِمى المرتجى
وكلُّ مبغاه إليك النزوحْ
ما النسر إلا راهبٌ في العُلى
محرابُه وجهُ السماءِ الصبيحْ
وقلبها السَّمْح فما حطَّه
على الثرى الجهم الدميمِ الشحيحْ
على الثرى حيث تسابيحُه
نوح الحزانى ونداء القروحْ
مبتهلٌ باك بدمع الأسى
على الليالي وسقيم طريحْ
ما أتعس الأرضَ بعُبَّادها
تبْهِجُ من أخلاطِهم ما تُبيحْ
قد أنكرَ الهيكلُ زوَّارَه
وأصبح الديرُ غريبَ المُسوحْ
لم يعرف الجسمُ خلاصاً به
من كدرةِ الطين ولم تنجُ روحْ
يا سيِّد القمّةِ أنصِتْ لنا
لا يعرفُ الأشفاقَ قلبٌ مُشيحْ
وانظرْ إلى اسِّكين في ساحةٍ
قد زمجرتْ فيها دماء الذَّبيحْ
واسكبْ نَدَى الحبِّ بأفواهِنا
كم من بَكِيٍّ وظَمِيٍّ طليحْ
فربما يُشرقُ بعد الضّنى
وجهٌ مليح وزمانُ مليحْ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> أيها الغائب
أيها الغائب
رقم القصيدة : 63571
-----------------------------------
أيها الغائبُ العزيزُ النائي
فَسَدَتْ ليلتي وضاع هنائي
قَمَري أنت ليس لي منك بدٌّ
في اعتكار السحائبِ السّوداءِ(69/41)
هذه الشُّرْفةُ التي جمعتنا
يا حبيبي بوجهِك الوضّاءِ
سألتْ عنك فالتفتُّ إليها
وبنفسي كوامنُ البُرَحَاءِ
قائلاً صَهْ! باللهِ لا تسأليني
فكلانا من دوِنها في عناءِ
أين ذاك الوجهُ الذي يُرسلُ النورَ
ويُوحِي إشراقُه بالصّفاءِ؟
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> أين غد
أين غد
رقم القصيدة : 63572
-----------------------------------
يا قاسيَ البعدِ كيف تبتعدُ
إني غريبُ الفؤادِ منفردُ
إن خانني اليوم فيك قلت غداً
وأين مني ومن لقاكَ غدُ؟
إن غداً هوَّةٌ لناظرها
تكاد فيها الظنونُ ترتعدُ
أُطلُّ في عمقها أُسائلها
أفيك أخفى خاليه الأبدُ؟
يا لامسِ الجرحِ ما الذي صنعتْ
به شفاهٌ رحيمةٌ ويدُ؟
ملء ضلوعي لظىً وأعجبه
أني بهذا اللهبِ أبتردُ
يا تاركي حيث كان مجلُسنا
وحيث غنّاك قلبيَ الغردُ
أرنو إلى الناسِ في جموعهمُ
أشقتهمُ الحادثاتُ أم سعِدوا
تفرقوا أم همُ بها احتشدوا
وغوَّروا في الوهادِ أم صعدوا؟
إني غريبٌ تعال يا سكني
فليس لي في زحامهم أحدُ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> شك
شك
رقم القصيدة : 63573
-----------------------------------
تَشُكِّين في حبِّي؟ لك الحقُ إنني
جديرٌ بهذا الظُّلم والريبِ والشّكِّ
خليقٌ بأن تَنْسي هوايَ فتنطوي
سعادةُ أيامي التي ذُقتُها منكِ
إذا أنا لم أذْكركِ في كل لحظةٍ
وقصّرتُ لم أسألْ ثوانِيَهَا عنكِ
إذا أنا لم أبْذلْ شجايَ وعبْرَتي
على كل وقتٍ ضائعٍ كنتُ لا أبكي
فلا حبَّ عندي أستلذُّ به الجوى
بما فيه من سقمٍ وما فيهِ من ضنكِ
أليلايَ حُبِّي فيك حُبُّ مُوَحِّد
تَنزَّهَ عن ريبٍ وجلَّ عن الشِّركِ
تبقى بقاء القلب ينبضُ دائماً
وليس لسلوانٍ وليس إلى تركِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ليلة
ليلة
رقم القصيدة : 63574
-----------------------------------
وليلة بات من أهوى ينادمني
ما كان أجمله عندي وأجملها
بتنا على آية من حسنه عجَبٍ
كتابه من خفايا الخلدِ أنزلها(69/42)
إذا تساءلتَ عمّا خلَف أسطرها
رنا إليَّ بعينيه فأوَّلها
مصوِّباً سهمه مُستشرقاً كبدي
مستهدفاً ما يشاء الفتك مقلتها
يا للشهيدة لم تعلم بمصرعها
ما كان أظلم عينيه وأجهلها
حتى إذا لم يدَعْ منها سوى رمق
عدا على الرمق الباقي فجندلها
وصدَّ عنها وخلاّها وقد دمِيَتْ
في قبضةِ الموتِ غشّاها وظللها
وحان من ليلة التوديعِ آخرها
وكان ذاك التلاقي الحلو أوَّلها
ضممْتها لجراحاتي التي سلفتْ
إلى قديمِ خطايا قد غفرتُ لها!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في الباخرة
في الباخرة
رقم القصيدة : 63575
-----------------------------------
أحبُّ أجلْ أحبُّ كأن نبعاً
سماويّاً تفجّر في دمائي
لقد طاب الوجودُ بحالتيه
شقائي فيك أجمل من هنائي
وليلي فيك أحسن من نهاري
وصبحي فيك أجمل من مسائي
فمفترقان فيه إلى لقاء
وملتقيان حتى في التنائي
أميمةُ إن عمرَ الحبِّ حقاً
لأعجب آية تحت السماءِ
فما أدري لأيهما ثنائي
ثوانيه السِّراع أم البطاءِ
أهذا الحلم يمضي شبه لمحٍ
أم الأبدُ المديدُ بلا انتهاءِ؟
أتفكيري هناك أم انتظاري
لأروعِ هالةٍ حولَ البهاءِ
وأزهى من تثنَّى في حُلِيٍّ
وأبهج من تهادى في رداءِ
وأسنى من تخطَّر في دلالٍ
وأطهر من تعثرَ في حياءِ
سيذكر ملتقانا النيلُ يوماً
غداة تُعَدُّ أيامَ الصفاءِ
وحيدٌُ غير أني في زحامٍ
من الآمالِ تترى والرجاءِ
إلى أن لاح عرشُ النورِ مني
قريباً والهلالُ إلى اعتلاءِ
فمؤتلقٌ على أفقٍ بعيدٍ
ومنعكس على فضِّيِّ ماءِ
كذلك أنت في فكري وروحي
سناك مع الهلال على سواءِ
وطيفٌ عبقر في خيالي
وحيد الذات مختلف الرُّواءِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> سر بي
سر بي
رقم القصيدة : 63576
-----------------------------------
أحبك فوق ما عشقتْ قلوبٌ
ولا أدري الذي من بعدِ حبي
وأعلم أن كُلِّي فيك فانٍ
وعيني فيك ذائبةٌ وقلبي
وأعلم أن عندك من يُنادي
خفيّاً هاتفاً وأنا الملبي
وأعلم أن حبي ليس يشفى(69/43)
وبعدي ليس يُجديني وقربي
ولما لم أجدْ للحبِّ حلاّ
هتفتُ به كما. يرضيك سِر بي!
وخذني حيث هند لا تسلني
لأية غايةٍ ولأيِّ دربِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ليلة العيد
ليلة العيد
رقم القصيدة : 63577
-----------------------------------
اليوم منك عرفت سر وجودي
وعرفت من معناك معني العيدِ
ما كنت بالفاني وسرُّك حافظي
وبمقلتيكِ ضمِنْتُ كل خلودي
الآن أعرفُ ما الحياة وطيبُها
وأقول للأيّامِ طبتِ فعودي!
عاد الربيعُ على يديكِ وأشرقتْ
روحي وأورقَ في ربيعِك عودي!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> كذب السراب
كذب السراب
رقم القصيدة : 63578
-----------------------------------
البحر أسألُهُ ويسألني
ما فيه من ريٍّ لظامئهِ
متمرِّدٌ عاتٍ يضللني
كذِبُ السَّرابِ على شواطئِهِ
كم جال في وهمي فأرّقني
أربٌ وأين الفوز بالأربِ؟
وسرى بأحلامي فعلّقها
فوق السُّهى بلوامعِ الشهبِ
في يقظةٍ مني وفي وسن
صَرْحٌ بذروِتهنَّ متّحدِ
الفجرُ والسحرُ المخضّبُ من
لَبِناتِهِ والقمةُ الأبدِ
واهاً لضافي الظلِّ ورافِهِ
قضّيتُ عمري في توهّمهِ
لما طلعتُ على مشارِفِهِ
أيقنتُ أني فوق سُلَّمِهِ
ومن العجائب في الهوى اثنان
لم يضربا للحبِّ ميعادا
ومحّيِرُ الإفهامِ لحظان
قَرآ كتابَهما وما كادا
سارا فمذ وقف الهوى وقفا
يتبادلان الشوقَ والشغفا
عرف الهوى أمراً وما عرفا
مَن ذلك الداعي الذي هتفا
قَدَرٌ على قدرٍ تلاقِينا
كلُّ الذي أدري وتدرينا
أنّا أطعناهُ مُلَبِّينا
من أنت؟ من أنا؟ من يُنَبِّينا؟!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> أنت
أنت
رقم القصيدة : 63579
-----------------------------------
إن كنتِ عارفةً وواثقةً
وبعمق هذا الحبِّ آمنتِ
فثقي بأنكِ قِبْلتي أبداً
وصلاةُ روحي حيثما كنتِ
إن كان لي في الدهرِ أمنيةٌ
منشودةٌ أمنيَّتي أنتِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> قيثارة الألم
قيثارة الألم
رقم القصيدة : 63580(69/44)
-----------------------------------
إن حان لحنُ الختامْ
صار النشيدُ دعاءْ
مرّ الهوى في سلامْ
فلنفترق أصدقاءْ
سرٌّ وراء الظنونْ
أظلّني وأضاءْ
لم أدرِ ماذا يكونْ
ولم أسَلْ كيف جاءْ
ما بين ضحكِ الرياحْ
وقهقهات الغيوبْ
ولّى خيالٌ وراحْ
وحلَّ ظلٌّ غريبْ
يا ذنبُ فات المتابُ
لما تحطَّمَ صرحي
ما لي عليها عتابُ
إني أعاتبُ جرحي
وهذه قيثارتي
ذاتُ الشجى والأنينْ
وهذه أوتاري
أصرتِ لا تطربينْ؟
يا كم شدوتُ بلحني
ما بين حزني ودمعي
ما باله طيَّ أذني
لكنْ غريباً لسمعي
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> حلم الغرام
حلم الغرام
رقم القصيدة : 63581
-----------------------------------
لا حبَّ إلا حيث حلَّ ولا أرى
لي غير ذلك موطناً ومقاما
وطني على طول الليالي دارهُ
مهما نأى وهواي حيث أقاما
والأرضُ حين تضمُّنا مأهولةٌ
لحظاتُها معمورةٌ أيّاما
لا فرق بين شَمالِها وجنوبِها
فهما لقلبي يحملان سلاما
وهما لعهدي حافظان وقلّما
حفظ الزمانُ لمهجتين ذماما
وإذا بكيتُ فقد بكيتُ مخافةً
من أن يكون غرامُنا أحلاما
ولربما خطرَ النّوى فبكيتُهُ
من قبل أن يأتي البعادُ سجاما
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ثلاث سنين
ثلاث سنين
رقم القصيدة : 63582
-----------------------------------
ثلاث سنين أم ثلاث ليالِ
هي البرق أم مرَّتْ كلمحِ خيالِ؟
وما كان هذا العمرُ إلا صحائفاً
تلاشتْ ظلالاً رُحْن إثر ظلالِ
وما كان إلا أمس لقياك إنه
لأثبتُ ما خطّ الزمانُ ببالي
وما العمر إلا أنت والحب والمنى
وما كان باقي العمر غيرَ ضلالِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> عدنا وعدت
عدنا وعدت
رقم القصيدة : 63583
-----------------------------------
عُدنا وعدتِ وعادتْ
إن الحظوظَ أرادتْ
وبالعجائب جاءتْ
وما بذاك غريبَةْ
إن الغريبَ التنائي
فإن فيه شقائي
وإن أردت دوائي
داوي الهوى ولهيبه
أنت المنى والعبادهْ
وليس عندي زيادَةْ
يا هند هذي شهادَهْ(69/45)
لو أنها مطلوبَهْ
وأنت مني كنفسي
هواك يومي وأمسي
وأنتِ جهري وهمسي
صديقةً وحبيبَةْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> المقعد الخالي
المقعد الخالي
رقم القصيدة : 63584
-----------------------------------
همٌّ أناخ فما انجلى
وخلا مكانُك - لا خلا!
ليل الحياة وكان ليلي
في الهواجِسِ أطولا
كم لحظةٍ في الصدر ناشبةٍ
كجزّارِ الكلا
كالرَّمْسِ فارغةٍ وإن
حفلت بإيجاشِ البلى
في إثر أخرى لم تكن
إلا كجرداءِ الفلا
يَرَّحْنَ بي من وحشةٍ
وقتلتهُن تململا
وجَنِنّ من قلقي عليك
وكيف لي أن أعقلا؟
قد رِشْنَ لي سهماً يحاول
من يقيني مقتلا
فتعرّض الماضي الجميلُ
بوجهِهِ متهللا
فلوى عناني فالتفتُّ
فلم أجد لي مَوئِلا
إلا دروع اليأسِ إنّ
اليأسَ أيسرَ محمِلا
يقتادني فأردُّهُ
عن خاطري وأقول لا!
يا هندَ إن يكُ قلبُك الوافي
تغيّرَ أو سلا
وحصدتُ آمالي فإنّ
الموتَ أرحمُ منجلا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> رحلة
رحلة
رقم القصيدة : 63585
-----------------------------------
نقلتُ حياتي والحياة بنا تجري
من الحلمِ المعسولِ للواقعِ المرِّ
فيا منتهى فنّي إلى منتهى الهوى
على ذروةٍ بيضاءَ في النور والطهرِ
عرفتك عرفان السماء ولم تكنْ
سوى همسات النجم ما جال في صدري
وغامت خطوطُ السفحِ حتى نسيتها
وحتى توارى السفح من عالم الذكر
وفي القممِ الشّمّاءِ حلّقتُ حائماً
وأنبتَ في أعلى شواهقها وكري
ولم يبقَ إلا أنت والجنَّةُ التي
زرعنا وكلّلّنا بيانعة الزهرِ
ولم يبقَ إلا أنت والنسمةُ التي
تهبُّ من الفردوسِ مسكيَّةَ النشرِ
ولم يبقَ إلا أنت والزورقُ الذي
ترنَّحَ منساباً على صفحة النهرِ
فيا منتهى مجدي إلى منتهى الغنى
غنىَ الروحِ بعد الضّنكِ والذلِّ والفقرِ
أعيذك أن أغدو على صخرة لَقىً
وكنتِ مِجَنّي في مقارعةِ الصخرِ
أعيذك بعد التاجِ والعرشِ والذي
تألَّقَ من ماسٍ وشعشع من تبرِ
أعيذك من ردّي إلى سَفهِ الثرى(69/46)
وحِطَّتِه بين الأكاذيبِ والغدرِ
أعيذكِ أن تنسي ومن بات ناسياً
هواه فأحرى بالنهى عقم الفكرِ
فيا لك من حلمٍٍ عجيب ورحلةٍ
تعدَّتْ نطاقُ الحلمِ للأنجمِ الزُّهرِ
ويا لك من يومٍ غريب وليلةٍ
عَفَتْ وغفتْ عن ظلمِ روحين في أسر
ويا لك من ركن خَفِيٍّ وعالمٍ
خَفِيٍّ غنيٍّ بالمفاتنِ والسحرِ
ويا لك من أفقٍ مديد ومولد
جديد لقلبينا ويا لك من فجرِ
عرفتك عرفان النهار لمقلةٍ
مخضّبةِ الأحلام حالكةِ الذعرِ
رأت بك روحَ الفجرِ حين تبيّنتْ
بياض الأماني في أشعّتِهِ الحُمرِ
بيَ الجرحُ جرحُ الكونِ من قبل آدمٍ
تغلغلَ في الأرواحِ يَدْمي ويستشري
تولّتهُ بالإحسانِ كفٌّ كريمةٌ
مقدّسةُ الحسنى مباركةُ السرِّ
فإن عدتُ وحدي بعد رحلتِنا معاً
شريداً على الدنيا ذليلاً على الدهرِ
رجعت بجرحي فاغرَ الفمِ دامياً
أداريه في صمتٍ وما أحد يدري
هو العيشُ فيه الصبرُ كاليأس تارةً
إذا انهارت الآمالُ واليأسُ كالصبرِ
عرفتكِ كالمحرابِ قدساً وروعةً
وكنتِ صلاةَ القلبِ في السرِّ والجهرِ
وقد كان قيدي قيدَ حبِّكِ وحدَةُ
أنا المرءُ لم أخضعْ لنهيٍ ولا أمرِ
وأعجبُ شيء في الهوى قيدُكِ الذي
رضيتُ به صِنْواً لإيماني الحرِّ
بَرمْتُ بأوضاعِ الورى كل أمرهمْ
وسيلةُ محتاجٍ ومسعاةُ مضطرِّ
برمتُ بأوضاعِ الورى ليس بينهمْ
وشائج لم توصَلْ لغايٍ ولا أمرِ
إذا كان ما استنُّوا وما شرعوا القِلى
فذلك شرعُ الطينِ والحمَإِ المَزرى
تمردتُ لا أُلوي على ما تعوّدوا
ونفسي بهذا الشرعِ عارمةُ الكفرِ
وهبْ ملَكي الغالي الكريمَ وحارسي
تخلى فما عذرُ الوفاءِ وما عذري؟
عشقتُكِ لا أدري لحبيَ مبدءاً
ولا منتهى حسْبي بحبِّكِ أن أدري
إذا شئتِ هجراناً فما أتعس المدى
من النورِ للّيل المخيِّمِ للحشرِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> شعرة
شعرة
رقم القصيدة : 63586
-----------------------------------
وشعرةٍ خطفتُها
كأنني قطفتُها
ملكتُ ملكَ الدهرِ وحدي
حينما ملكتُها(69/47)
إذا الرياحُ نازعتني
أمرَها ضممتُها
بقبضتيَّ خائفاً
إذا اعتدتْ رددتُها
وفي مكانٍ ليس في
بالٍ جَرى خَبَأتُها
خبأتُها حيث إذا
جُنَّ الهوى رأيتُها
حبستُها قرب عيوني
إن أشَأْ نظرتُها
كأنما في بصري
ومقلتي أخفيتُها
هذي لديَّ صورةٌ
من حالنا جلوتُها
أنت كهذي الشعرة السمراء
مذ عرفتُها
أقسم بالحب وهاتيك
السنين عشتُها
كأنني في جنّة الفردوسِ
قد قضيتها
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> يوم الجمعة
يوم الجمعة
رقم القصيدة : 63587
-----------------------------------
أصبحتُ يوم الجمعة
ذا غربة ما أضيعهْ!
منفرداً لا خلُّ لي
وأينَ مَنْ قلبي معهْ؟
ضاقت بي الأرضُ فما
في فُسحة الكون سَعَهْ
أقطع يومي مُبْطئاً
كأنني لن أقطعَهْ
إني امرؤٌ يُفضي إلى
أزمانه المرقَّعَهْ
يَلُمُّ من شَتاتها
بجهده ما وَسِعَهْ
فلا يصيبُ غير ما
أمَلّهُ وصدَّعهْ
يا هند من يُعيد لي
آماليَ المزعزعَهْ؟
وإنّ يوماً واحداً
حِبالُه مُقطعّهْ
فكيف لو مرّ بنا
ثلاثةٌ أو أربعهْ؟
قلبي خلا من نسمةٍ
مشرقةٍ مُرَصّعهْ
طالَعَهُ اليوم بها
كأنه قد ودَّعهْ
إن عاشه دونك يا
هند تمنّى مصرعهْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> إلى أميرتنا
إلى أميرتنا
رقم القصيدة : 63588
-----------------------------------
إقبلي يا "اميرة" اللطف حبي
واقبلي من أبيك هذا الكتابا
إجعليه ذكرى له، وإجمعي
الآراء فيه واستكتبي الأصحابا
جعل اللهُ كل عمرِكِ عيداً
وربيعاً منضّراً وشبابا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> إلى ابنتي
إلى ابنتي
رقم القصيدة : 63589
-----------------------------------
يا ابنتي أني لأشعر أَني
ملأتِ مهجتي شموس منيرة
أشرقت فرحتان عندي فهذي
لعماد وهذه لأميرهْ
انتما فرقدان، وهو جديد
بالذي ناله وأنت جديرهْ
اغنما كل ما يطيب وفوزا
بالمسرات والأماني الوفيرهْ
وافرحا بالذي يطيبُ ويرجى
عيشةٌ نضرة وعين قريرهْ(69/48)
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ابد الخلود
ابد الخلود
رقم القصيدة : 63590
-----------------------------------
ما كان أقصر هذه من زورة
ما أشبعتْنا من بشاشة نازكِ
كلا ولا رَوى النهى من زهرةٍ
بالطهر تفصح عن سمات ملائكِ
انا حمدنا لليالي انها
قد قرَّبتنا من سنيّ سمائكِ..
أن كان اسعدنا الزمانُ بساعةٍ
فكأنها أبد الخلودِ حيالكِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> قصيدة في الأديب الراحل (سامي الكيالي)
قصيدة في الأديب الراحل (سامي الكيالي)
رقم القصيدة : 63591
-----------------------------------
نفدي النزيلَ ونكرمن
ان لم نكرمْه فمن؟
انا اشتركنا في الامالي
والتقينا في المحنْ
والصرخة الكبرى كموج
البحر تدوي في الأذنْ
***
***
الدهر دفاق فكيف
نعبّ من ماءٍ اسنْ
لا عصر مفتتنين بالا
حلام غرقى في الوثنْ
***
***
انا اليك وللشباب
رسالة لا تمتهنْ
ما في طلائعنا الضعيف
ولا الذليل المستكنْ
***
***
القاتلون الجهل مثل
اليوم عشش في الدمنْ
يا أيها الضيف العزيز
نعمت بالعيش الحسنْ
صدر الشآم حنا عليك
ومصر لو تدري أحنّ
قمنا لها! كل بنا
حية رسول مؤتمنْ؟
والأرز والطود المعصّب
بالجلال المطمئنْ
والنيل نهركم وما
زان الخميلةَ والفتنْ
والقوم أهل والقرى
وطن عطوف والمدنْ
ما في طلائعنا الضعيف
ولا الذليل المستكنْ
ما في طبائعنا الخصام
ولا الحفيظة والضغنْ
انا جنود النور من
علم ومن أدب وفنْ
القاتلون الجهل مثل
اليوم عشش في الدمنْ
انا لاعداء الجمود
وواضعوه في الكفنْ
يا أيها الضيف العزيز
نعمت بالعيش الحسنْ
يا مؤنس المصري في
حلب وما ننسى المننْ
صدر الشآم حنا عليك
ومصر لو تدري أحنّ
بردى لنا، وصباه والجنات
والطير المرنْ
والأرز والطود المعصّب
بالجلال المطمئنْ
والنيل نهركم وما
زان الخميلةَ والفتنْ
والقوم أهل والقرى
وطن عطوف والمدنْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> إلى أمينة
إلى أمينة
رقم القصيدة : 63592(69/49)
-----------------------------------
أربّاه أنقذني فأنت رميتني
بقلبٍ على الأشواكِ والدم مشاءِ
"أمينة" هذا ما أتاني كتبته
وعندك أخباري وعندك أنبائي
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> تحت الباب
تحت الباب
رقم القصيدة : 63593
-----------------------------------
أقبلتُ أطرق منزل الأحبابِ
ودسست هذا الشّعرَ تحت البابِ
أترى أكون بثثت شوقي كلَّه
وشرحت حالي يا أولي الألباب
يا جارة "الوادي" إذ الوادي أخي
وكريم "إحسان"(1) ولطف صحابِ
قسماً بموصول المودة بيننا
هذي الزيارة لم تكن بحسابي
قد يجمع الله الشتيت ويلتقي
ناءٍ بناءٍ طول غيابِِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> تكريم
تكريم
رقم القصيدة : 63594
-----------------------------------
يا صفوة الأحباب والخلاّن
عفواً إذا استعصى عليّ بياني
الشعرُ ليس بمسعفٍ في ساعةٍ
هي فوق آي الحمد والشكرانِ
وأنا الذي قضّى الحياةَ معبراً
ومرجعاً لخوالج الوجدانِ
أقفُ العشيةَ بالرِّفاقِ مقصراً
حيران قد عقد الجميلُ لساني
يا أيها الشعر الذي نطقتْ به
روحي وفاض كما يشاء جناني
يا سلوتي في الدهر يا قيثارتي
ما لي أراكِ حبيسة الألحان؟
أين البيان وأين ما علمتني
أيام تنطلقين دون عنانِ؟
نجواك في الزمن العصيب مخدَّرٌ
نامت عليه يواقظ الأشجانِ
والناسُ تسأل والهواجسُ جمةٌ
طبٌّ وشعرٌ كيف يتفقان؟
الشعرُ مرحمة النفوسِ وسِرُّه
هِبةُ السماءِ ومِنحةُ الدَّيانِ
والطبُّ مرمحه الجسومِ ونبعُهُ
من ذلك الفيضِ العليِّ الشانِ
ومن الغمام ومن معينٍ خلفَهُ
يجدان إلهاماً ويستْقيان
يا أيها الحبُّ المطهرُ للقلوب
وغاسل الأرجاس والأدران
ما أعظم النجوى الرفيعة كلما
يشدو بها روحان يحترقان
أنفا من الدنيا وفي جسديهما
ذُلُّ السجين وقسوة السجانِ
فتطلعا نحو السماءِ وحلّقا
صُعُداً إلى الآفاق يرتقيان
وتعانقا خلفَ الغمامِ وأترعا
كأسيهما من نشوةٍ وحنانِ
اكتبْ لوجه الفَنِّ لا تعدلْ بهِ(69/50)
عَرَض الحياةِ ولا الحطامِ الفاني
واستلهم الأمَّ الطبيعةَ وحدَها
كم في الطبيعةِ من سَرِي مَعانِ
الشعرُ مملكةٌ وأنتَ أميرُها
ما حاجة الشعراءِ للتيجانِ
"هومير" أمّرهُ الزمانُ لنفسه
وقضت له الأجيالُ بالسلطان
اهبطْ على الأزهار وأمسح جفنَها
واسكب نداك لظامىءٍ صَدْيانِ
في كلِّ أيكٍ نفحةٌ وبكل روضٍ
طاقةٌ من عاطر الريحانِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> عجبا!
عجبا!
رقم القصيدة : 63595
-----------------------------------
يا هاجري، يا من
هجرتَ بلا سببْ
أترى العقاب بغير
إثم قد وجب؟
عجباً لقرص الشمس
في البيت احتجب
عجباً . . لأعجب
ما يكون من العجب
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> بعد اعتزال الأدب
بعد اعتزال الأدب
رقم القصيدة : 63596
-----------------------------------
صديقي "سعفانُ" ألف سلامْ
ولا زلتَ صاحبيَ المرتقبْ
ستعجب من صورتي هذه
ألم تر أني اعتزلت الأدب؟
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> امير الكمان
امير الكمان
رقم القصيدة : 63597
-----------------------------------
آه من لحنٍ سماوي
عجيب النغماتِ
أيها الساحر لم تضرب
بقوس، بل عصاة
يا أبا الفن المصفى
هات ألحانك هات
في شطوط النيل، مهد الفن،
مهد المعجزات
"الصّبا" في ريح "لبنان"
رقيق النفحات
"وحجاز راقص أو
مات من "شط الفرات"
نحن أبناء المعالي
نحن أبناء الغزاة
غننا لحن أبينا الشرق،
واهتف بالحُماة
هاتِ لحنَ الشرق . . ما
أجدره بالعبرات
هو أرض المجد، أرض الخـ
لد من بدء الحياة
هات لحن الشرق هات ..
هاتِ لحن الشرق هاتِ
رُب لحن قدسيٍّ
من جنان الخلد آتِ
جعل الأرواح في هيـ
ـكله مزدحمات
حشدَ العالم كالعُبَّاد
قاموا للصلاة
جَمَعَ الناسَ على
الحبِّ وأدنى من شتات
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> شفاء . . . وشفاءْ
شفاء . . . وشفاءْ
رقم القصيدة : 63598
-----------------------------------
إن يكن "مظهر" يا زيـ
نب ربّ المعجزات(69/51)
مِبْضعٌ يأسو ويشفي
في الأكف الشافيات
وفتى كالملَكِ الساحر
حلوُ الكلمات
وله مجد المجدّ
ين وأقدار الثقات
فوق أخلاق كريمات
رقاق محسنات
إنه يَشفِي . . . وتَشفيِِ
زينبٌ بالبسمات
أبداً دأبكما الخالد
بعثٌ للحياة
ومسير الرحمة الكبـ
ـرى كما في النسمات
فاهنا . . . إنكما حقّاً
سواء في السمات
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> تحية لضوحية
تحية لضوحية
رقم القصيدة : 63599
-----------------------------------
إليكِ يا ضوحيتي
ابعث بالتحيةِ
تحيةً من قلمي
ومثلَها من مهجتي
إنك كالزهرة في
جمالها والرِّقة
تقبّلي من روضة الأ
شعار خيرَ زهرةِ
عبيرُها خواطري
وملؤُها محبتي
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في معبد
في معبد
رقم القصيدة : 63600
-----------------------------------
دنا الموعدُ والغرفـ
ـةِ وكر للمواعيدِ
وجاءت ربّة الحسن
كمزمور لداوودِ
فرفّ البشرُ في الصمت الـ
ـذي خيم في الغرفهْ
وثارت حيرتي الهوجاء
بين الفجر والعفهْ
وثارت . . . آه من ثورة
هذي اللهفة الحيرَى
هنا الحسن الذي يدعوك
في بسماته السكرى
وهذا الجسم يا ظمآن
في دارك كم يغري
أطهراً تدعي اليوم؟
فماذا نلت من طهرِ؟
هنا الحلم الذي أبصرتَ
في غفوة حرمانكْ
هنا الكأسُ التي تزري
بما جمّعت في حانكْ
هنا اللهبُ الذي جُسّد
في نهدٍ وفي ساقِ
على مذبحه المعبودِ
قدم طهركَ الباقي
نداءٌ بين عينيك
كهذا الليلِ مجهولُ
يجاوبه حنينٌ ثار
في قلبيَ مخبولُ
فقلت الليل يا من كنت
عند الليل قربانا
لنغرقْ في دخان الجسمِ
أشجاناً وحرمانا
فنام الضوء خجلانا
على مصباح نشوانِ
قريرا لا تنبهه
سوى أنات تحنان
وكان الليل مرتميا
على النافذة الوسنَى
تلصّصَ خلسةً يرنو
إلى معبدنا الأسنى
فشاع السرُّ بين الليل
والأنجم والزهرِ
وإذ بالفجر بساما
إلى إلفين في خدرِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> لمن الصمت؟
لمن الصمت؟
رقم القصيدة : 63601
-----------------------------------(69/52)
لمن الصمتُ والفؤاد المشرّد
اين من اسكر الربى حين غرّدْ؟
طائر . . ام رأت عيون الأماني
حُلُماً مثل غيره قد تبددْ
أم قناع قد مزقته الليالي
عن هوى دون طائل فتجردْ
وبدا شاحباً كيوم قتيلٍ
لم يكد يلثم الصباحُ المورَّدْ
ليت شعري، إلام إطراق رأسي
وانحنائي على جريح موسدْ؟
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> القرية
القرية
رقم القصيدة : 63602
-----------------------------------
حبذا الريف والخلائق فيه
ضاحكات الوجوه تفترّ سحرا
من يراه وقد تبيّن فيه
زمراً في الزّحام تحشر حشرا
يحسب الضيق آخذاً في حماه
بخناق، ويحسب القوم أسرى
وهم النور والمحبة والقلب
طليقاً مع النسائم حُرا
منظر تلمح البساطة فيه
وترى طيبةً وبشراً وطهرا
منظرٌ تلمح السعادة فيه
لا تقل لي أرى شقاء وفقرا
انظر الجرة التي خلفوها
وانظر النيل ضاحكاً مفترا
عبدوا النيل مذ قديم وألقوا
كل عام له عروساً بكرا
مصر سحر ورقة وصفاء
لِمَ لا يعبد المحبون مصرا؟
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> عازفة البيانو
عازفة البيانو
رقم القصيدة : 63603
-----------------------------------
ليس البيانو الذي راحت تحركه
يداك، أطوعَ من قلبي وأفكاري
لمستِهِ فتمشّى السحر بي، فكما
تهتز أوتاره تهتز أوتاري
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> سرب من الحور
سرب من الحور
رقم القصيدة : 63604
-----------------------------------
سرب من الحور الفواتن
كالزهور نواضر
ألهمنني وأحطن بي
فجري بشعري الخاطر
ألهمنني وشككن بي
ونسين أني شاعر
فإذا اعترفن فإنني
للفضل دوماً ذاكر
وأنا لـ "فلّة" عارفٌ
وإلى "أمينة" شاكر
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> سباق
سباق
رقم القصيدة : 63605
-----------------------------------
فجرٌ أطلّ عليّ بالإشرافِ
والقلب يحفزني ليوم تلاقي
فطردتُ ثقل السهد لا ثقل الكرى
قلبي بوثبته يسابق ساقي
عيناي أم قلبي أم القدم التي
حثَّت خطاها في مجال سباق(69/53)
هذا قليل قد شرحت دفينه
وعلى ذكائك أنت فهم الباقي
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> فجر جديد
فجر جديد
رقم القصيدة : 63606
-----------------------------------
فجرٌ جديدٌ حالم خفاقْ
لما يزلْ في عالم الآفاقْ
توهان في غمم الدجى قلقُ
بحنينه . . بالحب . . . بالأشواقْ
ويود لو ضاق الظلام به
فيهب مندفعاً من الأعماقْ
متحرراً من قيد ظلمته
يرنو بعمق الروح. بالأحداقْ
فيحس لا شيء ينازعُهُ
ويحول عنه السكون إذ ينساق
لا شيء ملتفا يعانقه
غير السنا في ضوئه البراق
فيغيب في أحضانه ثملاً
ويعب من فيض الهوى الدفاق
بانت له الدنيا على قلق
"مشتاقة تهفو الى مشتاق"
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> نحو المجد
نحو المجد
رقم القصيدة : 63607
-----------------------------------
يا أم مَن تستصرخين؟ من الذي
قدح اللظى الموّار في عينيكِ؟
ما حلَّ بالحرية الحمراء؟ هل
سال الدم القاني على قدميكِ؟
لا تجزعي يوم الفداءِ فكلنا
مهج تحلق كالنسور عليك
***
***
والصقر تاجك، تاج فرعون الذي
جعل الشموسَ الزهرَ في كفيكِ
فتلفتي تجدي عريَنكِ عامراً
وتسمّعي، كم قائل لبيكِ
يا مصر أنت الكونُ والدنيا معاً
وعظائمُ الأجيالِ في تاجيكِ
وقف الشباب فداء محراب الحمى
وتجمّع الأشبال بين يديكِ
والصقر تاجك، تاج فرعون الذي
جعل الشموسَ الزهرَ في كفيكِ
والمجدُ تاجُكِ والسهى لك موطنٌ
والشهبُ والأقمارُ في نعليكِ
يا مصر أنت الكونُ والدنيا معاً
وعظائمُ الأجيالِ في تاجيكِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> قدر
قدر
رقم القصيدة : 63608
-----------------------------------
لا تُدمني نظراً إليّ، فوالذي
جعل الهوى قدراً على كفيك
ما تلتقي عيني بعينك لحظةً
إلا رأيت صباي في عينيكِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> اعتذار
اعتذار
رقم القصيدة : 63609
-----------------------------------
أبعث الآن اعتذاري وأنا
حاضرٌ بالقلب والروحِ معكْ(69/54)
لك ظلٌّ مقتفٍ في خاطري
حيثما سرتَ مضى فاتبعكْ
أنا لا أومن بالبعد ولا
أحسب المقدور مني نزعك
أنت لا تبرح عيني، فلذا
لا تراني اليوم فيمن ودّعك
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> فرحتان
فرحتان
رقم القصيدة : 63610
-----------------------------------
قد زُرتُ أيكك بعد أن طال النوى
وإليه كنتُ محلقاً بخيالي
يا من جروا في البال، ما برحوا به
أترى جرينا عندكم في البال؟
عهد مضى بين الهواجس والمنى
والنفس بين تعجب وسؤال
حتى رجعت كآنما رجع الصبا
لي بالازاهر والربيع الحالي
فإذا بقلبي فرحتان، فهذه
بلقاك أنت، وفرحة بـ "جلال"
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> مداعبة
مداعبة
رقم القصيدة : 63611
-----------------------------------
يا قرّة العينين يا "تملي"
يا واسع التدبير والحيل
يا خالع الضرسين في سنة
ومعقم الآلات في "الحلل"
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في رثاء مطران
في رثاء مطران
رقم القصيدة : 63612
-----------------------------------
يا نفس إن راح الخليلُ وعنده
ورد الخليل فعجّلي برحيلي
حملوا على الأعواد فنّاً خالداً
وارحمتاه لكوكبٍ محمولِ
هو مصرعٌ للعبقريةِ روّعتْ
في عرشِها والتاجِ والإكليلِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> يا بحر
يا بحر
رقم القصيدة : 63613
-----------------------------------
يوم أبحرتُ فوق متنكِ تهوي
بيَ امواجك الغضاب وتعلو
راعني حولُك الرهيب فخارت
عزماتي ولم يعد ليَ حول
وترنحتُ بين جنبيك تلهو
بيِ فتطغَى آناً وتهدأ آنا
كانت القطرة الضئيلة من لُـ
ــجك أمضى مني وأخطر شانا
وأنا اليوم أجتليك من الشاطئ
جي الأمواج مثل الجبال
فإذا بي أثور مثلك يا بحـ
ــر وتنزو الأمواج في أوصالي
هو روحي الذي يحاكيك في البأ
س ولكن يؤوده عبء جسمي
فإذا ما اجتلاك والجسم غفلانُ
توخّاك في مضاء وعزم
هو روحي الذي يحاكيك يا بحرْ
ويخشى قلبي الجزوع أذاكا
ضعضع الجسم عزم روحي المُعَنَّى(69/55)
يا اخا الروح بُث فيه قواكا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الربيع
الربيع
رقم القصيدة : 63614
-----------------------------------
مرحى ومرحى يا ربيع العامِ
أشرق فدْتك مشارقُ الأيامِ
بعد الشتاء وبعد طولِ عبوسه
أرِنا بشاشةَ ثغرِكَ البسّامِ
وابعث لنا أرجَ النسيمِ معطراً
متخطراً كخواطر الأحلامِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> تحية (للأستاذ إبراهيم دسوقي أباظه)
تحية (للأستاذ إبراهيم دسوقي أباظه)
رقم القصيدة : 63615
-----------------------------------
متى نلتَها كانت لأنفسنا منَى
تلفتْ تجد مصراً بأجمعها هنا
وما بعجيب موطن البدر في العلى
وما بجديد أن يرى الأفق مسكنا
ولكنَّ قلب الحر تعروه نشوةٌ
فيثني على الآلاء وضاحة السنا
إذا أخذ البدرُ المنير مكانه
ومُلِّكَ آفاقَ السما وتمكنا
فذلك تكريم الربيع لروضِهِ
جلاها الأباظيون وارفة الجنى
أجلْ روضة صارت لكل عظيمة
وللفضل والآداب والعلم موطنا
وميدان سباقين للمجدِ والعلى
إذا اشتجرت أخرى الميادين بالقنا
من الأدب العالي ذا راح سيد
غدا آخر نحو اللواءِ فما ونى
عصيُّ القوافي سار نحوك مسرعاً
ولبَّاك من أقصى الفؤاد وأذعنا
وأنت الذي فك القيودَ جميعَها
عن الشعر تأبي أن يهان فيسجنا
إذا المعدن الصافي دعا الشعرَ مرةً
بذلنا له من أجود الشعرِ معدنا
دسوقي إذا أقللتُ فاقبل تحيتي
فما أنا شاديهم ولا خيرهم أنا
ولكنني صوت المحبين كلهم
ومن روضك الغالي وبستانهم جَنَى
فراش على مصباح مجدِكَ حائم
وأي فراش من جلالك ما دنا
وإني صدى الهمس الذي في قلوبهم
فدعني أقم عما يكنون معلنا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> البندر
البندر
رقم القصيدة : 63616
-----------------------------------
أنظر وجوهَ القومِ غرّ
تها بزينتها المدينهْ
مسكينه بلهاء لا
تدري الزمان ولا فنونهْ
يا من يغرِّبها إذا
أرست لصاحبها السفينهْ
الأفق مضطرب الحواشي
والسماء بها حزينهْ(69/56)
لا تحسن الدنيا إذا
ما المرء جن بها جنونهْ
وطغتْ منافعهُ عليـ
ــه وضرن دنياه ردينهْ
العيش حيث الحب، حيـ
ــث العطف صاف والسكينهْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> دعابة
دعابة
رقم القصيدة : 63617
-----------------------------------
قد هنأوك بمجد الاسباني
فمتى تكون مصارع الثيرانِ؟
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> عيد
عيد
رقم القصيدة : 63618
-----------------------------------
يا أبا الأشواق غنِّ
وانقل الألحان عني
إيه "سونيا" هجتِ شوقي
وشجوني والتمني
إن تغنيني فإني
طائر في كل غصن
إيه "سونيا" ذاك يومي
فاسكبي لي، لا تضني
إنما عيدك عيندي
وهو يوم فوق ظني
لا أهنيك . . ولكن
كل مخلوق أهني
إيه "سونيا" ذاك يومي
فاسكبي لي، لا تضني
أفرغي سحر الهوى في
خاطري من كل دنِ
إنما عيدك عيندي
وهو يوم فوق ظني
لا أهنيك . . ولكن
كل مخلوق أهني
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> كيف أنساك؟
كيف أنساك؟
رقم القصيدة : 63619
-----------------------------------
إنه "سونيا" أنت الرضا والحنانْ
كيف ضاءت بك الليالي الحسانْ
وغدا الدهر لحظة من سلام
وإذا كل ما عليه أمانْ
لا أرانا فيه خُدعنا إذا ما
بك عز الهوى وفات الهوانْ
كيف أنساك إذ نسيتُ شقائي
وعذابي، وليس بي أشجانْ
وإذا بي أرى لعينيك دنيا
خير ما فكرتْ به عينانْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> خشوع
خشوع
رقم القصيدة : 63620
-----------------------------------
جمالك الهادئ الرزين
وسحرك الواضح المبينْ
ابدع ما مرّ في خيالٍ
وخير ما أبصرت عيونْ
وسرّه أنت تجهلينْ
وكيف لو كنت تعلمينْ
وكيف أضنى القلوب منا
وكيف جئناه طائعين
وكيف نلقاك في سرور
وكيف نلقاه خاشعين
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> مصر
مصر
رقم القصيدة : 63621
-----------------------------------
أَجلْ إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصر هي المحرابُ والجنةُ الكبرى
أجل إن ماءَ النيلِ قد مرَّ طعمُه(69/57)
تناوشه الفتاكُ لم يدعو شبرا
فهلا وقفتم دونها تمنحونها
أكفاً كماء المزنِ تمطرها خيرا
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ
فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ
ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
تعالوا نشيّدْ ملجأ، رب ملجأ
يضم حطامَ البؤسِ والأوجهَ الصفرا
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ
فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا
تعالوا نقلْ للعصب أهلا فإننا
شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا
***
***
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
شبابٌ اذا نامت عيونٌ فإننا
بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبل الفجرا
تعالوا نشيّدْ مصنعاً رب مصنعٍ
يدر على صُناعنا المغنمَ الوفرا
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ
ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا
تعالوا نشيّدْ ملجأ، رب ملجأ
يضم حطامَ البؤسِ والأوجهَ الصفرا
تعالوا لنمحو الجهلَ والعللَ التي
أحاطتْ بنا كالسيل تغمرُنا غمرا
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ
فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا
تعالوا نقلْ للعصب أهلا فإننا
شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا
شبابٌ اذا نامت عيونٌ فإننا
بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبل الفجرا
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ
ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> على البحر
على البحر
رقم القصيدة : 63622
-----------------------------------
هل أنتِ سامعةٌ أنيني
يا غايةَ القلب الحزينِ
يا قِبلة الحب الخفيِّ
وكعبة الأمل الدفينِ
أني ذكرتك باكياً
والأفق مُغبّر الجبينِ
والشمس تبدو وهي تغرب
شبه دامعة العيون
أمسيتُ أرقُبها على
صخر وموج البحر دوني
والبحر مجنون العبابِ
يهيج ثائره جنوني
ورضاكِ أنتِ وِقايتي
فاذا غضبتِ فَمَن يقيني؟!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> كلانا
كلانا(69/58)
رقم القصيدة : 63623
-----------------------------------
كلانا عليل فلا تجزعي
ودمعك تسبقه أدمعي
وان كان بين ضلوعك نار
فنار الصبابة في أضلعي
وان كان نجم هنائك غاب
فنجم هنائي لَم يطلع ...
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> تعلة
تعلة
رقم القصيدة : 63624
-----------------------------------
هكذا كلُّ جميلهْ
ليس لي في الغدر حيلهْ
أُنْجُ منها وامضِ عنها
أخذتْ قلبَكَ غيلهْ
بعد هاتيك الليالي
المطمئِنّات الظليلهْ
بخلت ليلاك حتى
بالتعلاّت القليلهْ
لم تدّعْ للقلب من طول
التباريح وسيلهْ
لم تدع للقلب ما يشفي
من الوجد غليلهْ
لم تدع إلا رفيفاً
من نسيمٍ في خميلهْ
وجيالاتٍ يُداوي
طيفُها نفسي العليلهْ
والرسالاتِ اللواتي
والأكاذيبَ النّبيلهْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> من لي؟
من لي؟
رقم القصيدة : 63625
-----------------------------------
أناشدك الهوى هل أنتِ مثلي
نهاري فيكِ أشجانٌ وليلي
زمانٌ لا يفارقني عذابي
ولا زمني الشقاءُ به كظلّي
كأن الليلَ أصبح لي مداداً
أسَطر منه آلامي ويُملي
حياتي فيه قفرٌ بعد قفرٍ
وعمري فيه كالأبدِ المُمِلِّ
أبعد جوار هندٍ والأماني
أكابد جيرةَ النجمِ المُطِلِّ
أحبكِ لا أَمَلُّ لقاكِ يوماً
ومن لي بالذي يُدنيكِ من لي؟
أحبكِ لست أدري سرّ حبي
وعلمي فيه أشقاني كجهلي
أقول لعلّ هذا الدهرَ يصفو
ويا أسفاه لو تُغْني لعلِّي
أحاول سلوةً وأرى الليالي
بغيرِ هواكِ لي هيهات تُسلي
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في لبنان
في لبنان
رقم القصيدة : 63626
-----------------------------------
قلبٌ تقسّم بين الوجدِ والألمِ
هل عند لبنانَ نجوي النيلِ والهرمِ؟
أشكو جوايَ إلى الروحِ التي احتضنتْ
ناري وضَمَّتْ إلى أسقامَها سقمي
وقاسمتني الهوى حتى إذا رحلتْ
ألقت فؤاديْ بضنكٍ غير مقتسمِ
ميثاقُنا أسطرٌ من مدمعٍ ودمٍ
يا طاهر النفحة اذكرْ طاهرَ القَسمِ
يا من أعاتب دهري إذ أودِّعُهُ(69/59)
وما عتابي على الأقدارِ والقسمِ
إنّ النوى غرَّبتْهُ وهي عالمةٌ
أني رجعتُ أُداري النارَ بالضرمِ
ورنّحتْ بعده خطوي وما عرفت
من عثرة الحظِّ أم من عثرةِ القدمِ
خَلَتْ وران عليها الصمتُ وانقلبتْ
كأنما لَفّها ثوبٌ من العدمِ
بالله أيامَنا هل فيكِ منتَفعٌ
ونحن من سَأمٍ نمشي إلى سَأم؟
وما أُرقِّع ثوباً فيك منخرقاً
لكن أرقِّعُ جُرحاً غيرَ ملتئمِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في شم النسيم
في شم النسيم
رقم القصيدة : 63627
-----------------------------------
أنت يا من جعلت روض حياتي
مهدَ وردٍ إليكِ وردكِ رُدّا
آيةُ الورد أنه نفحةٌ منكِ
ومن عطركِ العبيرَ استمدّا
هذه باقةٌ من الورد تجثو
مَلكٌ في الرياض أصبح عبدا
يا جمال الجمال من خلّد الحسن
جميعاً في نظرةٍ منك تَنْدى؟
يا صباح الصباح من يَمْلكُ الأضواء
وصفاً أو الفرائد عَدَّا؟
ليس بدعاً يا وردة العمر أن كانت
لمغناك وردة الروض تُهدى
لا تظني ورداً يكافئ ورداً
أنت أغلى حسناً وأكرم وردا
غير أني وإن عجزت عن التقدير
حاولت ما تمكّنتُ جهدا
باعثاً للوفاء ورداً وللقلب
إلى أعمق السرائر ودّا
وإلى العيد أنت عيدٌ لايّامي
جميعاً أنت الحبيبُ المُفَدّى
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> رثاء كلب صغير
رثاء كلب صغير
رقم القصيدة : 63628
-----------------------------------
قالت "لميكي" سِرْ بنا
نمشي لحاجتنا الهُوَيْنى
فأطاع مسروراً كعادته
ولم يسأل لأيْنا
فيم السؤال وكل شيءٍ
طيِّبٌ من أجلها
وبنفسه حبٌّ قُصاراه
الحياةُ بظلها
ماذا تغيّر عزّة
أو ذلّة في حبها
سارت وكلُّ متاعِهِ
في أن يسير بقربها
***
***
يستاف نعلَيْها ويأبي
في الوجودِ مُنافسا
فإذا تخيّل دانياً
من ترْبِها أو لامسا
يختال مِلْءَ نُباحِهِ
زَهْواً ويخطرُ حارسا!
***
***
عجباً له ولزهوه
ما يصنع الواهي الصغيرْ؟
ما يصنع النابُ الضعيفُ
وما يُخيفُ ولا يُجيرْ؟
لكنّ "ميكي" لا يبالي
أن يموت فداءها(69/60)
في وثبه هيهات يسأل
ما يكون وراءها
الأمرُ كلُّ الأمر أن
يغدو يدافع دونها
والنفس تُنكر في الضحيَّة
عقلها وجنونها
***
***
من ذلك الظلُّ الملازم
في الحياة وفي الطريقْ؟
المخلصُ الوافي إذا
عَزَّ المنادمُ والرفيقْ
من قلبُه صافٍ وديدنُه
الولاءُ المطلقُ
فكأنما فيه الولاء
سجيَّةٌ تتدفقُ
***
***
وإذا أُسِيءَ فإن أسمى
الحبّ أن يُبدي رضاءَهْ
والصفح عند ذوي القلوبِ
البيضِ من قبل الإساءَهْ
مهما نظرت له نظرت
إلى مَعِينٍ من حنان
يُفضي إليك بسره
الذَنَبُ الصغير ومقلتان!
***
***
لا بأس إنْ هند جفت
وقست أليست ربَّتَه؟
أَقْصَتْهُ ثم تلفَّت
ترجو إلَيها أوْبته
زَجَرتْه أو نهرته أو
كفَّتْ على جُرْمٍ يده
فهي التي لم تَنْسَهُ
والأكل ملءُ المائده
وهو الذي في بعدها
لم يألُها طولَ ارتقاب
يقظان ينتظر المآب
وَثَوى يُرَاقبَ خَلْف بَاب
***
***
هند التي اتَّخذته من
دون الخلائق إلْفَها
بحثت عن الإلْف الصغير
فلم تجدْه خلفها
ميكي! وما ميكي ومصرعُه
على الدنيا جديد
نفسٌ يذوب وصرخةٌ
تدوي هنالك من بعيد
وتلفَّتَت هندٌ لموضعه
تغالب وَجْدَها
لا شيءَ. قد سارت
برفقته وترجعُ وحدها
***
***
خرجت به جذلانَ يضحك
مثلما ضحك الصباح
فكأنما خرجت به
ليُلاقيَ القَدَر المُتاح
سارتْ به صبحاً وعادت
بالمواجع والدموع
يغدو الحزينُ على الأسى
وأشقُّ شَطْريْه الرجوع
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> خطاب
خطاب
رقم القصيدة : 63629
-----------------------------------
قَبَّلْتُ خطَّك ألْفا
ولم أَدَعْ منه حرفا
قد كنتِ توأم قلبي
وكنتِ في الغيبِ إلفا
يا هند ما الحسن إني
أُجلُّ حسنَكِ وصفا
رأيتُه بخَيال
على جمالك رَفَّا
وكيف أخفي اشتياقي
ما بيننا ليس يَخْفَى!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> آه
آه
رقم القصيدة : 63630
-----------------------------------
آهِ من مَيَّة آهٍ ثم آه
وحبيب سحرتني مقلتاه
لو تمنّيتُ قُبَيْل الموت ماذا(69/61)
أتمنى؟ قلت تقبيل ثراه!
أتمنى الموت من قلِتهِ
ما الذي يمنع أن أشتاق فاه
آهِ من مَيَّة آهٍ ثم آه
وحبيبٍ عزّني اليوم لقاه!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> في ليلة غارة
في ليلة غارة
رقم القصيدة : 63631
-----------------------------------
يا ميَّةَ الحسناء هل يغزو الهوى
قلبيْن ما كانا على ميعادِ؟
لا شيءَ إلا أن ذُكرتِ فهزّني
طربٌ وبات على الحنين فؤادي
وظللتُ أحلم والتفتُّ لساعةٍ
تدنو إليَّ بطيفِكِ الميَّادِ
يا مَيَّ إن قد مُنيت بظلمةٍ
والليلُ يجثم فوق صدر الوادي
فأنرتِ لي قلبي وصرتُ كأنما
هذا السوادُ الجَهْمُ غيرُ سوادِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> سمراء المحفل
سمراء المحفل
رقم القصيدة : 63632
-----------------------------------
مَلَكي ومحرابي وقد
سَ فؤاديَ المتبتِّلِ
لمن الجمال الفخمُ ير
فُل في الغلائلِ والحُلِي؟!
متألباً في خاطري
متألقاً في المحفلِ
إقبلْ بما ولَّت به الدنيا
وهاتِ وعللِ
وابسط جناحكَ فوق
قلبيْنا الغداة وظلّلِ
طِرْ حيث شئتَ فإن دنتَ
لناظري فتمهلِ
واهاً لهذي الطلعةِ السمراءِ
عند المجتلي
بغلائل الأضواءِ وشَّتْها
رِقاقُ الأنملِ
وشَّت بشاشتُها نضارةُ
وجهك المتهلّلِ
فكأن طفلَ الفجرِ نامَ
على وسادةِ جدولِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> روض الحسن
روض الحسن
رقم القصيدة : 63633
-----------------------------------
في أيِّ روضٍ من رياضكِ أمرحُ
وبأيِّ آلاءٍ لَدَيكِ أُسَبِّحُ؟
ثمرٌ على ثمرٍ وإن المُجْتنى
ليحار من عذب الجنى ما يطرحُ
بالشعر أم بالمقلتينِ معلَّقٌ
من ناظريْ وخواطري لا يبرحُ
تلك المحاسن في نُهايَ جميَعُها
رفّافةٌ ومغرَداتٌ صُدَّحُ
فإذا غفوتُ فإنني أمسي بها
وعلى مغانيها الفواتنِ أُصبحُ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> قلبي الثاني
قلبي الثاني
رقم القصيدة : 63634
-----------------------------------
أحببتُ ميَّة حبّاً لا يُعادلهُ(69/62)
حبٌّ وأفنيتُ فيها العمرَ أجمعَهُ
أُحبُّ عمري الذي في قرب ميَّ وما
قد مرَّ من دونها ما كان أضيعُهُ
يا ميَّ يا قلبِيَ الثاني أعيش بهِ
وإن يكنْ فوق ظنِّي أنّني معهُ
يا بضعة من كيان الصبِّ نابضةً
بكل حُبٍّ به الرحمن أودعهُ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ما أضيع الصبر
ما أضيع الصبر
رقم القصيدة : 63635
-----------------------------------
ما أضيع الصبر في جُرحٍ أداريهِ
أريد أَنْسَى الذي لا شيء ينسيهِ
وما مجانبتي من عاش في بصري
فأينما التفتتْ عيني تلاقيهِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ما حيلتي
ما حيلتي
رقم القصيدة : 63636
-----------------------------------
ما حيلتي يا هند وجهك لاح لي
بأنوثةٍ جبَّارةِ الطغيانِ
يا هندُ أين رجولتي وعزيمتي
في قرب وجهٍ ساحرٍ فتَّانِ؟
وأنا حزينٌ ظامئٌ قد جدَّ لي
وِردٌ وراء مَعِينِهِ شفتانِ!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> يا نسيم البحر
يا نسيم البحر
رقم القصيدة : 63637
-----------------------------------
يا نسيم البحر ريانَ بطيب
ما الذي تحمل من عطر الحبيبِ؟
صافحتني من نواحيك يدٌ
تسمح الدمعةَ عن جفن الغريبِ
وتلقَّاني رشاشٌ كالبكا
وهديرٌ مثلُ موصول النحيبِ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ذات ليلة
ذات ليلة
رقم القصيدة : 63638
-----------------------------------
بين سهدٍ وعذابٍ وضنى
مرَّ ليلي، ذاك حالي وأنا
أسالُ الأنجمَ عن حالِ المنى
يا حبيبي كيف صارت بيننا
كيف أمسى يا حبيبي عهدُنا
بعدما طاب هوانا، ودنا
كلُّ ما كان عبيداً، ورنا
كلُّ نجمٍ من سماوات السنا!
آه لو ينظر حالي الآن آه
حينما ضاقت بآلامي الحياه
ندم النجمُ على غالي سناه
ورأى كيف انطوينا فطواه
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> يا دار هند
يا دار هند
رقم القصيدة : 63640
-----------------------------------
غرامكِ لي معبدٌ طاهرٌ
دعائمُهُ شُيِّدتْ من ولوعي(69/63)
تعهدتُ محرابَه بالوفاء
وأوقدتُ فيه الهوى من شموعي
جوانبُه من دموعيَ قامتْ
وأضلعُه بُنِيتْ من ضلوعي
ومن ذا رأى هيكلاً في الوجودِ
يُقام على عمدٍ من دموعِ؟
***
***
إني لأقنع من ظلالِ أحبّتي
بحنان أحتٍ أو بكفّ مسلّمِ
وبجلسةٍ طابت لديّ بغرفة
حملت عبيرَ الغائب المتوسّمِ
يا أخت هندٍ خبّريها أنني
صبٌ يعيش بمهجة المتألمِ
صبٌ سئمتُ من الحياةِ بدونِها
أنا لا أحبُّ إذا أنا لم أسأمِ
ومضى النهارُ ولا نهارَ لأنهُ
يمتدُّ عندي كالفراغ المظلمِ
***
***
يا دار هندٍ إن أذنتِ تكلَّمي
يا دارها عيشي لهندٍ وأسلمي
فدمي الفداءُ لحبّ هندٍ وحدها
وأنا المقصِّرُ إن بذلت لها دمي
ولقد حلفت لها ودمعي شاهدٌ
إني فنيتُ علمتِ أم لم تعلمي!
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> شفاعة
شفاعة
رقم القصيدة : 63641
-----------------------------------
لا تمْحُ رَوْعَتَها بذكر فعالها
دعْها تمرُّ كما بدت بجلالها
لا تنكرنَّ الشمسَ عند غروبها
أَوَ ما نعمتَ بِدِفْئِها وظلالها؟
إن كان فاتك مجدها رَأدَ الضُّخى (؟!)
فاحمدْ لها ما كان من آصالها
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> قسوة
قسوة
رقم القصيدة : 63642
-----------------------------------
قَسَتِ الحياةُ على الطريدِ
فلا الدموع ولا الصَّلاهْ
وقسا الحبيبُ على الغريبِ
فلا الدموع ولا الصَّلاهْ
فرغ الحديثُ ومن رواه
طُوِيَ الكتابُ فمن طواهْ؟
عجباً لهذا الحب من
بدءِ الزمانِ لمنتهاهْ
وقضائِهِ بين الذي
حفظ الوفاءُ ومن سلاهْ
قتلى الهوى لا يُذكرون
ولا حساب على الجناهْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> محنة
محنة
رقم القصيدة : 63643
-----------------------------------
هي محنةٌ وزمان ضيقْ
وتكشَّفَتْ عن لا صديق
جرَّبتُ أشواكَ الأذى
وبلوتُ أحجارَ الطريقْ
وكأنَّ أيّامي التي
من مصرعٍ ليست تفيقْ
زرعٌ على ظُلَلٍ فذا
أبداً لصاحبه رفيقْ
هذا الذي سَقَت الدموعُ
وذاك ما أبقى الحريقْ(69/64)
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> الحب والربيع
الحب والربيع
رقم القصيدة : 63644
-----------------------------------
جدّدي الحبَّ واذكري لي الربيعا
إنني عشت للجمال تبيعا
أشتهي أن يلفَّني ورق الأيكِ
وأثْوي خلف الزهورِ صريعا
آه دُرْ بي على الرِّفاق جميعاً
واجعل الشمل في الربيع جميعا
لا تقل لي أشتر المسرَّة والجاه
فإنِّني حُسنَ الربى لن أبيعا
فلغيري الدنيا وما في حماها
إنني أعشقُ الجمالَ الرفيعا
أنا من أجله عصيتُ وعُدِّبْتُ
وأقسمتُ غيرهَ لن أطيعا
وبطيبِ الربيع أقتاتُ زهراً
وعبيراً ولا أُكابد جوعا
فَهو حسبي زاداً إذا عَفَت الدُّنيا
وأقْوَتْ منازلاً وربوعا
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> إلى ابنتي ضوحيه
إلى ابنتي ضوحيه
رقم القصيدة : 63645
-----------------------------------
يا من طلبتِ الشعرَ هاك تحيّتي
وهواي يا روحي ويا ضوحيّتي
أيُرادُ تفصيلٌ لما عندي وكم
قلبٍ وموجز أمره في لفظة
لكن فنَّ الشعر وردُ أحبة
يُهدى فهاك قصيدتي بل وردتي
والشعر روضٌ يانعٌ وعبيرهُ
سارٍ إلينا من عبير الجنّةِ
وأراكِ روضة رقةٍ ومحاسنٍ
هل روضةٌ تهدي البيان لروضةِ؟
فإليك يا أغلي عزيزٍ يا ابنتي
وأحبَّ من تصبو إليه مهجتي
تذكار والدك المحبِّ وديعةً
فإذا ذكرت فهذه أمنيّتي
والحظُ مثل الرسم إن يوماً نأى
رسمي فللأثرِ العزيز تلفّتي
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> غيوم
غيوم
رقم القصيدة : 63646
-----------------------------------
أملٌ ضائعٌ ولبٌّ مشرَّدْ
بين حبٍّ طفى وجُرح تمرّدْ
وضلالٌ مشت إليه الليالي
هاتكاتٍ قناعه فتجرّدْ
وبدا شاحباً كيوم قتيلٍ
لم يكد يلثم الصباحَ المورّدْ
غفر الله وهمها من ليالٍ
صوّرت لي الربيعَ والروض أجردْ
قاسمتني الورقاءُ أحزانَ قلبي
وشجاه وغَرَّدَتْ حين غرّدْ
ثم ولَّتْ والقلبُ كالوتر الدامي
يتيمُ الدموعِ واللحنُ مفردْ
ما بقائي أرى اطِّراد فنائي
وانتهائي في صورةٍ تتجدّدْ(69/65)
ورثائي وما يفيد رثائي
لأمانٍ شقيةٍ تتبدّد
عبثاً أجمع الذي ضاع منها
والمنايا منِّي ومنها بمرصدْ
وبقائي أبكي على أملٍ بالٍ
وأحنو على جريحٍ موسَّدْ
واحتيالي على الكرى وبجفنيَّ
قتادٌ ولي من الشوك مرقدْ
وشكاتي إلى الدجى وهو مثلي
ضائعٌ صبحهُ ضليلٌ مسهَّدْ
وشخوصي إلى السماء بطرفي
وندائي بها إلى كل فرقدْ
فجعتني الأيامُ فيه فلم يَبْقَ
على الأرض ما يسرُّ ويُحمدْ
ذهبت بالجميل والرائعِ الفخمِ
وطاحت بكل قدسٍ ممجّدْ
مالَ ركنٌ من السماءِ وأمسى
هلهلَ النسج كلُّ صَرحٍ مُمرَّد
ربِّ عفواً لحيرتي وارتيابي
وسؤالٍ في جانحي يتردّدْ
هو همس الشقاء ما هو شك
لا ولا ثورةٌ فعدلك أخلدْ
أين يا رب أين منقبل حيْني
ألتقي مرةً بحلمي الموحّدْ؟
بخليلٍ ما ردَّه كيدُ نمّامٍ
ولم يَثْنِه وشاةٌ وحُسَّدْ
وحبيبٍ إذا تدفَّق إحساسي
جزاني بزاخرٍ ليس ينفدْ
وعناقٍ أُحِسُّه في ضلوعي
دافقاً في الدماءِ كاليمِّ أزبدْ
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ذهب العمر
ذهب العمر
رقم القصيدة : 63647
-----------------------------------
قضيتَ العمر تذكر لي
وأذكر في الهوى جرحكْ
فقم نسخرْ من الأمَلِ
ومن أعماقنا نضحكْ!
وقم نسخرْ من الدنيا
وقم نَلهُ مع اللاهي
طويتُ صحيفة الأمسِ
فَدَعْها في يد اللهِ
***
***
هي الدنيا كما كانت
وماذا ينفع الوعظُ
وما عتبت ولا خانت
ولكن خانك الحظُّ
أردنا الجاهَ والذهبا
فلم يتلطّفِ المولى
وهذا العمرُ قد ذهبا
وأحسن ما به ولّى
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> رباعيات
رباعيات
رقم القصيدة : 63648
-----------------------------------
صيرَك الحسن أميرَ الوجودِ
والشعر من درّاته كلّلكْ
مستلهماً منك معاني الخلود
فكل تاجٍ في العلى منك لكْ
فَنَاهِبٌ برقَ الثنايا العذابْ
وسارقٌ ياقوتهً من فمكْ
وكل تغريد الهوى والشبابْ
أغْنيةٌ حامت على مبسمكْ
***
***
وذلك الماس الرفيع السنا
والجوهر الغالي الذي صِدْتُهُ(69/66)
أرفع من فكر الورى مَعْدِنا
وكل فضلي أنني ضُغْتُهُ!
لا فكر لي، عشتُ على فكرتكْ
أقبس ما آقبس من غُرَّتكْ
ودمعتي تقتات من عبرتكْ
فانظر بمرآتي إلى صورتكْ
أشقاني الحبُّ وقلبي سعيدْ
يَعُدُّ هذا الدمع من أنعمكْ
أجزل ما كافأ هذا الشهيدْ
بلوغُه المجد على سُلَّمكْ
***
***
لا شيء من يوم النَّوى منقذي
إني امرؤٌ عنك وشيك المسيرْ
وأنت باقٍ والجمال الذي
غنّى به شعري ليومي الأخيرْ
انظر إلى آيات هذا الجمالْ
ترتدُّ عنها عاديات البلى
عاجزةَ الباع ويأبى الزوالْ
لوردةٍ مت عَدْن أن تذبلا
للأنفس الظمأى إليك التفاتْ
ولهفةٌ ملءَ اللّحاظ الجياعْ
ولي التفاتٌ لسريّ الصّفات
واللؤلؤِ اللمّاح خلف القناعْ
قلبي مع الناس وفكري شَرودْ
في عالَمٍ رَحْبٍ بعيد الشِّعابْ
عيني على سرٍّ وراء الوجود
وبغيتي عرشٌ وراء السحابْ!
***
***
كم طرت بي واجتزت سور الضبابْ
والضوء ملءُ القلب ملءُ الرحابْ
وعدت بي للأرض أرض السَّرابْ
والليلُ جهمٌ كجناح الغرابْ
أريْتُني الغيبَ الذي لا يُرى
كشفتَ لي ما لا يراء البصرْ
ثم انحدرنا نستشفُّ الثرى
علّ وراءَ التُّرب سرَّ السفرْ
صدري وسادٌ زاخرٌ بالحنانْ
تصوُّري أعجب ما في الزمانْ
موج على لُجَّته خافقان
قَرَّا على أرجوجةٍ من أمانْ
كمركب في البحر يومَ اغتربْ
ما أبعد المحنة بعد اقترابْ
هيهات يُنْجِي من شطوط العذابْ
إلاّ عبابٌ دافقٌ في عبابْ
***
***
ملأتُ كأسي وانتظرتُ النديم
فما لساقي الرُّوح لا يُقبلُ
شوقي جحيمٌ وانتظاري جحيم
أقلُّ ما في لفْحِهِ يتقلُ
أنت كريمُ الودِّ حُلوُ الوفاءْ
فما الذي عَاقَكَ هذا المساءْ؟
وما الذي أخَّر هذا اللقاءْ
وحرَّم النبع وصدَّ الظِماءْ؟
***
***
أذمّ هذا الوقت في بُطْئِهِ
آخرهُ يعثرُ في بَدْئِهِ
تدقُّ فيه ساعةٌ لا تدورْ
وإن تَدُرْ فهو صراعُ اللغوبْ
رنينها يقلق صمَّ الصدورْ
وطَرْقُها يقرع بابَ القلوبْ
يا ذاهباً لم يشْف مني الغليل
ما أسرع العقربَ عند الرحيلْ(69/67)
هتفتُ قف لم يبق إلاّ القليلْ
وكلُّ حيٍّ سائرٌ في سبيلْ!
***
***
يومٌ تولّى أو ظلامٌ سجا
كلاهما بالقرب منك انتصارْ
أأحمد اليوم تلاه الدُّجى
أم أحمد الليل تلاه النهارْ؟
إنْ نَوَّر النجمُ به مرَّةً
فإن إشراقَكَ لي مرّتانْ
وكيف يُبقي الشكُّ لي حيرةً
ولي على برج المنى نجمتانْ؟
فهذه تلمع في خاطري
مِلءُ دمي إشراقُها والبهاءْ
وهذه تُومِئُ للساهرِ
والليل صافٍ وأديم السماءْ
***
***
وهذه تجلو كثيف الغيومْ
وهذه تَدْرَأُ عني الهمومْ
وتَمحق الحزنَ وتَأسُو الكلومْ
فما الذي أَجْرى دموعَ النجومْ؟
هيهات أنسى دُرَّة الأنجمِ
إليَّ من آفاقها ترتمي
وفي جريحٍ أعزلٍ تحتمي
من أي هولٍ؟ هي لم تعلمِ!
إنَّ ضلوعاً تحتمي في ضلوعْ
مقادرٌ ليس بها من رجوعْ
أخلدُ أصفاد الجوى والنزوعْ
هوى الحزاني وعناق الدموعْ
رضيت بالدهر على ما جَنَى
وأُبْتُ بالحكمة بعد الجنونْ
ومرَّ يومي هادئاً ساكنا
وأَيُّ شيءٍ خادع كالسكونْ
***
***
أرنو إلى الصحراءِ حيث الرمالْ
نامت كأنَّ اللفحَ فيها ظلالْ
يا ليت لي والدهر حالٌ وحالْ
من وقدةِ الإحساسِ بعض الكلالْ
فأقبلِ الدنيا على حالها
مسلِّماً بالغدرِ في آلها
وراضياً عنها بأغلالها
محتملاً وطأة أثقالها
الرُّعْبُ سيّان بها والأمانْ
والحسنُ زادٌ سائغٌ للزمانْ
والوهمُ في حالاتها كالعِيان
والحبُّ والكرهُ بها توأمانْ
وَدِدْتُ لو قلبي كهذي القفارْ
أصمُّ لا يسمع ما في الديارْ
أعمى عن الليل بها والنهارْ
وددتُ لو قلبي كهذي القفارْ
وددتُ لو عنديَ جهلُ الثرى
تَعْمُر أو تقفر هذي البيوتْ
غفلان لا يعنيه أمرٌ جرى
أيُولدَ الحيُّ بها أم يموتْ
***
***
وليلةٍ تمضي وأخرى وما
جئتَ فهل ألهاك عني أحدْ؟
ما ضاء من ليلاتنا أظلما
والسبت خَدَّاعٌ بها كالأحدْ
يمتلئُ السطحُ على ضيقهِ
أنا الذي لم أدْرِ طعمَ الحسدْ
وذلك (الجاز) وهذا النغمْ
منتقلاً بين الرضا والألمْ
يحمل لي طيفَ خيالٍ قَدِم
تراه عيني في ثنايا حُلُمْ(69/68)
***
***
في واحةٍ يرسو عليها الغريبْ
فكلُّ ما فيها لديه غريبْ
وهكذا الدنيا خداعٌ عجيبْ
إذا خلت أيامُها من حبيبْ
وهكذا يومٌ ويومٌ سواه
ينكرها القلبُ الصَّبورُ الحمولْ
وهكذا يذهب طِيبُ الحياهُ
بين التمني واعتذار الرسولْ
***
***
هنا مِهادُ الحبِّ هل تذكرينْ
وها هنا بالأمس طاب السمرْ
وتلك الأحلامُ الهوى والسنينْ
يحملها التيَّارُ فوق النهرْ
والقمرُ الفضيُّ بين الغيومْ
يخفق كالمنديل عند الوداعْ
يا حسرتا! هل صوّرتهُ الهمومْ
كالزورقِ الغارقِ إلاّ شراعْ
قد جللته غيمةٌ عابرهْ
تسحبُ أذيالَ الأسى والندمْ
وأغرقتهُ موجةٌ غامرهْ
فأطبق الصمتُ وَرَانَ العدمْ
***
***
ضممت أضلاعي على نعشِهِ
فلم يزلْ فيها لهاوٍ شعاعْ
لأيّ غورٍ زالَ عن عرشِهِ
وغاص في اللجِّ إلى أيِّ قاعْ
أرثي لحظِّ الأفق وهو الذي
يرمقُني بالنظرة الساخرهْ
وتهرب الأنجمُ هذي وَذي
ويجثم الليلُ على القاهرهْ
ويزحف الكونُ على خاطري
كأنه في مقلة الساهر
سَدٌّ من الرُّعبِ بلا آخرِ
يعبُّ عَبُّ الأبدِ الزاخرِ
***
***
وفي ظلالِ الموت موتِ الوجودْ
وخلفَ أطلال البلىِ والهمو
وبين أنفاس الرّدى والخمودْ
وتحت سُحْبٍ عابساتٍ وسودْ
تدفعني عاصفةٌ عاتيهْ
تقصف من خلفي وقُدّامِيَةْ
قد مزّقت روحي وآماليَهْ
وقرّبتْ لي طرَفَ الهاويةْ!
تلمع في الظلمة أحداقُها
قد رحّبَتْ باليأس أعماقُها
شافية النفس وترياقُها
مشتاقةٌ أقبل مشتاقُها
***
***
قد كان لي عندك عزُّ الذليلْ
وكان للآمال ومضٌ ضئيلْ
يلمع في ظَنِّي قبل الرحيلْ
فانطفأ النورُ ومات القليلْ
فداك يا جاهلةً ما بيَهْ
قلبي وأنفاسي الظمّاء الحِرارْ
وكيف أنسى ليلتي الداميَهْ
ولهفتي أَلْهَثُ خلف القطارْ؟
وعودتي أجرع كأسَ الحياه
مُعاقِراً سُمَّ الفناءِ البطيءْ
أُنْكِرُ أو أفزعُ ممن أراه
سيان من يذهب أو من يجيءْ
***
***
وليلةٍ فاضت بوسواسها
تعجبُ من إلْفَين بين البَشَرْ
ذلك يعدو خلف أنفاسها
وهذه تتبع سير القمرْ(69/69)
تتبعه بين الرُّبى والشِّعابْ
تتبعه يسري خلال الحسابْ
كم هَلَّلَتْ وهو يضيء الرِّحابْ
والتفتَتْ محسورةً حين عابْ
***
***
وذلك الطفل اللهيف الغيورْ
في فَلَكِ من ضوء ليلى يدورْ
يقفو خطاها وهي بين الطيورْ
لها جناحان مراحٌ ونورْ
كزورق يعبرُ بحرَ الوجودْ
له شراعان ولحظٌ شَرُودْ
كم شرّقا أو غرّبا في صعودْ
وارتفعا حتى كأن لن يعودْ
***
***
ليلى ارجعي إني شقيٌّ كئيبْ
أهتف مفقودَ الهُدى والقرارْ
يا هاته الأوطان إني غريبْ
وعالمي ليس هنا يا ديارْ!
تركتني وحدي وخلفتني
أرزح تحت المبْكيات الثقالْ
أنكرتِ ميثاقي وأنكرتني
أكُلُّ ماضينا وليد الخيالْ؟
***
***
فرغت من أحلامه وانطوى
بِمُرّهِ وارتحتُ من عذبهِ
الأمرُ ما شئتِ فذنب الهوى
على الذي يكفر يوماً بهِ
كان إلى الله سبيلي وما
كان إلى الإيمان دَرْبٌ سواهْ
وكان في جُرح الهوى بلسما
وكان عندي منحة من إلهْ
مهما تكن ناري فإنّ الجحيم
أرأفُ بي من ظلم هذا البعادْ
وربّ همّ مُقْعِدٍ أو مقيمْ
قد لطّفَتْهُ نسماتُ الودادْ
***
***
فخفَّتِ النارُ وقرَّ الهشيمْ
وعاودتني الذِّكَرُ الغابرهْ
والنيلُ يجري هادئاً والنَّسيمْ
معربدٌ في الخُصَل الثائرهْ
كم تهتف الأيامُ: خانت فَخُنْ
ويح حياتي إنْ تَخُنْ أمسها
إن هنتُ هذا عهدُها لم يَهُنْ
ولا لياليها وإن تنسها
تُهيب بي الفرصةُ قبل الفواتْ
ويعرض الصَّيدُ فلا أقنصُ
إني امرؤ زادي على الذكرياتْ
وما غلا عنديَ لا يرخصُ
ومطلبٍ في العمر ولَّى وفات
وكان همِّي أنه لا يفوتْ
كأن فجراً ضاحكاً فيّ ماتْ
وملءُ نفسي مغربٌ لا يموتْ
***
***
في السّام الحيِّ الذي لا يَبيدْ
والأملِ الطاغي بأن ترجعي
أجدِّدْ العيش وما من جديدْ
وأدّعي السلْوان ما أدّعي!
كم خانني الحظُّ ولا انثني
أقضي زماني كلَّهُ في لعلْ
وتقسم المرآة لي أنني
رَقَعْتُ بالآمالِ ثوبَ الأجلْ
قد فاتني الصيفُ وخان الربيعْ
وكان همّي كلُّه في الخريفْ
وما شَكاتي حين شملي جميعْ(69/70)
وانت لي أيكٌ وظلٌّ وريفْ
***
***
والآن قد مزّق عندي القناعْ
موتُ الأباطيل وزحف الشتاءْ
وبدَّد الوهمَ وفضَّ الخداعْ
بَرْدُ المنايا وشحوبُ الفناءْ
وأَسِفَ القلبُ لكنزي الذي
غَصّتْ به أفئدة الحُسَّدِ
صحوت من وهمي ولا كنز لي
قد صَفِرَتْ منها ومنه يدي
أين زمانٌ مُكتسٍ يومُهُ
بالحبِّ مَوْشِي بحُلْم الغدِ؟
وربما رقَّ زمانٌ قسا
فانعطف الجافي ولان الحديدْ
محقق الآمال أو واعدٌ
بفرحةٍ يوم لقاء وعيدْ
فإن يَعِدْني ثار شكّي به
كأنما وعد الليالي وعيدْ!
***
***
وا آسفا هذا سجلٌّ كُتِبْ
خَطَّتْهٌ كفُّ القدَرِ المحتجبْ
ففيم عَوْدِي لقديم الحِقَبْ
وفيم تَسْآليَ عمّا ذهبْ؟
ضاقت بنا مصرُ وضقنا بها
وكلُّ سهلٍ فوقها اليوم ضاقْ
وضاقتِ الدنيا على رحبِها
أين نداماي وأين الرفاقْ؟
كفٌّ تَلُمُّ العمرَ والعُمرُ راحْ
وقبضةٌ تجمع شملَ الرياحْ
لا حَبَبٌ باقٍ ولا ظل راح
ليلٌ تولَّى وتولَّى صباحْ
هذا نهارٌ مات يا للنَّهارْ
كل مساءٍ مصرعٌ وانهيارْ
مال جدارُ النورِ بعد انحدارْ
وغابتِ الشمسُ وراءَ الجدارْ
***
***
وذا مساءٌ صبغتْهُ الهمومْ
بلونها القاني وهذي غيومْ
تحوم والظلمةُ فيها تحومْ
تبسط مهداً ليّناً للنجومْ
كأن ثوباً في السماء احتراقْ
فلم يزل حتى استحال الأفقْ
ظلُّ دخانٍ أو بقايا رمقْ
ولمَ يعُد إلاَّ ذيولُ الشفقْ
وتزحف الظلماءُ زحفَ المُغيرْ
حاجبةً ما دونها كالسِّتارْ
وكل حيٍّ وادعٌ أو قريرْ
ما اختلف الشأن ولا الحظّ دارْ
العيشُ أمرٌ تافهٌ والمنونْ
والحكمةُ الكبرى بها كالجنونْ
وهكذا نمضي وتمضي السنونْ
وهكذا دارتْ رحاها الطحونْ
في شَجِّهَا حيناً وفي طَعْنِها
سينقضي العمرُ وأين الفرار؟
وثورةُ الشاكين من طحنِها
نوحُ الشظايا وعتابُ الغُبارْ!
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> " فتى فلسطيني يتحدث "
" فتى فلسطيني يتحدث "
رقم القصيدة : 63649
-----------------------------------
مساء الخير يا وطني ..(69/71)
أتيتك انقش الإصرار في بوابة الزمن
أتيتك ..
هيبة التاريخ من خلفي
ونور الحق يطرد من أمامي ظلمة الفتن
أتيتك ..
أحمل الرشاش في كف
وفي أخرى حملت لفافة الكفن
مساء الخير يا وطني ...
لقد سيرت في بحر المآسي أعظم السفن
ملأت فؤادي الخاوي بنور الله
كي أحميك يا وطني
أتيتك والرؤى البيضاء تبعني
أتيك ..
والهواء الطلق يعزفني
أتيتك بلبلاً يشدو
يثير كوا من الفنن
أتيتك .. أيها الغالي .
نشيداً يعربي اللحن ثغر المجد ينشدني
أتيتك ....
بعد أعوام من الإخلاد والتضليل .. يا وطني ..
مساء يا وطني
مساء شريعة سمحة
مساء الخير والإيمان والفرحة
مساء الريح ...
حين يظل يندب غيرنا ريحه
مساء قوافل الإيمان
تفتح صفحة في دفتر الأمجاد
تأتي بعدها صفحة
مساء الخير يا وطني
وعذراً ...
إن سردت حكايتي وكشفت عن شجني
وإن حملت سري ما يفر به
إلى علني
وإن ناديت قومي في تخوم الشام واليمن
وفي مصر وبغداد وأرض المغرب العربي
أو عدن
وفي أرض الجزيرة مهبط الوحي المبين
وشامة الزمن
أناديهم ..
أحدثهم بما جلب العدو إليك يا وطني
دعوني يا بني قومي أحدثكم ..
ففي قلبي جراح ما لا آخر
وفي نفسي خرائط حسرة
مازال يرسمها لي الغادر
وفي عيني رؤى بحر
وفي سمعي صدى من وجه الهادر
دعوني يا بني قومي أحدثكم عن الماضي
وماذا يطلب الحاضر
دعوني يابني قومي أحدثكم عن الباغي
وما جلبت يداه إلى فلسطين
عن الرشاش يأكل صدر مسكين
دعوني .. يابني قومي أحدثكم
عن الآهات في وجدان زيتون
عن الدمع الذي يجري
دماً في مقلة التين
عن الإجرام ..
كيف يعشش الإجرام فيفي أهداب صهيون
سأنطق - يابني قومي -
وسوف أقيل هذا الصمت
من كرسي منصبه
وسوف أجرد "النمرود" من أثواب سلطته
وأحرق وجه موكبه
وسوف أحدث الدنيا
بما فعل الطغاة بنا
فكم شربوا وكم أكلوا
وكم بصقوا على وجهٍ وكم قتلوا
وكم لثموا على نخب انتكاستنا
كؤوس الخمر واحتلوا
وكم وجلوا ..
ولكنا سكنا كهف فرقتنا ..
فما وجلوا
وكم وصلوا ..(69/72)
لأنا لم نقف في دربهم
وصلوا
وكم ذهلوا ...
لأنا لم نحرك ساكناً
ذهلوا .
تعالوا يابني قومي ..
لكي تتعلموا في أضنا لغة الجراح
ومنطق الحسرة
وحتى تأخذوا من حالتنا عبرة
وحتى تأكلوا من خيرنا
كسرة
تعالوا ..
وأقرؤوا في وجه ليلى قصة العسره
تعالوا ..
لن تموتوا- يا أباه الضيم - من جوع
فإن جياعنا سيقدمون لكم طعاماً
دونما أجره
ولا تخشوا على أجسامكم برداً
فسوف يقدم الأيتام من أطمارهم لحفا
ولكن - يابني قومي-
أنا منكم وفيكم مسلم ولساني الفصحى
وقد تمحى جميع مظاهر الدنيا
وإيماني برب الكون
لا يمحى
أنا منكم وفيكم
غير أن الجرح ينجب في دمي جرحا
ونار الحزن تلقح
خاطري لفحا
أنا منكم وفيكم
سوف ألقاكم مساء يا بني قومي
إذا فارقتكم صبحا
تعالوا ...
وامتطوا خيل التذكر نحو ماضينا
لعل تذكر الماضي
يجمعنا ويدنينا
متعوا أنظاركم
واستذكروا "بدراً" و"حينا"
تعالوا ..
سوف أخبركم بأني - يا بني قومي -
إذا ما داعب التاريخ ذاكرتي
شممت مفاخر الأمه
رأيت المجد يضحك في مرابعها .
وينسى عندها همة
وأبصرت اللحى
وعمائم الأبطال
في القمة
رأيت الليل ينسى في مدى أنوارها الظلمة
دعوني - يا بني قومي -
دعوني أخبر القمر المنير بلهمة النجمة
وأغسل بالدماء
نجاسة الوصمة
دعوني أحلب الصمت الطويل
وأرسل الحكمة
دعوني - يا بني قومي - أحدثكم
عن المأساة في القدس
عن المأساة في غزه
عن المأساة في حيفا وفي يافا
وكيف تحولت آهاتنا العظمى إلى هزة
وكيف تحركت فينا بطولتنا
فقمنا نطلب العزة
مساء الخير يا وطني
مساء الفل والريحان والكادي
مساء عرافة التاريخ يا وطني
مساء زمان ميلادي
مساء عقيدة الإسلام
تمحو كل إلحاد ..
وترفع رأية الإنصاف في سفح وفي وادي
مساء الخير يا وطني
يحيء محملاً بعبير إنشادي
مساء الخير يا وطني
*********
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> قصاصات من حقيبة الذكرى .
قصاصات من حقيبة الذكرى .
رقم القصيدة : 63650(69/73)
-----------------------------------
(1)
يوم أتى
وحقيبة الذكرى ممزقة
وفي وجهي ارتباك
هذا وذاك
هذا يغص بضحكة استهزائه مني
ويرمق وجه ذاك
ماذا دهاك ؟؟
كان السؤال مغلفا فا بشماته الباغي
فهل تاهت رؤاك؟
من أين يبتدئ الطريق
إلى العراك؟!
كل الخيوط تشابكت
خيط هنا
خيط هناك
ويد تمد لنا الشباك
متوقفون
بلا حراك
متهورون يسابقون الريح
في دربالهلاك
(2)
حرب
ولكن الفوارس يلعبون
والواقفون على خطوط النار
لا يتلفتون
متربصون وغافلون
والسذج البسطاء باللحن الدخيل
يدندنون
يحيا أباة الضيم
يحيا الجائرون
والجاهلون بلهوهم يتمرغون
يعطون ألف هدية لكنها
لم تبلغ المشار مما يسرقون
(3)
سلم
وما أقسا السلام
بلا كرامة
سلم
وكل الراحلين ينقبون
عن السلام
أعماقهم تقلي أسى
وعلى وجوههم العلامة
قوم يهزون الصليب
ويعتدون
والآخرون ينقبون عن الإمامة
وكأنها ..
في جبة سوداء تكمن
أو عمامة !!!
والصادقون يرددون دعاءهم
لا كان سلم
يفقد الناس الكرامة
(4)
قوم يهزون السيوف
على رقاب الأقربين
والآخرون يحركون المطرقة
تقسو تلين
مليون راحلة
ودرب الشوق أشواك
تعوق الراحلين
وحل وطين
ليل يظل الكون تحت جناحه
مثل السجين
هذي اليمين
فمن يصافح باليمين ؟
هذي وجوه الهاربين
هذي الأمانة
أين حارسها الأمين ؟!
هل مات ، هل غدروابه؟!
كلا ... وكلا ..
إنما قطعوا الوتين
(5)
شفة إلى لغة الهوى عطشى
وقلب فيه نار
والمعصم المفتول يخنقه السوار
الصورة الشوهاء
ضاق بها الإطار
نور ونار
والبلبل الصداح ضيع عشه الغالي
وطار
هذي الرمال أصابها
مثل السعار
هذي الركائب ..
يستبد بها المثار
والفارس المقدام
يصرعه الدوار
تاهت خطاه فلا خيار
وسؤاله يجتاح حاجز صمته
أين المسار ؟؟!
(6)
قدم تحن إلى الوقوف
ولا يطاوعها الوقوف
قلم يحن إلى الحروف
ولا تطاوعه الحروف
شمس يروعها الكسوف
ورؤى بأعيننا
تطوف
قلب شغوف
ومشاعر فياضة
مازال يركلها العزوف
وقصائد مذعورة
ملت إقامتها الرفوف(69/74)
والراكضون ينقبون
عن الكهوف
والناس يخشون الحتوف
وهم يصوغون الحتوف
لله أمر الناس كل
حول حاجته يطوف
(7)
أحلامنا هرمت
ووجه جراحنا وجه قبيح
نفسي مجنحة الرؤى
والقلب محبوس جريح
يوم يجيء بحسرتي
وبكل آمالي بروح
والقلب بينهما ذبيح
من ذا يحرم أو يبيح
يا رب عفوك
هل يضيق بمثلنا الكون الفسيح؟!
جسد وروح
الشوق مدفون
ودمع العين يكتم أو يبوح
يارب عفوك
قد لجأت إليك حتى استريح
(8)
حسن اليهود
كلماتنا خجلت ولم نخجل
ولم نرع العهود
خسئ اليهود
والصمت ينسف أمتي
وخلافها الدامي يمزقها
فليس له حدود
قوم على شرفات حيرتهم
وقو
والآخرون على كراسيهم
قعود
وتساؤل مر على شفة الأبي:
متى تفارقني القيود؟!
ومتى نعود إلى الوئام
متى نعود؟!
من أين لي بأبي عبيدة
وابن وقاص وابن ابن الوليد؟؟
من أين لي
بالذاكرين الله
أرمي في طرقهم الورود ؟؟
وأقولها
والنور يغمرني
وعزمي كالحديد
خسئ اليهود
خسئ اليهود
(9)
حب وأشواق
وتبتدئ الحكاية
سيف ورايه
والفارس المغوار
ينتظر البداية
هدي رحى الأفكار تطحنه
وتلبسه الجنايه
والخوف يرسم صورة
سوداء تشعر بالنهاية
والواقفون على التلال
تساءلوا :
من أين تبتدئ الحكاية؟؟
وهناك عين تحتويه بنظرة
وهناك قلب خافق
وعناية تتلو عناية
وهناك صوت هامس
يأتي فيختضر النهاية:
يغدو الحنان هدية عظمى لمن فقد الرعاية
(10)
يوم مضى
وحقيبة الذكرى ممزقة
وفي قلبي اشتياق
ودنا الفراق
أحسست ..
أن الليل موج لا يطاق
وشممت رائحة احتراق
كانت يد الأحزان تلطمني ..
وكان السيف يهفو لامتشاق
كانت عيون الصبر
ترمقني ..
وكان الصبر يدعو للعنا
كل السيوف تحطمت
وتحول الحقد العنيف
إلى وفاق
وهنا ..
بنيت عزيمتي
وحفرت قبراً للشقاق
*******
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> جولة مع جواد الشعر
جولة مع جواد الشعر
رقم القصيدة : 63651
-----------------------------------
إلى أستاذي الكريم الدكتور"عبد القدوس أبو صالح"(69/75)
تطاول القوم حتى قال أكثرهم
شعراً تضائل في ميزانه الخلق
يعشش اليأس في أهداب ما كتبوا
وهي متاهاته الآمال تنسحق
يا راحلاً في دروب الشعر ما سكرت
باللهو أحرفه أو نالها شبق
كتائب الأحرف البيضاء قادمة
يزفها قلم يزهو بها ورق
هذي قوافيك لا درب يوصلنا
إلى مداها ولا جسر ولا نفق
مراكب الصمت نامت وهي واقفة
والراكبون عليها قلما انفقوا
أما ترى بعض قومي كلما نعقت
غربان أعدائهم في إثرها نعقوا
ساروا وفي دربهم وحل فإن وقفوا
غاصوا، وإن حركوا أقدامهم زلقوا
أبناء جلدتنا، لكنهم هجروا
وأهل ملتنا، لكنهم مرقوا
***
***
ياعازف الحرفِ هذا الفجر يرمقنا
وقد تضاءل في وجدانه القلق
ما زالتُ أسأل نفسي وهي صادقة
والفجر من سلطات الليل ينعتقُ
لمن أكحل عين الشعر في زمن
فرسانه لعبوا بالنار واحترقوا
لمن نرقِّص أوزان الخيل وما
في قومنا فارس إلا به رهق
***
***
مُتْ يا سؤالي، فكل الراكضين إلى
أوهمامهم ذهبوا والثابتون بقوا
يا عارف الحرفِ ما كل الشدادة شدوا
ولا جميع القوافي ريحها عَبِقُ
جواد شعرك ما زالت حوافره
تشدو، وما زال في الميدان ينطلقُ
إن خيرت عن فناء الليل شمس ضحى
فسوف يخبرنا عن موتها الشَّفق
أمنت أن كتاب الله منقذنا
من الضياع إذا تاهت بنا الطرق
مراكب الصمت نامت وهي واقفة
والراكبون عليها قلما انفقوا
***
***
يستأسدون عليها وهي واقفة
ولو مشت لا نثنوا بالرعب وافترقوا
***
***
أما ترى بعض قومي كلما نعقت
غربان أعدائهم في إثرها نعقوا
وكلما هتف في الغرب هاتفة
طاروا إليها وعن أشواقها نطقوا
كم ملحد نعق الألفاظ فاحترفوا
تمجيده، وعلى آثاره انطلقوا
كم شاعر جعل الإلحاد منهجه
تواثبوا نحوه بالشوق واعتنقوا
وكم صبوح على جهل به اصطبحوا
وكم غبوقٍ عل جهلٍ به اغتبقوا
ساروا وفي دربهم وحل فإن وقفوا
غاصوا، وإن حركوا أقدامهم زلقوا
أبناء جلدتنا، لكنهم هجروا
وأهل ملتنا، لكنهم مرقوا
****
****
ياعازف الحرفِ هذا الفجر يرمقنا(69/76)
وقد تضاءل في وجدانه القلق
ما زالتُ أسأل نفسي وهي صادقة
والفجر من سلطات الليل ينعتقُ
لمن أكحل عين الشعر في زمن
فرسانه لعبوا بالنار واحترقوا
لمن نرقِّص أوزان الخيل وما
في قومنا فارس إلا به رهق
لمن تصفف أشعاري ضفائرها
والسامعون بماء اللهو قد شرقوا
لمن أغرد والأحداث تكشف لي
عن ساقها وسرايا أمتي مِزَقُ
لمن أبث شجوني والأحبة ما
أصغوا وإن بذلوا لي النصح ما صدقوا
***
***
وكيف أركب في بحر الرؤى سفناً
جرت، وما عُدتُ في رباَّنها أثق
ما بال غرَّةِ هذا اليوم باهتة
كأنما هي في وجه الضُحى بَهَقُ
مُتْ يا سؤالي، فكل الراكضين إلى
أوهمامهم ذهبوا والثابتون بقوا
يا عارف الحرفِ ما كل الشدادة شدوا
ولا جميع القوافي ريحها عَبِقُ
جواد شعرك ما زالت حوافره
تشدو، وما زال في الميدان ينطلقُ
إن خيرت عن فناء الليل شمس ضحى
فسوف يخبرنا عن موتها الشَّفق
أمنت أن كتاب الله منقذنا
من الضياع إذا تاهت بنا الطرق
****
****
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> خيمة الظلماء
خيمة الظلماء
رقم القصيدة : 63653
-----------------------------------
نَصَبَ الليل خيمة الظلماءِ
وأبان الصقيعُ جور الشتاءِ
والرياح الهوجاء تُنشِد لحناً
ملحمياً يزف عرش الفناء
وصغير يُخبئ الليل منه
تحت إبطيه باقي الأشلاءِ
وبيوت تبرّأ الأمن منها
وكساها الإرهاب ثوب الشقاءِ
رب طفل يموت فيها يجوع
وعلى بابه صنوف الغذاءِ
لا مجيب يا صوت ليلى وسعدى
مات من يستجيب للضغفاءِ
افرحوا يا يهود، نحن كفينا
جيشكم قتل أهلنا الأبرياءِ
أفرحوا يا يهود، نحن سفكنا
من بني قومنا أعز الدماءِ
لم يزل في الحضيض منا رجال
جرفتهم مبادئ الغوغاءِ
أفرحوا يا يهود، نحن شربنا
بدلاً عنكمو دموع النساءِ
أفرحوا يا يهود نحن وضعنا
في يديكم مواطن الإسراءِ
****
****
وفتحنا لكم بساتين يافا
ورفعنا لكم يد الإغضاءِ
افرحوا يا يهود، نحن نصبنا
لذوين مشانق الدخلاءِ(69/77)
نحن قلنا : ابقروا بطون الحبالي
واستبيحوا محارم النبلاءِ
وسكننا وللرصاص ضجيج
وغفونا على رنين البكاءِ
والدعايات ألبست كل ذل
في حمانا ملابس الكبرياءِ
****
****
صورت كل عثرة عثرتها
أمتي قفزة إلى العلياءِ
صورت كل ظالم مستبد
سيداً عادلاً نقي الرداءِ
يابني أمتي، جراح اليتامى
قتلت في فمي نشيد الصفاءِ
ورمتني من الأسى في محيط
فأمامي موج، وموج ورائي
لو جمعنا قصائد الحزن فينا
ومزجنا بها عيون الرثاء
واستعدنا متمماً حين يبكي
وروينا قصائد "الخنساء"
ماشفينا قلوبنا في زمان
بيع فيه الأطفال بيع الإماءِ
رب عوناً على مصائب قومي
فإليك اللجوء في الباساءِ
****
****
لا تلوموا قصائدي حين تبكي
فهي مقطوعة من الأحشاء
يابني أمتي، بكاء حروفي
"لو فطنتم إيه" أسمى بكاءِ
لو جمعنا قصائد الحزن فينا
ومزجنا بها عيون الرثاء
****
****
واستعدنا متمماً حين يبكي
وروينا قصائد "الخنساء"
ماشفينا قلوبنا في زمان
بيع فيه الأطفال بيع الإماءِ
رب عوناً على مصائب قومي
فإليك اللجوء في الباساءِ
****
****
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> إلى أين يا قومي ؟؟
إلى أين يا قومي ؟؟
رقم القصيدة : 63654
-----------------------------------
خجلت - ورب البيت- من حال أوطاني
فلا الحرب أرضتني ولا السلم أرضاني
فلست أرى إلا وجوهاً كثيبة
ولست أرى إلا صراعات إخوانِ
ولست أرى إلا خلافاً وفرقة
أعدنا بها أيام "عبس" و"ذبيان"
رصاص ولكن في صدور أحبة
وعزم، ولكن في موالاة عدوانِ
نسينا على عزف الشعاراتِ ديننا
فلسنا إلى قاصِ ولسنان إلى دانِ
فكم ظالم يمشي إلى كل رغبة
وكم من برئ جاثم خلف قضبانِ
وكم حرة صاحت أباه ولم تجد
يداً تحتميها من ذئاب وغربانِ
****
****
أرى في الوجود الباسمات تجهماً
وفي نظرات القوم أغضاء حيرانِ
ويطعنني سهم الصديق فأنثني
وفي جسدي جرح وجرح بوجداني
أخي .. ما دها عينيك ، ما عاد فيهما
صفاء يشيع الأمن في قلبي العاني(69/78)
أرى في الروابي الخضر جدباً يميتها
وفي نبعها الصافي رواسب أدرانِ
لقد كنت تبني صرح قوتنا معي
فكيف غدوت اليوم، تهدم بنياني
ألا ليتني ما عشت حتى أرى يدي
وقد حملت سيفي تحاول خذلاني
ألا ليتني ما عشت حتى أرى فمي
يردد لحناً ليس من جنس ألحاني
****
****
ألا ليتني ما عشت حتى أرى أخي
يجرد في وجهي حساماً لعصيانِ
فلسطين .. يا جرحاً عميقاً يسوقني
على درب آلامي إلى أرض لبنانِ
فلسطين ... يا ريحانة ما شممتها
ويا غادة عانت بها كف شيطانِ
حلمت بها، والليل جاث فليتني
أراها ونور الفجر يلثم شطاني
ثلاثون عاماً .. ما أرى الدهر مثلها
ضياعاً، وإبحاراً إلى غير عدوانِ
ثلاثون عاماً .. والشعارات لم تزل
تفوح أكاذيباً، وتندى بخسرانِ
ثلاثان عاماً .. ما فرحنا بفارس
يخوض غمار الحرب من غير خذلانِ
****
****
علام تعادينا، وفيمَ خصامنا
ونحن على أبواب تحرير أوطانِ
وحتام نبقى في صفوف أخيرة
نسير وراء القوم في كل ميدانِ
نجر عباءات الصمود، وحالنا
يدل على ذل ويوحي بخذلانِ
ونرفع أعلام الوفاء وما نرى
وفاء ، ولكنا نرى كل نكرانِ
نقبل أيدي الغاصبين تزلفا
وخوفاً ... وننسى أننا أهل قرانِ
****
****
إلى أين يا قومي؟ وقد حف دربنا
بشوك، وزقوم، وتدبير شيطانِ
إلى أين؟ ما عادت تسيغ نفوسنا
دعايات كذاب، ورايات خوانِ
****
****
إلى أين؟ ما عادت تروق لمثلنا
نداءات عدنان، وصيحات قحطانِ
إلى أين ياقومي؟ فإن طريقنا
طريق إباء في النفوس وإيمانِ
طريق مضى فيه الرسول وصحبه
فما قنعوا إلا بتحطيم أوثانِ
مضوا وظلام الشرك في كل بقعة
يبثون نور الله في كل وجدانِ
وما رجعوا .. غلا وللحق دولة
تضاءل فيها ملك فرس ورومانِ
بقين مشى في كل قلب فهزه
وغربله من كل شك وكفرانِ
وركن نفوس الناس من كل زلة
فأصبح للإنسان إحساس إنسانِ
****
****
أولئك من دانت لهم كل بقعة
أتوها .. وما دانوا لبغيٍ وطغيان
أضاؤوا بنور الله شرقاً ومغرباً
وما سلكوا درباً على غير تبيان(69/79)
إلى أين يا قومي؟ فهذا طريقنا
ولك طريق غيره، درب خسرانِ
إذا فقد الإنسان صدق انتمائه
وأضحى بلا قلب فليس بإنسان
*****
*****
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> رسالة إلى فلسطين
رسالة إلى فلسطين
رقم القصيدة : 63655
-----------------------------------
"فلسطين ولبنان في حلقتان في سلسلة إرهاب واحدة .."
***
اصرخي .. ربما أفاد النواح
في زمان يسود فيه الصياح
في زمان تسود فيه المآسي
فشعار الوفاء فيه السلاح
في زمان تدار يه كؤوس
من دماء بريشة وتباح
اصرخي .. ربما تيقظ غافِ
وتخلى عن بغيهِ السفاح
اصرخي .. فالدموع تغسل قلباً
عصرته الآلام والأتراح
اصرخي .. فالذي يصونك ولي
وحمى القوم للعدا مستباح
***
***
واقطفي وردة لينبت رمح
إنما تهزم العدو الرماح
قدسنا والقيود تدمي يديه
والمنى تحت رجله تنداح
ليله السرمدي لا يتواني
عن ظلام يتيه فيه الصباح
أين يغدو؟ لقد دعا فتلاشى
صوت الحر حين ضج النباح
آهِ من عصرنا ... ينادي ضعيف
فيجيب الصدى ويهوي الجناح
وينادي القوي حين ينادي
فتلبي نداءه الأشباح
كانت القدس وردة لمحب
يأسر القلب عطرها الفواح
***
***
فغدت مجمرا تشب به النا
رُ، وتُشوى في جمره الأرواح
أين أهلوك يا فلسطين؟ قالت:
بعضهم أجهزت عليه الرماح
وبقايا منهم .. يُسامون ظلما
وكثير منهم على الأرض ساحوا
أين أهلي؟ يا جوره من سؤال
تغتلي في حروفه الأتراح
أين أهلي؟ .. يطرزون الأماني
والأماني عن دربهم تتزاح
أين أهلي؟ .. مشردون وبأبي
مقفل والتئامهم مفتاح
أمتي أصبحت تجر خطاها
وبأحلامها تطير الرياح
***
***
جبنت أنفس ونامت عيون
فجراح تغدو .. وتأتي جراح
آه من وجه حرة يتلوى
أنا . والوجوه عنه تشاح
آه من ليل أمة يتمادى
وعلى كفها غفا المصباح
أمتي روضة فأين جناحها؟
ولماذا تقاعس الفلاح؟
جرحها اليوم نازف فلماذا
لا يداوي نزيفه الجراح؟
أظلم الليل حولها وتساوى
في حماها الهجاء والمداح
بلبل، كلما ابتغى طيرانا(69/80)
حطمت نفسه وقص الجناح
***
***
بلبل يشرب الضياء بصمت
لم يعد ينتمي إليه الصداح
وسؤال يزيده رحساسا
بالمآسي .. متى يفك السراح؟
ومتى تنفض المآسي يديها
من حمانا وتستضيء البطاح؟
أي شرعية لحكم عدو؟
إنما دولة العدو سِفاح
لو جمعنا صفوفنا ما غدونا
كالمواشي يغدى بنا ويراح
******
******
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> دمعُ ... ودَم
دمعُ ... ودَم
رقم القصيدة : 63656
-----------------------------------
دمع ودم ..
وصحيفة بيضاء في
شوق إلى شفتي قلم
وقصيدة ..
ما زال يهجرها النغم
وجدار أسئلة يقام :
هذي الصفوف تسير في غير انتظام؟
هذا التناحر والصدام؟
هذا الخصام ؟
هذا التدافع والزحام؟
هذا يسافر لا يعود
هذا تناطحه الحدود
هذا حلال أم حرام ؟
من أين أبدأ يا مدى ؟
ومتى أرى الأزهار ضاحكة الندى ؟؟
دمع ودم ..
والكاتبون على المناضد يكتبون :
شخيره
والعاشق والولهان
تقتله العشيره
دمع ودم ..
والكاتبون على المناضد يكتبون:
لبنان ...
يبقر بطنه رمح وتركله قدم
والقدس ...
يرسل لحن حسرته الحزين
والقدس يحرقه الحنين
ومسارح التهريج عامرة
بزوار "كرام؟"
والليل يركض في حقول ظلامه
ركض "الظليم"
أيام غنى البلبل الصداح
فرحتنا وغرد
كانت ..
ضفائر ليلنا تزهو على ضوء القمر
ما كان يعرفه كدر
الليل لا يسود ...
إلا بالهموم
والمرء لا يبقى على حالٍ
وهل شيء يدوم؟
دم ودم ..
وعجينة ..
والمعتدون ..
يعربون الغدر في ثوب السديم
وفم الضحايا لا بني
عن ذكر خالقه الكريم
طفل
ينام على السري ولا يراه الفجر إلا في التراب
أصداه الأنين :
أماهُ ..
هذا المعتدي وحشُ
وليس له خلا
فقفي على جبل الصمود
أمام جائحة الفراق
وثقي ...
جمع ودم ..
أواه من قومي
يلوكون الجراح ويسكنون
أواه من قومي
يعون ولا يعون
ما عاد وجه القدس يحمل
غير خارطة الألم
يرمي إلينا نظرة
مزحت مدامعها بدم
أني تلقت
إلى لهب الحروب
شرق وغرب
والجنوب مع الشمال
تدعو الرجال ولا رجال(69/81)
وتكاد تسال ..
تنتظر المداد
ودروب أمتنا على أرض الخضوع
لها امتداد
والأرض يغزوها الجراد
والراكبون على خيول الوهم
لم يصلوا إلى أرض اتحاد
دمع ودم ..
وأنا أنادي
ربما بلغ النداء :
يا راحلاً ..
والقلب من شوق
يكاد يفر من صدري إليه
ويخضر المكان
يا بسمة الأحلام في ثغر الزمن
لا تتركيني في مهب الريح
ويتسع المضيق
والراكبون على خيول الوهم
لم يصلوا إلى أرض اتحاد
دمع ودم ..
وأنا أنادي
ربما بلغ النداء :
يا راحلاً ..
والقلب من شوق
يكاد يفر من صدري إليه
عيني وعينك تذرفان
فمتى - بربك - تجمدان
ومتى يمت المسك لهفته
ويخضر المكان
يا بسمة الأحلام في ثغر الزمن
لا تتركيني في مهب الريح
ويتسع المضيق
والراكبون على خيول الوهم
لم يصلوا إلى أرض اتحاد
دمع ودم ..
وأنا أنادي
ربما بلغ النداء :
يا راحلاً ..
والقلب من شوق
يكاد يفر من صدري إليه
عيني وعينك تذرفان
فمتى - بربك - تجمدان
ومتى يمت المسك لهفته
ويخضر المكان
يا بسمة الأحلام في ثغر الزمن
لا تتركيني في مهب الريح
يقتلني الوهن
فأن وأنت على الطريق
تهتز شم الراسيات أمام همتنا
ويتسع المضيق
وعلى صدى أنغامنا
تغدو الربي نشوى
وينطفئ الحريق
دمع ودم ..
ثم يا جريح ولا تتم
وأرسم على صفحات هذا الكون
خارطة الندم
نم يا جريح على الجراح
واقرأ حكاية صبرك المحمود
في وجه الصباح
وانشر همومك فوق أعناق الرياح
فلربما طارت بها ..
وصفا فؤادك واستراح
وغدا على أملٍ وراح
ولربما خفق الجناح
* * *
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> إلى هند
إلى هند
رقم القصيدة : 63657
-----------------------------------
غرامكِ لي معبدٌ طاهرٌ
دعائمُهُ شُيِّدتْ من ولوعي
تعهدتُ محرابَه بالوفاء
وأوقدتُ فيه الهوى من شموعي
جوانبُه من دموعيَ قامتْ
وأضلعُه بُنِيتْ من ضلوعي
ومن ذا رأى هيكلاً في الوجودِ
يُقام على عمدٍ من دموعِ؟
شعراء مصر والسودان >> إبراهيم ناجي >> ملحمة الأطلال
ملحمة الأطلال
رقم القصيدة : 63658(69/82)
-----------------------------------
يا فؤادي رحم اللهُ الهوى
كان صرحاً من خيال فهوى
يا رياحا ليس يهدا عصفها
نضب الزيتُ ومصباحي انطفا
***
***
ليت شعري أين منه مهربي
أي يمضي هاربٌ من دمِهِ
آه يا قِبلة أقدامي إذا
شكتِ الأقدامُ أشواكَ الطريقْ
أنت روح في سمائي وأنا
لك أعلو فكأني محضُ روحُ
أنتِ حسن في ضحاه لم يَزَلْ
وأنا عنديَ أحزان الطَفَل
***
***
ويراني الناسُ روحاً طائراً
والجوى يطحنني طحن الرحى؟
يا حياة اليائس المنفرد
يا يباباً ما به من أحدِ
واثقُ الخطوةِ يمشي ملكا
ظالمُ الحسنِ شهيُّ الكبرياءْ
وأنا حبٌّ وقلبٌ ودمٌ
وفراشٌ حائرٌ منك دنا
قد عرفنا صولةَ الجسمِ التي
تحكم الحيَّ وتطغي في دماه
يا لمنفيين ضلاّ في الوعورْ
دميا بالشوك فيها والصخورْ...
***
***
أنتِ من أسدلها لا تدعي
انني أسدلت هذي الحُجُبا
قد حنت رأسي ولو كل القوى
تشتري عزة نفسي لم أبعها
وحنيني لك يكويْ أعظمي
والثواني جمرات في دمي
أيها الظالم بالله إلى كم
اسفح الدمعَ على موطئها
آه من قيدك أدمى معصمي
لمَ أبقيهِ وما أبقى عليّ
وهبِ الطائر عن عشك طارا
جفتِ الغدرانُ والثلجُ أعارا
لا رعى اللهُ مساءً قاسيا
قد أرانيْ كلَّ أحلامي سدى
كنت تدعوني طفلاً كلما
ثار حبي وتندتْ مقلي
***
***
لي نحو اللهبِ الذاكي به
لَفتة العود إذا صار وقودا
نوّحتْ للذِكَرِ
وشكتْ للقمرِ
يقبسان النورَ من روحيْهما
كلما قد ضنتِ الدنيا بنورْ
أنت قد صيرت أمري عجبا
كثرتْ حوليَ أطيارُ الربى
حجبتْ تأبى لعيني ماربا
غير عينيك ولا مطلبا
ولكم صاح بي اليأسُ انتزعها
فيرد القدرُ الساخرُ: دعها
وليَ الويل إذا لبيتُها
ولي الويلُ إذا لم أتبعها
***
***
لك ابطاءُ الدلالِ المنعمِ
وتجنيْ القادرِ المحتكمِ
وأنا مرتقبٌ في موضعي
مرهفُ السمعِ لوقعِ القدمِ
قدم تخطو وقلبي مشبه
موجة تخطو إلى شاطئها
رحمةٌ أنت فهل من رحمةٍ
لغريبِ الروحِ أو ظامئها
أعطني حريتي أطلقٌ يديّ(69/83)
انني اعطيتُ ما استبقيتُ شيّ
ما احتفاظي بعهود لم تصنْها
والإم الأسر والدنيا لديْ
***
***
هذه الدنيا قلوب جَمَدتْ
خبتِ الشعلةُ والجمرُ توارى
لا تسلْ واذكرْ عذابَ المصطليْ
وهو يذكيهِ فلا يقبسُ نارا
وأراني قلبَ من أعبدُهُ
ساخراً من مدمعي سخر العدا
صدئت روحك في غيابِها
وكذا الأرواح يعلوها الصدا
قد رأيتُ الكونَ قبراً ضيقا
خيّم اليأسُ عليهِ والسكوتْ
***
***
كنت ترثي لي وتدري ألمي
لو رثى للدمع تمثال تموتْ
ولك الحق لقد عاش الهوى
فيّ طفلاً ونما لم يعقلِ
رمت الطفلَ فأدمتْ قلبهُ
وأصابتْ كبرياءَ الرجلِ
قلت للنفس وقد جزْنا الوصيدا
عجلي لا ينفعُ الحزمُ وئيدا
ودعي الهيكلَ شبتْ نارُهُ
تأكلُ الركَّعَ فيهِ والسجودا
لي نحو اللهبِ الذاكي به
لَفتة العود إذا صار وقودا
***
***
لستُ أنسى ابداً
ساعة في العمرِ
نوّحتْ للذِكَرِ
وشكتْ للقمرِ
هاك ما قد صبت الريح
باذن الشاعر
يقبسان النورَ من روحيْهما
كلما قد ضنتِ الدنيا بنورْ
***
***
أنت قد صيرت أمري عجبا
كثرتْ حوليَ أطيارُ الربى
فإذا قلت لقلبي ساعةً
قم نغردْ لسوى ليلى أبى
حجبتْ تأبى لعيني ماربا
غير عينيك ولا مطلبا
أنتِ من أسدلها لا تدعي
انني أسدلت هذي الحُجُبا
ولكم صاح بي اليأسُ انتزعها
فيرد القدرُ الساخرُ: دعها
يا لها من خطة عمياء لو
أنني أبصر شيئاً لم أطعها
وليَ الويل إذا لبيتُها
ولي الويلُ إذا لم أتبعها
قد حنت رأسي ولو كل القوى
تشتري عزة نفسي لم أبعها
***
***
يا حبيباً زرتُ يوماً أيكَهُ
طائر الشوق أغنيْ ألمي
لك ابطاءُ الدلالِ المنعمِ
وتجنيْ القادرِ المحتكمِ
وحنيني لك يكويْ أعظمي
والثواني جمرات في دمي
وأنا مرتقبٌ في موضعي
مرهفُ السمعِ لوقعِ القدمِ
***
***
قدم تخطو وقلبي مشبه
موجة تخطو إلى شاطئها
أيها الظالم بالله إلى كم
اسفح الدمعَ على موطئها
رحمةٌ أنت فهل من رحمةٍ
لغريبِ الروحِ أو ظامئها
يا شفاء الروح روحي تَشتكي
ظلمَ آسيها إلى بارئها...(69/84)
أعطني حريتي أطلقٌ يديّ
انني اعطيتُ ما استبقيتُ شيّ
آه من قيدك أدمى معصمي
لمَ أبقيهِ وما أبقى عليّ
ما احتفاظي بعهود لم تصنْها
والإم الأسر والدنيا لديْ
ها أنا جفتْ دموعي فاعفُ عنها
انها قبلَك لم تبذلْ لحيْ
***
***
وهبِ الطائر عن عشك طارا
جفتِ الغدرانُ والثلجُ أعارا
هذه الدنيا قلوب جَمَدتْ
خبتِ الشعلةُ والجمرُ توارى
وإذا ما قبس القلبِ غدا
من رمادٍ لا تسلْهُ كيف صارا
لا تسلْ واذكرْ عذابَ المصطليْ
وهو يذكيهِ فلا يقبسُ نارا
لا رعى اللهُ مساءً قاسيا
قد أرانيْ كلَّ أحلامي سدى
وأراني قلبَ من أعبدُهُ
ساخراً من مدمعي سخر العدا
ليت شعري أي أحداث جرت
أنزلت روحَك سجناً موصدا
صدئت روحك في غيابِها
وكذا الأرواح يعلوها الصدا
***
***
قد رأيتُ الكونَ قبراً ضيقا
خيّم اليأسُ عليهِ والسكوتْ
ورأت عيني أكاذيبَ الهوى
واهياتٍ كخيوطِ العنكبوتْ
كنت ترثي لي وتدري ألمي
لو رثى للدمع تمثال تموتْ
كنت تدعوني طفلاً كلما
ثار حبي وتندتْ مقلي
ولك الحق لقد عاش الهوى
فيّ طفلاً ونما لم يعقلِ
ورأى الطعنة إذ صوبتها
فمشت مجنونة للمقتل
رمت الطفلَ فأدمتْ قلبهُ
وأصابتْ كبرياءَ الرجلِ
***
***
قلت للنفس وقد جزْنا الوصيدا
عجلي لا ينفعُ الحزمُ وئيدا
ودعي الهيكلَ شبتْ نارُهُ
تأكلُ الركَّعَ فيهِ والسجودا
يتمنّى لي وفائي عودةً
والهوى المجروحُ يأبي أن نعودا
لي نحو اللهبِ الذاكي به
لَفتة العود إذا صار وقودا
***
***
لستُ أنسى ابداً
ساعة في العمرِ
تحت ريحٍ صفقتْ
لارتقاصِ المطرِ
نوّحتْ للذِكَرِ
وشكتْ للقمرِ
وإذا ما طربتْ
عربدتْ في الشجرِ
هاك ما قد صبت الريح
باذن الشاعر
وهي تغري القلب اغراء
النصيح الفاجر
***
***
أيها الشاعر تغفو
تذكرُ العهدَ وتصحو
وإذا ما التأم جرحٌ
جد بالتذكارِ جرحُ
فتعلمْ كيف تنسى
وتعلْم كيف تمحو
أو كل الحب في رأيِكَ
غفرانٌ وصفحٌ
هاك فانظرْ عددَ الرملِ
قلوبا ونساءْ
فتخيرْ ما تشاءْ
ذهب العمرُ هباءْ
ضل في الأرض الذي(69/85)
ينشد أبناء السماءْ
أي روحانية تعصر
من طين وماءْ ...
***
***
أيها الريح أجلْ لكنما
هي حبي وتعلاتي ويأسي
هي في الغيبِ لقلبي خلقتْ
أشرقتْ لي قبل أن تشرقَ شمسِ
وعلى موعدها أطبقتُ عيني
وعلى تذكارها وسدتُ رأسي
جنّتِ الريحُ ونادته
شياطين الظلام..
أختاماً كيف يحلولك
في البدء الختام
***
***
يا جريحا اسلمَ الجرحَ
حبيبا نكأهْ
هو لا يبكي إذا الناعي
بهذا نبأهْ
أيها الجبار هل تصرع
من أَجل امرأهْ..
***
***
يا لها من صيحةٍ ما بعثت
عنده غير أليمِ الذكرِ
ارقت في جنبه فاستيقظت
كبقايا خنجر منكسرِ
لمع النهرُ وناداه له
فمضى منحدراً للنهرِ
ناضبُ الزادِ وما من سفرِ
دون زادٍ غير هذا السفرِ
***
***
يا حبيبي كل شيء بقضاءْ
ما بأيدينا خُلِقْنا تعساءْ
ربما تجمعُنا أقدارُنا
ذات يومٍ بعدما عزّ اللقاءْ
فاذا أنكر خلٌّ خلَّه
وتلاقينا لقاءَ الغرباءْ
ومضى كلٌّ إلى غايتِهِ
لا تقلْ شيئاً! وقل لي الحظ شاءْ
***
***
يا مغني الخلد ضيعت العمرْ
في أناشيد تغنّى للبشرْ
ليس في الأحياءِ من يسمعنا
مالنا لسنا نغني للحجرْ
للجمارات التي ليستْ تعي
والرميمات البوالي في الحفرْ
غنّها سوف تراها انتفضتْ
ترحم الشادي وتبكي للوترْ
يا نداء كلما أرسلتُهُ
رد مقهوراً وبالحظَّ ارتطم
وهتافاً من أغاريد المنى
عاد لي وهو نواحٌ وندمْ
رب تمثالٍ جمالٍ وسنا
لاح لي والعيش شجو وظلمْ
ارتمى اللحنُ عليهِ جاثياً
ليس يدريْ أنه حسنٌ أصمْ
***
***
هدأ الليلُ ولا قلب له
أيها الساهر يدري حيرتكْ
أيها الشاعر خذ قيثارتكّ
غنِّ أشجانك واسكبْ دمعتَكْ
رب لحن رقص النجُم له
وغزا السحب وبالنجم فتكْ
غنّهِ حتى نرى سترَ الدجى
طلع الفجرُ عليه فانهتكْ
وإذا ما زهرات ذعرت
ورأيت الرعبَ يغشى قلبها
فترفقْ واتئدْ واعزفْ لها
من رقيقِ اللحنِ وامسحْ رعبَها
ربما نامتْ على مهدِ الأسى
وبكتْ مستصرخاتٍ ربها
أيها الشاعر كم من زهرةٍ
عوقبتْ لم تدرِ يوماً ذنبَها
***
***(69/86)
العصر الجاهلي >> عبيد بن الأبرص >> معلقة عبيد بن الأبرص
معلقة عبيد بن الأبرص
رقم القصيدة : 63659
-----------------------------------
أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ
فَالقُطَبِيّاتُ فَالذُّنوبُ
أَرضٌ تَوارَثَها الجُدودُ
فَكُلُّ مَن حَلَّها مَحروبُ
عَيناكَ دَمعُهُما سَروبُ
كَأَنَّ شَأنَيهِما شَعيبُ
تَصبو وَأَنَّى لَكَ التَّصابِي
أَنّى وَقَد راعَكَ المَشيبُ
وَكُلُّ ذي إِبِلٍ مَوروثٌ
وَكُلُّ ذي سَلَبٍ مَسلوبُ
أَعاقِرٌ مِثلُ ذاتِ رِحمٍ
أَم غَانِمٌ مِثلُ مَن يَخيبُ
بالله يُدركُ كُلُّ خَيرٍ
والقَولُ فِي بَعضِهِ تَلغِيبُ
أَفلِحْ بِمَا شِئتَ قَد يُبلَغُ
بالضَّعفِ وَقَد يُخدَعُ الأَرِيبُ
سَاعِد بِأَرضٍ تَكُونُ فِيهَا
وَلا تَقُل إِنَّنِي غَريبُ
وَكُلُّ ذي غَيبَةٍ يَؤوبُ
وَغائِبُ المَوتِ لا يَؤوبُ
أَعاقِرٌ مِثلُ ذاتِ رِحمٍ
أَم غَانِمٌ مِثلُ مَن يَخيبُ
مَن يَسألِ النَّاسَ يَحرِموهُ
وَسائِلُ اللهِ لا يَخيبُ
بالله يُدركُ كُلُّ خَيرٍ
والقَولُ فِي بَعضِهِ تَلغِيبُ
وَاللهُ لَيسَ لَهُ شَرِيكٌ
عَلاَّمُ مَا أَخفَتِ القُلُوبُ
أَفلِحْ بِمَا شِئتَ قَد يُبلَغُ
بالضَّعفِ وَقَد يُخدَعُ الأَرِيبُ
لاَ يَعِظُ النَّاسُ مَن لاَ يَعِظِ
الدَّهرُ وَلا يَنفَعُ التَلبيبُ
سَاعِد بِأَرضٍ تَكُونُ فِيهَا
وَلا تَقُل إِنَّنِي غَريبُ
وَالمَرءُ مَا عَاشَ فِي تَكذِيبٍ
طولُ الحَياةِ لَهُ تَعذيبُ
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الثّالث من آب 2002
الثّالث من آب 2002
رقم القصيدة : 63660
-----------------------------------
... والآنْ
تبدأُ أيّامُ الآحادِ تطولُ
كأيامِ الأعيادِ وراءَ القضبان؛
الأشجارُ مُثَبّتةٌ بمساميرَ إلىالأفقِ الرّطْبِ
وأبوابُ الشارعِ مُؤْصَدةٌ
حتى الحانةُ في المنعطفِ انكفأتْ تحتَ رذاذٍ من مطرٍ في ذاكرةِ القطِّ .
الدكّانُ الهنديّ هو الباقي .لن أُوقِدَ مِجْمرةً . سأعودُ(69/87)
إلى الأوراقِ الأولى.سأقَلِّبُ ما اكتنزَتْه العينانِ. غريبٌ أن
أشعرَ بالرجفةِ تحتَ عظامِ ذراعَيَّ .عشاءُ الناسِ أُعِدَّ ، موائدهُ
صُحفُ الصبحِ الكبرى: سَمَكٌ وبطاطا. سَمَكٌ وبطاطا .أحياناً
أسمعُ بوقاً . هل أزِفَتْ ساعتُنا ؟ هل نرجعُ في منتصفِ
الليلِ ؟ أنا لا أحملُ ( لا أملكُ ) إلاّ الأوراقَ الأولى ، وخفيفاً
سأكونُ ، خفيفاً ونظيفاً ...
أنا أنسى أحياناً
أنسى ، مثلاً ، أنّ اليوم هو السبت ، وليس الأحدَ...
- الأمرُ بسيطٌ -
فالأيامُ تطولُ
الأيامُ ، جميعاً ، كالآحادِ ، تطولُ
ولكنّ الشُّرفةَ
حتى في المطرِ الصامتِ ،
ظلّتْ مفتوحةْ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> وتبدأ الحرب ..
وتبدأ الحرب ..
رقم القصيدة : 63661
-----------------------------------
من عواصمَ باردةٍ ، تبدأُ الحربُ
من غرُفاتٍ بلا مَعْلَمٍ
من شوارعَ لم تستضفْ شجراً
من مَخابيءَ تعرفُها الذبذباتُ التي لن تُرى
من جهازٍ يضيءْ
لحظةً ثم أخرى ...
من مقالٍ رديءْ .
هكذا تبدأُ الحربُ :
يستَبِقُ الحربَ مَن لم يَذُقْ طَعْمَها
هو مَن يَعْلَمُ :
الحربُ أصلٌ ...
...............
...............
...............
هنا ، ظلَّ شِبْهُ الرذاذِ يُرطِّبُ أزهارَ آبَ ، ولم تزلِ الشرفةُ
اليومَ شرفةَ أمسِ . الشوارعُ تلك الشوارعُ . مَسْمَكةُ الحيّ
تُفتحُ في التاسعةْ . ربّما سَبّبَ الطّلْعُ ضِيقَ التنفّسِ .
أُحْ...أُحْ...
غداً سوف تغلق كلُ المَصارفِ أبوابَها . أنتِ لن تُغلقي.
فَلْنَقُلْ: ذاهبانِ إذاً نشهدُ الأوبرا . لا! أنتِ فضّلْتِ
أنْ نَصحبَ الكلبَ .
والحربُ تبدأُ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الفصول (1)
الفصول (1)
رقم القصيدة : 63662
-----------------------------------
مثل قشرةِ تفّاحةٍ غيرِ صالحةٍ للتناولِ ، غادَرنا الصيفُ
والآنَ تبدو سماءُ الصباحِ أشدَّ رماديّةً
وأقلَّ امتلاءً ...
كأنّ على العشبِ منها ، السوادَ ؛(69/88)
النوافذُ مغلقةٌ ، شأنَها أبداً
والرذاذُ الذي لا يُرى يستحيل بصدري هواءً ،
...............
..............
..............
أ تأتي الفصولُ ،إذاً ، وتغادرُ ، كالصيفِ ؟
إنْ كان أمْرُكَ هذا ، ففيمَ السؤالُ عن الوقتِ ؟
فيمَ التساؤلُ عمّا يجيءُ ...
انتهيتَ ؟
أم الليلُ ، ذاكَ الذي قد بلغتَ نهايةَ أوهامِهِ
بَلَغَ الإنتهاء ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الفصول (2)
الفصول (2)
رقم القصيدة : 63663
-----------------------------------
لَكأنني في صَرِّ موسكو ، أكسحُ الثلجَ الذي غطّى مَمرَّ البابِ ؛
لكني هنا ، في لندنَ الكبرى، أُقَطِّرُ ما تبَقّى من رماد الصيفِ في قنِّينةٍ .
لَمّا يزلْ أيلولُ في كُتبِ الأغاني ناعساً . عيناي متعَبتانِ مِمّا اشتَطّتِ
امرأةٌ طوالَ الليلِ. قُلْتُ : أُلامِسُ الأوراقَ في النبْتِ الذي ذاقَ الندى
وتَسلَّقَ الأعماقَ . قلتُ: سأهتدي من نبْضِ أُنمُلةٍ ونُسْغٍ .
قلتُ : ألتجيءُ الصباحَ إلى قميص الخِضْرِ ، أو خضراءِ " لورْكا"، أو إلى
هذا النباتِ المُعتَلي بابي ...
فتحتُ البابَ :
ضَوعٌ من رذاذٍ في حدائقِ مَن أحاطوا بي ، وذكرى من شموسٍ في دفاترَ
مَدرسيّاتٍ ،و عَرْفٌ لا يزال مُعلَّقاً بي من غصونِ الليلةِ البيضاءِ ...
كان نباتُ بابي مثلَ ما كان ؛ التمَسْتُ وُرَيقةً أولى ... تهاوتْ ، ثم ثانيةً،
تهاوتْ ... وأخرى إثرَ أخرى . أصبحَ المَمْشى خريفاً ، بغتةً . من أينَ
جاءت صُفر ةُ الأوراقِ ؟ كيفَ اسّاقَطَ المعنى؟ تُرى ، ما نفْعُ أن ألقي
على ما في الأعالي نظرةً ؟
إني أردتُ ، فلم أجدْ بابي ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الفصول (3)
الفصول (3)
رقم القصيدة : 63664
-----------------------------------
من أين هذي الرجفةُ ؟
انسَلَتَ اللحافُ الصوفُ ريشاً
مثلَ ريشِ البطِّ مبْتَلاًّ
وغَلغَلَ في عظامي الثلجَ ...
عبْرَ زجاجِ نافذتي أرى شمساً وأشجاراً(69/89)
وشُبّاناً وشابّاتٍ عراةً في الحديقةِ ؛
غرفتي ، كالحصنِ ، مغلقةٌ
وكالزنزانةِ انطبقَتْ عليَّ ...
فأيُّ عاصفةٍ أتتْ بالثلجِ ؟
أيُّ ثعالبٍ قطبيّةٍ دخلتْ مبللةَ الفِراءِ علَيَّ ؟
وأيُّ زوبعةٍ تُدَوِّرُني ، أنا ، الخذروفَ ...
.............
............
............
كنتُ أغوصُ ، أعمقَ ، في فراشي
دائخاً ، متصبِّباً عَرَقاً
ومُثلَّجَ الأعضاءِ ...
كنتُ أغوصُ بين الماءِ والنارِ .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الفصول (4)
الفصول (4)
رقم القصيدة : 63665
-----------------------------------
الأزهارُ البيضُ من النبتِ المتسلِّقِ
تَساقَطُ ، طولَ اليومِ ، على الممشى ، في طابقيَ الثاني ؛
هذي الأزهارُ البيضُ مكوّمةٌ
تلمعُ ذابلةً
مثل ترابِ نجومٍ ظلّتْ تتهاوى طولَ الليلِ ...
أحاولُ أن أتفادى الوطءَ
أخففَ من أعبائي حين أسيرُ على الممشى ،
لكنْ ... عبَثاً
فالأزهارُ البيضُ تدورُ ، وإنْ كانتْ ذابلةً
تُمسِكُ بي
تأخذني من شِسْعِ حذائي
كي تبلغَ شَعري ...
متناثرةً ، متألقةً فوقَ قميصي الصوفِ .
.............
.............
.............
الليلةَ جاءتني الأزهارُ مع الحلمِ
لتأخذني معها ...
سأكونُ سعيداً !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> ثلاث محاولات لعلاقة
ثلاث محاولات لعلاقة
رقم القصيدة : 63666
-----------------------------------
أنا أقدرُ أن أفتحَ جَفنَيَّ دقائقَ
لكني لا أقدرُ أن افتحَ عينيّ...مساءَ البارحةِ التفّتْ كلُّ وشائعِ أيامي
حولَ عروقي. ظلّتْ تلتفّ وتضغطُ ، تلتفُّ وتضغطُ ، حتى سالتْ شمسٌ
بين يدَيَّ . على أُصُصِ الأزهارِ بدا الطُّحْلُبُ أخضرَ في لونٍ مائيٍّ. ماذا
سيُغَنِّي صُعلوكُ الحَيّ؟ ستندفعُ الزيناتُ مُفرقِعةً من جهةِ
الغربِ . الشّمسُ تسيلُ . وآخِرُ قنّينةِ خمرٍ شِيلِيٍّ رحَلتْ.
أنا أقدرُ أن أفتحَ جَفنيَّ دقائقَ
لكني لا أقدرُ أن أفتحَ سمعيْ ...الشارعُ مكتومٌ ، لَكأنّ السيّاراتِ على(69/90)
عشبٍ تَدْرُجُ . والموسيقى من بئرٍ تخرجُ . أهجِسُ صلصلةً في الحنفيّةِ ...
سلسلةً من ذهبٍ تسقطُ من رفٍّ كي تتكوّمَ في طرفِ السجّادةِ . هل يتكلمُ
هذا المصباحُ ؟ البابُ المؤصَدُ صَرَّ صريراً ... أعرفُ أنّ ينابيعَ ، ينابيعَ
مُغَلْغَلةً ، تترقرقُ بين السبّابةِ والإبهامِ ؛ تُرى ... هل أسمعُها ؟
أنا أقدرُ أن أفتحَ جَفنَيَّ دقائقَ
لكني لا أقدرُ أن أستافَ ...و في بستانِ البيتِ ، قديماً وبعيداً ، في البصرةِ ،
كانت أزهارُ الخشخاشِ . وعندَ مُسَنّاةِ الماءِ تفوحُ روائحُ من سَمكٍ وطحالبَ.
كنا أحياناً ننهلُ من ماءِ الطَّلْعِ .أتعرفُ كيف تكونُ القيلولةُ تحتَ غصونِ التينِ ؟
وكيف تكونُ بَواري المَدْبسةِ ؟ الليلُ سيهبطُ مثلَ ضبابٍ أزرقَ في "حمدانَ".
سيمتدُّ اللبلابُ المُزْهِرُ في الدمِ ... سوف يكونُ شميماً
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> معاينة
معاينة
رقم القصيدة : 63667
-----------------------------------
ينسجُ العنكبوتُ على بابِ بيتيَ
أثوابَهُ العاريةْ ،
لِيَمُرَّ الهواءْ
وتَمُرَّ الروائحُ
والصيفُ
والضوءُ
حتى كأنّ السماءَ ابتداءْ
...........
...........
...........
ينسجُ العنكبوتُ على الباب
ما غاب ؛
ينسجُ معنى الرداءْ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> رباعية أيضاً
رباعية أيضاً
رقم القصيدة : 63668
-----------------------------------
سعدي
المتوحدُ و الأفعى
لا يعرف أن يأكلَ في المطعمِ
والمطعمُ مكتظٌّ بزبائنهِ . المطعمُ يَبعُدُ أمتاراً حَسبُ عن النهرِ .
به سَمَكٌ ، ومُخَلّلُ مانجو الهندِ ، وأرغفةُ التنّورِ ،
وكان الناسُ سكارى بالعَرقِ المسمومِ ورائحةِ البارودِ الباردِ في الجيبِ
الخلفيّ . وفي هذا الغسَقِ ارتعشَ الضَّوعُ قليلاً . هل نادى اللبلابُ
زهورَ البوقِ؟ وهل تَخْطُرُ في الأبخرةِ امرأةٌ ؟ سوف يكون الناسُ
سعيدينَ ... يموتُ الناسُ سعيدينَ : العَرَقُ الطافحُ ، والبارود...
سعدي(69/91)
المتوحدُ و السيف
لا يعرف أن يجلسَ في بهوِ سياسيِّين
كم حاولتُ ، طويلاً ، أن أدخلَ في البهوِ المفتوحِ ! لقد أمضيتُ العُمْرَ
بهذي اللعبةِ . يُغريني المشهدُ عن بُعدٍ : أبواقٌ ، وسماسرةٌ ،
وحقائبُ . أحياناً تأتي امرأةٌ بالويسكي في أكوابِ الشاي . وقد يُمسِكُ
قردٌ بمُكبِّرِ صوتٍ . يَصّاعَدُ في الليلِ رصاصٌ أعمى. حُجِزتْ
كلُّ مقاعدِ هذا البهوِ ، وعندَ البابِ اصطفَّ المنتظرونَ . لماذا؟ هل تسألني؟
أنا لا أعرفُ كُوعي من بُوعي . أنا لا أعرفُ حتى سترةَ من يسألُني .
سعدي
المتوحدُ و الحلزون
لا يعرف أن يتقدمَ ( حتى بين رفاقِ العمر ِ) مُظاهرةً
خيرٌ لكَ أن تجلسَ ملتصقاً بالمصطبةِ الخشبيةِ . ماذا ستقولُ لو استعجلْتَ
وراء القومِ ؟ فأنتَ هنا ، ملتصقاً بالمصطبة الخشبيةِ ، سوف ترى المشهدَ مكتملاً .
لن تدفعَ بالمنْكبِ جاراً . لن تتدافعَ كي تحظى بالصورِ الفوتوغرافيةِ ...
قد يجلسُ لِصقَكَ مَن أنهكَهُ السيرُ . وقد تتحدثُ عن قاراتٍ
أخرى. هل تُنْكرُ أن العالمَ يبدو أجملَ حين تراقبُه من مصطبةِ
الحانةِ ؟ إنّ رفاقكَ يندفعون خِفافاً في الشارعِ. أنت تراهمْ . هذا يكفي .
سعدي
المتوحدُ والمِرآةَ
يحاولُ أن يتصوّرَ ما هو أبعدُ منها...
أنتَ رأيتَ ... فماذا بعدُ ؟ الأشجارُ وفوضى الشارعِ والمرأةُ والطيرُ جميعاً
في المِرآةِ . ووجهُكَ أيضاً في المرآةِ . إذاً ، ماذا بَعدُ ؟ ألمْ تسأمْ هذا؟
لكنكَ لن تغلقَ نافذةَ المَرأى طبعاً ... أوَلَمْ تتفَكَّرْ في ما خَلَقَ
المَرءُ ؟ إذاً ، فَلْتَبْرأْ من هذا الصّلصالِ طيوراً ! إنكَ لم تأتِ لكي
تتملّى المِرآةَ ، ولم تأتِ لكي تكسرَها . هل أتعَبَكَ الدربُ ؟ وهل
خذلتْكَ خُطاكَ ؟ انظُرْ تحتَ غطائكَ ، وانتظرِ الصّبَواتْ .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> ذبذبات
ذبذبات
رقم القصيدة : 63669
-----------------------------------(69/92)
للخريف الذي ظلَّ يمضي ، لآخِرِ أوراقهِ ، تهمسُ الريحُ في مطرٍ ناعمٍ.
أنا أسمعُ ما تَنطقُ الريحُ . ألْمُسُ ما تَحملُ الريحُ . أغْمسُ
هُدبي بأمواجها . القريةُ ارتحلتْ منذُ قَرنٍ ، وهاأنت ذا لا ترى غيرَ
مقعدها الخشبيّ الوحيدِ ، وساحتِها الخاويةْ .
قد كنتُ هيّأتُ الشعاراتِ العشيّةَ . سوف يأتي أحمدُ النجديُّ حتماً
بالعِصِيّ . وسوف تنطلقُ المظاهرةُ الظهيرةَ حينَ تزدحمُ الأزقّةُ
في محيط السُّوقِ .أيُّ منازلٍ ستقول : أهلاً ، حينَ ينطلقُ الرصاصُ؟
كأنّ ضَوعاً من حدائقَ في الغيومِ يسيلُ من كفِّي . كأني في الغمامْ .
ترحلُ الريحُ أيضاً ، ويرحلُ عن شجرِ الساحةِ المطرُ الناعمُ . الليلُ
لن ينتهي . هو لم يبدأ . الليلُ لن يبدأ . الليلُ حقٌّ كما الموتُ حقٌّ . كما اللهُ.
أنت هو المترحلُ . أنت الذي لم يجدْ عبرَ كلِّ المفازاتِ إلاّ مصاطبَ في قريةٍ.
وهي حجّتكَ اليومَ . قُلْ لي ، إذاً ، ما أوانُ الرحيلِ إلى الهاويةْ ؟
أتظلُّ تسألُ : هل أظلُّ ضجيعَها منذ انتصاف نهارِ هذا السبتِ
حتى مَوْهِنِ الأحدِ ؟ المدينةُ في ضواحيها ... كأنكَ صرتَ تجهلُ
أنّ ماريتا تحبّ السوقَ مكشوفاً ومؤتلقاً ، وتجهلُ أنّ ماريتا ستشوي
الجَدْيَ . ماريتا ستُحضرُ خُبزَها البيتيّ. فَلْتقرأْ على الأحدِ السلامْ
الستائرُ شفّتْ ، وغامَ الزجاجُ . أنا الآنَ أُبصِرُ في الداخلِ، المَشهدَ.
الغرفةُ ابتعدتْ عن تفاصيلها ؛ والأريكةُ صارتْ مَمَرّاً ، وهذا البساطُ الذي
كنتُ أحسِبُ وِحداتِهِ صارَ نهراً ، ولم تَعُدِ اللوحةُ امرأةً عاريةْ .
......................
...................
...................
بغتةً ... أسمعُ الخطوَ !
هل جاءني من سيصحبني في طريقِ الظلامْ ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الطيف ذو البيرية
الطيف ذو البيرية
رقم القصيدة : 63670
-----------------------------------
قبلَ أربعين عاماً
كان حسن سريع مرشَّحاً لأحدِ منصبين:(69/93)
وزير الدفاع في جمهورية العراق الديمقراطية
أو العريف الأول ( مثل ما كان شكري القوتلي مواطناً أول ).
الآن ، وقد مرت أربعة عقود
تظل بيريّةُ حسن سريع المطويةُ مثل مسدس
حادّةً ، خفيّةً ، كأنها في طيّتها الأولى
ذلك الصباحَ بمعسكر الرشيد...
ومن يدري؟
ربما انتبه أحدُهم إلى قولة أوريانا فالاتشي :
المسدس ليس سلاحَ دفاعٍ
ولأنّ هذا المنتبِه لايملكُ مسدساً
فلسوف يستعير من حسن سريع بيريّتَه ، ولو لدقائقَ
( أنت تعرف ... التفتيش ، وأجهزة كشف المعدن المتطورة ... إلخ )
وأنت تعرف أيضاً أن بضع دقائقَ ستكفي حتماً
( حكّامُنا جبناء كالعادة )
آنَها لن ينافسَ أحدٌ حسن سريع
على منصب وزير الدفاع في جمهورية العراق الديمقراطية ...
إذ ليس من الواقعية أن تتوجّه في دبابةٍ حديثةٍ
لتُسقطَ طيفاً
هالتُهُ بيريّةٌ مطويّةٌ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> القط تحت المطر
القط تحت المطر
رقم القصيدة : 63671
-----------------------------------
كأنيَ الليلةَ في الهندِ ...
أهذا الموسميُّ ، المطرُ ؟
امتدّتْ يدي
أفتحُ سنتيمترينِ زجاجَ شُبّاكي
أُزيحُ شيئاً من ستارةِ الشُّبّاكِ ،
فكّرتُ :
تُرى ، أين يبيتُ الليلةَ ، السنجابُ
والطيرُ
وتلك النحلةُ ؟
المصطبةُ الوحيدةُ استرجعتِ الليلةَ عِرْقَ الغابةِ ،
العالَمُ يبدو لي غسيلاً هائلاً
لن ينشفَ ، البتّةَ ، في الشمس التي ليستْ سوى
ذكرى من الهندِ
وممّا دوّنَ النخلُ عن الهندِ ...
وفي اللحظةِ هذي انطفأتْ سجارتي
..................
..................
.................
الأسماكُ في بحيرةِ الغابةِ قد غُصْنَ إلى الأعماقِ حتماً ؛
وحدَه ، القطُّ ، سيلقى الصبحَ طيراً صادحاً
في ساعة الحائطِ
في رطوبة السُّلّمِ
..................
..................
..................
ما أبهى المطرْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> محاولة أولى في الضباب
محاولة أولى في الضباب
رقم القصيدة : 63672(69/94)
-----------------------------------
أنهَرَ الصبحُ...
جاوزتِ الساعةُ العاشرةْ
غيرَ أن الضبابَ الذي رَقَّ ، ينسجُ أثوابَه الآنَ ،
يجعلُ حتى أعالي الشجرْ
بِضعةً منهُ ،
يجعلُ حتى الستائرَ لوناً خفيّاً ويمضي بها نحوَ أمواجهِ الثابتةْ .
...................
...................
...................
أيَّ لونٍ أرى؟
أيُّ مسطرةٍ للتدرُّجِ أرقى بها أو أُتابعُها ؟
أيَّ ثلجٍ ألامِسُهُ ؟
أيَّ مِلْحٍ أذوقْ؟
..................
..................
..................
سوف أغمضُ عيني وأفتحُها :
ايها العشبُ
يا أيها العشبُ
يا ايها العشبُ
كُنْ ثابتاً ، يا حليفي ، ثباتَ السّرابْ !
* أنهَرَ ، فعلٌ منحوتٌ قياساً ، معناه : صار الصبحُ نهاراً .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> محاولة ثانية في الضباب
محاولة ثانية في الضباب
رقم القصيدة : 63673
-----------------------------------
تغيبُ الخيولُ عن العشبِ ؛
لم يَعُدِ العشبُ مرأىً ...
بياضٌ من الأرضِ مُصّاعدٌ
وبياضٌ من الماء مُصّاعدٌ ،
والمراكبُ ( تلك التي تصلُ النهرَ بالبحرِ )
غابتْ عن النهرِ قبلَ الخيول ،
وأسيِجةُ الحقلِ غابتْ
ولم يبقَ في اللوحةِ المستفيضةِ إلا أعالي الشجرْ ...
إذاً ، كيف نمضي؟
المسافةُ بين الطريقِ ومنعطفِ القريةِ الآنَ
مثلُ المسافاتِ بين السماءِ وأوراقِنا ...
والنهارُ الذي نحن فيهِ ، يكون النهارَ الذي لم نَعُدْ نحن فيهِ ،
................
...............
...............
الخيولُ تغيبُ عن العشبِ
هادئةً في الضّباب ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> محاولة ثالثة في الضباب
محاولة ثالثة في الضباب
رقم القصيدة : 63674
-----------------------------------
لم يَعُدْ لدخانِ السجائرِ لونٌ ...
من النافذةْ
يدخلُ الأبيضُ المستسرُّ
من النافذةْ
تدخلُ الطّلَقاتُ البعيدةُ إذْ تمتطي موجَ أصدائها :
أهي بضعُ سرايا جنودٍ تُواصلُ تدريبَها؟(69/95)
أهيَ مدرسةُ الصيدِ في المَرْجِ ؟
أهي البلادُ البعيدةُ ؟
كان الضبابُ ، الظهيرةَ ، ينْحَلُّ في قُزَعٍ
ومرايا؛
وكان الهواءُ الذي ظلَّ ملتصقاً بالرطوبةِ يخسرُ أغلالَهُ...
بغتةً ، مرَقَ الطيرُ
...............
...............
...............
مَن قال لي : "ستموتُ العشيّةَ "؟
إني رفيقُ الضباب ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> نبتة الآس
نبتة الآس
رقم القصيدة : 63675
-----------------------------------
إذاً ، كيف تمضي إلى آخرِ الدربِ ؟
( أعني إلى حانةِ الشاطيءِ )
اليومَ كان المطرْ
والضبابْ
يُغِيْمانِ حتى تهاويلَ ساحَتِكَ :
السّهمُ ( وهو المؤشِّرُ ) غابَ ،
السبيلُ الذي كنتَ تسلكُهُ بين بابكَ والسّاحةِ
اندلقَ الآنَ بين السيولِ
(الحقيقةُ : كان السحابُ كثيفاً )
وأدركتَ ، في بغتةٍ ، أنّ كلّ المساءِ الذي كنتَ ترتابُهُ
هابطٌ ( لا كما كنتَ عُوِّدتَهُ )
إنهُ
هابطٌ كالحجرْ
ألشجرْ
غائمٌ
والمطرْ
عائمٌ في الذهول ...
الخرائطُ ( تلك التي كنتَ تنأى بها ، وتسافرُ في نورِها )
انتقعتْ مثلَ صَنْدَلكَ ؛
( الآسُ نبتٌ غريبٌ )
..................
..................
..................
إذاً ، سوف تمضي إلى آخرِ الدربِ
تمضي ورائحةَ الآسِ
تمضي
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الاحتلال 1948
الاحتلال 1948
رقم القصيدة : 63676
-----------------------------------
نحن الصبيانُ حُفاةُ الحيّ
نحن الصبيان عُراةُ الحيّ
نحن الصبيان ذوو المِعَدِ المنفوخةِ من أكلِ الطين
نحن الصبيان ذوو الأسنانِ المنخورةِ من أكلِ التمرِ وقِشرِ اليقطين
نحن الصبيان سنصطفُّ ، صباحاً ، نستقبلكم بالسعفِ الأخضرِ
من قبرِ الحَسنِ البِصريِّ إلى أولِ نهرِ العَشّار ...
سنهتفُ : عشتُمْ !
وسنهتفُ : دُمتُمْ !
وسنسمعُ موسيقى القِرَبِ الأسكتلنديّةِ مبتهجين ...
أحياناً نضحكُ من لِحيةِ جنديٍّ هنديٍّ ؛
لكنّ الخوفَ يُخالطُ ضحكتَنا ، ويخالِفُها ...(69/96)
نهتفُ : عشتمْ !
نهتفُ : دمتُمْ !
ونمدُّ لكم أيدينا : أعطُونا خبزاً ،
نحن جياعٌ منذ وُلِدنا في هذي القريةِ ...
اعطُونا لحماً ، عِلكاً ، عُلَباً ، سَمَكاً
أعطونا كي لا تطردَ أُمٌّ إبناً ،
كي لا نأكلَ طيناً وننام ...
نحن الصبيان حُفاة الحيّ
لا نعرفُ من أين أتيتُم
ولماذا جئتُم
ولماذا نهتفُ : عشتُم ...
.........................
.........................
.........................
والآنَ سنسألُكم : هل ستظلون طويلاً
ونظلّ نمدُّ لكم أيدينا ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> مشهد مشوش
مشهد مشوش
رقم القصيدة : 63677
-----------------------------------
ريحٌ ...
كأنّ الطائراتِ تُغِيرُ عن بُعدٍ ؛
كأنّ عزيفَ جِنٍّ في محيط الغابةِ
الأشجارُ ترتطمُ ارتداداً وارتعاداً وابتعاداً عبرَ ما كان البحيرةَ في زجاج الشرفةِ .
الآنَ ... المساءُ يجيءُ مقروراً ، رصاصيّاً . طيورُ البحرِ غابتْ في الأساطيرِ.
السقوفُ تنوءُ بالقرميدِ ، توشكُ أن تطيرَ طليقةً والريحَ . آخِرُ ما تساقطَ
من وريقاتِ الخريفِ مضى ودوْرتَهُ . أ ساحةُ قريةٍ أم مشهدٌ في السينما للصمتِ؟
حلّقَ طائرٌ من آخر البستان منعطِفاً ومنخفضاً كمقذوفٍ من الفَخّارِ ...
أروقةُ المساءِ تغيبُ
.....................
.....................
.....................
ريحٌ
والسّماءُ بلا سماءٍ
والمَمَرُّ إلى الطريقِ بلا ضياء ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> عرس بنات آوى
عرس بنات آوى
رقم القصيدة : 63678
-----------------------------------
أ مُظَفّرُ النوّاب
ماذا سوف نفعلُ ، يا رفيقَ العُمْرِ ؟
عرسُ بناتِ آوى ... أنتَ تعرفُهُ قديماً :
نحن نجلسُ في المساءِ الرّطبِ تحتَ سقيفة القصبِ ؛
الوسائدُ والحشايا من نَديفِ الصوفِ
والشايُ الذي ما ذقتُ طعماً ، مثله ، من بعدُ ،
والناسُ ...
الظلامُ يجيءُ ، مثل كلامنا ، متمهِّلاً
والنخلُ أزرقُ
والدخانُ من المواقدِ كالشميمِ ،(69/97)
كأنّ هذا الكونَ يبدأُ ...
...................
...................
...................
فجأةً ، تتناثرُ الضحكاتُ ، بين النخلِ والحَلْفاءِ :
عرسُ بناتِ آوى !
* * *
أ مظفّر النوّاب
ليس اليوم كالأمسِ ( الحقيقةُ مثل حُلمِ الطفل )
نحن اليومَ ندخلُ فندقاً للعرسِ
( عرسِ بناتِ آوى )
أنتَ تقرأُ في صحائفهم قوائمَهم
فتقرأ :
يمرّونَ بالدَّهنا خفافاً عِيابُهُم ويخرجْنَ من دارِينَ بُجْرَ الحقائبِ
على حينِ ألهى الناسَ جُلُّ أمورِهم فَنَدْلاً زُرَيقُ المالَ ندْلَ الثعالبِ
* * *
أ مظفّرُ النوّاب
دعنا نتّفقْ ...
أنا سوف أذهبُ نائباً عنكَ
( الشآمُ بعيدةٌ )
والفندقُ السرِّيُّ أبعَدُ ...
سوف أبصقُ في وجوه بناتِ آوى
سوف أبصقُ في صحائفهم
وأبصقُ في قوائمهم
وأُعلِنُ أننا أهلُ العراقِ
ودوحةُ النَّسَبِ
وأُعلِنُ أننا الأعلَونَ تحتَ سقيفةِ القصبِ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> اصغاء الأصم
اصغاء الأصم
رقم القصيدة : 63679
-----------------------------------
شجرٌ
لستُ أعرفُ ماذا أُسَمِّيهِ
يَطرقُ ما تَجْمعُ النافذةْ
من فضاءٍ ...
كأنّ الغصونَ التي عَرِيَتْ صارت المعْدِنَ المستحيلَ ،
الأصابعَ في مَرسمٍ لصديقي الذي جُنَّ ...
....................
....................
....................
كان الضبابُ يَشِفُّ
قليلاً
قليلاً
عن النبتةِ- النقشِ في ما يقالُ الستائرُ ؛
أُصغي إلى نفَسي في البيانو المعطّل ِ
هل آنَ أن أرتدي ما يقيني
وأخرجَ ؟
( إني أحسُّ صلاصلَ في الصُّدغِ )
لكنما الغابةُ الآنَ تدخلُ مَنأى الضبابِ ...
إذاً ، لن أغادرَ زاويتي ؛
سوف أتْبَعُ ( أسمعُ ؟ )ما يصنعُ الكونُ
ما تفعلُ النغَماتُ الخَفِيّةُ بي ...
سوف أُغْمضُ خطوي
وأُرهِفُ هجْساً تلاشَى
لأمضي إلى ما يريدُ الضباب .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> قرنفل
قرنفل
رقم القصيدة : 63680
-----------------------------------
من أين رائحةُ القرنفلِ ؟(69/98)
شَعرُها ؟
أم إبطُها ؟
أم ثوبُها الملقى على سجّادةِ البوشناقِ ؟
ليلى
منذُ ثالثِ خطوةٍ في البيتِ
تجعلُ كلَّ ما في البيتِ ضَوعَ قرنفلٍ ؛
ليلى
هي البستانُ رَطْباً
وهي ما يتنفّسُ البستانُ مَسْقيّاً وليليّاً ،
وليلى الآنَ
تعرفُ أنني ثَمِلٌ برائحةِ القرنفلِ
فهي تَرتقُ ما تناثرَ من غيومي ثم تنشرُها سماءً
كالمُلاءةِ ...
إن ليلى ، وهي مطْبِقةٌ ،
تحسُّ بأن أناملي خدِرَتْ على الكُثبانِ
تعرفُ أنّ نبضي نبضُها
وصَبيبَ مائي ماؤها ...
.........................
.........................
.........................
ليلى
ستتركني أنامُ مهدهَداً بين القرنفلِ والغمام !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> منتبذا في عطلة الميلاد
منتبذا في عطلة الميلاد
رقم القصيدة : 63681
-----------------------------------
للخرافِ التي ترتعي كلأَ المَرْجِ ضامرةً كالظِّباءْ
للطريق الذي يلتوي
صاعداً مرةً
هابطاً مرّةً ،
للخيول التي تتأمّلُ عبرَ السياجْ
للبيوت التي تصلُ الأرضَ ، من دَعةٍ ، بالسماءْ
للبحيرات تَخْفى وتبزُغُ
للطيرِ ...
أسْلَمْتُ كَفّينِ مفتوحتينِ :
أما لَهُما ، اليومَ ، من ماليءٍ ؟
..........................
..........................
..........................
فجأةً
ثَمَّ نجمٌ هوى ...
سقطتْ قطرةٌ ، دونما دِيمةٍ للمطرْ ؛
أتُرى كنتُ أرحلُ في الراحتَين ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> موسيقى غرفة
موسيقى غرفة
رقم القصيدة : 63682
-----------------------------------
من غرفة النومِ التي تعلو على شجر الحديقةِ
وهو يَقْطرُ
كنتُ أسمعُ قُرصَ موسيقى ...
لقد كان الصباحُ مبطَّناً بالماءِ
مخضرّاً
وسرِّياً
وكنت أرى الرذاذَ ولا أرى
وأحسُّ بالبرد الخفيفِ ولا أحسُّ ...
كأنّ طيراً يختفي ، مترنِّحاً ، في الأفقِ ؛
.........................
.........................
.........................(69/99)
سوف أتابعُ الإصغاءَ ، ملتحفاً بجِلْدي
أو أحاولُ أن أقول .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الهدوء
الهدوء
رقم القصيدة : 63683
-----------------------------------
في الضواحي
عندما تلمسُ أولى قطراتِ المطرِ ، الأشجارَ
والقرميدُ يغدو ، فجأةً ، أسودَ جوزيّاً
وتبْتلُّ قليلاً ساحةُ القرية ...
يجري جدولٌ من آخرِ الدنيا
ويسري في الأصابيعِ ؛
( الضحى ليلٌ ؟ )
وهل في الغفلةِ الكبرى تَمَشّى في العروقِ النخلُ ؟
.................
.................
.................
كم بئرٍ ستُطوى
آنَ ما ينْقَضُّ ، كالصّخرِ ، المساء !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> نصيحة متأخرة
نصيحة متأخرة
رقم القصيدة : 63684
-----------------------------------
قالَ : إنْ ضاقتْ بكَ الغرفةُ ، فلْتنظرْ عميقاً في السماءْ
أنتَ لن تخسرَ شيئاً ؛
فالخساراتُ التي حدّثتَني عنها ( وكنّا نقطعُ الغابةَ )
صارتْ عَجنةَ الصلصالِ في كفّيكَ ...
صارتْ خطوةً تاليةً .
ما نفْعُ أن تجلسَ في الغرفةِ مقروراً ؟
وما نفعُ الأغاني آنَ ما تسمعُها وحدَكَ ؟
أنصِتْ لأعالي الشجرِ الأجردِ
أيّانَ تهبُّ الريحُ ،
أنصتْ للشبابيكِ التي توصَدُ يوميّاً ولا توصَدُ
أنصِتْ للسكون ...
.............
.............
.............
أنتَ من علّمَني هذي الأحابيلَ
فما طَعْمُ الكلام ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> نار الحطابين
نار الحطابين
رقم القصيدة : 63685
-----------------------------------
منذُ ثلاثةِ أيامٍ ، يَتَنزّلُ هذا المطرُ ...
الشجرُ الأجردُ يلبسُ ثوباً أسودَ / أخضرَ ،
حتى اسمُ الشارعِ في اللوحةِ يمحوهُ الطحلبُ ؛
ماءٌ في القرميدِ
وشمسٌ في المخطوطاتِ وفي كتبِ اللغةِ ...
الليلةَ زارتني أرواحٌ إغريقيّاتٌ :
قُمْ !
وانفضْ عنكَ دثارَكَ ...
واحملْ في التيهِ المائيّ ، عصاكَ
اركضْ !
.........
.........
.........
ثمّتَ ، في ذاك المَرْجِ ، مرايا ذائبةٌ
وفِراءٌ(69/100)
وخيولٌ ترعى أعشابَ القاعِ ؛
اركضْ !
سوف ترى يوماً ما
حتى لو كانت رَجْما
نارَ الحطّابينَ ...
اركضْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> رقصة الفلاشا
رقصة الفلاشا
رقم القصيدة : 63686
-----------------------------------
نحن فالاشا
والقرنُ الواحدُ والعشرونْ
سيكونُ لنا
نحن ، ذوي الصّلعةِ والعُثْنونْ
نحن فالاشا
نضربُ في الأرضِ : نغنِّي حيناً
نفتحُ دكاناً حيناً
ونبيعُ النفسَ وأوراقَ التينْ ...
نحن فالاشا
والكونُ بضائعُ
نحن بضائعُ
لا فرقَ لدينا إنْ بِعنا بلداً
أو صرنا في منزلِ ضاحيةٍ قَوّادينْ
نحن فالاشا
لا أرضَ لنا ، لا عِرضَ
ولكنّا نسمعُ عن أجدادٍ وتماثيلَ
وعن بلدٍ بين النهرينْ ...
نحن فالاشا
والأيامُ الآنَ لنا :
الريحُ مواتيةٌ ...
من أرصفة نيويورك إلى الأشجار بشرقيّ الصينْ
الريحُ مواتيةٌ
سنكون قباطنةً
أو غسّالي خِرَقٍ ودفاترَ
في سفنِ النخّاسينْ
نحن فالاشا
نسكرُ في حانِ الأمواتِ
ونسكنُ في خانِ السُّعلاةِ
ولا نعرفُ عَكّةَ من مكّةَ ...
لكنّا سنصيرُ عراقيين !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> طبيعة صامتة
طبيعة صامتة
رقم القصيدة : 63687
-----------------------------------
الشجرُ الأجردُ صارَ تماثيلَ شجرْ
حَجراً يتشكّلُ تحتَ سماواتٍ هابطةٍ
يهتزُّ ، وئيداً ، في الريحِ
ليعلنَ عن أغصانٍ كانتْ أغصاناً ...
أو يعلنَ عن أنفُسنا في الغرف العليا .
ثمّتَ موسيقى ؛
في الموسيقى يسري النُّسغُ وئيداً
سريّاً
منسرباً
من ركن الغرفةِ ، نحو زجاجِ النافذةِ ...
الموسيقى
تتشبّثُ بالقرميدِ
وبالسقفِ
وبالغيمِ الهابطِ ...
...........
...........
...........
مَن منحَ الأرضَ فُجاءتَها ؟
من منحَ الأحجارَ غصوناً خضراً ؟
من زيّنَ نافذتي بالنبتِ المتسلِّقِ
في لحظةْ ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الأسماك
الأسماك
رقم القصيدة : 63688
-----------------------------------(69/101)
منذ يومينِ ، وهذا الثلجُ يهوي ، هادئاً ، منتفشاً كالريشِ
لم أعرفْ لماذا هبطَ الطيرُ من الأغصانِ
كي ينْقرَ في ثلج الطريقِ ...
اللوحةُ ؟
الأسودُ والأبيضُ ...
أمْ أنّ نثيرَ الحَبِّ تحت الثلجِ ؟
...........
...........
...........
أيّانَ تطلُّ الشمسُ ؟
كانت نبتةُ المنزلِ في الركنِ تُدَنِّي رأسَها
نحوَ الزجاجِ ؛
الغابةُ السوداءُ في البُعدِ ،
وفي البعدِ البحيراتُ التي تَزْرَقُّ تحت البردِ أيضاً ...
كلُ شيءٍ ساكنٌ
لكنّ في مضطرَبِ القاعِ
وفي الأعماقِ
أسماكَ الذهبْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> واقعية
واقعية
رقم القصيدة : 63689
-----------------------------------
الخيولْ
ترتعي في الثلجِ ...
أحياناً تطلُّ الشمسُ لوناً بارداً
يدْفأُ في الثلجِ ،
وأحياناً ترى أبعدَ من منفسَحِ الغابِ ، البحيراتِ
وسِربَ الوزِّ
والسنجابَ
والطيرَ
كأنّ الكونَ قد رُتِّبَ كوناً هذه اللحظةَ ...
..........
..........
..........
أنتَ ، الآنَ ، لن تسمعَ ما تسمعُهُ إذ يُطْبِقُ الليلُ
وتأوي الخيلُ ،
أنت الآنَ في الصورةِ ؛
فاهدأْ
قبلَ أن تنْقضَّ في كابوسكَ الليليّ تلك الطائرات .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> نبض أبيض
نبض أبيض
رقم القصيدة : 63690
-----------------------------------
جاءنا ، في غفلةٍ من قطرات المطر الأولى ، نديفُ الثلجِ ...
قرصٌ أشهبُ استخفى
وما كان سحاباً صار صحراءَ من الماءِ
ولوناً للسماءِ،
الريحُ هبّتْ فجأةً
والثلجُ في الريحِ يُذَرِّيها هنا ، أو ههنا
حلَّقَ طيرٌ واحدٌ من آخر المبنى
خفيفاً
عجِلاً
ضخمَ الجناحَينِ ...
لماذا أقفرتْ ساحتُنا ؟
كانت زهورُ الثلجِ قطناً ، ياسميناً ، نعمةً سابغةً
تصبغُ هذي الأرضَ باللونِ الذي ليس له لونٌ ؛
لماذا أقفرتْ ساحتُنا ؟
.............
.............
.............
لكنْ ، سأبقى أنا في الساحةِ :
شَعري الثلجُ
والسترةُ ثلجٌ
والممرّاتُ هي الثلجُ ...(69/102)
سلاماً ، أيها الثابتُ في الساحةِ
يا ظلَّ الغريبْ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الطواف بالمقاهي الثلاثة
الطواف بالمقاهي الثلاثة
رقم القصيدة : 63691
-----------------------------------
( 1 )
يا أنتَ ، العابرَ كلَّ دوائرِ هذي العتْمةِ ، دائرةً دائرةً ،
لتُطوِّقَ عنقي كالأُنشوطةِ ، من مسَدٍ وحريرٍ حيناً
من فخّارٍ وتهاويلِ جداريّاتٍ حيناً ،من أهدابٍ خِيطتْ أحياناً،
يا أرضاً كانت ماءً،ياماءً كان الأرضَ.هنا ترتفعُ الصلواتُ
نشيداً باسمكَ، أو تنفرعُ الفلَواتُ...أُحَيِّيك،وأحْييكَ،
وأسألكَ الغفرانَ اليومَ،وأسألُكَ النسيانَ غداً.ستمُرُّ
الدبّاباتُ على ساقَيكَ مُجلجِلةً في كتمانٍ من سُرُفاتٍ طينٍ،
وسيمتدُّ رقيمٌ (تشويهِ شموسٌ ثابتةٌ) من رمل الفاو وأوراقِ
الحنّاءِ إلى الصخرِ المقدودِ ربايا وطرائدَ من آشورَ.أنا أسألُكَ
المغفرةَ،الهدأةَ،شكّلتَ جبيني بالوسمِ،وعلّقتَ ذراعي
اليسرى بالكُلاّبِ،وقُلتَ: أُحَمِّلُكَ الآنَ دمي .
ما كنتَ صغيراً لتكونَ كبيراً.أنت الإسمُ الأولُ والمَوئلُ .
أنتَ عدُوِّي مُذ كنتَ،صديقي مذ كنتُ...ستأتي أسرابُ
الطيرانِ الحربيّ مجلجلةً تحتَ سماءٍ من صَهَدٍ ...
سيكونُ هواؤكَ محتقناً بالبارودِ ومختنقاً ،لكنكَ تبحثُ عني،
أنا،إسمِكَ،كي تقتلني. الدبّاباتُ تُبددُ جِلدَكَ،والطيرانُ
الحربيُّ يمزِّقُ أهدابَكَ،لكنكَ ملدوغاً تتبعُني كي تسلخَ أجفاني؛
وتُمزِّقُ أضلاعي كي تأكلَ قلبي.لستَ الآنَ الطيرَ المرموقَ
عصائبَ...لستَ النسرَ القادمَ من حِمْيَرَ ، لستَ
الهُدهدَ ،لستَ حمامةَ نوحٍ،لستَ الرخَّ...فمن أينَ أتاكَ
اللونُ الميِّتُ هذا؟ من أين أتتكَ القَصْباءُ لتبريها صعدةَ
رمحٍ؟ أنتَ هنا اللحظةُ.تَغفَلُ عمّا ترسُمُه سُرُفاتُ
الدباباتِ،وتَغفلُ عمّا يمحوهُ الطيرانُ الحربيُّ ، ولا تَغفَلُ
عني...فَلْتَهدأْ ،أرجوكَ ! اهدأْ، واتركني أتمرّغْ في غُصصِ(69/103)
الأحلامِ،اتركْني أتمرّقْ قصصَ الأعوامِ...أنا ابنُكَ،صِنوُكَ،
حاملُ أختامِكَ في جيبِ الصدرِ، وعنوانُكَ حين تغيبُ طويلاً.
لا!لا تبتلعِ الدباباتِ كما تبتلعُ الملحَ، ولا تمسحْ بالسَّعفِ
الطيرانَ الحربيَّ... وأنصِتْ لي في ضجّةِ هذا الوادي الهامدِ:
هل تسمعُ شيئاً؟ هل تهجسُ ما يفعلُهُ النملُ هنا تحتَ جذورِ
النخلِ؟ هل الماءُ يسيلُ من الصخرةِ ؟ يقطرُ...يقطرُ...
يقطرُ...،قلتُ لكَ: اسمعْني! ذاك دمي يتقطَّرُ
في الهدأةِ. نبضي هو ما يفعلُهُ النملُ حثيثاً تحتَ جذورِ
النخلِ...
اسمعْني!
(2 )
مقهىً على " بابِ الزُّبير"...
تُقابلُ المقهى من الجهةِ اليمينِ ، الشُّرفةُ الخشبُ التي جاءت
من الهند البعيدةِ. واليسارُ يضمُّ مكتبةً ودكّاناً لبيع الخردواتِ.
وأنتَ حين تكونُ في المقهى ستشربُ شايَكَ المألوفَ، ثم تقومُ
مبتهجاً ، لتدخلَ غرفةَ البلياردِ:
طاولةٌ
وعشبٌ أخضرٌ
وكُراتُ ألوانٍ...
ستُلقي نظرةً عجلى، وتمضي نحو زاويةٍ
تراقبُ...
أنت لا تستعجلُ الأشياءَ
والتاسُ الذين رأيتَهم في غرفة البلياردِ لا يستعجلون؛
وسوف يدخلُ آخرون الغرفةَ...
الساعاتُ تمضي
والهواءُ الرطْبُ يدخلُ في القميص ويستقرُّ حرارةً منقوعةً في الصدرِ.
أنت تراقبُ:
المتفرجون تكاثروا في غرفةِ البلياردِ
لكنّ الذين تَقاسَموا كلَّ العِصِيِّ تبادلوا الأدوارَ
ظلوا ، وحدَهم، في لعبةِ البلياردِ ، يقتاتونَها
كرةٌ هنا حمراءُ
أخرى بَعدها سوداءُ
واحدةٌ تُلاحقُها العصيُّ ، وحيدةٌ بيضاءُ...
كان اللاعبون يُداوِلونَ عِصيَّهُم و كُراتِهم
لاهينَ عمّا تفعلُ الأشياءُ
لاهينَ عن متفرجينَ رأوا في لعبةِ البلياردِ لعبتَهم ؛
وإنْ شئتَ الحقيقةَ قال أربعةٌ من الشبّانِ همساً :
غرفةُ البلياردِ ليستْ ثُكنةً...
...............
...............
...............
ما أغربَ المقهى على " باب الزُّبير" !
( 3 )(69/104)
قِعْبٌ من سامرّاءَ. البئرُ ، المطويُّ كقنبلةٍ في النسيانِ ، يفوحُ قليلاً.
هذي جَفَناتي و نذوري. سنبيتُ الليلةَ في الصحنِ. وفي منتصَف الليلِ
نُراوغُ ذاكَ القيِّمَ كي نهبطَ في البئرِ. الليلُ نحاسٌ.سترِنُّ خُطانا بينَ
النجمِ وقلبِ الأرضِ.سنهتفُ:تحيا الحريّةُ!ثمّ نُدَلِّي حبلاً ونلوذ بهِ حتى
نلمسَ قاعَ البئرِ...، النسوةُ جئنَ هنا من كلِّ ضواحي بغدادَ ،
النسوةُ بالأسودِ والوشمِ الفيروزِ وأغنيةِ الموتى ، والنسوةُ يدعونكَ يا غائبُ،
يا ساكنَ رضوى ، يا مُطْعِمَنا عسلاً وفراتاً.سنبيتُ الليلةَ في الصحنِ،
فلا تطردْنا من مَلَكوتِكَ، لا تتركْنا لذئابِ البرِّ. يتامى نحنُ،
ضعافٌ ، وذوو أطفالٍ، فارحمْنا يا ساكنَ رضوى، أغمِضْ عينيكَ
الجوهرتينِ، ودعْنا نهبط في البئرِ. ستعرفُ من رائحةِ الحبلِ الجُوتِ
منازلَ حَيرتِنا.لسنا سفهاءَ ، وأعيُنُنا سُمِلَتْ منذُ قرونٍ
في حربٍ ظالمةٍ ، عبرَ قُرىً ظالمةٍ . لن نحلمَ حتى بندى كفَّيكَ .
فنحن خرجنا من أجداثٍ كي ندخلَ أجداثاً. لا أكفانَ لنا ، لا صلواتٍ.
لا آسَ ولا سدرَ ولا كافورَ. مباركةٌ طلْعتُكَ ، اسمعْنا يا سبطُ
هنا ... في قاع البئرِ ستسمعُنا. هل تعلمُ ، يا سبطُ، بأنّ قنابلَ
B 52 ، وقذائفَ مدفعنا الهاوتزر ، ذرَّتنا في الريح غباراً من لحمٍ وعظامٍ؟
هل تعلمُ، يا سبطُ، بأنّا كنّا جوعى وعُراةً حينَ قُتِلْنا ؟ هل تعلمُ
يا سبطُ ، بأنّا حينَ ظمِئنا أُورِدْنا بنزيناً ثم رُمِينا برصاصٍ يشعلنا؟
تحيا الحريةُ!في " الفاوِ" شربنا الغازاتِ السامّةَ حتى ذابت أعيُنُنا
كالشحمةِ في القيظِ، وفي كردستانَ أكلْنا لحمَ الأكرادِ على السيخِ.
إذاً، نحن وحوشُ الكونِ، بقايا اللهبِ المتدافعِ من جوفِ التنِّينِ ، ضِباعُ
الغاباتِ المنسيّةِ في كتبٍ بائدةٍ... هل تسمعُنا يا سِبطُ؟ وهل تأذَنُ للذئبِ
بأنْ يغدو حمَلاً في لحظةِ إيمانٍ ؟ هل تأخذُ منّا أنفُسَنا؟ إنّا ، يا سبطُ،(69/105)
التوّابونَ، وإنّا يا سبطُ، الكذابون. فهل تأخذُ يا ساكنَ رضوى ، اليومَ ،
بأيدينا؟ هل تمنحُنا نفحةَ روضٍ ورضاً ؟
كم كان عراقُ الوهمِ جميلاً !
تحيا الحريةُ !
حبلُ الجُوتِ تدلّى.
والأنشوطةُ مُحكَمةٌ.
والبئرُ يساوي نصفَ المترِ...
سلاماً !
( 4 )
مقهىً على " شطّ العرب "...
قد كنتُ ذوّبتُ المرارةَ في فمي مُتَمطِّقاً بالشاي...
كان النهرُ أبيضَ
ثَمَّ أشرعةٌ ، ولمحٌ من نوارسَ لا تُطيقُ البحرَ
( رامبو قال ...)
كان النهرُ أبيضَ
والنخيلُ هو الذي نلقاهُ في اللوحاتِ حسبُ ،
أتحسَبُ الدنيا مُضيَّعةً ؟
أريدُ الآنَ أن أُحصي الدقائقَ:
تحتَ كالبتوسةٍ جلستْ فتاةٌ فجأةً . في البُعدِ يمْرُقُ زورقً ، والقطةُ
السوداءُ تخمشُ جذعَ صفصافٍ تهدَّلَ شَعرُهُ في الماءِ . كان البارُ
عبرَ الشارعِ الكورنيشِ أعلنَ نورَه. بحّارةٌ ( جاؤوا من النرويجِ ؟ )
يفتتحون ليلتَهم. تهلُّ الهندُ بالسمبوسكِ. السفنُ الثلاثُ لشرقِ إفريقيّةَ
ارتعشتْ قليلاً. كانت الأمواجُ تعلو. أين نذهبُ في المساء الماثلِ ؟ الشايُ
الذي أهملتُهُ ما زال منتظِراً. وعبرَ الضفةِ الأخرى أرى سيارةً. شفتي
تُدغدغني.تكون الشمسُ لِصقي.ألمُسُ الكرسيَّ. نورٌ في الهواء يَشيعُ.
بعد غدٍ سيحملُني القطارُ إلى محطاتٍ وراء النهرِ . موسكو ربّما...
...............
مقهىً على" شط العرب"...
كانت تماثيلُ الجنودِ( وأقرأُ: الضبّاط ) تصطفُّ. الوجوهُ قبيحةٌ. وإشارةُ
الأيدي إلى إيرانَ أقبحُ. وحدَه، بَدرٌ، تُسَوِّرُهُ مزابلُ يومِه العاديّ...
لن تأتي الحمائمُ كي تحطَّ ، ولو لتذرقَ ، فوقَ لِمّتِه الخفيفةِ،
سوف تأتي الطائراتُ. وسوف تنقضُّ الصواريخُ البعيدةُ بغتةً في هدأةِ الجنديّ.
تلك الساعةُ الدقّاقةُ السوداءُ ( جاء بها إلينا أرمنيًّ )سوف تعلو في الهواءِ
( كأنها من صُنعِ سلفادور دالي )... لم تَعُدْ في بصرةِ البِصريِّ(69/106)
أروقةٌ ، ولم تعدِ القناطرُ ( وهي من جذع النخيلِ ) صراطَنا نحوَ السماءِ .
الليلُ مُنقَضٌّ...سنسكنُ في مقابرنا. أليس البومُ أجملَ ؟
غَنِّنا يا قاطعَ الأوتارِ، غنِّ...
الليلُ مشتعلٌ بنيرانِ القيامةِ، والضفافُ مليئةٌ بمسابحِ الألغامِ ، والأسماكُ
صارت تأكلُ اللحمَ المدوِّدَ مثلَنا.
غنِّ، " المقاهي أغلقتْ أبوابَها"...
غنِّ !
( 5 )
الليلُ ببغدادَ يجيء سريعاً . الليلُ ببغدادَ يُقيمُ طويلاً . منذ قرونٍ
والليلُ ببغدادَ يجيء سريعاً ويقيمُ طويلاً . سيقولُ الحدّادون سئِمْنا
العيشَ، صناعتُنا السيفُ ، وصنعتُنا الضّعفُ . يقولُ النجّارون
سئمنا العيشَ، صناعتُنا التابوتُ . يقولُ الحَذّاؤون سئمنا العيش،
صناعتُنا جزماتُ الجيشِ. يقول الشعراء سئمنا العيشَ ، صناعتُنا
أصباغُ الوجهِ. يقول أطبّاءُ المستشفى نحن سئمنا العيشَ ، صناعتُنا
أن نصلمَ آذاناً أو نجدعَ ( مثل زمان الحَجّاجِ) أنوفاً. ويقول الحلاّجُ:
تُرى ، هل صار الحلاّجُ الناسَ جميعاً ؟
قمرٌ يتطاولُ. والنجمُ تضاءلَ. أين منائرُ وادي الذهبِ؟ الخيلُ مُطهَّمةٌ،
والناسُ سواسيةٌ، والحجرُ الأسودُ في البحرينِ. كأنّ سماءً من قصديرٍ
تُطْبِقُ. يا أخبارَ الصحفِ الأولى، يا أشجارَ السبيِ ، ويا أرصفةَ النفيِ...
الليلُ ببغدادَ يجيء سريعاً. أسرعَ من صاروخِ قيامتنا، أسرعَ حتى من
صاعقةِ الرؤيا. أحياناً نتذكرُ أنّا بشرٌ، أنّ لنا ، كالحيوانِ، عيوناً ...
أنّ لنا أطرافاً تتحركُ أيضاً. نحن بلا أسماءَ...لماذا تُرخين ضفائرَكِ الأبنوسَ
على زندي؟ ولماذا يتمشّى زندُكِ هذا العاجُ على شفتيَّ؟ لماذا ترتعشين؟
ألِلَذّةِ ترتعشينَ؟ أنا أغمضتُ العينينِ وأعطيتُكِ أجنحتي. سنسافرُ،
قولي: سنسافرُ...قولي إن الناسَ يعيشون على القاراتِ القمَريةِ كالناسِ.
وقولي إن لديهم أروقةً وحدائقَ...سوف تهدهدني كلماتُكِ حتى الموت.
الموجةُ تتلو الموجةَ(69/107)
كان بدجلةَ بيتُ الساحرةِ . الضفةُ العاليةُ اصطفقتْ بالماءِ الأحمرِ. سوف
نشيِّدُ عاصمةً ، ونمدُّ جسوراً.
لكنّ اللوحةَ تهتزُّ...
اللوحةُ وهي على الحائطِ تهتزُّ ،
ونسقطُ منها. أنتِ. أنا . نسقطُ منها. ها نحن غريبانِ هنا ، ها نحن فقيرانِ
هنا ، يُرعدُنا البردُ ، وينهشنا الجوعُ ، ويهتكنا الجرَبُ الضاري
مثلَ كلابِ البدوِ ،
سلاماً يا أرضَ الثمرِ الأولِ
يا أرضَ الطينِ المعجونِ بآلهةٍ...
يا نبعَ الريحانِ
سلاماً...
( 6)
مقهىً ل" سيدوري " على البحرِ:
السفائنُ ألقتِ المرساةَ فجراً ، وهي تنتظرُ المساءَ ليلتقي
البحّارةُ الحكماءُ تحتَ سقيفةِ المقهى. و سيدوري تهيّءُ منذُ
أزمانٍ ، موائدَها، وتمشُطُ شَعرَها ، وتُحاورُ المرآةَ...
في الأفقِ البعيدِ سلآلمٌ تَرقى وأبخرةٌ.
ستَنبتُ ، بغتةً ، صفصافةٌ.
قصبُ السقيفةِ كان مضفوراً ومؤتلقاً.
زلابيةٌ سقيفةُ ذلك المقهى...
وخمرٌ في الجِرارِ
وفي الجفَناتِ ترغو ، حرّةً ، جُعةُ الشعيرِ
وفجأةً، نادى المُنادي:
أين سيدوري؟
وعادَ الصوتُ يطفو كالنوارسِ :
أين سيدوري؟
وسيدوري تهيّءُ منذُ أزمانٍ ، موائدَها ، وتمشطُ شَعرَها ،
وتُحاوِرُ المرآةَ...
سيدوري ، ستُجلِسُ ، في المساءِ ، الكونَ
سوف تكونُ ربّتَهُ
وساقيةً تُجالِسُ أهلَهُ ، البحّارةَ الحُكماءَ
سوف تقولُ سيدوري نُبُوءتَها
وتُعلنُ صوتَها
أعلى من الصفصافةِ الأولى
وأعلى من سلالمِ ذلكَ الأفقِ البعيدِ...
وسوف يجلسُ حولَها البحّارةُ الحُكماءُ
في أسمالِهم
وعلى جدائلِهم بُروقُ البحرِ ، والملحُ...
................
................
................
السفائنُ سوف تُقلِعُ مرةً اخرى...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> العقبة
العقبة
رقم القصيدة : 63692
-----------------------------------
( 1 )
هي أيْلةُ التاريخِ
وهي الآنَ إيلاتُ التي جاءت بها الكبَواتُ واللهجاتُ
وهي ، بنُطقِنا ، وغماغمِ استقتالِنا :
العَقَبةْ(69/108)
تشِفُّ كذرّةِ البلّورِ أحيانَ اضطرابِ النبضِ
أرضَ مَقاتلٍ لصحابةٍ ومُجاهدينَ
وواحةً مسكينةً للسِّدْرِ
درباً نحوَ مؤتةَ والشّآمِ
ونحوَ أن تنداحَ موجةُ ذلك الرملِ المؤجَّجِ
ذروةً
أو وردةً من وقدةِ الصحراءِ
تندفعانِ أعلى ثم أعلى
في الهباءِ تدوِّمانِ لترفعا مُدناً
وألويةً
وعشراً من قلاعٍ
حيثُ تستهدي كراديسٌ مدجَّجةٌ
نجومَ النَّقْعِ والصلواتِ
............
............
............
سوف يئنُّ لورنسُ المهشَّمُ عند إحداها .
*
ليس في القلعةِ أحدٌ / ليس ثَمّتَ حارسُ آثار/ البحر وحدَه /والصيادون تركوا زوارقَهم إلى المقهى/
الشمسُ تغربُ في إيلات/ والقلعةُ العثمانيةُ تسهرُ مرتديةً أسمالَها الفاخرة/لا قذائفَ من مدافع قديمة/
لا آثارَ رصاصٍ/ الأسوار ُ الخفيضةُ تنهدمُ باستمرارٍ/ وقريباً سوف يعلو السورُ المرمّمُ صقيلَ الحَجرِ/
المِئذنةُ صُبّتْ كاملةً بالإسمنت/والمهندسُ لم يحفظْ حتى لآجُرّةٍ واحدةٍ حقَّها في هواءِ
التاريخِ والبحرِ / سوف تكون المنارةُ أنيقةً في كامراتِ السوّاح الذين لا يأتون / الهلالُ الجديدُ
ليس من الإسمنتِ / إنه من نحاسٍ سريعِ الصدأ برطوبةِ الشاطيء/
القلاعُ لا تُولَد مرّتين...
لنهبطْ ، إذاً ، إلى القاع.
الفرسانُ المسيحيون ، ثبّتوا خطوتَهم الأولى إلى ما لن يبلغوه إلى الأبد :
مكّةَ وشِعابِها.
المغِيرون المسلمون ثَبّتوا في هذه القلعة الملتبسة، خطوتَهم الأولى إلى ما لن يتركوه أبداً :
بلادِ الشام وأشجارِها.
الضبّاطُ العثمانيون كان لهم هنا مفصلُ البحرِ والصحراءِ ،
والمدافعُ الأولى التي تدفعُ عن طريقِ مكةَ الطويلِ ، ما قد يقذفُ به البحرُ.
المشهدُ واضحٌ. واضحٌ كالسينما الوثائقية ، وجارحٌ،
إذاً ، لنهبطْ إلى القاع...
لنضعِ الأقنعةَ والزعانفَ
وحزامَ الرصاصِ
لنحملْ ، مثل جَمَلينِ ، غذاءَ رئتَينا
ولْننقذفْ في الأمواه العميقةِ
حيثُ الزُّرقةُ ساحلٌ .
منظر(69/109)
نِصفُ تفّاحةٍ يختفي هادئاً في الجبال
تاركاً في الخليج عموداً من النورِ
لا موجَ في البحرِ
لكنّ كلَّ السماءِ المحيطةِ بي
تنشرُ الآنَ قمصانَها الأُرجوان
نِصفُ تفّاحتي غابَ
لكنني مثل خيّاطةِ الحيّ
ما زلتُ أطوي على ساعِدَيَّ السماء
وقمصانَها الأرجوان
(2 )
لا بحرَ بين هواءِ مصرَ وبحرِها
لا بحر بين هواءِ جَدّةَ في الجنوب وبحرِها
إنّا تَوحّدْنا ببازِلتِ البراكينِ
التي اندفعتْ لتفصلَ قارتينِ
فوحّدَتنا
ثم دارتْ في مفاصلنا ، لننساها
.............
.............
.............
ستُحْكِمُ شوكةُ الصحراء وخْزتَها
لتبتعدَ البراكينُ
التي بَرأتْ من البازلتِ آلهةً
وماءً دافقاً
ومرارةً فيها تلوبُ الروحُ...
تُحْكمُ شوكةُ الصحراءِ وَخْزتَها
وتدفعُ سُمّها فينا
فننسى كلَّ ما في الكون
كلَّ علامةٍ في الكونِ
إلاّها...
*
دهب/ شرم الشيخ/ نويبع/ الغردقة/ الدرّة/ عيذاب/ الأسماءُ تتخاطفُ مثل أسماكِ البحرِ الأحمر/
تتخاطفُ حتى تبلغ هَرر ومُكلأّ حضرموت/ تتخاطفُ حتى تتمادى...إلى صَحار ومضيقِ هُرمز
وبلادِ التاميل/تتخاطفُ حتى لَتتركنا مدوَّخين/ أسماء وكواسجُ ودلافين/ وحوريّاتُ بحّارةٍ ثملينَ
بالخطرِ والعواصفِ/ سيأتي حجيجُ مصرَ/ ومن هنا ستحملُ الجِمالُ المُرَفّلةُ كسوةَ الكعبةِ
التي كانت تُنسَج بأناةٍ غيرِ مصريّةٍ في متاهة القاهرةِ المُعِزِّيّة/ " نحن مليئون بالسُّمّ "
يقول رامبو الفتى/ مليئون بتاريخ الأسَلِ والسيوفِ/ وهذه الجبالُ التي تُرهق أكتافَنا منذ ملايين
السنينِ/ هذه الجبالُ السودُ / الجبالُ الوردُ / الجبالُ الرملُ / الجبالُ الجبالُ / من العقبة إلى عدن/
أيّانَ تهبطُ عليها، كما في المطر، قطرةُ ماءٍ؟ / ما نحن بسكارى/ نحن مدوَّخون بتاريخٍ لن يقرأه
أبناؤنا/ مدَوّخون ببحرٍ هو جحيمُ البحّارةِ منذُ قرونٍ/ سِكّةُ الحديدِ اقتلعَها البدو المُسيَّسون(69/110)
كما يقتلعون ضرساً مسوّساً/ والجِمالُ اشتراها متعهدو العساكرِ/ نحن لا نركبُ البحرَ/
ماذا نفعل، إذاً ؟
ماذا تفعلين ، ايتها البدويةُ ، بجَمالِكِ ؟ بالخِمارِ المُقَصَّبِ ومِشيةِ الهُوَينى؟
وشفتاكِ المُسوَدّتان المحمَّرتانِ من لِحاء الجوزِ؟
وثيابكِ المُضَوَّعة ليلاً كاملاً بالبخور ؟
أنّى أذهبُ بكِ ؟
وأيّانَ الساعةُ التي سيدقُّ فيها قلبانا مثل مِهراسِ البُنّ؟
سأرسُمُكِ أيتها البدويةُ " المزركشة كشجرة الميلاد"...
سأرسمكِ ماثلةً على ناقةٍ أو كثيبٍ ،
سأرسمُ صورتَكِ الفريدةَ ألفَ مرةٍ...
لأبيعَها إلى سوّاحٍ موهومين .
منظر
الفنارُ القديمْ
مُطفأٌ
لم يَعُدْ في صخورِ المواضعِ بحّارةٌ
وحدَه الموجُ
يلمسُ ، كالقطِّ ، كُرسيَّ مقهى.
دخانٌ من الضفةِ الثانيةْ
والسفينةُ تُقْلِعُ.
من زورقٍ يتخطّى الفنارَ القديمَ
شِباكٌ تدلّتْ ...
( 3 )
سنُوقِرُ سمعَنا عمّا يقولُ البحرُ
سوف نُشيحُ عن شمسِ الغروبِ
وملعبِ الأمواجِ ...
سوف نكون أتباعاً لهذا أو لهذا
نكتفي من كل قافلةٍ
بخُبزةِ مَلّةٍ
وبتمرتينِ...
وسوف ننسى كيف نرسمُ بالنجوم فُجاءةَ الصحراءِ
والطرقِ التي لا تنتهي...
لا بحرَ يغسلُ منتهى أحلامنا بالملحِ والمرجانِ والأسماكِ
لا صحراء تُنبِتُ وردةَ المجهول...
صِرنا بين مُصطَفِقَينِ ينطبقانِ
باعاً بعد باعٍ ،
كيف نُفلتُ ؟
كيف نُبعِدُ أن تَعُدَّ عِضادتانِ
دقائقَ الرملِ الذي سيكون مَثوانا الأخيرَ
وعُشّةَ العششِ؟
............
............
............
اختفى المرجانُ
واندفعتْ سراطينُ الشواطيء نحوَ مأواها.
*
لا جملَ لدينا ولا سفينة/ لا خيمةَ ولا منزل/ لكن لنا أن نسألَ عن المأوى/
والعقبةُ خاويةٌ على عروشها/ العشيرةُ أمستْ شيخاً/ والشيخُ في الحاضرةِ
البعيدةِ/ كلُ شيء مؤجَّلٌ مثل ديونِ الجنود/ العقبةُ مؤجلة/ الحروبُ في الكتب/
والسلامُ في الدفاتر/ونحن: لا رَكْبٌ ولا بَحّارةٌ/ نحن في هذه العقبةِ حسبُ/(69/111)
علينا ،إذاً ، أن نختلقَ المأوى/ ليكنْ لَبِناً وصفيحاً/ليكن ألواحاً ممّا ألقت
السفنُ/ليكنْ حبالاً وأنسجةً مموّهةً/ ليكن العراء...
هكذا بنَينا ، نحن اليتامى ، العقبةَ الفقيرةَ ، مأوىً ذا دروبٍ متربةٍ ودكاكينِ فولٍ
وفلافل/ لنا أيضاً مقاهينا/ حيث الشايُ ذو القروش العشرة/ وورقُ اللعبِ المهتريء/
سائقو الشاحناتِ والمهرِّبون بين مرافيء البحرِ الأحمرِ يسكنون أفئدتَنا
وحجراتِنا العارية/ أين سنذهبُ هذا المساء؟ بار روميرو مفتوحٌ عند البحر/
حانةُ إلكازار أيضاً/ وناصيةُ علي بابا/ ثمّتَ مشاربُ سريّةٌ وفتياتٌ
- إنْ شئتَ- / أنت تفضِّل الشايَ بالنعناع/ نادي الغوصِ الملكيّ (سوف
يباع ) أغلقَ بوّابتَه في الرابعة/ لماذا تنظرُ إليّ بالنظر الشّزرِ ؟/ أتقول إني
لا أعرف كيف أقودك؟ / فلْنذهبْ إلى إيلات ...
الصباحُ في العقبةِ باكرٌ دائماً/ ثمّت طراوةٌ وشجرٌ مبتلٌّ برطوبةِ الليلِ /
والتلاميذُ في الشارع الضيّق/ يحملون أرغفةً ساخنةً فيها حبّاتُ فلافل/
المَسْمكةُ تُعلِّقُ ( مثل الخراف ) أسماكَ التونة/ والحلاّقون ينفضون
عن كراسيّهم ما تبَقّى من شَعرِ البارحة/ فلاّحو العقبة (مصريون )
جاؤوا إلى السوقِ بالفجلِ الأحمرِ والنعناعِ والكزبرة/ شارعُ الحمّامات
لم تُفتَحْ مقاهيه بَعدُ.
الحيُّ القديم يضجّ الآنَ في حُمّى الهاجرة.
السلامُ عليك يا بن عبد الله ...
منظر
الجبالُ رماديّةٌ
غير أنّ الرماديَّ ينكشفُ الآنَ
أبيضَ / أزرقَ مثلَ الضّباب...
النُّخَيلاتُ مُزرقّةٌ هي أيضاً
وفي البُعدِ
في أوّلِ الكونِ
يبدو السحاب ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> السؤال الصريح
السؤال الصريح
رقم القصيدة : 63693
-----------------------------------
قُلْ لماذا يُعَذِّبكَ الشوقُ لامرأةٍ ؟
أنتَ في منتهاكَ...
الحديقةُ مخضرةٌ
والرفوفُ التي تتأملُ ملأى بما سوف تمضي بعيداً بهِ
والسماءُ انجلتْ بغتةً(69/112)
والقميصُ الذي ترتدي الآنَ ... سَبْطٌ نظيفٌ
وبَعدَ دقائقَ عشرٍ ستأتيكَ سيّارةٌ
لتغادرَ نحوَ المطارِ ...
إذاً
قلْ : لماذا يُعذبكَ الشوقُ لامرأةٍ ؟
...........
...........
...........
هل سَئمتَ الحياةَ الرخِيّةَ ؟
أَمْ هل سَئمتَ الحياةَ الرضِيّةَ ؟
أمْ هل سئمتَ الحياةْ ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الشاي في الشرفة
الشاي في الشرفة
رقم القصيدة : 63694
-----------------------------------
يشربُ النبتُ في شُرفة البيتِ شاياً من الياسمينِ
الصباحُ تَدلّى بسُلِّمهِ
وتسلِّقَ أوراقَهُ
وهو الآنَ يضْفرُ لي تاجَهُ في الجبينِ
الطريقُ الذي لا يؤَدِّي ، يُلَوِّحُ لي إذْ يَلُوح
لن تَمُرَّ هنا الحافلاتُ
اتَّئِدْ
واشربِ الشايَ في شُرفةِ البيتِ
ولتتعلَّمْ ، ولو مَرّةً ، كيف تستقبلُ الطيرَ
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> أمير هاشمي منفيّ في لندن
أمير هاشمي منفيّ في لندن
رقم القصيدة : 63695
-----------------------------------
كلَّ صباحٍ أفتحُ عينيَّ على الغيمِ
الممطرِ دوماً
والأبيضِ أحياناً.
أنا لا أتصوّرُ ما قالوا لي عن شمسٍ ثابتةٍ
فوقَ حِجازٍ...
قالوا أيضاً إنّ بلادي تلكَ ،
وإني سأُتَوَّجُ فيها ملكاً يوماً ما...
أنا لا أرغبُ في أن أُمسي ملكاً.
لكنّ الأجدادَ يُطلّون عليّ من الجدران
ومن غرفةِ مكتبتي
ينتظرونَ ،
وقد سكنوا أُطُراً ذهباً ، ودفاترَ يوميّاتٍ
وفصولاً من كتبٍ لن أقرأها...
لُغتي اختلفتْ
وثيابي
حتى عيناي هما زرقاوانِ ،
إذاً ، لن أمضي معهم:
يوماً في بغدادَ
ويوماً في مكّةَ
يوماً في الشّامِ
وآخرَ في قصرٍ مَلكيٍّ بالعقَبةْ
..................
لكني أسمعُ عن أنّ ملوكاً عادوا
عن أزهارٍ تستقبلُهم بمطاراتٍ غامضةٍ
...................
ما شأني؟
ما معنى أن أُمسي ملكاً ؟
................
................
................
سأُتابعُ منذُ اليوم ، دروسَ الموسيقى
وأطلبُ من أستاذِ الرسمِ مُرافَقتي(69/113)
عبرَ متاحفِ روما
هذا الصيف...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> انطباعات مقطوعة عن سياق
انطباعات مقطوعة عن سياق
رقم القصيدة : 63696
-----------------------------------
دائماً في هذا الخريفِ الذي لا يشبهني
في هذا الخريفِ الذي يشبهني
في هذا الخريفِ الذي...
أسألُ عن ورقةٍ واحدةٍ. ورقةٍ واحدةٍ ، حسبُ.
لكنْ ، ماذا نفعلُ بالأغاني؟
ورقُ الحائطِ مثقَلٌ بالأناشيد
أناشيدِ الموتى
وأناشيدِ مَن يموتون...
مثقَلٌ أيضاً بظلِّ بياضٍ خَفِيّ.
فتاةٌ هنديةٌ
ربما كانت زعيمَ قبيلةٍ في البيرو
قبلَ ثلاثةِ آلافِ عامٍ
دخلتْ غرفتي ، لثلاثِ لحظاتٍ فقط
لكنها لم تخرجْ...
سأبحثُ عنها حينَ تمرقُ المذَنّباتُ
عندَ الوسادة.
البحارُ التي نعبرُها
لن تكونَ بحاراً بَعدُ
والأرَضونَ التي ركزنا عليها الرماحَ
لن تُنبتَ وردةً...
هكذا نختصمُ والعالَمَ
كأننا في التشوّشِ الأول.
عشرةُ آلافِ متشردٍ
يلوذون بمُلاءتي الصوفِ
أنا النائمِ على الرصيف.
هكذا سأظلُّ على الرصيف
حتى لو ابتنيتُ لي خيمةً من أدَمٍ
في سهوب " حُلم آباد ".
لا تقولي : نحن اثنان ...
- نحن الواحدُ المتشظِّي
قدرَ ما تحتملُ الشهبُ
قدرَ ما لانحتملُ...طبعاً .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> ارتياب
ارتياب
رقم القصيدة : 63697
-----------------------------------
ثَمَّ ، بين الغصونِ ، سماءٌ طباشيرُ
هل أكتبُ اليومَ فيها أغاني السوادِ ؟
المروجُ التي تكنزُ الخُضرةَ اتّسعتْ :
هل تكونُ السماءُ ، إذاً ، في الترابِ الخفيضِ ؟
لأحداقِنا أن تحارَ قليلاً
وأن تسألَ الآنَ عمّا بدا ثابتاً ...
نحن لن نتثبّتَ من صورةٍ ،
فالمرايا حوائطُ
واللونُ محضُ اشتباهْ
.............
.............
.............
لا تقُلْ : ما أدقَّ الحياهْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> استيحاش
استيحاش
رقم القصيدة : 63698
-----------------------------------
تعالَي
كي أمتنعَ الليلةَ عن تدخين القنَّبِ(69/114)
والتَّبِغِ الهولنديّ...
تعالَي
كي أستمعَ الليلةَ للموسيقى
من فخِذيكِ المائستينِ ،
تعالَي
كي أتنقَّعَ بالشفتينِ
تعالَي
كي أسمعَ رِعشةَ أعماقِ الدَّلتا
ضيِّقةً
حولَ غُصَينِ...
الآنَ تعالَي
كي أُضجِعَ ، حتى الصحوِ ، العينينِ
تعالَي
يا ضامرةَ النهدين...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> القهوة تبرد في الشرفة
القهوة تبرد في الشرفة
رقم القصيدة : 63699
-----------------------------------
الفانوسُ المتدلِّي بين النبتِ المتسلِّقِ لا يُرسلُ نوراً
لكنَّ عيوناً كانت تمنحُه نورَ الشرفةِ ...
كرسيّانِ وطاولةٌ ( الكلُّ بلاستيك )
وصينيّةُ قهوةْ .
لم تَغِبِ الشمسُ تماماً :
والسُّرخُسُ ما زالَ على الدوحةِ أخضرَ
سنجابٌ يقفزُ من أعلى ليغيبَ تماماً في الخُضرةِ
آخرُ بيتٍ تبلغُه عينايَ سيوقدُ مصباحَ حديقتهِ بعد قليلٍ ،
والقهوةُ تبردُ في الشرفةِ
ثمّتَ أنفاسُ ربيعٍ تحتَ الطاولةِ ...
الشرفةُ تبردُ في بُطءٍ .
...............
...............
..............
لا تحُصي ، أيتها المرأةُ ، أنفاسَكِ
لا تَتَّخذي الفانوسَ رداءً ...
هل ألمُسُ كفَّكِ ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الرحلة
الرحلة
رقم القصيدة : 63700
-----------------------------------
آنَ أرضَعُ غصناً من التوتِ...
أمْتَصُّ ذاكَ الحليبَ المُفَوَّهَ بالجَنّةِ :
الضَّوعِ
والعسلِ الأحمرِ ؛
الشّمسُ في الماءِ
والماءُ في الخُصُلاتِ ،
ارتَدى الزورقُ الصيفَ ، أوراقَ دالِيةٍ
واصْطِفاقَ شِباكٍ ...
سيأخذُني الماءُ
تأخذني ، مثلَ ما أتَمَنّى ، السماءُ
سأمضي إلى حيثُ لا أنتهي ،
إلى حيثُ لا ينتهي التوتُ :
أمضي إلى حيثُ قد أبتَديءْ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> أوكتافيا
أوكتافيا
رقم القصيدة : 63701
-----------------------------------
أوكتافيا ، لا تدخلُ من شُبّاكٍ...
أوكتافيا تقتحمُ السلّمَ ، وثْباً ، حتى بابِ الشقّةِ(69/115)
تقذفُ نحو الكرسيّ حقيبتَها اليدويةَ
ثم تُؤرجِحُ ساقَيها
عابثةً بهواءِ الأوراقِ وما خَلّفَهُ مطرُ الليلِ على الأحداقِ ؛
أقولُ لها :
" أوكتافيا!انتظِري!"
لكنّ لأوكتافيا شأناً آخرَ...
...........
...........
...........
في عطلتها الأسبوعيةِ
( أوكتافيا تَمْلكُ مقهىً بَلْجيكيّاً )
تأتي راقصةً ، عبرَ البحرِ ، لتأكلَني متلذذةً
وتنامَ عميقاً...
ثم تُفارقني في ثاني أيامِ الأسبوعِ؛
...........
أنا رجلٌ ذو تَبِعاتٍ
لكنّ البلجيكيّةَ لا تعرفُ هذا إذْ تعرفُ هذا ...
أوكتافيا تعرفُ أنْ لها عطلةَ أسبوعٍ ،
أنْ لها حقّاً في أن تأكلَني ، مُتلذِّذةً
وتنامَ عميقاً ؛
ثم تفارقني في ثاني أيامِ الأسبوعِ ...
............
إذاً ؟
هل أُدخِلُ أوكتافيا في تَبِعاتي ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> لم يتغير شيء
لم يتغير شيء
رقم القصيدة : 63702
-----------------------------------
لم يتغيّرْ شيءٌ
ما زالَ أبي يكدحُ بين النخلِ وماءِ المدرسةِ،
الناسُ يقولونَ ...
ولكني أعرفُ نفسي خيراً حتى من نفسي؛
مثلاً:
أنا أعرفُ ما لا تعرفُهُ الصّحُفُ المأجورةُ ،
أو أني أعرفُ أنْ أتأمّلَ في الشّاطيءِ
أعني أني أعرفُ أن أتأمّلَ في ذرّاتِ الرملِ
وفي ما يقذفُه البحرُ ، قواقعَ أو عُشْباً
أو أسماكاً ميِّتةً ،
............
..........
..........
لم يتغيّرْ شيءٌ :
مَأوايَ هوَ الغرفةُ، مُفرَدةً ، في أحياءِ الفقراءِ
وقُوْتي الخُبزةُ والعدَسُ ...
الأمرُ ، إذاً ، أبسطُ من أن يخفَى
أبسَطُ من أن يُخشى ،
أرجوك...
...........
...........
...........
ستقولُ ( لكَ الحقُّ تماماً ) إنّ العالَمَ غيرُ العالَمِ
إنّ منارةَ كارل ماركسَ مُطْفأةٌ ...
إنّ الشِّركاتِ العُظمى ، عابرةَ الأقوامِ ، مُخَيِّمةٌ
حَسَناً !
ما شأني أنا في هذا ؟
أنا ما زلتُ فقيراً ،
ما زِلتُ فقيراً ، مثلَ أبي، أكدحُ، بين النخلةِ والماءِ...(69/116)
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> قتل فرهاد عثمانوف؟
قتل فرهاد عثمانوف؟
رقم القصيدة : 63703
-----------------------------------
عند محطّةْ
عند محطةِ مترو
عند محطةِ مترو آكْتِنْ تاوْن
أعني:Acton Town Tube Station
تحديداً...
أقرأُ : Who killed Ferhad Usmanov?
أنا لم أسمعْ باسمكَ يا فرهاد
لم أسمعْ ، من قبلُ، بفرهاد عثمان
( عثمانوف! )
لكني أسمعُ في الليلِ الليلِ ، دويَّ الغاراتِ
بقاراتٍ تتراءى مائجةً في لُججٍ وأعاصيرَ وأدخنةٍ
أسمعُ زخّاتِ رصاصٍ
والصوتَ السرِّيَّ لإطلاقةِ كاتمِ صوتٍ
أسمعُ أبواباً تُخلَع في أحياء الغرباءِ
وأسمعُ أحياناً صرخةَ طفلٍ...
...........
...........
.........
أنا لا أعرفُ كيف أُناديكَ ،
وأيَّ رياحٍ سأُحمِّلُها صوتي كي تصلَ الرعشةُ ...
هذا الليلُ طويلٌ ، يا فرهاد
سأظلُّ ، إذاً ، أبحثُ عنكَ...
ومَن يدري...، قد نبلغُ ، في مَسرانا ، بغداد
أقولُ: القارةُ، أمستْ ، في هذا الليلِ، القريةَ
نعرفُها درباً درباً
نعرفُ فيها الساكنَ والمسكنَ
والمنبعَ والأشجار
ونعرفُ أيَّ فتاةٍ ترقصُ
أو أيَّ فتىً يرتجلُ الأشعار...
لكني ، مثلك، يا فرهاد
لا أعرفُ من أين تجيء رصاصاتُ السُّمِ
ومن أيّ كهوفٍ قبل التاريخِ يجيء الإنسانُ- الذئبُ
ويندفعُ الإعصار...
...........
..........
..........
فلْترقُدْ يا فرهاد
ارقُدْ
واتركْني في وحشةِ هذا المسعى
في وحشةِ هذي الأشعارْ
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> ما أصعب الأغنية
ما أصعب الأغنية
رقم القصيدة : 63704
-----------------------------------
( قصيدة إشارة )
مَن تُرى ، أرسلَ الأغنية ؟
لا أقولُ الهواءُ الذي يتبعثرُ بين الشجرْ
لا أقولُ القطاراتُ تهدرُ تحتَ الغيومِ الخفيضةْ
لا أقولُ انتهيتُ من الحُبِّ أمسِ ...
أقولُ : ليَ الصوتُ
تَمتمةٌ
وتَمائمُ
تَرتيلُ تَرْ ،ترْ ، و تَرْ ،تَرْ... تراتيلُ
تَرتدُّ
ترتادُ
ترتاحُ
تنداحُ
تَرْفَضُّ
تَنْهَدُّ(69/117)
تَرتَدُّ ...
..........
..........
..........
تَنويمةٌ، أن نغَني ، وأن ننتهي
أن نتمتمَ من منتهى التمتماتِ
النسيمَ
النبيذَ الذي ظلَّ منتظِراً كلَّ تلك السنينْ
والبساطَ الذي لم يكنْ
والنسيجَ
النسيجَ الذي لن يُرى
والنشيجَ المباغِتَ ،
.............
............
ما أجملَ الأغنيةْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> قلعةُ ألْسِينور ( قلعة هامْلِت )
قلعةُ ألْسِينور ( قلعة هامْلِت )
رقم القصيدة : 63705
-----------------------------------
الخندقُ ذو الماءِ الأخضرِ تعْبُرُه أغصانٌ وعصافيرُ
وتَعبُرُهُ أحذيةُ السوّاحِ
وأشباحُ البحّارةِ في سُفُنٍ غرقتْ...
أنا أعبُرهُ أيضاً ،
لكني أتحَسّسُ ألواحَ الجسرِ
أُحِسُّ بها ليِّنةً
ومُباغِتةً
ماءً في لونِ الخشبِ...
القلعةُ تسكنُ في القلْعةِ
كالدّمِ في الدَّمِ ،
أنتَ ، اللحظةَ ، لن تتقرّى ألواحاً أو حجَراً
لن تدخلَ من بابِ التاريخِ
ولن تأنسَ باللوحاتِ المعروضةِ في البهوِ
ولن تسمعَ وشوشةَ البحرِ
الآنَ ستدخلُ في نفسكَ
كالحَلَزونِ اللاّئذِ بالقوقعةِ ...
.............
.............
.............
الآنَ ، ستهجِسُ وقْعَ خُطىً في ليلٍ ناءٍ
وستُنصِتُ للأنفاسِ المكتومةِ
تُنْصِتُ للدّرَجِ الصاعِدِ نحوَ الأسئلةِ ...
انتبِهِ الآن !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> مسوّدة أولى
مسوّدة أولى
رقم القصيدة : 63706
-----------------------------------
سوف أمضي إلى المغربِ :
انفتحتْ بابُ " سبتةَ "...
لو أمهلَتْني قليلاً لخيّمتُ خارجَ سورِ المدينةِ
وابتعتُ كوزاً
وصحناً
وأعلَيتُ من بُرنسي منزلاً
وأقمتُ الصلاة .
..........
..........
..........
غير أني دخلتُ ، فلم يكترثْ حجرٌ لي
ولم تلتفتْ ، في الغصون ِ ، المُطوَّقةُ
الآنَ أمضي إلى منزلٍ بالضواحي
إلى منزلٍ بالضواحي القصيّةِ ،
فلْتتركيني وحيداً
مع الكوزِ
والصحنِ
والبرنسِ الصوفِ :
إنّ سبيلي الفلاةْ ...(69/118)
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> صباح ما
صباح ما
رقم القصيدة : 63707
-----------------------------------
قد تُتمتمُ : تَمّتْ تمارينُ هذا الصباحِ ...
احتسيتَ ، بلا سُكّرٍ ، قهوةً
واستمعتَ إلى نشرةٍ
ولففتَ السجارةَ معتنياً ، ثمّ دخّنتَها
هكذا ، في دقائقَ ، وانفلتَ اليومُ ...
في الحوضِ لم تكنِ الحنفيّةُ مغلقةً جيِّداً
كنتَ تسمعُ من غرفةالنومِ أرواحَها تقطُرُ...
الشمسُ لن تُجتلى
أمسِ كان المطرْ
وغداً لن يكونَ السفرْ
..............
..............
..............
غنِّ ، إنْ شئتَ
غنِّ :
السبيلُ إلى بيتها إسمُهُ المستحيلُ.
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> متغايرات -1
متغايرات -1
رقم القصيدة : 63708
-----------------------------------
لا فجْرَ في عدَنٍ ...
كأنّ الصُّبحَ سَمْتُ الشَّمسِ
والبحرَ المُحيطَ الفورةُ الأولى بمُبتَدأِ الخليقةِ ،
قُلتُ يوماً : سوفَ أُمْضي الليلَ عندَ البحرِ
رُبّتَما اقتنصتُ الفجرَ
مثلَ الحُوتِ
أو مثلَ الحمامةِ ...
كان سِيفُ البحرِ مرتخياً ومُؤتَلِقاً
طَوالَ الليلِ ،
والأسماكُ ، ناصعةً ، تَقافَزُ ؛
لم أشأْ أن أُغمِضَ العينينِ ،
كنتُ أريدُ فجراً في يَدَيَّ ...
فُجاءةً
وندىً ؛
ومضيتُ في حُلمي ...
............
............
............
تُرى ، هل أُغمِضَتْ عينايَ ، لَحظةَ طِرْتُ ؟
أمْ هل كانَ إيكاروسُ في وهَجِ الحريقِ !
..............
..............
..............
صديقتي:
لا فجْرَ في عدَنٍ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> متغايرات -2
متغايرات -2
رقم القصيدة : 63709
-----------------------------------
هذه البلدةُ المُطْمئنة ُ تبدو من البحرِ
قَفراً
بلا ساحلٍ
غير خَطَّينِ :
أخضرَ : حيثُ امتدادُ الحدائقِ
أبيضَ : حيثُ امتدادُ الفنادقِ
أمّا المصابيحُ فهي العيونْ ...
زهراءَ
ورْديّةً
تتدافَعُ أمواجُها في الشوارعِ
حيثُ المَماشي غصونْ ...(69/119)
هذه البلدةُ المطمئنّةُ
لن يغامرَ في البحرِ ، حتى ولو سنتيمتراً ، أحدْ
لن يغادرَها المُترَفونْ
زُمَّجُ الماءِ
والنَّورسُ الكَهْلُ
زُمَّجُ الماءِ
والنَّورسُ الكَهْلُ
هُمْ أهْلُها الأقربون ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> متغايرات -3
متغايرات -3
رقم القصيدة : 63710
-----------------------------------
هذه الشّقّةُ في باريسَ
( أعْني في الضّواحي الحُمْرِ ) ،
لم ألْبَثْ بها وقتاً مديداً ...
( ربّما عامَينِ )
لكني سقَيتُ الوردةَ النّضْرةَ
واطمَأْنَنْتُ للأشجارِ والمَخبزِ والحانةِ فيها ؛
واستَعَدتُ القلَقَ الباردَ في الهدأةِ
بل أرسلْتُ ( هل تدري ؟ ) بريداً
وتَلَقّيتُ بريداً ...
وتنسّمتُ بها ، ضَوعاً من الفردوسِ ، في آخِرةِ الليلِ
وصُبْحاً ياسميناً ...
( خَلِّنا من حسرةِ الذكرى ! )
.............
.............
.............
أقولُ الآنَ :
إنّ المَرءَ لا يَأْلَفُ إلاّ ما انتهى منهُ ...
ألَسْنا نتركُ النهرَ إلى النبعِ؟
ألَسْنا نتركُ النومَ إلى الحُلمِ ؟
ألسنا نتركُ النَّهدَ إلى الرَّسمِ ؟
...........
...........
...........
أقولُ الآنَ :
باريسُ أراها ، هكذا ... ، مَنْثورةً
بينَ يَدَيّ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> طبيعة
طبيعة
رقم القصيدة : 63711
-----------------------------------
مثلَ ما تنعقدُ الأبخرةُ البحريّةُ ، الظُّهرَ ،
على خِلْجانِ " بابِ المندِبِ "...
استلقَى على الأشجارِ ، في غربيّ هذي البلدةِ، الغيمُ .
تُرى، إنْ كان هذا الصيفُ ، صيفاً
فلماذا يُطْبِقُ الغيمُ على عينيَّ
أو يَبْلُغُ ما تحتَ القميصِ ؟
ارتَعشتْ في الدوحةِ الرَّطْبةِ أوراقٌ ...
أ تأتي ، بَغتةً ، فاخِتَةٌ ؟
أنْصِتْ !
سيهتَزُّ، بِما لا ينتهي، خَيطُ الذّهول .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> دعوة عشاء
دعوة عشاء
رقم القصيدة : 63712
-----------------------------------
هيّأتُ مائدتي ( لقد حلَّ المساءُ )(69/120)
وقُلْتُ : قد تأتونَ...
فكّرتُ ؛
الحياةُ طويلةٌ
ولَرُبّما لا يستحقُّ الأمرُ هذا الطّولَ ،
فلْنجلسْ قليلاً حولَ مائدةٍ
لِنَنْسَ فَداحةَ الأشياءِ
والبابَ المُواربَ عندَ منعطَفِ الطريقِ الساحليِّ
وباقةَ الزهرِ التي ذبُلَتْ ،
لِنَنْسَ كلامَنا
وتَلَكُّؤَ الفَتَياتِ
والأوراقَ
والشمسَ التي غربَتْ ...
.........
.........
.........
لقد هيّأتُ مائدتي
وقُلتُ : لَعَلَّكم تأتون ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> إحساس مضطرب
إحساس مضطرب
رقم القصيدة : 63713
-----------------------------------
أمسِ ،
قلتُ : انتهتْ سنواتُ العذابْ
أنا ظَهري إلى حائطٍ
والقبورُ أمامي بغَربيِّ لندنَ
والفجرُ ، دوماً ، ضَبابْ .
............
............
............
أمسِ ، قلتُ...
ولكنّ تلكَ الصنوبرةَ المستقيمةَ في البُعدِ ، لم تَتَّركْ لي ،
ولو لحظةً ، شاطئاً للتأمُّلِ. تلكَ الصنوبرةُ استقدمتْ ،منذُ
يومينِ كِيزانَها وثعالبَها والسّناجيبَ والطيرَ،
واستقدمتْ غيمةً تستقرُّ على جبهتي ، ثم نَسراً بأجنحةٍ
من هُلامِ ، ومَدّتْ على مَدخلِ البيتِ أغصانَها
وهي مضفورةٌ كالشِّباكِ الخرابْ.
انتظرتُ...
الصباحُ انقضى. واستراحتْ على الشُّرُفاتِ الظهيرةُ.
قَلَّتْ على الشارعِ الحافلاتُ.ولم يبقَ إلا المساءُ .
اقتنعتُ بأني سجينٌ ، وأنيَ لا أكرهُ السجنَ
( فالمرءُ يألَفُ ) قالَ لنا المتنبِّيءُ. في بغتةٍ ألمحُ الشيبَ
يَنبتُ في راحتَيَّ. الكلامُ العجيبُ ، إذاً، قد تَحقّقَ.
ها أنذا ألمحُ الشيبَ، فعلاً، على راحَتَيَّ،بلونِ الترابْ.
انتظرتُ...
الصنوبرةُ استجمعتْ ، كالرياضيِّ، أنفاسَها. والصنوبرةُ
اندفعتْ بثعالبِها والسناجيبِ والغيمِ والطيرِ والنَّسرِ ....
وال...وال...
وراحتْ تدقُّ على البابِ مجنونةً ، تتقاذَفُ كيزانُها؛
والفروعُ على جبهتي إبَرٌ واضطرابْ.
أنا ظَهري إلى حائطٍ...
والقبورُ أمامي بغربيِّ لندنَ
والفجرُ ، دوماً ، ضبابْ .(69/121)
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> حوار
حوار
رقم القصيدة : 63714
-----------------------------------
قال لي آنَ كانت رياحُ الخريف
تتناوحُ بين التلالِ المحيطةِ :
هل نحن ، ياصاحبي ، صخرتان ؟
كم تناوحتِ الريحُ
كم نابَنا القَرُّ
والضُّرُّ
كم ضاعَ منّا الرهان ...
ولكننا ، ههنا ، الواقفان .
.............
..............
..............
قلتُ : لا تبتئسْ
نحن عينُ الزمان...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> شرفة هاملت - 1
شرفة هاملت - 1
رقم القصيدة : 63715
-----------------------------------
" سِجنٌ هي الدانيمارك " ...
مَرْقاكَ الوحيدُ إلى الحياةِ ، الموتُ في مَرأى أبيكَ ؛
القلعةُ الليليةُ انطبَقتْ
أقوقعةُ القيامةِ تلكَ ؟
أطبقتِ الظلالُ على السّلالمِ ...
سوف يقول هوراشيو :
تَمَهَّلْ ، يا أميرُ !
الليلُ أعمقُ من مَخاوفنا ،
وأخطرُ من معاركِ أمسِ...
أنتَ عرفتَ ما لايعرفُ القدماءُ والبحّارةُ الحُكَماءُ
أنتَ عركْتَ نفسكَ
واستعذْتَ بها
ولكنّ الدّجى أبَدٌ ...
ويقول مارسيليوس مرتبكاً :
تَمَهّلْ يا أميرُ ...
ألمْ تَقُلْ: سِجنٌ هي الدانيمارك ؟
ماذا سوف تلْقَى من مُتابعةِ الصّعود ؟
ومَن ، تُرى، تَلقى؟
أباكَ ؟
لقد رأيناهُ ،
وكانَ مُسَلَّحاً ...
*
الليلُ منتصِفٌ
وهذي القلعةُ البحريّةُ ارتطَمَتْ بشاطئها
و هامْلِتُ
يصعدُ المَرْقَى ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> شرفة هاملت - 2
شرفة هاملت - 2
رقم القصيدة : 63716
-----------------------------------
هنا ، كان رُوزِنْكْرانْتْس واقفاً :
لم تكنْ شُرفةً ( مثلَ ما ألِفَ الناسُ ، أو مثلَ ما جاءَ في الكتُبِ ):
البحرُ هاويةٌ
وهيَ كانتْ مَطَلاًّ على الهاويةْ
لكنّ روزنكرانتس يراها كما قد يرى البرزخَ
( النقطةَ الصِّفْرَ بين الحياةِ وأُقْنُومَةِ الزاويةْ )
كان روزنكرانتس يراقبُ ما يقذفُ البحرُ
ما يتكسَّرُ من سُنَنٍ أو سفائنَ
يَرقَبُ بَحّارةً(69/122)
وقَباطِنَةً
ينزلونَ هنا
يرحلون ، مع الفجرِ ، أو في ليالي العواصفِ عاتيةً ، من هنا .
آهِ روزنكرانتس !
أنتَ تصنعُ ، من كلِّ ما قد ترى فيهِ أسئلةً ، مسْرحاً
( ولْيَكُنْ مثلَ ما شئتَ أن يتبدّى، بسيطاً )
غيرَ أنكَ ممتحَنٌ ، يا صديقيَ ، هذا الصَّباحَ:
سفينةُ هاملت ألقتْ مَراسيَها
الآنَ...
والمسرحيّةُ لم تبتديءْ ، بَعدُ
...........
...........
...........
ألمسرحيةُ لم تبتديءْ ، بعدُ
فَلْتَكشِفِ السِّرَّ ، روزنكرانتس :
أتكونُ انتهتْ ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> شرفة هاملت - 3
شرفة هاملت - 3
رقم القصيدة : 63717
-----------------------------------
أنا الآنَ في المَرْقَبِ :
الريحُ تدخلُ في البحرِ
والبحرُ يدخلُ في الريحِ ،
مِلْحٌ هو الأفْقُ
حتى السفائنُ ، في المرفأِ الجَهْمِ ، تبدو مشوَّشةً ؛
والصَّباحُ الذي أرتجي
ليس في الدانيماركِ...
المساءُ سيأتي
وفي مهبِطِ الليلِ ، ينعبُ ، أوحشَ من خندق القلعةِ ،البُومُ
والليلةَ : الحفلةُ الملكيّةُ ...
............
............
............
فَلأحتَفِلْ :
أنْ تكونَكَ أو لا تكونْ
آنها سيجيءُ الجنونْ .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> ذلك النهار الممطر
ذلك النهار الممطر
رقم القصيدة : 63718
-----------------------------------
ليسَ لأنّ نهاراً ذا مطرٍ يطرقُ نافذتي مثلَ اللصِّ عجيباً .
ليسَ لأني في هذي الصحراءِ المائيّةِ ، ليس لأنّ الشمسَ
أقامتْ في كتُبٍ للرحّالةِ والشّعراءِ ، وليس لأنّ ...
أقولُ : أنا مُضنىً بملائكةٍ ينتظرونَ. الأشجارُ هي الأشجارُ
ولكني أبحثُ عن ظِلٍّ. والمطرُ المُسّاقِطُ ليس مياهاً .
عبرَ خرائطَ في النبضِ تَمَوَّجُ أنهارٌ وسفائنُ من لوحٍ ،
وزوارقُ من بُرديٍّ... مطرٌ لا يبلغُني. مطرٌ لا تبتلُّ
الشفتانِ بهِ. تلتمعُ القضبانُ الخُضرُ ( سياجُ المقبرةِ البولونيّةِ)
بالنورِ المائيّ. وأبعدَ ، أبعدَ ، تشربُ أزهارٌ وشواهدُ.(69/123)
لن ألمحَ سنجاباً أو طيراً. أُرهفُ أضلاعي للموسيقى.
كانتْ في الشُّرفةِ. والشمسُ أقامتْ في رُكنِ حديقتها
بيتاً لتلاوينِ العشبِ، وللورقِ اليابسِ. لم تكنِ المرأةُ تَنظرُ
أو تنتظرُ. المرأةُ كانتْ غائبةً. أنا وحدي كنتُ أُلَملِمُ
صورتَها ، والأعضاءَ ، وذكرى القُبلةِ في زاويةِ المقهى
يوماً ما... ما أنْبَتَ هذا الأخضرَ في الأزرقِ؟ موسيقى.
شمسٌ من جُزُرٍ ذاتِ براكينَ. المرأةُ توشكُ أن تتحركَ،
أن تبدو، أن تتشكّلَ. هاأنذا ألمَحُ خُصلةَ شَعرٍ
سَبْطٍ...مُكتَنَزاً من شفةٍ سُفلى.
موسيقى. والشُّرفةُ تغدو شُرفةَ بيتٍ: طاولةٌ صُغرى.
كرسيّانِ. زجاجةُ خَمرِ.قدَحانِ.وحبّاتٌ من
مُشمُشٍ إسبانيا. في زاويةِ الشّرفةِ نبتةُ صُبّارٍ .
تلتفتُ المرأةُ. ها نحنُ اثنانِ.سنسكنُ في الشّرفةِ.
سوفَ تجيءُ الشمسُ إلى كأسَينا.سوفَ نرى اللحظةَ.
موسيقى...
المطرُ المُسّاقِطُ يَسّاقَطُ.
كنّا خلفَ زُجاجِ الشّرفةِ. والغُرفةُ باردةٌ شيئاً ما.
غُرفتُها كانتْ تَلْتَزُّ برائحةِ الأصباغِ، وضَوعِ
السجّادِ القرغيزيّ. كأنّ رطوبةَ هذا اليومِ التصقتْ
تحتَ قميصي. تمنحُني المرأةُ من شفتَيها الجمرةَ.
هل غَلغلتِ الجمرةَ تحتَ قميصي؟ أحسستُ بأني
طَوّافٌ في أرضٍ ذاتِ عيونٍ ساخنةٍ وتَضاريسَ .
أصابعيَ القدمانِ. وأنفاسي موسيقى وتَرٍ لا تتلاشى.
موسيقى تَصّاعَدُ أو تهبطُ . لستُ أرى مطراً .
عبرَ زجاجِ الشّرفةِ كان الضوءُ شفيفاً.
لكنّ المطرَ المُسّاقِطَ يَسّاقَطُ
هذا المطرُ المُسّاقِطُ يَسّاقَطُ
يَسّاقَطُ...
أشعرُ بالمطرِ السّاخنِ
بعدَ دقائقَ ، حسبُ... سأفعَلُ حُبَّكِ
مثلَ سريرٍ ضَيِّقْ.
..........
..........
..........
موسيقى.
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تقليب أوراق
تقليب أوراق
رقم القصيدة : 63719
-----------------------------------
بِير حَسَن
كنا في وسَط الحيّ
ولم يكنِ الطيرانُ الإسرائيليّ خفيضاً(69/124)
أنت تظنُّ مُضادّاتِ" الآك آك " الأُضحوكةَ ؟
كنا بمدافعنا تلك نعرقلُهم...
أنا لا أتحدثُ عن غيرِ الذكرى ( أرجوكَ ! )
ولكنّ السمتيّاتِ الإسرائيليةَ ما كانت لتطاردنا
فرداً فرداً ...
كنا بمدافعنا تلك نذودُ عن الموقعِ
والمستودعِ
عن سكّانِ الحيّ
وعن شبّانٍ لبنانيينَ سيأتون إلى موقعنا .
حَيُّ السُّلّم
كنّا في حيّ السلّمِ في 82- -
تماماً في مثل معادلةِ اليوم ...
الإسرائيليون هناكَ
ونحن هنا ...
تفصلُنا عنهم تلك الفُسحةُ
حيثُ الدبّابةُ ، دبابتُهم ، مَعطوبةْ.
مبنى أبو إياد
لا أعرفُ مَن سمّى المبنى باسمِ صلاح خلَف
ولماذا...
هو ما كان ليسكنَهُ
ما كان ليدخلَهُ إلا يوماً في العامِ
وكان المبنى معروفاً في الشارعِ
كان المبنى مكشوفاً للشارعِ
للناس
لسيارات الخدمة في " الفاكهاني "
ولطلابِ الجامعةِ ،
المبنى مفتوحٌ
............
............
............
في الغارات الأولى دخلَ المبنى في الشارع
مالَ من القصفِ
فأسنده الشارع.
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> اعتصام في دوانق ستريت
اعتصام في دوانق ستريت
رقم القصيدة : 63720
-----------------------------------
كان مساءُ التاسع والعشرين
من تشرين الثاني هذا ، طلْقاً وجميلاً
لا أمطارَ
ولا ريحَ ،
وكنا ، من أجل فلسطين ، نحاولُ...
لم يأتِ التجّارُ ذوو الصفقاتِ السرِّيّةِ
لم يأتِ فلسطينيّو أنظمةِ القتلِ العربيةِ
أو أهلُ الرفضِ
ولم يأتِ حُماةُ العِرضِ
.............
.............
.............
لقد كنا بضعةَ أنفارٍ في الشارعِ
بضعَ شموعٍ
خمسةَ طلاّبٍ ضاقوا ، بعد قليلٍ ، بالعَلَمِ الضخمِ
وخمسَ صبايا يتأففنَ ،
وعشرينَ بريطانيّاً ألهمهم ربِّي صبراً
وأنا العربيّ المفرَد ؛
.............
.............
.............
لو كان لنا أن نعتصمَ الليلةَ
في مكّةَ ؛
لو كان لنا ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> رأيت أبي
رأيت أبي
رقم القصيدة : 63721(69/125)
-----------------------------------
كنتُ أمشي ، وأبي ، في غابةِ النخلِ
وأحسستُ أبي يرفعُني بين ذراعَيهِ :
لقد كنتُ خفيفاً
ريشةً...
وأبي كان خفيفاً
غيمةً كانَ
وفي القطنِ الذي يفترشُ الغيمةَ
أغمضتُ ( كما في الحلمِ ) عينيّ...
أبي!
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تقليد عبدالسلام عيون السود
تقليد عبدالسلام عيون السود
رقم القصيدة : 63722
-----------------------------------
لكأنّ وجهَكِ ، يا صديقةُ ، في المتاهةِ ، وجهُ أختي
ألَقٌ له ألقٌ ، ومعنىً غيرُ معنىً ، أو كلامِ
لا بُدَّ أن أمضي ، وأن أجدَ التفرُّدَ في الزِّحامِ
ولَئنْ تعثّرتِ الخُطَى ، ونسيتُ ما مَرمى سهامي
فلأنّ ما يعني الكلامُ الآنَ قد يعنيهِ صمتي
" أنا يا صديقةُ متعَبٌ حتى العَياء فكيف أنتِ ؟
أمشي ، ولكني المُسَمّرُ ، والسّحابُ الجونُ بيتي
ماذا؟ أأهجسُ في الهجيرِ مَتالعَ الثلجِ البعيدِ ؟
هل تُولَدُ البيداءُ من كَفّيَّ، أم كفّايَ بِيْدي؟
والنهرُ هل غنّى؟ ام الماءُ المتعتعُ بالنشيدِ؟
إني انتظرتُكِ لم تجيئي، وارتجيتُكِ ...لم تَبتِّي
" أنا يا صديقةُ متعبٌ حتى العَياء ، فكيف أنتِ؟
في الطائراتِ أحومُ ، أسألُ عن مَداركِ حيثُ حُمتِ
زوّادتي بِيَدي، وملء مسدّسي الطلَقاتُ ملأى
أيظلُّ هذا الكونُ أشيبَ؟ كيف لم أعرفْه بدءا ؟
ساُهاجمُ الثُّكناتِ ، أمنحُ جُندَها خبزاً ومنأى
وأصيحُ بالمدنِ التي نامت: لأجلكِ كان صوتي
" أنا ياصديقةُ متعَبٌ حتى العياء ، فكيف أنتِ؟
في لندنَ الخضراءِ تأخذني الشوارعُ نحوَ نَبْتي
لي نخلةٌ في أولِ الدنيا ، ولي في النخلِ سعفةْ
والكأسُ ماءُ الطَّلعِ...يا ما كانتِ الأيامُ رشفةْ!
يا ما ، و يا ما ...فلتَغِمْ عيناكَ، ولْتُجْفِلْكَ رجفةْ
الليلُ يُضويني ...أنا المقطوعَ عن ولَدي وبنتي
" أنا ياصديقةُ متعبٌ حتى العياء ، فكيف أنتِ ؟
هل يستقيمُ الخَطُّ ، حتى عبرَ أنمُلةٍ ونَحْتِ؟(69/126)
أم هل تدورُ دوائرُ الدنيا كما كنّا نريدُ ؟
بالأمس ِكنّا أمسِ ، أمّا اليوم فالأمسُ الجديدُ
أتقول لي عيناكِ إني في التساؤلِ أستزيدُ ؟
قسَماً بآلهةِ العراقِ لأختمَنَّ عليكِ صوتي
" أنا يا صديقةُ متعَبٌ حتى العَياء ، فكيف أنتِ ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> شرفة فؤاد الطائي
شرفة فؤاد الطائي
رقم القصيدة : 63723
-----------------------------------
قد تظلُّ الحوانيتُ مفتوحةً ، متألِّقةَ النورِ
حتى وإنْ هبطَ الثلجُ...
قد تترصَّدُ قُربَ محطّتِكَ القرويةِ كيف يجيُْ القطارُ
وكيف يُغادرُ ...
قد تتتبّعُ ماءَ البحيرةِ ، تلكَ القريبةِ
حتى القرارِ الذي هو مأوى العرائسِ ...
قد تتفتّحُ شُرفةُ هذا الشَّمالِ السويديِّ
عن أنجُمٍ أو أيائلَ...
(في الصيفِ نحنُ)
ولكنّ عينيكَ - حتى وإنْ كنتَ في اللحظةِ/ الصيفِ -
سوف تَرودانِ سَطحاً
وقِشرةَ بطِّيخةٍ
وخِيارةَ ماءٍ
وملْحاً....
.............
.............
.............
آنَها سوف يَغمرُ لونُ الذّهبْ
كلَّ أوراقِنا
من نخيلِ السَّماوةِ
حتى حَلبْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> شرفة المنزل الفقير
شرفة المنزل الفقير
رقم القصيدة : 63724
-----------------------------------
الطِّلاءْ
كان يَنزعُ في السقفِ أثوابَه البِيضَ
في دَعةٍ وهدوءٍ
ويُلقي بها كالنقودِ العتيقةْ
مرةً في أصيصِ الزهورِ
وأخرى على رأسِ مَن يتأمّلُ في الشّرفةِ...
الصبحُ رطْبٌ
وهذا الطلاءُ الذي ظلَّ يَسَّاقَطُ
امتدَّ حتى الحديقةِ في أسفلِ المنزلِ
امتدَّ حتى حذاءِ الذي يتأمّلُ في الشّرفةِ ...
امتدَّ حتى الهواءِ الذي يتنفّسهُ ،
...........
...........
...........
سوف ينفضُ عن ثوبهِ ما تَساقَطَ
ينفضُ عن رأسهِ ما تَساقطَ ...
أو ربّما امتدّتِ اليدُ حتى الحذاءِ ؛
ولكنّ أغنيةَ الصبحِ
أغنيةَ العُمرِ
مُثقلةٌ بِنثيرِ الطِّلاء .
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> هذا الألم.. الذي يضيء(69/127)
هذا الألم.. الذي يضيء
رقم القصيدة : 63725
-----------------------------------
ما أن أجلس على الكرسي - ذاتَ نهارٍ مشمسٍ -
صالباً ساقيَّ اللتين شوهتهما الحربُ
ومحدقاً في بريدِ الشوارعِ وهو يحملُ لي بطاقاتِ الأصدقاءِ المفقودة, والكسلََ،
والباصاتِ المسرعةَ, وغيومَ الدهشةِ..
مسترجعاً أمام عينيكِ السوداوين تأريخَ حزني الطويل
وبمجردِ أن أرمشَ جفني
تتساقطُ صورُ القنابلِ بدل الدموع
كفاكِ تحديقاً في مرايا عيوني..
لقد بكيتُ كثيراً, أكثرَ مما يجبُ
أكثرَ من كميةِ الدموعِ المخصصةِ لحياتي
والآنْ..
عليَّ أن أبتسمَ أمامَ مرايا المطعم الفخمِ، الذي تطأهُ أقدامُ دهشتي لأولِ مرة،
محاطاً بذراعك نصف العارية..
بينما يغطّي الفرو الثمينُ نصفَ العالم الشهي
اتركيني - لدقائق -
ريثما يهدأُ هذا الهلعُ الذي يسكنني
منذ دخلتُ - سهواً - رصيدكِ العاطفي
اتركيني - لساعات -
ففي داخلي سنواتٌ من الوحلِ والهلعِ والرصاصِ
لن تمسحَها يافطةُ النادلِ الأجنبيِّ، وهو ينحني بأدبٍ جمٍّ،
ليزيل قطرات القهوة التي أسقطها ارتباكي
على قماشِ الطاولةِ الأبيضِ
كان عليّ - على الأقلِ - أن أحدثكِ قبل هذا
عن بساتين طفولتي التي حرثتها أسنانُ البلدوزرات والمجنزرات
عن قلبي الذي ما زال يرتجفُ على الأرصفةِ، كلما مرَّ به ما يشبهُ شَعرها الطويل
عن القنابلِ التي حفرتْ ذكرياتها على ملامحي
عن نساءِ الصالونات اللواتي تضاحكن لرؤية حذائي المغموسِ بالطين
عن الأرصفةِ التي شردتني في الأجازاتِ القصيرةِ {المسروقةِ}
والأشجار التي اختبأتْ في مساماتِ جلدي أثناء القصفِ
عن السنواتِ المرّة التي تركتْ طعمها عالقاً على شفتي..، حتى هذه اللحظة
من عصير أناناسكِ وفنجانِ قهوتي
كفاك تحديقاً في مرايا عيوني
أعرفُ.. أعرفُ.. أعرفُ
أعرفُ ذلك...
هذه الذكريات ضيّعتْ حياتي تماماً
أعرفُ، هذه القصائد التي غاصت معي في البرك،
وحملتها في الملاجيء والمقاهي والدروب(69/128)
ستبقى معي أينما ارتحلتُ
أعرفُ، هذا القلب سيضيّعُ ما تبقى مني
لقد تورطتُ..
تورطتُ تماماً..
ورغم ذلك فلستُ على استعدادٍ
لأن أبدّلَ حياتي بأيةِ حياة على الاطلاقِ
فأنا أملكُ هذا الألمَ الذي يضيء
***********
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> قالت فلسطين
قالت فلسطين
رقم القصيدة : 63726
-----------------------------------
1
أَنَا كِدْتُ أَيْأَسُ مِنْكُمْ
اِِسْمِي كِدتُ أَنْسَاه
تَمُرُّونَ بِي كَمَا يَمُرُّ البَرْقُ
وَقَد طَالَ بِيَ العَهْد
لَكَمْ أَسْعَدُ حِينَ أَعْرِفُكُمْ بِاسْتِرَاقِ خُطَاكُمْ واستِرَاقِ حِوَارِكُمْ
لَكَمْ أَسْعَدُ حِينَ أَعْرِفُكُمْ بِآثارِكُمْ
تَعَالُوا.. لاَ تَفِرُّوا بِثَأرِكُمْ وعَارِكُمْ
أَسْمَعُهُمْ يَتَآمَرُون
أَرَاهُمْ يَدُسُّونَ الدَّسائِسَ أَكْدَاسا ويَنامُون
أَسْمَعُهُمْ أَرَاهُمْ.. يَعِيشُون فِي مَفَاصِلي
يَحْسُبونَ حِسَابَهُمْ
فِي قَلْبِي يُخَطِّطُونَ إِرْهَابَهُمْ
يَخْرُجُونَ إِلَيكُمْ بِالمَوْتِ والدَّمَارِ
مِنْ عُقْرِ دَارِكُمْ
أَيْنَ أقْدَامُ ثُوَّارِكُم تَدُوسُنِي وأُبَارِكُ وَقْعَ نِعَالِهَا؟
أَيْنَ ضَحِكَاتُ صِغَارِكُمْ تَزُورُنِي وأَبكِي مِنْ رَوْعَةِ وِصَالِها؟
تَعَالُوا مُوتُوا فِي تُرَابِكُم
هلْ يَفْنَى العُمْرُ وَأنَا في انْتِظَارِكمْ ؟..
تَعَالُوا
علَى أَقْدَامِكُمْ.. علَى دِمَائِكُم
شَدِّدُوا علَيَّ .. حَاصِرُونِي ..
رَاحَتِي الكُبْرَى في بَأسِكُمْ وَحِصَارِكُمْ
2
أنا كِدْتُ أيأَسُ مِنْكُمْ...
ِاسْمِي كِدْتُ أَنسَاه
بِصُخُورِ الجُولاَنِ يَمْحُونَ اسْمِي .. بِمَاءِ نَهْرِ الأُرْدُنّ وَمَاءِ النِّيل
وسَمُّونِي إِسْرَائِيل
كَتَبُوهُ عَلَى جُدُرَانِ العَالَمِ
سمُّونِي إسْرَائِيلَ.. وسَمُّونِي أرْضًا بِلاَ بَدِيل ..
تَعَالُوا
لَقَدْ سَمَّمُوا شُمُوسَكُمْ وأَقْمَارَكُمْ
وَحَجَّرُوا سَمَاءَكُمْ(69/129)
وَحَجَرُوا المَاءَ على أشْجارِكُم وَأَزْهَارِكُم
وَرَمَوْا في البَحْرِ أَوكَارَ أَطيارِكُمْ
وَحَوَّلُوا هَوَاءَكُمْ بَنْزِينَ وَسَكَاكِينَ
تَعَالُوا
تَكَاثَرَ جَرَادُهُمْ
يَكَادُ جَرَادُهُمْ يَأتِي على قُمُوحِكُمْ وَثِمَارِكُمْ.
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مقاطع لزهرة الياسمين
مقاطع لزهرة الياسمين
رقم القصيدة : 63727
-----------------------------------
قلتُ لها: يربكني شعرُكِ الطويل
وأقصدُ: إنّي أمدُ يدي إلى وسادتي
فأجدُ خصلاتكِ مبعثرةً...
وأحلامي مبعثرةً...
وسريري فارغاً ووحيداً مثلي
يا لحماقتي
كيف لي أن أصدّقَ أصابعي
وأكذّبَ شعرَكِ الطويل
*
لا حدَّ للبحرِ الذي يُقالُ له: أمواج ضفيرتكِ، وهي تتكسرُ
على رمالِ المرآةِ...
لا حدَّ لفوضاي التي يُقالُ لها: الشوارع المتسكعة معي على الورقْ
لا حدَّ للنساءِ اللواتي يُقالُ لهن: خيباتي المتكررة
لا حدَّ للمطرِ الذي يُقالُ له: العشب المتدفق بين أصابعي
لا حدَّ لقلبي الذي يُقالُ له: قلق القصيدة...
قلتُ لها: كمْ عمركِ يا زهرةَ الياسمين
فراحتْ تعدُّ على أصابعها
صباحاتِ الحبِّ
ظلَّ قلبي يتقافزُ بين أناملها الناعمةِ البيضاء، فأخطأتْ في الحسابِ
ياهِ...
قالتْ لي: كمْ عمركَ يا شاعري
فرحتُ أعدُّ على خفقِ قلبي
أحزانَ الشوارعِ، والكتبَ، وقائمةَ الديوانِ، والثكناتِ،
والنساءَ، والقنابلَ، وحبوبَ الفاليومِ، والمطرَ
ظلتْ تبكي...
فاخطأتُ في الحسابْ
ياه...
ابعدي دموعَكِ الحمقاءَ عن قلبي الأحمقِ
وتعالي...
نعدُّ من جديد...
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أخطاء
أخطاء
رقم القصيدة : 63728
-----------------------------------
" ... لقد تركتُ ورائي أسماً مشرّفاً
حسنٌ... لقد كلفني ذلك حياةً من الحرمان..."
- شاعر مجهول -
إلى أصدقائي في الحماقات: جواد الحطاب،
عبد الرزاق الربيعي، فضل خلف جبر،
أمل الجبوري، ودنيا ميخائيل...(69/130)
ذكرى السنوات المضاعة...
يسمّونها: أخطائي...
وأسميها: حماقات شاعر
يشيرون لفوضاي...
وينسون أن يشيروا لخطوها الفوضوي على رصيفِ قلبي
يلقون بسناراتهم في مياهي
فلا يصطادون سوى كواسجِ أخطائهم الميتةِ
ينبشون رمادَ قصائدي
بحثاً عن أسماءِ اللواتي أحببتُ
فلا يجدون سوى حرائقِ امرأةٍ واحدةٍ
يحطمون مراياي...
فتتناثرُ شظايا ذكرياتي
على مقاعدهم...
من يدلّني على مشجبٍ، أعلّقُ عليه معطفي البالي
... وقلبي
لقد تعبتُ من هذا القلبِ وأريدُ استبدالَهُ الآن...
بأيّةِ شجرةٍ... أو قرص أسبرين
ضجرتُ من معطفِ حزني الثقيل
أريد أن أهرعَ إلى براري النسيانْ
طليقاً من كلِّ شيء...
أمضغُ الصبيّرَ بفمٍ ملؤهُ الصفيرُ
لكني أرى ذكرياتكِ... تتبعني كظلي
آهِ...
أعرفُ أن ما من قتلٍ في العالمِ يعادلُ قتلَ قلب
وأعرفُ أيضاً، أنني بتصديقِ الآخرين... ضيعتُ صدقي...!
أيها القلبُ الفوضوي الذي عبثاً أحاولُ ترتيبَ نبضَهُ وأحلامَهُ وسريرَهُ
مالي أراكَ دائماً...
وقفاً كشجرةِ اليوكالبتوز
أمامَ نافذتها
والمطرُ...
- بريدُ الحزنِ -
يأتي محتشداً..
برسائل الذين لا يملكون عناوينَ حبيباتهم
كلُّ خطأكَ الكبير...
أيها القلبُ...
إنّكَ حاولتَ أنْ تحبَّ امرأةً واحدةً فقطْ..
*********
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> جراحات في جسدي
جراحات في جسدي
رقم القصيدة : 63729
-----------------------------------
1
قِمَمٌ نَحْنُ ونَحْنُ عَدَمُ
نَهَمٌ نَحْنُ وَنَحْنُ وَرَمُ
وَرَمٌ نَحْنُ ونَحْنُ جِرَاحَات
خَوْفٌ يَشُدُّ إلى خَوْف
وَكُهُوفٌ ومَغَارَات ولُصُوص
وَالأَحْلاَمُ تَطِيرُ بِنَا بِجَنَاحٍ..
اَلهَوَاءُ يُنَادِيه
وَالهَاوِيةُ ضَارِبَة فِيه
2
نَقُومُ نَنَامُ عَلَيْهَا نَشْرَبُ فِيهَا نَتَبَاهى
نَلفُظُهَا نَكْتُبُهَا بِحُرُوفٍ كُوفِيّة
نَرْسُمُهَا بِمِيَاهٍ ذَهَبِيّة
نَنْحَتُهَا قَصَبًا مِنَ الحَلوَى وَنأكُلُها بِشَهِيّة(69/131)
نَسْتَرِقُ الكَلاَمَ عَنْهَا وَسَمَاعِ الكَلاَمِ عَنْهَا
نَقْتَرِبُ اقْتِرَابًا مِنْها
وَقَدْ أَحَطْنَاهَا بِالزُّجَاجِ وَالوَرْد
فَإِذَا نَحْنُ قُلْنَا كُلَّ شَيْء
كَتَبْنَا كُلَّ شَيْء
نَحَتْنَا كُلَّ شَيْء.. إِلاَّ هِيَّ
الحُرِّية
الحُرِّية
خُرَافتُنا الجَمِيلَة
وَهَزِيمَتُنَا اليَوْميّة
3
كَثِيرَةٌ هَذِهِ الثُّغُورُ المَفْتُوحَةُ في ظُهُورِنَا وَفِي صُدُورِنَا
كَبِيرَةٌ هَذِهِ الثُّغُور
وَاسِعَةٌ وُسْعَ مُنْتَزَهَاتِنَا وَقُصُورِنا
تَكَادُ الصُّخُورُ تَرْثِي لِشَخِيرِنَا فَيَا تَعْسَ صُخُورِنَا
تَكَادُ تَيْأسُ الطُّيُورُ مِنْ دِيَارِنَا فَيَا سُوءَ طَالِعِ طُيُورِنَا
وَشَمْسُنَا التِي تَحْجُبُهَا سُحُبُنَا العَقِيمَة
يَكَادُ نُورُهَا يَطلَعُ مِنْ ضَمِيرِنَا
نَمُوتُ وَيُولَدُ الذُّبَابُ فِي غِلاَلِنَا وفِي زُهُورِنَا
قَدِيمَةٌ جِرَاحُنَا
هِيَ بَعْضُ تَارِيخِنَا وَأَسَاطِيرِنَا
وَبَعْضُ تَصَدُّعِ جُسُورِنَا وَجَسَامَةِ أَمْرِ عُبُورِنَا
وَهْيَ بَعْضُ بَعْضِ غِيَابِنَا فِي حُضُورِنَا.
4
عَقَارِبُ السَّاعَةِ تَمُرُّ تَنهَمِر
وَالعَاصِفَاتُ عَاصِفَة
والقَرُّ حَولنَا هَوَاء
عَهدِي بِالفُصُولُ أَرْبَعَةٌ
مَا بَالُ أَعْوَامِنا كُلُّهَا شِتَاء؟
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> باتجاه النسيان
باتجاه النسيان
رقم القصيدة : 63730
-----------------------------------
"سأجلسُ في المقهى، لأتخذ، قراراً حولَ حياتي
نعمْ حياتي أنا...
لكن، بحق الشيطان
أهذهِ حياة...
تستحقُ أنْ يُؤخذَ لها قرار"
....
باتجاهِ عزلةِ المقهى
أهربُ من البحر: أمواجِ ضفيرتِكِ - وأقصدُ -
اضطرابَ القصيدةِ
باتجاهِ رمالِ الندمِ: نسيانكِ - وأقصدُ -
النثرَ اليومي
أهربُ من الدقائقِ التي تنبضُ بكِ
إلى الساعةِ العاطلةِ، العقاربِ الواقفةِ على منتصفِ الذبول
أتعبتني الذكرياتُ
وآنَ لي أن أستريحَ على أيّةِ مصطبةٍ هادئةٍ(69/132)
كأميرٍ مخلوعٍ
بعيداً عن الأبهةِ والشموعِ وجوقةِ المنشدين
ماداً خطاي على امتدادِ الشوارعِ والنسيانْ
الذكرياتُ وحدها التي تؤلمني أينما حللتُ
الذكرياتُ: بقايا الكرزاتِ
الذكرياتُ: رائحةُ شعركِ في كلِّ الشوارعِ
الذكرياتُ: انكسارُ المطرِ على شرشفي الأصفرِ
الذكرياتُ: رصيفُ الزعلِ
الذكرياتُ: القطارُ الراحلُ جنوباً باتجاهِ صيف شفتيكِ
الذكرياتُ: الأغاني الذابلةُ من فرطِ النعاسِ والبوحِ والإنتظارِ
الذكرياتُ: ساعي البريدِ الذي لا يحملُ رسائلَ إلى أحدٍ
الذكرياتُ: التي ضيعتني تماماً
ذكرياتُ الرمادِ والخنادقِ والمطرِ الأسودِ
أيتها الذكرياتُ
آنَ لي أنْ أغادرَ مراياكِ إلى الكتبِ التي لمْ أقرأها بعدُ
آنَ لي أن ألملمَ شظايا نفسي من الحاناتِ.
وأرجع إلى البيتِ - كهولتي المبكرةِ - قبلَ الواحدةِ على الأقل
آنَ لي أن أعيدَ ترتيبَ جنوني كي أصلحَ للنشرِ
آنَ لي أن أشربَ فنجانَ قهوتي الصباحية
بعيداً عن صباحكِ العاطلِ في المصعدِ العاطلِ
آنَ لي أن أفتحَ رئتي على اتساعِ الغاباتِ
وأطلق عصافيرَ أيامي الباقية
- التي لم يجففها الصيفُ والأقفاصُ والقنابلُ -
بعيداً، باتجاهِ الأفقِ والغصونِ البليلةِ والموسيقى
آن لي أن أحرقَ أوراقي
وأستقيل من هذهِ الوظيفةِ الرتيبةِ
موظف أرشيفٍ في متحفِ الذكرياتِ
أجمع الصورَ القديمةَ وطوابعَ الأحزانِ والأسماءَ التي انقرضتْ
لن أنتظرَ سنَّ التقاعدِ - كما يفعلُ الآخرون -
ففي صدري رجلٌ فوضويٌّ
لا يحب غرفَ الأضابيرِ الصفراء
ولا يطيق رائحةَ أدويةِ التحنيطِ
وداعاً أيتها الذكريات المحطنّة
ولا يطيق رائحةَ أدويةِ التحنيطِ
***********
***********
وداعاً أيتها الذكريات المحطنّة
***********
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> السلام
السلام
رقم القصيدة : 63731
-----------------------------------
1
تَبْدَأُ جَولَةُ السَّلامِ دُونَمَا ابتِدَاء(69/133)
وتَنتَهِي فِي ساعَتَيْنِ تَنتَهِي فِي سَنَتَيْنِ دُونُمَا انتِهَاء
كَثِيرَةٌ مَوَائِدُ الكَلاَم
كَبِيرَةٌ حَقِيرَةٌ مَوَائِدُ السَّلاَم
حِينَ تَصِيرُ حُجْرَةً يَغْمُرُهَا ظَلامٌ يَغْمُرُهُ
ظَلامٌ
فِي لَيلَةٍ ظَلمَاء
2
وَقْفُ القِتَال
حُلُمٌ كَاذِبٌ وَعْدٌ.. مَطَرٌ لَمْ يَنْزِلْ بَعْد
عَدَدُ الشُّهَدَاءِ أَطوَلُ مِنْ عُمُرِ الأَجْيَال
وَقْفُ القِتَال
اِسْمٌ يُخْلَقُ لِلمَوْت
وَقْفُ القِتَالِ كَنْزٌ فِي بَطْنِ الحُوت
وَقْفُ القِتَالِ
شَمْسٌ مُطْفَأةٌ مَقْرُورَة
وَقْفُ القِتَالِ سَيَظَلُّ عَلى الحَائِطِ صُورَة
وَقْفُ القِتَالِ سَدٌّ يَحْمِلُهُ نَهر
جِسْرٌ فِي قَبْضَةِ ثُعْبَان
3
يَستَمِعُونَ إلَى مَهضُومِ الجَانِبْ
يَقِفُونَ سِبَاعًا وَأَرَانِب
يَقِفُونَ مَعَ الغَالِب
يَحتَقِرُونَ المَغلُوبَ الخَائِب
4
تَشْعُرُ بِالغِبطَةِ.. تَفْرَحُ بِالسفَرِ
تَنزِلُ كَالنَّوْءِ عَلَى القَمَرِ
بِبَراءَة ضَيْف
مَاذَا سَتَقُولُ أَيَا أَرْمِستُرُونْغ إِلَى حَجَرٍ قَمَرِي
يَسْأَلُ عَنكَ.. وَعَنْ أهلِكَ فِي الأَرْضِ.. يَسْأَلُ عَنْ عَالَمِنَا البَشَرِي؟
مَاذا سَتقُولُ عَنِ القَتْلَى الأَلفِ الأَلفْ
عَنْ وَحشٍ ضَحكتُهُ إِنْ سَالَمَ سَيْف
وَتَحِيتُه إِنْ سلَّمَ سَيْف
مَاذَا سَتقُولُ عَنْ طِفْلٍ يَقتُلهُ الخَوْف
عَنْ رَجُلٍ يَخْرُجُ لِصَلاةِ الفَجْر
تَفْجَؤُهُ رَائِحَةُ النّارِ
قَادِمَةً مِنْ أقْدَسِ دَار
مٍنْ بَيْتِ المَقْدس؟
مَاذَا ستقُولُ أَيَا رَائِدَنا عَنْ عَالَمِنَا المُفْلِسْ ؟
6
مَا حِيلَةُ المَرِيضِ حِينَ يَعْجِزُ الطِّبُ؟
مَا يَفْعلُ العُشْبُ إِذَا ألحَّ الجَدْبُ
يُسْعِدُنا أَنْ يَضْحَكَ الأَطفَالُ والرِّجَالُ وَالنّسَاء
يُسْعِدُنا أَنْ تَرقُصَ الأرضُ بِنَا وتُمْطِرَ السّمَاء
يُسْعِدُنا أَنْ يَنْبُضَ الوَادِي حَيَاة
يُسْعِدُنَا أَنْ تَرْشَحَ الصُّخُورُ مَاء
وإنّمَا وإنّمَا..(69/134)
عَالَمُنَا المَأفُونُ هَذَا يَدُهُ سِكِّين
وَفَمُه سِكِّين
وَعَينُه سِكِّين
وَكُلُّ لَحْظَةٍ مِنْ عُمْرِهِ جُنُون
عَالَمُنَا تُخِيفُهُ الدَّقَائِقُ السَّرِيعَةُ الحَمْرَاء
يُخِيفُهُ الهُدُوءُ والضَّجِيجُ والظّلامُ والضِّيَاء
عَالَمُنَا المُكْتَئِبُ المُكَهْرَب
كُلُّ دَمٍ يَسِيلُ فِي ظَلاَمِهِ يَهُونْ
أَحْلَى العُيُونِ فِي ظَلاَمِهِ تَهُون
اَلشَّعَرُ الأَسْوَدُ فِي ظَلاَمِهِ يَهُون
وَفَرْحَةُ النِّسَاءِ والرِّجَال
وَبهْجَةُ الشُّيُوخِ والأَطفَال
وَالقَمْحُ وَالغِلاَلُ والزُّهُورُ والزَّيتُون
عَالَمُنَا فِي حَاجَةٍ لِلرَّفْضِ مِنْ قُرُون
عَالَمُنَا فِي حَاجَةٍ لِلرَّفْضِ.. نَحْنُ نَحْنُ
رَافِضُون
يُرِيدُ أَنْ نَكُونَ مِِثلَهُ سَوْفَ إِذَنْ نَكُون.
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> حضور أو التراب في القلب
حضور أو التراب في القلب
رقم القصيدة : 63732
-----------------------------------
1
يا وَرْدَتَنا المُعتَقَلة
يا طَائِرَنا فِي قَفَصْ
يا لَوْحَتَنا الجَمِيلَةَ اخْتَلَسَهَا لِصْ
يا حَدِيثَ جَبْهَتِنا العَابِس
يا هَزِيمَتَنا العَرِيضَةَ العَرِيضَةَ المُخْتَصَرَة
يا جُرْحَنا يَطغَى ولَكِنَّنا نُحِبُّه
يا جُرْحَنا يُؤْلِمُنا نَزيفُه ويُسعِدُنا حُبُّه
يا كَلامَنا الذِي ثارَ على داخِلِ العِبارَة
وخارِجِ العِبارَة
يا صَبرَنا المُنتَظِرَ في عَقَبِ سيجارَة
يا قَلبَنا المَدفُونَ خارِجَ التَّاريخ
يا حُبَّنا المَشنُونَ على قَراصِنةِ الحَضارَة
سُرَّاقِ الحَضارَة
2
دَعُوهُ يَنهَمِرْ
النَّسْلُ النَّسْلْ
لا يَغلِبُ النَّملَ غيرُ النَّملْ
دَعُوهُ يَدَّفَّقُ كَالسَّيلْ
يَزحَفُ كَاللَّيلِ وَالنَّهار
يتَفَجَّرُ مِنْ الرِّمالِ والحَجَرْ
يدَّفَّقُ كَالحَرّ
يُراوِغُ كالبَرْد
دَعُوهُ يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ صَوب
يَدَّرَّعُ الجِبالَ يَتَلثَّمُ الحُفَرْ
دَعُوهُ يَحْرُثُ كَما يَشَاءْ(69/135)
في كُلِّ بَحْرٍ وَبَرٍّ وَفَضاءْ
دَعُوهُ يَظلِمُ العَالَمَ الظَّالِم
يَهجُمُ على الجَرادِ الهاجِمْ
يَقِفُ على قَدَمِهِ كَالهَوْلِ القادِمْ القادِمْ
3
تُفيقِينَ مِنْ بعدِ نَوم
يا قَمْحَةً وتَنْبُتينَ
تَخضَوْضَرينَ
تُعانِقينَ الزَّمانَ والفَضاءَ
تستَوينَ استِواءَ
تتَكامَلينَ تَكامُلَ النَّبضَاتِ في صَدري وتَخْرُجينَ ماءً وَهَواء وَدِماءً.
4
يَحْمِلُ بُنْدُقِيّة
لا يُحِبُّ التذَمُّرَ، يَكْرَهُ الخَطابَة
يَكْرَهُ أنْ يُسَمُّوا حُبَّهُ قَضِيّةً وحِقْدَهُ قَضِيَّة
كالقَضَايا الأُخْرَى
5
يَعَضُّ على قَلبِهِ
يَنامُ كما يَنامُ الرُّعْبُ على رِجلِهِ وَعلى ظَهْرِهِ وَعلى جَنْبِهِ
يَمُوتُ - ليس كالآخَرينَ - في حُبِّهِ
لفلسْطين
6
دَعُوني أَضْرِبُ العالَمَ الظَّالِمْ
المُتَوَحِّشَ المُتَعَفِّنَ المَهْزوم
تَشَدَّقُوا بالإِنْسَانيّة
في سُوقِ تُجَّارِ البَغَايا والعَبِيد
قَضِيَّتي أَنْ تَسألوني مَنْ أَنا؟ أيْنَ أَعِيشُ؟
كَيف؟
قَضِيَّتي غَيرُ القَضَايا
فِدَاءَ طِينَتِي أَمُوتُ، أَمُوتُ أَنا فِدَايَ.
7
مُنْذُ حِينٍ فَقَطْ
مُنْذُ أَنْ سَقَطْ
صارَ لاَ يَفْرُقُ بينَ الخُبزِ والطِّينِ
مُنْذُ حينٍ فَقَطْ .. مُنْذُ أَنْ سَقَطْ
وَسَقَطَتْ عَيناهُ وسَقَطَتْ يَدَاهُ
في القَلبِ فلسطين، وَفِي الحَلْقِ
قِطْعَةُ خُبْزٍ وَقِطْعَةُ طِين
مُنْذُ حِينٍ فَقَطْ
مُنْذُ أَنْ سَقَطْ
مَرفُوعَ الجَبِينْ
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> جيل الغبار
جيل الغبار
رقم القصيدة : 63733
-----------------------------------
1
يا رِيح ،
يا عالَمَ الرِّيح السَّمُومِ يا عصرَ الأقْمَارْ
حَذَارِ مِنْ جِيلِ الغُبَارْ
الجيلِ الذي رَضَعَ الخَرَابَ مع الضَّباب
وَالحِصَارَ معَ الدَّمَار
سَتُصدَم يا عالَمُ بِجِيلِ السُّمْ
الجيلِ الذي رَضَعَ الأَلَمْ
مَعَ الحَليب
عندَما لاَ سَاعاتٍ ولاَ شُهورَ ولاَ سَنَواتْ(69/136)
سَتُصدَمُ يا عالَمُ بالإِنْسَانِ القَادِمْ
الإِنسَانِ اللَّيلِ البَرْقِ الهَادِمْ
يُطَالِبُ بالحَياةْ
2
هَذِهِ السِّنِينُ الغَرِيبَةُ في ذَهَابِهَا وَإِيابِهَا
العَجيبَةُ بِشُمُوسِهَا وَنُجُومِهَا
الرَّهِيبَةُ بِرُعُودِهَا وَغُيُومِهَا
هَذِهِ السِّنِينُ الجَديبَةُ بِسُهُولِهَا وَجِبَالِهَا وَرِمَالِهَا
أُحِسُّ شَيئًا كَبِيرًا كَبِيرًا يَكْبُرُ في جَدْبِهَا وَأَهْوَالِهَا...
3
تَكَلمْتَ يا عالَمُ تَكَلّمْت
سَتُصْدَمُ بِشَيْءٍ آخَرَ.. ما أَشْبَهَهُ بِالصَّمتْ.
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> تغَنِّي العصَافير في أقفَاصِها
تغَنِّي العصَافير في أقفَاصِها
رقم القصيدة : 63734
-----------------------------------
أَيْنَ عيُونُكِ الجَميلَة
تَفْتَحُ لي مَمَالِكَ السَّفَر
ولتَتْرُكِي أَصَابِعي تَعْرُجُ لِلسَّماء
تَبْحَثُ عن غَمامَةٍ تَهَبُها قَطْرَةَ مَاء
فَهَذِهِ الأرْضُ تَحَوَّلَتْ دِمَاء
? ? ?
جَمِيعُ ما يُحِيطُ بي يُشْعِرُني بِاليُبْسِ وَالخُوَاء
جَمِيعُ مَا يَرِينُ هَا هُنَا أَشْبَهُ بِالوَباء
وَكُلَّما أَرَى عُيُونَكِ الجَميلَةَ وفي سُكُونِها تَفيضُ بِالحَياة
غاباتُها الظَّلِيلَة
وَتَلتَقي الأقْمَارُ والنُّجُومُ والفَضَاء
أَخَافُ كُلَّ الخَوْفِ لَوْ يَنتَصِرُ الوَباءْ
ويَنتَهِي العالَمُ في دَقَائِق قَلِيلَة
وتَنْتَهِي عُيُونُكِ الجَميلَة
? ? ?
أنَتِ التي جَعَلتِني أُحِبُّ أنْ أَعِيشَ أَكثَرْ
لَولاَ عُيُونُكِ التي قَدْ جَعَلتْنِي شَاعِرا
لَكُنْتُ شَيئًا آخَر
مُرَابِيًا أَوْ جَابيًا أو رَاهِبًا أو ناهِبًا أو خنْجَرْ
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> نقاط استفهام إلى شاعر صهيوني
نقاط استفهام إلى شاعر صهيوني
رقم القصيدة : 63735
-----------------------------------
أَتَعْرِفُ، يا بليغَ الحَرْفِ ، مَا تَبْغِيهِ غَيْمَهْ ؟(69/137)
أَتَسْمَعُ ما يَضِجُّ بِهِ سُكُونٌ عَبْرَ نَسْمَهْ ؟
أَتُدْرِكُ ما تُتَرْجِمُهُ عَنِ الأَعَماقِ بَسْمَهْ ؟
أَتَسْهَرُ ساعَةً أو بَعْضَهَا مِنْ أَجلِ كَلْمَهْ ؟
أَمَا حَدَّثْتَ نَفْسَكَ مَرَّةً في نُورِ نَجْمَهْ ؟
عَنِ الأَطفَالِ إِذْ يَقْضُونَ ما بَينَ الرِّمالْ ؟
أَمَا هِيَ حَدَّثَتْكَ عَنِ النَّبَالَمِ وَالرِّجَالْ ؟
عَنِ الإِنْسَانِ تَأكُلُهُ المَظَالِمُ تَحْتَ خَيْمَهْ ؟
أَتَقْبَلُ أَنْ تُداسَ خَميلَةٌ وَتَمُوتَ كَرْمَهْ ؟
وَتُحْرَقَ في المَزارِعِ كُلَّ سُنْبلَةٍ ونِعْمَهْ ؟
وتُولَدَ عِندَها في نَارها مَأسَاةُ أمَّهْ ؟
أَتُدْرِكُ يا صَدِيقَ الحَرفِ ما مَأساةُ أُمَّه؟
أُخَاطِبُ فيكَ ما تَرْضَى وما تَسْطيعُ فَهْمَهْ
أُخاطِبُ فيكَ إِنسانًا يَرَى في الخَيْرِ ذَاتَهْ
ويُعْطِي للفَضِيلَةِ نَفْسَهُ ، يُعْطِي حَيَاتَهْ
أَمَامَكَ أَنْفُسٌ مُحِقَتْ ، على يَدِ شَرِّ طُغْمَهْ
وَعِندكَ أُعْدِمَتْ قِيَمٌ وَدِيستْ أَلفُ حُرْمَهْ
فَأَينَ الحَرْفُ تَركَبُهُ ولاَ تَخْشَى خِضَمَّهْ ؟
أَأصبَحَ حَشْوَ قُنبُلَةٍ وَطَائِرَةٍ وَشَارَا؟
أَمَ اصْبَحَ خَنجَرًا في الظَّهْرِ أَو خِزيًا وَعَارَا؟
لَعلّكَ لَسْتَ تَجْهلُ مَا نِهايَةُ كُلِّ ظُلمَهْ ؟
لَسَوفَ الحَقُّ يَثْأَرُ سَوفَ لِلإِنْسَانِ يَثْأَرْ
فَإِنَّ الشَّعْبَ جَبَّارٌ وَإِنَّ اللهَ أَكبَرْ
وَإِنَّ لِكُلِّ طَاغِيةٍ منَ التَّاريخِ يَومَهْ
رَفيقُ الحَرفِ أَزْمَتُهُ أمامَ الحَقِّ أَزمَهْ
رَفيقُ الحَرفِ يُصلَبُ سيّدي من أَجلِ كلمَهْ
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> تحلم العصافير في أقفاصها
تحلم العصافير في أقفاصها
رقم القصيدة : 63736
-----------------------------------
قَدْ يَتَقادَمُ العَهْد
وَيدُورُ الدَّهْر
وَيستَعيدُ البَحْرُ ضَجيجَ أَمْواجِه
وَيَشُقُّ المَسافاتِ المَمنُوعَة
وَتَنبُتُ في جَسَدي بَراعِم(69/138)
وَتَينَعُ حُدودُهُ المَشْرُوعَةُ وَتُزْهِر
قَدْ تَهْبِطُ صاعِقَةٌ خارِقَةٌ ماحِقَةٌ لاَ لَعُوبًا
ولاَ مُنافِقَة
قَدْ يَنْزِلُ المَطَر
قَدْ يَنْهَمِر
قَدْ يَغْمُرُنا طُوفَان
وَيمُوتُ أَقْوَامٌ وَأَنْعَام
ولاَ يَمُوتُ الطَّيْر
قَدْ نَسْمَعُ عَنْ زِلْزَال
قَدْ يَقْتَرِب
قَدْ يَقْلِبُ المَنَْفَضَة
قَدْ يَقْلِبُ المَكْتَبَةَ والمَكْتَب
وَيَقْلِبُ الدَّارَ والقِطارَ والشَّارِع
وَتَنْقَلِبُ الأَوْضَاعُ والوَاضِع
قَدْ لاَ تَنْقَلِب
قَدَ لاَ تَقُومُ قَائْمَةٌ ولاَ قائِم
ولاَ تَقَعُ وَاقِعَة
ولاَ يَتَحَرَّكُ ساكِنٌ لِوَاقِع
وَيَنَامُ النَّاسُ كَالعَادَة
وَقَدْ تَهُبُّ رِيحٌ أَوْ يَعْصِفُ نَسِيم
وَقَدْ يَهُبُّ النَّاسُ مِنَ النَّوْم
قَدْ يَغْمُرُونَ الشَّوارِع
قَدْ يُصْبِحُونَ في رَحابَةِ صَدْرِ نَهْرٍ
أوْ بَحْر
قَدْ يُصْبِحُونَ في سَماحَةِ البِنَاءِ المَرْصُوص
قَدْ يَتَصَدَّى لَهُم ُالفَرَاعِنَةُ اللُّصُوص
وقَدْ يَهْرَبُ اللُّصُوص
مَعَ نَشَراتِ الأَنْباءِ الزَّائِفَة
قَدْ تُكْتَبُ أَشْيَاءُ بَيْضَاءُ خَضْرَاء
كَالحِراثَةِ في الأَرْضِ ..
كَالحَياةِ في المَاء
قَدْ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُون
قَدْ يُسْمَعُ هُتَافٌ كَأَحْلامِ الشَّمْس
وَأَوجاعِ الوَطَنِ الكَبِير
قَدْ تُصبِحُ النِّقاطُ مَرْفُوعَة
على رُؤُوسِ الأَصابِع
يا غَرِيبَةَ الأَطوار، يا أُمَّتِي العَظيمَة
يا أُمَّتِي المَهْزُومَة
يا أمَّتِي الكَلِيمَةَ المَخْدُوعَة
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> العصر الذهبي
العصر الذهبي
رقم القصيدة : 63737
-----------------------------------
مِنْ عَصْرِ الجَرَّارِ أَنَا
وَمِنْ عَصْرِ الفَانْطُومِ وَالمِيرَاجْ
مِنْ عَصِرِ الأَسْمِدَةِ الكِيمِيَاوِيَّة
مِنْ عَصْرِ مَزَارِعِ القَمْح
وَمَزَارِعِ الدَّجاجِ وَزَرْعِ القَلب
وَمِنْ عَصْرِ الجُوعِ فِي كُلِّ مَكَانْ(69/139)
حُوتٌ يَأكُلُ حُوتًا وَالحُوتُ هُوَ الإِنْسَانْ
???
أَنَا إِذَنْ مِنْ عَصْرِ زَرْعِ القَلب
مِنْ عَصْرٍ تَقَدَّمَ فِيهِ الطِّب
مِنْ عَصْرٍ يَتَحَوَّلُ فِيهِ قَلبُ الإِنْسَان
إِلى قَلبِ خِنْزِيرٍ أَوْ ثَعلَبٍ أَوْ كَلبْ
مِنْ عَصْرِ الزَّيفِ في كُلِّ مَكَانْ
حُوتٌ يَأكُلُ حُوتًا وَالحُوتُ هُوَ الإِنْسَان
???
أنَا مِنْ عَصْرِ القَمَر
مِنْ عَصْرِ القُنْبُلَةِ الذَّريّة
مِنْ عَصْرِ فلسْطِينَ وَفِيِتْنَام
مِنْ عَصْرِ الهَمَجِيَّةِ وَالآلاَم
مِنِ عَصْرِ المَوْتِ في كُلِّ مَكَان
حُوتٌُُ يَأكُلُ حُوتًا وَالحُوتُ هُوَ الإِنْسَان
???
أنَا مِنْ عَصْرِ مَوَائِدِ السَّلامِ وَجَوَائِزِ السَّلام وَخُطَبِ السَّلام
مِنْ عَصْرِ الأَسَاطِيل
مِنْ عَصْرِ الرَّصاصةِ الفَأْرِ وَالقَذيفَةِ القِطّ وَالقُنْبُلَةِ الفِيل
مِنْ عَصْرِ الخَوْفِ أَشْكالٌ وَأَلوَان
أَنَا مِنْ عَصْرِ النُّور
مِنْ عَصرِ العَقْلِ الأَلِكتُرونِي
وَالقَرَارِ الجُنُونِي
مِنْ عَصرِ الأَزَمَاتِ وَالمَآدِب
زَمَانٌ مِنْ أَغْرَبِ الأَزْمَان
حُوتٌ يَأكُلُ حُوتًا
والسَّمَكُ يَبتَلِعُ الحِيتَان
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> قلبي.. زهرة عباد
قلبي.. زهرة عباد
رقم القصيدة : 63738
-----------------------------------
"قالتْ قطعةُ الجليدِ وقد مسَّها أولُ أشعةِ الشمسِ
في مستهلِ الربيع:
- أنا أحبُّ، وأذوبُ، وليسَ لي أن أحبَّ وأنْ أوجدَ
معاً. إذنْ لا بدَّ من الاختيارِ، بين أمرين: وجود
دون حبٍّ وهذا هو الشتاءُ القارسُ، أو حب دون
وجودٍ، وذلك هو الموتُ في مطلعِ الربيع".
- شعر روسي قديم -
.....
لا أملكُ خياراً
كقطرةِ مطرٍ...
أتسربُ في مساماتِ جسدكِ
وإلاّ فأين أمضي؟...
كقطرةِ مطرٍ..
أمسحُ الغبارَ والملحَ والخيباتِ
ليورق الزغبُ الذهبيُّ
مغطياً هذا الزبدَ الممتدَّ... حتى ركبتيكِ
وإلاّ فأين أورقُ؟
كقطرةِ مطر ٍ
أنقرُ زجاجَ نافذتكِ(69/140)
كي لا تستسلمي للشرودِ
وتنسي كتابي المفتوحَ في حضنكِ
وإلاّ بماذا تفكرين؟
كقطرةِ مطرٍ
أشتاقُ إلى صيفِ شفتيكِ
ولكنكِ تخافين عبثَ المطرِ، وجنونَ الشعراءِ، ورحيلَ القطاراتِ
وإلاّ فلماذا تتهربين مني؟
لا أملكُ خياراً
الكتابةُ لحلِ ديوني، والقصيدةُ لزيادةِ شجوني
وبينهما، سأضيّعُ الكثيرَ من سنواتي عبثاً
من أجلِ وجبةِ كلماتٍ في حانةٍ تملؤها الفئرانْ
أنتِ، أيتها الجالسةُ بهدوءٍ
تنظرين من خللِ زجاجِ اللامبالاةِ
إلى شوارعِ قلبي وهي تضجُّ بزحامِ الناسِ والهمومِ والباصاتِ
سأنقرُ زجاجَ وحدتكِ
وأدعوكِ إلى التسكعِ معي تحتَ شمسِ الحياةِ الدافئة
*
لا أملكُ خياراً
فأنتِ...
تتربعين على عرشِ مملكةِ قصائدي
تفتحين خزائنَ الكلماتِ
تنتقين ما يروقُ لكِ
ثم تخرجين.. إلى الشوارعِ
مزهوةً بين الأخرياتِ
بلآليء الحروفِ التي تطوّقُ جيدكِ المرمري
وحشدِ أيائلِ القصائدِ التي تتبعُ رائحةَ سنابلِ شعركِ الطويلِ
تختارين القاموس الذي يناسبُ جمالكِ الفاضحَ
ثمَّ - بلا مبالاةٍ -
تضرمين الحرائقَ في أكداسِ اللغةِ
ماذا أفعلُ إذنْ...
- حين ترحلين عني غداً -
برمادِ الكلماتِ...
الذي تخلّفينهُ وراءكِ...
*
لا أملكُ خياراً
إلا ببقائكِ
وإلا ماذا ستجدُ من تأتي... بعد غيابكِ
غير كرسيٍّ مكسورٍ
هو قلبي...
ومملكةٍ من الخرابِ... هي أيامي
وشوارع بلا فرحٍ
ولا لغةٍ
ولا ذكرياتٍ
هي كلماتي...
*
لا أملكُ خياراً
أنتِ شمسٌ...
شمسٌ...
شمسٌ...
وقلبي...
آهِ...
قلبي... زهرةُ عبادٍ مجنونة
*************
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> غانية القرون
غانية القرون
رقم القصيدة : 63739
-----------------------------------
مُقْبِلَةٌ على الدنْيَا، هَيْفَاءْ
ضامِرَةُ الحَشَا
ناعِمَةُ الجِيدِ طَويلَةُ القَامَةِ
طَويلَةُ العُمْر
كَأَنّها عامُ الفِيلِ أَوْ عامُ الدَّقِيقِ المُر
وَانْتَهَى الأَمْر
بَعْدَما تَقَدَّمَتْ في السِّن وَقُلنَا مَاتَتْ(69/141)
جاءَ المَجنُون
أَعْطَاهَا كُلَّ ما عِنْدَهُ،، بَعَثَها
اِخْضَرَّ عُودُها تَهَدَّلَ وَرَقُها
المُسِنَّةُ العَجُوز
نازِيّةُ العُيُونْ
قَليلَةُ الحَيَاءْ
ذَرِّيةُ القَوَامِ، مَعْدَنِيّةُ الشَّعْر
مُدَجَّجَةُ الصَّدْر
تاريخها الجُنُون
لَنْ أَبُوحَ بِاسْمِها
هِيَ هَوَاءُ هَذَا العَالَمِ كُلَّما تَنَفُّس
هِيَ هَوَاءُ هَذَا العَالَمْ
لَنْ أَبُوحَ بِاسْمِها
أُخْبِرُكُمْ فَقَطْ عَنْ إِحْدَى مَآدِبِهَا:
هِيرُوشِيمَا
وأقْصَرِ فُرْسَانِهَا: النَّابَالَمْ
لَنْ أَبُوحَ بِاسْمِها
هِيَ هَوَاءُ هَذَا العَالَمِ كُلَّما تَنَفُّس
هِيَ هَوَاءُ هَذَا العَالَمْ
لَنْ أَبُوحَ بِاسْمِها
أُخْبِرُكُمْ فَقَطْ عَنْ إِحْدَى مَآدِبِهَا:
هِيرُوشِيمَا
وأقْصَرِ فُرْسَانِهَا: النَّابَالَمْ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أوراق
أوراق
رقم القصيدة : 63740
-----------------------------------
حياتكِ، ورقةٌ بيضاء مدرسية...
تعبقُ بالترفِ الناصعِ ورائحةِ الليمونِ...
وحياتي، مسودةٌ لقصائد شاعرٍ مخمورٍ
تركها على الرصيفِ، ومضى يبحثُ عن حلمٍ لليلةٍ واحدةٍ فقطْ
أو عشاءٍ لليلةٍ واحدةٍ فقطْ...
أحلامكِ مرتّبةٌ على الشرشفِ المطرزِ بالنمنماتِ
وأحلامي سريرٌ من الفوضى... مبقّعٌ بزهورِ الرغباتِ الذابلةِ
وجهكِ مرآةٌ...
(كيفَ لمْ أنتبهْ إلى شحوبي وأنا أتطلعُ
إلى وجهي عندما كنتِ تجلسين إلى جانبي؟)
ووجهي طاولةٌ...
(كيفَ لمْ تنتبهي إلى هذا الإنحرافِ البسيطِ في مزاجِ قلمكِ الطويلِ الأهيفِ
وأنتِ تكتبين واجبكِ المدرسي مثلما تكتبين رسائلكِ الغراميةَ)
حزنكِ، غيمةٌ صيفٍ عابرةٌ
(مرَّ عشرون صيفاً على عشبِ عمركِ
وأنتِ لمْ تجربي البحرَ..
قولي، متى ستذوقين جنونَ الموجِ؟
متى ستذوقين لسعَ الرمالِ؟
إذا كنتِ تخافين أنْ يبتلَ ذيلُ فستانكِ
بدموعِ البحرِ!)
وحزني، أشجارٌ هرمةٌ
تمدُّ جذورها عميقاً...
في رمادِ الذكرياتِ والثكناتِ والدروبِ المعتمةِ(69/142)
أيامكِ، كريستالٌ، ومجلاتُ أزياءٍ،
وهاتفٌ معطرٌ، يرنُّ طويلاً ثمَّ يسكتُ...،
ومظلةٌ للمطرِ وللحبِّ أحياناً
وأيامي، ورقٌ... ورقٌ (ليسَ مغلفاً بالسليفون):
ورقةٌ لقائمةِ الكهرباءِ التي لمْ أسددها بعدُ
ورقةٌ لنقلِ وظيفتي إلى دائرةٍ أخرى
ورقةٌ للمحاسبِ
ورقةٌ للفتاةِ العابرةِ
ورقةٌ للغشِ في الإمتحانِ
ورقةٌ للقصيدةِ العنيدةِ
ورقةٌ للتمزيقِ
ورقةٌ للبكاءِ
ورقةٌ للـ...
قولي:
ماذا أفعلُ لهذهِ الفوضى التي يسمونها - تجاوزاً - حياتي
وأسميها - مضطراً - حماقاتي
أنتِ... لمْ تجربي ذلك
لمْ تجربي أيَّ شيءٍ
لمْ تجربي
سوى:
تستيقظين في السابعةِ إلا ربعاً (صباحَ الخيرِ بالقشطةِ)
وتهبطين المصعدَ في الثالثةِ ظهراً (حقيبتكِ فارغةٌ من الساندويجةِ الصغيرةِ ورسائلِ الحبِّ...)
لذا تسرعين قليلاً إلى البيت بحجةِ التعبِ، وتنامين على فلمِ السهرةِ (أحياناً يمتدُ فيلمُ السهرةِ إلى منتصفِ نعاسكِ أو يمتدُّ نعاسكِ إلى منتصفِ الفيلمِ أو...)
فتغلقين جنفيكِ الوديعين على فراغِ أبيضٍ
ماذا ستكون حياتكِ
بلا قصائد...
ماذا ستكون حياتكِ... بلا حماقاتٍ
ماذا ستكون حياتكِ بلا ذكرياتٍ
أما أنا...
فسأكتفي من كلِّ حياتكِ
بقطعةٍ من الشيكولاتا...
ألتهمها على عجلٍ
وأقولُ:
آهٍ... لقد عشتُ معكِ...
أجملَ الذكرياتِ
*********
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> شتاء73
شتاء73
رقم القصيدة : 63741
-----------------------------------
عَلَّمَنِي جَفَافُ وِدْيَانِكَ كُرْهَ الشَّمْسِ أو كاد
قَرْيَتي
أَيتُهَا التِي تُولَدِينَ في عَيْنَيَّ كُلَّ صَباح
وَتَخْرُجِينَ مِنْ أَعْصَابي شَبَابًا وَأَعْشَابًا حَيَّة
الضَّوْءُ غاضِبٌ في صَمْت
هارِبٌ مِنَ المَوتْ
والرِّيحُ في كَنَفِ السِّريّة
تَتَحَوَّلُ زَوَابِعَ
تُزْهِرُ أَغْصَانُهَا نَسائِمَ حُبٍّ وَحُرِّية
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> اللجّة
اللجّة
رقم القصيدة : 63742(69/143)
-----------------------------------
أيْنَ اللُّجَّةُ أَلجَأُ إِليْها
أيْنَ الرَّجَّةُ أَرْكَبُ ظَهْرَهَا المُرتَجَّ وَجَوانِحَها المُرتَجَّه
أَعَادَ التَّاريخُ نَفْسَهُ
عَادَتْ أَعْوامُ الهَجَّه
الأَصابِعُ المَقْصُوصَةُ في الهَوَاء
مُحتَجَّه
يا غَرِيبَ المَوْجَةِ يا بَحْر
يا شَدِيدَ اللَّهْجَه
نَتَفَرَّجُ يا بَحْرُ دَائِمًا
نَكادُ نُصَفِّقُ مِنْ شِدَّةِ البَهْجَه
وَنَحْنُ هُمُ الفُرْجَه
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> بلا ذكرياتكِ.. ماذا أفعل بقلبي؟
بلا ذكرياتكِ.. ماذا أفعل بقلبي؟
رقم القصيدة : 63743
-----------------------------------
"أما آن لهذه الأوجاعِ القديمةِ أن تثمرَ
ذلك أنه ما من هدأةٍ في أي مكانٍ .."
- ريلكه -
....
حُمّى، تتصاعدُ كالحُمّى، وأنتِ في تلافيفِ الذاكرةِ أيضاً، تجلسين في صالةِ الألمِ، متصالبةَ الساقين، تجسّين عروقي المتنافرةِ، كطبيبٍ أرستقراطيٍّ مبتديءٍ
تنبضُ شرايينُ تأريخِ خيباتي، كلها، بين أصابعكِ الرقيقةِ كالحلوى
فترتعشين من الحُمّى، تذعرين..
لا العقاقيرُ، ولا العذّالُ، ولا النومُ قبل الواحدةِ، يطفيءُ هذهِ الكرةَ الملتهبةَ التي يسمونها رأسي..
حُمّى، حُمّى، حُمّى تتصاعدُ، كنوافيرِ الساحاتِ المكتظّةِ
تختلطُ الأشياء أمامَ عيني المضببتين، فلا أكادُ أميّزُ:
بين كريستالِ صالةِ العرضِ، وقوامكِ الأهيفِ
بين شعركِ الطويلِ، وضفيرةِ اللبلابِ المتسلّقِ
بين قلبي، وهذه الفوضى
آه، مَنْ يوقفُ أمطارَ الألمِ التي تنقرُ زجاجَ رأسي منذ الصباحِ
شوارعي مبلّلةٌ وروحي أيضاً..
وأنتِ، تحت مظلتكِ الفاخرةِ،
تعبرين أرصفةَ الذكرياتِ - بلا مبالاةٍ -
سوى بعضِ الارتباكِ الخفي الذي يشوبُ خطواتكِ المسرعةَ
كلما تعثّرتِ بحجرِ آهةٍ أو ببركةِ دمعٍ
ماذا أفعلُ بهذا القلب، بدون ذكرياتكِ؟
ماذا أفعلُ - قولي - بهذا الرأسِ بدون حُمّاكِ؟
بدون هذهِ الحُمّى فقط
الكتابةُ الرائعةُ، حُمّى(69/144)
نظراتكِ، حمى
والشوارعُ أيضاً، كرةٌ من الحمى تتدحرجُ على الإسفلتِ
وأنتِ
ألا تخشين حُمّى كتاباتي
ألا تخشين جنونَ حُمّى ولعي بعناقيدِ شفتيكِ التي لمْ تنفرطْ بعدُ
مَنْ دلّكِ على ولعي، فالتصقتِ به
ألا تخشين أن يصبحَ أسمكِ - ذاتَ يومٍ - فضيحةً
على لسانِ عجائز الأزقةِ، وأكشاكِ الصحفِ، ودفاترِ يومياتِ التلميذاتِ السريةِ، وطاولاتِ النقدِ والخمرةِ في نادي الأدباء، وحدائق الياسمينِ النمّامِ، والطبعاتِ التجاريةِ لكتبِ رسائلِ الحبِّ والغرامِ، وغمزِ صديقاتكِ، وغيرةِ الشوارعِ، وتصاعد الحُمّى
حُمّى من الهذيان، صاعداً أو نازلاً
في فراغِ الورقةِ
ماذا أفعلُ بكلِ قصائدي إليكِ
عندما ترحلين..
ماذا أفعلُ سوى أن أحملَ جثمانها الساكن
وأشيّعها - بالدموعِ والندمِ - إلى مقبرةِ دولابي
لا الخلود يستفزني، ولا مقالات النقد المدبجة، ولا دبق الإعجاب
ضحكةٌ واحدةٌ منكِ، آهةٌ واحدةٌ، توقفٌ عفويٌّ عند فاصلةٍ كان يكفيني..
كان يستفزني لأنْ أكتبَ وأكتبَ - بلا توقفٍ -
منتشياً بهذه الحُمّى..
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> رماد الصدفة
رماد الصدفة
رقم القصيدة : 63744
-----------------------------------
"حسناً، سأخرجُ من وحدتي
لكن،
إلى أين؟"
- أدونيس -
.....
إلى أين ترحلين..
يتبعكِ بكاءُ الشوارعِ، وغربةُ القدّاحِ الأبيضِ
وندمُ روحي..
إلى أين تهربين.. من قصائدي
وهي تلاحقكِ في كلِّ مكانٍ
إلى أين تمضين بشعركِ الطويلِ
بعيداً عن فوضى أصابعي
كيف تكحّلين رموشَ عينيكِ الواسعتين
بلا مرايا عيوني
وكيف تطفئين ضوءَ غرفتكِ..، لتنامي
ونجومُ آهاتي - على شباككِ - لمْ تنمْ بعدُ
ماذا سأقولُ للشوارعِ، حين تسألني، غداً،
عن حفيفِ خطواتكِ
ماذا سأقولُ لذكرياتي، حين تبكيكِ في منتصفِ الليالي الموحشةِ
ماذا سأقولُ للمصطبات، حين ترى ظلي وحيداً
متكئاً على شيخوخةِ اليوكالبتوس
يتأملُ تساقط أوراق الخريف(69/145)
ويحصي كمْ بقي له: من الأحلامِ والسنواتِ والبكاءِ...
سأحملُ هذهِ الحرقةَ التي تتركينها،
وأجوبُ المدنَ (إلى أين أمضي بذكرياتكِ؟)
أجوبُ الباراتِ (عمَنْ يطفئني؟)
أسائلُ العرّافاتِ (عن سرِّ رمادكِ الذي يتوهجُ؟)
أبوحُ للأصدقاءِ (لنْ أكابرَ هذه المرة)
أتعلّق بالبريدِ (لا عنوان لجنونكِ وحزني)
ألاحقُ الباصاتِ (مقعدكِ فارغٌ أبدا)
أتفرسُ في وجوهِ الفتياتِ (كلهنَّ يحملنَ ملامحكِ، ولكنْ أينَ أنتِ؟)..
أعرفُ أننا، ربما سنلتقي - ذات يوم -
أجل سنلتقي ذاتَ يومٍ
هكذا مصادفةً..
هكذا بكل برودِ المصادفاتِ، وبكل هولها وجنونها
مصادفةً (سأقولُ: لكِ أنَّ الحياة....َ
صدفةٌ كبيرةٌ
صدفةٌ غبيةٌ
صدفةٌ رائعةٌ
صدفةٌ لا معقولةٌ
إياكِ أنْ تفكري بها بعقلٍ يا مجنونتي!)
ربما سنلتقي..
في مصعدٍ مزدحمٍ أو فارغٍ إلاّ من وجيبِ أنفاسنا المتلاطمةِ
وأنتِ تصعدين باصَ الحبِّ
وأنا أنزلُ..
وأنت تفتشين عن رقمِّ كرسيكِ
في قاعةِ المسرحِ المظلمةِ
وأنا أفتشُ عن رقمِ ضياعي
وأنتِ تستعيرين كتابي من موظفةِ المكتبةِ
وأنا استعيرُ نظرةً منكِ
وراءَ زجاجِ الزعلِ المضبّبِ
............
...............
أعرفُ أننا سنلتقي - ذات يوم -
مثلما افترقنا، صدفةً في صدفةٍ في صدفةٍ
ولكن بعد كلِّ هذا الغيابِ
بعد كلِّ نوافيرِ الحرقةِ المتفجرةِ في أحواضِ بكائي
أقادرٌ أنا - ثانيةً - أن أمسكَ لجامَ قلبي الصاهلِ
في براري حبكِ الشاسعة
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> ألوان
ألوان
رقم القصيدة : 63745
-----------------------------------
"ما علي إذا لم يكن لي صولجان
أليسَ لي قلم"
- فولتير -
"وكنتُ أنا نائمة، على جنبي الأيمن
أصغي إلى خفقِ دمكَ الجواب - قرب عنقي،
عنق المرأة العارية.."
- سان جون بيرس -
.....
كلماتُكِ..
آهٍ... كلماتكِ
أحالتْ صباحي المندّى إلى غابةٍ من نوافذ ومطرٍ من شوارعٍ مغسولةٍ، وحنينٍ من أصابع، تتلمّسُ لأولِ مرةٍ نبضَ الأشياء..(69/146)
كلماتكِ.. كلمات..
ماجدوى العالم بلا ارتعاشِ كلمة
ما جدوى العالم بلا أنفاس امرأة
ما جدوى العالمِ بلا نسغٍ، وأمطارٍ، وعيونٍ سودٍ، وأرصفةٍ، وقمرٍ مسافرٍ، ونوافذ للياسمينِ المشاغبِ، وكتبٍ ممنوعةٍ، وأحزانٍ، وعشبٍ أزرق، ويديكِ
هل أقولُ شكراً على أزهارِ كلماتكِ التي تفتحتْ في طريقي الصباحي
(ما زالتْ أنفاسها العطرة الندية تعبقُ بين جدرانِ غرفتي حتى هذه الساعة المتأخرة من منتصفِ أرقي)
آهٍ، يا سيدتي.. منذ متى وأنا أتطلعُ إلى نظراتكِ من وراءِ الزجاجِ:
عينان حزينتان تدعوانني..
تحيلان تأريخي إلى شظايا
وقصائدي إلى رمادٍ...
منذُ متى لمْ أنتبهْ إلى رذاذِ شعركِ..
وهو يشاكسُ عزلتي
ماذا أفعلُ..؟
إنني مرتبكٌ، أحاولُ أن ألملمَ شظايا ذكرياتي فتدمى أصابعي.. فأفشلُ..
أحاولُ أنْ الملمَ شرودي من بين يديكٍ..
فتتسربُ الأحلامُ والكلماتُ من ثقوبِ ذاكرتي المنخوبةِ
إلى حيثُ تمتدُ الشوارعُ.. ضياعاً أسود، وخطى من دخانٍ
إلى حيثُ يمتدُ قلبي.. رفوفاً من أوراقٍ وغبارٍ وبنفسجٍ ذابلٍ
إلى حيثُ يمتد غيابكِ..
مطراً من حنينٍ وغربةٍ وبكاءِ أرصفة
إنني مرتبكٌ..
فساعديني على النسيانِ
إنني ضجرٌ..
فساعديني على البوحِ
إنني وحيدٌ..
فساعديني على القصائد
ساعديني لأخرج من عزلتي وذكرياتي المشظاةِ على كلِّ المصطباتِ..
إلى حقول ِذكرياتكِ الممرعةِ
ساعديني لأخرج من صمتي.. إلى بلاغةِ جسدكِ
اكتبي لي.. اكتبي لي كلَّ شيءٍ..
اكتبي لي..
ياه......
منذ متى لم تكتبي...
منذ متى لمْ تمارسي جنونَ الركضِ
حافيةَ القدمينِ والقلبِ
على رمالِ البحرِ
وأمواجِ الكلمات
منذ متى لم تتعري أمام مرايا الورقة
منذ متى لم تكتشفي أنوثتكِ الصارخة
منذ متى لم تشعلي النارَ
في أدغالِ أيامكِ اليابسةِ، الرتيبةِ، المتكررةِ
وتخرجي..
إلى حيث حقول عبادِ الشمسِ والقصائد
*********
شعراء المغرب العربي >> نور الدين عزيزة >> هل أتاكم حديث الخيول ؟
هل أتاكم حديث الخيول ؟(69/147)
رقم القصيدة : 63746
-----------------------------------
1
أَيُّهَا النّائمُونَ بَيْنَ الطُّبُولِ
هلْ أَتَاكُمْ إِذَنْ، حَدِيثُ الخُيُولِ؟
لَمْ يُفِقْكُمْ مِنَ السُّبَاتِ نَفِيرٌ
أَوْ صَهِيلٌ يَحتَدُّ بَعْدَ الصَّهِيلِ
أَوْ صَرِيرٌ تَسَمَّعَتْهُ الدُّنَى مِنْ
أَمَرِيكَا لِمَا وَرَا كَابُولِ
السُّيُوفُ السُّيُوفُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ
مِنْ خَفِيٍّ لِمُغْمَدٍ مَسْلُولِ
وَالدِّمَاءُ الحَرَّى تَهَامَتْ سُيُولاً
فَإِذَا بِالسُّيُولِ فَوْقَ السُّيُولِ
فَكَأَنَّ الدِّمَاءَ لَيْسَتْ دِمَاءً
بَلْ جُفَاءً مِنْ فَيْضِ نَهْرِ النِّيلِ
وَكَأَنَّ الجِرَاحَ لَيْسَتْ جِراحًا
وَكَأَنَّ القَتِيلَ غَيْرُ قَتِيلِ
وَدُمُوعَ النِّسَاءِ لَيْسَتْ دُمُوعًا
وَعَوِيلَ الأَطفَالِ غَيْرُ عَوِيلِ
وَكَأَنَّ الجَلِيلَ أوْ بَيتَ لَحْمٍ
أو جِنينًا مِنْ كَوكبٍ مَجْهُولِ
وَكَأَنَّ التَّاريخَ باتَ سَرَابًا
أَوْ كِتَابًا مُمَرَّغًا في الوُحُولِ
وَكَأنْ لَمْ يَكُنْ لَدَيْنَا جُيُوشٌ
وَالرَّعيلُ الأَعَزُّ بَعْدَ الرَّعِيلِ
وَكأَنَّ الفُتُوحَ مَحْضُ خَيَالٍ
مِنْ نَسيجِ البُهْتَانِ والتَّدْجِيلِ
وَخُيُولَ الفُتُوحِ لَيْسَتْ خُيُولاً
بَلْ دُمَى صِبْيَةٍ وَمَسْخُ خُيُولِ
وَكَأَنْ طَارِقًا لَمْ يَخُضْهَا بِحَارًا
وَجِبالاً إِلَى مَنِيعِ السُّهُولِ
وَصَلاحًا لَمْ يَفْتَحِ القُدْسَ بِالأَمْس
وَلَمْ يُجْلِ مِنْهُ كُلَّ دَخِيلِ
وَرَحَى الحَرْبِ لَمْ تَدُرْ بِسِينَاءَ
وَلَمْ نَشْهَدْ أَيَّ نَصْرٍ بُطُولِي
وَكّأَنَّ العَدُوَّ لمْ يَلْقَ في لُبنانَ
مَا لَمْ يَجِدْهُ في الدَّرْدَنِيلِ
2
أَيُّهَا النَّائِمُونَ بَيْنَ الطُّبُولِ
وَصَلِيلِ القَنَا وَهَوْلِ الصَّلِيلِ
مَا الّذِي يَجْرِي يَا تُرَى! مَا دَهَاكُمْ ؟
أَيُّ جُبْنٍ نَرَى وأَيُّ خُمُولِ!
يَا إلهِي! كَأَنَّ غَرنَاطَةً تَصْرُخُ
وَالقَوْمُ بَعْدُ في "يَا لِيلِي"(69/148)
أَأَبُو عَبْدِ الله قَام هُنَا، أَمْ
صَنَعُوا اليَوْمَ مِنْهُ ، كَمْ مِنْ عَمِيلِ!
أَمْرُنا يَا أَبَا البَقَاءِ ، عَجِيبٌ
لَيْسَ فِي الدُّنْيَا لَهُ مِنْ مَثِيلِ
قَدْ أَعَادَ التّاريخُ نَفْسَ الخَطَايَا
كَيفَ عَادَ التَّاريخُ بالتَّفْصِيلِ!
إِخْوَةٌ يُذْبَحُونَ في كُلِّ يَوْمٍ
بَلْ أُسودٌ ذَبائحٌ كَالعُجُولِ
فَعَلَ السَّامِرِيُّ بالسَّيْفِ فِيهِمْ
مَا يُهِيجَنَّ رُوحَ عَبْدٍ ذَليلِ
فَإِذَا مَا نَجَوْا مِنَ الْمَوْتِ أَضْحوا
عُرْضَةً لِلسُّجُونِ وَالتَّرْحِيلِ
فَإِذَا مَا نَجَوْا فَلِلْجُوعِ وَالْقَصْفِ
وَهَدْمِ القُرَى وَجَرْفِ الحُقُولِ
أَيْنَ يَا هِنْدُ! أَيْنَ مُعتَصِمَاهُ!
أَينَهُ يَا قُرَيْشُ حِلفُ الفُضُولِ!؟
3
أَيُّهَا النَّائِمُونَ بَيْنَ الطُّلُولِ
المُقيمُونَ في نَقِيعِ الوُحُولِ
هَاهُمُ " الجَاهِلُونَ " بَيْنَ يَدَيْكُمْ
وَالمَزِيدُ المَزِيدُ بَعْدَ قَليلِ
هَاهُمُو يَلْعَبُونَ في خَيْبَرٍ بِالنّار
بَعْدَ الجَلاَءِ مُنْذُ عَهْدٍ طَوِيلِ
حَامِلاَتٌ مِنْ حَولِنَا رَاسِيَاتٌ
طَفَحَتْ طَفْحًا بِالعَتَادِ الثَّقِيلِ
طَائِرَاتٌ مِنْ فوقِنَا، يَرْجِعُ الرَّادَارُ
مِنْ دُونِهَا بِطَرْفٍ كَلِيلِ
وَجُيُوشٌ تَحِلُّ بَعْدَ جُيُوشٍ
بِسَلاَمٍ، فِي الحِلِّ أَوْ فِي الرَّحِيلِ
يُلْعَنُ المُعتَدُونَ في كُلِّ أَرْضٍ
مِنْ صَغيرٍ مُحَقَّرٍ لِنَبِيلِ
بَينمَا عِنْدَنا يُلاقُونَ أَهْلاً
وَعَظَيمَ الإِجْلاَلِ والتَّبْجِيلِ
كُلَّمَا لاَحَ مُفْتَرٍ مِنْ ذَويهمْ
لَقَفَتْهُ الأَحْضَانُ بالتَّهْليلِ
يَعْبُرُونَ البِلادَ بَرًّا وَبَحْرًا
مِنْ ظَفَارٍ إِلى ذُرَى إِرْبِيلِ
أَيُّهَا " المَانِعُونَ " هيَّا امْنَعُوهُمْ
مِنْ مُرُورٍ بِأَرْضِكُمْ أَوْ نُزُولِ
لوْ أَرَادُوا خُدُورَكُمْ دَخَلُوهَا
دُونَمَا حَاجَةٍ لإِذْنِ دُخُولِ
جَهِلَ " الجَاهِلُونَ " جَهْلاً عَلَيْكُمْ(69/149)
أَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ " فَوْقِ جَهْلِ" الْجَهُولِ!
ذَهَبَ القَوْمُ في الزَّمَانِ بَعيدًا
لاَ تَظُنُّوهُ بَعْدُ عَامَ الفِيل
لَنْ يَطُولَ الوَبَاءُ أَبْرَهَةَ اليَوْمَ
وَمَا مِنْ حِجَارَةٍ سِجِّيلِ
وَقَفَ " الجَاهِلُونَ" وقْفَةَ أُسْدٍ
بَلْ رَعَادِيدَ في ثِيَابِ فُحُولِ
وَقَعَدتُمْ عَلَى المَوَائِدِ جُبْنًا
في وُجُومٍ وَحَيْرَةٍ وَذُهُولِ
وَتَرَكْتُمْ لِلبَطْشِ خَيْرَ رِجَالٍ
فَعَلُوا مَا قَدْ كَانَ كَالمُستَحِيلِ
قَدْ هَربتُمْ مِنَ الصِّرَاعِ وَرُحْتُمْ
في صِرَاعٍ حَولَ الصِّرَاعِ طَوِيلِ
وَانْبَرَى فُرْسَانُ الكَلاَمِ إِلَى المَيْدَانِ
مِنْ تَحْلِيلٍ إِلَى تَحْلِيلِ
يَبْحَثُونَ الحُلُولَ حَلاًّ فَحَلاًّ
وَيَرُوغُونَ دُونَ حَلِّ الحُلُولِ
يَنقَضِي اليَومُ في عَجِيبِ الرُّؤَى بَيْنَ
فَتِيلٍ وَحُلْمِ نَزْعِ الفَتِيلِ
حلْحِلُوا مَا اسْتَطَعْتُمُ، كَيْفَ شِئْتُمْ
مَا لَدَيْكُمْ سِوَى حُلُولِ الذَّليلِ
كُلّمَا قُلتُمُ انْتَهَيْنَا، وَرُحْتُمْ
تَتَهَانَوْنَ في حَمَاسٍ طفُولِي
أَبْدَعُوا آيَاتٍ لَكُمْ بَيِّنَاتٍ
ليْسَ في تَوْراةٍ وَلاَ إِنْجيلِ
كُلُّ شَيْءٍ أَمَامَكُمْ، بَيْدَ لاَ يَدْرِي
دَبيرًا فَهِيمُكُمْ مِنْ قَبِيلِ
لاَ سَلاَمٌ يُرْجَى بِلا قُوَّةٍ مُنْذُ
اعْتَدَى قَابيلٌ عَلَى هَابيلِ
هَكَذَا تُصْبِحُ الكِلاَبُ أُسُودًا
ويَذِلُّ النَّبِيلُ إِبْنُ النَّبِيلِ
و كَذَا كَانَتِ الجِبَالُ جِبَالاً
وَكَذَا في التَّاريخِ وَالتَّنْزيلِ
4
أَيُّهَا النّائِمُون بَيْنَ النُّقُولِ
وَطِعَانِ النِّسَا وخَفْقِ الكُحُولِ
وَوَثيرِ الفِرَاشِ كُلَّ مَسَاءٍ
وصَبَاحٍ في حِضْنِ طَرْفٍ كَحِيلِ
كَيْفَمَا كُنْتُمُو يُوَلَّى عَليْكُمْ
لَيْسَ غَيْرَ الشُّعُوبِ مِنْ مَسْؤُولِ
بِئْسَ قَوْمٌ يَحْيَوْنَ يَوْمًا فَيَوْمًا
لِطَعَامٍ وزيجةٍ ومَقيلِ
عَالَةٌ أَنْتُمُ عَلَى الخَلْقِ صِرتُمْ(69/150)
بَعْدَ دَهْرٍ مِنَ العَطاءِ جَلِيلِ
رُمْتُمُ شَهْوَةَ التَّواكُلِ حتَّى
لَمْ يَعُدْ عِنْدَكُمْ لَهَا مِنْ بَديلِ
فَإِذَا البَيْتُ بَاتَ خُمَّ دَجَاجٍ
رَاعَكُمْ حَوْلَهُ خَيَالُ الغُولِ
وَالجُيُوشُ الجُيُوشُ أَمْسَتْ فُلُولاً
بَلْ كَعَصْفٍ مُبَعْثَرٍ مَأْكُولِ
غَيْرَ أَنَّ التَّرَابَ قَدْ يَحْتوِي تِبْرًا،
وَفِي اللَّيْلِ رُبَّ نَجْمٍ دَلِيلِ
تِلكَ بَغْدَادٌ بَعْدُ وَاقِفَةٌ في
وَجْهِهِمْ وَقْفَةَ الكَريمِ الرُّجُولِي
فِي يَدٍ رَايَةُ العُرُوبَةِ رَفَّتْ
وَعَلَى الرّأَسِ رَايَةُُ لِلرَّسُولِ
تِلكَ بَغْدادٌ رَاعَهَا وَحْدَهَا
مَا رَاعَها، وَالجَبِينُ فَوْقَ الكُبُولِ
وَفلسْطِينُ هَاهُوَ العِزُّ فِيهَا
يَتَلأْلاَ مِنْ مِعْصَمٍ مَغلُولِ
أيُّهَا قَطْرَةٍ مِنَ الدَّم سَالَتْ
في جِنِينٍ فَخْرٌ بِدُونِ مَثِيلِ
دَوَّخَتْ بَهْجَةُ الشَّهَادَةِ فِيها
مَا تَبَقَّى لَدَى العِدَى مِنْ عُقُولِ
هَذِهِ بَغْدَادٌ وَهَذِي جِنِينٌ
يَا لَهُ حَقًّا، مِنْ شمُوخِ أَصِيلِ
إنَّ بعضًا من الكَرامَةِ أَغْلَى
مِنْ جَمِيعِ البُنُوكِ والبتْرُولِ
5
أَيُّهَا النَّائِمُونَ بَيْنَ الطُّبُولِ
هَلْ إِلى الصَّحْوِ عِنْدَكمْ مِنْ سَبِيلِ!
هَلْ سَأَلْتُمْ مَا نَحْنُ لَوْلاَ رِجَالٌ
أَشْرَقُوا مِنْ ظَلامِنَا كَالنُّصُولِ؟
نَفَذُوا فِي الحَدِيدِ دُونَ حَدِيدٍ
وَرَمُوا الرُّعْبَ فِي فُؤَادِ الغُولِ
كَسَرُوا نَخْوَةَ الأَعَادِيَ حَتَّى
فَقَدُوا الوَجْهَ مِثْلَ أَيِّ رَذِيلِ
كَسَرُوهَا فَلاَ أَمَانَ مِنَ اليَوْمِ
لِشَيْطَانِ البَغْيِ وَالتَّنْكِيلِ
يَا زُهُورَ المَوْتِ الجَمِيلِ سَلاَماتٌ
فَفِيكُمْ كُلُّ العَزَاءِ الجَمِيلِ
التَّبَاشِيرُ أَنْتُمُ مِنْ جَدِيدٍ
في زَمَانٍ الخِذْلاَنِ وَالتَّخْذِيلِ
أَصْبَحَ المَاءُ في الحُلوقِ حَمِيمًا
كَيْفَ حَوَّلتُمُوهُ مِنْ سلسَبِيلِ
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> محاولات(69/151)
محاولات
رقم القصيدة : 63747
-----------------------------------
أحاولُ أن لا أتذكركِ هذا اليوم
فتغافلني ذاكرتي وتتسلّلُ - خفيةً كصبيٍّ مذنبٍ -
... إلى حيث تجلسين لصقَ نافذةِ القلبِ
تحصين الدقات المرسومَ عليها أسمكِ...
وتحدقين بالمطرِ
مطر حبي وهو يبلّلُ ذاكرةَ الزجاجِ الأصفرِ، والشوارعَ
الهاربةَ، وضفيرتَكِ الطويلة،َ والحافلات التي هرمتْ مثلي
من طولِ التسكّعِ
..................
.....................
أحاولُ أنْ أغيّرَ شكلَ كتاباتي
فتتمردُ عليَّ أصابعي
وتقفزُ - كأولادٍ مشاكسين -
فوق سياجِ حدائقِ شعركِ
لتقطف اللوزَ والقصائدَ والفوضى
وتكتب أسمكِ على لحاءِ جذوعِ الشجرِ
ترى كيف تبدو الحدائقُ بلا أسمكِ
كيف تبدو الشوارعُ بلا ذكرياتكِ
وماذا أفعلُ بأصابعي...
بلا شعركِ الطويلِ
إنني الوحيدُ
الذي له الحقُ في التغزلِ بأسمكِ - علناً -
في الشوارعِ وساحاتِ المدارسِ والمظاهراتِ
ودواوين الشعرِ والحاناتِ والحدائقِ العامةِ
فكيف لا تكونين مغرورةً
أمام الأخرياتِ...
كيف لا يتهمونكِ بالغرورِ
وقد جعلتُ أسمكِ على كلِّ لسانٍ
..................
..................
أحاولُ أن استريحَ - لدقائق -
من حبكِ
فيغافلني قلبي
ويهرعُ إلى براريكِ الشاسعةِ
كحصانٍ مجنونٍ ضجِرٍ
قلبي مجنونٌ أكثر مما يجبُ
شرسٌ وضجِرٌ وجامحٌ
وأنا شاعرٌ
لا يجيدُ ترويضَ قلبهِ
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> إلى زهرة الياسمين... رجاءً
إلى زهرة الياسمين... رجاءً
رقم القصيدة : 63748
-----------------------------------
"بكِ كثافةُ الوردةِ
في ذبولها..."
- رينيه شار -
.........
(1)
قلتُ لزهرةِ الياسمين:
من أينَ لكِ كلّ هذه الطاقةِ على العبقِ
وأنتِ محاطةٌ بالشوكِ من كلِّ جهاتِ القلبِ الأربعِ
ابتسمتْ...
وأشارتْ إلى ما تحت أوراقها البيض
كانتْ ثمة ندوب كثيرة تضرّجُ جسدَها الغضَّ
لا بأس...
ما دام هنالك عاشقان
على ظهرِ الأرضِ(69/152)
أو فراشتانِ في الأثيرِ
فسأتفتحُ
*
(2)
قلتُ لقلبي:
من أين لك هذه الطاقة على الحنينِ
وأنتَ مشظّى على كلِّ الدروبِ
نظرَ لي بانكسارٍ:
ـ أيها الشاعرُ الحزينُ
ماذا أفعلُ؟
إذا كنتَ لا تتوقف عن الحبِّ
*
(3)
قلتُ لعينيها:
يا أجملَ عينين على الإطلاق
من أين لك كلّ هذا الكحلِ
ابتسمتْ بغنجٍ عذبٍ:
- من سحرِ قصائدكَ
قلتُ للقصائد:
ـ من أين لك كلّ هذه العذوبة
قالتْ بدلالٍ أيضاً:
ـ من سحرِ عينيها
*
(4)
قلتُ لها:
مالي كلما رأيتكِ من بعيدٍ
أرتعشتْ أزهارُ التوقِ على كمِّ قميصكِ
وأحسستُ بفراشاتِ دمي ترتعشُ
وهي تحومُ حولَ تويجاتِ صدركِ المشرئبةِ
مالي كلما عبرني حفيفُ ضفيرتكِ الطويلة
... على الرصيفِ
تساقطَ مطرُ قلبي
على كلِّ الأرصفةِ
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مقاطع حب
مقاطع حب
رقم القصيدة : 63749
-----------------------------------
(1)
قالتْ: لماذا تجلسُ هكذا تحدّقُ في أمواجِ النهرِ
وتنسى المدينةَ؟
قلتُ لها: ذلكَ لكي أجمعَ أمواجَ النهرِ الغاربةَ
وأطرحها من حياتي
قالتْ: ولماذا تجلسُ هكذا تحدّقُ في عيني - ساعاتٍ طويلةً - وتنسى العالم؟
قلتُ لها:.........
ماذا قلتُ لها؟
لمْ أقلْ لها شيئاً...
لمْ أقلْ لها أي شيء
لمْ أقلْ...
لمْ ...
كنتُ أغوصُ في قاعِ عينيها الساحرتين
رويداً
رويداً
... وأتلاشى
*
(2)
قلتُ:
قميصكِ غابةُ فرحٍ وياسمين وموسيقى
وقميصي نهرٌ جفَّ
تفتحين أولَ الأزرارِ
فيساقط المطرُ دافقاً، حنيناً، مرتعشاً
على زجاجِ النافذةِ
أفتحُ أولَ الأزرارِ
فتساقط العصافيرُ الميتةُ
على سريري
*
(3)
قالتْ:
لماذا تجلسُ - أيها الشاعرُ ساعاتٍ طويلةً
تتأملُ الورقةَ
ولا تلتفت لي...
ما هذا!؟
هل قلبُكَ حبرٌ
*
(4)
قلتُ:
أيها المعبدُ
ألتجيءُ إليكَ
بشموعي وأخطائي
فلماذا قبلتَ شموعي
أشعلتها لتنير جدرانَ عزلتك
وتركتَ أخطائي
في العراءِ
تنتحبُ من البردِ
والانكسارِ
*********(69/153)
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> زبد العيون السود
زبد العيون السود
رقم القصيدة : 63750
-----------------------------------
أسبلتْ رمشَها الأسودَ
واستسلمتْ - ملتذةً - لحلمها
(راقبتُ انكسارَ شفقِ الشرودِ على شحوبِ وجنتيها
راقبتُ وجيبَ أصابعها على خطوطِ الطاولةِ المتعرجةِ
راقبتُ...)
انتبهتْ فجأةً لضياعي في شوارعِ عينيها الممطرتينِ
بلا مظلةٍ ولا هدفٍ...
إلى أين أمضي بقلقي هذا؟
كعلامةِ استفهامٍ حائرةٍ
ولا جملةً على الورقِ
(لماذا هذا الشرودُ المستمرُ الذي أضبطهُ
متلبساً به كلما أقتربَ مني...؟)
ما الذي أبغي أنا،
وحيداً
أمام هذا المدِّ الأسودِ الشاسعِ
أمواج سوداءُ، سوداءُ
تتلاطمُ ولا قاعَ
تمتدُّ ولا سواحلَ
تسيحُ ولا كحلَ
لا نهايات حيثُ تهيمُ النظراتُ، حيث تغرقُ الأحلامُ، حيث ينتهي بياضُ العالمِ البليد
سوداء ، سوداء
أشد كثافةً من الليلِ، وأندى من هذا الفاحمِ المسبلِ على كتفيكِ...
لا سواحل..
الجروفُ يأكلها زعلُ الأمواجِ
وأنا حزينٌ بلا زورقٍ ولا قصيدةٍ ولا مظلةٍ
وحيدٌ كربانٍ فقدَّ بوصلتَهُ
ظاميءٌ كغريقٍ
أتعلّقُ برمشكِ الطويلِ
ناسياً اهتزازه، صعوداً وهبوطاً
عبثاً أتشبّثُ بزوارقِ الذكرياتِ المثقوبةِ
عبثاً أتشبّثُ بعروقِ الكلماتِ
عبثاً أتشبّثُ برمشكِ الأسودِ المضطربِ
أمواجٌ سوداء ، سوداء ...
تتلاطمُ، تصطخبُ.. ثم تهدأُ...
تاركةً زبدَ الحنينِ
يغسلُ الرمالَ وصخورَ الأماني والنسيان
زبدٌ، زبدٌ، هو كلُّ ما سيبقى لكَ
هو كلُّ ما ستحصدهُ من حديقةِ السرابِ
التي جلستَ على بابها - ذاتَ يومٍ - تنتظرُ الياسمينَ والأشرعةَ
زبدٌ، زبدٌ، يالمواعيدها
زبدٌ، زبدٌ، كأحلامِكَ المشرّدةِ
تحتَ شرفةِ عينيها السوداوين
زبد، زبد، كلُّ ما بقي بين يديكَ...
أما مياه البحرِ فقد تسربتْ من بين أصابعكَ إلى الأبد
لا شيء غير الزبد
زبد، زبد
**********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مَنْ قصَّ شعرَها الطويل..؟(69/154)
مَنْ قصَّ شعرَها الطويل..؟
رقم القصيدة : 63751
-----------------------------------
كانتْ لي في طفولتي دميةٌ
سرقوها قبل أن تتعلمَ النطقَ
وتلعبَ معي
وكان لي في صباي حقلٌ ذهببيٌّ من سنابل
قطعوا عنه ماءَ النهرِ
وحبسوا الغيمَ
فاستعنتُ بدموعي
قالوا لي: لا تبكِ... الرجالُ لا يبكون!
فماتتِ السنابلُ
وتفتّتتْ حباتُ القمحِ على بياضِ دفاتري
قبلَ أن تنضجَ
فعوضوني عنها بكتبِ الجغرافيا المدرسيةِ
وصورِ الحقولِ
وعندما كبرتُ
أصبحتْ لي حبيبةُ بشعرٍ طويلٍ وشرائط بيضٍ
لكنهم قصّوا ضفائرها قبل أن تكتملَ قصيدتي
وشنقوا بشرائطها فرحي الصغيرَ
وها أنا الآن
أحسُّ بالغصّةِ كلما مررتُ
أمام محلاتِ الألعابِ
والضفائرِ الطويلةِ
وحقولِ القمحِ
*
كان لي حلمٌ صغيرٌ
ببيتٍ صغيرٍ، ومكتبةٍ، وشرفةٍ تظللها أوراقُ البرتقالِ والأملُ
فالتهمهُ المؤجرُ الشرهُ
ها هو كرشُهُ يزدادُ كلَّ يومٍ...
وها هو نحولي يزدادُ كلَّ يومٍ...
*
كان لي أبٌ
سرقهُ سريرُ المستشفى
فلمْ أعدْ أتذكرُ من ملامحهِ
سوى برودِ الطبيباتِ
وهن يتحدثن لطفولتي عن رئتيهِ
اللتين نخرهما السلُ والفقرُ
بعد عشرين عاماً
أدركتُ لماذا كنَّ يتحدثن ببرودٍ
*
كان لي رصيفٌ للتسكّعِ
وآخر للحبِّ...
وآخر للبحثِ عن عملٍ
أصبح لي رصيفٌ وحيدٌ، ضيقٌ
يمتدُ بي - كلَّ يومٍ - من البيتِ إلى الوظيفةِ
*
كانتْ لي غيمةٌ ماطرةٌ
تسمى القصيدة
عندما لمْ تجدْ أرضاً تؤويها
هاجرتْ
وتركتني وحيداً
على عراءِ النثرِ
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> عناءات..
عناءات..
رقم القصيدة : 63752
-----------------------------------
إلى رجل غبي يُسمى قلبي!
متى أستريحُ؟
مَنْ أورثني هذا الحنينَ والبكاءَ والتسكّعَ؟
روحي مدينةٌ مهجورةٌ...
تبحثُ عمن يرممها
أديرُ قرصَ الهاتفِ
لا أحدَ...
أبعثُ برسائل لا عنوانَ لأصحابها
أطرقُ أبوابَ الصحفِ
لا قصيدةَ عندي تصلحُ للنشرِ
ماذا أفعلُ...(69/155)
كي أوقفَ زحفَ الخريفِ على مساحةِ الخضرةِ المتبقيةِ من عمري؟
ماذا أفعلُ
كي أقنعَ هذا القلبَ اللجوجَ
إنَّ كلَّ ما أفعلهُ بعدكِ حماقات
ماذا أفعلُ...
لأقنعَ نفسي أنني لمْ أعدْ بحاجةٍ لبطاقةِ سفرٍ
فكلُّ مدنِ العالمِ جبتُها على الورقِ
شارعاً... شارعاً
حتى تهرأتْ أقدامي من المشي في دروبها الطويلة
وأنا ساهمٌ في زاويةِ المقهى
*
متى أستريحُ...؟
ما زلتُ - طولَ عمري - مشدوداً لكلِّ شيءٍ
بأسلاكِ الدهشةِ...
مازلتُ ذائباً في قطرة المطر، وهي تنسابُ في خلايا المدينةِ والشجرِ وايقاعِ المزاريب
ما زلتُ وحيداً في الدروبِ المزدحمةِ
ضاجاً بكِ...
كلحنٍ ناقصٍ
وشرائط حمراء لفتاةٍ يتيمةٍ...
مررتُ عليكِ...
ولمْ أجدكِ
قولي ...
إلى أين أتجهُ بأحزاني إذن!؟
هكذا اعتدتُ أن أشرعَ نوافذَ رئتي
لرياحِ الدهشةِ التي تأتيني من كلِّ شيءٍ...
شاعرٌ أنا...
وربما نافورةٌ متفجرةٌ، في حديقةٍ عامةٍ...
أقررُ أن أرسمَ شفتيكِ برعمي خجلٍ
على أغصانِ أوراقي
وانتظرُ السنواتِ، ليتفتحا لي
غير عابيءٍ بنظراتِ الحارس،ِ ووخزِ الأشواكِ، وزهورِ المحلاتِ الإصطناعيةِ
ملتذاً بالرحيقِ...
وهو يسيلُ على سياجِ فمي
*
متى أستريحُ؟
ثمة غابات كثيرة
تنتظرُ الرئات القادمة، التي لمْ يشوهها التدخينُ
ودخانُ الباصاتِ
علي أن أدلكم عليها...
أما أنا
فقد أخذتُ هواءً كثيراً
وعلي أن أصفَ كلَّ الغاباتِ التي حلمتُ بها،
والخنادق التي نمتُ فيها
ودخان المقاهي التي...!
والشوارع، والباصات، والنساءَ والمكتبات، والأحزان
هكذا علي أن أصفَ لكم كلَّ ما رأيتهُ في حياتي
هكذا... بمنتهى العذوبةِ والندمِ
مخبّئاً نصفَ ذكرياتي على الأقل
*******
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> حجر ومقاطع ويديكِ
حجر ومقاطع ويديكِ
رقم القصيدة : 63753
-----------------------------------
أيها القلبُ يا صاحبي في الحماقاتِ
يا جرحَ عمري المديدَ
أنتَ بادلتني الحلمَ بالوهمِ(69/156)
ثم انحنيتَ ترتّقُ ظلَكَ في الطرقات
أنتَ أوصلتني للخراب
وسميتهُ {وطناً}
ثمَّ بيتاً
فنافذةً نصفَ مفتوحةٍ
أنتَ ضيّعتني
ثم ضعتْ
*
غيومٌ بيضاء مسافرة...
بلا وطنٍ
عندما تتعبُ من الركضِ حافيةً
على أديمِ السماءِ الصافيةِ الشاسعةِ
ستجلسُ على دكّةِ نجمةٍ...
لتبكي...
عندها سيفرحُ الناسُ بقطراتِ المطرِ
يتراكضون على دموعِ الغيم
وهي تبلّلُ عشبَ حياتهم...
يا لعشبِ حياتي
مَنْ يبلّلهُ إذن؟
وأنتِ لا تمرين...
ولا تمطرين...
*
".. لستُ ممن يخدعون العالم. أنتمي بأكملي إلى هذا القطيع العظيم الحزين، قطيع البشر. كافحتُ بذراعيّ الحريقَ في كل مرّة، وعرفتُ الخنادقَ والدباباتِ، وقلتُ دوماً بلا حذرٍ أسوأَ خواطري في وضحِ النهارِ، ولمْ أنسحبْ عندما جاءوا ليبصقوا في وجهي، وتقاسمتُ الخبرَ ا
- أراغون -
*
*
أحبكِ هل تفهمين ذبولي
على زهرةٍ من حجرْ
وهل تفهمين
- إذا ما فتحتِ المظلةَ لصقَ صديقكِ -
حزنَ المطرْ
*
راكضاً...
راكضاً
بين "الحرب" و "السلم"
سقطَ الجندي
وانكسرتْ ساقاه
فظلَّ يتنقلُ بينهما
على عكازيهِ
حتى ماتَ...
دون أن يجدَّ لهما
معنىً محدّداً
*
حط العصفورُ
على شباكي المفتوحِ
وراح يغني
حين رآني ما زلتُ أغطُّ بنومي
صفّقَ جنحيهِ
وشتمني
ومضى نحو الغابة
*
يا ربي...
قلبُ حبيبي من صخرٍ
فلماذا تخلقُ قلبي
من ورقِ النشاف
- من دفاتري القديمة -
*
"أسير في إثْركِ خطوةً، خطوةً
ألا ترين ذلك!؟
فأني أضيعُ خطوةً، خطوةً"
- اميليو برادوس -
*
"إنكِ تتغيرين
لقد تغيرتِ كثيراً
لا أجرؤ على النظر إليكِ
خوفَ ألا أراكِ"
- هنري باربوس -
*********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> البحر صاعداً سلالم المستشفى
البحر صاعداً سلالم المستشفى
رقم القصيدة : 63754
-----------------------------------(69/157)
صاعداً سلالمَ المستشفى إلى حيث البحر يطلُّ من الشرفةِ أبيضَ ووحيداً بلونِ الشراشفِ، بعينين دامعتين ترنوان إلى المصلِ الذي يقطرُ بالذكرياتِ، قطرةً قطرةً... أو خطوةً خطوةً... يصعدُ الألمُ سلالمَ نبضي بهدوءٍ أسود، يفتحُ البابَ المؤدي إلى قلبي، يجلس هناك صالب
تفتحين عينيكِ الناعستين بتثاقلٍ لذيذٍ فلا تجدين أحداً..
... الساعةُ الثالثة فجراً، غادرتِ الممرضةُ الخافرةُ إلى سريرها. قرصُ الأسبرين يغطُّ في شخيرهِ، والشوارع أيضاً، وحدهُ الشاعرُ هائماً وراء زجاجِ نافذتكِ يمشّطُ بأنفاسهِ غاباتِ شعركِ المتناثرةِ على الوسادةِ، ململماً عن شرشفِ البحرِ أزهارَ الزبدِ التي تركها ج
في الصباحِ، سترتبكُ الممرضةُ وهي ترى إلى دمِ الشاعرِ يتسلقُ أنبوبَ المصلِ إلى جسدكِ
يستوقفني المصعدُ المكتظُ بالزائرين لاهثاً (مَنْ أنتَ؟) يستوقفني موظفُ الاستعلاماتِ أيضاً (مَنْ أنتَ؟) وكذلك قرصُ الأسبرين (مَنْ أنتَ؟)
من أنتَ...؟..
أشيرُ إلى أنبوبِ المصلِ فيضحكون
أشيرُ إلى البحرِ
فيتَّهمونني بالجنونِ
أشيُر إلى عبقِ جسدكِ وهو يفضحكِ في الردهاتِ، فلا يشمّون سوى رائحةِ الأدويةِ
أشيُر إلى..! إلى ماذا؟
وأسألُ البحرَ: المباضعُ التي تؤلمك أم أظافرُ الآخرين وهي تنهش أمواجك (قلبك المائي)، فيشيرُ إليهم من وراء الصخورِ بأصابع مبتورةٍ..
أرجوكم اتركوا البحرَ في عزلتهِ. البحر الذي يتبدّدُ على الرملِ - كلَّ يومٍ - وعلى قمصانكم، وطاولاتِ الوظيفةِ، وعقاربِ الوقتِ، والشوارع، ومقاعد الباصات...
لا تتهموه بالابتذال
افهموا براءةَ الموجِ، افهموا حزنَهُ المائي، أمواجه التي غسلتْ ملوحةَ المدينة وبدّلتها بالأشجارِ والريحانِ
وأنتِ أيتها المدينةُ يا قلباً من الخلِ والصحراءِ واللافتاتِ ودخانِ المصانعِ
لا تتآمري على البحر. ولأقلْ بوضوحٍ أكثرَ: لا تتآمري على الشعرِ(69/158)
ينفتحُ البحر على المرايا حيثُ الشاعرُ يجلسُ مخذولاً على الرمل وقد طردتهُ المدينةُ.
ينفتحُ البحرُ على الموسيقى حيثُ الطبالون بالملابسِ المزركشةِ يعزفون "بحيرة البجع" بالطبولِ المثقوبةِ، وحيثُ يقفُ رجلٌ رثٌّ أمامَ بابِ الصالةِ المحتشدةِ يدعى جايكوفسكي لا يملكُ تذكرةَ دخول.
ينفتحُ البحرُ على الفتياتِ وهن يخبّئن العشاقَ الجددَ تحت أسرةِ النومِ ويذهبن إلى الدوامِ الصباحيِّ دون أن يختلجَ لهن جفنٌ.
ينفتحُ البحرُ على صالةِ العملياتِ حيثُ عيناكِ تحدقان في المروحةِ السقفيةِ العاطلةِ وعشِّ العنكبوتِ وتنعسان بفعلِ المخدّرِ شيئاً فشيئاً.
ينفتحُ البحرُ عليهم وهم يتبادلون الصفقاتِ والنكاتِ أمام سريركِ الشاحبِ.
ينفتحُ البحرُ على قلبي وهو يذوبُ في الأنبوبةِ قطرةً قطرةً....
........
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> أغنية
أغنية
رقم القصيدة : 63755
-----------------------------------
أنتشي بكركراتِ طفولتك وهي تتكدّسُ على عشبِ عمري الذابلِ، بالكريستالِ الذي يتكسّرُ، يا امرأةً من ذهب وقميرٍ ودموعٍ..
أحاولُ لملمةَ هذا البحرَ الذي ينسلُّ من بين أصابعي، وأعني: شعركِ الطويلَ مذرذراً زبدَهُ وياسمينَهُ على الشوارعِ.. أينما تذهبين، تفضحكِ رائحةُ البحرِ وسربُ الفراشاتِ المحلّقة.. والمراكبُ
أنتشي بنعاس عينيكِ على النافذة
أنتشي باسمك،ِ نافورة موسيقى..
أنتشي بقمحِ أنوثتك
بالأغنية التي أرددها دائماً:
"أنا العصفورُ
وأنت الطفل
إذا لم تستطعْ أن تطلقني
فاترك لي - على الأقل - خيطاً أطولَ.."
خيطاً من الدموعِ
خيطاً من الذكرياتِ
خيطاً من الأحلامِ
أتعرفين كمْ يعذبني هذا الخيطُ الملتاعُ
الخيطُ النحيلُ - كالآهِ - الذي يفصلني عن الغاباتِ ومصابيحِ الشوارعِ، وصخبِ الأصدقاء،...
مالك تمسكين الخيطَ بهدوءٍ ودربةٍ
كأن ليس في نهايتهِ يرتعشُ عصفورٌ أحمقٌ مبلّلٌ هو قلبي(69/159)
مالكِ تذهبين إلى سريرِ نومك وتنسين عبقَ جسدكِ في دمي فلا أنام
مالك تخوضين في الموجِ إلى ركبتيكِ وتنسين شبقَ الرملِ في شفتي
مالك تغارين من القصائدِ، وهي مراياكِ وقناني العطرِ والكرسيُّ الخجولُ
هكذا أنتِ، لاهية بكلِّ شيءٍ - كطفلِ الأغنيةِ -
ومتدفّقة بالحنينِ كجسرِ الصرافية
وحزينة كقوسِ قزحٍ يتبددُ...
وأنا لفرطِ بهائكِ
للجنونِ الذي يتسكّعُ معي في شوارعِ حبكِ
أحاول تدجينَ هذا القلب ليكون أقلَّ شراسةً وجنوناً
كي لا يخدشَ نعومتكِ
أعلمه "أتيكيت" الجلوس في حضرةِ جمالكِ الآسرِ
كي لا يمدَّ أصابعَهُ إلى شعركِ ويسرق نجمةً أو برتقالةً
أحذّره من ترديدِ أسمكِ - على الأقل - بين الأشجارِ والنساءِ والصحفِ، كي لا نكون - أنتِ وأنا - فضيحةَ العصرِ على الألسنِ...
لكن هذا القلبَ العاقَ الغريرَ
رغم الوصايا
يقعُ في الحماقاتِ نفسها
ماذا أفعلُ؟
إذا كان هذا القلبُ
لا يريدُ أنْ يكبرَ
*******
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> رحيل
رحيل
رقم القصيدة : 63756
-----------------------------------
"كنا نتمشى جنباً إلى جنب ثلاثتنا:
أنا وانوشكا والفراق"
- ناظم حكمت -
......
اقتربتُ منها
اقتربتُ أكثرَ...
وعندما مددتُ كفي لأودّعها...
لمْ أجدْ أصابعي
بل عشر شموعٍ - من الحنينِ -
تذوبُ ببطءٍ...
قالتْ: سأرحلُ
لمْ أصدّقْها...
قالتْ: إنّي راحلةٌ
لمْ أصدّقْها...
وعندما لوّحتْ بكفيها الممطرتين
من وراءِ نافذةِ قطارِ الرحيلِ
لمْ أصدّقْها...
وهكذا مرتْ ثمانيةُ أعوامٍ على غيابها
وأنا لا أصدّقُها...
*
عيناكِ حلوتان وحزينتانِ
عيناكِ رصيفُ وداعٍ مبلّلٌ
وصمتكِ يثيرني أكثرَ
من أيِّ زبدِ بحرِ قصيدةٍ خرجتِ
وإلى أيِّ قرارٍ مجهولٍ سترحلين
أيتها المجنونةُ كقلبي...
أنا شاعرٌ، وأقصدُ: رجلاً مهشّماً
وعطركِ مرايا وبوحٌ وانكسارٌ...
ماذا أفعلُ؟
أمامَ صمتكِ أيتها الشاعرةُ المسكونةُ بالرحيلِ
قلتُ: علّني أزيحُ غمامَ الحزنِ عن رصيفِ شفتيكِ(69/160)
فوجدتُ حزني يتشظّى
ويمطرُ قصائدَ وياسمينَ وفوضى
آهٍ... أيتها الفاتنةُ
أيها الحرفُ الممنوعُ
الحرفُ الموصولُ، بالقصائدِ... حتى تخوم البحرِ
الحرفُ الوحيدُ،... حتى ذبول الغروبِ على طاولتي
الحرفُ الناحلُ،.. كشجرةٍ سرقوا أحلامها
وخلفوها وحيدةً للخريف
ماذا أفعلُ...؟
غربتي تذبحني أمامَ أبوابِ العواصمِ المغلقةِ
ورجالُ الكماركِ لن يفهموا - بالتأكيد - ولعي بكِ
ولعي المفاجيء المجنون الغريب كزخّةِ مطرٍ
ولعي هذا...
كمْ أنا حزينٌ لذلك
كمْ حزينٌ أنا...
كيفَ لمْ أنتبهْ إلى جوازِ سفركِ، الموقوتِ كلغم
***********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> نميمة...
نميمة...
رقم القصيدة : 63757
-----------------------------------
"ولو كان واشٍ باليمامةِ دارهُ
وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا"
- عروة بن حزام -
.....
لا شتاءَ
لا منفى...
سوى لحظاتِ شرودكِ عني
لا مطرَ...
سوى هطولِ شعركِ على صحراءِ طاولتي
لا أشجارَ...
سوى ما تقولين
لا نجومَ...
سوى ما تتركهُ دموعكِ على منديلِ السماءِ الأزرقِ
يا فاتنة...
يا حقلَ ياسمين، ونعاساً، ولوزاً
يا نميمةً، وحمامَ "حضرة"
يا قوسَ قزحٍ، وغابةَ نساءٍ، وشوارعَ من لذةٍ
يا بجعاً، ونهاراتٍ مشمسة، ونعناعاً، وكذباً أبيضَ
يا حديقةً مرشوشةً، يا سطحَ صيفٍ، يا قهوة
يا شفتين منفرجتين بعدَ قبلةٍ
يا كتباً، وباصاتٍ، وصموناً ساخناً، وتسكعاً، وجسراً مقطوعاً
يا ندماً خجولاً، ويوكالبتوز، ومئةَ رسالةِ حبٍّ
يا جسداً من تفاحٍ
يا حباً مرتبكاً لم نقلْهُ بعدُ، وقصائدَ مجنونةً لمْ نكتبْها بعدُ
ومدناً لمْ نزرْها بعدُ
وكفَّين مرتعشتين على طاولةٍ لمْ تَتلامسا بعدُ
أقولُ لقلبي النزق
أن يتوقفَ عن قرعِ طبولِ الفرحِ لموعدكِ الأزرقِ القادمِ مثل غيمةٍ
خشيةَ أن يوقظَ النميمةَ
أقولُ له أن يكفَّ عن الرقصِ في شوارعِ المدينةِ
مثلَ عاشقٍ مبتديءٍ
خشيةَ أن يعتقلكَ الناسُ في أقفاصِ عيونهم(69/161)
فالحبُّ أو الفرحُ امرأةٌ مشبوهةٌ
يشتهيها ويخافها الجميعُ
توقفْ عن الغناءِ
أيها القلبُ
أنكَ بهذا تثيرُ حفيظةَ كلِّ الذين لا يعرفون الغناء
********
شعراء العراق والشام >> عدنان الصائغ >> مطر
مطر
رقم القصيدة : 63758
-----------------------------------
"السماءُ تنسربُ مطراً
أنا عالقٌ بأفواهكنَّ
أيتها السيداتُ، يا قلوباً من الخلِّ الحادِ"
- الشاعر انطونان أرتو -
(1896 ـ 1948)
......
الشوارعُ مبلّلةٌ وذكرياتي أيضاً
وأنتِ على الرصيفِ، وحدكِ، بمظلتكِ الملوّنةِ
الشوارعُ نايٌ حزينٌ
وقلبي وحدهُ يصغي لمعزوفةِ خطوكِ المطريِّ
بينما تدثّرتِ الأشجارُ الهرمةُ
بشيخوختها الصفراء، ونثارِ البردِ
وبدأتْ تدخنُ بشراهةٍ أحلامَها الخضراءَ الماضيةَ
وتثرثرُ عن الحشائشِ العاقةِ، وزعيقِ السياراتِ،
وأمراضِ الشيخوخةِ، والبردِ، وعبثِ عمالِ الكهرباءِ
أتأملُ - على الرصيفِ المقابلِ - ارتجافَ الغصونِ ولا مبالاتكِ
وخطى العابرين الهاربةِ من المطرِ...
يا للباصِ الذي مرَّ ولمْ يلتفتْ
يا للمطرِ الذي لمْ ينقطعْ عن الغناءِ والشماتةِ
يا لقلبي الذي لم يجففْ قميصَهُ المبلّلَ بكِ
ويالخطاكِ التي...
(رنَّ الهاتفُ...
- هلو...
وتصاعدَ قلبي - فجأةً - كغيمةٍ مجنونةٍ من حنينٍ
- هلو... هلو...
سرعان ما تناثرتْ إلى شظايا من الكريستالِ المحطّمِ
حين امتدَّ الصمتُ طويلاً
وانطبقتِ السماعةُ...
تحسّستُ الأسلاكَ بين أصابعي المضطربة
كانتْ ساخنةً تنبضُ بقوةٍ كشريانٍ مقطوعٍ للتوِّ...
إلى أين أتجهُ بأحزاني
وأنتِ بعيدةٌ عني
لماذا لمْ أقلْ لها ذاك
لماذا لا أقولُ لها أن أيامي رمادٌ
وذاكرتي قاربٌ مثقوبٌ
وقلبي مصعدٌ عاطلٌ
لماذا لا أقولُ لها
يا أجملَ عينين على الإطلاقِ
إنني بلا عينيك لا أستطيعُ أن أكتبَ بيتاً واحداً
(- هلو...
لمْ تنطبقِ السماعةُ هذه المرة
أمتدَ الصمتُ طويلاً
أمتد طويلاً جداً
كانتْ تصغي على الخطِ لصوتِ أنفاسي المتقطّعةِ(69/162)