شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> استرشدوا .. وسدرت
استرشدوا .. وسدرت
رقم القصيدة : 66023
-----------------------------------
ساعِديني على الصَّفاءِ.. على الفَهْم على أَنْ أكونَ عَقْلاً رشيدا!
إنَّني ضائِعٌ أَخافُ من العُقْبى
وأَخْشى أنْ لا أكونَ سيدا!
منذ أَنْ كنتُ يافِعاً وأنا الضَّالِعُ في الإِثْم. وما أَرْعَوِي. وكنْتُ طريدا!
أشْتَهِي أن أكون حَبْراً. وما أقْوى
فما كنْتُ باشْتِهائي عنيدا..!
* * *
قالتِ النَّفْسُ كنْتَ صَنْديدَ أَمْسٍ
قُلْتُ بل كنُتُ يَوْمَه الرِّعديدا!
إنَّني خائفٌ أرى في خَطايايَ
ثعابينَ مَزَّقَتْ لي الوَرِيدا!
ما أراني إلاَّ الشَّقِيَّ الذي يَلْقى
هُنا أَوْ هُناك بأْساً شديدا!
لسْتُ أَشْكو فإنَّني رغْمَ بَلْوايَ
أنا الصَّانِعُ الضَّلالَ البَعيدا!
وأرى حَوْلي الرِّفاقَ وقد كانوا
أسارى لِلْموبِقاتِ عَبيدا!
أَصْبَحوا الرَّاشِدينَ قد سلكوا
الدَّرْبَ وَضِيئا. وغادَرُوني وَحيدا!
ما الذي أَبْتَغِيه مِن مُتَعِ العَيْشِ
إذا كُنَّ عَلْقَماً وصَدِيدا؟!
وأنا الشَّيخُ قد نَهَلْتُ من الوِرْدِ
وما زِلْتُ ظامِئاً مُسْتَزِيدا!
فإلاَمَ السُّدُورُ في الإِثْمِ
ما أَغْنَى فُؤادي عَن أَنْ يَكون عَمِيدا؟!
والنُّهى أَيْنَهَا؟! أكانَتْ لأَصْحابي
ضياءً يَهْدي السَّبِيلَ الحميدا!
ثُمَّ كانتْ لِيَ الظَّلامَ كَثِيفاً
وعذاباً مِن الضَّلالِ مٌبِيدا؟!
يا رِفاقي الذين تابُوا إلى الرُّشْدِ
وعاد القديمُ منهم جَديدا!
عاد طُهْراً ما كانَ عِهْراً. فَلَيْتني
مِثْلَهُمُ بالهُدى اتَّقَيْتُ الوَعيدا!
غَيْرَ أَنِّي سَدَرْتُ حين تَمنَّيْتُ نَجاتي مِمَّا يَحُزُّ الوَرِيدا..!
آهِ مِمَّا يَصُدُّ نَفْسي عن الرُّشْدِ
ويَهْوِي بها وَئِيداً وَئيداً..!
هي مَنْهومَةٌ إلى العَيْشِ صَفْواً
وهي مَنْهُومُةٌ إليه رَغيدا!
والرَّغيدُ.. الرَّغيدُ أَنْ تَبْذُرَ
الخَيْرَ وتَرْجو النَّجاةَ منه حَصِيدا!(63/214)
قُلْتُ لِلنَّفْس أَنْظِريني. فقد
لاحَ بَصِيصٌ أَراهُ يَبْدو وَديدا..!
عَلَّه يَقْشَعُ الظَّلامَ ويَطْوي
مِن دَياجِيه ما يَسُرَّ الحَرِيدا!
أَغْلَقَ الإِثْمُ من وَصِيدي. فَما
أَمْلِكُ أَمْرِي. وما أَذَلَّ الوَصِيدا!
كنْتُ فيه وما أرى غَيْرَ عَيْنَيْنِ تُذيبانِ بالفُتُورِ الحديدا!
وأَرى قامةً تَمِيسُ فَتُشْقِيني
وثَغْراً يَسيلُ شَهْداً. وجِيدا!
ما الذي أَسْتَطِيعُه وأنا
المُثْخَنُ.. إلاَّ الخُضُوعَ البليدا..!
لو أَسالَتْ دَمِي الحُروبُ المَجيداتُ ويا لَيْتَها لَكُنْتَ الشهيدا!
غَيْرَ أَنِّي عَبْدُ الخَطايا أضَلَّتْ
مِن حَياتي طَرِيفها والتَّليدا!
وبدا ذلِكَ البَصِيصُ فأجْهَشْتُ لَعلَّ البَصِيصَ يُدْنِي البَعيدا!
* * *
أنا يا ذاتَ جَوْهَرِي وكياني
شاعِرٌ عَقَّ بالجُنوح القَصيدا!
كان حُلْوُ النَّشِيدِ طَوْعَ يَراعي
وحَناياي. فاجْتَوَيْتُ النَّشيدا!
لِمَ.. كانَ النَّشِيدُ يَشْدو بِآمالِ
عِذابٍ. وكان دُرّاً نَضِيدا!
ثم أصْغَيْتُ لِلْهوى ودَواعِيهِ
فما عُدْتُ شاعِراً غِرِّيدا..!
فأَعِيدي إِلَيَّ ما كان بالأَمْسِ
بآلائِكِ العِظام.. فَريدا!
واجْعَلي ذلكَ البَصِيصَ يُدانِيني
يُعِيدُ الشّيْخَ القَوِيَّ وَلِيدا!
زَلَقاً عادَ لي الصَّعِيدُ وقد
أَغْرَقُ فيه.. فَجَفِّفي لي الصَّعِيدا!
لأِْلِئِي بالشُّموسِ في غَيْهَبِ
الرُّوحِ وإلاَّ كنْتُ الضَّلولَ العَتِيدا!
إنَّني أسْتَمِدُّ مِنْكِ عَطايايَ
وأرْجو أنا المُنِيبُ.. المَزِيدا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الملاك
الملاك
رقم القصيدة : 66024
-----------------------------------
بشْرى وأنتِ أَحَبُّ بُشْرى
إنِّي لأَنْشُقُ منكِ عِطْرا!
كالوَرْدَةِ الفَيْحاءِ من الرَّوْضِ
النَّضير كنَجْمَةٍ تَخْتال كِبْرا..!
سَمْراءُ تَحْسَبُها العُيونُ
إذا رأَتْها التَّمَّ بَدْرا..!
يُرْضِيكَ منها ما اسْتَبانَ
كما يَشُوقُكَ ما اسْتَسَرَّا!(63/215)
يا مِصْرُ كم أَوْلَيْتِنا
مِنَنا فَنَحْن نُحِبُّ مِصْرا!
* * *
يالَ الجمالِ المُسْتَطِيلِ بِسِحْـ
رِهِ طَوْعاً وقَهْرا...!
القلْبُ يَشْكو مِن هواهُ
يُذِيبُهُ والعَيْنُ سكْرى!
لا تَرْشُقيني بالسِّهامِ
فإنَّ لي في الحُبِّ عُذرا!
أَوْ تُسْدِلي دُوني السِّتارَ
فما أَطِيقُ اليَوْمَ سِتْرا!
فَسَتَكْسَبِينَ إذا اصْطَفَيْتِ الشَّاعِرَ المَفْتُونَ أَجْرا!
* * *
قدَري فقد ودَّعْتُ دُنْيا
الحُسْنِ.. وُجْداناً وفِكْرا!
ومَضى اليَراعُ يُشِيحُ
عنها واجتوى وَرَقاً وحِبْرا!
ولَبِثْتُ في دُنْيا التَّنَسُّكِ مِن سنيني البِيْضِ عَشْرا!
لا هَمَ لي في الغِيدِ بَلْ
أَمْسَيْنَ لي أَطْيافَ ذِكْرى!
ورأَيْتُها يَوْماً.. رَأَيْتُ
وَسامَةٌ. ورأَيْتُ طُهْرا!
لَيْسَتْ كباقي الغِيدِ حُسْناً
باهِراً.. يَفْتَنُّ سِحْرا!
يُخْفي القُيُودَ وراءَ رِقَّتِهِ
ويُبْدي اللُّطْفَ مَكْرا!
يَهْوى التَّحكُمَّ في القُلوبِ. وَيَشْتَهِي رِقّاً وأَسْرا!
* * *
لكِنَّها كانتْ مَلاكاً
يَمْلِكُ الحُسْنَ الأَغَرّا!
ويَضُمُّ في بُرْدَيْهِ عِلْماً
يَزْدَهي.. ويَضُمُّ فَخْرا..!
لَذَهِلْتُ منها وازْدَهَيْتُ
بِكُنْهِها سِرّاً وجَهْرا..!
فَكَّرْتُ في الرُّجْعى إلى الحُبِّ
الطَّهُورِ.. وكان أَحْرى!
لاقَيْتُ رِبْحاً بَعْدما
جَرَّبْتُ ما قد كانَ خُسْرا!
* * *
يا مُنْيَةَ الفِكْرِ الشَّغُوفِ
لقد أَحَلْتِ العُسْرَ يُسْرا!
نُذُري اللَّواتي قد عَبَثْنَ
بِمُهْجَتي.. أَمْسَيْن بُشْرى!
يا جَنَّتي العَذْراءُ بُلْبُلُكِ
المُغَرِّد شادَ وَكْرا!
مِن حَوْلِه الأَزْهارُ تَعْبِقُ
والغَدِيرُ يَسِيلُ. والأَنْغامُ تَتْرَى!
أَفَلا أَكُونُ به السَّعيد
وقد أطِبْت له المَقرَّا؟!
أنا سوف أَبْقى المُسْتهَامُ المُرْتَضِي وَصْلاً وهَجْرا!
إن كانَ حُلواً في المَذاقِ
يَلَذُّني.. أَوْ كانَ مُرَّا..!
* * *(63/216)
يا قَلْبُ كم لاقَيْتَ في الصَّبَواتِ مِن كَسْرٍ. وكم لاقَيْتَ جَبْرا!
ولقِيتُ مِنه نُحاسَهُ
صَدِئاً. ومنه لَقِيتَ تِبْرا..!
فاهْنَأْ بِحُبِّكَ تَصْطَفِيه
ويَصْطَفِيكَ اليوم ذخرا..!
وقُلِ السَّلامَ على الرُّفاتِ يَضُمُّ في الظُّلُماتِ قَبْرا!
فلقد أَشَدْتَ بِما شَدَوْتَ
لِمن رَضِيتَ هَواهُ قَصْرا!
هذا القَرِيضُ المُسْتَفِيضُ
تروضه مَدّاً وجَزْرا!
أَغْلا وأَنْفَسُ من كُنُوزِ
الماسِ والإِبْرِيزِ.. قَدْرا!
المَجْدُ لِلشِّعْرِ الرَّفيعِ
وقد مَهَرْتَ الحُبَّ شِعْرا!
* * *
أحَبِيبَةَ الغِرِّيدِ في العَلْياءِ
هَلاَّ قُلْتِ لِلْغِرِّيدِ شُكْرا؟!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> وهم الخلود
وهم الخلود
رقم القصيدة : 66025
-----------------------------------
تذكَّرتُ أيَّاماً مضَتْ ولَيالِيا؟!
قَضَيْتُ بها كِفْلاً من العُمْرِ حالِيا!
تَملَّكْنَ منِّي نُهْيَتي وحَشاشَتِي
وأَنْسَيْنَني ما كان عَذْباً وغالِيا!
وأَنْسَيْنَني حتى أُهَيْلي ومَعْشري
فما عُدْتُ إلاَّ عاشِقا مُتَصابِيا!
وما عُدْتُ إلاَّ مُسْتَهِيماً بِخُرَّدٍ..
من الغِيدِ أَصْبَحْنَ الهوى المُتَفانِيا!
زَمانٌ تَوَّلىَّ ليتَهُ كانَ باقِياً..
ويا لَيْتَهُ كانَ الزَّمانَ المُوالِيا!
كَأَنِّي به كنْتُ المَلاكَ الذي ثَوى
بِفِرْدَوْسِهِ يَرْجو الخُلودَ المُصافِيا!
فَلَمْ أَبْقَ مَخْلُوقاً مِن الأُنْسِ راجِياً
حُطاماً ومَجْداً.. بل غَدَوتُ المُجافِيا!
كِلا اثْنَيْهِما كانا لَديَّ تَفاهَةً
أَمامَ الهوى يُزْجِي إليَّ الأمانيا!
وكُنَّ حِساناً شامِخاتٍ بعزَّةٍ
مِن الحُسْنِ ما يَخْتارُ إلاَّ العَواليا!
إذا اخْتَرْنَ لم يَخْتَرْنَ إلاَّ مُجَلِّياً
وإلاَّ كَرِيمَا يَسْتَطِيبُ المجانيا!
له وَحْدَهُ أَلاؤُهُنَّ سَخِيَّةً
تُضِيءُ حَوانِيهِ فَيُشْجِرَ المغانِيا!
بِشِعْرٍ إذا ما صاغَهُ جَوْهَراً
فَآياتُهُ تروي القلوب الصواديا!(63/217)
له القَوْلُ مِطْواعٌ كبِئْرٍ مُنَضَّر
فَيُطرِبُ ألفاظاً. ويَسْمو مَعانيا!
وما ابْتَذَلَتْ مِنْهُنَّ قَطُّ خَرِيدةٌ
ولا واصَلَتْ إلا الكَمِيَّ المباهيا!
* * *
وقُلْتُ لإحداهُنَ يَوْماً وقد رَنَتْ
إليَّ بِشَوْقٍ يَسْتَرِقُّ الحَوانِيا!
أَلَيْسَ لِما تَطْوِينَه مِن نِهايةٍ
تُخِيفُ. وتَطْوِي لِلْقُلوبِ العَوادِيا؟!
فقالتْ. وقد أَذْرَتْ دُمُوعاً سَخِينَةً
تشِفُّ عن الحُبِّ الذي كانَ ضاريا!!
لقد كِدْتُ أَنْسى في هَواكَ كَرامَتِي
وإنْ كانَ عَقْلي في الهوى كان هادِيا!
وإنْ كُنْتُ لم تَنْسَ العَفافَ فَصُنْتَني
وآثَرْتَ مِنِّي عِفَّةً وتَدانِيا!
أراكَ كَروُحي بَلْ وأَغْلا مَكانَةً
فكيف لِصادٍ أَنْ يَعافَ السَّواقِيا؟!
* * *
وَمَرَّتْ بِنا الأَيَّامُ ثم تَنكَّرَتْ
فيا لحياةٍ تَسْتَطِيبُ المآسِيا!
تَرُدُّ بِها العاني إلى اللَّهْوِ عابِثاً
وتَمْسَخُ مِن أَحرارِهِنَّ غَوانِيا!
* * *
............... بعْدَ تَرَهُّبي
وبَعْدَ اعْتِيادِي أَنْ أرى الرَّوْضَ ذاويا!
وقد عَرَفَتْ مِنِّي الذي كانَ حاضِراً
كما عَرَفَتْ مِنِّي الذي كانَ ماضَيا!
تَأَنَّ.. فَما كُلُّ الحِسانِ كَمِثْلِها
ودَعْ عَنْكَ أَيَّاماً مَضَيْنَ خَوالِيا!
فَإنَّ لك الحُسْنى لدَيَّ فَصافِني
تُصافِ فُؤاداً مِنكِ يَرجو التَّلاقيا!
يَعيشُ زَماناً بالمُنى تَسْتَفِزُّهُ
إِليكَ وتَرْضى في هَواكَ الدَّواهِيا!
عَرَفْتُ بِما لاقَيْتُ منها فَسَاءَنِي
وما هي قد لاقَتْهُ. فارْتاحَ بالِيَا!
لقدْ رَثَّ مِنْها ما ازْدَهَتْ بِجَدِيدِهِ
وقد نَدِمَتْ مِمَّا أَشابَ النَّواصِيا!
وقد بَلَغَتْ بالحُزْنِ أَقْصى مَجالِهِ
وعادَتْ كَمِثْلِ الضَّلِّ يُدْمي المآقيا!
فَلا تَبْتَئِسْ. إِنِّي الوَفِيَّةُ في الهوى
وإنِّي به أَدْرى. أَجْلى مَرائِيا..!
أُحِبُّكَ حتى ما أَراكَ سِوى الرُّؤى
تَطِيبُ وتَحْلو أَيْنَما كُنْتَ ثاوِيا!
* * *(63/218)
فقُلْتُ لها.. كُفِّي فَإِنِّي مُرَزَّأٌ
فلَنْ أَسْتَوِي في مَرْبَع الحُبِّ ثانيا!
لَسَوْفَ سَتَسْلِين الهوى وسِفاهَهُ
وسَوْفَ سَتَلْقِينَ الهوى عَنْكِ ساليا!
تَظُنِّينَ مِثْلي أَنَّ حُبَّكِ خالِدٌ
وكلاَّ. فَمُذْ كانَ الهوى. كان فانِيا!
* * *
أدُنْيايَ ما أَحْلا الحَقِيقةَ في النُّهى
وفي الحِسِّ. ما أَنْكى الخَيالَ المُداجِيا!
وقد كنْتُ -وَيْحي- شاعراً مُتنَكِّباً
هُدايَ. فإِنْ عُوتبْتُ كنْتُ المُلاحيا!
أَرى واقِعي رَوْضاً فَأصْدِفُ سالِكاً
قِفار خَيالٍ مُسْرِفٍ.. وفيافيا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> تهاويم
تهاويم
رقم القصيدة : 66026
-----------------------------------
لسْتُ أدْرِي أنا المُغَرِّدُ في الرَّوْضِ
حَزيناً على الأَليفِ المُغادِرْ؟!
مَن أَنا؟! قَبْلَ أَنْ أَكونَ مِن النَّاسِ
شَجِيّاً بما يُثِيرُ الخواطِرْ؟!
مُنْذُ أن كنْتُ في القِماطِ.. دِمائي
قائِلات تَوَقَّ عَصْفَ المخاطِرْ!
وبدا لي صِدْقُ المقالِ.. صَبِيّاً
وَفتِيّاً يَطْوِي السِّنينَ الهواصِرْ!
ثُمَّ شيخاً بَلا الزَّمانَ فأَبْلاهُ
وأَبْلا يراعَهُ والقماطِرْ..!
لم يَعُدْ باقِياً له سوى الحَشَفِ
البالي ومِن حَوْلِه الحَوالي النَّوامِرْ!
* * *
لَتَخيَّلْتُ أنِّي كنْتُ من قَبْلُ
عَظِيماً مُسَوَّداً في العشائِرْ..!
وله صَوْلَةٌ.. وفيه مَضاءٌ
يَتَحدَّى بها اللَّيُوثَ الكواسِرْ!
هكذا ظَلَّ فَتْرَةً.. ثم أَمْسى
بَعْدَها مضغة الجُدُود العَواثِرُ!
يَتَدَهْدى بَيْن الأَنامِ.. فهذا
يَتَّقِيهِ. وذاك يَرْثي المصائرْ!
ومَضَتْ فَتْرةٌ عليه فَأَلْفى
نَفْسَه ثاوِياً بإِحْدى الحظائِرْ!
فَرَساً غالِياً على الصَّاحِبِ الفارِسِ يَزْهو بِسَبْقِهِ ويُفاخِرْ!
مَرّ حِينٌ عليه كالْماسِ.. كالتِّبْرِ.. فما يَقْتَنِيه غَيْرُ الأكابِرْ!
وكبا مَرَّةً.. فَعادَ حُطاماً تَتَّقِيهِ مِن الهوانِ النَّواظِرْ!
* * *(63/219)
وتمادى الزَّمانُ في سَيْرهِ الرَّاكِضِ
قَرْناً مِن بَعْدِ قَرْنٍ طَوِيلِ!
فإِذا بي أَغْدو هِزَبْراً بِرَغْمي
ذا نيُوبٍ.. ومخلب قتال!
كانَ قَلْبي رِخْواً فَعادَ صَلِيباً
لا يُبالي بِرُشْدِهِ والضَّلالِ!
يَنْهَشُ الوَحْشَ والأُناسَ
ولا يَحْفَلُ إلا بالزَّوْجِ والأَشْبَالِ!
كم تَلَذَّذْتُ بالفَرِيسَةِ تَغْدُو
في فَمِي مَطْعَماً بِهَوْلِ اغْتِيالي..!
* * *
وتَحَوَّلْتُ بعد ذلكَ صَقْراً
جارِحاً يَذْرَعُ السَّماءَ اقْتِحاما!
فإذا ما رآهُ طَيْرٌ تَوَلَّى
خِيفَةً مِنْه أَنْ يكونَ طَعاما!
وهو يَنْقَضُّ كالمنَايا على الطَّيْرِ
وقد يُورِدُ الظِّباءَ الحِماما!
أَتُراهُ يَرى الرزايا فَمَا يَرْحَمُ
رُزْءاً؟ أَمْ أَنّه يَتَعامى؟!
* * *
ثم شاءَ الزَّمانُ ضَعْفي فَأَصْبَحْتُ به بُلْبُلاً شَجِيَّ الغناءِ!
لي أَلِيفٌ من العُشّ يَشْدُو كما أَشْدو. ونَحْيا في رَوضة غَنَّاءِ!
تَحْتَنا النَّخْلُ والأَزاهِيرُ والماءُ
ومِن فَوْقِنا صَفاءُ السَّماءِ!
غَيْرَ أَنَّا نَخافُ من جارحِ الطَّيْرِ
ونَخْشى التَّحْلِيقَ عَبْرَ الفضاءِ!
* * *
لَم أكُنْ أَشْتَهي سوى العَيشِ في الرَّوْضِ. طَليقاً مع الأليف الحبيب!
آهِ. لَوْلا الصّقُورُ تَنْقَضُّ بالموْتِ
على البُلْبُلِ الشَّجِيِّ الكئِيبِ!
لَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَعِيشَ مَدى العُمْرِ طَرُوباً بالشَّدْوِ والتَّشْبِيبِ!
بُلْبُلاً ناعِماً.. وما يَعْرِفُ الخَوْفَ
ولكِنْ ما كانَ هذا نصيبي..!
* * *
قَدَري شاء أَنْ لأَعُودَ إلى العَيْش
كما كنْتُ آدِميّاً.. لَهِيفا!
لأَرى حَوْليَ المآثِرَ تُقْصِيني
وتُدْني لها اللَّبِيبَ الحصيفا..!
وأنا أَشْتَهِي المآثِرَ لَوْلا
أَنَّني لم أَكُنْ أَمِيناً عفيفا..!
يا حَياتي لو أَنَّني أَمْلِكُ الحوْلَ
لما كُنْتُ مُسْتَكِيناً ضَعِيفا!
إنّني أَنْشُدُ الرَّبِيعَ. فما تُبْصِرُ عَيْني الحَوْلاءُ إلاَّ الخَريفا!(63/220)
فَلَعَلِّي أَنالُ يَوْماً من القُوَّةِ
ما يَجْعَلُ الصَّفِيقَ شفيفا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الشباب .. والشيخوخة
الشباب .. والشيخوخة
رقم القصيدة : 66027
-----------------------------------
أَيُّهذا الإِيمانُ أَسْعَدني اليَوْمَ
ونَجَّى مِن الخُطُوبِ الثِّقالِ..
أنْتَ فَضْلٌ مِن الإلهِ ورِضْوانٌ
فَحَمْداً لِرَبِّنا ذي الجَلالِ
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الحسن الطهور
الحسن الطهور
رقم القصيدة : 66028
-----------------------------------
تخَيَّلتُها حُسْناً وطُهْراً تَمازَجا
فَعادا إلى لَوْنٍ من الحُسْنِ مٌفْرَدِ!
وأبْصَرْتُها فارْتاعَ قَلْبي بِمَشْهَدِ
يَرُوعُ ويَطْوى دُونَه كلَّ مَشْهَدِ!
سلامٌ عليها وهي تِشْدو كبُلْبُلٍ
سلام عليها. وهي تبْدو كَفَرْقَدِ!
تَمثَّلْتُها توحي وتلهم شاعراً
فَيَسْمُوا إلى أَوْج القَصيدِ المُردَّدِ!
ويَحْسِدُها أَتْرابُها فهي غادَةٌ
تَتِيهُ بِحُسْنِ اليَوْمِ والأَمْسِ والغَدِ!
فما تُنْقِصُ الأَيَّامُ مِنْها غَضارةً
إذا لم تَزِدْها مِن سَناً مُتَجدِّدِ!
لعلَّ لها من شَجْوِها وشُمُوخِها
أَماناً.. فَتَبْقى فِتْنَةَ المُتَوَجِّدِ!
* * *
وقُلْتُ لها. وقد جارَ حُسْنُها
عَليَّ فلم أَعْقَلْ ولم أَتَرَشَّدِ!
متى سَتَفُكِّينَ الإِسارَ فإِنَّني
أُرِيدُ انْطِلاقي في طريقٍ مُعَبَّد؟!
إلى الحُسْنِ لا يَطْوِي المشاعرَ والنُّهى
ولا يَتَخَلىَّ عن أَسيرٍ مُصَفَّدِ..!
فقالَتْ وفي أَعْطافِها الغَيُّ والهُدى
يَجِيشانِ في قَلْبٍ عَصيٍّ مُهَدِّدِ!
أتَقْوى على هَجْري. وأَنْتَ مُتَيَّمٌ؟!
وتَهْفوا إلى حُسْنٍ رَخيصٍ مُعَرْبِدِ؟!
أَتَرْضى بِأَنْ تَهْوى النُّحاسَ وقد صبا
فُؤادُكَ للحسن الوضي كَعَسْجَدِ؟!
إذا كان هذا كنْتَ أَفْدَحَ خاسِرٍ
بِرَغْمِ الهَوى الجاني عليْكَ. المُنَدِّدِ!
لَشَتَّانَ ما بَيْنَ الهوى يَنْشُدُ اللُّهى(63/221)
وبَيْنَ الهوى يَرْمي إلى خَيْرِ مَقْصِدِ!
فأطْرَقْتُ مِن صِدْقِ المَقالِ مُجَمْجِماً... بما كان يُرْضِيها.. ولم أَتَرَدَّدِ!
غُلِبْتُ على أَمْري. وما كنْتُ عاجِزاً
عن الرَّدِّ لكِنَّ الهوى كانَ سَيِّدي!
وكنْتُ له عَبْداً مُطِيعاً ولو قَسا
ظَلوماً. فما يُجْدِي على تَمَرُّدي!
وما كان يُجْدِيني اعْتِزامي وسَطْوتي
ولا كان يُجْدِيني حطامي وسُؤْدَدِي!
وما حَفَلْت يَوْماً بِشَجْوي وصَبْوَتي بَلى
أَفكانَتْ ذاتَ قَلْبٍ كَجَلْمَدِ؟!
قضاءٌ يَرُدُّ الحُسْنَ في النَّاسِ سَيِّداً
وعاشِقَهُ المُضْنى به غَيْرَ سَيِّدِ!
ولو كانَ فيهم عَبْقَرِياً مُسَوَّداً
وإلاَّ كَمِيّاً ضارِباً بِمُهَنِّدِ..!
* * *
دَعَتْني إلى الرَّوْضِ النَّضِيرِ ثِمارُهُ
وأَزْهارُهُ.. كَيْ يَسْتَقِرَّ تَشَرُّدي!
وثَنَّتْ يَنابِيعٌ تَجِيشُ بِسَلْسَلٍ زُلالٍ
وقالَتْ مَرْحَباً أيُّها الصَّدي!
هُنا العُشُّ والإِلْفُ الطَّرُوبُ مُغَرِّداً
يَحِنُّ إلى إِلْفٍ طَرُوبٍ مُغَرِّدِ!
هَلُّمَّ إلَيْنا عاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ
وطَرِّبْ وأَسْعِدْنا بِشَدْوِكَ نَسْعَدِ!
* * *
وفَكَّرْتُ هل أُصْغِي إلى الصَّوْتِ حافِلاً بِنَجْوى. وآتِيهمْ على غَيْرِ مَوْعِدِ؟!
إلى العَيْشِ يَصْفُو لا يُكَدِّرُه الورى
فأغدو به نَشْوانَ غَيْرَ مُحَسَّدِ؟!
أُناغي به رَوْضاً وطَيْراً وجَدْوَلاً
وإلفاً وَفِيّاً ما يُسَهِّدُ مَرْقَدي!
فَلَيْسَ بِخَوَّانٍ. ولَيْسَ بناكِثٍ
ولَيْس بِصَخَّابٍ. وليْس بِمُعْتَدي!
نَعيشُ. وما نَشْقى بِرَبْعٍ مُشَيَّدٍ
على الحُبِّ.. من أَمْنٍ نَرُوحُ ونَغْتَدي!
* * *
لقد كانَ حُلْماً يُسْتطابُ به الكرَى
ويسْعَدُ منه ناعِسٌ غَيْرُ مُسْعَدِ!
ونَنْعَمُ بالآلاءِ فيه سَخِيَّةً
ونَحْظى بِشَمْلٍ فيه غَيْر مُبَدَّدِ..!
صَحَوْتُ فأشْجَتْني الحياةُ كئِيبَةً
بِصَحْوٍ.. فما أَشْقاكَ يا يَوْمَ مَوْلِدي!(63/222)
وقُلْتُ عَسى أَنْ تَذْكُرَ الغادَةُ.. الشَّذى قَصِيداً بها يَشْدو كَدُرِّ مُنَضَّدِ..!
فَحَسْبي بِذِكْراها جَزاءً.. وحَسْبُها
بِشِعْري خُلوداً عَبْرَ شِعْرٍ مُخَلَّدِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الراحل المقيم
الراحل المقيم
رقم القصيدة : 66029
-----------------------------------
رحلْتَ وخلَّفْتَ الرّفاقَ بواكياً
عليك وكانوا بالقوافي شوادِيا!
وكانوا وما زالوا إليك صوادِياً
فَمَنْ ذا الذي يَسْقي ويَرْوِي الصَّواديا؟!
ومَن ذا الذي يُرْضِي الحواضِرَ كلَّهم
ومَن ذا الذي من بَعْدُ يُرْضي البواديا؟!
لقد كنتَ في دُنْيا المَشاعِر صاحياً
وما كنْتَ في دُنْيا المشاعِر غافيا!
وكنتَ المُجَلِّي في السِّباقِ وإنَنِّي
سأَغْدو والمُصَلِّي أَيْنَما كنْتُ ثاوِيا!
كفَرْعَيْنِ كنَّا دوْحُنا مُتَطاوِلٌ
بِرَوْضٍ نضيرٍ لم يَكُنْ قَطُّ ذاوِيا!
إلى أن دعا داعي المنية مُرْجِفاً
فَلبَّيْتَ ما أقْسى وأَحْنى المُنادِيا!
وسوف ألَبِّيه قريباً وانْثَنى
إليك كنَجْمَيْنِ الغداةَ تَواريَا!
* * *
أَرَبَّ القَوافي العُصْمِ. أَصْبَحْتَ خالِداً
فما كنْتَ مِهذاراً ولا كنتَ لاهِياَ
ولكنَّه الجِدُّ الذي شَرُفَتْ به
معانِيكَ حتى نَوَّلتْكَ المعاليا!
فَجُبْتَ الذُّرَى حتى افْتَرَعْتَ سنامَها
وجابُوا سُفوحاً أَمْحَلَتْ وفيافيا!
إذا العبقريُّ الحقُّ غاب تطاولتْ
مآثِرُهُ بين الأنام حوالِيا!
وغاب أُناسٌ قبله ثم يعده
فكانوا فَقاقيعَ الشَّرابِ الطَّوافِيا!
وكنْتَ كَمِثْلِ النَّجْم يَسْطَعُ سَرْمَداً
فَيًسْعِدُ أيَّاماً لنا وليالِيا!
وقد كنتَ فَذّاً في الرجال مُسَوّداً
بِفِكْرٍ إذا جَلَّى أضاء الدواجيا!
وكان عَصِيُّ الشِّعرِ يُلْقي قِيادَه
إليك ويَدْنو منه ما كان نائيا!
ونَعْجَزُ عن بعض القريض ويَسْتَوِي
لديك مُطِيعاً أحْرُفاً ومعانِيا!
فَتَخْتارُ منه ما تشاء قصائداً
تَسُرُّ حنايانا وتُذْرِي المآقِيا!(63/223)
وها كنتَ مِجداباً وما كنت مُصْفياً
كما زعموا بل كنتَ كالنَّهر جاريا!
ولكنَّكَ اخْتَرْتَ السَّكوتَ تَرَفُّعاً
عن الهَزْل يُزْجِيه الشَّعارِيرُ هاذِيا!
ولَيْتَكَ لم تَسْكُتْ فأنَّى
لِبُلْبُلٍ سكوتٌ فقد يُدْمي السكوتُ الحوانيا!
* * *
لقد كان بالشَّدْوِ الرَّخيم مُداوِياً
وكان به نَجْماً إلى الدَّرْبِ هادِيا!
رعاكَ الذي أَسْدَى إليك ولم تكُنْ
جَحُوداً فأسْدَيْتَ الأماني الغواليا!
لَشَتَّانَ ما بَيْنَ الثَّرى مُتَطامِناً
وبَيْنَ الثُّرَيَّا.. حِطَّةً وتعالِيا!
* * *
تَذَكَّرْتُ ما كُنَّا بِه من تآلُفٍ
حَبِيبٍ ولم أَذْكُرْ قِلًى وتَجافِيا!
وكيف وما كنْتَ العَزوفَ عن الهُدى
ولا المَجْد يوماً فَاسْتَبَنْتَ الخوافِيا!
وما كُنْتُهُ يوماً فَعِشْنا. تآخِياً
كريماً يُمَنِّينا وعِشْنا تَصافيا!
وما كنْتُ أَرجو أَنْ تَرُوحَ وأَسْتَوِي
بِرَبْعي حزيناً دامِعَ العيْنِ راثِيا!
ولكنَّه حُكْمُ القضاءِ.. وما لنا
سوى الصَّبْرِ مِعْواناً. سوى الصَّبْرِ آسِيا!
يُخَبِّرُني أَنَّني. سأَلْقاك في غَدٍ
فيَلْقى كِلانا مِنَّةً وأَياديا!
ونَلْقى مِن الله الكريمِ تَجاوُزاً
ونَلْقاهُ رحْماناً.. ونلْقاه راضيا!
تباركْتَ رَبِّي.. ما أَجَلَّكَ حانِياً
علينا.. وإنْ كُنَّا غُواةً ضوارِيا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> حلق .. ثم هوى
حلق .. ثم هوى
رقم القصيدة : 66030
-----------------------------------
أَذْكَرْتِنيهِ ماضِياً مُشْرِقاً
يُضِيءُ بالحُسْنِ ودَلَّ الحِسانْ!
كنْتُ به الغِرْنيقَ أَمْشِي على
زَهْوٍ.. وأَشْتَمُّ شذى الأُقْحُوانْ!
يدِينُ لي الحُسْنُ. وما يَنْثَني
عنِّي. ولا يَمْلِكُ منِّي العِنانْ!
أنا الذي أَمْلِكُهُ لاهِياً..
به. وما تَنْدى له المُقْلَتانْ!
* * *
تَقولُ هِنْدٌ وهي أَحْلا المُنَى
بَيْنَ الغَوانِي.. وهي أَغْلا الجُمانْ!
تَقولُ لي وهي على سَطْوَةٍ(63/224)
مِن حُسْنِها العاتِي.. إِلامَ الحِران؟!
أما تَرى العُشَّاق حَولي وما
أَطْوَعَ منهم يَفُتُّ مِنِّي العِنان؟!
أَلَسْتَ ذا قَلْبٍ يُحِبُّ اللُّهى
من الشَّوادِي. ويُحِبُّ الدِّنانْ؟!
* * *
قُلْتُ لها يا هِنْدُ إنِّي الفَتى
أَصْبُو إلى العِزِّ. وأُغْلي الرِّهانْ!
أعْنُو إلى الحُسْنِ. وأَهْفُو لَهُ
وأَشْتَهِي منه الجَنى والحنانْ!
ما لم يَشَأْ مِنِّي إذا ما اسْتَوى
بَيْنَ الحنايا الخافِقاتِ.. الهوانْ!
فإِنَّني حِنَئِذٍ أجتوي..
ولا أُبالي منه بالصَّوْلَجانْ!
* * *
كم غادَةٍ يا هِنْدُ لم أَسْتَجِبْ
لِسِحْرِها. فاسْتَنْجَدَتْ بالدُّموعْ!
ثم اسْتَجابَتْ هي لِلْمُجْتَوَي
لتَسْتَوِي بَيْن الحَشا والضُّلوعْ!
كُنْتُ أنا يَوْمَئِذٍ باذِخٌ
أَشْدو بِشِعْري فَتَمُوجُ الرُّبوعْ!
أَجْمَعُ ما بَيْنَ السَّنا والصِّبا
وأَرْتَوِي رِيَّ الطَّموح الوَلُوعْ!
مِن كُلِّ يَنْبُوعٍ. فما أَنْثَني
عنه.. وأَسْلُوهُ وأَطْوِي القُلُوعْ..!
لكِنَّه يَنْظُرُ لي في أَسًى
لأَنَّني آثَرْتُ عنه النُّزُوعُ!
هذا أنا يا هِنْدُ قَبْلَ الونى
والحُزْنِ يَكْوِى. وانْطِفاءِ الشُّمُوعْ!
الواغِلُ المِقْدامُ أَمْسى لَقاً
والوامِقُ الجَبَّارُ أَمْسى الهَلُوعْ!
فيا لَهُ مِن زَمَنٍ خادِعٍ
وما لَنا يا هِنْدُ إلاَّ الخُضُوعْ!
ما يَنْفَعُ السُّخْطُ ولكِنَّني
سَخِطْتُ وَيْلي من ألِيمِ الوُقُوعْ!
فأَمْعَنَ الدَّهْرُ. وزادَ الكَرى
عَنِّي فلم أهْنَأْ بطيب الهُجُوعْ!
أَوَّاهِ مِن هَوْلِ نُزُولي إلى..
قاعِي. وأَوَّاهِ لِحُلْوِ الطُّلُوعْ
* * *
مَكَثْتُ في القاعِ وقد صَدَّني
عن الهوى شَيْخُوخَتي الضَّاوِيَهْ!
واسْتَنْكَرَ الغِيدُ رُؤى شائِبٍ
تَدِبُّ رِجْلاهُ إلى الهاوِيَهْ!
يَهْرِفُ بالحُسْنِ. وقَدْ هَالَهُ
منه عُزُوفٌ يُؤْثِرُ العافِيهْ!
يَحْلَمُ بالأَمْس.. أَلَمْ يَنْتَهِكْ
في أَمْسِهِ الأفْئِدَة الباكِيَهْ؟!(63/225)
أطاعَهُ الحُسْنُ فَلَمْ يَحْتَفِلْ بالحُسْنِ في أَرْدَانِهِ الزّاكِيَهْ!
فكيف يَرْجُو اليَوْمَ مِنْه النَّدى؟!
وكيف يَرْجُو الدَّمْعَةَ الآسِيَهْ؟!
كَلاَّ. فما أَجْدَرَهُ بالْقِلى..
والصَّدِّ.. بل بالضَّرْبَةِ القاضِيَهْ!
* * *
وأَذْعَنَ الشَّيْخُ لأَقْدارِهِ
مُسْتَسْلِماً لِلْحِكْمَةِ الهادِيهْ!
رَدَّتْهُ لِلرُّشْدِ الذي خانَهُ
بالأَمْسِ. في أَيَّامِهِ الخالِيَهْ!
الشَّاعِرُ الموهوب أَصْفى فَما
يَشْدو رِضاً.. واسْتَقْصَتِ العَافِيَهْ!
وانْفَضَّ عنه الحُسْنُ لا مُلْهِماً
قصائِداً.. حانِيَةً.. ضارِيَهْ!
رَأَيْتُهُ مُسْتَعْبِراً نادِماً
في قاعِهِ.. من الظُّلْمَةِ الداجيهْ!
فَقُلْتُ يالَ النَّاسِ من غايَةٍ
كهذِهِ.. ناضِرةٍ.. ذاوِيَهْ!
* * *
يَسْتَعْصِمُ الغَيْبُ بِأَسْتارِهِ
فما نَرى أَسْرارَهُ الخافِيهْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> وهوى نجم
وهوى نجم
رقم القصيدة : 66031
-----------------------------------
في رثاء الشاعر حسين سرحان
أسيلوا عليه الدمعَ.. فهوَ بهِ أجْدَى
ولا تَذْخرُوا شكراً.. ولا تذْخروا حَمْدا
فقدْ كان ذا فضْلٍ.. وقد كان ذا هُدىً
يُفيضان للعافين من رَبْعِه رفْدا
ولا قوْلَ إلاّ هدْيُه مترسِّلاً
ولا فعْل إلا رُشْدُهُ الجَمُّ.. مُمْتدّاً
وقدْ كان لا يَسْتشعرُ الفخْرَ بيننا
ولكنّه يستشعرُ الحبَّ والزُّهْدا
ويُغْضِي عن الذمِّ اللئيمِ. ولا يَرى
لصاحبه الجاني عليه به حقْدا!
* * *
أأَحمدُ.. كنتَ الرّوضَ فينا.. ثمارُه
وأزهارُه كانت لنا النّفْحَ والرّغْدا
فَصوَّحَ هذا الرّوْضُ.. جَفَّ نَميرُه
فلمْ نَلْقَ طعْماً لذّ فِيهِ ولا وِرْدا
لقد كنتَ فيه بُلبلاً مُتَفَرِّداً..
بأَنْغامِه يُشْجِي بها المجْدَ والوَجْدا
فأجْدبَ هذا الرّوْضُ بَعْدكَ باكياً
على طيرهِ الشادِي الذي سكَنَ اللّحْدا
ونحْنُ كمِثْلِ الطّيْرِ نشكُو فِراقَهُ
حنيناً إليهِ.. في المَراحِ وفي المَغْدَى(63/226)
ونَذْكُرُه فينا شَذىً متضوِّعاً
يفوحُ.. فيَسْتَهْدِي به السائرُ القَصْدا
وما كان إلاُ الرُّمْدُ مَنْ لا يَرَوْنَهُ
ضياءً.. فما أشقى بإنْكارِه الرُّمْدا
ترفَّعَ عن نَهْجِ الغُواةِ تزهُّداً
ولم يَتَنفَّجْ كبرياءً ولا كَيْدا
فإنْ قلْتُ فِكْراً. فهو فيهِ محلّقٌ
وإن قلْت حِسّاً. فارْقُبِ الجَزْرَ والمَدَّا
هُما كِفَّتا فِكْرٍ وحِسٍّ تهَاطَلا
بغَيْثٍ.. حَمِدْنا قَبْلَه البَرْقَ والرّعْدا
وهل تُنْبِتُ الآلاءَ إلاّ هَوَاطِلٌ
عَمَتْ نَحْسَنا عنَّا وأبْدتْ لنا السَّعْدا!
* * *
أَأَحْمَدُ.. يا رُبَّ امْرِىءٍ مُتميِّزٍ
يُنَوِّرُ لحْداً مِثْلَما يُطْرِبُ المَهْدا
وقَدْ كُنْتَهُ شيخاً.. وقَدْ كُنْتَهُ فَتًى
فَمَا أَكْرَمَ المَثْوى. وما أكْرَمَ الخُلْدا
عسَاني إذا ما شاءَ رّي تباركَتْ
آيادِيه.. كم أَجْدَى علينا. وكم أسْدَى
رَحِيليَ.. أنْ أَلْقى لديه فواضلاً
وإن كنتُ لم أرْعَ الذّمامَ ولا العَهْدا
وأَنْ أَتَلاقَى والكرامَ من الأُلَى
تسارَعْنَ قبلي للرّحيلِ الذي أَرْدى
فكم أَشْتَهِي. والدمعُ يذرفُ والمُنَى
تُجاذِبُني شوقاً.. وتُخْلِفُنِي الوَعْدا
لِقائِي بهِمْ في مَوْطِن الخُلْدِ.. لا أَسىً
بهِ أو وَنىً يُضْنِي المساعيَ والجهْدا
ترقَّبْتُهُ يوماً فيَوْماً.. فَلَمْ يَفىءْ
إِليَّ.. ولكنْ سامَني النَأي والصَدَّا
ووَلَّى وأَبقى الهَشَّ.. ما يَسْتويَ بِهِ
وقَدْ لانَ -عُودِي لَيْتَه تركَ الصَّلْدا
فَعُدْتُ وما أقْوى على السّيرِ قابعاً
بِدارِي. فلا جَذْباً أطيقُ ولا شَدَّا
وعُدْتُ وفي حَلْقي من الصّابِ غصّةٌ
وفي مُهْجَتي من بَعْدِ ما طَعِما.. شُهْدا
مَتَى يَجْتَوِ المَرْءُ الحياةَ يَجِدْ بها
مَرَازِىءَ تُنْسِيه المباسِمَ والنَّهْدا
وكيْفَ.. وقد أَصْلَى الفِراقُ بِنَارِه
حناياهُ.. حتَّى ما يطيقُ لهُ وَقْدا
وقد خانَهُ حِسٌّ.. وقد خانَهُ حِجًى
فلمْ يُبْقِيا حَيْلاً ولمْ يٌبْقِيا رُشْدا(63/227)
وكان له رَهْطٌ نِدادٌ.. فلم يَعُدْ
له مثلهمْ. فهوَ الذي افْتقَدَ النِّدا
كمَا افْتقَدَ اللَّذْوَى. كما افْتقَدَ الكَرَى
بشَيْخُوخَةٍ تَطْوِي المواجعَ والسُّهْدا!
* * *
سَلامٌ على الدّنيا.. سَلامُ مُودِّعٍ
تطلَّعَ للأُخْرَى. لمَوْلاهُ واسْتَجْدَى
على أنَّهُ ما كان في مَيْعَةِ الصِّبا
صبُوراً على رَيْب الزمان ولا جَلْدا
عساهُ بعَفْوٍ منه يَنْجُو من اللَّظَى
فما أكْرم المَوْلى وما أَفْقَرَ العَبْدَا!!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الحفيدة .. الشاعرة
الحفيدة .. الشاعرة
رقم القصيدة : 66032
-----------------------------------
أَحَفِيدتي. ولأَنْتِ رَوْضٌ
ناضِجٌ.. ثمراً وزَهْرا!
تُهْدِي به الطَّعْمَ اللَّذيذَ
لنا وتُهْدي النَّفْحَ عِطْرا!
فَيَزِيدُنا بِكِ فَرحَةً
ويَزِيدُنا عِزّاً وفَخْرا..!
إنِّي لآمَلُ أَنْ تَكوني كالخُناسِ هُدًى وشِعْرا!
وتَكُونَ ذِكْراكِ الحبيبةُ
بين رَبْعِكِ. خَيْرَ ذِكْرى!
في رَيِّق العُمْرِ المُبَكِّر
أنْتِ والأيَّامُ تَتْرى!
سترين منها ما يَزِيدُك
حِكْمةً حِسّاً وفِكْرا!
وتَرَيْنَ مُخْتِلفِ الطَّبائِعِ
مِنْهُمُوا.. خَيْراً وشَرَّا!
المُرُّ حُلْوٌ يَسْتَحِيلُ بِهِمْ ويَغْدو الحُلْوُ مُرَّا!
والضُّرُّ نَفْعاً يَستَحِيلُ
ويَسْتَحِيلُ النَّفْعُ ضُرَّا!
فاسْتَبْصِري كَيْلا يَغُولُكِ غائِلٌ بِأَذاهُ غَدْرا!
واسْتَنْطِقي عَبَرَ الحياة
فإِنها تُعْطِيكِ خُبْرا!
وتَرُدَّ عَنْكِ الدّاجِيَاتِ
المُنْكِراتِ عَلَيْكِ فَجْرا!
لم يَسْتَطِعْنَ به اهْتِداءً
أَوْ يَطِقْنَ عليه صَبْرا!
فَتَمَيَّزوا حَسَداً وغَيْظاً
ثم قالوا عَنْكِ هُجْرا!
لا تَسْخَطي مِمَّا تَرَيْنَ
فَلَنْ يَحُطُّوا مِنْكِ قَدْرا!
ضاقُوا بِما لاقُوْهُ صَدْراً
وانْشَرَحْتِ وطِبْتِ صَدْرا!
هذى هي الدُّنْيا تَمُوجُ
بِأَهْلِها.. طُهْراً وعِهْرا!
* * *
أَحَفِيدتي.. إِنِّي كَبَرْتُ(63/228)
وعادَ مَدِّي اليَوْمَ جَزْرا!
أَحْنى الزَّمانُ.. وما اسْتَطَعْتُ
غلابَهُ.. رأْساً وظَهْرا!
وغَدَتْ عَصايَ تَشُدُّ مِن
أَزْرِي. وكنْتُ أَشُدُّ أَزْرا!
كنْتُ المَشِيقَ.. كما الرِّماح
.. المُسْتَعِزَّ.. المُسْبَطِرَّا!
ومَضى الزَّمانُ يَحُثُّ خَطْواً
لا يَكِلُّ.. ونحن أَسْرى!
وهو الطَّلِيقُ.. وما يَجُوزُ..
المُسْتَطِيلُ.. وما أَضَرَّا..!
يَبْلى الشَّبابُ به.. وَيَبلى ما أساءَ وما أَسَرَّا!
أَوْلى بنا أَنْ لا نَضِيق
بِحُكْمِهِ.. ونَقُولَ شُكْرا!
* * *
أَحَفِيدتي وعَسايَ أَحْيا كي
أَراكِ بِجانِبِ الجَوْزاءِ بَدْرا!
وأُصِيخُ سَمْعي لِلرَّوائِعِ
مِنْكِ شِعْراً.. ثم نَثْرا!
كيْما أَقُولَ تَبارَكَ الرَّحْمنَ
إِنَّكِ تَنْثُرِينَ عَلَيَّ دُرَّا!
كَمْ كنْتُ أَرْجو اليَوْمَ هذا
فاسْتَبانَ وما اسْتَسَرَّا!
هذا الصِّبا.. هذا الجمَالُ
.. يَرُوعُنا سِرّاً وجَهْرا!
ويَخُطُّ في سِفْرِ الخُلُو?ِ
مُسَجِّلاً سَطْراً فَسَطْرا!
كانَ المُنى غُرّاً.. وما أَحْلا المُنى يَأْتِينَ غُرَّا!
فأنا القَرِيرُ به.. أنا الهانِي به.. نُعْمى وأَجْرا!
* * *
يا نَهْلَةً أَرْوَتْ بِكَوْثَرِها الظَّمِىء المُسْتَحِرَّا!
كانَتْ له بُشْراً أَزالَ
بِما حَباهُ اليَوْمَ عُسْرا!
أَحَمَامتي الوَرُقاءَ.. تَفْتَرِعُ
الذُّرى شُمّاً. لقد أَسْعَدَتِ صَقْرا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الشاعر .. وليلاه
الشاعر .. وليلاه
رقم القصيدة : 66033
-----------------------------------
ليْلايَ. إنَّ الدَّهْرَ بالأحياءِ يَحْصِدُهُم ويَمْضي!
وأنا أعِيشُ مُسَهَّداً.. مِن دُونِ إغفاءٍ وغَمْضِ!
أمْسَيْتُ أزْحَفُ بَعْد إسراعي العَنِيفِ. وبَعْدَ رَكْضي!
وغَدَوْتُ لَيْلاً مُدَلَهِمّاً. بَعْدَ إشْعاعِي وَوَمْضي!
والنَّاسِ تَسْأَلُني فَأُعْرِضُ عن تَساؤُلِهِم وأُغْضي!
* * *
ماذا أقُولُ لهم. وهُمْ عن صَبْوَتي يَتَساءَلُون؟!(63/229)
أَفَيَعْرِفُونَ حِكايتي لَيْلايَ.. أَمْ هم يَجْهَلُون؟!
أَفَيُشْفِقُونَ على المُضَرَّجِ.. أَم تُراهُم يَشْمَتُونْ؟!
لا. لن أَقُولَ ولَنْ أُحَدِّثَهُم بأَسْرارِ السُّجُون!
فهي الحَبِيسَةُ من القُيُودِ الدَّامياتِ وفي السُّجون!
* * *
أَتَذَكَّرُ الأَيَّامَ تِلْكَ. وما أُحَيْلاها فأَشدو!
بالشِّعْرِ مُخْتَنِقاً يَنُوحُ.. يَرُوعُه وَجْدٌ وصَدُّ!
قد كانَ يَرْفِدُهُ الوِصالُ. فَعَيْشُهُ زَهرٌ وَوَرْدُ!
واليَوْمَ صَوَّحَ رَوْضُهُ. والنَّبْعُ جَفَّ. فكيف أَحْدُو؟!
كلاَّ سأَحْدو. فالْهوى غَيٌّ ضَلُولٌ ثم رُشْدُ!
* * *
سَتَرَيْنَ يا لَيْلايَ أَنِّي لا أَذِلُّ ولا أَخُورْ!
سَتَرَيْنَ أنِّي أتْرُكُ الفِرْدَوْسَ إِنْ كانَ يَجُورُ!
فَأَنا المُعْرِضُ عنه. وأنا القالي. ومَرْحًى لِلْحَروْرْ!
فهو أَنْدى الشُموخِ الحُرِّ مِنْ حُسْن هَصُورْ!
رُبَّما عُفْتُ نَسِيمي العَذْبَ. واخْتَرْتُ الدَّبورْ!
* * *
وسَتَبْكينَ على الحُبِّ تَوارى عَنْكِ واسْتَخْفى نَداهْ!
كانَ مَجْداً لكِ يُعْليكِ.. وتُؤْويكِ رُؤاهْ!
ونَوالاً كُلَّ ما جِئْتِ. له.. امْتَدَّتْ يَداهُ!
فَتَزَوَّدْتِ مِن الرَّوْضِ جَناهْ.. وَتَذَوَّقْتِ من الزَّهْرِ شَذاهْ!
ثم فَدَّاكِ. ولكِنَّكِ ما كُنْتِ فِداهُ!
* * *
قال أَتْرابُكِ. ما أغْبى التي عَقَّتْ فتاها!
لَيْتَهُ اخْتارَ هَوانا.. قَبْلَ ما اخْتارَ هواها!
لِيَرَى الفِتْنَةَ تَعْتَزُّ.. وتُولِيهِ جَداها!
بل جَداهُ.. إنَّ مَنْ يَمْلِكُهُ اعْتَزَّ وتَاها!
خَسِرَتْ تِلكَ التي صَدَّتْهُ طَيْشاً وسِفاها!
* * *
وتَقَاطَرْنَ إليه.. بَعْدما أَقْفَلَ بابَهْ!
وتَوارى خَلْفَهُ.. ضاعَفَ مِنْهُنَّ حِجابَهْ!
طارِداً أشْجانَهُ تِلْكَ التي كُنَّ عَذابَهْ!
واسْتخارَ المُزْنَ يَرْوِينَ. فما أَصْدى سرابَهْ!
واسْتَوى مُنْتَصِباً يَتْلو على المَجْدِ كِتابَهْ!
فَتَراجَعْنَ وما ضِقْنَ.. بَلى قُلْنَ سلاما!(63/230)
إنَّها النَّفْرَةُ من قَلْبٍ عن الذُّلِّ تُسامى!
عَشِقَ الحُسْنُ فأشْقاهُ.. فَوَلىَّ وتَحَامَى!
فإذا الحُسْنُ. وقد وَلىَّ.. عليه يَتَرامى!
فانْزَوى. وانْقَلَبَ الحُسْن مُهِيضا وحُطاما!
* * *
أيُّها الشَّاعِرُ في مِحْرابِهِ الوَادِعَ.. إحْساساً وفِكرا!
رَتِّلِ الشِّعْرَ على أحْلامِنا.. أَكْرِمْ به حُلْواً ومُرَّا!
إنَّه المِهْمازُ يَقْسو لَيِّناً.. كَسْراً وجَبْرا!
الرُّؤى تَمْلأُ جَنْبَيْكَ حَناناً مُسْتَسِرَّا!
أَنِرْ الدَّرْبَ وحَوِّلْ قَفْرَهُ المُجْدِبَ نَضْرا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الأمس واليوم
الأمس واليوم
رقم القصيدة : 66034
-----------------------------------
يا حُلْوتي لو كُنْتِ غازَلْتِني
قَبْلَ مَشِيبي لَرَأَيْتِ العُجابْ!
لكُنتِ أَفْضَيْتِ إلى نَشْوَةٍ
تُنْسِكِ بالبَهْجَةِ نَهْجَ الصوابْ!
فإِنَّني كُنْتُ الفتى عارِماً
يَفْتَرِعُ الذُّرْوَةَ رَغْمَ الصِّعابْ!
عُروقُهُ تَحْوى دَماً لاهِباً
يَجْري بِها مُكْتَسِحاً كلَّ بابْ!
يالَ شَبابي مِن لَظًى مُحْرِقٍ
أَذْهَلَني.. أَذْهَلَ كُلَّ الكِعابْ!
قُلْنَ وقد شاهَدْنَهُ عَاصِفاً
ماذا بِهِ؟! يا سِحْرَ هذا الشَّبابْ!
ورُحْنَ يَحْلَمْنَ بِحُلْوِ الرُّؤى
بِه.. ويُكْثِرْنَ عليه الطِّلابْ!
وهو قَرِيرٌ بالهَوى جارِحاً
أَفْئِدَةَ الغِيدِ.. كماضِي الحِرابْ!
تَعِيْثُ في أَحْشائِهنُ المُنى
وهُنَّ يَسْعَدْنَ بِهذا العذابْ!
أَحْلى المُنى كانَ مِنْها النَّوى
بُشْرى بِوَصْلِ حافِلٍ بالثَّوابْ!
* * *
قالتْ وقد رَاوَدَني طَيْفُها
من صَحْوَتي بَيْنَ عَدِيدِ الصِّحابْ!
وهي التي تَسْحَرُ أَعْيُنَ النُّهى
وهي التي تَخْطُرُ فَوْقَ السَّحابْ!
ماذا؟! ألا تَعْرِفُ أنِّي التي
مِن دُونِ كُلِّ الفاتِناتِ اللُّبابْ؟!
ما لَكَ عَنِّي هكذا مُعْرِضٌ؟!
والنَّاسُ. كلُّ النَّاسِ مِنِّي غِضابْ؟!
كأَنَّني الشَّهْدُ حَلا صَافِياً(63/231)
فاجْتَمعُوا مِن حَوْلِهِ كالذُّبابْ!
يَشْكُونَ مِنِّي الصَّدَّ لكِنَّني
أَرْخَيْتُ -فانْجابُوا- صَفيقَ الحِجابْ!
لم أَحْتَفِلْ إلا بِمُرِّ الهَوى
هَواكَ هذا.. بَعْدَ عَذْبِ الشَّرابْ!
فاصْدَعْ بِحُبِّي إنَّني جَدْوَلٌ
صافٍ. وأَخْدانكَ مِثْلُ السَّرابْ!
* * *
قُلْتُ لها يا حُلْوَتي. يا جَنى
رَوْضٍ نَضِيرٍ.. أَنْتِ مِثْلُ الشِّهابْ!
مُسْتَعْلِياً من أُفُقٍ شاهقٍ
مُنْتَشِياً بالحُسْنِ غَضِّ الإِهابْ!
من خُيَلاءٍ يَسْتَوِي لاهِياً..
بالشَّجْوِ.. ما لِلشَّجْوِ إلاَّ التَّبابْ!
وما لَهُ غَيْرُ النَّوى والقِلا..
وما لَهُ غَيْرُ ضَنًى واكْتِئابْ!
ولَسْتُ مِن هذا الذُّبابِ الذي
أَشْقَيْتِهِ.. عَرَّضْتِهِ لِلْخَرابْ!
أَمْسى عَمِيّاً ما يَرى دَرْبَهُ..
كيف؟! وقد خَيَّمَ فيه الضَّبابْ؟!
فلا ذَهاباً يَرْتَجي سالِماً
وما لَهُ عِنْدَكِ حُسْنُ المآبْ!
دَعِي فُؤادِي. إنَّهُ قانِعٌ
بِحَظِّهِ مِن زَيْنَبٍ والرَّبابْ!
هُما. وسِرْبٌ ناعِمٌ يَشْتَهي
هَوايَ.. قد يُخْطِىءُ فيه الحِسابُ!
وأَنْتِ.. قد يَغْدو الذُّبابُ الذي
صَدَدْتِهِ.. يُقْذِيهِ مِنْكِ الرُّضابُ!
فَلْتَحْذَرِيهِ.. رُبَّ مُسْتَوْحِشٍ
يَنْهشُ في جِسْمِكِ نَهْشَ الذِّئابْ!
أَخْشى احْتِراقي من شِهابٍ يرى ما تَحْتَهُ إلا الهَشيمَ المُذابْ
بَكَتْ.. ولكِنِّي ارْتَضَيْتُ الطَّوى
عن شِبَعٍ يُلصِقُني بالتُّرابْ
* * *
أوَّاهِ مِن شَيْخُوخَةٍ لاتَني
تَجْعَلُ مِنِّي الشَّدْوَ مِثْلَ النُّعابْ!
كُنْتُ هِزاراً شادِياً.. مُطْرِبا
وعُدْتُ مِنْها ناعِقاً كالغُرابْ!
لو كُنْتُ مِثْلَ الأَمْسِ ما شَفَّنِي
حُسْنٌ. ولا أَثْخَنَ رُوحي الضِّرابْ!
ولم أَكُنْ أُغْضِي إذا مَسَّني
مِن العوادي جَنَفٌ أَوْ سِبابْ!
لكِنَّهُ الدَّهْرُ.. ويا وَيْلَتا..
مِنْه فقد أَوْجَعَني بالمُصابْ!
ولَيْسَ لي إلا اصْطِبارِي على
سِرْدابِهِ المُظْلِمِ بَعْد القِيابْ!(63/232)
تَبارَكَ اللهُ.. فَكَم ضَيِّقٍ
نَأْلَفُهُ بَعْد وَسِيع الرِّحابْ!
لَيْسَ عُجاباً أُلْفَتِي لِلأَسى
وهو ضجيعي.. فالنُّفُور العُجابْ!
هذا أَنا. إِنِّي أَلِفْتُ الضَّنى
بعد الغِلابِ التَّمِّ. بعد الوِثابْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> واقع .. لا خيال
واقع .. لا خيال
رقم القصيدة : 66035
-----------------------------------
هذه القصة ترويها هذه القصيدة ذات القوافي المتعددة..
دَنا وتَدَلىَّ.. ثم أَمْسَى بِقُرْبِهِا
كأَنْ وَرَدَ الفِرْدَوْسَ فاستعذب الوِرْدا!
وقالت له. ما أعذب الوصل بَيْنَنا
فقال لها أَوّاهِ. ما أَعْذَبَ الرِّفْدا!
* * *
تَمنَّيْتُ أَنْ لو عِشْتُ في الرَّوْضِ راقصاً فأَطْعَمَ منه المَطْعَمَ اللَّذَّ والشَّهْدا!
وأشْتَمُّ منه الوَرْدَ أَعْطَرَ يانِعاً
وأَلْثُمُ منه الثَّغْر -والنَّحْرَ- وَالنَّهْدا!
* * *
هنا كل أَلْوانِ الهناءِ. فَلَنْ يرى
غدى مِثْلَ يَوْمي المُسْتَفِيضِ من الرَّغْدِ!
هنا الحُبُّ يَشْدُو بالجَمالِ ويَزْدَهي
بآلائِهِ ما يَشْتَكي لَوْعَةَ الوَجْدِ!
تَذَوَّقْتُ منه ما اشْتَهيْتُ من النَّدى
وعانَقْتُ فيه ما اشْتَهَيْتُ من الوَعْدِ!
وقُلْتُ لها يا نَفْسُ. هذا هو الهَوى
يَلَذُّكِ من قُرْبٍ. ويَشْفِيكِ من بُعْدِ!
تَركْتُ الذي يَهْوي إلى الدَّرْكِ بالمُنى
فأَسْرَيْتُ من سَفْحٍ وَطيءٍ إلى نَجْدِ!
فما إنْ يَرى فيه ضَمِيري سِوى الرُّؤي
تُطِلُّ عليه بالسَّراوَةِ والمَجْدِ!
وما فيه مِن صَدٍّ. ولا فيه من قِلًى
ولا مِن سهامٍ قاتِلاتٍ. ولا جُرْدِ!
ولكِنْ غُناءٌ.. بَلْ أَغارِيدُ بُلْبُلٍ
ونَشْوَتُه من إِلْفِهِ. وشذَى الوَرْدِ!
* * *
كلانا يَعِشُ العُمْرَ في صَبَواتِهِ
وفي أُنْسِهِ بالصَّفْوِ.. والمَنْزِلِ الرَّحْب!
قد اتَّفَقا حِسَاً.. كما اتَّفَقَا حِجًى
فَطابا بِعَيْش ما يَمَلُّ من القُرْبِ!
وكيف يَمُلُّ القُرْبَ مَن عاشَ لاهِفاً(63/233)
عليه. فَلاقى مُتْعَةَ العَقْل والقلب؟!
تمرُّ بِهِ السَّاعاتُ عَجْلى كأنَّها
ثَوانٍ كَحِلْمٍ مُسْعِدٍ بِالجنَى العَذْبِ!
* * *
أَجَلْ. هو حِلْمٌ مُسْعِدٌ ثم يَقْظَةٌ
تَرَنَّحَ منها الحالمانِ.. وزُلْزِلا!
فَتِلْكَ التي أَغْرَتْهُ بالدَّلِّ واللُّهى
نَأَتْ عنهُ غَدْراً. فاسْتَرابَ وأَجْفَلا!
وقالتْ له ما كنْتُ إلا فَرِيسَةً
لِذِئْبٍ رأى فيها شَراباً ومَأْكَلا!
فَدَعْني فقد أَثْقَلْتَ. وانْشُدْ ضَحِيَّةً
سِوايَ. فقد لاقَيْتُ غَيْرَكَ أَفْضَلا!
فقال لها أَحْسَنْتِ بِالهَجْرِ إنَّني
أَراني بما قد كنْتُ فيه مُغَفَّلا!
وقَلْبي الذي قد كانَ فِيكِ مُتَيَّماً
صحا ورأى الإِبْرِيزَ قد عادَ جَنْدَلا!
تَحَوَّلَ عن حُبِّ اللَّعُوبِ تَرَفُّعاً
وأَنْتِ التي أَيْقَظْتِهِ.. فَتَحَوَّلا!
أَلَسْتُ بهذا كنْتُ أَرْبَحَ رَابِح؟!
وأَنْتِ به كُنْتِ السَّرابَ المُضَلِّلا؟!
* * *
سأَشْدو فَيَرْوِي الغيدُ شِعْرِيِ مُحَلِّقاً
ويَنْظُمْنَ فيه العِقْدَ زَهْراً مُؤَرِّجا!
يُحَلُّونَ أعناقاً به وتواصِياً
ويُلْقِينَ إبريزاً وماساً تَوَهَّجا!
ويُنْشِدْنَ عنْه الشِّعْرَ يُشْجي بِلَفْظِهِ
ومَعْناهُ حرا لا يَذِلُّ.. وأَبْلَجا!
أنا الرُّوْضُ أَثماراً وزَهْراً وجَدْوَلاً
وإنْ كُنْتُ شَوْكاً لِلضَّلالِ وعَوْسَجا!
* * *
لعلَّكِ بَعْدَ البَيْنِ والنَّأْيِ قد بدا
لِعَيْنَيْكِ ما أَشْجى وما أَوْرَدَ الخُسْرا!
سَمِعْتِ من الأَتْرابِ ما أَرْمَضَ الحشا
حشاكِ. وقد عادَ النَّسيمُ به جَمْرا!
فهل ذرفت عيناك أَدْمع نادمٍ
على الحُبِّ كانَ الطُّهْرَ فاخْتَرْتِهِ عِهْرا؟!
لقد كُنْتُ في مَغْناكِ بَدْراً مُضَوِّئاً
دُجاكِ. ومُنْذُ اليوم لن تُبْصِري البَدْرا!
* * *
ولن تُبْصِري إلاَّ النَّشاوى بِشَهْوَةٍ
إذا اقْتَرفُوها أَعْرضُوا وتَهَرَّبوا!
وأَبْقُوا الأقاويلَ المَشِينَة وَصْمَةً
كأَنْ لم يكُونوا بالأقاوِيل أَذْنَبُوا!(63/234)
بِلا حَرَجٍ قالوا. وقد يَنْشُرونَها
لِيُعْجِمَ فيها الشَّانِئوكِ.. ويُعْرِبُوا!
وما زَعَموا بل كانَ حَقّاً لهُم
فما يَسْتَطِيعُ الَّوْدَ عَنْكِ.. مُكَذِّبُ!
* * *
هذه القِصَّةُ ما كانت خَيالاً
بَلْ هي الواقِعُ في أَخْزى المَجالي!
هي للسَّارِينَ أَجْلى عِبْرَةٍ
من دُرُوبٍ سَيْطَرَتْ فيها السَّعالي!
ولئِنْ كانوا ذِئاباً تَرْتَوِي
مِن دِماءِ الغِيدِ.. أم كانوا ثعالى!
فلقد يَنْفَعُها أَنْ تَهْتَدِي
بعد طُولِ الغَيِّ بالسِّحْرِ الحَلالِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الراعية
الراعية
رقم القصيدة : 66036
-----------------------------------
أراعِيتَي لقد أَخْطَأْتُ دَرْبي
فَرُدِّي الدَّرْبَ. واسْتَدْني المزارا!
شقيتُ وكنتُ أرْتَعُ من رِياضٍ
فعادت بعد نَضْرتِها قِفارا..!
فما أنا واجِدٌ فيها زُهوراً
ولا أنا واجِدٌ فيها ثِمارا..1
وما أَدْرِي لعلَّ غَدي يُوافِي
بما أَلْقى به المِنَنَ الكِبارا..!
* * *
أراعِيَتي لقد أَمْسَيْتُ عَبْداً
لأَهْوائي.. وقد أَلْقى التَّبارا!
إذا ما شِئْتُ إذْعاناً لِرُشْدي
تَباعَدَ وانْثنى عنِّي فِرارا!
وكيف وقد رأى حُوباً مُخِيفاً..
يُعَرِّيني ويَسْلِبُني الإِزرا؟!
فما أَقْوى على صَدِّ نَفُورٍ
له بَلى وأُطِيعُه فأَزِيدُ عارا!
* * *
أَراعِيَتي. وإنَّ المالَ يَطْوي
كَمِثْلِ المجْدِ لِلْخُسْرِ الضَّميرا..!
أُطِيعُ جَداهُما رَغَباً فأَهْوِي
إلى دَرَكٍ. وما أَخْزَى الحَفِيرا!
ولكنِّي أعِيشُ به قَرِيراً
فَلَيْتَني كنْتُ في الدَّرَكِ الحَسِيرا!
ولوْ كنْتُ البَصِيرَ لما احْتَوانِي
ولكنِّي اسْتَوَيْتُ. ضَرِيرا..1
* * *
أراعِيَتي. وصارَ هَوايَ مَوْلًى
يُسَيِّرُني فما أَشْكو المَسيرا!
فيَسْلِبُني الحِسانُ نُهًى وحِسّاً
وأَرْضاهُنَّ لي سِجْناً ونِيرا!
وأُبْدِلُهُنَّ بِالبأْساءِ نُعْمى
فَيَلْقَيْنَ العَسيرَ بها يَسيرا!
وأُهْدِرُ بَيْن أَيْدِيهِنَّ رُشْدي(63/235)
بلا وَعْيٍ. فقد كنْتُ الغَرِيرا!
* * *
أراعِيتي. وكانَ الحِقْدُ يُغْرِي
حَشايَ على الذين فَرَوْا أَدِيمي!
وما كنْتُ الحَقُودَ فَأَرْغَمَتْني
مثالِبُهُم على الطَّبْعِ الذَّمِيم!
وما يَرْتَدُّ ذو حِقْدٍ بِعَفْوٍ
فما كان الحَقُودُ سوى اللَّئِيمِ!
فَأَبْرَأَني بِصَفْعِ قَفاهُ حتى
رأيْتُ مَدامِعَ العَبْدِ الزَّنِيمِ!
* * *
أَراعيتي. ولولا الغَيُّ يُفْضي
بِصاحِبِه لِمَرْتَعِهِ الوَخِيمِ..!
لَكُنْتُ عَفَوْتُ عن شَرٍّ حَقُودٍ
وأَصْدُرُ فيه عن طَبْعي القدِيمِ!
ولكنِّي انْقَلَبْتُ إلى عَتِيٍّ
يَرى نُعْماهُ في قَهْرِ الغَرِيمِ!
لقد كنْتُ المَلاكَ فكيف أغدو
وقد دَهَمَ المشِيبُ إلى رَجِيمِ؟!
* * *
أراعِيَتي. وقد عادَتْ خِلالي
مَباذِلَ حَيَّرَتْ أَهْلي وصَحْبي!
فما عادَتْ أَشِعَّتُها بِعَقْلي
تُضَوِّئُهُ. ولا عادَتْ بِقَلْبي!
لماذا يَسْتَحِيلُ التِّبْرُ يَغْلُو..
إلى صَخْرٍ يُجَرِّحُني.. وتُرْبِ؟!
لماذا لا يَحُولُ الضِّيقُ يُدْمي
ويُرْمِضُ مُهْجَتي الحَرَّى لِرَحْبِ؟!
* * *
أراعِيَتي. وقد أَحْنُو وأَقْسُو
وأَسْلُكُ مَنْهَجيْ سَهْلٍ وصَعْبِ!
وأَفْتَرِعُ الذُّرى صَعَداً. وأَهْوِى
بِدُونِ تَحَرُّجٍ بقَرارِ جُبِّ!
وقد أَدْنو لِسِربي ثم أُنْأى
خَؤُوفاً منه. وهو يرِيدُ قُرْبي!
وما أَدْرِي أكنْتُ على ضَلالٍ
وإلاَّ كنْتُ ذا صَفْوٍ وحُبِّ؟!
* * *
أراعِيَتي. وأَنْتِ ملاذُ رُوحي
وأَنْتِ المَجْدُ لي بِذُرًى عَوالى!
فَكُوني لي كما كنْتِ قَبْلاً..
أَعُدْ لِحياةِ طُهْرٍ وامْتِثالِ!
فإِنِّي نُؤْتُ من ثِقَلِ الخطايا
وحَسْبُكِ بالخطايا من ثِقالِ!
وقد عَوَّدْتِني أَنْ تَنْشُلِيني
مِن الأَدْراكِ. مِن جَنَفِ الضِّلالِ!
عَمِيتُ فَلسْتُ أُبْصِرُ ما أَمامي
ولا خَلْفِي. وأَعْياني كَلالي!
فَرُدِّيني لأَمْسِيَ. إنَّ يَوْمي
يُجَرِّحُني بِأَشْتاتِ النّصالِ!
* * *
تبارَكَ ذو الجلال. فقد بدا لي(63/236)
نَهارِي بَيْن أَسْدافِ اللَّيالي!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> أيها الإسلام .. أواه
أيها الإسلام .. أواه
رقم القصيدة : 66037
-----------------------------------
تفكَّرْتُ في الإسلامِ وهو مُحَلِّقٌ
وفكَّرْتُ في الإسلامِ وهو كسيرُ!
صُقُورٌ يَجُبْنَ الجوَّ غَيْرُ جَوارحٍ
ويَبْدو بِهِنَّ الجوُّ وهو قَرِيرُ!
تَناءيْنَ عن ظُلْمٍ وخِيمٍ. وعن خَنًى
وأَلْهَمَهُنَّ الصّالِحاتِ ضَمِيرُ!
وجاءتْ على أَعْقابِهِنَّ حمائِمٌ
كَثُرْنَ ولكنْ ما لَهُنَّ هَدِيرُ!
كَثُرْنَ ولكنْ ما لهنَّ تَوَثُّبٌ
ولا هِمَمٌ كالغابِرينَ تُثِيرُ!
فأَغْرَى بِهمْ هذا الخُمولُ طوائِفاً
مَطامِعُهُمْ لِلْخامِلينَ سعيرُ!
ولو أَنَّهم كانوا كَمِثْلِ جُدودِهِمْ
لما كانَ منهم خانِعٌ وحَسِيرُ!
رَضُوا بِسَرابٍ خادِعٍ فَتَساقَطوا
إلى حُفْرَةٍ فيها الهوانُ خفيرُ!
حُطامٌ ومَجْدٌ كاذبٌ وتَفَرُّقٌ
مُشِتٌ.. له الحُرُّ الأَبِيُّ أسيرُ!
وَنًى وانْحِدارٌ واخْتِلافٌ مُمَزِّقٌ
حِراءٌ بكى من وَيْلِهِ وثَبِيرُ!
* * *
تَذكَّرْتُ أَمْساً كانَ فيه رِجالُهُ
لُيُوثاً لهم في القارِعات زَئِيرُا!
ولَيْسوا طغاةً بل حُماةً لِرَبْعِهِمْ
ولِلنَّاسِ إنْ خطْبٌ أَلَمَّ عسيرُ!
أَرُوا العالَمَ المَسْحُوقَ بعد ابْتِزازِهِ وذِلَّتِه عَدْلاً يراه ضَرِيرُ!
فَمالَ إلى الحُسْنى. وألقى قِيادَهُ
إلَيْهِمْ فلا قَيْدٌ يَشُدُّ.. ونيرُ!
* * *
تذكَّرْتُ عَهْداً للنَّبِيِّ محمَّدٍ..
وأَصْحابِهِ يَهْدِي النُّهى ويُنِيرُ!
كبَدْرٍ أضاءَ الأَرْضَ بعد ظَلامِها
فما ثَمَّ إلاَّ راشِدٌ وبَصِيرُ!
وما ثَمَّ إلاَّ قانِعٌ بحياتِهِ
وراضٍ بها.. بالمُوبِقاتِ خبيرُ..!
لقد ذاقَ مِن ماضِيه خُسْراً وذِلَّةً
وحاضِرُهُ رِبْحٌ عليه وَفِيرُ..!
وكانَ له مِن حُكْمِهِ ما يَسُومُهُ
من الخَسْفِ ما يطوى المنى ويُبِيرُ..!
وما عاق عن حُرِّيَةٍ وكرامَةٍ(63/237)
ففي كلِّ يَوْمٍ مِحْنَةٌ ونَذِيرُ..!
وها هو مّنْذُ اليَوْمِ بعد انْدِحارِهِ
بدا في مَغانِيهِ الطُّلُولِ. بَشِيرُ!
فعادَ قَرِيراً بالغُزاةِ تَوافَدُوا
إليه. وقد يَرْضَى الغُزاةَ.. قَرِيرُ!
وكيف. وقد جاءُوا إليه بِعِزَّةٍ
ومَيْسَرَةٍ يَهْفو لَهُنَّ فَقِيرُ؟!
فَصارَ نَصِيراً لِلَّذينَ تَكَفَّلوا
بِعَيشٍ كريمٍ لَيْس فيه نكيرُ!
ولا فيه غَبْنٌ من ضَراوةِ ظالِمٍ
وما فيه إلاَّ زاهِدٌ ونَصِيرُ!
فيا سلَفاً أَفْضى إلى خَيْرِ غايةٍ
بِأيمانِهِ.. فارْتاحَ منه ضَمِيرُ!
يَسِيرُ إليها راضياً بِمَصيرِهِ..
فَيَلْقاهُ بالأَجْرِ الجَزِيلِ مَصِيرُ!
خَمائِلُ خُضْرٌ حالِياتٌ بِنَضْرَةٍ
غَدَتْ فَدْفَداً لم يَبْكِ فيه مَطِيرُ!
وآياتُ عِمْران شَوامِخُ شُرَّعٌ
خَوَرْنَقُها عالي الذُّرى. وسَدِيرُ!
وفي هذه الدُّنْيا نُهىً وشاعِرٌ
ومنها جَليلٌ شامِخٌ. وصَغيرُ!
ومنها هَزيلٌ ضامِرٌ مُتنفِّجٌ
ومِنْها -وإن أخْنَى الزَّمانُ- طَريرُ!
* * *
أيا ابْنَ الأُباةِ الصَّيدِ هُبَّ من الكرى
فَأَنْتَ بِهذا الصَّحْوِ.. أنْتَ جَدِيرُ!
شَبِعْنا سُباتاً كانَ خُلْفاً وفُرْقَةً
ومِن حَوْلِنا للطَّامِياتِ هَدِيرُ!
وقد يَجْمَعُ الله الشّتاتَ فَإنَّه
على جمعه -رَغْمَ الصِّعابِ- قَدِيرُ!
ولكِنْ عَلَيْنا السَّعْيُ فهو ضَرِيبَةٌ
عَلَيْنا كَبِيرٌ دَفْعُها.. وصَغِيرُ!
سنَدْفَعُها حتى نَفُوزَ وَنَنْتَهِي
إلى غايَةٍ نَعْلو بها ونَطِيرُ!
إلى غايةٍ شَمَّاءَ كان جُدُودُنا
حَبِيبٌ إليهم نَيْلُها.. ويَسِيرُ!
* * *
حَدِيثٌ بِه أَمْلى الفَرَزْدَقُ شِعْرَهُ
وشايَعَهُ فيه النَّطُوقُ جَرِيرُ!
وما هو إلاَّ نَفْثَةٌ عَبْقَرِيَّةٌ
لها مِن يَراعِ العَبْقَرِيِّ صَرِيرُ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الثمانون؟
الثمانون؟
رقم القصيدة : 66038
-----------------------------------
بعْد الثَّمانِينَ خَبَتْ جَذْوتي(63/238)
وآدَني السُّقْمُ. وطاب الرَّحيلْ!
بعد الثمانين أَبَتْ صَبْوَتي
إلاَّ انْحساراً عن جبيني الأَثِيلْ!
إلاَّ ابْتِعاداً عن هوًى قاتِلٍ
يَرْمِي به ثَغْرٌ وطَرْفٌ كحِيلْ!
عِشْتُ حَياتي مُصْغياً لِلْهوى
فَكانَ لي -أُوّاهِ بِئْسَ الدَّليلْ!
كنْتُ حُساماً مُنْتَضًى فاخْتَفى
بِغِمْدِه ما إنْ له من صَلِيلْ!
* * *
عَهْدُ الصَّبا وَلَّى. ومِن بَعْدِه
وَلىَّ شبابي راكِضاً من السَّبيلْ!
يا لَيْتَني كنْتُ تَوَقَّيْتُهُ
هذا الهوى. هذا الضَّلالُ الوبيلْ!
ما كنْتُ أَدْرِي أْنَّني سابِحٌ
في حَمْأَةٍ أَحْسَبُها السَّلْسَبيلْ!
لكنَّها كانَتْ فَفرَّتْ وما
أضَلَّنِي بالخادِعِ المُسْتَطِيلْ!
كانتْ حُساماً فَوْقَ رأْسي إذا
عَصَيْتُه كنْتُ الصَّرِيعَ القَتِيلْ!
وَيْلي من الرَّمْضاءِ هَلاَّ اسْتَوَتْ
رِجْلايَ منها بالخَمِيلِ الظَّلِيلْ؟!
لكِنَّني كنْتُ الفَتى سادِراً
في الغَيِّ يروى من قَذاةِ الغَلِيلْ!
يَلُومُني الصَّحْبُ فما أَرْعَوِي..
بل أَسْتَوِي مُنْتَشِياً بالصَّهِيلْ!
* * *
أَشْعُرُ مِن بعد المَشِيبِ الذي
أنَهكَني.. أَشْعُرُ أَنِّي العلِيلْ!
عَلِيلُ جِسْمٍ راعِشٍ يَنْحَنِي
على عَصاهُ. في الضُّحى والأَصِيلْ!
يَنْشِجُ في صَمْتٍ لِئَلاَّ يرَى
منه الوَرى الدَّمْعَ. ويُخْفي العَوِيلْ!
* * *
وَيْلي من النَّارِ الَّتي اكْتَوَى
بها. ومن شجوى وسُهدي الطَّويلْ!
ومِن ضَمِيرٍ لم أُطِعْ نُصْحَهُ
كأَنَّما يَطْلُبني المُسْتَحِيلْ!
يَخِزُني وخْزاً تسيل الحشا
به دَماً يجري. وما من مُقِيلْ!
فيا لَعِصْيانٍ مَضى يَبْتَلي..
حاضِرَهُ منه بِهَمٍّ ثَقِيلْ!
أَيا ضَمِيري.. إنَّني نادِمٌ
فيا لِعِزٍّ يَشْتَهِيهِ الذَّلِيلْ!
قد كنْتُ بُوماً ناعِباً من الدُّجى
فكيف أَشْدُو في الضُّحَى بالهَدِيلْ؟!
والشِّعْرُ كم أَرْسَلْتُهُ شادِياً
فَصاغَ دُرّاً في الأَثيث الأَسِيلْ!
من الحَوَرِ السَّاجي يُذِيبُ الحَشا(63/239)
والقَدِّ يختال طَرِيداً.. نَحِيلْ!
وكادني الحبُّ كما كِدْتُهُ
ورُبَّما بَزَّ النَّشِيطَ الكَليلْ
بالشِّعْرِ كنْتُ الشَّامِخَ المُعْتَلِي
الكاسِب الحَرْبَ بِسَيْفٍ صَقِيلْ!
كم دانَ لي الحُسْنُ فأكْرَمْتُهُ
من بَعْد أَنْ دانْ. وكان البَخِيلْ!
ذلك عَهْدٌ كنْتُ ذا مِرَّةٍ
به. ولم يَبْق لها من قَلِيلْ!
كم أتَمنىَّ أنَّها لم تَكُنْ
وأنَّني كنْتُ الضَّعيفَ الهَزِيلْ!
فقد يكونُ الضَّعْفُ لي عِصْمَةً
من جَنَفٍ كنْتُ به أَسْتَطِيلْ!
واليَوْمَ إنَّي هَيْكَلٌ راعِشٌ
يَبِسُهُ راحَ. وراحَ البَلِيلَ!
يَدِبُّ.. يَسْتَنْشِقُ بَعْضَ الشَّذا
من رَوْضِهِ الذاوِي ورَطْب النَّجيلْ!
مِنْ بَعْدِ أَنْ كانَ كثيرَ النَّدى
بالثَّمَرِ الحالِي.. زاهي النَّخِيلْ!
* * *
أسْتَغْفِرُ الله. وأرجو الهُدى
منه يُوافِيني بِصَفْحٍ جَمِيلْ!
هُناكَ ما أَجْمَلَ تِلْكَ الصُّوى
تَهْدِي. وما أَسْعَدَ فيها النَّزِيلْ!
ويا أُهَيْلي ورِفاقي الأُلى
كانوا هَوايَ المُسْتطابَ الحَفِيلْ!
من كانَ مِنهُمُ لم يَزَلْ بالحِمى
يَزِينُه.. يَشْرُفُ منه القَبِيلْ!
ومَن تَناءى. فهو في دارِهِ
تِلْكَ التي تُكْرِمُهُ بالجَزِيلْ!
كم طَوَّقُوني بالمُنى حُلْوَةٌ
وبالرُّؤى رفَّافَةً تَسْتَمِيلْ!
وكنْتُ لا أَشْكو الوَنى مَرَّةً
إلاَّ وجاءوا بالمُثِيبِ. المُنيلْ!
أَسْتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ لِلْمُنتَأي
وأَنْشُدُ النُّعْمى لباقي الرَّعِيلْ!
وارْتَجي الغُفْران مِنْهُم على..
ما كانَ مِنِّي قَبْلَ يَوْمِ الرّحَيلْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> بطرت .. فزلت
بطرت .. فزلت
رقم القصيدة : 66039
-----------------------------------
ساءلَتْني عن تَباريحِ الهوى
في مَجاليهِ.. صُدوداً ووِصالْ!
وهي تَرْنو لي بِطَرْفٍ ساحِرٍ
يَصْطَفي. أو يجتوي شُمَّ الرِّجالْ!
ساءَلَتْني فَتلعْثَمْتُ ولم...
أَجِدِ الرَّدَّ على هذا السُّؤالْ!
هي تَدْري بالذي تَسْألُني(63/240)
عنه.. تدريه عُيُوباً وخلالْ!
وهي من طُغْيانِها في طَنَفٍ
تَشْتَهي سُفْلاهُ رَبَّاتُ الحِجالْ!
مُشْرِفٍ يَجْعلُها في نَجْوَةٍ
عن يَمِينٍ تَحْتَويها أَوْ شِمالْ!
تَتَجلىَّ من دَلالٍ قاهرٍ..
يَدعُ الفِكْرَ مَهيضاً والخَيالْ!
وبَدا في وَجهِها ما شَفَّني..
فَتَهاوَيْتُ وأَوْجَزْتُ المقالْ!
قُلْتُ يا فاتِنَتي إنِّي هَوَى..
ضَلَّ في الدَّرْبِ وأعْياهُ الكلال!
سار في رَكْبِكِ حِيناً واسْتَوى
فَتْرَةً ثُمَّ هَوى بَيْنَ النِّصالْ!
ضَرَّجَتْهُ دُونَ أَنْ تُدْرِكَهُ
رأْفَةٌ مِنْكِ.. وما أَشْقى الضَّلالْ!
ولقد شاهَدْتِهِ جُرْحاً نَأى
عنه مَن يَضْمدُه قَبْلَ الوبالْ!
فَتَبَسَّمْتِ وأعْرَضْتِ رِضىً
مِنْكِ بالوَيْل اعْتَراني والخبالْ!
فَتَمالكْتُ ولم أَشُكُ الضَّنى
والهَجِيرَ الحارِقِي بَعْد الظِّلالْ!
جَبَرُوتٌ يَشْتَفي مِن هالِكٍ
كانَ يُولِيهِ اعْتِلاءً ونَوالْ!
ما الذي تَبْغِينَهُ يا فِتْنَتي
بعد أن ساء بِمُضْناكِ المآلْ؟!
أَنْتِ من جَرَّعَه الكَأْسَ الَّتي
صَرَعَتْهُ.. فهو سُقْمٌ واعْتِلالْ!
كانَ مَرْمُوقاً فَحاوَلْتِ الذي
سَوْف يُبْدِيه لَقىً بيْن الرِّمالْ!
لا. فما أَخْسَرَها مِن رغبة
لم تَنَلْ مِنِّي.. والحَرْبُ سِجالْ!
أنا يا فاتِنَتي رَغْمَ الأَسى
جَبَلٌ ما خَرَّ يَوْماً في النِّزالْ!
ولقد عُدْتُ لرشدي فاجْتَوَتْ
مُهْجَتي الحَرَّى ترانيم الجمال!
لم أَنَلْ منه سوى أَرْزائِهِ
وهي أرْزاءٌ على الحُرِّ ثِقالْ!
صِرْتَ في عَيْنَيَّ. صِرْتي شَبحاً
مَلَّهُ القَلْبُ. وما أَحْلى المَلالْ!
وَتَنوَّرْتُ سَبيلي في الدُّجى
بعدما كان الدجى يخفي النِّمالْ!
أَنْتِ. ما أَنْتِ سوى أحبولة
وأنا الكارِهُ أَوْهاقَ الحِبالْ!
وأنا الشَّامِتُ في الحُسْنِ الذي
شاخَ في قَلْبي صِباهُ واسْتَحالْ..!
وأنا السَّالي فما يُرْجِعُني..
لِلْهوى الماجِنِ شَوْقٌ وابْتِهالْ!
فَهُما منها.. وما أكْذَبَها(63/241)
حِينما تُقْسِمُ.. مكْرٌ واحْتِيالْ!
* * *
إنَّما أقْدارُنا يا فِتْنَتي
عادِلاتٌ. وهي أَغْلالٌ ثِقالْ!
حرَّرتْني مِنْكِ ثم اسْتَحْكَمَتْ
فيكِ لَمَّا أَنَسَتْ مِنْكِ السَّفالْ!
فاصْبِري وامْتَثِلي يا طالَما
كنْتِ لِلأَحْرارِ سِجْناً واعْتِقالْ!
ولقد كنْتِ سُهاداً قاتِلاً..
لِعُيُونٍ كابَدتْ هَوْلَ اللَّيالْ!
فاذْكُرِيها.. فهي لم تَنْسَ الذي
كانَ مِن عَسْفِكِ كالداء العُضالْ!
فَسَيلْقاكِ سهادٌ مِثْلَها..
وعُضالٌ لا يُعافِيكِ بِحالْ!
فَتَسامِي رُبَّما تَلْقاكِ في
غَدِكِ الحالِكِ أنْوارُ الهِلالْ!
رُبَّما كانَ التَّسامي عِصْمةً
بِدُمُوعِ غالِياتٍ كالَّلالْ!
فاذْرِفيها.. إنَّها قَنْطَرَةٌ
لحياةٍ طَهُرَتْ بعد انحِلالْ!
إنّها البَلْسَمُ للجرح الذي
قِيلَ أَنْ لا بُرْءَ منه وانْدِمالْ!
يالَ مَجْدِ الله في عَلْيائِهِ
إنه فَكَّ عن العَقْلِ العِقالْ!
فَتَعَزِّي.. أنْتِ أَوْلى
من فُؤادي بالعزاءْ!
إنَّ لي من كِبْريائي
ما يُذِلُّ الكِبْرياءْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الغاوي الذي استرشد
الغاوي الذي استرشد
رقم القصيدة : 66040
-----------------------------------
السَّماواتُ والأراضي تُطِلاَّنِ
على الآبِقِ الذي يُرِيدُ الصَّلاةَ!
شَهِدا دَمْعَهُ وهَوْلَ لَيالِيهِ
وأنَّاتِهِ بِها والشَّكاةَ!
فاسْتراحا إليه قلباً جَرِيحاً
قارَفَ الأثْمَ صَحْوَةٌ وسُباتا!
واسْتفاقَ الأثِيمُ فاجْتاحَهُ الخَوْفُ فقالا له.. سَتَلْقى النَّجاةَ!
* * *
يا سمائي لقد كَرُمْتِ. ويا أَرْضي
لقد كُنْتُما الرُّعاةَ الأُساةَ!
أنا أَشْقى بما لَقِيتُ.. فهل أَسْعَدُ يَوْماً إذا غَدوْتُ رُفاتا؟!
أَفَيَغْدُو الأُجاجُ في عالَمِ الغَيْبِ إذا مَسَّهُ الكريمُ فُراتا؟!
لَسْتُ باليائِسِ القَنُوطِ من
الرَّحْمَةِ حتىَّ ولو بَزَزْتُ الجُناةَ!
كانَ مِنِّي الإِثْمُ الرَّهيبُ وأَرْجُو(63/242)
أَنْ يَكُونَ الصَّفْحُ الجَمِيلُ الرَّجاةَ!
إن في التَّوْبِ ما يَرُدُّ الخطايا
خاسِئاتٍ. وإنْ يَكُنَّ عُتاةَ!
أنا هذا الأَثِيمُ يا رَبِّ.. تَشَتَّتْتُ مَليّاً.. فَلُمَّ هذا الشَّتاتا!
وارْعَهُ بَعْد أَنْ تَقَدَّمَ في السِّنِّ. وأَمْسى مِن السِّنِينِ فُتاتا!
* * *
وَيْحَ نَفْسي فقد شَعُرْتُ بِأْنِّي
بعد أَنْ تُبْتُ. قد بُعِثْتُ جَدِيدا!
فَرَأَيْتُ النُّورَ الوَضِيءَ يُغَشِّيني
وقد عِشْتُ في الظَّلامِ مَدِيدا!
ورَأَيْتُ الأَخْيارَ حَوْلي يقولون
تَقَدَّمْ ولا تَكُنْ رِعْدِيدا..!
أَنْتَ مِنَّا أَصْبَحْتَ. فاسْعَدْ بِلُقْيانا!!
فقد كُنْتَ عن المَكْرُماتِ هذى بعيدا!
وَدِّعِ الأَمْسَ يا شَقِيُّ فقد كانَ على قَلْبِكَ الضَّلُولِ مَرِيدا!
ولقد كنْتَ رَغْمَ هَوْلِ خَطاياكَ
ذَكِيّاً.. لكِنْ عَتِيّاً عَنِيدا..!
فَتَوَغَّلْتَ في الأَثَامِ وأَسْرَفْتَ
ولم تُبْقِ للرُّجُوعِ رَصِيدا!
وحَسِبْناكَ لن تَعُودَ إلى الرُّشْدِ
فإِنَّ الغيان يَجْفو الرَّشِيدا!
ثم شاءَ الرَّحْمانُ.. جَلَّتْ أَيادِيهِ عَلَيْنا.. عَيْشاً عَلَيْكَ رغِيدا!
سَبِّح الله ما اسْتَطَعْتَ. فقد
كانَ رَؤُوفاً حَباكَ صَفْحاً مَجِيدا!
وتَطَلَّعْتُ لِلسَّماءِ وأجْهَشْتُ
فقد كنْتُ للرَّجِيمِ وَدِيدا!
لم يَدَعْني أَفِيقُ من سكْرَةِ الغَيِّ
وأَمْسَيْتُ في يَدَيْهِ حَصِيدا!
* * *
ثُمَّ أَغْضَيْتُ مِن حياءٍ مِن خَوْفٍ. فقد كنْتُ سادِراً في حَياتي!
كنْتُ فيها الظَّلُومَ لِلْفِكْرِ
والحِسِّ. وكانا في النَّائِباتِ شَباتي!
يا لَوَيْلي مِن الغَباءِ فقد كنْتُ
بليدا في صَحْوتِي وسُباتِي!
كيف هذا؟! وكانَ أَهْلي يَظُنُّونَ بِأنِّي الهُدى. وكانَ لِداتي!؟
* * *
ظاهري كانَ يَبْدو قَوِيماً رشيداً
حِينما كانَ باطِني الصَّدِي يَتَرَدَّى!
لَيْتَهُمْ أَبْصَرُوا العَمِيَّ الذي
ظَلَّ خِداعاً بِقاعِهِ يَتَدَهْدى!(63/243)
آهِ لو بِنْتُ لِلْعُيُونِ فلاقَيْتُ ازْدِراءً من العُيُونِ. وصَدَّا!
إنَّ هذا الرِّياءَ.. كُبْرى الخَطِيئاتِ أَحالَ الذَّمَّ المُدَمِّرَ حَمْدا!
يا إِلهي. لقد شَقِيتُ وأَشْقَيْتُ. فأَبْدَلْتَ شقوتي مِنْكَ سَعْدا!
فَتَمَجَّدْتَ.. ما أَجَلَّكَ رَبّاً
حين تًحْبو الغواةَ جَاؤُوكَ رِفْدا!
أنا فَرْدٌ مِن الغُواةِ.. وما عُدْتُ
بِغُفْرانِكَ المُعَزِّزِ.. فَرْدا!
أنا عَبْدٌ مِنْهُمْ أَنابَ فَأَمْسى
يَتَباهى بِكَوْنِهِ بكَ عَبْدا!
* * *
بَيْنَ عَهْدٍ مَضى.. وعَهْدٍ جَدِيدٍ
بَيْنَ عَهْدِ الدُّجى وعَهْدِ الضِّياءِ!
عُدْتُ ما أَشْتَهي سِوى المَجْدِ
ما يَهْدِفُ إلاَّ لِنُصْرَةِ الضُّعَفاءِ!
عُدْتُ ما أَشْتَهي سِوى المالِ
ما يَهْدِفُ إلاَّ لِخِدْمَةِ الفُقَراءِ!
عُدْتُ ما أَشْتَهي سوى الصَّفْح
مَهْما نالَني من ضراوة الخُصَماءِ!
فَلَعَلِّي يوم الحِسابِ أَرى
العَفْوَ فَأَغْدو بِه مِن السُّعداءِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> أيها الإنسان
أيها الإنسان
رقم القصيدة : 66041
-----------------------------------
أجْهَدَتْني الحياةُ يا رَبِّ حتى
لَتَمَنَّيْتُ أَنْ تَغُولَ المنُونُ!
غير أَنِّي أخافُ من سَطْوَةِ الإِثْمِ
فتشقى اليقين مِنِّي الظُّنُونُ!
كيف ألْقاكَ والغواية ألْهَتْني
عن الرُّشْدِ..واسْتَبَدَّ الجُنُونُ!
أَفَأَلْقى مِنْكَ الحَنَانَ وما كنتُ حَنوناً.. وأنتَ أنتَ الحَنُونُ!
* * *
أَمْ سأَلْقى عدالةً تَجْلِد الرُّوحَ بِسَوْطٍ من الجَحيِم رَهيبِ؟!
أَنْذَرَتْهُ فما ارعوى. وتَصَدَّى
غَيْرَ مُسْتَبْصِرٍ ولا مُسْتَجِيبِ!
وتَرَدَّى إلى الحَضِيضِ فلاقى
كُلَّ مُسْتَنْكِرٍ وكُلَّ حَرِيبِ!
أَلَّفُوا عُصْبَةً وما بالُوا
بيَوْمٍ على الغُواةِ عَصِيبِ!
* * *
كنْتُ مِنْهُمْ.. لكِنَّني كنْتُ
أنقاهم ضميرا.. وخَيْرَهمُ تَفْكيرا!
كنْتُ أسْتَنْكِرُ الخَطايا وآتِيها(63/244)
وأَسْتَعْذِبُ الشَّرابَ المَرِيرا!
وبِقَلْبي الأَلِيمِ لَمْحَةُ نُورٍ
لو تَجَلَّتْ لما غَدَوْتُ ضَرِيرا!
ولما رُحْتُ ساَدِراً في ضلالٍ
يَجْعَلُ النَّابِهَ الحصيف غَرِيرا!
* * *
ما الذي في غَدِي بَعْد أَمسي
جانَبَ الدَّرْكَ مُسْتَنيراً سَوِيّاً؟!
فَرأَى فيه فِتْنَةَ اللُّبِّ إذا
كان سامِريّاً غَوِيّاَ..؟!
فَمَشى عابِثاً بِدَرْبٍ مَقِيتٍ
قامَ إِبْليسُهُ عليه وصِيَّا!
فيه ما يشتهي العصى فيطويه
فَيَغْدو الجَلِيُّ فيه شَجِيَّا!
إنَّه كان أَمْسِي فأشْقاني
وما زِلْتُ فيه نِضْواً شَقِيَّا!
* * *
إنَّما الخَلْقُ في الحياة شُكُولٌ
مُنْذُ أَنْ صِيغَ من تُقًى وفُجورِ!
بَعْضُهُم يَرْتَوِي ارْتِشَافاً من العَذْبِ طَهُوراً.. ويَكتفي بالطَّهُورِ!
راضياً بالزَّكِيِّ من طَيِّبِ العَيْشِ قلِيلاً كَمَطْعَم العُصْفُورِ!
والصَّبُورُ الصَّبُورُ في هذه الدنيا
كرِيمُ العُقْبى كَمِثْلِ الشَّكُورِ!
* * *
وأنا لم أكُنْ صَبُوراً ولا كنْتُ
شَكُوراً.. فَفِيمَ هذا الدَّلالُ؟!
أفَبالخُسْرِ والخَطِيئاتِ أَزْهو
خابَ مِنْها قَبْلي وَذَلَّ الرِّجالُ!
إنَّما الزَّهْوُ والدَّلالُ بِما كانَ
جَلِيلاً.. يَعَزُّ مِنهُ الجَلالُ!
* * *
صارِحيني يا أُخْتَ رُوحي. وصُدِّي
عن ضَلُولٍ جافى السُّمُوَّ فَأَهْوى!
قد تَحَوَّلْتُ عن سبيلي الذي كان
سَوِيّاً. فَلَسْتُ أَهْلاً لِنَجْوى!
ما أراني من الغِوايَةِ إلاَّ
تابِعاً شَهْوتي ومَنْ كانَ أَغْوى!
فاذْكُرِيني إذا خَلَوْتِ بِمِحْرابِكِ
ذِكْرى تُزِيحُ كَرْباً وبَلْوى!
* * *
إنَّني صائِرٌ قَرِيباً إِلى الله
بِقَلْبٍ ذي لَوْعَةٍ وانْكِسارِ!
خائِفاً.. آمِلاً.. فما أَعْظَمَ العَفْوَ
لَدَيْهِ.. عن الخطايا الكِبارِ!
ولَعَلِّي بِما أُجِنُّ.. بإِيماني
نَقِيّاً مِنْ لَوْثَةٍ وضِرارِ..!
أَجِدُ العَفْوَ.. والجَحِيمُ يُنادِيني
إِلَيْهِ.. وجَنَّتي في انْتِظاري!
* * *(63/245)
نَحْنُ نَلْهُو وفي الشَّبابِ اقْتِحامٌ
ثُمَّ نَكْبُوا. وفي الشَّبابِ انْهِزامُ!
لِمَ لا نُبْصِرُ العظاتِ فَنَسْتَهْدي
ولا يَجْرَحُ الرَّشادَ الحُسامُ؟!
الأَشِدَّاءُ قبْلَ أن يَعُودوا ضِعافاً
لَيْتَهُم غالَبُوا الهَوى فاسْتَقاموا!
كانَ حَقّاً عَلَيْهِمُو أَنْ يضيئوا
قَبْلَ أَنْ يَدْهَمَ الحياةَ الحِمامُ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> اِسأليني..
اِسأليني..
رقم القصيدة : 66042
-----------------------------------
اسْأَلِيني ما الذي يَجْعَلُني
شَبَحاً حتى أرى الخَلْقَ هَباءَ؟!
واسْأَلِيني عن دَواعِي عُزْلَتي
أَفكانَتْ جَفْوَةً أم خُيَلاءَ؟!
وإذا أثَرْتِ أنْ لا تَسْأَلي
فَدَعيني أُوثِرُ الدَّاءَ العَياءَ!
أنا وَحْدي في اعْتِزالي ذائِقٌ
لَذَّةَ الروح ابْتِعاداً واجْتِواءَ!
* * *
واسأليني ما الذي يُسْعِدُني
وأنا أُبْصِرُ حَوْلي السُّعداءَ؟!
إنَّني أُبْصِرُهم في نَشْوَةٍ
فَأَرى فيهم أمانِيَّ الوِضاءَ!
تلك كانتْ في شَبابي وانْمَحَتْ
وتَبَدَّلْتُ الأسى والبُرَحاءَ!
ثم عادتْ وَمْضَةً باسِمَةً
في مُحَيَّاهُم.. فَكانَتْ لي عَزاءَ!
* * *
تُسْعِدُ القَلْبَ الشَّجِيَّ المُسْتَوى
في دَياجِيهِ. نُجُومٌ مُشْرِقاتْ!
رُبَّما لا يُبْصِرُ الدَّرْبَ بها
فهو أَدْجى. أَوْ هو الحَظُّ المَواتْ؟!
هو في دُنْياهُ ما يَرْجُو سِوى
أَنْ يَرى العالَمَ مَوْفُورَ الهِباتْ!
ولقد يَرْضى لهم مائِدَةً..
مُشْتَهاةً. وهو يَرْضى بالفُتاتْ!
* * *
هكذا عِشْتُ غَنِيّاً بالرُّؤى
بالشَّذا تَشْفِي. وتروي بالفُراتْ!
وفَقيراً ما يُبالي باللُّهى
فهي قد تَسْلِبُهُ حُلْوَ السُّباتْ!
ولقد أَشْعُرُ أنِّي طَرِبٌ
في دُرُوبٍ مُدْلَهِمَّاتِ السِّماتْ!
ولقد أشْدو بِصَمْتٍ مُطْبِقٍ
تَتَمنَّاهُ.. فما تَحْظى -اللُّغاتْ!
* * *
واسْأَلِيني ما الذي يُكْرِبُني؟!
ما الذي يَدْفَعُني لِلإِنْزِواءْ؟!
رَغْمَ أَنِّي بانزوائي قِلِقٌ(63/246)
دَنِفٌ يهفو لإِخْوانِ الصَّفاءْ!
أَيْنَهُم؟! إنِّي إِلَيْهِمْ تائِقٌ
أَيْنَهم؟! هل هُمْ كَمِثْلي غُرَباءْ؟!
لا تَلاقي بَيْنَنا إنَّ الوَرى
فَرَّقُوا ما بَيْنَنا خَوْفَ اللِّقاءْ!
والورى فيه صَباً.. فيه دَبُورْ
فيه عَقْلٌ مُبْصِرٌ. فيه عَماءْ!
فيه رَوْضٌ يانِعٌ. فيه يَبِيسْ
بَلْقَعٌ لَيْسَ به نَبْتٌ وماءْ!
طالَما أظْمَأَني.. لكِنَّنِي..
سِرْتُ فيه بين أشْتاتِ الظِّماءْ!
لم أَجِدْ فيه سِوى ما راعَني
مِثْلَ ما راع رَعيلَ الحُكماءْ!
* * *
واسأَلِيني ما الذي يَبْهَرُني؟!
ما الذي يَمْنَحُني حُلْوَ المتَاعْ؟!
ما الذي يُؤنِسُني في وَحْشةٍ
لَم تَجِدْ في لَيْلِها الدَّاجي شُعاعْ؟!
وأعْجَبي مِنِّي.. فما يؤنِسُني
غَيْرُ أَنْ تَحْلُوَ في الخَلْقِ الطِّباعْ؟!
فلقد أَلْقى رِعاعاً في سَراةٍ
ولقد أَلْقى سَراةً في رِعاعْ!
* * *
واسْأَليني. ما الذي يُرْهِقُني
فإِذا مُثْخَناً دُونَ صِراعْ؟!
وإذا بي الشِّلْوَ يَدْمي حَمَلاً
خائفا ما بَيْنَ أنْيابِ السِّباعْ!
وأنا الأَعْزَلُ لا سَيْفَ له
يَدْفَعُ الظُّلْمَ.. ولا رأْي مطاع!
لَتَمَنَّيْتُ. وما تُجْدِي المُنى
أَنَّني كُنْتُ طَعاماً لِلْجِياعْ!
* * *
واسألِيني. ما الذي يُلْهِمُني
ما الذي يُلْهِبُ فِكْري وشُعوري؟!
ما الذي يَمْلَؤُنِي مِن غِبْطَةٍ
وأنا المَحْزونُ يَطْويني ثُبُوري؟!
وأنا الآمِلُ في اللُّبِّ وقد
تَغْلِبُ اللُّبَّ وتَطْوِيهِ قُشُوري!
وأنا المُلْتاعُ في أَمْسائِهِ
حالكاتٍ تَشْتَهي نُورَ البُدورِ!
ما الذي يُلْهِمُني يا ماضِياً
حافِلاً بالحُسْنِ يُشْقي.. والغُرورِ؟!
ما الذي يُلْهِمُني يا حاضِراً
لم يَعُدْ عِنْدي سوى ذِكْرى حَرُورِ!
إنَّه ذِكْراكِ.. ذِكْرى أَلَمٍ
حارِقٍ كالجَمْر ما بَيْنَ الصُّدُورِ!
إنَّه أَنْتِ. وقد عادَ غَدي
مُلْهَماً يَبْكي على أَمْسي الحَصُورِ!
فاسْأَلِيني.. لا فما أُصْغِي إلى
فِتْنَةٍ عادت رفاتا في القُبُورِ!(63/247)
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> ماض وحاضر
ماض وحاضر
رقم القصيدة : 66043
-----------------------------------
نظَرْتُ إليها وهي تَرْنُو بِطَرْفِها
إليَّ كَلَيْثٍ في عَرِينٍ مُمَنَّعِ!
فَأطْرَقْتُ إجْلالا لها ومَهابةً
وخِفْتُ فقد تَلْهو وأَشْقى بِمَصْرَعي!
وقلت لها رِفْقاً فإنِّي مُفَزَّعٌ
من الحُسْنِ هذا وهو غَيْرُ مُفَزَّعِ!
ألا رُبَّ قَلْبٍ من جَمالٍ مُبَرْقَعٍ
يُطِيحُ بِقَلْبٍ من كَمِيًّ مُدَرَّعِ!
تَبارَكْتَ رَبِّي كيف يُشْقي قُلوبَنا
ويُسعِدُها حُسْنٌ شدِيدُ التَّرَفُّعِ؟!
ولو أَنَّني خُيِّرْتُ ما اخْتَرْتُ مَوْقِفاً
لَدى بابِهِ أُبْدِي إليه تَضَرُّعي!
فَلِلْحُرِّ نَفْسٌ لا تَطيقُ تَضَرُّعاً..
ولا تنثني عن مَجْدِها المَتَضَوِّعِ!
ولكِنَّها تهفو إلى الحُبِّ مُلْهِماً..
بِكُلِّ نَضِيرٍ في الحياةِ ومُمْرِعِ!
بِيَنْبُوعها الحالي.. بِشَدْوِ طُيُورِها
بِآلائِها من كُلِّ غالٍ ومُمْتِعِ!
فكيف أَطِيقُ الصَّبْرَ عنه وصَبْوَتي
إليه كجَمْرٍ حارِقٍ بَيْن أَضْلُعي؟!
فيا لَيْتَه لم يَطْغَ.. يا لَيْتَ قَلْبَهُ
شَجِيٌّ فما يَطْغى كَقَلْبي المُوَلَّع!
ولكِنَّ بَعْضَ الحُسْنِ يَدْفَعُ ربَّه
إلى جَنَفٍ يَقْسو على المُتَوَجِّعِ!
فَيَضْطَرُّه إِمَّا إلى النَّأْي كارِهاً
وإمَّا إلى جَدْي يَسيرُ بأَرْبَعِ!
ولَيْسَ كَمِثْلِ الهَجْرِ لِلْحُرِّ قاتِلٌ
ولَيْس كمِثْلِ النَّأْي لِلْمُتَفَجِّع..!
ولو كان رَبُّ الحُسْنِ يُدْرِكُ أَنَّه
غَداً سَوْفَ يَمْضي الحُسْنُ غَيْرَ مُوَدِّعِ!
لَمَا كانَ مَفْتُوناً.. وما كانَ قاسِياً
على عاشِقٍ ذِي خافِقٍ مُتَقَطِّعِ!
فيا رُبَّما يَغْدو العَتِيُّ وحُسْنُهُ
تَوَلَّى فَيُشْقِيه ازْدِراء التَّقطُّعِ!
* * *
وقال أُصَيْحابي. وقد شابَ مَفْرِقي
وبانتْ غُضُونٌ في المُحَيَّا المُضَلَّعِ!
متى أَنْتَ يا هذا المُدَلَّهُ تَرْعَوِي(63/248)
وتُقْصِرُ عن هذا الهوى المُتَطَلِّعِ؟!
لقد عُدْتَ شَيْخاً راعِشاً مُتَخلِّعاً
وما زِلْتَ عن بَلْواكَ لَسْتَ بِمُقْلِعَ؟!
يُشِيحُ الهوى والحُسْنُ عنكَ. أَما تَرى
وتسمع ما قالاه فيك؟! ألا تَعِي؟!
* * *
وقُلْتُ لأَصْحابي. لقد كُنُتُ طامِعاً
وقد كانَ ما حاوَلْتُهُ شَرَّ مَطْمَعِ!
وقد كنْتُ ضِلِّيلاً حَسَبْتُ كهُولَتِي
كمِثْلِ شبابٍ ساءَ فيه تَمَتُّعي!
مِن الرُّشْدِ لِلْفانِي الذي عاشَ ماجناً
وصَدَّعَهُ الشَّيْطانُ أُنَكى تَصَدُّعِ!
تَراجُعُهُ عن غَيّهِ واجْتِنابُهُ
مآثِمَهُ قَبْلَ الرَّدى المُتَوَقِّعِ!
ولم أَتَراجَعْ بَعْدُ يا لَيْتَ أَنَّني
سَلَكْتُ سَبِيلي حِكْمةٍ وتَهَجُّعَ!
فَشَتَّانَ ما بَينيْ تَفَجّعِ يافعٍ
وشَيْخٍ على العِلاَّتِ لم يَتَوَجَّعِ!
* * *
تَبارَكْتَ رَبِّي هل سَتَسْخو لآِبِقٍ
بِتَوْبَتِه حتى يَرى خَيْرَ مَهْجَعِ!
فَيَمْشي به مِن بَعْدِ طُولِ غِوايةٍ..
ويَسْرِي على نورٍ هناك مُشَعْشَعِ!
بَلى إِنَّني أَرْجو فما لي وسِيلَةٌ
سوى عَفْوِهِ المأْمُولِ يَوْمَ التَّجَمُّعِ!
تَجَرَّعْتُ حُلْوَ الإِثْمِ يَوْمَ شَبِيبَتي
وها أنا أَشْكو من قرِيرِ التَّجَرُّعِ!
لقد جَعَلَتْ مِنِّي الغِوايَةُ طِفْلَها
وأدْنَتْ فَمي الظَّمآن مِن ثَدْي مُرْضِعِ!
وأهْفُو بِيَوْمي لِلتُّقى وجَلالِهِ
ونِيَّةِ قِدِّيسٍ. وعَزْم سَمَيْدَعِ!
كأَنِّي بِنَفْسي. وهي في حَمْأَةِ القَذى
تَنِقُّ. فما كانت سوى نَفْسِ ضُفْدُعِ!
* * *
أَهِيْمُ بِمَجْدِ الخالِدين وأَجْتَلي
محاسِنَهُم.. أَهْلي وصَحْبي ومَرْبَعي..!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> كانت فبانت
كانت فبانت
رقم القصيدة : 66044
-----------------------------------
ليلايَ كيف أَطَعْتِ ثُعبانَ السُّلُوِّ
فَسَمَّم القَلْبَ الشَّغوفْ؟!
أقْسَمْتِ أنَّكِ لَسْتِ ساليةً
ولو لاقَيْتِ في الحُبِّ الحُتوفْ!
وأنا الغَبِيُّ المُسْتهامُ..(63/249)
أُصَدِّقُ الكذبَ العَصوف!
ما كانَ أَجْدَرَني بِهَجْرِكِ
حين كنْتُ أنا العَطُوفْ!
لا تَحْسَبي أنِّي الخَروفْ
فإِنَّني الأَسَدُ العَيُوفْ!
لن تَقْطُفي منِّي.. وقد أَعْرَضْتُ.. دانية القُطوفْ!
ولسوف يُدْمِيكِ الأَسى
ولَسَوْفَ تَحْصُدُكِ الصُّروفْ!
إنِّي أراكِ قَصِيدَةً خَرْقَاءَ شَائِهَةَ الحُروفْ!
فَتَوقَّعي إلاَّ الرُّجُوعَ
إليكِ ما أحْلى العُزُوفْ!
بالأَمْسِ كنْتِ البَدْرَ يُشْرِقُ ثُمَّ أَدْرَكَكِ الكُسوفْ!
ما عُدْتُ أَحْلَمُ بالّلآلِىءِ
أَوْ أَتُوقُ إلى الشُّغُوفْ!
بل عُدْتُ أَحْلَمُ بالبَتُولِ
يَزينُها القَلْبُ الرَّؤوفْ!
فَلْتُعرِضي عنِّي. كما أعرضت ولْتَضَعِي الهوى فوق الرفوفْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> أنا .. والشاعر العرفج
أنا .. والشاعر العرفج
رقم القصيدة : 66045
-----------------------------------
طرِبْتُ من العَرْفَجِ المُسْتَنيرِ
بِشِعْرٍ بدا كشُعاعِ القَمَرْ!
كَصَفْوِ الغَدِيرِ.. كشَدْوِ الكَنارِ
.. كحُلْوِ الثِّمارِ.. كنَفْحِ الزَّهَرْ!
فقُلْتُ له.. ما أَجَلَّ القريضَ
إذا ما سَبانا بهذي الغُرَرْ!
بدا لي كَمِثْلِ السَّحابِ النَّدِيِّ
يَجُودُ علينا بِحُلْوِ المَطَرْ..!
وما الشِّعْرُ إلاَّ انْسكابِ الشُّعورِ.. تُؤازِرُهُ شامِخاتُ الفِكَرْ!
لقد أَدَني حَمْلُهُ في الحياةِ
ولكِنَّه كانَ حُلْوَ الثَّمَرْ..!
فَرُحْتُ أَجُوبُ الذُّرى الشَّامخاتِ. وأَحْمَدُ وِرْدي به والصُّدَرْ!
وأَسْتَنْبىءُ النَّجْمَ عَمْا اسْتَبانَ
-وكانَ الخَفِيَّ- وعما اسْتَسَرْ!
فُيُنْبِئُني يالَ هذا الحَصادُ
ويالَ بَدِيعُ الرُّؤى والسُّوَرْ!
تَبارَك مانِحُ هذا الشُّعورِ
يَصُوغُ لنا غَالياتِ الدُّرَرْ!
ويسقي النمير.. ويروي الظماء
فَنِعْمَ النَّمِيرُ.. ونِعْمَ النَّهَرْ!
وما نالَه غَيْرُ بَعْضِ الأَنامِ
وكانوا العَمالِيق بَيْن البَشَرْ!
وكانُوا السَّراةَ. وكانُوا الهُداةَ(63/250)
وكانُوا الشُّداةَ به في السَّحَرْ!
أَراني الحَفِيَّ به المُسْتَعِزَّ
بِحالَةِ صَحْوِي به والحَذَرْ!
فيا ربَّةَ الشعر إنِّي الشغوف
وإنِّي الكَنارِيَّ ما بَيْن الشَّجَرْ
أَهِيمُ بجناتك الحاليات
هُيامي بِحَرِّ اللَّظى مِن سَقَرْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> راعية الإلهام
راعية الإلهام
رقم القصيدة : 66046
-----------------------------------
يالَ بلائي مِن عَذابي الطَّويلْ!
يالَ بُكائي في الدُّجى. والعَويلْ!
يال حيائي مِن ضَميري العليلْ!
أَوَّاهِ. ما أَظْلَمَ هذا البلاءْ!
* * *
كان سَمُوِّي مَطْلَبي في الحياةْ!
مَطْلَبَ طَيْرٍ عاشَ بَيْن البُزاةْ!
يَخْشى مِن المِخْلَبِ يَخْشى الحصاةْ!
في الجَوِّ. في العُشِّ. يُريدُ البقاءْ!
* * *
مُنْذُ يَفاعي. وأنَا في شُجُونْ!
تَكادُ أَنْ تُسْلِمَني لِلْجُنُون!
لكِنَّني كنْتُ الأبِيَّ الحَرُونْ!
أَكْسِرُ قَيْدي. لَوْ لَقِيتُ الفَناءْ!
* * *
وكنْتُ بَيْن النَّاسِ نِضْوَ الجَوى!
يَرَوْنَ أنِّي قد أَطَعْتُ الهوى!
وأنَّني الأَحْمَقُ.. ضَلَّ الصُّوى!
فَعاشَ لا يَمْلِكُ إلاَّ الخَواءْ!
* * *
هل أَسْتَوِي يَوْماً قَرِيرَ الفُؤادْ؟!
يَحْلو له العَيْشُ. ويَحْلُو الرُّقادْ؟!
وأَجْتَوي -بَعْد القُنُوطِ- الجِهادْ؟!
جِهادَ أَهْلِ المَيْنِ. أَهْلِ الرِّياءْ؟!
* * *
هُمْ كالثَّعالي. بالخداعِ المُهِينْ!
وبالخُنُوعِ الطَّامِعِ المُسْتَهِينْ!
وهم ذُبابٌ يرتوي بالطَّنِينْ!
مِن أَجْلِ مَجْدٍ كاذِبٍ. أَوْ رَفَاءْ!
* * *
وكالذِّئابِ الطُّلْسِ. خَلْفَ السِّتارْ!
أَقْصى مُناهُمْ.. أن يَجُوسُوا الدِّيارْ!
لِيُلْبِسوا العار ثِيابَ الفَخارْ!
لِيأْكُلوا بين دياجي الخفاء!
* * *
عانَيْتُ مِنْهُم ما يَرُوعُ الضَّمِيرْ!
لكِنَّني كُنْتُ السِّراجَ المُنِيرْ!
يَفْضحُهُمْ.. يُلْقِي بِهمْ لِلْحَفِيرْ!
فَهُمْ هُمُ العُوجُ. وإِنِّي السَّواء!
* * *(63/251)
ما خِفْتُهمْ. ما خِفْتُ حَرْباً عَوانْ!
مِنْهُمْ.. فما أَكْسَب هذا الرِّهانْ!
لن يَغْلِبَ القسْوَةَ إلاَّ الحَنانْ!
ودامِسُ الدَّيجُورِ يَخْشى الضِّياءْ!
* * *
ما أَكْرَمَ العَيْشَ إذا ما اسْتَقامْ!
ولم يُخِفْهُ بالوَعِيدِ الطَّغامْ!
وعاش في النُّورِ. وجافى الظَّلامْ!
وهُوَ هُوَ السَّوْطُ على مَن أساءْ!
* * *
يا رَبَّةَ الإِلْهامِ. ذَاتَ النَّقاءْ!
يا ذاتَ حُبِّي.. ذاتَ عالي اللِّواءْ!
عِنْدَكِ -بعد الله- كُلُّ الشّفاءْ!
مِنْكِ حلا الصُّبْحُ. وطابَ المَساءْ!
* * *
إنِّي لأَسْتَشْرِفُ مِنْكِ العُلا!
شَرُفْتُ بالإِلْهامِ بَيْن الملا!
فَعَفْتُ كُلَّ الحُسْنِ.. كُلَّ الطِّلا..!
مِن بَعْد أَن كرَّمْتِني بالعَطاءْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> حب وعرفان
حب وعرفان
رقم القصيدة : 66047
-----------------------------------
رأيْتُ لعبد الله مَجْداً مُؤَثَّلاً
تحدَّر من آبائِهِ الصِّيدِ واسْتَعْلى!
فمن جَدّه عبد العزيز.. وفَيْصلٍ
أبيه تَبَدَّى المجد مُمْتَنِعاً فَخَلا!
ولله في عبد العزيز مآثِرٌ
رأَيْنا بها الوَبْلَ المُبَشِّرَ والطَّلاّ!
وكانتْ بِلادُ العُرْبِ شَمْلاً مُمَزَّقاً
وخَوْفاً.. فلا وَعْراً أَميناً. ولا سَهْلا!
فلا الحجُّ مأمُونٌ ولا المسجد الذي
تَمَيَّز بالمُخُتارِ.. وانْتَزَعَ الجهلا!
فكم مِن حَجِيجٍ راح يَقُصُدُ طَيْبَةٌ
تَفَزَّعَ نَهْباً. أو تَرَدَّى بِها قَتْلا!
طرائِقُ شَتَّى أفْزَعَتْ كُلَّ طارِقٍ
وإنْ بَذَلوا من الله ما جَلَّ واسْتَحْلى!
تَصَدَّى لها عبد العزيز فَصانَها
من العَبَثِ المُزْري. وكانَ له أَهْلا!
فما هي إِلاَّ جولة بعَدَ جوْلَةٍ
فَراحَ بها الباغُونَ صَرْعى بِما أَصْلى!
فمنهم أَطاعَ السَّيْفَ يَشْدخُ هامَهُ
ومنهم رأى أَنَّ الرُّضوخ به أوْلى!
فَلِله ما أَجْدى علينا جِهادُهُ
فقد صَحَّ منه ما تَهافَتَ واعْتَلاَّ!(63/252)
يُشِيدُ به الشَّادُونَ في كُلِّ بُقْعَةٍ
فكم مِنَّةٍ تُرْوى. وكم آيةٍ تُتْلى!
وهذا هو الخُلْدُ الذي ظَلَّ شامِخاً
مُشِعّاً على الدُّنْيا بآلائِهِ المُثْلى!
ومِن بَعْدِه جاءَ الغَطارِيفُ.. كُلُّهُمْ
شَغُوفٌ بِمَجْدٍ لا يَخيسُ ولا يَبْلى!
بدا فَيْصَلٌ لِلنَّاسِ مَجْداً مُلألِئاً
يُضِيءُ.. فلا حِسّاً يَضِلُّ. ولا عَقْلا!
تأَلَّقَ في عَيْنَيْ أَبيهِ فَسَرَّهُ..
وكيف؟! وقد كانَ السَّبوق الذي جَلىَّ؟!
فقال له كُنْ نائبِي.. وأَحَلَّهُ
مَحلاًّ رَفِيعاً.. ما أَعَزَّ وما أَغْلى!
فقد كانَ فيه المُصْطَفى سَيِّدُ الورى
فكانَ به طِفْلاً.. وشَبَّ به كَهْلا!
فَراسةُ مَوْهُوبٍ عَظِيمٍ مُسَوَّدٍ
وفِطْنَةُ مَوْهُوبٍ. وكان له نَجْلا!
ولَسْتُ بِمُسْطِيعٍ. ولا الشّعْرُ قادِرٌ
على صَوْغِ ما كانا بِه. وله أَهْلا!
فَفي البَحْرِ أَسْرارٌ. وفي الطَّوْدِ رِفْعةٌ
تُحَيِّرُ قَوْلا.. أَنْ يُحاوِلَ.. أْو فِعْلا!
وشاءَ يَراعي مَرَّةً فأَرابَني
فَقُلْتُ له - لما رَثَيْتُ له - مَثلا!
وقُلْتُ له أَبْصِرْ.. فَحَوْلَكَ ثُلَّةٌ
كَوَاكِبُ.. كانُوا لِلَّذي سادَنا نَسْلا!
أَشاوِسُ. لَو فَوْق النُّجُومَ مَنَابعٌ
لَتاقُوا إليْها. واسْتَطابُوا بها النَّهْلا!
ولم يَثْنِهمْ عَن قَصْدِهم غَيْرُ نيْلِهِ
وكيْفَ.. وقد أَدُّوا له الفَرْصَ والنَّفْلا!
وقد ناضَلُوا حتى اسْتَوَوْا فَوقَ هامِهِ
فساروا وقد مَدّ الطُّمُوحُ لهم حَبْلا!
تَذكَّرْ سعوداً وهو أوَّلُ عاهلٍ
تَسَنَّم عَرْشاً يَنْشُدُ الحقَّ والعدْلا!
تَسَنَّمه والنَّاسُ تحمد ما بَنى
أبُوهُ.. ويَلْقى حَوْلَه الحَوْلَ والطَّوْلا!
وحَسْبُكَ مِن هذه السُّلالِة خالِدٌ
وفَهْدٌ. وقد كانَ السُّمُوُّ لهم شُغْلا!
فَأَوْرَثَهم مَجْداً طَريفاً وتالِداً
وأَوْرَثَنا نَحْن الكرمةَ والفَضْلا!
لَك الله يا فَهْدُ الحَبِيبُ وخالدٌ
فإنَّكُما الجُودُ الذي اسْتَأْصَلَ البخلا!(63/253)
وإنَّكُما الفَخْرُ الذي يَستَفِزُّنا
إلى المَدْحِ.. لولا أنَّه لم يكُنْ جَزْلا!
***
ويا شِعْرُ هل لي أَنْ أَبُوحَ بِمُضْمَرٍ
من الحُبِّ أَصْلاني الذي لم أَكُنْ أصْلى!
لَئن عَزَّني فيه الثّناءُ فَإِنَّني
أراني بِحُبِّي أعْشّق الصَّدَّ والوَصْلا!
وأعْذُرُ شِعْري إنْ تَقَاصَر واسْتَوى
على العَجْزِ واسْتَخْذى بِقافيةٍ عَجْلى!
فما هو إلاَّ الشِّعْرُ يَسْتَقْطِبَ النُّهى
فَيَشْدو كما تَشْدُو مَشاعِرُهُ الجَذْلى!
وما هو إلاَّ المَجْدُ.. إلاَّ رُسُوخُهُ
وما هو إلاَّ أَنْ غَدَوْتَ له ظِلاَّ!
عَشِقْتُ العُلا مَنْذُ الصِّبا فَوَجَدْتُها
لَدَيْهِ. فَنَادَتْني أَلا كُنْ له خِلاَّ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> ويختلف الحبان
ويختلف الحبان
رقم القصيدة : 66048
-----------------------------------
أشعريني بأنَّ يوْمَكِ كالأمْسِ
حناناً ورِقَّةً وفُتونا!
إنَّني لا أطيقُ مِنْكِ ازْوِراراً
إنَّه يُورِثُ الضَّنى والجُنونا!
ما أُحَيْلى الأيَّامَ تلك وأَشْجاها
فقد شَيَّدَتْ لحُبِّي حُصُونا!
كُنْتُ فيها أَنْسى اللَّذاذَاتِ سِواها.. ولا أَخافُ المَنُونا!
ما أُبالي لا بالحُطامِ ولا المَجْدِ
وأَرْضى قَيدي وأَرْضى الشُّجُونا!
إن حُرِّيتي لَتَشْرُفُ بالرِّقِّ
يَراعاً ومَمْطَراً مَكْنُونا..!
***
هو يُفْضي إليَّ جَهْراً وهَمْساً
بالذي يُذْهِلُ العُقُولَ ويَشْفِي!
بالَّذي يَرْفَعُ الضَّميرَ إلى الأَوْج
ويبدي لها الذي كان يخفي..!
ما يَرى منه كُلُّ قَلْبٍ حَفِيٍّ
أَوْ مِن جَلالِه كُلُّ طَرْفِ!
ما تَخيّرْتُ دُونَ القِمَمَ الشُّمَّ
وأَخْتارُهُ بِدَيْجور كَهْفِ!
إنَّ بَعْضَ الدَّيْجُورِ نُورٌ يُغَشِّيكَ
بِمَرْأىّ يَجِلُّ عن كَلِّ وَصْفِ!
ولقد بانَ ساطِعاً فَتَخَشَّعتْ
فَسَفْحي غَدا رفيِعاً كسقفِ!
***
يا سمائي التي أَنَرْتِ سِبيلي
إجْعَلي النور صاحبي ودليلي!
واجْعَليه إذا سَرَيْتَ نَجِيِّيَ(63/254)
واجْعَليه إذا لَغِبْتُ خليلي!
هو نُورٌ كأنَّه المُزْنُ يَرْوي
ظَمَأِي في السُّرى ويَشْفي غَليلي!
وهو الرَّوْض بالثِّمارِ وبالزَّهْرِ
غِذاءٌ ونَشْوَةٌ لِلْعَليلِ..!
وهو سِفْرٌ مُجَلَّلٌ بالتَّرانِيمِ
أَراهُ في بُكْرَتي وأَصِيلي!
بَعْدَه. بَعْد أَنْ شغُفْتُ بما ضّمَّ تحاشَيْتَ كل سِفْرٍ هَزيلِ!
يا فَتاتي لقد جَنَحْتُ إلى الحُسْـ
نِ وَضيئاً يَنْأى عن الأَوْهاقِ!
كنْتُ فيه أَسْعى إلى الجَسَدِ
البالي. وأَصْبُو لِضَمَّةٍ وعناقِ!
كان فيه الفِراقُ يَدْعو إلى الذُّلِّ
مَهِيضاً.. مُتَيَّماً بالتَّلاقي!
كم تَدلَّيْتَ كم تَهاوَيْتُ لِلْدَّرْكِ وَضِيعاً كَمَعْشَرِ العُشَّاقِ!
ويْد الحُسْنٍ فَوْقَ رأْسي كإزْميلِ ظَمىءٍ إلى الدَّمِ المُهْراقِ!
لَيْس إلاَّ العُتُوٌّ فيه ذلك الحُسْنِ
فَمرْحىً لِعِزَّتي وانْعِتاقي!
***
ولَشَتَّانَ بَيْن حُسْنٍ يُواليكَ
طَهُوراً. وبَيْن حُسنٍ عَصُوفِ!
ذاك يَحْنو عليك غَيْرَ مُدِلٍّ
و يُفَدِّيكَ بالرَّؤى والطُّيُوفِ!
مُلْهِمٌ. فاليراعُ منه نَدِيٌّ..
بِمعانٍ تَزَيَّنَتْ بالحُروفِ!
وعذارى من الطَّرائِفِ تَشْفِي
عاشِقَ الفَنِّ مِن بلاءِ الصُّرٌوفِ!
هي مَجْدٌ مَؤَثَلٌ لِمُعَنَّى..
بِهَواها - مُغامِرٍ مَشْغُوفِ!
ما يُبالي إذا احْتَوتْهُ وناجَتْهُ
بآياتِها بِوَشْكِ الحُتُوفِ!
***
والمُدِلُّ القصُوفُ تَسْطَعُ حيناً
ثم يَخْفو ويَنْتَهي بالمِحاقِ!
كم تَعالى به الفُتُونُ فأشْجى
ثم أَهْوى به إلى الأَنْفاقِ!
فإذا بالنَّميرِ منْه سَرابٌ
عادَ لغَيِّ لعْنَةَ الأَحداقِ!
ظَنَّ أَنْ يَخْلُدَ الفُتُون. فأَشقاهُ
غُروبٌ أَطاحَ بالإِشْراقِ!
يال هذا العرس الشهي ازدهته
فرحة. ثم أفزعت بالطلاقِ!
يا حَياةً يُغْرِي اللِّقاءَ بها النَّاسَ
وتَطْوِي إغْراءهَا بالفِراقِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الذكريات
الذكريات
رقم القصيدة : 66049
-----------------------------------(63/255)
ذكرياتي تُمزِّقُ مِن قَلْبي
وتُشْجي حِسيِّ الرَّهيفَ ولُبِّي!
أيَّها اسْتَعْرضَ الضَّمِيرُ تبدىَّ
شَرِساً.. حانِياً.. مُشِيحاً.. مُلبِّي!
يا لَها مِن دياجِرٍ يَبْزَغُ النُورُ بأطْرافِها.. فأُبْصِرُ دَرْبي!
ولقد تَطْمِسُ الدَّياجي سنا النُّورِ فأسْرِي على ضَلالٍ ورُعب!
ربما صِرْتُ من رُؤاها كطَيْرِ
وادِع.. أو مواثِبا مِثْلَ ذِئْبِ!
قد يكونُ الحبيبُ منها كَرَوْضٍ
ويكونُ الرَّهِيبُ منها كجُبِّ!
أسلمتْني حِيناً إلى الفَرَحِ الحاني
وحينا إلى اكْتِئابٍ وكرْبِ!
يالَ حِسِّي الذي يُؤَجِّجُ ناراً
في حَناياي.. من بِعادٍ وقُرْبِ!
لتَمنَّيْتُ أن أكونَ كصَخْرٍ
ما تَلَظَّى ولا أنْتَشى بالتَّصبِّي!
أَوْ كبَعْضِ مِمَّنْ أرى.. وهُمْ الكَثْرَةُ يَشْدُونَ من أُهَيْلي وصَحْبي!
لَيْتَني مِثْلَهم. فما كنْتُ أَشْقى
كَشَقائِي هذا يَشُقُّ كَعَضْبِ!
إنَّ بعض الغَباءِ بَعْضٌ من
النِّعْمةِ يا لَيْتَني أعِيشُ كَسِرْبي!
فأنامُ اللَّيلَ الطَّويلَ ولا أَشْقى بِسُهدٍ. وإنْ أَكُنْ غيْرَ صَبِّ!
كم تَخَيَّلْتُ والِدَيَّ.. يُحيلان خَسارِي إلى رَباحٍ وكَسْب!
فَهُما يَسْبِقان طَرْفي إلى الخَيْرِ
بإيثار عاطِفَيْن.. وحُبِّ!
فإذا ما اشْتَكَيْتُ مَسّاً من الضُّرِّ
شَكَوْا مِثْلَهُ.. وضاقُو بِرَحْبِ!
وهَمَتْ مِنْهُما الدُّموعُ فَوَيْلي
بالذي يّذْرِفان منه.. وحسبي!
وتّذّكَّرْتُ إخْوَتي.. وكُنَّ . وكانُوا
كنَميرٍ بَرْوِي الظَّمأ ويُسْبي!
ما أُحَيْلى أَصْواتَهُمُ. وهي تَشْدُو
بافْتِخارٍ إذا نَعِمْتُ. وعُجْبِ!
فَكأَنِّي نعماؤهم.. رَحِمَ الله رَعيلاً مِنْهم. ولم أَفْضِ نَحْبي!
***
وتَذكَّرْتُ ثُلَّةً مِن رِفاقٍ
كلُّهمْ نِعْمَةٌ من الله رَبِّي!
كالرِّياضِ التي تَضُوعُ بِنَفْحٍ
مِن زُهُورٍ تَظَلُّ تَخْتالُ جَنْبي!
وثِمارٍ تُغْنِيكَ عن كُلِّ رَطْبٍ مِن
شَهِيِّ الطَّعام. أَوْ عَذْبِ شُرْبِ!(63/256)
عِشْتُ ما بَيْنَهُم سعِيداً.. وعاشُوا
سُعداءً بِصَفْوِ وُدِّ وعَتْبِ!
خَلَّفوني من بَعْدِهمْ في اشْتِياقٍ
فَفُؤادي بِهِ حَزِينٌ. وهُدْبي!
***
ذِكْرَياتي أَنْتُنَّ فِرْدَوْس نَفْسي
حِين أَلْقى بِكُنَّ حُبِّي المُوّلِّي!
وجَحِيمي إذا بِكُنَّ تَذكَّرْتُ
بَلاءً أَزْرى بِحِسِّي وعَقْلي!
غير أنّي أهْفو إلَيْكُنَّ باللَّيْلِ
ففيه الشُّجونُ بالصَّدْر تَغْلي!
إنَّ عِلْمي بالناس أصبح يغتال
ضَميِري. فأشْتَهي اليوْمَ جَهْلي!
رُبَّ ماضٍ ذَكرْتُهُ فتذكَّرْ
تُ رِجالَ العُلا. ووَقْتَ التَّجلِّي!
شَدَّ ما أَشْتَهي الرَّحيل فَبَعْدي
لم يَعُدُ يَرْفَعُ اللِّواءَ كقَبْلي!
ليس كُلُّ النَعْماءِ تُرْضي حًَنايايَ
فَبَعْضُ النَّعماءِ حَظُّ العُتُلّ!
وأَنا لَسْتُ بالعُتُلِّ وما أَرْضى
بِعَيْشٍ يَطْوي المُضيءَ سِجِلِّي!
إنَّني أَبْتَغِيهِ عَيْشاً كريماً
ولَئِنْ كانَ في افْتِقارٍ ومَحْلِ!
ربَّ عَيْشٍ على الرَّغادةِ والنُّعْمى كَرِيهٍ بِخِزْيِهِ والتَّدَلِّي!
***
يا فتاتي التي تُضيءُ طَرِيِقي
أَرْقِبيني فقد توسَّدتُ رَحْلي!
مَجِّدِ اللهَ يا ضَميري. فقد
عِشْتُ بِقَوْلي مُحَرَّراً. وبِفِعْلي!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> إدّكار واجتواء
إدّكار واجتواء
رقم القصيدة : 66050
-----------------------------------
اُذْكريني..
إنَّ في الوِحْدة ما يكْوي ضُلُوعي!
وهي نارٌ لَيس تُطْفيها دُمُوعي!
ولقد تَجْمُدُ عَيْنايَ. ويَجْفوني هُجُوعي!
وأرى الوِحْدةَ في صَحْبي. وأهْلي. ورُبُوعي!
فاذْكُريني
***
رُبّ ذِكْرى مِنْكِ كانت بَلْسَماً!
لِجراحٍ نازِفاتٍ من حشايايَ دَماً!
وغَدتْ شَهْداً لمن يَجْرَعُ فُوهُ عَلْقَماً!
فارْتَوى الظَّمآنُ قَلْباً.. وضميراً. وفَماً!
فَذْكريني
***
واذْكُري ما كُنتِ من قَبْلِ سِنينٍ وسنِينْ!
حينما كُنْتِ شجوناً وهَياماً وحَنِينْ!
حينما كنْتِ فُؤاداً من بُكاءٍ وأَنينْ!(63/257)
وأنا كنْتُ صَرِيعَ الحُبِّ. مَقْطُوعُ الوَتينْ!
فاذْكُريني!
***
قُلْتِ لي يَوْماً. وقَلْبانا يَفيضانِ جَوى!
ودُموعٌ في مآقينا تَلَظَّتْ بالهَوى!
جارياتٍ بِدَمٍ خَوْفَ النَّوى!
أَنْتَ رِبِّي. وأنا الظَّمْآنُ.. وقَلْبي ما ارْتَوى!
فاذْكريني!
***
إبْقَ جَنْبي. لا تُسافِرْ. فَتَخَيَّرتُ البَقاءْ!
وبَقِينا حِقبَةً نَرْتَعُ في الجَنَّةِ.. رِيّاً وغِذاءْ!
يا لها مِن حِقْبَةٍ باعَدني عَنْها الجَفاءْ!
كيف جافَيْتِ. لقد أذهلتني أّوْجَعْتِني بالبُرحَاءْ؟!
فاذْكُريني!
***
ولقد غادَرْتُ رَبْعاً أَسْعَد القَلْبَ وأَشْقى!
عادَ لي غُولاً مُخِيفاً. بَعْد أَنْ أَوْسَعَ رِفْقا!
آهِ ما أَنْكَدَ عَيْشاً.. يُوسِعُ الأَحرارَ رِقا!
عادَ ما أَمْطَرَ رَوْضي النَّضْرُ.. إعصاراً وحَرْقا..!
فاذكريني!
***
لا. فما أَنْكَد ذِكْراكِ. وما أَنْكَدَ أَمْسي!
فَهُما ما مَزَّق القَلْبَ. وما أَرْهَقَ حِسِّي!
وهُما كالرَّمْس إظلاماً ورُعْباً. وَيْلَ رَمْسي!
ولقد عُدْتُ. وقد شُوفِيتُ تَوَّاقاً لأقْلامي وطِرْسي!
أَلَمِي أَوْمى. فأهْداني لإِلْهامي وجِرْسي!
فأنا اليَوْمَ بَليغاً مِثْلَ سَحْبانَ وقُسِّ!
إنَّ يَوْمَ المأْتِمِ القاسي انْطَوى في يَوْمِ عُرْسي!
يال هذا الدَّرْسِ بُورِكْتَ. فنِعْم الدَّرْسُ دَرْسي!
وَرْدُكِ القاني تَراهُ اليوْمَ عَيْنايَ كَورْس!
اِجْتَوى الهائِمُ ما كانَ. فَقُولي يا لَتَعْسي!
واذْرُفي الدَّمْعَ وقُولي. لَيْتَ يَوْمي مِثْل أَمسي!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> حورية .. وغانية
حورية .. وغانية
رقم القصيدة : 66051
-----------------------------------
يا هِنْدُ عِشْتُ مُضَرَّجاً
بِدَمٍ يكادُ يَصِيح ظُلْما!
يا هِنْدُ عِشْتُ مُتَيَّماً
ومُهَذَّباً رُوحاً وجِسْما!
قد كنتُ أَحْسَبُكِ الوفيَّةَ
في الهوى. وَصْلاٌ وغُنْما!
عادَ اليَقينُ لَدَيَّ فيكِ
وقد غَدْرْتِ اليَوْمَ وَهْما!(63/258)
ما كنْتُ أَحْسَبُ أنَّني
سأعُودُ بعد التٍّبْرِ فَحْما!
نأنا لَسْتُ صِفْراً إنْ أَرَدْتِ
وإنْ أَرَدْتِ أكُونُ رَقْما!
كلاَّ فإنِّي بعد غَدْرِكِ
قد غَدَوْتُ أَشَدَّ عَزْما!
***
يا هِنْدُ هل راجَعْتِ قَلْبَكِ
قَبْل أَنْ تَعِمي السَّجايا؟!
فارْتَحْتِ لِلْظُّلْمِ الرَّهِيبِ
ولم تُرَوِّعْكِ الضَّحايا!
ورأَيتِ أشْلاءً تَنِزُّ
ولم تُخَوِّفْكِ المنايا؟
ولَهَوْتِ ما بَيْنَ النَّدامى العاطِلينَ مِن المزايا!
وهُموا على جَذلٍ من الجّسَدِ المُلطَّخِ بالخَطايا!
كنْتِ السَّبِيَّةَ بَيْنَهمُ
وهُمُ العِطاشُ إلى السَّبايا!
يا لَلْهَوانِ.. لقد تَرَكْتُ
لكِ المباذِلَ والدَّنايا!
***
يا هِنْدُ. والأَمسُ الوَفِيُّ
يُطلُّ لِلأمْسِ الغَدُورْ!
فَيَرى به القَسَماتِ شاهَتْ
- وَيْلُ يَوْمِكِ- بالبُثُورْ!
شَتَّانَ ما بَيْنَ الأَثِيْمِ
هَوى وما بَيْنَ الطَّهُورْ!
ويَرى ندَاماكِ الهياكِل
كالأرانِبِ في الجُحُورْ!
ويَراكِ في الأَمْسِ الوَضِيء
وأّْنتِ لِلظُّلُماتِ نُورْ!
زِنْتِ الِحجابَ مِن العَفافِ
وفُقْتِ رَبَّاتِ السُّفورْ!
أَفلا تَرَيْنَ الفَرْقَ بَيْن
الأَمسِ واليَوْمِ الكَفُورْ؟!
***
أَفَلا نَدِمْتِ على الكريم
يرُوحُ عَنْكِ بلا ارْتِدادْ؟!
قد كانَ في يَدِهِ القِياد
وقَد عَدَوْتِ على القيادْ!
وأَرَدتِ أَنْ يَبْقى الرَّهِينَ
لَدَيْكِ مَسْلوُبَ الرَّشَادْ
يَشْقى به العَقْلُ الرَّجِيحُ
ويَسْتَطَيِرُ به الفؤادْ!
كلاَّ. فَقَدْ عافَ اقْتِرابَكِ
واسْتَراحَ إلى البِعادْ!
بَعْضُ السُّهادِ يكُونُ أَحلى لِكريمٍ مِن الرُّقادْ!
وَلَّى هَناؤُكِ فالْبَسي
يا هِنْدُ أثْوابَ الحِدادْ..!
***
إنَّي لأَشْتَفُّ النَّدامةَ
في مَلاِمِحِكِ الجَمِيلةْ!
وأرى بها الأَلمَ المُبَرحَّ
يَسْتَبِدُّ على الكَلِيلَهْ!
تَرْجو الرُّجُوعَ إلى المُهاجِرِ
دُونَ أن تَجِدَ الوَسِيلَهْ!
هَيْهاتَ أَنْ تَجِدي السَّبِيلَ
وقد قَطَعْتِ له سبِيلَه!(63/259)
خَلَّي الظُّنُونَ الآمِلاتِ
وَوَدَّعي نَفْحَ الخَمِيِلهْ!
بَعْد الجَهامِ سقى رِياضي
وَابِلُ السُّحُبِ الثَّقِيلَهْ!
ما كانَ أنداها عَلَيَّ
فلم تكن أَبَداً بَخِيلَهْ!
***
إنَّي أقُولُ.. ولسْتُ
أَشْمَتُ.. يا فَتاتي المُسْتَطِيلَهْ!
لم يَبْقَ لِلْحُسْنِ المُدَلَّلِ
غَيْرُ أيَّامٍ قَلِيلهْ!
هلاَّ ارْتَقَبْتِ من الفُتُونِ
وقد قَسَوْتِ به. رَحيلَهْ؟!
هلاَّ رَعَيْتِ الطَّيْرَ .. ما
أَحْلاهُ.. ما أَحْلى هَدِيلَهْ!
والرَّوْضَ ما أَحْلى الزُّهُورَ
به. وما أّحْلى نَخِيلَهْ!
لو قد رَعَيْت لكُنْتِ خالِدةً
بما يشْفِي غَلِيلَهْ!
لكِنْ قَسَوْتِ فَطارَ. والعُشُّ الحَبِيبُ بِكى نَزِيلَهْ!
أنا شاعرُ الخُلْدِ الطَّمُوحُ
ولن ترَيْ أَبَداً مَثِيلهْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> مواجد .. وأشجان
مواجد .. وأشجان
رقم القصيدة : 66052
-----------------------------------
سرَّبِتْ قُوَّتي السَّنونُ فَلَم تُبْقِ سوى عاجِزٍ أَسيفِ الحنايا!
جَرَّحَتْه السَّهامُ مِن كل صَوْب
وأطَلَّتْ عليِه سُودُ المنايا!
يَوْمُه مِثْلُ أّمْسهِ فهو غَرْثانُ
ولم تَرْوِهِ فَتَشْفي الرَّكايا..!
مِن ضَحايا الحياةِ لا الأَمْسُ يُرْضِيه. ولا يَوْمُه. فَوَيلُ الضَّحايا!
أَنكرتْني الرُّبُوعُ والأَهلُ والصَّحْبُ. فما لي منْهُنَّ غَيْرُ البَقايا!
وهي نَزْرٌ على الذي يُنْفِقُ العُمْرَ
على أّنْ يَنالَ بَعْضَ العَطايا!
من مكانٍ يُقِلُّهُ.. وسماءٍ..
ظَلَّلَتْهُ .. فَكرَّمَتْها الحَنايا!
ورَعيلٍ من أَهِلهِ.. ورِفاقٍ
شَغَفُوه حُبّاً يِحُلْوِ السَّجايا!
ظَلَّ حِيناً مُنَعَّماً يِغَوادِيهمْ
سواءٌ بِجَهْرِها والخفايا!
***
ثُمَّ أَمْسَيْتُ لا أَطيقُ سوى الوحْدةِ.. أَطْوِي بها الدُّجى وضَحايا!
فأَشاحُوا عَنَّي بِحَقٍّ. فما أَشْقى
وَحيداً مُطَوَّقاً بالرَّزايا!(63/260)
أَتُراني اشْتكَيْتُ ضَعْفاً مِن الوِحْدةِ؟! أنَّني اشْتَكَيْتُ الدَّنايا؟!
رُبَّما كان في اعْتِزالي عن النَّاسِ
رُضُوخٌ لِسطْوَةٍ مِن هَوايا!
أَوْ عُزُوفٌ عن اللقاء؟! فكم
أَخشى لِقاءً من حاقِدٍ مَوْتُورِ؟!
نالَني مِنْهُمُ العَذابُ وما يَعْبأُ
لُبَّي بِشائِهاتِ القُشُورِ!
ولقد عَطْعَطُوا عَلَيَّ فقالوا
كيف يَمْشي في المَنْهَجِ المَهْجُورِ؟!
كيف نَمشي في النُّورِ يَهْدِي ويَمْشي عاثِراً في حَواِلكِ الدَّيْجورِ؟!
أَفَمَسٌّ يِعَقْلِه .. أم ضَلالٌ؟!
أم غُرُورٌ يَرْميِ بِه للثُّبُورِ؟!
وَيْلًهُ يَتْرُكُ الصَّبا يُنْعِشُ
الرُّوح ويهفو بِطَيْشِهِ لِلدَّبورِ!
ضاقَ منه الهُدى . وسرَّ به
الغَيُّ وضاقَتْ بما جَناهُ الصُّدورُ!
يعْلَمُ الله أَنَّني أَسْلُكُ الدَّرْبَ سَوِيّاً .. وأَعْتَلي كالطَّيورِ!
في فَضاءِ رَحْبٍ . وما مَسَّني
الأَيْنُ ولا مَسَّني بِهِ مِن فُتُورِ!
في العَشِيَّ المُضَمَّخاتِ بِأَنْسامٍ يُدَغْدِغُن مُهْجَتي. والبُكُورِ!
فلَئِنْ ساءَهُم عُزوفى عن اللَّغْوِ
وأشقاهُمُ الرَّشِيدُ.. عُبُوري!
فَلَقَدْ سَرَّني . وهل يَشْتَكي
المَرْءُ سَبيلاً يُفضي به للسُّرُورِ
فدَعِ الهَجْرَ يا فُؤادِي مِن
القَوْلِ. وسَجَّلْ منه كريمَ السُّطُورِ!
***
إنَّ هذي السُّطُورَ كالثَّمر اليانِع كالزَّهرِ عابقاً بالطُّيوبِ!
أسْعَدتْني بأُلْفَةٍ لَيْسَ فيها
كَالأَناسِيِّ حفنة من عُيُوبِ!
تتَبَدىَّ عَرائِسُ الشَّعْر فيها
بجَمالٍ حالى السَّماتِ. طَرُوبِ!
ومَهِيبٍ من غَيْر عَسْفٍ وطُغْيان . وما فيه وَصْمةٌ من دُنُوبِ!
فالحِجا فيه مُطْمَئِنٌ إلى الوَصْل
طَهُوراً بلا وَنىَ أَوْ لُغُوب!
والقُلوبُ المُتَيَّماتُ قرِيراتٌ
بما تَشْتَهِيهِ كُلُّ القُلوبِ!
عدْتُ منه بَعْد التَّدَلُّل مَحْبوراً
بِعِزَّ مِن الورى مَسلُوبِ!
ليْتَهُمْ يَعْرِفُونَ ما أَرْتَعُ اليَوْم
به بَيْنَ ماتعٍ وخَلُوبِ!(63/261)
يالَ هذا الشُّروقِ يُدْفِءُ أحْشَائي. ويَطْوي الظًّلامَ بعد الغُرُوبِ!
لو رَأَوني.. رَأَوْا وُثُوبي إلى
القِمَّةِ في حِينِ أنَّهُمْ في السُّهُوبِ!
ورَأَوْني . وقد أَخَذْتُ من النُّجْح نصِيباً وأَمْعَنُوا في الرُسُوبِ!
لَتَوارَوْا خَلْفَ الحِجابِ وعاَدُوا
كَنِعاجٍ. ما إنْ لها مَن نُيُوبِ!
يا ذُبابًا يطِنُّ يؤذي ويُقْذي
أَيْنَكُم مِن فَواضِلِ اليَعْسُوبِ؟!
امْعِنوا في الرُّسُوبِ.. يا أَيُها
الرَّهْطُ.. ومُوتُوا غَيْظاً من الموهوب!
***
رُبَّ نارٍ غَدَتْ رَماداً .. ونار
تَتَلَظىَّ بجَمْرها المَشُبوب!
يُخْطِىِءُ الحاسب الغَرِيرُ.. وما تُخْطِىءُ يَوْماً براعة الحَيْسُوبِ!
لَيْتنَا نَسْتَفِيقُ.. فالخُلْدْ رَمْزٌ
يتهاوى بلَطْمَةٍ من شَعُوبِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> أينا الخاسر ؟
أينا الخاسر ؟
رقم القصيدة : 66053
-----------------------------------
عدْني بِوصْلٍ منكَ يا فاتِني
فأنْتَ لي مَصْدَرُ إلْهامي!
وأنت لي دُونَ الورى مُتْعَةٌ
تُشُعِلُ أَطْراسي وأَقْلامي!
جاشَتْ بصَدْري ذِكْرياتٌ لها
عِطْرٌ بأيَّامي وأَحلامي!
أيَّامَ كنْتَ الفاتِنَ المُسْتوِي
بِمُهْجتي. والمُغدِقَ إلهامِي!
***
إنَّي أُكَنَّي عَنكَ مِن بَعْدِما
لاقَيْتُ مِن هَجْرِكَ مَا أَسْقَما!
شَقِيتُ منه. يا لَهذا الهوى
شّرِبْتُ منه سَلْسَلاً .. عَلْقما!
كانَ اللَّظى يَسْلِبُ ِّمنِّي الكرى
حِيناً.. وحِيناً كانَ لي بَلْسَما!
وكانَ لي في شَفَتَيْهِ اللَّمى
يُسكَرني .. يَجْعَلُني المُلْهَما!
***
وكنتُ لا أُبْصِرُ إلاَّ المُنَى
مُشْرقةً.. تُورِدُني جَنَّتي!
إلاَّ الطُّيورَ الشَّادِياتِ التي
تُطْرِبُني.. تُشْعِلُ لي صَبْوَتي!
لا فِكرتي تِشْغَلُني بالذي
يُكْرِبُ كالأَمْسِ. ولا مُهْجَتي!
أَوّاهِ كانَت سوى فَترةٍ
حالِمةٍ .. ثم انْتَهَتْ فَتَرَتي!
***
ودَهَمَتْني يَقْظَةٌ كالرَّدى
قاسيةٌ.. جَفَّ بها جَدْوَلي!(63/262)
أَذهَلني منها عُزُوفُ الهوى
عنِّي. كَسَهْمٍ حَطَّ في مَقْتَلي!
ما كانَ أَقساهُ. فكيف ارْتَضى
سفكَ دَمي؟! كيف لَوى مِفْصَلي؟!
ما كنْتُ هائِماَ يَكْتويِ
فَيَرْتَضِي باللَّهب المُشْعَلِ!
***
وكانَ لِي النَّجْمَ الذي أَهتدي
بِنُورِه في الحالِكِ المُظْلِمِ..!
يَسْخو بْه من غَير ما مِنَّةٍ
سخاءَ مَنْ يَحْنُو على المُلْهَمِ..!
كانَ هو المُلْهْمُ هذي الرُّؤى
كأَنَّما يَغْرِفُ مِن مِنْجمِ..!
يَحُوطُني بالحُبَّ يَروِي به
صَدايَ رِيَّ المانِحِ المُنْعِمِ..!
***
وقال لي يَوْماً .. أَلا تَشْتَهي
جَنايَ؟! إنَّي لا أُبِيحُ الجَنى!
إلاَّ لمن كانَ شَدِيدَ الجوَى
مُسْتَعْذِباً فيه الضَّنى والوَنى!
فإِنَّه يَحْظى به ناعِماَ
من شِقْوَةٍ يَشْتارُ مِنْها المُنى
وأَنْتَ حتى الفَقْر تَرْضى به
منه.. فَبَعْضُ الفَقْرِ بَعْضُ الغِنى!
***
قد كُنْتَ هذا.. واصِلاً.. حانِياً
فكيف ضَرَّجْت الهوى بالصُّدُودْ؟!
كيف تَحَوَّلْتَ إلى عاصِفٍ
أَهْوِي به للسَّفْح بعد النَّجُودْ؟!
ما كُنْتُ أسَتَأْهِلُ هذا الأسى
ما كُنْتُ أسْتَأهِلُ هذا الجُحُود!
خَسِرْتَني .. قد كنْتَ تَعْلو الذُّرى
مِنَّي. وقد كنْتَ تُلاقي الخُلُودْ!
***
راوَدَني الغِيدُ .. فلم أَنْجَذِبْ
لَهُنَّ.. لم أَحفَلْ بحور الجنانْ!
كُنَّ على ما يَشْتِهيه الهوى
حُسْناً ودَلاَّ من حَصانٍ رَزَانْ!
يَشْغَفْنَ بالشَّعْرِ. وبالمُعْتَلي
به إلى النَّجْمِ.. وَضِيءِ البَيانْ!
وقُلْنَ لي .. دَعْ عَنْكَ تِلكَ الَّتي
تُشْقِي .. وأَنْتَ الحُرّ تأْبى الهَوانْ!
***
لسَوْف تَطْوِينَ الحَشا دامياً
منِ بَعْد أَنْ بارَحْتُ ذاك الحِمى!
فإِنَّني اليَومَ على صَبْوةٍ
تَحْمي. ولا تَسْفِكُ ِّمنِّي الدَّما..!
حَوْلي من الخُرَّدِ ما أَزْدَهي..
به. وما يَرْوِي شدِيد الظَّما..!
وهُنَّ يَطْوِين نَقِيَّ الهوى
فلا فؤاداً جائراً .. أَو فَما!
***
الحُسْنُ لَوْلا الشَّهْرُ ما يَسْتَوي(63/263)
إلاَّ قَليلاً من حَنايا الوَرى!
الطُّهْرُ يُعْلِيهِ .. ويَهْوي الخَنى
به إلى الدَّرْكِ.. ويُغْوِي السُّرى!
والخُلْدُ لِلشّعْر إذا ما سَما
وعافَ بالعِزَّ خَسِيسَ القِرى!
عَلَيْهِ. أَنْ لا يَنْحَني صاغِرا
فالشاَّعِرُ. الشَّاعِرُ لن يَصْغَرا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> أنا .. والناس ، حوار مع النفس!
أنا .. والناس ، حوار مع النفس!
رقم القصيدة : 66054
-----------------------------------
ليس لي أنْ أقولَ شعراً وهذي
نَفَثاتٌ تَفُوقُ.. شعراً ونثرا!
ومن العَدْلِ أَنْ أُمَتَّعَ سمعْي
بالذي شاقَني فَجَلىَّ وأَغْرى!
فأَمامَ المُبرِّزينَ أراني
عاجزاَ أَنْ أقولَ شَهراَ أَغَرَّا!
ولقد حاول اليراعُ فأَعْياه
البليغُ الذي إذا قالَ سَرّاً..!
ولقد حاول البيانُ فلاقى
بَعْد يُسْرٍ من المَلاحِمِ عُسْرا!
***
يا حُماةَ البَيان.. ما أَكرَم المرْءَ
إذا ما أقامَ لِلْحقَّ جِسْرا!
ولأَنْتُمْ بُناته فَذَروهُ
يَرْفَعُ الرَّأْسَ بالمآثِرِ تَتْرى!
إنَّ مِنَّا الكثيرَ صَرْعى الأباطِيل
ومِنَّا الكثيرَ في القَيْدِ أَسْرى!
فَعسانا بِما نَطِيِقُ من القَوْل
رشيداً نَشُدُّ للحَقَّ أَزرا!
إنَّه الرِّبْحُ للحياة وإلاَّ
كان حَظُّ الحياةِ ذُلاً وخُسْرا!
***
ما أراني بَيْن العَماليقِ إلاَّ..
قَزَماً .. ما يَطِيقُ نَفْعاً وضَرّاً!
ولَوْ أنِّي اسْتطَعْتُ كنْتُ المُجَلي
في سباقي . والفارِسَ المُسْبَطرَّا!
غَيْرَ أَّني كنْت المُصَليَ في السبق
وكان الرِّفاقُ بالسَّبْقِ أَحْرى!
وحياةُ الورى حُظُوظٌ.. وحَسْبي
مِن حَياتي .. ما حَوَّلَ الشَّرَ خَيْرا!
***
ما حياةُ الأَنام إلاَّ هباءٌ
إنْ تَكُنْ لا تُتِيحُ مَجْداً وفَخْرا!
إنْ تَكُنْ بالقُشُورِ تَحْفَلُ..لا اللُّبَّ .وما بالقشورِ تَشْرُفُ ذِكْرا!
إنَّما تَشْرُفُ الشُّعُوبُ بما بانَ
مِن الذَّكْرِ حالِياً واسْتَسَرَّا!
حدَّثَنْني نَفْسي بأنِّي غَرِيبٌ(63/264)
ما ترى لي بَيْن الوَرى مُسْتَقَرَّا!
قُلْتُ يا نفس. أَنْتِ تَدْرينَ
بالسَّرِّ.. وإنْ كنتِ لا تُقِيمين عُذْرا !
أَنْت من قَادني إلى العُزْلَة
المُرَّة.. حتى سَلكْتُ دَرْباً أَمَرَّا!
لمْ تَقُودي سُراتي في لاحِبِ
الدَّرْب.. وما كُنْتِ في الدُّجُنَّةِ بَدْرا!
لا تَلُومي مُرَزَّاً أَنتِ أَولى
مِنْه باللَّوْمِ. أَنتِ أَعظَمُ وِزْرا!
ضِقْتُ ذَرْعاً بِما أُلاقِى. فَكُوني
من فَتاكِ الحَسِيرِ أَوْسَعَ صَدْرا!
وذَرَفْنا دَمْعاَ سَخِيّاً.. فقد
كُنَّا سواءً بما اقْتَرَفْناهُ نُكْرا..!
هل يَرُدُّ الدُّمْع الغَوِيَّ إلى الرُّشُدِ؟ويَحْبُو على الرَّزِيَّةِ صَبْرا؟!
أَمْ تُرانا مَعاً نَعيشُ مع الغُرْبةِ
نَطْوِي الفَلا . ونَسْكُنُ قَفْرا؟!
أَيُهذِي الأَقدارُ قد يُصبِحُ الشَّوْكُ على مُرْتَضِيه.. وَرْداً وزَهْرا؟
ارْتَضَيْنا به .. ويا رُبَّ راضٍ
عادَ بعد الرِّقَّ المُسَخَّر حُرَّا..!
كم رُفاتٍ يَغْدو بهِ القَبْرُ صَرْحاً
وحياةٍ يَغْدو بها الصَّرحُ قَبْرا!
***
فاعْذُرُوني إذا اقْتَضَبْتُ. فما
أَقْوى على أَن أكُون في الجَوَّ صَقْرا!
كم تَمَنَّيْتُ أّنْ أكُونَ فَأَعْيَتْ
أُمْنياتِي . وكنْتُ في السَّفْرِ سَطْرا!
ورأيْتُ اليَومَ السَّجِلَّ فأغْضَيْتُ فهذا سفْرٌ يُواكِبُ سِفْرا!
قُلْتُ حَسْبِي أنِّي غَدَوْتُ من الطيْرِ
وأَنَّي وَجَدْتُ في الرَّوْض وَكْرا!
فَجَناحي المَهِيضُ أضْعَفُ من أَنْ
.. يَسْتَوِي مِثْلَهُنَّ في الجَوَّ نَسْرا!
***
يا نُحاسي الرَّخِيصُ .. لن تَخْدَعَ النَّاسَ . ولن يُبْصروك ماساً وتِبْرا!
عَرَفَتْ قيمتي حَناياي سِرّاً
ثُمَّ قالَتْ .. قُلها لِرَبْعِكَ جَهْرا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الذكريات ..
الذكريات ..
رقم القصيدة : 66055
-----------------------------------
ذكرياتي تُمزَّق من قلْبي
وتُشْجي حِسِّي الرَّهيفَ ولُبَّي!(63/265)
أَيَّها اسْتعْرَض الضَّمِيرَ تَبَدَّى.. شَرِساً .. حانياً .. مُشيحاً .. مُلَبَّي
يا لها من دَياجرٍ يَسْطعُ النُّورُ
بأطْرفِها.. فأَبْصُر دَرْبي!
ولقد تَطْمِسَ الدَّياجى سنا النُّورِ
فأَسْري على ضَلالٍ ورعبِ!
رُبَّما كنتُ مِن رُؤاها كَطْيرٍ
وادِع. أو مُواثِبٍ مِثْلَ ذِئْبَ!
قد يكون الحبيب منها كروض
ويكون الرحيب منها كجُبَّ!
أيُّها الفِكْرُ.. أيُّها الحِسُّ ماذا
تَرَياني .. كُونا الخَدينَيْنِ جَنْبي!
***
وارْعياني.فَرُبَّما دّغْدَغَتْني
بخَيالٍ مَضى .. وخلَّف جَمْرا!
قَرَّبَتْ لي به المَعاد إلى الحُسْنِ
وَضِيئاً أَشْقى وأَسعَدَ دَهْرا!
قابَ قَوْسَيْن عادَ مِنَّي فَصدَّقْتُ
فَأَرْخى عليه دُونيَ سِتْرا!
لمَ هذا العَذابُ يَفْتَحُ جُرْحاً
ينزف الروح بادياً .مُسْتَسِرَّا؟!
لا.. فما أعْذَبَ العذَابَ إذا ما
بِلظاهُ سَمَوتُ حِساً وفكْرا؟!
هو أّجْدى مِن المَسَرَّة إلْهاماً
وأَعْلى منْها مَكاناً وقَدْرا!
كان دَرْبي إلى النُّجوم . فما
عاقت صِعابٌ عنها. وكان الأبَرَّا!
رُبَّ وَصْلٍ يَثْني عِنانكَ إنْ
سرْتَ. وهَجْرٍ يُجَرُّ للمجْدِ جَرّا!
فَاكْوِني أيُّها العذابُ. فما كنْتُ لأَِشْكو وأَنْتَ تَمْنَح دُرَّا!
***
مَيَّزَتْنِي هذي الملاحِمُ في الشعر
كأَني بها المُمَلَّكُ كِسرى!
وكأَنَّي إذا تَرنَّمْت بالشَّعْرِ
أُجَلَّي رُؤى وأَنْفُثُ سِحْرا!
***
يا نَجِيَّي.. أُرِيدُ جَزْراً من الحُبَّ
سَخِيَّ اللُّهى لطَيفَ المَعاني!
ولقد أَشْتَهِيه مَدّاً. ولكِنُ
غَيْرَ مُثْنٍ عن السُّمُوِّ عناني!
فإِذا شاء حُسْنُه العَسْفَ
أنكرت عليْه ومنْه تلْو الأَمانِي!
وتَنَكَّبْتُ دَرْبَهُ. فأنا الشَّادِي
بِه الحُرُّ .. لا صَريعَ الغَواني!
***
ولَئِنْ كُنْتُ يافِعاً أَتردَّى
في مهاويهِ .. مُثْخَناً بِجِراحي!
فأَنا اليَوْمَ بعد أَنْ شِخْتُ
لا أَخْضَعُ إلاَّ لعِزَّتي وطِماحي!
وجَناحي المَهِيضُ بالأمْسِ أَضْحى(63/266)
كجَناحِ الصُقُورِ أَقوى جَناح!
فإذا ما اسْتَفَزَّ حُسْنٌ تَنادَيْتُ
لِرَوْضٍ مُكَلَّلٍ بالمِلاحِ!
***
خَلَّدَ الشَّعْرُ مُنْذُ أَنْ ضَوَّءَ الحُسْنُ وأَشْجى.. سناءَهُ وعَبِيرهُ!
وَتَبَتَّلتُ أكْتَفى منه بالنَّظْرَة
إنْ حاوَلَ الغُواةُ سَريرَهْ!
فهو عِنْدي نَجْوى اليَراع. ما أَجْمَل
عِنْدي فَوْق الطُّروسِ صَرِيرَهْ!
وهو أَحْلى صَوْتٍ لَدَيَّ وأَنْداهُ
ندى السُّحُبِ نَسْتطيبُ مَطِيرَهْ
***
كانَ هذا الفُتُونُ مُذْ غَرَّذَ
الشَّعْرُ وغَنَّى. فِرْدَوْسَه وسَعِيرَهْ
كانَ يُشْجِيه ثم يُصْليْهِ
ما أَرْأَفَ هذا . وما أَشَدَّ نَكِيرَهْ!
ما الذي فِيَّ دُونَ غَيْرِي من الخَلْق؟! أَبِدْعٌ أنا يُحِبُّ نَذِيرَهْ؟!
فيراه البَشِيرَ.. ما أَعْجَبَ القَلْبَ
يَرى في النَّذِيرِ يُشْقي.. بَشِيرَهْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> مغاني الشاعر
مغاني الشاعر
رقم القصيدة : 66056
-----------------------------------
ظلَّليني..
فأنا من وَقْدَةِ الشَّمْس صَرِيعْ!
وأنا من ثَدْي آلامي رَضيعْ!
راحَ عن حِسَّي وعن فِكْري الرَّبيعْ!
فتهاويْت إلى القاعِ وغَشاني من القاعِ الظَّلامْ!
***
واجْذُبيني..
نحو هاتِيكَ المغاني الشَّيقَّاتْ!
نحو رَوْض حافِلٍ بالمونِقاتْ!
وغَديرٍ سال بالعذبِ الفُراتْ!
وحياةِ طابَ من أًفْيائِها حتى الخِصامْ!
***
وذَرِيني..
أجدُ اللَّذةَّ في حُلوِ الكرى!
أَجدُ الرَّاحةَ مِن طُولِ السَّرى!
أجِدُ الفَرْحَةَ ما بَيْنَ الوَرى!
فلقد عُدْتُ من العُزْلًةِ. من فَرْطِ الجوى الضَّاري حُطامْ!
***
واعْذُريني..
إن تَلَمَّسْتُ هَوَى مُسْتَعْذَباً يَطْوى شُجُوني!
فلقد كِدتُ.. وقد رَوَّعْتِني.. أَلْقى مَنُوني!
ولقد تُورثُنِي البَلوى . وما أَهْوَلَ طَغْواها جُنُوني!
فأراني ويَراني النَّاسُ شِلْواً ورُفاتاً مُسْتضامْ!
***
قد تَبَدىَّ لي من الغيدِ فُتُونٌ مِن سِواكي!(63/267)
لم أكُنْ أَحْسَبُ أنِّي سوفَ أَنْجُو مِن هَواكي!
فلقد كنْتُ على الجَفْوةِ والصَّدَّ فتاكي!
ما أبالي بالذي أَلقاهُ يا لَيْلايَ من عَسْفِ الغَرامْ!
***
ورأَيْتُ الغيد يَشْجون جَمالاً وحَنانْ!
عَرَفوا الشَّاعِرَ يَسْتَلْهمُ.. يَشْدو بالحِسانْ!
فهو كالطَّيرِ.. بِحُورٍ .. يتغنى .. وجِنانْ!
فاحْتَوَيْنَ الطَّيْرَ فاسْتحَلى وأَغراه المُقام!
***
إنَّه الفِرْدّوْسُ يا لَيْلايَ. ما أَحلاهُ مِن بعد جَحِيمي!
لم يكُنْ عِنْدَكَ ما يَفْضُل هذا مِن نَعِيم!
لم يكُنْ عِنْدَكِ ما يعَصفُ باللَّيْل البَهيم!
وَلَدَيْهُنَّ هُنا الفَجْرُ. لَدَيْهُنَّ الذي يُذْكى الغَرامْ!
***
ولقد أَلْقَيْتُ رًحْلي ههُنا .. مُنْعَتِقا!
مِن شجونٍ. من قُيُودٍ .. لم تُتِحْ مُنطَلَقا
لم أَجِدْ في الرِّقِّ . يا ليْلاي . إلاَّ الحُرَقا!
وهُنا حُرِّيتي .. حُبِّي اسْتطابا الرَّوضَ يَشقيِه الغَمام!
***
ما أراني في مَجالي الحُسْن إلاَّ بُلْبُلا!
شادِياً بالشَّعْرِ. باللَّحْنِ. وأَطوِي السُّبُلا!
أَبْتَغِي لي .. لِلْورى .. أنْ يَنْهلا
من رَحيقِ الحُبِّ ما يَطْوِي ضَبَاباً وقََتامْ!
***
يا يَراعي .. كُنْ لآلام الأَناسِي بَلْسَما!
كُنْ وَضيئاً .كُنْ قَوِيماً . كُنْ لِرُوحي مَغْنَما!
لا تكُنْ لي يا صَديقي.. في حَياتي مغْرَما!
بَل كُنِ السَّيفَ على الغَيَّ. ولا تَخْشَ الصِّدامْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> صراع
صراع
رقم القصيدة : 66057
-----------------------------------
تنْهَشُني الأَثامُ نَهْشَ الذَّئابْ
وتَنْثَني عنَّي جياعاَ غِضابْ!
يا نفس قد أَوْرَدْتني مَوْرِداً
ذَهابُه يُصِدُ دُوني الإِيابْ!
حاوَلتُ أَنْ أَرْجِعَ لكنَّني
وَجَدْتُني أَشْتاقُ عَذْبَ الشَّرابْ!
فكيف لي يا نفسُ أَنْ أَرعَوِي؟!
كيف.. وأَنتِ الغَيُّ. أَنْتِ العَابْ؟!
ظَمِئْتُ للماء فأَدْنَيْتِني
لا لِلفُرات العَذْبِ. بل للسَّرابْ(63/268)
يا لَيْتَني عاصَيْتُ داعي الهوى
حتى ولو أَدْمتْ جُنُوبي الحِرابْ!
مضى شبابي واغِلاً في الخَنى
وخَيْرُ ما نَمْلِكُ.. نحن .. الشَّبابْ!
وها أنا اليَوْمُ بِشَيْخوُخةٍ
وانِيةٍ تَسْلُكُ تِلْكَ الشَّعابْ!
متى أَراني عائداً لِلْهُدى
ما أَشْتَهي الكَأْسَ. وحُلْوَ الكِعابْ؟!
أرى رِفاقي بعد ما أَمْعَنُوا
في اللَّهْو عادُوا خُشَّعاً للصَّوابْ!
فهل أنا وَحْدي الذي يَجْتَوي
رَشادَهُ.. مُسْتَهْدِفاً لِلْعِقابْ؟!
وهل أنا الغاوِي الذي يَسْتوي
بِدَرْكِهِ المُظْلِم.. دُونَ الصِحاب؟!
أمامَه الأخْرى .. ويا وَيْلَتا
من سوء ما سَطَّرهُ في الكِتابْ!
يا وَيْلهُ وهو الذَّكِيُّ الذي
يَعرفُ ما يَلْقاهُ يَوْمَ الحِسابْ!
كيف تَوارى عَقْلُهُ في القَذى؟!
كيف تَوارى حِسُّهُ في التُرابْ!
فَكّرَ في الرُّشْدِ.. ولكنَّهُ
عاصاهُ.. ما أَوْحَشَ سُودَ الرِّحابْ!
آثَرَ مِن ضَغْطِ الهوى قِشْرَهُ
واختارَهُ دُون كريم اللُّبابْ!
فَيا لهُ مِن بُلْبُلٍ عاثِرٍ
بَدَّلَ بالشَّدْوِ نعِيقَ الغُرابْ!
كانَ بِرَوْضِ مُونِقٍ حافِل
بالثَّمَر الحالي .. بما يُسْتطابْ!
من زَهْرٍ يَنْفَحُ عِطْراً.. ومِن
جَداوِل تَحْلو كماءِ السَّحابْ!
كانِ له شِعْرُ بَديعُ الرُّؤى
مُحَلِّقِ ..مُسْتَشْرِفٍ كالشَّهابْ!
يُضيءُ بالشِّعْر جميعَ الصُّوى
فَيُرْشدُ السَّاري. ويَشْفي المصابْ!
يُجلُّهُ الرَّبْعُ.. ويَعْلو بِهِ..
لأّنهُ يَرْفَع عَنْه الحَجابْ!
لأَِنَّه يُسْدِي إليه المُنَى
تَخْطُرُ بالحِلْيِ وغالي الثَّيابْ!
مُهَنْدسِاً كانتْ له حِكْمةُ
تُعِيدُ للْعُمْرانِ .. بعد الخَرابْ!
كأَنَّما يَغْرفُ مِن عَلْيًم..
دُرَّا يُحَلِّي زَيْنَباً والرَّباتْ!
وتَقْتَنِيهِ النَّاسُ ذُخْراً لهم
لأَنَّه يَحْمِلُ فَصْلَ الخِطابْ!
فَما لَهُ يَهوي إلى حفرة
لَيْس بِها إلاَّ طَنِينُ الذُبابْ!
مُظْلِمَة.. مُفْضِيَةٌ للِردَّى
كالقَبْرِ ..يالَ الخِزْي . يالَ التَّبابْ!(63/269)
ماضِيةِ يَسْتَصْرِخُ مِن حاضِرِ
هُداهُ.. والحاضِرُ يُخْفي الجَواب!
لأَِنه اسْتَلًم في شِقْوَةٍ
بِسَطْوَةِ أَلْوَتْ به فاسْتَجابْ!
***
يَرْحَمْهُ الله.. وكم أَنْقَدَتْ
رَحْمَتُه. كم أَخْصَبَتْ من يَبابْ!
كم أَكْرمَتْ مِن خاسِرِ آبِقٍ
فطابت العُقْبى. وطابَ المتابْ!
لقد رَأىِ بَعْد العَمى نَيْزكاً
يُضيءُ. فاسْتَأَنس بَعد اغْتِرابْ!
قال.. لَعَلَّ النَّجمَ مِنَ بَعْدِهِ
يَأْتي. ويَأتي البَدْرُ بَعْد الغِيابْ!
فَيَرْجعُ الطَّيْرُ إلى رَوْضِهِ
مُغَرِّداَ بعد طَويل النُّعابْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> تهاويم ..
تهاويم ..
رقم القصيدة : 66058
-----------------------------------
إحْذَريني. فما أبالي وقد طالَ دلالُ الهوى .. انْصرافَكِ عنَّي!
إحْذَريني. فقد سَئِمْتُ من الدَّلِّ
وأَمْسَيْتُ لا أّطِيقُ التَجَّنِّي!
إحذريني. فقد غَدَوُتُ عَيُوفاً
يَضَعُ الزُّهْدَ في مكانِ التَّمَنِّي!
إحْذَريني.فقد أعُودُ عَصَوفاَ
بعد فَرْطِ الحَنانِ. ممن سُوءِ ظَنِّي!
يا لَها مِن مَعاركٍ أَذَنَتْني
بانْدِحارٍ في الحَرْبِ. مِنْكِ. ومِنِّي!
كيف يَهْوي الحُبُّ المكينُ بِقبلبٍِ
ضالِع في الهوى . إلى دَرْكِ ضَغْنِ؟!
ضاعَ لَحْني الذي تَغَنىَّ زَماناً
بهوانا.. فما أَطِيقُ التَّغَنِّي!
وغدا حائِرا.. وكانَ قَويّاً
ولأَنتِ التي ابْتَلَتِ بِوَهْنِ!
***
إحْذَريني.غَداً فقد يُنْبِتُ الشَّوكَ تُرابي حِيناً. ويُنْبتُ زَهرا!
واذكري أنَّكِ ارتَوَيْتِ.. وما زِلْتُ ظَمِئاَ. فَرُحْتِ بالنَّصْرِ سَكْرى!
لا تَظُنِّي الرَّوْضَ النَّضِيرَ سَيَبْقى
مُخْصِباَ. والسَّحابُ يَشفِيِهِ غَمْرا!
لا تظني هذا . فقد يُصْبِحُ الرَّوضُ جَدِيباً.. ويُصْبِحُ الحُلْوُ مُرَّا!
إنَّ حُبِّي الظَّمِىءَ بعد تَجَنِّيك
سَيَبْني إلى الملاحِمِ جِسْرا!
وسيَتْلُو من الملاحِم ما يُشْجِيِ
نَثِيراً من الكلامِ وشِعْرا!(63/270)
وسيَغْدو فَوْقَ الذُّرِى وحوالَيْهِ أُلُوفٌ من المفاتِنِ تَتْرى!
كُلُّها تَجْتَبِيهِ.. فالعَلَمُ الفَرْدُ
جديرٌ بالحُبَّ صَفْواَ.. وَطُهْرا!
***
وسَتَبْقِينَ بَيْنَ أَقْزامِكِ الغُلْفِ
وقد أَصْبَحَ الخُلودُ بَعيدا!
ولقد كانَ في يَدَيكِ فأمْسى
نائِياَ.. نائِياً.. يَصُونُ القَصيِدا!
واحْتَوَتْهُ الحِسانُ يُمْلِي عَلَيْهنَّ
من الغَالِياتِ دُرّاً نَضِيدا!
في ظِلالٍ من الخمائِلِ يَعْبقُن
بعِطْرٍ.. ويَسْتَطِبْنَ النَّشيدا!
رَدَّدَتْ زَيْنَبٌ وهِندٌ أغانِيَّ
وقد نَهْنَهَ الهوى التَّغْرِيدا!
قاَلتا في انْتِشائَةٍ أَطْرَبَتْني
ليْتَ هذي الحياةَ تُعْطِي المَزِيدا!
أَوْرَقَتْ في صُدورِنا ونَمَا الزَّهْرُ
بها واسُتُحالَ عَيْشاً رَغيدا!
ليْتَ هذا الفِرْدَوْسَ يبْقى مدى
العُمْرِ. فما أَرْوَعَ الجَنى والحَصِيدا!
***
وتَتَاَلتْ عليّ في الرَّوْضِ أسْرابٌ
من الغِيدِ.. كلُّهُنَّ فُتُونُ!
يَتَحَلَّيْنَ بالعَفَافِ وبالكِبْرِ اعْتِزازاً.. فالحُسنُ غالٍ مَصُونُ!
رُعْنَني فانْبَرَيتُ أَطرِي فَصَفَّقنَ
وأّذْكَتْ قُلوبُهُنَّ الشَّجونُ!
قُلْنَ لي أيُّها الهزارُ تَرَنَّمْ
بشَوادِيِكَ. لا طَوَتْكَ المَنُونُ!
فارْتَوَيْنا مِن بَعْد طُولِ جَفافٍ
واسْتَقامَتْ بعد الْتِواءٍ غُصُونُ!
وسَمِعنا الشِّعْرَ الطَّرِيفَ ومِن
قَبْلُ تَعاوتْ على السَّماع المُجُونُ!
أفَسِحْرٌ هذا. وإلاَّ بَيانٌ
رائعٌ؟أوْ شوامِخٌ وحُصُونُ؟
شَهِد الله أنَّ هذا يَقيِنٌ
تتهاوى به. وتَشْقى الظُّنُونُ!
***
قُلْتُ سُقْياً لَكُنَّ أّيَتُها الحُورُ
ورَعْياً..فإنَّني لَسِعيدُ
شاقَني تَالِدي فلمَّا بَدَوْتُنَّ
توارى عن الطَّرِيفِ التَّلِيدُ
ومن القُرْبِ من حِماكُنَّ أّحْسَسْ
تُ بدِفْءٍ يَذّوبُ منه الجَلِيدُ
ما أُحَيْلى هذه الحياةَ إذا طابَتْ
فأقْصى الغَوِيَّ منها الرَّشِيدُ
***
كم جَدِيدٍ من الحياةِ .. قَديمٌ
وقَديمٍ مِن الحياةِ .. جَدِيدُ(63/271)
هو سِرُّ الغَيْبِ المُسَرْبَلِ بالحُجْبِ
وسِرٌّ على العُقُولِ عَنِيدُ..
شَفَّني أَنْ عَجِزْتُ مِنه عَن الفَهـ
مِ وما شَقَّهُ بَلائِي الشَّديدُ
أيُّها الغَيْبُ . أَنَتْ نُعْمَى . وما نَدُرِي
وأَوْلى أنْ يِسْتَعِزَّ الوَصيدُ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> ابتهال
ابتهال
رقم القصيدة : 66059
-----------------------------------
ماذا يُجْديني البكاءُ على المرابِعِ والطُّلولْ؟!
ماذا يُجْديني البكاءُ على السَّقامِ .. على الأُفولْ؟!
ماذا يُجْديني البكاءُ على التَّفَاهَةِ والحُفولْ؟!
إنَّ انتهَيْتُ . فَلَيْسَ عنْدي يا رِفاقي ماَ أقولْ!
***
ماذا أُريدُ من الحياةِ
وقد سَئِمْتُ من الحياةْ؟!
فلقد لَقِيتُ بها المظالمَ
من جَهابِذَةِ الجُناةْ!
هم يَظْلِمونَ.. ويَحْسَبونَ
بأنَّهم ضَرَبَوا العِظاتْ!
ويطُالِبُونَكَ بالولاءِ
وبالثَّناء على الحُماةْ!
***
وأَرَى الكثيرَ من الأَنامِ
يُمَجَّدونَ ويَخْضَعونْ!
ويقول قائِلُهم صَحِيحٌ ما أتاه السَّيَّدون!
فأقولُ وَيْلي .. وَيْلَهُمْ.. إنَّا لَنَحْن الضَّائعونْ!
كيف الخُنُوع لمن يُضامُ
فَيَصْبِرونَ ويَضْحكُونْ؟!
***
ولقد أَخاف من الرِّعاعِ
فَاُوثِرُ السَّلْمَ المهِيْن!
فإذا ضَمِيري يَشْرَعُ
السَّوطَ المُخِيفَ. فاسْتِلَينْ!
وأَعُودُ.. لكِن بِهَمْس
خَوْفَ بَطْشِ الباطِشينْ!
فَلعَل مِنْهم واحِداً
يَهْفو إلى الحَقِّ المُبِينْ!
***
هذه الحياةُ قَسَتْ عَلَيَّ
على الضَّمِيرِ الرَّاشِدِ!
فأنا وإيَّاهُ على حَرْبٍ تُقِضُّ مَراقِدي!
إنَّي أّخافُ . ولا يخافُ
من القوِيِّ الرَّاصِدِ!
فأَنُوءُ بالكْيدِ المُنِيخِ
ولا يَنْوءَ بكائِدِ!
***
ويَدُورُ فيما بَيْنَنا
جَدَلٌ فَيَنْتَصِرُ الضَّمِيرْ
وأَعودُ مُنْدحراً أُسِيلُ الدَّمعَ من طَرْفي الحَسِيرْ!
فقد اسْتَبان مَصِيرَهُ
وأنا عَمِيتُ عن المَصِيرْ!
شَتَّانَ ما بَيْن الجَليلِ سما . وما بَيْن الحَقيرْ..!
***(63/272)
ولقد خَضَعْتُ له بقَوْلي . لا بِفِعليِ الشَّائِنِ
فإذا أنا المَشْنُوءُ .ذُو الوَجْهَيْن.. أَحْقَرُ مائِنِ!
تَجْري سفائِنُهُ بِرَهُوٍ
ضِدَّ جَرْي سفائني!
أَخشى بها غَرقي . وما يَخْشى .. فَلَيْسَ بِواهِنِ!
***
هذي حَياتي .. كيْفَ لا أشقى بِها.. وأكُونُ ناعِمْ؟!
عَيْشِي بها عَيْشَ الأَرانِبِ بَيْن أَشْتاتِ الضَّيَاغِمْ!
أَصْبُوا إلى أَمْني .. وكَيْف
الأَمْنُ في دُنْيا الأّراقمْ؟!
وَيلي فقد أحْنَيْتُ ظَهْري
واسْتَكَنْتُ إلى المغَارِمْ!
***
أَفَبعْد هذا أسْتِنَيمُ
إلى الحياة وأَسْتَرِيحْ؟!
وأنا بها وَحدي الجَرِيحُ
المُسْتَكِينُ.. المُسْتبِيِحْ!
أشْكوى بها البَلْوى
ولكِنَّي أُصِرُّ على القَبِيحْ!
كيف الحياةُ بها؟! وكيف
الرَّكضُ للِعاني الكَسِيحْ؟!
***
إنِّي لأَخْجَلُ من شكاتي
للذي بَرَأَ الحياةْ!
وأنا الأثيمُ. وقد حباني
الله ما يؤتى النَّجاةْ
فَشَربْتُ مِن مُرِّ الأُجاجِ
وقد حبا الله الفُراتْ!
وأَشَحْتُ عن دَرْبي القَوِيمِ
وكَرَّمَ الدَّرْبَ السَّراةْ
***
يا رَحْمَةَ الله اسْتَبِيني
لِلْغَوِيَّ. وقد تَهاوى!
للدَّرْكِ.. والشَّيطانُ يُلهِمُه أباطِيلَ الفتاوى!
لا تَتْرُكيه لَقاً .. فقد
حَرَقَتْهُ نِيرانُ الدَّعاوى!
أنْتِ الطَّبِيبُ.. فهل أكون
-إذا رَحِمْتِ- أنا المداوي؟!
***
إنَّ النَّشاوى يَنْقمُونَ
فهل أكُونُ من النَّشاوى؟!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> أطوار..
أطوار..
رقم القصيدة : 66060
-----------------------------------
تخَيَّلْتُ أَنَّي عِشْتُ مِن قَبلُ حِقْبَةً
وأَنَّ حَياتي واقِعٌ يَتَكَرَّرُ!
فقد كُنْتُ طَيْراً في الفضاءِ مُحَلَّقاً
يَفِىءُ إلى إِلْفٍ به العُشُّ أَخْضَرُ!
حَنُون. فما تَلْقاه إلاَّ مُغَرِّداً
ومِن حَوْلِهِ الأَّشجارُ تُشْذِي وتُثْمرُ!
ولكنَّه يَخْشى الجوارحَ تَرتَمي..
عليه . وتَنْقَضُّ انْقِضاضاً يُدَمِّرُ!
***(63/273)
ومَرَّتْ سنُونٌ أو قُرونٌ تَصَرَّمَتْ
عَلَيَّ. وما أّدرِي. فَإِنِّي مُسَيَّرُ!
فإِذْ أنا صَقْرٌ في الفضاءِ مُحَوِّمٌ
له صَوْلَةٌ مُخْتالَهٌ تَتَبَخْتَرُ!
يُفَتَّشُ في أَجْوائِهِ عن فَرِيسَةٍ
بلاَ رَحْمَةٍ يَنْقَضُّ ثم يُسَيْطِرُ!
يُصيدُ.. ويَطْوى جُوعَهُ غَيْرَ آبِةٍ
بِشيءٍ. فإَنَّ الصَّيْدَ رِزْقٌ مُقَدَّرُ!
ويأْوي إلى عُشَّ مُرِيحٍ مُنَعَّم
بأفراخِهِ . وهو الحَصِينُ المُسَوَّرُ!
***
وضِقْتُ بهذا العَيْشِ ذَرْعاَ فَرَدَّني
قَضائِي إلى ما كنْتُ أَخشى وأَحذَرُ!
غَدَوْتُ هِزَبْراً يسْتبِيحُ بِحَوْلهِ
وقُوَّته ما شاءَ .. يَنْهى وَيأْمُرُ!
كما المَلِك الجَبَّار تَعْنو لِحُكْمِهِ
رَعِيَّتُهُ. لو غاصَ في الصَّدْرِ خَنْجَرُ!
له مَأْكَلٌ منهم. لهُ خَيْرُ مَشْرَبٍ
وهم طَوْعُ ما يُملي وما يَتَخَيَّرُ!
وقد يَسْتوي ما بَيْنَهُم فَتَرُوهُمْ
بَراثِنُ حُمْرٌ تَسْتذِلُّ وتُنْذَرُ!
***
شَقِتُ فَناداني غَدٌ مُتَذَمِّرٌ
خَسئْتَ فَبِئْسَ الظَّالِمُ المُتَجَبِّرُ!
فقُلْتُ له مَهْلاَ فإِنِّي لَكارِهٌ
حَياتي فإِني الخاسِرُ المُتَبَطَّرُ..!
وأَسْدُرُ في غَيِّ الحياة وأَرْعَوي
فَاَبْكِي.. وتَطْوِيني رُؤاها وتَنْشُرُ!
وإنِّي على ما كانَ مِنِّي لَنادِمٌ
فهل ندمِي يُجْدي.ويُجْدي التَّدَبُّرُ؟!
فقال .. بَلى . إنَّ التَّدَبُّرَ نِعْمَةٌ
عَلَيْكَ. وقد يَتْلُو.. فَيَهْدِي التَبصُّرُ!
وأَغْضَيْتُ لا أّدْرِي أَقَرْناً صَرَمْتُهُ
وإلاَّ قُروناً .. ثم كانَ التَّغَيُّرُ..!
فَألْفَيْتُنِيِ ظَبْياً غريراً .. وظَئْرُهُ
بِجانِبي . فارتْاحَ مِنَّي التَّصَوُّرُ!
ولكِنَّني أَحْسَسْتُ خَوْفاً مُمَزَّقاً
حَشاي . ولَوْلا الله ما كنْتُ أَصْبِرُ!
فَلِلًّهِ ذِئْبٌ مُشْرَئِبٌ لِصَيْدِهِ
ولّلِه ما يَلقى من الذَّئْبِ جُؤْذَرُ!
ولكِنَّني رَغْمَ الرَّدى كنْتُ راضِياَ
بضَعْفي. فَكَمْ أَشقى ودَمَّرَ عَنْتَرُ!(63/274)
وشاءَتْ مقاديري نَجاتي. ورُبَّما
نجا الضَّعْفُ مِن كِسْرى. وحاباهُ قَيْصرُ!
***
قُرُونٌ مَضَتْ ثم انْتَهَتْ بي لِصَحْوَةٍ
مُغاضِبَةٍ.. تُبْدِي الأُمورَ وتَسْتُرُ!
تراءى بها رُوحي العَجيبُ وهَيْكَلي
كما كانَ إنساناً بَراهُ التَّطَوُّرُ!
فَأَطْرَقْتُ ما أَدرِي. أَأَرْبِحُ بالَّذِي
رَجَعْتُ إليه اليَوْمَ؟أَو سوْف أَخْسَرُ!
أَرى في حَناياي الضَّلالةَ والهُدى
خَصِيمَيْنِ من سَيْفَيْهما أَتَقَطَّرُ..!
تَحَيَّرتُ ..أَطْواري العَدِيدَةْ كُلُّها
سلامٌ وحَرْبٌ. نَعَجَةٌ وغَضَنْفَرُ!
وأَنْكِرُ مِنْها حَالَتَيْها.. وأَنْثْني
وقد مَسَّ أَعْصابِي الوَنى والتَّوَتُّرُ!
فأَيُّ سَبِيلَهْا أَنُوءُ بِكَلْكَلٍ
إذا سرْتُ فِيه . شَدَّ ما أَتَحَسَّرُ..!
لقد كانَ يَلْوي من خُطاي تَرَدّدِي
وعادَ فألوى من خُطايَ التَّهَوُّرُ!
وأَتْخَمنَي مِن بَعْد مَخْمَصتي الغِنى
ومِن بَعْد فَقْرِي نالَ مِنِّي التَّضَوُّرُ!
كفَانيِ من العَيْش الرَّضِيَّ. وَضِدَّهِ
كَفاني وإنْ لم يَسْتَذِلَّ التَّعَثُّرُ!
***
متى أَهْتَدِي لِلرُّشْدِ دُونَ غِوايَةٍ
وأَحْظى بِوِرْدٍ حِينَما شِئْتُ أَصْدُرُ؟!
متى قَلِقِي هذا يَعودُ سِكِينَةً
فَأَرْتَدُّ مِنْها بالحقيقةِ أَجْهَرُ؟!
لقد كنْتُ قَبْلَ اليَوْم أَهْدى تَفَكَّرا
فما لي بهذا اليَوْمِ لا أتفكَّرُ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> أيام خلت
أيام خلت
رقم القصيدة : 66061
-----------------------------------
أين أَنْتِ .. أين أيَّامٌ تولت.. يا حياتي؟!
كنْتُ في الفِرْدَوسِ أَشْدو ناعِماً .. بِصَلاتي!
عانِياً لِلْحُسْنِ حوْلي طاهِراً.. كالفرات!
والهوى يُسْعِدَني رَغْم الأَسى.. بالهِباتِ!
***
قد نأى ذلك عَنَّي معرضاً.. وتَوَلَّى..!
لِمَ يا نَبْضَ عُروقِي عَن شَجٍ.. يَتَخَلَّى؟!
وهو يَطْوِي بَيْن جَنْبَيْهِ هَوًى.. يَتَجلَّى ؟!
خاضعاً رَغْمَ إِباءٍ عارِمٍ ..يَتَدَلَّى؟!
***(63/275)
تَتَمنَّاهُ عُيُونٌ فاتِناتْ.. وثغُورْ!
وَوجُوهٌ حالِياتٌ خالباتْ.. ونُحُورْ!
وشُعُورٌ مُسدَلاتٌ غاسِقَاتْ.. وخُصُورْ!
وَرُؤُوسٌ في ذُراها شامِخاتْ .. كالبُدُورْ!
***
وهو لا يَصْبوا إلْيها راغبا..ً في التّوافي!
غَيْرَ أَنَّي لم أَجِدْ إلاَّ النَّوى.. والتَّجافي!
وأنا العافي .. وما أَلقى الرِّضى .. والتَّصافي!
فَأَرى الدُّنْيا ظَلاماً في ظَلامْ.. في شِغافي
***
فلماذا كُلُّ هذا الإِعْتِسافْ .. بِفُؤادي؟!
وهو لا يَخْفِق إلاَّ بالهوى .. لِلْجَمادِ؟!
للَّتي تصرعه في نَشْوَةٍ.. بالتَّمادي!
للَّتي تَرمى به من مَعْطَشٍ.. وهو صادِي!
***
يالَ هذا القَلْبِ في شِقْوَتِهِ.. بِهَواهْ!
مِن هَوًى يظْلِمهُ من قَسْوَةٍ.. مِن عَماهْ!
وهو لو أَبْصَرَ ما عَذَّبَهُ.. بِلَظاهْ!
فهو ما أَنْقاهُ ما أكْرَمَهْ.. بِرُؤَاهْ!
***
لو دَرَتْ تِلك التي تَهْوى بِهِ.. لِلدَّرَكِ!
أَنَّه من أجْلِها باعَ السَّنا ..بالحَلَكِ!
باعَ أَشْتاتَ حِسانٍ ناعِماتْ.. بالحَسَكِ !
يا لَها مِن صَفْقَةِ كانَتْ له .. كالشَّرَكِ!
***
ولقد قَطَّعْتُه .. أَلْقَيْتهُ مُنْطَلِقاَ.. من أَساري!
ورأَيْتُ الغِيدَ من أَوْجِ السَّنا.. كالدَّراري!
مُلْهِماتٍ. شافِياتِ مِن ضَنًى.. من أُوارِ!
دُون أنْ يَهْبِطْنَ للدَّرْكِ امْتَلا.. بالضَّواري!
***
فأَنا اليَوْم بلَحْني وشِعارِي .. أَتَهادى!
تارِكاً تِلكَ انْصِرافاً رابِحا.. وبِعادا!
ندمت.. بُؤساً لها أَنْ ندِمَتْ.. وسُهاد!
إنَّني في فَلكٍ مُسْتَشْرِفٍ .. وأنا فيه المُنادى!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> قالت وقلت
قالت وقلت
رقم القصيدة : 66062
-----------------------------------
عِشِيَّة لاقَيْتُ المليحةَ في الدُّجى
فقالتْ أما يَخْفى عليك مَكاني؟!
فقلتُ بلى لكنَّ لي بين أضلُعي
عُيوناً تُرِيني جَدْولي وجِناني!
وأَنْتِ هُما.. أنتِ التي لا تُرٍيحني(63/276)
بِوَصْلٍ . ولا تُشقْى بِقطْع عِناني!
تَدَفَّق إِلهامي من شَكاةَ فحاوِلي
تَدَفُّقَه بالحَمْدِ بِضْعَ ثَواني!
***
فَقالتْ سَتلْقاني الحَفِيَّةَ بالهوى
هَواكَ. ولا أصْبو إلى عاشِقٍ ثاني!
أَلسْتَ الذي يُزْجِي القوافِي شُرَّعاً
فَتَفْعَلُ ما لا يَفْعَلُ اللَّهْذَمُ القاني؟!
أَلسْتَ الذي يُمْسي ويُصْبحُ شادِياً
بِحُبَّي. ولو ألْقَيْتُه بَيْن نِيرانِ؟!
أَلسْتَ الذي عافَ الحِسانَ وبرَّني
بِحُبَّ شجاني .. واصْطَفاني بألْحانِ؟!
***
فقلتُ رعاكِ الله . يا ذاتَ بَهْجَتي
ويا سِرَّ إْلهامي. وصَبْوَةَ أشْجاني!
فما أَنْتِ لي إلاَّ الحياةُ فإنْ نَأَتْ
تَلاشَيْتُ واسْتَخْذى يَراعي وتَبْياني!
وعادتْ بلا شَدْو طَرُوب بَلابلى
بِقَفْرٍ مُخِيف ما بهِ غَيْرَ غِرْبانِ!
فأنْتِ عُيوني أَسْتَشِفُّ بها الرُّؤى
وأَنْتِ .. وقد أَسْمَعْتِني الحُلوَ .. آذاني!
***
فقالت لقد مَجَّدْتَني وَرَفَعْتَني
إلى قِمَّةٍ .. يا صِنْوَ مُسَّ وسَحْبان!
فَتُهْت على كلَّ الحِسان . فَقُلْنَ لي
لقد صِرْتِ عند الشَّعْرِ أَنْضَرَ بُسْتانِ!
ولَمَّا نَعُدْ في فَكْرِه وشُعوِرِهِ
سوى شَجَر ذاوِ يَلُوذُ بِقِيعانِ!
نَراهُ كمجْنُونٍ بَلَيْلاهُ.. سادِرٍ
بغَيَّ.. وما يُشْقِي الهوى غَيْرُ غَيَّانِ
***
فقُلْتُ لها تيهي على الغيدِ وافْخَري
عَلَيْهِنَّ.. حتى يَنْقِلَبْنَ بِخُسْرانِ!
فإِنَّكِ بَدْرٌ يَسْتِثيرُ كواكِباً
غَيارى حَوالَيْهِ. هَذَيْنَ ببَهتْانِ!
هَذَيْنَ بهِ حِقْدا عليكِ ونِقْمَةً
عَلَيَّ. وما أَشْقى . فَلَسْتُ بِشَيْطانِ!
قد اخْتَرتُ ما أرْضى الضَّمِيَر وصانَهُ
من العَبَثِ المُزرِي بِشِعْري وعِرْفاني!
***
فقالت ولن أَشقى بِحُبَّكَ عاصِماً
فما ضَلَّ أَنْ أَثَرْتَ حُبًّكَ وُجْداني!
وما ضَلَّ إيماني بِهِ مُتَبَتَّلاً
ولا ضّلَّ -يا مَن يُسْعِدُ الحُبَّ- حُسباني!
وجَدْتُ به بعد الضَّلالِ هِدايتي(63/277)
إلى كلَّ ما يَطْوي الظُّنُونَ.. بإِيقان!
وما خِفْتُ مِن حِقْدٍ عَلَيَّ فَرُبَّما..
تَنَوَّرْتُ مِنه في الدَّياجيرِ شُطْآني!
***
فقُات لها هذا الحُبُّ فاسْعَدي
وكََلاَ. فقد لاقَتْ بِه السَّعْدُ نًفْسانِ!
أراه جَدِيراً بالرِّضا وهِباتِهِ
وسوف أُوافِيِهِ بأَكْرَمِ قُرْبانِ!
جَزاني بشِعْرٍ ثم ثَنَّى بِعِفَّةٍ
وثَلَّثَ ما أَشْجاهُ بالشَّغَفِ الحاني!
فإِن شاءَ قُرْباً لم أكُنْ عنه نائِياً
وإنْ شاءَ بُعْداً كنْتُ منه أَنا الدَّاني!
***
فقالت . وقد سَمت الدُّموعَ بعَيْنِها
تُضِيءُ كنجم شَعَّ في عَيْنِ رُبّانِ!
فَدَيْتُكَ. ما أَنقى هواكَ يَرُدُّني
إلى الرُّشْدِ يَشْفينيِ من الشَّنآنِ!
ولَسْتُ أبالي بالحِسانِ يَنُشْنَني
فما هُنَّ في عَيْنَيَّ غَيْرُ قيانِ!
وما أنا إلاَّ حُرَّةٌ طَهّرَ الهوَى
حَشاها. فما عَاشَتْ كَعَيْشِ غَواني!
***
فَقُلْتُ لها هذا هو العَيْشُ يزدري
بكل مَتاعيْ عَبْقِ وجُمانِ..!
ويَزْهُو بَلأْلاءِ الجَمالِ مُزَمَّلاً..
بِطُهْرٍ.. فما يَخْزى من النَّزَوانِ!
أَبانَتْ لِيَ المِرْآةُ منكِ كريمةً
حَصاناً تَجَلَّتْ في هُدى وحَنانِ!
سأَشْدو. وتَشْدُو بالهوى وشُجُونِهِ
وجَلَّ الهوى يَشْدُو به قَلَمانِ!
***
أشادَتْ بِشَدْوِي واسْتجابَتْ لِجَرْسِهِ
وقالتْ. لقد حَلَّقْتَ يا كَرَواني!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> هي .. وهو
هي .. وهو
رقم القصيدة : 66063
-----------------------------------
أَرْخَصَتْ من نَفْسِها يا وَيْحَها
ذاتُ عِرْفانٍ وذَوْقٍ عَجَبِ!
ذاتُ صَوْتٍ طَرِبٍ من نَشْوَةٍ
في حَناياها. وشَوقٍ لَجِبِ!
أنا من أَسْوائِها في رَهَبِ
وهي من أَسْوائِها في رَغبِ!
كلما أبْصَرْتُها رَوَّعَني
حُسْنُها في صُورةٍ من لَهَبِ!
مَسَّني من أَجلِها الضُّرُّ. وما
مسَّها. فهي به في طَرَبِ!
***
كيف يَثْوِي من كِيانٍ واحِدٍ
شَهْوَةٌ تُشْقِي.. وعِلْمٌ يُسْعِدُ؟!(63/278)
ولقد فكَّرْتُ في هُجْرانِهَا..
وثَناني غَيُّها والرَّشدُ!
فَلَها في القَلْبِ مِنَّي جَنَّةٌ
ولها في القَلْبِ مِنَّي مَوْقِدُ!
حاوراني مَرَّةً واصْطَرَعا
فاسْتَوى أَرْنَبُهم والأَسَدُ!
فاَنا في صَبْوَة مُنْكَرَةٍ
فَرْحَةٌ فيها .. وفيها نَكَدُ!
كيف أَسْلو وأنا مُرْتَهَنٌ
في هَوًى ضَلَّ. ومالي سَنَدُ؟!
***
كيف أَسْلُوا عن لَعُوبٍ سَخرَتْ
بالتُّقى والأَدَب المُستَشْرفِ؟!
يا لها من صَبَّةٍ غانِيةٍ
ذاتِ طَبْع عابِثٍ مُقْتَرِفِ؟!
بُلْبُلٌ يَشْدو بِلَغْوٍ مُتْرَفٍ
لَيْتَهُ يَشْدو بَفَنَّ مُتْرَفِ؟!
آهِ لو تَعْرِفُ ما قَدْرُ النُّهى
عِفَّةً .. لكنَّها لم تَعْرِفِ!
كم تَطَلَّعْتُ إليها هائِماً
ثم أَغْضَيْتُ عن الدَّاءِ الخفي!
***
لَيْس لي عَنْه مَحِيدٌ إنَّهُ
قَدَرٌ يسْلِبُني عِزَّةَ نَفْسي..!
ولقد حاولتُ أَنْ أعْصِيَهُ
أَنْ يَقُودَ الطُّهْرُ وُجْداني وحِسِّي!
فَتَراءى الصُّبْحُ في عَيْنَيَّ لَيْلاً
وتراءَتْ سعَةُ الدُّنيا كحبْسِ!
وتَحَسَّسْتُ طَرِيقي في الدُّجى
فَتَعَّثًّرْتُ. وأَدمى الصَّخْرُ دَعْسي!
كان أمْسِي قَبْلَهَا أَمْساً وَضِيئاً
لَيْتَ يَوْمي.. وهو يُشْقيني .. كأَمْسي!
***
أيُّها القَيْدُ الذي كبَّلَني
أيُّها الجَرْحُ الذي أثْخَنني!
ما أرى في صَفْحتي إلاَّ القَذى
ذلك الشَّيءُ الذي يُثْمِلُني!
وهو أَوّاهِ الَّذي أُسْلِمُهُ
عُنُقي. وهو الذي يُسْلِمُني!
كيف أَشكو من هَوًى طاوَعْتُهُ
وتَهاوَيْتُ . وقد طَوَّعَني؟!
أنا مَن هام فما أَظْلِمُهُ
كذبا .. ثم غَدا يَظْلِمُني!
***
حينما أحْبَبَتُهُ كنْتُ عَمِيّاً
لم أكُن قَطُّ بَصيراً وسَوِيَّا!
والهوى يَجْنِي على أقْدارِنا
فَيُعيدُ الشَّامِخَ السَّامي زَريَّا!
ويُعِيدُ الفَحْلَ يَنْزو ضارياً
ليس يَكْبو في عَوادِيهِ .. خَصِيٍّا!
ولقد أَوْهَنَنَي مُسْتَشْرِياً
فتدلَّيْتِ إلى القاع .. هُويَّا!
ورأيْتُ العِهْر طُهْراً مُحْصَناً(63/279)
ورأْيْتُ الطُّهْرَ في القاعِ.فَرِيَّا!
***
أَفأَلقى بعد غَيَّي رَشَداَ؟!
أم سأَقْضِي عُمُري في دَرَكِ؟!
قُلْتُ للحْسَناءِ ما أَتْعَسني
بِكِ.. قد ألْقَيتَني في شَرَك!
فأنَا الشَيطانُ من هذا الهوى
بَعد أَنْ كنْتُ كَمِثْلِ المَلِكِ!
فاتْرُكي العِهْرَ إلى الطَّهْر فقد
نَسْتوي من شَجْوِنا في فَلَكِ!
وعسانا نَسْتَوِي في مَنْهَجٍ
لاحِبٍ يُفْضِي بنا لِلنُّسُكِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> فتاتان
فتاتان
رقم القصيدة : 66064
-----------------------------------
عداكِ الأسى . إنَّي لَمْحْتَرِقِ الحشا
ومازِلْتُ أَشْدو في هواكِ وأَطرَبُ!
وما زِلتِ عندي فِتْنَةً عَبْقَرِيَّةً
لها كلَّ حينِ في حَنايايَ مَأُرَبُ!
وما زِلْتُ أَصْبُو للْهيام مضى بِنا
نَشاوى. فما نَشْكو ولا نَتَعذَّبُ!
حياة تناءَتْ واسْتَقَرَّتِ بِحُفْرَةٍ
مُفَزَّعةٍ.. نِيرانُها تَتَلهَّبُ..
فأَمَّا أنا .. فالصَّرْمُ كانَ فَجِيعةً
مُزَلْزِلَةٍ يَطْوِي بِها اللَّيْثَ أَرْنَبُ!
وأمَّا التي أَشْقَتْ فَظَلَّتْ سعيدةً
بِشِقْوةِ قَلْبِ .. وهي تَلْهو وتَلْعَبُ..!
عَجِبْتُ لها كانَتْ تَذُوبُ صبابَةً
وتَشْدو بَحُبُّ مُشْرِقٍ غَيْرِ مُغُرِبِ!
أكانَ لديها الحُبُّ زَيْفاً وخُدْعَةً؟!
وكانتْ لَعُوباً تَسْتَهِيمُ فَتكْذِبُ؟!
لها الوَيْلُ أدْمَتْ. واسْتَحَلَّتْ. وغادَرتْ
وفي القَلْبِ منها جَذْوةُ تَتَلهَّبُ
ولو كنتْ ذا ذَنْبٍ لَهَانتْ . بَلِيَّتي
عليَّ . ولكن أكُنْ قَطُّ أُذْنِبُ!
***
أيا حُبُّ مالي عَنْكَ في الأّمْسِ مَهْرَبُ
ويا حُبُّ مالي عَنْكَ في اليَوْم مَهْرَبُ!
كِلا اثْنَيَهْما كانا شجُوناَ عَصُوفةً
عَلَيَّ. وما أجْدى عَلَيَّ الَتَّنكبُ!
تَجَلَّدْتُ أَطْوي الحُبَّ عن كل شامِتٍ
فَهَلْ سوف يُجْدِ يني ويُخْفي التّنَقُّبُ؟!
***
وقالت فتاةٌ ذاتُ حُسْنٍ وعِفَّةٍ
وزانَهُما مِن بعيد ذاكِ التَّحجُّبُ!(63/280)
عَرَفْتُ التي تهْوى . وكَانَتْ تَبَطُّراً
وكِبْراً ومَكْراً .. فهي ذِئْبٌ وثَعْلَبُ!
أَضَلّتْ كثِيراً. فاسْتَبَدَّتْ ودَمَّرَتْ
وما كان يَثْنيها عن الغَيَّ مَعْطَبُ!
فَقُلْتُ لها يا هذِهِ رُبُّ كَوْكَبٍ
وَضِيءٍ طَواهُ بَعْد ذِلِك غَيْهَبُ!
فَلَمْ يَلق قَلْباً مُشْفِقاَ . فَهْوَ قَسْوَةٌ
ولم يَلْق قَلْباً ثابتاً .. فَهْوَ قُلَّبُ!
ويا رُبُّ حُسْنٍ مُخْصِبٍ. وثِمارُهُ
وأَزْهارُهُ سُمٌّ سَقَتْناهُ عَقْرَبُ!
إذا كُنْتِ تُغْوينَ الُّسراةَ إذا رَنَوْا
إِلَيْكِ لِيَسْتَهْدوا. فما أَنْتِ كَوْكبُ!
***
فقالتْ دَعي عَنكِ الهُراءَ فإِنَّني
بِمَمْلَكتِي هذى أَتِيهُ وأَعْجَبُ..!
وقد يَسْتَوي عِنْدي المُدِلُّ بِنَفْسِه
بِراعٍ حَقيِرٍ. كلُّ دُنْياهُ سَبْسَبُ!
أُذِيقُهُما سوءَ العَذابِ فَناشِجٌ
ومُبْتَسِمٌ مما يُلاِقِي .. ومُغْضَبُ!
يقودُ لَدَيَّ المِخْلَبُ الصَّانِعُ الرَّدى
فما هو فَتَاكٌ. ولا هو مِخْلَبُ!
ولكِنَّه العُصْفُورُ يُدْمِيهِ صَقْرُهُ
فَمأْكَلُهُ مِنْه الهَنِىءُ .. ومَشْرَبُ!
وما الحُسْن إلاَّ سَطْوَةٌ وتَنَمُّرٌ
وما هُو إلاَّ مَغْنَمٌ وَتَكَسُّبُ.!
فللعاشِقِ المُرْتاعِ يَوْمٌ مُرَفَّهٌ
ولِلْوَاغِلِ المَفْتُونِ يَوْمٌ عَصَبْصَبُ!
رَبِيعي رَبيعٌ لا خَرِيفَ وراءَهُ
فما أنا أخْشاهُ. ولا أَتَهَيَّبُ!
***
ومَرَّتْ بنا الأيامُ فانْهارَ رُكْنُها
وما عادَ يَلْقاها الهوى والتَّشَبُّبُ!
وما عادَ يُجْديها الشموخُ مُنَدَّداً
عَصُوفاً.. وبَزَّتْها الرَّبابُ وزَينَبُ!
بَكَتْ وانْحَنَتْ تَبْكي .. ويا رُبَّ مَدْمَع
يَسيلُ فَيَشْفي رَبَّهُ حِين يُسْكَبُ!
ومَجَّدْتُ رَبَّي يَوْمها مُتَزَلَّفاً
إليه فإنَّي ضاحِكٌ. وهي تنْدُبُ!
***
أأُسطورَةٌ هذى.. وإلاَّ حَقِيقَةٌ؟!
وهَلْ أَنا لاهٍ في الهوى .. أَمْ مُجَرَّبُ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> غواية .. ورشد
غواية .. ورشد(63/281)
رقم القصيدة : 66065
-----------------------------------
تردَّيْتُ في دَرْكٍ رهيبٍ مُعَسْعِسٍ
فلم يَلقَني فيه سوى الشَّنآنِ!
سوى زُمُرَةٍ تَطْوي على الشَّرِّ أضْلُعاً
بكلَّ مكانِ في الدُّنَّى.. وزمانِ!
ويبدو بها الشيطان جذلان راضياً
فقد كَسِبَ الشَّيطانُ كل رَهَانِ!
فقُلْتُ لِنَفْسي بعد أن ساءَ مَنْزِلي
لِيَ الوَيْلُ مِمَّا يكَتُبُ المَلَكانِ!
لي الوَيْلُ بالرَّهطِ الذين تَسَرْبَلوا
بآثامِهمْ من شَهْوَةٍ ودِنانِ!
أأَمْكُثُ في الدَّرْكِ المَهيَنِ مُجَلَّلاً
بعاري . وفِكْري مُوثَقٌ وجِناني؟!
وناَديتُ باسْم الله أُرْسلُ مَدمَعي..
شفيعاً إليه من قَذًى وهَوانِ!
فأبْصرْتُ نُوراً أشَعَّ بَيْن دُجُنَّةٍ
ومن خَلْفِهِ أَبْصَرْتُ طَيْفَ حَنانِ!
يقول : ألا أصْعَدْ مِن هنا غَيْرَ خائِفٍ
فأنْتَ بِمَنْأىّ عن أَذًى ولعانِ!
نجَوْتَ بأيمانٍ رَكينٍ.. فلا تَعُدْ
بِقَلْبٍ غَوِيٍّ للِهوى. ولِسانِ!
وإلاَّ فما للرُّوحِ سوى اللَّظى
سوى كلًّ سْيفٍ صارمٍ. وسِنانِ!
فقُلْتُ معاذَ الله أَنْ أَدعَ الهوى
يَقُودُ رِكابي في السُّرى . وعِناني!
فَحَسْبي مِن البأْساءِ ما قد لَقِيتُهُ..
وحَسْبي الذي أَشْقى مِن النَّزَوانِ
لقِيتُ من الشَّيطانِ كُلَّ غِواَيةٍ
ولاقَيْتُ رُشْدي الصَّفْو من بارئي الحاني!
فهذا ضَميري لاهِجٌ بِهِباتِهِ
كَشَدْوِ يَراعي مُخْيِتاً.. وبَناني!
دِنانٌ وما أَهفو لِشُرْبِ رَحِيقِها
وقد شِبْتُ . أو أهفو لِحُسْن غَواني!
عقَقْتُ الغَواني والحِسانَ. ورَدَّني
عن الَّلهْوِ أنَّ الجِدَّ منه ثناني!
***
شَجاني ضَلالي في الشَّبابِ فَساءَني
وسَرَّ مَشِيبي الرُّشْدُ حِين شَجاني!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> جنت على نفسها براقش!
جنت على نفسها براقش!
رقم القصيدة : 66066
-----------------------------------
أسْعِديني..
بسلامٍ مِنْكِ من بعدِ الخِصامْ!
بِوِئامٍ مِنْكِ مِن بعد الفِصامْ!(63/282)
بِهَوًى لاحَ. وأخفاهُ الغمامْ!
أسْعِديني..
وامْنَحِني..
مِنكِ ما كان حناناً ووَفاءْ
مِنْكِ ما كان شُمولاً واحْتِواءُ!
وأمانِيَّ مِلاءً .. واحْتِفاءْ!
إِمْنَحِني..
واجْذِبيني ..
إنَّني أخْشى على الحُبَّ الذُّبُولْ!
فالْهوى إن سامَهُ الصَّدُّ يَحولْ
وأَنا حَولْي من الحُسْنِ فُلُولْ!
فاجْذِبيني ...
واحْتَوِيني..
قَبْلَ أن يَيْأَس قَلْبي مِن هَواكِ!
قَبْلَ أن يَأْفَلَ نَجْمِي من سَماكِ!
قبل أَنْ أَنأى. وَأَنْأى عن حِماكِ!
إحْتَويني..
واصْطَفيني..
قَبْلَ أَنْ يَصْطَفيَ الغِيدُ فؤادي!
هُنَّ حَوْلي واعداتٌ بالغَوادِي!
غاضِباتٌ مِنْكِ أنْ خُنْتِ وِدادي!
فاصْطَفيني..
واعْذُريني..
إنْ أنا اخْتَرْتُ على الغَيَّ الهُدى!
فَلَدْ جاوَزْتِ في الصَّدَّ المَدى!
واصْطَنَعْتِ البُخْلَ مِنْ بَعد النَّدى!
واعْذُريني..
فاعْذُريني..
واسْمَعِيني..
إنَّ حَوْلي باقَةً تُخْصِبُ جَدْبي!
وتُرِيني أنَّها دُونكِ سرْبي!
رَضِيَتْ لِلشِّعْرِ .. لِلأَّلْحانِ حُبَّي!
إِسْمَعِيني..
واسْتَبِيني..
هُنَّ في الذُّرْوَةِ حُسْناً وائْتِلاقا!
قُلْنَ لي .. لا تَخْشَ بُعْداً وفِراقا!
فَسَنَغْدو لكَ ما عِشْنا نِطاقا!
فاسْتَبِيني..
***
آه يا لَيْلى .. ولَنْ تَسْمَعَ أذْناكِ سِواها..
فلقد ضِقْتُ بما أَلقاهُ مِن حُبَّكِ .. كِبْراً وسِفاها..
ولقد لاقيْتُ جَنَّاتٍ .. وما أَحْلى نداها وشَذاها!.
إنَّ فيها ما تَشاءُ النَّفْسُ.. ما يُرْضِي هَواها!
ثَمَرُ حالٍ .. وما أَشْهاهُ طَعْماَ واكْتِناها!
وزُهورٌ عاطِراتٌ.. تَيَّمَتْ مِنَّا عُيوناً وشِفاها!
هي أصْواتٌ شَجِيَّاتٌ. وما أَنْتِ لها إلاّ صَداها!
وأنا الشَّاعِرُ يا ليلى. وما أُنْكِرُ إلْهامَ رُؤاها!
إنَّها الْتَفَّتْ حَواَليَّ. وقالتْ لن تَراها!
نحن نَهْواكَ . ولا تَهْوى هي الشَّمْسُ . ولا تهْوى ضُحاها!
فاسْلَها . فَهي التي من جَهْلِها. اخْتارتْ عَماها!(63/283)
وسَتَبْكي نَدَماً .. أَنْ ضَيَّعَتْ مَجْداً وجاها!
وسَنَرْعاكَ. وتَرْعانا. وتُغْنِيكَ لُهاناً عن لُهاها!
وتَراءَت لي عُيون دامعاتٌ . ساهماتٌ مِن أَساها!
***
أَيُّها الحُبُ.. لقد داوَيْتَ نَفْسي مِن جَواها!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> تنفيس .. وتقديس
تنفيس .. وتقديس
رقم القصيدة : 66067
-----------------------------------
جراحٌ تَسِيلُ . وما مٍن طيبٍ
ولا مِن دواءٍ يداوِي الجراحْ!
وأُلْقى السَّلاحَ فَتَأْبى الخصومُ
وقد دُجَّجوا بحديدِ السلاحْ!
وقد هَتفوا بمريرِ العداءِ
بِحُكْمِ السُّيوفِ. بِحُكْمِ الرِّماحْ!
وظَنُّوا بأنِّي كرِيشِ الطُّيورِ
يُقابِلُ في الجوَّ هُوجَ الرِّياحْ!
بقد وَهَمُوا يا له من خسارٍ
يُطاوِلُ بالجهلِ رَبَّ الرًِّياحْ!
ساُّلْقِي بهمِ في مَهاوِي الرَّدى
وليس على سطْوتي من جُناحْ!
وسوف يَرَوْن المساءَ المُخيفَ
ولا يُبْصرون وَضِىءَ الصًّباحْ!
وسوف أُجَلَّلهُمْ بالشَّكيم
فَيكَبَحُ منهم غَوِيّ الجِماحْ!
إذا ما اسْتَبَدَّتْ بِعَقلِ الخصِيمِ
حماقَتُهُ. غاب عنه الفلاحْ!
وسار إلى حَتْفِهِ ما يَرِيمُ
ولاحَ الفَسادُ له كالصَّلاحْ!
***
لقد كنتُ أرجو السَّلامَ الكريمَ
وما كنتُ أَرجو الخِصامَ الوَقاحْ!
فما كانتِ الحرْبُ إلا الدَّمارَ
ضروساً. وإلاَّ الدَّمَ المُسْتَباحْ!
يُجانِبُها الفارِسُ المُسْتَعِزُّ
فما جِدُّ وَقْدَتِها كالمِزاحْ
ألا رُبَّ فاتِنةٍ كالشَّعاع
إذا ما رأَتْني رمَتْ بالوِشاحْ!
وما أنا بالعاشقِ المستهامِ
لَهيفاً بدُنْيا الهوى والمِلاحْ!
ولا بِرحيقِ الدَّنانِ الشَّذِيَّ
ففقد طابَ بعد الغُدُوَّ الرَّواحْ..!
ولكنَّني هامٌ باليراعِ
يُدَبِّجُ شِعْراً يناجِي الطَّماحْ..!
له عَبَقٌ كَعَبيرِ الرِّياض وأشْذى
فما وَرْدُها والأَقاحْ؟!
فكَم ظَبْيَةٍ ضاء منها الفُؤادُ
وضاء الكِناسُ بِسِحْرِ الصُّداحْ!
بِشِعْرٍ له شامِخاتُ الذُرى(63/284)
تَدِينُ. وتَهْفو له كالبِطاحْ!
صَدُوقٍ يُقَدسُ مَجْدَ الحياةِ
كما قَدَّسَ النَّاسُ مَجْدَ الصَّحاحْ!
فما أَطْلَقَ الحُسْنُ مِنِّي السَّراحَ
بَلى .. أنا أَطْلَقْتُ منه السَّراحْ!
***
إذا فَشِلْتُ بِدُنْيا الحُطامِ
فَكَم فَشلٍ غارَ منه النَّجاحْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الملهمة
الملهمة
رقم القصيدة : 66068
-----------------------------------
لمَّا رأّيْتُك في المَنام
رأَيْتُ أحْلامي الغَوالي!
تلك التي كانتْ تُريني
جَنَّتي بَيْن الرِّمالِ!
كانتْ حياتي كالرّمالِ
جَديبةً جَدْبَ الخَيالِ!
فلقد حُرِمتُ من الخيالِ
كما حُرِمْتُ من الوِصالِ!
كالجَلْمَدِ المُتَحَجَّرِ المَنْحُوتِ مِن صُمَّ الجِبالِ!
يَطْوِي اللَّياليَ في عَمَاوَتِهِ وتَطْويهِ اللَّيالي!
أَدْمَتْه أَشتاتُ المقادِرِ بالسَّهام وبالنَّصالِ!
ورأى الرِّجال تُغادِرُ
الدُّنْيا لأَشْباهِ الرِّجال!
بَقِيَ الزَّعانِفُ يَمْرَحُونَ
وراحَ أَصْحابُ الخِلالِ!
ورأى الرَّشادَ يَغُولُه
ويَصُدَّ عنه أُولوا الضَّلالِ!
هذا . وقد كانتْ طُفُولَتُه
تَئِنُّ من التَّيَتَّم والكَلالِ!
فَحَبا إلى عَهْد الشَّبابِ
حُطامَ أحمالٍ ثقالِ!
أَبواهُ قد رَحَلا ولم يأْنَسْ بعَمَّ أو بِخالِ!
فَمضَى يَشُقُّ طريقه
شَقَّ المُؤَمَّلِ في المُحالِ!
يَطْوِي الفيافيَ في الهَجِيرِ
بلا غديرٍ أَو ظِلالِ!
ويرى الرِّفاق.. عَنِ اليَمينِ
طَرِيقُهُمْ .. وعن الشَّمالِ!
فَرَشَتْهُ أَنْواعُ الأزاهِرِ
والجداول والغِلالِ!
يَتَرنَّمُونَ .. ويهزجون
بلا لُغُوبٍ واعْتِلالِ!
ما ساءَهُمْ حالٌ أراح
ولن يُساؤوا بالمآلِ!
وأَنا اللَّغُوبُ .. كأنَّما
عَلِقتْ بأقدامي حِبالي!
ما أَشَتْكِي.. ولَئِنْ شَكَوْتُ.. أماتَني شَرفُ النَّضَالِ!
ولِمَنْ؟! وحَوْلي كالذَّبابِ
الطُّلسِ مُطْلَقَةِ العِقال!
يَطْوُونَ أَحقاداَ عَلَيَّ
تَضِيقُ بالسَّحْر الحَلال!
هذا هو السَّحرُ الذي(63/285)
سَحَرَ الأَواخِرَ والأَوالي!
ويُنيلُه الغِيدُ الحِسانُ
بِكُلَّ أَشْتاتِ النَّوالِ!
يَهْوى الجَمالَ فَتَسْتَجِيبُ
له أفانِين الجمَالِ!
فالحُسْنُ يَسْعَدُ مِن قَصائِدِه القِصارِ أو الطَّوالِ!
خَلَدَتْ به هِنْدٌ
ولام تلْقَ الرَّبابُ سِوى المِطالِ!
كم سُرَّ بالحُسْنِ الظَّهورِ
وسِيءَ بالحُسْنِ المُذالِ!
***
يا أَنْتِ .. يا لَيْلايَ
يا أَلَقاً يُضِيءُ كما الهِلال!
يا أَنْتِ.. يا حُلُمي السَّعيدُ
وفَخْرُ رَبَّاتِ الحِجالِ!
أَكْرِمْ بِلَيْلَتِة الهنيئةِ
مَن غَدَتْ خَيْرَ اللَّيالي!
أَسْعَدْتِ من بُؤْسي الطُّفُولَةِ والشَّبابِ. فما أُبالي!
وغَدَوْتِ في شَيْبي السَّلاحَ
المُنْتَضى يَوْمَ النَّزالِ!
وحَلَلْتِ مَوْهِبَتي
فَرُحْتُ أَجُودُ بالدُّررِ الغَوالي!
مِن بَعْدِ دامِيةِ القيود
وبَعْدِ ضائِقةِ الخَبَالِ!
أَنتِ الجمالْ لنا وإلاَّ
لَيْسَ نَحْفَلُ بالجَمالِ!
فهو الجلاَلُ على ذُراهُ
الشُّمُّ يَرْفُلُ.. في دَلالِ!
لَغَدَوْتِ فِكْري والشُّعُورَ
بخير ما تَحْوِي سِلالي!
ثَمَرٌ وأزهارٌ وغدران
يُفِضْنَ من الزُّلال
أًَعْجَزْتِني . فأنا العَيِيُّ
فَلَيْسَ يَجْزِيكِ مَقَالي!
ماذا أَقُولُ؟! فلا جَوابَ
لَدَيَّ عن هذا السُّؤال؟!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> حكاية هند .. وليلى
حكاية هند .. وليلى
رقم القصيدة : 66069
-----------------------------------
كَرَّمِني يا حُلوتي _ كرَّم الله
نَداكِ_ بالصَّدَّ لا بالوصالِ!
إنَّ في الصدَّ حِكْمتي وانْبِعاثي
لِقَوافٍ تُعيي كبارَ الرِّجالِ!
وأرى فيه نَشْوتي وانْصِهاري
بِعذابٍ يُفْضي لشُمَّ العواليِ!
لّذَّتي في العذاب هذا .. فَكُوني
لي عَذاباَ يَقُودُني لِلمعالي!
***
يَا فَتاتي .. ما أَعْذَبَ الأَلَمَ الصاهِرَ
أَطوى به كريمَ اللَّيالي!
إنَّ حُسْنٌ مُجَلَّلٌ بالأساطيرِ
اللَّواتي يُلْهِبْنَ مِني خَيالي!
أَتَمَلَّى به الزَّمان الذي وَلَّى(63/286)
وأَعطى به كريمَ النَّوالِ!
كُنْتِ لي بَلْسماً إذا انْتَفَضَ الجُرْح
حَباني الشَّفاءَ قَبْلَ السُّؤالِ!
وأنا اليَوْمَ ذو جراحٍ شَتيتاتٍ
وفِيهنَّ قُوَّتي وصيالي!
لم أعُدْ بالوصال أَحْفَلُ إلاَّ
حينما أجْتلَي به القوافِي الغَوالي!
قَلَّما أَجْتَلي .. ولكِن صَدَّي
يَتَجلى يَومَ الخُطوبَ الثَّقالِ!
***
ما أُحَيْلى كرامتي فهي بالوَصْلِ
تُعاني من اتَّقاءِ النَّضالِ!
وهي بالصَّدَّ لا تُعاني .. وتَجْني
من بَساتِينِهِ شَهِيَّ السَّلالِ!
***
فاذْكُريني يا هِنْدُ إنْ ضَمَّكِ
الحُبُّ بِمَجْلىً مُزَيَّنٍ بالجَمالِ!
ما أَراني أَظُنَّه مِثْلَ مَجْلايَ
فَهَيْهاتَ مِثْله من مَجالي!
***
وإذا رَتَّلَ النَّدامى العَواني
آيَ أَشْواقِهم لِحُلوِ الدَّلالِ!
فاذْكُريني . فَلَن يكُون كَتَرْتِيلي
فَلَيْس الضَّرغامُ مِثْلَ السَّخالِ!
كُنْتِ مِثْلَ الفِعالِ غُرّاً تُوالِينَ
ثَناءً على كريم المقالِ!
وتَقُولِينَ.. أَنتَ يا نَجِييَّ فَريدٌ
من مزاياكَ رِفْعَةً. والخِلالِ!
لم أَكُنْ يَوْمها أرى الغيدَ إلاَّ
عِفَّةً تَزْدهي بِخَيْرِ عقالِ!
فهو من الأَوْجِ إنْ يَكُنْ طاهِرَ الذَّيل فَطُوبى لطاهري الأَذْيالِ
وهو في الدَّرْكِ إنْ يَكُنْ قَذِرَ
الذَّيْلِ لَعُوباً يَخُوضُ في الأَوْحالِ!
***
شَدَّني في الشَّبابِ لِلْحُسنِ طَبْعٌ
ما يرى في هَواهُ غَيْرَ الضَّلالِ!
يَتَصَدَّى له حَراماَ .. حَلالاَ..
والهوى خَيْرُ زادِهِ في الحَلالِ!
كنْتُ فيه رِئْبالَهُ ما أُبالي
بنصال منه .. ولا بِنِبالِ!
وجِراحي به تَنِير فما أَشكو
كيف تَشْكو ضَراوةُ الرِّئْبالِ؟!
والغَواني حَوْلي يُؤَجَّجْنَ لَهْوِي
ويُبارِكْنَ_ وَيْلَهُنَّ_ خبالي!
وَتَمَرَّسْتُ بالخلاعَة حتَّى
ضِقْتُ ذَرعاً بِصَبْوتي وانْتِهالي!
فَهُما السَّجْنُ في الهوى ودَواعِيه
وأَنْكى مَن أَْوثَقِ الأَغْلالِ!
وتَبَدَّى الهُيامُ لي كالحَ الوَجهِ(63/287)
-كشَيْطانِهِ- شَدِيدَ المِحالِ!
وَتبَدَّتْ لَيْلى كَبدْرٍ وَضِيءٍ
دعِياً لِلسَّلامِ. لا لِلْوبالِ!
داعِياً لِلْوصالِ أَحْلى من الشَّهْدِ
بَرِيئاً من الخَنَى والسَّفالِ!
كالزّلالِ العَذْب اسْتوى بَيْن رَوض
عَبْقَريَّ. وبَيْن بَرْدِ ظِلالِ!
فيه شَتَّى من الأزاهيرِ تَسْخُو
بِعَبير يَشْفي من الاعْتِلالِ!
وثمار يَحْلو جَناها ولكِنْ
هي أغْلا من نادِرات الَّلألي!
***
قُلْتُ.. يا قَلْبُ ههُنا الحُبُّ والحُسْ
نُ تسامَتْ عن جَفْوةٍ ومَلالِ!
وتسامَتْ عن اللُّغُوبِ.. فلن تَلْقى
وَنىً من رِحابِهِ.. أَو كَلالِ!
جَلَّ رََّبي.. ففي البُكور أُلاقي
وَحْيَ رُشْدي منه. وفي الآصالِ!
أنا مِنْه في جَنَّةٍ وَشْيٍ
وظِلالٍ تُحِي بِسِحْرٍ حلالِ!
إنَّ لي في الأواخِرِ اليَومَ ما لَم
أَلْقَهْ قَبْلُ في السنين الأَوالي!
فالعَصِيُ .. العَصِيُّ أَمْسى مُطِيعاً
من قوافٍ رَطيبَةٍ كالدَّوالي!
وحَياتي شِعْرٌ وحُبٌ. فإنْ زالا
فإِنَّي أَعُودُ كالتَّمثالِ!
لا تَزُولا عَنَّي. فقد تُؤْثِرُ الرُّوحُ
إذا زُلْتما بِوَشْكِ الزَّوالِ!
وأراني في نَجْوةٍ منه فالنُّورُ
يُغشَّي فدافِدي وجِبالي!
***
هو فَضْلٌ من صاحِبِ الحَولْ والطَّوْلِ
وعَوْنٌ من رَّبنا ذِي الجَلالِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> القمة والحضيض
القمة والحضيض
رقم القصيدة : 66070
-----------------------------------
ذكْرياتُ أكادُ منها أّذوبُ
وهي في القَلبِ غِبْطةُ ونُدوبُ!
كيف لي بانتزاعها من حَنايايَ
وفيها حَدائقٌ وسُهوبُ؟!
وسلامٌ يُضْفي على الحِسَّ والفِكْر هناءٍ مُناغِياً.. وحُروبُ!
منذ أَنْ كنْتُ يافِعاً .. وأنا
الصَّبُّ.. شُروقٌ في المُشْتهى. وغُروبُ!
ما أرى في الحياةِ طَعْماً إذا لم
يَكُ فيها مَفاتِنٌ وطُيوبُ!
كلُّ حَسْنَاءَ تَسْتَثيرُ وتُشْجي.ز
فَتْرَةً .. ثم أَجْتَوِي وأتُوبُ!
ثم أَصْبُو إلى سواها. فَما انفْكَّ(63/288)
فؤادي تَجْني عَلَيْه الثُّقوب!
ورأني الحِسانُ أَصْبُو وأَسلُو
فَتَاَلَّبْنَ. وابتلتْني الخُطوبُ!
فَنَزَتْ مِنَّيَ الجِراحُ فَزَغْ
رَدْنَ فهذا المُتَيَّمُ المنْخوب!
وتَجَلَّدْتُ فارْعَوَيْنَ .. فقد كانت
لُحوني تَهْتَزُّ مِنْها القُلوبُ!
وتُذِيعُ الجمالَ حِيناً.. وتَطْوِيِهِ
فَتُشْقِيه صُفَرَةٌ وشٌحوبُ!
ولقد تُصْبِحُ العُيوبُ خِلالاً
من قَوافِيه.. والخِلالُ عُيُوبُ!
رُبَّما راقني وراع الذي كانَ
فإِنَّي أنا الجَرِيحُ الطَّروبُ!
ولقد أَسْتَوي بِلَيْلٍ بَهيمٍ..
فيه لي راحةٌ .. وفيه لُغُوبُ!
بَيْنَ وَصْلٍ يَسْخُو به عَلَيَّ غَزالٌ
وصُدُودٍ يَقْسو به يَعْسُوبُ!
***
وتحَولَّتْ من شَبابي إلى الشَّيْبِ
وفي القَلْبِ جَنَّةٌ وسَعِيرُ!
قُلْتُ عَلَّ المشِيبَ يُطفِىءُ مِنَّي
لَهَباً .. فهو راشِدٌ وقَرِيرُ!
فلقد كنْتُ في الشَّبابِ. وحَوْلي
كُلُّها طَلِيقٌ.. أَسِيرُ!
راكِضٌ للْهوى .. سَريعٌ إلى اللَّهْوِ
خَبِيرٌ به .. عَلَيه قَديرُ!
ومَضى الدَّهْرُ راكِضاً .. فإذا
الشَّيْبُ عَلَيهم بما أساؤوا.. نَذيرُ
ولقد يُصْبحُ النَّذِيرُ بَشِيراً إنْ
أفاؤوا .. واهْتَزَّ منهم ضَمِيرُ!
أَو هُو الَخَسْفُ والعذابُ..
فلن يَحْنُو عليهم . ولن يَجُودَ مَصِيرُ!
***
وتَلَفَّتُّ لِلرِّفاقِ.. فما بانَ
صغيرٌ بِجانِبي .. أَوْ كَبيرُ..!
أَيْنَهُم .. أَيْنَهًم.. ؟!فلم يَبقَ في
الدَّرْبِ سوائِي. والطَّرْفُ مِني حَسِيرُ!
فَارَقُوني . والدَّرْبِ مِنَّي ظلامٌ
وجَفَوْنِي. والدَّرْبُ منهم مُنِيرُ
صاحَ فِيهِم من الرَّشادِ نَفيرٌ
فاستجابُوا له . فَنِعْمَ النَّفِيرُ
يا رفاقي .. ألَيْسَ فيكم حَفيٌّ.ز
بالمُعَنَّى ..أَلَيْس مِنكم مُجِيرُ؟
إنَّ طَوْق النَّجاةِ فيكم فَهاتُوهُ
فإني هنا القَعِيدُ.. الضَّرِيرُ
***
واذْكروا الأَمسَ حينَ كُنَّا سَويّاً
في غُرُور. وفي ضَلالٍ مُبينِ!
فَسَعِدْتُم.. وما أَزالُ شَقِيّاً(63/289)
أشْتهِي مِثْلكُمْ وُرُودَ المَعِينِ!
إنَّنا إخْوَةٌ.. فإنْ أَظْلَمَ الأَمْسُ
وأَضْنى بِمثَلِ قطْع الوَتِينِ!
فإذا كنْتُ بَيْنكم ثُبْتُ لِلرُّشْدِ.. وأفضيت لِلْهُدى بحَنِيني!
فَتَحَرَّرْتُ من قُيُودي .. ومن سِجْني
وما عُدْتُ بالرَّسيفِ السَّجِينِ!
وكأَنَّي خَرَجْتُ من رحِمِ الغيْبِ
إلى النَّاسِ طاهِرا كالجَنِينِ!
***
وتَخَيَّلْتُ أَنَّني في عَماءٍ..
حالِكٍ .. حالِكٍ بِغَيَّ سِنيني!
فَذَرَفتُ الدَّمع السَّجِينَ
فناجاني هَتُوفٌ أَصْغى لِطُولِ أنِيني!
قال . لا تَبْتِئِسْ .فقد يَرْحَمُ
الله غَريقاَ فَيَهْتَدي للِسَّفِيِنِ!
كم تبعت الشَّيطانَ حتى تَمَزَّقْتَ
وما كان لِلورى من خَدِين!
ولقد كِدْتَ أَنْ تكونَ جُذَاذاً
من شَباهُ. فيا له مِن لَعِين!
فَحماك الرَّبُّ الكريمُ فحاذِرْ
بَعْدَها أنْ تكُونَ بالمُسْتَهِينِ!
سرْ مَعَ الرَّكبِ.. إنَّهم في اشْتِياقٍ
لك . ما أَنْتَ بَعْدها بالغَبِينِ!
فَقَد أعييْتُ .. ثم أَهَوَيْتُ لِلأرْضِ
سُجُوداً يَشْدو بِرَبّي المُعِين..!
حَوَّلَ الغَيَّ لِلرَّشادِ. فما أّكْرَمَ هذا من القوِيَّ المتِينِ
***
رُبَّما كانَت الضَّلاَلَةُ لِلمَرْءِ
صِراطاً إلى الهُدى مُسْتقِيما!
والشَّقاءُ المَرِيرُ يَغَدو على الـ
مَرْءِ اغْتِباطاً. وجَنَّةً ونَعيما
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الوحي .. والجمال الطهور
الوحي .. والجمال الطهور
رقم القصيدة : 66071
-----------------------------------
لا تَلومي على هوايَ. فقد كنتُ
طَهُوراً. وأنْتِ مِثْلي طَهورُ
ولقد لُمْتُهُ فَعاصى ولم يُضْعِ
إلى اللَّوم .وازْدهاهُ الغُرورُ!
فَدعِيه يَحُمْ حَواليْكِ يا بَدْرُ
وهيهَاتَ أَن تنُيلَ البُدورُ!
قُلتُ يا قَلْب ما أراكَ بصاحٍ
فاسْتَفِقْ فاللَّسانُ عنها حَصُورٌ!
فهي حُورِيةٌ إذا ملا تَبَدَّتْ
بانَ منها نُورٌ وفاحتَ عُطورٌ!
أَتُرَاها من عالَمِ الخُلْدِ جاءَتْنا(63/290)
فَتَشْفِي قُلوَبنا .. وتَحُورُ؟!
كلُّ ما نَجْتِلَيهِ منها من الحُسْنِ
أساطِيرُ تَسْتَبى وتُثِيرُ!
فتْنَةٌ صاغها الله لِلْعَيْنِ.
ولِلْقَلْبِ. أَيْنَ مِنها النَّظِيرُ!
ظَلَّ منها فِكْري الشَّغوفُ
يُناجِيها بإلهامِها. وظَلَّ الشُّعُورُ!
يالَ هذا الإِلْهام ظَلَّ فُتُوحاَ
لِلْقوافي كأنَّهُنَّ طُيورُ!
سابِحاتٍ في الجَوَّ تَشْدو بألْحانٍ
عذاب تَذُوبُ منها الصُّدورُ!
فهي حِيناً بَلابِلٌ شَجْوٍ
عَبْقَرِيَّ الصَّدى . وحِيناً صُقُورُ!
هذِهِ. هذِهِ التي تَصْقُلُ الرُّوحَ
فَيَعْلو مُحَلّقاً لا يَغُورُ!
نَفَثَتْ فِيَّ ما أَصُوغُ من الشَّعرِ
لُباباً.. تَنُوحُ منه القُشُورُ!
فَسُطورٌ منه تُعادِلُ أسفاراً
ثِقالاً.. وتَقْتفَيها سُطُورُ!
وإذا الحُسْنِ كانَ فِينا كهذا
كان شِمْساً تُنِيلُنا وتُنِيرُ!
راعَني ما أَراه منها وأَعلانِي
مَقاماً. فكِدت منه أَطِيرُ!
***
يا جَمالاً لدى الغَواني رَخيصاً
غاصَ في الدَّرْكِ فهو عانٍ حَسِيرُ!
فالغَواني يَنْفُرْنَ حِيناً. وإنْ
كانَ كِذاباً صُدودُهُن الغَرُورُ!
إنَّما يَصْدُقُ النُّفُورُ مِن الحُسْنِ
أَبِيّا .. يَزْدانُ مِنه النُّفُورُ!
والعَفَافُ، العَفافُ يُغْلِيكَ لو
كنْتَ حَصِيفاَ لا يَزْدهِيكَ السُّفُوْرُ!
والفَتُنُ المُثِير لَيْس ثُغُوراً
حالياتِ تَهوِىْ عليها الثُّغورُ!
أوْ قُدُوداً كُلَّ هذا. فما أَجْدَرَ
هذا أَنْ تَحْتَويِه الخدُورُ!
ما عدا أنْ يَكُن بَرْزاً إذا كانَ
طَهُوراً يزْدانُ منه الحُضُورُ!
مِثْلَ ما كُنَّ سيَّداتٌ جَليلاتٌ
بِماضِ تَعْتَزُّ منه الذُّكورُ!
كُنَّ نوراً يهدي. وعلماً يجلي
في ذُرَىً لم يَصِلْ مَداها النُّسورُ!
لم يَزَلْ ذِكْرُهُّنَّ فَخراً.. وما
أَخْلَدَ ذِكْراً يطيب منه الفَخُورُ!
***
يا فَتاتي .. يا رَبَّةَ الحُسْنِ والطُّهْرِ
عَداكِ الجَوى. عَداكٍ الثَّبُورُ!(63/291)
أنْتِ كرَّمْتِني فأوْرَثْتِني المَجْد خَصِيباً تَمِيسُ فيه الزُّهُورُ!
أنا في الرَّوضِ . والغَيارى من
الرَّوضِ كِثارٌ .. جَنادِلٌ وصُخُورُ!
وبِعالي الصُّروح تَشْمَخُ بالعِزَّ
وتؤْوى المُشَعْوذينَ الجُحُورُ!
ما اعْتراني الفُتُورُ يَوماً عن
الشَّعرِ بِوَحْى ما يَعْتَرِيهِ الفُتُورُ!
كيف أَجزِيك؟! كيف أَطرِيِكِ يا
هذي.. عَساهُ يُطيعُني المَقدُورُ!
ما أَراني بالخُلْدِ هذا جَدِيراً
إنْ عَصاني فَنال مِنَّي القُصُورُ!
لَسْتُ يا فِتْنَتِي جَحُوداَ ولكِنَّي مُقِرُّ بما أَنَلْتِ قَريرُ!
ليس إلاَّ الكَفُورُ من يَجْحَدُ
الفَضْلَ لِراعِيهِ. لَيْسَ إلاَّ الكَفُورُ!
إنَّني الضَّارعُ الحَفِيُّ. ومَغْناكِ
وما فيه .. نِعْمَتي والحُبُورُ!
طابَ يَوْمي وطاب أَمْسي بما نِلْتُ
وطابَتْ مَعابِري والجُسُورُ!
فاذْكُريني فإنَّ ذِكْراكِ قُوتٌ
يَتَغَذَّى مِنْه الحِجا والضَّميرُ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> أطوار .. وأطوار
أطوار .. وأطوار
رقم القصيدة : 66072
-----------------------------------
وأَصْغَيْتُ لِلَّريح المَدَ مْدِم في الدُّجى
وقد نامَت الدَّنيا سوى مَعْشَرٍ مِثْلي
فأسْمَعَني هَمْساً يكادُ رَسِيسُهُ
يَكُونُ سكُوناً لا يُبِينُ ولا يُمْلى!
ولكنَّه يَخْتارُ من صَفْوَةِ الوَرى
قليلاً .. قليلاً من أُولي الحَمْدِ والفَضْلِ!
ويُفْضي بِسرِّ من أُلُوفٍ تَحَجَّبَتْ
عن الخَلْق ما بَيْن الغياهِبِ تَسْتَعْلي!
وقد رِاعَني السَّرُّ الذي خِلْتُ أَنَّني
تكشَّفْتهُ بالرَّغْم من شِدَّةِ الجَهْلِ!
وأَنْذَرني أَنْ لا أَبُوحَ بِبَعْضِهِ
وإلاَّ دَهاني بالعمى . ودَها أَهْلي!
فما يَصْطَفي الغَيْبُ المُنِيفُ لِسرِّه
سوى كلَّ ذي قَلْبٍ سليم. وذي عَقْلِ!
وهل أنا هذا؟! إنَّني كنْتُ حائِراً
أَأَنَّي على طَوْدٍ.. أَو أنِّي على سهلِ؟!
أَأَنَّي طَوْدٌ شامِخٌ في فَدافِدٍ
وإلاَّ حَضِيضُ يَسْتَقرُّ به رَحْلي؟!(63/292)
فأيْقَنْتُ أنَّ سادِرٌ في عمايَةٍ..
وأنِّي من الأّهْواءِ أَرْسُفُ في غُلَّ؟!
وأَّنيَ لو طَهَّرْتُ رُوحي مِن القذى
لأخْرَجْتُها للْجِدَّ من جَنَفِ الهزْلِ!
فحاوَلْتُ ما أَدْري أَأَسْتَنْفِرُ الهُدى
فأَفْلِحُ؟! أم أهْوِي إلى دَرَكِ الوَحْلِ!؟
وأصْغَيْتُ لِلصَّوْتِ المُدَمْدِم ثانِياً
لَعَلَّي أرى المُشْتارَ من عَسَلِ النَّحْلِ!
فأَلْفَيْتُ أَّني تارةً فَوقَ قِمَّةٍ
وأخْرى بوادٍ مُجْدِبٍ. مُخْصِبِ الرَّمْلَ!
وأَوْمضَ نُورٌ من دُجُنَّةِ مُقْلَي
إلى الطُّهِرِ يَدْعُو هامِساً . وإلى الغُسْلْ!
فما يرْتَضي للنَّجْم قَلْبٌ مُدَنَّسٌ
وفِكْرٌ قَميءٌ يَخْلِطُ العِلْمَ بالجَهْلِ!
وخِفْتُ فقد أَهْوِي إلى الأَرضِ من عَلٍ وقد أسْتوي فَوْق السَّحابِ وأسْتَجْلي!
تَراوحَ قَلْبي بَيْن خَوْفٍ وغِبْطَةٍ
وفاءَ إلى النُّورِ المُرَفْرِفِ من حَوْلي!
عسانِي أرى فِكْري وحِسَّي كِلْيهما
قَريَبيْنِ من فَرْضٍ وضِيءٍ ومن نَفْلِ!
فقد عِشْتُ في الحَضِيضِ مُضَلَّلاً
فَخِفْتُ العَمى يُشْقِي وَيُنْقِضُ من غَزْلي!
وقد كنْتُ أعدو راكضاً ثم راعني
من الشيب ضَعْفٌ سِرتُ فيه على مَهْلِ!
ونادَيْتُ رَبَّي في الدُّجى يُوسِعُ الخُطا
إلَيَّ. فمالي من أَبي العُذْرَ أَوْ نَجْلي!
كَلا اثْنَيْهِما يُؤْذِيه دَركي فَيَنْثَنِي
عَليَّ بِحُبٍّ ضارعٍ شِيبَ بالعَذْلِ!
يقولان لي أخطأت. ياليت أنَّني
سَمٍعْتُ لما قالاهُ فانعَطَفَتْ رِجْلي!
***
تمَنَّيْتُ أَنَّي ما خُلِقْتُ فَرَدَّني
إلى أَمَلي في الله .. ما رَدَّ مَن قَبْلي..!
نَدائي له سُبْحانَه رَغْم شِقْوتي
حَماني من السَّجن الرَّهِيبِ. ومِن غُلَّي!
وها أنا لا أَرْجُو بدُنْيايَ غَيْرَ ما
يُكَرِّمني من قَوْلِ خَيْرٍ. ومن فِعْلِ!
إذا سِرْتُ في أَرْضِ القداساتِ طَهَّرَتْ
يدِي جَسَدي حتى تُطَهَّرَ من نَعْلي!
زَهِدْتُ فما أَبْغِي الحُطامَ ولا العُلا(63/293)
ولا المَنْصِبَ السامي يقود إلى العَزلِ!
وسِرْتُ بِدَرْبٍ لا حِب ما يُخِيفُني
به أَسَدٌ ضارٍ يَتُوقُ إلى القَتْلِ!
ولا الدَّجْنُ أخْشى أَنْ أَضِلَّ بِليْلِهِ
سبيلي . وأخشى أن يجِفَّ به نَخْلي!
***
تَمَجَّدْتَ رَبَّي كم أَنَلْتَ من النَّدى
بسُؤْلٍ مُلِحَّ ضارع . أَوْ بِلا سُؤْلِ!
فأنْتِ هو السٍّرَّاءُ والجُودُ والغِنى
لمنا . رَغْم أنَّا دارِجون على البُخْلِ!
فما البَذْلُ إلاّ مِنْكَ يَشْفي جِراحَنا
وإلاَّ فما يَشْفي سِواهُ من البَذلِ!
أنِلْني الرِّضا. إنَّي إليه لَتائِقُ
وقد عشت أَشقى بالفِعالِ وبالقَوْلِ!
سألْقاكِ في الأُخْرى فَأَسْجُدُ ضارعاً
إلَيْكَ . فَهِبْنِيهِ لأَنْجُو مِن العَدْلِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> هذا أنا .. وهذه أنت !
هذا أنا .. وهذه أنت !
رقم القصيدة : 66073
-----------------------------------
كم تعذَّبْتُ في الحياةِ .. وكم
صِرْتُ رسيفاً ما بين شتَّى القُيودِ
وتعَذَّبْتُ بالرَّفاء. وبالشَّدَةِ
فالوصْلُ كان مِثْلَ الصُّدودِ!
يالَ هذي النَّفْسِ العجيبةِ
مما كانتْ سوى شَوْكةٍ بِدُنيا الوُرُودِ!
يَجْتَوِيها المُرفَّهون بلا ذَنْبٍ
كَخَصْمٍ من الأُباة لدُودِ
الورى كلُّهمْ سوى النَّزْرِ لاقوا
مثلها في قيودهم والسُّدودِ
رَبَطَتْنيِ بهم أواصِرُ شَتَّى
من شقاء مُسَلَّطِ.. وكُنُودِ
عَرَفوا أنَّهم. وإنْ بَذلوا الجُهْدَ
وما بعد جُهْدِهم من جُهودِ!
فَسَيَلْقَوْنَ من نَكيرٍ . ومن
سُخْطٍ عليهم مُدَلَّلٍ الجُحودِ!
فاستكانوا كما اسْتكنْتُ إلى
العُزْلةِ . خوفاً من اعْتِسافِ الحَقُودِ!
***
وتطلَّعتُ للسَّماء. وقد ضاقت
بيَ الأرض مثل ضيق اللَّحودِ!
واسْتضاقَ المدىَ الرَّحِيبُ
فأَحْسَسْتُ كأّني مُسَمَّرٌ الحُدُودِ!
في الدُّجى الحالِكِ الرَّهيبِ
تَنَوَّرْتُ شُعاعاً لِطَرْفِيَ المكْدُودِ!
فرأَيْتُ الُّعُودَ بعد نُحوسٍ
عايَشَتْني دَهراَ وأَصْلَتْ جُلُودي!(63/294)
صِحْتُ في نشوة تباركت ربي
حين أكرمتني بهذا الصُّعودِ!
حين أكْرَمَتْني وقد عِشْتُ أَهْوِي
لِحضيضٍ داج بهذا السُّعودِ!
وتَبَدَّي رهْط قَليلٌ من الخَلْقِ
وما كان بَيْنَهم من حَسُودِ!
فَكأَنَّي بهم شُهُودٌ.. وما
أَسْعَدَ نَفْسي بهؤُلاءِ الشُهود!
شِمْتُ منهم نَدى الوِدادِ فأشجاني
فما شِمْتُ قَبْلَهم من وَدُودٍ!
ما أحَيْلى الوُجُودَ في هذه الدُّنْيا
إذا كان مِثْلَ هذا الوُجودِ!
وَيْكَأَنَّ الفِرْدَوْسَ عاد لعَيْنَيَّ وروحي فَلُذْتُ بالمَفْقُودِ!
وكأَنَّي وُلِدتُ أُخرى بُدُنْيا
غَيْر تشلكَ الدنيا. وذاكَ الكُنُودِ!
صِرْتُ في الذُّرْوَةِ العَليَّةِ
من بَعْد مُقامي بِظُلْمَةِ الأُخدُودِ!
***
يا رِفاقي . ما أَكْرَمَ العَيْشَ
إنْ كان طَمُوحاً يَرْنُو لِمَجْدِ الخُلُودِ!
والكِفاحُ المَرِيرُ أَجْدَرُ بالمَرءِ
وأَولى من الوَنى والرُّقُودِ!
واللُّغوبُ المُضني أجَلُّ من الراحةِ
عُقْبى تَحُطُّ فوق النُّجودِ
ردَّني الغابرُ السَّحيقُ إلى الرُّشْدِ
فَلَم أَخْشىَ من دَوَّي الرُّعُودِ!
واسْتَبانَتْ لِيَ الدروب. فَهذي.. بوَعيدِ. ولهذهِ بِوُعُودِ!
فَسَلَكْتُ المُخِيفِ منها. وما خَفْتُ
فَلَيْس المَسِيرُ مَثلَ القُعُودِ!
ولقد تُثْقِلُ الحُظُوظُ الموازينَ
فَيَغْدُو المُحِسُّ كالجُلْمودِ!
كم قرودٍ ساءَتْ أُسُوداَ فعَزَّتْ
وغَدَتْ سادَةً لِشُمَّ الأُسودِ!
***
إيهِ يا فِتْنَتي . ويا رَبَّةَ الطُّهرِ
أَطِلَّي بكل مَعْنًى شَرُودِ!
أَلْهِميني بما يَرُوعُ من الشَّعْرِ
لأِشْدُو بِفاتِناتِ القُدُودِ!
بِعُيُونٍ تذيبنا .. وثُغُورٍ
وخُصُورٍ ضَوامِرِ ونُهُودِ..!
أنا أَهْوى الأُمْلُودَ منها. فمَرْحى
بِعُيونٍ تهِيمُ بالأُمْلُودِ!
ولأَنْتِ السَّنامُ منها.. وما
تَمَّ سنامٌ سِواكِ بالمَشْهُودِ!
إِكْتَسي بالُبرُودِ. أو فاخْلَعيها
باحْتِشامٍ. فَأنْتِ مَجْدُ البُرُودِ!
***
أًَنْتِ . يا أًَنْتِ من أَجِلُّ وأَهْوى(63/295)
وسواءٌ أَنْ تَبْخَلي أَو تَجُودي!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> اصطبار .. وانتحار !!
اصطبار .. وانتحار !!
رقم القصيدة : 66074
-----------------------------------
ماذا حلا لكِ بَعدي
بعد القِلا والتَّصدِّي؟!
أمَّا أنا فِحَلاِ لي
أَنِّي حَظِيتُ بِجُنْدِ!
من المِلاحِ شَذِيٌّ
أَعِيشُ منه بِرَغْدِ!
وحيدةٌ أنْتِ.. شِلْوٌ
من بعد عِزَّ ومَجْدِ!
لا يَشْتَهِيها فَيَصْبو
إلى القَذى غَيْرُ وَغْدِ
قد كنْتِ نَجْماً وَضِيئاً
لِكُلِّ غَوْرٍ ونَجْدِ!
حَسَدْنَكِ الغِيدُ وَجْداً
كَمِثْلِ حَدَِّ الفِرِنْدِ!
وقُلْنَ لْيسَتْ بِنِدَّ
فأنْت أعْظَمُ ندِّ!
ونحن نَجْزِيكَ وُدّاً
إذا أَرَدْت بِوُِدِّ !
بل سوف نَجْزِيكَ وَصْلاً
وقد جُزِيتَ بِصَدِّ!
نَحْن الحِسانُ اللَّواتي
في الرَّوْضِ أَنْضَرُ وَرْدِ!
وقد شُغِفْنا بِشِعْرٍ
يشفي الصُّدورَ ويُسدي!
كأَنَّه شَدْوُ طَيْرٍ
كأنَّه طَعْم شَهْدِ!
وقد يكونُ نَذِيراً
كَمِثْلِ بَرْقٍ ورَعْدِ!
خُذْ قِمَّةَ الحُسْنِ واتْرُكِ
ما كانَ منه كلَحْدِ!
المُلْهِماتُ كَسَوْنَ
القَريضَ أَجْمَل بُرْدِ!
وقد كَساهُنَّ بُرْداً
فَرُحْنَ منه بِخُلْدِ!
فاصْدَحْ بِشِعْرِكَ فينا
يا شاعراً مِن مَعَدِّ..!
فإنه لِسُمُوَّ
يَقُودُ .. لا لِتَردِّي!
والشاعِرُ الحُرُّ يأْبَى
إلاَّ قَبُولَ التَّحَدِّي!
وقد تَحَدَّتْكَ يوماً
فَجاوزَتْ كُلِّ قَصْدِ!
فأَلْقِها في حفير
فإِنَّه خَيْرُ حَدِّ...!
ما مَنْ يَتِيهُ بِمَجْدٍ
كمن يَتِيه بِنَهْدِ!
وقد سَمِعْنا حَدِيثاً
يُشْقي النُّفُوسَ ويُرْدى!
يَقُولُ كانت غزالاً
فأَصْبَحَتْ مِثْلَ قِرْدِ!
فلا اسْتَقامَتْ بِهَزْلٍ
ولا استقامَتْ بِجِدِّ!
فَصَدَّ عنها هُواةً..
من كُلِّ حُرِّ وَعَبْدِ!
قالت لهم ما اعْتَراكُمْ
مِن بَعْد حُبِّ وَوَجْدِ!
كُنْتُمْ لدَيَّ جُنوداً
يَخْشَوْنَ صَدِّى وبُعْدي!
صَرْعى هَوايَ جُثِيّاً
ما تَسْتَطيلون عِنْدي!(63/296)
تَرَكْتُموني ورُحْتُمْ
عَنِّي. فأصْبَحْتُ وَحْدي!
كُنْتُمْ خِرافاَ ضِعافاً
فكيف عُدْتُمْ كأُسْدِ؟!
قالوا لها. قد وُقِينا
من شَرِّ ذاك التَّعَدِّي!
من شَرِّ حُسْنِ هَصُورٍ
ما إنْ له مِن مَرَدِّ!
عِشْنا نُفَدِّيه دَهْراً
وما نَراهُ يُفَدَِّي!
وقد بُلِنا بِنَحْسِ
وما بُلِينا بِسَعْدِ..!
***
قالت خَسِئْتُمْ فأنْتُمْ
بُغاةُ مَكْرٍ وكَيْدِ!
وسال دَمْعٌ غَزيرٌ
منها على كُلِّ خَدِّ!
قالَتْ تَمَنَّيْتُ أنِّي
قد لُذْتُ يَوْماً برُشْدي!
فلم أَرُعْهُ بِصَدٍّ
ولم أرُعْه بِحَصْدِ!
قد كان سَدّاً مَنِيعاً
وقد عَبَثْتُ بِسَدِّي!
وكان وعْداً جَميلاً
فما وَفَيْتُ لِوَعْدي!
***
هذي حكايةُ سَيْفِ
لم يَسْتَقِرَّ بِغِمْدِ!
فَغِمْدُه كان هَشّماً
ولم يكُنْ بالأَشَدِّ!
والسَّيْفُ كانَ رَهِيفاً
يَسْطُو بكفِّ وزِنْدِ!
وما يَقُومُ وِفاقٌ
ما بَيْن ضَعْفٍ وأَيْدِ!
ولم أكُنْ بِغَوَيِّ
أوْ كُنْتُ أَزْهو بِجدِّي!
بل كنْتُ أزْهو بِرُشْدي
وشيمتي. وبرفْدي!
ولم أُضِلِّ فأُشْقِي
لكِن أُعِينُ وأَهدي!
***
يا غادتي. لن تُراعِي
مِنِّي بِكَيْدٍ وحِقْدِ!
لن تَسْمَعي غَيْرَ شُكْرٍ
على الصُّدودِ وحَمْدِ!
فَلِي لِسانٌ عَفِيفٌ
فيما يُعِيدُ ويُبْدي!
ولي يَراعٌ طَهْورٌ..
سَما بِجَزْرٍ ومَدِّ!
لم يَسْط يَوماً بِسَهْوٍ
أَوْ يَسْطُ يَوْماً بِعَمْدِ!
فَعُنْصُري مِن عَبِيرٍ
زاكٍ بِعُودٍ ونَدِّ..!
***
قد كانَ وِرْدي فُراتاً
عَذْباً.فَطِبْتُ بِوِرْدي!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> مشاوير
مشاوير
رقم القصيدة : 66075
-----------------------------------
أَجَلْ. أنا لَيْلايَ من عاشَرَ البَلوى
سِنيناً. ولم يُبْدِ الدُّموعَ ولا الشَّكْوى!
أَجَلْ أنا هذا المُسْتَوي بِضَمِيِرِهِ...
بِذَرْوةِ صَبْرٍ لا يَضِيقُ بها المَثْوى!
أَجَلْ أنا هذا فاذْكري ذلكَ الذي
رآك فلم يَمِلِكْ هُداهُ ولا التَّقْوى!
وكْنْتِ له نَبْضَ الحياة ورَاحَها(63/297)
ورَيْحانِها . والمَجْدُ والشِّعْرُ والنَّجْوى!
وكانت زِياراتُ. وكانتْ مَواثِقٌ
تَعَهَّدْتِ فيها أَنَّكِ السَّعْدُ والرَّضوى!
وضَحَّيْتِ من أَجْلى بِشَتَّى أًَواصرٍ
وآثَرْتِ عَنْها كلَّها ذلكَ المأْوى!
نعِمْنا به حِيناً من الدَّهْر حالياً
نَعِيشُ به كالطَّيْرِ يَسْتَعْذِبُ الجَوَّا!
يداعِبُنا شَجْوٌ فَيَطوٍي جَوانِحاً
عليه. ونَأْبى أَنْ تُخامِرَه السَّلوى!
وما كانَ أَحْلاهُ هَوًى وطَراوَةً
فَكُنَّا به النَّشْوانَ يَثْمَلُ والنَّشوى!
تقَمَّصَ رُوحَيْنا فكُنَّا كَتوْأَمٍ
يَراه الورى فَرْداً .. فما أكْرَمَ الشّجوا!
فكيف هَوى النَّجْمُ الوَضيءُ إلى الثَّرى؟!
وكيف غَدا العِملاقُ يا حُلْوتي شِلْوا؟!
قدِرْتِ على هذا المُحال فَرُعْتِني
بِهَوْلِ فِراقٍ كان أَنْكى من البّلْوى!
فجِعْتُ به كالرُّزْءِ يَحْطِمُ.. كالرَّدى
يُمِيتُ. فلم أَمْلِكْ سُلُوّاً. ولم أَقْوى!
فللَّه أَمْسٌ كانَ حُبّاً مُدَلَّلاً
يُناغِي . فَيُغْرِيني بأنْ آكُلَ الحَلْوى!
ولله يَوْمٌ دامسٌ مُفْزعٌ الحَشا
رُؤاهُ .. غدا اللَّيْثٌ الهَصُورُ به نِضْوا!
وكانَ له الصِّنْوَ الحَبِيبَ فخانَهُ
وعَذَّبَهُ.. ما كانَ أَشْأَمَهُ صِنْوا!
وأوْرَدَهُ المِلْحً الأُجاج تَجَنِّياً
وقد كانَ يَسْقِيه النَّمِيرَ الذي أَرْوى!
***
تمَنَّيْتُ أَنَّ الحُبَّ لم يَكُ جَذْوةً
بِصَدْري. فقد أَوْدى بِصَبْري . وقد أَلْوى !
وأنِّي رأّيتُ النَّخْلَ تُغْرِي ثِمارُهُ
بِقَطْفٍ . فَلَمْ أَقْطِفْ به أبَداً قِنوا!
لقد كادَني حتى كَرِهتُ رِحابَهُ
ولُمْتُ بِما قد ذُقْتُهُ كُلَّ مَن يَهْوى !
فَمَن كان مَزْهُوّاً بِحُبِّ فَقُلْ له
تَمَهَّلْ. فما أحْراكَ أَنْ تَتَركَ الزَّهْوا!
فقد سَوْفَ تَلْقى في غِدٍ منه شِقْوَةً
فَتَعْرِفَهُ جِدّاً . وتَعْرِفَهُ لَغْوا!
لقد كنت أمشي في مغانيه ناعماً
إلى أن غَدا مَشْيي البَطِيءُ بع عَدْوا!(63/298)
نَجَوْتُ بِجِلْدي مِن مآسِيهِ زاهداً
بِنُعْمى غَدورٍ لا أرى بَعْدها الصَّفْوا!
ولم أَجِدِ الحُسْنى به غَيْرَ فَتْرةٍ
تَولَّتْ. فما أوْهى جَداهُ. وما أغْوى!
فلا تَلْتَمِسْ جَدْواهُ إنَّي اخْتَبَرتُهُ
طَويلاً. فلم أَلْقَ السَّلامَ ولا الجَدوى!
ففي القَلَمِ الشَّادي . وفي الكُتْبِ مُتْعَةٌ
تمُنَّ ولا تُشْقِي لمن يَطْلُبُ اللَّذْوى!
رَضِيتُ بها عن عالَمِ الحُسْنِ والهوى
فألْهَمْنَني فَوْزي . واكْسَبْنَنِي الدَّعْوى!
وأغْنَيْنَني عن حُبِّ هِنْدٍ وزَيْنَبٍ
وعن حُبِّ لَيْلى المُسْتَطيلَةِ أوْ فَدْوى!
فما عُدْوتُ أَحْبُو كَي أَفُوزَ بِصَبْوَتي
لدى الغِيدِ. إنَّ الحُرَّ يَسْتَنْكِفُ الحَبْوا!
***
أسالِكَةً قَصْدَ السَّبِيل بِناشِدٍ
هُداهُ.. لقد عَلَّمْتِني اللَّحْنَ والشَّدْوا!
وعَلَّمْتني أَنْ أَتْرُكَ الهَجْرَ كُلَّما..
دُعِيتُ إلى قَوْلٍ. وأَنْ أتْركَ اللَّغوا!
فَلِلْمَجْدِ دُنْياه وقُصْواهُ. والمُنَى
أَقَلَّ بِدُنْياهُ.. وأَكْثَرُ بالقُصْوى!
وما أَجْدَبَ الفَتْوى على كُلِّ قاِعِدٍ
وأمَّا على السَّارِي. فما أَخْصَبَ الفَتْوى!
***
تبارَكَ من سَوَّى. تَبارَكَ من رَعى
فَأَغْنى الذي ما كانَ يَمْتِلِكُ الشَّرْوى!
لقد كانَ بَحْري هائِجاً فَركِبْتُهُ
بِعَزْمٍ. فأمْسى البَحرُ مِن بَعْدِهِ رَهْوا!
فما عُدْتُ أَطغى إنْ قَدِرْتُ وسَّولتْ
لِيَ النَّفْسُ طُغْياناً. فما أشَأَمَ الطَّغْوى!
فقد يُوُبِقُ السَّطْوُ الظَّلومُ على امْرِىء
ضَعِيفٍ فَيُرْدِيهِ إن اسْتَمْرأَ السَّطْوا!
بَرِئْتُ فما أُعْدِي امْرَءاً مُتَخوَّفاً
ولا أنا ذو قَلْبٍ خَؤُوفٍ من العَدْوى!
فَما كانَ من فَضْلٍ فَلِلَّه وحْدَه
تَمَجَّدَ واسْتَعْلى .. والتمس العفوا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> إلى الحاضرة .. الغائبة
إلى الحاضرة .. الغائبة
رقم القصيدة : 66076
-----------------------------------(63/299)
يا هذه أَوَّاهِ لو تَعْلمينْ..
ما كُنْتِ روَّعْتِ الحبيبَ الحَميمْ..
بطَعْنةٍ أَدْمَتْ حَشاهُ الكليمْ..
فعادَ ما بَيْن الورى كالرَّميمْ..
عاد كَشِلْوٍ تَتَّقٍيهِ العُيونْ؟!
كان هواهُ صادقاً يَكْتَوى..
بنارِهِ ظمآنَ ما يَرْتَوى..
لكَّنَّهُ ما يَلْتَوى..
عَنْكِ . ولو أَسْلَمْتِهِ لِلْمَنُونْ؟!
***
يا هذه أَوَّاه لو تَذْكُرِين..
تذكَّري الحُبَّ الذي وَثقَّا..
ما بَيْن قَلْبَيْنا.. وما أَطْلقا..
كان كروْضٍ أَوْرَقا
كُنْتِ فيه . وأَنا أَحْلى الغُصُونْ؟!
***
الرَّوضُ هذا قد غدا بَلْقَعا..
لاقى به بُلْبُلُه المَصْرَعا..
وآنَ لِلبُومَةِ أَنْ تَنْعَقا..
به. فقد صَوَّحَ فيه الفُتُونْ؟!
***
يا هذه أَوّاهِ لو تَسْمَعِينْ..
منِّي. فإني كنْتُ جَمَّ الهوى..
لا أَشْتكي مِنك لهيبَ الجوى..
ولم يَرُعْني مِنْكِ مُرُّ النَّوى
وكنْتُ أَلقى مِنْكِ قَلْباً حَنُونْ؟!
***
وكنْتِ تُدْنِيني . وتُقْصي العُجُولْ..
كنْتُ أَنا الصَّرْحُ. وكانوا الطُّلُولْ..
كأَنَّكِ السَّكْرى . وانِّي الشَّمُولْ..
فأّيْنَ راحت كُلُّ هذي الشُّجُونْ؟!
***
يا هذه أَوّاهِ لو تَشْعُرينْ..
بذلك الدَّرْكِ الدُّجيِّ السَّحِيقْ..
ما فيه إلاَّ مُدْمِنٌ ما يَفَيقْ..
أَغْرَقَهُ اليَمَّ. وعاف الغَرِيقْ..
ورُبَّما اغْتالَ الشًّعورَ الجُنُونْ.؟!
***
لم تَشْعُري . فالزَّهْوُ يَطوِي النَّهى..
حتى تَرى الدَّرْكَ يَفُوقُ السُّهى..
فَتَتَردَّي. ساءَ مِنْ مُنْتَهى..
هذا الذي خَيَّبَ مِنْكِ الظُّنُونْ؟!
***
يا هذه .أَوَّاهِ لو تَدْرُسينْ..
لَكُنْتُ أَوْعى أن يَسُوءَ المصِيرْ..
وكنتِ أَخْرى بالنَّدى والعَبِيرْ..
من الضَّنى الرَّامِي بهذا الحَفيرْ..
ومن صَدىً عالٍ. بغيث هَتُونْ؟!
***
ما أنا بالشَّامِتِ أو بالحَقُودْ..
كَلاَّ فإِنِّي مُشْفِقٌ. فاللُّحودْ..
تُحْزِنُني . تَسْلِبُ مِنَّي الرُّقُودْ..
على التي شَاهَتْ بِهذي الغُضُونُ؟!(63/300)
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> عمالقة .. وأقزام
عمالقة .. وأقزام
رقم القصيدة : 66077
-----------------------------------
أشْتَهي .. أشْتَهي ولستُ بِقادِرْ
ما الذي تَبْتَغِيه ِّمنِّي المقادرْ؟!
ما الذي تَبْتَغِيه مِن نازفِ الرّوحِ
طَريحٍ بين الظُّبا والكواسرْ؟!
ما أُبالي بما يكونُ وما كانَ
وأَسرِي ولا أُبالي المعابِرْ..!
والمُنى تَسْتَوي أَمامي فتغريني
فأنْأى عنها وأَجفوا الذَّخائرْ!
ليس في خاطِري يَدورُ سوى الرُّعْب
من الرَّاقِصين فوق المقابِرْ!
فإذا بي أَرى المنائِرَ تَنْهارُ
وتَهْوِي إلى سحيقِ الحفائِرْ!
وإذا بي أرى الحفائرَ تَعْلو
ساخراتٍ بِكلِّ آي المنابِرْ!
وإذا بي أرى المرابِحَ تَشْكو
بانْدِحارٍ من قَهْقهاتِ الخَسائِرْ!
يا لَها من نَقائض تَتَحدَّى
بمقاييسها النُّهى والمشاعِرْ!
وتُغُولُ الأًحْرارَ إن أَعْلَنوا الحرْب
عليها .. كما تَغُولُ الحرائِرْ!
***
مَسَّنِي الضُّرُ .. كيف أّقْوى على العَيْشِ وحولي تختال هذي الجرائر؟!
ولقد ساءَني حقيرٌ تعالى
مُسْتًهِيناً على الرِّجالِ الأكابِرْ!
كان يطوي أّيَّامه ولَيالِيهِ
بِكُوخ. كأنَّه عُشُّ طائِرْ!
جائِعاً ..ظامِئاً .. يُقيِضُ بِشَكْواهْ
فَيَحْنو عليه بَعْضُ الضمائرْ!!
ساخِياتٍ بمأكَلٍ وشاربٍ
ولباسٍ يُرْخِي عليه السَّتائِرْ!
وهو يَطْوي على الجُحُودِ.. على النَّقْمةِ
صَدْراً.. على السَّخاءِ المُبادِرْ!
أَمْهَلَتْهُ الأيَّام حِيناً من الدَّهْر
فما كانَ بالكريم المُؤازرُ!
فَجَنى جَهْلَه عليه فأَرْداهُ
بما سَرَّ رَبْعهُ والعَشائِرْ!
عادَ لِلْبُؤْرَةِ التي أَفْسَدتْه
والتي زَيَّنَتْ لهْ ركوبَ الكبائِرْ!
غدا اليوم والحناجِرُ تُدْميهِ
بِقَوْلٍ يَشُقُّ منه المَرائِرْ!
إنَّ في صَدْرِه الخناجِرُ تَقْريهِ
وينْوي غَدْراً بهذي الخَناجِرْ!
***
واسْتَوى عُودُهُ .. وأَخْصَبَتْ بالنَّعْمةِ .. وارْتاحَ من كَريهِ الخَواطِرْ!(63/301)
فَتَجَلى لِلنَّاسِ استِتَارٍ
عاتِياً .. عابِثاً . بِكُلِّ المآثِرْ!
يَتَمنَّى.. وما أَعَقَّ أمانِيهِ
اللَّواتي يُدْمي قذاها المحاجِرْ!
كانَ يَنْوي شَرّاً جزاءً على
الخَيْر فَدارتْ عليه سُوءُ الدَّوائِرْ!
فَتَلَوَّى غَمّاً وقال ألا لَيْتَ
مَصيري ما كانَ أَشْقى المصائِرْ!
أنا سَطَّرْتُه فما يَنْفَعُ الدَّمْعُ
وسِفْرِي مُجَلَّلٌ بالدَّياجِرْ!
ولقد فَاخَرَ الكثيرون بالفَضْل
وفاخَرْتُ .. وَيَلَتا- بالمَناكِرْ!
جاهَرَتْني بالبغْضِ مِن بَعدما
طِحْتُ جريحاً .. عَمائِمٌ وأَساورْ!
فَتَجلْبَبْتُ بالمآزِرِ تخفيني
فما أَخْفَيتِ العُيوبُ المآزِرْ!
***
رُبَّما تَصْرِفُ النُّفوسَ عن الرشُّدِ.. نَواهٍ مَشْؤُومةٌ وأوامرْ!
فَنَرى في أرانِبٍ وثَعالٍ
ما نَرى من ضَراوةٍ في غَضافِرْ!
فإذا بِهِمْ مِن بَعْدِ حِين
خَفافِيشُ دَياجٍ تَخافُ نُورَ البواكِرْ!
***
أُذْكُريني يا رَبّة الحُسْنِ قَلْباً
عَبْقَرِيّاً يَصُوغُ أَغلى الجواهِرْ!
واذْكُريني فكْراً وضيئاً أطا
عَته قَوافٍ مُسْتَعْصِياتٌ نوافِرْ!
فسأغْدو بِكِ السَّعيدَ .. بِذِكْراكِ
وأَعْلُو فَوْقَ النُّجوم الزَّواهِرْ!
وسَتَشْدو بالشِّعْرِ مِنِّي.. يُناغِينَ هَوانا.. فواتِنٌ وسَواحِرْ!
***
إنَّ مَجْدي هذا .. إذا اخْتَال
بالمَجْدِ كذُوباً.. شُوَيْعِرٌ مُتَشاعِرْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> إلى البلبل الغريد
إلى البلبل الغريد
رقم القصيدة : 66078
-----------------------------------
يا مُقْبِلَ الشِّعْرِ.. ما أحْلاكَ مِن وَتَرٍ
غَنَّى. فَلِلسَّمْع تطريب. ولِلْبَصَرِ!
كيف الهٌروبُ؟! وهذا الروض يَفْتِنُنا
نَضْراً بما فيهِ من زَهْرِ ومِن ثَمَرِ!
لأَنْتِ لِلشِّعْرِ رَمْزٌ طالَما طَمَحَتْ
إليه شَتَّى من الأَرْواحِ والفِكَرِ!
دَعِ الهُروبَ. وأسْعِدنا بِرائعةٍ
مِن بَعد أُخْرى بما تَحْوي من الدُّرَرِ!(63/302)
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> إلى الشاعر الواجد
إلى الشاعر الواجد
رقم القصيدة : 66079
-----------------------------------
يَحْيى لقد أَتْحَفْتَني بِهَدِيَّةٍ..
غرَّاءَ كنْتُ لها المَشُوقَ المُغْرما!
كالرَّوْضِ يَزْهُو بالعَبِيرِ وبالجَنَى
ونرى به حسناً يروق.. ومَغْنَما!
سِرْ في طرِيقِكَ. إنَّه مُستَعْذَبٌ
ولو أنَّه أَصْلى الحَسُودَ جَهنَّما!
يالَ المشاعِرِ فيه تُطْرِبُ والحِجى
يزهو. فَزدْها غِبْطَةً وتَرَنَّما!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> مقطوعة شعرية لم تتم
مقطوعة شعرية لم تتم
رقم القصيدة : 66080
-----------------------------------
أَسْمِعيني من أغاني الحُبِّ ما يُشْجي. وما يَرْوي ويَحْلو!
أَسْمعينيها. فإنِّي لستُ أَدرِي كيف أَسْلو!
كيف أَسلو. وأنا الهائمُ.. ظلمي مِنكِ عَدْلُ؟!
كيف أسلو. وأنا الشِّعْرُ الذي كُنْتِ به نَجْماً يُطلُّ؟!
كيف؟ يا مَن كنْتِ من حَرِّ الجَوى دَوْحاً يُظِلّ؟!
هل تَوَلَّتْكِ أباطيلٌ؟! وهل شامكِ مُلْتاثٌ ونَذْلُ؟!
إنْ يكُنْ ذلك. فالهَجْرُ من الغادِرِ للمغْدوِرِ وَصْلُ!
وأنا العازفُ. لا أَنْتِ.. فما يُرْضي فؤادَ الحُرِّ صِلٌّ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> حواء.. وحواء
حواء.. وحواء
رقم القصيدة : 66081
-----------------------------------
أَتَظُنِّين أنني سوف أَسْلو
بعد طُول النَّوى وطول التَّجنِّي؟!
كيف هذا الظَّنُّ المُريبُ ومالي
من حياةٍ إذا تَباعَدْتِ عنِّي؟!
أَفما تعرفين أنَّكِ يا أَنْتِ
هوايَ الذي يُؤَرِّقُ عَيْني؟!
وهوائي الذي أَشُمُّ فأحيا
إن تَنَشَّقْتُه. وِريِّي ودَنِّي؟!
فَدَعيني يا ربَّةَ الحُسْنِ والدَّلِّ
دَعيني من بعد حُزْني أُغَنِّي!
***
أنا في غَمْرةٍ من اليأْسِ تُذْوِي
من حَياتي جَوىٌ. وتَهْدِم رُكْني!
غير أنِّي جَلدٌ. ولا أقبل الذلَّ
ولو كانَ في مباهِجِ عَدْنِ!
أنا كالمُزنِ في الصَّفاءِ وفي(63/303)
البذْلِ وفي الرَّوْعِ كالحُسامِ المُرنِ؟!
لا تَظُنِّي الهوى هَواكِ وإن
كانَ عَصُوفاً يَطْوي الكرامةَ مِنِّي!
لا. فإنِّي أطيق من صَبْوَتي
الدَّلَّ يُناغِي. ولا أطيقُ التَّجنِّي!
***
أنا لا أُنْكِرُ الصَّبابَةَ تَطْويني
وتُغْري بِيَ الجوى والسُّهادا!
فإذا بي الكئيبُ بين الأناسِيِّّ
نَشاوى.. الشَّجِيُّ يَشكو البِعادا!
وكانِّي مُزارعٌ بدَّدَ الدَّهْرُ أمانِيَّهُ فَأفْتى الحَصادا..!
هم يُناجُونَ زيْنَبا تَتَجلَّى
فِتْنَةً تَسْلِبُ العُقولَ الرَّشادا!
فَتُناجي.. ولا تَغُولُ الأحاسيسَ
وتُبْدي.. ولا تَمُنُّ.. الودادا!
ولقد تَعْجَبُ الرَّبابَ وهِنْداً
يَتَأَلَّقْنَ بالنَّدى.. وسُعادا!
إنَّهُنَّ الظِّباءُ لا ساخِراتٍ
بالهوى العَفِّ يَسْتَمِيلُ الفُؤادا!
ويُضِيءُ النُّهى فَتَشْدوا بما راعَ
وما يَسْتَرقُّ حتى الجَمادا!
باحْتِشامٍ يَطِيبُ للشَّاعِرِ
الشَّادي بهذا الهوى. فلا يَتمادى!
لَتمَنَّيْتُ أَنْ تسيري على النَّهْجِ
قَويماً.. فَتَمْلِكينَ القِيادا..!
***
لا تَظُنِّي الأنِينَ يَبْدو ولا الشَّكْوَى فإنِّي جَلْدٌ على البُرحَاءِ!
قادِرٌ أَنْ أُجَمِّدَ الدَّمْعَ في
العَيْن. وأّطْوِي عَنِ الأَنامِ بُكائي!
وإذا عَزَّني الوُصًولَ فإنِّي
أَكْتَفي بالعَزاءِ دَونَ الشِّفاء!
إنَّ في هذه الرُّبوعِ كثيراتٍ
يُرَجيِّن صَبْوتي وإبائي!
ولقد تّنْدَمِينَ أّنَّكِ بالَغْتِ
فأدْمَيْتِ بالنَّوى كِبْرِيائي!
فَتَنَاءَيْتُ باعْتِزازٍ عن الحُبِّ
وما أكْرَمَ الهوى بالتَّنائي!
هل تَطِيقينَهُ؟! وقد آثَرَ
النَّأيَ حَبيبُ السَّرَّاءِ والضَّراءِ؟!
واسْتَوى عِنْدَكِ المُراؤونَ في
الحُبِّ. وما أَتْعَسَ الهوى بالرِّياءِ!
بَعْد حِين سَيَصْدِفُونَ إلى
الحُبِّ الذي لا يَلِيقُ بالشُّرَفاء!
لِلْغواني الأُلى يتاجِرْنَ بالحُبِّ
وما يَبْتَغِينَ غَيْرَ الثَّراءِ!
ولقد تَعْصفُ النَّدامةُ بالحُسْنِ
ويَلهُو بلاؤُها بالرُّواءِ!(63/304)
فاذْكُري الماضِيَ الوَضِيءَ تَوَلَّى
عن حَضيضٍ. وراكِضاً للسَّماءِ!
واذْكُري الحاضِرَ الدَّجِيِّ وما
فيه سوى كلِّ حِطَّةٍ واجْتِواءِ!
النَّسيمُ العليلُ راحَ وخلاَّكِ
لِقَفْرٍ تجِيشُ بالرَّمضاءِ..!
فأنا منه في انْتِشاءٍ وأَمَّا
أَنْتِ فلْتَنْعمي بِنُعْمى الجَفاءِ!
لَسْتُ بالشَّامِتِ الجَرِيحِ من
الدَّرْكِ. فإنِّي كالقِمَّةِ الشمَّاءِ!
قد تَركْتُ الهوى الظَّلومَ
وأَفْضَيْتُ بِقَلْبي إلى الهوى الوضَّاءِ!
تَتَسامى به النُّهى ويَسْتَشْرِفُ
الحِسُّ بأشواقِه إلى العَلْياءِ!
***
رُبَّ طُهْرٍ يَرْنُو لِحواءَ حُبّاً
ثم يَرْنُو سُخطاً إلى حوَّاءِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الحسن .. والشاعر
الحسن .. والشاعر
رقم القصيدة : 66082
-----------------------------------
رُبَّ حُسْنٍ راعَنا ثم اسْتَوى
غَدَقاً نَنْهَلُ منه ما نَشاءْ!
وإذا الحُسْنُ بدا مُقْتَرِساً
فَسَيحْني رَاْسَهُ للشُّرفاءْ!
ذلك الحُسْنُ الذي يَرْنوا إلى
نَجْدةِ الفَنِّ.. حُنُوَاً.. وعطاءْ..!
وهو يَحْبوه. وَيدْرِي أَنَّه
سوف يَجْزِيهِ خلوداً وإعلاء!
***
أيُّها الحُسْنُ لقد أَثْملَتْني
من يَفاعي. فأنا العاني الأَسيرْ!
وأنا الضَّارعُ. إن كرَّمْتَني
ما أُبالِي كيف ما كانَ المَصِيرْ!
فإذا ما رُمْتَني مُسْتَعْبَداً..
عُفْتُ مَغْناكَ. وآثَرْتُ المَسِيرْ!
فأنا المُعْطِيكَ حُسْناً وسَناً
وأنا الكاسيكَ تِبْراً وحَريرْ!
***
سوف يَبْكي الحُسْنُ. لو طال المَدَى
وسيَبْقى الفَنُّ يَلْهو بالسِّنينْ!
يَتَحدَّاها .. فما تَلْوي به
فهو في حُصْنٍ مِن الدَّهْرِ حَصِينْ!
وهو يَحْمي الحُسْنَ في ذُرْوَتِهِ
حينما يَهْوي إلى السَّفْح الحَزينْ!
كانَ يَحْبوهُ فما ضَيَّعَهُ..
بل حَباهُ الخُلْدَ في السِّفْرِ الأَمِينْ!
***
فإذا بالنَّاسِ لا يَنْسُونَه
حينما كان شِعاعاً ونَدى!
كيف يَنْسَوْنَ الذي كان شّذىً
والذي كانَ عفافاً وهًدى؟!(63/305)
فهو كالبلسم يَشفِي مُهَجاً
شّفَّها البُؤْسُ. فكان الرَّغَدا!
واسْتَوى ما بَيْنَهم يُرْضى الهوى
راشداً عَذْباً فما أَحْلى الصَّدى!
***
ولقد جَرَّبْتُ من أَطْهارِهِ
ولقد جَرَّبْتُ من أَقْذارِهِ!
فّذا الحُسْنُ وَضِيءٌ في الذُّرى
تَسْتَشِفُّ الرُّوحُ من أَسْرارهِ!
ليس يَطْوِي قَلْبَه إلاَّ على
عِفَّةٍ تُقْصيهِ عن أّوْزارِهِ!
فهو لا يَخْشى الورى أَنْ يَهْتِكوا
بِشَتِيتِ القَوْلِ عن أَسْتارهِ!
***
ما الذي يَخْشاهُ مِمَا اخْتَلَقوا
وهو حُسْنٌ زانَه عَذْبُ الرُّواءْ؟!
يَزْدَهي بالطُّهْرِ لا يَخْدِشُهُ
بَصَرٌ عَفٌ. شَغُوفٌ بالنَّقاءْ!
شّدَّ ما أَلْهَمني حُلْوَ الرُّؤى
فَتَغَنَّيْتُ بما يَرْوي الظِّماءْ!
وتَطَلَّعْتُ فأَفْضَيْتُ إلى
كَنَفٍ عالٍ بأَجْوازِ الفَضاءْ!
***
حاورَتْني فيه أَمْلاكٌ سَمَتْ
وتَلاقَيْنَا.. فَنَحْنُ الخُلَصاءْ!
ههُنا الشِّعْرُ عَرِيقٌ سَيِّدٌ
وهنا الفِتْنَةُ جَنْبَ الشُّعراءْ!
فِتْنَةٌ تَهْدي. وشِعْرٌ رائِعٌ
بِمَعانيهِ. تَجِيٌّ للسَّماءْ!
يا لها من أُلْفَةٍ مَحْبُورَةٍ..
ليس فيها غَيْرُ مَنْحٍ وعَطاءْ!
***
عِشْتُ لا أَمْلِكُ إلاَّ قَلَماً
ذَا مِدادٍ من دمٍ مُحْتَدِمِ!
وسَطَوراً سُطِّرَتْ مِن أَلَمِ
يَدْفَعُ الرُّوحَ لأَعْلا القِمَم!
وشُوراً لم يَزلْ مَضْطَرِماً
مِن يَفاعي.. راضِياً بالضَّرَمِ!
ولقد أَزْهُوا بِفِكْرٍ شامِخٍ
مُسْتَنِيرٍ.. كاشِفٍ لِلظُّلَمِ!
***
حِينَما يَزْهُو الورى إلاَّ الأُلى
عَشِقوا المَجْد بِطرْسٍ ويَراعْ!
فَهمُوا الصَّفْوَةُ لا تَرضى سِوى
بِمَتاعٍ ليس يُشَرى ويُباعْ!
فهو مَجْدٌ وحُطامٌ خالِدٌ
ليس يُغْنِيهِ ولا يُبْلى الضَّياعْ!
وأرى الدُّنْيا بِعَيْنَيْ شاعِرٍ
من سباعٍ ضارِياتٍ.. وضِباعْ!
لَسْتُ من هذَيْنِ. لكِنْ طامِعٌ
أَنْ أَرى في الحَلَكِ الرَّاجي شُعاعْ!
فَيُريني الدَّرْبَ سَمْتاً لاحِباً
أَستَوى فيه مع الحقِّ. الشُّجاعْ!(63/306)
أنا لا أَطْمَعُ إلاَّ في العُلاَ
لم يَشُبْها مِن هَوى النَّفْسِ اتِّضاع!
فأنا المُسْفِرُ لا يَحْجُبَني
كأُولي السُّوءِ. عن العَيْنِ قِناعْ!
***
إٍيهِ. يا تَوْأَمَ رُوحي إنَّني
في سِبيلِ الحَقِّ لا أَخْشى الصِّراعْ!
أَلهميني. إنّّ إلْهامَكِ لي
هو زّادِي. وهو لي نِعْمَ المتاعْ!
أَنْتِ رَوْضٌ وأنا الغَيْمَةُ في
ذُرْوَةِ الجَوِّ.. حُنُوّاً. والْتِياعْ!
نَوِّلِيني لأُجازِيكِ هَوىً..
لا يُدانيهِ هَوىً.. قبل الوداع!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> أيها الحفل الكريم
أيها الحفل الكريم
رقم القصيدة : 66083
-----------------------------------
ما أراني على البيان بقادرْ
بين أهل النُّهى وأهل المشاعرْ!
أنا ما بيْنكم حمامة تغْشى
مَجْلساً يزدهي بِشُمِّ الغضافر!
كيف يَشْدو بَيْن الصقور حمامٌ؟!
أَو يُغَنِّي مع النُّسور عصافِرْ؟!
ولقد كنتُ من صبايَ شغوفاً
بالذّرى.. مِن مَواردٍ ومصادرْ!
أقرأ الشِّعْرَ للبهاليلِ مِن مِصْرَ
حفيلاً بما يَسُرُّ الخواطرْ!
ويُمِدُّ النُّهى بِنُورٍ فيطوي
بالذي ضَمَّهُ قتامَ الدَّياجرْ!
يال روحي مِمَّا انْتَشَتْ وتغذَّتْ
منه بالعذْبِ من سَخيِّ المواطرْ!
وسمعتُ الرٍّفاق حَوْلي يقولون
وقد فُوجِئوا بِغُرِّ الجواهرْ!
إنَّ هذي الأَسفارَ تَحْفَل بالعلْم
وبالفَنِّ. والمعاني السَّواحِرْ!
ما رأينا كَمِثْلِها.. فإِلى مِصْرَ
نَحُثُّ الخُطا.. ونَبْني المعابِرْ!
وأقامُوا بِمِصْرَ حيِناً من الدَّهر
وعادوا منها بِأَغْلا الذَّخائرْ!
فَنشُدُ الرِّحالَ.. لا يَخْذَلُ الأَيْنُ
خُطانا.. ولا تَروُعُ المخاطِرُ!
في الدِّيارِ المُقدَّساتِ حَنِينٌ
لِلحجى والرُّؤى وحُلوِ المخاضِرْ!
كلُّها فيه ماثلاتٌ. فما أكْرَمَ هذا الحِمى. وهذي العناصرْ!
مِن لَيوثٍ. وما تميلُ إلى البَطْشِ وإن كانتِ الضَّواري الكواسِرْ!
وظِباءٍ تَشًمُّ مِنْهنَّ نَفْحاً
مِن عَبير النُّهى. ومَجْدِ المآثِرْ!(63/307)
جَلَّ ربِّي فههُنا غَيْرُ هذا
تَتَجلَّى مَجامِعٌ ومَنابِرْ..!
فالسِّياسيُّ واضِحٌ من مَجالِيه
فما دسَّ في الظّهورِ الخناجِرْ!
غَيْرَ نَزْرٍ من الرِّجالِ
وما ثَمَّتَ رَبْعٌ إلاَّ وفيه الغوادرْ!
وإذا كانت النوادِرَ في النَّاسِ قليلاً.. فَفيهِ كُثْرُ النَّوادرْ!
وحُمادى القَولِ الوجيز هُنا الدَّوْحُ تَراءتْ أغصانُه كالغدائِرْ!
فيه شَتَّى من الأزاهيرِ تَخْتالُ
فَتُشجي أبصارَنا والبصائِرْ!
وثِمارٍ يَحْلو جَناها. فما نَقْطُفُ
مِنْها إلاَّ الشَّهِيَّ المُخامِرْ!
يالَ هذا الحٍمى تَميَّز بالمجِدِ
بَنَتْه لُيوثُهُ والجآذِرْ!
رَبَطَتْ بَيْتَنا الأَواصِرُ حتى
صَيَّرتْنا الأخْوانَ هذى الأواصِرْ!
***
يا رِجالاً عَرَفْتُهمْ ونِساءً
تَيَّمَتْهُمْ مآثِرٌ ومَفاخِرْ!
فَتَخيَّلْتُ أَنَّني في الذُّرى الشُّمِّ
تَكَلَّلْنَ بالنُّجومِ الزَّواهِرْ!
فاعْذُروني إذا عَجَزْتُ عن القَوْلِ
فَأَنْتُم صروحه والمنائِرْ!
ولقد يَعْجَزُ البليغُ عن القَوْلِ
وتَثْنيهِ عن مُناهُ الهواصْرْ!
وإذا حَفَّتِ النَّسائِمُ بالرَّوْضِ
فهل يَرْتَضي بِحَرٌ الهواجِرْ؟!
لتَمنَّيتُه فقال وهَيْهاتَ
فحاذِرْ من الجُدٌودِ العَواثِرْ!
إنَّ بَعْضَ الأقْوالِ رِبْحٌ على النَّاسِ
وبَعْضٌ منها عليهم خَسائِرْ!
ولَشَتَّانَ ما الصغائِرُ في الوَزْنِ
وإن كابَرَتْ كَمِثْلِ الكبائِرْ!
***
فسلامٌ لكم كعَذْبِ سجاياكم
كحُلْوِ المُنى.. كطِيبِ السَّرائِرْ!
وسلامٌ على الأَوائِلِ منكم
وسلامٌ على كريم الأواخِرْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> المصباح المكسور
المصباح المكسور
رقم القصيدة : 66084
-----------------------------------
لا..
لستُ أَقْوى يا فتاتي أنْ تَحولي.. أو تَصُدِّي..
مِن بعد عُمْرٍ عِشْتُ فيه .. وعاش في الفِرْدَوْسِ وَجْدي..
قد كنْتِ فيه معي.. وما كنْتُ الأثيرَ به لِوَحْدي..
فَتَرفَّقي أو سوف تَغْترِبين في دُنْياكِ بعدي..
***(63/308)
لا..
لسْتُ أَرْضى. لا بِدَمْعي المُسْتَفِيضِ ولا بِسُهْدي..
مِن بَعْد أنْ أَصْبَحْتِ مِنِّي.. كوكبا في الجَوّ يَهْدي..
وغَدَوْتِ بَيْن الغِيد سِحْراً في طَيالِسِهِ. وفتنةَ مُسْتَبِدِّ..
وغَدَوْنَ هن.. على طلاوتهن عيشاً غير رَغْدِ..
***
لا..
لسْتُ أَقْوى بعد تضحيتي وإيثاري وشَجْوي..
أَنْ تَحْتَفي بعدي بِنِسْناسٍ. وأَنْ تَرْضَيْ بِجرْوِ..
وأنا الذي أختْالُ ما بَيْنَ النُّجومِ بِمَحْتدِي وبِحُلْو شَدْوي..
هل صِرْتِ سِلْعةً مُشْتَرِينَ بِلُؤلُؤٍ رُطْبٍ وفَرْوِ؟..
***
لا..
لَسْتِ أَنْتِ من اشْتَهيْتُ وصالَها تلْكَ الطَّهُورْ..
أنا لَسْتُ أهْوى غَيْرَ مُحْصَنَةٍ. بِعفَّتِها فَخُورْ..
حَسْبي بِذلك مِن جَمالٍ تزدهي منه السُّتُورْ..
شَتَّانَ ما بَيْن النَّسِيمِ. وبَيْن عاصِفةٍ دَبُورْ..
***
لا..
إنَّني الشِّعْرُ المُرَفْرِفُ بَيْن هاماتِ الكواكبْ..
لن أَرْتَضِي الحُبَّ المُدنَّسَ. تَستَحي منه المناقِبْ..
لا تَرْتَجِي الرُّجْعى. فإنَّ شمائِلي تَأَبى المثالِبْ..
نَأْبى الغَوانِيَ راقصاتٍ فوق أَشْلاءِ المناكبْ..
***
لا..
فَتّذكَّري كم كُنْتِ تُغْريني بِعاريةِ المفاتنِ واللُّحون.
ولَكمْ عَفَفْتُ. وكم عَزَفْتُ بِرَغْمِ ملتهب الشُّجُونُ.
فَأَراكِ غاضِبَةً تدمدم. لا تكف عن الجُنُونُ..
كَلاَّ. أنا في هَوايَ أضِيقُ ضّرْعاً بالمُجونْ..
***
لا..
إنَّني أَجِدُ الهوى المَسْعُورَ هاوِيةً يخيف ضِرامُها..
فَتَرُوغُ عنه إلى الهوى الحاني على.. حَشاشَتي وأُوامُها..
ظَمْأى إلى الرِّيِّ الطَّهورِ. فما يجور ولا يحيف غَرامُها..
تَشْدو وتَشْغَفُ بالسَّلامِ. ولا تَطِيشُ سهامُها..
***
لا..
فاسْمَعِيني. واهْجُريني. إنَ هَجْرَكِ لا تَضِيقُ بهِ الضُّلوعْ..
أنا.. إنْ أَرَدْتِ الحَقَّ هاجِرُكِ العَزُوفُ عن الخُضُوعْ..
لا أَنْتِ.. كلاَّ فاذْكُري تلك الضَّراعةَ والدُّموعْ(63/309)
لا. لسْتُ بالرَّجُلِ الجَزُوعِ من الذُّيوعِ. ولا الهَلُوعْ..
***
لا..
وإذا الوَداعُ أخاف مَشْغُوفاً. فإِنِّي لا أخافُ مِن الوَداعْ..
فلقد نَبَذْتُ هواكِ إذْ كَشَفَ الهوى عَنْكِ القِناعْ..
فإِذا بِكِ الولهى.. بِلا حَرَج.. بمَوْفُورِ المَتاعْ..
وإذا أنا السَّالي عن اللَّيْلِ البَهِيميِ بِلا شعاعْ
***
لا..
فاسْتَمْتِعي بِهواكِ ما بَيْنَ الزَّعانِفِ والنَّدامى..
مَرحىً لهم ولَكِ التَّبِذُّلُ. فارفعوا عنه اللِّثاما..
أنا مُنْتَشٍ في الرَّوْضٍ ما بين البَلابِلِ والجَداوِلِ والخُزامى..
ولقد عَلَوْتُ به فجاوزت السَّحائِبَ والغماما
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> صبوة الشيخ
صبوة الشيخ
رقم القصيدة : 66085
-----------------------------------
ما أراني من بعد ما شِخْتُ إلاَّ
طَلَلاً بالِياً جَفَتْهُ العُيُونُ!
كان رَوْضاً تَرْعى الحسانُ مَجالِيه
شّذِيّاً تَرِفُّ فيه الغُصُونُ!
صَوَّحَتْهُ الأَيَّامُ. واستشرت الرِّيحُ عليه. فَراحَ عنه الفُتُونُ!
وأراني أشِيحُ عن رُؤُيَةِ الغِيدِ
وقد كانَ لي بِهنَّ جُنُونُ!
يال حُزْني على الصِّبا ومغانيه
فقد أجْهَزَتْ عليه السِّنونُ!
ولقد قالتِ الصبايا. وقد كُنَّ بِمَنْاىً عنِّي.. عَدَتْه المَنُونُ!
كانَ فينا الوَرِيقَ.. هل صَوَّحَ
الرَّوضُ. وقد عَطْعَطَتْ عليه الحُزُونُ؟!
ولَئِنْ كانَ فهو ماضٍ وَضِيءٌ
فيه راياتُهُ. وفيه الحُصونُ!
لا نطيق العُزُوفَ عنه ولو شاخَ
فإن العِقْدَ الثَّمِينَ. ثَمِينُ!
لن يَهُونَ الكريم فينا.. ولن نَجْحَدَ
كَلاَّ. فهو السَّريُّ المَصُونُ!
وتَنادَيْنَ فانْتَهَيْنَ إلى النَّجْوى
وفيها مِنِّي الهوى والشُّجُونُ!
وإذا بي أرى ويا طيبَ مَرْآيَ
لِمَغْنىً تَرِفُّ فيه اللُّحونُ!
من نَشِيدٍ ومن غُناءِ شَجِيٍّ
فأنا مِنْهم الغَوِيُّ الرَّصِينُ!
***
أَيُهذا الفاني العَجوزُ تحامَقْتَ
فما أنْتَ بالغَرامِ قَمِينُ!(63/310)
لم تَعُدْ بالهِزَبْرِ. فالغاب أَهْوى
بعد كان َ عامراً.. والعَرينُ!
هذه صَبْوةٌ تُرَدِّيكَ لِلْقاعِ
فأنت المُصَفَّدُ المسجونُ!
ماجِنٌ أًنْتَ إنْ صَبَوتَ. وقد
يَسْخَرُ منكَ الهوى. ويَلْهُو المُجونُ!
***
وَيْ كأَنِّي بين الأنامِ غَرِيبٌ
ليس لي بَيْنَهُمْ فْؤادٌ حَنونً!
قلتُ للدَّهْرِ وهو يُسْرعُ في الخطو
تمادّيْتَ أيّهذا الطَّحُون
راعَني ما لَقِيتُه من سِنيني
فكأَنَّ السِّنين! مِنْكَ قرونَ!
وكأَنِّي مَجَلَّلٌ بالسَّمادِيرِ
يَقيني أجَلُّ منه الظُّنُونُ!
قِيلَ عَنِّي أنٍّي بما كانَ
فَوَيْلي إذْنْ بما سَيَكُونُ!
أيكُونُ الجُنونُ؟! كلاَّ فإِنِّي
عَبْشَمِيٌّ يَرْتاعُ منه الجُنُونُ؟!
***
وبدا لي الصَّوابُ فانْصَعْتُ
إليه.. بعد الضَّلالِ المُبِينِ!
كنْتُ في غَفْلةٍ نسِيتُ بها
الشَّيْبَ فأفْلَتُّ مِن عذابٍ مَهِينِ!
كيف يَرْضَيْنَ بالثَّعالِبِ يَزْحَفْنَ
ويَنْأَيْنَ عن ليوثِ العَرِينٍ!
رُبَّما جِئْتُهُنَّ يَوْماً فَقَهْقَهْنَ
وأرجعنني بِقَلْبٍ حَزِينِ!
ولقد يَرْتَجي العجوز بمَجْدٍ
وحُطامٍ نَوال حُسْنٍ مَشِينِ!
لَسْتُ هذا أنا. فإِنَّ شبابي
فاز بالحُسْنِ خاضِعاً. والحَنِينِ!
لم أَكُنْ بالرهين يَوْماً فَعِنْدي
من سَراةِ الحِسان ألفُ رَهينِ!
حَسَدُوني الرِّفاقُ.. حتى لقد كِدْتُ
غرُوراً.. أَقُولُ. أَيْنَ قَرِيني؟!
آهِ من هذه الحياة فَكَمْ مَنَّتْ
وضّنَّتْ.. بِشَدْوِها والأَنِينِ!
كم سقَتَنْي الأُجاج صَبَاحاً
فَتَجرَّعْتُه مَشُوباً بطين!
ثُمَّ جاء المساءُ مِنها بما لم
أَتخَيَّلْهُ مِن زُلالٍ مَعِينِ!
لَسْتُ وَحْدِي. وما أَلُومُ
فقد عِشْتُ سعيداً بِشَكّها واليَقِينِ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> ارتفاع .. وانحدار
ارتفاع .. وانحدار
رقم القصيدة : 66086
-----------------------------------
أمَّا أنا. فقد انْتَهَيْتُ
وما أُؤَمِّلُ في الرُّجوعْ!
فلقد سَئِمْتُ من النَّزُولِ(63/311)
كما سَئِمْتُ من الطُّلوعْ!
ولقد سَئِمْتُ من الظَّلامِ
كما سَئِمْتُ من السُّطُوعْ!
حتى الحياة سَئِمْتُها
وسَئِمْتُ من حُلْوِ الرُّبُوعْ!
الخَوْفُ من هَوْلِ المصِيرِ
يَدِبُّ ما بَيْنَ الضُّلُوعْ!
لا لِلأُصُولِ أحِنُّ من سئمي
الكئيبِ. ولا الفُروعُ!
أطْفِىءْ شُموعَكَ إنَّني
أَطْفَأْت يا زَمَني الشُّمُوعْ!
جاءَ الحَبيبُ فَقُلْتُ يا جُنَّي
لقد ماتَ الوَلُوعْ!
فأنا العَيُوفُ من الهوى
ومن الفُتُونِ. أنا القَنُوعْ!
فإذا رأيْتُ الفاتِناتِ
فلا أَنِينَ. ولا دُمُوعْ!
وأَشْحْتُ عن دُنْيا الغَرامِ
فلَنْ تَرَى مِنَّي الخُضُوعْ!
فَقَدِ احْتَمَيْتُ من السِّهامِ
المرهفات بما اقْتَنيْتُ من الدُّروعْ!
***
لَمَّا رأَتِني قد أَشَحْتُ
توهَّمَتْ أَنِّي الكَذُوبُ!
هذا المُشِيحُ أّلأَمْ يكُنْ
بالأَمْسِ تُثْخِنُهُ النُّدوبْ؟!
أَوَ لمْ يكُنْ يجري وراء
الغانياتِ ولا يُنَهْنِهُهُ اللُّغوبُ؟!
ويَظَلُّ يَجْري. لا يكُفُّ عن
المخازي المُوبِقاتِ. ولا يَثُوبُ؟!
قد كنْتُ أصْفَعُهُ بإِعْراضي. فَيَرْ
ضى بالهوانِ. ولا يَطيبُ له الهُروبُ!
ماذا اعْتَراهُ؟! وكانَ شَيْطاناً
تروق له المباذِلُ والعُيُوبُ؟!
لا. لَيسَ يَخْدعُني تَبَتُّلُهُ
وهل تَلِدُ التَّبَتُّلَ والتَّرانِيمُ. الذُّنُوبُ؟!
ذِئْبٌ تَزَمَّلَ ثَوْبَ أَطْلَسَ
تَسْتَطِيلُ به المخالِبُ والنُّيوُبُ!
هَلْ تابَ عن ماضِيهِ؟! كلاَّ
فالمُتَيَّمُ بالخطايا لا يَتُوبْ؟!
قَهقَهْتَ حِينَ أرادَ وَثْباً لم
يُطِقْهُ وَنىً. وأعياه الوثوبُ؟!
أَيكُونُ من عَجْزٍ تنكَّرَ
واسْتَبانَ كزاهِدٍ. وهو اللَّعُوبَ!
ما عادَ تَفْتِنُه الرِّياضُ
وعادَ تَفْتِنُه المفاوِزُ والسُّهوبُ!
***
أَأَنا الكذُوبُ؟! أنا المرائي؟!
أمْ هي المِغْناجُ سكْرى؟!
سَكْرى من الحُسْنِ المُمَرَّغُ في
الرغام. وما ترى في ذاك خُسْرا!
وتَراهُ رِبْحاً تَسْتَقِيم به حياةً
لا ترى في الطُّهْرِ فَخْرا..!(63/312)
أجَرِيحةَ الحُسْنِ المَضَرَّج
لسْتُ أَهْوى الحُسْنَ عُهْرا!
الحُسْنُ إنْ لم يَسْتَعِزَّ
فإِنَّه بالقَبْرِ أَحْرى!
وأنا الذي طَلَّقتُ أيام الصَّـ
بابةِ واقْتًنَيْتُ الحُبَّ سِفْرا!
صَدَّقْتِ. أَم كذَّبْتِ ما
أبْدَيْتُهُ.. سِرّاً وجَهْرا!
فَهُناكَ سِرْبٌ من لِداتِكِ
قد طَعِمْنَ به الأَمَرَّا!
ظَنُّوا كَمِثْلِكِ ويْلَهُنَّ
بأنَّني أَمْسَيْتُ صِفْرا!
أهْلاً بما قالوا. وقُلْتِ
وقد يكُونُ القَوْلُ هُجْرا!
ما قُلْتُهُ يَوْماً فقد أَرْخَيْـ
تُ دون الهَجْرِ سِتْرا!
فِكْري وقَلْبي هَنَّآني
أَنْ غَدَوْتُ اليَوْم حُرَّا!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> ما كان أشقاه
ما كان أشقاه
رقم القصيدة : 66087
-----------------------------------
يال قُيودي من قُيودٍ ثِقالْ
أَرْسُفُ منها في لُغُوبٍ شديدْ!
كأَنَّني أَحْمِلُ منها الجِبالْ
ولَيْسَ لي عن حَمْلِها مِن مَحِيدْ..!
***
كأَنَّني أَحْمِلُ منها الرِّثاءْ
لعالَمٍ يَشْقى بما يَصْنَعُ..!
ما كانَ أَحْرَاهُ بِصُنْعِ الهَناءْ
فالرَّوْضُ لا يَفْضُلُه البَلْقعُ..!
***
قُلتُ لِنَفْسي وهي تّذْرِي الدُّمُوعْ
وما تَرى في جَنبِها مِن رَفِيقْ..!
تَبَصَّري في كلِّ هذي الرُّبوعْ
أَثَمَّ فيها غَيْرُ هذا الطَّريقْ؟!
***
هذا الطَّريقُ الوعر ما يَسْتَوِي
عليه.. رَغْمَ الدّجْنِ يَلْوي المَسِيرْ!
إلاَّ الذي غامَرَ ما يَنْتَوِي
إلاَّ التَّسامي. وشُموخَ المَصِيرْ!
***
ما أَرْهَبَ الدَّرْبَ على أنَّه
درب-وإنْ أَظْلَمَ- دَرْبٌ قَوِيمْ!
مَشى به قَوْمٌ فَأَلْفَيْنَهُ
يُفْضي -وإنْ أَضْنى- بهم للنَّعِيمْ!
***
سَلَكْتُهُ والنَّاسُ حَوْلي تَرى
أنِّي عَمِيٌّ.. وهُمُ المُبْصِرون!
يا لَيْتَني أَرْقى لِشُمِّ الذُّرى
به.. ولّوْ كانَ شَمُوساً حَرُون!
***
أُحِسُّ في غَوْرِ ضَمِيري هَوىً
إلى نَقاءٍ من ضروب السَّوادْ!
كانتْ رُكاماً من أَثامٍ ثَوى(63/313)
به. فأشْقَتْني وخِفْتُ المَعادْ!
***
قامَ صِراعٌ بَيْنَنا عاصِفٌ
ما بَيْن نَصْرٍ وانْهِزام مُخِيفْ!
أَنا به مُنْطَلِقٌ.. راسِفٌ
وَطِربٌ حِيناً. وحِيناً أسيفْ!
***
وقُلْتُ. هل أَغْدو بهذا الصِّراعْ
شلْواً.. وإلاَ فأَنا الظَّافِرُ!
هذا مَصِيري.. وَيْلَ صَرْعى النَِزاعْ
من حُفْرَةٍ يَثْوِي بها الخاسِرُ!
***
وقُلْتُ.. يا رُبَّتَما خاسِرٍ..
.. أَحْظَى من الرَّابِحِ في بَعْضِ حينْ!
إنْ كان لا يَيْأَس من حاضِرٍ
يَنالُ منه الرِّبْحَ. رِبْحَ اليَقينْ!
***
فَرُبَّ رِبْحٍ كان فيه الطَّوى
لِلرُّوح. والتخمَةُ للهَيْكَلِ
ومَا أَرَى فِيه لِمثْلِي اعتلاءْ
.. بَلَ إنّه المُفْضِي إلى الأَسْفَلِ
فَلَيْس رِبْحُ الأرْضِ مِثْلَ السَّماءْ
وليْسَتِ البُومةُ كالأَجْدَلِ!
***
مَنْ أنا يا نَفْسي. لقد هالني
مما أُقاسِيهِ شُواظُ اللَّهيبُ!
لَشَدَّ ما يَقْسُو الذي نالَني
من حَيْرةٍ تَدْفَعُني لِلْقَلِيبْ!
***
فهل أَنا وَحْدِي الَّذي أَنْتَهي
دُونَ سِوائِي لِلْعماءِ الرَّهِيبْ؟!
أَعْرِفُ ما يَنْفَعُ.. ما أَشْنَهِي
وأَنْثَنِي عنه إلى ما يُرِيبْ!
***
يالَ قضاءِ القادِرِ العاجزِ
مِن يَوْمِهِ.. من غّدِهِ المُلْتَوى!
فَليْس بالرِّاضي ولا النَّاشِز
وليس إلا الواهِمَ المُكْتَوى!
***
هل ثمَّ في الدُّنيا كهذا الجوى
يُذِيبُ مَن لم يحْتَفِلْ بالهوى؟!
ما ذاقَه لُقْيا.. وذاقَ النَّوى
فما اهْتَدى يَوْماً.. ولكنْ غوى!
***
أَحْسَبُني لُغْزاً فما يَهْتَدي
لِحَلِّه بَرُّ ولا فاجِرُ.. ..!
أَوَّلُه يَسْدُرُ في غَيْهَبٍ
وما لَهُ في مَشْمِسٍ آخِرُ..!
***
فهل له في مُلْهِمٍ يَسْتَوِي
بِفِكْرِهِ فَوْقَ مَسارِ النُّجومْ؟!
يَشْفِي الفُؤادَ اللاغب المُنطوِي
على كُلُومٍ فَتَّحَتْها السُّمومْ!
***
لو أَنّني أَلْقاهُ أَعْطَيْتُهُ..
.. نَصْفَ حَياتي. وهو شِعْرٌ هَزِيلْ!
وإنْ أَبى الصَّفْقَة أَغْرَيْنُه
بها جميعاً. فهي حَمْلٌ ثَقِيلٌ!(63/314)
***
رُبَّ حياةٍ أصْبَحَتْ نِقْمَةً
على الذي عانى بها شِقوَتَيْنْ!
عانى بها نَبْذَ الهوى مَرَّةً
والغَيِّ أُخْرى فَهوى مَرَّتَيْنْ!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> كنت .. فصرت
كنت .. فصرت
رقم القصيدة : 66088
-----------------------------------
سَرْمَدِيَّ الظلامِ قد شفَّني السُّهْدُ.. أما للظَّلامٍ هذا انْقِشاعُ؟!
أنا منه في غَمْرةٍ عزَّني الرُّشْدُ بِبأُسائِها .. وعزَّ الصِّراعُ!
وَيكأنِّي في مَرْكَبٍ تزْأَرُ الرِّيحُ بأَرْجائهِ.. ويَهْوى الشِّراعُ!
وكأَنِّي أَغوصُ في اليَمِّ.. لا البأْسُ وَلِيِّي.. ولا وَلِيِّ الخِداعُ!
***
سَرْمَدِيَّ الظَّلامِ هذي لياليكَ
تُدَجِّي عَقْلي. وتُظْلِمُ حسِّي!
صِرْتُ لا آلفُ الرِّفاقَ.. وقد كانُوا كِراماً.. ولَسْتُ آلفُ نَفْسي!
ما الذي فِيَّ غَيْرُ ما في الأناسِيِّ
فأغدو في مأْتَمٍ يَوْمَ عِرْسي؟!
هِمْتُ بالطِّرْسِ واليراعِ
فما عاد يراعي الهوى. ولا عادَ طِرْسي!
***
سَرْمَدِيَّ الظَّلامِ ما عادَ مائي
النَّميرُ.. النَّميرُ يَرْوِي أُوامي!
ليسَ يَرْوِي الأُوامَ هذا سوى الحُبِّ.. وقد عاد ثاوياً في الرِّغام!
كيف يَرْوِي الرُّفاتُ قَلْباً شّجِيَّا
كان ثم اجْتَوى شُجونَ الغَرامَ؟
واجْتَوى الحُسْنَ بعد ما كانَ صَبّاً
بِنَسيمِ الغرامِ أو بالضَّرام!
***
سَرْمَدِيَّ الظَّلامٍ.. إنِّي غَرِيبٌ
بين أُهْلي. ومَرْبَعي ورِفاقي!
قد شَرِبْتُ الكأَسَ الدِّهاقَ من المُرِّ.. فهل بعد شُرْبها من دِهاقِ؟!
ولقد كان لي عرائِسُ أمْشاجٌ.. حِسانٌ.. فَراعَهُنَّ طَلاقي..!
هل خَسِرْتُ السِّباق.. أم فُزْتُ بالسّبْقِ.. كِلا اثِنَيْهِما ابْتُلي بالمِحاقِ؟!
***
لم أَعُدْ أَشْتَهي. وهل يَشْتَهي الصَّخْرُ؟! وكلاَّ فَمْرْحَباً بالفَناءِ..!
فلعلي أَرى حياةً نقيضاً
لِحياتي هذي الَّتي كالهباءِ..!
فأرُودُ الفضاءَ أَرْنو إلى الشُّهْبِ
وأشدو بِنُورِها الوضَّاءِ..!(63/315)
وهي تَرْنو إليَّ غَيْرَ مُسيئاتٍ. فأنْسى بِهِنَّ دُنْيا الشَّقاءِ!
***
سَرْمَدِيَّ الظَّلام لو كنْتَ تَدْري
بسُهادي لَكُنْتَ أَحْنى ضَمِيرا!
ولَنَوَّلْتَني القَليلَ من النَّوْمِ.. من الأُنْسِ.. كيْ أَعُودَ بصيرا!
كُنْتُ فيك الضرِيرَ يعْثُرُ في الحَظْو
ويَخْشى من المسير المَصيرا!
وارْتَضَيْتُ المسِيرَ رَغْمي. وهل يَمْلِكُ مِثْلي إلا جَناحاً كَسِيرا؟!
***
سَرْمَدِيَّ الظَّلام. مُنْذُ يفاعي
كنْتُ أَرْنُو إلى المَصَير هَلُوعا!
كانَ أَهْلي يَرَوْنَ حُزْني وما أَعْجَبَ حُزْناً يَقُدُّ مِنّي الضُّلوعا!
عَجِبوا منه واسْترابُوا وقالوا
لِم تُذْرِي يا طِفْلُ هذى الدُّموعا؟!
قُلْتُ مُسْتَضْحِكاً.. رأيْتُ مَناماً
مُفْزِعاً.. فاسْتَفَقْتُ منه جَزُوعا!
***
هكذا كنْت. واسْتَحَالَ يَفاعي
لِشبابِ تَحْلُو به النَّزَواتُ!
ورأَيْتُ الرِّفاقَ صَرْعى من النَّشْوةِ.. تَسْطُو عَلَيْهِمُ الشَّهواتُ!
لا يَفيقُونَ مَن غَرامٍ وسُكْرٍ في دِياجيرَ.. ما لَها مِشْكاةُ..!
ولقد كنْتُ مِثْلَهُمْ فَتَهاوَيْتُ إلى الدَّرْكِ مَهِيْضاً وغاضَ مِنِّي الفُراتُ!
***
سَرْمَدِيَّ الظَّلامِ هذي حياتي
صَفَحاتٌ مُسْوَدَّةٌ لا تَشُوقُ!
سادَ فيها الغُرُوبُ فاللَّيْلُ أَهْدى.. مِن نَهارٍ. وارْتَدَّ عَنْها الشُّروقُ!
فَهِيَ تَهْفُو إلى الضَّلالِ.. وما يَعْرِفُ مِنْها إلا التٍّرَدِّي.. السُّموقُ!
كيف عاف البُرْدَ السَّلِيمَ شَقِيٌ
فَتَعرَّى.. وتَيَّمَتْهُ الخروق؟!
***
يا إلهي. إنِّي أُحِسُّ دَبِيباً
بين جَنْبَيَّ.. هامِساً لضميري!
آنَ لِلنَّفْسِ أنْ تَفِيءَ إلى الرُّشْدِ. وأنْ تَتَّقِي عّذابَ السّعير!
فَتَباشَرْتُ بالهدايةِ والتَّوْبِ.. وما عُدْتُ بالغوِي الغرِيرِ!
أَنْتَ . أَنْتَ الذي يَمُنُّ فيَرْقى
لِلذُّرى الشُّمِّ من ثَوى بالحفير!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> الضمير
الضمير
رقم القصيدة : 66089(63/316)
-----------------------------------
سأدْخُلُ ذلك البَرْزَخ
ما أَدْرى الذي أَلْقى؟!
أَأَلْقى العُنْفَ يُدْميني؟!
أمْ ألْقى به الرِّفْقا؟!
وأّبْقى الجَنَّةَ الفَيْحاءَ
أَمْ أَلْقى به الحَرْقا؟!
عسى الرَّحْمنُ أنْ يُسْعِدَ
ضَرَّائي فما أَشْقى!
***
عَساهُ فإنَّني المَوْتُورُ
من شَيْطانِه الجاني!
أحاوِلُ تَوْبَةً عَصْماءَ
تنقذ رُوحِيَ العاني!
فَيُغْريني بما يَخْلبُ
ما يُثْمِلُ وُجْداني!
فلا أَمْلِكُ أَفْراحي
ولا أْمْلِكُ أَحْزاني!
متى أَسْلُكُ دَرْبَ الرَُشْدِ
ما أُصْغِي لِشَيْطاني؟!
***
لقد أَوْغَلْتُ في شَيْخُوخَةِ المُسْتَهتِرِ الظَّامي!
فما أَرْوى من الآثامِ
ما أسْلُو عن الجامِ!
لَبئْسَ الشَّيْبُ يُسْلِمُني
لما يُغْضِبُ إِسْلامي!
متى أَرْجِعُ عن غيِّي؟!
متى يا قَلْبيَ الدامي؟!
***
وقال القلْبُ وهو يَضِجُّ
لِلْعَقْلِ الذي سَكِرا؟
لماذا لم تُنِرْ دَرْبي؟!
ولم تَحْفَلْ بما انْكَسَرا؟!
فلو نبَّهْتَني ما كنْتُ أَرْكبُ مَرْكبي الخَطِرا؟!
ولاسْتَيْقَظْتُ.. واسْتَنْكَرْتُ كَيْما أَتَّقي الضَّررّا
فأنت اللَّعْنَةُ الكُبْرى
وأنْتَ بِشِقْوتي أَحْرى!
***
وكان العَقْلُ ذا زَهْو
وذا مَكْرِ.. فما احْتَفَلا!
ولا أَرْبكَهُ القَوْلُ
من القَلْبِ الذي اخْتبلا!
فقال له. لقد زَلْزَلْتَ قَصْراً.. فاغْتَدى طَلَلا!
وقد حاوَلْتُ.. لكِنْ كنْتَ تَهْوى الإِثْمَ والزَّلَلا!
***
وكنْتَ تَظُنُّني الحاسِدَ
لا يَرْضى لَك الأُنْسا!
فرحْتَ تَعُبُّ في اللَّذَّاتِ عَبَّا يُهْدِرُ البأْسا!
وما كانَتْ سوى الفْأْسِ
الذي يَخْتَرمُ الرَّأْسا!
لقد كانَ اليَقينُ التَّمُّ
في عين الهَوى حَدْسا!
***
فماذا يَصْنَعْ العَقْلُ
إذا الحِسُّ اجْتَوى العَقْلا؟!
إذا ناصَبَهُ العُدْوانَ
واسْتَكْبَرَ واسْتَعْلى؟!
وآثَرَ أن يكُونَ الفَضْلُ.. يَسْتَجْدي المُنى.. الجَهْلا؟!
أَلَمْ تَقْطَعْ.. وقد حاوَلْتُ أن أُنْقِذَكَ.. الحَبْلا؟!
***(63/317)
كان هناك مَنْ يَسْمَعْ ما قالاهُ.. فانْتَفَضَا..!
لقد كان الضَّمِيرَ الحُرَّ
وهو النَّجْمُ إنْ وَمَضا!
وقال كِلاكُما في الغِشِّ والبهتانُ.. قد رَكَضا!
فلا الحُسْنُ الذي تابَ
ولا العَقْلُ الذي رَفَضا!
***
فأمَّا الحِسُّ. فالهائِمُ في أجْواءِ شَيْطانِ!
حَليفُ الدَّنَّ بيْن الغِيدِ
بِئْسَ الخانِعُ الجاني!
فما تَلْقاه إلاَّ الذّاهِلَ المَخْمورُ.. إلاَّ المُوجَعُ العاني!
فما هو غَيْر شِلْوِ الإِثْمِ
وَحْشاً غَيْرَ إنْسانِ!
***
وأمَّا العَقْلُ .. ما أَحْراهُ بالخِزْيِ لِما اقْتَرَفا!
لِما مَانَ.. وما خانَ.. وما غَشَّ. ولا اعْترفا!
هو الُّلؤلُؤُ.. قد كانَ.. فعاد بِزَيْفِه صَدَفا!
أَرى في اثْنَيْهِما جُرْحاً
سَيُشْقينا إذا نَزَفا!
***
فما أحْلا الضَّميرَ الحُرَّ
ما أغْلاهُ.. ما أَسْمى!
ألا لَيْتِي أعِيشُ به
فما أَسْغَبُ أَوْ أَظْما!
ألا لا يَسْتَوي المُبْصِرُ بين الناس. والأَعْمى!
هو النُّعْمى فَهَبْنيهِ.. إلهي.. وهو الرُّحْمى!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد حسن فقي >> انحراف .. وانعطاف
انحراف .. وانعطاف
رقم القصيدة : 66090
-----------------------------------
يا هذه أَوَّاهِ لو تكْشِفينْ
عن قَلْبيَ الصادي!
لكُنْتِ عن أجوائه تَهْرُبينْ
من صُفْرةِ الجادي!
عَدَتْ عليه عاديات السِّنينْ
من كلِّ مِرْصادِ..!
يُخْفى الجوى الكاوِي. ويخفى الأنينْ عن الورى الرَّائحِ والغادي!
***
فسائليه علَّه يَسْتَجِبْ
وعاتِبيه علَّه يَسْتَبِينْ!
وعلَّه بعد الجفا يستطيب
رَجْعَةَ ماضِيهِ. ونَجْوى الحَنينْ!
وَيْحَ الهوى. وَيْحَ الفُؤادِ الحريبْ
من وحْشَةِ الهجر. ونأُي القرينْ!
هما بلاءٌ. ما له من طبيبْ
وكيف للطِّبِّ بقطع الوتينْ!
***
وساءلْتهُ فاسْتوى واجماً
كمُسْتفيق بعد طُولِ السُّهادْ!
أو كجريحِ لم يَزَلْ نازِفاً..
من سهْمهِ الغاَئِصِ وسْطَ الفُؤادْ!
فمن رآهُ ظَنَّه خائِفاً ..(63/318)
من سطوَة الهجْرِ وظُلْم البِعادْ!
ظَنَّ الصِّبا يا وَيْحَه عاصفا..
لِطُولِ ما عانى. وسوء الحصادْ!
***
قالت له. يا أنْتَ يا هاجِري
وهو يَظُنُّ منِّي. افْتِئاتْ!
كيف تريَبْتَ بلا زاجِر..
بمن سقَتْ حُبَّك عّذْبِ الفُراتْ؟!
كيف؟! وما طَرْفُك بالسَاهرِ؟!
في حِينِ طَرْفي يتَمَنى السُّباتْ؟!
في حيِنِ قلبي لم يَزَلْ قاهري
على هَوىً عِنْدكَ أَمْسى رُفاتْ؟!
***
لا تَنْسَ يا هذا فأنت ارْتَويْتْ من مَنْهَلي العذْبَ. ولم تِشْكُرِ!
أمَّا أنا الظّمآى فإِنِِّي اكتَوَيْتُ
وأنْتَ لم تُحفَلْ. ولم تَشْعُرِ!
ظَمْآى.. فما الوَهْمُ بأنِّي اجْتَوَيْتُ؟! من قَلْبِكَ النَّاهِلِ من كوْثَري؟!
يا لَيْتَني أَشْعُرُ أنِّي انْتَهَيْتْ
من صَبْوتي هذي. ولم أَسْكَرِ..!
***
قال. وقد أَذْهَلَه قَوْلُها.
والآهُ. والدَّمْعُ. وطَيْفُ الحَنينْ!
يالَ فَتاةٍ.. راعَني عَذْلُها..
الصّادِقُ. الصّادِقُ. يُخْزي الظّنينْ!
أَدْمى ضميري عاتِياً نُبْلُها..
وأَظْلَمَ اللَّيْلُ على المُسْتَهِينْ!
ما كنت أَدْرِي أَنَّني ظالِمٌ..
لها. وأنِّي كنت بِئْسَ الخدينْ!
***
وقال يا هِنْدُ. أيا صَبْوتي..
قد كنْتُ أَعْمى سادِراً في ضلالْ!
يا ليْتَني لم أَقْتَرِفْ شِقْوتي
ولم أعِشْ مُكْتَئِباً في خبال!
أَوَّاهِ كَفِّي نَسَجَتْ كُرْبتي
وصَيَّرتْني نادِماً في اعْتِلالْ!
يا ليَْتَها تُطْفِىء من وَقْدَتي
فأسْتَوِي بعد اللَّظى في ظِلالْ!
***
وأَطْرَقَتْ هِنْدٌ. وقد زَلْزَلَتْ
ذِلَّتُه من قلبها المُسْتَهامْ!
كانت له نَعْماءَ فاسْتَهْولَتْ
شِقْوَتَه. وهو الهوى والمرامْ!
فَسالَ منها دمْعُها واشْتَكَتْ
بآهةٍ حَرَّى.. دفينَ الغَرامْ!
قالت له. أَنْتَ الذي ما اشْتَهَتْ
نَفْسي سواه. فعليكَ السّلامْ!
***
وانْطَلَقَا بَعْد طويلِ النَّوى
طَيْرَيْنِ في جَوِّ الفضاء الرّحيبْ!
بعد اعتكار راقَ صَفْوُ الهوى
وراقتِ البَسْمَةُ بعد النَّحيبْ!(63/319)
ما أَعْذَبَ الألْفَةَ بعد الجوى
والنَّسْمةَ الحُلْوةَ بعد اللَّهيبْ!
قد شّبْعَ السَّاغِبُ بعد الطوَّى
وسكَنَ الخافِقُ بعد الوجِيبْ!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> أرقص حافياً : مدخل
أرقص حافياً : مدخل
رقم القصيدة : 66091
-----------------------------------
ما يجب المطالبة به
هو قوة الإدراك
الأكثر حدة
لعالم يحاصرنا
يمتص حيويتنا
هذا السلاح الوحيد
الذي يمكن أن يعتمده
رجال- جرِّدوا- من كل شيء
الشعر يتّحد في الحياة من جديد
الشعر يستطيع أن يصل من جديد
وبهذا الحد
بهذا الوضوح الرّفْضي وهذه اللهجة القاطعة
المسلك الشعري حان له
أن يبقى تأملياً
ألان جوفروا
---------
فرنسا: 1960
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> المتمرد
المتمرد
رقم القصيدة : 66092
-----------------------------------
أيها السيدات والسادة
في كل بلد أزوره- في هذا الوطن الكبير
يستقبلني شعراء يحملون تراخيص محليه
ونقاد جواسيس على خلايا الذاكرة الجديدة
لابد للمرء أن يعرف الكثير عن هؤلاء
لكي ينجو من الفخاخ المنصوبة بطول المسافة
لقد وقع الشعراء والمبدعون
في ظلمات السجون وستقع البقية
انتحر البعض- ببطء
قتل البعض- بحدة وفظاظة
سقط آخرون في آبار الخديعة
النظامون والوارقون- وحدهم
يتصدّرون الواجهات الهشة
* * *
أيها السادة والسيدات
في كل بلد- من الوطن
يوجد شعراء ممنوعون من الخروج
وآخرون- ممنوعون من الدخول
كل هذا من أجل شيء بسيط جداً
ومخيف جداً
من أجل الحرية!
* * *
أيها السادة والسيدات
عندما بلغت الخمسين من عمري
أدركت فجأة أنني لم أكن متمرداً كما يجب
المتمرد الحقيقي
لا يعيش نصف قرن
في وطن الهزائم والخديعة والقبح والقهر
إنها أعجوبة حقاً
أن أعيش حتى الآن!
-------
1985
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> بلقيس والجسد
بلقيس والجسد
رقم القصيدة : 66093
-----------------------------------
جسدي كان المسيح(63/320)
وانحناءاتي طلاء يخدع الطاغوت-
لابد من العُرى- إذا اشْتدَّ من قهر جموح
وطني امرأة أسكن فيها
هذه الكينونة الأولى- رغبتي كون فسيح
كان لي ملكاً وحيداً
أصبحا ملكين- صارا عالمين
أصبح السلطان والعفريت عندي
لعبتين
سأعيد الجن لأصفاد مغلول اليدين
والذي أظهر علماً
سوف يغدو- للنخاسات
رهين!
--------
1985
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> مفكرة
مفكرة
رقم القصيدة : 66094
-----------------------------------
في مفكرتي القديمة
التي أحملها من بلد لبلد- في جرابي الصغير
في مفكرتي القديمة
أسماء وعناوين كثيرة
لنساء وشوارع وأزقة وفنادق صغيره
لحدائق جميلة وخرائب مهجورة
لأسواق تبيع أشياء قديمة
كتباً أحذية مرتقة وجبات فقيرة
في مفكرتي الصغيرة
خرائط بدائية
لمحطات القطارات المتقاعدة والموانئ البعيدة
لشواطئ ذات نتوءات تنام عليها سفن جامحة
في مفكرتي الصغيرة
صفحات بيضاء لم أكتب فيها شيئاً بعد
من الغباء أن يكتب المرء كل شيء
عليَّ أن أعيش في هذا العصر
بذاكرتين واسعتين
وأن أقذف نفسي بين المسافتين
أختبئ هناك كسمك قرش في ظلمات المحيط
هكذا يمكن أن أمارس تلقائيتي
وفوضويتي بعيداً عن أعين اللصوص
مساحة الاغتراب أوسع من مساحة الأرض
أوسع في الذهن من الكون
يمكن للمرء أن يصنع من الكارثة
شيئاً مفيداً للآخرين
حفاة الغرباء أقوى قدماً
عراة الناس أصدقاء الفصول
للجياع مأدبة سرمدية
قد تكون هي الجوع
هكذا نحن لن نخسر شيئاً
(إذا زلزلت الأرض زلزالها)
إذْ- ذاك نكون على علاقة جيدة
بأسوأ الأشياء
* * *
في مفكرتي الصغيرة
وفي ذاكرتي العضوية
مشاهد من هنا وهناك
من عصور مضغوطة جداً
ربما تضيع مفكرتي الورقية
ربما تصادر الدولة وشرطة الإبداع أوراقي
ربما أقتل بطلق ناري حاسم
لكني سأبقى ذاكرة تمتدُّ في
الآخرين!..
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> تشكيل
تشكيل
رقم القصيدة : 66095
-----------------------------------(63/321)
عندما كان نيرون طفلاً في المهد
قامت أمه مذعورة تصرخ:
لقد قضم الطفل حلمتيها بأسنانه اللبنية
عندما صار نيرون صبياً
فقأ عيون أطفال روما بالمقاليع الحجرية
عندما أصبح أكثر نمواً
دسّ- سمّ الفئران في آبار المدينة والقرى
نفقت خيول وأبقار- وهلك حشد من النسوة
والأطفال
* * *
عندما بلغ سن الرشد
استولى على قناديل الأطفال- وشموع المعابد
ومنذ ذلك الحين
صار العالم
يحترق!
* * *
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> تأملات
تأملات
رقم القصيدة : 66096
-----------------------------------
-1-
لحظةٌ مغتصبة
في الشرايين دم مقتتل في لجة مضطربة
تعبت مركبتي
هل كان لي من مركبة؟
-2-
أغلقي الأبواب يا امرأة
ملأتْ مخدعها بالعابرين
-3-
قمر مَرَّ وما قال لعينيك صباح الخير
ولا ألقى التحايا
وارتمى مغترباً خلف سحابات المرايا
قمر مَرَّ وما ألقى السؤال
أين كنت؟؟- كان يدري
كيف ضاجعت المحالا!
كيف ضيعت الجمالا!
-4-
بَيْنَ- بينْ
وعذاب البوح لزجٌ في الشفتين
برزج جمدّني الإعصار فيه
وأنا دون سفين
كم أعاني- أختفي خلف زموري
ويلاقيني الكمين!
كم توجست شرايين دمائي
في دمي- نافذة للمخبرين
لو سرى نبض لحب
صادروا منه الحنين
متعب قلبي وشعري
ضائع حتى الجنون
ويقني- أنني الآن حطامٌ
قاتل هذا اليقين!
-5-
دمك النافر في مجزرة الليل وأرتال الشظايا
طفلة أنت وتاريخ يشتهي الموت ويشتاق المنايا
دمك الأول ينساب على جبهة العصر وتنشق المرايا
بدأ العزف بأشلاء الطفولات فلن يهدأ عزف للضحايا
* * *
-6-
وحدنا الآن على بوابة النار وكنا- أبداً!
وحدنا- يا وحدنا- أوقفي.. كل نداء!!
عبثاً يأتيك منهم
ليس للصمت صدى!
وحدنا الآن- لماذا نسأل الموتى فدى؟!
* * *
-7-
أطفأت كل قبيلة
نارها- إلاّ جديلة
منك ظلت ترسم الوعد بطوله
أترى- وحدك الآن- القتيلة؟!
* * *
-8-
تسقط الأحداق في ليل العصور العفنة
وترى الجلاد والسّجان يحتز الرقاب المؤمنة(63/322)
حولها المرعى اليباب- وغابت مدخنة
وأغان- قتلوها في شفاه المئذنة
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> احتضارات
احتضارات
رقم القصيدة : 66097
-----------------------------------
-1-
قلت للشيخ: طريقي ضاع مني
فأدعني
قال: زدني
قلت: آتٍ من ليالي الشرق سكران بحزني
قال: زدني!
قلت: يا شيخ أنا أخشى عذاباتي وسجني
قال: زدني!
قلت: لا أقوى على البوح- وإني..
قال:
دعني!
-2-
سيدي تلك- جوازات- مروري والحقيبة
واسطوانة
وكتاب وجوارب
وشريط لحديث- فوضوي عبر حانة
ليس في الخرج- أداة للحلاقة
أو قذيفة!
وحده الصمت في حلقي قذيفة
أنت تدري أنني نسل هزيمة
قال لي الشرطي:
اخرج!
-3-
أختفى في محنة الأشياء في بيني- وبيني
سخرة تهرب من سجن لسجن
جثة ترحل من قبر لقبر
-4-
ألمح الآن يقيناً
في المرايا
في شروخ العبث المُمْتدِّ في جوف النخاع
أتوارى- في عيون الزنبقه
أتحاشى- المحرقة
ومواعيد الجنون
-5-
متعب هذا الدخول
في اشتهاء الروح- في المدّ المكابر
في انحناء الصوت في البوح المغامر
-6-
رقصة للسّوسنات
التي أغرقها الطوفان ظلَّتْ
ألف عام
كان فيها
خبر موتانا مراره
صوت موتانا صرير
باقة الزهر على القبر طيورٌ آبقة
ليس للطين مذاق!
-7-
أشتهي أغنية منك وحيدة
يعلن الصلصال فيها
موعد الخلق الجديد
المسافات بعينيك- طويلة
المسافات رموز في قصيدة
تحتويني
أحتويها
ونموت!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> المنصة
المنصة
رقم القصيدة : 66098
-----------------------------------
في الملتقى المصنوع من العبث
أقف خلف المنصة
لألقى كلاماً- ما
شعراً أو نثراً
يحدّق الحاضرون في قسماتي المتأهبة
لفعل شيء- مألوف
متعارف عليه
أتعتقدون أنني لا أعرف
إنني أقرأ في عيونكم المسكينة
أن ألقي- شيئاً يليق ببلاط الحاكم
يرضي مخبريه المزروعين كالجراثيم
في الصفوف الطويلة
* * *
أيها السادة والسيدات والآنسات
أنا أكتب الشعر منذ صباي الباكر
وأقرأ بنهم قاتل(63/323)
تاريخ الشعر المشين
فدعوني أحدثكم ببساطة
رصيدي من العاطفة
يخصني وحدي
رصيدي من- الذهن الفاعل
مقسم بين- مكانين واسعين جداً
في المكان الأول
والذي يشبه قارة حية
من قارات الله الست
توجد كلمة واحدة
هي- (لا)
في المكان الثاني
حاولت أن أزرع به الرضى أزرع الـ(نعم)
لكن الأرض صرخت في وجهي
لا- لا أقبل-
كذباً
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> شهرزاد
شهرزاد
رقم القصيدة : 66099
-----------------------------------
ظمت شهرزاد الذّكية
ذات الجمال الطَّريِّ العابث
تحكي ألف ليلة وليلة
بالإضافة إلى أيام العطلات الرسمية
كان الملك شهريار
يصغي باهتمام
مبتهجاً كان ومسروراً ومغتبطا
لم يتجهم وجهه أبداً
لم يُدّونْ في مفكرته السوداء شيئاً غير طبيعي
لم يطلب جهاز تسجيل مرئي أو مسموع
لم يكن- شهريار عادلاً- فلا ملك عادل
لكن الأنثى الذكية
لم تتحدث عن المجاعات والغليان الشعبي
لم تشر إلى- لعبة الأمم والدوائر السرية
لذا- قلدها الملك شهريار
حزمة من اللآلئ والعقود والأحجار الكريمة
وضع في رصيدها كل أنواع العملة الصعبة
وينفق أحفادها للآن
على ملذاتهم بسخاء
الشعب المسكين للآن يقول:
هذه امرأة ذكية ولطيفة
لقد خرجت من المحنة الطويلة
بسلام!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الذي مات
الذي مات
رقم القصيدة : 66100
-----------------------------------
-1-
رجل وقع من طائرة نفاثة
وقع في فوهة بركان ثائر
-2-
رجل تفجرت تحت بيته قنبلة عنقودية
وسقطت فوقه خمسون قنبلة نابالم
-3-
رجل أكله تمساحٌ إفريقي ضخم
ابتلعه تماما
-4-
سبعون أفعى في كل واحدة رأس ولها
سبعون من الأنياب السامة جداً
عضت- رجلاً واحداً
-5-
هؤلاء جميعاً لم يموتوا
بعضهم بلغ التسعين من العمر
وبعضهم يقود جرّارات ثقيلة
-6-
لكن رجلاً واحداً
قوي البنية كثور أسباني
كفيل إفريقي شاب
تعثرت- أذناه- بخبر موجز
من إذاعة- شرقية
سقط لتوه ميتاً
وتحلل جسده بعد عشرين
ثانية!
---------(63/324)
1986
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الغابة
الغابة
رقم القصيدة : 66101
-----------------------------------
-1-
للدم لون واحد
أحمر- لون الدم
للحليب لون واحد
أبيض لون الحليب
الطغاة والمجرون والسفاحون ومصاصو الدماء
يرون ذلك (معكوساً)
يفرضون رؤيتهم على أطفال الروضة
ويزرعون في الأجنة- عيوناً كعيونهم
وهكذا يتآمر- الاكتساب والوراثة
بتآمر الاستعداد والتلقين
-2-
ثمة ملاعب للطفولة في كل المدن والقرى
حدّق جيداً
لن ترى سوى البراءة- والعذوبة والسلام
حدائق عامرة بأنواع جيدة من اللعب
والبراءة والطمأنينة
في تلك الحدائق الرائعة
يوجد مفكرو المستقبل
المخترعون والمكتشفون والعلماء
والبناؤون- وقاهرو الطبيعة
والثوار العظام- والشعراء والمصلحون
-3-
في ذات الحديقة
يوجد القتلة والمجرمون
والقوادون والمخبرون وطغاة المستقبل
هناك من سيقتل أطفالنا
ويغتصب أعراضنا
ويحرق بساتيننا
باسم العلم والعدل
والحرية أيضاً!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الفوضى
الفوضى
رقم القصيدة : 66102
-----------------------------------
-1-
لم يبق لدى الكثير من الوقت
والجهد- أيضاً
لأغني لكل جميلة- أغنية
تخص تكوينها الجميل!
أو بعضه
بحة- جميلة مثيرة في صوت امرأة واحدة متميزة
تحتاج خمسين أغنية
* * *
المرأة قارة لن تكتشف قط
مع أنها- مبعثرة- في الكون!
إنها- الفوضى- والتنسيق معاً!
-2-
لم يبق لدى الوقت
الكثير من الوقت والجهد
لأتحدث عن المدن ذات الخصوصيات المعينة
ثمة متناقضات رائعة وجميلة
وأخرى- لا تبعث على الاستقرار
والهدوء النفسي
* * *
ذاكرتي مثقلة بالمشاهد
كشريط مركب بطول- الأفق!
أشعر أن تحت جمجمتي- كرة أرضية
قدماي الصلبتان تتأوّهان
لقد تعرفت على العالم الرخيص
بثمن غال!
أحياناً- أقول- ذلك- في قرارتي!
أحياناً أيضاً أقول:
(أحتاج إلى مائة عام من الحياة منفرداً مع قلمي
لأكتب عن عقد واحد من القرن العشرين
المشحون بالدمار)(63/325)
حقاً إنني عرفت كثيراً من الأشياء الرائعة
الكتب- النساء- المدن- الشواطئ
لكنني تعرفت أيضاً- على كثير من اللصوص
والساسة الوقحين مصاصي دماء شعوبهم
والسماسرة والمرابين- والقتلة والمأجورين
-3-
لك يبق الكثير من الوقت
جسدي له مطالب- كثيرة
الدائرة تضيق!
وداخلي- مترع- بالدهشة
لم أعد قادراً على ممارسة الفوضى
الليل- التبغ- التسكع- القراءة الثرثرة
المشاجرات الصغيرة الترصد والرغبة- الفشل
الانطلاق كجواد حرٍّ في مهب الريح!
النظام أن تكون حكيماً زاهداً قنوعاً
تخصص يوماً كاملاً من عمرك لمناقشة شيء تافه
الفوضى أن تمارس الثورة على القوالب
والإرث والرتابة البليدة
وفي الانطلاق
تنمو الخلايا كالجياد
بدلاً من الموت!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> أرقص حافياً
أرقص حافياً
رقم القصيدة : 66103
-----------------------------------
في هذه المدينة
التي حملتها في داخلي
طوَّفْتُ بها- أنهار العالم
ومحيطاته
أغسل عارها من عفن الملكية
والسقوط والنخاسة والرجعية واللواط السياسي
جعلت- من طغاتها- ورموزها الطحلبية
تماثيل رماد هرمة
علمت شفتيها أغنية الرفض
علمت أجيالها
كيف ترفض جلاديها
في هذه المدينة
تسلل مخلوقات ذات دم ملكي
قبلي- رجعي
ترتدي- ثوب الثورة
فوق جلباب الملك
فوق- جبة القبائل!
تطاردني مرة أخرى
دعوني أعلن أمامكم ما يلي:
نقيضان هما الثورة والاغتراب
إذا كان لابد من تغريب قسري آخر
باسم أقنعة جديدة
فأنا الذي سأختار موتي
* * *
أنا لا أخبئ الشعر المعادي للأفراد
أنا أبحث عن الخلاص للإنسان المقهور
في وطني الكبير
في العالم أجمع!
إنني أغضب
وعندما أغضب
أبصق علناً في وجوه المرابين
و الوصوليين والخونة
الذين أعرفهم
فرداً فرداً
وعصبةً عصبة
وقبيلةً قبيلة
وماذا يتوقع الأغبياء
من شاعر معاصر- لهزائهم؟!
أنسف الآن- كل جسورنا القديمة
الشعر ليس (ميزان ذهب)
الشعر- تمرد وغضب
لابد من بناء جسور جديدة
من قلب لغتنا العظيمة(63/326)
لقد تعددت الجبهات المعادية
والمسافة- بين الرمح والصاروخ
طويلة جداً وصعبة المتاهات!
والمسافة بين (ميزان الذهب)
وعصر الإليكترونات أكثر بعداً
ثمة فوضى فاعلة
لابد أن ندركها!
ونؤسس منها- ملكوتاً يخصنا
لقد توغلنا كثيراً- آه أيها الأصدقاء توغلنا
في التقهقر!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> رحلة في لغة البكم
رحلة في لغة البكم
رقم القصيدة : 66104
-----------------------------------
أتهجّى لغة البكم أداري
محنتي الصمت.. نواميس القبيلة
بدويُّ أرفض الأرض تدورْ
ثابت كالطوطم المغروس في إرث العشيرة
وإذا لاح الهلال
لاح لي وحدي- أنا الكون ومجدي العادياتْ
ومدى الأغنية المبحوحة الأوتار في حلق الدمن
موقد النار وصيحات من مغارات الذئاب
وإذا غاب المطر
في فجاج الأرض نغدو قوتنا نبتُ العرارْ
ربّما جاء إلينا زائرٌ نعله الفولاذ والخيلُ الحديد
يبتغي القَارَ- وشيئاً من قرار الأرض لا ندري مداه
لغة البكم مداها العوسجات!
ونباحٌ. وصياحٌ العنزة العجفاء في القفر اليباسْ
ومواعيد لاتي العزواتْ
شيخنا لا يقبل القسمة بعد الغنيمة
الجواري للنخاسات وتسبي المحصنات
زمن كالثلج- لا يقوى يذوب
وإله الشرق مأواه الصقيع
قتل الدفء فما أبقى اشتعالاَ
كلما ثارت- على الأرض براكين- وغاوتنا شموس
ضمنا كهف جديد
فحرام في مقامات القبيلة
تُبعدُ القملَ وأسراب الذبابْ
وحرام أن يرى الحراس في كفيك صفحات كتابْ
وحرام أن تزرع الأرض زهوراً ومشاتل
تحفر الأرض وتفتض مناهل
وحرام أن تقاتل
إرثك المملوءَ صلباً ومقاصلْ
وحرام أن تجادل
لغة البكم وترتاد المجاهلْ
* * *
عندما- رّفتْ- حمامة
بذرةً تحمل بشرى (عشتروتْ)
أقفلوا بوابة الأفق عليها فتاهت في المدار
حينما أنبت في الأحجار فأسي
فاتحاً في الصخرة الصماء كوة
رافضاً عادي ويأسي
ورأيت الله في البر والبحر شموساً
وعصافير جميلة
جرَّني- شيخ القبيلة
لقرار البئر- لكن-
رغم منفاي الطويل(63/327)
يحمل الضوء صراخي للملايين فتصعد
فلماذا لا أكونْ؟
* * *
أتراني بين رعب وارتعاش
وأسى (الخمسين) والفقر والمكابر
وضياعي وضياع الحلم المقتول في ليل المدائن
واشتهائي أحمل الأقمار باقات ضياء وجنائنْ
أتراني؟.. غير مل يلقى ضرير من حقير
كسرةُ الخبز تولّى من أكفي وصغاري في العراءْ
ما الذي يجعل الشعر مناراً في وطنْ؟؟
كيف؟ ماذا؟ صار منفاي الوطن؟
هدموا ذاكرة البوح وحبي للحياة
هو موت- لا أبالي- بالذي يأتي
وما أخفاه البوح مني-
صار للأعمى مباحْ
فاتركيني حاملاً مصباح روحي لملاذ لا أراه
شاعراً غنى قليلاً أو كثيراً واستراحْ
* * *
قال لي العشَّارُ: (اصبر سنفيق)
وأنا تحت ركام الصبر من عهد سحيقْ
آه من كنز العقوق
والقناعات بأثل العُدْوة الجرداءِ،
والصّبار والموت الصفيقْ
واصطفاق الباب في إثري ومزاليج الطريق
وأنا أطفو قليلاً ثم أهوي كالغريق
تستغيث النطفة السمراء في الأرحام ممَّا سيكون!
والذي كان عقيماً!
والذي لم يأت أدهى!
والمواريث جنونْ!
* * *
يا يباس النسغ في الطين. يا مأوى الرقيق
أتراني أشعل القنديل في ليل دروبي
والمغارات وظلماء الشقوق
وأحيل الثلج في الشرق.. حريق!؟
* * *
ما له يَرْتَدُّ في اللحم متى اكتظّت مزارات الرّياح
ودم العرق على العرق كما يُجتاح جُرحٌ
يتهاوى جسدٌ. ينهدُّ مكسور الجناحْ
يختفي من خشب الصلب فيلقى
حاصب الرؤيا في الأبعاد..
يغدو- مستباحاً
عَلَقاً فرّغه الطّاغوتُ جيلاً يورثُ العقم لجيلٍ
والرؤى إرث مباحْ
* * *
لِمَ في عينيك ترسو
سفن الذل ويُغتالْ الذهولْ
لِمَ لا يجتاز هوة الصمت، وأشقى
بالوصول
حُبّنا ضليلاً ومهاناً وخرافي الحلول
لَمْ يعانق سدرة الله ولا أعلن رفضاً وذوى عبر الفصول
نحن- لا حربَ (ولا سلمَ- ولا موت لأنكيدو)
ولا زهو (أخيل)
نحن وهم المستحيلْ!
* * *
ها أنا عدت كما كنت طريد
دون نعل دون خبرْ
أختفي في جثث الموتى وأرتال العبيدْ
كبريائي جبهة سمراء حقدي في الوريد!
1986(63/328)
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> سيدة
سيدة
رقم القصيدة : 66105
-----------------------------------
ذات مرة
في بداية ربيع إغريقي جميل
قابلت امرأة، جميلة-
لم تقل من أنت- ما اسمك- من أي بلد؟
شربنا شاياً في المقهى
وذهبنا- للمرقص
قلت لها- ذلك المساء!
أرغب أن أدعوك باسم السيدة (نعم)
قالت أرغب أن أسميك السيد (عابر)
بعد شعر ودّعْتُها دون أسف على شيء
للآن وبعد ربع قرن لم أر السيدة (نعم)
وللآن وبعد ربع قرن لم تر هي السيد (عابر)
أما أنا-
فقد عبرت (نَعَمْ) مرة واحدة
وعبرتني- مرة- واحدة أيضاً
هذا يكفي صعلوكاً متمرداً مثلي!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> مدينة الخلايا الميتة
مدينة الخلايا الميتة
رقم القصيدة : 66106
-----------------------------------
كامرأة بلا نهدين
بلا شفة هامسة
بلا رعشة- بلا رغبة
تلك مدينة عرفتها قبل أن تهرم
قبل أن يتسلل إلى صدرها المثقوب- شيء ما-
قبل أن ينخز رئتيها التبغ المغشوش!
مدينة تطارد ذاتها في الزحام المجنون
تمضغ تاريخها- المتآكلْ
أرى في ليلها الآن
رجلاً مغروساً في خنجرْ
أمشي في نهارها المحمومْ
أكتشف المسافة الهائلة
بين البدائية والتقهقرْ
وبين المعرفة والجوهرْ
بين العُرف المتهالكْ
وبين المنطق الزاخر بالأمن والسكينة
أدخل في الشقق والعمارات والإدارات
كما أدخل منتجعاً- من الورق المنخورْ!
* * *
شيء سرطاني العبث
شيء ملعون جداً
تغلغل في صلب الذاكرة
حيث الخلايا المجنونة تنمو
باتجاه العبث والموت والانقراض
في مدينة منهارة من الداخل
يتجول العقم- والمجانية
والبشاعة
آه على وطني!!
---------
الرباط: 1985
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> بريد
بريد
رقم القصيدة : 66107
-----------------------------------
وتريد الأجوبة!
عن هوى- ما كان يوماً- وكلانا- عذبة!
مقفل- باب بَريدنَا- فعودي
إنه سردابة الخاوي- وظل العتبة!
وللطلول الموحشة!
* * *(63/329)
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> قابيل
قابيل
رقم القصيدة : 66108
-----------------------------------
-1-
قابيل قتل رجلاً واحداً فقطْ
من أجل المرأة الوحيدة في العالمْ
قابيل وَارَى جثة أخيه
في قبر دافئ
* * *
في القرن العشرين الدموي
يقتل الطاغية الواحدْ
ألف إنسان في ساعة واحدة
يقطعهم أشلاءً!
يمزقهم أرْباً أرْباً
يحرقهم
* * *
الرعب يطارد الموتى
هل رأيتم إنساناً مقتولاً
بلا رأس
يصفق لقاتله
* * *
-2-
المرافعة
إلهي الذي في السماوات والأرض والبحرْ
المدرك- البصير- العالم- المطلقْ
أسماؤك الحسنى المقدسة لا تنتهي!
إن كان قابيل- الآن في الجحيم
فإنني أرجو أن ينال لطفك الرباني
لقد كان على قابيل أن يفعل ذلك- يا مولايْ
لأن ثمة امرأة واحدة فقطْ
ولو كانتا اثنتين- يا مولايْ
لما حدثت الجريمة
وما كان لقابيل أن يخون أخاه في زوجه
-3-
لك المجد والملكوت والعرش والموت
والحياة والبعث والميلادْ
منك الشيء وإليك
أغفر أسئلتي- أيها المُحيي المميت
منحتني بصيرة- وبصراً-
منحتني هبة الشعر الذي يحمل جمال مخلوقاتك
لكنك- منحتني السؤال!
لماذا يقتل رجل واحد بقنبلة واحدة
في ثانية واحدة- سبعين ألفاً من البشر
قتلهم جميعاً- ذكوراً وإناثاً- أطفالاً وشيوخاً
قتل أيضاً كل العصافير
والبلابل والسناجب والأسماك
حدث ذلك في هيروشيما
وأنت تعرف عدد قتلى ناغازاكي
وفي بلدان أخرى وسراديب وأقبية
لم يحدث ذلك بسبب امرأة
إن بيروت لا تشتعل بسبب امرأة
وتشيلي- ونيكارجوا وفلسطين وخليج سرت
* * *
قابيل برئ يا ربْ!
برئ يا إلهي العظيم
----------
أثينا: 1986
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الفعل
الفعل
رقم القصيدة : 66109
-----------------------------------
ماتت نوارس الطفولة
على نتوءات- صخور البحر
قناديلي- أطفأتها الزوابع والأعاصير
وحيداً أواجه قدري
أمشي عارياً بلا ثوب
بلا حذاء
وبأظافر، حادة، خشنة، مدببّة
أتسلق سلالم- الزمن- واللزوجة(63/330)
لقد استطعت أن أفعل شيئاً متواضعاً
أن أبصق في وجه الفشل والإحباط
في وجه الأحزاب والطوائف- والتكتلات
وأخيراً-
بصقت في وعاء القبيلة
وها آنذا
أتنفس!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الإرادة
الإرادة
رقم القصيدة : 66110
-----------------------------------
حين تغتال الإرادة
يأخذ الموت شكل منفضة السجائر
تحتوي كل الأشياء الميتة المطفأة
حقاً- إن أعواد الثقاب تشتعل مرة واحدة
وتبدوا فاقدة القيمة ملقاة على الأرصفة
حاول أن تجمع- عشرين عود ثقاب مطفأة
أشعلها بعقب سيجارة رديئة
إذ- ذاك يحدث كل شيء
النار والنور......
أليس هذا ما تحتاجه الشعوب المقهورة
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> تركيب الأشياء
تركيب الأشياء
رقم القصيدة : 66111
-----------------------------------
رجل يعيد- تركيب الأشياء
امرأة ترسل بطاقة دعوة بعطرها المبثوث
مراهنات متوحشة
تتكون في غبش الرغبة
ثمة لغات سرية تتداولها الخلايا
مؤامرة لخلق إنسان
مؤامرة لقتل إنسان
عندما تطبق الوحشة بفكيها على قلبك
تذكر أنك شيء طارئ
الذين يعرفون معنى الخسارة الحتمية
توقفوا عن ممارسة التأكد واليقين
تأمل بندول الساعة
إنه يتحرك في بعدين فقط
ويسخر من العالم!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الألم
الألم
رقم القصيدة : 66112
-----------------------------------
(إلى جنوب إفريقيا المقاتلة)
ألم كاذب
ذلك الذي لا يصل إلى المسافات المتوحشة
من الروح الكلي
ألم بلا رعشة
بلا حمى
بلا رقص
ألم مبتور يخص الأسنان المخلوعة المتآكلة
والأطراف المقطوعة المبعثرة
في غرف التشريح
أعرف أنهم يطلقون عليكم رصاصهم
ويرسلون وراءكم كلابهم
ويحرقون أكواخكم الفقيرة ومزارعكم
لأنكم سود الجبهات
وأعرف أنهم يصادرون قوتكم من بين أسنانكم
لقد صادروا كل أسلحتكم
البندقية
القنبلة
شظايا الزجاج
الطوب الرخيص
وفرش الأسنان- والإبر الصدئة
منعوا التجول داخل مربعات كراسات الحساب(63/331)
بشرتي السوداء تحدثني هنا بكل ما يحدث
وإذْ- ترقصون هناك
أنا أرقص هنا، جسداً حرفاً، روحا
الكرة الأرضية كلها ترقص
ليس من المهم بأي أداة تقاتل
فقد تكون أغنية، رقصة، قصيدة، لحنا!
لكن الهم أن نقاتل
معذرة
فأنا لا أملك شيئاً
سوى لغة تقاتل!
ولو كان لدي من القوة ما يكفي
لكنت- بينكم الآن
في جنوب القارة الراقصة
--------
1985
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> أغنيات الصمت
أغنيات الصمت
رقم القصيدة : 66113
-----------------------------------
ما قلته كان دائماً للناس الطيبين
ما لم أقله
هو لهم أيضاً
شعري- منثور على بوابات الفصول
وفي ذاكرة- شعبي- الخالد
لا يهمني أن يغتابني- جرذ أعور
مسكون بالحقد- مهزوم.. متهرئ
أشعل قناديلي لبسمات الطفولة
وللأنوثة والجمال والشباب والرجولة
أموسق العالم- في أغنياتي
وعندما أصمت- في الأوقات الصعبة
يعرف الشعب- أني أغني
أغنيات الصمت!
ما أخطر أغنيات الصمت!
* * *
الآخرون المتلصلصون على عورات المومسات
تحت سلالم المبغى الرخيص
لن نهتم بتقاريرهم السرية
لن نهتم بالنعرات القبلية
ثمة وثنية أيضاً
تختفي تحت سلالم المبغى الرخيص!
أقفل مدائنك في وجه أرتال اللصوص!
عش موقفك أنت من العالم
وغن- مواويلك
للرجال الطيبين!
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الصحراء
الصحراء
رقم القصيدة : 66114
-----------------------------------
تقول لك الصحراء النبية ادخلْ
تقف الشمس في مدارها
تلفح ذرَّاتها العطشى شفتيك
إذن، أنت بين الجلد والجلد
وبين الجوع والجوع
مسبغة أبعد من رتابة المستحيل
فكيف الولوج من السعير.. إلى السعيرْ
وكيف الدخول.. إلى الدخول؟
أنت بلا ظل.. أنت بلا أمد وبلا مطرحٍ
إلا شروخ وما رجعتَ.. جئت وما مضيتَ..
أكذوبة سائحة مبثوثة.. في اللاشيء
ما أضيع.. الوهم الطويل؟!
يقول لك الصبح: ها قد بدأتَ
ماذا ابتدأت؟ صراعاً يفتّت عنف الخلايا
ويزرع فيك ما لم يكنْ.. ثم تموت!؟
طويت كتاب الطفولة(63/332)
غنيت للبحر والموج والصمت
رقصت مع امرأة في العنفوان
دفنت البراءة في مداها!
ثم واجهت الخفوتْ!
يقولون لك: اخرسْ
فأنت والريح والأعاصير والرعد والمطر
والعنفوان والفعل وكل ما تخيلت قتيلْ
هل أتاك.. من مسافة الرغبة واليقينِ
بريد أو بعض بريدْ
وهل تحلم وأنت القتيل قبل المجيء
بجدوى البريدْ!
أثينا: 1984
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> رقصة
رقصة
رقم القصيدة : 66115
-----------------------------------
إلى المناضل نلسون منديلا
في رحلة الرقص العظيم
وحدها الشمس تموت
تنطفئ
ودم الإجهاض يمضي في السراديب
إلى البحر المحيط
وحدها الشمس تموت
تتلاشى هيكلاً في الظل مسكون الدّوائرْ
ويفرُّ اللونُ- والألوان أبعاد قصيرة
أنت وحدكْ!
واقف قبل مواعيد القيامة
تنفخ الصُّور فتأتيك الضحايا
ترتدي جلد إله
* * *
أنت وحدكْ!
راجع قبل يسوعْ
لا وصايا الربّ ولا السلمُ ولا غصن الحمامة
لا الشعارات ولا مزمور الكهنة
أنت رقصة
ولدت عبر الجحيمْ
* * *
عندما يهتَزُ بيتٌ
يتداعى ثم يسقط
عندما تنشق أرضٌ
أو براكين فلا شيء جديد
عندما فك المذنّب
يلعق الأرض- نموت
عندما في رقصة هوجاء يأتي
ماردٌ من إرث أمّه
فالحضارات اللقيطة
والشعارات اللقيطة
تختفي عبر اللهاثْ
* * *
وحدها الشمس تموت
تنطفئ
كتلة القصدير- طمث في المدارْ
زهرةٌ- يجتاحها موج النُّحاس
أغنية
تتحدى قنبلة
شاعرٌ
قتله السفلة
* * *
وحده الشاعر يلقى زمنه
صامداً فوق صخور المئذنة
دمه مشكاتة في الرغبة الممتحنة
وحده الثائر يفدي وطنه
* * *
لو يمامة
من يمامات (بني غازي) البعيدة
حملت هذي القصيدة
لو...
يا صديقي..
قتلوها في الطريق
1986
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> رحلات قابيل العربي
رحلات قابيل العربي
رقم القصيدة : 66116
-----------------------------------
أيُّها السّاقي الوسيم
هاتِ كأساً- من دَم عذب- ودندنْ للنّديم
فرفيقي خازن النّار ورُبَّان الجحِيم(63/333)
كلّ ما حرّمه الإنسانُ يغدو- في لُهَانَا كالنعيم
مات فخذاً وكبد
ولساناً عربيّاً من قتيل في (أحدْ)
وإذا الزّادُ في الليل نفذ
فلدينا بعض قدّيد حنينْ
وغداً نأتي برأس أبي ذر العنيد
* * *
أيًّها السّاقي الوسيم
فيك شيء يوسفيٌّ هذه الشًَّامةُ نجمة
هذه اللَّثغة بسمة
ولنا ليلٌ طويلْ
* * *
أيُّها السّاقي الوسيم
ليس للطغيان وقت أو زمن
نحن نأتي من توابيت الزمن
وإذا انهار وثنْ
حلَّ في الأرحام مليونُ وثنْ
نحن في (ذي قار) كنَّا وغداً نشعل الدنيا فتنْ
(وإذا الطفلُ غداً غضاً طرياً)
عشق القتل فأضحى القتلُ فن
* * *
أيُّها السّاقي الوسيم
أنا من قابيل نسلي- لست قابيل القديم
إنَّني نسل الجريمة
علناً تحت طيف الشّمس أقتل
وبدون الشّمس أقتل
إنّه العدل الجديدْ
أيُّها السّاقي الوسيم
تعرف البسوس وجهي
كنت في جند- المهلهلْ
ورآني النّاس في صفّ- كُليبْ
وأنا في الفتنة الكبرى أقاتلْ
حاملاً رُمحاً ومصحف
وأنا في العدوة الأخرى مكين
هكذا شئتُ وأبغي أن أكون!
حاضراً في اللعبتين!
أيُّها الساقي الوسيم
ثم ماذا؟؟
أنا في غرناطة الثكلى أساوم
تَارةً في قصر عبد الله رمح
تارةً في سيفي صليبْ!
* * *
أيها السّاقي الوسيم
مرَّةً أخرى أعود
ورآني الله والتاريخ في حرب الخليج
حاملاً كالناس شارات كثيرة
شارةً للذَّود على إرث القبيلة!
نجمةً للأمم المتحدة!
شارة الحلف.. والحلف صديقْ
وحباني مجلس الأمن وساماً أطلسياً
من عظام وحديد!
* * *
أيها السّاقي الوسيم
عسعس الليل.. فهيَّا..
في دمي من لهب النفط حريقْ
نمزح منك عليك
إنني منك لديك
* * *
هذه النّار و هذي السنبلة
هذا الرأسُ و هذي المقصلة
أيها السياف.. اضرب
قد سئمتُ المهزلة
* * *
الذي أوجدني
في بلاد القهر لن ينقذني
كلَّما ناج يته يخذلني
ضحكت مني شفاه الوثن
* * *
لزِجٌ كل سؤال
موجعٌ كل احتمال
إنّما الصبرُ على القهر اغتيالْ
* * *
أخذ البعض شبابي
سرق البعض ثيابي
ما الذي يجدني انتحابي(63/334)
ارحموني من.. بلادي
* * *
لعبةٌ تلك المسافة
بين ظني ويقيني
بين شكي وظنوني
* * *
أشتهي شيئاً حراماً
ليس خمراً أو جسدْ
أشتهي من أبجدية التكوين حرفاً
وخروجاً من زمان مستبدْ
* * *
قيل لي هذا وطن
قلت ما معنى الوطن؟!
يشتهي الإنسان خبزاً
وهنا الخبز تراب وكفن!
* * *
قلت للعرّاف: هب لي مرّة رؤيا جميلة
أنت قد ضيّعت عمري بالتآويل الذّليلة
كل أيامي عذاب فاعطني فرحة ليلة
قال لي العرّاف اسكتْ
فكلانا يا صديقي ما له في الأمر حيلة
---------
1991
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> فضاءات اليمامة العذراء : مدخل
فضاءات اليمامة العذراء : مدخل
رقم القصيدة : 66117
-----------------------------------
؟
إياك أن تبوحي يا امرأة
أو فلتبوحي!!!
لقد جئت إلى فضائك متأخرا...
وأنت إذْ تلامسين هذا النشيد
بأصابعك الرقيقة
وتصغين إلى عزفه المنحوت
من خصلات شعرك المتماوج
أكون قد سكنت ملكوتك المقفل
إلى الأبد...
كانت لحظةً رائعة عندما قلتِ:
(أمن أجلي أنا كل هذا؟!!!)
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الصعود
الصعود
رقم القصيدة : 66119
-----------------------------------
نشيد أول:
(لو تعلمين كم أتألمُ عندما تكون الكلمات ثياباً لا تليق الثياب بظلك
تعتقدون أني ألعب... تظنون أني أكذبْ أنتم لا ترون ما يخبئ قلبي)(*)
من آي نافذةٍ مهمله
من آي وقتٍ ولجت... هذا الفضَاء العتيق
هادئةً هكذا كيمامه
رائعة كتراتيل فيروزَ... كجدول يرتوي في السحر
هو... ذا.. عالمي الفوضوي... فادخلي
أيا سحابةَ جذلي بللت شفتي وأنا أحتضر
أدخلي كأحلام الشتاء... كالمطر الخجولِ
لا أحد يسألُ النبياتِ العذارى
عن بطاقات السفرْ
* * *
هل كنت تعرفين أنك منذورةٌ... لي...
في الغيابْ
حين كنتُ أطوِّفُ تلك التضاريس البعيدة
حين أغوتني النساءُ بلغة الجذبِ والمعصية
حين توضأتُ بالرجس في معبدٍ للأفاعي
وحين أفقتُ من سكري
كان النزيفُ ضياعاً
ثم أعلنتُ إليكِ
رحيلاً يطولْ(63/335)
(*) هذا التضمين(()) من ملحمة مجنون ألزا لأراجون.
* * *
السماء الثالثة
(السماء الثالثة على صورة مملكة
أسمها الزهرةُ... فيها المرآة ملكْ
والرعية موكولةُ بالفرح)
* * *
حين بدأتُ أتهجى طقوسكِ الأولى
غادرتني أعواميَ المنهكَة
لدي بابكِ المنحوتِ
من فرح مطهمٍ بالشموخ
ترددتُ طويلاً
أكلُ أعوامِكِ من العصافير
وكل هذا الغناء...
من السدرةِ الرابعه...؟
فمن أين...؟
وكيف تدخلُ هذي المدائنُ في هودجٍ مستباحْ...؟!
تسامقْتِ كسنديانةٍ في الشتاء..
وأنا أرتقي ذاك المدارْ
أريدُ غفوةً في براح الدوالي
و ها أنتِ تُنشرينَ ظفائرَكِ
على النافذه
ويصدحُ خطوكِ في نبضِ الحروف
وأنا ولدٌ يشتعلْ
إلى أين تفرُ خصلةٌ حمقاءُ.؟
أمَا تعبتْ يداكِ...
من نَزقِ الانسياب.
* * *
(كل يقظة مثل آخر
هي أن أراك
كأني من جديد أوقِّع هدنتي)
في كل صباحٍ أخرج من غيبوبةِ الرؤيا
تستيقظينَ كسولةً..
كامرأةٍ ألغت مواعيدها مع الكحل
تطلُ من نافذةِ سمائها الرابعه... تنادي:
(أيها الولد عد إلى وطنك)
يبعثُني اللهُ فتياً
وينفخُ في جسدي دِفئاً أنيق
قدرٌ مذهلٌ هذا الذي يُخرجُ العاشقَ حياً...
من المنفي
ويقذِفه إلى ملكوتٍ مبجل
سأعطيكِ الآنَ...
سأعطيكِ... معزوفتي ثم أرحلْ
لقد آن لقيثارتي في الحضرةِ أن تَصمِتَ... الآن
وكفي...
***
***
نشيد ثاني:
(أن أكون هسهسة النار
ذاك الذي كان كاعترافِ
أو صلاة الريح في شعرك.. المتماوج)
* * *
كان صيفاً معتوهاً يتجوَّلُ في ظفائرها
كألهٍ بدائي...
ظَلِّ الدروبَ في ظلمةِ الأزمنة
حطِّ على سنديانةٍ تعرتْ في مَرايا الفصولْ
هذا ملاذٌ لا يشبهُ رغبةَ الأرضِ والطينِ
هنا يلتقي العاشقُ...
والمطرْ
***
***
نشيد ثالث:
(أنتِ في قميص المساءِ الطويل يا حبي...
يا امرأتي كما تنزل الشعلة من المشاعل على الأرض
حبي لها... من كل لغةٍ... لها زنار محلول)
* * *
في غبشِ الندى في بذرة الخلقِ
منذُ المدى الأخضرِ(63/336)
كل الأحلامِ المكنونةِ في حُلمِ الكونِ و...
كل العصورِ البدائية
كانت ريشةً في أصابعي
رأيتُ صورتَك على بوابةِ الكلمات
حين فآجاني النصُّ
الآن أُعلنُكِ؟ امرأةً؟ على ممالكِ العشبِ
تُسرحُ شعرَكِ؟ ألزا؟ ترتبُ فوضى الظفائر
وترتبُ المائدةْ...
* * *
جئتِ إلى مُدني من زاويةٍ مهملة
طوقتكِ الحروفُ وابتدأ الرقصُ
وحين أسقُطُ بذرةً عادتْ إلى المبتدا
لك ما في هذي المدائن المقفلة
من سندسِ المجدِ وأباريق الغناءْ
إني رسمتُكِ قبل إنطفائي على جبهاتِ النساءْ
رسمتُكِ في المداراتِ وفي مفكرة الفصولْ
رسمتُكِ مطراً أبيضَ عندها كان المطرْ
رسمتُكِ ليلكاً على الشرفاتِ فكان ربيعَ العيونْ
رسمتُكِ قبلةً على صفحاتِ ذنوبي المثقلةْ
على وشوشاتِ طلوع البذارْ
***
***
نشيد رابع:
(يا ليلاً منيراً ونهاراً معتماً
وغائبةً عني بين ذراعي
ولا شيء آخر يبقى فيَّ... ألا ما تمتمت به اللذة منك...
تجعلُ الحياةَ قصيرة)
* * *
لكِ أسماءٌ كثيرةْ...
في البساتين وفي تضاريس الضجَّة الصامتة
لكِ أسماءٌ كثيرةٌ تنزُ باللذة المنتقاهْ
أحملُ أسماءكِ كلها في جرابِ القلبِ طالعةً كالسنابلْ
ما تبقى... باطنٌ... جوهرٌ سرهُ لا يذاعْ
الآن... هل لي أن أترجِمَ اسمَكِ في النشيدْ
لا عاشق قبلي ولا آخر بعدي يلقاك بالعرس البهيج
لا أعرف لغة المفردات المشبوقة اللاهثة
أحيانا... تكونين الفراشة الملكة
أو كل الفراشات تتشكل كالمظلة
تغيبين في رونقٍ للحضورِ المجنح
وحدي أراكِ في محفلٍ من زنابقْ
أيتها النبية المطهرة بالسحر والتماءم الوثنية
أنا الولدُ... حارسُ المعبد والسدرةِ الرابعة
في يدي شعلة الراهب العاشقِ
وهذا النصُّ بدايةٌ للصلاةِ مثابةٌ للهصيلْ
* * *
(لا أستطيع أن أحبك أبدأ
لطول ما أحبك)
* * *
كل يومٍ يأتي جوادُك يركضُ في حديقة اللأمنتهى
وفي الصباحات المطيرةِ بالسحبِ
أحتمي بالسنديانةِ... الباسمة
تلوحين بمناديل من العشب وكبرياء المهرة الخجلي(63/337)
فأين أخفيت خرائط العشقِ...
و هذي الوسائد أنكرت كل سؤالْ؟
* * *
دخلتِ من نوافذي المهملة
ستبوحُ لك منكِ خطوةٌ هاربة
عندها يبدأ العزفُ ينسابُ خارج الصمتِ
غيبوتي تحملُ النصَ إلى حيث يلتقي
جوهرَ المستحيل
وحدكِ في ملكوت أحلامي... سجينة
ووحدي في يقظة العزفِ واقفٌ منذُ زمنْ
بين الجديلةِ والجبينْ
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> ثنائية المعراج
ثنائية المعراج
رقم القصيدة : 66120
-----------------------------------
(إلهي.. إلهي.. أي غياب
أحس به وألمسه
الليلُ والنهارُ باتا من دون معنى
والصيحة من دونِ فمْ)
لماذا... أُصْدَعُ الآنَ... لغتي أقرب منك إليك
دفء يلامسُ الكف يعبرُ فضاءهُ في سلام
نحن وهبنا ذاكرةَ المطر حرفاً حين شاركنا العَزفَ
قليلاً وغاب
كانت هداياهُ عشباً وباقاتِ وردٍ وزهر
وقبعةً بلونِ برعمةٍ للسنديانةِ... العارية
وشالاً بحُمرةِ ألوان الشُموس
وروعة الزيتونِ فيكرنفال القطاف
رائعٌ ذاك الحفيفُ في ثغرِ المطر
حين راقص شعرَكِ على وقعِ هطوله
وارتحلْ
* * *
كل النساءِ مقفلةٌ...
بأشواكِ القوافي
وحدكِ النصُ الطليق!
حرةٌ كالموجةِ العذراءِ تطفو..
على مدى البحر المحيط!
وأنتِ في كل فضاءٍ لغةُ مطلقة
لليماماتِ وحدَها البوحُ الجميل!
* * *
(أجريمةٌ هذا الدوار أجريمةٌ تلك اللذة؟)
* * *
هاتان عينان فيهما قيثارتي
من غربةٍ تستريح
آيُ ملاك عبقريٍ يشكلُ من دفءِ العصافيرِ..
عشاً
للعاشقِ الشاعرِ... ريثما..
تنتهي رحلةُ الروحِ الجريحُ
تنعكسُ الوقداتُ في بؤبؤ الرعشةِ الصامتة
يغتسلُ الطينُ من غشاواتِ الطريق
هذا أنا..
ويمامتي العذراءُ نرسمُ لذةَ اللون
وخميلةٍ من حوارِ الندي والورودْ
تختفي الرغبة السفلي..
أصعدُ نحوك طيناً
* * *
تجرد لحظة كي يرشف كأساً
خمرةُ من كرمة الكبرياء
أيتها التي بكي الليل جذلانَ
حين استحم بأنفاسها العازفة
أيا خميلة من حوار معتقْ
لا وقت للعاشق في الحضرة الأسرة(63/338)
أعبري معراجك على بُسُطٍ من غنائي
إني توضأت من جدول في العيون
وأعلنت أسماءك للصلاة
* * *
(لا تراعي إن غنيتُ اللذة
ما ذاك إلا كي أمسك بروحكِ
بأصابعي المتوحشة)
* * *
حدثتكِ عن الرقصِ في ليلِ الفجر
في ليل مدريدَ...
المدججِ بالكحلِ البدائي والنارِ وانهيارات الجَسَدْ
على أي براقٍ أتيتِ..
طويتِ أزمنةً آتية
لأزمنةٍ عبرتْ... لاهثة
هل أنتِ التي أودعتِ الجنونَ عقاربَ العنفوان؟
أيا طفلةً مواقيتُها لا تبوح!
أمنْ أجلكِ كان الضياعُ والحزنُ..
في تلك المدائن
يهاجرُ نصٌ غريبٌ..
يفتشُ عنكِ المواسمْ
* * *
ويغوص في لُجةِ الإسفلتِ والطوفانِ
هل كنتِ مفردةً في سفينة
أم كنت مقنعةً بالزهورِ
تَتُوقينَ من سدرةٍ لا تطال
تقولين:
لكل نرجسةٍ... ملكوتْ
ونسيتِ أزمنتي التي غرقت في بحار النزيف
تقولين:
وأنا أشرب سراً من خدِّكِ العشبي
فيضاً وفرحْ!
كلما جفَ إناءٌ
تولاني قدحْ!
* * *
سأطلقُ الآن طفلي القديمَ في برآءاتِ صباكِ
في مروج يمامتي
سأعبثُ بالطقوسِ... وأعلنُ للمرايا
لا قبلها ولا بعدها
يصعد نصٌ إلى سدرةٍ من رؤايا
يسكنُ النبضُ.. بعد انتهائي..
يسكنُ في نواةِ الخلايا!
أقفلتُ النوافذَ المهملاتِ
وأعلنتُ بوحي... لديك
ومزقتُ كتابَ النساءِ وحطمتُ الهدايا
أنتِ معي..!
أنتِ معي!
أبداً معي..!
وأعلم أنكِ مائدةُ من الطينِ..
يمامةٌ.. قدرٌ.. أنها
مسروجةٌ لِسِوايا.
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الموت فوق المئدنة
الموت فوق المئدنة
رقم القصيدة : 66121
-----------------------------------
(أني أفضل أن أكون عبداً في بلادي
على أن أعيش ملكاً في المنفى)/ ناظم حكمت
قلت لكم سرقت بعض النار
أوقدتها في داخلي، وتلك لعبة الرجال في القرار
أحرقت سور بابل
قاومت جحفل المغول والتتار
تاريخ أمتي بداخلي أحمله معي إلى المدائن البعيدة
مردداً للوطن المسلوب تارة قصيده
وتارة مرثية وربما، وربما غرقت في البكاء
لكن أنا أقسمت أن أموت فوق المئذنه(63/339)
عبر سنِّي الموت المحزنه
سنِّي يوسف العجاف
كانت لنا نهاية المطاف
***
(خذوا من كلامي ما يتناول فهمكم)/ الحلاج
منتظر منفاي
ورافض حبيبتي هواي
عقيمة من ألف عام لم تلد
مر بها الجنين في الخيال ثم لم يعد
فأرضعته من تناقض السنين والأبد
ها أنا مهاجر على سحابة
أخفي عناء الرفض في (ربابه)
يا وطني لك الرفات، أعطني الفكرِ
فإن لي في العالم البعيد المستقر
في النار، في الجليد، في ديمومة القدر
***
(ألا ليت للنساء جميعاً ثغراً واحداً
إذاً لقبلته واسترحت)/ بايرون
عودي لطفلك المعذب الأمومة
عودي، دعيني أكتب الجريمه
عودي أيا أثيمه
من ألف عام تحضنين هذه الجريمه
شرقية، داعرة، كاذبة، محتقرة
في كل لحظة تُّعد للرجال مجزرة
ويطلع الصباح يا حبيبتي السعيده
أرى إبتسامة الرجال في سواد هذه الجريده
وتجمد الدموع في المحاجر العنيده
***
سوناتا
(معي وحدي
مفتاح هذه الجنة المتوحشة)/ رامبو- الإشراقات
شهران لم أنم
شهيد محنة الألم
في وطني في العالم السفلي في
تجارب الأمم
تبارك المشيب في الفودين
تبارك السهاد في الجفون
حبيبتي هذي
نهاية
القصيده
-------
1970
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> مذكرات ساعي البريد
مذكرات ساعي البريد
رقم القصيدة : 66122
-----------------------------------
كان عصر القتلة
يذبح الكلمات... يلغو في دماء الثائرين
وأنا ساعي بريد
أقرأ الموت على صدر الرسالة
واشم القهر، في سفر الحروف
الإذاعات توافي: قتلوا العربيد في قبو المحطة
داسه خصر القطار
سكتة القلب، وضغط العرق.. ويل للطغاة
خبأ التسجيل في عين الحمامة
ثم جاءوا ذات يوم، حملوهم لبعيد
آه يا شمس النوافذ !
صاح: ماذا ؟.. لم يجب، حتى الجدار!
وعلى أرصفة الأمواتِ، كانوا يسقطون
جثثاً سمراء، وجهاً وندوبْ
رِِمماً جهراً تذوبْ
والمغنِّي في دهاليز البغايا الفاجراتْ
يتغنى بانغراس السَّيف في حبل الوريدْ
وأنا ساعي بريدْ
أحمل الإعدام، في سفر رسالة(63/340)
واشم الموت في سود الحروفْ
يتعالى في هزيع الليل صوتي كالرعودْ
صوتُ شعري .. لحنُ رفضي
أيّها المطعون، اصمدْ
إن عصر القَتَلَة
في انتظاري، سيزولْ
ربّما عانيتَ ذلا ومجاعة
وامتهاناً، واحتقاراً، وذبولْ
ربما "المنصور" (1) يقتل
ربما رأس "الحسين"
عاد شؤبوب قنابلْ
***
حين قالتْ:
كل أيامي عذابٌ، وبكاءْ
قلتُ: عودي، إن أسواق النخاسة
أقفلوها في بلاد الشرفاء
حين جاعتْ
رضعتْ من نهدها طعمَ الجنين
آهِ، يا أمّ مخاثيث الهزيمةْ
كيف ضاجت أبابيل الغزاة ؟
من يقي هذا اللقيط ؟
محنة الجوع على الأرض الموات
***
كان عصرُ القتلة
يذبح الأحراء، جيلاً بعد جيلْ
وأنا ساعي بريدْ
احمل الإعدام آنا في حقيبةْ
كنت جوعان أهيمْ
حاجَب "المنصور" ارتاد بيوتَ الفقراءْ
احمل الأخبارَ، جاسوسَ الأمير
المقاهي عرفتْني، بعضَ شحاذٍ فقيرْ
وأنا ساعي بريدْ
لستُ منكم إن ظننتُم ببعيدْ
كنت منكم، ثمَّ ماذا ؟
لم أعدْ بعدُ قريب
1- المنصور: هو محمد بن عامر، حاكم الأندلس.
------------
مجلة الثقافة العربية 1975
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الطوفان آت
الطوفان آت
رقم القصيدة : 66123
-----------------------------------
قلت عودي، لم تعدلي، سرقت إغفاء قلبي، أيقظتني
جسداً أنهكه الحزن ضريراً، ثم غابت كل عين، في سواد القهر، غلبت
فكلانا صار أعمى،
سرتُ ليلاً باحثاً عنها فآهٍِ
لم تكُ فاطمةُ (1) مرَّت، قال رمسيس "مجاناً"
ربما جاءت على ألواح نهر، واحتواها سائح جاسوس
فالأعداء فينا من فجاج البحر، منها يمرقون
***
عندما ولّيتُ وجهي نحو "بيت النمل" قالت، أم قنديل صباحاً
ركبت فاطمة القطر، توارت وأنا ناديت عودي
أنت حَبلى، وغريب الدّار عندي، يحمل الغفران صكاً
بصقت حمقاء، كانت لا تبالي
فهنا المرأة تعطى الطرقات السُّود طفلاً، يقتل الهكسوس
ما تعطى مجاناً، مذ توارى الفارس المغبون عنّا، رجع الفلاح عبداً
زاحفاً في الحقل يخفي عورة العصر حياءً(63/341)
يحل الرافض حياً يعدم الاحراء ليلاً
ويبيع الشعراء القيح جهراً للملوك
***
أم قنديل تقول:
ألف منديل لديها ولقيطْ
فتحت صندوقها ألقت على كف غريب ثوب عذراء وصورة
وعدتني بليالي الأنس إن أمطرت تبغاً ونقوداً ثمن الأفيون
يكفي ملكات الليل آهٍ ألف آهٍ
صوت فيروز يغني القدس وعداً، ونزار الشَّاعر المطعون يرنو من ثقوب الدار
عيني شرقت دمعاً صديدً
يومها لاحت بلادي كملاذ ومعاد
لاح "غيلان (2) على الصفحات شبلاً" ،
سوف اسري اقفل الأبواب حتى يرجع الطُّوفان غدراً
وترى سيناء بكراً وهي بكر، وجنيناً عربياً، مثل أحداق بحيرات
الأماني خسر التاج اللاّلي في بلادي
وتهاوت نزعات الجبروت
***
خلفي القواد يجري،
" يشحذ" التبع يمنى عاشق الرفض تعال
وتنادي على الجسر اثيمة -
وعلى الكف حقيبة
***
آه ماذا ؟؟
ربما فاطمُ اضحت من نبات هجمىٍّ
ربما كانت رماها قدر الأجيال، أرست سُفنُ الموتى،
على الدرب فتاهت، منها في الحواري، لم تعد تعرف وجهي،
أدمنت فاطمة العَهر وغابتْ،
نسيت جلساتنا في الشرفات البيض فرحي في ضحى "بولاق"
عدنا للطفولة -
***
ربما فاطمة قد حسبتني جئت ابغي لحظة حمراء، فرَّت
حين وافيت المحطة
اوقفتني شرطة الجسر وقالوا اين تمضي، كان
عندي بعض صفحات بطاقة
قرأوها نورس الصحراء هذا ما الذي ألقاك آهٍ
اصدقائي، طال بحثي في عيون الجيل جرياً، طال بحثي
مدن تلفظ قلبي وشوارع،
فافهموني انها فاطمة السمراء ضاعت، حملوها، وقعت في الفخ ليلاً
كان سيفي توابيت حزيران، وكانت تشبه "البلجاء" فكراً
بعدها فاطمة السمراء ماتت، ثم عادت، في حروفي
ثورة هوجاء صارت، ألف بركان
محيق
***
قلت ماذا ؟ ربما صارت ببيروت عروساً
ربما النخّاس أغراها بقصر، فاشتراها بنقود النفط "وعل"
اصدقائي كنت رقماً في دنى بيروت امشي
والمخانيث ورائي
شارع الحمراء خلفي ودم "غسان" على ارصفة الأسواق باقٍ
من يغني لخيام الفقراء لحناً دموياً(63/342)
من يغني؟ من يغني؟ كنت ادري أم قنديل كتاب
عرك الدنيا طويلاً، لم ازل بعدُ صبياً أقرأ الاعلان سراً في بلادي
حرموني نعمة الرؤيا بشعري شرّدوني
اترامي من بلاد لبلاد
بحَّ صوتي لم تجب قحطان آهً احمليني من مطار لمطار
ربما فاطمة السمراء كانت في آثينا عبر "سوهو"
من رآها في يديها وصمة العار و
اوهام الجزيرة
***
لم تكن حواء
لم تكن هيفاء
افهموني طعنة السكين في العنق وفي الخصر فما عدتُ
صبياً لم تكن بلقيس كانت مثل خنساء مناحات كثارْ
رسمتها في ميادين القتال
***
الف جيل، قد فقدنا، وشنقنا، في ذرى بغداد قسراً،
حاجت المنصور في الحمراء الغى اسمها من كتب التاريخ عادت
ظهر تشرين وغابتْ
فخّذوها طعنوها
واختفت خلف ممرَّات السويس
***
الجنوبي يغني من بعيد
وعلى الأعمدة السوداء يفنى كل يوم
سئم الرفض "فصران" (3) تناست عاشقيها والبذار
ربما فاطمة السمراء عادت موسم الفقدان هذا غابة الأرز تنادي
زمهريراً همجياًَ
عين "انكيدو" (4) ترى الجولان والطوفان آتٍ
فلماذا ؟؟
فلماذا يا "أبا القرنين" لم تصنع سفينية ؟؟
ولماذا من عظام
الميتين
-------------
القاهرة - أبريل
1974
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> العقم والأصداء
العقم والأصداء
رقم القصيدة : 66124
-----------------------------------
من ألف عام يا أخي وقبضة الصّدى تدق
أبواب قلعة الزمان
وتلعق الخُواء والفراغ والقلق
من صمتنا المكفن المحنَّط الوديع
وكنت كاذباً على الأطلال أهرق الدموع
وأنثني مع الفصول أغمز الربيع
بلفظة مشلولة الحروف والمِداد
بهمسة تدثَّرت بالزيف والحداد
وعندما أتى الشِّتاء بتُّ في الصَّقيع
غرقت في مستنقع الصَّديد والنجيع
***
الساعة الحمقاء في الميدان تعلن
(القرن مرَّ سيِّدي، لمن تدندن ؟)
الكأس، جفِّ في يديَّ.. آه
كلُّ الذي بقى من بسمتي على الأفواه
الجوع أو أحزاننا الكئيبة الشِّفاه
***
موصدة أبوابها يا أيها المساء
(لمن تدق هذه الأجراس) والأصداء(63/343)
لمن تذل هذه الرقاب والجباه
للريح، للفراغ، للضيَّاع والخواء
***
النَّاقة العرجاء ماتت سيِّدي
وهذه الرسوم والأطلال
نست حكاية الهوى، أصابها الملال
وعاد ساعي البريد يسرد الأخبار
(عشرون عاماً، والتَّتار)
ما رحلوا.. والعار لم يزل على الجباه عار،
لمن تدندن الأوتار؟
أو تقرع الأصداء قلعة الأحجار
لمن؟ لمن يا سيِّدي، يا سادتي
الكبار؟
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> عودة طائر مهاجر
عودة طائر مهاجر
رقم القصيدة : 66125
-----------------------------------
ربما حدث هذا.. يا إلهي ساعدنا / الشاعر
ستقودين أبابيل الشباب
في ليالي الموت والنصر على هذي الهضاب
ستغنين نشيداً عربياً لم يسطَّر في كتاب
من جراح الأمس مكبوت الرغاب
آه يا عهد البغايا والكلاب
والحروف الصفر- أشباه الذئاب
إن هذا اليوم يومي وأنا إبن الهضاب ساكن الأرض الخراب
في جليد الليل والإعصار عريان الإهاب
وطوابير الذئاب
تتعاوى ووعود الزيف تترى كالسراب..
وأنا أبغي رغيفاً وملاذاً وثياب..
آدميٌ في عراء الشرق أقتات التراب.
***
غير أني قد سرقت النار من صمت الرماد
ونحتُّ الخنجر المسموم من صخر العناد..
أبداً أبقى عويلاً وبكاء ورقاد..
وإنتظار لفتات من بقايا شهرزاد
أبداً إني إتِّقاد..
أرصد الأيام أطوي عبر صمتي ألف بعدً ووهاد..
وبقايا قلعة الطغيان- أعلام الحداد..
تتهاوى تحت فأس عربي في يديْ من عاد يوماً للحصاد
(أيها الأفاق هذا قوت شعب وعباد.
فأعدْ للكادح المغبوب ما هدَّ السهاد
في ليالي الجوع والموت مهموم الفؤاد)
***
يا ليالي البؤس في ذاك الجنوب..
قبر أمي ورفاقي- في السهوب..
عار عصر.. في عيون الطفل.. والحقل الجديب
في ضروع الأمهات ندبٌ، ألف ندبٍ ونضوب..
غضب التاريخ في كل الدروب..
في مرايا موكب الثوَّار.. إيمان الشعوب..
بالغد الموقوت بالفجر القريب..
***
ستقودين أبابيل الشباب..
لعبور النار واليحموم من هذي الهضاب
سفناً سمراء في قلب العباب(63/344)
ونسوراً تتبارى فوق كثبان الضباب..
----------
سبتمبر 1969
شعراء المغرب العربي >> علي الفزاني >> الحوار المقفل
الحوار المقفل
رقم القصيدة : 66126
-----------------------------------
إلهي سأفتح باب الحوار الجميل
فهذا المساء
مساء شتاء طويل
وهذا الصقيع علي شديد، شديد
وما ذقت خبزاً وليس لدي لحاف
وبيتي الفضاء الفسيح المديد
...
إلهي الجميل
أتعرف طفلي الجميل
لقد مات جوعاً- تمزق قصفاً- وكنت تراه
لك الحمد على الكارثة
لك الحمد على الواقعة
ولكن لدي- إلهي- سؤال
لماذا خلقت الملوك.. وجنس الطغاة؟
لماذا تذل العباد بأيدي العباد؟
لماذا يقاتل سيفي ذراعي ورمحي يدي؟
لماذا يصير العراق خراباً؟؟
وأنت خلقت العراق جميلاً
بطلع جميل..
ونخل نضيد
لماذا يموت الحسن مراراً؟
أكان الحسين يليل بغاة..؟
إلهي أجرني فإن السؤال
يخاف السؤال
وإن السكوت محال
وإن القرون الطوال
تمر علي وخوفي سجين الشفاه
...
إلهي قرانا بها مترفون
نهار ضرار- وليل مجون
وحتى الحروف
تصير فروجاً سبايا لأن الرغيف
تحول لغما مخيفا
فإما الركوع، وإما الركوع وإما السجون
.. وإما الرصيف
...
إلهي لماذا الغموض يلف القصيد؟
لماذا يصير النبوغ كلغو بليد؟
لماذا يباع الكلام.. وأنت إلهي شهيد
على سخفهم
على عريهم
على عريهم من ثياب الإباء العنيد؟
...
خذوني
خذوني
إلى حيث شئتم
إلى السجن مرحى فما كنت يوماً طليق
يقيني بأني ولدت بأرض الرقيق
أنا يوسفي المنافي وبئري القديم
تحول حينا فصار ملاذ الحريم
وما قد ثوبي ولكن لبست رداء العبيد
...
إلهي تعال!
هموا أرسلوا قنبلة!
على كل حبة قمح فصارت رذاذاً رماد!!
هموا أحرقوا السنبلة!
فصار نخيل العراق ذبيحاً كرأس الحسين!!
وكل العراق- وكل البلاد- وكل الخليج- كرأس الحسين
وكل النبات وكل الزمان- وكل غداة كرأس الحسين
...
خذوني
خذوني
إلى السجن- مرحى
فكل تراب.. عراق
وكل المنافي عراق
فمصر....... عراق
دمشق عراق
وسرت عراق
وكل البلاد عراق
خذوني(63/345)
خذوني إلى السجن
إني عميل العراق
خذوني فإن السجون تضاء-
بنزيف العراق
التباس
طوبى لمن يدق باب الله
يقول له:
معذرة فهؤلاء......
...
طوبى لمن يدق باب الله
يقول له:
معذرة فهؤلاء
............
...
طوبى
لمن يدق باب الله
يقول له:
معذرة
مالفرق بين لفظة
الدمار- والدولار!؟
----------
مجلة البيت.. العدد:12- السنة:36- 12/2000.
شعراء المغرب العربي >> محمد الشلطامي >> منشور
منشور
رقم القصيدة : 66127
-----------------------------------
أصدقائي...
قبل أن تورق أطياف السراب
في فؤادي
واحة مسحورة في كل باب
أوصدت أقفالها دوني المحبة
للحقيقة
لا تمروا
ولتظلوا صامدين
إن من ينفخ في الأجداث روحه
لتحيل العتمة السوداء نور
وتغني للملايين الفقيرة
كي تثور
دمرت أحرفه كهف الزمان
وطواغيت الزمان
أصدقائي...
ربما يمضي علينا
ألف عام دونما حقل ودار أو ربيع
ربما لا نستطيع
في عصور الموت والسخرة أن نخطو جميعاً
ذلك السد المنيع
ربما كبّل أقدام الرفيق
ذهب الدنيا، ورب الموت جاء
كالحريق
لا تمروا فالطريق
ساحة تترى بآلاف الجثث
والأكاذيب وآلاف الوعود
والنقود...
حتفهم.
--------------
مايو 1968
شعراء المغرب العربي >> محمد الشلطامي >> كتابة على باب الزنزانة رقم 6
كتابة على باب الزنزانة رقم 6
رقم القصيدة : 66128
-----------------------------------
رفاقي...
أتعشبُ في الفجر هذي الصخور؟
أتزهر فوق جدار الردى الأمنيات،
وهذه البذور؟
وترد عبر الصدى الأغنيات
وتعبق في الموقد الذكريات؟
هنا منذ شهر مضى
هنا منذ عام مضى
هنا منذ قرن مضى قام سور،
وسجن وجيل من الهالكين
أتشرق شمس الربيع الحزينة
فتوقظ أحلامنا الميتات؟
أتحكي العنادل والقبَّرات
حكايا تقول بأن المدينة
على بابها انتحر الله مرَّة
فلوَّن من دمه كل دار،
وكل خميلة
وأن صغاراً من الجائعين
أضاءوا القمر ذات ليلةْ
------------
1968
شعراء مصر والسودان >> التجاني يوسف بشير >> الصوفيّ المعذّب(63/346)
الصوفيّ المعذّب
رقم القصيدة : 66129
-----------------------------------
هذهَِ الذَّرَّةُ كمَْ تَحمِلُ في العالَمِ سِرَّا
ذاتِها عُمْقاً وغَوْرا
قِفْ لَديْها وامْتَزِجْ في
وانْطَلِقْ في جَوِّها المَمْلوءِ إِيماناً وبِرَّا
في الذَّرارِيِّ وصُغرَى
وتَنَقَّلْ بينَ كُبْرَى
تَرَ كُلَّ الكونَِ لا يَفْتُرُ تَسْبيحاً وذِكْرا
***
وانْتَشِ الزَّهْرَةَ والزَّهْرةُ كمْ تَحْمِلُ عِطْرا
نُدِّيَتْ واسْتَوثَقَتْ في الأَرضِ أَعْراقاً وجِذْرا
خَضِلٍ يَفْتأُ نَضْرا
وتَعَرَّتْ عَنْ طَريرٍ
سَلْ هَزارَ الحَقْلِ مَنْ أَنْبَتَهُ وَرْداً وزَهْرا
وسَلِ الوردَةَ مَنْ أَوْدَعَها طِيباً ونَشْرا
بينَ أَعماقِكَ أَمْرا
تَنْظُرِ الرُّوحَ وتَسمعْ
***
الوجُودُ الحقَُّ ما أَوْسَعَ في النَّفْسِ مَدَاهْ
والسُّكُونُ المَحْضُ ما أَوْثَقَ بالرُّوحِ عُراهْ
في حَناياهُ الإله
كُلُّ ما في الكونِ يمشي
هذهِِ النَّمْلَةُ في رِقَّتِها رَجْعُ صَداهْ
هُوَ يحيا في حَواشيها وتحيا في ثَراهْ
وهْيَ إِنْ أَسْلَمَتِ الرُّوحَ تَلَقَّتْها يَداهْ
لَمْ تَمُتْ فيها َحياةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تَراهْ
***
أَنا وَحْدي كُنْتُ أَسْتَجْلي مِنَ العالَمِ هَمْسَهْ
وأَسْتَبْطِنُ حِسَّهْ
أَسْمَعُ الخَطرَةَ في الذَّرِّ
واضْطِرابَ النُّورِ في خَفْقَتِهِ أَسمعُ جَرْسَهْ
وأَرى عِيدَ فَتىَ الوَرْدِ وأَسْتَقْبِلُ عُرْسَهْ
وانْفِعالَ الكَرْمِ في فَقْعَتِهِ أَشْهَدُ غَرْسَهْ
رَبِّ سُبْحانَكَ إِنَّ الكونَ لا يَقْدِرُ نَفْسَهْ
صُغْتَ مِنْ نارِكَ جِنِّيهِ ومِنْ نُورِكَ إِنْسَهْ
***
رَبِّ في الإشراقةَِِ الأُولَى على طِينةِ آدَمْ
أُمَمٌ تَزْخَرُ في الغَيْبِ وفي الطِّينةِ عالَمْ
ونُفوسٌ تَزْحَمُ الماءَ وأَرواحٌ تَحاوَمْ
سَبَّحَ الخَلْقُ وسَبَّحْتُ وآمنْتُ وآمَنْ
وتَسَلَّلَتُ مِنَ الغَيْبِ وآذَنْتُ وآذَنْ
رَبِذَ الخَطْوِ إِلى مَنْ . .؟
ومشىَ الدَّهرُ دِراكاً
***(63/347)
في تَجَلِّيَّاتِكَ الكُبْرَى وفي مَظْهَرِ ذَاتِكْ
والجَلالِ الزَّاخِرِ الفَيَّاضِ مِنْ بَعْضِ صِفَاتِكْ
والحَنانِ المُشْرِقِ الوَضَّاحِ مِنْ فَيْضِ حَياتِكْ
والكمالِ الأَعظَمِ الأَعْلَى وأَسمَى سُبُحاتِكْ
ذائِداً عنَْ حُرُماتِكْ
قدَْ تَعَبَّدْتُكَ زُلْفَى
فَنِيَتْ نفسي وأَفْرَغْتُ بها في صَلَواتِكْ
***
ثُمَّ ماذا جَدَّ مِنْ بَعْدِ خُلُوصِي وصَفائيِ
أظلمتَْ رُوحِيَ ما عُدْتُ أَرَى ما أَنا راءِ
أَيَّهذا العِثْيَرُ القائِمَُ في صَحْوِ َسمائيِ
للمناياَ السُّودِ آماليِ وللموتِ رَجائيِ
آهِ يا يومَ َقضائيِ
آهِ يا موتََ جُنوني
قِفْ تَزَوَّدْ أَيُّها الجَبَّارُ مِنْ زادي ومائيِ
مُثْقَلٌ بالبُرَحَاءِ
واقْتَرِبْ إِنَّ فُؤادِي
***
يا نعيماً مُشرِق الصفحَةِ يَسَّاقَطُ دُوني
نَضِرَتْ في قُرْبِهِ نَفْسي وزَايَلْتُ غُضونيُ
فَمَشَتْ غائِلَةُ (الشَّكِّ) إِلى فجرِ يقيني
قَضَتِ اللَّذْةُ فاسْتَرْجَعَها لَمْحُ ظُنونيُ
واسْتَردَّ النِّعْمَةَ الكُبْرَى مِنَ الدَّهرِ ْحَنيني
مَنْ تَرَى اسْتأثَرَ باللَّذْةِ واسْتَبْقى جُنوني ؟
***
أُذُنيِ لا يَنْفُذُ اليومَ بها غَيرُ العَويلْ
دَقِيقٍ وجَلِيلْ
َنظري يَقْصُرُ عنْ كُلِّ
غابَ عنْ نَفْسيَ إشراقُكَِْ والفجرُ الجميلَْ
واسْتَحالَ الماءُ فاسْتَحْجَرَ في كُلِّ مَسِيلْ
رَجَعَ اللَّحْنُ إِلى أَوْتارِهِ بَعْدَ قَلِيلْ
واخْتَفَى بينَ ظلامِ المِزْهَرِ الكَلِّ العَلِيلْ
*****
شعراء مصر والسودان >> التجاني يوسف بشير >> الخرطوم
الخرطوم
رقم القصيدة : 66130
-----------------------------------
مدينةٌ كالزهرةِ المونقَهْ
تنفح بالطيب على قطْرها
ضفافُها السحريّة المورقه
يخفق قلبُ النيلِ في صدرها
تحسبها أغنيةً مطرقه
نَغّمها الحسنُ على نهرها
مبهمةٌ ألحانُها مُطلقَه
نغّمها الصيدحُ من طيرها
وشمسُها الخمريّة المشرقه
تُفرغ كأسَ الضوءِ في بدرها
****
أحنى عليها الغُصُنُ الفارهُ(63/348)
وظلّها العنقودُ من حادرِ
وهام فيها القمرُ الرافهُ
يعزف من حينٍ إلى آخر
قصيدةً ألهمها الإلهُ
يراعةَ الفنّانِ والشاعر
****
مدينةُ السحرِ مَراحُ العجبْ
ومُغتدَى أعينِه الساحرهْ
تنام فيها حُجُراتُ الذهبْ
على رياضٍ نَضْرةٍ زاهره
أضاءها الفجرُ فلمّا غربْ
أضاءها بالأنفس الناضره
وحفّها الحسنُ بما قد وهب
وزانها الحبُّ بما صوّره
يا لَلغرير الحلوِ من ذا أحبْ ؟
ويا لَذاك الظبيِ مَنْ ساوره ؟!
****
أحنى عليها الغصنُ الفارِهُ
وظلّها العنقودُ من حادرِ
وهام فيها القمرُ الرافهُ
يعزف من حينٍ إلى آخر
قصيدةً ألهمها الإلهُ
يراعةَ الفنّانِ والشاعر
****
ماج بها الشامُ ولبنانُهُ
والمدنُ الرائحة الغاديَهْ
طَوّقها بالحبّ غلمانُهُ
وغِيدُه اللاعبةُ اللاهيه
أضفى عليها الحُبَّ من أفنانِه
وزانها بالأعين الزاهيه
وفاض باللوعة فتيانُهُ
على الضفاف الحُرّةِ العاليه
فيا لَذيّاك.. وما شانهُ
يعانق الجنّةَ في غانيه ؟!
****
مدينةٌ وقّعها العازفُ
على رخيم الجَرْسِ من مِزْهرِهْ
ذوّبَ فيها الوامضُ الخاطفُ
سبائكَ الفِضّةِ من عُنصره
وجادها المرهمُ والواكف
بالكوثر الفيّاض من أنهره
وهام فيه القمرُ الرافه
يعزف من حين إلى آخرِ
قصيدةً ألهمها الإلهُ
يراعةَ الفنّانِ والشاعر
شعراء مصر والسودان >> التجاني يوسف بشير >> في الموحي
في الموحي
رقم القصيدة : 66131
-----------------------------------
أذّنَ الليلُ يا نبيَّ المشاعرْ
وغفتْ ضجّةٌ ونامت مَزاهرْ
دَفَق العطرُ في صدور الروابي
مستجيشاً وفاض ملءَ المحاسر
وسرتْ في الورود أنفاسُ ريّا
روحكَ العنبريِّ والوردُ ناضر
قُمْ لموحاكَ في الدجى بين صحوا
نَ نديٍّ وبين سَهْوانَ ساكر
يرقب البدرُ مطلعَ الروحِ من هِنْـ
ـنا، وتستقدم النجومُ البشائر
طبعتْ ساعةُ التنزّل دنيا
كَ بوجدٍ كوجدِ هيمانَ ذاكر
كلُّها بُدِّلتْ محاريبُ نشوى
تحت فيضٍ من روعة الوحيِ ماطر
***
رُبَّ صُلْبٍ من صخرها ظلّ يندى(63/349)
وعَصيٍّ من عُودها لم يُعاسر
نفض الصخرُ ما استحال به صَخْـ
ـراً صليباً من القُوى والعناصر
وتخطّى حدودَه كلُّ معنًى
حجريٍّ وساوق اليدَ نافر
ساعةً يخلد الرضا في ثوانيـ
ـها، ويحيا في كلِّ خفقةِ ناظر
جَوُّها المعبديُّ يعْمُره الصَّمْـ
ـتُ بهمسٍ من الوساوس فاتر
ويفور السكونُ فيه ويَدْوي
كدويِّ الظنونِ في قلب حائر
قُمْ ونَفّضْ من ظلمة الأرضِ ساقَيْـ
ـكَ، وطِرْ في الشذا، عَدَتْكَ المخاطر
خلِّ أهلاً وجافِ دنيا صحابٍ
وتنكَّبْ أخاً وجانِبْ مُعاشِر
***
وانقطعْ ساعةً أمدَّ وأَبْقى
عُمُراً بالجمال، والوحيُ عامر
لحظةٌ منه بالزمان وأهليـ
ـهِ وأعمارِه إلى غير آخر
ها هنا هيّأ الهوى لكَ مُلْكاً
قمريّاً على عروش الأزاهر
دولةً من مواكب النورِ حفّتْ
عالماً من عرائس الشعرِ زاهر
دولةً ما تزال من قُضُبِ الرَّيْـ
ـحانِ، تبني صوالجاً ومنابر
نسج البدرُ تاجَها من أمانيـ
ـهِ، وأعلى لواءها بالمفاخر
وعقدنا لها اللواءَ فلا المَلْـ
ـكُ بمَلْكٍ ولا الأميرُ بآمر
قُمْ لموحاكَ في الدجى بين صحوا
نَ نديٍّ وبين سَهْوانَ ساكر
ينفخِ اللهُ في مشاعركَ اليَقْـ
ـظى وجوداً فخمَ التصاويرِ فاخر
ويفجّرْ لكَ الغيوبَ وينشرْ
بين عينيكَ عالماً من ذخائر
فتخيّرْ وصِفْ وصَوّرْ رؤى الوَحْـ
ـيِ، وصُغْ واصنعِ الوجودَ المغاير
***
واهدِ تلكَ التي بنفسكَ منها
أرجاً من مُجاجة الحبِّ عاطرْ
زَهَراً أنجبتْ حدائقُ جنّا
تٍ أفانينَه وروضة شاعر
ينبت الحُبّ من شذاً منه مسكو
بٍ على القلب دافي المشاعر
يَتطرّى به الفؤادُ ويَندى
كلُّ حسٍّ ويرتوي كلُّ خاطر
يصنع القلبُ للهوى من معاني الـ
ـعِطرِ فيه مِمّا تصوغ الأزاهر
ويُسوّي شخوصَه ويُجلِّيـ
ـها فنوناً مما يُصوّر ساحر
فَجَرتْ في دمي نواسمُه النو
رَ، وماجت أنفاسُه في الخواطر
فاهْدِها وحيَها، فكلُّ جميلٍ
يلتقي حسنُه بها في المصاير
شعراء العراق والشام >> مازن دويكات >> المجنون
المجنون(63/350)
رقم القصيدة : 66132
-----------------------------------
وميضٌ يغسلُ الشرفات
فليهبط غبار مدينة الموتى على الأسوار
أنت من التراب فعدْ إليه
وخذْ وصيتك الأخيرة
من صهيل الغيم في البستان
من بوح الحمامة فوق سطح الدار
كيف تكونني وأكونها الأزهار
من ملأ الإناء بدمعه
هذي الغمامة أم أنا!
فكأنني ملئ الحديقة في اشتعالات الخريف
وكأنها في خامتي الأولى العجينة والخميرة
والأرض سلتنا الصغيرة
كم نسينا على طرف الرصيفْ
أمضي وأحمل تبغ يومي والرغيفْ
قفْ يا غريب الدار، حدقْ
زهرتي محنية فوق الأصيصْ
وتشمني بتويجها العالي
تقدم أيها الموت الرخيصْ
وانشرْ على الأحواض أجنحة الرحيلْ
والآن دعني لحظة
فوق السياج شذاً أسيلْ
الأفق مباحٌ
والأرض مباحه
والمجنون كهيئة طيرٍ
مدّ جناحه
أين يطيرُ وأين يسيرْ
والفسحة غير متاحهْ
معصوب الروح أتى
وافترش الساحة
في المخلاة رغيفان وتفاحةْ
وقصيدة شعر
تنزف في الليل جراحه
ارتوت الصحراء فشب على عجلٍ
قصبُ الواحةْ
أأنا بوح الناي
أم حنجرة المجنون الصدّاحة((
فكأن لي في الأرض متسعٌ
أعينني كي أقوم إذن وأدفن بذرتي
رعدٌ يحكُ رحيقها
تفاحة المجنون ضاحكة
لقد جُنت شوارعنا
ومن حملهم على هذا الدمار
ومن يرمم ما تبقى، زهرة الحمقى
بكامل طيشها وبهائها
مطرٌ تدافع في عراء الروح
قلتُ إذن توقف أيها المجنون، ليس لدي متسع
أحاول أن أرمم جرة الفخّار
بئري بعد أن وصلوا تسمم ماؤها
سرقوا من القطرات زمزمها الجليل
لا ماء من شهوات " دفنا" سوف ينبجسُ
إلا بقية دمعة ضنت بها دهراً
لتذرفها على الشهداء في العرس الأخير
والنارُ فاتحة على القتلى
وخاتمه بلا شفتين تتلى
كلما اشتعلتْ بحقل الثلج سنبلة الشعير
)أحبكُ " دفنّا "
و "دفنا " الغزالةُ والناي
" دفنا " تحددُ لي ما أرى
فرأيتُ الذي لا يراه سواي
رأيتُ سيولاً
من الصور النازفة
في جداول رعشتها
ومرايا صباي
رأيت دمىً خائفة
أن تعود لخاماتها الأولية
في نهوند القرنفل والناي(63/351)
" دفنا " قفي وانظري
من وميض دمي
من خرير الشذى في فمي
لن ترين سواك
ولن تلمحي سواي(
لا عشب في الواد المقدس
لا أرى إلا الحصى في الضفة الأخرى
ومن بلع الخرافة ثم صدّقها
وأين النهر إن وجد الخريرْ
هذي الخطى للذئب أعرفها
وأعرف أين ولّى
من عواء الجرحِ في برية الجسدِ النحيلْ
ماذا سيسقط من علٍ
إني أرى الأشياء واقفة
على قدمين من ورقٍ مجعدْ
والخريفُ مضى على عجلٍ
ليرجعَ عن تداعيها المجددْ
والشتاء آتى على خبلٍ
ستغسل منْ وهذا البيت أسودْ
منْ سوف يسقطُ، منْ
إن الطغاة فقطْ
أحلى وأجمل من سقطْ
بدل القذائف فوق غابات النخيلْ
)أرى ما أشاء لمن ذهبوا
ومن جلسوا
في ممر الصنوبر تحت الترابْ
أرانا على أهبة العيش عشقاً
ونصعدُ من حجرٍ في السفوحْ
نعدُّ خيول المدينة قبل الذهاب
وبعد الإيابْ
وماذا تبقّى من الروح
ماذا تبقّى
رؤوس تدلتْ عن السرجْ
والعمرُ زهرةُ ثلجْ
بحقل جروحْ
سترجع كل الجيادْ
إلى مستقر الصهيلْ
ورف الحمامْ
إلى مستهل الهديلْ
أرى نقطة الضوء
عالية في البعيدْ
سأربطها ثم أجذبها
بخيوط النشيدْ
أراها تحاولُ
والمستقر الوحيد
ترابُ البلادْ
ترابُ البلادْ
ترابُ البلادْ(
من يحمل التابوت. هل يصلون روما
من بلاد الزيت والزيتون، أين يتممون صلاتهم
والشمس في الوادي المقدسْ
لم تصلْ قوسَ المغيبْ
فخذوا الصلاة
خذوا عواءَ ضلوعكم
وخذوا فحيحَ خشوعكم
ولربما يصل القتيلْ
أنتم بدأتم وانتهتْ فينا هزائمكم
فعودوا إن أردتم
مرة أخرى إلى حرب الصليبْ
من ها هنا سترون دمع الأمهاتَ
وأسرَّة الزوجات، وردَ العاشقات
وترسلون مع الجنازة
دمعة أخرى على الأحياء
إن وصلوا المدينة فوقَ قنطرة الهديلْ
سترون أولنا نهاراً مقبلاً
وترون آخركم ركاماً مهملاً
عودوا إذا شئتم لمغفرة الكهانة
بعد أن تعلو ملامحكم جداراً ساقطاً
والأرض تخرجُ من قداستها
وتهبط تحت أرجلكم بلا أبنائها
وسيصعدون على سلالم موتكم
والميت يصعدُ هابطاً
والأرض تخرج من قميص فصولها(63/352)
هذا الربيع بلا أبٍ
لا أم سوف تهشُ سندسه المريضَ
عن الحقولِ
ومن يعيدُ بهاءها العربي في الزمن البخيلْ
(رأيتُ يداً
تنحتُ الحزن حتى اكتملْ
ما الذي يتساقط غير الغبار
عن الجسد المتهالكْ
أرى وطناً في الهزيع مضاءً
لمن وصلوا، كيف لي أن أصلْ
وهذا الغبار يسدُ المسالكْ
لنا الحق في شمس هذا النهارْ
لنا أن نعلق غيمتنا
في ممر الندى
كي نفيض رذاذاً بكل مدى
ولها الحق أن تستدل علينا
زهور البراري
ورف الحجلْ)
من يقرعُ الجرسَ المعلقَ في الأعالي
في هديل حمامةٍ
وعلى جناحِ غمامةٍ
من أيها المجنون ينحتُ رؤية فوقَ المكان
يعيدُ ترتيب الفصولْ
وينسقُ الفوضى بمصطبةِ الحقولْ
فاصدحْ بما ملكته فيك يدُ البصيرة
إني أرى ما لم يُرى
هذا مكاني لمْ أجدْ إلاّ هنا حجراً
تحكَ به جناحيها فراشاتي الصغيرة
هذا مكانك والوقوف به صلاةْ
فارفع صلاتك كل ثانية
وفي كل اتجاه
إني أرى ما لم يُرى فوق البسيطة
ورأيت ثعلب وابن آوى تحت دالية
يعدّون الخريطة
ضاقتْ على جسدي النحيلْ
(إلى أين تحملني
يا جناحي المهيضْ
سكنتُ الجهات جميعاً
فلم تحتملني ولم أحتملها
أنا الضدُ وهي النقيضْ
سأشعلُ قنديلُ روحيْ
إلى أن تذوب الذبالة بين أصابعكم
فأعلنوا أيها الأصدقاء انطفائيْ
وقولي بأني مريضْ
مضاءٌ أنا بجنونيْ
ولي أن أنام على جمرة
كيْ تَمدَّ دمي بالوميضْ)
ورأيت "دفنا " في حديقة جسمها
كانت تحاول جهدها
دفع الأنوثة عن طريق لصوصها
ورأيت حلمتها تنقط
من ثقوب قميصها
لا شيء أحمله لألتقط الرذاذ
"جيوب بنطالي ممزقة
وداعاً للجمال"
فلم أصل أرض الجزيرة
والقادمون من الشمال
دخلوا شراشف مهدها
سرقوا من النهدين رضعتي الأخيرة
شعراء العراق والشام >> مازن دويكات >> اجتياح
اجتياح
رقم القصيدة : 66133
-----------------------------------
-1-
حجرٌ وحيدٌ من بقايا الدار
والأشياءُ غامضةٌ على قدرٍ
يفسرُ منطقَ الطيرِ:
أصوّبُ في ليالي القصفِ أُغنيتي
على جسدِ الرصاصْ(63/353)
وعلى ما تبقى في الجدارِ من القذيفة
لي أن أُمارسُ مهنتي في الأرض,
أن أحيا وأخلصُ في الوظيفة
عما قليلٍ يرحلُ القناصُ
وأُصبحُ فوق أشجاري على خير
-2-
بين رأسي والمخدة
طلقةٌ
يقطرُ
منها
دمُ
وردة
-3-
لنا قمرٌ بعيدٌ في الأعالي
سوف نلمحه وإن رفعوا الجدارَ
وسيجوا الأزهار بين العاشقين
فضاؤنا عالٍ ورفرفة الجناح تسيل ضواً
بين خاصرتين.
واحدة تعدُّ سنابلَ الوادي
وواحد تعد الحَبَ في حقلِ البرتقالِ
-4-
الاجتياح مدينةٌ ملتفةٌ
بعباءة الليلِ
مجنزرة ٌ تواجهُ زهرةَ الفلِ
وجنديٌ يصوّبُ بندقيته
على أمٍ
تهدهدُ جثة الطفلِ
والإجتياح شوارعٌ
تعوي الذئاب بها
وتبحثُ عن فريسةْ
ودمٌ يسيلُ
على رخامِ المسجدِ
ودرج الكنيسةْ
-5-
فوق التلال وفي ممر الإقحوانِ
فتى على الأعشابِ مكتمل السلالةْ
من أين جاءتة الغزالة
حامتْ على الجسدِ المعطر, قمته
في سرير الزهرِ, فارتعشتْ
خيوطُ المسكِ
حين طوتْ قميصَ الدمِ
اقتربي وشميِ آه أمي
للأرضِ رائحة جديدة
-6-
في الحروب النظيفة
تنامُ الطفولةُ
تحت جناحِ القذيفة
في الحروب النظيفة
طبق الجنرال المفضلِ
دمُّ وجيفةْ
-7-
هنا في الصباح المدرسيِّ
يصوّب الجنديُ مدفعه
يصيدُ فتى طريدْ
ويصوّب الولدُ المشاكسُ كيْ يصيدْ
يوماً سعيدْ
-8-
هنا كلُ شيء
يثير حساسية الجند,
الصبيةُ الذاهبون ليومٍ جديد
شوارعنا إذْ ترمم بين تجاعيدها
خطر الأنبياء
رفوف النجوم الشريدة
تنعفُ في شرفات البيوتِ
حريرَ الضياءْ
وتقرعُ أجراسَها في البعيدْ
حمامُ القبابِ الذي يتسلى
بتأثيث هذا الفضاء
بعشب الهديل وقشِ الحصيدْ
وأمي التي علمتني
قراءة كفَ الدماء
وكيف سأنسى بطلقتهم أن أموت
وأحيا شهيد
-9-
جدارٌ
حصارٌ
حواجزُ
جندُ
إجتياحْ
وما يتبقى
من المفردات
تساقطَ
من معجم الأبجديةِ
ذات صباح
-10-
تضيق على شفتيَّ اللغة
وأنا ملزمٌ بالقصيدة
ولي في الشمال ممرٌ
إلى "أوغاريت"* الجديدة
فلا بد أنْ أبلغه(63/354)
شعراء العراق والشام >> مازن دويكات >> يصعدون بلا خيوط واضحة
يصعدون بلا خيوط واضحة
رقم القصيدة : 66134
-----------------------------------
ناران، واحدة تمد لسانَها للموتِ
والأُخرى، تمد يداً مقطعة الأصابع للحياة
ناران لي، لست المجوسيُ المعمدُ بالدخان
أُلاعب اللهبَ الجميل ضحى
وأقطف برتقال سحابة خضراء
قبل تفتح الأشجار في شجر الخليقة
هابطٌ، ظلي وحيدٌ كالحقيقة
لا أرى أحداً، وتعبرني الضفاف وتكتملْ
كوصية الموتى الذين تجمهروا ليروا وصاياهم
لمن وصل الترابَ معفراً بخصوبة الشهداء
أعرفهم هنا، وهناك بين وريدها
ونشيد من عبروا سراط المذبحة
هذي البقية بدء من ولدوا
وخروا شاهرين قماطهم وعلى أصابعهم
بقايا من حليب الأمهات ودمعهن المشتعلْ
هذا انحناء النائمين على وسائد ماء بهجتنا المثلثْ:
لونه العدمي والطعم المعذب في سياط الرائحة
هذا هبوطي، يصعدون
كقطة عمياء تقفز في فراغ انتباهي
ليس إلا الملح يحفر في الجراح ويستقر على شفاهي
كم سيبقى الوحش في البستان يلهث
لست انكيدو لأُتقن مهنة الترويض
ليس هو الغزالة ثديها المكتظ يقطر في فمي
بين الكهولة والفطام
ولست من نسل الظباء الشاردة
فالأرض أصغر من قفصْ
والأرض أوسع من فضاء خطى المهاجر
في المنافي الباردة
والصوت أعرفه
وأعرف من يجدف في مياهي
أرتدُ ثانية وأصعد، يهبطون كقطة ملكت عماها
كي ترى شجراً على الطرقات يمشي، ليس من أحد سواها
سوف يشهد في الهزيع هبوطهم
وسيصعدون بلا خيوط واضحة
هذا الوضوح بكف من ولدوا
على حجرين في الواد المقدس
اخلعوا النعلين كي تصلوا
خذوا العتبات للبيت اصعدوا
السفحين فوق خيوطكم
وإذا سقطتم قبل أن تصلوا الجبل
سنعيد تشييد الذي نسفته أيديكم هنا
وكفى البلاد سقوطكم
ناران تتحدان، فيها الموت أصغر من يد مرفوعة
ويد تشير على طريق، والصدى
"من هاهنا خرج الغزاة
وقفوا على أطرافها
لا شيء فيها من ملامحهم الغريبة
لا التراب ولا الجبال ولا الشجر(63/355)
قدمان من خشب تنجر في خريف الغزو
من مدن بعيده
خذوا قدمي وارتحلوا، فضائي ضيق
ودمي يعود من الرصاصة للوريدِ
وأعود أجمل للحياة
خذوا جسدي وعودا مثلما جئتم من البلد البعيدِ
عودا كما جئتم غزاة
ودعوا على عشب السياجِ
براءة التين والزيتون،
لا ورق يغطي سوءة الحكماء في ليل الجريمة
وخذوا من الماء المقدس
حاجة التيه المخلّدْ
ودّعوا عسل البلاد وسمنها
في طاسة امرأة
تلملم طفلها من شارع القتل المهوّدْ
وادخلوا سينا الجديدة
دون منِّ دون سلوى
أول الطوفان يبدأ من دم الأطفال
لا بحر سيحمل مركب الأزواج
لا نوح يبارك من نجى
سيعود ثانية، تباركه الأساطير القديمة
أعمى، أصم، أخرس، لا يرتجى
سيعود ثانية
ويخرج من عباءة آخر الكهان
مستعر الهياج.
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> القمر العاشق
القمر العاشق
رقم القصيدة : 66135
-----------------------------------
إذا ما طاف بالشرفة ضوء القمر المُضنى
و رفّ عليكِ مثل الحلم أو إشراقة المعنى
و أنت على فراش الطهر ، كالزنبقة الوسنى
فضمى جسمك العارى ، و صونى ذلك الحسنا
. . .
أغار عليك من سابٍ ، كأن لضوئه لحنا
تدق له قلوب الحورأشواقاً إذا غنى
رقيق اللمس ، عربيدٌ ، بكل مليحةٍ يُعنى
جرىءٌ ، إن دعاه الشوق ، أن يقتحم الحصنا
. . .
أغار أغار إن قبل هذا الثغر أو ثنى
و لفَّ النهد فى لينٍ، وضم الجسد اللدنّا
فإن لضوئه قلباً و إن لسحره جفنا
يصيد الموجة العذراء من أغوارها وهنا
. . .
فردّى الشرفة الحمراء دون المخدع الأسنى
وصونى الحسن من ثورة هذا العاشق المضنى
مخافة أن يظن الناس فى مخدعك الظنا
فكم أقلقت من ليلٍ ، وكم من قمرٍ جنّا
شعراء المغرب العربي >> عزوز عقيل >> العصافير ترتوي بالغناء
العصافير ترتوي بالغناء
رقم القصيدة : 66136
-----------------------------------
وجعي قلبها أم تراه السحاب
الذي سوف يأتي
على ضفة الجرح
يا صبحها المدن الماطرة
يا شكلها الغائب في الحظور(63/356)
رصاصاتها دفئها القلب
أم تراها تبوح القصائد
بعطر المكان
02
هي الممكن المستحيل إذا
والخراب الذي يجثم في صدرها
آية للضباب الكثيف
وعلى رمل خطواتها
يعبق الورد والمشكلات
لكي يتفنن ، صبحها العشق
أم قلبها حين يرقص في دربها
عاشق ضيعته على وقع
أسوارها الأنسنة
03
الرصاصة في القلب لا توجع القلب
لا تصنع الأزمنة
والكلام الجميل إذا قاله مدّعي
قد يضيع كما قد تضيع الرصاصة
مابين قلبك والأمكنة
04
فلسفات الرؤى ،
أم تراه الصباح على امتداد الخطى يرحل الليل حتى يصير شذى العطر
روحا تسيجها مدن من حريق
أو تشكلها من بقايا المدن
من هنا تبدأ الفلسفات وتبدأ
بعض الحكايا فقد قيل أنّ
الذين يحبون هم واهمون كثيرا
قليلا من الضوء يكفي
لكي لا يكون البنفسج أرجوحة
والحدائق فاكهة تتصعلك
تائهة بين أرصفة الحزن أو في بقايا المدن
05
المدينة قد لا تقول كلاما
وقليلا من الشاي في جلسة للتوحد
قد لا تزيل التعب
المدينة غارقة في اللعب
والتشكل في الغياب ،
يمدّ الأغاني على وشوشات الرؤى
حين يحلو الطرب
06
المدينة ساحة للغناء المعلب
تفسد ذوقك ، يجرحك الكبرياء
فتمضي تعانق حلمك ممتطيا
جرحك ،
جرحك جرحهم ؛
حين يأتي الضباب على رمل هذي الخطى
وأرى القلب متّشحا بالسواد
هنا ساحة الرمل ، والحب ساحتهم
للغياب الجميل .
وساحتنا للتفلسف يبدأ رحلتَه الحزنُ
يبدأ من نبضنا فرحا تسقط الآن
أزمنة للبكاء، وآخرى على رقصة
تستبيح الخطى
تتأوه أرصفة المدن النائمة
أستفيق ؛ تنامين متعبة، وعلى جرح قلبي
تحط العصافير ،كي ترتوي بالغناء
07
ربّما قد يكون الصباح
بداية جرح قديم بداية أزمنة للطفولة
أزمنة للتصحر ، أزمنة للبكاء
شعراء المغرب العربي >> عزوز عقيل >> الأفعى
الأفعى
رقم القصيدة : 66137
-----------------------------------
وتغير وجهتها كلما التقينا
على ضفة الجرح ، ناديتها
إيه يا بلسم الروح
يا منتهى المشتهى
حرفها كالشذى ، يخرج الآن عكازه
ألف ثم ميم(63/357)
وآخر حرف أنا لن أبوح به
هاؤها للوقوف بداياتنا عسل للكلام
وآخره جرح أنثى وما بين قوسين < أفعى >
أنا أشتهيها
إذا سيذوب الكلام ويبتلع الكون أسراره
أشتهيها إذا ستغني العصافير
يرقص في حقلنا الورد
يفتح شباكه للجنون الجميل
أنا أشتهيها
إذن سأموت وفي القلب تذكرة للرحيل
أموت وفي القلب سجادة المنتهى
يحتويني الخريف وتلفظني الأرصفة
هي ذاكرة من زمان بعيد
تحاصرني بالمواجع تقتلني بالشذى
فأسيجها بخيوط الحرير
أشكلها قبلة للحمام
أنا أشتهيها وأدرك أن النساء أغاني
وأدرك أن صيرتني ترابا تصير خرابا
فيفضحا العمر
تفضحها السنوات
فتأتي على صهوة الحلم مكبلة
بالرؤى ..
بالشذى ..
بالندى ...
بالدموع السجال
هي ذي باقة للتناقض
حين تجيئك راكضة للوراء
فتفضحها الفلسفات
تعود إلى واقع من ضباب
يخاصمها العمر ثانية
يتفنن في ترك بعض التجاعيد في وجهها
سنة قد مضت
ثم عام وها نحن نرجع للبدء ثانية
يا ترى ، كيف أبدأ خيط الحكاية
كيف أجيء...
وفي القلب شرح كبير
يحاصرني بالتريث
يهمس لي ، أنت تعشقها
أتأوه ، أسترجع الآن بعضا من النفس
بعضا من الوقت في زمن ضائع
أخرج الخاتم الذهبي من العلبة الآن كي أتفحصه
أفرك عيني فيه
أراها مسيجة بالخطيئة
موغلة في النفاق الجميل
فأغمض عيني ثانية
أتسلح بالنوم بعضا من الوقت
كي أبدأ الآن رحلة بحث
تفاجئني في المنام فتسألني
كم من العمر ضيعت في البحث عني
فضعت ، وضيعتني
ثم هذي الأنامل ليست لوضع الخواتم
بل لحساب الذي قد تبقى من العمر
أسألها :
ولم لا تكون لما قد مضى ؟
ثم أدرك أن السؤال غبي
وأن الرجال إذا ما أحبوا
أشد غباء ..
أشد غباء
شعراء المغرب العربي >> عزوز عقيل >> عزوز
عزوز
رقم القصيدة : 66138
-----------------------------------
وهج الليالي إذا ما الحزن يبديه
أم طيف جنة بت الليل أحكيه
جنات عدن أم الجنات يا وطني
تنأى بعيدا تزيد الجرح تكويه
قد قيل ولى زمان الحب يا وطني
فكيف ، كيف أداري الجرح أخفيه(63/358)
ذا قلبها أم تراه البحر في غضب
يحكي المواجع إن طالت لياليه
عزوز كم من فتاة كنت تعرفها
واليوم وحدك لا طيفا تناجيه
حتى التي قلت إن القلب أسكنها
استبدلتك بيوم لم تعد فيه
شعراء المغرب العربي >> عزوز عقيل >> محكمة
محكمة
رقم القصيدة : 66139
-----------------------------------
يا قاضي العشاق جئتك شاكيا
من حب أنثى هيجت أوجاعيا
أو كلما قلت اقتربنا خطوة
تزداد بعداً كي تطيل لياليا
سأظل دوما كالطيور محلقا
أرمي جناحي فوقها متساميا
وظللت أرسم حين غابت فجأة
قلبا تمزق ثم أمطر باكيا
والكل يعلم يا حبيبي أنك
إذ ما طلبت أجيء عندك حافيا
فلما الجفاء لما الغياب أيا أنا
قالت جميل أن تظل ورائيا
نظرت إلى القاضي فأرسل بسمة
فعلمت أني سوف أرجع باكيا
شعراء المغرب العربي >> عزوز عقيل >> محطات
محطات
رقم القصيدة : 66140
-----------------------------------
المحطة الاولى
وحدها الساقية
تعرف الآن سرك
تعرف أحزانك الباقية
والرحيل المفاجىء
علمها كيف تسقى
حقول البنفسج من دمعة حامية
المحطة الثانية:
من يحدثني يا ترى
عن عيون المها
عن عيون الحجل
هكذا دون وعد
ترحل يا أبتي في عجل
المحطة الثالثة:
أبتي والخريف
مثل صفصافة
أسقطتها الرياح
على ربوة العمر
كي يحتويها الرصيف
المحطة الرابعة:
مالذي نرتجيه إذا
من قدوم القمر
مالذي تشتهيه السماء
إذا حل أيلول هذا المساء
أبتي متعب
وأنا لم أعد قادرا
كي أقاوم هذا السهر
المحطة الخامسة :
يا رسول الحمام
لم أعد أشتهي أن تحدثني
عن حكايا الغرام
يا رسول الحمام
هل أنبئك الآن تأويل
حلم قديم روته الأساطير
من ألف عام
شعراء العراق والشام >> مازن دويكات >> نجمة شكيم
نجمة شكيم
رقم القصيدة : 66141
-----------------------------------
قبل أن يولدُ في الكون أحدْ
حملتنا الأرضُ في هودجها، فاتحةُ العهد القديم
قبل أن يُعجن من صلصالها الغالي جسدْ
قبل أن يحبو على مصطبة العالم، بنتٌ وولدْ(63/359)
قال رب الكون كوني جبل النار
وكانت لي بلدْ
هبطتْ يحملها جنحانْ، عيبالُ وجرزيم
وهنا ثبتها كنعانْ، والاسم: شكيم.
يدُ أمي أم يدُ الوردةِ
حطتْ فوقَ جرحي في مساء القتلةْ
أخرج الآن إلى باب النهايات
وأمشي في صراط المدن المشتعلةْ
من يدي تنبجسُ الغيمةُ برداً وسلاماً
ونشيداً دموياً وخزامى
هو ذا عرسُ دمي
وأنا وحدي أغني، بجراحي وحدها، لا بفمي
أعبرُ حقل القطن من باب البدايات
إلى نابلس المحتملة
وأرى ما لا يُرى والريح مرة
رقصة الجند على إيقاع تدمير البيوتْ
سيموتون كما نحن نموتْ
أول الموت لنا، في البدء كانت
بذرة الموت على الأرضِ عناقيدُ مسرة
آخر الموت لهم، لا
لن يمس الأرض عشب القتلة
لن يعودون وإن عاشوا وماتوا ألف مرة
لن يعودون، وهذا ما تبقى من صراطي المستقيم
ليمت عشرون جلاداً
على بابك يا أمي شكيم
ثم تحيا في بلادي سنبلة
أيها القاتل ماذا لو توقفت قليلاً
ربما تنجو ولم تسقط قتيلا
بدمائي المقبلة
آه أمي
كل ما أذكره من مصرعي
أنني عشت وعشتين معي
نجمة كاملة مكتملة
شعراء العراق والشام >> مازن دويكات >> تشكيل
تشكيل
رقم القصيدة : 66142
-----------------------------------
إمرأةٌ ومدينة
أمان لطفل
مست روح الله جنينه
فأضاءت في الليل جبينه
هو ذا المولود على حجر الضوء
تعثر في الحبو
مد أصابعه الخمس
فكّك في درب الآلام كمينه
جسد مطعونْ
ما زال ينز دماً بين رحى الطاعونْ
هذي الحنطة أمٌ
كانت ترفوا بالإبرة شال العرسْ
سقطت إبرتُها في القبو
فأضاءت في الليل قباب القدسْ
كتم المصلوب أنينه
قام يحاول
من ثقب الإبرة دفع فلسطينه
فاءٌ ...... لامٌ ...... سين في الطرف الآخر
بأن النصف أمام صيارفة الفلسْ
لا شيء تبقّى بين أصابعه الخمسْ
غيرُ الطينة
شكلها ثانية وطناً مكتملاً
شعراء العراق والشام >> مازن دويكات >> شهداء
شهداء
رقم القصيدة : 66143
-----------------------------------
الفتيةُ الآتون منْ
وجعِ المخيمِ والمدائنِ والقرى(63/360)
والصاعدون إلى الأَعالي والذُرى
لم يطوا أجنحَةِ الوصولْ
لم يمسحوا دمهم
عن القمصان بعد،
كأنهم بمهمةِ أخرى بأطراف الحقولْ
الفتية المتجذرين بسرة الأرض الصغيرة
يأتون سرباً للضباء
ينسقون ورودهم فوق المداخلِ
دائماً تأتي وتهجعُ في جراحكمو الفصول
على أي حبلٍ أو ضفيرة
سوف تهبط من علٍ
في حضن أمك أيها الولد الخجولْ؟
دمهم براق الأرضِ، والوطن البعيدِ
بدا
على مرمى دمٍ
بين الرصاصةِ والوريدِ
طوبى لمن صعدوا
لكي يصلوا بنا
أقصى وصخرة قدسهم
خضراء غرفة نومهم
خضراء، لا أحدٌ هنا
في السدرةِ الخضراءَ ينعسْ
عما قليلٍ يخرجون كما تركناهم
بساحة عرسهم
وعلى الأصابع أورقت
أشتالُ حنّاءٍ مقدسْ
لَم يسقطوا أبدا
ولم يمضوا سدى
أصغي وإيقاع الخطى
"نهوند" يعزفه لنا
جسدٌ عفيْ
إنني أراهم جالسين أمامنا
في أولِ الصفِ الخفيْ.
شعراء العراق والشام >> مازن دويكات >> ضفاف
ضفاف
رقم القصيدة : 66144
-----------------------------------
ضفاف
سمائي بلا سحبٍ وسنيني عجافْ
وليس بخابية الروحِ سبعُ سنابل
أولمها في زمان الجفافْ
ومن زمنٍ منجلي لم يسرّحْ
جدائل قمحِ الحقول
ولا رقَّص الحاصِدين
بعيد القطاف
ورغم المجاعة في وطني
أشتهى أن أكونَ بلا قدمين
لكي لا أغادر هذي الضفافْ
وأن لا أكون بكفٍ وخمسِ أصابعَ
كي لا أوقع صك اعتراف
بمن قتل العاشقين
وعطّلَ هذا الزفافْ.
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سفر أيوب
سفر أيوب
رقم القصيدة : 66147
-----------------------------------
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
*****
شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:
لك الحمد، إن الرزايا ندى(63/361)
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيب
هداياك مقبولة. هاتها
*****
أشد جراحي وأهتف
بالعائدين:
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك
جميل هو الليل أصداء يوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء:
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> طوفان تسونامي
طوفان تسونامي
رقم القصيدة : 66152
-----------------------------------
زَلْزِلي يا " بِحَار " وابْتَلِعي الأرْ
ضَ وأَلْقي مِنْ جَوْفِكَ الأَهْوالا
أطْلقي الموْجَ كالجبال تَدَافعْـ
ـنَ جِبالاً تَعْلُو وتَهْوي جِبالا
واعْصفي يا " بِحَارُ " بالموتِ هُبِّي
بالأعاصير تَسْحقُ الأجْْيالا
هاهُنا أمْسِ كان خلْقٌ كثيرٌ
أينَ غابوا ؟! فكلّ شيءٍ زالا
* * **** * *
فاجَأتْهُمْ عواصِفٌ فاسْتَداروا
لِنَجاةٍ فَمَا أَصَابُوا مَنَالا
والتطامُ الأمْواج ! يَجْرُفُ دُنْيَا
هُمْ ! وعَصْفُ الآفاق هاجَ وجالا
ودويٌّ تَراهُ يَزْحَفُ بالْمَوْ
تِ فَيُلْقِي الهلاكَ والأَوْجالا
أيّ زَحْفٍ تَرَاُه يَقْتَلِعُ البُنْيَـ
ــانَ والأهْلَ ! يَخْطَفُ الآجَالا
يا لَهَوْلٍ تَرَاهُ يَجْتَاحُ أَقْطا
راً وَيَمْتدّ فِتْنَةً ونَكَالا
مَلأَ الهَوْلُ كُلَّ دارٍ أَتَاها
أَنْدُنِسْيا والهِنْدَ والصُّومالا
ورَوابِي سِرْلَنْك ! تيْلندَ ! تَبْكِي
كُلُّها الدَّارَ والرُّبَى والرِّجالا
فُجِّرَتْ تِلْكُمُ البِحارُ وجُنَّتْ
غَضَباً جَاوزَ الرُؤى والخَيالا
ورَمَى جَوْفُها القذائِفَ أَمْوا
جاً تَوالَتْ وَ أَعْوَلَتْ إِعْوالا
وَعَلَتْ في الفضاءِ أيّ عُلوٍّ
حَمَلتْ في عُلُوِّها الأحْمَالا
وَهَوَتْ تَنْشُر البلاء بَلاءً(63/362)
حيث تَهْوي وتَنْثُُرُ الأطْلالا
وتَراها كَأنَّها البَرْقُ مرَّت
تَخْطفُ الخَلْقَ والنُّفوسَ اغتيالا
تَنْزِعُ النَّاسَ للفضاءِ وترميْ
يا لَهْولٍ يُرَوِّعُ الأهْوالا
مُزِّقِوا ثُمَّ غُيِّبِوا بين أَطْلا
لٍ يُنَاجُون تِلْكُمُ الأطلالا
وأَمَانٍ تَنَاثَرَتْ وتَنَاءَتْ
وهي تَبْكي دِيَارها والآلا
وطُلُولٍ مَن المنازِل ألْقَتْ
بَيْنها ما حَوتْه والأثْقَالا
وبَقاياالأجسام! واخْتَلط الشـ
ـيء مع الشيء ! لا ترى أَشْكالا
وزوايا مِن الأثاث ، وأحْْجَا
رٌ ، وشيء تَظَنُّه أَسْمالا
مِنْظر يَخْطَفُ النُّفوس ويُلْقي
بين أحَنَائها أسىً وابْتهالا
وخُشَوعاً وخَشْيةً يَرْجفُ القلـ
ـبُ لديْها وعَبْرةً تَتَوالى
* * **** * *
لَهفَ نفسي ! على المناظِرِ تَطْوي
شَبَحَ الموتِ رَهْبَةً وجَلالا
هَا هُنا كَانت الدُّروب ضَجيجاً
بيْنَها النَّاس يَلْهثُون عِجالا
ويحَ نفسي كَأنَّهمْ في سباقٍ
أَطْلقوا فيه للهوى الآمالا
ها هنا كانت العمائر تَعْلُو
ناطحاتٍ تَتِيهُ فيه اختيالا
جَهِلوا أنَّ في الحياة غيوباً
تفجأُ النَّاسَ رهْبَةً ووَبَالا
كلُّ أَمْرٍ يدورُ في الكَوْن يَمْضي
قَدراً غَالِباً وأوفى منَالا(1)
* * **** * *
ها هُنا كانتِ الحياةُ رِغَاباً
هَائِجَاتٍ وشَهْوَةً تَتَوالى
مُتَعٌ في الحياةِ هَيَّجْنَها أشـ
ـعَلْنَ فيها أَشواقَها إشعالا
أسْكَرتْهُمْ مَعَ الهَوى شَهَواتٌ
وَرَمَتْهمْ في تِيِهها جُهَّالا
فَنَسُوا غايةَ الحياة وضجُّوا
بَيْنَ سَاحاتِ لَهْوِهمْ أَرْتَالا
فإذا حُمَّ في الدِّيارِ قَضاءٌ
أَخذَ الصَّالحين والضُّلالا
أخذَ الصَّالحين لمَّا تغَافَوْا
عن وَفاءٍ وَأَغْفَلُوا إِغْفَالا
* * **** * *
أَقْبلَ المَوْجُ بالهلاك وضَجّتْ
مِنهُ سَاحٌ وزُلْزِلَتْ زِلْزالا
لَمْ يَدَعْ دونَه على الأرض شيئاً
خَلَّفَ الأرضَ كَوْمةً وَتِلالا
ودَنَا زَحْفُهُ هُنالكَ حَتَّى
بَان لله مِسْجدٌ يَتَعالى(63/363)
مِسْجدٌ مُشْرِقٌ على الأرض آيٌ
يَنْشُر النُّور والهُدى والجَمالا
كُلُّ شَيءٍ سِواه أَضْحَى يَبَاباً
وهُو بالحقِّ نُورُه يتَلالا
هَدَأتْ دونه الأعاصيرُ والمَوْ
جُ وأَهْوَتْ أَمَاَمَه إجْلالا
وتنحَّتْ عَنْه هُنَاك وَ غَابَتْ
ثُمَّ رَاحَتْ تُحدِّثُ الأَجْيالا
إنَّها آيةٌ من الله حقَّاً
صَدقَتْ عِبْرَةً وصَحَّتْ مقالا
* * **** * *
حَدَِّثي " إتشُ " ما دهاكِ فَأْلقى
فيك شرَّاً يَسْتفْحِل استفحالا
أَينَ أبْناؤكِ الذين تَولَّوا
ثُمَّ غَابُوا واسْتُؤْصِلوا اسْتِئْصالا
أَمِئاتُ الألوف غَابُوا مَعَ الموْ
جِ شُيوخاً ونِسْوةً ورجالا
وشَباباً ! والموت يَبْتلعُ النَّا
سَ ويُرْدِي الشَّباب والأطْفَالا
كَمْ يتيمٍ يتيهُ في الأرض يَلْقَى
دونَهُ يُتَّماً قَضَوْا وثكالى
* * **** * *
وَرَضيعٌ مَضى تَقاذَفَهُ الموْ
جُ ! وأُمُّ تُصَارِعُ الأَهْوالا
حَمَلَتْه الأَمْواجُ حتَّى رَمَتْه
فوقَ لوحٍ فَظلََّ آمَنَ حالا
ثُمَّ أَلْقَتْهُ للشَّواطئ ! لا يَدْ
ري أَيَلْقى أُمَومةً أو آلا
قد رَعَتْهُ عِنايةُ الله ! تَرْعَى
كُلُّ شيءٍ إذا غَفَا أو جَالا
إنَّها آيةٌ من الله تُلْقِي
نُذُرَاً لِلْوَرَى وتُوقِظُ بالا
* * **** * *
لو تَرى الطَّفلَ كَيْف يَقْذِفُه الموْ
جُ فَيَلْقى من الحياة مَجالا
حَمَلتْهُ عِنايةُ الله حَتَّى
أَسْكَنَتْهُ بينَ الغُصونِ ظِلالا
آيةٌ بعدَ آيةٍ في السَّموا
تِ وفي الأرض لم تَزَلْ تَتَوالى
قَدَرٌ غالبٌ وحكمةُ خَلا
قٍ وعدْلٌ يُقَدِّرُ الأحْوالا
سُنَّةُ اللهِ في الحياة تراها
كَمْ تسوقُ الآياتِ والأمثالا
* * **** * *
ذِكْرياتُ الطُّوفان غابتْ كأنْ لَمْ
يَذُقِ النَّاسُ عِنْدَها الأنْكالا
خَدَرٌ في العُروقِ يُنْسِي ولَهْوٌ
يَطْرَحُ النَّاسَ نُوَّماً وكُسَالى
يَنْزِعُ العَزْمَ مِنْ نُفوسٍ ويُبْقي
بَيْنَ أَحْنائِها الهَوانَ وَبَالا
أيُّ شيءٍ أشَدُّ هَوْلاً أَطُوْفا(63/364)
نٌ يَبُثُّ الدَّمارَ والأطلالا ؟!
أمْ تُراه الطُّوفانُ يَنْشُر في الأرْ
ضِ فَسَاداً وفِتْنَةً وضَلالا ؟!
فِتْنَةُ النَّاسِ عن هُدى اللهِ تُلْقي
فيهِمُ فِتْنَةً أشدَّ نَكَالا
* * **** * *
مَنْ تُرَاهُ يَهُبُّ للنَّاس يُلْقي
فَيْضَ أَحْنَائِهِ يَداً ونَوالا
مَنْ يُغيثُ الملْهُوفَ في خَشْيَةٍ للّـ
ـهِ يَرْجُو إلى النَّجَاةِ مَآلا
مَنْ تُراهُ يَردُّ دَمْعةَ طِفْلٍ
أوْ يَتيمٍ مُشَرَّدٍ قَدْ عَالا
مَنْ تُراهُ يَسُدُّ جوع فَقيرٍ
أَوْ يُدَواي القلُوبَ والأحْوالا
ليسَ كالمؤمن التقيِّ مُغيثاً
لِعيال الرَّحْمَنِ يُصْلِحُ بَالا
إِنَّما الخَلْقُ كُلُّهُمْ أَيُّها النَّا
سُ عِيالٌ للهِ فَارْعَوْا عِيالا
كَيْفَ تدعو للهِ تُغْدِقُ بالْوَعْـ
ـظِ ولا تُوهِبُ النُّفوسَ وِصَالا
كَيْفَ لا تكْسب القلوبَ بِمَعْرُو
فٍ وإِحْسَانٍ يَفْتَحُ الأقْفَالا
أَيُّها المؤمنونَ أَنْتُمْ أَحَقُّ النْـ
ـناسِ أوفُوا العُهودَ والآمالا
* * **** * *
الرياض
1/1/1426هـ
10/2/2005م
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> صِدْقُ الوَفَاءِ
صِدْقُ الوَفَاءِ
رقم القصيدة : 66153
-----------------------------------
ما كان لِله مِنْ وُدٍّ ومِنْ صِلَةٍ
يَظلُّ في زَحْمَةِ الأَيَّامِ مَوْصُولا
يظلُّ ريّانَ مِنْ صِدقِ الوَفاءِ بِه
يُغْني الحياةَ هُدىً قد كان مأمولا
كأنّه الزّهَرُ الفوَّاحُ روضتُه
هذي الحَياةُ يَمُدُّ العُمْر تجميلا
ما أَجْملَ العُمرَ في بِرّ الوفاءِ وما
أَحْلى أَمانيه تقديراً وتفعيلا
وما يكون لِغَيْر الله لا عَجَبٌ
إِذا تَغَيَّرَ تقطيعاً وتبْديلا
لا يُفسِد الودّ مِثْلُ الظنِّ يَفْتَحُ مِنْ
شَرٍّ ولا يَرْتضي للخَيْر تَعْليلا
يَظَلُّ يُغلِقُ أَبوابَ الرضا غضباً
جَهْلاً وينشُر إِفساداً وتَضْليلا
تُبْنَى المودَّةُ مِنْ جُهْدِ السّنينَ رضاً
ويَهْدِمُ الظنُّ ما نَبْنِيه تَعْجِيلا(63/365)
وتُشْرِقُ النَّفسُ من نُور الهُدى أَملاً
حقّاً ويمْلؤُهُا ظنُّ الهوى قَيلا
يَظلُّ بالظنِّ صَدْرُ المرءِ مُضطرباً
" بالقيل والقال " تَحْويراً و تأوِيلا
يَجْلو التَّبَيُّنُ ما في الصَّدرِ من رِيَبٍ
ويحفظُ الودَّ مَجْلوّاً ومأمولا
يَبْني التُّقى النُّصحَ بين الناس نَهْجَ وَفَا
ويَحْسب الظنُّ نهجَ النصح تجهيلا
يظَلُّ بِالنُّصْحِ حَبْلُ الوُدِّ مُتَّصِلاً
بِراً وصَفْواً وإحساناً وتنْوِيلا
كمْ مَزّق الظنُّ مَنْ قَدْ كَانَ يجمعهم
صدقُ الهُدى ووفاءً كان مبذولاً
حَالتْ بِهِمْ صُورُ الأيّام واخْتلفَتْ
بِهِمْ ليالٍ وعاد الحبْل مَبْتُولا
وكيف يَصْدقُ ظَنٌ دُونَ بَيِّنَةٍ
تردُّ من شُبْهةٍ ،تَنْفي الأقَاويلا
هذا هو الدِّين والإِيمانُ بَيَّنَهُ
لنا الكتابُ بياناً ليس مجهولاً
فأيْنَ ، ويْحيَ ، أنْداءُ الظِّلال وقَدْ
سَرَى النَّسيمُ بها بُشرى وتهْليلا
تُلقي النَّميمةُ أَلوانَ الفسادِ وقد
تُخْفي الحقيقةَ تزويراً وتهويلاً
تُزَيِّنَ الشرَّ بين الناسِ ! تَقْطَعُ من
وشائجٍ ! تَقْتُل الإنسانَ تقتيلاَ
ما بين غِيْبةِ مُغْتابٍ وفِرْيَتِهِ
تفرّقَ الناسُ تشتيتاً وتضليلا
تمزَّقت رِحمٌ مَوْصُولةٌ بِهِمِ
فَبَاتَ لحْمُهُمُ مَيْتاً ومأكولا
نُعْمى مِن الله !حُسْنُ الظنّ بابُ تُقىً
يُدني الحقيقْة أو يَنْفي الأباطيلا
وإِنَّه الصِّدقُ يَجْلو كُلَّ خَافيةٍ
ويُنْزِلُ الحقَّ في الأَحْناءِ تَنْزيلا
صدقٌ ونُصْحٌ وصَفْوٌ في النفوس بَدَا
عَزْماً يَظَلُّ مَعَ الإيمانِ مَبْذولا
لا يَربْطُ النَّاسَ في الإسلام غَيْر عُرى
عَهْدٍ توثَّقَ تكريماً وتفضيلا
عَهْدٍ مع الله شَدَّتهُ النّفوسُ تُقىً
جيلاً يَمُدُّ على حَبْل الوفا جيلا
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> حب ووفاء
حب ووفاء
رقم القصيدة : 66154
-----------------------------------
حَنَانَيْك ! ما أَحْلى الوَفَاءَ وعِطْرَهُ
إِذا نَشَرَتْهُ مُهْجَةٌ وسَرَائِرُ(63/366)
وما أَجْمَلَ الأيَّامَ زهْوُ عَطائِها
حَنانٌ وأَشْوَاقٌ زَهَتْ وبَوَادرُ
وما أَحْسَنَ الدُّنْيَا إِذَا الحُبُّ نَفْحَة
يَمُوجُ بهَا بِرٌّ غَنيٌّ وطاهِرُ
وما أَعظَمَ الحبَّ الغَنيَّ ، ونبْعُهُ
يَقينٌ وإِيمانٌ جَلَتْهُ المآثِرُ
هو الحُبُّ نَبعٌ لا يَغيضُ فتَرْتَوي
نُفُوسٌ وتُروَى لهْفَةٌ ومَشاعِرُ
هو النّبْعُ : حُبُّ الله ، حُبُّ رَسُوِلِهِ
إِذَا صَحَّ روَّى الكونَ والنّبْعُ زَاخِرُ
فَتُرْوَى بِهِ خُضْرُ الرِّياضِ وَوَرْدَةٌ
وتُرْوَى بَوادٍ بعدها وحواضرُ
وتمْضِي به حُلْوْ النَّسَائم والنَّدى
ويَنْشُرُه في سَاحِرِ اللّحْنِ طائِرُ
حَنَانَيْك ! هذا الحبُّ بِّرٌّ ورَحْمَةٌ
ولُحْمَةُ أَرْحَامٍ نَمَتْ وأواصِرُ
وصُحْبَةُ إِخْوانٍ تَدُومُ مَعَ التُّقى
وعَدْلٌ مَعَ الإِنْسَانِ مَاضٍ وقادرُ
وأَجْمَلُهُ بَيْتٌ عُرَاهُ مَوَدَّةٌ
لَهَا سَكُنٌ حانٍ عَلَيْهِ وناشِرُ
تُظلِّلُهُ الأَنْداءُ رَيّاً ورَحْمَةً
ويَحْفَظُه خَيرٌ مِنَ الله عَامِرُ
تَمُوجُ به الأَنْوارُ بَيْنَ رِحَابِهِ
فَتَنْشَأُ فِتيانٌ به وحَرائِرُ
شَبابٌ أَشِدّاءٌ كأَنَّ وجوهَهم
من النُّور صُبْحٌ مَشْرِقُ الأُفْقِ ظاهِرُ
وتُتْلَى به الآيَاتُ نُوراً وحكمةً
فتنشأ فِيه حانِياتٌ نَوَاضِرُ
هي الأُمُّ يَرعَى لَهْفَة الشَّوق بَعْلها
وبيتاً وأَجْيالاً رَعَتْها المَفَاخِرُ
هو الأَبُ قوَّامٌ مَعَ الرشْدِ بَذلُهُ
ولِلأبِ حَقٌّ بالقِوامَةِ ظَاهِرُ
ويَجْمَعُهُمْ في البَيْتِ حُبٌّ كَأَنَّه
رَفِيقُ النَّدى ظِلٌّ هِنيءٌ ووافِرُ
هو الحُبُّ أَشواقٌ هُناكَ ولَهْفَةٌ
يموجُ بِهَا قَلْبٌ وفيٌّ وَخَاطرُ
نَقِيٌّ كأنْفَاسِ الصَّباحِ ، رَفِيفُه
غَنِيٌّ كَدَفْقِ النُّور ، في القَلْب عَامِرُ
كَأَنّ فَتِيتَ المِسْكِ مِنْه ، أو أنَّهُ
من الْعَبَقِ الفَوّاحِ ورْدٌ وزَاهِرُ
كأَنّ النّسيم الحُلْوَ خفْقُ حَنينه
ورفُّ النَّدَى مِنْهُ غَنيٌّ وناضِرُ(63/367)
هو البيْتُ ! إِن أَعْدَدْته كان أُمَّةً
لها في مَيَادينِ الحَيَاةِ البشائِرُ
مَضَينَا نَشُقُ الدّربَ شَقّاً ونعتَلي
صُخُوراً ونمضي دُونَها ونُغَامِرُ
يَعَضُّ عليْنا الشوكُ تَدْمي به الخُطا
وتَدْمي به أَكبَادُنُا والنَّواظِرُ
يَقودُ خُطانَا مِنْ هُدَى الحقِّ دِينُنَا
وأفئِدةٌ تُجْلَى به وبَصَائِرُ
وعَهْدٌ مَعَ الرَّحْمن أَبْلَجُ نورهُ
تَدَفَّقَ فانْزاحَتْ بِذاك الدّياجِرُ
تدورُ بِنَا الآفَاقُ حَيْرَى يَروعُهَا
دماءٌ على سَاحَاتِهَا ومَجَازرُ
فتلك دِيارُ المُسْلمين تَواثبَتْ
ذئابٌ عَليْها أو وُحُوشٌ كَواسِرُ
تُمزِّقُ أرضاً أَو تُمزِّقُ أُمَّةً
وأَشلاؤُها في الخافقين تَنَاثَرُ
تَنوَّعَتِ الآلام : أحْزَانُ أُمَّةٍ
وأَهواءُ قومٍ لوَّثَتْهم مَعَايِرُ
فكم غَادَرَ الدّرْبَ السَّويَّ أَخُو هوىً
يُطاردُ أشْبَاحَ الهَوىَ وهو سَادِرُ
وظَلَّ على العَهْدِ النَّقيِّ أَجِلَّةُ
لآلئُ مِنْ صَفْو الوَفَاءِ جَواهِرُ
حنانَيْك ! هذا الدَّرب نحْملُ دُونَهُ
رسَالَةَ تَوحِيد جَلَتْها المقادِرُ
سنَمْضي بإذن الله نُوفي بِعَهْدنا
مَعَ الله مَهْمَا رَوَّعَتْنَا المخاطِرُ
يُضيء لَنَا نُورُ اليَقِين سَبيلَنَا
فَتَنْزاحُ عَنَّا غُمَّةٌ وعَوَاثِرُ
هُوَ الحُبِّ مِنْ نَبْعِ الصَّفَاءِ رُوَاؤه
تَمُوجُ بِه أَحْناؤنا والضمائِرُ
فهذا جَمَالُ الحُبِّ هذا جَلالُه
رَعَاهُ وزكَّاهُ الجِهادُ المثابِرُ
فما العُمْرُ إلاَّ رَوْضَةُ وغراسها
جِهادٌ غَنيُّ بالعطاءِ وناشرُ
حَنَانيكِ ! كَمْ جُرح ضَمَدتِ وأنَّةٍ
مَسَحْتِ وهَمٍّ في الفؤادِ يُدَاورُ
وكَمْ كَان مِنْ رأي رشيدٍ بَذَلِتِه
فأطْلَقَه ُ قَلْبُ ذَكيُّ وخَاطِرُ
وَكمْ لَيْلَةٍ قد بِتُّ أَرعى نَجْومها
فيطْرُقُني هَمّ وهَمُّ وآخَرُ
فَشَارَكتني همّي حَناناً وحكْمِةً
وقُمنا بِذكر الله تُجلى الخَوَاطِرُ
ضَرَعْنا إلى الرَّحمن سِرّاً وجهرةً(63/368)
فَقَلبٌ يُنَاجِي أو لِسَانٌ يُجِاهِرُ
فَزَعْنا إِلى أَمن الصلاة وأَمْنُها
خُشوعٌ وهاتِيكَ الدّمُوع المواطِرُ
مَضينا نشُقُّ الدَرْبَ والصَّخْرُ دونَنَا
وأَشواكُهُ ، والله حَامٍ وناصِرُ
ومَنْ يتَّقِ الرَّحمن يَنْجُ ومَنْ يَخُنْ
مَعَ الله عهْداً لَمْ تَدَعْهُ الفواقِرُ
ولا يَصْدُقُ الإيمَانُ إِلاَّ إِذا جرى
هواه لِيَرْعَى الحقَّ والحقَُّ ظاهِرُ
وَهَذا جَلالُ الحُبِّ يَمضي به الفَتى
فَتُرْوَى به الدُّنْيا وتُرْوَى الضّمائِرُ
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> حب ووفاء 2
حب ووفاء 2
رقم القصيدة : 66155
-----------------------------------
الأوَّل :
بَحَثْتُ عَنِ الوَفاءِ فَلمْ أَجِدْهُ
عَلَى شَرَفٍ ولا في بَطْنِ وَادي
ولا بيْنَ السّهولِ ولا الرَّوابي
ولا بَيْنَ الحَواضِرِ والبَوَادي
ولا بَيْنَ المنازِلِ والحَوَاري
على طول المرابعِ والبلادِ
عجِبْتُ وكُلمّا صادَقْتُ خِلاٍّ
سأَلتُ أصاحِبٌ ذا أم مُعَادي
وَحِرتُ مَعَ المُنافِق ، كَمْ جَهولٍ
يَظنُّ نِفاقَهُ فِطَنَ الرَّشَادِ
ومَهْما جُدتَ بالمعروفِ سَمْحاً
تُسَوَّدُ عِنْدَه بيضُ الأَيادي
فَلا حَذَرٌ ولا الإِحْسَانُ يُجْدي
ولا صَفْوُ المحبَّة والوِدادِ
يُجمِّع مِنْ سَوادِ اللَّيْلِ مكْراً
ويَنْشُر في الصَّبَاح مِنَ السّوادِ
عَجِبْتُ وكُلمَّا آنسْتُ ودَّاً
وشِمْتُ بَوَادِرَ الرَّجُلِ الجَوادِ
رَجعْتُ وخِنجَرٌ مِنْه بظهري
يُمَزِّقُ في الضّلُوعِ وفي الفُؤَادِ
الثاني :
روَيدَكَ يا أَخي ! بَالغْتَ حَقّاً
وتُهْتَ عَنِ الحَقيقَة والسَّدَادِ
أيُعْقَلُ أَنْ تكون الأَرْضُ خِلْواً
مِن الأَبْرَارِ أوْ أنْوارِ هَادي
ويَعْبَثُ في مَحارِمِها ذِئابٌ
ويَعْبَثُ في المرابِع كُلُّ عَادِ
ألم تعْلَمْ بأنّ الله أبْقَى
رِجالاً للهدايَةِ والرَّشادِ
وطائفةً مَعَ الأيامِ تَمْضي
عَلى عَبَقٍ مُظَفّرَةَ الجِهادِ
كأنَّ المسكَ بعضُ شذى هُداها(63/369)
أزاهِرُ فوّحَتْ في كلِّ نادِ
هُمُ الغَيثُ المنَزَّلُ في الرَّوابي
إِذا ما أَجْدَبَتْ خُضرُ النِّجادِ
فتهتَزُّ الرُّبَى زَهَراً وتَغْنَى
وتزْخَرُ بالعَطَاءِ وبالحصَادِ
هُمُ الأَمَل المنوِّرُ ما ادْلهِّمتْ
لَيالٍ بالنوازِل والعَوَادي
هُمُ البُشْرى إِذا يَئِستْ نُفُوسٌ
وغَابَتْ في التعلُّلِ والرُّقادِ
كَأنَّ وفاءَهم غَيْثٌ مُغِيثٌ
تُرَوَّى منه أكْبادٌ صَوَادِي
أولئك جُودُهم ودٌّ مصفّى
أَبَرُّ فلا يُخالَطُ بالفَسَادِ
لَقَدْ أوفَوْا مَعَ الرحمن عَهْداً
فطابَ وَفاؤهُمْ بَيْنَ العِبادِ
فكيفَ تَرُومُ مِن قومٍ وَفاءً
وتطلبُ مِنْهُمُ صفْوَ الوِدادِ
وقد نكَثُوا العُهودَ وضَيَّعُوها
وَمَا صَدَقوا بِهاربَّ العِبادِ
الأول :
صَدَقْتَ أَخِي ! نَصَحْتَ وقُلْتَ حقَّاً
وجِئتَ إِليَّ بالدُّرَرِ الجِيادِ
جَزَاك الله عَنّا كُلَّ خَيْرٍ
وزادَكَ مِنْ هُداهُ بِخَيْر زَادِ
سَيْبقَى في الحَياة أَخُو وَفاءٍ
يُمْحَّصُ بَيْنَ أحداثٍ شِدادِ
ويَبْقَى في الحياة رِجَالُ غدر
وأَهْلُ خَديِعة وحُشودُ عادِ
ليُبْلَى بَعضُهُمْ حقّاً ببعضٍ
ويُعْلَمَ كلُّ مخْفِيٍّ وبادِ
فيُوْخَذَ خائِنٌ حيناً ويُمْلَى
لهُ حِيناً ليَهْلِكَ بالتمادي
وتمضِيَ سُنّةٌ للهِ فِينَا
وَحكمةُ خالِقٍ وسَبيلُ هادِ
ونُطْوَى بَعْدُ في ظُلماتِ قَبْرٍ
لنُنْشَر للحِسَابِ وللمَعَادِ
ليومٍ تُفصَل الأَحكامُ فِيه
وتَعظُمُ فيْه أَهْوالُ التَّنَادي
فينْعَم بالجِنانِ أخو وَفاءٍ
ويُلْقَى خَائنٌ في قَعْرِ وادِ
أَخي حُسْنُ الوَفاءِ صَفَاءُ دِيْنٍ :
جَمالُ في الحياةِ وطِيبُ زَادِ
ومن نَكَثَ العُهُودَ يَضلّ سَعْياً
ويَشْقَى في هَوى فِتَنٍ شِدادِ
يُزَيِّنُها له الشَّيطانُ حَتّى
يُقادَ بِغَيِّها شَرَّ انْقيادِ
جَمالُ حَياتِنا صِدْقٌ وحبٌّ
هما صَفْوُ الوَفاءِ أو المَبَادي
وهل تُجْزَى يَدُ الإحسان إلاّ
بإحْسانٍ يَفيضُ مِنَ الفُؤادِ(63/370)
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> مهرجان القصيد (1)
مهرجان القصيد (1)
رقم القصيدة : 66156
-----------------------------------
" مَهْرَجَانَ القَصيد " غَنِّ قَصِيْدِي
بَيْنَ زُهْرِ المُنَى وحُلْوِ النَّشِيدِ
فالمَعَاني انتَقَيْتُها مِنْ جِنَانٍ
والهَوَى صُغْتُه مَآثِرَ صيدِ
والقَوَافِي كَأَنها عَبَقُ الرَّوْ
ضِ وَنفْحُ الوُرُودِ بَيْنَ الوُرُودِ
هَاهَنا نَفْحَةٌ مِنَ الأَمَلِ الحُلْـ
ـو وفَيْضٌ من خَيره الْممدُودِ
وَلقَاءٌ يَمُوْجُ بالنُّورِ يَجْلو
مَكرُمَات ِ البَيَانِ دَفْقَ الجُودِ
إِيْهِ " لَكْنُو " فَكَمْ ضَمَمْتِ نَديًّا
مِنْ شُيُوخٍ وَمِنْ شَبابٍ نَجيْدِ
يَا حَنانَ الهَوَى وصَفْوَ ودادٍ
غَرِّدي مِنْ قَصِيدِك المَعْهُودِ
زَيِّني دَارَكِ الغَنيَّةَ بالشَّوْ
ق ، بِمَجْدٍ ، بِمَلحَمَات الجُدُودِ
كَمْ دَعَوْتُ القَصِيدَ من دَمْعَة الذُلِّ
فَأَلْوَى إلى مَكَانٍ بَعيدِ
كمْ تَلَفَّتُّ في دُرُوب هَوَانٍ
وَحَوَالَيَّ ألفُ خَطْوٍ شريدِ
وَبقَايَا قَواَفِلٍ مَزَّقَتْها
عَضّةُ الرِّيح والتطامُ النُّجُودِ
زَحَمَتْها عَلَى الدُّرُوب زَوَايا
وَرَمَتْها في غَيْهَبٍ وسُدُودِ
أَفْلَتَتْ مِنْ يَدَيَّ زُهْرُ القوَافي
وَنَأى اللحْنُ في بطونِ البيْدِ
وَالمَعَاني تَنَاثَرَتْ في فَضَاءٍ
واخْتَفَتْ خَلْفَ أُفْقِهِ المسْدُودِ
كِبْرياءُ القَصِيدِ يَشْمُسُ عَنْ ذُلٍّ
ويَنْأَى عَن الهَوَى والجُحودِ
عِزّةٌ فِيه ، إِنَّهُ أدَبُ الإِسْـ
ـلاَمِ غَرْسُ الإِيمانِ ، رَيُّ العُهودِ
يَا إِبَاءَ القَصِيدِ يَرْفَعُهُ الصّدْ
قُ فَيَرْقَى إلى مَطَافِ خُلُودِ
لاَ يَسِفُّ الهَوَى وَلاَ يَهْبطُ الحسُّ
وَلاَ ينحني لعَضّ قُيودِ
شَرَفُ القَوْلِ مِنْ هُدَى الحقِ
وسِحْرُ البَيَانِ بالتَوْحيدِ
أَدَبٌ يَرْتَوي البَيَانُ لَدَيه
مِنْ حَديثٍ ، مِنَ الكتاب المَجيدِ
رَفَّ بالطَّيْبِ عُودُهُ فَتَمنَّى(63/371)
كُلُّ رَوْضٍ نَدَاوَةً مِنْ عُودِ
يَنْشُرُ الجَوْهَرَ الكَرِيْم عَلَى الدَّهْـ
ـرِ غَنِيّاً باللؤلؤ المنضودِ
فأتى الشاعرُ المدلُّ عليه
صاغه من أساورٍ و عقودِ
فَتَمَنَّتْ مُهَفْهَفَاتُ الغَوَاني
حِلْيَةً حَوْلَ مِعْصَمٍ أَوْجِيدِ
هُوَ رَفُّ النَّدَى عَلَى الوَرَق اليَا
بِسِ يَهْتَزُّ في رَبيعٍ جَدِيدِ
هُوَ خَفْقُ الأوْتَارِ بالنَّغَم الحَا
نيْ عَلَى بَهْجَةٍ وَفَرْحَةِ عِيدِ
هُوَ زَهْوُ الصِّبَا التَّقيِّ وَشَوْقٌ
مَنْ عَفافٍ وَزِيْنَةٌ في بُرُودِ
هُوَ في الكَوْنِ آيَةٌ حَوَّم المَجْـ
ـدُ عَلَيْهَا رَوائِعاً مِنْ نشيْدِ
يَا حَنَانَ القَصيدِ ، يَا لمْسَةَ الإِسْـ
ـلاَم سَلْوَى الحَزين مَأْوى الطَّريدِ
يَا رِحَابَ الأمَان يَمْسَحُ ذُلاًّ
عَنْ جُفُونٍ وَدَمْعَةً عَنْ خُدُودِ
يَا حِمىً يَفْزَعُ الضَّعِيفُ إليْهِ
فإذَا فيه قُوَّةٌ مِنْ أُسُودِ
يا غَنَاءَ الفَقِير في مَنْهَج الحق
وَفي دَرْبِهِ الأمِين الرَّشيدِ
يا لَنُعْمَى الإِنسَانِ يَحْمِلُ مِنْهُ
مِشْعَلاً شَقَّ مِنْ لَيَالٍ سُوْدِ
رَفْرَفَ الشَّوْقُ فانْتَقَى أَدَبُ الإِسـ
ـلاَمِ مِنْهُ قُمْريَّةَ التَغْريدِ
وَهَبَ الحُبُّ عِنْدَه الآيَةَ الكُبْـ
ـرى وأَغْنَى قُدْسِيَّةَ التَرْدِيد
فَهُوَ الله لاَ إله سِواهُ
هِيَ أَعْلَى هَوىً وَأَحْلى نَشِيدِ
رَجِّعي يَا دُنا جَلاَلَ هَوَانا
واسْجُدي وانْعَمي بهذا السُّجودِ
أنا عَبْدٌ لله مَا أَعظَمَ الحُبَّ
ـب وَ أَغْنَاهُ باليقيَن الشَّديد
يَا أَهازِيجُ يَا نَشيدَ اللَّيَالي
رَجِّعي اللحْنَ أَو أعيدي قَصِيدي
أنا بالحبّ نَشْوَةٌ في فَمِ الدّهْـ
ـرِ وَلْحنٌ مِنَ الهَوَى المنْشُودِ
يَا عَطَاءَ الإِسْلاَم يَا نَفْحَةَ الإِيـ
ـمَان يَادُرَّةَ العَطَاءِ الفَرِيدِ
أَدَبٌ شَعَّ في اللّيالي مَعَ العَزْ
م زَكَا عِطْرُهُ دَماً مِنْ شهيدِ
كَمْ جَلاهُ عَلَى المَيادين فُرْسَا(63/372)
نٌ وَغَنَّتْهُ وَثْبَةٌ مِنْ صِيدِ
فانْهَضِي يَا رَوَائعَ الشِّعْرِ هذي
سَاحَةٌ زَغْردي لَهَا وَ أَعيدي
أَنْت في ذِرْوَةِ البَيَانِ عَطَاءٌ
زَاخِرٌ بالهُدَى وأَبْحُرُ جُودِ
يَا دِيِارَ الإِسْلاَمِ جُنَّتْ رُبَاهَا
بَيْنْ عَادٍ مَرَوِّعٍ وَحَسُودِ
أَطْلقي دُونَهُ البَراكِينَ ، صُبِّي
حِمماً ، زَلْزلي القَوَاعِدَ ، مِيْدي
وَاعصِفي غَضْبَةَ الأعَاصِير ، وارْمي
فَوْقَهُ مِنْ قَنابلٍ و حَديدِ
لسْتُ بِالشَّاعِرِ المُدِلِّ إذا لَمْ
يَكُ شِعْري قَذَائِفاً مِنْ وَقُودِ
وَإِذا مَا انْطَوى عَلَى الغِمد سَيْفٌ
أَو خَلاَ السَّاحُ من هَوَى صِنديدِ
سَوفَ يَمْضي عَلَى الطّرِيقِ قَصِيدِي
كالنَّدَى رَفَّ في رَبِيعٍ جَدِيد
يا أَديبَ الإِسْلامِ أَيْنَ السَّرَايا
نَزَعَتْ عن مَضَاجِعٍ وَ مُهُودِ
أَيْقَظَتْهَا صَوَاعِقٌ مِنْ نِداءٍ
خاطِفَاتٌ بَقيَّةً مِنْ كُبُودِ
دَفَعَتْها إلى النِّزَال أَهَازِيْـ
ـجُ فَمَاجَتْ عَلى لهيب النَّشيدِ
وَجَلتْهَا عَلَى بِطَاح " فِلَسْطْيـ
ـنَ " دَويّاً في يَوْمِهَا المَشْهُودِ
وَعَلَى " كَابُلٍ " ، وَزَمْزَمَتِ الأرْ
ضُ لَهِيْباً وَ أَرْعَدَتْ بالجُنُودِ
أَدَبُ التَّائِهينَ لَيْلٌ و َخَمْرٌ
بَيْنَ كَأَسٍ مُحطَّمٍ أَوْ غيدِ
حِينَ يَغْفُو القَصِيدُ في خَدَرِ السُّكْـ
ـرِ لخَصْرٍ مُهَفْهَفٍ وَنُهُودِ
أَدَبٌ ذَلَّ في الفُجُورُ و نَامَتْ
بَيْنَ أحْضَانِهِ جُفُونُ العَبيدِ
يَتَوَارَوْنَ خَلْفَ سِحْرِ شِعَارٍ
كاذبٍ أَوْ زَخَارِفٍ ووُعُودِ
سَمِّ مَا شِئْت مِنْ مِثالٍ فَهَذا
أَدَبُ الضَّائع الشَقيِّ الجَحُودِ
سَوفَ يَفنَى مَعَ الزّمَان وَيَبْقَى
أَدَبُ الحقِّ شُعْلَةً في الوُجُودِ
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> لغتي الجميلة
لغتي الجميلة
رقم القصيدة : 66157
-----------------------------------
مالي خَلَعْتُ ثيابي وانْطَلَقْتُ إِلى
سِواي أَسأَلهُ الأثوابَ و الحُلَلا(63/373)
قَدْ كانَ لي حُلَلٌ أزْهو بِبْهجَتها
عِزّاً وَيزْهو بِها مَنْ حَلَّ وارْتحَلا
أَغْنى بِها ، وَتمدُّ الدفْءَ في بَدَني
أَمْناً وتُطْلِقُ مِنّي العزْمَ والأَمَلا
تموجُ فيها الّلآلي مِنْ مآثِرها
نوراً وتبْعَثُ مِنْ لآلاِئها الشُّعَلا
حتى أفاءتْ شُعوبُ الأرْضِ تَسألُها
ثوباً لتستُرَ مِنْها السُّوءَ و العِلَلا
مدَّت يَدَ الجودِ كَنْزاً مِنْ جَواهِرها
فَزَيَّنتْهُم وكانوا قبلها عُطُلا
جادتْ عليهم وأوفَتْ كلَّ مسْألةٍ
بِرّاً تَوالى ، وأوْفَتْ كلَّ مَنْ سَألا
هذا البيانُ وقدْ صاغتْهُ معْجِزةً
تمضي مع الدّهرِ مجْداً ظلَّ مُتَّصلا
تكسو مِنَ الهدْيِ ، مِنْ إعجازِهِ حُللاّ
أو جَوْهَراً زيَّنَ الأعطافَ والعُطَلا
نسيجُه لغةُ القَرآنِ ، جَوْهرُهُ
آيٌ منَ اللهِ حقّاً جَلّ واكْتَملا
نبعٌ يفيضُ على الدّنيا فيملؤُها
رَيّاً وَيُطلقُ مِنْ أحواضِهِ الحَفَلا
أو أنه الروّضُ يُغْني الأرْضَ مِنْ عَبَقٍ
مِلْءَ الزَّمانِ نديّاً عودُهُ خَضِلا
تَرِفُّ مِنْ هَدْيِهِ أنداءُ خافِقَةٍ
معَ البكورِ تَمُدُّ الفَيْءَ و الظُّلَلا
وكلُّ مَنْ لوّحتْه حَرُّ هاجِرةٍ
أوى إليه ليلْقى الرّيَّ و البَلَلا
عجبتُ !! ما بالُ قومي أدْبَروا وجَرَوْا
يرْجونَ ساقطةَ الغاياتِ والهَمَلا
لمْ يأخذوا مِنْ ديارِ الغرْبِ مكرُمةً
مِنَ القناعةِ أوْ علماً نَما وَعَلا
لكنّهمْ أخذوا لَيَّ اللّسانِ وقدْ
حباهُمُ اللهُ حُسْنَ النُّطْقِ مُعْتدِلا
يا ويحهمْ بدَّلوا عيّاً بِفصحِهمُ
وبالبيانِ الغنيِّ استبدلوا الزَّلَلا
إن اللّسانَ غذاءُ الفكرِ يحْملُهُ
عِلْماً وفنّاً صواباً كانَ أو خَطَلا
يظلُّ ينسلُّ منه الزّادُ في فِطَرٍ
تلقى به الخَيْرَ أو تلقى بِهِ الزَّللا
الأَعْجَمِيُّ لِسانٌ زادُهُ عَجَبٌ
تَراهُ يَخْلطُ في أَوْشابِهِ الجدَلا
لمْ يَحْمِلِ الهدْيَ نوراً في مَصادِرِهِ
ولا الحقيقة إلا كانت الوَشلا
فحسبُنا مِنْ لِسانِ الضّادِ أنّ له(63/374)
فيضاً من النّور أو نبعاً صَفا وجَلا
وأنه اللغة الفصحى نمت وزهتْ
تنزّلتْ وبلاغاً بالهُدى نزلا
وأنه ، ورسول الله يُبلغه
ضمَّ الزمان وضمَّ الآيَ وَالرُّسلا
وأنه الكنزُ لا تفنى جواهرهُ
يُغْني اللياليَ ما أغْنى بِهِ الأُوَلا
يظلُّ يُطْلِقُ من لأْلائِهِ دُرراً
على الزمان غنيَّ الجودِ متصلا
فعُدْ إلى لغةِ القرآنِ صافيَة
تَجْلو لكَ الدَّربَ سهْلاً كانَ أو جبلا
تجلو صراطاً سويّاً لا ترى عِوجاً
فيه ولا فتنةً تَلْقى ولا خَللا
تجلو سبيلاً تراهُ واحداً أبداً
وللمُضلّين تْلقى عندهُمْ سُبُلا
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> مواكب بدر
مواكب بدر
رقم القصيدة : 66158
-----------------------------------
طَوِّفي حَيْثُ شِئتِ هذي المَغَاني
زَهَرَتْ بالقَصيدِ والمهْرَجَانِ
يا لَنَفْح الإِيمان يَنْشُرُ طِيباً
مِنْ فَعَالٍ ورَفّةً مِنْ بَيَانِ
يا لَنُورٍ يَشُقُّ مِنْ ظُلْمةِ اللّيْـ
ـلِ وَيَسْري بَينَ الضُلُوع الحَوَانَي
يَا لَهَا خَفْقَةٌ مِنَ الكَبِدِ الحَـ
ــرَّى وَدَفْقٌ مِنْ رَحْمَةٍ وَحَنانٍ
أَسْعِفينَا فكمْ ضَلَلْنا و تاهَتْ
في الدَّياجير خُطْوةُ الإِنسانِ
أَسعِفينَا بآيةٍ مِنْ بَيَانٍ
شَعَّ مِنْ جَوهَرٍ كَرِيم المَعَاني
كُلُّ حُرِّيَةٍ تَمُوتُ إذا لَمْ
تَكُ حُرِّيَّةً لصدقِ لِسَانِ
كُلُّ حُسنٍ يَمُوتُ فِينا إِذا لمْ
يَكُ أَغْلاهُ آيَةً مِنْ بَيَانِ
كمْ سَقَطْنا وَمَا نهضنا فَأْهْوتْ
بَيْنَ أَوْحالنا خُطَا الفُرْسَانِ
كمْ خَنَقْنَا عَلى الحَنَاجرِ أَصْوَا
تاً فماتَتْ في غُصَّةٍ وَهَوَانِ
الحُرُوفُ الخَرْسَاءُ ذُلٌّ ومَوتٌ
دُفِنَتْ بَيْنَ مُجْرمٍ وَجَبَانِ
لَهْفَةُ الشَوْق لَمْ تَزَلْ تَتَعَالَى
بَيْنَ أَحْنائِنَا ، وصَفْوُ الأمَاني
أَسعِفِينَا بِرَوْعَةِ الحَرْفِ يَجْلُو
عِزّةً أو يُعِيدُ مِنْ إِيمانِ
كمْ عَدُوٍّ تَرَاهُ يَقْتُلُ فِينَا
وَمْضَةَ الحَرْف من هُدًى وجِنانِ(63/375)
يَالِذُلّ الإِنْسَانِ يَطْرَحُه الكُفْـ
ــرُ شَتِيتَ الأهْوَاءِ والأشجانِ
يَا عَبيداً يَسُوقُها السوطُ في الأرْ
ضِ فَتَمضِي هُناكَ كالقِطْعَانِ
سَرَقُوا الوَمْضَةَ الغَنِيَّة لكنْ
أشرقتْ رغم ذاك منها اليدانِ
سرقوا العطر ثمَّ ولَّوْا ولكن
نَثَرَتْهُ الخُطا بِكُلِّ مَكَانِ
كُلَّمَا أَوغَل الجبَانُ بِظُلمٍ
جَعَل اللهُ فُرْجةً مِنْ أَمَان
يَا لِذُلِّ العَبيدِ تَرْكَعُ في دُنـ
ـيا " أَبُولُّو " في زحمَةِ الأوِثانِ
كُلَّ يَوْمٍ لهُمْ إِلهٌ جَديدٌ
يا لِذُلّ الأَرْبَابِ والعُبْدَانِ
نَحَتُوه مِنَ الخُرَافَةِ والجَهْـ
ـل وصَاغوهُ مِنْ هوىً فَتّانِ
كُلَّ يَوْمٍ لَهْمُ مَذاهبُ شتَّى
مِنْ ضَلالِ اليُونانِ والرُّومَانِ
ثُمَّ سَمَّوهُ فلسَفَاتٍ وفِكْراً
بين جُورِ الضَّلالِ والبُهْتَانِ
فِتْنَةٌ أشْعَلَتْ أَبَالسةُ الأَرْ
ض لَظَاهَا تَمُدُّ مِنْ نِيرَانِ
فَدَعُوهَا يَا قوم ! أَيُّ فَسادِ
لِبُناةِ الأَجْيَالِ والأَوْطانِ
لا تُرَاعي يَا نَفْسُ ! هُم جُبَناءٌ
مَا أَذَلَّ الجَبَانَ عِنْدَ الجَبانِ
ها هُنا نَفْحَةُ النُّبُوَّة مِنْ بدْ
رٍ وهذي مَلاحِمُ الفُرْقانِ
ها هُنا تُصْنَعُ الرّجَالُ وتُبْنَى
أُمَّةٌ بينَ آيَةٍ وَسِنَانِ
يَا لَبَدْرٍ ! وَيَا لَمَعْرَكَةٍ تَمْـ
ـضي مضيَّ الدُّهُورِ و الأزْمَانِ
يَنْحَنِي عِنْدَها الزّمَانُ فَيَلْقَى
شُعَلاً مِنْ عَزائِمِ الإِيمانِ
في مَيَادِيِنهَا تَمُوجُ اللَّيالي
و دَوِيٌ مِنْ أيَةٍ و أَذَانِ
والتْطامُ الزُّحُوفِ ، حَمْحَمةُ الخَيْـ
ــلِ ، نِداءُ الرَّحمن للإِنْسانِ
عَبْقَريُّ الجِهَادِ مِنْ عَزْمةِ الشّوْ
قِ ، ومِنْ مُهْجَةٍ ، ومِنْ إِحْسَانِ
عَبَقُ المجْدِ كُلُّهُ في الثَّنَايَا
في ذُراً أشْرَقَتْ وفي وُدْيانِ
كُلُّ شِبْرٍ مُضَمَّخٌ بِدِماءٍ
كُلُّ سَاحٍ زَهْوُ الرُّبى والمَغَاني
ها هُنَا يُرْفَعَ القَصِيدُ ويُبْنى
أَدَبٌ مُلْهِمٌ وفيضُ مَعَاني(63/376)
أَدَبٌ يَرْتَوي البَيَانُ لَدَيِه
مِنْ حَديثِ الرَّسُول ، مِنْ قرْآنِ
هُو نَبْعٌ مِنَ الهِدَايةِ ، فَيضٌ
مِنْ وَفَاءٍ ، وخَفْقَةٌ مِنْ جَنَانِ
طَابَ ليْ عِطرُها ! فَكَمْ رَفَّ مِنْها
عَبَقُ الصِّدْق أَو شَذَا الإِحْسَانِ
خَشَعَتْ أَضْلُعي لآيَتِها الكبْـ
ـرَى وإِشْراقِ جَوْلةٍ وطعَانِ
هَاجَني الشّوْقُ مِنْ هَوىً فَتلـ
ــفَّتُّ ! ونَادَيْتُ : أَيْنَ عَزْمُ البَاني
أَيْنَ أَمْجَادُ أُمَّتي ؟ ! كيف تَرْضَـ
ـون " أبُولّو" ودعوةً مِنْ هَوَانِ
ها هُنَا تَزْخَرُ البُطُولاَتُ في التَّا
ريخ مِنْ صَادِق الوَفَاءِ و حَانِ
فَتَنَاوَلتُ مِنْ هُنَاكَ مِنَ التّا
ريخ ، مِنْ رَوضَةٍ وَمِنْ بُسْتَانِ
جَوْهَرَ المجْدِ أَوْ لآليءَ فَتْحٍ
أَوْ عُقُوداً مَنْظُومَةً مِنْ جُمَانِ
وَوُرُوداً تَفَتَّحَتْ وَزُهُوراً
عَبَقَتْ بالشَّذَا ، ونَفْحَ جِنَانِ
فَإِذَا كُلُّها تَجَمَّعُ آياً
في فُؤادٍ حَانٍ وفي وِجْدَانِ
لَمْحَةٌ تَجْمعُ الفَرَائِدِ مِنْ بَدْ
رٍ ومِنْ وثْبَةٍ وزَهْو يَمَانِ
لا تَغِيبي عَنَّا مَيَادينَ بَدْرٍ
أَطْلِقي مِنْ مَواكبٍ وعِنانِ
وَثبِي يا مَوَاكِبَ الحَقِّ طُوفي
بَينَ نَصْرٍ وبَيْن صِدْقِ الأمَاني
وَاصْدُقي الله واطْلُبي الجَنَّة لا الدُّنـ
ـيَا ولا زُخْرُفَ الحَياةِ الفاني
إِنَّ أَعْلَى البَيَانِ دَفْقُ دِمَاءٍ
فَجّرَتْها مَوَاقِعُ الإِيمانِ
كُلُّ حَرْفٍ يَصُوغُه دَمُ حُرٍّ
هُوَ نُورٌ يَسْري مَعَ الأزْمانِ
لَفتةٌ مِنْكَ يا أَخي رفَّ منْها الـ
ـشَوْقُ للحقِّ أو نَقَيُّ الأماني
لفْتةٌ حُلْوةُ ومَدْرَسَةٌ كُبْـ
ــرى ودارٌ مَشْدُودةُ الأركانِ
وكَأَنّي أَرَاكَ قمْتَ ! تَلَفَّـ
ـتَّ ! ونَادَيْتَ يَا رِجال البَيانِ
انْهَضُوا ! أَدركوا البَيَانَ وصُونُوا
لغة الحَقِّ مِنْ عَدُوٍّ جَانِي
ودَعي أُمَّتي مَذَاهِبَ يُونا
نٍ وأَوْهَام جَاهِلٍ مُتَوانِ
وانْهضي ! هذه مَدْارِسُ بَدْرٍ(63/377)
أطلِقي مِنْ مواكِبِ الفُرسانِ
كِمْ رَمَى الحِقْدُ والتّحاسُدُ فينا
خَيْلنا في مَتَاهَةٍ وَهَوَانِ
لَكَ مِنّي تَحِيَّةٌ يا أخي أَحْـ
ـمَدُ ! صفْوُ الدُّعَاءِ والإِحسانِ
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> لآلئ الشِّعر
لآلئ الشِّعر
رقم القصيدة : 66159
-----------------------------------
يَقولُ : تَرْتَجِلُ الأَشْعَار تُنْشِدُها
وَزْناً وَقَافِيةٍ قَيْداً وإِعسارا
دَعِ القْوافيَ والأَوْزَانَ ! إِنَّ بِهَا
رَجْعَ التُّراثِ وأَغلالاً وأَوضارا
ودَعْ بَلاغَةَ أَجْدَادٍ وقَدْ غَبَروا
واتْبَعْ هواكَ ومَا قَدْ شاءَ واخْتارا
و " اغْسلْ " كَلامَك أو "طهّره" إِنّ به
مِنْ السِّنين، مِنَ التّاريخ ، وإِغبارا
واتْركْ قَواعِدَهمْ واهْدِمْ دَعائِهُمْ
واجعل " حديثك " بينَ الناس أَسرارا
واجْعَلْ مِنَ الشّعرِ ألغازاً تدورُ بِهِمْ
لا يَفْقَهُ القومُ ما قَدْ قِيلَ أو دارا
حُرّاً يُعِيدُ أَساطيرَ الخَيالِ بِهِ
ويَنتَشي بِضَلالٍ حَيْثُما سَارا
يَهيمُ في كلِّ وادٍ مِنْ ضلالَتِه
مَعَ الشياطينِ إِقْبَالاً وإِدْبَارا
كُلُّ القَدِيم قَدِيمٌ لا يُبَالِ بِهِ
وجَدِّدِ اليوم أَهْوَاءً وأَفْكارا
ومَزِّقِ "الشَّكلَ" لَيْسَ "الشَّكْلُ" ذا صِلَةٍ
بالدِّينِ ! أَنْشِبْ بهِ ناباً وأَظفَاراً
كلُّ الشياطين جَالَتْ في مَنَازِلِهِ
تُغْري وتُطلِقُ أَعواناً وأَنْصَارا
فَكَمْ جَذَبْنَا بأَلْوانِ الخِدَاع فَتىً
هَوَى يُرَدِّدُ أعذاراً وإِعْذارا
فَقُلْتُ : وَيْحَكَ ما قَدْ قُلْتَ إِنَّ بِهِ
مِنْ فِتْنَةِ الشَّرِّ أو مِنْ وقْدِه نارا
الشِّعْرُ حُرُّ بِأَوْزَانٍ وقَافِيةٍ
ملءَ المَيَادينِ دفَّاقاً وزَخَّاراً
إذا تَجَرَّدَ مِنْها غابَ في ظُلُمٍ
بَيْنَ المَجَاهِل إِجْداباً وإِقْفارا
كَأَنَّهُ هَذَرٌ لمُ يُبْقِ آصِرَةٍ
لَهُ مَعَ الشِّعْرِ لا صَحْباً ولا جَارا
لَمَ يَتْرُكُوا نَسَباً للشِّعْرِ أَو رحِماً(63/378)
يَاوَيْلَ مَنْ قطَّعَ الأرْحام أَو جَارا
لاّلئُ الشِّعْرِ أَوْزانٌ وقافِيةٌ
تَشِعُّ مِنْ وَهَجِ الإِبْداعَ أَنْوارا
الشِّعْرُ فَنُّ وآلافُ السِّنين بَنَتْ
لآلئَ الوزنِ أو صَاغَتْ لَه الغَارا
لِسَانُهُ لُغةُ القُرْآنِ آيَتُها
إِعْجازُه دَارَ إِجْلالاً وإِكْبارا
وَعَبْقَرِيُّ عَطاءِ الشعْرِ قَافِيةٌ
تَجْري مَعَ " البَحْر " إِنشاداً وإِبْحارا
الشِّعْرُ فنُّ إّذا ما قُلْتُه انتفَضَتْ
مِنْكَ الجَوارح تَحْنَاناً وَتَذْكَارا
في صُورةٍ جَمَعَتْ أَلْوانَها فَزَهتْ
وحرّكَتْ من بَدِيع اللَّحْنِ أوتارا
وخفقَةٍ عَبْقرِيُّ الفَنِّ يُطلِقُها
رَوائِعاً مِنْ غَنِيِّ الشعْر أَبْكارا
كَأَنْها اسْتَلْهَمَتْ مِنْ كُلِّ قَافِيةٍ
لَحْناً تموحُ به الأَشْعَارُ أَشْعارا
وعطّرَتْ بالقوافي كلَّ رَابِيَةٍ
وزيَّنَتْ بالقوافي السَّاح والدَّارا
وأَطْلَقَتْ في سَماء الشِّعْر أَنْجُمَهَا
لآلِئاً وعَلى الآفاقِ أقْمارا
كَأنّما اتَّسَعَتْ للشِّعْر سَاحَتُه
فَكَانَ بَحْراً وهِاجَ البَحْرُ إِعْصارا
لا يرْكَبَنَّ غَبَابَ البَحْرْ غيرُ فتىً
جَلْدٍ تمرَّس إِقلاعاً وإِبحارا
يَخُوضُهُ كُلُّ ذي عَزمٍ وموهِبَةٍ
ويَنْثَي العَاجِزُ المضطرُّ إِدْبارا
يَغُوصُ يَطْلُبُ مِنْ أَعْماقِه دُرَراً
ويَعْتَلي ظَهْرَهُ جُوْداً وإصْدارا
هذي " البُحورُ "بُحُورُ الشِّعْرِ ، واهِبَةٌ
للصَّادقين عُلاً يَزهو وأَعْمارا
وإِنّ فِيها لأَصْدافاً تُصَانُ بِهاَ
لآلِئُ الشِّعْرِ أوْزانا وَأقْدَارا
الشعْرُ بَابَانِ : بَابٌ منْ أَبالِسَةٍ
يُوحُون بالشَعْر آثاماً وأَوزَاَرا
وزُخْرُفاً لم تَزَلْ تَرْضَاه أَفْئدَةٌ
تَلقَى به النَّارَ أو تَلْقى به العارا
وشاعَرٌ من هُدى الرَّحْمنِ خَفْقَتُه
مَعْنى ولفظاً وأشْواقاً وإيثارا
يَطُوفُ في الكوْنِ يَلقَى مِنْ عَجائبه
آياً تُفَتِّح للأَلْبَابِ أَسْفارا
يهتزُّ من شَوْقِهِ للحقِّ ، يَخْشَعُ في(63/379)
جَلاَلِه رَهَباً يَغْشَى وأَذكَارا
ويُطلِقُ الشِّعْرَ أَنداءً مضمّخة
كالرّوضِ تلقاهُ أَنواراً وأَثْمارا
يَفيضُ فِيه الجَنى في ظِلِّ وارِفةٍ
تُفجِّرُ الماء يَنبُوعاً وَ أَنْهَارا
هذا هو الشّعْرُ !شِعْرُ المُؤمنين جَرَى
يَرْوي مَعَ الدَّهْر أَمثالاً وأَخْبارا
كَأنَّه يَهَبُ الأَحْداثَ خَفْقَتها
يَجْرِي فَيَمْلأُ أَسْماَعَا وأَبصاراً
حتَّى إِذا سَمِعَ الأَشعارَ أُطْلِقُها
رَوْضاً تفتَّح أوْراداً وأَزْهارا
فعادَ عن غَيِّه وارتَدَّ من عَجَبٍ
يُرَجّع الشّعرِ إِعْجاباً وإِكْباراً
يَقُولُ هذا هُو الشّعْرُ الحَلالُ جَرَى
عِطراً يَمُوجُ وسِحْراً بَيْنَهُ دارا
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> الجمال
الجمال
رقم القصيدة : 66160
-----------------------------------
خَلَقْتَ الجَمَالَ لَنَا آيَةً
تَطُوفُ القُلوبُ بهَا وَ العَيُونْ
وَأَبْدَعْتَ في الكَوْن مَا تَجْتَلي
عُيُونٌ وَمَا هُوَ سِرٌّ دَفِينْ
وَزيَّنْتَهُ ! يَا لَهَذا الجَمَالِ
وَهذا الجَلاَلِ وهذا الحنين
فَتَخْشَعُ في نُورِه أَضْلُعٌ
وتَخْفُقُ أَشْوَاقُهَا و الشُّجُونْ
فهذي السَّمَاءُ وآفَاقُها
بُرُوجٌ تُزَيَّنُ للنَّاظِرينْ
فَكَمْ بَصَرٍ عَادَ مِنْهَا حَسْيراً
عَلى خَشيَةٍ وَهُمُ مُشْفِقُونُ
وَ غَيْبٌ وراءَ وثوب الخيالِ
عَصَيٌّ عَليْهِ و سَقفٌ مَتِينْ
فُطُفْ حَيْثُ شِئتَ فآيَاتُهَا
جَلاَلُ المَدَى و جَلال القرونْ
وهذي هي الأرضْ كَمْ جَنَّةٍ
تَفَجَّرُ بين جَنَاها العُيُونْ
ورَوْضٍ تَنَفَّسَ عَنْهُ الصَّبَاحُ
شَذاً من وُرُودٍ و مِنْ يَاسَمِينْ
وطَيْرٍ كَأْنّ رَفيفَ جَنَاحَيْـ
ـهِ رفُّ البكُورِ وهمْسُ الغُصُونْ
يُسَبِّح لله في مَوْكِبٍ
جَليلٍ وحَشْدٍ من الخاشِعِينْ
وكَمْ مِن جِبالٍ تَشقُّ ذُرَاهَا
عنانَ السَّماءِ و سَهْلٍ يَلينْ
وَكَمْ أَبْحُرٍ غَيَّبَ الله فِيهَا
غُيُوباً وأَطْلَقَ فيها السَّفِينْ(63/380)
وَنَهْرٍ .. تَدَفَّقُ أَمْواهُه
يُرَوِّي الحَيَاةَ ويُغْني القُرونْ
يُزَيِّنُها الله كَيْفَ يشاءُ
وَيَمْنَحُهَا عَبْقَرِيَّ الفُنُونْ
وأنْشَأتَ مِنْ زِينَةٍ في الحياةِ
لِتَبْلُوَ مِنَّا الهَوَى و اليَقِينْ
وَتَبْلوَ مِنَّا خَبَايَا الصُّدُورِ
ونَجْوَى القُلُوبِ و هَمْس الجُفُونْ
فَكَمْ زِينَةٍ سَعَّرَتْ فِتْنَةً
تلظَّتْ عَلَى شَهْوَةٍ أَو مُجُونْ
وكمْ زِينَةٍ رفَّ فيها الجَمّالُ
يُطَهِّرُ أَشْوَاقَنا والحَنِين
فَزِينَةُ هذِي الحَيَاةِ رِيَاشٌ
وزهْوَةُ مَالٍ وَ شَوْقُ البَنِيْنْ
يُبَدِّلُهَا النَّاسُ في سَعْيِهِمْ
شُكُورَ التُّقَى أو جُحُودَ الفُتُونْ
فَكَمْ جَاهِلٍ ضَلَّ في غَيِّه
فَظنَّ الجَمَالَ هَوَى المُعْتَدِينْ
وَلهْوَ الحَرَام عَلَى شَهْوَةٍ
تَوَاثَبُ بَيْنَ غَوَانٍ و عِينْ
رَفِيفُ الجَمَالِ نَوَالُ الحَلالِ
وصِدْقُ الوَفَاءِ وعَهْدٌ أَمينْ
وأَجْمَلُ آيَاتِهِ أَنَّهُ
هُوَ الحَقُّ والطُّهْرُ أنّى يكُونْ
ونورٌ تَدفّقَ مِلءَ الوُجُودِ
يُزيحُ الظّلاَمَ و يَنْفي الظّنُونْ
وَحُرِّيّةٌ أَطْلَقَتْ أَنْفُساً
لِتَمْضِيَ في مَوْكِبِ العَابِدينْ
سَيَبْقَى الجَمالُ لَنَا آيَةً
يَرَى اللّهَ في صِدْقِها العَالمونْ
ويَبْقى هَوَانَا هوى الصَّادقينَ
فَمَا الحُبُّ إِلا هَوَى الصَّادقِينْ
وَمَا الحُبُّ إلا زكيُّ الجَمَالِ
نَقِيُّ الفعَال وَ فَاءٌ وَ دينْ
وَمَنْ عَرَفَ الحُبَّ للّـ
ـهِ عَلّمَهُ الحبُّ تَرْكَ المُجُونْ
ففي كُلِّ ناحِيَةٍ آيَةٌ
مِنَ الحُسْنِ تُجْلَى و حَقٌّ يَبِينْ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ اللّـ
ــه رَبُّ الخَلائِقِ و العَالمينْ
وَلَيْسَ يَرَاها سِوَى مُؤمِنٍ
وَلَيْسَ يَرَاهَا سَوَى المتَّقين
وأَنْتَ جَميلٌ تُحِبُّ الجَمالَ
فَقُلْتَ لَنَا يا عِبَادِي اتَّقُونْ
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> الفجر الدامي
الفجر الدامي
رقم القصيدة : 66161(63/381)
-----------------------------------
دَوّى الأَذَانُ ! فَيَا منَابِرُ أَوِّبي
شَوقاً إلى خُضْرِ الجِنَانِ وَرَدّدي
خَشَعَتْ لَهُ الدّنيا ! فَيا لَجَلالِهِ
وجَمَاله وجَلالِ ذاكَ المشْهَدِ
كلُّ المرابعِ أَخْبتَتْ لِلّه خا
شِعَةً فمِنْ وَادٍ يَرفُّ وأَنْجُدِ
ونَسَائم الفَجْر البَليل سَرَتْ به
عَبَقاً وأَنداءً وآيَ محمَّد
وكأَنَّ شقشقَة الطيور ِ نَدَاوَةٌ
رفَّتْ وتسْبيحُ الرُّبى والأوهُدِ
وكأَنَّ شقشقَة الزهور تظلَّ تَسْـ
ـأَلُ ما يُخبَّأُ يا مَرابعُ في غدِ
وتنفَّسَ الورْدُ الغَنِيُّ كَأَنّهَ
عَبَقٌ يجودُ بِعطره المُتَورِّدِ
يُلْقي عَلى السَّاحَات مِنْ دَمِه دَماً
لِيَقُول: يا دُنْيا أَطِلِّي واشُهَدي
فَهُنا مَيَادينُ الجهادِ نَمْدُّها
دَفْقاً بأمواجِ الدَّم المتجدِّدِ
وهنا رباطُ المؤمنينَ وسَاحَةٌ
لجِهادِهمْ أو آيةٌ للمهتدي
تَتَلَفَّتُ الآفَاقُ ، لا تَلْقَى سِوَى
سَاعٍ يُجيبُ نِدَاءَهُ أو مُغْتد
* * *
وتَنفَّسَ الصُّبحُ النَّديُّ و حَوَّمَتْ
بَيْنَ الدّيار مُنى وطلعةُ شُهَّدِ
يَسْعَون للبَيْتِ المنَوَّر بالهُدى
مُستبْشِرين بِجَولةٍ أو مَوِعِدِ
فرُبُوعُها سَاحُ الرّباط لمؤمِنٍ
متَواثِبٍ أَو مؤمِنٍ مُتَهجِّدِ
يتواصَل التَّاريخُ في سَاحاتِها
بنُبُوة الإسْلاَم و العَهْد النَّدي
يَسْعَون للحَرمِ الطّهور خُطاهُمُ
نُورٌ يشُقُّ ظلامَ لَيْلٍ أَسُودِ
نِعمَ البُكورُ وتِلْكَ عَزْمة مؤمِنٍ
والجُمْعَةُ الزَّهراءُ لهْفَةُ أَرْشدِ
والنورُ مِنْ رَمَضَان مُنبَلجٌ عَلى
سَاحاتِهَا فَيْضاً غَنيَّ المورِدِ
يَا للفضَائل ! كُلّها قَدْ جُمّعَتْ
للصَّائمين القائمينَ السُّهَّدِ
* * *
لِلّه درُّ البَيْتِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ
وَشَهادَةٍ صَدَقَتْ وطَلْعةِ رُوَّدِ
وكَأَنّ إبراهيمَ، يا لَدُعَائِه !
نادَى وقالَ: هُنَا وَفَاءُ مُحَمَّدِ
الصّائِمون العَابدون خُطاهُمُ
شَوقٌ يُلحُّ ولهفَةُ المُتعَبِّدِ(63/382)
فَكّأَنّها أَبدَاً تحِنُّ لجَنَّةٍ
خَضْراءَ زاهِيةٍ وبِرٍّ أخلدِ
وأَتَوالِبَيْتِ اللهِ يَخْشَعُ عِنْدهَ
قَلْبٌ أَبَرُ وخفْقَة مِنْ أَكبُدِ
فَتَرى مَواكِبَهمْ هُناكَ كأَنّهم
زُهْرُ الكَواكِبِ أَو مَطَالِعُ فَرقَدِ
رُفِعُ الأَذَان فأقْبَلُوا وصُفُوفُهمْ
مَرْصُوصَةٌ وَقلوبُهُمْ شَوْقُ الغَدِ
اللَّهُ أَكْبَرُ! فانْحَنَوا لرِكُوعِهمْ
واللَّهُ يَسْمعُ خَفْقَةَ المتَوَجِّدِ
رَفَعُوا وأهْوَوا للسُّجودِ فلا تَرَى
إلا خُشَوعَ العابِدين السُّجَّدِ
دَوَّى الرّصَاصُ! وخلف كلِّ رصاصةٍ
عاتٍ تمرَّسَ في الضّلال الأنْكدِ
المجرمون ! فيا لِهَوْلِ جَريمةٍ
كُبْرَى ! ويا لِلْمُجْرِمِ المتَرصِّدِ
كمْ مُجْرِمٍ في الأَرض لم يَقْنُتْ ولمْ
يخشعْ لخَالِقِهِ وَلمْ يتَعبَّدِ
دَوَّى الرصاصُ فمن شَهيدٍ فُجِّرتْ
أَضلاعُهُ و مُجنْدل لم يُرْفَدِ
تَتَطايَرُ الأَشْلاءُ كُلُّ ضحية
تَشْكُو لِبَارئِهَا هوانَ الهُجَّدِ
وتلاقَتِ الأَشلاَءُ عَبْرَ فَضَائِهَا
مِنْ كُلِّ ناحِيَةٍ تُبَاحُ لمُعْتَدِي
مِنْ أرض " كَشميرٍ " نداءُ دِمَائِها
مِنْ أَرض "بُوسْنة" صرخَةٌ لم تُنْجَدِ
مِنْ كُلِّ مَجْزَرَةٍ بَقَايا أُمَّةٍ
تُلْقَى وتُنْشَر في الفَضْاء الأَربدِ
أضْحتْ دِمَاءُ المسْلمينَ مُباحَةً
لِلمُجْرمين ! لِكُلِّ عَادٍ مُفْسِدِ
وديارُنا أضحتُ مُفتَّحةً لَهُمْ
وقلوبُنَا فُتِحَتْ لفِتْنة مُلْحِدِ
المُجْرِمُونَ عِصَابةٌ مُمْتَدَّةٌ
في الأَرْض عَنْ جَشَعِ الهَوى المُتَمرِّدِ
يا لِلْيهَودِ ! وخَلْفِ كُلِّ مُصِيبةٍ
فِتَنُ لَهُمْ ويَدٌ ! فَيا شَرَّ اليَدِ !
جَمَعُوا مِنَ الأَحلافِ بينَ حِبَالهمْ
دُوَلاً فماجُوا بِالبَلاءِ المُرْعِدِ
مَنْ كّانَ يَحْلُم بالسَّلاَمِ مَعَ اليَهو
دِ فَذاكَ حُلْمُ الجَاهِلِ المتزَيِّدِ
طَمِعُوا ،كما طَمِعَ الضَّلالُ جَميعُه،
بِالمُسْلِمين ، بِدَارِهِمْ ، بالأَنْجُدِ
لا ! لا يُريدون السَّلامَ ولا يُريـ(63/383)
دُ الأَمْرِكانُ ولا طبائع مُعْتَدي
جَعَلُوا السَّلام خَديعةً نَصَبُوا بِهَا
شركاً يُمَدُّ لحائِرٍ مُتَردِّدِ
* * *
أَيْنَ النّظامُ العالميُّ وأَيْن يا
دُنيا حُقوقُ مُقَتَّلٍ ومطَرَّدِ ؟!
أَينَ العَدَالةُ والوُعُودُ وكَيفَ يُرْ
جى العَدْلُ منْ ذئْبٍ يَجُولُ وأَسْودِ؟!
يا أُمَّتي إنْ لَمْ تُفِيقي فَاشُهَدي
أَمْواجَ لَيلٍ زَاحِفٍ مُتَمَدِّدِ
لُمِّي صُفَوفَك ، أَمّة الإِسلام ، كالـ
بُنْيانِ مَشْدوداً بِعَهْدٍ آكَدِ
خُوضِي مَيَادينَ الجهادِ وَرَجِّعي
شَوْق الشَّهادة دونَ ذلك وانْهَدِي
يا أُمَّةَ الإسلام تلك أَمانَةٌ
وشَهادةٌ للَّهِ ! قُومي فاشْهَدي
يا أُمّةَ الإِسلامِ يا أمَلَ الشّعو
بِ جَميعِها ! أَوفي بَعْهدِكِ ! أَنْجدي
لا ! لَنْ يُقيمَ العدْلَ إلا مُؤمِنٌ
صَدَق الإِلهَ وقال: يَا نَفْسي رِدِي
* * *
دارَ الخليل تحيّةٌ مِنْ مُهْجَةٍ
عَرفَتْ جَلال جِهادِك المُتوقِّدِ
قد كُنتِ بالأَمس القريب غَنيّةً
بالبذْل زاهيَةً بِجُودِكِ واليَدِ
طَهَّرتِ أَرْضَكِ مِنْ تَدفُّقِ رجْسِهِمْ
ورَوَيْتِها بالطُّهر من دَمِكِ النَّدي
واليومَ أَعْلَيْتِ الوفَاءَ فهذه
زُمَرٌ تَواثَبُ للشَّهادة فاسْعَدي
وَغداً تَرَيْنَ مَوَاكِباً مَوْصُولةً
للّه زاحفةً وطلْعَةَ رُوَّدِ
والنَّصْرُ كالفجْرِ المُنوِّرِ مُقْبِلٌ
بُشرى إليكِ و آيةً للمُهْتَدِي
ميلي إِلى الأقْصَى ! حَنينُكِ لمْ يَزَلْ
صَفْواً وعَهْدُك لَمْ يَزَلْ أَمَلَ الغَدِ
مِيلي هُناكَ وَجَدِّدا عَهْداً أَبَرَّ
لجِوْلَةٍ تُوفي بِصدْق الموعِدِ
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> فلق الصباح
فلق الصباح
رقم القصيدة : 66162
-----------------------------------
رَجِّعْ دَوِيَّكَ في البطاح ودَمْدِمِ
وانهض لَملْحَمةِ الجِهَادِ وأقْدِمِ
رَجِّعْ نِداءَكَ في الوِهَاد وفي الذُّرَى
وبكُلِّ مُنْعَطَفٍ يَحنُّ إِلى كَمِي
واطْرُق بِصَيْحِتِك الفضاء فهاهنا(63/384)
خَنَقُوْا النداءَ وأطْبَقُوا فوقَ الفَمِ
وارْفَعْ نِداءَكَ في السماء يطُفْ على
أَفْلاكها حُرّاً وَبَيْنَ الأنْجُمِ
مَنْ ذا يُجيبُكَ والدُّنا قَدْ سَكَّرَتْ
أسْمَاعَها والدَّارُ قبضةُ مُجْرِمِ ؟ !
فَارْفَعْهُ للرَّحمن خَفْقة مُوقِنٍ
بالله لا غِرٍّ وَ لا مُتَوهِّمِ
وَاْلجَأْ إِليْه فَلَم تَزَلْ أبْوَابُهُ
مفْتُوحَةً للسَّائِلِ المُتَوسِّمِ
المُشْرَعاتُ عَلَى الرُّبى ما بالُهَا
طُوِيَتْ وما بَالُ الفتَى لْم يَحْزمِ
مَا بالُهُمْ وَقَفُوا وأضْحى زَحْفُهُمْ
كالبرق مِنْ أُفقٍ شحِيحٍ مُظْلِمِ
هَلاَّ نَشَرْتَ الفَجر في جنباتِه
ونشرت مِنْ بَرْقِ العزائم والدَّمِ
فانْهضْ ! فَهَاتِيكَ الرُّبى قد فوَّحتْ
بالعطْرِ مِنْ عَبق الجِهَادِ المُلْهِمِ
أَمجَادُ تاريخ وَوحيُ نُبُوة
وَجَلالُ إِسْراءٍ وَعِزَّةُ مُسْلِمِ
وَرَفيقُ آيَاتٍ تمُوجُ بِساحِهَا
نُوراً فَيَغْمُرُ مِنْ رُبىً أو مَعلَمِ
قُدْسِيَّةُ الأنوار يَخشَعُ عنْدَها
قَلبي ويطْهرُ مِنْ هَوىً أو مأْثَمِ
* * *
يَا رَبْوةَ الأقْصَى حَنِينُكِ أدْمُعٌ
وأنينُ صَدْرِكِ مِنْ جَوىً لَمْ يُكْتَمِ
تَتَلَفَّتين ! وأَيْنَ إعصارُ الفتى
يُنْجيك مِنْ رَهَقِ الإِسَارِ المُحكَمِ
تَتَلفَّتِين ! وَ كُلُّ يوم ثورْةٌ
عَصفَتْ وَقَيْدُك في الوغَى لَمْ يُحْطمِ
أيْن الفَتَى لله يَدْفَعُ خطوَهُ
وثْباً كَبَارقٍ صَارِم أو لَهْذَمِ ؟!
ويَدُقُّ أبْوابَ الجِنَانِ علَى دَمٍ
حُرِّ وَعهْدٍ في الوَغَى لَم يُثْلَمِ
* * *
فانْهَضْ إذا أَوْفَيْتَ خُطةَ مُؤمن
وصَدَقْتْ نَهْجَ الفَارِس المُتَرَسِّمِ
وَتَحفَّزَتْ كُلُّ الرُّبى ! يَا حُسْنَها
والغَارُ فَوقَ جَبِيِنهَا والمِعْصَمِ
وازّيَّنَتْ بالزّاحفين كَأنَّهم
فَلَقُ الصَّبَاحِ جَلاَ عَبيرَ العَنْدَمِ
كُلُّ المَيَادِيْنِ التي هَيّجْتَها
هَبَّاتُ خَطَّارٍ ولَهْفْةُ مُعْلَمِ
* * *
أمَلٌ عَلى أجْفَانِنا وكُبُودِنا(63/385)
وعَلى مُحَيَّانَا وَفَوقَ المبْسمِ
أمَلٌ كَأَنَّ الفَجْر في بسَمَاته
ورَفيفُهُ بَيْن الطُّيوف الحُوَّمِ
وَنَضُمُّ في أَحْنائِنا شَرَف الهَوَى
والشَّوْقُ بَيْنَ مُجَنَّحِ و مُكَتَّمٍ
لله ما تَهْفُو القُلُوبُ إلى غَدٍ
زَاهٍ عَلى مَرِّ الزَّمَان مُوَسَّمِ
ومَواكِبُ الإِيَمان تَجْلو نَصْرَهَا
لتُعيدَ لأْلأَةَ الفُتُوحِ اليُتَّمِ
وَمَجَامِعُ الدُّنيا تُرَدِّدُ حَوْلها
الله أكْبَر ُ أقبِلي وَتَقَدَّمِي
لا تَنْثَني إِلا وفَتْحٌ مُشْرقٌ
وَكَريمُ عِرْضِكِ في الْوَغَى لْم يُكْلَمِ
دَارُ مَبَاركةٌ وسَاحُ رباطهَا
بَابُ الجنَان وآيةُ الشِّوقِ الظَّمِي
يَا يَومَ أنْ ثَارَتْ هُناك قَوَافِل
تَتَرَى تَشُقُّ منَ العَجَاج الأَقْتمِ
ما صَدَّهُمْ فَقْرُ العَتاد ولا أسَى
ذاكَ الإِسارِ ولا فَدَاحَةُ مُغْرَمِ
مَا صَدَّهُمْ خَدَرُ القَرِيبِ ولَهْوُهِ
وَهَوانُ أحْلامِ الغُفَاةِ النُّوَّمِ
شدُّوا أكُفَّهُمُ كأنَّ زِنَادَها
وقْدُ العَزيمَة في لَهِيب مُضْرَمِ
مَا كَان فِيها لو نظرُتَ سوَى الحَصى
قد أرْعَدَتْ في الأُفْقِ إرْعَادَ الكمِي
وكَأنَّهَا قَصْفُ المَدافَع ولْوَلَتْ
ما بَيْنَ أعْراسِ الجِهَادِ وَمَأْتِمِ
وَحَناجِرٍ خَفَقَتْ كَأَنَّ دَويَّهَا
رَعْدٌ يُجَلْجِلُ أُو زَئِيرُ الضِّرْغَمِ
تركَتْ قِلاعَ الغَاصبين كأنَّها
تَهْوي بِمُنْصَدعِ الجِدَار مُهَدَّمِ
* * *
أمَلٌ يُدَاعِبُهُ الخَيالُ فَهلْ تُرى
صدَقَ الخيَالُ وَجَدَّ بَعْدَ تَوَهُّمَ ؟!
أمْ أنّهُ بَرْقٌ ! فيا لعَزائمٍ
هبَّتْ على نهْجٍ أدقَّ وَأَحْزمِ
* * *
يَا خُطَّةَ الإِيَمانِ ! إِنَّ جَلاءَها
بَيْنَ النّزال وبينَ رأْيٍ مُحْكَمِ
شَرَفُ الفَعالِ يُصَانُ بَيْنَ أسنَّةٍ
تَجْلُو عَلَى المَيْدَانِ نَهْجَ المُسْلِمِ
تَمْضِي السنُونَ وَكُلُّ يَوْمٍ خِدْعةٌ
بَيْنَ " الحُلُول " وأَنَّهُ المتَظَلِّمِ
وَنَكَادُ لاَ تَرْضَى هَوَانَ خديعَةٍ(63/386)
إِلاَّ طَوَينَاهَا بحَلٍّ أشْأَم
يَا أُمَّةَ الإِسلاَمِ دَرْبُكِ مُقْفرٌ
ما بَيْنَ أوهَامٍ تَدُورُ و مَزْعَمِ
فَدُرُوبُها شَوْكٌ أَشَدُّ عليك مِنْ
خَرْط القَتَادِ ومِنْ مَذاَق العَلْقَمِ
شَرَكُ المُسَاومَة التي تَرْجينها
شَرَكُ يَمُدُّ إِليك نَابَ الأرْقم
هَلاَّ أفَقْتِ عَلى المَيَادين التي
تَهْدي إِلى وَضَح السّبِيِل الأقْوَمِ
حَقُّ الشُعُوبِ يَنَالُه خَطْفُ القَنَا
والرَّأيُ رأيُ المُؤمِنِ المتَقَدِّم
فرِدي حِيَاضَ المَوْتَ حَتى تُوهَبي
عِزَّ الحَيَاةِ وأقْدِمي لا تُحْجِمي
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> رسالة المسجد الأَقصى إلى المسلمين
رسالة المسجد الأَقصى إلى المسلمين
رقم القصيدة : 66163
-----------------------------------
أنا المسجدُ الأَقصى ! وهذي المرابعُ
بقايا ! وذكرى ! والأَسى والفواجعُ
لقد كنتُ بين المؤمنين وديعةً
على الدّهرِ ما هبّوا إِليَّ وسارعوا
يَضمُّون أَحناءً عليًّ وأعْيُناً
وتحرُسني مِنْهم سيوفٌ قواطعُ
زُحوفٌ مع الأَيامِ موصولةُ العُرا
فترتجُّ من عزْم الزُّحوف المرابع
إِذا أعوزَ القومَ السلاحُ تواثُبوا
تجودُ قُلوبٌ بالوفا وأضالعُ
وعَهْدٌ مع الله العليِّ يشدُّهُ
يقينٌ بأنَّ المرءَ لله راجِعُ
وأنّ جِنانَ الخُلد بالحقّ تُجْتَلَى
وبالدَّم تُجْلَى ساحةٌ ووقائِعُ
مواكبُ نورٍ يملأ الدهرَ زحْفُها
فيُشرقُ منها غَيْهَبٌ ومطالِعُ
وتَنشُرُ في الدنيا رسالةَ ربِّها
فَتُصغِيْ لها في الخافِقَين المسامعُ
وتنشُرُ أنداءً وتَسْكُبُ وابلاً
فتخضّرُّ ساحاتٌ ذَوَتْ وبَلاقعُ
* * *
فما بالُ قومي اليوم غابُوا وَغُيِّبوا
وما عادَ في الآفاقِ منهمْ طلائعُ
وما بال قومي بدَّلوا ساحَةَ الوغى
فغابَتْ ميادينٌ لهم ومصانِعُ
وما بَالُهمْ تَاهوا عن الدرب،ويَحَهمْ !
فجالتْ بهم أهواؤهمْ و المطامعُ
فغابَ نداءٌ ما أجلَّ عَطاءَه
تُردّدُهُ في كل أفقٍ مجامِعُ
وكانتْ ميادينُ الشّهادةِ ساحَهم(63/387)
فصارَ لَهُمْ ملءَ الدّيارِ مَرَاتعُ
وفي كلِّ يومٍ مَهْرَجَانٌ يَضُمُّني
وتَنْدُبُني بين القصيد المدامِعُ
وكانت دماءُ المؤمنين غنيّةً
تُصَبُّ وأرواحُ الشهودِ تدافِعُ
فأصبَحْتُ ، يا ويحي ،أَحاديثَ مَجْلسٍ
وأدمعَ بكَّاءٍ حَوتْه المضاجِعُ
وكان يُدوّي في الميادين جولةٌ
فصارَ يُدوّي بالشعاراتِ ذائعُ
وَكمْ كنْتُ أَرجو أن تكون دُموعُهمْ
دِماءً تُرَوّى مِن غِناها البَلاقِعُ
* * *
أَيذْبَحُني أهُلي ويَبكونَ بَعْدَها
عليَّ ؟ ! لقد سَاءتْ بذاك الصنائِعُ
فَكَمْ تاجرٍ أَلقى بِلَحْميَ سِلْعَةً
وقَدْ عَزَّ في الأسواقِ منها البَضائِعُ
فهذا يُنادِي بالتجارة جَهْرَةً
وذاك يُواريه شِعارٌ مخادِعُ
فغاصُوا جميعاً بِالوُحُولِ وَغُيَّبوا
بتيهٍ ودارَتْ بَيْنَ ذاكَ المصَارعُ
* * *
فما أَنا جُدْرانٌ تَدورُ وسَاحَهٌ
ولكنّني أُفْقٌ غَنيُّ وواسِعُ
يَمُدُّ لِيَ الآفاقَ وحيُ رسالةٍ
وحَبْلٌ متينٌ للمنازِلِ جامِعُ
رياضٌ يَرِفُّ الطيبُ منها وتَغْتَني
مِنَ الطّيب سَاحَاتٌ بها ومَرَابعُ
فِمنْ مُهْجَةِ الإِسْلام مَكّةَ خفقتي
ومِنْ طيبَةٍ وحيٌ إلى الحقِّ دافعُ
ومن كلِّ دارٍ مِنَبرٌ ومآذِنٌ
بيوتٌ تدَوِّي بالنّداء جَوامِعُ
قُلوبٌ لها خفقُ الحياةِ وأضْلُعٌ
تجيشُ وآمالٌ غَلَتْ وَوَدائِعُ
تظلُّ عُروقي بالحياةِ غنيَّةً
إذا اتّصلتْ بين الدّيار الشرائِعُ
وأَيُّ حَياةٍ دونَ ذلك تُرْتَجى
إذا انتزَعْتني مِنْ ضُلوعي المطَامِعُ
* * *
ونادَى مُنادٍ حَسْبُنَا كِسرةٌ هنا
ونَادَى سِوَاهُ نَرْتَجي ونُصانِعُ
وطافتْ على الدُّنيا الهزائمُ كلُّها
شعارٌ يُدَوّي أو ذليلٌ وضارعُ
تَشُدُّ عليَّ اليوْمَ قبْضَةُ مُجْرِمِ
وَيَجْتَالُني مَكرٌ لهُ وأصابعُ
وفي كلّ يوم ، وَيْحَ نَفْسي، مَسَارحٌ
تُدَارُ وأَهْواءٌ عَليْها تَنازَعً
تُدَارُ خيوطُ المكْر خَلْفَ ستارها
ىوتُعْلَنُ آمالُ عَليْها لَوامِعُ
ويَطْوِي عَلى هُوْنٍ أسايَ وذِلتي(63/388)
شِعَارٌ يُدَوّي أو أمانٍ روائعُ
تُمزَّقَ أَوصَالي وتُنْزَعُ مُهْجتي
ويُطلَبُ نَصْرٌ والنُّفوس خَواضِعُ
يقولون " تحريرٌ " ويُجْرون صَفْقَةً
عَليْها شُهودٌ ضِامنون وبائعُ
يقولون " تقرير المصير " ! وإنّه
لَتدميرُ آمالٍ : فَمُعْطٍ ومانِعُ
يفاوضُ فيه الشاةَ ذئبٌ وثعلبٌ
وقد مَهَّدَتْ عَبْر السنينَ الوقائعُ
يقولونَ : أهلُ الدار أدرى بِحالِها
وأين هُمُ ؟ ! إني إلى الله ضارعُ
وأهليْ ! وما أهلي سوى أُمَّةٍ لها
من الله عزمٌ في الميادين جامع
وصفٌّ يشدُّ المؤمنين جميعهُم
كأَنَّهُمُ البُنْيانُ : عالٍ ومانعُ
إذا لمْ تَقُمْ في الأرض أمَّةُ أَحمدٍ
فكلِّ الذي يُرْجَى عَلى السّاحِ ضائعُ
حنانيكَ يا أَقصَى ! حنانَيك كُلَّما
خَطَرْتَ وشدَّتني إليكَ النّوازعُ
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> القدس في خطر
القدس في خطر
رقم القصيدة : 66164
-----------------------------------
القُدْسُ في خَطرٍ؟! وَيْحي ! ويُفزِعُني
طولُ الشكاةِ وطولُ العَتْبِ والصّخَبُ
فالناسُ بيْنَ مغاني اللّهو تَصْرَعهمْ
أهواؤُهم وأماني العجْزِ و الرّغَبُ
أنّى تلفّتَّ أنغامٌ مُخَدٍّرَةً
ونشوَةٌ وليالٍ هَزّها الطّرَبُ
والقومُ في غفْوَةٍ ! في التيه ! في ظُلَم
يَلقُّهمْ مِنْ دياجيرِ الهوى حُجُبُ
عواصِفٌ مِنْ شتاتِ الأمرِ نازلةٌ
فيهمْ وثائرةُ الإعصار تقتربُ
تمزَّقوا فِرَقاً شتّى يَدور بِهمْ
مرُّ الصِّراع وهوْلُ الشرِّ والحَرَبُ
أَلقَى العَدُوُّ فُتَاتاً فَانْبَرَوْا فِرقاً
تَنَافَسُوهَا فأَلهَاهُمْ هَوىً كَذِبُ
مَاليْ أَلومُ عَدوّي كُلّما نَزَلتْ
بِيَ الهَزَائِمُ أو حَلّتْ بِنا النُّوَبُ
نحنُ الملومون ! عَهْدُ اللهِ نَحْملهُ
وقد تَخَلَّفَ منا العَزْمُ و السببُ
* * *
القُدْسُ في خَطَرٍ؟! الآن ؟! واعجباً
أيْنَ السّنُونَ التي مَرّت بها الكُرَبُ ؟!
أَين المواعظُ دوّت في مسامِعنا؟
أين النَّذير و أين الآيُ و الكُتُبُ؟!(63/389)
أَيْنَ القَوارع هزّتْ كُلَّ ذي صَممٍ
ولمْ يُهَزَّ لنا عزْمٌ ولا قُضُبُ ؟!
وخُطّةُ القوِم تَمضي بَيْنَنَا زَمناً
تَطولُ فيهِ دَواعي المكْرِ و الرّيَبُ
ونَحنُ نمضي على أحْلامِنا وَهَناً
تُنازُلاً في دُروبِ التّيهِ نَضْطَربُ
مسلسلٌ ! كمْ نزلْنا فيه مُنْحَدَراً
يَهْوي بنا! هان فيه العزْم والطّلَبُ
دوَّتْ شِعَاراتُنا ! بُحَّتْ حَناجِرُنا!
جُنّتْ عواطِفُنَا! تَعْلو وتلْتَهبُ
ضجّتْ شِكايتُنَا في كُلِّ مُعْتَرَكٍ
مَعَ الهَزيمة تُطْوَى ثمَّ تَحْتَجِبُ
لهَيْئةٍ مُزِّقتْ في ساحِها أمُمٌ
يا سوءَ ما فَعلوا في الأرض و ارتكبوا
لقد ركنّا لكيْدِ الظالمينَ ولمْ
نَزَلْ على كَيْدهم نشْقَى و نَنْقَلبُ
لم نشْكُ لله ! لم نلجأ ْلرحمتِه
فما استقام على نهجِ الهُدى أرَبُ
أعطاكُمُ اللهُ ما يُرْجى بهِ أمَلٌ
وَمَا يُعَزُّ به الإحسانُ و الدأبُ
هذي الملايينُ فَوْقَ الأرض قد نُثِروا
وَوَفْرةٌ من كنوزِ الأرض والذهبُ
وموقعٌ وَسَطٌ في الأرضِ متّصلٌ
يَضمُّ ذلك حَبْلُ الدِّينِ والسببُ
فبدَّلوا بعطاء الله ما قَذَفَتْ
به أيادي عدّوٍ جودُه عَطَبُ
وبَدّلوا العهدَ ! ويحي ! لم يعدْ لهمُ
إلا الشِعارات دوّتْ عندها العُصَبُ
فأصبحوا شِيَعاً شتَّى ممزَّقة
وساحُها في يد الأعداء تُنْتَهَبُ
* * *
القدسُ في خَطَرٍ ؟! ما زال يُذهِلُني
حقّاً ويُفزِعُني من أمرِنا عَجَبُ
القدسُ يا أُمّتي ليْسَتْ بِمنْعَزَلٍ
عن الديار، ولا الخطْبُ الذي خَطبُوا
القُدْسُ يا أمّتي موصولةٌ بِعُرا
وبالحبالِ التي يزكو بها النَّسَبُ
بالبيتِ , بالكعبة الغرّاء ! عُروَتُها
شُدَّت بِها ، بِغَنيِّ النّور تأتَشِبُ
وبالمدينة حَبْلٌ غير منفَصمٍ
عَهْداً مع الله حّقاً ليس ينقَضِبُ
عَهْداً إلى أُمَّةِ الإسلام ما صدقت
أمانةَ العهدِ والحقِّ الذي يَجِبُ
* * *
من مكة وظلالِ الكعبةِ انطلقتْ
ركائبُ الحقِّ يحدوها الهوىالعَذِبُ
مَسْرى الرسولِ ! وجِبريلُ الأمينُ به(63/390)
ودفقةُ النّور في الآفاقِ تنسِكبُ
يَطْوي البُراقُ على أشواقه أملاً
إليك يا قُدْسُ يهفو قلبُه الوَجِبُ
تطوي الزّمانَ وتطوي البيَد وْثبَتُه
تراجَعَتْ دونه الساحات ُوالحقَبُ
المصطفى ! وجلال الوحي يَحْرُسُه
والكونُ من حوله يرنو و يرتَقِبُ
أرخى البراقُ جَناحيه بساحته
فانشَقَّ فجْرٌ مع الأيام مُرْتَقَبُ
هذا النبيُّ ! وهبَّ الأنبياء له
من عالم الغيب ! تُغضي عنده الهُدُبُ
هنا التقي عالَم الغيبِ الذي طلَعتْ
رؤاه والمشهَدُ الحقُّ الذي صَحِبوا
فأمَّهم ! وجنودُ الحقّ شاهِدةٌ
بأن تلك الرّبى للحقّ تنتسبُ
أمانةً في رِقاب المسلمين لهمْ
يوم الحساب أمور غير ما احتسبوا
مَضى البُراقُ يَشقُّ الأُفْق منطلقاً
بومضة للسموات العُلا يَثبُ
ومن رُبى طيبَةٍ فوحُ العصور سَرى
مسكاً غنيّاً ونشراً ليس يُجْتلَبُ
* * *
يا قُدسُ ! يالَهْفَةَ الأكْبَاد صادقةً
ولهفَةً عمَّها الإعصارُ والغَضَبُ
يا طلعةَ الشوق والأقْصى يُرَجّعُها
مع العصورِ وحدٌّ صارِم ذرِبُ
القدْسُ يا أُمَّتي فوحُ العصور بها
صَبّتْ مجامِرها الساحاتُ والحِقَبُ
القدس يا قومُ تاريخ تجودُ به
أرضُ الرسالاتِ! ما أزكى الذي تَهَبُ !
أرض الرسالات كم مدّت ملاحمها
دماً على ساحِها بالمسكِ ينسكبُ
القدسُ زَهْرةُ تاريخ مُعَطَّرةٌ
جُذورها في بطون الأرض تحتجبُ
فإن تقَطّعت الأحبال وانفصَمتْ
تلك العرا جَفّت العيدان والقَصَبُ
وإن تُرى قُطّعَتْ تلك الجُذُورُ فهلْ
تظلَّ تَعبقُ في ساحاتها الكُثُبُ
تقول : كلاّ ! فقد خبّأت كلَّ شذى
عندي لكل شهيد كنتُ أرتَقِبُ
خبّأت كلَّ عطوري في مجامِرها
نديَّةً لزحوفٍ ليسَ تنْقَلبُ
* * *
يا قومُ ! كلُّ رَوابينا عَلى خَطَرٍ
وقد تَكسَّرَتِ الأسياف والقُضُبُ
وسدَّ كلَّ سبيل للجهاد بها
أين السبيل؟! واين الفتية النُجُبُ
المجرمون طغاةُ الأرض قد زحفوا
زحفاً يموجُ به جَيْشٌ لهمْ لَجِبُ
* * *
القدسُ في خطر ؟! ويحي ! أَيرفَعُه(63/391)
عنّا القصيد ويشفي صدرنا الخُطَبُ
كم مهرجان وكم من ندوةٍ طَلَعَتْ
يدورُ فيها بيانُ الشعر والأدبُ
ما أجمل الأدب الفوّاح تتطلقه
حُمْرُ النِّصالِ وفي الميدانِ يَخْتضِبُ
ولليهودِ ميادين القنا فُتِحتْ
كلٌّ بأُهبَتِه في ساحها يَثِبُ
شادُوا من العلم ما هَابَتْهُم أُمَمَ
بِه وما عزّ فيه القاطع الذربُ
عزائم ٌ لم تزلْ تبني مصانِعَها
من السلاحِ الذي يُرْجى به الغَلَبُ
فهذه الصين تَسعى في مودَّتِهمْ
مهابةً، وسواها مُقْبِل حَدِبُ
قوموا إلى ساحها ياقوم وانتصروا
لله في جولة يُجلَى الدمُ السَّرِبُ
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> درّة الأقصى مُحمَّد الدرّة وأبوه جمال الدرّة
درّة الأقصى مُحمَّد الدرّة وأبوه جمال الدرّة
رقم القصيدة : 66165
-----------------------------------
ضُمَّني يا أبي إِلَيْكَ ! فَإِني
خائفٌ ! والرصاص حولي شديدُ
ضُمّني ! و احمني ! فما زالَ يَنصَـ
ـبُّ علينا رَصَاصُهُمْ و يَزيدُ
لا أرى في يَدَيكَ أَيَّ سلاح
لا ولا في يَدِيْ سلاحٌ يُفيدُ
كيف نلقى عدوّنا عُزَّلاً و هْـ
ـوَ لديه سلاحُه والحشودُ
ضُمَّني ! ضُمَّني ! ولسْتُ جباناً
إنّ عزمي ، كما علمتَ ، حديدُ
أنا من أُمّة بَناها رسول اللّـ
ـه والوحيُ والكتاب المجيدُ
غيرَ أنّ الهَوَان رُعْبٌ فَفِيه
نُذُرٌ وَ لْوَلَتْ وفيه وَعيد
نَزَع الذُلُّ عن مَحَيّايَ آما
لاً وغابَتْ مَعَ الفَضاءِ الوعودُ
هاهم المجرمون ! ويحي ! وحوشٌ
نَفَرتْ أم جحافِلٌ وجنودُ
أقبلوا يا أبي ! و دوّى رصاصٌ
كلُّ ساحٍ عواصفٌ ورعودُ
* * *
لا تخفْ يا بُني! صبراً! فإن اللّـ
ـه يقْضي مِنْ أمره ما يُريدُ
وحْدَنا نحنُ يا بُنيَّ ! فَصَبْراً
كلُّ ركنٍ نَرْجُو حِماهُ بَعيدُ
كيفَ جِئنا هُنا! و كيفَ حُصِرنا
لا أرى ملجأً إليه نَعودُ
إنّه الله وحْدَه ملجأ الخا
ئف يأوي إلى حماه الشريدُ
* * *
عجباً يا أبي لَديْهِمْ سِلاحٌ
فاتِكٌ نارُه لظىً و وَقُودُ(63/392)
جَرَّدونا بُنيَّ منه ! رَمَوْنا
ثمَّ دارَتْ بنا ليالٍ سُودُ
قلتَ لي يا أبي : مَلايينُ هُمْ في الـ
أرض ، نْحنُ المليارُ أوقَد نَزيدُ
هل يَرانا الأرحام في الأرض ؟ هل هَـ
ـبَّ أبيٌّ أو مُشْفِق ،أو نجيدُ
أين إخواننا ؟! وأين بنو العَمِّ ؟!
وأيْنَ الأَخوال ؟! أين الجدود ُ؟!
* * *
وتوالى الرّصاص ! و الموتُ دفّا
قٌ و دوّى نداؤه المفؤودُ
شَدَّهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ واستغاثتْ
أضلُعٌ أو حناجِرٌ أو زُنُودُ
* * *
يا أبي ..! يا .. .. ! وغابَ منه نِداءٌ
و طوتهُ عَنّا فيافٍ و بيدُ
أسْكَتَتْهُ رصَاصَة ورماه
في ذراعَيْ أبيه قلبٌ حقودُ
ضمَّه ضمة المودّع ! والدمْعُ
لهيبٌ على الهوان شَهيدُ
أسكتتْهُ رصَاصَةٌ ثمَّ أُخْرى
وطوى صَوَتَه النّديَّ حدودُ
رجّعَتْهُ كلُّ الرّوابي دوِيّاً
وصداه على الزّمانِ جَديدُ
غيرَ أن الآذانَ صُمَّتْ فأغْفَتْ
أعْيُنٌ دُونها ونامَتْ جُهودُ
ضمّه ضَمّةً إلى الصدْرِ يَسْـ
ـكُب فيها حَنانَه ويجودُ
الحنانُ الندي ! والأمَلُ الضا
ئعُ ! تيهٌ أمامه ممدودُ
كلُّ ساحٍ مع الضجيج خلاءٌ
كلُّ دْربٍ أمامَهُ مَسْدودُ
أفرغَ الشوق َ فوقَهُ فَجَرتْ
بالشَّوقِ منهُ دماؤه والوريدُ
* * *
وابلُ من رصاصهم صُبّ! لكن
رَمَق لم يَزَلْ لديه يجودُ
مالَ للخَلْفِ وارتخى ساعِداهُ
وارتخى مِنْه عزمُه المشهودُ
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> يا قُدسُ !
يا قُدسُ !
رقم القصيدة : 66166
-----------------------------------
يا قُدسُ! يَا نجْوى الزَّمان و لَهْفةَ الـ
أُفُقِ اُلمُطِلِّ على رُبَاكِ ! فأجْملي
يَا قُدسُ ! يَا إشراقة الفَجْر النَّدِ
يِّ وبسمةً طَلَعتْ مَع الصُّبْحِ الجَلِي
يَا قُدسُ! يَا عِطرَ الدُّهور ونفحةً
مَا جَت على الأمَلِ الغنيِّ المرفِلِ
يا قُدسُ! يا رفَّ الحَنين وخَفْقةً
مِن كلِّ قَلبٍ خَاشعٍ متبتِّلِ
يا قُدسُ! يَا عَبَقَ الفُتُوحِ ونسمةً
سَارَتْ بريَّا المِسْكِ فوحَ قُرنْفُلِ(63/393)
يا قُدسُ ! يا نُورَ النُّبوَّةِ أشرقَتْ
في الدَّاجياتِ ويَا صَفاء المَنْهَلِ
كلُّ النُّبُواتِ التِي بُعِثَتْ سَعَتْ
شَوقاً إِليكِ بِنُورِهَا المُتَهلِّلِ
كمَ أشرَقَتْ في كلِّ ساحٍ آيةٌْ
للهِ تُنْبِئُ بالنَّبي ِّ الأَكْمَلِ
فَإِليكِ أُسْريَ بالنَّبيِّ مُحَمَّدٍ
لِيَؤُمَّهُمْ! يَا للإِمامِ الأعدلِ
ثُمَّ ارتَقَى لمعارِجٍ موصُولةٍ
بَلَغتْ بهِ أَعلى رُؤَى أو مَنْزِلِ
دارٌ مبارَكَةٌ و أنفاسُ الهُدى
فيها على رَوْضٍ أَغَنَّ مُظَلَّلِ
المسْجد الأقْصَى بِساحك! يا له
من مَسْجِدٍ بِهُدَى العُصُور مُجَلَّل
بالحقِّ بالإسلام بالدين الذي
حَمَلتْهَ كلُّ نُبُوَّة أو مُرْسَل
طاف الجَمال بكلِّ أرضٍِ وانْتَهى
لرُبَاكِ مَجْلوّاً ! فَقِيل هُنا انْزِلِ
وإذا رباك غَنيَّةٌ خَفقَ الهوى
في كلِّ ركنٍ بالجلال مُكلَّل
أرضَ الملاحِم حدّثي عن أُمَّةٍ
تركَتْك في أسْرٍ شَدِيد مُثْقِلِ
أرض الملاحِم حدِّثي عَنْ غافِلٍ
مُسْتَسْلمٍ أو جاهِلٍ مُتَنَصِّل
طيبي فلسطينُ الحبيبَة أشْرقي
أملاً تجَدِّده الدّماء وهلِّلي
ستَظلُّ أرضُك بالملاحم ساحَةً
للمؤمنين وعَهْدَ يوم مُقْبِل
سَتَظَلُّ أرضُكِ بالملاحم شُعْلَةً
لتَشُقَّ مِنْ ظُلُماتِ لَيْلٍ ألْيَلِ
لا تيأسي! فالأُفْقُ مزْدَحِمٌ بطلْـ
ــعَةِ أُمَّةٍ موصولةٍ لمْ تُجْهَل
وكتائبٍ مَرْصُوصَةٍ لا تَنْثني
إلا على نَصْرٍ أعزَّ و أجْمَلِ
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> المسجد الأقصى
المسجد الأقصى
رقم القصيدة : 66167
-----------------------------------
المسجدُ الأقصى رفيفُ حَنِينِه
رَيَّا نَسِيمٍ بالأًرِيج مُحَمَّل
المسْجِدُ الأقْصَى على رَبواتِه
ورحَابِه قَصص الهُدى المتنَزِّلِ
نورٌ مع التاريخ مُؤْتَلِقُ به
يَغْنى بلألأة الهُداةِ وينجلي
مَهْوى قُلوبِ المؤمنين و قِبْلَةٌ
أولى على حَقٍّ نَدِيٍّ مُخْضَلِ
وربى ملألِئَةُ يَشعّ بها الهُدى
من كلِّ رُكْن بالبَهاءِ مُجَلَّلِ(63/394)
شَعَّتْ بأنوار النبُوَّة و ازدَهَتْ
بمكبِّرٍ في سَاحها و مهلِّل
ضَمّت ميادين الجِهادِ و فوّحَت
بالعطِر مِنْ دمِ صادقٍ مُسْتبْسِلِ
هي ملكُ أُمّةِ أحمدٍ و جنودِه
والسائرين على هُداهُ الأمْثَلِ
صفّاً بَنَتْهُ رسالةٌ فعلا بها
للهِ ما تبني بذاك وتعتلي
***
وتلفَّتَ الأقصى و بيْنَ أنينِه
وحنينِهِ شكوى و صرْخةُ أعْزَلِ
وكأنَّ صرخَتَه تغيبُ مع المَدَى
يُطْوى الصّدى ويغيبُ كلُّ مؤمَّل
ودمٌ يسيلُ كأنّه عَبقُ الجنا
نِ ونفْحَةُ الأمَلِ النديّ الأجْملِ
ودمٌ يسيل! ودمعةٌ تنسَابُ في
عُتبى على صمتٍ مُبينٍ مُذهِلِ
ودمٌ يَسِيلُ ! ولَفْتَةٌ ! فأَشَاحَ عَنْ
سَاحٍ تَمُوجُ على هَوَانٍ مُخْجِل
المسجِدُ الأقْصَى ! فيا لأَنينِه
وحنينهِ وإِسارِه المتذَلَّل
***
وتلفّتَ الأقْصى! و مكّةُ بالهوى
ترْنو وطيبةُ، بالحنينِ الأوَّلِ
لله درُّ منائرٍ طَلَعَ الهُدى
منْها وعمَّ الكوْنَ بالنورِ الجلي
المسجدُ الأقصى! ولهْفَةُ مكّةٍ
وحنينُ طيْبَةَ! يا منائر أقْبِلي
شُدِّي على العَهْدِ الموثّقِ و انهضي
للهِ في زحْفٍ أبَرَّ مُعَجَّل
زحفٍ يَضمُّ المؤمنين! يشقُّ دَرْ
بَ النّصر ! يجْلو من مناهُ و يجْتَلي
الكون كلُّ الكونِ فوْقَ قبابها
نورٌ يموجُ وآية الله العَلي
شعراء الجزيرة العربية >> عدنان النحوي >> السهم الأخير وفتىًُ يفَجَّر نفسَهَّ
السهم الأخير وفتىًُ يفَجَّر نفسَهَّ
رقم القصيدة : 66168
-----------------------------------
ماذا أَقول و أيَّ شيءٍ أكْتُبُ
السَّاحُ تَنْأى والمَنازلُ تَغْربُ
لَهْفي على تلك الدِّماءِ تَدَفَّقَتْ
والنَّاسُ في لَهْوٍ يَضجُّ و يصْخَبُ
الرّاقِصون على الدِّماءِ على الأنيـ
ـن، على الجَماجِم ! والغِناءُ الأعْجَبُ
الغيدُ تَلْهو بالقُلوب و حَوْلَها
سَكْرَى! وأَنغَامُ الضّياعِ تَسَرَّبُ
لله در ُّ فتىً يُفجِّرُ نَفْسَهُ
ويْحي ! وأُمّتُهُ غُفَاةٌ غُيَّبُ
فكأنّما مُلِئَتْ جَوانبُهُ أسىً(63/395)
غَضَباً ! ولم يَرَ حَوْلَهُ مَنْ يَغْضَبُ
وفؤادُه لَهَبُ العزيمة وَقْدُه
عَزْمٌ وإِيثارٌ وحقٌّ أَغْلَبُ
وعلى مُحَيَّاهُ البشائرُ أَشْرَقتْ
أَملاً يُضيء ولَهْفَةً تترقَّبُ
***
وتلفَّتتْ عَيْناه! حِين بَدَا لَهُ
زَحْفٌ ونِيرانٌ تُصَبّ و تُسْكَبُ
ومدافعٌ وقنابلٌ والطائرا
تُ تحومُ تُلْقي بالجحيمِ وتضْرِبُ
ويحي! ودّباباتُه انْطَلقَتْ على
قَصْفٍ أَشَدَّ، لَهِيْبُهُ لا يُحْجَبُ
فمنازلٌ تَهْوي عَلى أصْحابِها
ومصانِعٌ تُطْوى وأَهْلٌ نُحَّبُ
ودَمٌ تفجَّرَ في المَرابِعِ كُلِّها
دَوّى هُناك ! فَمنْ يُجِيبُ ويُعْرِبُ ؟
وَدمُ الطّفولةِ يسْتَغيثُ ! وأنَّةُ
الثكْلى تُنادي! والدّموعُ تَشَعَّبُ
وتلفّتتْ عَيْناه ! هل مِنْ مُشْفِقٍ
في الأَرْض يَحْنوُ ؟ أو يَلين فيحدُبُ
فالناس والدّنْيا كأنّ بِهمْ عَمىً
وقلوبُهُمْ شتَّى المسَالكِ تذْهَبُ
أَو أنّهم صُمٌّ وبُكْمٌ ويْحَهُمْ
لا مَشْرِقٌ يُصْغي لهمْ أو مَغرِبُ
***
وتلفَّتتْ عيناهُ تنطقُ بالأسى
تقول يا دنيا أطلّوا وارقُبوا
أين النِّظامُ العَالميّ ؟ ! وأيْن كُـ
ـلُّ لجانِهِ ؟ أيْنَ المُنى والمطْلبُ
أين الشّعاراتُ التي غَنَّوا بِها
زَمَناً فَغَاب غِناؤهم والمُطْرِبُ
أيْنَ الأُخُوّةُ والعَدالةُ والمُسَا
واة التي تُطْوى هُنَاكَ وتَكْذِبُ
***
وتلفّتت عيناهُ واْلتَفَتَ الفؤا
دُ : فأيْن أهْلي و الهَوَى والمأربُ ؟!
أيْنَ العُروبةُ والسّلامُ و أيْنَ أرْ
حامٌ تَقَطَّعُ والوِدادُ الأَقْرَبُ ؟!
أيْنَ الشِعارات التي دوّى بها
حَشْدٌ وأين سَبيلُها والمذْهَبُ ؟!
والمسْلمون ! وأَيْنَ هُمْ ؟! أيْنَ الوعُو
دُ ؟! وكَمْ تُبَدَّل، ويْحَهم، وتُقَلَّبُ
نَادَوْا شُعُوبَ الأرض! قَادتَها! اسْتَغا
ثُوا بالعدُوِّ وبالصّديقِ وأوْعَبُوا
وتَوسَّلوا! وتَضرَّعوا! و تَذلَّلوا!
من ذا يُجيبُ نِداءَهُمْ أو يَصْحَب ؟!
قالوا قَلِقْنا! أوقفوا الإرهاب! ويْـ(63/396)
لكُمُ ! فمن ذاك الذي هُو يُرْهِبُ ؟!
مَنْ قَتَّل الأَطْفَالَ ؟! مَنْ قَدْ أشعل الـ
نَّيران؟! مَنْ يَطْغَى هناكَ ويُلْهِبُ ؟!
قالوا : سنبعَثُ بالوسيط لكي يُعا
لِجَ ما يَرى من مُشْكِلٍ و يُقَرِّبُ
كمْ من وسيطٍ يا فلَسْطِينُ ارْتَدى
ثوبَ السّلام يَنالُ مِنْكِ ويَنْهَبُ
المجْرِمونَ عِصَابَةٌ جَمَعَتْهُمُ
فِتَنُ الهَوى صفّاً يَشُدُّ ويدأَبُ
***
وتَلفَّتَتْ عَيْناهُ : أيْنَ مُفاوِضٌ
يَسْعى ؟ ! وأيْنَ الفارس المتَوَثِّبُ
كم قَاعةٍ قَد زُيِّنتْ لمفَاوُضٍ
لاهٍ يُمَثّلُ أو يُراوغُ ثَعْلَبُ
وتَدورُ فيها الشاةُ تَثغو، دونَها
نابٌ يُقَطَِّع أو يُمزِّقُ مخْلبُ
***
وتلفّتَتْ عَيْناهُ! ويْحي لم يَعُدْ
في السّاحِ مِنْ حَجَرٍ يَطيرُ ويُرْعِبُ
وتَلفّتَتْ عيْناهُ ! ويْحيَ لم يَعُدْ
حَشْدُ السلاح يَصُدُّ أو يتصَبَّبُ
وتلفّتَتْ عَيْناهُ ! والأَقْصى يَئـ
ـنُّ وقَيْدُه قاسٍ عليه مُجَرّبُ
وتلفّتَتْ عَيْناهُ! وامْتلأَتْ جوا
نِبُه أسىً ينْمو لديْه و يَغلِبُ
وإذا الهوان يلفُّ أُمَّتَهُ وهَلْ
يَبْقَى الأَبيُّ على الهوان ويَرْغَبُ
فإذا به متواثِبٌ ! أحناؤه
غَضَبٌ يَفُُورُ مع الضُّلوع ويُلْهبُ
وخُطاه تَسْتَبِقُ الرّدى! حتّى إذا
بلغَ الميادين التي تتقلّبُ
فَتَفَجّرتْ أحْناؤه وتطايرت
أشْلاؤه والأُفْقُ مِنْهُ مُخَضّبُ
ليظَلَّ يَشْهَدُ أن أمّتنا هَوَتْ
وغَفَتْ وأطْبَقَ فوْقَ ذلك غيْهَبُ
ويَقولُ : إنْ أخطأتُ، إنّ هَوان مَنْ
تَرَ كَ الجِهاد أشدُّ منهُ وأصْعبُ
أهلكتُ نَفْسي؟ غَيْر أنّ سِوايَ أهـ
لَكَ أُمّةً ومَضَى يَهونُ ويُغلَبُ
فالله يَغْفِر ما يَشاء لمنْ يشا
ءُ بِرَحْمَةٍ تُرجَى وفضْلٍ يُوْهَبُ
ما كان يَغْفِر للّذي يمْضي على
شِرْكٍ و يُمْعِنُ في هَوَاه و يُغْرِبُ
كَثُرَ الذين رَأَيْتُهُمْ يُفْتُونَ في
أمْري ! وأمْرُهمُ أشدُّ وأَعْجَبُ
ما بَالُهُمْ لا يَنْهَضُون إلى الّذي
أفْتَوا به، أو للّذي هو أقْرَبُ(63/397)
ما عَاد يَنْفَعُني الفتاوى! إنّني
في عَالَم الحقِّ الّذي لا يُكْذَبُ
فالله يَحْكُم وحده بِعبادِه
فيه، وحُكْمُ الله حقٌّ مُوْجِبُ
فدَعُوْا أُمُوريَ وانْهَضوا لأُمُورِكُمْ
وافْتُوا ! فذلك لو عَلمْتُمْ أصْوَبُ
الخُلْفُ بيْنَكُمُ أضَرُّ عَلَيْكُمُ
واشَدُّ من مَكْرِ العَدوِّ وأصْعَبُ
فِرَقاً تَمَزَّقُ كَمْ تَرَوْن خِلالَها
شَرّاً يُدَارُ وفتنةً تَتَسرّبُ
***
فجّرْتُ نَفْسِيَ! هل فَتَحْتُمْ بَعْدَه
دَرْباً إلى النَّصْرِ العزيِزِ يُقرِّبُ
هلاَّ جمعتُم أُمَّة الإسلام صَفّـ
ـاً يَجْتَلي صُوَرَ الجِهاد ويَطْلبُ
إنْ لمْ تَقُمْ في الأرضِ أُمَّة أحمد
ضاعَتْ جُهودُكُمُ وتاهَ المَذْهَبُ
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> وداع
وداع
رقم القصيدة : 66169
-----------------------------------
اريقي على ساعدي الدموع
و شدي على صدري المتعب
فهيهات ألا أجوب الظلام
بعيدا إلى ذلك الغيهب
فلا تهمسي / غاب نجم السماء
ففي الليل أكثر من كوكب
**
وهل كان حلم بغير انتهاء
و هل كان لحن بلا آخر ؟
لكي تحسبي أن هذا الغرام
أبيد الرؤى ... خالد الحاضر
و أنا سنبقى نعد السنين
مواعيد في ظله الدائر ؟
**
على مقلتيك ارتماء عميق
و ذكرى مساء تقول ارجع!
نداء بعيد الصدى كالنجوم
يراها حبيبان في مخدع !
يكاد اشتياقي يهز الحجاب
و تومي ذراعي : هيا معي!!
**
سأمضي ... فلا تحلمي بالإياب
على وقع اقدامي النائية
و لا تتبعيني إذا ما التفت
ورائي إلى الشمعة الخابية
يرنحها في يديك النحيب
فتهتز من خلفك الرابية
**
ستنسين هذا الجبين الحزين
كما انحلت الغيمة الشاردة
و غابت كحلم وراء التلال
بعيداً.. سوى قطرة جامدة
ستنثرها الريح عما قليل
و تشربها التربة الباردة
**
ورب اكتئاب يسيل الغروب
على صمته الشاحب الساهم
وأغنية في سكون الطريق
تلاشت على هدأة العالم
أثارا صدى تهمس الذكريات
إذا ماانتهى همسة الحالم
**
غداً.. حين يبلى وراء الزجاج(63/398)
كتا عليه اسمي الذابل
و تنفض كفاك عنه الغبار
و يخلو بك المخدع القاحل
سيلقاك و جهي خلال السطور
كما يسطع الكوكب الآفل
**
إذا ما قرأن اللقاء الاخير
تمنيت, في غفلة هاربة ,
لو استرجعت قبضتاك السنين
لو استرجعت ليلة ذاهبة!
و لكن شيئاً حواه الجدار
تحدى أمانيك الكاذبة
**
تلفت عن غير قصد هناك
فأبصرت.. بالانتحار الخيال!
حروفا من النار..ماذا تقول ؟
لقد مر ركب السنين الثقال
و قد باح تقويمهن الحزين
بأن اللقاء المرجى..محال!!
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> لا تزيديه لوعة
لا تزيديه لوعة
رقم القصيدة : 66170
-----------------------------------
لا تزيديه لوعة فهو يلقاك
لينسى لديك بعض اكتئابه
قربي مقلتيك من وجهه الذاوي
تري في الشحوب سر انتحابه
و انظري في غصونه صرخة اليأس
أشباح غابر لا من شبابه :
لهفة تسرق الخطى بين حفنيه
و حلم يموت في أهدابه
**
و اسمعيه إذا اشتكى ساعة البين
و خاف الرحيل- يقوم اللقاء
و احجبي ناظريه, في صدرك المعطار
وعن ذاك الرصيف المضاء
عن شراع يراه في الوهم ينساب
وموج يحسه في المساء :
الوداع الحزين!! شذى ذراعيك
عليه على الأسى والشقاء
**
حدثي حديثيه عن ذلك الكوخ
وراء النخيل بين الروابي
حلم أيامه الطوال الكئيبات
فلا تحرميه حلم الشباب
أوهميه بأنه سوف يلقاك
على النهر تحت ستر الضباب
وأضيئي الشموع في ذلك الكوخ
وإن كان كله من سراب
**
كلما ضج شاكيا في ذراعيك
انتهاء الهوى صرخت انتهارا
فارتمي أين يرتمي صدره الجـ
ـاش حزناً وحيرة وانتظارا ؟
اغضبي وادفعيه عن صدرك
القاسي وأرخي على هواه الستارا
أوصدي الباب خلفه.. واتركيه
مثلما كان.. للدجى والصحارى !
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> عبير
عبير
رقم القصيدة : 66171
-----------------------------------
عطرت أحلامي بهذا الشذي
من شعرك المسترسل الأسود
الجو من حولي ربيع حبا
من خدره النائي إلى الموعد
هذا عبير الحب فجرته(63/399)
يبحث عن مجرى له في غد
نبع أثيري الخطى, حالم
بالظله الخضراء و المسند
و العاشق السكران يحصى على
ثغرك ما في الليل من فرقد
أوقدت مصباح الهوى بعدما
خبا و لولا أنت لم يوقد
هبت عليه الريح مجنونة
محلولة الشعر, خضيب اليد
الزيت من هذا الشذى و اللظى
من قبلة في الغيب لم تولد
تطفو على العطر خيالاً فلا
ترسب الا في الفؤاد الصدي
**
أهم أن أهتف : أنت التي
مثلتها في أمسي الأبعد
و أنت من تحلم روحي بها
على ضفاف الزمن المزبد
تسائل الموج و تومي إلى
كل شراع علها تهتدي
أهم أن أهتف لولا خطى
عابرة في الخاطر المجهد
؟أطياف حسناواتي استيقظت
هاتفة : يا ذكريات اشهدي
ما نال منا غير أسمائنا
تسخر من آماله الشرد
مكتوبة بالنار, في شعره
كالصورة الخرساء في معبد
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> عينان زرقاوان
عينان زرقاوان
رقم القصيدة : 66172
-----------------------------------
عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير
أرنو فينساب الخيال و ينصب القلب الكسير
و أغيب في نغم يذوب.. و في غمائم من عبير
بيضاء مكسال التلوي تستفيق على خرير
ناء.. يموت و قد تثاءب كوكب الليل الأخير
يمضي على مهل و أسمع همستين.. وأستدير
فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير
حسناء يا ظل الربيع, مللت أشباح الشتاء
سوداً تطل من النوافذ كلما عبس المساء
حسناء.. ما جدوى شبابي إن تقضى بالشقاء
عيناك.. يا للكوكبين الحالمين بلا انتهاء..
لولاهما ما كنت أعلم أن أضواء الرجاء
زرقاء ساجية.. و أن النور من صنع النساء
هي نظرة من مقلتيك و بسمة تعد اللقاء
و يضيء يومي عن غدي, وتفر أشباح الشتاء
**
عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال
ساج تلثم باليكون فلا حفبف و لا انثيال
إلا صدى واه يسيل على قياثر في الخيال
إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال..
في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال,
وغفا الزمان.. فلا صباح ..و لا مساء و لا زوال!
أني أضيع مع الضباب سوى بقايا من سؤال:(63/400)
عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال!
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في ليالي الخريف
في ليالي الخريف
رقم القصيدة : 66173
-----------------------------------
في ليالي الخريف الحزين
حين يطغى علي الحنين
كالضباب الثقيل
في زوايا الطريق
في زوايا الطريق الطويل
حين أخلو و هذا السكون العميق
توقد الذكريات
بابتساماتك الشاحبات
كل أضواء ذاك الطريق البعيد
حيث كان اللقاء
في سكون المساء
هل يعود الهوى من جديد ؟
عاهديني إذا عاد .. يا للعذاب
عاهديني و مرت بقايا رياح
بالوريقات في حيرة و اكتئاب
ثم تهوي حيال السراج الحزين
انتهينا.. أما تذكرين؟
انتهينا.. و جاء الصباح
يسكب النور فوق ارتخاء الشفاه
و انحلال العناق الطويل
أين آلام الرحيل؟
أين لا لست أنساك و احسرتاه؟
**
في ليالي الخريف
حين أصغي و لا شيء غير الحفيف
ناحلاً كانتحاب السجين
خاف أن يوقظ النائمين
فانتحى في الظلام
يرقب الأنم النائيات
حجبتها بقايا غمام
فاستبدت به الذكريات
الغناء البعيد البعيد
في ليالي الحصاد
أوجه النسوة الجائعات
ثم يعلو رنين الحديد
يسلب البائس الرقاد !
في ليالي الخريف
حين أصغي و قد مات حتى الحفيف
و الهواء -
تعزف الأمسيات البعاد
في اكتئاب يثير البكاء
شهرزاد
في خيالي فيطغى علي الحنين
أين كنا؟! أما تذكرين
أين كنا ؟! أما تذكرين المساء؟!
**
في ليالي الخريف الطوال
آه لو تعلمين
كيف يطغى علي الأسى و الملال؟!
في ضلوعي ظلام القبور السجين
في ضلوعي يصبح الردى
بالتراب الذي كان أمي: غدا
سوف يأتي فلا تقلقي بالنحيب
عالم الموت حيث السكون الرهيب!
سوف أمضي كما جئت واحسرتاه
سوف أمضي و ما زال تحت السماء
مستبدون يستنزفون الدماء
سوف أمضي و تبقى عيون الطغاة
تستمد البريق
من جذى كل بيت حريق
و التماع الحراب
في الصحارى و من أعين الجائعين
سوف أمضي و تبقى فيا للعذاب!
سوف تحيين بعدي ، و تستمتعين
بالهوى من جديد
سوف أنسى و تنسين إلاّ صدى
من نشيد(63/401)
في شفاه الضحايا -وإلا الردى
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أغنية قديمة
أغنية قديمة
رقم القصيدة : 66174
-----------------------------------
-1-
في المقهى المزدحم النائي, في ذات مساء
و عيوني تنظر في تعب,
في الأوجه و الأيدي و الأرجل و الخشب :
و الساعة تهزأ بالصخب
و تدق- سمعت ظلال غناء
أشباح غناء
تتنهد في الحاني, و تدور كإعصار
بال مصدور
ينتفس في كهف هار
في الظلمة منذ عصور
**
-2-
أغنية حب أصداء
تنأى و تذوب و ترتجف
كشراع ناء يجلو صورته الماء
في نصف اللليل.. لدى شاطيء إحدى الجزر
و أنا أصغي.. و فؤادي يعصره الأسف:
لم يسقط ظل يد القدر
بين القلبين ؟! لم أنتزع الزمن القاسي
من بين يدي و أنفاسي
يمناك ؟ و كيف تركتك تبتعدين كما
تتلاشى الغنوة في سمعي نغما نغما؟!
**
-3-
آه ما أقدم هذا التسجيل الباكي
و الصوت قديم
الصوت قديم
ما زال يولول في الحاكي
الصوت هنا باق أما ذات الصوت:
القلب الذائب إنشاداً
و الوجه الساهم كالأحلام فقد عادا
شبحا في مملكة الموت-
لا شيء- هنالك في العدم
و أنا أصغي و غداً سأنام عن النغم!
أصغيت فمثل إصغائي
لي وجه مغنيه كالزهرة حسناء
يتماوج في نبرات الغنوة كالظل
في نهر تقلقه الأنسام
في آخر ساعات الليل
يصحو و ينام
أأثور ؟ أأصرخ بالأيام و هل يجدي ؟
إنا سنموت
و سننسى في قاع اللحد ؟
حباً يحيا معنا و يموت !
**
-4-
ذرات غبار
تهتز و ترقص في سأم
في الجو الجائش بالنغم
ذرات غبار!
الحسناء المعشوقة مثل العشاق
ذرات غبار!
كم جاء على الموتى و الصوت هنا با-
ليل نهار!!
هل ضاقت مثلي بالزمن
تقويماً خط على كفن
ذرات غبار ؟!؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ستار
ستار
رقم القصيدة : 66175
-----------------------------------
-1-
عيناك و النور الضئيل من الشموع الخابيات
و الكأس و اللليل المطل من النوافذ بالنجوم
يبحثن في عيني عن قلب و عن حب قديم
عن حاضر خاو و ماض في ضباب الذكريات(63/402)
ينأى و يصغر ثم يفنى إنه الصمت العميق
و الباب توصده وراءك في الظلام يدا صديق !
**
-2-
كالشاطيء المهجور قلبي لا وميض و لا شراع
في ليلة ظلماء بل فضاءها المطر الثقيل -
لا صرخة اللقيا تطيف به و لا صمت الرحيل
يمناك و النور الضئيل أكان ذاك هو الوداع ؟!
باب و ظل يدين تفترقان- ثم هوى الستار
ووقفت أنظر في الظلام و سرت أنت إلى النهار
**
-3-
في ناظريك الحالمين رأيت أشباح الدموع
أنأى من النجم البعيد تمر في ضوء الشموع
و اليأس مد على شفاهك و هي تهمس في اكتئاب
ظلاً- كما تلقي جبال نائيات من جليد
أطيافهن على غدير تحت أستار الضباب
لا تسألي ماذا تريد ؟ فلست أملك ما أريد!
**
-4-
باب و ظل يدين تفترقان- ليتك تعلمين
أن الشموع سينطفين, و أن أمطار الشتاء
بيني و بينك سوف تهوي كالستار فتصرخين
الريح تعول عند بابي لست أسمع من نداء
إلا بقايا من حديث رددته الذكريات
و سنان هوّم كالسحابه في خيالي ثم مات !
**
-5-
أنا سوف أمضي سوف أنأى سوف يصبح كالجماد
قلب قضيت الليل باحثة على الضوء الضئيل
على ظله في مقلتي فما رأيت سوى رماد!!
أنا سوف أمضي ربما أنسى إذا سال الأصيل
بالصمت أنك في انتظاري ترقبين و ترقبين
أو ربما طافت بي الذكرى فلم تذك الحنين
**
-6-
الزورق النائي و أنات المجاديف الطوال
تدنو على مهل و تدنو في انخفاض و ارتفاع
حتى إذا امتدت يداك إلي في شبه ابتهال
و همست ها هو ذا يعود! رجعت فارغة الذّراع
وأفقت في الظلماء حيرى لا ترين سوى النجوم
ترنو إليك من النوافذ في وجوم.. في وجوم !
**
-7-
قد لا أؤوب إليك إلا في الخيال وقد أؤوب
لا أملس في قلبي و لا في مقلتي هوى قديم:
كفان ترتجفان حول الموقد الخابي.. و كوب
تتراقص الأشباح فيه.. و تنظرين إلى النجوم
حذر البكاء.. و كيف أنت تهز قلبك في ارتخاء
عاد الشتاء..
فتهمسين: و سوف يرجع في الشتاء
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سجين
سجين
رقم القصيدة : 66176(63/403)
-----------------------------------
ذراعا أبي تلقيان الظلال
على روحي المستهام الغريب
ذراعا أبي و السراج الحزين
يطاردني في ارتعاش رتيب
وحفت بي الأوجه الجائعات
حيارى فيا للجدار الرهيب
ذراعا أبي تلقيان الظلال
على روحي المستهام الغريب
**
و طال انتظاري كأن الزمان
تلاشى فلم يبق إلا الانتظار
و عيناي ملء الشمال البعيد
فيا ليتني أستطيع الفرار
و أنتِ التقاء الثرى بالسماء
على الآل في نائيات القفار
و طال انتظاري كأن الزمان
تلاشى فلم يبق إلا الانتظار!
**
أألقاك؟ تأتي على النجوم
و تمضي و ما غير هذا السؤال
تغنيه في مسمعي الرياح
و تلقيه في ناظري الظلال
و ترنو على جرسه الأمنيات
إلى ذكريات الهوى في ابنتها
أألقاك تأتي على النجوم
و تمضي و ما غير هذا السؤال
**
أصيخي! أما تسمعين الرنين
تدوي به الساعة القاسية ؟؟
أصيخي فهذا صليل القيود
و قهقهة الموت في الهاويه!
زمان .. زمان يهز النداء
فؤادي فأدعوك يا نائية
أصيخي أما تسمعين الرنين
تدوي به الساعة القاسية!؟
**
أما تبصرين الدخان الثقيل
يجر الخطى من فم الموقد
تلوى فأبصرت فيه الظهور
وقد قوستها عصا السيد
و أبصرت فيه الحجاب الكثيف
على جبهة العالم المجهد
أما تبصرين الدخان الثقيل
يجر الخطى من فم الموقد
**
و لا بد من ساعة من مكان
لروحين ما زالتا في ارتقاب
سألقاك أين الزمان الثقيل
إذا ما التقينا و أين العذاب؟!
سينهار على مقلتيك الجدار
و تفنى ذراعا أبي كالضباب
و لا بد من ساعة من مكان
لروحين ما زالتا في ارتقاب!
**
و كيف التلاقي و بين المنى
و إدراكهن الدخان الثقيل؟
تموج الأساطير في جانبيه
و يحبو على صدره المستحيل
و نحن الغريقان في لجه
سننسى الهوى فيه عما قليل
و كيف التلاقي و بين المنى
و إدراكهن الدخان الثقيل
**
لينهد هذا الجدار الرهيب
و تندك حتى ذراعا أبي
أحاطت بي الأعين الجائعات
مرايا من النار في غيهب
إذا أستطعب مهرباً مقلتاي
تصدى خيالان في مهربي(63/404)
فأبصرت ظلين لي في الجدار
أو استوقغني ذراعا أبي
**
سابقى وراء الجدار البغيض
وعيناي لا تبرحان الطريق
أعد الليالي خلال الكرى
وارعى نجوم الظلام العميق
فلا تيأسي- أن تمر السنون
و يطفين في وجنتيك البريق
سأبقى وراء الجدار القديم
وعينان لا تبرحان الطريق
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ذكرى لقاء
ذكرى لقاء
رقم القصيدة : 66177
-----------------------------------
قد انتصف الليل فاطو الكتاب
عن الريح و الشمعة الخابية
فعيناك لا تقرآن السطور
و لكنها العلة الواهيه
فأنت ترى مقلتيها هناك
و ذكرى من الليلة الماضيه
فتطوي على ركبتيك الكتاب
و ترنو إلى الأنجم النائيه
**
هنا أنت بين الضياء الضئيل
و بين الدجى في الفضاء الرحيب
و كم من مصابيح تفنى هناك
تنير الثرى و الفراغ الرهيب
**
مصابيح كانت تذوب
و تنحل في شعرها:س
خطانا و لون الغروب
و ما ضاع من عطرها
و تلقي على ذكريات الشتاء
ستاراً من الأدمع الراجفة
فتخبو مصابيحهن البعاد
بطيئاً كما تبرد العاطفة
كما افترقت يوم حان الرحيل
يد صافحتها يد واجفة
كرجع الخطى في الطريق البعيد
كما انحلت الرغبة الخائفة
**
وتصغي و لا شيء إلا السكون
و إلا خطى الحارس المتعب
وإلا ارتعاش الضياء الضئيل
و خفق الظلال على المكتب
**
و أسفارك البالية
كأشباح موتى تسير
حياري إلى الهاوية
وحلم أدكار قصير
**
و تنساب مثل الشراع الكئيب
وراء الدجى روحك الشاردة
ترى وجهها كالتماع النجوم
و تطويه عنك اليد الماردة
إلى أن يذوب الضباب الثقيل
و تنهار ألوانه الجامدة
فها أنت ذا تستعيد اللقاء
كما عادت الجثة الباردة
**
و تمتد يمناك نحو الكتاب
كمن ينشد السلوة الضائعة
فتبكي مع العبقري المريض
و قد خاطب النجمه الساطعة
**
تمنيت يا كوكب
ثباتا كهذا أنام
على صدرها في الظلام
وافني كما تغرب
و يغشى رؤاك الضياء القديم
بطيئاً كما سارت القافلة
ترى الباب مثل انعكاس المغيب
على صفحة الجدول الناحلة(63/405)
و يغشى رؤاك الضياء القديم
ينير لك الغرفة الآفلة
و يغشى رؤاك الضياء القديم
فيا لانتفاضتك الهائلة!
**
ترى الباب ألقى عليه الأصيل
ظلالاً من الكرمة العارية
فما كان غير اعتناق طويل
عصرنا به القوة الباقية
**
و ألقيت عبء السنين
و رأسي على صدرها
فشدت عليه اليمين
و أدنته من ثغرها
**
و أيقنت أن الحياة الحياة
بغير الهوى قصة فاترة
و إني بغير التي ألهبت
خيالي بأنفاسها العاطرة
شريد يشق ازدحام الرجال
و تخنقه الأعين الساخرة
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ملال
ملال
رقم القصيدة : 66178
-----------------------------------
ليلان غاما بالنجوم الآفلات على سهادي
يومان لا وعد و لا لقيا و تخفق يا فؤادي
و غدا سيمتليء انتظاري بالظلام و لا أراها
و تجول عيني في الطريق و تستقر على كتابي
و أكيل بالأقداح ساعاتي و أسخر باكتئابي
و أنام أحلم بالشتاء و أستفيق على هواها
**
سأم و مصباح وحيد ران في أقصى الطريق
مرت وجوه العابرين به فلوّنها قليلا
مرت و غابت في الظلام و ليس يبرح في حريق
سأم و نافذة يطيل فضاؤها الدرب الطويل
سأم و مرآة تئاءب في قراراتها الوجوم
الغرفةالجوفاء و الأقداح و الباب القديم
**
بالأمس كان هوى و كان ... و كان ويح الذكريات
و افرحتاه أتصدقين؟ و قادنا نجم المساء
في ذاك الدرب البعيد و ألف نجوى و اشتكاء
تخبو و تنأى و العناق يعد أضواء الطريق
بالأمس كان هوى و كان و خيم الصمت العميق
**
دب الملال إلى فؤادك مثل أوراق الخريف
أهواك ماذا تهمسين ؟ أتلك حشرجة الحفيف
في دوحة صفراء يقلق ظلها روح الشتاء
لا تنظري في مقلتيك سحابتان من الجليد
تتألقان و لا لهيب و تزحفان و لا فضاء
فلّ العناق على الجفون و حطم الدرب البعيد
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> نهاية
نهاية
رقم القصيدة : 66179
-----------------------------------
-1-
أضيئي لغيري فكل الدروب
سواء على المقلة الشاردة
سأمضي إلى مجهل لا أؤوب(63/406)
فإن عادت الجثة البارده
فألقي على الأعين الخاويات
طيب السماء
لعل الرؤى الخابيات
إذا مس أطرافهن الضياء
يخبرن عن ذلك المجهل:
عن الريح و الغاب و الجدول
أضيئي لها يا نجوم !
**
-2-
سأهواك حتى نداء بعيد
تلاشت على قهقهات الزمان
بقاياه في ظلمة في مكان
و ظل الصدى في خيالي يعيد
سأهواك حتى سأهوى نواح
كما أعولت في الظلام الرياح
سأهواك حتى سـ.... يا للصدى
أصيخي إلى الساعة النائية
سأهواك حتى بقايا رنين
تحدين دقاتها العاتية
تحدين حتى الغدا
سأهواك ما أكذب العاشقين !
سأهوا نعم تصدقين
**
-3-
ظلام و تحت الظلام المخيف
ذراعان تستقبلان الفضاء
أبعد اصفرار الخريف
تريدين ألا يجيء الشتاء؟
لقاء و أين الهوى يا لقاء؟!
عويل من القرية النائية
وشيح ينادى فتاة الغريق
بهذا الطريق و ذلك الطريق
و يمشي إلى الضفة الخالية
يسائل عنه المياه
و يصرخ بالنهر يدعو فتاه
و مصباحه الشاحب
يغني سدى زيته الناضب
محال يراه
و يحنو على الصفحة القاتمة
يحدق في لهفة عارمه
فما صادفت مقلتاه
سوى وجهه المكفهر الحزين
ترجرجه رعشة في المياه
تغمغم لا لن تراه
**
-4-
أحقا نسيت اللقاء الأخير
أحقا نسيت اللقاء ... ؟
أكان الهوى حلم صيف قصير
خبا في جليد الشتاء
خبا في جليد
و ظل الصدى في خيالي يعيد
خبا في جليد خبا في جليد
و يا رب حلم يهيل الزمان
عليه الرؤى و السنين الثقال
فتمضي و يبقى شحوب الهلال
يلون بالأرجوان
شحوب النجوم وصمت القمر
ويومض في كل حلم جديد
شحوب الهلال و ظل الشجر
وطيف الشراع البعيد ؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في القرية الظلماء
في القرية الظلماء
رقم القصيدة : 66180
-----------------------------------
-1-
الكوكب الوسنان يطفيء ناره خلف التلال
و الجدول الهدار يسبره الظلام
إلا وميضاً لا يزال
يطفو و يرسب مثل عين لا تنام
ألقى به النجم البعيد
يا قلب ما لك لست تهدأ ساعة؟ ماذا تريد؟
النجم غاب و سوف يشرق من جديد بعد حين(63/407)
و الجدول الهدار هينم ثم نام
أما الغرام دع التشوق يا فؤادي و الحنين!
**
-2-
أأظل أذكرها و تنساني ؟
وأبيت في شبه احتضار و هي تنعم بالرقاد ؟
في ناظريها المسبلين على الرؤى أما فؤادي
فيظل يهمس في ضلوعي
باسم التي خانت هواي يظل يهمس في خشوع
أني سأغفو بعد حين سوف أحلم في البحار:
هاتيك أضواء المرافيء و هي تلمع من بعيد
تلك المرافيء في انتظار
تتحرق الأضواء فيها مثل أصداء تبيد
**
-3-
القرية الظلماء خاوية المعابرة و الدروب
تتجاوب الأصداء فيها مثل أيام الخريف
جوفاء في بطء تذوب
واستيقظ الموتى هناك على التلال على التلال
الريح تعول في الحقول و ينصتون إلى الحفيف
يتطلعون إلى الهلال
في آخر الليل الثقيل و يرجعون إلى القبور
يتساءلون متى النشور!!
و الآن تقرع في المدينة ساعة البرج الوحيد
لكني في القرية الظلماء في الغاب البعيد
**
-4-
دعها تحب سواي تقضي في ذراعيه النهار
و تراه في الأحلام يعبس أو يحدث عن هواه
فغداً سيهوى ساعداه
مثل الجليد على خطوط باهتات في إطار
و على الرفوف الشاحبات رسائل
عادت تلف على نسيج العنكبوت بها الوعود
و الريح تهمس لن يعود
ويلون المرآة ظل من سراج ذابل
و حياله امرأة تحدق في كتاب
بال و تبسم في اكتئاب
**
-5-
الكوكب الوسنان يطفيء ناره خلف التلال
و الجدول الهدار يسبره الظلام
إلا وميضاً لا يزال
يطفو و يرسب مثل عين لا تنام
ألقى به النجم البعيد
يا قلب مالك فب إكتئاب لست تعرف ما تريد؟!
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> لقاء و لقاء
لقاء و لقاء
رقم القصيدة : 66181
-----------------------------------
لست أنت التي بها تحلم الروح و لست التي أغني هواها
كان حب يشد حولي ذراعيك و يدني من الشفاه الشافاها
و اشتياق كأنما يسرق الروح فما في العيون إلا صداها!
و انتهينا فقلت أني سأنساه و غمغمت سوف ألقى سواها
**
أمس طال اللقاء حتى تثاءبتِ و شاهدت في يديك الملالا(63/408)
في ارتخاء النسيج تطويه يمناك و عيناك ترمقان الشمالا
في الغياب الطويل و المقعد المهجور ترمي يدي عليه الظلالا
في الشفاه البطاء تدنو من الكوب و ترتد ثم تلقى سؤالا
**
التقينا أهكذا يلتقي العشاق؟ أم نحن وحدنا البائسان؟
لا ذراعان في انتظاري على الباب و لا خافق يعد الثواني
في انتظاري و لا فم يعصر الأزمان في قبله و لا مقلتان
تسرقان الطريق و الدمع من عيني والداء و الأسى من كياني
**
قد سئمت اللقاء في غرفة أغضى على بابها اكتئاب الغروب :
الضياء الكسول و المزهريات تراءى بهن خفق اللهيب
كالجناح الثقيل في دوحة صفراء في ضفة الغدير الكئيب
**
و احتشاد الوجوه مثل التماثل احتواهن معبد مهجور
سمرت قبلة التلاقي على ثغري فعاد كما يطل الأسير
من كوى سجنه إلى بيته النائي كما يخفق الجناح الكسير
للغدير البعيد كالموجة الزرقاء جاشت فحطمتها الصخور!
**
عز حتى الحديث بين الأحاديث و حتى التقاؤنا بالعيون
في فؤادي الشقي مثل الأعاصير و في سادعي مثل الجنون
التقينا ؟ أكان شوقي للقياك اشتياقيا إلى الضياء الحزين
واحتشاد الوجوه في الغرفة الجوفاء و الشاي و الخطى و اللحون
**
الخطى و اللحون من فجوة الباب تسللن و الضياء الضئيلا
و الأزاهير تشرب النور في بطء و يعكسنه ابتسامًا ذليلاً
كابتساماتي الحيارى و إطراقي برأسي و قد ذكرت الحقولا
و الغناء الطروب و المعبر المغمور بالنور و الشذى و النخيلا
**
لست أنت التي بها تحلم الروح و لكنه الغرام المضاع:
الخطى العابرات في النور و الأنداء و الشط و الضحى و الشراع
التقينا يد تمد إلى أخرى و للنور في الشفاه التماع
ترقص القبلة المرجاة فيه ثم يدنو فم و تطوي ذراع!
**
لست أنت التي بها تحلم الروح-ولكنهانتظار اللقاء
انتظار التي تحلم بها الروح إذا لفها اكتئاب المساء
و استبد الحنين و انثالت الأصداء من كل ضفة قمراء
لا تراها العيون في عالم ناء و من كل باب كوخ مضاء
**(63/409)
إنها الآن في انتظاري تجيل الطرف حيرى على امتداد الطريق
و المساء الكئيب قد ماج بالأصداء تنساب من مكان سحيق
اتبعينا.. فإن في الشاطيء النائي شراعا يهيم بالتصفيق
و الحبيب المجهول ناداك و امتدت ذراعاه في انتظار عميق
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> هل كان حبا
هل كان حبا
رقم القصيدة : 66182
-----------------------------------
هل تسمين ألقى هياماً؟
أم جنونا بالأماني؟ أم غراما ؟
ما يكون الحب؟ نوحاً و ابتساما؟
أم خفوق الأضلع الحرى إذا حان التلاقي
بين عينينا فاطرقت فراراً باشتياقي
عن سماء ليس تسقيني إذا ما؟
جئتها مستسقياً ألا أواما
**
العيوم الحور لو أصبحن ظلاً في شرابي
جفت الأقداح في أيدي صحابي
دون أن يحضين حتى بالحباب
هيئي يا كأس من حافاتك السكرى مكانا
تتلاقى فيه يوما شفتانا
في خفوق و التهاب
و ابتعاد شاع في آفاقه ظل اقتراب
**
كم تمنى قلبي المكلوم لو لم تستجيبي
من بعيد للهوى أو من قريب
آه لو لم تعرفي قبل التلاقي من حبيب
أي ثغر مسّ هاتيك الشّفاها
ساكبا شكواه آها ثم آها ؟
غير أني جاهل معنى سؤالي عن هواها ؟
أهو شيء من هواها يا هواها ؟
**
أحسد الضوء الطروبا
موشكاً مما يلاقي ان يذوبا
في رباط أوسع الشّعر التثاما
السماء البكر من الوانه آنا و آنا
لا ينيل الطرف إلا أرجوانا
ليت قلبي لمحة من ذلك الضوء السجين
أهو حبّ كل هذا خبريني
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الموعد الثالث
الموعد الثالث
رقم القصيدة : 66183
-----------------------------------
فرالنهار من البيوت النائيات إلى السحاب
من شرفة زرقاء تحلم بالكواكب و الضباب
من مقلتين على الطريق و مقلتين على كتاب
الدرب تحرقه النوافذ و النجوم المستسرة
سكران تزحمه الظلال و تشرب الأوهام خمره
هيهات لا تأتي و تهمس فيم تأتي شبه فكرة
**
قد أذكرتني مقلتاك رؤى رسبن إلى الظلام
زرقاء تسبح في ضباب من شحوب و ابتسام(63/410)
الليلة القمراء تركض بين أشباح الغمام
**
أفق يذوب على الحنين يكاد يغرق في صفائه
يطويه ظل من جناح ضاع فيه صدى غنائه
أهدابك السوداء تحملني فأومض في انطفائه
**
من أنت؟! سوف تمر تمر أيامي و أنسجها ستارا
هيهات تحرقه شفاهك و هي تستعر استعارا
لا تلمسيه فانت ظل ليس يخترق القرارا
**
مات الفضاء سوى بقايا من مصابيح الطريق
مبهورة الأضواء تنصب في جداول من بريق
صفراء تخنقها الظلال على فم الليل العميق
**
فيم انتظاري كالفراغ و فيم يأسي كالرماد؟
لن يسمع الدرب الملول و إن أصاخ سوى فؤادي
أماد فؤادك ويح نفسي أين أنت؟ و من أنادي ؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في أخريات الربيع
في أخريات الربيع
رقم القصيدة : 66184
-----------------------------------
يا ضياء الحقول ياغنوة الفلاح في الساجيات من أسحاره
أقبلي فالربيع ما زال في الوادي فبلي صداك قبل احتضاره
لا تصيب العيون إلا بقاياه و غير الشرود من آثاره
دوحة عند جدول تنفض الأفياء عنها و ترمي في قراره
و على كل ملعب زهرة غيناء فرت إليه من أياره
**
في المساء الكئيب و المعبر المهجور و العابسات من أحجاره
مصغيات تكاد من شدّه الإصغاء أن توهم المدى بانفجاره
أرمق الدرب كلنا هبّت الريح وحف العتيق من أشجاره
كلما أذهل الربى نوح فلاح يبث النجوم شكوى نهاره
صاح يا ليل فاستفاق الصدى الغافي على السفح و الذي في جواره
فإذا كل ربوة رجع يا ليل و نام الصدى على قيثاره
أين منهن خفق أقدامك البيضاء بين الحشيش فوق اخضراره
مثل نجمين أفلتا من مدارين فجال الضياء في غير داره
أو فراشين أبيضين استفاقا يسرقان الرحيق من خماره!!
**
أنت في كل ظلمة موعد و سنان ما زال يومه في انتظاره
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ديوان شعر
ديوان شعر
رقم القصيدة : 66185
-----------------------------------
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
أنفاسي الحرى تهيم على(63/411)
صفحاته و الحب و الأمل
و ستلقي أنفاسهن بها
و ترف في جنباته القبل
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
**
و إذا رأين النّوح و الشكوى -
كل تقول من التي يهوي ؟
و سترتمي نظراتهنّ على الصفحات
بين سطوره نشوى
و لسوف ترتج النهود أسى
و يثيرها ما فيه من نجوى
ولربّما قرأته فاتنتي فمضت تقول : من التي يهوى ؟
**
ديوان شعري رب عذراء
أذكرتها بحبيبها النائي
فتحسست شفة مقبّلة
و شتيت أنفاس و أصداء
فطوتك فوق نهودها بيد
و استرسلت في شبه إغفاء
ديوان شعري ربّ عذراء
أذكرتها بحبيبها النائي
**
يا ليتني أصبحت ديواني
لأفرّ من صدر إلى ثان
قد بت م حسد أقول له :
يا ليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوس و لي ثمالتها
و لك الخلود و إنّني فان؟
يا ليتني أصبحت ديواني
لأفر من صدر إلى ثاني
**
سأبيت في نوح و تسهيد
و تبيت تحت وسائد الغيد
أو لست مني إنني نكد
ما بال حظّك غير منكود ؟
زاحمت قلبي في محبته
و خرجت منها غير معمود
أأبيت في نوح و تسهيد
و تبيت تحت وسائد الغيد؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> شباك و فيقة - 1
شباك و فيقة - 1
رقم القصيدة : 66186
-----------------------------------
شبّاك و فيقة بالقريه
نشوان يطلّ على الساحه
كجليل تنتظر المشيه
ويسوع و ينشر ألواحه
ايكار يمسّح بالشمس
ريشات النسر و ينطلق
ايكار تلقّفه الأفق
و رماه إلى اللجج الرمس
شبّاك وفيقة يا شجره
تتنفس في الغبش الصاحي
الأعين عندك منتظره
**
تترقب زهرة تفاح
و بويب نشيد
و الريح تعيد
أنغام الماء على السّعف
**
ووفيقة تنظر في أسف
من قاع القبر و تنتظر:
سيمر فيهمسه النّهر
ظلاً يتماوج كالجرس
في ضحوة عيد
ويهفّ كحبات النّفس
و الريح تعيد
أنغام الماء ( هو المطر )
و الشمس تكركر في السعف
شباك يضحك في الألق؟
أم باب يفتح في السور
فتفر بأجنحة العبق
روح تتلهف للنور ؟
**
يا صخرة معراج القلب
يا صور الألفة و الحبّ
يا درباً يصعد للرب
لولاك لما ضحكت للأنسام القرية(63/412)
في الريح عبير
من طوق النهر يهدهدنا و يغنينا
عوليس مع الأمواج يسير
والريح تذكره بجزائر منسية:
شبنا يا ريح فخلّينا
**
العالم يفتح شبّاكة
من ذاك الشباك الأزرق
يتوحد يجعل أشواكه
أزهاراً في دعة تعبق
**
شباك مثلك في لبنات
شباك مثلك في الهند
و فتاة تحلم في اليابان
كوفيقة تحلم في اللّحد
بالبرق الأخضر و الرعد
**
شباك وفيقة في القريه
نشوان يطل على الساحه
كجليل تحلم بالمشيه
و يسوع
و يحرق ألواحه
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> شباك وفيقة -2
شباك وفيقة -2
رقم القصيدة : 66187
-----------------------------------
أطلي فشّباكك الأزرق
سماء تجوع
تبينته من خلال الدموع
كأني بي أرتجف الزورق
إذا انشق عن وجهك الأسمر
كما انشق عن عشتروت المحار
و سارت من الرغو في مئزر
ففي الشاطئين اخضرار
و في المرفأ المغلق
تصلّي البحار
كأني طائر بحر غريب
طوى البحر عند المغيب
و طاف بشبّاكك الأزرق
يريد التجاء إليه
من الليل يربدّ عن جانبيه
فلم تفتحي
ولو كان ما بيننا محض باب
لألقيت نفسي لديك
و حدقت في ناظريك
هو الموت و العالم الأسفل
هو المستحيل الذي يذهل
تمثّلت عينيك يا حفرتين
تطلان سخراً على العالم
على ضفة الموت بوّابتين
تلوحان للقادم
و شبّاكك الأزرق
على ظلمة مطبق
تبدّي كحبل يدّ الحياه
إلى الموت كيلا تموت
شفاهك عندي ألذّ الشفاه
و بيتك عندي أحبّ البيوت
و ماضيك من حاضري أجمل
هو المستحيل الذي يذهل
هو الكامل المنتهي لا يريد
و لا يشتهي أنه الأكمل
ففي خاطري منه ظل مديد
و في حاضري منه مستقبل
* *
ترى جاءك الطائر الزنبقي
فحلقت في ذات فجر معه
و ألقى نعاس الصباح النقي
على حسك المشتكى برقعة
و فتحت عينيك عند الأصيل
على مدرج أخضر
و كان انكسار الشعاع الدليل
إلى التل و المنزل المرمر
هناك المساء اخضرار نحيل
من التوت و الظل و الساقيه
و في الباب مدّ الأمير الجميل
ذراعيه يستقيل الآتيه :
أميرتي الغالية
لقد طال منذ الشتاء انتظاري(63/413)
ففيم التأني وفيم الصدود ؟
* *
و هيهات أن ترجهي من سفار
و هل ميّت من سفار يعود ؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> حدائق وفيقة
حدائق وفيقة
رقم القصيدة : 66188
-----------------------------------
لوفيقة
في ظلام العالم السفليّ حقل
فيه مما يزرع الموتى حديقة
يلتقي في جوها صبح و ليل
و خيال و حقيقة
تنعكس الأنهار فيها و هي تجرى
مثقلات بالظلال
كسلال من ثمار كدوال
سرّحت دون حبال
كل نهر
شرفة خضراء في دنيا سحيقة
ووفيقة
تتمطى في سرير من شعاع القمر
زنبقي أخضر
في شحوب دامع فيه ابتسام
مثل أفق من ضياء و ظلام
و خيال و حقيقة
أي عطر من عطور الثلج و انِ
صعّدته الشفتان
بين أفياء الحديقة
يا وفيقة ؟
و الحمام الأسود
يا له شلال نور منطفي
يا له نهر ثمار مثلها لم يقطف
يا له نافورةً من قبر تموز المدمّي تصعد
و الأزاهير الطوال الشاحبات الناعسة
في فتور عصّرت أفريقيا فيه شذاها
ونداها
تعزف النايات في أظلالها السكرى عذارى لا نراها
روّحت عنها غصون هامسة
وفيقة
لم تزل تثقل جيكور رؤاها
آه لو روّى نخيلات الحديقة
من بويب كركرات لو سقاها
منه ماء المد في صبح الخريف
لم تزل ترقب بابا عند أطراف الحديقة
ترهف السمع إلى كل حفيف
ويحها ترجو و لا ترجو و تبكيها مناها
لو أتاها
لو أطال المكث في دنياه عاما بعد عام
دون أن يهبط في سلّم ثلج و ظلام
ووفيقة
تبعث الأشذاء في أعماقها ذكرى طويله
لعشيش بين أوراق الخميله
فيه من بيضاته الرزق اتقاد أخضر
أي أمواج من الذكرى رفيقة
كلما رفّ جناح أسمر
فوقها والتم صدر لامعات فيه ريشات جميله
أشعل الجوّ الخريفيّ الحنان
واستعاد الضمّة الأولى و حواء الزمان
تسأل الأموات من جيكور عن أخبارها
عن بباها الربد عن أنهارها
آه و الموتى صموت كالظلام
أعرضوا عنها و مروا في سلام
و هي كالبرعم تلتف على أسرارها
و الحديقة
سقسق الليل عليها في اكتئاب
مثل نافورة عطر و شراب
و خيال و حقيقة
بين نهديك ارتعاش يا وفيقة(63/414)
فيه برد الموت باك
و اشرأبّت شفتاك
تهمسان العطر في ليل الحديقة
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أم البروق
أم البروق
رقم القصيدة : 66189
-----------------------------------
رأيت قوافل الأحياء ترحل عن مغانيها
تطاردها وراء الليل أشباح الفوانيس
سمعت نشيج باكيها
و صرخة طفلها و ثغاء صاد مواشيها
وفي وهج الظهيرة صارخا يا حادي العيس
على ألم مغنيها
و لكن لم أر الأموات يطردهن حفار
من الحفر العتاق و يترع الأطفان عنها أو يغطيها
و لكن لم أر الأموات قبل ثراك يجليها
مجون مدينة و غناء راقصة و خمّار
يقول رفيقي السكران دعها تأكل الموتى
مدينتا لتكبر تحضن الأحياء تسقينا
شرابا من حدائق برسفون تعلّنا حتى
تدور جماجم الأموات من سكر مشى فينا
مدينتنا منازلنا رحى و دروبها نار
لهامن لحمنا المعروك خبز فهو يكفيها
علام تمد للأموات أيديها و تختار
تلوك ضلوعها و تقيئها للريح تسفيها
تسلّل ظلها الناريّ من سجن و مستشفى
ومن مبغى و من خمارة من كل ما فيها
و سار على سلالم نومنا زحفا
ليهبط في سكينة روحنا ألما فيبكيها
و كانت إذ يطلّ الفجر تأتيك العصافير
تساقط كالثمار على القبور تنقّر الصمتا
فتحلم أعين الموتى
بكركرة الضياء و بالتلال يرشّها النور
و تسمع ضجة الأطفال أمّ ثلاثة ضاعوا
يتامى في رحبا الأرض إن عطشوا و إن جاعوا
فلا ساق و لا من مطعم في الكوخ ظلو و اعتلى النعش
رؤوس ألقوم و الاكتاف ..أفئدة و أسماع
و لا عين ترى الأمّ التي منها خلا العشّ
و في الليل
إذا ما ذرذر الأنوار في أبد من الظلمة
ودبّت طفلة الكفّين عارية الخطى نسمة
تلمّ من المدينة كالمحار و كالحصى من شاطيء رمل
نثار غنائها و بكائها لم تترك العتمة
سوى زبد من الأضواء منثور
يذوب على القبور كأنه اللبنات في سور
يباعد عالم الأموات عن دنيا من الذلّ
من الأغلال و البوقات و الآهات و الزّحمة
و أوقدت المدينة نارها في ظلّة الموت
تقلّع أعين الأموات ثم تدسّ في الحفر(63/415)
بذور شقائق النعمان تزرع حبة الصمت
لتثمر بالرنين من النقود و ضجّة السفر
و قهقهة البغايا و السكارى في ملاهيها
و عصّرت الدفين من النهود بكل أيديها
تمزّقهن بالعجلات و الرقصات و الزمر
و تركلهنّ كالأكر
تفجرها الرياح على المدارج في حواشيها
و حيث تلاشت الرعشات و و الأشواق و الوجد
و عاد الحب ملمس دودة و أنين أعصار
تثاءبت المدينة عن هوى كتوقد النار
تموت بحرها ورمادها و دخانها الهاري
و يا لغة على الأموات أخفى مندجى الغابة
ترددها المقاهي ذلك الدلال جاء يريد أتعابه
إذا سمعوك رن كأنه الجرس الجديد يرن في السحر
صدى من غمغمات الريف حول مواقد السمر
إذا ما هزت الأنسام مهد السنبل الغافي
و سال أنين مجداف
كأن الزورق الأسيان منه يسيل في حلم
عصرت يديّ من ألم
فأين زوارق العشاق من سيارة تعدو
ببنت هوى ؟ و أين موائد الخمار من سهل يمد موائد القمر ؟
على أمواتك المتناثرين بكل منحدر
سلام جال فيه الدمع و الآهات و الوجد
على المتبدلات لحودهم و الغاديات قبورهم طرقا
و طيب رقادهم أرقا
يحنّ إلى النشور و يحسب العجلات في الدرب
و يرقب موعد الربّ
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> إمام باب الله
إمام باب الله
رقم القصيدة : 66190
-----------------------------------
منطرحا أمام بابك الكبير
أصرخ في الظلام أستجير
يا راعي النمال في الرمال
و سامع الحصاة في قرارة الغدير
أصيح كالرعود في مغاور الجبال
كآهة الهجير
أتسمع النداء ؟ يا بوركت تسمع
و هل تجيب إن سمعت ؟
صائد الرجال
و ساحق النساء أنت يا مفجّع
يا مهلك العباد بالرجوم و الزلازل
يا موحش المنازل
منطرحا أمام بابك الكبير
أحس بانكسارة الظنون في الضمير
أثور ؟ أغضب
وهل يثور في حماك مذنب
**
لا أبتغي من الحياة غير ما لديّ
الهري بالغلال بزحم الظلام في مداه
وحقلي الحصيد نام في ضحاه
نفضت من ترابه يدي
ليأت في الغداة
سواي زارعون أو سواي حاصدون
لتنثر القبور و السنابل السنون(63/416)
اريد أن أعيش في سلام
كشمعة تذوب في الظلام
بدمعة أموت و ابتسام
تعبت من توقد الهجير
أصارع العباب فيه و الضمير
و من ليالي مع النخيل و السراج و الظنون
أتابع القوافي
في ظلمة البحار و الفيافي
و في متاهة الشكوك و الجنون
تعبت من صراعي الكبير
أشقّ قلبي أطعم الفقير
أضيء كوخة بشمعة العيون
أكسوه بالبيارق القديمة
تنث من رائحة الهزيمة
تعبت ربيعي الأخير
أراه في اللقاح و الأقاح و الورود
أراه في كل ربيع يعبر الحدود
تعبت من تصنع الحياة
أعيش بالأمس و أدعو أمسي الغدا
كأنني ممثل من عالم الردى
تصطاده الأقدار من دجاه
و توقد الشموع في مسرحه الكبير
يضحك للفجر و ملء قلبه الهجير
تعبت كالطفل إذا أتعبه بكاه
**
أود لو أنام في حماك
دثاري الآثام و الخطايا
و مهدي اختلاجه البغايا
تأنف أن تمسّني يداك
أود لو أراك من يراك ؟
أسعى إلى سدّتك الكبيرة
في موكب الخطاة و المعذبين
صارخة أصواتنا الكسيرة
خناجرا تمزّق الهواء بالأنين
وجوهنا اليباب
كأنها ما يرسم الأطفال في التراب
لم تعرف الجمال و الوسامة
تقضت الطفوله انطفا سنا الشباب
وذاب كالغمامة
ونحن نحمل الوجوه ذاتها
لا تلفت العيون إذ تلوح للعيون
و لا تشفّ عن نفوسنا و ليس تعكس التفاتها
إليك يا مفجّر الجمال تائهون
نحن نهيم في حدائق الوجوه آه
من عالم يرى زنابق الماء على المياه
و لا يرى المحار في القرار
و اللؤلؤ الفريد في المحار
منطرحا أصيح أنهش الحجار
أريد أن أموت يا إله
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الغيمة الغريبة
الغيمة الغريبة
رقم القصيدة : 66191
-----------------------------------
المومس الأجيرة الحقيرة
أكثر من حبيبتي سخاءا
أتيتها مساءا
معانقا أعانق الهواءا
هبّ من القطب على الظهيرة
مقبلا عيونها الخواءا
كأنني كيشوت في الأصيل
يركض خلف ظله الطويل
و يطعن السنابل الكسيرة
يظنها الأعداء
ضممت منها جثة بيضاءا
تكفنت من داخل و قبرها
في جوفها تناءى(63/417)
حملت منها صخرة صماءا
تشدني إلى الثرى
أرفعها لتلثم الجوزاءا
الحب أن تبذل أن تنال ما تريد
كالنبع إذ يدفق لا كالبئر
كالنار تطوي نحوك السماءا
لا شرر الزناد
أستزيد
فألتقى دمعي كغيمة تعيد نفسها للبحر
أتعلم السحابة المرعدة المبرقة المجلجلة
بأن ماءها سيستحيل غيمة إليها مقبلة
تبذله في الفجر
و تلتقي به قبيل العصر
أريد أن أضمّ أن أقّبل
الدم الذي ينبض في الشفاه
كأنما القلب الذي يقّبل
الجسد الموات لا يحس شهقة الأله
تغور كالمدية حين تقتل
فتعبث الحياة القتيل
أريد أن أحرق كالحريق من أخيل :
في القلب و اليدين و الكعبين
و يأكل النار لظى في عيني
لو كان ما تحسه الحبيبة
الألم الدوار لا الخواءا
ماكنت مثل غيمة غريبة ترعد حتى تشعل الهواءا
رعدا
و تأبى الأرض أن تجيبه
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> أصل الداء
أصل الداء
رقم القصيدة : 66192
-----------------------------------
أربعةً كُنّا مُصابينَ بِداءٍ
أَعْجَزَ الطبيبَ والعَطّارَ في مدينةٍ
جميعُ أهليها يُعانونَ من التَعاسَهْ . . . .
وَمَرَّتِ الأيامُ
حتى حَلَّ في البلدةِ شيخٌ طاعنٌ
مِهْنَتُهُ الفِراسَهْ . . . .
زُرْناهُ نَسْتَفْهمُ عن أَمراضِنا
بادَرَني بقولِهِ: من أَيِّ شئٍ تشتكي؟
قلتُ: من الضَبابِ في بَصيرتي
ومن شعورٍ غامضٍ أَفْقَدَني الوقارَ والكِياسَهْ
فتارةً أشعرُ أَنَّ بلدتي مئذنةٌ
تَرِشُّنا بالنورِ والأريجِ
حتى تستحيلَ جَنَّةً أرضيةً . . . .
وتارةً أشعرُ أَنَّ بلدتي إذاعةٌ
تنهى عن المعروفِ أو تأمرُ بالمُنْكرِ
حتى تستحيلَ حانةً لنخبةٍ
ومخدعاً لساسهْ
فلم أَعُدْ أُمَيِّزُ العهرَ من القداسَهْ
أشارَ للثاني : وأنتَ ؟ أيَّ شئٍ تشتكي؟
أجابَهُ : من عَدَمِ النسيانِ . . . .
من علائمِ انتكاسَهْ
بَدَتْ على وجهِ غَدي . . . .
فَعُمْدَةُ البلدةِ - قبل أنْ يكونَ عُمْدَةً -
كان بشوشاً وتقيّاً . . . .
يبدأُ الحديثَ بالذِكْرِ
ولا يرفعُ حينما يسيرُ راسَهْ(63/418)
لكنه من بعدما صَيَّرَ منه " الغرباءُ " عُمْدَةً
صارَ جهوماً ...... كاسِراً
مثلَ كلابِ الصَّيْدِ والحراسَهْ !
والتَفَتَ الشيخُ إلى ثالثِنِا
( وكان لا زال على مقاعدِ الدراسَهْ ) :
وأَنتَ مم تشتكي ؟
أجابه : أشعرً حين أفتحُ الكتابَ
أَنَّ مَدفعاً يطلع من بين السطورِ
فاتحاً شدقيهِ لي . . . .
فأستحيل أرنباً يبحث في الصفِ عن الكِناسِ . . .
تغدو لغتي تمتمةً . . . . .
ودفتري كًناسَهْ !
وأشتكي من صَدَأٍ
طالَ مَرايا الفكرِ في عالمِنا
فلستُ أدري مَنْ بِنا البائعُ والمُباعُ
في " عولمةٍ " النخاسَهْ
. . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
وقالت الرابعةُ " العانِسُ " :
أشكو هاجِسَ الأرملةِ الثكلى
فهلْ من بلسمٍ يوقفُ زحفَ العمرِ
ريثما يمرُّ عابراً شواطئَ البلدةِ حوتُ الحربِ . . .
أو توقِفُ دَوّرانَها طاحونةُ السياسه؟
فأَطْرَقَ الشيخُ مَليِّاً . . . . . .
ثم قال جازماً :
أمراضُكًمْ جميعُها مصدرُها
" جرثومةُ الكرسيِّ " في " مستنقعِ الرئاسهْ " !
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> امتلاء
امتلاء
رقم القصيدة : 66193
-----------------------------------
غسلوا الوطنَ بدماءِ أبنائه...
ومن قمة "بيره مكرون"
الى آخرِ نخلةٍ في "جيكور" :
مدّوا حَبْلاً من "السُرُفاتِ"
نشروا عليه العراقَ
لا تحت شمسٍ دافئةٍ... ولكن
فوق الموقدِ "العولمي"؟!
لا اكتفي بالنظر الى النصف المملوء من الكأس...
وحتى حين يكون الكأسُ فارغاً
فانني أملأه:
بِعَسَل الأماني...
برحيق الأحلامِ... وبخمرة الأمل..
وإذْ أبصر جسداً يرتجفُ:
أنفخ له جمرةَ قلبي
وأَدَثِّرهُ - ولو بخرقةٍ -
من "قمصان الشغيلة"...
وحيثما سرتُ : أغرس فسيلتي وأمشي
إنْ لم يكنْ من أجلِ طفلٍ طاوي البطنِ
فمن أجلِ أنْ أطردَ بظلالها
لفحةً من هجير... او
من أجل أن أصنعَ من سعفها
مكنسةً أُنظّفُ بها دروبَ الوطنِ
من الوحل الديكتاتوري. كم "غرناطة" يجب أنْ تضيعَ(63/419)
ليكفَّ "ملوكُ الطوائفَِ" عن إثارة الفتنة؟
قد لا يكون في الطين
ما يُغوي البذرةَ على الإنفلاق...
ولا في النهرِ
ما يُغري المحّارَةَ بمغازلةِ الساحل...
ولكنْ حتماً، هنالك محراثٌ
قادر على عقد الأُلفة بين الطين والنهر..
وبين المحّارةِ والبذرةِ
مثلما يعقد العشقُ الإلفةَ بين القلب والقلب
ومثلما تعقد قمصانُ الشغيلةِ
الالفةَ بين زرقة النهرِ
واخضرارِ الحقول...
ليقوم حبلٌ من المسّراتِ
يمتدُّ من قمة جبل "بيره مكرون"
الى آخرِ نخلةٍ في "جيكور"
ننشر عليه راياتِ أعيادنا
مُرددين أناشيد "عبدالله كوران"
وترانيم "بدر شاكر السياب"
---------
بيره مكرون: احد اشهر الجبال في كردستان العراق
وجيكور: احدى مدن اقصى الجنوب العراقي
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> أرحلوا عن وطني
أرحلوا عن وطني
رقم القصيدة : 66194
-----------------------------------
هذه الأرضُ التي نعشقُ
لا تُنْبِتُ وردَ الياسمينْ
للغزاةِ الطامعين
والفراتُ الفَحْلُ
لا ينجبُ زيتوناً وتينْ
في ظلالِ المارقينْ
فأرحلوا عن وطني المذبوحِ شعباً
وبساتينَ. . .
وأنهاراً وطينْ
وأتركونا بسلامٍ آمنينْ
نحن لا نَسْتَبدلُ الخنزيرَ بالذئبِ
ولا الطاعونَ بالسُلِّ
وموتاً بالجُذامْ
فأرحلوا عن وطني. . .
هذه الخوذةُ
لا يمكن أنْ تصبحَ عشاً للحَمامْ
فأرحلوا عن وطني. .
والدمُ المسفوحُ لن يصبحَ أزهارَ خَزامْ
فأرحلوا عن وطني. . .
والبساتينُ التي غادرها النبعُ
وما مرَّ عليها منذ جيلين الغمامْ
تصرخ الآن : أرحلوا عن وطني
وأرفعوا- قبل العقوباتِ- أياديكمْ
عن الشعبِ المضامْ
حَزّرونا منكم الآنَ. .
ومن زيف الشعاراتِ. . .
وتجارِ حروبِ - النفطِ والشفطِ-
وأصحابِ حوانيتِ الشعبِ
أدِلاّءِ جيوشِ الإحتلال
فأرحلوا عن وطني. .
وأشربوا نخبَ أنتصارِ القائدِ الَسَجَّانِ
في الحربِ على الشعبِ السَجينْ
نحن مهزومون حتى قبل أن تبتدئ الحربُ
حقولٌ تشحذُ القمحَ
وطينْ(63/420)
سال منه الدمُ من بوابة القصرِ
إلى النهر الحزينْ
فأرحلوا عن وطني
وأمنحونا فرصةَ الدفنِ لموتانا
وأنْ نَخْرِجَ من تحت الركامْ
جُثَثاً ما بلغتْ عُمْرَ الفِطامْ
فارحلوا عن وطني
من قبل أنْ يَنْتَفِضَ النخلُ العراقيُّ
ويستلَّ سيوفَ الإنتقامْ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> آه ماحيلتي !
آه ماحيلتي !
رقم القصيدة : 66195
-----------------------------------
إزْعلي . . فالزعل
من فنونِ الغزلْ
كم حبيبٍ جَفا
ثُمَّ لما وَصَلْ
جاء مُسترضياً
خِلَّهُ بالقبلْ
يا حبيبي الذي
بالنعاسِ أكتحلْ
وغفا هانئاً
بين طيبٍ وَطَلْ
كم حبيب أتى
وحبيب رحلْ
وأنا ها هنا
كبقايا طَلَلْ
أرتدي بردةٌ
من خيوط الأملْ
اللظى في دمي
والضنى في المقل
إنَّ قلبي على
عهدهِ . . لن يملْ
آه .. ما حيلتي؟
قد خَتَمْتُ الحِيّلْ
عِلَّتي أنني
ليس بي من عللْ
غير أن الهوى
في فؤادي أشتعلْ
فأنشري حلوتي
خيمةٌ من خُصلْ
وأزرعي في فمي
روضةٌ من قُبلْ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> آيات . . . .
آيات . . . .
رقم القصيدة : 66196
-----------------------------------
" إلى سيدة نساء هذا العصر ، الشهيدة البطلة آيات الأخرس في ذودها عن آخر قطرة حياء في جبين الأمة . . ".
-------------
مَنْ تُسْمِعينَ ؟ جميعَهم أَمواتُ
أَيُصيح سَمْعاً للجهادِ رُفاتُ؟
مَنْ تُسمِعين ؟ وهل تُعيدُ لِجِيفَةٍ
نَبْضاً وَكِبْرَ كرامةٍ أصواتُ ؟
أَم أنتِ صَدَّقُتِ الخطابات التي
فَقَدَتْ معانيها بها الكلماتُ؟
عَرَبٌ إذا نَطَقوا . . وإن فَعلوا فما
لهمو سوى خُبْثِ اليهودِ سِماتُ
"بَعْضٌ" تَوارَثَ عن أبيهِ خيانةً
أَنِفَتْ عفونةَ قَيْحِها السوءاتُ
ولبعضهم طَبْعُ الخِرافِ ، إذا رأَتْ
عَلَفاً تَميلُ بها لهً الخَطَواتُ
باعَ العقيدةَ والعروبةً وأرتضى
دِيْناً رسولً حِجاهُ "دولاراتُ"
هم والخطيئةُ تَوْأَمٌ لضلالةٍ
أَيجيءُ من رَحِمِ الضلالِ تُقاةُ؟(63/421)
قد أَوْغلوا في المخزياتِ فَخُضِّبَتْ
بدمائِنا ولظى الجحيمِ حياةُ !
لا غَرْوَ لو أَنَّ العروبةَ نَكَّسَتْ
رأساً - بهم - وأستَشْرَتِ الظُلُماتُ
هم صانعو مأساتِنا فَبَقاؤُهُمْ
ما طال لولا هذهِ المأساةُ
ما زال عصرُ الجاهليةِ ما ثلاً
فالمالُ "عُزّى" والكراسي "لآةُ"
نَذَروا لأَجلِها الشعوبَ رخيصةً
لهما يُقامُ الذِكْرُ والصَلَواتُ
ما بينَهم والقانتينَ قَطيعةٌ
وَثَنِيَّةٌ . . والمارقينَ صِلاتً
آياتُ دَعْكِ من استثارةِ قادةٍ . .
أصلُ البلاءِ " القادةُ الساداتً"!
واسْتَصْرِخي أحفادَ " عروةَ" إنهم
لشهامةٍ ومروءةٍ آياتُ
آياتُ ما عاد الكُماةُ دريئةً
للقانتاتِ إذا أسْتَبَدَّ غُزاةُ
باتوا ينيبون الصغارَ إذا دجى
خَطْبٌ وأَسْرَفَ في الدماءِ عُتاةُ
أبطالُ - لكن في الخطابةِ.. جَيْشُهًم
قَلَمٌ وسودُ صحائفٍ وَدَواةُ
هم في الوعودِ أَئِمَّةٌ ... لكنَّهم
إنْ حانَ وقتُ العزمِ حاخاماتُ!
خُصِيَتْ كرامَتُهُمْ فلم يُعْرَفْ لهمْ
ثأْرٌ إذا ما دِيْسَتِ الحُرُمات
فهو إذا تُغزى البلادُ أرانبٌ
وإذا تَحَرَّكَتِ الشعوبُ طغاةُ
آياتُ واسْتَوَتِ الفضيلةُ والخَنا
باسم السلامِ .. وَيَقْظَةٌ وَسُباتُ
لِمَن الجيوشُ تناسلتْ أعدادُها
حتى لقد ضاقَتْ بها الثَكَناتُ؟
يقتاتُ من خبز الجياعِ حديدُها
ومن الأُباةِ رصاصُها يقتاتُ
أفدي لِنَعْلَيْكِ الجيوشَ يُخيفُها
زَحْفٌ وَتُوهِنُ عَزْمَها الشَّهَواتُ
خُلِقوا لنارِ الُدنْيَيَنِ ...وَفَتَّحَتْ
أبوابَها - لمثيلِكِ - الجنّاتُ
" لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى"
حتى يُطاحَ القادةُ الشُّبُهاتُ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> تصابي
تصابي
رقم القصيدة : 66197
-----------------------------------
في آخر العمرِ اكتَشَفْتُ
أنني غَريرُ . . .
وأنني أملكُ أَنْ أسيرَ وَسْطَ النارِ
دون أَنْ يَطالَ بُرْدَتي السعيرُ . . .
في آخرِ العمرِ اكتَشَفْتُ(63/422)
أَنني الزاهدُ .. والراغبُ .. والصعلوكُ .. والأميرُ ..
وأَوَّلُ العشاقِ في مدينةِ الأحلامِ ..
والأخيرُ . .
وأنني الحكيمُ . . والمجنونُ ..
واكتَشَفْتُ أَنَّ زورقي
أكبرُ من أَنْ تستطيعَ حَمْلَهُ البحورُ ..
وأنني عصفورُ ..
فضاؤُهُ قصيدةٌ مَطْلَعُها عيناكِ ..
واكتَشَفْتُ أنني بلا حبِكِ يا سيدتي فقيرُ
في آخر العمرِ اكتشفتُ
أَنَّ كلَّ وردةٍ حديقةٌ كاملةٌ
وكلَّ كوخٍ وَطَنٌ
وتحتَ كلِّ صخرةٍ غَديرُ ..
والناسَ - كلَّ الناسِ - ما دُمتِ معي عشيرُ
في آخر العمرِ اكتشفتُ
أنَّ قلباً دونما حبيبةٍ
مبخرةٌ ليس بها بخورُ
في آخر العمرِ اكتشفتُ
أَنَّ لي طفولةً ضائعةً
جاء بها حبكِ
فاسْتَعَدْتُ ما أضاعهُ النفيُ
وما خَبّأهُ عن زمني الديجورُ . .
في آخر العمرِ اكتشفتُ
أنني سادِنُكِ الناسكُ والخفيرُ
أركضُ في روضِكِ
أصطادُ الفراشاتِ التي
أَثْمَلَها في ثَغرِكِ العبيرُ ..
في آخر العمرِ اكتشفتُ
انني طفلُكِ ياسيدتي الطفلةَ ..
طفلٌ عاشقٌ . .
دُمْيَتُهُ ربابةٌ . . . والملعبُ الحصيرُ
فلا تلومي الطفلَ
حين يستَفِزُّ شوكَهُ الحريرُ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> رحيل آخر ..!
رحيل آخر ..!
رقم القصيدة : 66198
-----------------------------------
هَيَّأْتُ من زَمَنٍ وَقودي
لِلَظاكِ ... من رَنْدٍ وَعودِ
وَسَأَحْطِبَنَّ لكِ الضلوعَ
إذا سَعَيْتِ إلى مَزيدِ
لستُ البخيلَ وإنْ رثى
جَمْرُ الضنى بستانَ جودي
ثَرٌّ وما ملكتْ يدايَ
سوى جُفاء من حَصيدِ
تَرَك الزمانُ بِمَفْرقي
زَبَدَ السنين .. وفوقَ فودي
ما للسنينَ تَمُرُّ بي
ثَكلى بميلادٍ وَعِيدِ؟
فاذا شَدَوْتُ وَجَدْتُني
مُدمى الجوارحِ في نشيدي
وإذا اصْطَبَحْتُ فَمِنْ صَدَىً
وإذا اغْتَبَقْتُ فَمِنْ وُعُودِ
عَجَباً عليَّ ! شَبِمْتُ في
جَمْري .. وأحْرَقَني جليدي
أَفَكُلمّا كَتَمَ الفؤادُ الـ
سِرَّ يَفْضَحُهُ قَصيدي؟
عُريانُ إلاّ من ثيابِ الـ
شوكِ بستانُ الشريدِ !(63/423)
لو تَسْتُرِيهِ بِبْردَةٍ
من عشبِ واحتِكِ النَضيد
عَهَدَتْ إليكِ بضوئها
مُقَلي ...فَصَوْناً للعهودِ
زهراءُ جئتُكِ أستجيرُ
ولستُ بالدَنِفِ الفئيدِ
دربي إليكِ مُعَبَّدٌ
لكنْ بأحجارِ الصدودِ
وبداجياتٍ لم تُنَرْ
إلاّ بِبَرْقٍ من رعودِ
فإذا مَشَيْتُ فَرِحْلَةٌ
أخرى إلى منفىً جديدِ!
وإذا وَقَفْتُ فَقَدْ غَدا
من دونما معنىً وجودي !
سَيْفانِ ...أَيُّهما سأتركُ
تحت شَفْرَتِهِ وريدي ؟!!
- - -
وَحَزمْتُ أمتعةَ الطريقِ :
حُطامُ مُغْتَرِبٍ وَقِيْدِ
ما نَفْعُ سيفِ "ابن الوليدِ"
بغيرِ حَزْمِ " أبنِ الوليدِ "؟
دَعْني ...متى مَنَعَ الملامُ
رحيلَ بَحّارٍ عنيدِ؟
الأرضُ ضَيِّقَةٌ .. فأينَ -
أَفرُّ من عَسَفِ القيودِ؟
وَطَّنْتُ قلبي في هواهُ
مهاجراً عن كلِّ غِيْدِ
مُتَرَقِّباً عَسَلَ الوعودِ
فَصَبَّ لي صابَ الوعيدِ
قلبي أنا وطنُ الهوى
ووجوهُ أحبابي حدودي
لستُ المُعَنّى بالعيو
نِ الضاحكاتِ وبالقدودِ
ومباسمٍ فَجَّ العبيرُ
بها وفاضَ على الخدودِ
ونُعاسِ جَفْنٍ يَسْتَفِزُّ الـ
صحوَ في أوتارِ عُوْدي
وَسَوادِ ليلِ المقلتينِ
وَهُدْبِها ... وبياضِ جِيْدِ
لكنَّهُ حَتْمُ المشوقِ
لِوَصْلِ فاتنةٍ نَجودِ
وسناءِ قنديلِ العفافِ
يُضئُ في زَمَنِ الجحودِ
أنا والهوى : ضِفتانِ من
نهرٍ يُضاحِكُ رملَ بِيْدِ
- - -
كنتُ القريبَ وما وَصَلْتِ
فكيفَ وصلُكِ للبعيدِ؟
يا مَنْ حَطَبْتِ النخلَ في
بستانِ عاشقِكِ الطريدِ
لا تحطبي ما قَدْ تَبقّى
في سهوبي من وُرُود
أضحى طريفي لوعةً
حَيرى ...وفاجعةً تليديِ
زهراءُ لو تدرين ما
حالُ الشريدِ فتى "الرشيدِ"
ثَقُلَ السؤالُ: لمَ الرحيلُ
وأنتَ في البيتِ الرغيدِ؟
ماتَ الجوابُ على فمي
وأغتالَ فيصلُهُ ردودي
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> رضيت بالحال التي بيننا
رضيت بالحال التي بيننا
رقم القصيدة : 66199
-----------------------------------
ألْتَذُّ بالجرحِ ليأتيني(63/424)
صوتُكِ بالطيبِ فَيُشْفيني
فَطَمْتِ عينيَّ فلا تفطمي
سَمْعي . . . فَهَمْسٌ منكِ يكفيني
غَنيتُ للحبِ ولا جُنْحَةٌ
بعضُ الهوى من عَبَقِ الدينِ
فيا عَفافاً رَتَّلَتْ بوحَهُ
مئذنةُ الروحِ أجيبيني
ما للمسافاتِ التي بيننا
والمرءُ في حاليهِ ما طُبِعا
وبهِ حَياءٌ من مروءَتِهِ
تُدنيكِ من قلبي وَتُقْصيني ؟
والوردِ في روضِكِ ما سِرُّهُ
يأبى ظِلالاً من بَساتيني ؟
لِمَ اصطفاكِ القلبُ أَيقونةً
قُدْسِيَّةً إنْ لم تُزينيني ؟
أَخَذْتِني مني على غفلةٍ
خلفَ المدى . . . فلا تُعيديني
خُذي بأَمري فأنا ضائِعٌ
فيكِ . . فَضيعي بيْ لِتَهْديني
من دونِكِ العشقُ يَتيمُ الشذا . .
وأنتِ ؟ كيفَ العشقُ من دوني ؟
أتحضنُ الأجفانُ أطيافَها
وما يُساقيكِ يُساقيني ؟
وهل عصافيرُكِ تصبو إلى
عشٍّ بأهدابِ أفانيني ؟
لا تَحذري من نَزَقي . . إنني
ناسكةٌ حتى شياطيني
دَعي المرايا . . إنَّ لي مقلةً
أَصفى . . . بعشبٍ ورياحينِ
ولي فَمٌ يُتْقِنُ رَشْفَ الندى
أمّا يدي فغصنُ زيتونِ
أَخْطَأْتِ لو ظَنَنْتِني بالهوى
أجنحُ من هَوْنٍ إلى هُوْنِ
أَمُصُّ -لو عطشتُ- دَغلاً ولا
كأسَ نميرٍ من يدِ الدُّونِ
وأَسْتَحي مني إذا أَرْخَصَتْ
عبيرَها روضةُ نسريني
كابَرْتُ لا عشبي ارتضى مِنَّةً
من الينابيعِ ولا طيني
ما لي وللينبوعِ في ذلَّةٍ ؟
فَقَطْرَةٌ في العِزِّ ترويني
ولي مروءاتي التي دونَها
يَبْرَأُ قلبي من شراييني
جَرَّبني الصَّبْرُ فأَذْهَلْتُهُ
لانَ وما هِنْتُ على اللينِ
رَضيتُ بالحالِ التي بيننا
فكلُّ ما يرضيكِ يُرضيني
إنَّ الذي خَضَّبَني باللظى
نفسُ الذي باتَ يُداويني
البِرُّ قد يُفْسِدُهُ آجلٌ
فالغدُ يبقى غيرَ مضمونِ
مُدِّي يدَ الوصلِ عسى نخلتي
تزدانُ زهراءَ بعرجونِ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> سأنيم حنجرتي ..
سأنيم حنجرتي ..
رقم القصيدة : 66200
-----------------------------------
سَتُسافرينَ غداً ؟
إذنْ ما نَفْعُ حنجرتي ؟(63/425)
سأدخلُ كهفَ صمتي ريثما تَخْضَرُّ صحرائي
بِوَقْعِ خُطى إيابِكْ
لأعودَ ثانيةً سؤالاً حائِراً :
كيف الوصولُ إلى سحابِكْ
إنْ قَدْ عجزتُ عن الوصولِ إِلى تُرابِكْ ؟
سأُنيمُ حنجرتي . . .
فما معنى الغناءِ بلا رَبابِكْ ؟
? ? ?
لا بُدَّ من حُلُمٍ
لأَعرفَ أنني قد نمتُ ليلي في غيابِكْ
الآنَ يكتمل انتصاري باندحارِ غرورِ أشجاري
أمامَ ظِلالِ غابِكْ
الآن أرفعُ رايةَ استسلامِ قلبي . .
جَهِّزي قَيْدي . .
خُذي بِغَدي
لأَخْتَتِمَ التَشرُّدَ بالإقامةِ خلفَ بابِكْ
جَفْناً تأَبَّدَهُ الظلامُ
فجاءَ ينهلُ من شهابِكْ
وفماً تَوَضَّأَ بالدعاءِ
لعلَّ ثغرَكَ سوف يهتفُ لي : " هَلا بِكْ "
ما زال في البستانِ مُتَّسَعٌ لنارِكِ
فاحطبي شجري . .
عسى جمري يُذيبُ جليدَ ظَنِّكِ وارتيابِكْ !
إني لَيُغنيني قَليلُكِ عن كثيرِ الأُخرياتِ
فلا تلومي ظامئاً هَجَرَ النميرَ
وجاءَ يَسْتَجديكِ كأساً من سَرابِكْ
فإذا سَقَطْتُ مُضَرَّجاً بلظى اشتياقي
كَفِّنيني حين تأْتَلِقُ النجومُ
بثوبِ عرسٍ من ثيابِكْ
واسْتَمطري لي في صَلاتِكِ ماءَ مغْفِرَةِ
فَقَدْ كَتَمَ الفؤادُ السِرَّ
لولا أَنَّ شِعري قَدْ وشى بِكْ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> يا أخت هارون
يا أخت هارون
رقم القصيدة : 66201
-----------------------------------
يا أُخْتَ هارون ما أَنْصَفْتِ هاروناً
ولا الأمينَ ، وأَمجاداً ، ومأْمونا
يا أُختَ هارون هلاّ عُدْتِ فاتنةً
عذراءَ تَلْبَسُ من دِيْباجِ ماضينا
يا أُختَ هارون قد فاضَت مدامعُنا
وحسبُ كأسِكِ فاض اليومَ غِسْلِينا!
يا أُختَ هارون ما أَبْقاكِ بيتَ دُجىً
وكان أَمْسُكِ شَمْساً في مآقينا؟
يا أُختَ هارون قَد جَفتْ حناجُرنا
من الصّرُاخِ وَقَدْ ذُلَّتْ صَوارينا
دالَتْ علينا صروفُ الدَّهْرِ وأنْقَلَبتْ
صروحُنا فإذا راياتُنا الدُّونى!
فأَيْنَ منكِ زمانٌ كان يَحْسَبُنا
فيه الطُغاةُ - على ظُلمٍ - بَراكينا(63/426)
وأَيْنَ عَهْدُكِ بالمجدِ الذي نَبَضَتْ
طيوبُهُ في فمِ الدُّنيا تَلاحيْنا؟
كأننا لمْ نكنْ حَقْلاً لذي سَغَبٍ
وللعدالةِ - في ماضٍ - مَوَازِيْنا
يا أُختَ هارونَ يَومي صارَ يُخْجِلُني
وصارَ يُخْجِل "منصوراً" وهارونا
أَكُلَّ يومٍ رُحى المأساةِ تَطْحَنُنا
وَيَسْتَبيحُ الأسى أَبْهى مَغانينا؟
نحنُ الذين غَرَسنا في أضالِعنا
سيوفنا وَعَبَثنا في روابينأ !
مُسَيَّرون جموعاً لا خيار لها
ونَحْسَبُ القاتلَ المأجورَ حامينا !
رماحنا لم تنلْ إلاّ أحبَّتَنا
ونارُنا لم تنلْ إلا أهالينا !
وأننا - فرطَ ما نسعى لِتَفْرِقَةٍ
ببعضنا - نَحنُ أطمعنا أعادينا
يا أخت هارون والمأساة أفدحها
أنَّ الزرازيرَ تصطاد الشواهينا !
وأننا قد رَأينا تحتَ داجيةٍ
مشانقاً فحسبناها بَساتينا
يا أخت هارون ألقينا هوادجنا
إلى المصائبِ ندعوها وتدعونا
يا أخت هارون أسْلَمْنا ركائبنا
عيوننا ، وَمَحَضنْاها مسارينا
نمشي بها خَبَباً والحُزنُ يزحَمُنا
وقدْ نُطيلُ وقوفاً خوفَ آتينا !
" عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدْت " لا وطني
في مُقْلتي ، ولم يصدحْ محِبّونا
قَدْ غادَرتنا إلى قعرٍ مراكِبُنا
وأصْحَرَتْ منذْ أجيالٍ مَراسينا
مساكنٌ قد تركناها على مَضَضٍ
وقد دَخَلْنا إلى أخرى مَساكِينا
نستَعْطفُ الدَّهرَ أن يزري بظالمنا
وأن يمنَّ على الأحبابِ بارينا
يا أخت هارون أقسى ما نُكابِدهُ
أنَ الهوى صار بعضاً من معاصينا
وحسبنا قدْ حَمَلْنا حُبَّنا نَسَغاً
فلا نعيشُ إذا مات الهوى فينا
ويا " سماوةٌ " إنَّ الحبَّ صَيَّرنا
" ولاّدةً " تَستبي في البُعدِ " زيدونا"
قلبي بهِ من عَذابِ الشوقِ مَذبَحةٌ
فهل ينوبُ لقاءٌ عن تجافينا؟
ويا " سماوةُ " قنديلي به عَطَشٌ
لِنَجمِ لَيلِكِ .. لو عادتْ ليالينا!
" بِنتُم وبِنّا " فلا الأعيادُ تقربنا
يوماً ، ولا منكم الأعراسُ تأتينا!
"أضحى التنائي بديلاً من تدانينا"
وعن مباهجنا نابَت مآسينا!
"تَبَغْدَدَ " القَهرُ يا ولاّدتي فإذا(63/427)
سَكِيْنَةُ النَّفسِ قد أضحَتْ سكاكينا!
وما انتفاعي بمرآتي وقد فقأتْ
يدُ الصبابةِ والمنفى مآقينا؟
نَنْأَى عن النَبعِ..عن دفءٍ وعافيةٍ
وقد غَدَونا - من البلوى - مجانينا!
ولادتي أشِراعٌ دون صاريةٍ
يُغري الرياحَ فنأتيكمْ مُحيينا؟
حرائقُ قد أتيناها طواعيةً
بأرضِنا ، وعلى قَسرٍ منافينا!
ويا سماوةٌ هل مازال شاطِِئنا
مُطارداً ورغيف الخبزِ مسجونا؟
ولاّدتي ليتنا لم نتخذْ قسماً
على الوفاءِ ....وليت الحُبَّ يجفونا!
بيني وبينك - لي سرٌ سأفضحهُ :
حيناً أقومُ .. وأجثو باكياً حينا!
يا أخت هارون ما زالت جَوارحنا
من بعدكم تشتهي غُسْلاً وتكفينا
أنا أبن حقلِكِ ..مُدّي بأرغفةٍ
لأشكرنَّكِ خبزاً كان أو طينا
أنا أبن حقلِكِ ..مُدّي بأرغفةٍ
سأشكرنَّكِ خبزاً كان أو طينا
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> لهؤلاء أهدي التحية والسلام
لهؤلاء أهدي التحية والسلام
رقم القصيدة : 66202
-----------------------------------
للطفلِ يحبو فوقَ أرصفةِ الكلامْ . . .
للأُمِّ وَهْيَ تَزِقُّهُ بمكارمِ الأخلاقِ . .
للأَبِ عائداً بِحصادِ ساعدِهِ الحلالِ
مُعَطَّراً بِنَدى الجبينِ . . .
وللينابيعِ . . . البساتينِ . . . الحَمامْ . . .
لِعَصاً تَوَكَّأَها العجوزُ . .
لفارسٍ كبَت الصروفُ بهِ فقامْ
للحُرِّ يأْنَفُ أَنْ يُضيمَ - وإنْ بِمُشْتَجَرٍ -
ويأْبى أَنْ يُضامْ. . .
للصُّبْحِ يغسلُ بالضياءِ الدربَ
من وَحْلِ الظلامْ . . .
لِلَّيلِ ينسجُ من حريرِ نسيمِهِ
بُرَدَ المَسَرَّةِ للنِيامْ . . .
للنهرِ والناعورِ . . للمحراثِ . . .
للوَتَدِ الذي شَدَّ الخِيامْ . . .
لَغَزالةٍ بَرِّيَّةٍ أَنِسَتْ بها الصحراءُ . .
للراعي . . الرَّبابةِ . . للخُزامْ . . .
ولِذائِدٍ عن ظبيةِ القلبِ المُتَيَّمِ
بالصلاةِ وبالصيامْ
وَشّى بِتِبْرِ عَفافِهِ جيدَ الهُيامْ . . .
ولشاهرٍ غُصْنَ المحبةِ حين تَحْتَقِنُ الضَغينةُ . .(63/428)
للحدائقِ حينَ تزدحمُ الخنادقُ . .
للمَوَدَّةِ والوئامْ . .
للمُسْتَبِدِّ اختارَ أَنْ يُلقي السياطَ
إلى الضَّرامْ . . .
للمارِقِ انْتَبَذَ الخطيئةَ فاستقامْ . . .
للريحِ ساقَتْ للثَرى العطشانِ قافلةَ الغَمامْ:
أهدي التحيَّةَ والسلامْ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> قبل الحرب . . وما بعدها
قبل الحرب . . وما بعدها
رقم القصيدة : 66203
-----------------------------------
لي وطنانْ
الأولُ يمتدُ كحبلِ السُرَّةِ
يربط بين نخيلِ البصرةِ
وبساتينِ التينِ بكردستانْ
ينضحُ عشباً . . وحبوراً . . وأمانْ
الثاني من وَرَقٍ . .
أغرسُ فيه زهورَ العشقِ
فتنبتُ شعراً ومناديلَ حريرٍ
وأنا ما بينهما طيرُ أغانْ
لكنْ
في آخر تكبيرةِ فجرٍ من شعبانْ
من عام الفيلِ القوميِّ احترقا
فاذا الوّطنُ الأولُ قّفْرٌ
والثاني؟
عصفٌ . . ودخانْ !
.
لي قبرانْ
الأولُ في قلبي
حيث دَفَنْتُ بلاداً
كانت يوماً ضاحكةَ الشطانْ
الثاني؟
في جسدٍ لا يعرف
أين تقيم الروحُ الآنْ
وأنا ما بينهما تابوتٌ يتمشى . .
صرخةُ صمتٍ تطلقها في كهفِ المنفى
حنجرةُ النسيانْ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> ليس قنوطاً
ليس قنوطاً
رقم القصيدة : 66204
-----------------------------------
جالسٌ على صخرةِ الحاضر...
قلبي يُطبق بنبضه على الماضي البعيد
وعيناي تُحدِّقانِ بالغد!
لكل الصحارى غزلانُها البريّةُ
إلاّ صحراء عينيّ...
لكل البساتين عصافيرها
إلاّ البساتين عصافيرها
إلاّ بستان قلبي...
أتَطلَّعُ في المرايا كي أتأكد
من أنَّ شراعَ الرأس
لا يزال منتصباً على سارية الرقبة!
لستُ بالمستريب، لكن الفصول قد دارتْ
على غير ما تشتهي الأرضُ...
الارض التي دارتْ
على غير ما تشتهي الشمسُ...
الشمس التي يَتَّهمها الظلاميون
بالتضامن مع صباحاتنا!
لستُ بالأخرس...
فأنا أتحدث معهم بالإشارات
خشية أنْ تكشفَ رطانتي و"لُكْنَةُ لساني"
عن عِقالي وكوفيتي(63/429)
في مدنٍ تحكمها "القلنسوة"!
ما فائدة أن أفهم العالم كله
إذا كنتُ أجهل نفسي؟
سأبقى أصرخ كالملدوغ، واشرقاه
كلما وقفتُ على أبوابِ سفارةٍ
مستجدياًً السماح لناقة روحي
باجتياز عتبة رصيفٍ اسفلتي...
أصرخ كالملدوغ، وافراتاه
كلما حاصرني العطش وعزفت روحي عن الرحيق...
أصرخ كالملدوغ، واوطناه
كلما أثارتِ الريحُ الايديولوجيةُ
غباراَ فتنةٍ طائفية
وكالملدوغ، أصرخ الآن بوجه الجنرالات:
أطلقوا سراح يمامات حبوري
عشبة شعرية
خَصمانِ ما بَرَحا على زَعَلِ:"
جفنُ السهادِ وَمِرْوَدُ الجَذَلِ
ما أنْ تضوعَ زهورُ أخيلتي
حتى يسوطُ ذبولُها مُقَلي
فَأَفُّر من يومي يُطاردني
رُمحانِ من لَوْمٍ ومن خَجَلِ!
لو كنتُ معتصماً بحبلِ هدىً
لا ناقتي ضاعتْ ولا جَمَلي
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> غوانتانامو
غوانتانامو
رقم القصيدة : 66205
-----------------------------------
هنا يَفسُدُ الملحُ. يأسنُ ماءُ الينابيعِ. يؤذي النسيمُ. ويُعدي الغمامُ
هنا تثلجُ الشمسُ. مبخرةُ الثلجِ تُشعلُ شعرَ الحواجبِ والأنفِ. تدنو الأفاعي. وينأى الحمامُ
هنا يسهرُ الموتُ في اليومِ دهراً. وروحُ الحياةِ تنامُ نهاراً ودهراً تنامُ
بكاءُ الرجالِ هنا. وبكاءُ النساءِ. ليضحكَ ملءَ البكاءِ لئامٌ لئامُ
هنا غوانتانامو..
وجوهٌ وما من وجوهٍ. وصوتٌ ولا صوتَ. والوقتُ لا يعرفُ الوقتَ. لا ضوءَ. لا همسَ. لا لمسَ. لا شيءَ. لا شمسَ. ليلٌ. وليلٌ يجبُّ النهارْ
وقيدٌ يُسمَّى السِّوارْ
وقيدٌ دماءٌ. وقيدٌ دمارْ
وراءَ الجدارِ. وراءَ الحديدِ. وراء الجدارْ
هنا قلقٌ لا يفيقُ. هنا أرقٌ لا ينامُ
هنا غوانتانامو..
تدفُّ رفوفُ العصافيرِ رُعباً. وتخفقُ أجنحةُ الموتِ في فخِّ أسلاكِهِ الشائكهْ
ويسطو طنينُ الذبابِ على ثَمَرِ الأعينِ الهالكهْ
وتعلو على لهبِ الدمِّ والدّمعِ أبخرةٌ فاتكهْ
ويهوي الظلامُ
هنا غوانتانامو..(63/430)
أتعلمُ أُمُّكَ أنّكَ تذوي حنيناً إليها؟ أتعلمُ أمّكَ يا أيّهذا الأسيرُ الغريبْ
أتعلمُ أنّك تلمحُ في الموتِ كفَّ الطبيبْ
أتعلمُ أمكَ أنكَ في ربقةِ الأسرِ تحلمُ حرّاً
بدفءِ يديها
وتبكي عليكَ. وتبكي عليها
وأنّك تدعو وتدعو. وأنّ السماواتِ لا تستجيب
لأنك في غوانتانامو
وبعضُ الدّعاءِ مَلامُ..
تضنُّ القلوبُ بأسرارها. ويبوحُ المسدَّسُ. ما الحلُّ؟
يا جنرالَ الظلامِ . ويا سيّدَ النفطِ والحلِّ والرّبطِ . ما الحلُّ
يا سيّدَ البورصةِ الخائفهْ
ويا قاتلَ الوقتِ في رَحْمِ ساعاتِنا الواقفهْ
إلى أين تمضي جنائزُ أحلامِك النازفهْ
إلى أين يمضي السلامُ؟
إلى أين يمضي الكلامُ؟
إلى غوانتانامو..
تعيشُ اللغاتُ هنا. وتموتُ اللغاتْ
على الملحِ والدمعِ والذكرياتْ
وتؤوي بقايا الرفاتِ بقايا الرفاتْ
وأحذيةُ الجندِ لا تستريحُ. وقبضاتُهم لا تريحُ. وما من شرائعَ. ما من وصايا. ولا دينَ. لا ربَّ. لا شرقَ. لا غربَ. ما من حدودٍ. وما من جهاتْ
هنا كوكبٌ خارجَ الأرضِ. لا تُشرقُ الشمسُ فيه. وما من حياةٍ عليه. وما من حروبٍ. وليسَ عليه سلامُ
هنا كوكبٌ خارجَ الجاذبيَّهْ
وما من معانٍ إلهيَّةٍ تدَّعيهِ
وما من رؤىً آدميَّهْ
ظلامٌ
ظلامٌ
ظلامُ
هنا.. غوانتانامو..
جناحُ الفراشةِ ينسى زهورَ الربيعِ. جناح الفراشةِ ينسى الربيعَ القديمَ الجديدَ القريبَ البعيدَ. ويسقطُ في النارِ. لا طَلْعَ. لا زرعَ. كفُّ الأسيرِ جناحُ الفراشةِ. مَن أشعَلَ النارَ في البدءِ؟ مَن أرهبَ النسمةَ
الوادعَهْ
ومن أرعبَ الوردةَ الطالعهْ
لتسقطَ كفُّ الأسيرِ. ويسقطَ قلبُ الطليقِ. على لهبِ الفاجعَهْ
ويرحلَ بالراحلينَ المقامُ
إلى غوانتانامو..
كلامٌ جميلٌ عن العدلِ والظلمِ. والحربِ والسلمِ. في مجلسِ الحسنِ والصونِ والأمنِ. في كافيتيريا الرصيفِ. وفي البرلمانِ. وفي المهرجانِ. وبين القضاةِ. وفي الجامعاتِ. كلامٌ غزيرٌ. وحلوٌ
مريرٌ. ومَرَّ الكرامِ يمرُّ عليه الكرامُ(63/431)
ويمضي الصدى. ويضيعُ الكلامُ
ولا شيءَ يبقى سوى.. غوانتانامو..
ويبقى غبارٌ على صُوَرِ العائلهْ
ووجهٌ يغيبُ رويداً رويداً. وتشحُب ألوانُه الحائلهْ
وسيّدةٌ عُمرُها ألفُ عُمرٍ. تقاومُ قامتُها المائلهْ
لترفعَ عينينِ ذابلتينِ إلى صورةِ الأُسرةِ الذابله
"تُرى أين أنتَ؟"
"متى ستعودُ؟"
"وهل ستعودُ قُبيل رحيلي؟"
"لأمِّك حقٌّ عليكَ. ترفَّقْ بأمِّك يا ابني. تعالَ قليلاً. ألستَ ترى أنّني راحلهْ؟"
"تُرى أين أنتَ؟"
وتجهلُ أُمُّ الأسيرِ البعيدِ مكاناً بعيداً
يسمُّونَهُ غوانتانامو
وتبكي.. وتبكي عليها العنادلُ. تبكي النسورُ. ويبكي اليمامُ..
هنا وطنُ الحزنِ من كلِّ جنسٍ ولونٍ. هنا وطنُ الخوفِ والخسفِ من كلِّ صنفٍ. هنا وطن السحقِ والمحقِ والموتِ كيف تشاءُ المشيئةُ موتٌ ترابٌ. وموتٌ رخامُ
هنا غوانتانامو
أراجيحُ ضوءٍ شحيحٍ عقاربُ ساعتِهِ المفلتهْ
ورقّاصُ ساعتِهِ الميّتهْ
هنا غوانتانامو
يغنّي المغنّي الأسيرُ دماً. يا صديقي المغنّي
لجرحِكَ إيقاعُ جرحي
لصوتِكَ أوتارُ حزني
لموتِكَ ما ظلَّ لي من حياتي
وما ظلَّ للموتِ منّي
وكلُّ زمانٍ هُلامُ
وكلُّ مكانٍ هُلامُ
سوى غوانتانامو..
لبرجِ المراقبةِ الجهْمِ أن يستثيرَ الرياحَ وأن يستفزَّ الجهاتْ
وللحارسِ الفظّ أن يشتُمَ الأمَّهاتْ
وللثكناتِ .. وللأسلحهْ
ممارسةُ الحلمِ بالمذبحهْ
وللزيتِ والشَّحم والفحمِ أن تتحدّى طموحَ الزهورِ
وأن تتصدّى لتوقِ النباتْ
وللقبضاتِ. وللأحذيهْ
معاقبةُ الأغنيهْ
وقمعُ الصَّلاةْ
هنا ما يشاءُ النِّظامُ
وفوضى تُرتِّبُ فوضى
ويُسكِتُ جوعاً صِيامُ
هنا غوانتانامو..
ينامون بين الأسرَّةِ والريحِ. أهدابُهم في النجومِ. وأطرافُهم في مياهِ المحيطِ. ينامونَ صفراً عُراةً وسوداً وبيضاً عراةً وسُمراً عُراةً. لحافُ السماءِ غطاءٌ ثقيلٌ. ينامون بين شفيرِ الجحيمِ وحبلِ الخلاصِ.(63/432)
وهل من خلاصٍ سوى ما تُتيحُ حبالَ المشانقِ؟ هل من خلاصٍ سوى ما تُتيحُ حبالُ المشانقِ؟ مَن يُصدرُ الحُكمَ يا حضراتِ القضاةِ الغزاةِ الطغاةِ؟ ينامون أسرى الحنينِ وأسرى الجنونِ. ولا نومَ . لا صحوَ. ما
من أسِرَّهْ
سوى شُهُبٍ من شظايا المجرَّهْ
وما من لحافٍ سوى ما يُهيل القتامُ
على غوانتانامو
وأكفانِ حزنٍ. ونيرانِ حَسْرَهْ
هنا غوانتانامو
تقولُ الدساتيرُ ما لا تقولُ البنادقْ
تقولُ المغاربُ ما لا تقولُ المشارقْ
تقولُ الأراجيحُ ما لا تقولُ المشانقْ
يقولُ الأساطينُ في فنِّ قتلِ المحبَّةِ. ما لا
تقولُ أناشيدُ عاشقْ
فماذا يقولُ لنا الاتهامُ؟
وماذا يقولُ لنا غوانتانامو؟
وماذا يقولُ رمادُ المحارِقِ. ماذا يقولُ رمادُ المحارقْ؟
وماذا يقولُ زجاجُ النوافذِ للشمسِ والريحِ؟ ماذا
يقولُ القميصُ العتيقُ لعاصفةِ الرملِ والثلجِ؟ مِن
أينَ تأتي الأفاعي إلى غُرفِ النّوم؟ ما يفعلُ الطفلُ
بالقنبلهْ
وكيف يردُّ الذبيحُ على الأسئلهْ
وماذا تقولُ لصاعقةٍ سُنبُلهْ
وماذا تقولُ الصبيّةُ بعد اقتناصِ أبيها
وكيف يجيبُ الغُلامُ
على غوانتانامو؟
لأنَّ دماءَ المسيحِ تسحُّ على شُرفةِ الأرضِ
من شُرفةِ الآخرهْ
لأنَّ دموعَ النبيّينَ تنفعُ إن لم تعُدْ تنفع الآصرهْ
وتَشفع للأُممِ الصابِرهْ
لأنّ الخليقةَ مؤمنَةٌ أوّلَ الأمرِ بالله. موعودةٌ
آخرَ الأمرِ بالرحمةِ الغامرهْ
لأنّ النفوسَ البسيطةَ طيّبةٌ غافرهْ
فهل تتخلَّى السماءُ؟ وهل يستريحُ الأنامُ
إلى الصمتِ والموتِ في غوانتانامو؟
لإيكاروسِ العصرِ حكمةُ ذيذالوسِ العصرِ..
O.K... فهمنا الرسالةَ. لكنَّ أجنحةَ الطائراتِ الرهيبةِ أقوى من الرّيشِ والريحِ. أسرعُ من نبضةِ القلبِ في قلعةِ البنتاغونِ القصيَّهْ
ويسقطُ إيكاروسُ العصرِ. تسقطُ حكمةُ ذيذالوسِ العصرِ،
بين المارينزِ وحاملةِ الطائراتِ العصيَّهْ
وتبقى التفاصيلُ. لكنْ تضيعُ القضيَّهْ
ويبقى الحلالُ. ويبقى الحرامُ(63/433)
ويبقى النّزيفُ على غوانتانامو..
متى تسقطُ الكأسُ من كفِّ يوضاسَ؟ أين الوصايا؟ وأين المرايا؟ أليسَ هنا أَحَدٌ؟ أين أنتم؟ وهُم؟ أين نحنُ؟ وأين قضاةُ النظامِ الجديدِ؟ ألم يفرغوا من طقوسِ العشاءِ الأخيرِ؟ ومن خطّةِ الضَّربِ والصَّلبِ؟ أين رُعاةُ
الحقوقِ؟ وأينَ حُماةُ الحدودِ؟ ألم يشبعوا من طعامِ العشاءِ الأخيرِ؟ ألم يكفِهم جسدي خبزهم ودمي خمرهم؟ يتخمونَ على رسلِهم. يثملونَ على رِسلِهم. يصخبونَ. وشاهدةُ القبرِ بينهم المائدهْ
ووجبتُهم جثّتي الخامدهْ
هنا غوانتانامو
هنا تتهاوى النواميسُ. يسقطُ سرُّ اللّغاتِ. هنا تتشظّى الجراحُ. هنا تتلظّى الرياحُ. متى تنهضُ الشمسُ من قبرِها؟
متى تُسفرُ الأرضُ عن فجرِها؟
متى تتصدَّى حياةٌ لموتٍ؟ متى تتحدّى الحروبَ السلامُ؟
كفى غوانتانامو
كفى غوانتانامو
كفى غوانتانامو
كفى
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> البيان قبل الأخير ..
البيان قبل الأخير ..
رقم القصيدة : 66206
-----------------------------------
البيان قبل الأخير عن واقع الحال مع الغزاة الّذين لا يقرأون
----------------
لاَ. لاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ..
يَوْمُ الْحِسَابِ فَاتَكُمْ
وَبَعْثَرَتْ أَوْقَاتَكُمْ
أَرْقَامُهَا الْمُبَعْثَرَهْ
فَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ...
تَدَفَّقُوا مِنْ مَجْزَرَهْ
وَانْطَلِقُوا فِي مَجْزَرَه
أَشْلاَءُ قَتْلاَنَا عَلَى نَهْرِ الدِّمَاءِ قَنْطَرَهْ
فَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ..
تَزَوَّجُوا دَبَّابَةً
وَأَنْجِبُوا مُحَنْزَرَهْ
وَحَاوِلُوا
وَعَلِّلُوا
وَقَاتِلُوا
وَقَتِّلُوا
كُلُّ شَهِيدٍ غَيْمَةٌ
تَصْعَدُ مِنْ تُرَابِنَا
تَهْمِي عَلَى حِرَابِكُمْ
وَمَرَّةً أُخْرَى وَرَاءَ مَرَّةٍ أُخْرَى
يَعُودُ غَيْمَةً مِنْ بَابِنَا
كُلُّ شَهِيدٍ غَيْمَةٌ
كُلُّ وَلِيدٍ شَجَرَهْ
فَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ..
يَا أَيُّهَا الآتُونَ مِنْ عَذَابِكُمْ
عُودُوا عَلَى عَذَابِنَا(63/434)
عُودُوا إِلَى صَوَابِنَا
أَلشَّمْسُ فِي كِتَابِنَا
فَأَيُّ شَيْءٍ غَيْرَ هَذَا اللَّيْلِ فِي كِتَابُكُمْ
يَا أَيُّهَا الآتُونَ مِنْ عَذَابِكُمْ
لاَ. لاَ تَعُدُّا الْعَشَرَهْ
وَغَازِلُوا قَاذِفَةً
وَعَاشِرُوا مُدَمِّرَهْ
وَأَتْقِنُوا الْمَكَائِدَ الْمُحْكَمَةَ الْمُدَبَّرَهْ
خُذُوا دَمِي حِبْرًا لَكُمْ
وَدَبِّجُوا قَصَائِدَ الْمَدِيحِ
فِي الْمَذَابِحِ الْمُظَفَّرَهْ
وَسَمِّمُوا السَّنَابِلْ
وَهَدِّمُوا الْمَنَازِلْ
وَأَطْلِقُوا النَّارَ عَلَى فَرَاشَةِ السَّلاَمْ
وَكَسِّرُوا الْعِظَامْ
لاَ بَأْسَ لَوْ تَصِيرُ مَزْهَرِيَّةً
عِظَامُنَا الْمُكَسَّرَهْ
لاَ. لاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ
مَنْ أَوْصَدَ السِّحْرَ عَلَى قُلُوبِكُمْ؟
مَنْ كَدَّسَ الأَلْغَازَ فِي دُرُوبِكُمْ؟
مَنْ أَرْشَدَ النَّصْلَ إِلَى دِمَائِنَا؟
مَنْ دَلَّ أَشْبَاحَ الأَسَاطِيرِ عَلَى أَسْمَائِنَا؟
مَنْ أَشْعَلَ الْفَتِيل؟
مَنْ لاَطَمَ الْقَتِيلَ بِالْقَتِيلْ؟
لاَ تَسْأَلُوا
لاَ تَقْبَلُوا
لاَ تَعْبَأُوا بِالدَّمْعَةِ الْمُفَكِّرَهْ
وَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ..
مِنْ هَهُنَا كَرَّتْ جُيُوشٌ مِثْلَكُمْ
وَهَهُنَا فَرَّتْ جُيُوشٌ قَبْلَكُمْ
فَاقْتَحِمُوا
وَالْتَحِمُوا
وَأَخْطِئُوا
وَاتَّهِمُوا
مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا لَكُمْ
قَاضٍ، بِمَا تَرَوْنَهُ حَقًّا وَعَدْلاً يَحْكُمُ
وَنَحْنُ لَسْنَا غَيْرَ اُسْطُوَانَةٍ مُكَرَّرَهْ
أَقْوَالُنَا. فِي عُرْفِكُمْ. مُزَوَّرَهْ
كُوشَانُنَا، شُهُودُنَا، عُقُودُنَا مُزَوَّرَهْ
وَجَدُّنَا مُزَوَّرٌ
وَأُمُّنَا مُزَوَّرَهْ
وَلَحْمُنَا وَدَمُّنَا شَهَادَةٌ مُزَوَّرَهْ
لاَ.. لاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ...
جِئْتُمْ
إِذَنْ، فَلْيَخْرُجِ الْقَتْلَى إِلَى الشَّوَارِعْ
وَلْيَخْرُجِ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ.. لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ الأَقْلاَمُ وَالدَّفَاتِرُ الْبَيْضَاءُ(63/435)
وَالأَصَابِعْوَلْتَخْرُجِ الْمَكَاحِلْ
وَخُصَلُ النَّعْنَاعِ وَالْجَدَائِلْ
وَلْتَخْرُجِ الأَفْكَارُ وَالأَشْعَارُ وَالآرَاءُ
وَالْفَصَائِلْ
وَلْيَخْرُجِ الْمُنَظِّرُ الْمُبَشِّرُ الْمُقَاتِلْ
وَلْتَخْرُجِ الأَحْلاَمُ مِنْ كَابُوسِهَا
وَلْتَخْرُجِ الأَلْفَاظُ مِنْ قَامُوسِهَا
وَلْتَخْرُجِ الْبُيُوتُ وَالْوَرْشَاتُ والْمَزَارعْ
وَلْتَخْرُجِ الْمِحْنَةُ وَاللَّعْنَةُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ النَّكْبَةُ وَالنَّكْسَةُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْيَخْرُجِ الدَّجَاجُ وَالسِّيَاجُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ الْبُطُونُ وَالأَفْخَاذُ وَالأَحْلاَفُ
وَالأَحْزَابْ
وَلْتَخْرُجِ الأَدْيَانُ وَالشَّرَائِعْ
وَلْتَخْرُجِ الأَشْيَاءُ وَالأَسْمَاءُ وَالأَلْقَابْ
وَلْيَخْرُجِ الْحُبُّ عَلَى أَجْنِحَةِ الضَّغِينَهْ
أَبْيَضَ فِي أَزِقَّةِ الْمُخَيَّمْ
أَسْوَدَ فِي كُوفِيَّةِ الْمُلَثَّمْ
أَخْضَرَ فِي حَارَاتِنَا الْحَزِينَهْ
أَحْمَرَ فِي انْتِفَاضَةِ الْقَرْيَةِ
وَالْمَدِينَهْ
وَلْتَخْرُجِ الأُهْزُوجَةُ الشَّعْبِيَّهْ
وَلْتَخْرُجِ الْقَضِيَّهْ...
حِئْتُمْ
إِذَنْ فَلْتَخْرُجِ السَّاحَاتُ وَالشَّوَارِعْ
فَيْضًا مِنَ النُّورِ
عَلَى الْعَتْمَةِ فِي السَّاحَاتِ وَالشَّوَارِعْ
سَدًّا مِنَ اللَّحْمِ
عَلَى مَدٍّ مِنَ الْفُولاَذِ وَالْمَطَامِعْ
أَلْكُلُّ.. لِلسَّاحَاتِ وَالشَّوَارِعْ
وَالْكُلُّ.. فِي السَّاحَاتِ وَالشَّوَارِعْ
وَلْتُدْرِكِ الْمَصَارِعُ الْمَصَارِعْ
وَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ
لاَ. لاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ...
جِئْتُمْ
إِذَنْ فَلْيَأْخُذِ الْفُولاَذُ مَا يَشَاءْ
وَلْتَأْخُذِ الْهِرَاوَةُ الْحَمْقَاءْ
وَلْيَأْخُذِ الْمَطَّاطُ وَالرَّصَاصْ
وَلْتَأْخُذِ الأَسْلاَكُ وَالْغَازَاتُ مَا تَشَاءْ
أبْرَقَتِ الْكَآبَهْ
فِي أُفُقِ الْكَوَارِثِ الصَّمَّاءْ
وَأَرْعَدَتْ إِرَادَةُ الْخَلاَصْ(63/436)
فَلْتَخْتَصِرْ تَارِيخَهَا السَّحَابَهْ
وَلْتُمْطِرِ الدِّمَاءْ
وَلْتُمْطِرِ الدِّمَاءْ
وَلْتُزْهِرِ السُّفُوحُ وَالسُّهُولُ وَالْوِدْيَانْ
قَتْلَى وَزَيْتُونًا وَزَعْفَرَانْ
وَلْتَقْدَحِ الشَّرَارَهْ
بِحِكْمَةِ الْحِجَارَهْ
وَلْيَخْتَرِعْ إِنْسَانَهُ الإِنْسَانْ
فَلاَ تَعُدُّا الْعَشَرَهْ
وَلاَ نَعُدُّ الْعَشَرَهْ
تَرَاجَعَ الصِّفْرُ إِلَى الصِّفْرِ
انْطَلِقْ
مِنْ قُمْقُمِ الْمَوْتِ
إِلَى سَمَائِكَ الْمُحَرَّرَهْ
وَأَرْضِكَ الْمُحَرَّرَهْ
عِمْلاَقُنَا مِقْلاَعُنَا
مِقْلاَعُنَا عِمْلاَقُنَا
وَلاَ تَعُدَّ الْعَشَرَهْ
لاَ
لاَ تَعُدَّ الْعَشَرَهْ!!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> السماء
السماء
رقم القصيدة : 66207
-----------------------------------
لا تسألني عن السماءفما عندي
إلا النعوت والأسماء
هي شيء وبعض شيء وحينا
كل شيء وعند قوم هباء
فسماء الراعي كما يتمناها
مروج. فسيحة خضراء
تلبس التير مئزرا ووشاحا
كلما أشرقت وغابت ذكاء
أبدا في نضارة،لا يجف العشب
فيها ؛ولا بعض الماء
وهي عند الأم التي اخترم
الموت بنيها، وضلّعنها العزاء
موضع يولد الرّجاء من اليأس
إذا مات في القلوب الرجاء
وهي عند الفقير أرض وراء
الأفق، فيها ما يشتهي الفقراء
لا يخاف المثري، ولا كلبه الضاري
، ولا لامرىء به استهزاء
وهي عندالمظلوم أرض كهذي
الأرض لكن قد شاع فيها الإخاء
يجمع العدل أهلها في نظام
مثلما يجمع الخيوط الرداء
لا ضعيف مستعبد، لا قويّ
مستبد؛بل كلهم أكفاء
كلّ شيء للكل ملك حلال،
كلّ شيء فيها كما الكلّ شاموا
وهي عند الخليع أرض تميس
الحور فيها، وتدفق الصهباء
كلّ ما النفس تشتهيه مباح
لا صدود، لا جفوة، لا إباء
أكبر الإثم قولة المرء هذا
الأمر إثم، وهذه فحشاء
ليس بين الصّلاح والشر حد
كالذي شاء وضعه الإنبياء
وإذا لم يكن عفاف وفسق
لم تكن حشمة ولا استحياء
...
صور في نفوسنا كائنات
ترتديها الأفعال والأشياء(63/437)
ربّ شيء كالجوهر الفرد فذّ
عدّدته الأغراض والإهواء
كلّ ما تقصر المدارك عنه
كائن مثلما الظنون تشاء
كلّ ما تقصر المدارك عنه
كائن مثلما الظنون تشاء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ذكرى
ذكرى
رقم القصيدة : 66208
-----------------------------------
ولقد ذكرتك بعد يأس قاتل
في ضحوة كثرت بها الأنواء
فوددت أني غرسة أو زهرة
ووددت أنك عاصف أو ماء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الكبرياء خلة الشيطان
الكبرياء خلة الشيطان
رقم القصيدة : 66209
-----------------------------------
لي صاحب دخل الغرور فؤاده
إ نّ الغرور أخيّ من أعدائي
أسديته نصحي فزاد تماديا
في غيّه وازداد فيه بلائي
أمسى يسيء بي الظنون ولم تسوء
لولا الغرور ظنونه بولائي
قد كنت أرجو أن يقيم على الولا
أبدا ، ولكن خاب فيه رجائي
أهوى اللقاء به ويهوى ضدّه
فكأنما الموت الزؤام لقائي
إني لأصحبه على علاّته
والبدر من قدم أخو الظلماء
يا صاح إنّ الكبر خلق سيء
هيهات يوجد في سوى الجهلاء
والعجب داء لا ينال دواؤه
حتى ينال الخلد في الدنياء
فاخفض جناحك للأنام تفز بهم
إنّ التواضع شيمة الحكماء
أو أعجب القمر المنير بنفسه
لرأيته يهوي إلى الغبراء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> نار القرى
نار القرى
رقم القصيدة : 66210
-----------------------------------
روحي التي بالأمس كانت ترتع
في الغاب مثل الظبية القمراء
تقتات بالثمر الجنّي فتشبع
ويبلّ غلّتها رشاش الماء
نظرت إليك فأصبحت لا تقنع
بالماء والأفياء في الغبراء
تصغي وننصت ، والحمامة تسجع
إصغاؤها لك ليس للورقاء
ناديتها ، فلها إليك تطلع
هذا التطلع كان أصل شقائي
جنّحتي كيما أطير فلم أطر
هيهات إنك قد طويت سمائي
...
قد كان يسبيني الجمال الرائع
حتى لمحتك فهو لا يسيبني
عصفت بصدري لليقين زوابع
ثلّث عروش توهمي وظنوني
فأنا على ما ضاع مني جازع
إن الذي قد ضاع جدّ ثمين(63/438)
لولاك ما مات الخيال اليافع
أفتعجبين إذا كرهت يقيني
هذا صنيعك بي ، فما أنا صانع؟
قد شاء بحرك أن تضلّ سفيني
جرّدت هذا الطين من أوهامه
وكبرت عن قارورة من طين
كيف الوصول إليك يا نار القرى،
أنافي الحضيض وأنت في الجوزاء
لي ألف باصرة تحنّ كما ترى
لكنّ دونك ألف ألف غطاء
لو من ثرى ، مزّقتها بيد الثرى،
لكنها سجف من الأضواء
ساءلت قلبي إذ رأى فتحّيرا
ماذا شلربت فمدت؟ قال: دمائي
يا ليته قد ضلّ أعمى كالورى
فلقد نعمت، وكان في ظلماء
قد شوشت كفّ النهار سكينتي
يا هذه ، ردّي إلّي مسائي
...
أمسيت حين لمستني بيديك
لي ألف باصرة وألف جناح
ولمحت نار الوحي في عينيك،
والوحي كان سلافة الأرواح
فتشرت أجنحي وحمت عليك
متوهما أني وجدت صباحي
قذ كان حتفي في الدنو إليك
حتف الفراشة في فم المصباح
فسقطت مرتعشا على قدميك
ألنار مهدي والدخان وشاحي
يا ليت نورك حين أحرقني انطوى
فعلى ضيائك قد لمست جراحي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أنت
أنت
رقم القصيدة : 66211
-----------------------------------
مهبط الوحي مطلع الأنبياء
كيف أمسيت مهبط الأرزاء؟
في عيون الأنلم عنك نبوّ
لم يكن في العيون لو لم تسائي
أنت كالحرّة التي انقلب الدّه
ر عليها فأصبحت في الإماء
أنت كالبردة الموشّاة أبلى الطّي
والنّشر ما بها من رواء
أنت مثل الخميلة الغنّاء
عرّيت من أوراقها الخضراء
أنت كاللّيث فلّم الدّهر ظفريه
وأحنى عليه طول الثّواء
أنت كالشّاعر الذي ألف الوحدة
... في محفل من الغوغاء
أنت مثل الجبّار يرسف في الأغلال
في مشهد من الأعداء
لو تشائين كنت أرفة حالا
أو لست قديرة أن تشائي
أنا ما زلت ذا رجاء كثير
ولئن كنت لا أرى ذا رجاء
قد بكى التار كوك منك قنوطا
فبكى الساكنوك خوف التّنائي
كثر النّائحون حولك حتّى
خلت أني في حاجة للعزاء
بذلوا دمعهم وصنت دموعي
إنّما اليائسون أهل البكاء
لو تفيد الدّموع شيئا لأحيت
كلّ عاف مدامع الشّعراء(63/439)
أنت في حاجة إلى مثل (موسى)
لست في حاجة إلى (أرمياء)
...
مقلة الشّرق ! كم عزيز علينا
أن تكوني ربيّة الأقذاء
شرّدت أهلك النّوائب في الأرض
وكانوا كأنجم الجوزاء
وإذا المرء ضاق بالعيش ذرعا
ركب الموت في سبيل البقاء
لا يبالي مغرب في ذوبة
أن يراه ذووه في الغرباء
...
أرض آبائنا عليك سلام
وسقى اللّه أنفس الآباء
ما هجرناك إذ هجرناك طوعا
لا تظنّي العقوق في الأبناء
يسأم الخلد والحياة نعيم
أفترضى الخلود في البأساء؟
هذه أرضنا بلاقع، تمشي
فوقها كلّ عاصف هوجاء
هذه دورنا منازل للبو
وكانت منازل الورقاء
بدلتها السّنون شوكا من الزّهر
وبالوحش من بني حوّاء
ما طوت كارثا يد الصّبح إّلا
نشرته لنا يد الإمساء
نحن في الأرض تائهون كأنا
قوم موسى في اللّيلة اللّيلاء
تترامى بنا الرّكائب في البيداء
طورا؛ وتارة في الماء
ضعفاء محقّرون كأنا
من ظلام والنّاس من لألاء
واغتراب القوي عزّ وفخر
واغتراب الضّعيف بدء الفناء
عابنا البيض أنّنا غير عجم
والعبدّى بالسّحنة البيضاء
ويح قومي قد أطمع الدّهر فيهم
كلّ قوم حتى بني السّوداء
فإذا فاتنا عدو تجنّى
فأنارانا الأحباب في الأعداء
أطربتنا الأقلام لّما تغنّت
بالمساواة بيننا والإخاء
فسكرنا بها فلماّ صحونا
ما وجدنا منها سوى أسماء !!
...
نحن في دولة تلاشت قواها
كالنّضارة المدفون في الغبراء
أو كمثل الجنين ماتت به الحامل
حيا يجول في الأحشاء
عجبا كيف أصبح الأصل فرعا
والضّحى كيف حلّ في الظّلماء
ما كفتنا مظالم التّرك حتى
زحفوا كالجراد أو كالوباء
طردوا من ربوعهم فأرادوا
طردنا من ربوعنا الحسناء
ما لنا ، والخطوب تأخذ منّا
نتلهّى كأننا في رخاء
ضيم أحرارنا وريع حمانا
وسكتنا، والصّمت للجبناء
نهضة تكشف المذلّة عنّا
فلقد طال نومنا في الشّقاء
نهضة تلفت العيون إلينا
إنّ خوف البلاء شرّ بلاء
نهضة يحمل الأثير صداها
للبرايا في أوّل الأنباء
نهضة تبلغ النفوس مناها
فهي مشتاقة إلى الهيجاء(63/440)
إنّ ذا هيكل نحن فيه القلب
والقلب سيّد الأعضاء
زعم الخائنون أنّا بما نبغيه
نبغي الوصول للعنفاء
سوف يدرون أنما العرب قوم
لا يبالون غير الأسنّة السّمراء
يوم تمشي على جبال من الألاء
تمشي في لأبحر من دماء
يوم يستشعر المواؤون منّا
إنّما الخاسرون أهل الرّياء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الفقير
الفقير
رقم القصيدة : 66212
-----------------------------------
همّ ألم به مع الظلماء
فتأى بمقلته عن الاغفاء
نفس أقام الحزن بين ضلوعه
والحزن نار غير ذات ضياء
يرعى نجوم الليل ليس به هوى
ويخاله كلفا بهنّ الرائي
في قلبه نار (الخليل) وانما
في وجنتيه أدمع (الخنساء)
قد عضة اليأس الشديد بنابه
في نفسه والجوع في الاحشاء
يبكي بكاء الطفل فارق أمه
ما حيلة المحزون غير بكاء!
فأقام حلس الدار وهو كأنه
لخلو تلك الدار_ في بيداء
حيران لا يدري أيقتل نفسه
عمدا فيخلص من أذى الدنياء
أم يستمر على الغضاضة والقذى
والعيش لا يحلو مع الضراء
طرد الكرى وأقام يشكو ليله
يا ليل طلت وطال فيك عنائي
يا ليل قد أغريت جسمي بالضنا
حتى ليؤلم فقده أعضائي
ورميتني يا ليل بالهم الذي
يفري الحشا، والهم أعسر داء
يا ليل مالك لا ترق لحالتي
أتراك والأيام من أعدائي؟
يا ليل حسبي ما لقيت من الشقا
رحماك لست بصخرة صماء
بن يا ظلام عن العيون فربّما
طلع الصباح وكان فيه عزائي
وارحمتا لليأسين فانهم
موتى وتحسبهم من الاحياء
إني وجدت حظوظهم مسودّة
فكأنما قدت من الظلماء
ابدأ يسر الزمان ومالهم
حظ كغيرهم من السرّاء
ما في أكفهم من الدنيا سوى
ان يكثروا الأحلام بالنعماء
ندنو بهم آمالهم نحو الهنا
هيهات يدنو بالخيال النائي
ابطر الأنام من السرور وعندهم
ان السرور مرادف العنقاء
إني لاحزن ان تكون نفوسهم
غرض الخطوب وعرضة الارزاء
أنا ما وقفت لكي اشبب بالطلا
مالي وللتشبب بالصهباء؟
لا تسألوني المدح أو وصف الدمى
إني نبذت سفاسف الشعراء(63/441)
باعوا لأجل المال ماء حيائهم
مدحا وبت أصون ماء حيائي
لم يفهموا ما للشعر؛ إلا انه
قد بات واسطة إلى الاثراء
فلذاك ما لاقيت غير مشبب
بالغانيات وطالب لعطاء
ضاقت به الدنيا الرحيبة فانئنى
بالشعر يستجدي بني حواء
شقي القريض بهم وما سعدوا به
لولاهم اضحى من السعداء
نادوا علينا بالمحبة والهوى
وصدورهم طبعت على البغضاء
ألفوا الرياء فصار من عادتهم
لعن المهيمن شخص كل مرائي!
إن يغضبوا مما أقول فطالما
كره الأديب جماعة الغوغاء
أو بنكرو أدبي فلا تتعجبوا
فالرمد طلوع ذكاء
أو كلما نصر الحقيقة فاضل
قامت عليه قيامة السفهاء
أنا ما وقفت اليوم فيكم موقفي
إلا لأنذب حالة التعساء
عليّ احرّك بالقريض قلوبكم
ان القلوب مواطن الاهواء
لهفي على المحتاج بين ربوعكم
يمسي و يصبح وهو قيد شقاء
امسى سواء ليلةه وصباحه
شتان بين الصبح والامساء
قطع القنوط عليه خيط رجائه
والمرء لا يحيا بغير رجاء
لهفي! ولو أجدى التعيس تلهفي
لسفكت دمعي عنده ودمائي
قل للغني المستعز بماله
مهلا لقد اسرفت في الخيلاء
جبل الفقير أخوك من طين ومن
ماء، ومن طين جبلت وماء
فمن القساوة ان تكون منعما
ويكون رهن مصائب وبلاء
وتظل ترفل بالحرير أمامه
في حين قد امسى بغير كساء
اتضن بالدينار في اسعافه
وتجود بالآلاف في الفحشاء
انصر أخاك فان فعلت كفيته
ذلّ السؤال ومنه البخلاء
أذوي اليسار وما اليسار بنافع
إن لم يكن أهلوه أهل سخاء
كم ذا الجحود ومالكم رهن البلا
وبم الغرور وكلكم لفناء؟
ان الضعيف بحاجة لنضاركم
لا تقعدوا عن نصرة الضعفاء
انا لا اذكّر منكم أهل الندى
ليس الصحيح بحاجة لدواء
ان كانت الفقراء لا تجزيكم
فاللّه يجزيكم عن الفقراء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> تلك السنون
تلك السنون
رقم القصيدة : 66213
-----------------------------------
في حفلة اليوبيل الفضي لجريدة "السمير"
---------------
تلك السنون الغاربات ورائي
سفر كتبت حروفه بدمائي(63/442)
ما عشتها لأعدّها بل عشتها
لتبين في سمائها سمائي
سيّلن لو أني قنعت بعدّها
عمري وعمر الصخرة الصماء
ولبذّني يوم التفاخر شاطىء
ما فيه غير رماله الخرساء
لا حت لي العلياء في آفاقها
فأردتها دربا ألى العلياء
ومحبة للخير تسري في دمي
ورعاية للضعف والضعفاء
وعبادة للحق أين وجدته
والحسن في الأحياء والأشياء
لتدور بعدي قصة عن عاشق
رقصت به الدنيا جناح ضياء
نشر الطيوب على دروب حياته
وسرى هوى في الطيب و الأنداء
وأطلّ في قلب البخيل سماحة
وشجاعة في السلم والهيجاء
ومشى ألى المظلوم بارق رحمة
وهوى على الظلام سوط بلاء
متعوّ دنيا قد طوت آبائي
وتهش دنيا أطلعت أبنائي
تلك السنون ببؤسها ونعيمها
مالت بعودي وانطوت بروائي
أين الشباب ألفّ أحلامي به
ليس الشباب الآن لي برداء
نفسي تحس كأنما أثقالها
قد خيرت فتخيرت أعضائي
كم من رؤى طلعت على جنباتها
ركبا من الأضواء و الأشذاء
قلبت فيها بعد لأي ناظري
فتعثرت عيناي بالأشلاء
يا للضحايا لا يرفّ لموتها
جفن ولا تحصى مع الشهداء
ودعت للذّات الخيال وعفتها
ورضيت أن أشقى مع الحكماء
فعرفت مثلهم بأني موخد
بؤسي،وأني خالق نعمائي
...
إني أراني بعد ما كابدته
كالفلك خارجة من لأنواء
وكسائح بلغ المدينة بعدما
ضلّ الطريق وتاه في البيداء
شكرا لأصحابي فلولا حبهم
لم أقترب من عالم اللألاء
بهم اقتحت العاصفات بمركي
وبهم عقدت على النجوم لوائي
...
شكرا لأعدائي فلولا عيشهم
لم أدر أنهمو الغوغاء
نهش الأسى لما ضحكت قلوبهم
عرس المحبة مأتم البغضاء
ذني إلى الحسّاد أني فتّهم
وتركهم يتعثرون ورائي
وخطيئتي الكبرى إليهم أنهم
قعدوا ولم أقعد على الغبراء
عفو المروءة والرجولة أنني
أخطأت حين حسبتهم نظرائي
...شكرا لكلّ فتى مزجت بروحه
روحي فطاب ولاؤه وولائي
من كان يحلم بالسماء فإني
في قلب إنسان وجدت سمائي
ليس الجمال هو بذاته
الحسن يوجد حين يوجد رآء
ما الكون؟ ما في الكون لولا آدم
إلا هباء عالق بهباء(63/443)
وأبو البرية ما أبان وجوده
وأنتم غايته سوى حواء
إني سكبت الخمر حين سكبتها
للناس ، لا للأنجم الزهراء
لا تشرب الخمر النجوم وإن تكن
معصورة من أنفس الشعراء
...
تلك السنون ، عقيمها كولودها
حلو ليّ، كذا يشاء وفائي
فالليلة العسراء من عمري
وعمر الدهر مثل الليلة السمحاء
يا من يقول (ظلمت نفسك فاتئد)
دعني ، فلست بحامل أعبائي
إنّ الحياة الروح بعض عطائها
وأنا ثمار الروح كلّ عطائي
ما العمر؟ إان هو كالإناء وإنني
بالطيّب الغالي ملأت إنائي
فإذا بقيت ، فللجمال بقائي
وإذا فنيت ، ففي الجمال فنائي
...
للّه ما أحلى وأسنى ليلتي
هي في كتاب العمر كالطغراء
يا صحب لن أنسى جميل صنيعكم
حتى تفارق هيكلي حوبائي
وتقول عيني "قد فقدت ضيائي"
ويقول قلبي"قد فقدت رجائي"
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> رؤيا
رؤيا
رقم القصيدة : 66214
-----------------------------------
رؤيا منام ...ربّ حلم في الكرى
فيه تلوح حقلئق الأشياء
أني حلمت كأنما أنا سائر
في روضة خلابة غنّاء
النور مفروش على طرقاتها
والعطر في النسمات والأفياء
والعشب فيها سندس متموّج
والجوّ أضواء على أضواء
وإذا بصوت كالهرير يطنّ في
أذني، وأنياب تصر ورائي
فأدرت طرفي باحثا متعجبا
مما سمعت ،ولست في بيداء
فأذا ورائي في الحديقة نابح
ضاري المحاجر ضامر الأحشاء
كادت تطلّ عروقه من جلده
وتطلّ معها شهوة لدمائي
أشفقت يعلق نابه بردائي
فرفسته غضبا فطار حذائي
فطوى نواجذه عليه كأنما
عضّت نواجذه على العنقاء
ومضى به لرفاقه فتهلّلوا
وتقاسموه ،فكان خير عشاء
لا يعجبن أحد رآني حافيا
أبلت نعالي ألسن السفهاء ...
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> رؤيا ثانية
رؤيا ثانية
رقم القصيدة : 66215
-----------------------------------
وحامت ثانية،وكان الكون لم
تبرح عليه كلاكل الظلماء
أني رأيت جرادة مطروحة
في سبخة منهوكة الأعضاء
ترنو ألى الأفق البعيد بمقلة
كلمى ،وتشتم أنجم الجوزاء(63/444)
فسألتها ماذا عراك فلم تجب
فسألت عنها زمرة الرفقاء
قالوا:رفيقتنا شهيدة هزئها
بنصائح العقلاء والحكماء
كانت أذا جاعت فحبة خردل
تكفي ،وأن عطشت فنقطة ماء
سمعت بنهر في السماء و جنّة
ليست لتصويح ولا لفناء
ألعطر في أثمارها،والشهد في
أنهارها ،والسحر في الأنداء
فاستنكفت أن تستمر حياتها
في الأرض جاثمة على الأقذاء
فمضت تحلق في الفضاء ولم تزل
حتى وهت فهوت ألى الغبراء
رجعت ألى الدنيا التي خلقت لها
لم تخلق الحشرات للاجواء
هذي حكايتها وفيها عبرة
للطائشين كهذه الحمقاء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الطيران
الطيران
رقم القصيدة : 66216
-----------------------------------
او رأى "آدم "فتاه لزال الحقد
من قلبه على حوّاء
صيّر الأرض جنّة دونها الجنّة
في الحسن والبه والروّاء
ما أظنّ النعيم فيه الذي في الأرض من بهجة ومن لألاء
كلّ ما في الوجود للمرء عبد
وهو عبد الشهوات والأهواء
كائن كلّ كائن حار فيه
فهو حلو مرّ ودان ناء
وهو طورا يكون نصف أله
وهو طورا أدنى من العجماء
عجبا كيف طاعه الطّين والماء
وما كان غير طين وماء
ساد في الكون مثلما ساد فيه
خالق الكون مبدع الأشياء
فهو في الماء سابح وعلى الغبراء
ماش وطائر في الفضاء
اتخذ الجوّ ملعبا ثم أمسى
راكضا في الهواء ركض الهواء
فهو فوق السّحاب يحكيه في
مسواه لكنّه أخو خيلاء
وهو بين الطّيور تحسبه العنقاء
لولا استحاله العنقاء
أبصرته فاكبرت أن ترى في الجوّ
صيّادها على الغبراء
فاستوى في قلوبها الذعر حتى
كاد يحكي البلاء خوف البلاء
وتناجت تبغي النجاة فرارا
أين أين المفر من ذا القضاء
ويح هذي الطّيور تجنى على الموتى
وترجو سلما من الأحياء
أهبطي أو فحلّقي أو فسيري
أنما المنتهى ألى الأرزاء!
...
وهو بين النجوم يسترق السّمع
ولا يتّقي رجوم السّماء
مشهد روّع الدّراري فباتت
حائرات في القبّة الزّرقاء
نافرات كأنها ظبيات
رأت القانصين في البيداء
سائلات أذا رسول سلام(63/445)
من بني الأرض أم نذير فناء؟
هالها أن ترى من الأنس قوما
يتهادون مثلها في الفضاء
فرأيت الجوزاء تشكو الثّريّا
والثّريّاتشكو ألى الجوزاء
لا تراعي يا شهب منّا فأنّا
ما حملنا أليك غير الولاء
قد كرهنا المقام في الأرض لما
قيل أن السّما مقرّ الهناء
أنما شوقنا أليك الذي أسرى
بنا لا الهيام في الأسرلء
فصلينا نزدد غراما ووجدا
غير مستحسن كثير الأباء
نحن يا شهب في حماء ضيوف
وجميل رعاية الغرباء
أكرمي ذلك المحلّق فوق السّحب
يثني عليك خير ثناء
وأنيري طريقه أن دجا اللّيل
ودبّت عقلرب الظّلماء
صاغك اللّه شعلة من ضياء
وبرا المرء شعلة من ذكاء
اتخذيه أخا يكن لك عونا
كلّ نفس محتاجة للأخاء
لا تفاخر بالواخدات ولا بالخيل
من أدهم ومن شهباء
هان عصر النّياق والرّاكبيها
عند عصر البخار والكهرباء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أخو الورقاء
أخو الورقاء
رقم القصيدة : 66217
-----------------------------------
رسالة إلى الشاعر القروي ألقيت في الحفلة الوداعية التي أقيمت في ولاية تكساس وقد تعذر على الشاعر حضورها.
------------
للّه من عبث القضاء وسخره
بالناس والحالات والأشياء
كم درة في التاج ألف مثلها
في القاع لم تخرج من الظلماء
ولكم تعثّر سميذع
وانداحت الأطواد للجبناء
ولكم جنى علم أربابه
وجنى الهناء جماعة الجهلاء
أرأيت أعجب حالة من حالنا
أزف الرحيل ولم تفز بلقاء!
عاشت شهورا بالرجاء قلوبنا
وبلجظة أمست بغير رجاء
ماتت أمانينا الحسان أجنّة
لم تكتحل أجفانها بضياء
فكأنها برق تألّق وانطوى
في الليل لم تلمحه مقلة راء
وكأننا كنا نحلّق في الفضا
صعدا لنلمس منكب الجوزاء
حتى إذا حان الوصول ... رمت بنا
نكباء عانية إلى الغبراء!
وكأن ((تكس)) وهي في هذا الحمى
صفع ((كسانبول )) قصي ناء
طوبى لها إن كان يعلم أهلها
أنّ النزيل بها أخو الورقاء
كانت مسارح ((للرعاة)) فأصبحت
لما أتاها كعبة الشعراء
هو بلبل عبق النبوّة في أغانيه ،(63/446)
وفيها نكهة الصهباء
وجلال لبنان ، وقد غمر المسا
هضباته، وانسال في الأوداء
غنّى ، ففي النسمات ، والأوراق،
والغدران، أعراس بلا ضوضاء
وبكى، فشاع الحزن في الأزهار،
والأظلال ، والألوان، والأضواء
هو نفحة قدسية هبطت إلى
هذا الثرى من عالم اللألاء
لو عاد للدنيا البراق وحزته
ما كان إلا نحوه إسرائي
أشكو البعاد وليس لي أن أشتكي
فسماؤه موصولة بسمائي
ما حال بين نفوسنا ، ما حال بين جسومنا من أجبل وفضاء
فلكم نظرت إلى الرّبى فلمحته
في الأقحوان الخيّر المعطاء
وسمعت ساقية تئنّ فخلتني
لبكائه أوطانه إصغائي
وإذا تلوح لي الجبال ذكرته
فالشاعر القرويّ طود إباء
من كان يحلم بالغدير فإنه
يبدو له في كلّ قطرة ماء
إن كنت لم أره فقد شاهدته
بعيون أصحابي، وذاك عزائي
...
أفتى القوافي كالشّواظ على
قلوب الصّحب كالأنداء
سارت إليك تحيتي ولو انّني
خيرت ، كنت تحيتي ودعائي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الحجر الصغير
الحجر الصغير
رقم القصيدة : 66218
-----------------------------------
سمع الليل ذو النجوم أنينا
وهو يغشى المدينة البيضاء
فانحنى فوقها كمسترق الهمس
يطيل السكوت والإصغاء
فراى أهلها نياما كأهل الكهف
لا جلبة ولا ضوضاء
ورأى السدّ خلفها محكم البنيان
والماء يشبه الصحراء
كان ذاك الأنين من حجر في السد
ّ يشكو المقادر العمياء
أيّ شأن يقول في الكون شأني
لست شيئا فيه ولست هباء
لا رخام أنا فأنحت تمثا
لا، ولا صخرة تكون بناء
لست أرضا فأرشف الماء ،
أو ماء فأروي الحدائق الغنّاء
لست درا تنافس الغادة الحسناء
فيه المليحة الحسناء
لا أنا دمعة ولا أنا عين،
لست خالا أو وجنة حمراء
حجر أغير أنا وحقير
لا جمالا ، لا حكمة ، لا مضاء
فللأغادر هذا الوجود وأمضي
بسلام ، إني كرهت البقاء
وهوى من مكانة ، وهو يشكو
الأرض والشهب والدجى والسماء
فتح الفجر جفنه... فإذا
الطوفان يغشى ((المدينة البيضاء))(63/447)
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عطش الارواح
عطش الارواح
رقم القصيدة : 66219
-----------------------------------
زحزحت عن صدرها الغيم السماء
وأطلّ النور من كهف الشتاء
فالروابي حلل من سندس
والسواقي ثرثرات وغناء
رجع الصيف ابتساما وشذّى
فمتى يرجع للدنيا الصفاء؟
فأرى الفردوس في كلّ حمى
ورأى الناس جميعا سعداء
زالت الحرب وولت إنما
ليس للذعر من الحرب انقضاء
إن صحوتا فأحاديث الوغى
في الحمى الآهل والأرض العراء
وإذا نمنا تراءت في الكرى
صور الهول وأشباح الفناء
فهي في الأوراق حبر هائج
وعلى ((الراديو)) فحيح الكهرباء
نتقي في يومنا شرّ غد
وإذا الصبح انطوى خفنا المساء
عجبا ! والحرب باب للردى
وطريق لدمار وعفاء
كيف يهواها بنو الناس فهل
كرهوا في هذه الدنيا البقاء؟
إن يكن علم الورى يشقيهم
يا إآلهي ردّ للناس الغباء
وليجىء طوفان نوح قياما
تغرق الأرض بطوفان الدماء
واعصم الأسرار واحجب كنهها
عن ذوي العلم وأرباب الذكاء
فلقد أكثرت أسباب الأذى
عندما أكثرت فينا العلماء
كم وجدنا آفة مهلكة
كلما زحزحت عن سر غطاء؟
قد ترقى الخلق لكن لم تزل
شرعة الغابة شرع الأقوياء
حرم القتل، ولكن عندهم
أهون الأشياء قتل الضعفاء
لا تقل لي هكذا اللّه قضى
أنت لا تعرف أسرار القضاء
جاءني بالماء أروي ظمأي
صاحب لي من صحابي الأوفياء
يا صديقي جنّب الماء فمي
عطش الأرواح لا يروي بماء
أنا لا أشتاق كاسات الطّلالا،
ولا أطلب مجدا أو ثراء
إنما شوقي إلى دنيا رضى
وإلى عصر سلام وإخاء
لا تعدني بالسما ، يا صاحبي
ألسما عندي قرب الأصدقاء
وأراني الآن في أكفانهم
فأنا الآن كأني في السماء!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ابسمي
ابسمي
رقم القصيدة : 66220
-----------------------------------
إبسمي كالورد في الفجر الصباء
وابسمي كالنجم إن جنّ المساء
وإذا ما كفّن الثلج الثرى
وإذا ما ستر الغيم السماء
وتعرّى الروض من أزهاره(63/448)
وتوارى النور في كهف الشتاء
فاحلمي بالصيّف ثم ابتسمي
تخلقي حولك زهرا وشذا
وإذا سرّ نفوسا أنّها
تحسن الأخذ فسرّي بالعطاء
وإذا أعياك أن تعطي الغني
فافرحي أنّك تعطين الرجاء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشاعر في السماء
الشاعر في السماء
رقم القصيدة : 66221
-----------------------------------
رآني اللّه ذات يوم
في الأرض أبكي من الشقاء
فرقّ، واللّه ذو حنان
على ذوي الضرّ والعناء
وقال: ليس التراب دارا
للشعر، فارجع إلى السماء!
وشاد فوق السّماك بيتي
ومدّ ملكي على الفضاء
فالتفّت حول عرشي
وسار في طاعتي الضياء
وصرت لا ينطوي صباح
إلا بأمري ولا مساء
ولا تسوق الغيوم ريح
إلاّ ولي فوقها لواء
فالأمر بين النجوم أمري
لي الحكم فبيها ولي القضاء
...
لكنّني لم أزل حزينا
مكتئب الروح في العلاء
فاستغرب اللّه كيف أشقى
في عالم الوحي والسّناء
وقال: ما زال آدميّا
يصبو إلى الغيد والطّلاء
ومسّ روحي واستلّ منها
شوقي إلى الخمر والنساء
وظنّ أنّي انتعى بلائي
فلم يزدني سوى بلاء
واشتدّ نوحي وصار جهرا
وكان من قبل في الخفاء
وصار دمعي سيول نار
وكان قبلا سيول ماء
...
يا أيّها الشاعر المعنّى
حيّرني داوّك العياء
هل تشتهي أن تكون طيرا؟
فقلت: كلاّ، ولا غناء!
هل تشتهي أن تكون نجما؟
أجبت : كلاّ ولا بهاء!
هل تبتغي المال؟ قلت: كلاّ
ما كان من مطلي الثراء
ولا قصورا ، ولا رياضا
ولا جنودا ولا إماء
وليس ما بي ، يا ربّ، داء
ولا احتياجي إلى دواء
ولا حنيني إلى القناني
ولا اشتياقي إلى الظباء
ولا أريد الذي لغيري
ذا حكمة كان أم مضاء
لكن أمنية بنفسي
يسترها الخوف والحياء!
فقال: يا شاعرا عجيبا
قل لي إذن ما الذي تشاء؟
فقلت: يا ربّ، فصل صيف
في أرض لبنان أو شتاء
فإّنني هنها غريب
وليس في غربة هناء!
فاسضحك اللّه من كلامي
وقال: هذا هو الغباء
لبنان أرض ككلّ أرض
وناسه والورى سواء
وفيه شيء تشتاق فيه؟
فقلت: ما سرّني وساء(63/449)
تحنّ نفسي إلى السواقي ،
إلى الأقاحي، إلى الشّذاء
الى الروابي تعرى وتكسي،
إلى العصافير والغناء
الى العناقيد ، والدوالي،
والماء، والنور، والهواء!
فأشرف اللّه من علاه
يشهد ((لبنان)) في الماء
فقال: ما أنت ذو جنون
وإنّما أنت ذو وفاء
فإنّ لبنان ليس طودا،
ولا بلادا،لكن سماء!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مصرع حبيبين
مصرع حبيبين
رقم القصيدة : 66222
-----------------------------------
في ذلك الرّوض الأغنّ بدى فتى
قد يبلغ العشرين عاما ذو نهى
كالبدر ألا أنه متكتّم
والغصن ألاّ أنه غصن ذوى
كتب الضّنى في وجهه هذا الذي
كاد الغرام به يؤول إلى الفنا
دَنِف تروّعه الغصون اذا انثنت
طربا، ويقلقه النسيم اذا جرى
حيران يُقعِده الهوى ويقيمه
فكأنه علم يداعبه الهوا
فأذا رنا للأفق ظنّ نجومه
عقدُ التي من رامها رام السّما
وتوهّم القمر المحلّق وجهَ من
ضنّت وجادت باللّقاء وبالنّوى
حجب الغمامُ البدرَ عند مسيره
فكأنه (أسماء) تسري في الدّجى
حسناء قد عشق المحب عفافها
وتعشّقت آدابه فهما سوا
كالغصن قامتها اذا الغصن انثنى
وجبينها يحكي الصباح اذا انجلى
وقعت غدائرها على أقدامها
فكأنها قد عضّها ناب الهوى
خَودٌ أذا نطقت حَسِبْتَ حديثها
درّا، ولكن ليس مما يشترى
وقفت تحيط بها الزهور كأنها
قمر تحيط به الكواكب في الفضا
ومشت تحف بها الغصون كأنها
ملك تحف به الجنود إذا مشى
للّه زورتها و قد قنط الفتى
فكأنها روح جرى فيمن توى
هيهات ما ظفر المؤمّل بالغنى
بألذّ من ظفر المتيّم باللّقا
فدنا يطارحها تحيّة عاشق
ويقول أهلا بالحبيب الذي أتى
بينا تصافح من يصافحها إذا
بدموعها سحّت فصافحت الثرى
"ما للعيون تحدّرت عبراتها
وعلام هذا الحزن يا ذات البهاء"؟
قالت حبيبي لو ترى ما قد جرى
في ربعنا شاركتني فيما ترى
جار القضاء عليّ في أحكامه
ما حيلة الأنسان إن جار القضا؟
فابك معي، فلربمّا نفع البكا
إن الليالي لا تدوم على الصفا(63/450)
قال الفتى، والدمع منتثر على
خدّيه، يا أسماء قولي ما جرى
فتلفّتت في الرّوض خيفة سامع
فكأنها الظبي الغرير إذا رنا
وترددت بكلامها فكأنما
تبغي ولا تبغي التفوّه بالنبا
قالت ودمع الحزن يخنق صوتها:
وشت الحواسد عند من نخشى بنا
وغداً يعود الشّمل منفصم العرى
هذا هو الخبر اليقين بلا خفا
قد أنبأته بالفراق وما درت
أن الفراق حمام من عرف الهوى
فكأنما سهم أصاب فؤاده
وكأنه لما ارتمى طود هوى
أما الفتاة فراعها ما صار في
محبوبها وكأنها ندمت على...
جعلت تناديه بصوت محزن
فيجيبها كندائها رجع الصدى
حتى إذا قنطت دنت منه كما
يدنو أخو الدّاء العضال من الدوا
وحنت فحرّكت الفتى وإذا به
جسم ولكن لا حياة به ولا...
قد فارق الدنيا ففارقها الرّجا
وهوت تعانقه ففارقت الورى
قمران ضمّهما التّراب و ما عرفـ
ــت سواهما قمرين ضمّهما الثّرى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> السجينه
السجينه
رقم القصيدة : 66223
-----------------------------------
لعمرك ما حزني لمال فقدته
ولا خان عهدي في الحياة حبيب
ولكني أبكي وآندب زهرة
جناها ولوع بالزهرة لعوب
رآها يحلّ الفجر جفونها
ويلقي عليها تبره فيذوب
وينقض عن أعطافها النور لؤلؤا
من الطلّ ما ضمت عليه جيوب
فعالجها حتى استوت في يمينه
وعاد إلى مغناه وهو طروب
وشاد فأمست في الإناء سجينة
لتشبع منها أعين وقلوب
ثوت بين جدران كقلب مضيمها
تلّمس فيها منفذا فتخيب
فليست تحبي الشمس عند شروقها
وليست تحبي الشمس حين تغيب
ومن عصيت عيناه فالوقت كلّه
لديه ، وإن لاح الصباح ، غروب
لها الحجرة الحسناء في القصر إنما
أحب إليها روضة وكثيب
وأجمل من نور المصابيح عندها
حباحب تمضي في الدجى وتؤوب
ومن فتيات القصر يرفض حولها
على نغمات كلهنّّ عجيب
ترافض أغصان الحدقة بكرة
وللريح فيها جيئة وذهوب
وأجمل منهنّ الفراشات في الضحى
لها كالأماني سكنة ووثوب
وأبهى من الديباخ والخزّبالدّمى
فضاد تشعّ الشهب فيه رحيب(63/451)
تحنّ إلى مرأى الغدير وصوته
وتحرم منه ، والغدير قريب
وليس لها للبؤس في نسم الرّبى
نصيب ، ولم يسكن لهنّ هبوب
إذا سقيت زادت ذبولا كأنما
يرشّ عليها في المياه لهيب
وكانت قليل الطلّ ينعش روخحها
وكانت بميسور الشّعاع تطيب
بها من أنوف الناشقين توعّك
ومن نظرات الفاسقين ندوب
تمشّى الضنى فيها وأيار في الحمى
وجفّت وسربال الربيع قشيب
ففيها كمقطوع الوريدين صفرة
وفيها كمصباح البخيل شحوب
أيا زهرة الوادي الكئيبة إنني
حزين لما صرت إليه كئيب
وأكثر خوفي أن تظني بني الورى
سواء، وهم مثل النبات ضروب
وأعظم حزني أنّ خطبّك بعده
مصائب شتّى لم تقع وخطوب
سيطرحك الإنسان خارج داره
إذا لم يكن فيك العشية طيب
فتمسين للأفذار فيك ملاعب
وفي صفحتك للنعال ضروب
إسارك، يا أخت الرياحين ، مفجع
وموتك، يا بنت الربيع ، رهيب
ولكنها الدنيا، ولكنه القضا
وهذا، لعمري ، مثل تلك غريب
فكم شقيت في ذي الحياة فضائل
وكم نعمت في ذي الحياة عيوب
وكم شيم حسناء عاشت كأنها
مساوىء يخشى شرّها وذنوب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بنت الفرقدين
بنت الفرقدين
رقم القصيدة : 66224
-----------------------------------
أزور فتقصيني وأنأى فتعب
وأوهم أني مذب حين تغضب
وأرجو التلاقي كلّما بخلت به
كذلك يرجى البرق والبرق خلّب
وأعجب من لاح يطيل ملامتي
ويعجب مني عاذلي حين أعجب
هو البخل طبع في الرجال مذمم
ولكنه في الغيد شيء محبب
كلفت بها بيضاء سكرى من الصبا
وما شربت خمرا ولا هي تشرب
لها الدرّ ثغر واللجين ترائب
وشمس الضّحى أم وبدر الدّجى أب
خليلي أما خدّها فمورّد
حياء واما ثغرها فهو اشنب
لئن فرقّت بين الغواني جمالها
لدام لها ما يجعل الغيد تغضب
ولو أن رهبان الصوامع أبصروا
ملاحتها واللّه لم يترهّبوا
تكلّفني في الحبّ ما لا أطيقه
وتضحك إما جئتها أتعتّب
أفاتنتي حسب المتّيم ما به
وحسبك أني دون ذنب أعذّب
أحبك حبّ التازح الفرد أهله(63/452)
فهل منك حب الأهل من يتغرّب؟
وهبتك قلبي واستعضت به الأسى
وهبتك شيئا في الورى ليس يوهب
فإن يك وصل فهو ما أتطلّب
وإن يك بعد فالمنيّة أقرب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الحسن لا يشرى ولا يستجلب
الحسن لا يشرى ولا يستجلب
رقم القصيدة : 66225
-----------------------------------
سفرت فقلت لها أهذا كوكب
قالت أجل وأين مني الكوكب؟
وتبسّمت فرأيت رئما ضاحكا
عن لؤلؤ لكنّه لا يوهب
وتمايلت فالسمهري مصمم
ورنت فأبصرت السّهام تصوّب
أنشبت ألحاظي بورد خدودها
لّما رأيت لحاظها بي ننشب
قد كلمت قلبي ولم ترفق به
واللّظ لو درت المليحة مخلب
بيضاء ناصعة كأن جبينها
صبح وطرتّها عليه غيهب
يا طالما اكتسب الحرير ملاحة
منها ويكسب غيرها ما يكسب
ولطاما بعض النساء حسدتها
ولطالما حسد السليم الأجرب
بين الطلاء وبينهنّ قرابة
مشهورة عنها الجميلة تنكب
إنّ الملاحة عندها عربية
وجمال هاتيك الدّمى مستعرب
قل للغواني إنّها خلقت كذا
الحسن لا يشرى ولا يستجلب
فإذا بلغتنّ الجمال تطريا
فاعلمن أنّ بقاءه مستعصب
هيهات ما يغني الملاح الحسن إن
كانت خلائقهنّ لا تستعذب
إني بلوت الغانيات فلم أجد
فيهن قطّ مليحة لا تكذب
وصحبتهنّ فما استفدت سوى الأسى
ما يستفاد من الغواني يتعب
وخيرتهنّ فما لبكر حرمة
ترعى وأعذر من رأيت الثّيب
لا يخدعتك ضعفهنّ فإنّما
بالضعف أهلكت الهزير الأرنب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أهلها عرب
أهلها عرب
رقم القصيدة : 66226
-----------------------------------
أقاح ذاك أم شنب
وريق ذاك أم ضرب
ووجه ذاك أم قمر
وخد ذاك أم ذهب
جمال غير مكتسب
وبعض الحسن يكتسب
ثكلت الظرف، عاذلتي
أهذا الحسن يجتنب؟
عددت لها العيوب وليس
إلاّ الظّرف والأدب
فتاة بين مبسمها
وبين عقودها نسب
لواحظها نمتها الهند
لكن أهلها عرب
مرنّحة إذا خطرت
رأيت الغصن يضطرب
مشت وونت روادفها
فكاد الخصر ينقضب
يسر العاذلون إذا
نأت ويعودني الوصب(63/453)
ويصطخبون إن قربت
وعندي يحسن الطّرب
فأبكى كلّما ضحكوا
وأضحك كلّما غضبوا!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> شاعر الدير
شاعر الدير
رقم القصيدة : 66227
-----------------------------------
ألقيت في حفلة تكريم الشاعر مسعود سماحة
----------------------
عادت رياض القوافي وهي حالية
وكان صوّح فيها الزهر والعشب
واسترجعت دولة الأقلام نخوتها
وكان أدركها الإعياء والتعب
بشاعر عبقريّ في قصائده
عطر، وخمر رائق عجب
فاشرب بروحك خمرا كلّها أرج
واشق بروحك عطرا كلّه طرب
وامرح بدنيا جمال من تصوّره
فإنها السحر إلا إنه أدب
والبس مطارف حاكتها براعته
تبقى عليك ويبلى الخزّ والقصب
كم درة يتمنّى البحر لو نسبت
إليه باتت إلى مسعود تنتسب
لو أنها فيه لم تهتج غواربه
لكنها لسواء فهو يصطخب
فلا جناح إذا ما قال شاعرنا
للبحر _ يا بحر أغلى الدرّ ما أهب!
يا شاعر ((الدير)) كم هلهات قافية
غنى الرواة بها واختالت الكتب
طلاقة الفجر فيها وهو منبثق
ورقّة الماء فيها وهو منكسب
مرت على هضبات الدير هائمة
فكاد يورق فيها الصّخر والحطب
إذا تساقي الندامى الراح صافية
كانت قوافيك في الرّاح التي شربوا
فأنت في ألسن الأشباح إن نطقوا
وأنت في همم الشّبان إن وثبوا
مسعود عيدك والشهر الجميل معا
قد أقبلا ، وأنا في الأرض أضطرب
يحزّ في نفسي أني اليوم مبتعد
وأنت من حولك الأنصار والصّحب
ألبيد (( والناس)) ما بيني وبينكم
ليت المهامه تطوي لي فأقترب
ما كان أسعدني لو كنت بينكم
كيما يؤدي لساني بعض ما يجب
لصاحب أنا تيّاه بصحبته
وشاعر طالما تاهت به العرب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> شكوى فتاة
شكوى فتاة
رقم القصيدة : 66228
-----------------------------------
نظمها بلسان أرغمها ذووها على الاقتران برجل طاعن في العمر
--------------------
لي بعل ظنّه الناس أبي
صدّقوني أنه غير أبي
واعدلوا عن لوم من لو مزجت
ما بها بالماء لم يستعذب(63/454)
ربّ لوم لم يففد إلا العنا
كم سهام سدّدت لم تصب؟
يشتكي المرء لمن يرثي له
ربّ شكوى خفّفت من نصب
زعموا أن الغواني لعب
إنما اللعبة طبعا للصي
وأنا ما زلت في شرخ الصّبا
ذاك بالغصن وذا بالكوكب
قد جرى حبّ العلى مجرى دمي
فهي سوّلي والوفا من مشربي
أنا لو يعلم أهلي درّة
ظلمت في البيع كالمخشلب
أخدوا الدينار مني بدلا
أترابي سلعة للمكسب؟
لا، ولكن راعهم عصر به
ساد في الفتيان حبّ الذّهب
ليس للآداب قدر بينهم
آه لو كان نضارا أدبي!
حسبوني حين لازمت البكا
طفلة أجهل ما يدري أبي
ثمّ بالغول أبي هدّدني
أين من غول المنايا مهربي؟
أشيب لو أنّه الدّجى
شاب ذعرا منه رأس الغيهب
ليت ما بيني وبين النوم من
فرقة بيني وبين الأشيب
يا له فظا كثير الحزن لا
يعرف الأنس قليل الطّرب
يخضب الشّعر ولكن عبئا
ليس تخفي لغة المستغرب
قل لأهل الأرض لا تخشوا الرّدى
إنّه مشتغل في طلبي
ولمن يعجب من بغضي له
أيها الجاهل أمري اتّئب
إنما الغصن إذا هبّ الهوا
مال للأغصان لا للحطب
وإذا المرء قضى عصر الصّبا
صار أولى بالرّدى من مذهبي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أمينة إلاهة
أمينة إلاهة
رقم القصيدة : 66229
-----------------------------------
أحبّ إله في صباه إلاهة
جرى السحر في أعطافها والترائب
تمنّت عليه آية يجىء بها
إله سواه في العصور الذواهب
ليمسي على الأرباب أجمع سيّدا ،
وتمسي تباهي كلّ ذات ذوائب
وكان إلها جامحا متضرّما
هوى، فأتى بالمعجزات الغرائب
كسا الأرض بالزهر البديع لأجلها
ورصّع آفاق السما بالكواكب
وما زال حتى علّم الطير ما الهوى
فحنّت وغنّت في الذّرى والمناكب
وأنشأ جنات وأجرى جدواولا
ومدّ المروج الخضر في كلّ جانب
وشاء، فشاع العطر في الماء والضّيا
وفي كلّ صوت أو صدى متجاوب
ومسّ الضّحى فارفضّ تبرا على الربى
وسال عقيقا في حواشي السباسب
وقال لأحلام البحار تجسّدي
مواكب ألوان وجيش عجائب
فكانت لآل في الشطوط ، وفي الفضا(63/455)
غيوم، وموج ضاحك في الغوارب
ولما رأى الأشياء أحسن ما ترى
وتّمت له دنيا بغير معايب
دعاها إليه كي تبارك صنعة
ولم يدر أنّ الحبّ حمّ المطالب
فقالت له : أحسنت! أحسنت مبدعا
فيا لك ربّا عبقريّ المواهب
ولكنّ لي أمنية ما تحقّقت
إذا لم تنلنيها فما أنت صاحبي!
******
فدنياك هذي على حسنها
وسحر مشاهدها والصور
تشاركني سائر لالآهات
لذاذاتها ونساء البشر
أريد دنيا فيها شعاع
يبقي أذا غابت النجوم
أريد دنيا تحسّ نفسي
فيها نفوسا بلا جسوم
أريد خمرا بلا كؤوس
من غير ما تنبت الكروم
أريد عطرا بلا زهور
يسري وإن لم يكن نسيم
وزادت فقالت: أريد أنينا
يشوّش روحي ولا محتضر
وماء يموج ولا جدول،
ونارا بلا حطب تستعر
فأطرق ذاك الاله الفتيّ
وفي نفسه ألم مستتر
وقال امهليني ثلاث ليال
أذلّل فيها المراد العسر!
وراح يجوب رحاب الفضاء
يحدوه شوق ويدعوه سر
فسال مع الشمس فوق الربى
وغلغل في الحندس المعتكر
وأصغى إلى نسمات المروج
وأصغى إلى نفحات الزّهر
وبعد ثلاث ليال أتاها
فظنته جاء لكي يعتذر
فقال وجدت الذي تطلبين
لدي شاعر ساحر مبتكر
وأخرج خيطا قصير المدى
بلون التراب ولين الشّعر
فلما رأته عراها الأسى
وغوّر إيمانها واندثر
فصاحت بغيط: أتسخر مني؟
إذن فاحمل العار، او فانتحر!
أجاب رويدّك ، يا ربّتي
فما في التعجّل إلاّ الضرر!
وشدّ إلى آله خيطه
ودغدغة صامتا في حذر
ففاضت خمور ، وسالت دموع،
وشعّت بروق، ولاحت صور!
فصاحت به وهي مدهوشة: ألا إنّ ذا عالم محتضر!
فيا ليت شعري ماذا يسمّى؟
فقال لها: إن هذا الوتر1
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أنا
أنا
رقم القصيدة : 66230
-----------------------------------
حرّ ومذهب كلّ حرّ مذهبي
ما كنت بالغاوي ولا المعتصب
أني لأغضب للكريم ينوشه
من دونه وألوم من لم يغضب
وأحبّ كلّ مهذب ولو أنّه
خصمي، وأرحم كلّ غير مهذب
يأبى فؤادي أن يميل إلى الأذى
حبّ الأذية من طباع العقرب
لي أن أردّ مساءة بمساءة(63/456)
لو انني أرضى ببرق خلب
حسب المسيء شعوره ومقاله
في سرّه : يا ليتني لم أذنب
أنا لا تغشّني الطيالس والحلى
كم في الطيالس من سقيم أجرب؟
عيناك من أثوابه في جنّة
ويداك من أخلاقه في سبسب
وإذا بصرت به بصرت بأشمط
وإذا تحدثه تكشّف عن صبي
إني إذا نزل البلاء بصاحبي
دافعت عنه بناجذي وبمخلبي
وشددت ساعده الضعيف بساعدي
وسترت منكبه العريّ بمنكبي
وأرى مساوئه كأني لا أرى
وأرى محاسنه وإن لم تكتب
وألوم نفسي قبله إن أخطأت
وإذا أساء إلّي لم أتعتّب
مقترب من صاحبي فإذا مشت
في عطفه الغلواء لم أتقرب
أنا من ضميري ساكن في معقل
أنا من خلالي سائر موكب
فإذا رآني الغباوة دونه
فكما ترى في الماء ظلّ الكوكب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> هدايا العيد
هدايا العيد
رقم القصيدة : 66231
-----------------------------------
خرج الناس يشترون هدايا
العيد للأصدقاء والأحباب
فتمنّيت لو تساعفني الدنيا
فأقضي في العيد بعض رغابي
كنت أهدي، إذن ، من الصبر أرطا
لا إلى المنشئين والكتّاب
وإلى كلّ نابغ عبقريّ
أمّة أهلها ذوو ألباب
وإلى كلّ شاعر عربيّ
سلّة من فواكه الألقاب
وإلى كلّ تاجر حرم التوفيق
زقّين من عصير الكذاب
وإلى كلّ عاشق مقلة تبصر
كم من ملاحة في التراب
وإلى الغادة الجميلة ((مرآة))
تربها ضمائر العزّاب
وإلى الناشىء الغرير مرآنا
وإلى الشيخ عزمة في الشباب
وإلى معشر الكسالى قصورا
من لجين وعسجد في السحاب
علّني أستريح منهم فقد صاروا
كظلّي في جيئتي وذهابي
وإلى ذي الغنى الذي يرهب
الفقر ازدياد الذي به من عذاب
كلّما عدّ ماله مطمئنا
أبصر الفقر واقفا بالباب
وإلى الصاحب المراوغ وجها
أسودا حالكا كوخه الغراب
فإذا لاح فرّت الناس ذعرا
من طريق المنافق الكذّاب
وإلى المؤمنين شيئا من الشكّ
وبعض الإيمان للمرتاب
وإلى من يسبّني في غيابي
شرفا كي يصونه من سبابي
وإلى حاسدي عمرا طويلا
ليدوم الأسى بهم مما بي
وإلى الحقل زهرة وحلاه(63/457)
من ندى لامع ومن أعشاب
فقبيح أن نرتدي الحلل القشب
وتبقىء الرّبى بغير ثياب
لم يكن لي الذي أردت فحسي
أنني بالمنى ملأت وطابي
ولو انّ الزمان صاحب عقل
كنت أهدي إلى الزمان عتابي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> في القفر
في القفر
رقم القصيدة : 66232
-----------------------------------
سئمت نفسي الحياة مع الناس،
وملّت حتى من الأحباب
وتمشت فيها الملالة حتى
ضجرت من طعامهم والشراب
ومن الكذب لابسا بردة الصدق،
وهذا مسربلا بالكذاب
ومن القبح في نقاب جميل
ومن الحسن تحت ألف نقاب
ومن العابدين كلّ إله
ومن الكافرين بالأرباب
ومن الواقفين كالأنصاب
ومن الساجدين للأنصاب
ومن الراكبين خيل المعالي
ومن الراكبين خيل التصابي
والألى يصمتون صمت الأفاعي
والألى يهزجون هزج الذباب
صغرت حكمة الشيوخ لديها
واستخفّت بكلّ ما للشباب
قالت أخرج من المدينة للقفر
ففيه النجاة من أوصابي
وليك الليل راهي، وشموعي
الشهب، والأرض كلها محرابي
وكتابي الفضاء أقرأ فيه
سورا ما قرأتها في كتاب
-----------
وصلاتي الذي تقول السواقي
وغنائي صوت الصّبا في الغاب
وكؤوسي الأوراق ألقت عليها
الشمس ذوب النّضار عند الغياب
ورحيقي ما سال من مقلة الفجر
على العشب كاللّجين المذاب
ولتكحّل يد المساء جفوني
ولتعانق أحلامه أهدابي
وليقبّل فم الصباح جبيني
وليعطّر أريجه جلبابي
ولأكن كالغراب رزقي في الحقل ،
وفي السفح مجثمي واضطرابي
ساعة في الخلاء خير من الأعوام
تقضى في القصر والأحقاب
يا لنفسي فإنها فتنتي
بالحديث المنمّق الخلاّب
فإذا بي أقلى القصور ، وسكناها ،
وأهلى القصور ذات القباب
فجرت العمران تنفض كفّي
عن ردائي غباره وإهابي
وتركت الحنى وسرت وإياها
وقد ذهّب الأصيل الروابي
نهتدي بالضحى، فإن عسعس الليل
جعلنا الدليل ضوء الشهاب
وقضينا في الغاب وقتا جميلا
في جوار الغدران والأعشاب
تارة في ملاءة من شعاع
تارة في ملاءة من ضباب
تارة كالنسيم نمرح في الوادي،(63/458)
وطورا كالجدول المنساب
في سفوح الهضاب والظلّ فيها،
ومع النور وهو فوق الهضاب
إنما نفسي التي ملت العمران
ملّت في الغاب صمت الغاب
فأنا فيه مستقل طليق
وكأني أدبّ في سرداب
علمتني الحياة في القفر أني ،
أينما كنت ، ساكن في التراب
وسأبقى ما دمت في قفص الصّلصال عبد المنى أسير الرغاب
خلت أني في القفر أصبحت وحدي
فإذا الناس كلّهم في ثيابي!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> يا رفاقي
يا رفاقي
رقم القصيدة : 66233
-----------------------------------
القصيدة التي ألقاها الشاعر في حفلة تكريم الدكتور ظافر الرفاعي وزير خارجية سوريا والدكتور فريد زين الدين سفير سوريا في واشنطن
ومندوبها الدائم في الأمم المتحدة.
-------------
جعت والخبز وفير في وطابي
والسنا حولي وروحي في ضباب
وشربت الماء عذبا سائغا
وكأني لم أذق غير سراب
حيرة ليس لها مثل سوى
حيرة الزورق في طاغي العباب
ليس بي داء ولكني امروء
لست في أرضي ولا بين صحابي
مرّت الأعوام تتلو بعضها
للورى ضحكي ولي وحدي اكتئابي
كلما استولدت نفسي أملا
مدّت الدنيا له كفّ اغتصاب
أفلتت مني حلاوات الرؤى
عندما أفلت من كفي شبابي
بتّ لا الإلهام باب مشرع
لي ، ولا الأحلام تمشي في ركابي
أشتهى الخمر وكأسي في يدي
وأحس الروح تعرى في ثيابي
يا رفاقي حطموا أفداحكم
ليس في دني خمر لانسكاب
جفّ ضرع الشعر عندي وذوى
ولكم عاش لمري واحتلاب
أيها السائل عني من أنا
أنا كالشمس إلى الشرق انتسابي
لغة الفولاذ هاضت لغتي
لا يعيش الشدو في دنيا اصطخاب
لست أشكو إن شكا غيري النّوى
غربة الأجسام ليست باغتراب
أنا كالكرمة لو لم تغترب
ما حواها الناس خمرا في الخوابي
أنا كالسوسن لو لم ينتقل
لم يتوّج زهرة رأس كعاب
انا في نيويوريك بالجسم
وبالروح في الشرق على تلك الهضاب
في ابتسام الفجر، في صمت الدّجى ،
في أسى تشرين، في لوعة آب
أنا في الغوطة زهر وندى
أنا في ((لبنان)) نجوى وتصابي
ربّ هبني لبلادي عودة(63/459)
وليكن للغير في الأخرى ثوابي
أيها الآتون من ذاك الحمى
يا دعاة الخير، يا رمز الشباب
كم هششنا وهششتم للمنى
وبكيتم وبكينا في الهضاب؟!
وأشتركنا في الجهاد أو عذاب
والتقينا في الحديث أو كتاب؟
وعرفتم وعرفنا مثلكم
أنما الحقّ لذي ظفر وناب
كلّ أرض نام عنبا أهلها
فهي أرض لاغتصاب وانتساب
إنني ألمح في أوجهكم
دفقة النور على تلك الروابي
وأرى أشباح أعوام مضت
في كفاح ونضال ووثاب
وأرى أطياف عصر زاهر
طالع كالشمس من خلف الحجاب
ليته يسرع كي أبصره
قبل أن أغدو ترابا في التراب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أمنية المهاجر
أمنية المهاجر
رقم القصيدة : 66234
-----------------------------------
جعت والخبز وثير في وطابي
والسّنا حولي وروحي في ضباب
وشربت الماء عذبا سائغا
وكأني لم أذق غير سراب
محنة ليس لها مثل سوى
محنة الزّورق في طاغي العباب
ليس بي داء ولكني امرؤ
لست في أرضي ولا بين صحابي
مرّت الأعوام تتلو بعضها
للورى ضحكي ولي وحدي اكتئابي
كلّما استولدت نفسي أملا
مدّت الدّنيا له كفّ اغتصاب
أفلتت مني حلاوات الرؤى
عندما أفلت من كفّي شبابي
بت لا الألهام باب مشرع
لي ولا الأحلام تمشي في ركابي
أشتهي الخمر وكأسي في يدي
وأحس الروح تعري في ثيابي
ربّ هبني لبلادي عودة
وليكن للغير في الأخرى ثوابي
أيّها الآتون في ذاك الحمى
يا دعاة الخير ، يا رمز الشّباب
كم هششتم وهششنا للمنى
وبكيتم وبكينا في مصاب
واشتركنا في جهاد أو عذاب
والتقينا في حديث أو كتاب
وعرفتم وعرفنا مثلكم
أنّما الحقّ لذي ظفر وناب
كلّ أرض نام عنها أهلها
فهي أرض لاغتصاب وانتهاب
زعموا الأنسان بالعلم ارتقى
وأراه لم يزل أنسان غاب
أنه الثعلب مكرا وهو كالسّر
طان غدرا وحكيم كالغراب
يا رفاقي حطّموا أقداحكم
ليس في الدّنيا رحيق لانسكاب
جفّ ضرع الشّعر عندي وانطوى
ولكم عاش لمرعى واحتلاب
........
أيّها السائل عني من أنا
أنا كالشّمس ألى الشّرق انتسابي(63/460)
لغة الفولاذ هاضت لغتي
لا يعيش الشدو في بحر اصطخاب
لست أشكو إن شكا غيري النّوى
غربة الأجسام ليست باغتراب
أنا في نيويورك بالجسم و بالرّ
وح في الشرق على تلك الهضاب
في ابتسام الفجر في صمت الدّجى
في أسى " تشرين " في لوعة " آب "
أنا في الغوطة زهر و ندى
أنا في لبنان نجوى و تصابي
أنّني ألمح في أوجهكم
دفقة النّور على تلك الرّوابي
و أرى أشباح أيّام مضت
في كفاح و نضال و وئاب
و أرى أطياف عصر باهر
طالع كالشّمس من خلف الحجاب
ليته يسرع كي أبصره
قبل أن أغدو تربا في تراب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الرأي الصواب
الرأي الصواب
رقم القصيدة : 66235
-----------------------------------
يا نفس هذا منزل الأحباب
فانسي عذابك في النّوى و عذابي
و تهلّلي كالفجر في هذا الحمى
و تألّقي كالخمر في الأكواب
و لتسمح البشرى دموعك مثلما
يمحو الصباح ندى عن الأعشاب
و استرجعي عهد البشاشة و الرّضى
فالدهر عاد تضاحكا و تصابي
أنا بين أصحابي الذين أحبّهم
ما أجمل الدنيا مع الأصحاب
قد كنت مثل الطائر المحبوس في
قفص ، و مثل النجم خلف ضباب
يمتدّ في جنح الظلام تأوّهي
و يطول في أذن الزمان عتابي
و أهزّ أقلامي فترشح حدّة
و أسى ، و يندى بالدموع كتابي
حتى لقيتكم فبت كأنّني
لمسرّتي استرجعت عصر شبابي
ليس التعبّد أن تبيت على الطّوى
و تروح في خرق من الأثواب
لكنه إنقاذ نفس معذّب
من ربقة الآلام و الأوصاب
لكنه ضبط الهوى في عالم
فيه الغوايه جمّة الأسباب
و حبائل الشيطان في جنباته
و المال فيه أعظم الأرباب
هذا هو الرأي الصواب و غيره
مهما حلا للناس غير صواب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> موكب التراب
موكب التراب
رقم القصيدة : 66236
-----------------------------------(63/461)
( في يوم من أيام الصيف الشديد الحر كان الشاعر جالسا مع بعض اصحاب له أمام داره فهبت ريح شديد اثارت الغبار و عقدته في الفضاء كالسرادق . و كان في مشهد الغبار ما حمله على التفكير فنظم القصيدة التاليه :)
--------------
من أين جئت ؟ و كيف عجت ببابي ؟
يا موكب الأجيال و الأحقاب
من القبور ؟ فكيف من حلّو بها
أهناك ذو ألم و ذو تطراب ؟
و لهم صبابات لنا ؟ أم غودروا
في بلقع ما فيه غير خراب ؟
***
أمررت بالأعشاب في تلك الرّبى
و ذكرت أننك كنت في الأعشاب
حول الصخور النائمات على الثرى
و على حوااشي الجدول المنساب
و على م تصعد كالسحابة في الفضا
و إلى التراب مصير كلّ سحاب
لما طلعت على الشعاع كوزّعا
مترجرجا كخواطر المرتاب
و ذهبت في عرض الفضاء كخيمة
رفعت بلا عمد و لا أطناب
قال الصحاب لي : و تراكضوا
للذعر يعتصمون بالأبواب
و هب اتقيتك بالحجاب فإنّني
لا بدّ خالعة و أنت حجابي
كم سارح في غابة عند الضحى
جاء المساء فكان بعض الغاب
و مصفق للخمر في أكوابه
طربا ، و طيف الموت في الأكواب
أنا لو رأيت بك القذى ، محض القذى ،
لسترت وجهي عنك مثل صحابي
لكن شهدت شبيبة ، و كهزلة ،
و منى ، و أحلاما بغير حساب
و الشاربين بكلّ كأس ، و الألى
عاشوا على ظمأ لكلّ شراب
و الضاربين بكلّ سيف في الوغى ،
و الخانعين لكلّ ذي قرضاب
و الصارفين العمر في سوق الهوى
و الصارفين العمر في المحراب
و الغيد بين جميلة و دميمة
و العاشقين - الصّب و المتصابي
و العبد في أغلاله و حباله
و الملك في الديباج و الأطياب
آبوا جميعا في طريق واحد
الخاسر المسبّي مثل السابي
فضحكت من حرصي على ملك الصبا
و عجبت كيف مضى عليه شبابي
ووقعت أنت على تراب ضاحك
لما وقعت عليّ في جلبابي
و كذاك أشواق التراب مآلها
و لئن تقادم عهدها لتراب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> العليقة
العليقة
رقم القصيدة : 66237
-----------------------------------(63/462)
ذات شوك كالحراب أو كأظفار العقاب
ربضت في الغاب كاللّص ، لفتك و استلاب
تقطع الدّرب على الفلاح و المولى المهاب
صنت عنها حرّ وجهي ، فتصدّت لثيابي
كلما أفلتّ من ناب تلقّتني بناب
فلها نهش الأفاعي ، و لها لسع الذئاب
و أذاها في سكوني ، كأذاها في اضطرابي
و هي كالقيد لساقي ، و لجيدي كالسّخاب
فكأنّا في عناق ، لا نضال ووثاب
.......
قلت : يا ساكنة الغاب ، و يا بنت التراب
لا تلجّي في اجتذابي ، أو فلجّي في اجتذابي
إن عودا فيه ماء ليس عودا لاحتطاب
أنا في فجر حياتي ، أنا في شرخ شبابي
الهوى ملء فؤادي ، و الصبى ملء إهابي
و المنى تنبت في دربي و تمشي في ركابي
أنا لم أضجر من العيش و لم أملل صحابي
لم أزل ألمح طيف المجد حتى في السراب
لم أزل استشعر اللّذة حتى في العذاب
لم أزل أستشرف الحسن و لو تحت نقاب
......
ما بنفسي خشية الموت و لا منه ارتهابي
أنا للأرض ، و إن طال عن الأرض اغترابي
غير أنّي لم يزل ضرعي لمري و احتلاب
لم أهب كلّ الذي عندي ، و لم يفرغ و طابي
......
أنا نهر لم أتمم بعد في الأرض انسيابي
أنا روض لم أذع كلّ عبيري و ملابي
أنا نجم لم يمزّق بعد جلباب الضباب
أنا فجر لم تتوّج فضّتي كلّ الروابي
لي رغاب لم تلد بعد فتبلى بالتباب ؟
و بنفسي ألف معنى لم يضمّن في كتاب
.......
فإذا استنفدت ما في دنّ نفسي من شراب
و إذا أنجم آمالي توارت في الحجاب
و إذا لم يبق في غيمي ماء لانسكاب
و إذا ما صرت كالعلّيق تمثال اكتئاب
لا يرجيني محتاج ، و لا يطمع ساب
فاجذبيني ... إن يكن منذي نفع للتراب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بلا قلب ...
بلا قلب ...
رقم القصيدة : 66238
-----------------------------------
و قائلة ماذا لقيت من الحبّ
فقالت عهدت الحبّ يكسب ربّه
فقلت لها قد كان حبّا فزاده
و قد كان لي قلب و كنت بلا هوى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بين الضحك و اللّعب
بين الضحك و اللّعب(63/463)
رقم القصيدة : 66239
-----------------------------------
أعطيت من أعشقها وردة
من بعد أن أودعتها قلبي
فجعلت تنثر أوراقها
بأنمل كالعنم الرّطب
لا تسألوا العاشق عن قلبه
قد ضاع بين الضّحك و اللّعب
***
لم أقطف الوردة من غصنها
لو لم تكن كالخدّ في الأتّقاد
و لم تمزّق هند أوراقها
لولا اشتباه بينها و الفؤاد ! ..
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> تحيّة الشام
تحيّة الشام
رقم القصيدة : 66240
-----------------------------------
حيّ الشآم مهندا و كتابا
و الغوطة الخضراء و المحرابا
ليست قبابا ما رأيت و إنّما
عزم تمرّد فاستطال قبابا
فالثم بروحك أرضها تلثم عصورا
للعلى سكنت حصى و ترابا
و اهبط على بردى يصفّق ضاحكا
يستعطف التلعات و الأعشابا
روح أطلّ من السماء عشية
فرأى الجمال هنا .. فحنّ ، فذابا
و صفا و شفّ فأوشكت ضفاته
تنساب من وجد به منسابا
با أدمع حور الجنان ذرفنها
شوقا ، و لم تملك لهنّ إيابا
بردى ذكرتك للعطاشى فارتووا
و بنى النهى فترشّفوك رضابا
******
بأبي و أمّي في العراء موسّد
بعث الحياة مطامعا و رابا
لما ثوى في ميسلون ترنّحت
هضباتها و تنفّست أطيابا
و أتى النجوم حديثة فتهافتت
لتقوم حرّاسا له حجّابا
ما كان يوسف واحدا بل موكبا
للنور غلغل في الشموس فغابا
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى
كي لا يرى في جلّق الأغرابا
و إذا نبا العيش الكريم بماجد
حرّ رأى الموت الكريم صوابا
إنّي لأزهى بالفتى و أحبذه
يهوى الحياة مشقّة و صعابا
و يصوغ عطرا كلما شدّ الأسى
بيديه يعرك قلبه الوثّابا
و يسيل ماء إن حواه فدفد
و إذا طواه الليل شعّ شهابا
و إذا العواصف حجّبت وجه السما
جدل العواصف للسما أسبابا
و إذا تقوّض صرح آمال بنى
أملا جديدا من رجاء خابا
فابن الكوكب كلّ أفق أفقه
وابن الضراغم ليس يعدم غابا
******
عجبا لقومي و العدوّ ببابهم
كيف استطابوا اللّهو و الألعابا ؟
و تختذلت أسيافهم عن سحقه(63/464)
في حين كان النصر منهم قابا
تركوا الحسام إلى الكلام تعلّلا
يا سيف ليتك ما وجدت قرابا
دنياك ، يا وطن العروبة ، غابة
حشدت عليك أراقما و ذئابا
فالبس لها ماء الحديد مطارفا
واجهل لسانك مخلبا أو نابا
لا شرع في الغابات إلاّ شرعها
فدع الكلام شكاية و عتابا
هذي هي الدنيا التي أحببتها
و سقيت غيرك حبّها أكوابا
و ضحكت مع أحلامها ، و بكيت في
آلامها ، و جرعت معها الصّابا
و أضلّ روحك في السرى و أضلّها
ما خلته ماء فكان سرابا
و نظرت ، و الأوصاب تنهش قلبها ،
فرأيت كلّ لذاذة أوصابا
شاء الظلوم خرابها فإذا الورى
لا يبصرون سوى نهاه خرابا
دنياك تألّق أمسها في يومها
فاستجمع الأنساب و الأحسابا
و سرى سناء الوحي من آفاقها
يغشى العصور و يغمر الأحقابا
ألحقّ ما رفعت به جدرانها
و الخير ما زانت به الأبوابا
فاستنطق التاريخ هل سفره
مجد يضاهي مجدها الخلّابا ؟
شابت حضارات ، و دالت و انطوت
أمم ، و مجد أميّة ما شابا
الأمس كان لها و إنّ لها غدا
تتلفّت الدنيا له إعجابا
غنّيت من قبل المحولة و العرا
أفلا تغنّي الروضة المخصابا ؟
عطفت لياليها عليك بشاشة
فانس الليالي غربة و عذابا
وانشر جناحك فالفضاء منوّر
و املأ كؤوسك قد وجدت شرابا
فلشدو مثلك كوّنت ، و لمثلها
خلق الإله البلبل المطرابا
******
ليت الرياض تعيرني ألوانها
لأصوغ منها للرئيس خطابا
و أقول إنّي عاجز عن شكره
عجز الأنامل أن تلم عبابا
أشكو إلى نفسي العياء فتشتكي
مثلي ، و تصمت لا تحير جوابا
فلقد رأيت البحر حين رأيته
فوقعت مضطرب الرؤى هيّابا
أعميد سوريّا و كاشف ضرّها
خلقت يداك من الشيوخ شبابا
و بلابل كانت تئنّ سجينة
أطلقتها و أطرتها أسرابا
يا صاحب الخلق المصفّى كالنّدى
و لم تكن بشرا لكنت سحابا
أمل الشبيبة في يديك وديعة
فارفع لها الأخلاق و الآدابا
فالجهل أنّي كان فهو عقوية ،
و العلم أنّى كان كان ثوابا
يا ويح نفسي كم تطارني النّوى
و تهدّ منّي القلب و الأعصابا(63/465)
ودّعت خلف البحر أمس أحبّة
و غدا أودّع ها هنا أحبابا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ريح الردى
ريح الردى
رقم القصيدة : 66242
-----------------------------------
عصفت ريح اردى بالمشعل
فخبا
***
أيّها النائم عنا و العيون
في سهر
نحن من بعدك أسرى للشجون
و الكدر
تشتكي أرواحنا ظلم المنون
و القدر
للسما ، للّيل ، للفجر الجليّ
للرّبى
***
للأقاحي الذابلات الذاية
كالأماني
للسواقي النائحات الباكية
كالغواني
سلب الدّهر حلاها الغالية
في ثواني
و بشاشات الزمان الأول
و الصبا
***
يا ربيعا من وفاء و كرم
في بدن
من رأى قبلك دنيا من شيم
في كفن
خلّصت روحك من سجن الألم
و الشجن
و مضى للبحر ماء الجدول
طربا
***
يا كريم الأصل قد زانك فعلك
و صفاتك
عشت للناس كأنّ الكلّ أهلك
ولداتك
لهم كلّ الذي تحوي و تملك
و حياتك
كنت في دنيا الضباب المسدل
كوكبا
***
عصفت ريح الردى بالمشعل
فخبا
فأذا كلّ قصور الأمل
كالهبا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الرجل و المرأة
الرجل و المرأة
رقم القصيدة : 66243
-----------------------------------
يا ربّ قائلة و القول أجمله
ما كان من غادة حتى و لو كذبا
إلى م تحتقر الغادات بينكم
و هنّ في الكون أرقى منكم رتبا
كن لكم سببا في كلّ مكرمة
و كنتم في شقاء المرأة السّببا
زعمتم أنّهنّ خاملات نهى
و لو أردن لصيّرن الثّرى ذهبا
فقلت لو لم يكن ذا رأي غانية
لهاج عند الرّجال السخط و الصّخبا
لم تنصفينا و قد كنّا نؤمّل أن
لا تنصفينا لهذا لا نرى عجبا
هيهات تعدل حسناء إذا حكمت
فا الظلم طبع على الغادات قد غلبا
******
يحاربالرّجل الدنيا فيخضعها
و يفزع الدّهر مذعورا إذا غضبا
يرنو فتضطرب الآساد خائفة
فإن رنت حسن ظلّ مضطربا
فإن تشأ أودعت أحشاءه بردا
و إن تشأ أودعت أحشاءه لهبا
يفنى الليالي في همّ و في تعب
حذار أن تشكي من دهرها تعبا
و لو درى أنّ هذي الشهب تزعجها
أمسى يروع في أفلاكها الشّهبا(63/466)
يشقى لتصبح ذات الحلى ناعمة
و يحمل الهمّ عنها راضيا طربا
فما الذي نفحته الغانيات به
سوى العذاب الذي في عينه عذبا ؟
هذا هو المرء يا ذات العفاف فمن
ينصفه لا شكّ فيه ينصف الأدبا
عنّفته و هو لا ذنب جناه سوى
أن ليس يرضى بأن يغدو لها ذنبا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> السيّد المجتبى
السيّد المجتبى
رقم القصيدة : 66244
-----------------------------------
سلام على السيّد المجتبى
كقطر الغمام و نشر الكبا
و يا مرحبا بأمير السلام
و قلّ له قولنا مرحبا
قدومك بدّد عنّا الأسى
كما يكشف القمر الغيهبا
و أحيا المنى في فؤاد الفتى
وردّ إلى الشيخ عهد الصّبى
كأنّي " بأيّار " خير الشهور
أتاه البشير بذاك النّبا
فوشّى الرّياض ، و حلّى الحقول ،
وزان الوهاد ، وزان الرّبى
و قال لأغصانه صفّقي
و للطير في الأرض أن تخطبا
و للنسمات تجوب البلاد
و تملأها أرجا طيّبا
ورنت بأذني أغاريدها
فقلت لكفّي أن تكتبا
فهذا القريض حفيف الغصون
و شدو الطيور ، و نفح الصبا
******
طلعات فطال خفوق الفؤاد
كأنّ به هزّة الكهربا
و ليس به هزّة الكهرباء
و لكن رأى التّائه الكوكبا
و ألقت إليك مقاليدها
نفوس تخيّرت الأنسبا
فيا صاحب الشّيم الباهرات
و يا من تحلّ لديه الحبّا
تقوّل عنك صغار النفوس
لأمر فما أدركوا مأربا
و من يسلب الشمس أنوارها
و من ذا الذي يمسك الصيبا ؟
فأحسن إليهم و إن أخطأوا
و كن كالحيا يمطر السّبسبا
إذا لم تسامح و أنت الكريم
فمن ذا الذي يرحم المذبا ؟
******
لقد طرب التاج و الصولجان
و حقّ لهذين أن يطربا
فإن هنّأوك بما نلته
فإنّي أهنّي بك المنصبا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> 1931
1931
رقم القصيدة : 66245
-----------------------------------
ليطرب من شاء أن يطربا
فلست بمستمطر خلّبا
عرفت الزمان قريب الأذى
فصرت إلى خوفه أقربا
و هذا الجديد أبوه القديم
و لا تلد الحيّة الأرنبا
أرى الكون يرمقه ضاحكا(63/467)
كمن راء تيه كوكبا
و لو علم الخلق ما عنده
أهلّوا إلى الله كي يغربا
و لو علم العيد ما عندهم
أبى أن يمزّق عنه الخبا
ألا لا يغرّك تهليهم
و قولتهم لك يا مرحبا
فقد لبّسوك لكي يخلعوك
كما تخلع القدم الجوربا
و لوعون بالغدر من طبعهم
فمن لم يكن غادرا جرّبا
و كائن فتى هزّني قوله
أنا خدنك الصّادق المجتبى
أرافق من شكله ضيغما
يرافق من نفسه ثعلبا
هم القوم أصحبهم مكرها
كما يصحب القمر الغيهبا
أراني أوحد من ناسك
على أنّني في عداد الدبى
و أمرح في بلد عامر
و أحسبني قاطنا سبسبا
و قال خليلي : الهناء القصور
ىو كيف و قد ملئت أذؤبا
ألفت الهموم فلو أنّني
قدرت تمنّعت أن أطربا
كأنّ الجبال على كاهلي
كأنّ سروري أن أغضبا
و كيف ارتياح أخي غربة
يصاحب من همه عقربا
عتبت على الدهر لو أنّني
أمنت فؤادي أن يعتبا
******
و جدتك و الشّيب في مفرقي
وودّعني و أخوك الصّبي
فليس بكائي عاما خلا
و لكن شبابي الذي غيّبا
فيا فرحا بمجيء السنين
تجيء السنون لكي تذهبا
عجيب مشيبي قلب الأوان
و أعجب أن لا أرى أشيبا
فإنّ نوائب عاركتها
تردّ فتى العشر محدودبا
ويا بنت " كولمب " كم تضحكين
كأنّك أبصرت مستغربا
أليس البياض الذي تكرهين
يحبّبني ثغرك الأشنبا
فمن كان يكره إشراقه
فإنّي أكره أن يخضبا
أحبّك يا أيّها المستنير
و إن تك أشمتّ بي الرّبربا
و أهوى لأجلك لمع البروق
و أعشق فيك أقاح الرّبى
******
و يا عام هل جئتنا محرما
فنرجوك أم جئتنا محربا
تولّى أخوك وقد هاجها
أقلّ سلاح بنيها الظبى
يجندل فيها الخميس الخميس
و يصطرع المقنب المقنبا
إذا ارتفع الطرف في جوّها
رأى من عجاجتها هيدبا
وجيّاشه برقها رعدها
تدكّ من الشّاهق المنكبا
يسير بها الجند محموله
قضاء على عجل ركبا
يودّ الفتى أنّه هارب
و يمنعه الخوف أن يهربا
و كيف النجاة و مقذوفها
و يطول من الشرق من غرّبا ؟
و لو أنّه فلو أنّ تهتانها
حيا أنبت القاحل المجدبا
فما المنجنيق و أحجاره(63/468)
و ما الماضيات الرقاق الشبا ؟
******
أإن شكت الأرض حرّ الصّدى
سقاها النجيع الورى صيّبا
فيا للحروب و أهوالها
أما حان يا قوم أن تشجبا
هو الموت آت على رغمكم
فألقوا المسدّس و الأشطبا
و للخالق الملك و المالكون
فلا تتبعوا فيكم أشعبا
******
و لم أنس مصرع " تيتانيك "
و مصرعنا يوم طار النبا
فمن شدّة الهول في صدقه
رغبنا إلى " البرق " أن يكذبا
ليالي لا نستطيب الكرى
و لا نجد الماء مستعذبا
و بات فؤادي ، به صدعها
و بتّ أحاذر أن يرأبا
و لي ناظر غرق مثلها
من الدّمع بالبحر مستوثبا
إذا ما تذكرتها هجت بي
أسى تتّقيه الحشا مخلبا
فأمسي على كبدي راحتي
أخاف مع الدّمع أن تسربا
خطوب يراها الورى مثلها
لذلك أشفق أن تكتبا
******
لقد نكب الشّرق نكباته
و حاول أن ينكب المغربا
و أشقى نفوس بني آدم
ليرضى السّراحين و الأعقبا
و لو جاز بين الضّحى و الدجى
لقاتل فيه الضّحى الغيهبا
لعلّلك تمحو جناياته
فننسى بك الذّنب و المذنبا
إذا كنت لا تستطيع الخلود
فعش بيننا أثرا طيّبا
فإنّك في إثره راحل
مشيت السّواك أو الهيدبى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بردي يا سحب
بردي يا سحب
رقم القصيدة : 66246
-----------------------------------
رضيت نفسي بقسمتها
فليراود غيري الشّهبا
كلّ نجم لا اهتداء به
لا أبالي لاح أو غربا
كلّ نهر لا ارتواء به
لا أبالي سال أو نضبا
ما غد ، يا من يصوره
لي شيئا رائعا عجبا
ما له عين و ل أثر
هو كالأمس الذي ذهبا
أسقني الصهباء إن حضرت
ثمّ صف لي الكأس و الحببا
ليس يرويني مقالك لي
أنّها العقيان منسكبا
إنّ صدقا لا أحسّ به
هو شيء يشبه الكذبا
لا ينجي الشاه من سغب
أنّ في أرض السّهى عشبا
ما على من لا يطيق يرى
نوّر الوادي أو اكتئبا
ما يفيد الطير في قفص
ضاق هذا الجوّ أو رحبا
******
برّدي ، يا سجي ، من ظمأي
واهطلي من بعد ذا ذهبا
أو فكوني غير راحمة
حمما حمراء لا سحبا
ولأكن وحدي لها هدفا
و لتكن نفسي لها حطبا(63/469)
أنا من قوم إذا حزنوا
وجدوا في حزنهم طربا
و إذا ما غاية صعبت
هوّنوا بالترك ما صعبا
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> بداية
بداية
رقم القصيدة : 66247
-----------------------------------
ربما ، لن تطول حكايتنا
كما أشتهي
ربما ، قبل أن يتوطّد
جسر المحبة ما بيننا
حكايتنا تنتهي
ربما ، لن يطول الحوار الذي سنخوض
لن أغوص كما ينبغي
في أصول الحكاية
إنما.
ستظل العصافير تحمل
مني الحنين لأوكارها
سيظل الربيع يدندن منتشيا
بعض ما أكتب
سيظل الغروب يؤكد
أني أحبك
و أحمل منك الكثير و الغزير
و لا أتعب
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> يحدث المستحيل غدًا
يحدث المستحيل غدًا
رقم القصيدة : 66248
-----------------------------------
سوف أُولدُ من رحِم الأمنيات
كنتُ دومًا أحُطّ على راحتي وردة
و أقرّرُ أن تتحوّل بيتًا
أدسّه بين الرّبيع و بيني
فلا تتدلّى عناقيدُه
و لا يتذوّقُ طعمَه إلاّ الذين
يمرّون من ضِفّّة القابعين
إلى ضفّة من يتقاسم عِطرَ القصيدِ مع الآخرين
و كنتُ أحققُ ما شئتُ من هذه المعجزات
لا أظنّ الطّّفولة تكبرُ
إلا ّبقدرِ الوُصول إلى روْنق العشق
أو مَنْبت الكلمات
كنتُ طفلاً أفسّرُ آيَ الوُقوف
و آيَ الحروف
أفكّّر في أنْ أطير إذا بلغتْ قامتي
ضِعف طول الرّصيف
و أقفزُ حتىّ أطول
كنت أركبُ رجلي و أعْدو بعيدًا
و يعدو أماميَ خطّّ الوُصول
لا أظنّ السّنين التي حملتني
إلى حيث أجلسُ
كانت تُقدّر ما سَأقول
فالنُبوة يُجهل دومًا مداها
و يجهل أين؟ و كيف ؟
سيُورق وحيُ الرّسول !؟
أيّها الواقفون على جُثتي
أرْكضوا ...
أرْكضوا ما اِستطعتم
و اِعبروني إلى ضِفّة لا جنون بها
لا ذُهول ...
كان حلمي إذا اِكتملت رحلة المتعبين
أن أُكسّرَ بيض النّعام
و أفتلَ منه حِبالاً
تقودُ إلى مرفإٍ
يستدلّ به المتعبون
و يرتاحُ فيه الباحثون عن المتكأ
أيها الواقفون على جثتي
خُذوني كما الحلمِ من بعضكم(63/470)
و اِصْلبوني على قامَة الفجر
حتّى يحول الصّدأ
بعدما عشتُ بينكمُ
سوف لن أتوقّّعَ غير الخطأ
أنا آخر الأنبياء
حكمتي: الإنبهار
و معجزتي : أن أنبّأكم ما تقوْقَعَ في أنفسكمْ
و اِختبأ.
يحدث المستحيل غداً
و تموت الرّياحين
من شوقها للنبأ
في اِنتظار الوصول إلى حكمتي
قليلاً من الصمت
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> غيمة
غيمة
رقم القصيدة : 66249
-----------------------------------
ُدّي على جرحي و أشلائي ردائي
يا غيمةً سكبتْ دمي . فجرحتُ مائي
البرق قال لي الحبيبة سافرت
و الرّعد خطّّ لُحون عشقه في سمائي
مال الرّبيع على الدّفاتر , , فاِنتشتْ
و تمثّلتْ شكلَ القصيدة في موائي
أعطيتُ منّي ما وهبتُ لأرضها
فاِخضوضرتْ ، و أنا انِقطعت عن الغناء
قد كنتُ سلطانا على عرش الهوى
الحاء حائي إنْ أشأْ ،، و الباء بائي
النبض خان ، فخان كلّ أحبّتي
خان الصّنوبر و النّخيل .. وخان مائي
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> القلب رمّانة ، و المساء
القلب رمّانة ، و المساء
رقم القصيدة : 66250
-----------------------------------
فجأةً ،، يصبح القلب رمّانةً
يتناثر ،،
و الوقت يأخذنا في اتجاهاته
تتحكم في أمرنا بوصلة
يصبح الندم المر
فيما مشينا
على ما قضينا من العمر
- متفق - حوصلة
سيد الوقت هذا المساء الذي
كان يجمعنا
و يفرقنا الآن
سيدة العقبات على دربنا
هذه المعضلة
كان يمكن في غير هذا الزمان
وهذا المكان
أن نقرر غير الذي
قررته لنا
هذه اللحظة الفاصلة
كم أكون غبيا و مبتذلا
حين أزعم
أن حبك علمني
كيف أرسم للعمر أحلامه
أتحكم في الوقت ،، و الغيب
و أخيّر أي النجوم تكون لنا وطنا
خطا القلب أم خطاي ؟
و اكتشفت المسافة
بين السماء التي لا تعري جراحاتنا
و السماء التي قد جعلنا غطاءً لنا
ما المفيد و قد هزمتنا الظروف
أن نناقش أمر الذين
يذوبون في الوقت من بعدنا
أن نعاود قذف السؤال
على برزخ الملح و الجرح
نارًا إلى بعضنا(63/471)
لا تهم صغار التفاصيل
قد جردتنا الحكاية
من سعف الاعتذار
و من ترف الاختصار
جردتنا التفاتة هذا المساء
من الوقت / من لحظة البوح
من حدة اللوم / من أي أمر
نعلق في شمعدانه خيبتنا
و حدة القلب يملك كل الحقائق
لا يتأهب للخوض في تبعات التفاصيل
ينصاع للموت في وله
ويغني
تكبر الآن في هوة الأرض
يُصبح شكل المدينة
أضيقَ مما تعوَّدَ
و العمارات صفصافة
و أغصانها مقصلة
و دموع الملائكة الطيبين
رذاذًا من الحزن و الموت
و يمكنني الآن أن استقر
على حافة الحرف
أن أتناثر ملأ المدى ،، و الندى
أن أحلق في فسحة الجرح
هذا الذي أتحسس بين الضلوع
هو القلب ؟
أم كتلة من دخان
و هذا المساء ،، لماذا اكتشفت عيوبه ؟
و من قبل كان ،،،
و هذا المكان ؟؟
لماذا تضيق العبارات
تخنقني نبضات الحروف
و شعرك كان كشلال نور
و كانت يداك ،، نخيل حنان
و عيناك ،،،
آه ،، لماذا تعود التفاصيل
إنه القلب رمانة
تتناثر حباتها
و المساء الرمادي يذبح أحلامنا
و ما عاد يمكننا
أن نخيط ثقوب الزمان .!
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> فُجاءَة السّؤال و الجنون
فُجاءَة السّؤال و الجنون
رقم القصيدة : 66251
-----------------------------------
هل جننتَ كما يجبُ !؟
هل ركبتَ السّحاب
إلى أن بلغتَ المدى
وتجاوزت ما تبلغ السّحب ؟
هل عشقت إلى أن سكنتك اللغات ؟
و دانتْ لكً الكتبُ ؟
هل غفوت على نجمة
تتعرّى ليرقد فيها الندى
ثم تغفو
ليطلب وصلاً بها كوكب ؟
هل سكبت القصائد
حتّى غرقت بها ؟
و تتوجت بالطيلسان
و داخلك التّيه و العجب ؟
هل تدثرتَ بالريح و الأمنيات
و نمتَ ,, يغازلك الخوف و الكرب ؟
هل مشيت
إلى أن حَفَتْ قدماك
وعافتهما الأرضُ ,, و التّعب ؟
هل صرخت مع السّاسة الطّيبين
و ضعت مع السّاسة الكاذبين
و أينعَ في جفن "عفراء" (1)
ــ رغم براءتها ــ الزّور و الكذب ؟
هل حلمت بما يحلم الجائعون
و اِنتظرتَ الربيع الذي زرعتْه بنا الخطب ؟
هل حملت البلاد على راحتيْك ؟(63/472)
و نما صفصافها في رئتيْك
و حلمتَ ,, حلمتَ ,, حلمتَ
إلى أن تقيّأكَ الحلم و الغضب ؟
هل شهدتَ اِخضرار البنفسج
عصرتك الحروف التي لم تقلْ
أرقتك - على ضعفها- حِيرة "طه"(2)
و السؤال على ثغري "ساري"(1)
خيبة الناس مِلأ الشّوارع
زَوَغَانُ العيون تفتش عن منفذ للأمل
طيبة الطيبين على عتبات المقاهي
و بين الحقول
و تحت النّخيل
هؤلاء الذين ينامون بين حكاياتنا
يركبون الحروف إلينا
و نَشْتَمُّ رائحة الشّمس في تجاعيدهم
نخبؤهُم في نقاط الكلام
و نمضغُهم في لُعاب القبلْ
هل تدحرجت من قمة الإنهيار
إلى أن صدمتَ الظلام الرّحيم
صدمت الخواء
أفقت على اللاّ أمل ؟
هل تطلعت في مُقل الأمهات
قرأت السّؤال بها
و رأيت اِنهيار الكثير من الحلم و الكلمات
رأيت الصفاء الذي لم يعد صافيا
رغبة الشعراء بما يؤنس
حلم الصّبايا
بما يجعل النّبضَ فيهن لا يَيْبسُ
و هذا السّواد الذي
يتربعُ عرش المقل ؟
الجنون - إذًا - صاحبي
أنْ أظلَّ أنا
رغم ما عِشتُه
و أقول الذي لم تقلْ
_________________________
(1) ابنا الشاعر عبد الكريم قديفة
(2) ابن الشاعر عبد القادر مكاريا
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> بغداد
بغداد
رقم القصيدة : 66252
-----------------------------------
بكلّ المدائن بوّابة للغريب
و بغداد لا تعشق الغرباءْ
لكلّ النّساء مجازفة للحبيب
و أنت الفريدة بين النّساء
سأرحل عن راحتيْك بعيدا
و أجفل عند سماع النّداء
و إنْ حاول القلب مدّي عشيقا
سأُوجد للقلب ألف عزاء
فتعذرني الأرض و الكائنات
و يفهم عذري حتّى المساء
و حتّى الطّيور التي غازلتني
و حتّى القصائد و الشّعراء
سأرحل , , أدرك حجم حنيني
و لكنه الحبّ , , , و الكبرياء
سأنصب بينهما بيت شعري
أميل لأيهّما الشّعر شاء
لأّيهما يرجح الشّعر حتمًا
سيحتمل القلب طود عناء
إذا اِختارك الأرض تكبر فيه
و ينمو على شفتيه الغناء
تُلوّن أيّامه بالرّبيع
و تخضرّ أحلامه بالرّجاء(63/473)
إذا اِختار بغداد فلتْعذريه
فبغداد تاريخنا للبكاء
تطوف هزائمنا رافديْها
و يسبح تاريخنا بالدّماء
و بغداد ظلتْ برغم التّتار
و رغم الخيانات , رغم البلاء
منارتنا للعبور الكبير
و نجمتنا ليل تُدجي السّماء
و كنّا إذا ما العظيم اِدلهمّ
و عزّ على ذُلّنّا الإحتماء
نفيءُ إلى ظِلّها للهناءِ
فتوُسم أيّامَنا بالهناء
فنغرف من عزّها ما نشاءُ
و تستر من عيبنا ما تشاء
وهان الزّمان , فهنّا و هُنتِ
و خُنّاك ,,, عاصمة الكبرياء
و يا بنت عزّ الرّشيد العظيم
و حاضنة العلم و العلماء
سقطتِ , تناثر عنّي جبيني
و أعْوزني الشّعر و الأصدقاء
و كنتُ شكوتُك بيروت قبل
و علّّقت للقدس شهد عزاء
من يتفهّم شكوايَ فيك
و يمنحني اليوم بعض البكاء
أ أشكوك للأرض ؟ و الأرض تهوي
و تهوي على الأرض هام السّماء
و لو تدرك الأرض حجم السّقوط
تُغيّر شكل الهوى , , و الهواء
صريع الخيانات قلبي , و أنَّا
لقلبٍ صريع يجيد الغناء ؟
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> الجنون
الجنون
رقم القصيدة : 66253
-----------------------------------
الجنون
خلاصة عقل تضخّم بالإنتباه
الجنون
هو الممكن المتأصل فينا
و لا نتبين في نشوة العقل و الإعتدال مداه
بسمةٌ بالشفاه
رقصة الروح
حين تعانق / تعشق حُسْنا تراه
الجنون ،،، الجنون
أن نطير إلى أن تصير النجوم
نعالاً لنا
و الفضاء الفسيح
لنا أعينا ،،،، و جباه
أن نرى ما لا يُرى
و نقرر ما نستطيع سواه
الجنون ،،، الجنون
أن أظل هنا
واقفًا ،، صامدًا
أتحدى بهاءك سيدتي
رغم ما عاشه القلب
طيلة عشر سنين
فيا ويلتاه .
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> حديث الليلة الأخيرة
حديث الليلة الأخيرة
رقم القصيدة : 66254
-----------------------------------
دعي القلب حتىّ يُحدّث
ليلتنا شرفة ٌ
و الدّخيل القمر
كأنّ الذي راح بالعمر حتى نهاياته
مجرّد حلم
و كلّ الذين عرفتُ
و كلّ اللّواتي عشقتُ
رفاق سفر
كأنّيَ من آخر اِمرأةٍ(63/474)
لم أذق طعم غيرك
أوْ أنّهن النّساء/ جميع النّساء
عَداكِ عدمْ
أحبّك
ما بيننا الآن أضيق من قارّة الحبّ
أقرب من ألم الجرح للجرح
أصدق من همسة الأمس للذّاكره
فأنت الوحيدة من تمنح القلب
رائحة المسك في نبضات الألم ْ
أحبّك
هل غيرنا يتذوّق أيّامه
يتقاسم عطر النّدى
و الطّيور تحاول أن تتأكد من ثغر يوم جديد
و هذي المدائن تكتظّّ حين اِستفاقتنا
و تخلو إذا ما خلونا إلى بعضنا
و هذي النّجوم تُقبّل أنفاسنا
تتتبعنا بالأثر
تعلّمنا آخر الليل
أقْدم تعويذةٍ لممارسة العشق
تتعلّّم منّا الذي ستعلّمه
بعدنا للبشر
أراني أُحدّق في الوقت
ـــ يُوشك أن ينتهي ليلناـ
ما الذي سوف يلزم
من ترف الوجع اللّيلكيّ ِ
لنرجع لو ساعة للوراء
نُعاود بذْر المسامات بالضّوء
نُوقف أعمارنا بالمساء
و نبدأ من حيث لم يبدإ العاشقون
نُجاوزُ ما قاله الشّعراء
و نوقظ في بعضنا شوقنا للعناق
و حاجتنا للمواء
لم أعدْ أتذكّر كيف اِنتهينا
إلى أنْ نسير على شارعٍ واحد
لا نرى بعضنا ــ
نحملق في صُور لا تقول
و نسأل عرّافة الحيّ عن لون أيّامنا
لم أعد أتذكّر
كيف اِستطعت عُبور السّنين وحيدا
وكيف اِستطعت التنفّّس من دونك
ولا كيف طاوعني الشّعر
هذا الذي لا يُقال لغيرك
كيف اِحتفظتُ به !؟
أحدّقُ في الوقت
عندي الذي يتمنّاه كلُّ الملوكِ
حبيبة عمري
و باقات شعري
تراني سأحسد من راودوك؟
أحدّق في الوقت
كم يقصر العمر حين نكون كما نشتهي
فلا تدّعي أنّني لم أزلْ
مثلما كنت
في الحب أقوى بطلْ
أضمّك حتّى أضمّك
تغرق أفواهنا بالعسلْ
أحدّق في الوقت
كم يركض الوقت
حين نريد الثّواني أزلْ
أتوقّع موتي غدا
ليس ثمّة ما يربط الآن بيني و بين الحياة
قد بلغتُ الذي لم أرُمه
تجاوزت حظّي
فما الموت ؟؟
إنْ لم يكن ذروة العشق
و الأمنيات
ليس ثمّة ما يربط الآن بيني
و بين الذين مللتُ حكاياتهم
غير هذا المضمّخ بالجبن و النّار
يا نهدها
هل تفكّر مثلي على أيّ قارعة ستموت ؟(63/475)
أنا أعشقُ ما يعشق الطيّبون
جسدًا أتقمّط في دفئِه
و دفاتر أسكنها
و عيونا تخون
أحدّق في الوقت
أدرك أن عليّ الرّحيل
و أدرك ما ذاق آدم يوم النّزول
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> مرايا الشّفاه
مرايا الشّفاه
رقم القصيدة : 66255
-----------------------------------
تعلّّمتُ أن أستعدّ لكلّ اِحتمال
أظنّ الجنوب سيحملني
للسّحاب الذي سوف ينثرني
بين جذر النّخيل
سأحمل للقلب تمْراته
أُناور حتى أمكّن لي بين مائين
أيّما اِمرأة تتعرّى لتسبح بينهما
تخيّرني بين ماء الرّكود
و ماء العبور الجميل
أنا توأمها هذه المدن الحائره
لم أجئها على أمل الموت فيها
و لا أمل الإنكفاء
كلّما حاصرتني التجاعيد و العمر
ألجأ للصّمت
أهرب من لجج الكلمات
الى عتبات السّؤال
و همس الفراغ الثّقيل
تعلّمت حتى تعلّمت
هل كلّما فاجأتني القصيدة أبُهت
طفلا تكشّف قدرته للوقوف
و شارف قدرته للوصول
و هل كلّما راودتني القصيدة
أحملني كالفراشة
للمصابيح أبّهة ٌ
ليس يدرك طغيانها
غير روح الضرير
و روح القتيل
سأكون النبيّ إذا
أفسّر ما لا يُفسّر
أدعو لمملكة
تترصّع تيجان سلطانها بالقصائد
و المستحيل
و تكون النّساء بها
شمعدان الخطايا , , و سارية ً
سعفا للنّخيل
و يكون لها كل باب إلى جهة
و بوّابة للسّماء
بابها للشّمال تُسَرّبُ منه العذارى لعرسانها
بابها للجنوب يمرّ به الشّعر
و للغرب عشّاقها
وبوّابة الغيم للشّعراء
كان لابد من كلّ هذا الصّراخ
لنفهم صمت القصيدة
نتركها تتزيّن في صمتها
للطّريق الطويل
كان لابدّ لي
أن أصافحَ سيّدة الحسن
أترك كفي لها
ثمّ أعبر في الرّمل
أزرع بين الأنامل من دفئها برزخا
أستحمّ بما تتكرّم من ضوئها
أتعلّق بالحلم و الصّمت
ثمّ أقول :
"من يفسّر حرب البسوس يسوس
من يعلّم أطفالنا آية الغُبن و الجبن
يهضم كلّ الدّروس
يزرع الخوف في رحم الأمّهات
يضاجع في كلّ عرس عروس
من يعلّقنا بين شرنقة الجوع و الصّبر(63/476)
يجعل رغبتنا في العبور إلى وطن ٍ آخر
أملا في النّفوس
سنبايع نطفته بعده
و نثبّت صورته بين كل الطقوس "
تعلّمت أن أستعدّ لكلّ نفق ْ
قبل أن نلتقي , نفترق ْ
كان ثمّة ما يجعل العمر أحلى
يوم كنت ِ
كان ثمّة ما يجعل الإنتظار مبايعة ً
و الشّوق من شوقنا يحترق
كان ثمّة ما يمنح العشق ظلّ التّفاسير
ما يغرس العزم في صدرنا و القلق
كان ثمّة أشياء أذكرها
فتُحمّلني ما لا أطيق
و تتركني للطرق
قد كبرتُ
و صار الحنين إلى الأمس يجرحني
كلّما مرّت الذّكريات
على صدري المنغلق
أنت سيّدة الحسن
لا شيىء يدفعني للوراء
سوى أن أراك كدالية
تدندن لحن حكايتنا للغسق
مر بي العمر حتى هنا
و تعلّمت أن أستعدّ لكلّ نفق
ليس يكفي الحنين إلى الرّمل
يلزمنا لوُلوج الحقائق
أنْ نتحاور في صمتنا
و نحاور صمت الرّمال
لم يعد للجنوب اِستطاعة جعلي أحنّ له
حملتني الغيوم
إلى أبعد ممّا يجيز المجال
قد كبرتُ
و حالفني الحظّّ أن ألتقيك
تمرّين في راحتي
و أبقى ألوك بقايا السّؤال
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> رسالة
رسالة
رقم القصيدة : 66256
-----------------------------------
مع أني إكتشفتكَ في الذات
قبل اكتشاف الورق
مع أنك صيرتني بلبلا
ووضعت على القلب تاج القلق
مع أنك من ألف عام ترافقني
و ُتنقّط لي أحرفي
يصعب اليوم أن لا أجيئك
أو أن أجئ
كنت ياصاحبي
تتقبلني موغلا في الحنين
و مستسلما للغرق
كنت تمسح عن ذاتي المشتكاة
عناء السنين
و ترنيمها المهترئ
يوم ضيعتني
ضاع منك الطريق
و مني الموجة و المتكأ
إيه يا صاحبي
عادة تصبح الذات أثقل من جبل
و الزغاريد مسمومة
و اجتناب الخطايا
خطأ
ما الذي يحدث الآن
لو نتحول عن وجهة الشعر ؟
أو نتنكر للقافية ؟
أيقولون عنك غوى ؟
و يقولون عني صبأ ؟
هذه الأرض لا تلد الشعراء
لتزهو بهم
بل لتجعلهم عبرة للملأ
كنت قد قلت لي :
" شئت أم لم تشأ
قد تجاوزت حق الإرادة
يوم احترفت البكاء
أنت رغم احتجاجك
ضمن قائمة الشعراء "(63/477)
و تناءيت
أخفتك عني السنون
و ألهاني عنك تقلبها المختبئ
هل أتاك النبأ ؟
مر عام
يحاصرني الإنتظار
و يأكل مني الصدأ
أنا في درب هذي الحياة
كلما سرت ميلا
أعود إلى المبتدأ
المؤكد أنا و من أول الإنطلاق
ارتكبنا الخطأ
إيه يا صاحبي
البلاد التي لا نحب
شمسها باردة
و المرافئ في أي أرض
عدا أرضنا
في رطوبتها واحدة
و النساء غواني
و التي يعشق القلب
في عرفنا - سيده
إيه يا صاحبي
النساء / القلوب التي
هذبت تربتي
و النساء / الجسوم التي
أفسدت نيتي
و النساء / النساء
يتشابهن في أي شيء
عدا في اختلاق دواعي البكاء
خضت أكثر من ألف حرب
هزمت الجميع
أبدا لم أنهزم
غير قدام بعض الدموع
و العجب !
أنها دون أي سبب
مرة نمت في جفن مومس
صدقت كل الكذب !
القصائد كالأرض تخضر فصلا
و تيبس في غيره كالقصب
نحن لا نستمد الكتابة من عبث اللاوجود
و لا نتسلى بأكل الكتب
و الكتابة لا يأتها
كل من هب ودب
و السلام ...
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> الخطيئة
الخطيئة
رقم القصيدة : 66257
-----------------------------------
ذكريات و ذاكرة متعبة
علمتني الليالي ركوب الصعاب
و ترك الرذائل للهمم الخائبة
جئت قبل مجيء المنابر
و اخترت قرض القريض
على المهن الرابحه
ربما ، لم أكن ناجحا دائما
إنما هذا أنا
أتعرى إذا استتر الناس
و أستر نفسي
إذا الناس بانت لهم
موضة فاضحه
عائما في المدى
جئت من زمن اللاكلام
أفتش عن منفذ للصدى
أتعبتني السنون التي ركبتني
تحولت من جثة لا تموت
إلى جثة تتمنى الردى
ثم أسألني : ما نكون غدا ؟
أستطيع تصور خاتمة الكون كيف تكون !
ليس هذا جنون
أنا في البدء حرف
و في آخر الأمر أنا أول الراشدين
هكذا في الكتب
لست فيكم نبيا
إنما هاتكا للحجب
أتبين ما دُسّ بين السطور
و أقرأ خافيات الصدور
مثلا :
أنت تحلم بالعيش في أستراليا
و أنت تفكر في قتل زوجتك الخائنة
و أنت الجميلة سيدتي
وقارك يخفي مغامرة ماجنة
بعت أكثر من رجل للخراب(63/478)
و احترفت الزنا
و أنت و أنت ،، و أنت و أنت
كلكم غارقون !
من الممكن أن لا أكون أنا الطاهر الفرد
في ذا البلد
غير أني صدوق
أتذاكر في خجل بعض شعري
و أعشق في صدق قيس
و أحقد في قوة الشنفرى
و اسألوا: ما أرى ؟؟
أرى مدنا تستعد لأكل بنيها
و أخرى سيجرفها السيل للمقبرة
أرى امرأة تتزين في طمع للرجال
و كل الرجال تحركهم شهوة عابرة
أرى شاعرا يلبس الخزي تيها
و آخر يمضغ في ألم محبرة
أرى وطنا بعد عز
يحوله أولاده مسخرة
يا شعوب القرى
تشرق الشمس لكم
ينبت القمح و البن من أجلكم
هذه الأرض أغلى
و هذي الدماء تعاويذنا الطاهرة
بايعوا من أردتم
إنما بايعوا قبل هذا قلوبكم الخيرة
الجموع التي لا تهز الجبال
من الأفضل أن تستلذ الكرى
هل أقص لكم قصة القبرة ! ؟؟
نسجت في سقف بيتي إقامته
باضت البيض
صار لها كذا فرخ
تروح و تغدو
لتملأ أبطنها بالذرى
كل فرخ نمى ريشه
راودته فكرة أن يتخلص من أمه الآمرة
ذات فجر تطاير طين الإقامة في غرفتي الفاخرة
و أفقت على صوتها
تتخبط في ألم بالثرى
ماتت القبرة !
و الصغار تطاير ريش الضعاف
و كل يريد مكانتها الآمرة !
ما أرى ! ؟
أنا لو كنت غيري
لفجرني الغيظ
فجر في ، كبدي المبصرة
أتبين بين الوجوه
وجها أحبه أكثر من أي شيء
و وجها يحولني جرة خاوية
إنما لا أتبين في كل ذا وطني
و أبصر في الأفق زيتونة تحترق
و أمد يدي في الغسق
كلنا من علق
أنا لا أتميز عنكم سوى أنني
ألمح البرق خلف الشفق
و أرى الرعد آت
أرى ما تظنونه بي شبق
و أحذِّركم
ذا أوان قطاف البلح
فاحذروا أن تمدوا أياديكم
غير للحب أو للفرح
و احفظوا القاعدة :
بيضكم لا تحطوه في سلة واحدة
و اسمعوا :
لا تموتوا من الجبن
فالله لا يرحم الجبناء
صفقوا و امرحوا
كلما وردة فغرت ثغرها للهواء
وطني رائع
رغم هذي الدماء
----------
الجزائر:24/12/94
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> مرّتْ على صمْتِ القصيدة
مرّتْ على صمْتِ القصيدة
رقم القصيدة : 66258(63/479)
-----------------------------------
كانتْ ستصبح بهْجةَ الرّوح الأخيرة َ
فرحةَ القلب المدثّر ِ
بين شرنقة الكتابة و الرّؤى
وحيَ الأغاني
للرّياحين التي تسمو إلى السّحب المحمّل غيثها
بالعشب و الكلمات
مرّتْ على صمتِ القصيدة
أيقظتْ همسَ الصّبا
فتعانقتْ أحلى الحكايات القديمة
أوقفتْ نبضَ الحياة
لو يمكن الآن الذي ما كان يمكن أن يكون
كلّ اِحتمالات العبور تكسّرت
مرّت على صمت القصيدة
أشعلت آياتها
و شذى السّؤال
للآن متعة ما يجيء
و للسّؤال شساعة الآن المعلّق بالسّؤال
هل تبلغ الكلمات حجم حنيننا ؟؟
و تترجِمُ اللّغة الفسيحة بيننا ما لا يُقال ؟
كم كان يمكن أن أجرّ من السّنين
لتعبُري باب القصيدة ؟
و لتبلغي هذا الكمال ؟
في أيّ زاوية من العمر اِفتقدتكِ ؟
مرّت على صمت القصيدة
و القصيدة باب معراج الحنين الى الأحبّة
و الأحبّة ما تبقى من أريج العمر
في نفق السّنين
و ما تساقط في محطّات الطّريق
مرّت على صمت القصيدة كالحريق
أحتاج كمّا طاعنا في الصّدق
حتّى لا أبوح بما أريد
و لا أقدّر ما أطيق
أحتاج جِيلا من شذى الكلمات
حتّى أعتني
بحدائق الشّعر التي تنمو على شفتي
و أحتاج القليل من الفرح
لأزيد من وهج القصيدة
أو أعلّق جمرة للقلب توقظه
و أحتاج السّكوت لأرتدي لغتي
مرّت على صمت القصيدة
يكبر الآن النّخيل
يهتزّ عرش الحرف في لغتي
و تخضرّ الحقولُ
من أيّ آنيةٍ أتى الحبق الجميل ؟
و العمر بوْحٌ طاعنٌ في اليُتم
فُلكٌ لا تردّه عن شواطىء النّسيان أحلام ٌ
و لا تعزّيه فصولُ
لو قلتُ حين عُبورها شعرًا
و أرّختُ للآن اِنفراط القلب
حباتٍ من المرجان تزرع دربها نورًا
لكذّبتِ القصيدة ما أقول
لو كان يمكنه المدثّر بالكتابة و الرّؤى
أنْ لا تهزّه فتنة
ما راح حين عبورها عمر الثواني يطول
.
مرّت على صمت القصيدة***** فاِرْتاح لحظتها التّعبْ
حقل من الكلمات حاصرني***** فسيّجتُ المسرّة بالعجبْ
حاولتُ شدّ شرودها***** فتملّصتْ صوْبَ المصب(63/480)
و بقيتُ أرسم عِطرها***** و أسبّ تاريخ العرب
أشدو فتكبر حاجتي***** و تزيد عن حجم السبب
العمرُ قبل عبورها***** طيفٌ من الوجع اِنْسكب
و النصّ أفقٌ هاربٌ ***** بعبورها منّي اِقترب
آهٍ و آهٍ لو تَعِي ***** ما خلّفته على السّحب
و على النّوافذِ و السّلا ***** لمِ و المزاهرِ و الكتب؟
.
مرّت على صمت القصيدة
أحرقتْ كلّ اِحتمالات العبور
وحدي أعانق ما تيسّر من شذى
و أعيدُ رسْمَ الأسئله
هل تفتح الأيّامُ لي أبوابَها ؟
و تُعيد لي الصّحراءُ عطرَ العابره ؟
و متى ستعبرُ جبهتي تفّاحة ؟
و ترشّ صمت قصيدتي
بالنّور أنثى ماطره ؟
و متى ستنجبُ وِحْدتي
نصفًا يُشاطرها الحياة
متى أهاجر عن حوافّ الذّاكرة ؟
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> مَكْرُ الشِّفاه
مَكْرُ الشِّفاه
رقم القصيدة : 66259
-----------------------------------
مَكَرَتْ شِفاهكِ ,, حاولتْ إغرائي
ويْلُمِّها من خِبرتي , و جَفائي
ويْلُمِّها من سِعّتي و شَسَاعتي
و من اِتّساع شواطئي , و فضائي
و من اِنكساري كلّما جاريْتُها
في ضِحكة مكتظّة الأصْداء
و من اِمتداد اللّيل في أجزائها
و ضياعنا في روعة الأجزاء
أنا أقرأ الآيات من شُرُفاتها
في صمتها المكتظّ بالإيحاء
و أعانق النّهر الكبير كجدْولٍ
يهفو لضمِّ الزُّرقة المِعطاء
أستمهِل الأيّام , أرغب بُطأها
فتُخالف الأيّام في الإبطاء
العابرون على ضِفاف سحابتي
و الواقفون على سفوح عُوائي
و الرّاكضون من الوريد إلى الوريد ,
يُمتِّعون صباحهم بشقائي
مازال عمرٌ للحنين , و غيره
في الإنتظار , فما يكون عزائي
إنْ لم تكنْ لي موجة في ساحلي
أوْ لمْ تكنْ لي نجمة بسمائي
أو كيف أعبر بين شاطئ دفتري
و شواطئ الإغراء و الإغراء
و ألمْلِم الأيّام من تَوَهَانِهَا
و أرتّبُ التّوَهان في الأشياء
و أعلّم الفرح الغريب ببابها
سُبُلَ العُبور لِتَلّة الإبكاء
و أراقص الرّنات في ضحكاتها
و أُلامِس الآلام في الأحشاء(63/481)
أنا أكتم الدّنيا سَواد حبورها
و أنمِّق الإخفاق بالإطراء
لو كنتُ أفضح ما تقول بصمتها
لفضحتُ بعض صبابتي و رجائي
هي دعوة للعشق تعبرُ جبهتي
فألوذُ منها بالسّحيق النّائي
الأمس علّم جبهتي أنْ تنحني
و الأمس أجَّلَ فرحتي لِورائي
و الأمس علّمني اِختصار مواجعي
و الأمس لَوَّثَ صفْوتي و نقائي
آمنتُ بالعشق الكبير و إنّما
أخشى عليه مواجعي , و بُكائي
الآن أكبرُ حتّى تبلغ قامتي
قِممَ القصائد في صفاء الماء
و الآن أحمِلُني انفجارًا رائعًا
تحتارُ فيه شفاهُك ,, و جفائي
و الآن أرقدُ في شِفاهك نغمةً
لن تُعْلنيها طلقةً بدمائي
العيون :2004.07.17
شعراء المغرب العربي >> عبدالقادر مكاريا >> إنسان
إنسان
رقم القصيدة : 66260
-----------------------------------
العالم صار جميلا جدًا
مُذْ أحببتكِ !
مذ أحببتكِ صار العالم
أجمل مّما كان
الورد ينام على كتفي
و الشّمسُ تدور على كفّي
و اللّّيل ،،، جداولَ من ألحان
المارّة صاروا لا يقِفون على رأسي
و السيّارات ،، تَئِزّ كثيراً
لا تُربكني الضّوضاء ،، ولا الفوضى
لا تزعجني الألوان
فتّشتُ طويلاً عمّا يتغيّرُ فينا
حين نحبّ ؟
فوجدتُ بأنّا نعبُر منْ " لا شيء"
إلى إنسان
شعراء المغرب العربي >> صلاح بو سريف >> أندلُسٌ..
أندلُسٌ..
رقم القصيدة : 66261
-----------------------------------
حَجَرٌ
تَوَارَى خَلْفَ غُبَارٍ قَدِيم ٍ
لغَة ٌ
تُرَاوِدُ ظِلّهَ
و خِمَار ٌ يُدَاعِبُه ُ البَيَاضُ
.
مَنْ شَذّبَ هَوَاءَ المَكَان ِ
و مَنْ أسْنَدَ ظِلَّهُ
على
عِطْرِ جَارِيَةٍ
خَضَّبَتْ
بِضَحَكَاتِها
زُرْقَةَ الهَوَاء
.
ثمَّةَ نافِذَة ٌ
نِصْفُهَا نُور ٌ
و مَا
تَبَقَّى فَرَاغ ٌ
شعراء المغرب العربي >> صلاح بو سريف >> عبد السّلام..
عبد السّلام..
رقم القصيدة : 66262
-----------------------------------
والدي
.
مِنْ أيِّ الجِهاتِ
كانَ
نِدَاؤُكَ
يأتِي
.
و مَنْ
كانَ يُهَجِّجُ روحَكَ
و يُوَاري
الجَسَدَ(63/482)
خَلْفَ شَطَحَاتِكَ الـ ـبَعِيدَةْ
.
تَتَوَارَى عَنِّي
تَأخُذُ مِنْ دَمِي خُضْرَتَهُ
تُلَمْلِمُنِي
تَسْكُنُ أعْضَائِيَ
وََمَعاً
في هَدْأةٍ نَنْ ــدَسُّ في حََضْرَةِ
لَيْلاتٍ
دَامِيَةْ
شعراء المغرب العربي >> صلاح بو سريف >> بياض..
بياض..
رقم القصيدة : 66263
-----------------------------------
ذكرى مدينة فيها تركتُ أنفاسي
.
أفُق ٌ مَفْتُوح ٌ
صَحْرَاء ٌ
جُزُرٌ يَفْصِلُ بَيْنَهَا بَيَاض ٌ
غُبَار ٌ
و َضَجِيجُ أطْفَالٍ
يَعْبُرُونَ دُكْنَاتِ
مَسَاءَاتِهَا الطّوِيلَة ْ
.
طُيُورٌ
تَمْسَحُ سَوَادَ الشَّجَرِ
وَنِسَاء ٌ
يُرَاوِدْنَ
شُرُودَ العَرَبَاتِ
.
هَاهُوَ البَيَاضُ يَحْجُبُ الرُّؤْيَةَ
وَيَطْوِي خَلْفَ انْتِثَارِهِ
دُكْنَةَ
أحْجَار ٍ
شَرِبَتْ عَرَقَ المَدِينَة ِ
شعراء المغرب العربي >> صلاح بو سريف >> أنْفاسُ عَاشِقَيْن ِ..
أنْفاسُ عَاشِقَيْن ِ..
رقم القصيدة : 66264
-----------------------------------
هَوَاءٌ يَتّقِدُ في الأحْشَاءِ
حَشْرَجَة
و َرَفِيفُ أجْنِحَةٍ تُسَاوِرُ رُقَادَهَا
.
مَنْ
أيْقَظَ فِتْنَةَ هذا الهَواء المُنْتَثِر
بَيْنَ
تُرَابَيْنِ
وَبَدَّدَ
هُدْنَةَ رُوحِي
.
مَنْ أتَاحَ لهذا السُّور أنْ يُلَمْلِمَ شُقُوقَهُ
ويُوَارِي
خَلْفَ أقْوَاسِهِ
آثارَ
أقْدَامٍ عَابِرَةٍ
.
للنَّهْرِ وَحْدَهُ
أنْ
يُوَارِي
عِنَاقَ عاشِقَيْنِ
تَدَثَّرَا
بِأنْفَاس ِ
قُبُلاتٍ نَدِيَّهْ
شعراء المغرب العربي >> صلاح بو سريف >> جَحِيمُ دَانْتِي
جَحِيمُ دَانْتِي
رقم القصيدة : 66265
-----------------------------------
خِلْسَة ً
كانَتِ الرِّيحُ تَشْرَبُ أنْفَاسَكَ
.
لمْ تَكُنْ فْلُورُنْسَة بَعْدُ قَدْ فَتَحَتْ نَوَافِّذَهَا
على رِيحِكَ
.
لا
أحَد
كانَ يَعْرِفُ أنَّكَ أنْتَ ألِيغَييري
وَأنّ دَانْتِي
هُوَ وَجْهُكَ المُشْتَعِل بِحَرَارَة المَوْجِ.
.
كَأسُكََ
مازَالَتْ في نَفْسِ المَكَان ِ(63/483)
وَمَازَالَ غَلْيُونُكَ، في انتظارِ مَنْ يُشْعِلْ فَسَائِلَهُ
.
.
مَنْ فَتَحَ النَّافِذة. مَنْ سَمَحَ لِلْغُبَارِ أنْ
يَمْسَحَ عَنِ الضَّوْءِ بَعْض ظِلالِهِ. كُنْتَ
حِينَ وَصَلْتَ إلى المَطْهَرِ مَسَحْتَ
شَعْرَكَ بِزِيْتٍ بَارِدٍ وَتَرَكْتَ خَلْفَكَ
نَبِيذاً، كُنْتَ أجَّلْتَهُ لِلْجَحِيمِ.
لا أحد كانَ
يَظُنُّ أنَّكَ أنْتَ مَنْ سَيَفْتَحُ في أفُقِ
الجَنَّةِ مَمَرّاً مِنْهُ سَتَعْبُرُ الآلِهَة ُ لِتَرَى
كَيْفَ كانَ الشِّعْرُ
يُؤَجِّجُ فَرَحَ الجَحِيمِ.
.
.
يَدُكَ يا ألِغْييِري؛
لمْ تَكُنْ تَكْتُبْ فَقَط، بَلْ كَانَتْ تُحِبُّ أيْضاً :
.
لا تَنْسَى، وأنْتَ فِي مُفْتَرَقِ الجَمْرِ
أنَّ بْيَاترِيسَ ، هي أوَّل امْرَأةٍ
فَتَحَتْ فِي وَجْهِكَ
جَسَداً
كانَ أوَّل المَوْجِ
و َأوَّل ضَوْء
كانَ يَقودُكَ
نَحْوَ شُرُفَاتِكَ المُطْفَأهْ.
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> أبداً ..و ليسَ لغِيرتي حَدٌ
أبداً ..و ليسَ لغِيرتي حَدٌ
رقم القصيدة : 66266
-----------------------------------
اِنفضَّ عن جسدي..
فليس لغيرتي حدٌ ..
وبي وَجعٌ حميمٌ غير أُغْنيةِ الوطن
وإلى جبينكَ حين يَسْتَرِق النَّهارْ
وإلى قصيدتكَ التي نامتْ على كَتِفي ..
إلى أسمائكَ الأُخرى .. وعنقودِ الشَّجن
وفوارسُ الأحزانِ تَمْتشِق البكاءَ ..
على خيولٍ حُطِّمت عرباتها
أو عاثَ فيها الجوعُ حتى تُمْتَهنْ
وعلى بساطِ الدفءِ
عانقْ شمسَك الأولى ..
ونادِ نوارس الأيّام شاخصةً
إلى عطرِِ اللقاءِ المستجيبِ ..
إلى تجاعيد الزمنْ
هذا .. أريجُ النومِ يَسكُنني ..
يُؤرِّق غِيرتي
أوَ هل إذا حنَّتْ عليكَ الشمس ليلاً ..
لن تحِنْ !!
أبداً ..وليس لغيرتي حدٌ
وذاكَ فؤادكَ الملكومُ يعزِفُ سيرةً ثَكْلى ..
و يبْحرُ في حكاياتِ النجومْ
شفتاكَ مركبتانِ سابحتانِ
في رمق النِّساء ِ..
و في تباريحِ الشراعِ ..
وفوق أمواجٍِ تدوم(63/484)
أ سواي َ.. تأتَفِكُ المُواءَ على يديكَ
وتَعْتَلي سفحَ النِّهاية كلَّ يومْ !!
خلفَ آهاتي ..
وتَخْتَتمُ الذُّنوبْ
وإلى حدودكَ ..للنُّواح الآن يَهذي ..
ثم يمسحُ من عيوني ..
أَدمعَ الحُزنِ المُبجَّل بابتهالاتِ الدُّروبْ
ولشاعرِ الأزمانِ لو يدنو و يكتبُ فوق أَرْوِقتي :
( على شفتيَّ تنكسِرُ القلوب )
أبداً ..و ليس لغيرتي حدٌ
أ تعلم أيٌّ سيفٍ في صميمِ البوح ..
وكنتَ لي كَفناً وأضلعَ مَحْبَرة ْ!!
أو َتَدَّعيني روحَ كلَّ قصيدةٍ
وتذيبُ قلباً مُثخنَ الطَّعناتِ ..
مُمتدَّاً ..كظلِّ المقبرةْ!؟
أبداً .. وليس لغيرتي حدٌ
أنا أسرابُ خوفٍ ... قِطَّةٌ صَمَّاءُ
تُنزَعُ من قصاصاتِ النِّساءْ
لي فيكَ موَّال مِن النَّجْمِ القديمِ
أوَ ليس تعلمُ أيٌ كفٍ
في ثيابِ الحلمِ يُنقَشُ
بالقوافي و الدِّماء !؟
أبدًا ..وليس لغيرتي حدُّ
أظُنُّكَ كالسماءِ ..
تنوحُ إذْ أبكي ..
ولو أنسابُ .. تُوقِفُ في حروفيَ
دَوْرةَ المطرِ المُطرَّز بانهياراتِ الكلامْ
أبداً .. تُحوِّر أَنَّني أُنثى التماثيل ِ..
بعضاً من حُطامْ
انفضَّ عن جسدي ..
فليس لغيرتي حدٌ ..
لأنزعَ رمحيَ المزروعَ في ثُقبِ الصُّدْورْ
و أديرُ صوت صديقةٍ
ستكون تابوت المجالسِ
في طُقوسِ الصَّمتِ .. في بَوحِ العُصورْ
غيري سَيَبْكيكَ احتضاراً
في موانئ فتنتيْ الغَرْقَى .. وآهاتِ الشُّعورْ
بَلْ أُحِبُّكَ تَجرحُ الأوراقُ قلبَكَ
في حدودِ الشِّعْرِ أبياتاً
تحلُّ الرمز ملتحفاًً بأحجيةٍ
تداوي جرحيَ الغافي ..
لتلتئمَ السُّطورْ
هذا .. ثقابُ العشقِ يُشعلني ..
يُؤجِّجُ غِيرتي الأنثى فأسألها :
( إذا ثارت عليكَ النارُ يوماً ..
هلْ تثور ؟!!..)
بَلْ أُحِبُّكَ تَجرحُ الأوراقُ قلبَكَ
في حدودِ الشِّعْرِ أبياتاً
تحلُّ الرمز ملتحفاًً بأحجيةٍ
تداوي جرحيَ الغافي ..
لتلتئمَ السُّطورْ
هذا .. ثقابُ العشقِ يُشعلني ..
يُؤجِّجُ غِيرتي الأنثى فأسألها :
( إذا ثارت عليكَ النارُ يوماً ..(63/485)
هلْ تثور ؟!!..)
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> لمْ يعَدْ كافياً أن أحبَّكَ أكثر
لمْ يعَدْ كافياً أن أحبَّكَ أكثر
رقم القصيدة : 66267
-----------------------------------
لمْ يعَدْ كافياً أن أحبَّكَ أكثر
كان عليَّ بأن أبلُغَ البحرَ قبلَ دنوِّ الغروبْ ...
كانَ عليَّ بأن أجْعَلَ القلبَ يختطُّ نحوكَ كلَّ الدروبْ
وكانَ عليكَ انتظاري ..!
كنتَ شمعةَ داري
ولوْعةَ بوحي ... ولونَ احتضاري
لمْ يعَدْ كافياً أن أحبَّكَ أكثرْ
كان عليَّ بأن أصْقُلَ الصمتَ فوقَ حطامِ المرايا
كان علي بأن أمنعَ الشمس تفتضُّ غصباً ليالي الخطايا
أصبحتُ كالقبرِ لولا شَواهدهُ لخطا الناسُ من فوقهِ سادرينْ
لم يكنْ ملجأً أن أحبَّكَ أكثرْ..
كان لابدَّ أن أمْزُجَ الصبْر بالياسمينْ
وحين تسرّب سرِّي ..
تمنَّعتُ ..أسرَفتُ... أطلقتُ للجرحِ صوتاً شحيحاً..
وحينَ دنا الجمعُ من سرِّه حائرينْ
تعثَّرتُ ..
فوقَ ركامٍ من الوصْلِ أدَّى ..
إلى مسمعٍ من صدى العابرينْ
فمَا عادَ سِراً بأني سَأهواكَ أكثرْ
إذْ كانَ لا بدَّ أنْ أَْسْكُبَ الحبَّ في أعينِ العاشقينْ .
لمْ يعَدْ قاتلاً أن أحبَّكَ أكثرْ
فنحن انْكَسَرْنا قُبَيْلَ مماتِ القوافي
نحن امتدادٌ لتَمْتَمةِ الملحِ مرفأْ
نحن اقترابٌ ومنفى ..
ونحن الشغافْ
سينتفض الأمس تحت ( كمانِ ) الجِراحْ
أسامرها الآن .. أعْزِفُ دمعيْ على عودِ أضلاعيَ
الحائرات
أدوِّن : سوفَ تدومُ ككلِّ القصائدِ
تحنو على كل حرفٍ ...وحرفٍ ..
وتفتحُ أذْرُعُها للرياحْ
سوفَ تنامُ ولو مرَّة بين عينيَّ
تلثمني بحريرِ الشفاهِِ .. فأغفو على دفءِ تعويذتي
أخطُّ على مفرشي :
لم تكنْ شاعري ..
لو أحبَّكَ أكثرْ من أن أحبَّكَ رقيا صباحْ
لمْ يعَدْ موجعاً أن أحبَّكَ أكثرْ
أنا و انتظاري المشاع
سننزفُ تحت الثرى
ضفتي شاعراً
أورقَ الحلمُ في عَهْدهِ ..
و تفجَّر نبعُ القصائدِ كانت هي العشقُ ..
أو هو أطلق عشقاً عليها..ليحظى ارتواءً(63/486)
بكأسِ النوى
تحدَّر نجمي
ليختصرَ الضوءَ ثمَّ يمَرِّرَهُ في يديَّ بريقاً
يحاصرُ أضلعَ نزْفي ..
ويُوْدِعَ جنبيَّ قلباً تأوَّه بعدَ التئامِ النجومِ..بأرضٍ عقيمْ
ويكتبَ في صفحةِ البدءِ عمَّن ..
وأن أضربَ البحْرَ لوناً ..
وأنْ أقسِمَ الفرقَ بين سكونِ حروفٍ ..و ميمْ
لمْ يعد هاجسي أن أحبَّكَ أكثرْ
كلَّ ماكانَ ..
كانَ جميلا ..
ولم يعَدْ الآن شيئاً جميلا
وصارَ لي الآن أن أتغنَّى بقنديلِ ذكرى ..
يداهمهُ الليلُ ..
لم يلْقَ من نجمةٍ قد تكون بديلا
لما اشتدَّ هذا الحنينُ على عوده ..
أو لما باتَ هذا البكاءُ خليلا
لمْ يعَدْ ممكناً أن أحبَّكَ أكثرْ
لمْ يعَدْ بين أوردتي مَفرقٌ للبلابل..
وآن لي الآن أن أحزِمَ الشوقَ ..
طيَّ حقيبةِ أمسٍ مَضَتْ باللقاءِ الحنونِ
كمَا لوْ تطيَّبتُ بالكسْرِ قافيةً ..
كالرحيلِ المعطَّر
كمَا كلُّ حبٍ تضمَّخَ بالحبَّ حباً ..
ولمْ يعدْ الآنَ في الوسعِ أكثرْ
لمْ يعَدْ ممكناً أن أحبَّكَ أكثرْ
لمْ يعَدْ بين أوردتي مَفرقٌ للبلابل..
وآن لي الآن أن أحزِمَ الشوقَ ..
طيَّ حقيبةِ أمسٍ مَضَتْ باللقاءِ الحنونِ
كمَا لوْ تطيَّبتُ بالكسْرِ قافيةً ..
كالرحيلِ المعطَّر
كمَا كلُّ حبٍ تضمَّخَ بالحبَّ حباً ..
ولمْ يعدْ الآنَ في الوسعِ أكثرْ
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> ( ميلاد ) بين ( قوسين )
( ميلاد ) بين ( قوسين )
رقم القصيدة : 66268
-----------------------------------
هل سألنا أنفسنا من قبل ونحن نخطُّ خطاباً .. أو رسالة أياً كان نوعها .. لماذا نكتب بعض العبارات بين ( قوسين ) ؟؟ ..
هل كل ما بين قوسين مسجوناً بينهما ؟!!.. معتقلاً في عصر الحرية .. أو مدنياً في عصر القبلية ؟! هل كل ما بين قوسين هاماً قدسناه .. عاماً احترمناه .. أو عامياً خجلنا منه ؟! هل هو أسماء نحبها فاحتضناها .. نكرهها فعذبناها .. أو نخاف منها فشددنا وثاقها ؟! هل كل
بعد ميلاد الميلاد
انتصبتْ قامتي الجنينية(63/487)
تكوّمتُ على صدْر أمي بدلاً من رحمها
أرضعتني جدتي الحنانَ زاداً..
أجترُّ منه كلما تضوّرت جوعاً
كلما ابتلعتني الغربة ..
وظل قلبي يرشف من دمها ..
ويتدحرج على ساعديها
حتى تكثَّفت ملامحي ..
اتَّسعتْ عيناي
واستطعتُ أن أركضَ بذراعين مفتوحتين
أرددُ بقلبٍ عال ٍ:
( أبداً جدتي سننزفُ الحكاياتِ معاً )
بعد ميلاد التمرُّد
تغيبتُ عن الصفوف المدرسية
أحرقتُ دفاتري الملونة
سكبتُ الماءَ الباردَ على حقيبتي
برَّيتُ الأحلام َ حتى أنهكتها ..
ذابتْ ممحاتي من مسحِ الأخطاء
تكسَّرتْ أسنانُ مسطرتي من الاستقامة
التهمتُ الطباشيرَ البيضاء ..
غمرتها في غضبي
مزقتُ مريولي المدرسي..
حددتُ شفتي
أبرزتُ أنوثتي ..
على السبورة الخضراء كتبتُ:
(بعْثِروا ضفائري .. لم أعد طفلة)
بعد ميلاد الحب
قرعتَ بابَ قلبي بقوة..
كمن يحمل خبراً سعيداً
كنتَ ساحراً ..
شرساً مثل طائرٍ هَجَرَ أجنحتَه..
ليطيرَ باتزاني
ملتصقاً بي .. مذعوراً من أن أضيع ..
فيسقط
وتسقط معه مشارفُ الوصول
حاصَرَتني .. بصوتكَ .. وهاجسكَ
وخاتمكَ الذي طوَّقت به إصبعي
نَبَشْتَ في جسدي كمخلب ٍجائع
تمَدَّدْت َعلى ساحتي ..
أحلتني إلى امرأة تموء عشقاً
و في كل لحظة تصرخ :
( لازلت تسكنني )
بعد ميلاد الاعتراف
اعترفتَ لي ..
أنك تشبهُ الضوء..
تبعث نورك لتملأ المكان
تخترقُ السجاد ..
الستائر والأثاث
تسيطرُ على الرؤية ..
تختزلُ المسافات
و بأنكَ لا تمارسُ الإخلاصَ..
لأن من طبيعةِ الرجل الضوء.. الانتشار
والتسلل في فراغ الإناث..
ليصطدم بالجدار ..
راسماً عليه اعترافك :
( أنا لا أضيء إلا في الأجسام المعتمة )
بعد ميلاد الانتظار
انتهى الاحتفال بعيد مولدي
انتهت سنة أخرى من عمري ..
ابتدأت سنة جديدة
استيقظتُ فجراً على حمَّى أنفاسي ..
على حمى عام ٍ..
يبشرُ بالوحدة من جديد
انتزعتُ جسدي من الأريكة
خلعتُ جوربي الحريري ..
مزَّقتُه بأظافري
علَّقتهُ على باب ذاكرتك
حلَلْتُ شعري من وثاقه ..(63/488)
نثرتهُ على صدر الوجع
ألقيتُ نظرةً على الهاتفِ الصامت
على البابِ المقفل منذ دهر
على مراسمِ الاحتفال الشاحبة
كلّ شيء كان خاوياً منك ..ومن الآخرين
أطفأتُ الشموع المثقوبة
مسحتُ المرارةَ من على المرآة
التقطتُ أحمرَ شفاه مهملاً..
ببخار أصابعي كتبت:
( لقد كنتُ البارحة في أبهى عذاب
كنت بانتظارك .. ولكنك لم تأت ِ )
بعد ميلاد الصدق
وهبتكَ صدقي عارياً كثوبٍ بلون الماء
تناولتَه من يدي ..
رسمْتَ عليه طريق احتضاري .. خطة نهايتي
شكلَ الخناجر .. و الطعنات الخلفية
و هناك .. فوق خزانتك .. في أحد أدراجك
تساقطتْ دمائي حبراً أحمر ..
احتضرَ قلبي خوفاً
استخرجتَ لي شهادةَ وفاء ٍكان سببها :
(سكتة صدق ٍ مفاجئة )
بعد ميلاد الموت
عندما أرحل
عندما تتبخر روحي .. وأرحل
عندما تنهال على قبري آخر حفنة تراب
اقرأْ ورقتي هذه وأصدرْ حكمَك
فإذا قررْتَ أن تمزقها بين أصابعك
سيتمزق صوتي
وستسمع صدى وجعي
وإذا قررتَ أن تغمرَها بلهفة قلبك
سيشتعل القمر .. وستنبت أكاليل الياسمين
لتفترش مقبرتي وتحفر عليها:
( هنا .. ميلاد .. ترقد بسلام )
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> نحن أكثر مما تتهموننا به
نحن أكثر مما تتهموننا به
رقم القصيدة : 66269
-----------------------------------
لستُ ساذجةً
أنا طفلةٌ نحَتَتْ التماثيلِ لعلاماتِ الاستفهام
هدَّدَتْ مهرجانات النظام ..
وتربعَتْ فوق حطام حجرتها
مارسَتْ الصراخَ أياماً طويلة
لأن أحداً .. لم يَشرح لها
أن قانون انتهاء الصلاحية
هو سبب توقُّف دميتها فجأة ..
عن الغناء
لستُ حزينةً
أنا آلةُ حزنٍ ..
تعملُ ليلَ نهار في معمل الإنسانية ..
تنسج أثواباً من خيوط الوجع
ترصِّع الياقات المُنشّاة ..
القفازات المخملية
تخيط أذيال الخيبة بورق الدانتيل
و تطرزُ البكاء َ ..
على الأكمامِ والأفئدة
لستُ هشةً
أنا قطعةُ إسفنجٍ ..
أحكمت إغلاقها أقواس الكتابة ..
في محيط العواطف..
غرقت منذ عشراتِ الأحلام(63/489)
لأنها كانت تنظر من خلال مسامها..
إلى ألوان الزهر و الكلمات ..
تتمنى أن تصبح فراشة ..
لا يمسها الموت ضوءاً
ولكن حين تبادلها الموجُ مع الشاطئ ..
تسلَّقت الرمال..
التقطها أحدُ المارَّةِ ..
اعتصرها بين أصابعه ..
فتساقطت قطراتها أنوثة
لستُ كاذبةً
أنا بتلات زهرة ٍ حمراء
في حدائق ِالشعاراتِ و الدبلوماسية
تجمَّلتْ برائحة العطر ..
ولون الدماء
لتجْذبَ العاشقين بسحرها
ثم تقنعهم ببراءةِ الساق ..
والأوراق..
من غدْر الأشواك
لستُ متوحشةً
أنا قطة ٌبريّة ..
مقيدة ٌ بسلاسلِ السكون
تمارسُ مواءها المحموم ِ على سيدها
ترقص ُعلى أطرافِ مخالبها فوق جبينه
تتكاثر .. لترضي أمومتها
تبتلع صغيرها الهزيل ..
لتحارب الموت جوعاً
وليعيش جيلٌ آخر من دون قيود
لستُ متمردةً
أنا فوهةُ بركان خامد
كلما شعَرَت بالضجر ..
أو بالوحدة .. والغليان
نثرت حممها على مدينة نائية
لتهدد أمن السكان
وتخبرهم ببساطة ..
بأنها على قيد الانفجار
لستُ عاشقةً
أنا منذ عصر الجبروت ..
يسكن بداخلي ماردٌ غاضب..
ماردٌ أزرق ..
أتعبه التكوُّم في عنق زجاجتي
ينتظر من يعثر عليه ..
ويخرجه من الأعماق
ليتحول لإعصار عشق ..
يرتطم بالقارات
يوزع أعضاء الكرة الأرضية ..
و يقتلع القلوب الاستوائية
ثم يصبح الخادم المطيع
الذي يحقق أمنيات سيَّدهِ ..
ويرميها تحت قدميه
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> أحياناً مبعثرة بالأحلام
أحياناً مبعثرة بالأحلام
رقم القصيدة : 66270
-----------------------------------
حين تفرط في الغياب :
حين يتكاثر العسل في منحلي ..
ولا أجد من يلعق جداره ..
و يزيح عن جذوره الشمع ..والخلايا
أحلم باليومِ الذي سألقاك فيه ..
و بقدر حبِّي له .. أخافه
وبقدر خوفي منه .. أتمناه ..
وبقدر ما أتمناه ..
سأظلُّ أنتظرك
حين تشتعل الصلوات على الأموات :
أقف بوجه رياحٍ مقبلةٍ من الشمال ..
لألتقط عنك ِرائحة السدْرِ ..
الزهر .. والمطر
ثم أعانق ساقك ِ ..(63/490)
أقبِّلها حدَّ التراب ..
الخوف .. اليتم
وأنام بعدها يا جدتي ..
لأحلم بأني و هبتك ما تبقى مني..
من أجلِ لحظةِ حياة ..
نصلِّي فيها معا ً
حين تنام على يدي .. :
حين تدفنُ رأسكَ الصغير بين أجنحتي ..
أنفاسك القريبة تداعب أذني ..
أحلم بأنك تعطيني في كل يوم..
ثمناً باهظاً لتضحياتي
وبأنكَ تهمِس لي بذرات حب ٍ قرمزية ..
تخبرني فيها ..
بأن هذا هو الطريق يا أماهُ
وبأنك أصبحتَ رجلا ً ..
لا تنافسه الشموعُ على احتراق الأصابع ..
أو رمادِ القناديل
حين تمسكُ ببندقيتك الصغير ة :
وتصوبها إلى قلبي ..
حين تطلب مني أن أموتَ.. لتضحَكَ ..
ثم تنهال خوفا ًعلي
أحلمُ بأنكَ ستكبرُ ذاتَ حربٍ
وستأتي حاملاً على كتفك ثأرَ (الدرَّة )
وثأر .. أطفال العراق
يومها .. لن أندمَ إن كفنتُكُ شهيداً يا صغيري
وأرقتُ عليكَ العروبةَ ..
ودثرْتكَ بالسلام
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> ذات ليالٍ أسطورية
ذات ليالٍ أسطورية
رقم القصيدة : 66271
-----------------------------------
ذات ليلة..ذكرى
تذكرْتَني فجأة ..
كنت أهرول ُفي دهاليزِ العتمة
سمعت ُ لهفة صوتكَ تناديني
تصدرُ أوامرَك َالشهيةَ باعتقالي
تمدِّد ُذراعيك َ أمامي .. لأرتميَ .. أتمدد
رفضتُ لهفتَك .. تمردتُ على ذاكرتك
بعثرتُ ذراعيك بعيدا ً..
وتابعتُ الهرولة َمن جديد
ذات ليلة ..أرق
ارتديتُ فستانَ الحداد
رتبْتُ زينتي ..
نثرْتُ شعري
أضفتُ شحوباً إلى شحوبي
أفرغتُ زجاجةَ منوِّمة على الأرض
شربتُ عشرةَ أكواب ٍمن القهوة
وغليتُ مئةَ ورقة شاي ..
عصرْتها داخلَ جوفي
خفْتُ أنْ يفاجئَني الحزنُ ..
ولا أكونُ مستعدةً لاستقباله
أريدُ أن أبقى مستيقظةً .. ومتزنةً
حتى استقبلَ حزني كحبيب ٍ انتظرْتُ لقاءه ..
واشتقتُ لأن أطارحَه الدموع
ذات ليلةِ .. تحوُّلٍ
كنتُ ( ميلاداً ) ..
كنتُ حمامة فتحَتْ عينيها على أسرارِ الحياة
نهلَتْ من طقوسِ التربُّصِ .. المؤامرات(63/491)
سئمتْ من الفرار من قنص الصيادين
وشِبَاكِ الأقفاص الصدئة
تعِبتْ من اتساخ ِريشها بأبخرة النميمة
ذهلَتْ من ضمائر البشر
فقررَتْ أن تغيّرَ ملامحها
أن تتخلَّى عن هديلها .. لونها الأبيض
أن تتسعَ عيناها حدَّ الدهشة
تلبَسُ فراءً لونه أسوداً ..
تتحوَّلُ إلى قطةٍ
تمشط الليل مواءً
ولا تلاحقها تهمةُ التفاؤلِ بالسلام
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> ليلة رأس القمر
ليلة رأس القمر
رقم القصيدة : 66272
-----------------------------------
وحدي ..
بقيتُ برداء البحر الأبيض
على الضوء أتأرجَحُ
على فمِ الكون..
أضعُ أذني
كالصبايا العاشقات ..
أُنْصِتُ إلى بقايا الساعةِ
أتوسَّدُ السنينَ الأمامية للدلال
أسمعك :
" قبِّليني حين تُطفأُ الأنوار "
كنتَ تتَّشِحُ بالأناقة ..
بثبات.. تتنهَّدُ
تنتظرُ أن يمرَّ البحرُ من هنا
عن السباحة..
ِأتوقَّفَ ضدَّ النضج .. العفوية
أرتديَ ثوبيَ الأسوَد
وأكونَ امرأةً للمرَّة ( الكاذبة )
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> بعد منتصف ِالقلبِ..
بعد منتصف ِالقلبِ..
رقم القصيدة : 66273
-----------------------------------
ستُطفأ الأنوارُ
بطريقتي ..أقبِّلكَ
أغمضُ عينيَّ ..
و أطبعُ وردةً حمراءَ على شفتيكَ
و إن أردتَ..
حباتَ الشمس ِاِفترشْها معي..
وإلاَّ وحدَكْ ..
ستتقطَّرُ برودة ً .
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> العام الحادي ( شعر ) الهجري
العام الحادي ( شعر ) الهجري
رقم القصيدة : 66274
-----------------------------------
الدنيا..
كانت أقربَ للحدائقِ الشاسعة
أكثر اقترافاً للمقطوعاتِ النثرية
يومها ..لم تكن الأساطيرُ هاجسي الأول ..
بل هاجس وحيد كانت
يسرُّ إليّ ..
بأنني كما الشعراء ..
سأكون شاهقةً ..
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> في قلبي .. أزرعُ بذرةَ ( السرِّ )
في قلبي .. أزرعُ بذرةَ ( السرِّ )
رقم القصيدة : 66275(63/492)
-----------------------------------
في قلبي .. أزرعُ بذرةَ ( السرِّ )
أرويها حبراً..
حبراً..
عن عيونِ الكبار ..أحجُبها ِ ..
تمتمات الجيرانِ
ضحِكاتِ الأطفالِ ..
في الحيِّ الثامن من جسدي
وما إن اهتزَّ جذع الكلام ..
حتى تساقطتِ القصائد من فمي
فهلا جنيت ورقةً ورطباً..
وكتبت العمر معي !!
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> في السنة الرائعة و العشرين
في السنة الرائعة و العشرين
رقم القصيدة : 66276
-----------------------------------
في السنة الرائعة و العشرين
أزمةَ ( الشوق ) الأوسط ..
قررتُ أن أحلَّها
ألا أعيدَ إليك قلبَك
ألا أخرجَك من ذاكرتي ..
مهما كان النسيان
المحيطُ ..
لا يعيدُ إلينا غرقاه
و القبلةُ ..
لا تعودُ إلى شفاهٍ طبَعْتها
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> كان ياما ( شاعر )
كان ياما ( شاعر )
رقم القصيدة : 66277
-----------------------------------
في قديم القصائد :
على رصيف النساء..
كنت شاعراً ملقىً
عاطلاً عن النبضِ ..
مسلوبَ القلبِ ..الوفاء ..والقيثارة
على نفسي ..راهنْتُ بكَ ..
بيني وبينك اقتسَمْتُ الفرحُ الطازجُ ..
حتى أيقظني رنينِ الشعر ..
اغتسَلْتُ بوداعك ..
ارتديتُ الحقيقة
تناولتُ فطوري خالياً منك..
وعدتُ أبحثُ عن حلمٍ جديد
.
.
.
في سالف الفرق و الأوان :
سألتك: ما الفرقُ بينَ جبينكَ وحدِّ السيف
ما الفرقُ بينَ القصيدة ..
وهامةِ النخل !!..
سيفكَ.. أَشْهِره ْعالياً إذاً ..
ارتفعْ حدَّ نخلة..وأجبني :
ما الفرق بيننا ..
حين نحونا تستطيلُ الأعناقُ
فنهوي جميعا تحت صهْوَةِ الألسنة ؟؟
.
.
.
في فصل الإخلاص..ووضح الرواية :
من بين ذراعيك.. دعني أتسلَّلُ
خلف كواليس الرؤيا ..
أحتجب
سأعودُ إليكَ ...
قبل أن تدثِّرُكَ خصْلةُ شَعْرٍ أخرى
لا تشبه الظلَّ .. الضوء ..
رائحتي..
و لونَ عينيي
لا تشبه حتى حروف ياسمين ..
عالقةً بين دفتيك
.
.
.
في عيش من سبات ٍ وممات :(63/493)
مازلتُ أُنثاكَ العاجزةُ عن الزفاف
وأنشودتي لم تكتملْ بعد
مازلتُ أرغبُ بأن أهديك قبل الرحيل..
وطناً
وطناً من قلب ..
فيه بضع حنين ..انفجار ..مقصلة
و العديد ..
العديد من كلمات لم أكتبْها بعدُ
فعليكَ بالصدقِ ..عليكَ بي
كنْ قاتِلي ..
وتوقَّفْ عن الشعرِ للحظة
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> كلمات سقطت عمداً
كلمات سقطت عمداً
رقم القصيدة : 66278
-----------------------------------
( قاعدة )
لا أريدُكَ ..
حين يرحلُ الآخرون
.
( واحد .. )
بينما يملك كل منا زوجاً من الأيدي..
واحدةً لمن نحبُّ ..
وأخرى لمن يحبوننا
هو: هذا الصباح ( سأحتسيك ِ) بدلاً عن قهوتي ..
هي: عدني ألاّ ( تسكبني ) على قميصك ..
.
.
عندما تنتهي ..
لم تستطعْ أن تمسكَ بغطاءِ وجهها بإحكام..
حين داهمتهما العاصفة معاً
.
الحبُّ ينسى الكلام..
.
.
وأنت تحملُني !! كن حذراً ..
لأُحيلَها .. و أُحيلُك إلى أشلاءْ
.
( أمنية واحدة فقط )
و في عينك دمعةُ ندمٍ ..
.
.
( قراءة )
لى قارئة فنجان..
.
( مواجهة )
امرأةٍ عشرينية لم يُطلَقُ سراحُ قلبِها بعد ؟!
.
( ماسنجر )
خمسونَ راكباً على (الماسنجر) يا زمن ..
.
( ملاكُ القصائد.. )
ولا يعودُ وحدَه
( ليس عدلاً.. )
على صدرك ..علَّقني
.
(رقص)
ضع يدك حول عنق الماء ..
( مشجب )
علَّقتُ قلبي ..
و لا تتناولْ أنثى غيري
.
( معطف )
" ليس كلُّ النساء إناثاً "
" ليسَ كلُّ المعاطفِ ..
على الدفء قادرةً "
.
( ظلم )
لن يتحدثَ المجتمعُ عن عاصفةِ شديدةِ ..
عرّت رجلا من ملابسه ..
لكنها ستأكلُ وجهَ امرأةِ..
لم تستطعْ أن تمسكَ بغطاءِ وجهها بإحكام..
حين داهمتهما العاصفة معاً
.
.
.
( دون صوت )
كثيرون يعلمون بأن نشيدَ النسيانِ ..
أعذبُ منْ زقزَقةِ الذاكرة..
لا أحدَ يعلَمُ أنَّ الحبَّ لا صوت له
.
.
.
( صداقة )
أتشعر مثلي بالجوع.. ؟؟؟
تفضّل إذاً ..
هذا الرغيف لك ..
أمَّا رغيفي ..
فسأشْتريَ به زهوراً ..(63/494)
أزيِّنُ بها مائدةً نأكل عليها معاً
.
.
.
( الحب )
ليس وعودا ً وعهوداً ..
الحبُّ ذاكرته ضعيفة يا سيدي ..
الحبُّ ينسى الكلام..
ينسى في لحظة ..كلَّ ما يقال
.
.
.
( حذر )
وأنت تحملُني !! كن حذراً ..
عبوَّةٌ خطرة أنا ..
صادقة .. وناسفة ..
في أيِّ لحظةِ كذبٍ ..قد أنفجرُ
لأُحيلَها .. و أُحيلُك إلى أشلاءْ
.
.
.
( أمنية واحدة فقط )
لا تنمْ ..
و في عينك دمعةُ ندمٍ ..
لم تنحدر بعد
.
.
.
( قراءة )
لى قارئة فنجان..
لا تُسلمْ نفسَك أبداً إ ..
موتى الحب وحدَهم ..
يستطيعون قراءةَ الذكريات
.
.
.
( إخلاص )
هاكَ خدِّيَ الآخر ..
اصفعني بقوَّة الشعرِ الذي تملك ..
القِِ علي نظرة أخيرة ..
ردِّدْ بينكَ وبين القصيدة :
"لمْ تكنْ شاعرةً فحسب "
.
.
.
( رسم )
عذراً إن أصابتكَ أصابعُ فرشاتي..
أنا لا أجيد الرسمَ ليلاً ..
عزائي الوحيد..
أن هطول المطر .. خلط الألوان داخل مرسمي
لم يعد هناك ما أميز به لون النص ..
ولون جرحٍ أرسمك به
.
.
.
( مواجهة )
أشفقتُ عليكَ البارحةَ مني ..
امرأةٍ عشرينية لم يُطلَقُ سراحُ قلبِها بعد ؟!
كيف تقف بين عينيها !
.
.
.
( ماسنجر )
خمسونَ راكباً على (الماسنجر) يا زمن ..
و السفينة لمْ تبحر..
جميع أنواعِ القطارات..
مرت من هنا..
ماعدا ذلك الذي يصلْ في موعده
.
.
.
( الصدق )
بالصدقِ وحدَه..
تبدأُ القصيدة ..
وبنفسِ السببِ تنتهي أشياءٌ أخرى
.
.
.
( عائشة )
كما الأمنيات..
أكتبُ لكِ صادقةً
هناك دائماً سيدةٌ تعطي ..
ولا تنتظرُ تسديدَ الحب ..
ولا فواتيرَ العطاء
.
.
.
( ملاكُ القصائد.. )
كملاكِ الموتِ يأتي على غير موعد ..
ولا يعودُ وحدَه
.
.
.
( ليس عدلاً.. )
أن تصطادَ اللؤلؤ وتخبئه في جيبك ..!!!
على صدرك ..علَّقني
و لكَ ..أقسم أن أكون
.
.
.
(رقص)
ضع يدك حول عنق الماء ..
راقصني ...
من منتصف الخصر حتى طلوع الآه ..
مع عزف الزمن ..
دعنا موجًا نتهادى
أليس بين الماء ..
و الماء يسكن قلبي ..!!
.
.(63/495)
.
( اختزال )
كلَّ المدن ..
في عينيك ..اختزلتُها
في كلَّ مرةٍ أحمل فيها حقائبي وأرحل ..
أبداً.. لا أبارحْك
.
.
.
( تقدير )
أقدر فيك كثيرا ما تسميه ( صدقاً )..
يكفي أن طعناتك يوما ..
ًلم تأتيني من الخلف
.
.
.
( مشجب )
على مشجب الفراق ..
علَّقتُ قلبي ..
إن عدتَ من الشتاء ارتديه..
و لا تتناولْ أنثى غيري
.
.
.
( معطف )
أكادُ أسمعك تقول:
" ليس كلُّ النساء إناثاً "
و تكاد تسمعني أقول:
" ليسَ كلُّ المعاطفِ ..
على الدفء قادرةً "
.
.
.
( إملاء )
ضَعْ نقطةً وابدأ من أول العمر
سأُملي عليكَ ما يُمليه عليَّ قلبي ..
أكتبُ كلمةً من أربع نجوم ..
تبدأ بهمزة ٍ على السماء ..
و بك تنتهي
هكذا .. ( أ .......بك )
عليكَ أن تملأ الحرف الفارغ
.
.
.
( ميم )
أنا تلك الميم الموزونة نثراً ..
المؤودة شعراً ..
أنا تلك الميمية إذاً ..
التي تبدأُ بالموتِ ..
وتبدأُ أيضاً ( بالميلاد )
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> حيااا ... كات
حيااا ... كات
رقم القصيدة : 66279
-----------------------------------
بلا مقاساتٍ ..
أحلامنا..
نُحِيْكها معاً
//
نسااااااءٌ ..هؤلاء
لا يشبهنَّ طيَّاتـ ..ي
ي
ي
ي
في ثوبهن ..
أتكرمش
//
حتى ألِجَ ..
في سَمِّ (الحياةِ) ..
جَنّته
ه
ه
ه
لا تَطْويني
//
حَريرُ الكلام
لا يُبَطِّنَه ..
مَزاجٌ مُجَعّد .
//
شَرِسٌ..
(كَبَكه) الأيْسر هذا !
يَنْهشُ خيوط شيفوناتي
ي
ي
ي
ويستدير
//
تَمْضُغُه
أكمَام قميصي
و
.
.
.
كـ (كَتّانٍ) ..
يَتَجََعْلَكُ .
//
دانتيلااااتي ..
بذيل الفستان ..محبوكة
دَهَسَاتُ حذائهم ..
خيطاً
خ
ي
ط
اً
تُفْسِدنا
//
فمٌ ..
مَلْضومةٌ زواياهُ
ه
ه
ه
تمزّقُه ..
الواسعة ابتساماتي !!
//
عُرْوَة جَاكيتي ..
محلولة ..حمقااااااااء
تتلوّى
ى
ى
ى
وعن (شاماتي) ..
تحدِّثُهم عَيْنَاااااااه .
//
وييييييه
كَبرتُ يا خاااالة
كبرتْ
ت
ت
ت
وحِذَائيَ المخْملي ..
لَمْ يَكْبر معي .
//
إزرارٌ ..(63/496)
تحت أقدامنا يتدَحْرج
أبداً ..
لن يعود
د
د
د
قبل أن تعلِّمنا الجدّة
كيف بقلوبنا ..
نُحِيْكُه !؟
//
فضفاض لَيْله ..
فضـ
فااااا
ض
لقمرها ..فقط !
لا يتسع
//
لـ سَهْرةٍ مُخَصَّرة ..
كانوا يرتدوننا
.
.
.
.
كانوا يرتدون ..قلباً ..
غيرَ لائقٍ !!
//
مُنَمْنَمَةٌ.. ستائرنا
وفي ضوء ساتانها ..
شمسي ..تنطفيء.
//
قُطْني..
دعكًا.. دعكًا ..
يَهْتَريء
(يحْضُر) عن الوعْي
.
.
و يَتَخلَّصُك
//
شرشفنا..
(ثلجيُّ) الحوافِ ..
.
.
.
على حبل الغسيل ..
يذوووب
//
خارج أقمشتهن ..
عارياً يتجوَّل
واجهاتُ المحلاَّتِ..
تُسْنِدُه
وبعيوبي ..
يَسْتَتِر
//
مُنقَّطة ة ة ة
الوردية..
بيجامتـ..ي
ي
ي
ي
تَسْحبُ خيوط الفجر..
وتَخْلَعُني
//
أأوْجَعَكَ..!!
أأوجعك ..أن الليلة الـ(حائكة)..
لم أتمزّق
بما يكفيك !!
شعراء الجزيرة العربية >> هيلدا إسماعيل >> سيئة الصنع .. ربما
سيئة الصنع .. ربما
رقم القصيدة : 66280
-----------------------------------
فوق السطح ..
رجلٌ بحبلٍ ( دبِقٍ ) . .
_ يُدْعى أبي-
ينْفضُ ..
يعْصِرُ..
يَنْشرُ . .
يَخْذلُ امْرَأة
على كتفها ..
تَجِفُّ ..أختي !
الصغيرة ابنته
و أنا الـ أُشْبِهها سوءاً
نَحْشُرُ بالـ( شوكولا ) ..
أعيننا ا ا ا
في المحطة
تنورة قصيييرة ..
من بائعٍ ( عجوزٍ ) اشتريتها
" هه ..اشتريتها ..
ولم أدفعَ الثمن !! "
رحيمٌ جداً.. هذا الـ( أبي ) !!
على ابن الجيران..
كثيراً ما يخشى !!
كلَّمَا رآه فوقَ السطحِ ..
( لطَمَني )
شُرْفَتي العُلْويَّة..
لابن الجيرانِ .. تَتَدلَّى :
"هييييه ..
بالسطحِ لا أحَد ..
اصْ ..اصْـ ..اصعَد .."
(كُحْلُ) جدتي..
ورِثْتهُ خلسةً
ابنها -الغاضِبُ- ..
يَسْرِقُ ( عيْنيَّ )
بللٌ ..
يُوقِظُ الورديُّ بنْطالي ..
يااااا رب !!
خسروا ( المباراة ) يارب !!
وعلى وشك الوصول ..
كان .. (بابا)
سكينٌ ..
خلفَ حماقاتي ..
بـ طعْن (الكُرَةِ) ..أهدِّدُ
إن لم تكفَّ ..
عن إغضابه !(63/497)
فـ ..حين يغضب ..
تحت السرير ..
وجهي ..و منفضةُ (سجائرٍ) ..
احتضارٌ يشعلني ..
و أنام
فجراً ..
أُبْعَثُ صبيَّةً من جديد
للمدرسةِ.. أجُرُّ ( أعقابي )
"هذا الموت ..لا يرْغَبُني وحيدة "
في ذاتِ المحطَّة
- عجوزٌ - ..( يُدَخّن ) فَمِي
تنّورةٌ جدُّ قَصِيرَة ..أبيعها
" هه أبيعها ..
و(أسْعُلُ) الثمن "
أنا أيضاً ..
أخشى على ابن الجيرانِ ..
من -العجوز - أبيه
جِلْدِي ..(يُمْطِر) :
" هيَّا ..اصْـ ..اصْعد ..
بالدَّاخلِ ..
(غيمةٌ)..شااااغرة "
شعراء العراق والشام >> أحمد مطر >> طلب انتماء للعصر الحجري
طلب انتماء للعصر الحجري
رقم القصيدة : 66281
-----------------------------------
أهل الضفة أنتم حق
وجميع الناس أباطيل
أنتم خاتمة الأحزان
وأنتم فاتحة القران
وأنتم أنجيل الأناجيل
يامن تعتصمون بحبل الله جميعاً
وبأيديكم حجر من سجيل
سيروا والله يوفقكم
هزوا الدنيا
وهنا ثوار التمثيل
يهدون لكم ألمع بذلات السهرات
واسمى أدوات التجميل
وهنا أبناء أنابيب
وهنا ابناء براميل
زحفوا من غير سراويل
وهم الان بيكاديلي
والباهاما
وبباريس وشط النيل
من اجل عيون ضحاياكم
يعتصمون بحل غسيل
* * *
أهل الضفة
أنتم روح الله
وانتم موجز كل المخلوقات
وانتم أحياء أحياء
والناس جميعا أموات
لا تنتظروا منا أحداَ
لا تثقوا في أحد منا أبداً
نحن وجوه فقدت ماء الوجه
ونحن وجود ضيع اوراق الاثبات
نحن شعوب الزنزانات الكبرى
وجيوش الاستعراضات
وملوك التفويض القبلي
وملوك الجمهوريات
نحن حواة
فوق حبال الحاكم نلعب ((إكرويات))
ندخل في السلة أدمغة
ونطيرها ببغاوات
ونغطي معه العورات
ونقول لها : كوني
ونقول لها : كوني
فتكون دواوين القات
ومواخير التنديات
ومباغي الاستنكارات
ويكون بغاء الكلمات
لا تنتظروا أحدا منا
انتم في الضفة لكنها
من قبل مئات السنوات
غرقى في بحر الظلمات
* * *
من أي طريق نأتيكم
لوأحسنا بالتقصير
في أي دروب سنير
في أي بحار سنحير(63/498)
في أي سماء سنطير
الارض كلاب نابحه
والبحر كلاب سابحه
والجو جهاز تقارير
من اين سنأتي وخفير
ما بين خفير وخفير
يلقي القبض على الصالحين بلا تحذير
يخلع اقدام الماشين بلا تصريح
يرفع بصمات التفكير
يقتل من كان بحوزته شرف
أوكان بجنبيه ضمير
يا أبناء الضفة يا احرار
ياأهل الجنه
إنا في النار
نحن شعوب ديكورات
وجيوش فاسدة اللحم
ليست تصلح للتصدير
وبلاد وحدتها لغز
ضاق بع عقل التفسير
وحكومات محكومات
مهنتها تحرير الأرض من التحرير
لا تنتظروا منا أحداً
لن نأتي أبدا
ما عدنا غير نفايات
تكره التطهير
فالصبح لديا اكفان
والليل لدينا تابوت
والانجم فيه مسامير
* * *
اهل الضفة
أعطونا صورتنا الاولى
واعيدونا
من منفى هذي الاوطان
أنتشلونا من مختبرات السرطان
أعطونا عنواناص آخر
غير جنينات الحيوان
أعطونا معنى التفكير
وأرونا شكل التعبير
وأنتزعونا من حفلات الزوار
ومن مؤتمرات التزوير
ودعونا نتعلم منكم
فلاعداء بكل مكان
منذ زمان
شرموا شرم الشيخ
وبالوا في سيناء
وناموا في الجولان
وقاموا في لبنان
ومدافع جيش التحرير
لحد الان
تمسح آثار العدوان
تهدم مبنى
تفتح سجناً
تزرع خوفاً
تحصد جبناً
تأخذ انوار البترول
وتعطينا النيران
وتزع خيرات القتل علينا بالمجان
وتخلفنا بالقرآن
أن نغتال الله
ونشنق آايات القران
من زمان
لا صوت لنا لا طعم لنا لا لون لنا
حتى جئتم
لتعيدوا ترتيب الدنيا
وتعيدوا وضع الميزان
هذا ماوعد الرحمن
كن فيكون فكنتم
فإذا أنتم
أمطار تشوي البركان؟
وملائكة تخرج من رحم الشيطان
ورؤوس تحني هامات الروس
وأمر يصفع أمر الأمريكان
وإذا أنتم
حجر يكسر نافذة النسيان
ليذكرنا
فذكرنا صورتنا الأولى
وعرفنا شكل الإنسان
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> الكعبة الزهراء
الكعبة الزهراء
رقم القصيدة : 66282
-----------------------------------
بنور على أم القرى و بطيب
غسلت فؤادي من أسى و لهيب
لثمت الثّرى سبعا و كحّلت مقلتي(63/499)
بحسن كأسرار السماء مهيب
و أمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)
بأعبائه من لهفة و وجيب
فيا مهجتي : وادي الأمين محمد
خصيب الهدى : و الزرع غير خصيب
هنا الكعبة الزّهراء . و الوحي و الشذا
هنا النور. فافني في هواه و ذوبي
و يا مهجتي : بين الحطيم و زمزم
تركت دموعي شافعا لذنوبي
و في الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي
و عطّر أبواب السماء نحيبي
***
و ردّدت الصحراء شرقا و مغربا
صدى نغم من لوعة و رتوب
تلاقوا عليها ، من غني و معدم
و من صبية زغب الجناح و شيب
نظائر فيها : بردهم برد محرم
يضوع شذا : و القلب قلب منيب
أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا
بأفيح - من عفو الإله - رحيب
و ذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد
ورقّ لخوف الله كلّ صليب
***
و لو أنّ عندي للشّباب بقيّة
خففت إليها فوق ظهر نجيب
و لي غفوة في كلّ ظلّ لقيته
و وقفة سقيا عند كلّ قليب
هتكت حجاب الصّمت بيني و بينها
(بشبّابة) سكرى الحنين خلوب
حسبت بها جنّيّة (معبدية)
و فرّجت عن غماّئها بثقوب
***
و ركب عليها ، وسم أخفاق عيسهم
وهام تهاوت للكرى و جنوب
و ألف سراب ، ما كفرت بحسنها
و إن فاجأت غدرانها بنضوب
و ضجّة صمت جلجلت . ثمّ وادعت
و رقّت ، كأخفى همسة و دبيب
و أطياف جنّ في بحار رمالها
تصارع حالي طفوة و رسوب
و تعطفني آلآرام فيها نوافر
إلى رشأ في الغوطتين ربيب
يعلّلني - و الصدق فيه سجية
بوعد مطول باللقاء كذوب
و بدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما
بحسن عنيف في الرّمال كئيب
و من صحب الصحراء هام بعالم
من السحر جنّي الطيوف رهيب
و للفلك الأسمى ، فضول لسرها
ففي كلّ نجم منه عين رقيب
***
أرى بخيال السّحب - خطو محمد
على مخصب من بيدها و جديب
و سمر خيام مزّق الصمت عندها
حماحم خيل بشّرت بركوب
و نارا على نجد من الرمل أوقدت
لنجدة محروم و غوث حريب
و تكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا
نعيم فياف و اخضلال سهوب
أشمّ الرمال السمر : في كلّ حفنة
من الرّمل ، دنيا من هوى و طيوب
على كلّ نجد منه نفح ملائك(63/500)
و في كلّ واد منه سرّ غيوب
توحّدت بالصحراء . حتّى مغيبها
و مشهدها من مشهديّ و مغيبي
ومن هذه الصحراء ، أنوار مرسل
و رايات منصور . و بدع خطيب
و من هذه الصحراء ، شعر تبرّجت
به كلّ سكرى بالدلال عروب
تعطّر في أنغامه و رحيقه
وريّاه :عطري مبسم و سبيب
ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا
فأترع أحلامي و أهرق كوبي
و ما أكرم الصحراء .. تصدى .. و نمنمت
لنا برد ظل كالنعيم رطيب
و يغفو لها التاريخ . حتّى ترجّه
بداهية صلب القناة أريب
شكا الدّهر ممّا أتعبته رمالها
و لم تشك فيه من ونى و لغوب
و صبر من الصحراء ، أحكمت نسجه
سموت به عن محنتي و كروبي
و من هذه الصحراء .. صيغت سجيّتي
فكلّ عجيب الدّهر غير عجيب
يرنّح شعري باللوى كلّ بانة
و يندى بشعري فيه كلّ كثيب
و لولا الجراح الداميات بمهجتي
لأسكر نجدا و الحجاز نسيبي
و هيهات ما لوم الكريم سجيّتي
و لا بغضه عند الجفاء نصيبي
نقلت إلى قلبي حياء و عفّة
أسارير وجهي من أسى و قطوب
و عرّتني الأيّام ممّن أحبّهم
كأيك - تحاماه الرّبيع - سليب
و رب ّ بعيد عنك أحلى من المنى
و ربّ قريب الدّار غير قريب
و ويح الغواني : ما أمنت خطوبها
و قد أمنت بعد المشيب خطوبي
و كيف و ثوبي للزّمان و أهله
و للشيّب أصفاد يعقن و ثوبي
أفي كلّ يوم لوعة بعد لوعة
لغربة أهل أو لفقد حبيب
و يارب : في قلبي ندوب جديدة
تريد القرى من سالفات ندوب
يريد حسابي ظالم بعد ظالم
و ما غير جبّار السماء حسيبي
و يا رب : صن بالحبّ قومي مؤلفا
شتات قلوب لا شتات دروب
و يا رب : لا تقبل صغاء بشاشة
إذ لم يصاحبه صفاء قلوب
تداووا من الجلىّ بجلىّ .. و خلّفوا
وراءهم الإسلام خير طبيب
***
و يا رب : في الإسلام نور و رحمة
و شوق نسيب نازح لنسيب
فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت
إلى أمم مقهورة و شعوب
وكلّ بعيد حجّ للبيت أو هفا
إليه- و إن شطّ المزار - قريبي
سجايا من الإسلام : سمح حنانها
فلا شعب عن نعمائها بغريب
***(64/1)
و آمنت أنّ الحبّ خير ونعمة
و لا خير عندي في وغى و حروب
و كلّ خصيب الكف فتحا وصولة
فداء لكف بالعبير خضيب
و آمنت أنّ الحب و النور واحد
و يكفر بالآلاء كلّ مريب
و لو كان في وسعي حنانا و رحمة
لجنّبت أعدائي لقاء شعوبي
***
و يا رب : لم أشرك و لم أعرف الأذى
و صنت شبابي عنهما و مشيبي
و إنّي - و إن جاوزت هذين سالما
لأكبر لولا جود عفوك حوبي
و أهرب كبرا أو حياء لزلّتي
و منك ، نعم ، لكن إليك هروبي
و أجلو عيوبي نادمات حواسرا
و أستر إلاّ في حماك عيوبي
و أيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر
معنى بألوان الجمال طروب
و لو شهدت حور الجنان مدامعي
ترشّفن في هول الحساب غروبي
***
مدحت رسول الله أرجو ثوابه
و حاشا الندى أن لا يكون مثيبي
وقفت بباب الله ثمّ ببابه
وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب
صفاء على اسم الله غير مكدّر
و حب لذات الله غير مشوب
و أزهى بتظليل الغمام لأحمد
و عذب برود من يديه سروب
فإن كان سرّ الله فوق غمامة
تظلّ و ماء سائغ لشروب
ففي معجز القرآن و الدولة التي
بناها عليه مقنع للبيب
***
و يا رب عند القبر قبر محمد
دعاء قريح المقلتين سليب
بجمر هوى عند الحجيج لمكّة
و دمع على طهر ( المقام ) سكوب
بشوق على نغماه ، ضمّ جوانح
و وجد على ريّاه زرّ جيوب
ترفّق بقومي و احمهم من ملمّة
لقد نشبت أو آذنت بنشوب
وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى
فقد ترجع الأحلام بعد عزوب
وردّ القلوب الحاقدات إلى ند
من الحبّ فوّاح الظلال عشيب
***
تدفقت الأمواج و اللّيل كافر
و هبّ جنون الرّيح كلّ هبوب
رمى اليمّ انضاء السفين بمارد
من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب
يزلزلها يمنى و يسرى مزمجرا
و يضغمها من هوله بنيوب
يرقّصها حينا و حينا يرجّها
و يوجز حالي هدأة و وثوب
و ترفعها عجلى و عجلى تحطّها
لعوب من الأمواج جدّ لعوب
و أيقن أنضاء السفينة بالردى
يطالعهم في جيئة و ذهوب
و لمّا استطال اليأس يكسو وجوههم
بألوانه من صفرة و شحوب
دعوا : يا أبا الزهراء و الحتف زاحف(64/2)
عليهم : لقد وفّقتم بمجيب
و أسلست الرّيح القياد كأنها
نسيم هفا من شمأل و جنوب
و باده لطف الله من يمن أحمد
ببرد على عري الرّجاء - قشيب
***
و أقعدني عنك الضّنى فبعثتها
شوارد شعر لم ترع بضريب
و ترشدها أطياب قبرك في الدجى
فتعصمها من حيرة و نكوب
و عند أبي الزهراء حطّت رحالها
بساح جواد للثناء كسوب
***
جلوت على وادي العقيق فريدتي
ففاز حسيب منهما بحسيب
تتيه حضارات الشعوب بشاعر
و تكمل أسباب العلى بأديب
و عند أبي الزهراء حطّت رحالها
بساح جواد للثناء كسوب
***
جلوت على وادي العقيق فريدتي
ففاز حسيب منهما بحسيب
تتيه حضارات الشعوب بشاعر
و تكمل أسباب العلى بأديب
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> ابتهالات
ابتهالات
رقم القصيدة : 66283
-----------------------------------
لا الغوطتان و لا الشباب أدعو هواي فلا أجاب
أين الشام من البحيرة و المآذن و القباب
و قبور إخواني و ما أبقى من السيف الضراب
الصامتات و للطيور على مشارفها اصطخاب
الغافيات فلم ترع منها الزماجر و الوثاب
أشتاق أحضنها و ألثمها و للدمع انسكاب
تحنو الدموع على القبور فتورق الصمّ الصلاب
و لها إلينا لهفة و لطول غربتنا انتحاب
يا شام : يا لدة الخلود و ضمّ مجدكما انتساب
من لي بنزر من ثراك و قد ألحّ بي اغتراب
فأشمّه و كأنّه لعس النواهد و الملاب
و أضمّه فترى الجواهر كيف يكتنز التراب
هذا الأديم شمائل غرّ و أحلام عذاب
و أمومة و طفولة و رؤى كما عبر الشهاب
و تحيّة مسكيّة من سالفين هووا و غابوا
و من الأبوّة و الجدود لأهل ودّهم خطاب
هذا الأديم أبي و أمّي و البداية و المآب
و وسائدي و قلائدي و دمى الطّفولة و السخاب
ودد يباع له الوقار و لا ندامة و الصواب
أغلى عليّ من النجوم و لا ألام و لا أعاب
الروح من غيب السماء و منك قد نسج الإهاب
أشتاق شمسك و الضحى أنا و البحيرة و الضباب
و مضفّرات بالثلوج كأنّما نصل الخضاب(64/3)
تعوي الرّياح فما القساور في الفلاة و ما الذئاب
و الثلج جنّ فلم تبن سبل و لم تعرف شعاب
أخفى المعالم لا السفوح هي السفوح و لا الهضاب
يا شمس غبت فكيف تمّ - و لا طلوع لك - الغياب
إن كنت مسلمة الهوى فتألّقي رفع الحجاب
ملّ السحاب من السماء وقرّ في الأرض السحاب
و كأنّ ملء الأرض ملء الأفق آلهة غضاب
حسن يهاب و ما سما حسن يحبّ و لا يهاب
***
دوح البحيرة أين سامرك المعطّر و الشراب
و الراقصون ونوا فحين دعاهم النغم ، استجابوا
و القاطفون شفاههم كورودهم حمر رطاب
ثغر على ثغر . تسرّب فيه ، فاختلط الرضاب
قبل ، أغاريد الشفاه فتستعاد و تستطاب
و تكاد تقطف كالرّياحين المجانة و الدعاب
أهي العقود على الرّقاب بل المعاصم و الرقاب
بيني و بين الدوح في أحزانه النسب القراب
من كلّ موحشة فأين الطيب و الوهج المذاب
و غدا يعود لك الشباب و لن يعود لي الشباب
الدّهر ملك يمينه و الشمس من يسراه قاب
طابت سلافته تدار على سكارها و طابوا
لهفي عليه فطالما أشقاه لوم و اغتياب
نعم الملائك بالشباب فما لنعمته استلاب
و يزورنا لمع البروق فما للامعه اصطحاب
و العمر أيام قد اختصرت و آمال رحاب
ليت الملائك يشفقون على الألى عبثوا و خابوا
قدر تعجّل أن نعاقب مؤمنين و أن يثابوا
عد يا شباب و لن أطامن من جماحك يا شباب
***
في غربة أنا و الإباء المرّ و الأدب اللباب
كالسيف حلّته الفتوح و ربّما بلي القراب
طود أشمّ فكيف ترشقني السّهام و لا أصاب
يخفي البغاث فلا تلمّ به و لا يخفى العقاب
الكبر عندي للعظيم إذ تكبّر لا العتاب
عندي له زهد يدلّ على الكواكب و اجتناب
يزهو الكريم و قلبه قطع تمزّقها الحراب
أغلى المروءة شيمة طبعت و أرخصها اكتساب
***
أنا ما عتبت على الصحاب فليس في الدنيا صحاب
خرس و لكن قد تفاصحت الخواتم و الثياب
عقمت مروءتهم و تطمع أن يدغدغها احتلاب
و اعفّ عن سبّ اللئيم و ربّما نبل السباب
حيّا فبشر سلامه نزر و بسمته اغتصاب(64/4)
يا من يمنّ بودّه و الشهد . حين يمنّ - صاب
أنا كالمسافر لاح لي أيك و أغرتني قباب
و تفتّحت حولي الرياض الخضر و اصطفق العباب
و وثقت أنّ النهر ملك يدي ففاجأني السراب
***
أنا لا أرجّي غير جبّار السماء و لا أهاب
بيني و بين الله من ثقتي بلطف الله باب
أبدا ألوذ به و تعرفني الأرائك و الرّحاب
لي عنده من أدمعي كنز تضيق به العياب
***
يا ربّ : بابك لا يردّ اللائذين به حجاب
مفتاحه بيديّ يقين لا يلمّ به ارتياب
و محبّة لك لا تكدّر بالرّياء و لا تشاب
و عبادة لا الحشر أملاها عليّ و لا الحساب
وإذا سألت عن الذنوب فإن ّ أدمعي الجواب
هي في يميني حين أبسطها لرحمتك الكتاب
إنّي لأغبط عاكفين على الذنوب و ما أنابوا
لو لم يكونوا واثقين بعفوك الهاني لتابوا
منهم غدا لكنوز رحمتك اختطاف و انتهاب
و لهم غدا بيقينهم من فيء سدرتك اقتراب
و سقيت جنّتك الدموع فروّت النطف العذاب
و سكبت في نيرانك العبرات فابترد العذاب
تنهل في عدن فنوّر كوكب و نمت كعاب
قرّبتها زلفى هواك فلا الثواب و لا العقاب
أنت المرجّى لا تناخ بغير ساحتك الركاب
الأفق كأسك و النجوم الطافيات به حباب
أنا من بحارك قطرة مّما تحمّله الرباب
ألقى بها بعد السّفار فضمّها قفر يباب
ألبحر غايتها فلا واد يصدّ و لا عقاب
يا دمعة المزن اغتربت و شطّ أهلك و الجناب
حثّي خطاك فللفروع إلى أرومتها انجذاب
حثّي خطاك فشاهق يرقى و موحشة تجاب
ألبحر معدنك الأصيل و شوق روحك و الحباب
و غدا للجّته و إن بعدت يتمّ لك انسياب
***
أنا لا أطيل إذا ابتهلت و قد تحدّتني الصّعاب
لا أشتكي و بمهجتي ظفر يمزّقها و ناب
مسح الحياء على الدموع و أكرم الشكوى اقتضاب
تكفي ببابك وقفة و أسى تجمّل و اكتئاب
***
يا شام عطر سريرتي حبّ لجمرته التهاب
أنت اللبانة في الجوانح لا النوار و لا الرباب
لك مهجتي و قبولها منك الهديّة و الثواب
و النور في عيني و لا منّ عليك و لا كذاب(64/5)
أنا من عرفت : تجلّد عند النوائب و احتساب
و لئن عثرت فربّما عثرت مجليّة عراب
يعيا بحقّك من يسوّفه و لا يعيا الطلاب
غالبت أشواقي إليك و يضرم الشوق الغلاب
و وددت لو عمرت رباك و ألف عامرة خراب
أنا طيرك الشادي و للأنغام من كبدي انسراب
سكبت أغاريدي و للأمواج زأر و احتراب
فصغت تسمعها الريّاح و قرّ في الموج اضطراب
أنا و الربيع مشرّدان و للشذا معنا ذهاب
لا الأيك بعد غيابنا غرد الطيوب و لا الرباب
و النور يسأل و الخمائل و الجمال متى الإياب ؟
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> أني لا شمت بالجبار
أني لا شمت بالجبار
رقم القصيدة : 66284
-----------------------------------
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا
رقّ الحديد و ما رقّوا لبلوانا
خلّ العتاب دموعا لا غناء بها
و عاتب القوم أشلاء و نيرانا
آمنت بالحقد يذكي من عزائمنا
و أبعد الله إشفاقا و تحنانا
ويل الشعوب التي لم تسق من دمها
ثاراتها الحمر أحقادا و أضغانا
ترنّح السوط في يمنى معذّبها
ريّان من دمها المسفوح سكرانا
تغضي على الذلّ غفرانا لظالمها
تأنّق الذلّ حتّى صار غفرانا
ثارات يعرب ظمأى في مراقدها
تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
ألا دم يتنزّى في سلافتها
أستغفر الثأر بل جفّت حميّانا
لا خالد الفتح يغزو الروم منتصرا
و لا المثنّى على رايات شيبانا
أمّا الشام فلم تبق الخطوب بها
روحا أحبّ من التعمى و ريحانا
ألمّ و اللّيل قد أرخى ذوائبه
طيف من الشام حيّانا فأحيانا
حنا علينا ظماء في مناهلها
فأترع الكأس بالذكرى و عاطانا
تنضّر الورد و الريحان أدمعنا
و تسكب العطر و الصهباء نجوانا
السامر الحلو قد مرّ الزّمان به
فمزّق الشمل سمّارا و ندمانا
قد هان من عهدها ما كنت أحسبه
هوى الأحبّة في بغداد لا هانا
فمن رأى بنت مروان انحنت تعبا
من السلاسل يرحم بنت مروانا
أحنو على جرحها الدامي و أمسحه
عطرا تطيب به الدّنيا و إيمانا
أزكى من الطيب ريحانا و غالية(64/6)
ما سال من دم قتلانا و جرحانا
هل في الشام و هل في القدس والدة
لا تشتكي الثكل إعوالا و إرنانا
تلك القبور و لو أنّي ألمّ بها
لم تعد عيناي أحبابا و إخوانا
يعطي الشّهيد فلا و الله ما شهدت
عيني كإحسانه في القوم إحسانا
و غاية الجود أن يسقي الثرى دمه
عند الكفاح و يلقى الله ظمآنا
و الحقّ و السّيف من طبع و من نسب
كلاهما يتلقّى الخطب عريانا
***
و الحزن في النّفس نبع لا يمرّ به
صاد من النّفس إلاّ عاد ريّانا
و الخير في الكون لو عرّيت جوهره
رأيته أدمعا حرّى و أحزانا
سمعت باريس تشكو زهو فاتحها
هلاّ تذكّرت يا باريس شكوانا
و الخيل في المسجد المحزون جائلة
على المصلّين أشياخا و فتيانا
و الآمنين أفاقوا و القصور لظى
تهوي بها النّار بنيانا فبنيانا
رمى بها الظالم الطاغي مجلجلة
كالعارض الجون تهدارا و تهتانا
أفدي المخدّرة الحسناء روّعها
من الكرى قدر يشتدّ عجلانا
تدور في القصر عجلي و هي باكية
و تسحب الطيب أذيالا و أردانا
تجيل و النوم ظلّ في محاجرها
طرفا تهدهده الأحلام و سنانا
فلا ترى غير أنقاض مبعثرة
هوين فنا و تاريخا و أزمانا
تلك الفضائح قد سمّيتها ظفرا
هلاّ تكافأ يوم الرّوع سيفانا
نجابه الظلم سكران الظّبى أشرا
و لا سلاح لنا إلا سجايانا
إذا انفجرت من العدوان باكية
لطالما سمتنا بغيا و عدوانا
عشرين عاما شربنا الكأس مترعة
من الأذى فتملّي صرفها الآنا
ما للطواغيت في باريس قد مسخوا
على الأرائك خدّاما و أعوانا
الله أكبر هذا الكون أجمعه
لله لا لك تدبيرا و سلطانا
ضغينة تتنزّى في جوانحنا
ما كان أغناكم عنها و أغنانا
***
تفدى الشموس بضاح من مشارقها
هلال شعبان إذ حيّا بشعبانا
دوّت به الصرخة الزهراء فانتقضت
رمال مكّة أنجادا و كثبانا
و سال أبطحها بالخيل آبية
على الشكيم تريد الأفق ميدانا
و بالكتائب من فهر مقنّعة
تضاحك الشمس هنديّا و مرّانا
تململ الفاتحون الصيد و ازدلفوا
إلى السيوف زرافات و وحدانا(64/7)
و للجياد صهيل في شكائمها
تكاد تشربه الصحراء ألحانا
السابقات و ما أرخوا أعنّتها
و الحاملات المنايا الحمر فرسانا
سفر من المجد راح الدهر يكتبه
و لا يضيق به جهرا و أمعانا
قرأت فيه الملوك الصيد حاشية
و الهاشميّين طغراء و عنوانا
شدّ الحسين على الطغيان مقتحما
فزلزل الله للطغيان بنيانا
نور النّبوة في ميمون غرّته
تكاد ترشفه الأجفان فرقانا
لاث العمامة للجلّى و لست أرى
إلاّ العمائم في الإسلام تيجانا
يا صاحب النّصر في الهيجاء كيف غدا
نصر المعارك عند السلم خذلانا
ترى السياسة لونا واحدا و يرى
لها حليفك أشكالا و ألوانا
لا تسأل القوم أيمانا مزوّقة
فقد عيينا بهم عهدا و أيمانا
أكرمت مجدك عن عتب هممت به
لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
***
ما للسّفينة لم ترفع مراسيها ؟
ألم تهيئ لها الأقدار ربّانا ؟
شقّي العواصف و الظلماء جارية
باسم الجزيرة مجرانا و مرسانا
ضمّي الأعاريب من بدو و من حضر
إنّي لألمح خلف الغيم طوفانا
يا من يدلّ علينا في كتائبه
نظار تطلع على الدنيا سرايانا
***
***
***
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> دمعة على الشام
دمعة على الشام
رقم القصيدة : 66285
-----------------------------------
نظم الشاعر القصيدة وهو لاجئ في بغداد
.
.
حيّ الرئيس إذا نزلت بساحه
رحبا تهلّل للوفود فساحا
و اقرأ له شعري ترنّح عطفه
غرر البيان وجوّد الأمداحا
و اهتف إذا هدأ النديّ و لم تجد
إلاّ الأحبّة فيه و النصّاحا
يا شارب الماء القراح : بجلّق
لم يشربوا إلاّ الدّموع قراحا
عرس الشام طغى عليه ظالم
فطوى البساط و حطّم الأقداحا
نكث العهود و راح يحمل غدرة
بلقاء فاجرة اليمين و قاحا
***
قل للرّئيس تحيّة من شاعر
لم يقو بالبلوى فضجّ و باحا
جليت له الدنيا و زوّق حسنها
فزوى بحرّ جبينه و أشاحا
كتم الأباة دموعهم و أذعتها
حرقا مجلجلة البيان فصاحا
و لأهتفنّ بها فأسمع فيصلا
و أحرّك المنصور و السفّاحا
و أعزّ من عبد الإله بغضبة(64/8)
لحمى أميّة بالشام مباحا
***
أمّا لداتك بالشام فإنّهم
حملوا الإباء سلاسلا و جراحا
نزلوا السجون فعطّروا ظلماتها
أنفا و عزّا كالضحى و جماحا
يا نازلين على السجون فأصبحت
بهم أعزّ حمى و أكرم ساحا
الله يعلم ما ذكرت عهودكم
إلا انفجرت تفجّعا و نواحا
و إذا ذكرتكم شربت مدامعي
فكأنّني ثمل أعبّ الراحا
إنّي ليحملني الخيال إليكم
فأجوب فيه سباسبا و بطاحا
و أخال أنّ البدر يحمل منكم
نبأ إليّ إذا أطلّ و لاحا
و أراكم و أكاد أسمع ضجّة
للديدبان و غدوة و رواحا
حسّ أشارككم به آلامكم
و أكاد أحمل عنكم الأتراحا
شيخ العروبة في القيود إباؤه
يخفي السنين و عبئها الفضّاحا
عنف الطغاة به و يسخر كبره
بالشامتين طلاقة و مراحا
حمل القضية و السنين فياله
من منكب زحم الردى و أزاحا
و إذا ذكرت أبا رياض عادني
شجن الغريب طغى هواه فناحا
الذائد الحامي كأنّ بيانه
أي السماء تنزّلت ألواحا
يا راكب الوجناء أخمل عهدها
إبلا ظماء في الفلاة طلاحا
مرّت كلامعة البروق فهجّنت
غرر العراب الشقر و الأوضاحا
لا تعد عند اللاّذقيّة شاطئا
غزلا كضاحكة الصّبا ممراحا
نديان من أشر الصّبا و جنونه
طلق الفتون مجانة و مزاحا
بالله إن كحلت جفونك موجه
ضمّ الشراع و قبّل الملاّحا
و اسرق من الكنز المقدّس مغربا
حلو الأصيل و مشرقا لمّاحا
و انزل على خير الأبوّة رحمة
تسع الحياة و عفّة و صلاحا
يشكو السقام فإن هتفت أمامه
باسمي تهلّل وجهه و ارتاحا
و أطل حديثك يستعده تعلّلا
بالذكر لا لتزيده إيضاحا
و إذا ألحّ فللحنان عذوبة
في مقلتيه تحبّب الإلحاحا
و الثم أحبّتي الصغار و رفّها
غررا نواعم كالورود صباحا
و احمل لإخوان الجهاد تحيّة
كالروض رفّ عباهرا و أقاحا
و إذا نزلت ببانياس فحيّها
عنّي و ضمّ عبيرها الفوّاحا
و اسكب على قبر هناك معطّر
بالذكريات فؤادك الملتاحا
و أنا الوفيّ و إن نزحت و ربّما
لجّ الحنين فأتلف النزّاحا
إنّ الفراخ على نعومة ريشها
ريعت ففارق سربها الأوداحا(64/9)
***
فتّ العدوّ بمهجتي و تركتهم
حنقا عليّ يقلّبون الرّاحا
عزم فجأت به العدى لم أستشر
نجما عليه و لا أجلت قداحا
مالي أكافح بالبيان و إنّه
جهد المقلّ عزيمة و كفاحا
و من الغضاضة أنّني أرضى به
بعد الظماء المرهفات سلاحا
فلئن سلمت لأهتفنّ بغارة
شعواء أحكمها ظبى و رماحا
و لأشهدنّ بكل فجّ معقلا
للظلم زعزعه القضاء فطاحا
***
خلّوا جناحا في العراق لنسره
و تخوّفوه في الشام جناحا
و لو أنّهم خلّوا عنان جناحه
لغدا به بين النّجوم و راحا
***
أمّا اللواء فللعراق و ربّما
زحم الكواكب نجدة و طماحا
آسي الجراح الداميات حنانه
و هفا ورقّ طلاقة و سماحا
النازلون على العراق تفيّأوا
ظلّ العراق معطّرا نفّاحا
الله أطلع في مخائل فيصل
عند الخطوب الزّاحفات صباحا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> عيد الجلاء
عيد الجلاء
رقم القصيدة : 66286
-----------------------------------
ألزغاريد فقد جنّ الإباء
من صفات الله هذي الكبرياء
بأبي العزلاء في غمرتها
آلة الحرب جراح و دماء
بنت مروان اصطفاها ربّها
لا يشاء الله إلاّ ما تشاء
هي في غسان لا بأس و ندى
و هي في الإسلام فتح و بلاء
جمرة الحق سبحان الذي
صاغ هذا الجمر من ظل و ماء
الأديم السّمح عطر و رؤى
ربّما أغفى عليه الأنبياء
و على كلّ مكان جدّة
تأسر العين و نعمى و رواء
خالف المشهد فيها جاره
فلدات الحسن شتّى غرباء
كلّ حسن بدعة مفردة
ليس بين الحسن و الحسن إخاء
تندر الأشباه ممّا اختلفت
صور الحسن و تخفى النظراء
ألورود الحمر ذكرى و هوى
و طيوف من جراح الشّهداء
نفحة الصّبح على غوطتنا
خبر عنهم و أطياب المساء
حملت زغردة العرس لكم
فانتشى الأفق و لم يصح الهواء
أيّها الدنيا ارشفي من كأسنا
إنّ عطر الشام من عطر السماء
شهداء الحقّ في جنّتهم
هزّهم للشام وجد و وفاء
تضحك (الرّبوة) في أحلامهم
هل عن الرّبوة في عدن غناء
كلّما هبّت صبا من (دمّر)
رنّح الجنّة طيب و غناء
خيلاء الحقّ في عدن لكم(64/10)
يغفر الله لقومي الخيلاء
و اعذروا عدنا على غيرتها
إنّها و الشام في الحسن سواء
شهداء الحقّ هل يسكركم
في نعيم الله شعر و غناء
فسلوا الله بما قدّمتم
يكشف الله عم السرّ الغطاء
و إذا الفردوس مجلو على
مفرق الشمس فما فيه خفاء
عربيّ الدّار و الأهل معا
و الرحيق المشتهى و الندماء
حمحمات الخيل في أفيائه
و قرى الضيف و ترجيع الحداء
عمر الفردوس ظلا و قرى
و تجلّى للوفود الخلفاء
آل مروان جلال و ندى
و بنو العبّاس هدي و ضياء
متصافين على نعمائه
ليس في الجنّة إلاّ الأصفياء
سكب الله على أحقادهم
من نديّ الحبّ ما شاؤوا و شاء
و على السدّة قحطانية
جلي الملك و قيل : الشعراء
و تغّنيت فمرّت صور
لذّة الأحلام من دنيا الفناء
كلّما سلسلت من ألحانها
مسحوا الدمع على فضل الرّداء
أنت ميراث لنا من عمر
يسأل الديّان عنه الورثاء
***
يا فلسطين هوى مسعر
من ربى الشام و نصر و ولاء
و تحيّات الرضى من دجلة
و سلام الله من غار حراء
أين من ثأرك و الثأر دم
خالد الفتح و أين الأمراء
اليهود استأسدوا فيك فمن
جرّأ الضعف و أشلى الضعفاء
هان عن شكواي عبدان العصا
أنا أشكو من عهود الحلفاء
و تغنّيت فجنّت طربا
أريحيات و نعمى و حياء
جنّة الفردوس أنتم أهلها
و سواكم في حماها غرباء
أنا أشعاري من أحسابكم
غرر الأحساب و الشعر وضاء
هفت الحور و ألقت خمرها
أين رضوان و أين الرقباء
كلّ حوراء على أجفانها
يحلم السّحر و يغفو الإشتهاء
تمّ صفو الدّهر لولا محنة
في فلسطين و بلوى و شقاء
يا ربى القدس و ما أندى الرّبى
دمنا فيها ربيع و نماء
هذه الأطياف في جنّاتها
أريحيّات الجدود القدماء
همس الفردوس هل من نبأ
عن ربى الغوطة معسول الرّجاء
و نعم عندي بشرى عطّرت
بالزغاريد وجوه البشراء
إنتزعنا الملك من غاصبه
و كتبنا بالدم الغمر الجلاء
و سقانا كأسه مترعة
و سقينا و في الكأس امتلاء
و اقتحمنا حديدا و لظى
و جزيناه اعتداء باعتداء
سكرت ممّا ارتوت من دمه(64/11)
غصص حرّى و ثارات ظماء
كلّما جدّل منّا بطل
زغردت في زحمة الهول النّساء
الظباء الأمويّات و في
خدرها الدّنيا : حمى الله الظّباء
كلّما نادين فتيان الحمى
كبّر الفتيان و ارتدّ النداء
نحن للغوطة في الجلّى فدى
و لهذا الكحل في العين فداء
سقت الجرحى فلم يظمأ فتى
رشف الكوثر من هذا السقاء
شهداء الحقّ لا أبكيكم ...
جلّت الغوطة عن ضعف البكاء
جلّ هذا الدم أن يرثى له
عار سفّاكيه أولى بالرّثاء
الرّبى في ميسلون استعبرت
أين دمع الحزن من دمع الهناء
أقبل الدّهر عليها تائبا
وعفا يوسف عن جور القضاء
يا ظباء الأمويّين اضحكي
تضحك الدّنيا و يغمرها الصفاء
و اغمزي الأنجم هذي أعين
شأنها في الدّهر لمح و اجتلاء
أعين حبّك قد سهّدها
فاغمريها بالمنى تغف السّماء
و على السدّة و النقع دجى
أموي الفتح مرموق البهاء
من عليّ فيه طهر و هدى
و من الفاروق بأس و مضاء
كيف أنسى يا زعيمي ليلة
عصفت نيرانها بالأبرياء
غوطة الشام جحيم فائر
و الميادين طعان و رماء
ما شكى الشاكون فيها ظمأ
أكؤس الحقد روّيات ملاء
ملك الطاغي الثنايا عنوة
و استحرّ القتل و اشتدّ البلاء
و تجارى الأمويّون إلى
غمرة الموت و فاز السعداء
***
جنّت النّخوة قحطانيّة
و هي عزلاء و جنّ الأقوياء
***
تخرس الأنباء ممّا حملت
فهي همس في شفاه السّفراء
***
عنف باريس شجاني أمره
بدعة الأقدار عنف الجبناء
قد عذرناهم على غدرهم
و استرحنا و استراح الطلقاء
سهّل الغدر على صاحبه
أنّه من كلف المجد براء
لم ينل من عزمك اليأس و لا
عنت الدّهر و لا الدّاء العياء
بورك الإيمان نورا و هدى
نعمة الله و سرّ العظماء
يصنع الدنيا و لا تصنعها
صور العقل و ألوان الدّهاء
كتب الله لك النّصر به فعلى الظلاّم و الظلم العفاء
حقّ يوم الشام أن تكتبه
قدرة الله على وجه ذكاء
هذه الأرض لفرسانكم ...
و لعقبانكم هذا الفضاء
ملك مروان لكم وحدكم
قد جلا الإيمان كلّ الشركاء
ألغد الميمون في الدنيا لكم(64/12)
فاقتحم يا جيش و اخفق يا لواء
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> بدعة الذل
بدعة الذل
رقم القصيدة : 66287
-----------------------------------
عاصف باده الرّبى و دخان
أين منك الشّقيق و الأقحوان
أين منك الرّبيع ينفح بالعطر
و أين السّلاف و الندمان
بورك الفرد حين يدمي فؤاد
عبقريّ أو حين تدمي بنان
محيت أشهر الرّبيع فلا أيّار
من دهرنا و لا نيسان
لا شقيق النّعمان في غوطة الشام
و لا عطره و لا النعمان
يعرف الفجر أنّ دمعي أصفى
من نداه و يعرف الريحان
هبّ ندى الفجر كالدموع صفاء
أين منه البلوى و أين الحنان
يعرف الطّيب أنّ دمعي أذكى
منه عطرا و تعرف الأردان..
تعرف الراح أنّ دمعي سلاف
و جفوني كؤوسها و الدّنان
أنا أبكي للّيل أوحشه البدر
و للقلب هدّه الحرمان
أنا أبكي للهمّ يأوي إلى القلب
فيقسو على الغريب المكان
أنا أبكي لكلّ طاغ فما يستر
إلاّ الضراعة الطغيان
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن
و للحسن فاته الإحسان
أنا أرثي للمترفين فما يبدع
إلاّ الشّقاء و الأحزان
و أنا المترف الأنيق و لكن
ترفي صاغ فنّه الرحمن
أنا أبكي لكلّ قيد فأبكي
لقريضي تغلّه الأوزان
أدمعي في السّماء أنجمها
الزّهر و في البحر درّه و الجمان
أيّها الكافرون هذي دموعي
من رسالات وحيها الإيمان
أيّها المذنبون هذا فؤادي
من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في
دنيا أساه و يهنأ الوجدان
من همومي ما لا يفيق على
البعث و منها المدلّه السهران
من همومي ما يغمر الكون بالعطر
و منها مزاهر و قيان
و همومي معطّرات عليها
من شبابي الطّموح و الريعان
كالغواني ، لكلّ عذراء لون
من جمال و نفحة و افتتان
لم أضق بالهموم فلبا و هل
ضاق بشتّى عطوره البستان
و الهموم الحسان تفعل في الأنفس
ما تفعل الغواني الحسان
و أنا الوالد الرّحيم و أبنائي
هموم الحياة و الأشجان
إنّ حلمي حلم النّجوم و ما
زوّق في الحلم نورها الوسنان
و أعير الحزين سحر بياني(64/13)
فيعزّيه لو يعار البيان
عقّني الأقربون من غمرة الخطب
و عقّ اللّدات و الإخوان
سوف يملي التاريخ عنّي ما يملي
فتخزى بظلمي الأوطان
ينصف العبقريّ دهر فسيّان
و في أصفياؤه أم خانوا
نعمة الشعر نعمة الشمس لا يعذر
فيها الجحود و النكران
و أسرّ الشكوى حياء و كبرا
ربّ شكوى إسرارها إعلان
***
كيف أغضي على الهوان لجبّار
و عندي الشباب و العنفوان
ما لسلطانهم على الحرّ حكم
كلّ نفس إباؤها سلطان
فلكي ثابت و لا خير في الأفلاك
يملي نظامها الدوران
لا مني اللاّئمون في الصّمت
و الصّمت على القبر لوعة لا هوان
كيف تشدو بلابل الدّوح
للفجر و في الدّوح عاصف مرنان
أخرستني الشّام تحفر للقبر عليها
الطيوب و الأكفان
يا لها ميتة و من صور الموت
همود الإباء و الإذعان
إنّه الموت لا اختلاف عليه
فعزاء بالشام يا مروان
لم يميّز محبّبا من بغيض
في الدّجى لا تميّز الألوان
***
بدعة الذلّ حين لا يذكر الانـ
ـسان في الشام أنّه إنسان
بدعة الذلّ أن يصاغ من الـ
ـفرد إله مهيمن ديّان
أيّها الحاكمون ما ضاعت الحجّة
منكم و لا انطوى البرهان
حقّ هذي النفوس أن ترفع
الأصنام فيها و تعبد الأوثان
***
يالها دولة تعاقب فيها
كالجناة العقول و الأذهان
أين حرّيتي فلم يبق حرّا
من جهير النّداء إلاّ الأذان
سبّة الدّهر أن يحاسب فكر
في هواه و أن يغلّ لسان
ألضحى و الشجاع حلفا كفاح
ما احتمى بالظّلام إلاّ جبان
حرنوا و الشعوب في موكب السّبق
و من شيمة الهجين الحران
يعثر الدّهر و الشعوب و تشقى
بالمناكير أمّة و زمان
قبروا في المهود ما سلّ سيف
في رداهم و لا تعرّى سنان
لم تنلهم يد المنيّة ظلما
و لدوا قبل أن يحين الأوان
سائلوا زحمة العواصف لمّا
رجّت الأرض أين كنّا و كانوا
و سلوا ظلمة السّجون فلن
ينبئ عنهم سجن و لا سجّان
كتب المجد ما اشتهت غرز المجد
و نحن الكتاب و العنوان
نحن تاريخ هذه الأمّة الفخم
و نحن المكان و السكّان
شرف الشوط بالمجلّي من الخيل(64/14)
و يخزي بغيره الميدان
من غوالي دموعنا الخمر و العطر
و نعمى دمائنا الأرجوان
قد سقينا من قلبنا الموت حتى
نبت الضرب في الرّبى و الطّعان
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت
و يشقى سرج و يشكو عنان
يتلوى على الحبال فنونا
أوزير في الدّست أم بهلوان ؟
أنسوا منه بالنّعومة و اللّين
و لا بدع إنّه أفعوان
ليس خلف البرود إلاّ هباء
فاحكم النّاس أيّها الطيلسان
ما على الحكم و هو مرعى و ماء
أن تعود الخماص و هي بطان
يظلم القلب لا مروءة فيه
فهو كالقبر موحش حرّان
كيف تسمو القلوب لولا االمروءات
و تغفو على المنى الأجفان
حسبوا ضحكة الشعوب ارتياحا
و اللّظى حين يضحك البركان
لا يهين الشعوب إلاّ رضاها
رضى النّاس بالهوان فهانوا
ما لشمّ الذرى تغضّ من الذلّ
فأين النسور و العقبان
يا وزيرا يطلّ بعد وزير
و العلى في ركابه و الزّمان
ربّ نعمى تضيع منّا إذا
زرت و لا ضجّة و لا ديدبان
و إذا فتّ أعين النّاس دلاّ
فلمن صاغ حسنك الرّحمن
أيّ بدع في المهرجانات يصنعن
فحقّ المتوّج المهرجان ....
و لمن تحشد الجموع فهل زار
ولايات ملكه الخاقان
لكم لا لقيصر أو لكسرى
رصّع التّاج و ازدهى الإيوان
و كفى هذه الرّعيّة عزّا
أنّها في رحابكم ضيفان
***
قلبي الواحة الطروب بصحراء
جفتها الظلال و الغدران
تتراءى الأفياء يومئن للـ
ـركب و تحنو على الونى الأفنان
و يعلّ الهجير ما شاء من قلبي
فقلبي المعطّر الريّان
جنّتي نعمة السكينة و الدّنيا
جحيم و الحرب حرب عوان
جنّتي الزهو و النّعيم ففي النـ
ـفس وثوق بالله و اطمئنان
الغوالي أديمها و اللآلي
و حصاها الياقوت و المرجان
و لاحيق تكاد تشتفّه العين
و يروي بلمحه الظمآن
و تمنّ كما تشاء الخيالات
و طوع الأمنيّة الإمكان
هذه جنّتي فلا تخدع الركب
فراديس زوّرت و جنان
إنّ للشرّ جنّة يغمز الإغراء
فيها و يضحك الشّيطان
جنّة الشرّ لا تخادعك ريّاها
ففي كلّ أيكة ثعبان
لا يغرّنك سحرها و رؤاها
جنّتي وحدها الرضى و الأمان
***(64/15)
يا أبا طارق تحيّة شعب
زلزلته الخطوب و الحدثان
زحف البحر بالجبال من الموج
دراكا و جرجر الطوفان
لطف الله بالسّفينة لم يسلم
شراع و لا نجا سكّان
تخبط اللّيل و العواصف و الرّكب
حيارى دليلهم حيران
حولها اليمّ كالجبال و أطيا
ف الرّدى و البروق و اللّمعان
و ظلام غمر رهيب فما
تبصر إلاّ الظنون و الآذان....
و عزيف للجنّ تنقله الريح
و أدّى الأمانة الترجمان
و انطوى تحتها الجحيم فللأمواج
من حرّ ناره فوران
سخرت بالسّفينة اللّجة
الخضراء و اختار قبره الربّان
و اطمأنت إلى القنوط فما تلمح
حتّى بالخاطر الشطآن
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> جلونا الفاتحين
جلونا الفاتحين
رقم القصيدة : 66288
-----------------------------------
تمنّى الرّكب وجهك و الصباحا
فجنّ اللّيل من فجرين لاحا
وحنّ إلى ظلالك عبد شمس
يريح شجونه ظمأى طلاحا
حمى الله الكواكب من معدّ
وصانك بينها قمرا لياحا
و طمأن للجواري كلّ بحر
و بلّغها السعادة و النجاحا
بطاح القدس دنّسها مغير
فهل صانت كتائبنا البطاحا
و هل جبهت بحدّ السيف دعوى
كعرض القوم فاجرة وقاحا
و لم نغضب لها أيّام كانت
حمى نهبا و شعبا مستباحا
و لا صدّت سرايانا عدوا
و لا هاجت حمّيتنا كفاحا
و لا اهتزّت صوارمنا انتخاء
و لا صهلت صوافننا مراحا
نجابه باليهود دما و نارا
فنغضي لا إباء و لا طماحا
***
جلونا الفاتحين فلا غدوّا
نرى للفاتحين و لا رواحا
إذا انفصفت أسنّتنا وصلنا
بأيدينا الأسنّة الصفاحا
إذا خرس الفصيح فقد لقينا
من النيران ألسنة فصاحا
زماجر دكّت الطّغيان دكّا
و أخرست الزلازل و الرّياحا
و تعرف هذه الحصباء منّا
دما سكبا و هامات وراحا
و أشلاء مبعثرة تمنّت
على البيد الشقائق و الأقاحا
تتيه بها الرّمال و تصطفيها
من الفردوس ريحانا و راحا
يرفّ على خمائل غوطتيها
هوى بطل على الغمرات طاحا
فألمح في السّراب منى شهيد
تخيّل في الوغى الماء القراحا
فلا حرم الشهيد بروض عدن(64/16)
على بردى غبوقا و اصطباحا
***
حمى دنيا أميّة أريحيّ
متين الأسر قد فرع الرّماحا
أبو حسّان إن طغت الرزايا
تحدّى الدّهر و القدر المتاحا
أشمّ الأنف أبلج سمهريّ
كأنّ على محيّاه صباحا
تمرّس بالخطوب فما شكاها
و لولا كبره لشكا وباحا
تذكّرت الشام أخاك سعدا
و من ذكر الحبيب فلا جناحا
أرقّ النّاس عاطفة و طبعا
و أعنفهم على الطّاغي جماحا
ينافح ، لا تروّعه المنايا
فإن شتم اللئيم فلا نفاحا
إذا بكت الشام أخاك سعدا
فقد بكت المروءة و السّماحا
زحمنا النجم منه على جناح
و فيّأنا مروءته و هوى صراحا
***
جراح في سريرتك اطمأنّت
لقد أكرمت بالصبر الجراحا
كأنّ الهمّ ضيفك فهو يلقى
على القسمات بشرا و ارتياحا
و قبلك ما رأت عيني هموما
مدلّلة و أحزانا ملاحا
و قد ترد الهموم على كريم
فترجع من صباحته صباحا
و يا دنيا أميّة لا تراعي
شبابك يغمر الرحب الفساحا
طلعت على العصور هدى و خيرا
غداة طلعت غزوا و اقتتاحا
و ما نبل الصّلاح على ضعيف
فبعض الذلّ تحسبه صلاحا
و علّمت الحضارة فهي فجر
على الأكوان ينساح انسياحا
و ربّ حضارة طهّرت و طابت
و ربّ حضارة ولدت سفاحا
و علّمت المروءة فهي عطر
من الفردوس يسكرنا نفاحا
و علّمت العروبة فهي عرض
لربك لن يهان و لن يباحا
أساح المجد حسبك لن تكوني
لغير شبابك المأمول ساحا
خذي ما شئت و اقترحي علينا
كرائم هذه الدنيا اقتراحا
***
أبا حسّان رفّ كريم ودّي
على نعماك فخرا و امتداحا
بلائي ما شهدت و ليس منّا
إذ عدّدتها غررا و ضاحا
إذا زحمتني الجلّى بروع
جمعت لها الإباء فلا براحا
و لو زحمت ثبيرا حين شدّت
عليّ لضجّ غاربه و زاحا
و أوجع من مصائبها خليل
أغار على المروءة و استباحا
يكتّم بغضه حقدا و جمرا
و يسمعني حنينا و التياحا
و يزعم كيده سرّا خفيّا
لقد جهر الزّمان به افتضاحا
تنكر و هو لو كشّفت عنه
أسفّ مجانة و هوى مزاحا
و ذلّ فلا نسمّيه عداء
و هان فلا نسمّيه نطاحا
و لو شئنا جزيناه و نرضي(64/17)
شمائلنا فنوسعه سماحا
***
أتنكرني الشام و في فؤادي
تلقّيت الصوارم و الرماحا
إذا نسيت على الجلّى وفائي
فقد عذروا على الغدر الملاحا
و غنّيت الشام دما و ثأرا
فلا شكوى عرفت و لا نواحا
و أكرم عهدك الميمون شعري
فقلّده جواهري الصحاحا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> نم بقلبي
نم بقلبي
رقم القصيدة : 66289
-----------------------------------
أدموعا تريدها أم رحيقا
لا ونعماك ما عرفت العقوقا
تتجلّى عند المغيب لعيني
ضياء عذب الحنان رفيقا
و جلاك الشروق حتّى تبيّنت
محيّاك فاحتضنت الشروقا
و تزور البروق تخبرني عنك
و لولاك ما استزرت البروقا
كلّ حسن أرى محيّاك فيه
فأطيل الإمعان و التحديقا
طرق الطيف بعد أن غاب وهنا
أنت أحلى من النعيم طروقا
مرّ في وحشتي نعيما و أنسا
و محا أدمعي رحيما شفيقا
كلّما غبت عنه و غاب عنّي
لاح في خاطري وسيما أنيقا
إن رعى صحبتي و أوردها الصفو
فقد كان بالمعالي خليقا
نم بقلبي و لو قدرت منعت الـ
ـقلب حتّى تقرّ فيه الخفوقا
نم بقلبي و حرمة لك لن
تسمع منّي تأوّها و شهيقا
نم بعيني فقد فرشت لك الأحلام
مخضلّة الورود طريقا
نم بعيني إذا اصطفيت رؤاها
همّ عيني أن تصطفى و تروقا
زيّن الجفن دمعه لك فانهل
سلافا عذبا و مسكا فتيقا
***
إنّ قلبي خميلة تنبت الأحزان
وردا و نرجسا و شقيقا
لو على الصّخر نهلة من جراحي
راح مخضوضل الظلال و ريقا
همّي الهمّ لو تكشّف للنّاس
لأغرى حسنا و راع بريقا
أترع الكأس للرّبيع فغنّى
و انتشى بانه فماس رشيقا
نجمتي و الطريق تيه و ليل
و رفيقي إذا فقدت الرفيقا
إنّ بعض الأحزان يخطب بالمجد
و بعض يشرى رقيقا
من جراح الضّحى سنى أريحيّ
نضّر الكائنات حين هريقا
أنا و الهمّ كلّما أقبل الهمّ
مشوق يلقى أخاه المشوقا
أيّها الناعمان في الغفوة النشوى
أفيقا على الصّباح أفيقا
سكر الشعر من سلافي و عبّت
من دناني فجنّت الموسيقا
***
وحدتي عالم من السّحر و الفتنة
حلو القطاف خمرا و ريقا(64/18)
و أديم يغفو ثراه على العطر
و يغريه عنبرا مسحوقا
طف بقلبي تجد به ألف دنيا
لا يلاقي الشقيق فيها الشقيقا
سكنته الشموس من كلّ أفق
و تحدّى أشتاتها أن يضيقا
حفي الفكر في عوالمها الفيح
و لم يبلغ المكان السّحيقا
كلّ أفق تضيق فيه أسيرا
سعة الأفق أن تكون طليقا
***
لا تلمنا إذا تركنا الميادين
سمّوا بحقّنا و وثوقا
فالأصيل العتيق يأنف شوطا
لم يشاهد فيه أصيلا عتيقا
ذلّ شوط يكون بين البراذين
فلا سابقا و لا مسبوقا
لم تحمحم تختال بالحسن و القوّة
بل حمحمت تريد العليقا
ما نزلنا عن السروج عياء
لو ركبنا لما أطاقوا اللحوقا
و لنا السبق فامسحوا غرر
الخيل بأيمانكم تشمّوا الخلوقا
أيّها الزاعمون أنّا فرقنا
صائد الليث لا يكون فروقا
كيف يرمى بالخوف من زحم
الأسد و أعيا أنيابها و الحلوقا
أنكرونا يشهد حطيم قيود
و سمت منكم رقابا و سوقا
سدّة الحكم بعد آساد خفّان
تضمّ الأحلاف شاء و نوقا
أبطر الحاقدين حلم أبي حسّان
و الحلم أن تقيل الصديقا
جحدوا فضله و لا لوم عندي
إنّ فضل الرئيس ضلّ الطريقا
إنّ نعمى الكريم دين على
الحرّ و تجزى من اللئيم عقوقا
نامت الشام فاستغلّوا كراها
موعد الهول بيننا أن تفيقا
لا أغالي بلومها فهي حسناء
تحبّ الدّلال و التلميقا
إنّ عنف العتاب يؤذي أحبّا
ي و أحلاه ما يكون رقيقا
***
جمرة الحقد في السرائر لولا
ذلّ أصحابها لشبّت حريقا
قد أرقدنا دمائنا فسلوه
أيّ دمع من مقلتيه أريقا
حمّلوه ما لا يطيق و كانت
بدعة تخجل العلى أن تطيقا
دعك من زحمة العواصف و اترك
للعقاب السماء و التحليقا
خلق الله للعظائم و المجد
فريقا و للصّغار فريقا
يا زعيمي عند الدّعاء و لو شئت
لناديت في الزّعيم الصّديقا
كيف تغفو ألم تر الشام في
النزع و تشهد لواءها المخنوقا
مزّق القبر فالشام تناديك
و تبكي مكانك المرموقا
مزّق القب فالجلاء يتيم
بدّدوا إرثه و غالوا الحقوقا
ألسّري العريق هان على
الدّهر كأنّ لم يكن سريّا عريقا
***(64/19)
من راى في السّقام سعدا رأى
الفجر وديع السّنا وسيما طليقا
يتنزّى و لا يطيق وثوبا
حسرة الشّمس لا تطيق الشروقا
سألوا يوم سبقه كيف جلّى
من سجاياه أن يكون سبوقا
راودتك الدّنيا على الحسن
و الجاه فكنت المبرّأ الصدّيقا
سألتني عنك الخمائل في الغوطة
تشتاق عطرك المرموقا
و دروب خضر عليها خطى
الشاء تعيد التغريب و التشريقا
و ظلال سكرى و فوضى من الزّهر
تحدّى جمالها التنسيقا
ما تبرّجن للعيون فغالي
الحسن يأبى الإغراء و التشويقا
ودّت الورق لو خلعن من الحزن
عليك البياض و التطويقا
***
تيّمت قلبك الطبيعة
بالحسن بريئا معطّرا موثوقا
كرّم الله دنهّا و الندامى
و صبوحا على الهوى و غبوقا
للنّبي ّ الإشراق من حسنها
السمح و أرضى منه الخفيّ الدقيقا
حملت قوسها فهيّأت قلبي
و ترّقبت سهمها المرشوقا
***
مر أرنّح عطفيك بالشّعر
من عيني و قلبي منمنما منسوقا
حضريّ الخيال إن ذكر المنبت
سمّى نجدا و سمّى العقيقا
عندي الكنز لا يضير غناه
أن يكون المنهوب و المسروقا
و كؤوس من السماء تشهّت
حور رضوان عطرها و الرّحيقا
عاب كأسي و لم يذق عطر كأسي
لا تعبها بالله حتّى تذوقا
يا صحيح الإخاء قد كشف النّاس
إخاء مموّها ممذوقا
أتمنّى اللّحاق فيك و أشكو
للقضاء التأخير و التعويقا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> يا وحشة الثأر !
يا وحشة الثأر !
رقم القصيدة : 66290
-----------------------------------
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا
تبارك الشعر أطيابا و ألحانا
ترنّح البان و اخضّلت شمائله
فهل سقى الشعر من صهبائه البانا
هل كنت أملك لولا عطر نعمته
قلبا على الوهج القدسيّ نديانا
أيطمع الشعر بالإحسان يغمره
و الشعر يغمر الدّنيا الله إحسانا
لو شاء عطّر هذا اللّيل غالية
و نضّر الرمل أشواقا و ريحانا
لو شاء نمنم هذا النجم قافية
و نغّم الفجر أحلاما و أوزانا
لو شاء أنزل بدر التمّ فاحتقلت
به الندامى سرجا في زوايانا
و لو سقى الشمس من أحزانه نديت(64/20)
على هجير الضّحى حبّا و تحنانا
تضيع في نفسي الجلّى و قد نزلت
من كبريائي آفاقا و أكوانا
و ما رضيت بغير الله معتصما
و لا رأيت لغير الله سلطانا
و لا عكفت بقرباني على صنم
أكرمت شعري لنور الله قربانا
تبرّجت للشذى الأعلى مجامرنا
و زيّنت للهوى الأغلى خفايانا
نبع من النّور عرّانا لموجته
فكحّل النّور أجفانا و وجدانا
تفجّر الحسن في دنيا سرائرنا
هل عند ربّك من دنيا كدنيانا
حضارة الدّهر طيب من خلاعتنا
و جنّة الله عطر من خطايانا
من الغواية سلسنا هدايتنا
فكان أرشدنا للنور أغوانا
***
يا وحشة الكون لولا لحن سامرنا
على النديّ المصفّى من حميّانا
نشارك الله _ جلّ الله _ قدرته
و لا نضيق بها خلقا و اتقانا
و أين إنسانه المصنوع من حمأ
ممّن خلقناه أطيابا و ألحانا
و لولا جلا حسنه إنسان قدرتنا
لودّ جبريل لو صغناه إنسانا
و لو غمرنا نجوم الليل مغفية
أفاق أترفها حسنا و غنّانا
ناجى على الطّور موسى ة الندام لنا
فكيف أغفل موسى حين ناجانا
إن آنس النّار بالوادي فقد شهدت
عيني من اللّهب القدسيّ نيرانا
نطلّ من أفق الدّنيا على غدرها
فنتجلى الرّاسيات الشمّ كثبانا
و ما دهتنا من الجبّار عادية
إلاّ جزينا على الطّغيان طغيانا
أديم حصبائنا درّ و غالية
ما أفقر النّاس للنعمى و أغنانا
و أيّ نعمى نرجّيها لدى البشر
و الله قرّبنا منه و أدنانا
تبكي السّماء و تبكي حورها جزعا
للحسن و الشعر في الدّنيا إذا هانا
يا خالق القلب : أبدعنا صبابته
يا خالق الحسن : أبدعناه ألوانا
ألقلب قصرك زيّنا عواريه
بالحسن حينا و بالإحسان أحيانا
ألعاطلات من الأبهاء قد كسيت
شتّى اللّبانات أصناما و أوثانا
قلب شكا للخيال السمح و حشته
فراح يغمره نعمى و أشجانا
يا سيّد القصر لولانا لما عرفت
أفياؤه الخضر سمّارا و ندمانا
يمنى السراب على الصحراء حانية
تضاحك الرّكب واحات و غدرانا
قاع البحار أضاءته عرائسنا
و ندّت العدم القاسي عذارانا(64/21)
ننضّر البؤس عند البائسين منى
و العقل عاطفة و الثكل إيمانا
و كلّ ذنب سوى الطغيان ننزله
على جوانحنا حبّا و غفرانا
و همّ كلّ عفاة الأرض نحمله
كأنّنا أهله همّا و حرمانا
نشارك النّاس بلواهم و إن بعدوا
و لا نشارك أدناهم ببلوانا
ضمّت محبّتنا الأشتات و اتّسعت
تحنو على الكون أجناسا و أديانا
سبحان من أبدع الدّنيا فكان لنا
أشهى القوارير من أطياب سبحانا
ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكا
و لا نعيما و لا حورا و ولدانا
يفنى الجميع و يبقى الله منفردا
فلا أنيس لنور الله لولانا
لنا كلينا بقاء لا انتهاء له
و سوف يشكو الخلود المرّ أبقانا
***
تأنّق الشعر للأعياد حالية
و قطّف الورد من عدن و حيّانا
سمح فبالريقة العذراء نادمنا
نهلا و بالشفة اللمياء عاطانا
صاغ الهلال لتاج الملك لؤلؤة
و أنجم اللّيل ياقوتا و مرجانا
يا صاحب التّاج لا تاج العراق على
كريم أمجاده بل تاج عدنانا
جبريل حوّطه بالله فانسكبت
عطور جبريل أورادا و قرآنا
لك الكنوز فتوحات منضّرة
فاغمر من الفتح يمنانا و يسرانا
سدّت الغطاريف فتيانا وسادهم
أبوك في جنّة الفردوس فتيانا
تبارك الله ما أسمى شمائلكم
لكم زعامة دنيانا و أخرانا
فتحت عيني على حبّ صفا و زكا
فصنته لضياء العين إنسانا
و في ظلال أبي غازي منضّرة
مرّ الشّباب مرور الطيف عجلانا
نعمى لصقر قريش طوّقت عنقي
فكيف أوسع نعمى الله نكرانا
و حين شرّدنا الطاغي و أرخصنا
حنا العراق فآوانا و أغلانا
و من تقيّأ نعماء العراق رأى
بالأهل أهلا و بالجيران جيرانا
إذا العواصف جنّت فيه هدهدها
عبد الإله و أرسى الملك أركانا
نعمى الوصيّ كنعمى جدّه حليت
على ضحى النّور أفياء و أفنانا
***
يا صاحب التّاج دنيا الله ما عرفت
إلاّ عمائمكم في الشرق تيجانا
لم يقبل الله إلاّ في محبّتكم
يا آل فاطم إسلاما و أيمانا
غنّيت جدّك أشعاري و نحت بها
في مصرع الشمس إعوالا و إرنانا
أصفيت آل رسول الله عاطفتي
و كنت شاعركم نعمى و أحزانا(64/22)
و ما رضيت جزاء مودّتكم
لا يعدم الحرّ أقواتا و أكفانا
***
أيكرم العيد شكوانا نزلت
عليك يا ابن رسول الله شكوانا
ندّى شمائلنا بالذكريات كما
ندّى الخيال بنعمى الماء ظمآنا
يروعني العيد ديّانا لأمّته
من أغضب العيد حتّى صار ديّانا
تغرّب العيد في قومي و أنكرهم
على الميادين أحرارا و عبدانا
مالي أرى الشمّ في لبنان مغضية
تطامنت للرزايا شمّ لبنانا
لا صيد غسّان و الهيجاء ضارية
على السروج و لا أقيال مروانا
و أكرم العيد عن عتب هممت به
لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
قد استردّ السبايا كلّ منهزم
لم تبق في رقّها إلاّ سبايانا
دم بتونس لم يثأر له و دم
بالقدس _ هان على الأيّام _ لا هانا
و ما لمحت سياط الظلم دامية
إلاّ عرفت عليها لحم أسرانا
و لا نموت على حدّ الظبى أنفا
حتّى لقد خجلت منّا منايانا
لو يعلم البدر في شعبان محنتنا
لما أطلّ حياء بدر شعبانا
لو كان يعلم قتلانا ، بكت مزق
على الصحاصح من أشلاء قتلانا
تهلهلت أمتّي حتّى غدت أمما
وزوّر الزطن المسلوب أوطانا
و قد عرفت الرزايا و هي منجبة
فكيف لم تلد الجلّى رزايانا
كفرت بالحسب السّامي إلى مضر
استغفر المجد إنكارا و كفرانا
تطوى القبور على الموتى فتسترهم
و في القصور و في السلطان موتانا
دعوا الجراح لوهج النّار سافرة
فالجرح يقتل إنكارا و كتمانا
ذلّ الدّهاء أكاذيبا مزوّقة
فكان أكذبنا بالقول أدهانا
ثارات يعرب ظمأى في مصارعها
تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
يا وحشة الثأر لم ينهد له أحد
فاستنجد الثأر أجداثا و أكفانا
أفدي شمائل قومي ثورة و لظى
و عاصفا زحم الدّنيا و بركانا
من أطفأ الجذوة الكبرى بأنفسنا
أدهرنا حال أم حالت سجايانا
هي الكؤوس و لكن أين نشوتنا
و هي الحروف و لكن أين معنانا
***
ما للرمال الصوادي لا نبات بها
و تنبت المجد هنديّا و مرّانا
عبدت فيها إله الشمس منتقما
معذبا و إله اللّيل رحمانا
اللّيل يخلق فيها الحور مترفة
و تخلق الشمس جنّانا و غيلانا(64/23)
على الرّمال طيوف من كتائبنا
نشوى الفتوح و نفح من سرايانا
لابن الوليد على كثبانها عبق
سقى الهجير من الذكرى فندّانا
و في النسيم على الصحراء نرشفه
طيب المثنّى على رايات شيبانا
***
يا فيصلا في يمين الله تحسده
بيض الظبى هاشميّ الفتح ريّانا
يا فيصلا في يمين الله منسكبا
كجدّه المرتضى يمنا و إيمانا
يا فيصلا و حنت في الخلد فاطمة
تودّ لو قبّلت خدّا و أجفانا
يا فيصلا و انتخت كبرا صوارمنا
و زغردت باسمك الحالي صبايانا
يا فيصلا و رنا نجم لصاحبه
يقول : فيصل أحلانا و أسمانا
كتائب الله من فهر و إخوته
فعطّر المجد ميدانا فميدانا
لواء عدنان أنت اليوم صاحبه
فاقحم به الشرق : هذا الشرق دنيانا
ما في االعراق و لا في الشام موعدنا
على الثنيّة من حطّين لقيانا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> جمرة الدنيا
جمرة الدنيا
رقم القصيدة : 66291
-----------------------------------
عهد عليه من الضحايا رونق
ألحق من لبناته و المنطق
بنت الدموع به فمكّن صرحه
جرح ينزّ و عبرة تترقرق
و دم سقى ظمأ الصباح ففجره
ثمل و مشرقه نديّ مشرق
و زكا فعند الغوطتين تحيّة
منه تمرّ على الصخور فتورق
من خالد أو من عهود أميّة
ما انفكّ يزكو بالشام و يعبق
و حلفت قد كتب البقاء لها دم
قان و عهد للحليف و موثق
***
رافقتها من أربعين تصونها
و تردّ عنها النازلات و تشفق
تفني شبابك في الشام و حبّها
و شبابها في جدّة لا تخلق
غسّان جنّ بها و هام أميّة
و هفا إليها الهاشميّ المعرق
لم ينصفوا لمّا شكوا نزواتها
هي جمرة الدنيا تضيء ة تحرق
تبغي المزيد من الصبّابة و الهوى
و تلحّ لا تحنو و لا تترفّق
فاعذر إذا ملكت هواك فإنّها
و أبيك أملح من يحبّ و يعشق
***
من مبلغ عنّي الرئيس قصيدة
تحمي الثغور فكلّ بيت فيلق
و أنا الذي غنّى الشام فهزّها
منه البيان العبقريّ المونق
دلّلت محنتها بسحر قصائدي
أيّام يستحذي الكميّ فيطرق
و جبهت بالحقّ العنيف عدوّها(64/24)
و عدوّها ثمل الضغائن أخرق
ألقى الأذى فيها و أطرب للأذى
فمشرّد حينا و حينا موثق
رنت العيون إلى جلالك خشّعا
و البدر يلثم في العيون و يرمق
حوّطته باسم النبيّ و آله
ممّن يفيء إلى الظلام و يرشق
في موكب تتدفّق الذكرى به
و الخيل في جنباته تتدفّق
مروان آب إلى الحمى فتزيّنت
للقائه بعد القطيعة جلّق
و كأنّ فتحا من فتوح أميّة
حملت بشائره الجياد السبّق
***
ذاك البناء تكاملت أجزاؤه
إلاّ طرائف في يديك تنسّق
و يزيد في حسن القصور و سحرها
فنّ يرفّ إطارها و يزوّق
إن تعي بالزمن الطويل فربّما
صحب الأناة الصّانع المتأنّق
إنّ الأولى محضوك صفو و لائهم
غير الألى محضوه و هو مرنّق
من عرفت بلاءه و وفاءه
أهوى فأسرفت في هواي و أصدق
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> تحية فيصل الصغير
تحية فيصل الصغير
رقم القصيدة : 66292
-----------------------------------
رمقتك العيون حبّا و وجدا
و فتحنا قلوبنا لك مهدا
رنوات من مقلتيك إلى الصحراء
رفّت بها عطورا و وردا ...
نوّرت ضحكة الطفولة و الملك
بأحلى من النعيم و أندى
***
ضجّت البيد بالسؤال فنجد
من ذراها العذراء يسأل نجدا
لمن الرّكب كالنبوّة عطرا
و كنعمائها فتوحا و رشدا
بورك الطّفل يعشب الرّمل يمنا
و يضوع الهجير ظلاّ و بردا
نفحة الملك و النوّة و الفتح
فمن ساقها إلينا و أهدى
موكب مرّ فالرّمال عيون
تنسب القادمين خالا و جدّا
و إذا مشرف من الرّمل عال
شهد الفاتحين جندا فجندا
مرّ في جفنه سنا الملك الطّفل
فثنّى بلمحة و استردّا
عرف الأصيد المتوّج نورا
من أبيه الهادي و فرقأ و خدّا
فدوّت في الظلام زغردة البشرى
تجوب الصحراء قربا و بعدا
و أفاق الغزاة فالفارس المعلم
يبلو سيفا و يمسح غمدا
و حنا عالم من الفتح و الذكرى
على فيصل و حيّا و فدّى
***
يا بناة الحدود لا تعرف الصحراء
في زحمة الأعاصير حدّا
لا تغرّوا فإنّ في النفس كبرا
يتنزّى و إنّ في الصّدر حقدا
و سجايا الرّمال فينا فما(64/25)
يرقب إلاّ طغيانها حين تهدا
الرّنال السّمراء ظمأى إلى
الماء و تسقي الدّنيا إباء و مجدا
***
ملك الشام لا أدري عدوّا
جمعت كفّه الحتوف فشدّا
زيّن الفصر قصر جدّك و اطلع
في الرّحاب الزهراء يمنا و سعدا
و أذن الشّعر يسكب العطر في
القصر وفاء و كبرياء و حمدا
زغردت باسمك النديّ العذارى
فجرى في الشفاه خمرا و شهدا
هاشم و العزيز من عبد شمس هيّآ حلم فيصل و أعدّا
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> كافور
كافور
رقم القصيدة : 66293
-----------------------------------
كافور قد جنّ الزّمان و إليك آل الصولجان
خجل السّرير من الدّعيّ و كاد يبكي الأرجوان
أين الأهلّة و الكواكب و الشوامح و الرّعان ؟
الهاشميّون انطووا و أميّة كانوا فبانوا
كافور جمّع حول عرشك كلّ من حقدوا و هانوا
مجد البغيّ تعاف بهرجه المخدّرة الرزان
حرّك دماك فإن أردت قسوا و إن آثرت لانوا
الخاضعون لما تشاء و ما دروه و ما استبانوا
النّاعمون على اليهود على رعيّتك الخشان
للعفّ تخوين بدولتهم و للصّ ائتمان
***
أشبعت بالخطب الجياع فكل هادرة خوان
حفل السماط و من فرائدك الموائد و الجفان
خطب الرئيس هي الكرامة و العلى ، و هي الضمان
هي للجياع الطيبات و للعراة الطيلسان
هي للعفاة النازحين لبانة و هوى و حان
خطب مصبّغة و تعرف من مباذلها القيان
من كلّ عاهرة و تحلف أنّها الخود الحصان
إلحن و كرّر ما تشاء فإنّها الخطب الحسان
و إذا رطنت فإنّها عرباء خالصة هجان
كافور قد عنت الوجوه فكيف لا يعنو البيان ؟
***
الفكر من صرعى هواك و من ضحاياك الحنان
يغني الشام عن الكرامة و النعيم المهرجان
حشدت لطلعتك الجموع فهوّن الخبر العيان
هتفوا فبين شفاههم و قلوبهم حرب عوان
غرثى و يتخم من لحوم الأبرياء الخيزران
عضّت ظهورهم السياط فكلّ سوط أفعوان
الرّاكعون ، السّاجدون عنوا لك و المناهل و الجنان
القاطفون كرومهم و لك السلافة و الدنان(64/26)
الحاضنون شقاءهم و لك المتارف و اللّيان
الظامئون و يومهم شرس الهواجر إضحيان
المالكون قبورهم لمّا عصفت بهم فحانوا
لك عذرة العرس الحزين فما تعز و لا تصان
و لك الظلال فبعض جودك أن يفيّئهم مكان
و دماؤهم لك و البنون فما الأباطح و الرّعان
و لك العبادة لا لغيرك و التشهّد و الأذان
كافور أنت خلقتهم كونوا _ هتفت بهم _ فكانوا
كافور من بعض الإماء زبيدة ... و الخيزران
مروان عبد من عبيدك لا يزان و لا ... يشان
للسّوط جبهته إذا استعلى و للقيد البنان
يا مكرم الغرباء و العربي محتقر ... مهان
تاريخ قومي في يديك يدان حسبك ما يدان
زوّرته وسطا على الأقداس أرعن ألعبان
ما عفّ في الموتى هواه و لا الضمير و لا اللّسان
يا عبقري الظّلم فيه لك ابتداع و افتنان
***
نحن العبيد فلا تحرّكنا الضغينة و اللعان
لا الفقر يلهب في جوانحنا الإباء و لا الهوان
فاسجن و عذّب و استبح حرماتنا و لك الأمان
همدت حميّتنا على الجلىّ و مات العنفوان
من رقّ فتحك حازنا سيف و أحرزنا سنان
و الذلّ أطياب العبيد فما البخور و ما اللّبان
و الظلم من طبع الجبان و كلّ طاغية جبان
***
يا أيّها الصنم المدلّ فما مناه و ما المدان
إن الّهوك فربّما فضح الألوهة ثعلبان
***
بأبي السّهول جمالها كرم و نعمتها اختزان
المذهبات كما تموّج في الضّياء الزعفران
عهدي بها أخت الرّبيع و للمهور بها إران
تلك المروج شذا وافياء و ساجعة و بان
و سنابل للطّير ينقذها فينفرط الجمان
و ثغاء ماشية و يصهل في مراعيها ... حصان
لا خصبها غبّ و لا سقيا غمامتها ... دهان
زهراء تجذب كلّ أرض و هي مخصبة عوان
وشي الغمام فما الطنافس و الحرير و أصفهان
سلمت جباتك، قطننا عاف و حنطتنا و الهيلمان
سلمت جباتك لا الخماص من الشياه و لا السمان
أغلى من الفرس الجواد _ و لا شمات به _ العنان
لا الزرع يضحك في المروج و لا يضوع الأقحوان
خرس البلابل و الجداول دلّه الشكوى حزان
***(64/27)
الضارعات إلى السماء و لا تجاب و لا تعان
كالأمهات الثّاكلات فعزّ شم ... و احتضان
و أد الهجير بناتهنّ فكل روض صحصحان
بين السماء و بينها ثدي الأمومة و اللبان
نسيت أمومتها السماء فما يلمّ بها حنان
***
أممزّقّ الأرحام لا يبني على الحقد الكيان
غرّب و شرّق في هواك و خن فمثلهم يخان
و اغز الكواكب بالغرور فأنت منصور معان
بالخطبة العصماء تقتحم المعاقل و القنان
و الشتم من آلات نصرك لا الضراب و لا الطّعان
و لك الفتوح المعلمات و من بشائرها عمان
كافور طاغية و في بعض المشاهد بهلوان
من أنت في الحلبات تقحمها إذا احتدم الرّهان
فضح الهجين بشوطه لؤم المنابت و الحران
من أنت ؟ لا المجد الأصيل و لا شمائله اللّدان
لا العبقرية فيك مشرقة و لا الخلق الحسان
لا الفكر مؤتنف العطور و لا البيان و لا الجنان
لا السرّ عندك أريحي المكرمات و لا العلان
من أنت ؟ .. إن ذكر العظام ورنّح الدّنيا افتنان
من أنت ؟ .. لولا صوبة الطّغيان ، أنت إذن فلان
***
كافور عرشك للفناء و ربّما آن الأوان
الخالدان _ و لا أعد الشمس _ شعري و الزّمان
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> فرعون
فرعون
رقم القصيدة : 66294
-----------------------------------
يا نجد جنّات و بيد بكليهما سكر النشيد
ألرملة الظمأى حنين الشّوق و الرّوض المجود
أرجت صباك . يجيد _ حين يشمّها _ من لا يجيد
و عرائس الأحلام نعمان الجزيرة و النفوذ
و قوافل بمتاهة ، ألنجم قائدها الوحيد
و هوادج لحمى السيوف و حولها العدد العديد
رنّ الحليّ بها و جرجر في مباركه قعود
ألجهد هدّ قلوصها بالرّمل و المرعى الجهيد
و الشيح قاطعة النسيم فلا يميل و لا يميد
و أشعّة كالنار . تبر ، ما لسائله جمود
ثمّ الضّحى فاذا عيوا فبظلّ عيسهم الرّقود
حتّى إذا أخفى الضّياء غدائر لليل سود
فالبدر و الحادي و خطو بين سحرهما وئيد
و على الرّبى النيران عطّر وهجها غار وعود
هي و الصباح له عمود ضاحك و لها عمود(64/28)
و صهيل أفراس و راغية و اضياف وجود
و نسيمة هفهافة ثم المناهل و الورود
و مدلّهان نأت ديارهما و ما نأت الكبود
حملت حنينهما الصبا بأبي الرسالة و البريد
رضوى خيال قصائدي و طيوف أجفاني زرود
أنا ملك إلهامي فلا أبدي هناك و لا اعيد
ما رحت أحكم بالقصيد و راح يحكمني القصيد
إن شاء تمّ لنا اللقاء و إن يشأ كتب الصدود
و الأمر ما يختاره هو سيّد و أنا المسود
و أريده فيفوتني و يزور ساعة لا أريد
سرّي و اجهل كنهه فقديم صحبتنا جديد
و الرّوح أقرب ما إليك و غيبها الدّاني البعيد
***
ألشعر أنغام معطّرة و لؤلؤة و جيد
فيه الهوى و الأريحية و السلافة و المزيد
فرح مقيم في سرائرنا و قافية شرود
و أوزانه عقد الحرير على العرائس لا القيود
الصائنات له كما صينت بعفّتها النهود
نور تحدّده الحروف و تخطئ النور الحدود
أحلة الصّعاب قصائد و نواعم كالورد خود
و من التّمنّع ما يدلّه بالجمال و ما يزيد
الشعر و الحسن المدلّ كلاهما طاغ عنيد
***
أنا من تغنّيه النجوم على السلاف فيستعيد
و على المشيب و عبئه ممّا يؤود و لا يؤود
لتصيدني نجل العيون و قد أغير و قد أصيد
ما كان يقنعني اللقاء فصرت تقنعني الورود
سمراء كالأحلام : جفناها و جفن اللّيل سود
ألحسن يحسد نفسه فيها ، لقد كرم الحسود
و يغار من شهديّها جاراه : سالفة و جيد
***
سمراء حبّك صحوي السكران و الغيّ الرّشيد
لفّي على الجسد البرود تؤرج الدّنيا البرود
ألروح فيك فريدة يزهو بها جسد فريد
ذكراك إن عزّ اللّقاء للوعتي كأس وعود
***
أنا ساحر لمس الغصون و ضمّها فهي القدود
ة من الشقائق حين أقطفها المراشف و الخدود
و من الدّموع و قد ضننت بها اللآليء و العقود
و غمزت عطر الأقحوان فنوّرت شفة برود
عندي الكنوز فكيف تسألني النّجوم و لا أجود
أعطي و تسأل _ لا نملّ _ فتستزيد و أستزيد
شهب السّماء تفرّقت في الأفق تنقص و تزيد
كتب الضّياء لبعضها و لبعضها كتب الهمود(64/29)
و العبقريّة كالضحى من بعض نعمته الوجود
و أنا الغريب بموطني و أنا المشرّد و الطريد
***
قل للّدات بتدمر عزّ المفاخر و النديد
سجن تضيق كهوفه و السهل منبسط مديد
ألدهر أقعدني و لم يك من شمائلي القعود
و السقم فوّت أن أشارككم و ذروته كؤود
شرفا على عضّ القيود فشارة الشرف القيود
أسمى القلوب هو الرّحيب على النوازل و الجليد
نحن الحماة الأوّلون . قبور صرعانا الشهود
نحن العقيدة و الرسالة و المعارك و الحشود
إن يصرع البطل النجيد تقدّم البطل النّجيد
و تقاسم الكوخ الوديع النصر و الفصر المشيد
أيّام لا الطبقات مزّقت الصفوف و لا الحقود
كفرت جهود كالضحى لله و الوطن الجهود
أنا و العهود فلم يضع حبّ و لم تنكث عهود
عيني الضنينة بالدموع و قلبي المضنى العميد
ماد الطغاة بكم ، فيا فلك السماء ألا تميد ؟
فلك يدور و لم أجد فلكا أتيح له الرّكود
بيني و بين الظّلم نار وغى يشبّ لها وقود
ألحبّ عدّتي الوحيدة لا السّلاح و لا الجنود
و تهون عندي النائبات فلا ألين و لا أحيد
يا ربّ عفوك إن سألت و أنت تعلم من أريد
من أيّ طين أنشئ الظمآن للدم و الحقود
أللّينون على العدوّ و بأسهم فينا شديد
جلّ الوداد فكان من أسماء عزّتك الودود
ألغير وجهك في كنانتك العبادة و السجود
فرعون عاد فكيف كيف و قد عصفت به يعود ؟
ما للطّغاة سيادة ، يخشى الظلام و لا يسود
دنيا العروبة رجّها بالهول شيطان مريد
صبغت بألوان الأذى فخطوبها حمر و سود
أرض الكنانة ما بها إلاّ المتوّج و العبيد
***
فرعون مصر : و أنت من رشق المصاحف لا الوليد
فرعون مصر : و أنت من قتل الهواشم لا يزيد
سمّيت فرعون الكنانة و هي تسمية كنود
فرعون ذلّ به اليهود و أنت عزّ بك اليهود
طامن غرورك . لم تدم عاد و لا بقيت ثمود
و لئن ذكرت فإنّ ذكرك لا الزكيّ و لا الحميد
و لئن حكمت فإنّ عيشك لا الهنيّ و لا الرّغيد
تتناهب الأشلاء نومك و العواصف و الرّعود(64/30)
و هواجس اليمن السّعيد . و رجّك اليمن السّعيد
***
مغرى بحبّ الإمّعات طريف حكمك و التّليد
من كلّ أبله عاثر وغد يضرّ و لا يفيد
الغدر طبعك و الدسائس ة الخيانة و الجحود
يتسلّل النذل الجبان دجى و تقتحم الأسود
***
أميتّم الأطفال : لا جدّ عناك و لا حفيد
أمّ ممزّقة و في أحضانها هشم الوليد
شكت الأرامل و الثّكالى و الطفولة و المهود
يا قاتلا بأخ أخاه . كلا قتيليك الشّهيد
أولا تخاف على بنيك و قد تعثّرت الجدود
أن يستجاب دعاء ثاكلة و أدمعها تجود
فترى بنيك مصرّعين و لا تضمّهم اللحود
كد للنّبي و دينه ألله فوقك إذ تكيد
باد الطّغاة جميعهم أمّا الشعوب فلا تبيد
خلّ الكرامة و شأنهم خلق الكرام لكي يسودوا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> البلبل الغريب
البلبل الغريب
رقم القصيدة : 66295
-----------------------------------
سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا
كفرت به حتّى يشوق و يعذبا
و لا تحرميني جذوة بعد جذوة
فما اخضلّ هذا القلب حتّى تلهّبا
و ما نال معنى القلب إلاّ لأنّه
تمرّغ في سكب اللّظى و تقلّبا
هبيني حزنا لم يمرّ بمهجة
فما كنت أرضى منك حزنا مجرّبا
و صوغيه لي وحدي فريدا و أشفقي
على سرّه المكنون أن يتسرّبا
مصونا كأغلى الدرّ عزّ يتيمه
فأودع في أخفى الكنوز و غيّبا
و صوغيه مشبوب اللّظى و تخيّري
لآلامه ما كان أقسى و أغربا
و صوغيه كالفنّان يبدع تحفه
و يرمقها نشوان هيمان معجبا
فما الحزن إلاّ كالجمال ، أحبّه
و أترفه ، ما كان أنأى و أصعبا
خيالك يا سمراء ، مرّ بغربتي
فحيّا و رحّبنا طويلا و رحّبا
جلاك لعيني مقلتين و ناهدا
و ثغرا كمطول الرياحين أشنبا
فصانك حبّي في الخيال كرامة
و همّ بما يهواه لكن تهيّبا
و بعض الهوى كالغيث إن فاض تألّق
و بعض الهوى كالغيث إن فاض خرّبا
أرى طيفك المعسول في كلّ ما أرى
وحدت و لكن لم أجد منه مهربا
سقاني الهوى كأسين : يأسا و نعمة
فيالك من طيف أراح و أتعبا(64/31)
و خالط أجفاني على السّهد و الكرى
فكان إلى عيني من الجفن أقربا
شكونا له السّمراء حتّى رثى لنا
و جرّأنا حتّى عتبنا فأعتبنا
و ناولني من أرز لبنان نفحة
فعطّر أحزاني و ندّى و خضّبا
و ثنّى بريّا الغوطتين يذيعها
فهدهد أحلامي وأغلى و طيّبا
و هل دلّلت لي الغوطتان لبانة
أحبّ من النعمى و أحلى و أعذبا
وسيما من الأطفال لولاه لم أخف
_ على الشيب_ أن أنأى و أن أتغرّبا
تودّ النّجوم الزهر لو أنّها دمى
ليختار منها المترفات و يلعبا
و عندي كنوز من حنان و رحمة
نعيمي أن يغرى بهنّ و ينهبا
يجور و بعض الجور حلو محبّب
و لم أر قبل الطفل ظلما محبّبا
و يغضب أحيانا و يرضى و حسبنا
من الصفو أن يرضى علينا و يغضبا
و إن ناله سقم تمنّيت أنّني
فداء له كنت السقيم المعذّبا
و يوجز فيما يشتهي و كأنّه
بإيجازه دلاّ أعاد و أسهبا
يزفّ لنا الأعياد عيدا إذا خطا
و عيدا إذا ناغى و عيدا إذا حبا
كزغب القطا لو أنّه راح صاديا
سكبت له عيني و قلبي ليشربا
و أوثر أن يروى و يشبع ناعما
و أظمأ في النعمى عليه و أسغبا
و ألثم في داج من الخطب ثغره
فأقطف منه كوكبا ثمّ كوكبا
ينام على أشواف قلبي بمهده
حريرا من الوشي اليمانيّ مذهبا
و أسدل أجفاني غطاء يظلّه
و ياليتها كانت أحنّ و أحدبا
و حمّلني أن أقبل الضيم صابرا
و أرغب تحنانا عليه و أرهبا
فأعطيت أهواء الخطوب أعنّتي
كما اقتدت فحلا معرق الزّهو مصعبا
تأبّى طويلا أن يقاد .. و راضه
زمان فراخى من جماح و أصحبا
تدلّهت بالإيثار كهلا و يافعا
فدلّلته جدّا و أرضيته أبا
و تخفق في قلبي قلوب عديدة
لقد كان شعبا واحدا فتشعّبا
***
و يا ربّ من أجل الطفولة وحدها
أفض بركات السلم شرقا و مغربا
و ردّ الأذى عن كلّ شعب و إن يكن
كفورا و أحببه و إن كان مذنبا
و صن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها
إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا
ملائك لا الجنّات أنجبن مثلهم
و لا خلدها _ أستغفر الله _ أنجبا
و يا ربّ حبّب كلّ طفل فلا يرى(64/32)
و إن لجّ في الإعنات وجها مقطّبا
و هيّئ له في كلّ قلب صبابة
و في كلّ لقيا مرحبا ثمّ مرحبا
و يا ربّ : إنّ القلب ملكك إن تشأ
رددت محيل القلب ريّان مخصبا
***
و يا ربّ في ضيق الزّمان و عسره
أرى الصّبر آفاقا أعزّ و أرحبا
صليب على غمز الخطوب و عسفها
و لولا زغاليل القطا كنت أصلبا
و لي صاحب أعقيته من موّدتي
و ما كان مجنون الغرور ليصحبا
غريبان لكنّي وفي و ما وفى
و نازع حبل الودّ حتّى تقضّبا
و با ربّ هذي مهجتي و جراحها
سيبقين إلاّ عنك سرّا محجّبا
فما عرفت إلاّ قبور أحبّتي
و إلاّ لداتي في دجى الموت غيّبا
و ما لمت في سكب الدّموع فلم تكن
خلقت دموع العين إلاّ لتسكبا
و لكنّ لي في صون دمعي مذهبا
فمن شاء عاناه و من شاء نكّبا
***
و يا ربّ لأحزاني وضاء كأنّني
سكبت عليهنّ الأصيل المذهّبا
ترصّد نجم الصبح منهنّ نظرة
و أشرف من عليائه و ترقّبا
فأرخيت آلاف الستور كأنّني
أمدّ على حال من النّور غيهبا
فغوّر نجم الصّبح يأسا و ما أرى
على طهره _ حتّى بنانا مخضّبا
و قد تبهر الأحزان و هي سوافر
و لكنّ أحلاهنّ حزن تنقّبا
***
و يا ربّ : درب الحياة سلكته
و ما حدت عنه لو عرفت المغيّبا
و لي وطن أكبرته عن ملامة
و أغليه أن يدعى _ على الذّنب مذنبا
و أغليه حتّى قذ فتحت جوانحي
أدلّل فيهنّ الرّجاء المخيّبا
تنكّر لي عند المشيب _ و لا قلى _
فمن بعض نعماه الكهولة و الصبا
و من حقّه أن أحمل الجرح راضيا
و من حقّه أن لا ألوم و أعتبا
و ما ضقت ذرعا بالمشيب فإنّني
رأيت الضحى كالسّيف عريان أشيبا
يمزّق قلبي البعد عمّن أحبّهم
و لكن رأيت الذلّ أخشن مركبا
و أستعطف التاريخ ضنّا بأمّتي
ليمحو ما أجزى به لا ليكتبا
و يا ربّ : عزّ من أميّة لا انطوى
و يا ربّ : نور وهّج الشرق لا خبا
و أعشق برق الشام إن كان ممطرا
حنونا بسقياه و إن كان خلّبا
و أهوى الأديم السّمح ريّان مخصبا
سنابله نشوى و أهواه مجدبا
مآرب لي في الرّبوتين و دمّر(64/33)
فمن شمّ عطرا شمّ لي فيه مأربا
***
سقى الله عند اللاذقيّة شاطئا
مراحا لأحلامي و مغنى و ملعبا
و أرضى ذرى الطّود الأشمّ فطالما
تحدّى و سامى كلّ نجم و أتعبا
و جاد ثرى الشهباء عطرا كأنّه
على القبر من قلبي أريق و ذوّبا
و حيّا فلم يخطئ حماة غمامه
وزفّ لحمص العيش ريّان طيّبا
و نضّر في حوران سهلا و شاهقا
و باكر بالنّعمى غنّيا و متربا
و جلجل في أرض الجزيرة صيّب
يزاحم في السّقيا و في الحسن صيّبا
سحائب من شرق و غرب يلمّها
من الريح راع أهوج العنف مفضبا
له البرق سوط لا تندّ غمامة
لتشرد إلاّ حزّ فيها و ألهبا
يؤلفها حينا و تطفر جفّلا
و حاول لم يقنط إلى أن تغلّبا
أنخن على طول السماء و عرضها
يزاحم منها المنكب الضخم منكبا
فلم أدر هل أمّ السماء قطيعه
من الغيم أو أمّ الخباء المطنّبا
تبرّج للصحراء قبل انسكابه
فلو كان للصحراء ريق تحلّبا
و تعذر طلّ الفجر لم يرو صاديا
و لكنّه بلّ الرّمال و رطّبا
و يسكرها أن تشهد الغيم مقبلا
و أن تتملاّه و أن تترقّبا
كأنّ طباع الغيد فيه فإن دنا
قليلا . نأى حتّى لقد عزّ مطلبا
و يطمعها حتّى إذا جنّ شوقها
إليه انثنى عن دربها و تجنّبا
تعدّ ليالي هجره و سجيّة
بكلّ مشوق أن يعدّ و يحسبا
و يبده بالسقيا على غير موعد
فما هي إلاّ لمحة وتصبّبا
كذلك لطف الله في كلّ محنة
و إن حشد الدّهر القنوط و ألّبا
إلى أن جلاها كالكعاب تزيّنت
لتحسد من أترابها أو لتخطبا
***
و مرّت على سمر الخيام غمامة
تجرّ على صاد من الرّمل هيدبا
نطاف عذاب رشّها الغيم لؤلؤا
وتبرا فما أغنى و أزهى و أعجبا
حبت كلّ ذي روح كريم عطائها
فلم تنس آراما و لم تنس أذؤبا
و جنّت مهاة الرّمل حتّى لغازلت
و جنّ حمام الأيك حتّى لشبّبا
و طاف الحمام السمح في البيد ناسكا
إلى الله في سقيا الظماء تقرّبا
عواطل مرّ المزن فيهنّ صائغا
ففضّض في تلك السّهول و ذهّبا
و ردّ الرّمال السمر خضرا و حاكها
سماء و أغناها و رشّ و كوكبا(64/34)
و ردّ ضروع الشاء بالدرّ حفّلا
لترضع حملانا جياعا و تحلبا
و حرّك في البيد الحياة و سرّها
فما هامد في البيد إلا توثّبا
و لا عب في حال من الرّمل ربربا
و ضاحك في غال من الوشي ربربا
و جمّع ألوان الضياء و رشّها
فأحمر ورديّا و أشقر أصهبا
و أخضر بين الأيك و البحر حائرا
و أبيض بالوهج السماوي مشربا
و لونا من السّمراء صيغت فتونه
بياضا نعم لكن بياضا تعرّبا
أتدري الرّبى أنّ السماوات سافرت
لتشهد دنيانا فأغفلت على الربى
ألمّ بكفي النجوم و أنتقي
مزرّرها في باقتي و المعصّبا
دياري و أهلي بارك الله فيهما
و ردّ الرّياح الهوج أحنى من الصبا
و أقسم أنّي ما سألت بحبّها
جزاء و لا أغليت جاها و منصبا
و لا كان قلبي منزل الحقد و الأذى
فإنّي رأيت الحقد خزيان متعبا
***
تغرّب عن مخضلّة الدوح بلبل
فشرّق في الدنيا وحيدا و غرّبا
و غمّس في العطر الإلهيّ جانحا
و زفّ من النّور الإلهيّ موكبا
تحمّل جرحا داميا في فؤاده
و غنّى على نأي فأشجى و أطربا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> عاد الغريب
عاد الغريب
رقم القصيدة : 66296
-----------------------------------
حلفت بالشام هذا القلب ما همدا
عندي بقايا من الجمر الذي اتّقدا
لثمت فيها الأديم السمح فالتهبت
مراشف الحور من حصبائها حسدا
قد ضمّ هذا الثرى من صيدها مزقا
إرث الفتوح و من مرّانها قصدا
ألملم الجمرات الخضر من كبدي
و أستردّ الصّبا و الحبّ و الكبدا
و أرشف الكأس من عطر و من غيد
فأسكر المترفين العطر و الغيدا
فديت سمراء و من لبنان ساقية
حنانها ما اختفى من غربتي و بدا
تحنو على اليأس في قلبي فتغمره
نورا و تبدع فيه الصّبر و الجلدا
حوريّة طاف جبريل بجنّته
يريد ندّا لريّاها فما وجدا
فديت جفنين من سكب الدّجى اكتحلا
إذا سهدت على جمر الغضا سهدا
***
سقيت خمرة أشعاري لمى شفة
بخيلة فسقتني الشّهد و البردا
و إن كبرت فلي كنزا هوى و صبا
نهدان من نغمات الله قد نهدا(64/35)
أودعت عندهما بعض الشّباب فما
خانا وديعة أيّامي و لا جحدا
قد ادّخرت لقلبي عند كبرته
ما صانه كادح للشّيب و اجتهدا
كنزا يضمّ لباناتي منوّرة
و ما اطمأنّ من النّعمى و ما شردا
أمدّ كفّي إلى كنزي فيغمرها
بما أحبّ شبابا جامحا وددا
عاد الغريب و لم تظمأ سريرته
فقد حملت بها في غربتي بردى
من روع البلبل الهاني و أجفله
عن أبكيه و سقاه الحتف لو وردا
جلاني الظّلم أشلاء ممزّقة
و احتزّ أكرمهنّ : القلب و الولدا
تصغي النّجوم إلى نوحي فيسكرها
يبكي الهزّاز و يبقى مسكرا غردا
ألحانيين على قلبي و لوعته
يبدّدان من الأحزان ما احتشدا
قلبي الذي نضّر الدّنيا بنعمته
رأى من الحقد أقساه و ما حقدا
فيا لقلب غنيّ النور مزّقه
على النوى حقد أحباب و حقد عدى
إنّي لأرحم خصمي حين يشتمني
و كنت أكبره لو عفّ منتقدا
عانيت جهد محبّ في الوفاء له
و الغدر بي كلّ ما عانى و ما جهدا
قرّت عيون العدى و الأصفياء معا
فلست أملك إلاّ العطر و الشّهدا
دعوا كرامتي العصماء نازلة
على الشموس تذيع الحسن و الرأدا
كرامتي الحجر الصوّان ما ازدردت
إلاّ لتهشم أنياب الذي ازدردا
كغابة اللّيث إن مرّ العدوّ بها
رأى الزّماجر و الأظفار و اللّبدا
و كيف أعنو لجبّار و قد ملكت
يميني القمرين : الشّعر و الصيدا
إذا دجا النّور في غمر الضحى ائتلقا
و إن سطا الظّلم مخمور الظّبى صمدا
عروبتي فوق فرق الشمس ساخرة
من لؤم ما زوّر الواشي و ما سردا
تفرّد الله بالأرواح لا ملأ
جلاله سرّها الأعلى و لا بلدا
و ميّز الشام بالنعمى و دلّلها
فمن ثرى الشام صاغ الرّوح و الجسدا
أولى المدائن أخت الشمس قد شهدت
روما و غار الضّحى منها فما شهدا
ثراك و الدّر ما هانا و إن ظلما
و أنت و النّور ما ضاعا و إن جحدا
***
يسومنا الصّنم الطّاغي عبادته
لن تعبد الشام إلاّ الواحد الأحدا
وجه الشام الذي رفّت بشاشته
من النّعيم لغير الله ما سجدا
تفنّن الصّنم الطّاغي فألف أذى(64/36)
و ألف لون من البلوى و ألف ردى
أنحى على الشّام أريافا و حاضرة
فلم يدع سبدا فيها و لا لبدا
جهد العفاة من العمّال جزيته
و كلّ ما قطف الفلاّح أو حصدا
هذا المدلّ على الدّنيا بصولته
ما صال إلاّ على قومي و لا حشدا
و مرعد مبرق ضجّت صواعقه
حتّى إذا قامت الجلّى له قعدا
الظامئ القلب من خير و مرحمة
فإنّ ألحّ سقاه الحقد و الحسدا
لو استطاع محا أمجادنا بطرا
لم يبق لا بدرا و لا أحدا
***
دع الشام فجيش الله حارسها
من يقحم الغاب يلق الضيغم الحردا
عزّت على كلّ فرعون عرينتها
ما روّضت و يروض القانص الأسدا
إذا العدوّ تحدّاها بصولته
نهدت أرخص روحي كلّما نهدا
تقحّمت كبريائي بوم محنتها
ما سامع االمحنة الكبرى كمن شهدا
أهوال ما أوعد الطاغي ليصرفني
عن الشام و نعمى كلّ ما و عدا
***
ماذا يريد الألى أصفوه ودّهم
و سخّروا لهواه المال و العددا
يكاد تمثالهم يحمرّ من خجل
و قد غدا للطغاة العون و المددا
يا مشعل النور كم حرّية ذبحت
على يديك و نور مات بل وئدا
قد أنكر المشعل الهادي رسالته
فإنّ يماجد خصيما بعدها مجدا
يبكي لحرّية الدنيا و يذبحها
على هواه و لا ثأرا و لا قودا
و من حمى ظلم فرعون لأمّته
فقد تفرعن طغيانا و معتقدا
تحمّلوا وزر هذا الشرق مزّقه
جنون طاغ فأضحى شمله بددا
لا أكذب الله قد أضحت كنوزكم
لصرح طغيانه الأركان و العمدا
لا أكذب الله من أموالكم صقلت
خناجر طعنت حريّتي و مدى
***
يا راقد الثأر لم يأرق لجمرته
جيش الشام عن الثارات ما رقدا
جيشي و فوق ذرى حطّين رايته
غدا و يملي على الدنيا الفتوح غدا
ألمطمئن و جمر الثأر في دمه
خابت رياحك هذا الجمر ما همدا
ألحامل الغار أمجادا منضّرة
و المدرك الثأر لا زورا و لا فندا
تبرّجت في السّماء الشمس حالية
لتشهد العدّة الشهباء و العددا
جيشي و إيمانه بالحكم مجتمعا
شورى و قد داس حكم الفرد منفردا
لبّى الشام و قد ريعت كرامتها
و ثار للشعب منهوبا و مضطهدا(64/37)
إنّ الكرامة و الحرّية احتلفا
و لن يفارق حلف حلفه أبدا
من هديه صاغها الإسلام فانسكبت
توزّع النّور و النعماء و الرشدا
هذي الحنيفيّة السمحاء قاهرة
لا اللات عزّت و لا فرعونها عبدا
تألّه الفرد حينا ثمّ عاصفة
هدّارة فكأنّ الفرد ما وجدا
كنز الحنيفة من حبّ و مرحمة
كالنور قد غمر الدّنيا و ما نفدا
نبع من الحبّ لو مرّ الجحيم به
لقطّف الظلّ من ريّاه و ابتردا
لا الفقر حقد و لا النّعماء غاشمة
كلاهما انسجما بالحبّ و اتّحدا
كلاهما أملت السمحاء حرمته
على أخيه فما ابتزّا و لا حقدا
تبنى الشعوب على فربى و مرحمة
و ما بنى الحقد لا شعبا و لا رغدا
آمنت بالفرد حرّا في عقيدته
و كلّ فرد و ما والى و ما اعتقدا
أفدي الشام لنعماها و عزّتها
من أربعين أقاسي الهول و النّكدا
***
ضمّ الثرى من أحبائي ليوث شرى
و غاب تحت منهم شموس هدى
لداتي الصيد ، شلّ الموت سرحهم
ليت النّجوم و روحي للّدات فدى
الرّاقدون و جفني من طيوفهم
في سامر ضجّ في جفني فما رقدا
قبور أهلي و إخواني و غافية
من الطيوف و أسرار و رجع صدى
و الليل و الصمت و الذكرى و كنز رؤى
لمحت مارد جنّ حوله رصدا
و وحشة لفّت الدّنيا برهبتها
و لفّت الغيب و الأحلام و الأبدا
ألحانيات على تلك القبور معي
و نبّه الفجر طيرا غافيا فشدا
حتّى بكيت فذابت كلّ واحدة
منهنّ في أدمع النائي الذي وفدا
هشّت إلىّ قبور ، أدمعي عبق
على الرّياحين في أفيائها و ندى
ضمّتني الشام بهد النأي حانية
كالأمّ تحضن بعد الفرقة الولدا
ردّت إليّ شبابي في متارفه
و هيّأت للصيال الفارس النجدا
أنا الوفيّ و تأبى الغرّ من شيمي
كفران نعمة من أسدلا إليّ يدا
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> حنين الغريب
حنين الغريب
رقم القصيدة : 66297
-----------------------------------
وفاء كمزن الغوطتين كريم
و حبّ كنعماء الشام قديم
و شعر كآفاق السماء تبرّجت
شموس على أنغامه و نجوم
يلمّ (شفيق) كوكبا بعد كوكب(64/38)
و نسّق منها العقد فهو نظيم
معان بألوان الجمال غنيّة
كما زفّ ألوان الطيوب نسيم
و وشي كأحلام الشباب يصوغه
أنيق بأسرار البيان عليم
سقاني سلاف الشعر حتّى ترنّحت
دموع و غنّت لوعة و كلوم
ففي كلّ بيت ريقة أو سلافة
و ريحانة شاميّة و نديم
***
تطوّحني الأسفار شرقا و مغربا
و لكنّ قلبي بالشام مقيم
و أسمع نجواها على غير رؤية
كأنّي على طور الجلال (كليم)
و ما نال من إيماني السّمع أنّني
أصلّي لها في غربتي و أصوم
و لا نال من قدري اغتراب و عسرة
يصان و يغلي الدرّ و هو يتيم
و للمجد أعباء و لكنّها منى
و للمكرمات الغاليات هموم
و خاصمني من كنت أرجو وفاءه
و للشّمس بين النيّرات خصوم
يلاقي العظيم الحقد في كلّ أمّة
فلم ينج من حقد الطّغام عظيم
و يقذى بنور العبقريّة حاسد
و يخزى بمجد العبقريّ لئيم
و تشقى على الحقد النّفوس كما انطوت
قلوب على جمر الغضا و حلوم
و لم يدر نعماء الكرى جفن حاقد
و هل قرّ عينا بالرّقاد سليم
و يزعم أنّ الحقد يبدع نعمة
و هيهات من نعمى البنين عقيم
و ما بنيت إلاّ على الحبّ أمّة
و لا عزّ إلاّ بالحنان زعيم
و لا فوق نعماء المحبّة جنّة
و لا فوق أحقاد النّفوس جحيم
هو الحبّ حتّى يكرم العدم موسر
و يأسى لأحزان الغنيّ عديم
و حتّى يريح الذّنب من حمل وزره
حنان بغفران الذّنوب زعيم
و يا ربّ قلبي ما علمت . محبّة
و عطر و وهج من سناك صميم
و آمنت حتّى لا أروم لبانة
تخالف ما تختاره و تروم
جلا نورك الدنيا لعيني وسيمة
فلم يبق حتّى في الهموم دميم
و سلّمت أمري لا من اليأس بل هوى
أصيل و إرث طاهر و أروم
فررت إلى قلبي من العقل خائفا
كما فرّ من عدوي المريض سليم
تألّه عقل أنت يا ربّ صغته
و كاد يردّ الميت و هو رميم
و ضاقت به الدنيا ففي كلّ مهجة
هواجس من كفرانه و غموم
و أبدعت هذا العقل نعمى قطافها
فنون كأطياب الهوى و علوم
ترفّ حضارات عليه وضيئة
و خير كإغداق السماء عميم
و غرّد في عدن لحورك شاعر(64/39)
و غازل أسرار السماء حكيم
فما بال هذا العقل جنّ جنونه
فردّ ملاك الطّهر و هو أثيم
و زلزل منه البرّ و البحر كافر
بنعماك مرهوب الحتوف غشوم
و في كأسه عند الصّباح سلافة
و في كأسه عند المساء سموم
و يعطي المنى ما تشتهي فهو محسن
و ينهب ما أعطاه فهو غريم
تحدّاك حتّى كاد يزعم أنّه
شريك لجبّار السّماء قسيم
و حاول غزو النّيرين فردّه
عن الذروة العصماء و هو رجيم
و كفّ عنان العقل قسرا فربّما
أثير بإلحاح السّفين حليم
جلت هذه الدّنيا لعيني كنوزها
لوامع يغري برقها فأشيم
أفانين من حسن وجاه و نعمة
معادن نور كلّهنّ كريم
و وشي به الألوان حيرى كأنّها
سماء فتصحو لمحة و تغيم
و لم أتردّد و انتقيت .. و حبّها
و أحلامها ما اخترت حين تسوم
قد اختصرت دنيا بقلبي و عالم
كما اختصر العلم الشتيت رقيم
و توجز في قارورة العطر روضة
و توجز في كأس الرّحيق كروم
و أعرض إعراض الخليّ من الهوى
و بي من هواها مقعد و مقيم
و ما حيلتي إن نمّ عن نفسه الهوى
هو العطر و العطر الزكي ّ نموم
تشابهت السّمراء و الدّهر شيمة
كلا القادرين القاهرين ظلوم
و أكرمها عن كلّ لوم وأنثني
أعاتب قلبي وحده و ألوم
و لو أنّ شعري دلّل الرّيم نافرا
تلفّت يجزيني الصبابة ريم
***
تبادهني عند البحيرة دمّر
و روض على أفيائها و شميم
و ورق على شطّ البحيرة حوّم
و ورق على قلب الغريب تحوم
خيال جلا لي الشام حتّى إذا انطوى
تنازع قلبي عبرة و وجوم
و قرّبها ما شئت حتّى احتضنتها
و غابت بحار بيننا و تخوم
و حيّت من الرّوح الشاميّ نفحة
ولوع بأشتات الطّيوب لموم
و لاح صغاري كالفراخ و أمّهم
حنون كورقاء الغصون رؤوم
فراخ و إن طاروا و للريح ضجّة
و للرعد زأر في الدّجى و هزيم
فطرنا على حبّ البنين ، سجيّة
تلاقى عليها عاذر و مليم
يشبّ الفتى منهم و يبقى لرحمتي
كما كان في عينيّ و هو فطيم
و هان بنعماء الطفولة ما درى
أهادن دهر أم ألحّ خصيم
غرير يبيّن القول بل لايبينه(64/40)
طفور كأطلاء الظّباء بغوم
نزعت سهام القلب لمّا خلعته
عليه و نزع المصميات أليم
و جرت على قلبي فأخفيت أنّه
مدمّى بأنواع السّهام كليم
و لولاهم ماروّضتني شكيمة
و لا لان منّي في الصّعاب شكيم
***
و هيهات منّي في البحيرة دمّر
و سجع بوادي الرّبوتين رخيم
إذا لاح لي وجه البحيرة قاتما
ألحّ عليه عاصف و غيوم
فوجه أديم الشام طلق منوّر
و وجه بحيرات السماء قسيم
تعلّلت لا أشكو سقاما و لا أذى
بلى كلّ ناء عن هواه سقيم
و يحزنني دوح البحيرة عاريا
و أوراقه الخضراء و هي هشيم
و أبسط كفّي أقطف الماء عابثا
كأنّ المويجات الصّغار جميم
و تلك الظلال الحاليات عواطل
على كلّ أيك وحشة و سهوم
تعرّت من الغيد الملاح و طالما
تغطّى بأسراب الملاح أديم
رسوم هوى ما استوقفت خطو عابر
كما استوقفت ركب الفلاة رسوم
و لا لثم الحصباء فيها متيّم
يشمّ الهوى من عطرها فيهيم
يجلّلها اللّيل البهيم و مثله
ضحى كالدّجى غمر السواد بهيم
و شمس الضحى خود كعاب يضمّها
لغيران من صيد الملوك حريم
يردّ و يجلى عن كوى الغيم وجهها
كما ردّ عن باب البخيل يتيم
و يشكو الضحى من هجرها متوجّعا
و يوحشه هجرانها و يضيم
تأبّت على جهد الضحى فكأنّها
من الغيد مكسال الدلال نؤوم
و ضمّ الظلام السكب ظلاّ لجاره
كأنّ الظلال المغفيات جسوم
***
يطارحني دوح البحيرة شجوه
كلانا معنّى بالزّمان هضيم
و أشكو له البلوى و يشكو كأنّنا
حميم يساقيه العزاء حميم
أتشكو و لكن عندك الريح و الدجى
و للجنّ من شتّى الظلال نجوم
و عندك آلاف الطّيوف حوائم
روان لأسرار البحيرة هيم
تلملم أسرار البحيرة شرّدا
و يفتنها سكب الشذا فتريم
هنا كلّ أسرار البحيرة و الرؤى
طوافر في دنيا الخفاء تهيم
هنا عرس الأطياف يفترش الدّجى
و يقعد في أحضانه و يقوم
خفاء يضجّ الصمت فيه و بلبل
تحدّى ضجيج الصمت فهو نغوم
و لفّ الخفاء الحسن حتّى شكى الهوى
و غار حرير مترف و رقوم
فدع لومه إن لم يلح لك سحره(64/41)
خيالك لا سحر الخفاء ملوم
هنا ألف الأطيار و الناس رحمة
فللطير أنس فيهم و لزوم
إذا انبسطت راح فللطير فوقها
حنين إلى سمح القرى و جثوم
فيا خجلة الصحراء لم ينج جؤذر
و لا قرّ عينا بالأمان ظليم
و لم تهن بالعشّ البعيد حمامة
فصيّادها صعب المراس عزوم
شكا الطّير من ظلم الأناسيّ و اشتكت
ظباء و عشب في الفلاة نجيم
فبا ربّ لا أقوى من الطّير عشّه
و لا راع أسراب الظباء غريم
و لا أوحشت رمل الفلاة جاذر
و ورد يندّي حرّها و فغوم
و كلّ غمام مرّ في الرّمل ديمة
و كلّ كنّاس للظباء مديم
رمال كبرد عاطل الوشي حاكه
صناع معنّى بالبرود سؤوم
فزوّقه بالوشي غاد ورائح
و عدو جياد ضمّر و رسيم
و يا ربّ في الإنسان و الطير احتمى
بغيرك مقصوص الجناح ظليم
و صن كلّ زرع أن ينازع خصبه
هجير و ريح - لا ترقّ - حطوم
سنابل وفّت للطيور زكاتها
فحنّت إليها جنّة و نعيم
و يا ربّ تدري الشام أنّي أحبّها
و أفنى و حبّي للشام يدوم
و لي في ثراها من لداتي أعزّة
حماة إذا استخذى الشجاع قروم
تهاووا تباعا واحدا بعد واحد
عليه انفراط العقد و هو نظيم
تساقوا مناياهم ضحى العمر و انطوى
شبابهم الريّان و هو تميم
و أسرف في الذكرى لأنزح نبعها
و لكنّ نبع الذكريات جموم
إذا قلت غاضت بعد لأيّ تدفّقت
و للموج فيها كرّة و هجوم
و تسدل أحيانا شفيف لثامها
كما لثم الفجر الضحوك سديم
و في كلّ أيك لي على الشام منسك
و في كلّ دوح زمزم وحطيم
و كلّ مقام فيك حتى على الأذى
حميد و كلّ النأي عنك ذميم
حوالي الصبا إن لم تدرك عواطل
و ريح الصّبا ما لم تزرك سموم
و يا ربّ إن سبّحت و الشام قبلتي
فأنت غفور للذنوب رحيم
تهلّل عفو الله للذنب عندما
أطلّ عليه الذنب و هو وسيم
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> من وحي الهزيمة
من وحي الهزيمة
رقم القصيدة : 66298
-----------------------------------
رمل سيناء قبرنا المحفور
و على القبر منكر و نكير
كبرياء الصحراء مرّغها الذلّ(64/42)
فغاب الضحى و غار الزّئير
لا شهيد يرضي الصحارى ، و جلّى
هارب في رمالها و أسير
أيّها المستعير ألف عتاد
لأعاديك كلّ ما تستعير
هدّك الذعر لا الحديد و لا النار
و عبء على الوغى المذعور
أغرور على الفرار ؟! لقد ذاب
حياء من الغرور الغرور !
ألقلاع المحصّنات - إذا الجبن
حماها - خورنق و سدير !
لم يعان الوغى ((لواء)) و لا عانى
((فريق)) أهوالها و ((مشير))
رتب صنعة الدواوين .. ما شارك
فيها قرّ الوغى و الهجير
و تطير النسور من زحمة النّجم ،
و في عشّه البغاث يطير
جبن القادة الكبار و فرّوا
و بكى للفرار جيش جسور
تركوه فوضى إلى الدور ، فيحاء ،
لقد ضمّت المساء الخدور !
هزم الحاكمون - و الشعب في
الأصفاد ، فالحكم وحده المكسور
هزم الحاكمون . لم يحزن الشعب
عليهم ، و لا انتخى الجمهور
يستجيرون ! و الكريم لدى الغمرة
يلقى الردى و لا يستجير !
***
لا تسل عن نميرها غوطة الشام
ألحّ الصدى و غاض النمير
و انس عطر الشام ، حيث يقيم
الظلم تنأى .. و لا تقيم العطور
أطبقوا .. لا ترى الضياء جفوني
فجفوني عن الضياء ستور
بعض حرّيتي السّماوات و الأنجم
و الشمس و الضحى و البدور
بعض حرّيتي الملائك و الجنّة
و الراح و الشذا و الحبور
بعض حرّيتي الجمال الإلهيّ
و منه المكشوف و المستور
بعض حرّيتي و يكتحل العقل
بنور الإلهام ، و التفكير
بعض حرّيتي . و نحن القرابين
لمحرابها ، و نحن النذور
بعض حرّيتي ، من الصّبح أطياب
و من رقّة النسيم حرير
نحن أسرى ، و لو شمسنا على القيد
لما نالنا العدوّ المغير
لاقتحمنا على الغزاة لهيبا
و عبرنا و ما استحال العبور
سألوني عن الغزاة فجاوبت :
رمال تسفى و نحن الصّخور
سألوني عن الغزاة فجاوبت :
ليال تمضي و نحن الدّهور !
***
هل درت عدن أن مسجدها الأقصى
مكان من أهله مهجور
أين مسرى البراق ، و القدس و المهد
و بيت مقدّس معمور ؟
لم يرتّل قرآن أحمد فيه
و يزار المبكى و يتلى الزّبور
طوي المصحف الكريم ، و راحت(64/43)
تتشاكى آياته و السطور
تستبى المدن و القرى هاتفات
أين .. أين الرّشيد و المنصور !
يالذلّ الإسلام . إرث أبي
حفص بديد مضيّع مغمور
يا لذلّ الإسلام : لا الجمعة الزهـ
ـراء نعمى . و لا الأذان جهير
كلّ دنيا المسلمين مناحات
و ويل لأهلها و ثبور
لبست مكّة السّواد ، و أبكت
مشهد المرتضى و دكّ الطور
هل درى جعفر ؟ فرفّ جناحاه
إلى المسجد الحزين يطير !
ناجت المسجد الطّهور و حنّت
سدرة المنتهى و ظلّ طهور
أين قبر الحسين ؟ قبر غريب !
من يضمّ الغريب أو من يزور
أين آي القرآن تتلى على الجمع
و أين التهليل و التكبير ؟
أين آي الإنجيل ؟ فاح من الإنجيل
عطر و ضوّأ الكون نور
أين روما ؟ و جلّ حبر بروما
مهد عيسى يشكو و يشكو البخور
ألنصارى و المسلمون أسارى
و حبيب إلى الأسير الأسير
صلب الرّوح مرّتين الطّواغيت !
جراح كما يضوع العبير
يا لذلّ الإسلام و القدس نهب
هتكت أرضه فأين الغيور
قد تطول الأعمار لا مجد فيها
و يضمّ الأمجاد يوم قصير
من عذولي على الدّموع ؟ و في المروة
و الرّكن و الصفا لي عذير
و حرام عليّ أن ينزل البشر
بقلبي و أن يلمّ الحبور
كحلت بالثّرى الخصيب جفون
و هفت للثرى الحبيب ثغور
لا تشقّ الجيوب في محنة القدس
و لكنّها تشقّ الصدور
حبست أدمع الأباة من الخوف
و يبكي الشذا و تبكي الطيور
أنا حزن شخص يروح و يغدو
و مسائي مع الأسى و البكور
أنا حزن يمرّ في كلّ باب
سائل مثقل الخطى منهور
طردتني الأكواخ ، و البؤس قربى
و تعالت على شقائي القصور
يحتويني الهجير حينا ، و لا يرحم
أسمال فقري الزمهرير
و على الجوع و الضنى و الرّزايا
في دروبي أسير ثمّ أسير
نقلتني الصحراء حينا .. و حينا
نقلتني إلى الشعوب البحور
حاملا محنتي أجرّر أقدامي
و يومي سمح الغمام مطير
حاملا محنتي أوزّعها في
كلّ دنيا و شرّها مستطير
محنتي الغيث إن أرادوا و إلاّ
فهدير البركان و التدمير
حاملا محنة الخيام ، فتزورّ
وجوه عنّي و تغلق دور !(64/44)
ألخيام الممزّقات و أمّ
في الزّوايا و كسرة و حصير
و فتاة أذلّها العرى و الجوع
و يلهو بالرمل طفل صغير
كلما أنّ في الخيام شريد
خجل القصر و الفراش الوثير
خجل الحاكمون شرقا و غربا
و رئيس مسيطر و وزير
هيئة للشّعوب تمعن في الذنب
و لا توبة و لا تكفير
شارك القوم كلّهم في أذانا
و من القوم غيّب و حضور
من قوانينها المداراة للظلم
و منها التغريب و التهجير
و يقام الدستور ، أضحوكة الساخر
منّا و يوأد الدستور
كلّ علم يغزو النجوم و يغزو
بالمنايا الشعوب علم حقير
و الحضارات بعضهنّ بشير
يتهادى و بعضهنّ نذير
نعميات الشعوب شتّى ، فنعمى
حمدت ربّها و نعمى كفور
***
لن يعيش الغازي و في الأنفس
الحقد عليه ، و في النّفوس السّعير
يحرق المدن ، و العذارى سبايا
و صغير لذبحه و كبير
دينه الحرق و الإبادة و الحقد
و شتم الأعراض و التشهير
صوّرته التوراة بالفتك و التدمير
حتى ليفزع التصوير
من طباع الحروب كرّ و فرّ
و المجلّي هو الشجاع الصبور
ليس يبنى على الفجاءات فتح
علمي في غد هو المنشور
تنتخي للوغى سيوف معدّ
و يقوم الموتى و تمشي القبور
عربيّ فلا حماي مباح
- عند حقدي - و لا دمي مهدور
***
نحن أسرى ، و حين ضيم حمانا
كاد يقضي من حزنه المأسور
كلّ فرد من الرّعية عبد
و من الحكم كلّ فرد أمير
و مع الأسر نحن نستشرف الأفلاك
و الدائرات كيف تدور
نحن موتى ! و شرّ ما ابتدع الطغيان
موتى على الدّروب تسير
نحن موتى ! و إن غدونا و رحنا
و البيوت المزوّقات قبور
نحن موتى . يسرّ جار لجار
مستريبا : متى يكون النشور
بقيت سبّة الزمان على الطاغي
و يبقى لنا العلى و الضمير
***
سألوا عن ضناي ، محض تشفّ
هل يصحّ المعذّب الموتور
أمن العدل أيّها الشاتم التاريخ
أن تلعن العصور العصور ؟
أمن النبل أيّها الشاتم الآباء
أن يشتم الكبير الصغير
و إذا رفّت الغصون اخضرارا
فالذي أبدع الغصون الجذور
إشتراكيّة ؟! و كنز من الدرّ
و زهو و منبر و سرير(64/45)
إشتراكيّة تعاليمها : الإثراء
و الظّلم و الخنا و الفجور
إشتراكيّة ! فإنّ مرّ طاغ
صفّ جند له و دوّى نفير
كلّ وغد مصعّرالخدّ لا سابور
في زهوه و لا أزدشير
يغضب القاهر المسلّح بالنّار
إذا أنّ أو شكا المقهور
ينكر الطّبع فلسفات عقول
شأنهنّ التعقيد و التعسير
كلّ شيء متمّم لسواه
ليس فينا مستأجر و أجير
بارك الله في الحنيفيّة السمحاء
فيها التسهيل و التيسير
***
و رقيب على الخيال .. فهل يسلم
منه المسموع و المنظور ؟
عازف عن حقائق الأمر لوّما
و كفى أن يلفّق التقرير
فيجافي أخ أخاه و يشقى
بالجواسيس زائر و مزور
لصغار النّفوس كانت صغيرات
الأماني و للخطير الخطير
يندر المجد ، و الدروب إلى المجد
صعاب ، و يكثر التزوير
علموا أنّه عسير فهابوه
و لا بدع فالنفيس عسير
محنة الحاكمين جهل و دعوى
جبن فاضح و مجد عثور
نهبوا الشعب ، و استباح حمى المال
جنون النعيم و التبذير
كيف يغشى الوغى و يظفر فيها
حاكم مترف و شعب فقير
مزّقوه ، و لن يمزّق ، فالشعب
عليم بما أرادوا خبير
حكموه بالنّار فالسيف مصقول ،
على الشعب حدّه مشهور
محنة العرب أمّة لم تهادن
فاتحيها و حاكم مأجور
***
هنكوا حرمة المساجد لا جنكيز
باراهم و لا تيمور
قحموها على المصلّين بالنّار
فشلو يعلو و شلو يغور
أمعنوا في مصاحف الله تمزيقا
و يبدو على الوجوه السّرور
فقئت أعين المصلّين تعذيبا
و ديست مناكب و صدور
ثم سيقوا إلى السّجون ، و لا تسأل ،
فسجّانها عنيف مرير
يشبع السوط من لحوم الضحايا
و تأبّى دموعهم و الزفير
مؤمن بين آلتين من الفولاذ
دام ، ممزّق ، معصور
هتفوا باسم أحمد فعلى الأصوات
عطر و في الأسارير نور
هتفوا باسم أحمد فالسّياط الحمر
نعمى و جنّة و حرير
طرف اتباع أحمد في السّماوات
و طرف الطاغي كليل حسير
***
عبرة للطغاة مصرع طاغ
و انتقام من عادل لا يجور
ألمصلّون في حمى الله يرديهم
مدلّ بجنده مخمور
جامع شاده في حمى الله يرديهم
أمويّ معرّق منصور(64/46)
لم ترع فيه قبل حكم الطّواغيت -
طيور و لا استبيحت و كور
مطلق النّار فيه ، في الجمعة الزهراء
شلو دام و عظم كسير
و الذي عذّب الأباة رأي التعذيب
حتّى استجار من لا يجير
قدماه لم تحملاه إلى الموت
فزحف على الثرى لا مسير
و خزته الحراب و هو مسوق
لرداه ، محطّم مجرور
و يجيل العينين في إخوة الحكم
و أين الحاني و أين النّصير ؟
كلّ فرد منهم لقتل أخيه
يصدر الرأي منه و التدبير
و إذا يذبح الرّفيق رفيق
منهم و العشير فيهم عشير
يأكل الذئب ، حين يردى ، أخوه
و يعضّ العقور كلب عقور
***
إرجعوا للشّعوب يا حاكميها
لن يفيد التهويل و التّغرير
صارحوها فقد تبدّلت الدّنيا
وجدّت بعد الأمور أمور
لا يقود الشعوب ظلم و فقر
و سباب مكرّر مسعور
و الإذاعات ! هل تخلّعت العاهر ؟
أم هل تقيّأ السكيّر ؟!
صارحوها .. و لا يغطّ على الصدق
ضجيج مزوّر و هدير
و اتّقوا ساعة الحساب إذا دقّت
فيوم الحساب يوم عسير
يقف المتّهمان وجها لوجه
حاكم ظالم و شعب صبور
كلّ حكم له - و إن طالت
الأيّام - يومان : أوّل و أخير
كلّ طاغ - مهما استبدّ - ضعيف
كلّ شعب - مهما استكان - قدير
و هب الله بعض أسمائه
للشعب ، فهو القدير و هو الغفور
***
يبغض الظّلم ناصحيه ، و إنّي
لملوم في نصحكم معذور !
يشهد الله ما بقلبي حقد
شفّ قلبي كما يشفّ الغدير
و جراحي ينطفن شهدا و عطرا
أدمعي رحمة و شعري شعور
يرشف النّور من بياني فإنّ
غنّيت فهو المدلّه المخمور
و طباعي على ازدحام الرزايا-
لم ينلها التبديل و التغيير
مسلم .. كلّما سجدت لربّي
فاح من سجدتي الهدى و العبير
و مع الشيب و الكهولة قلبي
- كعهود الصّبا - بريء غرير
بي حرّيتي و إيماني السمح
فحلمي هان و جفني قرير !
لم أهادن ظلما و تدري اللّيالي
في غد أيّنا هو المدحور !
لم أهادن ظلما و تدري اللّيالي
في غد أيّنا هو المدحور !
لم أهادن ظلما و تدري اللّيالي
في غد أيّنا هو المدحور !(64/47)
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> مصرع الشمس
مصرع الشمس
رقم القصيدة : 66299
-----------------------------------
زهزوة الفتح و الشباب النّجيد ،
من سقى الفجر من دماء الشهيد !
خضبت غرّة الصّباح فقد
نمّ عليها بالعطر و التوريد
قد أنزل الكميّ عن السرج
و ألوى بالفارس المعدود
مصرع الشمس في الضحى هل ينال
الشمس في أفقها عثار الجدود
دم غازي ياحمرة الفجر فاسقي
و أرشفي من ضيائه و استزيدي
عرس في الجنان فالحور يطفرن
على ميعة الضياء البديد
سدرة المنتهى نعيم و أفياء
و أغرودة على أملود
و حنت فاطم تضمّ فتاها
لهفة الأمّ فوجئت بالوحيد
من رأى روعة الحنان أطلّت
من عيون و لألأت في خدود
و هفا بالنعيم غازي لبغداد
و للجند و القنا و البنود
***
إيه دنيا الرّشيد تفنى الحضارات
و تبقى ، كالدهر دنيا الرّشيد
صور للعلى القديم وضّاء
زوّقتها رؤى الخيال الشرود
صور للقديم تعرضها الدّنيا
ضياء و روعة في الجديد
هذه دجلة و هذي البساتين
و شدو القمريّة الغرّيد
و الأماسيّ و النخيل و ملاّح
طروب الحداء حلو النّشيد
و الليالي القمراء في النّهر
و الأنغام أصداء زورة و صدود
و القيان الملاح يخطرن في
الشطّ سكارى مرنّحات القدود
آهة بعد آهة من عريب
تخلق الظلّ للضحى المكدود
كلّما هلهلت صبا أو حجازا
ضاع حلم المتوّج المحسود
و جوار يمرحن في الزورق الساجي
و يضحكن عن نديّ برود
رفّ مجدافه على الماء و انساب
بأحلى معاصم و زنود
فانتشى من طيوفهنّ و جنّت
قطرات علقن بين النّهود
و القصور البيضاء و الحلم
اللذّ جلاه دخان ندّ و عود
حملته هفهافة العطر نشوان
إلى جنّة الخيال البعيد
همدت ثورة الشهيد و قرّت
يا دويّا مجلجلا في الهمود
***
إيه دنيا الرّشيد تفنى الحضارات
و تبقين من لدات الخلود
قصر هارون ما عهدت من الألاء
و العزّ و ازدحام الوفود
حمل التّاج مفرق الملك الطفل
و ما ناء بالجليل الشديد
تاج بغداد و الشام و لبنان
و بحر للروم طاغ عنيد(64/48)
أيّها البحر ! بعض تيهك و اذكر
نسبا بيننا قديم العهود
لست للروم أنت للملك الطفل
نضار في تاجه المعقود
أيّها البحر ! أنت مهما افترقنا
ملك آبائنا و ملك الجدود
***
و انحنى الكون يلثم الملك الطفـ
ـل و يفديه بالطّريف التليد
***
صاحب التّاج ! دمعة من دموع
الشام ذوّبت عطرها في قصيدي
و أنا الشاعر المدلّ على الدنيا
بغيب في حبّكم و شهود
هاشمي الهوى أحبّ فما دارى
و عادى على هواكم و عودي
حليت في نعيم جدّك أشعاري
و نمنمت في ذراه عقودي
حاطني بالحنان صقر قريش
و سقى دوحتي و نضّر عودي
لكم نعمة عليّ و ما كنت
لنعماء بيتكم بالجحود
فيّئ الشام باللواء و نضّر
شاطئيها بظلّك الممدود
ليس بين العراق و الشام حدّ
هدم الله ما بنوا من حدود
بايعت جدّك الشام فسلها
تتحدّث عن يومه المشهود
بيعه في رقابنا لأبي غازي
و للإبن بعده و الحفيد
***
قل كما قال للغمامة هارون
و في الجوّ زمزمات الرّعود
قل لها : أيّها الغمامة جودي
شاطئ الرّافدين أو لا تجودي
حوّمي ما أردت شرقا و غربا
في تجوم الكون الفسيح المديد
سترفّين مخصبا من سفوحي
أو تروّين ظامئا من نجودي
أمطري حيث شئت فالكون ملكي
و بنوه قبائلي و جنودي
***
لا تسلني عن الشام فقد حزّ
بجيد الشام عضّ الحديد
لوّحوا بالقيود فابتدر الموت
أباة تنمّروا للقيود
روّعوا الأمّهات في حلّك الليل
و راعوا صغراها في المهود
فتنمّر و اغضب لقومك و ارجم
بالشّهاب اللّمّاح كلّ مريد
و اغز بالجيش قبّة الفلك الدائر
و اقحم به عرين الأسود
جيشك الجيش لو تنكّر للنوم
لضاقت به جفون الرّقود
فإذا هجته ترنّحت الأعلام
و ازّيّنت لفتح جديد
و إذا هجته تلفّتت الدنيا
و همّت أفلاكها بالسجود
***
شقيت باليهود أرض فلسطين
و ضاقت رحابها باليهود
بنفايا الدنيا ، على كلّ وجه
منهم ، سبّة اللعين الطريد
أدب القوم بالسّياط و نزّه
سيف هارون عن دماء العبيد
***
بنت مروان لا تراعي و خلّي
عنك تهويل عدّة و عديد(64/49)
أنت في ذمّة الوصيّ على التاج
و في ذمة المليك الوليد
أنت في ذمّة العراق و في
ذمّة أنجاده الأباة الصيد
***
قيل من للشام ؟ قالت : أعزّ
العرب جارا و أومأت (للسعيد))
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> آلام...
آلام...
رقم القصيدة : 66300
-----------------------------------
ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد
يا جمرة في حنايا الصدر تتّقد
مرّي على كبدي حمراء دامية
يبقى الحنين إذا تسلم الكبد
و ما أضيق بهمّ حين يطرقني
لقد تقاسم حبّي البؤس و الرّغد
إنّي أدلّل آلامي و أمسحها
مسح الشفيق و أجلوها و أنتقد
حتّى تطلّ على الدنيا بزينتها
حسناء تبدو عليها نعمة ودد
بعض الخطوب ظلام لا صباح له
و بعضها الفجر فيه النّور و الرشد
تفجّر الخير منه روضة أنفا
تدعو إلى ظلّها وانين قد جهدوا
إذا هم جرعوا من مائها جرعا
توثّبت عزمات فيهم جدد
و مدلجين أضاء الحزن ليلهم
حتّى إذا انطفأت أحزانهم قعدوا
حادوا عن المحنة الكبرى و لو صحبوا
نيرانها الحمر ما ضلّوا و لا انفردوا
فيم التنكّر للآلام قاسية
إذا تباعد في ميدانها الأمد
ألطالعون على الدنيا بنصرهم
لولا الفواجع هل شدّوا و هل نهدوا
إذا ونوا راح يذكي من عزائمهم
حقد هو العدّة الشهباء و العدد
سقاهم خمرة الآلام فاضطرموا
يستلهمون من الآلام و احتشدوا
أمّا الشعوب و قد ضجّت عواصفها
فصلحب النّصر فيها الثاكل الحرد
لقد تلاقى على الغايات من ظفروا
بالملك في زحمة الدنيا و من حقدوا
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم
لغو من الناس لا ذموّا و لا حمدوا
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا
حزن المحبّين في البلوى و لا وجدوا
الظامئون و ظنّوا أنّهم ثملوا
و الغائبون و ظنّوا أنّهم شهدوا
***
لا يبعد الله أحبابا فجعت بهم
و ما علالة قلبي بعدما بعدوا
الناشئون علة نعماء مترفة
تقيّلوا الرمل في الصحراء و اتّسدوا
تلك الجسوم التي حزّ الحرير بها
حريرها في العراء الموحش الزرد
صادين للموت إيمانا و موجدة(64/50)
فكلّما لاح منه منهل وردوا
على الصحاصح هامات معطّرة
و في الرّمال بنان أفردت و يد
في كلّ منزلة قبر تلمّ به
هوج الرّياح و ينأى الأهل و الولد
مشتّتين فمن أجسادهم مزق
على الأديم و من مرّانهم قصد
مصارع بعطور الحقّ زاكية
كأنّما سكبوا فيها اعتقدوا
حنا السراب عليها و هي ظاكئة
حرّى الجوانح لا غمر و لا ثمد
بموحش من رمال البيد منبسط
يضلّ في شاظئيه الصّبر و الجلد
مسحت دمعي من ذكراهم بيد
و أمسكت كبدي ألاّ تذوب يد
***
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة
للشاربين و هذا الشاعر الغرد
إنّ الندامى على عهد الحبيب بهم
لا جانبوا النّشوة الكبرى و لا زهدوا
لا أوحش الله قلبي من مواجعه
و لا تحوّل عن نعمائها الحسد
و لا شفى الله جرحا في سريرته
نديان ينطف منه الخمر و الشهد
فجّرت قلبي رثاء ما وفين به
حقّ الزعيم قواف كالضحى شرد
الناقلات إلى الأجيال ما ظلموا
من الأباة و ما راعوا و ما اضطهدوا
صلى الاله على قبر يطوف به
كبيت مكة من حجّوا و من قصدوا
أغفى أبو طارق بعد السّهاد به
و خلّف الهمّ و البلوى لمن سهدوا
ضاو من السقم ضجّت في شمائله
عواصف الحقّ و الأمواج و الزبد
إذا أثير نضا عنه مواجعه
كما تفلّت من أشراكه الأسد
يروع في مقلتيه بارق عجب
و عالم عبقريّ السحر منفرد
يغالب البشر أسقاما نزلن به
يأبى له الكبر أن يأسى لها أحد
داء ملح و نفس لا تذلّ له
حرب تكافأ فيها البأس و العدد
تلك البشاشة أبلى الدّاء نضرتها
فراح يلمح في نعمائها الكمد
كالغيم يحجب حسن الشمس طالعة
و ما تحوّل عنها الحسن و الرأد
نعمت منك بساعات معطّرة
كأنّها الحلم دان و هو مبتعد
و صحبة كقديم الرّاح لو جليت
لليائسين حميّا كأسها سعدوا
***
يا خدنة من قراع الدهر دامية
ألا يهدهد من آلامك الأبد
خيل الزعيم تنزّى في شكائمها
ما فاتها قنص في الحيّ أو طرد
عرينة الحقّ في الشهباء منجبة
يروع أنّى التفتّ الظفر و اللّبد
إذا الزعيم تولّى عن شبولتها(64/51)
حمى الشبولة إخوان له نجد ...
أمّا الشباب فما خانوا رسالته
عند الكفاح و لا حادوا و لا جحدوا
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة
شقّ الدجى كوكب من ذكره يقد
حول الزعامة فتيان غطارفة
لا ينقض الدّهر ما شدّوا و ما عقدوا
الساخرون من الأقزام يضحكهم
أن راح يلبس جلد الضيغم النقد
المؤمنون إذا ما بايعوا صدقوا
و الصابرون فإن جدّ الوغى صمدوا
***
سقتهم كفّ إبراهيم صافية
من خمرة الحقّ تروي كلّ من يرد
ففي الدّماء سعير من سلافتها
عجلان يهدأ أحيانا و يتّئد
بين الجوانح إلاّ أنّه أنف
و في الشمائل إلاّ أنّه صيد
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها
حمراء تلتهم الجلّى و تزدرد
إذا ونت و هتفنا باسمه جمحت
تعيد سيرتها الأولى و تطّرد
فذكره الأمل الهادي إذا انتبهوا
و طيفه الحلم الهاني إذا رقدوا
زعامة الحقّ لا شوهاء يرفعها
على الرّمال الهوى و الزور و الفند
***
مالي أرى الفرس الشقراء عارية
على المرابط لا تطغى فتنجرد
آب المغيرون جنّت خيلهم مرحا
و آن أن يستريح الفارس النجد
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> من كسعد ؟
من كسعد ؟
رقم القصيدة : 66301
-----------------------------------
سأل الصبح عن أخيه المفدّى
أيّها الصبح لن تشاهد سعدا
غيّب الدّهر من سيوف نعدّ
مشرفيّا حمى وزان معدّا
كلّما عارضوا الصّوارم فيه
كان امضى شبا و أصفى فرندا
***
حاسنوا غرّة الصباح بسعد
فعلمنا أيّ الصباحين أهدى
طلعة تفرح العيون و تسبيها
و تغزو القلوب كبرا و مجدا
و حديث كأنّه قطع الروض
تنوّعن أقحوانا و وردا ....
بدعة الظرف و الأناقة يرضيك
دعابا عفا و يرضيك جدّا
تنهل العين من بشاشة سعد
ريّها و العيون تروى و تصدى
الحضارات في شمائل سعد
إذا سمته الهوان تبدّى
مترف في رجولة و اعتداد
راع زيّا و راع وجها و قدّا
زعم الخصم أنّه مستبد
حبّذا الحكم عادلا مستبدّا
إنّ شرّ الأمور ظلم الجماهير
و أهون بالظلم إن كان فردا
***
من كسعد و للشباب هواه(64/52)
قدرة تتعب الخيال و زهدا
يا صفيّ الأحزان تسقي البرايا
كأسها مرّة و تسقيك شهدا
رضيت نفسك الهموم رفيقا
اريحيّا على الشدائد جلدا
بورك الهمّ عبقريّا جوادا
لا كهمّ أعطى قليلا و أكدى
قل لمن يحسد العظيم ترفّق
إنّ خلف الأمجاد همّا و سهدا
***
من كسعد الملاحم جنّت
و تلقّى حدّ من الهول حدّا
و على راية الشام كميّ
يقحم الدرعين أشقر نهدا
هتكوا حرمة العرين فهاجوا
أسدا دامي البراثن وردا
حشدوا جندهم و أقبل سعد
يحشد البأس و العقيدة جندا
ضاحك الثغر و الضحى مكفهرّ
روّعوه قصفا و برقا و رعدا
و التقينا لا و إيمان سعد
ما تحدّوا بالموت إلاّ تحدّى
ضرب الظلم ضربة رنّحته
فتداعى مزمجرا فتردّى
زعموا أنّه جلاء و ما كان
جلاء بل كان خزيا و طردا
ما على العبد أن يسوّد عار
بدعة العار أن ترى الحرّ عبدا
***
من كسعد و للنديّ احتدام
جمرة الحرب عنفوانا و وقدا
حمم كالجحيم مستعرات
ردّها حلمه سلاما و بردا
ما حملت الجراح داء ملحّا
بل حملت الجراح غدرا و صدّا
حزّ في قلبك الوفيّ صديق
صار في الندوة الخصيم الألدّا
***
من يهزّ النديّ بعدك بالخطبة
عصماء تحشد البأس حشدا
ملهم حاضر البديهة تغريه
بأحلى ممّا اصطفى و أعدّا
مترف الفكر و البيان غنيّ
بالآلي يصوغ عقدا فعقدا
يجمع الحقّ و البيان على الخصم
فلمّا تملّك الأمر شدّا
يطعن الطّعنة العفيفة لا
تدمي و لكنّه أباد و أردى
***
برّأ الله قلب سعد من الحقد
وفاء للكبرياء و حمدا
خدع الحقد أهله فهو ذلّ
نكّروا وجهه و سمّوه حقدا
و بنات الصدور يتعبها الذ
لّ خفاء عن العيون و وأدا
و القويّ النبيل يحنو على الدنيا
و يسمو بها وفاء و ودّا
حنّت الغوطة الرؤوم لسعد
و رواح له عليها و مغدى
طالما باكر الرياحين فيها
و سقاها الندى حنينا و وجدا
و شكى همّه فيا لك شكوى
نوّرت في الرّبى أقاحا و رندا
قال لي و الرّبيع غاف على الزّهر
يذيع الأحلام عطرا و ندّا
و الغروب النديّان في الغوطة المعطار(64/53)
يحنو على الظلال فتندى
و قطيع من الشياه و رعيان
و أغنّية ترقّ فتردى
ما أحبّ الحياة في غوطة الشام
و أفجع الموت هجرا و فقدا
أيّ ورد للحسن تشتفّه عيني
و يبقى بقدرة الله وردا ..
هل رأت هذه الخمائل فبلي
من رآها عينا و ثغرا و خدّا
هي عندي شمائل و عطور
و قلوب تهوى و دلّ يفدّى
أعشق الحسن دوحة و غديرا
و بيانا سمحا و فجرا مندّى
***
ما رأى السقم قبل سعد حنانا
و حياء من السّقام و رفدا
كبقايا السيف اطمأنّت إلى الجفن
و راحت تبلى الهويني و تصدا
روعة الشمس في الغروب و لا أعشق
للشمس عنفوانا و رأدا
***
رنّح الشعر و الكريم طروب
ذكر سعد لا يبعد الله سعدا
و حدونا به المعاني فحنّت
حنّة العيس بالأغاريد تحدى
ما لسعد في الموت يزداد قربا
من فؤادي ما ازداد هجرا و بعدا
و إذا رفّ طيفه في خيالي
رفّ ريحانة من الله تهدى
أنت في خاطري و عيني و قلبي
و على الهجر لا أرى منك بدّا
صور لو ينال من حسنها النّور
لكانت بنور عينيّ تفدى
و أصون الطيوف بين جفوني
لو تطيق الجفون للطّيف ردّا
و أنا الصاحب الوفيّ فما خنت
حبيبا و لا تناسيت عهدا
لم يرعك الزّمان في حالتيه
و تحدّيته و عيدا و وعدل
ما وفيناك بعض حقّك فاعذر
إنّ عذر الكريم أسمى و أجدى
إنّ دين العظيم في كلّ شعب
لا يوفّى و حقّه لا يؤدّى ...
شغل الناس بالعظيم و أرضوا
نزوات النفوس هدما و نقدا
حسدوه على المزايا فكان الـ
موت بين الأهواء و الحقّ حدّا
إنّ من ينكرونه و هو حيّ
ربّما ألهوه رمزا و لحدا
***
عيّروا بالمشيب إخواني الصيد
سفاها و هل عن الشيب معدى
أيّ لوم على الكهول و خاضوا
غمرات العلى شبولا و أسدا
ما لأبنائنا تجنّوا علينا
و غفرنا ما كان سهوا و عمدا
أنكرونا على المشيب كأنّا
لم نكن قبلهم غرانيق مردا
حاسبونا على هنات المعالي
ثمّ غالوا بها حسابا و عدّا
نحن روّادكم طلعنا الثنايا
و زحمنا الصعاب غورا و نجدا
و بنينا لكم و نعلم أنّا
لن نملّى به بقاء و خلدا(64/54)
أيّها النازل المقيم تعهّد
بالرضى و الحنان ركبا مجدّا
***
قل لشكري العظيم أشرقت في
السدّة يمنا و كبرياء و رشدا
يا أبا الدّولة الفتيّة تبنيها
و يلقى الباني عناء و جهدا
إن حضنت استقلالها و هو في
المهد فما اختار غير نعماك مهدا
لا تخف عثرة عليه و وهنا
بلغ الطفل في حماك الأشدّا
يا وريث الشموس من عبد شمس
ملكوا العالمين روما و هندا
بفتوح هنّ الملوك من العزّ
و بعض الفتوح غرثى عبدّى
أسلم القدس من يحجّ إلى القدس
و يتلو الإنجيل وردا فوردا
إن يناموا عنها نبّه الثأر
على الغوطتين أروع نجدا
مدن القدس كالعذارى سبوها
و أرادوا لكلّ عذراء وغدا
كالسّبايا لطمن خدّا و مزّقن
شفوف الحرير بردا فبردا
ضجّ سوق الرقيق في ندوة القوم
و نخّاسه طغى و استبدّا
يعرضون الشعوب عرض الجواري
عرّيت للعيون نحرا و نهدا
غيرة الله ! أين قومي و عهدي
بهم ينهدون للشرّ نهدا
نعشق القدّ للعوالي و أحببنا
لهنديّة الصوارم هندا
و دفنّا الكنوز يوم دفنّا
في ثراها الآباء جدّا فجدّا
رضي الله عن أخ لك كالسيف
المحلّى يروع نضلا و غمدا
أين سعد ؟ و لا ألوم اللّيالي
و هب الدّهر غاليا و استردّا
أيّ بدع إذا بكيت لسعد
إن بكى السيف حدّه ما تعدّى
لو رأى هذه الدّموع الغوالي
لبكى رحمة وحيّا و فدّى
غاب سعد عن العيون و ما
غاب ضياء يهدي القلوب فتهدى
ثورة في الحياة و الموت جلّت
ثورة الحقّ أن تقرّ و تهدأ
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> أين أين الرعيل من أهل بدر ؟
أين أين الرعيل من أهل بدر ؟
رقم القصيدة : 66302
-----------------------------------
لا تسلها فلن تجيب الطلول
ألمغاوير مثخن أو قتيل
موحشات يطوف في صمتها
الدّهر فللدّهر وحشة و ذهول
غاب عند الثرى أحبّاء قلبي
فلثرى وحده الحبيب الخليل
***
و سقوني على الفراق دموعي
كيف يروي من الجحيم الغليل
خيّمت وحشو الفراغ على
الأحياء فالقبر وحده المأهول
في الثرى من أحبّتي ولداتي
ظفر أبلج و فتح جليل(64/55)
نزلت بالقبور أسمى اللّبانات
و طاف الرجاء و التأميل
و تهبّ القبول تحمل أشواقي
فهل رشّت الطيوب القبول
الدي نال جبهة اللّيث في
غمر الضّحى ناله جبان ذليل
يا أخا الفتكة الصراح كأنّ
الشمس من فوق فرعها إكليل
لم تفاجئ بها عدوّا فقد
أنذر منها زماجر و صهيل
و زحوف على العدو كما تخبط
بالعاصف المرنّ السيول
ألف هيجاء خضتها لم تجدّلك
أحقا أنت الصريع الجديل
سيفك السيف لا يخاتل في
الروع وزكّاه أنّه المختول
و إذا النّصر كان عارا فأرضى
للمروءات أنّك المخذول
لقطاف الوغى شمائل كالنّاس
فنصر وغد و نصر نبيل
هتف الهاتفون : أين رياض
فانتخى في الثرى حسام صقيل
و بكت أمّة و أجهش تاريخ
و ناح القرآن و الإنجيل
يا لستّين في الكفاح طوال
حاليات و كلّ جلّى تطول
من راه يخرّ في فجأة الغدر
رأى الرّاسيات كيف تميل
إنّ موت العظيم محنة التاريخ
و دنيا تفنى و كون يزول
***
إنّ سيفا أرداك غدرا و حقدا
لهو بين الظبى دعيّ دخيل
لم يذد في الوغى عدوّا و لم
يهززه في الرّوع ساعد مفتول
مغمد في معارك الحقّ ناب
و على الحقّ مصلت مصقول
شاهت العرب تحت كلّ سماء
حين أغضت و شلوك المأكول
يا لذلّ العلى فهل هجع الثأر
و طاح الدم الزكيّ الطليل
عقر الله بعد فارسها الخيل
و لا عطّر الفتوح االصهيل
ينكر الشوط نفسه حين تجري
عاريات من الكمأة الخيول
ما لأمجادنا و ما لعبيد
الأساطير مجدهم و الطلول
بئس قوميّة يؤرّخها
الظنّ و يبني أحسابها التأويل
كيف تسمو بين الشعوب
ثمالات شعوب و عابرون فلول
أبغضونا على العروبة و الفتـ
ـح و يلقى عند الهجين الأصيل
و سبايا الفتوح لا بدع إن
هرّ على الفتح حقدها و الذحول
***
نحن كون لا كائنان ضعيفان
ألحّ الهوى و تم ّالوصول
سالف الشرق ملك قحطان
و اليوم لقحطان و الغد المأمول
و له هذه الجبال المنيفات
و تلك الرّبى و هذي السهول
و السماوات و الكواكب في الشرق
لقحطان موطن و قبيل
و النبوّات و الفنون و ملك
في شباب الدّنيا عريض طويل(64/56)
أريحيّ تكاد نورق بالنعمى
لأعدائه القنا و النصول
قد ورثنا البحار من عبد شمس
و عليها الغزاة و الأسطول
أرز لبنان أيكة في ذرانا
و الفراتان ماؤنا و النيل
و رياحيننا على تونس الخضراء
خضراء أين منها الذبول
ما شكت جرحها على البعد إلاّ
رفّ قلبي على الجراح يسيل
و لثمت الجراح فهي ثغور
يشتهى عطورها التقبيل
هادرات بخطبة المجد بتراء
و يؤذي البلاغة التطويل
حلف القيد أنّه من نضار
كلّ قيد على الرّقاب ثقيل
يا صديد الجراح بوركت طيبا
يتملّى ريّاه جيل فجيل
كلّ روض في الشرق من
دم آبائي مندّى معطّر مطلول
و لبناتهم على كلّ صحراء
غدير صاف و ظلّ ظليل
حيث يحنو الصفصاف نعمى
على الواني و يبكي على الشهيد النخيل
كلّ تكبيرة على الرّمل نفح
و عبير سكب و أيك بليل
ذكر الله فالهجير شفاه
قانيات و الليل طرف كحيل
***
لفّني و الدّجى على هذه الصحـ
ـراء سحر منمنم مجهول
لفّني و الدّجى فأفنت كلينا
سعة من جلاله و شمول
أيّ سرّ نريد في الكون
و الكون معنّى بسرّنا مشغول
تلك واحاتها الظليلة
و الظلّ غريب على الرّمال نزيل
زهرات السّماء حيّا بها
قومي من الحور في السماء رسول
فعلى كلّ نهلة من شذاها
شفّة عندم و خدّ أسيل
و حنين إلى السماء كما حنّ
إلى نعمة الشفاء العليل
ربّ روحي طليقة في سماواتك
و الجسم موثّق مغلول
بعد الفرق بين روحي و جسمي
جسدي آثم و روحي بتول
أنت يل ربّ غاية و إلى
الغاية أنت الهدى و أنت السبيل
لك حبّي و منك حبّي فهل
يعطي من السائل الكريم المنيل
لك حبّي فهل لفقري إذا
أهدى إلى كنزك الغنيّ قبول
عبراتي عبادة و ابتهال
و شهيقي التكبير و التهليل
و صلاتي تأمّل و مناجاتي
خشوع و زقزقتي ترتيل
و بلائي أنّ النعيم الذي
أرجو نعيم مسوّف ممطول
لم يضع في الظلام نورك عن
قلبي فقلبي إلى سناك الدليل
معدن الخير و الجمال المصفّى
وجهك الخيّر الكريم الجميل
و أنا السائل الملحّ و يجلو
وحشة الذلّ أنّك المسؤول
و بيمناي ألف كنز عطاياك(64/57)
و ما في يديّ إلاّ القليل
ربّ ! نعماك أن تنضّر قلبي
بمحيّاك فهو صاد محيل
ربّ ! قلبي زيّنته لحميّاك
فمر تنسكب بقلبي الشمول
هيّئت في سريرتي لك ربّي
سدرة المنتهى و طاب النّزول
جوهر القلب و هو إبداع كفّيك
على ما به كريم أصيل
و بقلبي رضوان يهفو لمرآك
و ندّى سريرتي جبريل
يا لدات الشباب لو ينفع الدمـ
ـع جزتكم مدامعي و العويل
و كهولا أبلت شبابهم الجلّى
فهم في الصبا الوسيم كهول
روّعت سربنا المنايا و أمّ
المجد في الغوطتين أمّ ثكول
راع قلبي الرّحيل حتّى تولّيتم
فأشهى المنى إليّ الرّحيل
لوعتي - و الثرى يهال عليكم -
كوفائي ، مقيمة لا تحول
لوعة الحرّ حين أفرده الدّهر
فمن يتّقيه حين يصول
و أناجي قبوركم أعذب النجـ
ـوى و أشكو معاتبا و أطيل
و كأنّ القبور تسمع شكواي ..
و تدري حصباؤها ما أقول
عيّروا بالفلول بيض ظبانا
من قراع الزمان هذي الفلول
و إذا السيف كلّ من هبره الهام
فقد شرّف السيوف الكليل
الدجى عذر منكرينا ز تخفى
غرر الخيل في الدّجى و الحجول
ذلّ مجد لم ينتسب لكفاح
فهو مجد رثّ المعالي هزيل
***
غوطة الشام هل شجاك بيان
من قريضي كأنّه التنزيل
و عتاب كالجمر صنتك عنه
جزعا أن ينال منك عذول
كلّ مجد يفنى و يبقى لشعري
شرف باذخ و مجد أثيل
***
غوطة الشام منك صدّ و حرمـ
ـان و منّا العطاء و التنويل
ألذي شرّدته عنك المعالي
آب و هو المكفّن المحمول
غربة في العلى و ينأى عن
الغمد فيبلى المهنّد المسلول
مثخن بالجراح يهفو إلى
الأمّ فأين الترحيب و التأهيل
ربّ فنح ترويه للدّهر
أشلاء قناة و صارم مفلول
ضنّت الشام بالوفاء علينا
طلعة سمحة و ودّ بخيل
أيسر الجهد أن تضجّي و تشكي
قد يرجّ الطغيان قال و قيل
و اعذري الهامسين خوفا فما يهدر
عند الصّيال إلاّ الفحول
لامنا الأّئمون في حبّ حسناء
ملول و كلّ نعمى ملول
لا تحاسب أخا هوى في هواه
كلّ ثغر على الهوى معسول
أيّ بدع في ثورة من محبّ
قد يثور المقيّد المكبول(64/58)
لك منّي الهوى كما رنّح الفجر
نسيم في غوطتيك عليل
***
يا رفاقي بكيت فيكم شبابي
كلّ عيش بعد الشباب فضول
من تملّى بقلبه الضاحك الهاني
فقلبي الممزّق المتبول
أين سعد و عادل و رياض
ما لركب الرّدى المجدّ قفول
و نجيب و أين منّي نجيب
غال قومي من المنيّة غول
كيف أغفى أبو رياض و حقّي
في الشام المضيّع المخذول
و تلاقيتم على البعد في قلبي
فلا روّع اللدات رحيل
***
حال بيني و بين دنياي أنّي
بكم في سريرتي مشغول
و أراكم حتّى لأسأل نفسي
أيقين رؤاي أم تخييل
بوركت نعمة الخيال و يرضيني
خداع الخيال و التعليل
أجهدتنا الضحى على زحمة الرّوع
فهل يسعد الطلاح الأصيل
أين أين الرّعيل من أهل بدر
طوي الفتح و استبيح الرعيل
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> غربة الرّوح
غربة الرّوح
رقم القصيدة : 66303
-----------------------------------
أترعي الكأس أدمعا و رحيقا
حقّ بعض الهموم أن لا نفيقا
سلم الجمر لي و عاش بقلبي
أريحيّ اللّهيب عذبا أنيقا
يا شامي يا قبلة الله للدنيا
و يا راحها المصفّى العتيقا
أترع الكأس من هواك لتروى
كبدي من هواك لا لتذوقا
مزّقيها تغمرك طيبا و نورا
لا تملّي الطيوب و التمزيقا
لملم الفجر ذكرياتي دما سكبا
و مجدا غمرا و عهدا و ثيقا
لملم الفجر ذكرياتي فما لملم
إلاّ أقاحيا و شقيقا
كبريائي فوق النجوم و لولاها
لما كنت بالنجوم خليقا
جلّ شعري - أقيه الرّوح من كلّ
هوان - و الشعر كالعرض يوقى
ما شكوت العدو كبرا و لكنّي
شكوت المبرّأ الموثوقا
و أخا لي سقيته الودّ صرفا
فسقاني من ودّه الممذوقا
طبعي الحبّ و الحنان فما أعرف
للمجد غير حبّي طريقا
و كنوزي - و ليس تحرسها الجنّ
تنادي المحروم و المرزوقا
لم يضق بالعدوّ حلمي و غفراني
و أفدي بمقلتي الصديقا
لا أريد الإنسان إلاّ رحيما
باختلاف الهوى و إلاّ شفيقا
***
لي قبور كنزت فيها شبابي
و صبوحي على المنى و الغبوقا
يا قبور اللدات : كل شقيق(64/59)
حاضن في الثرى أخاه الشقيقا
وسعت هذه القبور فؤادي
كيف تشكو - و هي في السماوات - ضيقا
كيف لا تنبت الرّياحين و الشوق
و قلبي على ثراها أريقا
مقلتي يستحمّ في دمعها الطيف
و تحنو فلا يموت غريقا
ينزل الجرح من فؤادي على الحبّ
و يلقى التدليل و التشويقا
***
شامة الفتح نام ( فارسك) النجد
و حقّ الوفاء أن يستفيقا
سبقته أحبابه للمنايا
فرحمت المجلّى المسبوقا
و نعم عدت ( للعقيق ) و لكن
فارق الأهل و اللدات (العقيقا )
أنا كالطّير ألف صحراء لفّته
مهيض الجناح شلوا مزيقا
مات أيكي و مات وردي فلا تعجيل
أعنى به و لا تعويقا
غربتي قد سئمت غربة روحي
و مللت التّغريب و التّشريقا
غربتي غربتي على النّأي و القرب
أراني إلى دجاها مسوقا
حدت عنها غربا و شرقا و طوّفت
فما اجتزت سهمها المرشقا
***
(فارس) المجد لم تزغرد
عذارى المجد إلاّ انتخى و كان و السّبوقا
و له الطّرفة المليحة تغني
عن نقاش و تسكت المنطيقا
و بيان تخاله الوشي و الأطيا
ب شتّى و اللؤلؤ النسوقا
فيه عمق البحار تزخر بالدرّ
و فيه متارف الموسيقا
و ضمير يكاد يسرف في الحسّ
فيجزي حتّى الخفيّ الدّقيقا
عالم يسكب العذوبة في العلم
فتستاف عنبرا مسحوقا
يا لنسر تقحّم الشمس حتّى
ملّ عزّ الشموس و النحليقا
حقّ عبئين من سنين و مجد
أن يكفّا من شأوه و يعوقا
يهرم النسر فالطريق عثار
ذكريات الصبا زحمن الطريقا
عبّ منها النسر الحبيس فردّته
لدنيا الشموس حرّا طليقا
غمرت قلبه حنينا و أشواقا
و يمناه لؤلؤا و عقيقا
عالم الذكريات نمنمه الخالق
حتّى يدلّل المخلوقا
هو من أريحيّة الله ماشئنا
رحيقا صفوا و مسكا فتيتا
***
حال بيني و بين لقياك دهر
سامني عبئه فكنت المطيقا
أنزلتني على فروق رزاياه
فحيّا عطر السماء (فروقا)
ضاق لبنان بي و كان رحيبا
و تنزّى حقدا و كان رفيقا
ما للبنان رحت أسقيه حبّي
و سقاني مرارة و عقوقا
أنا أغليته بلؤلؤ أشعاري
و طوّقت جيده تطويقا
و زرعت النّجوم في ليل لبنان(64/60)
فرفّ الدّجى نديّا و ريقا
دلهتني (سمراء لبنان ) أطيابا
و قدّا مهفهفا ممشوقا
و جمالا غالى بزينته الله
و ثنّى و ثلّث التدقيقا
و عفافا ذاد الشفاه و خلىّ
للعيون السّلاف و التّحديقا
جنّ قلب الدّجى بأهدابها الوطف
فأغنى جفنا و كحلّ موقا
***
قد أرادوا لبنان سفحا ذليلا
و أردناه شامخا مرموقا
و حمدت الجلىّ بلبنان لمّا
كشفت لي اليقين و التلفيقا
إن عتبنا على الكنانة إدلالا
فقد يعتب الصّديق الصّديقا
و هبتنا فرعونها و وهبناها
على العسر يوسف الصدّيقا
كيف يشري العبيد كافور
بالمال و كافور كان عبدا رقيقا
أرز لبنان لن يكون لكافور
متاعا و للأرقّاء سوقا
***
يا قبور في الشام ربّ قبور
أنزلتها النوى مكانا سحيقا
موحشات : إلاّ عزيفا من الجـ
ـنّ يرجّ الدّجى و إلاّ نعيقا
هائمات كالنور طارت صبابا
تي إليها فما استطعن اللحوقا
غرّبتنا العلى قبورا و أحياء
و عاثت بشملنا تفريقا
و اغتراب القبور من حيل المـ
ـوت ليخفى كنوزه و العلوقا
تسمع الرّيح حين تصغي حنينا
من فؤادي على الثرى و شهيقا
ما لقومي غال الحمام فريقا
منهم و العقوق غال فريقا
ظلم الكنز أهله فتمنّى
أن يكون المبدّد المسروقا
فارقوني معطّرين من الفتح
و خلّوا لي الأسى و الشهيقا
أظمأتني وجوههم حين غابت
فأردت الذكرى سلافا و ريقا
عهدها بالخلوق عهد قديم
ألفت غرّة المجلّى الخلوقا
***
يا لدات الفتوح ، نسقي منايانا
و يسقينا الهوى ترنيقا
بيننا صحبة الاّباء و عزّ
أمويّ يطاول العيّوقا
و كفاح كعصف ضجّ في الدّنيا
رعودا هدّارة و بروقا
و المروءات كالغرائر في الرّيف
ملاح لا تعرف التزويقا
و عقود من السنين نظمناها
سجونا و كبرياء و ضيقا
نحن كنّا الزلزال نعصف بالشرق
نرجّ الشعوب حتّى تفيقا
فابتدعنا من ألرؤى واقع الحقّ
و من غمرة الظلام البريقا
نقحم الغامض الأشمّ من المجد
و نأبى الممهّد المطروقا
نحن عطر السجون عطر المنايا
نحمل الجرح مطمئنا عميقا
نحن كالشمس جرحها وهّج الدّنيا(64/61)
غروبا منوّرا و شروقا
نحن و الشام و الفتوحات و الأحزان
دنيا تزيّنت لتروقا
ما درى الشرق قبلنا سكرة الحقّ
و لا خمرها و لا الراووقا
نحن عشق للغوطتين براه الله
حتّى يؤلّه المعشوقا
نحن في الكأس نغمة ، نحن في النـ
ـغمة صهباء : صفّقت تصفيقا
خمرة النّور خمرة الثأر و الإيمان
طابت بردا و طابت حريقا
يعرف الحقّ قيمة الجوهر
الفرد و يغلى جديده و العتيقا
يعذر الحرّ حين لا يخطئ العزم
و إن كان اخطأ التوفيقا
يا رئيسي من أربعين زحمناها
إباء مرّا و بأسا حنيقا
أنت نشّأتني على الصبر و العزّ
كما تلاهف الحسام الذليقا
مننتدى الشام و الوزارة ضماّنا عريقا
يفي هواه عريقا
و هموم كأنّهن الأمانيّ جمـ
ـالا و نشوة و سموقا
مترفات ترعرعت في فؤادينا
و طابت شمائلا و عروقا
يرد الخطب منك قلبا سريّا
و بيانا عفّا و وجها طليقا
من يعلّ النديّ بعدك بالشهـ
ـد المصفّى و من يسدّ الفتوقا
هدرت بالنديّ خطبتك الشمّاء
و الريق لا يبلّ الحلوقا
أنكرتك الحياة بالشيب و السقـ
ـم فهيّء للفارك التطليقا
حمل الموت من لداتك شوقا
يستحثّ الخطى و عتبا رقيقا
و كتابا من الهوى نمّوقه
فأجادوا البيان و التنميقا
و طيوفا تبرّجت لكرى جفنيك
حتّى يرضى و حتّى تليقا
***
غيّب القبر منك شمّاء مجد
وعرة تزحم النجوم سحوقا
يتلقّاك (هاشم) في ربى عدن
و يستقبل المشوق المشوقا
حيّ عنّي سعدا و قبّل محيّا
كالضحى باهر السنى مرموقا
و أبا أسعد سقته دموعي
و سليمان ( و النّديم ) الصّدوقا
و اسق (قدري) و (عادلا) و (جميلا)
من حنيني طيب الهوى و الرّحيقا
و اشك حزني (لمظهر) و (نجيب)
راع دهر أخاكما فأفيقا
لي حقوق على القبور الغوالي
و يوفّى قبر الكريم الحقوقا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> الشّهيد
الشّهيد
رقم القصيدة : 66304
-----------------------------------
وفاؤك لا عسر الحياة و لا اليسر
و همّك لا الدّاء الملحّ و لا العمر
إذا المرء لم يملك و ثوبا على الأذى(64/62)
فمن بعض أسماء الرّدى الحقّ و الصبر
إذا ملكوا الدنيا على الحرّ عنوة
ففي نفسه دنيا هي العزّ و الكبر
و إن حجبوا عن عينيه الكون ضاحكا
أضاء له كون بعيد هو الفكر
فليلته صبح و عسرته غنى
و أحزانه نعمى و آهاته شعر
أنزّه آلامي عن الدّمع و الأسى
فتؤنسها منّي الطلاقة و البشر
و أضحك سخرا بالطغاة و رحمة
و في كبدي جرح و في أضلعي جمر
كفاء لعسف الدّهر أنّي مؤمن
و عدل لطغيان الورى أنّني حرّ
و ما ضرّني أسر و نفسي طليقة
مجنّحة ما كفّ من شأوها أسر
أهدهد من أحزانها كلّما ونت
و يسلس بعد المري للحالب الدرّ
أطلّ على الدنيا عزيزا : أضمّني
إليه ظلام السجن أم ضمّني القصر
و ما حاجتي للنّور و النّور كامن
بنفسي لا ظلّ عليه و لا ستر
و ما حاجتي للأفق ضحيان مشرقا
و نفسي الضحى و الأفق و الشمس و البدر
و ما حاجتي للكائنات بأسرها
و في نفسي الدّنيا و في نفسي الدّهر
يريدون أسراري و للّيل سرّه
إذا نقّبوا عنه و ما للضّحى سرّ
لعمرك للضعف الخفاء و كيده
و للقوّة الكبرى الصّراحة و الجهر
و ما أكبرت نفسي سوى الحقّ قوّة
و إن كان في الدّنيا لها النّهي و الأمر
ة كنت إذا الطّاغي رماني رميته
فلا نصرتي همس و لا غضبي سرّ
و أحمل عن إخواني العسر هانئا
و يبعدني عنهم إذا أيسروا اليسر
فليت الذي عاطيته الودّ صافيا
تجاوزني من كأسه الآجن المرّ
و أشقى إذا أعرضت عمّن أحبّه
و لكن دواء الكبر عندي هو الكبر
و نفسي لو أنّ الجمر مسّ إباءها
على بشرها الريّان لاحترق الجنر
و يا خيبة الطاغي يدلّ بنصره
و من سيفه لا روحه انبثق النّصر
يغالي بدنياه و يجلو قتونها
و دنياه في عينيّ موحشة قفر
رأيت بزهدي ما رأى بغروره
فأعوامه ساع و آماده فتر
شكا حبّه لي و هو ريّان من دمي
و أنيابه حمر و أظفاره حمر
و صانع يستجدي الولاء فياله
غنى ملك الدّنيا و معدنه الفقر
***
تلّفّت لا شملي جميع و لا الهوى
قريب و لا فرع الصبى عبق نضر
و يا سامر الأحباب مالك موحشا(64/63)
معاذ الهوى بل أنت يؤنسك الذكرا
أديماك من حب القلوب تمزّقت
عليه فسال الحبّ و الشوق و الطّهر
إذا ظمئت في قطعها البيد نسمة
ألمّت به وهنا فرنّحها السّكر
فبا للصّبا العجلى إذا عبرت به
تأنّت كما يرتاح في الواحة السّفر
تمنّيت إجلالا له و كرامة
لو أنّ حصاه ـنجم الفلك الزّهر
و أجزع إن مرّت به الرّيح زعزعا
و أسرف حتّى جاوز الغاية القطر
فليت الرّبيع الطلق عاطاه كأسه
مدّى الدّهر لا برد عليه و لا حرّ
لقد ساءني غاد عليه و رائح
فمن كبدي فوق الثرى قطع حمر
و لو قدرت صانته عيني كرامة
كما صين في أغلى خزائنه الدرّ
تطوف بك الأحلام سكرى كعهدها
و ينطف من أفيائك الحبّ و العطر
و يضحك لي وجه نديّ منوّر
كأن لم يغيّب من طلاقته القبر
و حتّى كأن لم يطوه عنّي الرّدى
فهل بعث الأموات أم ردّه السحر
تلمّ به الذكرى فيحيا كبارق
طواه الدّجى عنّي ليطلعه الفجر
و يبعثه حبّي و في كلّ خافق
صحيح الهوى بعث الأحبّة و النشر
فيا قلب فيك الرّاحلون و إن نأوا
و فيك النّدامى و الرّياحين و الخمر
خلعت على الموتى الحياة و سرّها
و طالعهم منك القيامة و الحشر
وفاء يصون الرّاحلين من الرّدى
إذا راح يدني من مناياهم الغدر
و يا سامر الأحباب طيف و لا كرى
و سكر و لا راح و ريّا و لا زهر
كلانا على ما كلف النفس من رضى
أضرّ به نأي الأحبّة و الهجر
أبا طارق هذي سراياك أقبلت
يرفّ على أعلامها العزّ و النصر
لقد قدنها حيّا و ميّتا فما ثنى
شكيمتها عنف و لا هدّها ذعر
فمر تشمع الدنيا هواك و ينطلق
إلى الفتح بعد الفتح عسكرك المجر
و مر يتمزّق كلّ قيد أبيته
و يسرف على طغيانه الحطم و الكسر
تبرأت في دنياك من كلّ ناكث
ذليل فلا عرف لديه و لا نكر
و من زاهد لمّار رأى الصّيد مكثبا
تمزّق عنه الزهد و افتضح المكر
و ممّن يظنّ الفقر عذرا لكفره
و ما أقنع الإيمان إلاّ الرّدى عذر
يدلّ بماضيه فهل راح شافعا
بذي ردّة نسك تقدّم أو برّ
عصابة شر راح يبرأ منهم(64/64)
إلى الله إبقاء على نفسه الشرّ
رويدك شرّ الكافرين موحّد
ألحّ عليه بعد إيمانه الكفر
عباديد شتّى ألّف الوزر بينهم
فلا رحم إلاّ الضراعة و الوزر
و بين اللئام العاثرين و إن نأت
مناسبهم قربى السجيّة و الصهر
***
تمنّيت أنّ الغيب شفّ فلم يعق
عن الملأ الأعلى حجاب و لا ستر
و لحت لنا في عالم الحقّ و التقى
على الموعد الهاني المقيمون و السفر
فقرّت بما تلقاه عيناك و انطوت
على النشوة الكبرى الجوانح و الصّدر
أتعلم أنّ الشام فكّت إسارها
فلا قيد بعد اليوم فيها و لا أسر
يصرّف أمر النّاس فيها موفّقا
معاوية الدنيا و صاحبه عمرو
و أنّ رياضا هزّ لبنان فانتخت
شمائل في لبنان ميمونة غرّ
رمى كلّ برد أجنبيّ مزوّر
و عادت لقحطان المناسب و النجر
و لمّا شكى لبنان ضجّت أميّة
و جنّت له بغداد و التهبت مصر
أبا طارق أبقيت للحقّ سنّة
هي العزّة القعساء و الفتكة البكر
بنيت عليها كتلة و طنيّة
من الصيد ما خانوا هواك و لا فرّوا
لقد حملوا عنك الجهاد و ما ونى
و حقّك ناب للخطوب و لا ظفر
فإن أقسموا أن يفتدوا بنفوسهم
أمانتك الكبرى لديهم فقد برّوا
نماك و سيف الدولة الدار و الهوى
و غنّاكما أندى ملاحمه الشعر
و أقسم بالبيت المخرّم ما احتمت
بأمنع من كفّيكما البيض و السمر
فإن تفخر الشهباء فالكون منصت
و حقّ بسيفي دولتيها لها الفخر
***
أحبّاي لو غير الردى حال بيننا
دنا البرّ في عينيّ و انكشف البحر
بأسماعكم وقر و قد رحت شاكيا
و حاشا ففي سمع الثرى وحده الوقر
و أوحشتم الدنيا كأن لم تدس بكم
على الهام في الرّوع المحجّلة الشقر
و حتّى كأنّ الرّمل لم يروه دم
كريم المصفّى لا أجاج و لا نزر
فوارحمتاه للنّائمين على الطوى
و أتخم من قتلاهم الذئب و النسر
تهدّهم الصحراء هدّا و للرّدى
سلاحان في البيد : الهواجر و القرّ
و لا ماء إلاّ ما يزوّره بها
سراب نديّ اللّمح منبسط غمر
إذا سقطوا صرعى الجراح تحاملوا
على نفسهم و استؤنف الكرّ و الفرّ(64/65)
و لو آثروا الدنيا لقد كان جاهها
تليدا لديهم و القسامة و الوفر
***
فمن مبلغ عنّي الشباب قصيدة
يحلّى بها ملك و يحمى بها ثغر
تطوّف في الدنيا الوساع كأنّما
هي الخضر أو يروي شواردها الخضر
هززت بها نوّامهم مترفّقا
و يؤذي الشباب المرتجى اللّوم و الزجر
إذا كنت في نصحي لهم غير موجع
فلي بالذي يرضي شمائلهم خبر
و عندي من زهز الشباب بقيّة
يرفّ الصبا فيها و أفياؤه الخضر
ألمّت بي الأيّام حمرا نيوبها
فما شاب لي قلب و لا شاب لي شعر
دروب العلى للسالكين عديدة
و أقربها للغاية الموحش الوعر
فلا تقنطوا من غاية المجد لا يرى
لها العقل إمكانا فقد ينبع الصخر
***
أعيذ من اليأس المرير نفوسكم
تلاقى على إعاناتها الظلم و القهر
إذا ركدت بعد الهبوب فإنّها
لكالبحر من أخلاقه المدّ و الجزر
أرى العفو و النسيان من خلق الصّبا
و لم ينس عند الشّيب حقد و لا ثأر
و ما أكرم النسيان و العفو منكم
إذا لم يضع حق و لم يحتسب وتر
و أنتم على دلّ الشباب و زهوه
و أهوائه ركن القضيّة و الذخر
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> وفاء القبور
وفاء القبور
رقم القصيدة : 66305
-----------------------------------
إنّي أكرّم شعري في متارفه
كما تكرّم عند المؤمن السور
هديّة الله فيها عطر جنّته
و الخمر و اللّعس النشوان و الحور
و قد أحنّ إلى حسن يدلّلني
كما يحنّ إلى أندائه الزّهر
و بلبل الدّوح ترضيه بأيكته
نعمى الجمال و يرضي غيره الثمر
أريد حبّا كنار الحقّ ماتهبا
كمزبد الموج من شمّاء ينحدر
نزر الهوى ليس يرضي جائعا شرها
إلى الصّبابة لا يبقي و لا يذر
و العبقريّ و إن جلّت موهبه
طفل السّريرة لا حقد و لا حذر
طفل فإن نال ضيم من كرامته
ما البحر يزأر . ما البركان ينفجر
ذنوبه خفرات من براءته
أحلى الغواية ما يندى به الخفر
و ما تمنّى خيالي أنّني ملك
فوق الملائك زهوا أنّني بشر
أقيم ما شئت في عدن و أتركها
و أخلع الجسم أحيانا و أتّزر(64/66)
أطلّ و الشعر من عصماء باذخة
و في السّفوح غرور الحكم و البطر
نحن النّسور و من نعمى جوانحنا
أنّا رأينا صغارا كلّ من كبروا
و ربّ هجر سولء في مواجعه
أكباد من هجروا ظلما و من هجروا
***
أدعو قبور أحبّائي لتسمعني
و هل تجيب دعاء الثاكل الحفر
قبر بضاحية الشهباء طاف به
فلملم الطيب من حصبائه السحر
و استودعت حمص قبرا لو مررت به
لهشّ لي منه حبّ مترف عطر
و لي قبور على الفيحاء غافية
زوّارها الطير و الأشواق و القمر
ظمأى و يندى ثراها لوعة و هوى
إذا ألمّ بها من غربتي خبر
تلك المصارع ردّ الموت نجدتها
عنّي فكاد الأديم السمح يعتذر
طاح الزمان بإخواني و أوردهم
على الحتوف فلا عين و لا أثر
أصبحت بعدهم حيران منفردا
و الريح معولة و اللّيل معتكر
أحنو على كلّ قبر من قبورهم
أبكيه .. حتّى بكى من لوعتي الحجر
قد عقّني الصحب حتّى لا أضيق به
إن عقّني الأقربان السمع و البصر
ألوّن الخطب أضواء و غالية
و أبدع الفقر عزّا حين أفتقر
و ما وفى لي ممّن كنت أوثرهم
إلاّ القبور و إلاّ الأيك و النّهر
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> خلع الحياة على البلى
خلع الحياة على البلى
رقم القصيدة : 66306
-----------------------------------
لا الأمس يسلبك الخلود و لا الغد
هيهات أنت على الزمان مخلّد
تتجدّد الدّنيا و قلبك وحده
دنيا تعيد شبابها و تجدّد
لك من خيالك عالم متناسق
بهج تعاود خلقه و تدوّد
أمّا البسيطة فهي فيه خميلة
ولع الرّبيع بها و رحت تغرّد
و سكبت في الأنغام قلبك دمعة
لا كالدّموع و رحمة تتنهّد
خلع الحياة على البلى فكأنّه
للبعث من قبل الأوان يمهّد
قيس و ليلى بعد طول كراهمت
ثغر يرفّ ووجنو تتورّد
بعثا كعهدهما القديم فمن رأى
تلك العيون يرفّ فيها الإثمد
في كلّ قلفية حياة تجتلى
و منى تضوع و زفرة تتردّد
صور الجزيرة ما جلوت من العلى
و الحسن لا ما أوّلته الحسّد
الحبّ و الخيم المنيفة و القرى
و لبانة عند الغدير و موعد(64/67)
و سكينة الصحراء إلاّ هازجا
مرحا يعيد حداءه و يردّد
***
يا شاعر الدّنيا لقد أسكرتها
ماذا تغنّيها و ماذا تنشد
خفّت بزينتها إليك مشوقة
سكرى تعبّ كؤوسها و تعربد
و جلت على الشعراء قبلك حسنها
لكن أراك شهدت ما لم يشهدوا
الزاهدين بها ولو كشفت لهم
سرّ الحياة المجتلى لم يزهدوا
نظروا إلى خير الوجود و حسنه
شزرا كما نظر الضياء الأرمد
أطريت فتنتها فدع في غيّه
من راح يعذل حسنها و يفنّد
العبقريّة شعلة من نارها
حمراء ناضرة اللّظى تتوقّد
و الشّعر و النّغم الشجيّ و رحمة
تسع الوجود و نقمة تتوعّد
***
يا فتنة الدنيا يذمّك معشر
و الحقّ كلّ الحقّ في أن يحمدوا
ألهب نبوغك في الحياة و حبّها
و أنا الضمين بأنّه لا يخمد
الكنز بين يديك فانثر درّه
إنّي أراه يزيد حين يبدّد
ظلم الجمال أبا عليّ من رأى
أنّ الجمال غواية تتودّد
و سموت في صور النعيم تعدّها
من نعمة الله التي لا تجحد
الحقّ و الإبداع من نفحاتها
و الهير من أسمائها و السؤدد
حبّ الجمال عبادة مقبولة
و الله يلمح في الجمال و يعبد
***
يا شاعر الدّنيا نديّك حافل
و الجمع مصغ و المواكب حشّد
ينتظرون السّحر من جبّاره
هيهات دون السّحر باب موصد
يشكى إليك و أنت رهن منيّة
و تزار في عنت الخطوب و تقصد
و لقد يرجّى السيف و هو ملثّم
و لقد يهاب اللّيث و هو مصفّد
فاذهب كما ذهب الرّبيع على الرّبى
منه يد و على القلوب له يد
و لك الإمارة في البيان يقرّها
أمس الزّمان و لا يضيق بها الغد
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> دمعة على الشاعر عبد الحميد الرافعي
دمعة على الشاعر عبد الحميد الرافعي
رقم القصيدة : 66307
-----------------------------------
لا تعيدي ألحانه لا تعيدي
جلّ ذاك الهوى عن التقليد
نعم البلبل الأسير فقد عاد
إلى أفقه الفسيح المديد
شاعر لا يحدّه الكون ملّت
نفسه ضيق عالم محدود
و رأت جسمه على كرم العنصر
سجّان كنزها المرصود
فهي تقسو عليه ، تمعن في الهدم(64/68)
و تأسى لركنه المهدود
فإذا هدّها الصراع اطمأنّت
و نجت في خيالها المصفود
لم يكن موته فراقا و لكن
هذه أوبة الخيال البعيد
عاد للفن ذلك النغم العذب
و آبت حنّانة التغريد
و انطوى في شذى الرّبيع و قد
ضمّ فنون العبير عطر الورد
قوّة من هوى و سحر رمتها
ربّة الشعر في يدي (كوبيد)
كلّما آذن الفناء تنادت
بوجود يطلّ خلف وجود
ملهم الشعر من هوى كلّ نفس
و لبنات كلّ قلب عميد :
يتمت بعدك القوافي و ضجّت
باكيات بيومك المشهود
بعض نجواك للمشيب و إن
نزّهت نجواك عن أذى و حقود
يجمع الدّهر من غدائر بيض
حين يسطو و من غدائر سود
و لعلّ الردى أحنّ على الشعر
و أحنى على الصّريع الشهيد
***
رزئ الشعر فيك عبد الحميد
عبقري القديم عذب الجديد
غزل يسكر النفوس و يدني
ما نأى من خيالها المنشود
و أغان تعيد حبّا و عطرا
ما روته العصور عن داوود
فترشّف منهنّ خمر ثغور
و تنشّق فيهنّ عطر خدود
من قواف كأنّها بسمات
حاليات على شفاه اللغيد
قيّدت بالرويّ بعد انطلاق
نزوات الحنين و التّغريد
كلّما ردّد المغنّون رقّت
و هفا السامعون للترديد
و أطلّت منها فتون ثغور
و لبانات أعين و نهود
و جراحات كلّ قلب ظمئ
و ابتسامات كلّ ثغر برود
و المنى العاريات ألهبها
الشوق فجنّت و لوّحت بالبرود
و حنت تنشد الخلود ليغفو
بين أحضانها إله الخلود
عمر في القصيد من آل نعم
و سليمان قبله في النشيد
و المحبّون بسمة عند ثغر
يتملّى و معصم عند جيد
طال عهدي بالشعر إلاّ لماما
زورة الطيف بعد طول الصدود
و أنا شاعر الشباب و عندي
ما يشاؤون من منى و قصيد
لم أخن عهدهم فحبّي على ما
ألفوه و ذمّتي و عهودي
و الميامين آل جفنة و التّاج
عليهم أبوّتي و جدودي
لا تغرّنك ضحكة من حزين
ضحكات البروق سرّ الرّعود
***
حبّذا عهدنا على الغوطة الخضراء
و الحسن دائم التجديد
و ليال لنا على الرّبوة المئناف
سكرى نعيمها الموعود
نتهادى على عيون الأقاحي
و نعفو على شفاه الورود(64/69)
أنشد الشعر و الشباب سكارى
من معيد منهم و من مستزيد
لا أبالي و قد قسوت على الظالم
عسف الدجى و عضّ الحديد
و لئن نالني الشباب بلوم
فبنعمى الشباب أورق عودي
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> الذكرى
الذكرى
رقم القصيدة : 66308
-----------------------------------
لهيب من الذكرى و حقّك لا يخبو
متى يتلاقى بعد نأيهم الصحب
أحبّه قلبي إن بعدتم فما نأى
عن القلب لا الذكر الملحّ و لا الحبّ
على طيفكم أغمضت عيني و التقى
صيانا له في مقلتي الهدب و الهدب
جلوت القذى عنها وفاء لطيفكم
فأحلامها نعمى و مدمعها عذب
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلا
يرفّ عليه النّور و الظلّ و الخصب
أراكم على بعد المزار فياله
حنينا تلاقى عنده البعد و القرب
و يدنيكم منه خيال مجنّح
هراقت عليه نورها الأنجم و الشهب
خيال يجوز الدّهر و الكون و المنى
و يطوي الغيوب النائيات و لا يكبو
فيا بعدها من غاية لم ترح بها
مطيّ و لا حطّ الرّحال بها ركب
و لله ما أوفى الخيال فبيننا
و بينكم منه الرّسائل و الكتب
يلمّ فيلقاكم و يشكو اليكم
من البعد ما نشكو و يصبو كما نصبو
و نظمأ لولا نهلة من رحيقه
أديرت فلا الساقي أفاق و لا الشرب
سلاف من الذكرى أديرت كؤوسها
فما شرب الندمان لكنّهم عبّوا
نعيتم فلم يخلص إلى القلب نعيكم
و لم تتقبّله البصيرة و اللّبّ
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي
أساريره بشر عليهنّ أم رعب
لعلّ الذي ينعاكم كان كاذبا
فيا نعمة قد كان يحملها الكذب
يجسّ الطبيب النّبض حيران ذاهلا
و هيهات لا يغني الطبيب و لا الطبّ
و يرجو على اليأس المرير و إنّه
خداع الأماني و التعلّة و الحبّ
و للأهل أبصار روان تعلّقت
بعينيه إيجاب هنالك أم سلب
و صمت مرير دون ما فيه من أسى
بكاء الثكالى و التفجّع و الندب
فوارحمتا للنّاهلات من الصّبي
ألم يتهيّب من براءتها الخطب
غرائر من نعمى الدلال تلفّتت
فأعوزها عطف الأبوّة و الحدب
فيا للصّبي الهاني شجاني أنّه(64/70)
حزين و من طبع الصبي اللهو اللّعب
فيا ربّ لا راع الطفولة رائع
و يا ربّ لا ألوى بنعمائها كرب
و يا ربّ للأطيار و الفجر و الندى
إذا شئت لا للعاصف الغصن الرطب
إذا نهلّ غرب من صغير جرى له
من الملإ الأعلى على صفوة غرب
إذا عبرات الطفل مرّت بمجدب
من النفس روّته ففارقه الجدب
دموع كعفو الله لو مرّ بردها
على الرّملة الحرّى لنضّرها العشب
و يا ربّ مر تصبح نسيما معطّرا
على كلّ محزون زعازعها النكب
و يا ربّ عندي من كنوزك حفنة
من الحبّ أذريها و لكنّها تربو
تمنّيت لو فاضت حنانا و رحمة
من الظالمين الخنزوانة و العجب
فلا يعوز الإنسان حبّ و نعمة
و لا يعوز الطّير الجداول و الحبّ
أرى الفرد لا يبقى و إن طال حكمه
و يبقى بقاء الحقّ و الزمن الشعب
و أشهد أنّ الظلم يردي فلو طغى
على السفح هضب شامخ زلزل الهضب
شكت جبروت الكثب حبّات رملها
إلى الله فانهارت مع العاصف الكثب
***
أبا أحمد هل يرفع الستر مرّة
عن الملأ الأعلى و تنكشف الحجب
و فزنا من النور المصون بلمحة
تقرّ بها عين و يندى بها قلب
و كشّف للأخرى صفاء مغيّب
حبيب إلى قلبي و لكنّه صعب
و لحت لنا في عالم الحقّ بدعة
من النّور يخبو كلّ حسن و لا تخبو
فرحنا نحيّي من نحبّ تحيةّ
تنازعها الشوق المبرّح و العتب
أتنأى فهلاّ وقفة يشتفي بها
خليل و يقضي حقّ لوعته صبّ
أتنأى و ما ودّعت أهلا و لا حمى
فأين الحنان السمح و الخلق الرّحب
***
أبا أحمد هذي المواكب أقبلت
يضيق بها شرق المنازل و الغرب
رأت بشرك المرموق في وجه أحمد
فللعين من نعمى طلاقته شرب
أبا أحمد في ذمّة الله صارم
من الحقّ لا يشكو الضراب و لا ينبو
يمان محلّى فهو في السلم زينة
و تكشف عنف الموت في حدّة الحرب
سقى الله بالذكرى على غير حاجة
و لا حاد عن أطيابها الغدق السكب
عهودا لنا كالنور أمّا نعيمها
فسمح لمن يهوى مفاتنه نهب
لبسن الصبى بردا فلا خزّ فارس
يدلّ و لا الديباج و الوشي و العصب
عهود نجيبات الأصائل و الضحى(64/71)
و إن قلّ في الإنسان و الزّمن النجب
و لله ما أحلى مرابع لهونا
ينادم تربا في خمائلها ترب
ينيخ ذوو الحاجات فيها رحالهم
و تصهل في أفيائها الضمّر القبّ
أحنّ إذا فارقتني بعض ساعة
و تحمد في الحبّ اللّجاجة لا الغبّ
شببنا على محض الوفاء وصفوه
كذلك آبائي و آباؤكم شبّوا
و يجمعنا نجر قريب سمت به
لغسّان أقيال غطارفة نجب
و حب رمته في اللّهيب لصهره
صروف الليالي و القطيعة و الذنب
و كأس تساقينا ثلاثين حجّة
عذوبتها طبع و تقطيبها كسب
أشمّ عبيرا من ترابك عاطرا
أمنك استعار العطر و النضرة الترب
فحيّت ثراك المزن كفّك لا الحيا
و جادته بالسّقيا يمينك لا السحب
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> خمرة الأحزان
خمرة الأحزان
رقم القصيدة : 66309
-----------------------------------
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد
من جوهر الله صيغ الشاعر الغرد
سقيت أحزان قلبي من غقيدته
فأسكر الحزن ما أغلي و أعتقد
و الهمّ يعرف كيف اختاره كبدي
و كيف تكرم جمر اللوعة الكبد
نعم العطاء و حسبي أنّها انغمست
تمزّق العطر من جرحي يد و يد
يا من ألحّ على قلبي يقطّعه
ألحّ منه عليك الخمر و الشهد
دام و يعبق صهباء و غالية
سجيّة في الأراك العطر و الملد
عندي الوسيم من الغفران أسكبه
عطرا على كلّ من آذوا و من حقدوا
أكبرت عن أدمعي من كان مضطهدا
و رحت أبكي لمن يطغى و يضطهد
الحاصدون من الدنيا شماتتها
لولا الذي زرعوا بالأمس ما حصدوا
ظمئت و الشمس من كبر و من أنف
و رحت و الشمس لا نعنو و لا نرد
أعلّها من فؤادي بعض لوعته
فرنّح الشمس ما أشكو و ما أجد
للشعر و الشمس هذا الكون لا عدد
يطغى على النّور في الدنيا و لا عدد
لقد حلفنا على الجلّى و زحمتها
أن لا يفارقنا عزّ و لا صيد
قرى الخطوب إذا ضجّت زعازعها
صبر الكريم على البأساء و الجلد
و ضاق قوم بأشعاري و موكبها
في موكب الشمس يخزى الحقد و الرمد
***
يؤنّق الظلم من أعذاره نفرا
كأنّهم من هوان الذلّ ما وجدوا(64/72)
الشّاتمين من الأعراض ما مدحوا
و الثالبين من الطغيان ما حمدوا
البائعين لدى الجلّى و ليّهم
و الرائجين و لولا ذلّهم كسدوا
إذا المغانم لاحت و هي آمنة
هبّوا فإن حميت نار الوغى همدوا
إذا تبلّج فجر النّصر بعد دجى
و قرّ بعض الضراب الصارم الفرد
طوى الشجاع على صمت بطولته
و جرجرت ناقة و استأسدت نقد
سكبت في الكأس أشجاني فتلك يدي
من عبء ما حملته الكأس ترتعد
أين الذوائب من قومي و ما اقتحموا
من الفتوح و ما حلّوا و ما عقدوا
أفدي القبور الني طاف الرجاء بها
يا للقبور غدت ترجى و تفتقد
و لي قبور على الصحراء موحشة
فلا تزار و لا يدري بها أحد
الحاليات و لا ماء و لا زهر
و الثاكلات و لا ثأر و لا قود
طوت جفون الردى بيضا غطارفة
لو أنّهم ما وجدوا شمس الضحى مجدوا
لم أعرف الحقد إلاّ في مصارعهم
و لم أجز قبلها أعذار من حقدوا
تلك القبور و قلبي لا يضيق بها
ضاقت بزحمتها الأغوار و النجد
مصارع الصيد من قومي فكلّ ثرى
بدر و كلّ أديم موحش أحد
لو كان يعلم سعد الله ما ابتدعت
بي الخطوب تنزّى الفارس النجد
و لو درى هاشم حزني لدلّلني
و ردّ عني العوادي الصيغم الحرد
أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم
و قد حننت إلى الورد الذي وردوا
السّالكون من العلياء أخشنها
و القاحمون و غير الشمس قصدوا
أكذّب الموت فيهم حرمة و هوى
و للأماني طريق هيّن جدد
لعلّهم من عناء الفتح قد نزلوا
عن الصّوافن فوق الرّمل و اتّسدوا
لعلّها غفوة الواني فإن رويت
جفونهم من لبانات الكرى نهدوا
ترفّقي يا خطوب الدّهر و اتّئدي
لا تجفلي النّوم في أجفان من سهدوا
و حاذري أن تثيري من مواجدهم
لم يصرعوا بالرّدى لكنّهم رقدوا
يصونهم من حتوف النّاس مجدهم
كأنّهم من جلال المجد ما فقدوا
طال انتظار المذاكي في مرابطها
ألا يرقّ لها فرسانها النجد
***
يا شاعرا زحم الدنيا بمنكبه
كالسيل يهدأ حينا ثمّ يطّرد
تراقصت في لهيب من فريحته
ثلوج لبنان و الأمواج و الزبد(64/73)
حلو الشمائل لم يجهد بشاشتها
عبئ السنين و لا أزرى بها الكمد
عرار نجد شميم من سلافته
و الحور و الدعج المخمور و الغيد
و للهوى ألف قصر في جوانحه
و كلّ قصر له من عبقر رصد
و في العقيق على الوادي و ضفّته
حنت و حنّت قواف كالضحى شرد
فمن نسيب كما ناحت مطوّقة
و الفجر يسرع و الظلماء تتّئد
ألمسكر القدّ حتّى كلّه هبف
و المسكر الريق حتّى كلّه برد
على نهود العذارى من فرائده
عطر و في الجيد من أغزاله جيد
و من حماس إذا ريعت عرينته
كما زمجر دون الغابة الأسد
من كلّ مبرقة بالحقّ مرعدة
كالموج في العاصف المجنون يحتشد
يجلجل الهول فيها فالظبى مزق
من الحديد المدمّى و القناقصد
و الصّافنات و قد ضجّت سناكبها
و ضجّ فوق الجياد الضمّر الزرد
***
أبا الكوكب من شعر و من ولد
تقاسم النّور منك الشعر و الولد
فمن قواف على أنغامها عبق
و من قواف على غرّاتها رأد
بيني و بينك عهد الأوفياء فهل
أدّى المحبّون للأحباب ما وعدوا
عهد على إهدن الخضراء .. نبعتها
و الشعر و البدر حفّاظ لما شهدوا
بتنا صفّيين لم نسلف قديم هوى
بشاشة النور تغري كلّ من يرد
أبا الكواكب عهدي أنت تعرفه
لا ينطوي العهد حتّى ينطوي الأبد
***
من شاعر رنّح الدنيا فما ازدحمت
إلاّ به و له الأخبار و البرد
غضون وجه .. سطور خطفها قلم
لاه فيسرف أحيانا و يقتصد
و قامة تحمل التسعين لا وهن
فيها على الرحلة الكبرى و لا أود
و للعيون بريق كاد يحسده
زهو الشباب و أبراد الصبا الجدد
و العبقريّ شباب عمره و هوى
و جذوة في زوايا قلبه ودد
تلك الطيوف كنوز من رؤى و منى
ألروح مثرية و المملق الجسد
لبنان يا حلم الفردوس أبدعه
على غرار ذراك الواحد الصمد
و زاهدين بحسن أنت غرّته
لو آمنوا بجمال الله ما زهدوا
حسن أتمّ على لبنان نعمته
محسّد و تمام النعمة الحسد
يا جنّة الفكر يسمو كبف شاء و لا
أفق يحدّ و لا شأو و لا أحد
يا مكرم النجم في معسول غربته
لكلّ نجم ذراك الأهل و البلد(64/74)
كأنّما الشمّ من لبنان في سفر
البدر يقرب و الغبراء تبتعد
أرائك لنجيمات مدلّلة
ينازع النوم في أجفانها السهد
كأنّها من ملوك الجنّ قد سحروا
و هم قيام فما همّوا و لا قعدوا
كأنّها هجّد طال الوقوف بهم
حتّى انجلى للقلوب الواحد الأحد
كأنّهم من جلال الله قد شدهوا
عند اللقاء فما خرّوا و لا سجدوا
ألحسن منسجم فيه ز مختلف
و الحسن مجتمع فيه و منفرد
جرى سنى البدر ماء في خمائله
فرحت بالموجة الزهراء أبترد
***
صانت مسوحكم الفصحى و كان لها
منكم بمحنتها الأركان و العمد
قرّت بأديرة الرّهبان يغمرها
شوق البنين و حبّ مترف رغد
الزاحمون بها الدنيا إذا انتهبوا
و الزاحمون بها الأخرى إذا هجدوا
ألمنزلوها على أندى سرائرهم
كأنّها عطر ما صلّوا و ما عبدوا
لم يخذلوا لغة القرآن أمّهم
و كيف يخذل قربى كفّه العضد
و للأذان و للنّاقوس من قدم
عهد على الحبّ و الغفران ينعقد
تعانقت مريم فيه و آمنة
و حنّ للرشد الإيمان و الرشد
أبا الكواكب في الخلد مكرمة
أو نعمة كنت ترجوها و تفتقد
تنحّت الحوار إجلالا لشاعرها
و استقبلتك عذارى شعرك الخرد
من كلّ سمراء معسول مراشفها
و لا تلوّح بالسقيا و لا تعد
لا تخطئ العين أنّ الأرز منبتها
و أنّ والدها قحطان أو أدد
و نسمة من صبا لبنان أوفدها
لك الأحبّة و الأنباء و الحفد
هل في ربى الخلد ما ينسيك أرزته
و النور و الحسن في أفيائها بدد
أحقّ بالشوق للأوطان من نزحوا
و بالحنين لريّاها من ابتعدوا
يزيدها ألف حسن بعد فرقتها
قلب و يفتنّ في تلوينها خلد
هل جنّة الله عن لبنان مغنية
أستغفر الله لا كفر و لا فند
***
حملت من بردى للأرز مرقصة
فيها الصّبابة و الأشواق تحتشد
عروبة الشام يا لبنان صافية
سمحاء كالنّور لا مكر و لا عقد
تنزّه الحبّ عن منّ و عن نكد
و قد ينغّص حسن النعمة النكد
نحن المحبّين نهواكم و نؤثركم
هل كان من دلّلوا بالقربى كمن و أدوا
نحن الظماء و نسقي الحبّ أرزكم
ألحبّ في الشام لا نزر و لا ثمد
***(64/75)
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> ثكل الأمومة
ثكل الأمومة
رقم القصيدة : 66310
-----------------------------------
ما للمنيّة أدعوها و تبتعد
أمرّ من كل حتف بعض ما أجد
ظمآن أشهد ورد الموت عن كثب
و الواردون أحبّائي و لا أرد
علّلت بالصبر أحزاني فيا لأسى
بالجمر من نفحات الجمر يبترد
دعوت خدنيّ من دمع و من جلد
فأسعف الدمع لكن خانني الجلد
أصبحت أعزل و الهيجاء دائرة
لا السيف ردّ الأذى عنّي و لا الزرد
أردّ رشق الظبى عن مهجتي بيد
و تمسح الدمع من نزف الجراح يد
***
أبا جميل سلام الله لا كتب
إليك تحمل أشواقي و لا برد
لقيت في الحق ما لاقى به نفر من الهداة و ما عانوا و ما جهدوا
و العبقريّ غريب في مواطنه
يدور حيث يدور الحقد و الحسد
و حاملين رسالات مقدّسة
توحّدوا بالجهاد السمح و انفردوا
مشتّتين بعصف الرّيح و لا وطن
يلمّ أشتات بلواهم و لا بلد
معارك الحقّ من أجسادهم مزق
على ثراها و من مرّانهم قصد
و ربّ شاك فساد العصر يظلمه
لم يفسد العصر لكن أهله فسدوا
***
أذاكر لي على صيداء هانئة
من الزّمان عليها نعمة ودد
يمشي بك المجد في أفياء وارفة
من الأمانيّ لا تلوي بما تعد
فيها صباك عطور عبقريّة
و لي شباب طريف العمر متّئد
و نحن بين الدّروب الحاليات يد
تضمّها في ظلال البرتقال يد
و أستعيدك شعري حين تنشده
حتّى يقوّم في إنشاده الأود
حبّ أبوك تولاّه و دلّله
و راح يكرم الإرث الوالد الولد
***
يا مبدع السحر إلاّ أنّه كلم
و ساقي الرأي إلاّ أنّه شهد
يا ناقدا ، حبّه يملي فرائده
حتّى ليندى حنانا حين ينتقد
يا مانح النّور من تاهت دروبهم
و مانح الحبّ و الغفران من حقدوا
يفنى المزوّر من مجد و من خدعت
به الشعوب و تبقى أنت و الأبد
لن يعدم القبر لا ريّا و لا عبقا
فلي جفون نديّات و لي كبد
أحنو على دمك المطلول ألثمه
أزكى من الورد ما جادت به الورد
دماء قلبك إيمان و غالية
فليس ينكرها بدر و لا أحد
دماء قلبك ما من قطرة نزفت(64/76)
إلاّ تمنّت سناها نجمة تقد
يا من نحبّ و لولا الحبّ لا لعس
و لا لمى عبق السقيا و لا غيد
سهرت في زحمة الجلّى و مزّقني
أنّي شهدتهم أغفوا و ما سهدوا
و في ضناي و في أحزاني ازدلفوا
يحرّضون عليّ الدّهر و اتحدوا
حتى بكت محنتي من ظلمهم و غدت
بالدّمع تنهش من قلبي و تزدرد
***
أمّاه ، دمعك تبكي من مواجعه
شمّ البواذخ و الأفلاك ترتعد
أمّاه لم يبق لي روح فأغدقه
على أساك و لا دمع و لا كبد
تطوف عينك في الزوار سائلة
عن الحبيب الذي ولّى و تفتقد
و طاف ثكلك في عدن فهل سألت
مساحب النّور أين النّور و الرّغد
ثكل الأمومة في التسعين حين بكى
عند الملائك في جنّانهم سجدوا
ثكل الأمومة عند الله حرمته
كحرمة الحقّ لا ستر و لا بعد
ثكل الأمومة عند الله فاتحة
من الكتاب و إيمان و معتقد
ثكل الأمومة حفّ الأنبياء به
يهدهدون من الآلام و احتشدوا
يدعو فتفتح أبوا ب السماء له
و يمسح الدمعتين الواحد الأحد
***
و أنت أمّ جميل أيّ نازلة
لم تبق رفدا لحزن جاء يرتفد
ما قبل يومك يوم رحت أشهده
له لواء على الأحزان منعقد
لبنان أين ربيع كنت أيكته
يبكي الرّبيع إذا جافى و يفتقد
لا الشمّ كالعهد فيه لهفة و قرى
على النسور و لا الأمواج و الزبد
لا الأرز بعد نوانا مائس عطر
و لا الغصون عليها الطائر الغرد
جيرانك الأنجم الزهراء عاتبة
و كلّ نجم حزين ثاكل حرد
يطلّ فيك دم للنور بعد دم
و لا حماة و لا ثأر و لا قود
لي فيك شعر رواه العطر فازدحمت
منك السّفوح على ريّاه و النجد
لبنان فيك قبور للسّيوف حمى
هان ففي كلّ قبر صارم فرد
تألّقوا في سماء المجد ما خمدت
رغم العواصف ذكراهم و ما خمدوا
حتّى إذا ضفرت غارا لمفرقهم
أنامل الخلد زان الخلد من خلدوا
***
أبا جميل .. و قربى بيننا اتّصلت
إلى الجنان .. فدان و هو مبتعد
عدنان عندك في النعمى و لي كبد
عليه بالجمر و الأحزان يتّقد
أحبابنا في جنان الله قد نعموا
لقد شقينا بهم لكنّهم سعدوا(64/77)
هشّوا إلى ابن أخيهم و هو بينهم
بحاليات صباه كوكب يقد
يا للنجوم قديمات السنى نزلت
على قراها نجوم طلّع جدد
حمّلت عدنان أطياب الحنين فهل
أدّى أمانة ما أشكو و ما أجد
لم أرثه و هو روحي فارقت جسدي
و كيف يبكي و يرثي روحه الجسد
ألمّ بالقبر أغليه و ألثمه
و حولي الساخران : الغيب و الأبد
أحبّتي كلّما غامت طيوفهم
هتفت : لا تبتعدوا عنّي و قد بعدوا
***
روح الشهيد كنور الله ما همدت
لبث قليلا الظلاّم قد همدوا
حرب على الكفر و الطغيان يضرمها
رأي على الحجّة الزّهراء يعتمد
رموك غدرا و لو صالوا مجابهة
لمزّق الصائدين الضيغم الحرد
سلاحك النّور و الإسلام وحدهما
و منهما العون عند الفتح و المدد
رسالة من أبي الزهراء خالدة
عديدك الفاتح المنصور و العدد
حتّى إذا انهزمت شتّى فلولهم
و مرّغ الجبن زهو الحقّ و الصيد
أشرفت و الدم شمس - راح يحجبها
بكفّه و يواري وجهها الرّمد
لا يخدعنّك زهو الظالمين و إن
تاهت على الفلك الأبراج و العمد
ثلاثة لهوان الدّهر قد خلقوا
ألظالمون و عير الحيّ و الوتد
تكبّر الحقّ أن تلقاه مضطهدا
ألظلم في عنفوان الظلم مضطهد
***
شمائل الصّيد من قومي معطّرة
بمترف الحق لا غالوا و لا جحدوا
سمحاء لم تدر تهريجا و لا عقدا
فكيف شوّهها التهريج و العقد
تنكرّوا لقديم المجد و هو ضحى
يؤذي العيون و لا يؤذي الضحى الرمد
خطوبهم لا خطوب الدّهر ضاربة
على العروبة إن حلّوا و إن عقدوا
ألهانئون بسلم لا حماة له
فداء من زحموا الجلّى و من نهدوا
القدس سيناء لحد هبّ منتفضا
به الكمأة و خيل الحقّ تطّرد
و رمل سيناء لحد هبّ منتفضا
بكلّ من سقطوا غدرا و ما لحدوا
يصيح ألف صدى في الرّمل منتظرا
أن يستثير الصحارى فارس نجد
***
أرى الأذلاّء و الهيجاء ساخرة
توعّدوا بالوغى لكنّهم وعدوا
ردّ الأباة على الطغيان غارته
و لم يسلّموا ظبى لكنّهم حقدوا
و كيف أرضى بقوم ألّهوا صنما
و كفّروه و ذمّوا بعد أن حمدوا(64/78)
حتى إذا راع قصف الرّعد من سمعوا
و راع برق الدّجى أحلام من شهدوا
تكشّف النقع عن أشلاء طاغية
و راح يخطر في غاباته الأسد
***
أبا جميل أناجي فيك حالية
من الشمائل أغليها و أفتقد
تحوّلت أفقا غير الذي عرفوا
و أنجما في الدّجى غير التي رصدوا
فسلّم الفلك الأسمى على فلك
فيه الكواكب و الأسحار و الرأد
هذي السماء كتاب من شتيت رؤى
فكلّ نجم بها رأى و معتقد
لي عالم يغمر الدنيا و تغمره
و عالم عطر الأسرار منفرد
تخفّ روحي لحاقا في حتوفكم
و يحكم القدر العاتي فتتّئد
ألعيش بعدكم لغو فلا طرب
فيه و لا أمل هان و لا كمد
فيا شقاء فتى آماله رجعت
لأمسه و انطوى يوم و مات غد
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> إيه حكيم الدّهر
إيه حكيم الدّهر
رقم القصيدة : 66311
-----------------------------------
حلي النديّ كرامة للرّاح
عجيا اتسكرنا و أنت الصاحي
لك في السرائر بدعة مرموقة
أنس المقيم و جفوة النزّاح
مجد كآفاق السماء اذا انتهت
منه نواح بادهت بنواحي
الدّهر ملك العبقريّة وحدها
لا ملك جبّار و لا سفّاح
و الكون في أسراره و كنوزه
للفكر لا لوغى و لا لسلاح
ذرت السّنون الفاتحين كأنّهم
رمل تناوله مهبّ رياح
لا تصلح الدّنيا و يصلح امرها
إلاّ بفكر كالشعاع صراح
مرح على كيد الحياة و أهلها
يلقى شدائدها بأزهر ضاح
خير العقائد في هواي عقيدة
شمّاء ذات توثّب و جماح
تبني الحياة على هدى إيمانها
و العقل مثبت غيرها و الماحي
سكرى العقيدة أين من آفاقه
سكر العيون و أين سكر الراح
ملك الحياة فخلف كلّ ثنيّة
لليأس يكمن منه ألف طماح
شرف المعارك بالجراح و بالردى
فبدار قسطك من أذى و جراح
و احمل بكفّيك الحياة تحدّيا
منها لأول معتد بالسّاح
ألعمر من غيب القضاء خبيئة
فابسط مصون كنوزه بالرّاح
لا تشك من قصر الحياة فربّما
أغنت إشارتها عن الإفصاح
سفر الحياة إذا اكتفيت بمتنه
أغناك موجزه عن الشرّاح
و اختر لنفسك ميتة مرموقة(64/79)
بين النّجوم على الأديم الصاحي
للموت في اللجج العميقة رهبة
شمخت بسؤددها على الضحضاح
حوّطت بالله العقيدة من أذى
خرقاء فاجرة اليمين وقاح
سكرت على كرم النديّ و عربدت
فاليوم لا خمري و لا أقداحي
لهو العيون و لا أقول قذاتها
و كل تكلّف زهوة المجتاح
مترنّح العطفين من خيلائه
ماذا تركت لغارة و كفاح
الله يعلم ما أردت شماتة
بمصرّعين من العياء طلاح
تأبى الشماتة في الضّعيف شمائلي
و تعفّ عن شلو الجريح صفاحي
و أنا الذي وسع الهموم حنانه
و بكى لكلّ معذّب ملتاح
أشقى لمن حمل الشقاء كأنّما
أتراح كلّ أخي هوى أتراحي
غسل الأسى قلبي و حسبك بالأسى
من غاسل حقد القلوب و ماحي
و وددت حين هوى جناح حمامة
لو حلّقت من خافقي بجناح
حبّ قد انتظم الوجود بأسره
أسد الشرى و حمامة الأدواح
***
أعمى تلفّتت العصور فما رأت
عند الشموس كنوزه اللّماح
نفذت بصيرته لأسرار الدّجى
فتبرّجت منها بألف صباح
من راح يحمل في جوانحه الضّحى
هانت عليه أشعّة المصباح
***
أمصوّر الدنيا جحيما فائرا
يرمي العصور بجمره اللّفّاح
هوّن عليك ففي النّفوس بقيّة
من رحمة و مروءة و سماح
خلف الخجير و عنفه و لهيبه
ما شئت من ظلّ و طيب نفاح
ضجّت ملائكة السّماء بساخر
مرّ الدعابة شاتم مدّاح
السخر فيه إذا أخذت بكفره
كالسخر حين تراه في النصّاح
نكب العقائد و الطّباع فيا لها
فتكات حتف كالقضاء متاح
و عدا على حرم السماء فيا له
فنحا أطلّ به على الفتّاح
عرّى السرائر و النّفوس ممزّقا
عنهنّ كلّ غلالة و وشاح
و جلا المصون من الضمائر فانتهى
همس النّفوس لضجّة و صياح
إن يقس في نقد الطباع فلم تكن
ترجى لرحمتها يد الجرّاح
إيه رهين المحبسين ألم يئن
إطلاق مأسور وفكّ سراح
ظفرت برحمتك الحياة وصنتها
عن كلّ ناعسة الجفون رداح
أتضيق بالأنثى و حبّك لم يضق
بالوحش بين سباسب و بطاح
يا ظالم التّفاح في وجناتها
لو ذقت بعض شمائل التفّاح
عطر أحبّ من المنى و غلالة
بدع فمن وهج و من أفراح(64/80)
هي صورة لله عزّ و جلّ جلاله
عزّت نظائرها على الألواح
***
منحت بقدرته النعيم و لوّنت
أنواره جلّت يد المنّاح
ليت الهموم العبقريّة هدهدت
بحنان طيّبة اللّمى ممراح
لو أنّها نزلت على نعمى الهوى
نزلت مدلّلة بأكرم ساح
حرم على عسر الزمان و يسره
و حمى أمين السرب غير مباح
ما أحوج العقل الحكيم و همّه
و سع الحياة لصبوة و مراح
و لمن تدلّله و تسكر روحه
عند الهجير بظلّها النفّاح
أنثى إذا ضاقت سريرة نفسه
طلعت بآفاق عليه فساح
تسقى الهموم إذا وردن حنانها
بمعطّر كالسلسبيل قراح
وتردّهنّ عرائسا مجلوّة
كندى الصباح و كنّ غير صباح
للعبقريّة قسوة لولا الهوى
عصفت بكلّ عقيدة و صلاح
رعناء إن ترك الجمال عنانها
طاحت بفارس متنها الجحجاح
ما للشراع على العواصف حلية
إن لم تصرّفه يد الملاّح
***
إيه حكيم الدّهر أيّ مليحة
ضنّت عليك بعطرها الفوّاح
أسكنتها القلب الرّحيم فرابها
ما فيه من شكوى و رجع نواح
جرحت إباءك و الحياء فأقفلا
باب المنى و رميت بالمفتاح
لو أنصفت لسقتك خمرة ريقها
سكر العقول و فتنة الأرواح
و لأسعفتك على الهوى بمعطّر
بالحسن لا بشقائق و أقاح
لا تخف حبّك بالضغينة و الأذى
الحبّ جوهر حقدك الملحاح
و أطل هجاءك ما تشاء فخلفه
غرر منضّرة من الأمداح
العبقريّة و الجمال تحدّرا
من نبعة و تسلسلا من راح
أخوان ما طلع الضّحى لولاهما
إلاّ على العبرات و الأتراح
الظاّلمان المالكان و نعمة
ما أسلفا من زلّة و جناح
إنّ التي حرمتك نعمة حبّها
و أبيك عار كواعب و ملاح
لو كان في يديّ الزّمان و سرّه
و أعنّة الإمساء و الإصباح
في مشهد تكسو الوفود رحابه
و يغصّ بالغادين و الروّاح
لنزعت فتنتها و سحر جفونها
و محوت نور جبينها الوضّاح
و نثرت جوهر ثغرها من عقده
فصحاحه العطرات غير صحاح
و رددت للسبعين ريّق عمرها
و الحاليات من الصبا الممراح
و جلوت مرآتي .... فندّت صرخة
كلمى و غطّت خزيها بالرّاح
حتّى إذا أتمت ذلك كلّه(64/81)
أشرفت انظر نظرة المرتاح
فثأرت من ظلم الجمال و ربّما
شمتت جراح في الثرى و أضاح
و إذا رأيتك ضقت فيه تنكّرت
للجدّ منه دعابتي و مزاحي
***
الوحدة الكبرى تهلّل فجرها
بظلال أبلج ذائد نفّاح
هذي العروبة في حماك مدلّة
ريع العدوّ بها و ضاق اللاّحي
الأزرق الرجراج حنّ لرملة
في الدّجلتين نديّة مسماح
و رأى الكنانة إن تماجد ما جدت
بالعاص لا بمنى و لا بفتاح
سمعا حكيم الدّهر فهي قصيدة
و أبيك بدع مغرّد صدّاح
عصماء إن شهد النديّ خطيبها
تركت فصاح القوم غير فصاح
بدهت شواردها العدى بكتيبة
خضراء تلمع بالحديد رداح
هل في ثراك على المعرّة موضع
بين العيون لدمعي السحّاح
حنت النّفوس عليه تسكب حبّها
فجلت براح البيد غير براح
ما للجياد الأعوجيّة حسّرا
صرعى الهجير على المدى الفيّاح
فاعذر إذا لم أوف مجدك حقّه
لجج الخضمّ طغت على السبّاح(64/82)
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> اطلّ من حرم الرؤيا فعزاني
اطلّ من حرم الرؤيا فعزاني
رقم القصيدة : 66312
-----------------------------------
منازل الخلد لا أرباع لبنان
و فتنة السحر لا آيات فنّان
جنان لبنان حسبي منك وارفة
فيها النديّان من روح و ريحان
شبّ النبيّون في أفيائها و حبت
فيها خيالات إنجيل و قرآن
بليلة بدموع الله ما و شنت
إلاّ و بين خوافيها حبيبان
يغفو بها الفجر في أحضان مورقة
مديدة الظلّ أحلام سكران
و دغدغته فللأغصان هيمنة
كأنّها بثّ غيران لغيران
و ما تنبّه حتى راعه وهج
و الشمس حلي ربى خضر و وديان
صحبت فيك شبابي و الهوى و منى
لعس الشفاه و ظلا غير ضحيان
فأسبغي نعمة النسيان تغمرني
عسى يخفّف من بلواي نسياني
أمسيت لا ريقها المعسول أسعدني
و لا الجنون : جنون الحبّ واتاني
ألحّ بي السقم حتّى لا يفارقني
و راح ينسج قبل الشيب أكفاني
عفّى على نزوات النفس جامحة
إلاّ اهتزاز خليع الحسن نشوان
و صبوة للعيون النجل هانئة
من الشباب بظلّ العاطف الحاني
يثير بي كلّ حسن فتنة و هوى
فما أمرّ بماء غير صديان
و يا ربى الحسن في لبنان هل عريت
مخضلّة الدوح من ظلّ و أغصان
و من لبناتي السكرى مصرّعة
من الونى بين أفياء و أفنان
و يا ربى الحسن هل من نفحة حملت
شذى النّهود لصادي القلب حرّان
و هل صباك نموم العطر ناقلة
بعدي أحاديث أذيال و أردان
و يا ربى الحسن في لبنان هل ثملت
بعدي الرّياحين من صهباء نيسان
و يا ربى الحسن في لبنان لا انبسطت
يمنى الهجير على أفياء لبنان
مدّي ظلالك ينعم في غلائلها
صرعى الردى من أحبّائي و أخداني
النّائمين بظلّ الأرز ينشدهم
رواية الدّهر في نعمى سليمان
أمّا البلابل فلتؤنس قبورهم
من كلّ ساجعة في الدّوح مرنان
أعيذ بالحبّ و الذكرى هوى نفر
بيض الوجوه من النّعماء غرّان
***
قد صوّر الوحي ألوان النّعيم على
مثال ما فيك من حسن و ألوان
و زاد فيها خلودا ما عنيت به(65/1)
أشهى اللبانات في حكم النّهى الفاني
لا يعذّب الوصل إلاّ أن يخامره
خوف المحبّين من نأي و هجران
و لا هناء بنعمى لا تخاف لها
فقدا و لا تبتلى منها بحرمان
لو يعلمون مناحي النّفس ما خلعوا
ثوب الخلود على نعمى و أحزان
فأصبح الكون لغوا لا حياة به
من رغبة في مجاليه و غنيان
ما للخلود و ما للحسن يزعمه
هيهات عرّي من حسن و إتقان
يضفي الجمال على الأيام مقتدر
من (التحوّل) ذو غزّ و سلطان
عنا له الكون مأخوذا بفتنته
من أنجم و مكانات و أزمان
و عاطفات و أرواح و أخيلة
تغزو الوجود و آراء و أديان
و ربّما فقهت من أمره عجبا
قبل الهداة عصا موسى بن عمران
***
ليؤمن النّاس ما شاؤا بربّهم
فبالتحوّل بعد الله إيماني
تسمو إلى أفقه القدسيّ طاهرة
طهر الدّموع تسابيحي و ألحاني
كفرت بالرّوح بعد الرّيب آونة
و كان زلفى إلى نجواه كفراني
و قرّب النّاس ما شاؤا لمذبحه
فما تقبّل منهم غير قرباني
أعلنت حين أسرّوا أمرهم فرقا
يا بعد ما بين أسرار و إعلان
***
إنّ الخلود و ما تروي مزاعمهم
عن السعادة في الأخرى نقيضان
لا يخدع الله قوما يؤمنون به
فتلك خدعة إنسان لإنسان
جنان ربّك في سرّ الخلود غدت
و كلّ آو إليها رازح وان
ملّ المقيمون فيها من هناءتهم
كم يملّ السقام المدنف العاني
تمضي العصور عليهم و هي واحدة
اليوم كالأمس فيها ضاحك هاني
تزجي السآمة تفكيرا و عاطفة
إلى عقول و أهواء و وجدان
لا يرقبون جديدا في خلودهم
لرثّ من قدم العهد الجديدان
و لا يحبّون لكن تلك طائفة
من ماجنات خليعات و مجّان
و لا يناجون في أحلامهم أملا
محبّبّا بين إنكار و إيقان
و لا يحسّون لا حزنا و لا جذلا
فالقوم ما بين مشدوه و سهوان
يا شقوة النفس تخلو بعد أن عمرت
من حسرة و لبانات و أضغان
و ضيعة القلب لا تأوي إليه منى
كالنحل تأخذ من روض و بستان
من كلّ من أبلت الأدهار جدّته
فما يحرّكه تدليل رضوان
ينادم الحور لكن غير مغتبط
و يشرب الراح لكن غير ظمآن(65/2)
لودّ في كلّ مل يجريه من عسل
و من خمور و من درّ و عقيان
هنيهة من شقاء يطمئنّ بها
إلى مناجاة آلام و أشجان
إذا تذكرّ دنياه هفا ولعا
إلى حبيب و صهباء و ندمان
و راح يبحث في المجهول عن أمل
و عن شقاء و عن أهل و خلاّن
لعلّ بين زوايا النفس قد تركت
ثمالة من صبابات و تحنان
***
أماّ الغواني فصخر لا يحرّكها
نجوى محبّ و لا تدليل ولهان
لا تعرف الحبّ إلاّ محض تلبية
لعابرين من الأبرار فتيان
و لا تحنّ إلى روح و عاطفة
فالحبّ في ملكوت الله جثماني
من كلّ مرتجّة الأرداف حالية
بالحسن أخّاذة بالسحر مفتان
خبا لهيب المنى في روحها فغدت
و حسنها في حلاه حسن أوثان
جنى الخلود عليها فهي شاكية
إلى الأنوثة ذاك الخائن الجاني
***
و للخلود على أهل الجحيم يد
تجزي مع الدّهر إحسانا بإحسان
الكافرون لطول العهد قد ألفوا
بقاعها نضج أرواح و أبدان
و قد تزفّ بها و الحفل محتشد
سجينة من ضحاياها لسجّان
فأصبحت و هي من ماء و من مدر
شيطانة تتصبّى كلّ شيطان
و ربّما صحبوا فيها زبانية
بعد القلى إلف إخوان لإخوان
لا يألمون و لا تشكو جسومهم
من اللظى فهي نيران بنيران
***
مليحة الدلّ من غسّان لا بليت
شمائل الصيد من أقيال غسّان
أتأذنين بإنشاد فما جليت
إلاّ لحسنك أشعاري و أوزاني
طوّفت في هذه الدنيا على مهل
طواف أشعث ماضي العزم يقظان
تظلّلني مصر أحيانا و آونة
أعاقر الخمر في جنّات بغدان
و قد صحبت شعوب الأرض من عرب
شمّ الأنوف إلى روم و كلدان
مفتّشا عن عزاء النفس لا لعبي
أدّى إليه و لا حلمي و عرفاني
مسائلا عنه حتّى قد عييت به
إرث الفلاسف من هند و يونان
فما رأيت له عينا و لا أثرا
و لا فاد طوافي غير خذلاني
إذا ندبت جهودي و هي ضائعة
أطلّ من حرم الرؤيا . فعزّاني
***
ثمّ انثنيت و ركبي جدّ متّئد
من الونى و رفيقي جدّ حيران
و البيد أوسع من صدر الحليم مدى
و للسّراب بها آلاف غدران
ظمأى حيارى و خلف الركب طائفة
حمر اللواحظ من أسد و ذؤبان(65/3)
فأيقن القوم بالجلىّ و قد صمتوا
لهيبة الموت و هو المقبل الدّاني
حتّى إذا اليأس لم تترك مرارته
إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت إذا اليأس لم تترك مرارته
إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت خيامك بالصحراء مونقة
أبهى و أزين من عرش و إيوان
فكبّر الرّكب مرتاحا إلى أمل
عذب المجاجة حالي الوشي ريّان
مبادرا للظلال الخضر قد كسيت
نثير ورد و نمام و سوسان
فما فتحت جفوني و هي دامية
من الرّمال أعان الله أجفاني
حتّى لمحتك خلف الستر ضاحكة
إلى جوار و حجّاب و غلمان
فقرّت النفس لا شكوى و لا تعب
و لا لجاجة إيمان و كفران
و ابصرت بعد طول البحث غايتها
فاذعنت لهواها أيّ إذعان
رأت بعينيك يا ليلى و قد يئست
عزاءها لا بإنجيل و فرقان
فقبّلت شفة حمراء دامية
و اهتزّ من نشوات اللثم نهدان
سرّ السعادة في الدّنيا و إن خفيت
تجلوه منك على الأكوان عينان
آمنت بالحبّ ما شاءت عذوبته
آمنت بالحبّ فهو الهادم الباني
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> ما شأن هذا الأشعث الجواب
ما شأن هذا الأشعث الجواب
رقم القصيدة : 66313
-----------------------------------
هل عند أنجمك الضواحك ما بي
يا ليل إشراكي و صبح متابي
طهّرت آثامي البريئة في لظى
قبل كأحلام النّعيم عذاب
فأدر عليّ سلاف ريقك و اسقني
و اسق النّديم سلافة الأعناب
و إذا عتبت على لماك فربّما
سمح الحبيب برشفة الأعتاب
و سّدتك اليمنى لعلّي في غد
أرد الحساب و وجنتاك كتابي
و نعمت ألمح في جفونك رغبة
خجلى صريعة نشوة و دعاب
لا تغف تحلم بالنجوم فيرتمي
منها لرشف لماك ألف شهاب
لا تغف و أثم في هواك و لا تخف
نسكي أمانك في غد و ثوابي
هيهات وزرك لا أنوء بحمله
إن صحّ أمر قيامة و حساب
يا ربّ عفوك قد ثملت فخلّني
لغوايتي و تهتّكي و شرابي
و جنون أحلامي تثور عنيفة
حمراء بين معالم و قباب
سفكت دمي و ألحّ في إرضائها
فتعافه و تلحّ في إغضابي
أحلام جبّار السماوات العلى
نزلت عليّ و ضمّها جلبابي(65/4)
خلقت ببيدائي الظميئة جنّة
ثرثارة الألوان و الأطياب
يأوي إلى رحماتها و حنانها
قلم الحكيم و منجل الحطّاب
فإذا الحياة على جلالة قدرها
داري و هذا الأفق بعض رحابي
و إذا الكواكب من لدات طفولتي
و الكون و الأجيال من أصحابي
نزلت على فقري و أعوزها القرى
هذا دمي و لبانتي و شبابي
و ثمالة في الكأس أغفلها الهوى
لمصرّعين غطارف أنجاب
صرفا و أشفق من عنيف خمارها
ساقي الكؤوس فشجّها برضاب
***
ذاك البيان على مرارة كأسه
سكر العقول و فتنة الألباب
و تخاله قطع الرّياض تفتّحت
فيها الخمائل عن أغرّ عجاب
نشوى بأنداء الصباح يديرها
ساقي الرّبيع مزعفر الجلباب
و الحكمة الغرّاء في كلماته :
نور البيان و حلية الآداب
أفضى إلى الأخلاق و هي مصونة
أتراه يكتم سرّها و يحابي
مالي و للأخلاق يغمر سرّها
عنت الغبيّ و خدعة المتغابي
ألغدر في داود بعد مشيبه
و رعاية الأضياف من راحاب
ظمأى إلى القبل الأثيمة عذبة
كالبابليّ مريرة كالصّاب
قامت بأعباء الوفاء و لم تقم
فيه جلال الملك و الأحساب
و أبت لضيفيها الحبائل بعدما
وردا حبائل عريها الجذّاب ؟
***
مرحى لبائعة السرور و لا انطوت
ذكراك من نشوى الدّلال كعاب
أزرى بعفّتك الجمال و خلفه
سكران سكر هوى و سكر شباب
مرحى و إن عصر الشقاء سلافة
من وجنتيك أثيمة الأكواب
مرحى و في عينيك من صور الهوى
ما لا يعدّ و من رؤى الأحباب
محراب حسنك قد وقفت ببابه
و سجدت أعبد دمية المحراب
و لمحت فيه جلال حسنك راقدا
فوق الشفاه اللّعس و الأهداب
و سكرت من أحلامه بسلافة
عجب و من آهاته بملاب
جبت الظلام فلم أدع من دجنة
إلاّ غدائر شعرك المنجاب
و لقد تبيّنت الهوى لم يخفه
في مخدع الشهوات ألف نقاب
في ذمّة الذكرى بقايا ليلة
عريانة مجنونة الآراب ...
***
و يريغه عنّي النعيم فأنثني
لأراه في العبرات و الأوصاب
و سخرت بالأوهام عصر شبيبتي
و حسبت فيض الماء لمع سراب
فاليوم تخشع للخرافة حكمتي
و يطوف حول قبابها إعجابي(65/5)
و أرى به طيف الحقيقة كامنا
خلف الحجاب ولات حين حجاب
قتلت هواي و حكمتي و تجاربي
فأنا الشّهيد و هذه أسلابي
حسناء تلتفع البرود قديمة
يا ليتها رضيت جديد إهابي
فاخشع لحالية الشباب و ربّما
شهدت و كان الدّهر في الغيّاب
تفنى لتقتبل الحياة نضيرة
سمجاء بعد تنازع و غلاب
عبدت و سبّت فهي منذ تبرّجت
للكون بين عبادة و سباب
مثل الحقيقة كالجمال و ربّما
متّت إليه بأقرب الأسباب
للمشرق الضاحي الأغرّ قلادة
من و للشفق المريض الخابي
الصبح مرموق الضياء منوّر
و الليل ريّان الملاحة سابي
سبحان من نثر الحقيقة حفنة
قدسيّة من حكمة و صواب
تذري الرّياح بها مدامع رحمة
بين العقائد أو سياط عذاب
فالمح نثير ضيائها فيما ترى
من دعوة و خرافة و كتاب
لولا التقى لرأيت بعض جلالها
جمالها برسالة ( الكذّاب)
***
يا سيّد الصرح الممردّ دونه
حجب المنون و قسوة الحجّاب
رفعته من جنّ السماء عصابة
فبدا أشمّ على أشمّ عقاب
العدل و التوحيد في ذرواته
و عبادة الأزلام و الأنصاب
بيت الحقيقة طاف في أركانه
ذلّ العبيد و عزّة الأرباب
و علت مع الأوراد في غلس الدّجى
أغنيّة للحبّ من زرياب
و تعانق البغضاء حول قبابه
يتألّقون شوارد الأحساب
و حنا اليقين على الجحودو ما حنا
إلا على الخلصاء و الأتراب
تتخايل الأسرار فيه و تختفي
معها طيوف السحر و الإغراب
و ترى على الشرفات أشباح الرؤى
تصغي و ينشدها إله الغاب
و تحسّ بالنغمات تعتنق الدجى
و تثير من وجد و من إطراب
نغم الخفاء تجاوبت أصداؤه
في موحش غمر الرّمال يباب
و إلهة الوادي تثور بعريها
وثبا للجّة نهره المنساب
فيضمّها عريانة مقرورة
نشوى بعنف غرامه الصخّاب
لو أنّ خدّيها إليك و ثغرها
لقطفت من ورد و من عنّاب
***
أشرق بلألاء اليقين و سرّه
فالأنبياء و آلهم في الباب
عيسى و رحمته و أحمد و الرؤى
و الوحي نور مفاوز و شعاب
و ربيب مصر تطوف حول جماله
ريب الغيور و خدعة المغتاب
يدعو أفانين الهوى فتجيبه(65/6)
و دعا هواك فلم يفز بجواب
و الفاتحون من الملوك كأنّهم
عقبان جوّ أو قساور غاب
ألدرّة البيضاء دون جمالها
سود المنون بزخرة و عباب
حملوا اللألي و السلافة و المنى
و غرائب الألطاف و الأجلاب
و حملت أسمالي إليك و شافعي
لهوى فتاتك غربتي و عذابي
فاسخر بإدلالي عليك و قل لها :
ما شأن هذا الأشعث الجوّاب ؟
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> حيرة النفس
حيرة النفس
رقم القصيدة : 66314
-----------------------------------
شجاها من عهودك ما شجاها
وجنّ الليل فأدركت أساها
هفت لشبابها و صبت إليه
ورقّ لها النصيح فما لحاها
و هيهات الشباب و أين منه
منى للنّفس تعثر في وجاها
كبا و ركائب الأعوام فيه
من العشرين لم تنقل خطاها
أيخذلني الشباب ضنى و سقما
أفول الشمس تغرب في ضحاها
و ما عذر الشباب كبرت فيه
و لي نفس فتيّات مناها
سقاها من سلافته كؤوسا
و حنّت للمزيد فما سقاها
يراخي بالعنان لها وريدا
فإن وثبت لغايتها ثناها
و تدعوها الفتون و هنّ سحر
فتطرق لا تلبّي من دعاها
تريد و لا يرد و كلّ نفس
يجاريها الشباب على هواها
يريها للمنى صورا ملاحا
فما همّت بها إلاّ أباها
فبا ظلّ الشباب أتتك غرثى
فكان أذى القطيعة من قراها
أطلّت هوانها فاذهب حبيبا
رعته على المغيب و ما رعاها
و ضمّ إليك عقدك و هو درّ
لأزين من سوارك معصماها
معذّبة إذا لمحت جمالا
هفت و جدا و عاودها ضناها
و تنشد حبّها الأسمى و تأوي
إذا عيي السهاد إلى كراها
فتلمح في الرؤى حسنا طريفا
و جلّ الحسن تخلقه روءاها
تبّنته فجاء يهزّ عطفا
ببردتها و يخطر في حلاها
و كدت و سحره سحر خفيّ
أرى فيه المحبّب من صباها
***
هداها الله من حيرى أضاعت
لبانتها و بارك من هداها
نسائل عن أخيها من تلاقي
و كلّ أخيّة وجدت أخاها
و أحسب أنّه أغفى كلالا
و مرّت في الظلام فما رآها
أأخت الدّوح حسبك لا تغنّي
فأخت السّرب قد فقدت طلاها
***
و يا نفسي عبدتك عن يقين
و حسبي قد عبدت بك الإلها(65/7)
أحبّ الحسن في الحدق الرّواني
و في ثغر الفتاة و في لماها
و في عطف يثير هوى ملحّا
إذا رفّت عليه ذوءابتاها
و في نهدي منعّمة لعوب
و في ماء الخدود و في لظاها
و في ضحك الطفولة و هو سحر
و في مرح الصّغار و في دماها
أعانق قامة فيه و غصنا
و ألثم فيه سالفة وفاها
برئت إلى الحقيقة من غواة
تفرّ من الصباح إلى دجاها
تريد رضاك تقييدا و أسرا
و أين رضاك ربّي من رضاها
و أنكر قدرة الخلاّق روح
رأى صور الجمال و ما اشتهاها
لمن جليت بزينتها عروسا
و فيم أحبّها و لمن براها
***
عبدتك في الجمال و لا أبالي
ضلال النفس ذلك أم هداها
ففي نفسي جحيمك من سيصلى
بها لشقائه و من اصطلاها
و في نفسي السماء و فرقداها
و من سمك السماء و من رقاها
و هل من أنّة خفيت و دقّت
أسى إلاّ و في نفسي صداها
فيا لك من عمى و سلمت عينا
لو اختارت لما تركت عماها
و يا لك حيرة عرضت لموسى
فضلّ سبيل غايتها و تاها
أراد جلاءها نفر كريم
فجلّلها الغموض و ما جلاها
فتحت سريرتي صفحات نور
و قد خبر الصحيفة من تلاها
و زحزحت الحجاب عن الخفايا
و قلنا شقوة بلغت مداها
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> و انجلت نفسي في النور
و انجلت نفسي في النور
رقم القصيدة : 66315
-----------------------------------
أين أمي ؟ فرّ لا يلوي به
مجتلى بدر و لا لألاء شمس
حازه الدّهر و مرّت فوقه
لجج أخطأها عدّي و حدسي
***
يالأمسي و هو يجتاز المدى
بين أشباح من الأيّأم خرس
مرّ في الآباد فاستوقفه
من لييلات شبابي ألف أمس
عرفت فيه أخاها آيبا
من ربوع عافيات الذكر درس
و انتحت فيه مكانا موحشا
هو مع وحشته ذروة رمس
***
قال أمس هات عن صاحبنا
و ابعث الذكرى فطول العهد ينسي
قد تملّيت به غضّ الصّبى
زير حسناء و ورقاء و كأس
كمنت للغيد في أشعاره
زينة الشيطان من غيّ و رجس
خالعا بردى عفاف و تقى
سادرا يصبح في الغيّ و يمسي
يقطف الحسن على أوراقه
من شفاه عذبة الملمس لعس
***
قال أمس و أنا عهدي به(65/8)
نضو أوراد و تسبيح و درس
يعبد الله ففي محرابه
كعبة زهراء من نور و قدس
رضي الصوف فما يعرفه ...
ناعم الخزّ و لا غالي الدمقس
***
ضحك الأمس فرنّت في الدّجى
ضحكة الثاكل في ليلة عرس
و انثنى يخطب فيهم خطبة
أبلغ المنطق في أعذب جرس
أين ما تروون عن صاحبنا
عري الحقّ فلا عذر للبس
أتقيّ و هو ينفي كلّ ما
لم يؤيّد بيقين أو بحسّ
أخليع و الضنى يسلمه
في ربيع العمر من برء لنكس
هو _ يعفو الله عن آثامه
ساخر صوّر من سقم و يأس
***
مزّق الحقّ حجابا للدّجى
و انجلت نفسي في النّور لنفسي
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> الكآبة الخرساء
الكآبة الخرساء
رقم القصيدة : 66316
-----------------------------------
أتركيني بوحدتي و عنائي
و اهربي من تأوّهي و بكائي
أنت عذراء . و النعيم و صفو الحبّ
حقّ المليحة العذراء
ما بقلبي غير الجراح و هل يرضيك
مأوى مدنّس بالدّماء
إن هذا الورى بيوت قصيد
أنا فيها يا ميّ بيت الرثاء
لست أهواك فازدريني و الخائن
أهل للهجر و الازدراء
كذبة تسعدين فيها و أشقى
أنا في كذبتي من الشهداء
قد يخطّ القضاء سطرا و في
تضحية المرء محو خط القضاء
يا دوائي من الأسى أنا أجللتك
عن قرحة الأذى يا دوائي
باسم و الهموم تحفر دمعي
أنا في الابتسام عين المرائي
و الكآبات ألف نوع و ما
يقتل الكآبة الخرساء
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> فلسفة الحقيقة
فلسفة الحقيقة
رقم القصيدة : 66317
-----------------------------------
أهنيهة قطع الضحى أم جيلا
يوم العفاة لقد خلقت طويلا
ما ضرّ فجرك لو تلألأ وانيا
فلعلّها تغفو العيون قليلا
عاجلت أحلام الدّجى فطويتها
و الرّوح ترشف ثغرها المعسولا
ما كان أهنأها يلوّن سحرها
صور المنى و يرفّها تدليلا
و يثير فيهنّ الحياة شهيّة
و الحبّ أرعن و الشباب منيلا
راض الشفاه الشامسات على الهوى
فضحكن يهمسن الحوار عليلا
و حنا على بؤس العفاة فما رأوا
من عثرة إلاّ رأوه مقيلا(65/9)
خلع النضارة و الشباب عليهم
و الحبّ و المتع العذاب الأولى
نعم و إن كانت تحول على الضحى
أيّ المباهج لم تكن لتحولا
تحنو على القلب الجريح فينثني
ريّان من رحماتها مطلولا
و ترفّ إن حمى الهجير غمامة
و ندى و ظلاّ في الهجير ظليلا
و تحوّل البيد الظماء خمائلا
سكرى و ربعا ضاحكا مأهولا
فكأنّها فيما تزخرف من منى
آس تحاول كفّه التجميلا
***
إنّ الذي خلق الحقيقة علقما
خلق المنى للواردين شمولا
تتصارعان و لا ترى إحداهما
ظفرا لتبسط حكمها و تطولا
تدعو المنى زمر القلوب و أختها
تدعو بصائر في الوغى و عقولا
و الكون بين الضرّتين مقسّم
فاشهد قبيلا يستبيح قبيلا
و اعذر على البغي القلوب فطالما
قيدت و ذلّل صعبها تذليلا
أماّ الدّجى و الفجر من أعدائه
فاقد بصرت به يخرّ جديلا
***
قل للحقيقة إن قسوت فربّما
فكّ الزمان أسيرك المكبولا
إن تملكي الدنيا و سرّ كنوزها
لم تملكي الأحلام و التأميلا
أفق المنى أحنى و أرحب عالما
و أحنّ أفياء و أزين سولا
صوني الكنوز عن العفاة فلا ترى
عين إلى تلك الكنوز سبيلا
و تخيّريها للقوي سلافة
و غنى و طرفا ناعسا مكحولا
و إذا شكا العافي فسوطك و اسمعي
نغم الألوهة زفرة و عويلا
و تنكّري للنائمين على الطّوى
الله قد خلق المنى لتديلا
ما كان جودك للسعادة ضامنا
صدقا و بخلك بالشقاء كفيلا
هذي الحياة عنت لبأسك رهبة
فتسمّعي لجبا بها و صهيلا
و زماجرا قامت على غمّائها
من حكمك العاتي القويّ دليلا
ملكت يداك هواءها و بحارها
و الكون أجمع عرضه و الطولا
ألعلم يحكم وحده متعسّفا
لا قلب في سلطانه و ميولا
و العلم إن ملك القلوب فسمّه
وحشيّة و ادع الحضارة غيلا
و العلم إن ملك القلوب فسمّها
صخرا تنوء بعبئه محمولا
لا نبض ما خفقت به لكنّه
صوت الحديد غدا يصلّ صليلا
أمّا الأكفّ فخيرها ذو جنّة
حطمّ الرّباب و عالج الإزميلا
ألعلم سخّرها و حسب العلم أن
تزن الأمور جميعها و تكيلا
عفى على حرم الخيال و قدسه(65/10)
أو ما ترى حرم الخيال أزيلا
و لقد وقفت به أناشد غائبا
قفل الخليط و ما أطاق قفولا
و بكيت _ أجزيه _ و ربّ مدامع
خفّفن كربا أو شفين غليلا
***
عهدي به و الشعر في أدواحه
ندّى القلوب أغانينا و هديلا
خضل العطور ترفّ أنداء المنى
فيه السرائر بكرة و أصيلا
و جلا لك الدنيا على ما تشتهي
منها يملّق حسّك المختولا
و أعاد مطويّ العصور و آدما
يحنو بأدمعه على هابيلا
منح الخلود و لا ميول و لا هوى
فأبى و آثر غربة و رحيلا
غزل يفارق من أحبّ و سرّه
أن فارق التكبير و التهليلا
تتغيّر الألوان تغمر نفسه
بالحسن لا نزرا و لا مملولا
و تبدّل الألوان نعمة خالد
لم يدر في فردوسه التبديلا
***
و ترى بأفياء النخيل بثينة
تحنو لتحتضن النهود جميلا
فانعم برؤية عاشقين تلاقيا
سحرا و قد هوت النجوم أفولا
و اعذر جميلا حين جنّ جنونه
فسطا و لا غزلا و لا تأهيلا
نشوان يهصرها إليه و لا يرى
إثما و يلهب عريها تقبيلا
يترشّف الثغر الشهيّ سلافة
و يرفّه كالأقحوان بليلا
***
و دملا و ردن على الغدير و ما اتّقت
حسناؤهنّ الشاعر الضلّيلا
حتّى إذا أخفى البرود و سامها
أمرا رأته من الحياء جليلا
عطفت تناشده العفاف و أتلعت
جيدا كلألاء الصّباح أسيلا
فأبى و تسرع نحوه عريانة
خجلى لقد حبّ الجمال خجولا
و تطالع المجنون في أسماله
شلوا بأنياب السقام أكيلا
خذلته نعماء العيون و سخّرت
للعبقريّة ذلك المخذولا
فهوى صريعا بالرمال مكفّنا
بمدامع الصبح البليل غسيلا
***
و فتى قريش و هو يقتل طرفه
ليرى الثريّا والها مخبولا
عبثت لتشهد منه أيّة لوعة
تجزى و أيّ هوى ملحّ تولى
***
و سكينة و الشعر ضيف نديّها
و الحسن يبعث شجوه فيقولا
نشوى الدلال تعبّ من خمر الهوى
سكرا و يمنعها الحياء تميلا
ملء العيون مفاتنا لكنّها
ملء القلوب علا أعزّ أثيلا
وقف العفاف يذود عن ذاك اللّمى
إلاّ المنى شرس الذياد بخيلا
و تذيع حمّتها عبيرا ربّما
أخذ الشذى القدسيّ عن جبريلا
***(65/11)
و أبا نواس في مجالس لهوه
قسم الليالي سكرة و ذهولا
حلو الدّعاب هفا و علّل ذنبه
للآثمين فأحسن التّعليلا
حسب الحياة سافة و مهفهفا
و الباقيات من الحياة فضولا
لم يهو عزّ الحسن في خفراته
و أحبّه عند القيان ذليلا
من كلّ نافرة فإن جمّشتها
ألفيت عقد نطاقها محلولا
تأبى فيصرفه الملال و لو حنت
تبغي لبانته لكان ملولا
***
و ترى ابن برد و هو في نزواته
ليثا تحاماه الورى معزولا
هتك الفضائح بعد صون و انتضى
للمالكين بيانه المصقولا
فرموه بالإشراك ثمّ تلمّسوا
من حاسديه شاهدا مقبولا
حتّى إذا عزّ الشهود تمحّلوا
فرأوا شهودا في القريض عدولا
زعمته أهواء السياسة كافرا
نالله ما بالكفر راح قتيلا
***
متجاورين ترى بكلّ خميلة
عند الغدير خليلة و خليلا
متنادمين على السلافة أنشدوا
غرر النسيب و رتّلوا التنزيلا
***
سقيا لنعماء لخيال و لا رأت
عيناي ربعا من هواه محيلا
أثمت بزينته الحضارة و اقتضت
شرّ التقاضي دينها الممطولا
شوهاء تحلم بالجمال و لا ترى
إلاّ الأسى و الثكل و الترميلا
و يعدّ منطقها الضجيج تناسقا
و الحبّ علما قد أعدّ فصولا
فإذا أردت الحبّ فابغ أموره
عند الكتاب و حاذر التأويلا
و تعلّم الحرقات من صفحاته
و الدمع كيف تروضه فيسيلا
و احذق معاتبة النجوم و لومها
متوجّعا و تعمّد التطويلا
فمن الكياسة في كتابك أن ترى
بين النجوم على هواك عذولا
***
حرم الخيال فدى رؤاك حضارة
قد مثّلتك لتخطئ التمثيلا
هيهات حسنك من جمال خادع
غشّ العيون و احكم التضليلا
إنّي لألمح في الغيوب رسالة
و أرى وراء الغيب منك رسولا
و كتاب حقّ لا يبالي بالهوى
إن خالف المعقول و النقولا
إنجيل عيسى في الحنان و إن يكن
في غير ذاك يخالف الإنجيلا
و بيان أحمد : قوّة و عذوبة
و نهى و رأيا في الحياة جميلا
عفّى على مدنيّة صخّابة
يذر الخليّ ضجيجها مشغولا
جبّارة لا عطف في أقدارها
عجلى و ما خلق الزمان عجولا
يمنى تعدّ لك المتاع و أختها(65/12)
تلد الشقاء و تخلق التنكيلا
تبني و تهدم كالحياة وربّما
غزلت لتنكث خيطها المغزولا
لا عطف يخفق في الصّدور و لا هوى
كذبتك عينك بل رأيت طلولا
و العلم ويل العلم يوم حسابه
إن كان عن نزواتها مسؤولا
***
هذا كتاب الغيب فيه رحمة
تسع البريّة نترفا و معيلا
غسل الوجود من الضغائن و الهوى
لتحلّ روح الله فيه حلولا
و تألّف الانساب يغمر عطفه
منها فروعا سمحة و أصولا
ساوت بساطته الشعوب فما ترى
فيها هجينا أو تعدّ أصيلا
و حنت على النفس الأثيم فابصرت
إثم النفوس على النفوس دخيلا
ولدته أخيلة الشرائع فكرة
فنما بأحضان الحضارة غولا
خلقت له الأسماء و هو كناية
و تخيّلت ألوانه تخييلا
و رمت به الإنسان في نعمائه
فتصّيدته مكبّلا مغلولا
لم ترض تعذيب الحياة فسخّرت
بعد الردى لعقابه المجهولا
فكأنّما تلك الشرائع تقتضي
عند النفوس ضغائنا و ذحولا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> الدمية المحطّمة
الدمية المحطّمة
رقم القصيدة : 66318
-----------------------------------
أيا دمية أنشأتها و عبدتها
كما عبد الغاوون منحوت أحجار
سكبت بها روحي و أهواء صبوتي
و ألوان أحلامي و بدعة أطواري
جمعت بها الدّنيا فكانت سلافتي
و كأسي و ندماني و أهلي و سمّاري
و نامت على الحلم المريح بمقلتي
و هدهدها عطري و حبّي و إيثاري
***
و يا دمية أنشأتها ثمّ حطّمت
يداي الذي أنشأت تحطيم جبّار
جمالك من سحري و عطرك من دمي
و فتنتك الكبرى خيالي و أشعاري
و ثغرك من حاني فيا لمنمنم
نديّ بأنفاس الرّياحين معطار
ألمّ به إثمي فندّاه بالمنى
و مرّ به و هنا فطيّبه عاري
خلقتك من أهواء نفسي و نوّعت
بك الحسن أهوائي و حبّي و أوطاري
فما يشتهى خدّاك إلا لأنّني
تركت على خدّيك إثمي و أوزاري
و ما أسكرت عيناك إلا لأنّني
سكبت بجفنيك الغويّين أسراري
***
أينكرني حسن خلقت فتونه
فيخنقني عطري و تحرقني ناري
و تنكرني : يا غضبة الشعر و الهوى
و يا غضبة الدنيا و يا غضبة الباري
***(65/13)
رددتك للطين الوضيع و ما حنا
على روضك الهاني هبوبي و إعصاري
و فارقت إذ فارقتك الطين وحده
و عادت إلى نفسي عطوري و أنواري
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> الكعبة السمراء
الكعبة السمراء
رقم القصيدة : 66319
-----------------------------------
نائية القطوف كلّ نجمة
من شفتي دانية القطوف
و يا ربيعا من فتون و هوى
طاف الربيع بالهوى فطوفي
زارت طيوف منك ثمّ لم تعد
إليك ، جفني شرك الطيوف
و يا خطوب الدّهر لا تهوّلي
روّضك الحبّ فلن تخيفي
كلّ لباناتي طيوف و رؤى
كأنّهنّ شطحات صوفي
تحملني غمامة مسحورة
كالبرق عبر أفق مكشوف
خمريّة الحرير و الشذا معا
تعجّ من مناي بالألوف
تلثّم الأنجم من أحلامها
بالأرجوان العبق الشفيف
على غناء و رؤى و وتر
ترنّحت ترنّح النزيف
و لا تتيه في الدّجى غمامتي
شوقي دليلي و الضحى رديفي
أسأل عنك كوكبا فكوكبا
بنزق المعذّب الملهوف
ألفرقدان أنزلاك منهما
على النديم و على الوصيف
كعبتي السمراء قد لقيتها
بين عويل الجنّ و العزيف
فلن تحنّ بعدها لوثن
عبادتي الولهى و لا عكوفي
أمرّ فيه و كأنّي لم أكن
أفديه بالتليد و الطريف
كعبتي السمراء أنت قبلتي
على بليل بالندى و ريف
حسنك لم يؤلف و لا ألومه
تكبّر الحسن على المألوف
تبرّجت لك الشفوف دلّها
يا من رأى تبرّج الشفوف
و الأيك حنّ و انحنت و سلّمت
غصونه على القدود الهيف
تحيّة القربى و ما أرقّها
و حنّة الألوف للألوف
طارت إليك كبدي محمولة
على جناح الرجز الخفيف
ألمرقص السماء في عرس الهوى
و الحور ينقرن على الدفوف
الناثر الأنجم في فرحته
دراهما نهبا على الضيوف
و ضنّ بالشمس فضمّ يده
حرصا على دينارها المشوف
النغم الناعم في اختصاره
أحلى من المطوّل العنيف
و رنوة الحييّ ألف قصّة
عن الهوى و غمزة العفيف
***
نائية القطوف ، كلّ نجمة
من شفتي دانية القطوف
الأقحوان ثغرك المندّى
و نحن بالعطر و بالرفيف
دعي النصيف و أطلّي (جنّة)
هل تستر الجنّة بالنصيف(65/14)
شربت أقداري في مصفّى
سهدك حتّى سكرت حتوفي
تسأل كلّ أيكة جارتها
عن قدّك المهفهف النحيف
تمّ رشيقا أملدا و لقيت
منه الفضول نظرة العيوف
قدّك و الضمير من سجّية
بورك بالرهيف و الرهيف
و الناهدان و ثبا كرصد
على الكنوز الحالمات يوفي
تحالفا تصوّنا و عزّة
و امتنع الحليف بالحليف
مضمّخان خمرة و شهدا
أهكذا يصمد للزحوف
أذكى بقلبي إن خبا لهيبه
جمر الغضا أو دمعه اللهيف
هل يسمح الضحى ببعض ظلّه
قد طال في هجيره وقوفي
أحمل في مجامري بخورها
هديّة المشرّد الضعيف
و لبنا من فضّة و لبنا
من ذهب لقصرك المنيف
تعطّري فهذه صبابتي
و اكتحلي فهذه حروفي
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> العذراء الخائنة
العذراء الخائنة
رقم القصيدة : 66320
-----------------------------------
أحببتها ساخرة كالرؤى
مبهمة غامضة كالظنون
مجنونة و الحسن لم تكتمل
فتنته إلاّ ببعض الجنون
طروبة ضحّاكة كالصّبا
كئيبة قاتمة كالمنون
اليأس في أجفانها و المنى
و الضحك في ألحانها و الأنين
و خفّة الأيّام في ثغرها
لكن بعينيها وقار السنين
قد مزّق الفجر و لم تثنه
شفاعة الحبّ و نجوى الفتون
غلالة شفّافة عذبة
على لماها من رؤى الحالمين
تثير في قلبي شكوك الهوى
لاذعة ثمّ تريد اليقين
هيهات قلبي قد غدا كافرا
و كان فيها أوّل المؤمنين
يا صورة أبدع تكوينها
في مطلع الفجر إله الفنون
و نغمة من بعض ألحانها
همس اللّيالي و ارتعاش الغصون
و نفحة لله عطريّة
ندّية حيّا بها البائسين
و زهرة أخشى على حسنها
من خطرة الفكر و نجوى العيون
لا تخدعيني إنّني عالم
بما تبينين و ما تكتمين
أرى على خدّيك فيما أرى
بألف لون قبل العاشقين
من قبلة خائنة مرّة
و قبلة وادعة في الجبين
و قبلة حمراء مثل اللّظى
و قبلة بيضاء مثل اليقين
تأبين إلاّ محو آياتها
و هنّ يا ليلاي لا يمّحين
***
لا تنكري حبّك لي إنّني
أستشهد الريحان و الياسمين
و النهر إذ تنظر أمواجه
لا أستحي منها و لا تخجلين(65/15)
و الأيكة الخضراء إذ أبصرت
تبذّل الحسن الشهيّ المصون
و أنّه بحت بها للدجى
فعطّر اللّيل عبير الأنين
دامية موجعة وقّعت
ألحانها يمنى الرّجيم اللّعين
سأسكب الدمعة فيها الأسى
و الشعر و الحبّ الشجيّ الحزين
لعلّني يشفع بي عندها
هذا الهوى الباكي و هذا الحنين
سا صورة أبدع تكوينها
في مطلع الفجر إله الفنون
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> يا جارتي
يا جارتي
رقم القصيدة : 66321
-----------------------------------
يا وردتي أين الشذى و النّدى
يا كبدي أين الهوى و الحنين
يا روحي الثكلى ألم تأخذي
عن ربّة الألحان أين الأنين
يا أمّ أحلامي و أمّ المنى
في فجرها أين قبرت البنين
لمحت في كأسي و قد شعشعت
طيف الأماني و الهوى و السنين
و ذكرياتي و هي عريانة
تبدو و تخفى بين حين و حين
و تلك الحسناء بلون الضحى
و تلك شوهاء بلون الدّجون
يقفزن في كأسي فلا أنثني
عن خمرة الكأس و لا ينثنين
هذا جنون النفس في سكرها
و العقل من خدّام هذا الجنون
***
جارتي الحسناء ثرثارة
سكرى الهوى نشوى الصبى و الفتون
رأيت من أحزانها ما اختفى
و دقّ حتّى ما تراه الظنون
كلّ الأسى الصاخب يا جارتي
فداء حزن صامت في العيون
هاتي من الأحزان ما شئته
لا يفهم الأحزان غير الحزين
يا جارتي الحسناء هل تعلمين
يا جارتي ليتك لا تعلمين
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> (فطال عليك الليل)
(فطال عليك الليل)
رقم القصيدة : 66322
-----------------------------------
أحبّك حبّا لا تطوف به المنى
عرائس في حلي الملاح العرائس
أحبّك عن يأس و ما حبّ آمل
بأقرب في نجواه من حبّ يائس
و أهمس في سمع النسيم رسالة
فهل دغدغت نهديك من ثغر هامس
رويدك تهفو بي إلى الكأس خطرة
من الذكر مرّت في خيالات هاجس
تعيد لعيني كلّ ما فات و انطوى
و ترفع من بالي كلّ الطلول الدوارس
فالمح في الذكرى غديرا ترفّه
مع البدر أثداء الظباء الأوانس
و نهرا تعرّى البدر فيه كرامة(65/16)
لبعض القدود العاريات الموائس
و ألمح في الذكرى جنونا و سورة
من الحبّ في تلك الجفون النواعس
فيالك كنزا راح يسخر ربّة
فمتّع من لألائه عين بائس
لقد خنت حتّى لا يغار أخو هوى
أحبّك من وجد طريف ملابس
ففي كلّ غضّ منك آثار قاطف
و في كلّ بضّ منك آثار لامس
فطال عليك الليل تأوي مع الدجى
بجفنيك أشباح الرؤى و الهواجس
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> ميلاد شاعر
ميلاد شاعر
رقم القصيدة : 66323
-----------------------------------
هبط الأرض كالشعاع السنيّ
بعصا ساحر و قلب نبيّ
لمحة من أشعّة الرّوح حلت
في تجاليد هيكل بشريّ
ألهمت أصغريه من عالم الحكـ
ـمه و النّور كلّ معنى سريّ
و حبته البيان ريّا من السحـ
ـر به للعقول أعذب ريّ
حينما شارفت به أفق الأر
ض زها الكون بالوليد الصّبيّ
و سبى الكائنات نور محيّا
ضاحك البشر عن فؤاد رضيّ
صور الحسن حوّم حول مهد
حفّ بالورد و العمار الزّكيّ
و على ثغره يضيء ابتسام
رفّ نورا بأرجوان ندي ّ
و على راحتيه ريحانة تنـ
ـدى و قيثارة بلحن شجيّ
فحنت فوق مهده تتملّى
فجر ميلاد ذلك العبقريّ
و تساءلن حيرة : ملك جا
ء إلينا في صورة الإنسيّ؟
من ترى ذلك الوليد هـ
ـشّ له الكون من جماد و حيّ؟
من تراه؟ فرّن صوت هتوف
من وراء الحياة شاجي الدّويّ
إنّ ما تشهدون ميلاد شاعر
***
كان وجه الثّرى كوجه الماء را
ئق الحسن مستفيض الضّياء
حين ولّى الدّجى و أقبل فجر
واضح النّور مشرق اللألاء
بهج في السّماء و الأرض يهدى
من غريب الخيال و الإيحاء
صفّقت عنده الخمائل نشوى
و شدا الطّير بين عود و ناء
مظهر يبهر العيون و سحر
هزّ قلب الطّبيعة العذراء
و جلا من بدائع الفنّ روضا
نمّقته أنامل الإغراء
ما الرّبيع الصّناع أوفى بنانا
منه في دقّة و حسن أداء
نسق الأرض زينة و جلاها
قسمات من وجهه الوضّاء
ربوة عند جدول عند روض
عند غيض و صخرة عند ماء
فزها الفجر ما بدى و تجلّى
و ازدهى بالوجود أيّ ازدهاء(65/17)
قال:لم تبد لي الطّبيعة يوما
حين أقبلت مثل هذا الرّواء
لا و لم يسر ملء عيني و أذني
مثل هذا السّني و هذا الغناء
أيّ بشر لها تجمّلت الأر
ض و زافت في فاتنات المرائي؟
علّها نبّئت من الغيب أمرا
حملته لها نجوم المساء
قال ماذا أرى ؟ فردّد صوت
كصدى الوحي في ضمير السّماء
إنّ هذا يا فجر ميلاد شاعر
كان فجر و كان ثمّ صباح
فيه للحسن غدوة و رواح
بكرت للرّياض فيها عذارى
تزدهيهنّ صبوة و مراح
حين لاحت لهنّ رنّ هتاف
و علت بالدّعاء منهنّ راح
قلن : ما لأجمل الصّباح فما حـ
ـلّ على الأرض مثل هذا صباح
فتعالوا بنا نغنّي و نلهو
فهنا اللّهو و الغناء يتاح
و هنا جدول على صفحتيه
يرقص الظّلّ و السّني و الوضّاح
و على حافتيه قام يغنّيـ
ـنا من الطّير هاتف صدّاح
و فراش له من الزّهر ألوا
ن و من ريق الشّعاع جناح
دفّ في نشوة يناديه نوّا
ر و عطر من الثّرى فوّاح
و هنا ربوة تلألأ فيها
خضرة العشب و النّدى اللماح
و نسيم كأنه النّفس الحا
ئر تصغي لهمسه الأدواح
مثل هذا الصّباح لم يلد الشّر
ق و لم تنجب الشّموس الوضاح
لكأّنا بالكون أعلام ميلا
د و عرس قامت له الأفراح
أيّ حسن نرى؟ فردّد صوت
شبه نجوى تسرّها أرواح
إنّ هذا الصباح ميلاد شاعر
و تجلى المساء في ضوء بدر
و شفوف غرّ الغلائل حمر
و سماء تطفو و ترسب فيها الـ
ـسّحب كالرّغو فوق أمواج بحر
صور جمّة المفاتن شتّى
كرؤى الحلم أو سوانح فكر
لا ترى النّفس أو تحسّ لديها
غير شجو يفيض من نبع سحر
أفق الأرض لم يزل في حواشيـ
ـه صدى حائر بألحان طير
و بأحنائه يرفّ ذماء
من سني الشّمس خافق لم يقرّ
و على شاطئ الغدير ورود
أغمضت عينها لمطلع فجر
وسرى الماء هادئا في حوا
فيه يغنّي ما بين شوك و صخر
و كأنّ النجوم تسبح فيه
قبلات هفت بحالم ثغر
و كأنّ الوجود بحر من النو
ر على أفقه الملائك تسري
هتفت نجمة: أرى الكون تبدو
في أساريره مخايل بشر
و أرى ذلك المساء يثير السّحـ
ـر و الشّجو ملء عيني و صدري(65/18)
ترانا بليلة الوحي و التّنـ
ـزيل؟ أم ليلة الهوى و الشّعر؟
ما لهذا المساء يشغفنا حبّـ
ـا و يروي بنا الفتون و يغري
أيّ سرّ ترى؟فرنّ هتاف
بنجيّ من الصدى مستسرّ
إنّ هذا المساء ميلاد شاعر
قمر مشرق يزيد جمالا
كلّما جدّ في السّماء انتقالا
و سكون يرقى الفضاء جناحا
ه على الأرض يضفوان جلالا
هذه ليلة يشفّ بها الحسـ
ـن و يهفو بها الضّياء اختيالا
جوّها عاطر النّسيم يثير الـ
ـشّجو و الشّعر و الهوى و الخيالا
و إذا النّهر شاطئا و نميرا
يتبارى أشعّة و ظلالا
و سرى فيه زورق لحبيبـ
ـن شجيّين ينشدان وصالا
يبعثان الحنين في صدر ليل
ليس يدري الهموم و الأوجالا
شهد الحبّ منذ كان روايا
ت على مسرح الحياة توالى
و جرت ملء مسمعيه أحاديـ
ـث عفا ذكرها لديه و دالا
ذلك الباعث الأسى و المثير الـ
ـنّار في مهجة المحبّ اشتعالا
لم يجب قلبه لميلاد نجم
لا و لم يبك للبدور زوالا
بيد أنّ القضاء أوحى إليه
ليذوق الآلام و الآمالا
فأحسّ الفؤاد يخفق منه
و رأى النّور جائلا حيث جالا
و استخفّته من شفاه الحبيـ
ـبين شؤون الهوى فرقّ و مالا
و تجلّت له الحياة و ما فيـ
ـها فراعته فتنة و جمالا
فجثا ضارعا: أرى الكون ربّي
غير ما كان صورة و مثالا
لم يكن يعرف الصّبابة قلبي
أو تعي الأذن للغرام مقالا
أتراها تغيّرت هذه الأر
ض أم الكون في خيالي حالا
ربّ ماذا أرى؟ فرنّ هتاف
مستسرّ الصّدى يجيب السّؤالا
إنّ هذا يا ليل ميلاد شاعر
***
و تجلّى الصّدى الحبيب السّاحر
في محيط من الأشعّة غامر
و سكون يبثّ في الكون روعا
وقفت عنده اللّيالي الّدوائر
و ستكان الوجود و التف الدّهـ
ـر و أصغت إلى صداه المقادر
لم يبن صورة و لكن راته
بعيون الخيال منّا البصائر
قال: يا شاعري الوليد سلاما
هزّت الأرض يوم جئت البشائر
فإليك الحياة شتّى المعاني
و إليك الوجود جمّ المظاهر
لا تقل كم أخ لك اليوم في الأ
رض شقيّ الوجدان أسوان حائر
إن تكن ساورته في الأرض آلا(65/19)
م و حفّت به الجدود العواثر
فلكي يستشفّ من خلل الغيـ
ـب جمالا يذكي شباب الخواطر
و لكي ينهل السّعادة من نبـ
ـع شهيّ الورود عذب المصادر
فلكم جاء بالخيال نبيّ
و لكم جنّ بالحقيقة شاعر
إنّما يسعد الوجود و تشقو
ن و إنّي لكم مثيب و شاكر
و لكم جنّتي اصطفيتكم اليو
م لتحيوا بها جميل المآثر
فانسقوها جداولا و رياضا
و اجعلوها سرح النّهى و النّواظر
اجعلوا النّهر كيف شئتم و مدّوا
شاطئيه بين المروج النّواضر
ماؤه ذوب خمرة و سنا شمـ
ـس وريّا ورد و ألحان طائر
وضعوا هضبة تطلّ عليه
ذات صخر منوّر العشب عاطر
واغرسوا النّخلة الجنيّة فوق النّبـ
ـع في الموقف البديع السّاحر
و اجعلوا جنّتي قصيدة شاعر
***
أدخلوا الآن أيّها المحسنونا
جنّة كنتم بها توعدونا
اجعلوها من البدائع زونا
و املأوها من الجمال فنونا
املأوها فنّا و ليس فتونا
و انشروا الصّفو فوقها و السّكونا
غير لحن يرفّ فيها حنونا
تتغنّى به الطّيور و كونا
و سنا مشرق يضيء الدّجونا
سرمديّ الشّعاع يمحو المنونا
رائق النّور ليس يعشي العيونا
وتغنّوا بها كما تشتهونا
و صفوها جداولا و عيونا
وورودا نديّة و غصونا
لا تثيروا بها الهوى و المجونا
و احذروا أن تذكّروا المجنونا
فلقد ثاب من هواه شجونا
و خلا مهجة و جفّ شؤونا
و هو في جنّتيه أسعد شاعر
***
أيّها الشّاعر اعتمد قيثارك
و اعزف الآن منشدا أشعارك
و اجعل الحبّ و الجمال شعارك
و ادع ربّا دعا الوجود و بارك
فزها و ازدهى بميلاد شاعر
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الوحي الخالد
الوحي الخالد
رقم القصيدة : 66324
-----------------------------------
لوجهك هذا الكون يا حسن كلّه
وجوه يفيض البشر من قسماتها
و تستعرض الدّنيا غريب فنونها
و تعرب عن نجواك شتّى لغاتها
و لولاك ما جاش الدّجى بهمومها
و لا افترّ ثغر الصّبح عن بسماتها
و لا سعدت بالوهم في عالم المنى
و لا شقيت بالحبّ بين لداتها
ولا حبت الفنّان آيات فنّه(65/20)
و لا رزق الإبداع من نفحاتها
بكرت إلى الرّوض النّضير فزاحمت
إليك ورود الأرض نور نباتها
و ألقت بأنداء الصّباح شفاهها
على قدميك العذب من قبلاتها
تشتهّي خطى فيها الرّدى و كأنّها
تصيب حياة الخلد بعد مماتها
و ملت إلى الأدواح فانطلقت بها
صوادح طار الصّمت عن و كناتها
و مدّ شعاع الفجر ريق نوره
يحيّيك يا ابن الفجر من شعفاتها
فوا أسفا يا حسن للحظة التي
تطيش لها الأحلام من وثباتها
ووا أسفا يا حسن للفرقة التي
يعزّ على الأوهام جمع شتاتها
و ماهي إلاّ الصّمت و البرد و الّدجى
و دنيا يشيع الموت من جنباتها
فضاء يروع الرّيح فيه نشيجها
و تفزع فيه البوم من صرخاتها
و تنثر الأزهار من عذباتها
و تعرى الغصون النّضر من ورقاتها
و يغشى السّماء الجهم من كلّ ديمة
تخدّد وجه الأرض من عبراتها
هناك لا الوادي و لا العالم الذي
عرفت و لا الأيّام في ضحكاتها
و لكن ردى الّنفس التي كنت حبّها
و نافث هذا السّحر في كلماتها
مضت غير شعر خلّدت فيه و حيها
إليك فخذ يا حسن وحي حياتها
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> النشيد
النشيد
رقم القصيدة : 66325
-----------------------------------
عندما ظللني الوادي مساء
كان طيف في الدّجى يجلس بقربي
في يديه زهرة تقطر ماء
عرفت عيني بها ادمع قلبي
***
قلت من أنت؟ فلبّاني مجيبا
نحن ياصاح غريبان هنا
قد نزلنا السّهل و الليل الرّهيبا
حيث ترعاني و أرعاك أنا
قلت يا طيف أثرت النّفس شكا
كيف أقبلت؟ و قل لي من دعاكا
قال أشفقت من اللّيل عليكا
فتتبّعت إلى الوادي خطاكا
و دنا مني و غنّاني النّشيدا
فعرفت اللّحن و الصّوت الوديعا
هو حبّي هام في الليل شريدا
مثلما همت لنلقاك جميعا
***
و تعانقنا و أجهشنا بكاء
و انطلقنا في حديث و شجون
و دنا الموعدفاهتجنا غناء
و تنظّرناك و اللّيل عيون
***
أقبل اللّيل فأقبل موهنا
و التمس مجلسنا تحت الظلال
وافني نصدح بألحان المنى
و نعبّ الكأس من خمر الخيال
***(65/21)
أقبل اللّيلة و انظر و اسمع
كلّ ما في الكون يشدو بمزارك
جئت بالأحلام و الذّكرى معي
و جلسنا في الدّجى رهن انتظارك
سترى يا حسن ما أعددته
لك من ذخر و حسن ومتاع
هو قلبي في الهوى ذوّبته
لك في رفّاف لحن و شعاع
***
وهو شعر صوّرت ألوانه
بهجة الفجر و أحزان الشّفق
و نشيد مثّلت ألحانه
همسات النّجم في أذن الغسق
***
ذال قلبي عاريا بين يديك
أخذته منك روعات الإله
فتأمّله دما في راحتيك
و ذماء منك يستوحي الحياة
***
باكي الأحلام محزون المنى
ضاحك الآلام بسّام الجراح
لم يكن إلاّ تقيا مؤمنا
بالذي أغرى بحبّيك الطّماح
***
يتمنّى فيك لو يفنى كما
يتفانى الغيم في البحر العباب
أو يتلاشى فيك حيّا مثلما
يتلاشى في الضّحى لمح الشّهاب
***
زهرة أطلعها فردوس حبّك
استشفّت فجرها من ناظريك
خفقت أوراقها في ظلّ قربك
و سرها أنفاسها من شفتيك
***
هي من حسنك تحيا و تموت
فاحمها يا حسن أعصار المنون
أولها الدّفء من الصّدر الحنون
أو فهبها النّور من هذي العيون
***
دمعها الأنداء و العطر الشّجا
و صدى أنّاتها همس النّسيم
فاحبها منك الرّبيع المرتجى
تصدح الأيّام باللّحن الرّخيم
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الملاح التائه
الملاح التائه
رقم القصيدة : 66326
-----------------------------------
أيّها الملاح قم و اطو الشّراعا
لم نطوي لجّة اللّيل سراعا
جدّف الآن بنا في هينة
و جهة الشّاطئ سيرا و اتّباعا
فغدا يا صاحبي تأخذنا
موجة الأيّام قذفا و اندفاعا
عبثا تقفو خطا الماضي الذي
خلت أنّ البحر واراه ابتلاعا
لم يكن غير أويقات هوى
وقفت عن دورة الدّهر انقطاعا
فتمهّل تسعد الرّوح بما
وهمت أو تطرب النّفس سماعا
ودع اللّيلة تمضي إنّها
لم تكن أوّل ما ولّى وضاعا
سوف يبدو الفجر في آثارها
ثمّ يمضي في دواليك تباعا
هذه الأرض انتشت ممّا بها
فغّفت تحلم بالخلد خداعا
قد طواها اللّيل حتى أوشكت
من عميق الصّمت فيه أن تراعا
إنه الصّمت الذي في طيّه(65/22)
أسفر المجهول و المستور ذاعا
سمعت فيه هتاف المنتهى
من وراء الغيب يقريها الوداعا
أيّها الأحياء غنّوا و اطربوا
و انهبوا من غفلات الدّهر ساعا
آه ما أروعها من ليلة
فاض في أرجائها السّحر و شاعا
نفخ الحبّ بها من روحه
و رمى عن سرّها الخافي القناعا
و جلا من صور الحسن لنا
عبقريّا لبق الفنّ صناعا
نفحات رقص البحر لها
و هفا النّجم خفوقا و التماعا
و سرى من جانب الأرض صدى
حرّك العشب حنانا و اليراعا
بعث الأحلام من هجتها
كسرايا الطّير نفّرن ارتياعا
قمن بالشّاطئ من وادي الهوى
بنشيد الحبّ يهتفن ابتداعا
أيّها الهاجر عزّ الملتقى
وأذبت القلب صدّا و امتناعا
أدرك التائه في بحر الهوى
قبل أن يقتله الموج صراعا
وارع في الدّنيا طريدا شاردا
عنه ضاقت رقعة الأرض اتّساعا
ضلّ في اللّيل سراه ، و مضى
لا يرى في أفق منه شعاعا
يجتوي اللاّفح من حرقته
و عذاب يشعل الرّوح التياعا
و الأسى الخالد من ماض عفا
و الهوى الثّائر في قلب تداعى
فاجعل البحر أمانا حوله
و املأ السّهل سلاما و اليفاعا
و امسح الآن على آلامه
بيد الرّفق التي تمحو الدّماعا
و قد الفلك إلى برّ الرّضى
و انشر الحبّ على الفلك شراعا
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> غرفة الشاعر
غرفة الشاعر
رقم القصيدة : 66327
-----------------------------------
أيّها الشاعر الكئيب مضى اللّيـ
ـل و مازلت غارقا في شجونك
مسلما رأسك الحزين إلى الفكـ
ـر و للسّهد ذابلات جفونك
و يد تمسك اليراع و أخرى
في ارتعاش تمرّ فوق جبينك
وفمّ ناضب به حرّ أنفا
سك يطغى على ضعيف أنينك
لست تصغي لقاصف الرّعد في اللّيـ
ـل و لا يزدهيك في الإبراق
قد تمشّى خلال غرفتك الصّمـ
ـت و دبّ السّكون في الأعماق
غير هذا السّراج في ضوئه الشّا
حب يهفو عليك من إشفاق
و بقايا النّيران في الموقد الذّا
بل تبكي الحياة في الأرماق
***
أنت أذبلت بالأسى قلبك الغضّ
و حطّمت من رقيق كيانك
آه يا شاعري لقد نصل اللّيـ(65/23)
ـل و مازلت سادرا في مكانك
ليس يحنو الدّجى عليك ولا يأ
سى لتلك الدموع في أجفانك
ما وراء السّهاد في ليلك الدّا
جي و هلاّ فرغت من أحزانك؟
***
فقم الآن من مكانك و اغنم
في الكلاى غطّة الخليّ الطروب
و التمس في الفراش دفئا ينسّـ
ـك نهار الأسى و ليل الخطوب
لست تجزي من الحياة بما حمّـ
ـلت فيها من الضّنى و الشّحوب
إنّها للمجون و الختل و الزيـ
ـف و ليست للشّاعر الموهوب!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> رجوع الهارب
رجوع الهارب
رقم القصيدة : 66328
-----------------------------------
قرّبت للنور المشع عيوني
و رفعت للّهب الأحمّ جبيني
و مشيت في الوادي يمزّق صخره
قدمي، و تدمي الشّائكات يميني
و عدوت نحو الماء و هو مقاربي
فنأى و ردّ إلى السراب ظنوني
و بدت لعيني في السّماء غمامة
فوقفت، فارتدّت هنالك دوني
و أصخت للنسمات و هي هوازج
فسمعت قصف العاصف المجنون
يا صبح : ما للشّمس غير مضيئة
يا ليل : ما للنّجم غير مبين؟
يا نار : ما للنار بين جوانحي
يا نور : أين النّور ملء جفوني؟
ذهب الّهار بحيرتي و كآبتي
و أتى المساء بأدمعي و شجوني
حتى الطّبيعة أعرضت و تصاممت
و تنكّرت للهارب المسكين !!
***
أن لم يكن لي من حنانك موئل
فلمن أبثّ ضراعتي و حنيني؟
آثرت لي عيش الأسير فلم أطق
صبرا و جنّ من الأسار جنوني
فأعدتني طلق الجناح و خلت بي
للنّور جنّة عاشق مفتون
ة أشرت لي نحو السّماء فلم أطر
ورددت عين الطائر المسجون
نسي السّماء و بات يجهل عالما
ألقى الحجاب عليه أسر سنين
و لقد مضى عهد التّنقل و انتهى
زمني إليك بصبوتي و فتوني
لم ألق بعدك ما يشوق نواظري
عند الرّياض ، فليس ما يصبيني
فهتفت أستوحي قديم ملاحني
فتهدّجت و تعثّرت بأنيني
و نزلت أستذري الظلال فعقّني
حتّى الغصون غدون غير غصون
فرجعت للوكر القديم و بي أسى
يطغى عليّ و ذلة تعروني
لما رأته غرورقت عيناي من
ألم ، و ضجّ القلب بعد سكون
و مضت بي الذّكرى فرحت مكذبا(65/24)
عيني ، و متّهما لديه يقيني
و صحوت من خبل و بي مما أرى
إطراق مكتئب و صمت حزين
فافتح لي الباب الذي أغلقته
دوني ، و هات القيد غير ضنين
دعني أروّ القلب من خمر الرّضى
و أنم على فجر الحنان عيوني
و أعد إلى أسر الصّبابة هاربا
قد آب من سفر اللّيالي الجون
عاف الحياة على نواك طليقة
و أتاك ينشدها بعين سجين !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> مخدع مغنية
مخدع مغنية
رقم القصيدة : 66329
-----------------------------------
شاع في جوّه الخيال و رفّ الـ
ـحسن و السّحر و الهوى و المراح
ونسيم معطّر خفقت في
ـه قلوب ، ورفرفت أرواح
و منى كلهنّ أجنحة تهـ
ـفو و دنيا بها يدفّ جناح
و من الزّهر حولها حلقات
طاب منها الشّذا و رقّ النّفاح
حملت كل باقة دمع مفتو
ن كما تحمل الندى الأدواح
و هي في ميعة الصبا يزدهيها
ضحك لا تملّه و مزاح
و غناء كأنّ قمرية سكـ
ـرى بألحانها تشيع الراح
أخلصت ودّها المرايا فراحت
تتملّى فتشرق الأوضاح
كشفت عن جمالها كلّ خاف
و أباحت لهنّ ما لا يباح
معبد للجمال، و السحر ، و الفتـ
ـنة يغدى لقدسه و يراح
نام في بابه العزيز كيوبيـ
ـد و لكن في كفّه المفتاح
إن ينم فالحياة شدو و لهو
أو ينبّه فأدمع و جراح
دخلت بي إليه ذات مساء
حيث لا ضجّة و لا أشباح
لم نكن قبل بالرفيقين لكن
هي دنيا تتيح ما لا يتاح
و جلسنا يهفو السّكون علينا
و يرينا وجوهنا المصباح
هتفت بي : تراك من أنت يا صا
ح؟ فقلت المعذّب الملتاح
شاعر الحبّ و الجمال : فقالت ما عليه إذا أحبّ جناح
و احتوى رأسي الحزين ذراعا
ها ، و مرّت على جبيني راح
و رأت صفرة الأسى في شفاه
أحرقتها الأنفاس و الأقداح
فمضت في عتابها: فكيف لم ند
ر بما برّحت به الأتراح؟
إن أسأنا إليك فاليوم يجزيـ
ـك بما ذقته رضّى و سماح
و لك اللّيلة التي جمعتنا
فاغتنمها حتى يلوح الصّباح!!
***
قلت حسبي من الّربيع شذاه
و لعينيّ زهره اللمّاح
نحن طير الخيال و الحسن روض(65/25)
كلّنا فيه بلبل صدّاح
فنيت في هواه منّا قلوب
و أصابت خلودها الأرواح!!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> قبلة
قبلة
رقم القصيدة : 66330
-----------------------------------
قبلة من ثغرك البا
سم دنيا و حياة
تلتقي الروحان فيها
و المنى و الصّبوات
لغة وحدت الألـ
ـسن فيها و اللّغات
نبعها القلب و مجرا
ها الشفاه النّضرات
***
لغة قرّ الشّتيت الشّـ
ـمل فيها و تواءم
و بها الأعين في غيـ
ـر حديث تتفاهم
من ترى علمها بالـ
أمس حواء و آدم؟
لم تزل جدّتها و هـ
ـي حديث يتقادم
***
***
قبلة من ثغرك البا
سم تمحو كلّ ما بي
و تواريني عن النّا
س و عن دنيا العذاب
و تنسّي القلب ما جر
رع من سم و صاب
قبلة تمزج أنفا
سك بالقلب المذاب
***
ربّ ليل مرّ أفنيـ
ـناه ضمّا و عناقا
و أدرنا من حديث الـ
ـحبّ خمرا نتساقى
في طريق ضرب الزّهـ
ـر حواليه نطاقا
و تجلّى البدر فيه
و صفا الجوّ وراقا
و لزمن الصّمت إلاّ
نظرات تتكلم
و شفاها عن جراح الـ
ـقلب راحت تتبسم
صحت بي رعبا و مارا
عك قلب يتحطّم
نبّأتني النفس بالبيـ
ـن غدا و النّفس تلهم
***
ثمّ كان الغد ما نبـ
ـبئت هجرا و فراقا
و نسينا قبلة سا
غت على الأمس مذاقا
فالتقينا و افترقنا
و كأن لم نتلاقا!!
***
ثمّ كان الغد ما نبـ
ـبئت هجرا و فراقا
و نسينا قبلة سا
غت على الأمس مذاقا
فالتقينا و افترقنا
و كأن لم نتلاقا!!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> أغنية ريفية
أغنية ريفية
رقم القصيدة : 66331
-----------------------------------
إذا داعب الماء ظلّ الشّجر
و غازلت السحب ضوء القمر
وردّدت الطير أنفاسها
خوافق بين النّدى و الزّهر
و ناحت مطوقة بالهوى
تناجي الهديل و تشكو القدر
و مرّ على النهر ثفر النّسيم
يقبّل كل شراع عبر
و أطلعت الأرض من ليلها
مفاتن مختلفات الصور
هنالك صفصافة في الدّجى
كأنّ الظّلام بها ما شعر
أخذت مكاني فس ظلّها
شريد الفؤاد كئيب النّظر
أمرّ بعيني خلال السّماء(65/26)
و أطرق مستغرقا في الفكر
أطالع و جهك تحت النّخيل
و أسمع صوتك عند النّهر
إلى أن يملّ الدّجى و حشتي
و تشكة الكآبة مني الضّجر
و تعجب من حيرتي الكائنات
و تشفق منّي نجوم السّحر
فأمضي لأرجع مستشرفا
لقاءك في الموعد المنتظر!!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> قيثارتي
قيثارتي
رقم القصيدة : 66332
-----------------------------------
بدّدت يا قيثارتي أنغامي
و نسيت لحن صبابتي و غرامي
مرّت ليل كنت مؤنستي بها
و عزاء نفس جمّت الآلام
تروين من طرب الصّبا و حنينه
و تذهبّين حواشي الأحلام
كالبلبل الشّاكي رويت صبابتي
لحنا تمشّى في دمي و عظامي
أنشودة الوادي و لحن شبابه
ذابت على صدر الغدير الطّامي
شاق الطّبيعة من قديم ملاحني
أصداؤك الحيرى على الآكام
و شجا البحيرة و استخفّ ضفافها
لحن كفئر موجها المترامي
ياربّة الألحان غنّي و ابعثي
من كل ماض عائر الأيّام
هل من نشيدك ما يجدد لي الصّبا
و يعيد لمحة ثغره البسّام
و يصوّر الأحلام فتنة شاعر
توحي الخيال لريشة الرّسّام
وادي الهوى ولّت بشاشة دهره
و خلت مغانيه من الآرام
طارت صوادحه و جفّ غديره
و ذوى بشطّيه النّضير النامي
و اعتاض بهمس النّسيم بعاصف
داو يشقّ جوانب الأظلام
و هو الصّدى الحاكي لضائع صرختي
و صداك بين الغور و الآكام
قد كن ألاّفي و نزهة خاطري
و سماء وحي الشّعر و الإلهام
مالي بهنّ سكتن عن آلامي؟
أنسين عهد مودّتي و ذمامي ؟
يا ربّة الألحن هل من رجعة
لقديم لحنك أو قديم هيامي؟
فاروي أغانيّ القدامى ، و انفثي
في اللّيل من نفثات فلبي الدّامي
علّ الذي غنيت عرش جماله
و طفقت أرقب أفقه المتسامي
تشجيه ألحاني فيسعدني به
طيف يضنّ عليّ بالإلمام
مالي أراك جمدت بين أناملي
و عصيت أنّاتي و دنعي و إلهامي
خرساء لا تتلو النّشيد و لا تعي
سرّ الغناء و لا تعيد كلامي
يغري الكآبة بي و يكسف خاطري
أنّي أراك حبيسة الأنغام
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> أيتها الأشباح(65/27)
أيتها الأشباح
رقم القصيدة : 66333
-----------------------------------
لم أفبلت في الظّلام إليّ ؟
و لماذا طرقت بابي ليلا؟
لات حين المزار أيّتها الأشـ
ـباح فامضي فما عرفتك قبلا!
***
أتركيني في وحشتي و دعيني
في مكاني بوحدتي مستقلا
لست من تقصدين في ذلك الوا
دي فعذرا إن لم أقل لك أهلا!
***
لا تطيلي الوقوف تحت سياجي
لن تري فيه للثّواء محلاّ
ضلّ مسراك في الظّلام فعودي
و احذري فيه ثانيا أن يضلاّ
***
ذاك مأوى في تخوم الفياقي
طلل واجم عليك أطلا
قد تخلّيت عن زماني فيه
وهو بي عن زمانه قد تخلّى
***
لن ترى من خلاله غير خفّا
قشعاع يكاد في اللّيل يبلى
و خيال مستغرق في ذهول
بات يرعى ذباله المضمحلا
إبرخي بهوه الكئيب فما فيـ
ـه لعينيك بهجة تتجلّى
قد نزلت العشيّ فيه على قفـ
ـر جفته الحياة ماء و ظلاّ!
***
كان هذا المكان روضا نضيرا
جرّ فيه الرّبيع بالأمس ذيلا
كان فيه زهرا فعاد هشيما
كان فيه طير و لكن تولّى
***
فاسلمي من شقائه و دعيه
و حده يصحب السّكون المملا
و اطرقي غير بابه ، إنّ روحي
أحكمت دونه رتاجا و قفلا!
***
أ وقوفا إلى الصّباح ببابي!؟
شدّ ما جئته غباء و جهلا !
أبعدي من وراء نافذتي الآ
ن ورفقا إذا انثنيت و مهلا !
***
إنّ من تحتها هزازا صريعا
سامه البرد في العشيّة قتلا
و أزاهير حوله ذابلات
مزّقتها الرياح في اللّيل شملا
***
كان لي في حياتها خير سلوى
فدعيني بموتها أتسلّى
فهي بقايا صبابة و دموع
جثيا عندها شعاعا و طلاّ
***
إنّ عيني بها أحقّ من المو
ت و قلبي بها من القبر أولى
جنّ قلبي فاستضحكته المنايا
حيث أبكتني الحقيقة عقلا
***
لا تطيلي الوقوف أيّتها الأشبـ
ـاح فامضي فما رأيتك قبلا
أو لم تسمعي؟ جهلتك من أنـ
ـت ! فعودي فما كذبتك قولا !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> قلبي
قلبي
رقم القصيدة : 66334
-----------------------------------
كالنّجم في خفق و في ومض
متفرّدا بعوالم السّدم(65/28)
حيران يتبع حيرة الأرض
و مصارع الأيّام و الأمم
***
مستوحشا في الأفق منفردا
و كأنّه في سامر الشّهب
هذا الزحام حياله احتشدا
هو عنه ناء جدّ مغترب
***
مترنّحا كالعاشق الثَمل
ريّان من بهج ومن حزن
نشوان من ألم من أمل
مستهزئا بالكون و الزّمن
***
تلك السّماء على جوانبه
بحر الحياة الفائر الزّبد
كم راح يلتمس القرار به
هيمان بين شواظئ الأبد
***
تهفو على الأمواج صورته
و شعاعه اللّماح في الغور
نفذت إلى الأعماق نظرته
فإذا الحياة جليّة السّرّ
***
و يمرّ بالأحداث مبتسما
كالشّمس حين يلفّها الغيم
زادته علما بالذي علما
دنيا تناهى عندها الوهم
***
بلغ الرّوائع من حقائقها
فإنّ السّعادة توأم الجهل
هتف المحدّق في مشارقها
ذهب النهار فريسة اللّيل
***
يا قلب : مثل النّجم في قلق
و النّاس حولك لا يحسّونا
لولا اختلاف النّور و الغسق
مرّوا بأفقك لا يطلّونا
***
فاصفح إذا غمطوك إدراكا
و اذكر قصور الآدميينا
أتريدهم يا قلب أملاكا
كلاّ...و ما هم بالنبيينا
هم عالم في غيّه يمضي
مستغرقا في الحمأة الدّنيا
نزلوا قرارة هذه الأرض
و حللت أنت القمّة العليا
***
عبّاد أوهام و ما عبدوا
إلاّ حقير منى و غايات
و مناك ليس يحدّها الأبد
دنيا وراء اللا نهايات
***
و لك الحياة دنى و أكوان
عزّت معارجها على الرّاقي
تحيا بها و تبيد أزمان
و شبابها المتجدّد الباقي
***
يا قلب : كم من رائع الحلك
ألقاك في بحر من الرّعب
كم عذت منه بقبّة الفلك
و صرخت وحدك فيه يا فلبي !
***
و مضيت تضرب في غياهبه
ترد عنك المائج الصّخبا
تترقّب البرق المطيف به
و تسائل الأنواء و السّحبا
***
و خفقت تحت دجاه من وجل
كالطير تحت الخنجر الصّلت
و عرفت بين اليأس و الأمل
صحو الحياة ، و سكرت الموت
***
يا قلب : عندك ايّ أسرار
ما زلن في نشر و في طيّ
يا ثورة مشبوبة النّار
أقلقت جسم الكائن الحيّ
***
حمّلته العبء الذي فرقت
منه الجبال و أشفقت رهبا
و أثرت منه الرّوح فانطلقت(65/29)
تحسو الحميم و تأكل اللّهبا
***
و ملأت سفر المجد من عجب
و خلقت أبطالا من العدم
و على حديثك في فم الحقب
سمة الخلود و نفحة القدم
***
كم من عجائب فيك للبشر
أخذتهمو منها الفجاءات
متنبّئا بالغيب و القدر
و عجيبة تلك النّبوءات
***
و عجبت منك و من إبائك في
أسر الجمال و ربقة الحبّ
و تلفّت المتكبّر الصّلف
عن ذلّة المقهور في الحرب
***
يا حرّ كيف قبلت شرعته
و قنعت منه بزاد مأسور
آثرت في الأغلال طلعته
و أبيت منه فكاك مهجور
***
فإذا جفاك الهاجر النّاسي
و قسا عليك المشفق الحدب
فاضت بدمعك فورة الكاس
و هتفت بكفّك و هي تضطرب
***
و فزعت للأحلام و الذّكر
تبكي و تنشد رجعة الأمس
ووددت لو حكّمت في القدر
لتعيد سيرتها من الرّمس
***
و وهمت نارا ذات إيماض
فبسطت كفّك نحوها فزعا
مرّت بعينيك لمحة الماضي
فوثبت تمسك بارقا لمعا
***
و صحوت من وهم و من خبل
فإذا جراحك كلّهن دم
لجّت عليك مرارة الفشل
و مشى يحزّ وتينك الألم
***
و الأرض ضاق فضاؤها الرّحب
و خلت فلا أهل و لا سكن
حال الهوى و تفرّق الصّحب
و بقيت وحدك أنت و الزّمن !
***
و صرخت حين أجنّك اللّيل
متمردا تجتاحك النّار
و بدا صراعك أنت و العقل
و لأنتما بحر و إعصار
***
ما بين سلمكما و حربكما
كون يبين ، و يختفي كون
و بنيتما الدّنيا و حسبكما
دنيا يقيم بناؤها الفنّ
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> على الصّخرة البيضاء
على الصّخرة البيضاء
رقم القصيدة : 66335
-----------------------------------
على الصّخرة البيضاء ظلّلني الدّجى
أسرّ إلى الوادي نجيّة شاعر
سمعت هدير البحر حولي فهاج بي
خوالج قلب مزبد اللّج هادر
وقفت أشيع الفكر فيها كأنّما
إلى الشّاطئ المجهول يسبح خاطري
و قد نشر الغرب الحزين ظلاله
على ثبج الأمواج شعث الغدائر
من خلفها تبدو النّخيل كأنّها
خيالات جنّ أو ظلال مساحر
ألا ما لهذا البحر غضبان مثلما
تنفس فيه الرّيح عن صدر ثائر(65/30)
لقد غمر الأكواخ فوق صخوره
ولجّ بها في موجه المتزائر
و أنحى عن قطّانها غير مشفق
بهم أو مجيل فيهمو عين باصر
و مالي كأنّي أبصر اللّيل فوقه
يرفّ كطيف في السّماوات حائر
ألا أين صيّادوه فوق ضفافه
يهيمون في خلجانه و الجزائر
و بحّارة الوادي تلفّع بالدّجى
و تنشد ألحان الرّبيع المباكر
لقد غرقوا في إثر أكواخهم به
و ما لمسوا من حكمه عفو قادر
و سجّاهم باليمّ زاخر موجه
و أنزلهم منه فسيح المقابر
أصخ أيّها الوادي ! أما منك صرخة
يدوّي صداها في عميق السّرائر !؟
أتعلم سرّ اللّيل ؟ أم أنت جاهل ؟
بلى إنّه يا بحر ليل المقادر !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الأجنحة المحترقة
الأجنحة المحترقة
رقم القصيدة : 66336
-----------------------------------
أدنا المزار و قرّت العينان
و فرغتما من لهفة و حنان ؟
و هززتما بالشّوق كفّ مسلّم
و هفّت إلى تقبيله الشّفتان؟
و حلا العناق على اللّقاء و أومأت
لكما الدّيار ، فرفرف القلبان؟
و على الثّغور الباسمات بشائر
وعلى الوجوه المشرقات أماني؟
و على سماء النّيل من سمة الضّحى
وضح من ثغريكما وضحان؟
و على الضّفاف الضّاحكات مزاهر
و على السّفين الرّاقصات أغاني؟
يوم تطلّعت المنى لصاحبه
و تحدّثت عنه بكلّ لسان!
و سرى التّخيل في النفوس فهزّها
مرح الطّروب و غبطة النّشوان
و الأفق مربدّ الأديم، و أنتما
فوق الرّياح الهوج منطلقان
تتخايلان على السّحاب برفرف
بلواء مصر مظلّل مزدان
تتطلّعان إلى السّديم كأنّما
تتخيران لها أعزّ مكان
و تحدّثان النّجم عن أوصافها
و النّجم مأخوذ بما تصفان
علّقتما بالنّاظرين خيالها
شوقا و أجفان المنون رواني
هي خطرة، أو نظرة ، و درجتما
في جوف عاصفة من النيران
طاش الزّمام فلا السّحاب مقرب
لكما و لا الجبل الأشمّ مداني
و هوى الجناح فلا الرّياح خوافق
فيه و لا الأرواح طوع عنان
سدّت طريقكما الحتوف و انتما
تتحرّقان هوى إلى الأوطان
و مشى الرّدى بكما و تحت جناحه(65/31)
جسمان بل قلبان محترقان !!
يا ملهميّ الشّعر هذا موقف
الشّعر فيه فوق كل بيان
لوددت لو أنّي عرضت بناته
في المهرجان نواثر الرّيحان
و عقدت من شعري و من ريحانها
إكليل غار أو نظيم جمان
أنا من يغنّي بالمصارع في العلى
و يشيد بالآلام و الأحزان
ماذا وراء الدّمع من أمنية
أو ما وراء النّوح من نشدان؟
أصبحت ذا القلب الحديد و إن أكن
في النّاس ذاك الشّاعر الإنساني
و وهبت قلبي للخطار ، فللهوى
شطر ، وللعلياء شطر ثاني
و عشقت موت الخالدين و عفت من
عمري حقارة كلّ يوم فاني
لولا الضّحايا الباذلون دماءهم
طوت الوجود غيابة النّسيان
هذا الّدم الغالي الذي أرخصتم
هو في بناء المجد أول باني
تبنون للوطن الحياة و هكذا
تبني الحياة مصارع الشّجعان
***
مثلتما في الموت وحدة أمّة
ذاقت من التّفريق كلّ هوان
مسح الهلال دم الصّليب و ضمّدت
جرح الأهلّة راحة الصّلبان
إن كان في ساح الرّدى لكليكما
مثل ففي ساح الفدا مثلان !
عذرا فرنسا إن جزعت فإنّه
قدر و مالك بالقضاء يدان
هزّتك بالرّوعات قبل مصابنا
أمم ملكن أعنّة الطّيران
واسيت مصر فما هوى نجم لها
إلاّ و منك عليه صدر حاني
حيّ سماء الفرقدين و قدّسي
من تربك الغالي أعزّ مكان
فهناك دم روّى ثراك و ههنا
قلبان تحت الصّخر يختلجان
يا أمّة الشّهداء أنت بثكلهم
أدرى و بالأحزان و الأشجان
ألغار أحقر أن يكلّل هامهم
و رؤوسهم أغلى من التّيجان
لغد صبرنا للزّمان و في غد
نعفو و نغفر للزّمان الجاني
و نمد للأيّام كفّ مصافح
يجزي المسيء إليه بالإحسان
و ندلّ فوق النّيرات بموكب
فيه الحجى و البأس يلتقيان
و نهزّ أجنحة الحياة و نعتلي
بخفافهنّ مناكب العقبان
و ننصّ راية مصر أنّى تشتهي
مصر ، و يرضاه لها الهرمان
أقبل سلاح الجوّ ، إنّ عيوننا
للقاك لم يغمض لها جفنان
أقبل سلاح الجوّ، إنّ قلوبنا
كادت تطير إليك بالخفقان
رفرف على البلد الأمين و حيّه
و انزل إلى الوادي و طر بأمان
كن للسّلام وقاءه، و لواءه(65/32)
و شعاعه الهادي على الأزمان
و إذا دعتك الحادثات فلبّها
بحميّة المستقتل المتفاني
ليضنّ بالأعمار كلّ معاجز
و ليخش حرب الدّهر كلّ جبان
ليثر على القضبان كلّ معذّب
و ليحطم الأصفاد كلّ معاني
هذا الزّمان الحرّ مال شعوبه
صبر على الأصفاد و القضبان
لكم الذد المرجوّ فتيان الحمى
و اليوم يومكم العظيم الشّان
لا تثنيّنكم المنايا إنّها
سرّ البقاء و سنّة العمران
كونوا من الفادين إن عز ّ الفدا
كم في الفداء من الخلود معاني
و لئن حرمتم من متاع شبابكم
إنّ النّعيم ينال بالحرمان
ليكن لكم في كلّ أفق طائر
ليكن لكم قس كلّ أرض باني
و لينخسنّ البحر من أسطولكم
علم كنجم المدلج الحيران
سيروا بهدي الأحمرين و مهّدوا
بهما سبيل المجد و السّلطان
لم تبصر الأمم الحياة على سني
كالنّار في شفق الدّماء القاني!
شعراء العراق والشام >> مصطفى وهبي التل (عرار) >> أين الرصيفة
أين الرصيفة
رقم القصيدة : 66337
-----------------------------------
" في صيف عام 1943 م قصد جلالة الملك عبدالله بن الحسين الملك المؤسس متنزة الرصيفة وفي معيته الأميران طلال ونايف
والشيخ حمزة العربي ، والسيد أحمد السقاف ، ومعالي فلاح المدادحة ، وعرار ، وصبري الطباع ، ومخلد احد أفراد الحاشية
وعبدالسلام كمال .
.
فقال جلالته :
أين الرصيفة من ذرى رغدان
كل الحبة في ربى عمّان
فيها أخلائي ونخبة صحبتي
والمسعفون على صروف زماني
.
فقال عرار :
رغدان يا رغدان كم لك في العلا
علم وأنت محجة التيجان
الأمن حيث بنيت في طود العلا
وسوى حماك يعج بالنيران
.
فقال جلالته :
والشيخ حمزة فوق كرسي له
ما بين ( منجده ) مع ( البستان )
.
فقال عرار :
والشيخ حمزة شلّح القاموس من
أبياته فتراه كالعريان
.
فقال جلالته :
يا شيخ حمزة للغات قواعد
مالي على حذق اللغات يدان
بنيّ اللسان على فصاحة يعرب
وشهيد ذلك محكم القرآن
ردّ العمامة نحو أيسر حاجب
لتكون كالأشباخ ذا اتقان(65/33)
إنّ الأميرين اللذين تراهما
رمقاك رمقة حاذق يقظان
كالنيّران بليلة يريان
ليس العمامة كفتي ميزان
.
فقال عرار :
وانظر إلى صبري تراه مهيئا
كاساته والشاي للندمان
وهناك بين مليكنا وأمينه
تحت العريشة يجلس الشيخان
.
فقال جلالته :
يا مصطفى ساعد أخاك فإنه
( ...... ) العشية وسط ذا البستان
شيطان شعرك قد وفى بعهوده
فعلام أخلف وعده شيطاني
الشيخ معتم وأنت مطربش
وافي السبال وليس بالملسان
وبجنب مخلد جالس متصرف
يتناجيان بأعذب الألحان
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الله و الشاعر
الله و الشاعر
رقم القصيدة : 66338
-----------------------------------
لا تفزعي يا أرض : لا تفرقي
من شبح تحت الدّجى عابر
ما هو إلاّ آدميّ شقي
سمّوه بين النّاس بالشاعر
حنانك الآن فلا تنكري
سبيله في ليلك العابس
و لا تضلّيه و لا تنفري
من ذلك المستصرخ البائس
مدّي لعينيه الرّحاب الفساح
و رقرقي الأضواء في جفنه
و أمسكي يا أرض عصف الرّياح
و الرّاعد المنصب في أذنه
أتسمعين الآن في صوته
تهدّج الأنّات من قلبه؟
و تقرأين الآن في صمته
تمرّد الرّوح على ربّه؟
و في وقفة الذّاهل ألقى عصاه
مولّي الجبهة شطر الفضاء
كاّنما يرقى الدّجى ناظره
يستشفّا ما وراء السّماء
يسقط ضوء البرق في لمحه
على جبين بارد شاحب
و يستثير البرد في لفحه
نارا تلظّى من فم ناضب
أنت له يا أرض أمّ رؤوم
فأشهدي الكون على شقوته
وردّدي شكواه بين النّجوم
فهو ابنك الإنسان في حيرته
ما هو إلاّ صوتك المرسل
وروحك المستعبد المرهق
قد آده الدّهر بما يحمل
فجاء عن آلامه ينطق
طغى الأسى الدّاوي على صوته
يا للصّدى من قلبه الناطق
مضى يبثّ الدّهر في خفته
شكاية الخلق إلى الخلق إلى الخالق
لا تعدني يا ربّ في محنتي
ما أنا إلاّ آدميّ شقي
طردتني بالأمس من جنّتي
فاغفر لهذا الغاضب المحنق
حنانك اللّهم لا تغضب
أنت الجميل الصّفح جمّ الحنان
ما كنت في شكواي بالمذنب
و منك يا ربّ أخذت الأمان(65/34)
ما أنا بالزّاري و لا الحاقد
لكنّني الشّاكي شقاء البشر
أفنيت عمري في الأسى الخالد
فجئت أستوحيك لطف القدر
تمرّدت روحي على هيكلي
و هيكل الجسم كما تعلم
ذاك الضّعيف الرّأي لم يفعل
إلاّ بما يوحي إليه الدّم!
يعرق حدّ السّيف من لحمه
و يحطم الصّفوان بنيانه
و ينخر الجرثوم في عظمه
و منه ينمي القبر ديدانه
ما هو إلا كومة من هباء
تمحقه اللّمسة من غضبتك
فكيف يثني الرّوح عمّا تشاء؟
و كيف يقوى؟ و هي من قدرتك؟
روحك في روحي تبثّ الحياة
نزلت دنياي على فجرها
فإن جفاها ذات يوم سناه
لاذت بليل الموت في قبرها
و مثلما قدّرتها صوّرتها
فروحك الصّوت و روحي الصّدى
طبيعة في الخلق ركبتها
و ما أري لي في بناه يدا !
لكنّما روحك من جوهر
صافي و روحي ما صفت جوهرا!
أو لا ؟ فما للخير لم يثمر
فيها ؟ و ما للشّر قد أثمرا ؟
تقول روحي إنّها ملهمة
فهي لما قدّرته متبعة
مقودة في سيرها مرغمة
و إن تراءت حرّة طيّعة
قيّدتها بالجسم في عالم
تضجّ بالشّهوة فيه الجسوم
كلاهما في حبه الآثم
لم يصح من سكراه وهو الملوم
تبدي به الأجسام سحر الحياة
في معرض يجلو غريب الفنون
نواعس الأجفان حوّ الشّفاه
شديدة الإغراء شتّى الفتون!
و لم أكن أوّل مغرى بما
أغرت به حوّاء آدما
إرث تمشّى في دمي منهما
ميراثه ينتظم العالما !
فأنت قدّرت عليّ الشّقاء
من حيث قدّرت عليّ النّعيم
و ما أرى !! هل في غد لي ثواء
بالخلد ؟ م مثواي نار الجحيم؟
ما أثمت روحي و لا أجرمت
و لا طغى جسمي و لا استهترا
عناصر الروح بما ألهمت
أوحت إلى الجسم فما قصّرا
كلاهما لم يعد تصويره
ما كان إلاّ مثلما كوّنا
كم حاولا بالأمس تغييره
فاستكبر الطّبع و ما أذعنا
أمنذري أنت بيو الحساب ؟
و لائمي أنت على ما جرى ؟
رحماك: مايؤضيك هذا العذاب
لطيّع لم يعص ما قدّرا !!
ما كنت إلاّ مثلما ركّبت
غرئزي ، ما شئت لا ما أشاء
فلتجزها اليوم بما قدّمت
و إن تكن ممّا جنته براء !
و فيم تجزى ، و هي لم تأثم ؟(65/35)
ألست أنت الصّائغ الطّابعا ؟
ألم تسمها قبل بالميسم
؟
ألم تصغها عنصرا عنصرا ؟
من أين ؟ ما علمي ؟ و أنت العليم !
جبلتها يوم جبلت الثّرى
من عالم الذّر و دنيا السّديم
الخير و الشّر بها توأمان
و الحبّ و الشّهوة في طبعها
حوّاء و الشّيطان لا يبرحان
يساقطان السّحر في سمعها
تشكّكت نفسي بما تنتهي
إليه دنياه و ماذا يكون !
مضت فما آبت بما تشتهي
من حيرة الفكر و هجس الظّنون !
رأت إساري في قيود ثقال
بين يديّ ذي مرّة يبسمون
يسوقهم في فلوات اللّيال
في بطش جبّارين لا يرحمون
إن ضجّ في الأغلال منهم طليح
أخرسه السّوط الذي يرهف
و إن هوى للأرض منهم جريح
أنهضه في قيده يرسف !
يا ويحهم ما عرفوا موئلا
من قسوة الدّهر و حور القضاء
يا أرض ما كنت لنا منزلا
ما أنت إلاّ موبق الأبرياء !!
أفي سبيل العيش هذا الصّراع ؟
أم في سبيل الخاد و الآخره ؟
و هؤلاء البائسون الجياع
تطحنهم تلك الرّحى الدّائره ؟؟
ما ذنب هذا العالم الثّائر ؟
إن حاول الإفلات من آسره ؟
ما كان في ميلاده الغابر
أسعد حالا منه في حاضره !!
ما كان لو لم تنز آلامه
بالماجن الرّوح و لا الهائم
لو جرت بالصّفو أيّامه
ما كان بالزّاري و النّاقم
رأى بعينيه المصير الرّهيب
و كيف غال النّاس من قبله
و كلّ يوم للمنايا عصيب
يسوقهم للموت من حوله !
فحقّر الدّنيا و أزرى بها
و قال: مالي أنكر الواقعا ؟
فلتسعد النّفس بأنخابها
من قبل أن تلقى الغد الرّائعا !
أيصبح الإنسان هذا الرّميم ؟
و الجيفة الملقاة نهب التّراب ؟
أيستحيل الكونهذا الهشيم
و الظّلمة الجاثم فيها الخراب ؟
لمن إذا ابتدع تلك العقول ؟
أفي الرّدى تدرك ما فاتها ؟؟
أم غد تثوي بتلك الطّلول
و يستحق الدّهر يواقيتها ؟؟
و آسفا للعالم البائد
ليس له ممّا يرى مهرب
على رنين النجل الحاصد
مضى يغنّي ... و هو لا يطرب !!
فدعه ينسى بعض ما حمّلا
من نكد الدّنيا و ضنك الحياه
و أوله العطف الذي أمّلا
فإنهأولى بعطف الإله !(65/36)
ماهي إلاّ لحظات قصار
تمرّ مثل الومض في عينيه
فإن مضى اللّيل و جاء النّهار
عاوده الخالد من حزنه !
و ما أتى الغيّ ليعصي الإله
يوما، و لا كان به مغرما
لك لينسى شقوات الحياه
و سرّها المستغلق المبهما !
يا للشّقيّ القلب كم سامه
توهّم النّعمة ما لا يطيق
يريد أن يقنع أوهامه
بأنه ذاك الخليّ الطّليق
هأنذا أرفع آلامه
إلى سماء المنقذ الأعظم
إنا الذي ترسل أنغامه
قيثارة القلب ، و ناي الفم
من عبراتي صغت هذا المقال
و من لهيب الرّوح هذا القلم
ملأت منه صفحات اللّيال
فضمّنت كلّ معاني الألم
أنا الذي قدّست أحزانه
الشّاعر الباكي شقاء المبشر
فجّرت بالرّحمة ألحانه
فاملأ بها يا ربّ قلب القدر ّ
ما الشّاعر الفنّان في كونه
إلاّ يد الرّحمة من ربّه
معزّي العالم في حزنه
و حامل الآلام عن قلبه
عزاؤه شهر به أهزج
في نغم مستعذب ساحر
ما يحزن العالم أو يبهج
إلاّ على قيثارة الشّاعر
يا ربّ ما اشقيتني في الوجود
إلاّ بقلبي : ليته لم يكن
في المثل الأعلى و حبّ الخلود
حمّلته العبء الذي لم يهن
خلقته قلبا رقيق الشّغاف
يهيم بالنّور و يهوى الجمال
حلت له النّجوى و لذّ الطّواف
بعالم الحسن و دنيا الخيال
بعثته طيرا خفوق الجناح
على جنان ذات ظلّ و ماء
أطلقته فيها قبيل الصّباح
و قلت : غنّ الأرض لحن السّماء
فهام في آفاقها الواسعة
النّور يهفو حوله و النّدى
مصفّقا للضّحوة الساطعة
و منشدا ما شاء أن ينشدا
أن جاء صيف أو تجلّى ربيع
حيّاه منه عبقريّ الغناء
و كم خريف من نشيد بديع
تظلّ ترويه ليال الشّتاء
قيتارة تصدر في فنّها
عن عالم السّحر و دنيا الخفاء
على الصّدى الحائر من لحنها
يستيقظ الفجر و يغفو المساء
مشت على الأنغام أمواجها
و الأرض قيد النّشوة المسكره
كأنّما ترقص أحلامها
في ليلة شرقيّة مقمره!
من قلبه أسلست أوتارها
فقلبه يخفق في كفّه
يشدو فتملي النّفس أسرارها
عليه فهي اللّحن من عزفه
ذات صباح طار لا يمهل
و الأرض سكرى من عبير الزهور(65/37)
حلى حصاها رنّم الجدول
و في روابيها تغني الطّيور
ما كان يدري قبل أن ينظرا
ما خبأته النّظرة العاجلة
ما أبدع الحلم الذي صوّرا
لو لم تشبه اليقظة القاتلة!
مرّ بنهر دافق سلسبيل
تهفو القمارى حوله شادية
في ضفّتيه باسقات النّخيل
ترعى الشّياه تحتها ثاغية
فهاجت النّظرة ممّا رأى
في قلبه السّحر و في عينيه
الكون يبدو وادعا هانئا
كانّه الفردوس في أمنه
فظلّ في التفكير مستغرقا
من فتنة الدّنيا و من سحرها
ما كان إلاّ ريثما حدّقا
حتى جلت دنياه عن سحرها
رأى بعينيه الذي لم يره
الذّئب و الشّاة، و حرب البقاء
ما عرف القتل و لا أبصره
و لا رأى من قبل لون الدّماء!
ما هي إلا صرخات الفزع
و صيحة المقتول و القاتل
قد انقضى الأمر كأن لم يقع
و ضاع صوت الحقّ في الباطل
و بعد ساعات يولّي النّهار
و يقبل اللّيل و ما يعلم!
سيلبث السّر وراء السّتار
و يختفي الشّلو و يمحي الدمّ
فروّع الشاعر ممّا رآه
و هام في الأرض على وجهه
أين ترى يا أرض يلقي عصاه؟
و أيّ واد ضلّ في تيهه؟
حتى إذا شارف ظلّ الشّجر
في روضة غنّاء ريا الأديم
قد ضحطت للنّور فيها الزّهر
و صفّقت أوراقها للنّسيم
إختار في الظّل له مقعدا
قي ربوة فاتنة ساحرة
أذاب فيها الشّفق العسجدا
و ناسمتها النّفحة العاطرة
بينما يملّي العين من سحرها
إذ أبصر الصّلّ بها مطرقا
قد انتحى الأطيار في و كرها
فسامها من نابه مبقا
هل سمعت أذناك قصف الرّعود
في صخب البحر و عصف الرّياح؟
هل أبصرت عيناك ركض الجنود
في فزع الموت و هول الكفاح
إن كنت لم تبصر و لم تسمع
فقف إلى ميدانها الأعظم
ما بين ميلادك و المصرع
ما بين نابي ذلك الأرقم !!
جريمة الغدر و سفك الدّم
جريمة لم يخل منها مكان
يا لجّة كلّ إليها ظمي
قد جاز طوفانك شمّ القنان !
من علّم الوحش الأذى و القتال؟ من بثّ فيه الشّر و ألهمه؟
من علّم الثعبان هذا الختال؟
و الحيوان الغدر من علّمه؟
يا أرض هذا الوحي من عالمك
الماء و الطين به يشهدان(65/38)
جنيت يا أرض على آدمك
إذ سمته بالأمس هجر الجنان!
يا ضلة الشّاعر أين النجاة و أين اين المنزل الآمن ؟
أكلّ واد طرقته خطاه
طالعه من الرّدى الكامن؟
حتى إذا ضاقت عليه السبل
و عزّ في الأرض عليه المقام
أوى إلى كهف بسفح الجبل
عساه يقضي ليله في سلام
ما كان إلاّ حلما كاذبا
أفاق منه مسطير الجنان
البحر يرغي تحته صاخبا
و الشّهب نار و الدّياجي دخان
الأرض من أقطارها راجفة
كأنّما طاف عليها المنون
تضجّ في أرجائها العاصفة
كأنّما النّاس بها يحشرون !
ثمّ استقرّ العالم الثّائر
و أقبل النّور وولّى الظّلام
وا عجبا ممّا يرى الشّعر
كأنما أمسى بوادي الحمام !
بدت له الأرض كقبر عفا
إلاّ بقايا رمّة أو حجر
قد أصبح القاع بها صفصفا
فما عليها من حياة أثر
مررت بالبلدان مستعبرا
أبكي الحاضرات و أرثي الفنون
أنقاضها تملأ وجه الثرى
و كنّ بالأمس مثار الفتون
أتى على اليابس و الأخضر
الموج و النّوء و سيل الحمم
يا رحمة الله اهبطي و انظري
ما حصد الموت ودكّ العدم !!
أيستحق النّاس هذا العقاب ؟
أم حانت الساعة من نقمتك !
ما احتملوا يا ربّ هذا العذاب
إلا رجاء الغوث من رحمتك ؟
أما ترى منفرجات الشفاه
عن آخر الصّيحات من رعبها؟
ما زال فيها من معاني الحياه
إيماءة الشّكوى إلى ربّها !
و هذه الأعين نهب العفاء
في رقدة الموت كأن لم تنم
محدقات في نواحي السّماء
تشهدها هذا الأسى و الألم!
و هذه الأيدي تحوط الصّدور
كأنّها في موقف للصّلاة
لم تنس في نزع الحياة الغرور
ضراعة ترسمها للإله !
ما عرفوا من صعقات الرّدى
إلاّك من غوث و من منجد
و لا سرى في الأرض منهم صدى
إلا و دوّى باسمك الأمجد !
أعبرة تذكرها كلّ حين
للعالم الذّاكر إمّا نسي ؟
أم ضربات قاسيات تلين
بهنّ قلب الفظّ و الأشرس ؟
أم موجة الطّهر التي تغسل
مآثم الكون و تمحو أذاه
يا ربّ ضقنا بالذي نحمل
فحسبنا آلامنا في الحياة !!
ألم تطهّر ذلك العالما
من كل عاص أو غويّ جموح؟(65/39)
ما غادر الموج به قائما
يوم احتوى الأعلام طوفان نوح !
إذا فما للناس َضلّو الهدى ؟
و أخطؤا اليوم سبيل الرّشاد؟
لعلّ نوحا أخطأ المقصدا
فأغرق الخير و نجّى الفساد !!
يا ليته لما دعا بابنه
و حالت الأمواج أنّ يسمعا
لجّ عليه القلب في حزنه
فلم يرى الجوديّ لمّا دعاّ !!
يا أرض ولى عهد نوح وزال
فمن لك اليوم بطوفانه ؟
مسكينة تطوين بحر اللّيال
قد عزّك المرسى بشطئانه !
إلام تطوين عباب السنين
شوقا إلى فردوسك الضّائع؟
غرّرت يا ارض بما تحملين
فاستيقظي من حلمك الخادع
و ابقبي كما أنت على موّجه
تمزق الأنواء منك الّشراعا
يقذفك التّيار في لجذه
عشواء لا يهديك فيه شعاع
سلي القداسات و أربابها
ضراعة تصغي إليها السّماء
أو فاطرقي في البثّ أبوابها
لعلها ترفع عنك الشّقاء؟
يا أيّها الغادون الرّائحون
في شعب الأرض و ليل الهموم
تمسون أشتاتا كما تصبحون
و الشمس حيرى فوقكم و النّجوم !
مدّوا لها الأيدي و ولّوا الجباه
و أرسلوها صيحة واحده
قولوا لها : يا من شهدت الحياه
من أين تلك النّظرة الجامدة ؟
من أين تلك النّظرة الهادئة ؟
أم أنت يا أعين لا تبصرين ؟ !
أم هكذا أوحى إليك القضاء
فما عرفت الحزن و الأدمعا ؟
يا أيها النّاس اضرعوا للسّماء
قد آن أن تصغي و أنّ تشفعا !
هاتوا الأزاهير و هاتوا الغصون
و كلّ ما يحلو و ما يجمل
قد آن أن تفضّوا بما تشعرون
فاشعلوا النار بها أشعلوا !!
أو فاملأوا من زهرها اليانع
مجامر النّار و ألقوا البخور
و صعّدوا في ذلة الضّارع
أنفاسكم نشوى بتلك العطور
أحبب بها من أنّة عاطرة
في مسمع الأفلاك إذ تصعد
أصداؤها الرّفافة الحئرة
في وجهها الآفاق لا توصد !!
يا أرض ناديت فلم تسمعي
أنكرت صوتي و هو من قلبك
لا تفرقي مني و لا تفزعي
من شاعر شاك إلىربّك
أيّتها المحزونة الباكية
لا تيأسي من رحمة المنقذ
لعل من آلامك الطّاغية
إذا دعوت الله من منفذ ّ!
فابتهلي لله ، و استغفري
وكفّري عنك بنار الألم(65/40)
و قدّمي التوبة ، و استمطري
بين يديه عبرات النّدم !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> صخرة الملتقى
صخرة الملتقى
رقم القصيدة : 66339
-----------------------------------
صخرة لا تجل في الكائنات
غشيها جلالة الآبدات
جاورتها الصحراء تستشرف اليمّ
و قرّ المحيط جنب الفلاوة
أبديّان قد أفاءا إليها
لم تجمّعها يد الحادثات
و جدا الملتقى عليها فقرّا
بعد آباد فرقة و شتات
ليلة غوّرت بها الأنجم الزهـ
ـر و أضفت سوادف الظّلمات
لو تلفّتّ في دجاها لراعتـ
ـك خوالي الأبراج و الهالات
و كأنّ الزّمان خالجه الرّو
ع ولجّ الوجود في الشّبهات
و كأنّ الوجود لم يحو إلاّ
ذلك الصّخر رائع الجنبات
عقدة الإتّصال بين جلاليـ
ـن أجدّا به وثيق الصّلات
برزخ تعبر اللّيالي عليه
بين عبرين من بلى و حياة
ركزتها الآباد بينهما رمـ
ـزا على صولة الدّهور العواتي
فأقامت تسر للفقر و اليمّ
أحاديث أعصر خاليات
و احتوت سرّ كائنين كأن لم
يبعثا سيرة مع الكائنات
و كشفت لي الصّحراء من دوّها الوا
سع ما لا تحدّه نظراتي
و بساطا من الرّمال تراءى
ككتاب مموّه الصّفحات
هو مهد السّحر الخفيّ و مثوى
ما تجنّ الصّحراء من معجزات
ربّ ليل مكوكب خطرت فيـ
ـه الدّراري و ضيئة القسمات
و رمى البدر بالأشعّة تبدو
فوق وجه الرّمال منعكسات
و سرت نسمة من اللّيل حيرى
و غناء الصّوادح الطّائرات
فإذا اللّيل روعة و جلال
و إذا القفر غرق في سبات
غير ذاك الغريب في تيهه النّا
ئي كئيب الفؤاد و النّظرات
أرّقته صبابة حملتها
نفسه من ربوعه النّائيات
قد شجاه هوى اقتحام الصّحارى
و الصّحارى مثارة الصّبوات
ربّ ناء مدّت إليه هواها
فهوى في شراكها القاتلات
يقطع الدّو باردات اللّيالي
و يجوب الحزون ملتهبات
قتلته سمومها و براه
ظمأ من عيونها المجدبات
حرمته الصّحراء ظلاّ و ريفا
في حواشي واحاتها النّضرات
فسل القفر هل له فيه قبر
ضمّ من جسمه نحيل رفات؟
أترى غير أعظم نخرات(65/41)
في ثنايا الرّمال منتثرات؟
***
صحراء الحياة كم همت فيها
شارد الفكر تائه الخطوات
سرت فيها وحدي و قد حطم المقـ
ـدار في جنح ليلها مشكاتي
و لكم أرمد الهجير جفوني
و رمتني الحرور باللّفحات
لم أجد لي في واحة العيش ظلاّ
أو غدير يبلّ حرّ لهاتي
أسفا للحياة أصلى لظاها
و أراها و ريفة العذبات
بعدت عني الحقيقة فيها
و أضلّت مسعاي للغايات
كلّما هاجت الرّياح صراخي
هدّجت في هزيمها صرخاتي
غير ذاك الصّخر العتيد الذي ضجّ
عليه العباب من أنّاتي
ظلّلتني ذراه منفرد النّفـ
ـس أبثّ المحيط حرّ شكاتي
***
أنا فوق المحيط كالطّائر التّا
ئه يعلو موائج اللجّات
ناشرا فوق عرضه من جنا
حيّ ظلال الهموم و الحسرات
ممعنا في سمائه أتغّنى
بنشي الخلود من صدحاتي
للإله العظيم من لجّه السّا
كن أتلو الجميل من صلواتي
و أناجيه طائرا رفّ في اللّيل
يغنّي خمائل الجنّات
***
صخرة الملتقى أتيتك بعد الأ
ين أشكو من الحياة أذاتي
أنا ذاك الشادي الذي نسلت ريـ
ـش جناحيه هبّة العاصفات
أنا ذاك الشّريد في صحراء الـ
ـعيش ضلّ السّبيل في الفلوات
في ثراها الغبيّ و سّدت أحلا
مي و ماضي الهنيّ من أوقاتي
أنا قيثارة جفتها اللّيالي
من زوايا النّسيان و الغفلات
و أرثّت أوتارها فهي تبكي
من شجاها حبيسة النّغمات
أنا طيف الماضي على صخره الآ
باد ، أستشرف الزّمان الآتي
و ورائي الصّحراء وادي المنايا
و أمامي المحيط لجّ الحياة
بين عبريهما ثوت غرّ أياّ
مي و حال الوضيء من ليلاتي
لا أسمّيك صخرة الملتقى لـ
ـكن أسّميك صخرة المأساة !!
***
شعراء العراق والشام >> مصطفى وهبي التل (عرار) >> لولاك
لولاك
رقم القصيدة : 66340
-----------------------------------
يبكي ، فؤادي وعيني غير باكية
لا تبك ، يا عين خزي منك بكياك
ضاقت ضلوعي بهم ليس تحمله
شمّ الجبال ، ووجهي وجه ضحّاك
إن كان موتي بنفسي فهو أجدر بي
من أن أعيش وجدي ناشج باك
خلق جموح ونفس ملؤها صلف(65/42)
لا تعرف الهون يا دنيا حديّاك
طوبى " لوادي الشتّا " والضاربات به
أطنابهنّ ، ألا يا نفس رحماك
ظننتني جرت عن طرد الهوى فإذا
هذا الذي خلته ، قد حرت ، إيّاك
" لولا الهوى لم أرق دمعا على طلل "
ولا بكيت على الأطلال لولاك
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> عاصفة في جمجمة
عاصفة في جمجمة
رقم القصيدة : 66341
-----------------------------------
ضجّت الأنجم في آفاقها
ذات ليل تشتكي طول الأبد
فمضت تصرخ من أعماقها
أيذها اللّيل نبه من رقد !
أطلق الجنّ يرفرف لا ئذا
بالرّبى يصرخ من خلف الرّموس
أيّها الأحياء ما الكون إذا
تنثر الشّهب و تندكّ الشّموس؟
أحياة سمتها صخر و نار
حفّت الأشواك من يسلكه؟
تنقضي الآجال فيه و السّفار
أبدّي، و يح من تهلكه !
إحملوا أمس إلى حفرته
و تخطّوا هوّة الوادي السّحيق
و احفزوا النّجم إلى ثورته
و احطموا أنوال ليل لا يفيق
أيقظوا اللّيل ثارات الرّعود
إنّها ثارات جبّار السّماء
إن يشأ أرسالها فوق الوجود
فإذا الكون هشيم و هباء
لو تمشّت بمناياها الرّجوم
لاستحال الخلق و الكون سدى
و رأيت الأرض حيرى و النّجوم
تذرع الجوّ على غير هدى
أيّها الأحياء يا أسرى القضاء
كيف أمسيتم بدنيا الحدد؟
و عليكم في غيابات الشّقاء
ضربت آفاقها بالسّدد !
صرخة في الكون دوّت ! يا لها
خلعت أصداؤها قلب الزّمن
قفّ منها الشّوك و ارتجّ لها
معبد اللّيل شمّ القنن
صرخة منها السّماوات انثنت
و قد استعصت على طارقها
صاح منها الوحش ذعرا
يسأل الوديان عن خالقها
و إذا الموت يشّقون الوهاد
كالضّواري كلّهم عاري البدن
رحمة الله !! إذا يوم المعاد
فنسوا من هوله حتّى الكفن ؟
أين منك الشّمس يا مشرقها
أتراها خلف أسوار الأبد
حجبتها فهي لن تطلقها
يوم لا يبقى على الأرض أحد !
هبّت الجنّ تنادي بالثّبور
في كهوف الأرض يا أهل الكهوف
احشدوا الرّيح على ظهر الصّخور
و ابعثوها ذات نقش و زفيف
انزعوا الصّخر من الطّود المنيع(65/43)
و اجعلوه زادكم عند الكفاح
و اصعقوا قنّه و اديه الرّفيع
تتهدّم تحت أقدام الرّياح !
لا تصيخوا ، دق ناقوس القضاء
فاحملوا أشلاء هذا العالم
و احملوها و اعبروا جسر الفناء
و اسبحوا فوق العماء الحالم
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> القطب
القطب
رقم القصيدة : 66342
-----------------------------------
هو ليل من الغياهب ضافي
و أديم في لجّة الثّلج طافي
و بحار إن ردتها لم تجد غيـ
ـر جليد من لجّة و ضفاف
وجبال من الثّلوج تدجّى
رائعات السّفوح و الأعراف
و صحارى لا ينتهي الرّكب فيها
عند صخر أو واحة مئناف
و طن الزّمهرير و الثّلج لا القيـ
ـظ و لا كدرة الرّمال السّوافي
و هي مغدى السّفين و الدّبّ لا مغـ
ـدى نياق الفلا، و ذئب الفياقي
عالم كلّه سكون و صمت
مترامي الحدود و الأطراف
لا ترى للنّهار و اللّيل في وا
ديه يوما من دورة و اختلاف
أو تحسّ الأرواح قصف الرّياح الـ
ـهوج فيه أو هدرة الرّجّاف
لا اصطفاق الغصون ، لا هذر الطيـ
ـر ، و لا أنّة النّمير الصافي
عريت أرضه من العشب الأ خـ
ـضر و الدّوح سابغ الألياف
قف بهذا الوادي الرّهيب و حدّق
فيه و اللّيل مؤذن بانتصاف
و انظر الشّمس في الغياهب صفرا
ء تهادى في رائع الأفواف
يغمر الكائنات منها شعاعا
مرسل من غلالة الرّوع ضافي
يحب النّاظرون في الأفق منه
حمرة الورس أو مزيج السّلاف
وهو غيب مستحب دون مرآ
ه اقتحام الرّدى و رنق الذّعاف
***
حدّثيني يا شمس منتصف اللّيـ
ـل قليس الحديث عنك بخاف!
أيّ أفق من عالم الأرض هذا
شاحب اللّون باهت الأكناف ؟
فيه من صفرة الفناء و فيه
من سوداء النّحوس لون الغداف؟
أهو القطب ؟ فتنة الأبد الخا
لي و مغدى الظّنون و الأرجاف؟!
أم هو العالو الذي جهلوه
و شأى أوجه على الكشّاف؟
أيّ سرّ للجاذبيّة فيه
بأخذ الأرض نحوه بانحراف؟
أيّ نجم في أفقه رصدوه
لمسار حول الثّرى و مطاف؟
لكأنّي به مغاور جنّ
مستسرّي الأرواح و الأطياف(65/44)
لا يقيمون في ذراهنّ و اللّيـ
ـل على الكون مطبق الأسداف
فإذا أقبل النّهار تولوا
و تواروا خلال تلك الشّعاف
و أراه مجنّ كلّ خفيّ
من تهاويل ساحر عرّاف
يستمدّ الأنباء منه و يدلي
بالأحاديث و هي جدّ زياف
و بها من خفاء مهبطه الخا
في خفيّ الأخبار و الأوصاف
و هو الشّاطئ الذي حفافـ
ـيه تقرّ الأنغام بعد طواف
كلّ لحن من الملاحن مهما
أبدعته أنامل العزّاف
فإليه يصوب في سدف اللّيـ
ـل و يثوي صداه بين الحفاف
ليت شعري أيستحيل صدى في
لجّه أم يقرّ في الأصداف!
إنّ هذي يا شمس ألحان قلبي
مرسلات عن مدمعي الذّرّاف
فاشهديها تقرّ في جوفه النّا
ئي فكم فيه من حطام أثافي
***
أيّها القطب حدّث الكون هلا
تسعد الشّعر ليلة باعتراف؟
طال بالشّمس في دجاك اصفرار
لا الدّجى حائل و لا الضّوء صافي
لم تجز عن ثراك قيد ذراع
أو تنبّه جفن الصّباح الغافي
قيل حاموا على ذراك، و ألقوا
فوق فوق واديك نظرة استشراف
و أراهم في زعمهم قد أسفّوا
بك يا قطب أيّما إسفاف
تشهد الكائنات أنّك أمسيـ
ـت، و تمسي سرّ الوجود الخافي
شعراء العراق والشام >> مصطفى وهبي التل (عرار) >> ليالي الكوخ
ليالي الكوخ
رقم القصيدة : 66343
-----------------------------------
صرعته بعد تطاحن وعراك
لغة العيون ، وجرعة الكنياك
فمشى إلى " الكوخ المقدس " دالفا
بخطى تئن ، وذكريات بواك
سلمى ! عيشة أمس قد شع الهوى
بسمائنا فتألقت ذكراك
سلمى ! أناشدك الإله وحبّنا
أيام كنت ولم يكن إلاك
دحنون وادي السّير من جناته
لا تنكري ، أتضرجا خداك ؟
يا ظبية الوادي ! وما الوادي إذا
لم تؤنسيه ، ومن أنا لولاك ؟
" سلمى ! وربّ الراقصات إلى منى "
ما راض قلبي عالهوى إلاك
كانت هنا بالأمس ترعاني ولم
يك ، يا ابنتي ، ليفوتها مرعاك
سلمى ! هوى الخفرات برح بي فتى
وأمضى كهلا هوى شرواك
سلمى ! إلى الأفق البعيد تطلعي
فهناك سوف ترينني وأراك
سلمى ! بوادي الحور أجهشت الرّبى
وتلاعه الغنّا بكت لبكاك
.
1945(65/45)
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> إلى سيد درويش
إلى سيد درويش
رقم القصيدة : 66344
-----------------------------------
طويت الحياة خفيّ السّرى
كما تذهب النّجمة التّائهة
تطلّ على عالم ينظرون
فتطرفك النظرة الشّائهة
و تلحظهم من وراء الحياة
بنفس معذّبة والهه
شقيت بهم حيث ساد الغبيّ
و خصّوه بالسّمعة النّابهة
لفد ضلّت في الأرض ليلها
فحقت بها لعنة الآلهة !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الأمسية الحزينة
الأمسية الحزينة
رقم القصيدة : 66345
-----------------------------------
جدّدت ذاهب أحلامي و ليلاتي
فهل لديك حديث عن صبابتي
يا كعبة لخيالاتي و صومعة
رتّلت في ظلّها للحسن آياتي
للحب أول أشعار هتفت بها
و للجمال بها أولى رسالاتي
عليك وادي أحلامي و قفت أرى
طيف الحوادث تمضي بعد مأساة
آوي إلى جنبات الصّخر منفردا
أبكي لأمسية مرّت و ليلات
قد غيّرتنا اللّيالي بعدها سيرا
و خلّفتنا العوادي بعد أشتات
تلفّت القلب في ليلاء باردة
يبكي لياليك الغرّ المضيئات
و ذكريات من الماضي يطالعها
بين الحقول و شطآن البحيرات
***
يا طول ما نغمت للصّخر أنّاتي
وشدّ ما رجّعت للموج آهاتي
يا قلب وادي الصّبا حالت مسارحه
و أقفرت من صباياه الجميلات
فلا الجداول تحدوها مسلسلة
و لا الخمائل تهفو بالنّضيرات
صوّحن من مشرق الوادي لمغربه
فما نهنّ مطيف من خيالات
ما في حياتك من سلوى تلوذ بها
لكنّه الحبّ ذاك القاهر العاتي
قد فا جأتك غواشيه التي سكنت
إن اللّيالي ملأى بالمفاجات
***
يا للبحيرة من يرتاد شاطئها
و من يسرّ إلى الوادي مناجاتي
و من يعيد لنا أطياف ليلتها
و ما غنمنا عليها من أويقات
و خلوة في حفافيها و قد عبثت
يد الصّبا بحواشيها الموشّاة
يضمّنا باسق في الشّط منفرد
ضمّ الشّتيتين في علياء جنّات
و للقلوب أحاديث يجاوبها
تناوح الطّير في ظلّ الخميلات
***
يا ليلة قد أذهلنا عن كواكبها
في زورق بين ضفّات و لجّات(65/46)
يسرس بنا موهنا و الرّيح تدفعه
كالنّجم يسبح في علويّ هالات
و في الشّواطئ للمجداف أغنية
يصبّها الموج في سحريّ موجات
ما كان أهنأها دنيا، و أهنأنا
في ليلها الصّحو، أو في فجرها الشّاتي
مرّت خيالات ماضيها ، و ما تركت
سوى وجوم لياليها الحزينات
و من تلهّف أحنائي و ثارتها
يا للجوانح من وجدي و ثاراتي
يا صرخة القلب هل أسمعت مني صدى
من ذا يردّ الصدى في جوف موماة؟
جبي مفاوز أيّامي فقد صفرت
من نبع ماء و من أظلال واحات
قضى على ظمأ قلبي بها و فمي
و ضلّت العين فيها إثر غاياتي
حتّى العواصف صمّت عن نداءاتي
فما تردّ على الأيّام صيحاتي
***
يا من قتلت شبابي في يفاعته
و رحت تسخر من دمعي و اناتي
حرمت أيّامي الأولى مفارحها
فما نعمت بأوطاري و لذّاتي
فدع فؤادي محزونا يرفّ على
ماضي لياليّ و انعم أنت بالآتي
دعني على صخرة الماضي لعلّ بها
من الصّبابة و التّحان منجاتي!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الفنّ الجميل
الفنّ الجميل
رقم القصيدة : 66346
-----------------------------------
ضاربّ في الخيال ملق عنانه
ملك الوحي قلبه و لسانه
مستفيض الجمال أزهر كالور
د إذا اكلل الندّى أفنانه
عاش بين الأنام نضو غرام
لم ينفضّ من الصّبا من طيلسانه
ملأ الكون من أياديه سحرا
و بنى ملكه و شدّ كيانه
و حباه الخلود في العالم الفا
ني و أبقى على البلى سلطانه
هو فجلا النّبوغ يصدح فيه
كلّ من أطلق الهوى وجدانه
و سماء للشّاعر الفذ منها
يستقي الشّعر وحيه و بيانه
تجتلي ريشة المصور منه
كلّ عذراء لا تردّ بنانه
و هو قيثارة الخلود عليها
يعزف الطّير الرّبى ألحانه
و أنا الشّاعر الذي افتتن بالحس_
ـن و أذكت يد الحياة افتنانه
معهدي هذه المروج و أستا
ذي ربيع الطبيعة الفينانه
و أزاهير حانيات على النّهـ
ـر يقبلن في الضحى شطآنه
ناشرات وشي الربيع عليها
ساكبات في لجّه ألوانه
يتسمّعن للخرير المناجي
و يرتّلن للرّبى تحنانه(65/47)
معبد للطيور ، راهبة اللّيـ
ـل، و ناقوسه الصّبا الرّنانة
و محاريب للعذارى إذا ما
سكب الغرب في الدّجى أرجوانه
قام ربّ الفنّ الجميل عليها
مستحثا تحت الظّلام قيانه
يتغنى لحن الخلود و يدعو
من وراء الغيب الرّهيب زمانه
أيّها الدّهر : حسبك الله ماذا
برجال الفنون هذي المهانة؟
هل تبيّن في رفات أواليّ
دفينا محا البلى عنوانه؟
قف على الفنّ بين شرق و غرب
وصف العالم المخلّد شانه
عرش غرناطه، إله أثينا
تاج روما سماء مجد الكنانة
يشرق السّحر من تماثيل فيها
و مقاصير كالبروج المزانه
و تراءى العذراء تلهم رافا
ئيل روح الخلود و حي الدّيانه
و ابن حميدس في الملا ، و لمرتيـ
ـن يفضيان صبوة و مجانه
ناجيا الرّوض و البحيرة حتى
لمس الفنّ فيهما عنفوانه
إنّما المجد في الورى لمغنّ
هزّ قلب الورى و قاد عنانه
و لمن ساس في الممالك عدلا
و ارتضى الحقّ في العلا بيانه
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الملك البطل
الملك البطل
رقم القصيدة : 66347
-----------------------------------
تألّق كالبرقة الخاطفة
و جلجل كالرّعدة القاصفه
مبين من الحق صوته
صدى البطش و الرّحمة الهاتفه
يخوض الغمار دما أو لظى
و يركب للمأرب العاصفه
يطير على صهوات السّحاب
و يمشي عبى اللّجة الراجفه
و يقتحم الموت في مأزق
ترى الأرض من حوله واجفه
تمزّق في جانبيه الرّياح
و تنفطر السّحب الواكفه
و تشتجر الرّجم الهاويات
و تعتنق الظّلم الزّاحفه
عشيّة لا القلب طوع النّهى
و لا العقل تأسره العاطفه
و لكنها و ثبات الجريء
على عثرا ت المنى الخائفه
شعوب تعالج أصفادها
و تأبى الحياة به راسفه
صحت بعد إغفاءة الحالمين
على لجّة الزّمن الجارفه
و حسبك بالدّهر من منذر
كربّ يعاقب من خالفه
رأيت السّفينة في بحره
تنازعها اللّجج القاذفه
مددت يديك فأرسيتها
أمانا من الغمرة الحائفه
و خلفك من يعرب أمّة
إلى النّور فازعة شاغفه
نضت فيصلا من صقال السّيوف
يقبّل فيه الضّحى شارفه(65/48)
أعدت لها مجدها المجتبى
و بوّأتها الذروة الشائفه
بناء من السّؤدد اليعربيّ
دعمت بتالده طارفة
جلت فيه بغداد عهد الرّشيد
و أحيت لياليها السّالفه
و ارسلتها بعد نسيانها
حديث النّباهة و العارفه
فوا أسفا كيف روعتها
بفقدك في اللّيلة السّادفه
صحت برن منك على نبأة
تسيل البروق بها عاصفه
رمى الغرب بالشّرق إيماضها
فردّ الشّموس به كاسفه
أناخ على سروات العراق
فقصّف أفنانها الوارفه
طوى فجرها بسمات المنى
و أسكت أوتارها العازفه
و مصطبحين هوت كأسهم
حطاما على الشّفة الرّاشفه
أفاقوا على حلم رائع
كأنّ بهم فزعة الآزفه
يردّون بالشّك صوت اليقين
و تصدقه الأعين الذّارفه
و إنّي لأسمع ما يسمعون !
صدى الويل في صخب العاصفه !
و كيف ؟ و قد كنت نجم الرّجاء
إذ قيل ليس لها كاشفه
و ما عرفوا عنك نقص التّمام
و بيع الصّحيحة بالزّائفه
تحفّك أبّهة المالكين
و نفسك عن زهوها صادفه
سرت بالوداعة في بأسها
سرى النّسيم في اللّيلة الصّائفه
و تحمل عنهم من العبء ما
تخرّ الجبال له خاسفه
تهزأ من صرعات الرّدى
و تمسي على أمرهم عاكفه
إلى أن طوتها و أودت بها
غوائل تطوي الدّجى خاطفه
فراحت ترفّ على كفّها
رفيف النّدى في اليد القاطفه
و ماهي إلاّ دموع الأسى
همت من جراحاتها النّازفه
و ما نسيت دجلة أنّها
بشطّيه حائمة طائفه
تياركهم من سماء الخلود
و تدعو لغازيهم هاتفه
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الشّاطئ المهجور
الشّاطئ المهجور
رقم القصيدة : 66348
-----------------------------------
موجة السّحر من خفيّ البحور
أغمري القلب بالخيال الغمير
أفبلي الآن من شواطئ أحلا
مي و ردّي عليّ نفح العبير
و اصخبي في شعاب قلبي و ضجّي
فوق آلامه الجسام و ثوري
أيقظني فيه من فتون وسحر
ذكريات من الشّباب الغرير
إنّها ذكريات أمسية مرّ
ت و أيّام غبطة و سرور
و بريء ابتسامة في فم الايّا
م كانت عزاء قلب كسير
قد طواها النّسيان إلاّ شعاعا
غمر الرّوح في بقيّة نور(65/49)
رمق ذاك من أشعة شّمس
علقت في غروبها بالصّخور
أخذ القلب لمحها من وراء
الموج يجتاز لجّة الدّيجور
فتبيّنت في الشّواطئ حولي
أثرا من غرامنا المأثور
صخرة كانت الملاذ لقلبيـ
ـن حبيبين في الشّباب النّضير
جمعتنا بها الحوادث في ظلّ
هوى طاهر و عيش قرير
كم وقفنا العشّي نرقب منها
مغرب الشّمس و انبثاق البدور
و جلسنا في ظلّها نتملّى
صفحة الماء في الضّحى و البكور
فإذا ما تهلّلت ليلة قمرا
ء هزّت بنا خفيّ الشّعور
و سرينا في ضوئها نتناجى
بهوى فاض عن حنايا الصّدور
و انتحينا من جانب البحر مجرى
مطمئنّ الأمواه شاجي الخرير
نزلت فيه تستحمّ النّجوم
الزّهر في جلوة المساء المنير
راقصات به على هزج المـ
ج عريا مهدّلات الشّعور
و على صدره الخفوق طوينا
اللّيل في زورق رخيّ المسير
و رياح الخليج دافئة الـ
ـبدر في ظلّه دفيف الطّيور
و من السّاحل الطّروب أغان
أخذتنا بكلّ لحن مثير
رجّعتها بحارة آذنتهم
ليلة المنتأى ، و بعد العشير
و سكتنا فليس إلاّ عيون
أفصحت عن جوانح و ثغور
تتلاقى على نوازع قلب
و صدّى هاجس ، و سرّ ضمير
و كأنّ الوجود بحر من النّو
ر سبحنا في لجّه المسجور
كلّ ما حولنا يشفّ عن الحبّ
و يفضي بسرّه المستور
و كأنّا نطوف في ليل أحلا
م و نسري في عالم مسحور
يا صخور الوادي يضجّ عليها الـ
ـبحر في جهشه المحبّ الغيور
يا رمال الكثبان تنقش فيها الرّيـ
ـح أسطورة الحياة الغرور
يا خفاف الأمواج تحلم بالإينا
س من كوكب المساء الصّغير
يا نسيم الشمال يبعث بالرّغـ
ـو و يهفو على الرّشاش النّثير
أنت يامن شهدت فجر غرامي
و وعيت الغداة سرّ الدّهور
أين أخفيت أمسياتي اللّواتي
نزعتها مني يد المقدور؟
أمحاها الزّمان؟ أم حجبتها
من عواديه ماحيات البدور؟
بدّلتني الأقدار منها بليل
مدلهمّ الآفاق جهم السّتور
غشي العين ظلّه و تمشّت
في دمي منه رعشة المقرور
لك يا شاهدات حبّي أتيت الآ
ن أقضي حقّ الوداع الأخير
فانظري، ما ترين غير شقيّ(65/50)
طاف يبكي بالشّاطئ المهجور
راعه عاصف يرجّ السّماوا
ت و موج يضجّ ملء البحور
فكأنّالحياة في مسمعيه
ضجّة الحشر أو هزيم السّعير
و كأنّ الوجود في ناظريه
وهدة اليأس أو ظلام القبور
في هزيم الرّياح في قاصف الرّ
عد يدوّي للبارق المستطير
في الفياقي كآبة و وجوما
و المحيطات صاخبات الهدير
في الدّياجي عوابسا و نجوم الـ
ـلّيل بين الخفوق و التّغوير
إنّها الكائنات تبكي لمبكا
ه ، و تبدي ضراعة المستجير
و هي مأساة حبّه صوّرتها
ريشة اللّيل المبدع التّصوير
مثّلتها لعينة الآن شطآ
ن و موج يئنّ تحت الصّخور !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> عاشق الزّهر
عاشق الزّهر
رقم القصيدة : 66349
-----------------------------------
يا ليت لي كالفراش أجنحة
أهفو بها في الفضاء هيمانا
أدفّ للنور في مشارقه
و أغتدي من سناه نشوانا
و أرشف القطر من بواكره
فلا أرود الضّفاف ظمآنا
و لثم النّور في سنابله
مصفقا للنّسيم جذلانا
حتّى إذا ما المساء ظلّلني
سريت بين الورود سهرانا
أشرب أنفاسها و قد خفقت
صدورها للرّبيع تحنانا
يتحل بالفجر فوق جنّتها
يموج فيه الغمام ألوانا
و بالعصافير في ملاحنها
تهزّ قلب الصّباح إرنانا
لو يعلم الزّهر سرّ عاشقه
أفراد لي من هواه بستانا
فلا تراني العيون مقتحما
سياجه أو تحسّ لي شانا
إذا لغرّدت في خمائله
و صغت فيه الحياة ألحانا
لكنّه شاء الخلق مبتدع
من فنّه العبقري فنّانا
أراده شاعرا فدلّهه
و سامه جفوة و هجرانا
فليحمني الحسن زهر جنّته
و ليقضي العمر عنه حرمانا
ما كنت لولاه طائرا غرّدا
و لو جهلت الغناء ما كانا !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> قبر شاعر
قبر شاعر
رقم القصيدة : 66350
-----------------------------------
رفّت عليه مورقات الغصون
و حفّه العشب بنوّاره
ذلك فبر لم تشهده المنون
بل شاده الشّعر بآثاره
أقامه من لبنات الفنون
و زانه المجد بأحجاره
ألقى الشّاعر عبء الشّجون
وأودع القلب بأسراره
***(65/51)
و جاورته نخلة باسقة
تجثم في الوادي إلى جنبه
كأنّها الثّاكلة الوامقة
تقضي مدى العمر إلى قربه
و ترسل الأغنية الشّائقة
قمريّة ظلّت على حبّه
***
و يقبل الفجر الرّقيق الإهاب
يحنو على القبر بأضوائه
كأنّما ينشد تحت التّراب
لؤلؤة تزري بلألائه
إستلّ منها الموت ذاك الشّهاب
غير شعاع في الدّجى تائه
يظلّ يهفو فوق تلك الشّعاب
يطوف بالينبوع من مائه
***
و يذهب النّور و يأتي الظّلام
ز تبزع الأنجم في نسقه
حيرى تحوم اللّيل كالمستهام
أسهره الثّائر من شوقه
تبحث عن نجم بتلك الرّجام
هوت به الأقدار عن أفقه
أخ لها في الأرض ودّ المقام
و آثر الغرب على شرقه
و يطلق الطير نشيد الصّباح
بنغمة تصدر عن حزنه
يمدّ فوق القبر منه الجناح
و يرسل المنقار في ركنه
أفضى إلى الرّاقد فيه و باح
بأنّه الملهم من فنّه
فمن قوافيه استمدّ النّواح
و من أغانيه صدى لحنه
***
و حين تمضي نسمات الخريف
و تملأ الأرض رياح الشّتاء
و يقبل اللّيل الدّجى المخيف
فلا ترى نجما ينير السّماء
هناك لا غصن عليه وريف
يهفو ، و لا طير يثير الغناء
يظلّل الأرض الظّلام الكثيف
كأنّما تمسي بوادي الفناء
يا شاعرا ما جمعتني به
كوكب اللّيل و شمس النّهار
لكنّه الشّرق و في حبّه
ينأى بنا الشّوق و تدنو الدّيار
سكبت من شجونك في قلبه
و من مآقيك الدّموع الغزاز
فودّ لو أن نمت في تربه
ليشفي النّفس بهذا الجوار
***
صوّر لي القبر الذي تنزل
تخيّل الشّعر و وحي الشّعور
فجئت للقبر بما يجمل
من صور الدّنيا الفتون الغرور
قل لي بحقّ الموت ما يفعل
بالشّاعر الموت و هذي القبور؟
و هل وراء الموت ما نجهل
من عالم الرّحعى و يوم النّشور؟
***
قد راعني موتك يا شاعري
في ميعة العمر و فجر الشّباب
و هزّني ما فاض من خاطر
كان ينابيع البيان العذاب
و نفاثات القلم السّاحر
في جوبك ألافق و طيّ السّحاب
و وقفة بالكوكب الحائر
رأى بساط الرّيح يدنو فهاب
لكنّه شعرك لمّا يزل
يردّد الكون أناشيده(65/52)
شعر كصوب الغيث أنّى نزل
أرقص في الرّوض أماليده
و علّم الطّير الهوى و الغزل
فأسمع الزّهر أغاريده
و غنّت الرّيح به في الجبل
فحرّكت منه جلاميده
***
يا قبر لم تبصرك عيني و لا
رأتك إلاّ في ثنايا الخيال
ملأت بالرّوع فؤاد خلا
إلاّ من الحبّ و نور الجمال
أوحيت لي السّر الرّدى فانجلى
عن عيني الشّكّ و ليل الضَلال
غدا ستطوي القلب ايدي البلى
و ينقص النّجم عقاب اللّيال
***
و هكذا تمضي ليالي الحياه
و القبر ما زال على حاله
دنيا من الوهم و دهر تراه
يغرّر القلب بآماله
يسخّر من مبتسمات الشّفاه
و جامد الدّمع و سيّاله
دهر على العالم دارت رحاه
فلم تدع رسما لأطلاله
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> حافظ ابراهيم
حافظ ابراهيم
رقم القصيدة : 66351
-----------------------------------
إملأي الأرض من حداد و غيهب
مال نجم البيان عنك و غرّب
و خبا من مصباح الفكر نور
كان أمضى من الشّهاب و أثقب
و طوى الموت هالة كان ينمى
كلّ أفق إلى سناها و ينسب
يا سماء الخيال ما كلّ يوم
من بني الشّعر تظفرين بكوكب
ذهب الشاعر الذي ردّد الشّر
ق صدى شعره الجميل المحبّب
و مضى النّاثر الذي صوّر النّفـ
ـس، و جلّى سرّ الضّمير المحجّب
الأديب العريق في لغة الضّا
د ، وقاموسها الصّحيح المرتّب
لم يكن شاعر القديم، و لا كا
ن لآداب عصره يتعّصب
كان يعنى بكلّ قول فذّ من القو
ل و يزهى بكلّ حسن ويعجب
شاعر الحبّ و الجمال و ربّ
المنطق الحقّ و الراع المؤدب
شعره من ينابع السّحر ينسا
ب و في عالم الحقيقة ينصب
عاطفيّ القصيد يعبث بالألـ
باب أسلوبه الرّشيق و يلعب
و خيال يسمو إلى ما وراء الـ
ـكون من عالم اليقين و يذهب
ينفذ الفكر في مجاهل دنيا
ه فيبدو له الخفيّ المغيّب
و معان أرقّ من نسمة الفجر
و لفظ من سلسل الخمر أعذب
و بيان يسيل في كلّ نفس
فعله من غرائب السّحر أغرب
و قواف كأنها نغمات
هاجها الشّجو في يراع مثقّب
و كأّن الأوزان شتّى مثان(65/53)
ترقص النّفس وفقهنّ فتطرب
***
بؤساء الحياة من لكمو اليو
م على الحادثات، و العيش أخطب
ضاقت الأرض بالحنان و فاضت
بالأذى أبحرا تضجّ و تصخب
فابحثوا في شعابها عن مقيل
و انشدوا من منافذ النّجم مهرب
قد فقدتم نصيركم و سلبتم
عضدا شدّ أن يغال و يسلب
عقل الموت مقولا منه عضبا
و طوى مهجة و أطبق هيدب
و خلا اليوم من شجاكم فؤاد
ذاب من رحمة لكم و تصبّب
و غفت أعين بكتكم بدمع
لم تدع منه ما يراق و يسكب
الرّفيق الحاني على كلّ فلب
أنشب البؤس فيه نابا و مخلب
و الخفيف الخطى إلى كلّ نفس
مال عنها نصيرها و تنكّب
فاذكروه على اللّيالي إذا ما
زحم الدّهر ركنكم و تألّب
***
من لصرعي الهموم بعدك يا حا
فظ من للحزين؟ من للمعذب؟
كنت برّا بهم و أحنى عليهم
من فؤاد الأب الشّفيق و أحدب
عجب صبرهم على خطبك الدّا
وي و صبر البأساء من ذاك أعجب!
قم و شاهد مآتم الشّرق و انظر
كيف يبكي البيان فيك و يندب
قسما لو يردّ هسجو إلى العيـ
ـش لألقى لك الزّمام و قرّب
و مشى في يمينه غلا بالريـ
ـس إلى رأسك الكريم و عصّب
و تمنى الذي كتبت عن البؤ
س وردّ الأصيل دون المعرّب
فجعت نهضة البلاد ببان
شدّ من ركنها و شاد و طنّب
و حباها من شعره و حجاه
ما أفاد الجهاد فخرا و أكسب
هزّ أشبالها الكماة و أحيا
أملا في صدورهم يتوثّب
لو شهدتم غداة ثورتها الكبـ
ـرى لجاج النّفوس و هي تلهّب
لرأيتم في ثورة النّفس منه
محنقا من قساور لغيل مغضب
لم يزل منه في المسامع صوت
تتوقّى الظّبىصداه و ترهب
نافذ في الصّميم من باطل القو
م كما ينفذ السّنان المذرّب
***
حافظ الودّ و الذّمام سلاما
لم يعد بعد من يودّ و يصحب
كنت نعم الصّديق في كلّ آن
حين يرجى الصّديق أو حين يطلب
لم تغيّرك من زمانك دنيا
و حياة بأهلها تتقلّب
خلق رضته على شرعة الصّد
ق و إن خانك الرّجاء و كذبّ
و إباء حميته من صغار
و بريق من المواعد خلّب
و فؤاد لغير عاطفة الوجـ
ـدان لا يدنّي و لا يتقرّب(65/54)
و ضمير لا يبلغ المال منه
و بلوغ النّجوم من ذاك أقرب
و لسان حفظته من سؤال
لا يمين الكلام أو يتذبذب
يلفظ الرّوح صاديا و إذا لم
يصف للماء مورد ليس يشرب
صفحات نقّية بمداد السّـ
حق في مجتلى العظائم تكتب
***
خانني فيك منطقي و عصاني
قلم طالما أفاض و أسهب
آب بالشعّر من مصابك يبكي
رزءه فيك و الرّجاء المخيّب
أنت من أمّة بهم بعث اللّـ
ـه هداه إلى الشّعوب فثوّب
لم يزل منكمو على الأرض ظلّ
و شعاع هاد و غيث مصوّب
و يجوب الحياة من كل آن
هاتف منكمو و طيف تأوّب
حضّر في القلوب أنتم و إن كنـ
ـتم على ملتقى النّواظر غيّب
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> شوقي
شوقي
رقم القصيدة : 66352
-----------------------------------
هجر الأرض حين ملّ مقامه
و طوى العمر حيرة و سآمه
هيكل من حقيقة و خيال
ملك الحبّ و الجمال زمامه
ألهم الشعر أصغريه فرفّا
في فم الدّهر كوثرا و مدامه
سلسبيل من حكمة و بيان
فجّر الله منهما إلهامه
تأخذ القلب هزّة من تسا
قيه و ينسى بسحره آلامه
غمر الأرض رحمة و سلاما
و جلا الكون فتنة و وسامه
مالئا مسمع الوجود نشيدا
علّم الطّير لحنه و انسجامه
ماله و الزّمان مصغ إليه
ردّ أوتاره و حطمّ جامه؟
روّع الطّير يوم غاب عن الأيـ
ـك و سالت جراحها الملتامه
ما الذي شاقه إلى عالم الرّو
ح؟ أجل تلك روحه المستهامة!
راعها النّور و هي في ظلمة الكو
ن فخفّت إليه تطوي ظلامه
هي بنت السّماء و هو من الأرض
سليل نما التّراب عظامه
فاهتفوا باسمه فما مات لكنّ
آثر اليوم في السّماء مقامهّ
***
حدثتني الرّياض عنه صباحل
ما لصدّاحها جفا أنغامه؟
و شكا لي النّسيم أول يوم
لم يحمّله للحبيب سلامه
و تسمّعت للغدير ينادي
ما الذي عاق طيره و حيامه ؟
أتراه ترشفّ الفجر نورا
أم شفى من ندى الصّباح أوامه
و رأيت الجمال في شعب الوادي
ينادي بطاحه و إكامه
صارخا يستجير شاعره الشّا
دي و يدعو لفنّه رسّامه
فتلفّت باكيا و بعيني(65/55)
شبح تخطر المنون أمامه
هتف القلب بالمنادين حولي
لقي الصّداح الطّروب حمامه
فاذكروا شدوه بكلّ صباح
و ارقبوا من خياله إلمامه
و املأو الأرض و السّماء هتافا
عله لم ير الصّباح فنامه
لم يرعني من جانب النّيل إلاّ
كرمة فةقها ترفّ غمامه
تحت ساجي ظلالها زهرة تبـ
ـكي و في فرعها تنوح حمامه
عرفتها عيني و ما أنكرتها
من ظلام و وحشة و جهامه
قلت يا كرمة ابن هاني سلاما
ليس للمرء في الحياة سلامه
نحن لو تعلمين أشباح ليل
عابر ينسخ الضّياء ظلامه
و الذي تلمحين من لهب الشّمـ
ـس غدا يطفئ الزّمان ضرامه
و الذي تبصرينه من نجوم
فلك يرصد القضاء نظامه
و المراد المدلّ الورد زهوا
كالذي أذبل الردّى أكمامه
عبثا تنشد الحياة خلودا
و نرجّي الصّبا و نبغي دوامه
إنّما الأرض قبرنا الواسع الرّحـ
ـب و في جوفه تطيب الإقامه
أودع القلب في آلامه الكبـ
ـرى و ألقى ببابه أحلامه
نسي النّاعمون فيه صباهم
و سلا المغرم المشوق غرامه
فامسحي الدّمع و ابسمي للمنايا
إنّ دنياك دمعة و ابتسامه !!
***
أيّها المسرح الحزين عزاء
قد فقدت الغداة أقوى دعامه
ذهب الشّعر الذي كنت تستو
حي و تستلهم الخلود كلامه
واهب الفنّ قلبه و قواه
و المصاب فيه ودّه و هيامه
ربّ ليل بجانبيك شهدنا
قصّة الدّهر روعة و فخامه
أسفر الشّعر عن روائعه فيها
و ألقى عن الخفاء لثامه
فأعد عهده و أحي لياليـ
ـه و جدّد على المدى أيّامه
و لك اليوم همّة في شباب
ملأوا العصر قوّة و همامه
نزلوا ساحة يشيدون للمجـ
ـد و شقّوا الحياة زحامه
فاذكروا نهضة البيان بأرض
أطلعت في سمائه أعلامه
إنّها أمة تغار على الفنّ
و ترعى عهوده و ذمامه
لم تزل مصر كعبة الشّعر في الشّر
ق، و في كفّها لواء الزّعامه
إنّ يوما يفوتها السّبق فيه
لهو يوم المعاد يوم القيامه !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> انتظار
انتظار
رقم القصيدة : 66353
-----------------------------------
طال انتظارك في الظّلام و لم تزل(65/56)
عيناي ترقب كلّ طيف عابر
و يطير سمعي صوب كلّ مرنّة
في الأفق تخفق عن جناحيّ طائر
و ترفّ روحي فوق أنفاس الرّبا
فلعلها نفس الحبيب الزّائر
و يجفّ قلبي إثر كل شعاعة
في اللّيل تومض عن شهاب غائر
فلعلّ من لمحات ثغرك بارق
و لعله وضح الجبين النّاضر
ليل من الأوهام طال سهاده
بين الجوى المضني و هجس الخاطر
حتى إذا هتفت بمقدمك المنى
و أصخت أسترعي انتباهة حائر
و سرى النّسيم من الخمائل و الرّبى
نشوان يعبق من شذاك العاطر
و ترنم الوادي بسلسل مائه
و تلت حمائمه نشيد الصّافر
و أطلّت الأزهار من ورقاتها
حيرى تعجّب للربيع الباكر
و جرى شعاع البدر حولك راقصا
طربا على المرج النّضير الزّاهر
و تجلّت الدّنيا كأبهج ما رأت
عين و صوّرها خيال الشّاعر
و مضت تكذّبني الظّنون فأنثني
متسمّعا دقات قلبي الثائر
أقبلت بالبسمات تملأ خاطري
سحرا و أملأ من جمالك ناظري
و أظلّنا الصّمت الرّهيب و نحن في
شك من الدّنيا و حلم ساحر
حتّى إذا حان الرّحيل هتفت بي
فوقفت و استبقت خطاك نواظري
و صرخت باللّيل المودع باكيا
و يداك تمسك بي و أنت مغادري
يا ليتنا لم نصح منك و ليتها
ما أعجلتك رحى الزّمان الدّائر
***
و لقد أتت بعد اللّيالي و انقضت
و كأنها الدّهر لم نتزاور
بدّلت من عطف لديك ورقة
بحنين مهجور و قسوة هاجر
و كأنني ما كنت إلفك في الصّبا
يوما و لا كنت في الحياة مشاطري
و نسيت أنت و ما نسيت أنني
لأعيش بالذكرى...لعلك ذاكري !!!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> إلى البحر
إلى البحر
رقم القصيدة : 66354
-----------------------------------
قف من اللّيل مصفيا و العباب
و تأمل في الزبدات الغضاب
صاعدات تلوك في شدقها الصّخر
و ترمي به صدور الشّعاب
هابطات تئنّ في قبضة الرّ
يح و ترغي على الصّخور الصّلاب
ذلك البحر: هل تشاهد فيه
غير ليل من وحشة و اكتئاب؟
ظلمات من فوقها ظلمات
تترامى بالمائج الصّخاب
لا ترى تحتهّن غير وجود
من عباب و عالم من ضباب(65/57)
أيّها البحر كيف تنجو من اللّيـ
ـل؟ و أين المنجى بتلك الرّحاب
هو بحرّ أطمّ لجّا، و أطغى
منك موجا في جيئة و ذهاب
أو ما تبصر الكواكب غرقى
في دياجه كاسفات خوابي؟
و ترى الأرض في نواحيه حيرى
تسأل السّحب عن وميض شهاب
ويك يا بحر ما أنينك في اللّيـ
ـل أنين المرّوع الهيّاب
إمض حتّى ترى المدائن غرقى
و ترى الكون زخرة من عباب
إمض عبر السّماء و اطغ على الأفـ
ـلاك و اغمر في الجوّ مسرى العقاب
ذالك أو يهتك الظّلام دياجيـ
ـه و ينضو ذاك السّواد الكابي
و ترى الشّمس في مياهك تلقي
خالص التّبر و اللّجين المذاب
أقبل الفجر في شفوف رقاق
يتهادى في منظر خلاّب
خلل من وشائع النّور زهر
يتماوجن في حواشي السّحاب
و إذا الشّاطئ الضّحوك تغنّى
حوله الطّير بالأغاني العذاب
و نسيم الصّباح يعبث بالغا
ب و يثني ذوائب الأعشاب
و من الشّمس جمرة في ثنايا الـ
ـموج يذكو ضرامها غير خابي
و من البحر جانب مطئنّ
قزحيّ الأديم غضّ الإهاب
نزلت فيه تستحمّ عذارى الضّـ
ـوء من كلّ بضّة و كعاب
عاريات يسبحن في اليمّ لكن
لفّها الرّغو في رقيق الثّياب
خفرات من الأشعة خوذ
نسّقتها أنامل الأرباب
فإذا البحر يرقص الموج فيه
و إذا الطير صدّح الرّوابي
راقصات الأمواجعلّمن قلبي
رقصات المغرّد المطراب
و أفيضي عليه من سلسل الوحـ
ـي نميرا كالجدول المنساب
و استثيري عواطفي و دعيني
أسمع البحر أغنيات الشّباب
لي وراء الأمواج يا بحر قلب
نازح الدّار ماله من مآب
نزعته منّي اللّيالي فأمسى
و هو ملقى في وحشة و اغتراب
ذكريات تدني القصيّ و لكن
أيم مني منازل الأحباب
أنا و حدي هيمان في لجّك الطّا
مي غريق في حيرتي و ارتيابي
أرمق الشاطئ البعيد بعين
عكفت في الدّجى على التّسكاب
فسواء في مسمعي من ذراه
صدحه الطّير أو نعيق الغراب
و سواء في العين شارقة الفجـ
ـر أو اللّيل أسود الجلباب
بيد انّي أحسّ فيك شفاء
من سقامي و رحمة من عذابي
أنت مهد الميلاد و الموت يا بحر(65/58)
و مثوى الهموم و الأوصاب
فأنا فيك أطرح الآن آلا
مي و عبء الحياة و الأحقاب
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الطريد
الطريد
رقم القصيدة : 66355
-----------------------------------
شقيّ أجنته الدّياجي السّوادف
سليب رقاد أرقّته المخاوف
ترامى به ليل أيّها التافه الخطى
يساريك برق أو يباريك عاصف؟
رأيتك في بحر الظّلام كأنّما
إلى الشّاطئ المجهول يدعوك هاتف
تخوض الدّجى سهمان و النّجم حائر
يسائل : من ذاك الشّقي المجازف!؟
طريدا يفرّ الوحش من وقع خطوه
و يعزب عنه الصّل و الصّل واجف
كأنّ إله الشّرّ يقتحم الورى
أو أنّ الرّدى في برده الرّث زاحف
فوا عجبا !! لم تحمل الأرض مثله
و لا طاف منه بالدّجنّة طائف
يخاف الثّرى مسراه وهو يخافه
و بينهما يسري الدّجى و هو خائف
ترى أيّ سرّ في الظّلام محجّب؟
أليس له من نبأة القلب كاشف؟
أجبني طريد الأرض إنّي يهزّني
إليك هوى من جانب الغيب شاغف!!
فرددّ ذاك الطيف صوتا محبّبا
إليّ كلحن رددّته المعازف
و قال أجل إنّي الطّريد و إنّه
لسرّ تهزّ القلب منه الرّواجف
أتسألك الأفلاك عنّي أنا الذي
رمته الدّياجي و الرّعود القواصف؟
أجل : إنّ ذاتي يا نجيّ تنكّرت
لعينك لكنّ القلوب تعارف !
و ما أنا من بني الأرض ناء بي
مقيم عذابي و الشّقاء المحالف
و كان هذا النّوء و الموج و الدّجى
ليرهب نفسا حقّرت ما تصادف
سواء لديها أشرق الفجر أم سجت
غياهب في سرّ الدّجى تتكاثف
هي الأرض مهد الشّر من قبل خلقنا
و من قبل أن دبّت عليها الزّواحف
غذتها الضّحايا بالجسوم فأخصبت
و أترعها سيل من الدّم جارف
و هيهات تشفى غلّة من دمائنا
و يا ليت ترويها الدّموع الذّوارف
و لي قصّة يشجي القلوب حديثها
و يعجز عن تصويرها اليوم واصف
دعوت إلى حرّية الرّأي معشرا
ثقافتهم ضرب من العلم الزائف
يرون بأنّ العيش لذّات ماجن
و أن قصاراه خلى و زخارف
إذا لمحو نور الحقيقة أغمضوا
وقالوا : ألا أين الضّياء المشارف؟(65/59)
عجبت لهذا العقل حرّا فما له
من الوهم يمسي و هو في القيد راسف
هة الحقّ في الكوج الحقير فحيّه
و ليس بما تزهي هناك المقاصف
هنا تصدق الإنسان عاطفة الهوى
إذا كذبت ربّ القصور العواطف
لقد سئمت نفسي الحياة و ما أرى
بديلا عن الكأس التي أراشف
أيجحد في الشّرق النّبوغ و يزدري
و يشقى بمصر النّابهون الغطارف
يجوبون آفاق الحياة كأنّهم
رواحل بيد شرّدتها العواصف
طرائد الصّحراء لا نبع واحة
يرقّ و لا دان من الظّل وارف
ألا إنّ قلبا طعينا تحوطه
عصائب تنزو من دمي و لفائف
أقلّته أحنائي ذماء و لم أزل
به في غمار الحادثات أجازف
كم رفّ نسر راشه السّهم فارتقى
خفوق جناح و هو بالدّمّ نازف
أتيت إلى هذا المكان تهزّني
إليه عهود للشّباب سوالف
أرددّ فيها للطفولة و الصّبا
أحاديث شتّى كلّهن طرائف
أودّعها قبل الفراق و إنّني
أفارقها و القلب لهفان و كاسف
إلى حيث ينمو الرّأي حرا تذيعه
من الحقّ فيها ألسن و صحائف
لعلّ بلادا ما علتني سماؤها
و لا نبهت فيهل لذكرى عوارف
أعيش بها حرّ العقيدة هاتفا
برأيي إمّا أسعدتني المواقف!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> عدلي يكن
عدلي يكن
رقم القصيدة : 66356
-----------------------------------
وقفة بالشّواطئ المحزونه
يذكر النّيل دمعه و شجونه
ودّ حوّلوا إلى السّين مجرا
ه و بثّوا على الطّريق غيونه
و مشى الشّهيد للوطن الثّا
كل بحرا من الدّموع الهتونه
دنت الدّار يا سفينة إلاّ
شاطئ حالت المنيّة دونه
فاهدئي في ضفاف مصر و قرّي
آن لليث أن يحلّ عرينه
قربّي من أديمها هيكل الحقّ
تضمّ الصّدر الذي تحملينه
لحظة يشتكي المتيّم فيها
لوعة البين أو يبثّ حنينه
و لك الله يا شواطئ فيمن
كنت في كلّ موكب ترقبينه
ذهبت بسمة الثّغور و حالت
لمحات الطّوالع الميمونه
ما عرفت السّفين من عهد نافا
رين غير المجلّلات الحزينه
خرجت منك ليلة البحر غرّا
ء عليها من المنى ألف زينه
ثمّ آبت إليك منكوسة الصّو(65/60)
ر يئنّ الجريح فيها أنينه
فسلي البحر هل غدا لك أو را
ح بطيف من الفتوح المبينه
ما شهدت الأيّام غير سواد
يشفق النّجم أن يشقّ دجونه
كلّ يوم تستقبلين شهيدا
ذاق في وحشة الغريب منونه
أو طريدا وراء بحر تحامى
أن يرى مصر في الحديد سجينه
فاذكري الآن يا شواطئ عينا
شيّعت بالبكاء كلّ سفينه
و احملي الوافد الكريم حنانا
و الثّمى ثغره و حيّ جبينه
و إذا ضقت بالأسى فاستمدي النّـ
ـوح من كلّ قرية و مدينه
سائلي الرّيح أن تضجّ عويلا
و سلي البحر أن يجنّ جنونه
ذاك وادي البكا، و ما بعجيب
أن يرى النّاس في البكاء فنونه!
يا شهيد الأحرار لا كان يوم
كم تمنّى في الغيب ألاّ يكونه
فزع النّيل بالظّنون إليه
فتحدى رجاءه و ظنونه
كلّ جرح أسأل جرحك حتّى
رسفت مصر في الجراح الثّخينة
لو تلفتّ خلف نعشك يا عد
لي لراعتك أمّة مسكينه
كنت أهلا لبرّها و هواها
و هي كانت بمن تحبّ ضنينه ّ!
كيف لا تستقلّ في حقّك الدّمـ
ـع و لا ترخص الدّموع الثّمينه؟
ما بكاء على الذي تخذ الأو
طان دنياه في الحيّاة و دينه؟
ما بكاء على الذي حبس القلـ
ـب عليها، و جيبه، و سكونه؟
ما بكاء عليه لو كان يفدى
كنت يا مصر برّة تفتدينه!!
يل رسول السّلام في كل حين
فقدت مصر و حيه و أمينه
ذكر النّاس فيك أيّام سعد
فبكوا رحمة لما يذكرونه
و تناجو بذكر ثروت حتى
رجعوا الأمس و استعادوا شؤونه
عرضوا الذّكريات فاهتجن فيهم
كامن الحزن و الهموم الدّفينه
دنت بالنّبل و الوداعة قلبا
عجز البطش و الأذى أن يلينه
عقدت كفّه بكفّك عهدا
يتمنّى العدوّ ألاّ تصونه
و تعانقتما و ما كنت إلاّ
عون سعد و إلفه و خدينه !
يا نصير الحقوق آثرت حقا
كلّ نفس بما قضاه رهينه
فنم الآن في ثرى مصر و انزل
منزل الحبّ و الهدى و السّكينه
لم يمت من حديثه يملأ الوا
دي و يطوي سهوله و حزونه
تأخذ الظّالمين صيحته الكبـ
ـرى و تستعذب السّماء رنينه !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> في القرية
في القرية(65/61)
رقم القصيدة : 66357
-----------------------------------
غنّي بأدوية الرّبيع و طوّفي
و صفي الطّبيعة يا فتاة الرّيف
ولّى خريف العام بعد ربيعه
و لكم ربيع مرّ بعد خريف
يا أخت طالعة الشّموس تطلعي
للورد بين مفتّح و كفيف
و الطّير هدّار فأفق أكدر
يرمي الغمام به و أفق يوفي
لهفان يرتاد الجداول باكيا
من كلّ طيف للرّبيع لطيف
الشتاء إليه من نغم الأسى
صخبّ الرياح و أنه الشّادوف
هذا بعبرته يجود و هذه
ما بين نقس في الرّبى و زفيف
إنّي لأذكر حقلنا و لياليا
أزهرن في ظلّ لديه و ريف
و مراحنا بقرى الشّمال و كوخنا
تحت العرائش في ظلال اللّوف
نلقى الخمائل بالخمائل حولنا
متعانقات سابغات الفوف
ذكرى الطّفولة أنت وحدك للصّبا
حلم يرفّه عنه بالتّشويف
يا ربّ رسم من ربوعك دارس
قصر عن الأحباب غير صدوف
يا ربّ ليل دبّ في أحشائه
منّا لفيف سار إثر لفيف
نقتاف آثار الطيور شواردا
بين النّخيل على رمال السّيف
شاد هنا و هناك رنّة مزهر
النّجم في خفق له و رفيف
و البدر نقّبه الغمام كأنه
وجه تألّق من وراء نصيف
و النّهر سلسال الخرير كأنّه
قيثارة سحريّة التّعزيف
قومي عذارى الرّيف و التمسي الرّبى
نضرا و غنّي بالغدير و طوفي
و تفيئي الدّوح الظّليل و مربأ
للفنّ تحت أزهار و قطوف
غصن يطلّ الفجر من ورقاته
و يقبل الأنداء جدّ شغوف
أين الغدير عليه يخلع و شيه
صنع الأنامل رائع التّفويف
يا حبّذا هو من مراح للصّبا
و الكوخ من مشتى لنا و مصيف
صور نزلن على بنان مصوّر
صوّرن من نسق أغرّ شريف
أغرين بي حلم الطفولة و الهوى
و أثرن بي ذكرى ليالي الرّيف
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> البحيرة
البحيرة
رقم القصيدة : 66358
-----------------------------------
ليت شعري أهكذا نمضي
في عباب إلى شواطئ غمض
و نخوض الزمان في جنح ليل
أبديّ يضني النّفوس و ينضي
و ضفاف الحياة ترمقها العـ
ـين فبعض يمرّ في إثر بعض
دون أن نملك الرّجوع إلى ما(65/62)
فات منها و لا الرّسوّ بأرض!؟
***
حدّثي القلب يا بحيرة مالي
لا أرى أوليفر فوق ضفافك
أوشك العام أن يمر و هذا
موعد للّقاء في مصطافك
صخرة العهد ! ويك هأنذا عد
ت، فماذا لديك عن أضيافك؟
عدت وحدي أرعى الضّفاف بعين
سفكت دمعها اللّيالي السّوافك
***
كنت بالأمس تهدرين كما أنـ
ـت هديرا يهزّ قلب السّكون
و ضفاف أمواجها يتداعيـ
ـن على هذه الصّخور الجون
و النّسيم العليل يدفع و هنا
زبد الموج الرّبى و الحزون
ملقيا رغوها على قدميها
ليّن المسّ مستحبّ الأنين
***
أترى تذكرين ليلة كنّا
منك فوق الأمواج بين الضّفاف
و سرى زورق بنا يتهادى
تحت جنح الدّجى و ستر العفاف!؟
في سكون فليس نسمع فوق
الموج إلاّ أغاني المجداف
تتلاقى على الرّبى و الحوافي
بأناشيد موجك العزّاف؟؟
***
و على حين غرّة رنّ صوت
لم يعوّد سماعه إنسيّ
هبط الشّاطئ الطّروب فما يسـ
ـمع فيه للهتافات دويّ
و إذا اللّيل ساهم سكن النّو
ء إليه و أنصت اللّجيّ
يتلقّى عن نبأة الصّوت نجوى
كلمات ألقي بهنّ نجيّ
***
يا زمانا يمرّ كالطّير مهلا
طائر أنت؟ ويك قف طيرانك!
اهناء السّاعات تجري و تعدو
نا عطاشا فقف بنا جريانك!
ويك دعنا نمرح بأجمل أيّا
م و نلقى من بعد خوف أمانك
و إذا نحن لذّة العيش ذقنا
ها و مرّت بنا فدر دورانك!
***
بيد أنّ الشّقاء قد غمر الأر
ض و فاض الوجود بالتاّعسينا
كلهم ضارع إليك يرجّيك
فأسرع ّ أسرعّ إلى الضارعينا
و افترس مشقيات أيّامهم ز امـ
ـض رحى تطحن الشّقاء صحونا
رحمة فاذكر النّفوس الحزتنى
و انس يا دهر لأنفس النّاعمينا
***
عبثا أنشد البقاء لعهد
يفلت اليوم من يدي و يفرّ
و سويعات غبطة ما أراها
و وشيكا ما تنقضي و تمر
و أنادي يا ليلة الوصل قري
إنّ بعد السّرى يطيب المقرّ
أسفا للصّبا و غرّ ليال
ليس يبقى على صبّاهن فجر
***
فلنحبّ الغداة و لنحي حبّا
و لنكن في الحياة بعضا لبعض
و لنسارع و فنقتفي إثر ساعا
ت فقد تؤذن النّوى بالتّقضّي(65/63)
إنّنا في الحياة في عرض بحر
ليس نلقي المرساة فيه بأرض
ما به مرفأ يبين و لكن
نحن نمضي في لجّه و هو يمضي !
***
أكذا أنت أيّها الزّمن الحا
قد تغتال نشوة اللّحظات ؟
حيث يزجي لنا السّعادة أموا
جا من الحبّ زاخر اللّجات ؟
أكذا أنت ذاهب بليالي الصّـ
ـفوعنا سريعة الخطوات ؟
أكذا تنقضي حلاوة نعما
هل كما ينقضي شقاء الحياة؟
***
كيف حدث: أغالها منك صرف
في أبيد الزّمان حيث طواها ؟
ويك قل لي أليس نملك يوما
أن نراها ؟ أما تبين خطاها ؟
أتراها ولّت جميعا و لمّا
تبق حتى آثارها، أتراها ؟
أو ذاك الدّهر الذي افتنّ في صو
غ صباها هو الذي قد محاها ؟
***
أي أبيد الزّمان و العدم العا
تي غريقين في سكوت و صمت
أي عميق اللّجات : ماذا بأيّا
م صبانا ؟ ماذا بهنّ صنعت ؟
حدّثيني أما تعيدين ما من
سكرات الغرام منّا اختفت ؟
أو ما تطلقينها من دياجيـ
ـك؟ أم تبعثينها بعد موت ؟
***
أنت يا هذه البحيرة ماذا
يكتم الموج و الشّطآن
أيّها الغابة الظّليلة ردّي
أنت من أبقى عليها الزّمان
و هو يستطيع أن يجدّك حسنا !!
إحفظي لا أصابك النسيان !!
قل حفظا أن تذكري ليلة مرّ
ت و أنت الطبيعة الحسان
***
ليكن منك يا بحيرة ما لجّ
بك الصّمت أو جنون اصطخابك
في مغانيك حاليات تراءى
ضاحكات على سفوح هضابك
في مروج الصّنوبر الحوّ تهفو
سابغات الألياف حول شعابك
في نتوء الصّخور مشرفة الأعنا
ق بيضا تطلّ فوق عبابك
***
و ليمن في الهباب يهدر أموا
جا على شاطئيك مثلّ الرّعود
في انتحاب الرّياح تعول في الود
يان إعوال قلبي المفؤود
في صدى الجدول الموقّع أنا
ت حشاه بالجندل الجلمود؟
في شذاك السّريّ ينشقّ منه الـ
ـقلب ريّا فردوسه المفقود !؟
***
و ليكن في النّسيم ما هبّ سار
يه يجوب الشطآن نحوك جوبا
في جبين النّجم اللّجينيّ يلقي
فضّة الضّوء في مياهك ذوبا
و ليكن في شتيت ما تسمع الأذ
ن و فيما تراه عينا و قلبا
ليكن هاتف من الصّوت يتلو
قد أحبّا و أخلصا ما أحبّا
***(65/64)
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> كرنفال فينيسيا
كرنفال فينيسيا
رقم القصيدة : 66359
-----------------------------------
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال
أين عشّاقك سمّار اللّيالي
أين من واديك يا مهد الجمال
موكب الغيد و عيد الكرنفال
وسرى الجندول في عرض القنال
بين كأس يشتهي الكرم خمره
و حبيب يتمنّى الكأس ثغره
إلتقت عيني به أول مرّه
فعرفت الحبّ من أول نظره
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال
مرّ بي مستضحكا في قرب ساقي
يمزج الرّاح بأقداح رقاق
قد قصدناه على غير اتفاق
فنظرنا، و ابتسمنا للتّلاقي
و هو يستهدي على المفرق زهره
و يسوي بيد الفتنة شعره
حين مسّت شفتيّ أول قطره
خلته ذوّب في كأسي عطره
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال
ذهبي الشّعر، شرقيّ السّمات
مرح الأعطاف، حلو اللّفتات
كلّما قلت له: خذ . قال : هات
يا حبيب الرّوح ياأنس الحياة
أنا من ضيّع في الأوهام عمره
نسي التاريخ أو أنسي ذكره
غير يوم لم يعد يذكر غيره
يوم أن قابلته أول مرّه
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال
قال: من أين؟ و أصغى و رنا
قلت: من مصر ، غريب ههنا
قال: أن كنت غريبا فأنا
لم تكن فينيسيا لي موطنا
أين منّي الآن أحلام البحيره
و سماء كست الشّطآن نضرة
منزلي منها على قمّة صخره
ذات عين من معين الماء ثرّه
أين من فارسوفيا هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال
قلت ، و النشوة تسري لساني:
هاجت الذّكرى ، فأين الهرمان؟
أين وادي السّحر صدّاح المغاني؟
أين ماء النّيل؟ أين الضّفتان؟
آه لو كنت معي نختال عبره
بشراع تسبح الأنجم إثره
حيث يروي الموج في أرخم نبره
حلم ليل من ليالي كليوبتره
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال
أيّها الملاح قف بين الجسور
فتنة الدنيا و أحلام الدّهور
صفّق الموج لولدان و حور(65/65)
يغرقون اللّيل في ينبوع نور
ما ترى الأغيد وضّاء الأسرّه ؟
دقّ بالسّاق و قد أسلم صدره
لمحب لفّّ بالساعد خصره؟
ليت هذا اللّيل لا يطلع فجره !
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال
رقص الجندول كالنّجم الوضيّ
فاشد يا ملاح بالصّوت الشّجيّ
و ترنّم بالنّشيد الوثنيّ
هذه اللّيلة حلم العبقري
شاعت الفرحة فيها و المسرّه
و جلا الحبّ على العشّاق سرّه
يمنه مال بي على الماء و يسره
إنّ للجندول تحت اللّيل سحره
أين يا فينيسيا تلك المجالي؟
أين عشّاقك سمّار اللّيالي؟
أين من عينيّ يا مهد الجمال؟
موكب الغيد و عيد الكرنفال؟
يا عروس البحر، يا حلم الخيال !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> كأس الخيّام
كأس الخيّام
رقم القصيدة : 66360
-----------------------------------
هاتف الفجر الذّي راع النّجوم
و أطار الليل عن آفاقها
لم يزل يغري بنا ينت الكروم
و يثير الوجد في عشّاقها
صيدح جنّ غراما بالسّحر
أنطقته لهفة الرّوح المشوق
موثوق القلب ، و ميعاد النّظر
مهرجان النّور في عرس الشّروق
فرح الجنّة في ألحانه
و صداه في السّحاب العابر
أرسل السّحر على ألوانه
من فم شاد ، و قاب شاعر
ي له صوتا من الماضي البعيد
رائع الإيقاع فتّان النّغم
جدّد الأشواق باللّحن الجديد
وهو كالدّنيا عريق غي القدم
كم عيون نفضت أحلامها
حين نادى ، غير حلم واحد
سلسلت فيه المنى أنغامها
و هي تشدو بالرّحيق الخالد
كلّما لألأ في الشّرق السّنا
دقّت الباب الأكفّ الناحله
أيّها الخمّار ! قم و افتح لنا
و اسقنا من رحيق القافله
خمرة العشّاق لا زالت و لا
جفّ من ينبوعها نهر الحياه
نضبت في قدح العمر الطّلا
و هي في الأرواح تستوهي الشفاه !
كم شموس عبرت هذا الفضاء
و ألوف من بدور و نجوم
و الثّرى بين ربيع و شتاء
ضاحك النّوار و هاج الكروم
كلّ عنقود دموع جمدت
و قلوب فنيت فيها شعاعا
ما احتواه الفجر إلاّ اتّقدت
جمرة تذكو حنينا و التّياعا(65/66)
لو أصابت ريشتها و ثبت
بجناحين من الشّوق القديم
فاعذر الكأس إذا ما اضطربت حببا يخفق في الكفّ النّديم
أيّها الخالد في الدّنيا غراما
أين نيسابور ، و الرّوض الأنيق ؟
أين معشوقك إبريقا و جاما؟ هل حطّمت الكأس؟أم جفّ الرّحيق؟
هذه الكرمة و الوادي الظّليل
مثلما كانا ، و هذا البلبل
حاضر أشبه بالماضي الجميل
لو يغنّيه المغنّي الأوّل
اليد البيضاء في كلّ الغصون
زهرة تندى و نور يشرق
و الثّرى من نفس الرّوح الحنون
مهجة تهفو، و قلب يخفق
كم تشهيّت الحبيب المحسنا
لو سقي مثواك بالكأس الصّبيب !
و تمنّيت ، و ما أحلة المنى
خطوات منه ، و المثوى قريب !
أترى أعطيته سرّ الخلود؟
أم حبوت الحسن سلطانا يدوم !
عجبا ، تخطئ أسرار الوجود
أيّها الحاسب أعمار النّجوم !
شفقة الكأس التي أنطقتها
لم تدع للسائل الصّادي جوابا
حجب عن ناظريّ مزّقتها
فرأيت العيش برقا و سرابا
و لمست الخافق الحيّ المنى
طينة تبكي بكفّ الجابل
تشتهي الرّشفة ممّا علّنا
و هي ملأى تحت ثغر النّاهل
نسي الأنخاب من تهوى و أمسى
مثلما أمسيت يستسقي الغماما
و اشتكت رقّته في الأرض يبسا
و غدا الإبريق و الكأس حطاما
لا ، فما زالا ، و لا زال الحبيب
أيّها المفعم بالحبّ الوجودا
إنّ من غنّيت بالأمس القريب
منحته ربّة الشّعر الخلودا
مرّ بي طيفكما ذات مساء
و أمن بين أحلامي و كأسي
استبدت بي أصياف الخفاء
و تغرّبت عن الدّنيا بنفسي
صحت باللّيل إلى أن أشفقا
فليقف نجمك...و لينأ السّحر
جدد العشّاق فيك الملتقى
و خلا الهمس على ضوء القمر
فادخلا بين ضياء و غمام
حانة الأقدار و اللّيل القديم
مجلسا يهفو به روح الغرام
كلّ نجم فيه ساق و نديم
و انهلا من سلسل النّور المذاب
خمرة ليس لها من عاصر
فنع الصّوفيّ منها بالحباب
و هي تنهلّ بكأس الشّاعر
فارو يا شاعر عن إشراقها
إنّما كأسك نور و صفاء
كيف طالعت على آفاقها
روعة الغيب و أسرار السّماء؟
كيف أبصرت الجمال المشرقا(65/67)
بصر الفانين في حبّ الإله
و فتحت الأبد المستغلقا
عن ضمير الكون أو سرّ الحياه ؟
أ بروحانية الشّرق العريق
أم ببوهيميّة الفنّ الطليق
سبحت روحك في الكون السّحيق
حيث لا يسمع طاف لغريق !
حيث أبصرت الذي لم تبصر
أعين مرّت بهذا العالم
ذاك سرّ الشّاعر المستهتر
و فتون الفيلسوف العالم
ذاك سرّ النّغم المسترسل
و الصّفاء السّلسل المطرّد
روح شاد فنيت في الأزل
و تحدّت شهوة المنتقد
صرخت آلامه في كوبه
فهوى يثار من آلامه
إنّما البعث الذي تشدو به
يقظة المفجوع في أحلامه !
إنّما البعث المرجّى للورى
غاية الحيّ التي لا تحمد
إنّما تبعث في هذا الثّرى
بعض ما يقطف أو ما يحصد
حسبها تعزية أن نحلما
بأناشيد الصّباح المنتظر
و تشقّ الأرض عن وجه السّما
حيث نور الشّمس أو ضوء القمر
ربّما جدّد أو هاج لنا
نبأ أو قصة من حبّنا
نوّح ورقات أرّنت حولنا
أو شجى قبّرة مرّت بنا
أو خطى إلفين في فيجر الصّبا
أترعا كأسيهما من ذوبه
أو صدى راع على تلك الرّبى
صبّ في النّاي أغاني حبّه
حلم مثّاته في خاطري
فعشقت الخلد في هذال الرّواء
أنكرو فحكوا عن شاعر
جنّ بالخمر و أغوته النّساء
و لقد قالو : شذوذ مغرب
و أباحيّة لاه لا يفيق
آه لو يدرون ما يضطرب
بين جنبيك من الحزن العميق
أولا يغدو الخليع الماجنا
من رأى عقبى الصّباح الباسم ؟
و رأى الحيّ جمادا ساكنا
بعد ذيّاك الحراك الدّائم ؟
أولا يغرب في نشوته
شارب الغصّة في اليوم الأخير ؟
أولا يمعن في شهوته
مسلم الجسم إلى الدود الحقير ؟
قصّة الزاهد التي غنّوا لها
علّلتهم بالسّراب الخادع
نشوة الشّاعر ما أجملها !
هي مفتاح الخلود الضّائع !!
لو أصابو حكمة ما اتهموا
و بكى لاحيك المستهجن
فهو من دنياهم لو علموا
عبث مرّ ، و لهو محزن !!
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> قاهر الموت
قاهر الموت
رقم القصيدة : 66361
-----------------------------------
يا قاهر الموت كم للنفس أسرار؟(65/68)
ذلّ الحديد لها ، و استخذت النّار
و أشفق البحر منها ، و هو طاغية
عات على ضربات الصّخر ، جبار
حواك أحدوثة مثلى و تضحية
لم تحوها سير أو ترو أخبار
رماك في جنبات اليمّ محترب
خافي المقاتل عند الرّوع فرار
ترصّدتك مراميه و لو وقعت
عليه عيناك لم تنقذه أقدار
يدبّ في مسبح الحيتان منسربا
و الغور داج و صدر البحر موّار
كدودة الأرض نور الشّمس يقتلها
و كم بها قتلت في الرّوض أزهار
هوى بك الفلك إلاّ هامة رفعت
لها من المجد إعظام و إكبار
و استقبل البحر صدرا حين لامسه
كادت عليه جبال الموج تنهار
و غاب كل مشيد غير قبّعة
ذكرى من الشّرف العلي و تذكار
ألقيتها ، فتلقى الموج مقعدها
كما تلقى جبين الفاتح الغار
و لو يرد زمان المعجزات بها
لانشق بحر لها ، و ارتدّ تيّار
كأنّها خطبة راعت مقاطعها
لها العوالم سمّاع و نظّار
تقول: لا كان لي ربّ و لا هتفت
بذكره الحرب، إن لم يؤخذ الثار
يا ابن البحار وليدا من مسابها
و يافعا يؤثر الجلّى و يختار
ما عالم الماء ؟ يا ربّان ، صفه لنا
فما تحيط به في الوهم أفكار !
و ما حياة الفتى فيه ؟ أتسلية
و راحة ؟ أم فجاءات و أخطار ؟
إذا السّفينة في أمواجه رقصت
على أهازيج غنّاهنّ إعصار
و أشجت السّحب موسيقاه، فاعتنقت
و أسدلت من خدور الشّهب أستار
و أنت ترنو وراء الأفق مبتسما
كما رنا نازح لاحت له الدّار
غرقان في حلم عذب تسلسله
من ذروة اللّيل أنواء و أمطار
يا عاشق البحر، حدّث عن مفاتنه
كم في لياليه للعشّاق أسمار ؟
ما ليلة الصّيف فبه ؟ ما روايتها؟
فالصّيف خمر ، و ألحان ، و أشعار
إذا النسائم من آفاقه انحدرت
و ضوّأت من كوى الظّلماء أنوار
و أقبلت عاريات من غلائلها
عرئس من بنات الجنّ أبكار
شغل الرّبابنة السّارين من قدم
تجلى بهنّ عشيّات و أسحار
يترعن كأسك من خمرة معتقة
البحر كهف لها ، و الدّهر خمّار
و أنت نعنهنّ مشغول بجارية
كأن أجراسها في الأذن قيثار
صوت الحبيبة قد فاضت خوالجها(65/69)
و رنّحتها من الأشواق أسفار
و الهفّ قلبك لما اندكّ شامخها
و النّوء مصطرع و الموج هدّار
بوغتّ بالقدر المكتوب فانسرحت
عيناك تقرأ، و الأمواج أسطار
نزلتما البحر قبرا، حين ضمّكما
رفّت عليه من المرجان أشجار
نام الحبيبان في مثواه واتّسدا
جنبا لجنب، فلا ذلّ و لا عار !!
***
مصارع للفدائيين يعشقها
مستقتلون وراء البحر أحرار
منيّة كحياة ، كلما ذكّرت
تجدّدت لك في الأجيال أعمار
هي الفخار لشعب في خلائقه
خلق الرّجال إذا هاجته أخطار
له البحار بما اجتازت شواطؤها
و ما أجنته خلجان و أغوار
رواق مجد على جدرانه رفعت
للخالدين أماثيل و آثار
دخلت من بابه، و اجتزت ساحته
و سرت فيه على آثار من ساروا
يتيه باسمك في أقداسه نصب
رخامه الدّهر، و التّاريخ حفّار
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> عودة المحارب
عودة المحارب
رقم القصيدة : 66362
-----------------------------------
أرقصي يا نجوم في اللّيل حولي
و اتبعي يا جبال في الأرض ظلّي
و اصدحي يا جنادل النهر تحتي
بأناشيد مائك المنهلّ
و ارفعي يا ربى إليّ و ادني
زهرات من عشبك المخضلّ
ضمّخي من عبيرها و نداها
قدما لم تطأك يوما بذلّ
هزأت بالجراح من مخلب اللّيـ
ـث و أنياب كلّ أفعى وصلّ
و احملي يا رياح صوتي إلى الوا
دي و ضجّي بكلّ حزن و سهل
و انسمي بالغرام يا نسمة اللّيـ
ـل و كوني إلى الأحبة رسلي
إنّ في حومة القبيلة نارا
ضوّأت لي على مضارب أهلي
رقصت حولها الصّبايا و غنّت
بأغاني شبابها المستهلّ
صوت أفريقيا و وحي صباها
و نداء القرون بعدي و قبلي
باسمها الخالد امتشقت حسامي
بيد تخفض الحظوظ و تعلي
و شربت الحميم من كلّ شمس
نارها تنضج الصّخور و تبلي
و قهرت الحياة حتّى كأنّي
قدر ، تكتب الحتوف ، و أملي
يا عذارى القبيل أنتنّ للمجـ
ـد على عفة صواحب بذل
حسب روحي الظّامي و حسب جراحي
رشفة من عيونكنّ النّجل
و ابتساماتكن فوق شفاه
بمعاني الحياة كم أومأت لي
حين ألقى زوجي على باب كوخي(65/70)
و أناغي على ذراعيّ طفلي
و أنام اللّيل القصير لأجلو
صارمي في سنى الصّباح المطلّ
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> حلم ليلة
حلم ليلة
رقم القصيدة : 66363
-----------------------------------
إذا ارتقى البدر صفحة النّهر
و ضمّنا فيه زورق يجري
و داعبت نسمة من العطر
على محيّاك خصلة الشّعر
حسوتها قبلة من الجمر
جنّ جنوني لها و ما أدري
أي معاني الفتون و السّحر
ثغرك أوحى بها إلى ثغري !
حلم مساء أتاحه دهري
غرّد فيه الحبيس في صدري
فنوّليني فليس من العمر
سوى ليالي الغرام و الشّعر
إني رأيت النذير في الأثر
تطلق كفّاه طائر الفجر !
فقرّبي الكأس ، و اسكبي خمري !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> (إلى راقصة)
(إلى راقصة)
رقم القصيدة : 66364
-----------------------------------
بعينيك يا ملهم الخاطرا
و يترك كلّ فتى شاعرا
فيا فتنة من وراء البحار
لقيت بها القدر السّاخرا
دعتني فجمّعت قلبي لها
و ناديت ماضيّ و الحاضرا
و أقبلت في موكب الذّكريات
أحيّ الخميلة و الطّائرا
و ساءلني القلب: ماذا ترى؟
فقلت : أرى حلما عابرا
أرى جنّة ، و أراني بها
أهيم بأرجائها حائرا
ملأت بتفّاحها راحتيّ
و بتّ لكرمتها عاصرا
و ذقت الحنان بها و الرّضى
يدا برّة و فما طاهرا
فيا ليلة لم تكن في الخيال
أجدّت لي المرح الغابرا
أفاءت على النيل سحر الحياة
و أحيت لشعري به سامرا
نسيت لياليّ من قبلها
و كنت لها الوافي الذّاكرا
سلي من أثارت بقلب الفتون
و خلّته محتدما ثائرا !
بربّك ! من ألف الأصغرين
و علّق بالنّاظر النّاظرا
إذا أطلق الضّوء أطيافه
و لفّ بها خصرك الضّامرا
و طوّق نحرك لحظ العيون
و عاد بكرّته حاسرا
و وقعّت من حسرات القلوب
على قدميك الصّدى السّاحرا
و جدّث كلّ فتى نفسه :
أرى الفنّ أم روحه القاهرا ؟
تمثّلته طيف إنسانة
و مثّل فيك الصّبا النّاضرا !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> في الشّتاء
في الشّتاء
رقم القصيدة : 66365(65/71)
-----------------------------------
ذكّريني فقد نسيت و يا
ربّ ذكرى تعيد لي طربي
و ارفعي وجهك الجميل أرى
كيف هذا الحياء لم يذب
و اسندي رأسك الصّغير إلى
ثائر في الضّلوع مضطرب
ذلك الطفل ، هدهديه فما
ثاب من ثورة و من صخب
و امنحني عيني النّعاس على
خصلات من شعرك الذّهبي
ظمأي قاتلي، فما حذري
موردي منك مورد العطب
ثرثري، و اصنعي الدّموع و لا
تحفلي إن هممت بالكذب
بي نزوع إلى الخيال، وبي
للتّمنّي حنين مغترب
و اعجبي منك إن نسيت و ما
أسفي نافع و لا عجبي
لم أزل أرقب السّماء إلى
أن اطلّ الشّتاء بالسّحب
موعدنا كان في أصائله
ضفّة سندسيّة العشب
نرقب النّيل تحت زورقنا
و خفوق الشّراع عن كثب
و ظلال النّخيل في شفق
سال فوق الرّمال كاللّهب
كأسنا مترع و ليلتنا
غادة من مضارب العرب
ويك ! لا تنظري إلى قدحي
نظرات الغريب ، و اقتربي !
شفتاك الندّيتان به
فيهما روح ذلك الحبب
شهد المنتشي بخمرهما
أنّ هذا الرّحيق من عنبي !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> هي
هي
رقم القصيدة : 66366
-----------------------------------
هي الكأس مشرقة في يديك،
فماذا أرابك في خمرها ؟
نظرت إليها و باعدتها
كأنّ المنيّة في قطرها
أما ذقتها قبل هذا المساء
و عربدت نشوان من سكرها ؟
حلا طعمها يوم كنت الخلّ،
و كلّ الصّبابة في مرّها
سقيت بها من يد لم تكن
سوى الرّيح تنفخ في جمرها
تلفّت ! فهذا خيال التي
مرحت و عرّدت في وكرها
و غرفتها لم تزل مثلما
تنسّمت حبّك من عطرها
وقفت بها ساهما مطرقا
يحدّثك اللّيل عن سرّها
مكانك فيها كما كان أمس،
وذلك مثواك في خدرها
وآثار دمعك فوق الوساد ،
و فوق المهدّل من سترها
فهل ذقت حقا صفاء الحياة ،
وذوّب السّعادة في ثغرها ؟
إذا فتح الباب تحت الظّلام
فكيف ارتماؤك في صدرها ؟
و كيف طوى خصرها ساعداك
و مرّت يداك على شعرها ؟
و ما هذا ؟ رعشة في يديك ؟
أم الكأس ترجف من ذكرها ؟
و ما في جبينك يابن الخيال ؟(65/72)
سمات تحدّث عن غدرها !!
لقد دنّس الحسد الآدميّ
حياة حرصت على طهرها
بكى الفنّ فيك على شاعر
نسائله الرّوح عن ثأرها
نزلت بها وهدة ، كم خبا
شعاع و غيّب في قبرها
رفعت تمثيلك الرّائعات
و حطّمتهنّ على صخرها
فدع زهرلاة الأرض يا ابن السّماء ، فأنت المبرأ من شرّها
مراحك في السّحب العاليات
و فوق المنوّر من زهرها
فمدّ جناحيك فوق الحياة ،
و أطلق نشيدك في فجرها
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> بحيرة كومو
بحيرة كومو
رقم القصيدة : 66367
-----------------------------------
هيئي الكأس و الوتر
تلك كومو مدى النّظر
و اصدحي يا خواطري
طويت شقّة السّفر
و دنت جنّة المنى
و حلا عندها المقر
قد بعثنا بها على
موعد غير منتظر
في ماء كأنّه
حلم الشّيخ بالصّغر
البحيرات و الجبا
ل توشّحن بالشّجر
و تنقّبن بالغما
م و أسفرن للقمر
و البرونات غادة
لبست حلّة السّهر
نثرت فوقها الدّيا
ر كما ينثر الزّهر
و عبرنا رحابها
فأشارت لمن عبر
هاكها قبلة ، فمن
رام فليركب الخطر !
فسمونا لخدرها
زمرا تلوها زمر
في زجاج محلق
لا دخان و لا شرر
يتخطى بنا الفضا
ء على السّندس النّضر
سلّم يشبه الصّرا
ط تسامى على البصر
فإلى النّجم مرتقى
و إلى السّحب منحدر
و حللنا بقمّة
دونها قمّة الفكر
بهج في كنوزها
للمحبّين مدّخر
بابل ؟ أم بحيرة ؟
أم قصور من الدّر؟
أم رؤى الخلد في الحيا
ة تمثّلن للبشر ؟
حبّذا أمسياتها
و حنينا إلى البكر
و نزوعا إلى السّفيـ
ـن تهيّأن للسّفر
نسيت شغلها القلو
ب و هلّلن للسّمر
أوجه مثلما رنت
زهرة الصّيف للمطر
أضحيانيّة السّما
ت هلالية الطّرر
يتوهّجن بالشّبا
ب و يندين بالخفر
طلعة تسعد الشّقيّ
و تعطي له العمر
تمنح الحظّ من تشا
ء ، و تبيقي ، و لا تذر !
إنّما تنظر السّما
ء إلى هذه الصّور
لترى الله خالقا
مبدعا ، معجز الأثر
شاعر النّيل طف بها
غنّها كلّ مبتكر
الثلاثون قد مضت
في التّفاهات و الهذر
فتزوّد من النعـ
ـيم لأيّامك الأخر(65/73)
أين وادي النّخيل أم
قاهريّاته الغرر؟
لا تقل أخصب الثّرى
فهنا أوراق الحجر !!
ههما يشعر الجما
د و يوحي لمن شعر !
آه لولا أحبّة
نزلوا شاطئ النّهر
و رفات مطهّر
و كريم من السّير
لتمنّيت شرفة
لي في هذه الحجر
أقطع العمر عندها
غير وان عن النّظر
فلقد فاز من رأى
و لقد عاش من ظفر
***
يا ابنة العالم الجديـ
ـد صلي عالما غير غبر
في دمي من تلااثه
نفحة البدو و الحضر
و أغان لمن شدا
و معان لمن فخر
ما تسرّين ؟ أفصحي !
إنّ في عينيك الخبر
الغريبان ههنا
ليس يجديهما الحذر
نحن روحان عاصفا
ن و جسمان من سقر
فاعذري الرّوح إن طغى
و اعذري الجسم إن ثأر
نضبت خمر بابل
و هوى الكأس و انكسر
و هنا كرمة الخلو
د فطوبى لمن عصر
فيم ، و النبع دافق،
يشتكي الظّامئ الصّدر ؟
و لمن هذه العيون
تغمّرن بالحور ؟
بتن يلعبن بالنّهى
لعب الطّفل بالأكر
هنّ أصفى من الشّعا
ع و أخفى من القدر
و لمن توشك الثّدى
وثبة الطّير في السّحر ؟
كلّ إلف لإلفه
همّ بالصّدر و ابتدر
عضّ في الثّوب و اشتكى
وطأة الخزّ و الوبر
سمة الطّائر المعذّ
ب في قيده نقر
و لمن رفّت المبا
سم و استرسل الشّعر ؟
ثمر ناضج الجني
كيف لا نقطف الثّمر
ما أبى الخلد آدم
أو غوى أو عثر !
زلّة تورث الحجى
و تري الله من كفر !
كأسنا ضاحك الحبا
ب ، مصفّى من الكدر
فاسكبي الخمر و ارشفيـ
ـه على رنّة الوتر
و إذا شءت فاسقنيـ
ـه على نغمة المطر
فغدا يذهب الشبا
ب و تبقى لنا الذّكر
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> عيد التتويج
عيد التتويج
رقم القصيدة : 66368
-----------------------------------
ما الرعاة ! آثارهم فترنموا ؟
هل طاف بالصّحراء منهم ملهم ؟
أم ضوّأت سيناء في غسق الدّحى
و جلا النّبوءة برقها المتكلم ؟
نظروا خلال سمائها و تأأمّلوا
و تقابلت أنظارهم فتبسّموا
إيه فلاسفة الزّمان فأنتمو
ببشائر الغيب المحجّب أغلم
هذا النّشيد الأسيويّ معاده
نبأ تقرّ به الشعوب و تنعم(65/74)
و طريقكم مصر و إنّ طريقها
أثر الوحي القديم و معلم
ألاّ يكون الفجر هدي خطاكمو
فدليلكم قبس الخلود المضرم
هو سحر مصر ، و عرشها ، و لواؤها
و الصّولجان ، و تاجها المتوسم
و جبين صاحبها العزيز و إنّه
نور على إصباحها متقدّم
أوفى على الوادي بضاحك ثغره
وجه تقبّله السّماء و ترأم
مسترسل النّظر البعيد كأنّه
ملك يفكر أو نبيّ يلهم
و كأنّما الآمال عبر طريقه
أنفاس روض بالعشيّة ينسم
ينتظر الحقل النّور خطوه
و النّهر و الجبل العريض الأيهم
فكأنّ روحا عائدا من طيبة
فيه شباب ملوكها يتبسّم
هتف البشير به فماجت أعصر
و تلفّتت أمم و دارت أنجم
هذا هو الملك الذي سعدت به
مصر ، و هذا حبّها المتجسّم
***
لمن البنود على العباب خوافقا
لمن النّسور على السّحاب تحوم ؟
لمن المواكب مائجات مثلما
أومت عصا موسى فشقّ العيلم ؟
و لم الصّباح كأنّما أنداؤه
كأس تصفّق أو رحيق يسجم ؟
و لم اختلاج النّيل فيه كأنّه
شيخ يذّكر بالشّباب و يحلم ؟
و لمن هتاف بالضّفاف مردّد
أشجى من الوتر الحنون و أرخم ؟
و لمن عواصم مصر حالية الذّرى
تغزوا بوارقها النّجوم و تزحم ؟
و لم احتشاد سرائري و خواطري
و لمن شفاه بالدّعاء تتمتم ؟
أسكندرية قد شهدت فحدّثيني
فاليوم قد وضح الحنين المبهم !
هاتي املأي كأسي و غنّى و اعصري
خمرا أعلّ بها و لا أتأثّم
إن كنت أفق الملهمين و أيكهم
إنّي إذا غرّيدك المترنّم
يا درّة البحر التي لم يتّسم
جيد البحار يمثلها و المعصم
جددّت أعراس الزّمان وزانها
ركب لفاروق العظيم و مقدم
ما عاد جبّار الشّعوب و إنّما
قد عاد قيصرك الرّشيد المسلم
في مهرجان لم يحط بجلاله
وصف و لم يبلغ مداه توّهم
يوم الشّباب و لا مراء و إنّه
للشّرق عيد و الكنانة موسم
قد فتح التّاريخ كتابه
يصغي إليه و يشرئبّ المرقم
مولاي ، أمل عليه أوّل آية
لشباب شعب خالد لا يهرم
هو من شبابك يستمدّ رجاءه
و يسود باسمك في الحياة و يحكم(65/75)
فبعثه جيلا واثبا مقتحّما إنّ الشّباب توثّب و تقحّم
هزّ الفتى الأموي تحت إهابه
منه مضاء كالحسام مصمّم
فمشى يطوّح بالعروش كأنّه
شمشون في حلق الحديد يحطّم
دون الثلاثين استثير فأجفلت
أمم وراء تخومه تتأجّم
و المجد موهبة الملوك و إنّما
تبني المواهب، و الخلائق تدعم
و يضيق بالشّعب الطّموح يقينه
و يثير مرّته الخيال فيعرم
قوت الشّعوب وريّها أحلامها
إنّ الخيال إلى الحقيقة سلّم
***
يا عاقد التّاج الوضيء بمفرق
كالحقّ معقده هدى و تبسّم
أعظم بتاجك جوهرا لم يحوه
كنز و لم يحرز حلاه منجم
ميراث أول مالكين سما بهم
عرش أعزّ من الجبال و أضخم
نوابك شعبك حينما طالعتهم
طاف الرّحيق البابليّ عليهم
هتفوا بمجد و استخفّ وقارهم
أمل يجلّ عن الهتاف و يعظم
أقسمت بالدستور و الوطن الذي
بك بعد ربّك في العظائم يقسم
برّا بوالدك العظيم و ذمّة
لجدودك الصّيد الذين تقدّموا
و تطلعت عبر المدائن و القرى
مهج يكاد خفوقها يتكلّم
تصغي لصوتك في السّحابو رجعه
لحن على أوتارهنّ ينغم
خشعت له النّسمات وهي هوازج
و تنصّت العصفور و هو يهينم
وضعت سنابل مثلما أوحى لها
تأويل يوسف فهي خضر تنجم
يا صوت مصر ، و يا صدى أحلامها
زد روعتي ممّا يهزّ و يفعم
ألقى المقادة في يديه وديعة
شعب لغير خطاك لا يترسّم
فتلقّ تاجك من يديه فإنّه
في الدّهر عروته التي لا تفصم
فليهنأ الملك الهمام بعيده
و ليعرض الجيش الكميّ المعلم
مولاي جندك ماثلون فأولهم
سيفا يقبّل أو لواء يلثم
لمّا رأوك على جوادك قائما
و ضعوا السّيوف على الصّدور و أقسموا
و كأن إبراهيم طيفك ماثلا
و كأنّ الشعوب بمثل جيشك تكرم
الأرض تعرفه و تشهد أنّه
سيل إذا امع الحديد و قشعم
طروس أم عكّاء عن أمجاده
تروي؟ أم البيت العتيق و زمزم ؟
أم حومة السّودان، و هي صحيفة
السّيف خطّ سطورها و اللّهذم ؟
أم مورة الشّماء يوم أباحها
و النّار حول سفينه تتهزّم ؟
لولا قراصنة عليها تآمروا
لم يعل نافرين هذا الميسم(65/76)
فاغفر لما صنع الزّمان فإنّها
بؤسى تمرّ على الشّعوب و أنعم
و انفخ به من بأس روحك سورة
يرمي سطاها المستخفّ فيحجم
فالرّفق من نبل النّفوس و ربّما
يلحى النّبيل بفعله و يذمّم
إنّا لفي زمن حديث دعاته
نسك ، و لكنّ السّياسة تأثّم
ووراء كلّ سحابة في أفقه
جيش من المتأهّبين عرمرم
***
قالوا : فتى عشق الطّبيعة و اغتدى
بغرائب الأشعار و هو متيّم
و طوى البحار على شراع خياله
يرتاد عالية الذّرى و يؤمّم
أنا من زعمتم : غير أنّي شاعر
أرضي البيان بما يصوغ و يرسم
إنّي بنيت على القديم جديده
و رفعت من بنيانه ما هدّموا
الشّعر عندي نشوة علويّة
و شعاع كأس لم يقبّلها فم
و لحون سلم أو ملاحم غارة
غنّى الجبال بها السّحاب المرزم
أرسلته يوم النّداء فخلته
نارا و خلت الأرض خضّبها الدّم
و دعاه عرشك، استهلّ خواطرا
فأتيت عن خطراتهنّ أترجم
و رفعت رأسي للسّماء و خلتني
أتناول النّجم البعيد و أنظم
فاقبل نشيدي إن عطفت فإنّه
صوت الشّباب و روحه المتضرّم
و سلمت يا مولاي للوطن الذي
بك يستظلّ ، و يستعزّ ، و يسلم !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> مهرجان الزفاف
مهرجان الزفاف
رقم القصيدة : 66369
-----------------------------------
سحر نطقت به و أنت المنطق
و لك الولاء ولي بعرشك موثق
يا أفق إلهامي و وحي خواطري
هذا نشيدي في سمائك يخفق
توحي إليّ الشّعر علويّ السّنى
مصر، و نور شبابك المتألّق
و شوارد هز النّجوم روّيها
و الكون مصغ و الشّعاع يصفّق
في ليلة للنّفس فيها هزّة
و لكلّ قلب صبوة و تشوّق
ريّا الأديم كلجّة مسجورة
يسري عليها للملائك زورق
غنى بها الشّعر الطّروب و أقبلت
بالزّهر حوريّاته تتمنطق
و شدا الرّعاة الملهمون كأنّما
سيناء من قبس النّبوة تشرق
هي من طوالعك الحسان ، و إنّه
أكل لمصر على يديك يحقّق
مصر إذا سئلت فأنت لسانها
و جنانها ، و شعورها المتدفّق
فتلقّ فرحتها بعيدك إنّه
عيد يهنىء مصر فيه المشرق
***(65/77)
مولاي هل لي أن أقبّل راحة
بيضاء تحيي المأثرات و تخلق
مرّت على الوادي ، فكلّ شعابه
عين مفجّرة ، و غصن مورق
و جلوتها للنّاظرين فأبصروا
برهان ربّك ساطعا يتألّق
لو ردّ فرعون و سحر دعاته
و تسائلوا بك مجمعين و أحدقوا
لقفت عصاك عصّيهم فتصايحوا
لا سحر بعد اليوم، أنت مصدّق
يا باعث الرّوح الفتيّ بأمّة
تسمو بها آمالها و تحلّق
أغلى الذخائر في كنوز فخارها
تاج يجمّله بنورك مفرق
صاغته من آمالها و دمائها
و أجلهنّ دم الشّباب المهرق
أن أنس ، لا ينس اليمين و يومه
قلبي الطّروب و جفني المغروق
و هتاف روحي في خضمّ صاخب
خلت الفضاء الرّحب فيه يغرق
القائد الأعلى ، و تحت لوائه
حرّاس مصر الباسلون السّبّق
طافوا بساحتك الكريمة فيلقا
يحدوه من آمال مصر فيلق
و أنهلتهم شرف المثول فقرّبوا
مهجا يحوطك حبّها و يطوّق
و ضعوا الأكف على الكتاب و أقسموا
و سيوفهم من لوعة تتحرّق
أو ما لها الماضي ، فجنّ حديدها
حتّى تكاد بغير كفّ تمشق
ذكرت بك النصر المبين و فاتحا
يطأ الجبال الشّامخات و يصعق
يا صنو إبراهيم لو ناديته
بك لاستجاب و جاء باسمك ينطق
لك مصر ، و السّودان و النّهر الذي
يحيا الموات به، و يفنى المملق
عرش قوائمه التّقى ، و ظلاله
عدل ، و روحانية ، و ترفّق
المسجد الأقصى يودّ لو أنّه
أسرى إليه بك الخيال الشّيق
كم وقفة لك بالصّلاة كأنّما
عمر تحف به القلوب و تخفق
لما وقفت تلفّت المحراب من
فرح ، و أنت لديه حان مطرق
و يكاد من بهج يضيء سراجه
وجه عليه من الطّهارة رونق
أحييت سنّة مالكين سما بهم
في الشّرق أوج حضارة لا يلحق
فانين في حبّ الإله ، و لن ترى
بعد الألوهة ما يحبّ و يعشق
طهر عصمت به الشّباب وإنّما
شيم الملوك به أحقّ و أخلق
تغضي لرقّتك النّفوس مهابة
و تهمّ بالنّظر العيون فتشفق
إنّ السّيوف تهاب و هي رقيقة
و خلائق العظماء حين ترفّق
***
ألقى البشير على المدائن و القرى
نبأ كصوت الوحي ساعة يطلق
عبر الضّفاف الحالمات فمسّحت(65/78)
جفنا ، و هبّ نخيلها يتأنّق
فرح تمثّل مصر فهي خواطر
صدّاحة ، و سرائر تترقرق
اليوم آمنت الرّعية أنّها
أدنى لقلبك في الحياة و ألصق
آثرتها فحبتك من إيثارها
تاجا شعائره الولاء المطلق
ملكات مصر الرّائعات ، إذا بدا
كفّ تشير له ، و عين ترمق
و حديث أرواح يضوع عبيره
و من الطّهارة ما يضوع و يعبق
يا صاحبي مصر ، أظّلكما الرّضى
و جرى بيمنكما الرّبيع المونق
و فداء عرشكما المؤثّل أمّة
أمست خناصرها عليه توثّق
يا شمس يا أمّ الحياة ! تكلّمي
فلقد يثاب على الكلام الصّيدق
أ أعزّ منّا تحت ضوئك أمّة
هي بالحياة و بالسّيادة أخلق ؟
إنّا بنوك ، و إن سئلت فأمّنا
مهد الشّموس و عرشهنّ المعرق
عرش لفروق العظيم ، يزينه
هذا الشّباب العبقريّ المشرق
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> أميرة الشرق
أميرة الشرق
رقم القصيدة : 66370
-----------------------------------
يا بشير المنى ، أحلم شباب
مرّ بالنهر ، أم غرام جديد ؟
أم شدا الأنبياء بالضّفة الخضر
اء أم قام للملائك عيد ؟
مهرجان ، ممالك الشّرق فيه
دعوات ، و فرحة و نشيد
و هتاف بالشّاطئين صداه
تتناجى به الملوك الصّيد
اسلمي يا أميرة الشّرق و احكم
ملك الشّرق ، ما يشاء الخلود
يوم نادتك باسمك العذب فريا
ل: أبي هلّل الزمان السّعيد
دمت ، أيّامك الحسان شباب
و لياليك كلهنّ سعود
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> أغنية ليالي النّيل
أغنية ليالي النّيل
رقم القصيدة : 66371
-----------------------------------
دنا اللّيل فهيا الآ
ن يا ربّة أحلامي
دعانا ملك الحبّ
إلى محرابه السّامي
تعالي فالدّجى وحي
أناشيد و أنغام
سرت فرحته في الما
ء ، و الأشجار و السّحب
ألا فلنحلم الآن
فهذي ليلة الحبّ
على النّيل ، و ضوء القـ
ـمر الوضّاح كالطّفلّ
جرى في الضّفة الخضرا
ء خلف الماء و الظّل
تعالي مثله نلهو
بلثم الورد و الطّلّ
هناك على ربى الوادي،
لنا مهد من العشب
يلفّ الصّمت روحينا ،(65/79)
و يشدو بلبل الحبّ
يطوف بنا على شطّ
من الأضواء مسحور
شراع خافق الظّلّ
على بحر من النّور
تناجيه نجوم اللّيـ
- ـل ، نجوى الأعين الحور
و أنت على فمي و يدي ،
خيال خافق القلب
ألا فلنحلم الآن ،
فهذي ليلة الحبّ
ليالي الصّيف أحلام ،
تراءت للمحبّينا
تغيب الخمر ، و السّاقي ،
و يبقى سحرها فينا
و هذا كأسها الوهّا
ج صدّاح بأيدينا
فهيّا نشرب اللّيلـ
ـة من نبع الهوى العذب
ألا فلنحلم الآن
فهذي ليلة الحبّ
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> على صخور المكس
على صخور المكس
رقم القصيدة : 66372
-----------------------------------
حيّاك أرضا و ازدهاك سماء
بحر شدا صخرا ، و صفّق ماء
يحبو شعابك في الضّحى قبلاته
و يرفّ أنفاسا بهنّ مساء
متجدّد الصّبوات أودع حبّه
شتّى الأشعّة فيك و الأنداء
ولع بتخطيط الرّمال كأنّه
عرّافة ، تستطلع الأنباء
و مصّور لبق الخيال يصوغ من
فنّ الجمال السّحر ، و الإغراء
نسق الشّواطئ زينة و أدقّها
صورا بريّا صفحتيه تراءى
يجلو بريشته السّماء ، و إنّما
زادت بريشته السّماء جلاء
لا الصّبح أوضح من مطالعه بها
شمسا ، و لا أزهى سنى و ضياء
كلاّ و اللّيل المكوكب أفقه
بأغرّ بدرا ، أو أرقّ سماء
يا ربّ زاهية الأصيل أحالها
أفقا أحمّ ولجّة حمراء
و كأنما طوت السّماء و نشّرت
لهبا ، و فجّرت الصّخور دماء
و لربّ عاطرة النّسيم ، عليلة
طالعت ، فيها اللّيلة القمراء
رقصت بها الأمواج تحت شعاعها
و سرت تجاذب للنّسيم رداء
حتّى إن ران الكرى بجفونها
ألقت إليك بسمعها إصغاء
تتسمّع النّوتيّ تحت شراعه
يشدو، فيبدع في النّشيد غناء
هزّت ليالي الصّيف ساحر صوته
فشجى الشّواطئ و استخفّ الماء
و أثار أجنحة الطّيور فحوّمت
في الأفق حيرى تتبع الأصداء
صور فواتن يا شواطئ صاغها
لك ذلك البحر الصّناع رواء
فتنظّريه على شعابك مثلما
رجع الغريب إلى حماه وفاء
كم ظلّ يضرب في صخور موجه
ممّا أجنّ محبّة و فاء(65/80)
عذرا ، إذ عيّت بمنطقه اللّغى
فهو العيييّ المفحم الفصحاء
فخذي الحديث عليه و استمعي له
كم من جماد حدّث الأحياء
و سليه ، كيف طوى اللّيالي ساهدا
و بلا الأحبّة فيك و الأعداء
كم ليلة لك يا شواطئ خاضها
و الهول يملأ حولك الأرجاء
و السّفن المرهفة القلاع كأنّما
تطأ السّحاب ، و تهبط الدّأما
حملت لمصر الفاتحين و طوّحت
بالنّيل منهم جحفلا ، و لواء
و لو استطاع لردّ عنك بلاءهم
و أطار كلّ سفينة أشلاء
أو كان يملك قدرة حشد الدّجى
و نضا الرّجوم ، و جنّد الأنواء
و دعا غواربه الثّقال فأقبلت
فرمى بها قدرا ، و ردّ قضاء
فاستعرضي سير الحياة و ردّدي
ما سرّ من أنبائهنّ ، و ساء
و خذي ليومك من قديمك أهبة
و من الجديد تعلّة و رجاء
إيه شواطئ مصر و الدّنيا منى
تهفو إليك بنا صباح مساء
ناجيت أحلام الرّبيع فأقبلت
و أشرت للصّيف الوسيم ، فجاء
يحبوك من صفو الزّمان و أنسه
ما شئت من مرح الحياة ، و شاء
و غدا تضيء على جبينك لمحة
طبع الخلود سماتها الغرّاء
و ترفّ منك على ثغورك قبلة
أصغى النّسيم لها و غضّ حياء
فاستقبلي الصّيف الجميل ، و هيّئي
للشّعر فيك جميلة غنّاء
و تسمّعي لخن الخيال ، و أفردي
لي فوق مائك صخرة بيضاء
و استعرضي حور الجنان ، و أطلقي
لغة السّماء ، و ألهمي الشّعراء
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> خيال
خيال
رقم القصيدة : 66373
-----------------------------------
عشقنا الدّمى و عبدنا الصّور
و همنا بكلّ خيال عبر
وصغنا لك الشّعر ، حبّ الصّبا
و شدو الأماني ، و شجو الذّكر
تغنّت به القبل الخالدات
و غنّى بإيقاعها المبتكر
و جئنا إليك بملك الهوى
و عرش القلوب ، و حكم القدر
بأفئدة ، مثلما عربدت
يد الرّيح في ورقات الشّجر
و أنت بأفقك ساجي اللّحاظ
تطلّ على سبحات الفكر
دنوت ، فقلنا رؤى الحالمين ،
فلمّا بعدت اتّهمنا النّظر
و حامت عليك بأضوائها
مصابيح مثل عيون الزّهر
تتبّعن خطوك عبر الطّريق
كما يتحّرى الدّليل الأثر(65/81)
يقبّلن من قدميك الخطى
كما فبّل الوثنيّ الحجر
مشى الحسن حولك في موكب
يرفّ عليه لواء الظّفر
تمثّل صدرك سلطانه
كجبّار واد تحدّى الخطر
بنهدين ، يستقبلان السّماء
كأنّهما يرضعان القمر
تساميت عن لغة الكاتبين
و روعة كلّ قصيد خطر
سوى شاعر في زاوية الحياة
دعته مباهجها فاعتذر
أكبّ على كأسه ، و انتحى
صدى اللّيل ، في اللّحظات الأخر
رنا حيث ترقب أحلامه
خيالك في الموعد المنتظر !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> التمثال
التمثال
رقم القصيدة : 66374
-----------------------------------
قصة الأمل الإنساني في أربعة فصول
.
.
أقبل اللّيل ، و اتذخذت طريقي
لك ، و النّجم مؤنسي و رفيقي
و توارى النّهار خلف ستار
شفقيّ من الغمام رقيق
مدّ طير المساء فيه جناحا
كشراع في لجه من عقيق
هو مثلي ، حيران يضرب في اللّيـ
ـل و يجتاز كلّ واد سحيق
عاد من رحلة الحياة كما عد
ت ، و كلّ لو كره في طريق !!
أيّها التّمثال هأنذا جئـ
ـت لألقاك في السّكون العميق
حاملا من غرائب البرّ ، و البحـ
ـر و من كلّ محدث ، و عريق
ذاك صيدي الذي أعود به ليـ
ـلا و أمضي إليه عند الشّروق
جئت ألقي به على قدميك الآ
ن في لهفة الغريب المشوق
عاقدا منه حول رأسك تاجا
و وشاحا ، لقدّك الممشوق !
صورة أنت من بدائع شتّى
و مثال من كلّ فنّ رشيق
بيدي هذه جبلتك من قلـ
ـبي و من رونق الشّباب الأنيق
كلّما شمت بارقا من جمال
طرت في أثره أشقّ طريقي
شهد النّجم كم أخذت من الرّو
عة عنه ، و من صفاء البريق
شهد الطّير كم سكبت أغانيـ
ـه على مسمعيك سكب الرّحيق
شهد الكرم كم عصرت جناه
و ملأت الكؤوس من إبريقي
شهد البرّ ما تركت من الغا
ر على معطف الرّبيع الوريق
شهد البحر لم أدع فيه درّا
جدير ابمفرقيك خليق
و لقد حيّر الطّبيعة إسرا
ئي لها كلّ ليلة و طروقي
و اقتحامي الضّحى عليها كراع
أسيويّ أو صائد إفريقي
أو إله مجنّح يتراءى
في أساطير شاعر إغريقي
قلت : لا تعجبي فما أنا إلاّ(65/82)
شبح لجّ في الخفاء الوثيق
أنا يا أم صانع الأمل الضّا
حك في صورة الغد المرموق
صغته صوغ خالق يعيشق الفنّ
و يسمو لكلّ معنى دقيق
و تنظرّته حياة ، فأعيا
ني دبيب الحياة في مخلوقي !!
كلّ يوم أقول : في الغد ، لكن
لست ألقاه في غد بالمفيق
ضاع عمري ، و ما بلغت طريقي
و شكا القلب من عذاب و ضيق
***
معبدي ! معبدي ! دجا اللّيل إلا
رعشة الضّوء في السّراج الخفوق
زأرت حولك العواصف لمّا
قهقه الرّعد لالتماع البروق
لطمت في الدّجى نوافذك الصّم
و ضقّت بكلّ سيل دفوق
يا لتمثالي الجميل ، احتواه
سارب الماء الشّهيد الغريق
لم أعد ذلك القويّ ، فأحميـ
ـه من الويل و البلاء المحيق
ليلتي ! ليلتي جنيت من الآ
ثام حتّى حملت ما لم تطيقي
فاطربي و اشربي صبابة كأس
خمرها سال من صميم عروقي !
مرّ نور الضّحى على آدمي
مطرق في اختلاجه المصعوق
في يديه حطامة الأمل الذا
هب في ميعة الصّبا المرموق
واجما أطبق الأسى شفتيه
غير صوت عبر الحياة طليق
صاح بالشّمس : لا يرعك عذابي
فاسكبي النّار في دمي و أريقي
نارك المشتهاة اندى على القلـ
ـب و أحنى من الفؤاد الشّفيق
فخذي الجسم حفنة من رماد
و خذي الروح شعلة من حريق
جنّ قلبي فما يرى دمه القا
ني على خنجر القضاء الرّقيق !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> دعابة
دعابة
رقم القصيدة : 66375
-----------------------------------
حلفت بالخمر و النّساء
و مجلس الشّعراء ، و الغناء
و رحلة الصّيف في أوروبا
و سحر أيّامها ، و الوضاء
رفعت فيها لواء مصر
و رأس مصر إلى السّماء
لم أنسكم قط أصدقائي
و لم يحل عنكم إخائي
أحبكم فوق كلّ حبّ
و هان في حبّكم فنائي
فما تظنون في وفيّ
أربى هواه على الوفاء
إذا احتواه الصّعيد ليلا
و هيمنت نسمة المساء
و تاهت الأقصر اختيالا
بالغيد في موسم الشّتاء
صدفت عنها إلى وجوه
عرفت فيهنّ أصدقائي
أنتم و هل لي سوى خيال
يجمعكم بي على التّنائي
فانتظروني ، و لا تطنّوا الظّنو(65/83)
ن و استمطروا ثنائي !
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في طهران
في طهران
رقم القصيدة : 64315
-----------------------------------
ما انتفاعي بغيض هذي الدُّموعِ
والجْوى مِلْءُ مهجتي وضُلوعي
لا أُحب العِناقَ من أجل ذكرى
خَلّفتها عناقةُ التوديع
لم أكُنْ قبل أن يَحينَ نواكُمْ
عارفاً قَدْرَ شمليَ المجموع
قد رأيتمْ تجلُّدي لسواكمْ
فاسألوا كيف كان فيكم وُلوعي
هَيّنٌ كلُّ ما أُلاقيهِ منكمْْ
في الهوى غَيْرَ ذِلّتي وخضوعي
عتب الناسُ قبلنا فأساءوا
رُبّ عتبٍ يجرُّ للتقريع
أين فضلُ الشباب إن لم يكن لي
حين أرجو وصالَكُمْ بشفيع
نَفَسُ الشعر شاهدٌ لذويهِ
ليس يخفى المصنوعُ بالتصنيع
إن أُضيَّعْ فسوف يُنْشَدُ شعرٌ
بدويٌّ برقةِ المطبوع
قد سمِعْنا بفارسٍ وكفانا
حُسْنُ مرئيّها عن المسموع
جاء فصلُ الربيع يَفْتَرُّ حسناً
وهنا .. هاهنا رُواءُ الربيع
رَجَع الحسنُ بعدما فات منها
قلَّ ما بينَ فَوْتِهِ والرُّجوع
واذا ما الشتاءُ جاء وردت
قطعاتُ الثلوجِ كَفَّ الصقيع
وأتى الصيفُ فاستفاضت شَِعابٌ
غمرتها الرّبى بماءٍ مَريع
وتولى الأشجارَ زِيٌّ غريبٌ
فهي خضرُ الأصولِ بيض الفروع
فهناك الجمالُ وهو بسيطٌ
تجتليه والحسن وهو طبيعي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الخريف في فارس
الخريف في فارس
رقم القصيدة : 64316
-----------------------------------
يا هائجينَ لخريفِ فارسٍ
ما تصنعونَ لو أتى ربيعُهُ
ورافعينَ طُنُباً تدعَمه
قدودُهم دامَ لكم رفيعه
أبياتُ حُسنٍ ، نُظِّمتْ ، بيُوتُكم
جميعها وحُّكم جميعه
كأنما الجْمالُ شِعرٌ بحرُه
برٌّ وأطنابُكمُ تقطيعه
تشكركُمْ عُيونُ أرباب الهوى
وصاحبُ الاحسانِ من يُشيعه
هذا جمالٌ زانهُ نورُ الفضا
لا كجمالٍ حِفظُه يُضيعه
لله دَرُّ دَرِّه من مُرضِعٍ
كلُّ الثرى ومن به رضيعه
أُفٍّ لخَلْقٍ رشَّةٌ من السَّما
تُشبعه وَمنْعُها يُجيعه
الحيُّ بادٍ عُجْبُه وعندَه(65/84)
عجيبُ أمرٍ مضحكٍ بديعه
ما الحيُّ يقتادُ القطيعَ للكلا
وإنما يقودُه قطيعه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الربيع
الربيع
رقم القصيدة : 64317
-----------------------------------
خليليَّ من ظلم الليالي بأنها
تَجئُ على رَغمي وتُحسَب من عُمري
هَلُمّا نَبِعْعُمراً ونَشْرٍ مَسَرَّةً
فليس بعدلِ ان نَبيعَ ولا نَشرى
ألم تَرَيا حُسنَ الربيعَ وما ضَفَا
على هذه الأشجارِ من حُلَلٍ خُضر
فلو أنَ مَيْتاً يُكتَفى عن نُشوره
إذنْ لاكتفى مَيْتُ النباتِ عن النَشْر
تَرَى الوَرْقَةَ الصفراءَ تنمو على الحَيا
رُوَيداً كما ينمو الرضيعُ على الدَرّ
خليليَّ ما شُكْرُ ابنِ آدم ربَّه
بأفصحَ مِن شُكر الخمائلِ للقَطْر
سقاها الحَياَ الغادي فنَمَّ على الثَنا
شذاها . كما نمَّ الحَباب على الخَمر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> جلوة المعشوق..
جلوة المعشوق..
رقم القصيدة : 64318
-----------------------------------
بُلْبُلٌ يحمِلُ في منقاره
وَرْقَةً من وردةٍ ذاتِ جمالِ
وهو لا ينفك في استعراضها
ذا زفيرٍ ونُباحٍ متعالي
قلت : ما أوجب ذا الحزنَ وما
نسبةُ الوصلِ من الدمعِ المُذال
قال : هذا سنةٌ توجبها
جلوةُ المعشوقِ في يومِ الوصال
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> فتوى في الخمر ..
فتوى في الخمر ..
رقم القصيدة : 64319
-----------------------------------
من شيخ دَيْرِيَ فَتْوى
عندي وعهدٌ قديمُ
أن لا تَحِلَّ مُدامٌ
حتى يَحِلَّ النديم
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الأمل ..
الأمل ..
رقم القصيدة : 64320
-----------------------------------
إن يكنْ أُغْلِقَ يومٌ
لك فارجُ الانفِتاحْ
مثلما تنقبض الوردةُ
بعدَ الإنْشراح
فيُحيّها الصِّبا الطَّلقُ
وأنفاسُ الصباح
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> رشحة القلم ..
رشحة القلم ..
رقم القصيدة : 64321(65/85)
-----------------------------------
أيَّ لُطفٍ قد أرتنا
رشحةٌ من قلمكْ
كرماً كان عظيماً
منك ذكرى خَدَمِك
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أينا أحسن..
أينا أحسن..
رقم القصيدة : 64322
-----------------------------------
ذهب الناس من
الدنيا بِمُلْكٍ ونعيمِ
وذهبنا نحن بالأشعارِ
والذوقِ السليم
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ختم الشفتين ..
ختم الشفتين ..
رقم القصيدة : 64323
-----------------------------------
مثلُ دنِّ الخمرِ نفسي
أبداً في غليانْ
وأنا آكل من قلبي
ولا يدري اللسان
كيف بعد الختمِ تقوى
أن تبوحَ الشفتان
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في العيد ..
في العيد ..
رقم القصيدة : 64324
-----------------------------------
وعظ الشيخُ ولكنْ
أذني فيها انصمامْ
كلُّ شغْلي يومَ
عيد الفِطْرِ كأس ومُدام
لِتنالَ الخمرٌ مني
ثأرَ أيامِ الصِيّام
مدةً غبت بها عن
وجهِ خمّار وجام
وبحسبي بعض ما
فرطّتُ في ذين أثام
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ادب الساقي ..
ادب الساقي ..
رقم القصيدة : 64325
-----------------------------------
خذِ الكأس بتوقيرٍ
وقبّلْها باذعانِ
فقد رُكِّبَ من قِحْفَةِ
جبّارٍ وسلطان
بقايا رأسِ جَمْشيدَ
وبهرامٍ وبهمان
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> نسيم الحياة..
نسيم الحياة..
رقم القصيدة : 64326
-----------------------------------
جهراً أقول ولوثُ الخُمارِ
يدوي برأسي
إني وجدتُ نسيمَ
الحياةِ يملأُ كاسي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> امر الاستاذ
امر الاستاذ
رقم القصيدة : 64327
-----------------------------------
لا بأمري خلق الصاحي
ولا النبّاذْ
كلنا يأتي كما قد
أمر الأستاذ
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> البلبل الشاعر ..
البلبل الشاعر ..
رقم القصيدة : 64328(65/86)
-----------------------------------
في الصبح أوحى بلبل
الرّوضِ الى ريحِ الصَّبا
أرأيت ما جرّ لنا
عشقُ أزاهيرِ الرُّبى ؟
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> اعترافات !..
اعترافات !..
رقم القصيدة : 64329
-----------------------------------
يقول : لَمَ اعتزلتَ؟ فقلتُ لِمْ لا
وخيرٌ من تظاهُريّ اعتزالي؟
نظمتُ فلم يُفد شيئاً نظامي
وقلت فلم يَجد أثراً مقالي
وهل تجدي الشَّجاعةُ في كلامٍ
جبانا عن مقارعة الرحال
أقول وذاك بهتانٌ وزورٌ
ظهوريَ لا لجاهٍ أو لمال
ألا فليشهَدَ الثقلانِ أني
مع الأيام ! ترخُص ..او تغالي
أذُم الناس إن غابوا ، ولكن
إذا حضروا فعُنوانُ الجلال
أبالي بامتداح الناس فعلي
وان أظهرت أني لا أُبالي
وازجُرهُم إذا نطقوا بعيبي
كأني بالغٌ حدَّ الكمال
وأُظهر عِفّةً عن نيل شيءٍ
إذا ألقيتُه صعب المنال
وأُسأل عن أمور لا أعيها
فأظْهِر أن نقصاً في السؤال
وكم سليت بالأوهام نفسي
وغطَّيت الحقيقةَ بالخيال
خططتُ على الرمالِ منىً فلما
تطامى السيلُ سِلْن مع الرمال
وكم من منطقٍ حُرٍّ نزيهٍ
أُزيَّفُهُ عِناداً بالجدال
مخافَة ان أُرى فيه اخيذاً
ومغلوباً ، كأني في قتال
على عهدي ، فلا الأيام حالت
ظواهرُها ، ولم تشِب الليالي
ولكنْ ، ضيقُ نفسي باعترافي
يريني أن ضيقاً في المجال
وكم وعدٍ حلفتُ بأنْ يوفّى
كأني قد حلفت على المِطال
أقول ، ولا أخاف الناسَ ، إني
مزجت حرامَ دهري بالحلال
وقد حَسُنتْ خِصالٌ لي ولكن
رأيت القبحَ أكثرَ في خِصالي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> شدة لندن!..
شدة لندن!..
رقم القصيدة : 64330
-----------------------------------
يا خليليَّ والبلاءُ كثيرٌّ
في بلادي ، ولا كهذي البليهْ
أْزَمنَ الداء في العراق ولن يَشفيه
إلا الجرّاح والعمليه
أفَتِىٌّ عراقنا ؟ فلماذا
خدعوه ؟ وذاك شأن الفتيه
سَحَرْتنا ظواهرُ الأمر حتى
أوهمتنا أن البلاد قويه
نتغنى وعصْرنا من نُحاس(65/87)
بأغاني عصورنا الذهبيه
نَخر الجهل أُمّتي نخرة السوس
فأينَ المجامعُ العلميه
كلُّنا في الجْمود والجهل وحشيون
لكنْ حقوقنا مدنيه
كلُّنا في النفاقِ والختلِ نُبدي
كلَّ يوم مهارة فنيه
وطني كلُّ من عليه وزيرٌ
واضعٌ نُصبَ عينه كرسيِّه
قد لففنا كل المساوي فينا
برداء من نهضة وطنيه
ما شَقِينا إلاّ لأنا حسِبْنا
أن في الكذب جرأة أدبيه
كثر المدَّعونَ ، لما اختلفنا
في البديهيِ ، فكرةً فلسفيه
لو يقول الاديب في الشرق " إن الأرض
تحتي " لسُميت نظريه!
كلُّنا بالذي تمنى سعيد
لا نبالي أن البلاد شقيه
أسمعتم ما قيل عن " برلماني "
وعرفتم مهارة الحزبيه؟
لست أدري لكن يقول خبير :
في البضاعات ... شدة " لندنيه "
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بغداد على الغرق
بغداد على الغرق
رقم القصيدة : 64331
-----------------------------------
بدت خَوداً لها الأغصان شَعرُ
ودجلةُ ريقُها والسَفْحُ ثَغْرُ
على " بغداد " ما بَقِيتْ سَلامٌ
يَضُوعُ كما ذَكَا للوَردِ نَشْر
سمتْ تَزْهو على السَفحَينِ منها
قصورٌ ملؤها زَهْوٌ وكِبْر
يُظلَّلُ دجلةً منها جَناحٌ
كما بَاهى بقادِمتَيه نَسْر
نزلتُ فما رأيتُ أبرَّ منها
وضيفُ كريمةٍ برّ يُبَر
قرتْني الريحُ ، لم يَفْسُد ، مَهَبٌّ
له والماءُ ، لم يسْدُدْ ، مَمَرُّ
سكِرتُ وما سُقِيتُ بغيرِ ماءٍ
ودجلةُ ماؤُها عَسَلٌ وخَمر
كريمةُ سادةٍ عَرَّقْنَ فيها
عروقٌ من بني " عدنان " نُضْر
كفى " العباسَ " ما أبقَتْ بنوه
فما تَربو على " بغدادَ" مِصْر
مَضَوا غُرَّ الوجوهِ وخلَّدتْهم
نِقاباتٌ من الآثار غُرّ
فمن يكُ ذكرهُ حَسَناً جميلاً
فحسْبُ القَوم في بغدادَ ذِكْر
فيا بغدادُ لا ينفكُّ سِرٌ
لحُسْنِكِ ينجلي فيدِقُّ سِر
أكنت و " بابلاً " بلداً سواء
فللملكَينِ باقٍ فيك سحر
سقى الجْسرَ المَطيرَ من الغوادي
فَملْقى اللهو واللذاتِ جسر
هو البرجُ الذي كادَتْ عليه
نجومُ الأفقِ ساجدةٌ تَخِرّ(65/88)
رأيتُ بأفقه شمسْاً وبَدراً
كأحسنِ ما تُرَى شَمسٌ وبَدر
نهاراً كلُّه أُصُلٌ لِذاذٌ
وليلاً كلهُّ سحرٌ وفجر
وقفتُ عليه وِقفةَ مستطيرٍ
من الأحزانِ ملْ حَشاه ذُعر
وللأمواج من حَنَقٍ نَشيشٌ
كما يَغلي على النيرانِ قِدر
ودجلةُ كالسجينِ بغَى فراراً
وأزْبَدَ حيثُ أعوزَه المَفَرُّ
وذاك الثابتُ الأركانِ أمسى
عليها ريشةً لا تستَقِرُّ
فما أدري غَداةَ نَزَا عليه
من الأمواج مُغتَلِمٌ يؤر
أتحتَ الماءِ غاصوا حين جازوا
عليه أم فُوَيقَ الماءِ مرّوا
أحقاً أن " أمَّ الخير " منها
بعاصمة " الرشيد " أحاطَ شرّ
وبات الماءُ منها قِيدَ شِبرٍ
لقد أسدَى لها الأحسانَ شِبر
ودجلةُ حُرَّةٌ ضيمَت فجاشَت
ويأبى الضيمَ والاذلالَ حرّ
أضاعُوا ماءها هدراً وأخنَى
على مُستودَعِ البَرّكات فَقْر
فان تَكُ دجلةٌ هَدَأت وقرَّت
فللغضبان " شِقْشِقَةٌ " تَقَر
وإن تُبْتُمْ فذالكمُ وإلا
تُصِرُّ على البلية إن تُصرّوا
رأوا حسنَ العراق فأعجبتهمْ
اباطحُ من ، ربيع فيه ، خُضْر
وقد حَنُّوا اليه كما تلظى
فطيمٌ حول مرضعة تدُر
فيا وطناً جَفَوْهُ وهو راضٍ
وعقَّته بنوه وهو بَرّ
برغمي أن تروقَ لهم فتحلوا
مواردُهم وعيشي فيك مرّ
نصيبي منك دمعٌ ليس يرقى
على البلوى وجنبٌ لا يَقِر
رضيً بالحالتين ضنىً وبؤسٌ
فضُر من بلادي لا يضر
ولستُ ببائعٍ أرضي بأرضٍ
وإن لم ألقَ فيها ما يسر
ومن لم يرضَ موطنه مقراً
من الدنيا فليس له مقر
تتابعت الخطوبُ على بلادي
فواحدةٌ لواحدةٍ تُجَر
وقد مرت نحوسٌ واستمرت
وذلُ القوم نحسٌ مستمر
فلو قالوا تمنَّ لقلتُ يوماً
يكرُّ وما به خطبٌ يكر
إليك الشعرَ يا بغدادُ عِقداً
تناسق لؤلؤٌ فيه ودُرّ
بيانٌ جاش فيكِ فجاء عفواً
وحسنٌ رق منك فرقّ شعر
جرى بالوَفق من قلبي لساني
وأظهرت القوافي ما أُسِر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تحية الوزير
تحية الوزير
رقم القصيدة : 64332
-----------------------------------(65/89)
حيِّ الوزيرَ وحيّ العلمَ والأدبا
وحيِّ من أنصف التأريخَ والكتبا
وحيِّها ضربةً للجهل قاضيةً
مجالسُ العلمِ قد عجّت لها طربا
وحيّه ساخطاً هاجت حميَّتُهُ
وحيِّهِ ناهضاً غَيرانَ ملتهبا
أُريد منه الذي لم يهوَهُ فنبا
وسِيمَ ما لم يُطقْ وجدانهُ فأبى
لولاك أعدى بُراءاً داءُ دعوتِهم
وربّ عضةِ كلبٍ أورثت كَلَبا
لم يحفظوا لأماني الشعب حرمَتَها
من أجل أن يبلُغوا من مطمعٍ أرَبا
يا صاحب الهمّةِ الشماء حسبُكَهُ
يوماً رَعَيْتَ به الأجدادَ والنسبا
أللهُ يجزيك والآباء مأثرةً
في اللهِ صُنتَ بها آباءَك النُجبا
ما زلت " حباً بما شيدت في رجب "
من فوق كل شهوري رافعاً رجبا
بصّرت بعدك من ياتي بواجبه
نحو البلاد كما أخجلتَ مَنْ ذهبا
لو كان للشعبِ رأي في مصائرِه
حقاً اقام لك التمثالَ والنُصُبا
هم حاولوها لأغراض مُذمَّمَةٍ
حتى إذا سُعِّرَتْ كانوا لها حطبا
جزاء ما قد أظلته البلادُ وما
أضفت عليهم به أثوابَها القُشُبا
عارٌ على صفحة التاريخ قيلتُه
ولطخةٌ في جبين المجدِ ما كتبا
حسب " الحسين " الذي لاقاه مغتربا
من الشآم وما لاقاه محتربا
هذا نتاجُ شعورٍ جاش جائِشُهُ
راعوا عواطف هذا الشعب ياغُرَبا
أما العراقُ فقد غصت " مطاعِمُهُ "
فاستطعموا بعده بيروتَ أوحلبا
ضاقت بما لَقيِتْ منهم مواطِنُهُمْ
لكنّما موطني من ذلةٍ رَحُبا
وقيعة بين شعب هادئ وجدوا
كفواً لها ساقطَ الأخلاق فانتدبا
ما كان يعلم لما أن أهاب به
شيطانُه أنْ يَجُرَّ الويلَ والحربا
حتى إذا صَوَّحَتْ آمالهُ ورأى
أن الأماني التي غرّته عُدْنَ هبا
عضَّ النواجذَ من غيظٍ فما نفعت
شيئاً ، وأهْوِنْ به من واجد غضبا
كسرتَ من شوكة الطاغوتِ ما عسرت
ورُضْت من خُلُقِ الجْبّارِ ما صُعبا
لا رحمة لغَويٍّ في الضلال هوى
ولا لعاً لِمُجِدٍّ في الشقاق كبا
مشى يظنُّك كالماضين ذا خَوَرٍ
حتى إذا ما رأى ما لم يرَ انسحبا
هيهاتَ في أيّ مرعى شائكٍ سفها(65/90)
رعى ومن أيِّ كاسٍ عَلْقَمٍ شَرِبا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الوطن والشباب
الوطن والشباب
رقم القصيدة : 64333
-----------------------------------
أتت زمراً فهدَّدت البلادا
خطوبٌ هزَّت الحجرَ الجمادا
فيا وطناً تناهبتِ الرزايا
حُشاشتَه وأقلقتِ المهادا
برغمي أنَّ داءك لاأقيه
وجرَحكَ لاأطيق له ضمادا
وأنْ يِردوا مياهَكَ صافياتٍ
مرقرقةً وأنْ أرِدَ الثمادا
وأن تصفو مواردُهم فتحلوا
لهمْ وبنوكً لا يَجِدونَ زادا
تدفقْ ماءَ دجلة فاخترقْها
سهولاً طبنَ مرعىً أو وهادا
وجلّلْها عميمَ النبت واخلعْ
عليها الحُسْنَ وافرُشْه وسادا
وقُلْ للزارع المسكين يزرعْ
ويتركه إذا بلغ الحصادا
أراد السوطُ أن نشقى ليهنوا
وماضٍ حكم "سوطٍ " إنْ أرادا
وسيّدُ نفسه شعبٌ ولكنْ
قضى الفردُ المسلَّطُ أن يُسادا
ألا ساعٍ ولو بخيال طيفٍ
يبشّر أنَّ عصَ الظلم بادا
أخُلانَ العبادِ على استواءٍ
لِمن وعلى مَ اسلَمْتِ العِبادا
رأوا في الرافدين ثرىً خصيباً
يروقُ العين فانتشروا جرادا
سل النشءَ الجديدَ حماه ربي
أيقدِر أنْ يُبلّغنَا المرادا
أيقدر أن يُري التاريخ سعياً
متى نمرُرْ عليه نقلْ أجادا
وأن يسعى ليصلحها شعوباً
بنوها أوسعت فيها فسادا
فانَّ على الوجوه سماتِ خيرٍ
حساناً تكشف الكُرَبَ الشدادا
مدارسَنا احفظي الأولد إنا
وضعنا بين أضلعك الفؤادا
أريهم واجبَ الوطنِ المفدَّى
لكيما يُحسنوا عنه الجهادا
أريهمْ أننا بالعلم ننمو
كما ينمو الثرى سُقِي العهادا
أريهم أننا نبغي رجالاً
نسود بها الممالك لا سوادا
أشبَّانَ العراق لكم ندائي
ومثلُكُمُ جديرٌ أن يُنادى
ألستم إنْ نبا بالشعب خطبٌ
نضيناكمْ له قضباً حدادا
وحسب الشعبِ بالفكرِ اعتقاداً
وبعد الله بالنشء اعتضادا
لساني نافثٌ سماً وطبعي
يلطفُه فتحسبُه شِهادا
لئنْ غطى على كَبدي اديمٌ
فكم من جمرةٍ كُسِيَتْ رَمادا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> نزوات!
نزوات!(65/91)
رقم القصيدة : 64334
-----------------------------------
كم من سؤالٍ عميقٍ
له الدموع جوابُ
أما الفؤاد ففيه
من الهموم كتاب
عل اللسان تَبَدَّى
لمّا استفاض الوِطاب
طَفْحاً كما يتنزّى
على الشراب حباب
ما للثقاب ومالي
ملءُ الضلوع ثقاب
شعابُ قلبي أطاقت
ما لا تُطيقُ الشّعاب
ولّي شباب وماذا
رأى فيبقى الشباب
ضيف عزيز قراه
ألهمّ والإكتئاب
حقيقةُ الأمر عندي
الشكُّ والإِرتْياب
جنى عليَّ شعوري
إنّ الشعورَ عذاب
أما القوافي فجمرٌ
طوراً وشهدٌ مُذاب
ترضى وتغضب لكن
أرَقُهُنَّ الغِضاب
لا يَحْسُنُ الشعرُ حتى
تُراضَ منه الصِّعاب
أَوْحدهُنَّ فيلغى
عن النساءِ الحجاب
كل المسائل غطى
وجوهَهُنَّ نِقاب
إصلاُحكُم ليس يثجدي
كلُّ الأمورِ خراب
قلبي وبيتي وشعبي
في كُلِّهنَّ اضطراب
ما انسدّ للبؤسِ بابٌ
إلا ّتَفتَّحَ باب
البرلمانُ صحيح
يعوزه الإنتحاب
وفيه قام دويّ
تجهله الأحزاب
الجوعُ يُنْذِرُ قومي
أن يأكل الظُفْرَ ناب
سل دجلةً كيف باتت
قصورُها والقباب
ما ضر لوكان يوماً
غطّى عليها العُباب
غنىّ عليها هَزارٌ
وناح عندي غراب
من دمٍ قلبٍ كسيرٍ
سمنَّ هذي الرقاب
ومن دموعٍ حِرارٍ
مُلِئنَ تلك العيِاب
قد بان من نقص قومي
ما لا تغطِّي الثياب
رّقتْ لما هي فيه
حتى الصخورُ الصِلاب
هل في سوى الزِيّ منا
تجدٌُّدٌ وانقلاب
قالوا : حروب فقلنا
لَهُمْ : وأين الحِراب ؟
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> هلموا وأنظروا
هلموا وأنظروا
رقم القصيدة : 64335
-----------------------------------
الا لا تسألاني ما دهَاني
فعن ايِّ الحوادثِ تسألانِ
بكَيت وما على نفسي ولكنْ
على وَطَنٍ مُضام مُستَهان
على وَطن عجيفٍ ليس يقوَى
على نُوَبٍ مُسلْسلةٍ سمان
تظُنُّ زعانفٌ . والظنُ إثم
باني لا أُرامي من رَماني
أأتركُهم وقد أغرَوا بأخذي
وأنساهُم وقد غَصَبوا مَكاني
اما واللهِ لولا خوفُ واشٍ
يحرَّفُ عن مقاصِده بَياني
إذنْ لملأتُ محفِلَكم شُجوناً(65/92)
دماً يبكي عليها الرافدان
ولكني أطمَّنُ من هِياجي
وأمنع أن يغالبَني جَناني
لِحاظاً للعواقب وانتظاراً
ليومٍ ضامنٍ نيلَ الأماني
أمثلي تَمنَعون عن القوافي
ومثلي تحبِسون عن البيان ؟
سيمنعُ من طلاقته لساني
متى مُنِعَ الظهورَ الفرقدان
دعوه انه بالرغم منكم
جوادٌ سابقٌ ملءَ العِنان
عريقٌ ليسَ بالمجهول أصلاً
ولا يَنمي لآباء هِجان
أنا الصَبُّ الذي مَلَك القوافي
ولم يبلُغْ سوى عشرٍ زماني
حياتي للعراق فِدىً ووقفٌ
على وطني ومُصلِحُه كياني
ولو سُئِل الجمادُ لمن قريضٌ
تَهَشُّ له إذا يُروَى عَناني
" ولو اني بُلِيتُ بهاشميٍّ
خُؤولته بنو عبدِالمَدان
لهان عليّ ما ألقى ولكنْ
هلُّموا وانظروا بمن ابتلاني "
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الخطوب
الخطوب
رقم القصيدة : 64336
-----------------------------------
عَدتني أن أزوركمُ عوادي
فلا تُشَجوا بكتبكُم فؤادي
عجيبٌ ما أرتنيه الليالي
وأعجب منه أن سلم اعتقادي
بأيسر من أذاي ومن شَكاتي
رمى الناسُ " المعرّي " بارتداد
وما في هِمَّتي قِصرٌ ، ولكن
قدحتُ مطالبي فكبا زنادي
سلِ الأيامَ ما أنكرنَ مني
كريمَ الخِيم ، أم شرفَ الوِلاد
أرقُّ من النسيم الغضَّ طبعي
وأحمل ما يشقُّ على الجماد
فيا نفسي على الحسرات قَرّي
فأين مُراد دهركِ من مرادي
ولا ترِدي ماردَ صافيات
إذا ما كان حتماً أن تذادي
أينكر إلفتي حتى صحابي
وتنبو الأرض بي حتى بلادي
ومن عجب تضيعني وذكري
تردّده المحافل والنوادي
أيدري من يردِّدها حساناً
خلاءً من زِحتف أو سناد
تناقَلُها الرُّواة بكلّ فجٍّ
وتُهديها الحواضر للبوادي
بأن الشعرَ تشرب من عيوني
قوافيه ، وتأكل من فؤادي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> شهيد العرب
شهيد العرب
رقم القصيدة : 64337
-----------------------------------
وطني الغضيضُ إهابُهُ
أصبو له وأهابُهُ
خُضْر الحقولِ طَعامُه
والرافدان شَرابه
حَبُّ القلوبِ رِمالهُ(65/93)
كُحْلُ العيون تُرابه
إن ساءَ مبدأُ موطني
فعَسىَ يَسَرُّ مآبه
لم يبقَ فيه بقيِّةٌ
ظُفْرُ الزمان ونابه
بيد الظروفِ دَنيَّةٌ
العوبةٌ أحزابه
وعلى رَحَى تفريقه
مطحونةٌ " أقطابه"
شعراؤُهُ متكالبونَ
ومثلهم كُتّابه
هيهاتَ ينهضُ موطنٌ
حُبُّ التقسمُّ دابه
سَحقَ الزمانُ رؤوسَه
فترأسَّتْ اذنابه
فاذا نَبَا دهرٌ به
فحُماتهُ نُهَّابه
تبغي السفورَ نساؤهُ
وعلى الرجال حِجابه
ضجَّت جُيوبُ الأجنبي به
وضجَّ " وطابه "
من طول ما امتلأتْ به
أكراشُه وعِيابه
وابنُ البلادِ على الكفاف
يطولُ فيه حِسابه
تبكي لنقص الساكنينَ
قصورهُ وقِبابه
ومن المذلّةِ حُمِّلتْ
مالا تُطيقُ رقابه
مضَّ العتابُ به وذو
الشكوى يُمِضُّ عِتابه
والشاعرُ الغَضبانُ اعذرُ
ما تكونُ غِضابه
الموجعاتُ حسانُهُ
والمُبكياتُ عِذابه
لو لم يُنفه بالقريض
أودِت بهِ أوصابه
قلبي وشِعري سالَ من
هذا وذاكَ مُذابه
حيِ الشبابَ تناهضُوا
فخر العراق شَبابه
بِهُمُ ازدهتْ نهضاته
وبهِمْ سَمَتْ آدابهُ
صُونوا القضيةَ اِنها
سِرٌّ وأنتُمْ بابه
أما السؤالُ " فقبرِصٌ "
" وأبو عَليَ " جَوابه
البَرُّ ضاقَ فسيحهُ
والبحرُ جاشَ عُبابه
يومَ استقَّلتْ بالمليكِ
ابي الملوك رِكابه
يا نازحاً عَودُ الكرامة
عودُهُ وإيابهُ
هذا كتابكَ والفتى
تاريخهُ وكتابه
اللهُ يعرِفُ ما أتيتَ
وبيتهُ وشِعابه
وأخو المتاعبِ لا يَضيع
سُدىً ولا أتعابه
سيّانِ شُهدُ الدهر عند
العاملين وصَابه
ولعزة الأوطان هان
على " الشهيد " مُصابه
أمر جليل بالتقاعس
لا تُراضُ صعابهُ
وبقدر مَسعى الطالبينَ
له يكونُ طِلابه
ما للفؤادِ وُعودهُ
طالَتْ فطالَ عَذابه
واذا تغالَبَ والرَجاءُ
فيأسُه غِلابه
والدهرُ يُنبيء أنَّ
أحزانَ الوَرَى أطرابُه
ظمآنةٌ لا تمتَلي
من عَبرةٍ أكوابهُ
وطني وفوق الذَنبِ
كان جزاؤه وعِقابه
بشَّرتُهم بِعمارهِ
اذ قيلَ تمَّ خَرابه
مُلْك أريدَ " دَمارُه"
فتعجَّلتْ أسبابه
قَلبُ السياسةِ لا ترِقُّ(65/94)
على الضعيفِ صِلابه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> النفثة!
النفثة!
رقم القصيدة : 64338
-----------------------------------
السَّلم لا يُجدي بيوم الكفاحْ
فاستقبلِ الأيام شاكي السلاحْ
واغتنمِ العمرَ وساعاتِه
فانها تمر مرَّ الرياح
حسبُك فيما قد بقي عِبرةٌ
لا يَرُح اليومُ اذا الأمسُ راح
آهٍ على الفُرصةِ ضيعتَها
والآن إذ تطلُبها لا تُتاح
بالعزم نِلْ يا شرق ما لم يُنَلْ
فالغرب قد طار بِهذا الجَناح
لا تك مهما اسطعت رِخو الجماح
واستنزلِ الدهرَّ على الإقتراح
يكفيك ما كابدتَ من ذِلّة
الملكُ قد فُرِّق والعرش طاح
هلاّ إلى مَكْرُمةٍ خُطوةٌ
يا شرق يا ذا الخُطُوات الفِساح
يا أمةً أعمالُها طفرةٌ
بُشراك قد انتجت قبل اللِّقاح
سائمةُ الحيِّ اطمأنتْ به
مرعىً خصيبٌ ونميرٌ قراح!
أْلجِد ما تُضمر من طيّةٍ
وكل ما نُعلن عنه مزاح
نُحْتُ وغنَّيتُ ولا مِيزةٌ
قَبْلِيَ كم غنّى هزارٌ وناح
لا غرو أنْ سال قصيدي دماً
فانَّ قلبيْ مثخنٌ بالجِراح
يا ظلمةً قد طبقّتْ موطني
دومي : فشعبي لا يُريد الصّباح
الشؤم قد أوهم أوطاننا
أن ليس يُجدي المرء إلا النِّياح
ما لبلادي فظّةٌ روحُها
بعيدة عن هزةِ الارتياح
من لي بشعبٍ واثقٍ آمنٍ
غُدُوُّهُ لغايةٍ والرَّواح
قد فَوَّضَ الأمرَ لشُبانِهِ
فكُلِّلتْ أعماله بالنجاح
تَوَّجَهُ الوعيُ بألطافه
بِشراً كما تُوِّجَ زهرُ البِطاح
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> غازي...
غازي...
رقم القصيدة : 64339
-----------------------------------
سهولُ العراق وكثبانُهُ
وروحُ العراقِ وريحانُهُ
ودجلةُ خمراً وشُهداً تسيلُ
وزهوُ الفُراتِ وطُغيانه
وصَفصافهُ وظِلالُ النخيل
على ضَفَّتَيه ورُمانه
تحييكَ جذلانةً طلقةً
وخيرُ الهوى الصِدقِ جذلانه
يحييك جَوٌّ وطيّارةٌ
وبحرٌ ركبت وربانه
تكاد لـ" لندن ِ " شوقاً تطيرُ
لترجعَ بالضيف " بَغدانه "
ولو تستطيعُ نُهُوضاً سَعَت(65/95)
قُراه اللِطافُ وبُلدانه
يحييك " فخر شباب العراق "
شِيبُ العراق وشُبّانه
قدومُك " غازي " يَزين الأوانَ
وكم قادمٍ زانَه آنه
على حينَ عَجَّت لنأي المليكِ
حُداة البيانِ ورُكبْانه
سلمت فهذا أوانُ القَريض
ويومُ الشُعور ومَيدانه
وما أنا مَن سِيمَ في شعرِه
ولا أنا مَن ضيمَ وجدانه
ولكنه نَفَسٌ طاهرٌ
قديمُ القصائد بُرهانه
"حسين " و" قبرصُه " يعرفانِ
و " عبد الاله " و "عَمّانه "
مَن الشاعرُ المستثيرُ الشجونَ
اذا هزَّت الصدرَ أشجانه
اذا ما " دواويننا " نُشِّرت
فكلٌّ وما ضَمَّ " ديوانه "
فديتُك خَلِّ الأسى راقداً
فقد يَقتُلُ المرءَ يَقظانه
ولا تَستَثرْ شاعراً إنه
مَخوفٌ إذا جاشَ بُركانه
فلو كلُّ ما الحرُّ يدري ، يقول ،
لضاقَتْ على الحرِّ أوطانه
لقد فَقَدَ العُرْبُ حريةٍ
كما الروحُ خلاّه جُثمانه
زمانُ الوفود مضَى وانقضَى
وما قال كِسرى ونُعمانه
وإذ سيِّدُ العَرَبِ الأولينَ
يتمِّمُ بالسيف نُقصانه
وهذا زمانٌ يُلينُ اللسانَ
على وَغَر القلبِ إنسانه
اريدُ سرورَك والقلبُ فيه
ما لا يَسُّرك إعلانه
مليكٌ وتكفيهِ أتعابهُ
وشَعبٌ وتكفيه أحزانه
فحدِّثْ فقد أذنِنت بالسَماع
لحلو حديثِك آذانه
عن العلم في الغرب ِ ما بالهُ
وعن رجلِ الغرب ما شأنه
وهل في الشدائد أحقادهُ
تُعينُ عليه وأضعانه
وهل للدسيسةِ بين الصفوف
تَلاقَت .. تُسخِّرُ أديانه
تباهي بمثلِك أكفاؤهُ
ولاةُ العهودِ و" أقرانه"
وحسبُك مُنطلقاً منشأً
نشأتَ وضمَّتْكَ أحضانه
رعايهُ جدّك نثور النَّبي
وبيتُ الالهِ وأركانه
ولا خيرَ في المُلك ما لم يُشَدْ
على أُسُسِ العلمِ بُنيانه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في الطيارة أو على أبواب المفاوضات
في الطيارة أو على أبواب المفاوضات
رقم القصيدة : 64340
-----------------------------------
حيّاك ربُّك غادياً أو رائحا
مستسهلاً نَهْجَ الهدايةِ واضحا
أمواجُ دجلةَ والفراتِ تدفَّقا(65/96)
عَذباً فراتاً عاد بعدك مالحا
أيّامُنا بك كلهن سوانحٌ
ومتى تشأْ - حوشيت - كُنَّ بوارحا
لولاك ما كان العراقُ وأهلُهُ
إلا قطيعاً في فلاةٍ سارحا
سُسْتَ الحوادثَ بالروية جاهداً
وحملتَ أعباءَ الخطوبِ فوادحا
وأذْبتَ نَفْسكَ في رياضةٍ موطنٍ
لولا جهودُك كان صعباً جامحا
لُقيِّتَ أصلَح غايةٍ يامن سعى
للهِ والأوطانِ سعياً صالحا
في ذمة الوطن المفدّى أن تُرى
مُتغِّرباً وعن المواطن نازحا
عَرَفتْك أقطاب السياسةِ ساهراً
بهمومه ولخير شعبك كادحا
"باريسُ " تعرِفُ ثم " لندنُ " موقفاً
خُضْت السياسة فيه لُجاً طافحا
و " التاج" اذ نَقَمت عليه عصابةٌ
قامرتَهُمْ فيهِ فكنت الرابحا
مولايَ ثقْإن الجْوانحَ ثرّةٌ
بولاء عرشِكَ مَا بقينَ جوانحا
سر واثقاً بجهاد شعبٍ طامحٍ
ولقد يسرُّكَ أن تراه طامحا
قل إن أتيتَ من " الحليفة " دارَها
ولقيِتَ شعباً للشعوب مكافحا
" شعبي " وفي كفي نجاحُ مصيره
يرجو ويأملُ أن يرانيَ ناجحا
شعبي يُريد الرافدين لنفسه
لا أن يكونَ " الرافدان " منائحا
يشنا على العذب الفرات منافقاً
ويحب في السم الذعاف " مصارحا"
" كوني " له الخلَّ النصيحَ سريرةً
وَجهارة تجدِيهِ خلا ناصحا
كيما تصانَ مصالحٌ لك عنده
" صوني لابناء العراق مصالحا "
مولايَ : عاطفةُ الأديب وشعرُهُ
كالَّزند يوري إنْ يصادفْ قادحا
عاشت برغم " الظالمين " قريحتي
ولكم أمات " الظالمون "قرائحا
مدح الملوكَ " الشاعرون " وإنما
أفرغتُ " قلبي " للمليك مدائحا
في ظل مغناك الكريم ولطفِه
ابداً أُجيد " خواطراً " ..و " سوانحا "
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> على سعد
على سعد
رقم القصيدة : 64341
-----------------------------------
قم والتمسْ أثرَ الضريحِ الزاكي
وسلِ " الكِنانةَ " كيف مات فتاكِ
وسلِ " الكِنانةَ " من أصابك غِرةٌ
واستلَّ سهمَك غيلةٌ فرماك
أهرامَ مصرَ وقد بناكِ لغاية
" فرعونُ " ذو الأوتاد حين بناك(65/97)
علموا بأن سَتداسُ مصرُ وما بها
حتى قبورُ المالكين سواك
فاستوطنوكِ وَحسْبُ أرضِكِ ميزةٍ
أن لم يَرَوْا ثقةً بغير ثَراك
تاريخُ مصرَ على يديك يعيده
من جانبيك صدى السنينَ الحاكي
" زغلول " ضميّه إلى آبائه
" وفؤاد مصرَ ضعيه في أحشاك "
لا تُهمليِه واذكري أتعابَهُ
وثقي بسعدٍ فهو لا ينساك
روح على الفردوسِ رفَّتْ حرةً
وتقمصتْ ملكاً من الأملاك
حَمَلَتْ وما حَمَلَتْ إلى أوطاننا
غيرَ المناحةِ هزةُ الأسلاك
يا روحَ سعْدٍ قد خبرتِ بلادَهُ
بالله قصيها لمن سوّاك
واذا رأيتِ النيلَ يَزْفُرُ موجُهُ
ولي بعينك شجو هذا الباكي
قولي بعينك وردةٌ ما تنقضي
الآمُها من وخزةِ الأشواك
مصرٌ يداكِ على " العراقِ " عزيزةٌ
أبمنطر منه تشلّ يداك ؟
يُسراك من طولِ الملاكمة انبرتْ
وبموت سعدٍ تنبري يُمناك
عاثت بلُحْمَتِكِ السنينُ ولم تُطِقْ
-لله درَك- عيثةً بسَداك
هزوا لتجربَة قُواك وساءهم
بعد العنا الاّ تخورَ قُواك
روح المفاداةِ الكريمةِ علمت
أبناءَكِ الأغيارَ صَوْنَ حماك
شيع تموج تزاخماً حتى اذا
نزل البلاءُ تضامَنَتْ لبقائك
وهَبي : بَنُوكِ قَضوا لأجلكِ كلُّهم
عاشت بناتُك حاملات لواك
يا موجةَ النيلِ احملي تيّارَهُ
علّ " العراقَ " تهزُّهُ عدواك
ماشي العراق بيومه فلطالما
تاريخُه بسِنينه ماشاك
وطنٌ مريضٌ زاد في الآمه
ألاّ يكونَ على يديه شفاك
وتسمَعِّي إن القلوب تفطرت
من أنَّةِ الزُّراع والمُلاّك
عربُ الجزيرةِ هامدون كأنّهم
لم يُبْتلْوا أبداً بيومِ عراك
لا يطلبون سوى ارتخاءِ قُيودهِم
أتُراهُمُ لم يطمعوا بفكاك
هذي الطيورُ البيضُ أين مَفَرُّها
ستُّ الجهاتِ رصدْنَ بالأشراك
يا سعد أمّا موطني فمهدَّدٌ
- إن لم يُعَدْ بنيانه - بهلاك
يا سعدُ أبلغُ من قصيدةِ شاعرٍ
يبني القوافي فيك دمعة شاكي
يا سعدُ ما قدري وقدرُ نياحتي
كلُّ البلادِ نوائحٌ وبواكي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> جائزة الشعور
جائزة الشعور(65/98)
رقم القصيدة : 64342
-----------------------------------
نادمتُ خلان الأسى
وسُقِيتُ من كأسٍ دِهاقِ
مثلَ اصطباحي من كؤوس الهم
والألَم اغتباقي
هذي النفوسُ الشاعراتُ
تلذَّذت بالإحتراق
غنَّيت نفسي إذ رأيت
نفوسها غنَّت رفاقي
كّلٌ يقول أنا أحوز السبقَ
في يوم السباق
مالي أنوح على سواي
وميِّتي رهنُ السياق
ساقي المدامِ إذا قَضَت
هذي البلاد فانتَ باقي
روحي : وروحٌ الشعر والأوطانِ
كل في التراقي
كل البلاد سَعت لتُصلِحَ
شأنها إلا عراقي
صَدْعَ الزجاجِ تصدَّعَ
استقلالُنا بيد النِفاقِ
شتانَ فيما أرتئيه
مَذاقُ صحبي من مَذاقي
حَلَبات آدابٍ العراق
بَكَت على الخيل العِتاق
لم يبقَ لي غيرُ
المخُاتِل والمُنافقِ والمُتاقي
أفٍّ لها من أوجهٍ
قابلْنَنّي سودٍ صِفاق
اما غِنايَ فظاهرٌ
محضٌ كأغنية السَواقي
تتكسُر النَبَراتُ في الأشعارِ
من ضيقِ الخِناق
نَزَفّت دموعُ العين ثم
تحَجرَّت هذي المآقي
ولكثرة الباكين ضاعت
حرمةُ الدّمع المُراق
هذا بياني تعرِفون الروحَ
فيه من السِياق
يا رقةٍ في الطبع بانَتْ
بين أبياتٍ رِقاق
أنت التي هوَّنتِ من
هذي الشدائدِ ما أُلاقي
وانا المديَنُ لمهجةٍ
حَمَّلتُها غيرَ المُطاق
آلامَأيامٍ مَضَينَ
وخوفَ أيامٍ بواقي
اما التمردُ في شعوري
فهو من أثَر الوَثاق
أحييتُمُ نَفْساً أردتُمْ
مَوتَها بالإختناق
لا تقتضي تلك الخشونةَ
بعضُ أبياتٍ رِقاق
ماذا تُرَجِّى " فارك "
من بعد حادثهِ الطَلاق
ما سرها لقياكُمُ
فيسوؤُها وقعُ الفِراق
قم يا " جميل " فحامِني
يا حاميَ الأدبِ العراقي
يا من بشعرِكَ ظنَّتْ الاقوامُ
أنَّ الشَعبَ راقي
قبلي باحجارٍ رُشِقتَ
لقاءَ هاتيك الرِشاق
تلك العرائسُ كم لَقَت
ضيماً وهُنَّ بلا صَداق
أو بعدَ ذا يتشدَّقونَ
بقُرب دورِ الإنعتاق
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> من لندن الى بغداد
من لندن الى بغداد
رقم القصيدة : 64343
-----------------------------------(65/99)
حياكَ ربُّكَ من ساعٍ بسراءِ
يلقى الوفودَ بوجهٍ منهُ وضّاءِ
فاضت أساريرهُ بشراً فما وَقَعَتْ
منهُ العيونُ على كَدٍّ وإعياء
لله يومُك مشهوداً بِروَعْته
تهزّ داني بلادِ اللهِ والنائي
في محفلٍ حجَبَ الأبصارَ موكبُهُ
فليس يحسُدُ الا الناظرَ الرائي
هذي الوفودُ وفودُ الشعبِ حاملةً
إليك إخلاصَ آباءٍ وأبناء
هابُوا جلالتَك العُليا فما نَطَقُوا
حَرْفاً ولا سَلَّموا إلا بايماء
للنَصرِ فوقَك أقواسٌ نوافذُها
ترمي سويداءَ حُسادٍ وأعداء
بغداد مثل قلوب المخلصين لكم
تُزهَى بشُعلة أنوارٍ وأضواء
أنت الطبيبُ لشعبي والدواءُ له
وأنت شَخَّصت منه موضعَ الداء
يدٌ من اللطف غراءٌ ولا عجبٌ
كم من يدٍ لكَ قد أسلفتَ غراء
كم موقفٍ مثلِ حدِّ السيف ذي زلق
فَرَجْتَهُ بين إصباحٍ وإمساء
أذيّةٌ في جهاد نِلتَها طرباً
وهل جهادٌ بلا مسٍّ وإيذاء
في ذمةِ اللهِ ما لاقيتَ من نَفَرٍ
من الأجانب عُبّادٍ لأهواء
الله يُخزي مهازيلاً ضمائرهُم
مأجورة بين إطراء وإزراء
يسوؤهم أن تُرى في زِيِّ مضطلع
بثِقل شعب لما يُصميه أبّاء
لو يقدرون أدالوا كلَّ ظاهرةٍ
وبّدلوا كلَّ نعماءٍ بغماء
هزُّوا العراق بما اسطاعوا فما أخذت
منه تَضارب انباء بأنباء
كانوا وما أمّلوا من زُخْرُفٍ سفهاً
كمن يَخُطّ الذي يهوي على الماء
مررتَ باللغو مرّ الهازئين به
بأُذْنِ حُرٍّ عن الفحشاء صمّاء
حراجة بالكريم الحر موقفُه
حيران ما بين قومٍ غيرِ أكْفاء
إنْ يهمزوك بإرجافٍ فقد بُليتْ
كلُّ الشعوبِ بهمّازٍ ومشّاء
هوِّن فما قام هدّامٌ بمعوله
إّلا وقام عليه ألْفُ بنّاء
يأبى شعوريَ أن يلقاك عن كثب
إّلا بقافيةٍ تأتيك غراء
ومَرْحَباً بك في طياتها نَفَسٌ
كنسمةِ الفجرِ قد طُلّت بانداء
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ثورة الوجدان
ثورة الوجدان
رقم القصيدة : 64344
-----------------------------------
سَكَتُّ حتَّى شَكَتَنْي غُرُّ أشعاري(65/100)
واليومَ أنطِقُ حُرّاً غيرَ مهذارِ
سلَّطتُ عقلي على مَيلي وعاطفتي
صَبْراً كما سَلَّطُوا ماءً على نار
ثُرْ يا شُعورُ على ضَيْمٍ تُكابدُهُ
أوْلا فلستَ على شيءٍ بِثَوَّار
وقَّعْتُ أُنشودتي والحزنُ يملُؤها
مَهابَةً ونياطُ القلبِ أوتاري
في ذمَّةِ الشِّعْرِ ما ألقى وأعظَمُهُ
أنّي أُغنّي لِأصْنامٍ وأحجار
الشعبُ شعبي وإنْ لم يرضَ منتبذٌ
والدارُ رغمَ " دخيلٍ " عابَني داري
لَوْ في يدي لحَبَسْتُ الغيثَ عن وطَنٍ
مُسْتَسْلِمٍ وقَطعتُ السلسلَ الجاري
ما عابَني غير أنّي لا أمُدُّ يداً
إلى دنيءٍ وأنّي غيرُ خوّار
العُذْرُ يا وطناً أغليتُ قِيمَتَهُ
عَنْ أنْ يُرى سِلعةً للبائعِ الشَّاري
الكُلُّ لاهونَ عن شكوى وموجدَةٍ
بما لَهُمْ مِن لُباناتٍ وأوطار
وكيفَ يُسْمَعُ صوتُ الحقِّ في بلدٍ
للإفكِ والزُّورِ فيه ألفُ مِزمار
يا أيُها السائحُ المُجتازُ أوديةً
مشى الربيعُ عليها مشىَ جبَّار
مَرَّ النسيمُ على أكنافها فَذكَتْ
كأنما جُرَّ فيها ذَيْلُ مِعطار
مَحِّصْ بِعينَيْ نزيهٍ غير ذي غَرَضٍ
حالَ العراقِ وخلِّدهُ بأسفار
إن القصورَ التي شاهَدْتَ ، قائمةٌ
على أساسٍ من الإجحافِ مُنهار
خَلِّ الخُوانَ وإنْ راقَتْ مَطاعمُهُ
وبتْ بليلةٍ ذاكَ الجائعِ العاري
وانظُر إلى الكوخِ قد بِيعتْ دعائمُهُ
وحَوَّلُوها لأقراطٍ وأسوار
واخشَ الدخيلَ فلا تَمدُدْ إليه يَداً
فانَّه ايُّ نَفّاع وضَرّار
صرف الدراهمِ باعوا واشتَرَوا وطني
فكلُّ عشرةِ أميال بدينار
وطغمةٍ من دُعاةِ السُوء ساقطةٍ
ليسَتْ بِشَوكٍ إذا عُدَّتْ ولا غار
تروي وتَظْمأُ لا تَلوي على نَصَفٍ
ولم تُوَكَّلْ بايرادٍ وإصدار
في كُلِّ يومٍ بأشكالٍ وأنمطِةٍ
وكُلِّ آنٍ بهيئاتٍ وأطوار
مأجورةٍ لم تَقُمْ يوماً ولا قعَدَتْ
إلاَّ على هَتْكِ أعراضٍ وأستار
عَوَتْ فجاوَبَها أمثالُها هَمَجٌ
مِنْ كلِّ مستصرَخٍ لِلغَيِّ نَعَّار
يُحصونَ تاريخَ أقوامٍ وعندهمُ(65/101)
صحائفٌ مُلِئَتْ بالخزيِ والعار
لَجّوا على أنْ يزيدوا كلَّ ثائرةٍ
تسعيرةً وأصروُّا كلَّ إصرار
أينَ المساميحُ بالأرواحِ إنْ عَصَفَتْ
هوجاءُ تُنْذِرُ أوطاناً باعصار
يا للرَّجال لأوطانٍ مُوَزَّعةٍ
في كفِّ مُهانِ النفسِ دَعَّار
شَلَّتْ يدٌ عبِثتْ في أُختِها وكَبَتْ
رِجلٌ إلى نفسِها تسعى باضرار
ماذا السُكونُ الا تَهتاجُ نخوتَكُمْ
انَّ العُروبةَ قد خُفَّتْ بأخطار
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> على الخالصي
على الخالصي
رقم القصيدة : 64345
-----------------------------------
صدقْتَ يا برق بهذا النبا
ومن ليَ اليوم بأن تكذَبا
من هِزة الحزن غدا خافقاً
سلكك أم من هِزة الكهرُبا ؟
طارت بيوم النَّحس برقيةٌ
آه على الآمال طارت هبا
شقّت على الأسماع أصداؤها
وهز فيها المشرقُ المغربا
موجزةُ اللفظ وداعي الأسى
بالحزن في أثنائها أطنبا
تكاد أن تَمرُقَ من سلكها
لو وجدت من بينه مهربا
علماً بما تحمل من خطرة
بالرغم ان تقرأ أو تكتبا
لسانُها الأخرسُ من حَلَّه ؟
ولفظُها المعجمُ من أعربا؟
قُومي البسي بغدادُ ثوب الأسى
إن الذي ترجينه غُيِّبا
إن الذي كان سراج الحمى
يشيع في غيهبه كوكبا
بات على نهضة أوطانه
ملتهب الجمرة حتى خبا
قصرَّ من أيامه همُّهُ
أن يُنقِذ الموطن والمذهبا
قومي افتحي صدرك قبراً له
وطرزيه بوُرود الرُّبى
خُطي على صفحته :" هكذا
يُرفع من مات شهيدَ الابا "
ودرِّسي نشأك تاريخَه
فان فيه المنهج الأصوبا
رُدي إلى أوطانه نَعشَه
لا تدفني في فارس " يعربا "
لا تدعي فارس تختصه
فالولد البَرْز لمن أنجبا
شمس اضاءت ههنا حقبة
وهي هنا أجدر أن تغرُبا
كان يهزُ الصُلب من غالبٍ
ويدفع المغلوب أن يغلبا
يُهيب بالطالب أن يركب الأخطارَ
حتى يبلُغَ المطلبا
لا يأتلي ينشُد حقاً ولا
ينفك ان يُغضب أو يغضبا
كان صليب العود في دنه
وكان في آرائه أصلبا
يمنعه المبدأ أن ينثني
والدين والجَرأةُ أن يكذِبا(65/102)
عفٌّ عن الدنيا سوى خُطةٍ
يذبُ عنها وكفى مأربا
ورابط الجأش متى ما يشأ
جهَّز ن آرائه مقنبا
يبغضه المعجب إذ أنه
أخو اتضاع يبغض المعجَبَا
محّص بالتجريب أيامه
وكيِّسُ الأقوام من جربا
يكاد أن يُشرب من رقة
ومن جمال الروح ان يُنهبا
شاء العلى والمجد ان يجتلى
وشاءت الاقدار ان يُحجبا
تنازع للكون في اهله
صير منا الحوَّلَ القُلبا
ما الجود في أعمارنا طولها
وإنما الجود بأن توهبا
سيان طال العمر أو لم يطُلْ
ما دامت الغاية أن يسلبا
سمعاً زعيم من نادب
عزَّ عليه اليوم ان نُدْبَا
اليومَ يَرثيك وفي أمسه
كان يُغنيك لكي تَطْرَبا
كان وما زال بأنفاسه
ينفُث كالجمر وقد ألهبا
ما دأبه العجب ولكن كفى
أنك قد كنت به معجَبا
بكل غراءَ اذا أثنشِدت
تلهي العطاش الهيم ان تشربا
تزري على الشمس اذا اشرقت
وتغرُب الشمس ولن تغربا
من أين سارت وجدت قائلاً
أهلاً وسهلاً مرحبا مرحبا
ايةٍ بلادي هل يَقيك الأذى
أني انتضيت المقول المِقْضبا
تعيا القوافي ان تصُدَّ الجوى
يغلي ، ويعيا الدمعُ ان ينضُبا
شيئانِ ما مثلهما لذةً
في السمع ذكراك وذكرُ الصِّبا
من فلَذٍ القلب وأنياطه
حقٌ لتمثالكَ أن يُنصبا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بعد الفراق
بعد الفراق
رقم القصيدة : 64346
-----------------------------------
خليليَسلِّ القلبَ عن هذه البلوى
وناجِ فانّ الهمّ تدفَعَه النَّجوى
ألا لو وجدنا عن أذانا محامياً
أقمنا على الدهر الذي ضامنا الدعوى
سل الفَلَكَ الدوارَ يرفقْ بسيره
فانا بَلَغْنا للأذى الغايةَ القصوى
نأت دجلةٌ عني وبانت ضفافُها
وأبعدَ ذاك الروضُ ذو المنبتِ الأحْوى
فواللهِ لا أقْوى على ما تَهيجُهُ
لقلبي من الذكرى وياليتني أقوى
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> سيصدني وأصده
سيصدني وأصده
رقم القصيدة : 64347
-----------------------------------
شرٌ تمادى حَدُّهُ
سيصُدني واصُدُّهُ
اما العراقُ فجُرحُهُ(65/103)
مني وعندي ضَمْده
سيف يُسلُّ على بلادي
ليت قلبي غِمده
ماج الفراتُ فلم يُطِق
صبراً عليه سدّه
مهتاجُ عزمٍ عكسُهُ
يُوهي الجليدَ وطرده
هذي حماسة ثائر
عَزْمُ الاله يَمُدُّه
يا بانياً مُلكاً تعالى
فوق مجدي مجده
وطني وعندي شوكُهُ
أسفاً وعندك ورده
هذا الربيع لكم ، ولي
حرُّ العراق وبرده
آليت أني حربُ من
ناوى البلاد وضده
هذا اليراع ذبابه
للذَّب عنه أُعده
وخذوا لساني إن
تبدَّل او تحوَّل عهده
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> سجين قبرص
سجين قبرص
رقم القصيدة : 64348
-----------------------------------
هي الحياة بحلاءٍ وإمراءٍ
تمضي شعاعاً كزَند القادح الواري
سجيَةُ الدهر والبلوى سجيتُه
تَقَلُّبٌ بين إقبال وإدبار
لم يدر من أحسنوا صُنْعاً لغيرِهُمْ
بأنَّ عقباهُمُ عُقْبىَ سِنِمّار
ود الاباة وقد سيموا مناقصةً
في الرُوح لو أبدلوهم نقصَ أعمار
مَن ضامِنٌ لك والايامُ غادرةٌ
أن ليس ينشُب فيك السَهم يا باري
ما للتمدُّن لا ينفكُّ ذا بِدَعٍ
في الكون يأنَفُ منها وحشهُ الضاري
كم ذا يُسمُّون أحراراً وقد شَهِدَت
فِعالهم أنها من غير أحرار
ما للجزيرة لم تأنسْ مرابعُها
بعدَ " الحُسينِ " ولم تحفِلْ بسُمّار
مُغبرَّةً خلَّفَ الليل السوادُ بها
أو جلَّلتْها سماءُ الهمِّ بالقار
لِمْ لا تشَبُّبها نرٌ أكلُّهم
ألهاهُمُ الحزنُ حتى موقدو النار
يا مهبطَ الوحي للتاريخ معجزةٌ
سَلي تحدِّثْكِ عنها فُوهةُ الغار
لله عندَكَ بيت سوف يكلؤهُ
من أن يُباح لأشرار وكُفّار
تلك السُنونَ بآثارٍ مضت واتت
هذي السنونَ تُبَغْي محوَ آثار
أما بنوكَ فهم جيرانُ ربِهُمُ خيرُ من يَحمي حِمى الجار
دارٌ بدَّيارها من طارق حُفِظَت
وطالما حُفِظَت دار بدّيار
شيخ الجزيرة أنت اليوم مُرتَهَنٌ
بحسنِ فِعلك من صِدقٍ وإيثار
لتحمدَنَّ من الدنيا عواقبَها
فقد أرَينَكَ عُقبى هذه الدار
خُودعت عنها وليستْ لو علمتَ سِوى
مراسحٍ همُّها تمثيلُ أدوار(65/104)
تغشىَ العيونَ بتدليس محاسنُها
وتستكنُّ المساوي خلف أستار
يا حاملين على الأمواج عزمتَه
قابلتُمُ البحرَ تيّاراً بتيّار
هل بلَّغتْ قبرصٌ عن ضَيف بُقعتِها
بأنَّه أيُّ نَفّاعٍ وَضرّار
كمثل ثائرٍ ذاك الموج ثورتَه
يوم استشاط وهاجَتْ سورة الثار
يامن يُجِلُّ شعارَ الدين مستمعاً
لله آياتُ إجلالٍ وإكبار
حتى على البحر للتكبير ماذنةٌ
تقامُ كلَّ عشيات وأبكار
ألله أكبر ردَّدها فان بها
خواطراً ورموزاً ذات أسرار
مما يعيد إلى التاريخ روعتَه
تخليدهُ ملكاً في زيّ أحبار
من سِّيئاتِ ليالٍ جلَّ ما صنَعَت
سوءاً بليةُ وفّاء بغدّار
يا ناهضاً بأباةِ الضيم منتفضاً
عن أن يَمُدَّ يداً للذُل والعار
في ذمة الله والتاريخ ما تَرَكَت
ايامُك الغُرُّ من محسود آثار
إن لم يقيموا لك الذكرى مخلدَّةً
فحسنُ فعلك فينا خيرُ تَذكار
لو تبتغي بغنى عن عزةٍ بدلا
لكنتَ ذا نَشَبٍ جَمٍ وإكثار
نهضاً بني العَرَب العَرْباء أنكُمُ
فرأئسٌ بين أنياب وأظفار
أرقدةً وهوانا أن بعضَهما
مما يَفُتُّ بأصفادٍ وأحجار
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تحت ظل النخيل
تحت ظل النخيل
رقم القصيدة : 64349
-----------------------------------
مَرَّ النَّسيمُ بريّاكم فأحيانا
فهل كذكرتكُمُ في القلب ذكرانا
من مُبلغُ الجاعلين اللهَو مركبَهُمْ
أنا ركبنا بحارَ الهمِّ طوفانا
إنا سرينا على الأمواجِ تحملنا
وباسْمِكم بعد إسم اللهِ مسرانا
ما للدجى هادئا تزري كواكبه
بنا وقد هاجَتِ الامواجُ شكوانا
لا تسألوا عن جمال البدر يَبْعَثُهُ
فذاك إلا عن الأحباب ألهانا
هذي النجومُ ، وما خلق سدى ، خلقت
أنسُ المحبين نرعاها وترعانا
يا حبذا هذبانُ العاشقين بكم
لا شيءَ أفصحُ عندي منه تبيانا
وحبذا تحت النخل مُصْبَحُنا
بدجلةٍ وعلى الأجرافِ مُمْسانا
وليت من دجلةٍ كأساً تصفقه
امواجُها بالرحيق الصفْوِ ملآنا
يا من ذكرناه والالبابُ طائشةٌ
ظلم على خطرات الأنس تنسانا(65/105)
ما مَسَّ الاعلى طُهْرٍ غرامُكُم
قلبي لاني اعد الحب قرآنا
آنست في غربتي حبّاً يُبدِلُني
بلأهل أهلاً وبالجيران جيرانا
سِيّانِ فيما جنى صحبي ودهرُهُمُ
كلُّ أرانا من التعذيب ألوانا
لا تحسبوا العدَّ بالأرقام يُسعدكم
تحصى النجومُ وما تُحصى بلايانا
ألروحُ جارت علينا في محبتِكم
وطالما أشءقَتِ الأرواحُ أبدانا
والحب أرخص من أقدارنا بكم
لولا هوانا بنا ما كان أغلانا
نَعِمْتُمُ وشَقِينا في الهُيامِ بكم
شتانَ ما بينَ عُقباكُمْ وعقبانا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الساقي
الساقي
رقم القصيدة : 64350
-----------------------------------
لا تَعدُكم سُننُ الهوى وفُروضُهُ
فالروضُ يضحك للغمامِ أريضُهُ
ما أبهجَ الزهرَ المرقرقَ في الضحى
يجلو العيونَ شعاعهُ ووميضه
والروض شعَارٌ له من وَردِه
نَفَسٌ ومن سجعِ الطيور قريضه
وكأنَّما جاء الربيعُ رُواقه
بيد الرياحِ متى تشأ - تقويضه
وكأنَّما جاء الربيعُ الى الثرى
بالحسن عن سَمج الشتاء يَعيضه
والكأسُ يجلوها أغنُّ يكاد من
فرْطِ النُعاس يؤدهُ تغميضه
راضت محاسنُه النفوسَ فادركت
ثأراً فهاهي بالكئوس تروضه
لو كنتَ تُبصره رثيتَ له وقد
أعيا عليه من الخُمار نُهوضة
لا تأسَ إنْ غفل النديمُ فلم يُدرِ
كأساً فعند جفونه تَعويضه
إيهٍ نديمي قد جمعتَ لناظري
أمرين كلُّ لا يَبين غموضه
أمواجَ خدّك والتوقّدُ ضدُّها
ومُذابَ خمرِك واللهيبُ نقيضه
طولُ الجمال وعَرضه لك والهوى
وقفٌ عليك طويلُه وعريضه
وقِّعْ كما تهوىَ على وتر الهوى
فلأنت " مَعْبدُ " لحنه و " غريضه "
أما الغرامُ بكم فانّ قصيدَه
وَقْفٌ عليكم بحره وعَروضه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> على ذكرى الربيع
على ذكرى الربيع
رقم القصيدة : 64351
-----------------------------------
مَواطرُ الغيثِ حَييِّ جانبَ الوادي
وهدَّديهِ بابراقٍ وإرعادِ
مُديِّ به بُسُطَ الأعشاب زاهرةٍ
وطرِّزيها بازهارٍ وأوراد(65/106)
وراوحيهِ رَذاذاً منكِ يبعثهُ
حَيّاً كما تبعثُ الموتى بميعاد
مالي وللهمِّ تَصليني لوافحُهُ
ألستِ يا نسمةَ الوادي بمِرصاد
مُرِّي بنفحتِكِ الرضيّا على كبدٍ
أقلُّ ما تشتكيهِ غُلةَ الصادي
فما لشيءٍ سوى أن تبعثَي نَفَساً
فاضَ الغمامُ وصابَ الرائحُ الغادي
وليست الريحُ يُهدي الله نفحتهَا
لنا بل الرُوحُ يُوحيها لأجساد
ردّ الربيع صنوفَ الحسن يقسمُها
شطرينِ ما بين أنشازٍ وأوهاد
يهدي به اللهُ إشفاءاً لذي سَقَمٍ
من النفوس وإشفاقاً بمُرتاد
هو الربيعُ وأبهى ما يُزهِّدني
عن الحضارة فيه نجعةُ البادي
أنا الحنيف وهذي الارضُ مُعشبة
سَجَّادتي ورقيقُ الشعر أورادي
يمضي الزمانُ علينا نصفهُ جُمعٌ تترى تُقفَّى بأسباتٍ وآحاد
ماكان لله أديانٌ مضاعفةٌ
لولا تعصبُ أحفادٍ لأجداد
أين الذين أماتَ الحبُّ أنفسَهم
حتى قَضوا فيه عُشّاقاً كزُهّاد
الضاربينَ خيام الحب طاهرة
والداعميها من التقوى بأوتاد
والمُطربين لشكوى الحبِّ مُعلَنةً
مستبدلين بها عن جَسِّ أعواد
مواظبين على الآدابِ ما انتقدوا
لحبِّهِمْ غيرَ أكفاءٍ وأنداد
لم يُبلَ قيسٌ وفرهادٌ كما بُليِتْ
ليلى بقيسٍ ، وشيرينٌ بفَرهاد
جيل من الناس عدواهم لاخوتِهم
من الخبائثِ عَدوى السُم في الزاد
يستظهرون لساني أن يجازفَهم
ويعلمُ الله أن الصدقَ معتادي
كلَّفتمُوني من الأقوال أصعبَها
نطقاً كما كُلِّفَ الأعجامُ بالضاد
اضرّ بي من سجاياكم توقُّعكم
ان لا تففُتَّ سجاياكم بأعضادي
ما ضّضرني غضَبث الدنيا باجمعها
أن كان يُرضي ضميري صدقُ إنشادي
حُسن اختباري لأشباهي ونيّتِهم
في الصنع حَسَّنَ في عينيَّ اضدادي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بغداد
بغداد
رقم القصيدة : 64352
-----------------------------------
خذي نفسَ الصبا " بغداد " إني
بعثتُ لكِ الهوى عرضاً وطولا
يذكّرُني أريجٌ بات يُهدي
إلىَّ لطيمُه الريحَ البليلا
هواءك إذ نهشُّ له شَمالاً
وماءك إذ نصّفِقه شَمولا(65/107)
ودجلةَ حين تَصقُلها النُعامى
كما مَسَحتْ يدٌ خداً صقيلا
وما أحلى الغصونَ إذا تهادت
عليها نُكَّسَ الأطراف مِيلا
يُلاعبها الصِّبا فتخال كفّاً
هناك ترقِّصُ الظلَّ الظليلا
ربوعُ مسرَّةٍ طابت مُناخاً
وراقت مَربعاً ، وحلَتْ مَقيلا
ذكرتُ نميرها فذكرتُ شعراً
" لأحمدَ" كاد لطفاً أن يسيلا
" وردنا ماءَ دجلةَ خيرَ ماءٍ
وزرنا أشرفَ الشجر النخيلا"
" أبغدادُ " اذكري كم من دموع
أزارتكِ الصبابةَ والغليلا
جرينَ ودجلةً لكن أجاجاً
أعدن بها الفراتَ السلسبيلا
" ولولا كثرةُ الواشينَ حولي "
أثرتُ بشعريَ الداءَ الدخيلا
إذن لرأيتِ كيف النار تذكو
وكيف السيل إنْ ركب المسيلا
وكيف القلبُ تملكه القوافي
كما يستملك الغيثُ المحولا
أدجلةُ إنَّ في العبرات نطقاً
يحّير في بلاغته العقولا
فانْ منعوا لساني عن مقالٍ
فما منعوا ضميري أن يقولا
خذي سجعَ الحَمامِ فذاك شعرٌ
نظمناه فرتَّله هديلا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> شوقي وحافظ
شوقي وحافظ
رقم القصيدة : 64353
-----------------------------------
يا لَلرفاق ومثلُ ما كابدتُه
مما أُلاقي كابَدَتْهُ رفاقي
وطني نقيض شُكوله فرجالهُ
شابوا وما شّبوا عن الأطواق
عِتْقُ النِجار يَبين بين خُيوله
أما الرجال به فغير عِتاق
ضرب الأسى سُوْراً عليه وأحدقت
سودُ الحوادث أيَّما إحداق
إيهٍ خليليَ لا تَرُزْني طامِعاً
في منطقي فيَريبَكَ استنطاقي
فلقد أكون وما غُلقن مقاولي
واليوم وهي كثيرة الأغلاق
إن أطوِ يلتهبِ الضميرُ ، وإن أبُحْ
يوما ففوق يدي يد الارهاق
ممَّ التعجبُّ صاحبِيَّ وإنما
قَسَمَ الحظوظ مقسِّم الأرزاق
والحَذق في سبك القريض وصوغه
متفاوت متفاوت الحُذاق
وأجلُّ ما ترك الفتى من بعده
أثرٌ على مر الليالي باق
لا يفخرنْ أحد علىَّ بشعره
الفخرُ مدَّخرٌ ليوم سباق
" شوقي وحافظ " لا يَجُسُّ سواكما
نَبْضَ القريض وما له من واق
لكما الخِيارُ إذا الرجال تنافسوا(65/108)
أو حرّروا دعوى بلا مِصداقق
أن تَقْتُلا أو تُحرقِا متشاعراً
أو تقطعا يد شاعر سرّاق
هل تحكمانِ اليومَ حكماً عادلاً
خِلواً من الارهاب والاشفاق
في شاعر لزِم البُيوتَ وأخفقت
منه المآرب أيَّما إخفاق
لكما شكا ظلم العراقِ ، وذِلةٌ
أن يشتكي ظلمَ العراق عراقي
أهدى سوايَ نفيسَه وأنا الذي
أُهدي إليه نفائسَ الأعلاق
" شوقي وحافظ " أوضِحا في أيَّنا
لُطْفُ الخيال والشعورُ الراقي
أأنا الذي اتخذ البلاد شعاره
أم هم وقد لبسوا ثياب نفاق
في كل يوم في رداءٍ وَفْقَ ما
تفضي بذلك عملةُ " الأوراق "
وأنا الذ أعطى القوافيَ حقها
مِن ناصعاتٍ في البيان رِقاق
ومهذَّباتٍ جمةٍ عشاقُها " أن المليحة جمة العشاق "
تُجلى على قُرَّائها فتُميلُهُمْ
سكراً كما يَجلو السُّلافَ الساقي
أم هم وكم بيتٍ لهم مستجَنٍ
ناب عن الأسماع والأذواق
وأنا الذي صان القريض عن الذي
يُزري به من فُرقةٍ وشِقاق
ومدائح كانت لفرط غُلُوِّها
تشكو من المخلوق للخلاق
أم هم وقد باعوا الضمائر واشتروا
عيشَ الذليل وبُلغةَ الأرماق
غَنَّوا سواهم يطلُبون عَتاده
فكأنهم " جَوْق " من الأجواق
أبياتُكمْ تبقى لهمْ وهباتُهُمْ
ليست بباقية على الانفاق
وأجلُّ من هبةٍ يُذِلَّ بها الفتى
أشعارَهُ صبرٌ على الاملاق
عاراً أرى وانا " الأديب " بضاعتي
معروضةً كبضائعِ الأسواق
كيف التجددُ في القريض وأهلُه
شدّتْهُمُ أطماعهم بوثَاق
أخذوا على الآداب من عاداتهم
وجمودِهم فيها بكل خناق
إني لأصبو للقريض تهذّبت
منه الحواشي ، صبوةَ المشتاق
وأُريدُ شعراً ليس في أبياته
غيرُ القلوب تَبِين للأحداق
وأجل ما خلق الاله لخلقه
وحسابُ فضلِ الله غير مطاق:
الشعرُ في تأثيره ، والغيثُ
في آثاره ، والشمسُ في الاشراق
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بعد المطر
بعد المطر
رقم القصيدة : 64354
-----------------------------------
عاطى نباتُ الأرض ماءَ السما
مالا تُعاطيه كؤوسُ الرحيقْ(65/109)
وبات إذ حطَّ بها ثِقْلَه
يكلِّف الأرض بما لا تُطيق
أوشكتِ القِيعانُ ، إذ فُتّحت
لها السما ، مما عراها تَضيق
واهتدت الشمس لتجفيفها
فابتعثتْ شكرَ النبات الغريق
الجوُّ زاهٍ ، والثرى فائحٌ
ومنظر الأرض لطيفٌ أنيق
والعُود يهتزّ لمرِّ الصَّبا
والروضُ من سَكرته لا يُفيق
والغيثُ يَهمي أين من صَفوهِ
وهو جديدٌ ، خمرُ دنٍّ عتيق
تفتَّحي خُضْرَ الرُّبى للنَّدى
في مَبسِم الفجر - متى شئتِ - ريق
وعطّري ريحَ الصَّبا بالشَّذى
وانفتقي عن فار مسك فتيق
كلُّ فصولِ الدهر لا تُشترى
بالنزْر من نَشْرِ شذاك العبيق
جاء الربيعُ الطلق فاستبشري :
غريمُكِ البردُ طريدٌ طليق
مثل الذي لاقيت من ذا وذا
يصدف في الدهر انفراجٌ وضيق
صوبَ الحيا رفقاً فكم لطمة
أنزلتها قسراً بخدِّ الشقيق
كأن نَضْحَ القَطْرِ من فوقه
ذائبُ دُرٍّ في أواني عقيق
إني تخالفت وزهرَ الرُّبى
والكلُّ منا ذو مزاج رقيق
أنفاسها نشرُ شذىً نافحٍ
وحرّ أنفاسي شواظُ الحريق
كلُّ وجوه الأرض مكسوَّةٌ
لفائفَ الأزهار حتى الطريق
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ليت الذي بك في وقع النوائب بي !
ليت الذي بك في وقع النوائب بي !
رقم القصيدة : 64355
-----------------------------------
ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي
ولا أُشاهد ثُكْلَ الفَضْلِ والأدبِ
صابتْ حشاك ، وأخْطَتْني ، نوافذُها
ليت النوائبَ لمْ تُخطئْ ولم تُصب
هلاّ تعّدى الردى منه ببطشته
لغيره أو تعدى النبعَ للغَربَب
هيهاتَ كفُّ الردى نقادةٌ أبداً
للأكرمينَ تُفدي الرأس للذنب
يا غائبا؟ً لم يَؤُبْ بل غائِبَينِ معاً
عن العلى معه غابت ولم تؤب
لِيَهْنِكَ الخلدُ في الأخرى وجنتُه
يا خير منقلبٍ في خير منقَلب
نعم الشفيعانِ ما قدَّمتَ من عملٍ
ببه سراً وما فرَّجتَ عن كَرَب
وما رأيتُ كمعروفٍ يُجاد به
بيين الرجال وبين الله من سبب
قدمتَ لله أعمالاً تَخِذتَ لها
من التقى مسرحاً في مرتع خصِب(65/110)
قالوا : الزيارةُ فاتته ، فقلتُ لهم :
ما فاته ان يزورَ اللهَ في رجب
كأن نعشَك ، والاجواءُ غائمةٌ ،
تُقِلُّه الناس للسُّقيا من السُّحب
لو كان في جند " طالوت " لما طلبوا
" سكينة وسْط تابوتٍ " من الخشب
كم ذا يصعّرُ أقوام خدودَهم
كفاهم عِبرةٌ في خدك التَّرِب
كم يَعْجَبُ المرءُ من أمرٍ يفاجئه
وما درى أن فيهأعجبَ العجب
بَيْنا يُرى وهو بينَ الناس محتشمٌ
إذا به وهو منبوذٌ على التُرُب
لا يُعجِبَنَّ ملوكَ الارض همتُهم
فان أعظم منها همةُ النُّوَب
لا شملَ يبقى على الأيام مجتمعاً
يبددُ الموتُ حتى دارةَ الشهب
أودى الذي كان تِيْهُ المكرُمات به
على سواهن تِيه الخُرَّدِ العُرُب
فقُم وعزِّ عُيونَ المجد في حَوَرٍ
فَقْدَنهُ ، وثغورَ الفضل في شَنَبَ
صبراً محبيهِ إن الموت راحة مَنْ
قد كان في هذه الأيام في تعب
تسليمةُ المرءِ فيما خُطَّ من قَدَرٍ
أجدى له من داء الويل والحرَب
والموتُ إن لم يذدْهُ حزنُ مكتئبٍ
به فأحسنُ منه صبرُ محتسب
وغضبةُ المرء في حيثُ الرضا حَسَنٌ
قبيحةٌ كالرضا في موقع الغضب
ذابت عليك قلوب الشاعرينَ أسىً
فما اعتذارةُ شعرٍ فيك لم يذبُ
شيئانِ ، يُرْفَع قدرُ المرء ما ارتفعا
نظمٌ لدى الشعر أو مأثورة الخطب
ماذا يقول لسان الشعر في رجل
خير البنينَ بنوء وهو خيرُ أب
إن غاب عنا ففي أولاده عَقِبُ
يحييك ذكراً ، وذكر المرء في العقب
اودى بحسّاده غيظاً كأنّبه
" محمد " وبشانيه " أبالهب "
لا عيبَ فيه سوى إسرافِهِ كرماً
يومَ النَّوال ولولا ذاك لم يُعَب
وفي " الرضا " مسرح للقول منفسح
كلُّ القصائد فيه دَرَّةُ السحب
انسُ الجليس وإن نابته نائبةٌ
كأنه - وهو دامي القلب - في طرب
أخو الندى وأبو العليا اذا انتسبا
" كناية بهما عن اشراف النسب "
كلُ الخصال التي جمَّعتها حسُنَت
وقعاً وأحسنُ منها طبعك العربي
لا تَحْسَبنَّ تمادي العمر أدبَّه
كذاك كان على العلات وهو صبي
ان لم يؤدِّ بياني حَقَّكم فلقد(65/111)
سعيتُ جَهْدي ولكن خانني أدبي
تلجلجتْ بدخيل القول " ألسنة "
للعرب كانت قديماً زِينةَ الكتب
ان أنكرتني أُناس ضاع بينهم
قدري فمن عَرَّف " الحجار" بالذهب
كم حاسدٍ لم يجرِّبْ مِقولي سَفَهاً
حتى دَسْستُ اليه السم في الرُّطب
طعنتُه بالقوافي فانثنى فَرَقاً
يشكو إلى الله وقع ِ المقْولِ الَّرب
فان جهلت فتى قد بذ مشيخةٍ
في الشعر فاستقص عنه " حلبة الادب "
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> درس الشباب أو بلدتي وَالأنقلاب
درس الشباب أو بلدتي وَالأنقلاب
رقم القصيدة : 64356
-----------------------------------
إنزِعي يا بلدتي ما
رثَّ من هذيالثيابِ
وإذا خِفتِ عَراءً
فسيكسوك صحابي
أمَلٌ لي فيكِ ، بعد الله
ينمو في الشباب
يا بني العشرين في
أعمالكم فصلُ الخِطاب
رَهنُ ما عندكم من
همة ٍ عُقبى المآب
يا شباباً نَهَضوا
والناس من هاوٍ وكابي
أيُّ باب ٍ ولجَوها
وولجتم أيَّ باب
كتب الله لك النُّصرةَ
في هذا الغِلاب
إن في أعينكم رمزاً
لأسرارٍ عُجاب
إلزموا خيرَ صِحابٍ
اقرأوا خيرَ ، كتاب
أطِعوا للشعر شمساً
لا تُبقِّي من ضباب
اتركوا كلَّ قديم
منه يسعى في تَباب
شمّروا واعتصبوا :
نُجحُكُمُ في الاعتصاب
أُنبُذوا منه قُشوراً
وَتَغذِّوا باللُّباب
هُزِلَ الشعرُ وأنتمْ
من مراعِه الخِصاب
لا تقولوا حسبُنا منه
وزِيدوا في الطِّلاب
قد رأيتم ما تجشَّمنا
عليه من صِعاب
ليس بالهيِّن أن
نأتيْ بأبياتٍ عِذاب
خالياتٍ من نُفورٍ
وغلوٍّ واضطراب
إنها ذوبُ قُلوبٍ
صِيغَ في لفظٍ مُذاب
لو سُئلنا كيف نظمُ الشعر
حِرنا في الجواب
لست ادري غيرَ أني
كان حبُ الشعر دابي
كاد يُلهينيَ حتى
عن طعامي وشرابي
قد قرأتُ الشعرَ في " القرآن ِ "
من عهدِ التصابي
" بقُدورٍ راسياتٍ
وجِفانٍ كالجوابي"
ولكَمْ هَيَّجَ طَبْعِي
نَغْمُ عُودٍ أو رَباب
كانَ لحنُ الشعرِ فيه
بارتفاعٍ وانصباب
وإذا ما عدَّدوا
أهل نبُوغ واكتساب
لم يكنْ عندي سوى الشاعرِ(65/112)
من خُلق عُجابِ
هكذا كنتُ وما زادَ
على العشر نِصابي
حبذا الشعرُ ربيعيا
طبيعيَّ الإهاب
مُظِهراً قدرةَ ربي
في وِهادٍ أو رَوابي
وصفَ نهر في الثرى
أو وردة بين الشعاب
يوم تُضحي الدمنةُ
الغبراءُ خضراءَ الجْنَاب
أو حماسياً يثير النفس
عن عارٍ وعابِ
كاشفاً عن عينها
كلَّ غطاء وحِجاب
فاذا كان مديحاً
فليقرِّب للصواب
أوَلا يأنفُ حُرٌّ
أن يُحابَى أو يُحابي
وإذا كان رِثاء
فليكن رجعَ المصاب
وإذا كان هجاء
فليُنَزَّهْ عن سِباب
ليس شأنُ المرء ِ
بل شأنُ الكلاب
إمزِجُو الطعنَ به
مزجَكُمُ شُهداً بصاب
ليّنَ اللفظ وفي
طيّاته وخزُ الحراب
قد سئِمت الشعرَ ما
فيه سِوى معنى كِذابِ
كلَّ يوم شاعرٌ
كالبوم ينعَى في خراب
وقوافٍ لا يَلحِنَ
السمعَ إلا باغتصاب
لهجةُ الصدق بها
مثلُ بياضٍ في غُراب
أنا يا شعر وإياك
سواءٌ في العذاب
أنا مما بكَ أبكيكَ
وتَبكيني لِما بي
شكَتِ القومُ حُضوري
وسيشكون غِيابي
بِزَّةُ الشاعر قد تُعرَف
من بعدِ استلاب
إن يكن للمرء أجرٌ
فهو لي يوم الحساب
إن في ايقاظِ قومٍ
رَقَدوا خيرَ الثواب
وبِعِتق الناسِ من
أو هامِهِمْ عِتقُ الرِقاب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في الثورة السورية
في الثورة السورية
رقم القصيدة : 64357
-----------------------------------
مِثلث الذي بكِ يا دمشق
من الأسى والحزنِ مابي
دمعي يَبين لك الجوى
والدمعُ عنوانُ الكتاب
زاهي الحمى نهبُ الخطوب
ومهجتي نهبُ المصاب
أرأيت مرتبعَ الشِّعاب
بها ومُصطافَ الهضاب
والنبتُ مخضلُّ الثَّرى
والرُّوضُ مخضرُّ الجْنَاب
والحسنُ تبسُطه الطبيعةُ
في السهولِ وفي الروابي
والشمسُ تبدو من خلال
الغيم خَوْداً في نقاب
فاذا انجلى هزَّتك روعةُ
نورها فوق القباب
والروضُ نشوانٌ سقاه الماءُ
كأساً من شراب
بَرَدَى كأنَّ برودَه
رشفاتث معسولِ الرُّضاب
تلك النَّضارةُ كُلُّها
كُسِيتْ جلابيبَ الخراب
ثوري دمشقُ فانَّما
نَيلُ الأماني في الطِّلاب(65/113)
وخذي الوِفاق فانما
عُقبى الخلاف إلى تَباب
إن ْ تغضَبي لتليدِ مجدٍ
آذنوه باستلاب
ومنيعِ غابٍ طوقوهُ
بالبنادق والحِراب
ومعطاسٍ شُمٍّ أرادوا
عَرْكها بالإغتصاب
فلأنتِ رغم خلوِّ كفّك
من مُعَدّات الضراب
بالعاطفات الحانيات عليك
وافرةُ النصاب
ولأنتِ امنعُ بالنُّفوس
المستميتة مِن عُقاب
فتماسكي أو تُكرَهي
بالرغم منك على انسحاب
فَلَشرُّ ما عمِلَ امرؤ
عملٌ يُهَدَّدُ باقتضاب
سدّي عليهم ألف بابٍ
إن أطاقوا فتحَ باب
إن لم يكن حجرٌ يضرّ بهم
فكُومٌ من تراب
لا نُكرَ في الدنيا ولا
معروفَ إلا في الغلاب
شُبَّان سوريَّا الذين
تناوشوا قِمِمَ السَّحاب
والمبدلين برأيهم
في الليل عن قبس الشهاب
المالكي الأدب الصميم
ووارثي الشرفِ اللُباب
لكمُ العتابُ وإنَّما
عَتْب الشباب على الشّباب
سورّي'ٌ أم الضراغم أصبحت
مرعى الذِّئاب
مثلَ الوديع من الطيور
تعاورتهُ يدُ الكلاب
باتت بليلةِ ذي جروحٍ
مستفيضاتٍ رغاب
وسهِرتُم متضاربي النزعات
مختلفي الثياب
مَن كانَ حابى أن يقول
الحقَّ إني لا أُحابي
لا بُدَّ أن يأتي الزمانُ
على بلادي بانقلاب
ويرى الذين توطَّنوا
أنَّ الغنيمةَ في الاياب
ماذا يقول المالئو الأكراش
من هذي النهاب
إنْ دال تصريفُ الزمان
وآنَ تصفيةث الحساب
جاءوا لنا صُفْرَ العِياب
وقد مضَوا بُجْرَ العياب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عند الوداع
عند الوداع
رقم القصيدة : 64358
-----------------------------------
الله يصحب بالسلام مودِّعي
عجِلاً وإن أخنى عليَّ بِعادهُ
شُدَّتْ على شَعْبِ القلوب رحالُهُ
وَجْداً ، وفاضت بالدُّموع مَزاده
وميمِّمٍ " بغدادَ" كادت حسرة
منها عليه تؤمه بغداده
حسبُ " الفرات " شجىٍ فراقكُمُله
وكفى بدجلةَ انكم وُرّاده
قولوا لمن هذا القريض ؟ يسّرني
ما قلتمُ إن راقَكم إنشاده
وإذا قست تلك القلوبُ فردّدوا
أبياتَه ليلينَها تَرداده
وإذا جرى ذكري فقولوا شاعرٌ يجري على طرف اللسان فؤاده(65/114)
ماذا عليكم أن يُسَيِّرباسمكم
شعري ، وتهفو نحوكم نُشَّاده
شعرٌ يَجئ به الجمالُ مكرِّراً
منه الجميلَ متى يكون نَفاده
لا أشتهي هزجَ المغنّي في الهوى
ما لم تُجَسَّ بذكركم أعواده
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> رَوَغان اللغز في زئبق التأويل
رَوَغان اللغز في زئبق التأويل
رقم القصيدة : 64359
-----------------------------------
كَسَرَتْ بيضتَها الأرضُ
وألقتْنا إلى السجنِ الترابيّ عصافيرَ حيارىَ
تتدلّى صيحةُ الخوفِ على أفواهنا
مثل تجاعيدَ على خدّ العذارىَ
كيف نشدُو!
ليسَ في المشهدِ أغصانٌ
تُحيِّي روعةَ الشدو فتزدادُ اخضراراَ
ربّما أغنيةٌ تكفي لأنْ تقتلعَ البابَ وتفتضَّ الجداراَ
ربّما أغنيةٌ تكفي..
ولكنْ أينَ نمضي ووراءَ السجنِ تنّينٌ
يبثُّ الرعبَ في الطيرِ إذا اهتزَّ وثاراَ
والمدى يمتدُّ ليلاً سرمديّاً..
كلُّ شيءٍ فيهِ سهرانُ على قارعةِ الوَهْمِ
يخالُ الشُهْبَ عشّاقاً سهارىَ
كلُّ عصفورٍ هُنا بشّرهُ الحبُّ
لئنْ زغردَ أنْ يغدو هزاراَ
واتّفقنا أنْ نُحيلَ السجنَ بستاناً
وأنْ ننثرَ آلافَ الزغاريدِ من القلبِ ، بذاراَ
يا رفاقَ القَيْدِ في الزنزانةِ الكُبرى
هلمُّوا نسأل الجدرانَ عمّا نحتَ الماضونَ من خربشةٍ فيها
وما سكُّوا على الأبوابِ أوهاماً كِباراَ
ربّما نكسرُ قيدَ اللُّغزِ
عن أعمارِنا الملقاةِ في الرمزِ
ونهديها من العتقِ سِواراَ
{ { {
ضَحِكَ اللغزُ السماويُّ
وهبّتْ في المدى عاصفةٌ من قهقهاتٍ
قَذَفَتْنا خارجَ الوعي سُكارىَ
صاحتِ السَكرةُ:
إنَّ الموتَ مبراةٌ بكفِّ الدهر..
والأعمار أقلامٌ أُسارىَ
فاكتبُوا أسماءَكُمْ في الدفترِ السُفليّ بالأخضرِ..
روُّوا جرّة الفخّارِ..
هذا النبعُ لا يوردُ إلا مرّةً واحدةً
لن تردُوا النبعَ مِراراَ
خامَرَتْنا فتنةٌ تكشفُ عن نَهْدٍ
على الغيّ استدَاراَ
فانتشى الماءُ المُعَنّى
وتَنَادَمْنا معاً كي نطردَ الشيبَ(65/115)
وأدلَيْنا المناقيرَ وخَمَّرْنا الجراراَ
{ { {
بيضةُ الفتنةِ لا تحضنُها إلا الثعابينُ
فلا بُدَّ إذنْ أن تُخلقَ الأُنثى
لكي تكتملَ الفتنةُ في الأرضِ وتشتدَّ اختباراَ
شهقَ الإبداعُ في أيقونةِ الخالقِ
حيثُ الطينُ مسبوكٌ من الرغبةِ..
والإكسيرُ في أقصى تجلّيه ابتكاراَ
وسمعنَا داخلَ المخلوقِ
- من فرطِ اغتلامِ الروحِ - للطينِ خُواراَ
فسألنا:
جنّةً أبدعتَ - يا ربَّاهُ - أم أبدعتَ ناراَ؟؟
أطفأتْ نشوتَنا الأنثى
ولم تتركْ من النشوةِ في أجسادِنا إلا خُماراَ
كم تشاجَرْنا على الوِرْدِ
وكانتْ رشفةٌ واحدةٌ تكفي
لأن تستنهضَ الريشَ وتُهديه المداراَ
كلُّ طيرٍ يدّعي النبعَ ولا يعلمُ أنَّ النبعَ غاراَ
ما تبقّى غيرُ وَهْمِ الماءِ مطوِيّاً على المنثورِ من ريشِ (الحُباَرَى(
يا عصافيرَ ستأتي بعدَنا
تلتقطُ الوهمَ وتجترُّ الشجاراَ
حاذروا أنْ تسقطُوا في ظلّنا الملقى
على الشطآنِ أشواكاً صِغاراَ
نحنُ لا ندري:
أَجئنا النبعَ بالإكراهِ أمْ جئنَا اختياراَ؟؟
ظمأٌ خامَرَنا في عتمةِ الآزالِ
فانشقّ المدى عن سربنا الحيرانِ
يقتادُ مع الماءِ حواراَ
ثرثراتُ الموجِ للشاطئِ
لم تبلغْ بِنا الأسبابَ..
لم ترفعْ عن الغيبِ سِتاراَ
فانزلَقْنا في الأساطيرِ..
دخَلنا في دفوفِ (الزارِ)..
أصبحنا دراويشَ على أرصفةِ الغيبِ
وشيّدْنا من الوحشةِ داراَ
{ { {
كان لا بُدّ من المعبدِ
كي نشعلَ في الوحشةَ رُمّاناً ونُذكي جُلّناراَ
لم نُفِقْ إلاّ على التنيّنِ
في رابعةِ الشمسِ على السجنِ أغاراَ
شدّ فكّيْهِ على أجملِ عصفورٍ
و وَارَاهُ بعيداً وتوارىَ
من سيُنهي موقفَ الحيرةِ بينَ السجنِ والتنّينِ..
من يفتحُ ما بينهما ثقباً ويهدينا الفراراَ؟؟
صاحَ عصفورٌ ظننّاهُ من الجنِّ
على أجنحةِ المجهولِ طاراَ:
لا تخافوا.. فأنا الفنُّ..
أنا من وَسَمَ التنّينَ في الهامةِ
فاهتزَّ ليَ الخلدُ وأبقاني على قمّتِهِ الكُبرى مناراَ(65/116)
لا تخافوا.. فأنا الناطقُ باسمِ الشمسِ منذُ الأبجديّاتِ
أنا من زوّجَ (الجوديَّ) و (الفُلكَ)
غداةَ ارتفعَ (الطوفانُ) و (التنّورُ) فاراَ
يا رفاقَ القيدِ.. إنَّ الفنَّ جرحٌ في جبينِ الموتِ
فافتنُّوا على القيد صموداً واصطباراَ
{ { {
لم نخلْ أنْ يُخلقَ الوحشُ عقاباً للخطايا..
كلُّ طيرٍ مسّهُ المسخُ على قَدْرِ خطاياهُ احتقاراَ
ريشُنا الأعرجُ حطّتْ فوقَهُ شيخوخةُ الهمِّ
فما يسبحُ في رحبِ المدى إلا ادّكاراَ
سخرتْ أُنثى العصافير من الأجنحةِ الشمطاءِ
وافترّتْ على السربِ المسجّى
تتهجّاهُ انحناءً وانكساراَ
نحنُ يا أنثى اشتعالٌ أبديٌّ..
ما انطفأنا منذُ هاجَ الشبقُ الأحمرُ
في الكونِ الذكوريّ
وأومأنَا إلى الشهوةِ: زيدِيه احمراراَ
لم نزلْ نحصي انهياراتِ المدى
تحتَ جناحِ الشمسِ..
مشغوفينَ بالتحليقِ في رغبتِنا
حتّى إذا استدرجَنا الغصنُ نزلناهُ مطاراَ
لم نَخُنْ شهوةَ عنقودٍ
تدلّى من يدِ الحقلِ يُناجينا: اعتصاراَ
{ { {
عبثاً نحلمُ بالنشوةِ..
بالفتحِ الذي يخترقُ الذاتَ ويجتازُ الحصاراَ
يا رفاقَ القيدِ.. هل من فكرةٍ
تبلغُ من نبعِ السماواتِ قراراَ ؟
كم دخلنا غابةً من فلسفاتٍ
واحتطبنا شجرَ الحكمةِ كي نوقدَ في المجهولِ ناراَ!
كلّما حنّتْ مرايانا إلى السرِّ
تمادى زئبقُ التأويلِ في شطحتهِ الكُبرى
فما نُمْسِكهُ إلا انبهاراَ
هكذا جُزْنا الليالي
وتناسَلْنَا على وجه مراياها غُباراَ
يعبرُ الدهرُ
وما أعمارُنا إلا محطّاتٌ تُجيدُ الانتظاراَ
وعلى سُكّتِنا العمياءِ
تعوي عرباتُ القهر ذؤباناً وتمتدّ قطاراَ
أيّها السرُّ.. افتِنا عن موعدِ الرحلةِ..
عن تذكرةٍ يقطعُها الغيبُ لنا
سوداءَ مثل الشمسِ لم تصنعْ نهاراَ!!
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> عنترة في الأسر
عنترة في الأسر
رقم القصيدة : 64360
-----------------------------------
سيفٌ طريحُ ..شاحبُ اللمعانِ ..منْكسرُ الصليل(65/117)
ومُطهّمٌ ذبُلتْ على شدْقيّه رائحة الصهيل
وقصيدة مطعونةٌ..
بقيت علىالرمضاء؛ ينزفُ جراحَتها العويل
والفارس العبسى مغلولُ الملامح
فى انهيار المستحيل
وأنا هنا أتوجّسُ التاريخ
وهو مفخخ الأحداث بالزيف الدخيل
يتمرّدُ الدمُ العربُى فىّ
وتصرخ البيداء غاضبة وينتفض النخيل
فليسقط التاريخ ..تسقط كلُ أقلام الرواة
ولتسقط الكلمات..
حين تلوكها بالزيف ألسنةُ الحياة
واضيعةَ العظماء فى قلم المؤرخ
حينما الأقلام تصبح بعض ألعاب الحواة
********
أأبا الفوارس ..من صميمِ الوهمِ جئتُك
حاملاً مجدَ البداوةِ والمضاربِ والقفار
متأبطاً أسطورتين
رضعتُ منهما زهوى
وعادةَ أمتى فى الانتصار
فكفرت بالراوي إذِ اختتمَ الرواية
بانكسارك ..يا عدو الانكسار
أبا الفوارس دع جناح الوهم يكبر
دعه يأخذنى وراء النور ..إن الليل أرحم بالجريحِ من النهار
دعنى دعنى أُكابرُ بالخيال
فما تبّقى من حقيقتىَ القديمةِ
غير ثورة شهريار
سأَتِيه فى قصص الاوائل
أربط الاولى وأخوتها بخيط من دمي
حتى أصوغ بها شعار
وأروح أغرق فيه..محفوفاً بسرب مواجدى
متغلغلاً فى الحالة النوراء
تكنسنى بوهج صبابتى حتى يشفّ بى الستار
من ذروة الأشواق فى جنبيّ
ينطلق اخضرار الوجد
فى سفر سماوى الى أوج اليقين..
وينتهى فى مقلتىّ الاخضرار
لم يبق لى غير التصوّف
يجهض الصلصال من رغباتى الحبلى
ويطلقنى مع الغاز-فى بستان حيرتها-هزار
سأطير أبعد من حدود مشيئتى
فى عمق دالية تحرر درّة الأرواح من سجن المحار
تعبت بحمل الصحو أجفانى
تطلّ متى تطلّ على مصائر قد أضر بها بالجمام
فلا تحنّ الى مغار
أأبا الفوارس..لم يعد خيل المقادير العريقة فى
دمائى..
لم تعد تشقى بمربطها وترتجل التمرد والنفار
فالموريات الحلم
قدحاً فى جلاميد الخرافة
بات يطفئها الغبار
********
أأبا الفوراس..من أقاصى البيد جئتك
حاملا من نبتها العربى
ما سحقته أقدام الرياح
ونحن منذ النبضة الاولى جراح فى جراح
أنا أنت ..أنت أنا ..(65/118)
وندخل ساحة الجدل العقيم
ونحن لم نبرح يمثّلنا ضميرُ الغائبِ المجهول
فى جمل الكرامات الفصاح
وطن بأكمله
يمثله ضمير الغائب المجهول
فى جمل الكرامات الفصاح
وطن بأكلمه يمثله ضمير الغائب المجهول فى جمل الكرامات الفصاح
ما زلت توّلد كلّ يوم
نبضة منذرة للرقّ
تدخل عالم الالآم من ثقب بجدران النواح
مازلت تصرخ فى قماط الأسر موشوماً بنيران العبوديات
فى كتفيك ..فى الصمصام ..فى الأحلام حتّى
والصبابة والطماح
مازلت تكبر فى مراعى القهر
تحلم حين تحلم
بالقطيع يظلّ فى مرآى عصاك
وبالخيام تظل ترتع فى حماك
وبالحبيبة تُشْعل البيداء أغنية على شفتي هواك ..
وماتزال تنّقبُ الصحراء عن شّيمٍ
تحرّر من هوان اللون جوهرك العزيز المستباح
عبثاً تحاول إذ تحاول ناحتاً من منجم الصحراء إعصاراً
لتكنس هامة الأسياد من زهو النّطاح
هم فرّطوا فى الشمس
إذ بخلوا عليك بومضة منها ..
وشدّوا الأفق بالأقواس خشية أن تطير بلا جناح
هم مشّطوا حتّى دماءكَ
يبحثون عن فتيلِ الوجدِ .. عن قيثارة الإيمانِ عن نبع التمرّد والجماح..
وسيتْعبون ..
فهذه الأسرار أوّل ماتسلّحت الدماء به
وآخر ما تبّقى من سلاح
********
وتطّل أنت من الهضاب المشرفات على هزيمتهم ..
تحاول أن تكرّ فيعثر الإقدام
فى إحساس روحك بالكساح
حتّى إذا اندلقت على خَجَلٍ من الأفواه: ..
"كرّ وأنت حرّ"
مثلما تندلق بأرحام الخنا؛ نُطفُ السفاح
رويّت صدر الحلم من مهج العدوّ
وعدت أكبر فى حسامك ..فى كلامك ..فى غرامك ..فى الكفاح
أسفى عليك فلم تعد الا إلى القدر القديم ..
تحرّر الأغنام من سأم المراح
ما زلت يا ابن زبيبة ما زلت
نادل هذه الحانات فى سلم القبيلة ..
كلّما غلّت روؤس القوم كنت لها السراح
ما زلت فى قفص اتهامك..
ثورة تستنفر العبدان ..
تُنبئُهم بأن تصيبهم فى الأفق
أبعد من حدود العين شاخصةً
وأن الشعر أكبر من معانى البوح
إن الشعر يبرأ فى حقيقته من الشعر المباح
مازلت كلب الحىّ(65/119)
لكن لم تعد تفتضّ صمتَ الليل فى وجه الضيافة بالنباح
(خمسون عاماً) تائه فى زحمة الألقاب
تشتبك الهموم على فؤادك ؛ والمطامح والرماح
وتهرّول الغارات من كفيّك ..من شدقيّك ..من عينيّك
أحصنة ..قصائد ..أنجماً ..أودعتّهم أمناً عند الصباح
لكن إلى أين انتهيت
وأنت تجترح النضال ليملك الأنسان جيده خمسون عاماً والصهيل يمور فى وهج الصليل
فترتوى بهما القصيدة
وتروح تعزفها بسيفك
غضبةً ملء الفيافى
تنفث الرحق الوقيده
كنت الصبابه فى بنى عبس
ليالى أدمنوا السلوان ..
كنت المجد لو عرفوا طريق المجد فى إيمانك العربي ..
كنت الصوت ..
لكن صادرتك الريح من أفق الإذاعة والجريدة
ووراء وجهك ألف خيط من ضمائرهم يُحَاك
مكيدة تتلو مكيدة
طعنوك بالبوح الصفيق
فغاص رمح الغدر فيك
إلى أن اخترق القصيدة
يا من وهبت الحرف نبضك ..إنهم قطعوا وريده
يا من وهبت السيف بأسك
إنهم خانوا حديده
خانوك.. خانوا آخر الشرفات
في آفاق ذاكرة الفداء
ولواؤك انتهكوه ..
مصبوغاً بألف شهية سوداء
تُحسِن كيف تنتهك اللواء
واستأصلوا من ذكرياتك
كلّ خاطرة تحاول أن تشّق لها فضاء
والآن تم المشهدُ الصوفىّ
وانسدلت بوحدتهم الستار ..
فيا حلاج حان وقت الكشف
إن العشق قد بلغ الفناء
وتجلّت الغيابات يا أهل الطريق
فلم يعد للّغزِ ذوق بعدما انكشف الغطاء
أأبا الفوارس ..هذه ذبيان مما تيّمت عبسا
توحدّت الدماء مع الدماء
أما عبيلة ..آه من تلك العبيّله
لم تزَلْ فى سْبيِها الأزلى
يصهرها عذاب البعد فى لهب الحنين الى الجلاء
وخباؤها ..نار الكليم
هناك آنسها الذين استلهموا منك الإباء
شقوا اليها عتمة الوادى
فنودوا من أقاصى النار فى ذاك الخباء:
يا سالكون توغلوا فى الوجد أعمق
تجتلوا المحبوب..
إن العمق أرفع قمّة للاجتلاء
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> زيارة إلى شعورٍ هرم
زيارة إلى شعورٍ هرم
رقم القصيدة : 64361
-----------------------------------(65/120)
مِنْ أقاصي جسدي عُدْتُ ..
فهل تذكرني روحُ الزُقَاقْ ؟!
هل بِوِسْعِ الرَملِ أنْ يشتمَّ أقدامي
لِتصحو خطوتي الأولى على قارعة العُمْرِ
وتنسلَّ من الغيبِ (ثلاثوني) العِتَاقْ
عَلّني أعرفُ أين اختبأَتْ أعواميَ البِكْرُ
غداةَ انفرطَتْ مسبحةُ العُمْرِ
وضاعت خَرَزَاتُ الاتِّسَاقْ
وأرى كيفَ استقالَتْ حارتي من خُضرة الروحِ
وكيف انسلَخَ العنوانُ من لحمي
غداةَ انتَصَرَ الدهرُ على قلبي انتصاراً لا يُطَاقْ
هاهُنا العُمْرُ تقاويمُ غبارٍ
لم يزلْ يكتبُها الدهرُ لِكَيْ تسحقَها ممحاتُهُ/الريحُ ..
فما يبقىَ من الأيَّامِ غير الانْسِحَاقْ
عدتُ في سَاقَيْنِ مملوءَيْنِ مَسْخاً ..
فَمِنَ الإسممنتِ ساقٌ
ومن الإسفلتِ سَاقْ
أقتفي خيطاً من الأصداءِ
يمتدُّ إلى صرختيَ الأُولىَ نحيلاً كالفِرَاقْ
سَبَقَتْني حسرتي
فانفرجَ الدربُ .. وأطلقتُ حنيني في السِبَاقْ
وتلقَّتْني البيوتاتُ
توابيتَ مُسَجَّاةً على الأرضِ
وفي أسوارِها تنبضُ أرواحُ الوصايا ..
كيف لي أن أتهجَّى الحجرَ المسكونَ بالمعنى
وأن أقرأَ في الطينِ أحاديثَ الرِّفَاقْ !!
آهِ ما أبعدَ ما سافرتُ في الفولاذِ !!
سافرتُ إلى آخِرِ وديانِ المُحَاقْ
كيف لي أنْ أبلغَ الأعتابَ !!
لا بوَّابةٌ تضحكُ للشمسِ
ولم يبقَ من الخُطْوَاتِ ما يُذكي شهاباً لِغريب الدارِ ..
أينَ انطوَتِ الشُهْبُ / الخطُى .. أينَ ؟!
وأينَ العَتَبَاتُ الزُهْرُ .. بَلْ أينَ السماواتُ الطِبَاقْ ؟!
أينَ طفلٌ رقرقَ الأحلامَ في سطحِ المساءاتِ
وأغرَى شهوةَ الميزابِ للبوحِ ..
فَسَالَ البوحُ في الشارعِ أحلاماً دِهَاقْ
الطيوفُ انبعثَتْ
وانفتَقَ الظِلُّ
وقامَتْ أُمَّةٌ من ذكرياتٍ بين عينيَّ
إلى الحشرِ تُسَاقْ
اهدئي يا كائناتي
ليس في المحشرِ إلاَّ جَنَّةٌ
أسَّسَها الشوقُ هنا واتَّسَعَتْ في الاشتياقْ
----------------------
أينَ منِّي وجهيَ الأَوَّلُ ؟
هل ما زال مدفوناً هُنا تحت رمادِ الموتِ(65/121)
منذ انطفأَت ناصيتي فيهِ ...
وأصبحتُ أنا من قبضةِ الأعرافِ محلولَ الوِثَاقْ
كيف ماتَتْ دارُ جدِّي ؟!
لا أرى في (الحيِّ) إلا جُثَّةَ الدارِ
عليها يربضُ الوحش الحضاريُّ
ويمتصُّ من الجُثَّةِ حُلْمَ الانعتاقْ
دارُنا ـ قارورةً ـ كانتْ ..
وأُمِّي عطرُها المأسورُ بالنشوةِ حَدَّ الانطلاقْ
عندما تخرج أمِّي
تنحبُ الأحجارُ في السورِ ...
يئنُّ الخشبُ المجروحُ في الأبوابِ ..
تشكو الغُرَفُ الثكلى من اليُتْمِ ..
وأشواقي طوابيرُ انتظارٍ في الرواقْ
عندما تخرج أمِّي
تخرج الدارُ من الدارِ ..
ويبقى الاشتياقْ
----------------------
دارُنا حَلْقَةُ عُشَّاقٍ
تلاقوا داخل الصمتِ غداةَ البوحُ ضاقْ
فالشبابيكُ ترعرعنَ على عشق الزقاقْ
وانتشى كلُّ جدارٍ في عناقٍ بجدارٍ
منذ أنْ شدَّهما الطيَّانُ بالحُبِّ
فما خانا مواثيقَ الهوى في غارةِ السيلِ
ولا زنداهما فرَّطَتا في لَذَّةِ الوصلِ
غداةَ انْصَبَّتِ الريحُ بِطوفانِ الفراقْ
آهِ .. كيف انخسفَ السقفُ على ذاك العناقْ ؟!!
أيُّ طوفانٍ أتى
فاندلعَتْ ألسنةُ الماءِ على أحلامِنَا الأُولى
ولم تُبْقِ من الأحلامِ باقْ
رُبَّما الجدرانُ أضحَتْ في شِقَاقْ
رُبَّما الأحلامُ لم تبلغْ سماءَ البيتِ
كيْ تسندَها بالازرقاقْ
فَتَهَاوى السقفُ مخذولاً
وراحت دارُنا تكشفُ عن سيقانِها
للشاعرِ النائمِ ما بين ضلوعي ... فَاسْتَفَاقْ
----------------------
عدتُ من حيث تضيق الأرضُ بالأرضِ
فما أكثرَ ما تنزلقُ الأشياءُ في الوهمِ تمامَ الانزلاقْ
المرايا كلُّ ما أحملُ من أمتعةٍ ..
ما أثقلَ المرآةَ في الغربة !!
ما أجملَها تختزنُ الأطيافَ عذاراءَ المَذَاقْ !!
التسابيحُ التي تحرسُنا من ماردِ الليلِ ..
المساءاتُ التي تمشي الهُوَيْنَا ..
والحكاياتُ التي تكسر أوجاع المحبين ..
إلى آخر ذكرى نافَسَتْ ضُرَّتَهَا في خاطري ، حتَّى الطَلاَقْ
أيُّها الواطئُ صدرَ الدارِ
طاووساً عَتِيَّاً اسْمُهُ الموتُ :(65/122)
تبرَّأْ من وصايا الزَّهْوِ في ذيلكَ .. وارفقْ ..
إنَّ كَوْناً تحت أقدامِكَ يَشكو الاختناقْ
آهِ يا دارُ ..
أرى هيكلكِ الخاوي مليئاً بالحكاياتِ
أرى صمتكِ صمتاً فوضويَّاً يُزعج الموتى
أرى عالمكِ المهجورَ مُكْتَضَّاً بأسرارٍ دِقَاقْ
هاهنا أنفاسُ أمِّي
تتدفَّى بالنسيج العنكبوتيِّ
وأطيافُ أبي تحضنُ أعشاشَ الخفافيشِ ..
عجيبٌ مَلَكُوتُ الموتِ إذْ يزرعُ في سُكَّانِهِ هذا الوِفَاقْ
هاهُنا مائدةٌ من قَصَصِ الليلِ
هنا أزهارُ بستانِ العناقاتِ
هنا ملحمةٌ من ضِحْكيَ المنثورِ
حيث الدارُ كانتْ علَّمَتْني
أنَّ ترتيبَ ابتساماتي نِفَاقْ
كلُّ أشيائيَ هذي
تمتطي الدهرَ وتحدوهُ إلى النسيانِ ..
ماذا يُوقِفُ الدهرَ إذنْ ؟
ماذا سوى التذكارِ يفتضُّ الدهاليزَ ويجتاحُ الممَّرات العِتَاقْ
أَذهلتني حكمةُ النملِ
وقد أبدعَ من قَشَّتِهِ مملكةً كُبرى
على جُثمانِ أحلامي الرِقَاقْ
واحتفالُ البومِ بالأوهامِ
في سردابِها المسجورِ بالعتمةِ حَدَّ الاحتراقْ
وانتهتْ أفراحيَ الأُولى
سُلالاتِ خرابٍ
تتناسلنَ انكساراً في زوايا العُمْرِ ..
ما أكثرَ ما تُوجِعُني الأفراحُ في العُمْرِ المُعَاقْ
عدتُ كيْ أبحثَ عمَّا ماتَ منِّي
والأساطير التي خلَّفْتُها تذرعُ أطوالَ الرِوَاقْ
عدتُ يا (دارُ) ..
لَعَلِّي ألتقي فيكِ شعوراً هَرِماً
قد فَرَّ من قلبي وناداني : اللِّحَاقْ
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> شهيق اللازورد
شهيق اللازورد
رقم القصيدة : 64362
-----------------------------------
من غابةِ التفَّاحِ خلف الغيبِ
ينحدرُ المساءُ بلا مآزرَ
صارخاً بالعُرْيِ
حيثُ العُرْيُ شاعرُ نَفْسِهِ ..
والفتنةُ السمراءُ ترسمُ في المدى شكلَ النِسَاءِ
ماذا لوِ القَمرُ انتشَى بالحُسْنِ في جَسَدِ المساءِ ؟
ماذا سأصنعُ
حينما تصحو طواويسُ الغوايةِ في دمائي ؟
فَأَنَا هُنا نَصْلٌ من الشهواتِ
مكتنزٌ بِنارِ الليلِ ..
أَحْلُمُ مثلما بَرْقٍ(65/123)
تحرَّى موعدَ اللمعانِ ممشوقَ الضِياءِ
أنا لا أُوَرِّي
فالفضيحةُ في الهوى أُنثايَ
منذُ توهَّجتْ بِدمي سفرجلةُ اشتهائي
الآنَ يبتدئُ امتحانُ الماءِ في جسدي
وتسبحُ في الغوايةِ كلُّ أعضائي ..
كأنِّيَ في سماءٍ لا يُفَصِّلُها سِوَايَ
أنا الذي في العشقِ أمقتُ مَنْ يُفَصِّلُ لِي سَمَائي
أسمو إلى فردوسيَ الأَزَليِّ
بين سواعدِ امرأةٍ تُجاسدُني
وندخلُ في هُلامٍ غامضِ الأبعادِ .. نشوانِ الفَضَاءِ
متوهِّجانِ كَحَرْبَتَيْنِ من الصباباتِ القديمةِ ...
هَزَّنا في كفِّهِ التاريخُ
ثُمَّ رمى بِنا في الوَجْدِ
نستبقُ المكانَ إلى المكانِ
كأنَّنا في غابةِ اللذَّاتِ نُشعلُ ظبيتينِ من الحماسةِ والمَضَاءِ
مَطَرٌ خفيفٌ بالشجى ينسابُ
مُنسكباً على أوتارِ شهوتِنا ..
يُدَوْزِنُنا
بِمفتاحينِ من لَهَفٍ ومن شَغَفٍ
لِنُصبِحَ غيمةً صيفيَّةً
تلدُ البَنَفْسَجَ فوقَ قارعةِ الفَنَاءِ
عُمُرُ البنفسجِ ساعةٌ زرقاءُ
فاقتربي .. نُفَتِّقُ سِرَّ زُرقتِها
ونعبرُ في شهيق اللاَّزَوَرْدِ إلى أقاصي الانْتِشَاءِ
هيَ ساعةٌ
يتحرَّرُ الجسدانِ فيها من قُيُودِ الشكلِ ..
يتَّحدانِ ساقِيتَيْنِ في مجرىً
وينطلقانِ نَهْراً في الغموضِ اللاَّنِهائي
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> دمشق .. غناءٌ خارجَ اللحن الجماعيّ
دمشق .. غناءٌ خارجَ اللحن الجماعيّ
رقم القصيدة : 64363
-----------------------------------
ها أنا أفتحُ أزرارَ اشتياقي
لِعذارى السيِّئاتِ البيضِ ..
ينحلُّ قميصُ الإثمِ
عن معصيةٍ تمشي على الأرضِ
أُسمَيِّها مجازاً : جسدي ..
هذا الذكوريُّ الّذي أدمنَ تجريبَ الجُنُونْ
آهِ ما أعمقَ (سُورْياليَّة) الطينِ بأعضائي
فما يفهمُها من نخُبةِ العاصِينَ إلاَّ الرَّاسخونْ
هكذا ترسمُني فُرشاةُ حِسِّي :
أتدلىَّ فوق حبلينِ من اللَّذةِ والخوفِ
إذا الشهوةُ لفَّتني مع الذنبِ على صدرٍ حَنُونْ
هائماً أحسِبُ : كَمْ تُفَّاحةٍ(65/124)
تغمزُ لي في ذلكَ الحقلِ ..
وكم زيتونةٍ ترجمني في مشهدِ الوصلِ ..
كأنيِّ ساحةٌ
تصطرعُ التقوى عليها والمُجُونْ
آهِ ما أكثرَ ما يُهزمُ فِيَّ المتَّقونْ
ويُناديني الهوى : يا أيُّها العالقُ
في أرجوحةِ الزيتون والتفَّاحِ ..
تُقصيكَ وتُدنيكَ ، الغُصُونْ
احترسْ من كلِّ غصنٍ زائغ الطَّرْفِ
فَكَمْ في غابةِ الشهوةِ أغصانٌ تخونْ
--------------------
آهِ مِنّي .. وأنا المكسُورُ بالأُنثى
إذا الغمزةُ جرَّتْني بأطرافِ الجفونْ
لم أطأْ في العشق أرضاً
وَطَأتْها الريحُ قبلي ..
لم يزلْ هاجسُ (عِشْتَارَ)
يُغذِّي جسدي بالرغبةِ البِكْرِ ..
وآثاميَ في الرغبةِ أمشاجُ الفنونْ
أَتَشهَّى وأُسَمِّي كلَّ ما يُوقظُ حِسِّي امرأةً ..
أحيا وأفنى كلَّما أدخل في عشقٍ
فَهَل يعلم جُهَّالُ الهوى
كمْ مرَّةً يحيى ويفنى العاشقونْ ؟؟
--------------------
و (دمشقُ) تجلسُ الآنَ على قِمَّتِها
قِدِّيسةً يحتلُّها الطلسمُ والخمرُ الإلهيَّانِ
فيما رقصةُ الآثامِ في صدريَ تشتدُّ
وضلعي باعوجاج الذنبِ يمتدُّ
وقد حانَ لِنَهْرِ النُطَفِ الهوجاءِ
أن يرتاحَ في قاع السُكُونْ
فاصعَدي بي يا ابنةَ القمَّةِ ..
لا ينكشفُ التاريخُ إلاَّ من أعالي (قاسيونْ)
وأنا المقبورُ في التاريخِ
لا بُدَّ وأنْ أمرقَ من ذاتي لِكَيْ أعرفَ ذاتي
ناوليني حفنةً من عِزِّكِ البارودِ
كيْ أنسفَ بعْضاً من صِفَاتي
حُلْمِيَ الصعلوكُ يفتضُّ المتاهاتِ
ويصطادُ أساطيرَ الفلاةِ
آهِ مِنِّي .. وأنا مَنْ ضيَّعَ الشكلَ
ولم يعثرْ على الجوهرِ في كَنْزِ الحياةِ
ما تبقَّتْ خطوةٌ عندي
فقد أفقرَني المشيُ وجَفَّتْ خُطُوَاتي
أنا خيَّاُل ضَيَاعي
أجلدُ الأرضَ بِمِهْمَازٍ قديمٍ
حالماً أنْ تنزفَ الأرضُ بِسِرِّ الكائناتِ
وصلاتي لم تكنْ أعمقَ من قاعِ سؤالي :
كيف ثارتْ جِهَةٌ واحدةٌ واحتكرتْ وجهَ الصلاةِ ؟؟
لم تُجِبْ إلاَّ العَصَا ..
آهِ وأبكِي للعَصَا في عَجْزِها السافرِ(65/125)
أنْ تُلقمَني الدرسَ السماويَّ ..
تمرَّدتُ وصلَّيتُ إلى كلِّ الجِهاتِ
لم أَكُنْ وحدي
فقد كانتْ تُصلي في دمائي ، أغنياتي
لم تُفِقْ مدرستي
إلاَّ على طفلٍ نَشَازٍ في الطوابيرِ
يُغَنّي خارجَ اللحنِ الجماعيِّ
ويستنفرُ أنهارَ التلاميذِ إلى كَسْرِ القناةِ
وتجلَّيْتُ أنا ..
كُرَّاسَةُ (الإملاءِ) لا أعرف فحواها
ولا أعرفُ ما (التاريخُ) لولا إصبعانِ انفرجَا عن شارةِ النصرِ ..
وما (جُغْرَافِيا) الأرضِ سوَى بعضِ الطغاةِ
فَخُذِيني يا ابنةَ القِمَّةِ (لِلعاصي)
خذيني للنواعير التي تنزفُ بالإيمانِ من قلبِ (حَمَاةِ)
أنا (عاصٍ) آخرٌ
يحملُ في تيَّارِهِ كلَّ العُصَاةِ
--------------------
هاهُنا طوَّقني التاريخُ كالإعصارِ
والتفَّ بِيَ الفرسانُ في دائرةٍ من حَمْحَمَاتِ
وانتخَى السيفُ (الدمشقيُّ)
فَفَاضَتْ شهوةُ النصرِ من المعدنِ ..
ما أروعَ هذا الأبيضَ الفحلَ
وقد بيَّضَ وجهَ العُرْبِ في لَيْلِ الشَتَاتِ !!
تُولَدُ الثورةُ من أرْصِفَة (الشامِ) !!
فلا عاشَ رصيفٌ يزرعُ العُقْمَ بأقدامِ المُشَاةِ
يا (دمشقُ) احتضِني قبري
فهذي جُبَّتي البيضاءُ لا تحملُ في طيَّاتها إلاَّ رُفاتي
واحشريني في الحضاراتِ التي لم يفترعْها صَدَأٌ
فوق نُحَاسِ الوقتِ ..
فالوقتُ هُنا تصقلُهُ مطرقةُ الأمجاد في كَفِّ الأُبَاةِ
أبَداً لن تجبنَ الشمسُ على ساحلِ (طرطوسَ)
ولن يبرأَ من (زنّوبِيا) نَهْرُ (الفُرَاتِ)
لن يجفَّ الاشتياقُ (اللاَّذِقانيُّ) إلى بحَّارةِ الغيْبِ
ولن تنبتَ في البحرِ خُرافاتُ الغُزَاةِ
يا (دمشقُ) احتضنِيني
وهَلُمِّي نشتَري الرغبةَ من سُوقِ (الحميديَّةِ) ..
فالرغبةُ إكسيرُ الحياةِ
واقْطفِي من (بَرَدَى) صَفْصَافةً تخفقُ بالعشقِ
وتلتفُّ على ميعادِنا بالخَفَقَاتِ
إنَّ بوحي في الهوى توأمُ خوفي ..
علِّميني : كَمْ من الجرأةِ أحتاجُ
لِكَي أُعْلِنَ عشقي ..
ها أنا شَمَّرْتُ عن قلبي وجَرَّدْتُ لَهَاتي(65/126)
وتشظَّيتُ جنوناً .. أدباً .. حُبَّاً ...
تشظَّيتُ فما يجمعُني الراوي ..
لقد ضاعتْ شظايايَ على كلِّ الجِهَاتِ
والنِّياقُ العربيَّاتُ تساقطنَ على قارعةِ (الضادِ)
فَهَلْ من ناقةٍ تحملُني نحو فُتاتي ؟؟
رُبمَّا تجمعُني الصحراءُ
من بين مزاميرِ الرُعاةِ
فأنا المنثورُ حُزناً
في زوايا كلِّ مزمارٍ ..
كأنيّ ـ لو تجمَّعْتُ ـ جُمَاعُ الزفراتِ
أتعالى نغماً من توتِكِ الشاميِّ والشيحِ
وقد سالا على بَعْضهما في دَنْدَنَاتي
(هجريٌّ) أنا ..
قد مشَّطْتُ شَعْرَ الأرضِ في التيه بأحلامٍ بُدَاةِ
--------------------
وأنا الخارجُ كالميزابِ من سَطْحِ خيالي
أتحرَّى مطراً يعرجُ بي عبرَ (مُقام) البوحِ
كي أكشفَ (حالي)
ليس إلاَّ الماءُ يسمُو بي إلى رُوحي
بعيداً في الأعالي
أنا ما خنتُ السماواتِ
ولكنْ صدَّني حُرَّاسُها عنها
فأبدعْتُ سمائي من رمالي
في لياليكِ المرايا
أشرقَتْ ذاتي على هيئتِها الأُولى
وقادتْني إلى نبعِ انتمائي في الليالي
أُمِّيَ التمرةُ ..
ما فرَّطتُ في التمرةِ
حين انفرطَ النخلُ مع الأيَّامِ ، من عَمِّي وخالي
نخلتي غاليةٌ يا فتنةَ الشرقِ ..
وعُذْراً للهوى
فالنخلُ كلُّ النخلِ غالي
أينَ مِنِّي ألفُ جذرٍ
شدَّها قلبيَ بالأرضِ شرايينَ اتِّصالِ
طعنتْني الريحُ في كلِّ جذوري
ما تبقَّى غير جذرٍ يتحدَّى طعنةَ الريحِ
ويأبى أن تموتَ الأرضُ في القلبِ
وأن تمُسكني الذكرى سجيناً في ظِلاَلي
فالأساطيرُ قواريرٌ
وهذي أُمَّتي تحُبسُ في قارورةٍ من طينةِ الذكرى ..
تعالي نثقبُ الأسْطُورةَ/الطينةَ
كي نسبحَ في السَرْمَدِ
أقواسَ هلالاتٍ تعانقنَ لإدراكِ الكمالِ
--------------------
يا (دمشقَ) الوقفةِ المتراسِ
لم تغدُرْ ببوَّابةِ تاريخ الجَلاَلِ
من هُنا تعلُو صلاةُ النُّور والنَّارِ
على الأُفْقِ الفدائيِّ ..
ويختطُّ الشموخُ القاسيونيُّ تضاريسَ النِضَالِ
ما تعرَّى جَبَلُ البارودِ
من جُرأتِهِ الوثَّابةِ الكُبرى ..(65/127)
ولا فَرَّطَ في جمهَرَة الجمرِ على الزندِ الفلسطينيِّ ..
ما أقدسَ هذا الموقدَ المسجورَ
بالثورةِ والإيمانِ في صدْر الرجالِ
هاهُنا العِزَّةُ تستنبتُ في الأبطالِ أطفالاً
يحوكونَ من المشنقةِ السكرى أراجيحَ الدلالِ
كلَّما مالوا على حبلٍ
أمالوا قامةَ الشمسِ ..
وشدُّوا بِاتجِّاهِ الله أطرافَ الحِبَالِ
العذاباتُ جمالٌ للمحبِّينَ ..
فيا أيَّتُها العاشقةُ الكبرى
خُذي أجملَ عُشَّاقِكِ من صدري
فقد أصبَحَ عنوانَ الجَمَالِ
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> مهرة من ساحة ( اليرموك )
مهرة من ساحة ( اليرموك )
رقم القصيدة : 64365
-----------------------------------
مهداة إلى الاستشهادية ذات الستة عشر ربيعاً ( آيات الأخرس )
قبلَ أنْ تُعلنَ ميلادَ جناحَيْهَا
وتنضمَّ إلى جِنْسِ البلابِلْ
أَنْفَقَتْ من ياسمينِ العُمْرِ ما يكفي
لِتَسْتَنْبِتَ في الحُلْمِ
من الوَرْدِ شعوباً ومن التينِ قبائِلْ
وانتهَتْ في أُمَّةٍ
يبكي بِها التينُ على أغصانهِ والوردُ ثاكِلْ
أينَ تُؤوي حُلْمَهَا ..
والبندقيَّاتُ ضيوفُ اليأسِ في الأُفْقِ
ولم يبقَ على الأرضِ قطافٌ خَيِّرٌ
تُغري بهِ جوعَ المَنَاجِلْ
غربةٌ تزحفُ في الأشياءِ كالأفعَى
وقهرٌ هائجٌ يهوي على الروحِ كأسنانِ المقاصِلْ
نَقَّبَتْ كلَّ التضاريسِ على خارطةِ الكونِ
ولكنْ لم تجدْ رأسَ ( فلسطينَ ) على تلكَ الهياكِلْ
كلُّ شيءٍ حولها سلسلةٌ تعتقلُ الجوهرَ في الروحِ ..
ولكنْ حُلْمُها الأخضرُ يلتفُّ
ربيعاً ناعساً حَولَ السلاسِلْ
لم تَجِدْ من وطنٍ أغلى من الإيمانِ بالوعدِ ..
ومن يخرجُ من إيمانهِ
يخرجُ منفيّاً من التاريخِ ، محروقَ المراجِلْ
أيُّ أُنثىَ طلعَتْ في موسمِ الثورةِ
كي تكنسَ من واحتهِ كلَّ الرجولاتِ المزابِلْ
عَلَّقَتْ تاريخَها في طَرَفِ الكوفيّةِ الشهباءِ
وانقضَّتْ على الحاضرِ غضْبَاتٍ صَواهِلْ
--------------
بِحِزامَيْنِ حبيبينِ من الثورةِ والإيمانِ(65/128)
شدَّتْ خصرَها الناسفَ حُسْناً
وأدارَتْ شعرَها للبحرِ في ( غَزَّةَ )
كي تستبدلَ الشطَّ بِشَطٍّ من جدائِلْ
ثمَّ مالَتْ جهةَ النهرِ
وأهدَتْهُ يَدَيْهَا
ضِفَّتَيْنِ امتدَّتَاَ بالعُشُبِ الأحمرِ من مَرْجِ الأنامِلْ
هاهُنا خارطةُ الجرحِ ..
هُنا تمتدُّ بينَ ( البحرِ ) و ( النهرِ )
سُلالاتِ براكينَ وتاريخَ زلازِلْ
وهُنا ( آياتُ ) ما بينَ الحزامينِ الحبيبينِ
بَدَتْ جملةَ عشقٍ بينَ قوسينِ ..
وهيهاتَ
فمَا في جُملةِ العشقِ فواصِلْ !!
حَلَّقَ ( النحوُ ) بِها
فاجتهَدَ ( الرفعُ ) كما لم يجتهدْ من قبلُ
وانحازَ إليها كلُّ ( مفعولٍ بهِ )
يرفعُهُ المقلاعُ بالعزّةِ كي يصبحَ ( فاعِلْ )
أيُّ درسٍ عاصفٍ ينتظرُ الشرحَ !
أفيقي يا كراريسُ
فهذي حصّةٌ من خارجِ المنهجِ
ما مرَّتْ على ذهنِ الجداوِلْ !!
لَبَسَتْ أقمارَها طرحةَ عرسٍ..
والنجومُ اتَّخَذَتْ موقعهَا الأجملَ في العينينِ..
وامتدَّتْ على أطرافِها كلُّ السواحِلْ
وانثنَتْ ( آياتُ ) تختالُ ..
وكوفيّتُها تختصرُ البُعْدَ الفلسطينيَّ في خارطةِ الكونِ
وتجلُو طفلةً كاملةَ الوعيِ ..
على جبهتِها قامَتْ قياماتُ المشاعِلْ
عُمْرُها ( ستٌّ و عشرٌ ) من سنينٍ
وألوفٌ من بواريدَ
وجيلٌ من قنابِلْ
وجنتاهَا بيرقانِ ارتفعَا في أَلَقِ النصرِ على كفَّيْ مُقاتِلْ
قَدُّها ..
يا نهرُ حدِّثْ عن تَثَنِّيكَ و يا نخلُ تطاوَلْ
مُقلتَاهَا ..
هل رأيتَ الشمسَ تنصبُّ ينابيعَ من الجمرِ
وهل أبصرتَ في الطوفانِ أمواجاً تقاتِلْ !!
ومُناهاَ :
هاهُنا التاريخُ يرتدُّ إلى أعراسِ ( بابِلْ ) !!
أيُّ وعيٍ ثائرٍ هبَّ كما الريحِ
لكي يطفئَ إشراقةَ تفَّاحِ الخياناتِ بِبُستانِ المهازِلْ
طلعَتْ تحدو مطايا رحلةِ الصيفِ
على إيقاع ممشَاها
وتمتصُّ لُهاثَ الدربِ من صدر القوافِلْ
حَدَّقَ الدهرُ
فألفَى ( خولةً ) تبعثُ للأجيالِ من حُفرتِها إحدَى الرسائِلْ
مهرةٌ قادمةٌ من ساحةِ ( اليرموكِ )(65/129)
ظلَّتْ تعبرُ الأصلابَ من فحلٍ إلى فحلٍ
وتمتصُّ الفحولاتِ إلى قعرِ المفاصِلْ
كلَّمَا شدَّتْ خُطاها
كَسَرَتْ ظهرَ المسافاتِ وأضلاعَ المراحِلْ
غَمَزَ الخُلْدُ لها
وَهْيَ تقودُ الريحَ في دربِ الرسالاتِ ..
ومُهْرُ الريحِ جافِلْ !
غُضَّ منْ طرفِكَ يا خُلْدُ ..
فما كنتَ تُجيلُ الطرفَ
لو أدركتَ منْ كنتَ تُغازِلْ !!
ضَحِكَ الدربُ
غداةَ المهرةُ البِكْرُ أحسَّتْ بِجنينِ الفتحِ
في أحشائها يهتزُّ ..
فاهتزَّتْ
وراحَتْ تنظمُ الشارعَ عقداً:
خيطُهُ الأرضُ وحبَّاتُ لآليهِ المنازِلْ
وتدلَّى الغيمُ قرطينِ بِأدنى أُذُنَيْهاَ ..
والعصافيرُ
علَى أقدامِها صارَتْ خلاخِلْ
وتَهادَتْ وَحْدَها
لولاَ حقولُ القمحِ تنصبُّ على الظهرِ بِشَلاَّلِ سنابِلْ
وحدَها كانَتْ
ولكنْ غابةُ الزيتونِ في أعطافِها ترقُصُ ..
والمجدُ غصونٌ تتمايَلْ
وَحْدَهَا كانَتْ ..
فقلبي الفاجرُ الكافرُ
لا يبصرُ في الفستانِ إلاَّ زهرةً واحدةً
حجَّبَها اللهُ بإكسيرِ الفضائِلْ
يا إلهي .. يا إلهي ..
كمْ من الإيمانِ أحتاجُ لكي يدركَ قلبي
أنَّ في فستانِها ألفَ مناضِلْ ؟!
-----------------
نَفَحَتْ وجهَ المَدَى
مثلَ نسيمٍ مُصبحٍ
هبَّ على أَوجهِ أشياخٍ تقاةٍ
أكملُوا تَوَّاً صلاةَ الفجرِ
وانسلُّوا منَ المسجدِ أرواحاً كوامِلْ
مالتِ الشمسُ لها
وانتصَبَ الظهرُ أذاناً
والمناراتُ اشرأبَّتْ في الصدَى ..
كلُّ جهاتِ الأرضِ حُبلَى بأذانِ الظُهرِ
إلاَّ جهةٌ واحدةٌ بالعُهْرِ حامِلْ
كرَّتِ المهرةُ كي تكملَ صوتَ اللهِ في الأبعادِ ..
هذي لحظةُ الوحيِ دَنَتْ
والأنبياءُ انتظروا ( الآياتِ )
فيمَا ( مريمُ ) العذراءُ كانتْ بانتظارِ ( التمرِ ) في ( المحرابِ ) ..
يا الله !! يا الله !! يا الله !!
ما أكثرَ ما أشعلَهَا الإلهامُ طُهراً
فاستقالَ الطينُ في أعضائهَا من عمَلِ الطينِ
وشَعَّ الوحيُ برقاً خاطفاً
فَجَّرَها في أَلَقِ الفَرْضِ تراتيلَ(65/130)
كأنَّ ( الصُحُفَ الأولى ) تَجَلَّتْ دُفعةً واحدةً
واكتملَ التنزيلُ ..
ها قد حصحصَ الفجرُ فكلُّ الليلِ باطِلْ !!
من هُنا يا ( أختَ هارونَ ) خذي تمرةَ محرابكِ ..
هذي نخلةُ اللهِ
وهذَا تمرُها تَمرٌ إلهيُّ الشمائِلْ !!
-------------
هكذَا ( آياتُ ) لَبَّتْ داعيَ ( الجُمعةِ ) للذِكرِ
و صَلَّتْهاَ من القلبِ وجوباً ونوافِلْ
ثُمَّ عادَتْ بِربيعٍ شاعرٍ في دَمِها المنظومِ
واشتاقَتْ إلى تقفيَةِ الماءِ بِمنثورِ الجداوِلْ
وأحالَتْ من دَوِيِّ الجسَدِ الهادرِ
لحناً واحداً
وَزَّعَهُ الحبُّ تقاسيمَ على كلِّ ( الفصائِلْ )
هكذَا عادَتْ ..
وفي أقدامِها آخرُ أنباءٍ عن الأرضِ أذاعَتْهَا المعاوِلْ
صَفَّقَ الموتُ لَهَا
مِمَّا رأى من روعةِ الجرأةِ
واهتزَّتْ من الإعجابِ روحُ الأرضِ ..
فاحتارَ المدَى :
هلْ كانتِ الأرضُ تُداجيها
وهلْ كانتْ يدُ الموتِ تُجامِلْ ؟!!
آهِ يا ( آياتُ ) ..
يا بوصلةَ القِمَّةِ ..
يا موهبةَ الينبوعِ ..
يا فجراً على السفحِ تُؤاخيهِ الأيائِلْ
يا ( حديثاً ) في ( صحيحِ ) الطيرِ ( تَرويهِ ) العنادِلْ
سامحيني حين أتلوكِ
وأستأذنُ فيكِ الشرفَ السامي ..
فما من عربيٍّ شاعرٍ يجرؤُ
أن يرفَعَ في عينيكِ عينيهِ
وأن يختطَّ حرفينِ عنِ العشقِ ..
فهذَا دمُكِ الزاحفُ عبر الوطنِ الأكبرِ
مازالَ يُعرِّي الشعرَ والعشقَ ..
أَراني قامةً من خجلٍ في حضرةِ الصمتِ..
اعذُريني في انتماءٍ مسَّهُ العُقمُ ..
كِلانَا يأكلُ الحنظلَ من فاكهةِ القُربىَ
وزقُّومُ العروباتِ علينا يتناسَلْ
طاشَ بي لُبِّي ..
أَ هذي أُمَّةٌ أمْ كتلةٌ من عَدَمٍ أخرسَ ؟؟
ما أكبرَ هذا العدمَ الأخرسَ !
ما أكبرَ هذا الخَرَسَ المعدمَ !
صارَ القلبُ مِمَّا قَرَّحَ الحزنُ بهِ نبعَ دمامِلْ
كلَّما جُنَّ جنوني
رحتُ لِلَّوعةِ أستفتي
وحينَ اجتهدَتْ في دميَ اللوعةُ
زنَّرتُ ضلوعي بِعُبُوَّاتِ احتجاجٍ وحزامَينِ منَ الشَجْبِ ..(65/131)
وحانَتْ ساعةُ النارِ فَخانَتْني الفتائِلْ
خِلْقَتي ناقصةُ التكوينِ ..
هل يكملُ مخلوقٌ بلاَ حُرِّيّةٍ ؟
هيهاتَ .. هذا ما تقولُ البندقيَّاتُ ..
فلا بُدَّ إِذَنْ من طلقةٍ تكملُ تكويني
وتسمو بي إلى أحسنِ تقويمِ من النخلِ تَمَنَّتهُ الفسائِلْ
----------------
علِّمينا الحُلمَ يا ( آياتُ ) ..
هل حوصلةُ الطائرِ كونٌ من زغاريدَ ..
وهل ثمَّةَ طيرٌ خُلِقَتْ دونَ حواصِلْ ؟؟
كنتِ أعلَنتِ لنا عن موعدِ ( الطوفانِ ) بالأمسِ
وجثمانُكِ أهدَى أوَّلَ الألواحِ
كي نصطنعَ ( الفُلكَ )
ولكنْ لم يجئْ ( نوحٌ ) ..
هُنَا في الأُمَّةِ الغرقىَ
مُسُوخٌ لبَسََتْ هيئةَ ( نوحٍ )
فاستحالَ الدمُ نفطاً ..
والشعاراتُ أُصِيبَتْ في المقاتِلْ
من ( جِنينَ ) ابتدأََ ( الطوفانُ ) في السرِّ
ولا يعلمُ إلاَّ اللهُ
كيفَ ابتدأَ الطوفانُ في السرِّ !
وماذَا كانَ يحتدُّ سوَى لحمكِ في ( التنُّورِ )
حتَّى ( فارَ ) غضبانَ !!
وكانت طلقةٌ واحدةٌ تكفي لأَِنْ تختصرَ الموتَ ..
لماذَا انشقَّتِ الأرضُ إذَنْ أنهارَ جَمْرٍ
والسماواتُ غَدَتْ تُمطرُ فولاذاً ؟؟
هنيئاً للحضاراتِ التي ترسمُ بالصاروخِ
وجهَ العالمِ الحُرِّ !
هنيئاً هذهِ الحربُ على الجوهرِ في الإنسانِ !
صارَ الكفَنُ الأبيضُ زِيَّ الخَلقِ
في صيحتهِ الكُبرى على ثغرِ القوابِلْ !
هذهِ أرضُ ( جِنينَ ) ارتفعتْ للهِ
والموتُ تَمَشَّى عاطلاً من عمَلٍ ..
نَقَّبَ أشلاءَ الجنازاتِ
فألفَى كلَّ شلوٍ ضاحكاً يهزأُ بالطلقِ
فتَرْتَدُّ الرصاصاتُ إلى منجمِهَا خجلَى ..
هُنَا الوعدُ تَجلَّى
و ( جِنينُ ) ارتفعَتْ وارتفعَتْ ..
صارَتْ سماءً للعُلَى ثامنةً
والشهداءُ انتثرُوا شُهْباً على الأُفْقِ
وظلَّ الموتُ عاطِلْ
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> الاستشهادي علي أشمر .. مناجاة باتساع الوادي
الاستشهادي علي أشمر .. مناجاة باتساع الوادي
رقم القصيدة : 64366
-----------------------------------(65/132)
كان علي أشمر ( قمر الاستشهادييّن ) شيخَ ( طريقةٍ ) ابتكرها للعاشقين الوالهين للحريّة المطلقة ، وذلك عندما تحوّلَ إلى مخزنٍ من البارود وانفجر راجلاً في تلٍّ من الجنود الإسرائيلييّن .
-----
من بعيدٍ جاءَ ..
لا أعلمُ من أينَ
ولكنْ من بعيدٍ ..
رُبَّما من طعنةٍ في جسدِ التاريخِ
حينَ الْتَحَمَ الجيشانِ في ( خيبرَ )
فَانْسَلَّ الفتى من فجوةِ الطعنةِ
كي يختصرَ التاريخَ في جرحٍ
وحتَّى الجرحُ لا يعلمُ من أين الفتى جاءَ
ولكنْ من بعيدٍ ..
رُبَّما من ( ضَيْعَةٍ ) تجلسُ في أقصى حدودِ القِيَمِ
الكُبرَى
كما يجلسُ بستانٌ على التلَّةِ في عُزلَتِهِ ..
ماجَ الفتى بالعطرِ حينَ اختزلَ البستانَ في قامتِهِ
الوَرْدِ ..
وحتَّى الوردُ لا يعلمُ من أينَ الفتى جاءَ
ولكنْ من بعيدٍ ..
رُبَّما حَلْقَةُ صوفِيِّينَ
في أعلى جبالِ الوجدِ
أَغْرَتْهُ لأنْ يكتشفَ العمقَ الإلهيَّ بِهذا الكونِ
فانشقَّ المدى
عن عاشقٍ قد نوَّرَ الروحَ بِمِشْكَاةِ يقينٍ عَلَويٍّ
ومضَى يسبحُ في كينونةِ الأشياءِ حتّى لامَسَ القعرَ
وحتّى القعرُ لا يعلمُ من أينَ الفتى جاءَ
ولكنْ من زمانٍ خارجَ العصرِ
فَهذا الوَهَجُ الروحيُّ
لا يُمكنُ أن يُنجبَهُ عصرٌ من الفولاذِ ..
هذي الوردةُ الزهراءُ
لا يُمكنُ أنْ تولدَ ـ مهما حَاوَلَتْ ـ
من أُمَّةٍ في موسمِ الزقُّومِ ..
والله !
هُوَ الوعدُ السماويُّ لنَا أن نرثَ الأرضَ
هُوَ الوعدُ
أتى يحملُ في أضلاعِهِ كوخاً من الإيمانِ
معموراً بِحُبِّ الله والأرضِ
وطفلٍ ضاقتِ الأسماءُ عن إيمانهِ إلاَّ ( عليٌّ ) ..
حَمَلَ الإسمَ لواءً خافقاً بِالقُدْسِ
مُمْتدّاً من الثورةِ حتّى الموتِ
جيلاً جَبَلِيّاً
نَبَتَتْ في فَمِهِ ( اللاَّءاتُ ) أنياباً
وربَّاها بِما وَرَّثَهُ الأجدادُ من رفضٍ قديمٍ ..
لم تَزَلْ ( لاءاتُهُ ) تكبرُ في الرفضِ فصارتْ
بُنْدُقيَّاتٍ
ومازالَ ( عليٌّ ) حالماً يركضُ خلفَ الشمسِ(65/133)
مُشتاقاً لأنْ يصطادَ هذي الظبيةَ البيضاءَ في السفحِ..
فتستدرجُهُ الظبيةُ للقمَّةِ
كيْ يقطفَ أزهارَ الصعودِ الوَعْرِ من أعلى الزمانِ
الكربلائيِّ ..
( عليٌّ ) عصَّبَ الجبهةَ بِالتاريخ
واشتاقَ إلى الرقصِ مع القمّةِ
في عُرْسٍ سماويٍّ ..
جلا الحُسْنَ الربوبيَّ
جلاءً يُطلقُ الروحَ
إلى عالَمِها الأسمى متى ترنو إِلَيْهِ
فاضَ من بردتِهِ الحسنُ أساطيرَ
فكانت ( شهرزادٌ )
كُلَّمَا أدرَكَها الليلُ
أَجَالَتْ طرفَها فيهِ وسلَّتْ قصّةً من حاجِبَيْهِ
واستجارتْ بِالتعاويذِ التي تحرسُ أسرابَ المَهَا في
مُقْلَتَيْهِ
فَكَسَاها بِهدوءِ الزَغَبِ الناعسِ في أرجوحةٍ من
عارضَيْهِ
و ( عليٌّ ) زاحفٌ في الحُلْمِ
كالنَهْرِ
يلفُّ الموسمَ الأخضرَ في ريشِ حماماتِ يَدَيْهِ
حينمَا جَمَّرَهُ ماءُ الفُتُوَّاتِ
نَوَى العُرْسَ
فألفَى كلَّ شيءٍ صارَ أُنثى :
النَهْرَ والبيدرَ والبستانَ ..
والشمسُ الجنوبيّةُ مدَّتْ عُنُقَ الفَجْرِ على هيئةِ
أُنْثَى ..
والقُرى اصطفَّتْ صباياً
تتشهَّاهُ عريساً كاملَ الوجدِ ..
صحا كلُّ سريرٍ شدَّهُ الليلُ على نجواهُ
مأهولاً بِنَهْدَيْنِ شَهِيَّيْنِ ..
وجاءَ الكلُّ للموعدِ مخموراً
ولا بأس ..
فهذي خمرةٌ مغفورةُ الإثمِ ..
هُنا افترَّ ( عليٌّ )
عن فتىً تطلعُ من ضحكتِهِ الشمسُ
مشى في خاطرِ الوادي غزالاً مُترفَ اللفتَةِ
تختالُ بهِ حُرِّيَّةُ العُشْبِ وروحانيَّةُ الأرضِ
و ( آذارُ ) شبابيٌّ على خَدَّيْهِ ..
فَافْتَنَّ الفتى عشقاً
بَدَتْ فتنتُهُ أعنفَ ناراً
من فتيلِ امرأةٍ دهريَّةٍ خامَرَها الشوقُ
فهذا ( العامريُّ ) اسْتَدرجَتْهُ امرأةٌ من خارجِ الدَهْرِ ..
تجلَّى فرأى ( كِذْبَةَ نيسانَ ) على الدربِ
وتَلاًّ من جنودٍ يحرسُ الكِذْبَةَ
فيما أشرَقَتْ ( ليلاهُ ) خلفَ التلِّ ..
نَادَتْهُ
وقد كانَ على بُعْدِ جحيمٍ واحدٍ من جنَّةِ الوصلِ ..
هُنا فَخَّخَهُ العشقُ بأشواقِ المُحِبِّينَ(65/134)
فماجَ الجَسَدُ الورديُّ في قنبلةِ الأشواقِ ..
فاضتْ لهفةُ التنفيذِ من عينيهِ
فاهتزَّ الفتى مخزنَ بارودٍ من اللَّهْفَةِ
وامتدَّ فتيلاً نافراً في خفّةِ الضوءِ
دقيقاً وجميلاً مثلَ خطِّ الكُحْلِ في جَفْنَيْهِ
تحدوهُ تسابيحُ خطوطِ الطولِ والعرضِ ..
علَتْ تكبيرةُ الوادي
وشعَّتْ في المدى جُرأةُ ( عبَّاسَ ) و ( حَفْصٍ ) و (
قصيرٍ )
فَتَلَظّى الوجدُ في ترسانةِ القلبِ
وثارَ المخزنُ الناريُّ في التلِّ
فما نسمعُ إلاَّ :
( ارِني أنظرْ إِليكْ )
( ارِني أنظرْ إِليكْ )
غرقَ المشهدُ في النشوةِ
حينَ اختلطتْ رائحةُ الليمونِ
بالبارودِ
بالأشلاءِ
بالجرأةِ
بالوَجْدِ الإلهيِّ الذي حَلَّقَ
حتّى عَرَجَ العشقُ عروجاً فادحاً
فانتصبَ الله من العرشِ لهذَا العاشقِ الداخلِ
لِلتَوِّ مدى الكينونةِ الكبرى ..
عليٌّ يا عليٌّ ..
هذهِ صوفيَّةٌ غابتْ عن ( الحلاَّجِ )
في تأويلِهِ الناريِّ للعشقِ
فَحَدِّثْ :
كيفَ أوْجزتَ المقاماتِ جميعاً
في مقامٍ واحدٍ
فارتبكَ المطلقُ إعجاباً بِهذي الحالةِ البِكْرِ ..
عليٌّ يا عليٌّ ..
سرقوا منكَ غزالاً واحداً
فانتثرتْ من دَمِكَ الغزلانُ آلافاً
وقامَ العشبُ في الوادي على ساقٍ
ودارتْ مهرجاناتُ الينابيعِ
فلا ساقيةٌ إلاَّ تَمَنَّتْ رقصةً منكَ على زغردةِ الماءِ
ولا زنبقةٌ إلاَّ تَشَهّتْكَ رحيقاً للمسرَّاتِ ..
وفي ( الخامسِ والعشرينَ من أيَّارَ )
شفَّ الغيبُ
والتمَّتْ شظاياكَ ( جنوباً ) عائداً يرفلُ في التحريرِ..
كان الشجرُ الواقفُ في السفحِ
وكانَ الزنبقُ الساهرُ في الجرحِ
وكانتْ باقةُ الغزلانِ في أيقونةِ الوادي
وكانتْ قُبَّراتُ الشوقِ في حنجرةِ الحادي ..
هُنا في موسمِ العودةِ
كانتْ تتحرَّاكَ على قارعةِ النصرِ ..
وحينَ انفتحتْ كلُّ جهاتِ الأرضِ عن وَجْهِكَ
شاهَدْنا السماواتِ
تلمُّ الصلواتِ البيضَ من محرابِ ذاكَ الوجهِ ..
شاهدناكَ طفلاً قادماً في باقةِ الألوانِ والفُرشاةِ(65/135)
كيْ تصبغَ بِالفرحةِ قرميدَ البيوتاتِ
وموَّالَ الحكاياتِ ..
أضاءتْ فضَّةُ الصُبْحِ على جسمكَ
فانسابَتْ قُرى ( عامِلَ ) في مخملِ ذاكَ الضوءِ ..
راحتْ تجتني من فَمِكَ المشمشَ واللوزَ
و ( لاءاً ) حُرَّةً مفتولةَ الزَنْدَيْنِ ..
( لاءاً ) لم تزلْ مرفوعةَ الحرفَيْنِ ..
شعَّ القَمَرُ الطالعُ من جُرْحِكَ
يروي سيرةَ الجُرْحِ
ووَزَّعْتَ على الوادي
هداياكَ من الجَنَّةِ
أنهاراً .. ثماراً وعصافيرَ
فَلَمْ تبخلْ على ( بيَّارةِ ) الكَرْمِ
ولم تكسرْ لِحَقْلِ القمحِ خاطِرْ
آهِ !
يا ليتكَ وزَّعْتَ على الأُمَّةِ إيمانَكَ
كي يكتمِلَ الجوهرُ في قاعِ الضمائرْ
أيُّها الزاحفُ نحو ( القُدْسِ )
نهراً من دَمٍ يخترقُ التاريخَ ..
لا زلتَ ولا زلتَ ولا زلتَ
فتىً تنجبهُ كلُّ الحرائرْ
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> في حضرة السيد الوجع
في حضرة السيد الوجع
رقم القصيدة : 64367
-----------------------------------
وأنا أتيتُكَ كالمُريدينَ الأوائلِ
سابحاً في يقظة الاشواقِ
دَلَّهْتُ المدَى
ورَهَنْتُ للوَلَهِ المسافةَ ..
هذهِ كفاَّيَ تبتهلانِ بالرعشاتِ
والمأساةُ عمقٌ في صلاتي
فَانهضْ لِنكملَ حلقةَ الوجدِ الحزينةَ ..
لم يزلْ شلَّالُ تقواكَ المنوَّرُ
يسكبُ الرؤياَ
ويكشفُ بعضَ سرِّ الكائناتِ
النورُ فكرتُكَ العليَّةُ
ماخَبَتْ أبداً ..
و رأسُكَ مهرجانُ كواكبٍ يحرُسْنَ ليلَ القافياتِ
منْ أيّ قافيةٍ تسلّلَ ذلك القَدَرُ الذي خَطَفَ الأصابعَ من يديكَ
وسارَ في جهةِ الشتاتِ
يا أيّها الضوءُ المعذّبُ
ها هنا في حضرة الوجعِ التقيْناَ
كُنتَ أنت تُدَوْزِنُ الأوتارَ بالحُمَّى
و تصعد باليقين تلالَ وَجْدِكَ ..
تلَّةٌ أخرى و تبلغُ قمَّةَ أالاشراقِ في جبلِ التجلِّي ..
فجأةً هطلتْ عليكَ الريحُ
وارتطمَ الهواءُ بجبهةِ القنديلِ..
فاندلعَ الظلامُ على الزجاجةِ
وانزوَى عُنُقُ الفتيلةِ فوق أكتافِ الجهاتِ(65/136)
و دخلتَ في غيبوبة الضوء الطويلةِ
مثل خاطرةٍ معلَّقةٍ بأهدابِ الحياةِ
مازال في قلبِ الزجاجةِ من حنيِن الزيتِ
ما يكفي لِنُوغِلَ عبر دائرةِ الحقيقةِ
فاشتعلْ يا أيّها الضوءُ المقدّسُ ..
لا تَدَعْناَ في الهوامشِ..
شُدَّنا نحو النواةِ
ما سِرُّ صمتكَ..
هَلْ (وصلتَ) فلم يعدْ للنُطْقِ ذوقٌ ..
أمْ ملكتَ أَعِنّةَ الرؤياَ
فضيَّقتَ العبارةَ حدَّ هذا الصمتِ..
فاحَتْ جُبَّةُ المرضِ التي تكسوكَ بالاشعارِ
وارتبكَ الشذَى:
هلْ يمرضُ الشعراءُ الاّ حين تبتدئُ القصيدةُ ..
فالقصيدةُ عِلَّةٌ خضراءُ .. فاقعةُ الصفاتِ
عَصَرَتْ شرايينَ الحروف وعَذَّبَتْ مُهَجَ اللغاتِ
عُدْ للنبوءةِ ..
فاليراعُ هُوَ الممرِّضُ في مَشافي الوَحْيِ
يملأ دورقَ النجوَى بِترياقِ الدَوَاةِ
عُدْ للقُرَى
وانظرْ الى سقفِ المساءِ هناكَ
يثقبهُ أنينُ الساقياتِ
عُدْ للمُريدينَ الأوائلِ
مثل معجزةٍ بِلون العشقِ ..
إنَّ العشق نبعُ المعجزاتِ
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> يا إمامَ الزمان
يا إمامَ الزمان
رقم القصيدة : 64368
-----------------------------------
ضاق عن عمرك الزمان حدودا
فتساميت عن مداه خلودا
سرمدي الإشراق في أفق قدسٍ
يستمد الوجود منك وجودا
ترقب الكائنات من شرفة الغيب
مفيضا على العوالم جودا
فإذا اجتاحها الظلام تجليت
عليها تشع نجما وقيدا
وإذا استامها الهجير سجا قلبك
ظلا من فوقها ممدودا
هكذا تقطع الليالي دفئا
أريحيا يذيب عنها الجليدا
وصفاءً يؤذيه أن يلمح الأفق
تردى من الضباب برودا
وربيعا سمح المباهج يغتال
بإحسانه الخريف الحسودا
وانطلاقا يمتد عبر التواريخ
فيجتاح في سراه الحدودا
وانتفاضا يهتز عن ثورة عضبى
تنادي الى النهوض العبيدا
حلمها أن نعيش في دولة الحق
حياة تموج عيشا رغيدا
يا وليدا سرت بروحي نجواه
إلى عالم السماء صعودا
فاقتطفت النقاء من روضة القدس
وأطعمت من جناه النشيدا
فإذا بالنشيد ينهل طُهرا(65/137)
حين أشدو أنغالمه غريدا
فسكبت الحنين في قالب الشكوى
أصوغ الحنين لحنا مزيدا
وأغنيك ما الصباة تمليه
من العتب يشتكيك الصدودا
أنا لم أرفع الشكاوى لعلياك
لأضفي على عناك المزيدا
إنما أستثير وجدانك السمح
لعل العتاب يدني البعيدا
يا أمام الزمان ما أروع الذكرى
توافي الأحباب عيدا سعيدا
طلعت في سماي شمسا من الحب
فرويت من سناها القصيدا
وأدرت الأكواب بين المحبين
بنجواك مترعات سعودا
وكشفت الأستار عن خاطر الكون
لألتاح حلمه المنشودا
فتراءت لي الأماني الشجيات
تنخيك فارسا معدودا
فهنا القفر ينتخي بالينابيع
لتستأصل المحول العنيدا
وهنا الأفق في انتظار دراريه
لتجلو عنه الدياجي السودا
وهنا العز في غيابات مسراه
يقاسي الآلام والتشريدا
آملا أن يعيش في ظل علياك
حياةً تموج عيشا رغيدا
والقوانين شاقها أن ترى الجور
بأغلال عدلها مصفودا
وأطل الجهاد يحتضن النار
حنينا إلى الفدى والحديدا
فالسيوف انتفاضةٌ داخل الإغماد
تضري قوائما وحدودا
والخيول انطلاقةٌ يحسب
الميدان إيقاع جريهن رعودا
والفتوحات لهفةٌ نحو إقدامك
ترمي طرفا وتتلعٌ جيدا
فمتى تبسمٌ الحياةٌ بإشراقك
فجرا في أفقها موعودا
ما أرق الذكرى تلم من الأحباب
شملا نهب الشتات بديدا
وتمد القلوب باللهب القدسي
حتى تذيب فيها الحقودا
وتعيد الآمال في مهج الأرواح
بعثا إلى الطماح جديدا
ها هنا نحن يحشد العزم منا
عدة ترهب العدى وعديدا
فابتعثنا طلائعا تحمل النور
إلى ظامئ الليالي برودا
وامتشقنا صوارما تتضرى
كلما استفحل الضراب حدودا
واحتملنا بيارقا يخفق الحق
بأعلى أطرافها معقودا
هاهنا نحن بالمناحر نختط
عهودا الولاء تتلو العهودا
سطوات الطغاة عبر الليالي
لم تغير وفاءنا المعهودا
إنهم أعدموا الحياة وشقوا
لجمالاتها العذاب لحودا
سرقوا النور من محيا الدراري
ومن الروض زهره والورودا
عطلوا الجيد من جواهره الزهر
وأخلوا من الآلي العقودا
نحرو النبر وسط حنجرة الناي
فما عاد يحسن التغريدا(65/138)
ووقفنا للسيل يمتد ظلما
مثلما شاءنا الإباء سدودا
نمتطي صهوة الجراح وننقض
على معقل المآسي أسودا
كلما استفحل العذاب عذابا
راح يستبسل الصمود صمودا
والذي اذهل الجبابر منا
طيلة الدهر واستزاد الحقودا
أن أعناقنا تلاعبُ بالسيوف
وأقدامنا تحز القيودا
أن أعناقنا تلاعبُ بالسيوف
وأقدامنا تحز القيودا
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> الفارس والصهيل المكسر
الفارس والصهيل المكسر
رقم القصيدة : 64369
-----------------------------------
أراكَ فأَسمو في قداسةِ ما أَرَى
كأنَّ الليالي جدَّدَتْ فيكَ (حيدرَا)
كأنَّ الليالي في صدَى عُنْفُوَانِها
أَرَادَتْ لِذاكَ الوِتْرِ أنْ يتكرَّرَا
فَأَلْقَتْكَ في أتُّونِ دُنْيَاهُ خَامَةً
وصاغَتْكَ من أسمى معانيهِ جوهرَا
وَخَطَّتْ لكَ المضمارَ عبر جراحِهِ
لِتجري على سيفِ المنايا كما جَرَى
وبَيْنَكُمَا التاريخُ نَهْرٌ مُدَلَّلٌ
أَسَالَتْهُ أعناقُ المحبِّينَ أحمرَا
وشَدَّتْكُمَا شريانَ عشقٍ تَدَفَّقَتْ
دماءُ الأضاحي في أقاصيهِ مَحْشَرَا
فَكُلُّ خلاصٍ في الحياةِ قيامةٌ
تهزُّ الثرى الغافي فَيَسْتَيْقِظُ الثرَى
سلاماً (أبا الهادي) على قلبِكَ الذي
تَنَاثَرَ في الوادي طيوراً وأَنْهُرَا
سلاماً على السِنِّ الضَحوكِ إذا اخْتَفَتْ
وراءَ التحدِّي تشعلُ الحرفَ مجمرَا
سلاماً على رُؤْيَاكَ في كلِّ فكرةٍ
دَحَوْتَ بِها في (دَبْشَةٍ) بابَ (خيبرَا)
مؤامرةُ الأصفارِ ضدَّكَ لم تَلِدْ
سوى الصفرِ.. يا رَقْماً من الدهرِ أكبرَا
تَنَاسَخْتَ في صُلْبِ الجماهيرِ ، هازئاً
بِمنْ حَسِبوا صُلْبَ الجماهيرِ أبترَا
تُحَرِّضُ في الماءِ الأجنَّةَ زارعاً
( فلسطينَ ) في الأصلابِ عهداً مُطَهَّرَا
فَتَنْمُو بطونُ الأُمَّهاتِ بِبَيْعَةٍ
على العهدِ .. تَجْنِيهَا سلاحاً وعسكرَا
*
*
أُعيذُكَ منِّي .. من هوىَ كلِّ عاشقٍ
يعيشُكَ شكلاً لا يعيشُكَ مخبرَا
فما حبَسَ الأبطالَ مثلُ حكايةٍ(65/139)
تُشَيِّدُ من أسطورةِ العشقِ مَخْفَرَا
أُعيذُكَ من ( غرناطةٍ ) بعدَ ( طارقٍ )
فأمجادُهُ صارتْ رخاماً ومَرْمَرَا!!
غداً يرصدُ التاريخُ ذكراكَ شاهراً
يراعتَهُ يجلو السؤالَ المُشَمِّرَا:
ومَنْ هُوَ ( نَصْرُ اللهِ ) .. هَلْ هُوَ فاتحٌ
أضافَ إلى طولِ المجرَّةِ خُنْصُرَا ؟!
أَمِ البَطَلُ الشعبيُّ في قَصَصِ الهوى
- قديماً - بأعماقِ الغواني تَجَذَّرَا ؟!
بِماذَا يجيبُ العاشقونَ إذا انْتَهَى
بِكَ العشقُ رمزاً في الأساطيرِ مُبْحِرَا
أَقَامَتْ حكاياتُ البطولةِ سورَها
عليكَ فلا ألقاكَ إلاَّ مُسَوَّرَا
قفزتُ على سورِ الحكاياتِ علَّني
أراكَ طليقاً من هواها ، مُحَرَّرَا
وجئتُكَ بالنخلِ المقاومِ مالئاً
مساحةَ روحي عنفواناً ومفخَرَا
معي قُبُلاتٌ باتِّساعِ مَجَرَّةٍ
من الشوقِ .. فَامْنَحْني جبينَكَ محورَا
وفي كلِّ سطرٍ من عروقيَ جمرةٌ
من الحبِّ فَاقْرَأْني جحيماً مُسَطَّرَا
تَسَمَّرْتُ للنجوى كأنّيَ عاشقٌ
فَتِيٌّ لميعادِ الهوى قد تَسَمَّرَا
أطوفُ بأحداقي طوافاً مُقَدّساً
على كلِّ حقلٍ فوقَ هامكَ أزهرَا
تجلَّيْتَ لي في وجهِ ( آذارَ ) سنبلاً
وفاجَأْتَني في كفِّ ( أَيَّارَ ) بيدرَا
وكوَّرْتَ آلافَ المواسمِ عِمَّةً
على الرأسِ ، فارتاحتْ على زندِكَ القُرَى
وحَفَّتْكَ من كلِّ النواحي مهابةٌ
تناثرَ منها العزُّ ورداً وعنبرَا
إذا سَقَطَتْ في هُوَّةِ الجوعِ قريةٌ
مَدَدْتَ لها كفَّيكَ خُبزاً وزعترَا
فَقَامَتْ تُصَلّي فجرَها مُطْمَئِنَّةً
وتتلو على الأرضِ الأمانَ المُطَهَّرَا
وتشعلُ تنَّورَ الصباحِ تحيّةً
تكادُ من الإشراقِ أنْ تَتَجَوْهَرَا
*
*
أُحَدِّقُ في التقويمِ .. والحزنُ شاخصٌ
على كلِّ يومٍ صارَ عيداً مُزَوّرَا
تزاحَمَتِ الأعيادُ في عُمْرِ أُمَّةٍ
هيَ الحزنُ .. بلْ أشقى من الحزنِ عُنصرَا
ألَمْ تَرَها منقوعةً في دمائِها
قروناً .. أَلَمْ تُمْطِرْ عليها التحسُّرَا ؟؟(65/140)
أَلَمْ تُعْطِها عهداً على السيفِ ، قاطعاً
رقابَ الخياناتِ التي تملأُ الثرَى؟
أتيتَ .. وكانَ الشوطُ يهفو لِفارسٍ
يشدُّ بِيُمْنَاهُ الصهيلَ المُكَسَّرَا
تَمَخَّطَتِ الدنيا فسالَ مُخَاطُها
بـ ( صهيونَ ) سيلاً في الليالي تبعثرَا
و ( لبنانُ ) سربٌ من خيوطٍ تَشَاجَرَتْ
لِتَنْسِجَ للأعرابِ بُرْداً ومئزرَا
و ( بيروتُ ) .. ليلى الحُبِّ .. ما عادَ إسمُه
تحجُّ إليهِ الأبجديَّاتُ ، مشعرَا
وكانتْ ليالي الوصلِ في كلِّ خلوةٍ
مزاداً بهِ ( ليلى ) تُباعُ وتُشْتَرَى
وثَمَّةَ طوفانٌ من القهرِ واقفٌ
على صمتهِ الرسميِّ حتّى تَحَجّرَا
إذا همَّ أنْ يجري أعاقَتْهُ صخرةٌ
من الذكرياتِ السُودِ فارتدَّ لِلْوَرَا
أتيتَ .. وفجرُ التضحياتِ مُدَجَّنٌ ..
هزيلٌ .. بأوراقِ الخيانةِ حُوصِرَا
وحينَ تَشَرَّبْتَ الحقيقةَ مُرَّةً
جريتَ بعنقودِ الحقيقةِ سُكَّرَا
وآمنتَ أنَّ البندقيَّةَ سُلَّمٌ
إلى الغيبِ تختطُّ المصيرَ المُقَدَّرَا
فما هِيَ إلاَّ وثبةٌ عبقريّةٌ
وأومأتَ للطوفانِ أنْ يَتَفَجَّرَا
هناكَ سُراةُ الليلِ شَدُّوا ركابَهُمْ
بقافلةِ الأحرارِ واستأنفوا السُرَى
وأهداكَ ( صِنِّينُ ) المعظّمُ رُكْبةً
إلهيَّةَ المسرى ، وزنداً مُظَفَّرَا
وسِرْتَ .. فما ألقى ( البراقُ ) رحالَهُ
ولا كانَ عن إرْثِ النبوّاتِ مُدْبِرَا
صعدتَ جبالَ الصَمْتِ .. والصَمْتُ شاهقٌ
لِتَبْني عليها بالقنابلِ منبرَا
إذا أشْعَلَتْ صوتَ المُؤَذِّنِ بحَّةٌ
قَبَسْتَ الصدى برقاً من الهديِ نَيِّرَا
وإنْ تَعِبَ الدربُ الطويلُ حملتَهُ
على قَدَمَيْكَ الماردينِ ، مُكَوَّرَا
فصاحتْ جهاتُ الأرضِ : يا سيّدَ المدى
تَنَبَّهْ .. فقد أضحى زمانُكَ أَعْورَا
لكَ الشمسُ خيطٌ والحقيقةُ إبرةٌ
فَفَصِّلْ على عينِ الخريطةِ محجرَا
هيَ الأرضُ للمستضعفينَ هديّةٌ
من الله.. ضاعتْ بينَ (كسرَى) و(قيصرَا)
فلا جِهَةٌ إلاَّ أعَارَتْكَ رِجْلَها
لِتَنْقَضَّ من كلِّ الجهاتِ غضنفَرَا(65/141)
عباءتُكَ امتدَّتْ سهولاً شريدةً
وجُبَّتُكَ التفَّتْ تراباً مُهَجّرَا
وأنتَ مع الطوفانِ .. تُرخي عنانَهُ
فَيجري ، وتلوي بالعنانِ فَيُقْصِرَا
وتَبْلُو السرايا : موجةً بعدَ موجةٍ
تُقَوِّمُ من تيّارِها ما تعثَّرَا
مَشَتْ خلفَكَ الوديانُ ممشوقةَ الخُطى
صعوداً على متنِ ( الجنوبِ ) إلى الذُرَى
وكانَ صدى كعبيكَ في كلِّ خطوةٍ
يُطَيِّر ( للأقصَى ) حماماً مُبَشِّرَا
فَفَاضَتْ من الأجداثِ كلُّ حضارةٍ
مُعَتَّقَةً في قلبِ ( لبنانَ ) أَعْصُرَا
بَدَا حائراً ( باخوسُ ) من طعمِ خمرةٍ
بِها سَكِرَ الرملُ المُعَنّى ، وأَسْكَرَا
رآكَ وراءَ الغيبِ تجلُو كرومَهَا
شهيداً شهيداً : ( هادياً ) بعدَ ( أشمرَا )
عناقيدُكَ الثُوَّارُ ما زالَ وَحْيُهُمْ
بِخَابِيَةِ التاريخِ يشتاقُ سُمَّرَا
عناقيدُ في دَنِّ المنايَا عَصَرْتَها
وَرَوَّيْتَ شريانَ الترابِ التَحَرُّرَا
هُنا بَرِئَتْ ( عشتارُ ) من كلِّ عاشقٍ
سِواكَ ، وأهدَتْكَ الجمالَ المُصَوَّرَا
*
*
فَيَا سادناً دَيْرَ الفداءِ ، تَخَمَّرَتْ
قرابينُهُ مجداً كريماً ، ومَفْخَرَا
أتيتُكَ لم أثملْ بكأسِ كرامةٍ
مدى العُمْرِ .. فاسكبْ لي شهيداً مُخَمَّرَا
هُنا اللغةُ الفُصحى تجاهدُ في يدي
إذَا لَمعتْ في إصبعٍ صارَ خنجرَا
خذُوا أَيُّها الأحرارُ كلَّ أصابعي
فقدْ صغتُ منها للخناجرِ متجَرَا
ويا أَهْلَ وِدِّي .. أجِّروني عذابَكُمْ
دعوا الوِدَّ يحيا لَوْ عذاباً مُؤجَّرَا !!
أريدُ لِقلبي أنْ يُؤدّي جهادَهُ
إذا شَدَّ قوساً من هواكمْ ، وأَوْتَرَا
مَتَى الحبُّ يهديني .. لَعَلَّ قصيدةً
أُصوّبُها تفتضُّ للحقدِ منحرَا
أُرابطُ لو تُجدي مرابطتي على
( ثغورِ ) القوافي .. أملأُ الشعرَ عسكرَا
وأَقْذِفُ بالإيمانِ كلَّ خرافةٍ
تشقُّ لها في جبهةِ الفكرِ مَعْبَرَا
تُوَجِّهُني ناري .. وناري ضريرةٌ
فما أرهنُ الأشياءَ إلاَّ لِأَخْسَرَا
وقد عَلَّقَتْني في عُرَى الليلِ يقظةٌ(65/142)
تكادُ بِثِقْلِ الصَحْوِ أنْ تفصمَ العُرَى
ذَرَعْتُ المدَى ( خمسينَ ) عاماً ولم أجدْ
صباحاً على أُفْقِ العروبةِ نَوَّرَا
قِطارٌ من الضِحْكاتِ يجتاحُ قامتي
حزيناً إذا الدُورِيُّ بالصُبْحِ بَشَّرَا
لِماذَا ( أذَانُ ) الفجرِ يعلو .. أَمَا استحَى
المؤذِّنُ أنْ يُعْلي أَذَاناً مُزَوَّرَا؟!!
يُغَلِّفُ أيامي ظلامُ عُروبتي
إذَا ما ظلامُ الليلِ عنِّي تَقَشَّرَا
أنا لَمْ أُصَلِّ الفجرَ حتّى رَأَيْتُهُ
على أُمّتي من وجهكَ السَمْحِ أَسْفَرَا
أَشِعَّتُهُ كانتْ سراياَ بَنَادِقٍ
تُرَتِّلُ في الأُفْقِ الرصاصَ المُنَوَّرَا
إذا ( كَبَّرَ ) البارودُ في ثَغْرِ طَلْقَةٍ
أعادَ ( بلالاً ) في الأعالي ( مُكَبِّرَا )
*
*
فَيَا قَادِماً يحدُو ركابَ غمامةٍ
تفيضُ عصافيراً وقمحاً وكوثَرَا
رَأَتْكَ بساتينُ ( الجنوبِ ) فأَيْقَظَتْ
هديلَ السواقي شاحبَ الصوتِ ، أصفَرَا
بكى كلُّ بستانٍ تحرَّاكَ ساهراً
يُقَلِّمُ من أغصانهِ شهوةَ الكَرَى
وهَبَّتْ سِلاَلُ الفجرِ بعدَ صيامِها
على القحطِ تشتاقُ القطافَ لِتُفْطُرَا
وأنفاسُكَ الخضراءُ تنسابُ في الرُبَى
ملائكةً تذرو النسيمَ المُعَطَّرَا
وعيناكَ مجدافانِ في الأُفْقِ ، كُلّما
هَمَزْتَهُمَا شَقَّا عن الغَيْمِ مِئْزَرَا
وسالَتْ على الأبعادِ شهوةُ غيمةٍ
تَزَوَّجَها الوادي زواجاً مُبَكِّرَا
فَفَرَّ الجفافُ الوحشُ حين رَجَمْتَهُ
بِرائحةِ الليمونِ ، والقحطُ أدبرَا
كَسَوْتَ شفاهَ الأرضِ فستانَ ضحكةٍ
تهادَى على أطرافِها وتَبَخْتَرَا
ومِلْتَ على الألوانِ ترفعُ عرشَها
من السفحِ مُمْتَدّاً إلى هامةِ الذُرَى
وحولَ ذِرَاعَيْ كلِّ زيتونةٍ نَمَا
شهيدانَ من قَبْرَيْهِمَا ، وتَشَجَّرَا
فيا أَيُّها الزيتونُ : هلْ أنتَ غاضبٌ
غداةَ الضحايا أصبحُوا منكَ أكثَرَا؟
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> توبة في محراب النخيل
توبة في محراب النخيل
رقم القصيدة : 64370(65/143)
-----------------------------------
عبثتُ بالجوهر المكنون في ذاتي
ووسوست لي بالتزييف مرآتي
احساْ لاتجرحي عطري ونشوته
متى افتق ازهار اعترافاتي
خرجتُ منك نقي الجيب طاهرة
وعدت احمل في جيبي غواياتي
وجدتني .. والهوى يحيي مناسكه
في جانحي .. اصلي خلف لذاتي
إذا الحماقات لفت لي سجائرها
أثملتُ حتى باعقاب الحماقات
انا الخطيئة فاحتالي لمغفرة
تصد سهمي عن قلب السماوات
قولي شقاوة كهل وارحمي أسفي
عن الشقاوة .ز غالي في مداراتي
اولى بذنبيَ من تقريع لائمة
أن تمسحيه بهمس من مواساتي
والباسقات التي قامت على وجعي
والساقيات التي دارت بآهاتي
لم أرضَ إلاكِ محرابا يقايضني
حُسنُ المتاب بمقدار انحناءاتي
أحساء بعدك صار الدرب مشنقة
مشدودة من أعاليها بخطواتي
ممشاي موتي .. كأني رابط عنقي
عبر الرحيل ، إلى حبل المسافات
ماخلتني استدر السفح قادمة
سعيا إلى قمة تروي طموحاتي
خنتُ القصائد حين الصيف امطرني
. جمر الهجير فخانتني مظلاتي
قد كنتُ أخجل من شعر ينازعني
. ركب الحقيقة في درب المجازات
عنوان ( دعبل ) عنواني فلا خشبٌ
إلا وسمرته في ظهر أبياتي
أغزو المدى وحقول الأرض تتبعني
. في غزوتي ، والنخيل الشم راياتي
والناس ان ودعوا همي إلى هممي
صاروا طيورا وجاسوا في فضاءاتي
مالي رجعت ولا حادٍ سوى عبث
يحدو سباباي : آثامي وخيباتي
جسمي حقيبة أسفار أتيه بها
وحدي ، وامتعتي فيها عذاباتي
قبست من أول الاحجار زلته
فصار ( قابيل ) إكسيرا لزلاتي
نادى بي العشب : ياهذا الغريبُ أشِح
عني فقد أجفلت بالخوف واحاتي
انصتُ .. أنصتُ .. والذكرى تعذبني
حتى تعذب في شدقي إنصاتي
أبنى على شجرات الصمت من ندمي
عُشا وآوي عصافير اعتذاراتي
صامت عن العزف أوتاري وراودها
حزني فما افطرت إلا بأناتي
لا أستطيع احتمال النخل يشمت بي
والطير تبصق في آبار مأساتي
لكنني - والهوى ينبوع معذرةٍ
مازلتُ أطفئُ كبريت الإساءات
أحساء .. إما أنا حييتُ باسقة(65/144)
فكشرت لي وما ردت تحياتي
لاتعذليها .. فللأشجار موقفها
ضد الخيانة .. نعم الموقف العاتي
عفو اخضرارك عن قحط ينازعني
حبل الدلاء فاسقيها بدمعاتي
عهدي إذا ما وردت البئر وضأني
وجه المياه بإبريق ابتسامات
في كل حقل مزارٌ لي أقدسه
حيث الرياحين تنمو في مناجاتي
تبتل الزيتُ في أشجار أدعيتي
فاشرقت بفتيل الخصب مشكاتي
ورُب جذع عجوزٍ مال من هرم
نحو السقوط فشدته ابتهالاتي
همستُ للعشب حين العشب انكرني
يامن تجدرت في أولى حكاياتي
هلا بحثتَ بأرشيف الحقول فقد
أودعتُ فيه ربيعا من ملفاتي
عمري حديقة أطفال بي اتحدوا
. فإن كبرتُ صحت إحدى طفولاتي
كانت خريطة وجهي حين أرسمها
رملا عصيا ونخلاتي عصيات
كيف انسلخت من العصيان وانطفأت
على ملامح ذاك الرمل نخلاتي
أصبحت باقة أوهام مغلفةٍ
باللحم والعظم في كف المعاناة
يكرر الموت في جسمي مراسمه
حتى تعذر أن أحسي جنازاتي
أحساء .. هل مايزال الليل مملكة
للوجد يجذب أرباب المقامات
قيدُ الحضارة ملتفٌ على جسدي
فكيف أفلت من فولاذه العاتي
أين التراتيل أسمو في معارجها
واستدل بها درب المجرات
سعيا إلى الغيب حيث الغيب حوصلة
لطائر هائم فوق المشيئات
أحساء .. لم يبق من ماضي شعائرنا
سوى صلاةٍ بأعماقي ، مسجاة
إذا تجلى يراع الروح يعرجُ بي
هبت وأطفاتِ المعراج ممحاتي
الشعر يشهد لم أعصر مثانته
إلا لأغسل بعضا من جراحاتي
مُني علي بأنفاس فقد بركت
مثل الجبال على صدري نهاياتي
الشعر يشهد لم أعصر مثانته
إلا لأغسل بعضا من جراحاتي
مُني علي بأنفاس فقد بركت
مثل الجبال على صدري نهاياتي
شعراء الجزيرة العربية >> جاسم محمد الصحيح >> رحلة إلى لؤلؤة اليقين
رحلة إلى لؤلؤة اليقين
رقم القصيدة : 64371
-----------------------------------
هلْ في وصولكَ للمحارِ بَيَانُ
يجلُو الشكوكَ فَتُؤْمِنُ الشُطْآنُ؟
يا سيِّدَ المتبتِّلينَ لِرحلةٍ
في العُمْقِ حيثُ الجوهرُ الفَتَّانُ
نُوتِيُّكَ القلبُ المُدَلَّهُ لم يَزَلْ(65/145)
يهفو، وبُوصلةٌ لكَ الوجدانُ
أشجاكَ في بحرِ الخليقةِ موسمٌ
للغوصِ.. ليسَ لِقَعْرِهِ عنوانُ
تحدو المراكبَ في المَهَبِّ، فَمركبٌ
قَلِقُ الشراعِ ومركبٌ حيرانُ
وتغوصُ في ماءِ النبوءةِ باحثاً
عن دُرَّةٍ ظَمِئَتْ لها الأذهانُ
فَلَطَالَمَا غَمَزَتْ إليكَ محارةٌ
وَلَطَالَمَا هَمَسَتْ لكَ القيعانُ
وَلَطَالَمَا أوغلتَ داخلَ لُجَّةٍ
نحو القرارِ يَشُدُّكَ الإيمانُ
لم يُغْرِكَ الزَبَدُ المُضِلُّ فَمِلْؤُهُ
شَكٌّ، وملءُ كيانكَ اطْمِئْنَانُ
أَغْرَتْكَ لؤلؤةُ اليقينِ فلم تزلْ
تشتاقُ لو بِوِصالِها تزدانُ
ووصلتَ، وانكشفَ القرارُ.. فما ترى:
هل في المحارِ لآلئٌ وجُمانُ؟
أمْ في المحارِ خرافةٌ أزليَّةٌ
يشقى هُنا بِظِلالها الإنسانُ؟
هدهدْ سُؤالِيَ في سريرِ إجابةٍ
حتَّى ينامَ جحيميَ السهرانُ
مولايَ عُذرَكَ إنْ جرحتُ بريشتي
عطرَ الخلودِ فأجفَلَ الريحانُ
أنا كمْ تعاطيتُ العرافةَ عابثاً
لا (الرملُ) خدَّرَني ولا (الفنجانُ)
فأنا ابْنُ ريشِكَ: نورسٌ مُتَطَلِّعٌ
للكشفِ.. شَدَّ جناحيَ العرفانُ
والغيبُ أغرى بالخلودِ شَهيَّتي
ودِعَايتَاهُ: الحورُ والولدانُ
*
*
طَفَحَتْ على سطحِ الكلامِ فقاعةٌ
جوفاءُ يزبدُ فوقَها الهذَيَانُ
ماذَا سيصنعُ بالفقاعةِ ظامئٌ
مثلي.. تجوسُ عروقَهُ النيرانُ؟!
فأنا الضحيّةُ ما تصارعَ داخلي
بعضي الملاكُ وبعضيَ الشيطانُ
أعلُو وأهبطُ في حرائقِ حيرتي
فالأرضُ نارٌ والسماءُ دخانُ
لو كانَ ينكشفُ الطريقُ عَبَرْتُهُ
للغيبِ.. لكنَّ الطريقَ جبانُ
والشكُّ يصرخُ في دمائيَ: لم يعُدْ
أحدٌ فتكشفُ سرَّها الأكفانُ
هاأنت عُدْتَ، وصرتَ قابَ قصيدةٍ
منِّي.. وفضَّ خيوطَهُ النسيانُ
أفصحْ.. فيومُ (الأربعينَ) قيامةٌ
روحيّةٌ، والذكرياتُ جِنانُ:
هل نحنُ في سجنِ الزمانِ رهائنٌ
أَبَديّةٌ، وسنينُنا القضبانُ؟؟
هل موتُنا بابُ الحقيقةِ مغمضُ ال
عينينِ.. ما انفتحتْ لهُ أجفانُ؟
أفصحْ.. فكمْ أفصحتَ ذاتَ قضيّةٍ(65/146)
من حولها يتَكوَّرُ البهتانُ
هلْ ذاكرٌ عهدَ المحاكمِ حينمَا
كانَ الإلهُ على يَدَيْكَ يُصَانُ
ولاَّكَ سُدَّتَهُ القضاءُ، فما اشتكتْ
ميلاً، ولم يتوجَّعِ الميزانُ
وكساكَ (جبريلُ) الأمينُ بِحكمةٍ
من ريشِهِ، فإذَا القضاءُ أمانُ
وقضيتَ .. لا (عبسٌ) تَهَزُّكَ باسْمِها
في الحضرةِ العُلْيَا، ولا (ذبيانُ)
حتّى إذَا دخلتْ عليكَ ظُلامةٌ
من هولِها تَتَزَلْزَلُ الجدرانُ
بَصَمَتْ بكَ الأقدارُ خُطَّةَ حُكمِها
حتّى كأنَّكَ للغيوبِ بنانُ
هل ذاكرٌ كيفَ المظالِمُ أطبقتْ
فَمَها عليكَ ونابُها ظمآنُ
فَسَقَيْتَها دمَكَ النقيَّ وملؤُهُ
صوتُ العدالةِ هادرٌ رنَّانُ
ومضيتَ تكسرُ كلَّ بيضةِ فتنةٍ
رقطاءَ كان يقيئُوها ثعبانُ
قد كنتَ قربانَ الحقوقِ.. بِنارهِ
سَطَعَ الدليلُ وأشرقُ البرهانُ
هيهاتَ تصعدُ للكمالِ رسالةٌ
حتّى يكونَ بِحجمها القربانُ
*
*
يا طاوياً بحرَ الحياةِ مُؤَبِّناً
للماءِ حينَ تسوسُهُ الحيتانُ
عبثاً سعيتَ لأنْ تُهدهدَ موجةً
في صدرِها تتَنَسَّكُ الأحزانُ
ماذا تهدهدُ.. والرياحُ تلاطمتْ
ملءَ الجهاتِ كأنَّها طوفانُ
لكنَّ من عشقَ السفينةَ إنْ يتُبْ
هُوَ.. لم يتُبْ في صدرِهِ الرُبَّانُ
خِلْتَ العمامةَ قد تخيطُ جراحةً
بالحقِّ حين يشُدُّها القرآنُ
وصَدَقتَ.. لو كانتْ هناكَ عمامةٌ
في عشقِها تَتَوحَّدُ الأديانُ
مولايَ.. ما كلُّ الأماكنِ (قبلةٌ)
تُؤتى، ولا كلُّ الصياحِ (أذانُ)
سَيَّجْتَ بستانَ الحقيقةِ بالتُقى
حتّى تَحَصَّنَ ذلكَ البستانُ
وسهرتَ كالناطورِ خلفَ سياجهِ
وعلى عصاكَ تَبَرْعَمَ الغفرانُ
حتّى إذا السهرُ استطالَ ولم يعُدْ
لليلِ في جفنِ المنامِ مكانُ
رقرقتَ ساقيةَ الكروم ِ قصائداً
فأفاقَ لحنٌ وانتشتْ ألحانُ
واهتزَّ ميعادُ النجومِ وشاعرٍ
هُوَ من شرايينِ الهوى شريانُ
تتكثَّفُ الغُرُباتُ ملءَ كؤوسِهِ
حتّى يفيضَ رحيقُها النشوانُ
يا شاعراً فرشَ القصيدةَ فاستوتْ
بَرّيّةً.. وحروفُهُ غزلانُ(65/147)
في كلِّ جرحٍ من جراحكَ لوحةٌ
َصَبيّةٌ عبَسَتْ بِها الألوانُ
أوضحتَ حيثُ ترى الوضوحَ شجاعةً
ورمزتَ حيثُ رموزُكَ اسْتِبْطَانُ
رُحماكَ.. لا تلُمِ الكرومَ إذا بَكَتْ
يوم استُبيحَ دلالُها السكرانُ
هذي الكرومُ على يديكَ تَدَلَّلتْ
في نغمةٍ كبُرَتْ بِها الأفنانُ
هيهاتَ تنسى الدالياتُ هزارَها
فاللحنُ عهدٌ، والزمانُ رهانُ
خرجتْ إليكَ من الحقولِ يهزُّها
في كلِّ عنقودٍ أسىً وحنانُ
وتضامَنَتْ كلُّ البلابلِ في الشَجى
فتناسَلَتْ من حولكَ الأشجانُ
واهتزَّ نعشُكَ في الأكفِّ روايةً
للعشقِ كانَ يديرُها الخِلاَّنُ
صفحاتُها تلكَ (الثمانونَ) التي
تبقى إلى أنْ تنطفي الأزمانُ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> يا أم مشتاق
يا أم مشتاق
رقم القصيدة : 64372
-----------------------------------
يا أمّ َ مُشتاقَ قد ضجّتْ مَنايانا
ترْمِي الخطايا ولا نرمي خطايانا
وأنّ منْ بعدِ هذا الليل ِ شارقة ً
وأنّ من بعدِ هذا الهدْم ِ عمْرَانا
وأنّ من بعدِ هذا النوح ِ أُغنِيَة ً
وأنّ من بعدِ هذا الكفرِ إيمانا
يا أمّ مشتاقَ ماذا قالَ قائلُهم ؟
فقدْ تبدّدَ شئ ٌ مِنْ خفايانا
وهل عرَفتُم مَدى ما راعَ أنفسَنا
وهل عرَفتُم أبي خيونَ ماعانى؟
وهل نرى بعدَ ذاكَ الوِزرِ مغفِرة ً
وهل سيلقى قتيلُ البُعْدِ رِضوانا؟
أمسى بعيداً مدارُ الشمس ِ عن سكني
وأمستْ البيدُ تلوَ البيدِ سُكّانا
يا أمّ مشتاقَ مَنْ يدري بلَيْلَتِِنا
ماذا ستطوي ومَنْ يدري بدُنيانا
وإنّهُ طالما أعْيَتْ سرائرُهُ
أفكارَنا فأرَدْنا منهُ هِجْرانا
يا أمّ مشتاقَ يا أشواقَ قريتِنا
ويا نخيلَ بني سَعْدٍ و شُطآنا
والزارِعونَ إذا سَبُّوا سنابلَنا
جاءتْ نسائمُ مِسْكٍ من سَجَايانا
ماذا نقولُ وماذا في دفاتِرِنا ؟
وما سيقرأ ُ بعدَ الآن مَوْتانا ؟
فإنْ تفارقَ جسمانا على عجل ٍ
فما تفارقَ لا و اللهِ قلبانا
هنا و وَجْهُكِ مفقودٌ تُسائِلُني
عنكِ الرؤى وأماس ٍ صرنَ نيرانا(65/148)
أ أصبحَ الصُبحُ في ذي قارَ يذكرُنا
أمْ نذكرُ الصُبْحَ أشواقاً فينسانا
وتعلمينَ الذي تطوي رسائِلُنا
واللهُ يعلمُ ما تنوي نوايانا
وكيفَ صبرُ فؤادٍ لا سواكِ بهِ
وكم سيَحْمِلُ أوجاعاً وأحزانا
وحدي أُقاسي ووحدي أستطيرُ أسىً
والقلبُ ينشُبُ بُركاناً فبُركانا
ولستُ أوّلَ مَنْ خانَ الزمانُ بهِ
ولسْتُ أوّلَ مَنْ فيهِ الهوى خانا
والبيتُ أصبحَ أطلالاً مُبَعْثرَة ً
يصطادُ بعدَ طيورِ الحبِّ غِربانا
يا أمّ مشتاقَ يا أُختاهُ ما بيَدي
أخفى الأكارمَ صدّامٌ فأخفانا
يا أُمّ مشتاقَ صدّقْنا وإنْ كَذبُوا
تلكَ الأقاويلَ مضموناً وعنوانا
وليسَ قبحٌ بنا لو طارَ طائِرُنا
ولا لحُسْن ٍ بنا لو عادَ يهوانا
أعطيتُ كلّ َ دمي طِيباً ومعذرة ً
فقدْ جُزيتُ بهِ غدراً ونُكرانا
مرّ الشِتاءُ و عادَ الصيفُ ثانِيَة ً
وثمّ أفنيتُ أكواناً و أكوانا
لا تسْألي كيفَ أصبحْنا بمَوْطِنِنا
إنّا أسِفْنا لأنّ اللهَ أبقانا
هنا و وَجْهُكِ مفقودٌ تُسائِلُني
عنكِ الرؤى وأماس ٍ صرنَ نيرانا
إياكِ قلبي و أسوارٌ تُمانِعُني
وكانَ قلبُكِ قبلَ اليوم ِ إيّانا
أ أصبحَ الصُبحُ في ذي قارَ يذكرُنا
أمْ نذكرُ الصُبْحَ أشواقاً فينسانا
بعضُ الأحايين ِ في ذكراكِ أختِمُها
وثمّ أصرفُ قلبي عنكِ أحيانا
وتعلمينَ الذي تطوي رسائِلُنا
واللهُ يعلمُ ما تنوي نوايانا
كيفَ القيامُ بوادٍ لا سوايَ بهِ
ومَنْ تعوّدْتُ أنْ ألقاهُ قد بانا
وكيفَ صبرُ فؤادٍ لا سواكِ بهِ
وكم سيَحْمِلُ أوجاعاً وأحزانا
أمّا الأحِبّة ُ يا قلبي فقد رحَلوا
وإنّ َ حيناً توَقّعْناهُ قد حانا
وحدي أُقاسي ووحدي أستطيرُ أسىً
والقلبُ ينشُبُ بُركاناً فبُركانا
ولستُ أوّلَ مَنْ أشقاهُ خالِقُهُ
ولستُ آخِرَ مَنْ قاسى و مَنْ عانى
ولستُ أوّلَ مَنْ خانَ الزمانُ بهِ
ولسْتُ أوّلَ مَنْ فيهِ الهوى خانا
أمّا القلوبُ فشتّى صارَ واحِدُها
وأصبحَتْ بعدَ ذاكَ اللون ِ ألوانا
والبيتُ أصبحَ أطلالاً مُبَعْثرَة ً(65/149)
يصطادُ بعدَ طيورِ الحبِّ غِربانا
وها أنا حينما لم تعرِفِي أحداً
تَلقينني عندَ فقدِ الناس ِ إنسانا
يا أمّ مشتاقَ يا أُختاهُ ما بيَدي
أخفى الأكارمَ صدّامٌ فأخفانا
يجري الظلامُ فتستلقي قواعِدُهُ
مثلَ الشياطين ِ أرواحاً و أبْدانا
يا أُمّ مشتاقَ صدّقْنا وإنْ كَذبُوا
تلكَ الأقاويلَ مضموناً وعنوانا
فنحنُ أعذبُ ألفاظاً وأندِية ً
ونحنُ أثبتُ أفكاراً و أركانا
وليسَ قبحٌ بنا لو طارَ طائِرُنا
ولا لحُسْن ٍ بنا لو عادَ يهوانا
قد نالَ عهدُ الهوى مني ومِن جسَدي
عُضواً فعضواً وشرياناً فشِريانا
أعطيتُ كلّ َ دمي طِيباً ومعذرة ً
فقدْ جُزيتُ بهِ غدراً ونُكرانا
يا أُمّ مُشتاقَ عُذراً ساءَ خاطِرَتي
نوءُ العواصِفِ أحقاباً و أزمانا
مرّ الشِتاءُ و عادَ الصيفُ ثانِيَة ً
وثمّ أفنيتُ أكواناً و أكوانا
يا أمّ مشتاقَ لا نُخْفيكِ زوبعَة ً
مَرّتْ فزادَتْ على النيران ِ نيرانا
لا تسْألي كيفَ أصبحْنا بمَوْطِنِنا
إنّا أسِفْنا لأنّ اللهَ أبقانا
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> قصة عصفور
قصة عصفور
رقم القصيدة : 64373
-----------------------------------
كانت في قريتِنا ورده
كانت تملأ ُ كلّ َ صباحْ
عطراً ... و ضياءً .. و مودّه
في ذاتِ صباحْ
هبّتْ من أطرافِ البلده
عاصفة ٌ تقتلِعُ الدنيا من دون ِ رياحْ
خلعَتْ كلّ َ قشور ِ الورده
هربَ العصفورُ الى بلده
عاد العصفورُ من المنفى
يبحثُ في الأنقاض ِ عن الورده
كانت خاوية ً مَيِّتَة ً
وضع العصفورُ عليها خدّه
ظلّتْ تلك الريحُ تدورْ
وتظلّ ُ تدورْ
الوردة ُ ماتت وعليها
مات العصفورْ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> قادم من امستردام
قادم من امستردام
رقم القصيدة : 64374
-----------------------------------
أتيتُ يحْمِلُني قلبي لأوطاني
مُحَمّلا ً بمسَرّاتي وأحزاني
أميلُ بالهَمِّ والأنظارُ تُحْرِجُني
كلّ ُ الموازين ِ قد كيلَتْ بميزاني
في كلِّ أرض ٍِ أُجافيها وأنزِلُها(65/150)
حُبّ ٌ أُجافيهِ أو حُبّ ٌ سيلقاني
مُغَرّبٌ هاهنا قلبٌ أُصارِعُهُ
وفي العراق ِ أبي..أُمّي..وإخواني
كانت حياتي قبيلَ المُلتقى هَدَرا ً
تضيعُ مثلَ سحاباتٍ ببُركان ِ
كانت عناوينُ حالي غيرَ ثابتةٍ
واليومَ يثبُتُ في عيْنيْكِ عنواني
لا تخذليني وقد أصبحتِ آسِرتي
أنْ تتركيني لأوراقي و أغصاني
لا لونَ لي بعدَما غيّرتِ لونَ دَمِي
عِشقا ً .. وما لَعِبَتْ أُنثى بألواني
قد كنتُ أعبثُ بالأكوان ِ في لُغَتي
إذ لم تكنْ نجمة ٌ تلهو بأكواني
أحتاجُ عامين ِ حتى ينطوي نكدي
حتى أعودَ كما قد كنتُ من ثاني
أحتاجُ أنْ تقِفي خلفي وأنْ تَرِدي
من ماءِ عيني ومن نهْرِي وشُطآني
أحتاجُ أنْ تحسبي فنّا ً معادلَتي
كي تُطفِئي بلهيبِ الوصل ِ نيراني
أحتاجُ أنْ أجمعَ الدنيا بواحِدةٍ
وقد ترى ألفَ إنسان ٍ بإنسان ِ
أنا هنا في (أمِسْتِرْدامَ) مُبْصِرَتي
في(لِنْزَ) حتى لساني صارَ ألماني
عينان ِ قد فاقَ حدّ َ السِّحْرِ سِحْرُهُما
فلا أقولُ سوى : عيناكِ عينان ِ
كأنّ َ عَيْنَيْكِ والصَيّادُ يرصِدُها
عصفورتان ِ هَوَتْ خوفا ً ببُسْتان ِ
والشَّعرُ ينفي سوادَ الثوبِ آخِرُهُ
كأنهُ من خيول ِ الفحم ِ قِطْعَان ِ
كأنّ وجهَكِ مِرآة ٌ يُقابِلُها
مصباحُ زيتٍ بعيدٌ أحمرٌ قاني
على ذِراعين ِ من نورٍ على أُفُق ٍ
ألْقَيْتِ خدّين ِ أمْ أزهارَ رُمّان ِ؟
مخلوقة ٌ من ملوكِ الطيرِ تحسَبُها
جاءَ تْ وفي يدِها خط ّ ٌ سُليماني
تبدو لناظِرِها المسحورِ واحدة ً
لكنها لغريبِ الحال ِ شخصان ِ
وإننا واحدٌ نفسٌ و معتقدٌ
لكننا في عيون ِ الناس ِ إثنان ِ
فإنْ تفارقَ جسمانا على عَجَل ٍ
لنا رفيقان ِ حتى الموتِ قلبان ِ
اليومُ في بُعْدِها عمرٌ بأكمَلِهِ
والعمرُ في ملتقى الأحبابِ يومان ِ
أتيتُ من زمن ٍآتٍ الى زمن ٍ
ماض ٍ فهل يستوي للعقل ِ أمران ِ
قولوا لبغدادَ لو زرتُم عرائشَها
أني أخافُ إذا ما غِبْتُ تنساني
قولوا لها بُعْدُها عني يُؤرِّ قُني(65/151)
وأنّ يَوْمَيْ فراق ٍ منكِ عامان ِ
قولوا لها كلّ ُ إنسان ٍ لهُ جِهَة ٌ
وليسَ لي بعدَ هذا العمْرِ وجهان ِ
قولوا لها لم تعُدْ تُجْدِي رسائِلُها
على المواقِدِ تُلقيني و تلقاني
وأصبحَ الناسُ حولي مُغرمونَ بها
ويحلِفونَ بها صَحْبي و جيراني
فكيفَ أنساكِ؟ والأمواجُ هادئة ٌ
والماءُ جارٍ وعَصْفُ الريح ِ أقصاني
لا أهلَ لي لِيُسَلُّوني ولا وطنٌ
فأنتِ أهلي وأصحابي و أوطاني
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> حبات الزجاج
حبات الزجاج
رقم القصيدة : 64375
-----------------------------------
حلاوتُها تطولُ ولن تُطالا
وأحلى أن تكونَ هي المُحالا
بها حُبّّ ٌ لنا لو كان فينا
فتَدْعُونا لها ما قيلَ لا لا
وتعصي حُبَّها عصيانَ قوم ٍ
يرَوْنَ حرامَ فرقَتِنا حلالا
نظرْتُ لوجهِها حتى كأني
أرى يَمّا ً يفيضُ دَمَاً زلالا
وحينَ تسارَعَتْ دقّاتُ قلبي
عَرَفْتُ بأنني سأموتُ حالا
فكنْ حذِرا ً بأنكَ بعدَ هذا
تطيرُ بعاصِفِ الدّنيا رمالا
ومثلُكِ أنتِ تبعدُ دونَ هجر ٍ
لتَهْجُرَ قاصداً منها الوصالا
غناكِ على هواكِ على جمال ٍ
قصَدْتُكِ .. لاغِناكِ بل الجَمَالا
إذا ما أسفرَ النائونَ عنّا
كفانا أنْ نرى منكِ الخيالا
غدا دربُ البريدِ لنا مدارا ً
أ ُنازلُ فيهِ أقمارا ً نِزالا
أسَرْتُ الشّمسَ في ليل ٍ طويل ٍ
وصُبْح ٍ قد أسَرْتُ بهِ الهِلالا
حَرصْنا أن نكونَ لها جوابا ً
و تحرصُ أن تظلّ َ لنا سؤالا
وقفنا والصدى قاس ٍ علينا
وما أعطتْ لنا الحرّاسُ بالا
ولو أنّا تجاوَزْ نا هواها
لَشُكّ َبأننا كنّا رجالا
فمٌ تتناسقُ الأسنانُ فيهِ
كحَبّاتِ الزُجاج ِ إذا تَلالا
وأنفاسٌ تُعطِّرُ ألفَ حيّ ٍ
سهولا أو هضاباً أو تِلالا
وقد تجدُ الجبالُ لها سبيلا ً
إذا ما كاشَفَ النّهدُ الجبالا
متى مالَ النسيمُ بعودِ وردٍ
لها عُودٌ من النسرين ِ مالا
يزيدُ خِمارُها الوَجَناتِ نورا ً
لها ما لم تنَلْ بالحُسن ِ نالا
كأنّ اللهَ ألزَمَهُنّ َ زِيّاً(65/152)
لكي يعْرِفْنَ يصْطَدْنَ الرِجالا
وأنتَ ترى النِساءَ مُخدّراتٍ
أشدّ َ سنىً وسِحْرا ً وانفِعالا
لها من حُسنِها لكَ تُرْجُمانٌ
إذا سكَتَتْ كعادَتِهِنّ َ قالا
وإنْ نطَقَتْ فشُغْلُكَ بالثنايا
أضاعَ عليكَ سمْعَكَ والمَقالا
وأنتَ ترومُ دربَيْها تُلاقي
عُبابَ البحرِ بالضّفَتَيْن ِ غالى
إذا داعَبْتَ في الميناءِ جُزءا ً
رأيتَ الماءَ من حدّيْهِ سالا
لهُ بابان ِ بابٌ تحتَ بابٍ
إذا بالغتَ بالمُفْتاح ِ زالا
و زورَقُكَ القصيرُ إذا تمَشّى
على بُعْدٍ من الضِفَتَيْن ِ طالا
فلا هذا يُوالي غيرَ هذا
ولا هذا سوى هذين ِ والى
وللسُفُن ِ التي أوْدَتْ ببعض ٍ
مُداعَبة ً وضربا ً واحتِلالا
تظنّ ُ بأنّ معركة ً أماتَتْ
ـهُما لكنّها خَلَقَتْ عِيالا
ولو أنّ الغيومَ لها قلوبٌ
أناختْ فوقَ مَنْ أهوى ظِلالا
كأنّ بشَعْرِها والريحُ تجري
خيولا ً شارِداتٍ أو جِمالا
أُحِبّ ُعيونَ (يَمّ ٍ) وهْيَ تبكي
فقد زادَ الأسى فيها جَمالا
وإنْ ضحِكَتْ فقد رمَتْ المآ قي
نِصالا ً تزدري تَرَفا ً نِصالا
وقد تتهيّبُ الفرسانُ حربا ً
يكونُ سلاحُ مَنْ لا قَوْا دَلالا
أُراهِنُ لو يراكِ الصخرُ ينسى
صلادتَهُ ويُنْشِدُ كِ ارتِجالا
وما أكبَرْتُ سِحْرَكِ غيرَ أني
لقد أكْبَرْتُ قُدْرَتَهُ تعالى
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> عندما أكون رئيساً
عندما أكون رئيساً
رقم القصيدة : 64376
-----------------------------------
أيّها الشّعبُ العراقيّ ُ العظيمْ
أيّها الجُندِيّ ُ والفلاّحُ والمرأة ُ والطفلُ
ويا سُكّانَ جنّاتِ النعيمْ
أيها الشرطيّ ُ يا شيطانَ سُلطاني الرجيمْ
يا تماثيلَ العروش ِ العربيّه
يا سلاطينَ الجحيمْ
أيها الثورُ المُجنّحْ
يا تماثيلَ الحضاراتِ جميعا ً
أيها الجيشُ المُسَلّحْ
ها لقدْ حانَ لنا الوقتُ لنفرحْ
فأنا الآنَ معارضْ
وأنا أجمعُ في حاسِبتي أسماءَ أحزابي وأطرحْ
وغدا ً أ ُصْبِحُ يا شعبي رئيسا ً(65/153)
لا أُريدُ الآنَ أنْ أسرِدَ أسرارَ مشاريعي وأشرحْ
كلّ ُ أبوابِ الزنازين ِ سَتُفْتحْ
كلّ ُ أبوابِ السفاراتِ ستُفْتحْ
ومعي ألفُ مُعارضْ
كلُّهم مثْلي يُريدونَ القياده
فإذا ما أصبَحوا لا سَمَحَ الرحمانُ قاده
لن تذوقوا أبدا ً طعمَ السّعاده
أنا إنْ صرتُ رئيسا ً تجدوني
لاصقا ً فيكم كما تلصِقُ في الجيدِ القِلاده
ساُربّيكم على حُبّي الى حدِّ العِباده
فأنا لا أهلَ لي فيكم ....
ولكنّي عراقيّ ٌ وأهلٌ للقياده
وأنا رغمَ اختِلافاتِ لُغاتي
عربيّ ٌ .... تُركُمانيّ ٌ ... وكرديّ ٌ
وأمريكي الولاده
أنا شيعِيّ ٌ ولكني شيوعيّ ُ التقاليدِ
وبعثيّ ُ الأناشيدِ
وِفاقِيّ ُ السياده
أنا علمانيّة ٌ تمشي على أصقاع ِ أمريكا
كما تمشي على الكلبِ القِرَاده
أنا لو صرتُ رئيسا ً
سيكونُ الموتُ من أجلي شهادَه
وتكونُ المرأة ُ المحبوسة ُ الآنَ
على عهدي طليقه
سوف لن تهنأ َ إسرائيلُ بالعيش ِ
ولا نصفَ دقيقه
كلّ ُ أحلام ِ البلادِ العربيه
سأُسَوّيها حقيقه
كلّ ُ فردٍ في بلادي
سوفَ أُعطيهِ دنانيراً وبيتاً و حديقه
لن تجوعوا أبداً في ظلِّ حُكْمي
لن تموتوا أبداً في حدِّ عِلمي
منذ ُ أنْ كنتُ جنيناً قابعاً في بطن ِ أُمِّي
وأنا مُنشَغِلٌ بالحُكم ِ والتخطيطِ للحُكم ِ
و مغمورٌ بهَمِّي
حيثُ لو صرتُ رئيساً لا تُحِسُّونَ بظُلمي
فأنا عندي جهازٌ مُتْقَنٌ جداّ ً و رَقْمِي
وحساباتي دقيقه
فدَعوني من تُراثِ البابليّينَ
ومن تلكَ الحضاراتِ العريقه
فعُلومي كلُّها قادِمة ٌ من دُوَل ِ الغرْبِ الصديقه
و لهذا فأنا أقتُلُكم قتلاً حضاريّاً و عِلْمِي
أنا لا أذبَحُكُم مثلَ السّلاطين ِ بسِكّيني و سهمي
إنما أذبحُكم من بعدِ أنْ أستغْفِرَ اللهَ كثيراً و أُسَمِّي
ما تَظُنّونَ إذنْ في ظلِّ حُكْمي
هل تظنونَ بأني جئتُ كي أُطْعِمَكُم من بعدِ جوعْ ؟
أو لكي أمْنَحَكُم بعدَ مُعاناةٍ وقهرٍ و دموعْ
طبَقاً فيهِ شموعْ ؟
أنا ما جئتُ لكم كي تقتُلوني(65/154)
إنما جئتُ لكي أقتُلَكم
لنْ تَرَوْا شيئاً من الأيام ِ إلاّ بعيوني
وأنا الأرفضُكم
وأنا الأقبلُكم
وأنا أكبرُ مِنْ أنْ تفهَموني
لنْ تروْا مني مطاليبَ
سوى قَمْعي وتسدسدِ ديوني
ومتى تستنكِروا ظلمي و جهلي و جنوني
تدخلوا يا أيّها الشعبُ سجوني
تُحْشَروا في الطابق ِ الأرضيِّ من ناري
وتأتوني لكي تستعطِفوني
أيها الشعبُ أنا أنصحُكُمْ أنْ تعبُدوني
لا أُريدُ الرزقَ منكم أيها الشعبُ ولا أنْ تُطْعِموني
لو كفرتُم بي
وخالفتُمْ قوانيني
وخيّبْتُمْ ظنوني
لن تضرّوني بشئ ٍ
فكِّروا أنْ تنفعوني
فأنا ربُّكُمُ الأعلى فلا تحتَقِروني
وأطيعوني لكي لا تُغْضِبوني
أيها الشعبُ العراقيّ ُ العظيمْ
يا عيوني
لا تظُنّوا أنني أرحمُ مِمّنْ سبقوني
إنهم مَنْ علّموني
ومتى جرّبتُم الآتينَ مِنْ بعدي كثيراً تذكروني
أنا إنْ أخلَعْ نِعالي تعرِفوني
أيها الشعبُ العراقيّ ُ العظيمْ
ياعيوني
إتّقوا شرّ َ رِجال ٍ صَنَعُوني
إتّقوا شرّ َ سَلاطين عليكم سَلّطوني
إتّقوا شرّ َ ملوكٍ و مماليك لكم قد أرسَلوني
إتقوا مَنْ نصّبوني
إتقوا مَنْ خلَقوني
إتقوني
واطلُبوا مغفِرَتي واستَغْفِروني
إقبلوني الآنَ أو لا تقبلوني
لم يَعُدْ رأيٌ لكم
لم يَعُدْ في وُسْعِكُم أنْ ترفضوني
فأنا أُرْغِمُكُم
وأنا أفعلُ ما شئتُ بكم
وأنا أنصحُكُمْ لا تُتْعِبوا أنفُسَكُمْ
فأنا أحكُمُكُمْ أحكُمُكُمْ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> بعض الذي ضاع
بعض الذي ضاع
رقم القصيدة : 64377
-----------------------------------
أتيتُ مُسْتَفسِراً نسرينُ عن حالي
يدورُ كلّ ُ الذي قلناهُ في بالي
كنا نُمَزّقُ أوراقاً على مَضَض ٍ
ونكتَفي بوقوفٍ عِندَ مِرْسال ِ
لطالما بتّ ُ في بغدادَ مُنْفَجِراً
وطالما سَحَقَتْ عيناكِ أوصالي
ماعادَ بيتٌ من الشطريْن ِ يشفعُ لي
وقد تلاشتْ بطول ِ الوقتِ أعمالي
في كلِّ يوم ٍ لنا مرسى ننامُ بهِ
لقد مللْتُ متاهاتي و ترحالي
عشرونَ عاماً ولا طيْرٌ يُقاسِمُني(65/155)
خُبْزَ المنافي ولا العصفورُ أصغى لي
وهل أنا وحدي النائي بصارِيَتي
مُضيِّعُ الوقتِ لا جافٍ ولا سالي
أرثيكِ من شمعةٍ تَهْدِينني طرُقي
وتُحرِقينَ فراشاتي وآمالي
ما عادَ لي بعدَ هذا الشوطِ مِنْ أُفُق ٍ
فأقربُ الناس ِ لم يَثْبُتْ بغِربال ِ
لا تعْشَقي جَسَداً يمشي على ورَق ٍ
وهَيْكلا ً مِنْ عناوين ٍ وأقوال ِ
الهمّ ُ يخرُجُ منْ عيني على سُبُل ٍ
لهُ على الوجهِ تِجْوالٌ بِتِجْوال ِ
مسافة ٌ هيَ أمْشيها بلا أمَل ٍ
عُقْبى لكِ النومُ ما طالتْ وعُقبى لي
مَلَلْتُ نسرينُ,لا سَلوى تُهَوِّنُ لي
مَوْتِي, ولا الرّوحُ قد عادتْ بتِمثال ِ
ولا تقولينَ شيئا ً أسْتَعيدُ بهِ
بعضَ الذي ضاعَ بينَ الجُنْدِ والوالي
أرثيكِ من شمعةٍ تَهْدِينني طرُقي
وتُحرِقينَ فراشاتي وآمالي
حتى أخي خانَ يا نسرينُ في وجَعي
لمّا وقعتُ و لمّا خانني خالي
ما عادَ لي بعدَ هذا الشوطِ مِنْ أُفُق ٍ
فأقربُ الناس ِ لم يَثْبُتْ بغِربال ِ
لا توهِميني فما أضحى بعافِيَتي
ما يشتهي الداءُ مِنْ نَضْوٍ بأسْمال ِ
لا تعْشَقي جَسَداً يمشي على ورَق ٍ
وهَيْكلا ً مِنْ عناوين ٍ وأقوال ِ
أغْدُو بمُفتاح ِ أبوابٍ مُغلّقةٍ
وثُمّ أرجعُ مقفولا ً بأقفال ِ
الهمّ ُ يخرُجُ منْ عيني على سُبُل ٍ
لهُ على الوجهِ تِجْوالٌ بِتِجْوال ِ
مسافة ٌ بينَ أوقاتٍ أُعانِقُها
على النجوم ِ وأوقاتٍ بأوْحَال ِ
مسافة ٌ هيَ أمْشيها بلا أمَل ٍ
عُقْبى لكِ النومُ ما طالتْ وعُقبى لي
أمشي ورِجلايَ تمشي عكسَ وِجْهَتِنا
شبْرا ً بشبرٍ وأميالا ً بأمْيال ِ
مَلَلْتُ نسرينُ,لا سَلوى تُهَوِّنُ لي
مَوْتِي, ولا الرّوحُ قد عادتْ بتِمثال ِ
مَلَلْتُ نسرينُ,أنْ أجْري بلا خطَرٍ
تموتُ نصْبَ عيوني كلّ ُ أبْطالي
ولا تقولينَ شيئا ً أسْتَعيدُ بهِ
بعضَ الذي ضاعَ بينَ الجُنْدِ والوالي
مَلَلتُ نسرينُ,مَلّ َ القلبُ,مَلّ َ دَمِي
أتَحْسَبينَ وحيدا ً قلْبُهُ آلي ؟(65/156)
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> أيام عاصفة
أيام عاصفة
رقم القصيدة : 64378
-----------------------------------
لمَن قصورُ كَ يا (خَيُّونُ ) تبنيها
ومَنْ تُقيمُ بقلبي لم تُقِمْ فيها
كنّا اتّفقنا وراءَ العيدِ نقصِدُها
لا عادَ عيدٌ بهِ وهْمٌ تلاقيها
وقد سَمِعْتَ مساراً أعْرَضتْ ونأتْ
أعادَها حاضِري قسْرأ لماضيها
فعُدْ لِرُشدِكَ واسْتيقِظ ْ فقدْ سَرَقَتْ
أحلامُكَ البيضُ من عينيكَ رائيها
ونمْ بعيداً عن الأضواءِ مُحتَسِياً
شايَ الفراق ِ الذي قد كنتَ تسقيها
لقد تماديتَ بالأحلام ِ مُنفعِلا ً
ولن تَطالَ سماواتٍ أراضيها
من قِلّةِ الحظ ِّ يا مسْرايَ و من وجَعي
بعتُ التي كنتُ بالعينين ِ أفديها
قد جفّ دمعي ومأساتي بأوّلِها
فمَنْ يُعِيرُ دموعاً لي لأبكيها؟
وتخرُجينَ وتبقى الروحُ عازفة ً
وكيفَ تخرجُ عينٌ من مآقيها
وكيفَ أنساكِ لا قلبٌ يُطاوِعُني
ولا دليلٌ الى وصل ٍ يُدَلِّيها
لقد يعودُ الذي جافى أسيرتَهُ
نفسٌ- بها بعضَ أيام ٍ - يُسَلّيها
ولا تقولي لقد عادَ الحبيبُ لنا
فمَنْ تعَوّدَ أفعالا ً يُثنّيها
وكانَ يرمي على الأصقاع ِ أدمُعَها
وعادَ بعدَ مرورِ الوقتِ يَجْنيها
أمّا أنا فلقدْ يَمّمْتُ كلّ َ دَمِي
الى مسارٍ ليجري في مجاريها
مثّلتُ دورَ عزيزِ النفس ِ أخدَعُها
مثّلتُ دورَ قويِّ القلبِ ناسيها
مثّلتُ أني سعيدٌ في سعادتِها
وضيفُها أينما ترمي أوانيها
لكنني من صميمي أحتسي قَلَقا ً
بأنْ تميلَ الى غيري معاليها
مثّلتُ حتى سَمِعْتُ الدّوْرَ يشتِمُني
والعمرُ بضْعة ُ أدْوارٍ نُؤدّيها
أنا خدعتُكِ في صمتٍ وفي عجَل ٍ
وفي ألاحين ِ أنغام ٍ أُغَنِّيها
الذنبُ ذنبي وهذا سرّ ُ محرَقتي
في كلّ ِ يوم ٍ جديدٍ أكتوي فيها
ونامتْ الليلَ تلهو في تنهُّدِها
على الفراش ِ ولم تهجَعْ نواعيها
عندي همومٌ كبارٌ في مقابرِها
أخونُها لو لغيْرِ اللهِ أحكيها
مُحَمّلٌ بغيوم ِ الدمع ِ منتَقِلٌ
مع الرياح ِ الى أقصى فيافيها(65/157)
لقد تعثّرتُ يامَسْرايَ و في حجري
وقد تُصيبُ حجارُ القارِ راميها
عذراً أقولُ وإني لستُ منصِفَها
أنا اُواسي دموعي لا أُواسيها
أنا قُصاصاتُ أوراق ٍ تُمَزّقها
أيدي الصّغارِ بني الدنيا وتُلقيها
تعلو بها الريحُ حدّ الغيم ِ تحمِلُها
الى الجهاتِ فصولَ العام ِ تُهديها
ولو وطئتُ سماءً كنتُ أحملُها
ولو وقعتُ على أرض ٍ أُحيّيها
طارتْ بي الريحُ مثلَ الغيم ِ تُمْطِرُني
فأغرَقتْ كلماتي أرضَ ساقيها
تبني السّماءُ بأقوالي معابدَها
وتأخذُ الأرضُ منْ شِعري مراعيها
وليتَ مَنْ بصَفيق ِ القول ِ ضيّعَني
من بعدِما تقفُ الأميالُ يأتيها
تجري وراءَ دواويني عقارِبُها
وترتمي تحتَ أبياتي ثوانيها
قتَلتِني آهِ .. لا جرحاً أُعالِجُهُ
ولا الطبيبُ جراحاتي يُداويها
قتلْتِني بصُراخي غيرَ آبهةٍ
فكم رسائلَ حُبّ ٍ لم تُجيبيها
وكم أُحِبُّكِ طولَ الوقتِ ألفظُها
وأنتِ .. أهواكَ يوماً لم تقوليها
وأنتِ أيضاً طعنتِ القلبَ في لغةٍ
ما زالَ يحتارُ قلبي في معانيها
يكفيكِ أنّكِ صرتِ اليومَ عاقِبَتي
والجنّة ُ.. اللهُ للمقتول ِ يُعطيها
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> إبتهالات من تحت الأمواج
إبتهالات من تحت الأمواج
رقم القصيدة : 64379
-----------------------------------
ذهبْنا بعيدا ً
إلى أنْ فقَدْنا يَدَيْكْ
هرَبْنا جميعاً من الغربةِ القاتِله ...
وعدْنا إليكْ
فقدنا الأمانَ .. فقدنا السلامَ .. فقدنا الثِقَه
وما عادَ للصِدق ِ فينا وجودْ
فَلَسْنا نُراعِي حَراماً عَلَيْنا ...
ولا نتّقي من ضياع ِ العهودْ
و تاللهِ ...
ما ظلّ َ للهِ حدّ ٌ أمامَ العبيدِ القرودْ
لقدْ عبَرَ القومُ كلّ َ الخطوطِ ...
وكلّ َ الحصون ِ وكلّ َ الحدودْ
وتاللهِ .. ما ظلّ َ للهِ حدّ ٌ ..
ولا ظلّ َ للكفرِ حدْ ! ! !
شرِبْنا جميعاً من النهرِ دهراً طويلاً
وما تابَ مِنّا أحدْ ! !
وهذا هو الردّ ُ .. إنْ كانَ للهِ رَدْ
أعاصيرُ ...
هزاتُ أرض ٍ ...
زلازِلْ(65/158)
وأمواجُ ماءْ
ونحنُ على الدّربِ لا نَتّقِي
ولم نعترفْ بالغباءْ !!!
نخافُ من الناس ِ حدّ َ الحياءِ ...
ومن ربِّنا لا نخافْ
وهل يرتقي الجاهلونَ الى مستوى الإعتِرافْ ؟
ذهبنا بعيداً وكنا فخورينَ بالبعدِ عنكْ
وكنا فخورينَ أنْ نقلِبَ الحقّ َ باطلْ
لقد فارقَ اللهَ خلقٌ كثيرٌ !!
وهل فارقَ اللهَ في الخلق ِ عاقِلْ ؟
وكنا إذا قيلَ للهِ هودوا
ذهبنا بعيداً وعُدْنا نجادِلْ
وكنا إذا قيلَ للهِ توبوا
ظنَنّاهُ عما فعلناهُ غافِلْ
ورحنا نجادِلْ
وعُدْنا نجادِلْ
وفي منتهى الكبرياءْ
نرى قولَنا فوقَ قول ِ السّماءْ
نرى رأيَنا ...
فوقَ رأي ِ النبيينَ و الأوصِياءْ
نُعاديكَ يا ربَّنا كي نكونَ
لأعدائِكَ الأصدقاءْ !!
نُعاديكَ من أجل ِ إطراءَةٍ ...
ومن أجل ِ أنْ نُضْحِكَ الأقوياءْ
ومِنْ قبْلُ أجدادُنا مرّتيْن ِ أساؤوا العمَلْ
وجدّاتُنا مرّة قد تَبِعْنَ الجَمَلْ
لكي يحفظوا سيدَ الأنبياءْ
فمِنْ أجل ِ أنْ يحكموا المُسلِمينَ
تواصَوْا بأنْ يُحْرِقوا الأوصِياءْ
لقد كانَ أولئكَ الغاصبونَ ...
وأولئكَ الأغبياءْ
أساسَ الخرابِ الذي حلّ َ فينا
أساسَ الدمارِ الذي لم يُبْق ِ في الناس ِ دينا
وها نحنُ منهم بُراءْ
وها نحنُ عُدْنا إليكْ
و ها نحنُ قبلَ الرّحيل ِ الكبيرِ
حَلَلْنا ضيوفا ً عليكْ
فيا مَن هو اللهُ يمضي الزمانُ ...
و يأتي الزمانْ
و كفّاهُ مبسوطتانْ
أنا الآن َ ... في حاجةٍ للبُكاءِ
على لَمْسَةٍ من يديْكْ
ذهبْنا بعيداً الى أنْ فقدْنا يديْكْ
وعُدْنا إليْكْ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> حرام عليك
حرام عليك
رقم القصيدة : 64380
-----------------------------------
لماذا تغيبينَ مثلَ النجومْ
وراءَ المحيطاتِ تنأيْنَ عني
وراءَ الغيومْ
وأبقى الى الصبح ِ أرنو اليكِ
أ هذا الذي أشكوهُ دوما ً اليكِ
طويلا ً يدومْ ؟
حرامٌ عليكِ
* * *
لماذا تطيرينَ بي عاليا ً في الفضاءْ؟
و تُلقينني مثلَ حبّاتِ ماءْ(65/159)
بوجهِ الرياح ِ ووجهِ السماءْ
تَلاقَفَني الريحُ حدّ َ المحيطاتِ إذ ْ لا قرارْ
فياربِّ هَبْ لي قرارا ً وزدني ثباتْ
و إذ لا شعورْ
من النجمةِ الضوءُ ينهالُ حولي
فأمتدّ ُ من قطرةٍ فرّقَتْها الرياحْ
و منْ ذرّةٍ في ثلاثينَ لونا ً تدورْ
الى عالم ٍ من بحارْ
أ بَعْدَ انهيارِ القِوى يا نهارْ ؟
وبعد انعِكاساتِ روحي على حا لِها
توقّعتُ من موعدي لا يفوتْ
و من حُبِّنا لا يموتْ
ولكنْ ... قطعتِ الرّجاءَ الذي كانَ لي
بعضَ قوتْ
و قد كِدْتُ من بعْدِ عيْنيكِ أمضي لِحَتْفي
وحزنا ً أموتْ
على قِبْلةٍ من هيامي اليكِ
على لمسةٍ من يديكِ
حرامٌ عليكِ
* * *
تحومينَ حولي الى حدِّ أني ..
تفرّقتُ حولي
تحومينَ حتى على كِلْمَةٍ قلتُها
الى حدِّ أني
لقد صرتُ أخشاكِ أنْ تخرُجي في كلامي
اذا قلتُ قَوْ لي
تحومينَ في عالم ِ النوم ِ حولي
فلنْ نلتقي
ويشتدّ ُ خوفي ويزدادُ هَوْ لي
لقد ... رُبّما ... ما إذا قلتُ أهواكِ
تمضينَ عني بعيدا ً لكي لا أراكِ
لكي تدفعيني الى الانحِدارْ
فلا ضوءَ .. لا صوتَ إلا متى يا نهارْ؟
يعودُ لنا الضوءُ
لن أطمعَ الانَ أنْ أسترِدّ النهارْ
شرِبْنا كثيرا ً من الضوءِ
حتى بدأنا نرى الشئَ عشرينَ شيئا
بدأنا نرى من وراءِ الخُرافاتِ سبعينَ ظِلاً ..
وسبعينَ فَيْئا
فضاعتْ علينا الحقيقه
وما عادَ يعرِفُ شخصٌ عدُوّاً
ولا عادَ يعرِفُ شخصٌ صديقَه
طفِقْنا من الغيم ِ نبني القصورَ
ونهدِمُ كلّ َ البيوتِ العريقه
طفِقْنا نُقَسِّمُ أجسادَنا
فريقاً ... فريقاً
و يعبدُ كلّ ٌ فريقَه
ذهَبْنا بعيداً الى حدِّ أنّا ... فقدْنا الحقيقه
لماذا ؟ وقد كنتِ انتِ الحقيقه
لماذا تحلّ ُ الأباطيلُ تركيبتي ؟
فلم تعرِفي مَنْ أنا
لماذا تُريدينَ أنْ ترحلي مِنْ هنا؟
لماذا تجُرّينَ خيطي الرقيقْ ؟
كأني ولا كنتُ يوماً حبيباً
ولا كنتُ يوماً صديقْ
أ سَهْلٌ عليكِ؟
تقُصّينَ من ناظري ناظِريْكِ
حرامٌ عليكِ
* * *(65/160)
أنا كلّ َ يوم ٍ أقابلُ وهماً وأشكو إليهْ
أنا لم أقل كذبة ً في حياتي
أنا مَنْ جنى صِدقُهُ ثلاثينَ عاماً عليهْ
أنا كلّ َ يوم ٍ أرى نجمة ً عاريه
أحاطَ بها البردُ والثلجُ حتى بَدَتْ كالجحيمْ
تُحاولُ حرقَ المداراتِ كي تُصبِحَ العاليهْ
أنا أكثرُ الناس ِ حزناً لأني
وبعدَ انتظارٍ طويلْ
وبعدَ المنى الماضيهْ
وجدتُ الجنائنَ لا شئَ إلا ... حجاراتِ قارٍ
وأكوامَ رمل ٍ ... ومزرعَة ً خاويهْ
أنا أتعسُ الناس ِ حيثُ الحياة ُ بما تحتوي
غرفة ٌ خاليهْ
فهل تستحِق ّ ُ التنافرَ فيها؟
وهل تستحقُّ افتراءً ولوناً كريها؟
و هل تستحقُّ النفاقْ ؟
و هل تستحقُّ التولي بعيداً الى حدِّ ننسى العراقْ ؟
و هلْ مُسْتَحِقّ ٌ أنا منكِ هذا الفراقْ ؟
و هل يستحقُّ الحبيبُ الذي ماتَ حُبّاً
وماتَ احتراسا ً وماتَ اشْتياقْ
لهذا الفراقْ ؟
نعمْ تستحِقينَ مني دموعي
و تستأهلينَ ارتِجافاتِ قلبي التي كسّرَتْ لي ضلوعي
و تستأهِلينَ أهواكِ حتى مماتي وحتى رجوعي
نعم تستحقينَ أنْ اسهرَ الليلَ إياكِ مثلَ القمرْ
نعم تستحقينَ مني دموعي
الى حدِّ فقدِ البصرْ
أ لستِ الحبيبهْ ؟
نعم تستحقّينَ أنْ أُشْعِلَ الليلَ كي تعرِفي أينَ أنتِ
وكي تهتدي
فلا تحملينَ حسابَ الدهرْ
نعم تستحقينَ مني الكثيرْ
وتستأهلينَ الكثيرَ الكثيرْ
تقولينَ لي قد تسَرّعتَ جداّ
كأنكِ لا تعرفينَ المصيرْ
تقولينَ لي قد تسرّعتَ جداّ
كأنكِ لا تعرفينَ الليالي
ولا تعرفينَ التحدّي الكبيرْ
تقولينَ لي قد تسرّعتَ جداّ
كأنكِ لا تعرفينَ الحياةَ .. القطارْ
و مشوارُهُ ما طالَ جداّ قصيرْ
أنا لستُ أحتاجُ منكِ الكثيرْ
فلا تغضبي
أ ُريدُ كِ شمساً تظلّينَ فوقي ولن تغرُبي
وعصفورة ً.. أزرعُ الأرضَ قمحاً و زهراً
لكي تأكليها و كي تلعبي
ومصباحَ زيتٍ تُضيئينَ ليلي ولن تتعبي
أنا لم أقلْ كِذبة ً في حياتي
فلا تكْذِبي
لأني أرى مركِباً جاءَ يُقصيكِ مِنْ مَركِبي
وقافلة ُ العمْرِ دارتْ كثيراً على مُحوَرَيْكِ(65/161)
حرامٌ عليك
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> أخي ناجي
أخي ناجي
رقم القصيدة : 64381
-----------------------------------
أخي ناجي
أتاك وحيدُ في التابوت ِ يجري فوقَ أمواج ِ
على متن ِ المياهِ أموتُ من عَطشِي وإحراجي
تَدَبّرْ هذهِ الكلماتِ يا ناجي
أخي ...
هل كنتَ تحسَبُ أنّنا يوما ً سنَفترقُ ؟
أتاكَ وحيدُ لا سلوى لديهِ و لا بهِ رمقُ
أتى ... من حزنِهِ حتى الهواءُ يكادُ يختَنِقُ
يمدّ ُ يديهِ يشعرُ أنّهُ زالَ المكانُ ...
وراحَ ينزلِقُ
ويهتفُ أينَ أنتم يا أخي ناجي ؟ ويختنِقُ
ولو لِلّيْل ِ قلبٌ من هتافٍ ما ... سينفلِقُ
لقد طالَ الفراقُ وطالت الطرقُ
وإنّا مثلما عُودِ البَخُور ِ نظلّ ُ نحترقُ
بلا جدوى
يطيرُ أريجُنا حول البيوتِ السّمْعَ يسْتَرِقُ
ويأتينا بأخبارِ الأحِبّةِ مثلما نهوى
وننسى أنّنا نمشي بلا جدوى
لِنبحثَ في بقاع ِ الأرض ِ عن جدوى
ونغرسَ في الدروبِ نخيلَ (آل ِ شُمَيْسْ)
وسِدرة َ ( آل ِ زيّادِ )
فهَلا ّ تعلمونَ وأنتم الأدرى بميعادي
لقد بلغَ النخيلُ حدودَهُ القصوى ؟
وماتَ ببعضِهِ في عيدِ ميلادي
شَرِبْنا كلّ َ ما في الكأس ِ...
وانهالَ الترابُ على أوانينا
وقلنا بعدما لعنَ الزمانُ متونَ أهلينا
صحيحٌ أننا صرنا شيوخا ً إنّما قلبُ الشبابِ
مُعَلّقٌ فينا
ورحنا نرسمُ الأحلامَ ليلا ً كاملا ً
بدماءِ ماضينا
ولم نحسُبْ لدهرٍ جارَ أيّ َ حسابْ
أتَذكُرُ يا صديقي كيفَ تسألُني عن الأحبابْ ؟
وعن تلك ( الفليحةِ والربابِ
وعنْ أحلام ْ)
أتَذكُرُ يا صديقي هذه الأيامْ ؟
أتَعلمُ أننا كنا الجناة َ على أمانينا ؟
لقد كنّا سكارى غارقينَ ....
بجَهْلِنا .....
والموتُ من كلِّ الجهاتِ يكادُ يأتينا
صَحَوْنا ليتنا عدنا سكارى نحملُ الآلامْ
ونحتَمِلُ الجراحَ وسكرُنا من دونِما وَجَع ٍ
ولا آثامْ
تذكّرتُ الصّراخَ وأنتَ عن بُعْدٍ تناديني
وتعبُرُ زحمة َ الأهوارِ والبردِيِّ والطين ِ
لِتأتيني(65/162)
وكنتُ أزوُرُ كمْ وتطيرُ تحمِلُني وتُلقيني
لأنّكَ قد ذبَحتَ الديكْ
وتنذ ُرُ ديكْ..... للعباس ِ ...
لو عادَ الصّدِيقُ لعُشِّهِ لو عادَ يأتيني
وثمّ تعودُ تسقيني
من الشاي ِ المُعَطّرِ بالهوى والهالْ
ومن ماء (العُكَيْكَةِ) كنتَ تسقيني وكان زُلالْ
وإنْ كانت بهِ الحشَراتُ أسرابا ً تُحَيِّيني
وكنتَ تُسائلُ الأطفالَ عنّي ...
أيها الأطفالْ
هذاكَ وحيدْ ............
فهلا ّ تعرفونَ الشاعرَ النائي بألفِ سؤالْ ؟
هنا في وجهِ هذا الشاعرِ العربيِّ يا أطفالْ
كنوزٌ ما عَرَفْنا سِرّ َها حتى أتى الزلزالْ
عسى ولعلّهُ تتفهّمُ الأجيالُ معناها
رسالتُكَ التي ترجو كتابتَها قرأناها
وردّدْنا النشيدَ سويّة ً يا أيها الأطفالْ
لا تنسَوْا وحيدْ
فكيفَ تنساني ................... ؟
أنا للموتِ أ ُمْسِكُ ذكرَكم بيدي وأسناني
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> انحناء
انحناء
رقم القصيدة : 64382
-----------------------------------
تساءلتُ يا أيّها العالمُ المُمْطِرُ
ويا أرضَ بغدادَ ..
يا أرضَ مِصْرَ
ويا أرضَ شبْهِ الجَزيره
على أيِّ أرض ٍ ....
سَأُمْطِرُ هذي الدّموعَ الغزيره ؟
وفي أيِّ صَوْبٍ ..
سأُلقي بذورَ الزهورِ الصغيره ؟
تساءلتُ يا أيها الكونُ ....
مَنْ يحمِلُ هذي الأمانه ؟
أللحدِّ هذا كبيره ؟ !
ومَنْ ينحني بعدَ يومين ِ للزهرة ِ لو أورَقتْ مُستديره ؟
فأشفقتْ الأرضُ منها وأخفتْ أموراً
وقالتْ أموراً كثيره
وأمّا الجبالُ فقالتْ أنا ؟
أنا ليسَ لي قدرة ٌ على حَمْل ِ هذا العَنا
فأحْضرتُها وقلتُ اسجدوا
فلم يسْمَعْ الأمرَ هذا الفؤادُ القليلُ المُنى !!
ونادى عصِيّا ً ....
لغيْرِ الذي فطرَ الكائناتِ عصِيّ ٌ أنا
فناديتُ مَنْ ينحني للحبيبه ؟
فعيني تنادي ... أنا
ورأسي ينادي ... أنا
وما زالَ قلبي عصِيّاً
فناديتُ مَنْ ينحني للحبيبه
فهذي رَنا
بكى القلبُ وانصاعَ شيئاً فشيئاً
ونادى أنا
وراحَ يُقبِّلُها .. سامِحيني
وثمّ انحنى(65/163)
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> بائع الموت
بائع الموت
رقم القصيدة : 64383
-----------------------------------
واقفونْ
نشتري الحزنَ
واقفونْ
نشتري من بائع ِ الموتِ مماتا ً
فشَبِعْنا من يدِ الموتِ و أتْخَمْنا البطونْ
هل يحكمُنا بعد المماتِ الظالمونْ ؟
أننا يا ويحَ قلبي ..... نائمونْ
لا مُبالينَ بما يجري علينا
وانتظرنا حُجّة ً يُنْقِذنا
أيّها المهدِيّ ُ هل يُعْجِبُكَ الوضعُ ؟
آهْ .... كم يُحْزنُني حينَ تظنونَ
همْ لتحريرِ قرانا قادِمونْ
أو يمنحونا فرصة ً ... أو قُرصة ً
إننا نحملُ في موطِنِنا الموتَ لأمْريكا
و عساهُم لو ينامونَ ولا يستيقِظونْ
لم يصِلهُ الآخَرونْ
وأنا أنظرُ للساعةِ والناسُ لحالي ينظرونْ
العراقيّونَ ....... ما ينتظِرون ؟ !
أيّها المهدِيّ ُ هل يُعْجِبُكَ الوضعُ ؟
متى عيسى وموسى يخرُجونْ ؟
آهْ .... كم يُحْزنُني حينَ تظنونَ
بأنّ القادمين
همْ لتحريرِ قرانا قادِمونْ
أو يصونوا عِرضَنا .... أو أرضَنا
أو يمنحونا فرصة ً ... أو قُرصة ً
نحنُ أسودٌ جائعونْ!!
إننا نحملُ في موطِنِنا الموتَ لأمْريكا
أنا أكرهُ أمْريكا الى حدِّ الجنونْ
و عساهُم لو ينامونَ ولا يستيقِظونْ
إنني أكرهُ أمريكا وهذا شرفٌ
لن يصِلوهُ الآخَرونْ
منذ ُ عام ٍ ...
وأنا أنظرُ للساعةِ والناسُ لحالي ينظرونْ
شاغلٌ رأسي سؤا لٌ واحِدٌ
العراقيّونَ ....... ما ينتظِرون ؟ !
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> وداعاً
وداعاً
رقم القصيدة : 64384
-----------------------------------
سِراعاً تمرّ ُ السُوَيْعاتُ إيّاكِ ...
لم أدرِ كيفَ السُّوَيْعاتُ مرّتْ سِراعْ
وأبصرْتُ تحتي .. فلم أرَ قاعاً لروحي
كما الطيرِ .... أهوي الى أيِّ قاعْ ؟
وهاجَرتِ ...
حتى الوداعُ الذي لا أُطيقْ
تهَرّبتِ منهُ ... تهرّبْتِ مني
وما قلتِ حتى وداعاً
ألا يسْتَحِقّ ُ الغريبُ الوداعْ ؟
دعيني أقُلْها
وكُلِّي هوىً موجِعاً
وبعضُ الهوى لا يُضاعْ(65/164)
دعيني أقُلْها .. وقولي
لقد غيّرَ الدهرُ منهُ الطِباعْ
تهرّبتِ مني
ولنْ أمْلِكَ الآنَ إلاّ أقول
الوداعْ
العصر الجاهلي >> السموأل >> إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
رقم القصيدة : 64385
-----------------------------------
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها
فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا
فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا
شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ
وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا
عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
لَنا جَبَلٌ يَحتَلُّهُ مَن نُجيرُهُ
مَنيعٌ يَرُدُّ الطَرفَ وَهُوَ كَليلُ
رَسا أَصلُهُ تَحتَ الثَرى وَسَما بِهِ
إِلى النَجمِ فَرعٌ لا يُنالُ طَويلُ
هُوَ الأَبلَقُ الفَردُ الَّذي شاعَ ذِكرُهُ
يَعِزُّ عَلى مَن رامَهُ وَيَطولُ
وَإِنّا لَقَومٌ لا نَرى القَتلَ سُبَّةً
إِذا ما رَأَتهُ عامِرٌ وَسَلولُ
يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا
وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ
وَما ماتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتفَ أَنفِهِ
وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كانَ قَتيلُ
تَسيلُ عَلى حَدِّ الظُباتِ نُفوسُنا
وَلَيسَت عَلى غَيرِ الظُباتِ تَسيلُ
صَفَونا فَلَم نَكدُر وَأَخلَصَ سِرَّنا
إِناثٌ أَطابَت حَملَنا وَفُحولُ
عَلَونا إِلى خَيرِ الظُهورِ وَحَطَّنا
لِوَقتٍ إِلى خَيرِ البُطونِ نُزولُ:
فَنَحنُ كَماءِ المُزنِ ما في نِصابِنا
كَهامٌ وَلا فينا يُعَدُّ بَخيلُ
وَنُنكِرُ إِن شِئنا عَلى الناسِ قَولَهُم
وَلا يُنكِرونَ القَولَ حينَ نَقولُ
إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ
قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
وَما أُخمِدَت نارٌ لَنا دونَ طارِقٍ
وَلا ذَمَّنا في النازِلينَ نَزيلُ(65/165)
وَأَيّامُنا مَشهورَةٌ في عَدُوِّنا
لَها غُرَرٌ مَعلومَةٌ وَحُجولُ
وَأَسيافُنا في كُلِّ شَرقٍ وَمَغرِبٍ
بِها مِن قِراعِ الدارِعينَ فُلولُ
مُعَوَّدَةٌ أَلّا تُسَلَّ نِصالُها
فَتُغمَدَ حَتّى يُستَباحَ قَبيلُ
سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ
فَلَيسَ سَواءً عالِمٌ وَجَهولُ
فَإِنَّ بَني الرَيّانِ قَطبٌ لِقَومِهِم
تَدورُ رَحاهُم حَولَهُم وَتَجولُ
شعراء الجزيرة العربية >> فهد عافت >> المغني
المغني
رقم القصيدة : 64387
نوع القصيدة : -
-----------------------------------
شعراء الجزيرة العربية >> فهد عافت >> أسميك المطر
أسميك المطر
رقم القصيدة : 64388
نوع القصيدة : -
-----------------------------------
شعراء الجزيرة العربية >> فهد عافت >> هب الكرز
هب الكرز
رقم القصيدة : 64389
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
لايوجد "نص" لهذه القصيدة ،،
إستمع إليها بصوت الشاعر عن طريق الرابط أعلاه
أرسل لنا نصّ القصيدة عبر نموذج التعديل
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> عاشقة الممحاة
عاشقة الممحاة
رقم القصيدة : 64394
-----------------------------------
أقضي ليلي وأنا أكتب إليك رسائل حب
ثم أقضي نهاري التالي ,
وأنا أمحو كل كلمة على حدة !
فعيناك بوصلتان ذهبيتنان
تشيران دوماً صوب ... بحار الفراق !
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> أغاني الدروب
أغاني الدروب
رقم القصيدة : 64395
-----------------------------------
من رُؤى الأثلام في موسمٍ خصبِ
و من الخَيْبةِ في مأساةِ جدْبِ
من نجومٍ سهرت في عرشها
مؤنساتٍ في الدّجى قصةَ حبِّ
من جنون اللّيل..من هدأتهِ
من دم الشّمس على قطنة سُحْبِ
من بحار هدرتْ..من جدولٍ
تاهَ..لم يحفل به أيُّ مَصَبِّ
من ذؤابات وعت أجنحةً
جرفتها الريح في كل مهبِ
من فراش هامَ في زهر و عشبِ
ونسورٍ عشقت مسرحَ شُهب
***
***
من دُمى الأطفال.. من ضحكاتهم(65/166)
من دموع طهّرتها روحُ رَبِّ
من زنود نسّقَتْ فردوسها
دعوةً فضلى على أنقاض حرب
من قلوب شعشعت أشواقها
شُعلاً تعبرُ من رحب لرحب
من عيون سمّمت أحداقها
فوهةُ البركان في نظره رعب
من جراحاتٍ يضرّي حقدَها
ما ابتلى شعبٌ على أنقاض شعب
من دمي.. من ألمي.. من ثورتي
من رؤاي الخضرِ.. من روعة حبّي
من حياتي أنتِ.. من أغوارها
يا أغانيَّ ! فرودي كل درب
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> جيل المأساة
جيل المأساة
رقم القصيدة : 64396
-----------------------------------
هنا.. في قرارتنا الجائعهْ
هنا.. حفرت كهفها الفاجعهْ
هنا.. في معالمنا الدارساتِ
هنا.. في محاجرنا الدامعهْ
نَبوخَذُ نصّرُ و الفاتحون
و أشلاء رايتنا الضائعهْ
***
***
فباسمكَ يا نسلَنا المرتجى
و باسمكِ يا زوجنا الضارعه
نردُّ الزمان إلى رشده
و نبصق في كأسه السابعه
و نرفع في الأفق فجر الدماء
و نلهمه شمسنا الطالعه !
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> ما زال
ما زال
رقم القصيدة : 64397
-----------------------------------
دم أسلافي القدامى لم يزل يقطرُ منّي
و صهيل الخيل ما زال ، و تقريعُ السيوفْ
و أنا أحملُ شمساً في يميني و أطوف
في مغاليقِ الدّجى.. جرحاً يغنّي !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> لأننا
لأننا
رقم القصيدة : 64398
-----------------------------------
أحسُّ أننا نموت
لأننا..لا نتقن النّضال
لأننا نَعيد دون كيشوت
لأننا... لهفي على الرجال!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> في القرن العشرين
في القرن العشرين
رقم القصيدة : 64399
-----------------------------------
أنا قبل قرونْ
لم أتعوّد أن أكره
لكنّي مُكره
أن أُشرِِعَ رمحاً لا يَعيَى
في وجه التّنين
أن أشهر سيفاً من نار
أشهره في وجه البعل المأفون
أن أصبح ايليّا (1) في القرن العشرين
***
أنا.. قبل قرون
لم أتعوّد أن أُلحد !
لكنّي أجلدْ
آلهةً.. كانت في قلبي
آلهةً باعت شعبي(65/167)
في القرن العشرين !
***
أنا قبل قرون
لم أطرد من بابي زائر
و فتحت عيوني ذات صباح
فإذا غلاّتي مسروقه
و رفيقةُ عمري مشنوقه
و إذا في ظهر صغيرتي.. حقل جراح
و عرفت ضيوفي الغداّرينْ
فزرعوا ببابي ألغاماً و خناجر
و حلفت بآثار السكّينْ
لن يدخل بيتي منهم زائر
في القرن العشرين !
***
أنا قبل قرون
ما كنت سوى شاعر
في حلقات الصوفيّينْ
لكني بركان ثائر
في القرن العشرين
..................
(1) نبيّ يهوديّ حارب الأوثان، و ينسب إليه أنّه قتل كهنة بعل
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> أمطار الدم
أمطار الدم
رقم القصيدة : 64400
-----------------------------------
((النار فاكهة الشتاءْ))
و يروح يفرك بارتياحٍ راحتين غليظتينْ
و يحرّك النار الكسولةَ جوفَ موْقدها القديم
و يعيد فوق المرّتين
ذكر السماء
و الله.. و الرسل الكرامِ.. و أولياءٍ صالحين
و يهزُّ من حين لحين
في النار.. جذع السنديان و جذعَ زيتون عتيق
و يضيف بنّاً للأباريق النحاس
و يُهيلُ حَبَّ (الهَيْلِ) في حذر كريم
((الله.. ما أشهى النعاس
حول المواقد في الشتاء !
لكن.. و يُقلق صمت عينيه الدخان
فيروح يشتمّ.. ثم يقهره السّعال
و تقهقه النار الخبيثة.. طفلةً جذلى لعوبه
و تَئزّ ضاحكةً شراراتٌ طروبه
و يطقطق المزراب.. ثمّ تصيخ زوجته الحبيبة
-قم يا أبا محمود..قد عاد الدوابّ
و يقوم نحو الحوش.. لكن !!
-قولي أعوذُ..تكلمي! ما لون.. ما لون المطر ؟
و يروح يفرك مقلتيه
-يكفي هُراءً.. إنّ في عينيك آثار الكبَر ؟
و تلولبت خطواته.. و مع المطر
ألقى عباءته المبللة العتيقة في ضجر
ثم ارتمى..
-يا موقداً رافقتَني منذ الصغر
أتُراك تذكر ليلة الأحزان . إذ هزّ الظلام
ناطور قريتنا ينادي الناس: هبوا يا نيام
دَهمَ اليهود بيوتكم..
دهم اليهود بيوتكم..
أتُراك تذكرُ ؟.. آه .. يا ويلي على مدن الخيام !
من يومها .. يا موقداً رافقته منذ الصغر
من يوم ذاك الهاتف المشؤوم زاغ بِيَ البصر(65/168)
فالشمس كتلة ظلمة .. و القمح حقل من إبر
يا عسكر الإنقاذ ، مهزوماً !
و يا فتحاً تكلل بالظفر !
لم تخسروا !.. لم تربحوا !.. إلا على أنقاض أيتام البشر
من عِزوتي .. يا صانعي الأحزان ، لم يسلم أحدْ
أبناء عمّي جُندلوا في ساحة وسط البلد
و شقيقتي.. و بنات خالي.. آه يا موتى من الأحياء في مدن الخيام !
ليثرثر المذياع (( في خير )) و يختلق (( السلام )) !!
من قريتي.. يا صانعي الأحزان ، لم يَسلم أحدْ
جيراننا.. عمال تنظيف الشوارع و الملاهي
في الشام ، في بيروت ، في عمّان ، يعتاشون..
لطفك يا إلهي !
و تصيح عند الباب زوجته الحبيبه
-قم يا أبا محمود .. قد عاد الجُباة من الضريبه
و يصيح بعض الطارئين : افتح لنا هذي الزريبه
أعطوا لقيصر ما لقيصر !!
***
و يجالدُ الشيخ المهيب عذاب قامته المهيبه
و تدفقت كلماته الحمراء..بركانا مفجّر
-لم يبق ما نعطي سوى الأحقاد و الحزن المسمّم
فخذوا ..خذوا منّا نصيب الله و الأيتام و الجرح المضرّم
هذا صباحٌ.. سادن الأصنام فيه يُهدم
و البعلُ.. و العزّى تُحطّم
***
و تُدمدم الأمطارُ..أمطار الدم المهدوم.. في لغةٍ غريبهْ
و يهزّ زوجته أبو محمود.. في لغة رهيبه
-قولي أعوذُ.. تكلّمي !
ما لون.. ما- لون المطر ؟
-. . . . .
ويلاه.. من لون المطر !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> أطفال سنة 1948
أطفال سنة 1948
رقم القصيدة : 64401
-----------------------------------
كَوَمٌ من السمك المقدّد في الأزقة . في الزوايا
تلهو بما ترك التتار الانكليز من البقايا
أُنبوبةٌ.. و حطام طائرةٍ.. و ناقلةٌ هشيمه
و مدافع محروقة.. و ثياب جنديٍّ قديمه
و قنابل مشلولة.. و قنابل صارت شظايا
***
((يا اخوتي السمر العراة.. و يا روايتيَ الأليمه
غنّوا طويلاً و ارقصوا بين الكوارث و الخطايا ))
لم يقرأوا عن (( دنُ كشوت )) و عن خرافات القتال
و يجنّدون كتائباً تُفني كتائب في الخيال(65/169)
فرسانها في الجوع تزحف.. و العصيُّ لها بنادق
و تشدّ للجبناء، في أغصان ليمونٍ، مشانق
و الشاربون من الدماء لهم وسامات الرجال
***
يا اخوتي !
آباؤنا لم يغرسوا غير الأساطير السقيمه
و اليتم.. و الرؤيا العقيمه
فلنجنِ من غرسِ الجهالة و الخيانة و الجريمه
فلنجنِ من خبز التمزّقِ.. نكبة الجوع العضال
***
يا اخوتي السمر الجياع الحالمين ببعض رايه
يا اخوتي المتشرّدين و يا قصيدتيَ الشقيّه
ما زال عند الطيّبين، من الرثاء لنا بقيّه
ما زال في تاريخنا سطر.. لخاتمة الروايه !
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> غرباء ..!
غرباء ..!
رقم القصيدة : 64402
-----------------------------------
و بكينا.. يوم غنّى الآخرون
و لجأنا للسماء
يوم أزرى بالسماء الآخرون
و لأنّا ضعفاء
و لأنّا غرباء
نحن نبكي و نصلي
يوم يلهو و يغنّي الآخرون
***
و حملنا.. جرحنا الدامي حملنا
و إلى أفق وراء الغيب يدعونا.. رحلنا
شرذماتٍ.. من يتامى
و طوينا في ضياعٍ قاتم..عاماً فعاما
و بقينا غرباء
و بكينا يوم غنى الآخرون
***
سنوات التيهِ في سيناءَ كانت أربعين
ثم عاد الآخرون
و رحلنا.. يوم عاد الآخرون
فإلى أين؟.. و حتامَ سنبقى تائهين
و سنبقى غرباء ؟!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> القصيدة الناقصة
القصيدة الناقصة
رقم القصيدة : 64403
-----------------------------------
أمرُّ ما سمعت من أشعارْ
قصيدةٌ.. صاحبها مجهول
أذكر منها، أنها تقول:
سربٌ من الأطيارْ
ليس يهمّ جنسُه..سرب من الأطياء
عاش يُنغِّمُ الحياه
قي جنَّةٍ..يا طالما مرَّ بها إله
***
كان إن نشنَشَ ضَوءْ
على حواشي الليل..يوقظ النهار
و يرفع الصلاه
في هيكل الخضرة، و المياه، و الثمر
فيسجد الشجر
و يُنصت الحجر
و كان في مسيرة الضحى
يرود كل تلّة.. يؤم كل نهرْ
ينبّه الحياة في الثّرى
و يُنهِض القرى
على مَطلِّ خير
و كان في مسيرة الغيابْ
قبل ترمُّد الشعاع في مجامر الشفق
ينفض عن ريشاته التراب(65/170)
يودّع الوديان و السهول و التلال
و يحمل التعب
و حزمة من القصب
ليحبك السلال
رحيبةً..رحيبةً..غنيّة الخيال
أحلامُها رؤى تراود الغلال
و تحضن العِشاشُ سربَها السعيد
و في الوهاد، في السفوح، في الجبال
على ثرى مطامحِ لا تعرف الكلال
يورق ألف عيد
يورق ألف عيد..
***
و كان ذات يوم
أشأم ما يمكن أن يكون ذات يوم
شرذمةٌ من الصّلال
تسرّبت تحت خِباءِ ليلْ
إلى عِشاشِ.. دوحها في ملتقى الدروب
أبوابها مشرّعةْ
لكل طارقٍ غريب
و سورها أزاهرٌ و ظل
و في جِنان طالما مرَّ بها إله
تفجّرت على السلام زوبعهْ
هدّت عِشاشَ سربنا الوديع
و هَشَمتْ حديقةً.. ما جدّدت (( سدوم ))(1)
و لا أعادت عار (( روما )) الأسود القديم
و لم تدنّس روعة الحياه
و سربُنا الوديع ؟!
ويلاه.. إنّ أحرفي تتركني
ويلاه.. إنّ قدرتي تخونني
و فكرتي.. من رعبها تضيع
و ينتهي هنا..
أمر ما سمعت من أشعار
قصيدة.. صاحبها مات و لم تتم
لكنني أسمع في قرارة الحروف
بقيّة النغم
أسمعُ يا أحبّتي.. بقيّة النغمْ
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> بوابة الدموع
بوابة الدموع
رقم القصيدة : 64404
-----------------------------------
أحبابنا.. خلف الحدود
ينتظرون في أسى و لهفة مجيئنا
أذرعهم مفتوحة لضمنا لِشَمِّنا
قلوبُهم مراجل الألم
تدقّ.. في تمزّق أصم
تحارُ في عيونهم.. ترجف في شفاههم
أسئلة عن موطن الجدود
غارقة في أدمع العذاب و الهوان و الندم
***
أحبابنا.. خلف الحدود
ينتظرون حبّةً من قمحهم
كيف حال بيتنا التريك
و كيف وجه الأرض.. هل يعرفنا إذا نعود ؟!
يا ويلنا..
حطامَ شعب لاجئ شريد
يا ويلنا.. من عيشة العبيد
فهل نعود ؟ هل نعود ؟!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> صوت الجنة الضائع
صوت الجنة الضائع
رقم القصيدة : 64405
-----------------------------------
صوتها كان عجيباً
كان مسحوراً قوياً.. و غنياً..
كان قداساً شجيّاً
نغماً و انساب في أعماقنا(65/171)
فاستفاقت جذوة من حزننا الخامد
من أشواقنا
و كما أقبل فجأة
صوتها العذب، تلاشى، و تلاشى..
مسلّماً للريح دفئَه
تاركاً فينا حنيناً و ارتعاشا
صوتها.. طفل أتى أسرتنا حلواً حبيباً
و مضى سراً غريبا
صوتها.. ما كان لحناً و غناءاً
كان شمساً و سهوباً ممرعه
كان ليلا و نجوما
و رياحاً و طيوراً و غيوما
صوتها.. كان فصولاً أربعه
لم يكن لحناً جميلاً و غناءا
كان دنياً و سماءا
***
و استفقنا ذات فجر
و انتظرنا الطائر المحبوب و اللحن الرخيما
و ترقّبنا طويلا دون جدوى
طائر الفردوس قد مدّ إلى الغيب جناحا
و النشيد الساحر المسحور.. راحا..
صار لوعه
صار ذكرى.. صار نجوى
و صداه حسرةً حرّى.. و دمعه
***
نحن من بعدك شوق ليس يهدا
و عيونٌ سُهّدٌ ترنو و تندى
و نداءٌ حرق الأفقَ ابتهالاتِ و وجْدا
عُدْ لنا يا طيرنا المحبوب فالآفاق غضبى مدلهمّه
عد لنا سكراً و سلوانا و رحمه
عد لنا وجهاً و صوتا
لا تقل: آتي غداً
إنا غداً.. أشباح موتى !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> أنتيجونا
أنتيجونا
رقم القصيدة : 64406
-----------------------------------
أنتيجونا
((ابنة أوديب_ الملك المنكوب_التي رافقته في رحلة العذاب..
حتّى النهاية ! )) (1)
خطوه..
ثِنْتان..
ثلاث..
أقدِمْ.. أقدِمْ !
يا قربانَ الآلهة العمياء
يا كبشَ فداء
في مذبحِ شهواتِ العصرِ المظلم
خطوه..
ثِنْتان..
ثلاث..
زندي في زندك
نجتاز الدرب الملتاث !
***
يا أبتاه
ما زالت في وجهك عينان
في أرضك ما زالت قدمان
فاضرب عبر الليلِ بِأشأمِ كارثةِ في تاريخ الإنسان
عبرَ الليل.. لنخلق فجر حياه
***
يا أبتاه !
إن تُسْمِلْ عينيك زبانيةُ الأحزان
فأنا ملءُ يديك
مِسرَجَةٌ تشربُ من زيت الإيمان
و غداً يا أبتاه أُعيد إليك
قَسَماً يا أبتاه أُعيد إليك
ما سلبتك خطايا القرصان
قسماً يا أبتاه
باسم الله.. و باسم الإنسان
***
خطوه..
ثِنْتان..
ثلاث..
أقدِمْ.. أقدِمْ !(65/172)
...........................................
(1) انتيجونا هي بطلة المسرحي الاغريقي سوفرخليس، التي تمثل رمز الوفاء للأب. و التضحية في سبيله. طلت تقود خطوات أبيها الأعمى، الملك أوديب ، إلى أن حكم عليها بالإعدام.
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> بابل
بابل
رقم القصيدة : 64407
-----------------------------------
أنا لم أحفظ عن الله كتابا
أنا لم أبنِ لقديسٍ قبابا
أنا ما صليت.. ما صمت.. و ما
رهبت نفسي لدى الحشر عقابا
و الدم المسفوك من قافيتي
لم يراود من يَدَيْ عَدنٍ ثوابا
فهو لو ساءلتَه عن مَطْمَحٍ
ما ارتضى إلا فدى النور انسكابا
***
***
غضبي.. غضبة جرح أنشبت
فيه ذؤبانُ الخنا طفراً و نابا
و انتفاضاتي عذابٌ.. ودَّ لو
ردّ عن صاحبِهِ الشرقُ عذابا
و أنا أومن بالحق الذي
مجدهُ يؤخذ قسراً و اغتصابا
و أنا أومن أني باعثٌ
في غدي الشمسَ التي صارت ترابا
فاصبري يا لطخة العار التي
خطّها الأمسُ على وجهي كتابا
و انظري النار التي في أضلعي
تهزم الليل و تجتاح الضبابا
شعشعت في آسيا فاستيقظت
و صحت افريقيا.. غاباً فغابا!
***
***
يا حمام الدوح! لا تعتب أسىً
حسبنا ما أجهش الدوحُ عتابا
نحن لم نزجرْك عن بستاننا
لم نُحكّمْ في مغانيك الغرابا
نحن أشباهٌ و قد أوسعنا
غاصب الأعشاش ذلاً و اغترابا
فابكِ في الغربة عمراً ضائعاً
و ارثِ عيشاً كان حلواً مُستطابا
علّ نار الشجو تُذكي نخوةً
في الأَُلى اعتادوا مع الدهر المصابا
فتهد اللحدَ عنها جُثثٌ
و يمور البعث شِيباً و شبابا
***
***
يا قرى.. أطلالُها شاخصةٌ
تتقرّى غائباً أبكى الغيابا
يا قرىً يُؤسي ثرى أجداثها
أنّ في النسل جراحاً تتغابى
يا قرانا.. نحن لم نَسْلُ.. و لم
نغدر الأرض التي صارت يبابا
خصبها يهدر في أعراقنا
أملاً حراً، و وحياً، و طِلابا
و الذرى تشمخ في أنفسنا
عزةً تحتطبُ البغي احتطابا !
***
***
يا بلاداً بلّلت كلَّ صدىً
و صداها لم يَرِدُ إلا سرابا(65/173)
يا بلادي نحن ما زلنا على
قسم الفدية شوقاً و ارتقابا
يا بلادي! قبل ميعاد الضحى
موعدٌ ينضو عن النور حجابا !
***
***
نكبةُ التيهِ التي أوردت بنا
فطرقنا في الدجى باباً فبابا
عَمّقت سكِّينها في جرحنا
و جرت في دِمنا سُمّاً و صَابا
و تهاوينا على أنقاضنا
فخرابٌ ضمّ في البؤسِ خرابا
و من الأعماق.. من تُربتنا
هتف التاريخ.. و المجد أهابا
فإذا أيامنا مشرقةٌ
بدمٍ.. من لونه أعطى الترابا
و إذا روما نداءٌ جارحٌ
طاب يومُ النارِ يا نيرونُ طابا!
***
***
أيها العاجمُ من أعوادنا
نحن ما زلنا على العَجمْ صِلابا
فاسأل الجرح الذي عذّبنا
كيف ألّبنا على الجرح العذابا
نكبةُ التيه التي سّدّت بنا
كل أُفق ضوّأت فينا شهابا
فأفاقت من سُباتٍ أعينٌ
وُلِدَ الدهرُ عليهنّ و شابا
و اشرأبّت في المدى ألويةٌ
خفقت في الأربع الجُرد سحابا
و على وقعُ خطانا التفتت
أمم أغضت هواناً و اكتئابا
و رؤانا أخصبت فاخضوضرت
أعصُرٌ ناءَت على الشرق جِدابا
***
***
شعَفَاتُ الشمس من غاياتنا
فازرعي يا أمتي الليلَ حِرابا
و إذا الأسداف أهوت جُثثاً
و إذا أحنى الطواغيتُ رقابا
و إذا فَجّرْتِ أنهارَ السنى
و سنون الجدبِ بُدّلن خِصابا
فانشري النور على كل مدى
و ابعثي أمجاده عجباً عجابا
نحن أحرى مستجيباً إن دعا :
من يُفَدّي؟ و هو أحرى مستجابا !
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> أكثر من معركة
أكثر من معركة
رقم القصيدة : 64408
-----------------------------------
في أكثر من معركةٍ دامية الأرجاءْ
أشهر هذي الكلمات الحمراء
أشهرها.. سيفاً من نارِ
في صفِّ الإخوة.. في صفِّ الأعداء
في أكثر من درب وعْرِ
تمضي شامخةً.. أشعاري
و أخافُ.. أخاف من الغدرِ
من سكين يُغمد في ظهري
لكني، يا أغلى صاحب
يا طيّبُ.. يا بيتَ الشعرِ
رغم الشكّ.. و رغم الأحزانِ
أسمعُ.. أسمعُ.. وقع خطى الفجرِ!
رغم الشكّ.. و رغم الأحزانِ
لن أعدم إيماني
في أنّ الشمس ستشرقُ..
شمس الإنسانِ(65/174)
ناشرةً ألوية النصرِ
ناشرةً ما تحمل من شوقٍ و أمانِ
كلماتي الحمراء..
كلماتي.. الخضراء !
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> الساحر والبركان
الساحر والبركان
رقم القصيدة : 64409
-----------------------------------
((أسطورة مهداة إلى الحكم العسكري))
و شَعوذَ الساحر فانطلقْ
من قُمقُمِ البحار.. ماردٌ صغير
يريد للزورق.. أن يقبّل الغرق
يريد للحريّة الحمراء
أن تقطن في كوخ.. من الورق
يريد للجذور أن تحيا بلا شجر
يريد للأشجار أن تحيا بلا ثمر
يريد للإنسان أن يموت في الحياة!
يريد أن...
و انفجر البركان !
و التهمت ساحِرَهُ النيران
فعاد للقمقمِ يستجير
بساحرٍ جديد
بساحرٍ.. ليس له وجود !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> أخوة ..
أخوة ..
رقم القصيدة : 64410
-----------------------------------
((إلى الذين يعرون الأخوة من جلدها,,
***
((و يتركونها مرتجفة في صقيع الزيف!
***
أيا سائلي في تحدٍّ و قوّهْ
أتُنشدُ ؟ أين أغاني الأخوّه؟
قصائدك السود بركان حقد
و مرجل نار، و سخط و قسوه
فأين السلام.. و أين الوئام
أتجني من الحقد و النار نشوة
و صوتُك هذا الأجشّ الجريح
صئمنا صداه الكئيبَ و شَجْوَه
فهلاّ طرحت رداء الجداد
و غنيت للحبّ أعذبَ غنوه
***
***
أيا سائلي! خلّ عنك العتاب !
تلوم جريحاً إذا ما تأوّه
أخوك أنا! هل فككتَ القيود التي
حَفرتَ فوق زنديَّ فجوه
أخوك أنا! من ترى زج بي
بقلب الظلام.. بلا بعض كوّه .؟
أخوك أنا ؟ من ترى ذادني
عن البيت و الكرْم و الحقل.. عنوه
تُحمّلني من صنوف العذاب
بما لا أطيق و تغشاك زهره
و تشتمني.. و تُعلّمُ طفلَك
شتمَ نَبيّ..بأرض النبوه
تشكُّ بدمعي إذا ما بكيت
و تُسرف في الظن ان سِرتُ خطوه
و تُحصي التفاتاتي المُتعبات.
فيوماً ((أشارَ)) و يوماً ((تفوّه ))
***
***
و إن قام، من بين أهلك، واعٍ
يبرّئُني.. تردريه بقسوه
و تزجره شاجباً ((طيشه ))
و تعلن أنَّى توجّهتَ (( لُغوَه ))!(65/175)
و إما شكوتُ.. فمنك إليك..
لتحكم كيف اشتهت فيك شهوه
فكيف أغني قصائد حبٍ
و سلمٍ.. و للكُره و الحربِ سطوه
و أنشد أشعار حريه..
لقضبان سجني الكبير المشوّه
أيا لائميّ أنتَ باللوم أحرى!
إذا شئتَ أنتَ.. تكون الأخوه !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> السلام ...
السلام ...
رقم القصيدة : 64411
-----------------------------------
ليُغنِّ غيري للسلامْ
ليُغنِّ غيري للصداقة، للأخوّةِ، للوئامْ
ليُغنِّ غيري.. للغراب
جذلانَ ينعقُ بين أبياتي الخراب
للبوم.. في أنقاضِ أبراجِ الحمام !
ليُغنِّ غيري للسلام
و سنابلي في الحقل تجهشُ بالحنين
للنورج المعبود يمنحها الخلود من الفناء
لصدى أغاني الحاصدين
لِحُداء راعٍ في السفوح
يحكي إلى عنزاته.. عن حّبّه الخَفِرِ الطموح
و عيونهِا السوداء.. و القدِّ المليح
***
ليُغنِّ غيري للسلام
و العينُ ما عادت تبلُّ صدى شُجيرات العنب
و فروعُ زيتوناتها.. صارت حطب
لمواقد اللاهين.. يا ويلي.. حطب!
و سياجُنا المهدودُ أوحشهُ صهيل الخيل في الطِّفلِ المهيب
و الُجرن يشكو الهجرَ.. و الإبريقُ يحلم بالضيوف
بالـ (( يا هلا )) ! .. عند الغروب
و رؤى البراويز المُغَبَّرةِ الحطيمه
تبكي على أطرافها، نُتفٌ من الصور القديمة
و حقائبُ الأطفال... أشلاءٌ يتيمه
لبثت لدى أنقاض مدرسةٍ مهدّمةٍ حزينه
ما زال في أنحائها.. ما زال يهزاُ بالسكينه
رَجعٌ من الدرس الأخير..
عن المحبة و السلام !!
***
ليُغنِّ غيري للسلام
و هناك.. خلف حواجز الأسلاك.. في قلب الظلام
جثمت مدائن من خيام
سُكّانُها..
مستوطنات الحزن و الحمّى، و سلّ الذكريات
و هناك.. تنطفئ الحياة
في ناسِنا..
في أبرياء.. لم يسيئوا للحياة !
و هنا... !
هَمَت بيّارةٌ من خلقهم.. خيراً كثير
أجدادهم غرسوا لهم..
و لغيرهم، يا حسرتي، الخير الكثير
و لهم من الميراث أحزان السنين !
فليشبع الأيتام من فضلات مأدبة اللئام !!
***
ليُغنِّ غيري للسلام..(65/176)
و على ربى وطني، و في وديانه.. قُتِل السلام ؟
(الأسطر الثمانية الأخيرة من هذه القصيدة محذوفة بالشكل التالي:
)X X X X X X X X
لا نُصبَ.. لا زَهرةَ.. لا تذكار
لا بيتَ شعرٍ.. لا ستار
لا خرقة مخضوبة بالدم من قميص
كان على إخوتنا الأبرار
لا حَجَرٌ خُطّت به أسماؤهم
لا شيءَ.. يا للعار
***
أشباحُهم ما برحت تدورْ
تنبش في أنقاش كَفْر قاسم القبور
(الأسطر الثمانية الأخيرة من هذه القصيد أيضاً محذوفة بإشارة الرقيب الصهيوني...)
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> روما
روما
رقم القصيدة : 64412
-----------------------------------
روما احترقت قبل قرون
لكنَّ الجدرَ الضارب في أرضهْ
لم يفقد في النكبة معنى نبضه
روما عادت.. يا نَيرون ..
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> كرمئيل
كرمئيل
رقم القصيدة : 64413
-----------------------------------
كرمئيل
((مدينة الحقد و الجوع و الجماجم))
صباحَ مساء
يطالعنا.. و جهُها و السماء
و نبسمُ.. لا بسمةَ الأغنياء
و لكنها بسمةُ الأنبياء
تَحدّاهم صالبٌ تافه
يغطي الشموس.. ببعض رداء !
***
غداً.. يا قصوراً رست في القبور
غداً يا ملاهي,, غداً يا شقاء
سيذكر هذا التراب، سيذكرُ
أنّا منحناهُ لون الدماء
و تذكر هذي الصخور رعاةً
بنوها أدعيةٍ من حداء
و تذكر أنّا..
***
هنا سِفرُ تكوينهم ينتهي
هنا.. سفر تكويننا.. في ابتداء !
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> من وراء القضبان
من وراء القضبان
رقم القصيدة : 64414
-----------------------------------
السجين الأول
دوريّة البوليس لا تنامْ
ما فتئت تبحر في مستنقع الظلام
تجوس كل قرية.. تطرق كل بابْ
و تَنْكُتُ العتمةَ في الأزقة السوداء
من غيظها.. تكاد أن تُقلّب الجيوب
لعابرٍ.. كان لدى أصحاب !
***
((يا بيتنا الوديع,, يا شبّاكنا المضاء
((ما أجمل السلامَ في حَلْقةِ أصدقاء
((يطالعون الشعرَ، يشربون، يَرَون من النّكات(65/177)
((ما يُضحك الأحياءَ من بليّةِ الحياة !
((محارب مخضّبُ لواء
((سلاحه.. أشعار
((تقطر من حروفها الدماء !
***
و داهمت مجلسَهم دوريةُ البوليس
لتلقيَ القبضَ على محارب وِجهتُهُ النهار
. . . . . . . . . . . . .
و باتت الخمرة في الكؤوس
(حذف الرقيب الصهيوني المقطعين الثاني و الثالث من هذه الصفحة و هما على سعة سبع صفحات من الديوان)
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> رسالة من المعتقل
رسالة من المعتقل
رقم القصيدة : 64415
-----------------------------------
ليس لديّ ورقٌ، و لا قلمْ
لكنني.. من شدّة الحرّ، و من مرارة الألم
يا أصدقائي.. لم أنمْ
فقلت: ماذا لو تسامرتُ مع الأشعار
و زارني من كوّةِ الزنزانةِ السوداء
لا تستخفّوا.. زارني وطواط
وراح، في نشاط
يُقبّل الجدران في زنزانتي السوداء
و قلتْ: يا الجريء في الزُوّار
حدّث !.. أما لديك عن عالمنا أخبار ؟..؟!
فإنني يا سيدي، من مدّةٍ
لم أقرأ الصحف هنا.. لم أسمع الأخبار
حدث عن الدنيا، عن الأهل، عن الأحباب
لكنه بلا جواب !
صفّق بالأجنحة السوداء عبر كُوّتي.. و طار!
و صحت: يا الغريب في الزوّار
مهلاً ! ألا تحمل أنبائي إلى الأصحاب ؟..
***
من شدة الحرّ، من البقّ، من الألم
يا أصدقائي.. لم أنم
و الحارس المسكين، ما زال وراء الباب
ما زال .. في رتابةٍ يُنَقّل القدم
مثليَ لم ينم
كأنّه مثليَ، محكوم بلا أسباب !
***
أسندت ظهري للجدار
مُهدّماً.. و غصت في دوّامةٍ بلا قرار
و التهبتْ في جبهتي الأفكار
. . . . . . . . . . . . . .. . . . .
أماه! كم يحزنني !
أنكِ، من أجليَ في ليلٍ من العذاب
تبكين في صمتٍ متى يعود
من شغلهم إخوتيَ الأحباب
و تعجزين عن تناول الطعام
و مقعدي خالٍ.. فلا ضِحْكٌ.. و لا كلام
أماه! كم يؤلمني !
أنكِ تجهشين بالبكاء
إذا أتى يسألكم عنّيَ أصدقاء
لكنني.. أومن يا أُماه
أومن.. .. أن روعة الحياه
اولد في معتقلي
أومن أن زائري الأخير.. لن يكونْ(65/178)
خفّاش ليلٍ.. مدلجاً، بلا عيون
لا بدّ.. أن يزورني النهار
و ينحني السجان في إنبهار
و يرتمي.. و يرتمي معتقلي
مهدماً.. لهيبهُ النهار !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> يهوشع مات
يهوشع مات
رقم القصيدة : 64416
-----------------------------------
يهوشع مات
((على حد ما يبدو من القصيدة، فإن يهوشع هو اللفظ الآخر الذي يقصد به الشاعر به يشوع بن نون، القائد العسكري اليهودي الذي عبر الأردن من تيه سيناء، و احتل أريحا، و أحرقها..{ و كان بعد موت موسى، عبد الرب، أن الرب، كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلا*موسى عبدي قد ما
العهد القدم_ يشوع_الأصحاح الأول ))
يا حائرين في مفارق الدروب !
لا تسجدوا للشمسِ
لن يرقى لها صدى صَلاتكم
بينكمُُ و بينها سقفٌ من الذنوب
لا تسكبوا الدموع، لن ينفعكم ندم
الشمس في طريقها.. راسخةُ القدم
لا تركعوا.. لا ترفعوا أيديكم إلى السماء
تدمّرتْ و اندثرت أسطورة السماء
و أطرقتْ على متاه بؤسكم جنازة الهباء
يا حائرين في مفارق الدروب !
أغواركم خاوية.. إلا من الخواء
صلاتكم خاوية.. إلا من الخواء
يا ويلكم ! يا ويلكم
سرعان ما تغوص في أعماقكم
أظافر الغروب !
***
يهوشَعٌ ماتَ
فلا تستوقفوا الشمس، و لا تستمهلوا الغروب
سور أريحا شامخٌ في وجهكم إلى الأبد
يا ويلكم ! يا ويلكم !
سرعان ما تغوص في أعماقكم
أظافر الغروب
يَهوشَعٌ راح.. و لن يؤوب
يهوشع مات !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> الذئاب الحمر
الذئاب الحمر
رقم القصيدة : 64417
-----------------------------------
حُمّت سراياك فاشربْ من سرايانا
كأساً جَرَعت بها للذلّ ألوانا
أركانُ عرشِكَ، آلينا نقوّضها
فاحشد فلولَكَ.. حيّاتٍ و عُقبانا
أسطورة الأسَدِ المهزوم تمهرها
جداولٌ من دمٍ تجتاح (( ردفانا ))
بلادنا.. القَدَرُ المحتوم قاطنها
مُذْ كانت الشمسُ، ما لانت و ما لانا
يا عابد النار ! ما زالت مُؤَرَّثةً
على القَنال.. فماذا تعبد الآنا(65/179)
يا غازياً غُسِلتْ بالنار حملتُه
لقد فتحتَ لدفن التاج كثبانا
بلادنا.. القَدَرُ المحتوم قاطنها
مُذْ كانت الشمسُ، ما لانت و ما لانا
و طارفُ المجدِ أقسمنا نشيّده
على التليد الذي شادت ضحايانا
يا عابد النار ! ما زالت مُؤَرَّثةً
على القَنال.. فماذا تعبد الآنا
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> توتم
توتم
رقم القصيدة : 64418
-----------------------------------
((توتم_رقصة إفريقية. تمثل صراع القبيلة
((مع وحش أسطوري مخيف.. يهاجم مضاربها من
((الغابة و لكنها تنتصر عليه !..
ألسنةُ النارِ تزعردُ في أحشاءِ الليلْ
و يُدمدم طبلْ
و تهدُّ بقايا الصمت طبولٌ ضارية و صنوج
و يَهيجُ الإيقاعُ المبحوحُ.. يهيج
فالغابة بالأصداء تموج
صرخاتُ وحوشٍ تطفو فوق هدير السيل
و أفاعٍ جائعةٌ تحت الأعشاب العملاقة تنسَلّ
و يُحلّقُ حولَ النار زنوج !
أشباحٌ ترقص حول النار
و إلى أطراف الغابة يمتد الظل
بخطى تترددُ.. هيابه
و يمزّق قلب الليل دويُّ الثار
تَوْتَمْ.. تَوْتَمْ.. تَوْتَم !
و أكفٌ سودٌ تُلهب جلدَ طبول
فتدمدم من ألمٍ.. و تدمدم
دُم دُم.. دُ.. دُ.. دُم
دُم دُم.. دُ.. دُ.. دُم
أحقاد قرون تتضرّم
و يعود يمزق قلب الليل دوي الثار
تَوْتَمْ.. تَوْتَمْ.. تَوْتَم !
و تُشَرّعُ في وهجِ النيران رماح
تنقضّ لتعصر عار عصور الظلمة بالدمّ
((الغابة قبركَ..يا استعمار !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> باتريس لومومبا
باتريس لومومبا
رقم القصيدة : 64419
-----------------------------------
باتريس لومومبا
((شاعر الحرية و رسولها. في مجاهل
غابات الكنونغو الزنجي المعذب ! ))
لاطم الريح بالجناجين.. و اصعد.. يا حبيب الحرية المتمرّدْ
أيهذا النسر الذي راعه العيشُ بوادِ كابٍ.. ذليلٍ.. مقيّد
فتلوّى في بؤرة الوحل و الشوك.. بشوقٍ إلى السنى متوقّد
و أضاءت أحلامُه برؤى موسى، و عيسى، و أمنيات محمد(65/180)
و أضاءَ الحنينَ للذروة الشماءِ.. بين النجوم.. أعلى و أبعد
فنَزاه للعلاء.. ميناؤه الشمروخ، في قمة الإباء الموطّد
***
يا هتافا، لوقعه زُلزِلَ الكونغو الحزين المعذبُ المستعبَد
أغفلته عصابةٌ ساقت الشعب عبيداً.. لأجنبيّ مسوّد
نسرَ إفريقيا العظيمَ.. نداءُ الشمسِ دوّى على الوجود و أرعد
فاستجبتَ النداءَ.. لبيكِ أمي.. غدا في أفق البطولات موعد
و شددتَ الجناح، في القلبِ نبضٌ لهبيٌ.. و أدمعٌ تتجلّد
بعد عهد من الظلامِ، طويلٍ، في سماء العبيد أشرقت فرقد
فاحمل المشعل العظيم و مزّقْ ما أراد الغزاةُ ليلاً مُخلّد !
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> في صف الأعداء
في صف الأعداء
رقم القصيدة : 64420
-----------------------------------
أمس استوقفني في الشارع يسأل عن (( بارْ ))
يقضي فيه بقيّةَ ليله
زنجي بحّار
يعمل عتّالا في إحدى سفن الدولار
و تحدّثنا فإذا بي أستلطف ظلّهْ
_هل نشرب كأساً يا صاحب ؟..
و لدى مائدةٍ واجمةٍ في المقهى الثرثار
كان صديقي يشربُ.. يشربُ باستهتار
هذا الزنجيُّ يحبّ النسيان
فلماذا؟.. من أيةِ أغوار
ينبع هذا الإنسان ؟
_قل لي.. حدّثني عنكم في أميركا الحرّة
عن مدرسة البيِض، كنيستهِم، فندقهم، و عبارات
كتبتْ بالفوسفور و جابت كل الحارات:
((ممنوع إدخال كلاب و يهودٍ و زنوج )) !
_او.. وه.. اتركني باسم الشيطان
هل حولَكَ لي أُنثى؟ فقُبَيْلَ الفجر
سنُسيّبُ هذا الميناء.. و نمضي عبر الأخطار !
_حسناً ! حدثني عن وطنِ النارِ السوداءْ
هل تسمع عن أسدٍ يُصطاد
عن أدغالٍ تهوي تحت الليل رماد
عن حقل مزروع شهداء
عن شعب يَنْبَتُ في أرضٍ
بدماء القتلى مرويّه
عن شمسٍ تولّد حاملةً
خبزاً.. أحلاماً.. حريّه
هل تسمع عن افريقيّة ؟!
_أسمع.. أسمع.. دقات طبول (( السمبا ))
و أرى الحسناء الزنجيّه
تترجرج كالنار الغضبى
في رقصة حبّ دمويّه
_حسناً.. حسناً.. حدّث عن كوبا
هل تعرف شيئاً عن شعبٍ
ما عاد مسيحاً مصلوبا(65/181)
لو أنشد هذي الليلةَ أغنيّه
_كوبا؟ لو أحمل هذه الليلة قيثاره أغنيّه
فتزاح ستاره
عن جسدٍ بضّ في إحدى الشرفات
***
يا ساقية الحانه
وَيْلمِّكِ.. فارغةٌ كأسي
و أنا ما زلتُ أُحُسُّ على عنقي، رأسي
و رفيقُكِ.. ما لرفيقِكِ أخمدَ ألحانه ؟ ..
أمس استوقفني في الشارع يسأل عن بار
و اليوم صباحاً كان من الأخبار
أمريكيٌ أبيض مات
مات و في شفتيه نداءٌ:
فلتسقط كلمات
كتبت بالدمّ و بالأحزان
فليسقط عارُ الإنسان
يرفعه الفاشست على وحل الرايات
((ممنوع إدخال كلابٍ و يهود و نزنوج )) !
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> من أجل
من أجل
رقم القصيدة : 64421
-----------------------------------
من أجل
من أجل صباح !
نشقى أياماً و ليالي
نحمل أحزان الأجيالِ
و نُكوكِبُ هذا الليل جراح !
***
من أجل رغيف !
نحمل صخرتنا في أشواك خريف
نعرى.. نحفى.. و نجوع
ننسى أنّا ما عشنا فصلّ ربيع
ننسى أنّا..
خطواتٌ ليس لهنّ رجوع !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> الجنود
الجنود
رقم القصيدة : 64422
-----------------------------------
الجنود
قوموا اخرجوا من قَبْوِكم، يا أيها النيام !
اليوم للأعراس
دُقّوا له الأجراس
و ارفعوا الأعلام
لاقُوه في حماس
لاقوه بالهتاف.. بالأفراح.. بالأغاني
هبّوا اصنعوا أعظم مهرجانِ
غَطُّوا المدى بأغصنِ الزيتون
و طيّروا الحمام
جاءكم السلام
يا مرحبا.. جاءكم السلام !
نحن على الحدود
نحن على الحدود.. لا ننام
أكُفُّنا لصيقةٌ على مقابض الحديد
عيوننا ساهرةٌ.. تجود في الظلام
قلوبنا تدق في انتظارهم..
أعدائما الغزاة
نحن تعلّمنا.. تعلّمنا..
أن نسلب الحياة !
***
نحن على الحدود.. كالكلاب، كالقرصان !
لا نعرف الهدوء.. لا ننام
فاستقبلوه.. استقبلوا السلام
عاش السلام.. عاش السلام !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> عروس النيل
عروس النيل
رقم القصيدة : 64423
-----------------------------------
أسمعُهُ.. أسمعُهُ !(65/182)
عبرَ فيافي القحط، في مجاهلِ الأدغال
يهدرُ، يَدْوي، يستشيط
فاستيقظوا يا أيها النيام..
ولْنبتنِ السدود قبل دهمة الزلزال
تنبهوا.. بهذه الجدران
تنزل فينا من جديد نكبة الطوفان !
***
لمن تُزَيّنونَها.. حبيبتي العذراء !
لمن تبرّجونها ؟
أحلى صبايا قريتي.. حبيبتي العذراء !
حسناؤنا.. لمن تُزَفّ ؟
يا ويلكم، حبيبتي لمن تُزَفّ
لِلطّمْيِ، للطحلب، للأسماك، للصّدف ؟
نقتلها، نُحْرَمُها، و بعد عام
تنزل فينا من جديدٍ نكبةُ الطوفان
و يومها لن يشفع القربان
يا ويلكم، أحلى صبايا قريتي قربان
و نحن نستطيع أن نبتنيَ السدود
من قبل أن يداهمنا الطوفان !
***
بَدارِ.. باسم الله و الانسان
فانني أسمعُهُ.. أسمعُهُ :
و لي أنا.. حبيبتي العذراء !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> إلى صاحب ملايين
إلى صاحب ملايين
رقم القصيدة : 64424
-----------------------------------
نَمْ بين طيّاتِ الفراش الوثيرْ
نَمْ هانئَ القلب، سعيداً، قريرْ
فكل دنياك أغَاني سرور !
***
المال في كفّيك نهر عزير
و القوت، أغلاهُ، و أغلى الخمور
و ألفُ صنفٍ من ثياب الحرير
و الصوف و السجاد، منه الكثير
(( و كادِلاك )).. في رحاب القصور
و الغيد، و اللحن و سحر الدهور !
نَمْ خالياً.. لا قارَبَتْك الشرور
و كلّ ما تبغيه.. حتماً يصير
إن شئت.. فالليل صباح منير
أو شئت.. فالقفر ربيع نضير
و القبر إن ترغبْ.. حياةٌ و نور
و اطلب.. ففي الجلمود يصفو غدير
و الآن ! يا نجلَ العلى يا أمير
يا عالي المقامِ.. يا .. يا خطير
يا تاجَ رأسي.. يا زعيميَ الكبير
إسمحْ لهذا الشيء.. هذا الفقير
إسمح له بكلمةٍ لا تضير
عندي سؤالٌ مثل عيشي حقير
أرجوك أن تسمعه، ألاّ تثور
من أين هذا المال.. يا (( مليونير )) ؟!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> المطر والفولاذ
المطر والفولاذ
رقم القصيدة : 64425
-----------------------------------
و ينتصب المصنع الماردُ
إلهاً.. كلانا له عابدُ(65/183)
و تَدوي الدواليبُ مزهوةً
و يدري بنا شوقُنا الصامدُ
فيا سُحُبَ الغيثِ مُدّي يداً
سحابُ مداخننا صاعد
و صبّي الحياة على شرقنا
فقد هيّأَ المنجل الحاصد
و آلتنا وَعَدَتْ طفلَنا
بكعكٍ.. فهل يكسف الواعد ؟
***
***
تهلّل بنا يا غداً لم يكن
سوى مطمحٍ.. فالسنى عائد
تهلّل! ستخضرّ أشواقُنا
و ينبض شريانُها الخامدُ
ففي كل أُفقٍ لنا مشرقٌ
و في كلِّ دربٍ لنا رائد
و مِغْزَلُنا بعد طول انتظارٍ
تحرّكَ منوالهُ البارد
و ضم غيوم البحار و غيم الـ
مصانعِ.. منهجُنا الواحد
إذا ماتَ من يأسِهِ عاجزٌ
فإنّ الرجاءَ.. بنا خالد
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> السرطان
السرطان
رقم القصيدة : 64426
-----------------------------------
السرطان
((إلى قابين و هابيل العصر اللذين
لم يصرع بعد، أحدهم الآخر !؟؟))
_1_
شواهد الرخام
تجثمُ في الطين، تغطي الشاطئَ المديد
و لم تزل سفائن العبيد
مُثقَلةً بالنارِ، بالسموم، بالحديد
تَمخرُ بحر الدمع و الصديد
و خلفها مدائن الموتى
و الصمتُ، و الخراب، و الدخان
و في مغاور المدى الدفينِ في الظلام
يَعوِي مخاضُ الرعب و القَتامْ
و السرطان يُطفئُ الشمس و يستفيق
يشبّ من شهوتِه حريق
متى تزلزل الوجود صرخة اللئام؟
إلى الأمام.. إلى الأمام !!..
_2_
من ألفِ ألفِ عام
لا يَنْشفُ السكينُ.. و الجراحُ لا تنام
حمائمُ القماش في الفضاء
مطلقة بالمعدنِ الممسوخِ.. بالرياء
و خلف بيرق السلام
تَغلي صنابيرُ الدماء
و يرجف التراب في الأعماق
و يَهْلَعُ الاسفنجُ في القيِعان
و الرعب يُقلِقُ النجوم
و السرطان يطفئُ الشمس و يستفيق
ينتظر الدم المراق
و فُضلة الجذورِ و العظام
من ألف ألف عام
_3_
مفترق الطريقِ
من أين يا قوافلَ الرقيق ؟
في أي شعْبٍ تزحفين ؟
لأي أُفْق ترحلين ؟
تمهلوا يا حاملي الصخور
تمهلوا.. مفترق الطريق
و البحر من ورائكم يموجُ
و العدو من أمامكم يموج
و الشواظ.. و الحريق
يُفَزِّع الغِلال و المروج(65/184)
و الصخرُ في الأغوار
يضخمُ.. يعلو.. ينذرُ الخليج
و خلفكم، يا ضائعون، ماتت الشطآن
و لم يعد مكان
تُغرَسُ في جراحه شواهد الرخام
خلفكمو لم يبق غير البومِ و الديدانِ و الغربان
و الرّعبِ، و الأوباءِ، و الظلام
و القيظِ، و الصدى، و الازدحام
و خطوة المصير في مفترق الطريق
و السرطان !
يطفئ الشمس و يستفيق !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> طفل يعقوب
طفل يعقوب
رقم القصيدة : 64427
-----------------------------------
((إلى فمك بالبوق، كالنسر على بيت
الرب، لأنهم قد تجاوزوا عهدي،
و تعدوا على شريعتي )).. التوراة
من هذا الصخر.. من الصلصالْ
من هذي الأرض المنكوبه
يا طفلاً يقتُل يعقوبَهْ
نعجن خبزاً للأطفال !
من ترمي في ليلِ الجُبِّ
أُنظر.. و احذر
من حفرة غدرٍ تحفرها في دربي
يا خائنَ عهدِ الربِّ !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> اقطاع
اقطاع
رقم القصيدة : 64428
-----------------------------------
يا ديداناً تحفر لي رمسي
في أنقاض التاريخ المنهار
لن تسكت هذي الأشعار
لن تخمد هذي النار
ما دامت هذي الدنيا
ما دمنا نحيا
في عصر الاقطاع النفسي
فسأحمل فأسي
سأشُجُّ حماقات الأوثان
و سأمضي.. قُدماً، قُدماً، في درب الشمسِ
باسم الله الطيب.. باسم الانسان !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> الانسان الرقم
الانسان الرقم
رقم القصيدة : 64429
-----------------------------------
رفَعَ المقعدُ لي نظارتيه
سيدي ماذا تريد ؟
و مضى.. بالقلم المسلول، و الوجه الكليل
يحرث الأوراق في صمت بليد
و الحروف الصمّ و الأرقام ثلجٌ في يديه :
سيدي.. ماذا تريد ؟
***
و تنحنحتُ.. أنا أبحثُ عن نفسي هنا
رَقَمي.. خمسةُ آلافٍ و تسعه
***
و مضى يبحث عن خمسةِ آلافٍ و تسعه
ليس يعنيه (( أنا )) !
***
ثم عاد الأخطبوط الأصفر الشاحبُ من وعرِ الرحيل
غاضباً.. بالقلم المسلول و الوجه الكليل :
(( سيدي.. ليس له أي وجود )) !!
***(65/185)
ثم عاد المقعد الميّتُ يجثو من جديد
كُوَمَ الأوراقِ
يغتالُ الحروفَ السودَ و الأرقامَ في صمتٍ بليد
***
رقمي ليس له أي وجود
و (( أنا )) .. ليس له.. أي وجود !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> مرثية أغنية قديمة
مرثية أغنية قديمة
رقم القصيدة : 64430
-----------------------------------
كم استثرتِ عندهم كوامنَ الأشواق
كم كنتِ بينهم حمامة السلام
فعاودتْ قلوبَهم نوازغُ الغرام
و دمعت عيونهم من الفرح
فاختصروا العتاب
و عمّروا مجالس الشراب
***
من سنةٍ.. آخرهم.. يرحمه اللهُ
و يومها..
_و لم يكن يفهم ما تحكين إلاّهُ_
من سنةٍ يرحمكَ الله !
يا طابعاً أهمله البريد
فلن يُعيد
من حلوةٍ جواب
لمدنفٍ مُتيّمٍ.. لن يجمع الأحباب
***
لن تستثيري عندهم كوامنَ الأشواق
لن تبعثي أجدادَنا العشاق
يا جدّةً طاهرةَ الرفات
يا حيّةَ الممات..
يا مَيْتَةَ الحياة !!
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> درب الحلوة
درب الحلوة
رقم القصيدة : 64431
-----------------------------------
عيناك!!.. و ارتعش الضياء بسحر أجمل مقلتينْ
و تلفّتَ الدربُ السعيد، مُخدّراً من سكرتين
و تبرّجَ الأُفُقُ الوضيء لعيد مولد نجمتين
و الطير أسكتها الذهول، و قد صدحتِ بخطوتين
و الوردُ مال على الطريق يودّ تقبيل اليدين
و فراشةٌ تاهت إلى خديكِ.. أحلى وردتين
ثم انثنيت للنور في عينين.. لا.. في كوكبينْ
و نُحَيْلةٌ همْتْ لتمتص الشذى من زهرتين
رحماك!.. ردّيها.. و لا تقضي بموتي مرتين
فأنا.. أنا دوّامةٌ جُنّت ببحرٍ من لُجين
أصبحتُ، مذ نادى بعينيك السبيل.. كما ترين
سُكْرٌ غريب الخمر.. منكِ.. اجتاحني قلباً و عين
ماذا؟.. أحُلماً ما أرى.. أم واقعاً.. أم بين بين
يا طلّة الأسحار قلبي ذاب في غمّازتين
و ثوى هنالك ناسكاً، ما حمّلَ المعبودَ دَين
يا حلوة العينين، إنكار الهوى زورٌ، و مَيْن
فتشجّعي .. و بقبلةٍ صغرى أبيعك قبلتين(65/186)
و تشجّعي .. و الحبّ يخلقُ هيكلاً من هيكلين
إن تعطِني عيناكِ ميعاداً ألمّ الفرقدين
أيكون من حظي لقاءٌ يا ترى ؟ و متى ؟ و أين ؟ ..
شعراء العراق والشام >> سميح القاسم >> يوم الأحد
يوم الأحد
رقم القصيدة : 64432
-----------------------------------
((إلى الجنة الحزينة.. و اللقاء الأول..
و شجرة الكرمل ))
***
***
المواعيد سَهتْ عن موعدي
فتشرّدتُ بتيه الأبَدِ
أنكرتْ سود الليالي أرَقي
و جناح الدفء جافي مرقدي
و القتينا صدفةً قِدّيسةً
جمعتْ قلبين يومَ الأحدِ
فغدى يوم المسيح المفتدى
بدءَ تاريخي، و ذكرى مولدي
***
***
حلوتي، يا جنّةً مخزونةً
أنا من قبلُ، بها لم أنشد
طائري ما كان يبني عُشّه
في جِنانِ الحب لو لم توجدي
فاحضنيني.. أدمعاً حائرةً
أقسم الحرمان ألاّ تهتدي
رُوِيتْ منها قلوبٌ جّمّةٌ
و أنا.. منبعُها الثرّ.. الصدي
عانقيني بهجةً ناسكةً
غير أرباب الهوى لم تعبدِ
و خيالاتٍ تجلّت في دُنىً
لم تطُفْ أشباحها في خَلَدِ
عالمٌ للروح طوّفت به
شطه استعصى على كل يد
أنا أهواكِ.. هوىً نيرانُه
اتخذت أحطابها من جسدي
طهّرتْ روحي، و مسّتْ شفتي
فإذا فيها الذي لم يُعهَدِ
قُبَلٌ تسألني عن شفةٍ
لم تنَلْ.. كالوهم في ظنِّ الغد
و حروف يسجد الوحيُ لها
لسوى عاطفتي لم تسجد
يا ابنة الأحلام في غيبوبتي
جسّدي أحلامَ حبي.. جسّدي
المواعيد التي لم نَحْيَها
أمسِ.. نحياها غداً.. في موعدِ
شعراء العراق والشام >> عمر الفرّا >> حدثتني عيناك
حدثتني عيناك
رقم القصيدة : 64433
-----------------------------------
حدثتني عيناك سبع لغات
يعجز الشعر عن حديث العيون
مثلها الصبح في شروق الصحاري
مثلها السحر في الغمام الهتون
كخيول من مطلع الشمس همت
بوثوب أو باقتحام الحصون
رب سهم بنظرة منك يغزو
جيش فتح الإسكندر المقدوني
فتعالي ومزقي وجه حزني
وأقلقي هدأتي وفكي سجوني
أيقظيني مللت في الصحو نومي
إن قلبي يموت عند السكون
وأطلقيني في عالم ليس فيه(65/187)
من سبيل إلا طريق الجنون
أبعدتني شواطئ عنك كانت
أرهقتني وحطمت لي سفيني
ضيعتني وتاه عني طريقي
شردتني ممزقا في ظنوني
جئت طوعا أسلمتك اليوم أمري
تستحيل الحياة إن لم تصوني
متعب الخطو أستميحك عذرا
لجناحيك لاجئ ظلليني
أنت أمر مقدر لوجودي
كيفما شئت بعد هذا فكوني
شعراء العراق والشام >> عمر الفرّا >> تعالي
تعالي
رقم القصيدة : 64434
-----------------------------------
أحس بقربك أنى اتجهت
وأحمل حبك . . . صبح مساء
وأدرك أني عبد ضعيف
أؤدي التحية . . . والإنحناء
برحلة عشق تجن ائتلافا
حبيبان والليل والاغتراب
برحلة عشق تجن ائتلافا
حبيبان والليل والاغتراب
نحلق حتى كأنا نحس
بأنا نلامس برد السحاب
نحلق حتى كأنا نحس
بأنا نلامس برد السحاب
تعالي تفتح ورود الخزامى
بعطر يرف بكل الشعاب
تعالي تفتح ورود الخزامى
بعطر يرف بكل الشعاب
تعالي تفتح ورود الخزامى
بعطر يرف بكل الشعاب
تعالي نفسر معنى وجودي
وأنت السؤال وأنت الجواب
شعراء العراق والشام >> عمر الفرّا >> عودي
عودي
رقم القصيدة : 64435
-----------------------------------
عودي إلي . .أجن في ملقاك
وأعيش فيك عبادة النساك
في كل ثانية أحمل زفرة
فلعلها . . في صدفة تلقاك
فأنا وقلبي والهوى والقصائد
غرقي نمارس عيشة الأسماك
حق الشفاه علي دين لم يزل
قد ينقضي. . لو أنصفت شفتاك
هذا مصيري فارحمي او فاهجرني
في حالتين جميعنا . . نهواك
حق الشفاه علي دين لم يزل
قد ينقضي. . لو أنصفت شفتاك
لا شاطئا نحو الأمان يجرنا
لا رحمة قد ترتجى . . بشباك
هذا مصيري فارحمي او فاهجرني
في حالتين جميعنا . . نهواك
مازال يذكر ساعدي رعشاتنا
في لهفة الشتاق حين طواك
حق الشفاه علي دين لم يزل
قد ينقضي. . لو أنصفت شفتاك
أسكنت حبك . . في جميع جوارحي
سهل عليك . . تكهرب الأسلاك
شعراء العراق والشام >> محمود درويش >> خطب الديكتاتور الموزونة
خطب الديكتاتور الموزونة
رقم القصيدة : 64436(65/188)
-----------------------------------
خطاب الجلوس :
أمى ومن مذهبى،
سأختار شعبى سياجا لمملكتي ورصيفُا
لكل فتى امرأة
فأحبوا النساء ، ولا تضربوهن إن مسهن الحرام
ومن يستحق المرور أمام حدائق قصري . .
سأختار أصلحكم للبقاء . .
لما فات من دول مزقتها الزوابع !
يا شعب .. شا شعبى " الحر فاحرس هوائي
وسرب الذباب وغيم الغبار.
فتبا لهذا الفساد وتبا لبؤس العباد الثكالى
وتبًا لوحل الشوارع ..
فمن كان منكم بلا علة .. فهو حارس كلبى،
ومن كان منكم طبيبا ..أعينه
سائسا لحصاني الجديد.
ومن كان منكم أديبا .. أعينه حاملا لاتجاه
النشيد و من كان منكم حكيمًا ..أعينه مستشارا
لصك النقود .
ومن كان منكم وسيمًا ..أعينه حاجبا
ومن كان منكم قويًا ..أعينه نائبا للمدائح
ومن كان منكم بلا ذهب أو مواهب
ومن كان منكم بلا ضجرٍ ولآلىء
فلا وقت عندى للقمح والكدح
ولأعترف
أمامك يا أيها الشعب .. يا شعبى
المنتقى بيدى
كرهت جميع الطغاة ..
لأن الطغاة يسوسون شعبا من الجهلة
ومن أجل أن ينهض العدل فوق الذكاء
المعاصر
لابد من برلمان جديد ومن أسئلة
مواطن ؟
ترى هل يليق بمن هو مثلى قيادة لص
وأعمى وجاهل ؟.
وهل تقبلون لسيدكم أن يساوى ما بينكم
أيها النبلاء
وهل يتساوى هنا الفيلسوف مع المتسول ؟
هل يذهبان إلى الاقتراع معا ،.
كى يقود العوام سياسة هذا الوطن ؟
وهل أغلبيتكم أيها الشعب ،هم عدد لا لزوم
إن أردتم نظاما جديدا لمنع المفتن !!
إذن
سأختار أفراد شعبي، سأختاركم واحدا
واحدا .
كى تكونوا جديرين بى.. وأكون جديرًا بكم ..
وأن ترفعوا صورى فوق جدرانكم
وأن تشكروني لأنى رضيت بكم أمة لى..
سمأمنحكم حق أن تتملوا ملامح وجهي في
كل عام جديد ..
سأمنحكم كل حق تريدون حق البكاء على
موت قط شريد
تريدون ..
على أى جنب تريدون .. ناموا ،
لكم حق أن تحلموا برضاى وعطفى .. فلا
سأمنحكم حقكم فى الهواء.. وحقكم فى
الضياء
سأبنى لكم جنة فوق أرضى(65/189)
ولا تسمعوا ما يقول ملوك الطوائف عنى،
وانى أحذركم من عذاب الحسد!
ولا تدخلوا فى السياسة .إلا إذا صدر الأمر
عني . .
لأن السياسة سجني..
هنا الحكم شورى ..هنا الحكم شورى
أنا حاكم منتخب ،
وأنتم جماهير منتخبة
ومن واجب الشعب أن يلحس العتبة
وأن يتحرى الحقيقة ممن دعاه إليه . .
اصطفاه .حماه من الأغلبية .والأغلبية
نهب
ومن واجب الشعب أن يرفع الأمر
للحاكم المنتخب ،
أن أعارض
فالأمر أمرى والعدل عدلي و الحق ملك يدى،
واما إحالته للسراى
وحق الرضا ، لى أنا الحاكم المنتخب !
وحق الهوى والطرب
لكم كلكم .فأنتم جماهير منتخبة !
أنا .الحاكم الحر والعادل .
سننشئ منذ انتخابى دولتنا الفاضلة
ولا سجن بعد انتخابى ولاشعر عن تعب
القافلة
سألغي نظام العقوبات من دولتي
من أراد التأفف خارج شعبى فليتأفف
من شاء أن يتمرد خارج شعبى فليتمرد ..
..فالشعب حر..
ومن ليس منى ومن دولتى فهو حر..
سأختاركو واحدا واحدا مرة كل خمس
سنين .. .
وأنتم تزكوننى مرة كل عشرين
عامًا إذا لزم الأمر
أو مرة للابد
وان لم تريدوا بقائى ، لاسمح الله
إن شئتم أن يزول البلد
أعدت إلى الشعب ماهب أو دب من سابق
الشعب
كى أملك الأكثرية .والأكثرية فوضى..
أترضى أخى الشعب !
ترضى بهذا المصير الحقير أترضى؟.
معاذك !!
فد اخترت شعبى واختارنى الآن شعبى..
فطوبى لكم .. ثم طوبى لنا أجمعين .
فمن سنة لم أجد خبرا واحدًا عن بلادى
أما من خبر؟
نغير تقويمنا السنوى . . وننقش أقوالنا فى
وندفنها فى الصحاري ليطلع منها المطر
على ما أشاء من الكائنات
وأحمل عاصمتى فوق سيارة الجيب ،
وأكتب فى العام عشرين سطرا بلا خطأ
نحوى،
ألغى الخبر .وما من خبر؟. .
وامنع عنكم عصير الشعير
وأختصر الناس .. أسجن ثلثًا ..
وأطرد كثا ..
وأبقى من الثلث حاشية للسمر..
وما بقى من خبر؟!
وأطبع وجهى .. من أجلكم .فوق وجه القمر
لكي تحلموا كما أتمنى لكم .. تصبحون على
وما من خبر؟!
لأن الشعير طعام حميرٍ .. وأنتم أرانب(65/190)
قلبى..
كلوا ما تشاؤون من بصل أخضر أو جزر..
وما من خبر؟
وأدعو إلى وحدة المسلمين على سيف قيصر
بتاريخ فكر البشر
وأغلق كل المسارح .. لا مسرح فى البلد
وما بن تبرأ
ضجر!
ضجر!
ولكن قلبي عليك وقلبك من فلز أو حجر
أضحى لأجلك ، يا شعب ، إني سجينك منذ
الصغر
ومنذ صباي المبكر أخطب فيكم
وأحكمكم واحدا واحدا
وفى كل يوم أعد لكم مؤتمر
دو أن يتخشب ؟ من منكم يستطيع
السهر..
ثلاثين عاما
ليمنع شعبا من المذكريات وحب السفر..؟
وحيد أنا أيها الشعب ..لا أستطيع الذهاب
إلى البحر
والمشي فوق الرصيف
ولا النوم تحت الشجر
ثقيل هو الحكم ..لا تحسدوا حاكما ..
أي صدر تحمل ما يتحمل صدري من
الأوسمة ؟.
ثلاثين عاما على حافة الجمجمة
وأي يد دفعت طما دفعت يدنا من خطر؟.
ضجر !
قليلا ، فمن يعيد إلى ساحة الموت
أمجادها؟.
اخطئوا .. اخطئوا .. واسرقوا وافسقوا ..
لأقطع كفا وأجدع أنفا وأدخل سيفا بنهد
وأجعل هذا الهوا ،إبر
وأنسى همومي في الحكم ، أنسى التشابه
أما من أحد؟ ..
تقاعس عن خدمتي أو بكى أو جحد:
أما من أحد .. شكا أو كفر !
ضجر!
ووحدي أسن القوانين
وحدي أحول مجرى النهر . .
أفكر وحدي أقرر وحدي.. فما من وزارة
تساعدني في إدارة أسراركم
ليسر لي نائب لشئون الكناية والاستعارة
تحلمون ..
ولا نائب لاختيار ثيابى وتصفيف شعرى
ورفع الصور
ولا مستشار لرصد الديون
. فوالله .. والله .. والله لا علم لى
بمالى عليكم ومالى عليكم حلال حلال ..
كلوا ما أعد لكم من ثمر
وناموا كما أتمنى لكم أن تناموا ومودين
بعد صلاة العشاء..
وقوموا من النوم حين ينادى المنادى
بأنى رأيت السحر..
وسيروا إلى يومكم آمنين .. ووفق نظام
كتابي
ولا تسألوا عن خطابي
سأمنحكم عطلة للنظر
ضجر!
ضجر!
سلام علي ، سلام عليكم
**
خطيئتهم عند ربهم
حرام حلال
حلال حرام
وتأميم أفكار شعب يحب الحياة - ورقص أقل
فهل نستطيع المضي أماما ؟ وهذا الأمام
حطام ..
أليس السلام هو الحل ؟.
عاش السلام(65/191)
وبعد التأمل فى وضعنا الداخلى
وبعد الصلاة على خاتم الأنبياء وبعد السلام
على،
وجدت المدافع أكبر من عدد.الجند فى مولتى.
لهذا ، سأطلب من شعبى الحر أن يتكيف
فورا ،
وأن يتصرف خير التصرف مع خطتى.
سأجنح للسلم إن جنحوا للحروب
ومهما أقاموا على أرضنا ..
وتوقف إنتاج مستقبل غامض من جثث ؟
أرضنا عن وسادة ؟.
هل دمكم أيها الناس أرخص من حفنة
الرمل ؟.
عم تفتش في الحرب يا شعبى الحر،
فليتوسع قليلا.. لماذا نخاف .. لماذا نخاف ؟.
فهل تستطيع الجرادة أن تأكل الفيل أو
تشرب النيل ؟.
في الأرض متسع للجميع .. وفى الأرض
متسع للسعادة .
ونحن هنا ثابتون ..
هنا فوق خمسة ألاف عام من المجد والحب .
مهما يمر الظلام
وعاش السلام ..
ورثتك يا شعب .. يا شعبى الحر عن حاكم
ضللك
وحطم فيك البراءة والورد .ما أنبلك !
وجرك للحرب من أجل بدو أباحوا نسائك
مذ دخلوا منزلك .
ولم يدفعوا الأجر .. لاشئ فى السوق ،
لا شيء من حللك
لبدو الصحارى، وحرم لحم الخراف عليك ،
ومن بدلك
وقادك نحو سراب العروبة حتى توحد من
وآن أوان الحقيقة ، فليرجع الوعى للوعى ..
وإما السلام .
إما عودة الوعي ، لا وعي حولي ولا وعي
قبلي ولا وعي بعدي
عرفت التصدي
عرفت التحدي
وجربت أن أستقل عن الشرق والغرب ..
لكنني لم أجد
غير هذا التردي
يكون الحياد شطط
فمن نحن ؟ هل نحن شرق .. ولا رزق فى
الشرق ؟.
في الشرق حزب النظام الحديدى ، فى
الشرق تنمية للنمط
ولاشيء في السوق غير الخطط
وهل نحن غرب ؟ وفى الغرب أعداؤنا
ينشرون اللغط ؟
عن الحاكم العربي وفى الغرب رامبو
فمن نحن ؟ هل نحن حقا غلط
لنقضى.ثلاثين عاما من الحرب والحل في
هل نحن حقا غلط ؟
. . ليهرب منا الطعام
أما كنت تدرك يا شعب
أن الطعام سلام ؟.
ويا أيها الشعب ، آن لنا أن نصحح تاريخنا
كي لا يفروا من السلم .. ماذا يريدون ؟.
يريدون أطراف سيناء؟.. أهلا وسهلا..
الوقت ؟ .. أهلا وسهلا..
يريدون تعديل قرآن عثمان ؟ أهلا وسهلا..(65/192)
يريدون بابل كي يأخذوا رأس "نابو" إلى
السبي؟.
أحمى السلم
والسلم أقوى من الأرض ..اأقوى وأغلى..
فهم بخلاء ..لئام
ونحن كرام ..كرام
وعاش السلام
.. من أجل هذا السلام أعيد الجنود
من الثكنات إلى العاصمة .
وأجعلهم شرطة للدفاع عن الأمن ضد
الرعاع .
وضد الجياع
وفى السجن متسع للجميع
من الشيخ حتى الرضيع
ومن رجل الدين حتى النقابى والخادمة
فليس السلام مع الآخرين هناك
سلاما` مع الرافضين هنا ..
هنا طاعة وانسجام
وأما الذين قضوا فى سبيل الدفاع
عن الذكريات وعن وهمنا ..فلهم أجرهم أو
خطيئتهم عند ريهمو..
وما فات فات
ومن مات مات
سأحرث مقبرة الشهداء الحزينة
وأرفع منها العظام لتدفن فى غير هذا
فرادى فرادى
لئلا يثير الفسادا
ولا حق للموت أن يتمادى
ويقضم نسياننا الحر منا
سأكسر كل المدافع حتى يفرخ فيها الحمام
سأكسر ذاكرة الحرب ..
ناموا كما لم تناموا
غدا تصبحون على الخبز والخير ناموا
غدا تصبحون على جنتى
فاستريحوا وناموا ..
يعيش السلام
يعيش النظام
شالوم .. سلام ..!
**
خطاب الأمير :
إذا كانت الحرب كرأ وفرأ
فإن السلام مكر مفر
أحبوا الأمير ، وخافوا الأمير
ولا تقنطوا من دهاء الأمير
فليست لنا غاية فى المسير
على ما استقرت عليه : أمير على عرشه
وشعب على نعشه ..
أحب الرعية إن أخلصت
وان أرخصت دمها في سبيل الأمير
فعمر الرعية في الحب عمر طويل
أنا صانع الجيش من كل جيش بلا أسلحة
جمعت الجنود كما تجمع المسبحة
ومجتمعا يدمن المذبحة
أنا السيف والورد والمصلحة
وليس على ما أقول شهود
وليس على ما أريد قيود.. ،
الحدود
وليس العدو عدوًا إلى أخر الحرب ..
سياستنا أو كياستنا حين نحرق أطفالهم
بالصواريخ
كي لا يمروا ،
فإن كانت الحرب كرًا وفرًا
فإن السلام مكر مفر
حقوق الأمير على الناس أكبر من واجبي
ألم أجد الناس جوعى .. فأطعمت
وعارية فكسوت
وتائهة فهديت !
وساويت بين المثقف والمرتزق
(وأما بنعمة ما أنعم الحكم - حكمى-(65/193)
ألم أبن خمسين سجنا جديدا لأحمى اللغة
من الحشرات ومن كل فكر قلق أ.
ألم أخلط الطبقات لألغى نظام التقاليد
والمرجعية والزمن المحترق ؟!
فمن يذكر الآن أجداده ؟
ومن يعرف الآن أولاده ؟
ومن يستطيع الحنين إلى زهر ذابلة
ومن يستطيع التذكر دون الرجوع إلى
حارس القافلة ؟
(وأما بنعمة ما أنعم الحكم - حكمى - عليك
فحدث )
ملك ،
دعوا الأرض بورا ، لأن الفلاحة عار
القدامى
قطعت الشجر
وألغيت بؤس الزراعة
لأستورد الثمر الأجنبي بنصف التكاليف
ولا تعملوا في المصانع ، فهى ديون على دولة
تتنامى
رويدا رويدا على فائض الحرب من شهداء
ومن جثث في العراء ، وبترولنا دمكم
والصناعة إنتاج ما أنتجت حربنا من يتامى
نوظفكم في معارك لا تنتهى كى يعيشوا
يتامى
لنحيا الحزينة عاما وعاما
وإلا ...فمن أين أطعمكم .والإمارة قفر
وأن الحروب اقتصاد معافى .. وحر
وان الهزيمة ربح ونصر
وان كانت الحرب كرًا وفرًا
فإن السلام مكر مفر
* * * * * * * *
ماذا يريد الأمير المحارب ؟
أقول : أريد حروبا صغيرة
سأختار شعبا صفيرا حقيرا أحاربه كى
أحارب
وأحمى النظام من الباحثين عن الخبز بين
الزرائب
فحين نخوض الحروب
يحل السلام على الجبهة الداخلية ننسى
الحليب .
فيا قوم قوموا .. فهذا أوان الأمل
وهذا أوان النهوض من المأزق المحتمل
إذا حاصرتنا جيوش الشمال
وإن حاصرتنا جيوش الجنوب
ندمر إخوتنا في الشمال
فلا تقنطوا من دهاء الأمير ولا تقعوا فى
الغلط
فخير الأمور الوسط
ولا تسألوني أفي الأمر سر؟
فإن السلام مكر مفر!.
تقولون ماذا عن السلم ، ماذا يريد الأمير ؟
أقول : أريد من السلم ما لا فضيحة فيه .
أغازله دون أن أشتهيه
وأبنيه سرًا ، وأحرسه بالحروب الصفيرة
كي يتقيني العدو وكي أتقيه ..
ومن طيش هذا الشباب
وأحصي مدافعهم ثم أحصي مدافعنا
وأحصى مصانعنا ثم أحصى مصانعهم
-الفوارق سلم
وأحصى مواقعنا ثم أحصى مواقعهم
- الفوارق سلم .
-
- لأن السلام المقام على الفرق بين العدوين
- ظلم(65/194)
ولابد من نصف حرب
وأحفظ حكمي
أحارب من أستطيع محاربته
بلا رحمة أو حرام
أسالم من لا أريد ولا أستطيع محاربته
بغير معاهدة للسلام
فإن السلام مغامرة كالحروب .. وشر
وان كانت الحرب كرا وفرأ
فإن السلام مكر مفر
ويا قوم .. يا قوم ،من أخر الليل يطلع فجر
سلام عئيكم إلى مطلع الفجر أيها الصابرون
على الليل حولي
عليكم ، لكي يتساوى الجميع بظلمى وعدلى..
أعرف يا أيها الناس ، ما تحمل النفس
والنفس أمارة بالتخلي
عن الصعب ، والمجد صعب كما تعلمون ،
قليل التجلي ،
فلا تقطنوا من دهائى ومن رحمة النصر
- درجات .
فمنه الطويل ومنه القصير .ومنه الذى
يستمر
سأحكمكم لا مفر
إذا كانت الحرب كرًا وفرًا
فإن السلام مكر .. مفر .
**
خطاب القبر ! :
أعدوا لى القبر قصرا يطل على القصر
من وجهة البحر، قصرا يدل الخلود عليَّ .
يدفع أحلامكم صلوات ..إلى
فمن كان يعبر هذا البلد
وحى هو العرش حتى الأبد
بلغت الثمانين ، لكننى ما عرفت السأم
وقد أتزوج في كل يوم فتاة
وأبكي عليكم ، أرثيكم يوم تهوى البيوت
على ساكنيها ، ويسكنها العنكبوت
فمن واجبي أن أعيش
ومن حقكم أن تموتوا
لأنجب جيلا جديدا يواصل أحلامكم
فما من أحد
رأى ما رأيت .. وما من بلد
فمن كان يعبد هذا البلد
فقد مات ، أما الذى كان يعبدنى
دعني وشعبي الولد ،
وبعد الثمانين تأتي ثمانون أخرى
لأرتاح مما خلقت وممن خلقت
فمن يعبدون ؟
وكيف تعيشون بعدى؟
ومن سوف يحرس أبوابكم من جراد المطر
ويحميكم من ذئاب الشجر؟
أبا لخبز وحده ؟ بالخبز وحده
وفى البدء ..كنت .. وكونت هذا الوطن
بعبادة خالقه ،
فاعلموا واعلموا
بأن الذي قد خَلق
وإن كان لابد من موتنا فاسبقوني
خذوا زوجتي معكم وخذوا أسرتي ..
وجهاز القلق ..
ولا تنشئوا أي حزب هناك
ولا تأذنوا لقدامى الضحايا بأن يسكنوا
ولا تسمحوا للتلاميذ أن يسرقوا دمعكم
الحياة
على الأرض أو تحتها
عما رفضت التساؤل فيه
أنا الموت .. والموت لا ريب فيه
فلا تهربوا من مشيئة قصري(65/195)