عسى أن تُنيروا للشبابِ طريقَهمْ
وأنْ تُنْعِشوا روحاً من اليأس قانطه
إذا فَشِلَتْ كلُّ الروابطِ بيننا
فرابطةُ الآدابِ أمتنُ رابطه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> إلى الباجة جي " في نكبته"!..
إلى الباجة جي " في نكبته"!..
رقم القصيدة : 66760
-----------------------------------
ءألا إنما تَبغي العُلى والمكارمُ
من الله أن يَبْقى لهنَّ " مُزاحمُ "
فتى الدولةِ الغراءِ تَعْلَمُ أنَّهُ
عليها إذا نام الخليوّنَ قائم
وذو الحكْمِ مرهوباً على المُلكِ ساهرٌ
وفيما يصونُ الحكْمَ والمُلْكَ حازم
وذو الخُلُقِ الضّافي يَخالُ مرّفهاً
وفي الصدر أمواجُ الأسى تتلاطم
يَبِيتُ على شوكِ القَتادَ وَينْطوي
على مَضَضِ حتى تُرَدَّ المظالم
عليمٌ بآدابِ السياسةِ تَنْجلي
لِفِطْنَتِهَ أسرارُها والطلاسم
ضمينٌ إذا ما الجوُّ غامَ بطاريءٍ
جليلٍ ؛ بأن تَنْزاحَ عنه الغمائم
على وجهِهِ سِيماءُ أصيدَ أشوسٍ
وفيه من النفس الطَّموحِ علائم
جَهيرٌ يرى الأقوامُ عندَ احتدامِهِ
إذا أغضبوهُ كيْفَ تدأى الضَراغم
وفي العنفِ فَهوّ الأبْلَقُ الفرد مَنْعَةً
وفي اللِّينِ فهو المصحبُ المتفاهم
لقد مارس الأيامَ ذو خبرةٍ بها
ذكيٌّ لحالاتِ الزمان ِ مُلائم
وما هو إن خيرٌ تحداهُ طائشٌ
ولا هو إن خيرٌ تعدّاهُ نادم
ومرتقبٌ للشرِ والشرُّ غائبٌ
و مسْتَحْقِرٌ للشرّ والشرُّ قادم
على ثقةٍ أنَّ الحياةَ تَراوُحٌ
نسائمُها جوّالةٌ والسمائم
وماشٍ إلى قلبِ الحقودِ بِحيلةٍ
يُداوي بها حتى تُسَلَّ السّخائم
وقد عَلِمَ الأقوامُ أنَّ مُزاحماً
من الشعبِ مخدومٌ وللشّعبِ خادم
ولما اعتلى دَسْتَ الوزارة وُطّدَتْ
بهمتِهِ آساسُها والدعائم
عفيفُ يدٍ لا يَحْسَبُ الحُكمَ مَغْنّما
ولو شاء لم تَعْسُر عليه المغانم
ترفعَّ عن طرْقِ الدنايا فمالَه
سوى المجدِ والقلبِ الجريءِ سلالم
لقد سرّني أنَّ الزّمانَ الذي سطا
عليكَ بحربٍ عاد وَهْوَ مُسالم(59/248)
وأن ظروفاً ضايَقَتْكَ عوابساً
أتتك تُرَجِّي العفْوَ وَهْيَ بواسم
وقد أيقَنَتْ إذ قاوَمَتْكَ كوارثٌ
بأنَّكَ لا تُسطاعُ حينَ تُقاوم
وَجَدْتُك خشن المسّ تأبى انحلالةً
وتَنْحَلُّ في البلوى الجلودُ النواعم
تلقيت يَقْظانَ الفؤادِ حوادثاً
يُرَوَّعُ منها في التَّخَيُّلِ حالم
وقد كنتَ نادَمْتَ الكثيرَ فلم تَجد
على حينَ عَضَّتْ كُرْبةٌ مَنْ تُنادِم
وقد كانتِ الزلفى إليكَ تَزاحُماً
فأصْبَحَ في الزُّلفْى عليكَ التزاحُمُ
ولم تُلْفِ لما استيقظ الخطبُ واحداً
من َ المانحيكَ الوُدَّ والخَطْبُ نائم
وأنت عَضَدْتَ الملك يَومَ بدا له
يُهدِّدُهُ قَرْنٌ من الشرّ ناجم
تكفَّلْتَهُ مُسْتَعْصِماً بك لائذاً
وليس له إلاكَ واللهُ عاصم
ولم أرَ أقوى منكَ جأشاً وقد عدَتْ
عليكَ العوادي جمةً تتراكم
وأُفرِدتَ مِثْل السيفِ لا مِنْ مُساعِدٍ
سوى ثِقةٍ بالنفس أنَّكَ صارم
ولمّا أبَىَ إلا التَّبلُّجَ ناصعٌ
من الحق لم تقدِرْ عليهِ النمائم
ولم يجدِ الواشون للكيدِ مَطْمَعاً
لديكَ ولم يَخْدِشْ مساعيك واصم
خرجْتَ خروجَ البدر غطَّتْ غمامةٌ
عليه وسرُّ المجدِ أنَّكَ سالم
فللتُرْبِ أفواهٌ رمتْكَ بباطلٍ
ولا سَلِمَتْ أشداقُها والغلاصم
وحُوشيِتَ عن أيّ اجترامٍ وإنّما
تُدَبَّرُ من خَلْفِ الستارِ الجرائم
وصَقْرٍ تحامَتْهُ الصقورُ وراعها
من النظر الغضبانِ موتٌ مُداهم
لقد أحكمت منه الخوافي خؤولةً
ومتت إلى الأعمام منه القوادم
فتى " الحلةِ " الفَيْحاءِ شَدَّتْ عُروقَهُ
بناتُ الفراتِ المنجِباتُ الكرائم
فجئن بأوفى من تُحلُّ له الحُبا
وأمتنَ مَنْ شُدَّتْ عليهِ الحيازم
وطيد الحجى لم تستجدّ له الرُّقَى
صغيراً ولم تَعْلَقْ عليه التمائم
وداهية أعلى العراقَ بمجلسٍ
تصافِحُهُ فيه دُهاةٌ أعاظم
يمثل شعباً يستعدُّ لنهضةٍ
يُرَدُّ عليها مجدُهُ المتقادم
وألطفُ ميزاتِ السياسيِّ أنّه
أديبٌ بأسرارِ البلاغةِ عالم
يؤّيدهُ ذهْنٌ خصيبٌ ومنطقٌ(59/249)
متينٌ كهُدابِ الدِمَقْسِ وناعم
ورنانةٍ في المحْفِلِ الضَّخْمِ فذّةٍ
تَناقَلُها عن أصغريهِ التراجم
بعيدة مرمى مستفيضٍ بيانُها
يجيْ بها عفواً فتَدْوي العواصم
ومحتملٍ للحقِ مستأنسٍ به
يُرَجّيهِ مظلومٌ ويَخشَاهُ ظالم
يَسُدُّ طريقَ الخَصْمِ حتى يردَّهُ
إلى واضحٍ منْ حُكمِهِ وَهْوَ راغم
وقد أرضت المظلوم والظلمُ مُغْضَبٌ
مواقِفُهُ المستعلياتُ الحواسم
وإنَّ بلاداً أنجبتْكَ سعيدةٌ
وشعباً تَسامَى عِزُّهُ بك غانم
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أنغام الخطوب ...
أنغام الخطوب ...
رقم القصيدة : 66761
-----------------------------------
ما أحوجَ الشاعرَ الشاكي لمُغضِبَةٍ
وميزةُ الشاعرِ الحساسِ في الغضبِ
أمّا القوافي فأنغامٌ تُوَقِّعُها
يدُ الخُطُوبِ إذا ما هيَّجَتْ عصبي
أصِخْ لتلحينِ روحي وهي ناقمةٌ
فما يهزُّك لحنُ الروحِ إن تَطِب
شجتْك كربةُ أبياتٍ وجدتَ بها
على كآبتها تفريجةَ الكُرَب
ثقافةُ الشعبِ قل لي أين تَنشُدها
أفي الصحافةِ مزجاةً أم الكُتُب
هذي كما اندفعتْ عشواءُ خابطةٌ
وتلك فيما حوت " حمالةُ الحطب "
أما الشعورُ فإنّي ما ظَفِرْتُ به
في مجلسِ العلمِ أو في مَحْفِلِ الأدب
لا ثورةُ النفسِ في الأشعارِ ألْمَسُها
إلا القليلَ ولا التأثيرُ في الخطب
باكون ما حُرِّكَتْ في النفس عاطفةٌ
وضاحكون ولاشيءٌ من الطرب
مُسَخّرون بما توحي الوحاةُ لهم
كما تُهَزُّ دواليبٌ من الخشب
لو عالج المصلحون " الجوعَ " ما فَسَدَتْ
أوضاعُنا ، هذه الفوضى من السغب
شعبي وما أتوقّى من مصارَحَةٍ
عارٌ على يعربٍ كُلُّ على العرب
ألهاه ماضيه عن تشييدِ حاضره
وعن لبابِ المساعي قِشْرَةُ النَّسَب
عشنا على شرفِ الأجداد نَلصقُهُ
بنا ، كما عاش قُطَاعٌ على السَّلَب
قامت تُرَوّجُ آداباً عَفَتْ عُصَبٌ
ما أبعدَ الأدبَ العالي عن العُصب
هُزَّ القلوبَ بإحساسٍ تَفيضُ به
ثم ادعُ حتى صخوراً صمةً تُجب(59/250)
شانت أديباً وحطَّتْ عالماً فَهماً
مشاحناتٌ على الألقابِ والرُّتَب
قالوا " أِدْ " لركيكٍ غيرِ مُنْسَجِمٍ
لو في يدي قلتُ عدّ القولَ وانسحب
حتى صديقٌ عن التقليدِ أرفَعُهُ
مصاخبٌ إذ سوادُ الناسِ في صَخَب
دومي قوافيّ طولَ الدّهْرِ خالدةً
إن صحَّ أنّكِ أوتادٌ من الذهب
أوْلا فبيني أدالَ اللهُ من أثرٍ
تنالُ منه يدُ الأعصارِ والحِقَب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> قتل العواطف !...
قتل العواطف !...
رقم القصيدة : 66762
-----------------------------------
أغْرَى صِحابي بتقريعي وتأنيبي
طولُ اصطِباري على همٍّ وتَعذيبِ
أيسْتُ من كلِّ مطلوبٍ أُؤمِّلُهُ
وأصبحَ الموتُ من أغلى مطاليبي
إذا اشتهيتُ فزادي غيرُ مُحْتَمَلٍ
وان ظَمِئْتُ فوِرْدي غيرُ مشروب
جارتْ عليَّ الليالي في تقلُّبِها
وأوهَنَتْ جَلَدي من فَرْطِ تقليبي
عَوْداً وَبَدْءاً على شرٍّ تُعاوِدُهُ
كأنَّني كرةٌ لِلّعْبِ تلهو بي
يا مُضغْةً بين جنبيَّ ابتُليِتُ بها
لا كنتِ من هدفٍ للشرِّ منصوب
ومن مثارِ همومٍ لا انتهاءَ له
ومن مَصَبِّ عناءٍ غيرِ منضوب
وقد رددتُ رزايا الدهرِ أجْمَعَها
إلى سِجِلَّيْنِ محفوظٍ ومكتوب
ما بين مُكْتَشَفٍ بالشعرِ مُفْتَضَحٍ
وبين مُخْتَزَنٍ في القلب محجوب
إني على الرّغْمِ مما قد نُكِبْتُ به
فقد يحزّ فؤادي لفظُ منكوب
شكت إلىّ القوافي فرطَ ما انتبذَتْ
مني وكنتُ أراها خيرَ مصحوب
وعاتَبَتْني على الهجرانِ قائلةً
أكنتُ عِنْدَكَ من بعض الألاعيب!
تلهو بها وإذا ما شئتَ تَطْرَحُها
موقوفةً بين تَبعيدٍ وتقريب
كم ساعدتْك على الجُلِّى وكم دَفَعَتْ
هواجساً عن فؤادٍ منكَ " متعوب "
سَجَّلْتُها آهةً حرَّى وكم دَفَعَتْ
طيَّ الرياحِ سُدىً آهاتُ مكروب
فقلتُ حسبي الذي ألهبتكُنّ به
من لاعجٍ في حنايا الصدرِ مشبوب
ومن قوافٍ بذَوْبِ الدَّمْع نشأتُها
ومن قصيدٍ لفرطِ الحُزْنِ منسوب
لو اكتسى الشعرُ لوناً لاقتصرتُ على(59/251)
شعرٍ بِقاني نجيعِ القلبِ مخضوب
وما اشتكائي إلى الأشعارِ من مُضَضٍ
إلا شكيَّةَ محروبٍ لمحروب
إنّ الأديبَ وإنَّ الشعرَ قَدْرُهُما
مطرَّحٌ بين منبوذٍ ومسبوب
لم يبقَ منْ يستثيرُ الشِعْرُ نَخوَتَهُ
ومن يُحرِّكُهُ لُطْفُ التراكيب
أعلى مِنَ الشّعرِ عندَ القومِ منزلةً
نَفْخُ البطونِ وتَطْريزُ الجلابيب
ورُبَّ قافيةٍ غرّاءَ قد ضَمِنَتْ
أرقَّ معنىً تَرَدَّى خَيْرَ أُسْلُوب
من اللواتي تُغَذِّيهنَّ عاطفةٌ
جياشةٌ بين تصعيدٍ وتصويب
هززتُ فيها نياطَ القلبِ فانتثرت
بها شظايا فؤادٍ جدِّ مشعوب
رهنتُها عند فجِّ الطَّبْعِ محتقنٍ
بغيرِ صُمِّ العوالي غيرِ مجذوب
ظننتُني صادقاً فيما ادَّعَيْتُ بها
حتى انبرى لؤمُ جانيها لتكذيبي
أرخَصّتُها وهي علقٌ لا كِفاءَ لَهُ
ورُحْتُ أصْفِقُ فيها كَفَّ مغلوب
تشكو اغتراباً لَدَى من ليسَ يَعْرفُها
كما شكَتْ طبعَ راميها بتغريب
عفواً فلولا اضطرارُ الحالِ يُلجئني
لكنتُ أنفَسَ مذخورٍ ومكسوب
قالوا استفدتَ من الأيامِ تَجرِيةً
والموتُ أرْوَحُ من بعضِ التّجاريب
تُعْفي الشدائدُ أقْواماً بلا أدَبٍ
وتبتلي غيرَ مُحتاجٍ لتأديب
ما كان مِن قبلِها عُودي بذي خَوَرٍ
للعاجمينَ ولا قلبي بمرعوب
ولا ذُعِرْتُ لشرٍّ غيرِ مُنْتَظَرٍ
ولا نزقتُ لخيرٍ غيرِ محسوب
يا خيرَ موهبةٍ تزكو النفوسُ بها
بعداً فانك عندي شرُّ موهوب
يُرضِي الفتى عَيْشُهُ ما دامَ يَغمُرُهُ
بالطيباتِ ويُغْريهِ بتحبيب
حتى اذا رَمَتِ الويلاتُ نِعَمَتَهُ
ونَغَّصّتْها بتقويضٍ وتخريب
سمَّى مُعاكسةَ الأيامِ تَجْربَةً
وراح يَخْدَعُ نَفْساً بالأكاذيب
والعيشُ بالجهلِ أو بالحِلمِ إن خَبُثَتْ
مِنْهُ الحواشي فشيٌْ غيرُ محبوب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ليلة معها ...
ليلة معها ...
رقم القصيدة : 66763
-----------------------------------
لا أكذبَنّكِ إنّني بَشَرٌ
جَمُّ المساوي آثِمٌ أشِرُ
لا الحبُّ ظمآناً يُطامِنُ مِنْ(59/252)
نفسي وليس رفيقيَ النظَر
ولكم بَصُرْتُ بما أضيقُ به
فودِدْتُ أنّي ليس لي بصر
أو أنني حجر وربتَّمَا
قد بات أرْوَحَ منّيَ الحَجَر
لا الشيءُ يُعْجِبُهُ فَيَمْنَعُهُ
فإذا عداه فكلّهُ ضَجر
ولكم ظَفِرتُ بما بصرتُ به
فحَمِدْت مرأى بعدَهُ ظفَر
شفتاي مُطْبْقَتَانِ سيدتي
والخُبْرُ في العينينِ والخَبَر
فاستشهِدِي النظراتِ جاحِمَةً
حمراءَ لا تُبْقي ولا تَذر
ولرغبة في النفس حائرة
مكبوتة يتطايرُ الشرر
إنا كلينا عارفان بما
حَوَتِ الثّيابُ وضَمَّتِ الأزُر
وبنا سواءً لا حياءَ بنا
الجذوةُ الخرساءُ تستعر
فعلى مَ تَجتهدين مُرْغَمَةً
أن تَسْتري ما ليس يَنْسَتِر
كذب المنافقُ . لا اصطبارَ على
قدٍّ كَقَدِّكِ حينَ يُهتَصَر
ومُغَفَّلٌ من راح يُقنِعُه
منك الحديثُ الحلوُ والسمر
يُوهي الحجى ويُذيبُ كلَّ تُقىً
من مُدّعيهِ شبابُك النَّضِر
ويَرُدُّ حلمَ الحالمين على
أعقابِهِ التفتيرُ والخَفَر
النَّفْسُ شامخةٌ إذا سعُدَتْ
بك ساعةً والكونُ مُحْتَقَر
وفداء " محتضن " سمحتِ به
ما تفجع الاحداثُ والغير
حلم أخو اللذاتِ مفتقد
امثالُهُ وإليه مفتقِر
وسويعة لا أستطيعُ لها
وصفاً فلا أمْنٌ ولا حَذَر
يدها بناصيتي ومحْزَمُها
بيدي . فمنتَصِرٌ ومندَحِر
فلئن غَلَبْتٌ فَخَيْرُ متَّسَدٍ
للشاعرِ الأعكانُ والسُرَر
ولئن غُلِبْتُ فغالبي مَلَك
زاهٍ . بهِ صافحٌ عني ومغتفر
أمسكتُ " نهديها " وأحسَبُني
أشْفَقْتُ أن تتدحرجَ الأُكَر
عندي من استمتاعةٍ صُوَرٌ
ومِنَ التَّغنُّجِ عندَها صُوَر
قالت وقد باتَتْ تطاوعُني
فيما أُكَلِّفُها وتأتَمِر
أمعانياً حاولتَ تَنْظِمُها
تختارُ ما تَهْوى وتَبْتَكِر
إني وردتُ " الحوضَ "ممتلئاً
" شَهْداً " يفوحُ أريجُهُ العَطِر
ولقد صدرتُ وليس بي ظَمَأٌ
للهِ ذاكَ الوِردُ والصَّدَر
وإذا صدقتْ فانه بدَنٌ
لأطايب اللذاتِ مُخْتَبَر
يا زهرةً في ريعها قُطِفَتْ
كأرقِّ ما يتفَتَّقُ الزَّهَر
نِعْمَ القضاءُ قضى بمرتشَفٍ(59/253)
لي من " لماك " وحبّذا القَدَر
ما إنْ أخَصِّصُ منكِ جارحةً
كلَّ الجوارحِ منكِ لي وطر
يُزرْي بفلسفةٍ مطّولةٍ
والعلمُ شيءٌ فيك " مُخْتَصَر"
" ومعبد " لم يبل منهجه
بالسالكيه . ولم يَلُحْ أثَر
إني لآسَفُ أنْ يجورَ على
خدّيكِ خدٌّ كلُّهُ شَعَر
وعلى إهابٍ منكِ ممتلئٍ
مَرحَا إهابٌ مِلؤُهُ كَدَر
هذا الحريرُ الغَضُّ مَلْمِسُهُ
حَيْفٌ يُخَدِّشُ جَنْبهُ الوبر
عيني فِدى قَدَمَيَكِ سيّدتي
عيناكِ قد أضناهُما السَّهَر
لا أكتفي بالروحِ أُزْهِقُها
عُذرا اليكِ فكيف أعتذر
قلبٌ تجمَّعَتِ الهُمُومُ به
نَفَّسْتُ عنه فهو مزدهِر
ضنكُ المنافذِ لا مكانَ به
لمَسَرَةٍ واليومَ ينتشر
لَوْ لَمْ تُحلِّيه على سعةٍ
من رُحْبِ صدركِ كانِ يَنْفَجِر
سَحَرٌ زماني كلُّهُ لِهَوَى
ليلٍ بقربِك كلُّه سَحَر
وأرى لياليَّ الطِوالَ بها
شَبَهٌ ففي ساعاتِها قِصَر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عقابيل داء ...
عقابيل داء ...
رقم القصيدة : 66764
-----------------------------------
عقابيلُ داءٍ ما لهُنَّ مطبَّبُّ
ووضعٌ تغشَّاهُ الخَنا والتذَبذُبُ
ومملكةٌ رهنُ المشيئاتِ أمرُها
وأنظمةٌ يُلهى بهنَّ ويُلْعَب
وناهيكِ مِن وضعٍ يعيشُ بظّله
كما يتَمنَّى مَن يخونُ ويكذِب
وقرَّ على الضيمِ الشبابُ فلم يَثُرْ
وأخلدَ لا يُسدي النصيحةَ أشيب
كأنْ لم يكنْ في الرافدينِ مُغامرٌ
وحتى كأنْ لم يبقَ فيه مجرِّب
أعُقماً وأُمَّاتُ البلادِ ولودةٌ
وإنَّكِ يا أُمَّ الفراتينِ أنجب
وما أنكَّ يُزهى منكِ في الصِّيدِ أصيدٌّ
ويَلْمَعُ في الغُلْبِ الميامينِ أغلب
إذا قيلَ مِن أرضِ العراق تطَّلعَتْ
عيونٌ له وانهالَ أهلٌ ومرحب
يُحكِّمُ في الجُلَّى أغرُّ مُشَّهَرٌ
ويحْتاجُ في البلوى عذيقٌ مرَجَّب
فما لكِ لا بينَ السواعدِ ساعدٌ
يُحَسُّ ولا بينَ المناكبِ مَنكِب
تنادتْ بويلٍ في دياركِ بومة
وأعلنَ نَحْساً في سماكِ مُذَنَّب(59/254)
وأُلْبِسْتِ من جَورٍ وهضمٍ ملابساً
أخو العزِّ عنها وهو عريانُ يرغب
تكاثرت الأقوالُ حَقاً وباطلاً
وقالَ مقالَ الصدقِ جلْفٌ مُكذَّب
وشُكِّكَ فيما تدَّعيه تظنِّياً
ولو أنَّه شحمُ الفؤادِ المذَوَّب
وباتَ سواءً من يثورُ فيغتلي
حماساً ومن يلهو مُزاحاً فيلعب
فما لكَ من أمرينِ بُدٌّ وإنما
أخفهما الشرُّ الذي تتجنب
سكوتٍ على جمرِ الغضا من فضائحٍ
تُمَثَّلُ أو قولٍ عليه تُعذَّب
تحفَّتْ أُباةٌ حين لم يُلْفَ مركبٌ
نزيهٌ إلى قصدٍ من العيشِ يُركب
فلا العلمُ مرجوٌّ ولا الفَهمُ نافعٌ
ولا ضامنٌ عيشَ الأديبِ التأدُّب
ومُدَّخَرٌ سوطُ العذابِ لناهضٍ
ومُدَّخَرٌ للخاملِ الغِرّ مَنْصِب
أقولُ لمرعوبٍ أضلَّ صوابَه
تَردّي دساتيرٍ تُضِلُّ وتُرْعِب
تداولَ هذا الحُكْمَ ناسٌ لوَ انَّهم
أرادُوهُ طيفاً في منامٍ لخُيّبوا
ودعْ عنكَ تفصيلاً لشَتَّى وسائلٍ
بها مُلِّكُوا هذي الرقابَ وقرِّبوا
فأيسَرُها أنْ قد أُطِيلَ امتهانُهم
إلى أنْ أدَرُّوا ضَرعَها وتحَلَّبوا
وأعجبُ ما قد خلَّفتْهُ حوادثٌ
قليلٌ على أمثالهنَّ التَّعّجب
سكونٌ تَغشَّى ثائرينَ عليهمُ
يُعَوَّلُ أنْ خطبٌ تجرَّمَ أخْطب
عتابٌ يحُزُّ النفسَ وقعاً وإنه
لأنزهُ من صوبِ الغوادي وأطيب
عليكُمْ لأنَّ القصدَ بالقولِ أنتمُ
وليسَ على كلّ المسيئينَ يُعتب
هَبوا أنَّ أقواماً أماتَ نفوسَهُم
وألهاهُمُ غُنْمٌ شهيٌّ ومكسَب
قصورٌ وأريافٌ يَلَذُّونَ ظِلَّها
وجاهٌ وأموالٌ ومَوطيً ومَركب
يخافونَ أنْ يَشْقوا بها فيؤاخَذو
إذا كشفوا عمَّا يَروَن وأعربوا
فما بالُ محروبينَ لم يحلُ مَطعمٌ
لهُم ، فيُلهيهمْ ، ولم يصفُ مَشْرَب
خَلِيَّينَ لا قُربى فيُ خْشَى انتقاصُها
لديهمْ ، ولا مالٌ يُبَزُّ فيُسْلَب
سلاحُ البلادِ المرهفُ الحدِّ ماله
نَبا منهُ في يومِ التَّصادُم مضرب؟
على أنَّني إذ أُسْعُ الأمرَ خِبْرَةً
يلوحُ ليَ العذرُ الصحيح فأصْحِب
همُ القومُ نِعم القومُ لكنْ عراهمُ(59/255)
ذهولٌ به تُصْبي الغَيارى وتُخلَب
تَغوَّلَ منهم حزمَهُم إلْبُ دهرِهم
عليهم وقد يُوهي القويَّ التألّب
وكلّ شُجاعٍ عاونَ الدهرَ ضَّده
مرّجيهمُ فهو المضامُ المغلَّب
قليلونَ في حين ِ الرزايا كثيرةٌ
وطيدونَ في حينِ الأساليبُ قُلَّب
جريئونَ لكنْ للجراءةِ موضعٌ
وعاقبةٌ ، إنّ العواقبَ تُحْسَب
يُلاقون أرزاءاً يَشُقّ احتمالُها
وليس بميسورٍ عليها التَّغلّب
فهاهم كمَنْ سُدَّ الطريقُ أمامَه
وضلَّله داجٍ من الليلِ غَيْهَب
على أنَّهم لا يهتدُونَ بكوكبٍ
وقد يُرشِدُ الحَيرانَ في اللِّيل كوكب
إلى الأممِ اللاَّتي استَتَمَّتْ وُثُوبَها
تَشَكَّى اهتِضاماً أُمَّةٌ تَتوَّثب
إذا خلصَتْ مِن عَثْرةٍ طوَّحتْ بها
عَواثرُ مَن يُؤخذْ بها فهو مُحْرَب
وإنْ فاتَها وحشٌ صَليبٌ فؤادُه
تَعَرَّضَ وحشٌ منه أقسى وأصلَب
يُعينُ سِياسياً عليها تفرُّقٌ
وَينصُرُ رَجعيّاً عليها تَعصّب
أُريدَ لها وجهٌ يُزيلُ قُطوَبها
فزيدَ بها وجهٌ أغمُّ مُقطَِّب
وَرِّبتما لاحتْ على السنِّ ضِحكةٌ
له تَنفُثُ السمَّ الزعافَ وتَلصِب
يُرى أبداً رَّيانَ بالحِقْدِ صَدرهُ
كما شالَ لَّلْدغِ الذنابَينِ عَقرب
وتلكَ من المُستَحْدثِ الحُكمِ عادةٌ
يَرى فُرصةً منه اقتِداراً فيضرِب
وما جِثتُ أهجوهُ فلمْ يبقَ مَوضعٌ
نَزيهٌ له بالهجو يُؤتى فيُثْلَب
ولكنه وصفٌ صَحيحٌ مُطابقٌ
يجىءُ به رائي عَيانٍ مُجِرّب
تُشَرَّدُ سُكَّانٌ لسُكنى طوارئ
وتُؤَخذُ أرضٌ من ذويها فتوَهب
وواللهِ لولا أنّ شَعباً مُغَلَّباً
يُلَزُّ بَقرنيهِ كمِعزى ويحلَب
لما عَبِثَتْ فيه أكُفٌّ جَذيمةٌ
ولمْ يَعُلهُ هذا الهجينُ المهلَّب
ولكن رَضوا من حُبّهمْ لبلادِهمْ
بأنَّهمُ يَبكُونها حينَ تُنكَب
فيا لكَ مِن وضعٍ تعاضلَ داؤهُ
تُشاطُ له نَفْسُ الأبيِّ وتُلهب
وللهِ تَبريحُ الغَيارى بحالةٍ
كما يَشتهيها أشعبيُّ تُقَلَّب
يُنَفَّذُ ما تَبغي وتَنهى " عقائلٌ "
وتَعزِلُ فينا " غانياتٌ " وتَنصِب(59/256)
كأندلُسِ لَمَّا تَدَهْوَرَ مُلْكُها
مُكَنّى جُزافاً عِندنَا ومُلَقَّب
ورُبَّ وسامٍ فوقَ صدرٍ لو انَّهُ
يُجازَى بحّقٍ كانَ بالنعلِ يُضرَب
نشا ربُّهُ بينَ المخازي وراقهُ
وِسامٌ عليها فهو بالخزيِ مُعْجَب
أفي كلِّ يومٍ في العراقِ مؤمَّرٌ
غريبٌ به لا الأمُّ منه ولا الأب
ولم يُرَ ذا بَطْشٍ شَديدٍ وغِلظَةٍ
على بَلَدٍ إلا البعيدُ المُجنَّب
أكُلُّ بَغيضٍ يُثقِل الأرضَ ظِلُّهُ
وتأباهُ يُجبى للعراقِ ويجْلَب
وحُجَّتُهم أن كانَ فيما مضى لنا
أبٌ ، اسمهُ عندَ التواريخِ يَعْرُب
عِديدُ الحَصى أنباؤهُ ولِكلِّهمْ
مَجالٌ ومَلهىَ في العراقين طَيّب
وقد أصبحوا أولى بنا من نُفُوسِنا
لأنَّهمُ أرحامُنا حينَ نُنْسَب
فأمَّا بَنُوه الأقربونَ فما لهمْ
نصيبٌ به إلَّا مُشاشٌ وطَحْلب
فيا أيُّها التاريخُ فارفُضْ مَهازِلاً
سَتْرفُضها أقلامُنا حين تُكتَب
وقُلْ إنَّني أُودعتُ شتَّى غَرائبٍ
ولا مثلَ هذي فهي منهُنَّ أغرَب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الذكرى أو دمعة تثيرها الكمنجة ..
الذكرى أو دمعة تثيرها الكمنجة ..
رقم القصيدة : 66765
-----------------------------------
ءيا مستثياً دمعةً صَمدتْ
لطوارئِ الدّنيا فلم تَثُرِ
إنَّ التي صَعُبَتْ رياضتُها
أنزلتَها قسراً على قَدَر
وأسَلْتَها وهي التي عَجَزَتْ
عن أن تُسيلَ فوادحَ الغِيَر
ردتْ نداءَ كوارثٍ عَظُمَتْ
ودعا فلبَّتْ مَنطِقَ الوَتَر
هل عند أنْمُلَةٍ تُحَرِّكُها
باللطفِ إنَّ الدمعَ بالأثر
وهل الدموعُ ودفعُها وطرٌ
للناسِ تَدْري أنَّها وطري
ما انفكّتِ البلوى تُضايِقُني
حتى شَرَيْتُ النفعَ بالضرر
وَوَجَدْتُني بالدمعِ مبتهجاً
مثلَ ابتهاجِ الزرع بالمطر
غطّى العيونَ فلم تَجِدْ نَظَراً
دمعٌ أعزُّ عليّ من نَظَري
يا دمعةً غراءَ غاليةً
يَفْديكِ ما عندي من الغُرَر
من قابلاتٍ حكمَ مُنْتَقِدِ
وشجارِ مفتَخرٍ ومحتَقَر
لغة العواطفِ جلَّ مَنْطِقُها(59/257)
عن أن يُقاسَ بمنطقِ البشر
فتّشتُ عنكِ فلم أجِدْ أثراً
حتى ظننتُ العينَ من حجر
ومَرَيْتُ جَفْني مَريَ ذي ثِقَةٍ
ورجعتُ عنك رجوعَ مُنْدَحِر
وغدوتُ أحْسُدُ كلَّ مكتئبٍ
ذي محجَرٍ بالدمع مُنْفَجِر
كم أزمةٍ لو كنتِ حاضرةً
فَرَّجْتِها بمسيلِك العَطِر
لو كنتِ عندي ما ثَقلتُ على
كأس الشراب ومجلس السَّمر
لغسلتُ جَفْناً راح من ظمأٍ
مُتَلَهباً مُتَطايِرَ الشَّرر
أنا بانتظارِكِ كلَّ آونةٍ
علماً بأن الحزنَ مُنْتَظِري
طال احتباسُكِ يسن مُخْتَنَقي
ومحاجري والآن َ فانحدري
كنتِ الأمينةَ في مخابِئها
وأراكِ بعدَ اليومِ في خطر
واذا امتنعتِ عليّ فاقتنعي
أنَّ " الكمنجةَ " خيرُ مُعْتَصَر
سيلي فلا تُبقي على غُصَصٍ
رانتْ على قلبي ولا تذَري
واستصحبِي جَزَعا يلائِمُني
وخذي اصطباري إخْذَ مُقْتَدر
فلقد أضرَّ بَسحنتي جَلَدي
فملامحي تُربي على عمري
كم في انكسار القلب من حِكَمٍ
لا عاش قَلْبٌ غَيرُ مُنْكَسِر
هذي الطبائعُ لا يُطَهِّرُها
مثلُ اصطلاءِ الهمِّ والكدر
وَلَرُبَّ نفسٍ بان رَوْنَقُها
جراءَ حُزْنٍ غير مُنْتَظَر
مُسَّ الكمنجةَ يَنْبَعِثْ نَفَسٌ
يمتدُّ في أنفاسِ مُحْتَضَر
في طوعِ كفكَ بَعْثُ عاطفتي
وخَلاصُها من رِبقةِ الضّجر
وأزاحني عن عالَمٍ قَذِرٍ
نَحْسٌ لآخرَ زاهرٍ نَضِر
بالسمعِ يَفْدي المرءُ ناظِرَهُ
وأنا فديتُ السَّمْعَ بالبصر
يا قلبُ - والنسيانُ مَضْيَعَةٌ -
هذا أوانُ الذِّكْر فادَّكِر
هذي تواقيعٌ مُحَلِّقَةٌ
بك في سماءِ تَخَيُّلٍ فَطِر
واستعرضِ الأيامَ حافةً
مكتظَّةً بِتَبايُنِ الصُّوَر
أذْكُر مسامَرَةً ومجْتَمَعاً
مزدانتين بقُبلَةِ الحَذر
مطبوعتين بقلبِ مثريةٍ
بالمغريات وقلبِ مُفْتَقِر
متفاهمين فما نبا وجل
لوقوعِ ذنبٍ غير مغتَفَر
أذْكُرْ تَوَسُّدَها ثنيَّتَها
وسنانةً محلولةَ الشعر
معسولةَ الأحلامِ ذاهبةً
بِخَيالِها لمدارجِ الصِّغَر
أذْكر يداً مرّتْ على بَدَنٍ
هي منهُ حتى الآن في ذُعُر(59/258)
ولُيَيْلَةً بيضاءَ خالدةً
منها عرفت لذائذَ السفر
ثم اعطفِ الذكْرَى إلى جهةٍ
أُخرى تُرعْ بعوالِمٍ أُخَر
تُذْهلْ لمغتصَبٍ على مَضض
أمسى يقلَّبُ في يَدَيْ أشِر
بَدَنٌ بلا قلبٍ لدى أثِرٍ
عاتٍ على الشَّهَواتِ مُقْتَصِر
ثمرٌ بلا ظلٍ لديك كما
في أسرِهِ ظلٌّ بلا ثمر
كم مثلِ قلبِك ذاهبٌ هدَراً
لتحكُّماتِ الدين في البشر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ثورة النفس!...
ثورة النفس!...
رقم القصيدة : 66766
-----------------------------------
سكُت وصدري فيه تغلي مراجلُ
وبعض سكوتِ المرءِ للمرءِ قاتلُ
وبعضُ سكوتِ المرءِ عارٌّ وهُجْنَةٌ
يحاسَبُ من جّراهُما ويُجادَل
ولا عجبٌ أنْ يُخْرِسَ الوضعُ ناطقاً
بلى عجبٌ أنْ يُلْهَمَ القولَ قائل
جزى الله والشعرُ المجوَّدُ نَسْجُهُ
بأنكد ما تُجْزَى لئامٌ أراذل
مخامِرُ غدرٍ طوَّحَتْ بي وعودُهُ
فغُِررتُ والتفَّتْ علىَّ الحبائل
وكنتُ امرَءاً لي عاجلٌ فيه بُلْغَةٌ
سدادٌ ومرجُوٌّ من الخير آجل
رخياً أمينَ السربِ محسودَ نِعمةٍ
تَرِفُّ على جنَبيَّ منها مباذل
فغُودرتُ منها في عَراءٍ تَلُفُّني
مَفاوِزُ لا أعتادُها ومجاهل
طُموحٌ إلى الحتفِ المدبَّر قادني
وقد يُزهِقُ النفسَ الطُموحُ المُعاجل
كَرِهْتُ مداجاةً فرُحْتُ مشاغبا
ولم يُجدِني شَغْب فرُحْتُ أُجامل
وأغْرقْتُ في إطراءِ من لا أهابُه
وساجلت بالتقريع من لا يساجَل
وأصْحَرْتُ عن قلبي فكان تكالُبٌ
عليّ لإصحاري وكان تواكُل
نزولاً على حكمٍ وحفظاً لغاية
يكون وسيطاً بينهن التعاُدل
وما خِلْتُني عبْءا عليهم وأنهم
يريدون أن يُجتَثَّ متنٌ وكاهل
ولما بدا لي أنه سدُّ مَخْرَجٍ
وقد أُرتِجَ البابُ الذي أنا داخل
وأخلَتْ صدورٌ عن قلوبٍ خبيثةٍ
ولاحت من الغدرِ الصريحِ مخايل
رجعت لعُش ٍّ مُوحشٍ أقبلتْ به
علي الهمومُ الموحشاتُ القواتل
وكنتُ كعُصفورٍ وديعٍ تحاملت
عليه ممن الستِ الجهاتِ أجادِل(59/259)
ورَوَّضْتُ بالتوطينِ نفساً غريبةً
تراني وما تبغيه لا نتشاكل
وقلتُ لها صبراً وان كان وطؤهُ
ثقيلا ولكن ليس في الحزن طائل
وكَظْمُ الفتى غيظاً على ما يسوؤه
من الأمر دربٌ عبَّدته الأماثل
ولِلعْقلِ من معنى العقالِ اشتقاقُه
إذا اقتِيدَ إنسان به فهو عاقل
وكنتُ ودعوايَ احتمالا كفاقدٍ
حُساماً وقد رَفَّت عليه الحمائل
حبستُ لساني بين شِدْقَيَّ مُرغماً
على أنه ماضي الشَّبا إذ يناضل
وعهدي به لا يُرسلُ القولَ واهناً
ولا في بيانٍ عن مرادٍ يعاضل
وبيني وبينَ الشعرِ عهدٌ نكثتُه
ورثَّتْ حبالٌ أُحكِمَتْ ووسائل
وجهّلتُ نفسي لا خمولا وإنما
تيقنت - ان السيّدَ المتجاهل
وما خلت أني في العراق جميعِه
سأفقِدُ حراً عن مغيبي يسائل
سَتَرْتُ على كَرْهٍ وضِعْنٍ مَقاتلي
إلى أن بدتْ للشامتينّ المقاتل
أهذا مصيري بعد عشرين حِجَّةً
تحلت بأشعاري فهن أواهل ؟
أهذا مصيرُ الشعرِ ريّانَ تنتمي
إليه القوافي المغدقاتُ الحوافل!؟
سلاسلُ صِيغتْ من معانٍ مُبَغَّضٍ
لها الذهبُ الأبريزُ وهو سلاسل
ومن عجبٍ أنّ القوافي سوائلا
اذا شُحِذَتْ للحَصْدِ فِهي مَناجل
وهنَّ كماءِ المُزْنِ لطفاً ورقةً
وهنَّ إذا جدَّ النضالُ مَعاول
فأمّا وقد بانت نفوسٌ وكُشِّفَتْ
ستائرُ قومٍ واستُشِفَّت دخائل
ولم يبق إلا أن يقالَ مساومٌ
أخو غرضٍ أو ميّتُ النفسِ خامل
فلا عذرَ للأشعار حتى يردَّها
إلى الحق مرضيُّ الحكومةِ فاصل
لأمِّ القوافي الويلُ إن لم يَقُمْ لها
ضجيجٌ ولم ترتجَّ منها المحافل
سأقذِفُ حُرَّ القولِ غيرَ مُخاتِل
ولا بدّ أن يبدو فيُخْزَى المُخاتل
لئن كان بالتهديم تُبْنى رغائبٌ
وبلخبط والتكديرِ تصفو مناهل
وإن كان بالزلفى يؤمَّلُ آيسٌ
وبالخُطَّةِ المُثلى يُخيَيَّبُ آمل
فَلَلْجهلُ مرهوبُ الغرارين صائبٌ
ولَلْحِلْمُ رأيٌ بَيّنُ النقصِ فائل
ولَلْغَرَضُ الموصومُ أعلى محلةً
من المرءِ منبوذاً علته الأسافل
أرى القومَ من يُقرَّبْ إليهِمُ(59/260)
ومن يَجْتَنِبْ يَكْثُرْ عليه التحامل
على غيرِ ما سنَّ الكرامُ وما التقت
عليه شعوبٌ جمةٌ وقبائل
فلا ينخدعْ قومٌ بفرط احتجازةٍ
تَخَيَّلَ أني قُعْدُدٌ متكاسل
فإني لذاكَ النجمُ لم يخبُ نَوُؤه
ولا كَذَبَتْ سيماؤُه والشمائل
وما فَلَّتِ الايامُ مني صرامة
ولا زحزحت علمي بانيَ باسل
ولكنني مما جناه تسرُّعٌ
توهمت أنَّ الأسْبَقَ المتثاقل
وإنّي بَعْدَ اليومِ بالطيش آخذُّ
وإني على حكمٍ الجهالةِ نازل
وإني لوثابٌ إلى كل فرصةٍ
تعِنُّ وعدّاءٌ إليها فواصل
بخيرٍ وشرٍ ان ما ادرك الفتى
به سُؤْلَه فهو الخدينُ المماثل
وأعلَمُ علماً يقطعُ الظنَّ أنَّه
لكلِ امرئٍ في كلِّ شيءٍ عواذل
فانْ لم يقولوا إنَّه مُتعنِّتٌ
عَنُودٌ يقولوا مُصْحِبٌ متساهل
تخالُفَ أذواقٍ وبغياً وإثْرَةً
ومن آدمٍ في العيش كان التّقاتُل
فما اسطعتَ فاجعلْ دأبَ نفسِكَ خَيرَها
ولا تُدخِلَنَّ الناسَ فيما تحاول
فما الحرّ إلا من يُشاورُ عَقْلَهُ
وأمُّ الذي يستنصِحُ الغيرَ ثاكل
نَصيحُكَ إما خائفٌ أو مغَرَّرٌ
كلا الرجلينِ في الملماتِ خاذل
وبينهما رأيٌ هو الفصلُ فيهما
ومعنىً هو الحقُ الذي لا يجادَل
على أنها العقبى - فباطلُ ناجحٍ
يَحِقُّ . وحق العاثرِ الجَدِّ باطل
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> لعبة التجارب...
لعبة التجارب...
رقم القصيدة : 66767
-----------------------------------
هو الحُكم - إن حقَّقتَ - لُعبةُ لاعبِ
يُسَمُّونَ ترقيعاتهِ بالتجارِبِ
فتجرِبةٌ للحكمِ خَلقُ موظفٍ
وتجرِبةٌ للشعبِ تخريجُ نائب
وإنَّ بلاداً بالتجارِب هُدّمت
وضُيّعَ أهلوها لإحدى العجائب
وأعجبُ منه أن يُمنِّي رجالُها
نفوسَهمُ خيراً بعقبى المصائب
تُعطَّلُ أربابُ المواهبِ ريثما
يُتمَّمُ تخريجُ الضِّعاف المواهب
ولو جَرَّبوا أهل المناصب وحدَهم
لهانَ ، ولكنْ جُربّوا في المناصب
من الظلم أن تأتي قصيدةُ شاعر
لتُصلِحَ حالاً أو مقالةُ كاتب(59/261)
فما دامَ حُكمٌ للتجاريب راهن
فليس لنا غيرُ انتظارِ العواقب
ولكنَّ دأبَ الشاعِرينَ تحرُّشٌ
ومن عادةٍ الكُتابِ خلقُ المتاعبّّ
دعوا القومَ أحراراً يؤدُّونَ واجباً
ولا تحسَبِوا سهلاً قياماً بواجبّ
ولا تحسبوا سهلاً بناءَ دوائرٍ
وتوقيع أوراقٍ وتوزيعَ راتب!
غزا الجهلُ أرض الرافدْينِ فحلَّها
كثيرَ السَّرايا مُستجاشَ الكتائب
طليعةُ جيشٍ للمصائبِ هدَّدتْ
كرامتَهُ والجْهلُ رأسُ المصائب
وما خيرُ شعب لستَ تعثرُ بينه
على قارئٍ من كلِّ ألفٍ وكاتب
تمشَّى يجرُّ الفَقْر ردفاً وراءهُ
وأتعِسْ بمصحوبٍ وأتعِسْ بصاحب
وراحا على الجُمهور ضيفينِ ألفْيَا
مُناخاً جميلاً بين هذي الخرائب
فكان لِزاماً أنْ تحوزَ عصابةٌ
تفيتْ بظلِّ الجاه أعلى المراتب
وكان لزاماً أن تتمَّ سيادةٌ
عليه لأبناءِ " الذوات " الأطايب
وكان لزاماً أن تُقادَ جموعُه
حفاةً عراةً مهطعينَ " لراكب "
وكان لزاماً أن تحاكَ دسائسٌ
له تحت أستار الخِداع الكواذب
وكان لزاماً أن تعطَّل صنعةٌ
وأن يُصبحَ التوظيفُ أغلى المكاسب
مشى الشعب منهوكَ القُوى واهنَ الخُطى
كواهلُه قد أُثقِلتْ بالضرائب
وقد حِيلَ ما بين الحياةِ وبينهُ
فللموت منه بين عَينٍ وحاجب
وكُمَّت به الأفواه عن كشف سوءَةٍ
كأنْ لم يكن من ثَمَّ عتبٌ لعاتب
وأوجعُ ما يُصمي الغيورَ مقْاصرٌ
أطلَّتْ على مجحورةٍ في الزرائب
يَبينُ على الحيطان شرخُ نعيمها
وتغمُرها اللذاتُ من كلِّ جانب
وتحيي ليالي الرّقْص فيها خليعةٌ
تكشَّف عن سوق الحسان الكواعب
ويجبى إليها خمرُها من مشارقٍ
يجادُ بها تقطيرُها وَمغارب
وتلك من الإدقاع تتَّسد الثرى
يلاعبُ جنبيها دبيبُ العقارب
وقد ذيدَ عنها الزادُ رَفهاً لآكلٍ
وحُرّم فيها الماء صفواً لشارب
وإنيَّ في إرضائيَ الشِعرَ حائرٌ
وإني لمأخوذٌ بهذا التضارب
فقد يُعجِز التفكيرَ ذكرُ محاسنٍ
وقد يُخجل القرطاسَ ذِكرُ المثالب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> وادي العرائش...(59/262)
وادي العرائش...
رقم القصيدة : 66768
-----------------------------------
يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ
مُستوحِشاتٌ به أيَّاميَ السُودُ
نزلتُ ساحتَكِ الغنَّاءَ فانبعثَتْ
بالذكرياتِ الشَّجيَّاتِ الأناشيد
واجتَزتُ رغمَ الليالي بابَ ساحرةٍ
مرَّ الشبابُ عليه وهو مسدود
قامَتْ قِيامتُه بالحُسْنِ وانتشرتْ
فيه الأهازيجُ والأضواءُ والغيد
ما وحدَهُ غرَّدَ الشادي لِيرْقِصَهُ
الماءُ والشجرُ المهتزُّ غِرِّيد
واد هو الجَّنةُ المحسودُ داخلُها
أو أنَّه من جِنان الخُلدِ محسود
ثقي " زحيْلةُ " أنَّ الحسْنَ أجمَعَهُ
في الكونِ عن حُسنكِ المطبوعِ تقليد
أنتِ الحياةُ وعمرٌ في سواكِ مضى
فإنما هو تبذيرٌ وتبديد
أقسمتُ أُعطي شبابي حقَّ قيمتهِ
لو أنَّ ما فاتَ منه اليومَ مردود
وكيفَ بي ونصيبُ المرء مُرْتَهَنٌ
به ، ومَغْنَمُهُ في العُمْرِ محدود
لم يأتِ للجَبَلْينِ العاطفَيْنِ على
واديكِ أبهى وأنقى منهُ مولود
زَفَّتْ له مُتَعُ الدُّنيا بشائرَها
واستقبلَتْهُ مِن الطيرِ الأغاريد
أوفى عليه يَقيهِ حَرَّ هاجرةٍ
سُرادِقٌ من لطيفِ الظلِّ ممدود
بالحََوْرِ قامَ على الجنبينِ يحْرُسُهُ
مُعَوَّذٌ من عُيونِ الناسِ مرصود
تناولَ الأفْقَ معتزّاً بقامتهِ
لا ينثني فَنَنٌ منه ولا عود
يقولُ للعاصفاتِ النازلاتِ بهِ
إليكِ عنيّ ، فغيرُ " الحَوْرِ " رِعديد
صُنْعُ الطبيعةِ ، بالأشجارِ وارفةً
لَهُ ، وبالنَّهَرِ الرّقراقِ ، تحديد
خَصَّتْهُ باللُطفِ منها فهو مُنْبَعِثٌ
ورُبَّ وادٍ جَفتْهُ فهو موءود
طافَ الخيالُ على شَتَّى مظاهرهِ
واستوقَفَتْني بهِ حتَّى الجْلاميد
تَفَجَّرَ الحجرُ القاسي بهِ وبدا
في وَجْنَةِ الصَّخرةِ الصَّماءِ توريد
تجري المياهُ أعاليهِ مُبعَثرَةً
لها هُنالكَ تصويبٌ وتصعيد
حتى إذا انحدَرَتْ تبغي قَرارتَهُ
تَضيقُ ذرعاً بمجراها الأخاديد
استقبلَتْها المجاري يَسْتَحِمُّ بها
زاهي الحصى فَلهُ فيهنَّ تمهيد(59/263)
فهُنَّ في السفحَِّْ عَتْبٌ رقَّ جانبُهُ
وهن يزفُرْنَ فوقَ الصخرِ تهديد
ما بينَ عَيْنٍ وأُخرى فاضَ رَيِّقُها
أنْ تُلْفَتَ العينُ أو أنْ يُعطَفَ الجْيد
هذي " المسيحيَّةُ " الحسناءُ تكَّ على
شرعِ " المسيحِ " لها بالماءِ تعميد
كأنَّها ، وعُيونُ الماءِ تَغْمُرُها ،
مُستْنزَفُ الدَّم مِن عِرْقَيْهِ مفصود
بُشرى بأيلول شَهرٍ الخْمرةِ اجتَمَعَتْ
على العرائشِ تَلْتَمُّ العناقيد
للهِ درُّ العَشِيَّاتِ الحِسانِ بها
يُسْرِجْنَ ظُلمتَها الغِيدُ الأماليد
لُطْفُ الطبيعةِ محشودٌ يتّمِمُهُ
جمعٌ لطيفٌ من الجنسَيْنِ محشود
في كلِّ مُقهىً عشيقاتٌ نزلنَ على
" وادي الغرامِ " وعُشَّاقٌ معاميد
تدورُ بينهُمُ الأقداحُ لا كَدَرٌ
يعلو الحديثَ ولا في العيشِ تنكيد
الرَّشْفَةُ النزرُ من فرط ارتياحِهِمِ
كأسٌ مُفايَضَةٌ والكأسُ راقود
خَوْدَ البِقاعِ لقد ضُيّعْتِ في بَلدٍ
تنَاثَرتْ فوقهُ أمثالُكِ الخُود
أُسلوبُ حُسْنكِ مُمتازٌ فلا عَنتٌ
في الروح منهُ ، ولا في السَبْكِ تعقيد
نهداكِ والصدرُ " ثالوثٌ أُقدّسُه
لو كانَ يُجمَعُ تثليثٌ وتوحيد
الخَمْرُ ممزوجةً بالرِّيقِ راقصةٌ
والكأسُ مرَّتْ بثغرٍ منكِ عِربيد
لو يُستجاب رجائي ما رجوتُ سوى
أنّي وشاحٌ على كَشْحيكِ مردود
جارَ النِطاقُ عليها في حكومتهِ
فالرِّدفُ مُنتعِشٌ والخَصْرُ مجهود
وأْعلَنَتْ خيرَ ما فيها مَلابسُها
مُنَمَّقاتٌ عليهنَّ التجاعيد
وكشَّفَتْ جَهْدَ ما اسطاعَتْ محاسنَها
ولم تدَعْ خافياً لو لا التقاليد
ما خَصرُها وهو عُريانٌ تتيهُ بهِ
أرقُّ منه إذِ الزُّنَّارُ مشدود
أمَّا البديعانِ من عالٍ ومُنْخَفِضٍ
فِداهما كلُّ حُسْنٍ أُعطىَ الغيد
فقد تجسَّمَ هذا غيرَ محتَشِمٍ
من فرطِ ما ضَيَّقتهُ فهو مشهود
ونطَّ ذيّاك مرتجّاً تقولُ : بهِ
رِيِشُ النعامِ على الوِرْكَيْنِ منضود
إيَّاكَ والفتنةَ الكبرى فنظرتُها
مسحورةٌ ، كلّها همٌّ وتسهيد
إذا رَمَتْكَ بعينَيْها فَلبِّهِما(59/264)
واعلَمْ بأنَّكَ مأخوذٌ فمصفود
وإنَّما الحبُّ زَحليٌّ فلا صِلةٌ
ولا صدودٌ ، ولا بُخْلٌ ، ولا جود
يا موطِنَ السِحرَ إنَّ الشِعر يُنعْشُه
فيضٌ من الحُسْنِ في واديكَ معهود
خيالُهُ من خيالٍ فيكَ مأخذهُ
ولطفُ معناه من معناكَ توليد
اهتاجني موعدٌ لي فيك يجمعُني
كأنَّني بالشَّباب الطَّلْقِ موعود
وريعَ قلبيَ من ذكرى مُفارَقَةٍ
كأنَّني من جِنانِ الخُلْدِ مطرود
لا أبعدَ اللهُ طيفاً منك يؤنسني
إذا احتوتنيَ في أحضانها البيد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تحية الحلة..
تحية الحلة..
رقم القصيدة : 66769
-----------------------------------
عفواً إذا خانني شعري وتبِاني
فلُطفُكُم لا أوفِّيهِ بشُكْرانِ
وقد يُهوِّنُ عند المرء زلتَه
إحساسُه أنه ما بينَ إخوان
غطارفَ الحلةِ الفيحاءِ أنكُمُ
في كل مَكرمُةٍ فِرسانُ ميدان
وليس إحسانُكمُ نحوي بمبتَدعٍ
هنا منابتُ ألطافٍ وإحسان
للعُرْبِ سفرُ نقاباتٍ مُضيَّعةٍ
باقٍ لديكم عليه خيرُ عُنوان
ملامحٌ عرَبيّاتٌ مُخبِّرةٌ
بأنكُم خيرُ منسوبٍ لقَحطان
أتيتُ ربةَ أشعاري أُناشدُها
عَوناً على الشعر أو صَفحاً عن الجاني
ورُحتُ منها على وَعدٍ بمغفرة
إنْ لم يُسدِّدْ خطايَ اليومَ شيطاني
وجئتُ مَحفِلَكُم أمشي على ثقةٍ
من ربّةِ الشعر عندي صَكُ غُفران
أبناءَ بابل للأشعار عندَكُمُ
عِمارةٌ لم يشيَّدْ مثلَها بانِ
ودولةٌ برجال الشعر زاهرةٌ
معمورةٌ بمقاطيعٍ وأوزان
أقمتمُوها عُصوراً في رعايتِكم
لم تَخلُ من آمرٍ منكُم وسُلطان
طوعَ الأكُفِّ دواوينٌ مشهَّرة
وفي الزوايا مُضاعٌ ألفُ ديوان
هنا نَمَتْ عذَبَاتُ الشعر وارفةً
غصونُها قبل سوريّا ولُبنان
وعنكُمُ أخَذَتْ مِصرٌ مساهِمةً
في مُعجِبٍ من طريف القول فَينْان
ومن شعور الفراتِينَ قد نَهِلَت
أرضُ العراق وعبَّتْ أرضُ بَغدان
لكنني مستميحٌ عفوَكم كَرَماً
اذا عَتَبتُ عليكم عَتْبَ غضبان
وان نَكِرتُ عليكم سيرَ متَّئدٍ(59/265)
وان طَلَبتُ اليكم سيرَ عَجلان
وإن أردت لكم شِعراً يُجَسُّ به
نَبْضُ السياسةِ من آنٍ إلى آن
يكون منها بمرصادٍ يقابلها
وجهاً لوجهٍ على حدٍ وميزان
وفي العواطف أمواهٌ مُرَقْرَقَةٌ
وتارةً هو تسعيرٌ لنيران
شعراً تُعالَج أبوابُ الحياة به
يكونُ عن كل ما فيها كإعلان
نَسَجتُمُ بُردةً للشعر ضافية
أتقنتُمُ لُحمَتَيها أيَّ إِتقان
ماشتْ عصوراً طِوالاً وهي زاهيةٌ
نُوراً لملك وتزييناً لتيجان
ولو أردَتُم لكانَتْ زينةً لكُمُ
بها يُفاخَرُ ماكرَّ الجديدان
أتاكُمُ عالَم ثانٍ فكانَ لكم
أن تُبرزوها بشكل مُونِقٍ ثان
وكان يكفيكُمُ حِفظاً لرَونقِها
أنْ تأخذوها بأصباغٍ وألوان
لا أدَّعي أنني أولَى بتَكرِمةٍ
وأنني فوقَ أصحابي وأقراني
ولا أُعرضُ اني طائشٌ فرحاً
وان تَذكَّرتمُوني بعد نِسيان
لكنما سرَّني أن الفراتَ به
يُقامُ أولُ تكريمٍ لفنّان
ناشدتُكم بالحَمِيّات التي دفعت
بكم لذكرِيَ والإِعلاءُ من شاني
وبالمزايا الفُراتِيّات هذَّبها
جورُ الطُغاةِ وكم فضلٍ لطُغيان
ألا اجتهَدْتُم بأن لا تتركوا لَبِقاً
أو نابغاً عبقرياً طيَّ كتمان
قد يَبعَثُ الشاعرَ الحَساسَ مزدهراً
تقديرُ عاطفةٍ منه ووجدان
وقد تَبوخُ على الأهمال مَوهِبةٌ
لو أُلْهِبَت لرأيتُم أيَّ بَركان
أنا الدليلُ على قَولٍ أردتُ به
أن لا يكونَ له غَيري كبُرهان
تناوشتْني من الأطراف ناهشةً
لحمي عصابةُ أضباع وذُؤبان
كالتْ ليَ الشَتْمَ ما شاءَت مكارمُها
سمحاءَ من دون تطفيف ونُقصان
وحسبُكُم وعليكُمْ شرحُ مُجمَله
أن لم يكن شتمُ إنسانٍ لإنسان
وان صَدَقتُ فما للقوم من غَرَضٍ
إلا إماتةُ حِسٍ فيَّ يقظان
ولم أجدْ ما يُنَسَّيني مَضاضتَها
إلا عواطفَ خُلاّنٍ وخُلْصان
وانني إنْ رَمَتْني أعينٌ خُزُرٌ
فانَّ أعينَكُم باللطفِ تَرعاني
في الشعر شَحْذٌ لعَزْماتٍ ومُحتَسَبٌ
لطارئآتٍ وترويضٌ لأذهان
خذوا بما ضمَّت " الفيحاءُ " من غُرَرٍ
مْخَلَّداتٍ وما ضَمَّ " الغَرِيّان "(59/266)
ونوِّهوا باسمِ أهليها لتَسمَعَهم
- ولو على الرغم منها - صُمُّ آذان
ودَرِّسوا نشْكم من شِعرِهم قِطَعاً
مُصوِّراتٍ لأفراحٍ وأحزان
هنا بـ " بابلَ " قام الفنُّ تُسنِدُه
حضارةُ المُلكِ من أزمانِ ازمان
هنا مَشَى الفذُّ " بانيبالُ " مُزدَهياً
في موكِبٍ بغُواةِ الفنِ مُزدان
تَرجَّلَ المُلْكُ إكراماً له ومَشَتْ
خواشعاً - ساسةٌ غُرٌّ - كرُهبان
مُقَدِّرين من النحّات موهبةً
هي النُبُوّةُ من وحيٍ وإيمان
من هاهنا كان تحضيرٌ لأنظمةٍ
في المشرِقَينِ وتمهيدٌ لأديان
تشريعُ بابلَ هزَّ الناسَ روعتُه
من قبلِ أن يعرِفوا تشريعَ يونان
للآنَ يُحتاجُ في إصلاحِ مملكةٍ
نظامُ دولةِ آشورٍ وكِلدان
هنا " حمورابِ" سنَّ العدلَ معتمداً
به على حفظِ أفراد وعمران
شكراً جزيلاً لأفواهٍ تُعطِّرُني
بكل مُمتْدَحِ الأسلوبِ حَسّان
رّيانةً بمُذابِ العاطفاتِ أتَتْ
تسعى لقلبٍ من الإخلاص رَيان
ولو تمكَّنتُ قدَّمتُ الفؤادَ لكم
لكنَّ تقديمَ إحساسي بإِمكاني
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> معرض العواطف ...
معرض العواطف ...
رقم القصيدة : 66770
-----------------------------------
أبرزتُ قلبي للرماة معرَّضا
وجلوت شعري للعواطف مَعرِضا
ووجدتُني في صفحةٍ وعقبيها
متناقضاً في السُخْط مني والرضا
أبرمتُ ما أبرمتهُ مستسهلاً
ان حانَ موعِدُ نقضِه ان يُنقَصا
ونزلتُ منه على الطبيعة منزلاً
الفيتُني فيه على جَمر الغَضا
متجانياً عن خير مَن أبغَضتَهُ
ولشرِّ من أحببتُه مُتعرَّضا
ومدَحْتُ من لا يستحقُّ وراقَ لي
تَكفيرتي بهجائِه عما مَضى
ووجدتُني مُستصعِباً إطراءَ مَن
أطريتُه بالأمسِ طَوعاً ريِّضا
وحَمِدت أني عبدُ قلبي ما اشتهَى
أن ينثني بوِدادِه أو يُمحَضا
وحمدت من هذا اللسان سُكوتَه
حتى يُحرِّكَه الفوآدُ فينبضا
فوَّضتُه وحَمَلت ألفَ مصيبة
من أجل أن راح الفوآدُ مفوَّضا
نافقتُ إذ كان النفاق ضريبةً
متحرِّقاً من صَنعتى مترمِّضا(59/267)
ولكم قَلِقتُ مسهَّداً لمواقفٍ
حَكَمت عليَّ بأن أداري مُبغِضا
ولَعَنت ربَّ الشعر فيما اختار لي
وبما قَضى ، ولَعَنت أحكامَ القَضَا
وصَدَعت فيها بالصراحة مَرةً
زمراً تُجوِّدُ ان تقولَ فتُغمِضا
ولقد حَدَوت بأصغَريَّ ليُمليا
ما يطلُبان على اليراع ويَفرِضا
غَلَبَ السرورُ فشعَّ رونقُ بعضِها
وخبا رُواءُ الأخرَيات فغُيِّضا
واسوْدّ بالنِيات سوداً خاطرٌ
ومَشَى على البعضِ الصفاءُ فبيَّضا
وخلا فجفَ من العواطف بعضُه
وزها بها بعضٌ فرفَّ وروَّضا
وأتى على عفوٍ فصحَّ نسيجُه
بعضٌ وبعضٌ بالتكلف أمرَضا
وضَحِكت من تشبيهِ ما استعجَلتهُ
بالسَقْط أعجله المخاض فأجهَضَا
ووجدتُ في أثنائها رَجعيَّةً
طَفَحَت وكنت لها الدوَّ المُبغِضا
ولكم تبينت الجمودَ مُجسَّماً
في بعض ما قد قلتُه مستنهضا
ولقد حَسِبت مُصارحاً مُتخلِّعاً
في مؤنساتٍ قلتُهن مُعرِّضا
فوددتُ لو أنّي استقيتُ تَرفُّهاً
فيها استَقَيتُ من المجونَ تَبرُّضا
وأنفِت من هذي الطبيعة حرةً
يعاتقُها التدليسُ أن تتمخَّضا
وخِشيتُها مكبوتةً لتحفُّزٍ
كالليثِ أرهَبُ ما يُري أن يربِضا
وعَجبِتُ ممن لستُ أبلغُ شأوَه
في الموبقات توغُّلاً وتعرُّضا
عَبَّرتُ في الإحماض عن شهواته
ومضى عفيفاً مُنكِراً أن أُحمِضا
وكشفتُ عن هذي الطبائع ثوبَها
وبسطتهنَّ حريصةً أن تُقبَضا
فإذا بها الحشرات تسكن جيفةً
مستورةً ، والخزيُ ان تَتَنفَّضا
ورأيتها ملأَى بكل رذيلةٍ
تجري مع العرق الخبيث تحرُّضا
فإذا استثار الشعرَ بعضُ صفاتها
شوهاءَ ؛ اوجعَها البيانُ وأمعَضا
واستثقلت كشفي لهُنَّ ، ولذَّ لي
كوني على ما استَثْقَلتْه مُحرَضا
ووجدتُ في هَتكِ الرياء مخاضَةً
وحَلفت أبرحُ ما استطَعت مخوِّضا
وأعادَت الذكرى إليَّ أليمةً
لما انبريتُ بجمعِها مستعرِضا
فهنا التي أطريتُ فيها خُلَّباً
كَذِباً خُدِعِتُ ببشره إذ أومَضا
اعطيتُه قلبي يفيضُ عواطفاً
حتى إذا عَلقَت حبالٌ أعرَضا
واستامَني للمرجفين دريئةً(59/268)
يهدي إليها شامتا او مُغرِضا
حتى إذا كشَّفتُ عن غَدَراته
قالوا تقلَّبَ ناقداً ومقرِّظا
وهنا التي فاضت بجرح ناغِرٍ
مَضَت السنونَ الجارحاتُ وما مضى
وهنا التي فتَّشتُ عن شَبحٍ لها
فذا به مثل الخِضاب وقد نضا
سيسوء بعضاً ما أرى إثباتَه
ويسُرُّ بعضاً ما أرى ان يُرفَضا
ومزيَّتي وهي الوحيدة أنني
جاريتُ طبعي في الكثير كما اقتضى
وجعلتُ آخرَ ما يمرُّ بخاطري
تفكيرتي ان يُجتَوى او يُرتَضَى
ولعلَّ احسنَ ما به من صالحٍ
عن شرِّ ما فيه يكونُ معوِّضا
وهناكَ دَينٌ للبلاد قضاءُه
حتمٌ عليَّ ، وقد اعيشُ فيُقتَضَى
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الفرات الطاغي !...
الفرات الطاغي !...
رقم القصيدة : 66771
-----------------------------------
طغَى فضوعف منه الحسنُ والخَطَرُ
وفاض فالأرضُ والأشجارُ تنغمِرُ
وراعت الطائرَ الظمآنَ هيبتُه
فمرَّ وهو جبانٌ فوقَه حذِر
كأنما هو في آذيِّه جَبَلٌ
على الضفاف مُطلٌّ وهي تنحدر
رَبُّ المزارعِ والملاّحِ راعَهما
بالحول منه عظيمُ البطش مقتدِر
باتت على ضَفَّتيه الليلَ تحرُسُه
غُلبُ الرجال لما يأتيه تنتظر
راحو أُسارى مطأطين الرؤوسَ له
وراح طوعَ يديه النفعُ والضرر
مَشَى على رِسْلِه لا الخوفُ يَردَعُه
ولا عن الفِعلة النكراءِ يعتذِر
ومر يَهزَأ من أيد تقاومه
تسعَى لتحكيم أسداد وتبتدِر
فكلُّ ما بلغَ الانسانُ من عَنَتٍ
قُوى الطبيعةِ تأتيه فيندحِر
وما " الفرات ُ " بمسطاعٍ فمختَضَدٍ
ولا بمستعبَد بالعُنفِ يُقتَسر
كم من معاركَ شنَّ الفنُ غارتَها
على " الفرات " ولكنْ كانَ ينتصر
نَموذَجٌ " للأنانيينَ " ليس له
ولا عليه ، أفازَ الناسُ أم خسِروا
في حينَ باتَ جميعُ الناس يُرهبُهم
في كل ثانيةٍ عن سَيره خَبَر
ملءُ القلوب خشوعٌ من مهابتِه
وملءُ أعينهم من خوفِه سَهر
وراح شُغْل النوادي عن فظاظته
يُجرى الحديثَ وفيه ينقضي السهر
ورُوِّعَ السمعُ حتى بات من ذَهَل(59/269)
يود سَمعُ الفتى لو أنه بَصَر
واستُبطِئت عن نَثَا أخباره بُرُدٌ
واستُنهِضَ البرقُ يُستقصي به الخَبَر
هو " الفرات " وكم في أمره عَجَبٌ
في حالتيهِ وكم في آيِه عِبَر
بينا هو البحرُ لا تُسطاع غضبتُه
إذا استشاطَ فلا يُبقي ولا يَذرَ
إذا به واهنُ المَجرى يعارِضُه
عودٌ ويمنعه عن سيره حَجَر
طَمَى فردَّ شبابَ الأرض قاحلةً
به وعادت إلى رَيعانها الغُدُر
وأشرفت بقعةٌ أُخرى ألَّم بها
على الممات فأمسَت وهي تُحتَضر
وودَّعَ الزارعون الزرعَ وانصرفوا
للماء ما زَرَعوا منه وما بَذَروا
من كان بالامس يعلو وجهَهُ فرحٌ
بما يُرجِّيه غطَّ وجهَه كَدَر
وقطَّبت بعد تهليل أسرَّتُه
وبان فوق خُطاه الضعفُ والخَوَر
صُبَّت عليها بلاياه ونقمتُه
أنا " القصورُ " فلا خوفٌ ولا حذَر
طافت عليه حنايا الكوخ واقتُلِعَتْ
مضارِبُ البيت منه فهي تنتثر
غط الهديرُ فغضَّت منه ثاغيةٌ
ورددت ثغيّها من خلفِها أُخر
واستحكمت ضجةٌ من كل ناحية
جاءت إليها بموتٍ عاجلٍ نُذُر
ورُبَّ طالبةٍ بالماء راضَعَها
ورب عاريةٍ بالماء تأتزر
وصفحةٍ من بديع الشعر منظرهُ
طامي العُباب مُطِلاً فوقَه القَمَر
وقد بدت خضرةُ الأشجار لامعةً
مغمورةً بسناه فهي تزدهِر
ومن على ضَفَّتيه انصاعَ منغمرا
في الماء نصفٌ فوقَه الشَجر
باتت على خَطَرٍ ناسٌ بثورته
وراح يؤنُسنا في المنظر الخَطَر
وهكذا الناسُ يُغريهم تخيُّلُهم
حتى يَجيئوا الى البَلْوى فيختبروا
كما أتى الحربَ فنانٌ ليرسُمَها
في حينَ آخرُ يُصلى جسمَه الشرَر
روحٌ جرت لم يُردْ نَفعا بها بدنٌ
وعسجدٌ سال إلا أنه هَدَر
هذا المشيِّدُ للعُمران ريِّقَه
في الرافدين به العُمرانُ يندثر
كان العراقُ سواداً من مزارعه
على بنيهِ يفيءُ الظلُ والثَمَر
تَفيض خيرا على الأقطار غلَّتُه
موفورةً لسنين الجوع تُدَّخر
ووزّع الماءَ عدلاً في مسايله
فكلُّ ناحيةٍ يجري بها نَهَر
باسم " الفرات " وتنظيمٍ له خُلقتْ
دوائرٌ لم يَبِنْ من سعيها أثَر(59/270)
أغفَت طويلاً ولما هاجَ هائجُه
جاءته بعد فواتِ الوقتِ تبتدِر
وهاهو الماءُ موتٌ في زيادته
وفي النقيصةِ مسروقٌ فمُحتَكَر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> حالنا أو في سبيل الحكم ..
حالنا أو في سبيل الحكم ..
رقم القصيدة : 66772
-----------------------------------
لقد ساءَني علمي بخُبثِ السرائرِ
وأنّي على تطهيرِها غيرُ قادرِ
وآلمني أني أخيذُ تفكُّرٍ
بكلَّ رخيص النفسِ خِبٍّ مُماكِر
تمشَّتْ به سَوءاتُ شعبٍ تلاءَمَت
وسوءاتُه واستُدرِجَتْ بالمظاهر
وها أنا بالنيّات سوداً معذَّبٌ
تعاودُني فيهنَّ سودُ الخواطر
وألمحُ في هذي الوجوهِ كوالِحاً
من اللؤم أشباحَ الوحوش الكواسر
وتوحِشُني الأوساطُ حتى كأنَّني
أُعاشِرُ ناساً أُنهِضوا من مقابر
تصفَّحتُ أعمالَ الوَرَى فوجدتُها
مخازِيَ غطَّوها بشَتى الستائر
وفتَّشتُ عما استحدَثوا من مناقِبٍ
تُروِّجُ من أطماعهم ومفاخِر
فكانت حساناً في المظاهرِ خُدْعة
على أنها كانت قِباحَ المخابر
مشى الناسُ للغايت شتى حظوظهم
وآمالهم من مستقيم وجائر
وغطَّى على نقصِ الضعيف نجاحُه
وراح القويُّ عرضةً للعواثر
وقد حوسب الكابي بأوهَى ذنوبِه
ولم يؤخَذِ الناجي بأمّ الكبائر
وراحت أساليبُ النفاق مَفاخراً
سلاحاً قوياً للضعيف المُفاخر
وحُبِّبَ تدليسٌ وذُمَّت صراحةٌ
فلا عيشَ إلاّ عن طريقِ التآمر
وألَّفَ بين الضدِ والضدِ مغنمٌ
وفرَّقَتِ الاطماعُ بين النظائر
مُحيطٌ خَوَتْ فيه النفوسُ وأفسِدتْ
طباعُ أهاليه بعدوْى التجاور
هَوَت نبعةُ الأخلاق جراءَ ما اعتَدَتْ
على الشعب أطماعُ السَّراةِ الأكابر
وقد صِيح بالإخلاص نَهبْاً فلا تَرَى
سوى بؤَر التضليلِ جِسراً لعابر
وباتَ نصيبُ المرءَ رَهناً لِما يَرَى
أولو الأمرِ فيه مثلَ لِعبِ المقامر
فإما مُكَّبٌ للحضيض بوجهه
على أنه سامي الذرى في المفاخر
وإما إلى أوجٍ من المجد مُرتَقٍ
على سُلَّمٍ من موبقاتٍ فواجر
ولم يبقَ معنى للمناصب عندنا(59/271)
سوى أنها ملكُ القريبِ المصاهِر
وإن ثيابَ الناس زُرَّت جميعُها
على عاهةٍ إلاّ ثيابَ المؤازر
تُسنُّ ذيولٌ للقوانين يُبتَغى
بها جَلْبُ قوم " الكراسي " الشواغِر
وقد يُضحِكُ الثكلى تناقضُ شارع
قوانينُه مأخوذةٌ بالتناحر
أُهينَتْ فلم تُنتَجْ قريحةُ شاعرٍ
وضيِمَتْ فلم تَنشَ ط يراعةُ ناثر
وهيمَنَ إرهابٌ على كل خَطرةٍ
تَرَدَّدُ ما بين اللَّهى والحناجر
لقد ملَّ هذا الشعبُ أوضاع ثُلَّةٍ
غدت بينه مثلَ الحروفِ النوافر
وما ضرَّ أهلَ الحكم أنْ كان ظلُّهم
ثقيلاً على أهل النُهى والبصائر
فحسبُهمُ هذي الجماهيرُ تقتَفِي
خُطى كل مقتادٍ لها : من مناصر
وحسبُهمُ أن يستجدُّوا " دعاية "
تُعدِّدُ ما لم يعرفوا من مآثر
وأوجع ما تَلقَى النفوس نكايةً
مَعِزّةُ أفرادٍ بذُلِّ أكاثر
لكي ينعُمَ الساداتُ بالحكم ترتوي
بقاعٌ ظِماءٌ من دماءٍ طَواهر
وكي لا ترى عينٌ على البَغي شاهداً
تُغيرُ عمداً ناطقاتُ المحاضر
وأهوِنْ بأرواح البريئين أُزهِقَت
وأموالِهم طارت هباً من خسائر
وكانت طباعٌ للعشائر ترتجى
فقد لُوِّثَت حتى طباعُ العشائر
وكان لنا منهم سلاحٌ فأصبحوا
سلاحاً علينا بين حين وآخر
وإنك من هذي الشنائعِ ناظرٌ
إلى مُخزياتٍ هن شوكٌ لناظر
اذا ما أجَلْتَ الطَرْف حولَك وانجلت
بعينيك يوماً مُخَبئاتُ الضمائر
وكشفت عن هذي النفوس غطاءها
وأبرزتَها مثل الاماءِ الحواسِر
وفتَّشتَ عما في زوايا الدوائر
وغربَلْتَ ما ضمَّت بطونُ الدفاتر
رجعتَ بعينٍ رقرَقَ الحزنُ ماءَها
وأُبْتَ بقلب شاردِ اللُبِّ حائر
وأيقنتَ أنّ الحالَ حالٌ تعسَّرَت
على كلِّ طَبٍّ بالطبائع ماهر
وقد يملأُ الحرَّ المفكرَ حرقةً
تفكُّرُه يوماً بعُقبى المصاير
ولا أملٌ إلاّ على يدِ مُصلحٍ
حَقودٍ على هذا التدهوُرِ ثائر
وإن عيوباً جلْبَبَ الكِذبُ كُنْهَها
فغَطَينَ أضعافَ العيوبِ السوافِر
ولا تحسبنَّ الشعرَ سهلاً مهبُّه
بهذي المساوي بين بادٍ وحاضر
فإن عظيماً أن يخلِّدَ شاعرٌ(59/272)
مخازيَ جيل بالقوافي السوائر
سنُضحكُ قرّاءَ التواريخ بعدنا
ونبدو لهم فيهن إحدى النوادر
وسوف نُريهم للمهازل مَرسَحاً
نَروح ونغدو فيه هُزأةَ ساخر
فإن ترني أُذكي القوافي بنَفثَةٍ
أُراني على كِتمانها غيرَ صابر
فإني برغم العاصفات التي ترى
أُقاسي رُكوداً لا يَليق بشاعر
رجعتُ لنفسي أستثيرُ اهتمامَها
وأُلزِمُها ذنبَ الصريح المجاهر
وأُثقلها بالعَتْب أن كان لي غنى
عن الشرِّ لولا حبُّها للمَخاطر
وساءلتُها عما تُريد من التي
تُرشِّحها للمُهلكات الجوائر
أأنتِ بعَورات النفوس زعيمةٌ
مُوَكَّلة عنها بِعَدِّ الجرائر
وما أنتِ والغرمَ الذي راح مَغنَماً
لقد غامر الاقوامُ فيه فغامري
خذي وِجهةً في العيش يُرضيك غيُّها
ولا تستطيبي منه قِعدَة خائر
وإن شذوذاً أن تُثيري وتصدَعي
شَذاةَ مُحيط بالمدجاة زاخر
وأحسن مما تدَّعين صلابةً
سماحُ المحابي وانتهازُ المساير
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عاشوراء ...
عاشوراء ...
رقم القصيدة : 66773
-----------------------------------
هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا
ترَىَ الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتختارُ محموداً من الذِكرِ خالداً
على العيش مذمومَ المغَبَة مُنكَرا
مشى ابنُ عليٍ مِشيةَ الليث مُخدِراً
تحدَّته في الغاب الذئابُ فاصحَرا
وما كان كالمعطي قِياداً محاولاً
على حينَ عضّ القيدُ أن يتحررا
ولكنْ أنَوفا أبصَرَ الذُّلَّ فانثنى
لأذيالهِ عن أن تُلاَُثَ مُشمِّرا
تسامىَ سموَّ النجم يأبى لنفسه
على رغبة الأدنَينَ أن تتحدَّرا
وقد حلفتْ بيضُ الظُبا أن تنوَشه
وسمرُ القَنا الخطيِّ أن تتكسَرا
حدا الموتُ ظعنَ الهاشميينَ نابياً
بهمْ عن مقرٍّ هاشميٍ مُنَفَّرا
وغُيِّبَ عن بطحاء مكة أزهَرٌ
أطلَّ على الطَف الحزينِ فأقمَرا
وآذَنَ نورُ " البيت " عند برِحلة
وغاصَ النَدى منه فجفَّ وأقفرا
وطاف بأرجاء الجزيرة طائفٌ
من الحزن يوحي خِيفةً وتطيُّرا(59/273)
ومرّ على وادي القُرى ظِلُّ عارضٍ
من الشُؤْم لم يلبث بها أن تَمطَّرا
وساءَلَ كلٌّ نفسَهُ عن ذُهوله
أفي يقَظةٍ قد كانَ أم كان في كَرى
وما انتفضوا إلا وركبُ ابنِ هاشمٍ
عن الحج " يومَ الحج " يُعجله السُرى
أبت سَورةُ الأعراب إلا وقيعةً
بها انتكَصَ الإسلام رَجْعاً إلى الوَرَا
وننُكِّسَ يومَ الطفّ تاريخُ أمة
مشى قبلَها ذا صولةٍ متبخِترا
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ موثق
على عَرَبيّ أن يقولَ فيغدِرا
وما زالت الأضغانُ بابن أميَّةٍ
تراجِعُ منه القَلبَ حتى تحجرا
وحتى انبرى فاجتَثّ دوحةَ أحمدٍ
مفرِّعةَ الاغصان وارفةَ الذرى
وغطَّى على الأبصار حقدٌ فلم تكن
لتَجهَدَ عينٌ أن تَمُدَّ وتُبصِرا
وما كنتُ بالتفكير في أمر قتلهِ
لازدادَ إلا دهشةً وتحيُّرا
فما كان بين القوم تنصبٌّ كتبُهمُ
عليه انصبابَ السيل لما تحدَّرا
تكشَّفُ عن أيدٍ تُمَدُّ لبيعةٍ
وأفئدَةٍ قد أوشكَت أن تَقَطَّرا
وبينَ التخلَّي عنه شِلواً ممزَّقا
سوى أن تجيءَ الماءَ خِمسٌ وتُصدِرا
تولى يزيدٌ دَفَّةَ الحكم فانطوى
على الجمر من قد كانَ بالحكم أجَدرا
بنو هاشمٍ رهطُ النبيِّ وفيهُمُ
ترَعرَع هذا الدينُ غَرساً فاثمَرا
وما طال عهدٌ من رسالة أحَمدٍ
وما زالَ عودُ الملك رّيانَ اخضَرا
وفيهِمْ حسينٌ قِبلةُ الناس أصيدٌ
إذا ما مَشَى والصِيدُ فاتَ وغبَّرا
وغاض الزبيريين ان يبصِروا الفتَى
قليلَ الحِجى فيهم أميراً مُؤمَّرا
ففي كل دارٍ نَدوة وتجمُّعٌ
لأمر يُهم القومَ أن يُتدَّبرا
وقد بُثَّت الأرصادُ في كل وِجهةٍ
تخوف منها ان تُسَرَّ وتُجهَرا
وخَفُّوا لبيت المال يستنهضونَهُ
وكان على فضِّ المشاكل أقدَرا
وقد أدرك العُقْبى مَعاوي وانجلَتْ
لعينيه أعقابُ الامور تَبصُرّا
وقد كان أدرىَ بابنه وخصومِه
وأدرى بانَ الصَيدَ أجمعُ في الفرا
وكان يزيدٌ بالخمور وعصرِها
من الحكم ملتَفَّ الوشائج أبصَرا
وكانَ عليه أن يشُدَّ بعَزمه
قُوَى الأمر منها أن يَجدَّ ويسْهَرا(59/274)
فشمَّر للأمرِ الجليلِ ولم يكن
كثيراً على ما رامَه ان يشمِّرا
ولكنَّه الشيءُ الذي لا معوِّض
يعوِّضُ عنه إن تولَّى وأدبَرا
وقلَّبها من كل وجه فسرَّه
بأن راءَها مما توَّقع أيسَرا
فريقينِ دينياً ضعيفاً ومُحنَقاً
ينفِّسُ عنه المالُ ما الحِقد أوغرا
وبينهما صِنفٌ هو الموتُ عينُهُ
وان كانَ معدوداً أقلَّ وأنزَرا
وماماتَ حتى بيَّن الحزمَ لابنه
كتابٌ حوى رأساً حكيماً مفكرا
وأبلَغَه أنْ قد تَتَبَّع جهدَه
مواطنَ ضَعفِ الناقمين فخدَّرا
وإن حسيناً عثرةٌ في طريقه
فما اسطاعَ فليستغنِ ان يتعثَّرا
وأوصاه شرّاً بالزبيريِّ منذرِا
وأوصاه خيراً بالحسَين فأعذَرا
لوَ ان ابن ميسونٍ أرادَ هدايةً
ولكن غَوِيٌّ راقَهُ أن يُغرِّرا
وراح " عبيدُ الله " يغتلُّ ضعفَه
وصُحبَتهُ ، حتى امتطاه فسيَّرا
نشا نشأةَ المستضعفينَ مرجيِّا
من الدهر أن يُعطيه خَمراً وميسِرا
وأن يتراءى قرده متقدِّماً
يجيءُ على الفُرسان أم متأخِّرا
وأغراه حُبّاً بالأخيطلِ شعرُهُ
لو اسطاعَ نَصرانيةً لتنصَّرا
وقد كان بين الحزنِ والبِشر وجهُه
عشيّةَ وافاه البشيرُ فبشَّرا
تردَّى على كره رداءَ خِلافةٍ
ولم يُلقِ عنه بعدُ للخمرِ مِئزرا
وشقَّ عليه أن يصوِّر نفسَه
على غير ما قد عُوِّدَت أن تُصوَّرا
وأن يُبتَلى بالأمرِ والنهيِ مُكرَها
وان يَجمع الضِدَّين سُكراً ومِنبَرا
إذا سَلِمت كأسٌ يُروِّحُ مُغبّقاً
عليه بها الساقي ويغدو مبكِّرا
وغنَّتهُ من شعر " الاخيطلِ " قَينَةٌ
وطارَحَها فيها المُغنّي فأبهَرا
فكلُّ أمور المسلمينَ بساعةٍ
من المجلِسِ الزاهي تُباع وتُشتَرى
وشاعَتْ له في مجلِس الخمر فَلْتَةٌ
من الشِعر لم تَستَثْنِ بَعثا ومَحشَرا
وقد كانَ سَهلاً عندَه أن يقولَها
وقد كانَ سهلاً عنده أن يُكفَّرا
على أنه بالرَغم من سَقَطاته
وقد جاءه نَعيُ الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة
بأُخرى ، ولما ثَابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة(59/275)
زَوَت عنه ما لاقَى الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة
بأُخرى ، ولما ثابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة
زَوَت عنه ما لاقَى الحسينُ وما جرَىَ
ولولا ذُحولٌ قدمت في معاشِرٍ
تقاضَوا بها في الطَفِّ ديناً تأخَّرا
لزُعزِع يومُ الطف عن مُستقَرِّه
وغُيِّرَ من تاريخه فتَطَوَّرا
أقول لأقوامٍ مضّوا في مُصابه
يسومونه التحريفَ حتى تغيَّرا
دعوا رَوعةَ التاريخ تأخذْ مَحَلَّها
ولا تجهدوا آياتِه أن تُحوَّرا
وخلوا لسانَ الدهر ينطقْ فإنّه
بليغٌ إذا ما حاولَ النطقَ عَبَّرا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أول العهد..
أول العهد..
رقم القصيدة : 66774
-----------------------------------
أوَّل العهدِ بالَّتي حَمَّلتني
شططاً في الهوى وأمراً فِرِيّا
وَضْعُ كفّي في كفّها تتلظَّى
مِن غرامٍ . كمَنْ يُناوِل شَيّا
رجفَت رَجفْةً قرأتُ التشهّي
فوقَها واضحاً . بليغاً . قويّا
ثم قالت بطرفها بعدَ لأيٍ :
عن طريقٍ سهلٍ وصَلْتَ إليّا!
وهيَ سمراءُ في التقاطيع منها
يجِدُ الحالمونَ شِبعاً ورِيّا
ينفحُ العَطر جِلدُها ويسيلُ الدِفءُ
في عِرْقها لذيذاً شهيّا
لو قرأتَ الخطَّ ! الذي واسَطَ النهدينِ
يستهدفُ الطريقَ السويّا!
لتَمَشَّيْتَ فوقَه بالتمنّي
ووصلت الكنزَ الثمينَ الخفيّا
وتصبَّاكَ منتهاهُ تصبّي
عالَمٍ آخرٍ تقيّاً نَقيّا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الصَبر الجَميل ..
الصَبر الجَميل ..
رقم القصيدة : 66775
-----------------------------------
ذممَتُ اصطبارَ العاجزينَ وراقني
على الضُرِّ صبرُ الواثبِ المتطلِّعِ
له ثِقَةٌ بالنفسِ أنْ ستقودُه
لحالٍ يرجِّي خيرَها أو لمصرع
وما الصبرُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُه
وإن راحَ ملصوقاً به كلُّ مُدَّعي
ولا هو بالشئ المشرِّفِ أهلَه
إذا لم تكنْ عُقباه غيرَ التوجّع
ولكنَّه صبرُ الأسودِ على الطَّوى
تغطّي عليه وثبةُ المتجمِّع(59/276)
مِحَكُّ طباعٍ آبياتٍ وطُوَّعٍ
وبَلوى نفوسٍ طامحاتٍ ووُضَّع
يُعنَّى به حُرٌّ لإحقاقِ جرئٍ غايةٍ
ويَخرُجُ عنه آخرٌ للتضرُّع
فإنْ كنتَ ذا قلبٍ جرئٍ طبيعةً
على نكبات الدهر لا بالتطبّع
فبورِكَ نسْجُ الصَّبرِ درعاً مضاعفاً
وبوركْتَ من ذي مِرَّةٍ متدرِّع
الشاعر الجبَار ..
وُلد الالمعيُ فالنجمُ واجمْ
باهتٌ من سُطوع هذا المُزاحمْ
أتُرى عالمَ السموات ينحطُّ
جلالاً عن واطئات العوالم
أم تظُن السماء في مهرجانٍ
لقريب من الملائك قادم
أم تُرى جاءت الشياطينُ تختصُّ
بروح مشكك متشائم
كيفما شاء فليكنْ ، إن فكراً
عبقرياً على المَجرة حائم
قال نجمٌ لآخرٍ : ليت أني
لثرى الكوفةِ المعطر لاثم
ولبيتٍ أناره عبقرىٌ
لم ينوَّر بمثله الأُفقُ ، خادم
ليت أني بريقُ عينيه أو أني
لنور القلب المشعِ مقاسم
أيها " الكوكبُ الجديدُ " تخيرْني
إذا ارتحت ، بسمةً في المباسم
ولقد قال ماردٌ يتلظى
في جحيمٍ على البرية ناقم :
أزعجتْ جوَّنا روائحُ من خبثٍ
وضَعفٍ على الثرى متراكم
لا أرى رسم بُرثُنٍ بين أظلافٍ
عجافٍ كثيرةٍ ومناسم
أفنسلُ المَلاك هذا وما كان
ملاك موكلاً بالجَرائم؟
أفهذا نسلُ الشياطينِ والشيطانُ
لم يَرْبُ في دُموع المآتم
إنَّ فيه أمراً عجيباً مخيفاً
ضعفَ مستَغشَمٍ وقسوةَ غاشم
لو ملكنا هذي اللُّحومَ لكانت
للذُباب المنحطِّ نِعمَ الولائم
وأُرانا نحتاج خَلقاً كهذا
عاصفاً ثائراً قويَّ الشكائم
فَلْنرجّف أعصابهَ وهو يقظانُ
ونزعجْ أحلامه وهو نائم
ولْنُوِّجْههُ قبْلةً لا يلقّى
عندها غيرَ حاقدٍ أو مخاصم
ولْنُثرْهُ ليملأ الكونَ عُنفاً
نفسٌ يُلهبُ المشاعر جاحم
أيها الماردُ العظيمُ تقبّلْ
ضَرَماً تستشيطُ منه الضرائم
وسأهديكَ ان تقبلتَ منى
مِعولاً من لظىً.. فإنك هادم!!
وسلامٌ عليك يوم تُناوِي
لؤمَ أطماعِهمْ ويومَ تهاجم
بُشِّر ألمنجبُ " الحسين " بمولودٍ
عليه من الْخُلود علائم
سابح الذهن .. حالم بلشقاتِ
شريد العينين بين الغمائم(59/277)
وانبرت عبقَرٌ تزجِّي من الجنّ
وفوداً مزهوةً بالمواسم
واتى الكونَ " ضيفهُ " بدويَّ الرعد
يلقاه لا بسجع الحمائِم
عالماً أنَّ صوت خَلْقٍ ضعفٍ
غيرُ كفءٍ لمثل هذي الغلاصِم
فارشاً دربَهُ بشوك من الفقرِ
وجمرٍ من ضِغنةٍ وسخائِم
قائلاً :هذه حدودي تخطا
ها عظامٌ إلى أمورٍ عظائِم
ربما يفُرشَ الطريقُ بنثر الزَهر
لكن للغانيات النَواعم
قُبَل الأمهات أجدرُ ما كانَتْ
بوجهٍ مُلوَّحٍ للسمائِم
يا صليباً عوداً تحدَّته أنيابُ
الرزايا فما استلانَ بعاجِم
ورأي المجدَ خيرَ ما كان مجداً
حينَ يُستَلُّ من شُدوق الأراقِم
شامخٌ أنتَ والحزازاتُ تنهارُو
باقٍ وتضمحلُّ الشتائِم
وحياةُ الابطالِ قد يُعْجِز الشاعرَ
تفسيُرها كحَلِّ الطَلاسم
ربَّما استضعَفَ القويُّ سَديدَ
الرأي يأتيه من ضعيفٍ مُسالِم
ايُّ نَفْس هذي التي لا تعُدُّ العمرَ
غُنْماً إلا بظِلِّ المَغارِم
تَطرَحُ الخفضَ تحت خُفِّ بَعيرٍ
وتَرى العيشَ ناعماً غيرَ ناعِم
وتَلََذُّ الهجيرَ تحسَب أنَّ الذلَّ
يجري من حيثُ تَجري النسائِم
وترى العزَ والرجولةَ وصفينِ
غريبَينِ عن مُقيمٍ ملازِم
كلُّ ما تشتهيهِ أن تَصحب الصارمَ
عَضْباً وأن تَخُبَّ الرواسِم
هكذا النابغونَ في العُدْمِ لم تُرضِعْهُمُ
الغُنْجَ عاطفاتٌ روائِم
ونبوغُ الرجال أرفعُ من أنْ
يحتويه قَصْرٌ رفيعُ الدَعائِم
إنما يَبعَث النبيَّ إلى العالَمِ
بَيتٌ مُهَفْهفُ النورِ قاتِم
" كندةٌ " أينَ ؟ لم تُبقِّ يَد الدهرِ
عليها ولا تَدُلُّ المَعالم ؟
لم تخلف كفُّ الليالي من الكوفَةِ
إلا مُحرَّقاتِ الركائِم
أحصيد دور الثقافة في الشرقِ
ألا يستينُ منهُنَّ قائِم؟
أين بيتُ الجبار باق على سمعِ
الليالي مما يَقول زمازِم؟
" جُعف " منسيَّةٌ افاض عليها الشعرُ
ما كانَ في " أُمَيٍّ " و " هاشم "
لست أدري " اكوفة " المتنبي
أنجبته أم أنجبته العواصِم
غير ان النُبوغَ يَذوي وينمو
بين جوٍّ نابٍ .. وجوٍّ ملائِم(59/278)
" حَلبٌ " فتَّقَت أضاميمَ ذِهنٍ
كان من قبلُ " وردةً " في كمائِم
أيُّ بحر من البيان بامواجِ
المعاني فياضةً ، متلاطِم
كَذَبَ المدَّعونَ معنىً كريماً
في قوافٍ مُهلهلاتٍ ألائِم
وَهبِ اللفظَ سُلَّماً فمتى استحسنتِ
العينُ واهباتِ السلالم؟
حجةُ العاجزين عن منطق الافذاذِ
يُخفون عجزَهم بالمزاعِم
روعةُ الحرب قد خلَعتَ عليها
روعةً من نسيجك المتلاحِم
شعَّ بين السطور ومضُ سِنانٍ
ثم غَطَّت عليه لَمعةُ صارِم
ما "ابن حمدان " إذ يقودُ من الموتِ
جيوشاً تُزجَى لموتٍ مُداهِم
بالغ ما بلَغْتَ في وصفك الجيشَيْن
اذ يقدحانِ زندَ الملاحِم
إذ يضمُّ القلبُ الجناحَ فترتدّ
الخوافي مهيضةً والقوادِم
وفرِاخ الطُيور في قُلَل الاجيال
تَهدي لها الظنونَ الرواجِم
لك عند الجُرْدِ الاصائلِ دَيْنٌ
مستَحقُّ الأداءِ في النَسل لازِم
كم أغرٍّ " مُحَجَّلٍ " ودَّ لو يُهديكَ
ما في جَبينه والمعاصِم
واجتلينا شعرَ الطبيعة في شعرك
تَفْتَّر عن ثُغورٍ بواسِم
شِعْبُ " بَوّان " لا تخيُّلُ فنّانٍ
غَنٌّ عنه ولا ذِهنُ راسِم
متعهُ الشاعرِ المفكرِ يقظانَ
ومَسْرى خيالِه وهو حالِم
لا تعفَّيْتَ من " مَمَرٍّ " كريمٍ
خلَّدَتْكَ المُحسَّناتُ الكرائِم
ايه خصمَ الملوك حتى يُقيموا
لك أمثولةَ النظيرِ المُزاحِم
عَضُدُ الدولة استشارَك بالإعزازِ
واللُطف يا عدوَّ الأعاجِم
رُحتَ عنه وأنت خَوفَ اشتياقٍ
لسِواه على فُؤادِكَ خاتِم
إن ذلك الوَداعَ كان نذيراً
بحِمامٍ دلَّتْ عليه عَلائِم
فلتُحيِّ الاجيالُ مغناكَ بالريحانِ
وَلْتَلْتَثِمْهُ وهي جَواثِم
رَمْز قَوميةٍ بَنَتهُ البَوادي
مُشمخرَّ البِناء ثَبتَ الدعائم
بدويَّ المُناحِ أرهفَ منه الحسَّ
جوٌّ مُشَعْشَعٌ غيرُ غائِم
لدِمشقٍ يَدٌ على الشِعرِ بيضاءُ
بما زيَّنَتْ له من مَواسِم
وسلامٌ على النُبوغ ففيما
تَسْقُط الذكريات وهو يُقاوِم
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> المازني وداغر..(59/279)
المازني وداغر..
رقم القصيدة : 66776
-----------------------------------
"رفائيلُ " دارُك قد أشَرقَتْ
بأسعدَ داغرَ والمازِني
ففَذٌّ يناضلُ عن أمةٍ
وفَذٌّ لآدابها حاضِن
وإني لمستأذنٌ أسعداً
بما قد يشِقُّ على الآذِن
اذا ما خَصَصْتُ فتى مازنٍ
بضربٍ من الكَلِمِ الفاتِن
فإنّ السياسةَ قد حَجَّبتْ
فتى مصرَ بالبرقُعِ الداكِن
وطبعُ السياسيِّ جمُّ الغُموض
فلا بالصريح ولا الداهن
أأسعدُ إنَّ حديثي إليكَ
حديثُ مقيمٍ إلى ظاعِن
حديثُ أخٍ لك مستأنسٍ
للطفِ مسامِره راكن
أخاف السياسةَ خوفَ اللديغ
من أرقمٍ نافخٍ شاحِن
وما زال جدعٌ بليغُ الوضوح
منها يَلوحُ على مارني
فقبلَك طاوعتُ من أهلِها
صديقاً إلى مَصرَعي قادني
أرانيَ مظهرَ ذي نخوةٍ
كفيلٍ بما أرتجي ضامن
وأسلَمَني عند جِدِّ الخطوبِ
كأني قلتُ له عادِني
فما كنتُ بالمصطفي وُدَّه
ولا كنتُ للنفس بالصائِن
وها أنا أرزحُ في كَلكَلً
مُنيخٍ على نَفسَي رائِن
فعُذراً فما أنا إذ أتّقي
رجالَ السياسة بالمائن
غموضُ السياسة يبدو عليك
في مظهر الهادئ الساكن
على حينَ قد وَضَح المازني
وضوحَ السماوات للكاهن
نظرتُ بعينيكَ إذ يشرُدان
ووجهِك ذي الدَعَة الآمِن
فأنكرت قولك : ما صاغَنى
قبيحاً سوى عبثِ الماجن
وطالعتُ آثارَك الناطقاتِ
بما فيك من جوهرٍ كامِن
وظاهِر لفظٍ رقيقِ الروُاءِ
لطيفٍ يَدُلّ على الباطن
لقد شبَّه العُربُ حسنَ البيانِ
والشعر في الزمنِ البائِن
يَرْدِ النَمير وصَفو الغديرِ
يمرَان بالعاطشِ الساخِن
وأحسِنْ بتشبيه قومٍ بُداة
تعيش على طرق آسن
فحاولت تشبيهها بالجديدِ
يُؤخَذُ من وضعنا الراهن
بكأسٍ تَرُدّ شرورَ الجمام
لذي سَفرٍ مُتعَبٍ واهن
وذائبِ زَهرٍ على سَلْسَلٍ
يصبُّ على رَهَلٍ بادِن
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الزهَاوي..
الزهَاوي..
رقم القصيدة : 66777
-----------------------------------
على رغم أنف الموت ذكُرك خالدُ(59/280)
ترِنُّ بسَمع الدهر منكَ القصائدُ
نُعيتَ إلى غُرّ القوافي فأعولَتْ
عليك من الشعر الحسانُ الخرائد
وللعلم فياضاً فماجَتْ مصادرٌ
عُنيتَ بها بحثاً وجاشَتْ موارد
وفلسفةٌ أطلعتَ في الشعر نُورَها
هي اليومَ ثَكْلى عن جميلٍ تُناشد
حَلفتُ يميناً لم تَشُبْها اختلاطةٌ
وقلبي على دعوى لسانيَ شاهد
لقد كنتَ فخراً للعراق وزينةً
تُزانُ نواديه بها والمعاهد
وكنت على خِصبِ العراقِّي شاهداً
إذا أعوزتنا في التباهي شَواهد
وكنت أرقَّ الناس طبعاً ونُكتةً
وألطفَ من دارَتْ عليه المقاعد
وأنت ابتعثتَ الشعرَ بعد خُموله
نشيطاً . فخوضُ الشعر بعدك راكد
ثوى اليومَ في هذي الحفيرة عالِمٌ
باسرارها . لهه بالعقل ناشد
أقامَ على العلم الصحيح اعتقادَه
عَدوٌّ لا شباح الخُرافات طارد
وكان نقياً فكرةً وعقيدةً
عزيزاً عليه ان تَسِفَّ العقائد
يؤكد أن الدينَ حُبٌّ ورحمةٌ
وعدلٌ ، وأن اللهَ لا شكَ واحد
وأن الذي قد سخَّر الدينَ طامعاً
يتاجرُ باسم اللهِ ، للهِ جاحد
ثوَى اليومَ في هذي الحفيرة شاعرٌ
على الظلم محتجٌّ عن العدل ذائد
وشيخوخةٍ مدّت على الكون ظلَّها
تكافحُ عن آرائها وتجالِد
أبا الشعرِ ، إنَّ الشعر هذا محلُّه
فقد نصَّت الاسماعُ والجمع حاشِد
وهذي جيوشُ العلم والشعر تبتغي
لها قائداً فذاً فهل أنَت قائد؟
فأين قصيدٌ قد نظَمتَ فريدَهُ
وأينَ من الشعر البديعِ الفرائد
وأين النكاتُ المؤنساتُ كأنها
حدائقُ تُسقى بالندى وتعاوِد
وأين العيونُ اللامعاتُ زكانةً
رغائبُ تبدو تبدو فوقها ومقاصد
جميل أعانَ الرافدينِ بثالثٍ
من الشعر تَنميه بحورٌ رَوافد
وكان حياةً للنفوس ورحمةً
تُغاثُ بها هذي النفوسُ الهوامد
تطاوعُه غُرُّ كأنها
وصائفُ في زِيناتها وَولائد
أقولُ لرهطِ الشعر يبغون باعثاً
عليه . تُثير الشعرَ هذي النضائد
هلمُّوا إلى قبر الزهاويِّ نقتنصْ
به نَفَساً من روُحه ونُطارِد
وإن خيالاً يملأُ الشعرَ رَهبةً
سكونٌ على قبرِ الزهاويِّ سائد(59/281)
وحجُّوا إلى بيتٍ هو الفنُّ نفسُه
أنارَتْ " فَنيسٌ " ساحَه و " عُطارد"
فإن بيوتَ الشاعرين مناسكٌ
وإن قبورَ النابغين معابد
أبا الشعر والفكرُ المنبِّهُ أمةٌ
عزيزٌ علينا أنكَ اليومَ راقد
وأن الذي هزَّ القلوبَ هوامداً
وحرَّكَها في التُرب ثاوٍ فهامد
وأن فؤاداً شع نوراً وقوَّةً
هو اليوم مسودُّ الجوانب بارد
فهل أنت راضٍ عن حياة خبرتَها
ممارسةً أمْ أنت غضبانُ حارِد؟
أضاعوك حياً وابتغوك جنازةً
وهذا الذي تأباه صِيدٌ أماجد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أنا !..
أنا !..
رقم القصيدة : 66778
-----------------------------------
ءما حطَّمتْ جَلَدي يدُ النُوَبِ
لكنْ تَحَطَّمتِ النوائبُ بي
قل للخطوبِ إليكِ فابتعدي
ألمَستِ بي ضَعفْاً لتقترِبي
هتفت لي الأهوال تطلُبني
فبرزتُ حراً غيرَ منتقِب
أنا صخرةٌ ما إن تخوِّفُني
هذي الرياحُ الهوجُ بالصَخَب
إن الليالي حاوَلَت ضَرعَي
فوجدْنَني مُتعسَّرَ الحَلَب
وحَمِدْنَ غَرْبَ شَكيمةٍ عَسرَتْ
عن أن تُنال بعُنف مغتصِب
ومهدِّدي بالشرِّ يُنذرني
إن لم أُطِعْه بسوءِ مُنقلَب
أخْجَلتُه بالضِحك أحسَبهُ
كمُخوِّفٍ للنَبع بالغَرَب
قلتُ اطَّلِعْ فلقد ترىَ عَجَباً
فيه ، فقالَ وأعجَبَ العَجَب
إني أرىَ قلباً يدورُ على
جَيش كموجِ البحر مُضطرِب
ومُناشِدي نَسَباً أمُتُّ به
لم يدرِ ما حَسَبي وما نَسَبي
عندي من الأمواتِ مفخرةٌ
شمّاء مُريبةٌ على الطَلَب
لكن أنِفتُ بأنْ يعيدَ فمي
للناس عهدَ الفَخر بالعَصَب
حسبي تجاريبٌ مَهَرتُ بها
وإلى البلايا السودِ مُنتسَبي
وبذي وتلك كِفايتي شَرَفاً
يُرضِي العُلا ويَسُرَّ قبرَ أبي
هذا التعنُّتُ في تَبصُّرِه
متوقّداً كتوقُّ اللَهَب
إذ لا يلائمُ مَعدِني بَشَرٌ
ما لم يكُنْ من معدِنٍ صُلُب
الفَضلُ فيه لمَلْبَسٍ خَشِنِ
عُوِّدتُه ولمَطعَم جَشِب
ولوالدٍ وُرِّثْتُ من دَمِه
محضَ الإباء وسورةَ الغَضَب
عندي من الجَبَروت أصدقُه(59/282)
أُبديه للمتُجبِّرِ الكَذِب
لا أبتغي خصمي أُناشده
عَفْواً ولو أطوي على سَغَب
حربٌ لذي صَلَف . وذو أدب
سهلُ القِياد لكلِّ ذي أدَب
ولقد أرى في مدح مُنتَقِصي
لرغيدِ عيش أحسَنَ السَبَب
ليُحِلَّني من بَعد مَسغَبةٍ
في ذي زُروع مُعشِبِ خَصِب
فتلوحُ لي نَفسْي تهدِّدُني
أشباحُها بالويلِ والحَرب
فأعودُ أدراجي أرى سَعَةً
وعِمارةً في عُشِّيَ الخَرب
إني بلَوتُ الدهرَ أعذَبَه
وأمَرَّ ه الروَح والنَصَب
فوجدتُني أدْنى إلى ضَجَر
لكليهما وأحبَّ للوَصَب
ما بَينَ جنبَّي اللذينِ هُما
قَفَصُ الهموم ومَجمَع الكُرَب
قلب يَدُقُّ إلى العَنا طرَباً
ويحن مشتاقاً الى التَعَب
وأخٍ تلائمُني مشاربُه
وطباعُه في الجدِّ واللَعِب
انكَرتُ ضَعفاً في شكيمتِه
ومرونةً تدعو إلى الرِيَب
فطرَحْتُه أخشَى على شَمَمي
عَدوى ليانٍ منهُ مُكتَسَب
ودفنتُه لا القَلبُ يُنشده
أسفاً ولا دَمْعي بمنسَكِب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يا بدرداجيَة الخطوب ..
يا بدرداجيَة الخطوب ..
رقم القصيدة : 66779
-----------------------------------
هتفوا فأسنَدَتِ اليدانِ ضلوعي
وشَرِقتُ بالحسراتِ قبلَ دُموعي
وأصَخْتُ سَمعاً للنُعاة وليتنَني
من أجل يومِكَ كنتُ غيرَ سميع
قالوا تماثلَ للشِفاء بِشارةً
سَكَنت لها روحي وأُفرِخَ رُوعي
وحَمِدْتُ أن المجدَ غيرَ مبُاحةٍ
ساحاتُه والبيتُ غيرَ صَديع
حتى إذا طارَتْ بأجنحة الهنَا
والبشرِ نفسُ مُغرَّرٍ مخدوع
أبَتِ القوارِعُ أن تُميلَ طريقَها
عني فعدت لسِنِّيَ المقروع
خلعَ الرجاءَ وحل يأسٌ عابسٌ
جهمٌ مَحِلَّ مُنافسٍ مَخلوع
وتقهقرَتْ زُمَرُ الأماني وانجَلَتْ
عَرَصاتُها عن مُثخَنٍ وصَريع
فإذا بآمالي وما خادعنَنَي
كمؤمِّلٍ سَفَهاً سرابَ بَقيع
وإذا بقلبي يستفيضُ نجيعُه
وإذا بعيني تَستَقي بنجيع
كنا نشكِّكُ في البُكاء وصدِقِه
إذ كانَ أكثرهُ بغيرِ شَفيع
ونَرىَ الصيانَةَ للدمُوع رجُولةً(59/283)
حتى يُرَ ى سببٌ إلى التضييع
فالآنّ تصدُق دمعةُ الباكي إذا
نَزَلتْ عليك وأنَّةُ الموجوع
والآنَ ينزِل كلُّ طالبِ حاجةٍ
في قفرةٍ ليست بذاتِ زُروع
والآنَ تفتَقِدُ البلادُ مُحنَّكاً
يُحتاجُ في التنفيذِ والتشريع
والآن تَلتَمسُ العيونُ فلا ترى
أثراً لوجهٍ رائعٍ ومُريع
يا قبرُ من لم يَمتَهِنْ بضَراعةٍ
باد عليك تضرُّعي وخُشُوعي
يا بدرَ داجيةِ الخطوبِ ونورِها
أعزِزْ بانَّكَ غبتَ لا لِطلوع
خلّفتَ بغداداً عليك حزينةً
تستقبِلُ الدنيا بوجهِ هَلوع
تتجاوبُ الأسلاكُ في جَنبَاتها
بوميضِ بَرقٍ للنَعِيِّ سَريع
ضَغَطَت هُنا كفٌّ على أزراره
تُنبي بخطبٍ في العراقِ فَظيع
شَكَتِ السياسةُ فقدَ مُضطلِعٍ بها
فذٍّ بحلِّ المُشكلات ضَليع
والساسةُ الاقطابُ بعدَك أعوَلَت
عن فقدِ فوّام بهم وقَريع
مارستُ أصنافَ الرجال درايةً
من تابعٍ منهم ومن مَتبوع
ونفَدتُ للأعماقِ من أطباعهم
إذ كنتُ بالأشكال غير قَنوع
فاخترتُ لي من بينهم مجموعةً
ووجدتُك المختارَ في المَجموع
لله درُّك من بِناء طبيعةٍ
من كلِّ أجزاءِ العُلا مصنوع
مستشرفٍ يُعشِي العيونَ شُعاعُه
مُوفٍ على من رامَه مَرفوع
كنتَ الشُّجاعَ طبيعةً وسجيةً
إذ ينهضُ الجبناءُ بالتشجيع
كنتَ المقيمَ على التجارِبِ رأيَه
ويقيمهُ غِرٌ على المَسموع
كنتَ الرزين إذا الحلُوم تطايَرتْ
وأُعيرَ أهل الصبرِ ثوبَ جَزوع
واذا الخطوبُ استحكَمَتْ حلقاتُها
شنعاءُ تحصِب من تَرى بشنَيع َ
كنت السَميذَعَ تنجلي بشُداته
ظلُماتُ مُسودِّ الرُواق هزيع
صَقْرٌ يضيق مَطارُه بجناحه
حتى يخالُ الجوَّ غيرَ وسيع
متفرِّدٌ يربو على أقرانه
باعزِّ سَمتٍ في السماءِ رَفيع
ردَّتْ مخالبَها إليه فردَّها
حُمْراً مُقلَّمةً من التقريع
نصَبَ القضاءُ لصيده أشراكَه
فهَوَى وكلُّ محلِّقٍ لوُقوع
البيت بيتي أُسرِجتْ ساحاتُه
بشموعِ ممتدِحيه لا بشموعي
فإذا أسِيت فحرقةٌ لقبيلةٍ
نكِبَت بأسيافٍ لها ودُروع(59/284)
أين المصبيحُ الذين كأنهم
زُهْرُ النجوم بغَيبة وطُلوع
من كل رَكّاضٍ إلى غاياتِه
رَسْلاً بسرّ حدوده مدفوع
ومُفوَّهٍ كالفحل عند هديره
فَذِّ البيان يفيضُ من يُنبوع
هذي القُبور قصيدةٌ مفجوعةٌ
غنيِت قوافيها عن التقطيع
لم ترمِ بي قَدَمي هنا إلاّ جَرَت
من ذِكرياتِ السالفينَ دموعي
وكأنني بشخوصهم في مَحضرٍ
دانٍ ، بعيدٍ ، سائغٍ ، ممنوع
شيئانِ تفتقرُ البلادُ إليهما
خِصبُ الرجال بها وخِصْبُ ربيع
ملك الجميع حياة فذٍّ واحِدٍ
كان المصابُ به مُصابَ جميع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> المآسي في حياة الشعراء
المآسي في حياة الشعراء
رقم القصيدة : 66780
-----------------------------------
رَبَأتُ بنفسي ان تظل كما هيا
تُرَجِّي سراباً او تخافُ دواهيا
واكبرتُ أني لا ازالُ دريئة
يجرب فيها المُغرضون المراميا
نظائرُ مما احكم الغدرُ نسجَها
تذكِّرُني ما كنتُ بالأمس ناسيا
تجاريبُ لم أنعُم بعُقبى احتمالِها
على أن عندي غيرَها ما كفانيا
فلم ألف من خيرٍ ونُصح مُعوِّضاً
لأحمدَ عن شَرٍّ وغدرٍ جوازيا
كَفَى مُخبراً بي ان تكونَ مطامحي
مباهجَ أقوام تجيءُ ورائيا
ولم أرَ الا انني غيرَ منطوٍ
على خِسّة لما ابتغيتُ الدواعيا
إذا ما أدَرت الفكر فيما ارومُه
وما أبتغيه ان يكون مثاليا
وفي حالةٍ أُرغِمتُ ان أصطلي بها
مُحَلِّقَ نفسٍ عاثرَ الجد كابيا
رثَيتُ نفوسَ الشاعرين طموحةً
أريدُ لها ان تستَذلَّ جواثيا
عجِبْتُ لشعبٍ يُنجبُ الفَرد نَابغاً
حريقاً ، حصيفاً ، واثب النفس واعيا
يريد له نهجاً من المجد لاحِباً
وعصراً به يشأى العصورَ الزواهيا
يُزيل الشباب الرِخوَ عن مُستقرِّهِ
ويدفعه دفعَ الأتيِّ الجواريا
ويرهق بالتفكير نفساً عزيزةً
ليُعتِقَ رِقّاً او ليُرشدَ غاويا
ويستنهض الارواحَ غُفلاً مؤثِّلاً
قوادِمَه من شعره والخوافيا
له كلَّ يوم قطعةٌ من فؤادِه
يُساقطها للناشئين قوافيا
ولا سائلٌ عن ليلة كيف باته(59/285)
ولا كيف لاقى الصبحَ اسودَ داجيا
تشكَّى الطموحَ من مُحيطٍ أجاعه
فاطعمتُه غُرَّ القوافي دواميا
وما هي بالشكوى ولكن أثارة
وقد يُحسَب الليثُ المزمجرُ شاكيا
لعَنْتُ الضميرَ الحرّ لعنةَ غاضبٍ
رأي الغُنْم محموداً فذمَّ التفاديا
لقد كنتُ عما اصطلي في كِفاية
لو انيَ كنتَ المستغِلَّ المُحابيا
وقد كنت في بحبوحة لو عَدِمتُه
شعوراً حباني العُدمَ فيما حبانيا
لعمريَ أني سَوف اختطُّ خُطّة
تُضاعف دائي أو تكونُ دوائيا
وسوفَ أُري الايامَ نقمةَ حاقدٍ
اذا ما تقاضاها أساءَ التقاضيا
وما أبتغي رَدَّ العوادي منيخةً
على يدِ من يُزجِي إليَّ العواديا
ولكن بكفٍّ علَّمَ الزندُ كفَّها
مُقارعَةً او يسقطُ الزندُ واهيا
ألا هل أراني مُرسِلاً في شكيمتي
تُصرَّف كفّي كيف شاءت عنانيا
اذنْ لاستشَفَّ الناسُ نفساً تجلببتْ
غباراً يغطي اقتمَ الريشِ بازيا
وجدتُ دواءً في الصراحة ناجعاً
إذا افتَقَدتْ نفسي طبيباً مُداويا
وقد كان سِلمٌ في التغابي وراحةٌ
بقلبي لو أنّي أطَقتُ التغابيا
حباني العراق السمحُ أحسنَ ما حبا
به شاعراً للحق والعدل داعيا
وجاء كما استمطرتُ في الصيف مزنةً
وعيشاً كما اسأرتُ في الكأسِ باقيا
وعيشاً إذا استعرضته قلت عنده :
" كفى بك داء ان تَرىَ الموت شافيا"
وأوعدني بعد المماتِ احتفاءةً
يجوِّدُ فيها المُنشدون المراثيا
وحَفْلاً ترى فيه اكُفّاً تعجَّلَت
ظِمائيَ تستسقي عليّ الغواديا
وتلك " يد " أعيا لساني وفاؤها
فاوصيتُ اولادي بها وعياليا!
وان " فراتاً " للكفيءُ بشكرها
اذا مِتُ فليردُدْ عليها العواديا
مَضَت زَهرةُ العمر التي يحسبونَها
هي العمرُ لا عُوداً مع الشيب ذاويا
وراجعت في هذا السجل فصولَه
اقلِّبُ اياماً به ولياليا
أحاسِب نفسي كيف ألفَتْ يبيسة
ضروعاً سقت وغداً ، وغِرّاً ، وجافيا
وعما أفادت من بلادٍ تكالَبَتْ
على الغُنم ، وارتدَّت سِباعاً ضواريا
الم تجِدي والدهرُ نشوانُ طالِعٌ(59/286)
على الناس بالأفراح إلاّ المآسيا
يقصُّون احوالََ الحياة تمتُّعاً
وأنتِ تقصيِّن الحياة أمانيا
ولمّا أبَتْ عُذراً يقوم بحالها
مَضَت تدَّعي إن لم تُجَلبَبْ مخازيا
محاذيرُ يسترضي المغرِّرُ نفسَه
بها ويُخلِّيها جَسورٌ تحاشيا
ولا خيرَ في بَغيٍ تحاول نيلَها
إذا لم يُنهِكْ بيِّنَ البطش عاتيا
ولم يَعدُ في قصدي ولا سدَّ مذهبي
ولم يُنهِكْ الصبرَ المملِّ اعتزاميا
لئن كرهتْ مني الحضارةُ ناقماً
فقد حَمِدتْ مني البداوةُ باديا
صَبوراً على بأسائِها لا يخالُها
اشدَّ أذى من أن يُداري اعاديا
ولكنَّني آسَي لأخلاق عصبة
تعُدُّ المزايا الطيباتِ مساويا
ترى كل مَرهوبِ الشَذاة عدوَّها
وكلِّ رخيِّ العودِ خِلاٍّ مُصافيا
وهذا بلاء يُمطر الشرَّ منذراً
وهذا وباءٌ يَجرف الشَعب غاشِيا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> العَدل..
العَدل..
رقم القصيدة : 66781
-----------------------------------
لعمرُك إنَّ العدلَ لفظٌ اداؤُهُ
بسيطٌ ولكن كنهُه متعسِّرُ
تخيَّلَه عقلٌ نشيطٌ أرادَه
دليلاً لقومٍ في الحياة تعثَّروا
يفسِّرُهُ المغلوبُ أمراً مناقضاً
لما يرتأيهِ غالبٌ ويفسِّر
ولما رآه الحاكمون قذيفةً
تُضعضِعُ من أهوائهم وتدمِّر
ولم يجدوا مَندوحةً عن قَبوله
لإرضاءِ مخدوعينَ بالعدل غَّرروا
أتَوه بتاؤيلاتِهم يُفسدونه
قوانينَ باسم العدل تَنهى وتأمُر
لقد كانَ أولى بالرفاهِ وبالغِنى
ذكيُ فؤادٍ جائع يتضوَّر
وقد كان أولى بالحفاءِ وبالعَرى
وبالجوعِ هذا الأبلهُ المتبختِر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تحرك اللحد !..
تحرك اللحد !..
رقم القصيدة : 66782
-----------------------------------
كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ
واستَقبلوا يومَكُمْ بالعزمِ وابتدروا
وصَدِّقُوا مُخْبِراً عن حُسْنِ مُنْقلَبٍ
وآزِرُوه عسى أنْ يَصْدُقَ الخَبَرُ
لا تَتْرُكوا اليأسَ يَلقى في نُفوسكم(59/287)
لَه مَدَبَّاً ولا يأخُذْكُمُ الخَوَر
إنَّ الوساوِسَ إنْ رامَتْ مَسارِبَها
سَدَّ الطريقَ عليها الحازِمُ الحَذِر
تَذكَّروا أمس واستوُحوا مَساوئهُ
فقدْ تكونُ لَكُمْ في طَيَّه عِبَر
مُدُّوا جَماجِمَكمْ جِسراً إلى أملٍ
تُحاوِلونَ وشُقُوا الدربَ واخْتَصِروا
وأجمِعوا امرَكُم يَنْهَضْ بسعيِكُمُ
شَعبٌ إلى هِمَمِ الساعينَ مُفْتَقِر
إنَّ الشبابَ سِنادُ المُلْكِ يَعضُدُهُ
أيّامَ تُوحِدُهُ الأرزَاءُ والغِيَر
أتتْكُمُ زُمرةٌ تحدو عزائِمَها
ما خَلَّفت قَبلها من سيّيءٍ زُمَر
ألفتْ على كلِّ شبرٍ من مَسالكها
يلوحُ مما جَنى أسلافُها أثر
مُهمةٌ عظُمت عن انْ يقوم بِها
فردٌ وأن يتحدَّى امرَها نفر
ما إن لكُم غيرَهُ يومٌ فلا تَهنوا
وقد أتتكم بما تخشونه نُذُر
طالتْ عَمايةُ ليلٍ ران كَلْكَلُه
على البلادِ وإنَّ الصُبْحَ يُنتظر
وإنما الصُبحُ بالأعمال زاهيةً
لا الوعدُ يُغري ولا الأقوالُ تنتَشِر
وأنتَ يا بن " سليمانَ" الذي لَهِجتْ
بما جَسرتَ عليه البدوُ والحضر
الكابتُ النفسَ أزماناً على حنَقٍ
حتى طغى فرأينا كيفَ ينفجر
والضاربُ الضربةَ لصَدمتِها
لحمُ العُلوج على الأقدام ينتثر
هل ادَّخرتَ لهذا اليوم إهبَته
أم أنت بالأجل الممتَّدِ مُعتذر
أقدَمتَ إقدامَ من لا الخوفُ يمنَعُهُ
ولا يُنَهنِهُ مِن تَصميمهِ الخطر
وحَسْبُ امرِك توفيقاً وتوطئةً
أنَّ الطُغاةَ على الأعقابِ تَندحر
دبَّرتَ أعظمَ تدبيرٍ وأحسنَه
تُتلى مآثِرُهُ عُمراً وتُدَّكر
فهل تُحاوِل ان تُلقي نتائِجه
يأتي القضاءُ بها أو يَذْهب القَدَر
وهل يَسُرُك قولُ المُصطلين به
والمُستغِلين أنَّ الأمرَ مبتَسَر
وأنَّ كُلَّ الذي قد كانَ عِندَهم
على التبدل في الأسماءِ مُقْتَصر
وهل يَسُرُك أن تخفي الحُجُولُ به
ما دامَ قد لاحتِ الأوضاحُ والغُرَر
أُعيذُ تلك الخُطى جَبَّارةً صُعِقَت
لها الطواغيتُ وارتجَّت لها السُرُر
أنْ يَعتري وقْعَها من رَبكةٍ زَللٌ(59/288)
أو أن يثبِّط من إقدامها الحَذَر
ماذا تُريد وسيفٌ صارِمٌ ذَكرٌ
يحمي الثغورَ و أنتَ الحيَّة الذَكر
والجيشُ خلفَك يُمضي مِن عزيمتهِ
فَرطُ الحماسِ ويُذكيها فتَستعِر
أقدِمْ فأنتَ على الإقدامِ مُنطَبِعٌ
وأبطُشْ فأنت على التنكيل مُقتدر
وثِقْ بأن البلادَ اليومَ أجمعَها
لما تُرجيِّه مِن مسعاك تَنتظِر
لا تُبقِ دابِرَ أقوامٍ وتَرْتَهم
فَهم إذا وَجدوها فُرصَةً ثأروا
هُناك تنتظِرُ الأحرارَ مَجزرةٌ
شنعاءُ سوداءُ لا تُبقي ولا تَذَر
وثَمَّ شِرذِمةٌ الفَتْ لها حُجُباً
من طُولِ صَفحٍ وعَفوٍ فهي تَستَتر
إنّي أُصارِحك التعبيرَ مُجترئاً
وما الصريحُ بذي ذَنبٍ فَيعتذر
إن السماءَ التي ابديتَ رَونَقها
يومَ الخميس بدا في وَجهها كَدَر
تَهامَسَ النفَرُ الباكون عَهدَهُم
أن سوفَ يرجِعُ ماضيهم فَيزدِهر
تَجري الأحاديثُ نكراءً كعادتِها
ولم يُرَعْ سامرٌ مِنهُم ولا سمر
فحاسبِ القومَ عن كلِّ الذي اجترحوا
عما أراقوا وما اغتلوا وما احْتَكروا
للآن لمْ يُلغَ شبرٌ من مَزارعِهم
ولا تَزحزح مّمِا شيَّدوا حَجر
ولم يزل لهمُ في كلِّ زاويةٍ
مُنوِّهٌ بمخازيهم ومُفَتخر
وتلكَ لِلحرَّ مأساةٌ مُهيَّجةٌ
يَدمى ويدمعُ منها القلبُ والبصَر
فضيِّقِ الحبلَ واشدُدْ مِن خناقِهُمُ
فَربَّما كانَ في إرخائه ضَرر
ولا تَقُلْ تِرَةٌ تبقى حَزازتُها
فَهُمْ على أيِّ حالٍ كُنتَ قد وُتِروا
تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً
مما يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا
أكانَ للرِفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ
أم كانَ عن " حِكمةٍ " أو صحبِهَ خَبَر
واللهِ لاقتِيدَ "زيدٌ " باسم " زائدةٍ"
ولأصطلى " عامرٌ " والمبتغى " عُمَر"
ولا نمحى كلُ رَسمٍ من مَعالمكُم
ولاشتَفَتْ بِكُم الأمثالُ والسِيَر
ولا تزالُ لهم في ذاكَ مأرُبَةٌ
ولا يزالُ لهم في أخذِكُم وطَر
أصبحتُ أحذرُ قولَ الناسِ عن أسفٍ
من أن يروا تِلكمُ الآمالَ تَندَثِر
تَحرَّكَ الَلحدُ وانشقَّت مُجدَّدةً(59/289)
أكفانُ قَومٍ ظنَّنا أنَّهم قُبِروا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> شباب ضائع!..
شباب ضائع!..
رقم القصيدة : 66783
-----------------------------------
ذَخَرتُ لأحداثِ الزّمانِ يَراعا
يُجيد نِضالاً دونَها وقِراعا
وأعددْتُه للطارئاتِ ذَخيرةً
يُزيحُ عن الشرِّ الكمينِ قناعا
وألفيتُني في كلِّ خطبٍ يَنُوبُه
أُدافعُ عنه ما استطعتُ دِفاعا
وما في يدي إلاّ فؤادي أنَرْته
لِيُلْقي على سُودِ الخطوبِ شُعاعا
وكلّفْتُ نفسي أنْ تُحَقِقَ سُؤلْها
سِراعاً ، أو الموتَ الزؤامَ سراعا
وما ذاك إلاّ كالمؤدّي رسالةً
رأى كَتْمَها حَيْفاً بها فأذاعا
أهبتُ بشبانِ العراقِ وإنَّما
أردتُ بشعري أن أهيجَ سباعا
أنفْتُ لهذا النشءِ بينا نُريده
طويلاً على صدّ الكوارثِ باعا
يَدِبُّ الى البلوَى هزيلا كأنه
ربيبُ خُمولٍ نَشْأةً ورَضاعا
فما استَنْهضتْ منه الرزايا عزائماً
ولا أحْكَمَ التجريبُ منهُ طباعا
فلا هو بالجَلْدِ المُطيقِ احتمالها
ولا بالشُّجاعِ المستميتِ صراعا
فكم زعزعٍ ما حرّكَتْ منه ساكناً
وكم فُرَصٍ عنّت له فأضاعا
لقد طبقّ الجهلُ البلادَ وأطْبَقَت
على الصّمتِ شبانُ البلادِ جَماعا
وإنَّك لا تَدري أنشءاً مهذباً
تَسوقُ الرزايا أم تسوقُ رعاعا
بمصرَ ومصرٌ ما تزال طريدةً
شرى الظلمُ منها ما أراد وباعا
دويُّ شبابٍ أرْجَفَ الجورُ وقعَه
وزعزعَ من بُنيانِهِ فتداعى
لنا كلُّ هيئاتِ الشبابِ تَصَنُّعاً
وأزيائهم تمويهةً وخِداعا
وليس لنا إلاّ التطاحنُ بيننا
عِراكاً على موهومةٍ ونزاعا
هَلُمّوا الى النشء المثقّفِ واكشِفوا
حجاباً يُغَطّي سَوءةً وقناعا
تروا كلَّ مفتولِ الذراعين ناهداً
قصيراً إذا جدَّ النّضالُ ذِراعا
وكلَّ أنيقِ الثوبِ شُدَّ رباطُه
إلى عُنُقٍ يُعشي العيونَ لمَاعا
يموعُ إذا مسّ الهجيرُ رداءه
كما انحلَّ شَمْعٌ بالصِلاء فماعا
تراه خليَّ البالِ أن راح داهناً
وأن قد ذكا منه الأريجُ فضاعا(59/290)
وليس عليه ما تكاملَ زيُّه
إذا عَرِىَ الخَلْقُ الكثيرُ وجاعا
وأن راحَ سوطُ الذُّلِ يُلهب أمةً
كراهِيَةً يستاقُها وطَواعا
ولم تُشجِهِ رؤياً وسمعاً قوارعٌ
يسوء عياناً وقعُها وسَماعا
وربَّ رءوسٍ بَرْزَةٍ عشّشت بها
خُرافاتُ جهلٍ فاشتكَيْنَ صُداعا
وساوسُ لو حققّتَها لوجدتَها
من المهدِ كانت أذؤباً وضباعا
بها نوّمَتَنْا الأمهاتُ تخوّفاً
وما أيقظتنا الحادثاتُ تِباعا
ومُرّوا بأنحاءِ العراقِ مُضاعةً
وزوروا قرىً موبوءةً وبقاعا
تروا من عِراقٍ ضاع ناساً تسوءكم
عراةٌ ، حفاةٌ ، صاغرين ، جياعا
وإنَّ شباباً يرقَبُ الموتَ جائعاً
متى اسطاعَ عن حوْضِ البلاد دفاعا
وإنَّ شباباً في التبذل غاطساً
متى كان درعاً للبلاد مَناعا
غَزَتْ أمم الغربِ الحياةَ تُريدُها
وما زوُدَّت غيرَ الشبابِ متاعا
رأى شعبه مُلكاً مُشاعاً لخيره
فأصبح مُلكاً للبلاد مشاعا
إذا أصحرتْ للخطب كان شبابُها
حصوناً منيعاتٍ لها وقلاعا
فقرَّبتِ الأبعادَ عزماً وِهمّةً
وأبدلَتِ الدهرَ المطاولَ ساعا
ونحن ادّخَرْنا عُدّةً من شبابِنا
هزيلاً ومنخوبَ الفؤاد يراعا
إذا ما ألّمت نكبةٌ ببلاده
مضى ناجياً منها وحلّ يفاعا
زوى الشعبُ عنه خيرَه ورفاهَه
فلو سِيمَ فَلْساً بالبلاد لباعا
يرى في الصناعاتِ احتقاراً ويزدهي
إذا طَمْأنَ التوظيفُ منه طماعا
وها نحن في عصرٍ يَفيضُ صناعةً
نرى كلَّ من حاك الحصيرَ صناعا
نقاوِمُ بالعود البوارِجَ تلتظي
ونعتاضُ عن حدّ البخارِ شِراعا
كَرُبْتُ على حالٍ كهذي زريَّةٍ
أقول لأحلامٍ حلمتُ وَداعا
على أنّني آسٍ لعقلٍ مهذَّبٍ
وقلبٍ شُجاعٍ أن يَروحَ ضياعا
وَجَدْتُ جباناً من وَجدْتُ مُهذَّباً
وَجَدْتُ جهولاً من وَجَدتُ شُجاعا!
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> في السجن!..
في السجن!..
رقم القصيدة : 66784
-----------------------------------
ماذا تُريدُ من الزمانِ
ومن الرغائب والأماني
أوَكلّما شارفتَ من
آمالك الغرِ الحسان(59/291)
ورعتك الطافُ العناية
بالرفاهِ وبالأمان
أُغْرِمْتَ بالآهات إغرامَ
الحنيفةِ بالأذان؟
إن كنتَ تَحسُدُ من يحوطُ
البابَ منه حارسان
فلديكَ حراسٌ كأنَّك
منهُمُ في معمعان
ومؤكلون بما تُصرِّفُ
في الدقائقِ والثواني
أُسكنتَ داراً مالها
في الصيت والعظموت ثاني
ما إن يباحُ دخولُها
إلا لذي خَطَرٍ وشان
دارٌ يُشيرُ لها صديق
أو عدوٌ بالبنان
أهوى عليها ألفُ باكٍ
وادّعاها ألفُ باني
وُقّيتَ فيها رَغمَ أنفِك
من خبيئات الدِنان
وحُفظْتَ فيها من غرور المال
أو سِحْرِ الحسان
حجبوك عن لحظِ العيونِ
تأنقاً لك في الصيّان
مثل المعيديّ السَّماعُ
به أحب من العِيان
وعلامَ تَحْسُدُ من تلهّى
بالمثالث والمثاني
أوَليس خشخشةُ الحديد
ألَذَّ من عزفِ القِيان
يشدو بها من أجل
لهوك ألفُ مكروبٍ وعاني
أوزانُ شعرِك بعضُ
أوزانٍ حوتها باتزان
ماذا تريد من الزمان
أُعطيتَ ما لم يُعْطَ ثاني
أُعطيتَ من لطف الطبيعة
أن يُشِعَ النيران
صبحاً وإمساءً ، وأن
يوحي إليك الفرقدان
سبِّحْ بأنعُمِهِمْ فأنت
بفضل ما أولَوْك جاني
صكّ الحديدِ على يديكَ
جزاءُ ما جَنَتِ اليدان
يا عابثاً بسلامة الوطن
العزيز ، وبالأمان
ومفرقاً زُمَرَ اليهودِ
طوائفاً كلاًّ لشان
ما أنت و " الكاشير " و " الطاريف "
من بقرٍ وضان
إن الصحافةَ حرةٌ
لكن على شَرطِ الضمان
سبِّحْ بأنعُمِهمْ وإنْ
عانيت منهم ما تعاني
إن لم تُفدْكَ عقوبةٌ
فعسى تُفيدُ عقوبتان
أوْ لَمْ يُفِدْك مطهر
فلقد يُفيدُ مطهران
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ذكرى الهاشمي ...
ذكرى الهاشمي ...
رقم القصيدة : 66785
-----------------------------------
وفّاك ما يُقْضَى من التكريمِ
بَلَدٌ يوفّي حقَّ كلِّ زعيمِ
البصرةُ الفيحاءُ ضاق خِناقُها
ومشتْ بقلبِ مقرّحٍ مكلوم
عَطَفَتْ على الذكرى الاليمةِ عطفةً
نمّت على شَجَنٍ هناك أليم
ياسين إنّ هضيمةً ما ذقتَهُ
غدراً ولم تكُ قبلُ بالمهضوم(59/292)
ما كنتَ بالرجلِ الذي يمشى له
خَتَلاً كمِشيةِ قانصٍ لظليم
أسَفاً فكلُّ عظيمةٍ غلاّبةٌ
مغلوبةٌ بمقدَّرٍ محتوم
يكفيك فخراً أن تُكادَ بمثلها
مستورةً خَفيِتْ على التنجيم
جُبناً وعَجْزاً أنْ تُقابَل جَهرةً
شأنَ المُغارِمِ في اطّلاب غريم
هذا مقامٌ لا يليقُ بمثله
قولٌ فطيرُ الرأي غيرُ حكيم
فمن الحَراجةِ أن يُبَدِّلَ زِيَّهُ
من كان مرتدياً ثيابَ خصوم
خوفَ الغلو .. وليس من يُزْجي الثنا
لخصيمه في محنةٍ بمَلوم
قد كنتَ فذاً في الرجال .. نبوغُهم
وقفٌ على التبجيل والتعظيم
وجهادُهٌمْ خيرُ الجهاد لأمة
تُهدى إلى نَهْجٍ أغَرَّ قويم
وسياسة هي ملكُ شعبٍ قولُه
فصلٌ لرفضٍ كان أو تسليم
سايرتُ حكمكَ ناقماً لم ادّرعْ
حزبا ولم أزحَفْ بظلِّ زعيم
حاشا ولم أهتِفْ لغيرك داعيا
أو أن أخُصَّ سواك بالتقديم
لكن طموحٌ ليس يَرْضي أهلُهُ
أن تستمرَّ سياسةُ الترميم
كنا نرى المعوجّ من أوضاعنا
في حاجةٍ قصوى إلى التقويم
ونُحِسُّ أنّا بالغون أشُدَّنا
ومعلّلون تَعِلةَ المفطوم
ونرى شتاتَ جهودِنا وصفوفنا
ليست على شيءٍ من التنظيم
ووعودَ من يتحضّنون شؤوننا
ملأى من التخدير والتنويم
نبغي المزيدَ وتقتضينا ساسةٌ
أن نرتضي بنصيبنا المقسوم
ونراك جباراً يكونُ لفكره
في المعضلات مردُّ كلِّ جسيم
ولقد يكون العذرُ أنا طُمَّحٌ
ولقد تكون وأنت غيرُ ملوم
اما مُقامُك فهو غيرُ منازعٍ
ومدى حجاك فليس بالمكتوم
سايرتُ حكمَك ناقماً ووجدتُني
بازاء شهمٍ في الخصام حليم
رحبٍ بنقد خصومه متفتحٍ
بالبشر آونةً وبالتفهيم
يُعطيهِمُ نَصَفاً ويعلمُ أنّه
رجلٌ يَسوس وليس بالمعصوم
ياسين إن خسارةً أن يغتدي
ذاك الدماغُ الفذُّ محضّ رميم
وفجيعةٌ أن نبتغيك فلا تُرى
لجلاء جوٍّ بالبلاد مَغيم
يا درعَ مملكةٍ متينٍ نسجُها
وحسامَ مُلْكٍ ليس بالمثلوم
إن العراقَ وقد نُعيت موكِّلٌ
مما دهاه يمُقْعِدٍ ومقيم
إنا فقدنا يومَ فقدِك كوكبا
ما ان تعوِّضُ عنه غُرُّ نُجوم(59/293)
لله طِبُّك في السياسة إنه
رَوْح الوَنَى ودواءُ كلّ سقيم
كم فترة دهتِ العراقَ عصيبةٍ
فرّجَتها بدهائك المعلوم
لله درُّك أيَّ زعزعِ عاصفٍ
فيما تدبّرُهُ وأيَّ نسيم
تعلوك سيماءُ الخليِّ جلادةً
ولقد تكونُ نموذجَ المهموم
كنتَ الحفيظَ على السياسة داعماً
ركنَ المُفاوضِ أيَّما تدعيم
قسطاسَ حكمٍ كان حلمُك وحده
نِعْمَ الضمانُ عن انزلاقِ حُلوم
فيما يولّد حرُّ رأيك تَتّقي
نزواتِ رأيٍ يستجدّ عقيم
كم موقفٍ معصوصبٍ متلابس
جَلّى .. وكم داءٍ به محسوم
كنت المضيءَ سبيلَ كلِّ عَميّةٍ
تَيَهْاءَ تعتورُ البلادَ بهيم
صُلبَ العقيدةِ لا يردُّك حادثٌ
في كل ما تَبْني عن التصميم
واذا البلادُ تفرّقت آراؤها
شِيعاً بلا نَهْجٍ لها مرسوم
أطلعتَ رأيك بينها فتطايحت
لك عن مكانِ السيدِ المخدوم
كنا إذا ضاق الخِناقُ وحَشْرَجَتْ
نَفْسٌ بغيظٍ حانقٍ مكظوم
وبدا لنا الدستورُ وهو مخلَّعٌ
عريانَ غيرَ تستُّرٍ مزعوم
لذنا بياسينٍ فكانت قوةٌ
جبارةٌ في وجه كلِّ غَشوم
واليومُ نخشى أن يَضيعَ توازُنٌ
في الكِفَّتَيْنِ وأنت غيرُ مقيم
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> إلى الشباب السوري..
إلى الشباب السوري..
رقم القصيدة : 66786
-----------------------------------
حيِّ الصفوفَ لرأبِ الصدعِ تجتمعُ
وحيِّ صرخةَ أيقاظٍ بمن هجعوا
إنَّ الشبابَ جنودَ اللهِ ألَّفهمْ
في " الشامِ " داعٍ من الأوطانِ مُتَّبع
مَشوا على خَطوهِ تنحطُّ أرجلُهمْ
كما اشتهى " المثلُ الأعلى " وتَرتفع
" دِمَشقُ " لم يُبق منكِ الدهرُ باقيةً
إلاّ الذي في توَقي غيرِه ضَرَع
ولو أردتُ بكِ التقريع عن مِقَةٍ
لقلتُ : أنفُكِ رغمَ العزِّ مُجتدع
فما انتظارُكِ مَيْتاً لا ضميرَ لهُ
حزماً فلا الخوفُ ذو شأنٍ ولا الطمع
نُبِّئتُ في " الغُوطةِ " الغنّاءِ عاصفةٌ
تكادُ تجتثُّ ما فيها وتَقتلع
مرَّتْ على " بردى " فالتاثَ مَوردهُ
وبالغياضِ فلا حُسنٌ ولا مَرَع(59/294)
فقلتُ : لاضيرَ إنْ كانت عجاجتُها
عن غضبةِ البلدِ المسلوبِ تنقشع
وهل سوى مُتَعٍ زالتْ ستخلِفُها
مُخَّلداتٍ . حِساناً . خُرَّداً . مُتَع
أمَّ البلادِ التي ما ضيِم نازِلُها
يوماً . ولم يَدْنُ منها العارُ والهَلع
محميَّةً بالأصمِّ الفردِ تحرُسُه
غُلْبُ الرِّجالِ على الآجالِ تقترع
مثلَ " النسورِ " إذا ما حلَّقوا رهبوا
والموتُ ملءُ خوافيهم إذا وقعوا
الحاسِرونَ كنبعِ السروةِ احتفَلوا
بالنازلاتِ فلا التاثوا . ولا ادَّرعوا
والرابضونَ كآسادِ الشرى فاذا
هِيجوا رأيتَ المنايا كيف تندفع
لا ينطقونَ الخّنا حتى إذا اقتَتلوا
فمنطِقُ الفتكِ منهم منطقٌ قَذَع
دِمَشقُ يا " أمُّ " إنَّ الرأيَ مُحتَفلٌ
والعزمَ مُحتتشَدٌ . والوقتَ مُتسِع
قولي يُجبْ شاحِنُ الأضلاعِ مرتقِبٌ
واستصرخي ينتفضْ غَيرانُ مُستمع
وأجمعي الأمرَ .. نُجمِعْ لا يُفرِّقنا
أأنتِ .. أمْ نحنُ فيما ينبغي تَبع
وطوعَ أمركِ أجنادٌ مجنَّدةٌ
إلى " العُروبِة " بعد اللهِ تنقطع
يُغنيكِ عن وصف ما يَلقونَ أنهمُ
خوفاً عليكِ ، ولمَّا تُفجعي ، فُجعوا
وقد يكونُ قريباً أنْ ترى " حلبٌ "
خيلَ العراقِ قُبيلَ النجعِ تنتجع
"قُبّاً " شوازبُ لا تُلوى شكائمُها
ولا يرينُ على " تقريبه " الضلَع
ثقي " دِمَشقُ " فلا حدٌّ ولا سِمةٌ
ولا خطوطٌ - كلعبِ الطفلِ - تُبتدع
تُقصيكِ عن أرضِ بغدادٍ ودجلتها
أمَّا الفراتُ فنبعٌ بيننا شَرع
إذا " الجزيرةُ " روَّت منه غُلَّتها
روَّى الغليلَ الفراتيونَ وانتقعوا
جرى على الكأسِ والأنباءُ مُفجِعةٌ
دمعٌ هو القلبُ نحوَ العينِ يَندفع
وارتاحَ للبثِّ " خِدنٌ " كادَ يَخنقه
ذكرى " دمشقَ " وما تلقى وما يَقع
فقلتُ : ليتَ " فرنسا " ها هُنا لترى
كيف القلوبُ على الأرزاءِ تَجتَمع
هذي مباهجُ " بغدادٍ " ونشوتُها
وجداً عليكِ . فكيف الحزنُ والهلع
دارتْ دمشقُ بما اسطاعتْ فما قدرت
على سياسةِ خبّ داؤها الجشَع
كانت " أناةٌ " فلم تَنجع .. ولا جنَفٌ(59/295)
وكانَ ريثٌ فلم ينفعْ .. ولا سرَع
بعدَ الثلاثينَ عاماً وهي رازحةٌ
حسرى .. تطلَّعُ للماضي وترتجع
كانت محافِلُ " باريسٍ " لها سنَداً
واليومَ منها يحين الحَينُ والفزع
" اليومَ " ضاقتْ بشكواها وآهتِها
و " أمسِ "كانت على " عثمانَ " تتسع
حتى كأنْ لم يكنْ للعُربِ مطَّلبٌ
ولا استقلَّ بحملِ القومِ مضطلِع
ولا مشتْ " بُرُدٌ " والموتُ يحملها
ولا سعتْ " رُسلٌ " والموتُ يتَّبع
ولا المشانقُ في أعوادِها ثمرٌ
غضٌّ منَ الوطنِ المفجوعِ يُقْتطع
لئن تكن خُدَعٌ ساءتْ عواقبها
فكم أنارتْ طريقاً مُظلِماً خُدَع
كانتْ دُروساً لسوريا وجيرتِها
من فرطِ ما طبَّقوها فيهمُ برعوا
يا ثورةً قرَّبَ الظلمُ اللِّقاحَ بها
سيلمسُ المتجِّني شرَّ ما تضع
قالوا : السياسةُ شرعٌ ما به نصفٌ
فهل تكونُ جنوناً ما به وَرَع ..؟
وهل يُريدونَ بعدَ اليومِ تجربةً
وفي تذكُّرِ ما قد فاتَ مُرتَدَع
قلبَ العُروبةِ هل بُشرى نُسرُّ بها
أنَّ " السُّويداءَ " بُرْءٌ ما به وجع
و " اللاذقيةُ " هل " ربٌّ " يقوم بها
أم ربُّها العَلمُ المحبوبُ يرتفع
وفي " الجزيرةِ " هل زالت وساوسُها
وهل توَّحدتِ الآراءُ والشِّيَع
يا " جنَّةَ الخُلدِ " لو لم يؤذِ نازلها
ضيفٌ ثقيلٌ عليها ، وجهُه بَشع
بادي المخالبِ " وحشٌ " لم يلدهُ أبٌ
لكنَّه في ديارِ الغربِ مُختَرَع
" دمَشقُ " إنَّ معي قلباً أضيقُ به
يكادُ من خلجاتِ الشوقِ ينخلع
جمَّ النزيِّ .. إلى مغناكِ مُتَّجهٌ
كأنه من رُباكِ الخُضْرِ مُنتزَع
ناغي خيالُكِ " أطفالي " فيقظتُهم
ذكرى ، وطيفُكِ مغناهم إذا هجعوا
" فراتُ " أشبهُ كلِّ الناسِ بي ولعاً
فيما أُحِبُّ .. تبنَّاهُ بكِ الوَلع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يوم فلسطين
يوم فلسطين
رقم القصيدة : 66787
-----------------------------------
هبت الشامُ على عاداتها
تملأ الأرضَ شباباً حَنِقا
نادباً بيتاً أباحوا قُدْسَهُ
في فِلَسْطينَ . وشملاً مِزَقا(59/296)
بَرَّ بالعهد رجالٌ أُنُفٌ
أخذ الشعبُ عليهم مَوْثقا
شرَفاً يومَ فِلسطينَ فقد
بلغ القِمَّةَ هذا المرتقى
ألبس الملكَ رداءً وازدهت
روعةُ التاريخِ منه رَوْنقا
اسمعي يا جِلَّقٌ !! إن دماً !
في فِلَسْطينَ هضيماً نطقا
عربياً سال من أفئدةٍ
عربياتٍ تلظت حُرَقا
صبغ الأرضَ وألقى فوقها
من فداءٍ وإباءٍ شفقا
تَحْمِلُ الريحُ إلى أرجائها
من زكّياتِ الضحايا عَبَقا
اسمعي يا جلقٌ !! إن دما !
في فِلَسْطينَ ينادي جِلَّقا
اسمعي : هذا دمٌ شاءت له
نخوةٌ مهتاجةٌ أنْ يُهْرقا
شدَّ ما احتاجت إلى أمثاله
أممٌ يُعوِزُها أن تُعْتَقا
شاهدٌ عدلٌ على الظلم إذا
كَذَبَ التارِيخُ يوماً صدقا
احملي ما اسطَعْتِ من حبّاته
واجعليها لعيونٍ حَدَقا
يسقطُ الطفْلُ على والده
وارداً موردَه معتنِقا
وتمر الأمُّ غضبى ساءها
في سباق مِثلِهِ أن تُسبَقا
نَسَقٌ للموت لم نسمعْ به
ليتنا نَعْرِفُ هذا النسقا
هكذا تُعْلِنُ صرعى أمةٍ
أن شعباً من جديدٍ خُلِقا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> شاغور حمانا ...
شاغور حمانا ...
رقم القصيدة : 66788
-----------------------------------
عاودتُ بعد تغيُّبٍ لُبنانا
ونزلتُ رَحْبَ فِنائه جَذلانا
ودَرَجتُ اقتنصُ الشباب خَسِرتُه
ذا رِبحةٍ ورَبِحته خسرانا
فوجدتُ رَيْعان الجمالِ ولم أسَأ
أني أضعت من الصبا ريعانا
ووجدتُ في مرح الحياة طفولتي
وشبيبتي وكهولتي سِيّانا
ونقضتُ بيني والكوارثِ مَوثِقاً
وأخذت من عَنَتِ الزمان أمانا
وأقَمت من يَومي لأمسيَ حاجزاً
وضَرَبت سَداً بينَنا النِسيانا
وطلَبتُ عونَ قريحتي فوجدتُها
سمحاءَ تبذُل خيرَها مِعوانا
وأثرتُ هاجعةَ القوافي لم تجد
في الراقدين لركضة ميدانا
قام الجفافُ بعذرها واستامَها
خِصبُ الجبال مرونةً ولِيانا
وأريتها " حَمّانة " فرأتْ بها
مَلَكاً يمُدُّ الشعرَ لا شيطانا
وأردتُها تَصِف الحياة رقيقةً
وجليلةً وتُجيدها إتقانا
فشكَتْ إلى لُغىً تضيقُ حروفُها(59/297)
عن أن تُسيغ السجعَ والأوزانا
" شاغورُ حمانا " ولم يَرَ جنةً
من لم يشاهدْ مرةً " حمانا "
مرْجٌ أرادتْه الطبيعةُ صورةً
منها على إبداعها عُنوانا
فحبتْه بالمُتَع الروائعِ كلِّها
ورَمَت عليه جمالَها ألوانا
المنتقاةَ من الحياة طبيعةً
والمصطفاة من البلاد مكانا
والخافقاتِ ظلالُها عن سَجسَجٍ
يَشفى الغَليل ويُثلجُ الظمأنا
والغامراتِ عيونُها وديانَها
وجبالَها وبقيعَها الفينانا
والغارقاتِ مروجُها في سُندُسٍ
خُضرٍ تَفوح من الشَذا أردانا
وادٍ تَلَفَّت ناشئاً فاذا به
بين الجبال تكفَّلَته حَنانا
واذا بها بمياهه وغياضِه
جاءَت تحوِّطُ مَرْجه بستانا
انظر إلى الجبل الأصمِّ بزرعِه
متبختراً وبضرعِه رَيّانا
لامستِ بالشك اليقينَ وزعزعَتْ
مرآكِ نفساً تنشُدُ الإيمانا
أمِنَ الجنان وخمرها لكِ صورةٌ
صوِّرَت عنكِ الجنانُ جنانا
عاودتُ ماءَكِ ناهلاً وحسبتُني
عاودتُ بعدَ تعفُّفٍ إدمانا
يا اختَ " لا مرتين " ارهفَ جوُك
الإحساسَ منه ولطَّفَ الوجدانا
هذي الينابيعُ الحسانُ تفجَّرتْ
منها ينابيعُ البَيان حِسانا
الخالداتُ خلودَ شمسك طلقةً
والسامياتُ سموَّ هضبِك شانا
والباعثاتُ من العواطف خيرَها
إيناسةً . وأرقَّها أحزانا
وحيٌ تنزَّلَ والندى ورسالةٌ
هَبَطتْ وأضواء النجوم قِرانا
في ساعةٍ أزَليةٍ بهباتِها
شأت الوحاة وبَزَّتِ الأزمانا
يا أيها النهرُ الذي بخريره
وَعَتِ العصورُ نشيدَهُ الرنّانا
يا أيها الجبلُ المَهيبُ بصمته
مترهِّباً يستلهمُ الأكوانا
يا أيها الشجَرُ الذي بحفيفِه
وفَّى الحياة ونورها شُكرانا
ما ضرَّ انك ما مَلَكتَ لسانا
ولأنت أفصحُ مَنطِقاً وبيانا
" شاغور حَمّانا " أثارَ بلُطفه
قِممَ الجبال وأرقَصَ الوديانا
فرشت له صُمُّ الصفا أذيالها
وتفتحَّت ثَغَراتُها أحضانا
ومَشَى عليها مالكاً ادراجها
متشوقاً لمسيله عَجْلانا
غَنِنَتْ به غُرُّ الضِفاف فخورةً
وزَهَا به يَبَسُ الثَرى جذلانا(59/298)
وكسا الحشائشَ رونقاً لم تُعطَهُ
وجلا رُواءُ نميره العيدانا
وبدا الحَصَى اللمّاعُ في رَقراقه
دُرراً غواليَ تزدهي وجُمانا
تَرَكَ الجبالَ وعُريَها وهَجيرَها
وتقمَّصَ الاشجارَ والأغصانا
ورمى الخيالَ بمعجزٍ من حُسْنِهِ
في حالتَه كاسياً عُرْيانا
واستقبلته على الضِفاف بلابلٌ
نَشْوى تُغَنِّى مثلَه نَشْوانا
مُتَلوِّياً يُعطيك في لَفتاته
بين المسارب تائهاً حيرانا
ألقت عليه الشمسُ نُوراً باهتاً
زان الظلال رقيقةً وازدانا
وارتد إبّان الظهيرة غائماً
كالفجر يُعلن ضجةً اِيذانا
أوغَلتُ في أحراجه وكأنني
أصبحت أولَ مرَّةٍ فنّانا
وكأنني فيما أُحاولُ ، هاربٌ
حَذِرٌ مخافةَ ان يَرَى إنسانا
ووجدتُ نفسي والطبيعة ناسيا
ماذا يضمّ العالمان سوانا
ورميتُ أثقال المطامحِ جانباً
ووجدت عن خُدُعاتِها سُلوانا
وحسِبت عصفوراً يُلاعب ظلَّه
في الماءِ ينعمُ راحةً وأمانا
واستسلمتْ نفسي لاحلامِ الصبا
ولمَسْت طيف خيالها يقظانا
ومَزَجْتُ بين الذكريات خليطةً
فوجدتُني متلذِّذاً أسيانا
وتسلَّلتْ بالرَغم مني مرَّةً
صُورُ الحقائق تبعثُ الأشجانا
فإذا الخيال المحضُ يلمعُ زاهياً
وإذا الحقيقةُ تُطفىءُ اللمَعَانا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ناجيت قبرك ...
ناجيت قبرك ...
رقم القصيدة : 66789
-----------------------------------
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ
أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ
قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا
عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها
رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَد
أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جهلُهمُ
ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد
طالَ التَمحْلُ واعتاصتْ حُلولُهم
ولا تزالُ على ما كانتِ العُقَد
ليتَ الحياةَ وليت الموتَ مرَحمَةٌ
فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لبَد
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِبا قُصفَتْ
ولا العجوزُ على الكّفينِ تَعتمِد(59/299)
وليتَ أنَّ النسورَ استُنزفَتْ نَصفاً
أعمارُهنَّ ولم يُخصصْ بها أحد
حُييَّتِ " أُمَّ فُراتٍ " إنَّ والدة
بمثلِ ما انجبَتْ تُكنى بما تَلِد
تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِها
بُدّاً ، وإنْ قامَ سدّاً بيننا اللَحد
بالرُوح رُدِّي عليها إنّها صِلةٌ
بينَ المحِبينَ ناذا ينفعُ الجَسد
عزَّتْ دموعيَ لو لمْ تَبعثي شَجَناً
رَجعت مِنه لحرِّ الدمع أبترِد
خَلعتُ ثوبَ اصطِبارٍ كانَ يَستُرنُي
وبانَ كِذبُ ادِعائي أنَّني جَلِد
بكَيتُ حتَّى بكا من ليسَ يعرِفُني
ونُحتُ حتَّى حكاني طائرٌ غَرِد
كما تَفجَّرَ عَيناً ثرَّةً حجَرٌ
قاسٍ تفَجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَلد
إنّا إلى اللهِ ! قولٌ يَستريحُ بهِ
ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحدوا
مُدَّي إليَّ يَداً تُمْدَدْ إليكِ يدُ
لابُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نتَّحِد
كُنَّا كشِقَّينِ وافي واحداً قدَرٌ
وأمرُ ثانيهما مِن أمرِهِ صَدَد
ناجيتُ قَبرَكِ استوحي غياهِبَهُ
عن ْحالِ ضيفٍ عليهُ مُعجَلا يفد
وردَّدَتْ قفرةٌ في القلبِ قاحِلةٌ
صَدى الذي يَبتغي وِرْداً فلا يجِد
ولَفَّني شَبَحٌ ما كانَ أشبَههُ
بجَعْدِ شَعركِ حولَ الوجهِ يَنعْقد
ألقيتُ رأسيَ في طيَّاتِه فَزِعاً
نظير صُنْعِيَ إذ آسى وأُفتأد
أيّامَ إنْ صناقَ صَدري أستريحُ إلى
صَدرٍ هو الدهرُ ما وفى وما يَعِد
لا يُوحشِ اللهُ رَبعاً تَنزِلينَ بهِ
أظُنُ قبرَكِ رَوضاً نورُه يَقِد
وأنَّ رَوْحكِ رُحٌ تأنَسِينَ بها
إذا تململَ مَيْتٌ رُوْحُهُ نَكَد
كُنَّا كنبَتةِ رَيحانٍ تخطَّمَها
صِرٌّ . فأوراقُها مَنزوعَةٌ بَددَ
غَّطى جناحاكِ أطفالي فكُنتِ لهُمْ
ثغراً إذا استيقَظوا ، عِيناً اذا رقَدوا
شّتى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ بها
فهلْ يكونُ وَفاءً أنني كمِد
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَسٌ
لهُ محلاً ، ولا خُبْثٌ ولا حَسد
ولم تكُنْ ضرةً غَيرَى لجِارَتِها
تُلوى لخِيرٍ يُواتيها وتُضْطَهد
ولا تَذِلُّ لخطبٍ حُمَّ نازِلُهُ(59/300)
ولا يُصَعِّرُ مِنها المالُ والولد
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ
واللهِ لو كانَ خيرٌ أبطأتْ بُرُد
ضاقَتْ مرابِعُ لُبنانٍ بما رَحُبَتْ
عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُد
تلكَ التي رقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُها
أيامَ كُنَّا وكانتْ عِيشةٌ رَغَد
سوداءُ تنفُخُ عن ذِكرى تُحرِّقُني
حتّى كأني على رَيعانِها حَرِد
واللهِ لم يحلُ لي مغدىً ومُنْتَقَلٌ
لما نُعيتِ ، ولا شخصٌ ، ولا بَلَد
أينَ المَفَرُّ وما فيها يُطاردُني
والذِكرياتُ ، طرُّيا عُودُها ، جُدُد
أألظلالُ التي كانتْ تُفَيِّئُنا
أمِ الِهضابُ أم الماء الذي نَرِد؟
أم أنتِ ماثِلةٌ ؟ مِن ثَمَّ مُطَّرَحٌ
لنا ومنْ ثَمَّ مُرتاحٌ ومُتَّسَد
سُرعانَ ما حالتِ الرؤيا وما اختلفَتْ
رُؤىً ، ولا طالَ - إلا ساعةٍ - أمَد
مررتُ بالحَورِ والأعراسُ تملؤهُ
وعُدتُ وهو كمثوى الجانِ يَرْتَعِد
مُنىً - وأتعِسْ بها - أنْ لا يكونَ على
توديعها وهيَ في تابُوتها رَصَد
لعلَّني قارئٌ في حُرِّ صَفْحَتِها
أيَّ العواطِفِ والأهواءِ تَحْتَشِد؟
وسامِعٌ لفظةً مِنها تُقَرِّظُني
أمْ أنَّها - ومعاذَ اللهِ - تَنْتَقِد
ولاقِطٌ نظرةً عَجلى يكونُ بها
ليْ في الحياةِ وما ألقى بِها ، سَند
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> خبر!..
خبر!..
رقم القصيدة : 66790
-----------------------------------
خبر وليسَ كسائر الاخبارِ
حَصَبَ البلاد بمارجٍ من نارِ
فلَوَتْ له الصيدُ الاماجدُ هامَها
حُزناً لفقد زعيمِها المختار
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الإقطاع...
الإقطاع...
رقم القصيدة : 66791
-----------------------------------
ألا قُوَّةٌ تسطيعُ دفع المَظالِمِ
وإنعاشَ مخلوقٍ على الذُّلِّ نائِمِ
ألا أعينٌ تُلقى على الشَّعْبِ هاوياً
إلى حَمْأةِ الإدقاعِ نظرةَ راحم
وهَلْ ما يرجِّي المُصلحونَ يَرونهُ
مواجَهَةً أمْ تلكَ أضغاثُ حالم
تعالَتْ يدُ الاقطاعِ حتَّى تعطَّلَتْ(59/301)
عنِ البتِّ في احكامِها يدُ حاكم
وحتَّى استبدَّتْ بالسَّوادِ زعانِفٌ
إلى نَفْعِها تستاقُهُ كالبهائم
إذا رُمْتُ أوصافاً تليقُ بحالةٍ
تعرَّفْتُها ضاقَتْ بطونُ المعاجم
ألا نستحي منْ أنْ يُقالَ بلادُهُمْ
عليها مِنَ الإذلالِ ضربةُ لازم
هي الأرضُ لم يَخْصُصُ لها اللهُ مالكاً
يُصَرَّفُها مُسْتَهْتَراً في الجرائم
ولم يَبْغِ منها أنْ يكونَ نَتاجُها
شَقاوةَ مظلومٍ ونعمةَ ظالم
عجِبتُ لخلْقٍ في المَغارِمِ رازِحٍ
يُقدِّمُ ما تجني يداهُ لغانم
وأنكا من هذا التغابُنِ قُرْحَةً
غباوةُ مَخْدومٍ وفِطنةُ خادم
وكمْ مِن خُمولٍ لاحَ في وجه متْرفٍ
وكمْ من نبوغٍ شعَّ في عينِ عادِم
لو اطَّلَعتْ عيناكَ أبصرتَ مأْتَماً
أُقيمَ على الأحياءِ قبلَ المآتم
وإلاّ فما هذا الشَّقاءُ مُسَيْطِراً
لهُ في جباهِ القومِ مثلُ المياسم
إذا أقبلََ " الشيخُ المُطاعُ "وخَلْفَهُ
منَ الزارعين الأرضَ مِثْلُ السَّوائم!
مِنَ المُزهَقي الأرواح يَصلي وجوهَهُمْ
مَهَبُّ أعاصيرٍ ، ولفحُ سمائم
قِياماً على أعتابهِ يُمطِرونها
خُنوعاً وذُلّاً بالشّفاهِ اللواثم
رأيتَ مثالاً ثَمَّ لابنِ ملائكٍ
تَنَزَّلَ مِن عَليْائهِ وابنِ آدم!
حَنايا مِنَ الأكواخِ تُلقي ظِلالَها
على مِثْلِ جُبٍ باهتِ النُور قاتم
تلوَّتْ سِياطٌ فوقَ ظهرِ مكرَّمٍ
مِن اللُؤمِ مأخوذٍ بسوطِ الألائم
وباتَتْ بطونٌ ساغِباتٌ على طَوىً
وأُتخِمَت الأخرى بِطيبِ المطاعم
أهذي رعايا أُمَّةٍ قد تهيَّأتْ
لِتسْقَبْلَ الدُّنيا بعزمِ المُهاجم!؟
أهذا سوادٌ يُبتغىَ لِمُلِمَّةٍ
ونحتاجُهُ في المأزِق المتلاحِم ؟
أهذي النفوسُ الخاوياتُ ضَراعةً
نُباهي بها الأقرانَ يومَ التَّصادم؟
أمِنْ ساعِدٍ رِخوٍ هَزيلٍ وكاهلٍ
عجوزٍ نُريدُ المُلْكَ ثَبْتَ الدَّعائم!
مِنَ الظلْمِ أنَّا نَطْلُبُ العزمَ صادقاً
من الشعبِ منقوضَ القُوى والعزائم
وأنْ نَنْشُدَ الاخلاصَ في تضحياتهِ
ونحنُ تركناهُ ضحيَّةَ غاشم(59/302)
وأنْ نبتغي رِكضاً حَثيثاً لِغايةٍ
نُحاوِلُها مِن راسِفٍ في أداهم
لنا حاجةٌ عندَ السَّوادِ عظيمةٌ
سنفقِدُها يومَ اشتدادِ الملاحِم
هُناِلكَ لا تُجدي فتيلاً عِصابةٌ
إذا جَدَّ خطبٌ فهي أوَّلُ راجم
وإنَّ سواداً يحمِلُ الجَوْرَ مُكْرَهاً
فقيرٌ لِهادٍ بَينِ النُصْحِ حازِم
يَشُنُّ على الاقطاعِ حرباً مُبيدةً
ولا يَختشي في الحقِّ لَوْمَةَ لائم
يَمُدُّ يداً تُعطي الضّعافَ حُقوقَهُمْ
ويَسْطو بأخرى باطشاً غيرَ راحم
ويجتَثُّ إقطاعاً أقَرَّتْ جُذُورَهُ
سياسةُ تفريقٍ وحَوْزُ مغانم
سياسةُ إفقارٍ ، وتجويعُ أُمَّةٍ
وتَسليطُ أفرادٍ جُناةٍ غَواشم
لقد قُلْتُ لو أصغى إلى القولِ سامعٌ
وما هوَ مِّني بالظُنونِ الرّواجم
ألا إنَّ وضعاً لا يكونُ رفاهُهُ
مُشاعاً على أفرادهِ غيرُ دائم
أمبترِداتٌ بالخُمورِ تثلَّجَتْ
وبالماءِ يَغلي بالعُطورِ الفواغِم
ومُفترِشاتٌ فضلةً في زرائبٍ
يُوَسّدُها ما حولَها مِن رَكائم
أمِنْ كدحِ آلافٍ تفيضُ تَعاسةً
يُمَتَّعُ فردٌ بالنعيمِ المُلازِم
وما أنا بالهيَّابِ ثورةَ طامعٍ
ولكنْ جِماعُ الأمرِ ثورةُ ناقم!
فما الجوعُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُهُ
ولا الظُلْمُ بالمرعى الهنيءِ لِطاعِم
نَذيرَكَ مِن خَلْقٍ أُطيلَ امتهانُه
وإنْ باتَ في شكلِ الضَّعيفِ المُسالم
بلادٌ تردَّتْ في مهاوٍ سحيقةٍ
وناءتْ بأحمالٍ ثِقالٍ قواصِم
تَبيتُ على وعدٍ قريبٍ بفتنةٍ
وتُضحي على قَرْنٍ من الشرِّ ناجم
ولو عُولِجَ الاقطاعُ حُمَّ شِفاؤها
ومَنْ لي بطَبٍّ بّينِ الحِذْقِ حاسم؟
ولم أرَ فيما ندَّعي مِن حضارةٍ
وما يَعتري أوضاعَنا مِن تلاؤم
وها إن هذا الشَّعْبَ يَطوي جَناحَهُ
على خَطَرٍ من سَورةِ اليأس داهم
غداً يستفيقُ الحالمونَ إذا مَشَتْ
رواعدُ من غضبابتهِ كالزمازم
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> لبنان...
لبنان...
رقم القصيدة : 66792
-----------------------------------
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي(59/303)
يا سُهولاً تَدَثَّرَتْ بالهِضابِ
غسَلَ البحرُ أخْمَصَيْها ، ورشَّتْ
عبِقاتُ النَّدى جِباهَ الرَّوابي
واحتواها " صِنّينُ " بينَ ذِراعيه
عجوزاً له رُواءُ الشَّباب
كلَّلتْ رأسَهُ " الثّلوجُ " ، ومسَّتْهُ
بأذيِالها مُتونُ السَّحاب
وانثنى " كالاطار " يحتضِنُ الصّورةَ
تُزْهَى ، أو جَدْولٍ في كتاب
كلَّما غامَ كُربةً من ضَبابٍ
فرَّجَتْ عنه قُبْلةٌ من شِهاب
وبدَتْ عندَ سفحِه خاشِعاتُ
الدور مثل " الزٍّميت " في مِحراب
وحواليَهِ من ذَراريهِ أنماطٌ
لِطافٌ ، من مُسْتَقِلٍّ وكابي
و " القُرَيَّاتُ " كالعرائس تُجْلى
كلَّ آنٍ تلوحُ في جِلباب
منْ رقيقِ الغُيوم تحتَ نِقابِ
ومِنَ الشَّمسِ طلقةً في إهاب
وهي في الحالتين فِتنةُ راءٍ
بينَ لونينِ من مُشِعٍّ وخابي
والبيوتُ المُبَعْثراتُ " نَثارُ "
العُرس مبثوثةً بدونِ حساب
وتراها بينَ الخمائلِ تلتفُّ
عليها ، عمارةً في غاب
وتماسَكْنَ - والطبيعةُ شِعرٌ -
كقوافٍ يَلْمَعْنَ غيرَ نوابي
زهوُ حُمْرِ القبِاب في الجبَلِ الأخضرِ
يَسبي كزهو أهلِ القباب
و " الكرومُ " المُعرِّشاتُ حُبالى
مُرضِعاتٌ كرائمَ الأعناب
حانياتٌ على " الدوالي " تُحَلِّينَ
عناقيدَ زينةً للكعاب
رافعاتُ الرءوسِ شُكْراً ، وأُخرى
ساجداتٌ شُكْراً على الأعتاب
سِلْنَ في الحَقْل مثلَ رُوحٍ لجسمٍ
وتمدَّدْنَ فيهِ كالأعصاب
وتصايَحْنَ: أين .أينَ النَّدامى ؟
وتغامَزْنَ ثَمَّ للأكواب
وتخازَرْنَ والمَعاصِرُ أبصاراً
حِداداً مَلِيئةً بالسّباب
نَظَراتٍ كانت خِطاباً بليغاً
ولدى " العاصرينَ " فحوى الخطاب
إنَّ خيرَ الشُهورِ إرثاً لشهرٍ
ما تَلقَّى " أيلولُ " من شهرِ " آب"
كيفَ لا ترقصُ الطبيعةُ في أرضٍ
ثراها مُخَضَّبٌ بالشراب
غاضَ " نبعُ " النَّهارِ يُؤْذنُ ضوء البدرِ
قد فاضَ نبعهُ بانسِكاب
وانزوَتْ تلكُمُ الخليعهُ ! طولَ اليومِ
" عُريانةً " وراءَ حجاب
وأتتْ في غَيابةِ " الشَّفَقِ "الأحمرِ(59/304)
ما تشتهي مِنَ الألعاب
أي لونٍ ألقتْ على الأرضِ حَلَّى
كلَّ ما فوقَها ، وأيَّ خِضاب
هدأ الحَقْلُ والمدينةُ والغابُ
ودوَّى الصَّدى ورَجْعُ الجواب
ثمَّ سدَّ الدُروبَ جيشُ " الكَدودين "
طَوالَ النَّهارِ في أتعاب
حبَّذا منظرُ " الفؤوس " استراحتْ
في " نِطاقِ " الفلاَّحِ والحطَّاب
واستقلَّ الجبالَ " راعي " غُنَيْماتٍ
يُدَوّي " بزجلَةٍ " و " عتاب"
يا مَثارَ الأحلامِ ، يا عالَمَ الشّعر
طريّاً ، يا جَنَّةً من تراب
يا خيالاً لولا الحقيقةُ تُنبي
عنه كنَّا من أمرهِ في ارتياب
حسبُ نفسي من كلِّ ما يأسِرُ النَّفْسَ
اغتِراراً من الأماني العِذاب
هجعةٌ في ظِلال " أرزِكِ" تَنفي
مِن هُمومي ووَحشتي واكتئابي
وصديقي وحشٌ أعزُّ وأوفى
من حسودٍ ، ومن صديقٍ محابي
لا أقولُ " العدوُّ " إنَّ عِداتي
" نَسَبٌ " واضحٌ من الأنساب؟!
كلَّما شاقني التأملُ لفتَّني مجاري
المياهِ بينَ الشِّعاب
بينَ صفَّيْ " صَنَوْبرٍ " كشُعورِ الغيد
لُمَّتْ على قُدودٍ رِطاب
آيةُ اللهِ عندَ لُبنانً َ هذا الحسنُ
في عامرٍ له وخراب
رُبَّ " وادٍ " بادي المقاتِلِ تعلوهُ
الأخاديدُ كالجروح الرِّغاب
كانَ في سِحرهِ كآخَرَ زاهٍ
مستفيضِ المياهِ والأعشاب
وفِجاجٍ مَغْبَرّةٍ كُنَّ أبهى
روعةً من مُفَيَّحاتٍ رِحاب
قلتُ إذ حِرتُ : أيُّ أرض لها الفضلُ
على غيرها وحارَ صِحابي !
أدْخُلوا " جنَّةَ " النَّعيم تُلاقوا
ألفَ " رضوانَ " فاتحاً ألفَ باب
غيرَ أنّي أنكرتُ في جنَّةِ الفِردوسِ
"ربّاً " مُوَكَّلاً بعذاب!
إيهِ " لُبنانُ " ، والحديثُ شجونٌ
هل يُطيقُ البيانُ دَفعاً لما بي ؟
حارَ طيَّ الَّلهاةِ مّني سؤالٌ
أنا أدرى بردِّهِ والجواب!
ما تقولونَ في أديبٍ " حريبٍ!"
" مُسْتَقلٍّ " يلوذُ بـ " الانتداب" ؟
خلتُ أني فررْتُ مِن " جوِّ بغدادَ "
وطُغيانِ " جَوْرها " الَّلَّهاب
ومِنَ البغيِ والتَّعَسّفِ والذُّلِّ
فظيعاً مُحَكَّماً في الرّقاب(59/305)
ومِنَ الزّاحفينَ كالدُودِ " هُوناً "
تحتَ رِجليْ " مسْتَعْمِرٍ " غَلَّاب
ومنَ" الصَّائلينَ " في الحُكْمِ زُوراً
كخيولٍ " مُسوَّماتٍ " عراب
خِلْتُ أنّي نجوتُ مِنْ ذا ومن
بَطشةِ عاتٍ ، وخائنٍ كذّاب
غانماً " سَفرتي " وها أنا في حالٍ
تُريني غنيمتي في الإياب
أفيَبْقَى " الأحرارُ " مِنَّا ومِنكُم
بينَ سَوْطِ " الغريبِ " والإرهاب؟
شعراء المغرب العربي >> مفدي زكرياء >> إقرأ كتابك
إقرأ كتابك
رقم القصيدة : 66793
-----------------------------------
هذا (نوفمبرُ).. قمْ وحيّ المِدفعا
واذكرْ جهادَكَ.. والسنينَ الأربعا!
واقرأْ كتابَكَ، للأنام مُفصَّلاً
تقرأْ به الدنيا الحديثَ الأَروعا!
واصدعْ بثورتكَ الزمانَ وأهلَهُ
واقرعْ بدولتك الورى، و(المجمعا)!
واعقدْ لحقِّك، في الملاحم ندوةً
يقف الزمان بها خطيباً مِصْقَعا!
وقُلِ: الجزائرُ..!!! واصغِ إنْ ذُكِرَ اسمُها
تجد الجبابرَ.. ساجدينَ ورُكَّعا!
إن الجزائرَ في الوجود رسالةٌ
الشعبُ حرّرها.. وربُّك َوَقّعا!
إن الجزائرَ قطعةٌ قدسيّةٌ
في الكون.. لحّنها الرصاصُ ووقّعا!
وقصيدةٌ أزليّة، أبياتُها
حمراءُ.. كان لها (نفمبرُ) مطلعا!
نَظمتْ قوافيها الجماجمُ في الوغى
وسقى النجيعُ رويَّها.. فتدفَّعا
غنَّى بها حرُّ الضّمير، فأيقظتْ
شعباً إلى التحرير شمّر مُسرِعا
سمعَ الأصمُّ دويَّها، فعنا لها
ورأى بها الأعمى الطريقَ الأنصعا
ودرى الأُلى، جَهلوا الجزائرَ، أنها
قالتْ: "أُريد"!! فصمَّمتْ أن تلمعا
ودرى الأُلى جحَدوا الجزائرَ، أنها
ثارتْ.. وحكّمتِ الدِّما.. والمِدْفعا!
شقّتْ طريقَ مصيرها بسلاحها
وأبتْ بغير المنتهى أن تَقنعا
شعبٌ.. دعاه إلى الخلاص بُناتُهُ
فانصبَّ مُذْ سمع النِدا، وتطوَّعا
نادى به "جبريلُ" في سوقِ الفِدا
فشرى، وباع بنقدها، وتبرَّعا!
فلكم تصارع والزمانَ.. فلم يجدْ
فيه الزمانُ - وقد توحَّد - مطمعا!
واستقبل الأحداثَ.. منها ساخراً(59/306)
كالشامخات.. تمنُّعاً.. وترفُّعا..
وأرادهُ المستعمرون، عناصراً
فأبى - مع التاريخ - أن يتصدّعا!
واستضعفوه.. فقرّروا إذلالهُ
فأبتْ كرامتُهُ له أن يخضعا
واستدرجوه.. فدبّروا إدماجَهُ
فأبتْ عروبتُه له أن يُبلَعا!
وعن العقيدة.. زوّروا تحريفَهُ
فأبى مع الإيمان.. أن يتزعزعا!
وتعمّدوا قطعَ الطريق.. فلم تُرِدْ
أسبابُه بالعُرْب أن تَتقطَّعا!
نسبٌ بدنيا العُرب.. زكَّى غرسَهُ
ألمٌ.. فأورق دوحُه وتفرَّعا
سببٌ، بأوتار القلوب.. عروقُهُ
إن رنّ هذا.. رنّ ذاكَ ورجَّعا!
إمّا تنهَّد بالجزائر مُوجَعٌ..
آسى "الشآمُ" جراحَه، وتوجَّعا!
واهتزَّ في أرض "الكِنانة" خافقٌ..
وأَقضَّ في أرض "العراق" المضجعا!
وارتجَّ في الخضراء شعبٌ ماجدٌ
لم تُثنِه أرزاؤه أن يَفزعا
وهوتْ "مُراكشُ" حولَه وتألمّتْ
"لبنانُ"، واستعدى جديسَ وتُبَّعا
تلك العروبةُ.. إن تَثُرْ أعصابُها
وهن الزمانُ حيالَها، وتضعضعا!
الضادُ.. في الأجيال.. خلَّد مجدَها
والجرحُ وحَّد في هواها المنزعا
فتماسكتْ بالشرق وحدةُ أمّةٍ
عربيّةٍ، وجدتْ بمصرَ المرتعا
ولَمِصرُ.. دارٌ للعروبة حُرّةٌ
تأوي الكرامَ.. وتُسند المتطلِّعا
سحرتْ روائعُها المدائنَ عندما
ألقى عصاه بها "الكليمُ".. فروّعا
وتحدّث الهرمُ الرهيب مباهياً
بجلالها الدنيا.. فأنطق "يُوشَعا"
واللهُ سطَّر لوحَها بيمينهِ
وبنهرها.. سكبَ الجمالَ فأبدعا
النيلُ فتّحَ للصديق ذراعَهُ
والشعبُ فتَّحَ للشقيق الأضلعا!
والجيشُ طهَّر بالقتال (قنالَها)
واللهُ أعمل في حَشاها المبضعا!
والطورُ.. أبكى مَن تَعوّدَ أن يُرى
في (حائط المبكى) يُسيل الأدمعا
(والسدُّ) سدّ على اللئام منافذاً
وأزاح عن وجه الذئاب البُرقعا!
و تعلّم ( التاميزُ ) عن أبنائها
و ( السينُ ) درساً في السياسة مُقنعا
و تعلّم المستعمرون ، حقيقة ً
تبقى لمن جهل العروبة مرجعا
دنيا العروبة ، لا تُرجَّح جانباً
في الكتلتين .. و تُفضَّل موضعا !(59/307)
للشرقِ ، في هذا الوجود ، رسالةُ
علياءُ .. صدّقَ وحيَها .. فتجمّعا !
يا مصرُ .. يا أختَ الجزائر في الهوى
لكِ في الجزائر حرمةٌ لن تُقطَعا
هذي خواطرُ شاعرٍ .. غنّى بها
في ( الثورة الكبرى ) فقال .. و أسمعا
و تشوّقاتٌ .. من حبيسٍ ، مُوثَقٍ
ما انفكّ صبّاً بالكنِانَة ، مُولَعا
خلصتْ قصائدُه .. فما عرف البُكا
يوماً .. و لا ندب الحِمى و المربعا
إن تدعُه الأوطانُ .. كان لسانَها
أو تدعه الجُلَّى .. أجاب و أَسْرعا
سمع الذبيحَ ( 2 ) ( ببربروس ) فأيقظتْ
صلواتُه شعرَ الخلود .. فلعلعا!
و رآه كبَّر للصلاة مُهَلَّلاً
في مذبح الشهدا .. فقام مُسَمَّعا !
ورأى القنابلَ كالصواعق.. إن هوتْ
تركتْ حصونَ ذوي المطامع بلقعا
ورأى الجزائرَ بعد طول عنائها
سلكتْ بثورتها السبيل الأنفعا
وطنٌ يعزّ على البقاء.. وما انقضى
رغمَ البلاء.. عن البِلى مُتمنِّعا!
لم يرضَ يوماً بالوثاق، ولم يزلْ
متشامخاً.. مهما النَّكالُ تنوّعا
هذي الجبالُ الشاهقات، شواهدٌ
سخرتْ بمن مسخ الحقائقَ وادّعى
سلْ (جرجرا..) تُنبئكَ عن غضباتها
واستفتِ (شليا) لحظةً.. (وشلعلعا)
واخشعْ (بوارَشنيسَ) إن ترابَها
ما انفكّ للجند (المعطَّر) مصرعا
كسرتْ (تِلمسانُ) الضليعةُ ضلعَهُ
ووهى (بصبرةَ) صبرُهُ فتوزّعا
ودعاه (مسعودٌ) فأدبر عندما
لاقاه (طارقُ) سافراً، ومُقنَّعا
اللهُ فجّر خُلدَه، برمالنا
وأقام "عزرائيلَ".. يحمي المنبعا!!
تلك الجزائرُ.. تصنع استقلالها
تَخذتْ له مهجَ الضحايا.. مصنعا
طاشتْ بها الطرقاتُ.. فاختصرتْ لها
نهجَ المنايا للسيادة مهيعا
وامتصّها المتزعّمون!! فأصبحتْ
شِلْواً.. بأنياب الذئاب مُمَزَّعا
وإذا السياسةُ لم تفوِّض أمرها
للنار.. كانت خدعةً وتصنُّعا!!
إنِّي رأيتُ الكون يسجد خاشعاً
للحقّ.. والرشَّاش.. إن نطقا معا!!!
خَبِّرْ فرنسا.. يا زمانُ.. بأننا
هيهات في استقلالنا أن نُخدعا!
واستفتِ يا "ديغولُ" شعبَكَ.. إنهُ(59/308)
حُكْمُ الزمان.. فما عسى أن تصنعا؟
شعبُ الجزائر قال في استفتائهِ
لا.. لن أُبيح من الجزائر إصبعا
واختار يومَ (الاقتراع) (نفمبراً)
فمضى.. وصمّم أن يثورَ ويقرعا!!
شعراء المغرب العربي >> مفدي زكرياء >> إلياذة الجزائر -1
إلياذة الجزائر -1
رقم القصيدة : 66794
-----------------------------------
شغلنا الورَى ، و ملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصٌلاة
تسَابيحه من حَنايَا الجزائر
.
جزائر يا مطلع المعجزات
و با حجة الله في الكائنات
و يابسمة الرب في أرضه
و يا وجهه الضاحك القسمات
و يا لوحة في سجل الخلو د
تموج بها الصور الحالمات
و يا قصة بث فيها الوجود
معاني السمو بروع الحياة
و يا صفحة خط فيها البقآء
بنار و نور جهاد الأباة
و يا للبطولات تغزو الدنا
و تلهمها القيم الخالدات
و أسطورة رددتها القرون
فهاجت بأعماقنا الذكريات
و يا تربة تاه فيها الجلال
فتاهت بها القمم الشامخات
و ألقى التهاية فيها الجمال
فهمنا بأسرارها الفاتنات
و أهوى على قدميها الزمان
فأهوى على قدميها الطفاة
.
شغلنا الورَى ، و ملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصٌلاة
تسَابيحه من حَنايَا الجزائر
شعراء المغرب العربي >> مفدي زكرياء >> الحب أرقني
الحب أرقني
رقم القصيدة : 66795
-----------------------------------
الحب أرقني واليأس أضناني والبين ضاعف آلامي وأحزاني
والروح في حب "ليلايَ" استحال إلى دمعٍ فأمطره شعري ووجداني
أساهر النجم والأكوان هامدة تصغي أنيني بأشواق وتحنان
كأنما وغراب الليل منحدر روحي وقلبي بجنبيه جناحان
نطوي معًا صهوات الليل في شغف ونرقب الطيف من آن إلى آن
لكِ الحياة وما في الجسم من رمق ومن دماء ومن روح وجثمان
لك الحياة فجودي بالوصال فما أحلى وصالك في قلبي ووجداني
شعراء المغرب العربي >> مفدي زكرياء >> سلمى
سلمى
رقم القصيدة : 66796
-----------------------------------
رسول الهوى بلغ سلامي إلى سلمى وعاط حميّا ثغرها الباسم الألمى(59/309)
وناج هواها، علّ في الغيب رحمة تَدارَكُ هذا القلب أن ينقضي همّا
وبثّ شكاة من مشوق متيّم له كبد حرّى تضيق به غمّا
فكم تحت هذا القلب من لاعج الهوى وكم بين هذا الجسم من أضلع كلمى
أبيت أناجي الليل نجما كأنما حبيب فؤادي صار مستترًا ثَمّا
بلادي بلادي، ما ألذّ الهوى وما أمرّ كؤوس الحب ممتزجا سمّا
بلادي ألا عطفٌ عليّ بنظرة حنانينك، ما هذا السلوّ، ولا إثما
ومذ فتحت عيني المدامعُ أبصرَت هواك، فلا عار عليّ ولا لوما
فلله ما حمّلتني من صبابة ولو ذاك في "رضوى" لهدّمه هدما
شعراء المغرب العربي >> مفدي زكرياء >> نشيد يا شباب الجيل
نشيد يا شباب الجيل
رقم القصيدة : 66797
-----------------------------------
يَا شَبَابْ الجِيلْ، رَاهُو طَالْ اللِّيلْ، قُمْ واعْمَلْ تَاويلْ، رَانَا في حَالَه
ضَيعْنَا الاِيمانْ، وانهارْ البنيانْ واعْمَاتْ الأذهانْ، عَنِ الأصالَه
تَبَّعْنَا الاَحْقَادْ، وَانْكَرنا الامجادْ، بعدْ اَنْ كُنا اَسيادْ، صَرْنا حُثاله
بلْعَتْنَا الخمور، واتْفَشَّا الفجور، نيرانْ الشرورْ، فينا شعّاله
لا رَجْلَه لا نِيفْ، لا ضَمِيرْ انْظِيفْ، واعْمَالنا تَزْييفْ، سُودَا قَتَّاله
واحَدْ قَدْ الفيلْ، تَلْقَى شَعْرُو طْوِيلْ، زَيْ المَادْمُوزِيلْ، بَيْن الرجَّاله
ماشي يَتْرَهْوَجْ، مَايَلْ يَتْغَنَّجْ، سَرْوَالُو مْعَوَّجْ، عِينُ دَبَّالَه
وَافْكَارُو عَوْجَا، وَاخْلاقُو مرجا واقدامو عرْجا، فيها دماله
ما تسمع ياحبيب، غير كلام العيب وقَلَّةْ لَحْيَا، وسَبَّ الجلاله
والبَنْتْ تْقَلَّدْ، صَبْحَتْ زَيّْ القَرْدْ، عَرَّاتْ الساقِين، صَارَتْ بُوقَاله
تَمْشِي في الساحل، كَعِيشَة رَاجَلْ فِي الكَبَرِيَّاتْ، دِيمَا جَوَّالَه
والأمْ تْرَبِّي، تَسْتُرْ وَتْخَبِّي، وتْقُلْ يَا حِبِّي، مَاكِي هَجَّالَه
والأَبْ المَسْكِينْ يَخْزَرْ بَالعِينِينْ، عنْدُو قلبْ حْنِينْ، عِينُو هَمَّالَه(59/310)
عصْرَ الازدهارْ، فِيه الْبَسْنَا العَار ضيَّعْنَا فيه الدَّارْ، وَاصْبَحْنَا عَاله
بَعْنَا فِلسطينْ، والهمَّة والدينْ واخْدَعْنَا اليمين، وَاصْبَحْنا آله
واشرَبنا النفاقْ، واشْرِينا الشقاقْ واذْبَحْنا الاَخْلاق، طَوْعَ الضَّلاَله
والفْنَا الاِسْرَاف، وَالخَطْفَة بَزَّافْ، جِيلَ الإِنْحِرَافْ، عَرْضُو نَخَّاله
يَارَبِّ والْطُف، بَالأُمَّة وارْحَمْ، وانقَذْ جِيل اليَوْمْ، مِنَ الجَهَالَه.
شعراء المغرب العربي >> مفدي زكرياء >> الذبيح الصاعد
الذبيح الصاعد
رقم القصيدة : 66798
-----------------------------------
قام يختال كالمسيح وئيدا يتهادى نشوانَ، يتلو النشيدا
باسمَ الثغر، كالملائك، أو كالط فل، يستقبل الصباح الجديدا
شامخاً أنفه، جلالاً وتيهاً رافعاً رأسَه، يناجي الخلودا
رافلاً في خلاخل، زغردت تم لأ من لحنها الفضاء البعيدا!
حالماً، كالكليم، كلّمه المج د، فشد الحبال يبغي الصعودا
وتسامى، كالروح، في ليلة القد ر، سلاماً، يشِعُّ في الكون عيدا
وامتطى مذبح البطولة مع راجاً، ووافى السماءَ يرجو المزيدا
وتعالى، مثل المؤذن، يتلو... كلمات الهدى، ويدعو الرقودا
صرخة، ترجف العوالم منها ونداءٌ مضى يهز الوجودا:
((اشنقوني، فلست أخشى حبالا واصلبوني فلست أخشى حديدا))
.
((وامتثل سافراً محياك جلا دي، ولا تلتثم، فلستُ حقودا))
((واقض يا موت فيّ ما أنت قاضٍ أنا راضٍ إن عاش شعبي سعيدا))
((أنا إن مت، فالجزائر تحيا، حرة، مستقلة، لن تبيدا))
قولةٌ ردَّد الزمان صداها قدُسِياً، فأحسنَ الترديدا
احفظوها، زكيةً كالمثاني وانقُلوها، للجيل، ذكراً مجيدا
وأقيموا، من شرعها صلواتٍ، طيباتٍ، ولقنوها الوليدا
زعموا قتلَه...وما صلبوه، ليس في الخالدين، عيسى الوحيدا!
لفَّه جبرئيلُ تحت جناحي ه إلى المنتهى، رضياً شهيدا
وسرى في فم الزمان "زَبَانا"... مثلاً، في فم الزمان شرودا(59/311)
يا"زبانا"، أبلغ رفاقَك عنا في السماوات، قد حفِظنا العهودا
.
واروِ عن ثورة الجزائر، للأف لاك، والكائنات، ذكراً مجيدا
ثورةٌ، لم تك لبغي، وظلم في بلاد، ثارت تفُكُّ القيودا
ثورةٌ، تملأ العوالمَ رعباً وجهادٌ، يذرو الطغاةَ حصيدا
كم أتينا من الخوارق فيها وبهرنا، بالمعجزات الوجودا
واندفعنا مثلَ الكواسر نرتا دُ المنأيا، ونلتقي البارودا
من جبالٍ رهيبة، شامخات، قد رفعنا عن ذُراها البنودا
وشعاب، ممنَّعات براها مُبدعُ الكون، للوغى أُخدودا
وجيوشٍ، مضت، يد الله تُزْ جيها، وتَحمي لواءَها المعقودا
من كهولٍ، يقودها الموت للن صر، فتفتكُّ نصرها الموعودا
وشبابٍ، مثل النسورِ، تَرامى لا يبالي بروحه، أن يجودا
.
وشيوخٍ، محنَّكين، كرام مُلِّئت حكمةً ورأياً سديدا
وصبأيا مخدَّراتٍ تبارى كاللَّبوءات، تستفز الجنودا
شاركتْ في الجهاد آدمَ حوا هُ ومدّت معاصما وزنودا
أعملت في الجراح، أنملَها اللّ دنَ، وفي الحرب غُصنَها الأُملودا
فمضى الشعب، بالجماجم يبني أمةً حرة، وعزاً وطيدا
من دماءٍ، زكية، صبَّها الأح رارُ في مصْرَفِ البقاء رصيدا
ونظامٍ تخطُّه ((ثورة التح رير)) كالوحي، مستقيماً رشيدا
وإذا الشعب داهمته الرزايا، هبَّ مستصرخاً، وعاف الركودا
وإذا الشعب غازلته الأماني، هام في نيْلها، يدُكُّ السدودا
دولة الظلم للزوال، إذا ما أصبح الحرّ للطَّغامِ مَسودا!
.
ليس في الأرض سادة وعبيد كيف نرضى بأن نعيش عبيدا؟!
أمن العدل، صاحب الدار يشقى ودخيل بها، يعيش سعيدا؟!
أمن العدل، صاحبَ الدار يَعرى، وغريبٌ يحتلُّ قصراً مشيدا؟
ويجوعُ ابنها، فيعْدمُ قوتاً وينالُ الدخيل عيشاً رغيداً؟؟
ويبيح المستعمرون حماها ويظل ابنُها، طريداً شريدا؟؟
يا ضَلال المستضعَفين، إذا هم ألفوا الذل، واستطابوا القعودا!!
ليس في الأرض، بقعة لذليل لعنته السما، فعاش طريدا...
يا سماء، اصعَقي الجبانَ، ويا أر ض ابلعي، القانع، الخنوعَ، البليدا(59/312)
يا فرنسا، كفى خداعا فإنّا يا فرنسا، لقد مللنا الوعودا
صرخ الشعب منذراً، فتصا مَمْتِ، وأبديت جَفوة وصدودا
.
سكت الناطقون، وانطلق الرش اش، يلقي إليكِ قولاً مفيدا:
((نحن ثرنا، فلات حين رجوعٍ أو ننالَ استقلالَنا المنشودا))
يا فرنسا امطري حديداً ونارا واملئي الأرض والسماء جنودا
واضرميها عرْض البلاد شعالي لَ، فتغدو لها الضعاف وقودا
واستشيطي على العروبة غيظاً واملئي الشرق والهلال وعيدا
سوف لا يعدَمُ الهلال صلاحَ الد ين، فاستصرِخي الصليب الحقودا
واحشُري في غياهب السجن شعبا سِيمَ خسفاً، فعاد شعباً عنيدا
واجعلي "بربروس" مثوى الضحايا إن في بربروس مجداً تليدا!!
واربِطي، في خياشم الفلك الدوَّ ار حبلاً، وأوثقي منه جيدا
عطلى سنة الاله كما عط لتِ من قبلُ "هوشمينَ"(1) المريدا...
.
إن من يُهمل الدروس، وينسى ضرباتِ الزمان، لن يستفيدا...
نسيَت درسَها فرنسا، فلقنَّا فرنسا بالحرب، درساً جديداً!
وجعلنا لجندها "دار لقمَا نَ"(2) قبوراً، ملءَ الثرى ولحودا!
يا "زبانا" ويا رفاق "زبانا" عشتمُ كالوجود، دهراً مديدا
كل من في البلاد أضحى "زبانا" وتمنى بأن يموت "شهيدا"!!
أنتم يا رفاقُ، قربانُ شعب كنتم البعثَ فيه والتجديدا!!
فاقبلوها ابتهالةً، صنع الرش اشُ أوزانهَا، فصارت قصيدا!!
واستريحوا، إلى جوارِ كريمٍ واطمئنوا، فإننا لن نحيدا!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> حتى الحجارة .. أعلنت عصيانها ..
حتى الحجارة .. أعلنت عصيانها ..
رقم القصيدة : 66799
-----------------------------------
حجر عتيق فوق صدر النيلِ
يصرخُ في العراء ..
يبكي في أسى
ويدور في فزع
ويشكو حزنهُ للماء ..
كانت رياح العري تلفحهُ فيحني رأسهُ
ويئنُ في ألمٍ وينظرُ للوراء ..
يتذكرُ المسكينُ أمجادَ السنينِ العابراتِ
على ضفافٍ من ضياء ..
يبكي على زمنٍ تولَّى
كانت الأحجارُ تيجاناً وأوسمةً
تزيِّنُ قامةَ الشرفاء ..(59/313)
يدنو قليلاً من مياهِ النهرِ يلمَسُها
تعانقُ بؤسَهُ
يترنَّحُ المسكينُ بين الخوفِ والإعياء ..
ويعودُ يسألُ
فالسماءُ الآن في عينيهِ ما عادت سماء ..
أين العصافيرُ التي رحلَت
وكانت كلما هاجت بها الذكرى
تحِنُّ الى الغناء ..
أين النخيلُ يعانقُ السُّحبَ البعيدةَ
كلما عبَرتْ على وجهِ الفضاء ..
أين الشراعُ على جناحِ الضوءِ
والسفر الطويل .. ووحشة الغرَباء ..
أين الدموعُ تطلُّ من بين المآقي
والربيعُ يودع الأزهارَ
يتركها لأحزانِ الشتاء ..
أين المواويلُ الجميلةُ
فوق وجهِ النيلِ تشهد عُرسَهُ
والكون يرسمُ للضفاف ثيابها الخضراء ..
حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يبكي في العراء ..
حجرٌ ولكن من جمودِ الصَّخرِ ينبتُ كبرياء ..
حجرٌ ولكن في سوادِ الصَّخرِ قنديلٌ أضاء ..
حجرٌ يعلمنا مع الأيامِ درساً في الوفاء ..
النهرُ يعرفُ حزنَ هذا الصامت المهموم
في زمنِ البلادةِ .. والتنطُّعِ .. والغباء ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يصرخُ في العراء ..
قد جاءَ من أسوان يوماً
كان يحملُ سرَّها
كالنورِ يمشي فوق شطِّ النيلِ
يحكي قصَّةَ الآباءِ للأبناء ..
في قلبهِ وهجٌ وفي جنبيهِ حلمٌ واثقٌ
وعلى الضفافِ يسيرُ في خُيلاء ..
ما زالَ يذكرُ لونهُ الطيني
في ركبِ الملوكِ وخلفَهُ
يجري الزمانُ وتركعُ الأشياء ..
حجرٌ من الزَّمنِ القديم
على ضفافِ النيلِ يجلسُ في بهاء ..
لمحوهُ عندَ السدِّ يحرسُ ماءهُ
وجدوهُ في الهرمِ الكبيرِ
يطلُّ في شممٍ وينظرُ في إباء ..
لمحوهُ يوماً
كان يدعو للصلاةِ على قبابِ القدسِ
كان يُقيمُ مئذنةً تُكَبِّرُ
فوقَ سد الأولياء ..
لمحوهُ في القدس ِ السجينةِ
يرجُمُ السفهاء ..
قد كانَ يركضُ خلفَهم مثل الجوادِ
يطاردُ الزمن الردئَ يصيحُ فوق القدسِ
يا اللهُ .. أنتَ الحقُّ .. أنتَ العدلُ
أنتَ الأمنُ فينا والرجاء ..
لا شئَ غيركَ يوقفُ الطوفان
هانت في أيادي الرجسِ أرضُ الأنبياء ..
حجرٌ عتيقٌ في زمانِ النُّبلِ(59/314)
يلعنُ كلَّ من باعوا شموخَ النهرِ
في سوقِ البغاء ..
وقفَ الحزينُ على ضفافِ النهرِ يرقُبُ ماءَهُ
فرأى على النهرِ المُعذَّبِ
لوعةً .. ودموعَ ماء ..
وتساءَلَ الحجرُ العتيقُ
وقالَ للنهرِ الحزينِ أراكَ تبكي
كيفَ للنهرِ البكاء ..
فأجابهُ النهرُ الكسيرُ
على ضفافي يصرخُ البؤساء ..
وفوقَ صدري يعبثُ الجهلاء ..
والآن ألعَنُ كلَّ من شربوا دماءَ الأبرياء ..
حتى الدموعُ تحجَّرت فوقَ المآقي
صارت الأحزانُ خبزَ الأشقياء ..
صوتُ المَعاولِ يشطُرُ الحجرَ العنيدَ
فيرتمي في الطينِ تنزفُ من مآقيهِ الدماء ..
ويظلُّ يصرُخُ والمعاولُ فوقَهُ
والنيلُ يكتمُ صرخةً خرساء ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ فوق صدرِ النيلِ يبكي في ألمْ ..
قد عاشَ يحفظُ كلَّ تاريخِ الجدودِ وكم رأى
مجدَ الليالي فوقَ هاماتِ الهرمْ ..
يبكي من الزَّمنِ القبيحِ
ويشتكي عجزَ الهِمَم ..
يترنَّحُ المسكينُ والأطلالُ تدمي حولَهُ
ويغوصُ في صمتِ الترابِ
وفي جوانحهِ سأم ..
زمن بنى منهُ الخلود وآخَرٌ
لم يبْقَ منهُ سوى المهانةُ والندم ..
كيفَ انتهَى الزَّمنُ الجميلُ
الى فراغٍ .. كالعَدَمْ ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يصرخُ
بعدَ أنْ سَئِمَ السكوتْ ..
حتى الحجارةُ أعلنَت عِصيانَها
قامَت على الطرُقاتِ وانتفضَت
ودارت فوقَ أشلاءِ البيوت ..
في نبضِنا شئٌ يموت ..
في عزمِنا شئٌ يموت ..
في كلِّ حجَرٍ على ضفافِ النهرِ
يرتَعُ عنكبوت ..
في كلِّ يومٍ في الرُّ بوعِ
الخُضرِ يولَدُ ألفُ حوت ..
في كلِّ عُشٍّ فوقَ صدرِ النيلِ
عصفورٌ يموت ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ
لم يزلْ في الليلِ يبكي كالصغارِ
على ضفافِ النيلْ ..
ما زالَ يسألُ عن رفاق ٍ
شاركوهُ العمرَ والزَّمنَ الجميل ..
قد كانت الشطآنُ في يوم ٍ
تُداوي الجرحَ تشدو أغنياتِ الطيرِ
يطربُها من الخيلِ الصهيل ..
كانت مياهُ النيلِ تَعشقُ
عطرَ أنفاسِ النخيل ..
هذي الضفافُ الخُضرُ
كم عاشَت تُغَنّي للهوى شمسَ الأصيل ..(59/315)
النهرُ يمشي خائراً
يتسكَّعُ المسكينُ في الطُرُقاتِ
بالجسَدِ العليل ..
قد علَّموهُ الصَّمتَ والنسيانَ
في الزمنِ الذّليل ..
قد علَّموا النهرَ المُكابرَ
كيفَ يأنسُ للخُنوعِ
وكيفَ يركَعُ بين أيدي المستحيلْ ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يصرخُ في المدى ..
الآن يلقيني السماسرةُ الكبارُ الى الرَّدى ..
فأموتُ حزناً
لا وداعَ .. ولا دُموعَ .. ولا صَدى ..
فلتسألوا التاريخَ عنِّي
كلُّ مجدٍ تحت أقدامي ابتدا ..
أنا صانعُ المجدِ العريقِ ولم أزل
في كلِّ رُكنٍ في الوجودِ مُخلَّدا ..
أنا صحوةُ الانسانِ في ركبِ الخُلودِ
فكيفَ ضاعَت كلُّ أمجادي سُدَى ..
زالت شعوبٌ وانطوَتْ أخبارُها
وبقيتُ في الزَّمنِ المكابِرِ سيِّدا ..
كم طافَ هذا الكونُ حولي
كنتُ قُدّاساً .. وكنتُ المَعبدا ..
حتى أطَلَّ ضياءُ خيرِ الخَلقِ
فانتفَضَت ربوعي خشيةً
وغدوتُ للحقِّ المثابرِ مسجدا ..
يا أيُّها الزَّمنُ المشوَّهُ
لن تراني بعدَ هذا اليومِ وجهاً جامِدا ..
قولوا لهُم
إنَّ الحجارةَ أعلنَت عِصيانَها
والصامِتُ المهمومُ
في القيدِ الثقيلِ تمرَّدا ..
سأعودُ فوقَ مياهِ هذا النَّهرِ طيراً مُنشِدا ..
سأعودُ يوماً حينَ يغتسلُ الصباحُ
البكرُ في عينِ النَّدى ..
قولوا لهُم
بينَ الحجارةِ عاشقٌ
عرِفَ اليقينَ على ضفافِ النيلِ يوماً فاهتدى ..
وأحبَّهُ حتى تَلاشَى فيهِ
لم يعرِف لهذا الحبِّ عُمراً أو مدى ..
فأحبَّهُ في كلِّ شئ ٍ
في ليالي الفرحِ في طعمِ الرَّدَى ..
مَن كانَ مثلي لا يموتُ وإنْ تغيَّرَ حالُهُ
وبدا عليهِ .. ما بدا ..
بعضُ الحجارةِ كالشموس ِ
يَغيبُ حيناً ضوؤُها
حتى إذا سَقَطَت قِلاعُ الليلِ وانكسرَ الدُّجى
جاءَ الضياءُ مغرِّدا ..
سيظلُّ شئٌ في ضميرِ الكونِ يُشعِرُني
بأنَّ الصُّبحَ آتٍ .. أنَّ موعِدهُ غدا ..
ليَعودَ فجرُ النيلِ من حيثُ ابتدا ..
ليَعودَ فجرُ النيلِ من حيثُ ابتدا ..
* * * * *(59/316)
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> هُن
هُن
رقم القصيدة : 66800
-----------------------------------
قد تمر بك امرأة لا تقطفها
تكتفي بكتابتها
ثم تمضي حزينا
***
يقولون ماءهن سر الحياه
وسر التغلغل في الطرق الشائكة
واحمرار الشفق
***
يقولون ينضج فيهن
نهر الخرافة
فيعطين للأرض صيغتها المثلى
يمتزجن بالرمل
يغشاهن منه شيء
يرى / لايرى
***
يفرغن في الليل إبريقا أخيرا
وانية من فضة
ودماء
***
أعماقهن نور
تستحيل رؤيته
قبل التفتق
قبل الربيع
المدى لهن ارجوحة
والليل أجراسهن
حبلهن
الذي يُخضع الفحولة
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> هكذا قلبنا الكراسي
هكذا قلبنا الكراسي
رقم القصيدة : 66801
-----------------------------------
سأحلب عصفورتي
واغادر في الشمعدان المضاء
وأقرا وجهي مرارا
تكونين قارعتي آلاتية
وارسم وجهك
ضوءا عصيا
وردا جنيا
وتجريدا يباركه المطر .....
سأحمل أمتعتي في هدوء
وارحل قبل الشروق
رحيلا يليق بمهجتك الزاهدة
سأترك وردا على الرف
وهجا حميدا
وارحل
سأبحث عن نخلة لاتئن
ولون يبيح التنفس
في العشب
أمام الموقد
كرسي أنيق
والطاولة .......غليون
ودفتر ....لم يعد يكفي لبوح قا د م
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> الرياح التي لاتقال
الرياح التي لاتقال
رقم القصيدة : 66802
-----------------------------------
قالت الأرض :
الراقصون عليّ خيول البقاء
والأطفال الذين يجيدون جمع الحجر
غضب طاهر
**
الهجرة حكمة مختصرة
**
سمعت عن رجل هاجر
من نفسه
وعن امرأة هاجرت
من الصالة
لغرفة النوم
وعن شاعر
هاجر حتى الثمالة
**
في الليالي الحالمة
القشعريرة التي
تبحر في جسدي
عندما لحظة الكشف
واحتي التي لا تمل
مهرتي الهائجة
التي لاتنضب
عندما نبدأ المابين
نشرع في التضاد
والعبور الى ضفة النهر
**
سأهرول صاعدا
نحو الهضبة
النهر قادم في الطريق
سنتعلق بقشة
لا تذروها الرياح
ساستنطق مكانا آخر(59/317)
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> شمالا باتجاه امرأة
شمالا باتجاه امرأة
رقم القصيدة : 66803
-----------------------------------
عينان من وهم تجر خطا السرير
هي ابنة الريح التي تأتي
بدون مقدمات
الظل يملاؤني
ويعلن عن تنفسه المشاع
روحي التي شهقت برؤيتها
وعطر في المكان
أناخ في صمت الرفاق
النخلتان ووردة
نبتت على النبع الحرون
وبجانبي ظل ...سفرجلة
تغني
يا أيها الوقت الذي ينساب
باللغة الحميمة
من شقوق النافذة
يا أيها الأرض اقبليني
نبتة في صدرك الأول
هل جئت من قمر الربيع
ترتكبين فلسفتي الأثيرة
رقصا مجازيا
صخبا ترجرج كاد يسقطني وحيدا
أرجوحتي اعتدلت
وصوتي صار مبحوحا
وناقوسا يدق
يا أيها الضوء
الذي يأتي على شكل امرأة
سجادتي اكتملت نسيجا
عبقريا
واحتي حبلى بمثلك
أيها الوهم العنيد
يا أيها الشجر
الموزع في وريدي
استقر
نزفي حميد
إن تساقط
والسفوح وشاية للقاع
هل يستقر الثلج صلبا
في الكوؤس الحارقة
ولظاك مروحتي
وخيلك ثائرة
مد ي اليّ بغصن
تصعد الآهات منه
تلهث الريشة
خلف الاخضرار
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> مطر
مطر
رقم القصيدة : 66804
-----------------------------------
ذئب الوقت عوى
نهر في الأعماق تفجر
هل كان الليل يحيك لنا
موجا من طمي ....
هل عبأ نشرة الغي
وقناني الإقلاع.....
لنبدأ حبيبتي بالصراخ المباح
لنمطر مرة أخرى .....
قبل أن ينضب نهر الكلوروفيل
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> جاكلين
جاكلين
رقم القصيدة : 66805
-----------------------------------
وهج يتسكع في عينيك
وعصافير تتمسح في رملك
حين تليتِ قصيدتك
اغتصبت اللغة
أخرجت مافي القلب
من إعصار ......
من بلح
دثريني ....دثريني
يابنة الفرانكفونية
زيديني من لهبك
هذا الذي يوقظ القشعريرة
من فوضاك الأنيقة
نهرا كان وجهك نهرا
ينساب كالضحى
وكانت كلماتك
تغمغم حولي
تفتح في القلب
غارا آخر..............(59/318)
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> إلى: ن . ح
إلى: ن . ح
رقم القصيدة : 66806
-----------------------------------
هل رضخت أخيرا للون الشجر
أو للبياض
هل جربت التحليق
فوق البنيوية
فوق الكلام المعاد
هل مارست التسكع
لكتابة نص لايموت
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> الصبي الأسود
الصبي الأسود
رقم القصيدة : 66807
-----------------------------------
مر زمن بعيد
قبل أن نرى الصبي الأسود
يمر من هنا
منذ أن مر مبتسما
فأضاء في دواخلنا
أسئلة الألوان
وبشاعة الأشخاص الملتفين بالبياض
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> حركة في الظلام
حركة في الظلام
رقم القصيدة : 66808
-----------------------------------
لم يبق إلا صدى سهرة فاجرة
آخر العربات مرت من هنا
لاشيء في الشارع إلا أنا
واسمع حركة وراء الجدار
حركة في الظلام
ليلتي هذه قرأتها في حليب الصباح
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> اغتياب
اغتياب
رقم القصيدة : 66809
-----------------------------------
في غيابك
كنا نتحدث عنك ونضحك
نسخر منك ونضحك
الكرسي الذي كان معدا لك
والذي لم يجلس عليه أحد
وجدناه يبكي
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> ليل
ليل
رقم القصيدة : 66810
-----------------------------------
أيها الليل كف
عن هذا التواضع الكاذب
أرنا ماتملكه
ويتشدق به النهار
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> مدينة ..
مدينة ..
رقم القصيدة : 66811
-----------------------------------
هذه مدينه مريضه
لاشعراء
ولاشياطين
ولانساء
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> شجاع
شجاع
رقم القصيدة : 66812
-----------------------------------
لوسمحت أعرني
هذا الجبن عند إعلان الحرب
أعرني فأني شجاع
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> حكاية
حكاية
رقم القصيدة : 66813
-----------------------------------
شخص ما يتصنت على قلبي
ويمسكه
وأنا أفتش عن قلبي(59/319)
منذ مرحلة النطفة!!!
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> شاعر
شاعر
رقم القصيدة : 66814
-----------------------------------
أيها الزائر الليلي
ينابيع من نور تتفجر حولك
وعصافير تنطلق
من أوراقك المتساقطة
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> تجريد
تجريد
رقم القصيدة : 66815
-----------------------------------
وخيل لي انك اليوم تأتي
على صهوة الفجر
ملتحفا بالغناء
وخيل لي أن شيئا من السحر
يلتف حولي كأفعى الأساطير
فأضحك حتى البكاء
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> احتضار مدينه
احتضار مدينه
رقم القصيدة : 66816
-----------------------------------
خوف يجعل الوجوه
تجاعيد ونقش قديم
بكاء في العتمة
سماء تمطر
ومدينه ترفض الاغتسال
مساء مشبوه وعقيم
مساء غامض
بارد حتى الموت
واسراب طيور مهاجرة
نذير شؤم
يجتاح كل الأمكنة
وتحريض على الرحيل
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> صهيل
صهيل
رقم القصيدة : 66817
-----------------------------------
تنساب في دواخلي
نظراتك التي تفضح قلبك
نظرت اليّ لاول مرة
تسربت إلى الأعماق
أخرجت مافي القلب
من صهيل
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> كبت
كبت
رقم القصيدة : 66818
-----------------------------------
أراك ولا أستطيع الوصول
يموت شيء غامض
في داخلي
ويُعلن عن انطفاء الشموع
وعن اضطراب الحقول
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> مؤقتا ...تحت غيمة
مؤقتا ...تحت غيمة
رقم القصيدة : 66819
-----------------------------------
أطراف ثلج تنسكب
كالتين والزيتون
**
في جيبي
قصائد لاتفيق
**
أحب الجبال
لان ابي
اخرجني درجا عابرا
والطريق لايستقر
قال لي .......
هذه التضاريس
خبز وماء
تكنز الارض اسرارها
والكهوف الخطايا
**
هل كنت وحدي
وانا اقرا الفردوس اليباب
وبقايا مزمار كنت انتسب لها
**
كل تلك الدروب مشتني
كان لي مدار
لم تقولِ
كف عن زهرة الفقد
**
من هؤلاء الغرباء(59/320)
الذين رموا احذيتهم
في النهر
**
كان صوتي عاليا
والنخل طأطأ راسه
**
كنت ابحث عن فضاء
يليق بي
واكتشفت ان الشمس
تقصدني باصفرارها
فأختبأت
كنت ابحث
عن وقت اضع راسي
في عقاربه وانام
كنت بين يديك
اين القاك ...........؟
ضحكت الريح وقالت
بين نوء وشراع يتمزق
**
رحلت .........
ولكني اخذت
قصيدتي
انها / انك / انني
رماد حميد
شعراء الجزيرة العربية >> محمد خضر >> رغوة الذاريات
رغوة الذاريات
رقم القصيدة : 66820
-----------------------------------
قمر اخضر في سمائي
وحبري قليل
وشروعي في لحظة متعبة بالنبع
في شجر كثيف
ربما اصنع الان معجزة
اتوغل حتى نهاية السرداب
وارى ملتقى الواديين
وسر بكائنا لحظة الخروج
من النهر الى الفناء
كيف للابجدية
ان تتشكل
والحمى برأسي
والريح معصيتي
لاتزال البئر
تعتصر السماء المجدبة
كلما لحظة المد والجزر
دبت في النواحي المعتمة
صاح بي التل
وغطتني كثبان الرمال
جئت والتنقيب عن اغنيتي
لحظة لم ينلها احد
جئت
رائحة الامتزاج
التوحد
في جسدي
والبرد المبجل
يسقط الان
حافي الرأس
اشيائي استقرت
جسدي يحترق
اعرف انه لارماد لي
متى قطرة ...تتفجر
وجهي مليء بالريح
كأن المناخ في قبضتي
لاني كنت خشبا يطفو
ولاني رأيت نهاية صوتي
والديدان التي تنهش مقلتي
ليتني اخبرت امي
انني شمعدان
وان الارض مظلمة
ولي رغبة في المحيطات
واني قد لا اعود
واني منذ ان كنت
في حضن النبات
وانا حطام شامخ
لو اجيد البكاء /الغناء
في العتمة
لاستدليت على خاتمة النبع
لكن كفي غيمة
قمر اخضر
ينسكب
تتكون المسطحات الخضراء
والتين
والزيتون
والشعراء
......الاخاديد التي تملأ
وجه القمر الروتيني
بقايا حقول
منتهى الذاريات
ان ازرع الان
مملكة جديدة
....................
....................
سأبدأ......وحبري قليل
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> القصيدة النهروانية
القصيدة النهروانية
رقم القصيدة : 66821(59/321)
-----------------------------------
سميري وهل للمستهان سميرُ
تنامُ وبرق الأبرقين سهيرُ
تمزقُ أحشاءَ الرباب نصاله
وقلبي بهاتيك النصال فطيرُ
تطايرَ مرفض الصحائف في الملا
لهن انطواءٌ دائبٌ ونشورُ
يهلهل في الآفاق ريطا موردا
طوال الحواشي مكثهن قصيرُ
بمنتحبات مرزمات يحثها
حداءُ النعامى دمعهنُ غزيرُ
تنبه سميري نسأل البرق سقََيَهُ
لربع عفته شمأل ودبورُ
ذكرت به عهداً حميداً قضيتهُ
وذو الحزن بالتذكار ويكَ أسيرُ
عهوداً على عين الرقيب اختلستها
ذوت روضة منها وجف غدير
متاعي رجع الطرف منها وكل ما
يسرك من عيش الزمان قصير
وبي من تباريح الجوى ما شجا الهوى
وذلك ما لا يدعيه ضمير
وفت لرسيس الحب بالصبر مهجتي
وما كل من شف الغرام صبور
إلا فما بالي وغور مدامع
ودمع التصابي لا يكاد يغور
أدهرى عميد الحب والعود ذابل
فهلا واملود الشباب نضير
عذير غوايات الغرام من الصبا
وما لغوايات المشيب عذير
وكل غرام قارن الشيب سوءة
وكل غرير في المشيب غرور
أبعد تباشير المشيب غواية
وللعقل منها زاجر ونذير
تناقلني عمران عمر قد انحنى
يشيب وعمر للشباب كسير
تناهت حياتي غير نزر على شفا
وذلك قدر لو نظرت يسير
صبابة عمر حشوها الغي والهوى
وهذا مقام بالتقاة جدير
تقضى ثمين العمر في نشوة الهوى
وحشو مزادي باطل وغرور
أألهو وقد نادى المنادي لمنتهى
إليه وإن طال المطال أصبر
وصبحان من عقل وشيب تنفسا
فذا مسفر هاد وذاك سفير
أأترك نفسي بعد ذا بيد الهوى
تسام كما جر الحمار جرير
وأوقرها شراً وفيها استطاعة
إلى الخير والناهي الرقيب غيور
وإني وإن سومت نفسي بمسرح
مراعيه سم ناقع وشرور
يطور لي الشيطان أطوار كيده
ونفسي له فيما يشاء نصير
فلست بمتروك سدى دون موقفي
على الغي عقبى أشرفت ومصير
سيوقفني من رقدة اللهو ناعب
يحط بمحتوم الردى ويطير
مقضي بي المحيا وجهلي مطيتي
وقائدها دنياي وهي غدور
أمان وأوهام وزخرف باطل
سراب بقيعان الفلاة يمور(59/322)
محصلها بالكد والكدح راقب
لفوت وتفريق إليه تحور
فليس سديداً جمع هم لجمعها
ودائرة التفريق سوف تدور
سنتركها بالرغم وهي حبيبة
ورب حبيب للنفوس مبير
ومن عجيب ميل النفوس لعاجل
يحول على اكداره ويبور
وإسراعها في الغي إسراع آمن
وناقد أعمال العباد بصير
متى أقلعت عنا المنون وهل لنا
بغير طريق الغابرين عبور
أم الأمل الملهى براءة غافل
من الموت أم يوم المعاد يسير
أتمرح إن شاهدت نعشا لهالك
إليك أكف الحاملين تشير
ستركب ذاك المركب الوعر ساعة
إلى حيث سار الأولون تسير
نقى من غبار الأرض بيض ثيابنا
وتلك رفات الهالكين تطير
لي الويل هلا أرعوي عن مهالكي
أما في المنايا واعظ ونذير
أما في عويل النائحات مذكر
أم النوح حولي والبكاء صفير
أم الغارة الشعواء من أم قشعم
يشن أصيل هولها وبكور
على كل نفس غير نفسي رزؤها
ويمنعني منها حمى وستور
بلى سوف تغشاني متى حان حينها
فيعجز عنها ناصر وعشير
وتفجأني يوما وزادي خطيئة
واثم وحوب في الكتاب كبير
أرى الخطب صعبا والنفوس شحيحة
على زخرف فإن مداه قصير
وتلك ثمار الجهل والجهل مرتع
وخيم وداء للنفوس عقور
ولو حاولت نفس عن الشر نزعة
تنازعها طبع هناك خؤور
فزجت بها الآمال في غمراتها
إلى إن دهاها منكر ونكير
فثبطها تسويفها وهو قارض
لرمة اجال النفوس هصور
ودأب النفوس السوء من حيث طبعها
إذا لم يصنها للبصائر نور
بها ترتمي في الخسر آفات طبعها
خلائق توحيها الجبلة بور
تدارك وصايا الحق والصبر إنما
يفوز محق بالفلاح صبور
وخذ بكتاب الله حسبك إنه
دليل مبين للطريق خفير
فما ضل من كان القرآن دليله
ُوما خاب من سيرَ القرآن يسير
تمسك به في حالة السخط والرضا
وطهر به الآفات فهو طهور
وحارب به الشيطان والنفس تنتصر
فكافيك منه عاصم ونصير
دعيت لأمر ليس بالسهل فاجتهد
وسدد وقارب والطريق منير
وأسس على تقوى من الله توبة
نصوحا على قطب الكمال تدور
وزن صالح الأعمال بالخوف والرجا
هما جنة للصالحات وسور(59/323)
وبالعدل والإحسان قم واستقم كما
أمرت وبادر فالمعاش قصير
وراقب وصايا الله سرا وجهرة
ففي كل نفس غفلة وفتور
وجرد على الاخلاص جدك في التقى
ففوقك بالشرك الخفي خبير
وثابر على المعروف كيف استطعته
ودع منكرات الأمر فهي ثبور
ومل حيث مال الحق والصدق واستبق
مليا إلى الخيرات حيث تصير
واخلص مع الجد اليقين فإنه
به تنضر الأعمال وهي بزور
وبالرتبة القصوى من الورع التبس
فللورع الدين الحنيف يحور
وكن في طريق الاستقامة حاذرا
كمين الاعادي فالشجاع حذور
يجوز طريق الاستقامة حازم
على حرب قطاع الطريق قدير
مراصدها شتى وفي كل مرصد
لخصمك حربٌ بالبوار تغور
فلا تخش ارهاقا وساور ليوثها
بعزم يفض الخطب وهو حسير
ورافق دليل العلم يهدك انه
طريق يحار العقل فيه وعير
وفعلك حد المستطاع من التقى
على غير علم ضيعة وغرور
فما زكت الطاعات إلا لمبصر
على نور علم في الطريق يسير
أتدخر الأعمال جهلا بوجهها
وأنت إلى علم هناك فقير
فيا طالب الله ائته من طريقه
وإلا فبالحرمان أنت جدير
فلست إذا لم تهتد الدرب واصلا
قبيلك في جهل السلوك دبير
وما العلم إلا ما أردت به التقى
وإلا فخطأ ما حملت كبير
فكم حامل علما في الجهل لو درى
سلامته مما إليه يصير
وما أنت بالعلم الغزير بمفلح
ومالك جد في التقاة غزير
وحسبك علما نافعا فرد حكمة
بها السر حي والجوارح نور
تعلم لوجه الله وأعمل لوجهه
وثق منه بالموعود فهو جدير
تعرض لتوفيق الإله بحبه
ودع ما سواه فالجميع قشور
هو الشأن بالتوفيق تزكو ثماره
ومتجره والله ليس يبور
كأي رأينا عالما ضل سعيه
وضل به جم هناك غفير
معارفه بحر ويصرف وجهه
إلى الباطل الخذلان وهو بصير
وأفلح بالتوفيق قوم نصيبهم
من العلم في رأي العيون حقير
وتلك حظوظ للإرادة فسمها
وحكمة من يختارنا ويخير
تحزبت الأحزاب بعد محمد
فكل إلى نهج رآه يصير
وقرت على الحق المبين عصابة
قليل وقل الأكرمين كثير
هم الوارثون المصطفى خير أمة
لمدحهم آي الكتاب تشير(59/324)
أولئك قوم لا يزال ظهورهم
على الحق ما دام السماء تدور
على هضبات الاستقامة خيموا
إذا اعوج أقوام وضل نفير
تنافر عنهم رفض وخوارج
وحشوية حشو البلاد تمور
رأوا طرقا غير الهدى فتنافروا
إليها وبئست ضلة ونفور
لهم نصب من بدعة وزخارف
بها عكفوا ما للعقول شعور
تدعمهم أهواؤهم في هلاكهم
كما دع في ذل الأسار أسير
لأقوالهم صد وفيهم شقاشق
لهن ولا جدوى هناك هدير
دليلهم يهوي بهم في مضلة
وهم خلفه عمش العيون وعور
فيا أسفا للعلم يطمسه الهوى
ويا أسفا للقوم كيف أبيروا
أرى القوم ضلوا والدليل بحيرة
وللحق نور والصراط منير
سروا يخبطون الليل عميا تلفهم
شمائل من أهوائهم ودبور
يتيهون سكعا في المجاهل ما بهم
بمواطئ أخفاف المطي بصير
يقولون ما لا يعلمون وربما
على علمه بالشيء ضل خبير
ولو كان عين الحق منشود جهدهم
لما حال سد أو طوته ستور
نعم أبصروه حيث غرهم الهوى
فصدهم عنه هوى وغرور
أقاموا لهم من زخرف القول ظهرة
ذو للبطل فيما استظهروه ظهور
وفي زخرف القول إزدهاء لمن غوى
والهنة عن لب الصواب قشور
وفي البدع الخضر ابتهاج لأنفس
تدور بها الأهواء حيث تدور
نشاوى من الدعوى التي يعصرونها
وليس لبرهان هناك عصير
وما روقوه من رحيق مفوه
فذلك سم في الإناء خثير
يدرون أنواء الكلام وما بها
وراء ولا يطفي بهن هجير
وما كل طول في الكلام بطائل
ولا كل مقصور الكلام قصير
وما كل منطوق بليغ هداية
ولا كل زحار المياه نمير
وما كل موهوم الظنون حقائق
ولا كل مفهوم التعقل نور
وما كل مرئي البصائر حجة
ولا كل عقل بالصواب بصير
وما كل معلوم بحق ولا الذي
تقيل علما بالأحق جدير
ولكن نور الله وهب لحكمة
يصير مع التوفيق حيث يصير
وهدى الله حظ والحظوظ مقاسم
إلى مقتضى العلم القديم تحور
وليس اختيار الله في فيض نوره
بمكتسب أو تقتضيه أمور
وفي ظاهر الأقدار أسرار حكمة
طواهن من علم الغيوب ضمير
ارتنى هدى زيد وفي العلم قلة
وضلة عمرو والعلوم بحور
وذاك دليل ان لله أنفسا(59/325)
عليها من اللطف الخفي ستور
ظواهراها بله وتحوي بواطنا
لدى علمها جنس الوجود حقير
عليها خدور من غبار غباوة
ولكنها تحت الخدور بدور
تجردن من لبس الخيالات وانطوى
عليهن ريش من هدى وشكير
سرين رياح الله تحدو ركابها
اليه وأنوار اليقين خفير
يغادرن فيه منزلا بعد منزل
يكاد بها الشوق الملح يطير
تدثرن خيل الله حتى بلغنه
وواحدها في العالمين دثور
وردن مياه النهر غرثى صوادئا
وليس لها حتى اللقاء صدور
اوانس في مرج الرجاء رواتع
وللخوف في احشائهن زفير
غسلن به احكام سهم واشعر
ودرن مع القرآن حيث يدور
نحرن عقيب الدار بازل ناكث
وأمس بصفين لهن هرير
فلو قدرتها هاشم حق قدرها
هشمن ابن صخر للحروب صخور
ولكن وهى رأى وخامت عزيمة
فحكم خصم واستبيح نصير
بني هاشم عمدا ثللتم عروشكم
وفي عبد شمس نجدة وظهور
على غير ذنب غير إنكار قسطهم
وللجور من نفس المحق نكير
قتلتم جنودا حكموا الله لا سوى
وقالوا علي لا سواه أمير
فيها لدماء في حروراء غودرت
تمور وأطباق السماء تمور
وانفس صديقين أزهقها الردى
وشقت عن التقوى لهن نحور
مخردلة الأشلاء للطير في الفلا
وهن بجنات النعيم طيور
على جنبات النهروان عقائر
كما وقيت بالمشعرين نذور
أبيد خيار المسلمين بضحوة
كما نحرت للميسرين جزور
يعجون بالتحكيم لله وحده
وهامهم تحت العجاج تطير
فيا أمة المختار هل فيك غيرة
فان محب الله فيه غيور
ويا ظهرة الإيمان هل فيك منعة
وهيهات عزت منعة وظهير
ويا لرجال الله أين محمد
وناصره بالنهروان عقير
ولو وقعة كانت بعين محمد
لما قر عينا أو يزول ثبير
فمن لصدور الخيل فوق صدورهم
ولله في تلك الصدور بحور
تطل دماء المؤمنين على الهدى
وخيل ابن صخر في البلاد تغير
ويعصى ابن عباس إذا لم شعثها
ويسمع فيها أشعت وجرير
على أن علت فوق الرماح مصاحف
ونادوا إلى حكم الكتاب نصير
مكيدة عمرو حيث رثت حباله
وكادت بحور القاسطين تغور
أبا حسن ذرها حكومة فاسق
جراحات بدر في حشاه تفور(59/326)
أبا حسن اقدم فأنت على هدى
وأنت بغايات الغوي بصير
أبا حسن لا تعطين دنية
وأنت بسلطان القدير قدير
أبا حسن لاتنس أحدا وخندقا
وماجر عير قبلها ونفير
أبا حسن أين السوابق غودرت
وأنت أخوه والغدير غدير
أبا حسن إن تعطها اليوم لم تزل
يحل عراها فاجر ومبير
أبا حسن طلقتها لطليقها
وأنت بقيد الأشعري أسير
أتحبس خيل الله عن خيل خصمه
وسبعون ألفا فوقهن هصور
أثرها رعالا تنسف الشام نسفة
بثارات عمار لهن زفير
وصك ثغور القاسطين بقيلق
له مدد من ربه وظهير
فلم يبق الا غلوة أو تحسهم
ويبكي ابن صخر قبة وسرير
فما لك والتحكيم والحكم ظاهر
وأنت علي والشآم تمور
أفي الدين شك أم هوادة عاجز
تجوزتها أم ذو الفقار كسير
يبيت قرير الجفن بالجفن لاصقا
وجفن حسام ابن اللعين سهير
فلا جبرت حداه ان ظل مغمدا
وهندي هند منجد ومغير
ولا جبرت حداه يوم سللته
له في رقاب المؤمنين صرير
أتغمده عن عبد شمس وحزبها
ويلفح حزب الله منه سعير
فمالك والأبرار تنثر هامهم
كأنك زراع وهن بذور
ذروتهم عصفا وتبكى عليهم
بلى فابك خطب بالبكاء جدير
فما هي إلا جدعة الأنف ما شفت
غليلا وجرح لا يزال يغور
ستحصد هذا الزرع مهما تقصدت
عراقك لا يلوى عليك ضمير
تنازعها سل السيوف فتلتوى
وتخطب فيها والقلوب صخور
قتلت نفير الله والريح فيهم
وأصبحت فذا والنفير نفور
نشدت دوي النحل لما فقدتهم
ويعسوب ذاك النحل عنه خبير
أرقت دماء المؤمنين بريئة
لهن بزيزاء الحرار خرير
عليا أمير المؤمنين بقية
كأن دماء المؤمنين خمور
سمعناك تنفى شركهم ونفاقهم
فأنت على أي الذنوب نكير
وما الناس إلا مؤمن أو منافق
ومنهم جحود بالإله كفور
وقد قلت ما فيهم نفاق ولا بهم
جحود وهذا الحكم منك شهير
فهل أوجب الإيمان سفك دمائهم
وأنت بإحكام الدماء بصير
تركتهم جزر السباع عليهم
لفائف من إيمانهم وستور
مصاحفهم مصبوغة بدمائهم
عليهن من كتب السهام سطور
وكنت حفيا يا ابن عم محمد
بحفظ دماء مالهن خطير(59/327)
وكنت حفيا ان يكونوا بقية
لنصرك حيث الدائرات تدور
تناسيت يوم الدار إذ جد ملكها
فللعاص فيها دولة وظهور
ويوم جبال الناكثين تدكدكت
وطلحة والعود الطليح عقير
وحربا تؤز الشام ازا قراعها
له في جموع القاسطين سعير
تعوذ منها القاسطون بخدعة
بجدعة تلك الأنف فاز قصير
مواطن أهوال تبوأت فلجها
إلى أن دهتها فلتة وفتور
تفانت ضحايا النهر في غمراتها
وأنت شهيد والعدو وتير
تنادي أعيروني الجماجم كرة
فقد قدموها والوطيس سعير
أما والذي لا حكم من فوق حكمه
على خلقه ورد به وصدور
لقد ما أعاروك الجماجم خشعا
عليهن من قرع الصفاح فطور
فقصعتها إذ حكمت حكم ربها
فما بقيت عارية ومعير
فيا أسفا من سيف آل محمد
على المؤمنين الصالحين شهير
نباعن رؤوس الشام في الحق وانثنى
إلى ثفنات العابدين يجور
أحيدرة الكرار إن خياركم
وقراءكم تحت السيوف شطور
أحيدرة الكرار تابعت أشعثا
وأشعث شيطان ألد كفور
أعشرون ألفا قلبهم قلب مؤمن
بأوجههم نور اليقين ينور
بهاليل أفنوا في العبادة أنفسا
لهم اثر في الصالحات اثير
أسود لدى الهيجار هابين في الدجى
أناجيلهم وسط الصدور سطور
وفي القوم حرقوص وزيد وفيهم
أويس ومن بدر هناك بدور
ومن بيعة الرضوان فيهم بقية
بأيديهم منها ندى وعبير
اكلتهم في النهر فطرة صائم
فكيف أبا السبطين ساغ فطور
فيا فتنة في الدين ثار دخانها
وذاك إلى يوم النشور يثور
نجونا بحمد الله منها على هدى
فنحن على سير النبي نسير
بصائرنا من ربنا مستمدة
إذا اشتبهت للمارقين أمور
وثقنا بأن الدين عروة أمرنا
وماشذ عنه فتنة وغرور
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> ماذا تريد من الدنيا تعنيها
ماذا تريد من الدنيا تعنيها
رقم القصيدة : 66822
-----------------------------------
ماذا تريد من الدنيا تعنيها
اما ترى كيف تفنيها عواديها
غدارة ما وفت عهدا وان وعدت
خانت وان سالمت فالحرب توريها
ما خالصتك وان لانت ملامسها
ولا اطمأن الى صدق مصافيها(59/328)
سحر ومكر وأحزان نضارتها
فاحذر اذا خالست مكرا وتمويها
وانفر فديتك عنها انها فتن
وان دعتك وان زانت دعاويها
كذابة في دعاويها منافقة
والشاهدات على قولي معانيها
تريك حسنا وتحت الحسن مهلكة
يا عشقيها اما بانت مساويها
نسعى اليها على علم بسيرتها
ونستقر وان ساءت مساعيها
أم عقوق وبئس الأم تحضننا
على غذاء سموم من أفاعيها
بئس القرار ولا ننفك نألفها
ما اعجب النفس تهوى من يعاديها
تنافس الناس فيها وهي ساحرة
بهم وهمهم ان يهلكوا فيها
يجنون منها على مقدار شهوتهم
وما جنوه ذعاف من مجانيها
من الذي لم ترعه من طوارقها
وأي نفس من البلوى تفاديها
كل البرية موتور بما فتكت
لا ثار يؤخذ لا أنصار تكفيها
تروعهم روعة للحسن مدهشة
وهي الحبائل تبديها وتخفيها
ما أغفل الناس فيها عن معائبها
وانما راقهم منها ملاهيها
وللبصائر حكم في تقلبها
بأن عيشتها فيها سترديها
غول تغول أشكالا حقيقتها
مكرا ولا يرعوي عنها مدانيها
نجري الى غاية فيها فتصرعنا
لابد من صرع جار مجاريها
وان دارا الى حد نصاحبها
من أحزم الأمر انا لا نصافيها
أني نصافي التي آباءنا طحنت
والآن تطحننا الانياب في فيها
انستقر على لهو بلا ثقة
ولا أمان ولا نفس تعافيها
ما سالمت من نأى عنها وحاربها
ولا تسالم قطعا من يداجيها
لا ترحم الطفل تردى عنه والده
ولا الثكالى ولو سالت مآقيها
لم تهدء الدور من نوح وصارخة
ولا المقابر من مستودع فيها
نمر بالطرق والايتام تملأها
ولا نفكر فيمن كان يؤويها
ونرسل الطرف والأبواب مغلقة
والدور فارغة والدهر يبليها
أين الذين غنوا فيها مقرهم
أظنهم في طباق الأرض تطويها
أين الذين عهدنا أين مكثهم
أين القرون لمن تبقى مغانيها
أين الحميم الذي كنا نخالطه
أين الأحبة نبكيها ونرثيها
أين الملوك ومن كانت تطوف بها
أو من ينازعها أو من يداريها
أين الاباعد أين الجار ما فعلت
بهم بنات الليالي في تقاضيها
لو أمكن القوم نطق كان نطقهم
ريب المنون جرت فينا عواديها(59/329)
عظامهم نحخرت بل حال حائلها
تربا لدى الريح تذروها عوافيها
لا شبر في الارض الامن رفاتهم
فخل رجلك رفقا في مواطيها
نبني القصور وذاك الطين من جسد
بال ونحرث أرضا مزقوا فيها
عواتق الناس لا ترتاح آونة
من النعوش ولا يرتاح ناعيها
ما بين غارة صبح تحت ممسية
يراقب الناس اذ نادى مناديها
تغدو وتمسي على الأرواح حاصدة
لا ينتهي الحصد أو تفنى بواقيها
ونحن في اثرهم ننحو مصيرهم
وجوعة اللحد تدعونا ونقربها
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> همم الملوك أجلها اعظامها
همم الملوك أجلها اعظامها
رقم القصيدة : 66823
-----------------------------------
همم الملوك أجلها اعظامها
بالحلم ساد من النفوس عصامها
والحلم أس والكمال بنية
رفعت على أركانه أعلامها
والحلم أرواح وكل زكية
ولع الكرام بصنعها أجسامها
وصنائع الأحلام أنفس مفخرا
من كل مفخرة يسود كرامها
كنقيبة الملك الحليم فانه
للكائنات ملاكها وقوامها
ملك مقدسة هيولياته
من أن يضاف لفطرة أعظامها
ملك جلالته وعزة شأنه
بمسابح القمرين جل مقامها
ملك به الدنيا زهت وتهللت
بجمال طلعة ملكه أيامها
ملك عزائمه تخر لها الملو
ك وفوق هام المشتري أقدامها
أسد فرائسه الخضارم في الوغى
جرار كل كتيبة قمقامها
طلاع كل ثنية هزازها
قماع كل عظيمة مصدامها
حتف على الأضداد لفتة رأيه
لمن السيوف ودونهن حمامها
غلاب ما دون القضاء يحفه
مدد السماء وحارسوه كرامها
تخشى البوادر من جلالة قهره
نوب الصروف فما يشب ضرامها
من للحوادث أن تكون جنوده
وتكون في كبد العداة سهامها
لولا كفالة عزمه بسياسة ال
دنيا كفاه عن الوغى اقدامها
لكن له سن الكمال فواضلا
حتى على حد الظبى أنعامها
ولعت أياديه باقراء السيو
ف دما وذاك على الكرام ذمامها
حقا اذا قرمت الى لجم العدا
أن لا يظل مؤخرا اكرامها
ومطهمات كالرياح قواصف
قحل الى دهم الحروب هيامها
جرد مكتبة الصدور عوابس
الفت مقارعة الحديد عظامها(59/330)
صامت مرابطة الجهاد ببابه
لله ظل جهادها وصيامها
ولطالما صلت على لباتها
زمر الحديد سهامها وحسامها
تصبو الى الأهوال صبوة عاشق
عجبا بشمطاء الحروب غرامها
أزدية بدرية وهبية
لورود ماء النهروان أوامها
تنفض بالآجال كالشهب الثوا
قب دارعات بالدما أجسامها
علمت مقارعة الكماة وأحرزت
علم المعارك جيداً افهامها
جرداء غضبى لا يقر قرارها
أو يستباح من العداة حرامها
يسطيرها لمع النجوم تخاله
لمع الصوارم حين ثار قتامها
ثبتت لها في كل دهر خطة
رسمته في جبهاته أيامها
عاشت ملوك بني الامام تعلها
بدم الكماة فما يحل فطامها
كانوا البدور فكن أفلاكا لهم
والعدل منهم في العباد لجامها
ابلت فوفاها الذمام وهكذا
ترعى الذمام من الملوك كرامها
ولكم وفي عهدا وراعي حرمة
وأزاح معضلة يهول ظلامها
وأتاح فاضلة وأغنى مقترا
وأمر نفسا شأنها اعدامها
ولكم تجاوز عن جديدة مذنب
لولا تجاوزه لحل اثامها
ملك جبلته على الحلم انطوت
إن الملوك تزينها أحلامها
يؤتى بأثقال الجبال جرائما
فيزول بالعفو العظيم لزامها
وبتلك يمتلك الرقاب مليكها
وبتلك يقتاد الصعاب همامها
وقضية المجد الأثيل منوطة
بجمال مصطنعاته أحكامها
أصل لجامعة الكمال كماله
كالشمس روح للوجود قيامها
ما زال يهتف بالمعالي همه
حتى تضاعف في يديه زمامها
قطب لعمر الجد عنه تضاءلت
همم القروم وعصرت أوهامها
أو ما ترى سر الخلافة أشرقت
بظهوره وتباشرت أعلامها
واهتز منبرها وهلل عرشها
وتهللت فرحا به أيامها
وأغاث اسلام البسيطة بعد أن
كادت يودع أهلها اسلامها
وأمد ناموس الشرائع بالتي
يرضي الاله من الجهاد قيامها
ملك تشرفت البسيطة باسمه
وبذاته وصفاته حكامها
ملك يجير على الزمان طريده
حتى الحوادث في حماه مضامها
غوث البلاد عظيمة بركاته
نفاح كل جليلة قسامها
وافته سلطنة الوجود فزانها
ولقد رعاها كفؤها وامامها
من معشر قادوا الزمان بأنفس
ترياق كل عظيمة وسمامها
بلغوا السماء علا فما جرجيسها(59/331)
الا استقاد لهم ولا بهر امها
أسد عرينهم اللدان السمهر
ية والسوابغ محكما الحامها
كغيول محنية تصفقها الصبا
زرق كأثواب السماء جمامها
خلقوا على صهوات كل طمرة
جرداء سابحة يعوم زمامها
هجروا الاسرة والدساكر رغبة
عنها لمعركة يموج لهامها
وتفيؤا ظلل القواضب والقنا
عوض الرياض تفتحت أكمامها
أعظم باملاك باردية المج
رة طنبت بالمكرمات خيامها
نبر الخطوب مقاعس آثارهم
عقد على جيد الزمان نظامها
شمخت عن الدنيا منازعهم فما
تصيبهم لذاتها وحطامها
ذمر حقوق نزيلهم والمستعي
ذ بهم حقوق لا يضاع ذمامها
أبقى ثويني في الوجود مفاخرا
يجلي النجوم مسيرها ودوامها
فأتى ابنه الملك العظيم بخطة ال
شرف التي جلت وعز مرامها
السيد السلطان نور الملة ال
غرا وروح حياتها وقوامها
حمد الذي سطواته لو عارضت
شم الجبال لنسفت اجرامها
معطاء كل رغبة وهابها
بتار كل عظيمة صمصامها
رسمت مناقبه بنور جلاله
بيد العلا وكماله اقلامها
وتقيل الحمد الذي عن حصره
لسن المدائح في القيود كلامها
يا أيها الملك الذي أرجوعوا
طفه وأعظم منيتي المامها
كم أم بابك عائذ بجلالة
خير المعاذ معاذها ومقامها
عبد ببابك لم يغادر زلة
الا وقد علقت به آثامها
عبد ببابك مستجير عائذ
بجبال حلمك نفسه استعصامها
مستمسك بحبال عفوك آئبا
ان ليس ينقض في يدي ابرامها
مولاي ان السيل قد بلغ الزبى
وأتى على نفس الطريد زؤامها
مولاي قد حلم الأديم من البلا
حتى على الطيبين ضاق حزامها
مولاي اشكله الزمان قد انقضت
ولماسه الأعداء جف رؤامها
مولاي ان الدهر أوردني موا
رد مالها صدر يؤد عرامها
مولاي لست على صدودك مقرنا
أو ليس ذاك على النفوس حمامها
مولاي أن تأخذ فلست بظالم
نفسي جنت فجناؤها ظلامها
مولاي أن تعدل فعدل حاكم
لك حجة حق على قيامها
مولاي أن تكن الذنوب عظيمة
فمقام حلمك دونه اعظامها
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> برهان الاستقامة
برهان الاستقامة
رقم القصيدة : 66824(59/332)
-----------------------------------
علمت ربي ولا عين ولا أثر
ولا ظروف ولا شرط ولا صور
ما فات علمك موجود ولا عدم
جار بعلمك ما تأتي وما تذر
وليس علمك موقوفا على حدث
ما كان أو لم يكن يجري به قدر
والاستحالة والامكان حكمها
وفق المشيئة أن شئت مقتصر
قدرت شيئا محالا ثم تجهله
سبحان سبحان حق القدر ما قدروا
ما للطبيعة تنزو فوق مركزها
ومالها في الذي تنزو له اثر
أليس نفس الهيولي لا يحركها
إلا المعلل والمعول مقتسر
والحد والرسم والأشكال والصور
والحل والعقد والإبرام والغير
والكل والجزء مما كان ممتنعا
وغير ممتنع في اللوح مستطر
وكل ما كان موجودا ومنعدما
فمن إرادته لا شك مؤتمر
أيجهل الله أمرا نحن نعلمه إن ليس تحصره من جنسه صور
من أمره اللم يكن واللا يكون وكن
فكيف يجهل ما يستحصل البشر
من ذا أفاض علينا ما نحصله
من العلوم وما تستدرك الفكر
هب القوى أدركت فالمدركات لها
قيودها العلم والإدراك والنظر
ومن أمد القوى حتى يحصل في
من كان هيأها حتى بدا الأثر
وهل معارفنا إلا مواهبه والك
سب في ضغطه التكوين منحصر
أنحن نعلم بالتعقيل منعدما
وخالق العقل عنه الأمر مستتر
إن شاء شيئا فذاك الشيء يعلمه
أو لم يشأ انطوى عن علمه الخبر
من أوجد الشيء من لا شيء يجهله
كيف استقام له الإيجاد والأثر
والجهل بالصنع عجز لا تقوم به
على كمالاتها الأكوان والفطر
إن كان يجهل شيئا قبل موقعه
فإنه قبل ذاك الشيء مفتقر
ما الشأن في الذات قبل الخلق في أزل
قد عزها العلم لا سمع ولا بصر
استغفر الله هذا الكون علة عل
م الله أم كيف هذا العلم يعتبر
قد قف شعري من خطب خذيت له
تكاد منه السما والأرض تنفطر
آها على فلتة جاء البصير بها
قد خاصمته عليها الآي والسور
أقول للعقل والبرهان في يده
هلا حكمت وأنت الفيصل الذمر
سلبته صفة ذاتية وجبت
لذاته حيث لا كون ولا فطر
فحين أوجدها صنعا أضفت له
علما يساوق ما يجري به القدر
هلا حكمت بأن الذات عالمة(59/333)
بنفي اضدادها من قبل ان ذكروا
هلا حكمت بان الذات فاعلة
بالاختيار لما تأتي وما تذر
لو لم يكن علمه بالشيء يسبقه
لكان بالطبع أو بالجبر يقتدر
لو كان يختار أمرا ليس يعلمه ان
حل الوجود لما تأتي به الخير
يدبر الأمر مطويا على غرر
ان كان يغرب عن ادراكه الغرر
ما كان أغناه عن تدبير صنعته
إن كان يجهل قبل الصنع مالخبر
سبحان ربي تقديسا لعزته
في علمه النفي والإثبات منحصر
بالذات للذات معلوماته انكشفت
ما ثم واسطة في الذات تعتبر
وكونه النفي والإثبات حكمته
يقضي بإدراكه المنفي لو نظروا
أأوجبت علمه آثار قدرته
فيلزم الجهل لو لم يظهر الأثر
لو كان ذاك لمست ذاته علل
إذ الصفات إلى الأحداث تفتقر
أو يلزم الدور فيها أو مرادفه
أو ليس يعلم إلا حين يقتدر
هب أنه لم يشأ شيئا فاعدمه
أكان ما شاء نفياً عنه يستتر
أم كان ما لم يشأه الحق منفعل
الذاته قادر في نفسه قدر
أو كون ما كان معدوما تقدمه
أم صده جل عنه العجز والخور
ما للعقول على أقوى بساطتها
ضلت فلم تفنها الآيات والنذر
تحكمت في صفات الله جاعلة
حقيقة الذات للعلات تأتمر
قضية أثمرت تعطيل منشئها
ليت القضية ما كانت ولا الثمر
ليت التنور بالإسلام ينبذها
إلى الذين برسل الله قد كفروا
كم في القرآن "ولو شئنا" تدل على
إن الذي لم يشأ في العلم منحصر
لو شاء اذهاب ما أوحي لأذهبه
أو شاء جمعهم بالحق لا بتدروا
أكان يجهل ما لو شاء أوجده
قبل الوجود وعنه تنبئ السور
لو كان ما يلزم المشروط يجهله
فعن حقيقة ماذا يصدق الخبر
ماذا دهى الزيغ من خطب الكليم لو
إن العقول إلى الأنصاف تبتدر
انظر فسوف تراني كيف أبرزها ال
علم الحقيقي إن لم يخطئ النظر
ترى التعلق بالحال التي فرضت
على المحال بصدق الحال تعتبر
أكان يجهل دك الطور وهو على
مرساه لم ينتقض من بينه حجر
أم لم يحط قبل تكليم الكليم له
ان ليس يدركه عقل ولا بصر
المستحيل ومتروك الإرادة وال
مخصوص بالفعل مما رجح القدر
معلومة حسب ما هيأتها وعلى(59/334)
ما اختارها ما لها في نفسها خير
وعلمه ذاته والذات سابقة
والما سوى مطلقا للعلم محتظر
هذا هو الحق لا أبغي به بدلا
بأي حال ولو عادتني العصر
أني لأنصر ذا حق يقوم به
والمؤمن الحق للإيمان ينتصر
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> الكلم الطيب
الكلم الطيب
رقم القصيدة : 66825
-----------------------------------
غفرانك اللهم يا رباه
يا سامعاً دعاء من دعاه
عبدك قد باء بما جناه
فاغفر له ما كسبت يداه
بحق لا إله إلا الله
عبدك للذنب العظيم مقترف
عبدك للوزر الثقيل محترف
عبدك عبد السوء ربي معترف
حقق له التوبة عن هواه
بحق لا إله إلا الله
عبدك يا الله عبد آبق
إلى الخطايا عَجلُ مسابق
للصالحات كلها مفارق
فخذ بيمناه الى هداه
بحق لا إله إلا الله
اتيت في خلافك العظائما
لا أرعوي عن كسبي الجرائما
فالآن قد قرعت سني نادما
اطلب رضوانك لا سواه
بحق لا إله إلا الله
ما غرني بربي الكريم
ما ساقني للمأثم العظيم
غير الهوى وجهلي الوخيم
فاعصمني اللهم من بلواه
بحق لا إله إلا الله
آتى الخطايا كلها تعمدا
أسعى اليها نشطا مجتهدا
وأنت بالمرصاد تحصي العددا
استغفر الله لما أحصاه
بحق لا إله إلا الله
صرفت عمري في هوى متبع
والحق يدعوني واذني لا تعي
هديتني النجدين والغي معي
فاغتفر اللهم ما تراه
بحق لا إله إلا الله
في الفعل والترك خلافي واقع
وصحفي من طاعتي بلاقع
والويل لي من كل ما أواقع
الا اذا لطفك بي كفاه
بحق لا إله إلا الله
نفسي بما يوبقها مرتهنه
اجترح الحوب وعقلي في سنه
كأنما الحوبة عندي حسنه
غوثاه منها حوبة غوثاه
بحق لا إله إلا الله
لا انتهي لزاجر عن مهلكه
وعاديات الموت خلفي مدركه
الهو ونفسي في غمار المعركه
يا رب أوزعني لما ترضاه
بحق لا إله إلا الله
سوء اختياري زاغ بي عن أمركا
وقوتي في بطري ببركا
يا خجلتي تحت جلال قدركا
زك اختياري بالذي ترضاه
بحق لا إله إلا الله
أرى ومن يحلل عليه غضبي(59/335)
فقد هوى في موبقات العطب
ولا أرى عن الشقا منقلبي
إلا اذا رحمتني ويلاه
بحق لا إله إلا الله
من لي بأن أخلص من أسر الهوى
وارعوي يا رب فيمن ارعوى
فتب على من تاب بعد ما غوى
شيطانه وجهله أغواه
بحق لا إله إلا الله
يا ضلة تاه بها فؤادي
بغير رشد وبغير زاد
لم أنتبه لزجرة الايعاد
انظر إلى عبد رجا مولاه
بحق لا إله إلا الله
لا تثبت النفس على الانابة
لكل ما تكرهه كسابه
وأنت تدعوها ولا اجابه
الله لا ينقذني سواه
بحق لا إله إلا الله
شقيت لولا أملي في حلمكا
وأوبتي من حوبتي بعلمكا
حقق متابي خالصا بفضلكا
لا يطرد الكريم من رجاه
بحق لا إله إلا الله
لست بمتروك سدى وانما
على المعاصي تتأنى كرما
ما فاتني انك تحصي المأثما
وقد أثمت فاكفني اياه
بحق لا إله إلا الله
عملت سوءا وظلمت نفسي
أصبح في غوايتي وأمسي
أوحشني ذنبي وأنت أنسي
والأنس للمذنب يا رباه
بحق لا إله إلا الله
أن ينفع العاصي حسن توبته
وقرحة في قلبه من حوبته
والصدق في اخلاصه وأوبته
فاقبل متابي الصدق يا الله
بحق لا إله إلا الله
بسوء ما اكتسبت هل ينجيني
لك اعترافي مخلصا لديني
وانني منك على يقين
بأن منتابك لا تأباه
بحق لا إله إلا الله
بباب عز الله أوقفت الأمل
اخرسني الحياء من سوء العمل
وليتها سعادة من الازل
تسوقني لعمل ترضاه
بحق لا إله إلا الله
هذا مقام المجرم المستبصر
هذا مقام العائذ المستغفر
بؤسا له من أشر مستهتر
ان لم يفز بتوبة مسعاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لذنبي مطلقا
فعلاً وتركا ً نية ًومنطقا
أستفغر الله لذنب سبقا
نسيته وأنت لا تنساه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من التعمد
في أي مصدر وأي مورد
بكسب جسم أو بقصد الخلد
يستغفر العامد ما أتاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لما أخطأت به
منتبها كنت وغير منتبه
أستغفر الله لذنب المشتبه
فعلته وأنت لا ترضاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من المحرم
من ملبس ومشرب ومطعم
وأي شهوة دعت للمأثم(59/336)
عبدك يستعفيك ما جناه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لترك ما أمر
أستغفر الله لفعل ما حظر
أستغفر الله لكبر وبطر
في كل ما من فضله آتاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله له العتبى علي
من سيء جرى بحكمه علي
والضعف عن اتمام توبتي لدي
يبقى على توفيقه تقواه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لما قدمته
وما تركته وما أدمته
وما وجدته وما أعدمته
وكل ما تقديره أجراه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لما عدت له
بعد متابي منه فانقدت له
وكل ما كنت تجردت له
لوجهه لأجل ما سواه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لكفران النعم
أستغفر الله لأسباب النقم
وكل ما جاء بلا أو نعم
وكل ما يطرد عن حماه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لسوءات الخفا
والجهر والسوءة في غير الوفا
يا واسع الحق أحق من عفى
هل ترحم المسيء في عقباه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لكل معصيه
عن رحمة الله الكريم مقصيه
وكل ما أحصيه أو لن أحصيه
والله في كتابه أحصاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لترك الذكر
أستغفر الله لترك الشكر
أستغفر الله لترك الصبر قد طالما جزعت في بلواه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لذنب الكلمه
أستغفر الله لكل مظلمه
أستغفر الله لكل مأثمه
في حقه أو حق من سواه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله مضلات الفتن
من ظاهر منها وما كان بطن
وكل اثم بيقين أو بظن
مغفرة توجبها رحماه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله اكتسبت الظلما
مغفرة عزما وعفوا جزما
لا يتركان من ذنوبي اثما
وأنت من أرجو ومن أخشاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله ولست قانطا
أمست همومي تنشط المناشطا
أستغفر ربي قابضا وباسطا
وقربتي وقد دنا لقياه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لآفات اللسان
أستغفر الله لآفات الجنان
أستغفر الله لما جر اليدان
وما جنى القلب وما نواه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لذنب النظر
ولست من ذنوب سمعي بالبري
واللمس والذوق وشم المنخر
وكل ذا مستطر ألقاه(59/337)
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لذنب القدمين
أستغفر الله لذنب الشهوتين
والله لا أرجع في خفي حنين
والله لا يرد من دعاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من المكابره
أستغفر الله من المفاخره
أستغفر الله لنسي الآخره
يا ظفر الكيس في عقباه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لنفس عاتيه
لكل ما تكرهه مؤاتيه
وتلك يا رب خلال ذاتيه
تنجو اذا نجيتها رباه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لعلم ما نفع
أستغفر الله لجهل بي قطع
أستغفر الله لمذموم الطمع
والشح والبذل الذي تأباه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لعين جامده
وفكرة في الواجبات خامده
ونهضة في قربات ربي هامده
ونهضة العبد إلى مولاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من التمادي
في غمرة اللهو بلا استعداد
تركت تقوى الله خير زاد
عساه أن يقيلني عساه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من الفساد
أستغفر الله من العناد
لست من اهل الخير في عداد
الا إذا وفقني الاله
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من الارادة
ان خالفت أوامر العبادة
أستغفر الله لكل عادة
الفتها خلاف ما ترضاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من الاقامه
على مقام غير الاستقامه
ما صلحت للعبد من مقامه
إلا باصلاح الذي سواه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من الاقدام
بالعلم والجهل على الحرام
أستغفر الله من الأوهام
وخاطر الشك وما ضاهاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من الآثام
عوذا به من خشية الأثام
ان العزيز حافظ الذمام
من احتمى بركنه حماه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله ذنوبا مفرطه
مخلقة موبقة مورطه
أستغفر الله الخطايا المسخطه
خذ بيدي يا باسطا يمناه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لقبح العمل
أستغفر الله لطول الأمل
أستغفر الله لكل الزلل
ان وهب العفو فيا بشراه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لكل ما خلق
وشاء ان أذنبه علما سبق
وألحق الله وعدل الله حق
فنج من عدلك من يخشاه
بحق لا إله إلا الله(59/338)
أستغفر الله من الاخلال
بطاعة الله بكل حال
ومنكر الأقوال والأفعال
أفلح من غفرانه انجاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لما اعتد به
من طاعة تقصر عند مطلبه
وسوءة تقطعني عن سببه
والله لا يقطع من رجاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لذنب اختفى
وكل ما أذنبته منكشفا
وكل ما تركته تخلفا
وكسلا مما أحب الله
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لذنب الارتياب
أستغفر الله لتسويف المتاب
أستغفر الله متاب من أناب
مبدؤه الفقر ومنتهاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لتوبة الريا
وتوبة العجب وقلة الحيا
وتوبة لم تنبعث عن استيا
وتوبة الغافل عن أخراه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لذنب الاغترار
أستغفر الله لسوء الاختيار
يا حسرتا من معقب دار البوار
ان خسر المنيب مرتجاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من التواني
في طاعة الله بحب الفاني
ولا تباعي خطوة الشيطان
يا رب جنبني مبتغاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من الاصرار
على الذي اكتسبتُ من أوزاره
والذنب لي لا ليد المقدا
تحوب العبد ومشتكاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله من الفكر الردي
ان تابعته فلتات الخلد
ونزعة النفس لسوء المقصد
ينتابها اللطف بمقتضاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله تهور الشنع
أستغفر الله عزائم البدع
أستغفر الله شكائم الخدع
ما أخدع النفس لما تهواه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله منيبا تائبا
أستغفر الله مطيعا آيبا
أستغفر الله اليه هاربا
ومهرب العبد إلى مولاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله تقيا سخطه
من كل زلة وكل فرطة
ان يكن استغفار ربي حطه
فانني مستغفر اياه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله نزوعا عن خطا
وفيئة ً اليه عما فرطا
حاشاه أن يطردني مقنطا
بالفضل والرحمة ما أحفاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله تعرضا لما
أوجبه من عفوه تكرما
اسأله التوبة عما علما
من سيئ بحكمه قضاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله كبائر الزلل
ومن صغائر بها القضا نزل(59/339)
مستوهباً من فضله حصن العمل
وكل ما يكسبني زلفاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله الذنوب الفادحة
أستغفر الله العيوب الفاضحه
نفسي إلى الله بسوء كادحة
لعلني بلطفه أكفاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لوهن في الثقة
ضمانة الله لنا محققة
لمن يخلى من خلقه
ثبت يقيني فيك يا الله
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لأسباب الشقا
وعمل يوجب وحشة اللقا
لأجل أن يطلبني هذا البقا
فاختم برضوانك منتهاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لطيف اللطفا
ضيعت عمري في الخطايا مسرفا
منتهكا مفرطا مسوفا
يا نظرة الله ويا رحماه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لهفوة اليقين
أستغفر الله لفجرة اليمين
أستغفر الله لكل المؤمنين
أستغفر الله كما يرضاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لحوب لزما
أستغفر الله به معتصما
من خطوة إلى المعاصي قدما
من يعتصم به فقد هداه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لايقان جنح
لجانب اليأس ومطمع فضح
أستغفر الله لتيه ومرح
املأ جناني بك ما أقساه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لحرص وشره
أستغفر الله الأمور المنكره
أستغفر الله اليه المعذره
وليس لي عذر به ألقاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله العظيم رغبا
أستغفر الله العظيم رهبا
يا سيدي قد بلغ السيل الزبي
لا يهلك الجاني بما استهواه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لذنب اتقي
بفعله من لا يفي ولا يقي
ولزلة الغلو والتعمق
وكل ما من عبده قلاه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله لمحظور الكسل
وسخط مقدور وأمن وفشل
أستغفر الله لنسيان الأجل
يا رب غفرانك في مداه
بحق لا إله إلا الله
أستغفر الله العظيم كل شي
قارفته وهو محرم علي
ويلاه قد أوقرت من كسب يدي
وقر الشقا ان لم يجرني الله
بحق لا إله إلا الله
يا أنس من أوحشه اقترافه
يا روح من أكربه اسرافه
هل نافع لعبدك اعترافه
فتوسع العفو لما جناه
بحق لا إله إلا الله
ليس بشكران تقيل عاثرا
ولا ببدع عفوك الجرائرا(59/340)
أصبت من ذنوبي الفواقرا
والعاصم المجير أنت الله
بحق لا إله إلا الله
طالبك اللهم لن تضيعه
وحوبتي وان تكن فظيعه
فلم أرد بفعلها قطيعه
والأمن من بأسك سيداه
بحق لا إله إلا الله
عفوك أرجو وذريعتي الكرم
حلك من حولك ربي في حرم
فضيلة الحول وسلطان العظم
موئل من آتيته تقواه
بحق لا إله إلا الله
أعلم ومن نفسي نكث العهد
والجد في السوء وخلف الوعد
إلا إذا قومتني بجد
لا ينعش الجدود إلا الله
بحق لا إله إلا الله
ان كانت التوبة باب المذنب
فقد علمت توبتي ومطلبي
لا تجبهن بردها منقلبي
وبابك الباب الذي أغشاه
بحق لا إله إلا الله
ما يفعل الله بتعذيب المنيب
رحمته من كل محسن قريب
غفرانك اللهم يا نعم المجيب
من يغفر الذنوب إلا الله
بحق لا إله إلا الله
غفرانك اللهم زلة القدم
علمت من انابتي صدق الندم
ويا لها فضيحة بين الأمم
في الحشر إن لم يستر الاله
بحق لا إله إلا الله
غفرانك اللهم مالي حجة
زغت على علم عن المحجه
غرقت من خطيئتي في لجه
ومنقذي من غرقي رحماه
بحق لا إله إلا الله
أسرفت في عظائم الأمور
اذ خدعتني خدع الغرور
أدعوك بالويل وبالثبور
بتوبة المخلص يا غوثاه
بحق لا إله إلا الله
علقت في حبائل الخسار
من فتنة التسويف والاصرار
قد أوقفتني بشفير النار
أسألك النجاة يا الله
بحق لا إله إلا الله
معاذك اللهم من درك الشقا
أعدمت ما ينفع في دار البقا
انظر حياة آذنت أن تزهقا
والطف بباقيها بما ترضاه
بحق لا إله إلا الله
أين نجاتي منك ان لم ترحم
من ناصري منك ومن مستعصمي
ومن معاذي وبمن ذا احتمي
أنت لهذا العبد محتماه
بحق لا إله إلا الله
أودعتك النفس وأنت المانع
ولا تضيع عندك الودائع
شأني بلا حفظك شأن ضائع
يصلح شأني حيثما ترعاه
بحق لا إله إلا الله
عبدك في قهرك ويستقيل
بين يديك خاضع ذليل
ليس له وجه ولا سبيل
وانما بابك منتحاه
بحق لا إله إلا الله
قد بهرتني كبر المعاصي
ويلاه يوم الأخذ بالنواصي
ان لم تداركني بالخلاص(59/341)
ويحمد العبد اذا مسراه
بحق لا إله إلا الله
لبست تقوى الله خوف المقت
من كان ذابت فهذا بتي
أسترشد الله لحسن السمت
الرشد والتوفيق من جدواه
بحق لا إله إلا الله
أمارتي بالسوء ما بها ثقة
غدارة في غيها منطلقه
اعط اقتداري صونها عن موبقه
والله في القدرة حيث الله
بحق لا إله إلا الله
صدقت قد أفلح من زكاها
ان ربها ألهمها تقواها
وحلها من نوره هداها
خذ بيد الغاوي إلى هداه
بحق لا إله إلا الله
يا قاهر امنع نفسي الجرئية
عن ورودها الموارد الوبيئه
خيرتها لذاتها رديئه
فراعها باللطف يا رباه
بحق لا إله إلا الله
فربها تربية السياسه
وزكها بالنور والقداسه
لا تلقها في ذلة الخساسه
افلح من الهه رباه
بحق لا إله إلا الله
من ساسه الله استقامت حالته
والله من تصلحنا ايالته
لكل شيء قومت كفالته
ما ضاع من بلطفه رعاه
بحق لا إله إلا الله
سخطك ربي دونه المصائب
أين المفر عنك والمذاهب
وكل هارب اليك ذاهب
يا رب لا أخزى وأنت الله
بحق لا إله إلا الله
قني من السخط وموجباته
طوبى لمن تقيه سيئاته
وساقه الله إلى مرضاته
ويسر الله له يسراه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من الخذلان
والمقت والابعاد والحرمان
وسقطة من نظرالرحمن
من يستعذ بربه كفاه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالرحمن من ضيق المقام
دنيا وفي الأخرى ومن سوء الختام
وسلب نعمة وأخذ الانتقام
بحوله يقي من استوقاه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالرحمن من حال الشتات
وفتنة المحيا وفتنة الممات
وسوء ما فات وسوء هو آت
وسوء ما بأمره قصاه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالرحمن مما يغضبه
أعوذ بالرحمن مما أكسبه
من عاذ بالرحمن لا يعذبه
بعزه عذت وحسبي الله
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالرحمن من حال الشقي
أعوذ بالله من الشرك الخفي
ربي لطيف بعباده حفي
لا يصلح القلوب إلا الله
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالحمن من سوء القضا
أعوذ بالرحمن من فوت الرضا
أعوذ بالرحمن من عمر مضى
عصيانك اللهم محتواه(59/342)
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالرحمن من جهد البلا
وكل داء ومقام أعضلا
وهلع وجزع ان نزلا
جبلة المرء اذا عناه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالرحمن من كيد الفتن
والهم والغم وارهاق الحزن
والاثم والبغي وطارق المحن
سبحانه يكفي من استكفاه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من الرجس اللعين
وهمزه وكيده في كل حين
أنت على جهاده نعم المعين
احفظني الله من قواه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله الرشيد الأمر
من وطئة الشر وحمل الاصر
والكفر والفقر وضيق الصدر
ومن عذاب القبر يا الله
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله جميل الستر
من مسه الضر وحال الخسر
وموقف الخزي وعقبى المكر
ودعوة المظلوم يا غوثاه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من التعدي
حدوده والزيغ والتردي
والرد عن أبوابه والطرد
مصائب يصرفها الاله
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من المداهنة
فيه وحال في المعاصي راهنه
وقومة في قرباتي واهنه
ما أوهن العبد بما عناه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالرحمن من سوء الأدب
والاتكال دونه على سبب
أعوذ بالرحمن من طرق الريب
لا شك في الله تعالى الله
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من السآمه
في الخير والحسرة والندامة
ومعقبات الخزي في القيامه
لا تخز هذا العبد في عقباه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من الشنار
والعار والنار وهضم الجار
والمنتهي لغضب الجبار
أجارنا الله حمانا الله
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من القرار
بلحظة في الليل والنهار
في كل اطواري إلى الآثار
معترف لله ما سواه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من الركون
لغيره في سائر الشئون
تلك لعمري صفقة المغبون
من عرف الله كفاه الله
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من الشح المطاع
والحرص والجبن وخب وخداع
والكبر والبهت ومذموم الطباع
وحسد الخلق بما أعطاه
بحق لا إله إلا الله
أعوذ بالله من ابواب الجفا
وكل ما استعاذ منه المصطفى
أعوذ بالله وحسبي وكفى
عوذ فقير تربت يداه
بحق لا إله إلا الله(59/343)
تلك خلال في النفوس جاثمه
أين الصفا من النفوس الآثمه
جبلة بكل نفس قائمه
الا الذي بلطفه صفاه
بحق لا إله إلا الله
ما اثخن النفس وما اكدرها
ما اكذب النفس وما أغدرها
ما أرذل النفس وما أقذرها
وانما يزكو الذي زكاه
بحق لا إله إلا الله
قد غلبتني النفس في جماحها
قد وهنت قواي في طماحها
يئست من حولي على اصلاحها
الا اذا أصلحتها رباه
بحق لا إله إلا الله
معذرة قد خلعت عذارها
كم أنذرت لو حذرت انذارها
فالآن اذ تمحلت أعذارها
تلقها بالعفو يا الله
بحق لا إله إلا الله
اذنبت كبارا وعذري منقطع
وعفوك الأعظم غير ممتنع
ناداك بالتوية عبد منتجع
معترفا بقدر من ناداه
بحق لا إله إلا الله
سبحان ربي عز في أمجاده
يعفو عن العبدعلى عناده
ويقبل التوبة عن عباده
حاشاه عن تقنيط من دعاه
بحق لا إله إلا الله
مولاي لست لعذابي مفتقر
غفرت لي يا رب أو لم تغتفر
انفاذك الوعيد أمر قد قدر
ومفزعي حلمك يا الله
بحق لا إله إلا الله
وثقت بالحلم وعمدتي به
ما قدر ذنبي سيدي في جنبه
ما وثق العبد بحلم ربه
فلم يجده مكرما مثواه
بحق لا إله إلا الله
بحسن ظني خلتني مرحوما
لم انقلب بخيبة محروما
هبني الهي لست مستقيما
فحلم ربي حان منتهاه
بحق لا إله إلا الله
عفوك أعلى سيدي من عملي
بجودك اللهم بسط الأمل
يا حي يا قيوم أين موئلي
ان سيدي أحرمني حباه
بحق لا إله إلا الله
تقاعدت في سكرة المباعده
وشرة السهو حياتي النافذه
حتى اذا ما أيقظتني الوارده
تبت اليه طالبا رضاه
بحق لا إله إلا الله
حاشاه ان يطردني عن الحمى
منقطعا لبابه ملتزما
ان كنت أجرمت فيمن أجرما
ففي اعترافي سلف أوفاه
بحق لا إله إلا الله
فقري وذلي وغناه عني
وعزه من موجبات المن
من يقترب من الكريم المغني
تناولته بالمنى يداه
بحق لا إله إلا الله
أبوابه مفتوحة بالكرم
أسبابه ممدودة بالنعم
ألطافه سارية بالحكم
أسأله اللطف بما أجراه
بحق لا إله إلا الله
ان انج لم انج على استئجاب(59/344)
لا تقتضي النجاة بالأسباب
لكنها بمنة الوهاب
هب لي النجا والفوز يا رباه
بحق لا إله إلا الله
جرت مقاديرك باقترافيه
كما جرت مولاي باعترافيه
أسألك الفوز وثبت العافية
في مدة العمر وفي عقباه
بحق لا إله إلا الله
أعيتني الحيلة والمذاهب
واكدت الأسباب والطالب
ودرست آمالي النواصب
الا من الله وقصدي الله
بحق لا إله إلا الله
مناهل الرجا اليه مترعه
وسبل السؤال اليه مشرعه
في يده المواهب الموزعة
وموقفي ببابه يراه
بحق لا إله إلا الله
لدعوتي بوضع الاجابة
لصرختي بمرصد الاغاثه
يسمع حمدي وصدي شكايتي
رب تدارك من ترى شكواه
بحق لا إله إلا الله
في لهفي إلى الضمان بالعده
لي عوض من كف مانع الجده
وفي عطاياه الى من أوجده
مندوحة عن كل من عداه
بحق لا إله إلا الله
ان حجتني دونه أعمالي
لم يحتجب عني بكل حال
يطلبني باللطف والنوال
وأملي المزيد من يداه
بحق لا إله إلا الله
أفضل زاد راحل اليه
عزم ارادة لما لديه
عزيمة الراجي ندى يديه
لا تنثني بالرد عن حما
بحق لا إله إلا الله
ليس لدعوة عليه حق
لكنه رحمته والرفق
تحقق الوسع لها والسبق
يا واسع الرحمة يا الله
بحق لا إله إلا الله
لا تخزني يا رب بالغوايه
واعمر جناتي رب بالهدايه
وحفني باللطف والعنايه
في الدين والدنيا كما ترضاه
بحق لا إله إلا الله
عجزت عن تتبع المراضي
وعمري يجري على أوفاض
ومن أمامي وقفة التقاضي
وعدتي الرجاء في رحماه
بحق لا إله إلا الله
أحييتني تحت ظلال نعمتك
والعدل يقضي بحلول نقمتك
وانما أرجو النجا بمنتك
جواد وفضلا لطفك اقتضاه
بحق لا إله إلا الله
آهاً لنفسي لم أجدها شاكره
لنعم باطنة وظاهره
الا اذا أوزعتها المبادره
وشكرك الحقيق لا أقواه
بحق لا إله إلا الله
ضاقت علي الأرض سيدي بما
رحبت الأرض ونفسي مأثما
اليك ألجأت اضطراري مسلما
أسألك التوبة يا الله
بحق لا إله إلا الله
فتب علي توبة عما غير
وذرة من زللي احدى الكبر
وأنت تواب رحيم بالفطر
تعلم من سري ما أخفاه(59/345)
بحق لا إله إلا الله
علمت من سري توبا جازما
عن كل محظور وأوبا لازما
أزاه لوكنت لبيبا حازما
لزمت باب الحق في رضاه
بحق لا إله إلا الله
لكنني بوجهه أعوذ
وبجلال مجده ألوذ
مسألتي رضاه والتعويذ
من سخطه وكل ما اقتضاه
بحق لا إله إلا الله
اني وان عزتني الوسائل
فالله لا تبرمه المسائل
كم عاذ بالله كمثلي سائل
أكرمه الله بمبتغاه
بحق لا إله إلا الله
لم يفتقر في جوده إلى سبب
يمنع من شاء ومن شاء وهب
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> المجد لا يملك عن وراثة
المجد لا يملك عن وراثة
رقم القصيدة : 66826
-----------------------------------
تلك ربوع الحي في سفح النقا
تلوح كالاطلال من جد البلى
أخنى عليها المرزمان حقبة
وعثت الشمأل فيها والصبا
موحشة إلا كناس اعفر
ومجثم الرأل وافحوص القطا
عرج عليها والها لعلها
تريح شيئا من تباريح الجوى
نسألها ما فعلت قطانها
مذ باينوها ارتبعوا أي الحشا
هيهات أقوت لا مبين عنهم
لمحتف بشأنهم غير الصدى
تربع الآنس من أرجائها
واستأنست بها الظباء والها
فقف بنا عند غصون بانها
نشاطر الورق البكاء والأسى
بحيث اهريق بقايا دمعتي
واتبع النفس اذا الدمع انقضى
ان من الحق على مدامعي
ان تسبق السحب على ربع عفا
عهدي بدمعي طاعة ادكارهم
وبفؤادي أن دعا العذل عصى
وما قوفي عند بان نبتت
غصونه بين الضلوع والحشا
لولا علاقات هوى تحكمت
في رمق عاش على مثل الصلا
دعني أبكي دمنا تغيرت
وأطبق الجفن بها على القذى
واذكر الإلف الذي كان بها
وكيف شطت بهم عنها النوى
لم يبق فيها أثر لهم سوى
عيارة الخيل ومركز القنا
لتسرح البرحة في براحها
فانها قد بلغت رأس المدى
لطالما أطلحتها سارية
تمزع في الدو ولا مزع الطلا
يعملة قد أخذت سلاحها
من حقب يزينها على الونى
روعاء ترمي مقلتيها حذرا
بين عزيف وعواء وصدى
زيافة تحوذ في تجليحها
لا فرق ما بين الدماث والكدى
تخلف الريح تكوس خلفها
كأنها أعارت الريح الحفا(59/346)
كأنها من حقب منحب
في سدفة الليل هلال قد خوى
كأنما تطير من لغامها
سرب ثغام فوق خيطان الغضا
بلبها البرق كأن سائقا
يزجها نحا بأسواط السنا
اذا استطار أرزمت رازفة
تواضخ الخال بأجواز الفلا
كأنما البرق لها أجنحة
اذا رأته حلقت الى السهى
أقول للبرق وقد أرقني
لهيبه أعلىثنيات الحمى
سقيت أجراز البلاد فارتوت
وحظ قلبي منك الهاب الجذى
خل نعاماك تداجي مهجتي
فانها محروقة من الجوى
اهفو الى روح النسيم راجيا
اطفاء ما بالقلب من حر الصلا
أعلل الشوق يصادي كبدي
نفح شميم الزهر من تلك الربى
فكان من حيث الشفاء علتي
ورى زناد الشوق من ذاك النثا
وربما منيت نفسي طيفهم
وهو حلال لي ان حل الكرى
ولو قصدت هفوة بحبهم
أو كنت من عاهدهم فما وفى
أرسلت طرفي رائدا لدهشة
بربعهم تذهلني عن الأسى
هيهات لا تمنعني طلولهم
وسانحات ذكرهم الا الضنى
ولو تركت واجبات حبهم
أو صدف الهجر غرامي والقلى
أو تركت لي كبدا صحيحه
أو جلد الحر على قرع النوى
لكان لي الطول وقفة
أبريء النفس بها من الهوى
لكن لي قلبا عرته سكرة
ما ضل في غمارها ولا غوى
وعاش في صبابة تعمده
مال اليها عامدا فما ارعوى
اسلو بمن أهواهم وان نأوا
وكيف يسلو دنف بمن نأى
وكيفما خامرني الحب فما
قلت رشادي يا ترى أين وخى
ليعمل الحب بنفسي ما يرى
ان ضلالي بهوى القوم هدى
ما زال بي مع الهوى تبصر
ينتقد الحب على شرط الحجا
ليت النهي مع الهوى تثبنت
راسخة فيها عزائم التقى
لو ارعوت مع الغرام نهية
لم يعبث الحب بأحلام النهى
اعمد ممن ضللته صبوة
وبين فوديه ضياء ابن جلا
لربما يهفو التصابي بالفتى
وماله وهفوة اذا عتا
اذا تباشير مشيب وضحت
لم تعذر المرء متى ولا عسى
وفي الصبا معتبة وزاجر
فكيف بالشيب اذا العود انحنى
وكيف بالشيب اذا تقاربت
خطاه أن يقصر في الجد الخطى
يبادر الكيس أخرى عمره
فيرقع الخرق ويوثق العرى
اذا تولى أمد موقت
لم يبق للرجعة منه مرتجى
وكل ما تلبسه من جدة
يعروه من كر الجديدين البلى(59/347)
ليس الجديدان وقد تباريا
في حزبنا يرضيهما منا الفدا
حتى يثلا معهدا ومعهدا
ويمضيا ثم على الدنيا العفا
لقد بلوت الدهر في عفوته
فكدر الصفو وجد ما عقى
وكان ما اجتبيت في صروفه
بالصبر أجدى من تفارق العصا
وساءني الفائت اذ اكسبني
كنزا من الصبر وفوزا بالرضا
جبلة الدهر خؤون حول
ما راش في عافية إلا برى
محافظ الثبت على طباعه
حتى يحول الآل بحرا في الملا
لا يستقيل عثرة من ندم
ولا يقبل من به الحظ كبا
فاصحبه ذا عزم على علاته
تزجي الهموم للعلى على الوجا
مستحقب الصبر على مراسه
حرا سليم العرض من سوء النثا
تبلد الخطب اذا جالدته
بمرة تبسه بس السفا
محجب البث رحيبا شامخا
من رقة الشكوى وسورة الجفا
ان هزك الممض هز طوده
أو هزك الهول فسيف منتضى
توسعه مريرة ويتقي
من جدها ما تبقى من الردى
لا تعرف النكبة منك جولة
تخذو لها خذو مقودات البرى
تصارع الأخطار غير ضارع
لطورها الأعصم ساخ أو رسا
تحس كل حادث بسيفه
فان نبا حينا فأحيانا مضى
لا تعجل الأمر أمام وقته
ولا تفته حيث آن بالونى
وان تعارضك اثنتان فاتخذ
أولاهما بالحق وانبذ الهوى
ان القوي من ثنى شرته
ومن اذا مال الى النفس انتهى
والعقل والحق يحرران من
رق الهوى ويدعوان للعلا
وشر ما صاحب مرء جهله
مطية فارهة الى الردى
ومن تكن عادته طادية
بالسوء هد مجده بما طدا
أني أصون صفحتي مقتنعا
بما يطف من علالات الحسى
انبو والهوب أواري ساعيا
عن مشرب أشربه على القذى
يحمي الكريم عرضه ويحتمي
ان يرد الآجن من كل الركى
لم التفاني في براض آسن
لا يرتجى من نبضه بل الصدى
ولا أقامني طمعا مقادرا
ولست ولاجا بأسواء القمى
كي لا ترى عين خسيس موقفي
ببابه منتظرا من الجدا
في ظلف العيش على قناعة
تظلف للعرض عن السوء غنى
ومطعم تهافتت ذبانه
قضم الهبيد منه أحلى في اللها
ما أضيع النبل اذا تطاولت
خساسة العرق عليه بالحبى
حسبك عيش ماجد على الرضا
بما منى الله به من المنى
ما أقذر العرض يلب عاذبا(59/348)
برأسه الى لئيم المنتحى
حتى بغاث الطير تسمو أنفا
عن مشروب تخزى به لمنتضى
آليت لا تعلو يدي يد أمرء
يسلفها اللؤم ويطغيها الغنى
ولا أرى وجهي ناظرا الى
وجه يحق أن يحيا بالحثى
وعيشة تمنها خساسة
أشد عندي قذرا من الوغى
قناعه المرء بما يمنى له
من حظه في عيشه خير المنى
ولا أذود الحظ عن طريقه
فالسيل حظ للوهاد لا الربى
ولا أبات شاكعا من حسد
قد هيأ الله لكل ما كفى
في قسمة الله وفي ضمانه
وفي اقتناع الرزق غايات الرضا
اذا سنا الله لعبد نعمة
فواجب العبد الرضا بما سنا
ففيم يصلى حاسد ضميره
والحظ والأرزاق تقدير مضى
فافطن لاقسام الحظوظ انها
قضية عادلة بين الورى
سوية وان تكن تمايزت
حالة ذي عدم وحال من ثرى
لم يظلم القاسم محروما ولا
كل سعيد بالثراء محتظى
ما سرني من الثراء وفره
ان كان بين اللؤم والحرص نما
اذا نفته هكذا وهكذا
صنائع في أهلها فقد زكى
فانهب المال حقائق العلا
وفك من أسر الزمان المهتدى
ما بليت موهبة في حقها
ووعد ما ضن به الحرص البلى
فربما تحسبه وضيعة
في متجر الفضل به الريح نما
عقائل المال اذا أطلقتها
خلدت الذكرى وأنت في الثرى
ما الحق الله بنفس حوبة
تحوبت من شحها بالمقتنى
أذل أعناق الرجال حرصهم
لاتستقيم عزة على الكدى
حتى متى كأسي ريق حية
ومطعمي من زمني مر الجنى
أطالب الدهر حقوقا كلها
كبارح الأروى منيعات الذرى
أقطع آمالي بما في بعضه
أكبر من كاف لدرك المبتغى
كأن تطلابي أمرا ممكنا
أصعب من أمر محال المرتجى
لست على الحمد من الأمر اذا
غالطته خلابة فيما أتى
آتيه نصا فاذا خادعني
فوضتها الله يقضي ما قضى
والخب لا تصحبه فضيلة
ولو إلى النجم بدهيه غلا
ان وسه الدهر احتمال عاجز
فهو سلاحي وتلادي المجتبى
ينفق في اهانتي صروفه
وانفق العزم وانفاقي زكى
ذنبي اليه جنفي عن لؤمه
وقدرتي على احتمال ما حنى
وانني الحتف على لئامه
انكأ في حلوقهم من الشجى
أذود عن حريتي بحقها
واجهد النصر لحر مبتلى
وانني لا اعرف الحد لما(59/349)
استطيع أن أنجزه من العلى
وانني لا ابطل الجهد الى
حد سكوني بين أطباق الثرى
وانني أدرك أن عازما
مثابرا يدرك غايات المنى
وانني في محن ساورتها
علمت ما جهلته من الورى
وان في حسن التدابير غنى
عن خدع وهو عماد من وهى
وانني لا أستثير سيئا
ولا أسيئ دفعه اذا عنى
ولا أداجي مالئا وذامه
علي غيظا بفقاعات النثا
ولا أحاجي ملقا ذا ظاهر
يشف لي ظاهره عما انطوى
مالي وجهان ولا ثلاثه
إن لم اكن حلوا أكن مر الجنى
تلك وما يفضلها خصائصي
وليسها عند الزمان ترتضى
أرى الحياة كلها ذميمة
وخيرها وشرقها الى مدى
يحبها المرء على آفاتها
وتظهر الآفة عند المنتهى
يعيش لاتندى صفاة كفه
يخزن للوارث كل ما اصطفى
لا تربح الدنيا بشح وافتقد
ما أوضع الجامع من خلد الغنى
نهب فيها هبة فتنسري
وكلنا مرتهن بما أتى
يفوز فيها كيس بربه
أمامه الرشد بمنهاج الهدى
فاستخلص المجهود في تخليصها
من ورطة الذنب واشراك الهوى
وانتهز الفرصة في استدراكها
أوامر الله وما عنه نهى
ان لها عدوا الى غاياتها
والحد وافاك ودربك انقضى
لاتهملن ذرة في عبث
فلست متروكا كما شئت سدى
تودع الأنفاس لا تبكي لها
ورجع ما ودعته لا يرتجى
والكل منها راحل ببضعة
من أجل مقدر على شفا
وآخر الأنفاس يرجو وقته
فهل ترى تأخيره اذا دنى
وربما فكرت في تأخيره
يكون أدنى لك من فكر الحجى
فودع الباقي منها مخلصا
بالباقيات الصالحات في اللقا
دراكها مبادرا دراكها
فالأجل المعدود للعمر خلا
أما ترق لحياة أوذنت
بغصة الموت وهول الملتقى
ارحم حياة طلحت بوزرها
في حمل ذر منه ايهان القوى
لو قرصتها ذرة تألمت
فكيف بالنار الى غير مدى
حتى متى تنصبني أمنية
في نصرة الله فتعدوني المنى
كأنني مكبل في شرك
يزداد في الشد اذا قلت وهى
أشاطر النجم السهاد ساريا
فيغرب النجم وعيني في السرى
كأن أفعى نهشت حشاشتي
من لازب الهم وتلهاب الحشا
أذكى من النار بقلبي زفرة
يخرجها المظلوم من حر الأسا
محترق الأكباد من حسرته(59/350)
لاغوث لا منصف لا يلوي الى
أنفاسه تطرق باب العرش لا
تطرق بابا غيره ولا ذرى
وعبرة تسفحها أرملة
كالخلق السحق اصارها الضوى
شعثاء غبراء عليها ذلة
مهضومة الحق عديمة الحمى
وصفرة على يتيم شاحب
ادقعه الفقر واشواه الضنى
مفترسا على العفا اديمه
وهل له عافية على العفا
يغدو ويمسي ضاحيا تحت السما
كأنه عود خلال أو خلا
وضربة من سيف باغ نهكت
وجه تقي مثل تشهاق العفا
وسطوة من ظالم شباته
اقتل الاسلام من حد الظبى
يتنهك الحرمة لا تريغه
ضريبة من كرم ولا تقى
يرى عيال الله صيد قوسه
يترك ما شاء وما شاء رمى
جاس البلاد بالبلاء طاميا
فبز حتى بلغ السيل الزبى
وغيرة المؤمن في ضميره
يطفئها الخوف ويطغيها الأسى
يهان في حريمه وعرضه
ودينه وماله مثل اللقا
حامي الحميا مرس لكنه
شرارة في ضرر لا ما عدا
ما نتفع الغيرة في مكمنها
والسيف في قرابه لا ينتضى
حتى تكر الخيل كشفا ساقطا
تهوي هوي العاصفات في الوغى
تجمز جمزا بالكماة شزبا
عوابسا شمسا كسيدان الغضى
هوازجا غربا لجاجا ضبعا
غمر الأجاري بعيدات الشحا
في فلق حالكة أركانه
يجلل الأرض الدجى راد الضحى
مجر لهام أرعن هطلع
غمر دخاس لجب صعب الذرى
مزجر الوغر له زمازم
زهاؤه الليل اذا الليل عسا
بكل صنديد عتيك داغر
مهول الكبة شداد السطى
يستحقب الحتف ويشهى حينه
ان يكن الحتف انتصارا ً للهدى
تهوى النسور سيفه ورمحه
لما يتيحان لها من القرى
يصدع قلب الروع في عزيمة
أسرع من برق واورى من لظى
كأنها جرازه من قلبه
لا ينتحي ضريبة الا فرى
مجرس مضرس ممارس
يمترس الخطب اذا الخطب شحا
على سراة شامس مطهم
معترق في جريه عبل الشوى
يخترق الحومة في وطيسها
يعارض الهول ويعتام الردى
كأنه صاعقة منقضة
لوصلك في خطفته الطود ثرى
محتمشا مضطغنا صمصامة
يحوش أكداس الرعال كالقطا
أخلصه الصقل شهابا قبسا
وكمن الموت به على الشبا
يفضفض الجحفل باهتزازة
منه ويجتز الاشم إن هوى
يشفعه بلهذم سطامه
أعصل رقشاء على الحتف انطوى(59/351)
في مأزق بين كمي قد دمى
يحشرج الروح وضرغام شصى
يسوط فيه فيلقا بفيلق
كما يسوط البهم ضرغام الشرى
بهذه الخطة نشفي غيظنا
ان كان بالسيف أخو الغيظ اشتفى
بهذه الخطة نرضي ربنا
ان كان فينا طالب منه الرضا
بهذه الخطة نبتاع العلى
في الدين والدنيا ونستوفي المنى
بهذه الخطة نرقى سلبا
لغاية حض عليها ودعا
أين رجال الله ما شأنكم
الى متى في ديننا نرضى الدنا
الى متى نعجز عن حقوقنا
الى متى يسومنا الضيم العدا
كنا أباة الضيم لا يقدح في
صفاتنا الذل ونقدح الصفا
كنا حماة الأنف لا يطمع في
ذروتنا الطامع في نيل الذرى
لا يطرق الوهن عماد مجدنا
وكم ثللنا عرش مجد فكبا
على م صرنا سوقة إمعة
اتبع من ظل واقتى من عصا
ما أفظع الشنار أو يزيله
ضرب يزيل الهام من فوق الطلى
الى متى نخزى ولا يؤلمنا
كالميت لا يؤلمه حز الشبا
أذل من وتد حمار فيهم
وقدرنا أقصر من ظفر القطا
الى متى نهطع في طاعتهم
ونتقي وليتها تجدي التقى
الى متى نهرع في أذنابهم
لا ملتجى لا منتهى لا منتحى
الى متى يعرقنا نكيرهم
وجورهم وكفرهم عرق المدى
الى متى تقضمنا أضراسهم
الى متى نحن لهم عبد العصا
الى متى تعركنا أحكامهم
الى متى الى متى الى متى
أين محب الله فينا صادقا
لو صدق الحب لهان المختشى
لا ينتهي اذ نفست قروانها
محارم الليل الى العزم اللقا
أين ذوو الغيرة من لي بهم
قد حزب الأمر قد انقد السلا
اتسع الخرق على راقعه
من يشعب الوهى ويرتق الثأى
أما شعرتم أنها داهية
شعواء لا فصية منها بالولى
هبوا من النومات ان حية
تنباع ما بين شراسيف الحشا
حتى على الموت الزؤام نومكم
وليته موت على حفظ الحمى
قد استباحوا حرمان دينكم
ومنعوا الأرض الحياة والحبا
تحكموا في ملككم ورزقكم
وكبسوا البئر وقطعوا الرشا
منوا عليكم بغذاء طفلكم
وحسوة الماء ونفحة الصبا
وأزعجوكم عن ظلال ريفكم
وليتكم لن تزعجوا عن الفلا
وضايقوكم في بلاد ربكم
حتى على مدفن ميت في الثرى
لا يرقبون فيكم الا ولا(59/352)
ذمة دين أو ذمام من رعى
قد سفكت دماؤكم وانتهكت
حرمتكم ولا حشا ولا خلا
نقعد يشكو بعضنا لبعضنا
وما مفاد من شكا ومن بكى
في بعض هذا غصة لعاقل
لو رجعت أفكارنا الى النهى
يسومنا الخسف خسيس ناقص
لا دين لا حكمة لا فضل ولا
أليس مما يذهل اللب له
عسف الطواغيت بشرع المصطفى
وحملنا على اتباع غيهم
مصيبة لحرها ذاب الحصى
هب ملكنا ورزقنا فيئً لهم
فديننا الأقدس فيئ وجزى
لله ما أفظعها داهية
لو عوفيت قلوبنا من العمى
فيا صباحاه وهل من سامع
لصرختي وهل يجيب من دعا
قد ذبح الملك وهذا دمه
ومدية الذابح في نحر الهدى
وأصبح استقلالكم فريسة
بين كلاب النار يا أسد الشرى
أليس عارا أن نعيش أمة
مثل اللقا أو غرضا لمن رمى
يلفنا الخزي الى أوكاره
ويحكم النذل علينا ما يرى
أنشرب الماء القراح ما بنا
من مضض وليس بالحلق شجا
ونهنأ العيش على اكداره
وتطعم الأجفان لذات الكرى
وجنبنا جنب صدئ صاغر
والسيف حران الحشا من الصدى
كم نظلم السيف بمنع حقه
أما يجازى ظالم بما جنى
ان السيوف طبعت لحقها
وحقها تحكيمها على الطلى
والسيف شهم لا يفيت حقه
أصدق من جد وأكفى من كفى
والسيف حر لا يقر خازيا
يصول ان ضيم وان صال اشتقى
والسيف لا يرضى الذليل صاحبا
ان الذليل بالشنار مكتوى
والسيف جلاء المخازي آخذ
بضبع من يكرمه الى العلى
والسيف مفتاح اذا تضايقت
على الهمام الحر آراء النهى
والسيف كالصدق من الرجال ما
هززته لخطة الا مضى
والسيف في عزومه مؤيد
ان شد سد وتقاضى وقضى
والسيف ذو نقيبة في أمره
ثبت على العلات ميمون الخطى
والسيف أقضى بالحقوق حاكما
أوفر حق ما به السيف أتى
والسيف أوفى صاحب رافقته
ان خانك الدهر وأهله وفى
والسيف فيه فرج معجل
ان الغموم بالسيوف تجتلى
والسيف يعطيك الذي اشتهيته
ان توله من حقه كما اشتهى
ان السيوف عاهدت أربابها
بالمصدر الأقصى وتقريب القصا
هن فحول الحرب منها لقحت
وهن يقتدن الفحول بالبرى
والمجد حيث أبرقت وأرعدت
ينبت من ساعته ويرتعى(59/353)
ما بالنا نحصنها عقائلا
من المقاصير عليهن الحلى
أين بنو الآسلام ما يعجزنا
والعزة الكر بحومات الوغى
أين بنو القرآن هل ثبطكم
كتابكم عن الجهاد للعدى
أين غطاريف الجلاد بالظبى
أين مشائيم الطعان بالقنا
أين بنو التوحيد لو صدقتم
توحيدكم ما رقص الشرك على
أين بنو الأحرار ما سكونكم
والملك والدين حريب والحرى
كم ذا يناغيكم مبير خادع
أطرق كرى ان النعام في القرى
فجشموه جشما وبيلة
أو تهصروا العظم وتنزعوا الشوى
هلم شدوا شدة قاصمة
مريضة الشمس حمية الوحا
ثبوا الى الموت كراما واندبوا
عزائما تسعر تسعار الصلا
ان ضرابا بالصفاح خطة
ترد ما فات وترسي ما هفا
قدآن للاحرام ان نحله
وتنحر الهدي على رأس الصفا
قدآن لصائم وقت فطره
لطالما ارمض بالصوم الحشا
قد آن للوضوء أن ننقضه
بالسافح الثائر فرصاد الكلى
نقر احلاس البيوت خشعا
أبصارنا مغمضة عما دهى
ندرس تأريخ الالى تقدموا
وحسبنا الله تعالى وكفى
ان العظام لا تؤاتي شرفا
ولا أقاصيص الوغى تكفي الوغى
والسلف الصالح سل سيفه
وكان ما كان له ثم انقضى
تلك الرفات طينة صالحة
لغارس وحارث ومن بنى
أتبحثون بينها عن عزة
أوفي لعل فرجا أوفي عسى
تلكم إذاً أمنية مخلفة
وضيعة العقل وجهل وعمى
لنا صفاح ولها سوابق
لكننا نصفح عن سبق العلى
والمجد لا يملك عن وراثة
لكن بتحطيم الشبا على الشبا
عز على ما اثلت عهودها
كسب المعالي واندفاع ما عنا
ولو تقلدنا فعال أهلها
لم يعبث الفأر بهيصار الشرى
نعيش في هينمة بذكرهم
يعقبها واها وانى ومتى
نعم لهم سوابق لكنها
لا تنعش الجد إذ الجد كبا
معصومة الذروة لا يبلغها
الا همام باللهاميم اقتدى
اذا اتكلنا قعددا عليهم
لم يسلم المجد اذا من الأذى
شدوا الحزيم للهوادي فانثنت
ودوخوا بالعزم صعب المرتقى
واحمشوا الحرب اباء ضيمها
بل هم لها متى ذكت عين الذكا
هم علموا الدهر مراس قرنه
ثم انتهى بعد المراس مهتدى
هم علموا السيف مضاء عزمهم
فهو قرين عزمهم حيث انتوى(59/354)
هم أدهشوا الهول بما يهوله
فانكفأ الهول شكيا بالضوى
هم شيدوا المجد بما ابيض به
فود عوادي دهرهم حتى غطا
هم عقدوا بالعز عين همهم
فلا تداني ذلة لهم حمى
لا يطرق الضيم عزيز ركنهم
ولا يضام عائذ به احتمى
هم أسبغوا للمكرمات دهرهم
فدهرهم للمكرمات في طوى
هم أجدبوا سوحهم من وفرهم
وهم لأرض الله غيث وحيا
هم أنضبوا غدرانهم بجودهم
وفجروا في الناس ينبوع الغنى
هم وسعوا الكون حلوما وهدى
وصائلا ونائلا ومجتدى
هم أمجدوا وانجدوا وأوجدوا
وأفقدوا وطولوا الباع الوزى
هم جردوا وشردوا وطردوا
وأوعدوا وأوردوا بحر الجدى
هم لكبات الخميس حدها
وجدها وشدها والمحتمى
هم اذا الخيل ارتجحن بحرها
في مأزق الروع تراموا للردى
أولئك القوم وصيت فخرهم
ان كان في أسماعكم ذاك الوحا
أسلافنا ومالنا من مجدهم
الاحديث بعدهم لا يفترى
لم التحجي بعدهم في شرف
عند رفات القوم في الأرض حجا
نرفع منا أنفسنا وننتخي
كأنها من كسبنا تلك النخا
نصحبهن أنفسنا مثقلة
بطيئة تحمل أوقار الونى
تعزف عن مضوفة إذا عنت
مجفلة عن المضاف ان دعا
الا نفوس عزم عارفة
لهن جأش ان طمى الهول رسا
الاشدا في أنفس أبية
يصبرها على مقاساة الشدا
تشفع احسابا زكت بمثلها
لها بها أصله الأصل أسى
هلم فلنحذو حذو سعيهم
فليس للانسان الا ما سعى
ليسوا رجالا لا نطيق فعلهم
لكنهم جدوا وقصرنا الخطى
تناولت أكفنا سيوفهم
يا أسفا وعجزت عن السطى
ما انطمست من دوننا سبيلهم
قد نصبوا الأعلام فيها والصوى
ما كابدتنا خطة عن شأنهم
أفظع مما كابدوه فانفأى
هم غربوا وشرقوا وأيمنوا
وأشأموا ومهدوا لنا الذرى
وهم سروا بجدهم وجهدهم
فحمدوا صباحهم غب السرى
همو أقاموا سننا شامخة
تمثل الشهب ارتفاعا وسنا
هم أقدموا ارتجرد السراحيب لها
تعطش الصادى الى نار الوغى
تزفي الخميس جحفلا فجحفلا
مثل الدبور انجلفت عنها الطخى
ياهي مالي وعشيري ارملوا
معاقل العز وايتموا العلى
أين رجال الله أين غارهم
قد هدم الحوض ودمت الركى(59/355)
أين الذين استخلصت شيمتهم
كأنها الدر اليتيم المنتقى
أين الذين محصت سيرتهم
مكدرات دهرهم حتى صفا
أين الذين عرجوا الى السما
أعني سماء العلم والدين، الهدى
أين شموس الأرض أنى أفلت
وأبقت الناس على مثل الدجى
أين الخيار العائذ الكون بهم
وصفوة الصفوة من هذا الورى
أين ربيع الأرض أين غيثها
يا حربا لا غيثها ولا السدا
أين بقايا الله في عباده
ظنائن الله وقائذ التقى
أين أسود الغيل ماذا اغتالها
قد أسد الثعلب فينا وضرى
هيهات بعد القوم شدت رحلها
حمية الدين وصارت منتسى
أنشدها من مسجد فمعهد
فمنهج فمجمع فمنتدى
فلم أجد منشودتي في موضع
ثم حدست انها رهن الثرى
أرملة ناحت على أحرارها
ثم ثوت آسفة فيمن ثوى
اواه اواه رزئنا بعدهم
وليتنا في خلف عمن مضى
مافي الحمى من دافع ومتق
ما يعقب الخزي ولا من يتقى
قد ضاعت الحرمة بعد صونها
وشنت الغارة في عقر الحمى
وطرق الحي ذئاب جوه
ودعثر الزرب وخاس المرتعى
ادعوا رعاة الحي في قبورهم
ان سمع الميت دعاء من دعا
ادعوا لها الأموات اذ آيست من
احيائهم لعل فيهم من وعى
يا أيها الراعي انتبه فما بقي
حول المراعي ما ثغى وما رغى
يصخ صوتي مسمعا ومسمعا
لو كان من يزعجه هذا الندا
أصبح قومي جثة باردة
عي بها الطب وعيت الرقى
ما أثر النصح على ألبابهم
الا كآثار الحيا على الحصى
وما رسوخ الوعظ من قلوبهم
الا كما يرسخ في الصخر الصدى
ولا لاحرار الكلام عندهم
تكرمة ولا لحر مستوى
تنصحهم فتجتوى ديارهم
ان الكرام دارهم لا تجتوى
امحضهم نصائحا لو ذهبت
الى جماد ذاب أو ماء جسا
فتنثني نصائحي مكارها
يقرضها اللوم وينفيها القلى
سيدرك النصح لزاز محوذ
عزائم الرأي اذا لاح الجلا
لقد نفت عني الرجال شيمة
لو سكنتهم زلزلت قلب العدا
لكنني أعجز أن أفيتهم
تكذيبهم بينتي للمدعى
ان القلوب استشعرت جبلة
فتاركت أحلامها الى الهوى
ليس العصور الغر ان تكشفت
بحسنها هادية لمن غوى
كل امرئ بفعله معتبر
والسف بالشفرة يفضل العصا(59/356)
فتحت عيني فرأيت غافلا
يحمله السيل وليته درى
ونائما والنار في جثمانه
كأنه جزل الغضى وما وعى
وراضيا بذلة مفتخرا
بأن يعيش خازيا ومزدرى
ومؤمنا مستضعفا يغمزه
ظالمه من الرجا الى الرجا
وعاقلا في رأيه متهما
وأرشد الآراء للحر الدوا
وحاسدا لنعمة تخاله
أسعر ما كان اذا قلت خبا
وبائعا لوطن فيه انتشى
بلقمة يلذها وهي الودى
فهل لنا استقامة وعزة
وحالنا مشؤومة كما نرى
وأغلب الناس الوفاء عندهم
مستهجن وعهدهم على شفا
يجرون في الأهواء لا تكبحهم
شكيمة عن دحل ولا هوى
وأدعياء الفضل ان دعوتهم
لغمرة الجلى تراموا للعرا
همهم في شهوات طبعهم
هم السوام في ارتياد المرتعى
سريهم من جمع المال ولو
أفلس من مروءة ومن حجى
اذا دعا المجد تفادى ناقصا
وان دعاه بذخ قال انا
لا يشرف اليوم بعقل مقتر
والسيد الأقعس من نال الغنى
فخذ من الغمر الدني رأيه
ان ملأ الكيس ودعه ان ضقا
تخاضعت له الرقاب عنوة
وان جست صفحته وان ظمى
عصائب الاسلام تلكم حالنا
وليس يخفى في الظلام ابن رجلا
ما تنظرون في التماس طبكم
قد نكأ الجرح وادنف الضنى
ليس لها الا التفاف قوة
بقوة ومقتدى بمقتدى
ليس لها الا نفوس طفئت
أضغانها واشتعلت فيها التقى
يلمها الايمان قلبا واحدا
وجهته الله وحشوة الهدى
اذا رمت فقوسها واحدة
وما رمت وانما الله رمى
دب اليكم داء من قبلكم
من حسد يسفعكم ومن قلى
فخلصوا الأنفس من أدوائها
فقل من مهما أصابته نجا
ولو تآلفتم على ايمانكم
وكانت الأوجه وجها ينتحى
ومحصت أنواره قلوبكم
فصفيت من فتنة ومن شذا
ضاق على الخصم الفضاء دونكم
وعزه الاركاس من حيث نزا
عسى الذي قدر ما يهولكم
يزيل باللطف الخفي ما عنا
ويمطر الروح على ربوعكم
فينضر الروض وان كان ذوى
ضاق على الخصم الفضاء دونكم
وعزه الاركاس من حيث نزا
عسى الذي قدر ما يهولكم
يزيل باللطف الخفي ما عنا
ويمطر الروح على ربوعكم
فينضر الروض وان كان ذوى
ضاق على الخصم الفضاء دونكم
وعزه الاركاس من حيث نزا(59/357)
عسى الذي قدر ما يهولكم
يزيل باللطف الخفي ما عنا
ويمطر الروح على ربوعكم
فينضر الروض وان كان ذوى
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> الشكر لله شكرا ليس ينصرم
الشكر لله شكرا ليس ينصرم
رقم القصيدة : 66827
-----------------------------------
الشكر لله شكرا ليس ينصرم
شكرا يوافق ما يجري به القلم
يأتي البلاء لتمحيص وتذكرة
كأن كل بلاء نازل نعم
وهذه الدار دار حشوها ضرر
لكن مع الصبر بالغفران يختتم
فارض المقادير في ضر وعافية
فليس يثبت الا بالرضا قدم
أستغفر الله لا أشكو البلاء ولا
أراه الا احتفاء ساقه كرم
جبلة النفس فيما ساءها هلع
وفي المسرة بالطغيان ترتطم
فاحكم على النفس في الحالين هل خضعت
لله فالعقل في أحوالها حكم
وقطرة النفس في أيدي بصيرتها
فارم البصيرة حيث النفس تقتحم
تبلى وفي نفس من طول البقا أمل
وذاك أنصب مما يفعل الألم
آفات أنفسنا داء يخامرها
بالبؤس يطغى وبالسراء يضطرم
مصائب الدين أنكى ما نصاب به
وما عداهن فيه الأجر يغتنم
بوفر الأجر في حسن البلاء لنا
وكل صالحة من كسبنا عدم
ورب حرص على ابقاء عافية
حرص على فوت فضل فوقه نقم
فاحرص على الأجر في كل الأمور ولا
تسأم بلاء فرأس العلة السأم
فرب أجحف ضر عين عافية
ورب عافية في طيها سقم
تسارع الضر في خير العباد على
فضل البلاء دليل ليس ينبهم
ما للتنطع فيما لا يفارقنا
ولا يدافعه عزم ولا همم
تأتي المكاره أقواما لخيرتهم
من حيث علمهم أو حيث ما علموا
أستودع الله نفسي حيث أودعها
ليست ودائعه بالسوء تهتضم
استحفظ الله نفسي شدة ورخا
ان القلوب بحفظ الله تعتصم
واسأل الله حسن اللطف بي وبكم
في كل نازلة تهمى لها ديم
يا من حباني هناء بالشفاء لقد
صار الهناء شفاء وانجلى السقم
ومن كساني ثناء من فواضله
كأنه الدر والياقوت ينتظم
ومن شمائله زهر ومنته
بحر ومن منتماه الفخر والكرم
عرفت فيك كمالا لا يقوم به
وصف ولو كثرت في وصفه الكلم(59/358)
وما كمالك دعوى مادح ملق
وانما الشاهدان السيف والقلم
جريت فيما جرى الأمجاد فاقتصروا
من دون شأوك قدرا اذ سبقتهم
وعاهدتك مزايا الفضل فانتصبت
تومى اليك وأنت المفرد العلم
من لي بأزكى المعاني فيك ممتدحا
دون البيان لساني عنك منعجم
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> نكسى الأعلام يا خير الملل
نكسى الأعلام يا خير الملل
رقم القصيدة : 66828
-----------------------------------
نكسى الأعلام يا خير الملل
رزيء الاسلام بالخطب الجلل
وانتثر يا دمع أجفان التقى
قد أصيب العلم واغتيل العمل
وانفطر يا قلب واستقص الأسى
ان حبل الدين بالأمس انبتل
أشعل البرق علينا جذوة
فانطفا واتقدت فينا الشعل
حمل البرق مصابا فادحا
ليته أعياه حملا ما حمل
يا رجال الدين هل جاءكم
ان بدر الدين في الارض افل
يا رجال الدين لا تهنأ لكم
فرصة ان مصاب الدهر حل
يا رجال الدين لم ينزل بنا
فادح أعظم مما قد نزل
يا رجال الدين أهلا بالقضا
غاض هذا البحر واندك الجبل
يا رجال الدين ما هذا الأسى
والأسى بالعقل والعقل ذهل
يا رجال الدين ما حسن العزا
عن فقيد في السما والأرض جل
ربما اعقب فقد بدلا
وفقيد العلم ما عنه بدل
ان موتا وحياة حتما
قبل هذا الخلق في لوح الأزل
والتماثيل التي نهذي بها
صور يخلقها سحر الأمل
كل ما نهفو اليه عبر
لو فقهنا الشأن أو ضرب المثل
ما يريد الحتف من أرواحنا
يتقاضاه بكورا وأصل
انها مستودعات أقتت
لا يزاد العمر شيئا ان كمل
يا لعمر ناصبته آفة
تهدم المحيا وتزري بالحبل
بئس عمر حتم استرجاعه
ريثما حل رأيناه قفل
وحياة وعدت ريب الردى
كيف يغتر عليها من عقل
وهي في برهتها مرذولة
حشوها لو فكر المرء العلل
خلق العقل لدرك المنتهى
فتناسي وتلاهى وغفل
ليس من يجهل منا حاله
لمحة تمضي وعيش يختزل
انما الشأن اغترار حاكم
سلب الألباب واستدعى الأمل
ونفوس راقها من سوئها
رنق العيش وفي العيش الغيل
هذه الدنيا وهذا أمرها(59/359)
تندف الأعمار ندفا لم تزل
كشفت عن قبحها في حسنها
وراتنا السم في هذا العسل
لم تغادرنا على مشتبه
في التفاصيل ولا طي الجمل
أيها العاقل لا تحفل بها
سوف ترمي بك من رأس جبل
قد بلوناها ولكن سحرها
ينزل الأعصم من أعلى القلل
هكذا تخبطنا فتنتها
بينما نأنس منها بالحيل
كل ما يحسن منها عطب
وهو من لا شيء في القدر أقل
أصدق الأنباء عن خستها
ليس ما ينقل عنها مفتعل
لم تسالم جاهلا في غيه
لا ولا عالمها الحر الأجل
كل حي السعته حمة
أعيت الراقي فيها والحيل
رقمت آياتها في عبر
بقرون طحنتهم ودول
لا تبالي بك في بطشتها
كنت رب التاج أو كنت خول
يا رجال العلم اودى قطبكم
بل جميع العلم اودى والعمل
فتكت بالسالمي المرتضى
غارة شعواء ما عنها حول
فتكة أورثت الأرض البكا
والسموات وما فيها استقل
فتكة لم يحم منها جيشه
لا ولا دافعها وقع الأسل
عجبا من نعشه تحمله
فتية وهو على الكون اشتمل
جمع العالم في حيزومه
اترى العلم في القبر نزل
يا ولي الله اذ ودعتنا
فمن الآن عليه المتكل
من يحل المشكلات المرتجى
حيث لا ينفع من دق وجل
من يجلي ظلم الجهل ومن
ينصر الدين اضطلاعا للجلل
من يهد الخطب من فورته
من يقيم الوزن من يشفي العلل
من يقود الأرعن الجرار في
نصرة الله على عزم الرسل
من يدير الحرب عن رأي له
سعة البحر اذا ضاق المحل
من على المعروف وقف نفسه
وبه النكر تولى واضمحل
من لبذل العدل والاحسان من
يحمل الكل ومن يعطي النفل
كلها خلفتها ثاكلة
يا عميد الدين تبكي من كفل
قمت لله بأمر عجزت
همم الأبطال عنه فاستقل
فأتت معجزة خارقة
جدها الرعب وأنواع الفشل
فدعاك الله منه دعوة
ليكافيك على هذا العمل
قمت في خدمته محتسبا
آخذا بالحق في أي محل
درجات الخلد قد بلغتها
وسمات المجد في الدهر مثل
غير أنا في زمان حالك
ضل فيه أغلب الناس وزل
كنت فيه الشمس نورا وهدى
وارتفاعا وانتفاعا بل أجل
كنت فيه خلفا للمصطفى
خير من قاد الى الحق ودل
كنت للناس ربيعا وحيا(59/360)
كنت للأكون غوثا وبدل
مجهدا للنفس في نشر الهدى
خير من وفي واندى من بذل
صابرا في منشط أو مكره
ثابت العزم شديد المكتهل
احمس الصفحة موهوب السطى
باهر العزمة مأمون الزلل
شاسع النظرة لا يقصرها
زخرف الدنيا وجاه وخول
راجح الايمان معصوم الخطى
قوله الفصل وان قال فعل
سائر بالجد حتى نلته
" كل من سار على الدرب وصل"
في سبيل الله انفقت العنا
في مراد الله أنفقت العمل
في سبيل الله لم تحفل بها
أسقيت الصاب أو كأس العسل
في سبيل الله تدعو جاهدا
لتقيم القسط أو تلقى الأجل
في سبيل الله أجهدت القوى
لم تحد ان جد خطب أو هزل
رافعا ألوية العلم الى
ان دنا كيوان عنها وزحل
ونصرت الله حتى انه
لك من أهل السما الجند نزل
ولقد يجدر من أهل السما
نصرة القائم في خير النحل
تلك بدر نزلوها مددا
وعلى بدر قياس يحتمل
هم وجبريل على حيزومه
بالتسابيح لهم فيها زجل
نصروا الله بجيش المصطفى
فانثنى بالخزي اشياع هبل
وفتوحاتك سر مدهش
ظهرت فيها الكرامات الأول
يا ولي الله اني نادب
لك ما دار بكور وطفل
طالما أملت ان يجمعني
بك هذا الدهر فانسد الأمل
لهف نفسي ما الذي أقعدني
عنكم غير الذي أعيا الحيل
كلما أزمعت ترحالا قضى
لي بالتثبيط دهر مهتبل
والى أين ارتحالي بعدما
أضلم الجو وأوحشت الطلل
كنت أرجو نظرة في حالتي
منك فالآن رجائي معتقل
كنت في قيد شديد حله
ضوعف اليوم بغل وكبل
يا أبا شيبة من أرجو لها
حسبي الله اذا عز وجل
يا أبا شيبة عز الملتقى
وقطين الرمس مقطوع النقل
يا أبا شيبة عزت حيلة
عن دفاع الموت أو وصل الأجل
لو فرضنا ان ميتا يفتدى
لغدت روحي أدنى مبتذل
غير ان الخلق فيه أسوة
أجل يأتي على اثر أجل
تقتضي الموت حياة حددت
ولو استعلت على برج الحمل
يا فقيد الفضل عندي اسف
سل عن النار وعنه لا تسل
ذهب الصبر ولو حاولته
وجميل الصبر احرى بالرجل
ما نعاك الكون حتى نعيت
غضبة الاسلام والكفر بجل
ما حميد العيش من بعدك في
هذه الدنيا وما معنى الجذل(59/361)
والبكاء المر لا يشفي الجوى
لو طفقت الدهر استمري المقل
كل فقد دخلت فيه عسى
وهي في الموت محال كلعل
ما فقدناك هماما مفردا
بل فقدنا الخير في كل محل
ما فقدناك وعرفانك في
صفحات الكون ضوء يشتعل
ان رب العلم حي خالد
ولو ان الذات بالموت انتقل
ما تركت الكون حتى تركت
خطة الحمد لك الحمد الجلل
سيد العرفان دهري مأتم
فيك ما أشرق نجم أو افل
اخرس الهول لساني في الرثا
ولساني حده يفري الجبل
ما هنئت العيش مذ فارقته
وهنيئا ً لك عيشا لا يثل
ما هناء المؤمن الحق على
صدعة الدين وما برد الغلل
انا لا أعلم رزءا فادحا
كمصاب الدين أو نقض الكمل
يرفع العلم برفع العلما
وارتفاع العلم هلك وخبل
يا رمى الله يد الموت على
أخذ عبدالله رميا بالشلل
ويلتاه استأثر الله به
وبقي العلم على ظهر أزل
أكرم الله به أمتنا
برهة ثم دعاه فرحل
يا لها من رحلة ما تركت
خلفها من كرم الا انتقل
يا لها من رحلة صحت بها
غربة الاسلام في أزكى محل
أمة الخير لكم حسن العزا
انها داهية أم الغيل
بعد عبد الله يبقى أمل
للهدى هيهات قد شط الأمل
خلها يا ابن حميد تلتوى
فتنة عمياء كالليل المضل
ليس يغني عنك فيها أحد
طمست اذ ذهب النور السبل
وهنئيا لك بالفردوس في
جيرة الله على خير نزل
ان عاما نابك الحتف به
عام سوء وبلاء ووجل
فأتى تاريخه بحزن
نكسي الأعلام يا خير الملل
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> الله أكبر رزء نكس العلما
الله أكبر رزء نكس العلما
رقم القصيدة : 66829
-----------------------------------
الله أكبر رزء نكس العلما
وأسس الحزن في البابنا الما
واهتزت الأرض عاليها وسافلها
حتى السموات والعرش الذي عظما
في الشرق والغرب منها رجة رجفت
تكاد تقلب هذا الكون منعدما
والخطب يرجف أكوان اذا اندهشت
نعم ويوري سعيرا بالجوى ضرما
مصيبة ساقت الأقدار سائقها
وعاق عائقها وقعا بما دهما
وأرصدت لأوان آن موقعه
وللمواقع أوقات كما علما(59/362)
رزيئة الدهر هل أبقيت باقية
تبقى لنا سلوة الأحزان مستلما
ما للنوائح لا ترقى لها مقل
ما للجوانج حرى والبلاء طمى
أرى الحياة ولا عيش يلذ بها
رغدا وحادى المنايا زادنا غمما
أرى الظلام سجى طمسا معالمه
ما للسراة اهتدا يخطونه قدما
حقا تغيب بدر الأرض تحت ثرى
حتى تجسد ديجور الدجى ظلما
فمن يقدر تقديرا منازله
بعد الأفول فلا نور لما انبهما
بل من على الشمس اذ تجري مقدرة
لمستقر لها حيث الضيا انكتما
هذي منازل من ولى على أسف
أعني الامام وأعني المفرد العلما
أعني الخليلي امام المسلمين ومن
دهى الكوائن من منعاه ما دهما
محمد نجل عبدالله نجل سعي
د الأبر ونجل السادة العلما
من لي على صرف دهر سل صارمه
فما انثنى عنه حتى حز واصطلما
قل للذي طير المنعى بذا نبأ
أطرت طائر شؤم روع الأمما
أطرت روح حياة العلم فانجذبت
وللمعارف روح تنشط الهمما
هذي الرزئية أهل الأرض ان لها
وقعا وصدعا عظيما ليس ملتئما
حكت بدهشتها سعدا وهزته
عرش الاله بخير القرن لو قدما
هما شبيهان في رزء وفي جلل
وفي موازنة الأقدار بينهما
سعد بسعد حياة طاب مسكنه
وطاب مأمنه يهنا الهنا نعما
وذا اقتفاه اقتداء في طريقته
في العلم والحلم والتعديل ان حكما
كذلك العلم يعلى المرء منزلة
رفيعة الشأن في أسمى الذرى قمما
لكن على الجد والاخلاص في عمل
وفي ثبات واخبات وكشف عمى
ولاحق فضله مع سابق فرطا
سيان في الترتب العليا لهم عظما
هذا مقامك في دنياك غايته
بدءا وما نقص المقدار مختتما
أبا خليل تركت الأرض موحشة
فما أرى تغرها بالأنس مبتسما
تركت دولتك الزهراء ذاوية
بعد النضارة لما غيثها انعدما
ارجع فديتك للافتاء كان له
كنز من العلم يؤتي الحكم والحكما
أيدفن الكنز والآمال راجية
منه المنافع كم أغنى وكم عمما
ارجع فديتك للدين الحنيف بكى
بأعين اليتم لما فارق الرحما
كنت الكفيل له حفظا تؤيده
حامي الذمار شديد الغار محتزما
قلد فديتك هذا الحق صارمه
لا يغمد السيف والبطلان قد نجما(59/363)
أدري المحال فما والله مرتجع
لعالم الفقد سهم الموت فيه رمى
لكن عهود حياة قمت أذكرها
وانتقي الدر مكنونا لها كلما
لهفي عليك امام العلم حين سرت
بك المنايا مطايا ما انثنت قدما
كأنما النار في احشائنا التهبت
وعاديات الليالي تبعث الغمما
ان نبكك اليوم ندبا خير مرتحل
نبك الفضيلة والأخلاق والشيما
نبك المكارم بسطا صار منقبضا
انقبض الكف عن بسط الندى كرما
نب السياسة اذ أبوابها انغلقت
قد كنت فاتح مخفي بها انبهما
نبك المعارف لما غاب عارفها
نبكي وفاءك يا أوفى الورى ذمما
نبكي مجالسك الزهراء حيث خلت
تشكو الجفاء فأين الوفد مزدحما
نبكي شمائلك الحسناء خالدة
في صفحة الدهر تأثيرا سنا علما
نبك الكمال ونفسا فيك كاملة
نبك المحبا فكم بالمنظر ابتسما
نبك القناة فقد لانت لغامزها ال
أصباح الامسا أراك الشيب والهرما
ويلاه ويلاه ما يجدي البكاء وما
يبدي الحداء لمودوع غدا رمما
قطب الأوان ويا زين المكان ويا
نور الزمان أخا الايمان بدرسما
قربت سيرة أصحاب النبي هدى
صافحتهم بيد ولو مضوا قدما
وما نظرت الى الدنيا وزهرتها
وكيف والنور جلاء الدجى ظلما
أبصرت غايتها من بعدها انكشفت
ان البقاء سراب ما يبل ظما
وما لبست سوى التقوى على حذر
والله يخشاه من هذا الورى العلما
اقمتها مدة بالعدل سائرة
بالحق ظاهرة حزما ومعتزما
وتلك وصلة عمر لا مزيد لها
وليس ينقص عمر ان يطل نسما
قضى الاله فناء العالمين كما
قضى البقاء له في لوحه ارتسما
ماذا أقول إمام المسلمين وقد
عاج العنان عن المعدى فما اقتحما
قد لزني العجز عن ادراك غاية ما
أروم في الندب منثورا ومنتظما
وللذهول انفعال بالنهي وقفت
به المدارك عن إلمام ما التأما
وكيف تبلغ أقدار لك ارتفعت
بها الورى انتفعت كالغيث حين همى
أفضت بحرين من علم ومن كرم
كلاهما زاخر في الفيض حين طمى
سست الرعية بالتدبير متئدا
بالحق معتمدا بالله معتصما
وقف على الشرع في حكم وضرب يد
على الظلوم وانصاف لمن ظلما(59/364)
كم حز بالسيف قطاع الطريق وكم
قد بز بالعزم أرباب السطى عزما
تخشى مهابته قبل المثار فان
غشى المثار أطار البطل وانقصما
موفق الفتح ما فوجي باصبعها
مصاعب الأمر الاسهل الأزما
لله غيرته لله سيريته
لله نصرته لله ان هجما
كم حمل الصدر أثقال لو اجتمعت
صدور كل الورى ضاقت بها همما
كم ترجع الناس بعد الوصل راضية
شاءت معارف أو شاءت يدا كرما
يملي ويكتب والأشغال عارضة
ويوجز القول اعجاز فلم يرما
كم حار ذو الفكر في سطر بموجزة
من البيان والقى عيه القلما
الله آتاه هذا العلم منزلة
سما بها الوهب والالهام حيث سما
اتيتنا يا امام الدين في زمن
أنت الغريب به فضلا علا عظما
أين المثيل على حسنى تقوم بها
والوجهة الحق والاخلاص ملتزما
قضيت عمرك في زهد وفي ورع
حتى أتاك يقين وقعه انحتما
لبيتها دعوة جاء البشير بها
بمقعد الصدق والرضوان مغتنما
قدمت صالحة الأعمال خالصة
لوجه ربك شكارا له نعما
والمتقون لهم أجر على عمل
ذاك الجزاء فيا طوبى لمن رحما
قرائح الوهب جودي بالرثاء ففي
هذا المقام مقال ينتفى كلما
ويا بني ملة الاسلام تعزية
مني اليكم وقلبي بالأسى اضطرما
دمع تحدر من عيني منسكبا
تخاله السحب في تسكابها الديما
بشرى سعادته في الاحتضار أتت
طلاقة الوجه براقا ومبتسما
من الكرامة يا مولاي ان بقيت
خلافة الله في رأس العلى علما
من الكرامة يا مولاي مجتمع
حوى الجموع من الآفاق مزدحما
من الكرامة حر الشمس حجبه
ظل الغمامة حال الدفن مرتكما
من الكرامة نفح الطيب من جدث
أودعت فيه ونور ساطع لسما
من الكرامة هذا الكون أجمعه
راض عليك كما أخلصت معتزما
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> أحسن امانتك التي قلدتها
أحسن امانتك التي قلدتها
رقم القصيدة : 66830
-----------------------------------
أحسن امانتك التي قلدتها
طوق الحمامة ما تسر وما ظهر
لقد اتجرت على الذين تؤمهم
فاختر على الخسران ربح المتجر
قد قلدوك أمانة مضمونة(59/365)
فاحذر ضمان مضيع كل الحذر
واعرف لهاتيك الأمانة قدرها
ليس الضمان بها ضمانا يغتفر
ان ترعها نالوا ونلت ثوابها
أو خنتها سلموا وانت المؤتزر
قد قمت بين غنيمة وسلامة
فاسلك بايهما ترى الحزم استقر
واستوف بين سلامة من فعلها
وسلامة من تركها حق النظر
فان استطعت حقوقها وشروطها
تربت يداك أغنم فنعم المدخر
واذا عجزت ففي السلامة مغنم
وأحق أمريك البعيد عن الخطر
واذا تركت مع استطاعة فعلها
فالإثم بالتضييع يلزم من قدر
ان الامامة منصب ومقامها
لمزيد اخلاص من الكبر افتقر
لا تبغها بذخا بها وترفعا
فيكبك الجبار يوما في سقر
لتكن أقامتها على الاخلاص لا
لتكون متبوعا يعظمك البشر
ومقاصد الألباب يعلم كيفها
من لا يغيب عنه مطوي الفكر
أترى يغالطه الضمير وعلمه
محص سواء من أسر ومن جهر
فهب الخداع مع البرية نافعا
أتراه عمن يعلم الغيب استتر
عمل السرائر والظواهر كله
في علم علام الغيوب قد انحصر
فارق هواك ودع لربك فطرة
محصت بالاخلاص عنها كل شر
طهر سريرتك التي آفاتها
سوء وصبغتها النقائض والقذر
واحمل عمود الدين ما حملته
عمن رآك به الضليع المقتدر
مهما حضرت الناس عند صلاتهم
ورآك للتقديم أهلا من حضر
فكن الامام ولا عليك ولا تضع
فرض الجماعة واحتسب أجر النفر
لكن عليك وظائف مشروعة
سفرت بها سنن كما سفر القمر
منها مراعاة الأظلة دائبا
وأوائل الأوقات من ذاك الوطر
ان الاحب من العباد لربه
عبد يراعي للأظلة في الخبر
وأوائل الأوقات رتبة فضلها
حض النبي وفعله فيها استمر
رضوان ربك أول الأوقات وال
أوساط رحمته وعفو في الاخر
واستثني العتمات في ليل الشتا
والظهر للتبريد في أيام حر
والبعض يختار انتظار جماعة
والبعض يختار الحديث كما ظهر
واذا تهيأت الجماعة كلها
كبر وهذا الباب من حسن النظر
واحذر تقلدك الامامة ان تكن
لحانة اذ أقرأ القوم الأثر
حتى ولو لم يفسد المعنى به
اذ لست في حكم الحديث بمعتبر
وتصح ان لم يفسد المعنى به
الا الاساءة انها لا تغتف(59/366)
والبعض ان بدلت آيه رحمة
بالضد والتوحيد بالشرك اعتبر
والبعض ان بدلت توحيدا بشر
ك أو عكستهما على هذا اقتصر
ويشاكل اللحن الوقوف يبدل ال
معنى وقيل اذا بتوحيد أضر
ونظيره الاهمال والاعجام في ال
قرآن اذ بهما يؤول الى الغير
ونظيره جهل المخارج للحرو
ف على الصلاة لمن يؤم به ضرر
ويؤمهم ذو آفة بلسانه
ان لم يكن عن جهله الحرف انكسر
ويصح من ذي لكنة ان كان ما
تجزي الصلاة به من الآي استقر
ومبدل حرفا بحرف ان يكن
عن آفة أو فطرة وقع الأثر
وحديث سين بلال المشهور لا
نرضى به فالوضع فيه المعتبر
ومن الوظائف ان تكون مرتلا
أو ما ترى نص الكتاب بها أمر
ووظيفة التخفيف للأركان لا
تهمل ولا تكن المنفر من نفر
ناهيك ما لاقى معاذ من رسول
الله من زجر بتطويل السور
والناس في الأحوال شتى فليكن
هذا الامام مراعيا حال الفطر
وليرع تسوية الصفوف بنفسه
أو غيره كالفعل من خير البشر
ولينو هاتيك الامامة آتيا
ان جاء من بعد الدخول ومن حضر
وليجزم التكبير والتسليم كي
يقعا من المأموم بعد على الاثر
ومتى يكبر أو ليسمع فليزد
في رفعه للصوت والسمع القدر
وليخلصن القصد للمأمور في
حفظ الحدود الباطنات وما ظهر
ولينتقل من موضع صلى به
من بعد ما يقضي الصلاة الى مقر
في مسجد أو منزل أو غيره
زالت امامته فماذا ينتظر
ولينحرف صوب اليمين اذا انتحى
الا الصحارى فالامام اذا قدر
ولينتخب ذا الأفضلية منهم
ويسد قفوته وذا خبر ظهر
هذا لأن لذي الأمامة رتبة
في البر فالأولى به تقرير بر
ويكون لاستخلافه مهما عنا
أمر وما احفى الخلافة بالخير
وليجتهد عند الدعاء معمما
لا يختصص بدعائه عمن حضر
فيعم في حق الولي دعاؤه
وعدا الولي لمصلح الأخرى يذر
ومقامه يقضي عليه بأنه
وفد الى البر الكريم لنيل بر
والوفد أحجى أن ينال كرامة
ان لم يكن في النفس حاجته حصر
حقق بعينك في الكريم فانه
عند الظنون لمن توجه وافتقر
واذا توجهت السريرة نحوه
رجعت برحمته بعائدة الوطر(59/367)
لم يقصد الرحمن صادق أوبة
رغبا ورهبا في مقام فانخسر
فاجعل همومك في الصلاة فانها
سبب مبين للصلات وللبشر
واحفظ لربك روحها وحياتها
سيان لو أبصرت ميتا والحجر
وحياتها اخلاصها وخشوعها
وخضوع قلب بالعلائق محتظر
وظواهر الأركان محض وسائط
فاذا تزكى السر أصلح ما ظهر
وعبادة الحركات والسكنات في
حكم القلوب وها هنا الشأن انحصر
فاربط على هذا المقام القلب لا
يغرر فشأن قلوبنا كر وفر
والقلب بيت الله فيه نوره
نظر الكريم اليه ليس الى الصور
فاستقص قلبك في مقام شهوده
لا تعطه شطرا وشطرا في عمر
واصل مقامك في الصلاة وغيرها
عبدا على الاحسان وردك والصدر
واذا ذكرت الله فاعرف قدره
بين الرجا والخوف مصروف الفكر
مستشعرا تحت الجلالة خشية
ومهابة لا حظ عندك للأثر
لا تعد طورك في المواطن كلها
أنت الفقير اليه في نفع وضر
وجماع هذا الأمر فقر مطلق
وعبودة محض وصفو من كدر
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> بصائرنا في القضا خامده
بصائرنا في القضا خامده
رقم القصيدة : 66831
-----------------------------------
بصائرنا في القضا خامده
وكل قضيته واحده
ففيم التصور تحت العمى
وفيم الدعاوي ولا شاهده
رأيت التقصي بآرائنا
بحتم القضا فضلة زائده
ولو فاز أي بموهوبة
فأم القضاء له والده
وكل الوجود ببحر الشئون
حقيقة نقطة راكده
وخبطك بالرأي تحت القضا
ذهول وعجرفة بارده
وما وهب الله من مكنة
فتلك محركة جامده
وان كشف الرأي محجوبة
فتلك برفق القضا وارده
فسلم الى الله افعاله
لتجري الأمور على القاعده
فما لك حول يرد القضا
وذائدة العجز كالقائده
وما لك في الأمر من شركة
تأدب... ولا ذرة واحده
تلاقي القضاء بغير الرضا
وأنت على قدرة نافذه
اذا دبر الله أمرا جرى
برغم تدابيرنا الفاسدة
اتنهض رأيك ضد القضا
فاوهن بها نهضة قاعده
وفكرك في قدر فائت
وفي مقبل رتبة واحده
وأفكارنا وسياساتنا
وتدبيرنا شرر خامده
وجد النفوس وكل القوى(59/368)
الى نسبة فوقها عائده
وان كان لا بد من فكرة
ففي هذه البرهة البائده
وفي النشأتين وعقباهما
وصادرة الموت والوارده
أما ترعوي في مراعي الغرور
وصائدة المنتهى راصده
تعيش بها بين مفقودة
وراقبة حتفها فاقده
نهش الى زخرف منقض
ونعرض عن دارنا الآبده
وننسى المنايا وقد انفذت
مقاتلنا الأسهم الصادره
نروح ونغدو على مأمن
وآساد آجالنا حارده
ننازع أيامنا صفوها
وما للصفاء بها واجده
ونأمن فيها هجوم الردى
وليس لهجمته جاحده
وتنعي الجنائز أرواحنا
ودمعة أعيننا جامده
تثير السوافي علينا الثرى
وذاك السفا الأعظم الهامده
نوى الأصل والفرع في بطنها
وقد بقيت نوبة واحده
وهيهات قد بادرت زرعها
ومدت مناجلها الحاصده
علام التهافت في حائل
وقد علق القيد بالآبده
سيعلو البلاء الى الفرقدي
ن ينتهب الصحبة الخالده
ويصدع في قبة الشمس من
غوائله صدعة صاعده
وتبلى الجديدين مقدورة
من الخطب بارقة راعده
ويدهى الوديع بنعمائه
زوال معيشته الراعده
كأن الردى حاسد للمعا
ش وحتى على شظف الهابده
الى أين يسمو علو البنا
وقرح المعاول بالقاعده
ترفق بطينة هذا البنا
فهاتيك أجسامنا الهامده
نشاهد تفتيت أجسامنا
وليس لأرواحنا شاهده
ولكنها حبست في العمى
وسوف تعود لها عائده
متى ينزع الموت عن فتكه
فتبقى لمولودها الوالده
يحز الحياة شبا قارظ
ولم تنتبه هذه الراقده
وان حياة الى منتهى
خيال يحول بلا فائده
حظيرة مفتقد ما بها
هناء سوى صرخة الفاقده
وتفتأ تعقد آمالنا
وينجل ما تعتقد العاقده
يصال على صيحة المعتدي
فتنشب بين اللها الزارده
يلم السوابغ سرادها
فتفرجها الطعنة السارده
ويفري المدجج حد الردى
فما تدفع الشكة الهامده
وما يحفز الدهر الا البلا
وان اسجحت يده الآبده
ممض فما تنقضي ليلة
ولم تكن الليلة العامده
لياليه كالسفن ميادة
ببلواه غامدة آمده
دهت ذات روقين من خطبة
بموئد مقصدة قاصده
فكرت ولا رأي في ردها
ولا فاتها مهرب الشارده
أتت لا يؤبسها قارص(59/369)
ولا تنقي الأبرج المارده
تؤز الصياخيد أهوالها
فما بال أكبادنا الكابده
فما استنزفت من دماء القلو
ب كما استنزفت من أسى الواجده
ولا امترست لسماء العلو
م حتى تكدكت الماهده
لها أجهشت بالبكاء السما
تناوح أجفاننا الساهده
رزيئة دهر فجعنا بها
لأفظع مفجعة حاشده
نحت مستقر الندى والهدى
فدكتهما دكة واحده
فهل صادف الدهر ثارا بها
وداوى بها علة عامده
تحزمت المجد في غارة
شناخيب رضوى بها مائده
اغارت شعوب على خيرنا
وكانت لميقاتها راصده
رزئنا المرزء طود العلا
أبا صالح عليم الوارده
رزئناه غيثا يعم الملا
وقد اعدمت غيثها الرائده
تخطف أحمد ريب الردى
فيا حرب الحمد والحامده
حمدنا الزمان به برهة
فصالت عليها يد صائده
فما أسوأ العيش من بعده
وما أصغر النوب الوافده
فيالحياة قضت نخبها
وكل حياة أمرئ نافده
حياة القلوب بتلك الحيا
ة واصلاح أنفسنا الفاسده
يضن بها الكون في حجره
فصارت الى جدث خامده
ويوم الضنين كيوم المه
ين وفي المنتهى تقف القاصده
وما بيد أحمد بيد امرئ
ولكن نفوس الورى بائده
لقد كان يرجح ميزانه
وذات الكمال به شاهده
يجلي بابلج ذي فرجة
من العلم مشكلة عانده
شداد العوارض آراؤه
اذا اعتزمت خطة ناهدة
فيا للمعارف حسن العزا
لقد أصبحت سوقها راكده
لقد كان نير أفلاكها
فخر الى حفرة رامده
فواحربا لصروف القضا
لقد طعنت طعنة عامده
وما من صروف القضا وائل
وما لصروف القضا كارده
ولا بد من نهش صل الردى
وما للرقى عنده فائده
وكيف نضن بأرواحنا
وتلك غنيمته البارده
فيالهف نفسي على أحمد
اذا نفعت لهفة الفاقدة
سلوت السلو ورشد الأسى
وأحمد أنفاسه خامدة
لقد زهدت نفسه في الوجو
د فهل للحياة معا زاهدة
تعبد حتى أتاه اليق
ين فذابت له الأنفس العابده
تحالفت الأرض في عمره
وآرابه الزهر الساجدة
فليت حليفة آرابه
وقته بلى التربة الرامده
لقد دهش الكون لما ثوى
فما وجدت رشدها الراشده
وزلزلت الأرض زلزالها
وضاقت بأجزائها هامده(59/370)
وما ضاقت الأرض من رزئه
كما ضاقت المنن الخالده
طوى العالمين الى ذاته
بطارفة المجد والتالده
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> قد اهتزت الأكوان وارتعد الملا
قد اهتزت الأكوان وارتعد الملا
رقم القصيدة : 66832
-----------------------------------
قد اهتزت الأكوان وارتعد الملا
لقتل امام قام لله فيصلا
على سيرة الفاروق...عدلا ًوحكمة
ً يسير بها لله ليس لما خلا
إمام حباه الله نصرا مؤزرا
ولم يتخذ شيئا سوى الله موئلا
وقام بقسط الله في أهل ارضه
بخارقة من أمره تعجز الملا
على سنة ذاهمة مشمخرة
لاظهار حكم الله حتى تهللا
تجرد يعلي كلمة الله همة
ليصبح مغزى كلمة الكفر اسفلا
بسطوة مقدام اذا الحرب الهبت
ولا ينثنى الا وقد ادرك العلى
يفلق هامات الخطوب بعزمه
اذا قام قرن البغي اعلاه مقصلا
رأى الجور اربى فاستقام لقطعه
وما كان وهنا رايه متزلزلا
لقد باع في ذات الجهادين نفسه
فما اربح البيع العظيم وافضلا
فعاش على التحريض في ذات ربه
مخافة حد الله ان يتعطلا
رأى حرمات الله لا من يصونها
قوي ولا عدل يرد المبدلا
فشمر ذيل العزم تشمير غيرة
فاصبح عرش البغي عرشا مثللا
له سيرة الابرار لا متكبرا ً
ولا واهنا في العدل او متعللا
يبيت يناجي الله خوفا ورغبة
كان عليه للمهآبة افكلا
الى ان اراد الله اكرام ذاته
بنقل ونعم الدار فيها تنقلا
فأصبح في بحبوحة الخلد ناعما
وطوبى لمن جوزي بها وتقبلا
كما جد في احيائه الدين جده
وفارق دنياه رضيا مكملا
سقى الله قبرا ضمه روح رحمة
توالى عليه بارقا متهللا
بروحي افديه طعينا ممزقا
وكان مفدى الحور ساعة جدلا
يجود بنفس طيب الله ذاتها
الى يدرب العرش تبغي تحولا
تقبلها الرحمن بالروح جاعلا
لها بين من حازوا الشهادة منزلا
لقد فاظ مظلوما بطعنة فاجر
له الويل لا زال الشقي المبهلا
هنيئا ً أمين الله نلت شهادة ً
وابقيت ذكر الطيبين مبجلا
ولو فوديت نفس فديناك طيبة ً(59/371)
ولكنها الاجال تمضي الى البلى
عزاء لأهل الحق ان مصابكم
جليل ولكن يلزم الصبر في البلا
لنا خلف في الله عنه وسلوة
بان امام المسلمين له تلا
جزى الله عنا المسلمين جزآءه
بساعة لم يلغوا حمى الدين مهملا
راوا فتنة صماء جاشت جيوشها
فقاومها عيسى فطاشت كلاولا
وثايره من عصبة الدين أسرة
لهم غيرة من يوم عمار تجتلى
قياما بحق الله فانتخبوا لها
هماما لكل المكرمات تقيلا
مجيد عظيم الهم سبط نجاده
اذا اقبلت كبرى العظائم اقبلا
تقلدها لا قاصرا ً عن شئونها
ولكنها جلت فلاقت مجللا
ترد أمين الله ثوبا كساكه
الهك لم يدنس ولا بلغ البلى
تناولته عن عاهن بعد عاهن
ملوك بني قطحان أول اولا
فلله سربال من النور جاء من
خليل بن شاذان وصلت ومن خلا
فلا زال سربالا تزين بوشيه
على محور القرآن حيك وهلهلا
شكرنا رجالا قلدوك حسامها
فراسة ايمان وسر تسلسلا
فقد صدقت فيك الفراسة منهم
فما وقعت الا على الحق والجلا
فيا لرجال الله حقا نصرتم
وعزرتم هذا الامام المفضلا
تنورتموه وهو نجم لأفقها
فاصبح هذا الكون بالنور مشعلا
لدى ملكوت الله يتلى ثناؤه
وللملأ الأعلى لأمثاله ولا
أمام غدا في جبهة الدهر غرة
له قدم في الصالحات وفي العلى
هو الباسل الضرعام في حومة الوغى
وقد عرفت منه الكوارث مبهلا
محمد المعروف في الأرض والسما
بصيت على لسن الملائك اسبلا
صبور على العلات اما خلاله
فزهو واما المال فالويل في الملا
حليم على جهل الجهول مرزء
يصادي الرزابا ثابتا متوكلا
يدبر مالا يوهن الجيش صعبه
ولو لم يجرد فيه رمحا ً وفيصلا ً
ويبرم روعات الأمور بحكمة
ويصدر في الازمات رايا مؤصلا
كأنّ سديد الرأي وحي منزل
وحاشا ولكن قلة وهبا مرسلا
لكم حل منه الرأي صعبا فاصبحت
مصاعب ذاك الأمر أمرا مسهلا
وكم صادمته من لياليه نكبة
ففكك اغلال وكشف معضلا
حرام عليه ان يبيت لحادث
اذا لم يصحبه الجلاء معجلا
اليك أمير المؤمنين رسالة
وحسبي فخرا ان اكن لك مرسلا(59/372)
تيقن بان سر الخليلي قد بدا
على وجهك الميمون برقا ً تهللا
تيقن بان سر الخليلي اذ دعا
أتيح له نصر على لوحه انجلى
دعا دعوة يا قدس الله سره
أجيب بها حيا ومن بعد ما خلا
سموط ثناء جردت من ضميره
فكانت على اعداء ذا الدين مقصلا
فيا دعوة لم يغلق الله بابها
بها ركن عرش الظالمين تزلزلا
فقضى بها سود الليالي زواهراً
بصوت لعرش الله قطعا ً توصلا
يغوث والاكوان تحت جبينه
يغوثن تأمينا ً اذا ما تبتلا
ومن لي بانصار إلى الله وحده
ومن لي بسيف يقطع الهام والكلا
فاصبحت في ذلك الدعاء اجابة ً
واصبحت ذاك السيف ذو كان املا
لكان رسول الله دعوة جده
وكنت أمين الله في ذاك من تلا
تناول عقود الدر من خير ناظم
نعم هو نور مجتنى منك مجتلى
لقد طال ما اوعيت اذني جواهراً
رجعناه منا كن له متقبلا
واوليتني فضلا لو الشمّ طوّقت
لقد كان منها في الموازين اثقلا
ومن اسف اني اودع مربعاً
انيقا ً به كنتم ربيعا ً ومعقلا
ومالي صبر عنكم باستطاعة
ولكن رأيت الصبر بالحرّ اجملا
عسى نفحة الرحمن تجمع بيننا
فيصبح ما بالقلب خطباً مسهلا
ولولا فروض الزمتني اداءها
لشيخ عسى لا يستطيع التنقلا
حليف العصا يمشي الهوينا اصابه
مُصاب بني الستين وهنا فحوقلا
وصية ربي فيه ارعى حقوقها
ولولاه لم انصب لنفسي مزحلا
رحلت اليه كي افوز بقربه
فالفيت منه المنزل المتخولا
ولولا خطوب ضعضعت من جناحه
لسابق سير الريح نحوك مذملا
فهل لكم فيه وقد نجمت له
نواجم دهر بالشدائد والبلا
ولم يبق في الدنيا له من معول
سواك ونعم الركن انت معولا
فلا تنبذنه بين أسد عوابس
وبين بلاء حيث ادبر اقبلا
فلا يبطئن تدبيركم في رجوعه
فلا زلت في الاحسان يمناك اطولا
وما كان شيخي واهنا في اصطباره
ولا طائشا ً في أمره متخذلا
ولكن ريب الدهر صعب مراسه
ترى كل حر تحته متزلزلا
يعاند جرى الحر حنى يثله
ويترك روض النبل والفضل ممحلا
بشينمتك الزهراء لا تنسينه
حنانيك عقبى الخير لن تتحولا(59/373)
حنانيك يا سبط الخليلي انها
ذخيرة خير قصرت دونها الملا
اغث عانيا ً اربح ثواب فكاكه
فلا زلت للاسلام حصنا ً وموئلا
اتاح لك الرحمن نصرا ً مؤيداً
ولا زال خصم الدين خصما ً مكبلا
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> خذوا بجميل الصبر وارضوا
خذوا بجميل الصبر وارضوا
رقم القصيدة : 66833
-----------------------------------
خذوا بجميل الصبر وارضوا وسلموا
فان فناء العالمين محتم
رضا بقضاء الله ان حياتنا
على السخط منا وارضا تتصرم
وان حياة تقتضيها منية
ركون اليها غفلة وتوهم
ألهوا ومخبوء المنايا حبائل
وأواحنا فيها وقوع وحوم
تناهشنا الآجال لا نرعوي لها
وتخبطنا البأساء فيها وننعم
سكونا اليها والمقابر تمتلي
وتخلو بيوت الراحلين وتهدم
نمر على الأحداث والقوم في الثرى
همودا فيا أحبابنا كيف أنتمو
وهيهات ما عند القطين ابانة
سوى أنهم صاروا عظاما تهشم
ثووا لا يمل الدود طول ثوائهم
وملهم الأهلون ساعة أسلموا
تساوى ملوك الأرض في مضجع البلى
وغيرهم ما ثم أدنى وأعظم
سيرجع رب التاج في الرمس جيفة
وان عاش كبرا أنفه يتورم
تباذخ مغبوطا على عرش عزه
وعما قليل سوف يعلوه منسم
تطير السوافي الرائحات رفاته
على عرشه منه غبار مقتم
وما امتاز من أضحى رفاتا مفتتا
مليك يحيا أو حمار يكدم
أتختلب الأطماع عقبى كهذه
ويا رب سلم بعده الخطب أجسم
يمر بنا ركب ويتلوه غيره
ويسبقه ركب وفي الأرض أقحموا
تنعم في ميراثهم غير كاسب
وعما قليل يقعص المتنعم
أينسى بنو الدنيا مصارع أهلها
وفي كل قلب للمنية ميسم
بنون وآباء لدينا أعزة
ندسهم في الأرض لا نتخرم
كأنا لهذ الأرض دين ودأبها
غريم على كثر الوفا يتظلم
تضلعت الارماس من أكل لحمنا
وما برحت غرثى الى اللحم تقرم
وما هذه الأرواح الا ودائع
سيأخذها مستودع ليس يظلم
وقد أنذرتنا صرعة بعد صرعة
وفقد أخير قبله متقدم
تدافعنا الآمال فيها كأننا
هباء عليه عاصف الريح يحكم(59/374)
الا نرعوي والناب يصرف فوقنا
فهذا على خوف وذلك يقصم
كأن المنايا حسبنا من تصرفت
بهم وكأن الظفر منها مقلم
وليست لعمر الله عند حدودها
بتاركه عيشا ولا يتصرم
ترى أي صفو لم يكدره صرفها
وأي شراب لم يمازجه علقم
أنلزمها البقيا وتلك قضية
على الرغم منها حكمها ليس يلزم
ونفلت منها والحياة سفينة
مخرقة الألواح بالموج تحطم
تمزقنا الغارات من أم قشعم
وما حدث تبقي عليه وقشعم
متى تفرغ الآذان من صوت نائح
وقعقة تحت التراقي تهمهم
وينشف دمع من سوافح دمعه
ويبرد قلب بالأسى يتضرم
متى تحسر الأكتاف من نعش هالك
رواحل من أثقالها ليس ترزم
قوافل تمتاز النفوس الى الفلا
الا هذه الابشار للأرض مطعم
أوني خيام الحي من حيث طنبت
أليس ضمير الأرض ذاك المخيم
ولسنا تأخرنا معافين بعدهم
ولكنه عمر مداه يتمم
توفتهم آجالهم وبأثرهم
نسير الى حيث استقروا سنقدم
اخو الحزم من لا يستقر الى الهوى
ومن نصب العقبى لعينيه أحزم
وما نضرة الدنيا تروق لكيس
ونحن نراها بالبلى تتخرم
يسالمها المغرور منها بزخرف
وهيهات لم تسلم ولا هو يسلم
ومن عجب برد الصدور وداعة
وقد أيقنت ان المنية تهجم
لكل ندي بالتفرق موعد
وللحتف رمح في الصدور مقوم
ولو أن نفسا وادعتها منونها
ولكنه لا زرع الا سيصرم
لقد أنذر الداعي رصيدا مشوكا
ونحن كأنا بالنذارة نحلم
حذار بيانا أيها الناس اننا
على شدة الايقان بالخوف نوم
ولو لم يكن غير النوادب مؤلما
على ميتمي أطفالها تتألم
ولا نفس الا تنطوي فوق حسرة
ولا قلب الا بانفطار مسمم
لا جفل ذولب الى جنب رشده
وتارك دار بالمعاول تهدم
ونعنى بها لا تعترينا سآمة
وعاملها من فتكها ليس يسأم
اعند رجال الاستقامة انهم
أصيبوا بقطب المسلمين وأيتموا
وان قصمت ظهر المكارم نكبة
سيمضي عليها الدهر تفري وتفصم
وما يومها الآتي بها رد مأتما
ولكن ما يأتي من الدهر مأتم
غداة نعى الناعي الى الناس راشدا
أحقا نعيت الفضل أم تتوهم
نعم راعني ندب السماء وأهلها(59/375)
وأركان عرش المجد اذ تتحطم
وضجة بيت الفضل اذ خر سقفه
وهدة طود الجود اذ يتهدم
صباحك يا ناعي المرزء سيء
ويومك منحوس وطيرك اشأم
بعثت الى الألباب حزنا مؤبدا
وأوقدت نارا دأبها تتضرم
أحقا عميد الدين لاقى حمامه
فاني أرى نفس الهدى تتلدم
أحقا عماد الاستقامة أصبحت
به اعوجيات من البين ترسم
أحقا ملاك الفضل اودى فتلكم
يمين الجد اشلاء والكف أجذم
أحقا منار العلم أسقطه الردى
كأن سقوط العلم للحتف مغنم
أحقا إمام الزهد عارضه الفنا
فهل أنف دنيانا من الزهد يرغم
أحقا سحاب البر أقلع نوؤه
فهل يتأتى بعد للبر موسم
أحقا جميل الصنع كفت يمينه
وكانت هي الطولى تبر وتنعم
أحقا بهاتيك المعاهد غمة
من الحزن اذ واراه لحد مغمم
فواحربا والحزن يسفح عبرتي
قضى نحبه البر الكريم المعظم
تقضت به أيامه البيض كلها
أياديه أمطار وناديه معلم
تقضت به أيامه من جمالها
تنور منها نير متجسم
وما المرء الا راكب يطلب المدى
ولا بد يوما عمره يتجرم
رويدا لقد آنست في الأرض رجفة
ترى ان قلب الأرض كالناس يألم
عزاء رجال الاستقامة انها
مصيبة دين ما بقي الدهر تعظم
فكل سرور اذ ألمت مساءة
وكل حميد العيش عيش مذمم
فياثلمة للدين والفضل مالها
سداد ولا اذ يقدم الدهر تقدم
حنانيك للأبرار يا موت برهة
وهيهات ليست قسوة الموت ترحم
تسارع في الاخيار تمحو وجودهم
وياليت ما تمحموه بالمثل يرقم
وما معتب المفجوع منك بنافع
لأنت قضاء صبه الله مبرم
قضى الله ان الحي يجري لغاية
فما ثم تأخير ولا متقدم
متى يدرك الاعتاب مستعتب الردى
له عزمة صدق ورأى مصمم
مكر هموز الناب ما طاش سهمه
ولا هو في كراته متلعثم
تقادم عهد بالمنون وفعلها
وجاست خلال الدار تذرو وتهشم
اذا أرسلت سهما لتقصد مقتلا
تلته الى المرماة بالرغم أسهم
تخلف دعس الحي عنهم فأخلدوا
لغبراء يعلوهم صفيح مردم
وليس بنا في الموت صرخة ثاكل
وقلب يتيم بالأسى يتجرم
ولو كان يجدي هالكا ندب فاقد
لسال مكان الدمع من غرابه الدم(59/376)
طحى حدثان الدهر للفضل هضبة
وكانت بها هضب المكارم تدعم
لك الله ريب الدهر يستنزف البقا
فلا نفس الا بالفناء سترجم
ولا غرو ان تستنزف الصبر نكبة
ويقصر من تطراقها المتعزم
غداة تداعى الطود في سمك مجده
وطارت به حدباء عوجاء صيم
تهادته أكتاف الرجال ولو دروا
لكان حقيقا ان تهاداه انجم
الى حفرة ضمت من الجود بحره
رويدا هو البحر المحيط يدمدم
فما عجب ان تحبس الشمس في الثرى
فتعتقب الأيام والجو مظلم
هناك اقشعر الروض واغبر جلده
وذلك روض النعمة المتسوم
مدى الدهر لا ينفك حزن مبرح
عليك وتسكاب من الدمع مسجم
مآل اليتامى في الملمات من ترى
تركت لهم اذ أزمة الدهر تأزم
فديناك بالأرواح ضاعت حفائظ
تحفى بها معروفك المتنسم
تردى بغاة الخير بعدك بالأسى
فواجدهم من بعد فقدك معدم
وما دفنوا نفس امرئ منك وحدها
ولكن نفوس في ضريحك تردم
وكنت الجناب المستراد لمسنت
وروضك مخضر وبحرك خضرم
فجف نضير الروض واربد جوه
وغاضت بحور طاميات غطمطم
وقد كنت درءا للحوادث مؤئلا
اذا جاش منها الكارث المتهجم
وكنت لحاجات المساكين ركنها
فمن لهمو والركن عنهم مهدم
وكنت مع الاكدار صفوا مهنئا
رواؤك ممدود وكأسك مفعم
وما ضاعت الآمال عندك والذي
نويت ولم يقدر من الخير أعظم
كأن الورى الارحام لست تضيعها
على أسوة في الوصل بر ومجرم
يعيش بك الهلاك بين فواضل
دقائقها من أكرم الفضل أكرم
غزير مجاري الماء لا من غزارة
من المال لكن بحر جود قليذم
يمر عليك الدهر والدهر عابس
وفضلك فيه ازهر الوجه مبسم
وكنت كفال الحق حصنا لأهله
همومك فيه والأهم المقدم
فدا لك نفسي اذ تجود بمهجة
الى يد خير الراحمين تسلم
حييت على الحسنى ثمانين حجة
رياضا نضيرات جناها التكرم
فما برح الايمان فيها ملازما
لقلبك والاحسان يربو ويعظم
ولما دعاك الله لبيت أمره
فأصبحت جار الله والجار يكرم
وعيشك في الدنيا حميدا مسددا
فلقيت عمرا بالسعادة يختم
مضيت وخلفت الكآبة والأسى
مجددة آثاره ليس تطسم(59/377)
يظل جليد القلب منه مولها
به ظاهر التأساء والحزن مبهم
لئن هدمت محياك قاصمة الردى
فمجدك يبقى شامخا لا يهدم
على سورة في المجد قر أساسه
له شرف فوق السماكين ينجم
فنيت وأبقيت المحامد انجما
لسان ثنائي عن مداهن مفحم
تبدلت بالدنيا مقاما مقدسا
هنيئا لك الحظ الذي لا يصرم
تصاعدت بين الحلو والمر جاهدا
الى الله من آفاقها تتبرم
هنئت ولم نهنأ لفقدك لمحة
على كل كبد قرحة لا تمرهم
فيا ابن سليم ان تباعدت سالما
فلا قلب من برح عقبيك يسلم
تركت صدور الناس ترمي شرارها
الا كل نار بالشرارة ترجم
وليس الغيوث الصيد للحزن وحدهم
ولكن بهذا الكون للحزن منجم
فقد كنت غوثا تمطر الكون رحمة
بل الغوث في الابدال بل أنت أقدم
فياسيد الابدال من أنت تارك
يخلص من سوء ويجزي ويرحم
متى تطرق البلوى تصدى لكبحها
أو اعوج أمر الناس فهو المقوم
لقد أوحش الربع الأنيس وأصبحت
معالم أهل الحق لم يبق معلم
فواحربا قطب الكمال وردتها
شريعة حتف عندها العمر يحسم
وقفت عليها نير الصحف وافرا
من الزاد طهر العرض مما يذمم
فاقدمت وفدا في مقام كرامة
تروح وتغدو بالبشائر تنعم
متى نتعزى منك أو يقلع البكا
ورمسك في وسط القلوب مخيم
ابعدك شيخ المسلمين سلونا
بشيء وسلوان العزيز محرم
كأنا شواظا في الجوانح ساطعا
اذا قلت قد خف التوقد يحجم
فديتك وجه الدهر بالحزن كاسف
وفي الوجه عما في الضمير مترجم
لقد كنت مصباح الورى لرشادهم
فقد طفئ المصباح عنهم فاظلموا
فوا أسفاه الأمس قد كنت كعبة
يمينك كالركن المبارك تلثم
يطوف بك العافون جم رجاؤهم
زناديك مسعاهم وجودك زمزم
فاصبحت مرثيا رهينة حفرة
عليك سفي الريح تمحو وترسم
كفى حزنا لولا التأسي بمن مضى
وما هو آت بالفناء محكم
تفرق عزم النفس عن كرم العزا
وامثل أمريك التعزي وأكرم
اذا قلت اني أجمع الصبر مجملا
بدا لي جميع الصبر جمع سيهزم
عرانا من الدنيا خداع مماكر
فنبرح في أنقاض ما هي تهدم
وما عزبت عن فهمنا نكباتها(59/378)
بلى غطت الأهواء ما نحن نفهم
وتوهمنا البقيا بصالح عيشها
وقد طحن الأجيال هذا التوهم
متى أظمأتنا أوردتنا سرابها
وان كان ماء فهو ورد مسمم
على مثل هذا الفتك قر قرارنا
والبابنا بالهتك والهلك تحكم
وفي مثل هذا القبح نعشق وجهها
فكل بما يهواه منها متيم
على انها ان احسنت قيد لمحة
ستأتي بأكدار لذا العيش تلهم
حرام عليها صحبة لا تخونها
وحتم عليها ان تطول فتهشم
تلاهي بني الانسان حتى تلمهم
الى حفر لا يتقيها التحزم
يظن غرير النفس حقا غرورها
وسوف يبين الحق ساعة يندم
وما أنتج استبصارنا غير تركها
كما يترك الاخباث من يتكرم
ترى حدثان الدهر تبلى صروفه
ولم يبل في الدنيا فصيح واعجم
ابا الفضل لا ينسى لك الفضل نعمة
خدمت له فاليوم بالحمد تخدم
على اسف ارثيك والدمع هامل
وقلبي محروق وذهني مكلم
تجسم ما تعطي من الفضل جوهراً
فكل رثائي الجوهر المتجسم
عسى جبر هذا الكسر في العقب الذي
تركت ففرع المجد يزكو ويكرم
وفي الخمسة الاقمار انجالك انتهت
ظنون حسان يقتضيها التوسم
سقتهم أفاويق النجابة فارتووا
وزانتهم أعراقهم حيث يمموا
رمى بهم القرآن في بحر نوره
فكل بآداب الكتاب مسوم
لهم درجات في الجميل رفيعة
وهذا بتوفيق من الله يقسم
لهم عنصر ما دنسته غميضة
فأخلاقهم من ذلك الأصل تنجم
اذا طاب أصل لازم الطيب فرعه
ألم تر أن الند بالطيب ينسم
هنيئا لكم يا آل راشد انكم
شربتم على محض التقى وأكلتمو
لكم أسوة في فضلكم بأبيكم
يحق عليكم حيث أقدم أقدموا
لهم سنن في الصالحين منيرة
زواك متينات العرى ليس تفصم
وما مات من أبقى من الذكر مثلها
فكونوا عليها بارك الله فيكم
لعلكم يا صفوة المجد بعده
له خلف بالاستقامة قيم
الى السلف الاخيار سيرته انتهت
وذلك أزكى ما من الأرث حزتم
فلا زال للاسلام فيكم بقية
لكم مدد التسديد يسدى ويلحم
عليكم جميل الصبر وهو عزيمة
على العبد أما الخطب يجسم يجسمُ
تنالوا عظيم الاجر منه وانما
بحسب مقام الصابر الاجر يعظم(59/379)
لكل من الاعمار حد ومنتهى
ورجع الى الباقي الذي ليس يعدم
فلا أسف يغني اذا فات فائت
ولكن على التسليم والصبر نرحُم
اليس يقينا ما بقلب سلامة
لكل نصيبين مصاب ومقسم
فلا عين لم تسفح من الدمع عبرة ً
ولا صدر الا بالفجائع يحطم
اخا الحزم لا تندب سواك وانما
لحينك تجري ثم تكبو فتعدم
فكفكف دموع العين واجعل مياهها
طهوراً لذنب في الصحيفة يرقم
ووار حمى الاحزان مما جنيتته
فدونك الا ان تتوب جهنم
إذا لم تجد مما قضى الله واقيا
فلا بد ان ترضى بما الله يحكم
أعزيكم عني وعن كل مسلم
وانتم بحسن الصبر أولى واعلم
سقى الله رمسا حله صوب رحمة
واسكنه الفردوس فيمن ينعم
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> تهد العمر رائعة المنون
تهد العمر رائعة المنون
رقم القصيدة : 66834
-----------------------------------
تهد العمر رائعة المنون
وحد الحي اتيان اليقين
الهواً بالغرور ولا نبالي
ونؤخذ بالشمال وباليمين
الا جزع لقاصفة وأخرى
تليها للمباين والقرين
ونركن والمهالك عاصفات
الى تغرير كاذبة خؤون
على ان الحياة لها حدود
سنقطعها على رغم الركون
اليس على الغباوة ذو هناء
وظفر الحتف يفري في الوتين
يمر القارظان ونحن ندري
بأن مسيرنا نحو الكمين
ولو ان الكمين على خفاء
ولكن بطشه رأي العيون
يثبطنا من الآمال وهم
ويُجلى الوهم بالحق المبين
ودون مدارك الآمال رصد
من الآجال منقطع الظنون
تمر بنا جنائزنا بطانا
حواصلها تزف الى الوكون
وتغدو في مراعيها خماصا
الا عمدا من الخمص البطين
لقد ظعن الأحبة واغتبطنا
بما تركوه غبطة ذي جنون
ونحن نرى الحداة بنا ألحت
تطوحنا بعزمات شطون
نقضي ما قضوه وعن قليل
نصير لدى مناخات الظعون
وهل نقضي سوى عيش قصير
اجب الظهر مقبوب الوضين
نمنى فسحة قبضت عليه
على غصص كأوقات السجين
وعيش حشوه كدر وسوء
يلذ على مداهنة الضنين
والا فالحقيقة كل بال
نصيبك منه زادك لليقين
تزود منه للعقبى ودعه(59/380)
فليس الشأن في الفاني المهين
وطلق هذه الدنيا بتاتا
طلاقك لا اليك ولا تليني
عرفتك حية لينا وسوءا
" دعيني منك يا دنيا دعيني"
خدعت بنيك ثم فتكت فيهم
" وانك لا محالة تخدعيني"
يروعني ابتسامك فوق مكر
كذاك السيف براق المتون
ابنت محاسنا زانت فشاهدت
فبيني أيها الشوهاء بيني
هبلتك يا غدور خذي طريقا
فاني آخذ ذات اليمين
تركتك مزجر الكلب المضري
سوى ما كان منك لأمر ديني
بلوتك يا مخبئة الدواهي
فكنت السم في الماء المعين
وحسبك يا فجار من المساوي
رحاك المستيرة في القرون
أريني أين هم فلديك خبر
جهينة خبرينا باليقين
دعي التدليس ان القوم صاروا
طحينا يا مبددة الطحين
فغري يا خباث بني العمايا
وكفي عن خداع المستبين
اسلمك ابتغي والفتك جار
ونحن لديك في حرب زبون
دهانك ما تشعث ليس يجدي
لأن القصد حلقوم الدهين
حبست الكأس عنا أم عمرو
وامني كأس برك في يميني
فما أمني فجورك أم عمرو
وقد خالفت خالصة الأمين
زبنتك لا أبوء اليك رغبا
مقام الذئب كالرجل اللعين
صحبت الناس صحبة غير صدق
وعاشوا منك في داء دفين
لحنت اليَّ لحنك فاصرفيه
وكل الشر في تلك اللحون
عرفتك بالخلابة منذ عهدي
بسهلك انه صعب الحزون
أريني أين أصحابي وأهلي
ومن عمروك أحقابا أريني
ألم تنزلهم نوب المنايا
عن الظهر الموطأ للبطون
كأن حياتهم لما تقضت
خيال طاف في نوم العيون
وأنت على الطريقة لن تبالي
بمن تفنين حينا بعد حين
أبعد السادة الأطهار بشر
يباشر حبة القلب الحزين
أبعد الصيد من ثروات قومي
تراموا في القبور وخلفوني
ألذ معيشة وسكون قلب
وهيهات السبيل الى السكون
أبعد الطيبين يطيب أنس
وطيب القوم في خلق ودين
أبعد تهدم الاكناف منهم
تظل الناس كانفة بلين
أبعد أفول أقمار المعالي
ألام على النياحة والحنين
حييت بهم على علق ثمين
فمن لي اليوم بالعلق الثمين
هم ضمنوا بكشف الكرب عنا
فقد اخنت شعوب على الضمين
هم كانوا لنا بلدا أمينا
فواحربا على البلد الأمين(59/381)
هم كانوا السما سقيا ورعيا
فأقلعت السماء عن القطين
هم كانوا رياضا سابغات
بما ترجوه ناضرة الغصون
طوى حضراتهم اعصار هلك
سوى الآثار كالورق اللجين
رميت بفقدهم فاذود عني
حريقا ليس يطفى من شجوني
لو اعج لا يهدئها التأسي
ولا يطفأن من سح الشئون
ولو رمحا شككت به ولكن
تواردت الأسنة كالشطون
فما برحت هموم من فؤادي
ولم نرهق بمرتقب شفون
اكفكف عبرة في جنب أخرى
وذلك دينها أبدا وديني
وما هذي الصدور بثالجات
على مضض الفراق من الضنين
وما في الموت رائفة لوهن
ولا بقيا على طرف سخين
فما تبقى على حصن مشيد
ولا تنجو بناحية امون
نصبر هذه الألباب حتى
تلاشت بالتأوه والأنين
وما كرم العزاء بمستطير
لهم الصدر أو همل العيون
ولكن حيث لا طمع لرد
فحسن الصبر مرتبع الحزين
ألا يكفي المنون الجذ فينا
فما أبقت على حبل متين
لقد أزمت على طود مكين
فكانت نقلة الطود المكين
أبي الضيم مصباح الدياجي
كريم الخيم وهاب المئين
عريض الجاه مبيض الأيادي
رحيب الصدر وضاح الجبين
محيط العلم مفصال القضايا
عميد الفضل ذي الشرف الرصين
جسيم المكرمات لراحتيه
سخاء المزن بالوبل الهتون
عشية " سالم" امسى دفينا
وكل الخير في كفن الدفين
فديتك با ابن أحمد قد رزئنا
بيوم نواك بالحصن الحصين
فلا تبعد وهيهات التداني
بمن سطت به ريب المنون
صحبتك أيها الدر المصفى
فكانت صحبة الحر الرزين
وكنت الركن لي اذ عز ركني
وقد قد السلا رأس الجنين
وكنت العوذ في خير وشر
نزيل حماك في عز مكين
وكنت العون في يسر وعسر
فديتك من أخي ثقة ودين
وداهية أخو حقد رماها
نصبت لها جبينك عن جبيني
وصرت اليك أنسب من نسيب
وصرت عليك أكرم من خدين
تهون عليك نفسك في احترامي
وأنت أعز من ليث العرين
وأعداء أرادوا حذف جاهي
كسرتهم بآلات السكون
فلم تحذر لهم برقا ورعدا
وما شأن الذبابة والطنين
فكنت لي الحسام اذا اشرأبوا
وكنت الدرع للشبوات دوني
وكنت الحامل الثقل المعايي
اذا رست الفوادح كالرعون(59/382)
خفضت لي الجناح وكنت ردءا
ولم تحفل بغث او سمين
فقد أمسيت في جدث مريع
وتضحى للمذعذعة الحنون
وان ضريحة ضمتك فازت
ببحر ليس ينزف بالعيون
بقاؤك للمعارف والمعالي
بقاء البدر في سدف الدجون
وفقدك لاقتراب الحشر نوع
من الاشراط في أخرى القرون
وأرباب الكمال إذا تولوا
تولى الخير في دنيا ودين
ابعدكم رجال الدين يرجى
صلاح الأرض أو جبر الوهين
فلا تذهب فديتك من خليل
وان أبقيت للحمد الثمين
أتمضي والزمان على شحوب
وكان لديك في خصب ولين
أتمضي والمشاكل ناصبات
أكنت قد اعتمدت على ضمين
فلا وابيك ما بالدار خل
وقد عصفت شعوب على القطين
متى اللقيا أبا الوضاح بيني
وبينك بعد رحلتك الحجون
وهيهات اللقاء وأنت رهن
لرمس همه حبس الرهين
لقد خلفت ذا قلب طعين
بفقدك عل رثيت لذا الطعين
أجالد بين جانحتي نارا
يؤوسا من هدوء أو هدون
وما جلد عليك بمستطاع
ولكن بعض رشد للحزين
اذا استبصرت عن جلد وصبر
تلاشى الصبر في وهج الشجون
متى ترجو الحياة رخاء بال
وقد زرعت لتحصد بالمنون
حميد الذكر هل غادرت نفسا
تطيق الصبر أو بخل العيون
وما عن دعوة الرحمن واق
فديتك لا أقيك ولا تقيني
وليكن لوعة التذكار شبت
فطيرت التشبث في الرنين
وقرض الصبر مرجوع اليه
وحسب المرء من حبل متين
وما يقضي بايجاب وسلب
يكون ولا محيص لمستكين
صبرنا أم جزعنا سوف يجري
قضاء الله بالحق اليقين
أبا الوضاح هيض جناح صبري
وقللت الرزية من متوني
فبت من الهموم على المكاوي
ارادف عبرة الغرب الشنين
وكيف وبين احشائي اوار
تصاعده عن الجمر الطبين
أرى صنعاء كاسفة النواحي
وكانت منك زاهرة الجبين
حدادك أيها الثكلى مليا
ونوحك نوح ورقاء الغصون
فقد أضناك يا خنساء حزن
وعندي ما لديك فأسعديني
فما حرم الصدار عليك صنعا
وصدرك قد تفضفض بالشجون
فكم قلدت يا صنعا البرايا
صنائع منه كالدر الكنين
ومسجدك المنور اذ تعرى
من التسبيح والذكر المبين
بكى محرابه القوام فيه
اذا جال الكرى بين الجفون(59/383)
وحق له البكاء وقد تردى
باردية عقيب النور جون
ويا اسفاره نوحي عليه
وقري للبلى وسط الخزين
بيان الشرع هل لك من بيان
بيان الشرع هل لك من قرين
ويا تمهيد سيدنا الخليلي
تمهد ان تعيش بلا خدين
فان العالم المقباس أضحى
لحيدا بين أحجار وطين
لقد أضحت مرابعه يبابا
لنوح البوم من بعد القطين
كأن لم تغن بالاحكام يوما
بشرع المصطفى البر الأمين
كأن لم تغن بالكافي الموفي
موازين الندى فوق الظنون
أبا الوضاح إن لاقيت حتفا
فان المرء مجراه لحين
عليك الرحمة العظمى استهلت
مسرمدة بصيّبها الهتون
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> أشعة الحق
أشعة الحق
رقم القصيدة : 66835
-----------------------------------
أشعة الحق لا تخفى عن النظر
وانما خفيت عن فاقد البصر
وكلمة الله لم تنزل محجبة
عن البصائر بين الوهم والفكر
نادى المنادي بها بيضاء نيرة
حنيفة سمحة لم تعي بالفطر
أقامها الله دينا غير ذي عوج
جاء البشير بها للجن والبشر
والجاهلية في غلواء عارضة
من جهلها ومن الأشراك في غمر
فقام مضطلعا ثقل الرسالة مج
دود العزائم فرداً خيرة الخير
والوحي يأتي نجوما معجزا قيما
والشرك يكبت والإسلام في ظفر
وكلمة الله تعلو فوق جاحدها
وآية الحجر تمحو آية الحجر
حتى تجلى منار الدين منبلجا
بصادع الذكر والصمصامة الذكر
وآمنت برسول الله طائفة
أعطاهم السبق فيه سابق القدر
زكى قلوبهم النور المبين كما
يزكو النبات بما يلقى من المطر
لاقى صدورهم الإيمان فانشرحت
له وقاموا به في عزم منتصر
تأزروا شعب الإيمان وانتبهوا
بين الجهادين منهم أنفس العمر
أحاطهم وأمين الله فانتشئوا
بين الأمينين والقرآن في وزر
غذاهم الوحي في مهد الرسالة من
طور إلى آخر كالماء في الشجر
نور بواطنهم نور ظواهرهم
نور خلائقهم في الفعل والخبر
تضائق الملأ الأعلى مكانتهم
في فطرة الله لا في فطرة البشر
كم جاء جبريل في أحزابه مددا
من السماء على المعتاقة الضمر(59/384)
خير القرون قرين المصطفى وكذا
حكم القرينين لا ينفك من أثر
فمات عنهم رسول الله عدتهم
كالأنبياء عدول الحكم والسير
وكلهم أولياء غير مقترف
كبيرة لم يتب منها فمنه بري
ومن مصوب ذي بطل لدى فتن
لا واقف جاهلا من بالصواب حري
وعالم الحق في حزن توقف عن
علم فذاك وقوف غير مغتفر
تشهيا أو رجوعا عن بصيرته
فالحكم يبرأ من هذا بلا حذر
وهم وإن شرفوا من أجل صحبته
فحكم تكليفهم كالحلم في البشر
ومدحه لهم فرع استقامتهم
في طاعة الله لا مدحا على الغير
وللموفين في الإيمان متجه
ما جاء من مدحهم في محكم السور
وفي البراءة من أبقى ولاية ذي
بطل المحض عموم المدح في الزبر
والحب والبغض فرضان استحقهما
خصمان في الله من بر ومن فجر
والأمر يبنى على الأعمال كيف جرت
والمدح والذم بحتا غير معتبر
وأكرم الخلق أتقاهم فليس إذا
للمدح والذم بالأهواء من أثر
فيم المحاباة ما قربي بمزلقة
من دون تقوى ولا بعدي على خطر
لا نسل لا أهل لا أصحاب يفرقهم
دينا عن الخلق حكم ما من الصور
نادى العشيرة في رأس الصفا علنا
وصاح فيهم رسول الله بالنذر
فأنظر إلى حكمة التخصيص كيف أتت
للأقربين من أهل البدو والحضر
ليعلموا أنه التكليف لا نسب
يغني ولا فيه دون الله من وزر
لو كان بالشرف التكليف مرتفعا
إذا تعطل عدل الله في الفطر
وحجة الله بالتكليف لازمة
سيان في الأمر مفضول وذو الخطر
للرسل والملأ الأعلى وأشرفهم
بالاستقامة تكليف بلا عذر
الكل في قرن التكليف مؤتسر
ما بال من ليس معصوما من الغير
لا نبخس الناس بالأهواء حقهم
ولا نبالي بقدح الخاتر الأشر
قد جاءنا الله بالقرآن بينة
وسنة الحق والاجماع والأثر
فما وجدنا بحكم الله عاصية
لمحض قرباه معدودا من البرر
ولا تقيا لأمر الله متبعا
بالحب حكما لأجل البعد غير حري
كمال توحيد ربي حب طائعه
وبغض أعدائه في السر والجهر
يا من أعاب على الأبرار نحلتهم
اعيت ويلك دين الله عن بصر
هم حجة الله أهل الاستقامة ما(59/385)
خامت عزائمهم عن آية الزمر
متى جهلت أبا السبطين خطته
وأنت أعلم أهل الطين والوبر
حاكمته بعد ما ألحمته قرما
بعقر سبعين ألفا عقرة الجزر
حاكمته بعد عمار وروحته
إلى الجنان وبعد السادة الطهر
حاكمته بعد حكم الله فيه بما
يشفي الغليل وقد أيقنت بالظفر
أقمت في البغي حد الله أولها
ففيم تستن بالتحكيم في الأخر
أصبت في حربك الباغين ثغرتها
بحكم ربك لم تضلل ولم تجر
قبلت عوراء من عمرو يفت بها
سواعد الدين فت العصف بالحجر
ولم تعر نصحاء الدين واعية
وليت للأشعث الملعون لم تعر
فأصرف أعنتها صوب العراق فقد
سدت عليك ثغور الشام بالبدر
فطالبو الدين قد نابذت عصمتهم
والأمر من طالبي الدنيا على ضرر
فيم الحكومة أخزى الله ناصبها
لم يترك الله هذا الحكم للبشر
ولست في ريبة مما عنيت به
ولا القضاء قياسي على صور
فما قتالك بعد الحكم راضية
وما قتالك من لم يرض بالنهر
قد ارتكبت أبا السبطين في جلل
وفاتك الحزم واستأسرت للحذر
وما قتال ابن صخر بعدما انسكبت
خلافة الله في بلعومه البحر
حكمته في حدود الله ينسفها
نسف العواصف مندوفا من الوبر
بأي أمريك نرضى يا أبا حسن
تحكيم قاسطهم أم قتلة البرر
أم بانقيادك عزما خلف أشعثها
يفري أديمك لا يألو بلا ظفر
أرضعته درة الدنيا فما مصحت
وأنت من دمها ريان في غمر
ما زال ينقب خيل الله مشئمة
فاعرقت صهوات الخيل بالدبر
ألم تقاتله مرتدا فمذ علقت
به البراثن ألقى سلم محتضر
يلقى شراشره مكرا عليك وما
ينضم من حنق الأعلى سعر
أصبحت في أمة أوترت معظمها
بهيمة الله بين الذيب والنمر
تسدد الرأي معصوما فتنقضه
بطانة السوء مركوسا إلى الحفر
تنافرت عنك أوشاب النفاق إلى
دنيا بني عبد شمس نفرة الحمر
محكمين براء من معاوية
ومن علي يا ليت الأخير بري
والقاسطين أبي موسى وصاحبه
عمرو اللعين فتى قطاعة البظر
وقاسطي الشام والراضي حكومتهم
من أهل صفين والراضي على الأثر
ليت الحكومة ما قامت قيامتها
وليتها من أبي السبطين لم تصر(59/386)
ملعونة جعلتها الشام جنتها
من ذي الفقار وقد أشفت على الخطر
عجت بتحكيم عمرو بعدما حكمت
همدان فيما بحكم البيض والسمر
تبا لها رفعت كيدًا مصافحها
ومقتضاهن منبوذ على العفر
مهلا أبا حسن إن التي عرضت
زوراء في الدين كن منها على حذر
ضغائن اللات والعزى رقلن بها
تحت الطليق وعثمانية الأشر
لا تلبسن أبا السبطين مخزية
فذلك الثوب مطوي على غرر
لم تنتقل عبد شمس من نكارتها
دم الكبود على أنيابها القذر
فما صحيفة صفين التي رقمت
إلا صحيفة بين الركن والحجر
نسيت بدرا واحدا يا أبا حسن
وندوة الكفر ذات المكر والغدر
ويوم جاءك بالأحزاب صخرهم
فاندك بالريح صخر القوم والذعر
وفتح مكة والأعياص كاسفة
وأنت حيدرة الإسلام كالقدر
والقوم ما أسلموا إلا مؤلفة
والرأي في اللات بين السمع والبصر
متى ترى هاشم صدق الطليق بها
وثغرة الجرح بين النحر والفقر
ما لابن هند بثار الدار من عرض
له مرام وليت الدار في سقر
لقد تقاعد عنها وهي محرجة
حتى قضت فقضى ما شاء من وطر
تربص الوغد من عثمان قتلته
فقام ينهق بين الحمر والبقر
ينوح في الشام ثكلى ناشرا لهم
قميص عثمان نوح الورق بالسحر
حتى إذا لف أولاها بآخرها
بشبهة ما تغطى نقرة الظفر
أتاك يقرع ظنبوب الشقاق له
روقان في الكفر من جهل ومن بطر
تعك عك نفاقا خلف خطوته
كأنها ذنب في عجمه الوضر
يدير بين وزيريه سياسته
عمرو وابليس في ورد وفي صدر
وعزك الجد والتوفيق فانصدعت
سياسة الدين صدعا سيء الأثر
قد كنت في وزر ممن فتكت بهم
أحسن عزاءك لست اليوم في وزر
ما ذنب عيبة نصح الدين إذ عصفت
بهم رياحك لا تبقى ولم تذر
بقية الله قد هاضت عظائمهم
عرارة الحرب أو هوان في السحر
اقعصتهم في صلاة لا بواء لهم
هلا مشابرة والقوم في حذر
قد حكموا الله لم يفلل عزيمهم
عن نصرة الله قرع الصارم الذكر
رميت سهمك عن كبداء في كبد
حرى من الذكر والتسبيح والسور
إن القلوب التي ترمي تطير بها
مصاحف الذكر والإيمان لم يطر(59/387)
ما علقوها على أعناقهم غرضا
فاكفف سهامك واكسرها عن الزبر
أعظمتها يوم أهل الدار ترفعها
واليوم ترمي كرمي العفر والبقر
هانت عليك جباه ظلت ترضخها
لطالما رضختها سجدة السحر
لم تقتل القوم عن سوء بدينهم
وانما الأمر مبني على القدر
قتلتهم بروايات تقيم بها
عذر القتال وليست عذر معتذر
ماذوا الثدية الا خدعة نصبت
للحرب توهم فيها صحة الخبر
وما حديث مروق القوم معتبر
فيهم لمن سلك الإنصاف في النظر
خلصت نفسك بالتحكيم منخدعا
وأنت أولى بها من سائر الفطر
فحكموا الله واختاروك أنت لها
فكان قولهم نوعا من الهذر
وقلت قد مرقوا اذ هم على قدم
صدق من الحق لم يبطر ولم يجر
مضوا به قدما جريا على سنن
للمصطفى وأبي بكر إلى عمر
ما بدل القوم في دار ولا جمل
وهم على العهد ما حالوه بالغير
شفيت نفسك من غيظ بها بدم
من مهجة الدين والإيمان منفجر
دم ابن وهب وحرقوص وحبرهم
زيد ابن حصن خيار الأمة الطهر
دماء عشرين ألفا وقت جمعتهم
وسط الصلاة همت كالوابل الهمر
ليهنك الدم يا منصور قد رجفت
منه السموات والارضون من حذر
لو ان رمحك في حرقوص اشتركت
فيه الخليقة أرادهم إلى سقر
يا فتنة فتكت بالدين حمتها
تذوب من هولها ملمومة الحجر
ما ساءني أن أقول الحق أنهم
قوم قتلتهم بغيا بلا عذر
وانهم أولياء الله حبهم
فرض وبغضهم من أفظع النكر
صلى الإله على أرواحهم وسقى
أجداثهم روحه بالأصل والبكر
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> تكب على دنياك وهي تبيد
تكب على دنياك وهي تبيد
رقم القصيدة : 66836
-----------------------------------
تكب على دنياك وهي تبيد
وتفتقد النائي وأنت فقيد
حريصا عليها جامعا لحطامها
وغاية ما نافست فيه نفود
تساور ملحاحا على نيل فائت
نعم كل ما يرجو الحصاد حصيد
تكالب فيها أهلها وتذودهم
وعمرك لو كنت اعتبرت تذود
ولو أملا أدركته لم تجد له
بقاء ولم تصحبك منه عهود
ولو وافقت أمنية في حصولها
اتتك وفيها للزوال قيود(59/388)
وتبني بناء طينه نقص دارس
سيدرس يوما والغرور جديد
ولو كان طينا لم تخالطه رمة
لميت ولكن رمة وصديد
تعز عن الدنيا وأيقن بانها
لئيمة طبع في الهبات تعود
وانك ان تسكن اليها تركتها
وليس بها مما تركت حميد
تمنيك بالآمال وهي شحيحة
وتعطيك لين القول وهي حقود
تخائل حسنا وهي شوهاء غادر
وأنت بها مضنى الفؤاد عميد
تحذلق بالتمويه مكرا وخدعة
ولا شيء مما تدعيه سديد
ولونلت منها طائلا كان آفة
تداجي بها مغرورها وتكيد
تدانيك حتى تؤنس الصدق والصفا
وما الشأن الا صائد ومصيد
ولو صدقت فالصدق في طي كذبها
اذا عاهدت بالوعد فهو وعيد
تكشف في اطوارها عن خلالها
وأنت لما خلف الستار شهيد
وذلك صدق لو تشاء حذرتها
عليه ونصح لوعقلت مفيد
تقطن لها في شعرها فهي شاعر
لها في أساليب النصيح قصيد
ألست تراها ريثما واصلت جفت
وان أقبلت حينا تلاه صدود
وفي هذه الحالات تحذير مبصر
وخصم اذا فكرت فيه ودود
وان مجال الخير والشر بينهما
مجال اعتبار للعقول مديد
وان الذي تأتي به من صروفها
صوارف عن تصديقها وسدود
الا ترعوي والنوح في كل منزل
ومن عشت فيهم فاقد وفقيد
الا ترعوي والدوراقوت وأهلها
لهم شققت فوق اللحود لحود
ألست ترى الغارات شنت رعالها
عليهن أودى والد ووليد
تمر بك الأيتام والدمع جامد
وآباؤهم تحت التراب جمود
خماص البطون استحوذ الغم والأسى
عليهم فها هم أعظم وجلود
اذا رجعوا نحو المنازل أظلمت
وضاقت عليهم والقلوب وقود
نبا عنهم من كان يحنو عليهم
الى القرب منهم والمزار بعيد
سييتم أطفال عليك أعزة
ويفضي بزيد ما عليه يزيد
وتصبح والأطفال والمال تربة
وتدرك ما قدمت وهو عتيد
نرى غاية الدنيا وكيف صروفها
ونحن على رأي الركون ركود
نوبخها والذنب لا ريب ذنبنا
وقد أعذرت والطارقات شهود
ونستعقب الآ جال والحكم فارغ
فما ثم تنقيض لها ومزيد
خليلي دلاني على جزء خطوة
خطونا ومن بعد المضي تعود
خذا بيدي نحو المنازل اذ خوت
عساها بخبر الظاعنين تجود(59/389)
اذا لم نجد منها مجيبا فحالها
يخبر ان الظاعنين همود
وان وجوها كالبدور تغيرت
فللدود طرف أحور وخدود
وان كراما ايقظون المجد والعلا
سكون باحشاء القبور رقود
وان شئتما أن تقنعاني فقررا
لنا وحشة مثل الممات ترود
وان تعذلاني في نحيب ألفته
فاسكت عنه إنني لجليد
دعاني أسح الدمع سحا عسى به
لواقد غم في الفؤاد خمود
خليلي ما دمع يزيل كآبة
ولكن قرظ القارظين شديد
خليلي قرظ القارظين اصارني
كما جذ من دوح وحطم عود
خليلي هد الموت أركان دعوتي
فمن لي عمود بعدهم وعميد
أبى حدثان الدهر الا انتقالهم
وهذا انتقال يقتضيه خلود
الا ان مقدار الحياة مقدر
عليها وان طال البقاء حدود
خليلي ان راعت رياض نضارة
فللماء في تلك الرياض وجود
فان غيض عنها الماء غاضت حياتها
وعادت هشيما للتراب يعود
فان نبك أهل العلم نبك حياتنا
عليهم كما بالماء ينضر عود
حنتني عوادي الدهر غما بفقدهم
على شرعات فتلهن شديد
إلى أن تشظى العود وانجرد اللحا
واصلب عود في الخطوب مؤود
خذا حدثاني عن شموس تساقطت
ببطن الثرى ماذا هناك تريد
نعم كونت تجري الى مستقرها
وكل الذي يجري مداه ركود
اذا أرسلت شمس شعاعا من الهدى
دعاها فلبت للخمود صعيد
اكل مراد الموت ان نهارنا
قصير وليل الراحلين مديد
اكفكف دمعي والرزايا تذيعه
فحزني قطين والدموع شريد
الا كل حي في يد الموت حاصل
فماذا بكاء الفاقدين يفيد
وما ندب ألأعمار مثل حدودها
لان نفاذا يقتضيه وجود
لقد صدعت قلبي صوادع للردى
لهن انحدار بالأسى وصعود
ولا كمصاب القطب يوم تفطرت
قلوب بمعناه لنا وكبود
فذاك لعمري صادع لا تطيقه
جبال ولا يقوى عليه حديد
لقد جاز نزر العمر والعمر بائد
ولكن ما أبقاه ليس يبيد
مضى وله كنزان خير مقدم
وكنز علوم للعبادة عتيد
تخلص للعقبى واعقب نافعا
من العلم يبلي الدهر وهو جديد
هنيئا مليك العلم لاقيت صالحا
بما خلفه مما تركت يزيد
لقد شقي التغرير منك برفضه
وبادرت للباقي وأنت سعيد
رفضت فضول العيش خشية ذمه(59/390)
وأنت غني ما حييت حميد
وان نعيم الدهر والموت حده
نعيم ولو عند الغبي زهيد
ولم تجنح الدنيا اليك لمطمع
ومطمعها فيمن عداك أكيد
ولا قدرت تصطاد عندك لحظة
وقد طفقت للغافلين تصيد
نعم شئتها للحرث فالزرع قد زكى
وباركه الرحمن فهو حصيد
فيا قطب هذا الدين ياغوث ملكه
فديتك ما عن ذا الحمام محيد
تقربت من مولاك قربا مؤبدا
وادعوك لا تبعد وأنت بعيد
ترحلت فالإسلام مقلة ثاكل
واوجه أيام السعادة سود
ترحلت لا تبعد وهل لك اوبة
وواحربا اوب اللحيد لحيد
فهلا تركت العيش بعدك صالحا
وهيهات ما عيش الحزين رغيد
اذا شئت أن أحياء بعيدك عامدا
اردت حياة للحياة تذود
واني لأدري ان للحي غاية
وان صدورا حيث كان ورود
ولكن رفع العلم في موت أهله
وهذا الأشراط القيام شهيد
انقضي على جهل أمانة ربنا
ويرقبها وعد له ووعيد
وهذا مضيق يستحيل سلوكه
وطود تزل الرجل عنه كؤود
فقم سيد العرفان والجهل عامر
وقد لزيت فوق القيود قيود
أتتركنا والليل مرخ سدوله
وما بيننا هاد اليه نهود
وان كنت قد خلفت فينا أشعة
عرا الشمس من اشراقهن خمود
نرى السبعة السياراة امتثلت لها
فهن ركوع حولها وسجود
ولكن ما اثرت في البحر نقطة
وأنت محيط والبحار وفود
أبا يوسف انظر نظرة في مصابنا
فان مصاب العارفين شديد
من الحسر أن تبقى على الجهل أمة
وليس عليها مرشد ورشيد
ورثت رسول الله علما ودعوة
تسوق على منهاجه وتقود
ولم تأل جهدا في نصيحة دينه
تقارع عنه خصمه وتسود
كسرت على التأويل سلطان بطله
وأنت على الحق المبين مجيد
تثعلبت الأقوال حول حياضه
فقمت وأنت الليث عنه تذود
بسيف من البرهان منصله الهدى
وليس له الا القرآن حدود
فقطع أعناق الخلاف وأصبحت
ملوك حجاج البطل وهي عبيد
ودوخت بالبرهان عارضة العدى
فولت لها بالخزي عنك فديد
قفي يا زقاة البطل لا تتفرقي
فليس سواء ثابت وطريد
فدى لامام الدين نفسي وقد طغت
علي من الحزن المقيم جنود
وإني وان أطريته لمقصر
وحسبي هم في الفؤاد وقيد(59/391)
وحسبي وفاء من حقوق رثائه
ضمائر مفجوع اليه تعود
وأين مقامي بين أبحر نعته
ولكن دموع سبق ونشيد
عهودي بصبري يقضم الصخر نابه
فقد نسخت تلك العهود عهود
وما كنت أدري ان بعد ابن يوسف
سيلبث رشد أو يعيش جليد
وكنت اخال الأرض بعد هويه
تزلزل أغوار لها ونجود
وكنت أرى الأفلاك بعد فراقه
ستهوي ويعرو السابحات ركود
أما وشموس للمعارف أسفرت
باسفاره إني به لكميد
وللصبر سلطان على كل نكبة
وصبري فيه لا يقوم مؤود
ولو كان هذا البحر دمعا افيضه
نسبت اليه الشح وهو يجود
ارى المزن فيه قلدتني فاسبلت
دموعا وشقت جيبهن رعود
معاشر أهل الاستقامة هل لكم
عزاء وهل عيش يعد سعيد
علام يضج الشرق والغرب ضجة
به ذعر في دهشة وسمود
وما بال هذا الكون ولهان مطرقا
كما ضيم بين الأقوياء حريد
أليس أبو الأهوال قد شن غارة
فباء وقطب العارفين فقيد
أليس لأن الحشر والنشر آزف
ولم يبق الا سائق وشهيد
أئن فرغت أيامنا من محمد
وأصحابه يوم النشور بعيد
لقد آذنتنا صعقة الموت هجمة
ونحن على مهد الغرور رقود
وماذا نرجي بعد موت خيارنا
قعاصا وأنواع الفساد تزيد
انرجو بأن نعفى من الموت بعدهم
أو الحشر يلغى والحياة خلود
لقد جد جد الخطب فلننتبه له
ووافى شقي حده وسعيد
وقد صح مصداق الحديث فديننا
غريب كيوم الابتداء وحيد
وأكثر اشراط القيامة وارد
وأوشك للباقي القليل ورود
تيقظ لهذا الشأن يقظة حازم
وآخر في ثني الطريق رصيد
وما هو إلا سكرة الموت بغتة
وذلك أمر كنت منه تحيد
أما في وصايا الله أنا سننتهي
وان حياة تنتهي ستعود
أما هذه الآجال في كل لحظة
بهن على دعوى النذير شهود
اينتقر الاخيار مثنى وموحدا
ويبقى لأشرار العباد محيد
لنا أعين في المدبرات كليلة
ولكن لحظ المقبلات حديد
اتنتظر الأجال منا فراغنا
أم الموت من قبل الحياة بعيد
ومن أعجب الأشياء وادعة النهى
وحرب المنايا عدة وعديد
واعجب منه لهوها بين مفجع
تولى وآت ليس عنه محيد
فهلا تواعدنا على نصح مبصر(59/392)
وأعلمنا أن الضنون همود
وان مصيرا حل فيه قديمنا
يتابعهم للحل فيه جديد
فياصعقات الحزن كم تتعهدي
قلوبا عليها للغموم غمود
وبئست قلوبا تثبت الحرص والبقا
وليس بها للموت قط جحود
وبئست قلوبا ان الظت بحائل
تنازع فيه وارث ولحود
نلقب ما يغري تلادا وطارفا
وما الشأن الا جندل وصعيد
وبئست قلوبا ان قست وامامها
رفات وهم نسل لنا وجدود
وبئست قلوبا اذ تروح وتغتدي
بامن ومحياها القصير مكيد
أما في صروف الحادثات مواقف
لفكر لملقي السمع وهو شهيد
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> عش ما تشاء وراقب فجعة الأجل
عش ما تشاء وراقب فجعة الأجل
رقم القصيدة : 66837
-----------------------------------
عش ما تشاء وراقب فجعة الأجل
سينقضي العمر في بطء وفي عجل
تلهو بتصويرك الآمال مغتبطا
وبين جنبيك ما يلهي عن الأمل
تناقلتك ليال غير راجعة
وما تجاهك يوم غير منتقل
ماذا يغرك من دنيا نضارتها
نهب المنون ومجراها الى الزلل
قالوا دسائسها في طي زخرفها
وقلت قد صرحت بالسم في العسل
لم تخف عيبا ولم تأخذ مخالسة
ولا الهناء بها الا على علل
هل في مصارع أجيال بهم فتكت
عذر المحيل عليها شنعة الأمل
فما التهافت منا في مهالكها
جهل بماض ولا علم بمقتبل
ما باينتك عواديها مصادقة
ولم تعاهدك أمنا غارة الغيل
رأي الركون الى افاتها سفه
وصفوها بين نابي مهلك جلل
ما شأن صولاتها البقيا على أحد
وانما أجل يتلو خطى أجل
بئس القرارة أهنى عيشها رنق
ينتابه الحتف بالابكار والأصل
انجاز ايعادها بالموت منتظر
والقول عن مقتضاها غير مفتعل
ما أصدق العلم بالغدر المشوب بها
واكذب الظن في التغرير والأمل
خسيسة الطبع بالأكدار طافحة
ختالة تخلب الألباب بالحيل
لا تستقيم لريعان الشباب ولا
لرائع الشيب منها لحظة الجذل
تضيع عمر بنيها تحت عرتهم
بها وحاصلهم منها على دغل
تزال تنبت نفسا ثم تأكلها
وانما يحرث الحراث للأكل
تسعى جنائزها بجرا حقائبها(59/393)
مما انتهبن بحرب الصبح والطفل
ما بين صادرة في وجه واردة
ينتبن فل بقايا غارة الأجل
ما بالنا ومطايا الموت تنقلنا
نلهو بما قيل "ان العز في النقل"
ان الملاط الذي نبني البلاط به
رفات من نقلت بالأعصر الأول
لو كان تقديرنا تخليد قاطنها
لأوجب العقل أن تلقى على العلل
فكيف وهي حياة لا عتاد بها
مغمومة بالشقا والويل والهبل
أضحية الحتف لا ترجو مغادرة
والأرض تبلع والجزار في العمل
كم زفرة لنعي ما أذنت لها
ولا مشفعة من صارخ صحل
زمازم الموت في الأذان صادعة
لكن الى فبب الألباب لن تصل
يا رب نادبة ما جف مدمعها
وعينها في نظام الحلي والحلل
حتى متى نحن والآجال تحفزنا
والجد والهزل منا تابع الأمل
شمس المعارف يا سلطانها كسفت
كسوف شمسك عن صبح وعن طفل
والاستقامة في كسر مزلزلة
يا جابر الكسر أدركتها على الزلل
تمضي وتترك هذا الدين في جزع
والأرض مظلمة والدهر في خبل
من للحنيفة يا قيامها علم
يهدي اليها ومن يحمي من الغيل
من للشريعة قد قامت قيامتها
ومن يسدد منها موضع الخلل
قد كنت فيها مكان الروح في جسد
وقمت فيها مقام السيف في الخلل
من للطريقة من يصفي مشاربها
للسالكين كؤوس العل والنهل
قد كنت حاديها تحدو ركائبها
بنغمة لحنتها زمرة الرسل
رجعت صوتك فاشتاقت معاهدها
واليوم تصغي لمن يا حادي الابل
ياذا العلوم اللدنيات موهبة
هل أنت في الرمس أم في حبرة النزل
خلفت علمت فينا أم رحلت به
اني اشاهد نورا غير منتقل
نعم تعقب نور أنت مشعله
ونور وجهك في الفردوس كالشعل
تلك العلوم التي أوعيت جوهرها
قلبا بحب جمال الله في شغل
ما زلت تسلبح في القرآن ملتقطا
در المعارف لم تضجر ولم تحل
حتى ملأت مراد العقل معرفة
ممدودة الفيض حتى لحظة الأجل
وفزت بالسنة الزهراء محتويا
على الاشارات والتفصيل والجمل
وجئت بالدين والأحكام مكتشفا
للنقل والعقل كشفا غير ذي دخل
مستنبطا أوجه التأويل رأسخة
على النصوص مصونات عن الزلل
من الكواكب في وعد وفي شرف(59/394)
وفي ارتفاع واشراق وفي مثل
ما فاتك العمر لكن نقلة حتمت
الى مقر وعمر غير منتقل
ولا انفصلت عن الدنيا وقد وصلت
لك المعارف محيا غير منفصل
ولا اعتزلت عن الدنيا لضرتها
الا وأنت عن الدنيا بمعتزل
تركت زخرفها للغافلين ولم
تحفل بها في مضيق العيش والغفل
عاملتها بمراد الله منحرفا
الى نصيبك من عقباك بالعمل
فما تقيلت منها قدر أنملة
ولا أدخرت سوى الحسنى لمقتبل
ولا نظرت إلى فتان رونقها
الا بما تنظر المحتال في الحيل
ولم تصدك عن علم ولا عمل
ولا سرور ولا سم ولا عسل
ياطائرا طار ما أضفى قوادمه
نجوت من قفص في حكم محتبل
وقفت لله من دنياك في عطل
فلتسرع الآن بين الحلي والحلل
أجهدت نفسك في مرضاة خالقها
يا مجهد النفس اربح رحمة الأزل
اربح فديتك ما قدمت موجبه
نعم البضاعة لم توزن ولم تكل
أحمد سراك فقد أصبحت أن يدا
قد باركت فيك لا تكدي ولم تزل
أحمد سراك فقد طالت متاعبه
وقد حللت خيام الحي فاعتقل
قدمت خيرا فلم تعدو جوائزه
ان الجوائز عقبى صالح العمل
أوقدت نفسك في المحراب مشتعلا
فأسرع الآن نحو الكوثر اغتسل
أوقدتها بالرجا والخوف معتجلا
يا برد الله مثوى الواقد العجل
تنحو المقامات والزلفى بمسلكها
وقد وصلت ولولا الجد لم تصل
نلت الكرامات لم تصدعك منتها
عن الشهود ولم تعجب ولم تمل
ان الكرامات أوثان لمشتغل
بها عن الله أو مكر بمشتغل
ما فاتك الفهم من مولاك اذ سفرت
لك الدقائق أن يعمل وان ينل
وكل موهبة قدرت موقعها
بالشكر لله في حزن وفي جذل
وصبرت الصبر لا تنحل عروته
عند البلاء ولا يدنو من الفشل
هما مقامان كنت العدل بينهما
توفيهما الحق لم تبطر ولم تبل
حصرت ما عند أرباب القلوب فما
مقام حالك الا دولة الدول
يا من أفات فؤادي الرشد من حزن
عليه أصلحه لي يا شافي العلل
لا غرو أن تشفي الألباب من مرض
بسر قلب بنور الله مشتعل
أعطيت قلبا بحب الله ممتزجا
له التصرف في فعل ومنفعل
في قبضة الحب يطويه وينشره
فالسر في الحب لا في الشكل والعضل(59/395)
ارسل فديتك روحا شاملا أملي
من سر روحك واجمع لي به شملي
فان أرواح أهل الله فاعلة
بقوة الحق لا بالحل والنقل
لها الكرامة في الكونين موصلة
في القبض والبسط وصلا غير منبتل
ما كان رأيك في الدنيا وقد فقدت
أسرار يمنك مثل العرض الهطل
رعيتها ووصايا الله آونة
فانظر رعاياك قد هامت مع الهمل
خلفتها ووصايا الله ثاكلة
والفضل والعلم والاسلام في وجل
متى أهديء قلبي من تسعره
ورنة الملأ الأعلى على زجل
يا حاملي نعشه مهلا بمحملكم
كيف احتملتم رزايا الرحلة الجلل
تدرون من تحمل الأكتاف ما حملت
من بعده هذه الأكوان من ثقل
سيروا رويدا فكل العالمين به
دفن العوالم لا يقضى على عجل
ذروه يقضي من المحراب حاجته
اني أخاف على الدنيا من الخبل
ذروره للأمر بالمعروف محتسبا
للنهي عن منكر قد عم كالظلل
ذروه للعلم يجليه فقد سقطت
بنا الجهالة في الآبار والدغل
ذروه يقطع أعناق الشقاق فما
نحن البقية غير العصبة العزل
ذروه يرجم شيطان النفاق فما
ابقى مريدا رحيما غير منجدل
ذروه تبكي عليه كل مكرمة
فانها بعده تحيا على ثكل
ذروه أبكي عليه ما حييت فان
أمت بكى في البلى عظمي بلا مقل
ليت البكاء أفاد الحي ما فقدت
عيناه لكنه فقد بلا أمل
يا راحلا عن بني الاسلام تاركهم
وللكآبة فعل السيف والأسل
وودع معاهدك الزهراء إن بها
غما لو احتل غمر البحر لم يسل
ودع رجالك قد بانت عقولهم
إن راجع العقل من توديع مرتحل
ودع تصانيفك الحق المبين فقد
صار المداد حدادا غير منفتل
فوامصاباه ان ودعت مرتحلا
وما وراءك للإسلام من بدل
لفوك في كفن ماذا تريد به
وأنت من نور حب الله في حلل
وأودعوك ترابا لو تفوز به
حور الجنان لأفنته من القبل
ماذا الرثاء وفي القرآن صادعة
تثني على اخر الأبرار والأول
الا شجيا عقيب الظعن يندبهم
ومقلة أوقفت دمعا على الطلل
وما رثيتك تذكارا لمحمدة
خلدت حمدا وان كان الزمان بلي
سقى الاله ربوع الزاب ماطرة
من رحمة الله بالابكار والأصل(59/396)
وباشرتك هبات الله دائبة
بعارض من عظيم الفضل منهطل
وروح الله بالرضوان روحك في
منازل القرب والاسعاد والنزل
وواصل الروح والريحان ذاتك في
أزكى سلام من الرحمن منهمل
ونسأل الله غفران ننال به
رضوانه في جوار الله والرسل
نشكو اليك ولي الله وحدتنا
وعيشنا بين غل الدهر والكبل
الله الله يا أهل القلوب ففي
قلوبكم نظر الرحمن في الأزل
لا تتركونا مع الأهوال ان لكم
نصرا من الله وحيا غير منخذل
خذوا بأيد قصار انها بكمو
تطول وانتشلونا من هوى الفشل
توجهوا لجمال الله وانتدبوا
للغوث يا أولياء الله في عجل
أين انتصاركم والملة انطمست
والأمة التبطت في فخ مهتبل
صلى الاله على أرواحكم وسقى
اجداثكم رحمة بالرائث الهمل
نرى مصارع قوم جل فقدهم
كفقدنا في الملاهي صالح العمل
نفني الدموع ونرثي من نظن به
ومالنل برثاء الرشد من شغل
كأننا في أمان من مصارعهم
أو المنايا عن الأحياء في كسل
كلا ولكنهم صاروا لنا فرطا
والركب مرتحل في اثر مرتحل
ومن تكن هذه الساعات أنيقة
قضى المسافة لم يملل ولم تطل
فقدت نفسي فخلت الدمع سال بها
والعهد بالنفس قبل اليوم لم تسل
وليس بدعا اذا ذابت بفادحة
ذابت عليها صخور السهل والجبل
حمت لنا حزرة لم تبق من خلد
بغير خالدة الأحزان منفعل
ما كنت أحسب أن أحياء وادركها
يدا تقلد جيد المجد بالعطل
أبكت سماء وأرضا وهي ضاحكة
على السلامة ان طالت ولم تطل
وليتها حيث أبكت كل كائنة
رقت بقلب من التهويل منذهل
ماذا نحاول من ريب المنون اذا
قلنا حنانيك أو سيري على مهل
أبعد ما طحنت أجيال أولنا
يبقى الأواخر في البقيا على أمل
أم بعد اعجالها الأبرار تنسفهم
نسف الزعازع ننهاها عن العجل
هيهات يرقأ دمع من مصائبهم
أو يصبح الكون منهم مقفر الطلل
أما تراها سهاما تنتحى كبدا
مقروحة وجراحا غير مندمل
لا تترك الجرح الا ريث تنكئه
ولا تسعر قلبا غير مشتعل
نقارع النفس والشيطان ينصرها
وما لنا بقراع الموت من حيل
في كل ناد نداء الموت مصطخب(59/397)
وكل دار بها دور من الأجل
فلا نؤسس صبرا غير معتقر
ولا ندافع صبرا غير معتقل
لو دافع الصبر حزنا ثم اذهبه
لكنت بين رجال الصبر كالجبل
لكن من الخطب خطب لو يقاومه
صبر الجليد انثنى بالدحض والفشل
فقدت كفل اصطبار كان يكفلني
في النائبات فخان الآن مكتفلي
فليس بعد مصاب الدين من طمع
في الصبر أو الجزع بالصبر منعزل
يا ناعي الدين هل أبصرت من بقيت
فيه بقية رشد غير منذهل
غادرت في أنفس الأكوان حشرجة
فان قضى الكون فاستسلم ولا تسل
لا غرو إن فاضت الأكوان آسفة
لفقد فرد على الأكوان مشتمل
يا ناعي الغوث هل لاقيت من خلف
ممن نعيت وهل قدرت من مثل
يا ناعيا سيد الأبرار هل تركت
بالله فينا المنايا اليوم من بدل
يا ناعي القطب من ذا قام موقفه
فصار قطب مدار العلم والعمل
نعيت فردا أم الدنيا بأجمعها
إني أحس بدهش شامل جلل
إني أحس بدهش غم كاربه
حتى الملائك حتى برزخ الرسل
تنعى ابن يوسف فتح السالكين وخ
تم الواصلين مربي الأنفس الكمل
محمدا مدد ألأمداد روحهم
مروع النفس أن يعمل وان يقل
مقدس الشرفين المطعم الجفلى
كافي الكفاة المرجى طاهر الخلل
مرزء الأرض خلاها وحل بها
لك السلامة لم تحلل ولم تحل
نعم حللت قلوبا لا تزال بها
فأين أنت وفي الألباب لم تزل
بل أنت في الرفرف الأعلى وغبطته
في البشر والروح والريحان والجذل
لقيت وعدك من حسنى مخلدة
ونحن للفقد في الأحزان والوجل
يا خير من حل في الدنيا ليصلحها
من ذا تركت لها يا خير منتقل
ناصحت ربك في تعزيز ملته
فلتنصح اليوم ندبا خيرة الملل
قد كنت رحمة هذا الكون تنفعه
خليفة قائما عن خاتم الرسل
هلا رحمت قلوبا ذاب معظمها
حزنا عليك وقد سالت من المقل
فاجبر مصابك فينا اننا بشر
فينا افتقار إلى أنفاس كل ولي
جردت نفسك للاسلام تخدمه
في جد محتسب للهول محتمل
تقارع الزيغ والأنوار بارقة
وأنت في نجدة والخصم في فشل
كم حجة بسطت بالبطل أيديها
صدعت بالحق فيها فهي في شلل
كم مشكل أعجز الأفكار جئت به(59/398)
صديعة الفجر نورا واضح السبل
كم معضل كشفته منك معرفة
ذات انبساط بنور الله مشتعل
كم قاطع في سبيل الله يمنعها
رميته بشهاب منك مختزل
كم جاهل ملأت ضوءا بصيرته
بصيرة لك تدعى الشمس بالحمل
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> الله أكبر فاز المجد واغتبطا
الله أكبر فاز المجد واغتبطا
رقم القصيدة : 66838
-----------------------------------
الله أكبر فاز المجد واغتبطا
وأسفر البشر في الأكوان وانبسطا
بدولة لا يزاول المجد يشرطها
على الزمان فوافاه بما شرطا
هب الزمان مسيئا عامدا أله
أن يمنع المجد من احسانه غلطا
وهب مراغمة الأيام آبية
الا اعتقال العلى ما باله نشطا
لا بل هو المجد أعلى الله صولته
انحى على الدهر حتى ابتز ما غمطا
سيعلم الحي ماذا المجد فاعله
أو ينثني لا غترار الدهر قد كشطا
ارادة الملك القيوم موردة
على الصروف بما لا تشتهي خططا
لا توزع الفكر فيها لا تقوم به
الا المقادير والزم جانبا وسطا
أما ترى الدهر يسعى حيث تأخذه
كأنه يتلافى منه ما فرطا
ويح الزمان تغشت عينه سنة
فهب للمجد يرضيه وقد سخطا
أليس صعبا على ريب الزمان ولا
يبغي دواهيه سعيا ومغتبطا
نوم الحوادث لا طبع ولا ملل
بل مقتضى درج الأزمات قد شحطا
ليعل ذا المجد ولتعظم مصادره
فقد تصدى له مولاه حين سطا
وما تصدى لأمر فات همته
كل المفاخر كانت عنده فرطا
لكنه في مقام لو تقوم به
من دونه السبعة السيارة انخرطا
فقام بالملك والأقدار تنصره
من السموات والدنيا لما اشترطا
وما تشعشع من لألاء غرته
يحكي بياض أياديه اذا بسطا
اذا تصدر في دست الجلال شهد
نا البدر بالفلك الدوار قد هبطا
فهزت الأرض بشراها وهيبته
كأن بالأرض ما بالسيف مخترطا
ومن تكون له الأقدار مسعدة
صار الزمان بما يقضيه مرتبطا
أقول للمجد ذا من كنت ترقبه
لعروة الدين أوفى عروة وسطا
هذا الذي أشرقت نورا مناقبه
أظنه لنثار الشهب ملتقطا
من يشفع العدل والاحسان منه ال(59/399)
يه للمفرط في عصيانه فرطا
من عنده السيف براقا كشيمته
قد حالفته المنايا حيثما اخترطا
نصل من النور الا أن شفرته
نار تسابق ريح الموت ان معطا
كأن كل حياة للعدا ثبتتذ
بادنه ان تمنى قبضها ابنسطا
أو كان يعلم أن الكفر لقمة ح
ديه إذا ما تمنى سرطها سرطا
ما جردته المنايا دون صولتها
الا تمشى الى ازعاجها وخطا
بنقض بين لهام البهم صاعقة
لو صادفته الجبال الشم ما وهطا
تلاد أسد الشرى أيديهم لجج
قلامس الأرض صارت عندها نقطا
وما على الدهر من آثار مفخرة
ومكرمات فآثار لهم وخطى
مضوا وحشو الليالي خلفهم شرف
ومعجزات وحلم شامل وسطا
يقضون قسرا على ريب الزمان ولا
يقضى عليهم وان وفى وان قسطا
قوم يحيطون بالمعروف لو طلب ال
حياة من فضلهم من مات ما قنطا
ولوعدلنا بشيء من مناقبهم
شهب النجوم لقد قلنا اذا شططا
من الألى شمخت في المجد همتهم
مراتب الشهب عدوها لهم خططا
قد أظهر الله نورا كان في أزل ال
أزال في علمه المخزون منضبطا
نور- توقد الا أنه بشر
لعز إجلاله بدرالسما سقطا
أتى بما بهر الأيام من كرم
فأصبح الدهر في معناه مختبطا
لو شاء أن يهب الدنيا لسائله
إعطاه واعتقد التقصيروالغلطا
مرزء وسع الدنيا بما حملت
عدلا وعلما وحلما وافرا وعطا
مثل اليراع بضوء النار محترق
ترى الملوك على كرسيه خبطا
من السموات ممدود بعاصفة
تحمى وقاصمة تردى اذا سخطا
وافى الخلافة والأكوان شاخصة
والأرض بؤس وشيب الدهر قد وخطا
فآنس الكون ما يرجو ولا عجب
وأصبح الدهر طفلا بعد ما شمطا
ومن يكن حوله بالله قام فما
يؤوده أن يرد الكون مغتبطا
رعى ذمامين من حلم ومن كرم
فكان حفظهما بالدين مختلطا
وهو الملي بمعروف يسد م
سد الغيث يحيي موات الدهر لو قحطا
كذا علي المزايا لو رعى الفلك ال
أعلى رأى الشأن من حسن العلى نمطا
هو العظيم الذي لو شاء طوح بال
دنيا ولوشاء ربط المشتري ربطا
يا ابن الملوك العوادي البسل منصبهم
صميم قحطان يا من للعلى نشطا(59/400)
يا نخبة الله للاسلام يا حمد ال
المعمور يا ابن ثويني المبدع الخططا
يا ابن المليك الذي من عزه وهنت
صعب الليالي ولم تدرك له نبطا
خذ جوهرا آية الكرسي تنظمه
أرسلته شافعا عني لما فرطا
عز الشفيع فما عزت مشفعة
في التائبين الى ذي العرش بعد خطا
أرسلتها رائدا عني ومنتجعا
غيوث حلمك فاصفح وانبذ السخطا
لا زال مجدك محفوظا بحيطتها
وقهرها حاطما للخصم مختبطا
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> إلى أبي الحارث
إلى أبي الحارث
رقم القصيدة : 66839
-----------------------------------
أبا الحارث اسمع حديثا جرى
على قصة راق اعجابها
تشوقت يوما للقياكم
كذا يجذب النفس أحبابها
فسرت أنص الى بابكم
وقد أرهق النفس أتعابها
ولما حللت بدار المزور
ومن عادة الدار ترحابها
اذا نحن بالباب زنجية
تقض الشياطين أنيابها
فقلنا لها ابلغى أمرنا
فقالت مقابركم بابها
وهرت علينا كما ينبغي
وجاءت قضايا وأسبابها
فقلنا لشخص الى جنبها
فديتك هل أنت بوابها
فحول عن وجهنا وجهه
وجملة نحو واعرابها
فقلت اقتصر يا بُنيَّ اقتصر
فما نحن حرب وأحزانها
دعونا لها قنبرا والفتى
يصف الصحاف وينتابها
فقال اخرجوا نحو اشغالكم
فما للطفيلي أطيابها
فقلت لنفسي لا تضجري
فهذي الزنوج وآدابها
وقال بجنبي فتى صبركم
تخف على النفس أوصابها
لعل تمر بكم ساعة
فتغنى الزنوج واشعابها
فيقضى لنا فرج عاجل
وتعلم في الدار أصحابها
فقلت وبالصبر ترجو لنا
فقال بصبرك يجتابها
فقلت نصحت وطال الوقوف
وهاضت جسوم واصلابها
وعيدانكم ودخان السجار
شواظ على الدار الهابها
وفوج يحط وفوج يطير
ورقص الجواري والعابها
وأغرق وقتي بلا طائل
تمط سعال واضرابها
فقلت العطالة مشئومة
وشر وقد طال اسهابها
فقمت أصلي الى خلوة
تبين في الدار محرابها
وطالت صلاتي ولي وقفة
الى أن تقشر ارابها
وبعد الصلاة علت ضجة
من الذكر أطنب أحزابها
الى أن ثغى الجن من هولها
وفر عن الدار أوشابها
وزلزلت الأرض زلزالها(59/401)
وخذ على الأرض أقهابها
فلم تغن شيئا ً وطال المقام
وحالت سنون وأحقابها
وفيها بنينا لنا حارة
وشقت من الهند أخشابها
ومن حولها جنة زخرفت
وزانت وأقطف أعنابها
وقارنت في منزلي زوجة
أطالت وأنجب انجابها
ولم نرزق الاذن من عندكم
وضوعف في الدار حجابها
ولما ضجرنا انقلبنا الى
ديار تطاول تقلابها
وعند الرجوع جهلنا الطريق
وزال عن الدرب انصابها
ولا غرو هذا فان السنين
يدور على الناس دولابها
وأضللت داري الى أن بدت
رسوم حوتهن اعتابها
وألفيت ذريتي كلها
لطول المدى شاب أعقابها
وألفيت كتبي محشورة
فقيل بنو الفار تنتابها
فهذا أبا الحارث المنتهى
لأعجوبة طال أغرابها
فكل بلايا أبي مسلم
عليك ونومك أسبابها
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> في المواعظ
في المواعظ
رقم القصيدة : 66840
-----------------------------------
لا تكترث بالليالي انها دول
لا يستمر لها حزن ولا جذل
كأن حلة حرباء تلونها
لا تظهر الشكل الا ريث ينتقل
ولا تضق بالقضايا في تقلبها
في طي كل شديد خيرة جلل
اذا اعتبرت صروف الدهر مرسلة
ايقنت ان القضايا كلها نقل
وان تفكرت في خطب لتنسفه
بصولة الرأي غرت فكرك الحيل
من اوزع الفكر في شيء يقدره
إلا اعتبارا صمى ايزاعن الخبل
ما فكرة المرء فيما ليس يملكه
من أمر مولاه الا فكرة خطل
لا تحترس بذكاء عند مقدرة
قد يهشم الانف امر تتقى المقل
تيقض الحزم والاقدار جارية
هم برد قضاء ما له قبل
جالد صروف الليالي بالتجلد واف
طن أن احوالها حل ومرتحل
بينا وقيد الرزايا في مهانتها
سما به الجد واستخذى له الأمل
ليصحب المرء في امريه منصرة
من اليقين بان الحال تنتقل
لو ابصر الحر ما بيدي مزيته
من المكاره طابت عنك الغيل
مزية الحر ما عيب الحسام به
ان كان عيبا يحد الصارم الغلل
اسنى الفضائل يبدي شر صفحته
كان ضد الرزايا دونه كلل
صك الخطوب بخطب اسمه جلد
والق الامور بحلم شخصه جبل
وصانع الناس لا نكسا ولا ملقا(59/402)
بما يسرك من تلقائه الرجل
والبس لدهرك ان لم تزك سيرته
من التجمل ما تزكو به الخلل
مالي وللدهر يغري بي حوادثه
كأن صبري على لأوائه زلل
كان فضلي في عين الزمان قذى
لقد درى انه في عينه كحل
كأن همي سهم في مقاتله
ومذهبي في العلى رجله كبل
اذا تشطت لحقي في العلى عرضت
أمام عزمي في اعراضه علل
لا اجتني خطة الا مخالسة
ودون اتمامها الاهوال تشتعل
ما سرني درك مجد لا تقارعني
من دونه نكبات الدهر والغيل
ولا هنئت بفضل لا تراقبني
من الرزايا عليه خطة جلل
ارى العلى بخطوب الدهر سامية
كأن طرق الرزايا للعلى سبل
قد يكسب المجد مجدا من رزيئته
كجوهر التبر تبدي حسنة الشعل
أقول للدهر ارسلها العراك فان
اجزع لحظتها فالويل والهبل
وهات كاسك ان صابا وان عسلا
فقد تساوى لدي الصاب والعسل
اني انفت من البقيا إذا أنفت
الا اغتيال السري الماجد العضل
متى اضيق بخطب غبه فرج
ونازلات الليالي كلها ظلل
ما ان شهدت امورا وهي مدبرة
لها واعقب من اضدادها قبل
لا آمن الدهر في لين وفي شعث
وطبعه للوفا والغدر محتمل
ما أطيب العيش لولا ان يشاركني
فيما ينغصه الهيابة الوكل
ولست ارتاد ماء ما به كدر
الا اذا كان دهري ما به دغل
ليت الحوادث لا تعدو مساورتي
ولا عرى يد دهر كادني شلل
ان لم اسلط اذا اتقضت عزائمها
بوادر العزم مهتزا لها زحل
ليعلم الجد أما زل بي قدما
اني على جد عزم ما به زلل
صادر همومك والاخطار كالحة
ما يلزم الوهن الا الخامل الوكل
فان افاتك سوء الجد صالحة
فحد همك في ادراكها بدل
من يعطه الله فيها نفسه كرهت
صبرا فما كرهت بالخير مشتمل
فضيلة العزم عما لا تقاومه
عزيمة الفضل فيما تبتغي خول
لبست لمحة طرف نعمة بليت
كما تمزق عن اصليته الخلل
فما جذلت لخير في يدي أجل
ولا جزعت لشر بعده أمل
صارفت صرف زماني بالتي حسنت
في اعين المجد واهتزت لها الفضل
حتى م ارسف في قيد له ذهلت
عني الجدود وصبري ليس ينذهل
وفيم تهتضم الايام بادرتي(59/403)
فعل الوتير وحسن الواتر الدخل
اليس جوهر عرضي لا ينافس في
اعراضها انها الآفات والغيل
تصدني عن مساع كلها غرر
في جبهة الدهر أو في ساقه حجل
والحظ كاب عقير في براثنها
كأنه أمل ينتاشه أجل
اراقب الجد في نصري فينشدني
لا ناقة لي في هذا ولا جمل
هذا اعتذاري الى العلياء ان طمحت
ما لزني خور عنها ولا فشل
ما ذنب امنية يغتالها قدر
في امرها وقضاء الله يعتقل
اصبحت والدهر من بغضي به جرب
آسيه نبلا وما ينفك يأتكل
اذا تطارحت اغري بي سماسمه
وان تنمرت حاصت عني الحيل
وان بسطت نوالي سامني سفها
اعن سفاهة رأي يفضل النبل
المال لا شيء عندي كي اضن به
في موضع الفضل واللاشيء مبتذل
علق المضنة ما تزكو مزيته
والفضل في الله علق ما له مثل
يزكو الثراء على التوزيع يذهبه
في الله والحمد ليس اللهو والختل
عودت ربي إنفاذي فواضله
فيه وعودني التعويض ينهمل
عوائد الله أغنى لي وان تربت
كفي ونعمة ربي نعمة جلل
يكفي من الوفر ان تبقى محامده
ما أحمد الوفر حسن الحمد يأتثل
حقائق المال كانت في العطا غررا
ولا مزية أن لا تتبع النفل
اوجب لسالبة الانفال فضل يد
فانما سلبها الاعطاء والنفل
لن يلبث المال تذروه الرياح ويب
قى من صفاياه ما شدت به الخلل
نفاسة الفضل علق لا تنافسه
اضبارة من حطام حالها حول
ضمانة الله للانسان كافية
ففيم تدبيره والحرص والعجل
ان كنت تملك بالتدبير رزق غد
فلترجع فائتا من امرك الحيل
كلا لقد اعجز التدبير ما حتمت
به الامور فلا جد ولا خول
ثبت يقينك فيما الله قاسمه
لا بد آتيك لا فوت ولا ميل
اني لا علم امرا ليس يجهله
دهري ولكن صوابي عنده خطل
أيجهل الدهر اذ خضت الغمار به
ان ليس يعحزني عن خوضه الوشل
وهل نفذت شهابا والخطوب دجى
وعندي الصارمان القول والعمل
وهل تقلد جيد المجد من أدبي
مالا تنافسه الجوزاء والحمل
انا ابن بجدة امر لا قرار له
لها على خطة أس لها زحل
على م تنحلني الايام نحلتها
جهلا على خلة ما شانها خلل(59/404)
تنحو على فضل أوطاري فتعكسها
فلست ابرام امرا ليس ينفتل
قارعت اطوارها حتى خذيت لها
وبي من الصبر مالا يحمل الجبل
وارجف الغدر هيض العظم من عسر
نعم ولكن وفائي الدهر متصل
ان يعقل العسر فضلي عن مواقعه
فلي خليقة بر ليس تعتقل
اذا زكى خلق من اصله نزعت
الى الكمال على علاتها الخلل
لا تنفق النفس إلا من جبلتها
والفضل في النفس ليس المال يؤتثل
عقائل المال تؤتاها وتنزعها
وما عقلية فضل النفس تنتقل
اذا جبلت على امر حمدت به
عداك ذم وان جدوا وان هزلوا
لتبلونك أخطار فكن خطرا
يكاد منك فؤاد الدهر ينذهل
ولا تنم وعيون الدهر ساهرة
وان تناوم فهو المكر والختل
وخذ حقائق ما تخشى عواقبه
من الأواخر مما آتت الأول
وارغب بنفسك ان تخزى على طمع
دع المطامع ترعى خزيها الهمل
واختر على الذل عزا ان تسام به
فدون وجهك في ادراكه سبل
غيظ الزمان اذا عز الكرام به
غيظ المفاخر تعطو نحوها السفل
فلتشف نفسك من عز تغيظ به
قلب الزمان ولو في الحتف ترتسل
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> في العلم
في العلم
رقم القصيدة : 66841
-----------------------------------
لن ترضي الله حتى تخلص الورعا
ولن ترى ورعا بالجهل مجتمعا
حق العبادة فرض لن تؤديه
ان كنت تجهل مفروضا وممتنعا
أمانة الله تسطيع الأداء لها
اذا علمت بعون الله ما شرعا
ولم يجد صانع اتقان صنعته
حتى يكون على علم بما صنعا
ومن مضى في طريق لا دليل لها
ولا معالم تهدي ضل وانقطعا
وفاقد العين محتاج لقائده
لولاه لم يدر مهما جار أو سدعا
فاستنهض النفس في ادراك ما جهلت
حتى ترى العلم في حافاتها سطعا
فهذه النفس مرآة جبلتها
ما قابلت كائنا الا بها انطبعا
مضيئة الذات والاكدار عارضة
لنورها فاذا استجليته انصدعا
والعلم أشرف ما أوليت من خطر
ما حل في موضع لله فاتضعا
فاطلبه لله يفتحه بلا تعب
لا تحتجز غير ما يرضى به طمعا
واليسر يصحب مرتاد العلوم اذا
كان ارتيادا عن الأكوان منقطعا(59/405)
والعلم بحر محيط لست محصيه
فكن بأنفعه في الدين مقتنعا
ولو فرضنا انحصار العلم في بشر
وقصده غير وجه الله ما نفعا
فاصرف الى الله وجه القصد معتقلا
عقائل العلم فالانسان حيث سعى
والعلم بالله أولى ما عنيت به
وما سواه الى ادراكه نزعا
فابغ المعارف آلات لصنعته
اذ يتقن الصنع بالآلات من صنعا
ولا تقولن علم ليس ينفعني
بكل علم يعيش العبد منتفعا
فاطلب وأطلق بلا قيد ولا حرج
وقف اذا كان عنه الشرع قد منعا
وقدم العلم بالطاعات تقض به
حقا لمحظوره أو ما إليه دعا
دع المهندس في الاشكال مختبطا
وصاحب النجم يرعى النجم ان طلعا
واقصد فقيها بنور الله مشتعلا
يريك ما ضاق عنه الجهل متسعا
فلا يهمك يوم الحشر هندسة
ولا سؤال عن المريخ كم قطعا
ولن ترى من كتاب خطه ملك
يوم القيامة الا الذنب والورعا
فاعمل بعلم واشغل كاتبيك به
فلا يفوتك ما تملي وما جمعا
لا تنفق العمر بطالا فلست ترى
يوم الندامة للأعمال متسعا
في لمحة العمر امكان ومزرعة
وسوف يحصد في عقباه ما زرعا
اذا حشرت بلا علم ولا عمل
عرفت كونك بالتفريط منخدعا
أدرك بقية أيام تمر بلا
مهل فان نجاز العمر قد قرعا
وأيقظ العزم ان نامت لواحظه
في الجد لله لا وهنا ولا هلعا
واصرف حياتك من بدء لخاتمة
في علم دينك للقرآن متبعا
هو المهم الذي ترجى عواقبه
ان مت أحياك أو قدمته شفعا
مزية العلم أعلا نعمة رفعت
عبدا ولولاه لم يذكر من ارتفعا
ما فوق مرتبة المختار مرتبة
ولا وساعة تسمو فوق ما وسعا
وكل علم لمخلوق تقدمه
أو سوف يعقبه من بحره نبعا
وكل ذرة نور أو مقام هدى
فمن مشارق نور المصطفى طلعا
وكل ذلك والقرآن يأمره
قل رب زدني علما فوق ما جمعا
لأن للعلم شأنا كل مرتبة
وكل شان رفيع دونه اتضعا
والنفس قابلة للازدياد فلا
تضيق عنه اتساعا كيفما اتسعا
فارقمه في لوحها واجعله مرشدها
الى حقائق أعمال لها وضعا
فلتطلب العلم للأعمال يخدمها
كالسيف يحمله للضرب من شجعا
ماذا تريد بعلم لا يردك عن(59/406)
شر ولست به للخير متبعا
ليس الحمار من الأسفار يحملها
بغير أثقالها اياه منتفعا
بئس المثال لمن أوعى العلوم ولم
تفده إلا فلان عالم برعا
وان طلبت به الدنيا فموبقة
أحرى بها من خسيس الجهل ان تقعا
جرده من كل شيء لا يشاكله
ما أقبح العلم مهما قارن الطمعا
واشرف العلم ما يهدي لصالحه
تكون ذخرا وما عن سيء ردعا
ليس السيادة في مال ولا نشب
لكنها العلم مهما رافق الورعا
لله نخبة ابرار فقدتهم
كانوا الأمان فأبقوا بعدهم فزعا
كانوا البحار فابقوا بعدهم يبسا
كانوا السحاب فأبقوا بعدهم قزعا
صحبتهم وغيوث العلم هاطلة
وفارقوني فضن الغيث وانقطعا
أولئك القوم ملح الأرض ان فسدت
فأين هم وفساد الأرض قد قرعا
ما للمعارف من افلاكها نزلت
والآن حلت بطون الأرض والتلعا
من لي بهم في زمان بعض موعده
رفع العلوم وهذا العلم قد رفعا
ورفعه موت من يبغي به عملا
برا ولو حل فيمن ضل وابتدعا
عسى لطائف روح الله منشئة
بعد الاياس سحابا يمطر الطمعا
فتنجلي غبرة الأيام عن خلف
صدق يقوم بنفع الحلق مضطلعا
فان لي املا في فنية نجب
وريثما حاولوا ادراكه خضعا
تنالوا المجد من أركان سالفهم
برق الفضيلة في أعطافهم لمعا
لهم وجوه مصابيح مشعشعة
كأنما البدر في أغصانها طلعا
نجد أماجد في أحسابهم فلق
ومن أياديهم البيضاء قد نبعا
زهر المناقب ينشق المجاد بها
عن حاجب الشمس أو عن صبحها انصدعا
مثل الكواكب في علم وفي عمل
وفي قلوب وفي صيت لهم شسعا
تنافسوا في اقتناء المجد واستبقوا
والكل جلى لمجد ليس مخترعا
سمت بهم همة كالشمس نيرة
فكل هم عزيز تحتها ركعا
وناصبوا الدهر والأيام كالحة
بفضل حرية الأحرار فاندفعا
ونظموا عقد مجد باجتماعهم
لا زال عقدا بعين الله مجتمعا
" تناول المجد" صعب غيرانهم
تناولوه وما شدوا له النسعا
بخ بخ يا سراة المجد انكم
ذكرتم المجد ما أعطى وما منعا
ما زال ينتخب الأحرار في زمن
مقطم الوجه حتى فيكم وقعا
فكنتم الغرة الزهراء فيه ولم(59/407)
يبصر بأكمل منكم لا ولا سمعا
لنا الهناء بأن المجد بشرنا
منكم بأكرم من في مفخر نزعا
وان مستقبلا يأتي لنزعتكم
من دون حصر المعالي ليس مقتنعا
وانكم ولسان الصدق يشهد لي
وصلتم من حبال العرف ما انقطعا
ومن شعرتم بأن الجهل منقصة
والعلم يعلي برغم الجهل ما اتضعا
أسستم لعلوم الدين مدرسة
كهالة الشمس أنوارا ومنتفعا
ضمت شبيبة اطهار نفوسهم
أصفى من الدر بالأصداف ملتفعا
تعطشوا لاكتساب العلم اذ فهموا
كون الجهالة في حكم الحجى شنعا
مشمرين ذيول الجد همهم
ان يعبدوا الله بالوجه الذي شرعا
أوحت اليهم عقول غير قاصرة
ضرورة العلم فانقادوا لها تبعا
على نشاط وعزم لا يعارضه
معارض فكأن البحر مندفعا
بشراكم يا وعاة العلم ان لكم
يوما سيرجع فيه الجهل منهزعا
وتسعدون بألباب منورة
يصونها الله ان تستمرئ البدعا
يا عمدتي يا غيوث الأرض حسبكم
مسح الملائك تبريكا ومنتفعا
هل تقبلوني فردا من رجالكم
حتى نعيش على هذا الفلاح معا
قد اختصصتم بشأن كله شرف
هل تسمحون بأن يبقى لنا شرعا
ما زلت ادعوا الى أمثال نهضتكم
فكنتم يا رجال الفضل مستمعا
فثبت الله مسعاكم وزادكم
تقدما في العلا ما كوكب طلعا
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> حِكَم
حِكَم
رقم القصيدة : 66842
-----------------------------------
منازل النفس لاتدرى حقائقها
واخطأ الزعم من قد قال يدريها
العين تدرك إلا ذاتها نظرا
والكف تقبض الا معصمها فيها
يباعد النفس عن ادراكها ملق
والنفس مغرورة ممن يداجيها
ان التملق للالباب يجبهها
مثل الغشاوة للأبصار يعميها
قد اخلص الحب من اهداك عيبك لا
مطر مداج على العواراء تمويها
واعقل الناس من ابدى تواضعه
من نفسه لانتقاد الخل ما فيها
والحمق في سد باب الانتقاد بما
للنفس من عنفوان في دعاويها
رأيت ما لا ترى في النفس لو سمعت
مغتابها وقلت خلا ّ يدانيها
ورب رأي عدو فيك أجمل من
ذي خلة قارض للنفس يغريها
فغض طرفك اكبارا لو انكشفت(59/408)
لك السرائر عن اشياء تطويها
ولتعذرنهم من حيث تنصفهم
في رأيهم فيك من آراء تخفيها
وانبذ غرورك بالنفس التي عجبت
بغير شيء واقلع من تماديها
وأسعد الناس حظا من فضيلته
ذو الانتقاد الى التفضيل يهديها
ومن رأى نفسه مرءى رآه به
سواه فالنفس في اسنى مقاليها
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> هو الله فاعرفه
هو الله فاعرفه
رقم القصيدة : 66843
-----------------------------------
هو الله فاعرفه ودع فيه من وما
دعاك ولم يترك طريقك مظلما
عن الحق نحو الخلق يدفعك العمى
تقدم إلى باب الكريم مقدما
له منك نفسا قبل أن تتقدما
تجنب قيود الحظ فالحظ مرتهن
وأرهق جنود النفس حربا ولا تهن
وفي ظلمات الطبع بالحق فاستبن
وعرج على باب العليم فسله من
مواهب نور العلم بحرا قليذما
أترضى مقام الجهل تخبط في السرى
بطامسة أعلامها متحيرا
تطلع لنور العلم واطلب مشمرا
فمن لم يكن بالعلم في الناس مبصرا
فلا عاش إلا في الضلالة والعمى
ذوو العلم بين العالمين أعزة
على درجات المصطفين أدلة
وفي ملكوت الله للقوم شهرة
ومن لا له من عزة العلم نسبة
فليس له إلا إلى الذلة انتما
ترق به فالعلم عز وذروة
وحبل متين للتقاة وعروة
ووفر الغنى في الجهل عدم وشقوة
ومن لا به من ثروة العلم ثروة
فمن ثروة الدارين قد صار معدما
قضى الله أن العلم نور وحكمة
كما أن أصل الجهل شؤم وظلمة
وان رجال العلم للناس عصمة
نعم علماء الدين في الأرض نعمة
على الثقلين عمت الكل منهما
به أصفياء الله هاموا بحبه
به أدركوا حسب الحظوظ لقربه
وهم أوصلوا السلاك أسرار غيبه
بهم شرف الدارين تم فهم به
ملائكة باهت ملائكة السما
ملائكة ألبابهم وسناؤهم
أقامهم هذا المقام صفاؤهم
على الملأ الأعلى يحق ولاؤهم
ألم تر في القرآن أن أولياؤهم
ملائكة الرحمن فالله أعلما
لقد نطق الوحي العزيز بنبلهم
ولا حبل للمستمسكين كحبلهم
يقولهم نور الهدى وبفعلهم
أقرت جميع الكائنات بفضلهم(59/409)
عليها فحوت البحر في البحر هينما
إلى ربها استغفارها وخشوعها
لهم إذ هم أمطارها وربيعها
وخالقها في المهتدين سميعها
ولم لا ولولاهم تلاشت جميعها
ولم يبق منها في الوجود لها سما
مصابيح أرض الله مهبط فيضه
هاة لمسنون الاله وفرضه
هم شفعاء العبد في يوم عرضه
هم خلفاء الله في أهل أرضه
بهديهم أمت البسيطة قوما
لأمرهم كل الكوائن اذعنت
لسلطانهم بالعلم بالله سلمت
لعزهم ذلت بنورهم اهتدت
لحكمهم الدنيا تدين وقد عنت
سلاطين أهل الأرض أعظم أعظما
على الأرض والألباب في عالم القدس
يرون بنور الله ما غاب كالقبس
لأفهامهم كالأنجم الزهر ما التبس
وآراؤهم تقضي بهن ملائك الس
موات فيما قد أحل وحرما
تجلت لهم كالشمس خلف حجابها
فجاؤا بها براقة في صوابها
حقائق شرع في غواشي غيابها
ولو لم يكن نص الكتاب أتى بها
صريحا ولا الهادي بها قد تكلما
هدوا ذا هم نور إلى الله اهتدوا
إذ اتزروا بالعلم بالله وارتدوا
حداهم من العرفان ذوق به حدوا
غدوا قدوة الأملاك لما هم اقتدوا
بما لهم رب الملائك الهما
سما بهم العرفان أعلى المراتب
ونالوا مقاماً فيه فتح المواهب
وفهم خطاب الحق من كل جانب
وذلك من أدنى رفيع مناقب
لهم لم يعدوها فخارا ومكرما
تجلى لهم باسم المبين بمنه
ففازوا بظهر الوحي كشفا وبطنه
وحازوا بفتح الله مكنون ضمنه
فما استحسنوا فالله يقضي بحسنه
وما استقبحوا إلا قبيحا مذمما
لهم من مقام الاجتباء عليه
ومن قدم الصدق الزكي رضيه
ومن مورد الإحسان ما طاب ريه
وربك من والوه فهو وليه
ومن خاصموه كان الله أخصما
ملوك على من يملك الأرض حوله
لدى طولهم أدنى من الذر طوله
فقير عديم من تولاه جهله
هم أغنياء العصر والعصر أهله
قد افتقروا والمال بينهم نما
وما لكنوز التبر شأن لمن فهم
إذا وزنت في جانب العلم والحكم
كنوز رجال الله أبقى ووفرهم
يروم كنوز الأرض غيرهم وهم
أصابوا كنوز العرش وفرا ومغنما
رقوا بكمالات الهدى منتهى العلى
وأنزلهم من قربه الحق منزلاً(59/410)
وأوردهم من مورد الود منهلا
وهم في الثرى قاموا وأرواحهم إلى
سما العرش والكرسي أدنوهما سما
تولاهم قهر الشهود بحوله
وأفناهم عن كل شيء بوصله
فغابوا عن الأكوان في غيب ظله
وما قنعوا بالعرش والفرش كله
فجازوا إلى أعلى مقام واعظما
رمى بهم المحبوب في المحو رمية
فما أبصروا مقدار ذا الكون ذرة
ولا وقفوا عند الحوادث لمحة
ولو وقفوا بالعرش والفرش لحظة
لعدوه تقصيرا وجرما ومأثما
إلى الحق إخلاصا وأخذا بحبله
قد انصرفوا عن فصل كون ووصله
مقاصدهم مقصورة تحت حوله
تقدم في ذاك الخليل بقوله
لجبريل دعني منك لله مسلما
نفوسهم في الله لله جاهدت
فلم ينثنوا عن وجهه كيف كابدت
على نقطة الإخلاص لله عاهدت
لملة إبراهيم شادوا فشاهدوا الت
لفت للشرك الخفي متمما
تولاهم القيوم في أي وجهة
وزكاهم بالمد والتبعية
ولفاهم التوحيد في كل ذرة
فقاموا بتجريد وداموا بوحدة
عن الإنس روم الأنس فيها تنعما
محبون لاقى الكل في الحب حينه
نفوسهم ذابت به واصطلينه
فلم يبق منها الحب بل صرن عينه
بخلوة لي عبد وستري بينه
وبيني عن الأملاك والرسل كتما
وأورثهم للحب ارث النبوة
فكانوا دعاة الله في خير دعوة
ترقوا بفيض الله ارفع ذروة
وما بلغوا ذاك المقام بقوة
ولكن بنور العلم قد بلغوا الحمى
حباهم بمنهاج السلوك استطاعة
فلم يتركوا فيه الحقوق مضاعة
ونالوا أمام الله منه شفاعة
عشية أعطوه عهودا مطاعة
على طاعة منهم غداة تحكما
قد اتخذوا العرفان بالله جنة
تاروا اليه مطلقين أعنة
ومذ أدركوا منه المقامات منه
وقد بايعوه أنفسا مطمئنة
ببيعته والعقد بالعهد أحكما
هداهم سنا العرفان والليل قد سجى
فما جهلوا وهو الدليل المناهجا
به عرجوا مستبصرين المعارجا
فجذبهم في السير للخير والجا
بهم أخطر الأهوال حين تقحما
فنزههم عن قيد أي ادارة
وأفرغ مجهوداتهم في العبادة
وميزهم عن غيرهم بالسيادة
فأبعدهم عن كل ألف وعادة
وعودهم شرب الشدائد علقما
فجدوا وشدوا وانتووا شقة النوى(59/411)
وخير لهم في الجهد والعري والطوى
وفي النوح والتذكار والكرب والجوى
فمن بعد عادى النوم والشبع والروى
غدوا حلف الف السهد والجوع والظما
جروا في ميادين الشهود تقدما
وصدق الرجا والخوف فيهم تحكما
فلم يبق كون منهم ماتهد ما
فندمانهم عاد البكاء تندما
وأزمانهم بالنوح قد عدن مأتما
فساروا على تغريد حاد مزعزع
بشوق ملح والتياع مروع
وغابوا عن الأكوان في منتهى معي
وأوردهم بالحزن لجة أدمع
وأورى بهم للخوف نار جهنما
تبدت لهم أكوانهم فتبددت
نفوسهم في السحق والمحق أنفذت
إذا فارقت غورا من الدمع أنجدت
شدائد عدوها فوائد فاغتدت
عوائد أعياد السرور تنعما
مصائب عاموا في بحور صعابها
وقروا على آسادها وذئابها
وطاب لديهم حسوكاسات صابها
ولو جانبوها روم غير جنابها
لعدوا بحكم العدل ذا العدل مأثما
وتلك بفضل العلم أهنى الموارد
وأكرم موهوب واسنى المشاهد
أتعلم مثل العلم مجدا لماجد
هم صدقوه وهو أصدق واعد
وأوفى ذمام حبله ليس أفصما
به قطعوا أصل العلائق والهوى
به أخلصوا في طاعة الحق لا سوى
به روض هذا الكون في عينهم ذوى
به نهجوا في كل منطمس الصوى
فكان لهم في كل يهماء معلما
تبين لهم أسراره كل كائن
ويخلصهم للحق من كل شائن
فطوبى لهم يجري بهم في المآمن
ويملي لهم في السير عن كل مامن
وجال إلى أسوى طريق وأقوما
مقامات أهل الله منه مصابح
وكل مقام حله القوم رابح
وكل مقام العارفين مذابح
وقاسمهم بالله أني ناصح
فأنهى إلى أبهى مقام وأكرما
لقد قام علم القوم للحق معلما
وجلى لهم بالكشف سرا مختما
وفتح أقفالا وأطلع أنجما
وحل لهم رمزا وكنزا مكتما
من السر قد كان الرحيق المختما
به سلكوا في حبه مسلكا جهل
وكلهم بين المشاهد قد ذهل
وكلهم من مورد الحب منتهل
وقال لهم هذا المقام وهذه ال
خيام وذا باب المليك وذا الحمى
هنا موقفي وهو المقام المحدد
فغنوا على هذا المقام وغردوا
وما بعد هذا للمدارك مشهد
فمالي فيما بعد ذلك مصعد
ولا موعد من بعد ذلك الزما(59/412)
هنالك فهم العقل والدرك مندرس
هناك لسان العلم في الشأن قد خرس
هنالك حد السير من يعده افترس
هنالك قد تطوي الصحاف وتنشر الس
جاف فلا يطوى بحدك فافهما
فما بعد هذا للمدراك غاية
فنقطة هذا الحد فيها نهاية
ولا باب إلا أن تكون رعاية
ولا تفتح الأبواب إلا عناية
لمن شاءه ذاك المليك تكرما
تجرد من الدعوى فقد كمل السرى
وراءك لا تقدم فحظك مدبرا
فلست بلاق فوق ذلك مصدرا
فسلم إليه الأمر واطرق المرا
ولا تك في شيء من الأمر مبرما
وقف وقفة المندك مالك حيلة
فحالك في هذا المقام جليلة
ونفسك في عز الجلال وذيلة
وقل بلسان الحال مالي وسيلة
ولا حيلة والهج بقولك ما وما
وعرج على التقديس تستخلصنه
ونفسك نسك لازم فاذبحنه
وشأنك إن أخلصت لا تحقرنه
فان تك لا شيئا هناك فانه
رناك لما أدناك إذ لك قد رمى
أرادك حتى قمت فيه مجالداً
يميتك مشهودا ويحيك شاهداً
وإن ساعة أحياك أبقاك بائداً
وإن ساعة أفناك أبقاك خالداً
بوصف له باق صفاتك أعدما
تفرد ولا تستثن في سبحاته
ووحد صفات الحق توحيد ذاته
وسافر بعين الحق في حضراته
فان هو جلى فيك بعض صفاته
فما كنت أنت الآن أنت المقدما
تفاوت حسب الفيض ذوق ملوكها
فهم بين مثريها وبين ضريكها
مراتبهم شتى بمرقى سموكها
وفيها مقامات لأهل سلوكها
شموسا وأقمارا تنير وأنجما
تفاوت أذواق المحبين رغبة
مراتبهم حسب المقامات رفعة
هيامى إلى "انا فتحنا" ملظة
فمن ذاق منها نغبة مات رغبة
ومن لم يذقها مات بالغم مسقما
وما فاض حسب الفتح من شبه وحيها
وعينه سر الحكيم بطيها
باثباتها ما أثبتت أو بنفيها
معالم تستهدي الحلوم بهديها
العلوم بها كان العليم المعلما
أقام لهم فيها حظوظا مقامة
وأنزلهم حسب الحظوظ مقامة
وقلدهم في العالمين إمامة
فعرفهم إياه منه كرامة
وأشهدهم إياه منه تكرما
توالهم باسم البديع تنزلا
وفي حضرة الفتاح للقوم انزلا
ونورهم نور السموات وانجلى
وخلقهم باسم العليم تفضلا
وكان لهم باسم المبين مسوما(59/413)
فجردهم عنهم لخالص حبه
فما همهم إلا وسائل قربه
عروجا به عنهم إليه بغيبه
وكان لهم عنه فكانوا له به
وقام بهم عنهم إليهم مكلما
تحكم فيهم حبه وتصرفا
وأوقفهم في القبض والبسط موقفا
وأرسل في أسرارهم نفحة الصفا
فمذ عرفوه لم يرموا تعرفا
إلي غيره والغير ثم تعدما
تشعشع فيهم صبحه فانجلى المسا
فهم في ضياء منه والليل عسعسا
بأية طور صبحهم قد تنفسا
وليس لهم جهل هناك وما عسى
لهم أن يروا من بعد ذلك مبهما
تعهدهم إذ زايلوا الخلق بالمدد
فهم في بساط الأنس بالواحد الأحد
وكل بفتح الله فاز بما وجد
وما علموا شيئا بعلمهم وقد
أحاطوا بعلم الكل والله أعلما
فصارت شهادات لديهم غيوبهم
قد امتلأت بالكشف منه جيوبهم
هم العالم الأعلى احتوته جنوبهم
هم لوحة المحفوظ كانت قلوبهم
بهم قلم الأنوار للسر رقما
لهم درجات من لديه تحققت
عليهم بها شمس الحقيقة أشرقت
والطاف وهب من لدنه تدفقت
مواهب قد دقت عن الفهم وارتقت
عن الوهم رقت عن نسيم تنسما
حوى نسخة الامكان ادراك فهمهم
فلا كنه إلا تحت حيطة عقلهم
لهم حضرة القيوم تملى لسرهم
بها انطوت الأكوان في طي علمهم
من العرش والكرسي والأرض والسما
فما السر والاعلان ما الجهر ما الخفا
وحسبهم نور المبين مكشفا
هداهم وصفاهم وجلى الكثائفا
فكانت جميع الكائنات مصاحفا
لهم تهب السر المصون المكتما
بدائع فيض أبدعت بعجائب
ينوعها فتاح باب المواهب
تباديهم بالفتح من كل جانب
لطائف لم تودع صحائف كاتب
تطالعها الافهام والله الهما
أريدوا لها فاستنسخوها على النهى
لقد فككوا والحمد لله رمزها
وكم أدركوا بالعقل أمرا منزها
عن النقل في الألواح لن يترسما
لقد كان تحت الختم من قبل فضه
فصار ظهور البرق في وشك ومضه
وما انفتح المختوم إلا بفيضه
يضيق فضا الأكوان عن شرح بعضه
وكل لسان كل بل ظل مفحما
علوم تجلي من "لدنا" ظهورها
ولم يتعلق باكتساب سفورها
تجلت بأسرار الرجال بدورها
به صحف الارواح أشرق نورها(59/414)
وصين عن الألواح اذكن أظلما
تجرد لها ان كنت في القرب ترغب
ولا تغلون فالشأن من ذاك أقرب
فلست بقرع الباب بالصدق تحجب
لذلك فاطلب ان يكن لك مطلب
ترى كل مطلوب سوى ذاك مغرما
خذ الحزم واجعله إلي الحق مقصدا
واخلص متين العزم صدقا مجردا
ومن قصد الحق استقام وسددا
ففي قصده السبيل ومن عدا
سبيل الهدى نحو الردى قد تيمما
ملابسة الاغيار عين اضاعة
وقصد على حرف نقيض لطاعة
فاخلص ترى الاخلاص أزكى بضاعة
فكن واقفا بالباب في كل ساعة
ترى الذل فيه عزة وتكرما
اتعلم ان الأمر ليس كما هنا
فدع دعوة الشيطان والنفس أوهنا
وخل حظوظ النفس يسحقها الفنا
وجانب رياش الجاه والعز والغنى
وكن باضطرار وافتقار مؤمما
وان شئت قرب الله فالعلم قربة
وان شئت جاها فهو جاه ورفعة
وان شئت وفرا فهو وفر ودولة
وان شئت عز العلم فالعلم عزة
لباس لبوس الذل لله مسلما
طريقان فاختر ما ترى لك أحسنا
اذا كنت تبغي الحق فاهجر له "أنا"
فان "انا" حظ عواقبه العنا
وان كنت تبغي العز والجاه في الدنا
فدع عنك داعي العلم وارحل مسلما
وعش لحظوظ النفس ندبا مكافحا
وعن كل مرغوب سوى الحق جامحا
إليه انطرح للكائنات مبارحا
ودع عنك أدناس المطامع طامحا
لولاك فيه طائعا جل منعما
توجه اليه واجعل الفقر ديدنا
يعدك بالفقر الحقيقي محسنا
فخذ بطريق الفقر بالحق موقنا
ففيه الغنى والفقر إذ رؤية الغنى
هناك الغنى بل منهما اقصده معدما
تعن ولا تستبق للنفس عادة
اتلقى اذا لم تشق فيه سعادة
اذبها واصبرها واسقها مقادة
فلا راحة ترجى لمن رام راحة
ومهما بذلت الروح صادفت مغنما
تلفت لها من حيث ولت وأقبلت
فان لها كيدا وان هي اجملت
عليك بها انحرها وان هي ولولت
ففي بذلها صون لها إن تقلبت
وإلا فقد سيقت إلى ذلك الحمى
فان هي عما يوجب البعد أعرضت
وسلمت الأطوار فيه وفوضت
وشدت بعزم في السلوك وقوضت
هنيئا لها فخرا بما قد تعرضت
لذاك الحمى لو كان مطلبها احتمى
ذر الكون في أثوابه يتغول(59/415)
يروق لوهن الرأي حسنا ويجمل
فما لك دون الحق فيه معول
وان أم أبواب الملوك مؤمل
فيمم الى أبوابه متقدما
كريم لضراء الفقير مراقب
لطيف اذا ضاقت بعبد كوارب
له في القضايا نظرة ومواهب
وأبوابه فتح وما ثم حاجب
وأفضاله شرح وما ثم محتمى
تخلى لربى ظاهرى والذي بطن
وخليتهم والكون والأهل والوطن
كفاني عن زيد وعمر وعن وعن
لأبوابه ما عشت أغشى ولم أكن
لأخشى رقيبا أو عذولاً ملوما
رفضت له الأكوان من ذى سرائرى
وصنت عن التعليل مرمى بصائرى
وسيان فيه نافعي مثل ضائرى
فعندي فيه عاذلي مثل عاذري
ومن فيه عاداني كمن بي ترحما
فلست بذي طرف بفرقتهم قذى
بمذهب أني ذاهب أنا محتذى
طريقة ذي صدق مع الحق احوذى
سأرحل عنهم أجمعين الى الذي
به لذَّ لي ذلي وعزي تهجما
أراني خليل الله وشك ذهابه
وعللني من نغبة من شرابه
وسرت مع المختار تحت ركابه
عسى انني ادعى دعيا ببابه
اذا لم أكن باسم الخديم موسما
فصرت بعين الحق ارفع منزلا
بأي مقام شاءه لي وأنزلا
دعيت دعيا أو وليا مكملا
وإلا فان ادعى به متطفل
افقدري بهذا الاسم يخترق السما
كفاني اختيار الحق في كل موطن
بأية حال أو بأي تعين
فلست لما يختاره عبد ديدني
وان أدع لا شيئا هناك فانني
بذاك لقد أصبحت في الناس مغرما
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> جرد النفس وانهها عن هواها
جرد النفس وانهها عن هواها
رقم القصيدة : 66844
-----------------------------------
جرد النفس وانهها عن هواها
لا تذرها في غيها تتلاهى
زكها بالتقوى فما تفلح النف
س بحال الا على تقواها
واستلمها عن المراعى الوبيا
ت اذا استرسلت الى مرعاها
واتخذ في مراصد الكيد منها
حرسا يكسرون صعب قواها
فلها للعصيان ميل عظيم
لو نفه عن طبعها ما عداها
ولها في المتاب شدة عجز
بعدات التسويف نيطت عراها
ولها في المتاب مكر خفي
جعلته تلبسا من حلالها
ان كيد الشيطان كان ضعيفا
ودواهي النفوس لا تتضاهى
فتيقض لها وقد أمكن الام(59/416)
ر فما الحزم تركها ومناها
فاعتقلها في مبرك الزهد بالخو
ف الى أن تبدو هزالا كلاها
فاذا انحلت القوى فأثرها
لمراعي اليقين تشفي طواها
واذا ا رزمت وحنت لألف الطب
ع فارفض حنينها وبكاها
فمروج اليقين فيها زهور
معصرات التوفيق تسقي رباها
ما رعاها حي فعاش ولا مي
ت فلم يحي ريثما يرعاها
ومتى هب للقبول قبول
بين روضاتها وفاح شذاها
فاسر بالدهس لا الحزون بليل
آمنا من كلالها...وحفاها
ما سرت للأوطان نفسك الا
حمدت غب صبحه مسراها
أنت في هذه الرسوم العتيقا
ت غريب فخلها وبلاها
والبدار البدار للموطن الدا
ئم حيث الحياة القت عصاها
قد تراءات لك الخيام فما عج
زك عن أن تحل وسط فناها
شمر الذيل واركب الليل واصحب
ذات صبر فما السلوك سواها
وعلى الأين فاحتمل كل خطب
سوف تحلو الخطوب في عقباها
واذا شقت المسالك طالت
قصر الشوق للحبيب مداها
ما الكرى والبروق ساهرة ان
كان في الشوق صادقا دعواها
خلف العالم الطبيعي وارحل
للتي لم تخلق لدار سواها
هذه معبر وتلك مقام
فاعبروها لا تعمروا مغناها
عجبا من محجوبة في كثيف
عنصر العالم اللطيف رماها
نسيت انسها بمقعد صدق
وتجافت لويلها وشقاها
حبست في ضنك ووحشة طبع
فتمنت ان لا يحول عناها
ليتها حلقت الى الرفرف الأخ
ضر حيث الأنوار تغذو قواها
رجعي يا ورقاء نوحك للأل
ف فان الولهى تبث جواها
واندبي المعهد القديم عسى الرج
عة قد آذنت اليه عساها
وانقذي من اشراك سجنك شوقا
لرياض نشات بين رباها
جاذبي كفة الحبالة فالحا
بل موف بمدية قد نضاها
واسرحي في الرياض من ملكوت الله
ترعين فيضه في فضاها
لو شجاك التذكار من لوعة البي
ن لمزقت القلب آها وواها
عالم الكون والفساد بليا
ت لك الاختيار فيما عداها
رشحتك الألطاف للحضرة العلي
ا أما ترغبين في لقياها
لهف نفسي على النفوس النفيسا
ت اضاعت اقدارها وعلاها
برزت من مضارب الحق في افض
ية الأمر فاستباها هواها
تانف الوادى المقدس رعيا
ورعت حيث الاسد تفري فراها(59/417)
لو تمنت خلاصها ادركته
وغدت لا تراع وسط حماها
ما ارادت من جيفة الزخرف الحا
ئل لو ابصرت سبيل هداها
تتجلى لها الحقائق لا غي
ن ولا غيم ساتر مجلاها
باهرات الجمال يدعين للوص
ل فتأبى النفوس ان تهواها
غرها الجهل فاطمأنت إليه
ان جهل النفوس أصل شقاها
أيها النفس علم معناك بحر
في عميقات غمره العقل تاها
لو شهدت المسطور في نسخة الغي
ب ومعناك ما حوت دفتاها
وكشفت المستور فيك لايقن
ت بأن الوجود فيك تناهى
أنت في هيكل خبيئة أمر
من حكيم لحكمة امضاها
فاميطي قذاة عينك من بين
زواياه تدركي اياها
فالخفايا عليك في لوحك المحف
وظ لو ما كشفت عنها غطاها
آه يا نفس والبقية من عمر
ك قد اشرفت على منتهاها
آه يا نفس ادركيها فلا مط
مع بعد الفراق في لقياها
ودعيها بالصالحات عسى نف
حة توب ورحمة تغشاها
لست في هذه الحياة على ش
يء سوى ما تلفين في عقباها
فاصدري عن غمار باطلها عط
شى فاصدى عطاشها ارواها
ومسير العطاش اقطع للب
يد وخير الاظماء ما احفاها
فاطمئني وأوّبي وانيبي
واخلصي من افاتها وبلاها
آه يا نفس والعلائق اعدا
ء شداد وانت من اسراها
" يندبون اللوى واندب نجدا
كل عين تبكي على ما شجاها"
ليت اني بيسجن اجتلي النو
ر من العالم الذي لا يباهى
استمد الفيوض في قبضه الوه
بي أو تملأ السيول زباها
قطعت بي قواطع الدهر عنه
حاجة في نفس الزمان قضاها
كشفت لي عنه الحقائق والحق
شهيدي بأنه منتماها
وارث الأنبياء علما وحكما
وسفير عنها الى من عداها
ادرك الملة الحنيفية البي
ضاء اذ فوضت له شكواها
تتضنى مروعة تندب الأبرا
ر حزنا همالة مقلتاها
فاثارته شربة النهر والغي
رة لله في رضا مصطفاها
فحماها وسامها وكذاك ال
أسد تحمي عرينها وحماها
ردها مثل رد يوشع للشم
س وقد غاب نورها وضياها
عجبا اشرقت من الغرب شمس
فاتتنا للشرق يسعى سناها
انها آية وان كان لابد
ع من العارفين من شرواها
درجات الكمال والفضل لاتح
صى وقد حاز شانه اعلاها
تلك آثاره له شاهدات(59/418)
انه للعلوم قطب رحاها
طلعت من جبال مصعب والزا
ب جبال من علمه ارساها
ثم دارت بالأرض كالفلك الدو
ار لا تحصر النهى اقصاها
جاء تفسيره بمعجزة قد
بهرت أهل الابتداع سطاها
يبرق الحق من مصادره العل
يا وينهل العلم من مجلاها
وحدته العقول في الفن حكما
فنفينا الانداد والاشباها
فانهضي نهضة الغضنفر لا تؤ
لين جهدا في قتلها وجلاها
واستعدي الاجناد من طاعة
الله فقد عزك النصير سواها
واعلمى ان طاعة الله لا ينه
ض الا بالعلم قطعا بناها
دونك الجد آفرغي فيه انفا
سك فالهزل ضاق عنه مداها
واستمدي الأنوار من كلمات
الله إن الهدى بحق هداها
هي مرج البحرين فالتقطي الجو
هر من ذا وذاك من فحواها
شرب العارفون منها فهاموا
بمذاقين من رحيق طلاها
راع خلف الستور ما اظهرته
من جمال فكيف ما في خفاها
ان الله في الخفاء نفوسا
في ميادين قدسه اخفاها
حجبتها ستائر اللطف عنها
وجلاها من أمره ما جلاها
اخذتها عناية الله عن اطو
ارها فانتهت بها في حماها
هذه الأخذة التي احرقت قل
بي وطاشت قواي تحت قواها
ليت اني اذهبت الف حياة
وتراءت لي لمحة من خباها
أنا من تيمته غزلان نجد
وخميلات الرند بين رباها
لي نفس لولا التشقي بأروا
ح صباها ذابت بحر جواها
أن يك الغور تيم الغير فالاه
واء شتى وللقلوب هواها
حاك من قبله الضلال نسيجا
غزلته خرقاؤه لشتاها
رقعي يا خرقاء طمرك والأن
واء تحدو ظعونها جربياها
لا يواريك ما غزلت ولايد
فيء في سبرة الشتاء كساها
هذه الحلة التي نسج الح
ق رصينا الحامها وسداها
لم تحك فطرة العقول على من
والها ليس صنعها من قواها
انها فيضة لدنية سي
قت لرباني وهذا سناها
وبحور الفيوض من عالم الوه
ب لأهل العرفان لا تتناهى
ما تلقيت يا محمد ذي الفي
ضة الا وأنت من خلصاها
شمل الكون منك مقباس نور
فانارت عشية كضحاها
ارضعتك الآيات ألباب ضرع
يها فبرهنت هاديا مقتضاها
واقامتك في مقامات ذي التح
قيق حتى نزلت وادي طواها
هكذا يا ابن يوسف الحق لا يتر(59/419)
ك نفسا أحبها وارتضاها
أو تجلى لها الحقائق كشفا
فترى عنه عامضات عماها
قصرت عنك بالثناء وبالحم
د لساني وعزني أملاها
نسبتي للمديح فيك كما بني
وبين النجوم وسط سماها
قد تبركت بالثناء على وجه
ك ابغي به مع الله جاها
فاجزني بدعوة تجمع الخي
رات لي في الدنيا وفي عقباها
ظهرت منك في الوجود كراما
ت رجوت الامداد من جدواها
هل اتى النحلة الاباضية الغراء
ان افلحت بدرك مناها
اذ اتاح التوفيق والقدر السا
بق ارغام كل من ناواها
بتمام التفسير طبعا على هم
ة املاكها واسد شراها
فدعتني هواتف الحق للتا
ريخ والبشر شامل اياها
قلت ارخ دوام "جد وبشر"
ان هميان الزاد طبعا تناهى
قيل فامدح زابا وزد قلت زاب
علم الجهل ظلمة فجلاها
شعراء الجزيرة العربية >> أبو مسلم البهلاني العماني >> يا أخا عبس
يا أخا عبس
رقم القصيدة : 66845
-----------------------------------
يا أخا عبس الحماة الأنوف
والكريم الموصوف بالمعروف
هزك الفضل والفتوة والسؤ
دد والمجد كاهتزاز السيوف
أنت فينا مرزء تحمل الك
ل وتنفي رزئية الملهوف
ان قصدت العلى فليس عجيبا
ليس قصد الشريف غير الشريف
أنت منا كدرة التاج في التا
ج ومثل الربيع حذو الخريف
أنت دون التوصيف فخر لعبس
لم تزد في علاك بالتوصيف
رقم المجد للسراة حروفا
وبيمناك رقم تلك الحروف
قد ملأت الزمان مجدا وفضلا
قف قليلا قد ضاق وسع الظروف
كل شأو من دون شأوك والمق
دار من أي تالد وطريف
ليس من يدعي الفخار يساوي
ك ولا كل ما بنوا بمنيف
لم أصارفك بالرجال وقد أيقن
ت منهم ببهرج وزيوف
ما ظننت الزمان يجحد فضلي
غير أن الزمان جم الصروف
طالما شمر الأعادي لهضمي
فدهاهم مجدي برغم الأنوف
هذه سيرتي وسيرة دهري
حسدوني وأنكروا معروفي
إن نسيت الأشياء لم أنس يوما
كنت لي فيهم غرار السيوف
حاولوا ما رقمته من كمالي
حنقا بالتحريف والتصحيف
بخسوني وطففوا الكيل زورا
ولهم منك سورة التطفيف
هكذا يا أخا المناقب رأي الدهر(59/420)
قد كان في كمال الشريف
بيني الدهر علة ليس تشفى
بدواء حتى لقاء الحتوف
لا تحاول علاجهم بكمال
آفة الدهر في كمال الشريف
وتموت الجعلان في نفحة الطي
ب وتحيا سعيدة في الكنيف
عزة العلم أمجدتني مقاما
فتبينت كل رأى سخيف
ليت شعري هل يرعوي الدهر يوما
من بنات الدهر هز القحوف
عجبا ليس يسلم المجد فيه
كل حر بصخرة مقذوف
ما يريد الزمان من رفعة الند
ل ومن ذلة الكريم العفيف
وعذير الزمان مما أقاسي
ه انفراد الكرام بالمعروف
وعزوم يثيرها كرم النف
س وهم يشيب رأس الصروف
واقتحام المجيد في الروع لا ير
قب سعدا أو ينثني لمخوف
قمت عبد الرحمن لي في مقام
ظلموني فيه كظلم الطفوف
أنكر الملحدون ما أنكروه
فرددت التنكير بالتعريف
رشحت منهم صدور مراض
بحزازات السوء والتعنيف
لم تدعهم على بساط المخازي
بل دحضت الدعوى برأي حصيف
يظهر السوء من بواطن سوء
يرشح الظرف جوهر المظروف
خذ ثنائي كأنه الجوهر المك
نون فاجعله في محل الشنوف
قلمي ساحر القلوب بديع
وبديع الأقلام محض الصريف
دعهم في المخازي والتكذيب اني
متنبي الدنيا بلا تكليف
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أجب أيُّها القلب
أجب أيُّها القلب
رقم القصيدة : 66846
-----------------------------------
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ
مزاميرَ عزّافٍ ، أغاريدَ ساجعِ
لِطافاً بأفواه الرُّاة ، نوافذاً
إلى القلب، يجري سحرهُا في المسامع
تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها
وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع
بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين ، وقولِهم ْ :
أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع
أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ
أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع
وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً
لِطافاً مجاريها ، غِرارَ المنابع
أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً
إذا لم أُشاورْهُ ، ولستُ بسامع
وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً
وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع
يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ(59/421)
متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع
أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ
بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع
بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً
وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع
قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ
يرونكَ - إنْ لم تَلْتَهِبْ - غيرَ نافع
وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما
تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي
ويا شعْرُ سارعْ فاقتَنصْ منْ لواعجي
شوارِدَ لا تُصطادُ إنْ لم تُسارِع
ترامْينَ بعضاً فوقَ بعضٍ وغُطّيتْ
شَكاةٌ بأخرى، دامياتِ المقاطع
وفَجِّر قُروحاً لا يُطاقُ اختِزانُها
ولا هي مما يتقى بالمباضع
ويا مُضْغَةَ القلبِ الذي لا فَضاؤها
برَحْبٍ ولا أبعادُها بشواسِع
أأنتِ لهذي العاطفاتِ مفازَةٌ
نسائِمُها مُرْتْجَّةٌ بالزعازِع
حَمَلْتُكِ حتَّى الأربعينَ كأنَّني
حَمَلْتُ عَدُوّي من لِبانِ المراضع
وأرْعَيْتِني شَرَّ المراعي وبِيلةً
وأوْرَدْتِني مُسْتَوَبآتِ الشَّرائع
وَعَّطْلت مِنّي مَنْطِقَ العقلِ مُلقياً
لعاطفةٍ عَمْيا زِمامَ المُتابِع
تَلفَّتُّ أطرافي ألمُّ شتائتاً
من الذكرياتِ الذّاهباتِ الرواجع
تحاشَيْتُها دَهْراً أخافُ انبعاثَها
على أنَّها معدودةٌ مِنْ صنائعي
على أنَّها إذ يُعْوِزُ الشِّعْرَ رافِدٌ
تلوحُ له أشباحُها في الطلائع
فمنها الذي فوقَ الجبينِ لوقعهِ
يدٌ ،ويدٌ بين الحشا والأضالع
فمنها الذي يُبكي ويُضحِك أمرُهُ
فيفتُّر ثغرٌ عِنْ جُفونٍ دوامع
ومنها الذي تدنو فتبعدُ نُزَّعاً
شواخِصُهُ مِثْلَ السَّرابِ المُخادع
ومنها الذي لا أنتَ عنهُ إذا دَنا
براضٍ ولا منهُ - بعيداً - بجازع
حَوى السِجنُ منها ثُلَّةً وتحدَّرَتْ
إلى القبرِ أخرى ، وهي أمُّ الفجائع
وباءتْ بأقساهُنَّ كَفّي وما جَنَتْ
مِن الضُرِّ مما تَتَّقيهِ مسامعي
ومكبْوتةٍ لم يشفَعِ الصَّفْحُ عندَها
مددتُ إليها مِنْ أناةٍ بشافِع
غَزَتْ مُهجتي حتَّى ألانَتْ صَفاتَها
ولاثَتْ دمي حتى أضَرَّتْ بطابَعي(59/422)
رَبتْ في فؤادٍ بالتشاحُنِ غارِقٍ
مليءٍ ، وفي سمَّ الحزازاتِ ناقع
كوامِنُ مِنْ حِقْدٍ وإثمٍ ونِقْمَةٍ
تَقَمَّصْنَني يَرْقُبْنَ يومَ التراجُع
وُقْلتُ لها يا فاجراتِ المَخادِع
تَزَيَّيْنَ زِيَّ المُحصَناتِ الخواشع
وقَرْنَ بصدْرٍ كالمقابر مُوحشٍ
ولُحْنَ بوجهٍ كالأثافيِّ سافِع
وكُنَّ بريقاً في عُيوني ، وهِزَّةً
بجسمي ، وبُقْيا رَجفَةٍ في أصابعي
وأرعَبْنَ أطيافي وشَرَدْنَ طائفاً
مِن النوم يَسري في العيون الهواجع
ودِفْنَ زُعافاً في حياتي يُحيلُها
إلى بُؤرةٍ من قسوةٍ وتقاطُع
وعلَّمْنَني كيفَ احتباسي كآبَتي
وكيفَ اغتصابي ضِحكةَ المُتَصانِع
وثُرْنَ فظيعاتٍ إذا حُمَّ مَخْرَجٌ
وقُلْنَ ألسنا من نَتاجِ الفظائع
ألسنا خليطاً مِنْ نذالةِ شامتٍ
وَفْجرَةِ غَدّارٍ وإمْرَةِ خانع
تحلَّبَ أقوامٌ ضُرُوعً المنافِع
ورحتُ بوسقٍ من " أديبٍ " و " بارع "
وعَلَّلتُ أطفالي بَشرِّ تعلِّةٍ
خُلودِ أبيهم في بُطونِ المجامع
وراجعتُ أشعاري سِِجَّلاً فلم أجِدْ
بهِ غيرَ ما يُودي بِحِلْمِ المُراجِع
ومُسْتَنْكرٍ شَيْباً قُبيلَ أوانهِ
أقولُ له : هذا غبارُ الوقائع
طرحتُ عصا التِّرحالِ واعتَضتُ متْعباً
حياةَ المُجاري عن حياةِ المُقارِع
وتابَعْتُ أبْقَى الحالَتْينِ لمُهجتي
وإنْ لم تَقُمْ كلْتاهُما بِمطامعي
ووُقِّيتُ بالجبنِ المكارِهَ والأذى
ومَنْجى عتيقِ الجُبن كرُّ المَصارِع
رأيتُ بعيني حينَ كَذَّبْتُ مَسْمَعي
سماتِ الجُدودِ في الحدود الضَّوارع
وأمعنتُ بحثاً عن أكفٍُّ كثيرةٍ
فألفيتُ أعلاهُنَّ كَفَّ المُبايع
نأتْ بي قُرونٌ عن زُهيرٍ وردَّني
على الرُّغمِ منّي عِلْمُهُ بالطبائع
أنا اليومَ إذ صانعتُ ، أحسنُ حالةً
وأُحدوثةً منّي كغير مصانع
خَبَتْ جذوةٌ لا ألهبَ اللهُ نارَها
إذا كانَ حتماً أنْ تَقَضَّ مضاجعي
بلى وشكرتُ العْمرَ أنْ مُدَّ حَبْلُه
إلى أنْ حباني مُهلةً للتراجُع
وألْفَيتُني إذ علَّ قومٌ وأنهلوا(59/423)
حريصاً على سُؤرِ الحياةِ المُنازَع
تمنَّيتُ مَنْ قاسَتْ عناء تطامُحي
تعودُ لِتَهْنا في رَخاءِ تواضعي
فانَّ الذي عانَتْ جرائرَهُ مَحَتْ
ضَراعتُهُ ذَنْبَ العزيزِ المُمانِع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أكلة الثريد !..
أكلة الثريد !..
رقم القصيدة : 66847
-----------------------------------
قلت للمعجَبينَ بابنِ العميدِ
ومُساماتهِ لعبدِ الحميدِ
إنَّ هذا وذاك عبادُ أصنام
ومأساةُ سّيدٍ ومسود
هم أناسٌ تولّعوا بالثريدِ
واستُميلوا بزاهياتِ البُرود
وأتَيْنا من بعدِ ألْفٍ نغني
النفسَ في وصف أكلِهِمْ للثَّريد
قد شَغَلْنا افكارَنا بقديمٍ
وَنَسِينا تقديرَ جيلٍ جديد
أن خيرَ الآدابِ ما انهض الشعبَ
وما فكَّ من إسارِ قيود
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تطويق!..
تطويق!..
رقم القصيدة : 66848
-----------------------------------
نوري ولم يُنعمِ علىّ سواكا
أحد ونعمةُ خالق سَوّاكا
إني وجدت المكرُماتِ مَتاجراً
يبغي ذووها مربحاً إلاّكا
بل لو أشاء لقلت كم من وردة
لي عند جِبس ردَّها أشواكا
جاء القريضُ مطوَّقاً بك لائذاً
وانزاح عنهم مُعرِضاً وأتاكا
طوَّقْتْنى طوقَ الحَمام مبرَّةً
ونصبتَ لي من مِنَّةٍ أشراكا
كم من يد بيضاءَ ضِقْتُ بشكرها
ذرعاً وعاشت - لا تضيق - يداكا
نوري تحيةَ معجب بك مثقل
بجميل صُنعك واثقٍ بعُلاكا
حاشايَ لم أدلِف اليك تزُّلفاً
كّلا ولستَ تُريدهُ حاشاكا
للشعر منزلةٌ لديَّ أُجَّلها
وأُحلها - لو أقدِر - الأفلاكا
لكن وجدت الشعرَ مهنةَ عاجز
إن لم يَقُمْ عني بشكر نَداكا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يراع المجد
يراع المجد
رقم القصيدة : 66849
-----------------------------------
جدع الجبارُ أنَفَ المعجَبِ
واصطلى الطاغي بنيران الأبي
ورأى التاريخُ ما لم يره
من نضالِ الصابرِ المحتسِبِ
يا يراع المجدِ هذي صفحةٌ
اَمْلِ ما شئتَ عليها واكتُب(59/424)
خَبِّرِ الاجيالَ كيف افتخرت
ساحةُ الموتِ بشيخٍ وصبي
وفتاة بالردى هازئةٍ
أمسِ كانت نجمةً في ملعب
امةٌ تنفح عن " معتقد "
وبلادٌ تدّري عن " مذهب "
عانق الموت زؤاماً سادر
ظنَّها " باريسَ " بنْتَ الطرب
واراها كيف رجسُ المعتدي
فأرتْه كيف طُهْرُ المُغضَب
ثم تلته يدٌ " كادحةٌ "
تُحْسِنُ الصَّفعةَ للمغتصِب
يا رجاءَ الكونِ في محنته
يا شُعاعَ الأملِ المستعذَب
يا بُناة الحقِ والعدلِ على
ملعب من قيصريٍ خرب
سجدَ ابنُ العقلِ والفقرِ به
مرغماً لابنِ الخنا والذهب
يا ينابيعَ رجاءٍ فُجَّرتْ
لظِماءٍ وجياعٍ سغّب
يا نقاءَ الفكرِ في جوهره
لم يُدَلَّسْ بالكُنىَ والرُّتَب
تأنف القدرةُ في ذِرْوَتِها
وإلهٌ في السما أن تُغْلَبي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> سواستبول
سواستبول
رقم القصيدة : 66850
-----------------------------------
يا "سواسبولُ " سلامُ
لا يَنَلْ مجدّكِ ذامُ
لا عرا السيفَ حساماً
ذَرِبَ الحدِّ انثِلام
لا يَنَلْ منكِ بما
أوذيْْتِ في اللهِ اهتضام
لكِ فيما يُنقِذُ العالَمَ
رَوْحٌ وجِمام
في الضَّحايا الغُرِّ من آلِكِ
للحقِّ دِعام
كلُّ شِبْرٍ فوقَهُ مِن
جُثَثِ القتلى وِسام
يذهبُ الدَّهرُ ويبقى
من تفانيكِ نِظام
الحِفاظُ المرُّ ما انتِ
عليهِ والذِّمام
والحِفاظُ المُرُّ - أُغرمْتِ به -
موتٌ زُؤام
يا " سواسبولُ " سَقاكِ
الدَّمُ
أعَلَى الذَّبْحِ استباقٌ ؟
أعلى الموتِ ازدحام ؟
أهيَ سوقٌ لمبارةِ
الَّلذاذاتِ تُقام؟
ألرَّدى والمجدُ والأشلاءُ
والصُلْبُ رُكام
قلعةٌ شرقيَّةٌ في
كُرْبَةِ الأرض ابتِسام
يَهرَمُ الدَّهرُ فانْ عَنَّتْ
له فهوَ غُلام
شامخٌ ممَّا أتى
أبناؤها الصيِّدُ الكِرام
شُعْلَةٌ للحقِّ غطَّها مِنِ الظُلْمِ ضِرام
يا " سواسبولُ " سلامُ
وانحناءٌ واحتشام
ما عسى يَبلُغُ - مِن
هذا الذي جئتِ - كلام
وعلى أرضِكِ آياتٌ
بلِيغاتٌ " عِظام"
هيَ في السَّلْمِ حياةٌ
وهيَ في الموتِ احترام(59/425)
حولَ أسوارِكِ مِن أطياف ِ
" أنصارٍ " زِحام
مُنْهَكاتٌ فقعودٌ
مِن وَجيْبٍ وقِيام
نُثِرَتْ كَرْهاً
سُجَّداً حولَكِ هام
يا " سواسبولُ " ووجهُ
الدَّهرِ يَصْحُو ويُغام
وسنا البدرِ انتكاساتٌ
فنَقْصٌ وتَمام
ومنَ السُقْمِ علاجٌ
ومنَ البُرْْءِ سَقام
يا مناراً يُرشِدُ العالَمَ
والدُّنيا ظَلام
مرَّ عامٌ ، كلُّ يومٍ
منهُ في التأريخ عام
كلُّ آنٍ يَسألُ العالمُ :
ماذا يا عِصام؟
كيفَ " خَرْكوفُ " وهلْ بَعْدُ
عِتابٌ أو مَلام؟
كيفَ " رُستوفُ " لها بـ " الأسودِ "
الطَّامي اعتصام
وهَلِ القَفْقاسُ - كالعهدِ
جيادٌ وَسوام
وأغانيُّ ، وأرباضٌ
، وكَرٌّ ، واقتحام
لبنيهِ والذُّرى الشُمِّ
على الموتِ اعتِمام
صهوةُ الأدهمِ ،
والفارسُ يُزهَى ، والحُسام
زُبُرُ " الفولاذِ " قدْ أفرغَها
قيْنٌ هُمام
أُمةٌ لا صَدْعَ فيها
لا ارتجاعٌ ، لا انقسام
إنَّهُ " الايمانُ " إيثارٌ
وعدلٌ ، ووئام
مُثُلٌ زالَ بها جُوعٌ
، وجهلٌ ، واحتكِام
هكذا تُنْبتُ أرضٌ
هيَ بالحقِّ اقتسام
يَملِكُ الزَّارِعُ ما يزرَعُ
لا عَبداً يُسام
صرَّحَ الشرُّ وجَلَّى
وانجّلى عنهُ الّلِثام
وبدا الغدرُ شَتِيمَ الوجهِ
يعلُوهُ القَتام
وَخُمَ المرتَعُ بالباغي
وحَلَّ الاِنتقام
جَرَتِ الفُلْكُ مُلِحَّاتٍ
وحانَ الارِتطام
دُوْنَكِ الغارِبَ جُبِّيهِ
فقد جُبَّ السَّنام
بَيَّتَ الجاني على " الفَعْلَةِ "
فالصَّفْحُ أثام
واستوى الحالُ فمعنى
أن يَعِفّوا أنْ يُضاموا
فالدمُ الغالي حَلالٌ
وتحاشيهِ حَرام
بَرَّرَ " الفَجْرَةَ " واستامَ
الخَنا ، جيشٌ لُهام
فالقُرى ، والشِّيبُ ، والرّضَّعُ
، للنَّارِ طعام
أهيَ ذي القُوَّةُ
يعتَزُّ بها هُجْنٌ طَغام
أيُّ سُخْرِيَّةِ أهواءِ
أُناسٌ أمْ هَوام؟
الحْديدُ الضَّخْمُ يَختارُ
أحَرْبٌ أمْ سلام؟
والخَنا والنُبْلُ يقضي
فيهما هذا الحُطام؟
ما لهذا الوحشِ مِن
ناهٍ ؟ وللخيلِ لجام
فَسلُوا المعطاشَ للدَّمَّ
أمَا بُلَّ الأُوام؟(59/426)
وسلُوا الحُبلى لَقاحَ
الشَّرِّ هلْ بعدُ وِحام؟
بشِعَ الفنُّ وذابتْ
صُوَرُ الرّفْق الوِسام
وانبرى أشنعَ ما
خَطَّ وشَطَّ الاِجترام
جَمَدَ الطفلُ على الثَّدي
فهلْ هذا انسجام؟
وهَلِ البَتْرُ ابتداعٌ
وهَلِ السَّمْلُ التزام؟
وهل الألوانُ ، والأضواءُُ ، سِيقانٌ وهَام؟
وهل الحِيطانُ بالأحياءِ
تُبنى وتُقام؟
فِكْرةٌ مِنَ وحْيِ أهلِ
الكَهْفِ ، إذ مَلّوا فناموا
يا سواسبولُ : سلامُ
وهيامٌ ، غرام
وتسابيحٌ تَغنَّى
بكِ ما غَنى حَمام
يا سواسبولُ : سيَنْجابُ
مِن الشَّرِّ قَتام
وستستيقِظُ أجيالٌ
على الذُلِّ نِيام
وسيَنْجَرُّ على شوكِ
الجْماهيرِ عُرام
يا سواسبولُ : مصيرُ البغيِ
ما دََّوى رَغام
وحديدٌ صُبَّ في مُستَنْقَعِ
العُهْرِ كهام
يا سواسبولُ : سلامُ
لا يَنَلْ مجدَكِ ذام
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أمم تجدُّ ونلعَب ..
أمم تجدُّ ونلعَب ..
رقم القصيدة : 66851
-----------------------------------
أُممٌ تَجِدُّ ونَلعبُ
ويُعذَّبون ونَطرَبُ
المَشرِقُ الواعي يَخُط
مَصيرهُ والمَغرب
فهُنا دمٌ يَتعهَّد الجيلَ
الجديدَ فَيُسكب
وهنا كِفاحٌ - في سبيلِ
تحرُّرٍ - وتوثّب
وهنا جماهيرٌ يخُبُّ
بها زعيمٌ أغلَب
ونعيشُ نحنُ كما يعيشُ
على الضفافِ الطُحْلُب
مُتطفِّلينَ على الوجودِ
نعومُ فيه ونَرْسُب
مُتذبذِبينَ وشرُّ ما
قتلَ الطُموحَ تَذبذب
نُوحي التطَيرَ كالغُرابِ
إلى النفوس وَتْعَب
ونبُثُّ رُعباً في الصفوفِ
بما ندُسُّ ونكذِب
نَدعو إلى المستعمرينَ
لسوِطهم نَتَحبَّب
نَهوى تَقَربَهم وفيه
حتفُنا يتقرّب
متخاذلينَ كما يشاءُ
تعنّتٌ وتعصّب
إنَّ العراقَ بما نُحَشِّدُ
ضِدَّه ونؤلَّب
بيتٌ على يدِ أهلهِ
مِمَّا جَنَوا يَتخرَّب
إنَّ الحياةَ طريقُها
وعرٌ بعيدٌ مُجدِب
عرَقُ الجبينِ على
الدماء فويَقها يتصببَّ
ومِنَ الجماجم ما يَعيقُ
الواهنينَ ويُرْهِب
يَمشي عليها الآبِنُ
يُنجِزُ ما تَرَسَّمهُ الأب(59/427)
ولكَم تخلَّفَ مَعشرٌ
عنها وشُرِّدَ مَوكب
ووراءها الواحاتُ طابَ
مراحُها والمَشرَب
ونُريدُ نحنُ لها طَريقاً
منهجاً لا يُنْصِب
الجَاهُ ينْعَمُ تحتَ
ظِلِّ جِهادِنا والمنَصِب
قُلْ للشبابِ تحفَّزوا
وتيقَّظوا وتألَّبوا
وتأهِّبوا للطارئاتِ
فانَّها تَتأهَّب
سيَجِدُّ ما سيطولُ
إعجابٌ به وتعجّب
سيزولُ ما كنَّا
نقولُ مُشرِّقٌ ومُغرِّب
ستكونُ رابطةَ الشعوبِ
مبغَّضٌ ومُحَبَّب
سِيروا ولا تستوحشوا
ورِدُوا ، ولا تَتَهيَّّبوا
لا تَظمأوا إن الحياةَ
مَعينُها لا يَنْضُب
سِيروا خِفافاً ، نَفْسُكمْ
وصَفاؤها ، والمذهب
لا تُثقلوها بالعويصِ
وبالغريبِ فتتعَبوا
وتَلَمَّسوا أُفقاً تلبَّدَ
غَيَمُهُ ، وترقَّبوا
يَنْهّضْ لكُمْ شَبحٌ
بمسفوحِ الدماءِ مُخَضَّب
غضِرُ الصِبا وكأنَّه
مِمَّا تغبَّرَ أشيب
ذو عارضتَينِ فمؤنسٌ
جَذِلٌ . وآخر مُرعِب
يَرنو إلى أمسٍ فيعبِسُ
عندهَ ... ويُقطِّب
ويلوحُ فجرُ غدٍ فيركُض
نحوه ويُرحَّب
يأوي إليهِ مُعمَّر
ويخافُ منه مُخرّب
مخضَ الحياةَ فلم يُفُتْهُ
مُصرَّحٌ ومُرَوَّب
وانزاحَ عنْ عينيهِ ما
يُطوى عليه مُغَيَّب
فاستلهِموهُ فخيرُ من
رَسَمَ الطريقَ مُجرِّب
لا تجمُدوا إنّ الطبيعةَ
حُرَّةٌ تتقلَّب
كونوا كرقراقٍ بِمَدرجةِ
الحَصى يتسَرَّب
نأتي الصخورُ طريقَه
فيجوزُهنَّ ويَذهب
وخُذوا وُجوهَ السانحاتِ
منَ الظروفِ فقلِّبوا
فاذا استوَتْ فتَقحََّّموا
وإذا التوَتْ فتَنكبَّوا
وإذا وجدتُم جذوةً
فضعوا الفتيلَ وألهِبوا
مُدُّوا بأيديِكم إلى
هذا الخليطِ فشذِّبوا
وتناولوا جَمراتِكم
آناً وآناً فاحصِبوا
لا تَحذَروا أن تُغْضِبوا
مَن سرَّهُ أنْ تُغضَبوا
كُونوا كعاصفةٍ تُطَّوحُ
بالرمالِ وتَلعب
وتطلَّبوا بالحتفِ مَن
لحتُوفِكُمْ يتَطلَّب
لا يُؤيسَنَّكُمُ مُقلُّ
عَديدكم أنْ تَغْلِبوا
إنْ لم يكنْ سببٌ يَمُدُّ
خُطاكُمُ فتسبَّبوا
لا تَنْفروا إن الحياةَ
إليكمُ تتقرَّب
لكمُ الغدُ الداني القُطوفِ(59/428)
وصَفْوُهُ المُستَعْذَب
إنّ النضالَ مُهِمَّةٌ
يَعيا بها المُتَرهِّب
سَيرى الذينَ تدَّثروا
وتزمَّلوا وتَجَلْببوا
وتحدثَّوا نَزْراً كمِعْزاةٍ
بجدب تُحلب
وتَنادَروا هَمْساً كما
ناغَى " جنيدبَ " جُنْدُب
خطواتُهمْ وشِفاهُهم
ورْوسُهم تَترتَّب
نَسَقاً كما الآجُرُّ صَفَّفَهُ
صَناعُ مُدَرَّب
إنّ الحياةَ سريعة
وجريئة لا تُغْلَب
تَرمي بأثقالِ السنينَ
وراءها وتُعَقِّب
وتدوسُ مَن لا يستطيعُ
لَحاقها وتؤدِّب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بنت بيروت ...
بنت بيروت ...
رقم القصيدة : 66852
-----------------------------------
يا عَذبَةَ الرُوح يا فتّانَة الجَسدِ
يا بنتَ " بيروتَ " يا أنشودةَ البَلدِ
يا غيمةَ الشَعرِ مُلتاثاً على قَمر
يا بَسمةَ الثغر مفترَّاً عن النَضَد
يا رَوعةَ البحرِ في العينينِ صافيةً
يا نشوةَ الجبَلِ الملتّفِ في العضُد
يا قَطرةً من نِطاف الفجر ساقطها
من " أرز " لبنانَ خفَّاقُ الظلالِ ندى
يا نَبتة الله في عَليا مَظاهرِه
آمنتُ بالله لم لم يُولَد ولم يَلِد
يا تلعةَ الجيدِ نصَّته فما وقَعَت
عَينٌ على مِثله يَزدانُ بالجَيَد
يُطِلُّ منها بوجهٍ أيِّ مُحْتَملٍ
ويَستريحُ بصدرٍ أيِّ مقتعَد
يا جَوهرَ اللُطفِ يا معنىً يضيقُ به
لَفظ فيقذِفُهُ الشِدقانِ كالزَبَد
أعِيذُ وجهَكِ أن أشْقى بِرقَّتِه
وفَيْضَ حُسنِك إن يَعيا برِيِّ صدى
ولا يليقُ بأجفانٍ أنشِّرُها
على جمالكِ أن تُطوى على السُهد
يَدٌ مَسحتُ بها عَيني لأغمِضَها
على الهوى ، ويدي الأخرى على كَبِدي
وَرَدتُ عن ظمأٍ ماءً غَصِصتُ به
فليتَ أنَّيَ لم أظَمأْ ولم أرِد
قالَ الرِفاقُ ونارُ الحُبِّ آكلةٌ
مِن وَجنْنتَّي أهذا وجهُ مُبَترِد
لمْ أدرِ أذكُرُ " بيروتاً " بأيِّكما
أأنتِ . أم لَوعتي ياليلةَ الأحد
عَجّ الرصيفُ بأسرابِ المها وهَفا
قلبي بزفرةِ قَنَّصٍ ولم يسِد
فمِن مُوافيةٍ وعداً ، وراقبةٍ(59/429)
وعداً ، وأين التي وَّفت ولم تَعِد؟
فُويقَ صدرِكِ من رفق الشبابِ به
أشهى وأعنفُ ما يُعطى لمنتهد
كنزانِ مِن مُتَع الدُنيا يُقِلُّهُما
جمُّ الندى سَرِفٌ في زيِّ مُقتَصِد
قالوا تَشاغَلَ عن أهلٍ وعن ولَدٍ
فقال نهداك : لم يَشغَلهْ من أحد
سوى رَضيِعي لبانٍ توأمٍ حُبِسا
رهنَ الغِلالة إشفاقاً مِن الحَسَد
راجَعتُ نَفسي بما أبقى الشبابُ لها
وما تخلَّف من أسئاره بِيدي
فما أمرَّ وأقسى ما خرجتُ به
لولا بَقيةُ قلبٍ فيَّ مُتَّقِد
أمسى مَضى بلُبانات الهوى . وأتى
يَومي يُمهِّد بادي بَدءةٍ لِغَدي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ستالينغراد...
ستالينغراد...
رقم القصيدة : 66853
-----------------------------------
نضت الروح وهزتها لواء
وكسته واكتست منه الدماء
واستمدت من إله الحقل . والبيت
والمصنع . عزما ومَضَاء
رمتِ الزرعَ بعين أثلجَ الدَمعُ
فيها ضرمَ الحِقدِ اجتواء
أعجلت عنهُ فآلت قَسَماً
أن ستسقيه دمَ الاعداءِ ماء
ومشت في زَحمةِ الموتِ على
قدمٍ لم تخشَ مَيلا والتواء
اقسمت باسم عظيمٍ كرمت
باسمِه أنْ لا تهين العظماء
يا " ستَالينُ " وما أعظمَها
في التهجي أحرُفاً تأبى الهجاء
أحرف يستمطرُ الكونُ بها
إنعتاقاً وازدهاراً وإخاء
خالق الامة لم يمنُنْ ولم
يبغِ - لولا أرَجُ الزهر - ثناء
وزعيمٌ شعَّ فيمنْ حولَه
قبسٌ منه فكانوا الزعماء
زَرَّ بُردْيهِ على ذي مِرّةٍ
فاض إشفاقاً وبأساً وعناء
مسّه الظلمُ فعادى أهله
وامترى البؤسَ فَحَبَّ البوساء
وانبرى كالغيمِ في مُضْحِيَةٍ
فسقى دهراً وأحيا وأفاء
بُوركَ الباني وعاشت أمةٌ
وفتِ الباني حقوقاً والبناء
قيل للعيشِ ففاضت امناء
وإلى الموت ففاضت شهداء
ومشى التاريخُ موزونَ الخُطى
ما انحنى ذُلاً ولا ضجّ ادعاء
هذه التربهُ لا ما سُمِّيت
وطناً يُنبِتُ جوعاً وعراء
وهي ذي الحفرة إذ طارت عَجاجاً
الفُ نفسٍ معها طارت فداء
وهو ذا العِرضُ فهل تبغي وقاةً(59/430)
مثلَهم أو مثل ذا تبغي وقاء
قف على " القَفْقاس " وانظر
موكبَ المجدِ والعزةِ يمشي خُيَلاء
وسلِ ( القوزاقَ ) هل كان دماً
لمعانُ السيف أم كان طلاء
وجدَ الغادرُ من قسوتها
ما رأى من لطفها الضيفُ سخاء
والعتاقُ الجردُ هل لاقت بما
عاقها من جثث القتلى عناء
نفخت من وَدَجَيْها أن رأتْ
مُمْتطَى فارسِها أمسى خلاء
فهي والغيظُ مرى أشداقها
تعرِكُ اللُّجْمَ وتجتّر الغثاء
واحتواها رهَجُ الحربِ فما
تُبصر الأرضَ عتواً وازدهاء
من على صهوتِها يمنحُها
شرف " الفارسِ " عزماً وفتاء
ياعروسَ " الفلغِ " والفلغا دمٌ
ساءت البلوى فاحسنت البلاء
صبغ " الدونَ " دماءين هما
بُعدُ بين الرجس والطهر التقاء
وجرت امواجُه حاملةً
فوقها الضدينِ صبحاً ومساء
وعلى الجرفين " عظمان " هما
رمزُ عهدَيْنِ انحطاطاً وارتقاء
يا ابنة النهرين دومي شَبَحاً
لقويٍّ وضعيفٍ يتراءى
للمهينين عقاباً وجزاء
والمهانين انتفاضاً وإباء
كنتِ اسمى مثلاً من ظَفَرٍ
لم تلده خططُ الحربِ دهاء
غلب الغالبُ فيه وانثنى الطوقُ
- كالحبل - على الطوق انثناء
كنت رمزاً ألْهَمَ الجيلَ الفداء
وهدى الأعقاب ما شاءت وشاء
حسِبوا أمرك ما قد عودوا
صعقَ الحربِ اتقاداً وانطفاء
وابتداء من حديدٍ ودمٍ
يمهَرُ الفتح به ثم انتهاء
واستجاشوا - فيلق الموت على
ظمأ للدم منَّوه ارتواء
ومضوا فيما أرادوا خطوة
أوشك اليأس بها يمحو الرجاء
وجف الغربُ على وطأتِها
وأمالت كلكلَ الشرقِ فناء
وتلوت جيرةٌ طماحةٌ
أفناء تَتَلَقّى أم بقاء
حملت حاضرَها واثقةً
أنَّ في مستقبلٍ آتٍ عزاء
وانبرى التاريخُ في حَيْرتِهِ
أأماماً يتخطّى ام وراء
وسرت انباءُ سوءٍ تَدّعي
أن ريحاً تُنِذرُ الدنيا وباء
حُلُمٌ حلوٌ مُمرٌّ مؤنسٌ
مُوحشٌ سرَّ بما جاء وساء
طاف بالكون فأغفى اهلهُ
تعساءً و أفاقوا سعداء
فاذا العزة في عليائها
تتضرّى فتدوسُ الكبرياء
وإذا الأنقاض في كُرْبتِها
تُفْعِمُ المكروبَ كالرَّوض شذاء(59/431)
واذا المنقضُ من أحجارها
لمح النجمَ تعالى فاضاء
وإذا الطاغوتُ في أعراسه
يملأ الدنيا نحيباً وبكاء
أنتِ امليت على تاريخه
طافحا بالكبر ذلاً واختذاء
ومحوتِ العجب من اسطاره
وملأت الصَّلَفَ المحضَ ازدراء
وصفعتِ الدنَّ في يافوخِهِ
صفعة لم تُبْقِ خَمْراً وانتشاء
حسب من ضاقت ثناياكِ به
أنه يبغي فلا يَقوى النَّجاء
وكفى المحتلَ هَوناً أن يُرى
الاسرون الغلبُ منه اسراء
نحنُ أهلَ الأرض لو نقْوى وفاء
لرفعناكِ على الأرض سماء
لجعلنا كلَّ عينٍ - مثلما
كلَّ قلب - تتملاكِ اجتلاء
نَعْمَ ما أسدَتْ يدٌ آثمةٌ
كشفت عن وجهِكِ الحرِّ غطاء
عاصفٌ مر فجلّى وانجلى
بدت الشمسُ به أبهى سناء
وضح الحق الذي طال خفاء
وتولى زَبَدُ الكِذبِ جُفاءا
وحّدَ العدلُ شعوباً خلطاء
عمروا الأرضَ وعاشوا خلصاء
وجدوا في تربة تجمعُهمْ
كلّ ما يُطْلبُ في الخُلْدِ اشتهاء
ورأوا في السّلمِ ديناً يُقْتَضى
ورأوا في الحربِ للدَّين اقتضِاء
اترجي - أن تنجي وطنا
من يد الموت - جنوداً فقراء
إن للحرب رجالا ليتَهُمْ
خبّرونا أنَّ للحرب نساء
وغيورات أبى تاريخها
أن ترى دون الغيورين غَناء
زانها الطهرُ رُواءً وارتمتْ
في مُثار النقعِ فازدادت رُواء
ذادت الامُّ عن البيت وقاء
وارتمى الطفلُ على الامِّ افتداء
وتعزَّت حين أخلت طُنفا
لم تَصُنْه - أنها صانت فِناء
" أم غوركَي " ليت عندي وحيه
لأوفى ( بنتَك ) اليومَ الثناء
لو يعود اليومَ حياً لرأى
مثلَها ألفْاً تهزّ البُلَغاء
بل ولولا أن غوركي أمه
مثلُ هذي لم يُبزَّ النبغاء
يا " تولستوي " ولم تذهبْ سدى
ثورةُ الفكر ولا طارت هَباء
يا ثرياً وهبَ الناسَ الثراء
قُمْ ترَ الناسَ جميعا أثرياء
قُمْ تَجِدْهم ما لكِي غلّتهِمْ
من على عهِدك كانوا الأجَراء
هكذا ( الفكرةُ ) تزكو ثَمَراً
أن زكت غرساً ، وأن طابت نماء
قد محصتَ حقاً وادعاء
كلم يخترق السمع سواء
ووجدت الناسَ من جهلِهِمُ
لا يَميزون ثُغاء ورُغاء(59/432)
استُغلوا فهُمُ من بأسِهمْ
لا يكادون يَعون الأنبياء
فحملت " البعثَ " باليمنىَ لَهم
وعلى اليسرى هناء ورخاء
وشجبت الرفقَ والرحمةَ من
نفر ليسوا بحق رُحَمَاء
ينشُدون الناس أحراراً وهم
ملأوا البيتَ عبيداً وإماء
وكَسَوْا كلبهُمُ الخزَّ ومنْ
حولهمْ يلتحفُ الجمعُ العراء
ووجدت الذئبَ في حالاتِه
ربما رافق معزاة وشاء
قد يكون الكذب مفضوحا هراء
ويكون الصدقُ مدسوسا وباء
ويكون الحقُ - ما بينهما -
باطلاً والطالحون الصلحاء
يا ابنةَ النهرين هذا نَسَبٌ
من ولاءٍ لو تقبلتِ الولاء
بَعُدَ المَرْمى بما استهدفتِه
واختذى السهمُ فقصرتِ عياء
وارتمى الحسُّ على الحسِّ فما
يستطيع اللفظُ للوعي اداء
ومن الظلم - الذي تابَيْنَه
أن تسومي المعجزاتِ الشعراء
عاطفاتٌ حُوَّمٌ عاجت على
أبْحُرِ الشعر فردتها ظماء
وهي ما كانت لتدلي سببا
لك ، لولا أنها كانت بَراء
لم تُثِرْها نزوةُ النفس ، ولم
يُزهها العُجْبُ ولم تنبِضْ رياء
جُلُّ ما يسعفني به
أن يلبي " الفمُ " للقلبِ نداء
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يوم الجيش الأحمر ..
يوم الجيش الأحمر ..
رقم القصيدة : 66854
-----------------------------------
بلادٌ مُفَدّاةٌ وجيشٌ مظفرُ
وقائدُ جيشٍ في البلاد موقّرُ
وفتحٌ مُبينٌ يَقْصُرُ الشعر دونَهُ
وللنثرُ عما يعجز الشعر أقصر
وحراس حق يرقب الكون كلّه
مصيراً على أيديهم يتقرّر
اذا خَطَروا فالبِيضُ تنطفُ بالدِّماء
تحييّ خُطاهم . والجماجمُ تنشر
وذكرى كأن الدهرَ في جَريَانه
يُقاسُ بها والشمسَ منها تَنَوَّر
ستالينَ يا لحنَ التخيّل والمنى
تغنيه أجيالٌ وتَرْويه أعصُر
ويا كوكباً في عالَمٍ غَمَّ جوُّهُ
بلألائه يَسْترشِدُ المتحيّر
أرد خطةً تَقْدِرْ وتَنْجَحْ فاننا
عَرَفْناك تُمضي ما تُريد وتَقْدِر
كأنَّ بناتِ الفكرِ في كُل خُطةٍ
تَخُطُّ ورأيٍ عبقريٍ تُدبِّر
حظايا ترجى نظرةً منك أيَّها
تُريدُ وأيَّاً تنتقي وتَخَيَّر(59/433)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تونس..
تونس..
رقم القصيدة : 66855
-----------------------------------
رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا
ويا شرقُ عُدْ للغربِ فاقتَحمِ الغَرْبا
ويا شرقُ هَلْ سَرَّ الطواغيتَ أنَّها
فويقَكَ أشلاءٌ مبعثرةٌ إربا
يدٌ جَذَّ يومُ القيروانِ عُروقَها
وظهرٌ على القفقاسِ مستعلِياً جُبَّا
ويا طارقَ الجيلِ الجديدِ تلفُتاً
إلى جبلٍ إجتازه طارقٌ دَرْبا
أثرتَ لنا في غَمرةِ النصرِ خَطْرَةً
من الذكرِ فيها ما نحبُّ وما نأبى
هزَزْنا بها ذِكرى ، وتِهنا بزهوها
بُدوءاً ، ونُحنا من تصوَّرها عُقْبى
لمثلِ الذي تَبْغي من الحقِّ قادَها
إلى الموتِ ، لم تسألْ به السَّهْلَ الصَّعبْا
حَدا من جيوشِ الوحي والنصر ما حدا
وعَبَّا من الإيمانِ بالنصر ما عَبَّا
كنارِ " ابن عمرانَ " التي جاءَ قابساً
سناها حريقٌ في سفائنهِ شبَّا
وألواحُها " الألواحُ " لولا " رسالةٌ "
على " قُرَشيٍّ " لم تُرِدْ عينُه الربَّا
تخطَّتْ إلى مَحْميَّةِ الغربِ أُمَّةٌ
حمتْ فأجادت قبلَها عن حِمّى ذَبَّا
تحدَّتْ عُبابَ البحرِ تُزعجُ حُوتَهُ
ومن قبلهِ في البرّ أزعجتِ الضَّبَّا
أولاءِ " البُداةُ " الغامطُ النّاسِ حقَّهم
وتلكَ التي منها العربَ العَرْبا
لَتِلكَ قلوبٌ نَنشُدُ اليومَ مِثْلَها
أبى دينُها أنْ تجمعَ اللهَ والرُّعبا
سرَتْ كشُعاعِ النورِ في فَحمةِ الدُّجى
ومثلَ النسيم الرَّخْو في يَبَسٍ هبَّا
وفي ذلَّةٍ عزّا ، وفي ضَلَّةٍ هُدىً
وفي جَنَفٍ عدلاً ، وفي جَدَبٍ خصبْا
وفي عصبيَّاتٍ غِلاظٍ تسامُحاً
وفي مُلْتوٍ مِنْ نهجها منهجاً لحَبا
أطلت على " مدريدَ " تُسمِعُ دعوةً
وسارتْ إلى " باريسَ " تَسمعُ من لَبَّى
ودبَّتْ مَدَبَّ الروحِ في الكونِ رحمةً
وشدَّتْ لجسمٍ خائرٍ مُتْعَبٍ صُلبا
ومدَّتْ برفقٍ كفَّها فتلَمَّسَت
جراحَ بني الدُّنيا فآستْ لهم نُدْبا
وآوتْ من الأديانِ شتَّى وأطْلَعَتْ(59/434)
مِن الخطراتِ النيّراتِ بها شُهْبا
وحامَتْ يَراعاً جالَ في جَنَباتِها
وصانَتْ - عليها أو لها - مِقولاً ذَرْبا
وما سَمَلَتْ عيناً ، وما قَطَعَتْ يداً
ولا حجزتْ رأيا ، ولا أحْرَقَتْ كتبا
نظرتُ إلى ما كانَ منها . وما جرى
عليها ، وما يأتي الشقاقُ إذا دَبَّا
وكيفَ أفاءَتْ ما أرادتْ ظِلالَها
وكيفَ اغتدَتْ مستثقلاً ظِلّها ، نُهْى
فقلتُ : وبعضُ القولِ عُتْبى وبعضُه
عتابٌ ، وشرُّ القولِ عتبٌ بلا عُتَبى
أساءَت صنيعاً أُمَّةٌٌ مستكينةٌ
صبورٌ على البلوى إلى أُمَّةٍ غَضْبى
سقى " تونساً " ما يدفعُ الخَطْبَ ، إنَّها
بخُضْرَتِها تُكْفَى الذي يدفعُ الجَدْبا
وحَيَّاً القِبابَ البيضَ رَوْحٌ كأهلها
رقيقُ الحواشي يَمسحُ الماءَ والعُشْبا
ورافقَها نورٌ من الوعيِ مُسْفِرٌ
كأنوارِ أسحارٍ ترقرقها سكبا
نَحنُّ لِذكراها ، ونشكو افتقادَها
كما شَكَتِ العينُ التَّي افتقدَتْ هُدْبا
ويا" مونتكُمري " لو سقى القولُ فاتحاً
سقَتْكَ القوافي صفَوها السلسلَ العذْبا
ولو كانَ ذَوْبُ العاطفاتِ نِثارةً
نَثْرنا لكَ الإعجابَ والشكرَ والحُبَّا
نضتْكَ لدَرْءِ الشرِّ عَضْباً " صياقلٌ "
أعَدَّتْ لِلُقْيا كلِّ مستكبرٍ عَضْبا
حلَلْتَ على " روميلَ " كَرْباً ، وقبلَها
أحلَّ بأدهى منه " ولنِكْتِنٌ " كربا
وأنتَ انتزعتَ النصرَ من يدِ قادرٍ
عليهِ ، ولم ترحَمْ معنّىً به صَبَّا
ودحرجتَهُ عن " مِصْرَ " وهوَ مُعرِّسٌ
بأحلامهِ ، يُحصي الخراجَ الذي يُجْبى
وغرَّتْهُ من ريحِ الصحاري قَبُولُها
فكيفَ رآها وهي مُعرِضةٌ نَكْبا
دَحَا أرضَها ، وانصَبَّ كالموتِ فوقَها
ولُحْتَ له مَوتاً على الموتِ مُنصَباً
تركتَ الَّذي رامَ السَّما يلمِسُ الثَّرى
ومنْ كانَ يشكُو بِطنَةً يشتكي السَّغْبا
وبَصَّرْتَهُ لَّما تَصَعَّرَ خدُّهُ
بأنَّكَ أعلْى من أخادِعِهِ كَعْبا
قصَصْتَ جناحَيْه فقَرَّتْ شَذاتُهُ
وعادتْ " نوازي " شَرِّه أفرخاً زُغبا(59/435)
كشفتَ لهُ ضَعْفاً وغطَّيْتَ قُوَّةً
فكنتَ ، ولولا خُدعةٌ لم تكن ، خِبَّا
أرادَ الَّتي من دونِها أنت ، والوغى
وعدلُ القَضا ، تَبّاً لِما رامهُ تَبَّا
سددتَ عليه الرأيَ حتى تركتَه
يَرى من سَدادِ الرأيِ ما عدَّه سبَّا
وحتى رأى ذُلَّ الفِرارِ غنيمةً
وحتى رأى الداءَ الذي يشتكي طِبَّا
وضاقتْ عليه الأرضُ فهوَ مهوِّمٌ
عليها نهَتْهُ أنْ يُريحَ بها جَنْبا
تمنَّى عليهِ " رَبُّهُ " مِصْرَ مَنْحةً
وكادَ على " القطَّارِ " أنْ يُرضيَ الربَّا
وكادَ على " القَطَّارِ " يُرْسِلُ حاصباً
على " الشرقِ " لولا أنْ قذفتَ به حَصْبا
تراءى له نَهْباً ، ولمَّا صَدَمْتَهُ
تراءتْ له الأحلامُ صيْحَ بها نَهْبا
ومدَّتْ لهُ الأطماعُ في نَزواتهِ
إلى أنْ غَدَتْ كَلاً على نَفْسْهِ حَرْبا
وداعَبَتِ " الاسكندريَّةُ " عينَهُ
وخادَعَ منه " النيلُ " في طميْهِ اللُبَّا
ولاحَ له " الاسكندرُ " الصِّدْقُ فانثنتْ
تُزَيَّفُ منه النفسُ إسكندراً كذِِبْا
ومَنَّى بيَنْبوعِ الفراتِ حصانَهُ
وعلَّل " بالزّابَيْنِ " عسكرَهُ اللّجبْا
فيا لَكَ زَوراً ذادَ عن عينهٍ الكَرى
وشَرَّدَ عنْ أجفانهِ حُلُماً رَطْبا
فلمْ يَرَ إلاَّ مَغرِزَ الرَّجْلِ يَقْظَةً
وكانَ يناغي حالِماً عالَماً رَحْبا
من " العَلَمَيْن " استَقْتَهُ محكَمَ القُوى
وفي " تونسٍ " أدركتَهُ رازحاً لَغْبا
نثرتَ لهُ شُمَّ المتالعِ والقُرى
كما نَثَرَ الصيَّادُ للطَّائرِ الحَبَّا
وأغريتَهُ بالقرب حتَّى إذا دَنَا
إليكَ رأى منكَ الَّذي بَغَّضَ القُرْبا
عنودٌ ، تأبَّى الوَثْبَ في نكَساتهِ
من الكِبْرِ ، لولا أنْ تُطاردَهُ وَثَبْا
ولو غيرُ " رُوَميلٍ " لقُلْنا كغيرِها
سُقاةُ الرَّدى عاطَتْ بأكؤسُها شَرْبا
ولكنَّه نَدْمانُ موتٍ إذا سَقى
ألحَّ وعاطى مَنْ ينادمُهُ عَبَّا
وقد خَبَّأ السَمَّ الزُّعافَ فَبزَّهُ
خبيرٌ بما أبدى ، بصيرٌ بما خَبَّا
ولمَّا التقى الجمعانِ غُلْبٌ أشاوسٌ(59/436)
دَهَتْ مثلَها شُوْساً مُدَجَّجةً غُلْبا
وحُم الحديدُ الضخمُ ، والصبرُ ، والحجى
كِلا المعدِنين استَنجدا معدِناً صُلبْا
مشى الحقُّ في الصفَّينِ يدمَغُ باطلاً
ويغمُرُ بالريحان أوفاهما كَسْبا
تَفادى بـ " أرنيمٍ " وفَرَّ بنفسه
وأبقى لك الأهلَ الأعزَّةَ والصَّحبا
وأهداكَهم أسرى وقتلى كأنه
بهم يستميحُ العفوَ ممَّا جنى ذَنْبا
تَلَظَّى بهمْ بالنارِ بَرٌّ ، وقاءهُمْ
خِضمٌّ ، وراحَ الجوُّ يُمطرهم عَطْبا
كأنَّكَ إذ تُحصي رُكاماً حُطامَهُ
تُصَحِّحُ أغلاطاً فتوسِعُها شَطْبا
فمن يَرَ في الصحراءِ نَثْراً قبورَهُمْ
يخَلْها من الأجداثِ مجنونةً رُعْبا
ومن يُبصرِ الأسرى يُقادونَ هُطَّعاً
يَجِدْ حادياً يحدو إلى سَقَرٍ رَكْبا
وخَلَّى لكَ " الطليانَ " يحتَكُّ بعضُها
ببعضٍ كما تحتَكُّ منَجَربٍ جَرْبا
أتى بهمُ إلْباً عليكَ سَفاهةً
فكانوا عليهِ في تَغَنُّجِهِمْ إلبا
أرادَ لخوْضِ الموتِ أغراسَ نِعمةٍ
غذاها وليُّ الأمرِ فاكهةً أبَّا
حَسِبْنَ لاِزعاجِ ابنِ آوى بنادقِاً
وخلْنَ لمِضمار الهَوى شُزَّباً قُبَّا
وضاعَفْنَ نسجاً من حريرٍ ولأمةً
وجرْنَ بيضَ الهندِ والوشيَ والعَصْبا
ورُحْنَ كأسراب القطا نُعَّمَ الخُطَى
وقىَ اللهُ - من شَرٍّ يرادُ به - السِّرْبا
وجازى بشَرٍّ من أرادَ بجَورْهِ
وجُوهَ الحسان الغيدِ أن تْلمِس الترْبا
وأن تهبِطَ الوديانَ ليلاً لريبةٍ
وأن ترتقي صُبحاً على عَجَلٍ هُضْبا
وأن تَشْهَدَ الأشلاء تنقضُّ حولَها
وفي دَمِها الفرسانُ مخضوبةً خَضْبا
ولم ترتِكبْ إثماً سوى أنَّها دُمًى
ولم تأتِ - إلَّا أنَّها عورة - ذَنْبا
فلو كنتَ يومَ النَّقْعِ شاهِدَ أمرِها
وقد خَبَّأتْ تِرْبٌ بأثوابها تِرْبا
وسدَّتْ ثقوبَ الأرضِ مُحجرةً بها
فما غادرَتْ مأوىً لضبٍ ولا ثقبا
دعوتَ على مَنْ شَقَّ عنها حجابَها
وأقحَمَها ما ليسَ من شأنِها غْصبا
إذن لسألتَ اللهَ فَّلاً لغَربِه
جزاءً على ما فلَّ من سترِها غَرْبا(59/437)
فرِفْقاً باشباهِ القواريرِ صُدِّعَتْ
وما اسْطعتمُ فاسَتدركوا صدعها رأبا
فيالكِ بُشرى ما أرقَّ وما أصفَى
أغاثَتْ نفوساً ما أحنَّ وما أصبي
ويا حُلفاءَ اليومِ والأمسِ إنَّنا
لكُمْ - ما اردتُم - في مودَتِنا قُرْبى
أريدوا بنا خيراً نَعِدْكُمْ بمثِلهِ
وكونوا لنا حِزْباً ، نَكُنْ لكُمُ حِزبا
وظَنُّوا بنا خَيراً فَفينا كَوامِنٌ
من الخير إنْ تُبعث تَزدْكمْ بنا عُجْبا
ولا تذكروا عَتْباً فانَّ مُوطّداً
من الودِ زِدْنا فيه ما يرفعُ العتبا
وإلا فكيلوه عتاباً بمثله
لنا . وكلانا مُعْتِبٌ بَعْدُ من أرْبى
ولا تَخْلِطوا شَغباً عليكم مُبغَّضا
إلينا وحقاً لا نريدُ به شغْبا
وآخوا بنا شعباً وهانَتْ أُخوَّةٌ
إذا كنتَ تَلقى عندها الفردَ لا الشَعبا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> نشيد العودة ..
نشيد العودة ..
رقم القصيدة : 66856
-----------------------------------
للهِ دَرُّكِ من وليدِ
في عيد مولِده السعيدِ
حَيَّتْْهُ ممطرةُ الدَّمار
بمثل قاصفةِ الرُّعود
وأظَله من كل قاذفةٍ
غرابٌ من حديد
ومشى بهذا المَهدْ ما
يحدو المهودَ إلى اللُحود
يا أختَ امسِ المالىءِ
الدنيا بجبارٍ عنيد
أسدَى وقد جَحَدَ الخلودَ
يداً ترِفُّ على الخُلود
أومَى الى زُمرَ المناقِب
من طَريف او تَليد
من كلِّ شاك ما استَباح
له المؤرّخُ من حدُود
فاتَتهْ رازحةُ الخُطى
تَشكو من الجَهد الجهيد
يبدو على شَمَمٍ وإيثارٍ
وإقدامٍ وجُود
جُرْحٌ بليغٌ في الفؤاد
ولطمةٌ فوقَ الخدود
فأقرَّها في أي أنصِبِةٍ
ومصطَلحٍ وطيد
من هذه الأرواحِ
ثائرةٌ على ضَنْك الجلود
مما يُحشِّده نضالُك
للفضيلة من جُنودُ
من هذه الأشلاء نافحةُ
الأريج على الصَعيد
بالأُمِّ هاويةٌ على البَعل
الكريم على الوَليد
إنّا قرأنا فيكِ
معنى لفظِ تاريخٍ مجيد
فضلتِ " أمسِ " على " غدٍ "
وطغى " القديم " على " الجديد "
يا أختَ مُحترِس الحَمام
وامَّ مقتنص الأُسود(59/438)
فوُزي بعُقْبى ما وُعِدتِ
فقد صَبْرتِ على الوعيد
ولقد صَبَرت على التي
يَعيَا بها صَبْرُ الجَليد
فلقد صَبَرت على رِباح
الموت تَعصِفُ بالحصيد
وعلى جحيمٍ منك عَبَّأ
ما تَخَيرَّ من وَقود
وعلى - امرَّ من الجحيم -
شَماتة النِمَر الحقود
صُغتِ السُدودَ من الصدور
ترُدُّ عادية السدود
ومشيتِ انتِ الى الردى
فاخذتِ منه بالوريد
بَليَ باشدَّ منه
شكيمةً يومَ الوُرود
عودي فقد حَنَّ العرينُ
لعودة الأسَد الطريد
عودي كواسطةِ الجُمان
تَعود للعِقد الفريد
عودي نشيداً خالداً
ولأنتِ ملهمةُ النشيد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> إلى الرّصافي
إلى الرّصافي
رقم القصيدة : 66857
-----------------------------------
تمرَّستَ " بالأولى " فكنتَ المُغامِرا
وفكَّرتَ " بالأخرى " فكنتَ المُجاهِرا
وفضَّلتَ عيشاً بين تلك وهذه
به كنتَ ، بل لولاهُ ، ما كنتَ شاعرا
وما الشِّعرُ إلاَّ ما تفتَّقَ نُورهُ
عن الذهنِ مشبوباً ، عن الفكر حائرا
عن النفس جاشت فاستجاشت بفيضها
عن القلبِ مرتجَّ العواطفِ زاخراً
وما زجَّ في شتَّى المَهاوي بربِّه
وقحَّمهُ " النَهجينِ " قصداً ، وجائرا
وما هو بالحبلِ الذي رُحتَ مرغِماً
" أوائلَه " أنْ تلتقي و " الأواخرا"
وكنتَ جريئاً حين يدعوكَ خاطرٌ
مِن الفكر أن تدعو إليك المَخاطرا
على ثقةٍ أنْ لستَ في الناس واجداً
على مِثله - إلاَّ القليلَ - مُناصراً
وكنتَ صريحاً في حياتكَ كلِّها
وكانَ - ومازالَ - المصارِحُ نادراً
فانْ شابَها ما لم تجدْ عنه نُدحةً
شَفَعْتَ به حُكم الظروف مُسايرا
فقد كنتَ عن وحي الضرورةِ ناطقاً
وقد كنتَ عن محضِ الطبيعة صادراً
وقد كنتَ في تلك " الأماديحِ " شاتماً
محيطاً " بأربابِ " القرائحِ كافرا
وإلاَّ فأنتَ المانعُ الصُغرِ " عن يدٍ
أبتْ أنْ تُحلَّى في الجِنان أساورا"
وإنَّكَ أنقى من نُفوسِ خبيثةٍ
تُراوِدُ بالصَّمت المريبِ المَناكرا
تَعيبُ على الشِّعرِ التَّحايا رقيقةً(59/439)
وتلثُم من " بغلٍ هجينٍ " حوافرا
تُريدُ القوافي المؤنساتِ غفيفةً
وقد أشغرتْ - للفاحشاتِ - الضمائرا
وتُنكر أنْ يُستنشقَ الشعرُ " نفحةً "
وقد فَغرتْ أشداقَها والمناخرا
وتطوي على " أُمِّ الدَّنايا " مَباطناً
وتُلقي عليها من إباءٍ مظاهرا
كما أسدلتْ ليلاً " هلوكٌ " مُلحَّةٌ
على مخدعِ العُهرِ الحريرَ ستائرا
من العارِ أنْ نرضى التذبذبَ صامتاً
دنيئاً ، خبيثاً ، والغاً ، متصاغرا
على حينَ نأبى أن تحرِّكَ شاعراً
ضرورةُ حالٍ بدَّلَتْ منه خاطرا
وإنيّ إذْ أُهدي إليكَ تحيَّتي
أهزُّ بكَ الجْيلَ العَقوقَ المُعاصِرا
أهزُّ بكَ الجيلَ الذي لا تهزُّه
نوابغُه ، حتى تزورَ المقابرا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الأصيل في لبنان ..
الأصيل في لبنان ..
رقم القصيدة : 66858
-----------------------------------
أأنتَ رأيتَ الشمسَ إذ حُمّ يومُها
تَحَدَّرُ في مهوىً سحيقٍ لتغربا
تَحدَّرُ في مهوىً تلقفَ قُرْصَها
تلقُّفَ تَنُّورٍ رغيفاً محصبا
وما خلفت في الجو من خطراتها
وما خلعت من مرقصات على الربى
وما بدلت من زرقة البحر ألهَبَتْ
بحمرتها آذيَّهُ فتلهبا
تغيّر حتى حِوَّمَ الطيرُ فوقه
يحاذر أن يدنو إليه ليشْرَبا
وقد صَمَتَ الكونَ الرهيبُ ضجيجُه
على أنّهُ في صمتهِ كان أرهبا
وهيمنَ رَوحٌ من جِمام ورقةٍ
على الشاطئين استيقظا فتوثّبا
أأنت رايتَ الغيمَ يلتَمُّ فوقها
يجاذِبُ متنَْها رداءً مذهَّبا
يغازلها ما غازلتْهُ ، اخو هوىً
يلاعبُها ما استمتعتْ منه ملعبا
تجَمع من أطرافها ثم مسّه
بروعته لالاؤها فتشعبا
أأنت سألت الكون عن أي باعث
بدا في غروب الشمس جذلان معجبا
وأيّ يد مرت عليه كريمةٍ
صناعٍ . فردَّتْهُ أديما مخضّبا
وما هذه الأشباحُ تترى ؟ اغيمةٌ
تولّد أظرفا ، ونابا ، ومخلبا
غرابٌ تصبّاه غرابٌ ، وثعلبٌ
يطارد في جَوْز السمواتِ ثََعْلبا
وثمَّ سنامٌ مُستَجدٌّ وغاربٌ
يناديك أن تسعى إليه فتركَبا(59/440)
وثَمَّ سفينٌ من دخانٍ قلوعُه
ونوتيُّهُ رَوح رخيٌّ من الصبا
واولاءِ رهطُ الجنَّ بين نديّهم
يُقيمون من سحرٍ رواقا مطنّبا
كأني أرى المزمارَ في فَم عازفٍ
وأسْمَعُ - لو أقوى - الغناءَ المشببا
وتلكمْ على النادي تطوفُ عرائسٌ
بدا سافراً رهطٌ . ورهطٌ تَنَقَّبا
وهاتيك اقزاعٌ لطافٌ كؤوسُها
وخَمْرَتُها جَوْنُ السَّحاب تذوَّبا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أبو العلاء المعري
أبو العلاء المعري
رقم القصيدة : 66859
-----------------------------------
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا
واستَوحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا
واستَوحِ مَنْ طبَّب الدُّنيا بحكْمَتَهِ
ومَنْ على جُرحها مِن روُحه سَكَبا
وسائلِ الحُفْرةَ المرموقَ جانِبُها
هل تبتَغي مَطْمَعاً أو ترتجي طلَبا ؟
يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِني
أنْ لم تكُوني لأبراج السَّما قُطُبا
فكلُّ نجمٍ تمنَّى في قَرارته
لو أنَّه بشُعاعٍ منكِ قد جُذبا
والمُلْهَمَ الحائرَ الجبَّارَ ، هل وصَلَتْ
كَفُّ الرَّدى بحياةٍ بَعْدَه سَبَبا؟
وهل تَبدَّلْتَ رُوحاً غيرَ لاغبةٍ
أم ما تزال كأمسٍ تشتكي اللَّغَبا
وهل تخبَّرْتَ أنْ لم يألُ مُنْطَلِقٌ
منُ حرّ رأيكَ يَطْوي بعْدكَ الحقَبا
أم أنتَ لا حِقَبلً تدري ، ولا مِقَةً
ولا اجتواءً ، ولا بُرءاً ، ولا وصَبا
وهل تصَحَّحَ في عُقْباكَ مُقْتَرحٌ
ممَّا تفَكرتَ أو حَدَّثْتَ أو كُتِبا ؟
نَوِّر لَنا ، إنَّنا في أيّ مُدَّلج ٍ
ممَّا تَشكَّكْتَ ، إنْ صِدقاً وإنْ كذبا
أبا العلاءِ ، وحتى اليومِ ما بَرِحتْ
صَنَّاجهُ الشَعر تُهدي المترفَ الطَّربا
يَستنزلُ الفكرَ من عَليا مَنازلهِ
رأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا
وزُمرةُ الأدبِ الكابي بزُمرتهِ
تفرَّقَتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا
تَصَّيدُ الجاهَ والألقابَ ناسيةً
بأنَّ في فكرةٍ قُدسيَّةٍ لقبا
وأنَّ للعبقريّ الفذِّ واحدةً
إمَّا الخُلودَ وإمَّا المالَ والنَّشبا(59/441)
من قبلِ ألفٍ لَو انَّا نبتغي عِظةً
وعَظْتَنا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا
على الحصيرِ .. وكوزُ الماء يَرفدهُ
وذِهنُه .. ورفوفٌ تحمِلُ الكتبا
أقامَ بالضَّجَّةِ الدُّنيا وأقعدَها
شيخٌ أطلَّ عليها مُشفقاً حَدِبا
بَكى لأوجاعِ ماضيها وحاضرِها
وشامَ مُستقْبَلاً منها ومرتقبَا
وللكآبةِ ألوانٌ ، وأفجعُها
أنْ تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرَّ مكتئِبا
تناولَ الرثَّ من طبعٍ ومُصطَلحٍ
بالنقدِ لا يتأبَّى أيَّةً شجبا
وألهمَ الناسَ كي يَرضَوا مغبَّتهم
أن يُوسعوا العقلَ ميداناً ومضطَربا
وأنْ يَمدُّوا به في كلِّ مُطَّرحٍ
وإنْ سُقوا مِن جَناه الويلَ والحرَبا
لِثورةِ الفكرِ تأريخٌ يحدّثُنا
بأنَّ ألفَ مسيحٍ دونَها صُلِبا
إنَّ الذي ألهبَ الأفلاكَ مِقولُه
والدَّهرَ .. لا رَغَباً يرجو ولا رهَبا
لم ينسَ أنْ تشمَلَ الأنعامَ رحمتُهُ
ولا الطيورَ .. ولا أفراخَها الزُغُبا
حَنا على كلّ مغضوبٍ فضمَّده
وشجَّ منْ كان ، أيّاً كان ، مغتصِبا
سَلِ المقاديرَ ، هل لازلتِ سادرةً
أمْ أنتِ خجلى لِما أرهقتهِ نصبا؟
وهل تعمَّدتِ أنْ أعطيتِ سائبةَ
هذا الذي من عظيمٍ مثْلِه سُلبا
هذا الضياءَ الذي يَهدي لمكمنّه
لِصّاً ويُرشدُ أفعى تَنفُثُ العَطَبا
فانْ نَخَرتِ بما عوَّضتِ من هبةٍ
فقد جنيتِ بما حمَّلتهِ العصبا
تلمَّسَ الحُسنَ لم يمدُدْ بمُبصرةٍ
ولا امتَرى دَرَّةً منها ولا حلبا
ولا تناولَ من ألوانها صُوراً
يَصُدُّ مبتعِدٌ منهنَّ مُقتربا
لكنْ بأوسعَ من آفاقها أمداً
رَحْباً ، وأرهفَ منها جانباً وشَبا
بعاطفٍ يتبنَّى كلَّ معتلِجٍ
خفَّاقه ويُزكّيهِ إذا انتسبا
وحاضنٍ فُزَّعَ الأطيافِ أنزلها
شعافَه وحباها معقِلاً أشِبا
رأسٌ من العَصَبِ السامي على قفص
من العظام إلى مهزولةٍ عُصِبا
أهوى على كُوَّةٍ في وجههِ قدَرٌ
فسَدَّ بالظلْمةِ الثُقْبينِ فاحتجبا
وقال للعاطفات ِ العاصفاتِ بهِ
ألآنََ فالتمسي مِن حُكْمهِ هربا
ألآنَ يشربُ ما عتَّقتِ لا طفَحاً(59/442)
يُخشى على خاطرٍ منه ولا حبَبا
ألآنَ قولي إذا استوحشتِ خافقَه
هذا البصيرُ يُرينا آيةً عَجبا
هذا البصيرُ يُرينا بين مندرِسٍ
رثِّ المعالم، هذا المرتَعَ الخصِبا
زنجيَّةُ اليلِ تروي كيف قلَّدها
في عُرسها غُرَرَ الأشعار ..لا الشهبا
لعلَّ بين َ العمى في ليلِ غُربته
وبين فحمتَهِا من أُلفَةٍ نسبا
وساهرُ البرق والسُمَّارُ يُوقِظهم
بالجزع يخفق من ذكراه مضطرِبا
والفجرُ لو لم يلُذْ بالصبح يَشربه
من المطايا ظِماءً شُرَّعاً شُربا
والصبحُ ما زال مُصفرّاً لمقرّنَهِ
في الحُسْن بالليل يُزجي نحوه العتبا
يا عارياً من نَتاجِ الحُبِّ تكرمةً
وناسجاً عَفَّةً أبرادَهُ القشُبا
نعوا عليكَ - وأنت النور - فلسفةً
سوداءَ لا لذَّةً تبغي ولا طرَبا
وحمَّلوكَ - وأنت النارُ لاهبةً -
وِزرَ الذي لا يُحسُّ الحُبَّ ملتهبا
لا موجةُ الصَّدرِ بالنهدينِ تدفعه
ولا يَشقُّ طريقاً في الهوى سَربا
ولا تُدغدِغُ منه لذَّةٌ حُلُماً
بل لا يُطيقُ حديثَ اللذَّةِ العذِبا
حاشاك ، إنَّكَ أذكى في الهوى نفسَاً
سََمْحاً ، وأسلسُ منهمْ جانباً رطِبا
لا أكذبنَّكَ إنَّ الحُبَّ متَّهمٌ
بالجَور يأخذ مِنَّا فوقَ ما وَهبا
كم شيَّعَ الأدبُ المفجوعُ مُختضَراً
لدى العيونِ وعندَ الصدر مُحتَسَبا
صَرعى نَشاوى بأنَّ الخَودَ لُعبتُهم
حتى إذا استَيقظوا كانوا هُمُ اللُعَبا
أرتهُمُ خيرَ ما في السّحْرِ من بُدءٍ
وأضمرتْ شَرَّ ما قد أضمرتْ عُقبا
عانَى لَظَى الحُبِّ " بشَّارٌ " وعُصبتُه
فهل سوى أنَّهم كانوا له حَطبا
وهل سوى أنهم راحوا وقد نذروا
للحبِّ ما لم يجب منهم وما وَجبا
هل كنتَ تخلدُ إذ ذابوا وإذ غَبرُوا
لو لم ترُضْ منِ جِماحِ النفس ما صَعُبا
تأبى انحلالاً رسالاتٌ مقدَّسةٌ
جاءت تقوِمُ هذا العالَمً الخَربا
يا حاقِرَ النبعِ مزهُوّاً بقوَّتهِ
وناصراً في مجالي ضعفهِ الغَرَبا
وشاجبَ الموت من هذا بأسهمهِ
ومُستمِنّاً لهذا ظِلَّهُ الرَّحبِا(59/443)
ومحرِجَ المُوسِرِ الطاغي بنعمتهِ
أنْ يُشرِكَ المُعْسِرَ الخاوي بما نهبا
والتَّاجُ إذ تتحدَّى رأسَ حاملهِ
بأيِّ حقٍّ وإجماعٍ به اعتصبا
وهؤلاءِ الدُّعاةُ العاكفونَ على
أوهامهم ، صنماً يُهدون القُرَبا
الحابطونَ حياةَ الناس قد مَسخوا
ما سنَّ شَرْعٌ وما بالفطرة اكتُسِبا
والفاتلونَ عثانيناً مُهرّأةً
ساءتْ لمحتطِبٍ مَرعى ومحتطَبا
والمُلصِقونَ بعرش اللهِ ما نسجت
أطماعُهم : بِدعَ الأهواءِ والرِيّبا
والحاكمونَ بما تُوحي مطامعُهم
مؤِّولينَ عليها الجدَّ واللَّعبا
على الجلود من التدليس مَدرعةٌ
وفي العيون بريقٌ يخطَف الذهبا
ما كان أيُّ ضلالٍ جالباً أبداً
هذا الشقاء الذي باسم الهُدى جُلبا!
أوسَعْتَهم قارصاتِ النقدِ لاذعةً
وقلتَ فيهم مَقالاً صادقاً عجبا
" صاحَ الغرابُ وصاحَ الشيخُ فالتبستْ
مسالِكُ الأمر: أيٌّ منهما نعبا "
أجللتُ فيك من الميزات خالدةً
حُرَّيةَ الفكرِ والحرمانَ والغضبا
مجموعةً قد وجدناهُنَّ مُفرَدةً
لدى سواكَ فما أغنيننا أربا
فربَّ ثاقبِ رأيٍ حطَّ فكرتَه
غُنمٌ فسَفَّ .. وغطَّى نورَها فخبا
وأثقلَتْ مُتَعُ الدُّنيا قوادِمَهُ
فما ارتقى صُعُداً حتَّى ادَّنى صَبيا
بَدا له الحقُّ عُرياناً فلم يَرهُ
ولاحَ مقتلُ ذي بغيٍ فما ضَربا
وإنْ صدقتُ فما في الناس مُرتكِباً
مثلُ الأديب أعان الجورَ فارتكبا
هذا اليراعُ ، شواظُ الحقّ أرهفه
سيفاً . وخانعُ رأيٍ ردَّه خشبا
ورُبَّ راضٍ من الحرمان قِسَمته
فبرَّر الصبرَ والحرمانَ والسغبا
أرضى ، وإنْ لم يشأ ، أطماحَ طاغيةٍ
وحالَ دونَ سوادِ الشعب أن يثبا
وعوَّضَ الناسَ عن ذُلٍّس ومَتربَةٍ
مَنَ القناعةِ كنزاً مائجاً ذهبا
جيشٌ من المُثُلِ الدُّنيا يَمُدُّ به
ذوو المواهبِ جيشَ القوَّةِ اللَّجبا
آمنت بالله والنورِ الذي رسمَتْ
به الشرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا
وصُنتُ كَّل دُعاةِ الحقِّ عن زَيغٍ
والمُصلحينَ الهداةَ ، العُجْمَ والعَرَبا(59/444)
وقد حَمِدتُ شفيعاً لي على رَشَدي
أُمّاً وجدتُ على الإسلامِ لي وأبا
لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍ
تقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا
وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبا
فردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أحيِّيك طه ..
أحيِّيك طه ..
رقم القصيدة : 66860
-----------------------------------
أُحَيّيكَ " طه " لا أُطيلُ بكَ السَّجْعا
كفَى السَّجع فخراً محضُ إسمك إذ تدعي
أُحَيّيكَ فَذّاً في دِمشقَ وقبلَها
ببغدادَ قد حيَّيتُ أفذاذَكم جَمْعا
شكرناكَ : أنَّا في ضيافة نابغٍ
نُمتّعُ منه العينَ والقلبَ والسمعا
ذرفتُ - على أنْ لا يرانا بطرفه
وإنْ حسنَّا بالقلب - من أسفٍ دمعا
وكنَّا على آدابك الغُرِّ قبلَها
ضُيوفاً فما أبقيتَ في كرمٍ وُسْعا
نهضتَ بنا جيلاً وأبقيتَ بعدَنا
لأبنائنا ما يَحمدَون به المسعى
أبا الفكرِ تستوحي من العقل فذّه
وذا الأدبِ الغضِّ استثيرتَ به الطَّبعا
ويا سِحرَ موسى - إنَّ في كلّ بقعةٍ
لما تجتلي من آيةٍ حيَّةً تسعى
لكَ اللهُ محمولاً على كلّ خاطرٍ
ومِن كلّ قلبٍ رُحْتَ تحتلُّهُ ترعى
أُنَبّيكَ أنَّ " الرافدينِ " تطلَّعتْ
ضِفافُهما واستَنْهضَ الشَّجرُ الزرعا
نمى خبرٌ أنْ سوف تسَعى إليهما
فكادَ إليك النخلُ من طربٍ يسعى
وقد نذَرَ الصَّفصافُ وارفَ ظلَّه
عليك وأوصى - أنْ يساقيَكَ - النبعا
هلمَّ لشُطئانِ الفراتينِ واستمِع
أهازيجهَا تستطرفِ المعجِزَ البَدعا
وطارِحْ به سجعَ الحَمام فانَّه
لُهاثٌ على الجْرحى نُواحٌ على الصَّرعْى
ووأسِ عليه الرازحينَ من الهوى
وطّببْ هناكَ النازعاتِ بهِ نزعا
هناك تلمَّسْ " ضائعَ الحبّ " وافتقِد
ضحاياه وارأبْ للقُلوب به صَدعا
وجدِّدْ لنا عهدَ المْعريِّ : إنَّه
قضى ، وهوى بغدادَ يلذعُه لذعا
وكَّنا إذا ضاقتْ بلادٌ برائدٍ
أتانا فلا المُرتادَ ذمَّ ولا المراعى
إلى الآنَ في بغدادَ نستافُ مِسكةً(59/445)
لناقتهِ مما أثارت بها نقعا
ونمزجُ من ماء الفراتينِ جَرعة
بذكراهُ مما عبَّ من صفوه جرْعا
ونهوى السفينَ الحائراتِ كأنْها
سفينتُه إذ تشتكي الأينَ والضَّلْعا
أجلْ ، قد خطفناها مخافةَ فُرقةٍ
وخشيةَ إزماعٍ نضيقُ به ذرعا
هلمَّ به ذرعاً إلى بغدادَ لا تخشَ خاطفاً
فانَّا نسجنا من " فريدٍ " لك الدرعا
سنحجزهُ نرتادُ ذكراك عنده
وينفَخنا من طيب أنفاسك الردعا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> جمال الدين الأفغاني
جمال الدين الأفغاني
رقم القصيدة : 66861
-----------------------------------
هَويِتَ لِنُصرةِ الحقّ السُهادا
فلولا الموتُ لم تُطِقِ الرُّقادا
ولولا الموتُ لم تَتْرُكْ جِهاداً
فَلَلْتَ به الظغاةَ ولا جِلادا
ولولا الموتُ لم تُفْرِحْ فُرادى
صعَقْتَهُمُ ، ولم تُحزِنْ سودا
ولولا الموتُ لم يَذهبْ حريقٌ
بيانعةٍ وقد بَلَغتْ حَصادا
وإنْ كانَ الحدادُ يَرُدُّ مَيتاً
وتَبلُغُ منه ثاكلةٌ مُرادا
فانَّ الشَّرقَ بينَ غدٍ وأمسٍ
عليكَ بِذِلَّةٍ لبِسَ الحِدادا!
ترفَّعْ أيُّها النجم المُسَجَّى
وزِد في دارة الشَّرَفِ اتّقادا
ودُرْ بالفكر في خَلَدِ الليالي
وجُلْ في الكون رأياً مُستعادا
وكُنْ بالصَّمتِ أبلغَ منك نُطْقاً
وأورى في مُحاجَجةٍ زِنادا
فانَّ الموتَ أقصرُ قِيدَ باعٍ
بأنْ يَغتالَ فِكراً واعتقادا
جمالَ الدين ، يا رُوحاً عَليّاً
تنزَّلَ بالرسالة ثمَّ عادا
تجشَّمْتَ المهالكَ في عَسوفٍ
تجشَّمَهُ سواك فما استَقادا
طَريقِ الخالدينَ ، فمَنْ تَحامى
مصايرَهُمْ تَحاماه وحادا
كثير الرُعْبِ بالأشلاء ، غطَّتْ
مَغاورَهُ الجماجِمُ والوِهادا
جماجِمُ رائِدي شَرَفٍ وحقٍّ
تهاوَوا في مَجاهلهِ ارتْيادا !
وأشباحُ الضحايا في طواهُ
على السارينَ تحتشِد احتشادا!
وفوقَ طُروسه خُطَّتْ سُطورٌ
دمُ الأحرار كان لها مِدادا
شقَقْتَ فِجاجَهُ لم تخْشَ تَيْهاً
ومَذْئَبةً ، وليلاً ، وانُفرادا
لأِنَّكَ حاملٌ ما لا يُوازي(59/446)
بقُوَّتهِ : العقيدةَ والفؤادا!
وتختلِفُ الدُروبُ وسالكوها
وغايتُها ، دُنوّاً وابتعادا
ويختلفُ البُناةُ ، ورُبَّ بانٍ
بَنى مِن فِكرةٍ صَرْحاً وشادا
وأنت ازْدَدْتَ من سُمٍّ زعافٍ
تَذَوَّقَهُ سَواك فما استزادا!
نضالِ المستبدِّ ، يَرى انكشافاً
عَمايتَه ، وعثرتَه سَدادا
إذأ استحلىَ غَوايتَه وأصغى
إلى المتزلّفِينَ له تمادى
خَشِيتَ اللهَ عن علمٍ ، وحقٌّ
إذا لم تَخشَ في الحقّ العبادا
وجَدْتَ اللذَّةَ الكُبرى فكانت
طريفَ الفِكرِ والهِمَمِ التِلادا
وأعصاباً تَشُدُّ على الرَّزايا
إذا طاشَتْ وتَغلِبُها اتئادا
ولمَّا كنتَ كالفجر انبلاجاً
" وكالعنقاء تكْبُرُ أنْ تُصادا"
مَشَيْتَ بقلبِ ذي لبَدٍ هَصورٍ
" تُعانِدُ من تُريدُ له العِنادا"
صليبَ العُودِ ، لم يَغمزْكَ خَوفٌ
ولم تَسهُلْ على التَرفِ انعقادا
ولم تَنزِلْ على أهواء طاغٍ
ولا عمَّا تُريدُ لمِا أرادا
ولم أرَ في الرجالِ كمُستَمِدٍّ
من الحقِّ اعتزازاً واعتدادا
وكان مُعسكرانِ : الظُلمُ يَطغى
ومظلومٌ ، فلم تَقفِ الحيِادا
ولم تحتجَّ أنَّ البَغْيَ جيشٌ
وأنَّ الزاحفينَ له فُرادي
ولا أنَّ اللياليَ مُحرِجاتٌ
وأنَّ الدَّهَر خصمٌ لا يُعادى
و أنَّ الأمرَ مرهونٌ بوقتٍ
ينادي حينَ يأْزَفُ لا يُنادى
مَعاذيرٌ بها ادَّرَعَتْ نُفوسٌ
ضعافٌ تَرهبُ الكُرَبَ الشِّدادا
تُريدُ المجدَ مُرتميا عليها
جَنىً غَضّاً تَلَقَّفُهُ ازدِرادا!
جمالَ الدينِ كنتَ وكانَ شَرقٌ
وكانتْ شِرعةٌ تَهَبُ الجْهادا
وكانت جَنَّةٌ في ظِلِّ سيفٍ
حَمَى الفَردُ الذِمارَ به وذادا
وإيِمانٌ يقودُ الناسَ طَوعاً
إلى الغَمَراتِ فَتوىً واجتهادا
وناسٌ لا الحضارةُ دنَّسَتْهُمْ
ولا طالُوا مع الطَمَعِ امتِدادا
وكانت " عُروةٌ وُثْقَى " تُزَجَّى
لمنقَسِمينَ حُبّاً واتحادا
ونيَّةُ ساسةٍ بَسُطَتْ فبانت
ووجْهُ سياسةٍ جلَّى وكادا
وحُكْمٌ كالدَّجى عُريانُ صافٍ
فلم يُنْكِرْ ، إذا انتَسبَ ، السَّوادا(59/447)
ولم يُدخِلْ من الألوانِ ظّلاً
يلوذُ به انتقاصاً وازْديادا
دَجَا قَسْراً وسادَ ، وكان شَهماً
صريحاً أنَّه بالرُّغمِ سادا
وجِئتَ ورُفقة لك كالدَّراري
لِضُلاَّلٍ بغَيْهَبِه ، رشادا
تَصُدُّ عُبابَهُ وجهاً لوجهٍ
وتَزْحَمُهُ انْعكاساً وَاطَّرادا
جمالَ الدينِ كنتَ وكانَ عهدٌ
سُقيتَ لما صمَدْتَ له العِهادا
نَما واشتطَّ واشتدَّتْ عُراه
وزادَ الصامدونَ لهُ اشتدادا
مشَتْ خمسونَ بعدَك مرْخياتٍ
أعِنَّتَها ، هِجاناً لا جِياداً
محَّملةً وسُوقاً من فُجورٍ
وشامخةً كَمُحصَنةٍ تهادى
تحوَّرَتِ السياسةُ عن مَداها
إلى أنأى مدىً وأقلَّ زادا
وباتَ الشرق ليلَتَه سَليماً
على حالينِ ما اختَلَفا مُفادا
على حُكْمين من شَفعٍ وَوتْرٍ
عُصارةُ كلّ ذلك أن ْ يُسادا
ولُطِّفَتِ الابادةُ ، فهو حُرٌّ
بأيِّ يَدٍ يُفَضِّلُ أنْ يُبادا!
ومُدَّتْ إصْبَعٌ لذويهِ فيهِ
فعاثَتْ فوقَ ما عاثُوا فَسادا!
فكَمْ في الشَّرقِ من بَلدٍ جريحٍ
تشَكِّى لا الجروحَ بَلِ الضِّمادا!
تشَكَّى بَغيَ مُقتادٍ بغيضٍ
تأبَّى أنْ يُطاوعَه انقيادا
فكانتْ حِيَلةٌ أنْ يَمْتَطيهِ
رضيعُ لِبانه فبغى وزادا
صَدىً للأجنبيّ ، ورُبَّ قَفْرٍ
أعادَ صدىً فَسُرَّ بما أعادا
وكان أجلَّ من زُمَرٍ إذا ما
تجَّنى المُستَبيحُ ، بها تفادى
فكانوا منه في العَوْراتِ سِتراً
وكانوا فوق جمرتهِ رمادا
تروَّى من مطامعهِ وأبقى
لهم من سُؤر ما وَرَدَ ، الثمادا
وكان إذا تهضَّمهُ غريبٌ
أقامَ له القيامةَ والمعادا
فأسلَمَهُ الغريبُ إلى قَريبٌ
يسّخِرُهُ كما شاءَ اضطهادا
وكان الأجنبيُّ وقد تَولَّى
زمام الأمرِ واغتَصَبَ البلادا
يرى أدنى الحُقوقِ لهمْ عليه
مُساغَ النقد والكلِم المُعادا
فأضحوا يحسبونَ النقد فتحاً
لو اسطاعُوا لِما يَصِمُ انتِقادا
فبئسَ مُنىً لمصفودٍ ذليلٍ
لَوَ انَّ يَديه لم تضَعا الصِفادا
وبئسْ مَصيرُ مُفَترشينَ جمراً
تَمّنْيهم لو افترَشوا القَتادا!(59/448)
وكانوا كالزُّروعِ شََتْ مُحُولاً
فلمَّا استمْطرتْ مُطِرَتْ جرادا!
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يافا الجميلة
يافا الجميلة
رقم القصيدة : 66862
-----------------------------------
بـ " يافا " يومَ حُطَّ بها الرِكابُ
تَمَطَّرَ عارِضٌ ودجا سَحابُ
ولفَّ الغادةَ الحسناءَ ليلٌ
مُريبُ الخطوِ ليسَ به شِهاب
وأوسعَها الرَذاذُ السَحُّ لَثْماً
فَفيها مِنْ تحرُّشِهِ اضطِراب
و " يافا " والغُيومُ تَطوفُ فيها
كحالِمةٍ يُجلِّلُها اكتئاب
وعاريةُ المحاسن مُغرياتٍ
بكفِّ الغَيمِ خِيطَ لها ثياب
كأنَّ الجوَّ بين الشمسِ تُزْهَى
وبينَ الشمسِ غطَّاها نِقاب
فؤادٌ عامِرُ الإيمانِ هاجَتْ
وسوِسُه فخامَرَهُ ارتياب
وقفتُ مُوزَّعَ النَّظَراتِ فيها
لِطَرفي في مغَانيها انْسياب
وموجُ البحرِ يَغسِلُ أخْمَصَيْها
وبالأنواءِ تغتسلُ القِباب
وبيّاراتُها ضَربَتْ نِطاقاً
يُخطِّطُها . كما رُسمَ الكتاب
فقلتُ وقد أُخذتُ بسِحر " يافا "
واترابٍ ليافا تُستطاب
" فلسطينٌ " ونعمَ الأمُ ، هذي
بَناتُكِ كلُها خوْدٌ كَعاب
أقَّلتني من الزوراءِ رِيحٌ
إلى " يافا " وحلَّقَ بي عُقاب
فيالَكَ " طائراً مَرِحاً عليه
طيورُ الجوِّ من حَنَقٍ غِضاب
كأنَّ الشوقَ يَدفَعُهُ فيذكي
جوانِحَهِ من النجم اقتراب
ركبِناهُ لِيُبلِغَنا سحاباً
فجاوزَه ، لِيبلُغَنا السّحاب
أرانا كيف يَهفو النجمُ حُبَّاً
وكيفَ يُغازِلُ الشمسَ الَّضَباب
وكيفَ الجوُّ يُرقِصُهُ سَناها
إذا خَطرتْ ويُسكِره اللُعاب
فما هيَ غيرُ خاطرةٍ وأُخرى
وإلاّ وَثْبةٌ ثُمَّ انصِباب
وإلاّ غفوةٌ مسَّتْ جُفوناً
بأجوازِ السماءِ لها انجِذاب
وإلاّ صحوةٌ حتّى تمطَّتْ
قوادِمُها ، كما انتفَضَ الغُراب
ولمّا طبَّقَ الأرَجُ الثنايا
وفُتِّح مِنْ جِنانِ الخُلدِ باب
ولاحَ " اللُّدُّ " مُنبسِطاً عليهِ
مِن الزَهَراتِ يانِعةً خِضاب
نظْرتُ بمُقلةٍ غطَّى عليها
مِن الدمعِ الضليلِ بها حِجاب(59/449)
وقلتُ وما أُحيرُ سوى عِتابٍ
ولستُ بعارفٍ لِمَنِ العتاب
أحقَّاً بينَنا اختلَفَتْ حُدودٌ
وما اختَلفَ الطريقُ ولا التراب
ولا افترقَتْ وجوهٌ عن وجوهٍ
ولا الضّادُ الفصيحُ ولا الكِتاب
فيا داري إذا ضاقَت ديارٌ
ويا صَحبيْ إذا قلَّ الصِحاب
ويا مُتسابقِينَ إلى احتِضاني
شَفيعي عِندَهم أدبٌ لُباب
ويا غُرَّ السجايا لم يَمُنُوا
بما لَطُفوا عليَّ ولم يُحابوا
ثِقوا أنّا تُوَحَّدُنا همومٌ
مُشارِكةٌ ويجمعُنا مُصاب
تَشِعُّ كريمةً في كل طَرفٍ
عراقيٍّ طيوفُكُم العِذاب
وسائلةٌ دَماً في كلِّ قلبٍ
عراقيٍّ جُروحُكم الرِغاب
يُزَكينا من الماضي تُراثٌ
وفي مُستَقْبَلٍ جَذِلٍ نِصاب
قَوافِيَّ التي ذوَّبتُ قامَتْ
بِعُذري . إنّها قلبٌ مُذاب
وما ضاقَ القريضُ به ستمحو
عواثِرَهُ صُدورُكم الرّحاب
لئنْ حُمَّ الوَداعُ فضِقتُ ذَرعاً
به ، واشتفَّ مُهجتيَ الذَّهاب
فمِنْ أهلي إلى أهلي رجوعٌ
وعنْ وطَني إلى وطني إياب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ألقت مراسيها الخطوبْ..
ألقت مراسيها الخطوبْ..
رقم القصيدة : 66863
-----------------------------------
أَلْقَتْ مراسِيَها الخُطوبُ
وتَبَسَّمَ الزمنُ القَطوبُ
وانجاب عن صُبحٍ رضىٍّ
ذلك اللّيلُ الغَضوب
وادّال مِنْ صَدَأِ الحديد
على الثرّى أرَجٌ وطِيب
ومشى ربيعٌ للسَّلام
بِه تفتّحتِ القلوب
وتطامن الألمُ الحبيسُ
وأفرخَ الأملُ الرحيب
فجرٌ صدوق ربَّ حربٍ
رِبْحُها فجرٌ كذوب
الآنَ يَقْبَعُ في مهانَتِهِ
لتنتفضَ الشّعوب
وَحْشٌ تقلمتِ المخالبُ
منه واختفتِ النُّيُوب
مشتِ القصيدة للقصيدَةِ
يصرعُ الكَسِلَ الدؤوب
وتلّمس الدّرنَ الحكيمُ
وشخَّصَ الداءَ الطبيب
وتلاقتِ الأجيالُ في
جيلٍ هو النَّغَمُ الرتيب
جيلٌ توضحت المعالمُ
مِنْهُ وانجلتِ الغُيوب
وجرتْ على خير المقاييس
المحاسنُ والعيوب
فالمستظامُ " المستغَلُّ هو
الحسيب ، هو النسيب
والمستقيمُ هو المحكَّمُ
والصريحُ هو اللبيب(59/450)
والمنطوي كبتاً يشد على
الضميرِ هو المريب
ومنزّهُ الآراءِ عن
تأويلِهِنّ هو الصليب
والمكتوي بلواذع الألم
العميقِ هو الأديب
ربّىَ القرونَ بكلّ حْجرٍ
طّيبٍ نِعمَ الربيب
شابتْ مفارقُهمُّ وأزمَنَ
لا يهِمُّ ولا يَشيب
ايام " رسطاليس " كانَ
بُعَيْدَ مولدِهِ يهيب
والسمُّ إذ " سقراطُ " يَجْرَعُهُ
ويحلِفُ لا يتوب
إذ قال للملأ العظيمِ
وكأسُهُ فيها شبوب:
" إني أكولٌ للحِمام
على مرارتِهِ شَروب"
أهلاً ، فانّكِ لا تُخيفين
العقيدةَ ، يا شَعُوب
وخيال " أفلاطون " والجُمْهور ،
والحكمُ الأريب
ما عابه أن ضيم فيه
" الرقُ " وامتُهِنَ " الجليب "
إن العقولَ تكاملٌ
من يُخطِ ينفعْ من يُصيِب
وتبارت الأجيال تنجح
بالرسالة ، أو تخيب
عصرٌ خصيبٌ بالكفاحِ
وآخرٌ منهُ جديب
شرِقٌ بأعوادِ المشانِقِ
أو بمذبحةٍ خصيب
يجري النعيمُ به وتَزْدحِمُ
العظائِمُ والكُروب
بازاء وَجْهٍ ناضرٍ
ألفٌ تلوحُّه السُّهوب
ومواكبُ الأحرار في
صَخَبِ الطُّغاةِ لها دبيب
وعواصفُ الظلم الفطيع
لها رُكودٌ أو هبوب
ومَعينُ فكرٍ في مَعينِ
دمٍ يَصُبّ ، ولأنضوب
ومشرّدون على المبادئ
حُقِّروا فيها وعِيبوا
سُدَّتْ مسالِكُهُمْ فما
ضاقتْ بمذهبِهمْ ثقوب
ضمنَ النعيمَ إنابةٌ
وأبى التحّررُ أن يُنيبوا
يتلقّفُ الأضواء نَجْمٌ
شعَّ من نجمٍ يَغيب
" فأبو العلاء " على نواميسٍ
مهرّأةٍ كئيب
ويهين " فولتير " النظام
وبالمشرع يستريب
وتعهد " الاوباشَ " - زولا -
فانجلى " الوحشُ " النجيب
فإذا به غير المواربِ
حين يَكُثُرُ من يروب
وإذا به وهو الكريب
يُثيرُ نَخْوَتَهُ الكريب
وإذا بأشتاتِ الطُيوبِ
يَلُمُّها هذا الجنيب
هذا المُهان لأنّهُ
من نِعمةٍ خاوٍ سليب
ولأنَّ مشربَه حثالاتٌ
ومطعَمَهُ جشيب
ولأنّه ذو مِعصم
لم يُزْهِهِ الحلقُ الذهيب
ولأنه في الأكثرينَ
الجائعينَ له ضروب
ولأنه بين " الصدورِ "
المجرمينَ هو الكُعوب!!
جيل تعاوَره الطلوعُ
- بما يُبشِّرُ - والغروب(59/451)
يطفو ويحُجُبهُ - إلى
أمدٍ - من البغي الرسوب
حتى تلقَّفَهُ " لنينُ "
وصنْوُهُ البطلُ المَهيب
والعاكفون عليه أمّاتٌ،
وشبانٌ ، وشيب
فإذا به عبلُ السواعدِ
لا يزاحِمُهُ ضريب
تعنوا له الجّلى ويقصُر
عنده اليومُ العصيب
بالشعب تدعَمُهُ الجيوشُ
وتدعمُ الجيُشَ الشُّعوب
والرايةُ " الحمراءُ " تحتَ
ظلالِها تمشى القلوب
قالوا " السلام " فراح يستبقُ
البعيدَ به القريب
ودَعْوا ، فخف مجاوبٌ
وثوى صريعٌ لا يجيب
وتوثب العاني وأعوزَ
مُثخناً فيه الوثوب
طرح الأسيرُ قيودَهُ
وهفا لموطنِه الغريب
وتعطّرتْ بشذا اللقاءِ
ونفحةِ اللُّقيْا دُروب
في كلِّ بيتٍ بسمةٌ
كدراءُ أو دَمعٌ مشوب
غلب ابتسامَ الآيبين
بكاؤهم من لا يؤوب
رفَّت على أعشاشها
أرواحُ هائمةٍ تلوب
ذُعرٌ تخطفها الفراق
ومسَّهاً منه لغوب
ومشى . من " القبر " الرهيب
خيالُ مُحَترِبٍ يجوب
غطّى معالَمهُ شجاً
وتوحّشٌ ، ودمٌ صبيب
أصغى فَألْهَبَ سمعَه
من " هامة " الجدَثِ النعيب
وتمطتِ الأنقْاضُ عن
وجهٍ يؤمِّلُهُ حبيب
عن ساعدٍ ألوى على
جيدٍ كما اختلف الصّليب
وفمٍ مَراشِفُه ، للثم
أليفِها شوقا تذوب
وضمائرُ " الأجداث ِ" تشكو
ما جنى البشَرُ العجيب
ورمائمُ الأنقاضِ ، مما
استوعبت ، فيها شحوب
والنار تحلف .. من حصيد
لهيبها ذُعِرَ اللهيب
والحوتُ يَضْمَنُ رزقَه
بحرٌ بها فيه خصيب
للوحشِ مأدبةٌ عليها
ما يَلَذُّ وما يَطيب
وكواسر العِقبانِ يزهيها
من الجثث النصيب
ماذا تريد : حواصل
ملأى ومنقارٌ خضيب
والدود يسأل مقلةً
تدمى وجمجمة تخوب
هذي المطاعم : أيُّ طاهٍ
شاءها ؟ أهي الحروب؟
من مُبْلِغُ الثّاوينَ تُعوِلُ
عندهم ريحٌ جَنوب
والمفردَين عليهم
من كلِّ والفةٍ رقيب
والطفلُ يسأل من أبيه
أهكذا يَلِجُ المشيب؟
والكاعبُ الحسناءُ جفَّ
بنحرِها نَفَسٌ رطيب
واستنزَفَ الحِلْمَ الرغيبَ
بصدرها جُرحٌ رغيب
إنَّ الرياشَ المستجدّ
لكُمْ تَنُمُّ به الطيوب
والبيتَ يُنعشه رنينُ العودِ ،(59/452)
والطفلُ اللَعوب
والدهرُ لم يبرح عليه من
الّصبا ثوبٌ قشيب
والأرض يُرقصها الشروقُ ،
كما عهدتم ، والغروب
وعلى الربيعِ غضارة
وعلى الأراكَةِ عندليب
والشمس يستُرُ وجهَها
بالغيم يُمْسِكُ أوْ يصوب
والخافقاتُ العاطفاتُ
بكم يُعِذَبُها الوجيب
ألقتْ مراسِيها الخطوب
وتبسمَّ الزمن القَطوب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> طرطرا
طرطرا
رقم القصيدة : 66864
-----------------------------------
أيْ طرطرا تطرطري
تقدَّمي تأخَّري
تَشيَّعي تسنَّني
تَهوَّدي تَنصَّري
تكرَّدي تَعرَّبي
تهاتري بالعُنصرِ
تَعمَّمي تَبَرنطي
تعقَّلي تسدَّري
كوني - اذا رُمتِ العُلى -
من قُبُلٍ او دُبُرِ
صالحةً كصالحٍ
عامرةً كالعُمري
وأنتِ إنْ لم تَجِدي
أباً حميدَ الأثَر
ومفَخَراً من الجُدودِ
طيَّب المُنحدرَ
ولم تَرَي في النَفْس ما
يُغنيكِ ان تفتخري
شأنُ عِصامٍ قد كفَتْه
النفسُ شَرَّ مفْخَر
فالتَمِسي أباً سِواهُ
أشِراً ذا بَطَر
طُوفي على الأعرابِ من
بادٍ ومن محتَضِر
والتَمِسي منهم جدوداً
جُدُداً وزَوِّري
تزَّيِدي تزبَّدي
تعنَّزي تَشمَّري
في زَمَنِ الذَرِّ إلى
بَداوةٍ تَقَهْقَري
تَقَلَّبي تَقَلُّبَ الدهرِ
بشتّى الغِيَر
تصرَّفي كما تشائينَ
ولا تعتَذري
لمن؟!! أللناسِ ؟!! وهم
حُثالةٌ في سَقَر
عبيدُ أُجدادِك من
رِقًّ ومن مُستَأجَر
أمْ للقوانين وما
جاءَتْ بغَير الهَذَر
تأمرُ بالمعروف والمنكَر
فوقَ المِنبَر
شيء أبى المعروفِ في
شَويِّ امُّ المنكر
أمْ للضميرِ والضميرُ
صُنْعُ هذا البَشَر؟!
تَعِلَّةٌ لصائمٍ
فَطيرةٌ لمُفطِرِ
لمن؟!! اللتأريخ ؟!!وهو
وفي يَدِ المُحَبِّر
مُسخَّرٌ طَوْعَ بنانِ
الحاكم المُستَحِر
بدَرْهَمٍ تُقَلِّبُ الحالَ
يَدُ المُحرِّر
قد تَقرأُ الاجيالَ في
دُفَةِ هذا المحضَر
عن مِثْلِ هذا العَصْر أن
قد كان زينَ الاعصُر
وأنَّه من ذَهَبٍ
وأنّه من جَوهر
أم للمقاييس اقتضاهنَّ
اختلافُ النَظَر؟
إنَّ أخَا طَرْطَرَ من(59/453)
كلِّ المقاييس بَري
أي طرطرا إن كانَ شَعبٌ
جاع او خُلقٌ عَري
او أجْمَعَ الستُ الملايينُ
على التذمُّر
او حَكمَ النساءُ حُكم
الغاصبِ المقتَدِر
او صاحَ نَهباً بالبلاد
بائعٌ ومشتري
او نُفِّذَ المرسومُ في
محابِرٍ وأسطر
او أُخِذَ البريءُ بالمجرِم
اخذَ طرطري
او دُفِع العراقُ
للذلِّ أو التدهورِ
فاحتكمي تحكَّمي
وتُحمَدي وتؤجَري
أي طرطرا تطرطري
وهلِّلي وكَبّري
وطَبِّلي لكلِّ ما
يُخزي الفَتَى وزمِّري
وسَبِّحي بحمدِ مأمونٍ
وشكرِ أبتَر
اعطي سماتِ فارعٍ
شَمَردَلِ لبُحتر
واغتَصِبي لضِفدِعٍ
سماتِ ليثٍ قَسْور
وعَطرِّي قاذورةً
وبالمديح بَخرِّي
وصيرِّي من جُعَلٍ
حديقةً من زَهَر
وشَبِّهى الظلامَ ظُلماً
بالصبَاح المُسفِر
وألبسي الغبيَّ والاحمقَ
ثَوبَ عبقري
وأُفرِغي على المخانيثِ
دُروع عنتر
إن قيلَ إنَّ مَجدَهمُ
مزيَّفٌ فأنكِري
او قيلَ إن بطشَهم
من بَطْشة المستِعمر
وانَّ هذا المستعيرَ
صولةَ الغَضَنفرَ
اهونُ من ذبابةٍ
في مستحَمٍّ قَذِر
فهي تطير حُرّةً
جَناحُها لم يُعَر
وذاكَ لو لم يستعِرْ
جناحَه لم يطر
فغالِطي وكابري
وحَوِّري وزوِّري
أي طرطرا سِيري على
نَهجِهِمُ والاثَر
واستَقْبلي يومَك من
يومهمُ واستدبِري
وأجمِعي أمرَكِ من
أمِرهِمُ تَستَكِثري
كُوني بُغاثاً وأسلَمي
بالنفسِ ثم استَنْسِري
انْ طوَّلوُا فطَوِّلي
او قصَّروا فقَصِّري
او أجَرمُوا فاعتذري
او أنذروا فبشِّري
او خَبَطوا عشوا فقُولي
أيُّ نجمٍ نَيِّرِ
او ظَلَموا فابرزي
الظُلمْ بأبهَى الصُوَر
شَلَّتْ يَدُ المظلوم لم
يَجْن ولم يُعَزِّر
او صَنَعوا ما لم
يبرَّرْ منطقٌ فبرِّرِي
أي طرطرا لا تنكري
ذَنْباً ولا تَسْتَغفِري
ولا تُغطِّى سوءةً
بانت ولا تَتَّزِري
ولا تغُضيِّ الطرفَ عن
فَرط الحيا والخَفرَ
كُوني على شاكلةِ
من امرهم تُؤَمَّري
كُوني على شاكلةِ
الوزيرِ بادي الخَطَر
أيْ طرطرا كُوني
على تاريخِك المحتُقَر
احَرصَ من صاحبة
النِحيْين ان تذكَّري(59/454)
طّولي على كِسرى ولا
تُعَني بتاج قَيصر
كوني على ما فيك من
مساوئٍ ، لم تُحصَرِ
كوني على الاضداد في ِ
تكوينك المُبعثرِ
شامخةً شموخَ قَرن
الثورَ بين البَقرِ
أيْ طرطرا أُقسم
بالسويكةِ المشهَّر
والخَرزِ المعَقود في البطن
فوَيق المشعر
بوجهكِ المعتكر
وثَغِرك المنوَّرِ
وعينِك الحمراءِ ترمِي
حاسداً بالشَررَ
وصنوك الثور يُثار
غيظٌه بالأحمر
اقسم بالكافور لا
اقصِدُ شَتم العَنْبر
فوقَ جميع البشَرَ
فوق القضَا والقَدرَ
أي طْرطرا " يالَك مِن
قُبرَّة بمَعَمر
خلا لكِ الجوُّ " وقد طاب
" فبيضي واصفِري "
" ونقِّري " من بَعدِهم
ما شئت ان تُنَقِّري "
قد غَفَل الصيّادُ في
لندنَ عنك فابشِري
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> إليها !.
إليها !.
رقم القصيدة : 66865
-----------------------------------
تَهَضَّمَني قَدُّكِ الأهيفُ
وألهَبَني حُسنُك المُترَفُ
وضايَقَني أنَّ ذاك المِشَّدَ
يضيقُ به خَصرُك المُرهَف
وقد جُنَّ وركُكِ من غَيظِه
سَمينٌ يُناهِضُه أعجَف
فداءً لعَينَيك كلُّ العيون
أخالَط جفنيهِما قَرْقفَ
كأنّي أرى القُبَلَ العابثاتِ
من بينِ مُوقَيهِما تَنْطِف
ورعشةَ أهدابِك المثقلاتِ
على فرْط ما حُمِّلَت تَحْلِف
كما الليلُ صَبَّ السَوادَ المُخيفَ
صَبَّ الهوى شعرُك الأغدَف
تَلَبَّدَ مِثلَ ظَليلِ الغمام
وراحتْ به غُمَمٌ تُكْشَف
أطار الغرورَ نثيرُ الجديلِ على
دَورة البَدر اذ يُعقفَ
وراحَ الحُلُي على المِعصمَين
بأعذبَ الحانِه يَعزِف
وأوشكَ هذا النسيجُ اللصيقُ
بنَهديك من فَرْحةٍ يهتِف
وكاد يُذيعُ حديث الجنانِ
واسرارَ كَوثَرِه المُطرّف
مُنى النفسِ إنَّ المنى تَرتَمى
على قَدَمَيكِ وتَستَعطِف
وطوعَ يَدَيك كما تَشْتَهين
حياةٌ تجَدَّدُ او تَتْلَف
مُنى النفسِ إنّ على وَجنَتيكِ
من رَغبةٍ ظُلَلاً تزحف
تَعالي نَصُنْ مقلةً يرتمي
بها شَرَرٌ وفماً يَرجِف
ونُطاقْ من الاسر رُوحاً
تجيشُ في قفصٍ من دمٍ ترسِف(59/455)
تعالي أُذقْكِ فكلُّ الثمار
تَرفُّ ونوارُها يقطَف
صِراعٌ يطولُ فكمْ تهدفين إلى
الروح مني وكم أهدِف
إلى الجسم مِنكِ وكم تَعرِفين
أين المَحَزُّ وكم أعرِف
وما بينَ هذينِ يمشي الزمانُ
ويُفنى مُلوكاً ويستخلِف
أميلي بصدركِ نَبْعَ الحياةِ
وخلِّي فماً ظامئاً يُرشَف
وميطي الرِداء عن البُرعُمَينِ
يَفِضْ عَسلٌ منهما يَرعُف
ومُرِّي بكفي تَشُقُّ الطريقَ
لعاصفةٍ بهما تعصِف
أميلى فيَنبوعُ هذا الجمالِ
إلى أمَدٍ ثم يُستَنزَف
وهذا الشبابُ الطليقُ العنان
سيُكْبَحُ منه ويُستوقَف
أميلي فسيفُ غدٍ مُصلَتٌ
علينا وسمْعُ القَضا مُرهَف
عِدي ثُمَّ لا تُخلِفي فالحمام
صُنوك في العنفِ لا يُخلِف
خَبَرتُ العنيفَ من الطارئات
ما يَستميلُ وما يقصِف
وذُقتُ من الغِيد شرَّ السُموم
طعْماً يُميتُ ويُستَلْطَف
وخضتُ من الحُبِّ لُجِّيه
على مَتن جِنيَّة أُقذَف
فلا والهوى ما استَفزَّ الفؤادَ
الطفُ منكِ ولا أعنَف
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ذكرى وعد بلفور...
ذكرى وعد بلفور...
رقم القصيدة : 66866
-----------------------------------
خذَي مَسعاكِ مُثَخنةَ الجِراحِ
ونامي فوقَ داميةِ الصِفاحِ
ومُدِّي بالمماتِ إلى حياةٍ
تسَرُّ وبالعَناءِ إلى ارتياح
وقَرّي فوقَ جَمرِكِ أو تُرَدِّي
من العُقبى إلى أمرٍ صُراح
وقُولي قد صَبْرتُ على اغتباقٍ
فماذا لو صَبرتُ على اصِطباح
فانَّ أمرَّ ما أدْمَى كِفاحاً
طُعونُ الخائِفينَ مِن النجاح
فكُوني في سماحِكِ بالضحايا
كعهدكِ في سماحِكِ بالأضاحي
فان الحقَّ ، يقطُرُ جانباه
دَماً ، صِنوُ المُروُءةِ والسماح
وتأريخُ الشُعوبِ إذا تَبَنّى
دمَ الأحرارِ لا يمحوهُ ماحي
فِلَسْطينٌ سَلامُ اللهِ يَسري
على تلك المشارِفِ والبطاح
رأيتُكِ مِن خِلال الفَجرِ يُلقي
على خُضْر الرُّبى أحلى وِشاح
أطَلَّ النَسرُ مُنتصِباً عليهِ
فهبَّ الديكُ يُنذِرُ بالصياح
يؤوبُ الليلُ منه إلى جَناحٍ(59/456)
وتبدو الشمسُ منه على جَناح
وعَينُ الفجرِ تَذري الدمعَ طَلاًّ
وتَمسَحُه بمنديل الصباح
وأنفاسُ المُروج معطَّراتٌ
بأنفاسِ الرُعاة إلى المَراح
لَمستُ الوحيَ في لْحنِ المثاني
وشِمتُ الحُزنَ في وقْعِ المساحي
وغَنَّى " أُورْشَلَيمَ " يُعيدُ لحناً
لداود هَزارٌ بالصُّداح
وحولي مِن شبابِكِ أيُّ روضٍ
ينُمُّ حَديثُه بشذا الأقاح
وألطافٍ ، كأنفُسهم عِذابٍ
وأسمارٍ ، كأوجُهِهمْ صِباح
سلاماً للعُكُوفِ على التياحي
وشوقاً للظِماء إلى ارتياحي
وحُزناً أنْ يجُرَّ الدهرُ حُزناً
على تلك الغَطارفةِ الوضاح
أأمَّ القُدْسِ والتأريخُ دامٍ
ويومُكِ مثلُ أمسِكِ في الكفاح
ومَُهدُكِ وهو مهبِطُ كُلِّ وحيٍ
كنعشكِ وهو مُشتَجرُ الرِماح
و " وادي التِيَهِ " إنْ لم يأوِ " موسى "
فقد آوى الصليب على " صلاح "
وذكرى " بختَ نُصَّر " في الفيافي
يُجَدَّدُها " أِلنْبي " في الضواحي
فلا تَتَخبَّطى فالليلُ داجٍ
وإنْ لم يَبْقَ بُدٌّ مِن صباح
شَدَدْتِ عُرى نِطاقِكِ فاستمِري
ولا يثقُلْ عليكِ فتُستباحي
ولا تُغْنَيْ بِنا إنّا بُكاةٌ
نَمُدُّكِ بالعويل وبالصياح
ولا تُغْنَيْ بِنا فالفِعلُ جَوٌّ
مَغِيْمٌ عِندَنا والقولُ صاح
ولن تَجدي كإيانا نصيراً
يَدُقُّ من الأسى راحاً براح
ولا قوماً يَرُدُّون الدّواهي
وقد خَرِسَتْ بألسْنةٍ فِصاح
أعِيْْذُكِ مِن مَصيرٍ نحنُ فيه
لقد عُوِّذتِ مِن أَجَلٍ مُتاح
ووضعٍ أمسِ كُلُهمُ لواهٍ
به واليوم كلُهم لواحي
تَنَصَّلَ منه زُوراً صانِعوهُ
كمولودٍ تحدَّرَ مِن سِفاح
وذمُّوا أنَّهم كانوا عُكوفاً
عليهِ في الغُدُوِّ وفي الرواح
وتأريخٍ أُريدَ لنا ارتجالاً
فآبَ كما أريدَ إلى افتضاح
شَحَنَّا دفَتيهِ بمُغمَضاتٍ
" كأحداقِ المها مرضى صحاح "
وغَلَّفْنا مظاهرهُ حِساناً
مزخرفةً على صُوَرٍ قِباح
وسُقْنا الناسَ مُكْرهةً عليه
على يد ِ ناعمينَ به وَقاح
ونَصَّبْنا مرَوِّضةً غِلاظاً
على ما في الطبائِعِ منْ جِماح(59/457)
وأحْلَلْناه وهو ضريحُ شعبٍ
محلَّ الوَحْيِ جاءَ من الضُّراح
نجرَّعُهُ ذُعافاً ثم نُضفي
عليهِ محاسِنَ الشَّبِم القَراح
ورُبَّةَ " صَفْقَةٍ " عُقِدَت فكانت
كتحريم الطلاقِ على نِكاح
تُدبَّرُ في العواصِم من مُرِيْبِ
خبيثِ الذكر ، مَطعونِ النواحي
تفوحُ الخمر منها في اختْتامٍ
ويبدُو منها في افْتتاح
ويُسْفِرُ نَصُّها المُسوَدّ خِزياً
ومَظلمةً عن الغِيد المِلاح
و" تصريحٍ " يُمِطّطه قويّ
كَلَوْحِ الطّينِ يدحوه داحي
و " حلفٍ " لستُ أدري مِن ذُهولٍ
أعن جِدٍّ يُدَبَّرُ أم مِزاح
لنا حقٌ يُرجَّى بالتماسٍ
وباطِلُهمْ يُنفَّذُّ بالسلاح
ولستُ بعارِفٍ أبداً حَليفاَ
يهدِّدُه حليفٌ باكتساح
فلسطينُ تَوَّقيْ أنْ تكوني
كما كُنَّا بمَدرجَةِ الرياح
وأنْ تضَعي أمورَكِ في نِصابٍ
يوَّفُر او يُّطَفَّفُ باجتراح
وهابِي أن تُمدَّ إليكِ مِنَّا
يدُ المتضارِبين على القِداح
فكم هاوٍ أَجَدَّ لنا جُروحاً
بدعوى أنَّه آسي جراح
وأُصدِقُكِ الحديثَ فكم " حُلولٍ "
حرامٍ ، لُحْنَ في زِيٍّ مُباح
"نُطَوِّفُ ما نُطَوِّفُ ثُم نأوي
الى بيتٍ " أُقيمَ على " اقتراح "
يُخرِجُ ألفَ وجه مِنْ حديثٍ
ويَخْلُقُ ألْفَ معنىً لاصطلاح
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ذكرى أبو التمن ..
ذكرى أبو التمن ..
رقم القصيدة : 66867
-----------------------------------
طالَتْ - ولو قَصُرَت يدُ الأعمارِ -
لرَمتْ سِواكَ عَظُمْتَ مِنْ مُختارِ
من صفوةٍ لو قيلَ أيٌّ فَذُّهُمْ
لم تَعْدُ شَخْصَكَ أعينُ النُظَّار
لكن أرادتْ أن تحوزَ لنفسها
عَينَ القِلادةِ فازدَرَتْ بنُثار
وأرى المنايا بالذي تختارُهُ
للموتِ عاطلةً ، وذاتَ سِوار
فطوَتْكَ في دَرْج الخُلودِ فعطَّرتْ
بك سالفَ الأحقابِ والآثار
واستنزلَتْكَ لغُربةٍ ولأنتَ مِن
عَلياك في لَجِبٍ من الأنصار
وتجاهَلتْ أنَّ البلادَ بحاجةٍ
لكَ حاجةَ الأعمى إلى الإِبصار
مُدَّتْ من الأُخرى إليك معاصمٌ(59/458)
مِن رفقةٍ لك قادةٍ أبرار
خُلصاءِ سَعيِكَ في الجْهاد وإخوةٍ
لكَ في الوفاءِ المحضِ والإِيثار
ورفاقُ هذي الدار فيما أسلَفوا
للكاتِبَيْنِ رفاقُ تلكَ الدار
بَكَرَ النَّعِيُّ فما سَمعتُ بمِثْلها
عِبءاً على الأسماعِ والأبصارِ
رَمتِ العَماياتُ العيونَ وصَكَّتِ الأسماعّ
صافرةٌ مِن الإِنذار
وترنَّحَ الأحرارُ يؤذِنُ بَعضُهُمْ
بعضاً بفقدهُمِ أبا الأحرار
لله درُّكُّ مِن نقيٍّ لم يَنَلْ
أذيالَهُ وَضَرٌ مِن الأوضار
في حيثْ تزدحِمُ الشكوكُ وترتَمي
شُبُهاتُها حتَّى على الأخيار
خاضَ السياسةَ وانجلى عن لُجَّها
ألِقَ الجبينِ مكلَّلآً بالغار
في حينَ رامَ سِواه خوضَ عُبابها
فطغى عليه فضاعَ في التَّيار
وصليبُ عُودٍ حينَ بعضُ مُرونةٍ
في ضَعفها خطرٌ مِن الأخطار
وطَريُّ نفسٍ حينَ بعضُ صلابةٍ
في عُقمها حجرٌ مِن الأحجار
وخَفيُّ كيدٍ حيثُ يسمو كائدٌ
ومن المكايدِ جالبٌ للعار
وصريحُ رأيٍ لم يَحِد عن خُطَّةٍ
ليلوذَ من تأويلها بجِدار
حَرْبٌ على مُستعمِرٍ وربيبهِ
ومُسالِمٍ مُستَعْمِراً ومُجاري
أعزِزْ عليَّ " أبا عزيزٍ " أنْ أرى
حُضَّارَ حفلِكَ زائغي الأبصارِ
خَلَتِ المحافلُ من عُلاك وأوحشتْ
من بَعْد وجهِكَ ندَوةُ السُمَّار
وتَعَرَّتِ الأنظارُ عن مُستَشرِفٍ
بادي السَّنا ، عالٍ على الأنظار
ولقد يَعِزُّ عليكَ أنَّكَ لا تَرى
في " الأرْبِعاء " مواكبَ الزُّوّار
أأبا عزِيزٍ كنتَ تُذكي جذوتي
ويَلَذُّ سَمْعُك مَنطقي وحِواري
غوْثَ الصريخِ ، أتتك تُعوِلُ حُرَّةٌ
حَّراءُ صارخةٌ من الأشعار
هَيَّجتَ منّي أيَّ داءِ كامنٍ
وقدحتَ منّي أيّ َزندٍ واري
قسَماً بيومِكَ والفُراتِ الجْاري
والثورةِ الحمراء والثُّوّار
والأرضِ بالدَّمِ ترتوي عن دِمْنَةٍ
وتَمُجّهُ عن روضةٍ مِعطار
والخيلِ تَزحفُ لم تَدَعْ لمُغيِرها
جثثٌ تُغَطي الأرضَ أيَّ مُغار!
قسَماً بتلكَ العاطفاتِ ولم تكُنْ
لي قبلَها من حِلْفةٍ بالنَّار(59/459)
إنَّ الذينَ عهِدتَهُم حطَبَ الوغى
لولاهُم لم تشتعِل بأوار
والَّلاقِحينَ نَتاجَها بأعزِّ ما
ملَكَتْ يمينٌ من حِمىً وذمار
والداهناتِ دماؤُهم لِمَمَ الثَّرى
والمُؤنساتِ شواطئَ الأنهار
والناحرينَ مِنَ الضَّحايا خيرَ ما
حَمَلَت بُطونُ حرائرٍ أطهار
ما إنْ تَزالُ حقوقُهُمْ كذَويهمُ
في الفَقْر سارحةً معَ الأبقار!
وأعزُّ ما تبغي الحلائلُ مِنهمُ
أنْ تُسترَ العَوراتُ بالأطمار
خمسٌ وعشرونَ انقضَتْ وكأنَّها
بشخُوصِها خَبَرٌ منَ الأخبارِ
ضِقنا بها ضيقَ السجينِ بقيدهِ
من فَرْطِ ما حَمَلَتْ من الأوزار
وتَجَهَّمَتْ فيها السماءُ فلم تَجُدْ
للخابطينَ بكوكبٍ سيَّار
شاخَ الشبابُ الطّيبون وجُدّدتْ
فيها شَبيبةُ شِيخةٍ أشرار
وبدا على وَجهِ الحفيدِ وجدِّه
للناظرينَ تقارُبُ الأعمار
مَن كان يحسَبُ أنْ يُمَدَّ بعُمره
حُكْمٌ أقيمَ على أساسٍ هاري؟!
مَن الفظاعةِ أنْ تُريدَ رَعيَّةٌ
في ظِلِّ دُستورٍ لها وشِعار
ما يَطلُبُ المأسورُ من يدِ آسرٍ :
إسداءَ عارفةٍ وفَكَّ إسار
ورِوايةٍ حبَكَ الزَّمانُ فُصولَها
فبدَتْ لنا ممسوخةً الأدوار
من شرّ ما اختلقَ الرُّواةُ ،وَلفَّقتْ
حِيلٌ ، وضمَّتْ دَفَّةُ الأسفار
وممثلينَ تصنّعاً ووراءَهمْ
خَلْفَ السِتار مُلّقِنٌ مُتواري
ومفّرِقينَ مَذاهباً وعناصراً
مُتَكَفِّلينَ سياسةَ استعمار
نزلوا على حُكم الغريبِ وعَرَّسوا
في ظِلِّ مأْثَمةٍ له وفَجار
وتحلَّبُوا أوطارَهُ فاذا بها
وَشَلٌ لِما استحلى من الأوطار
واستفرَشَ الشعْبُ الثرى ، ودُروبهُمْ
مملوءةٌ بنُثارةِ الأزهار!
وتحَّلأَ الجَمْعُ الظِماءُ ووُكِّلَتْ
أبناؤهم بالوِرد والإِصدار
ذُعِر الجْنوبُ فقيلَ : كيدُ خوارجٍ !
وسكا الشَّمالُ فقيلَ : صنْعُ جِوار!
وتنابزَ الوَسطُ المُدِلُّ فلم يَدَعْ
بعضٌ لبعضٍ ظِنَّةً لفَخار
ودعا فريقٌ أنْ تسودَ عَدالةٌ
فرمُوا بكلِّ شنيعةٍ وشَنار!
ومشَى المغيثُ على الجياع(59/460)
- يَقوتهُمْ - وعلى العُراةِ ، بجحفلٍ جرّار
وتساءلَ المتَعَجِّبونَ لحالةٍ
نكراءَ : مَنْ هُم أهلُ هذي الدار؟
هِيَ للصحابةِ مِن بَني الأنصار
من كلِّ بَدريٍّ وكلّ حَواري
للحاكمينَ بأمرِهم عن غَيرِهم!
ولصَفْوةِ الأسباطِ والأصهار
من كلِّ غازٍ شامخٍ في صدره
زاهي الوسامِ ، مدِّوخِ الأمصار
هيَ للذينَ لو امتحنتَ بلاءهم
لعجِبتَ من سُخْريَّةِ الأقدار
هي للذي من كلِّ ما يَصِمُ الفتى
كاسٍ ، ومن جُهْدٍ يُشرّفُ عاري
ومُسلَّطٍ لمُسَلَّطينَ مشتْ به الأهواءُ
مِشيةَ مُثقَلٍ بخُمار
نَسِيَ المُعيرَ ولو تذكَّرَ لأنثنى
خَزْيانَ من ثوبٍ عليه مُعار
كم رامَ غيرُكَ مِثلَها فأحلَّهُ
نزَقُ الغُرور بشَرِّ دارِ بَوار
بل لو تذكَّرَ لم يجدْ لضميرهِ
ومصيرهِ عَوناً من التَّذكار
لم يبقَ إلَّا أنْ تُتَمَّمَ خطوةٌ
ويظَلَّ يَلعبُ لاعبٌ بالنار
فلَرُبَّما نفَتِ الشَّكاةَ وقرَّبَتْ
يومَ الخلاصِ سياسةُ الإصرار
أأبا عزيزٍ والحديثُ كما رَوَوا
شَجَنٌ ، ومُرُّ القول عذْبٌ جاري
ومن العواطفِ ما يثورُ ويَغتلي
مثلَ الجحيم ، ويرتمي بشِرار
عَفْواً وإنْ شطَّ المَدى عن غايتي
ونبَتْ جيادُ الشعر عن مِضماري
فلقد تَحَشَّدَتِ البواعثُ واشتكَتْ
صَمْتَ القريض لِفَحْلهِ الهدّار
ولقد عَهِدْتُكَ بالبلاد وأهلِها
جَمَّ الشُجونِ ، مُوزَّعَ الأفكار
ووجدتُ قَدْحَ الذكريات شجيَّةً
بَرْداً لِأفئدةٍ عليك حِرار
وعَرَفتُ أشجاناً يثيرُكَ بَعْثُها
فأثَرْتُهُنَّ فطِرْنَ كُلَّ مطار
إيهٍ شبابَ الرافدين ومَنْ بهم
يرجو العراقُ تَبَلّجَ الأسحار
الحاملِينَ مِنَ الفوادحِ ثِقْلَها
ليسوا بأنكاسٍ ولا أغمار
والَّذائِدينَ عن الحياض إذا انتحَتْ
كُرَبٌ ، ولاذَ مُكابرٌ بفِرار
والباذلينَ عن الكرامة- أُرخصَتْ -
أغلَى المُهورِ ، وأفدحَ الأسعار
الفَقْرَ إذ طُرقُ الغِنى مفتوحةٌ
والبؤسَ إذ غَدقُ النعيم جواري
ومؤَّججينَ نفوسَهمْ وقُلوبَهمْ
شُعَلاً يسيرُ على هُدها الساري(59/461)
والحابسينَ زئيرَهم بصدورهم
فإذا انفجرنَ بهِ فأيُّ ضواري
والقانعينَ مِن الحياة رخيَّةً
بلُماظَةٍ ، ومن الكَرى بغرِار
والمغرِياتُ مُراوداتٌ ترتجى
وتَخيبُ ، من عُونٍ ومن أبكار
لا تيأسوا أنْ يَلُحْ مِن ليلةٍ
فجرٌ ، ولم تؤذِنْ بضوءِ نهار
فلئِنْ صَلِيتُمْ مِن هَناةٍ جَمْرها
ومشَيْتُمُ منهنَّ فوق شِفار
فطِوالُ مُحْرِجةِ الأمور وإنْ قَسَتْ
في شِرعةِ التأريخِ جِدُّ قِصار
لا بُدَّ أنْ يَثِبَ الزَّمانُ ، وينثني
حُكمُ الطُغاةِ مُقَلَّمَ الأظفار
وتُجَدِّدَ الأيَّامُ عَهْدَ وصالِها
مِن بَعدِ إعراضٍ لها ونِفار
فهُناك سوفَ يكونُ من زَهَراتِكم
أصفى معارِفها وأطيبُ جار
وهناكَ سوفَ يَرى الغَنيِمةَ معشرٌ
أنْ يُمْسِكُوا من خَلْفِكُمْ بغُبار
فحَذارِ من عُقبى القُنوطِ حذارِ
وبِدارِ للعهدِ الجديدِ بِدار
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> دجلة في الخريف..
دجلة في الخريف..
رقم القصيدة : 66868
-----------------------------------
بكَرَ " الخريفُ " فراح يُوعِدهُ
أنْ سوفَ يُزْبِدُهُ ويُرْعِدُهُ
وبَدَتْ من الأرماث ، عائمةً
فيه ، طلائعُ ما يُجَنِّدُه
وكأنَّ ، من زَبَدِ الرِّمال على
أمواجه ، طِفْلاً يُهَدْهِده
واستَثْقَلَ النوتيُّ مِجْذَفَه
بَرِماً بمِقبَضه يُجَدِّده
وتحفَّزَتْ شُمُّ الجبال لهُ
بثُلوجها كِسفَاً تُهدِّده
ظلَّتْ تَعُدُّ خُطاه تَرقُبُه
في الصيفِ مُزدهراً وتحسُده
جَرداءُ ، وهو يَضِجُّ مَلْعَبُهُ
ظَلْماءُ ، وهو يُشَبُّ مَوقِده!
خرَساءُ ، والأنعامُ تُرقصهُ
وكأنَّها بالموج تَرفِده
تَتَعَثَّرُ الأجيالُ خالدةً
فيها .. ويَحضُنُها مُخَلَّده
" داودُ " بالمزمارِ يُوقِظه
ويُنيمُهُ بالعُود " مَعبده "
والهِيمُ تخزُنُهُ وتنهبُهُ
والغِيدُ تُنزِلهُ وتصُعِده
ألْقَتْ إليه مِن مفاتِنِها
ما ليسَ إلاَّ اللهُ يَشهَده
ورمَتْ له يقظانَ مِن مُتَعٍ
ما نحنُ في الأحلامِ نَنشُده
والنجمُ حارسُها وحارسُه(59/462)
والظلُّ موعدُها وموعده
الآنَ أُدْرِكُ سِرَّ زَفْرتهِ
إذ لم يَعُدْ سِرّاً تَجَلّده
فَلفَقدِه نَفَساً تَنَفُّسُهُ
ولذِكره نَهداً تَنَهَّده
يتَعقَّبُ المسكينُ موجَتَها
عَبَثاً بمَوْجتهِ وتطْرُده
لم يَدْرِ حتى الآنَ شِيمتَها
حسِبَ الهوى نَغَماً يُردِّده
أمسِ استطابتْ فيه مَقصِدَها
واليومَ أهونُ منه مَقصِده
لو يستطيعُ لَرَدَّ خُضرتَهُ
وبرغْمِ سَفْحَيْهِ تورَّده
وبرغْمهِ أنْ حبَّ خابِطُهُ
للزارعينَ وذُمَّ مَورده
ماسرَّهُ " والبِيضُ " تُنْكِرهُ
أنَّ المراعي الخُضْرَ تَحْمَده!
فالذكْرَياتُ الغُرُّ يَشهدُها
رقراقُهُ الصافي وتَشْهَده
مُتطامِنٌ لم تُخْشَ صَولتُه
لكبْ تَضيقُ بصائِلٍ يَده
فمِنَ الشَّمال يدٌ وتُنْهِضُهُ
ومِنَ الجَنوب يدٌ وتُقْعِده
كالنَّاسِ للحُفُراتِ مَرجِعُه
ومِنَ النِّطافِ النُزْرِ مولِده
وخُضوعُهُ كخُضوعهمْ أبداً
للغيبِ أنَّى سارَ يقصده
والفَصلُُ ، دونَ الفَصلِ ، يُنْعشُهُ
والأرضُ ، دون الأرض ، تُسعِده
لَغِبٌ فلا الإِمساءُ يُوسِعُهُ
عَطْفاً ، ولا الإِصباحُ يُنجِده
النجمُ أعمى لا يرافِقُهُ
والطيرُ أخرَسُ لا يُغرِّده
مُتحَيِّرٌ لا يستَحِمُّ بهِ
فَلَكٌ ولا الأضواءُ تُرشِده
وكأنَّ مُحتَشَدَ الضَّبابِ بهِ
بابٌ بوجهِ الشُهْبِ يُوصِده
والشَّمسُ فاترةٌ تُذَكِّرهُ
وضَحَ السَّنا أيَّامَ تُوقِده
أيَّامَ تنفُخُ في قَرارتهِ
من رُوحها نَفَساً تُجَدِّده
والبدرُ .. حتى البدرُ يُوحشه
في يومِ محنتهِ ويُفرده
هذا الذي ما كانَ مِثلَهما
للصيفِ من مَثَلٍ يُخَلِّده
كانا يَرُبَّانِ الغرامَ معاً
ذا يَصْطَفيهِ ، وذا يُهَدْهِده
لم يبقَ من هَرَجِ الربيع بهِ
الا الذي قد فات أجوده
ومن العريشِ على شواطئه
إلاّ خُشَيْبات تحدِّده
ركبٌ تحمل عنه ناشطهُ
واقام عاجزُه ومُقْعَده
والسامرُونَ انفضَّ عُرْسُهُمُ
لا جِدُّهُ أغنى ، ولا دَده
حجَلَ الغُرابُ على مواقِدهمْ
وعلى الرَّمادِ بها يُلَبِّده(59/463)
ومنَ الحَمامِ أظَلَّهُ زَجِلٌ
كَلِفٌ بلحنِ الصَّيفِ يُنْشِده
ضَنْكُ المسَفَّةِ يَدَّني عَطَشاً
وتَموُّجُ الآذيِّ يُبعِده
مُتَسائلاً بشمَ حالَ رَيِّقُهُ
عن حُرِّ لونٍ كان يَعهَده!؟
وعلى الضِّفافِ، البطُّ مُنكمِشٌ
لاهٍ بذاوي النبتِ يَعضِده
شَعْثُ النَّسيل ، كأنَّ عابثةً
مَجنونةً راحتْ تُبدِّده
ما الصَّيفُ سبَّطَ من جَدائلِه
جاءَ الخريفُ له يُجَعِّده!
بادي الخُمولِ يؤودُه عُنُقٌ
في أمس ، من زهْوٍ ، يُمدِّده!
وكأنَّه ، إذ خِيفَ مَسبَحُه
مُتَرِّهبُ قد سُدَّ مَعْبَده!
أتُرى يعودُ غداً لِمَلْعَبهِ
لأمْ لا يعودُ كأمسه غده؟!
وتهضَّمَ النُوتيُّ زورقَه
بالقار، بعد الغِيد، يَحشُده
يقتاتُ من كِسَرٍ يُثَبِّتثها
في اللوح ، أو حَبلٍ يُمَسِّده
لم أدْرِ لو لم تُنبِني سُرُجٌ
في شاطئيه ِ ، أينَ مَرقده
ومَضَتْ .. فقلتُ : النّومُ أعوزَه
وجُفونُه ، رُمْداً ، تُسَهِّده!
وخَبَتْ .. فقلتُ : غفا ، وإنَّ صَدىً
في السَّمْعِ من زَفْرٍ يُصَعِّده!
وكأنَّ تابوتاً يُعِدُّ لهُ
مَلاَّحُه فيما يُنَضِّده
وحسِبتُ مِزماراً يُشَيَّعُه
للقبرِ ، مسماراً يُشَدَّده
وتجاوُبَ الأجْراءِ قافيةً
سمحاءَ باكيةً تُمَجّده!
يا صامتاً عِيّاً ، ومَنْطِقُهُ
مُتَفَجِّرُ اليَنْبُوع سَرْمَده
تَهفو فرائدُ عِقدهِ جَزَعاً
مما بها ، وتهيمُ شُرَّده
وتُثيرُ فيه الذكرياتُ شجاً
يَعيا به فيَخُورُ أيِّده
ومُوَكَّلاً بالدَّهر ، يَزرعُهُ
في شاطئيه ثمَّ يحصُده
يا شَطُّ ، أنتَ أعزُّ مُنقَلباً
في الناطقينَ بما تُخَلِّده
وكذا الطبيعةُ في عناصرها
جِنٌّ حَبيسُ الرُّوحِ مجهَده!
نَرتادُ جامدَها نُفَجِّرُه
وعقيمَ غامضِها نُوَلَّده
فلعلَّ ذا ، ولعَّلها لُغةٌ
من غيرِ ما جرْسٍ نعوَّده
ولربَّما ضَحِكتْ بسائطُها
هُزْءاً بنا ممَّا نُعَقِّده
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الجيل الجَديدْ..
الجيل الجَديدْ..
رقم القصيدة : 66869(59/464)
-----------------------------------
ياأيُّها الجيلُ الجديدُ سلامُ
ألقت إليك بِثْقلِها الأعوامُ
ورمْت بكلكلِها عليك فوادحٌ
مما تجنّى " السادرون " ، جسام
ألْقْت إليك وأنتَ أشرفُ ناهضٍ
ثقلَيهمْا الآمال والآلام
فرمى لكَ الماضي الأليم بِوزْرِهِ
ورنا لكَ المستَقبلُ البسام
والحاضرُ المرتجّ بينهما شجاً
وتطُّلعاً تهفو به الأحلام
ألقى إليك" الخائنون" نَتاجَ ما
سدروا وشطوا وارتَعَوْا وأساموا
والمخلصون ، رجاؤهم أن تنجلى
كُرَبٌ وأن يِلد الصباحَ ظلام
ياأيُّها الجيلُ الجديدُ وطالما
لصقت بغير ذواتِها الأعلام
ولطالما اشتطّ الطغاةُ وأرجفوا
للمصلحين وأقعدوا وأقاموا
سَمَّوكَ " هدّاماً " لأنكَ تَجْتَوي
ما البغيُ سَنَّ وما جنى الإِجرام
ولانك استمت العدالةَ خطةً
من في يديه النقضُ والإِبرام
وغضِبت أن تجدَ الرعايا مَغْنَماً
بيدِ الرُّعاة كأنهم أنعام
وشجبت أنّ الحكم في قاموسِهِمْ
سوطٌ يشدُّ وشهوة وعُرام
هوّنْ عليكَ فكلُّ ذلكَ فِريةُُ
تَفْنى . ويَبْقى السعي والإِقْدام
وكذاك كلُّ " مخرّبٍ " لرذيلة
بانٍ ، وكلُّ " مُعَمِّرٍ " هدّام
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> إلى الوفد الرياضي الإيراني ..
إلى الوفد الرياضي الإيراني ..
رقم القصيدة : 66870
-----------------------------------
أهلاً بكُمْ رمزَ الشباب ومرحبا
المُطلعين من " الفُتوة " كوكبا
الحاملينَ من " النضال " لواءه
والناهجِينَ به الطريقَ الألحبا
والناشرينَ من الأخوة مذهباً
هو خيرُ ما ارتَضتِ الشرائع مذهبا
يا من أُعينَ " قديمنُا " بقديمهم
و " حديُثنا " بحديثهم فتأشَّبا
وتَسلْسَلَ التاريخُ فيما بيننا
متقاسمينَ " أمَّره " و " الأعذبا "
إنا وانتُمْ - والتوجُع واحد -
لَيَزيدُنا المستعمرون تقرُّبا
لَيَزيدنا الألمُ الدفينُ تماسكاً
ليزيدُنا صَهرُ الخطوبِ تَصَلُّبا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أرج الشباب...
أرج الشباب...(59/465)
رقم القصيدة : 66871
-----------------------------------
أرجُ الشبابِ وخمرُه المسكوبُ
لَيفوحُ من أردانِكُمْ ويطيبُ
ومنَ الربيعِ نضارةٌ بوجوهكم
تَنْدىَ . ومن شهدِ الحياةِ ضريب
ومنَ الفُتوّةِ سَلْسَلٌ متحدرٌ
مما يفيضُ يكادُ يُترَعُ كوب
وَلأنتُمُ إن غاب نجمٌ يُقتدى
أو حُمَّ خَطبٌ حالِكٌ غِرْبيب
وتأزمت كُرَبٌ ، وضاقت خطّةٌ
واستوحشتْ طرقٌ لنا ودُروب
سُرُجٌ تنير الخابطين ، وأنْجُمٌ
نغدو على أضوائها وَنَؤُوب
تتجهّمُ الدُّنيا ، ويعبسُ باسمٌ
منها ، ويعتوِرُ الحياةَ قُطُوب
حتى إذا ابتسمَ " الشبابُ " تذوُّبَتْ
كالغيمِ في الصّحوِ الجميلِ يذوب
يا عاكفينَ على " الدُّروس " كأنَّهُم
غُلْبُ الصُّقورِ من الظَماء تلوب
والعازفين عن اللذائذِ همُّهمْ
" جَرَسٌ " يُدقُّ ومِنبرٌ وخطيب
تركوا مواعيدَ الحِسانِ وعندَهُم
بين المقاعدِ مَوْعدٌ مَضروب
أشهى من الوجهِ الجميلِ إليهمُ
وجهُ " الكتابِ " وَوُدُّهُ المخطوب
إن العراقَ بلا نصيرٍ منكم
وبلا مُجيرٍ ، مُقفِرٌ وجديب
عاشت سواعدُكُم فهن ضوامنٌ
أن يُسْتَرَدَّ من الحقوقِ سليب
وَزَكتْ عواطِفُكُمْ فأَيةُ ثروةٍ
منها نكافيءُ مُخلِصاً ونُثيب
وَلأْنتُمُ أنْتُمْ - وليس سواكمُ -
أملُ البلادِ وذُخْرُها المطلوب
وَلأْنتُمُ إذ لا ضمائرَ تُرْتَجَى
للرافدَيْن ، ضمائرٌ وقلوب
ولأنتُمُ إن شوّشتْ صفحاتِنا
مما أُجِدَّ نقائصٌ وذُنوب
الطّاهرونَ كأنهمْ ماءُ السّما
لم يَلْتَصِقْ دَرَنٌّ بِهِمْ وعيوب
إنّا وقد جُزْنا المَدَى وتقاربتْ
آجالُنا . وأمضّنا التجريب
وتحالفتْ أطوارُنا وتمازَجَتْ
ونبا بنا التَقريعُ والتأنيب
وتخاذَلَتْ خُطواتُنا من فَرْط ما
جَدَّ السُرى ، والشدُّ ، والتقريب
لنَراكُمُ المثلَ العليَّ لأمّةٍ
ترمي إلى أهدافها وتُصيب
هي أُمّةٌ لم تحتضن آمالها
وغداً إلى أحضانِكُمْ ستؤوب
وغداً يُكفَّرُ والدٌ عما جنى
ظلماً على يدِ إبنه ويتوب
فتماسكوا فغدٌ قريبٌ فَجْرُهُ(59/466)
منكم . وكلُّ مُؤمَّلٍ لَقَريب
وِتَطلّعوا يُنِرِ الطريقَ أمامَكم
قَبَسٌ يشعُّ منارهُ ، مَشبوب
وتحالفوا أنْ لا يُفّرِقَ بينكم
غاوٍ .ولا يَنْدسَّ فيكُمْ ذيب
وتذكّروا المستعمرينَ فانَّهُمْ
سَوْطٌ على هذي البلادِ وحُوب
فتفهمّوا إنَّ العراق بخيره
وثرائه ، لطَغامِهِمْ منهوب
وتميزوا فهناك وجهٌ سافرٌ
منهمْ ، وآخرُ بالخنا محجوب
وسويّة في خِزيّةٍ مستعمرٌ
أو مَنْ يُقيمُ مقامَه ويُنيب
إياكُمُ أنْ تُخدعوا بنجاحكم
فيما هو المقروءُ والمكتوب
أو تَحْسَبوُا أن الطريقَ كعهدِكم
بين الصفوفِ " معبّدٌ " ورحيب
ان الحياة سيبلوَنَّ جهادَكم
منها نجاحٌ مرهِقٌ ورسوب
ومُسَهَّدينَ جزاهُمُ عن ليلِهِمْ
اللهُ ، والتعليمُ ، والتدريب
أضناهُمُ تعبٌ .. وخيرُ مجاهدٍ
مُضنى يُعَبِّئُ أمّةً " متعوب "
أأُخيَّ " عبودٌ " ولستَ بمُعوِزٍ
مدحاً . ولكنَّ الجُحودَ مَعيب
إن كان مسَّك و " الحسينَ " كلالةٌ
أو كان نالكما عناً ولُغُوب
فلأنتما والشاعرون سويةٌ
كالشمع يَهدي غيرَه ويذوب
أُلاء غرسُكما فهل مِنْ غارسٍ
يزكو كهذا ، غرسُه ويَطيب
وهلِ الخلودُ ألَذُّ مما أنتما
فيه ، وأمرُ الخالدينَ عجيب
لا يحسبون وجودَهم . ووجودُهم
قبلَ الوجودِ ، وفوقه محسوب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> إلى المناضلين...
إلى المناضلين...
رقم القصيدة : 66872
-----------------------------------
أطِلّوا ، كما اتَّقدَ الكوكبُ
يُنوِّر ما خَبطَ الغَيْهَبُ
وسيروا وان بَعُدَت غايةٌ
وشُقّوا الطريقَ ولا تَتْعَبُوا
ومُدّوا سَواعدَكم انها
معينٌ من الجُهد لا ينضُب
وهاتُوا قلوبَكُمُ أُفرِغِتْ
على نَجدةِ الحَقِّ ، أو فاذْهَبوا
فما إن يَليقُ بمجد النضالِ
ضعيفٌ على نَصرِه يُغصَب
وإنَّ " غداً " باسماً يُجتَلَى
بشِقِّ النفوس . ولا يُوهَب
وإني وإن كنتُ صِنْوَ الرجاءِ
في حومةِ اليأسِ ، لا أُغْلَب
أواعدكم من " غَدٍ " صادقاً
ويُسرِفُ في الوعد من يَكذب(59/467)
أمامَكُمُ مُوعِرٌ ، مُلغَمٌ
بشتّى المخاوفِ ، مُستَصْعَب
يَسُدُّ مداخلَه أرقمٌ
وتحمي مسالِكَهُ أذؤب
وسوف يبينُ إذا ما انجَلى
غدٌ ، من يَجِدُّ ، ومن يَلعَب
فسوف يدوِّرُ " ساعاتِكم "
بما لا يَسُرُّكُمُ " عقرب "
وسوف يخونُكُمُ " خائفٌ "
وسوف يساوِمُكُم " أشعَب "
وسوف يزاملُكُم خطوةً
ويَخذِلُكم خُطوةً مُتعَب
وسوف يطولُ عناءُ الطريقِ
عليكُمْ فيَعزبُ منَ يَعْزب
وسوف تَضيقُ بِكُم دُوركُم
وسُوحُ " السجون " بكم تَرحُب
فقولوا لمن ظن أنّ الكفاحَ
غَلةُ مزرعةٍ ، تكذِب
وقولوا لمن ظنَ أنَّ الجموعَ
مطايا تُسَخَّرُ : يا " ثعلب "
تُريدون أنْ تستقيمَ الامورُ
وأن يخلُفَ " الأخبثَ " الأطيب
وان تجمَعُوا الشَمْل من أُمَّةٍ
يفرِّقُها " الجَدُّ " و " المذهب "
وأن يأكلَ " الثَمرَ " الزارعونَ
وأن يأخُذَ " الأرضَ " من يدأب
تريدون أن يعرِفَ الكادحونَ
من " العيش " ما عنهُم يُحجَب
تريدون أن تَطْعّنوا في الصميم
رثَّ " الطباع " وأن تضرِبوا
ومن دون ذلك أن تَصطلوا
سعيرَ الحياة ، وان تَسغَبوا
وأن ترِدوا ما يمُجُّ القَذَى
وأنَ تَطْعموا منه ما يَجشُب
فلا تحسَبوا أنكم في الجهاد
" هواةٌ " يضمُّهُمُ ملعَب
ولا تحسَبوا أن " مُستثمِراً "
ظلوماً لمصرعِه يَطرب
ولا تحسَبوا أن " مستعمِراً "
يُثارُ عليه ولا يغضَب
ولا تحسَبوا " الأرضَ " يَهْنا بها
ذَووها ، وبالدم لا تُخضَب
ولا تحسَبوا " أنَّهم يَظمأون
وطوعَ أكفِّهمُ المشرَب
فأنذرْ بحنظلةٍ خائنا
تعجَّلَه الثَمرُ الطيب
وبشَّرْ بحُلْو " الْجَنى " كادحا
على " الجِذر " من شَجر يَضرِب
فلا تهِنوا ، إنَّ هَذي الأكفَّ
تُملي على الدَهر ما يكتب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عُمر الفاخوري ...
عُمر الفاخوري ...
رقم القصيدة : 66873
-----------------------------------
رِثاؤُكَ ما أشَقَّ على لساني
ورُزْؤك ما اشدَ على جَنابي
وكيفَ يُطيقُ عن ألمٍ بياناً(59/468)
ثكولٌ شَلَّ منهُ الأصغَران
وفَقدُكَ ما أمضَّ وقد توَّلتْ
جِيادُ النصرِ خَوضَ المعمعان
وشرقٌ كنتَ أمسِ لَهُ سِراجاً
كثيفُ الجْوِّ منتشرُ الدخان
تَهاوَى الطامعونَ على ثَراهُ
كما اختلفَ الذُبابُ على خِوان
تَعبَّسُ من مَزاحِفِهِمْ ثغورٌ
وتنتَفِضُ المشارفُ والمواني
وما أنبا مَصيرَكَ عن مصيري
وما أدنى مكانَكَ من مكاني
أصخْتُ لِمَنْ نعاك على ذُهولٍ
كأنيَ قد أصختُ لمَنْ نعاني
وكنتُ أُحِسُّ أنَّ هناك رُزْءاً
وأجهاُ كُنْهَهُ حتّى دهاني
صفَقْتُ براحتَيَّ منِ التياعٍ
وهل أدنتْ بعيداً راحتان؟!
ورُحْتُ ، وأيُّ جُرحٍ في فؤادي
مغالَطةً ، أعَضُّ على البَنان
وعانَقَني من الذِكْرَى خيالٌ
كسيرُ النَفْسِ يَشْرَقُ بالهوان
تسيلُ دماً جوانِبُهُ اشتياقاً
إلى اللَّمَحاتِ والمُتَعِ الحِسان
إلى تلك الليالي مُشرِقاتٍ
بها " لُبنانُ" مُزدَهِرُ المغاني
إلى سَمَرٍ كأنَّ عليه مما
تَنِثُّ مِن الشذا عَبَقَ الجِنان
خيالٌ رُحتُ من يأسٍ وحِرصٍ
أُسَلّي النفْسَ فيه عن العِيان
أثارَ لِيَ العواطِفَ من عنيفٍ
ومُصْطَخِبٍ ، ومُرْتْفِقٍ ، وحاني
وفكَّ من الأعِنَّةِ ذكرياتٍ
تَهُزُّ النفْسَ مُطلَقةَ العِنان
لمَمْتُ عُطورَها فشمِمْتُ منها
شذا الغَضَبِ المطَهَّرِ والحَنان
كِلانا مَعوِزٌ نُطْقاً عليهِ
طيوفُ الموتِ مُلقِيةُ الجِران
لَعَنْتُ اللفظَ ما أقسَى وأطْغَى
وما أعْصَى على صوَرِ المعاني
تقاضاني بيومِكَ تَرْجُماناً
وكنتُ ألوذُ منه بِتَرجُمان
فيا " عُمَرَ " النضالِ إذا تشكَّى
شُجاعُ القَلْبِ منَ خَوَرِ الجْبان
ويا " عُمَرَ " البيانِ إذا تغذَّى
عِجافُ النَشءِ بالفِكَرِ السِمان
ويا " عُمَرَ " الوفاءِ إذا تَخلّى
فُلانٌ في الشدائِد عنْ فُلان
ضُمِنتَ مِن الردى لو كانَ طَولٌ
وأينَ القادِرونَ على الضَّمان
وانَّا والحياةُ إلى تبابٍ
وكلُّ تَجَمُّعٍ فإلى أوان
لمحتربونَ أن نُمسي ونُضحي
وأنت بمعزِلٍ خالي المكان(59/469)
أسيِتُ لعاكِفينَ عليكَ حُبَّاً
ومُخْتَصينَ فضلَكَ باحتضان
رفاقكَ يومَ مُزدَهرِ الأماني
ودِرْعِكَ يومَ مُشْتَجرِ الطِعان
حببتُكَ باسِماً والهمُّ يَمشي
على قَسَماتِ وجهِك باتِّزان
تُغالِبُه وتَغْلِبُه إباءً
كأنّكَ والهمومَ على رِهان
يُزَمُّ فمٌ فما تُفْضي شِفاهٌ
ويَخفى السِرُّ لولا المُقلتان
على مُوقَيهِما مَرَحٌ ولُطْفٌ
وإنساناهما بكَ مُتعبان
يفيءُ الصَحْبُ منك إلى وريفٍ
لطيفِ الظِلِّ خفَّاقِ المجاني
تَفيضُ طَلاقةً وتذوبُ رِفقاً
ووحْدَكَ أنتَ تدري ما تُعاني
وما أغلى الرجولةَ في شِفاهٍ
مُغَلَّفةٍ على ألمٍ " مُصان "
وعامِرةِ المعاني مُنتَقاةٍ
بها الكلِماتُ شامِخةُ المباني
فتقتَ الذِهنَ فيها عن طَريفٍ
يُشِعُ اللفظُ فيهِ عن جُمان
يَمُدُّك عَبْقَرٌ فيها وتُجبى
لكَ الخطَراتُ من قاصٍ وداني
أثرْتَ سُطورَها وذهبتَ عنها
فهُنَّ إليكَ من مَضَضٍ رواني
أبا " الخَطابِ " رانَ عليكَ ليلٌ
عقيمُ الفجرِ لا يتلوهُ ثاني
وأُغْمِضَتِ الجْفونُ على شَكاةٍ
تُدَغْدغُها من البُشرى أماني
أمانٍ يسودَ الناسَ حُكْمٌ
يَبيتُ الفردُ منهُ على أمان
فلا تبعَدْ وإن أخنى فَناءٌ
وما مُبقٍ مآثِرَهُ بفاني
ورهْنُ الخُلدِ أضْرِحَهٌ عليها
قُطوفُ الفِكرِ يانِعةٌ دواني
بكى " بَرَدَى " عليكَ بفيض دمعٍ
ومجَّ النيِلُ فيضاً من بيان
وجِئتُ أغُضُّ طَرْفيَ عن حياءٍ
فهذا ما يمُجُّ " الرافدانِ " !
إذا ما الحُزنُ طاوَعَ في مصابٍ
فانَّ الشِعرَ يُعْذَرَ في الحِران
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ارشد العمري ...
ارشد العمري ...
رقم القصيدة : 66874
-----------------------------------
تركوا البلادَ وأمْرَهنَّه
لخيال مسعور بجِنَّهْ
لمغفّلٍ عمّا به
حُمْقاً فكيفَ لما بهنَّه
تركوا البلادَ وأمرَهُنّه
للدائراتِ تُديرُهنّه
وموكَّلٍ بالبائعين
وبالدُروب ورشِّهنَّه
ومرافق نُدلَ الفنادقِ
بين مَردوخ وحَنّه
باللهِ قلْ لي يا ابنَ منتوفِ(59/470)
السِبال لأنت فتْنَه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ذات الحجاب!..
ذات الحجاب!..
رقم القصيدة : 66875
-----------------------------------
دَعاني جمالُكِ فيمن دَعَا
فلَّبيتُه مُسرعاً طيِّعا
حَشَدْتُ له من عَبيدِ الهَوَى
عَطاشَى مُحَلأةً جُوعاً
عواطِفَ لم تغذُ منها السنون
رجاءً ولا أنعشت مَطْمَعاً
ترامَت على عَذَبَات الشِفاهِ
حائرةً مَقْطَعاً مَقْطعاً
ولاحَت بَريقاً وُقيتِ الصِبا
وعادت رَماداً فلن تَسْطعا
اسّيَدتي ما أرقَّ الحجابَ
يُثير الفُضولَ وما أبْدعَا
لقد حِرتُ أيّاً من الفِتنَتْين
أصُدُّ سناكِ أم البُرْقُعا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> اندونيسيا المجاهدة...
اندونيسيا المجاهدة...
رقم القصيدة : 66876
-----------------------------------
يا " اندونوسُ " إن استماتَ بَنوكِ
فالحربُ أمُّكِ والكفاحُ ابوكِ
ولديكِ تاريخٌ على صَفَحاتِه
أرَجٌ يضُوعُ من الدم المسفوك
وكأنَّ من ألَقِ الضُحى ورفيفِه
نُوراً يُشِعُّ عليه من واديك
يا " بنتَ " ثانيةِ الجنان بما اشتَهتْ
نَفْسٌ ، وما رَمَتِ الطبيعةُ فيك
وبما تسيلُ ظهورُها وبطونُها
بالتِبْرِ من متذوِّبٍ وسَبيك
بالحاشِد الملتَفِّ منك إذا دَجى
والضاحكِ العُريانِ من " ضاحيك "
فاءت على المستعمرينَ ظلالُها
وعلى مليكاتٍ لهم ومُلوك
يا بنتَ ذاك و " أمَّ " كلِّ مغرِّف
في بُؤسه ومُجوَّعٍ صُعلوك
يا أمَّ كلِّ مُشرَّدٍ عن أهله
وُهِبَ الجنانَ وعاش كالمملوك
بمن " الجهادُ " يَليق ان لم ينتظِمْ
تاجاً تَليق به رؤوسُ ذَويك
في كل قَبر من قُبورك طائفٌ
يمشي إليك ، وصارخٌ يدعوك
ليشُُدَّ حاضرَك المضمَّخَ بالدِما
بالموَجعِ الأسيانِ من ماضيك
ومن الطبيعةِ عن بنيكِ مُدافعٌ
أن يأخذوا منك الذي تُعطيك
تأبى المروءةُ ان تُزقَّي غيرَهم
اذ يُحرَمون مُجاجةً من فيك
يا " اندنوسُ " ! وفي الخلائقِ شركة
لاشيءَ غير الله دونَ شريك(59/471)
اصلَوْكِ ما الشرقُ اصطَلى بجحيمهِ
وبميسَم من ذُلِّه وَسَموك
وسَقَوك من كأسٍ سُقينا مثلَها
ولقد يكون ارقَّ من يسقيك
وكذاك أنتِ وقد تمخَّضَ نقمةً
تتمخضِّينَ على القَنا المَشبوك
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أخي الياس ..
أخي الياس ..
رقم القصيدة : 66877
-----------------------------------
أخي إلياسً : ما أقسى اللَّيالي
تُنيخُ بكَلْكَلٍ وتقولُ : مالي
تَسَمَّعُ إذ تَصامَمُ للنَّجاوى
وتَهْمِسُ إذ تخارسُ للنِّمال
وتخدَعُنا بمُقْمِرةٍ لَعُوبٍ
وتَرمينا بقوسٍ من " هِلال"
وتُعطينا اللَّذاذةَ عن يمينٍ
وتطعنُنا دِراكاً بالشِّمال
وتَفرُشُنا أمانيَ من حريرٍ
وفي طيَّاتِها سُمُّ الصِّلال
وتُدنينا ، وتُبعِدُنا ، وتلهو
بِنا لهوَ العواصف بالرِّمال
ونَلْمِسُها ، وتَلْمِسُنا عِياناً
وتمرُقُ مثلَ طَيفٍ من خيال
أخي إلياسً : لا تَخَلِ المُبَقَّى
يُوقَّى ما احتواكَ من الحِبال
كأنَّ الشَّمسَ لم تَطلُعْ علينا
ولم نَنعَم بوارفةِ الظِّلال
ولم نترَوَّ من كأسٍ حرامٍ
ولم نتمَلَّ من سِحْرٍ حَلال
ولم نتمَنَّ أنَّ الدَّهَر خُلْدٌ
وأنَّا لا نصيرُ إلى زَوال
ولم نسخَرْ بما نُملي عليه
ولم يسخَرْ بناسِخةِ الأمالي !
أخي إلياسُ : لا وصريحِ وُدٍّ
وعاطفةٍ أرقَّ من الزُّلال
وما شدَّ التَّصافي من عُرانا
وحَّلاها من الفِكَرِ الغوالي
يَميناً لستُ للدُّنيا بقالي
وإنْ كدُرتْ ، ولا عنها بسالي
لأنَّكَ كنتَ تُوصيني بهذا
وتُوصيني به سِيَرُ الرِّجال
ويُوصينا به أنَّا نُواري
حبيباً ، ثمَّ نُعقِبُه بتالي
ونَرجِعُ مِنْ جديدٍ عن فِراقٍ
أليمٍ ، نستزيدُ مِن الوصال
وما أنا مَنْ يُحاولُ أن يُداجي
أحِبَّتَهُ بكذِبٍ أو مُحال
بلى إنّي لَتُعْتَصَرُ اعتِصاراُ
حشايَ ، وأنت محترِبٌ حِيالي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> اليأس المنشود...
اليأس المنشود...
رقم القصيدة : 66878
-----------------------------------(59/472)
رُدُّوا إلى اليأسِ ما لم يَتَّسع طَمَعا
شَرٌّ من الشرِّ خوفٌ منه ان يقَعا
شَرٌّ من الأمَلِ المكذوبِ بارقُه
ان تحمِلَ الهمَّ والتأميلَ والهَلَعَا
قالوا " غدٌ " فَوَجَدتُ اليَومَ يفضُلُه
و " الصبر " قالوا : وكان الشَهمُ من جَزعاً
ولم اجدْ كمَجالِ الصَبرِ من وَطَنٍ
يَرتادُه الجُبْنُ مصطافاً ومُرتْبَعَا
وأنَّ من حَسَناتِ اليأس أنَّ له
حَدّاً ، اذا كَلَّ حَدُّ غيرهُ قطَعَا
وأنَّه مُصحِرُ الارجاءِ لا كَنَفاً
لمن يَلَصُّ ولا ظِلاً لمنْ رَتعا
وَجَدْتُ أقتَلَ ما عانَت مصايُرنا
وما التَوَى الشَيبُ منه والشَبابُ معا
أنَّا رَكِبِنا إلى غاياتِنا أمَلاً
رَخواً إذا ما شدَدْنا حَبلهُ انقطعا
نسومُه الخَسْف ان يَطوي مراحلَنا
وإن تشَكَّى الحَفَا ، والأينَ ، والضلعا
هذا هو الأمَلُ المزعومُ فاقتَرِعُوا
واليأسُ أجدَرُ لو انصَفْتَ مُقتَرعا
اليأسُ أطعَمَ بالأشْلاءِ مِقصَلةً
عَدْلاً وطوَّحَ " بالبستيل " فاقتَلَعا
وطارقٌ منه اعطَى النصرَ كوكَبُه
نَزْراً وعَدَّى إلى الاسبانِ فانَدفَعَا
يا نادِبينَ " فِلَسطينا "وعِندَهُمُ
عِلْمٌ بانَّ القضاءَ الحتمَ قد وَقعا
كم ذا تُلحُّون ان تَستَوقِدوا قَبَساً
من الرَمادِ ومِمَّن ماتَ مُرتَجَعا
كَفَى بما فاتَ مما سميت " املا "
من " الحُلول " التي كيلتْ لكُم خُدعا
جيلٌ تَصَرَّمَ مذ أبْدَى نَواجذَه
وعدٌّ لبلفورَ في تهويدِها قَطعا
نَمَا وشَيبَّ بأيدي القَوم مُحتَضنَاً
ومن ثُدِيِّ النتاج المَحضِ مُرتَضعا
والساهرونَ عليه كلُّ " منتخَبٍ "
يبني ويهدِمُ ، إن اعطى وان مَنعا
تهوِي " العروشُ " على أقدامهم ضَرَعا
وتحتمي ساسةُ الدنيا بهم فَزَعا
وعندَنا ساسةٌ سؤنا لَهُم تَبَعاً
ذُلاً ، وساؤوا لنا في الهدي مُتَّبعا
من كل مُرتَخَصٍ إن عبَّسَت كُرَبٌ
او كشَّرَ الخطبُ عن شدقيهِ فاتَّسَعا
ردَّ المصيبةَ بالمنديلِ مفتخراً
مثلَ الصبايا - بانَّ الجفن قد دَمعا(59/473)
او عابث ٍ من فِلَسطينٍ ومحنتِها
ألفى مَعيناً ، فالقى الدَلوَ وانتزَعا
او سارقٍ لا لقَعر السِجنِ مَرجِعهُ
لكنْ إلى الجاهِ وَثّاباً ومُرْتفِعا
شَدُّوا بذيل غُرابٍ امَّةً ظُلِمَت
تطيرُ ان طارَ او تَهوي إذا وقَعَا
وَخوَّفوها بـ " دُبٍ " سوف ياكلُها
في حين " تسعون عاما " تألفُ السَبُعا
وضيَّقوا أفقَ الدنيا باعينِها
مما استجدُّوه مِن بغيٍ . وما ابتُدعا
و اودَعوا لغلاظٍ من " زَبانيةٍ "
حَمْقى حراسة قِرطاسٍ لهم وُضِعا
وذاك معناهُ أنْ بيعوا كرامَتكُم
بيعَ العبيد بتشريعٍ لكم شُرِعا
يا نادبينَ فلسطيناً صدعتُكُمُ
بالقول لا مُنكَراً فَضْلاً لكم صَدعا
ولا جَحوداً بان الليلَ يُعقبه
فَجرٌ تفجَّّرُ كمه الشمس مُطَّلَعا
ولست أنكِرُ أن قد قارَبَتْ فُرَصٌ
واوشكت مثقلاتُ الدَهر ان تَضَعا
لكن وَجْدتُ القوافي تَشْتَكي عَنتاً
والمنبرَ الحُرَّ يشكو فَرطَ ما افترعا
إن تحمَدوا او تذُمُّوا أنَّ شافعتي
أنّي رأيتُ ، وما راءٍ كمَن سَمِعا
مررت بالقوم " شُذّاذاً " فما وقعت
عيني على مُستمنٍّ غيره ضَرعا
ولا بمُلْقىً واهليه بقارعةٍ
ولا بحاملة في الكُور مَن رضَعا
ولا بمن يحرِس " الناطورُ " ارجلَهُم "
مهروءة سَهَّلت للكلب منتزَعا
وعندنا " سِلعةٌ " تُصفي البنينَ لنا
نُغلي - ونُرخصها - في الأزمة السِلعا
وجدتُها عندَهم زهواً منورةً
البيتَ ، والبحرَ ، والاسواقَ والبِيَعا
بينا تُراقص بالانغام صاحبَها
اذا بها تُوسِع ( الالغامَ ) مُزدَرَعا
ونحن ما نحن قطعانٌ بمَذْأبَةٍ
تساقَطت في يدَي رُعيانِها قِطَعا
في كل يومٍ " زعيمٌ " لم نجدْ خَبَراً
عنه ، ولم ندر كيف اختيرَ واختُرِعا
اعطاهموا ربُّهم فيما اعدَّ لهُم
من الولائم صَفّوا فوقَها المُتَعا
كأسَينِ ، كاساً لهم بالشُهد منزعةً
وللجماهير كأساً سَمُّها نَقَعا
قتالةً خوف ان لا تُستَساغَ لهم
اوصاهُمُ ان يُسَّقَوهم بها جُرَعا
وان يَصُبّوا عليها من وُعودِهُمُ(59/474)
كالشِعر مكتمِلا - سهلاً ومُمتنِعا
من ذا يرُدُّ لنا التاريخَ ممتلِئاً
عِزاً وإن لم نُرِدْ ردّاً ومرتَجَعا
كانوا يذمُّون ( ربّاً ) بالعصا قُرِعا
ويغضَبون لأنفٍ منهم جُدِعا
ويبعثَون قِتالاً أنَّ " قُبَّرةً "
ضيمَت وأن " بَسوساً " ذيلُها قُطِعا
وكانَ من فتْحِ عمّوريةٍ مَنَعت
حُماتَها حَوَّمَ العقبان أنْ تَقَعا
نداءُ صارخةٍ بالرومِ " معتصِماً "
لم يألُ ان ادركَتْها ( بُلْقُه ) سَرعَا
حميَّةٌ لو اخذناها ملطَّفةً
بالعلم طابَت لنا رِدءاً ومُدَّرَعا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يا بنت رسطاليس ..
يا بنت رسطاليس ..
رقم القصيدة : 66879
-----------------------------------
قُمْ حِّي هذي المنشآت معاهدا
الناهضاتِ مع النُجومِ خوالدا
الشامخاتِ أنوُفهن إلى السما
والمطلعاتِ لفرقَدين فَراقدا
والفاتحاتِ على الخلودِ نوافذاً
والمجرياتِ مع الحياة روافدا
قم حيِّهنَّ ببعثِ شعب واثقاً
وَتَرضَّهُنَّ بخَلق جيلٍ جاهدا
جَلَّتْ بُنىً تَلدُ الرجال وقُدست
غُرفٌ تَبوَّأها الخلودُ مقاعدا
قم حييِّ هذي الموحيات صوامتاً
واستنطِقِ الحَجَرَ البليغ الجْامدا
واخلَعْ عليهنَّ المواهبَ تُجتلى
لا النثَرَ ، لا الشعرَ المعادَ ، قلائدا
يا بنتَ رسطاليسَ امُّكِ حرَّةٌ
تلد البنينَ فرائداً وخرائدا
وأبوكِ يحتضنُ السرير يَرُبُّها
ويقوتُها قلباً وذهنا حاشدا
مَشَتٍ القرونُ وما يزالُ كعهده
في أمسِ ، " مشاءً " يعودُ كما بدا
يستنزلُ الخَطراتِ من عَليائها
عُصْماً ويُدني العالمَ المتباعدا
لم يقتنصنْ جاهاً ولاسامَ النُهى
ذُلاً ، ولا اتخذَ الحريرَ وسائدا
جلَّ النُهى . الفكر أعظمُ عصمةً
من أنْ يُريدَ وصائفاً وولائدا
يا بنتَ رسطاليسَ قُصِّي نستمعْ
عن عاشِقيكِ أقارباً وأباعدا
عن واهبينَ حياتَهم ، ما استُعبِدوا
للشاكرين ، ولم يَذُموا الجْاحدا
والصاعدينَ إلى المشانق مثلما
ارتَقتِ النُّسورُ إلى السماءِ صواعدا(59/475)
ومُحَرَّقين يُغازلون وَقودَها
شوقاً إليكِ ويَحمَدون الواقدا
والمُسمَلات عُيونُهم ، وكأنهم
بطيُوف شخصك يكحلون مراودا
قُصِّي فَدَيتُك من لَعوب غَضةٍِ
تَصِفُ القُرونَ مَخابراً ومَشاهداً
إني وَجدْتُ - وللشبابِ حدودهُ -
أشهى بناتِ الفكر أقصاها مَدى
فتخلّعي نجدِ الفُهومَ عَوارِياً
وتَبَسمي نجد الفُنونَ نضائدا
وتطلَّبي نُزْجِ النفوسَ عزيزةً
هَدياً وننتظمُ القُلوبَ قصائدا
يا بنت رسطاليس لُحتِ " بواسط "
فَنزَلت " حيّاً " بالصبابة حاشدا
خصبَ الشُعور ستَحَمدين مولَّهاً
من أهله ، ومُغازلاً ، ومُراوِدا
إيهٍ " بلاسمُ " والمفاخرُ جَمةٌ
أحرزتَ مَنهُنَّ الطريفَ التالدا
أحرزتَ مجداً ليس ينفدَ ذكرهُ
طولَ المدى وبذلتَ كنزاً نافِدا
ذكرٌ يظَلُّ بكل خطوٍ يرتَمي
للصف ، او جرَسٍ يُدقُّ معاودا
خَبِّرْ فقد جُبتَ الحياةَ رخيَّةً
خضراء َ ، لم تكذِبْ لعينك رائدا
وحَلبتَ من غَفلات دهرِك شطرَها
وَقنَصتَ من مُتع النَعيم الشاردا
وانسَبْتَ في غُدرُ اللذائذ خائضاً
وخَبَرتَهن مصادِراً ومَواردا
أعرَفْتَ كالأثر المخلَّدِ لذةً
جازَتْ مخَلِّدها ، فكان الخالدا
لله درُّك من كريمٍ أنعَشَت
كفّاهُ روحاً من نبوغ هامدا
نَفَّقتَ من عَذَبات صبيان الحِمى
عِلْقاً بمُنعَرج الأزقةِ كاسدا
إني وَجدتُ مواهباً مطمورةً
كالزراع أينعَ لمُ يصادفْ حاصدا
ولربَّ أشعثَ لأغبرٍ ذي هامة
تُلقي على كَتَفيهِ ثقلاَ آيدا
ألوى به فَقرٌ فنكَّب خطوَة
جَهلٌ فزلَّ عن الفضيلةِ حائدا
قد راحَ يبعَثُ بالتعاسةِ راحماً
قد كان لولا ذاكَ يرجِعُ حاسدا
قُتِلَ العُقوقُ ، فكم قَتَلنا نابغاً
بين البُيوتِ ، وكم وأدنا قائدا
اولاء حمدُك عاقِباً عن عاقبٍ
أتريدُ احسنَ من اولئك حامدا
سيقولُ عنك الدهرُ : ثَمَةَ ماجدٌ
في الرافدين شأى الكريم الماجدا
هل غيرُ أن رُمتَ الثناء كما ادعي
نَفَرٌ ، وأن أنْبَهتَ ذكرَكَ عامدا
مجداً على مجد ، فتلكَ طَماحةٌ(59/476)
يمشي عليها المجدُ نحوكَ قاصدا
كذَبوا فان الأكرمينَ طرائدٌ
للمَكْرُماتِ وإنُ حسِبنَ طرائدا
وإذا صدقتُ فللخلودِ مصايدٌ
أبداً تَلَقَّفُ من أتاه صائدا
يمشي الكريمُ مع التكرُّم توأماً
صنوٌ يسددُ خطوَ صنوٍ عائدا
حتى إذا بلغَ الجميلُ أشُدَّه
سارَ الكريمُ إلى المكارم فاردا
ما كان باللُغزِ الخلودُ وإنما
كان النفوسَ نوازلاً و صواعدا
هل غيرُ آلافٍ تروحُ كما اغتدت
بيَدى سواكَ طرائقاً وبدائدا
تغدو إلى مطمورةٍ ، إن لم تَرُحْ
للهوِ دوراً ، والقِمارِ موائدا
احييتَهُنَّ فكانَ عدلاً ناطقاً
هذا الجمادُ على سمِّكَ شاهدا
وضممتَهُنَّ لبعضِهنَّ مجْهِّزاً
جيشاً ترُدُّ به الوَباءَ الوافدا
الجهلَ : اكرمُ ذائدٍ عن موطنٍ
من راحَ فيه عن الجهالةِ ذائدا
أعطيتَ حقَّ العلمِ أوفاها ندى
ومدَدتَ للتعليم أزكاها يَدا
فاعطِ المعلمَ يا " بلاسمُ " حقهُ
واعضُدْ فقد عَدِمَ المعلمُ عاضداً
لو جازَ للحر السُجودُ تعبًّداً
لوُجدتُ عبداً للمعلِّم ساجدا
للمُتعَب المجهودِ في يَقظاتِهِ
والمرَتعي طيفَ المتاعبِ هاجدا
والمثُخنِ المجهولِ لم يَنشُد يداً
تأسوا الجْراحَ ولا تَطلَّب ناشدا
والمستبيحِ عُصارةً من ذهنِهِ
يغذو الألوفَ بها ، ويُحسبُ واحدا
قل للمعلم راجياً، لا راشداً
كن للشبيبةِ في المزالقِ راشدا
يا خالقَ الأجيالِ أبدِِعْ خَلْقَها
وتَوَّق بالإبداع جيلاً ناقدا
سيقولُ عهدٌ مقبلُ عن حاضرٍ
نُشوى عليه : لُعنتَ عهداً بائدا
ولسوفَ يبرأ عاقبٌ عن أهلهِ
ولسوفَ يَتَّهِمُ البنونَ الوالدا
قل للشبيبة حينَ يعصِفُ عاصف
ألا يَظلُّوا كالنسيمِ رواكدا
وإذا اغتَلَتْ فينا مراجلُ نقمةٍ
ألا يكونوا زمهريراً باردا
هيِّئ لنا نشءاً كما انصَبَّ الحيا
لُطفاً ، ونشءاَ كالزلازل راعدا
فلقد رأيتُ اللهَ يخلُق رحمةً
مَلَكاً ، ويخلُقُ للتمردِ ماردا
ومحمداً ما إنْ أهابَ بجيشهِ
يطأ البلادَ روابياً و فدافدا
ويكُبُّ جباراً ، ويُعلي مُدقعاً(59/477)
ويُنيرُ خابطةً ، ويُنهضُ راقدا
لو لم يعبّئ للقيادةِ ثائِراً
حَنِقأً على نُظُمٍٍ بَلينَ وحاردا
ما إن يروحُ مع الضعيف مُطاوعاً
من لا يروحُ على القويِّ معاندا
وأذلُّ خلقِ اللهِ في بَلَدٍ طغت
فيه الرزايا من يكونُ محايدا
نشءٌ يقوِّمُ من زمانٍ فاسدٍ
لا كالزمانِ يكونُ خَلْقاً فاسدا
عُلِّمْتُمُ فُرْضَ الحسابِ فأنتُمُ
أدرى بِهنَّ فوائداً وعوائدا
ما إن تُعجِّلُ جيلٍ ناقصاً
إلاّ تحمَّلَ من عناءِ زائدا
أطلِقْ يدَ التحليل في تاريخهم
حراً ، وفكَّ من العِقال أوابدا
لابُدَّ من فَهم الحياةِ مَعايباً
ومفاخِراً ، ولذائذاً ، وشدائدا
جنباً إلى جنبٍ يُتمِّمُ بعضها
بعضاً كما انتظَم الجُمانُ فرائدا
علِّمْهُ حُبَّ الثائرين من الورى
طُرّاً ، وحُبَّ المخلصينَ عقائدا
واجْلُ الشٌّعوبَ كرائماً لا تَنتَقِصْ
شعباً ، ولا تَقحَمْ عليه شواهدا
واجلُبْ له أمسٍ البعيدَ مَراجِعاً
وألِحْ له أمسِ القريبَ مساندا
أرِه لثورته عِظامَ جماجمٍ
وابعَثْ له زنداً أطنَّ وساعدا
وإذا تقصَّاكَ الدليلُ مسائلاً
عن أيّ شيءٍ أعقَبَتْ ومناشدا
فابعثْ له الاشباحَ يشهدْ عندَها
ما يستفِّز مًطالعاً ومُشاهدا
يشهدْ خيالاً عارياً ومُجَوَّعاً
من أهلهم ومُضايقاً ومُطارَدا
أصِلحْ بنهجِك منهجاً مُستعبداً
صُنعَ الغريبِ ، على الثقافةِ حاقدا
قالوا : قواعدُ يبتنيها غاضبٌ
وسْطَ العراق على الكرامةِ قاعدا
تحتلُّ منه مشارفاً ومَناهلاً
وتَسدُّ منه مسالكاً و منافذا
ساقَتْ جُيوشَ الموبقاتِ حواشداً
للرافدين مع الجيوشِ حواشدا
ما كان أهونَ خطبَهُ مستعمراً
لو لم يُقِمْ وسْط العقولِ قواعد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> المقصورة ...
المقصورة ...
رقم القصيدة : 66880
-----------------------------------
برغمِ الإِباءِ ورغمِ العُلى
ورغمِ أُنوفِ كِرامِ المَلا
ورغم القلوبِ التي تستفيضُ
عُطفاً تَحوطُكَ حَوْطَ الحِمى
وإذ أنتَ ترعاكَ عينُ الزمانِ(59/478)
ويَهْفُو لجِرْسِكَ سَمْعُ الدُّنى
وتلتفُّ حولَكَ شتَّى النُّفوسِ
تَجيشُ بشتَّى ضروبِ الأسى
وتُعرِبُ عنها بما لا تُبين
كأنَّك من كلِّ نفسٍ حشا
فأنتَ مع الصبحِ شَدْوُ الرعاةِ
وحلمُ العذارى إذا الليلُ جا
وأنت إذا الخطبُ ألقى الْجِران
وحطَّ بكلكلهِ فارتمى
ألحْتَ بشِعرِكَ للبائسين ،
بداجي الخُطوبِ ، بَريقَ المُنى
توحُ على مثلِ شَوك القَتادِ
وتغدو على مثل جَمْرِ الغضا
وتطوي الضُّلوعَ على نافذٍ
من الصَّبرِ يُدمي كحزِّ المُدى
دريئةَ كلِّ جذيم اليدينِ
رمى عن يَدَيْ غيرهِ إذ رَمى
رمى عن يدَيْ حاقدٍ نافسٍ
عليك احتشادَ العلى والندى
وحلِساً لدارِكَ والمُقْرفون
يجولونَ كلَّ مجالٍ بدا
على حينَ راحَ هجينُ الطباعِ
تَنطَّفُ أطرافُه بالخَنا
أدَرَّ عليه ثُدِيَّ الخُمولِ
وهزَّتْهُ في المهدِ كفُّ الغَبا
يجرُّ ذيولَ الخنا والغِنى
وتهفو عليه ظِلالُ المُنى
وحولَكَ مثلُ فِراخِ الحَمامِ
لولا الشعورُ - وزُغْبِ القَطا
تدورُ عيونُهمُ والذَّكاءُ
يَلمَعُ فيها كحدِّ الظُبا
إلى كلِّ شَوْهاءَ مرذولةٍ
وأشوَهَ مستأثِرٍ بالغِنى
وتَرْجِعُ والعتبُ في مُوقِها
تَساءلُ : أيُّكما المُبتلى ؟
بـ " علقمةَ الفحلِ " أُزجي اليمينَ
أنَّي ألَذُّ بمُرِّ الجنى
وبـ " الشَّنْفَرى " أنَّ عينَّي لا
تَلَذّانِ في النومِ طعمَ الكرى
وبـ " المتنبئِ " أنَّ البَلاءَ ،
إذا جدَّ ، يَعلم " أني الفتى "
ألا مِن كريمٍ يَسُرُّ الكرامَ
بجيفةِ جلْفٍ زَنيمٍ عَتا
فيا طالما كانَ حدُّ البَغِيِّ
يُخفِّفُ مِن فحشِ أهل البِغا
ويا طالما ثُنِيَ السادِرونَ
بما اقتِيدَ من سادرٍ ما ارعوى
على أنَّه مِن شِفاءِ الصُدورِ
لو أنَّ حُرّاً كريماً شفى
تأصَّلَ هذي العروقَ الخِباثَ
فقد ضاقَ بالجِذْمِ منها الثرى
فما هي أوّلُ مجذومةٍ
مخافةَ عدوى بها تُنتفى
ولا هي أوّلُ " أغلوطةٍ "
محا شاطبٌ رسمَها فامَّحى
وما بالنفوسِ اللواتي ملكنَ
بأطماحهنَّ عَنانَ السّما(59/479)
عناءٌ إلى مَن يُقيتُ البُطونَ
ولكنْ إلى من يُميطُ الأذى
إلى من يكُفُّ صغارَ النفوسِ ،
صغارَ الحلومِ ، صغارَ الهوى
يَكُفُّهمُ أنْ يكون الكريم
به عن هوانهمُ : يُشتفى
أُنّبِيكَ عن أطيبِ الأخبثينَ
فقُلْ أنتَ بالأخبثِ المُزدرى
زِقاقٌ من الرّيحِ منفوخةٌ
وإنْ ثَقَّلَ الزهوُ منها الخطى
وأشباحُ ناسٍ ، وإنْ أُوهِمُوا
بأنّهمُ .. " قادةٌ " في الورى
ألمْ ترَ أنِّيَ حربُ الطغاةِ
سلمٌ لكلِّ ضعيفٍ الذَّما
وأني تركتُ دهينَ السِّبالِ
كثيرَ الصيالِ ، شديدَ القوى
من الخوفِ كالعَيْرِ قبلَ الكواءِ
يَحبقُ مما اصطلى واكتوى ؟!
بماذا يخوِّفني الأرْذَلُونَ
وممَّ تخافُ صِلالُ الفلا؟!
أيُسْلبُ عنها نعيمُ الهجيرِ
ونفحُ الرمالِ ، وبذْخُ العرا!!
بلى ! إنّ عنديَ خوفَ الشُّجاعِ
وطيشَ الحليمِ وموتَ الرَّدى
إذا شئتُ أنضجتُ الشِّواء
جلوداً تعَّصْت فما تُشتوى
وأبقيتُ من مِيسَمي في الجِباهِ
وشْماً كَوشْمِ بناتِ الهوى
فوارقُ لا يَمَّحي عارُها
ولا يَلتَبسْنَ بوصفٍ " سوى !"
بحيثُ يقالُ إذا ما مشى الصّليُّ
بها : إنّ وغداً بدا
وحيثُ يُعيَّرُ أبناؤهُ
بأنّ لهُمْ والداً مثلَ ذا
أقولُ لنفسيْ - إذاضمَّها
وأترابَها محفِلٌ يُزدهى
تسامَيْ فانكِ خيرُ النفوسِ
إذا قيسَ كلٌّ على ما انطوى
وأحسنُ ما فيكِ أنّ " الضميرَ "
يَصيحُ من القلبِ أنِّي هُنا
وأنتِ إذا زيفُ المعجبينَ
تلألأ للعينِ ثُمَّ انجلى
ولم تستطعْ هممُ المدَّعين
صبراً على جمرةٍ المدَّعى
خلَصْتِ كما خَلصَ ابنُ " القُيون "
تَرعرَع في النار ثمَّ استوى
تسامَيْ فإنّ جناحيكِ لا
يَقَرّانِ إلا على مُرتقى
كذلكَ كلُّ ذواتِ الطِماحِ
والهمِّ ، مخلوقةٌ للذُّرى
شهِدتُ بأنكِ مذخورةٌ
لأبعدَ ما في المدى من مدى
وأنكِ سوفَ تدوِّي العصورُ
بما تتركينَ بها من صدى
بآيةِ أنَّ يدَ المُغرياتِ
تهابُكِ إلاَّ كَلمسِ النَّدى
وأنكِ إنْ يَلتمعْ مطمعٌ
يُخاف على الرُّوحِ منه العمى(59/480)
يموتُ " النبوغُ " بأحضانه
ويُنعى به " الأمل " المرتجى
وتمشي الجموعُ على ضوئهِ
لتبكي على عبقريٍّ قضى
وكادتْ تَلُفُّكِ في طيّها
حواشيه .. ردَّكِ عزمٌ قَضى
لشرِّ النِهاياتِ هذا " المطافُ "
وكلُّ مَطافٍ إلى مُنتهى
متى ترَعوي أُمةٌ بالعِراقِ
تُساقُ إلى حتفِها بالعصا
تُذَرَّى على الضَّيْمِ ذَرْوَ الهشيمِ
ويَعرقُها الذُّلُّ عَرْقَ اللِّحا
وتنزو بها شهوةُ المشتهينَ
كما دُحرجتْ كرةٌ تُرتمى
يَجدُّ بَغيضٌ بها عهدَهُ
إذا قيلَ عهدُ بَغيضٍ مضى
وتسمَنُ منها عِجافٌ مَشتْ
إلى الأجنبيِّ تَجُرُّ الخُصي
تُراودُها عِزّضها كالقُرومِ
هِجانٌ عليها غريبٌ نَزا
عجبتُ وقد أسلمتْ نفسَها
لعَرْكِ الخُطوبِ وعَصْرِ الشَّقا
وقَرَّ على الذُّلِّ خَيشومُها
كما خطمَ الصعب جَذبُ البُرى
وأغْفَتْ فلم أَدْرِ عن حَيرةٍ
بها : كيف إيقاظُها أو متى
ولم أدرِ مِن طيبِ إغفائها
على الذُّلِّ ، أيَّ خيالٍ تَرى
أهِمّاً تغشَّاهُ بَعْدَ العنا
كرىً ،أمْ صبياً بريئاً غفا؟
متى تستفيقُ وفحمُ الدُّجى
عليها مشتْ فيه نارُ الضُّحى
وقد نَفَض الكهفُ عن أهله
غُبارَ السنينَ ووَعْثَ البِلى ؟
تعيشُ على الأرضِ أُمِّ الكفاحِِ
وتربُطُ أحلاَمها بالسَّما
وتَصْبَغُ بالوَرْد آمالَها
كما طرَّزَ الحائكونَ الرِّدا
وأصنامِ بَغْيٍ يصُبّونها
ويَدْعُونها مَثلاً يُقتدى
يُثيرونَ من حولِها ضَجَّةً
بها عن مَخازيهمُ يُلتهى
كما حَجَبَتْ بالغُبارِ العيون
خِفافٌ مُهرّأةٌ تُحتذى
فهذا سيمضي وهذا مضى
وهذا سيأتي وهذا أتى
وهذا " زعيمٌ " ، لأنّ السفيرَ
يرنو إليه بعينِ الرّضا
وفي ذاكَ عن سُخطِ أهل البلادِ
على حُكمهِ أو رضاهم غِنى
وهذا بعِمتَّهِ ، ساخراً ،
من " الجنِّ " يَرفعها للعلى
تجيءُ المطامعُ منقادةً
إليه إذا شاءَ أو لم يَشا
وليتك تحَسِبُ أزياءهم
فتجمعَ منها زهورَ الرُّبى
فتلكَ اللفائفُ كالأُقحُوانِ
بها العِلمُ ينفحُ طيبَ الشذا!
تَطُقُّ المسابحُ من حولِها(59/481)
لتُعلِنَ أنَّ مَلاكاً أتى
وتلكَ الشراشيفُ كالياسمينِ
تاهَ " العِقالُ " بها وازدهى !
تدلَّتْ عناقيدُ مثلُ الكرومِ
على كتفَيْ " يابسٍ " كالصُوى
يَوَدُّ من " التِّيهِ !" لو أنَّه
يَشُدُّ بها " جَرَساً ! " إنْ مشى
لِيَعلِمَ سامعُه أنَّه
" ينوبُ !" عن البلدِ المُبتلى
إذا رَفعَ اليدَ للحاكمينَ
بدَتْ " نَعَمٌ " وهي في زيِّ " لا! "
وبينهما محدَثٌ ناشيءٌ
إذا خطَّ تَعرِفُه أو حَكى
تعوِّذُه أُمُّه إنْ مشى
إلى " البرلمانِ " بأمِّ القرى
ومُستسلمين يَرونَ الكفاحَ
قَوراء مدحوَّةً تُمتطى
فَتغرُزُ في رَخوةٍ سَمْحَةٍ
وتنفِرُ عن ذي مِسَنٍّ قَسا
يَرَوْنَ السياسةَ أنْ لا يمسَّ
هذا ، وأنْ يُتَّقى شرُّ ذا
وهذا وذا في صميمِ البلادِ
سُلٌّ ، وفي العينِ منها قذى
مساكين يقتحمونَ الكفاحَ
وقد راعهمْ بابُه مِن كُوى
وما هو إلاَّ احتمالُ الخُطوبِ
وإلاّ الأذى والعَرا والطَّوى
فهمْ يعرفونَ مزايا الخُلودِ
ولا يُنكرونَ مزايا الفَنا
وهمْ يعشَقونَ هُتافَ الجموعِ
ويَخْشونَ ما بعدَه من عَنا
فليتَ لنا بهمُ ناقةً
تُطيق الحفا والوجا والوحى
وتجترُّ بالجوعِ ما عندَها
وتَطوي على الخِمْسِ حَرَّ الظما
ومُحتقِبٍ شرَّ ما يُجتوى
مشى ناصباً رأسهُ كاللِّوا
مشى ومشتْ خلفَهُ عُصبةٌ
تقيسُ خُطاهُ إذا ما مشى
يُحبُّ " السلامةَ " مشفوعةً
بدَعوى " الجْبانِ " بحُبِّ الوَغى
ويجمعُ بينَ ظِلالِ القصورِ
وعَصْرِ الخمورِ ورشْفِ اللَّمى
وعيشِ " المَهازيلِ " في ناعمٍ
من العيشِ مِن مثلهِ يُستحى
وبينَ " الزعامةِ ! " لا تُصطَفَى
بغيرِ السجونِ ولا تُشترى
ولم أدرِ كيفَ يكونُ الزعيمُ
إذا لم يكنْ لاصقاً بالثرى
ومنتحلينَ سِماتِ الأديبِ
يظنّونها جُبَباً تُرتدى
كما جاوبتْ " بومةٌ ! " بومةً
تَقارَضُ ما بينها بالثَّنا
ويرعَوْن في هذَرٍ يابسٍ
من القولِ ، رعيَ الجمالِ الكلا
يرَوْنَ " وُرَيقاتِهم " بُلغةً
من العيشِ لا غايةً تُبتغى(59/482)
فَهُمْ والضميرِ الذي يصنعونَ
لمنْ يعتلي ، صهوةٌ تعتلى
ولاهِينَ عن جِدِّهم بالفراغِ
زوايا المقاهي لهم مُنتدى
تصايَح باللغوِ ما بينها
صِياحَ اللقالق تنفي الحصى
وشدُّوا خُيوطاً بأعناقِهمْ
تَصارَخُ ألوانُها بالدِّما
ألا يخجلونَ إذا قايسوا
حياتَهمُ بحياةِ الأُلى
سقَوا أرضَهم بنجيعً الدِّماءِ
فكانَ الشعارَ الدَّمُ المُستقى
وأولاءِ شُغْلُهم بالبطونِ
فهلاّ استعانوا بشدِّ المِعى
وعارٍ تحلّى بثوب الأديب
وممَّا يُزكّي أديباً خَلا
ومن تبعات النُّفوس الكبار
بسِنِّ اليَراعِ الرخيصِ احتمى
ووغدٍ تخيَّرَ أمثالَه
فوغداً أهرَّ ووغداً شلا
إذا ما تصفحتَ أصنامَه
وهُزأةَ ألقابها والكُنى
أراكَ- وإن أنكرَ العالمانِ -
بمزمارِ داودَ ، بُوماً شدا
وأنَّ غُراباً شأى " معبداً "
وأنّ حِماراً " غريضاً " حَكى
بدا لكَ طاهٍ أجيرُ البطونِ
كلُّ الذي تشتهيهِ طها
يسُدُّ بذاكَ فراغَ الضميرِ
ويُوقِدُ روحاً خبيثاً خَبا
يبِصُّ لَذي مَنصِبٍ يُرتجى
ويَخدُم ذا صَولةٍ يُختشى
يَرى أنَّه حين يُطري الفسيل
جُذَيْلاً هجا ، وعُذَيْقاً رمى
وشرٌّ أهرَّ بها أكلُباً
أعارَهمُ نابَهمْ إذْ سَطا
حَبا ما حبا طغمة أُتخِمتْ
بفَضْلاتهِ ، وزوي ما زوى
وأطلقَ للصيدِ أظفارهنَّ
وأنيابَهنَّ بها واختفى
يقولونَ إنَّ يداً في الغُيوبِ
تُدير على الأرضِ حُكم السَّما
ولمَّا يَزَلْ مَثَلٌ سائرٌ
على الناسِ يَجري : بأيدي سبا
وتحريقُ " لوطٍ " بذنبٍ أتى
وأخذُ " ثمودٍ " بسِقبٍ رغا
فما بالُ كفِّ القضا لا تدورُ
على بلدٍ ظلَّ حتى اختزى !؟
وأضحى " ثمودُ " و " لوطٌ " به
ومَن لهما في الشرورِ انتمى
ومَن عاثَ في أممِ المشرقَينَ
وجارَ على أهلها واحتمى
حَييِينَ بينَ ولاة الأمورِ
في بلدٍ ضاعَ فيه الحيا
يسائلُ بعضٌ به بعضهم
أنحنُ أُخذنْا وهذا نجا ؟!
أُخِذْتَ لأني ركبتُ الطريقَ
شَذاً إلى غايةٍ تُبتغى
وأنت أُخِذْتَ على ناقةٍ
بفلْسينِ أمثالُهما تُشترى(59/483)
وكنَّا أُناساً كماء السَّماءِ
تَخبَّطَ طوراً وطوراً صَفا
نجيءُ الحياةَ على رِسلِها
نهاياتُها عندنا كالبِدي
ونأتي الجريرةَ لا نَغتلي
ونَبغي الهَناةَ كما تُبتغي
ولا نكبِتُ العاطفاتِ الجْياعَ
فيُشرِقنا كبتُها بالشجا
إلى الآنَ يُضرَبُ من ههنا
بنا مَثلٌ في مصيرِ الدُّنى
ولو صَحَّ من مثلٍ للدَّمارِ
ما كانَ غيرَهمُ ، والتَّوى
وجَدنا هُنا كلَّ ذي عَورةٍ
على كلِّ ذي حُرمةٍ قد سطا
وكلَّ كريمِ الثَّنا أصيدٍ
تَقلَّص في كِنِّهِ وانزوى
وجَدنا الرَّجالَ هنا بالرِّجالِ
لاهينَ ، في وَضَحٍ من سَنا
على حينَ تختصُّ نِسوانُهم
نساءً ، ومنتصِفٌ مَن جزى
وجدَنا الزعيمَ - كما يَنْعَتُونَ -
على قدَميْ غاصبيهِ ارتمى
وجدنا الخبائثَ والطَّيباتِ
بأضدادِهنَّ - هُنا - تُصطفى
وجدنا الرَّجالَ وأسماءَهم
يُخَّففُ من قُبحها بالكُنى
بَنِيَّ إذا الدَّهرُ ألقى القناعَ
وصرَّح من حسوهِ ما ارتغى
ودالتْ لهمْ دولةٌ كالَّتي
لدى الناسِ في وجهها والقفا
سواءٌ فلا خَلْفُها من أمامِ
يبدو ، ولا وجهُها من ورا
ولا يستبيحُ بها سابقاً
إلى المجدِ ركّاضةً مَن حَبا
ولا يقذفُ الشهمَ ذو لَوثةٍ
ذميمٌ ، ولا يدّري مَن وعى
وكانَ المُفَضَّلُ لا المُزدرى
لهُ يُعتزى وبهِ يُؤتسى
وكان بها المُثُل الصالحاتُ
لا الطالحاتُ ، هي المُقتدى
فلا تبخلوا أنْ تزوروا أباً
جريرتُه أنَّ ذُّلاً أبى
ولا تبخَلوا أنْ تَمُدوا يداً
لتحضِنَ منه خيالاً سَرى
وطيفاً أتاكمْ يُهنّيكمُ
بأنْ قد وُقِيتمْ زماناً مضى
ولا تُنكروا أنَّ " عُشّاً " به
تلوحُ لكمْ قَسَماتُ الهنا
كطُهْرِ " الطفولةِ " أجواؤه
وأفياؤه كرفيفِ الضحى
ضرَبنا لنجمعَ أعوادَه
لكم في صميمِ زمانٍ جَسا
ستدْرون أيَّ مطاوي البلاءِ
نزلنا إليها ، وأيَّ الهُوى
وأيَّ الخصومِ مَدَدْنا له
بأيِّ الأكفِّ بأيِّ القَنا
ضربناهُ بالفكرِ حتى التوى
وبالقلبِ حتى هفا بالرَّدى
وكانَ القريضُ الذي تقرءونَ
أقتلَ مِن ذا وهذا شَبا(59/484)
ضربناه أنْ لم يُصِبْ مَقتلاً
بسهمٍ أراشَ ونصلٍ برى
وشرُّ " السهامِ " رُواءُ النعيمِ
وشرُّ " النضالِ " بريق الغِنى
سلامٌ على هَضَباتِ العراقِ
وشطَّيهِ والجُرْفِ والمُنحنى
على النَّخْلِ ذي السَّعَفاتِ الطوالِ
على سيّدِ الشَّجَرِ المُقتنى
على الرُّطَبِ الغَضِّ إذ يُجتلَى
كوَشْيِ العروسِ وإذ يُجتنى
بإِيسارهِ يومَ أعذاقُه
تَرفّث ، وبالعسرِ عندَ القنى
وبالسَّعْفِ والكَرَبِ المُستجِدِّ
ثوباً " تهرّا " وثوباً نضا
ودجلةَ إذْ فارَ آذيُّها
كما حُمَّ ذُو حَرَدٍ فاغتلى
ودجلةَ زهوِ الصَّبايا الملاحِ
تَخَوَّضُ منها بماءٍ صَرى
تُريكَ العراقَّي في الحالتينِ
يُسرِفُ في شُحّهِ والنَّدى
سلامٌ على قَمَرٍ فوقَها
عليها هَفا وإليها رَنا
تُدغدِغُ أضواؤهُ صَدْرَها
وتَمسحُ طيَّاتِها والثِنى
كأنَّ يداً طرَّزَتْ فوقَها
من الحُسن مَوشِيةً تُجتلى
رواءُ النميرِ لها لُحمةٌ
وذَوبُ الشعاعِ عليها سَدى
ونجمٌ تَغَوَّرَ من حُبّها
ونجمٌ عليها ادَّنى فادَّلى
على الجْسِرِ ما انفكَّ من جانبيهِ
يُتيحُ الهَوى مِن عيونِ المها
فيا ليتَهُنَّ الذي يعتدي
ويا ليتَكَ الرّجلُ المُعتدى
ويا ليتَ بلواكَ قُبُّ الصدورِ
ولُعسُ الشفاهِ وبيضُ الطُّلى
ويا ليتَ أنَّكَ لا تشتكي
ظَماءكَ إلاَّ لهذا اللَّمى
وليتَ بهنَّ ولا غيرهنَّ
تَنَقَّلُ في غضبٍ أو رِضا
بهنَّ ولا بغلاظِ الرقابِ
قِباحِ الوجوهِ خِباثِ الكُلى
سلامٌ على جاعلاتِ النَّقيقِ ،
على الشَّاطئينِ ، بَريدَ الهوى
لُعنتنَّ مِن صِبيْةٍ لا تشيخُ
ومن شِيْخَةٍ دَهْرَها تُصطبى
تقافَزُ كالجْنِّ بينَ الصخورِ
وتندسُّ تحتَ مَهيلِ النَّقا
حَلَفتُ بمنْ راءَكنَّ الحياةَ
سمحاءَ أبدعَ ما تُرتأى
وألبسكُنَّ جَمالَ الغديرِ
مَن صافَ منكنَّ أو مَن شتا
لأنتُنَّ من واهباتِ البيانِ
جَمالاً ومن مُحييِاتِ اللُغى
على أنَّها لُغةٌ ثرَّةٌ
عواطفكنَّ بها تُمترى
لقد عابكنَّ بما لا يُعابُ
فَدْمٌ بخَلْقٍ جميلٍ زَرى(59/485)
بسَمحٍ يُنادمُ رَكبَ الخلود
ويُحسن للخابطينَ القِرى
يَدُلُّ على الماءِ مَن ضَلَّه
ويَرفعُ وحشةَ ليلٍ طَخا
كأنَّ بعينيكِ ياقوتتينِ
صاغهما جوهريٌّ جَلا
ولو لم يُخبِّرْ بريقُ النبوغِ
بعينيكِ عن مثلِ سفعِ الذّكا
لنَمَّ الجُحوظُ على شاعرٍ
بعيدِ الخيالِ عنيفِ الرؤى
سجا الليلُ إلا حماماً أجدٍّ
هَديلاً وترجيعَ كلبٍ عَوى
وجُندُبةً طارحَتْ جُندُباً
وبُوماً زقا وسحيلاً ثغا
وديكاً يؤذِّنُ في جَمعهم
بأن قد مضى الليلُ إلا إنى
ودَّوى قِطارٌ فرَدَّ الحياةَ
عفواً إلى عالَمٍ يُبتنى
وما برِحَ القمرُ المستديرُ
يَسبحُ في فلَكٍ مِن سنا
تلوذُ النجومُ بأذيالهِ
هَفَتْ إذ هفا ودَنَتْ إذ دنا
إلى أنْ تَضوَّرَ غولُ الصَّباحِ
ودَبَّ الهُزالُ به فانضوى
سلامٌ على عاطراتِ الحقولِ
تناثرُ مِن حولهن القُرى
ويا لَلَطافةِ هذي الدُّنى
يُتمّمها لُطفُ تلكَ القُصى
وحبلِ ضياءٍ تدلّى به
على أُفقٍ أُفقٌ والتقى
كأنَّ يدَيْ خالقٍ مُبدعٍ
تخيَّلَ عُريتَها وأرتأى
يَمُرَّانِ فوقَ الرُّبى والسفوحِ
ويخترقانِ سُدوفَ الدُّجى
وينتزعانِ الشُفوفَ التي
تدثَّرَ كَوْنٌ بها وارتدى
رويداً رويداً كما سُرِّحتْ
غلائلُ غانيةٍ تُنتضى
وألقتْ عليها الغيومُ اللطافُ
نَسْجاً كعهدِ الغواني وهى
تحرّقَ كاسٍ إلى عُريهِ
وأُغرم عارٍ به فاكتسى
كأنَّ بها عالماً واحداً
تلاقى ، وإنْ بَعُد المنتأى
سلامٌ على بلدٍ صُنتُه
وإيايَ مِن جفوةٍ أو قِلى
كلانا يكابدُ مُرَّ الفراق
على كبدَينا ، ولَذْعَ النَّوى
وكلٌّ يُغِذُّ إلى طِيَّة
لنا عند غايتها مُلتقى
غداً إذ يَطِنُّ فضاءُ العراقِ
طنينَ الثرى من هزبرٍ خَلا
وإذ يستقلُّ بِضَبْعِي فتىً
يَرى الغُنْمَ في العيش كسب الثنا
ويقدُرُ إن ضمَّ منه اليدينِ
ايَّ ثمينٍ نفيسٍ حَوى
غداً إذ فريقٌ يحوزُ الثنا
يَعَضُّ فريقٌ بصمِّ الصفا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عُدنا وقوداً...
عُدنا وقوداً...
رقم القصيدة : 66881(59/486)
-----------------------------------
ولَّى شبابٌ فهلْ يعودُ
ولاحَ شَيْبٌ فما يُريدُ ؟
يُريد أنْ يُنقِصَ الليالي
مِنّيَ ظُلماً بما يَزيد
يا أبيضَ الريشِ طرْنَ منه
غِدفانُ رِيش الجَناحِ سُود
يا هُولةً تَفزَعُ المرايا
مِنه ويستصرخُ الوليد!
يا حاملاً شارةِ الرَّزايا
يا ساعيَ الموتِ ، يا بَريدَ !
يا ناغِزَ الجُرحِ لا يُداوي
إلاَّ بأنْ يُقطعَ الوريد
برغمِ أنفِ الصِّبا وأنفي
يَخضِبُ فَودي منكَ الصديد
وأنَّ رأسي يمشي عليهِ
تِيهاً عَدُوٌّ لهُ لَدود!
كمْ ليلةٍ خوفَ أنْ تُواتي
أُترِعَ كأسٌ ورنَّ عُود
وكمْ وكمْ ، والشَّباب يَدري
رُوَِّعَ ظبيٌ فَنُصَّ جيد
أعائدٌ للشَّبابِ عيدُ ؟
أمْ راجعٌ عهدهُ السَّعيد؟
أيَّامَ شرخُ الصِّبا وريقٌ
وظِلّهُ سجسجٌ مَديد
ونحنُ ، مِثْلَ الجُمانِ زهواً ،
ينظِمُنا عِقدُهُ الفريد
أمْ لا تلاقٍ ، فلا خطوطٌ
تُدني بعيداً ، ولا حُدود؟!
مَنْ مُبلِغُ المُشتفينَ أنَّا
صِرنا لمِا يَطمحُ الحسودُ ؟
أنَّا استعَضْنا ثوباً بثوبٍ
وطالما استُبْدلَتْ بُرود
فراحَ ذاكَ العتيقُ غَضّاً
ولاحَ - رَثّاً - هذا الجديد
ألوى بنا عاطفٌ حبيبٌ
ومَلَّنا الواصِلُ الودود
قد كان يُشجي أهلَ التَّصابي
أنَّا على هامهِم ْ قُعود
لم ندرِ ما نَسْتزيدُ منهُ
لو قيلَ : هلْ عندَهُم مَزيد؟
نهارُنا مُترَفٌ بَليدُ
وليلُنا جامِحٌ عَنيد
فاليومَ إنْ تُعتصَرْ شِفاهٌ
أو تعتصَرْ - لَدْنَةً - قُدود
أو يطََّرِدْ قانِصٌ قَنيصاً
أو تُعْجبِ الأغيدِينَ غِيد
نقنعُ مِن لذَّةٍ ولهوٍ
أنَّا على عُرْسِهمْ شُهود
عُدنا وَقوداً ..! وكُلُّ حيٍّ ،
للذَّة تُشتهى وَقود!
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> مقطعات من لندن..
مقطعات من لندن..
رقم القصيدة : 66882
-----------------------------------
هنا يرقدان :
أبيات من وحي بحيرة الأخوين .
هنا يرقدان وخضْرُ الجبالِ
تَُلُ الينابيعُ أرادانَها
بحيث البحيرةُ تُنسيهُما(59/487)
عناءَ الحياةِ وأدرانها
وحيثُ الرُعاةُ تُغنِّيهما
إذا شَعْشَع الفجرُ ألحانها
وحيثُ يَهيج نسيمُ الصباحِ
غرامَ العَذارى وأشجانها
هنا يرقُدان بحيثُ السماءُ
تَصْبِغ بالوردِ ألوانها
يَبُّثهما الزَهرُ أشواقَهُ
وتُعطي الخمائِلُ عُنوانها
المقام في لندن :
مَلِلتُ مُقاميَ في لندنا
مُقامَ العَذارى بدور الزِنا
مُقام المسيح بدارِ اليَهودِ
مُقام العذابِ ، مُقام الضَنى
صاحبي !:
صاحبي لو تكونُ من أعدائي
لتمنَّيتَ أن تموتَ بدائي
لتمنيت أن يكونَ لك الطُولان
طُولُ الأذى وطُولُ البقاء
جين..:
أسرفتِ في ترف الجْمالِ
وسكِرتِ من خمر الدَّلالِ
وثنيتِ طرَفكِ فانثنى
يرمي الظِلالَ على الظلال
أعيا جمالُك منطقي
وسما خيالُك عن خيالي
يا " جينُ " لطفُ الخمر
أنّكِ كنتِ ماثلةً حِيالي
ما شاء فليكتبْ عليَّ
الدهرُ ، إنّي لا أُبالي
إذ كان خَصْرُكِ في اليمينِ
وكان كأسي في الشِّمال
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> آمنتُ بالحُسين
آمنتُ بالحُسين
رقم القصيدة : 66883
-----------------------------------
فِداءٌّ لَمثواكَ مِن مَضْجَعِ
تَنَوَّرَ بالأبلَج الأروَعِ
بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنانِ
رَوحاً ، ومن مِسكِها أضوع
ورَعياً ليومِكَ يومِ " الطُفوف"
وسَقياً لأرضِكَ مِن مَصْرَع
وحُزناً عليك بحَبْسِ النُفوسِ
على نهجِكَ النَّيِّرِالمَهْيَع
وصَوتاً لمجدِكَ مِنْ أنْ يُذالَ
بما أنت تأباهُ مِن مُبّدع
فيا ايُّها الوِتْرُ في الخالِدينَ
فذّاً ، إلى الآنَ لم يُشْفَع
ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ
للاهينَ عن غَدِهمْ قُنَّع
تعاليتَ مِن مُفْزِعِ للحتُوفِ
وبُورك قبرُكَ مِن مَفْزَع
تلوذُ الدُّهورُ فمِنْ سُجَّد
على جانبيه . ومِنْ رُكَّع
شَممتُ ثراكَ فهبَّ النسيمُ
نسيمُ الكرامةِ مِن بَلقع
وعفَّرتُ خدي بحيثُ استراحَ
خدٌّ تفرَّى ولمْ يَضرَع
وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُغاةِ
جالتْ عليهِ ولم يَخشع
وخِلْتُ وقد طارتِ الذكرياتُ(59/488)
بروحي إلى عالمٍ أرفَع
وطُفْتُ بقبرِكَ طوفَ الخَيالِ
بصومعةِ المُلْهِمِ المُبْدع
كأنَّ يداً من وراءِ الضريحِ
حمراءَ " مَبتُورَةَ الإِصْبَع "
تَمُدُّ إلى عالمٍ بالخُنوعِ
والضيمِ ذي شَرقٍ مُتْرَع
تَخبَّطَ في غابةٍ أطبَقَت
على مُذئبٍ منه أو مُسْبِع
لِتُبدِلَ منه جديبَ الضمير
بآخَرَ مُعَشوشِبٍ مُمرِع
وتدفعَ هذي النفوسَ الصِغارَ
خوفاً إلى حَرَمٍ أمنَع
تعاليتَ مِن صاعِقٍ يلتظي
فانْ تَدْجُ داجيةٌ يَلمع
تأرّمُ حِقداً على الصاعقاتِ
لم تُنْءِ ضَيراً ولم تَنْفَع
ولم تَبْذُرِ الحَبَّ إثرَ الهشيمِ
وقد حرَّقَتَهُ ولمْ تَزرع
ولم تُخلِ أبراجَها في السماء
ولم تأتِ أرضاً ولم تُدْقِع
ولم تَقْطَعِ الشّرَّ مِن جِذْمهِ
وغِلَّ الضمائرِ لم تَنْزع
ولم تَصْدِمِ الناسَ فيما هُمُ
عليهِ من الخُلُقِ الأوضَع
تعاليتَ من " فَلَكِ " قُطْرهُ
يدورُ على المِحوَرِ الأوسع
فيابنَ " البتولِ " وحَسْبي بها
ضَماناً على كلْ ما أدَّعي
وبابنَ التي لم يَضَعْ مِثُلها
كمِثلِكَ حَملاً ولم تُرْضِع
ويابن البطينِ بلا بِطنةٍ
ويابن الفتى الحاسرِ الأنْزَع
ويا غُصْنَ " هاشِمَ " لم ينفَتِحْ
بأزهرَ منكَ ولم يُفْرِع
ويا واصِلاً مِن نشيدِ " الخُلود"
خِتامَ القصيدةِ بالمطلع
يَسيرُ الورى بركاب الزمانِ
مِن مستقيمٍ ومن اظلع
وأنتَ تُسيِّرُ ركْبَ الخلود
ما تستَجِدّ له يَتْبَع
تَمثَّلتُ " يَومكَ " في خاطري
وردَّدت " صوتَكِ " في مَسمعي
ومَحَّصتُ أمرَكَ لم " أرتَهبْ "
بنقلِ " الرُّواة " ولم أُخدَع
وقلتُ : لعلَّ دويَّ السنين
بأصداءِ حادِثِكَ المُفْجِع
وما رتَّلَ المخلِصونَ الدُّعاةُ
مِن " مرسِلينَ " ومن " سُجَّع "
ومِنْ " ناثراتٍ " عليكَ المساءَ
والصُبْحَ بالشَعْرِ والأدمُع
لعلَّ السياسةَ فيما جَنَتْ
على لاصِقٍ بكَ أو مُدَّعي
وتشريدَها كلَّ مَنْ يدَّلي
بحبلٍ لأهلِيكَ أو مَقطع
لعلَّ لِذاكَ و " كونِ " الشَّجيِّ
وَلُوعاً بكلِّ شَجٍ مُولع(59/489)
يَداً في اصطباغِ حديثِ " الحُسين "
بلونٍ أُريدَ لهُ ممتِع
وكانتْ ولمَّا تَزَلْ بَرْزَةً
يدُ الواثقِ المُلْجَأ الألمعى
صَناعاً متى ما تُرِدْ خُطَّةً
وكيفَ ومهماً تُرِدْ تَصنع
ولمَّا أزَحْتُ طِلاءَ " القُرونِ "
وسِتْر الخِداع عنِ المخْدع
أُريدُ " الحقيقةَ " في ذاتِها
بغيرِ الطبيعة لم تُطْبَع
وجدتكَ في صُورةٍ لم أُرَعْ
بأعظمَ منها ولا أرْوَع
وماذا ! أأروعُ مِنْ أن يكونَ
لحمُكَ وَقْفاً على المِبْضَع
وأنْ تَتَّقي - دُون ما ترتائي -
ضميرَكَ بالأسَلِ الشُرَّع
وإنْ تُطْعِم الموتَ خيرَ البنينَ
مِنَ " الأكهلينَ " إلى الرُّضَّع
وخيرَ بني " الأمِّ " مِن هاشمٍ
وخيرَ مِنَ بني " الأب " مِن تُبَّع
وخيرَ الصِّحاب بخيرِ الصدورِ
كانوا وِقاءكَ ، والأذْرع
وقدَّسْتُ " ذكراكَ" لم أنتحِلْ
ثِيابَ التُقاةِ ولم أدَّع
تَقَحَمْتَ صدري وريبُ " الشكوكِ "
يَضِجُّ بجدرانِه " الأرْبَع "
ورانَ سَحابٌ صَفيقُ الحجاب
عليَّ من القَلَقِ المُفزع
وهبَّتْ رياحٌ من الطيّبات
و " الطيبينَ "ولم يُقْشَع
إذا ما تزحزحَ عن مَوضعٍ
تأبَّى وعادَ إلى مَوضع
وجازَ بيَ الشكُّ فيما معَ " الجدودِ "
إلى الشكِّ فيما معي
إلى أن أقمتُ عليه الدليلَ
من " مَبدأ" بدمٍ مُشْبَع
فأسلَمَ طَوعاً إليكِ القِياد
وأعطاكَ إذعانهََ المُهْطِع
فنَوَّرْتَ ما اظْلَمَّ مِن فِكرتي
وقِّوْمتَ ما اعوجَّ مِن أضلُعي
وآمنتُ إيمانَ مَن لا يَرى
سِوى ( العقل) في الشكِّ مِن مَرْجع
بأن ( الإِباء ) ، ووحيَ السماء
وفيضَ النبوَّةِ ، مِن مَنْبع
تجمَّعُ في ( جوهرٍ ) خالصٍ
تَنَّزهَ عن (عَرَضِ ) المَطْمَع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ناغيت لبنانا...
ناغيت لبنانا...
رقم القصيدة : 66884
-----------------------------------
ناغيت " لُبناناً " بشِعريَ جِيلا
وضفرته لجبينهِ إكليلا
وردَدْتُ بالنغَمِ الجميلِ لأرزه
ظِلاًّ أفاءَ به عليَّ ظَليلا(59/490)
أو مَا ترى شعري كأنَّ خِلالَه
نسيَ النسيمُ جناحَهُ المبلولا
وحِسانَ لُبنانٍ منحتُ قصائدي
فسحبنهنَّ كَدَلِّهنَّ ذُيولا
أهديتُهُنَّ عُيونَهنَّ نوافِذاً
كعيونِهِنَّ إذا رَمَيْنَ قتيلا
فردَّدنهنَّ من الأسى وجِراحِه
كِسَراً .. فَرُحْتُ المُّهنَّ فُلولا
ورَجَعْتُ أدراجي أجرُّ غنيمةً
من " بنتِ بيروتٍ " جوىً وغليلا
لُعنَ القصيدُ فأيُّ مُثرٍ شامخٍ
سرعانَ ما استجدى الحسانَ ذليلا
رَدَّتْ مطامِحُه البِعادَ دوانياً
وكثيرَ ما خَدعَ الخيالَ قليلا
ناغيتُ " لُبناناً " وهل أبقى الهوى
بُقيىً على قيثارتي لتقولا
طارحتُه النغماتِ في أعيادِه
بأرقَّ من سجعِ الحمامِ هديلا
ومَسحْتُ دمعَ الحُزنِ في أتراحِه
وجعلتُ مَحْضَ عواطفي مِنديلا
وكذاكَ كنتُ وما أزالُ كما بنى
أهلي أُجازي بالجميلِ جميلا
يا شيخَ " لُبنانَ " الأشمِّ فوارعاً
وشمائلاً ، ومناعةً ، وقبيلا
مثَّلثَهُ في كلِّهنَّ فلم يُردْ
بسواك عنكَ . ولن يريدَ بديلا
إنَّ العراقَ وقد نزلتَ رُبوعَهُ
لَيَعُدُّ ساكِنَه لديكَ نزيلا
بُشرى " بشارةُ " أنْ تجوسَ خِلالَها
وتُزيرَ طرَفك أهلَها وتُجيلا
قف في ضفافِ الرافدينِ وناجِها
وتفيَّ صَفصافاً بها ونخيلا
واسمَعْ غِناء الحاصدينَ حُقولَها
للحاصداتِ من القلوبِ حُقولا
سترى القريضَ أقلَّ مِن أنْ يَجتلى
لغةَ النفوسِ عواطفاً ومُيولا
وتلمَّسِ الآهاتِ في نَبَراتِهِمْ
يُشعِلْنَ من حَدَقِ العيونِ فتيلا
واستنطِقِ " الرَّمَلاتِ " في جَنَباتها
ولطالما استوحى النبوغُ رمولا
واستوحِ كُوفاناً وبصرةَ إذ هُما
يتصدَّرانِ العالَمَ المأهولا
يستورِدانِ حَضارةً ومواهباً
ويُصدِّرانِ فطاحلاً وفحولا
وتَقرَّ " بغداداً " فانَّ دُروبَها
ستُريكَ من سِفرْ الزمانِ فُصولا
ستُريكَ كيف إذا استتمّتْ دولةٌ
أعمى الغرورُ رجالَها لتدولا
إيهٍ " بِشارةُ " لم تكنْ لتَحُدَّ من
مهوى النفوسِ ولم تكنْ لتحولا
إني رَصَدتُكَ من بعيد لم أُرِدْ(59/491)
إذناً عليكَ ولا بعثتُ رسولا
ودخلتُ نفسَك لم أزاحِمْ حاجباً
عنها ، ولم ألجِ " الرِواقَ " فضولا
وحَلَفْتُ لا أُوذي الملوك ولا أُرى
ظِلاًّ على بابِ " الأميرِ " ثقيلا
صَونٌ لمجدِ الشعرِ أوهمَ خاطئاً
أنّي خُلِقتُ على قِلىً مجبولا
ولربما ظنَّ الرواجمُ أنّهمْ
سيرَوْنَ من هذا " المنخَّل " غُولا
وعرفتُ فضلَكَ قبل كونِك عاهلاً
تُرخي عليكَ حِجابَك المسدولا
تَلِجُ العقولَ عباقراً ونوابغاً
وتُمحِّصُ المعقولَ والمنقولا
ووجدتُك المُعطي السياسةَ حقَّها
ترعى النُّصوصَ وتُحسِنُ التأويلا
والمستجيرَ بظلِّها من ظلِّها
تتخيرُ التحويرَ والتحويلا
ولمستُ يومَك حين ضجَّ ضجيجُها
ومشتْ تدُكُّ روابياً وسهولا
تستخدمُ المتفجراتِ لدافعٍ
عن حقِّهِ وتُسخِّرُ " الأسطولا "
وعُقابُ " لبنانٍ " تَضُمُّ جَناحَها
تحمي الفِراخَ وتحرُسُ الزُّغلولا
وبنوكَ أُسْدَ الغابِ في لبِداتِهِمْ
عُبْلُ السواعد يمنعونَ الغيلا
حتى إذا انجلتِ العَجاجةُ وارتمى
شِلْواً - ربيبُ " فَجارةٍ " منخولا
وتخلتِ الأقدارُ عن متجبِّرٍ
ملأ البلادَ وأهلَها تنكيلا
وبرزتَ مثلُ السيفِ لا مُستسلماً
جُبْناً ، ولا نِكْساً ، ولا مخذولا
وتزاحمتْ بالهاتفينَ شِعابُها
يُزجُونكَ التكبيرَ والتهليلا
كنتَ الجديرَ بكلِّ ذاكَ وفوقَه
إذ كنتَ سيفَ جهادِها المسلولا
يا شيخَ " لبنانٍ " وحَسْبُكَ خِبرةً
رَفَعَتْك شيخاً في الملوك جليلا
جرَّبتَ حنظلةَ الدخيلِ وطعمَها
وصميمَها وطِلاءَها المعسولا
ولمستَ من لَهَبِ السياطِ ووَقْعها
فوقَ الظهورِ على الطُّغاةِ دليلا
ورأيتَ كيف العِلْجُ يُسمِنُ أهلَهُ
يُقري بنيهِ شعبَك المهزولا
وعرفتَ قدرَ العاملينَ مبجَّلاً
شكراً ، وحظَّ العاملينَ جزيلا
رَنتِ العيونُ إليكَ تُكبِرُ موقفاً
من " شيخِ " لُبنانَ النبيل نبيلا
وتُريدُ منك وقد تقلَّصَ ظلُّهم
ألا تَميزَ على الدخيلِ دخيلا..
فلقد خَبَرنا نحنُ قبلَك مِثلَهُ
وأشرَّ في لغةِ الطُغاةِ مثيلاً(59/492)
فاذا بـ " حنظلةٍ " تَحِنُ لأختِها
وإذا بـ " شدقمَ " يستظلُّ " جديلا "
وإذا بأولاوءٍ تفرِّقُ بينَهم
شتى الدُّروبِ ويلتقونَ سبيلا
فاوِض فقد غَدَت العوالِمُ عالماً
ما زالَ حَبْلُ صِلاتهِ موصولا
وسيجرِفُ التاريخُ في تيّارِه
شعباً يَظَلُ مُجانِباً معزولا
وتُراثُ " لُبنانٍ " قديمٌ نشرهُ
في المشرقينِ مواهباً وعقولا
لكنْ تَوَقَّ من الوعودِ سلاسلاً
برّاقةً ، ومن العهودِ كُبولا
فاوِضْ وخلِّ وراءَ سمعِك مُغرياً
وأمامَ عينِكَ شامتاً وعَذولا
ولأنتَ أعلمُ إنْ تُزحْزَحْ عندَهم
شبراً ، فسوفَ يُزحزحونكَ ميلا
وإذا ارتختْ عُقَدٌ تيسّرَ حلُّها
جدُّوا لكم عُقَداً تُريدُ حُلولا
" عبدَ الاله " وليس عاباً أنْ أرى
عِظمَ المقَامِ مُطوِّلاً فأطيلا
كرَّمت صيفَك يستثيرُ جلاله
نُطقاً ، ويدفعُ قائلاً ليقولا
يا ابنَ الذينَ تنزَّلتْ ببيوتِهم
سُوَرُ الكتابِ ، فرُتِّلتْ ترتيلا
الحاملينَ من الأمانةِ ثقلَها
لا مُصعِرينَ ولا أصاغِرَ مِيلا
والناصبينَ بيوتَهم وقبورَهم
للسائلينَ عن الكرامِ دليلا
والطامسينَ من الجهالةِ غَيْهباً
والمُطلعينَ من النُّهى قِنديلا
ملكوا البلادَ عروشَها وقصورَها
واستعذبوا وعْث التراب مَقيلا
يا ابنَ النبيِّ وللملوكِ رسالةٌ
مَنْ حَقَّها بالعدلِ كانَ رسولا
يرجو العراقُ بظلِّ رايةٍ فيصلٍ
أنْ يرتقي بكما الذُّرى ويطولا
لا شك أنَّ وديعةً مرموقةً
عز الكفيلُ لها فكنت كفيلا
وكيانُ مُلكٍ في حداثةِ عهدِه
يتطلَّبُ التلطيفَ والتدليلا!
وسياسة حضنتْ دُعاةَ هزيمةٍ
وتبنَّتِ التفريقَ والتضليلا
تُغري المثقفَّ أن يكون مُهادِناً
وابنَ الجهالةِ أنْ يظَلَّ جَهولا
ألقت على كتِفيكَ من زَحَماتِها
عبءاً تنوءُ بهِ الرِّجالُ ثقيلا
شدَّتْ عروقَك من كرائمِ هاشمٍ
بيضٌ نمينَ خديجةً وبتولا
وحَنَتْ عليكَ من الجدودِ ذؤابةٌ
رَعَتِ الحسينَ . وجعفراً وعقيلا
قُدْتَ السفينةَ حين شَقَّ مقادُها
وتطلَّبتْ رُبَّانَها المسؤولا(59/493)
أعْطتْكَ دَفَّتها فلم تَرجِعْ بها
خوفَ الرِّياحِ ولا اندفعتَ عَجولا
وَمنَحْتَها والعاصِفاتُ تؤودُها
مَتناً أزلَّ وساعداً مفتولا
أُعطِيتَ ما لم يُعطَ قبلَكَ مثلَه
شعباً على عِرفانِكُمْ مجبولا
إنَّ العراقَ يُجلُّ بيْعةَ هاشمٍ
من عهدِ جدِّكَ بالقرونِ الأولى
هذي مصارِعُ مُنجبيكَ ودورُهم
يملأنَ عَرضاً للعراقِ وطُولا
ما كانَ حجُّهُمُ وطوفُ جموعِهمْ
لقبورِ أهلِكَ ضَلَّةً وفُضولا
حبُّ الأُولى سكنوا الديارَ يَشفُّهم
فيعاوِدونَ طلولَها تقبيلا
يا شيخَ " لُينانٍ " شكيَّةَ صارخٍ
تتخلَّلُ الترحيبَ والتأهيلا
كنّا نُريدُك لا القلوب " مغيمة "
فينا . ولا خِصبُ النفوسِ مَحيلا
لنريكَ أفراحَ العراقَ شَمالَه
وجنوبَه وشبيبةً وكُهولا
جئتَ العراقَ ومِن فِلَسْطِينٍ به
وَجَعٌ مطببَّهُ يعودُ عليلا
والمسجدُ المحزونُ يُلقي فوقَه
ليلاً - على الشرقِ الحزينِ - طويلا
ذهبتْ فِلَسْطينٌ كأن لم تَعترِفْ
مِن كافليها ضامناً وكفيلا
وعفَتْ كأن لم يمشِ في ارجائها
" عيسى " ، و " أحمدُ " لم يَطِرْ محمولا
والمسجدُ الأقصى كأنْ لم يرتفعْ
فيهِ أذانٌ بُكرةً وأصيلا
وثرى صلاح ِالدينِ دِيسَ وأنعلتْ
منه جيوشُ الواغلِين خُيولا
و " الحنظلُّي " بحِلْفِهِ ووعُودهِ
ما زالَ كاذبُ وعدِه ممطولا
لم يرعَ شرعَ الكافرينَ ، ولا وفى
حقَّيهما القرآن َ والانجيلا
أعطى " إلَنْبي " أهلَها فاستامهم
بلفورُ ، فاستوصى بهم عِزريلا
واليومَ يفخرُ " بالحيادِ " كفاخرٍ
بالقتلِ إذ لم " يُسلَخِ " المقتولا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> قف بأجداث الضحايا ...
قف بأجداث الضحايا ...
رقم القصيدة : 66885
-----------------------------------
حضَنَ " التاجُ " بنيه فتعالَى
وتعالى " حارسُ التاج " جَلالا
وتعالت أُمةٌ لم تنحرفْ
عن مدى الحقِّ ولا زاغَت ضَلالا
أُمةٌ تكرهُ من مستعمِرٍ
فَرْضَه النصرَ ! وتأبى الانخِذالا
اوطأت أقدامَها " عارمَة "(59/494)
حسَكَ الجور ، وشاءَته انتِعالا
وتخطَّت جمرَة الغيضِ إلى
" وقدةِ " المَوتِ فزادتها اشتِعالا
ومشَت " للهُلْك " تدري أنّه
يسألُ الرّوح عن الدنيا زَوالا
عرفَت أنَّ الذينَ استفرَشوا
حُلَلَ الديباجِ غَنْجاً ودَلالا
نَعمت أظفارُهُمْ من " رقةٍ "
فهي لا تَقوَى عن اللحم انفِصالا
ثم شاءوا المجدَ فيما يُقتَنَى
حِلْيةً تُضفي على البيتِ جَمالا
كتَبَ الدهرُ على أبوابِهمْ
هَهنا يرقُد من عافوا النِضالا
ههنا يرقُدُ من ظَلّوا على
هامِشِ " التاريخ " كَلاًّ وعِيالا
والذين استنزَفوا طاقاتِهم
في المشقّات هُم كانوا الرجالا
حضَنَ التاجُ بنيهِ حضنْةَ الليث
لا يبغي عن " الشِبل " انفِصالا
وتحدَّى من تحدَّى معلناً
أنه يَقبل في الحق النِزالا
وانبرَتْ كفٌّ هي البُرْهُ مشَى
فشفَى من " مُزمن " داءً عُضالا
تمسَحُ الدمعةَ سالتْ حرّةً
فوق جُرحٍ فاحَ بالعِطر وسالا
ورَمى نَسْرُ قُرَيشٍ فوقَهم
من جَناحَيه الحبيبَيْن ظِلالا
يَسْتجِمُّ المجدُ في أفيائها
مُتعَباً لاقى من الجَهد كَلالا
يا حُماةَ الطُهرِ في مُعترَكٍ
زَحَمَ الطُهْرَ به الرجسُ فمالا
كرفيفِ الزَّهر في رَيْعانه
لم تُدنِّسْه يدُ الجاني ابتذالا
نَسَلوا من كل حَدْب ، نسوةً
ورجالا ، وَجنوباً ، وشَمالا
يا شباباً صَبَغوا الأرضَ دماً
كان في " وجنة " سِفر المجدِ خالا
مَنَحَ الباغي هواناً وصغى
وحَبَا الأمّةَ زهوا واختِيالا
أكثِروا من دَمكمْ تَستَكثِروا
من فمِ التاريخ مجداً وابتهالا
فهو ظَمآنُ إلى أمثالِهِ
لا دماءٌ خَثَرت فهي كُسالى
واكتُبوها صفحةً إن ذُكِرت
كنتُمُ الأمثال فيها والمِثالا
ليلةٌ ألقَتْ اليكم ثِقْلَها !
وليالٍ سَوف تأتيكم " حَبالى " !
واختِموا عهد َ " زعامات " عَفَتْ
كاذباتٍ لفَقوهُنَّ انتحالا
جامعاتٍ - كلَّ ما لا يلتَقي
من نَقيضَيْن - شَناراً واحتِفالا
من حُطام لُمَّ من كلِّ خَنا
وادعاءٍ صارخٍ قيلاً وقالا
وَمُدِلّين بأن قد قَرَنوا !(59/495)
بالخَنا جاهاً وبـ " الحُظِوةِ " مالا
قِف بأحداث الضّحايا لا تُسِلْ
فوقها دَمعاً ولا تَبكِ ارتجالا
لا تُذِلْ عهدَ " الرجولات " التي
تكرهُ الضَعْفَ . وتأبى الانحِلالا
وتَلقَّفْ من ثَراها شَمّةَ
تملأُ المنخِرَ عِزا وجلالا
وَضَعِ " الإِكليل " زَهْراً يانعاً
فوقَ زهرٍ من ضمير يَتلالا
ثم خَفِّضْ من جَناحيك بها
ثم أبلغْها إذا شِئتَ " مقالاً " !
أيُّّها الثاوونَ في جَولاتكم
طِبْتُمُ مَثوى ً وعُطّرتُمْ مجالا
كلُّنا نحسُدُكم أن نِلْتُمُ
شَرَفَ الفُرصةِ - من قبلُ - اهتبالا
كلُّنا نمشي على آثارِكمْ
بالضَحيّات خفافاً وثِقالا
كلُّلنا ممتَثِلٌ من وَحيكم
ما يُريد الوَطنُ الحُرُّ امتِثالا
فإذا شِئْتُم مَشَيْناها ونىً
وإذا شئتم مشيناها عِجالا
وإذا شِئتُم صَبغْناها دماً
صبغةً تُؤْذِنُ بالحال " انتقالا "
يا حفيظَ العهدِ للوادي ويا
أمَلَ الوادي فُتُوّاً واقتبالا
وصليبَ العُود يَأبَى غمزةً
ورفيعَ الرأس يأبَى أنْ يُطالا
هُرِعَ الشعب إلى مُنقذِه
مُلقِياً في الساحة الكبرى الرّجالا
كَذَبَ المُلقون في رُوعِكُمُ
أنَّه يطلُبُ أمراً لن يُنالا!
قل لأولاءِ الذين استأثَروا
بالملذّاتِ وبالحكمِ احتيالا
والذين اختَلقُوا أنّهُمُ
وحدَهُمْ مدُّوا إلى العرشِ حبالا!
كم وكم ثاوٍ بجُحْرٍ مُظلمٍ
وحريبٍ يأكلُ الماءُ الزلالا
كان أصفى نيةً في حُبّكم
من مُدِلّينَ نِفاقاً وافتِعالا
والذين افتَخروا أنَّهم
يَلبَسون " الشعب " ما شاؤا نِعالا
والذين استَنْفَروا من حولهم
زُمراً عبَّأها الشرُّ رِعالا
ليسُدَّ " السوطُ " مَجْرَى فكرةِ
وتُعيقَ " النارُ " قَولاً أنْ يُقالا
قلْ لهم : لَسْتُم رفاقي فانفِروا
إنَّ هذا الشعبَ لا يَبغِى مُحالا!
إنه يَشجُبُ من حُكّامه
خُطةَ العَسف ويأبى الاغتِلالا
ويريدُ العَدْل في أحكامه
والمساواةَ وان عزَّتْ مَنالا
لا " يُقالُ " الشعبُ لكنْ طغمةٌ
تسترقُّ الشَعبَ أولى أن تُقالا(59/496)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أخي جعفر
أخي جعفر
رقم القصيدة : 66886
-----------------------------------
أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ
بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ
فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةً
وليس كآخَرَ يَسترحِم
يصيحُ على المُدْقِعينَ الجياع
أريقوا دماءكُمُ تُطعَموا
ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعين
أهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا
أتعلَمُ أنَّ رِقابَ الطُغاة
أثقَلَها الغُنْمُ والمأثَم
وأنّ بطونَ العُتاةِ التي
مِن السُحتِ تَهضِمُ ما تهضم
وأنَ البغيَّ الذي يدعي
من المجد ما لم تَحُزْ " مريم "
ستَنْهَدُّ إن فارَ هذا الدمُ
وصوَّتَ هذا الفمُ الأعجم
فيا لكَ مِن مَرهمٍ ما اهتدَى
إليه الأُساة وما رهَّموا
ويا لكَ من بَلسمٍ يُشتَفى
به حينَ لا يُرتجى بَلسم
ويا لكَ من مَبسِمٍ عابسٍ
ثغور الأماني به تَبسِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد
تظَلُّ عن الثأر تستفهِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد
مِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهم
تَمُصُّ دماً ثُم تبغي دماً
وتبقى تُلِحُ وتستطعِم
فقُلْ للمُقيمِ على ذُلّهِ
هجيناً يُسخَّرُ أو يُلجَم
تَقَحَّمْ ، لُعِنْتَ ، أزيزَ الرَّصاص
وَجرِّبْ من الحظّ ما يُقسَم
وخُضْها كما خاضَها الأسبقون
وَثنِّ بما افتتحَ الأقدم
فإِمَّا إلى حيثُ تبدو الحياة
لِعينيْكَ مَكْرُمةً تُغْنَم
وإمَّا إلى جَدَثٍ لم يكُن
ليفضُلَه بيتُكَ المُظلِم
تَقَحَّمْ ، لُعِنْتَ ، فما تَرتجي
مِن العيش عن وِرده تُحرَم
أأوجعُ مِن أنَّك المُزدرى
وأقتلُ مِن أنَّك المُعدِم
تقحَّمْ فمَنْ ذا يَخوضُ المَنون
إذا عافَها الأنكدُ الأشأم
تقحَّمْ فمَنْ ذا يلومُ البطين
إذا كان مِثلُكَ لا يَقْحَم
يقولون مَن هم أولاءِ الرَّعاعُ
فأفهِمْهُمُ بدَمٍ مَنْ هُم
وأفهِمْهُمُ بدمٍ أنَّهمْ
عَبيدُكَ إنْ تَدْعُهمْ يَخدُموا
وأنَّك أشرفُ من خيرِهمْ
وكعبُك مِن خدهِ أكرم
أخي " جعفراً " يا رُواء الربيع
إلى عَفِنٍ باردٍ يُسلَم(59/497)
ويا زَهرةً من رياض الخُلود
تَغوَّلها عاصفٌ مُرزِم
ويا قبَساً من لهيب الحياة
خَبا حين شبَّ له مَضْرَم
ويا طلعةَ البِشر اذ ينجلي
ويا ضِحكةَ الفجر إذ يَبسِم
لَثَمْتُ جراحكَ في " فتحةٍ "
هي المُصحَف الطُهرُ إذ يُلثَم
وقبَّلتُ صدرَك حيثُ الصَّميم
مِن القلب ، مُنْخَرقاً ، يُخرَم
وحيثُ تَلوذُ طيورُ المُنى
به فهىَ ، مُفزعَةً ، حُوَّم
وحيثُ استقرَّت صِفاتُ الرجال
وضَمَّ معادِنَها مَنجَم
وَرَّبتُّ خدّاً بماءِ الشباب
يرفُّ كما نوّر البُرعُم
ومَّسحتُ مِن خُصَلٍ تَدَّلي
عليه كما يَفعلُ المُغرم
وعلَّلتُ نفسي بذوب الصديد
كما علَّلتْ وارداً " زمزم "
ولقَّطتُ مِن زَبدٍ طافحٍ
بثَغرك شهداً هو العَلْقَم
وعوَّضتَ عن قُبلتي قُبلةً
عَصَرْتَ بها كلَّ ما يؤلِم
عَصَرْتَ بها الذكرياتِ التي
تقَضَّتْ كما يَحْلُمُ النُوَّم
أخي " جعفراً " إنّ رجعَ السنين
بَعْدَك عندي صَدىً مُبْهم
ثلاثونَ رُحْنا عليها معاً
نعذَّبُ حِيناً ونستنعِم
نُكافحُ دهراً ويستَسْلِمُ
ونُغلبُ طَوراً ونَسْتَسلِم
أخي " جعفراً " لا أقولُ الخَيال
وذو الثأرِ يَقْظانُ لا يَحلُم
ولكنْ بما أُلهِمَ الصابرون
وقد يقرأُ الغيبَ مُستَلهِم
أرى أُفُقاً بنجيع الدماءِ
تَنوّرَ واختفتِ الأنجُم
وحبلاً من الأرض يُرقى به
كما قذفَ الصاعدَ السُلَّم
إذا مدَّ كفّاً له ناكث
تصدَّى ليقطَعها مُبْرِم
تكوَّر من جُثَثٍ حوله
ضِخامٍ وأمجادُها أضخم
وكفّاً تُمدُّ وراء الحجاب
فترسُمُ في الأفْقِ ما ترسُم
وجيلاً يَروحُ وجيلاً يجيء
وناراً إزاءَهما تُضرَم
أُنبِّيكَ أنّ الحِمى مُلْهَبٌ
وواديه من ألمٍ مُفعَم
ويا وَيْحَ خانقةٍ مِن غدٍ
إذا نَفَّسَ الغدُ ما يَكظم
وأنّ الدماءَ التي طلَّها
مُدِّلٌّ بشُرطتهُ مُعرم
تَنَضَّحُ من صدرِك المُستطاب
نزيفاً إلى الله يَستظلِم
ستبقى طويلاً تَجُرُّ الدماء
ولَنْ يُبرِدَ الدمَ إلاّ الدم
وأنَّ الصدورَ التي فلَّها
وأبدعَ ! في فلِّها مُجْرم(59/498)
ونَثَّرَ أضلاعها نَثْرةَ
شَتاتاً كما صُرّفَ الدرهم
ستَحْضُنُها من صُدور الشباب
قُساةٌ على الحقِ لا ترحم
أخي " جعفراً " إنّ عِلَم اليقين
أُنبِّيكَ إنْ كنتَ تستعلِم
صُرِعْتَ فحامتْ عليك القلوب
وخفَّ لك الملأُ الأعظَم
وسُدَّ الروُُاقُ ، فلا مَخرجٌ
وضاقَ الطريقُ ، فلا مَخرم
وأبلغَ عنك الجَنوبُ الشَّمال
وعزَّى بك المُعرِقَ المُشئِم
وشَقَّ على " الهاتفِ" الهاتفون
وضجَّ من الأسطُرِ المرِقَم
تعلَّمتَ كيف تَموتُ الرجال
وكيف يُقامُ لهمْ مأتَم
وكيف تُجرُّ إليك الجموعُ
كما انجرَّ للحَرمِ المُحرِم
ضحِكتُ وقد هَمْهَمَ السائلون
وشقَّ على السمعِ ما همهموا
يقولون مِتَّ وعند الأساةِ
غيرَ الذي زَعَموا مَزعَم
وأنتَ مُعافى كما نرتجي
وأنت عزيزٌ كما تعلَم
ضحِكتُ وقلتُ هنيئاً لهم
وما لفَّقوا عنك أو رجَّموا
فهم يبتغون دماً يشتفي
به الأرمدُ العينِ والأجذم
دماً يُكذِبُ المخلصونَ الأباة
به المارقينَ وما قسَّموا
وهم يبتغونَ دماً تلتقي
علية القُلوب وتستَلئم
إلى أنْ صَدَقْتَ لهمْ ظَنَّهم
فيا لكَ من غارِمٍ يَغنَم
فهمْ بك أولى فلَّما نَزَل
كَجِذْرٍ على عَددٍ يُقسم
وهم بك أولى ، وإن رُوِّعت
" عجوزٌ " على فِلذةٍ تلطِم
وتكفُرُ أنَ السما لم تعد
تُغيثُ حَريباً ، ولا تَرْحَم
وأُختٌ تشقُّ عليك الجيوب
فيغرَزُ في صدرها مِعصَم
تناشِدُ عنك بريقَ النُّجوم
لعلَّك مِن بينها تنجُم
وتَزْعُمُ أنَّك تأتي الصَّباحَ
وقد كذَّبَ القبرُ ما تَزْعُم
لِيَشْمَخْ بفقدِكَ أنفُ البلاد
وأنفي وأنفُهم مُرغم
أخي " جعفراً " بعُهود الاخاءِ
خالصةً بيننا أُقسِم
وبالدمع بَعدَكَ لا يَنثني
وبالحُزنِ بَعدَكَ لا يُهزم
وبالبيتِِ تَغمرُهُ وحشةٌ
كقبركَ يَسأل هل تقدَم
وبالصحب والأهلِ " يستغربون "
لأنَّك منحرفٌ عنهم
يميناً لتَنهَشُني الذكريات
عليك كما يَنهش الأرقم
إذا عادني شبحٌ مفرحٌ
تصدَّى له شبحٌ مؤلِم
وأنّي عُودٌ بكفِّ الرياحِ
يسأل منها متى يُقصَم(59/499)
أخي " جعفراً " وشجونُ الأسي
ستَصرِم حبلي ولا تُصرَم
أزحْ عن حَشاك غُثاء الضمير
ولا تكتُمَنّي ، فلا أكتُم
فانْ كانَ عندكَ مِن مَعتَبٍ
فعندي أضعافُه مَنْدَم
وإن كنتَ فيما امتُحِنَّا به
وما مسَّّّنا قَدَرٌ محْكَم
تُخَرِّجُ عُذراً يُسلّي أخاً
فأنت المدِلُّ به المُنعِم
عصارةُ عُمرٍ بشتّى الصنُوف
مليءٍ كما شُحِنَ المُعْجم
به ما أُطيقُ دفاعاً به
وما هو لي مُخْرِسٌ مُلجِم
أسالتْ ثراك دموعُ الشباب
ونوَّر منك الضريحَ الدم
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يوم الشهيد ...
يوم الشهيد ...
رقم القصيدة : 66887
-----------------------------------
يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ
بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام
بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً
علمُ الحساب ، وتفخر الأرقام
بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم
تتعطَّرُ الارَضونَ والأيام
بك يُبعَث " الجيلُ " المحتَّمُ بعثُه
وبك " القيامةُ " للطُغاة تُقام
وبك العُتاة سيُحشَرون ، وجوهُهُم
سودٌ ، وحَشْوُ أُنوفهم إرغام
صفاً إلى صفٍّ طغاماً لم تذُقْ
ما يجرَعون من الهَوان طَغام
ويُحاصَرون فلا " وراءُ " يحتوي
ذَنباً ، ولا شُرطاً يحوز " امام"
وسيسألون مَن الذين تسخَّروا
هذي الجموعَ كأنها أنعام
ومَن استُبيح على يَديهم حقُّها
هدراً ، وديست حرمةٌ وذِمام
ومَن الذين عَدَوا عليه فشوَّهوا
وجهَ الحياة فكدَّروا وأَغاموا
خَلَصَ النعيمُ لهم فهم من رقةٍ
وغضارةٍ بيضُ الوجوه وِسام
وصفا لهم فلَكُ الصِبا فتلألؤا
فيه كما تَتَلألأ الأجرام
يتدلَّلون على الزمان كما اشتَهت
شهواتُها قُبُّ البطون وِحام
ومَداس أرجلهم ونَهْبُ نِعالهم
شَعبٌ مهيضُ الجانِحين مُضام
يُمسي ويُصبح يستظلُّ بِخِدنه
بَقَر الزَريب، ويرتَعي ويَنام
سيُحاسَبون ، فان عَرتْهم سَكْتَةٌ
من خيفةٍ فستنطِقُ الآثام
سيُنكِّسُ المتذبذبون رقابَهم
حتى كأنّ رؤوسَهم أقدام
يومَ الشهيد ! وما الخيالُ بسادر(59/500)
بئسَ الخيالُ تقودُه الأوهام
الشعر - يا يومَ الشهِيد - تجارِبٌ
وبلاؤُها ، لا لؤلؤٌ ونِظام
كَذِباً يُخيَّل أن بارقة المُنى
تنجابُ منها وحشةٌ وظَلام
أو أنَّ بالنَّزْر اليسير من الدما
سيُبَلُّ من عطَش الطُغاة أُوام
أو أنَّ مَتعوباً ستَسْعى نحوه
عما قريبٍ راحةٌ وجِمام
حُسبانُ ذلك للشهيد خِيانةٌ
وِلما تفَجّرَ من دمٍ إجرام
ولَتلك مَدعاة سيُنصَرُ عندها
عارُ النُكوص ويُخذَلُ الإِقدام
ولَذاك إِيهام يضلِّلُ أُمةً
وسلاحُ كل مضلِّلٍ إيهام
عَظُمت محاولةٌ وجَلَّ مرامُ
أفباليَسير من العَناء تُرام
يومَ الشهيد ! طريقُ كل مناضلٍ
وَعرٌ ، ولا نُصُبٌ ولا اعلام
في كل مُنعَطَفٍ تَلوحُ بلية
وبكُلِّ مُفتَرقٍ يدِبُّ حِمام
وحياضُ مَوت تلتقى جَنَباتُها
وعلى الحياضِ من الوُفود زِحام
وقِباحُ أشباح لمُرتَعِدي الحَشَا
بَرمٌ بها ، ولمُحرِبين هُيام
بك بعد مُحتَدِمِ النضالِ سينجَلي
مما ابتدأتَ من النِضالِ ختام
سيُجازُ شَهرٌ بالعَناء وآخَرٌ
ويُخاضُ عامٌ بالدماء وعام
ستطيرُ في أفقِ الكفاح سَواعدٌ
وتَطيحُ في سُوح الكرامة هام
ستَشور من رَهَج اللُهاث عجاجةٌ
ويَهُبُّ من وَهَجِ الشَّكاة قَتام
سيُعالَجُ الباغي بنَضْحٍ من دَمٍ
حتى تُسَكَّنَ شَهوةٌ وعُرام
لابُدَّ من نارٍ يروح وَقودُها
منّا ومنه غارِبٌ وسَنام
وتُنير منها الخابطينَ دُروبَهم
من بعدِ ذلك جذوةٌ وضِرام
اذ ذاك يًُصبحُ بعد طُول مَتاهةٍ
بيد الشُعوب مقادةٌ وزِمام
تبّاً لدولةِ عاجزينَ تَوهَّموا
أن " الحكومةَ " بالسِياط تُدام
والوَيْلُ للماضينَ في أحلامِهم
إن فرَّ عن " حُلمٍ " يَروع منَام
وإذا تفجَّرَت الصدورُ بغيظها
حَنَقاً كما تتفجّر الألغام
وإذا بهم عَصْفاً أكيلاً يرتمي
وإذا بما ركنوا إليه رُكام
وإذا بما جَمَعَ الغُواةُ خُشارةٌ
" وإذا عصارةُ كلِّ ذاك أثام "
يومَ الشهيدِ ! لَسوف تُعقِبُ في غدٍ
يوماً تَحارُ بكُنهه الأَفهام
ولسوف نَجهل ما يِقلُّ بصلبه(60/1)
قَدَرٌ ، وما تَتَمخَّضُ الأيّام
ولسوفَ يُصبحُ ما نحارُ بكُنْهه
إن حانَ حِينٌ واستتم تمام
امراً كما قالَ البديهةَ قائلٌ :
" النورُ نورٌ والظَلامُ ظلام "
اني لَيخنُقُني الأسَى ويهُّزُّني
ما لاحَ طفلٌ يحتَبي وغُلام
علماً بأن دِماءَهم ليست لهم
وبأنها للجائعينَ طَعام
للناس بعد اليَومِ مِيلادُ الفَتى
ومَماتُه ، ورَضاعةٌ وفِطام
يوم الشهيد ! بكل جارحةٍ مشَى
داءٌ تَعاوَرَه الزمان عُقام
تَعِبَ الأساةُ به ، وجافَى أهلَه
يأساً نِطاسيٌّ به عَلاّم
وتَعَسَّر الابلالُ حتى تَنتَفى
منه الجذورُ ، وتُقطَعَ الأَجذام
يوم الشهيد! بك النُّفوس تفتَّحت
وَعياً ، كما تَتَفَتَّحُ الأكمام
كادَ الضعيف يشُكُّ في إيمانه
والصبرُ كاد يَشَلُّه استسلام
طاح البلاءُ بخائرٍ في مَعرَكٍ
أشِبٍ تطيشُ بهَوله الأحلام
وانجاب عن مترددينَ طِلاؤُهم
وانزاحَ عن متربصِّينَ لِثام
وأعضَّ قوم بالسكوت ، وأفصَحَتْ
عن غير ما عُرِفَت به أقوام
وتمسكَّ المتثبِّتون بجاحمٍ
جَمَراتُه تُشوى بها الأقدام
وتراكم الصبرُ الجميلُ بساحة
من حولها تتراكمُ الآلام
شعب يُجاعُ وتُستَدرُّ ضروعُه !
ولقد تُمارُ لتُحلَبَ الأغنام
وأُمِدَّ للمستهترين عنانُهم
في المُخزِيات فأرْتَعوا وأساموا
وَتَعَطَّلَ الدستورُ عن أحكامه
من فَرطِ ما ألوَى به الحُكَام
فالوعيُ بَغىٌ ، والتحرُّرُ سُبَّةٌ
والهَمْسُ جُرْمٌ ، والكلامُ حَرام
ومُدافِعٌ عما يَدينُ مُخرِّبٌ
ومطالِبٌ بحقوقِه هدّام
ومشَى بأصلاب الجُموع يَهُزُّها
الجَهَلُ والإِدقاعُ والأسقام
وهَوَت كرامتٌ تولَّت أمرها
خِططٌ ، تولَّى امَرها إحكام
فكرامةٌ يُهزَى بها ، وكرامةٌ
يُرثى لها ، وكرامةٌ تُستام
وانصاعَ يغزُو اهلَه وديارَه
جيشٌ من المتعطلِّين لُهام
وتَصافَقَت حُجَزٌ على مُتحرِّرٍ
ومفكرٍ فتحطَّمت أقلام
ولكلِّ مُحتَطِبِ الخنا مَداحةٌ
ولكل مُمتدِح النثا شَتّام
ومعاتَبٍ والسَوط يُلهب ظهرهُ
ومعذَّبٍ بجراحه ويُلام(60/2)
مما أشاعَ البَغيُ من إرهابه
فيها استُطيبَ الخَوفُ والإِحجام
ومطارَدون تعجَّلوا أيّامَهم
ومشرَّدون من المذلّةِ هاموا
ومشكِّكون وقد تعاصَت محنةٌ
صَلُّوا على شَرفِ الخلاص وصاموا
ولقد تَر تَرْقَ في العُيون تساؤلُ
وعلى الشِفاه تحيَّر استِفهام
أعفا القَطينُ فما به مُتَنَفَّسٌ
وَخلا العَرينُ فما به ضِرغام؟
أفوعدُ مُرتقِبِ " القيامةِ " خُلَّبٌ
وبريقُ منتظِر " النُشور " جَهام ؟
أو يكثُرُ الأبطالُ حين سِلاحُهم
بين الجْموع قَصيدةٌ وكَلام؟
فاذا اسحترَّ الخطبُ واحتَدمَ الأذى
ذابوا ، فلا بطلٌ ولا مِقدم
أفلا تكون مغارةٌ ؟ أو ما انتَهى
ما قَعْقَعَ الإِسراجُ والإِلجام؟
أعلى ضمير المخلصينَ غِشاوة
وعلى فَم المتحرِّرين لجام؟
حتى إذا قَذفَ الحمى بحُماتِه
ورَمَت بأشبالٍ لها الآجام
وتنافَسَ " الفادون" لم يتمنَّنوا
فضلاً ، ولم يُبطرْهُمُ الانعام
وجدوا عتاباً للبلاد فأعتَبوا
وملامةً لشبابها " فألاموا "
ومَشوا إليها يدعَمون صفوفَها
بصُدورهم ، اذ عزَّهن دِعام
حَمَلوا الرصاص عَلى الصدور وأوغلوا
فعلى الصدور من الدِماء وِسام
تابَ الغَويُّ وثاب كل مشكِّكٍ
إنَّ الحمى من فوقه قَوّام
نَكِروا النفوسَ وفجَّروا اعراقَها
صَمْتاً ، فلا صَخَبٌ ، ولا إرزام
وأبَوا سِجامَ الدمع شيمةَ نائحٍ
فلهم دماءٌ يغتلينَ سِجام
ناموا وقد صانُوا الحمى ومعاشِرٌ
تَركوا الحِمى للطارئات وناموا
يومَ الشهيد : وكلُّ يوم قادمٌ
ستُريهِ كيف الجودُ والاكرام
دالَ الزمانُ وبُدلتْ نُظُمٌ به
ولكل عصرٍ دولةٌ ونِظام
ومَضَى الحُداةُ " بحاتِمٍ " وبرهَطِه
وتبدَّلَت لمكارِمٍ أحكام
فهُمُ وقد حَلَبوا الصَريحَ أماجدٌ
وهُمُ وقد عقَروا الجَزور كرام
وهمُ لأنَّ الضيفَ ينزِلُ ساحَهم
للفقر في ساحاتِهم إلمام
وأتى زَمانٌ من مكارِمِ أهلِه
السَجْنُ ، والتشريدُ ، والإِعدام
والسَوط يحترِشُ الظهورَ ووقعُه
في سَمع محترِسٍ به أنغام
وكأنَّه " للمستغيث" إغاثةٌ(60/3)
وكأنَّه " للجائعين " إدام
جيل يرى أنَّ الضيافَة والقِرى
للطارئات الصبرُ والآلام
يَقرونَ جائعةَ البلاد نفوسَهم
فلها لحومٌ منهُمُ وعظام
ويُرونَ ضيفَهُمُ الكرامةَ تُزدَرى
والحقَّ يُغصَب ، والديارَ تُضام
يتقامَرون على المنايا بينَهم
حُمْراً ، فلا الأيسارُ والأزلام
لاهُمَّ عفَوكَ ، لا الشجونُ قليلةٌ
عندي ، ولا أنا أخرسٌ تَمتام
قلبٌ يذوبُ أسىً ، وشعرٌ كلُّه
ضَرَمٌ ، وبيتٌ كلُّه آلام
أخنَى بوحشتِه على جيرانِه
وهَفَا به ، رعباً ، فطارَ حَمام
ويكادُ يشهَق بالعَويل بَلاطُه
ويَصيحُ بالألم الدفينِ رُخام
ودمٌ أريق على يَدَيَّ يهُزني
هَزَّ الذَبيح وقد عَلاه حُسام
وخبيئةٌ في الصدرِ نَفثُ دُخانها
حَرَجٌ ، وكَبْتُ أُوارها إيلام
لاهُم ْ ما قَدْرُ البيان إذا انزوى
عنه الضميرُ ، وعَقَّه الإِلهام
وإذا استَوَى فيه الثَّكولُ وغيرُهُ
والساهرونَ الليلَ والنُّوام
أكبرت شعري أنْ تُهينَ كريمَهُ
غُفْلٌ تضيق بها الرُّعاةُ سَوام
او عائشونَ على الهوامشِ مثلَما
يَنفي فُضولَ الصورةِ الرِسّام
والممتلونَ كأنَّهم كلُّ الدُّنى
والفارِغونَ كأنَّهم أصنام
والصادِعونَ بما يَرى مُستعمِرٌ
فهُمُ متى يأمرْهُمُ خُدّام
والمُولَعونَ بفاجراتِ مطامعٍ
فلهمْ قُعُودٌ عندَها وقِيام
ماذا يحطِّمُ شاعرٌ من صاغِرٍ
أخنى الهوانُ عليه فهو حُطام
لكنْ بمختلطينَ في نيِّاتهم
شُبُهاً ، فلا وَضَحٌ ولا إبهام
من كل هاوٍ بُرجُه وكأنَّة
قَمَرٌ على كَبِدِ السَماءِ تَمام
يؤذيهِ أنَّ الشمس تطلُعُ فوقَه
او لا يظلِّلَ وَجْنَتَيهِ غَمام
الليلُ عندَهمُ التَعِلَّةُ والمُنى
فاذا استطالَ فسَكرةٌ ومُدام
واذا النهارُ بدا فكلُّ حديثِهِمْ
عنه بكيفَ تفسَّرُ الأحلام
حتى إذا حَميَتْ وغىً وأدارها
كأساً " إياسٌ " مرةً و " عِصام "
وتلقَّفَتهمْ كالرَّحى أشداقُها
مَضْغاً هُمامٌ يَقتضيه هُمام
زَحَموا الصُّفوفَ " مشَيَّعين " كأنَّهم
بين المواكبِ قادةٌ أعلام(60/4)
ومَشَوا على جثَثِ الضَّحايا مثلَما
يمشي بمقتنص النَّعَامِ نَعام
ثم استدارُوا ينفُخون بطُونَهم
نَفْخَ الطُّبول ، وأقعدوا وأقاموا
يومَ الشهيد : وما تزال كعهدِها
هُوجٌ تدنِّسُ أُمةً ولئام
قَصَروا عن العليا فلم يتناوَشوا
ما احتازَ منها فارعونَ جِسام
وتقطَّعتْ بالمَكْرُمات حِبالُهم
وبما ابْتَنتْ هِممٌ فهُنَّ رِمام
وعناهُمُ أخذُ الكِرامِ عِنانَها
من بعد ما داروا عليه وحاموا
وتجاهَلوا أنْ ليس تربُ مسامحٍ
بدمائه نَهّازةٌ غَنّام
وبأنَّ أُمّاتِ المآثرِ برزَةٌ
عملاقة ، وبأنهمْ ، أقزام
فهُمُ وقد ذَكَتِ الحزازةُ عندهم
" كوب " من الحقد الدفين وجام
يُسْقَونَ جذوتَها وفيما يجتلي
تِربُ النّدي لأُوارِها إضرام
حتى إذا ألقى الكريمُ بوجهه
فتمايَزَ الإشراقُ والإِظلام
وتَضَوَّرتْ جُوعاً فلم تَرَ عنده
ما تأكُّلُ الأوغارُ والأوغام
ومشى الفَعال لهم صَريحاً لم يَشُبْ
آياتِه عَيٌّ ، ولا إعجام
وتَخارَسوا وعَموا فملءُ عُيونِهِمْ
رَمَدٌ ، وملُّ حُلوقِهم إفحام
لجأوا إلى " الأنساب " لو جَلَّى لهم
" نَسَب " ولو صَدَقَتْ لهم أرحام
وتنابَزُوا بالجاهلية شجَها
من قبل نورُ " الفكر " و " الإسلام "
فأولاءِ أعرابٌ ! فكل مُحَرَّمٍ
حِلٌّ لهم! وأولئِكمْ أعجام
وأولاءِ " أغمارٌ " فلا رأسٌ ولا
كَعبٌ ، ولا خَلفٌ ، ولا قُدام
وأولاءِ " أشرارٌ " لأنّ شعارهم
بين الشُعوب محبَّةٌ وسلام
وكأنَّ " أرحاماً " تُرَصُّ ! فريضةٌ
وكأنَّ " أفخاذاً " تُلَزُّ لِزام
وكأنَّ من لم يَحوِ تلكِ وهذه
وإنْ استقامَ بهيمةٌ وسَوام
نُكرٌ لو استَعلى ، لما استَعْلَت يَدٌ
بالعُروة الوثْقى لها استِعصام
ولما تمَايزَتِ النُّفوسُ بخَيرها
وبشرِّها ، ولما استَتَبَّ نِظام
لزَكا " ابولَهَبٍ " وكانُ مُرجَّماً
ودَنَا " صُهَيبُ " وإنه لامام
قَبَليَّةٌ يلجا إليها مُقْعَدٌ
لا الحزمُ يُنجده ولا الإعزام
وبها تَسَتَّرَ عن صَغارةِ نفسِهِ
خَزيانَ يأكُلُ زادهُ ويَنام(60/5)
بل قد تَفَيَّأ ظِلَّها من حِطّةٍ
نسَبٌ يَسومُ رخيصَه المستام
من كل مُعدٍ في الصَغارِ كأنَّه
جَرَبٌ تُخاف شُذاتُه وجُذام
" سلمانُ " أشرف من أبيكمْ كعبُهُ
" وعِصامُ " ما عَرَفَ الجدودَ عِصام
ومحمدٌ رَفَعتْ رسالةُ ربَّه
كَفّاهُ ، لا الأخوالُ والأعمام
ولقد يُذِلُّ مُسوَّداً أعقابُه
ولقد يسودُ عشيرةً حَجّامُ
أأُخَيَّ : لو سمِع النداءَ رُغامُ
ولو استجابَ إلى الصريخِ حِمام
مني عليك تحيةٌ وسلامُ
ولذكرِك الإجلالُ والإِعظام
واللهِ لولا طائفٌ من سَلوةٍ
ولُمامةٌ من مُسْكةٍ تَعتام
ورسالةٌ ندعو لها وأداؤُها
فرضٌ ، ورَعْيُ حقوقِها إلزام
وَبنّيةٌ للسالكين طريقَهم
والقادمينْ على الطريق تُقام
ودعاةُ حقٍ يخرُجون سواهُمُ
عارٌ إذا لزِموا البيوتَ وذام
لعكفتُ حولَك لا أريمُ ولم يكن
الا بحيث أقمتَ انتَ مُقام
يا نائماً والموتُ ملءُ جُفونِه
أعلمتَ من فارقتَ كيف ينام؟
وملاءَماً بيد المَنون جِراحَه
جُرح المُقيم عليكَ لا يلتام
قد كنتَ تقدِرُ ان تُظلَّكَّ بهجةٌ
ونَضارةٌ ، لا ظُلمةٌ ورَغام
أو أنْ يرِفَّ عليك في رَيْعانِهِ
هذا الربيعُ - كوَجهِك - البسام
لو شئتَ أعطتكَ الحياةُ زِمامَها
ولها على كَفِّ الشَباب زِمام
لِتَضمَّك الغُدرانُ في أحضانها
وتُقِلَّك الهَضَباتُ والآكام
وشقيقُك القَمرُ المُدِلُّ بلُطفه
نَشوانُ ، يَصحو تارةً ويُغام
لو شئتَ ، عن شرفٍ اردتَ فصِدْتَهُ
بَدَلاً ، لكانت صبوةٌ وغَرام
ولجئتَ مُقتَنصَ الشباب ولارتمَتْ
من حولك الظَبيَاتُ والآرام
لوشئتَ ؟ لكن شاءَ مجدُك غيرَها
فتلقَّفَتْك من الثرى أكوام
رَدّ البكاءَ عليكَ أنك قائدٌ
ولو استبدَّ بك الثَرى ، وإمام
تمشي الجُمُوعُ على هُداك كما هَدى
الضُلاّلَ برقٌ في الظَلام يُشام
لو غَيْرُ ذلك أطاحَ رأسَك لارتَمى
بِشِراك نعلِكَ طائحاً " هَمّام "
ولما استَقَلَّ برأس " مُرةَ " خِنصِرٌ
لكَ ، واستقادَ بوجهه إبهام
قد كانَ يَعطِفُني عليك مَلامُ(60/6)
ان لو ذخرتُكَ أيها الصِمصام
ان لو سلمتَ فلا شبايَ مُزنَّدٌ
أسفاً ، ولا حَدَيّ عليك كَهام
لو لم تُجبني من رفاتك هَمةٌ
صبراً جميلاً ايُّها اللُّوام
ما كنتَ " نحاماً " بنفسِك للورى
افأنت بي من أجلهم نَحام
نحنُ الضَحايا : للشعوب فَقاره
ولكل ما يبني الشعوبَ قِوام
هذي القُبورُ قنابرٌ مَبثوثة
لمكابرٍ وحَفيرُها ألغام
ما كانَ جيلٌ تستقيمُ قناتُه
الا ومَوتٌ ، يستقيمُ ، زُوآم
فالثُكْلُ والعَيْشُ السَويُّ سَويةٌ
ودَمُ الضحايا والحياةُ تُؤام
يومَ الشهيد! ونعمتِ الأيامُ
لو تستِتمُّ أخوّةٌ ووِئام
لو يَرْعَوي المتنابذونَ وكلُّهم
بهمُومِهم ، وشُعورهم ، أرحام
ولو التَقى من بعدِ طُولِ تَفَرُّقٍ
الشَيخُ ، والقِسيّسُ ، والحَاخام
ولو اتفقنا كيف يهتِفُ هاتِفٌ
فينا ، وكَيفَ تُحرَرُ الأعلام!
وبمِن يقودُ الزاحفيينَ أخالدٌ
ومحمدٌ ، ام أحمدٌ وهِشام ؟
هي امةٌ خافَ الطُغاة شَذاتَها
فسعَوا بها ، فاذا بها أقسام
واذا بها والذلُ فوق رءوسها
قُبَبٌ له مَضروبةٌ وخِيام
يحتازُها والجوعُ ينهَشُ لحمَها !
باسم " الرغيف " معرَّةٌ وصِدام
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الشهيد قيس ...
الشهيد قيس ...
رقم القصيدة : 66888
-----------------------------------
يا قيسُ : يا لُطفَ الربيعِ
ووقدَ رَونقه الشَبُوبِ
يا قيس : يا همسَ الحبيب يذوب
في سَمع الحبيب
يا قيس : يا هَزَج الرُعاة يَشيعُ
في الحقل الخَصيب
يا قيس : يا شَجْوَ " الهزار "
يُهيبُ بالغصن الرطيب
يا قيس : يا حُلُمَ " العذاري "
يزدَحِمْنَ على " القَليب "
يا قيس : يا ذَوْبَ " الغَضارة "
قُطِّرت بأرَقِّ كُوب
يا قيس : يا لَحْنَ الحياة
ونغمةَ الأمَلِ الرَتيب
يا قيس : يا لمحَ السَنا
يا قيسُ : يا نفْحَ الطُيُوب
يا قيس : هل تَدري بما
خلَّفتَ بعدَك من نُدوب
وبما غَمَرْتَ البيتَ من
فَيْض الصَّبابة والوَجيب
وبما جَلَبْتَ لـ " ثاكلٍ "
حَرّى ومُحتَسِب حرَيب(60/7)
الوالدانِ - عليك يا قيسُ
المدلَّلُ - في لُغُوب
يتعلَّلانِ بلَمح وجهِكَ
في الشُروق وفي الغُروب
ويغالِطانِ النَومَ عنك
بطَيِفك المَرحِ الطَروب
ويراجعانِ تَلاوُماً
نفْسَيهما ، صُنعَ المُريب
يتبادلانِ أساهُما
شَكوى الغريبِ إلى الغريب
يا قيسُ أُمُّك لا تزالُ
تعيشُ بالأمَل الكَذوب
تهفو لقَرْع الباب في الجِيئات
منكَ وفي الذهوب
وتظَلُّ تسألُ مَخْدَعاً
لك عن هجوعِك والهُبوب
يا قيسُ : يا رمزَ الشهادةِ
عُطِّرت بدَمٍ خَضيب
كرَّمتَ بالكَفَن المخضَّب
منك والخدِّ التَريب
وطناً بمثلك من بنيه
يَستجيرُ من الخُطوب
ويرُد أنصبةً أليهم
ما حَبوه من نَصيب
بالمجدِ تَخلعُه الحُقوبُ
عليهِمُ تلوَ الحقوب
والغار تَضفِرُهُ لهمْ
رَيانَ من طَفَح القلوب
يا قيسُ : يا قيسُ الملوِّح
في شبابك بالحُروب
الشعب يثأرُ من " رُماتِك "
في بعيدٍ أو قريب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> دم الشهيد ...
دم الشهيد ...
رقم القصيدة : 66889
-----------------------------------
خُذوا من يَومكم لغدٍ متاعا
وسيروا في جهادِكمُ جِماعا
وكونوا في ادَّراء الخطب عنكم
يداً تَبني بها العَضُدُ الَّذراعا
ذروا خُلفاً على رأيٍ ورأيٍ
إلى ان يلقيَ الأمرُ القِناعا
وخلُّوا في قيادتكم حكيماً
يدبِّرُها هُجوماً او دِفاعا
رحيبً الصَدر ينهضُ بالرزايا
ويُحسنُ أن يُطيع وأن يُطاعا
حملتم ثِقْل جائرةٍ عسوفٍ
تميل بمن يحاولُها اضطِلاعا
ونادَيتم بذائعةٍ هَتوفٍ
نَمى خَبَرٌ بها لكُمُ وذاعا
تعلَّقَتِ العُيونُ بها احتفاءً
وأُتلِعَتِ الرقابُ لها اطلاعا
وأوجفتِ الشعوبُ على صداها
وقد عابَ العِيانُ بها السَماعا
تراهَنُ بينها عن كلِّ شَوط
بحلْبتكم ، وتُقتَرعُ اقتراعا
فقد وعَظَتْكُمُ سُودُ الليالي
ولم تعرفْ بما تعِظ الخِداعا
بأنَّ اشقَّ مطَّلَبٍ رأته
ضعيفٌ طالبٌ حقاً مُضاعا
فلا تكِلوا الأمورَ إلى قضاء
فما كانَ القضاءُ لكم رَضاعا
ولا تنسَوا بأن لكمْ عدوّاً(60/8)
طويلاً ، وفي ازدراع الخُلفِ ، باعا
يُلوِّي كلَّ يَوم من قناةٍ
ويَبتدِع الشِقاقَ بها ابتِداعا
وانكُمُ بكَعْب السَوطِ منكم
قَرَعْتُم " رأس " مَن سنَّ القِراعا
قَرَعَتُم رأسَ مختَبطٍ رؤوساً
مماكرةُ ، ومالكَها صُداعا
مسكتُمْ من خِناقةِ أفعُوانٍ
شديدِ البطش يأبى الإنصِراعا
تعاصى والدُنى من كل حَدْبٍ
تهزُّ الصُلْبَ منه والنُخاعا
فمُدّوا كفَّكَم هَوناً فهَوناً
وجُرّوا منه أنياباً شِناعا
وفكُّوا شِدْقَ مُؤتذِبٍ خبيث
وسُلُّوا حَقَّكم منه انتزِاعا
ولا تَنْسَوا بأنَّ له عبيداً
شَراهم بابتسامته وباعا
حَباهم شرَّ ما يُحبَى خَؤونٌ
يغذَّي من كرامته الطِماعا
وعوَّضَهم عن الشَرَفِ المُبَقَّى
حُطام المالِ يذهَبُ والضِياعا
احَلَّ لهم دماءكمُ مَخاضا
وبؤَّأهم " حقوقَكمُ " رباعا
وملَّكهم رقابَكم فآبٍ
تملَّكَها وذو خَورَ أطاعا
فسقُّوهُم بكأسهمُ دِهاقاً
ذِعافَ الهَون والذلِّ اجتراعا
وجُروّهم على حَسَك الخطايا
ورُدُّوا كَيْدَهم بالصاع صاعا
وزيدوا بالدم العَبِق اتشاحاً
وبالوحي الذي يوحي ادِّراعا
وكانوا في احتراشِهمُ ذئاباً
فكونوا في ضَراوتكمْ ضِباعا
شَبابَ اليَوم إن غداً مَشوقٌ
يَمُدُّ لكم ليَحضُنَكم ذِراعا
يُمدُّكُمُ بروح من خُطوبٍ !
تعوَّدَ انْ يمدَّ بها الصِراعا
وأنْ يعتاضَ عن جيل بجيلٍ
بها ، ويفضََّ بينهما النزاعا
رصاص البَغي يفجُرُكم ليجري
دمٌ يَزْكو به الوطنُ ازدِراعا
ويُخصِب من رياضِ حقلٌ
يُراح القادمونَ ! به انتِجاعا
و " سَوطُ " الفاجرينَ يُعيد لحناً
له تترنَّحُ الدنيا استِماعا
وقَعرُ السجن حيثُ مشتْ " فرنسا "
من " البستيل " ترتَفِعُ ارتفاعا
والوانٌ من " التعذيب"! تَهدي
سجلَّ " الثورة " الكبرى شُعاعا
واشباحٌ تُراوحكم قِباحٌ
تَروعُ حَصاتَكم ساعاً فساعا
هي الاشباحُ من عهد تَرامى
على عهد فترتجفُ ارتِياعا
شبابَ اليوم إنكمُ ثمارٌ
سيقطفُها الغدُ الآتي سِراعا
جَنى جيلٌ يعبِّئُ للرزايا(60/9)
مصايرَه وللذُل اقتناعا
على جيلٍ كأنَّ عليه مما
بَنَى البانون من وِزْرٍ قلاعا
بذَوب الفكر يفتتح القَضايا
ويختِمها بمهجته اندفاعا
دَمَ " الشهداء " لا تذهَبْ هباءً
ولا تجمُدْ بقارعةٍ ضَياعا
ولا تشكُ الظِماء فان فينا
دماءً سوفَ تشربُها تِباعا
ولا تَخَلِ الجفاءَ فلم تُغَيَّبْ
يدٌ تُرعى ، ولا ذمم تُراعى
فما كَدم " الشهيد " اذا تَنادى
كثيرٌ ناثِروهُ اذا تَداعى
وما تَهَب الصنائع للبَرايا
كما يَهَبُ " الشهيد " لها اصطِناعا
انَفقِدُكم ! ولا نَرعىَ حفاظاً
وتَرعَى البيتَ فاقدةٌ صُواعا
اذن! فالثَأر نَنشُده كِذاباً
وصوتُ الحق نسمعُه خِداعا
اذن! فسَيُوسِعُ التاريخُ رجماً
كِلَينا ، من " أطَلَّ " ومن أضاعا
ونحن - اذن - نَسومُ دماً زكيّاً
بعاجلةٍ شِراءً وابتِياعا
فالىُّ " زكاً " يُصان - اذن - ويُقْنَى
وايُّ شذاة طهرٍ لن تُباعا
ونحن - اذن - على الأشلاء نُزجي
رغائبَنا ! ونُسمنُها رِتاعا
فليتَ الحزنَ تُطبقُ فوق سالٍ
سحابتُه وتأبى الإِنقِشاعا
وليت الليلَ يغمرهُ دخاناً
وليت الصبحَ يُمطرُه التياعا
وليت مُنىً يُراودها فِجاراً
تُعاوِده لتنهَشَه ضِباعا
وليت ضميرَه يثب افتزاعا
من الذكرى وينتفِضُ التذاعا
وليت العارَ يبرحُ مستضيفاً
سريرتَه اصطيافا وارتِباعا
وليت امامَ عينيه احتراقاً
جَرىَ كالشمع حاضرهُ وماعا
وليت خيالَ ماضيه مَسيخاً !
يَلوح على ملامحِه انطِباعا
دمَ " الشهداء " انتَ اعزُّ مُلكاً
وقاعُك اشرفُ الدنيا بِقاعا
وانت الخُلدُ بالأنهار يَجري
وبالمِسك انتَشَى أرَجاً وضَاعا
دمَ الشهداء كنتَ النارَ شبَّتْ
على الباغين تندَلِعُ اندلاعا
تلُفُ طَغامَهمْ نِكساً فنِكساً
إلى يَومٍ تَلفُّهُمُ جِماعا
إلى يوم تُطيح بما أقاموا
وما اختَطُّوا فتَنسِفُهُ اقتِلاعا
دمَ " الشهداء " اهِدِ الجمعَ يُبصِرْ
طريقاً منك يزدَهِرُ التِماعا
أهبَّ له الحواضر والبوادي
وعرِّفْه المَشارفَ والتِلاعا
متى يَقْحَمْ قِطاعاً من شُرور(60/10)
فأقحِمْه بسَوْرتِه قِطاعا
وسدِّدْ من خُطاه اذا توانى
وجدِّدْ من قُواه اذا تََداعى
وكن ، إن لفَّه ليلٌ ، شُعاعاً
وان طال الطريق به ، متاعا
دفعتَ بما استطعتَ الضُرَّ عنه
فزده ما استطعتَ بك انتِفاعا
وزِدْه ما استطعتَ لك انصياعا
وعما يُغضِبُ الوطَنَ امتِناعا
وزِده في الخُطوب بك اعتِزازاً
وحَوْلَ شعارِك الألِقِ اجتماعا
وكنْ فيما اندفَعْتَ شِعارَ جيلٍ
حثيثِ الخطو يأبَى الإرتجاعا
وأعلِنْ بانفطامِك عن شَبابٍ
به يتعلَّلُ الشيخ ارتِضاعا
عن الشهوات في الحكمِ ازدجاراً
وعن حكم يُلاث بها ارتِداعا
دمَ " الشهداء " مهما اسطَعْتَ فادفَع
وحَسْبُ الحر جُهداً ما استطاعا
إلى الغَمَرات افئدة تَنَزَّى
من " الغَمرات " تَخْشَى الانخِلاعا
تُحبُّ الموتَ تغمرُه التحايا
وتأبَى ان تَطيرَ به شَعاعا
وتَخْشَى الخُلدَ ، مُفزعةً ، نفوساً
وتهواه ، مُكرِّمةً طُباعا
وما انفكت على رِجْلٍ وأخرى
تُخالفها نُكوصاً وانصِياعا
فأكرِهْها وقُل سيري بسَوطٍ
يُدَمِّي من أبَى سَيْراً وطاعا
بسَوْطٍ من جُلودٍ ملزماتٍ
بهَدْي الناس يقتَطِعُ اقتِطاعا
تَوَكَّلَ ان يسودَ الناس حكمٌ
يُساوي من أُجيعَ بمن أجاعا
ويُسقطُ من شِفاهِهُمُ سَواداً
ويمحُو من مَعاجِمهم رَعاعا
وقل سيري ولا تقفي انتِكاصاً
وانتَ فَسَلْ ولا تقفِ انقِطاعا
وقل سيري فما يَعْيَا دليلٌ
حَدا من قبلكم فَهَدَى وضاعا
وقل سيري اتباعَ أخي افتِداءٍ
مَشَت من خَلفه الأمم اتباعا
جلبتُ لها " السُمُوَّ " فأوسعتني
من النُّكران ما يصِمُ اتضاعا
وذُقْتُ الوحشةَ الكبرى فكانت
أنيسَ الناعمين بها اضطجاعا
وكنت لها انا المجهول علماً
وأخلاقاً وحكماً واشتِراعا
ومخترعٍ يتيه على كِبراً
ولو لم أجرِ لم يجدِ اختِراعا
وفذٍ " عبقريّ من نَتاجي
تَرَعْرَعَ " صيتُه " ونما وشاعا
تجاهَلَني وكنتُ له خيالاً
وأهملني وكنت له يَراعا
وآخرَ ذي فُتوحٍ أشجعيٍّ
سفحتُ له ليرتبيَ اليَفاعا
تناسى من له اقتادَ السرايا(60/11)
ومن كانَ الشَّجاعةَ والشُّجاعا
ويا اكفانَهم كوني لواءً
وسيعاً يحضُن الهِممَ الوِساعا
وسُدي ثُلمةً من كل خَرْقٍ
يَزيدُ الخَرقُ شقتَّه اتساعا
وزِيدِي في خضَمِّ المجد مَوْجاً
وكوني من سفائِنه شِراعا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ذكريات ...
ذكريات ...
رقم القصيدة : 66890
-----------------------------------
يا " ذكرياتُ " تَحَشَّدي فِرقا
تسَعُ الخيالَ وتملأُ الأُفُقا
وتأهَّبي زُمراً تجهزني
محضَ الأسى ، والذُّعرَ ، والقلقا
هُزِّي الرِّتاجَ عليَّ أُحكِمُه
وتقحَّمي البابَ الذي انغلقا
الليلُ صُبِّي في قرارتهِ
من وحشةٍ ما يفزَعُ الغَسَقا
والريحُ خلِّيها اذا صفِرَت
في البيت تُوسِعُ من به فَرقَا
خَلِّي الصغار من الأسى فَزَعاً
يتساءلون : من الذي طَرَقا
ودَعي الكِبار يرَوْنَ مدخنَةً
فيه ولا يجدون محترِقا
والنَوم من فَزَعِ " الرؤى " يبساً
رُدِّيه ، او بدمائها غَرِقا
ليعودَ مما " تنفُثين " به
مِسخاً فلا نَوماً ولا أرَقا
والصبحُ رُدِّيه لَمبْسِمه
شَرِقاً وبالعبرات مُختنِقاً
ثم اطلِعي من كلِّ زاوية
ذاك الجبينَ ووجهَه الطَلِقا
حتى إذا انتصف الأصيل به
فتكوّري في صُلبه شَفَقا
ثم اسكُبي نَضْحَ الدماء به
ثم ابعَثي من نَشْرها عَبِقا
وتمزّقي قِطَعاً مضرّجةً
تمتصُّ من نَضَحاتِه عَلَقا
فكأن فيها الصُلْبَ منغلقاً
بجراحه ، والصدرَ منخرقا
يا ذكريات تجسَّدي بَدَناً
غضَّ الصِّبَا ، وتعطَّري خُلُقا
عُريانَ : لا خَتَلا ، ولا وَغَراً
ضَحْيانَ : لا صَلَفاً ، ولا مَلَقا
لم تتركي من كلِّ شاردةٍ
نَمَطاً ، ولا من نأمةٍ نَسَقا
ثم ابدَهيني كلَّ آونةٍ
منها بما يستامُني رَهَقا
يا ذكرياتٌ كلُّها حُرقٌ
تَطَأ الفُؤادَ ، وتلهبُ الحَدَقا
من لي بشِعرٍ خالقٍ شجناً
للناس يُعجزهم بما خَلَقا
هي صُورة حمراءُ من شَجني
تُدمي اليَراع وتُرعب الوَرَقا
ليَرىَ الذين تجاهَلوا برَمَاً
أسيانَ : كيفُ يُكابد الحُرَقا(60/12)
من لي باطيافٍ تُراوحني
بالهمِّ مُصطبَحاً ومُغتبَقا
متسلسلات كلما وَجَدَتْ
فيها فراغاً ، أفَرغَتْ حَلقا
مستجمعات كلَّ خاطرةٍ
ما جدَّ من عهدٍ وما خَلِقا
ما كان مثلَ القبر مُختفياً
تُبديه مثلَ النجم مُنبثِقا
فَرِحاً ومكتئباً ومختلِطاً
بهما ، ومُتَّحداً ، ومفترِقا
من لي بها وكأنَّها بشرٌ
عن نفسه يَروي اذا نطَقا
من لي باشباحٍ أنوءُ بها
رَسْفَ السجين بقيَدِه عَلِقا
حتى اذا انصَرَمَت بدا شَبَحٌ
حُلوٌ يكادُ يُطيرني نَزَقا
طوراً نَروح معاً على ظَمَاً
منها ، وطوراً نستَقي غَدَقا
يوماً بقَعر البيت يُوغرنا
حَنَقاً ، قضاءٌ مُوغِر حَنِقا
وهُنيهة نرتاد مُرتفِعاً
من هَضْب " لبنانٍ " ومُنْزَلِقا
من لي بها تَعتادُ قارئها
فَرَقاً ، كما تَعتادني فَرَقا
وتردُّ - مثلي - عيشَه رَنِقاً
وتَسُدُّ - مثلي - حَولَه الطُرقا
من لي بشِعرٍ خالقٍ حُرَقاً
تطأ الفؤادَ وتُلهِبُ الحَدَقا
ليريُهم القلبينِ قد لَصِقا
صِنويَن ، كيف اذا هُما افتَرَقا
واذا هما - والموت بينهما -
مدّا من الجْيدينِ فاعتَنَقا
وتساءَلا : ما ضرَّ لو سلكا
كَفَناً معاً ، وبحبله عَلِقا
حتى اذا استبقى احرُّهما
رَمَقاً ، واسلَمَ خِدنُهُ رَمَقا
وحثا التُرابَ بوجهه قَدَرٌ
عبّا لكل مُفارق طَبَقا
وانداحَتِ الدنيا بناظرِه
حتى لظَنَّ رحابَها نَفَقا
ومضى حسابُّهما برُمَّته
ما انفكَّ من دَين وما انغَلَقا
صَفَقَ اليدين كأنَّ مرتجِعاً
يرجُو لصاحِبه بما صَفَقا
وكأنما يُعطي الشقيقَ دماً
ان الشقيقَ بدمعه شَرِقا
وكأنما انشقَّ الضريحُ له
بـ " رعى السحابُ ضريحَه وسَقَى "
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> غضبة !...
غضبة !...
رقم القصيدة : 66891
-----------------------------------
عَرَتِ الخطوبُ وكيف لاتعرو
فصَبَرتَ أنتَ ودِرعُكَ الصبرُ
وصَبرتَ أنتَ وأنت ذو ثقةٍ
أن لو تشاءُ لزُحزِحَ الأمر
لانجاب عُسْرٌ من فرائسه
صِيدُ الرجال ولا رتَمى اليسر(60/13)
ولَدَرَّ ضَرْعٌ رُحتَ تحلِبُه
إنْ كان أعوَزَ غيرَكَ الدَرُّ
عَرتِ الخطوب فما خَفَضْتَ لها
من جانحٍ وكذلك النَسْر
ومَضيْت تلتهبُ السما صُعُداً
لك عند غُرِّ نُجومها وَكر
وعلى جَناحَيْك ارتَمتْ كِسَراً
مثلَّ الضَّباب عواصفٌ صِرُّ
فتجاوَزَتْكَ وراح نَهبتَها
نَخْبُ الفؤادِ وخامِلٌ غَمْر
النَفْعُ رِخوٌ لِستَ صاحِبَه
وأخوكَ هذا الشامِخُ الضُر
أجررتَ والدنيا فما سَطَرتْ
الا وعندك فوقَها سَطر
ومضيتُما كلٌ بوطأته
فَرَسَيْ رهانٍ أنت والدهر
عرت الخطوب وكيف لا تعرو
وطريقُ مثلِكَ ، صامداً ، وعَر
عَدَتِ الضِّباعُ عليك عاويةً
طناً بأنك مأكلٌ جَزْر
فتذوَّقَتْك فقال قائلُها
انَ الغَضَنفَر لحمُه مُرّ
وخَلَصت حُرَّ الوَجه ذا ألَقٍ
ووجُوهُهُم مطموسةٌّ عفْر
حَسَدوكَ أنَّكَ دُسْتَ هامَهُمُ
مُتجبَّراً ولنَعْلِكَ الفَخْر
وحَقَرْتَهم فقُلوبُهْم وَغْرُ
من ضِغنةٍ وعيونُهم خُزْر
لا أمرَ عندهَمُ فهمُ هَمَلٌ
غُفْلٌ وكل حياتِهم خَمْر
وزعيمُ قومٍ كالغُراب به
صِغَرٌ وفي خُطُواتِه كِبْر
يغتَرُّ فيما لا يُشرِّفُه
جَهِلَ المُغَفَّل كيفَ يَغْتَّرّ
يغتَرُّ أنْ ألقَوا بمعدتِه
عَفْنَ الطعام فراحَ يجتَّر
بادي الغَباء تكادُ تقرؤه
بالظنِّ لا خَبرٌ ولا خُبْر
أضحى وزيراً فاغتدَى رَهِقاً
مثل الحمار يؤودُه الوِزْر
لله أنتَ مطيةٌ عَرِيَتْ
منها الشَوَى وتأكَّلَ الظَهر
ودريئةٍ يرمي الأبيَّ بها
وغدٌ ، ويُصمي البّرَةَ الفُجر
والتفَّ عن أطرافه هََمَجٌ
مثل النَّعام يسودُها الذُعر
وتحلَّبوه ففي اكُفِّهم
شَطرٌ وفي أفواهِهم شَطْر
من فاجرينَ بكل قارعةٍ
حلّوا تحدَّث عنهم العُهْر
ومُفَرِّقين مذاهباً جُمِعَت
وحَنَا عليها الآيُ والذِكر
مثل اللُّصوصِ يلُمُّ شَمْلَهُمُ
خَيْطُ الدُجى ويَحُلُّه الفجر
يا عبدَ سوء في مزاعِمِهِ
يشتطُّ حيثُ تحرَّرَ الفِكر
قبليَّةٌ والكونُ وحَدَّه
فكر وخطَّ مصيرهُ ذَرُّ ؟!
أفأنتَ كونٌ يُستَظلُّ به(60/14)
أمْ أنت يا ابنَ جهالةٍ عَصْر
قل " للصحيفةِ " انتَ قائدُها
سَفَهاً وأنتَ زعيمُها الحرُّ
إني - ولي في المجد مُتَّسَعٌ -
عَفٌّ عن استغلالِة برُّ
لم ادَّخر منه سوَى نَشَب
هو للبلاد وأهلها ذُخْر
غَنِيت به الأجيالُ طاعمةً
منها السمينَ ، وعَضَّني الفقر
لا أستَغِلُّ فأنتَ لي عظةٌ
فيما أتيتَ ، وأنتَ لي زجْر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يا ثمر العار!..
يا ثمر العار!..
رقم القصيدة : 66892
-----------------------------------
أي جَرَبا تجرَّبي تكتَّلي تحزَّبي
كإبرة البحار في عاصفةٍ تَذبْذبي
وكالطُيورِ في السماءِ حُرَةً تَقَلَّبي
أي جَرَبا ويحَكِ ما أصَلفَ وجهَكِ الغبي
اكلَّ يومٍ تطلُعين للوَرى بكَوكب
مذنَّبٍ من فَضْل ما أُعطِتِه من ذَنَب
فتارةً بمشِرقٍ وتارةً بمغرب
أيْ جَرَبا في كلِّ يَوم حُلةً تَجَلْببَي
أيْ جرَبا كم تَدَّعينَ عفةً لم تُوهَبي
اذ أنت للفَجْرة تمتطين شرَّ مركب
أيْ جَرَبا يا " بَهْلوانَ " الملعَب المجرَّبِ
يا ضُحكةً جاد بها الدهرُ على مكتئِب
يا فرُجةً لمُعدِمين : فرجةً عن كَثِب
يا حَكَّةً من جَرَبٍ في دُمَّلٍ مُلتَهِب
يا ثمَرَ العارِ ويا جريمةَ التَسيُّب
يا " هِرةً " تُريد ان تَحكي دهاءَ ثَعلَب
يا أُمةً مغلوبةً لأجذمٍ مُغَلَّب
يا بُومةً خائفةً من خائِفٍ مُرتَقِب
من سارِقٍ متَّهمٍ وخائنٍ مرتكِب !
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> فلسطين والاندلس .
فلسطين والاندلس .
رقم القصيدة : 66893
-----------------------------------
ناشدتُ جندكَ جندَ الشعبِ والحرسا
أن لا تَعودَ فلسطينٌ كأندلُسا
ناشدْتُك الله أن تسقي الدماءُ غداً
غَرْساً لجَدِك في أرجائِها غُرسا
تلمسِ الجذفَ الزاكي تجدْ لَهثاً
من الشَّكاةِ وتسمعْ للصدى نَفَسا
ناشدْتُك اللهَ والظلماءُ مطبقةٌ
على فلسطينَ أن تُهدي لها قَبَسا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> فلسطين...
فلسطين...(60/15)
رقم القصيدة : 66894
-----------------------------------
دَلالاً في مَياديِنِ الجِهادِ
وتيهاً بالجِراحِ وبالضِّمادِ
ورَشْفاً بالثغورِ من المَواضي
وأخذاً بالعِناق من الجِهاد
وَعبّاً مِن نميرِ الخُلد يَجري
لِمُنْزَفَةٍ دِماؤُهم صَوادي
وَتَوطيناً على جَمرِ المنايا
وإخلاداً إلى حَرِّ الجِلاد
وَإقداماً وإنْ سَرَتِ السَواري
بما يُشجي وإن غدتِ الغوادي
وبذلاً للنفيِس مِن الضحايا
فَأنْفَسُ منهم شَرفُ البلاد
حُماةَ الدارِ مسَّ الدارَ ضُرٌّ
ونادى بافتقادكُمُ المُنادي
أرادَتْكُمْ لِتكفوها فُلُوْلاً
مُعرِّزةٍ كأرتالِ الجَراد
وشاءتْكُمْ لتنهطِلوا عليها
هُطولَ الغيثِ في سَنةٍ جَماد
وطافَ عليكُمُ حُلُم العَذَارَى
مُروَّعةً كُحِلْنَ مِن السُهاد
يَشُوْقُ الذائدينَ على المَنايا
نداءُ العاجزاتِ عنِ الذياد
تطَلعَتِ العيونُ إلى خُيولٍ
مُحجَّلةٍ مُنشَّرَةِ الهوادي
خبَرْنَ رَحَى الوغَى فعن اعتِسافٍ
يَدُرنَ مدارَها وعنِ اعتماد
إذا الرِجّلانِ مسَّهما لُغوبٌ
شأتْ بهما اليدانِ عن ارتِداد
عليها كلُّ أُغلَبَ أرقميٍ
يَبيسِ العَينِ ريّانِ الفؤاد
زَوَتْ ما بين جَفْنَيْهِ هُمومٌ
نَفَتْ عن عينهِ دَرَنَ الرُقاد
وشدَّتْ خافِقَيهِ فلن يَرِّفا
إذا التقيا على الكُرَبِ الشِّداد
وكلُ مُسَعَّرِ الجَمراتِ يُكسَى
من الغَبَراتِ ثوباً من رماد
تَمرَّسَ بالحُتوف فلا يُبالى
أحادَتْ عنهُ أم عَدَتِ العوادي
ويا جُثَثاً يَفوحُ المجدُ مِنها
فتَعَبقُ في الجبالِ وفي الوِهاد
سَقَتْكِ الصائباتُ مِن التَّحايا
مُعطَّرَةً فما صَوبُ العِهاد
أعزُّ الناسِ في أغلى مماتٍ
وَخيرُ الزرعِ في خيرِ الحَصِاد
ويا مُتَقربين إلى المنايا
يَشُقُّ عليِهمُ وطءُ البِعاد
رأيتُ الجودَ ملهاةً يُجازَى
بها اللاهي بحَمْدٍ مُستفاد
ومُتَّجَراً يدُرُّ المجدَ ربحاً
لكُل مُسلِّفٍ بِيضَ الأيادي
يُؤدِّي الناسُ ما وَهَبَتَْ كِرامٌ
وتدفَعُهُ المحافِلُ والنّوادي(60/16)
ولكِنْ ثَمَّ للبلوى مِحَكٌّ
تَميزُ به البخيلَ مِنَ الجواد
هُنالِكَ إذ يَشُقُّ على المفدَّى
فَكاكُ إسارِهِ منْ كفِّ فادي
تفيضُ النفسُ لا تدري جزاءً
- ولا تبغي - إلى يوم المعاد
ولا يَختَالُ - صاحبُها ازْدِهاءً
بما أسدى - على هامِ العباد
وروحٍ من " صلاح الدّينِ " هَبَّتْ
من الأجداثِ مُقلَقَةَ الوِساد
تَسَاءَلُ هل أتَتْ دوَلٌ ثمانٍ
ضِخامٌ ما أتاه على انفراد
وما أضفى الحديثُ على قديمٍ
وما ألقى الطَريفُ على تلاد؟
وما عِند الدُهاة منِ انْتقامٍ
ومن أخْذٍ بثأرٍ مُستقاد؟
وهل ضاقوا وهمْ كُثْرٌ ذِراعاً
بداهيةٍ نهضتُ بها دَآد
مَشَيْتُ بطبِّها عَجِلاً فطابت
عواقُبها ، وساروا باتِئاد
بلى كانوا ومَنْ عادَوْا تبيعاً
وكنتُ المستقِلَّ ومَن أُعادي
ومعتدّاً وما تُجدي حياةٌ
إذا خلتِ النفوسُ مِن اعتِداد
حَماةَ الدّارِ لم تَتْركْ لشعري
فِلَسْطينٌ سوى كَلِمٍ مُعاد
بَكَيْتُ مصابَها يَفَعاً ووافَتْ
نِهايَتهُا وخَمْسونٌ عدادي
قَدَحْتُ لها رَويَّاً من زِنادِي
وصُغْت لها رَّوِيَّا من فؤادي
وألقَيْتُ الظِِلالَ على القوافي
عليها يصْطَفقْنَ مِنِ ارتعاد
وهل عندي سوى قلبٍ مريرٍ
أُذَوِّبُهُ بكأسٍ مِن سُهاد
حماةَ الدارِ إنّي لا أُماري
وإن قلتُ الجديدَ ولا أُصادي
وليس تملُّقُ الجُمْهورِ مني
ولا التَّضْليلُ من شيمي ونادي
حماةَ الدارِ من عشرينَ عاماً
تقضَّتْ فاتَنا يومُ التَّنادي
دعانا وعدُ بلفورٍ وثنّى
وثلّثَ صائحُ البلدِ المُذاد
ونادتْنا بألسِنَةٍ حِدادٍ
دِماءٌ في قرارةِ كلِّ وادي
ومَوجاتٌ من الكُرَبِ الشدادِ
تراوَحُ بانتقاصٍ وازدياد
فكنّا نسْتَنِيمُ إلى قُلوبٍ
قَدَدْناها من الصُّمَ الصِلاد
وكنّا نستجير إلى زعيمٍ
كلِيلِ السيفِ لمّاع النِّجاد
كَذوبِ الدَّمع يسمَنُ في الرَّزايا
ويَدْعَرُ وهو يَرْفُلُ في الحِداد
وكنا نمتطي مُهْرَ الطِراد
فِلَسْطيناً إلى يومِ اصطياد
وكانَتْ دَلْوَ نّهازين مدّوا(60/17)
بها واستنفدوا ملء المزاد
وَعَدْناها بثأرٍ مستقادِ
ومجدٍ قد أضَعنا مُسْتَعاد
بتصريحٍ وصاحبِه مفادِ
وتصريحٍ يَظَلُّ بلا مفاد
ومؤتمرٍ تعجَّلَ عاقدوه
ومؤتمرٍ سيؤذِنُ بانعقاد
حماةَ الدارِ ما النَّكساتُ سِرٌّ
ولا شيءٌ تَلفَّفَ في بِجَاد
ولا لُغْزٌ يَحارُ المرءُ فِيهِ
فَيَجهلُ ما سُداسٌ مِنْ أُحَاد
ولكِن مِثلَما وَضَحتْ ذُكاءٌ
ونَوَّرَ حاضِرٌ منها وبادي
فما ذَهبَتْ فِلَسطينٌ بسحر
ولا كُتِبَ الفناءُ بلا مِداد
ولا طاحَ البِناءُ بلا انحرافٍ
ولا بَنَتِ اليهودُ بلا عِماد
وما كنتْ فِلَسْطينٌ لِتَبقى
وجيرتُها يُصاحُ بها بَداد
وسِتُّ جِهاتِها أخذت بجوعٍ
وجهلٍ ، واحتقارٍ ، واضطهاد
شعوبٌ تستَرقُّ فما يُبَقّي
على أثرٍ لها ذُلُّ الصِّفاد
تُساطُ بها المواهِبُ والمزايا
وتُحتَجزُ العقائدُ والمبادي
وتَطْلُعُ بينَ آونةٍ وأُخرى
" بحجَّاج " يُزَيَّفُ أو " زياد "
فَيُذوي الخَوفُ منها كُلَّ خافٍ
ويُصمي الجَوْرُ منها كلَّ بادي
وتُنتَهَبُ البلادُ ومِنْ بَنيها
يَؤوبُ الناهبون إلى سِناد
وتَنطلِقُ المطامعُ كاشراتٍ
تُهدِّدُ ما تُلاقي بازدراد
وتَنطبِقُ السُّجونُ مُزمجراتٍ
على شبَهٍ ، وظَنٍّ ، واجتهاد
حُماةَ الدارِ ، ما ميدانُ حَربٍ
بأعنفَ من مَيادينِ اعتقاد
فَمثلُكُمُ من الأرواح جسمٌّ
تُقاسي الموتَ من عَنَتِ الجهاد
وأخلاقٌ تضيق بِمُغْرياتٍ
شدادٍ في خُصومَتها لِداد
تَكادُ تَطيحُ بالعَزماتِ لولا
رُجولَةُ قادرينَ على العِناد
رُجولةُ صائمينَ ولو أرادوا
لكانوا الطاعمينَ بأيّ زاد
ومَعركةٍ يَظَلُّ الحقُّ فيها
يُسالِمُ أو يُهادِنُ أو يُبادي
وميدانٍ وليس لنازليهِ
سوى الصَّبرِ المثلَّم من عَتاد
وكانتْ في السُّطوحِ مَزعزَعاتٍ
خُطوطٌ يرْتَسِمْنَ منَ الفَساد
فها هي فرطَ ما جَنَتِ الجواني
إلى عُمقٍ تَغَّورُ وامتداد
لقَد شبَّتْ عنِ الطَّوقِ المخازي
وكانَتْ بنتَ عامٍ في مِهاد
حُماةَ الدارِ ، لولا سُمُّ غاوِ(60/18)
أساغَ شَرابَه فَرطُ التمادي
وَلَوْغٌ في دم الخِلِّ المُصافي
فقل ما شِئتَ في الجنِفِ المُعادي
ولبَّاسٌ على خَتَلٍ وغَدْرٍ
ثيابَ الواقفينَ على الحِياد
وَخِبٌ لا يُريكَ متى يُواتي
فتأمنَ سرَّهُ ومتى يُصادي
تَطلّعُ اذ تَطلّعُ في رَخِيٍّ
وتَقرَعُ حين تَقرعُ في جَماد
ولولا نازلونَ على هواه
سُكارَى في المحبّةِ والوداد!
نَسُوْا - إلا نفوسَهُمُ - وهامُوا
غراماً حيثُ هامَ بكلِّ واد
أجرّهُمُ على ذَهبٍ ، فَجرّوا
فِلسطيناً على شوكِ القَتاد
وقادُوها له كَبْشَ افتداءٍ
صنيعَ الهاربينَ منَ التّفادي
لكنتم طِبَّ عِلَتِها ، وكانت
بكم تُحدَى على يدِ خيرِ حادي
حُماةَ الدارِ لم تَزَلِ اللّيالي
يُطوِّحُ رائحٌ منها بغادي
ولا تَنفكُّ داجيةٌ بأخرى
تَعثَّرُ لم يُنِرهْا هَدْيُ هادي
ولا تألو الضلالَةُ وهي سِقطٌ
تُكابرُ أنّها أمُّ الرَّشاد
حماةَ الدار كلُّ مَسِيلِ ظُلمٍ
وإن طالَ المدى فإلى نَفاد
وكلُ مُحتَشَّدٍ فإلى انِفِضاضٍ
وكلُ مُفرَّقٍ فإلى احتشاد
فصبراً ينكشِفُ ليلٌ عميٌ
وينَحسرِ البياضُ عن السواد
وتَتَضِحِ النفوسُ عن الخبايا
ويُفصِحُ مَنْ يُريدُ عن المراد
وتَندفِعِ الشعوبُ إلى محجٍّ
مُبينِ الرُشدِ موثوقِ السَّداد
وتُؤذنْ جذوةٌ إلى انْطِفاءٍ
يَؤولَ مآلُها أم لاتّقاد
ومهما كانتِ العُقبى فَلستُمْ
بمسؤولينَ عن غيبٍ مُراد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أطِل مكثاً ..
أطِل مكثاً ..
رقم القصيدة : 66895
-----------------------------------
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوُقوفُ
وأنْ يَعتَجَّل الزمنُ الرَّسيفُ
وأنْ ينجابَ عنكَ غُبارُ بُؤسٍ
يَضيقُ به مُحيَّاك الأسيف
أقِمْ كتِفَيْكَ لا يُثْقِلْكَ ذُلْ
ولا يشمَتْ بكَ القَصْرُ المُنيف
ولا يَقُلِ السَّريُّ هنا شقيٌّ
يَضيقُ بذُلِّ وَقْفَته الوصيف
تقدَّمْ إنَّ خلفَكَ راسفاتٍ
جماهيراً يضِجُّ بها الرَّصيف
صُفوفاً للسُجونِ بها تُعَبَّا(60/19)
إذا أزِفَتْ ، وتنتَظِمُ الصُفوف
وأجنِحةً وإن طُويَتْ ففيها
على الأجيالِ ، قادِمةً ، رفيف
أطِلْ مُكثاً فانَّكَ عن قريبٍ
ستَنْقُّصُ في الضَّحايا أو تُضيف
وطُفْ دَهْراً فقد كرَّتْ دهورٌ
على الدُّنيا ، وأحرارٌ تطوف
ولم يَبْرَحْ بحيثُ نزلتَ ضيفاً
يُنيخُ الرَّحْلَ حُرٌّ مستضيف
هُنا الرأيُ العنيدُ أقامَ سَدّاً
عليه البغيُ - والفِكرُ الحصيف
ولا تخجَلْ فحيثُ وقفتَ ظلَّتْ
إلى غاياتِها تقفُ الأُلوف
ومِنْ حيثُ احتُجزِتَ مشى طليقاً
يَهُّزُّ الكونَ جبارٌ عَصوف
وأولاْءِ الذينَ لهمْ وجوهٌ
تُحَبِّبُ ، أو تُعَطِّفُ ، أو تخيف
وأجفانٌ ترِفُّ على عُيونٍ
تغورُ كما تَغوَّرَتِ الكهوف
وأسمالٌ لهمْ منها فِراشٌ
يُلَمُّ بها الثَّرى ولَهُمْ شُفوف
همُ المتقّحِمون الدَّهْرَ بأساً
به مِن وقعِ أرجُلِهمْ وجيف
فلا يُخذَلْ بمظهرِكَ الأليفُ
ولا يَطْمَعْ بِرُفقتكَ " العريف "
أطِلْ مكثاً فسوفَ يُزاحُ ليلٌ
تَلُفّكَ منه والدُّنيا سُجوف
ومِنْ هذي الكُوى سيُطِلُّ فجرٌ
ضَحوكٌ يملأ الدُّنيا كَشوف
ولم تَزَلِ الدُّنى من ألفِ ألفٍ
يُصرِّفُ من أعنَّتها " الرَّغيف "
تمرَّغَتِ الخدودُ مُصَعَّراتٍ
به ، واستُرْغِمتْ منها الأنوف
وظلَّ ابنُ " المطاحِنِ " مشمَخِراً
عليه الهامُ من فَزعٍ عُكوف
يدورُ الفِكرُ جباراً عنيداً
بحيثُ يدورُ والقلَمُ الرَّهيف
يُقِضُّ مضاجعَ الباغينَ منه
لكلِّ منامةٍ طيفٌ يطوف
وأني عرَّسوا أسرى إليهم
يُطيلُ عذابَهمْ وجهٌ مُخيف
تَخافُ شُذاةَ غَضبَتهِ أُلوفٌ
وتستجدي مودَّتهُ ألوف
وتُستاقَ الجيوشُ مُسَخَّراتٍ
لها من خوفِ زحفتهِ زُحوف
وكم جرَتِ الدّماءُ ، لها هَديرٌ
على حبَّاتِه وبها نزيف
وكم ألوى بها هذا النَّحيفُ
وهذا المستبِدُّ بنا العنيف
سَلِ التأريخَ كم زخَرَتْ شُجونٌ
بدفَّته وكمْ شُحِنَتْ حُتوف
وكم غادى ربيعَ الفكرِ فيه
من النَّزَّعاتِ عابرةً خريف
وكمْ ألقى على حيٍّ نزيلٍ
غُبارَ كِفاحهِ حيُّ خَلوف(60/20)
وهلْ بالرَّغْمِ من هذا وهذا
تأبَّتْ منه ، دانيةً ، قُطوف
وهلْ دهرٌ أتى لمْ يَسْرِ فيه
يفيء ظِلالَهُ فِكرٌ وَريف
ولمْ تسحَبْ به الخطَرات ذيلاً
له في مسمعِ الدُّنيا حَفيف
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تُوقّي
به كفَّيكَ ، أو تُلوى كُفوف
ودَعْ رُسْغَيهِما للقَيدِ نَهباً
لِنابَيه بلحمهِما صَريف
فمِنْ تأريخِكَ الألِقِ المدَّمى
تَبينُ بهذه النُقَطِ الحُروف
ومُلْكُ الدَّهرِ أنتَ بما توفّي
من الألمِ الذبيحِ وما تُعيف
ولَسْتَ مُخَّيراً في زمهريرٍ
تُشَتَي ، أو بجاحمةٍ تَصيف
ولا في أنْ يِمِسَّ ذويكَ ضُرٌّ
يَحيقُ بهمْ ومَظْلَمةٌ تَحيف
ولا آيِّ المصايرِ يحتويهمْ
وأيِّ نوىً تعاوَرهُمْ قَذوف
ولا أيِّ الجنينِ تُدِرُّ أمٌّ
رَءومٌ في مراضِعها رَءوف
ولا أيِّ الأكُفِّ بها تهاوى
ولا أيِّ السُمومِ لها تَديف
أطِل مكثاً فلمْ يَبْرَحْ أنيقٌ
رَشيقٌ في تأطّرهِ ظريف
يَتيهُ بحيثُ تَلتحِمُ الرَّزايا
عليكَ ، بحيثُ تَلْتَحِمُ السُقوف
مَشى فتعجَّبَ " الطاووسُ " منه
فقد ألوى بِمشيتهِ الزَّفيف
كأنْ لم تَضوِ إخوتَهُ سِياطٌ
ولمْ تَتحَدَّ أهلَهمُ الصُروف
بلى : وكأنَّ بُؤْسَهُمُ تليداً
له ولأهلهِ مَجْدٌ طَريف
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تَلاقى
عليكَ بساحةِ الألمِ الصُفوف
أطِلْ مكثاً : وفاخِرْ أنْ خصماً
عَسوفاً خَصْمُهُ بغيٌ عسوف
ونَصِّبْ مِنْ جبينكَ فاللَّيالي
تُحاولُ ان تُخَوِّفَ مَنْ يُخيف
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوقوفُ
ومهما طالَ فالدُّنيا ظُروف
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> باريس...
باريس...
رقم القصيدة : 66896
-----------------------------------
تعاليتِ " باريسُ " ..أمَّ النضالْ
وأمَ الجمال.. وأمَّ النغم
تَذوَّبَ فوقَ الشِفاهِ الألَم
وسال الفؤادُ .. على كلِّ فم
تَضيعُ الحرارةُ بينَ الوصالْ
وبين التّنائي وبين الملال
كأنّكِ شمسُك بينَ الجبال
تغازلُ حين .. تلوحُ القِمَمْ
وتبدو الغيومُ لها .. من أمَم(60/21)
فَتخفى كما يتخفّى النَّدَم
تعاليتِ " باريسُ " .. كم تلعبينْ
وكمْ تُلهِمينَ .. وتَستلهِمين
وكمْ تُؤثرين .. وتستأثرين
تعاليتِ " باريسُ " .. كم تشتهين
تَصيحُ من الجوعِ منكِ العُيونْ
وتُطوَى على الحبِّ خُمصُ البُطون
وتَنسَيْنَ ما كان أو ما يكون
بما أنت في لُجِّهِ من فُتون
تعاليتِ " باريسُ " إنّ الجنون
جُنونَ العواطفِ ما تَصْنَعين
تعاليت ِ " باريسُ " .. إن السنينْ
بما تَعْلَمينَ .. وما تَجْهَلين
وما تستلذّينَ إذ تحلُمين
بوَقْع الشَّكاةِ .. ورَجعِ الأنين
ونثرِ الزُّهورِ على الفاتحين
وثلِّ العُروشِ .. وضَرْبِ الوتين
وما سنَّ " روسو " .. و " لامارتَين "
أناختْ طويلاً على عاتقَيْكِ
وألقتْ بريقاً على ناظريك
وهَدْهَدَتِ الموجَ من ناهديك
تعاليتِ " باريسُ " .. في وجنتيك
يلوحُ جميلاً .. دمُ الثائرين
جلَتْ منك " باريسُ " كفُّ الدهورْ
فُتوناً مُضَمَّخَةً بالعُطور
ودنيا تَفور .. بنارٍ ونور
بما يُتَّقى ويُرَجَّى تَمور
صراعٌ مريرٌ فُوَيْقَ الثُّغور
لنَوحِ الأسى .. وابتهالِ الحُبور
تَكادُ جِراحاتُكِ المُثخنَه
تُصفَّق منها .. كؤوسُ المُدامْ
ويبدو على حَجَرِ المدخَنَة
مواعيدُ حُبٍ .. وشكوى غَرام
تُخال نجاواكِ خلفَ السُّتورْ
لفرطِ الجوى .. قِصةً في سُطور
ويُوشِكُ ما اخْتَزَنَتْهُ .. الصُّدور
يرِفُّ على .. " لافتاتِ المرور "
تَكادُ الأحاسيسُ فوقَ الوجوهْ
تُشيعُ الهوى .. والرُّؤَى .. والمنى
وتُوشك مكبوتةً .. أن تَفوه
تَحِلُّ الذي يَعقِدُ .. ألألْسُنا
كأن طُيوفَ الخطايا .. تتوه
مُدىً .. ثم تحتضِنُ الأعينا
كأنكِ " باريسُ " كلُّ الدُّنا
بكلّ " الغموض" .. بكل السّنا
على كلِّ خَصْرٍ تلاقت يدانْ
ألانا مُثَقَّفَهُ فاستلان
وكل فمٍ حَشْوُه وردتان
هما الشفتانِ .. هما الجَمْرتان
أراقَ الزمانُ دماءَ الشباب
لِيَرْويهِما وهما يَلْهَثان
تَمَسّح خدٌّ بخدٍّ يلوبْ
من الحب في وجنتيهِ نُدوب
ولاح كما لاح فوقَ السُّهوب(60/22)
رؤَى شفقٍ في الوجوه الشحوب
كأنّي رأيت فؤاداً يذوب
على مثلِه بدمٍ يَقْطُرُ
وأمواجَ عاطفةٍ تزخر
بصدرَيْن كالبحرِ مستسلمَيْن
لِكَيْفَ تُريدُ رياحٌ ؟ وأيْن ؟
تعاليتِ " باريسُ " مِنْ فاتنهْ
يُدَغْدِغُ فيها النعيمُ العذابْ
يُزيح بأجوائِها الداكنه
شفيفُ السنا .. مِزقاً من سَحاب
تعاليتِ " باريسُ " مِنْ ماجنه!!
وما في مُجانتها ما يُعابْ
سوى أنّها في .. كؤوسِ الشراب
وجمرِ الشفاه .. وبردِ الرُّضاب
ترى كاذبَ العمرِ مثل الحبَاب
يخادع آونةً .. آونه
ويَنْسَلُّ كالعُهْر تحتَ الثياب
إلى الآنَ " باريسُ " .. في مسمعي
صدى مَرَحِ " العابثاتِ " الحسانْ
ولمحُ العُيونِ لها الشرَّعِ
وزحف الصحافِ .. وعزف " الكمان "
ومقهى تكوّرَ كالبُّعْبُع
تَماوَجُ جُدرانُه .. بالدُّخان
ومعتركٌ .. ببذيءِ الشجار
تصارخَ .. ثُمَّ انتهى بالحِوار
كما اسّاقطتْ بالحصاةِ الثِمار
وعاد " الشجار " .. لنجوى سرار
وَقَرَّ دمٌّ فار كالموقدِ
بمسح الشفاه .. وعصرِ اليد
ومات الذي خِيلَ .. لم يُولَد
وغودر " أمسِ " .. لمثوى غد
وفاحت عطورٌ .. من المضجعِ
تنَزّى لها قفَصُ الأضْلُع
ودبَّ الضِرامُ .. على الأذْرع
فراحت تَشابكُ ناراً بنارْ
وأزَّ الوقيدُ .. وسار القِطار
سجا الليلُ " باريسُ " سجوَ الحمام
تدلَّى " الجناحان " منهُ فنام
ولاحت كُوىً .. من خِلالِ الظّلام
ترِفُّ عليها .. ظِلالُ الغَرام
رفيفَ العواطفِ .. في المقلَتَيْن
وحام رهيباً عليها الغدُ
خليقاً بانجازَ .. ما يُوعَد
فمُدَّت .. إلى كلِّ بابٍ يد
فَأرْخَتْ ستاراً .. مِنَ الّكرياتْ
عذارى من النورِ .. مُسْتَحْيِيات
وراحت .. حنايا ضُلوعٍ تموجْ
بما لم تَمُجْ في الربيع المروج
وضمّت شَتاتَ النجومِ .. " البُروج "
فكلُّ " طَوالِعِها " أسعدُ
على الحبِّ تَنْزِلُ .. او تَصْعَد
ويحنو على " فَرْقدٍ " .. فَرْقَد
كأنَّ مَدارَهُما مَعْبَد
يناجي بهِ المرقدَ .. المرقد
نجومٌ بأحلامها شُرَّد(60/23)
فلا " الزاجُ " منها .. ولا المرصد
وثَمَّ بصيصُ ضياءٍ .. يلوحْ
ونفحةُ عطرٍ ذكىٍّ ..تَفوح
وصدرٌ يجئُ لصدرٍ يروح
وحاشيةٌ من غطاء السريرُ
واصداءُ نجوى كَسَحْب الحرير
ونهدانِ قاما على الشاطئينْ
يَمُدّانِ نحوَ غريقِ الغرام
يَدَيْنِ يُليحانِ بالبُرْعُّمَتين
تعاليتِ " باريسُ " كلُّ الدّروبْ
تَفايضُ مُفْعَمَةً بالقُبَلْ
تعلّمتِ كيفَ يَشُقُّ الغَزَل
طريقَ الحياةِ إذا أظلما
من اليأس والتاثَ فاستجهما
وكيفَ تحُد الشفاه الأملْ
إذا ما التوى بالمُنَى عُودُهُ
وحُلَّ من اليأسِ معقودُهُ
تعلّمتِ " باريسُ " : أنَّ الضَّجَرْ
إذا لم يُدَفْ .. بلذيذِ السَّمَر
ولحنِ الكؤوسِ .. وسَجْعِ الوَتَر
وما لم تغَصَّ بحُلوِ اللمى
شفاهٌ .. تعودُ لتشكو الظّما
وما لم يَجِدْ مِعْصَمٌ .. مِعْصَما
له في حِمىً مستباحٍ .. حِمَى
أمات الضميرَ .. ولاثَ الدما
ودب دبيبُ الرّدى .. في المُقَلْ
وجرّرَ عداوه .. حيثُ انتَقَل
تعلمتِ " باريسُ " .. كيف الملَل
إذا لم تُقَطَّرْ بكفٍ رفل
على سُمِّه .. قَطْرَةٌ من عسل
لِتَقْتُلَهُ بمزاجٍ .. قتل !
تعلّمتِ " باريسُ " .. كيفَ الفروضْ
تؤدَّى ... وكيف تُوَفَّى .. القروض
تعلّمت : كيف بوشمِ العضوض
على أذرعٍ بضّةٍ يُستدلْ
وكيف ... خُصيَلةُ شعرٍ تُسَل
إذا الشَّعُر عِيثَ به فانسَدل
بها عن " سبائكِ " تبرٍ بَدَل
وأن " حسيساً " كلفٍّ يُفل
لفرطِ الوَنَى .. أو لِفَرْطِ الجَذَل
ووجدٌ تناهى لأوجِ الغموضْ
لأوجِ الوضوحِ .. لأوجِ الوَجَل
فريضٌ .. ودنيا سواه نفَلْ
تعاليتِ " باريسُ " إنَّ الصباحْ
أطلَّ فألقى عليكِ الوِشاح
وضمَّكِ تحتَ خَضيبِ الجَناح
وألفاكِ غافيةً فاستراح
على صدرِكِ العَطِرِ النّاعِمِ
وأنفاسِ بُرْعُمِكِ الحالم
تعاليتِ " باريسُ " من نائم
كانَ الدنا كُلَّها نائمةْ
بمقلتهِ وبهِ حالمه
تعاليتِ " باريسُ " هلْ مِنْ مَزيدْ
على ما لَدَيَكِ وهل مِنْ جَديد
وماذا تركتِ لهذا الوجود(60/24)
إلى الموتِ يَرجِعُ أوْ للخُلود
وللكائناتِ سواء تُعيد
نماذجَ من حُسْنِكِ المستفيضْ
بماذا يعوِّضُها المستعيض
بماذا يعوض هذي الخدودْ
مزبرةٍ كغصونِ الوُرود
ومثقلة بثمارِ النُّهود
بهذي الوجوهِ .. بهذي العيونْ
بهذا الرُّواءِ .. بهذا البَريقْ
يفيض عليها شُواظ الحريق
كأنّكَ تَعرِفُ عُنْوانَها
ورافقتَ من قبلُ إنسانها
وأصبحتَ تَعْرِفُ ماذا يقولْ
كأنَ عواطفَهُ والميول
خيولٌ أُبيحَ لها أنْ تَجول
بحيثُ تشاءُ وميدانُها
صميمُ القلوبِ وصَفْوُ العقول
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أنيتا...
أنيتا...
رقم القصيدة : 66897
-----------------------------------
أنّي وجدت " انيتَ " لاحَ يَهزني
طيفٌ لوجهك رائعُ القسماتِ
ألق " الجبين " أكاد أمسح سطحه!
بفمي ، وأنِشق عِطرَه بشذاتي
ومنوَّر " الشفتين " كادت فرجةٌ
ما بين تسدُ من حسراتي
وبحيثُ كنتُ تساقطَت عن جانبي
نظراتُ محترِسين من نظراتي !
نَهب العيون يُثيرها ويزيغها
إطراق أشعثَ زائغ اللفتات
متوزِّع الجنبات يَرقُب قادماً !
شقٌّ وآخرُ مال للطرقات
حسبي . وحسبك شقوةٌ ! وعبادةٌ !
أن ليس تفرُغُ منك كأسُ ! حياتي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> شهرزاد...
شهرزاد...
رقم القصيدة : 66898
-----------------------------------
إنَّ وجهَ الدُجى "أنيتا " تجلَّى
عن صباحٍ مِن مُقلَتيكِ أطَلا
وكأنَّ النجومَ ألقَيْنَ ظِلا
في غديرٍ مُّرقرَقٍ ضَحْضاحِ
بينَ عينيكِ نُهبةً للرياح
وغياضُ المُروج أهدَتكِ طَلا
إن هذا الطيرَ البليلَ الجَناحِ
المُدوِّي على مُتونِ الرياحِ
والذي أزعجَ الدُّجى بصَباحِ
عبَّ في الليل من " ثُغورِ " الأقاح
رشفَةُ مجَّ عِطرَها وتولّى
حيثُ هذا الرأسُ الجميلُ تدلّى
والفِراشُ الذي به يتمَلّى
وبحيثُ أرتدَّتْ هباءً نَثيرا
تملأ النفسَ والفضاءَ عبيرا
خِصِلاتٌ مِن شَعرِكِ الذَهبيِّ
كنتِ فيهِ الثرىَّ أيَّ ثرِيِّ(60/25)
إسمعي ، إسمعي " أنيتا " فهنَّا
وهُنا ، صادِحٌ صَبا فتغنَّى
والطريق المهجورُ عادَ فرَنَّا
مِنْ جديدٍ ببعثِه يتهنَّى
فلقد دبَّتِ الحياةُ إليهِ
وتمشّى المعاوِدونَ عليه
إسمعي وقعَ رائِحينَ وغادي
وتَمَلَّيْ مِن الوُجودِ المُعاد
والقَطارَ المجَلَجلَ المُتهادي
في سُفوحٍ مُنسابَةٍ وَوِهادِ
إسمعي ، إسمعي " أنيتا " صَداهُ
تَجِدي عن صَدى الزّمانِ بديلا
وَتَرْينَ الدُّنيا تُجِدُّ رَحيلا
بالأمانيِّ غُدوةً وأصيلا
إنَّ وجهَ الدُجى " أنيتا " يُليحُ
والليالي في " شهرزَادَ " تَصيحُ
ههُنا ، ههُنا يَطيبُ الصَّبوحُ
حُلُمٌ رائِعٌ وطيفٌ لذيذُ
بهما اليومُ مِن غَدٍ يستعيذ
واللّيالي مِن اللّيالي تَلوذ
فطريدٌ مؤمَّل وأخيذ
حُلُمٌ رائعٌ كأن الخيالا
حينَ ضاقَت به الحياةُ مَجالا
مَلِّ أسفارَهُ فحطَّ الرِّحالا
ههُنا ، فهو عن سِواهُ صَدوفُ
وهو في أعيُنِ السُّقاةِ يَطوف
لِجِناحيهِ في الكؤوس رفيف
ورنينُ الأوتارِ منها حفيف
حَلُمٌ رائِعٌ وجوٌّ لطيفُ
والنَّدامَى على الكؤوسِ عُكوف
والأباريقُ نالَ منها النّزيف
غير أنَّا - ورُبَّ صفوٍ يُخيف -
ملكَ الذعرُ نفسَنا والفؤادا
ونسِينا حتى المُنى والمُرادا
وأبَحنْا للعاطِفاتِ القِيادا
أتُرى أنَّ هذه " الشهرَزادا "
ذكرَّتْنا أحلامُها " بغدادا " ؟
يا حبيبي ! وهذه الأطيافُ
عن قريبٍ بيقظةٍ ستْداف
وإلى مثلها انقضتْ ، ستُضاف
يا حبيبي ! وهذه الأعطاف
تتثنَّى على الكؤوسِ دَلالا
كلُّ عِطفِ ، لولا الحياءُ لسالا
سوفَ تنهدُّ بعدَ حينٍ كلالا
حينَ تستامُها الحياةُ النضالا
حينَ تَلقى ما لا تُطيقُ احتِمالا
يا حبيبي : وهذه النظَراتُ
في مُذابِ الفُتورِ مُنكسِرات
والوجوهُ الحيِيَّةُ الخَفِرات
والنفوسُ الفيّاضةُ الخيِّرات
والشِفاهُ النديَّةُ العَطِرات
والشُعورُ المسترسِلاتُ انسيابا
وجفونٌ تستثقِل الأهدابا
والأكُفُّ التي تذوبُ انجِذابا
كلُّ خِصرٍ بكلِّ كفٍّ يَلفُّ
وشِفاهٌ على شِفاهٍ تَرِفّ(60/26)
وقلوبٌ من صفوها تُستَشَفّ
كلُّ هذا ، وكلُّ ما غيرُ هذا
عن قليلٍ سيستطيرُ رُذاذا
فأفيقي فقد تَناهى المَطافُ
واستردَّتْ هِباتِها الألطاف
هاهُمُ العازِفونَ حولَكِ طافُوا
يستعيدونَ مِن صدى الأجيالِ
وحفيفِ الأحراشِ والأدغالِ
ما يَخالُون أنَّ في مُقلتيكِ
وارتجاجِ المُيول في وجنتيك
ونَثيرِ الجَديلِ عن جانِبيك
صِلةً بينه وبينَ الخَيالِ
لستُ ادري " أنيِتُ " كيف استحالا
وجهُكِ المستَظِلُّ بالأضواءِ
خافِتاتٍ كعاطفاتِ المُرائي
نغَماً سارِباً مع الأنغامِ
يا حبيبي ! وللنديم هُمومُ
يُقعِدُ " الكأسَ " ثِقلُها .. ويُقيم
يا حبيبي ! و " ليتَ .. " شيءٌ عَقيم
ليتَ أنَّ الحياةَ ظِلٌّ مُغيم
هكذا :
ليتَ أنَّ عَيشاً يدومُ
مثلَ هذا،
ليتَ " الشقاءَ " سَرابُ
يرتعي المرءُ ظِلَّه ويهاب
من بعيدٍ :
ليتَ " النعيمَ " شرابُ
كلما ألْهَبَ السَرابُ النّفوسا
نهلَتْ مِنهُ ، تستزيدُ الكؤوسا
ليتَ " دمعَ " الفجرِ الحزينِ الباكي
لفراقِ الدجى ، بعينِ الورودِ
وبذَوبِ الندى ، يعودُ فيرقا
ليتَ أنَّ " الظلامَ " برِتق فتقا
شقَّهُ الصبحُ في " الرُّبى " والسِّكاكِ
ليتَ أنَّ " الدُجى " يعودُ فيُسقى
من كؤوس الندمانِ ، والأقداحِ
ليت هذا الظلَّ الخفوقَ الجَناحِ
يرتمي فوقَها من المِصباحِ
مُشعِراً بانصرامِ حَبلٍ تبقَّى
من حبالِ الدُجى يعودُ فَيرقى
يا حبيبي راحَ " الظلامُ " يُداحُ
والأباريقُ ظِلّها ينزاح
عن مُغِذٍّ في سِيرِه ، وطليحِ
ومُباحٍ لحُكْمِها ومُبيح
و " ظِلالٌ " من الدمِ المسفوح!
بيد " الصُبحِ " في الفضاء الجريح !
راعِشاتٌ على الثرى ، والحُقولِ
وعلى الجدولِ الرتيبِ المَسيل
في مُرَيْجٍ أهدى الصَباحُ إليه
قُبلةً تَخْلَعُ الدلالَ عليه
وتهادى النّسيمُ بين يديه
مُتْعَباً ، ناعساً ، بليلاً ، كسولا !
لم يَجِدْ مثلَه الصباحُ رسولا
للِِقاء السنابلِ المُغْفياتِ
في دِثارٍ ضافٍ من الذِّكْرَيات؟
ولإيقاظِ تلكمُ " المُغرِيات " !(60/27)
من صبايا الحُقول ، والفتيات!
سالِكاً ذلكَ السّبيلَ الجميلا
في ثنايا الثّيابِ والطيَّاتِ !!
و " ظِلالٌ " من الغُيومِ الرِّقاق
فوق خُضْرِ الربى ، وبينَ السواقي
تتلاقى بمَوعدٍ للتلاقي !
بظلالٍ كأنّهُنَّ خيوطُ
يَتشابكنَ جَيْئَةً ، وَذهابا
من طيورِ تجمَّعت أسْرابا
يَتغازَلْنَ والصبا ، والضَّبابا
تتحدَّى قِناعَه وتُميطُ
يا حبيبي ، ورَغبتي ، ودليلي!
إنَّ لونَ الظلامِ حالَ فَحُولي !
والدّراري بعدَ الصراعِ الطويل
وسنا الفجرِ
ينحدِرْنَ فُلولا
وبناتُ النَعْشِ المُقِلِّ القتيلا
يتَذوَّبنَ حسرةً وعويلا
ويُجَرِّرْنَ من حِدادٍ ذيولا
مُسبَلاتِ على المجرِّ الذليلِ
يا حبيبي ! مالَ الزمانُ فميلي
وأميلي بموضعِ التّقبيل!
يا حبيبي : لم يبقَ لي من مآبِ
من لُباناتِ هذه الأطياب
و " الظلامِ " المزعزعِ الأطناب
ومُجاجاتِ عِطْرهِ المُنساب
غيرُ هذا " الليلِ! " الفسيحِ الرِحاب
بين جَفنيكِ حارَ والأهداب
إي وعَيْنَيْكِ والخيالِ الشَّرودِ
إي وهذا الغورِ السحيقِ البعيد
بين مُوقَيْكِ يَسبقُ الأبعادا
إي و " صحراءَ " صَحصَحٍ .. تتنادى
عندها من " عوالِمٍ " أصداءُ
إي ولمحٍ ..! من السّنا يتهادى
فتسيرُ الاطيافُ والأهواء
خلفَه :
إي وصامتٍ كالجليدِ
ومدوٍّ كقاصفاتٍ الرّعود
منهما :
إي وذلك " الانسانِ " !
هازئاً بالمَلاكِ ، والشيطانِ :
لامتدادُ الفضا ، وعنفُ الدياجي
وخِضَمٌ من بحرهِ العجّاج
دونَ هذا الطرفِ الكحيلِ الساجي
روعةً ، وانبساطةً واقتد
إي ، وعينيكِ حلفةً لا تُمار
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> ذكريات ....
ذكريات ....
رقم القصيدة : 66899
-----------------------------------
لا تمُرِّي " أنيتُ " طَيفاً ببالي
ما لِطيفٍ يسُمُ لحمي ومالي
أنا عندي مِن مُوحشاتِ الخَيالِ
الطيوفُ المُعرِّساتُ حِيالي
كذئابٍ مسعورةٍ وسَعالي
بل تَعالَيْ إلى يديَّ ، تعالِي
فهُما الآنَ يَحضنانِ الفِراشا(60/28)
خالياً منكِ يستفيضُ ارتعاشا
ههنا ، ههنا مكانُكِ أمسِ
ههنا ، مسَّ أمسِ رأسُكِ رأسي
ههنا أمسِ ، أمسِ ، ذوَّبتُ نفسي
في يبيسٍ من الشفاهِ الظّوامي
تتساقى مِن القلوبِ الدّوامي
أمسِ كنَّا هُنا هنا نتساقى
من كؤوس الهوى دِهاقاً وِفاقا
أمس كنَّا رُوحاً بروحٍ تَلاقى
ويداً تحتوي يداً ، وفُؤادا:
لأخيهِ يبثُّ نجوى ، وعينا :
تَرتعي أُختَها فكيفَ وأينا :
عادَ ما كانَ أمسِ منَّا طِباقا
وحشةً ، وارتِعاشةً ، وفِراقا
أمس ِ ، أمسِ ، التقت هُنا شَفَتانِ
كانتا من عجيبِ صُنع الزمانِ
ذوَّبَ الدهرُ من مزيج الأماني
فيهما ، كلَّ موحِشٍ ولطيفِ
وبليدٍ ، وحائرٍ ، وعصوفِ
أمسِ ، أمسِ ، التقت هنا شَفَتانِ
يستطيرانِ " وقدةً " واُوارا
ويسيلان في المراشِف نارا
ويُثيران من شَكاةِ الزمانِ
في لهاثِ الأنفاسِ مثلَ الدخان
وكأن العيونَ بُلهاً ، سكارى
من عثارِ اللهاثِ تُكسى غبارا
أمسِ ، راحتْ على الشفاهِ تدور
قُبُلاتٌ من قبلُ كانت أسارى
في شِعافِ الفؤادِ ، حَيرى ، تمورُ
وزوانٍ ! كأنهُنَّ العذارى
أمسِ ، رُدَّتْ إماؤها أحرارا
وأماطتْ عن الضّميرِ ! السّتارا
فبدا ذلك " الحِمارُ !! " الصغير
مثقلاً ، فوقه الخنا ، والفجور!
يأكُلُ الشهوةَ الفظيعةَ ..نارا
ويعُدُّ الصبرَ القبيحَ فخارا
ثُم يَطغى سعيرُها ويثورُ
فوقَ وجهٍ يَضوى ، وعَينٍ تغور
ثم يُلوى بِثقْلِهِ .. ويخور
أمسِ " نعٌ " بين الشفاه طَهورُ
غسَلَ الحِقدَ ، والخنا ، والعارا
ونهى ( الرجسَ ) أن يكون شعارا
أمسِ ، راحت على الشّفاهِ تدورُ
هَمَساتٌ تُصغي لهنَّ الدُهور
وبذيل " المجرِّ " منها عبير!
ههنا أمسِ ، كانَ خيطٌ يَرِقُّ
من نسيجِ الدُّجى ، وفجرٌ يشُقُّ
دربَه ، والنجومُ شِقٌّ وشِقُّ
ههنا أمسِ ، كانَ جَرسٌ يَدُقُّ
ضربَاتٍ سِتَّاً يرنُّ صداها
وتُفيقُ الدُّنيا على نجواها
أمسِ مدَّ الصباحُ كفَّاً فحلاً
من نجومِ السّماءِ عِقداً تحلَّى
بسناهُ الدُّجى ، وفرَّقَ شَملا(60/29)
أمسِ ، إلاّ نجماً دنا فتدَّلى
يُرغِمُ الشمسَ أن تَرى منهُ ظِلاّ
أمسِ ، هذا النجمُ الغريبُ أطلاَ
مِن على شُرفَةٍ نُطِلُّ عليها
ونُزَجِّي همسَ الشفاهِ إليها
أمسِ ، هذا النجمُ المنوَّرُ كانا
يَرتبي مِن ذُرى السماءِ مَكانا
أمسِ ، والانَ لا يزالُ عِيانا
وسيَرْتَدُّ بُكرةً وعشِيَّا
مائِلا ظِلُّه الخفوقُ لديّا
يملأُ النفسَ لوعةً وحنانا
كان في ظِلِّ غيمةٍ تتهرّى
ترتَديه طَوراً ، وطَوراً تعرَّى
ومشى " سانِحٌ " إليه ، ومرّا
" بارِحٌ " جنبَه ، وكانَ جَناحُ
يلتقي جنبَ آخرٍ ينزاحُ
عنهُ : في حينَ راحَ يبغي مَمَرَّا
بين هذا وذاكَ حتّى استقرّا
أفتدرِينَ أينَ ؟ تدرينَ أينا !!
فلقد كنتِ تَملئينَ العَينا
مِن جمالِ " الشُّجيرةِ " الورفاءِ
تتراءى كقُبّةٍ خَضراءِ
عن يمينِ الحَديقةِ الغنَّاء
بُرهةً ! ثُمَّ راحَ يمشي الهُوينا
والهُوينا ! حتى اضْمَحلَّ فغابا
وانطوى . ثم عادَ أمسِ فآبا
وتمشَّى فُويقَ ، ثُمَّ دُوَينا !
ورآنا - ولا نؤوبُ - انطوينا
ورأى غيرَنا يُجِدُّ مكانا
كانَ في أمسِ مَرْتَعاً لِهوانا
هكذا ، هكذا ، أردنا فكانا
فلنُخَلِّ القضا ! ونُعْفِ الزمانا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> وداع...
وداع...
رقم القصيدة : 66900
-----------------------------------
"أنيتُ " نزَلنا بوادي السِباعْ
بوادٍ يُذيبُ حِديدَ الصِراع
يُعَيِّرُ فيه الجبانُ الشُجاع
" أنيتُ " لقد حانَ يومُ الوداع
إليَّ إليَّ حبيبي " أنيتْ "
إليَّ إليَّ بجيدٍ وليت
كأنَّ عُروقَهما النافِرات
خُطوطٌ مِن الكلِم الساحِرات
إليَّ بذاكَ الجبينِ الصَلِيتْ
تخافَقَ عنْ جانبيهِ الشَعَرْ
يبُثُّ إليَّ أريجَ الزَهَر
سيَعبِقُ في خاطري ما حيَيِتْ
ويُذكِرُني صَبوتي لو نَسيِت
إليَّ إليَّ حَبيبي " أنيتْ "
إليَّ إليَّ بذلكَ الذّراعْ
أبضَّ تفايَضُ مِنهُ الشُعاع
أطِلَّي عليَّ بهِ كالشِراع
فقد لَفحَتني سَمومُ العِراقْ(60/30)
فألهينَ مِنَّيَ جُرحَ الفِراق
إليَّ إليَّ به للعِناق
لغيرِ العِناقِ الذي تَعرِفينْ
بحيثُ يلُزُّ الوتينُ الوتين
عَشِيَّةَ أهتِفُ أو تهتِفين
لنجمِ القَضا ، ولسَهمِ القَدَرْ
وللمُستَقِرِّ بذاكَ المَقَرّ !!!
بأنْ لا يُميِّلَ هذا السَّفينْ
إلى حيثُ أرهَبُ ، أو تَرَهبين
إلى وَحَلٍ من دُموعٍ وطين
إليَّ بصدِركِ ذاكَ الخِضمّ
مِن العاطفاتِ العُجابِ الشِيَمّ
مِن العاصفاتِ بلحمٍ " وَدَمّ "
تُلَوِّنُ وجهَكِ في كلِّ آنْ
بما لم تُلَوَّنْ فُصولُ الزّمان
أحاسيسُ تُعرِبُ عن كلِّ شان
كأنَّ وُجوهاً عِداداً لديكِ
تَرِفُّ ظِلالاً على مُقلَتيك
كأنَّكِ تُلقِينَ من عاتِقيك
بتلكَ الظِلالِ القِباحِ الِلطافْ
وأشباحِهنَّ السِّمانِ العِجاف
عناءَ الضميرِ ، وثِقْلَ السِنين
وجهلَ المصيرِ ، ، وعِلْمَ اليقين :
بلُطفِ الحياةِ
وجُهدِ الظّنين :
بساعاتِها أنّ يروحَ الحِمامْ
إلى الصمتِ ، يدفعُها والظَلام
إليَّ إليَّ حبيبي " أنيتْ "
إليَّ بنبعِ الحياةِ المُميتْ
إليَّ بذاكَ النظيمِ الشّتيت
بثغركِ ذاكَ العبوسِ الطروبْ
يَرفُّ إذا ما علاهُ الشُّحوب
كأنِّيَ أقرأ " سِفرَ " الغُيوب
على شفَتيكِ ، و " سِرَّ " الخفايا
كأنِّيَ أسمعُ عتبَ الذَّنوب
عليكِ ، ووقعَ دبيبِ الرزايا
كأنِّيَ أشربُ كأسَ الخطايا
وسؤرَ دمٍ مُهدَرٍ مِن سِوايا
كأنّيَ أمضُغُ لحمَ الضّحايا
تناثَرُ مِن بينِ تلكَ الثّنايا
كأنَّ الزفيرَ بنفحِ الطُّيوبْ
إذا امتَزجا يَكشِفانِ النّوايا
ويَستصْرِخانِ أثيماً يتوبْ :
على ما تَجَرَّمهُ مِن منايا
إليَّ هواني ، إليَّ هوايا
إليَّ المُنى تُشتَرى بالمنايا
إليَّ إليَّ بتلك البقايا
مِن المُسأراتِ بتلكَ الجُيوبْ
إليَّ بصَفوِ النعيمِ المَشوب
بلَفح أُوارِ الجحيمِ الشَّبوب
إليَّ إليَّ أغيثي ظمايا
فقد نالَ مِن شفتيَّ اللُغوبْ
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بَرمٌ بالشباب..!
بَرمٌ بالشباب..!
رقم القصيدة : 66901(60/31)
-----------------------------------
برِمْتُ بريَعانِ هذا الشبابِ
تخارَسَ في الفجرِ صدّاحُهُ
وجاء خِضَمَّ الحياةِ الرهيب
وكفَّ عن الجدفِ ملاَّحه
برمتُ فليتَ الرد ى عاصفٌ
بهذا الشباب فيجتاحه
أموتُ وجهدُ الحياةِ اللذيذ
تطوفُ بعينيَّ أشباحه
تُهدهِدُ روحيَ أمساؤه
وتُنعشُ نفسيَ أصباحه
أموتُ وبي ظمأ للشَّجا
تهُبُّ فتعصِفُ أرياحه
فماليْ وللعيشِ لا تُستثارُ
بنار التحرُّقِ أطماحه
وماليْ وللموتِ إن لم ترِفَّ
عليَّ من الحُزن أفراحه
سيُطربُني وقعُ زحفِ السنين
بسرِّ الحياةِ ، وعُمقِ القِدَمْ
وتفتحُ عينيَّ سُودُ الدياجي
يُنوِّر منها بريقُ الألم
ستُلهِبُني عاصفاتُ الرِّياح
فقد ملَّ سمعي وئيدَ النَّسم
أرى الموتَ نبعَ الحياةِ الجميلَ
إذا خَضَبته الليالي بدم
وعن وهَج الكأس كأسِ الوجود
تُترجِمُ عيناي سرَّ العدم
ألذُّ عناقَ ظِلالِ الحياةِ
تخالَطَ فيها سرورٌ بهم !
ولا أعرِفُ النومَ حتى ترِفَّ
على جانبيهِ نُسورُ الحُلُم
يُصافِقُ منها الجناحُ الجناحَ
وتُوشِكُ من زحمةٍ ترتَطِم
ولم أدر ما يقظةٌ لا تُثارُ
عواصفُها برهيب النَّغم !
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> هاشم الوترى
هاشم الوترى
رقم القصيدة : 66902
-----------------------------------
مجَّدْتُ فيكَ مَشاعِراً ومَواهبا
وقضيْتُ فَرضاً للنوابغِ واجِبا
بالمُبدعينَ " الخالقينَ " تنوَّرَتْ
شتَّى عوالمَ كُنَّ قبلُ خرائبا
شرفاً " عميدَ الدارِ " عليا رُتبةٍ
بُوِّئْتَها في الخالدين مراتبا
جازَتْكَ عَن تَعَبِ الفؤادِ ، فلم يكن
تعبُ الدماغ يَهُمُّ شهماً ناصبا
أعْطَتْكَها كفٌّ تضمُّ نقائصاً
تعيا العقولُ بحلِّها . وغرائبا
مُدَّتْ لرفعِ الأنضلينَ مَكانةً
وهوتْ لصفعِ الأعدلينَ مَطالبا !
ومضَتْ تُحرِّرُ ألفَ ألفِ مقالةٍ
في كيفَ يحترمونَ جيلاً واثبا
في حين تُرهِقُ بالتعنّتِ شاعراً
يَهدي مَواطنَهُ ، وتُزِهق كاتبا
" التَيْمِسيّونَ ! " الَّذين تناهبوا(60/32)
هذي البلاد حبائباً وأقاربا
والمغدِقونَ على " البياضِ " نعيمَهُمْ
حَضْنَ الطيورِ الرائماتِ زواغبا
يَستصرخونَ على الشّعُوب لُصوصَها
في حينَ يَحتجزونَ لِصّاً ساربا
ويُجَنِّبونَ الكلب وَخزةَ واخزٍ
ويجَهِّزُونَ على الجُموعِ معاطِبا
أُلاءِ " هاشمُ " مَنْ أروكَ بساعةٍ
يصحو الضميرُ بها ! ضميراً ثائبا
فاحمَدْهُمُ أن قد أقاموا جانباً
واذمُمْهُمُ أن قد أمالوا جانبا
وتحرَّسَّنْ أنْ يقتضوكَ ثوابَها !
وتوقَّ هذا " الصيرفيَّ " الحاسبا
لله درُّكَ أيُّ آسٍ مْنقذٍ
يُزجي إلى الداءِ الدواءَ كتائبا
سبعونَ عاماً جُلتَ في جَنَباتها
تبكي حريباً أو تُسامرُ واصبا
متحدَّياً حُكمَ الطباعَ ! ودافعاً
غَضَبَ السَّماءِ وللقضاءِ مُغالِبا!
تتلمَّسُ " النَّبَضاتِ " تجري إثرّها
خلَجاتُ وجهِكَ راغباً أو راهبا
ومُشارِفٍ ! نَسَجَ الهَلاكُ ثيابَهُ
ألْبْستَهُ ثوبَ الحياةِ مُجاذبا
ومكابدٍ كَرْبَ المماتِ شركتَهُ
- إذْ لم تَحِدْ منجىً - عناءاً كارِبا
ومحشَرجِ وقفَ الحِمامُ ببابهِ
فدفعتَهُ عنه فزُحزِحَ خائبا
كم رُحْتَ تُطلِعُ من نجومٍ تختفي
فينا وكم أعْلَيْتَ نجماً ثاقبا
هذا الشَّبابُ ومِن سَناكَ رفيفُهُ
مجدُ البلادِ بهِ يرفُّ ذوائبا
هذا الغِراسُ - وملُْ عينِكَ قرّةٌ
أنَّا قطفنا مِن جَناهُ أطايبا
هذا المَعينُ ، وقد أسلتَ نَميرَهُ
وجهُ الحياةِ به سيُصبْحُ عاشبا
هذي الاكُفُّ على الصدورِ نوازِلاً
مثلُ الغيوثِ على الزُّروغِ سواكبا
أوقفتَ للصَّرعى نهاراً دائبا
وسهِرْتَ ليلاً " نابِغيّاً " ناصبا
وحضَنْتَ هاتيكَ الأسِرَّةَ فوقَها
أُسْدٌ مُضَرَّجَةٌ تلوبُ لواغِبا
أرَجٌ من الذكرى يلفَّكَ عِطْرُهُ
ويَزيدُ جانبكَ المُوطَّد جانبا
ولأنتَ صُنْتَ الدارَ يومَ أباحها
باغٍ يُنازلُ في الكريهةِ طالبا
الْغَيُّ يُنْجِدُ بالرَصاصُ مُزَمْجِراً
والرّشدَ يَنجِدُ بالحجارةِ حاصبا
وَلأنتَ أثخَنْتَ الفؤادَ من الأسى
للمثُخَنينَ مِن الجراحِ تعاقُبا(60/33)
أعراسُ مملكةٍ تُزَفُّ لمجدِها
غُررُ الشَّبابِ إلى التُرابِ كواكبا
الحْاضنينَ جِراحَهَمْ وكأنَّهمْ
يتَحَضَّنونَ خرائداً وكواعبا
والصابرينَ الواهبينَ نُفوسَهُمْ
والمُخجِلينَ بها الكريمَ الواهبا
غُرَفُ الجنانِ تضوَعَتْ جنَباتُها
بصديدِ هاتيكَ الجراح لواهبا
وبحَشْرجاتِ الذاهبينَ مُثيرةً
للقادمينَ مواكباً فمواكبا
غادي الحيا تلك القبورَ وإنْ غدت
بالنَّاضحاتِ من الدّماءِ عواشبا
وتعهَّد الكَفَنَ الخصيبَ بمثلهِ
وطنٌ سيَبْعَثُ كلَّ يومٍ خاضبا
بغدادُ كانَ المجدُ عندَكِ قَيْنَةً
تلهو ، وعُوداً يَستحثُّ الضَّاربا
وزِقاقَ خَمْرٍ تستَجِدُّ مَساحبا
وهَشيمَ رَيْحانِ يُذَرَّى جانبا
والجسرُ تمنحُهُ العيونُ من المَها
في الناسِبينَ وشائجاً ومناسِبا
الحَمدُ للتأريخِ حينَ تحوَّلَتْ
تلكَ المَرافِهُ فاستَحَلْنَ مَتاعبا
الشِّعْرُ أصبحَ وهو لُعْبةُ لاعبٍ
إنْ لمَ يَسِلْ ضَرَماً وجَمْراً لاهبا
والكأسُ عادتْ كأسَ موتٍ ينتشي
زاهي الشبابِ بها ، ويمسحُ شاربا!
والجسرُ يفخرُ أنَّ فوقَ أديمهِ
جثثَ الضَّحايا قد تَرَكْنَ مساحبا!
وعلى بريقِ الموتُ رُحْنَ سوافراً
بيضٌ كواعبُ ، يندفعنَ عصائبا
حدِّثْ عميدَ الدارِ كيفِ تبدَّلَت
بُؤَراً ، قِبابٌ كُنَّ أمسِ مَحارِبا
كيف أستحالَ المجدُ عاراً يتَّقَى
والمكرُماتُ من الرّجالِ مَعايبا
ولم استباحَ " الوغدُ " حُرمةَ من سَقى
هذي الديارَ دماً زكِيّاً سارِبا
إيهٍ " عميدَ الدار " كلُّ لئيمةٍ
لابُدَّ - واجدةٌ لئيماً صاحبا
ولكلِّ " فاحشةِ " المَتاع دَميمةٍ
سُوقٌ تُتيحُ لها دَميماً راغبا
ولقد رأى المستعمِرونَ فرائساً
منَّا ، وألفَوْا كلبَ صيدٍ سائبا!
فتعهَّدوهُ ، فراحَ طوعَ بَنانِهمْ
يَبْرُونَ أنياباً له ومَخالبا
أعَرَفتَ مملكةً يُباحُ " شهيدُها "
للخائنينَ الخادمينَ أجانبا
مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ
ويُكافئونَ على الخرابِ رواتبا
مُتَنمّرينَ يُنَصّبونَ صُدورهُمْ(60/34)
مِثْلَ السّباعِ ضَراوةً وتَكالُباً
حتى إذا جَدَّتْ وغىً وتضرَّمَتْ
نارٌ تلُفُّ أباعِداً وأقارِبا
لَزِموا جُحورَهُمُ وطارَ حليمُهُمْ
ذُعْراً ، وبُدِّلَتِ الأسودُ أرانبا
إيهٍ " عميدَ الدار " ! شكوى صاحبٍ
طفَحَتْ لواعجُهُ فناجى صاحبا
خُبِّرْتُ أنَّكَ لستَ تبرحُ سائلاً
عنّي ، تُناشدُ ذاهباً ، أو آيِبا
وتقولُ كيفَ يَظَلُّ " نجم " ساطعٌ
ملءُ العيونِ ، عن المحافل غائبا
الآنَ أُنبيكَ اليقينَ كما جلا
وضَحُ " الصَّباح " عن العيون غياهبا
فلقد سَكَتُّ مخاطِباً إذ لم أجِدْ
مَن يستحقُ صدى الشكاةِ مُخاطَباً
أُنبيكَ عن شرِّ الطّغامِ مَفاجراً
ومَفاخراً ، ومساعياً ومكاسبا
الشَّاربينَ دمَ الشَّبابِ لأنَّهُ
لو نالَ من دَمِهِمْ لكانَ الشَّاربا
والحاقدينَ على البلادِ لأنَّها
حقَرَتْهم حَقْرَ السَّليبِ السَّالبا
ولأنَّها أبداً تدوسُ أفاعياً
منهمْ تَمُجُ سمومَها .. وعقاربا
شَلَّتْ يدُ المستعمرينَ وفرضُها
هذي العُلوقَ على الدّماءِ ضرائبا
ألقى إليهمْ وِزْرَهُ فتحمَّلوا
أثقالَهُ حَمْلَ " الثيّابِ " مشاجبا
واذابَهُمْ في " المُوبقاتِ " فأصبحوا
منها فُجوراً في فجورٍ ذائباً
يتَمَهَّلُ الباغي عواقبَ بَغْيِهِ
وتراهُمُ يَستعجلونَ عواقبا
حتى كأنَّ مصايراً محتومةً
سُوداً تُنيلُهُمُ مُنىً ورَغائبا
قد قلتُ لِلشَّاكينَ أنَّ " عصابةً "
غصَبَتْ حقوقَ الأكثرينَ تَلاعُبا:
ليتَ " المواليَ " يغصبونَ بأمرِهِمْ
بل ليتَهم يترَسَّمونَ " الغاصبا "
فيُهادِنون شهامةً ورجولةً
ويُحاربونَ " عقائداً " ! ومذاهبا
أُنيبكَ عن شرِّ الطّغام نكايةً
بالمؤثرينَ ضميرَهمْ والواجبا
لقَدِ ابتُلُوا بي صاعقاً مُتَلهِّباً
وَقَد ابتُلِيتُ بهمْ جَهاماً كاذبا
حشَدوا عليَّ المُغرِياتِ مُسيلةً
صغراً لُعابُ الأرذلينَ رغائبا
بالكأسِ يَقْرَعُها نديمٌ مالثاً
بالوعدِ منها الحافَتَيْنَ وقاطبا
وبتلكُمُ الخَلَواتِ تُمْسَخُ عندَها(60/35)
تُلْعُ الرِّقابِ من الظّباءِ ثعالبا!!
وبأنْ أروحَ ضحىً وزيراً مثلَما
أصبحتُ عن أمْرٍ بليلٍ نائبا
ظنّاً بأنَّ يدي تُمَدُّ لتشتري
سقطَ المَّتاع ، وأنْ أبيعَ مواهبا
وبأنْ يروحَ وراءَ ظهريَ موطنٌ
أسمنتُ نحراً عندهَ وترائبا
حتى إذا عجَموا قناةً مُرَّةً
شوكاءَ ، تُدمي مَن أتاها حاطبا
واستيأسوُا منها ، ومن مُتخشِّبٍ
عَنتَاً كصِلِّ الرّملِ يَنْفُخ غاضبا
حُرّس يُحاسِبُ نفسَهُ أنْ تَرْعَوي
حتَّى يروحَ لمنْ سواه محاسِبا
ويحوزَ مدحَ الأكثرينَ مَفاخراً
ويحوزَ ذمَّ الأكثرينَ مثالبا !!
حتى إذا الجُنْديُّ شدَّ حِزامَهُ
ورأى الفضيلةً أنْ يظْلَّ مُحاربا
حَشدوا عليه الجُوعَ يَنْشِبُ نابَهُ
في جلدِ " أرقطِ " لا يُبالي ناشبا !
وعلى شُبولِ اللَّيثِ خرقُ نعالِهم!
أزكى من المُترهِّلين حقائبا
يتساءلونَ أينزِلونَ بلادَهم ؟
أمْ يقطعونَ فدافِداً وسباسبا؟
إنْ يعصِرِ المتحكِّمونَ دماءَهم
أو يغتدوا صُفْرَ الوجوه شواحبا
فالأرضُ تشهدُ أنَّها خُضِبَتْ دماً
منّي ، وكان أخو النعيم الخاضبا
ماذا يضرُّ الجوعُ ؟ مجدٌ شامخٌ
أنّي أظَلُّ مع الرعيَّة ساغبا
أنّي أظَلُّ مع الرعيَةِ مُرْهَقاً
أنّي أظَلُّ مع الرعيَّةِ لاغبا
يتبجَّحُونَ بأنَّ موجاً طاغياً
سَدُّوا عليهِ مَنافذاً ومَساربا
كَذِبوا فملءُ فمِ الزّمان قصائدي
أبداً تجوبُ مَشارقاً ومغاربا
تستَلُّ من أظفارِهم وتحطُّ من
أقدارِهمْ ، وتثلُّ مجداً كاذباً
أنا حتفُهم ألِجُ البيوتَ عليهم ُ
أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا
خسئوا : فَلْمْ تَزَلِ الرّجولةُ حُرَّةً
تأبى لها غيرَ الأمائِلِ خاطبا
والأمثلونَ همُ السَّوادُ ، فديتُهمْ
بالأرذلينَ من الشُراةِ مَناصبا
بمُمَلِّكينَ الأجنبيَّ نفوسَهُمْ
ومُصَعِّدينَ على الجُموعِ مَناكبا
أعلِمتَ " هاشمُ " أيُّ وَقْدٍ جاحمٍ
هذا الأديمُ تَراهُ نِضواً شاحبا ؟
أنا ذا أمامَكَ ماثلاً متَجبِّراً
أطأ الطُغاة بشسعِ نعليَ عازبا(60/36)
وأمُطُّ من شفتيَّ هُزءاً أنْ أرى
عُفْرَ الجباهِ على الحياةِ تكالُبا
أرثي لحالِ مزخرَفينَ حَمائلاً
في حينَ هُمْ مُتَكَهِّمونَ مَضاربا
للهِ درُّ أبٍ يراني شاخصاً
للهاجراتِ ، لحُرّش وَجْهيَ ناصبا
أتبرَّضُ الماء الزُّلالَ . وغُنيتي
كِسَرُ الرَّغيفِ مَطاعماً ومَشاربا
أوْصى الظِّلالَ الخافقاتِ نسائماً
ألاَّ تُبرِّدَ من شَذاتي لاهبا
ودعا ظلامَ اللَّيلِ أنْ يختطَّ لي
بينَ النجومِ اللامعاتِ مَضاربا
ونهى طُيوفَ المُغرياتِ عرائساً
عنْ أنْ يعودَ لها كرايَ ملاعبا
لستُ الذي يُعطي الزمانَ قيادَه
ويروحُ عن نهجٍ تنهَّجَ ناكبا
آليتُ أقْتَحمَ الطُغاةَ مُصَرِّحاً
إذ لم أُعَوَّدْ أنْ أكونَ الرّائبا
وغرَسْتُ رجلي في سعير عَذابِهِمْ
وثَبَتُّ حيثُ أرى الدعيَّ الهاربا
وتركتُ للمشتفِّ من أسآرِهِمْ
أن يستمنَّ على الضّروعِ الحالبا
ولبينَ بينَ منافقِ متربِّصٍ
رعيَ الظروف ! مُواكباً ومُجانبا
يلِغُ الدّماءَ مع الوحوشِ نهارَه
ويعودُ في اللِّيل ! التَّقيَّ الراهبا
وتُسِيلُ أطماعُ الحياةِ لُعابَهُ
وتُشِبُّ منه سنامَهُ والغارِبا
عاشَ الحياةَ يصيدُ في مُتكدِّرٍ
منها ، ويخبِطُ في دُجاها حاطبا
حتى إذا زوَتِ المطامِعُ وجهَها
عنه ، وقطَّبَتِ اللُبانةُ حاجبا
ألقى بقارعةِ الطريقِ رداءَه
يَهدي المُضِلِّينَ الطريقَ اللاحِبا
خطَّانِ ما افترقا ، فامَّا خطَّةٌ
يلقى الكميُّ بها الطُغاة مُناصبا
الجوعُ يَرْصُدها .. وإمَّا حِطَّةٌ
تجترُّ منها طاعِماً أو شاربا
لابُدَّ " هاشمُ " والزَّمانُ كما ترى
يُجري مع الصَّفْوِ الزُّلالِ شوائبا
والفجرُ ينصُرُ لا محالةَ " ديكَهُ "
ويُطيرُ من ليلٍ " غراباً " ناعبا !
والأرضُ تَعْمُرُ بالشّعوبِ . فلن ترى
بُوماً مَشوماً يَستطيبُ خرائبا
والحالِمونَ سيَفْقَهون إذا انجلَتْ
هذي الطّيوفُ خوادعاً وكواذباً
لابُدَّ عائدةٌ إلى عُشَّاقِها
تلكَ العهودُ وإنْ حُسِبنَ ذواهبا(60/37)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أطبق دجى !
أطبق دجى !
رقم القصيدة : 66903
-----------------------------------
أطْبِقْ دُجى ، أطْبِقْ ضَبابُ
أطْبقْ جَهاماً يا سَحابُ
أطبق دخانُ من الضمير
مُحَرَّقاً أطبق ، عَذاب
أطبق دَمارُ على حُماةِ
دمارِهم ، أطبق تَباب
أطبق جَزاءُ على بُناةِ
قُبورِهم أطبق عِقاب
أطبق نعيبُ ، يُجِبْ صداكَ
البُومُ ، أطبق يا خَراب
أطبق على مُتَبلِّدينَ
شكا خُمولَهمُ الذُّباب
لم يَعرِفوا لونَ السماءِ
لِفَرْطِ ما انحنَت الرقاب
ولفرطِ ما دِيسَتْ رؤوسهمُ
كما دِيسَ التراب
أطبق على المِعزى يُرادُ
بها على الجوعِ احتِلاب
أطبق على هذي المُسوخ
تَعافُ عيشتَها الكلاب
في كلّ جارحةٍ يلوحُ
لجارحٍ ظُفرٌ وناب
يجري الصدِيدُ مِن الهوانِ
كأنه مِسكٌ مُلاب
أطبق على الدِيدانِ
ملَّتها فَيافيكَ الرِّحاب
أطبق على هذي الوجوه
كأنها صُوَرٌ كِذاب
المُخرَساتُ بها الغُضونُ
فلا سؤالَ ولا جواب
بُلهاً تدورُ بها العيونُ
كأنَّ صحصَحَها سَراب
ملَّ الفؤادُ من الضمير
وضجَّ بالرُّوح الإِهاب
أطبقْ على مُتفرقّينَ
يَزيدُ فُرْقَتَهم مُصاب
يتبجَّحونَ بأنّ إخوتَهم
يحُلُّ بهم عَذاب
ندِموا بأنْ طلبوا أقلَّ
حقوقهم يوماً فتابوا
وتأوَّبوا للذلِّ يأكل رُوحَهم
نِعْمَ المآب!
أطبق على هذي الكرُوشِ
يَمُطُّها شَحْمٌ مُذاب
مِن حولِها بقرٌ يَخورُ
وحولَه غَرثى سِغاب
أطبق إلى أنْ ينتهي
للخاطبينَ بكَ احتِطاب
أطبق على مُتنَفِّجينَ
كما تَنفَّجت العِياب
مستنوقِينَ ويزأرونَ
كأنهم أُسْدٌ غِلاب
يَزهوهمُ عَسَلٌ ويُلهيهم
عن العلياءِ صاب
يَمشي مِن الأمجاد
خَلْفَهُمُ بميسَرةٍ رِكاب
فاذا التقت حَلَقُ البِطانِ
وجدَّتِ النُوبُ الصِّعاب
خفَقَت ظِلالُهم وماعوا
مِن نُعومَتِهم فذابوا
ونَجَوا بأنفُسِهمْ وراحت
طُعمَةَ النارِ الصحاب
أطبق دُجى ، لا يَنْبَلِجْ
صُبْحٌ ولا يَخْفِقْ شِهاب
أطبق فتحتَ سماكَ
خَلقٌ في بصائرهِ مُصاب(60/38)
لا ينفتحْ - خوفاً عليه - !
مِن العمى للنور باب
أطبق إلى يومِ النشور
ويومَ يكتملُ النصاب
أطبق دُجى حتَّى يقئَ خُمولَ
أهلِ الغاب غاب
أطيق دُجى : حتى يَمَلَّ
من السوادِ بهِ الغُراب
أطيق دُجى : حتى يُحَلِّقَ
في سماواتٍ عُقاب
غضبانَ أنْ لم تحمِ أعشاشاً
لها طير غِضاب
أطبق دُجى : يَسْرَحْ
بظلّك ناعماً عار وعاب
من لونك الداجي رِياءٌ
وارتياعٌ وارتياب
يا عِصمةَ الجاني ويا
سرحاً تلوذُ به الذئاب
يا مَن مشتْ بدمائها
فيه الخناجرُ والحِراب
يا مَن يضِجُّ من الشرورِ
الماخراتِ به العُباب
يا مَن تَضيقُ من الهوام
الزاحفاتِ به الشعاب
كُن سِتْرَ مُجرمِةٍ تهاوَتْ
عن جريمتِها الثباب
أطبق : فأين تفِرُّ إنْ
تُسفرْ وينحدرِ النِقاب؟!
هذي الغَباوات الكريمةُ !
والجمودُ المُستطاب !
هذا النفاقُ تَرُبهُ
صُحُفٌ ويُسْمِنُه كِتاب!
أطبق دُجى ، حتى تجولَ
كأنها خيلٌ عراب
هذي المعرَّات الهِجانُ
لها لظُلمتِك انتساب
أطبق : فأنتَ لهذه السوءاتِ
- عاريةً - حجاب
أطبق : فأنت لهذه الأنيابِ
- مُشحذةً - قراب
أطبق : فأنت لهذه الآثامِ
شامخةً - شباب
أطبق : فأنت لصِبغةٍ منها إذا
نصَلَتْ خِضاب
كُنْ سِتْرَها لا يَنبلِجْ
صُبحٌ ولا يَخْفِقْ شهاب
أطبق دُجى : أطبق ضَباب
أطبق جَهاماً يا سحاب ُ
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> حنين ...
حنين ...
رقم القصيدة : 66904
-----------------------------------
أحِنُّ إلى شَبَحٍ يَلْمَحُ
بِعينَيَّ أطيافُه تَمْرَحُ
أرى الشَّمْسَ تُشْرِقُ من وجهِهِ
وما بينَ أثوابِه تجنح
رضيِّ السّماتِ ، كأنَّ الضَّمير
على وَجْهِهِ ألِقاً يَطْفَح
كأنَّ العبيرَ بأردانهِ
على كلِّ " خاطرةٍ " يَنْفح
كأنَّ بريقَ المُنى والهنا
بعينيهِ عن كوكبٍ يقدح
كأنَّ غديراً فُويقَ الجبينِ عن
ثقةٍ في " غدٍ" يَنْضَح
كأنَّ الغُضونَ على وَجْنَتيهِ
يكنُّ بها نغمٌّ مُفرِح
كأنَّ بهامتهِ منْبعَاً
من النُور ، أو جمرةً تجدح(60/39)
كأنَّ " فَنَاراً " على " كاهل "
يُنارُ بهِ عالَمٌ أفسح
وآخَرَ شُدَّتْ عليه يدٌ
فلا يَسْتَبينُ ! و لا تُفْتَح !
أحنُّ إليهِ بليغَ الصُمُوت
معانيهِ عَنْ نَفْسِها تُفْصِح
تَفايَضَ منهُ كموجِ الخِضمِّ
أو لحنِ ساجعةٍ تصدَح
جَمالٌ . وليسَ كهذا الجمال !
بما بهرَجَتْ زِينةٌ يُصْلَح
كأنَّ الدُّهورَ بأطماحِها
إلى خِلقةٍ مِثْلِهِ تَطْمَح
كأنَّ الأمورَ بمقياسهِ
تُقاسُ فتؤخذُ أو تُطرح
كأنَّ الوجوهَ على ضَوئهِ
نلوحُ فتَحْسُنُ أو تَقبح
يُداعِبُني إذ تَجِدُّ الخُطوبَ
فأمْزَحُ منها كما يَمْزَح
يُشَدُّ جَناني بعَزْماتهِ
ودمعي بِبَسْماتهِ يُمْسَح
ويُبْرِدُ نَفسي بأنفاسهِ
إذا لَفَّني عاصفٌ يَلْفَح
ويَطْرقُني كلَّما راودَتْ
ضميريَ فاحشةٌ ترشَح
وكِدْتُ أُطاحُ بإِغرائِها
فأحْدو ركائبَ مَنْ طُوِّحوا
فيمشي إليَّ وثِقْلُ الشُكوك
مُنيخٌ على النَفْسِ لا يَبْرَح
وقد أوشكَ الصَّبرُ أنْ يلتوي
ويَكسِرَهُ المُبْهِضُ المُتْرِح
وحينَ تكادُ شِغافُ الفؤاد
بِسِكّينِ مُطْمِعةٍ تُجْرَح
وإذْ يُركِبُ النَفْسَ حَدَّ الرَّدى
عِنانٌ من الشرِّ لا تُكبَح
وإذْ يعْصُرُ القلبَ حُبُّ الحياة!
وكأبوسُ حِرمانها المُفْدِح
فيرفعُ وجهي إلى وَجهِه
ويقرأُ فيه ويَسْتَوضِح
فأرجفُ رُعباً كأنَّ الحشا
تَخَطَّفَهُ أجدَلٌ أجدَح
وأفْهَمُ مِنْ نظرةٍ أنَّني
لشرٍّ فكَرْتُ بهِ أصْلُح !!
وأنَّ الضَّميرَ بغيٌّ يجيء
لها " الَّليلُ " ما " الصُّبْحُ " يَستقبِح
وأنْ ليسَ ذلكَ مِنْ دَيْدَنٍ
لِمَنْ هَمّهُ عالَمٌ أصْلَح
فأنهالُ لثماً على كفّهِ
وأسألُ عفواً وأسْتَصْفِح
أحِنُّ له : وكأنَّ الحياةَ
خضراءَ مِنْ دونه ، صَحْصَح
أحِنُّ له : وأحبُّ الكَرَى
لسانحةٍ منهُ قد تَسْنَح
أحِنُّ له : ليسَ يَقْوَى النَّعيمُ
وكُلُّ لذاذاتهِ مُرْبِح
ولا كلُّ ما نَهَزَ الناهِزون
من المُمتِعاتِ وما استَنْزَحوا
ولا كلُّ ما أمَّلَ الآمِلون
ولا مُخْفِقٌ منهُ ، أو مُنْجَح(60/40)
لِتَعْدلَ مِنْ ثَغْرهِ بسمةً
بها نَسْمةُ الخْلدِ تُسْتَرْوَح
فيا ليتني بعضُ أنفاسهِ
لأمْنَحَ مِنْهُنَّ ما يُمْنَح
ويا ليتني " ذرّةٌ " عندَه
لأسْبَحَ في فَلَكٍ يَسْبَح
أحنُّ إلى شبحٍ يلمحُ
بعيَنَّي أطيافُه تَمْرَح
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> كاترينا
كاترينا
رقم القصيدة : 66905
-----------------------------------
أقبلتْ والشِّمال تلوي اليمينا
تخلط القادمين بالرَّاحلينا
أرسلتْ طرفَها ومدَّتْ خُطاها
تَطَأ الأَرض توقظ الغافلينا
كشفتْ رأسَها، فلم تُخْفِ وجْهاً
حين سارتْ ولم تُغطِّ الجبينا
مقلتاها تحدِّ ثانِ بسر
كان قبل المجيء سرَّاً دَفينا
شفتاها تُردِّدان حروفاً
وحديثاً عمَّا تُريد مُبينا
قَدَماها تُعلِّمان الفيافي
ما يُريها انطلاقَها ويُرينا
ساقت الموجَ والبحار وساقت
خَلْفها الرِّيح تَطرد الهاربينا
وأدارتْ في كلِّ شيءٍ رحاها
فأحالت ما واجهته طحينا
وأراقت عليه ماءً أُجاجاً
صنعتْ منه للفناءِ العَجينا
لا تبالي بما تقابل مهما
كان ضخماً وكان صلباً متينا
ملأتْ دربها الطويل ضحايا
وصراخاً وادمعاً وأنينا
كيف جاءت وأين تغدو وماذا
تبتغي هذه التي تجتوينا؟!
ما اسمُها؟ ضجَّت الأعاصيرُ لمَّا
سألوها، ورددتْ (كاترينا)
(كاترينا) أما ترون يديها
كيف هزَّتْ قلاعكم والحصونا؟!
أو ما تسمعون وقْع خُطاها
أَورَثَ العقل حيرةً وجنونا؟!
مالكم - ويلكم - وقفتم حيارى
وفغرتم أفواهكم واجمينا؟!
أنتم القوَّة العظيمة هيَّا
حطّموها، وأمّنوا الخائفينا
وجِّهوا نحوها أساطيل جوّ
واملؤوا البحر للدِّفاع سفينا
أمطروها بسائل الغاز حتى
تقتلوها قتلاً فظيعاً مُهينا
حرِّ قوها بناركم، مزِّقوها
كضحايا العراقِ حتى تَلينا
عندكم خبرة القتال، رأينا
في بلاد الأَفغانِ منها فُنونا
ورأينا العراق يجري دماءً
بعد أن صار في يديكم رهينا
(كاترينا) هيَّا اسمُلوا مقلتيها
بالمسامير، أَغمِدُوا السكِّينا(60/41)
عندكم خِبرَةُ السجون فهيَّا
أَسِكنُوها في (قونتنامو) السُّجونا
أجهزوا - أيها الصقور - عليها
قبل أن يَهزِمَ اليقينُ الظُّنونا
بادروها بجيشكم، واستعدُّوا
قد أتتكم (ريقا) بما تكرهونا
جَنْدِلُوا هذه وتلكَ سريعاً
أولستم بجيشكم قادرينا؟!
نحن - والله - لا نريد هلاكاً
للضحايا، ولا نريد فُتونا
غير أنا نقول قوْلَةَ حقّ
يصبح الظنُّ في مداها يقينا
يُمهل الله خلقَه ويُريهم
طُرُق الخير عَلَّهم يَسلكونا
جعل العفو واحةً وغصوناً
وارفاتٍ تظلِّل التائبينا
بابُه مُشرعٌ لكلِّ منيبٍ
بابُ خيرٍ يستوعب العالمينا
فإذا أسرف العباد وجاروا
وتمادوا وروَّعوا الآمنينا
قال: كُنْ، خالقُ العباد فكانتْ
لَمْحَةُ العينِ مُهلَةَ الظالمينا
يا ضحايا غرورهم وهواهم
كم ننادي غروركم فاسمعونا
اسمعونا فربما جاء يومٌ
مُثْقَلٌ يملأُ المسامع طينا
اخرجوا من مغارةِ الوهم إنَّا
لنراكم في ليلها غارقينا
احرسوا شعبكم بعدلٍ، وإلا
فعليكم أوزارُهم أجمعينا
ما دهاكم، أما كفى ما رأيتم
من ملايين شعبكم هائمينا؟!
لحظةٌ من إرادة الله دكَّتْ
ما بنيتم من القلاع سنينا
مَنْ رأى البحر هائجاً، وتمادَى
دوَّنتْه الأمواجُ في الهالكينا
شعراء مصر والسودان >> محمد عفيفي مطر >> الأرض القديمة
الأرض القديمة
رقم القصيدة : 66907
-----------------------------------
رأيتُها في صكوكِ الإرثِ مكتوبه
سِفْراً من الإنسان والإزميل
والحجرِ
رأيتُها من شقوق الصيفِ
مسكوبه
غاباتِ أيدٍ ترعرعُ في دم الشجرِ
وأَوْجُهاً من حميم الطمي مجلوبه
منسوجة بالفروع الخُضَر والثمرِ
وأعظُماً غالبتْ أكفانَها، انقلبتْ
فراشةً حمراءَ مخضوبه
بالنار والغيم والرَّهَج الدوّارِ في
السفرِ..
كانت صكوكُ الإرثِ مختومه
بخاتم ملتهبٍ وأحرفٍ مشويّه
وكان في أطرافها من سلّة الأيامْ
زخرفةٌ كوفيّه
وأَثَرُ القوافلِ المغبرَّةِ الأعلامْ
والزحمةُ التي تشبهُ عشَّ البومه
وطرّةُ السيّافِ والإمامْ(60/42)
والصرخةُ المكتومه !
حين تقصّفتْ أصابعي ويبستْ
مفاصلُ الراحلة الملعونه
وقفتُ في الصحراء تحت الشمسْ
أنتظرُ الطغراءَ والأوامرَ الميمونه
كي أستطيع الهمسْ .
وقفتُ في الصحراء واجماً مُقنَّعاً
أنظر جِلْدَ الأرضْ
مستبدلاً منتسخاً مرقَّعا
وكلما ثبّتتِ الشمسُ رماحَها
الحمراءَ في جمجمتي
قطعتُ رحلةَ الوقوفِ بالقراءه..
(أُخرج من غيابة العباءه
صحائفَ الإرثِ المقدّسه
وكلما تخرّقتْ سطورُها
بالأَرَضه
تهدّمتْ مدينةٌ على رؤوس
ساكنيها
أو سقطتْ تحت نعال الروم
قلعةٌ أو مملكه
أو زحفتْ حدودُنا وسوّرتْ
مواطىءَ الأقدامْ..).
لو أن هذي الشجره
لم تجدلِ الجذورَ للأعماقْ
لو أنها لم تطبخِ الضوءَ بجوفها
وتغزل الأوراقْ
لما تملّكتْ شبراً على مملكة
الصعوِد والهبوطْ
تمتدّ فيه أو تطرح ظلَّها المنقوشَ
بالزَّهَرْ..
أراكِ يا غزالةً بريّه
تنتظرينني خلال كلِّ جبلٍ بجوف
كل شجره
وتركضين في الغمامة المسافره
لو نبتتْ أصابعي المقصوفه
لكنتِ - يا غزالتي البريّه -
صبيّةً فتيّه
تمنحُني كعكتَها المقدّسه
وشالَها المهدودبَ المنقوطَ
بالسنابلِ الحمراءْ..
شعراء مصر والسودان >> محمد عفيفي مطر >> هذا الليل
هذا الليل
رقم القصيدة : 66908
-----------------------------------
هذا الليل يبدأ
دهر من الظلمات أم هي ليلة جمعت سواد
الكحل والقطران من رهج الفواجع في الدهور!
عيناك تحت عصابة عقدت وساخت في
عظام الرأس عقدتها،
وأنت مجندل - يا آخر الأسرى...
ولست بمفتدى..
فبلادك انعصفت وسيق هواؤها وترابها سبياً -
وهذا الليل يبدأ،
تحت جفنيك البلاد تكومت كرتين من ملح الصديد
الليل يبدأ
والشموس شظية البرق الذي يهوي إلى
عينيك من ملكوته العالي،
فتصرخ، لا تغاث بغير أن ينحل وجهك جيفة
تعلو روائحها فتعرف أن هذا الليل يبدأ،
لست تحصي من دقائقه سوى عشر استغاثات
لفجر ضائع تعلو بهن الريح جلجلة
لدمع الله في الآفاق..
هذا الليل يبدأ
فابتدئ موتا لحلمك وابتدع حلما لموتك(60/43)
أيها الجسد الصبور
الخوف أقسى ما تخاف.. ألم تقل؟!
فابدأ مقام الكشف للرهبوت
وانخل من رمادك، وانكشف عنك،
اصطف الآفاق مما يبدع الرخ الجسور..
--------------
27/3/1991
معتقل طرة / محمد عفيفي مطر
شعراء مصر والسودان >> محمد عفيفي مطر >> نداءات على الجدران
نداءات على الجدران
رقم القصيدة : 66909
-----------------------------------
نداءات على الجدران لم تقشرها الاظافر ولم يغسلها المطر
اختبىء ياقطاراً يهرول في الحلم،
صوتك يخلع ريش النشاز الملون، يسقط بين
الصدى والصدى، وتصنفره شفرات الأظافر،
يدخل أوركسترا الأسر.
فلتختبىء ياقطار يهرول في الحلم،
فالأرض مكشوفة المحطات مفتوحة تحت ضوء السفر
اختبىء فالإقامة مأهولة بوحوش القرابة
والألفة الناعمة.
.
جسد للعشيرة، اعضاؤه انفرطت
كالعناقيد في ورق الملصقات- الأفيشات- وهج
النيون المشاكس.
حط الظلام
فهل ينفر النهد تحت الأكف وتلتم رهط العناق
الصريح وهل يفتح الليل مضيفه للتخاصر
والجنس؟ هل تفلت الشهقات المقيمة في اللون، هل؟
.
تنفست حقائب الوطن، يالله،
هل يملك كل هذه الملابس الداخلية؟!
وبعثرها في الريح، فهل كل هذه الألوان من
شمس واحدة؟!
وغربت الشمس
فكل طريق صباح وكل صباح طريق.
.
العصافير تنسج اعشاشها في
حديد الشبابيك والارفف الخشبية في المكتبات
وفي الحافلات المليئة بالزحمة الضاحكة
والعصافير تنسج اعشاشها تحت ليل من
الشعر المستعار وفي خوذ الشهداء
واحذية الهاربين
.
أسرعوا اسرعوا.. فالبلاد القديمة
ركضت خلفكم، واكتبوا واكتبوا.. فالبلادالقديمة
قطعت شجر الأبجدية.
مطلع جاهلي يجيء
تطلع الشمس في الذاكرة
تحت ايقاعه يستضىء
وطن للخراب الطلولي،
نهر تجررّه الصرخة الغائرة.
.
صخب، وبلاد تجلجل في حجر السمع،
والرعد يزرع أعضاءه..
انتظروا.. تصهل الخيل في الأروقة ..
شعراء مصر والسودان >> محمد عفيفي مطر >> كنا معا..
كنا معا..
رقم القصيدة : 66910(60/44)
-----------------------------------
كنا معا.. بيني وبينك خطوتان
كنت صراخ اللحم تحت السوط حينما
يقطع ما توصله الأرحام
وشهقة الرفض إذا انقطعت مسافة الكلام
بالسيف أو شعائر الإعدام
كنت أحتاج الضوء والظلام
وثغرة تنفذ منها الريح
لليائسين من أرغفة الولاة والقضاة
والخائفين من ملاحقات العسس الليلي
أو وشاية الآذان في الجدران !!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد على جنوني
أشهد على جنوني
رقم القصيدة : 66911
-----------------------------------
أفتتح الحب بك و الفرح
و أتوجك
في مملكة الذاكرة أميراً
يرفل في حرمانه ..
رعيته من العشاق و الأزهار و العصافير
و القواقع التي تغلي حياة سرية
داخل أصدافها القاسية البكماء
على شطآن حارة لبحار منسية ...
***
أفتتح الضوء بك
و أشهد بانهيارات أكواخ وطني ...
و شظايا زمني
و بليالي الغربة في فنادق القطارات
أشهد بالتشرد
و عزف المتوحدين في المحطات
أشهد بالقتل و الدمع الأسود بالكحل ...
اشهد بالبوم اللطيف و بحبري
و أوراقي و خواتمي و غيتاري
***
أشهد بالنوم على بركان
و بممحاة النسيان
أشهد بالبجع و الغزال و القارات و العناصر
أشهد بالعاصفة تطاردني
و بالشراسة المائية المعدنية الحجرية تحاصرني ..
***
أشهد بدمي و دمك و سلالات الأسرار
و مواقد العشاق في البراري
أشهد بالبحر
و النجوم في ليلة صحراوية صافية
أشهد بالشاي البارد في مطارات الوحشة
أشهد بكل ما أحببته أو كرهته
بكل ما طعنني و طعنته
أشهد أنني أحبك
***
أشهد بسكين البوصلة و ليلة الشمس
أشهد ب" نعم " و "لأ " و بالعودة الى التفاحة
أشهد بفجر القلب العاري و المرايا المكسورة
بوداعات مكهربة بعناق اللغم بمباهج السم ...
أشهد بنزوات مطلقة الصراح
حتى جنون الصحو
***
أشهد بالعصافير تطير من عينيك
الى قلبي
أشهد بقهوة الصباح معك
ذات فجر غابر في " الحي اللاتيني "
أشهد بالثلج
فوق تلة " مونتمارتر " و سلالمها
أشهد بأصابع الرسامين(60/45)
الملطخة بالأصباغ و النيكوتين
و هم يرسموننا معا في ساحة " التيرتر "
أشهد أنني أحببتك مرة .... و ما زلت ..
***
و اذا أنكرت حبي لك
تشهد أهدابي على نظرة عيني
المشتعلة حتى واحتك
و اذا تنصلت منك
تشهد يدي اليمنى على اليسرى
و أظافري على رسائل جنوني بك
و تشهد أنفاسي ضد رئتي ..
و تمضي دورتي الدموية عكس السير
ضد قلبي
و تشهد روحي ضد جسدي
و تشهد صورتي في مراياك
ضد وجهي ...
و تشهد الأقمار الطبيعية و الاصطناعية
ضد صوتي
***
و حتى يوم أهجرك - أو تهجرني -
لن أملك
الا التفاتة صبابة صوب زمنك ...
لأشهد أنني أحببتك مرة ... و ما زلت
....
26/9/1985
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بأعمدة النسيان السبعة
أشهد بأعمدة النسيان السبعة
رقم القصيدة : 66912
-----------------------------------
فتحت باب الأمواج
و سبحت صوبك
و مررت بالمحيطات السبعة لأهوالك
المفروشة بجثث عرائس البحر الجميلات
اللواتي أحببنك قبلي ...
و حين وصلت الى جزيرتك
وجدتها سرابية و مكهربة ...
و تحول صوتي الى فقاعات ...
و جسدك الى أعشاب بحرية قاتمة
التفت حولي كقيد ..
***
فتحت باب التراب
و زحفت اليك في سراديب الحمى
عبر القارات السبع لبراكينك ...
فملأت حنجرتي المشتعلة حبا
برماد شهيتك
لإذلالي و امتلاكي ...
***
و باسم " الحب "
حاولت أن تحيط عنقي بشريط هاتف
و تربطني الى ساق السرير
ككلب صغير
يقطن الانتظار
و يهذ بذيله مرحبا بك باستمرار
***
و حين فتحت باب الفضاء
و هربت الى كوكب حريتي و صدقي
رميتني بالغرور
و اليوم أحمل غروري وردة صفراء
و أغرسها في شعري
ليضيء بها طيراني
الى أعمدة العبث السبعة
***
لكنني أعترف بصدق حزين :
لقد أحببتك حقا ذات يوم
ولولا عكاز الأبجدية لانكسرت أمامك !
.....
31/12/1985
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد على بصمات شاعر
أشهد على بصمات شاعر
رقم القصيدة : 66913
-----------------------------------(60/46)
حبيبي وقع لي ديوانه الشعري
ثم وقع البحر وقع الأفق
وقع الأشجار و الأزهار و العصافير...
وقع الشمس و القمر و قطات المطر
وقع الأرصفة و المقاهي و ضحكات الأطفال
وقع قلمي
ثم وقعني و مضى ...
***
حبيبي ترك بصماته على الليل
فولدت النجوم ...
***
أحدق في شجرة تركض
و سمكة تتجول على الرصيف
و سلحفاه تخلع صدفتها مهرولة كأرنب
و قطط تراقص الفئران بود و أمان
***
و ثعلب لطيف يدفىء عنق عجوز باريسية ثملة بذيله
لقد تبدل العالم قليلا
فهل يعني ذلك أنني عاشقة ؟...
....
1/12/1986
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد على عصيان
أشهد على عصيان
رقم القصيدة : 66914
-----------------------------------
أشهد على عصيان
.
... و لن أغفر لك
فقد تآمرت علي مع أعماقي ..
و منعت التجول في شوارع عمري..
و أعلنت الأحكام العرفية في شبكتي العصبية ...
و ها أنا أسيرتك !
أركض في دورتك الدموية مكبلة بالسلاسل
كجدتي الملكة زنوبيا في شوراع روما ...
***
... و لن أغفر لك
و سأعاقبك عقابا لن تنساه :
سأحبك ! ...
....
25/9/1985
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد أن زمنك سيأتي ...
أشهد أن زمنك سيأتي ...
رقم القصيدة : 66915
-----------------------------------
أسبح عكس التيار
خارج قطيع الأسماك المذعورة لأعود اليك ..
و ها أنا من جديد هناك
في بيروت المكنفة بفلاشات عدسات التصوير
و روائح احراق النفايات و الجثث
و ظلال الحرائق على أعمدة البكاء
كمدينة ضربها الطاعون
طالعة من أساطير اللعنة
و أكمام العصور المنقرضة ...
***
حتى النوافذ تنكرت لنا
و لم نعد نرى عبرها
و لكن يرانا المسلحون من الخارج بوضوح
و نحن نلملم أطراف الحذر
و نأوي كالجراذين الى أوكارنا في الدهاليز
حين يرفع القصف عقيرته بالنباح الأسود...
***
اقترفت خطيئة فتح نافذة للتجسس على الشمس
شاهدت الرجل المسلح يختال في الأرض مرحا
على جثث الشوارع الخاوية ...
ذراعه بندقية(60/47)
لم تعرف طلقاتها غير قلوب الأبرياء و الأطفال ...
شاهدت أوراق الأشجار تموت و تتساقط حين مر
و الأزهار تذبل فجأة
و الألوان تهرب من المرئيات
مثل صورة تلفزيونية ملونة
تستحيل بيضاء و سوداء ..
و العصافير تطلق صيحات الذعر
و هي تفر من دربه ...
و السيارات تنقلب على ظهرها
كالصراصير المعدنية الميتة ...
و المسلح يمشي
تتصاعد أبخرة الكبريت الخانقة من أنفاسه
الحوامض الكاوية تتفجر من موضع قدميه...
عند المنعطف التقى بالمسلح ضبع مخيف...
فانضم اليه بعدما تعانقا بحرارة...
أغلقت النافذة
أحصيت أعضائي..
تلمست بطاقة سفري...
***
ولم تعد الغابات ملعبنا و الشطآن الليلية
ها نحن محشوران داخل بكاء الأطفال في الملجأ
و الفئران تقرض أطرافنا و بطاقات هويتنا و أحلامنا...
و نحيب خافت لمشلولة يصم اذاننا كالقصف..
ولد صغير يسأل بالحاح مخبول كلما سقطت قذيفة
" ماذا يحدث " ؟
من يجرؤ على أن يقول له
أنهم يحاولون اقتسام الجوهرة المسروقة النادرة
منذ ثلاثة عشر عاما و يفشلون ؟...
من يجرؤ على أن يشهد عكس الريح ؟
***
عبثا يسطون على دفء القلب
اني أتذكر ...
أحارب الجدران بنوافذ الحلم ..
ذلك الصباح منذ ألف عام
وجدتك مرميا على الشاطىء أمامي
شهيا و دافئا كعشبة بحر استوائية
لكنني أعدتك الى الموج..
شكوت لي الملمس البارد لعرائس المحيطات
و أهديني مركبك
فصنعت من سرير عرس
عبثا يحوله ضباع الليل و دبابيره
الى تابوت ..
***
هذا ليس زمنك
أيها المرهف شفافية و عذوبة
هذا زمن اعدام العصافير
و الأطفال و الفراشات و النجوم ...
و أنت تدفق الحنان صوب كائنات الله كلها ...
هذا ليس زمنك
لكنني أشهد عكس الريح
على أن حبك وحده سيبقى
و أزهارك الربيعية اتية من ميتاتنا العديدة...
لتنمو كنباتات الأساطير
فوق القبور المنبوشة
و أشلاء المخطوفين..
و شفاه شققها الأنين...
و سأظل أحبك عكس الريح
ريثما يطلق الموت سراحي
......
26/10/1986(60/48)
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بالحبّ
أشهد بالحبّ
رقم القصيدة : 66916
-----------------------------------
أشهد عكس الريح
على زمن عدواني عكس القلب...
و أشهد بالمحبة
على كوكب في مدارات الكراهية ...
و أقف بالرفض
أمام مستنقع الرمال المتحركة الشاسع
بين عدن و طنجة ...
و أعلن أن "لا"
لن نركع للبشاعة
و لن نرضى برؤية الحصان العربي الجميل
بعيدا عن براري الضوء
في اسطبل التدجين ...
أشهد عكس الريح
على زمن بشع
كوجه قواد عجوز عبثا تجمله أقلام التزوير
و أشهد بالحب
على أحزان الرماح المكسورة ...
.......
2/12/1986
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بأصابع الأشجار
أشهد بأصابع الأشجار
رقم القصيدة : 66917
-----------------------------------
ها هو نهر الزمن يجرفك ...
و الأشجار تلوح
بأذرعها الشبحية الرياحية
"وداعا"مرسومة بالأخضر...
و العصافير تعول بمناقيرها المكسورة ...
و أنا أتامل المياه تغمر وجهك
الذي كان يوما منارتي ...
و لا أقول شيئا ...لكنني أتثائب
***
لقد ألفت هذا المشهد
و كنت أعرف منذ البداية
أنني وجدتك لأضيعك
و أحببتك لأفقدك
فقد التقينا مصادفة
و أنت ذاهب الى فرحتك بمجدك ...
و أنا راجعة من ضجري بكل ما يفرحك الآن ...
و كنا سهمين متعاكسي الاتجاه
و كان لا مفر من الوداع كما اللقاء ...
***
أودعك بغصة صغيرة ..
فلحظة عبر كل منا صاحبه
أضاءت الدنيا كلها لبرهة
كما البرق المفاجىء في سماء صيفية ...
و شاهدت حقيقتي الهشة ..
و حقيقتك الهزلية
و لكن أمطر الحب دفئا ...
و في الاعصار امتزجنا
و توهمت العناصر أن لا فراق لنا ...
جميل أننا التقينا
و مريح أننا افترقنا ...و دخلنا في التثاؤب...
.......
30/10/1985
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بالهذيان
أشهد بالهذيان
رقم القصيدة : 66918
-----------------------------------
ضبطت نفسي متلبسة بحبك
مثل لصة صغيرة
تسرق رغيف حنان ..
***(60/49)
وسط موقد الحمى
رأيت جنوني بك يتلهب
و انتظاري لهبوب رياحك
لا ينتهي ..
***
ضبطت نفسي متلبسة بالهذيان
أمام الأقمار الاصطناعية
ووهم حضورك ..
بينما كنت أنت مشغولا
بقطف رأس امرأة أخرى ..
لم أشعر بالغيرة
بقدر ما وعيت عظمة حماقتي !
--------
21/1/1985
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> اشهد برجل على صهوة رسالة.
اشهد برجل على صهوة رسالة.
رقم القصيدة : 66919
-----------------------------------
ذلك الرجل
الذي استطاع اقتحام مملكتي
على صهوة رسالة .. أحببته...
***
خارق العذوبة و الكبرياء
نقاء صحاري طهرتها الشمس
طوال عصور من اللهيب ..
ايها القادم من مسقط رأس أجدادي
و مسقط قلبي ..
أطلق سراحي من حريتي ..
خذني اليك
أجهز علي بحبك ..
هل ترضى بأن تموت امرأة مثلي
بغير خنجر العشق المستحيل ..؟
***
اني أحرضك على قتلي ..
فليجلبوا حروفي بعد مصرعي
كأحد الشهود على براءتك
من هدر دمي
على أرصفة الغربة ...
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بفرح عرفته
أشهد بفرح عرفته
رقم القصيدة : 66920
-----------------------------------
متوحشة و حزينة
مثل درب جبلية تفضي الى البحر
تشتعل الغابات على طرفيها
و يهب رمادها على ريعان الموج البعيد ...
متوحشة و حزينة غادرتك ..
ولست مدينا لي
بغير فرح عرفته معك ...
***
مرصودة لحزن كبير ؟
لم أجهل هذا في أي يوم ...
سأذهب وحيدة الى الليل الأخير ؟
كنت دوما موقنة من ذلك ...
سأمضي الى البحر كأنني ساستحم
لكنني وحدي أعرف أنني ذاهبة الى القاع
لأبحر وحيدة في المياه المظلمة
وسأقفز اليها من منارة القارات
المتوجة بالأضواء ...
بينما الموت يراودني عن نفسي ...
واستسلم لحبه
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بالسفن الغاربة
أشهد بالسفن الغاربة
رقم القصيدة : 66921
-----------------------------------
لماذا كلما تذكرتك
اسمع صوت السفن الغاربة
عن شواطئ أحبتها
و هي تطلق صرخات الوداع(60/50)
مثل طيور استوائية
فاجأها اعصار الطوفان ...
هل يعني ذلك أنني .... أحبك .. ؟!!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> اشهد بطوابع البريد
اشهد بطوابع البريد
رقم القصيدة : 66922
-----------------------------------
اتمزق شوقا الى سماع صوتك ...
الان
لا قبل عشر دقائق
و ربما ليس بعد ...
***
تطلع اليّ من أعماقي
مثل بركان عبثاً أطمر فوهته
و أسترها بالطحالب و الابتسامات
و طوابع البريد ...!!
***
توهمتني أحب باريس
ربما لأنني التقيتكما معاً ...
و الان و قد فقدتك
تجثم باريس على صدري
حجر قبر ...
أضواؤها و مسارحها و زينتها الساطعة
تتدلى
مثل مصباح مكسور فوق جبيني ....!!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد على مخاوفي
أشهد على مخاوفي
رقم القصيدة : 66923
-----------------------------------
و لم أكن لأثق بك
اذا صافحتني
خشيت أن تسرق أصابعي ....
و اذا قبلتني
أحصيت عدد أسناني ....!!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد برجل ليس لي
أشهد برجل ليس لي
رقم القصيدة : 66924
-----------------------------------
ألعن تلك اللحظة المباركة
حين اصطدم مركبي بجزيرتك
و تحطم
و أسعده حطامه
و عشق شطآنك .....!!
***
ألعن تلك اللحظة المباركة
و أنا أهرول كعادتي
في دروب مدينة ليست لي
لأحلم برجل ليس لي ....!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بلا ..
أشهد بلا ..
رقم القصيدة : 66925
-----------------------------------
أنه عالم غريب يا حبيبي
فخبئني داخل صدفة حبك
و أحكم اغلاقها علي
كي لا أرى حمامة السلام
و قد حملت رشاشا
و انطلقت تحصد رفاق الامس !!
لا أريد ... !
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بالضوء والنار
أشهد بالضوء والنار
رقم القصيدة : 66926
-----------------------------------
لا تحزني من اجلي يا دمشق ....
لقد عرفت الضوء و الحب و الفرح
و انا أرحل من كوكب الى آخر ...
و من جرح الى آخر ....(60/51)
و من حريق الى زلزال الى انهيار
الى رحلة صيد في قاع البحار .....
***
احزني من اجل الذين يرحلون
من الولادة الى الموت
دون ملامسة الضوء مرة
أو النار ....!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بأجنحة نسائك
أشهد بأجنحة نسائك
رقم القصيدة : 66927
-----------------------------------
خلف جفون حبنا
أية أسرار تختبئ ...؟
أية ستائر تنسدل ..
لتخفي خياناتنا المتبادلة ...!
***
كفك المبسوطة التي أحبها ...
لكنني لن آكل عنها قمح الاحلام ....
فقد شاهدت أجنحة النساء
اللواتي عشقنك ..تذوب كالشمع
حين تلامس الحبات شفاههن ....
***
الدخول الى قلبي عسير يا سيدي
لأن الخروج منه مستحيل ....!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد على حماقة جميلة
أشهد على حماقة جميلة
رقم القصيدة : 66928
-----------------------------------
كنت منفية الى حبك الطلسم
داخل الاختناق
و ها أنا اليوم
مطلقة السراح من وهم اسطورتك
كأية فراشة جشعة
تطارد أزهارها و شموسها ....
***
كان أطرف ما في حبي
لصورتك النجمية الموشومة في وهمي
أنه يمكن أن أمر بك في الشارع
و أراك ولا أعرفك
و أظل أبحث عنك
داخل صورتك في الصحف ...
و أناديك ....!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد على شهريار
أشهد على شهريار
رقم القصيدة : 66929
-----------------------------------
أرتدي قناع الصمت ..
و عباءة الريح الغامضة ..
ووشاح شهرزاد ...
و أثرثر
كي لا أقول شيئا ...
***
شهريار لم يألف الحوار مع نسائه
الا عبر سيافه
و صدقي سيخيفك ...
***
لذا أحدثك ساعات
و كل ما كنت أود قوله
تكفيه ثانية وهاجة
كومضة برق
أهمس فيها بأسى :
أحبك أيها الشقي ...!!!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد على شاعر آخر أحببته
أشهد على شاعر آخر أحببته
رقم القصيدة : 66930
-----------------------------------
منذ ألف عام ...
شاعر يموت في فندق بحري
و صبية تتسكع امام الباب(60/52)
على رصيف الاحلام تنتظر مركبا تجهله
سيرسو حاملا حبيبها المجهول
دون ان تحين منها التفاتة الى نافذة المحتضر ..
و مر الف عام
كبرت الصبية و صارت " انا "
و اكتشفت حين تعلمت القراءة جيدا
ان الشاعر الذي ابحر به الموت ذلك الزمان
كان الرجل الذي احبت
و كان اسمه بدر شاكر السياب
***
لقد وقع خطأ بسيط :
قرأت حروفه بعدما رحل به المركب
ووعيت انه الرجل الذي كنت انتظر
و لكن بعدما مضى !..
اهذا قدر الفنان ؟
خطأ صغير في التوقيت
مع القراء و الزمان ؟...
و هل سيبكيني حبيبي الحقيقي
على باب الفندق
و لكن بعد رحيلي على ذلك المركب
بعد ذلك بسنوات طويلة ..!
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بنخلة عربية
أشهد بنخلة عربية
رقم القصيدة : 66931
-----------------------------------
حنجرتي محشوة برمال عصور
من صحاري الصمت
لكنني أصرخ رعدا : أحبك !
***
لا تخرج من دمي
طموحي اليك شاسع و متجدد
و مع حبك
القناعة كنز لا يفنى ...
***
حينما اسمع صوتك
اغادر به الجرح و السرداب و الحرب
لأعود الى اصولي جنية مباهج
و نغطي همساتنا بقناع الضحك
بينما يتجسس علينا
جواسيس الأقمار الاصطناعية ...
ثم يعلو المد و يفيض الوجد بحرا
فنصمت
لحظة صمت متوحشة الأشواق
كعناق صحراوي مشبوب
في ليل الدفء و الظلمة ...
***
لحظة صمت تعلو فيها حكايا الف ليلة و ليلة
و صرخات قيس و انتحاب ليلى
و هذيان كثير و عزة
و ضحكات الغدير و السراب و الواحة ...
لحظة صمت من الكهارب
و السيالات الروحية المتبادلة
و نتفاهم بما وراء اللغة
و الكمبيوتر " الجاسوس " المسكين
لا يلتقط من تلك الآكوان المشبوبة
و هو يرصدنا
غير لحظة صمت خاوية ...
***
أحببتك رجلا لكل النساء
للدورة الدموية لاجيال من العشاق
و سعدت بك فاشتعلت حبا
اغمر به حتى عابري السبيل
و كدت اتوه عنك
و اشرد من بين اصابعك ..الى غيوم الضوء ...
***
رحابتك تطلقني الى المدى
صباح الليل يا سيدي
و كل صباح لا يشرق صوتك فيه(60/53)
ليل منفى كئيب
يصير فيه الاسبوع
سبعة قرون ...
***
بين ثلوج الغربة
نمت بذرة حبك
فكانت نخلة عربية ...
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد برجل على صهوة رسالة
أشهد برجل على صهوة رسالة
رقم القصيدة : 66932
-----------------------------------
ذلك الرجل
الذي استطاع اقتحام مملكتي
على صهوة رسالة ...أحببته
***
خارق العذوبة و الكبرياء
نقاء صحاري طهرتها الشمس
طوال عصور من اللهيب
ايها القادم من مسقط راس اجدادي
و مسقط قلبي
اطلق سراحي من حريتي
خذني اليك
اجهز علي بحبك
هل ترضى بان تموت امراة مثلي
بغير خنجر العشق المستحيل
***
اني احرضك على قتلي
فليجلبوا حروفي بعد مصرعي
كأحد الشهود على برائتك
من هدر دمي
على ارصفة الغربة ...
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد على ضيف غريب الأطوار
أشهد على ضيف غريب الأطوار
رقم القصيدة : 66933
-----------------------------------
امام ذلك الصديق الصامت
تشاجرنا
قلت لي انني ابريق عتيق
و قلت لك انك جورب مثقوب ..رث كالزمن
و هو صامت ..
اكدت له انني كاذبة كقديسة
اكدت له انك بروليتاري مزور
كالانابيب الباهظة التلوين
في جدران " البوبور "
و هو صامت
***
و ضربتك بطابات التنس الصفر
فأهلت على رأسي كتبي ..و اورارقي ...
و حين طعنتني ببطاقة سفرك
لوحت لك بعلم النسيان و اللامبالاه ..
و هو صامت ..
***
و تناثر ريشي و ريشك في فضاء الغرفة
و انت تقسم بالليمون انك ستتفرغ لكراهيتي
و انا اقسم بالكحل على الكيد لك بالتعاويذ
و هو صامت ..
لعنت لك ....و شتمت ....و الافعى معا
ثم لا اذكر كيف ...تعانقنا فجأة
و تصالحنا و هو صامت
و رقصنا حتى مطلع الفجر
و غنينا احلى اناشيدنا في تمجيد التفاحة
و لم نكلم بعدها ذلك الصديق ابدا ...
***
جبنا غريب الاطوار
ممتلىء السرة بالرمل
كالطفل الناجي من قارة ابتلعها البحر للتو
مدهش
كضحكة عجوز قادمة من اعماق القلب ..
ناشز(60/54)
كقبعة رياش ملونة على رأس راهبة ...
قد اهمسك بفتور
او اكتبك بالجنون و الشوق خاتمة العشاق
او اناديك مقتولة بكراهيتي لك
و بحبي في آن
ثمة شيء من الهذيان بيننا
اغلق حبي على نسيانك
فتلود النوافذ المشرعة من الجدران
و تظل تركض ظلالك في عروقي
ركض النار في الغابات
و اكره و احب انسيابك المتوحش
في انهار شرايني و رمالي المتحركة ..
كأنك كائنات السر و الطحالب السأم معا
و لا شفاء منك الا بتلك الممحاه السحرية
الملقبة بالنسيان
و لكنها لا تباع الا في دكان الموت ..
فمن يشتري لي ؟
أم ان النسيان هو الهدية المستحيلة ؟...
***
حبك ضيف لا يطاق ..
يأتي حين لا اكون مستعدة لاستقباله ...
يدخل من النافذة و يحتل فراشي
يرفع قدميه الموحلتين فوق وسادتي الحريرية ...
ينفث دخان غليونه داخل رئتي
يرد على هاتفي و يطرد اصدقائي ..
يتناول دفتر مفكرتي
ليشطب ما يشاء من مواعيدي ...
***
يملي علي تسريحة شعري
ولون ثيابي و اقراطي
و نبرة ضحكتي و ايقاع مشيتي
و صابون حمامي و نبضي ...
يأمرني بشراء شمعة سوداء
ووردة حمراء
و يرمي باوراقي
كي ينضد احذيته في مكانها
و يفهمني منذ البداية
انه لن يقيم معي ابدا
لكنه يرفض اطلاعي على مواعيد طائراته
و جدول اعماله و بوصلاته السرية ...
اثور عليه و لكنه يرسم لي
جداول مواعيد نومي و صحوي ..
و يكتب لي احلامي التي ساراها و كوابيسي
استسلم منهكة
و اصير دمية بين يديه
و انهض ليلا و انا اهذي باسمه
فاجد النوافذ مشرعة
و جلالته رحل
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد على جنون مدينة
أشهد على جنون مدينة
رقم القصيدة : 66934
-----------------------------------
شاهدت امراة عمياء
تزين شجرة ميلاد
فتتدلى منها افاعي ...
***
شاهدت بابا نويل
يساق الى الجندية مرغما
و يعبئون جعبته بالمتفجرات ..
أي جنون يجتاح هذه المدينة ؟
***
شاهدت مسلحا مقنعا
يمزق زينات العيد ..
و يلصق اوراق النعوات
على الابواب كلها(60/55)
و يختم عيون الاطفال
بالشمع الاسود
و يأمرنا بأن نقبل سلاحه
و نلعق حذائه ..
و نتوجه ملكا في شوراع القمامة و الجثث..
أي جنون يجتاح هذه المدينة ؟...
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد فراشة ليلية
أشهد فراشة ليلية
رقم القصيدة : 66935
-----------------------------------
هذه السماء المعدنية الباريسية
تكاد تقددني
بردها انياب كلاب مسعورة
و شمسها بلا حنان
و انا ملاح يكاد ملح الغربة يحرقه
***
خذني بين ذراعيك يا وطني
قبل ان يفوت الاوان
لا لا تاخذني اليك
دعني اتابع اشتعالي
فقد اضيء قليلا
مثل فراشة ليلية
في حقولك اللامنسية
***
لا اريد ان اموت على رصيفك
ببلادة ورقة خريف مستسلمة
فارتكني احترق في وهج الغربة
و احتفظ بظلي على جدارك الصلد
تذكار حب !
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بليل المحطات
أشهد بليل المحطات
رقم القصيدة : 66936
-----------------------------------
كنت افكر بعلاقة انسانية حقيقية
نحياها معا
في دهاليز احزاننا و خيباتنا
و نواجه بها الموت و الحزن و المجهول ...
و نتبادل خلع الاقنعة و الحب
في ليل المحطات الموحشة الماطرة
الملقبة بأيامنا ....
***
و كنت أنتتفكر بشيء اخر ...
و تخطط لاستعراض راقص
نقدمه للآخرين
على مسارح الفضول المتبادل و الثرثرة ...
***
.. و كنت أفكر بك توأما لعذابي ..
و كنت تجد اننا نصلح معا
لتكوين زوجي فكاهي استعراضي جديد..
***
كان حبي لك صادقا كالاحتضار
و كان حبك لي زبديا كالفقاعات ...
جئتك من باب الأعماق البحرية
فأخذتني الى كواليس الثرثرة الاستعراضية ..
***
اردتك السر
و اردتني النصر ...
مجرد نصر اضافي اخر
لشهريار المترع بالضجر ...
----
12/3/1985
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد أن حبك عيد
أشهد أن حبك عيد
رقم القصيدة : 66937
-----------------------------------
في أي غرف بيتك تقع صور حبيباتك
لأعلق لهن الأزهار و زينات العيد؟(60/56)
اعذرني ..حبي لك غير متحضر
يجهل الغيرة و شهية التملك ..
انه عفوي ..بدائي ..ساذج ..بسيط كالمطر
ينخرط في قبيلة عشقك
دونما طقوس و مراسيم
أو اوسمة او فواتير او دموع
***
افترشت الغربة و التحفت بحبك
فوجدتني في وطني
أي بركان جميل يرحب بي ؟
و عاصفة الألعاب النارية تغطي الكواكب
و أمد يدي لأقطف نجمة
و أكتشف معك
طائرا نسيته قبيلتنا منذ دهور اسمه الفرح ..
***
اسمك السر و حبك عيد
شارباك انفراجة ابتسامة الاجداد
ذراعاك ارجوحة نسيان
و داخل عينيك دروب أركض فيها الى الطفولة
و بحيرات كالمرايا أمشي فوق مياهها و لا أبتل
سعيدة لأننا نتحرك في مجرة واحدة
و لأنني مررت يوما بمدارك و لم أرتطم بكوكبك ..و أحترق
سعيدة لمجرد أنك موجود
و يكفينني أنني عرفتك... و أحببتك..
...و اعرف اسماء زوجاتك و محظياتك ..
.. و اعرف تضاريس عمرك الشرسة ووهاد مزاجك .. و أحبك
ما كان بوسعي ان احب سبورة ممسوحة
جديدة لا خدش فيها و لا طعنة ذكرى
***
أحبك لأنني عرفت معك شيئا جديدا غريبا عني
اسمه الفرح
كل اللذين احببتهم قبلك
صنعوا لي قفصا وسوطا و لجاما ..
و مقصا لأجنحتي و كمامة لأغاني الغجرية في أعماقي ..
فصار الهوى معتقلا و الحوار محاكمة
و علموني الحزن و القسوة و اللامبالاه
و الغدر و السخرية المصفرة ..
معك التقيت الشمس صافحت الضحك راقصت البراءة
و قدمت اوراق اعتمادي الى الشروق ..
و اكتشفت كم همسك الازرق جميل عند الفجر
***
لأن الحب حالة متحركة
لأن الحب ليس تدجينا للصدق و تزويرا للعمر
احبك كما انت داخل اطارك
و احب حكايا حبك لسواي
مباركة لحظات حنانك الشفاف و لحظات جنونك ...
مباركة عيون المراة التي ستحب بعدي
و التي أحببت قبلي ..
مباركة همساتكما معا ..
مبارك اشتعالك بالحب أيا كان الإناء !..
فأنا لن أفهم يوما
لماذا يجب ان يحولني الحب
الى مؤسسة مكرسة لتخريبك
و التجسس عليك
و شبكة ارهابية تحصي همساتك ..
لا أفهم لماذا يجعل الحب بعض العشاق(60/57)
اعداء لمخلوقات هذا الكوكب كله حتى الحبيب !!
***
أن احبك يعني ان اتصالح و القمر
و الاشجار و الفرح و العصافير
و العيد في وطني
ان احبك يعني انني اعلنت هدنة مع الحزن
و اعدت علاقاتي الدبلوماسية
و رقصة الليل في دمي ...
***
لا تعتب على صمتي فاللغة ( ديكور ) العواطف ..
و بعيدا عن وحل الكلمات
كبر حبي لك
زهرة مائية غامضة تتغذى بالليل و السكون ...
و ضوء القمر المتاجج فضة ..
و ثمار غابات العذوبة...
و تعال نكتشف معا ( وحدة قياسية ) للحب
غير التدمير المتبادل و جنون الامتلاك ..
***
حبك سعادة مقطرة ..أفراحك مباركة
في قلبي الذي يجهل رعونة الغيرة ...
وحده الموت يثير غيرتي اذا انفرد بك !..
***
أتمنى ان اكون ضوءا في اعماقك
و لا اشتهي تبديل تضاريس المصباح
فهل تقبل حبي ؟
و تمنحني تأشيرة دخول الى دورتك الدموية ؟
***
ابق كما انت ..عيدا
ستسعد بك النساء جميعا
بدل من أن تتعس امرأه واحدة !..
----------
1/8/1986
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أشهد بمركز الدائرة
أشهد بمركز الدائرة
رقم القصيدة : 66938
-----------------------------------
اهرول من بحر الى اخر و من طائرة الى قطار
و من رفيق الى اخر
اجمع في يدي الصغيرة مجوهرات الاحزان
ثم انثرها على الشاطىء الشاسع
و انا ارقص في مهرجان احبابي
اعبر المغاور المغطاه بازهار خرافية ووحشية الحمرة
تلتهم اللذين لم يدمغهم الحب
و اسبح في غدير تكسوه زنابق التنهدات الليلية
و اتقلب على الحرير و المخمل و الشهوات المستحيلة
و لكنني حين اصحوا
اجد نفسي وحيدة فوق ورقة بيضاء شاسعة
مثل قطرة حبر
سقطت سهوا من محبرة غامضة
***
في البدء كان حبك ؟ ...لا ....
في البدء كان الصمت الشفاف المتواطىء
في البدء كان الخريف الجارح العذوبة
في البدء كان الفراق ..ثم اخترعنا له حكاية
و سطرنا سيناريو الاشواق في دفتر الاوهام
في البدء كان الموت ..الموت
و عبثا حاربناه بالشعر و المواء الليلي المحموم(60/58)
و صندوق الفرجة و عقاقير التحنيط
***
ايتها المدينة الزئبقية
اقنعيني بانني كنت حقا
عشتك حقا
و زففتك الى النسيان
ايتها المدينة المستحيلة
امنحيني شهادة ولادة
كي اقدر على الموت
***
حبنا؟
كيف أمكن لمعجزة
ان تدوم طويلا هكذا
و ان تتكرر؟
**
منذ فقدتك استعدت صحوي
و صفاء الرؤيا
الحياة ؟
عضو ميت في جسد اثيري حي لا متناه
الحياة ؟
زحف مشلول صوب الضوء
بوضوح شاهدت الكرة الارضية
تنحسر من تحتي هاربة
حين جرؤت على رفع بقية الستارة
عن المسرح ...
***
ايها الاحمق المتوحش يا قلبي
متى تبتعد عن المرض الدائري الدواري
الملقب بالحب
و تمشي بخطى ثابتة
الى مركز الدائرة الملقب
بالموت ؟
-----
31/3/1985
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> هاتف ليلي
هاتف ليلي
رقم القصيدة : 66939
-----------------------------------
آه صوتك صوتك !
يأتيني مشحوناً بحنانك
وتتفجر الحياة حتى
في سماعة الهاتف القارسة.
آه صوتك صوتك !
_ ويتوقف المساء حابساً أنفاسه _
كيف تستطيع أسلاك الهاتف الرقيقة
أن تحمل كل قوافل الحب ومواكبه وأعياده
الساعية بيني وبينك
مع كل همسة شوق ؟!
كيف تحمل أسلاك الهاتف الدقيقة
هذا الزلزال كله
وطوفان الفرح وارتعاشات اللهفة
ومطر الهمس المضيء
المتساقط في هذه الأمسية النادرة ؟!
آه صوتك صوتك !
صوتك القادم من عصور الحب المنقرضة
صوتك نسمة النقاء والمحبة
في مدينة الثرثرة وأبواق السيارات الضحكة
والنكات الثقيلة كالأسنان الاصطناعية
مدينة بطاقات الدعوات إلى الحفلات
وورقات النعوة وشركات التأمين
مدينة المقاهي والتسكع والكلاب المرفهة وزيت الشعر
والتثاؤب والشتائم وحبوب منع الحمل
والسمك المتعفن على الشاطئ ...
آه صوتك صوتك !
صوتك الليلي الهامس طوق نجاة
في مستنقع الانهيار.
آه صوتك صوتك !
مسكون باللهفة كعناق
يعلقني بين الالتهاب والجنون على أسوار قلعة الليل...
وأعاني سكرات الحياة
وأنا افتقدك
وأعاني سكرات الحياة
وأنا أحبك أكثر.(60/59)
آه صوتك صوتك !
ترميه من سماعة الهاتف
على طرف ليلي الشتائي
مثل خيط من اللآليء
يقود إلى غابة ...
وأركض في الغابة
اعرف انك مختبئ خلف الأشجار
واسمع ضحكتك المتخابثة
وحين ألمس طرف وجهك
توقظني السماعة القارسة.
آه صوتك صوتك !
وأدخل من جديد مدار حبك
كيف تستطيع همساتك وحدها
ان تزرع تحت جلدي
ما لم تزرعه صرخات الرجال
الراكضين خلفي بمحاريثهم ؟!
آه صوتك صوتك !
وهذا الليل الشتائي
يصير شفافاً ورقيقاً
وفي الخارج خلف النافذة
لابد ان ضباباً مضيئاً
يتصاعد من زوايا العتمة
كما في قلبي
آه صوتك صوتك !
وكل ذلك الثراء والزخم الشاب
تطمرني به
وأشتهي أن أقطف لك
كلمات وكلمات من أشجار البلاغة
ولكن ...
كل الكلمات رثة
وحبك جديد جديد ...
الكلمات كأزياء نصف مهترئة
تخرج من صناديق اللغة المليئة بالعتق
وحبك نضر وشرس وشمسي
وعبثاً أدخل في عنقه
لجام الألفاظ المحددة !
آه صوتك صوتك !
يولد منك الفرد والضوء
والفراشات الملونة والطيور
داخل أمواج المساء الهارب
لقد احكمت على نفسي
إغلاق قوقعتي
فكيف تسلل صوتك الي
ودخل منقارك الذهبي
حتى نخاع عظامي ؟!
آه صوتك صوتك !
واتوق إلى احتضانك
لكنني مقيدة إلى كرسي الزمان والمكطان
بأسلاك هاتف
ومطعونة بسماعته !
آه صوتك صوتك !
وانصت إلى قلبي ...
يا للمعجزة : إنه يدق !
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> صباح الحب
صباح الحب
رقم القصيدة : 66940
-----------------------------------
وتنمو بيننا يا طفل الرياح
تلك الالفة الجائعة
وذلك الشعور الكثيف الحاد
الذي لا أجد له اسماً
ومن بعض أسمائه الحب
منذ عرفتك
عادت السعادة تقطنني
لمجرد اننا نقطن كوكباً واحداً وتشرق علينا شمس واحدة
راع انني عرفتك
وأسميتك الفرح الفرح
وكل صباح انهض من رمادي
واستيقظ على صوتي وأنا اقول لك :
صباح الحب أيها الفرح ،،،
ولأني أحب
صار كل ما ألمسه بيدي
يستحيل ضوءاً
ولأني أحبك
أحب رجال العالم كله(60/60)
وأحب أطفاله وأشجاره وبحاره وكائناته
وصياديه وأسماكه ومجرميه وجرحاه
وأصابع الأساتذة الملوثة بالطباشير
ونوافذ المستشفيات العارية من الستائر ...
لأني أحبك
عاد الجنون يسكنني
والفرح يشتعل
في قارات روحي المنطفئة
لأني أحبك
عادت الألوان إلى الدنيا
بعد أن كانت سوداء ورمادية
كالأفلام القديمة الصامتة والمهترئة ...
عاد الغناء إلى الحناجر والحقول
وعاد قلبي إلى الركض في الغابات
مغنياً ولاهثاً كغزال صغير متمرد ..
في شخصيتك ذات الأبعاد اللامتناهية
رجل جديد لكل يوم
ولي معك في كل يوم حب جديد
وباستمرار
أخونك معك
وأمارس لذة الخيانة بك.
كل شيء صار اسمك
صار صوتك
وحتى حينما أحاول الهرب منك
إلى براري النوم
ويتصادف أن يكون ساعدي
قرب أذني
أنصت لتكات ساعتي
فهي تردد اسمك
ثانية بثانية ..
ولم (أقع ) في الحب
لقد مشيت اليه بخطى ثابتة
مفتوحة العينين حتى أقصى مداهما
اني ( واقفة) في الحب
لا (واقعة) في الحب
أريدك
بكامل وعيي
( أو بما تبقى منه بعد أن عرفتك !)
قررت أن أحبك
فعل ارادة
لا فعل هزيمة
وها انا أجتاز نفسك المسيجة
بكل وعيي ( أو جنوني )
وأعرف سلفاً
في أي كوكب أضرم النار
وأية عاصفة أطلق من صندوق الآثام ...
وأتوق اليك
تضيع حدودي في حدودك
ونعوم معا فوق غيمة شفافة
وأناديك : يا أنا ...
وترحل داخل جسدي
كالألعاب النارية
وحين تمضي
أروح أحصي فوق جسدي
آثار لمساتك
وأعدها بفرح
كسارق يحصي غنائمه
مبارك كل جسد ضممته اليك
مباركة كل امرأة أحببتها قبلي
مباركة الشفاه التي قبلتها
والبطون التي حضنت أطفالك
مبارك كل ما تحلم به
وكل ما تنساه !
لأجلك
ينمو العشب في الجبال
لأجلك
تولد الأمواج
ويرتسم البحر على الأفق
لأجلك
يضحك الأطفال في كل القرى النائية
لأجلك
تتزين النساء
لأجلك
اخترعت القبلة !...
وأنهض من رمادي لأحبك !
كل صباح
أنهض من رمادي
لأحبك أحبك أحبك
وأصرخ في وجه شرطة
( كل الناس رجال شرطة حين يتعلق الأمر بنا)
أصرخ : صباح الحب(60/61)
صباح الحب أيها الفرح ،،،
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> لقد اخترقتني كالصاعقة
لقد اخترقتني كالصاعقة
رقم القصيدة : 66941
-----------------------------------
لا تصدق حين يقولون لك
أنك عمري
فقاعة صابون عابرة ...
لقد اخترقتني كصاعقة
وشطرتني نصفين
نصف يحبك ونصف يتعذب
لأجل النصف الذي يحبك
أقول لك نعم
وأقول لك لا
أقول لك تعال
وأقول لك اذهب
أقول لك لا ابالي
وأقولها كلها مرة واحدة في لحظة واحدة
وانت وحدك تفهم ذلك كله
ولا تجد فيه أي تناقض
وقلبك يتسع للنور والظلمة
ولكل أطياف الضوء والظل ...
لم يبق ثمة ما يقال
غير أحبك !!...
أنت
تركض كل لحظة فوق جبيني
مثل عقرب صغير أسود
آه السعني
اشتهي سمومك كلها
انزف ظلماتك داخلي
لأضيء ...
وحينما يأتيني صوتك
تمتلك جسدي رعدة خفية
كدت أنساها
آه صوتك صوتك صوتك
الهامس الحار
صوتك الشلال الذي يغسلني
وأنا اقف تحته
عارية من الماضي والمستقبل
وقد شرعت أبوابي
حتى آخرها ...
إدخل !!!
كالمخالب
تنشب كلماتك في ذاكرتي ...
كالسجناء
نلتقي وعيوننا معلقة على الزمن الهارب
_ العائم مثل طائرة ورقية
يلهو بها طفل لا مبال _
كشجرة لبلاب جهنمية
تنمو أيامنا حول أعصابي ...
وتأتيني يا حبيبي تطالعني
مهيباً لا يقاوم كسمكة القرش
وأبحث بنفسي عن أسنانك
كي أوسدها قلبي
وأنام بطمأنينة الأطفال ... والمحتضرين ..
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> ذكرى لمساتنا المسروقة
ذكرى لمساتنا المسروقة
رقم القصيدة : 66942
-----------------------------------
أمتلك
ذكرى لمساتنا المسروقة
كأني ورثت مجرة ...
اتأمل كواكبها
وانصب خيمة الشوق
بين مداراتها .. وانتظرك
لا تقل لي بعد اليوم
أنني أعبث بك
كما القطة تعبث بفأر حميم
تشتهي تعذيبه
اكثر مما يمتعها قتله ...
ألا ترى معي
أن كلينا فريسة
والحياة هي القط الأسود الكبير
الذي قرر أن يلهو بنا
والقدر هو الشرك
الذي يتهددنا
وما دام لا محالة
فلنستمتع بسقوطنا !(60/62)
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> حواسي النائمة
حواسي النائمة
رقم القصيدة : 66943
-----------------------------------
أيقظت حواسي النائمة
وأنعشت حماسي الممطر ضجراً
وأعدت إلي الضحك
الذي عدوت خلفه طويلا في دروب العالم
ومنذ عرفتك
لم تمر لحظة لم أهتف بها باسمك
كما اتنفس
ولم تمر دقيقة لم أكن فيها ملتهبة حماسا وعملا
حتى كدت لا أجد وقتا لك
انت يا نهر الفرح
جرفتني
خذني إلى قاعك
دعني أغرق اليك ! ...
يقول غراهام غرين :
ان الفشل شكل من أشكال الموت
أقول له :
ولكن الفراق هو الموت ...
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> هاجسي
هاجسي
رقم القصيدة : 66944
-----------------------------------
صرت هاجسي
اكتب عنك ولك
كي استحضرك
كساحرة محنية على قدرها
تخرج منه رأس حبيبها المقطوع
بك
اغادر تلك البئر السحيقة المعتمة
التي اقطنها
كن جناحي
لاطير من جديد
إلى الشمس والفرح ...
وصدرك
انها لنعمة انني أحيا
فقط لأكون قادرة على ان أحبك
ومن المؤسف ان اموت
وأنا قادرة على هذا الحب كله !
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أتذكر أيامي معك
أتذكر أيامي معك
رقم القصيدة : 66945
-----------------------------------
أتذكر أيامي معك
كمن يرى الأشياء عبر نافذة قطار مسرع :
نائية وجميلة
والقبض عليها مستحيل
من وقت إلى أخر
فلنعد أطفالا
ولنحزن بلا كبرياء زائف
يوم احتضر
سافكر بتلك اللحظة المضيئة
حين وقفنا في الظلمة
على شرفة القرار
وقلت لي بحقد : أحبك
سأتذكر صوتك
وسيجيء الموت عذبا
ويضمني كرحم الفرح المنسي
وسأهمس بحقد مشابه :
آه كم أحببتك !
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> و اعطنا حبنا كفاف يومنا
و اعطنا حبنا كفاف يومنا
رقم القصيدة : 66946
-----------------------------------
حين أفكر بفراقنا المحتوم
" يبكي البكاء طويلا ويشهق بالحسرة"
بالحسرة بالحسرة بالحسرة ،،،
أية قوة جهنمية تشدني اليك(60/63)
وأرفض التصديق انها تنبع من خارجي
وأرفض أن يقال
انه القدر يرميني اليك ...
أنا أنقذف نحوك
كوكبي يرتطم بكوكبك
أنا اخترتك
أنا ؟
أم انني لست حرة حقاً
وخيوط لا مرئية تعبث بقدري وقدرك
وبعد أن كان قطار حياة كل منا
يمضي بهدوء على سكته
تتقاطع السكك فجأة
ونرى بوضوح
أنه لا مفر من لحظة الاصطدام
والانفجار والاحتراق والدمار
وربما دمار من حولنا
ولكن
أحبك !!
لا تحدثني عن البارحة
ولا تسلني عن الغد
وربنا أعطنا حبنا كفاف يومنا
وقل لريح الفرح أن تعصف بنا
ولصواعقه أن تضربنا
دون أن تقتلنا ..
واعطنا حبنا كفاف يومنا
وكل صباح هو يوم جديد
وليس في حبنا مسلمات ولا تقاليد
وكل يوم تختارني وحدي من بين نساء العالم
وآخذك من بين رجاله
وكل يوم تاريخ مستقل بذاته
وكل ما تملكه مني ومن نفسك
هو " اللحظة "
فلنغزها بكل حواسنا
لأن الفراق واقف خلف الباب
ويد الحزن ستقرعه ذات ليلة
سنسمعه حزينا ومهيمنا كجرس كنيسة
وستدوي أصداؤه في أرجاء روحنا المكسورة ..
مادام الفراق
ضيفنا الثقيل الذي لا مفر من حلوله
تعال
ولننس كل شيء عن كل شيء
إلا " اللحظة " ... وأنا وأنت ،،،
أيها الشفاف النابض
كلهب شمعة ...
إرم من يدك قبضة خنجرك
وخذ بيدي ..
ومد جسورك إلى لحظتي
وقل لأحلام الحب الأزلي
لا نريد غداً ولا رشاوي مستقبلية ..
نحن سكان مدن الريح والموج
كل منا جسده مدينته ...
وليحتلني جرحك
ولتنحدر دموعك من عيوني ..
إلى داخل شرايينك هاجرت
واستوطنت تحت جلدك
وصار نبضك ضربات قلبي
ولم أعد أميز بين الخيط الأبيض والأسود !
وكان جسدك بحراً
وكنت سمكة ضالة ...
ولم أكن لأعبث بك
فأنا أعرف أن من يلعب بالحب
هو كمن يلعب التنس بقنبلة يدوية ! ..
ثمينة هي لحظاتنا
كل لحظة تمضي هي شيء فريد
لن يتكرر أبداً أبداً
فأنت لن تكون قط كما كنت في أية لحظة سابقة
ولا أنا ..
كل لحظة هي بصمة أصبع
لا تتكرر ...
كل لحطة هي كائن نادر وكالحياة
يستحيل استحضاره مرتين ...(60/64)
أحد مثلي يستمتع بالحب
لأنه لا أحد مثلي يعرف معنى العذاب
لقد مررت بمدينة الجنون
وأقمت بمدينة الغربة
وامتلكتني مدينة الرعب زمناً
واستطعت أن اغادرها كلها من جديد
إلى مدينة الحياة اليومية المعافاة ..
ولكنني خلفت جزءاً مني
في كل مدينة مررت بها
وحملت جزءاً منها في ذاتي
وأنت كلما احتضنتني
احتضنت الجنون والغربة والرعب
ويدهشك أن ترتعد حين تكون معي ؟..
،،،
تعال يا من اجتاحني كالانتحار
وهيمن على حواسي كساحر ..
واعطنا حبنا كفاف يومنا ...
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> و أحبك أكثر من ... ذنوبي
و أحبك أكثر من ... ذنوبي
رقم القصيدة : 66947
-----------------------------------
وتقول شفتاك للفرح : كن
فيكون ! ...
ويغرد قلبي
يحلق بين أسلاك الشمس
طائرا من نار
لا يخشى الاحتراق بأتون الغبطة
حين مستني يدك
كيد نبي
تحولت اعماقي من سراديب
ودهاليز سرية الاوجاع
_ مسكونة بأشباح تشحذ أسنانها وأظافرها على جدران
الماضي البشع _
إلى نافذة ستائرها قوس _ قزح
مفتوحة للأفق والريح والمطر والمفاجأت
وأغاني جنيات الليل العاشقات !
حين يأتيني وجهك
أصير مرهفة
كرمال شاطئ تنبض ذراته
تحت جسد ليلة صيف باهتة ..
وقرعات طبول الموج
وموسيقى النجوم الخافتة ...
وأخفق لكل ما هو طيب ونبيل
في كونك المسحور
وتندف فوق أيامي
تندف مطراً مضيئاً
يغسلني بالغبطة ..
لم أكن أدري أن الزمن
يختزن لي هذه السعادة كلها
ولا أريد أن أصدق
أن سعادتي معك الآن
هي طعم في صنارة الشقاء الآتي ...
كل هذا الحب الذي تغمرني به
أمتصه بشراهة التراب الجاف
دونما عقوقه ...
وأحبك كثيرا
أكثر حرارة من البراكين الحية
أكثر عمقا من دروب الشهب
أكثر اتساعا من خيالات سجين
أحبك كثيرا ...
أحبك حتى أكثر من عدد ذنوبي !...
وكلما ابتسمت يا غريب
أمتلىء غبطة
لأنني أعرف أنك حين تبتسم
تنبت الأزهار
في قلب الصخور بالجبال
حين تبتسم
تتناسل أسماك الشوق الملونة
وتسبح داخل شراييني ...(60/65)
حين تبتسم
تنمو حقول الياسمين الدمشقي
فوق أيامي المعدنية الصدئة ...
وأتكئ على الفجر
الذي ولا بد أن يطلع
وانتظرك
وحين تمخرني
ترحل بحاري مع مركبك دونما ندم
دونما ندم
قدري ؟
أبسط لك كفي
لا لتقرأ
بل لتكتب في راحتها
ما شئت من النبوءات والكلمات
وترسم فيها
ما يحلو لك من الخطوط والدروب والرموز
بوردتك
أو بسكينك !
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أزهار الجنون الليلية
أزهار الجنون الليلية
رقم القصيدة : 66948
-----------------------------------
في المساء
يتفتح شوقي اليك
حقلا من أزهار الجنون الليلية ...
آه كل تلك الأسوار بيننا ..
آه بيني وبين وجهك
ليل طويل من الفراق ..
وريثما يطلع الصباح
ستلفني الكوابيس كالكفن ..
وسأستيقظ كالعادة على صوتي ..
وأنا أنادي اسمك ..
وتحلم بك أحلامي ! ؟
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> أيها البعيد كمنارة
أيها البعيد كمنارة
رقم القصيدة : 66949
-----------------------------------
أيها البعيد كمنارة
أيها القريب كوشم في صدري
أيها البعيد كذكرى الطفولة
أيها القريب كأنفاسي وأفكاري
أحبك
أح ب ك
وأصرخ بملء صمتي :
أحبك
وأنت وحدك ستسمعني
من خلف كل تلك الأسوار
أصرخ وأناديك بملء صمتي ...
فالمساء حين لا أسمع صوتك :
مجزرة
الليل حين لا تعلق في شبكة أحلامي :
شهقة احتضار واحدة ...
المساء
وأنت بعيد هكذا
وأنا أقف على عتبة القلق
والمسافة بيني وبين لقائك
جسر من الليل
لم يعد بوسعي
أن أطوي الليالي بدونك
لم يعد بوسعي
أن أتابع تحريض الزمن البارد
لم يبق أمامي إلا الزلزال
وحده الزلزال
قد يمزج بقايانا ورمادنا
بعد أن حرمتنا الحياة
فرحة لقاء لا متناه
في السماء
يقرع شوقي اليك طبوله
داخل رأسي دونما توقف
يهب صوتك في حقولي
كالموسيقى النائية القادمة مع الريح
نسمعها ولا نسمعها
يهب صوتك في حقولي
واتمسك بكلماتك ووعودك
مثل طفل
يتمسك بطائرته الورقية المحلقة
إلى أين ستقذفني رياحك ؟(60/66)
إلى أي شاطئ مجهول ؟
لكنني كالطفل
لن أفلت الخيط
وسأظل أركض بطائرة الحلم الورقية
وسأظل ألاحق ظلال كلماتك !..
.
.
أيها الغريب !
حين أفكر بكل ما كان بيننا
أحار
هل علي أن أشكرك ؟
أم أن أغفر لك ؟ ..
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> حينما يكون قلبك فراشة ...
حينما يكون قلبك فراشة ...
رقم القصيدة : 66950
-----------------------------------
هبطت الطائرة في مطار لندن
وطار قلبي ليعود فورا إليك ...
هدأت محركاتها
وانفجرت في داخلي محركات الشوق تهدر ...
ولحظة وعيت كم أنا بعيدة
أدركت ربما للمرة الأولى
إلى أي مدى أحبك ..
وتدحرج رأسي في ممرات المطار
_ مثل كرة هوجاء _
يصطدم بكل الجدران ..
قيل أن أرحل قلت لنفسي :
لطيف وعذب أن اتذكرك وأن أشتاقك !
قبل أن أرحل قلت لي :
يكفينا أننا نقطن كوكبا واحدا
ويشرق علينا قمر واحد ..
أيها الشقي
أي جنون كان أن أرحل
فأنت لم تعد شوقا عذبا
لقد نبتت لذكراك في نفسي
أنياب ومخالب جارحة ...
طويلة ليالي الفراق
ممدودة على طول قارتين ...
والتنهدات تعوم في الظلمة الشبحية
مثل غريق شهقاته احتضار ...
ها أنا اتسلق شجرة الذكرى ..
واقتحم مدينة الحلم ..
وأضرم الحرائق في روتين الشرعية
لتحتلني رياحك ...
وأنطح صخرة الوضوح والمنطق
بخصب الشوق ...
في اصبعي ما يزال أثر حرق لفافتك
هاهو دليل محسوس على اننا كنا معا " حقاً "
اعلق مشنقة كلمة " حقاً "
حبنا فوق الأدلة المادية
وسابق لها كالإيمان ! ..
الجمعة الحزينة
وأنا العاشقة الحزينة
وأنت مصلوب داخل جسدي
وأمامي في المقهى ( عاشقان ) انكليزيان جداً
وأمامهما صفحة الكلمات المتقاطعة !
وكلما انتهيا من حل كلمة
يقبلها ببرود كما ينظف أسنانه
وبعينين مفتوحتين حتى آخرهما
تتأملان التلفزيون خلفها !...
يقبلها بلا نبض
ثم يعودان إلى حل أحاجي الكلمات المتقاطعة بحماس
لو مست شفتاك عنقي هكذا
لانصهرت
لخرج الضوء من اصابعي
ولفاحت من جسدي
رائحة البخور ..(60/67)
لو ...
جلستي هزلية
في القطار إلى اسكوتلندا ...
وجهي عكس اتجاه السير
وعيناي مثبتتان على الجنوب
على الجبال التي نخلفها وراءنا
بينما أنا امعن ابتعاداً عنك ..
راحلة إلى الغد
وجهي إلى الماضي
عيناي على أيامنا الهاربة
وظهري للمستقبل
وقد استحلت صنما من الملح !
الكاهن الذي تصادف وجوده إلى جانبي
حذرني : ستصابين بدوار
بدلي مقعدك
أيها الكاهن : فات الأوان . فات الأوان .
التقينا بعد الأوان
وافترقنا قبل الأوان
حتى موسم الهرب فات أوانه
نحن موسم الحب المجنون
المرفوض من مواسم الشرائع ...
أتذكرك في نيو كاسل
وأضواء المدينة الصناعية الصفر
الحزينة في ليل بلا قلب
تخثرني جلطة
في عروق الليل ...
لو ينفجر هذا الليل المحتقن
لو تخرج ماكينات الدينة المرعبة
عن قوانين الفيزياء
فتبكي معي وتصنع حرير القز المبلل بالدموع
شفافا كأغلال الشهوة ...
موجع أن تنام في مدينة صناعية
حين لا يكون قلبك مضخة
حين يكون قلبك فراشة
مغروزة بدبوس إلى جدار الفراق
وعبثا تخفق أجنحتها
وأرحل ومن أقصى الشمال أناديك
والريح تسخر بي على شواطىء الأطلسي
وأنا أعاني مخاض حبك
والفجر كسر قارورته
وظل الأطلسي مظلما وعدوانيا
يتهدد بتدمير كل قوارب نجاة العشاق ..
وكل محاولات القلب للعبور
ذلك العربي الذي أسمى الأطلسي
" بحر الظلمات "
تراه كان عاشقا مثلي ؟...
آه لو تنكسر مرآة الشوق
وتتفتت صورتك فيها ...
ليستريح قلبي _ الصخرة
من كلابات الذكرى
التي تتسلقه في عتمة الليل
برشاقة السجناء الهاربين ...
آه لو يغمى على الذاكرة ..
على شواطىء " بحر الظلمات "
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> عصفور على الشجرة خير من عشرة في اليد !
عصفور على الشجرة خير من عشرة في اليد !
رقم القصيدة : 66951
-----------------------------------
منذ طفولتي و " هم " عيثا يحاولون اقناعي
بأن عصفورا في اليد
خير من عشرة على الشجرة !..
ولم أصدق تلك الاكذوبة أبد !..(60/68)
جلدوني بسياط الغضب الاجتماعي
وعلقوني على شجرة التشهير
وقالوا انني ساحرة من رعايا الشيطان
وانني مسكونة بالشر الغامض كعرافات دلفي
وانني لست طيبة كبقية الصغار
الذين صدقوا أن عصفورا في اليد
خير من عشرة على الشجرة !..
وأراحوا وأستراحوا ...
وكيف أصدق أيها الغريب
أن عصفورا في اليد
خير من عشرة على الشجرة
وأنا أعرف أن العصفور في اليد
هو امتلاك لحفنة رماد
والعصفور على الشجرة
نجمة فراشة
حلم بلا نهاية ...
العصفور على الشجرة
هو دعوة إلى مدن الدهشة والمفأجاة
ونداء للسباحة تحت شلال الجنون المضيء ...
والعصفور في اليد
قيلولة في مستنقع الرتابة
واقامة في مدينة المقبرة
وحوار رتيب كالشخير !..
لا تصدقوا أيها العشاق الصغار
الذين لم تتشوهوا بعد
لا تصدقوا أن عصفورا في اليد
خير من عشرة على الشجرة !
بملء حنجرة أعماقي أقول لكم :
عصفور على الشجرة
خير من عشرة في اليد
فالعصفور على الشجرة هو البداية
هو دعوة للركض على قوس قزح
وانطلاقة فوق فرس بري
إلى عوالم حقيقة الذات
والعصفور في اليد هو كلمة " الخاتمة "
هو قفل في باب الخيال والهواجس
وتعايش مع قبيلة السلحفاة والنملة
وقالب معد سلفا لسجن كل ما هو نبيل وفريد فينا !..
من قال أن ريشة في مهب الرياح
ليست خيرا من حصاة مستقرة في قاع نهر راكد ؟!
أحبك أيها الغريب
أيها المشرد بين القارات
كسنونو اطلق الرصاص على الربيع
ورفض كل يد تحتويه
ورفض حتى غصنه
وسكن في الريح
وانطلق في الكون
مثل كوكب يرفض حتى مداره ...
أحبك أيها الغريب
وحتى حين تأتي إلي
برقتك الشرسة العذبة
وتستقر داخل كفي
بوداعة طفل
فإني لا أطبق يدي عليك
وانما اعاود اطلاقك للريح
واعاود رحلة عشقي لجناحيك _ وجناحاك المجهول
والغرابة ...
احبك
وأطفح بالامتنان لك
فقد حولتني
من مسمار في تابوت الرتابة
إلى فراشة شفافة مسكونة بالتوقد
قبلك كنت أنام جيدا
معك صرت أحلم جيدا
قبلك كنت اشرب ولا أثمل
معك صرت أثمل ولا اشرب(60/69)
معك نبتت اجنحتي
وتطرزت أيامي بخيوط الشهوة الخضراء
وغسلتني امطار العنف والحنان المضيئة
وأبحرت في مدارات اللاشرعية
إلى كوكب التفاح الجهنمي
والثلج الملتهب الملون
كحريق في غابة !..
احبك أيها الغريب
بضراوة السعادة
وبرقة الحزن ...
فأنا أعرف جيدا
أن من يحب عصفورا على الشجرة
يكتشف مدى قدرته على العطاء والتوهج ...
لكنه أيضا
يكتشف مدى قدرته على الحزن
حين ترحل الشجرة بطائرها !
وأعرف أن رحيلك محتوم
كما حبك محتوم !
وأعرف أنني ذات ليلة سأبكي طويلا
بقدر ما أضحك الآن
وأن سعادتي اليوم هي حزني الآتي
ولكنني أفضل الرقص على حد شفرتك
على النوم الرتيب كمومياء
ترقد في صندوقها عصورا بلا حركة !
خذني اليك أيها الغريب
يا من صدره نقاء صحراء شاسعة ...
وعباءته الليل ...
وصوته حكايا الأساطير
ضمتني اليك
أنا كاهنة المغامرة
وسيدة الفرح _ الحزن توأم
ولنطر بعيدا عن مدينتهم
وشوارعهم وكرنفالاتهم
وغابة المهرجين والحمقى والطيور المحنطة
ولننطلق معا
مثل سهم ناري لا ينطفىء
ها هو ذئب الفراق
قابع في انتظار سقوطنا بين أنيابه
إذا سقطت
لن أشكو
أو أتلو فعل الندامة ...
المهك انني عرفت نشوة أن أطير
اغامر ... وأطير
وبك رفضت قدر ديدان الأرض !..
التقينا لنفترق ؟
فليكن !
خذني اليك الآن
وليرحل عنا الرحيل !
ضمني إلى جحيمك الرائع
وليرحل عنا الرحيل لا!
ومهما هددني الغد بالفراق
ووقف لي المستقبل بالمرصاد
متوعدا بشتاء أحزان طويل
سأظل أحبك
وبلحظتنا الكثيفة كالمعجزة
أتحدى الماضي والمستقبل
وكل صباح أقول لك :
أنا لك ...
لأنني اؤمن بأن عصفورا على الشجرة
خير من عشرة في اليد !
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> فراقكم مسمار في قلبي
فراقكم مسمار في قلبي
رقم القصيدة : 66952
-----------------------------------
عذاب أن أحيا من دونك
وسيكون عذابا أن أحيا نعم ..
يبقى أملي الوحيد
معلقا بتلك الممحاة السحرية
التي اسمها الزمن
والتي تمحو عن القلب(60/70)
كل البصمات والطعنات
كلها ؟
اذكر بحزن عميق
أول مرة ضممتني اليك
وكنت ارتجف كلص جائع
وكنا راكعين على الأرض حين تعانقنا
كما لو كنا نصلي
اجل ! كنا نصلي ...
أذكر بحزن عميق
يوم صرخت في وجهي :
كيف دخلت حياتي ؟
آه أيها الغريب !
كنت أعرف منذ اللحظات الأولى
انني عابرة سبيل في عمرك
وانني لن املك
إلا الخروج من جناتك
حاملة في فمي إلى الأبد
طعم تفاحك وذكراه ...
أذكر بحزن عميق
انني أحببتك فوق طاقتك على التصديق
وحين تركتك
( آه كيف استطعت أن اتركك ! )
فرحت لانك لم تدر قط
مدى حبي
ولأنك بالتالي لن تتألم
ولن تعرف أبدا أي كوكب
نابض بالحب فارقت !..
فراقك مسمار في قلبي
واسمك نبض شراييني
وذكراك نزفي الداخلي السري
وها أنا أفتقدك
وأذوق طعم دمعي المختلس
في الليل المالح الطويل
لم يعد الفراق مخيفا
يوم صار اللقاء موجعا هكذا ...
وأيضا أتعذب
لما فعلته بك
بعد أن دفعتني إلى أن أفعله بك
لقد مات الأمل
ولذا تساوت الأشياء ...
واللقاء والفراق
كلاهما عذاب
و ( أمران أحلاهما مر ) ...
شعراء العراق والشام >> غادة السمان >> كان ياما كان !..
كان ياما كان !..
رقم القصيدة : 66953
-----------------------------------
يقولون : في الليل المنخور بالوجع
تنمو بذرة النسيان
وتصير غابة تحجب وجهك عن ذاكرتي ...
لكن وجهك
يسكن داخل جفوني
وحين أغمض عيني : أراك !..
عشنا أياما مسحورة
كمن يسبح في بحيرة من زئبق وعطور
ويركب قاربا
في انهار الألوان لقوس قزح
مبحر من الأفق إلى نجمة الرعشة ...
كان ياما كان !..
كان ياما كان !..
وكانت السعادة تصيبني بالارتباك ..
وحدها تخيفني
لأنني لم اعتدها ..
فأنا امرأة ألفت الغربة
وحفظت أرصفة الوحشة والصقيع
وأتقنت أبجدية العزلة والنسيان...
وأعرف ألف وسيلة ووسيلة
لأحتمل هجرك
أو كل الألم الممكن أن تسببه لي ...
ما لا أعرف كيف أواجهه
هو سعادتي معك ...
وحينما أصير مثل آنية كريستال شفافة
ممتلئة برحيق الغيطة(60/71)
وبكل الفرح الممكن
أرتجف خوفا أمام السعادة ...
مثل طفل منحوه أرنبا أبيض
ليقبض عليه للمرة الأولى في حياته ..!
وكنت دوما أصلي :
رب ارحمني من سعادتي
أما تعاستي فأنا كفيلة بها ..
آه !..
كان ياما كان حب ...
وكنت بعد أن أفارقك مباشرة
يخترقني مقص الشوق اليك ...
وتزدحم في قلبي
كل سحب المخاوف والأحزان ..
وأشعر بأن البكاء لا يملك لي شيئا فأضحك !!
وتركض الي حروفي فأكتبها
وأستريح قليلا بعد أن أكتب ..
وأفكر بحنان
بملايين العشاق مثلي
الذين يتعذبون في هذه اللحظة بالذات
دون أن يملكوا لعذابهم شيئا
وأصلي لأجلي و لأجلهم
وأكتب لأجلي ولأجلهم ...
وأترك دموعهم تنهمر من عيني
وصرختهم تشرق من حنجرتي ...
وحكايتهم تنبت على حد قلمي .. مع حكايتي ..
وأقول عني وعنهم :
كان ياما كان حبّ ...
شعراء الجزيرة العربية >> علي الشرقاوي >> رئة البحر
رئة البحر
رقم القصيدة : 66954
-----------------------------------
كخيال القطرات الأنثى
يروي جذع القول بعاطفة البرق
كالجدات المشتعلات بثلج الداخل
يصعدن على تجعيدة ذاكرةٍ
لا تشبه غير عراجين الصمت
كجذر الشبق الكوني الصاهد بالرؤيا
ونيازك طفل الحرف
إليك أجئ
لاحني خمسين شتاءاً
في صيف كلامك
يا جسد الموجة يقتحم ألما ورد
يا صدر البحرة شرّعه اليابس
يا الفاضل
روحك حنكة نخلٍ يحترف الإخلاص
وقلبي فرضة اغنية لحنّها الجن
إليك من الشوق أجيء
شراعي أفق العشب الاول
مجدافي قاموس النيران
أجيئك من مشكاة الداخل يا رئة اللغز
هل تلمس تعتعة الألم الراكض في قمح الريح ؟
يدٌ
تحتضن اللغة المنسلة من جذع الضوء
تجاهر بالمسكوت عليه وتبذره في حقل الماء
يدٌ
تهدم وقتاً مات بمائدة الريح
تصاهر ما ليس يموت .
هل تنظر حمحمة النغم المجروح بنعناع الغيم ؟
يدٌ
تبني في تأتأة الأرض معابدها
وتغادر إيقاع الحرف إلى ما بعد المعنى
و يدٌ
تبني فوق تراتيل صنوبرة الحلم بيوت .
هل تنظر اوجاع العود الهاطل فينا كقبيلة طقس ؟(60/72)
أصابع قمح الولد العاصي
مدن لا تشبه أخرى
تبتكر الغامض
لا تهتم كثيراً بمشاريع الملح
تواصل في استفزاز الحامض في قلب اللوز
يا الفاضل
يا الموج المكتظ بمرج الريحان
يا الجالس في غصن الريح كراس الرمان
امنحنا شهق صباك
ومواويل بداوتك الممزوجة بالمرجان
لا تتركنا في برد العمر
وحيدين كحلم نوارس غادرها الساحل
و غربيين كزفرة أغنية شربت مطلعها
يا الفاضل
لو عاش الظل الساكن في الرأس يلاحقنا
شجراً لن يسمع قلب الغيمة وهي تناسل شوق الأرض
حجراً لن يعرف أي الألوان تشكل قامتك القزحية
يا الفاضل
شفناك فصولاً ترتكب الأخضر
وسمعناك وعولاً
تحمل ذاكرة الأمواج وفي قلق التين
تقود الميزان من الأذنين إلى أبواب الدب الأكبر
ولمسناك
وذقناك..
وعشناك
لماذا يا الفاضل تسكت
والطفل يقاد إلى مقبرة العجز
لماذا يا الفاضل تسكت
والطفل
خليل الضوء
ربيب الحرف
رحيق الشين
تحاصره الأجداث المحتلة قلب الشارع
هل أحد غنى شغف الماء النوراني
وما لامس داخله ابر يسم ضوء فراشات الولد الصالح ؟
هل أحد يعزف أنغام الغسق المتوسط تاريخ مسافات العشق
ولم يتبع في الدرب أصابع ابن الشيخ ؟
هل أحد غيرك يعرف كيف يترجم هسهسة النجم الصاعد
صبح الليل ؟
هل أحد غيرك يا الفاضل ؟
في جامعك ألريحاني
عرفنا أشواق المنذورين إلى عرس الليمون
وفي ساحات يديك المفتوحة مثل ربيع الشهد
عرفنا أسرار اللغة الأخرى
ولماذا الفرضة لا تتوقف عن عزف الأسفار
ولماذا الرولا
تربط قلب الحد بصدر الزاق
ولماذا حدّاد الكلمة
يمتشق الرولا بالقدمين
ويطرق جمر اللغة الخضراء بسندان الأوراق
ولماذا الولد العاصي
شقّ الطاعة
ورمى خطوته في تنور الأشواق
عرفنا يا الفاضل
ما كان
وما يتكوّن في جذر الوعد
وما سيكون
عرفنا إن الطوفان سيبقى
كالنقرس لو لم يهزمه غصن الزيتون
عرفنا
وعرفنا
وعرفنا
يا الطالع من فلق الفقراء
يا عنق الموجة يطوي شهوات الميناء
عرفنا
لو مر ألامس وئيداً
ستقول الأرض :
سقاني عنب الرعد(60/73)
وفاكهة القول
ورقصات الوتر التاسع
لو مر ألامس خفيفاً
ستقول السدرة:
فجّر أشواقي
برحيق مناحات الكون
وعلم عاصمة اللون
مقامات الروح
يا الفاضل
يا رئة الموجة
يا المختزن ألان براكين رعودك
إن قطعوا وتراً منهمراً في رجفة عودك
من أعذ أق الرعد سنغزل تاسع أوتارك
إن منعوا عن أنغامك قطرة عشقِ
بالحرف نحوّل عزف الشارع امطارك
إن هدموا بيتك في ذات كلامٍ
سترى خارطة العالم تشرب من قهوة دارك
يا الفاضل
رافق سيل الحلم
شظاياك مرايانا
نرفعها بين مجرات القول جسور
يا الفاضل
زاحم سيل الوهم
مراياك خلايانا
نغزلها في ريح الانغام صغار نسور
يا الفاضل
أوقف سيل الدم
خلاياك خطى بهجتنا
في أفلاك سنابلها سنظل ندور
أصغ يا الفاضل
أصغ
لعصافير الحورة وهي تخيّط أشجار الصبح
على إيقاعات أصابع اثنين يشدان التيه
إلى وهج التيه
أصغ
لزوابع اثنين
يشقان غموض النون
ويحترقان إلى نطق الضمة قبل لهاث الأبيض
أصغ لربيع المزمور الرابع يحتل فضاءات الفصحى
أصغ يا الفاضل
أصغ .
من غير فراشات الولد الصالح
تلتهم الضوءة وتغرد في الحزن الأخضر ؟
من غير الحدّاد يحيك وريقات الرولا
ويزينّها بخطى تحتضن الجسر
وتجمع مالا يجمع بين البرين؟
من غير أصابع ابن الشيخ تحرّك أفق الغيم
إلى جسد الأمواج ؟
ومن غير الطفل الولد الكهل العاصي
يسرق نار الكون
ويمنحها لصباح يديك
يا الفاضل
يا موج نهارٍ مرتجفٍ يركض بين غبارات الظلمة
يا شهوة حرفٍ يصعد رغوة ما لا تعرفه الكلمة
يا قلق النجمة
إحضن بتجاعيدك
صدر المتسلق جدران الفوضى
هندسه بمزامير نوارسك المخضلة بالآه
إن منعوا صوتك
أو صوتي
أو صوت الذاهب في الأسرار
سيبقين بذاكرة النار وخاصرة الريح
بنات صداه.
شعراء الجزيرة العربية >> علي الشرقاوي >> زرقة الأشهل المتوسط
زرقة الأشهل المتوسط
رقم القصيدة : 66955
-----------------------------------
زرقةٌ / كالخرافة ممعنةٌ باصطياد الخيال / زرقةٌ كطفولة(60/74)
عشب التوغّل في الارتحال /زرقةٌ لعناصرها لهفة الأبجدية،
حترشة الأفق رغوتها ، كلما غمزت برق الاشتعال
زرقةٌ /من يترجم صمت بيادرها ؟/ من يفسّر صوت رغيف
أصابعها ؟/ من يرى ما أرى في سديم خرائطها ؟
من يأولني بين إبط المياه و رهط النصال ؟
زرقةٌ / كقميص الثواني/لها أتثني كالرصاصة في داخلي
ولها انحني كالبحيرة في هذيان الجبال
زرقةٌ / كبداوة عطر السؤال / تجرّ يديّ من الدّم ،
تخلع اسمي عن الاسم /تمنحني قامة الهجس في أفق الاحتمال
هي الطاقة المستحيلة في غيمة الروح كالجمر في فحمة
الثلج تصرخ بي:
حدّق في لوني يا الحجر الفاني
حدّق في لوني و تزرّق
جسدي قاموس الاقيانوس
و صدري برقٌ
من يتجرعه في حلم اليقظة
أو أسفار النوم
لا يتعامل و العش
انه الاشهل المتوسّط ، بوابة الرعش ، متصلٌ كالحديقة
و الروح ، منفصلٌ عن سماءٍ تحاذف أحجارها وجع الكائنات .
الاشهل المتوسّط في مائه يتزرّق او يتخضّر او يتفورز في متنه
انه سيد البحر يحذف قمصانه في يديّ و يلبسني
ضامئةٌ يا هذا شجرات القلب
و مالحةٌ كحريقٍ تحت فضاء الجلدة
رجفة أعضائي
قنّدني يا الأغبر بالجملة قندني
لا يوقفك الصخر المدعو بقميص الشاطئ
لا يمنعك الخفر الكيميائي و لا جذع العفة
اكسر فانوس المعبد يا هذا البري
و تقدم بالسفن الحجرية في ماءاتي
مفتوحٌ جسدي كفضاء النيزك
مفتوحٌ
لجحيم أصابعك المنذورة للعزف الكافر
يا المتوسّط نافذة الولع الاستوائي كيف أغوص حرائق
زرقتك الأبدية ؟ كيف أقولك؟ امنح فمي لغة لا تهادن
ساحلها ويدي قلقٌ يقلق الريح
يا سيد البحر
امنح كلامي لغات السفن
ادخل زرقة مرآتي
مرتعشا بقناديلك
تلك المكتظات بحلم الكائن
ادرس بنوارجك الوحشية ما يخفيه البيدر
هندسني
و تهندس بين الذروة و القاع
هنا لا شيء سواك
هنا لا شئ سواي
يا السيد المتوسّط اعرف كيف أسوس ازرقاق الأماني
و أرعى جراد الحروف و اعرف كيف اطيّفني
في انزياح المعاني و لكنني لست اعرف يا سيدي
أقود جموحك(60/75)
مائي بدأ مزاريب الكائن
مائي صمتٌ لا يتوقف عند ضفاف الصخب
مائي رائحة الغامض في رحم الواضح
مائي زلزلة الرعشة في القافين
مائي مخلوقات حنان الوحشة في الضلع التاسع
بتواريخ الموجة
أدعوك إلى قطفي من ساق النسيان
استقولني ما لا انطقه
أو لا تحلم أن تستقول صدر الماء ؟
زرقةٌ / تتزارق في غيها و تزرّقني في عويل السواحل
ترغي فاشرب رغوتها المشرئبة ثم تعود و ترغي
فامتص من حنطة الزرقة الأبدية لعثمة العسل المتهاطل
من شرفات المفاصل / يا سيد اللون زرقتك المستحيلة
لا أستطيع العبور بها
امنحني
رعشات جناحك يا هذا
فأنا مسجونٌ بتقاليد خرافات الأرض
و مربوط بعراجين السرة
يا هذا
اطلقني من اسر شريعة مخلوقات الساحل
ترغي و تزبد بالقول الأخضر/ ترغي و تزبد بالشك
ترغي/ فاحلم أن أتمدد كالشمس في الزرقة السيدة
و أفجّر شوق الخرافة للرقص في هذيان الشوارع
و المن للمائدة
بيدي و فمي و دمي اكسر القاعدة
إنما، أيها المتوسّط ، كيف أقولك
كيف ؟
هز عصرا نام عويلا بين خريف خلاياي
اكسر بحروف أصابعك الجوالة صمت مراياي
و تجمّع بنوارسك الفضية في كوكب تاجي
حرّكني كالأخضر يمرق في جلد الزعتر
حرّكني كالحرف يفجّر إيقاع الجملة
حرّكني بالصخب الساكن تاريخ الليل
خذ من جسدي تعتعة اللؤلؤ
خذ صحوة مرجاني
اكسر بالنار الخضراء رتاجي
وتجمهر يا الصدق الكاذب
في الشفق اللاهب
حرّك بالرعشة امواجي .
ما الذي ارتجي والجناس بكى
في الفضاء المراق
و تراجع عن غيبك الاشتقاق
و كيف أترجم زرقتك الأبجدية يا اشهلا
و أنا كلما أتوغل في شهواتك
تزداد بالازرقاق ؟
إن جئت
سأفتح بوابات الزرقة
للضوء الصاعد من جمرتك المخضلة بالليمون
إن جئت
سأغلق كل الأبواب وافتح صدري
و أقد قميصك من كل جهات الأرض
و اشرب من همزة حلمك حرفا حرفا
إن جئت
أريدك ألا تتوقف عن عزف الوتر الغائب
في اجمل أوتاري
إن جئت 0000
اللون لا يشبه اللون / و الغيم لا يشبه الغيم(60/76)
و الشكل لا يشبه النص / و الطقس لا يشبه الطقس
بحرٌ هناك و بحرٌ هنا بالعواصف يرغي و يزبد
و الاشهل المتوسّط مستفردٌ بالرعونة يرغي و يزبد
يكسر عاطفة الصخرة العائلية
لا اخجل إن قلت إليك
احب كواكبك المقذوفة في أعضائي
كالنيزك بعد الآخر
لا اخجل إن قلت إليك
احب مراكبك الممتدة من قبل الميلاد
إلى ما بعد الحاضر
لا اخجل من قهوة أشياءك
لا اخجل من زهوة أشيائي
يا ألفي الصاعد صهوة يائي
جدّف كاللحظة في صهلتها ترتكب اللحظة
جدّف كالفضة في ما خلف المرآة
و بكل مجاديف اللغة المنسية
أشعل ضوء الكون المعتم في أجوائي
أيها الاشهل المتوسّط يا سيد البحر اسحب يديّ من الرمل
خذني لقاعك قد التقي بالكواكب في هزةٍ حجمها قامة اللون
قد امنح الكون في النص شكلا أليفا
و قد 0000
سأهديك جواهر نيروز القاع و أوجاع اللذة بين صباحين
لهما يركع مرجان القول على هيئة شيطان الوجد
و أهديك رحيق الموج المتكوكب خلف جدار الكلمة
أهديك ربيع شرارتها و فسيل طراوتها
أهديك فوانيس الزرقة
ماذا لو تهديني حيتان الرعد ؟
صحراء أسئلة و عواصم لا تعرف الصحو
في زرقة الروح بيني و بينك يا المتوسّط
ادخل صلاة مسامي لأهز ضلوعك قبل غياب ازرقاقي
ثلاثا و عشرين لحنا مشيت/ ثلاثا و عشرين صوتا قطعت
ثلاثا و عشرين عصرا سكنت
أتعرف أي الكواكب تركض خلف توهج
قمحتك المستحيلة بعد ثلاث و عشرين آه ؟
قل انك تشتاق لقطف البرق الناهض من عطر بساتيني
قل انك تشتاق لخطفي من بن الوقت و من رائحة الجملة
في ساحل تكوينات الاشهل قل يا هذا أنى زرقتك الأعلى
و كلامك في ذئب الليل و انك خيل حماقاتي
قل انك لي وحدي
أطعمك الرعد و تطعمني المعنى
قل أنك مرآتي
يا المتوسّط بين دمي و جموح الجسد
لك عائلة الماء في بيتها المتزارق
بعض الأحايين تغفو عن الشمس
بعض الأحايين تغوي صدى الطيش
بعض الأحايين تسهو
و تأتي إلىّ كأنك عاصفة السبت
نطت صباح الأحد(60/77)
علّمني أفعال الكلمة قبل النطق / علّمني كيف أسافر في نجمة أعماقي
علّمني كيف اغني حين تغيب قوانين المد / علّمني كيف أراك هنا وهنا
وهنا في الصدر/و في العين وفي القلب، جريئا كحوار الفلفل / ممتلئا كنهار الزيتون الأزرق / علّمني كيف أمص عراجينك يا طقس الفوضى من لب الممنوع من العزف وعلّمني كيف بغير المرآة أراني
كالمستحيل المعلّق في الزرقة السرمدية أعلو على عتبات الزفير
و اهبط أعلو و اهبط و الماء في زرقةٍ و السماء محدّبةٌ كخيال الفراشة
كيف سأصطادها شهلة الانزياح ؟ و كيف أقود شهيق المسافة في لغتي ؟
كيف اغوي نوارس صدري لتجتاح صدرك يا زعفران التهدّج
كن في جسدي
ممتلئا
كعصافير اليوم الثامن
في شجر اللهفة
حرا كمواعيد الريح
مرتعشا
كرماح الوردة
لقاعك يا أيها المتوسّط خدني أرى حكمة الحلزون
تحاكم شقشقة الكهرباء أرى القاع في السطح يرفع سكره
لربيع السديم أرى الجيم في النص تفضح سيّافها
وارى قافها في اندياح المساء / تأجج بالطين تاج السماء
أرى بلح الشمس في حانة البحر يدعو الفراديس للرقص
ما بين ماءٍ و ماء
أيها الاشهل المتوسّط خدني
إلى كهفٍ مارجٍ طازجٍ لم يطأه سواي
يا الأغبر
لا تترك جمر المعنى
يفلت من عالمك السابع
كالوحش الأول يقترف الوحش الثاني
اجمعه بالسبابة و الإبهام
كلمه كالماء يفجّر جغرافيات الصخرة
حدّثه كالذئبة تفترس النائم في قلب الذئب
ولا تتركه غير لهيبٍ في هذيان السطح
و عاصفةٍ في رهوان القاع
نتغاوى كالبلورات
نتضاوى كالجمرة في لحم الأخشاب
نتداخل بين فضانا
الأزرق ليس هو الازرق
الاشهل ليس هو الاشهل
الأسمر في زرقته القمحية يقتحم الأبيض
نتضاوى كالفستق يفتح شرفته للكون
الازرق يرتكب المتدرج في فوضى الاشهل
الاشهل يقترف الزرقة
نتداخل كالممكن في ما لا يمكن
نتزارق
أو نتشاهل
أو نتشاهق
تخفت أسئلة الكون
و تغفو كيف على صدر لماذا
و متى لا تعرف آخر شهقة أين .(60/78)
شعراء الجزيرة العربية >> علي الشرقاوي >> قهوة بوضاحي
قهوة بوضاحي
رقم القصيدة : 66956
-----------------------------------
لكل شرارةٍ نسغ يفجّر شوقها في زعفران السر
مثل الماء قبل الماء يزرع ماء
لكل وريقةٍ ضوءٌ
يترجم وقتها بين الصدى فتموّسق الاجواء
ولي نخل المنامة شهوة الامواج
قنديل الخرافة بين عاصمتين
ذاكرة الحوامض في مدى جغرافيا النارنج
لي في بنسيان الروح بو ضاحي
أتعرف أي سر الأرض يسكن قلب بو ضاحي ؟
بو ضاحي سماء في ظلام الهم
بو ضاحي ابي و اخي و ابن العم
بو ضاحي سفينة دم
ترى في زرقة الاحمر
شظايا جنة منزوعة القشرة
توصل ما تقطّع بين ممباسا
و بين مشاعر البصره
و بو ضاحي
على الايام نافذتان من بلح
على جهتين
تشتعلان في صمتٍ يطلّ كغابة في القلب
بو ضاحي سرير طفولة المعنى
و تاريخ السفينة في تحولها
يسافر من حنان الشوك
في ليل الموانئ يركب الامواج
بو ضاحي
دخانك في دمي مطرٌ
اذا غاب الندى يأتيك اولادي
على شكل السؤال و لعبة الصعكير
محاصرة اغانيك الصبية بين مشنقتين
مشنقةٌ لها شكل المصارف في تصرفها
و مشنقةٌ لها طبع المتاجر في صباح السوق
محاصرةٌ خلاياك الصبية بين عاصفتين
عاصفةٌ من الذكرى و عاصفة الكلام يدور
بو ضاحي يمينك موت
بو ضاحي يسارك موت
أي رحابةٍ في جنة الموتين
تشعل في الخلايا لهجة الاجداد ؟
بو ضاحي
منامتك التي كانت
تخاصر في السحابة موجة الاسفار
يرعبها الحنين الى صباح الماء
يرعبها الدخول الى خروج الريح
يرعبها التحوّل من يد تسقي الغيوم
الى يدٍ ممدودةٍ كالشمس نحو الليل
كنت مخدة المغدور
و كنت شرارة النعسان
كنت حمامة الريحان
كنت علاقة الحدي بالزلاق
كنت قصيدة الجذر المسافر من كهوف الطين للأوراق
إن جعنا من الكتفين تطعمنا
و ان ظمأت هياكلنا توهجنا بماء الشوق
هل في كبرياء النخل غير صياغة اخرى لمائدة الحواس السبع ؟
هل في كهرمان الشوق الا رجفة المغنى يخضّر جلجلان الروح ؟
بو ضاحي زغاريد العواصف(61/1)
تنتشي من جمرة في صوت بن فارس
تطير نوارس الاشعار
من سيراف
أو دارين
أو مسقط
إلي نافورة شهلاء في اقصى سما فارس
بو ضاحي
له فتوى البحار بصخرة الساحل
على الكرسي رائحة السواحل تسكن اللهجات
من نارجيلةٍ كالبحر صوتك وهّج الفتوى
و في وعد الغنائم تغمس الكسره
حليب شرارة الدانات قلبك
آه بو ضاحي
لماذا كلما هدموا جدارا جفت الكلمه
و ان خلعوا الفسيلة من مراياها
بكت دهرا خلايا الارض
و ان قلعوا مشاعرنا
ضحكنا
آه بو ضاحي
على زنديك ورّقنا السواحل في مدى الابصار
و من شفتيك علّمنا الصدى جدوى صعود النار
يسارك ينحني للربح
يمينك ينثني للربح
شربنا من كلامك زبدة الالوان
بو ضاحي
لانك قهوة الدنيا و شاي الروح
تبقى في دمي طفلا
اذا غادرتني
سأظل امشي في دجى حلمي
بلا عنوان .
شعراء الجزيرة العربية >> علي الشرقاوي >> مسافات
مسافات
رقم القصيدة : 66957
-----------------------------------
بين الحرف الأزرق و الحرف ألماوردي حدودٌ و جمارك
برٌ و مهالك صحراءٌ في حجم الدمع ليلٌ يشبه عاطفة القاف .
بين صلاة الكلمة في محراب القلب و بين دعاء نسائمها
بحر الظلمات عساكر اكثر من عدد الرمل و أسوار خلف
حواجبها أقبية و نهارٌ مكسورُ الساعد أطفال ينهمرون من
الرمز المتوهّج في ورق الصفصاف .
بين رحيل الجملة في التيه و الماء السرّي المنذور لشوق
طلائعها ارضٌ كمزاريب الجمر مواعيد ربيعٍ جرّحه
ولع التطواف .
بينك و الحلم الأول قيد الحرف و زنزانات الكلمة
و الكفن الواقف كالأفق على رأس الجملة
أي الدرب ستعبر يا ابن المكتظة بالعرعر ؟
أي الأحلام ستسلكها ؟
أي الريح ستجمع بين غيوم الروح و عشب القدمين ؟
إلى غيّك عد انثر فطر الجيم و قيصوم العين على شيح القاف .
كن قامة نهر الألف المقصورة كالماء الظامئ في الصبّار
تمدد في الريح تجسّد عاطفة الخطوة امنح قدماك شكيمة
فعل القارب حين يخاصره ولع المجداف .
اعرفه جيدا
طاعنٌ في الصواعق حين يحدّث خطوته(61/2)
عن مخيّلة الوحش او حكمة الشجره
قلقٌ كجذور اللغة
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> في الشعر
في الشعر
رقم القصيدة : 66958
-----------------------------------
1
إنَّهُ يثقُبُ الفضاءْ
بإبْرةِ الشِّعر...
2
البَرقُ منزِلُهْ
3
هُوَ شَاعِرْ
كُلَّمَا خَرَجَ من فُنْدُق كَلِماتِهْ
4
ينزلُ من بطن أمِّهْ
وفي يده..
عريضةُ احتجاجْ
5
يُحْرِقُ كلَّ يومٍ ذاكرتَهْ
ويتدفَّأُ عليها...
6
هو شاعرْ
يركبُ درّاجةَ الطُفُولَةْ
لكُلِّ إشارات المُرُورْ..
هُوَ شاعرْ
إنَّهُ يُقنعُ الأشياءْ
أن تغيِّرَ عاداتِها...
هُوَ شاعرْ
أن تسيرَ في مُظاهرةٍ
من أجل الحُريَّةْ...
9
هُوَ شَاعِرْ
أطلقوا عليه القنابلَ
10
هو شَاعِرْ
تزوَّج الحُريَّة زَوَاجاً مدنيَّاً
شَعْرُهُمْ بلوم السنابلْ
11
هُوَ شاعرْ
يُعلِّمُ أشجارَ الغابةْ
هُوَ شاعِرْ
أن تسيرَ في مُظاهرةٍ
لذا، يطلبونَ منه، أن يقدِّم تقريراً
من أجل الحُريَّةْ...
عن عدد أصابعهْ..
كلَّ يومْ...
9
12
هل الشِّعرُ،
هُوَ ديوانُ العَرَبْ
هُوَ شَاعِرْ
أم هو محكمتُهُمْ العسكريَّةْ؟؟
كُلَّما ظَهَرَ في أمسيةٍ شعريةْ
13
أطلقوا عليه القنابلَ
باستثناءِ بعضِ الكبارْ
المُسيلَةَ للأحزانْ...
في تاريخنا الشعريْ
فإنَّ الشعراءَ العَرَبْ
10
كَتَبوا قصيدةً واحدةْ
ووقَّعوا عليها جميعاً
هو شَاعِرْ
تزوَّج الحُريَّة زَوَاجاً مدنيَّاً
بالأحرفِ الأولى...
14
وأَنَجَبَ أولاداً..
شَعْرُهُمْ بلوم السنابلْ
في تاريخ الشِّعر العربيْ
ثمَّةَ مراحِلُ هابطةْ
وعُيُونُهُمْ بلون البحرْ...
كان فيها الشعراءْ
ينزلون في فُنْدُقٍ واحدْ..
ويأكلونَ من صحنٍ واحدْ..
وينامونَ في سريرٍ واحدْ...
ويُنجبونَ أولاداً متشابهينْ...
15
في الشِّعْر..
لسنا بحاجةٍ إلى لباسٍ موحَّدْ
وقماشٍ موحَّدْ..
ولونٍ موحَّدْ..
فالشعراء ليسوا جنوداً.. ولا ممرضاتْ
ولا مُضيفات طيرانْ...
إنَّ اللباسَ المُوحَّدَ في الشعر
سيجعلُ من الشعراء العَرَبْ(61/3)
فريقاً لكرة القدمْ...
16
الشاعرُ الحديثْ..
هو الذي يستقيلُ من الجَوقة الموسيقيةْ
وسُلطةِ الإيقاع العامْ..
ليؤلِّفَ قصيدتهُ الخاصةْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> في النرجسية
في النرجسية
رقم القصيدة : 66959
-----------------------------------
1
هو شاعرٌ نَرْجِسِيّْ
لأنه يتمرَّى بماء قصيدتهْ.
ويمشي وحيداً، على ضفاف لُغتِهْ.
ويصنعُ فنجاناً من القهوةْْ
يقدّمُهُ لنَفْسِهْ...
ويُهدي نَفْسَهُ وردةً واحدةً.. كلَّ يومْ
إذا لم يجد من تُهديه وُرُوداً..
2
هُوَ شاعرٌ نرجسيّْ
ينام على ذراع كلماتهْ
إذا لم يجدْ ذراعَ امرأةٍ
ينامُ عليها..
3
النرجسيةْ..
هي أن يؤمنَ الشاعرْ
بأنَّ قصيدتَهْ
هي نُقْطَةُ ارتكاز الكُرة الأرضيةْ....
4
الشاعرُ النرجسيّْ
يتصورْ..
أنهُ هو الذي يعيِّنُ الملوكْ...
وهو الذي يُقيلُهُمْ..
وهذا الوهْمُ الجميلْ
هو الذي قَتَل شاعراً كبيراً،
كالمُتَنَبِّي..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الشَعْرُ الأسود
الشَعْرُ الأسود
رقم القصيدة : 66960
-----------------------------------
لا تُمَشِّطي شَعْرَكِ
على مقربةٍ منّي...
حتى لا يُهَرْْهِرَ الليلُ
على ثيابي....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> البَرْق
البَرْق
رقم القصيدة : 66961
-----------------------------------
لَنْ أقولَ لَكِ
(أُحبُّكِ)..
إلا مرةً واحدةْ
لأنَّ البَرْقَ لا يُكرّرُ نَفْسَهْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الليل
الليل
رقم القصيدة : 66962
-----------------------------------
لم يبقَ في شوارعِ اللّيلْ
مكانٌ أتجوَّلُ فيهْ..
أخذَتْْ عَيناكِ..
كُلَّ مساحة الليلْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بريد
بريد
رقم القصيدة : 66963
-----------------------------------
منِّي رسالةُ حُبّْ
ومنكِ رسالةُ حُبّْ
ويتشكَّلُ الربيعْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بدون تنقيط
بدون تنقيط(61/4)
رقم القصيدة : 66964
-----------------------------------
" أُحِبُّكِ"
ولا أضعُ نقطةً في آخرِ السَطْرْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> صمت
صمت
رقم القصيدة : 66965
-----------------------------------
هل تسمعينَ أشواقي
عندما أكونُ صامتاً؟
إنَّ الصمتَ، يا سَيِّدتي،
هو أقوى أسلحتي...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ثقافة
ثقافة
رقم القصيدة : 66966
-----------------------------------
لأننَّي أُحِبُّكِ..
أريدُ أن تكُوني
الحرفَ التاسعَ والعشرينْ
من أبْجَديَّتي..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> طموحُ الوردة
طموحُ الوردة
رقم القصيدة : 66967
-----------------------------------
لو كانَ لدى الوردةْ،
مطبعةٌ...
وناشرْ..
لأصْدَرَتْ ديوانَ شِعْر...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عطر
عطر
رقم القصيدة : 66968
-----------------------------------
عِطْرُ المرأةْ
فضيحةٌ علنيةْ
لا تَهْتَمُّ بتكذيبها....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لكي أتذكَّر باقي النساءْ...
لكي أتذكَّر باقي النساءْ...
رقم القصيدة : 66969
-----------------------------------
حَرامٌ عليكِ..
حَرامٌ عليكِ..
أخذْتِ ألوفَ العصافير منّي
ولونَ السماءْ..
وصادرْتِ من رئتيَّ الهواءْ
أريدُكِ..
أن تمنحيني قليلاً من الوقتِ،
كَيْْ أتذكّر باقي النساءْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المُعَلِّم
المُعَلِّم
رقم القصيدة : 66970
-----------------------------------
لَشَعْرِكِ
فضْلٌ عظيمٌ عليَّ
يشابهُ فَضْلَ السَحَابهْ
فمنهُ تعلّمتُ عِلْمَ الكلامْ
وعنهُ أخذتُ أصولَ الكِتابهْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إذا ...
إذا ...
رقم القصيدة : 66971
-----------------------------------
إذا قالت امرأةٌ
إنها ستُحبُّكَ حتى الأبدْ..
وإنكَ زَيْنُ الرجالِ
فلا قبلكَ كانَ أحدْ
ولا بعدَك..
سوفَ يكونُ أحدْ.(61/5)
فلا تطمئنَّ كثيراً إليها،
لأنَّ الدقيقةَ عند النساءِ،
أَبَدْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الثُقُوب
الثُقُوب
رقم القصيدة : 66972
-----------------------------------
يسقُطُ الرجُلُ
في أولِ حفرةٍ نسائيَّةٍ تصادفُهْ
إنّ تاريخَ الرجُلْ
هو تاريخ السُقوط في الثُقُوبْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ذهبتْ.. ولم تَعُدْ..
ذهبتْ.. ولم تَعُدْ..
رقم القصيدة : 66973
-----------------------------------
في تعاملي مع النساءْ..
كنتُ دائماً
من أنصار المدرسة الإنطباعيَّةْ.
كلُّ امرأةٍ..
حدَّثتُها عن جمال الفِكْر الصوفيّْ
وتجلياتِ جلال الدين الرُوميّْ.
وفريد الدين العطّارْ.
ومحي الدين بن عربيّْ.
ذَهَبتْ... ولم تَعُدْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> فولكلور
فولكلور
رقم القصيدة : 66974
-----------------------------------
أسْمَعُ بخشوعْ
موسيقى برامزْ.
وبيتهوفنْ.
وشُوبانْ.
ورحمانينوفْ.
لكنَّ البدويَّ في داخلي
يظلُّ يشتاقُ إلى صوت الربَابَهْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الأقنعة
الأقنعة
رقم القصيدة : 66975
-----------------------------------
ليسَ عندي قصائدُ سِريَّةْ
أحتفظُ بها في جواريري.
إن القصيدةَ التي لا أنْشُرُها
هي زائدةٌ شعريةْ..
مهدَّدةٌ بالإنفجار كلَّ لحظةْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عيناكِ وأسلحتي
عيناكِ وأسلحتي
رقم القصيدة : 66976
-----------------------------------
1
إستعملتُ معكِ..
كلَّ الأسلحةِ التقليديةْ
وكلَّ الأسلحةِ المتطورةْ
من قوس النَشَّابْ...
إلى الخِنْجَر اليَمانيْ..
إلى الرُمْح الإفريقيْ
إلى الصاروخِ العابر للقاراتْ.
إستعملتُ حتى أظافري
لِكَسْرِ جدار كبريائِكْ....
2
وبعدما خسرتُ خيولي..
وجُنودي..
وأوسمتي..
قَعَدْتُ على مدافعي أبكي
لأنني اكتشفتُ
أن جميع خرائطي قد سُرقتْ
وجميع برقياتي السريةِ قد كُشفتْ
وأن أشجعَ رجالي
تركوني(61/6)
والتجأوا إلى عينيكِ السوْداوينْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ليبراليَّة
ليبراليَّة
رقم القصيدة : 66977
-----------------------------------
لا أسمحُ لكِ..
أن تُمارسي سُلُطَاتِكِ عليْ
باسْم الحُبْ
أو باسمِ الأمومَةْ..
أو تحتَ أيَّ شعارٍ عاطفيّ آخرْ
فأنا منذُ أن خلقني اللهْ..
في حرْبٍ دائمةٍ مع السُلْطَةْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إحباط
إحباط
رقم القصيدة : 66978
-----------------------------------
أردتُ..
أن أكونَ سفيرَ الكلمات الجميلةْ
فَغَلبني القُبح..
وأردت تشجيرَ الصحراءْْ
فأكَلَني المِلْحْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الشمس
الشمس
رقم القصيدة : 66979
-----------------------------------
الشعرُ والديكْ
مصابان بجُنُون العَظَمَةْ
فهما مقتنعانْ
أن شَمْسَ الصباحْ
تطلعُ من حُنْجُرَتَيْهِمَا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الديكُ يشربُ القهوة
الديكُ يشربُ القهوة
رقم القصيدة : 66980
-----------------------------------
صوتُ الديكْ.
مليءٌ بالرجولةْ..
ولذلكَ، فإن كل صبايا القريةْ
يترُكْْن فراشهنَّ المبللَ بالأحلامْْ
ليصنعنَ لهُ، قهوتهُ الصباحيةْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إستجواب
إستجواب
رقم القصيدة : 66981
-----------------------------------
سألني ضابطُ الحدودْ:
كمْ عمرُكْ؟
قلتُ: خَمْسٌ وستُّونَ قصيدةْ..
قال: يا الله.. كم أنت طاعنٌ في السنّْ..
قلتُ: تقصدُ.. كم أنا طاعنٌ في الحُريَّة...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> صَيْدُ العصافير
صَيْدُ العصافير
رقم القصيدة : 66982
-----------------------------------
الشاعرْ
يتمنى أن يكونَ عُصْفُوراً.
أمّا العُصْفورْ
فيرفُضُ أن يكونَ شاعراً
حتى لا تصطادَهُ...
الأنظمةُ العربيهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> محاكم التفتيش
محاكم التفتيش
رقم القصيدة : 66983(61/7)
-----------------------------------
لا يستطيعُ أحدٌ أن يستجوبَ قصيدةً..
ويسألها: أين كانتْ؟
ومعَ منْ كانتْ؟
وفي أيَّ ساعةٍ رجعتْ إلى البيتْ؟
القصيدةُ، هي التي تطرحُ أسئلتها
وتستجوبُ مُستجوبيها....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إستراحةُ المحارب
إستراحةُ المحارب
رقم القصيدة : 66984
-----------------------------------
في الشعر..
لا يوجدُ شيءٌ اسمهُ استراحةُ المحاربْ
ولا يوجد إجازاتٌ صيفيةْ
ولا إجازاتٌ مرضيةْ
ولا إجازاتٌ إداريةْ
فإما أن تكون متورطاً
حتى آخر نقطةٍ من دمِكْ
وإما أن تخرجَ من اللُّعْبَةْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مشنقة
مشنقة
رقم القصيدة : 66985
-----------------------------------
هو شاعرٌ جماهيريّْ..
إذنْ..
لا بُدَّ من شنقِهِ
على أهداب مُحبِّيهْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حُرُوبي الجميلة
حُرُوبي الجميلة
رقم القصيدة : 66986
-----------------------------------
كُلّما كتبتُ قصيدةً ناجحةْ
بدأ القَصْفُ المدفعيّْ
عليَّ.. وعليها..
إنَّ أكثرَ ما يُضايقني في الشِّعْرْ
هو معاهداتُ الصلحْ..
واتفاقياتُ الهُدْنَة...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أعراس
أعراس
رقم القصيدة : 66987
-----------------------------------
كُلُّ قصائدي...
تزوَّجتْ -والحمد للهْ -
ولم يبقَ عندي في البيتْ
قصيدةٌ واحدةٌ، لم يأتِ نصيبُها
لذلكَ يكرهني.. كلُّ من لَدَيْهْ
بِنْتٌ عانِسْ
أو قصيدةٌ عانِسْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التنظير
التنظير
رقم القصيدة : 66988
-----------------------------------
لا أحدَ يطلبُ من الوردَةْ
أن تعقدَ مؤتمراً صحفياً
تتحدَّثُ فيه عن تاريخها..
وفصيلة دمها..
وطَبَقِها المُفضَّلْ..
فلماذا نطلبُ من القصيدَةْْ
أن ترتكب هذه الحماقةْ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المُتنبيّ
المُتنبيّ
رقم القصيدة : 66989(61/8)
-----------------------------------
تستطيع بئرُ النَفْطْ...
أن تضُخَّ عشرةَ ملايين برميل يومياً
ولكنَّها، لا تستطيعُ أن تَضُخَّ...
مُتَنَبيَّاً واحداً!!!.
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الثقافةُ المُفَخَّخَةْ...
الثقافةُ المُفَخَّخَةْ...
رقم القصيدة : 66990
-----------------------------------
كلُّ شيءٍ في حياتنا
صارَ مُفَخَّخاً..
السيَّاراتُ.. والرسائلُ.. والطرودُ البريديّةْ
حتّى الثقافةُ العربيةْ
صارَتْ مُفَخَّخَةْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تصحيح
تصحيح
رقم القصيدة : 66991
-----------------------------------
أنا لا أعْلِنُ الحربَ
على جِنْس العَرَبْ..
وإنّّما أُعْلِنُها،
على عَرَبِ الجِنْسْ!.
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الطيور السويسريّة
الطيور السويسريّة
رقم القصيدة : 66992
-----------------------------------
حملتُ جرائدي العربيةْ
وجلستُ لأقرأها
على ضفاف بحيرة جنيفْ
فَجْْأةً..
هَرَبَتْ مئاتُ الطيور، مَذعُورَةْ
كأنها خافتْ على ثقافة أولادها
من عناوين جَرَائدي..
وأخبار بلادي...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أُمّي
أُمّي
رقم القصيدة : 66994
-----------------------------------
في أيام الصيفْ..
أذهبُ إلى حديقة النباتات في جنيفْ
لأزورَ أُمّي...
فهي تعملُ بُستانيةَ لدى الحكومة السويسريَّةْ
وتقبضُ عشرةَ فرنكاتْ
عن كلِّ وردةٍ شاميَّةْ
تزرعُها لَهُمْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مَسْرَح
مَسْرَح
رقم القصيدة : 66995
-----------------------------------
المرأةُ بطبيعتها
تُحِبُّ الرجُلَ الذي يتكلمُ دونَ توقُّفْ..
ويكذبُ دونَ توقُّفْ
لذلكَ، يخسرُ جميعُ الرجالْ
الذينَ لا يُجيدُونَ فنَّ الدراما،
والإلقاءِ المسْرَحيّْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الزواج
الزواج
رقم القصيدة : 66996
-----------------------------------
المأذُونْ..(61/9)
هو الطاهي الذي
يُحوِّلُ علاقاتِ الحُبِّ الجميلةْ
إلى أسماكٍ مُثَلَّجَةْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> البِدْعَة
البِدْعَة
رقم القصيدة : 66997
-----------------------------------
1
البِدْعَةْ..
هي أن تنفُضَ عنكَ
غُباركَ الصحراويْ
وتأخذَ دوشاً..
صباحَ كُلَّ يومْ.
2
البِدْعَةْ..
هي أن تَخرُجَ من بطن آلة التسجيلْ
وترتجلَ نصَّكْ....
3
البدعةُ عند العربْ
معناها..
أن تهرُبَ من المقبرة الجماعيةْ
وتسكنَ في فيللا على البحرْ...
4
البدْعةْ..
هي أن تخرجَ من علبة السَرْدينْ
التي انتهتْ مُدَّةُ استعمالها
وترمي نَفْسَكَ
كالسمكة في البحر...
5
البِدْعَةْ
هي أن تخلعَ قُنْبَازَكَ..
وقُبْقَابَكَ...
وطَرْبُوشَكَ العثمانيّْ
وتصهلَ كحصانٍ
في بَرَاري الحُريَّةْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حوار
حوار
رقم القصيدة : 66998
-----------------------------------
إذا سألوني: من تكون حبيبتي؟
أقول لهم: يا ليتَ أملك رسمها
فإني من عشرينَ قرناً أحبها...
ومازلتُ حتى الآن لا أعرف اسمها...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> على البحر الطويل
على البحر الطويل
رقم القصيدة : 66999
-----------------------------------
إفرشي شعرك فوقي
مثل غابات النخيل
فأنا يعجبني النظم على البحر الطويل
لست رجعياً بطبعي.. إنما
أشتهي رائحة البن.. وطعم الزنجبيل..
يرحل المشط، وقلبي معهُ..
إن من أغلى هواياتي الرحيل...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التجارب
التجارب
رقم القصيدة : 67000
-----------------------------------
لا تتعبي نفسك يا غالية
في البحث عن تجاربي الماضية
كل نساء الأرض في كفةٍ..
وأنت يا أميرتي..
في الكفة الثانية..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أعظم أعمالي
أعظم أعمالي
رقم القصيدة : 67001
-----------------------------------
إذا سألوني عن أهم قصيدة
سكبت بها نفسي، وعمري، وآمالي(61/10)
كتبت بخطٍ فارسيٍ مذهَّبٍ
على كلِّ نجمٍ: أنتِ أعظمُ أعمالي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لو كان حبي شجراً
لو كان حبي شجراً
رقم القصيدة : 67002
-----------------------------------
لو كان حبي شجراً..
لكنت يا حبيبتي
غطيتُ وجه الأرض بالأشجار
لو كان حبي مطراً
أغرقت هذا الكونَ.. بالأمطار..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى ثلاثينية..
إلى ثلاثينية..
رقم القصيدة : 67003
-----------------------------------
دخلتِ الثلاثينَ منذ شهورٍ..
ومازلتُ أشعر رغم الحوارِ المثقفِ،
أنكِ بعدُ.. تخافين مني..
ألا بدَّ أن يتدخلَ شيخ القبيلةِ،
بيني وبينكِ.. كي تطمئني؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> معادلة
معادلة
رقم القصيدة : 67004
-----------------------------------
أعشق يا حبيبتي
إذن أنا موجود
أكتب يا حبيبتي
فأسترد الزمن المفقود
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إكبري عشرين عاماً
إكبري عشرين عاماً
رقم القصيدة : 67005
-----------------------------------
إكبري عشرين عاماً.. ثم عودي..
إن هذا الحبَّ لا يرضي ضميري
حاجز العمر خطيرٌ.. وأنا
أتحاشى حاجزَ العمر الخطيرِ..
نحن عصرانِ.. فلا تستعجلي
القفز، يا زنبقتي، فوق العصور..
أنتِ في أولِ سطر في الهوى
وأنا أصبحتُ في السطر الأخيرِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> صعوبة
صعوبة
رقم القصيدة : 67006
-----------------------------------
وكم أعجبتُ بامرأةٍ..
ولم يقنع بها القلبُ..
نساء الأرض لا يحصينَ..
لكنَّ الهوى صعبُ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الإناء..
الإناء..
رقم القصيدة : 67007
-----------------------------------
.. وكنتُ في طفولتي
أظن أن القلبَ كالإناء
تسبح في مياهه الزرقاءِ آلافٌ من النساء
وعندما نضجت يا حبيبتي
واتحدت عناصرُ الأشياء
بحثتُ عن أسماكيَ الخضراء والحمراء
فلم أجد سواكِ يا أميرتي
في ذلك الإناء(61/11)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الحافية..
الحافية..
رقم القصيدة : 67008
-----------------------------------
صامتةٌ أنتِ..
فهل تدرينَ بأن يديك الصامتتين..
كتابا شعر؟
حافيةٌ أنتِ..
فهل تدرينَ بأن امرأةً حافية القدمينِ
تغير إيقاع التاريخِ،
وتقلبُ خارطةَ الدنيا،
وتطيلُ العمر؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> شهادة تأمين
شهادة تأمين
رقم القصيدة : 67009
-----------------------------------
تريدين مني شهادة حبٍ..
موقعةٌ بالحروف الكبيرةْ..
وأشهدُ - حتى كتابةِ هذي السطور-
بأنك بين النساءِ الأخيرة..
ولكن، لماذا الشهاداتُ؟ قولي
وهل يضمن البحر يوماً حدودَ جزيره؟؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كي يأتي النهار
كي يأتي النهار
رقم القصيدة : 67010
-----------------------------------
لن أطيل الشرح
فالحب اختصار
إنني في حاجة قصوى
إلى واحدةٍ مثلكِ..
كي يأتي النهار..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تعالي البارحة
تعالي البارحة
رقم القصيدة : 67011
-----------------------------------
إن كان لا يمكنك الحضور
لأي عذرٍ طارئٍ
سأكتفي بالرائحة
إن كان لا يمكن أن تأتي غداً..
لموعدي
إذن.. تعالي البارحة!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التعاريف
التعاريف
رقم القصيدة : 67012
-----------------------------------
أنا ضدَّ كلِّ التعاريف في الحبِّ..
فهي جميعاً قوالب..
وضد جميع الوصايا القديمةِ،
ضد جميع النصوص،
وضد جميع المذاهب..
فلا يصنع الحب إلا التجارب..
ولا يصنع البحر.. إلا الرياحُ وإلا المراكبْ
ولا يستطيع الحديثَ عن الحرب.. إلا المحاربْ
أنا أفعل الحب.. لكن إذا سألوني عنه.
فإني أفضلُ أن لا أجاوب..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التمثيلية
التمثيلية
رقم القصيدة : 67013
-----------------------------------
أقول أمام الناس، لست حبيبتي
وأعرف في الأعماق كم كنت كاذباً(61/12)
وأزعم أن لا شيء يجمع بيننا
لأبعد عن نفسي وعنك المتاعبا
وأنفي إشاعات الهوى.. وهي حلوة
وأجعل تاريخي الجميلَ خرائبا
وأعلن في شكل غبيٍّ، براءتي
وأذبح شهوتي.. وأصبح راهبا
وأقتل عطري عامداً متعمداً
وأخرج من جناتِ عينيك هاربا
أقوم بدورٍ مضحكٍ.. يا حبيبتي
وأرجع من تمثيل دوريَ خائبا
فلا الليل يخفي -لو اراد - نجومَهُ
ولا البحر يخفي - لو أراد - المراكبا
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قدرٌ أنت بشكل امرأة..
قدرٌ أنت بشكل امرأة..
رقم القصيدة : 67014
-----------------------------------
قدرٌ أنت بشكل امرأة..
وأنا مقتنعٌ جداً بهذا القدرِ
إنني بعضك، يا سيدتي
مثلما الآهُ امتدادُ الوتر
مطر يغسلني أنتِ.. فلا
تحرميني من سقوط المطر
بصري أنت. وهل يمكنها
أن ترى العينان دون البصر؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الوردة والفنجان
الوردة والفنجان
رقم القصيدة : 67015
-----------------------------------
دخلتُ اليومَ للمقهى
وقد صممت أن أنسى علاقتنا
وأدفن كل أحزاني...
وحين طلبتُ فنجاناً من القهوة
خرجت كوردةٍ بيضاءَ..
من أعماق فنجاني!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لماذا؟
لماذا؟
رقم القصيدة : 67016
-----------------------------------
كثيراتٌ صديقاتي..
كثيراتٌ علاقاتي
وبين يديَّ -حين أريد- آلاف الخيارات
ولكن ما يحيرني
لماذا أنت بالذاتِ؟
أحبكِ أنتِ بالذاتِ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الطوابع
الطوابع
رقم القصيدة : 67017
-----------------------------------
أعرف يا سيدتي
أن الرجال كلهم لديك كالطوابع..
مجموعةٌ من أغربِ الطوابعِ..
وأندرِ الطوابع
على جدار القلب تلصقينهم
وحين تتعبين تنزعينهم..
من دفتر الأشواق كالطوابعِ..
أعرف أيضاً أنني
ما كنت إلا طابعاً من جملةِ الطوابعِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الكتاب المقروء
الكتاب المقروء
رقم القصيدة : 67018(61/13)
-----------------------------------
بكلمةٍ واحدةٍ..
لفظتها، ونحن عند الباب
فهمت كل شيء..
فهمت من طريقة الوداع
ومن جمود الثغر والأهدابْ
فهمت أني لم أعد
أكثر من بطاقةٍ تترك تحت الباب
فهمت يا سيدتي
أنك قد فرغتِ من قراءةِ الكتاب..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لن تخلصي مني..
لن تخلصي مني..
رقم القصيدة : 67019
-----------------------------------
لن تهربي مني ..
فإني رجلٌ مقدرٌ عليكِ
لن تخلُصي مني..
فإنَّ الله قد أرسلني إليك
فمرةً أطلعُ من أرنبتي أذنيك..
ومرة أطلعُ من أساورِ الفيروزِ في يديكِ
وحينَ يأتي الصيف يا حبيبتي
أسبحُ كالأسماكِ
في بحيرةِ عينيكِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عشرين ألف..
عشرين ألف..
رقم القصيدة : 67020
-----------------------------------
عشرين ألفَ امرأةٍ أحببتْ
عشرين ألف امرأةٍ جرّبتْ
وعندما التقيتُ فيك يا حبيبتي
شعرتُ أني الآن قد بدأتْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بلا كلمات..
بلا كلمات..
رقم القصيدة : 67021
-----------------------------------
لأن كلامَ القواميسِ ماتْ
لأن كلامَ المكاتيب مات
لأن كلامَ الرواياتِ مات
أريدُ اكتشاف طريقةِ عشقٍ
أُحبكِ فيها بلا كلماتْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أشكوكِ للسماء..
أشكوكِ للسماء..
رقم القصيدة : 67022
-----------------------------------
أشكوكِ للسماء..
كيف استطعتِ كيف
أن تختصري
جميعَ ما في الأرضِ
من نساء..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ذاتَ العينينِ السوداوين
ذاتَ العينينِ السوداوين
رقم القصيدة : 67023
-----------------------------------
ذاتَ العينينِ السوداوين
ذاتَ العينين الصاحيتينْ الممطرتينْ
لا أطلبُ أبداً من ربي إلا شيئينْ
أن يحفظ هاتين العينين
ويزيدَ بأيامي يومين
كي أكتبَ شعراً
في هاتين اللؤلؤتينْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عندما تبكينَ
عندما تبكينَ(61/14)
رقم القصيدة : 67024
-----------------------------------
إني أُحبكِ عندما تبكينَ
وأحبُّ وجهكِ غائماً وحزينا
الحزن يصهُرنا معاً ويذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
تلك الدموع الهاميات أحبها
وأحب خلف سقوطها تشرينا
بعض النساء وجوههن جميلةٌ
وتصيرُ أجملَ عندما يبكين
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لو كنتِ..
لو كنتِ..
رقم القصيدة : 67025
-----------------------------------
لو كنتِ يا صديقتي بمستوى جنوني
رميتِ ما عليكِ من جواهرْ
وبعتِ ما لديك من أساورٍ
ونمتِ في عيوني
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أنا عنكِ ما أخبرتهم
أنا عنكِ ما أخبرتهم
رقم القصيدة : 67026
-----------------------------------
أنا عنكِ ما أخبرتهم
لكنهم لمحوكي
تغتسلينَ في أحداقي
أنا عنكِ ما كلمتهم
لكنهم قرؤوك في حبري وفي أوراقي
للحبِّ رائحةٌ
وليس بوسعها ألا تفوحَ
مزارعَ الدُّراقِ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عبادةْ..
عبادةْ..
رقم القصيدة : 67027
-----------------------------------
حبُّكِ يا عميقةَ العينين
تطرفٌ .. تصوفٌ.. عبادةْ
حبُّك مثلَ الموتِ والولادةْ
صعبٌ بأن يعادَ مرتينْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عيدِ ميلادي
عيدِ ميلادي
رقم القصيدة : 67028
-----------------------------------
مازلتَ تسألُني عن عيدِ ميلادي
سجّلْ لديكَ إذن ما أنتَ تجهلُه
تاريخُ حبِّكَ لي
تاريخُ ميلادي..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الحبُّ يا حبيبتي..
الحبُّ يا حبيبتي..
رقم القصيدة : 67029
-----------------------------------
الحبُّ يا حبيبتي
قصيدةٌ جميلةٌ مكتوبةٌ على القمرْ
الحبُّ مرسومٌ على جميعِ أوراقِ الشجر
الحب منقوشٌ على ريش العصافير
وحبات المطرْ
لكنَّ أيَّ امرأةٍ في وطني
إذا أحبتْ رجلاً
ترمى بخمسينَ حجرْ
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> عيناها والحنين
عيناها والحنين
رقم القصيدة : 67030(61/15)
-----------------------------------
تلك المسافةُ بين عينيها وأرصفة الشوارع
هي بامتداد دمٍ جرى نوراً ..
.. بأوردةٍ تُوَحِّدُ عاشِقَيْن
هي ذِكرياتٌ قد غَفَت تَحْتَ الغَمَامِ وقد بكى مَطراً
وحَنَّت فاستفاقت بين ذاكِرةٍ وعينْ
تلك المسافةُ لم تكُن إلاَّ زماناً من هوى
عُمرَاً مضى حُلماً كَمَرِّ سحابَتَيْن
مُخَلِّفاً أصداءَ ما تركَ المُغَنِّي في أماسيهِ الشريدةِ من أسى
لحناً تناثرَ في الطريقِ وفي نهايات المَفارِقِ نَغْمَتَيْنِ .. فَنَغْمَتَين
كُلُّ ما تَرَكَ المُغنِّي بين شُرفَتِها وشُرفَتِهِ الحزينةِ
كُلُّ ما تَرَكَ المُغَنِّي من صدى ..
في شُرفَتَيْن !
------------------------------
هَذي الشَّوارع من قديمٍ قد غَفَت كالحُلمِ ..
.. مُغْمِضةً على الذِكرى
فكيف استيقَظت هذا النهار لتسألَ عابريها
عن ملامِحِ عابِِرَيْن ؟
مضت بخطوهما الدروبُ إلى الغياب
ترافقا حتى نهايات المدى
وتَبَاعَدَا كَفَرَاشتيْن
لعلَّهُ المطرُ الذي تصحو على إيقاعهِ الذِكرى
فتنتفِضُ الشوارعُ من حنينٍ حينَ فاجأها
ومن ألمٍ لِبَيْن
لعَلَّهُ الوهجُ الذي قد طافَ عينيها اللتين ترامتا لَهَفَاً ..
.. لِتحتَضِنا الدروبَ أسىً
وقد صحت الرؤى
وتناثرت في أُفقِ عينيها الخريفيِّ الملامِحِ
دَمْعَتَينِ فدَمعَتَيْن
مضت كما حُلماً يمُرُّ على الطريقِ
يودُّ لو جازَ المسافةَ للحَنين مُحَلِّقاً ..
.. في غمضِ عينْ !
جازت مسافَتَها على مطرِ الطريقِ نُجيمةً خطرت على غيمٍ ..
.. كما بُسُط اللُّجينْ
-----------------------------
تلك المسافة بين عينيها وأرصفة الشوارع
هي لم تكُن إلاَّ زماناً من هوى
عُمراً مضى حُلماً كمرِّ سحابَتَيْن !
مُخلِّفاً أصداء ما تركَ المُغنِّي في أماسيهِ الشريدة من أسى
لحناً تناثر في الطريقِ وفي نهايات المفارق ..
.. نَغْمَتينِ فَنَغْمَتَيْن
كُلُّ ما تَرَكَ المغَنِّي بين شُرْفَتِها وشُرْفَتِهِ الحزينة(61/16)
كُلُّ ما تركَ المُغَنِّي من صدى
في شُرفَتَيْن
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> في موعد الغيوم
في موعد الغيوم
رقم القصيدة : 67031
-----------------------------------
تقابَلا
في موعدِ الغيومِ ..
بُرْعُماً وجدولا
تقابَلا .. ففاضَ في عَيْنَيْهِمَا الحَنينُ
راحِلاً ومُقبِلا
تَكَلَّما .. كأنَّما تَعَندَلا !
تفجَّرَ الحنينُ فيهِما واسترسلا
تبادَلا ..
شوقاً يقرُّ في العيونِ هائِلا
تَلاَمَسا .. كَأنَّما تَداخَلا !
وغَابَ لَيْلٌ مُعْتِمٌ
لِضوءِ سِرٍّ انجلَى
تَرَاقَصَا .. كنَجمَتَيْنِ تومِضانِ فَرْحةً
كَنَغْمَتَيْنِ في الهواءِ للبعيدِ تَرْحَلا
تَعانَقا ..
وسَافَرَ النَّعيمُ في روحَيْهِمَا .. فما تَمَهَّلا
تَساءَلا : وهل يدومُ ذلكَ الحنينُ سَرْمدا
يدومُ ما قد أمِلا ؟
تأمَّلا .. نهراً يُرقرِقُ الغِناءَ في قَلبَيْهِمَا
ومَوعِدَيْنِ للشُّروقِ في العيونِ أقبَلا
تَضَاحَكا ..
وأفسَحَ النعاسُ في روحيهما مدى
فسافرا للحُلمِ نائِمَيْنِ في حدائق الربيعِ
زهرةً وبُلْبُلا
-----------------------------
استيقَظَا
كَأَنَّمَا تَبَدَّلا !
ورَاحَت العيونُ تَلتقي
كَأنما الأَسى يلُفُّها ..
.. كأنَّما تساؤُلا ..
يقرُّ في العيونِ جَارِحَاً وقاتِلا !
تَنهَّدا ..
تَمَلمَلا
تَكَلَّما .. فأُضرِمَ الحوارُ مُشْعَلا
تَغَيَّرَا ..تَحَوَّلا
تَبادَلا الجَفاءَ والخصامَ في قساوةٍ
وردَّدَ الصَّدَى
لحناً يغيبُ في السُّكونِ بعدَما علا
تَبَاعَدَا ..
خبا النَّهارُ في العيونِ
والرَّبِيعُ عادَ ذابِلا
تَبَاعَدا
تلاشيا هُناكَ في متاهةِ الغياب
نَجمَتانِ مرَّتا لِتَرْحَلا
لم يَبقَ من صَدى لِقَاهما في مَوعِدِ الغيومِ
غيرَ طيفهِ الشَّفيف
وعَبْرَتَانِ تأمَلانِ عودةَ الحنين
دونَ أن تُؤَمَّلا
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> مُحاوَرَة
مُحاوَرَة
رقم القصيدة : 67032
-----------------------------------(61/17)
كانت عيناها تتَجوَّلُ في أعماقي
عبرَ زِحام القاعة .. والمائدة الخاوية الأطباقْ
ترقبُ وجهي في جلستيَ المُنطويةِ
تنبشُ بالأحداقْ ..
.. في طَيَّاتِ الرُّوحِ
عساها تكشفُّ سِرَّاً يبرقُ في عينيَّ
وتُخفيهِ الأعماقْ
كنتُ أُراوِغُ مِخلبَ عينيها
حتَّى جاءت
مَرَّت عبرَ الحَشد كموسيقى تنقِلُها الرِّيحُ إليَّ
مَضت تسألُني
- لا أعرِفُكَ .. فَمَن أنتَ ومِن أينَ أتيت ؟
- يا سيِّدتي طيفٌ عابِرْ
جِئتُ على مَتنِ السُّحُبِ العابرة فضاءاتِ الأيام
حتَّى أهرُبَ من وحشةِ روحي بعض الوقت
- لا تتلاعب بالكَلِمات
أراكَ تُحِبُّ امرأةً .. وتحاولَ أن تُخفي هذا العِشقَ الآن !
- يا سيِّدتي لم تعشِقني من زمنٍ إلا الأحزان
ولم يتَجوَّل في أعطافِ القلبِ شُعاعيْ حُبٍّ منذُ زمان !
- أنتَ تُراوِغ !
عيناكَ الشَّارِدتانِ تشي بالعِشق
بامرَأةٍ يتراقَصُ طيفُ مفاتِنِها خَلْفَ شُرودِكَ
وتُضيءُ بِلَمسِِ أَنَامِلِهَا أَعْمَاقَ الرُّوْح !
- سيِّدتي إني ...
- أنتَ تُضَلِّلُني !
- إني أشرُدُ خلف الذَِكرى حين تُباغِتُ قلبي بِنِصالِ مرارتِها
ذكرى الأيام الخرساء تمُرُّ على جِسرِ العُمرِ بِعرباتٍ سوداء ..
.. فتسقطُ تحتَ العجلاتِ الأقدام
ذِكرى العشق الأول
تتفتَّحُ أوراقُ القلبِ الخضراءَ لِمَرْآهُ
إلى أن تَذبُلَ ..
حين يُحّلِّقُ مُرْتَحِلاً لِنداءِ ظلام
ذِكرى خُضر الأيِّام
نثَرَتهَا الرِّيحُ وداسَتْهَا الأقدام
- إني لا أفهم !
كيفَ تُشَدُّ لهذا التيهِ وأنتَ وقفتَ أمام ممالكَ حُسني !
ألا يُبهِرُكَ جمالي ؟
ألا أُلهِمُكَ ؟
- مالي والإلهام ؟
يا سيدتي .. لا يَعْرِفُ كيفَ يُحَلِّقُ بسمواتِ العشق
.. من ائتَلَفَ الآلام
فدعيني في ملكوتِ شرودي
طيفاً يرحلُ خلفَ غيومِ الذِّكرى حين تُلَوحُ
وعودي للأضواء ..
.. تُرَاقَصُ بين كئوس المدعوين على صَخبِ الأنغام !
يا سيِّدتي
لا يشغلُني العِشقُ الحالِمُ والإلهام
يشغلُني أن أجِدَ خَلاصاً(61/18)
يعتقني من أَسْرِ العُمرِ
لأُفلِتَ من مُرِّ الأيَّام
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> لُعبَة الحَقيقة المُقَنَّعَة
لُعبَة الحَقيقة المُقَنَّعَة
رقم القصيدة : 67033
-----------------------------------
عَيْنَاكِ تَغرِقانِ في العِتابْ
تُحاصرانني بالاتهام ثم تُفلِتانِ للمدى
وتُطفِئانِ في عيوني البريقَ
تُلقيانني إلى مَتَاهَةِ العَذابْ
وأنتِ تسألينني وقد علا شِفاهَكِ الغَضَب
عن موعِدٍ تَهيَّأت لنا النُّجومُ كي يضُمَّنا
ولم أجِئهُ حين ضَمَّني الغيابْ
بَحَثتُ في ارتِبَاكِ موقِفي عن الإجابةِ المُنَمَّقةْ
عنِ العبارةِ التي تشي ولا تقول
فما استطاعت المُراوَغَةْ
أن تَنْصُرَ الكَذِبْ
وظَلَّ طائرُ الأسى والارتيابْ
يجوبُ أُفْقَ مُقلَتَيْكِ دامِعاً ..
.. يُرَجِّي الجوابْ
حبيبتي .. ويالتعس ما لديَّ من جواب
فقد نسيتُ موعدي الذي يضُمُّني معك
بموكِبِ الرياحِ والأنسام والسُّحُب
لأنني أمسيتُ جائِعَا !
فلتّعذُري
فالشوقُ ينطفيء
إذا استبدَّ بالبشَر ..
.. الجوعُ .. ثُمَّ راح يخنِقُ المشاعرُ التي تنامُ في قلُوبِهِم
على خمائلِ الحَريرِ والنَّغَمْ
فلا يُفَكِّرونَ في سواه
وهذه الحياةْ
تُضَيِّقُ الخناقَ دائِماً على الذينَ يطلبونَ لُقمَةً
بقدرِ ما بِها من السِّعةْ
حبيبتي
فلتغفِري نسيان موعِدِك
ولتعذُري ارتِباكةَ الحديثِ خلفَ لُعْبَة الحقيقةِ المُقَنَّعَهْ
فالجوعُ ..
كان موعِدي معه !
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الموتُ في بلاطِ شهريار
الموتُ في بلاطِ شهريار
رقم القصيدة : 67034
-----------------------------------
تذكّري وأنتِ ترقُصينَ في عرائِهِ المَهيبَ أن تُلَملِمي الدِّثارْ
أن تُخَفِّفي من رعشةِ الإغواءَ حينَ تَلمَحينَهُ
يُمَزِّقُ الرِّداءَ عَنْكِ في سُعارْ
فرُبَّما اختَفَت من مُقلَتَيهِ رَفَّةُ الرِّضَا
وراحَ شهريار ..
.. يجوسُ بالعيون في حدائق الجسدْ(61/19)
مُهَدِّداً تَدَفُّقَ الحياة في ارتعاشةِ الثِّمارْ
تمَهَّلي وأنتِ تَلهَثينَ خلفَ رَقصكِ الذبيح ..
.. نَجمةً سجينةَ المدارْ
فلا ابتسامكِ الشقيّ يُوْقِفُ الأَسَى
أو فَرْحَكِ الكَذوبُ قد يَرُدُّ عارْ
ورَقصُكِ الذليل لن يدوم للأبدْ
لكنَّهُ يُشَدُّ لانطِفاء اللحظةِ المُلَوَّنهْ
وحين يبدأُ النُّعاسُ والمَلل
طريقَهُ إلى عيونِ شهريارْ
وأنتِ تَستَجدين كُلَّ نَغْمَةٍ لكي تطول
.. كل رعشةٍ بجسمكِ المهان
علَّهُ يُثارْ !
ماذا لو انَّ ما أُمِّلتِ لم يكُن ؟
لو أَشهَرَ المَصيرُ سَيْفَهُ عليكِ من ظلامِ اللحظةِ المُخَبَّأهْ
وأَحكَمَت أنامِلُ الخديعة الحصار ؟
.. لو مَلَّ رَقْصَكِ السَخيَّ ..
.. لو أَشارْ
لكي يُهيّئوا الفِراشَ في توهُّج الجسد
ويُسلِموكِ بعدَها
للسيف كيف يُغيبَ في عيونكِ النهار ؟
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الصّدق والرواية المُلّفَّقة
الصّدق والرواية المُلّفَّقة
رقم القصيدة : 67035
-----------------------------------
يا سيِّدي
يا مُخرج الرواية العظيم
دقائِقٌ ويُرفَعُ السِّتَارْ
وتبدأُ الأصواتُ في الخفوت
.. تُطفأُ الأنوارْ
ويشدهُ المشاهدون للذي يدور
دقائقٌ ويبدأُ الدوارْ
وينبري المُمَثِّلونَ في السَّخَف
إن يبدءوا بعرضِ هذه الرواية المُلَفَّقةْ
تَتَابَعَت فُصُولُها تُجَمِّلُ الكَذِب
وتطمِسُ الحقيقةَ الخَرْسَاء
وأنتَ في مكانكَ البعيد ترقبُ الجميع
تُطِلُّ من وراءَ هذه الستائر السوداء
في أَوجُهِ المُمَثِّلينَ والحضور
لِتَطمَئنَّ أن كُلَّ ما لفَّقْتَهُ يسيرُ وِفقَ ما يُرام
فتفرًكَ اليدينَ في انتشاءة الحبور
إن تَلمَحَ المُشاهدينَ قد تَرَنَّحوا من الضَحِك
فلم يُلاحِظوا رداءةَ الحوار
أو يُدرِكوا تفاهةَ الرواية المُزَيَّفهْ
يا سيِّدي
دقائقٌ ويصعد الممثلونَ فَوْقَ مسرحك
لكي يواصلوا الكذب
أمامَ هذهِ الصفوف
كُلٌّ إلى مكانه الذي رسمتَهُ له
أمَّا أنا
فلن أكونَ في مكاني المألوف(61/20)
سئمتُ دَوريَ المُلَفَّقَ المُعتاد
وأن أكونَ واحداً من الذين يخدعون هذه الألوف
وأنتَ لستَ فَوقَ مُستَوى الخَطَأ
لكنَّ من يُصَفِّقونَ كُلَّ ليلةٍ لزيفكَ المُعاد ..
.. أوهموكَ بالنَّجاح والنبوغ بعدَما خدَّرتَهُم
بالضحك والغِناء والرَّداءة المُقَنَّعهْ
سأترُكُ التمثيلَ لِلَّذي يُريد
ليَستَمِرَّ دَوريَ الرديءَ من جديد
في هذه الأُكذوبة المُرَوِّعَهْ
لكنني وددتُ أن أقول
لو أَدرَكَ الجُمهورُ زيفَ ما يراه
أو تَكَشَّفَت أمامهُ الحقيقةَ التي تفنَّنَ التلفيقُ في إخفائِها ..
.. بجوِّ عرضِكَ البهيج
لَضَجَّت النفوسُ بالذهول والأسى
وماجَ هذا المسرحُ الكبيرُ بالنشيج
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الصباحُ الذي لا يجيء
الصباحُ الذي لا يجيء
رقم القصيدة : 67036
-----------------------------------
جارتي مَدَّت من العينينِ نافِذَتيْ أمل
ورَمَت عليَّ ضياهُما
ومَضَتْ تُشيرُ ببسمةٍ جذلى إليَّ
..لعلَّني أرنو إليها من ذهولِ كآبتي أو أستفيقْ
" يا جارتي ما بيننا بحرٌ عميقْ
بيننا بحرٌ من العجزِ رَهِيبٌ وَعمِيقْ " *
حتى ابتسامتكِ الشفيفة لن تضيءَ ليَ النهارَ
ولن تُذَلِّلَ لي الطريقْ
أنا لستُ إلاَّ واحداً مِمَّن يَجيئُونَ الحَياةَ لِيكدَحُوا في ليلِها
وتضنُّ ساخطةً عليهم بالصباحِ .. فلا شروقْ ..
.. يأتي إلى غديَ المُضيِّعِ في الشقاءِ وفي الأسى
بالبهجةِ العذراء تنتشِلُ الفؤادَ المُتعسَ المُلقى هُناكَ
.. بِجُبِّ وحشتِهِ السحيقْ
ولرُبَّما أنفَقْتُ أيَّامي لأرسُمَ بسمةً تعلو وجوه الآخرين
فالآخرونَ لهُم صَبَاح
وليس في دربي سوى الظُلُمات
.. كدَّسها الشقاءُ على متاهاتِ السنين
دربي عسيرٌ لو علِمتِ كأنَّما مُدَّت مسالِكُهُ الأليمةُ عبر أنَّاتِ الحياة ..
.. من الجحيمِ إلى الجحيم
دربي أليم
تمضي بهِ الأيَّامُ عابِسةً مُرَنَّحةَ الخُطَى هَمَّاً ..
.. إلى قدري البَهيم
يا جارتي عيناكِ غارقتانِ في حُلمٍ بهيج(61/21)
ترنو إلى غدِكِ الأمير
غدِكِ المليء بالابتسامِ وبالورودِ وبالأريجِ ..
.. على بساطٍ من حرير
وبضحكةِ الأطفالِ صافيةً كنبعٍ قد ترقرقَ باسِمَاً
ويدينِ تشتبِكانِ في حُلمٍ تَوَحَّدَ ..
.. ضَمَّهُ بيتٌ صغير
عيناكِ تحلمُ بالصباحِ وليس في دُنياي شيءٌ من صباح
هو لن يجيءَ لبؤسِ أيَّامي العِجاف
لسنينيَ العمياءَ تستُرُ عوزها بالكدِّ
ليست تبتغي حُلماً سوى خبز الكفاف
هو لن يجيء وعالمي مُتَرَنِّحٌ بِيَدِ الرِّيَاح !
فلتُسدِلي أهدابَكِ الحسناءَ فوقَ تَلَهُّفِ الحُلمِ البَريء
وامضي إلى غدِكِ البهيِّ وحيدةً مِنِّي ..
.. إلى غدِكِ المُضيء
أمَّا أنا فشقائيَ المُمتَدُّ قدَّرَ لي مُعايشةَ الظلامَ
ونَقلَ أحجارِ السنين
تهدُّ كاهليَ الفقير
امضي إلى غدكِ الهنيء
ودعي الشقاءَ يسوطُ من قد عُذِّبوا في لَيْلِهِم
من أجلِ صُبحٍ لا يجيء
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> حُلم النهار البعيد
حُلم النهار البعيد
رقم القصيدة : 67037
-----------------------------------
اتَّجِه للنهار البعيد الذي حاصرَتهُ الليالي
تَقَحَّمَ ظُلْمَتَها
كي تُحَرِّرَ للتائهينَ بَصِيصَاً يُضيءُ لهم ..
من سَنَا نَجمَةٍ أو شُعَاعْ
التحِف بالقلوب التي تفتديكَ
برغم جراحٍ تُزلزِلُها
وتُفَجِّرُ فيها النحيبَ الكتومَ أسىً والتياعْ
استبِقْ خطوات الزمانِ إلى غدِكَ المُرتَجَى
لم يَعُدْ في المدى زمنٌ للبُكاءِ ..
.. على أمسِكَ المُستَذَلّ المُضاعْ
كُن طريقاً إلى الغدِ يمضي الحيارى على هَدْيهِ
وملاذاً لمن يسكُنُ الخوفُ أَعمَارَهُم
قَدِّمَ الروحَ شَرْبَةَ مَاءٍ لمن ظَمئوا
ورغيفاً ليسندَ قلبَ الجياعْ
انتصِرْ للذين انحنت في انهمارِ الفجائع قاماتِهم
شَرَّدَتهُم خُطوبُ الزمان
فلّم يملكوا للبَلاء سوى الانصياعْ
اقتحِم وانتصِرْ
واستَبِق واستَدِر
كي تُنازِلَ هذا الزمانَ الذي قد تَخَفَّت ..
.. سودُ ملامحه في قناعْ(61/22)
امدُد اليدَ للضائعينَ ببحرِ الحياةِ الذي يصطخِب
كُنْ لهُم مِرفئاً أو شِراعْ
افتح القلبَ يحنو على عاشِقَيْنِ بِبَدءِ غِنائِهِمَا للحَيَاةِ
ويبكي على آخَرَيْنِ يُسافِرُ لحنُهُما
بعدَما سَلَّمَا للوداع
لا تَهَبْ قَدَراً قد يجيء من الغيبِ أو تتقي خطرا
كن جسوراً كضوءِ النهارِ
يشُقُّ الظلامَ إلى حيث شاء
ولم يُثنِهِ عن نِِزَال السَّوَاد أسى قد يراودُهُ
أو يُعِدهُ ارتياعْ
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> ما الذي تنتظِر
ما الذي تنتظِر
رقم القصيدة : 67038
-----------------------------------
الزَّمَانُ استَعَرْ
الأمانُ اختفى والأماني تَفِر ..
.. إلى سُدُمٍ تنتهي في جحيمِ الأسى
والمُنى تَحتَضِر
المَدى مُغلَقٌ
والبِحارُ تُزَمْجِرُ ثائرةَ الموجِ
والأرضُ جَمْر
ما الذي بَعدَ ذا تَنْتَظِر ؟
والربيعُ الذي بَرْعَمَت كل ورداته في الفؤاد
يُحاصِرُهُ بالمواتِ الأسى ..
.. في غيابِ المَطر
والنَّهَارُ المُرَفرِفُ في مُقلَتَيكَ خبا
تارِكاً حُلمَهُ لِظلامٍ أتى يستَعِر
لم يَعُد مِن رَجَا
إنَّ أَعذَبَ ما في انتِظارِكَ مُرْ !
الوجوهُ التي سكنت في شِغافِ حناياكَ يوماً ..
.. مضت بعدَما راوَغت حُلمَها
ورَمتهُ على أوَّل الليل غَائِبَةً
لم تَدعْ خَلفَهَا مِن أَثَر
تَرَكَتكَ وحيداً على دربِ أحلامِكَ المُختَفي في المدى
( كُلُّهُ حَسَكٌ غائِبٌ في حُفَر ! )
صِرتَ وحدَكَ في ذلك التيهِ
كُلُّ الدروب هنا تنتهي في سَقَر
ما الذي تنتظِر ؟
النهاياتُ تُطبِقُ من كُلِّ صوبٍ عليك
وأنتَ هُنا واقِفٌ لائِذٌ بالحّذَر
ليتكَ الآن تعرَفُ أنَّ الرُّكونَ إلى الخَوْفِ مِقصَلَةٌ
والشَّجاعةَ تُنجي
وأنَّ النَّهارَ الذي لم يبِن زَمَنَاً قد يَلَوحُ
.. إذا ما تَقَحَّمْتَ هذي الحوائِل
أسقطتها بين كَرٍّ وفّر !
فاقتَحِم كُلَّ هذا الجحيمَ الذي حاصرك
لا تَهَب
لا يُغيَّرَ خوفٌ قَدَر
لا تُطِل في العراء الوُقُوفَ
فهذا الزَّمَانُ يَمُر(61/23)
ارفعَ القلبَ سيفاً بوجهِ الزمانِ الرديء
امتطي صَهَوَاتِ الجُنُونِ إلى ما تَبَقَّى من الحُلمِ
جازِف
لعلَّك تنتزِعُ المستحيلَ الذي ترتجي ..
.. من نيوب الخطر
كُلُّ ما حولكَ الآنَ يُلقي لقلبِكَ هذا السؤالَ الذي
تترقرقُ أصداؤهُ في أسىً مُنهَمِر
ما الذي تَنْتَظِرْ ؟
ما الذي تَنْتَظِرْ ؟
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الحُزن
الحُزن
رقم القصيدة : 67039
-----------------------------------
الليلُ حطَّ يا صديقتي على الفؤاد
الليلُ حطَّ والسَّوَادْ
يُغيمُ كُلَّ رؤيةٍ بهيجةٍ بِمُقلَتي
يُحيلُني الأسى إلى رَمَادْ
وكُلَّما فررت مِنهُ هارِباً إلى شواطيء السكون والنعاس
صادني السُهادْ
وأَشْعَلَ الأفكارَ فيَّ غيرَ آبهٍ بوحشتي
بحاجتي للارتياحِ والرقادْ
أتوهُ في دوائِر الضياعِ والأسى
تجرُفنيَ الأحزانُ في دوائر الكآبةِ الكئودْ
تَعيسةٌ متاهَتي
ثَقيْلةٌ .. كالعجزِ كالحِدادْ
تَزُورُني
تُعيدُ لي مَشَاهِدَ النَّهار
ترُدُّني إلى شَقَائيَ المُقَدَّر الأسَى
ورِحلتي العسيرة الدروب في مهامه الحياة دون زادْ
تُعيدُني إلى قيود عالمي الذي يغيبُ في المساء
وتُحْكِمُ الأصفادْ ..
.. إسَارَهَا عليَّ دونَ رَحمَةٍ
إذا مَضَتْ تشُدُّني إلى رؤى نهاريَ الفقير
ليوميَ المُستَسلِم المُنقَاد
..لقبضةِ الهموم والأحزانِ والسواد
ليوميَ الذي يمُرُّ مبطِئاً على جسور الوقت كي يُعادْ !
لا رحمةً في أوجهِ الذين يعبُرون ذلك النهار
لا بسمة على الشفاه أورقَت
أو نظرةً ودودة الضياء تُفْعِمُ الفؤادَ بالأمل
وتنشُرُ الأمانَ والوِدادْ
ألوذُ وقتها بوحدتي
أُشاغِلُ الأفكارَ والهُمومَ حتى يَعبُرَ النهار
كيلا تصيدني شِراكَ حُزنيَ المكينة الأوتادْ
تِلكَ التي تظلُّ في عراءِ الذاكرةْ
تُطِلُّ من كهوفِها العميقةِ الظلام
من رَغبَةٍ مضى الفؤادُ خلفَ طيفِها البهيج في زمانهِ البعيد ..
.. خلَّفَتْهُ وانثنت للابتعادْ
من لحظةٍ تضوَّأت بالحُلمِ والمُنى(61/24)
وحينَ جاءَها .. ما نالَ من وعودِها مُرَادْ
من جَفوةٍ أذَلَّت الفؤادْ
من طيفِ وجهٍ اختفى مع السنين
تارِكاً للقلبِ حيرةً تُلقيهِ في جحيمِ الاتقادْ
لَكِنَّما النهار ينتهي ولا تزال تهدِرُ الهُمُوم
.. لا تزال حتَّى بعد أن يلفَّني الظَّلام
وأستدير مُسلِماً عناء رأسي الكليل للوسادْ
لكي يُحيطَ بي الأسىَ الضَّرير
الحُزنُ لا يغيبُ يا صديقتي
كأنَّهُ القضاءُ والمصير
يشدُّنا إذا أتى النهارُ والمساء
لرحلةٍ جميعُ ما بها من الدروبِ الشوكُ والقتادْ
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الحزن 2
الحزن 2
رقم القصيدة : 67040
-----------------------------------
يا رِفقَتِي جَاءَ الصَّبَاح
جاءَ الصباحُ ولا يزالُ فؤاديَ المكلوم يسكُنهُ الظلامْ
لا الضوءَ أورَثَهُ السلامْ
لا هدأةَ الفَجرَ النديِّ حَبَتْهُ بالبِشْرِ المُدَثَّرِ بالوِئَامْ
لكنَّهُ قد ظَلَّ في أحزانِهِ الغَرقَي هُناك
كأنَّما سكنت به من ألف عامْ
حُزني ثَقيْلٌ مُتْعَسٌ يا أصدِقاءْ
يأتي كَأَنَّ جهنَّماً أَلقَت بهِ من قاعِهَا
في ريحِ وقدتِها السَّموم
الحُزنُ يُقبِلُ والهموم
.. لا تبتغي إلاَّ الفؤادَ لها مرام
وبرغم أني أعبُرُ اليومَ الكئيب على جسورِ الوقت حتى ينتهي
لكنَّهُ يبقى هُنا
الحُزنُ - لو تدرون - في يومي يُقاسِمُني النهار
ويصُبُّ في قلبي السقامْ
فكأنَّهُ قد صَبَّ في قلبي اللَّظَى ورمى السَّهام
حُزني ثَقيْلٌ مُتعَسٌ يا أصدِقاء
يأتي .. يصُبُّ ظلامَهُ في القلبِ آمادَ النهار
إن حوَّمَت غربانُهُ السوداءَ تحجبُ شمسَهُ
تُلقي على عيني القَتَامةَ والقَتَام
حُزني غريبٌ .. موحِشٌ إن زارني
أو جاءَ قاصِداً الفؤادَ لهُ مَلاذَ فلا يُبَارِحَ إن أقام
حتَّى إذا ما قد مَددتُ لكم يدي يا أصدِقاء ..
.. وقد عَشَت مِنهُ العيونُ ..
.. ووسَّدَ الدربَ الظلام
ألقاكموا مِثلي .. أذَلَّكُمُ الأسى
لم يُبقِ من وهج الحياة على عيونِكم الكسيرة إن رَنَت إلاَّ الحُطام(61/25)
الحُزنُ سَمَّمَ يومَنا !
قَتَلَ انتشاءَ الوقت في أرواحِنا
فكأنَّما ساعاته تمضي بنا فوقَ الضِرام
فانجوا بأنفسِكم وفِرُّوا ما استطعتُم من وِثاق الحُزنِ
.. من هذا الجحيم
لكنكم لن تقدروا
وسترجعون مُحَطَّمي الأرواحَ مُستَلَبي السلام
والحُزنُ يَضحَكُ في الخِتام !
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> أُنشودةُ الفَرَح
أُنشودةُ الفَرَح
رقم القصيدة : 67041
-----------------------------------
تَراقَصَ العَبيرُ في الورود
وداعَبَت أنامِلُ النَسيم أفرُعَ الشَّجَر
وأقبَلَت أشِعَّةُ الصباح تسكُبُ الحياةَ في العيون
وراح جدولٌ صغيرْ
هُناكَ ينثني
يُضاحِكُ الظِلالَ والصُّخورَ في صفاء
وفي المدى تراكَضَ السحابُ مُفسِحاً لزرقةِ السماء
لكي تُطِلَّ فوقَ هذه الرُبى التي تزيَّنَت
بالنورِ والنَّضارِ في انتظارِ مقدِمِك
وخطوكِ الذي يشيعُ في رحابِها الحياةْ
وكنتُ كالطبيعةِ الصموت أنتظِر
أُطِلُّ في المَدَى
ويدفقُ الحنينُ في دَمي مُسائِلاً
غيابَكِ الكتومَ عن أوانِ أوبَتِك
أجابني النَّسيمُ عابِراً مدايَ ..
.. حامِلاً رفيفَ عِطركِ البهيج
أجابني الأريج
وقد مَضى يُسِرُّ للوجود عنكِ ضاحِكاً
لتنتشي الغيومُ والتِلالُ والمُرُوج
وأنتِ تُقبِلينَ من مدى غيابِكِ البعيد
قد تَلألأت عيونُكِ المُغَنْيهْ
بالضوءِ والضَحِك
تراقصَ الجُنُون
من عالمينِ أزرقينِ تَحتَ جَبهَتِك
من نَجمَتَينِ تُشْعَلانِ في العيون
لمستِنِي
فأورَقَ الأَمَانُ زَهْرَهُ الخَبيءَ في دمي
بسمتِ لي
لينتهي تيَتُّمي
وتعزِفُ الحياةُ داخِلي أُنشودةَ الفَرَح
وأنتِ تنثُرينَ من حديثِكِ الرقيق في طريقي النُّجوم
شعرتُ أنني أتيتُ هذه الحياةَ كي أراكِ
.. أو أعودُ مِثلما أتيتُ ..
مُتعَساً تنوشُني الهُمُوم
شعرتُ أننا حُلمان راحِلانِ في مدى بهيج
لحنانِ أُطلِقَا فَجَاوَزا الغيوم
راحا يُرجِّيان دورةَ الزمن
ألاَّ تَمُرَّ
كي يُسَرْمَدَ اللقاء
ويُسدِلُ الغيابُ سرَّهُ الكتوم(61/26)
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> أصواتٌ في مُدنِ الموت
أصواتٌ في مُدنِ الموت
رقم القصيدة : 67042
-----------------------------------
شاخِصةٌ كالموتى كُنتِ تنامين
يتَعَثَّرُ فيكِ ويَنكفيءُ الإنسان ..
.. في ظُلمةِ ليلكِ
تُغرِقُهُ الأحزان
ولا تَكتَرِثين
إلاَّ لنداء الملقِ الصارخ
في ضوء الإعلان !
-----------------------------
يرتادُكِ خطوي في مُنتَصفِ الليل
تتلفَّتُ نحوي غاباتُ التاريخ
تتراقصُ خلفَ الوجهِ المُرتَعِشِ الأسيان
يُراوِغُ فيكِ الضوءُ الظِل !
فيخفى وجهُكِ خلفَ قناعٍ من بهتان
هذا زَمَنُكِ محفورٌ بسياطِ الذُل
وهذي صفحات الأيامِ تمُرُّ عليكِ
تشير إلى آمادِ العدل
تبثُّ النبضَ بقلبٍ راوغَهُ الخَفقان
فلا ينتفَض الجسدُ المحمومُ المُعتَل !
يظَلُّ أسيرَ مواتِ الروحِ
طريحاً من زَمنٍ قد شُل !
يغشاكِ الليل
يسوط الذاكرةَ المُلقاةَ بتيهِ العتمةِ برؤى التاريخِ المهجور
فيفجؤ وجهَكِ هذا الحزنُ القادمُ
من ذاكرةِ الويل !
---------------------------------
يسألُني صوتٌ عن تاريخكِ حين تسَيَّدتِ الأيام
يسألُني عمَّا يبقى من حكمة هذا التاريخ الآن
يسألُني : هل مازالت تأكُلُ خُبزَ الذُّل السَّاقِطَ مِن مَائِدَة التاريخ
.. وتقتات الأحزان ؟
أتلفَّتُ حولي
هذا إنسانٌ عابر
يقطعُ فيكِ ميادينَ الأضواء بوجهٍ مُنطفيءٍ خزيان
يُرجِّي فيكِ الحقَّ
تقاذَفَهُ الظُلمُ وأضناهُ البُهتان
أتلفَّتُ حولي
هذا سِربٌ من غِربَان
يهوي فوق مآذِنَكِ البيضاء
وينعقُ .. يفردُ أجنِحةً من ليلٍ فوقكِ
.. ينهشُ جُثَّةَ موتكِ مُسبَلَة الأجفان
أتلفَّتُ ..
ليس سوى الإعلان
.. يصرُخُ بالأضواء بعُمقِ الليل ويلهث
خلف نداء السُّرعة فيكِ
وأنتِ كما الموت تنامين
يتعَثَّرُ فيكِ وينكفيءُ الإنسان
.. في ظُلمة ليلكِ تُغرِقُهُ الأحزان
ولا تكترثين
إلا لِنداء المَلقِ الصارخ
في ضوءِ الإعلان
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الصرخةُ والسَّيف(61/27)
الصرخةُ والسَّيف
رقم القصيدة : 67043
-----------------------------------
يا سيِّدي .. حاكم البلاد
عامانِ أطلُبُ المُثولَ في رَحاب مجلِسك
فيُلقِني الحُرَّاس خارجَ الأسوار
عامانِ أُوصِلُ المَساءَ بالنهار
أدورُ حولَ قصرَكَ المُراقَب المَهيب
لعلَّ ثَغرَةً بعيدةً تنتهي إليكَ أو طريق
وها أنا أتيتُ في تغافُل الحُرَّاس
لألتقيكَ - والفؤادُ يمتلي بعلقم السنين
وقد نصَبتَ مجلِسك
لجوقةِ السُمَّار والمُنَافِِقِين
جهلتَ ما يدورُ بالبِلاد من أَسَى
والظُلمُ طاولَ الرَّقاب ..
أسمَل الحياةَ في العُيون
الناسُ يا مولاي جائِعون
وموسمُ الحصاد جاءَ مُجدِباً كَكُلِّ عام
وجامعو الضرائب القُسَاة يسلبونهم ..
.. جميعَ ما تطاله أيديهم الغِلاظ
ويرتشونَ مِن ذوي الضِياع والقُصور ..
.. لا يُسائِلونهم عن الضريبة التي تحقُّ للبِلاد
والجُند يعلمون !
يقاسمونهم غنيمةَ الحَرام
والوُلاةُ ظالمون
يدرونَ ما يحلُّ بالبِلاد والعباد
فالفقرُ طاولَ الجميعَ ..
.. والبَلاءُ والكساد
ويرفعونَ كُلَّ ليلةٍ رسالةً إليك
.. تنتهي بأنَّ مُلكَكَ العظيمَ في أمان
والأمورُ في البلاد
تسيرُ وِفقَ ما يُرامُ
والنَّاسُ هانِئون
يُسَبِّحونَ كُلّ ليلةٍ بحمدِ حكمِك الأمين
والسلام !
مولاي .. لو دريت فالولاة ..
قد أسدلوا عن الرعية التعيسة الستائر السوداء
وأوقفوا الحُجَّابَ يمنعونَ كُلَّ من له شِكايةٌ عن الدُّخول
وأغرقوا ليلاتِهم
بالخَمرِ والقيانِ والطَرَب
وأرسلوا في الناس من يُذِلّهم
.. بالسوطِ إن علا صراخُهُم
وطاولَ الغَضَب
حناجِرَ الضعاف والمُشَرَّدين !
وأنتَ تكتفي بحُكمِ مُلْكَكَ العريضَ من هُنا
من قصرِكَ المُشيَّد القِِبابَ والأركان
لم تَمشِ في الأسواق أو تُفاجيء البيوت كي ترى الأحزان
والفقرَ والبطالةَ العقيمَ والوباءَ والمَرَض
تعيشُ بين النَّاس كالهواء
والسَّيفُ وَحْدَهُ مُحَكَّمٌ على الرِّقاب
القَهرُ يا مولايَ خلفَ كُلّ باب(61/28)
يُهيئ النفوسَ - لو دريتَ - لانتفاضة الغضب
القهرُ والعذاب
ولم يَعُد أمامَكَ الكثيرْ
إمَّا تُعيدُ للبِلاد عدلها السليب
وتُنصِفُ الضِعافَ والمُشَرَّدين
أو فانتظِر ..
أن يجنح الأسى بهم ويُفلِتُ الجُنون
وتُدرِكُ المأساةَ حينَ يُطبِقُ المَصير
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> تأمُّلات ما قبل الرحيل
تأمُّلات ما قبل الرحيل
رقم القصيدة : 67044
-----------------------------------
وطنٌ يبايعُ ليلَهُ حتَّى يحيقَ بهِ السواد
وطنٌ تطايرَ كَالرَّمَاد
غّفَت الحقولُ بهِ على أحزانِها
فصَحا على إمحالِها فَرَحُ الحصاد !
هانت دِماءُ بنيهِ في يُسرٍ عليهِ فخَلَّفوهُ لِما أرادَ ..
.. مُشَرَّدي الخطوات في تيه البِلاد
وطنٌ ينام بنوهُ من جوعٍ يُرافِقُ ليلَهُم
والمُتخَمونَ به مضوا يتناهبون حَصادَهُ
سرباً تكاثفَ من جَرَاد
نهرٌ يشُقُّ رُبُوعَهُ مُتَخَايلاً
ويموتُ من ظمأٍ بِهِ الفُقَراءُ ..
.. يمضي النَّهرُ مُتَّشِحاً بأردية الحداد
هَذي هِي الغِربَانُ حامت كي تنوشَ رُفَاتَهُ
هذا هو الليلُ الأخيرُ مضى ليُسدِلَ فوقَهُ
أستارَ ظُلمَتهِ الثقيلة باتِّئاد .
-------------------------------
( 2 )
قلبي يُراوِدُهُ الرَّحيلُ إلى نِهَايَاتِ الغِياب
حُلمي تُرَنِّحُهُ الفُصُولُ فَمن لَهُ في هذه الأرضِ الجديبة
ترتوي الأحلامُ فيها من ينابيع السراب
قلبي يُراوِدُهُ الرَّحيلُ إلى اتساعاتِ المَدَى
هذي المفاوزُ خلفَها لاحَ النَّدَى
هذي المدائنُ تستحيلُ إلى خَرَاب !
حُلمي يُبَعثَرُ في المرافيء والمَفَارق والدروب ..
.. تقاسَمَتهُ الريحُ حيث مضت
قدري كما قدرُ السحاب
وقتٌ يُلَوِّحُ للرحيل عن الجذورِ إلى الغمام
بلا إياب .
------------------------------
( 3 )
عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بما مضى أم لأمرٍ فيكَ تجديدُ
صَمَتَ الرِّجالُ بِها أَذِلُّهُمُ الأسى
مَلَكَت مَقَاليدَهَا الغيدُ الأماليدُ
نيلٌ يفيضُ على وديانها مُتَدَفِّقَا(61/29)
ويجفُّ فوقَ ثراها الضِّرعُ والعودُ
ظَلَمَ الولاةُ بها الجِيَاعَ وأَغلَقُوا
آذَانَهُم عَنْهُم حَتَّى وإن نُودُوا
هل يُقبِلُ العدلُ الشريدُ لأرضِها
أم يستبِدُّ به نَفيٌ وتشريدُ ؟
ناديتُ يا مِصرَ حتَّامَ الرشادُ هُنا
مُستَعبَدٌ أبَداً والجورُ معبودُ ؟
يتوارثُ الفُقَراءُ جوعاً عبرَ أزمنةٍ
يقتاتهم فيها هَمٌّ وتسهيدُ
-----------------------------
عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ؟
-----------------------------
عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ؟
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> فصولٌ من كتاب الموت
فصولٌ من كتاب الموت
رقم القصيدة : 67045
-----------------------------------
كُلُّ مساءٍ
حينَ الغُرفةُ تخلو من صيحاتِ النورِ
وأغرقُ في ظُلمَتِها كي أتمَدَّد
يغمُرُ قلبي حُزنٌ أسود
يُقبِلُ من غاباتِ الذِكرى
ينفذُ من شباكي الموصَد
لا يستوحِش بردَ الغُرفةِ والإظلام
حتَّى حين أُراوِغُهُ عَبَثاً لأنام
تُبَدَّدُ كُلُّ رُؤَايَ ولكن ..
لا يتَبَدَّد !
يجثمُ في زاويةِ الغُرفةِ
يَتَنَقَّلُ بينَ الجِدران
يُحَدِّقُ في عينَيَّ الخائفتينِ بوجهٍ مُربِد !
ينثُرُ من ذاكِرةِ الويلِِ رؤىً تتصارعُ في ظُلمَتِها
حتى تنزفَ
تقطرُ سَمَّاً
في طيَّات القلبِ المُجهَد !
--------------------------------
هذا فَجرُ العُمر
وتِلكَ طفولتهُ الخضراء
وقَلبٌ تُفعِمهُ الأحلامُ
يُحَلِّقُ بجناحيها نحوَ غدٍ يملؤهُ العَدلُ
يمدُّ الظِلَّ على الفُقراء
يمدُّ جذورَ الفَرْحَ بعُمقِ قلوب المحرومين ..
إلى أن تَسْعَد
مَرَّ العُمرُ
ومَرَّت عَرَبَاتُ العُمْر السوداء على جسرِ الأعوام
التفتَ القلبُ إلى الفُقَرَاء
رآهُم مأسورينَ بظُلمةِ ليلهِم المُتَمَدِّد
نزفَ القلبُ
تهاوى حُلمُ العَدل أمامَ القَدر المُربِد
وترامى الحُلمَ دُخاناً
ثُمَّ تَبّدَّد !
-----------------------------
هذا طيفُ الحُب يُحَلِّقُ بِفضاء الأيام(61/30)
يُفاجيءُ قَلبَاً من شُرًفاتِ الغيب
يطوفُ بهِ مُدُنَ الأحلامِ
يُحَلِّقُ لسمواتِ النور ويصعد
كانَت تَمنحُ خوفَ القلب سلامَ العالم
كانت فصلَ ربيعٍ زاهٍ
في صحراء العُمرِ الأجردْ
راحَتْ تَقطَعُ قَفْرَ مفازاتِ الأيام بدربِ الحُلم
ولا تتلفَّتُ أو تَرتَد
مَضَت عرباتُ العُمر السوداء على جِسرِ الأعوام
خَبَت نيران فؤادٍ كان تَوَقَّد !
عرِفَ الصوتُ الواثِقُ أن يَتَرَدَّد
حين يُخيَّرُ بين نِداء الرُّوحِ وبين نِداء العسجد !
غابت في تيهِ الأيَّامِ
هَوَت صُورَتُها من ذاكِرة القلب
تَهَاوَى حُلمَ الدِّفء أمامَ رياح الزَّمن الأَسوَد
وترامى الحُلمُ دُخاناً ..
ثُمَّ تَبّدَّد !
-------------------------------
هذا حُلمٌ آخر لا أتبَيَّن وَجهَه
يأتي من ظُلُماتٍ أُخرى
يترَنَّحُ في تيهِ العتمةِ والإظلام
أُحَدِّقُ ..
هل هو حُلمُ الحَق ؟
أحدق ..
حُلمُ العِتق .. خَلاص الرُّوح
أُحَدِّقُ ..
حُلمُ تحقُّق ما أمَّلهُ القلب من الأيَّام ؟
( تَوَحَّدت الأَحلامُ العائدة من العُمرِ الضال وإن تتعَدَّد ! )
أنظُرُ نحوَ الحائط فَزِعَا
يُنكِرُني الحُلمُ وقد جَزِعَا
يُنكِرُ هذا الظَِلَّ المُقعَد !
يتلاشى في ليلِ الغُرفةِ
ينحَلُّ كَهَبَّاتِ دُخانٍ .. لا تتَجَسَّد
يتَّجِهُ لنافِذتي شَبَحاً ..
ثُمَّ يُبَدَّد !
-------------------------------
كُلُّ مساءٍ
حينَ العالمُ يُولَدُ في أضواءِ الليلِ
ويدخلُ قلبي
يوئَد !
لا يُنقِذني منهُ سوى أن تَهدُرَ دوامَاتُ النَّومِ ..
فأرحلُ فيهْ
كُلُّ مساءٍ تنهضُ سودُ الذِّكرى من مَرقَدِها
تأخُذُ قلبي حيثُ التيهْ
تُسكِنُ فيهِ النَّبضَ إلى أن يَهمَد !
يُطفَأُ صَخَبُ العالم في عَينَيَّ
وتنسَحِبُ الأنوارُ وتبعُد !
يتَّشِحُ القلبُ بخرسِ الموت
فيهوي العمرُ دُخاناً
ثم يُبَدَّد !
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> حُلمُ الفَتى
حُلمُ الفَتى
رقم القصيدة : 67046
-----------------------------------(61/31)
مضَت الفتاةُ كأنَّها حُلمٌ
فوقَ الطريقِ يزُفُّها المَطَرُ
لم تُلقِ بالاً لِلَّذينَ تَسَمَّروا وَلعاً بفتنتِها ..
.. أو من بها عَبروا
مَرَّت بنا كَنُجَيمَةٍ خَطَرَت
فوقَ السحاب تُبعثِرُ الأحلامَ من مِنديلِها
فتُرَنَّحُ الفِكَرُ
ليتَ الفتاة درَت بأنَّ لها بينَ العيونِ فتى
صبُّ الجوانِحِ مُضنىً
باتَ ينتظِرُ
ألقى بِهِ مطرُ الطَّريقِ لدربِها
فلَعلَّها ترنو لَهُ
فلَعَلَّها ترنو إليهِ بِنَظرَةٍ بينَ الزِّحامِ
يُحيطُها الحَذَرُ !
بِنتٌ تسيرُ برَكبِ الغَيمِ هادِئةً
وفتىً يؤجِّجُهُ شوقٌ ويَستَعِرُ !
هل يَستَجيبُ لهُ أَمَلٌ بعينيها إن نحوهُ نظَرت
فَرنا لهُ قَمَرُ ؟
مَرَّت بِهِ فأماتَهُ وَلهٌ يشتاقُهَا
وأفاقَهُ عِطرُ !
لو قَد رَنَت نَحوَ اليَسار لِلَحْظَةٍ
لو لاحَظَت ..
لو يعطِفُ القَدَرُ !
ليتَ الفتاةَ رَأَت مَسَّ الجُنون بِهِ
عصف الهيامِ بقلبٍ كادَ يَنفَطِرُ
حين اختَفَت في دربِها
لم تَنتَبِه لفتى سيجنُّ من لهفٍ عليها
حينَ تَستَتِرُ
ويلُ الفتى
ليتَ الفَتَى حَجَرُ !
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الموتُ والحياة
الموتُ والحياة
رقم القصيدة : 67047
-----------------------------------
(إلى أبي رحمه الله)
.
.
.
كان يَحيَا كَمَا النَّسمَةُ الحَانية
حينَ تَعبُرُ في وقدةِ القيظِ فوقَ الجِباهْ
يلوحُ لنا باسِماً - رغم ضيقَ مَعيشَتِهِ -
مُفعَماً بالحياهْ
كان يأتي فَنَجلِسُ
نَلْتَفُّ حَولَ حِكَايَاتهِ
نَستَضِيءُ بأنوارِ حِكمَتِهَا
ثُمَّ نَغفو .. ونَصحو فلا نلتقيهِ
إذا راحَ كالطَّيفِ بينَ أقاصيصِهِ أو رؤاه !
إن يجيءَ المساءُ يعودُ وقد غَضَّن الجهدُ جَبهَتَهُ
وعلى وَجهِهِ أثَرٌ من غبارِ الكِفاح
وطيفُ ابتِسامٍ مريرْ
أحَبَّ الحياةَ على قَدرِ ما أتعبَتهُ الحياةْ !
كُنتُ أجثو بجانِبِ وقفته في رحاب الخُشوع
يصلي بعينينِ رُقرِقَتَا بالدُّموع
ووجهٍ يَفِرُّ الأَسَى مِن رِضَاه(61/32)
قَالَ لِي مَرَّةً " فلتَغَب يا بُني عن الكونِ
كي تَلتَقي رُوحَكَ المُرتَجاة ْ !
غِب عن الجَسَدِ المُنتَهي
خابَ من ظَنَّ أنَّ الحياةَ اقتناءٌ وجاهْ "
رُحتُ أَنهَلُ من فَيضِ حكمتِهِ
وأراهُ يعيشُ على الأرضِ دَفقةَ ضوءٍ
إذا راح يعملُ مُجتَهِداً
يُخلَصُ النُّصحَ للناس .. يرفقُ لينً بأبنائهِ
يُسعِدُ الزَّوجةَ الصابِرة
يستضيفُ الغريب
ويقنع بالرِّزق مُبتَهِجاً - رّغمَ قِلَّتِهِ -
بابتسامِ رَضا
قَرَّ فوقَ الشِفاهْ
ذات يومٍ مضى قاصِداً رِزقَهُ
باكِراً كالطيور
يسيرُ على الأرضِ في أُلفَةٍ باسِماً للصباح
حينَ لاحت على البُعدِ سيَّارةٌ
تَنهَبُ الأرضَ لاهِثةً
كانَ يَعبُرُ نَهرَ الطريقِ
وفي لحظةٍ كان مُلقىً
................................
................................
................................
وفَرَّ الجُناةْ !
-------------------------------
" كيفَ حالُكَ يا وَلدي ؟ "
قالها واحِدٌ حاوَل الآنَ أن يدفِنَ السِّرَ في صوتِهِ
ولكِنَّني كُنتُ أقرأُ فاجِعتي في عيونِ النُّعاهْ !
صارت الحكمةُ الواثِقة
سكوناً طويلاً
وعشقُ الحياةْ
ذبولاً
وصار أبي رَقماً
في مِلفَّاتِ قيدِ الوفاهْ !
-------------------------------
الحياةُ انتَهَت
غير أنَّ أبي لم يَمُت !
لا يموت الذين يعيشونَ لا يُخفِضُونَ الجِباهْ
عَلَّهُ الآن يَعْمُقُ إحساسُهُ
- بعدَما قد مَضت روحُهُ عن لهاثِ الجَسَد -
بالسكون الذي رامَهُ عبر أيَّامِه
السُّكون النَّجاهْ !
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الوقت ليس بوقتنا
الوقت ليس بوقتنا
رقم القصيدة : 67048
-----------------------------------
ء
إفتحى المُنغَلَقْ
بكرت طيور الحزن في القلب الذي
ما زال يرنو للأفق
ودعي التعقل علَّنا
نحيا الجنون فننعتق
تمضي رياح الحب بين عيوننا
لنعيش أزمنة الأرق
ثوري إذن
لا وقت للأحلام في هذا الجنون الصحو
في هذا الشبق
البحر صار أمامنا
والحزن يركض خلفنا(61/33)
أين المفر من الغرق ؟
هى لحظة سنكونها
أو لا نكون كلمح برقٍ قد برق
الوقت ليس بوقتنا
حلم البراءة ينتهي
والفجر خانك وافترق
لكنّك
ما زلت في عينيّ بدءاً
للمسافة ..
والطرق .
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> أكذوبة السعادة المُغادِرَه
أكذوبة السعادة المُغادِرَه
رقم القصيدة : 67050
-----------------------------------
تراكض السحاب فى السَّماء
لترتمى ملاءةٌ من الظلال ..
.. على الجداول التى تدفَقَت
تنسابُ فى خريرها نعومة النغم
وراحت الأشجارُ تنثنى مع الرِّياح
تَبوحُ للحمائم المُرفرفه
عن سر فرحة الوجود بِكْ
عن الطبيعة التى تضوَّأت لمقدِمكِ
وكُنتُ أنتظِرْ
أُطِلُّ فى المَدى
يزورُنى الذبول فى اندفاعة الزمنْ
يُخيفُنى توقُعُ الغياب
يخيفُنى احتجاب طلعتِكْ
لكنَّ نجمةً تلألأت
وغيمةً من المدى البعيدِ أقبَلت
مُحاطةٌ بهالةٍ من الأملْ
مضت تزف للحياة سرها السعيدْ
تقولُ قد أتَتْ
تراقصَت بعينى الأضواء والظلال
وأنتِ تُشرقين فى بهاءِكِ الذى اكتملْ
تُبَدلين عالماً من الأسى بداخلى
بآخرٍ من الفَرَح
ها أنتِ تضحكين لى
فتسطع المباهج المُخَبَّأةْ
فى مُقلتين طاف فيهما الوَهَجْ
ها أنتِ تلمسيننى
فينتهى تيتُّمى إلى الأبدْ
عرفت كيف يُصبح الوجود لحظَةً
ألوذ بالأمان فى رحابها بمُقلتيكِ ..
أحتمى بعالمك
وأنتِ تَبدأين فى حديثكِ الذى
يجىء للحياة من مشارف النجوم
ويطلق الأمان داخلى
منابعاً تفجّرت من الأملْ
ظننتُ أننا يلفنا الخلود
ظننت أن يمرَّ من وراءِنا الزَمنْ
لكنما حديثكِ القصير ينتهى
وأنتِ تمنحيننى يدَك
وتتركيننى مع الرّياح
يلف عالمى الظلام
وهذه النجوم تختفى وراء خطوتك
تَبدّدت عوالم الفَرَح
ولم أعُد سوى بحزنى المَريرْ
يشى لسكتى بخيبَةِ اللقاءْ
يقيم داخلى مآتم الأسى
وينشر الصقيع فى سمائها العويل
وها هى السعادة القصيرة الأمَدْ
مُراقة الدماء خلف لحظة الرحيل.
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الحب والصمت
الحب والصمت(61/34)
رقم القصيدة : 67051
-----------------------------------
أُحِبُّكِ
كانت عيوني تقولُ
وعند السلام ارتعاش يدي يقولُ
وصمتي الذي إن أتيتِ يطولُ
إلى أن تُشيري لنا : أنْ وداعاً
وتمضين ما قد شَعُرتِ بشئ !
------------------------
يلومُ الرِّفاقُ علىَّ طويلاً
إذا ما رأو طير حبك في مقلتى أسيراً لصمتي
ولكنهم ما دروا أنني
إن أسير بدربك كي نلتقي
أطلق البوح ، أعلن حبي
لكل الذي قد يرافقني في المسير.
أُسِرُّ إلى الشجر المتشابك ،
أعمدة الضوء ،
صمت الشوارع والأرصفه ،
زجاج النوافذ ،
ورد البساتين .. أخبره فيفيض العبير.
إلى أن أجيئك
ألقاك كالحلم
ألقي السلام وأبغي أقول الكثير
وما أن أطل بعينيك
حتى يفيض السكوت!
------------------------
وبالأمس حين أتيتِ إلىَّ
وغنى بعينيكِ هذا البريق البعيد المنال
تشجَّعتُ قُلتُ :
" إذن فلأبُح !"
وحاولت .. حاولت
غاب الكلامَ
كأن الذي أبتغي لا يقال !
ولكنني كنت أشعر أني سعيد
وأن الحياة التي لم تجئ ذات يومٍ إلىَّ تُطَال !
شعرت بأن المساء الذي لفَّنا
تتلألأ أضواؤه كالنجوم
وأن الهموم
التي أترع القلب فيض انهماراتها
في طريق ارتحال
حينما لاح صوتك يسألني في حنوٍ :
" .. ترى قلت شيئاً ؟ "
فأطرقت لا أتكلم !
حتى مضيت وحيداً
وقلت لنفسي :
"غداً سوف أُعلِمُهَا كل شئ! "
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> حصار
حصار
رقم القصيدة : 67052
-----------------------------------
كونٌ من الأحلام يبزُغُ فى خيالىِ
إن أشرَقت عَينَاكِ فى دربى تُلَوَّحُ فى ابتهالِ
تمحو الظلامَ عن الطريق فتنثرْ فيهِ اللآلى
شمسانِ راحَ ضياهُما
يمحو كآبات الصَقيع وما تُخَلِّفُهُ الليالى
فيُطلُّ فَرْحٌ، ثم يَخبو خلف أحزان السؤالِ
هل يستطيع العشقُ أن يَصبر لِمَا
قد نَامَ من زمنٍ على قِمَم المُحالِ؟
هل تبعثينَ الفجرَ فى الحُلمِ الذى
راحت تُغادرُهُ الأشعَّةُ فى مدى شمسِ الزوالِ؟(61/35)
أم ترحلينَ وتترُكينَ الحُلمَ تنهشُهُ الأكاسِرُ فى الأعالى!
حُزنٌ يُسافِرُ فى دمى عبثاً وأنتِ على المَدى
شَمسٌ نَأَت عن أن تُنال فأجَّجَت فىَّ اشتعالىِ
وهوى يُحاصَرُنى فأهُربَ نحوَهُ
حتَّى يلوَّحَ الانعتاقُ بأُفق عينيكِ المُحلِّقُ
بى إلى حُلم اكتمالىِ.
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> لحظة اللقاء
لحظة اللقاء
رقم القصيدة : 67053
-----------------------------------
ها هو العشق يفجؤنا في التقاء المُقَل
عندما رفَّ ذا النور مرتعشًا بيننا
ثم غابت أشعته فى مدى من أمل
ها هو البحر يقبلُ في مقلتيك
ينادى شراع الفؤاد الذى
من زمان بعيد يحاول أن يرتَحِل
أى وعدٍ تحاول عيناك أن تمنح القلب
فى الزمن المكتهل ؟
أى عشق يسافر للروح فجراً
يزيح ستار الظلام الذى
فوق شرفاتها ينسدل ؟
و الأمانى التى أينعت في الفؤاد ذوت بعدما حوصرت بالذبول
الذى راح ينفث فيها العلل
و الشروق المسافر فى القلب من أول العمر
يومئ للحلم و الأمنيات
خبا فى البدايات ..
غادرها قبل أن يكتمل
غير أن الذى يشرق الآن فى مقلتيك
هو العشق
برقٌ يباغتنى فى وميض العيون التى تبتهل .
كى تجدد في الروح وهجَ جُنونٍ قديم
وعاصفة من عناد
تُجَمَّعُ في أفق القلب
حتى تُطِل!
لماذا إذن كل هذا الوجل ؟
وأنا واقف أتملى فراديس عينيك
أبحر في لحظة الحلم
أخشى أنطفاء توهجها العذب
فى لحظة تقتبل !
كان حزنٌ يسافر بى عنك لحظتها
فى ظلامٍ تبدَّدَ حين رمت مقلتاك على ساحل القلب
بدرًا أهلْ !
إنه العشقُ يأخذنا فى ارتقاء مداراتِهِ
أنتِ كامِلةٌ
وأنا أكتمل
وكأن الزمانَ البهيج يعاود إشراقَهُ الآنَ فيكِ.
الزمان الذى لاح للقلب يوماً على البعد
لكنه لم يصل !
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> موعد مع الصمت
موعد مع الصمت
رقم القصيدة : 67054
-----------------------------------
إذا أتيتُ لِلِّقَاء في مساء غدْ
لا تطلبي الحديث من سكوتى الطويل
لا تطلبي من حزنى العميق أن يرُدْ(61/36)
لأنما ستلمحينني أدور في السماء بالعيون
وما عرفت ما أقول بعد !
لا تتركي ارتباكك الحزين ي ملامحك
وترتمي ظلاله بوجهك الجميل
بوجهك المضاء بالعذاب دون حد !
إن تلمحي عوالم الأسى بمقلتي تُمَد
أرثي بها تهشم الحياة خلفنا
مودعاً ضياعها إلى الأبدْ
فقط تلمسي أصابعي براحتك
وحاولي أن تمنحي تعاستي ابتسامةً بِوِدْ .
---------------------------------
لا تعلمين أنت أن حزنى الغريب إن يزورني
يقودُ خطوتي
يسير بي إليك دائماً بغير قصد !
أمضي بدربك الطويل شارداً
والناس من حولي كأنها ظلال
أشباحها تطل باكتئابها المخيف
تحيطني فأرتعد !
ألوذ بالفرار
أحاول الهروب في مدينةٍ فضاؤها بنايةٌ وسَدْ !
لكنَّ طيف وجهك الجميل
يلوح بالمدى
يزيح من أمامى البناء والسياج
ويمنح ابتسامةً لوجهى الكليل
فترتمي رحابةٌ بغير حدْ.
------------------------------------
عيناك لحظة اللقاء
عرسان من أسى ومن شقاء
تحاولان لمس عالم الضياء والأنوار
لكنما السواد في العيون يستبد !
--------------------------------
ها نحن في طريقنا معاً
الليل والزحام والأضواء مهرجان
ونحن هاربان من جنون هذه المدينة / الجحيم
نطل في مسوخها الشوهاء
هذه التي تسير في دروبها بلا عدد !
لكنني نظرت في عينيك باسمًا
( والحزن في العيون يلتقي فيتحد ) !
ووقتها شعرت أنني سعيد
أن الحياة أقبلت من بعد طول صد
حلمت لو نسير تاركين بؤسنا وراء خطونا
لو نستطيع الانفلات من طاحونة الحياة خلفنا ولم نعد !
حلمت لو عرفت أن أقول كم أحبكِ
ولو قدرت أن أزيح صمتى الطويل كي أرد
حلمت .. كم حلمت !
وعندما مضيت آخر المساء
همست في قرارة السكون في الأعماق :
"لربما أقول كل ما أريده مساء غدْ " !
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> فى تيه الفردوس الضائع
فى تيه الفردوس الضائع
رقم القصيدة : 67055
-----------------------------------
كنتُ وحيداً
أتجوَّل فى هذا التيهْ
أبحثُ عن أقمارٍ فرَّت من آفاقى(61/37)
عن أزهارٍ كبَّل مَطلعها الإمحال
وعن غيماتٍ
كانت تُمطرُ فوقى نَغماً
لأغُنيَّهْ
كنتُ وحيداً أبحثُ عَنكِ
فوق مروج العُشب اليانِع داخل قلبى
تحت سماءٍ من فيروز
حين تَدَفَّقَ نهر الذكرى
يغمُرُ روحى
يبحَثُ فى أطياف غيابك عن واديهْ
غطَّى صحو سماء الحُلم
هلالٌ أسود
يسحَبُ هذا الضوء الراكض فى عينىَّ
ينزفُ فوقَ شروقى وعداً بالإظلام
يغمُرنى فى قلب الرُّعب
ينبئنى برحيل الحُب
ومُغادرة الحلُم الغائب
كى أبكيهْ !
.........................
كنت وحيداً
أرحلُ فى فردوس الحزن لأبحثَ عنكِ
ألمس صوتك
حين يعاود معزف همسك هذا الرجعْ
يبزغ وجهكِ فى آفاقى
صافٍ
مثلَ نقاء النبعْ
يرفُلُ حولى فى تحنانٍ
فأناجيهْ
كانت تدمع فى قلبى كل الأَشياء
تتفتَّح ذاكرة العِشق
وتمنَحُ قلبى حزن العالم
ومراثيهْ
وأنا أعرفُ أن مجيئك
أبعدُ من آفاق الحُلمْ
أنى أركض خلف الذكرى
مُمتطياً صهوات الوهم
مَشدوداً بجنون الرغبَة
مُشتعلاً بلهيب ضياعك
وأنا أعرِفُ أنكِ ترتحلين بَعيداً
خارج كل حدود الوَقت
يرحل وجهُكِ خلف سماءٍ دون شُموس
نحو فصولٍ
لا يسكنها غير البَردْ
أعرفُ أنكِ ترتحلينَ
فأخرُجَ من أبهاء الحُلم
وأنسَى قهراً أجمل وَعد
راحَ يزف سمائى يوماً للإشراقْ
حتى يُطفَأ نورٌ زاهٍ
أشعَلَ يوماً نبض القلب..
لتهوى أسراب أمانيهْ!
.............................
كُنتُ وحيداً..
أتجولُ فى هذا التيه!
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> عشق
عشق
رقم القصيدة : 67056
-----------------------------------
عشقٌ يُسافِرُ من دِمَاكِ إلى صميمى
إن أقبلت شفتاك فاض بها هوى
يلقى جنانك فى جحيمى
هذى يداك امتدتا عشقاً إلىَّ
وهذى مقلتاك أضاءتا روحى هياماً
شدَّنى نَحوَ النَّعيمِ.
قلبى يغادر ليلَهُ
ويداك يُبسَطُ ضوؤها
فتموت بالعشق المسافةُ بين قلبى والنجومِ .
شفتاك تستعران بالعشق المؤجج
إن تهاطلتا على شفتىَّ فى لهفٍ
لتغمرنى ينابيع الفراديس التى
تهمى على عطشى المُقيمِ(61/38)
ها أنتِ تقتحمين أورِدَتى
وترتحلين بين دمى إلى قلبى اليتيمِ
وتُقَطِّرينَ العِشقَ فيه صَبابةَ..وجداً..حنواً صافياً
حتى يفارق يتمه الممتد فى العمر الهشيمِ
يدُكِ التى امتَدَّت لجَدبِ جَوانِحى
مَدَّت جُذور الفَرْح فى عمق الفؤاد
وسافرت تجتث أشجار الهمومِ .
وتعيد للروح الجديبة زهرها المخبوء فى إمحاله..
حزناً.. من الزمن القديمِ
قلبى يراوغه المطر.
شفتاكِ تبعث بالغيوم إليه فى ولهٍ حَميمِ
من سوف يفصلنا إذن ؟
هذا اكتمال العشق وحَّدَنَا
دماؤك فى دمى تمضى
وبُرءُكِ فى سَقيمى .
روحان رفَّ الوجدُ فى جنبيهما
حتى استضاءا..
حَلَّقَا..
خرجا إلى الأكوان بين ظلامها
شمسان تأتلقان فى ليلٍٍ بهيمِِ .
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> ساميهْ
ساميهْ
رقم القصيدة : 67057
-----------------------------------
أىُّ حزنٍ يُسافرُ ما بينَنا الآن
فى لحظة الوجد والشَّوق عند الوداع
وما بين رعشة كَفٍّ وكَف
تخافُ على الحلم حين التقاء الأصابع
أن يهجس اللحظةَ التاليهْ!
أى حزنٍ بعينيكِ
يمطر أهدابك الغافيات على العِشق
دمعاً وشوقاً يُحاصرهُ الإنكسارُ
إذا راحَتا ترحلان وراء مدى الذكرياتِ التى تبتَعِدْ
ثم تتركُ فى مُقلتيكِ الرؤى الحانيهْ .
ووعداً من العشقِ يرفُل فى صحوِ أيامنا الذائباتِ هوىً
يبهتُ الآن عند اتِّساع المسافات
بين ابتداء التوهّجَ، مُفتتح العشقِِ فى مقلتيكِ
وإطلالة النظرة القاسيهْ!
ها هى الذكريات التى كان ينسجها العشق
تُطفأ أضواؤها فى سكونِ الأسى
والأمانى تُغادرُ أرواحنا
وارتعاشات دمعكِ راحت تشى بالفراق المؤجَّل
تعصفُ باللحظةِ الباقيهْ!
آه يا ساميه!
إنهُ موعدٌ لارتحال الغيوم التى وعدت بفيوضِ المُنى
موعدٌ لانطفاءِ النجوم التى
مَنحت ليلَ أحزاننا وَهَجها
فاستضاءَ ...
استحالَ نهاراً من الفَرْح
يغمُرنا صحوهُ المُنتَشى
موعدٌ للغيابِ الذى
راحت الآن غِربانهُ فى المدى تلتقى..
.. لتُناوش أقمارَنا
فتغادر آفاقها..(61/39)
ثُم تهوى بهالاتها فى بحارِ الظلامِ
وأمواجها العاتيه!
ما الذى سوف يبقى لنا
بعدما تمنحين يدىّ يداً للوداعِ المحاصِرِ
راعشةً بالفراقْ ؟
غير طيفٍ من الحُلم يسطع حيناً ويخبو
فنلمح حين يلوح لنا صحو أيامنا اليافِعات
ونحن نتيهُ على الأرض بالحُبِّ
نفتح للفجر أفقاً
وللقلب عِشقاً
وللكون أسطورةً للهوى،
وشَّح الحلم فيها العِنادْ.
كل هذى الرؤى اليانِعات رمادْ!!
تغادرنا الآن فى لحظة الدمع نيرانها الخابيهْ!
ها هو الكون يلمح خطوك مندفعا كالرياح
التى تعصفُ الآنَ بى
ثم تركض فوقَ شفاهى التى
يستبيحُ الجنون ارتعاشاتها عندما تبعُدين
فتخفتُ أضواء أقمارهِ الباكياتِ
وتنزف خلف المدى أغنيهْ!
---
آه يا ساميهْ!
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> حين فقدتك
حين فقدتك
رقم القصيدة : 67058
-----------------------------------
ذات نهارٍ
كان العالم فى عينىَّ حدائقَ وردْ .
كانت كل فصول العام ربيعاً أخضَرَ
كان البردْ..
يهرب من قلبى إن لاحت
عيناكِ الملأى بالود
تمنح روحى نهراً أزرق
وسماءً لا تعرف حدْ
ذات نهارٍ
كان العالمُ يا سيدتى
مُمتَلَكَاً فى قبضة يدْ
كان يْغنِّى إن نتلاقى
تعزف قيثاراتُ الوجد
لحناً ذهبى الإيقاعِ يُسافرُ فى آفاق الوعد
أذكر هذا العشق الآن
وأنا مذبوحٌ بالفَقد !
حين فقدتُكِ
راحت تبهت من حولى كل الأشياء
فانطفأت أقمار العالم
خفتت موسيقاه النشوى بالأنغام
صار رماداً حلم الغد!
حين فقدتك
عرفت روحى معنى الوأد..
وأنا أجلس كى أنتظرمجيئك كل مساء فلا تأتين.
يسخر منى النهر الأزرق
حين يراك بداخل روحى
حلماً يبحر بين ضفاف القلب المتعس
يعرف أنى
مازلت وفياً للعهد
..رغم ضياع دروب الأنجم والأحلام
يسخر هذا العالم منى
منذ فقدتك..
ويسافر فى قلبى البرد.
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> العشق و الرحيل
العشق و الرحيل
رقم القصيدة : 67059
-----------------------------------
تراقص العبيرُ فى الورود(61/40)
وداعبت نسائم الصباح أفرع الشجرْ
وفى المدى تراكضت سحابتان نحو زرقة الأفق
وشالت الأنسام عطرك البهيج لى .. كأنه الربيع
وكنت أنتظر
أجيل فى المدى العيون باحثا
عن قطرتين من ضياء وجهك الجميل
أراك فى انسياب جدولٍ يفيض بالصفاء
فى زهرةٍ لمستها معي فلم يمسها الذبول
أراك دفقةً من العبير شاع في نسيم وحدتى الملول
لكننى أظل هكذا وأنت تمعنين فى الغياب
بعيدة كأنك النجوم
أمد طرفى الحزين نحو كل ما يحيطنى
فقد يبوح لى اليمام طائراً بقرب مقدمك
وقد يُسِرُّ لى النسيم
تأتين يا ترى ..
أم ترحلين فى غيابك المقيم ؟
ترنح السؤال فى المدى
ورددت أصداؤه الغيوم
وفجأة...
ينشق هذا الأفق عن بهائك المُضاء
وأنت تقبلين كالأحلام فى غلالةٍ رقيقةٍ من السُّحُب
يشيعُ تحت خطوك الربيع
وتنبت الزهور فى الأغصان إن تلامست وثوبك
الشفيف
ها أنت تبسمين للوجود حولنا
فيرحل الخريف
و فى فؤادى الحزين يُبذَرُ الأمل
وتورق الأمانى الخضراء
بدأتِ فى الحديث
جاشت الطبيعة الصموت بالغناء
و أمطرت مسامعى معازف السماء
وانداح فى الحياة دفئُها وأنت تلمسيننى
وتشعلين فى فؤادى الهيام بالجنون
لكنَّ هاجس الرحيل
يلوح بالأفق
أراه فى انسحابة الحديث من شفاهك التى يزورها السكوت
فى وجهك الوديع مطرقاً
أراه فى الوجود شاحباً..
ذوت وروده
وغادرت أضواؤها أشعَّةَ الصباحْ
وها هى اليد التى تمد بالوداع لى
تغتالنى وتعلن الرحيل
وخلف خطوكِ الذى يغيب فى المدى
لقاؤنا يزف للرياحْ .
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> أغنية لليل
أغنية لليل
رقم القصيدة : 67060
-----------------------------------
الليلُ حط يا صديقتى على شوارع المدينةْ.
وأنتِ منذ ساعتين قد تركتنى وعدت
تركتنى بمفردى أسيرْ
سحبتِ كفك الدفوقة الحنان من يدى
ليشهر الرحيل سيفه على لقائِنا القصيرْ
وكم وددت لو ظللتِ جانبى
لأننى أخاف ذلك السواد حينما يجىء
كأنه انعكاس روحى التى ترى الحياة هكذا سواد(61/41)
ثقيلةٌ أقدام هذا الليل يا صديقتى على الفؤاد
والنور والزحام والضجيج مهرجان
ورعشة النيون عندما تضيء.
وواجهات البيع والشراء زُيِّنَت.
بكل ما يذر فى العيون الانبهار.
لو تعلمين أنني ..
.. أضيع يا صديقتى فى ليل هذه المدينة السعار
ولا أحد
يحاول الوقوف لحظةً
لكى يطل فى عيون حزنى التى بلا قرار.
الدرب يا صديقتى اختناق
وناس تختفى وراء ناس
وبينهم
حزنى يداس هاهنا كظِلِّىَ المُدَاس
الكل لاهثٌ كأنه سباق
يُحَرِّكُ الزحامَ فى مداره سعارُ الاقتناء !
لكننى حلمت لو وجدت فى حديقةٍ بجانب الطريق زهرتين .
أضىء ليل شعرك الجميل حينما أضعهما بمفرقه!
وها أنا أمضيت ليلى الحزين فى المسير ما وجدت زهرةً
تضوعت بالعطر والحياة فى موات ذلك الجحيم.
يتيمةٌ مشاعرى فى عمق هذا الليل مثلما أنا يتيم
وأنت يا صديقتى بعيدةٌ كأنك النهار
وربما لو كنتِ جانبى
لأنبتت بذور روحى الفَرَحْ .
وغادرت جوانحى نوارس الأحزان
وربما لو راحت العيون فى العيون والتقت يدان
غاب استعار البيع والشراء
وأُطفِيءَ النيونُ والإعلان
واستيقظت مدينتى من ليلها الثقيل
لتعلن النهارَ صحوةُ الإنسان .
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> أكذوبة أنت
أكذوبة أنت
رقم القصيدة : 67061
-----------------------------------
إِنْ ما مَرَرْتِ عَلىَّ لا تَتَمَهّلى
فالعاشِقُ المَجْنونُ ماتَ بِداخِلى
إنى برئتُ مِنَ القصائِدَ بَعْدَما
أَحْرَقْتُ فى الأوهامِ نِصْفَ أَنامِلى
لا لَسْتِ شَيئاً أَنْتِ حتى انْتَهى
حُزناً عَلَيهِ إِذا حَزِنْتُ لِمأْمَلِ
وهْم تَراءى لى هوىً فَتَبِعْتُهُ
صَدقْتُ نَفْسى وارْتَحَلْتُ لِمَقْتَلى
يا مَنْ نَسَتْ فى وهْمِ زَهْوٍ أَنها
كانَتْ صنيعَةَ نَزْوَتى وَتَمَلْمُلى
إِنى خَلَقْتُكِ مِنْ رَمادِ خَواطِرى
وَنَفَثْتُ روحَكِ مِنْ عَميقِ تَخَيلى
حَتى اسْتَوَيْتِ بِعَرْشِ حُسْنِكِ فاسْتَوى
فيكِ الغرورُ بِكِبِرياءِ الجاهلِ(61/42)
ما أَنْتِ .. مَاذا كُنْتِ دونَ مَشيئَتى
يا لعنة جَمَحَتْ ولَمْ تَتَعَقلِ
أُنْسيتِ نَفْسَكِ غَركِ الألقُ الذى
لَف المفاتِنَ فى بَهاكِ الرافِلِ
وَنَسيتِ حينَ جَحَدْتِ فَضلَ أَصابِعى
هى شكَلَتْكِ فأَنْتِ بَعْضُ تَفَضلى
فَدعى التكبُرَ واذْكُرى ما كُنْتِهِ
لَولا جنونى وانْطِفاء تَعَقلى
يا لعبة عَرَضَتْ مفاتِنَها عَلى
وَلَهِ العيونِ بِحُسْنِها المُتَسوِلِ
لا تَتْبَعى وَهْماً يَرومُ مَذَلتى
أَنا فى السماءِ وَأَنْتِ دونَ أَسافِلى
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الحلم على ساحل المتوسط
الحلم على ساحل المتوسط
رقم القصيدة : 67062
-----------------------------------
ليل القاهرةِ دروبٌ باردةٌ
خاليةٌ من خطوات الناس سوى خطوى
وسماءٌ مظلمةٌ
وبقايا سحبٍ ترحلُ نحو الغرب شريدةْ
كان الوعد مُطِلاًّ في الآفاقِ
وكانت أشجارُ الصَّفصَافِ تُبعثِرُ أورَاقاً
والريحُ تُرَتِّلُ لَحناً من أحزانٍ
وشوارعُ قاهرتى لا تسأمُ ترديدَهْ!
كنت وحيداً ...
أمضى خلف طيوف الحلم الغائب
كانت أقمارُ الشَّجنِ الوَضَّاءَ وحيدهْ !
وخديجةُ تمشى الآن على ساحل "وهران"
تُسِرُّ لأمواج المتوسط عن فارسها الغائب منذ سنين
حتى يركض بجوانحها الوجد
فتتمرد تنهيدةْ !
وحدي أخترت السلوى و الأحزان
وخديجةُ منذ بزوغ الحلم اختارت أن يكتمل
إلى أن يلقى نهار عيدهْ !
هى غائبةٌ عَنِّى الآنَ
بوجهٍ صاغ الفجرُ ملامحَهُ
وعيونٌ يركض فيها الصحو
وشفاهٌ تمطر هذا الكون أناشيداً
فتخر النايات شهيدة!
وأنا أتجول في ملكوت الوحدة ...
أحلم بالفردوس الضائع
أسأل: كم سنة ستمر لكى نتلاقى
كم يتبقى كى تتلامس هذى الأيدى
أو كى ترحل من عينيك إلى عينىَّ قصيدة ؟
أفقٌ يمتدُ بحجمِ الحُزنِ أمام خطاى
وفضاءٌ ممتلئٌ بترانيم الوجد السابح فى الأفلاك
وتراتيلِ العِشقِ الزاخرِ
وأناشيده !
كيف يكون العالم
حين يمر العمر العاشق
دون نداءِ عذبِ يسطع...
أو تغريدةْ ؟!(61/43)
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الموت في دقات
الموت في دقات
رقم القصيدة : 67063
-----------------------------------
دقت السابعة!
قام من نومه تاركاً مضجعه
ثم أنهى الوضوء
أطال الصلاة
فقرت بها الروح الخاشعة
أرتدى زيه
(لم يغيره منذ تسلمه من مصنعه!)
وأستدار لحجرة أبنائه النائمين
فقبل أصغرهم فى دعه
(كان مبتسما...
رغم ضيق السرير بأخوته الأربعه!)
...............................
دقت الثامنة
حث وقع الخطى قاصداً موقعه
شارداً في السماء
يديه بجيبيه (كانا معاً خاليين)
تستبد الهموم بتفكيره
إذ يفكر فى الأجر حين سيأخذه ذا المساء
وكيف سينفقه فى الطعام - الكساء - الدواء
مصاريف أبنائه - التبغ - إيجار مسكنه
(منذ شهرين لايدفعه!)
صم تفكيره سمعه
حين صاح النفير القوى...
فلم يسمعه
أصبح المشهد الآن _ فى لحظةٍ _
جسداً ساكناً...
غارقًا فى الدماء..
وصمتًا..
وسيارةً مسرعة!
....................
دقت التاسعة
حين مال المحقق يفحص جثته فى هدوء
أتى من أسرَّ لهُ أنه
لم يجد ما يدل عليه معه!
.......................
دقت الواحدة
كان يسكن ثلاجة واسعة!
........................
دقت العاشرة
تمتمت زوجته (ما الذي أخره!)
دارت الخوف فى وجهها
عن وجوه الصغار...
وعن عين طفلتها الدامعة!
.........................
دقت العاشرة
حينما اعلنت ظلمة المقبرة
انتهاء حياة
فى لعبة الرب الخادعة!
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الموت والحيَاهْ
الموت والحيَاهْ
رقم القصيدة : 67064
-----------------------------------
كان يحيَا كما النِّسمَةُ الحانِيَهْ
حين تعبُرُ فى وقدةِ القيظِ فوقَ الجِبَاهْ.
يلوحُ لنا باسِماً
-رغم ضيقِِ معيشتِهِ- مُفعَماً بالحَياهْ
كان يأتى.. فنَجلِسُ
نلَتفُّ حَولَ حكاياتِهِ
نستضىءُ بأنوارِ حكمتِها
ثُمَّ نغفو.. ونصحو فلا نلتقيهِ
إذا راحَ كالطيفِ.. مثلَ أقاصيصِهِ أو رؤاهْ!(61/44)
إن يجىء المساء يعودُ وقد غضَّن الجُهدُ جبهتَهُ
وعلى وجهِهِ أثَرٌ من غبار الكفاح
وطيفُ ابتسامٍ مريرٍ
أحَبَّ الحياةَ على قدر ما أتعَبَتهُ الحَياهْ
كنت أجثو بجانب وقفته فى رحابِ الخشوع
يصلَّى بعينينِ رُقرِقتا بالدُّموع
ووجهٍ يفرُّ الأسىَ من رضَاهْ.
قال لى مَرَّةً: "فلتَغِب يَا بُنىَّ عن الكونِ
كى تلتقى روحَكَ المُرتجاهْ!
غِب عن الجسد المُنتَهى
خَابَ مَنْ ظَنَّ أن الحيَاةَ اقتناءٌ وجَاهْ."
رحت أنهل من فيض حكمته
وأراهُ يعيش على الأرضِ دفقَة ضَوءٍ
إذا راح يعمَلُ مُجتَهِداً
يُخلِصُ النُصحَ للناسِ..يرفق.-ليناً- بأبنائِهِ
يُسعِدُ الزوجَةَ الصَّابِرَهْ.
يستضيفُ الغريبَ
ويقنعُ بالرِّزق -مُبتَهِجاً- رغم قِلَّتِه
بابتسامِ رِضا قَرَّ فوقَ الشِّفَاهْ.
ذاتَ يومٍ مَضىَ قاصِداً رزقهُ
باكِراً كالطيور
يسيرُ على الأرض فى أُلفَةٍ
باسِماً للصَّباح .
حين لاحَت علىَ البُعدِ سيارَةٌ
تنهَبُ الأرضَ لاهثةً
كان يعبُرُ نهَرَ الطَّريقِ
وفى لحظةٍ كان مُلقى
... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ...
وفَرَّ الجُنَاهْ!
----------------------------
"كيف حالُك يا ولَدى؟"
قالها واحدٌ حاوَلَ الآن أن يدفن السِرَّ فى صوتِهِ
ولكننى كنت أقرأ فاجعتى فى عيونِ النُعاهْ!
صارت الحكمة الواثِقَهْ.
سكوناً طويلاً
وعشق الحياهْ
ذُبولاً
وصار أبى رَقماً
فى ملفَّاتِ قيد الوفَاه!
----------------------------
الحياةُ انتَهَتْ.
غير أن أبى لم يَمُت!
لا يموت الذين يعيشونَ لا يُخفِضونَ الجِبَاهْ.
علَّهُ الآن يعَمِّقَ إحساسَهُ
-بعدما قد مَضَت روحُهُ عن لُهاثِ الجسَدْ
بالسكون الذى رامَهُ عبر أيامِهِ
السكونُ النَّجَاهْ!
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> هذه هى الحياة
هذه هى الحياة
رقم القصيدة : 67065
-----------------------------------
إلى أبي رحمه الله
.
.
كان ضياء الشمس يلوِّح من نافذتى
يمسح وجهى(61/45)
حتى يطرد نوماً يثقل فى الأحداق .
صوتُ تلاوة أمى للقرآن يمس البيت بنور صافٍ
كانت تدعو الله بأن يرحمنا -بعد وفاة الأب-
ويفتح أبواب الأرزاق.
أمى كانت تقصد سعيى !
سعيى اليائس منذ شهور خلف الرزق .
وما من جدوى
حتى ضاق العيش
وصار البيت ملاذ الفاقة والإملاق !
قمت لكى أتهيأ لمواصلة السعى
أقبل أمى قبل رحيلى
يدفق من طيبة عينيها ينبوع حنان رقراق.
رحت أغادر بؤس البيت تجاه النور
وداخل روحى كان ظلام اليأس
يسافر فى الأعماق !
----------------------------------
كنت أسير حثيثاً نحو الصرح الشامخ نصب عيونى
وأنا أذكر..
فأبى قضَّى ربع القرن دءوباً يعمل فى خدمته
حتى مات بداخل هذا الموقع ذات نهار
مات شهيد العمل الدائب..والإرهاق!
وجه أبى يتجسد نوراً فى ذاكرتى
وأنا أصعد درج الموقع.. يبسم لى.
حين شعرت بأن البسمة..
كانت ملأى بالإشفاق!
---------------------------
وقف رئيس الصرح الشامخ يستقبلنى
يبسم فى بشرٍ وسرورٍ
وقد التف الجمع العامل حول المكتب فى غرفته
شد على كتفىَّ وقال :
"أهلاً بابن البطل الخالد
فى هذا الصرح العملاق." !
"اجلس رحم الله أبيك
فقد قضَّى أيام العمر عطاءاً كالنهر الدفاق."
فقلت:"أيا سيدى الفاضل
أشكرك على هذا المدح..
ولكنى قد جئت اليوم لشىءٍ آخر."
قال السيد :" نعرف هذا !
نعرف كيف نكافئ من قد أفنى العمر أميناً فى خدمتنا"
ثم أشار لمن قد راحوا يلتفون وراء وحول المكتب
فأتوا بوشاحٍ ألاَّق .
علَّقَهُ السيد فى كتفى
ثم أشار.. فجاءوا بشهادة تقدير
وأتوا بشهاداتٍ أُخرى
كانت تثبت حسن السير
وحسن السمعة والأخلاق !
راح يسلمنى إياها فى هرج التصفيق الحار.
ومضى الجمع الحاشد يهتف :
"عاش السيد "
"عاش نصير المنسيين "
وهو يغادر هذا المحفل
يهبط فوق الدرج اللامع فى إشراق.
أخذ الجمع يهرول خلف خطاه.
حين ارتفعت موسيقى الحرس الرسمىِّ
تدَوِّى فى صمت الآفاق .
كان السيد يغرق فى تيه الأبواق
وأنا وحدى(61/46)
أغرق ما بين الأوراق !!
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> القيامة
القيامة
رقم القصيدة : 67066
-----------------------------------
جاء يومٌ به لا تجوز الشفاعةْ !
المدينة غارقة فى عويل الذهول
البيوت تدك..
وتهوى تراباً بسكانها
المآذن تسقط فى مشهد الهول فوق المؤذن
حين مضى يستحث الذين يفرون فى هلع لصلاة الجماعةْ !
والجموع التى تركض الآن ذاهلةً وسط هذا الجحيم
تمد العويل تجاه السماء
وترفع أيدى الضراعةْ.
تستغيث : النجاة النجاه
(النجاة التى لم تعد مستطاعه!)
---------------------------
قال لى صاحبى:-
"إنه أول الحشر فانج بنفسك "
لكننى كنت أصغى لصوتٍ يرن بأعماق روحى
ويدفعنى أن أظل بقلب المدينة
أشهد آخر أيامها فى استعار الجحيم الذى
يستزيد اندلاعهْ !
من لهذى المدينة فى ذلك اليوم إلاى ؟
إلا المغنى الذى طاف فى دورها
عاشقاً يتغنى بأفراحها
ثم يدمع باللحن إن حزنت؟
من لها.
وأنا بعت قيثارتى
كى أجىء بحفنة قمح لأطفالها
فى سنين المجاعه!
"انجُ يا صاحبى"!
قال لى
ثم غاب رفيقى بين الجموع التى تتلظى
وغاب وداعه!
كان دمع يطل بعينىَّ مرتعشاً
وأنا واقفٌ عند حافة موتى
محتضناً كل ما قد أراه أمامى
قبل الوداع الأخير .
الحرائق تشعل فى المكتبات -الحدائق -دور العبادة -
قصر كبير القضاة- الدواوين -منزل محظية الملك الذهبى-
السجون -الحوانيت -(أغلى بضاعتها)-
قصر والى البلاد.
(ظل طيلة عامين يعلى متاريسه وقلاعهْ!)
اَه .. ها هو موت المدينة
هذى قيامتها
من سيجهر بالحق فى ذلك اليوم
يعلى شهادته.؟
أأنا ؟!!
كيف هذا ..
ومن أين لى بالشجاعةْ ؟
كنت دوماً أشير لما أبتغى قوله
خلف أوتار قيثارتى !
كنت أخفى الشهادة خلف الغناء
أثور إذا جعت
أو طالنى العرى والذل قهراً
وأمسى ملتحفاً خلف أغنيتى
بقناع القناعةْ!
----------------------
ها هو الهول يأتى لهذى البلاد التى
قد أذلَّت بنيها
ونامت على الظلم متخمة بالشراب.(61/47)
فوداعاً لهذى المدائن فى موتها
عله البعث لا الموت
يقبل فى سمته خلف هذى القيامة مستتراً
فوداعا لها ولكم.
آن أن يستعيد المغنى الذبيح قصيدته وقناعهْ!
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> محمد جمال الدرة
محمد جمال الدرة
رقم القصيدة : 67067
-----------------------------------
(ولكن خلفك عار العرب)
أنه أول الموت
يقبل ملتحفا بالعطب!
........................
ما الذى سوف تحميك منه يداك
اللتان برعبهما ترفعان أمام سيول الرصاص؟
(الرصاص الذي لا يفرق - فى خسةٍ - بين طفل وأب!)
كان ظهر أبيك يحاول أن يمنح الخوف فى مقلتيك الأمان
(ولكنه فر فى مشهد الموت مرتعبا!)
كان يصرخ: لاتطلقوا
بينما أنت تصرخ في لحظة الهول
مرتجفاً من حصار الأزيز الذى يقترب
ها هو الموت يفجؤ عينيك
يبغى طفولتك المسكينة
يأتى إليك من الفوهات التى
ملؤها حقدها..وسواد الغضب.
كان يقبل حيناً ويدبر
رواغك الموتُ
لكنه لحظةً لم يغب!
.....................
-(ولدى)!
أطلق الأب صرخةُ
حين راحت دماء ابنه تصبغ الأرض قانيةً
-(لا تخف يا أبى)!
قالها الطفل فى وهن
ثم رددها الصمت...
والريحُ..
و الأفق المنتحبْ!
....................
الوجود يغيب رويداً..رويداً
يسافر عن عين الطفل في وهن الجرح
حتى أحتجب.
و المدى المرتمى
(كل هذا المدى الآن هولٌ ورعب!)
ما الذى يتبقى إذن كى يعانقك الموت؟
ها انت مستترا بالعراء
تصرخ فى وجه قناصك المقتضب
وتنادى السماء التى ابتعدت
(السماء التى تستحيل كوى من لهب!)
......................
- أطلِقوا !
كان يعوى قناصك الهمجى ليستحضر الموت
(والموت يعدل ما بين ندين
لا بين من يحتمى بالرصاص
ومن يستجير برب!)
حينما أنت أعزل إلا من الخوف
ترنو لقاتلك المنتشى
وإلى العالم المتواطئ - صمتاً - مع موتك المقبل الآن
من كل صوب
...........................
- آه.. يا أبتِ!
أقبل الموت فى طلقة تنهب الأفق لاهثة نحو قلب!
..........................(61/48)
كان خيطٌ من الضوء يخرج من جثة الطفل
يصعد نحو السماء
ويسطع فجراً
على ظلمة الوطن المستلب
..........................
إنه موعدٌ لانفلات الغضب!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> "الخامسة والثلاثين "
"الخامسة والثلاثين "
رقم القصيدة : 67068
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
الايادمي .. يادم الرازقيه
مية عام ماعتقتّك المغارس
الا يادمي طلقة البندقيه
حشا .. مايبورد بها كل فارس
هي الشمس .. لو غربت مشرقيه
هو البحر .. موطن ومنفى النوارس
بقا بي من الكل .. كل البقيه
شغب ضجة اولاد صرفة مدارس
الا يادمي .. يادم الرازقيه
مية عام مسجون من غير حارس!!+
...............
تكللت وحدي / توحدت كل
تظللت جسمي / تجسمت ظل
تحللت أسأل / تساءلت حل
تقللت كثري / تكاثرت قل
..................
اقبلي واقبلي .. واقبلي واقبلي
في بياض الغموض
وفي الغموض المبين
صرت انا كل ما مافات فيما يلي
ماتبينه يكون / كوني اللي تبين
اقبلي واقبلي .. واقبلي واقبلي
مظلمه مشرقه / خافيه بينه
اقبلي هالة المعتم المنجلي
مثل من ظل يمشي على بينه
احلم بحضورك .. أمضي لمستقبلي
دام راح التعب / راحة المتعبين
طوقيني..
بحس بيقيني ..
هي ( الخامسه والثلاثين )
بوابة الأربعين
اغسليني بما رآب من زرقة الرمل
وكتابك المحو ..
والمحو ماتكتبين..!!
واطلقيني ..
مع الليل للشمس ..
ياشمس صبح اشرقيني..
فلربما تشرق الشمس مني واغني :
( الا ياهلي ) ..!!
صدقيني هي ( الخامسه والثلاثين ) ..
بوابة ( الأربعين ) ..!
اغسليني ببرد الغبش ..
من دروب .. الشغب
توقف الناس عند اول اعتابها متعبين
احرقيني بسكينة الشك ..
ابقطع يقيني..!!
هي ( الخامسه والثلاثين ) ..
عند اول اعتابها
تفتح اسطورة الصخرة ابوابها..!!
تسألي ..
انت مين ...؟!
افتحي الباب ..
واحد من المنتمين!
المعصَّر بغيم الصدف
بالغوايات ..
بالطيش ..!!
وبلذة العيش
في ( الآخر ) اللي نزل فيه ..(61/49)
واستوطن الذات
ثم ارتحل من دم النطع ..
حتى اقاصي سديم الملذات ..
والولدنه..!
اقبلي وغدنه
مظلمه/ مشرقه ..
مجدبه / مورقه ..
ممحله / مغرقه ..
بارده / محرقه ..
كوني ابعد من الأقربين
أقرب الأبعدين ..
اقبلي ..
كوني الاصغر الأكبر الـ .. الـ .. بلا الـ ..!!
كوني مثل ماتبين ..
جاهله / غارقه ..
حانيه / جارفه ..
هاديه / عاصفه ..
قاسيه / لينه
صعبة ٍ / هينه..
كافره / دينه
غامضه / بينه ..
مثل مستقبلي ..
اقبلي :
كل ماخط منحط خطين..
خط البدايه وخط النهايه
...........
ركضنا .. وقفنا ..
سمعنا وطعنا ..!!
اكلنا شبعنا .. !!
على ربوة في العقيق اجتمعنا ..
نغني (( احنا وسود العيوني ))
وياعيوني / عيوني!!
وياشجوني / شجوني!!
وياظنوني / ظنوني!!
وياديوني/ ديوني!!
وياسجوني / سجوني!!
وياعطوني / عطوني!!
لحد ماسكتوني ..!!
تعبنا نغني :
مشينا لعليا في ثمانين ليلة ٍ ..
على شانها عليا تهون الصعايب
عشرين منها تضرب الارض بالحذا ..
وعشرين منها في ظهور الركايب
وعشرين منها في البحور الغزيره ..
وعشرين منها في الجبال النشايب
وعشرين منها في بطون الشعايب
............
طاعن ٍ ف( الباهت ) المصفر وجهك ..
شاحب ٍ ذابل ومنهك ..
في ظهيرة يوم سبت ..!!
والمدينه تطفح ارصفة الشوارع
ضجة اولاد وشغب ..
صرفة مدارس
تحت شمس ٍ من نحاس ..!
كنت بلحالك ..
جسدك ..
وماتيسر من ظلالك
كنت تنسج من سؤالك حيرتك..
والريح تنسج منك خبت ..!
كل كلمة صيف تكتب محوها ..
تمحي كتابتها
تتكسر مرايا من خيال الما..
على مرمى عطش مكسور كاس ..!
هو من فينا البحر ..؟!
قال الجسد للظل ..
قال الظل : من فينا الغريق
امتد وامتد السؤال وما أجبت ..
هو من فينا كسر قيد الطريق..؟!
ومن هو المأسور من فينا الطليق..؟!
وطال .. طال الظل طال ..!!
اكتظ حولك من غبار التايهين وجوه ناس
هو من فينا .. ومن فينا ..
ومن فينا تمادى .؟!
طال طال الظل طال ..
لحد ماصاح الجسد :
يكفي ..
تعبت.. !!(61/50)
ارجوك من هذا العبث..
يكفي .. تعبت .!!
بعدها صار البحر صمتك فراغك
والشجر هذا الدم المورق شماغك ..!
والهوى كينونتك ..
والأرض تحت اقدامك ..
والما ينحسر عنها ..
ويمتد اليباس
..........
البحر باب الملوحه ..
والشجر عالم بروحه
مثلنا مثل الطيور ..
كلنا تكوين ( لوحه )
شمس تكتب مامحيت ..
وريح تمحي ماكتبت
ربما كراسة زرقا / سما ..
تجلس على صخرة نهار
تختمر كراس ازرق في التباس المبهم .. المبهم..
لحد الالتباس
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> الصايع ..!!
الصايع ..!!
رقم القصيدة : 67069
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ضاق صدره ..
حس حتى البيت اللي .. انو لد به ..
صار قبره .!!
لملم انفاسه .. وبعض اوراق كراسه
شرب باقي بقايا الشاهي البارد بكاسه ..!!
وخرج ..
وقف على الدرج ..
ولع سيجاره ..!!
استرق نظره على شباك غرفة جارته ..!!
شاف جاره .. وانحرج ..!!
أرخى راسه .. صار نصف انسان ..
ربع انسان ..
ماباقي من الإنسان فيه الا لباسه ..!
كان في حالة ندم ..
لو طعنته وقتها ماسال منه .. نقطه دم ..!!
.....
والله ياديما ..
مااسامح اسلافي ..!!
أخذوا الأيادي ..ما ..
خلوا سوى اكتافي ..!!
أمشي كما الأعمى ..
قدامي خلافي ..!!
والنور والظلما ..
حملٍ على اكتافي ..!
( واغض طرفي إن بدت لي جارتي ..
حتى يواري جارتي ماواها )
...
على خيال الما ..
هذا الحجر طافي ..
كل النسا : سلمى
وكل الرجال : وافي
لاصارت الأسمى ..
تلمس وتنشافي ..!!
..
وامتطى سيارته ..
سار في كل اتجاهات المدينة ..
لف ابو كل الشوارع
مره نازل .. مره طالع
مرن نازل ... مره طالع ..!!
قل : يدور شلته
قل : يفكر في عذر ( للجار ) إذا علم ابوه بزلته
قل : يبي ( كفتيريا ) جايع ..
يبي يشرب وياكل
قل : يدور عن حلول
او عن مشاكل ..!!
قل : يسوي مايسويه المراهق ..
إنحرافات وخرافات ..
وسخافات .. ومهازل ..
قل : يغازل ..!!
....
البحر ..(61/51)
ويش البحر..؟!
لولا رمال الشط ، والأطفال ، واليامال..
والمرجان والأصداف والما.. والسفينه
والمسا ..
ويش المسا..؟!!
لولا دفا لون الستاير من شبابيك المنازل ، والنسا ..
وخشوع جمر الليل في احظان المباخر ..!
انت شايف ضحكة الموجه على صدر البحر تختال ؟!
شايف ضحكة الما .. كم حزينه في نوافير المدينه ؟!
شايف الفرق الكبير الشاسع الواسع
شايف كم هي الأشيا تكون أجمل كثير بدون آخر ...!!
............
في اليمين من التقاطع
اعترض له نور احمر
نور ساطع
صاح به : اوقف
وكان الصوت حازم حزم قاطع
خفف السرعه .!!
رخى صوت المسجل
ارتجف .!!
صاح نفس الصوت وبقوة صراخ : أوقف
وقف ..
واستعاذ بطيبته من شر حراص النوايا
وين رايح ..؟؟
أو إذا ماكنت رايح قلنا من وين راجع
ماأنا .. ما ...
ما أنت ماعندك ادب
إنت تربية شوارع
إنت شكلك واحد مسوي سوايا
هات إثبات الهوية
حاضر وماعندي مانع
ها هـ هذي هية :
الإسم : راضي سويكت
المؤهل : جامعي
المهنة : صايع
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> موجة حمام
موجة حمام
رقم القصيدة : 67070
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
رفرفت في بالي اوراق بيضا مهملة
واشتهى صمت ابيض الجوع تفاح الكلام
مثل طفل ٍ كان يبني ويهدم منزله
في هديل البحر واصطادته موجة حمام
جيت لاسهم ٍ تناسى ولاجرح ٍ دله
عن هوى اللي ينزعون الجروح من السهام
جيت للدنيا قمر وجه صوتي حنظله
تحت جلدي ذاكرة خبت من رمل .. وعظام
لي سما عالي وحفنة سديم و.. وسنبله
سبحت فيها وغنت عصافير الغمام
كن من روّع ضبى خبت دمي واجفله
وارتبك في حانة الصيف طاروق الصرام
كلما قربت للريح نار ٍ مشعله
فوق صدري زادني جمرها برد وسلام
كيف خيلت آخر الوقت قاع ٍ ممحله
كيف خيلت آخر القاع وقت ٍ للهدام
وش هو آخر دربنا .. آخر الدرب اوله
لاهمزنا مهرة الوقت وانزاح اللثام
كل درب ٍ تعرفه حاول انك تجهله
الدروب لصمت وجهي .. مجاهيل وظلام(61/52)
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> صاح بي / صاحبي
صاح بي / صاحبي
رقم القصيدة : 67071
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
صاح بي / صاحبي .. والليل عطر الكتابه
كيف نبني وطن للمتعبين اغتراب
كيف تطلع يدينك يارفيق الصبابه
وانت للتمر في شفتك طعم الغياب
قلت له : ظلك الناضح بريق ومهابه
اطعن الظل واكتب من دماه الجواب
من رقى نخلة الدفتر وشق السحابه
تغسله باحتمالات المطر والتراب
كلما خدرت صحو السؤال الاجابه
سال قيض تشجر من عروق السحاب
فوق نخل جنو طلعه وخانوا ترابه
وارتدوا فوق ثوب الطين .. طين الثياب
صبي الغيم ياسلمى لناس ٍ غلابه
من عطشهم على الما يحلبون السراب
اظهري مثل نفحة برق .. والفجر غابه
واختفي مثل ورده في ظنون الكتاب
غصنها يعزل الما من سراب التشابه
والنسانيس ترسم به نوافذ .. وباب
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> قميص الليل
قميص الليل
رقم القصيدة : 67072
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
دخيل ركض الوجع والآه والضمه
ومتابع الركض .. لاتكّلف على شاني
خلاص مني ومنك الحب في الذمه
تضاعفت من جروحك قوة ايماني
محسوبك ان جيت وان ماجيت ماهمه
وش ياخذ الدمع من تغميضة اجفاني
انام وادخل قميص الليل مع كمه
واخرج صلاة الفجر مع كمه الثاني
اتنفس الفجر الاول عاقد الهمه
واركض مع الناس .. والعن خيّر احزاني
كرامة النفس عندي فوق في القمه
وتثور من دونها .. ناري ، ودخاني
ذبحت خيل الهوى .. واسقيتها دمه
خليتها غصب تحمل جثة ( الجاني )
ياحالمه في دروب العشق مهتمه
عمري مهو لك رصيف احلام واشجاني
عمري قصيده ( ردية حال ) منسمه
مافيني اوراق يامحبوبة اغصاني
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> أسئلة للبياض
أسئلة للبياض
رقم القصيدة : 67073
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يومك ابيض
قلبك ابيض
( دا نهارك زي زهر الفل أبيض )(61/53)
صفحتك بيضا ..
وهمْ هذا البياض الواضح الفاتح شهيتنا ..
ونغرق في الكلام ..
وفي الكتابه !
ياترى فعلاً ..
تكلمنا .. كتبنا .. في البياض ؟!
ياترى ..
هذا الورق أبيض كما يظهر لنا .؟!
ياترى ..
هذا القلم أول قلم يحرث بكارة تربته ..؟!
ياترى . محد ٍ كتبني ؟!
قبل هذا البياض ..؟!
والكلام اللي نثرته
باترى محد ٍ سبقني .؟!
وحدي اللي في بكارة تربة الصوت ابتذرته ..؟!
ياترى ..
محد ٍ نطقني ..؟!
أعتقد مهما توهمت الكلام ابيض ..
وصوتي والورق أبيض
فالابيض صمتكم وانصاتكم ..
وانتم الأكثر بياض ..!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> شجرة شجرة
شجرة شجرة
رقم القصيدة : 67074
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
وحدها تجلس على كرسيّ عرش الليل ..
هذا الاسود الفواح لمَّن ينكسر غصن النهار
وتنفطر من مكسره !!
وحدها تخرج ونبع انفاسها ينساب من
فستانها الكحلي..
ومن شال البنفسج ..
كان الاسود شف عن ليلك ..
وشف الليلكي عن ساقها الكحلي ..
وشف الكحلي المعتم عن الازرق ..
والازرق شف عن هذا السديم !!
وشف عن .. ..
عن ..
وجهشت في كرنفال اللون زهرة !!
إسمها ..!!
وتسابقت داخل فمي الاسما .. تباهي في
في سما وجه ( المليكه ) ..!
إسمها بلقيس ..؟!
لا..
زنوبيا ..؟!
لا ..
كليوبترا ..؟!
لا
ملكة الليل ..؟!
هذا ماتقول الناس ..
لكني اسميها :
( حزن زهر البنفسج ..
ضحكة النرجس ..
خجل ورده ..
غرور الياسمين
الفل متواضع .. أسميها ..
واسميها دفا الريحان ..
والشيح النفور ..
وطيبة النعناع ..
أسميها حكاية ( سرْ ) وافشاها النسيم !!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> رفيف
رفيف
رقم القصيدة : 67075
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أكتب رفيف وتطيح اربع نجوم وسنا ..
من فوقها نجمتين وتحتها نجمتين .
كتبتها ف ( اول الصفحه ) تساقط جنا ..
كتبتها ف ( آخر الصفحه ) نبت ياسمين .(61/54)
كتبت فوق السطر مال السطر وانثنى ..
يميل يم اليسار وينحني لليمين
كتبت ( تحت السطر ) وارخيت عيني وانا :
أكتب وتسأل رفيف الشعر هذا لمين .؟!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> ماجدة
ماجدة
رقم القصيدة : 67076
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
تبكي وتضحك على المسرح كما طفله ..!
كما ..؟!
كما ليش هي طفله كما هيه .!!
كما بعد ليش ..؟! عصفور ٍ ترفرف له ..
في بال الاغصان حالة صمت محكيه !!
من صوتها يرجع الغايب على غفله ..
وتطل قمرا ليالي صيف شرقيه .!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> فيتو
فيتو
رقم القصيدة : 67077
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
............
لاتحتار بأمرك ..
ياتمشي مثل الكلب الماشي في ظل
العربة / تتأمرك !
ياإما الباقي في عمرك ..!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> صيحة
صيحة
رقم القصيدة : 67078
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
صحت في ( سمع الفراغ )
بالـ( فم المليان ) ..
صيحه ..!!
ياإلهي ..!!
كل ذا الأخطا .. صحيحه ..؟!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> حلم
حلم
رقم القصيدة : 67079
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أرى في مايرى النايم ..
سفينة نوح ..!!
وساطور السما ريح ٍ تشق ال ( فوق ) ..
تنهب زرقة المالح ..
وتحت تخيط اساميها الذوات..
الروح ..+
تتكور جسد عايم ..!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> بوح
بوح
رقم القصيدة : 67080
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ياموطني ..
دام الحياه أخذ وعطا ..
خذ واعطني ..!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> جواب
جواب
رقم القصيدة : 67081
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
انا الآتي
حياتي ..
في ال ( بقيه من حياتي ) !!(61/55)
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> حيرة
حيرة
رقم القصيدة : 67082
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
مدري أي كتاب ب ( اقرا ) !
مدري الليله !!
انا عن أي شي ب ( اكتب ) ؟!
عن زرافات ( الحريم ) الشاحبات
عن ( ! ) ..
عن العصيان .. أبكتب ؟!
آه .. ي ( أسراب الأفاعي ) !
واليمامات الحزينه !
من يقول ( العقل زينه
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> مفهوم العتاب
مفهوم العتاب
رقم القصيدة : 67083
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يامحرم على اوراقي حضور القصيده
خيرة الله عليك اطلق رهينة غيابك
القوافي غدت مثل الخيول الشريده
وين ماتتجه يتبعن وجهة ركابك
واحتبس منك دم المحبره في وريده
شوف.. حتى القلم ماطاق قسوة عذابك
كيف اعاتبك ؟! كيف اعطيك فرصه جديده؟!!
انت شوهت مفهوم العتاب بعتابك
كان لي فيك ياماكان هقوه بعيده
يجذبنّي حبال الصيف واتبع سرابك
اتعبتني مسافات الدروب العنيده
لازم اسألك واتحمل فجيعة جوابك
قول مابيك والفرقا طرقها عديده
كان عندك شجاعة صدق تبرح جنابك
خذ معك كل شي غير القلم والقصيده
مالها ذنب تاخذها رهينة غيابك
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> قصائد قصيرة جدا
قصائد قصيرة جدا
رقم القصيدة : 67084
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
( قنوط )
امد خلف النافذة يدي
اقبضها .. أردها
ألمس بها شي ..
وآخذه ..
القى بها حفنة ظلام
أروح للصنبور ..
أغسلها وانام ..!!
.
.
( موت )
امدد اقدامي
جدار قدامي
وجدار من خلفي
اموت رغم أنفي ..!!
.
.
( غبن )
عمر الجروح بيوم ..
ماكانت الورد ..
وعمر الذي في النار ..
ماحس بالبرد ..
الورد ينزف شذا ..
والجرح ينزف دم ..
ومابين هذا .. وذا ..
شوف المسافه كم ..؟!!
...........
صار اصبعي ريشه
صار القلم فرد
ومشرد حروفي ..
ترعى مضارب جرد
بعض القصايد غذا
وبعض القصايد سم
والبعض الاخر كذا(61/56)
( صرخه بليا فم ) .. !!
.
.
( رصيف )
على رصيف الشارع المظلم .. جلس ..
يقلب اوراق السنين ..
الشارع الأول .. نظيف..
الشارع الثاني .. مخيف ..
الشارع الثالث .. أبد ماله ( رصيف ) ..!!
.
.
( متشابهات )
متشابهات ..
وجه ٍ يشابه وجه ..
حرفٍ يشابه حرف ..
صوتٍ يشابه صوت ..
لكنها ..
ماتشتبه في اختيار الموت ..!!
.
.
( حاله )
كنت ذاهل بحزني مسجي
وحيد اتهجى
دم الصمت الابيض يسيل
في عروق الكلام ..!!
.
.
( وقت )
يدخل البرد ليّن من النافذه
يدخل الوقت دافي
لمست الوقت دافي
لذيذ / وطري ..
حار مثل الرغيف ..!!
.
.
( لوحه )
ارسم بحر ..
ارسم قوارب صيد
ارسم ناس .. صيادين ..
ارسم ساريه ..
وخيوط سنارة سمك . بس ..
واترك الموجه بريشة صمتها ..
تمحاك فيه وترسمك ..!!
.
.
( سكن )
لو مافتحتي شرفة الغيمه البعيده
مانتفض قلبي كما العصفور من صدري
وراح يطير .. يطير .. يطير
كم غيمة قالت : تعال
وكم شجرة قالت : تعال
وكم نجمة قالت : تعال
من دونها ليلٍ مطير
وسنين من ظلما وريح ..
مالك مطير
وكل قطرة دم في قلبي تصيح ..
وتقول : طر فوق وتعال ..
طر فوق وتعال .. طر فوق وتعال ..تعال ..
ورحت اطير .. اطير ..
حتى وصلت لجنة ايدينك جريح ..
ولو مالجراح ماحمحم الريحيان بين اصابعي ..
ولانبت في دفتري عشب الصباح ..!!
.
.
( الجمهور )
ياسيدي الجمهور ..
لولا عذوبة مانقول ..
كان الحقول ..
صارت أراضي بور ..!
(عزيزي الجمهور ) ..
ان مافمهمت اللي نقول ...!
تقدر تطفي النور ..!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> عرس الشمس
عرس الشمس
رقم القصيدة : 67085
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
انا ماني بمن يقرا الصور حتى ينام اللون
ولامن يهدم اسوارالشموس ليبني ظلاله
انا الليل البهيم اللي خرج من كاحل العرجون
صباح اطراف اصابعكم تنز بطينة اطفاله
جنوني حكمتي .. والحكمه اولها صلف بجنون
لذا صوتي رما دلو الكلام وقطّع حباله(61/57)
صحيح النار تاكلني .. ولكني عرفت اشلون
اموت .. وكيف يختال الرماد بعزة اشعاله
وداعاً يالسيوف الطاعنه في جثة المطعون
وداعاً يالمرايا .. وجهى اول وآخر اشكاله
وداعاً للمكان المستوي فيني وفيه الكون
هلا بك يامكان ٍ قبلي اسمك ماحد ٍ قاله
مخاليقه تعيش بدون اساميها عشان آكون :
انا اول من يدق طبول عرس الشمس في رماله
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> صهوة المهرة
صهوة المهرة
رقم القصيدة : 67086
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
واقول انه ترجل ماسقط عن صهوة المهره
مثل نجم ٍ توهج واحترق في ذاكرة اعمى
يقول لي صاحبي واشعلن جمر الغيض في صدره
سبايا يرقصن مع الخيول بهودج الظلمى
واقول ان اللي مايكره .. يحب اللي يحب يكره
تخلص من شغب ذاتيتك حاول تكوت اسمى
أبد ماظل للنظره مدى .. كل المدى نظره
توحد من شتات اللون كون ابن السما والما
أنا ذاك الذي عمره .. غدى للي غدى عمره
أجوع ان جاع طفلٍ وان ظمت بعض الخيول اظمى
تحت جفن الرماد ابقى وميض النار في الجمره
أنا .. وابقى رجا ( ممكن ) تعلق في وعد ( مهما )
أقول الصوت ميلادي ويرتد الصدى قبره
نهار ابيض تشرد واغترب في ذاكرة أعمى
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> درب الحجاز
درب الحجاز
رقم القصيدة : 67087
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ايه في منحنى درب الحجاز اعتراف
أيه والسالفه تغري لسان الكذوب
حاصروني من اول سطر بعد الغلاف
صرت انا حرف يبحث عن مساحة هروب
أيه وتعطروا دمي خجل وانكساف
مثلما البحر يتعطر بدم الغروب
قوم ترمي عبثها في المسامع هتاف
يذبحون القصيده في سبيل الذنوب
بس ماخذت من وقتي نهاية مطاف
دمي اخضر ورماي القفا مايصوب
ترعد قلوبهم لكن مطرها جفاف
وش يميت القلوب الا .. جفاف القلوب
من يصدق نهر يغتال حلم الضفاف ..؟!
بين جزر الشمال .. وبين مد الجنوب
ماهقيت ان في عشق الرمال انحراف(61/58)
لين خانتني الخطوه .. وخنت الدروب
بعدها صرت للصفين معنى وقاف
وابتسامه على ثغر المواجع تذوب
الاماني سنابل ينتظرها قطاف
والمواسم تعاني جوع كل الشعوب
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> صحوة ضمير
صحوة ضمير
رقم القصيدة : 67088
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ايه احبك ولا للحب صحوة ضمير
أي صحوة ضمير اللي تميت القلوب
ايه احبك ولاني في الهوى مستخير
دمي اخضر ومن دمه خضر مايتوب
لو تكون الخطايا في حياتي كثير
انتي اجمل خطيّه في حياة الذنوب
كلما جيت ابمشي واهتدي واستخير
وابتعد عنك ترميني عليك الدروب
صرت هاك السجين اللي هروبه يسير
من سجونك ولكني رفضت الهروب
جيتك ارهقني الدرب الطويل القصير
جيتك بكل مافي سيرتي من عيوب
انتي البرد .. ثم البرد .. ثم السعير
وانتي الفجر ثم الفجر ثم الغروب
انتي البحر .. والشاطي ملاذ الفقير
وانتي الصدق في ثغر الزمان الكذوب
انتي بلاد مجهول الوطن والمصير
وانتي ابعاد مستقبل حياة الشعوب
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> جنون العاصفة
جنون العاصفة
رقم القصيدة : 67089
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ليلة مطر شق الرعد جو الانفاس
وامطر جنون العاصفه من حروفي
اعد واذكر ناس .. وانسى بعض ناس
اشباح ذكرى تسكن اطلال شوفي
كان الزمان لصادق الحب نبراس
وكان المكان اطهر مكان لوقوفي
طفولتي ياحلم ياغربة احساس
يابعد شق بخنجر البعد جوفي
اصرخ ولكن تحتضن صوتي اقواس
وجمرة قلم مرتد تشعل كفوفي
كل ماتكسر للقلم بيدر الماس
حدر السنابل تورق اغصان خوفي
وكل ماخرج من معطف الليل نسناس
احاول اخرج من ثنايا ظروفي
واكتب شعر تنزيل من وحي الانفاس
لعلها تقلب حروفي .. حروفي
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> غبار الشمس
غبار الشمس
رقم القصيدة : 67090
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
لو صرخت. النار لاتحطب ضلوعك(61/59)
زادها وزنادها مني وفيِّه
وان صرخت.. النور لاتوقد شموعك
في عيوني من غبار الشمس فيَّه
وان صرخت.. الموت لاتنزف دموعك
مانزف طاهر كما دم الضحيه
ليه تبني فوق رعش احلام جوعك
عرش عراف المسافات القصيه
وانت دايم سلمك يرقى طلوعك
ماستوى طينك لتوطينك هويه
كل منفي داخلك ملفي ربوعك
وانقطاعاتك لطاعاتك عصيه
اعص .. ولاّطيع عصيانك بطوعك
لاتطفي جمرة آلما في يديه
هاك نار القلب لاتحطب ضلوعك
تحطب ضلوعك ونار القلب حيه ..!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> حبيبي
حبيبي
رقم القصيدة : 67091
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
حبيبي مانت لي وحدي حبيب ولا حبيب الكل
كثير اللي يحب ويمتلى ويفيض فنجاله
دخيلك لاتحاصرني حبيبي بين شمس وظل
انا مثل المطر مثل القدر مثل الشعر حاله
انا مثل البحر قالت له امواجه تكلم .. قل
ولاقال البحر كل الكلام اللي على باله
انا اللي الف نجم ٍ اهتدابي والف نجم ٍ ضل
سرى من شرفة الغيم البعيده ينفض ظلاله
تقول امي وهبني شعري الخلاق عز وجل
جمعت الها النجوم اف ثوبها وابتلت اسماله
احبك .. لاتصيرها على اوراقي سؤال وحل
دخيلك ياحبيبي من جواب الحب وسؤاله
اخاف اقولها ويجف ورد ٍ بالظنون ابتل
وانا ماحب اكون الشاعر اللي يبكي اطلاله
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> سندبادية البوح
سندبادية البوح
رقم القصيدة : 67092
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
تعبت اراجيهم بما تخفي الروح
متشردٍ قطاع غور الدم الحار
إما مسافر حامل أفكاري جروح
ولا مقيم وحامل جروحي أفكار
وتعارضت في سندبادية البوح
كينونة الناسك وبوذية النار
السر مسودة تفاصيل مفضوح
والحال تضحك منّه أشباح الأقدار
أحكي وكيف أحكي بما تخفي الروح
وانا يدي حمرا بلون الدم الحار
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> زيف الصحاري
زيف الصحاري
رقم القصيدة : 67093
نوع القصيدة : عامي(61/60)
-----------------------------------
ياصاحبي وقف لزيف الصحاري
وبشر هجير الشمس عن موعد السيل
حاول تغير في ملامح نهاري
واعط القمر مفتاح بوابة الليل
مدري لشنهو موعدي وانتظاري
مادامت أيامي قليلة محاصيل
في داخلي نزعة خفوق انتحاري
حلم تكسر في ثنايا التفاصيل
واثر انكسار الحلم يعني انكساري
بغيت اكمل وانكسر فيني الحيل
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> مالك بن الريب
مالك بن الريب
رقم القصيدة : 67094
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا مالك أبن الريب .. يا ريب مالك
لا تعترف لاحدٍ .. ولا يعترف لك
صمتك ضجيج .. وضجتك صمت حالك
صاح السكون أبمن تكون وهتف لك
من بعت شمسك واشتريت بضلالك
في صفحة الماء نجمةٍ ترتجف لك
هذا أنت .! في قاع المدينة لحالك
مالك بها ممشى ولا ينو قف .. لك
ما دو زنت وقع الخطاوي نعالك
ولا مدى هذا الغموض أنكشف لك
والظبية اللي في مفالي خيالك
دارت وحارت دمعتك تنذرف لك
حتى الوجع جمر وهجع في رمالك
وأنبت ورودٌ ذابلة تنقطف لك
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> غيمة
غيمة
رقم القصيدة : 67095
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
جتني مع الريح غيمه وارحلت غيمه
وماكل غيمه حملها الريح تغرقني
اموت عطشان ضامي والمطر ديمه
وارحل وانا ماخضعت لغير خالقني
استثني امي وابوي اخضع لهم شيمه
على رضاهم جناح الذل يسرقني
يستاهلون العمر ويهون تقديمه
امشي لهم بالقدم والروح تسبقني
اما على غيرهم ماللحزن قيمه
وان كنت كذاب سألوها تصدقني
تملا عروقي حزن والكون تجهيمه
تلقاني اطلب دفا والنار تحرقني
بعيونها يعتقل وجهي تقاسيمه
وانا لحريتي ذكرى تشوقني
ماني بمن تعتقلني في السما غيمه
ولاكل غيمه حملها الريح تغرقني
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> فاقد الشي يعطيه
فاقد الشي يعطيه
رقم القصيدة : 67096
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------(61/61)
من قال مالك شي من فاقد الشي
ماهو صحيح وفاقد الشي يعطيه
مثل الشجر يعطي لنا بارد الفي
يعطي الظلال ولاهب القيظ يكويه
مثل القمر يعطي لنا برزخ الضي
يعطي الضيا ومايندرى وش يغطيه
مثل العذاري تسقي النازح المي
تسقي البعيد ونخلها ماتسقيه
مثل الطبيب اللي يداوي عن العي
لكنّ ماهولاقي احدٍ يداويه
عطيتك التحنان من خافقٍ حي
يعني عطيتك شي انا منحرم فيه
أرويتك ابعضي وانا فاقد الري
مخفي ظماي وقلبي الحزن طاويه
لي في عيونك لاح مستقبلٍ جي
حلمٍ بعيد ٍ .. ساهر الليل يرجيه
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> ظلمة المجهول
ظلمة المجهول
رقم القصيدة : 67097
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ذكرت يامحمد الموعد وغايبته
الهاربه من نطاق الوقت تتعبني
ماريّح البال من كثرة مشاغبته
حتى رسم من كحلها عين تدمعني
فوق السطور احتفال بجرح صايبته
بارودة الوصل من نسيان قاطعني
وتفتحت من نواوير الحشا نبته
تنثر شذاها غياب وحلم يجمعني
باكر .. وباكر يدين الليل صالبته
وامشي .. وانا ظلمة المجهول تبلعني
من عاتب الوقت ماتجدي معاتبته
ذب الورق في مهب الريح واتبعني
قل للزمن : يازمن خذ كل ماجبته
مادام فيني تسامي ذات يرفعني
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> اروى
اروى
رقم القصيدة : 67098
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
اروى .. وانا جرحي ثمل طين وتراب
قاع ٍ خطب ود الغيوم ونفاها
اروى . وتكسر ضحكتي دمعة اسباب
وكم فرحة بعت بكدرها صفاها
تبعثرت في ذاكرة صيف كذاب
ادركت باديها ولذت بجفاها
كلي رجا .. ومنادمة ليل وعتاب
وجروح تركض عكس نقطة شفاها
اغمّض عيوني على برد الاهداب
واتذكر احضان امنحتني دفاها
والليل درويش ٍ حمل رفض الابواب
خبل ٍ شرب زيت الشموع وطفاها
وانا على جال السهر ظل وكتاب
احاول استرجع لاولى جفاها
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> هاجس الطرقة
هاجس الطرقة(61/62)
رقم القصيدة : 67099
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يالله على المسرا
من قال انا ساري
همته شجر يقرا
في دفتر امطاري
وانا اكتب المجرى
وابوح بـ ( اسراري )
يارفيق الجنب هذي (( طرقة المسرى )) وذي مركوبة المدى
تاكل اعشاب الشموس وتشرب الما من غيوم الموتى
مانزانا .. والرياح انفاسها والكون عينها
( مالها جره .. ولامسحب .. ولاممسا .. ولامقيالي )
تعتريني همس .. تغرقني صراخ .. وتمتطي دمي .
يارفيقي ماتسعنا ..
من دخلناها ..
وانا وجهي بوجهك مااجتمعنا
ياترى من ضاع
انا والا انت ؟!!
والا كلنا الاثنين ضعنا ؟!!
شعراء الجزيرة العربية >> الحميدي الثقفي >> رغبت القصيد
رغبت القصيد
رقم القصيدة : 67100
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
رغبت القصيده رغبة الطير للتحليق
سماي اصبعين وبينها الجرح مسباقي
تعودت اموت بصدق وارحل بلا تعليق
كفاني أحس بلذة الموت ف اوراقي
ولا احط من نفسي وثن يشرب التصفيق
على شان يدخل برزخ النور لاعماقي
مهو لازم اقطع دابر الشك بالتصديق
ولاهوضروري تعكس اشعاري اخلاقي
شعراء العراق والشام >> معين شلبية >> محنة الألوان
محنة الألوان
رقم القصيدة : 67101
-----------------------------------
هناك خلف البحار العتيقة
لا نوى قرمزيّ يربض خلف الزحام
لا نوارس تودع عشّ الندى
ولا هواء يحرك فيَّ الصدى
لي خلف البحار بحار
ولي وردة في مرايا الكلام
وفناء مرجعي يحمل خيط المدى
يدي على ساحل الجسد المخيم
ويدي الأخرى نواحي الكلام
فاخرجوا مني لتعبر خطوتي
رويداً رويداً
ثقوب الخيام.
لم يبق بي جرح يذاكرني
كي تراوغ مهجتي مني عليَّ
لم يبق بي رجع ليخمش
كنه مأساتي القطيعة.
خبأت في صور الكآبة دمعها
لأسبر ما وراء الموت
لم أجد فيه الخلاص
فالذكريات تفر من هلع الكتابة
حين يأخذني المخاض
لم أجد فيها الخلاص
وأنا هبة من خيول الغيب
ليس فيَّ سوى مراثٍ كنستها الآلهة
نفحٌ تشظَّى(61/63)
على فكّة النور المغطى بالإيماض.
طال انتظاري في سماء الفاجعة
طال انتحاري
كنحلة عطشى تجرجَر
في شوارع لونها المقتول
كفراشة حلَّت ببرزخ الأحلام
حين تُطمس الأحلام
والحلم بتول.
طال طوافي في منابع نورها
ونورها قمر ضبابي
تلظَّى بنار الثلج والأوهام.
يبست عروقي
ونام طالع الأحزان في دمي
لا تنبشي وجعي وصيف طفولتي
لا تقتلي ليمون ذاكرتي
واتركي كفيك مرآة على حلمي
يكاد الحلم يشبهني
وأنا المحاصر في ظلال الله
على وردة يابسة.
لا ترحلي ساعة المساء
خذي المدامع والشُّفوف
قلق الروائح، طيف نعاسي، برد الطرقات
ودعي الأغاني والمواجع والطقوس
وبعض مدائن عشقي والنساء.
لا تهجريني عندما يخبو الضياء
لم يبق لي منفى يعاودني
ولا وطن يحدق في العراء.
على جسدي تطفو حيرة الألوان
والروح تفتح بابها للريح
علَّ الروح تخلع جسمها الصوفي
وبوح سديمها
فالدنيا خواء
لا ترضعي بؤسي المراق
فهذي بلادي ثانيةً
تهرهر كربلاء .!!!؟؟؟
شعراء العراق والشام >> معين شلبية >> هجرة اللازورد
هجرة اللازورد
رقم القصيدة : 67102
-----------------------------------
وكانت النكبة !!
يا وطن الغوائل على مذبح المجزرة
يتجلَّى حنظلة!
يصرخ:
يا سارق ألعابي .. قف!
يتحسَّس أعضاءه
يرسم التاريخ
ويغرق في اللازورد.
واكتفينا بأغنية
" سوف نرجع عمَّا قليل الى بيتنا "
سيِّدة الأرض
شهقة الياسمين
كان اسمها " فلسطين "
نحمل الحلم حشاشة
يا وبلا من الحرمان
في يد تمسك الحجر.
هي صرخة حرَّى
ويعروني سؤال البرق عني
وعن طروادتي الأولى
وعن هزائمي ومأساتي البطولية
في رحلة الغيب الخالدة.
هي هجرة الروح
وتعلوني طقوس الريح فيَّ
كي تفسر تفاصيل القصيدة
لغيمة نازفة.
قالت:
يا راحلا كأقحوان صبح ندي
دع القلوب في مطارحها
ليس فيك سوى الحزن
ورائحة القهوة العربية والبئر العارفة
لك حقول العتمة الأولى
لك البحر والنهر والذكريات
لك الليل إذا أسدف
لك غيمة المنفى وسرحة سنديان(61/64)
لك الوادي وحبات الندى
والفاء والثاء واللغة الحائرة.
مأسوي أنا
"عاشق سيء الحظ أنا ترب الندى"
سريالي والآخر أنا
بإرادتي ارتكبت اخطائي
يطاردني الظلُّ ويتوارى في الآكام.
لا بحر يدلقني عليك وفيك
من النرجس المخطوف
حتى آخر الليلك الباكي
على فخذ وعنَّب وناي
فاكتب
ما تيسَّر عن لهاث الملح
في دمنا
يا وطن الريح
يا شاعرنا
يا مفتاح منفانا
وغربتنا
حتى الأبد.
شعراء العراق والشام >> معين شلبية >> هجرة الأشواق العارية
هجرة الأشواق العارية
رقم القصيدة : 67103
-----------------------------------
علَى قيدِ الموتِ
كانَ ضيفُ المطرِ
يرسمُ فوقَ الرِّيحِ مَا فقدتْ يداهُ
تخومَ اشتياقهِ
وفوضىَ جهاتِهِ
وحلمَ المدَى.
لمْ يبقَ مِنْ عَبَقِ الرِّياحِ
مَا تشتهيهِ المرايَا
لِتُسْقِطَ ظلِّي عليَّ
يؤَثِثُها الصمتُ الذِي تليهِ
ضجةُ الجسدِ
شتاءُ الروحِ
وقيامُ الندَى.
غابَ محكوماً بالفراقِ
طاعناً فِي العشق ِ
تراودُهُ
جدليةُ تدميرِ الذاتِ
جماليةُ تهكمِهِ علَى الحياةِ
سعادةُ المتَّكئِ علَى خرائبهِ
وهمسُ الصدَى.
عادَ يطلُّ عليهَا
هيَ المسكونةُ بالأوجاعِ
ونزاعِ الألوانِ المفعمِ /
بألقِ العتمةِ ولهيبِ الأنوثةِ
حتىَ أضحَى غيابهُا الشَّهيُّ
عابراً فِي الوجدِ الذِي
يطفحُ سكونَ الردَى.
باتَ مكفَّناً بالأسئلةِ
وفياً للأمكنةِ
مدافعاً عَن هشاشةِ الممكنِ
فِي مهبِّ الجسورِ
مُذْ تخلَّى البوحُ عنهُ
والباقِي سُدَى.
صارَ يبحثُ عنهَا
فِي خريطةِ ترحالهِ الداخليِّ
بكلِّ مَا عَلِقَ بقلبهِ
مِن غبارِ التشرُّدِ
والتَّصحرِ والضَّياعِ
لعلَّها تدخلُهُ سريرَ التجلِّي
وتحصِي أضلُعَه
لَهُ الرِّيحُ كلُّها
ولهَا مقاماتُ الهدَى.
مَا ظلَّ فِي القلبِ متسعٌ للنشيدِ
وأنتَ فِي صحوةِ الفُقدان
لاْ صحراءَ للذكرَى
ولاْ مرثيَّةٌ زرقاءُ تعلُو
فوقَ سطحِ العنفُوان.
هوَ الشاردُ الأبديُّ
مِن حطامِ البحرِ يطلعُ
وهيَ الشهيةُ
والنديَّةُ
وهيَ الأميرةُ(61/65)
مِن ديارِ الحلمِ تهبطُ
كيْ تستكينَ الروحُ
علَى جسدِ الأقحُوان.
مَا عادَ هوَ هوَ
فقطارُ العمرِ يومضُ حدَّ الحلكةِ
وفراشاتُ القلبِ
تحملُ ممشَى الذكرياتِ؛
هجرةُ الأشواقِ
جواحيمُ تتقرَّى قسماتِ المترقرقِ الأبديِّ
والمجاهيلُ أَجنحَتي
تحطُّ عَلى سقفِ الريحِ
لكلِّ اسمٍ رجوعُهُ
ملءَ المدَى
لكلِّ رَجْعٍ صداهُ
كلمحِ الأرجُوان.
مَا عادَ هوَ هوَ
ومَا عادتْ هيَ
ومَا عدتُ أنا أنا
ولاْ الآخرُ أنا
ومَا الحالةُ إلاْ حيِّزٌ كونيٌ للمشتهِي
محطةُ انتظارٍ
فِي الأبديةِ البيضاءِ
حيثُ الكلُّ فِي الواحدِ
والواحدُ فِي الكلِّ
قرابينٌ مؤجلةٌ
فِي ذُروةِ النسيَان.
علىَ طرفِ التأملِ
وفِي حضرةِ الشوفِ والغيابِ
ينتابُني شعورٌ عصيٌّ علَى الإدراكِ
يعودُني فِي الوحدةِ عطرُها الشَّهيُّ
أنوثَتُهَا المترفعةُ
شهقةُ اللهفةِ الأولَى
حضورُها المباغتُ الخفيُّ
رِعشةُ الإنخطافِ
فِي سُبْحةِ الحرماَن.
وأسألُ:
- لماذَا تورقُ الزنابقُ فِي أوصالِي مِن جَديد؟
* لكيْ ترطِبَها الريحُ يَا حَبيبي !
صمتاً صمتاً يَا حَبيبتي
قدْ يسمعُنا أحدٌ
لكَم تشبهينَ الماءَ
لكَم تشبهينَ الريحَ
فِي حالةِ الهيَمان.
صاهلٌ بالرغباتِ
تأخُذُه القصيدةُ مِن جذوةٍ فِي القلبِ
لاْ لشيءٍ
رُبما
كيْ تؤوِّلَّ مَا فيهَا
مِن هاجسٍ يشتهيهَا
لتَقرأ مَا يقولُ البحرُ ليْ:
لاْ شيءَ يشبهُنا /
وذاكَ منحدرُ الكلامِ
تحرقُ هاطلاتِ ذاكَ اللهيبِ
لنكتبَ مِن قريبٍ
مَا تحطُّ السماءُ مِن ملامحَ
تعرَّت علَى عزلةٍ قاتلَة .
مارقُ حلمُنَا
كأنَّهُ كائنٌ حبريٌّ
لمْ نكنْ رمزاً لتحمِلَنَا النوافذُ
علَى شفيرِ الأسئلَة
ولمْ نكُن واقعاً يتجلَّى
عَلى حبَّةِ القلبِ
حينَ خابَ الظلُّ وارتحلَ الأُوارُ
ولكنْ يا سيِّدي الحزنَ:
غامضةٌ ظهيرتُنَا
فِي لحظةِ الكشفِ الزائلَة.
مقيمٌ فِي مجراتِ العراءِ
يغرفُ رجعَ الغضَى
منذورٌ للخساراتِ المعلقةِ
علَى جدرانِ الغيابِ
بعثرَهُ السبرُ عمَّا تخفِي(61/66)
حينَ تخلعُ الشمسُ ثوبَهَا الليليَّ
وتحنُو قامةُ الأفقِ لهَا .. نخفقُ:
نحنُ شهدُ الشهوةِ الأولَى
نحنُ رذاذُ الضوءِ
شهقةُ الحريرِ المجعَّدِ
حفاوةُ الأضدادِ
خريفُ الاعترافِ
فِي ليلةٍ فاصلَة.
كنبعٍ دافقٍ
جوارَ مدفأةِ الأشواق ِ
يتقرَّى أبهائَها
يتساقطُ الوهجُ علَى مداخلِ قلبِي
صديقةُ الأسئلةِ
تعلنُ سعيرَ الويلِ
يقفُ متحدياً محنةَ وجودِهِ
يتجولُ داخلَ خرائِبِهِ
فِي زمنِ الموتِ العبثيِّ
يحملُ صقيعَ المعاناةِ
وجعَ الحواجزِ
والجدرانَ العازلَةِ.
واصلَ حنانَها السَّخيَّ
فِي غيبوبةِ ذهولهِ
حاملاً
حائطَ الدهشةِ والإخفاقِ؛
فِي لحظةِ تأبينِ أحلامِهِ
تزمِّلُهُ
حالةٌ مِنَ التصوِّفِ الضارِي
تُغطِّي نواحَ الانكفاءِ
وهشاشةَ الممكنِ
يدلُقُ روحَهُ ويمضِي
فِي نقعةِ الضوءِ المائلَة.
تعبتُ مِن هواءِ البحرِ
والصحراءِ
تجاعيدُ الوقتِ
تَشْرَقُ روائحَ الليمونِ
سياجُ البيتِ مشدودٌ علَى
صفصافَةِ المنفَى
نرجسٌ رخوٌ ينثالُ مِن حبلِ
المساءِ
شلالٌ مِنَ السُّهدِ يلتحِفُ
الخيالَ
وجهٌ يتوسَّدُ النجماتِ
فوقَ جذوعِ السماءِ
فراشةٌ في القلبِ تقايضُ الليلَ
ظلٌّ يطمرُ ظلَّهُ المهجورَ
ويسكنُ راحلَة.
شعراء العراق والشام >> معين شلبية >> رحيل الروح
رحيل الروح
رقم القصيدة : 67104
-----------------------------------
رأيتك ترسمين الحلم بين النار والغسق
وفوق الليل أقمار
وخلف الروح أحزان
ولون الحزن كالشفق.
رأيتك تحملين البحر في عينيك مغتربا
وألواحا من الإيمان والكفر
سألت البحر هل يدري بحامله
فرد البحر أمواجا من الأرق.
رأيتك تغرقين الحزن في شفتيك صامتة
ألا تتساءلين الآن عن غرقي؟
فقلت: بلى
لماذا النهر لا يجري كما نبغي
ولا نبغي عبور الحب كالورق.
رايتك تحضنين الشوك
والأشواك جارحة
فقلت: كفى
جروح الشوك في القلق.
رأيتك خلف أحزاني وداخلها
فهل تتحملين الحزن في السفر؟
تعبت أنا من الأحزان لا أدري
هل الأحزان يمحوها
رحيل الروح(61/67)
عند مشارف الغسق؟
تعبت أنا من الأحزان لا أدري
هل الأحزان يمحوها
رحيل الروح للعنق !؟.
شعراء العراق والشام >> محمود درويش >> هي في المساء
هي في المساء
رقم القصيدة : 67105
-----------------------------------
هي في المساء وحيدةٌ،
وأًنا وحيدٌ مثلها...
بيني وبين شموعها في المطعم الشتويِّ
طاولتان فارغتان [ لا شيءٌ يعكِّرُ صًمْتًنًا]
هي لا تراني، إذ أراها
حين تقطفُ وردةً من صدرها
وأنا كذلك لا أراها، إذ تراني
حين أًرشفُ من نبيذي قُبْلَةً...
هي لا تُفَتِّتُ خبزها
وأنا كذلك لا أريق الماءَ
فوق الشًّرْشَف الورقيّ
[لا شيءٌ يكدِّر صَفْوَنا]
هي وَحْدها، وأَنا أمامَ جَمَالها
وحدي. لماذا لا تًوَحِّدُنا الهَشَاشَةُ؟
قلت في نفسي-
لماذا لا أَذوقُ نبيذَها؟
هي لا تراني، إذ أراها
حين ترفًعُ ساقها عن ساقِها...
وأَنا كذلك لا أراها، إذ تراني
حين أَخلَعُ معطفي...
لا شيء يزعجها معي
لا شيء يزعجني، فنحن الآن
منسجمان في النسيان...
كان عشاؤنا، كُلٌّ على حِدَةٍ، شهيّاً
كان صَوْتُ الليل أزْرَقَ
لم أكن وحدي، ولا هي وحدها
كنا معاً نصغي إلى البلَّوْرِ
[ لا شيءٌ يُكَسِّرُ ليلنا]
هِيَ لا تقولُ:
الحبُّ يُولَدُ كائناً حيّا
ويُمْسِي فِكْرَةً.
وأنا كذلك لا أقول:
الحب أَمسى فكرةً
شعراء العراق والشام >> محمود درويش >> في الانتظار
في الانتظار
رقم القصيدة : 67106
-----------------------------------
في الانتظار، يُصيبُني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة:
ربما نسيت حقيبتها الصغيرة في القطار،
فضاع عنواني وضاع الهاتف المحمول،
فانقطعت شهيتها وقالت: لا نصيب له من المطر الخفيف
وربما انشغلت بأمر طارئٍ أو رحلةٍ نحو الجنوب كي تزور الشمس، واتصلت ولكن لم
تجدني في الصباح، فقد خرجت لاشتري غاردينيا لمسائنا وزجاجتين من النبيذ
وربما اختلفت مع الزوج القديم على شئون الذكريات، فأقسمت ألا ترى رجلاً
يُهددُها بصُنع الذكريات(61/68)
وربما اصطدمت بتاكسي في الطريق إلي، فانطفأت كواكب في مجرتها.
وما زالت تُعالج بالمهدئ والنعاس
وربما نظرت الى المرآة قبل خروجها من نفسها، وتحسست أجاصتين كبيرتين تُموجان
حريرها، فتنهدت وترددت: هل يستحق أنوثتي أحد سواي
وربما عبرت، مصادفة، بِحُب سابق لم تشف منه، فرافقته إلى العشاء
وربما ماتت،
فان الموت يعشق فجأة، مثلي،
وإن الموت، مثلي، لا يحب الانتظار
شعراء المغرب العربي >> صلاح بو سريف >> خَسَارات هنري ميشو
خَسَارات هنري ميشو
رقم القصيدة : 67107
-----------------------------------
لا تُبَلِّلْ يَدَكَ بِرُطُوبَةِ صَبَاحَاتِكَ المُتْعَبَهْ.
الأحْجَارُ المُشْتَعِلَةُ فِي قاعِ النّهْرِ
كانَتْ سَمَكًا
ضَاعَفَتِ الغُيُوم نَوْمَهُ.
لِماذا صَوَّبْتَ جُرْحَكَ نَحْوَ لُغَةٍ
لَمْ تَسْتَطِعْ
أنْ تَحْمِلَ رُؤَاكَ.
مَا يَظْهَرُ فِي السَّطْحِ
لَيْسَ مَا تَقُولُهُ اللّغَة.
ألَسْتَ أنْتَ مَنْ أبَاحَ لِلْخَيَالِ أنْ يَصِيرَ مَوْجًا
وَ أزَلْتَ الفَرْقَ
بَيْنَ
مَا يَشْتَعِلُ
وَ
مَا
لاَ
تُبَدَّدُ الغُيُوم ضَوْءَهُ
كَلامُكَ جَمْرٌ
أبَاحَتِ اللُّغَةُ رَمادَهُ...
شعراء المغرب العربي >> صلاح بو سريف >> بجعات رامبو
بجعات رامبو
رقم القصيدة : 67108
-----------------------------------
مَا حَجْمُ المَسَافَة التي تَفْصِلُ بَيْنَ دَمِكَ
وَ بَيْنَ هذِهِ الصّحْرَاء.
وَ لِمَنْ تَرَكْتَ أشْيَاءَكَ الصَّغِيرَة
حَداءُكَ مَثَلاً...
أكُنْتَ على صِلَةٍ بِمَا يَجْرِي فِي الأُفُق ِ
وَ دَنَوْتَ بِمَا يَكْفِي مِنْ قَمَرٍ
كَانَ يَشْرَبُ
أنْفَاسَكَ
أمْ أنَّ يَدَكَ شَبَّتْ فِي اشْتِعَالِهَا
وَ بَدَا مَا تَكْتُبُهُ
تَحِيَّة ً لِلْقَادِمِينَ.
لَيْسَ يَهُمُّنِي أنْ تَكُونَ أهَنْتَ أحَداً
بَلْ أنْتَ
وَ قَبْلَ أنْ تَتَّقَدَ جَمْرَةُ اللُّغَةِ
كُنْتَ وَضَعْتَ يَدَيْكَ عَلى أنْفَاسِ الكَلِمَاتِ
وَ حَوَّلْتَ المَعْنَى إلى سِرْبِ(61/69)
بَجَع ٍ
لا
أحَدَ قَبْلَكَ
أتَاحَ للكَلامِ كُلّ هذا الهَوَاء.
السّمَاء لمْ تَكْتُبْ كَلامَكَ
الصَّحْرَاء كَانَتْ أفُقًا لِرُعُونَتِكَ
مِنْ دَمِكَ
خَرَجَتْ سُلالاَت أشْعَلَتْ فِي اللّغَةِ
فِتَنَ جَمَرَاتِهَا.
شعراء الجزيرة العربية >> علي الجلاوي >> شيء لا يقال
شيء لا يقال
رقم القصيدة : 67109
-----------------------------------
شيماءُ
في عينيكِ شيء لا يُقالْ
.
وهنا بقلبي ألفُ شيءٍ لستُ أدري كنههُ
وعلى فمي سكتَ السؤالْ
.
شيءٌ يشدُ الروحَ نحوكِ
فارحميني
ذلك الشيءُ احتلالْ
.
لست أدري
هل ترى تدرينَ ماذا بيننا
ولمَ تَخَبَأ شيئنا
في السر واصطبغَ المحالْ
.
لست أدري
غير عينيكِ تجرعني النِصالْ
.
هل كان حباً
أم شقوة طفلةٍ ؟!
أم ترى كان افتعالْ
.
شيماءُ
في عينيكِ شيء لا يقالْ
وعلى فمي سكتَ السؤالْ
.
شيماءُ هل هذا
هو الصمتُ الذي يأتي قُبيل العاصفةْ
أم صمتكِ المفتوح
يغرق في سواحله الدلالْ
.
فلمَ رأيتُ نوارساً
في بحر عينيكِ كلاماً،خائفةْ
والعاطفةْ
تلقي اعترافاً بالجنونِ عليَّ
في قدس ابتهالْ
.
فمشيتُ يسري في دمي لهبٌ
ويمشي داخلي ألف احتمالْ
.
أنا و الطريق
فلا أرى إلا عيونكِ مرفأي
وشواطئي
لا تنكري ما بيننا
إني ولدتُ وداخلي ألف اشتعالْ
.
شيماءُ ما ذنبي
وفي عينيكِ شيء لا يقالْ
.
شيماءُ
كيف على فمي سكت السؤالْ.
شعراء الجزيرة العربية >> علي الجلاوي >> المنامة (1)
المنامة (1)
رقم القصيدة : 67110
-----------------------------------
المنامةُ تلكَ
الصبايا يمررنَ عشقاً
ورائحةُ الهيلِ تغسلُ أطرافهنَ
.
المنامةُ
( مؤمنُ ) في ليلةِ القدرِ
يُشعلُ نهدَ صغيرتهِ بالتعاويذِ والصلواتِ
.
المنامةُ تلكَ
وعشّاقها الأنبياء يجيئونَ
أبوابها شرَّعاً _
خرجتْ عن كتابِ الحكايا
بعطرِ المواويلِ والزعفرانِ
.
المنامةُ
حنَّاءةٌ حَبُلتْ
بالقصيدةِ في ليلةِ الفضحِ
.
قامةُ مِئْذَنةٍ في الخميسِ
وبحّارةٌ(61/70)
في الخليجِ المرافقِ شبَّاكها
ما تيسَّرَ من دفئهمْ يقرؤنَ
ويَعقِدُ أجملُهمْ خيطهُ.
شعراء الجزيرة العربية >> علي الجلاوي >> أوراد
أوراد
رقم القصيدة : 67111
-----------------------------------
ورد (1)
--------
يُصَلِّي كلاماً شهيداً
تلاقى عليهِ النبيونَ
كل السلالات تقفز من متنهِ
ضارباً في تصوّفهِ
من مساحةِ ذاكرة الأوَّلينَ
إلى اللا يحدُّ
.
أراهُ
كمن أثخنتهُ القصائد محتضراً
لا يموتُ وليس يُرَدُّ
.
جميلاً بخبثٍ
كأنْ لا تقول خبيثٌ جميلٌ
على ركبتيهِ يُدير الكؤوس الكؤوسَ
وفي كل كأسٍ مصلاّهُ وِردُ.
*********
وِرد (2)
---
كان أكثر من صمتهِ واقفاً
كي يباركَ
سرب الأغاني
على كتفٍ مثقلِ الاحتمالْ
.
لماذا أجيءُ تجيءُ ؟
ولسنا على قدرٍ من مناسكنا
كي نقيس اندلاعاً بصمتِ سؤالْ
.
فيا ..
قبةُ النهدِ ..
كان المزارُ يطلُّ
وأبوابهُ تعبتْ من وقوفِ الرجاءِ
بنصفِ التجلّي
على خمرةِ الاشتعالْ.
شعراء الجزيرة العربية >> علي الجلاوي >> دلمونيات
دلمونيات
رقم القصيدة : 67112
-----------------------------------
.. أنتِ
.
ادخلي
في ضلالِ القصيدةِ
أو في السلامِ
فكل الذي لا يُقالُ هو الشعر.
*****
.. أنا
.
قالوا : سمعنا فتىً دلمونياً
يوزّعُ أحلامهُ
حينَ ينسلُّ عن لامكان القصيدة
يدخلُ في حكمةِ الضدِّ
كان فتىً
كلما أضرمته الخصوبةُ
ينزلُ عن بردةِ اللهِ
ملتهباً بالصلاة.
*****
جهات
.
بالشعر أمَّارةٌ
فادخلي
واطمأني بوحي الجنونِ
فأينَ تولي فثمة غيبٌ جليلُ
ندامى
إذا ما دنى السكرُ
وانشق ليلُ
أطلَّتْ نوارسُ مأذنةٍ
كلما شاءَ يأبى
ويبقى هو الشعر.
*****
الخلق
.
كلما أطفأوا شاعراً
أوقدَ اللهُ
كلٌ بحسبِ نبوءتهِ
موغلٌ في النشيدْ
ويترك جثتهُ
لاختمار القصيدة أو ..
لاكتناز الوريدْ.
*****
هو
.
ما غصَّ قُرْباً عن مذابحهِ
وما انثالتْ قصائدهُ على جسدٍ
ولكنْ ..
هاجرتهُ الأرض
فانزاحتْ إلى كتفيهِ
ناصيةُ الغناءْ.
*****
غيب
.(61/71)
هل يُصلح الحزن ما أفسدتهُ المعاني ؟
بلى :
يُصلح الصمتُ أكثرْ
كان يقولُ
وخبأ فينا اشتعالاً وبعض من الذكرياتِ
ولكن غفلنا !
فعادَ إلى غيبهِ.
******
هي
.
تقولُ:
_وكنتُ أراهُ يزورُ الكلامَ
ويخبو لزاويةٍ مطفأةْ_
بأنَّ الجنودَ
-تراقبُ غفلتهُ بشرودِ محايدةٍ_
/ القطاراتُ
/ من أين حزنكَ
يصحو !
يمدُّ الشتاءَ إلى صدرها
ثم يطفئ حين يقوم بفنجانها التأتأةْ.
******
وقوف
.
لم أقلْ
أني أتيتُ بغير حزنٍ
كان مندَّساً بأضلاعي وطنْ
كلما حاولتُ
تربكني الخطى في داخلي
وحدي
أعاتبُ قاتلي
وإذا اختبئتُ
تحسستْ يدُهُ بصدري صمتَهُ
وإذا اطمأن بأنني أني
مضى في خالهِ.
******
آدم
.
ليس للطين إلا الأغاني
وما اقترف الأنبياء من الشعرِ
ليس لهُ
أن يتوب إلى نفسهِ
واضحاً من خطيئتهِ
ليس أكثر من قدرٍ أو أقلَّ
تكون مرافئه اللابلادْ.
******
حواء
.
لموتٍ
على قدْرِ حقلِكَ
للجرحِ يغسلُ أورادهُ
بصلاةٍ
لبعض النبيينَ
تهبطُ من حزنها للكتابِ
على يتمها تنحني
ويداها تمرُّ على مرفئ الليلِ
تسحب نصل الحكايا
المنامة سيدةٌ
كلما دخلت صمتها
دخل الموتُ في غيِّهِ.
******
تفتُّح
.
تكوّرَ التفّاحُ
وازدادت خصوبة مائهِ
والحقلُ أطلق ساعديهِ
على رخامِ النهرِ
أتلفَ روحهُ
وإذا تمادى
أدرك التفَّاح ملتهب الزبيبْ .
***
بريد
.
ورد المدينة
واختفى في أوجه الماضين
دون بريدهمْ
وهناك تلتقط الدروب قميصها
حيث انشغالٌ
يلعبُ الأدوار عنَّا
ما اكتشفنا قتلنا
وينقِّل المَلِكَ الكسولَ
ببيدقِ السهو الرحيمِ
وما اكتشفنا موتنا
نزقينْ
نخرجُ عن دفاترنا
بماءِ الرعشةِ الأولى.
شعراء الجزيرة العربية >> علي الجلاوي >> أقوال حارس المدينة
أقوال حارس المدينة
رقم القصيدة : 67113
-----------------------------------
أقولُ
رأيتُ على بابها جالساً
وأقولُ
سمعتُ الأغاني بسبحتهِ
يتوافدُ في إثرهِ الأنبياء
.
لا أقولُ
أليسَ هناكَ
مكانٌ على الرَّفِ للانحناء
***
رأيتُ جبيناً تندَّى برؤياهُ(61/72)
مغتسلاً بالغموضِ
على رأسهِ عمةٌ
ويداهُ تسافر في الروحِ أو في الرداء
.
جالساً
كانَ في حضرةِ الذكرِ
نامَ على كتِفِ البابِ
واصَّعّدتْ روحهُ غيمةً غيمةً
أمْ ترى اصَّعّدتْ في تقاسيمهِ لغةُ البسطاء
.
كانَ يعرفهُ البحرُ لم أنتبهْ
كيفَ غافلني قمرٌ
/وثلاثُ حروبٍ من العمرِ تكفي !
ولكنَّهُ مثلَ عادتهِ
كان مشتغلاً بالضياء
.
جالساً لا أقولُ
أقولُ سمعتُ الأغاني
لماذا اشتعلتُ بلحيتهِ
بالمساحةِ في عطرهِ
كانَ يتقنُ ألا يكونَ هنا حاضراً
واكتشفتُ
المساحةَ ما بيننا
كانَ يفصلنا الالتقاء
.
ثلاث حروبٍ من النور تكفي
ولكنَّهُ مثلَ ما كانَ
محترقاً تتدلى على قدميهِ السماء
***
لا أقولُ الذي كانَ يجلسُ بالهمسِ كانَ هنا
وأقولُ الذي يهمسُ الآنَ
حينَ هنا لا هنا
كانَ يتقنُ ألا يكونَ هناكَ
وألا يكونَ سواهُ
وكنتُ أرى جدولاً عند قامتهِ
وازرقاقٌ عميقٌ وليس بماء
.
لا أقولُ أقولُ
على حينِ صمتٍ تدفَّقَ
من هامةِ الروحِ نحو دواخلهِ
ليس إلا الحقولُ تقاسمهُ الانتماء
.
وأقولُ أقولُ
إذا ما رنا قفزتْ غيمةٌ من مدائنهِ
لا أقولُ
اتسعتُ لأملئ هذا الإناء.
.
شعراء الجزيرة العربية >> علي الجلاوي >> المسيح الأخير
المسيح الأخير
رقم القصيدة : 67114
-----------------------------------
أيّهذا القتيلُ
الذي نام في دمهِ شرفةُ الكونِ
حقلاً ..
وأغنية ركضت في المدى سوسنة
.
أيّهذا القتيلُ
الذي ملأته العواصفُ
واندفعتْ غربة الأرضِ في رئتيهِ
فغادر من حزنه مئذنة
.
أيّهذا المحالْ
لم تزل في الرؤى قدماكَ
وبصمة شطأنكَ النزفُ
بوصلة في اشتهاء الرياح ، ارتحالْ
.
أيّهذا المحالُ الذي
في جبينه كينونة الكونِ
مندلعٌ بالأغاني
وفي دمه اللغة الكامنة
.
أيّهذا القتيلُ الذي
كان يعبر فينا
وهبتَ المسافة إيمانها
وتركتَ خطانا تغادرها الأمكنة
.
ليس ممّا اعتراكَ الزمانُ
ولا حدّ قامتكَ الكونُ
يا سيد الروحِ
والنطقِِ
والنارِ
يا سيد الأزمنة
.
فاستفقْ أيّهذا القتيلُ(61/73)
يحاصرنا اليتمُ
تخنقنا الغضبة المزمنة
.
استفقْ
فتحتكَ الخيول على الدهر أسئلةً
شبَّ أخضرُها بالنيازكِ
حطَّ على راحتيها التّكوُّن وانفجرتْ
صرخة آسنة
.
أيّهذا القتيلُ
أعطنا لحظة السرِ
وامتدَّ كنه الوجودِ
تخلّقْ بحزنكَ ناركَ أكثر
من أن تكون سوى ممكنة
***
تخلّقَ
وانفتحتْ صحوة الريح بين أصابعهِ
والجهات تلمُّ براحتهِ
رغبةَ اللا مكان ، وعزلتَها الساكنة
.
ضربتْ في المدى روحه النهرَ
وانتشرتْ
كان يخرج من صدر هذا الزمانِ
يسيلُ
يسيلُ
فهزّي إليكِ بفجر ولادته الكائنة
.
خذيهِ
على يده كربلاء
تغطّي ملامحه صهوةُ الغارِ
في فمه عبوةٌ
كفرتْ بالرؤى الداكنة
.
وهذا الصهيلُ
خذيه ستولد من دمه المستحيلْ
عواصم أمته الخائنة
.
سيولد عمّار، سلمان، كل العواصفِ
كل الأعاصيرِ
تولد من دمه قسمات النخيل
.
خذيهِ
ومرّي به واطرقي باب كل الجراحِ
طريقكِ خمسون حلماً
فشدّي المسافة نحو الرحيل
***
فلمّا أتتْ بهما قومها
كفروا بالرؤى واستخفّوا بخطوتهِ
قال إني ..
وفي النزف متسَّع فاسرجوهُ
سألقي عليكم حضارته الساخنة
.
فاستفاق على وقع أحلامهِ ذئبهم
واستفزّته بين يديها المواويلُ
كانتْ ..
ويعرفها جيداً " آمنة "
.
كانتْ ..
ويعرفها حين قال لها :
إيهِ ما كان نخلكِ
ما كان فوق يديكِ سماء
.
فكيف تردّي الوصايا
وتأتين بابنتكِ الثامنة
كربلاء
.
أشارتْ إليهِ ..
أشارتْ إلى النخل في رئتيهِ
فقالَ :
أنا البحر إني الكتاب النبيُ
ولكنهم صدّقوه بقتل أخيهِ
على جسد البيّنة
فكان الصليب يسير إلى دمهِ
والخيولُ.
لذا كان في عينهِ البحرُ
كل النوارس في صدرهِ والحقولُ.
لذا لم يكن يسعُ الزمنُ الصفرُ
أغنيةً ركضت في المدى سوسنة
.
أيّهذا القتيلُ
يعود إلى يتمه النخلُ
تدخل في حزنكَ المئذنة
***
صلاةٌ على قيح أضلاعها
تزهر الشمسُ
يمتدّ حقل الضياء
تحطُّ على ركبتيهِ
ومن نزق الكبرياء
.
تحطّ المرافئ متعبة في يديهِ
ويتركها تستحمُّ بوديانهِ صبيةً فاتنة
.(61/74)
يجيء يدثّره الليلُ
يحمل أغنيةً ..
يوقظ الفجر
يتبعه للحقول دمُ الأنبياء
.
ويفتح نافذةً
تولد الشمس منها
وأشرعة النخل تعبر نحو السماء
.
وكان صبيٌّ هناكَ
يقول لنخلتهِ
إنه قد رأى سيداً وعلى ظهرهِ
لستُ أدري
قريبٌ من الجذع شيءٌ
وفي نايهِ لمسات الدماء
.
وكان شبيهاً بجدي ..
وكانْ
إذا ما مشى
يستفيق ويتبعهُ بالصلاة المكانْ
.
فلا تسأليني
رأيتُ المواويل في فمهِ..
صبيةً يلعبونَ
وكان يعيد لقلبي الكمانْ
.
وكان صديقاً
قريباً من النخل يتبعه السنديانْ
ويمشي حقولاً على الماء يمشي غناء
.
وكان صبيٌّ هناكَ يقولُ ..
بأن الفصول التي عبرتْ دمه خائنةْ
.
والسيولْ
وصمت القبيلة خائنةٌ خائنة
.
وكان يقولْ ..
أيّهذا القتيلُ
الذي نام في دمه شرفةُ الكونِ،
حقلاً
وأغنيةً ركضتْ في المدى سوسنة
.
أيّهذا القتيلُ
وهبتَ المسافة إيمانها
وتركتَ خطانا تغادرها الأمكنة
.
***
فأي رحيلٍ سيرحم للشام
هودج أشلائكمْ
وأي المنافي
ستحملكم للمنافي التي سوف تسكنكمْ
وأي قتيلٍ سيعرفكم بعد
هذا الدخول المصير
.
وطن أم حقيقة..
يُصفّي مواويلهُ
ثم يترك نصف اشتعالٍ على وجهكمْ
ويسير
.
تداخل في بعضنا السيفُ
وانطفأت لغة الحب عند دمي
فاستفاق حديقةْ
.
فكيف تعودوا إلى حلمكمْ
وطناً فوق رمحٍ ينامُ؟!
هبوبَ أغانٍ مؤجلةً للفرار الأسير؟!
.
أيّهذا القتيلُ
الشوارع في مُدُن الدم ليست صديقةْ
وهذا النهار الشروق الأخير
.
تدجّجني
عندما تستفيق يدي فوق جرحي
الرصاصةُ حين تقولُ :
أيا ولدي
إن حلماً وراء النزيف يطولُ
فخُذ نفساً
الخَيار بأنْ للعدوّ جناحكَ يا ولدي لا تدير
.
الخَيار اليتيمُ
تلمّسْ فؤادكَ واستنهضْ الريحَ
من جسد النارِ
إما تعود وتسبقكَ الطرقاتُ
و إما ترفُّ على جسدي وتطير
أيا ولدي.
شعراء الجزيرة العربية >> صالح بن سعيد الزهراني >> البكاء دما
البكاء دما
رقم القصيدة : 67115
-----------------------------------
حبيبتي جفَّ موَّالي، وجفَّ فمي(61/75)
وأورقَ الجدبُ في كفّي وفي قلمي
أُسائِلُ اللَّيلَ يا ليلايَ عن أَلَقي
عن عزلتي.. وانطفاءاتي. وعن سأمي
من أين أبدأُ؟ أحزاني معتَّقَةٌ
بحرٌ من الحزن من رأسي إلى قدمي
مسافرٌ فوقَ موج الحرف في ورقٍ
أودعتُه فيضَ أحزاني وعطرَ دمي
مسافرٌ لا زماني مدركٌ سفري
ولا رفيقةُ دربي هزَّها نغمي
أبكي دَمَاً إذ أرى "القعقاعَ" عائدةً
فلولُه بين مأسورٍ ومنهزم
خيولُه فوق خطِّ النار واجمةٌ
تراقبُ المددَ الآتي من العدمِ
تراقبُ العَرَبَ الأحرارَ في دمهم
يغلي "المثنّى" ويغلي ألفُ "مُعتصِم"
وما درتْ أنّ حبلَ الله منصرمٌ
وأنها استسمنتْ للفتح ذا وَرَم
أبكي دماً يا مدارَ الشعر حين أرى
مهدَ البشارات ينبوعاً لكل ظمي
قبائلٌ بشَرار الحقد مولعةٌ
ناريّةُ الوجه من "صيدا" إلى "الهرم"
حدودُها السودُ تفنى تحت ظلمتها
أشعّةُ الحبّ والقربى وذي الرَّحِم
أبكي دماً إذ أرى "القعقاعَ" في يدهِ
قيدٌ يُساق به في "هيئة الأمم"
بُنَيَّ وانتفضَ التاريخُ يصفعني
فتهتُ بين الرجاء المرّ والندم
قرأتُ في وجهه القمحيِّ ملحمةً
من النَّكال، وبركاناً من الألم
بالأمسِ كان يكيل الزهوَ مبتسماً
واليومَ وجهٌ عبوس غيرُ مبتسم!
بُنَيَّ هذي هي المأساة ماثلةٌ
فانظرْ بربّكَ مَنْ خَصمي ومن حَكَمي؟
كانت سنابكُ خيلي في جماجمهم
مغروسةً، وعلى أكتافهم عَلَمي
فأصبحتْ قِبلتي الأولى منكّسةً
لما تبعتُ إلى درب الردى قدمي
ودّعتُه وأنا أبكي على زمنٍ
الحقُّ فيه غدا ضرباً من التُّهَم
أبكي وأعلم حجمي يا معذَّبتي
فالهمُّ أكبرُ من حجمي ومن هِمَمي
لكنني أحمل الأثقالَ محتسباً
فالنومُ فوقَ الرزايا ليس من شِيَمي
شعراء الجزيرة العربية >> صالح بن سعيد الزهراني >> كائن بلا هوية
كائن بلا هوية
رقم القصيدة : 67117
-----------------------------------
من أيّ نهر شربت الصمت والوجلا ؟ !
أمهاتك صيّرن الشجى أملا
من أينَ عممت هذا الذّل .. ما عرفت
أرض الشياهين لا نسراً ، ولا حجلا ؟(61/76)
في مقلتيك أرى " سعداً " .. ببيرقه
وفيلقاً " لصلاح الدين " مشتعلا
أرى احتمالات معنىً كنت أجهله
ولم يكن عند من أغلاك محتملا
من أنت ؟ أقرأ في كفيك ملحمة
موؤودة ، وخيولاً كفّنت بطلا
كأنه ما أتاك الكون مبتهلاً
يوماً ، ولا حُفّ بالنجوى ولا احتفلا
من أنت ؟ " عنترة العبسي " ألمحه
في وجنتيك يُباري الخيل والأسلا
كيف انحنى فيك هذا الرأس يا قمراً
بزهو عينيه كنا نضرب المثلا
ما قلت شيئاً .. نكست الرأس مكتئباً
وكنت أطرق مما قاله خجلا
كيف انحنى فيك هذا الرأس يا قمراً
بزهو عينيه كنا نضرب المثلا
من أنت ؟ ما قلتُ شيئاً .. كان يقتلني
بكل حرف بهيّ كلما سألا
ما قلت شيئاً .. نكست الرأس مكتئباً
وكنت أطرق مما قاله خجلا
شعراء الجزيرة العربية >> صالح بن سعيد الزهراني >> يا ضمير الأحرار
يا ضمير الأحرار
رقم القصيدة : 67118
-----------------------------------
يا ضمير الأحرار .. أين الضميرُ
وبلادي مجازرٌ وقبورُ !
كيفَ يخفى " يا مجلس الأمن " جرحي
ودِمائي في الخافقين تمور !
كيف تنسى " يا مجلس الأمن " وضعي
ولديكم عن حالتي تقريرُ !
يا ضمير الأحرار .. ما جئت أشكو
كيف يشكو إلى القيود الأسير ؟
وإذا كانت المبادئ أسمى
فالعسير الذي ألاقي يسيرُ
ما خبا في دمي شعاع المعالي
في وريدي لا ينضب " التكبير "
واقف فوق سيفكم أتلظى
وقفتي رجفةٌ وهمسي سعيرُ
يا ضمير الأحرار .. ما عزّ قومٌ
من قراراتكم .. ولا انهل نورُ
مسرحياتك استبانت رؤاها
شاحبات ، يخونها التفكير
والغلاف الذي رسمت " صليبٌ "
والمضامين كلها " تنصيرُ "
يا ضمير الأحرار .. دهرك ظُلمٌ
ودهورُ الظلام يومٌ قصير
كُلّ يومٍ تمدّ كفّ حنونٍ
بالعطايا ، وأنت " كلب عقورُ "
في ربوع " الصومال " فرّقت أهلي
فأفاقوا .. ومجدهم زمهريرُ
ودخلت البلاد من ألف بابٍ
وأقيمت " معابد " وجسورُ
وعلى " القدس " راعفٌ من هواكم
شرقت منه بالمدامع " صورُ "
كلّ فجرٍ " جنازةٌ " ، ورصاصٌ(61/77)
وعليها من عدلكم منشورُ
حدّثوني عن " غزةٍ " ، عن هواها
كيف ماتت فوق الغصون الطيورُ ؟
حدّثوني عن " برتقالة صيدا "
كيف شاخت أغصانها والجذورُ ؟
حدّثوني عن " وجه لبنان " لمّا
جف فيه الندى ، وجف العبيرُ
حدّثوني عن طفلةٍ ساءلتكم
عن أبيها ، أين احتواه المصيرُ ؟
الشهادات ، والقضاة لديكم
وضحايا الأسى " غيابٌ حضورُ "
كلّ دعوى لها لديك بيان
ودليل ، وشاهدٌ منك زُورُ
يُخنق الصوت في الحناجر ظلماً
وتظلّ القلوبُ فيها زفيرُ
يخسف البدر ، والنجوم تهادى
والليالي بالمذهلات تدورُ
أيها المسلمون هذا خطابي
عربيٌ ، ما فيه حرفٌ أجيرُ
فاقرأوا سحنتي ، وفحوى خطابي
وافهموا ما تغضّ عنه السطورُ
أنا قلبٌ متيّمٌ بهواكُم
أنا قلبٌ على أساكم غيورُ
أيها الصابرون ، طال التمادي
في خلافاتنا ، وطال المسيرُ
وإذا لم يكن على الصدر سيفٌ
فليكُن في الضلوع قلبٌ جسورُ
مجلس الأمن " لعبة أحكمتها
كف باغ ، بالموبقات خبيرُ
لكأني بكم " شياهٌ " بليلٍ
شتويٌ ، والليل ليلٌ مطيرُ
كيف يرضى الفتى ، وقد كان رأساً
أن تُطا أوجهٌ ، وتحنى ظُهورُ
كيف يغدو للخانعين مُطيعاً
وهو في ناظر الزمان " أميرُ "
نحن مليارُ لا قرارٌ جريءٌ
يصطفينا ، ولا بنانٌ يُشيرُ
نحن مليارُ عزّ فيه رشيدٌ
عزّ فيه للمجد سرج وكورُ
عزّ فينا .. وكيف والأمر فوضى
عزّ فينا وقتَ النداء النصيرُ
غير أنا " يا مجلس الأمن " فجرٌ
أحمدي ، وليس للفجر " سور "
يسقط المسرحُ الكئيب جهاراً
والمغني ، والمخرج المشهورُ
يسقط المبدأ الذي كان يأتي
يتسلى بزيفه " الجمهورُ "
صوتنا قادمٌ .. وصعبٌ عليكم
لو علمتم ... ما يحتوي التفسيرُ
شعراء الجزيرة العربية >> صالح بن سعيد الزهراني >> قصيدة عن حب قديم
قصيدة عن حب قديم
رقم القصيدة : 67119
-----------------------------------
تسعونَ قرناً ، في هواك غريقُ
من بعد هذا العُمر كيف أفيقُ
يا أيها الوجهُ الذي أحببتُهُ
من أين يبتدىءُ الحديث مَشوقُ(61/78)
تسعون قرناً ، كان حبُّك رايتي
ولمثل عينيك العذاب يروقُ
تسعون عاماً ، والقصائدُ شُرَّعٌ
والليل نزفٌ ، والفؤاد حريقُ
ما قلت : يا أمي الحبيبة ، خانني
قلبي ، فقلبُ المستهام صدوقُ
ما قلت .. أعلم أن حُبَّك واجبٌ
وعليَّ في هذا الجهاد حقوقُ
كانت تضيقُ بي البسيطةُ كلّها
ونفوسُ مَنْ حفِظَ الوداد تضيقُ
ويظل هذا الوجه غايةَ رحلتي
والحرفُ حُرٌّ ، والنّشيدُ سبوقُ
والشّعر منكوس البيارقِ ، لم يزلْ
والبيت فيه عناكبٌ وشُقوقُ
يتسابقون إلى القصيد جحافلاً
تترى ، وكُلٌّ خَانَهُ التّوفيق
وأَتيتِ فوق مطالعي شَمْسَ الضُّحى
وعليَّ من حُلَلِ الضّياء بُروقُ
وقصيدتي من طُهْرِ وَجْهِك تَزْدَهي
في كُلّ حرفٍ نضرةُ .. ورحيقُ
وأتيتِ يا وجْهَ الحياةِ ، على فمي
شجرُ له في الخافقين عروقُ
وأتيتُ ما ضيّعت عهد أميرتي
فالعهدُ في لغةِ القلوبِ وثيقُ
يا عُنفوانَ الشِّعرِ حين أهزُّهُ
والخطبُ هوْلُ ، والمدارُ نعيقُ
تتخشَّبُ الكلماتُ ، يصبح عَذْبُها
شَجناً ، فيا لِلْمُرِّ حين أذوقُ
أمي الحبيبة ، يزدهون ببِّرهم
والبرّ في هذا الزمان عقوقُ
أسرجتُ ظهر الشّعر قلتُ لك اركبي
وركبت والمُهْر الحرون عتيقُ
تسعون قرناً ، ما تراخى عزمُهُ
فكأنَّه من حُرقتي مخلوقُ
واليوم يا نهرَ الجلال وسيفُنا
خشبٌ وفارسُنا العظيم مَعوقُ
ما غيَّر الفكرُ الجديد مواقفي
فالبعدُ بين الموقفين سحيقُ
أَنَّى أبيعك للظَّلام ، وِلِلْخَنَا
ضِدان ليلٌ أليلٌ وشروقُ
يتكالبون على جِراحِكِ ، ما دَرَوْا
أنَّ الكريمةَ دونها العيُّوقُ
ما ضرَّني لجبُ العُداةِ وحشدهم
وَرَقُ العُداةِ بأرضنا محروقُ
ما ضرَّني إلا بَنُوْكِ تطاحنوا
ماذا إذا طَحَنَ الشّقيقَ شقيقُ ؟ !
في كلِّ قارعةٍ يُجالِدُ مَجْدَنا
باسم الحضارةِ خائنٌ زنديقُ !
( يا عالمي العربيُّ ) أين عُروبةٌ ؟
من نَسْلِها الصدّيق والفاروقُ
( يا عالمي العربيُّ ) أي عُروبةٍ ؟
( والقبلة الأولى ) دَمٌ وشهيقُ(61/79)
( يا عالمي العربيُّ ) أي عروبةٍ ؟
في القلب حقدٌ ، والكساء فسوقُ
( يا عالمي العربيُّ ) ، كُلٌّ يدعي
صدق الصّديق وما هناك صديقُ
ضيعت مبدأك العظيم ، وليس في
عصر الدراهم للبطالة سوقُ
دعْ هذه الألقابَ ، دينك واحدٌ
دينُ المحبَّةِ ليس فيه فُروقُ
من ( قندهارَ ) إلى ( الرصافةِ ) وحدةٌ
( بيمار ) يشرب من شَجَاه طُويْقُ
إني لألمح في يمينك رقدةٌ
والكفُّ حتفٌ والحسامُ ذليقُ
ما خانَ هذا الكفَّ إلا ماكرٌ
والمكرُ بالقلب الخؤوفِ محيق
يا فجرَنا الميمون ضَوْؤُك قادمٌ
مهما يُعَششُ في العيون بريقُ
والأفق في عينيك يا محبوبتي
معشوشبٌ ، غضُ الإهابِ ، وريقُ
تسعون قرناً والجراح مُرِبَّةٌ
والوجهُ يندى ، واللسان طليقُ
ما كلَّ زندُك ، يا أميرةَ أحرفي
زند العظيمةِ بالعظام خليقُ
ورحلتِ يَصْفَعُك العُبابُ بِكَفِّهِ
ويعوقُ سَيِركِ عاصفٌ ومضيقُ
وبلغتِ كان بلوغُ أمرِكِ آيةً
ولمن نجا فوق السُّيوفِ طريقُ !
شعراء الجزيرة العربية >> صالح بن سعيد الزهراني >> رتابة
رتابة
رقم القصيدة : 67120
-----------------------------------
منذ تسعينَ حجّةً ..
ثورة الوعي خامدة
يبدأ العرض ميّتاً ! ..
فوق أشلاء صامدة ..
البدايات واحدة !
والنهايات واحدة !
بطل العرض واحدٌ ..
قصة العرض واحدة ..
مخرج العرض واحدٌ ..
والجماهير راقدة !
بعد يوم من الضنى
والوجوه المزايدة ! ..
.. أعلن الفاتح الأبي ..
والزغاريد شاهدة ..
عن فتوحات جيشه ..
عن قواه المجاهدة ..
أنها شقت المدى ..
واستباحت وسائده ! !
وأراقت دمَ الدجى ! ..
وأضاءت فراقده ..
كذّبت كلّ خائن ..
فهي بالنصر عائدة ..
وبدا شاعر الهوى ..
يتهجّى قصائده !
وانتهى الفتح رقصة ..
وغناءً ، ومائدة !
والجماهير لم تزل ..
تشهد العرض جامدة ..
عرفت كيف ينتهي ..
عرفت كيف يبتدي ..
أصبح الزيف قاعده ! !
شعراء الجزيرة العربية >> صالح بن سعيد الزهراني >> جغرافيا الرقاب
جغرافيا الرقاب
رقم القصيدة : 67121(61/80)
-----------------------------------
( إلى صُنّاع الحياة ، وإلى الأغبياء بدرجة كافية جدّاً ) :
باسمِ تحرير مواليكَ ، يجيئون إليكْ !
في زُجاج العطر ، يأتون إليكْ ..
في نديف القطن ، في علبة ديتولٍ
وفي خلطة كيكْ !
تجد العاشق مجذوباً ، يغنّيكَ ..
مواويل السّليكْ
يخطف البسمة من عينيك ، يدعوكَ ..
بأحلى ما لديكْ ،
من تراتيل الهوى العذب ، يناديكَ :
أنا بين يديكْ
أنا أحنى منك يا قلبي عليكْ
باسم كشف السرّ عن خارطة الأموات دي جاما
وماجلان ، مدّا شهقة العاشقِ ..
فافتح ساعديكْ !
وعلى الأشرعة البيضاء رأس السندبادْ
و ابن ماجدْ ..
يرسم الدائرة الأولى لبيت العنكبوتْ ..
يرسمْ : المدخل ، والمخرجَ ، والأبعادَ ، صوتَ الرّيِح ، هزّاتِ المداراتِ ،
المضيقاتِ ، مراسي الحزنِ ، وجهَ البحر ، أمواجَ السكوتْ .
يقذفُ الحبلَ على هامة صيادٍ فقيرْ
فينادي : يا ابن ماجدْ ..
كلّ ما أبغيه قوتْ !
فيُجيبُ البحر صمتاً ... لن تموتْ ...
يرتمي الموجُ سيوفاً ، يستدير البحرُ في عين ابن ماجدْ ..
أيها البّحارُ .. دوزن ناظريك
قف كما أنتَ ... / إليكْ
أيها الرّائد : أدرك قاتليكْ
قالها البّحارُ للبحر غناءً : لا عليكْ
قالها البحر ، و دي جاما يغنّي هاشمياتِ الكُميتْ
أتيت إليك مِلءُ فمي سُؤالٌ
وبين جوانحي كُتبَ الجوابُ
تضيق الأرض في نظر الحُبارى
ويأبى أن تضيق به العُقابُ
مددتُ يديّ ، مِلؤهُما اشتياقٌ
ومن كفّيّ ينهمرُ السّحابُ
وتنكسر الرّياح على جبيني
وتُنكر ضبَحها الخيلُ العِرابُ
هنا فوق الخريطة لُفّ حبلي
وطُوّقت المآذن و الرّقابُ
كشفت رؤى الفجيعة عن فتوحي
وعن تشكيلتي كُشف النّقابُ
إذا لم يكتب العلماءُ مجداً
لأمتهم ، فعلمُهمُ سرابُُ
شعراء العراق والشام >> محمود درويش >> الآن، إذ تصحو، تذكر,
الآن، إذ تصحو، تذكر,
رقم القصيدة : 67122
-----------------------------------
الآن، إذ تصحو، تذكر رقصة البجع الأخيرة.(61/81)
هل رقصت مع الملائكةِ الصغارِ وأنت تحلمُ؟
هل أضاءتك الفراشةُ عندما احترقت بضوء الوردة الأبدي؟
هل ظهرت لك العنقاءُ واضحةً... وهل نادتك باسمك؟
هل رأيت الفجر يطلع من أصابع من تُحبُّ؟
وهل لمستَ الحُلمَ باليد، أم تركت الُحلمَ يحلُمُ وحدهُ، حيث انتبهت إلى غيابك
بغتةً؟
ما هكذا يُخْلي المنام الحالمونَ، فإنهم يتوهجون،
ويكملون حياتهم في الحُلمِ..
قل لي كيف كنت تعيش حُلمك في مكان ما،
أقل لك من تكون
والآن إذ تصحو، تذكر:
هل أسأت إلى منامك؟
إن أسأت إذاً تذكر
رقصة البجع الأخيرة!
تُنسى، كأنك لم تكن,
تُنسى، كأنك لم تكن
تُنسى كمصرع طائر
ككنيسة مهجورة تُنسى،
كحب عابر
وكوردة في الليل... تُنسى
****
أنا للطريق... هناك من سبقت خُطاه خُطاي
من أملى رؤاه على رؤاي. هناك من
نثر الكلام على سجيّته ليدخل في الحكاية
أو يضيء لمن سيأتي بعده
أثراً غنائياً... وحدسا
***
تُنسى، كأنك لم تكن
شخصاً، ولا نصاً... وتُنسى
***
أمشي على هدي البصيرة، ربما
أعطي الحكاية سيرة شخصية. فالمفردات
تسوسني وأسوسها. أنا شكلها
وهي التجلّي الحر. لكن قيل ما سأقول.
يسبقني غدٌ ماضٍ. أنا مَلِك الصدى.
لا عرش لي إلا الهوامش. والطريق
هو الطريقة. ربما نسيَ الأوائل وصف
شيء ما، أُحرّك فيه ذاكرة وحسّا
***
تُنسى، كأنك لم تكن
خبراً، ولا أثراً... وتُنسى
***
أنا للطريق... هناك من تمشي خطاه
على خطاي، ومن سيتبعني إلى رؤيايَ.
من سيقول شعراً في مديح حدائق المنفى،
أمام البيت، حراً من عبارة أمس،
حراً من كناياتي ومن لغتي، فأشهد
أنني حيّ
وحرّ
حين أُنسى
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> وَنَذْكُرُ دائماً حُلُماً وَهَى ..
وَنَذْكُرُ دائماً حُلُماً وَهَى ..
رقم القصيدة : 67123
-----------------------------------
ما أنتِ إلاَّ أنتِ..
ما بيني وبينَ الصَّمْتِ..
فانتظري الغريبَ المُسْتَقِرَّ
على غَمَامِ الانتظارِ..
لعلَّهُ يأتي قريباً أو بعيداً(61/82)
عَلَّهُ يأتي معَ المطرِ الذي غَسَلَ المدينةَ
والمُحبِّينَ الذينَ تَهَيَّؤُوا في يومِهمْ هذا
المُرصَّعِ بِالزُّهُور لِشُعْلَةٍ
في الروحِ أو في الجِسْمِ
حتّى المُنْتَهَى....
* * *
ما أنتِ إلاَّ ما زَهَا
في هذهِ الدنيا كما يَزْهُو الربيعُ
على الشتاءِ... على الخريفِ
ومثلما تَزْهُو قصائدُ شاعرٍ أَحْبَبْتُهُ جِدَّاً
على كُلِّ القصائدِ..
قبلَ ميلادي وُجدْتِ..
وبعدَ ميلادي وُجدْتِ..
وتُوجدينَ... وتُوجدينَ..
لَعلَّهُ يأتي إليكِ وأنتِ وحدَكِ
في المساءِ تُحَدِّثينَ الريحَ
عَنْ بعضِ العُيونِ المُسْتَعِدَّةِ
لِلدُّنُوِّ منَ الشُّعُورِ..
لعلَّنا نأتي إلينا ذاتَ يومٍ
قانِعين بِضَعْفِنَا جدَّاً أمامَ المُشْتَهى!...
* * *
ماذا دَهَا
قلبي ـ وعيدُ الحُبِّ يَجْمَعُنِي بِأَيْلُوليَّةٍ مثلي ـ
لِيَخْلَعَ مِعْطَفي عنِّي وَيَطْرَحَهُ عليها
في حَدِيْقَتِنَا الجريحةِ مِثْلَنَا...
والجُرْحُ آلمَنَا جميعاً
حينَ داهَمَنا المَطَرْ..
ما كانَ في نَفْسي سوى التَّعبيرِ عَنْ أَنِّي
طبيعيٌّ بهذا اليومِ
كي لا أُحْزِنَ العَسَلَ الذي في مُقْلَتيهَا
وردةٌ حمراءُ في كَفِّي كَكُلِّ العاشقينَ
وقُبْلَتي كانتْ سَفَرْ !...
أَرْضَيتُها كي لا تُحِسَّ بأنَّني
ما زلتُ في أيلولَ أَسبحُ قُرْبَ شَاطِئِهِ
المُعَطَّرِ بالعَذَارى
لَيْتَني أَفْنَى وَأُولَدُ مِنْ جَديدٍ في سِوى أيلولَ
منْ هذا الزمانِ الراحلِ المُشْتَاقِ لِلْـ مَا بَعْد...
أَذْكُرهَا وَتَذْكُرُني ونَذْكُرُ دائماً
حُلُماً وَهَى..
* * *
نَاهٍ... نَهَى...
وأنا انتهيتُ وما انتهى
عَنْ حُبِّها رَجُلٌ يُكَنَّى بِاسْمِهَا...
كانتْ بُثينةُ يا جميلُ حبيبةَ العُمُرِ
الذي ضَيَّعْتَهُ...
خَضَعتْ لِقَهْرِ الظالمينَ
تَزَوَّجَتْ مِمَّنْ أَرادُوا...
لا تَقُلْ إنَّ الهوى مازالَ فيها
إنَّها في لحظةٍ تَهواهُ
حتّى آخِرِ الدَّرَجَاتِ في مِقْياسِ عينيهَا..(61/83)
غَبيٌّ أنتَ إنْ أَهْدَيْتَهَا شيئاً
بِعيدِ الحُبِّ... أو قَبَّلْتَها..
ارْجِعْ لأَيْلُوليَّةٍ تُعطيكَ عينيها بِكَفَّيْها
وتُعطيْكَ الأُمُومَةَ...
ما تُريدُ سِوى الأُمُوْمَةِ ؟!
إنَّني منْ غيرِ أُمِّي لا أَعيشُ لأنَّني
أَتَنفَّسُ الأنفاسَ منْ أَنْفَاسِهَا،
نَفْسي تُنَافِسُ كُلَّ نَفْسٍ في نَفَاسَتِها،
ويُنْسَفُ دائماً فَرَحي بشَعْرٍ أَشْقَرٍ
طَاردْتُهُ حتّى فقدتُ تَوازُني العَقْلِيَّ
أحياناً وقالُوا: قَدْ سَهَا!..
* * *
وأَتَتْ نُهى..
يوماً لِتَلْقَانِي ولكنْ لمْ تَجِدْني
كانَ ذلكَ في شتاءٍ قَدْ مَضَى..
وأنا مَضَيْتُ وأنتَ يا مِسْكينَها!...
والآنَ لي شِعْري وليلي والسجائرُ
والتي ما زلتُ أَلْقَاها لأُطْفِئَ حُزْنَهَا...
وهُناكَ أيضاً مَنْ أَخافُ حنينَها..
وهُنَاكَ أيضاً مَنْ أَخافُ جُنُونَها..
ما أنتِ إلاَّ أنتِ..
ما بيني وبينَ الموتِ يا عُنْوانَهَا!
ما كانَ في نَفْسي سوى التعبيرِ عَنْ أَنِّي
طبيعيٌّ بهذا اليومِ..
كي لا أُفْسِدَ الزَّهْرَ الذي في وَجْنَتَيْهَا..
وَرْدَةٌ خَرْسَاءُ في كَفِّي كَبعْضِ العاشقينَ..
وقُبْلَتي كانتْ تُفَتِّشُ عَنْ نُهَى!..
يا ليتَنا نأتي إلينا ذاتَ يومٍ
قَانِعين بِضَعْفِنَا جِدَّاً أمامَ المُشْتَهَى....
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> على زَوْرَقٍ في مِيَاهِ الغُرُوب
على زَوْرَقٍ في مِيَاهِ الغُرُوب
رقم القصيدة : 67124
-----------------------------------
أَمُدُّ إليكِ
حِبَالَ النَّشيدِ
على زَوْرَقٍ غَائبٍ
في الأنينْ ..
ولا أتَمَنَّى
سِوَى ما يَرَاهُ الخَيالُ
وما يَصْطَفِيهِ الحَنِينْ ..
أمامَكِ طَيْفٌ
وظِلُّ امْتِلاءٍ
وليسَ أمامَكِ مَنْ تُبْصِرينْ ...
وليسَ لِوَجْهِكِ
حينَ يُطِلُّ
سِوى أنْ أصِيرَ شَرِيكَ البَنَفْسَجِ
في سَعْيِهِ لِلْغِيَابِ الحزينْ ...
*
كأنَّ صباحَكِ لا يَجْتَبِينِيْ
إلى شَمْسِهِ العَارِمَهْ ..
أضِلُّ كما يَشْتَهِي الموجُ(61/84)
في الليلِ
في جُزُرِ الوَرْدَةِ النَّائِمَهْ
لألْمَحَ سِرْبَاً
مِنَ القَوْلِ والمُسْتَحِيلِ
يُعاني
لِيَحْظَى بِمُتَّسَعٍ في المكانِ
ويَسْكُنَ ظِلَّ وُجُودِيْ
هُنا
حيثُ لا وقتَ لِلْحُبِّ
والاحْتِراقِ اللطيفِ
على جَمْرَةٍ لِلْحَنِينِ المُخِيفِ
إلى ما سَيَأتي مِنَ المَدِّ والجَزْرِ ..
مُدِّي صباحَكِ
فوقَ صَقِيعِ مَنامِي
ِلأغْرَقَ في الصَّحْوِ
حِينَ أُحِسُّ بِدِفْءِ الهُدَى في النَّدى ..
لا طريقَ إلى الوَهْمِ
حِينَ تَسِيرِينَ تحتَ عَرائِشِ رُوحِيْ
وليسَ لِوَجْهِكِ غَيرُ امْتِثَالي
لِسَطْوَةِ بَسْمَتِهِ الحَالِمَهْ ...
*
و في مَهْدِ أيلولَ
بعدَ المساءِ
رأيتُ القَصِيدَةَ في هَيْئَةٍ ثَانِيَهْ ..
لها مُقْلَتانِ
تَصُبَّانِ في الأرضِ
ما غَيَّبَ الدَّهْرُ مِنْ حُسْنِهَا ..
ليسَ فيها نُزُوعٌ إلى اللاوُجُودِ ..
أصابِعُها
كي تَرُشَّ مِنَ القَمْحِ
أكثرَ مِنْ حَفْنَةٍ
لِلْحَمَامِ الذي رافَقَ الأنبياءَ ..
أصابِعُهَا
ِلانْبِسَاطِ الخُلُودِ
تُنَقِّلُ فيهِ خُطَاها
وتَبْقَى على نَبْعِهِ حَانِيَهْ ..
رأيتُ القصيدةَ
كانتْ تَرَاني ..
ولَمَّا تَزَلْ في الحُضُورِ تَرَاني ..
ولم يَخْتَفِ الحُبُّ
َمدَّتْ يَديْهَا
لِتَمْحُوَ عَنِّيْ غُبَارَ الزَّمانِ ..
وصِرْتُ الغِيَابَ
وكانتْ تَرَاني ...
*
لها أنْ تَصُوغَكِ جِسْمَاً ورُوحَاً ..
فلا موتَ يَدْنُو ..
ولا خوفَ يَصْبغُ وَجْهَ الحَقِيقَةِ ..
صَفْوٌ يَعُمُّ وُجُودَكِ فِيَّ
وأنتِ القَرِيبَةُ مِنْ أُمْنِيَاتي ..
تَهُبُّ رِياحُكِ طَيِّعَةً لِلشِّرَاعِ الوَحِيدِ
على زَوْرَقِي في مِيَاهِ الغُرُوبِ
وليسَ هُنالِكَ قَعْرٌ لِذَاتي ..
يَظَلُّ اقْتِرَابُكِ مِثْلَ ابْتِعَادِكِ
كُلٌّ يُعَذِّبُ
كُلٌّ يُغَرِّبُ فِيَّ الكثيرَ
ويَشْرَبُ مِنِّيْ زُلالَ حياتي ..
ألَمْ تَقْرَئي ما وَراءَ اشْتِعَالِيَ
حيثُ القصيدةُ
عُشْبٌ طَرِيٌّ
ويَرْوِيْهِ أنْ نَسْترِيحَ عليهِ(61/85)
مِنَ القَوْلِ و المُستَحيلِ
ونَحْظَى بِمُتَّسَعٍ في المكانِ ؟ ..
قَرأتُكِ في صَفَحَاتِ خَيَاليْ
ولم أسْتَطِعْ
أنْ أُطالِعَ وَجْهِيَ في مُقْلَتَيْكِ
وكمْ أعْجَزَتْنِي المَعَاني ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> في وَحْلِ الطَّريق ..
في وَحْلِ الطَّريق ..
رقم القصيدة : 67125
-----------------------------------
مُوحِلٌ هذا الطريقْ ..
قالَهَا هذا التُّرَابِيُّ الذي
يَصْحُو قليلاً بينَ مَوتَيْنِ
ويَغْفُو في الحريقْ ..
رُبَّمَا أسْلَمَ لِلرَّغْبَةِ نَفْسَهْ ..
ورأى الأرضيَّ في جَنْبَيْهِ قد أعْلَنَ يَأسَهْ
مِنْ نِهِاياتٍ وَراءَ الشاطىءِ الأوْحَدِ
خَلْفَ الغَيْمَةِ الحُبْلَى بِأصْدَاءِ الغُيُوبْ ..
رُبَّمَا لم تَسْتَقِمْ في رُوحِهِ الأشياءُ
صارَ التِّيْهُ مَعْنَىً ..
قالَ لِلدُّنيا :
دَمِي يَهْوَى انْحِنَاءاتِ الدُّرُوبْ ..
لم يَزَلْ يَأنَسُ لِلشمسِ وأمواجِ البَرِيقْ
كُلَّمَا أوْغَلَ في وَحْلِ الطريقْ ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> دَمُ الحَقِيقَة ..
دَمُ الحَقِيقَة ..
رقم القصيدة : 67126
-----------------------------------
أَصْغَى
وَلَكنْ لم يَجِدْ شَيئاً
فَقَالَ : أُفَسِّرُ النَّصَّ الغَرِيبَ
كَمَا تُفَسِّرُهُ الغَرَابَةُ ..
لم يَجِدْ شيئاً يَدُلُّ على الغَرَابةِ ..
هَيَّأَ الأَدَوَاتِ ثانِيَةً
وَفَجَّرَ بُقْعَةً أَدَّتْ إلى هَدْمِ السِّيَاقْ ..
- ماذا فَعَلْتُ ؟ !
أعادَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ ..
- أنا أُحَاوِلُ ..
فَلْيَظَلَّ النَّصُّ مَفْتُوحَاً كَأبْوَابِ السَّمَاءِ ..
دَمُ الحَقِيقَةِ لا يُرَاقْ ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> سَيَدْنُو الشَّاعِرُ النَّائِي ..
سَيَدْنُو الشَّاعِرُ النَّائِي ..
رقم القصيدة : 67127
-----------------------------------
تَهِيْمُ الرُّوحُ في ظُلَمِ المُحَالِ
وتَحْمِلُهَا يَنَابِيعُ الزَّوالِ(61/86)
وتَقْتَرِبُ السماءُ وليسَ فيها
سِوَى وَجْهٍ تَبَعْثَرَ في الهِلالِ
وتَنْأى كُلَّمَا ألْقَتْ شُمُوسٌ
حَرائِقَهَا على أرضِ الخَيَالِ
فَيَدْنُو الشَّاعِرُ النَّائِي رُوَيْدَاً
فَتَرْمِيْهِ البَصِيرَةُ بِالنِّبَال
فَيُصْبِحُ كالسَّحَابِ يَمُرُّ طَوْعَاً
عَلى أحْزَانِهِ مَرَّ الْجِبَالِ ..
أرَى في الدَّرْبِ عُصْفُورَاً يُغَنِّي
وذِئْبَاً هَائِمَاً بينَ التِّلالِ
وَوَجْهَاً كَانْبِلاجِ الصُّبْحِ يَبْدُو
وَوَجْهَاً لا يَبِيْنُ مِنَ الظِّلالِ ..
أنا لِلْكَوْنِ مِرْآةٌ .. وَإِنِّيْ
صَدَاهُ .. وَحَالُهُ صِنْوٌ لِحَالِي
وكَمْ جَاوَزْتُهُ يَوْمَاً وحَطَّتْ
وَرَاءَ فَنَائِهِ تَعَبَاً رِحَالِي
هُنَاكَ لَرُبَّمَا أمْسَكْتُ ضَوْءاً
وفَاحَ العِطْرُ مِنْ صَوْتِ اللآلي
أرَى وَلِرُؤْيَتِي الأعْمَاقُ تُجْلَى
ويَنْقَشِعُ الغَمَامُ عنِ السُّؤَالِ
فَلا أسْرَارَ تَشْغَلُنِي ولكنْ
أنا سِرٌّ وَبِيْ كانَ انْشِغَالِي ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> جَدائِلُ نُور ..
جَدائِلُ نُور ..
رقم القصيدة : 67128
-----------------------------------
فَرَدَتْ جَدَائِلَ شَعْرِهَا
وَإِذا بِعُصْفُورٍ يُحَلِّقُ في الشَّذا نَحْوِيْ ..
أَتَى لِيَهُزَّني وَيَطِيرَ بِيْ ..
طِرْنا وَلَكِنِّي سَقَطْتُ
على بَرِيقِ جَدِيلَةٍ شَقْرَاءَ
فَاجْتَزْتُ الحَقيقَةَ كُلَّهَا ..
وَوَقَفْتُ مُنْدَهِشَاً
تُهَدْهِدُني السَّنَابِلُ
إنْ ضَحِكْتُ بَكَيتُ ..
لم أُبْصِرْ سِوَى نَدَمِي
وَمِشْكاةٍ تَصُبُّ النُّورَ في رِئَتَيَّ
مُذ فَرَدَتْ جَدائِلَ شَعْرِها ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> أُغْنِيَةٌ لِرَبِيْعٍ آخَر ..
أُغْنِيَةٌ لِرَبِيْعٍ آخَر ..
رقم القصيدة : 67129
-----------------------------------
أُسَرِّحُ نَفْسِي قليلا ..
لِتَلْقَى الرَّبِيعَ فَيَرْشِفَهَا
في الطَّرِيقِ الجَدِيدِ
وَيَجْعَلَهَا كَالْحَمَامَةِ(61/87)
تَنْقُرُ حَبَّ القَصِيْدِ
وَتَهْدِلُ حتَّى تُجَنَّ
هَدِيْلاَ ..
*
هَوَاءٌ لآذَارَ يَبْدُو ثَقِيلاَ
وَيَتْرُكُ آثَارَهُ فَوْقَ جِلْدِي
رَحِيْقَاً
وَحُزْناً ..
وَصَوْتُ البَعيدِ يُنَاشِدُني
كي أُعَتِّقَ خَمْرِي
وَأَدْلُقَهَا في دُرُوْبِ الحَنِينِ
لِيُصْبِحَ وَجْهُ الفَنَاءِ جَمِيلاَ ..
*
وَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيْبُ النِّدَاءَ المُعَطَّرَ
قَبْلَ النِّدَاءِ ..
ولا أَتَخَيَّلُ
أنّي تُرَابٌ
تَطَاوَلُ مِنِّي القَصَائِدُ
حَتَّى تَصِيرَ نَخِيلاَ !..
ولا أَتَخيَّلُ أَنِّي مَجَازٌ
وَحُبُّكِ فَجَّرَ فِيَّ الحَقِيقَةَ
حَتَّى حَمَلْتُ المَجَرَّةَ
تَقْطُرُ مِنْهَا الشُّمُوسُ ..
وَتَسْكَرُ فيها النُّجُومُ ..
ولا أَتَخيَّلُ أَنِّي سَأَغْفُو قليلا !..
*
أنا جَسَدٌ ثَابِتٌ في الزَّوَالِ ..
أُقَلِّبُ أَوْرَاقَ هذا الرَّبِيعِ
وَأَقْرَأُ فيهِ مَآلي ..
وَأَفْتَحُ
بَابَاً على الخَوْفِ ..
باباً على اليَأْسِ ..
أَفْتَحُ
بابَ المُحَالِ ..
كَثِيفٌ هُوَ الصَّمْتُ ..
بَوْحُ الطَّبِيعَةِ لُغْزٌ يُحَيِّرُ ..
حَلَّ الظَّلاَمُ ..
وَأَقْفَزَ دَرْبُ الخَيَالِ ..
*
هُنَا في مَسَاءِ الرَّبِيعِ
صَبَاحٌ يُطِلُّ على كَائِنَاتي
التي أَحْتَوِيْهَا ..
وَيَجْعَلُ نَبْضِي
يُوَزِّعُ نُوْرَاً على الجَائِعِينَ
إلى النُّورِ
فِيَّ ..
أنا لا سِوَايَ
أُعَانِقُ صَحْوِي ..
وَأُطْلِقُ شَدْوِي
كَنَهْرٍ يُحَلِّقُ تَحْتَ الْجِنَانِ
وَيَسْكُبُ فَوْقي الحَيَاةَ
وَيَمْسَحُ عَنِّي الغَلِيلاَ ...
وَوَجْهُكِ يَحْضُرُ
حَتَّى يُغَيِّبَ وَجْهَ النِّهَايَةِ
حِينَ أَكُونُ عَلِيلاَ !..
*
وَلَسْتُ بعيداً ..
ولكنَّ أُغْنِيَةً لِلْحَيَاةِ
تُرَسِّخُنِي في الوُجُودِ البَعِيدِ
وَتَرْفَعُ عَنِّي الْحِجَابَ
لأَكْشِفَ ما قَدْ تَوَارَى ..
وَأُخْرِجَ مِنْ مَنْجَمِ الرُّوْحِ
جَوْهَرَةً لِلتَّلاَقي
وَجَوْهَرَةً لِلْخُلُودِ ..(61/88)
أَنَا المُنْطَوِي في ظِلاَلِ المَعَاني
على صَهْوَةِ الكِلْمَةِ المُشْتَهَاةِ
غَمَرْتُ السَّمَاءَ صَهِيْلاَ ..
وَلَمَّا غَرِقْتُ
تَأَكَّدْتُ أَنِّي
اشْتَعَلْتُ بِمِصْبَاحِ رُوْحِي
فَتِيْلاَ !..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> تَجْوَالٌ في دُرُوْبِ المُطْلَق ..
تَجْوَالٌ في دُرُوْبِ المُطْلَق ..
رقم القصيدة : 67130
-----------------------------------
مُذْ كَانَ الشِّعْرُ
يُؤَسِّسُ مَمْلَكَتِي في الرِّيْحِ
وَيَذْرِفُني
دَمْعَاً يَتَناثَرُ مِنْ أَجْفَانِ المَقْهُورِيْنَ
وَوَجْهِي
لا يَعْرِفُ إِلاَّ الغَيْمَ
يُوَلِّي شَطْرَهْ!..
مِنْ أينَ سَأَعْبُرُ ؟!
هذا الدَّرْبُ
تُلاحِقُهُ أَمْطَارُ الخَوْفِ
وهذا الدَّرْبُ
يُوَارِي بِتُرابِ الزَّمَنِ المُتَيَبِّسِ قَبْرَهْ!..
فَلِمَاذَا الحُزْنُ ؟
يَقُولُ العَابِرُ في نَشْوَتِهِ..
ماذا تَجْنِي
مِنْ هذا التَّرْتِيلِ العَذْبِ
على رَغْمِ مَرَارَتِهِ؟..
وَأَخُوضُ..
وَأَنْسَى بَيْنَ مَحَطَّاتي
ما أَكْرَهُ ذِكْرَهْ...
* * *
مَنْ يَعْبَأْ مِثْلي
بِتَفَاصِيْلِ السَّرْدِ المُتَراكِمِ
مُنْذُ البَوْحِ
فَلَنْ يَتَجَاوَزَ هَذِي الشُّطْآنَ المُمْتَدَّةَ
وَالصَّحْرَاءَ
وَلَنْ يَقْفِزَ فَوْقَ الجُدْرَانِ الأَثَرِيَّةِ
لَنْ يَدَعَ المَاءَ المُتَفَجِّرَ
مِنْ بَيْنِ صُخُورِ التَّارِيْخِ
يُغَافِلُ نَظْرَتَهُ العَطْشَى..
لَنْ يَقْطَعَ أَشْجَارَ الغَابَةِ
حينَ يُرَاوِدُهَا
فَيُسِيْء العَزْفَ على أَوْتَارِ الخُضْرَةِ..
يَحْزَنُ
حَتَّى يَنْكشِفَ الفَرَحُ الآخِذُ لَونَ اللِّذَّةِ ..
يَبْكي
حَتَّى يَتَجَسَّدَ مِلْءَ العَيْنَينِ الطَّيْفُ
وَيَسْكُنَ مِنْ بَعْدِ سِنيِّ الغُرْبَةِ
صَدْرَهْ ! ..
* * *
هذا بَعْضٌ مِمَّا أمْلاهُ الوَهَّابُ عَلَيَّ
وهذا عِطْرٌ
يَسْتَغْرِقُني
كَمْ أَتَمَنَّى أَنْ تَكْلأني الأَلْطافُ
فَأُصبِحَ
زَهْرَهْ ! ..(61/89)
أَو تُرْسِلَنِي تحتَ عَرائِشِها
أتَدَرَّجُ
في
تَخْميرِ
الرُّوحِ
وفي شُرْبِ الكَأْسِ المَخْبُوءَةِ
في أَصْداءِ النَّشْوَةِ ..
في إِقْناعِ بُحَيراتِ الخَمْرِ المَنْسيَّةِ
أنِّي أَقْدِرُ أنْ أَسْكُنَهَا
جَذْرِي في العُمْقِ
وَوَجْهي
يَطْفُو فَوْقَ مَرَايَاهَا
أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ
وَلا ظُلْمَةَ تَذْهَبُ بِالرَّوْنَقِ
حِيْنَ تُضَمِّخُنِي وَجنَاتُ الوَحْيِ
فَأَسْقِي النُّدَمَاءَ
الصِّرْفَ النَّادِرَ مِنْ كَلِمَاتي
أُغْرِقُهُمْ
في بَحْرِ الفِكْرَهْ ! ..
* * *
وَيَقُولُ العَابِرُ:
إِنَّ قَلِيْلَ الصَّحْوِ مُفِيْدٌ
حِيْنَ نُوَاجِهُ ما تُدْنِيْهِ الدُّنْيَا
تَحْتَ مَنَازِلِنَا..
وَمُفِيدٌ حِيْنَ نُحِسُّ
بِظُلْمِ المَحْرُوْمِيْنَ مِنَ الإِحْسَاسِ..
أَنَاْ لَنْ أَغْرَقَ حِيْنَ الظُّلْمِ
وَلَنْ أُلْقِيَ نَحْوَ المَسْتُورِ
مِنَ اليخْضُورِ اليَانِعِ
نَظْرَهْ..
لا يُدْرَكُ هذا بِالأَبْصَارِ
وَهَا بَصَرِي يَرْتَدُّ إِلَيَّ الآنَ حَسِيْرَاً
يَا لَلضَّعْفِ
أُوَاصِلُ تَجْوَالي ما بَيْنَ الطُّرُقِ المَسْدُوْدَةِ
وَجْهِي
لا يَعْرِفُ إِلاَّ الغَيْمَ
يُوَلِّي شَطْرَهْ..
وَكَذَلِكَ نَهْرِي
لا يَلْقَى مِنْ بَعْدِ تَشَرُّدِهِ
في المُطْلَقِ
بَحْرَهْ!..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أكتب للصغار
أكتب للصغار
رقم القصيدة : 67131
-----------------------------------
أكتب للصغار..
للعرب الصغار حيث يوجدون...
لهم على اختلاف اللون والاعمار..والعيون..
أكتب للذين سوف يولدون..
لهم أنا أكتب..للصغار...
لأعين يركض في أحداقها النهار...
أكتب باختصار..
قصة ارهابية مجندة..
يدعونها راشيل...
قضت سنين الحرب في زنزانه منفردة..
كالجرذ..في زنزانه منفردة..
شيدها الالمان في براغ...
كان أبوها قذراً من أقذر اليهود...
يزور النقود..
وهي تدير منزلاً للفحش في براغ...
يقصده الجنود...
وآلت الحرب الى ختام...
وأعلن السلام...(61/90)
ووقع الكبار...
أربعة يلقبون نفسهم كبار...
صك وجود الأمم المتحدة..
...وأبحرت من شرق أوروبا مع الصباح..
سفينة تلعنها الرياح...
وجهتها الجنوب..
تغص بالجرذان..والطاعون ..واليهود..
كانوا خليطاً من سقاطة الشعوب...
من غرب بولندا..
من النمسا...من استنبول..من براغ..
من آخر الأرض..من السعير..
جاءوا الى موطننا الصغير..
موطننا المسالم الصغير..
فلطخوا ترابنا...
وأعدموا نساءنا...
ويتموا أطفالنا...
ولاتزال الأمم المتحدة...
ولم يزل ميثاقها الخطير...
يبحث في حرية الشعوب...
وحق تقرير المصير...
والمثل المجردة...
فليذكر الصغار...
العرب الصغار..حيث يوجدون..
من ولدوا منهم ومن سيولدون...
قصة إرهابية مجندة..
يدعونها راشيل...
حلت محل أمي الممددة...
في أرض بيارتنا الخضراء في الخليل...
أمي أنا الذبيحة المستشهدة...
وليذكر الصغار..
حكاية الأرض التي ضيعها الكبار..
والأمم المتحدة...
أكتب للصغار..
قصة بئر السبع ..والخليل..
وأختي القتيل...
هناك في بيارة الليمون...
أختي القتيل..
هل يذكر الليمون في الرملة..
في اللد..
وفي الخليل..
أختي التي علقها اليهود في الأصيل..
من شعرها الطويل..
أختي انا نوار...
أختي انا الهتيكة الإزار...
على رُبَى الرملة والجليل...
أختي التي مازال جرحها الطليل...
مازال بانتظار...
نهار ثأر واحد..نهار ثار...
على يد الصغار...
جيل فدائي من الصغار...
يعرف عن نوار...
وشعرها الطويل...
وقبرها الضائع في القفار...
أكثر مما يعرف الكبار...
أكتب للصغار..
أكتب عن يافا..وعن مرفأها القديم...
عن بقعة غالية الحجار...
يضيء برتقالها...
كخيمة النجوم...
تضم قبر والدي...وإخوتي الصغار..
هل تعرفون والدي..
وإخوتي الصغار؟..
اذ كان في يافا لنا..
حديقة ودار...
يلفها النعيم...
وكان والدي الرحيم...
مزارعاً وشيخاً...يحب الشمس.. والتراب..
والله..والزيتون...والكروم...
كان يحب زوجه وبيته..
والشجر المثقل..بالنجوم...(61/91)
...وجاء أغراب مع الغياب..
من شرق أوروبا..ومن غياهب السجون..
جاءوا كفوج جائع من الذئاب...
فأتلفوا الثمار..
وكسروا الغصون...
وأشعلوا النيران في بيادر النجوم...
والخمسة الأطفال في وجوم...
واشتعلت في والدي كرامة التراب...
فصاح فيهم: اذهبوا الى الجحيم...
لن تسلبوا أرضي ياسلالة الكلاب..!
...ومات والدي الرحيم..
بطلقة سددها كلب من الكلاب عليه..
مات والدي العظيم...
في الموطن العظيم...
وكفه مشدودة شداً الى التراب...
فليذكر الصغار..
العرب الصغار حيث يوجدون...
من ولدوا منهم ..ومن سيولدون..
ماقيمة التراب..
لأن في انتظارهم...
معركة التراب....
نزار قباني
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله السفياني >> أعرب يا ولدي !
أعرب يا ولدي !
رقم القصيدة : 67132
-----------------------------------
أعرب يا ولدي :
( عشق المسلم أرض فلسطين )
قال الطالب :
" نسي المسلم أرض فلسطين "
الأول : فعل مبنيٌّ فوق جدار الذلة والتهميش..
والفاعل مستتر في دولة صهيون .
والمسلم مفعولٌ...
كلا مكبوت في محكمة التفتيش..!!
وأرض فلسطين ..؟؟
ظرف مكان مجرور عفوا ..
مذبوح منذ سنين ..
يا ولدي :
خالفت قوانين النحو
وعرف المختصين ..
معذرة أستاذي :
فسؤالك حرك أشجاني..
ألهب وجداني
معذرة..
فسؤالك نار تبعث أحزاني.
وتحطم صمتي
وتهد كياني...
عفوا ..
يا أستاذي ....
إن نطق فؤادي قبل لساني .!
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> الاختيار
الاختيار
رقم القصيدة : 67133
-----------------------------------
جيلانِ مَرّا
مُذْ مضى أَبَتي وغادَرَ بيتَنا
كيفَ استفاقْ؟
فَأَطَلَّ من خلفِ الرِواقْ
عيناهُ مُمْطِرتانِ
بَدْلَتُهُ العتيقةُ نفسُها
والخوفُ نفسُ الخوف
نَفسُ القهرِ شَلَّ يداً وساقْ
نفسُ العقالِ الوَبْرِ واليشماغِ
مَنْ؟ أَبَتي؟
اسْتَرِحْ
وانْفضْ على صدري رمادَكَ
طالَ جمرُ الاحتراقْ
فبكى
رمى الماءَ الذي قَدَّمْتُهُ
خبزي المُعَفَّرَ بالترابِ
بكى(61/92)
وأَخْرَجَ مُصْحَفاً وكتابَ أدعيةٍ
وقالَ
إليك يا ولدي الذي خَبَرَ الحدائقَ والحرائقَ
والدهاليزَ . . المنافي
والتجافي . . والعناقْ
أَقْسِمْ بأنك لن تبيع دموعَ أُخْتٍكَ
في مزاداتِ السياسةِ
لن تخونَ دمَ الرفاقْ
أَقْسٍمْ بأنك لن تخونَ النخلَ
أو لبنَ الأمومةِ
لن تَمُدَّ يد النفاقْ
فاخْتَرْ
فأما أنْ تكونَ مع العراقْ
أو
أَنْ تكون معَ العراقْ
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> لمْ آتِ بَعْدُ ..
لمْ آتِ بَعْدُ ..
رقم القصيدة : 67134
-----------------------------------
الوقتُ لا يَكْفي
لأُضْرِمَ في السَّحابِ حَرائِقي ..
والأرضُ لا تَكْفي
لأُطْلِقَ في مَجاهِلِها خُيُوليَ تَارَةً
وَزَوارِقي ..
لم آتِ بَعدُ ..
ورُبَّما ما كُنتُ ..
مُخْتَلِفاً أَراني عنْ كياني ..
ليْ مَغارِبُ لم أصِلْ يَومَاً إليها
مِثْلَما لم أَحْظَ يَومَاً
بِالوُصولِ إلى ضِفَافِ مَشارِقي ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> لَحْظَةَ الوَمْضِ الشَّهِيّ ..
لَحْظَةَ الوَمْضِ الشَّهِيّ ..
رقم القصيدة : 67135
-----------------------------------
لا تَطْمَئِنِّي
فَالثَّعَالِبُ لا تَنامُ
وَإِنَّهُ صَاحٍ لها ..
تَمْضِي بِهِ
ـ في غَفْلَةٍ عنْ كُحْلِ عَيْنِكِ ـ
نَحْوَ مَجْهولٍ
وَرَاءَ جَزِيرَةِ الرَّغَباتِ
تُفْرِغُ غِلَّهُ في غِلِّهَا ..
قَدْ لا يُفَكِّرُ لَحْظَةَ الوَمْضِ الشَّهِيِّ
فَيَجْمَعُ الأَضْدَادَ فيهِ
وَيَشْطُرُ الأَحْلامَ بَينَكُمَا
وَيَشْطُرُ جِسْمَهُ الرَّعَوِيَّ
مُحْتَكِمَاً إلى تِلكَ الثَّعالِبِ
حِينَ تَرْسُمُ عَدْلَهَا ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> وَجْهٌ لا يَغِيْب ..
وَجْهٌ لا يَغِيْب ..
رقم القصيدة : 67136
-----------------------------------
لِلحُبِّ وَجْهٌ
لا يَرَاهُ المُنْهَكُونَ ..
وَلا يَغِيبُ عنِ الّذينَ استَأْنَسُوا
بِالحُسْنِ خَلْفَ سَتائِرِ الأُفُقِ الشَّفِيفْ ..(61/93)
وَجْهٌ إذا ما غَيَّبَتْهُ غَمَامَةٌ
غامَتْ بَصَائِرُهُمْ ..
وَطارُوا بَينَ أَوراقِ الخَريفْ ..
وَإذا تَجَلَّى في حَقِيقَتِهِ
اِسْتَهَابُوا
فَاسْتَرَاحُوا
وَاخْتَفَوا في عالَمِ الأَلَمِ اللطيفْ ..
هُمْ لم يَكُونُوا مُنْهَكِينَ
لأَنَّهُمْ عَبَرُوا المَدَى
رَغْمَ الجِْرَاحِ
وأَوْصَدُوا بابَ النَّزِيفْ ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> لَنَا الهَواءُ الطَّلْق ..
لَنَا الهَواءُ الطَّلْق ..
رقم القصيدة : 67137
-----------------------------------
لم أُلْقِ حُبَّكِ في مِيَاهِ النَّهْرِ
يا سمراءُ
حُبُّكِ ساحِلِي الأبَدِيُّ
والبحرُ البَرِيءُ مِنَ الخطايا
حُبُّكِ الآنَ الكَثَافَةُ في رُؤايَ
ورِحْلَتي نَحْوَ اليَقِينِ ..
حنانُ رُوحي
حِينَ تَحْضُنُهَا سَمَاؤُكِ
بينَ زَنْدِي وَارْتِعَاشاتِ المرايا
ليسَ ليْ إلا ظِلالُكِ في الهَجِيرِ ..
وليسَ ليْ إلا دِثَارُكِ في الشتاءِ ..
وليسَ ليْ إلا رَبِيعُكِ ..
لم نَزَلْ نَطْوِي المَدَى بِنَشِيدِنَا
ولنا الهواءُ الطَّلْقُ
لا عَفَنُ الزَّوَايا ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> إسْرَاء ..
إسْرَاء ..
رقم القصيدة : 67138
-----------------------------------
أمشي وتَصْحَبُنِي اليَمامَةُ
والبَنَفْسَجَةُ الحَزِينَةُ
والخريفُ
وبُلْبُلُ العُشِّ الفَقِيرِ
وغَيْمَةٌ تَتْلُوْ مَواجِعَهَا
وحُبٌّ ليسَ يَرْحَمُهُ الشتاءْ ..
فإذا فَتَحْتُ البابَ
تَرْمُقُنِي بِنَظْرَةِ رُوحِهَا
وأرى ابْتِسَامَتَها تُضِيءُ ليَ الضِّيَاءْ ..
وتَمُدُّ كَفَّيْهَا لأحْمِلَهَا فَتَحْمِلُنَا السماءْ ..
أنسَى رِفَاقَ الدَّرْبِ
تَسْرِي بيْ (حنانُ الرُّوحِ )
مِنْ ألَمِيْ إلى حُلُمِيْ
على فَرَسِ النَّقَاءْ ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> تَجلِّياتٌ في حُضورِ الغائِبَين ..
تَجلِّياتٌ في حُضورِ الغائِبَين ..
رقم القصيدة : 67139
-----------------------------------(61/94)
سأكونُ أَفضَلَ
لو وجدتُكِ مثلما قد كُنتِ
هادئةً ومُشعِلةً حنيني..
سأكونُ أفضلَ
لو أَويتِ بِصوتِكِ الفَجْريِّ نحوي
وَاسْتَضأْتُ بِبِضْعِ نَجْماتٍ
تُحيطُ بِاِسْمِكِ الِمصباحِ
يَسْكُبُ فوقَ ليلِ عوالمي
نورَ الجُنونِ..
لا شيءَ يَدعُو لِلفراغِ
وعطرُ أيلولَ اللطيف
تُثِيرُهُ أنفاسُكِ الحَيرى..
ونحنُ الغائِبَانِ الشَّاهِدانِ
نُرمِّمُ الذِّكرى
وَنَسْتَلُّ النَّشيدَ
منَ الأنينِ ..
لَسْنا نُحَدِّدُ وِجْهَةً
لِتَجَلِّياتِ شُعُورِنا في الأمْكِنَهْ ..
رُوحي ورُوحُك
مَوجَتَانِ
تُعادِلانِ الماءَ يَجْري في عُروقِ الأزمِنَهْ..
قدْ نَلْتَقي..
أو نُمْهِلُ الأيامَ
حتى تَسْتَعِيدَ بهاءَها القُدْسِيَّ
فينا..
لا نَؤُولُ إلى نِهاياتٍ
وَنَحْتَضِنُ البِدايةَ
فالبِدايةُ أُمُّنا..
أو ربَّما ابْنَتُنا التي
حَمَلَتْ بها الرُّوحُ القَصِيَّةُ
في فَضاءاتِ اسمِك الآتي
منَ الفَرَحِ الحزينِ ..
وإذا الْتَقَيْنَا
فَاخْضِلالٌ في الجِهاتِ ..
تَوهُّجٌ في الأُمنياتِ ..
وَبسْمةٌ
أو دمْعةٌ
لا فَرْقَ بَينَهُما
إذا احْتدَمَ التَّألُّقُ في العُيونِ..
لا شيءَ يَدْعو لِلفَراغِ
إذا تَأَمَّلْنا التَّحوُّلَ
في صدى أيلولَ
والأمطارُ تَهْطِلُ
لا تُبَلِّلُ ما ارْتَدَيْنَا
مِنْ ثِيَابِ نِهايَةِ الصيفِ الغريبِ..
وإنَّما في العُمقِ يَبْتَلُّ الحريرُ..
وَسَوسَناتُ الخَوفِ مِنْ وَجَعٍ مَضى..
ويَمامةُ الحُلُمِ الشَّفِيفِ
وما انْقَضى
مِنْ أُمسياتِ الاِمْتِلاءِ بِكَوثَرِ الأشواقِ..
وَقتٌ مُتْرَعٌ
يَسْعَى إلينا عندما نَدْعُوهُ..
لكنْ كُلَّما اقْتَرَبتْ
ظِلالُكِ منْ ظلالي
أشرقتْ شمسٌ..
ومَدَّتْ حُزنَها
مهْداً لِمُنْصَهِرٍ تُقَطِّرُهُ الليالي
منْ عُروقي..
لم تكنْ كلماتُكِ الأُولى
سِوى لُغتي التي احْتَضنَتْ وُلُوعي
بِالأُنوثةِ حِينَ تَدْفَعُني
لأَكْتُبَ بالزَّنابِقِ
فوقَ صوتِ الياسَمينِ
قصيدةً
لِتَوَهُّجِ الذَّاتِ الخَفِيَّةِ(61/95)
تحتَ أمواجِ السكونِ..
الوقتُ مُمتَلِئٌ بنا..
والدربُ مُنْبَسِطٌ لَنا..
لكنَّنا
لَسْنا هُنا..
كُلٌّ يُوَحِّدُ ما تَفرَّقَ منْ مشاعرِهِ
وَيَنْحِتُ وَجْهَ حاضِرِهِ
بِحَجْمِ تَألُّقِ القَمَرَينِ فينا..
لا نُفَسِّرُ ما جرى..
بلْ نَكْتَفِي بِالاِنْحِناءِ
لِمَا يُهَيِّجُهُ الخريفُ منَ الحمائمِ
حينَ يُسْكِرُها
فَتَقْتَرِفُ الهديلَ
على مَتَاهَاتِ الغُصُونِ..
أنا رُبَّمَا مُسْتَأْنِسٌ
بِنُوَاحِ أيلولَ المُثِيرِ
لِفَقْدِنَا نُورَ الجُنُونِ..
لكنَّنِي سَأكُونُ أَفْضَلَ
لو وَجَدْتُكِ
مِثْلَمَا قدْ كُنْتِ
هادِئَةً
ومُشْعِلَةً
حَنِينِي ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> مَعَهُ في مَرَاتِبِ صُعُوْدِهِ ..
مَعَهُ في مَرَاتِبِ صُعُوْدِهِ ..
رقم القصيدة : 67140
-----------------------------------
إلى الشيخ الشهيد أحمد ياسين
إِنَّهُ الفَجْرُ الذي يَمْتَدُّ
مِنْ قَبْلِ عُمَرْ ..
بَاحَ يَوْمَاً لِعَلِيٍّ بِانْتِهَاءِ الأَرْضِ..
فَجْرٌ حَارِقٌ.. رَطْبٌ..
نَسِيْنَا وَجْهَهُ الغَيْبِيَّ..
لَمْ نَفْهَمْهُ
أو نَحْذَرْهُ..
أَغْلَقْنَا عَلَينَا البابَ..
نِمْنَا ..
أو سَهِرْنَا..
إنَّها شمسُ الضُّحَى
ما ثَمَّ فَجْرٌ
إنَّهُ وَهْمٌ
عَبَرْ ..
لم نَجِدْ لِلْقُفْلِ مِفْتَاحاً
جَلَسْنَا تَحْتَ ثَقْبِ البابِ
نَرْنُو لِلصُّوَرْ !..
* * *
لَمْ يَكُنْ إلاَّ طَلِيقَاً
رَاسِخَاً فَوْقَ المَدَى ..
عِطْرُهُ القُدْسِيُّ يَسْرِي
في عُرُوقِ الكَوْنِ
لَمْ يَذْهَبْ سُدَى ..
بَلْ تَجَلَّى آيَةً لِلصَّحْوِ
وَالبُشْرَى لَنَا ..
كانَ ذا كَشْفٍ
يَرَى بِالقَلْبِ
والعَيْنَيْنِ
ما يَخْفَى على إِحْسَاسِنَا العَفْوِيِّ..
كُنَّا
بَعْدَهُ دَوْمَاً
ويَبْقَى قَبْلَنَا ..
* * *
مَرَّ ..
لا ما مَرَّ ..
بَلْ أَعْطَى لِهذا الدَّرْبِ اِسْمَاً
ثُمَّ قَالَ: اسْتَبْدِلُوا أَسْمَاءَكُمْ
إنْ كُنْتُمُ الأَحْيَاءَ عِنْدَ اللهِ ..(61/96)
لَمْ يَتْرُكْ لَنَا إِرْثَاً
سِوَى أَنْ نَصْنَعَ الزِّلْزَالَ
مِنْ صَوْتٍ إِلَهِيٍّ يُدَوِّي في السَّحَرْ !..
مَرَّ في الأَعْرَافِ ..
في الصَّوْتِ اللَّطِيفِ..
الحُبِّ..
في الرِّضْوَانِ ..
في الجَنَّاتِ ..
أَفْنَاهُ الوُجُودُ .. الشَّيْخُ ..
فَاسْتَلْقَى شَهِيْدَاً قَائِماً
في ظِلِّ بَابِ العَرْشِ..
لَمْ يَتْرُكْ لَنَا إلاَّ طرِيقَاً
نَقْتَفِي مِنْهَا الأَثَرْ ..
* * *
مَحْوُهُ صَعْبٌ ..
وإِنَّا لَمْ نَذُقْ ما ذَاقَهُ يَوْمَاً
مِنَ العِشْقِ الحِقِيقيِّ
الذي أَعْلاهُ فوقَ الأَرْضِ ..
لا يَمْشِي كما نَمْشِي ..
ويَطْوِي الأرضَ إذْ يَخْطُو ..
ويَمْضِي سَائِراً في البَسْطِ
نَحْوَ الاِنْعِتَاقِ ..
الرُّوْحُ قدْ تُعْطِي ثِمَارَاً
عِنْدَما تَعْلُوْ ..
وهذا الجِسْمُ فَرْعٌ
لَمْ يَكُنْ لِلْخُلْدِ
بَلْ لِلأَرْضِ كي تَبْقَى ..
فَكُنْ للأرضِ إذْ تُؤْوِيْكَ ..
كُنْ لِلشَّيْخِ إذْ يُعْطِيكَ
دَرْسَاً في أُصُولِ الرُّوْحِ
في جِسْمِ القَمَرْ ..
قَدْ وَجَدْتَ الآنَ مِفْتَاحَاً ..
خَرَجْتَ الآنَ ..
لَنْ يُمْحَى الأَثَرْ !..
لا تَقُلْ : قَدْ مَرَّ فَجْرٌ ..
إنَّهُ الفَجْرُ الذي يَمْتَدُّ
مِنْ قَبْلِ
عُمَرْ !...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> بَعْثٌ منْ وَطَنِ الحَبِيْبَة ..
بَعْثٌ منْ وَطَنِ الحَبِيْبَة ..
رقم القصيدة : 67141
-----------------------------------
عَمَاءٌ يُغَلْغِلُ تَحْتَ الصُّدُوْرِ
هُنَا حَيْثُ تَرْتَعُ كُلُّ الفَجَائِعِ..
أينَ الحَقِيقَةُ ؟!
نَنْظُرُ .. نَنْظُرُ نَحْوَ الضِّيَاءِ
فَلاَ نُبْصِرُ...
كَأَنَّا وُئِدْنَا
فَلا نَتَنفَّسُ إِلاَّ عُفُوْنَةَ أَجْسَادِنَا
ولا نَتكَلَّمُ حِينَ نَجُوعُ لِلَحْظَةِ صَحْوٍ..
ولا نَسْتَحِمُّ وَلا نَطْهُرُ...
وفي الأرضِ نَعْبَثُ
لا نَسْتَقِرُّ على هَيْئَةٍ..
ولا نُدْرِكُ المَوْتَ
حِينَ يَمُدُّ إِلَيْنَا لَظَاهُ..(61/97)
وَلَسْنَا نُقَدِّرُ عُمْقَ الحُفَرْ..
وفي الشَّرْقِ يَكْمُنُ
لِلشَّرْقِ يَزْحَفُ
سَيْلُ رُعَاةِ البَقَرْ
ولا نَحْذَرُ..
نَزِيْفُ الخَوَاءِ تَسَرَّبَ مِنَّا
فَحَيْثُ حَلَلْنَا
خَوَاءً على طَلْعَةِ الفَجْرِ نَقْطُرُ!..
* * *
عَمَاءٌ..
وَإِنِّي أَعُوذُ بِحُبِّي الخَفِيِّ النَّقِيِّ
الذي مَسَّهَا
ذَاتَ يَوْمٍ
فَصَارَتْ أَحَنَّ عَلَيَّ
وَقَدْ صَيَّرَتْنِي أُحَلِّقُ فيها
إلى المُنْتَهَى..
أَعُوْذُ بِوَجْهِكِ
إِنَّ وُحُوشَ الخَرَابِ كَثِيرَهْ..
وإنَّ البَنَفْسَجَ والأُقْحُوَانَ
وكُلَّ الأَزَاهِيرِ
أَضْحَتْ أَسِيْرَهْ..
هُنَا حَيْثُ أنتِ وِسَادَةُ شِعْرِي
أَرَى في مَصِيرِيَ مَا يُزْهِرُ...
فَلَوْلاَ تَجَلِّيْكِ مَنَّاً وَسَلْوَى
عَلَى الجُوْعِ فِيَّ
فَهَلْ أَصْبِرُ ؟!...
لَقَدْ أَتْعَبُوْنَا بِفَقْدِ الحَقِيقَةِ
نَنْظُرُ .. نَنْظُرُ نَحْوَ الضِّيَاءِ
فَلاَ نُبْصِرُ!..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> طَرِيْقُ الشَّمْس ..
طَرِيْقُ الشَّمْس ..
رقم القصيدة : 67142
-----------------------------------
طَرِيْقٌ مَا بِهَا عَابِرْ..
وَصَوْتُ الفَجْرِ
يُلْقِي النُّوْرَ مِنْ حَوْلي
وَهَا أَمْشِي بِكُلِّ يَقِينْ..
عَلَى مَهَلٍ
أُسَرِّعُ خُطْوَتي العَطْشَى
وَأَحْمِلُ وَجْهَكِ المِسْكِيْنْ..
لَعَلِّي
أُنْعِشُ الخَاطِرْ
إذا مَا عَرَّجَتْ رُوْحِي
عَلَى الشُّهَدَاءِ في جِينينْ...
هُنَالِكَ لَيْسَ لي قَبْرٌ
سِوَى في صَرْخَةِ الثَّائِرْ...
كَذَلِكَ لَيْسَ ليْ بَعْثٌ
سِوَى مِنْهَا
ولَيْسَ تَلِيْنُ
حِيْنَ أَلِيْنْ...
هُنَالِكَ يَبْدَأُ التَّكْوِيْنُ
بِسْمِ اللهِ:
إِنَّ القُدْسَ مُنْجِبَةٌ
عَذَارَى البَوْحِ
وَالشُّهَدَاءِ..
بَاعِثَةٌ
رِجَالَ الفَتْحِ..
قَاصِمَةٌ
ظُهُوْرَ الخَارِجِيْنَ على شَرِيْعَتِهَا..
وفَاتِحَةٌ
طَرِيْقَ الشَّمْسِ..
مُخْصِبَةٌ
خَيَالَ الطِّفْلِ
وَالشَّاعِرْ!..
لَعَلِّي(61/98)
أُنْعِشُ الخَاطِرْ
إِذَا مَا أَنْحَنِي يَوْمَاً على يَدِهَا
أُقَبِّلُهَا..
وَأَمْسَحُ عَنْ جَبِيْني العَارَ..
أَسْحَقُ حَوْلَهَا التِّنِّينْ ..
* * *
وماذا بَعْدُ ؟
قَدْ نَبَشُوا رُفَاةَ النَّخْلِ..
قَدْ رَدَمُوا صِهِيْلَ النَّهْرِ..
أَشْبَاحٌ تَدُقُّ الطَّبْلَ في الظَّلْمَاءِ..
لا نَمْلٌ
يُحَذِّرُ بَعْضُهُ بَعْضَاً..
ولا مِنْ هُدْهُدٍ
قَدْ عَادَ يَحْمِلُنَا
لِكَيْ نَسْعَى بِكُلِّ يَقِينْ..
ومَا زَالَتْ طَرِيقُ الشَّمْسِ
تَسْتَجْدِي لها عَابِرْ..
على مَهَلٍ أُسَرِّعُ خُطْوَتي العَطْشَى
وَأَفْدِي وَجْهَكِ المِسْكِينْ
لَعَلِّي
أُنْعِشُ الخَاطِرْ
إذا ما عَرَّجَتْ رُوْحي
على الشُّهَدَاءِ
في جينين ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> بَوْحٌ لَيلِيٌّ في انْتِظَارِ نَهَار ..
بَوْحٌ لَيلِيٌّ في انْتِظَارِ نَهَار ..
رقم القصيدة : 67143
-----------------------------------
في اللَّيْلِ تُقْتَرَفُ الحِكَايَاتُ الطَّوِيْلَةُ
أَيُّها المُصْغِي تَحَمَّلْ!
رَيْثَما يَرْتَدُّ مَاءُ الفَجْرِ
يَمْحُو كُلَّ ما قُلْنَاهُ..
يَغْسِلُنَا
مَنَ القِصَصِ القَدِيْمَةِ
عِنْدَهَا نَمْضِي لَنَبْتَكِرَ الجَدِيْدَ..
وَنَنْزَوِي في الكَوْنِ
أَكْبَرَ كَوْكَبَيْنِ
يُرَاقِبَانِ الشَّمْسَ عَنْ كَثَبٍ
وَنَكْتَشِفُ الحَقِيقَةَ
في اخْتِفَاءِ الجَمْرِ مِنْ دَمِنَا
وَنُدْرِكُ أَنَّنَا البَطَلاَنِ
في كُلِّ الحِكَايَاتِ التي تَهَبُ الحَيَاةَ
لِمَنْ يَتَابِعُهَا
وَتُشْعِلُهُ لِيُصْبِحَ
كَوْكَبَا..
كُنَّا صِغَارَاً في الرَّبِيْعِ
ولَمْ نَزَلْ في نَبْضِنَا الشَّتَوِيِّ
أَطْفَالاً
فَهَيَّا نَتْرُكِ الأَعْبَاءَ في رُكْنٍ قَصِيٍّ
لَمْ تَزَلْ لِلطِّفْلِ طَاقَتُهُ
لِيَنْسَى حُزْنَهُ في اللَّيْلِ
هَيَّا نَسْتَعِدْ بَعْضَ الطُّفُولَةِ
كَيْ نَعِيشَ
وَنَلْعَبَا ..
في وَجْهِنَا كُلُّ النُّبُوْءَاتِ التي تَكْفِي(61/99)
لِتَجْعَلَنَا مِنَ الأَخْيَارِ
في هذا التَّعَرِّي مِنْ حَرِيْرِ المُعْجِزَاتِ
ولَمْ يَزَلْ أَحَدٌ هُنَا
مُتَلَفِّعَاً بِالصُّوْفِ في أَعْمَاقِهِ
لكنَّ حَوْلَ البَيْتِ
أَشْبَاحَاً
تُؤَسِّسُ لانْهِيَارِ البَيْتِ
كَيْ يَأْسَى جَمِيعُ الطَّاهِرِيْنَ
فَنُغْلَبَا!..
وَإِذَا غُلِبْنَا أُغْلِقَتْ في وَجْهِنَا
أَبْوَابُ مَنْفَانَا..
وَعِشْنَا كَالصَّعَالِيْكِ الحَضَارِيِّينَ
نَفْتَتِحُ القَصَائِدَ مِنْ هَشَاشَةِ نَبْضِهَا..
وَنُرَمِّمُ الأَيَّامَ كي نَحْيَا
وَنَأْكُلَ وَهْمَنَا
نَغْدُو ضِعَافاً
يُصْبِحُ البَيْتُ الذي نَبْنِيْهِ
كَهْفَاً مُرْعِبَا...
فَانْظُرْ إِلَيَّ تَرَ انْدِيَاحَكَ في عُيُوْني..
أَيُّها المُصْغِي إِلَيَّ
نَهَارُنَا آتٍ..
وَفِيْنَا مِنْ يَنَابِيْعِ الأُلُوْهَةِ
مَا يُرَوِّي قَفْرَنَا الوَحْشِيَّ
يَجْعَلُهُ لِعَذْرَاوَاتِ رُوْحَيْنَا
فَضَاءً مُخْصِبَا...
وَهُنَاكَ تُقْتَرَفُ الحِكَايَاتُ الجَمِيْلَةُ
تَغْمُرُ الأَكْوَانَ
حَتَّى تَسْتَعِيدَ وُجُودَهَا في اللَّيْلِ
لا أَرْضٌ تَضِيْقُ على كِلَيْنَا
إِنَّهُ الإِنْسَانُ
أَصْبَحَ أَرْحَبَا..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> الشَّاعِر ..
الشَّاعِر ..
رقم القصيدة : 67144
-----------------------------------
ذَرَّةٌ مِنْ قَلَقِ الشَّاعِرِ تَكْفِي
لِتُحِيْلَ الكَوْنَ وَجْهَاً لِقَصِيْدَهْ...
فَتَأَمَّلْ أَيُّهَا السَّارِحُ في وَجْهِ البَعِيْدَهْ..
وَانْتَثِرْ في الصَّفْحَةِ البَيْضَاءِ
إِيْقَاعَ شُجُوْنٍ..
وَانْتَظِرْ في فُسْحَةِ الغَيْبِ
تَرَاتِيْلَ جَدِيْدَهْ..
كُلَّمَا أَطْلَقْتَ سِرْبَاً مِنْ دُمُوْعٍ
فَوْقَ مَوْجِ البَحْرِ
فَاحْلُمْ
أَنْ يَصِيْرَ الدَّمْعُ في البَحْرِ
جَزِيْرَهْ..
حَوْلَهَا الأَمْوَاجُ حَيْرَى
وَفَقِيرَهْ..
وَعُيُوْنُ الشِّعْرِ فِيهَا لا تَنَامُ..
إِنَّما الشِّعْرُ عَلَى الرُّوْحِ
سَلاَمُ!..(61/100)
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> المَجْنُون ..
المَجْنُون ..
رقم القصيدة : 67145
-----------------------------------
لَيْسَ مَجنُونَاً ولكنْ
ذَاتَ يَوْمٍ وَجَدَ الأَرْضَ خَرَابَا..
لَمْ يَمُتْ مِنْ رَوْعَةِ المَشْهَدِ لكنْ
أَخْرَجَ القَلْبَ مِنَ الصَّدْرِ كِتَابَا!..
قَرَأَ الحُبَّ بِصَمْتٍ..
ثُمَّ نَادَى
رَدَّدَ القَفْرُ جَوَابَا..
حَلَّتِ الأُنْثَى كَطَيْفٍ يَتَهادَى
مَدَّ لِلطَّيْفِ ذِرَاعَيْهِ ..
تَصَابَى..
بَعْدَهُ الأَرْضُ تَعَالَتْ
تُرْبُهَا صَارَ سَحَابَا..
ليسَ مَجنُونَاً ولكنْ
ذاتَ يَوْمٍ
وَجَدَ الأَرْضَ خَرَابَا!..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> صَدِيقُ الوَهْم ..
صَدِيقُ الوَهْم ..
رقم القصيدة : 67146
-----------------------------------
صَارَ تَارِيْخَاً صَدِيْقُ الوَهْمِ
وَالْعِبْءِ الثَّقِيْلِ..
لَمْ يَعُدْ يَأْوِي إلى الوَاحَاتِ
في وَقْتِ الأَصِيْلِ..
لَمْ يَعُدْ يَقْوَى عَلَى زَرْعِ النَّخِيْلِ..
أَقْفَرَتْ عَيْنَاهُ مِنْ إِيْمَاضِهَا الشِّعْرِيِّ
وَاسْتَعْصَى عَلَيْهِ الفَجْرُ
في لَيْلِ السَّبِيْلِ..
لَيْسَ للِتَّارِيخِ مِنْ وَجْهٍ جَمِيْلِ ! ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> عِنْدَمَا تَمْشِي وَرَائي ..
عِنْدَمَا تَمْشِي وَرَائي ..
رقم القصيدة : 67147
-----------------------------------
.. فَاْنَطَلِقْ مِنْ أَعْمَقِ الأَبْحُرِ
حَلِّقْ في السَّمَاءِ..
تَنْهَمِرْ شِعْرَاً على الصَّحْرَاءِ
تُصْبِحْ جَنَّةً
وَاللَّيْلُ نَاءِ ..
كَمْ جَمِيْلٍ أَنْ تَرَى المَعْنَى قَرِيْبَاً
عِنْدَما تَمْشِي وَرَائي ..
عِنْدَهَا الحُبُّ سَيَبْقَى
أَيُّها الهَارِبُ مِنْ وَحْشِ الفَنَاءِ !..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> دُرُوبٌ مُوجِعَةٌ إلى المدينَةِ الحُلُم ..
دُرُوبٌ مُوجِعَةٌ إلى المدينَةِ الحُلُم ..
رقم القصيدة : 67148(61/101)
-----------------------------------
لِرَبيعٍ أَسودَ
أُغْمِضُ عَينيَّ الدَّامِعَتَينِ
وأَفتَحُ قلبي
حتّى يَتَّسِعَ لأَحْزانِ الكُرَةِ الأرضيَّةِ
حينَ يكونُ الناسُ حَقِيقيِّينَ
ولو لِدَقَائقَ
يُؤْلمهُمْ
وَجَعي المَنْقُوعُ بِمَائِكَ يا دِجْلَةُ
منذُ القَرْنِ السَّابعِ لِلهِجْرَةِ..
يُؤْلمهُمْ
هذا الشَّلَلُ المُمْتَدُّ
مِنَ الوِجْدَانِ
.. إلى الأعصابِ
..إلى الأفكارِ
إلى ...
الأيامُ هيَ الطَّيْنُ البَشَرِيُّ
المُتَناثِرُ بينَ النّارِ
وبينَ الماءِ..
وأَفْتَحُ قلبي كالبركانِ
لأُبْصِرَ أكثرَ تحتَ الأَنْقَاضِ..
لأَلْمَحَ أحلامَ الأطفالِ
تَطيرُ معَ السُّحُبِ السَّوداءِ
لِتَسْكُنَ في الشَّمْسِ
ونَفْسِي
تَتَشَظَّى في الفَجْرِ
حَمَامَاتٍ بيضاءَ
تَحُطُّ على أَطْرَافِ المَوْصِلِ
تُصْغِي لأَنينِ حَمَائِمِهَا..
وتُمارِسُ ثَوْرَتَها العَفْوِيَّةَ:
هذا الدَّرْبُ
يَقُودُ إلى بغدادَ..
وذاكَ
إلى الأَنبارِ..
فَيا أَجْنِحَتي!
فَلْتَمتَدِّي فَوْقَ تُراثِكِ
إنَّ الدَّنَسَ الشَّيْطَانيَّ يَحُومُ ويَدْنُو..
فَلْتُخفِي تَحْتَكِ كُلَّ كُنُوزِ بني العَبَّاسِ
انْتَظِري المَنْصُورَ لِيَرْجِعَ
والمأمونَ..
وعِيْشِي الآنَ رَبِيعَكِ
كالإِعْصَارِ...
* * *
وحيداً أَقْبَعُ تحتَ رَمَادِي..
أَبْصُقُ أَسْئِلَتي في وَجْهِ الأَوْرَاقِ..
بريئاً
أَبْدُو حينَ أُعَبِّرُ عَنْ أعماقي..
هذا الهَذَيانُ الشِّعْرِيُّ
يَقِيني البَرْدَ هُنَا في كُوْخِي الثَّلْجِيِّ..
أنا مِنْ سُكَّانِ المِرِّيْخِ..
ولا شَأْنَ لأُمِّي أَنْ تبكي مِنْ أَجْلِ
البَصْرَةِ..
لَسْتُ دِمَشْقِيّاً..
لا نَجْدٌ تَعْرِفُني
أو سَبَأٌ
أو سَيْنَاءُ..
وليسَ بِمرَّاكِشَ أَجْدَادٌ لِصَدِيقي..
كيفَ تَثُورُ النَّخْوَةُ في صَدْرِي
فَأُرَابِطُ في الصَّحْراءِ؟!
عليَّ الصَّمْتُ..
.. عليَّ الصَّمْتُ..
فإنَّ النَّوْمَ وَنَوَّارُ يُغَطِّيني
بِلِحَافٍ مِنْ رِيْشٍ(61/102)
يَمْنَحُنِي النَّشْوَةَ
حتَّى الذُّرْوَةِ..
حتَّى العَارِ..
* * *
أنا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
مَفْجُوعٌ حتّى الإِيمَانِ
بِأَنَّ الأرضَ سَتَخْرُجُ عَنْ مِحْوَرِهَا
ذاتَ نَهارٍ..
والأَحْقَادُ سَتُمْطِرُ ..
تُمْطِرُ
حتَّى تَنْفَلِقَ المَعْمُورَةُ نِصْفَيْنِ:
أنا
في النِّصْفِ الأَوَّلِ..
والتاريخُ تُفَكِّكُهُ البكتيريا
في النِّصْفِ الآخَرِ...
مَنْ سَيَقِينَا
حينَ تَدُورُ علينا دَائِرَةُ السَّوْءِ؟..
أليسَ لمروانَ بنِ الحَكَمِ
خُيُولٌ في جَنَباتِ الشَّامِ
وفُرْسَانٌ..
وسُيوفٌ ذَرِّيَّهْ؟..
أَوَ لَيْسَ صَلاَحُ الدِّيْنِ
يُشَاهِدُ أثناءَ النَّوْمِ على كَتِفِ الأمويِّ
كوابيسَ
فَيَنْهَضُ مَذْعُورَاً
وَيُلَوِّحُ لِلرَّايَاتِ العَرَبيَّةْ؟..
أَوَ ليسَ لِمَائِكَ
يا بردى
مِنْ بَعْدِ القَصْفِ على بَغْدادَ
مَقَاصِدُ وَحْشِيَّهْ؟..
مَنْ سَيَقِينَا
نحنُ المَطْرُودِيْنَ مِنَ الرَّحَمَاتِ
إذا أَصْبَحْنَا نَشْرَبُ قَهْوتَنَا
باليورانيوم
خلفَ نَوافِذِنَا المَخْلُوعَةِ
والجُدْرَانُ تَمِيْلُ علينا؟..
كيفَ تَركْنَا هولاكو
ما بينَ النَّهْرَيْنِ
يَعِيْثُ فَسَادَاً؟..
كيفَ سَنَشْرَبُ مِنْ ماءِ النَّهْرَيْنِ
أَنَشْرَبُ مِنْ أَوْرِدَةِ المَظْلُومينَ؟!..
حَرامٌ
أَنْ نَرْوِي ظَمأً بَعْدَ اليومِ
وتلكَ العَذْرَاءُ المَنْكُوبَةُ
مُمْطَرَةٌ مَطَرَ الدَّنَسِ الشَّيْطَانيِّ..
حَرامٌ
أَنْ نَنْسَابَ معَ الشَّهَواتِ
ونُهْمِلَ مالا يُهْمَلُ..
هذا وَقْتٌ
كي نَرْتَدَّ عَنِ الوَثَنيَّةِ بعضَ الشَّيْءِ..
نُقِيْمَ قِيَامَتَنَا بِيَدَيْنَا ..
وَنَزِيْدَ النَّارَ..
وَنَقْتُلَ .. نَقْتُلَ
مَنْ يَقْتُلُنَا..
حينَ يَكُونُ النَّاسُ حَقِيْقِيِّينَ
ولو لِدَقَائِقَ
لنْ يَأْكُلَنَا
سِرْبُ جَرَادِ القَرْنِ الحادي والعِشْرِينَ..
ولن تَمْضَغَنا أفْوَاهُ الأحْقادْ ..
وَسَنُشْرِقُ .. نُشْرِقُ ..
نحوَ العَالَمِ مِنْ بَغْدَادْ ...(61/103)
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> إسراءٌ إلى صَلَوَاتِ الرُّوْح ..
إسراءٌ إلى صَلَوَاتِ الرُّوْح ..
رقم القصيدة : 67149
-----------------------------------
وإذا كانَ الأمرُ كذلكَ
فاذهبْ أنتَ وما يَعُروكَ
مِنَ الذَّوبانِ على أعتابِ الطيفِ
إلى المعسولِ مِنَ الأحلامِ..
ولا تَتَأخّرْ في تمويهِ الحزْنِ
بِغُرْبةِ أفراحِ الأطفالِ
أمامَ عُبوسِ الشمسِ
وزَمْجَرَةِ الْقمرِ المحروقِ..
فما لي مِنْ عَتَبٍ أُلقيهِ عليكَ
وَلَيْسَ عليكَ مِنَ التكليفِ
سَوَى التَّلْطِيفِ
هُنَا فِي جَوِّ الأَبْخِرَةِ السَّوْدَاءِ
تَجَلَّدْ يَا صَوتَ أَنَايَ!
تَأَبَّدْ فوقَ الأفلاكِ
وَمَا يَتْبعُهَا مِنْ سُحُبِ الْمَجْهُولِ..
أَمَامَكَ تَلْهَثُ آفاقٌ..
وصُدورٌ تَزْفِرُ مَا يُنْعِشُ كُلَّ الأحياءِ..
وأنتَ الحيُّ..
بما أُوتيتَ منَ الشَّغَفِ الْفِطْرِيِّ
بِمَاءِ الْهجرةِ..
هَاجِرْ حتّى تَهَبَ الأرضُ لكَ الْمَحْجُوبَ
مِنَ الْمَكْتُوبِ..
وحتّى يَنْبَسِطَ الْمُتَرَاكِبُ
مِنْ أيّامِ الحُبِّ..
وتبكي كُلُّ عُيونِ الْحُسْنِ
قصائدَ رُوحِكَ..
لاَ تَتَأخَّرْ في تَمْويهِ الحُزْنِ
ببعضِ الزُّخْرُفِ..
حانَ الوقتُ لكي يبتسمَ الكونُ
لدى إشراقِكَ
مِنْ عَيْنَيْ سمرائِكَ
تلكَ الجَذْلى
رغمَ أنينِ سَنَابِلها في الليلِ..
ورغمَ بُكَائِكُمَا الْمُتَواصِلِ في الأعيادِ..
تَرَاهَا تَحْمِلُ مَا يترامى
مِنْ كُثْبَانِ جُنُونِكَ
في لحظاتِ عويلِ الأعصابِ
وخَوْفِ الفاقدِ
أنْ يَتَمَادَى عَطَشُ الْفَقْدِ
فيغرُفَ آخرَ جُرْعَةِ ماءٍ
فِي جَوْفِ الإحساسِ
فَيُلْقَى كالمنبوذِ على أرضِ الْخُسْرَانِ..
تَراهَا تَرْفُو مَا يَتَشقَّقُ
مِنْ إِسْتَبْرقِ حُبِّكُمَا..
وتُذَهِّبُ مِنْ جَدْوَلِ بَسْمَتِهَا العيشَ
فَتَزهُو بينَ الليلِ ومَا يَتْلُوهُ
جميعُ خلايانا وتُصفِّقُ
لِلْخَدَرِ الحيويِّ
يَفيضُ على الرُّوحِ الْمُنْسَابةِ
حتّى آخر قَصْرٍ في أعماقِ البحرِ(61/104)
تُعانقُ فيهِ الحُوريّاتُ مَصَائِرَهُنَّ..
ولا يُكْثِرْنَ مِنَ الإعراضِ عنِ الملهوفِ..
يَزِدْنَ البحرَ مُسَالمَةً للنَّاسِ..
يُعِدْنَ السُّفُنَ
يُعِدْنَ الْمُدُنَ
إِلَى الأصحابِ..
يَقُلْنَ الشِّعْرَ..
وَيَذْكُرْنَ التَّاسعَ مِنْ شهرٍ ميلاديٍّ
حيثُ تَأَرَّجَ منكَ الشَّوقُ
فَرُحْتَ تَحُثُّ العامَ الثالثَ مِنْ ذِكْرَاكَ
لِيَجْرِي بِخُطَاكَ إِلى المولودةِ
تبكي مَعَها بضْعَ هُنَيْهاتٍ
وَتُسَافِرُ وحدَكَ..
تَسْكُنُهَا..
وَتُراكِمُ خلفَكَ مِنْ أيّامِ التَّوْقِ
أنيناً وقصائدَ لا تَتَخلَّى
عَنْ تسبيحِ اللهِ بوجهٍ
يَخْلُقُ في فَلَواتِ شُعُورِكَ
سِرْبَ فراشاتٍ وحمائمَ
هامتْ في عَبَقِ الأسْرَارِ
وإيقاعِ الأملِ المُتَوقِّدِ بينكُمَا
منذُ حُلُو لِكُمَا بَدْرَينِ
لِشمسٍ واحدةٍ في فَلَكِ الحُبِّ..
وها قَدْ عُدْتَ إليها الآنَ
وَقَدْ عادتْ تلكَ المولودةُ
حاملةً كُلَّ الْمُتَمَنَّى..
فَلْتَهْنَأْ فِي رَشْفِ الْمَعْنَى..
وَلْتشكُرْ مَنْ فَاضَ عليكَ
وَجَلاَّهَا مَا بينَ يديكَ
وَأعْطَاهَا بَسْمَتَهَا الْوَسْنَى..
حَتَّى تُخْضِعَ مَنْ يَتَمَرَّدُ فِي مملكةٍ
منذُ ابتدأَ العالمُ تُبْنَى..
كانتْ تَنْسُجُ ثَوْبَ حَنينِكَ
تَفرِشُ سَجَّادَ الْمَعْسُولِ مِنَ الأحلامِ
تُهَيِّئُ مَأْوَى لأَمَانيكَ..
وتُعْلِنُ فِي التَّاسِعِ مِنْ شهرٍ ميلاديٍّ
لِمَرَايَاهَا أَنَّكَ آتٍ
بعدَ هيامِكَ فِي غاباتِ الْفِتْنَةِ
وَتَنَاسِيكَ العامَ الثَّالثَ مِنْ ذِكْرَاكَ
وَقَدْ أغراكَ نَدَاهَا الأسمرُ
يومَ نَهاكَ عنِ الجَرَيانِ
إِلَى الصَّحْرَاءِ لِتَهْلِكَ فيها..
كَانَتْ تعرفُ مَا يُنْجِيكَ
وَمَا يُبْقيكَ على قيدِ اللغةِ الشِّعْريّةِ
وَالإِسْرَاءِ إِلَى صَلَواتِ الرُّوحِ
أمَامَ الأَحْرُفِ
كي تَتَخَلَّقَ جَنَّاتٍ وَعَذَارَى
يَبْدَأُ مِنْ وَرْدِ ضَمَائِرِهنَّ الْعَيْشُ
وَيُخْتَتَمُ الْقَلَقُ الْمُتَراكمُ منذُ وُجُودِكَ..(61/105)
كَمْ يَتَأَرَّجُ مِنِّي الشَّوْقُ
لأَعْرِفَ أكثرَ مِمَّا أعرفُ
عَنْ ميلادِكِ فِيَّ..
وَعَنْ سَفَرِي مَا بَيْنَ يديكِ
إِلَى عينيكِ لأُولَدَ ثانيةً
وَأَموتَ لأُولَدَ
أكثرَ نُوراً وَحِكَايَاتْ!..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> في طريقٍ لَمْ يَخُنَّا ..
في طريقٍ لَمْ يَخُنَّا ..
رقم القصيدة : 67150
-----------------------------------
في طريقٍ لمْ يَخُنَّا
لم نَزَلْ نروي يَمامَ الصَّيفِ مِنَّا..
وَانْدِيَاحُ الحُلْمِ في أَرْجَاءِ مَنْفَانَا
يُثيرُ الأرضَ كي تَخْضرَّ جَنَّاتٍ..
كَأنَّا في صَميمِ المُدْهِشِ العَالي
رَمَتْنَا وردةُ الأقدارِ
وَاجْتَازتْ إلينا
مَا قَطَعْنَا مِنْ سِنِيِّ العُمْرِ..
ضَمَّتْنَا.. فَكُنَّا
مِنْ جديدٍ كوكَبَيْ حُبٍّ..
ونبكي عندما يَخْتَارُ عَنَّا
زَادَنَا الرُّوحيَّ..
لا نَقْوى على نَزْفِ النَّدى
فِي صُبْحِنَا الغافي على إِحْسَاسِنَا بالكونِ..
مَغْلُوبينَ صِرْنَا
منذُ أَنْ مِلْنَا مَعَ الرَّيحانِ فِي الوجْدانِ..
هذا صوتُنا الواهي
ونَحْمي دائماً حُلْماً تَجَلَّى بينَنا
جِسْماً ورُوحَاً..
وَانتهى عهدٌ منَ الإعصارِ والنَّجْوَى
ونَقْرِ الصُّدْفَةِ الحَمْرَاءِ
فَوقَ الشَّهْوةِ الْمُلْقَاةِ فَوقَ الرِّيحِ..
خُنَّا حينَهَا مَا نحنُ فيهِ الآنَ
مِنْ تَوْحيدِ رُوحَيْنَا على ذاتِ السَّجَايا..
وانتهى عَهْدٌ منَ الآتي..
كأنِّي قَدْ فقدتُ الخوفَ مِنْ ظِلِّي
أمامَ الشَّمْسِ..
ما معنى صَلاَتي
فوقَ ما أَذْرُوهُ مِنْ شَوْقيْ
على أَلْطَافِكِ السَّمْراءِ
شِعْرَاً يُرْعِشُ الأَعصابَ
يَغْشَى صَوْمَنَا العاري أمامَ اللهِ..
صَيْفَاً عابثَ النيرانِ
يُدْلي دَلْوَهُ بالجَمْرِ في أَوْصَالِنَا..
ضَعْفاً يُضَاهي قُوَّةَ الحُرِّ الذي كُنَّاهُ..
ما زلنا نُسَوِّي مَهْدَنا
لِلعالَمِ المفتوحِ للأنوارِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ..
الغيمةُ اشتاقتْ خُطَانَا(61/106)
فَلْنَسِرْ فِي ظِلِّها دَهْراً وَدَهْرَاً
رَيثما نَحْظَى بِتَفْسِيرٍ
لِمَا يَجْرِي مِنَ الأنهارِ
فِي أرضٍ يُرِينَا جَوْفُها
أَصْلاً لِخَفْقِ الجُوعِ فِي أحداقِنَا
منذُ احْتِدامِ الحُبِّ فِي أرواحِنَا الأُولى..
جَهِلْنَا ما رَأَيْنَا غالباً
حَتَّى أَضَعْنَا كَنْزَنَا الْمَخْبُوءَ
فِي أبعادِنا العَطْشَى لنا..
ماذا نُريدُ الآنَ مِنَّا؟!
حَسْبُنَا ما نحنُ فيهِ الآنَ
مِنْ سَكْبِ الأماني في أباريقِ المَرارْ..
رُبَّما عِشْنَا الدَّمَارْ
في سُويعاتِ انهمارِ اليأسِ فوقَ النَّبْضِ
لكنْ كُلَّما اشتدَّ احتضارٌ بينَنا
انسابتْ على المرآةِ رُوحٌ
أينعتْ فيها الثِّمَارْ..
وَاحْتَوتْنَا
هَالةٌ مِنْ فَيْضِ مَا نَحْوي مِنَ الأقمارِ..
لَمَّتْنَا أيادي حُبِّنَا لِلهِ..
نَهْمِي بعدَها غيثاً علينا
باعِثَيْ خِصْبٍ..
فَضَاءَيْ نعمةٍ..
نَرْوي يَمَامَ الصيفِ مِنَّا
كُلَّما اشتدَّ احْتِضَارْ..
حَسْبُنَا هَذا..
سنبكي عندما نُلْغي مِنَ الآيامِ
نيروزَ الحكايَهْ..
عندما نَغْتَالُ عُصْفُورَ البدايَهْ..
عندما نَسْعَى بأيدينا إلى وَحْشِ النهايَهْ..
دَثِّرِيْني
كُلَّما لاَقَيْتِ بي ظِلاَّ غريباً
أو ملاكاً..
دَثِّرِي قُبْحي
بِقِطْعٍ مِنْ نشيدِ الحُبِّ..
ما أَعْلاَكِ إِذْ تُلْقِينَ فوقي
مِنْ حريرِ البَدْرِ سِتْرَاً
يَمْنَعُ الأشواكَ عَنِّي
كُلَّما في رِحْلَةِ الآثامِ
جَاسَتْ خُطْوَتي..
قَدْ صَارَ لي مَأْوىً ظَنَنْتُ..
الآنَ رُدِّيني إليكِ..
الآنَ رُدِّيني إليَّ..
الغيمةُ اشتاقتْ خُطَانَا
فَلْنَجِدْ مَا ذَابَ مِنَّا
فِي طريقٍ لمْ يَخُنَّا!..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> فَوْقَ سَحَائِبِ القَلَقِ ..
فَوْقَ سَحَائِبِ القَلَقِ ..
رقم القصيدة : 67151
-----------------------------------
عَلاَ أَرَقي
لُهاثُ العطرِ في دَمهَا..
وبَوْحُ نشيدِها المَسْكُوبِ في قَدَحي
صَلاةَ براءةٍ للحُبِّ..(61/107)
فَلأَشْرَبْ على مَهَلٍ
سُلافَ حنينها لِلفجْرِ..
هذا الكونُ لي وَحْدي
ولي وحدي
لُهاثُ العِطْرِ في دَمها
وَبَوْحُ نشيدِها.. والبحرُ..
لي غَرَقي..
هُنَا في سُمْرةِ الوَهَجِ
الذي يَنْسَابُ فوقَ رُطُوبةِ الكلماتِ
شَلاَّلاً يَجُوبُ رَحَابةَ الإحساسِ..
يَرْفَعُها
إلى العُصْفورِ
حيثُ تنامُ تحتَ جناحِهِ أُنْثَاهُ
فَلأَشْرَبْ على مَهَلٍ
قليلاً مِنْ كثيرِ الشِّعْرِ في عينيكِ..
وَلأَكْتُبْ قَصَائِدَنا
على أُفُقٍ منَ الفَرَحِ!
* * *
رهيفٌ بينَنا الإيحاءُ
حتّى آخرِ الأوتارِ
في قيثارةِ اللغةِ التي سَهِرَتْ
على شُرُفَاتِ أَحْرُفها
تُمهِّدُ للنجومِ الليلَ بالنَّغَماتِ..
تَشْحَنُها بريشِ النَّومِ
حينَ يُداعِبُ الأجفانَ..
تَغْفُو نجمةٌ..
تصحُو نُجومٌ خلفَها
ويدي على زَغَبِ النَّشيدِ الحُرِّ..
لا التَّشْبيهُ يُوصِلُني إلى بَلَدي..
ولا خَلَدي
جُنُونُ المُشْتَهي عُمُراً..
ولا الإِيغَالُ في تَرَفِ الخيالِ البِكْرِ
يُوصِلُني..
ولا فَرَسُ انطلاقِ الصَّمْتِ
فوقَ الصَّمْتِ
تحتَ الموجِ
بينَ الخوفِ والإيماءِ..
ـ أينَ الماءُ ؟
ـ في لغةٍ تَقُومُ الليلَ
باسْمِ الأعذَبِ الأَنْقَى
مِنَ اللحَظَاتِ...
يا سمراءُ!
مُدِّي ذاتَنَا مَهْداً
لِكُلِّ حمائمِ الأَبَدِ!...
* * *
صحوتُ على حَفيفِ الحُزْنِ
في كلماتِكِ الأُولى..
وشاهدَ غائبي معنىً
لِشَوْقِ حَضورِكِ النَّامي
على أغصانِ أَوْرِدَتي..
وها نحنُ اخْتَصَرْنَا النَّومَ في الطُّرقَاتِ
كي نَصْحُو على صَوْتِ اِخْضِرارِ العِطْرِ
في عَيْنَيْ صَبَاحِ الشَّامِ..
كمْ لليومِ مِنْ وَجْهٍ يُقابِلُنا
ومِنْ أُفُقِ!..
وكمْ منْ حالةٍ تَرْوي
غليلَ أوانِها فينا!
وكمْ مِنْ سَاحِلٍ يَمْضي
بعيداً عَنْ سَفِينتِنَا
لِنَقْرأَ آخرَ الصَّدَماتِ
فوقَ صُخُورِنا العمياءِ..
مَازِلْنَا نَذُوقُ الشَّهْدَ تحتَ المِلْحِ
فوقَ سحائبِ القَلَقِ..
لِنَهْطُلَ عَابِرَيْنِ على أَدِيمِ الليلِ..(61/108)
هلْ تَنْسَيْنَ ما كُنَّا؟!
وهَلْ كُنَّا؟!...
أَمَ انَّ الوَهْمَ أَخْرَجَنَا
مِنَ الظُّلماتِ..
لا أَدْري
سوى أنِّي عَلاَ أرقي
خيالُ فراشةٍ تبكي..
وتبحثُ في صَدَى صَوْتي
عَنِ الأَمَلِ الذي يَكْفِيْ
لِمِلْءِ حدائقِ الوجدانِ
بالزَّهَرِ الذي يَشْفي
نشيدَ عِنَاقِنا المَقْدُورِ
في ليلٍ أنيقِ الفَجْرِ يَسْكُبُنَا
على أُفُقٍ مِنَ الفَرَحِ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> في آخِرِ الأَعْلَى المُضِيء ..
في آخِرِ الأَعْلَى المُضِيء ..
رقم القصيدة : 67152
-----------------------------------
لا شيءَ يُذْكَرُ..
رُبَّما سَئِمتْ حُروفيَ منْ تَنَاسُلِهَا
وناشَدَني الغيابُ بأنْ أعودَ
لأَشْهَدَ الزلزالَ والموتى
وأنقاضَ الحنينِ..
ـ أَلَمْ تَرَ الأَهْوالَ بَعْدُ ؟!
ـ بَلَى.. ولكنِّي أُكابِرُ
عَلَّني أَحْظَى بِمَنْ يَسْمُو معي
فوقَ الخُرافَةِ والفَراغِ..
الوهْمُ باخرتي السجينَةُ..
مَنْ يُحَرِّرُني
لأَعْبُرَ مِنْ مَضيقِ العالَمِ السُّفْليِّ
نحوَ عَوالمِ اليَخْضُورِ والنَّهونْدِ؟!.
هذا هَاجِسِي القَدَرِيُّ دَوْماً
لا عُيُونُكِ..
فَاذْهَبي
حتّى أُتابِعَ رِحْلَتي
في آخِرِ الأَعْلى المُضِيءِ..
هُناكَ لي منْ شهرزادَ جَميعُها
لا بَعْضُها..
يا شهرزادُ تَخيَّلي وتَخَيَّلي
لِيَظَلَّ نَبْضُكِ يُطْرِبُ الأكوانَ..
وَانْسَجِمي معي..
وَتَقبَّلي
وَرْديْ على ما فيهِ منْ قَطَراتِ ذِكْرَى
أَرْجِعي
لي ما فَقَدتُ..
وأَبْعِدي عَنِّي جَميعَ العَاقِراتِ..
هُناكَ لي منها امتلاءُ جَدَاولي
بِزُلالِها
لا بالتُّرابِ..
وأنتِ باعِثَةُ السَّرابِ
وَلَدْغَةُ الفَشَلِ اللذيذةُ..
أنتِ آخِرُ رحلةٍ لي في غَبَاءِ الشَّوقِ..
عَلَّمَني التَّطرُّفُ في غُمُوضِكِ
أَنْ أَزِيدَ تَلأْلُؤَاً في الليلِ..
أنْ آوي إليها
هارباً منْ كُلِّ ما يدعُو إلى الموتِ المُباشرِ..
ـ كيفَ حالُكِ ؟
ـ لمْ تَزَلْ مَعْنَايَ مهما زادَنا(61/109)
التعقيدُ بُعْداً..
والذي عِشْنَاهُ لا نَنْسَاهُ..
لا تَعْشَقْ سِوايَ لكي يَظَلَّ لديكَ
دَاعٍ لي
إذا أَحْسَسْتَ يوماً بِانْقِرَاضِ الصُّبْحِ..
أَخْرَجَنا الرَّجِيمُ عَنِ الصِّراطِ
لِنَحْتَرِقْ فَرِحَيْنِ في جَنَّاتِ غُرْبَتِنَا..
أتينا طَائِعَيْنِ لِعَابِثٍ فينا
فَعَرَّفَنا علينا منْ جديدٍ..
غيرَ أَنَّ جُنُونَكَ البَريَّ قَدْ أَضْحَى مُخِيفاً
لِلنَّوارسِ قُرْبَ شُطآني
وعِطْرَكَ غَيَّرَ الإيقاعَ..
غَيَّرَني..
وَحَرَّفَ قِصَّتي مَعَهُ..
اسْتَعِدْني منْ ذُرَى غَرَقي
وَأَفْرِغْني مِنَ اللاشيءِ..
شَكِّلْني كما في المرَّةِ الأُولى
رأيتَ عَرائِشي..
والدَّمْعَ في عَيْنيْ
وَضَعْفي وَانْسِكَابي..
رُبَّما سَئِمَتْ حُرُوفُكَ منْ تَنَاسُلِها
لأِنَّكَ قَدْ سَئِمْتَ مِنِ اقْتِرَابي...
وأنا امتلأتُ إلى نهاياتي بِنَارِكِ
أو بِكَوثَرِكِ الحنُونِ..
تَكَاثَرْتْ حوليْ حَسَاسِينُ الغَرابةِ
فَانْطَفَأْتُ على يديكِ
كأَنَّني المِصْبَاحُ..
جَفَّ الزَّيْتُ يا زيتونَتي في اللا مكانِ..
تَرَكْتِني
حتَّى تَوَقَّدَ ظِلُّنَا باللهِ في المُسْتَقْبلِ الماضي
فَجَاءَ لِيَجْمَعَ المُتَغرِّبَيْنِ
على سُهُولِ النُّورِ فيهِ..
ويَبْدَأَ الزَّمَنَ الطَّرِيَّ..
الحُبُّ باخرتي الطليقةُ
والقَصَائِدُ حولَها تَسْعَى
لِتَسْكُنَ بينَنَا فيها
أَنَا لي أنتِ لا دُنْيا ضَبَابي..
يا شَهْرزادِيَ رُبَّما
سَئِمَتْ حُرُوفيَ منْ تَنَاسُلِهَا
لِبُعْدِكِ عَنْ غِيَابي..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> كانتْ هُنَا .. ومُؤكِّدَاتٌ أُخْرَى لأَحْوالٍ أَكيدَةٍ ..
كانتْ هُنَا .. ومُؤكِّدَاتٌ أُخْرَى لأَحْوالٍ أَكيدَةٍ ..
رقم القصيدة : 67153
-----------------------------------
حُبٌّ كانونيُّ الآهِ..
وعامٌ آخرُ يأتي بِسُكُونٍ
يَمْلَؤُهُ الصَّخَبُ المُترامي حَوْلي
فَرَحاً بِرَحيلِ الأيامِ الأَغْلَى..
بِرَحيلِ الطاولةِ البيضاءِ(61/110)
عليها آثارٌ مِنْ حُزْنِكِ حينَ ذَهَبْتِ..
لأُقْسِمُ أَنِّي قَدْ شَاهدتُ ملائكةً
تَسْرَحُ بينَ زبائنِ هذا المقهى
تبحثُ عَمَّنْ ذَهبتْ دُونَ رَفيقٍ..
كي تُعطيهَا آثارَ الحُزْنِ الفَاتنِ
أو تُخْبِرَهَا أنْ تَرْجِعَ في يومٍ آخَرَ
حتّى يَتَمازَج حُزْنَانِ غريبانِ شَهِيَّانِ
وَأَيلُولْ!..
لكنْ عادتْ بعدَ مُرورِ ثلاثِ سجائرَ
ودَنَتْ منِّي..
هَمَسَتْ في رِئَتَيَّ هواءً..
ثُمَّ رَمَتْ لي آثارَ الحُزْنِ وطارتْ..
طارتْ حتّى حَتَّ العِطْرُ النّازِفُ
منْ أجنحةِ النُّورِ صُخُورَ الأَمْسِ..
ونمتُ سعيداً ليلتَها
حتّى بَزَغَ الواقعُ في الأحلامِ
وشيءٌ فيَّ يَئِنُّ ويَرنُو بِذُهُولْ..
مالي الآنَ وأيلولْ!..
كنتُ أقولُ بِحُبٍّ كانونيِّ الآهِ
وعامٍ يأتي مُلْتَهِبَ الأعصابِ..
ومازلتُ وحيداً وقويّاً وطويلَ القامَةِ..
لا أَخْسَرُ رُوحي مِنْ أَجْلِ سَرابٍ
والريحُ أُكَوِّرُهَا بينَ يَدَيَّ
وأَرْميها لِلْخَلْفِ..
وَأَنْسى الماضِينَ..
وأُحْيي بينَ غُصُونِ الجُرْحِ
العُصْفُورَ المَقْتُولْ..
كنتُ سَأَبْسُطُ رُوحي بَرَّاً
لَلْقَدمَيْنِ الخَائِفَتينِ منَ المجهولْ..
لكنْ حينَ يُهاجِرُ ماءُ البحرِ وماءُ النهرِ..
وتَنْقِرِضُ الأحياءُ المائيةُ
يُلْغَى الشَّاطئُ والميناءُ
ولا يبقى في العَالَمِ يَنْبُوعٌ يَتَرقْرَقُ..
ماذا يبقى لي ولِرُوحي المبسُوطَةِ بَرّاً
لِلقدمَينِ الخائفتينِ؟
وما فائدةُ الحُبِّ
وتقديمِ الرُّوحِ بآنيةِ الفَخَّارِ؟
سَأُعْرِضُ عَنْ هذا
وأَغيبُ.. أَغيبُ إلى أنْ يَهْطُلَ فَجْري
بعدَ هُيَامي وتَلاشِيَّ وراءَ الغيمِ الأسودِ
عَلَّ الطفلَ ينامُ قليلاً
بعدَ السَّهَرِ المَغْلُولْ ..
* * *
كَانَتْ تَبْكِي..
والمدفأةُ الحائرةُ بِجَانبها تَتَثاءَبُ..
والقهوةُ تَفْشَلُ فِي إِرْضَاءِ الذَّوْقِ
فَيَلْتَحِمُ الفَشَلانِ عَلَى شَاهِدَةِ المَهْدِ
فَيَبْكِي الطِّفْلُ..
وتَرْتَبكُ الأَلْطَافُ(61/111)
تَمْوتُ الْوَمْضَةُ قَبلَ النُّورِ..
نَعُودُ كَمَا جِئْنَا..
وَنَجِيءُ كَمَا عُدْنَا..
وَنُحَاوِلُ تَسْويةَ الْمُتَماوِجِ فِيِنَا..
فَيُرِيْنَا النَّرْجِسُ بَعْضَ مَخَاوِفِهِ
إِنْ تَمَّ عِنَاقٌ بَينَ فَرَاشَاتٍ وَحُقُولْ!..
والثَّلجُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ الأَحْدَاثِ
بَرِيءٌ وَخَجُولْ..
لا يَملكُ إِلاَّ أَنْ يَتَسَاقطَ
فَوْقَ سُقُوطِ الرَّاعِشِ وَالمُتَوهِّجِ..
يَصْهَرُنِي هَذَا الْمُتَرَاكِمُ فَوْقَ نِدَاءَاتِي
فِي هَذَا القَفْرِ الوَاسِعِ فِي الضِّيْقِ المُمْتَدِّ
إِلَى مَا شَاءَ اللَّيلُ الوَاضِحُ..
وَابْنُ الرُّوميِّ وحيدٌ مِثْلِي
فِي قَارِعةِ القَهْرِ..
يَرَانِي فَيُعانِي ثُمَّ يَمُوتُ!.
أُرِيدُ العودَةَ..
أُمِّي فِي البيتِ..
أَخَافُ أَموتُ كبائعةِ الكبريتِ هُنَا..
والثَّلجُ يُغَطِّينِي..
واللَّيلُ يَمُرُّ
وَلاَ أَمَلٌ بِوُصُولْ..
كُنْتُ أَقُولُ بِحُبٍّ كانونيِّ الآهِ ِ
وَعَامٍ آخَرَ يأتِي..
وملائكةٍ تَسْرَحُ فِي أَيْلُولْ..
والثَّلْجُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ الأَحْدَاثِ
بَرِيءٌ وَخَجُولْ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> لا شيءَ يَخْفَى ..
لا شيءَ يَخْفَى ..
رقم القصيدة : 67154
-----------------------------------
بادٍ لِحَدْسِكِِ
ما أُخفيهِ مِنْ وَضَحِي..
مهما تكاثفَ ترتيلي لمعجزتي
في غابةِ الحزنِ
أو في غابةِ الفَرَحِ..
لا شيءَ يَخْفَى..
فَما واريتُ يَكْشفُني
وفي الكنايةِ بَوْحٌ
والمجازُ جَلاَ جُلَّ الحقيقةِ
والتَّشْبيهُ يَخْدَعُني
والرمزُ يَسْكُبُ كالمخمورِ صافيتي..
بينَ النُّجومِ تَراءى لي
وعَنْ كَثَبٍ
فوقَ الجبينِ وحولَ المُقلتينِ
وفي ليلي الجديدِ
كأنَّ الفجرَ يَسْكُنُهُ
لا رمزَ أوضحُ منِّي في مُحاورَتي
بَرْقٌ أنا يا ربابي..
يا انهمارَ دَمِي..
معنىً يُكوِّنُ في هذا الفراغِ رُؤىً
للِنحلِ.. لِلطيرِ... لِلأطفالِ...
والأَلَمِ...
* * *
جُرْحِي لجرحِكِ مَفْتُوحٌ(61/112)
ويُرْعِشُني
بردُ التنُّبؤ بالمقدورِ
فارتعشي مثلي
لِنعرُجَ منْ مأوىً يُشرِّدنا
حتّى نرى في الأعالي
كيفَ تَمتزجُ الرُّوحانِ أُغنيةً أُولى
وتتبعُها الأقمارُ ساجدةً
مِنْ هيبةِ النَّغمِ
حتّى نرى وَجْهَنا في أَصْلِ دَمْعتِهِ
في أَصْلِ بسمتِهِ...
في أوَّلِ الدَّربِ
هلْ تنسينَ خُطْوَتَنا الأُولى
وهاجِسُنا مرآةُ أسئلةٍ
تهفُو لأجوبةٍ تهوي مِنَ القِمَمِ ؟...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> دَعِ الأَرْضَ خَلْفَكَ ...
دَعِ الأَرْضَ خَلْفَكَ ...
رقم القصيدة : 67155
-----------------------------------
بعيدٌ عنِ الحُبِّ..
والحُبُّ يَهْرُبُ مِنْكَ..
وما زلتَ تسهرُ دونَ نَديمِكَ
والليلُ كَلْبٌ.. وأَنتَ نَحيْلُ!...
بعيدٌ... وشِعْرُكَ يهربُ منكَ
وأُمُّكَ تهربُ.. والكونُ يَهْرُبُ ..
مَنْذَا يراكَ ؟.. ومَنْذَا تَراهُ ؟...
وأنتَ خريفُ خريفِكَ..
أنتَ رمادُ رمادِكَ..
أنتَ التَّأَرْجُحُ بينَ الطريقَيْنِ..
والليلُ يَنبَحُ بينَ عِظَامِكَ...
لنْ تَسْتَقِرَّ على مَنْ تُعيدُكَ منكَ إليها..
ولنْ تستقرَّ على مَنْ تُغَلِّقُ أبوابَها...
دَعِ الأرضَ خلفَكَ..
لنْ تَسْتَطيلَ رُؤَاكَ عليها..
ألستَ تُحِسُّ بأنَّ يديها
تَصُبَّانِ فوقَكَ أَوْصَابَها ؟!..
تَمدَّدَ جُرْحُكَ يا قِطَّ لَيْلِكَ
ماذا تركتَ لِمَنْ سوفَ يأتي لِيَشْهَدَ مَوْتَكَ
ماذا أَخَذْتَ ؟
وكيفَ تُحاوِلُ أَنْ تَسْتَفيضَ بِرُوحِكَ
رُوحُكَ أَوْسَعُ مِمَّنْ تُحِبُّ...
وأنتَ بعيدٌ عنِ الحُبِّ..
أنتَ مَتَاهٌ طويلُ...
دَعِ الأرضَ خَلْفَكَ فَالخَيْلُ ماتَتْ
وماتَ الصَّهِيْلُ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> عَلَى مَهْبطِ الرُّوْحِ ...
عَلَى مَهْبطِ الرُّوْحِ ...
رقم القصيدة : 67156
-----------------------------------
تَفَاءَلْتُ بِالشُّؤْمِ وَ اخْتَرْتُ سجْني
طريقاً إلى آخِرِ اللَّهْوِ
في بَهْوِ هذا المَتَاهِ..(61/113)
كأنِّي سُعَالُ النَّهارِ المُبَعْثَرِ
لا يَسْتَبينُ كلاميْ
وعاميْ
ذُبابةُ صَمْتٍ تَحُطُّ على وَجْهِ طفلٍ
تَشَوَّهَ فيهِ الشُّعُورُ
فَسَبَّ أباهُ وراحَ يُدَخِّنُ أيَّامَهُ!...
رَفَوْتُ فؤادي كثيراً..
وما زَالَ يُثْقَبُ في كُلِّ يومٍ وما زلتُ أَرْفُوْ...
ومازلتُ أَغْفُو على صَدْرِ جُرْحي..
ومازلتُ أَطْفُو على سَطْحِ كُفْرِي..
وشيطانُ نومي يَظَلُّ يُطَارِدُ أحلامَهُ!..
سأختارُ وَجْهاً يُقَابِلُ وَجْهي
إذا ما جَلَسْتُ على ضِفَّةِ النَّهْرِ
والنَّهْرُ يبحثُ عَنْ مائِهِ تحتَ عرشِ الإلهِ..
يُقَابِلُ وَجْهي على مركبٍ عابرٍ في النزيفِ
إلى موطنٍ عابرٍ في الخواءِ...
يُقَابِلُ وَجْهي إذا ما تَنَفَّسْتُ يوماً
هواءَكِ يا أرضُ!
ماذنبُ أحفادِكِ الطَّالعينَ
على مَهْبطِ الرُّوْحِ ؟!...
يا أرضُ ! ما ذَنْبُ أُمِّي
لِتَحْمِلَ هَمِّي..
وتَبْقَى تُعاني معَ الطِّفْلِ في لَيْلِهِ المُرِّ أَسْقَامَهُ!...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> أَنا لَسْتُ أَنْتَ !..
أَنا لَسْتُ أَنْتَ !..
رقم القصيدة : 67157
-----------------------------------
أنا لستُ أنتَ..
فَدَعْني أكونُ كما شاءَ أيلولُ لي أَنْ أكونَ..
ولا تَخْتَصِرْني بَسَطرَينِ
ضِمْنَ حَواشِي تَصَانيفِكَ الزَّاخِرَهْ!..
أنا لا أَحُضُّكَ أَنْ تَصْطَفيني
وَتَأْتَمَّ بي في صَلاةِ خلايايَ للهِ
تحتَ جَنَاحَيْ سُنونوةٍ عابرَهْ..
فكيفَ تُهِيلُ صُراخَكَ فوقي
وتَرْدُمُ صَوْتي
بِرَمْلِ مفاهيمِكَ البائِرَهْ..
أنا لستُ أنتَ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> الطَّاعِنُ في الفَراغ ..
الطَّاعِنُ في الفَراغ ..
رقم القصيدة : 67158
-----------------------------------
تَذَكَّرْتُكِ الآنَ..
يا ليتَني الآنَ أَسْطِيعُ أنْ أَسْتَعِيدَ قديمي
أمامَ جَديدكِ
يا حَبَّةَ القلبِ !
لو أَسْتَعيدُ قديمي...
بَعُدْتُ كثيراً.. سُرِقْتُ..
فَقدْتُ تُراثَ حنيني..(61/114)
وَأَلْفَيتُني طَاعِناً في فَرَاغي
أُراقِبُ كيفَ يَتمُّ انتثاري..
وكيفَ أَلُمُّكِ بينَ يَدَيَّ..
أَضُمُّكِ..
أُصْغي لآهَاتِ بُركانِكِ الرَّحْبِ..
أَنْسَاكِ بعدَ ذهابِكِ..
لا شيءَ يبقى وراءَكِ..
ضِعْتِ.. وضِعْتُ
ولنْ أَسْتقيمَ ولنْ تَسْتَقيمي!..
تَذَكَّرْتُكِ الآنَ
كيفَ تَمُرِّينَ فوقَ جَحِيمي!؟.
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> في أوَّلِ السَّهْلِ ..
في أوَّلِ السَّهْلِ ..
رقم القصيدة : 67159
-----------------------------------
خَرِفْتَ..
ومازلتَ في أَوَّلِ السَّهْلِ تَدْرُجُ فيهِ
فكيفَ خَرِفْتَ ؟..
أراكَ شَدَدْتَ انتباهَكَ أكثرَ مِمَّا يُرادُ..
وأَضْنَاكَ ما شاهدتْ مُقْلتاكَ
وما لمْ تُشَاهِدْ..
وأضناكَ بُعْدُكَ عَمَّا تَراهُ..
ولولا بقيَّةُ حلْمٍ لديكَ
لَكانَ انتحارُكَ أهونَ منْ أَنْ تَظَلَّ قتيلاً
وتُدْعَى كَشَاهِدْ..
على أَنَّ قلبَكَ ما زالَ يَخفقُ تحتَ ثَراهُ !..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> غُرْبَة ..
غُرْبَة ..
رقم القصيدة : 67160
-----------------------------------
تَغرَّبْتُ في الكَهْفِ..
لا وَحْيَ يهبطُ.. لا مُعْجِزاتْ..
تغرَّبتُ..
لا نُورَ.. لا بَحْرَ..
لا زَهْرَ.. لا عِطْرَ.. لا شِعْرَ.. لا أُغنياتْ..
مَلَلْتُ انتظارَ هُدايَ!
مَلَلْتُ رُكوني إلى ما أُضَيِّعُهُ منْ يديَّ
ويزدادُ بُعْداً وقُبْحَاً ومَوْتاً..
مَلَلْتُ منَ الكهفِ تمتصُّ رُوحي
خفافيشُهُ في طريقِ النَّجَاةْ...
سَأَهْرُبُ حتّى تحينَ الصَّلاةْ !!؟..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> هي بضعُ غيماتٍ ...
هي بضعُ غيماتٍ ...
رقم القصيدة : 67161
-----------------------------------
هي بضعُ غيماتٍ..
رمى تموزُ فيها حقدَهُ
في بئرِهِ النَّاريَّةِ الأنفاسِ واختارَ السَّلامْ..
جعلَ الظهيرةَ جنَّةً
لِلعاشقَيْنِ الهاربينِ مِنَ الزِّحَامْ..
هيَ بضعُ غيماتٍ(61/115)
تَرفَّقتِ السماءُ خِلالها بمشاعرِ الأرضِ التي
عاشتْ على ظمأ
وما زالتْ تتوقُ إلى رسالاتٍ:
مِنَ الغيثِ الخجُولِ.. مِنَ النَّدى..
والأُغنياتِ الغارقاتِ بعطرِهنَّ..
الذائباتِ بِخَمرِهنَّ... الطيباتْ..
هُو ذا النسيمُ يَزُورُنَا برذاذِهِ السِّحْرِيِّ..
يفرشُ فوقَنا سُحُبَ اللآلئِ والزنابقِ..
يَسْتَحِثُّ ربيعَنا الغافي،
ويسألُنا الولوجَ إلى رياضِ
الرحلةِ الأُولى، ويَدْفَعُنَا
لِنعرفَ أنّنا نحيا ونشعرُ بالحياةْ..
لِنَكُنْ حَنينَّيينِ بعضَ الشيءِ..
وَلْنلعَبْ هُنا بينَ الكُرومِ..
لِنعتصِرْ ظلَّينِ مَظْلُومينِ
جَفَّ النهرُ فينا، فَلْنُفَجِّرْ
نبعَنا المردومَ بالأحجارِ والقططِ الجريحةِ..
فَلْنكُنْ مُتَوحِّشينِ وطيبينِ..
لِنبتِكرْ لُغةً تُزَلْزِلُ أرضَنا الخرساءَ
فتَّتَنا تكلُّسُ كونِنَا المَنْخُورِ..
أَنهكَنا جَحيمُ الصَّيفِ..
أفقدَنا بقيَّة حُلْمِنَا..
جُعْنَا.. ظَمِئْنَا.. لم نعدْ طفلينِ..
أصبحْنا مِنَ القصصِ القديمةِ..
فَلْنُقَلِّمْ في تَلاحُمِنَا غُصُونَ الرُّوحِ والجسدينِ،
وَلْنحرُثْ سُهُولَ الحُبِّ فينا..
لم نعدْ طفلينِ.. أَنْهَكَنَا جحيمُ الصَّيفِ..
نحنُ الآنَ أقوى مِنْ تفاصيلِ الجفافِ
ومِنْ سِيَاطِ الشَّهْرِ إِثْرَ الشَّهْرِ
في دوَّامةِ الجوعِ المموسَقِ بالتفاؤلِ..
لنْ نُضيِّعَ أيَّ ثانيةٍ..
سَنَشْرَبُ كلَّ مافي النهرِ
نأكلُ كُلَّ مافي الحقلِ
نغرقُ في زُلالِ تَدَاخُلِ الأمواجِ في الأمواجِ
في العَسَلِ الشَّفيفِ..
وتعرفينَ سجيَّتي وأنا أُسافِرُ
كيفَ أهربُ مثلَ عُصْفُورٍ على الأغصانِ
مِنْ قَمَرٍ إلى قمرٍ..
شمالاً أو جُنوباً..
لا أُطِيلُ تَشَبُّثي إلاَّ إذا أحسستُ
أنَّ النارَ تزدادُ اندلاعاً في المكانِ!..
وقد أُقِيمُ بِكُلِّ رابيةٍ..
أُحَاوِرُهَا
وَأَبْتكِرُ الجديدَ من العباراتِ الشهيةِ..
لا أَكِلُّ.. ولا أَمَلُّ..
وأفتحُ الدنيا..
وأجلسُ فوقَ عرشيَ(61/116)
وَيْكَأَنَّ المُلْكَ يأتي مِنْ مُحاورةِ الحَمَامْ؟!...
رَحَلَ الظَّلام...
ورميتُ عَنْ كَتِفَيَّ هذا الكونَ..
أعلنتُ التَّبرُّؤَ مِنْ جميعِ الناسِ..
ذاكرتي تقيَّأتِ السنينَ بكلِّ مافيها
كأنِّي قد وُلدتُ الآنَ...
أَغْتَرفُ الحنانَ
كما أُريدُ...
وأمزجُ الألوانَ..
أرسمُ لوحتي بطريقتي..
وأَخُطُّ بالحبرِ المُعَطَّرِ بيتَ شِعْرٍ
لا يُفارِقُني صَهيلُ الرُّوحِ فيهِ..
تصاعدَ الإيقاعُ في لُغتي
وبابُ القلبِ موْصُودٌ بيأسي!..
لنْ تُحطِّمَهُ يَدٌ بشريَّةٌ أبداً..
وهذا الصَّبْرُ أقبحُ عادةٍ نعتادُها
والصيفُ يُوشِكُ أَنْ يُقَطِّعَ لحمَنا
ويُسَرْطِنَ الإحساسَ فِينا..
لنْ نجوعَ ولنْ نَضِيعَ..
ولنْ نبيعَ الجوهرَ المكنونَ فينا..
لم نزلْ مُتَدفِّقينِ على الحياةِ
نَعُمُّها بِكُنوزِنَا..
ونَضُمُّها بِحنينِنَا..
لا.. لنْ نمرَّ مُرورَ جَدَّينا..
سنبني قَصْرَنا
ونُطِلُّ مِنْ شُرُفاتِهِ وقتَ الأصيلِ
ونحتسي فنجانَ قَهْوَتِنَا..
ونُصْغِي للأغاني والملائكةِ الذينَ
يُهَدْهِدُونَ الرُّوحَ في نظراتهمْ...
سَيَظَلُّ هذا القصرُ بعدَ مُرورِنَا..
والبِضْعُ غيماتٍ ستبقى تحتوينَا..
لنْ تُغَادِرَنَا..
وَحُبُّكِ مثلُ رُوحِكِ ذُو مواهبَ
والسَّعادةُ نحلُها مُتَعَطِّشٌ لِرَحيقِنَا..
ولشمسِ تمُّوزَ ابتهاجٌ باندلاعِ حريقِنا..
وأنا وأنتِ القادرانِ على الوصُولِ!..
لا.. لن يُشَتِّتَنا انفراجُ البابِ..
لن تتحطَّمَ الشُّرفاتُ..
لن تفنى القصائدُ..
لنْ أَزُولَ.. ولن تَزُولي!..
فأنا وأنتِ القادرانِ على الوُصُولِ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> حُلُمَان مِنْ عِطْرٍ ومَاء ..
حُلُمَان مِنْ عِطْرٍ ومَاء ..
رقم القصيدة : 67162
-----------------------------------
ـ والأَمْرُ كُلُّ الأمرِ أنَّكِ غائبَهْ..
وأنا هنا أمشي على الجُدْرانِ،
أَرشفُ آخِرَ القَطَراتِ منْ فَرَحي،
وآخرَ لحظةٍ منْ صَوتِكِ الغافي على وَجَعي..(61/117)
ولا أبكي على شيءٍ..
كأنِّي قدْ فَقدْتُ الدَّهْشَةَ الأُولى
بأنَّكِ آخرُ النَّسَمَاتِ
في جَوٍّ منَ النّيرانِ والقَتْلى..
وأنَّكِ حالَتي الأغلى عليَّ،
وأنَّكِ الأَحْلى
أمامَ تَلَهُّفي لِلشِّعْرِ..
أَرْشفُ آخِرَ الكلماتِ منْ ثَغْرِ السَّماءِ..
أُزَيِّنُ التَّشْوِيْهَ في تكوينِ مَنْ يَثِبُونَ
في عَينيَّ حتّى لا أرى
حَوْلي قُروداً وَاثِبَهْ...
وَلديَّ أحلامٌ وأحلامٌ..
لديَّ توَتُّري ما بينَ أيامي..
لديَّ تَوهُّجي في الليلِ حينَ يَجيئُنِي
نَبَأٌ سماويٌّ بأنَّكِ سَاهِرَهْ!..
وتَوهُّجي بعدَ الظَّهيرةِ..
حينَ يَنْصَهِرُ الكلامُ بداخلي
وأنا أَضُمُّكِ في حِوَارٍ ما لَهُ هَدَفٌ
سِوَى أَلاَّ يَظَلَّ الصَّمْتُ قُدْرَتَنا الوحيدةَ
في مُواجَهةِ الأَشِعَّةِ والعُطُورِ الكاسِرَهْ..
هذا أنا يا سَاهِرَهْ!
أَصْطادُ أسماكاً تُحَلِّقُ في فَضَائِكِ
حينَ يَقْتَحِمُ انتظاري..
كي أُوَزِّعَها على أطفالِ رُوحي
في المساءِ لِيَأْكُلُوا لَحْمَاً طريَّاً..
ثُمَّ يَسْتَلْقُونَ فوقَ أَسِرَّةِ الذكرى..
وَأَسْرِقُ منكِ تاريخي وفَلْسَفَتِي..
وشَكْلَ مدينَتِي أيَّامَ آدَمَ
أسرقُ الفَصْلَ الذي أَهْوى
وأسرقُ ما تَبقَّى منْ ربيعِ الشِّعْرِ
في أيلولَ.. أسرقُ لحظةً أُخرَى
منَ الفَرَحِ الأخيرِ..
وأسرقُ الأُولى اشْتِهَاءً لا يُحَدُّ ،
وأسرقُ الأُخرى اشْتياقاً لانْتِهَاءِ الظُّلْمِ..
أَسْرِقُ ما يُخَلِّصُني منَ الهَذَيانِ..
أسرقُ جَنَّةً كُبْرَى،
وأَنتظرُ الشُّمُوسَ الغَارِبَهْ..
فالأَمْرُ كُلُّ الأَمْرِ أنَّكِ غَائِبَهْ..
ـ آتٍ إليَّ.. تَظَلُّ تَتْبَعُنِي كَطَيفِكَ
في مَسَاءِ الشَّامِ في أَيَّارَ..
لا تَنْسَى ولا تَسْلَى..
ويُعْجِبُني انتظارُكَ عَوْدَتي
وأنا أمامَكَ أَنْتَظِرْ!..
ـ أنا قدْ أُحبُّكِ عندما
أنجُو منَ السُّمِّ الذي يَمْشي على قَدَمَيْنِ
منْ نارٍ وطينٍ حولَ إحسَاسي ،
ويَجْعلُني أَسِيْرُ وأَنْفَجِرْ!..(61/118)
ـ وأنا أُحبُّكَ عندما تأتي..
أحبُّكَ عندما تَأْوِي إليَّ..
أُحِبُّ صوتَكَ حينَ يَرسُمُ فوقَ صَدْريَ
شَمْسَهُ الصَّيفيَّةَ الإشراقِ..
كُنِّي كي أَكُونَكَ، وَلْيكُنْ ما كانَ وَهْمَاً،
واقرأ الآنَ الحقيقةَ واخْتَصِرْ..
ـ أنتِ الحقيقةُ حينَ تُخْتَصَرُ الحقيقةُ،
فَاسْتَمرِّي في دَمي أبداً نشيداً لا يَغيبُ..
ولَحِّنيني..
لَحِّني صَمْتيْ على نَغَمِ البَيَاتِ ،
وأَطْلِقيني منْ كُهُوفِ الارْتحالِ إلى الضَّلالِ
إليكِ أنتِ..
وأينَ أنتِ؟
تكسَّرتْ حولي غُصُونُ الجُلَّنَارِ..
تكسَّرتْ كُلُّ المقاعدِ في حديقةِ خاطِري..
وتَفرَّقَ الحَشْدُ العظيمُ منَ العصافيرِ التي
جاءتْ لأَسْمَعَها وتَسْمعَنِي..
تكسَّرتِ المشاعرُ فوقَ بِلَّوْرِ الزَّمَانِ المُنْكَسِرْ...
ـ إنِّي هُنَا..
والأمرُ كُلُّ الأمرِ أنَّكَ غائبُ..
فمتى تَعودُ لِتُكْمِلَ السَّطْرَ الأخيرَ
منَ القصيدةِ؟
عُدْ لِيتَّضِحَ التَّوحُّدُ في رُؤَايَ
وفي رُؤَاكَ..
أنا ليسَ لي إلا يداكَ..
وليسَ لِلبَحْرِ الغَريقِ بداخلي
أَمَلٌ سِواكَ..
فمتى تَعودُ.. متَى يَعُودُ الهَارِبُ؟!
ـ أيَّارُ حَيَّرَنِي..
وغَيَّرَني وأَطْلَعَني على قحطانَ
حينَ يكونُ حَيَّا!..
أيارُ فَاجَأَني بِبَعْضِ جُنُونِهِ..
أيَّارُ أَرْجَعَني إليَّا..
مِنْ صُدْفَةٍ في شارعٍ قبلَ الغُروبِ بِسَاعةٍ
حتّى ذَبحْتُ قصيدَتي ذَبْحَاً أمامَكِ
كي نَظَلَّ بِرُوحِنَا مُتَوَهِّجَيْنِ..
وغائبَيْنِ عنِ الزَّمَانِ
وعَائِدَيْنِ.. وذَاهِبَيْنِ..
كأنَّنا حُلُمانِ منْ عِطْرٍ ومَاءٍ..
لا حُدودَ لِمَا لَدَيْكِ
ولا حُدودَ لِمَا لَدَيَّا!..
أيارُ يَفْهَمُ كُلَّ ما يَجْري،
ويُخْبِرُنا بِسِرِّ هُرُوبِنَا منْ سِرِّنَا..
أيارُ يَفْهمُنا..
ورُوحُكِ لم تَزَلْ مُمْتَدَّةً كالشَّمْسِ،
لكنْ لا تَميلُ لِمُسْتَقَرٍّ..
لا تَغيبُ عنِ القصيدةِ في المساءِ
وتُدْرِكُ القمرَ المُغَطَّى بالرمَادِ...(61/119)
ضُمِّي انْفِرَادَكِ لانْفِرادِي..
أيارُ يَصْدِمُنَا..
فَثَمَّةَ ما يُحَرِّضُنَا
ويَجْعَلُنا نَخَاُف منَ البِعَادِ..
ضُمِّي فُؤادي..
فَاجِئيني كُلَّما أَحْبَبْتِ.. نَادِيْ
لَحْظَتي الورديَّةَ الإحساسِ..
نادي
ذلكَ الطِّفْلَ الذي مازلتُ أَتْبعُهُ ويَهْرُبُ
إنَّهُ أَمَلي الوحيدُ لِكَيْ أَرَى
كُلَّ الحَمامِ الأبيضِ الهَدَّالِ
قدْ غَطَّى بلادي..
ضُمِّي بلادي..
يا ابنةَ البلدِ الأخيرةَ عَلَّهَا
تَرْتَاحُ منْ شَبَحِ السَّوَادِ...
ـ أَسْرَفْتَ في أحلامِكَ
الخضراءِ والحمراءِ والسوداءِ والبيضاءِ..
لا تَحْلُمْ سِوى عَنْ نَفْسِكَ العَطْشَى
وَدَعْنِي.. إنَّ لي حُلُمي..
فَدَعْنِي حُرَّةً في الحُلْمِ..
دَعْني.. أَسْتَمِرّ وأَسْتَمِرّ..
فما أنا إِلا أنا
نَهَرٌ يَفيضُ ولا يَفيضُ..
وجَنَّةٌ تُعْطِي ولا تُعْطِي..
فَأَحْبِبْنِي إذا ما شِئْتَ،
واترُكْني إذا أَحْبَبْتَ..
وَاحْمِلْني إذا ما فَارَ تَنُّورُ القَصيدةِ
منْ عُرُوقِكَ في سَفينةِ حُبِّنَا الأَبَدِيِّ...
أَبْحِرْ بي إلى أُمِّي وأُمِّكَ في مَخَاضِهِمَا
على إيقاعِ أيلولَ المُسَرْبَلِ بالحَنينِ...
كأنَّنا حُلُمانِ منْ عِطْرٍ وماءٍ
مثلما قَدْ قُلْتَ..
أَبحِرْ بي إلى مُدُنِ السَّلامِ..
إلى مَدِينَتِنَا دمشقَ أَضُمُّها
حتّى يُغَطِّيها الحَمَامُ الأبيضُ الهَدَّالُ
أبحرْ بي إليكَ.. إلى أبي والحُبِّ..
لا تَحْزَنْ كثيراً.. لا تَخَفْ منْ ظُلْمَةِ الظُّهْرِ
الأخيرةِ في الحياةِ،
وَعُدْ إليَّ وعُدْ إليكَ وَلا تَنَمْ..
فالليلُ أَقْصَرُ منْ قَصيدتِكَ التي
ما زلتَ تَنْسُجُها على أَنْوَالِ رُوحِكَ..
لا تَقُمْ..
فالقهوةُ السوداءُ لم تَحْضُرْ ،
وَلمْ تَأْتِ العصافيرُ التي سَمِعَتْ بنا،
وأنا هُنَا..
والصَّيْفُ يَمْضي..
إنَّهُ أيلولُ يَحْضُرُ كُلَّ عامٍ
كي تَزِيدَ شُمُوعُنَا أَلَقاً..
فأبحرْ بي وأَبْحِرْ
أَيُّها البَحَّارُ في بَحْرِ الخُلُودِ..(61/120)
ـ عُودِي إليَّ فأنتِ عيدي..
في.. مِنْ.. إلى.. وَأمامَ.. خَلْفَ..
وَفَوْقَ.. تَحْتَ..
وعِنْدَ... بينَ يَدَيْكِ عيدي...
سافرتُ منكِ ولمْ أَزَلْ
حُلُماً حَرِيْرِيَّاً عليكِ، ولَمْ أَزَلْ
نَبْضَ الوريدِ...
أَنْوي الرُّجُوعَ إلى دَمي..
أَنْوي الرُّجُوعَ إلى النَّشِيدِ..
لا تَتْرُكي سَفَرِي يَطُولُ..
تَنَزَّلي مَلَكَاً شَآمِيَّاً عَلَيَّ ولا تَعُودِيْ!..
ـ مازلْتَ أَبْعَدَ منْ يَدِيْ عَنِّي..
ـ كأنَّكِ في عُيُوني..
ـ تَرْجِمْ إلى العَربيَّةِ الفُصْحَى سُكُوني!
ـ صَوْتٌ.. صَفَاءٌ.. صَدْمَةٌ..
صَمْتٌ صَرِيحٌ.. صَحْوَةٌ
في قَلْبِ أَهْدابِ الجُفُونِ!..
ـ مَنْ أنتَ؟ قُلْ لي!
ـ لمْ أَزَلْ وَحْدِي..
ـ وَمَالَكَ؟
ـ وَرْدَةٌ في ظِلِّ شَعْرِكِ..
ـ لا أَرَاهَا..
ـ رُبَّمَا هَبَّتْ عليها الريحُ
فَانْتَثَرتْ بعيداً كالغُبَارِ..
ـ شَغَلْتَنِي..
ـ وَشَغَلْتِنِي..
إنَّ الَمَشاعِرَ في المَشَاعِرِ ذَائِبَهْ..
والعُمْرُ كُلُّ العُمْرِ أَنَّكِ شِعْرُهُ..
والشِّعْرُ كُلُّ الشِّعْرِ أنَّكِ عُمْرُهُ..
والأَمْرُ كُلُّ الأَمْرِ أَنَّكِ غَائِبَهْ...
ـ ... ... ... ؟
ـ ... ... ... !
ـ ... ... ...
ـ ... ... ...
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> مِنْ أجْلِهَا ..
مِنْ أجْلِهَا ..
رقم القصيدة : 67163
-----------------------------------
مِنْ أَجْلِهَا يَتفتَّحُ الوَرْدُ
ولأَجْلِهَا الأيامُ تَمْتَدُّ
والليلُ يُشْرِقُ وَجْهُهُ أَلَقاً
منْ أَجْلِها، والنُّورُ يَشْتَدُّ
هيَ عالَمٌ مازالَ يُدْهِشُني
فيهِ الَمَحاسِنُ مالها حَدُّ
رَحْبٌ.. مُثيرٌ.. ليسَ يُدْرِكُهُ
عَقْلِي، فَيَجْذبُهُ ويَرْتَدُّ
وأَتُوهُ فيها صَامِتاً، وَدَمي
يَغْلي، وقَلْبي نَبْضُهُ رَعْدُ!
والبَرْقُ في عينيَّ مُشْتَعِلٌ
والشِّعْرُ في الوجْدانِ مُحْتَدُّ
تيْهٌ إلى الخيراتِ يُرْشِدُني
والحُبُّ منْ آياتِهِ الرُّشْدُ..
* * *(61/121)
تزدادُ حُسْناً كُلَّ ثانيةٍ
فإذا نَظَرتُ يُصِيبُنِي الجُهْدُ
وإذا غَضَضْتُ الطَّرْفَ يَحْمِلُنِي
بَحْرُ الخَيَالِ ويَبْدَأُ المَدُّ
صُوَرٌ تَراءَى لي على عَجَلٍ
حتّى كأنَّ جَمَالَها يَعْدُو!
تَتَفاءَلُ الدُّنيا إذا ابْتَسَمتْ
والبِيْدُ تُعْشِبُ، والرُّبَا تَشْدُو
والبحرُ يَحْلُو ماؤُهُ فَرَحاً
والكائناتُ يَلُفُّهَا السَّعْدُ
وإذا تَسَاقَطَ دَمْعُ مُقْلَتِها
يوماً، فإنَّ الشَّمْسَ تَسْوَدُّ!
* * *
حُبِّي لها في الليلِ يُؤْنِسُنِي
وإذا غَفَوْتُ فإنَّه المَهْدُ..
حُبِّي لها دِفءٌ يُلازِمُني
مَهْما تَفَاقَمَ في الشِّتَا البَرْدُ..
حُبِّي لها نَصْري على زَمَني
وحَضَارتي.. والعِزُّ والمَجْدُ
لولاهُ لمْ أَعْزِفْ على وَتَرٍ
وَلَمَا تَقَطَّرَ منْ فمي الشَّهْدُ
في جَوِّهِ الأقمارُ تَصْحَبُني
فإذا بَدَوْتُ كَهَالَةٍ أَبْدُو!
منْ وَحْيهِ أحيا بلا مَلَلٍ
في جَنَّةٍ ما نَالَها عَبْدُ
حُبِّي لها منْ أَجْلِهِ عُمُري
وَلأَجْلِنا الأيَّامُ تَمْتَدُّ ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> كلاَنا مُسَافر ..
كلاَنا مُسَافر ..
رقم القصيدة : 67164
-----------------------------------
كلانا مُسافرْ..
كلانا عنِ الشَّامِ صارَ بعيداً
كلانا برغْمِ الدموعِ يُكَابرْ..
وأيلولُ في الشّامِ يبحثُ عَنَّا
ويبكي ويذرفُ أحلى المشاعرْ...
*
كلانا يموتُ ويحيا مراراً
وليسَ يعودُ.. وليسَ يُبَادِرْ..
ليبقى مُسافرْ..
كلانا يَئِنُّ..
كلانا يَحِنُّ..
كلانا بِأَوْجِ الشَّبابِ يُقَامِرْ..
وأيلولُ في الشّامِ يبحثُ عَنَّا
ويبكي ويذرفُ أحلى المشاعرْ..
*
كلانا يُحسُّ النَّهارَ دُهُوراً
وفي الليلِ يَقْطَعُ بعدَ عُروقِ يديهِ
عُروقَ الستائرْ..
كلانا يَسيرُ لغيرِ سبيلٍ
كلانا يُغَامرْ..
وأيلولُ في الشَّامِ يبحثُ عَنَّا
ويبكي ويذرفُ أحلى المشاعرْ...
*
كلانا تَعلَّمَ دَرْسَاً عظيماً ..
بأنَّ الحياةَ بغيرِ حبيبٍ حياةُ مَخَاطرْ..(61/122)
وأنَّ الزمانَ الجميلَ قصيرٌ
وليسَ يجيءُ بِأَمْرٍ وآمِرْ..
كلانا تَحطَّمَ بعدَ الفراقِ
وصارَ يعيشُ الحياةَ كَخَاسِرْ..
كلانا تبعثرَ في الأرضِ قَهْراً
وراحَ يُسَافرْ..
وأيلولُ في الشَّامِ يبحثُ عَنَّا
ويبكي ويذرفُ أحلى المشاعرْ..
*
على شَاطئِ البحرِ كنتُ أَسيرُ
وفي القَلْبِ جُرْحٌ..
وفي البَالِ خَاطِرْ..
وكنتُ أُراقبُ شمسَ الغُروبِ
وكيفَ تَذُوبُ رُويداً رُويداً...
وتَسْقُطُ في الماءِ مثلَ سُقُوطِ السعادةِ مِنِّي،
ومثلَ سُقُوطِ البشائرْ..
جلستُ على الرملِ بَعْدَ انهياري
تحدَّثْتُ للبحرِ عَنْ كُلِّ خاطرْ...
وفُوجِئْتُ بعدَ هُبوطِ الظلام
بأيلولَ يأتي ويجلسُ قُرْبي
ويبكي ويذرفُ أحلى المشاعرْ...
*
كلانا منَ الشوقِ راحَ يُسَافرْ..
وشوقُ المُحبِّينَ أيضاً يُسافرْ
كلانا منَ الحُزْنِ راحَ يُغَامرْ..
وحُزْنُ المُحبِّينَ أيضاً يُغَامرْ
فكيفَ نُسَافِرْ؟
وكيفَ نُغامرْ؟
وكيفَ نظلُّ على الأرضِ جَرْحَى
وفينا تَغُوصُ نُصُولُ الخناجِرْ؟..
لديَّ اقتراحٌ يُريحُ كلينا..
نعودُ إلى الشّامِ حيثُ التقينا..
نعودُ ونبعثُ نورَ التألُّقِ منْ مُقْلتينا..
ونَنْسى زَماناً منَ العُمْرِ عاثِرْ..
ونَحْضُنُ أيلولَ بعدَ الغِيَاب
ونبكي ونذرفُ أحلى المشاعرْ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> مَلَكٌ تَوَاضَعَ ..
مَلَكٌ تَوَاضَعَ ..
رقم القصيدة : 67165
-----------------------------------
شقراءُ مثل البَدْرِ صَاغَ أَشِعَّةً
سالتْ على الكتفينِ فَيْضَ تَأَلُّقِ
وعلى بَيَاضِ الظَّهْرِ غَطَّى نُورُها
نُورَ البَياضِ بِوَهْجِهِ المُتَدَفِّقِ
شَقْراءُ حتّى في طبيعةِ رُوحِهَا
وشُعورِهَا وحديثها إنْ تَنْطِقِ
شَقْراءُ حتّى في تَنَاسُقِ خَطِّها
فوقَ السُّطُورِ كَجَدْوَلٍ مُتَرَقْرِقِ
ما كنتُ أَجْرُؤُ أنْ أُفكِّرَ لحظة
في نَظْرةٍ منها تقولُ: سَنَلْتَقي
أو أنَّني يوماً سَأُمْسِكُ كَفَّهَا(61/123)
ونطيرُ في جَوِّ الغَرامِ المُشْرِقِ
أو أنَّني سَأَضُمُّهَا مُتَشَوِّقَاً
أو أنَّها سَتَضُمُّنِي بِتَشَوُّق
ما كنتُ أجرؤُ.. كيفَ أَجْرُؤُ ؟ إنَّها
مَلَكٌ تَواضَعَ لِلْفَقِيرِ المُرْهَقِ ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> شريد ..
شريد ..
رقم القصيدة : 67166
-----------------------------------
كأنِّي إذا غابَتْ وطَالَ غِيَابُها
شَريدٌ بِصَحْراءٍ هيَ الأرضُ كُلُّهَا
أُوَاجِهُ فيها كُلَّ هَوْلٍ وَأَنْحَني
كَلِيْلاً، ويُدْنيني منَ الموتِ رَمْلُهَا
أحاوِلُ أنْ آوي إلى أيِّ خَيْمَةٍ
أراها.. فَيُلْقِيني إلى الليلِ أَهْلُها
وَأَسْعى وحولي القَرُّ والفَقْرُ والأسى
وأصداءُ أصواتِ الوُحوشِ وغِلُّها
وَأَحْذَرُ منْ نَفْسي الجُنونَ وأَتَّقي
سكاكينَ غَدْرٍ لا يُخَيَّبُ نَصْلُها
وأبكي بلا دَمْعٍ يَسيلُ لأنَّني
بَذلْتُ جميعَ الدَّمْعِ مُذْ غَابَ ظِلُّهَا
دَماراً يصيرُ العَيْشُ لو كانَ دُونَها
مَعَاشٌ لِرُوحي والفِراقُ يَشلُّهَا ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> خَمْسُ لَوْحَاتٍ لإِنْسَانٍ يَتَألَّم ..
خَمْسُ لَوْحَاتٍ لإِنْسَانٍ يَتَألَّم ..
رقم القصيدة : 67167
-----------------------------------
1 ـ ظُلْمُ الحياة
مَلَلْتُ مِنَ الْحَيَاةِ وَأَتَعَبَتْنِي
مَنَاظِرُهَا وَأَدْمَاني أَسَاهَا
وَأَذْهَلَنِي تَقَلّبُهَا مِرَارَاً
وَعَذَّبَنِي الْخُضُوعُ لِمُبْتَغَاهَا ..
مَلَلْتُ وَصَارَتِ الأَيَّام قَشَّاً
يُبَعثرهُ وَيَسْحقُهُ هَوَاهَا..
وَصَارَ الْعَيْشُ مِثْلَ الْمَوْتِ عِنْدِي
وَمَا عَادَتْ تُؤْرقُنِي رُؤَاهَا..
فراغٌ كُلُّها.. قَلقٌ وَسُخفٌ
بما ظلمتْ بِمَا قتلت يَدَاهَا
مَلَلْتُ وَلَسْتُ أَطْلُبُ مِنْ مزيدٍ
وَيَكْفِيني النُّحُول أَمَا كَفَاهَا ؟ !
حَيَاتي ليس تُشبهها حياةٌ
وَبَحْرُ مواجعٍ يبقى مَدَاهَا
* * *
2 ـ الذئاب
ذِئَابٌ حَوْلَنا.. وأنَا بطبعي(61/124)
رفضتُ أكونُ مِن بينِ الذِّئَابِ
رَفَضْتُ الْعَيْشَ فِي الْغابَات أعدو
وأَنْهَشُ فِي الْقُلُوبِ وَفِي الرِّقَابِ
وَأَهْضمُ حَقَّ مسكينٍ شريدٍ
يكدُّ ولا يرى غير الضَّبَابِ
وأَنْثرُ رِيشَ عصفورٍ يُغَنِّي
لِشمس الصُّبْحِ مِنْ بَعْدِ الْغِيَابِ
سَئِمْتُ زحامَهم فِي كلِّ وقتٍ
أمَا سَئِمَ الطَّرِيق مِنَ الْكِلابِ
أَنَا بَشَرٌ وَلَسْتُ بِكَلْب صَيدٍ
تُضرّجُهُ الدِّمَاءُ بِلا حِسَابِ
أَنَا بَشَر وَمَا لِلْذِّئِب عندِي
إذا استعدى عليَّ سوى الحِرَابِ
* * *
3 ـ السِّبَاق
وَأَصحابي، وَأَينَ هُمُ صِحابي؟
لقد ماتوا.. وما أَحَدٌ بِبَاقِ
وَكُنَّا فِي زوارقنا ركبْنا
وَبَينَ الموج خُضْنَا فِي السِّبَاقِ
فداهَمَنا هياجُ البحر هَوْلاً
مُرِيعاً فانقضى زَمَنُ التَّلاقي
وَفَرَّقنا العبابُ على المنايا
وَمِنَّا مَنْ نَجَا وَاللهُ واقِ
وَلَكنِّي وَمَوجُ الْبَحْر يَعلو
ظَللتُ بِمُفْرَدِي بَعْد الفراقِ
أُنادي الصَّحْبَ حَتَّى ينقذوني
فما سَمِعُوا.. وَسَرَّهُمُ اختناقي
فأدْرَكتُ الحقيقةَ بعد حينٍ:
لقد متُّمْ جميعاً يا رِفاقي..
* * *
4 ـ ضياع الحبيبة
وَمِنْ آياتِ إِخفاقي وبؤسي
ضَياعُ حبيبتي وَضَياعُ أُنْسِي
وَمَوتُ سعادتي وفَنَاءُ روحي
وَقَهْرُ مشاعري وعذابُ حِسِّي
لقد كنَّا نعيشُ الحبَّ دوماً
بِكُلِّ حَمَاسَةٍ وَبِكُلِّ جَرْسِ
وَنَحْلُمُ بِالْنُّجُومِ وَبِالأغاني
وَنَحْيَا دَائِمَاً فِي جَوِّ عُرْسِ
وَنُزْهِرُ فِي الْخَرِيفِ رَبِيعَ أُنسِ
وَفِي الآصالِ نُشْرِقُ مِثْلَ شمسِ
إذَا لاقيتُها يزدادُ حظِّي
وَإِنْ فارقتُهَا قَابلْتُ نحْسي
لَقَدْ غابتْ وَخَلَّتني وحيداً
سِوَى مِنْ غربتي وظلامِ يأسي ..
* * *
5 ـ زمن الهموم
أنا زمنٌ طويلٌ من همومٍ
أدورُ مُجَزَّءَاً بين الأنامِ
أدورُ وفي ضميري نبعُ شِعْرٍ
وَلَكنْ مَنْ يُفتِّشُ عَنْ كلامي ؟ !
أدورُ ولا أرى أحداً يراني
وأبقى غائباً تحتَ الحُطَامِ(61/125)
وَأَبْقَى ثائِراً مِنْ غير صوتٍ
فصوتي ضائعٌ بينَ الزحام
تعبتُ من الحديثِ إلى صخورٍ
ومِنْ بَثِّ الشكيَّةِ للظلامِ
ومن قَتْلِ الرجاءِ بغير حقٍّ
ومِن ذبحِ الطموحِ على الرخامِ
تعبتُ من الحياةِ وضاقَ صدري
بِمَا يلقاهُ مِنْ مُرِّ السّقامِ ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> العقاب ..
العقاب ..
رقم القصيدة : 67168
-----------------------------------
هلْ تسمعينَ هِتَافَ القلب إن هَتَفَا
في ليلةٍ هَامَ فيها وَارْتَمى شَغَفَا
في ليلةٍ لا يُضِيءُ البَدْرُ ظُلْمَتَها
بلْ يبعثُ الخوفَ والأوجاعَ والأسفَا
هلْ تسمعينَ أنينَ الليلِ منْ دَنِفٍ
ما أَنَّ قُربَكِ يوماً أو ثَوَى دَنِفَا
ما عاشَ قُربَكِ أحزاناً ولا أَرَقاً
ولا رأى ليلةً سوداءَ أو عَرفَا..
ولا قَضَى في شُرُودٍ يومَهُ ثَمِلاً
ولا تَرنَّحَ مهمُوماً ولا رَجَفَا
ما كانَ يَشْرُدُ منْ هَمٍّ يُلازِمُهُ
بل كانَ يشردُ في عينيكِ مُلْتَهِفَا
وإنْ شَكَا وَعْكَةً وارى شَكِيَّتَهُ
حتَّى يَراكِ وفي كَفَّيكِ ماءُ شِفَا
* * *
هلْ تسمعينَ ترانيماً مُلَوَّعَةً
يبُثُّها شِعْرُهُ في الكونِ إنْ نَزَفَا
يبُثُّها رُوحُهُ السَّكْرَى بِغُرْبَتِهَا
في عالَمٍ يَتَداعى حولَها تَلَفَا..
آهٍ لَوَ انْتِ أمامي الآنَ سامعةً
صَوْتي، ونَاظِرَةً جسْمي وقدْ ضَعُفَا
لَكُنْتِ أَيقنتِ أنِّي لستُ ذا أَمَلٍ
في العَيْشِ بعدَكِ يا نَبْضي الذي وَقَفَا
وأنَّنِي صِرْتُ طَوْعَ اليأسِ يَحْملُني
إلى بِحَارٍ بها المجهولُ قَدْ عَصَفَا
وأنَّني ضِعْتُ في الأعماقِ مُغْتَرِباً
إلاَّ عنِ الحُبِّ والماضي الذي سَلَفَا
* * *
يا نَبْعَةَ النُّورِ في الوجْدانِ يا بصري
يا مَنْ سأبقى إليكِ العُمْرَ مُنْصَرِفَا
أنا الذي ذَوَّبَ الأحزانَ في دَمِهِ
أنا الذي عانَقَ الأوصابَ وَالْتَحَفَا
حَطَّمْتُ نَفْسيَ مُذْ أَنهيتُ قِصَّتَنَا
وكمْ مُرِيْعٍ.. أرى قلبي وقَدْ نُسِفَا!(61/126)
مهما شَكَوتُ فلا تَأْسَيْ عَلَيَّ وقدْ
نِلْتُ العِقَابَ على ما كُنتُ مُقْتَرِفَا
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> الصَّمْتُ وعيناها ..
الصَّمْتُ وعيناها ..
رقم القصيدة : 67169
-----------------------------------
إلى عينيك يبعثني فؤادي
فأنظر فيهما حتّى أذوبا
وأشردُ في وميضِ الحسنِ حتّى
تُضِيءَ مشاعري ضوءاً عجيبا..
وأشعرُ أنني أصبحتُ شمساً تشع الدفءَ طوراً واللهيبا..
ويأخذني الحديثُ إلى عيونٍ
تسائلني.. فتلقاني مُجيبا
فأنسى كُلَّ مَنْ حَولي وأبقى
مع الأنوارِ منسجماً طروبا ..
عيونكِ يا مَهَا قلبي جِنَانٌ
وكم أحتاجُ كي أحظى نصيبا ..
أنا المسحورُ تسْكُنُهُ بَتُولٌ
تَفُوقُ الزنبقَ البلديَّ طيبا..
تفوقُ الياسمينَ صفاءَ روحٍ
تهُبُّ بحسنها الصَّافي هبوبا
أحاولُ أن أكفَّ القلبَ عنها
فيوجعني ولا ألقى طبيبا
تشوّقُني إليها دونَ قصدٍ
وتجذبني وتَمْلَؤُني وجيبا
ويمسي دونها عمري فقيراً
وأمسي بين أوراقي كئيبا
فأسعى نحوها وأنا أُناجي
أحاسيسي وأجتازُ الدروبا..
فألقاها تُنَاديني بصمتٍ:
لماذا لم تعُدْ مني قريبا ؟
تظلُّ بصمتها تغتالُ صبري
وتشعلُ بين أعصابي الحروبا
وتتركني بعينيها شريداً
أُخاطبُ فيهما حُبَّاً عصيبا
أسيراً فيهما منذُ ابتدأنا
ومظلوماً ومنفيّاً غريبا..
ولكني بأسرهما سعيدٌ
ولا أنوي مِنَ السِّحْرِ الهُروبا
أحبُّهما لأنَّهُمَا هنائي
وكانَ العمرُ قبلَهُمَا خُطوبا..
فمَالي غير نُورِهِما مناراً
وما لي غير لونِهِمَا حبيبا ..
شعراء العراق والشام >> قحطان بيرقدار >> النَّاطُور
النَّاطُور
رقم القصيدة : 67170
-----------------------------------
في قلبِ الليلِ الغارقِ في الأمطارِ وفي الأحزانْ..
كانَ الناطورُ بِغُرْفَتِهِ
يُصْغِي لِنَشيدِ المطرِ الهاطلِ
ويُلَحِّنُ فيهِ الحِرْمَانْ ..
ويزيدُ الموقدَ مِنْ حَطَبٍ
لِيَزيدَ الدفءُ ويسعى في كُلِّ الأركانْ..(61/127)
كانَ الإجهادُ جَليَّاً في عينيهِ المُتْعَبَتينِ
وفي الأجفانْ!.
يتمنَّى أنْ يَغْلبَهُ النومُ
ولكنْ ما أشقاهُ.... وما أقسى الجيرانْ!.
الليلُ طويلٌ في كانون الثاني
ماذا يفعلُ هذا البائسُ كي تمضي
هذي الساعاتُ بِكُلِّ أَمَانْ ؟..
لا أحدٌ يُؤْنِسُ وحْشَتَهُ
لا أحدٌ يشربُ خمرتَهُ
ومريرٌ جِدَّاً أن يبقى كأسيرٍ ما بينَ الجُدْرَانْ ..
لا يعرفُ بيتاً يَسْكُنُهُ..
لا يعرفُ أُمَّاً تَحْضُنُهُ..
لا يَعْرِفُ أَهْلاً، أو خِلاَّنْ..
الليلُ طويلٌ .. ماذا أفعلُ يا جيرانْ ؟!..
* * *
عشرونَ ربيعاً عُمْرُ البائسِ
والأعمارُ لها أوزانْ..
البيتُ الأولُ يُرْهِقُهُ..
البيتُ الثَّاني يَطْحَنُهُ..
البيتُ الثالثُ يَذْبَحُهُ..
والبيتُ الرابعُ يُوصِلُهُ حَدَّ الهذيانْ!.
عشرونَ ربيعاً فَشَبَابٌ
أجملُ منْ هذا لا ما كانْ!
الطولُ الفارعُ والخدَّانِ الورديانْ
والشَّعْرُ الأَشْقَرُ، والعينانِ الزرقاوانْ..
والوجهُ النَّاصعُ مثلُ الثلجِ،
الجسدُ الصُّلْبُ الطامحُ والبُنْيَانْ..
لكنَّ الفَقْرَ يُخَبِّئُهُ..
كظلامِ الليلِ وَيَحْجُبُهُ..
عَنْ نَظْرَةِ عَيْنٍ مُعْجَبَةٍ... أو بَعْضِ حَنَانْ..
ويظلُّ لِبَحْرِ مَتَاعِبِهِ
يرميهِ الموجُ إلى البركانْ ..
ويقولُ حزيناً في وَجَلٍ :
الليلُ طويلٌ .. ماذا أفعلُ يا جيرانْ ؟!
* * *
وانتصفَ الليلُ ولم تَهْدَأْ
بَعْدُ العينانِ المُجْهَدَتَانْ..
وأزيزُ الرعْدِ يُثِيرُ الخوفَ
وَيُلْهِبُ آلافَ الأشجانْ..
مازالَ أمامَ الموقدِ يَشْرَبُ ناراً
يشربُ حُزْنَاً..
كي يَتَمكَّنَ هذا القلبُ منَ الخَفَقَانْ ..
في لحظةِ دفءٍ حالمةٍ
يَنْتَفِضُ البائسُ ملهوفاً ..
مذعوراً .. مَفْجُورَ الوجدان ..
ماذا ؟!
طَرَقَاتٌ مُتْعَبَةٌ في قَلْبِ البابِ
تُدَقُّ الآنْ!.
وَبِلَمْحِ البرقِ استعرضَ آلافَ الأَزْمَانْ..
لا أحدٌ بعدَ دخولِ الليلِ
يَدُقُّ عليهِ منَ الجيرانْ..
لا أحدٌ يدخلُ غرفتَهُ غيرُ الفئرانْ..(61/128)
منذا يَقْصِدُهُ ؟ لا يدري...
شيءٌ لا يَخْطُرُ في الحِسبانْ!.
وتناولَ مُوسَى في يَدِهِ،
والرعدةُ تَسْرِي في دمِهِ
والشمعةُ تَرْقُبُ ما يَجْري وعُيُونُ الجَانّْ!!
والمطرُ الهاطلُ يصبحُ وَحْشَاً في الطُّرُقَاتْ ..
وتقدَّمَ نحوَ البابِ ومازالتْ هذي الطَّرَقَاتْ
تتثاقلُ فوقَ البابِ بلا ميزانْ..
وانشقَّ البابُ المُنْهَكُ
في يَأْسٍ وبكُلِّ هَوانْ..
وتهاوى فوقَ الأرضِ قَوامٌ
والتحمَ الاثنانْ..
وارتطمَ البابُ كبابِ السجنِ
وكانَ القَدَرُ هوَ السجَّانْ!.
وَتَفَاجَأَ هذا الوجهُ الناصع والعينانِ الزرقاوانْ!.
ما عادَ يُصَدِّقُ ما يَجْري،
والوقتُ تَفجَّرَ في دُنْيَاهُ
وما عادتْ في القلبِ بُذُورٌ منْ إيمانْ..
ماذا يا رَبِّي؟ زائرةٌ في هذا الوقتِ؟
أجبني يا رَبَّ الأكوانْ..
وتأمَّلَ فيها مُلْتَحِمَاً مَعَها
والأرضُ يُبَلِّلُها كُحْلُ الأجفانْ..
وَمَضَى يَسْأَلُها بحنانٍ :
مِنْ أينَ أتيتِ الآنَ أيا بِنْتَ الجيرانْ؟!.
* * *
وَبِقُرْبِ الموقدِ أَجْلَسَهَا
هذا الحيرانْ..
كانتْ عاريةً تأكلُها
نيرانُ الخَيْبَةِ أو ثلج الخُسْرَانْ
والوحشُ تَكَرَّمَ أنْ خَلَّى
أشلاءً يَجْمَعُهَا فُستانْ..
طَعَنَاتٍ حُمْراً وجُروحاً نَالَ النهدانْ..
وتلوَّنَ كُلُّ بياضِ الجَسَدِ الليِّنِ
لونَ المشمشِ أو زَهْرِ الرمانْ..
كانَ الناطورُ يُراقبُها
بهدوءٍ ويَخِيْطُ الفُستانْ!.
ويُفَكِرُ في بنتِ الجيرانْ..
كانتْ قاسيةً.. شامخةً
تَأْمُرُهُ.. تَنْهَرُهُ.. تُغْريهِ
بأنْ يبدُو منْ فوقِ غلالَتِها النهدانْ..
أمنيةٌ كانتْ غاليةً :
أن يلمحَ يوماً هذا الجَسَدَ الباريسيَّ بلا فُسْتَانْ...
والآنَ يراها عاريةً
منْ طَرَفِ القَدَمِ إلى الأجفانْ..
والعارُ.. الذُّلُّ.. الوَحْلُ تجمَّعَ في عينيها
أينَ الجاهُ وأينَ الرِّفْعَةُ والسُّلطانْ ؟
وَتَفَكَّرَ في طَعْمِ التفاحِ الأحمرِ
طَعْمِ الكرزِ وفي طِيْب الرَّيْحَانْ..(61/129)
وَتَذكَّرَ أنَّ الليلَ طويلٌ في كانون الثاني والأحزانْ..
وانْصَرَمَ الليلُ بأَكمَلِهِ
وانبلجَ الصُّبْحُ بِكُلِّ أمانْ..
وَأَفَاقَ البَائِسُ منْ حُلُمٍ
وَحْشِيٍّ.. يالخَيالِ الجانّْ..
ومضى في يأسٍ وقُنوطٍ
يَتَحمَّلُ أَعْبَاءَ الجيرانْ...
العصر العباسي >> ابن زريق البغدادي >> لا تعذليه فإن العذل يولعه
لا تعذليه فإن العذل يولعه
رقم القصيدة : 67171
-----------------------------------
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ
مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً
مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ
فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ المَهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ
مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ
رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ
مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً
وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه
للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ
رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ
لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى
مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
وَالحِرصُ في الرِزاقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت
بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالمَهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه
إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً
بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي(61/130)
صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً
وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
لا أَكُذبث اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ
عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ
بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ
وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا
شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ
كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ
الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ
لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِنُها
بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ
بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا
لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ المَهرَ يَفجَعُنِي
بِهِ وَلا أَنّض بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ
عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ
عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ
وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ
كَما لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا
جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِرَنَّ لِمَهرٍ لا يُمَتِّعُنِي
بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً
فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا
جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ(61/131)
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ
فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> لحن الصدود
لحن الصدود
رقم القصيدة : 67172
-----------------------------------
إلى كم ستبقى واقِعاتُ الوقائِع ِ
بنا, والتلاقي بيننا غيرُ واقع ِ
دعيني أزِدْ لحنَ الصدودِ تواضعاً
وزيدي بصدِّ المُغرم ِ المتواضِع ِ
أُحِبُّ وما حبِّي لمال ٍ عهِدْتُهُ
ولا مال َ بي قلبي لتِلكَ المنافِع ِ
فإنْ شِئْتِ خلِّيني وخلِّي سجِيَّتي
وإنْ شِئْتِ للقلبِ المقَطَّع ِ سارعي
فما زلتُ أدعو الله َ أنْ لا يُذيقنا
فراقاً و بللت ُ الرِّدا بالمدامِع ِ
مضى أمْرُنا عهداً شكَوْتُ غليلَهُ
وبَلَّغْتُ ما ألفيتُهُ للمضارع ِ
فأضحى دمِي رهْناً وأنتِ حبيبتي
لك ِ القلبُ فاختاري لأيِّ المواضع ِ
قدِمتُ ومالي في القديم ِ مخافة ٌ
ولا أبْتَغي ما عِشْتُ كشفَ المراجِع ِ
كما إنني أدري بأنَّكِ نجمة ٌ
فهلْ من ظنون ٍ بالنجوم ِ السواطع ِ؟
جَلسْنا وألفيْنا الجلوسَ ندامة ً
فأينَ التي صارتْ بأقصى المواقع ِ
بكينا وحِصْنُ البين ِ مازالَ بيننا
وما زالتِ الأضلاعُ بيتَ المواجع ِ
وقدْ صَنَعَتْ فيها الليالي صنائِعاً
كما صنعتْ فينا بأردى الصنائِع ِ
فما ضاعَ لي عمرٌ وأنتِ قريبة ٌ
لقد ضاعَ لمّا صارَ وجهُكِ ضائِعي
يُوَدِّعُني هم ٌّ ويأتي نظيرُهُ
وبتْنا نلاقي همَّنا بالتتابُع ِ
وسالتْ دموعُ العيْن ِ من خلجَاتِنا
لحين ٍ بهِ حانتْ ثواني التوادُع ِ
وسارتْ بنا الأيامُ شتّى طرائِقاً
وما حَمَلَتْنا ساعة ً للتراجُع ِ
لها العينُ ترنو في النهارِ مدامِعا ً
وفي الليل ِ تبقى خافراتٍ مسامِعي
وفاجعتي بالهجْرِ ما إنْ ندَهْتُها
بفاجِعَتي قالتْ ألستََ بفاجعي؟
وليتَ (بذي قارٍ) دياراً نزورُها
فما أبْعَدَ الدارَ التي شادَ قاطعي
أشارتْ لنا الأيامُ ذاتَ عَشِيَّةٍ
وقدْ ترَكتْني ضائعاً في الشوارِع ِ
نفتِّشُ عن بعض ٍ وفي عبَراتِنا(61/132)
دليلٌ على طول ِ الأسى والمواجع ِ
كِلانا نرى فينا لبعض ٍ صبابة ً
كِلانا تناسَيْنا الكرى في المضاجِع ِ
وما كنتُ أشكو في زمان ٍ بلِيَّة ً
وهَوْلُ النوى والصدِّ ليسَ بواقِع ِ
سأبكي إلى أنْ يجْمَعَ اللهُ بيننا
وأدعو بهذا اللهَ في كلِّ جامع ِ
فهلْ نفعَتْ تلكَ الدموعُ لعِلَّةٍ
وهذا نحولي في الهوى غيرُ نافعي
وتالله ِ ما في بيننا من تفاوُتٍ
كما هو بادٍ هاهنا في أصابعي
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> غريبٌ على أبوابِ العيدِ
غريبٌ على أبوابِ العيدِ
رقم القصيدة : 67173
-----------------------------------
بَيْنِي وبينَكِ ألفُ عامْ
جُزُرٌ و وديانٌ كشعرِكِ من ظلامْ
أحبَبْتُ قربَكِ والرياحُ تصُدُّ ما حَمَلَ الكلامْ
حتى الرسالةَ َ والسلامْ ........
فمتى ستجمَعُنا السنونَ وأينَ يجمَعُنا الزمانْ ؟
الشمسُ ..... أقربُ لي مكانْ
والبدرُ ..... أقربُ لي مكانْ
وأراكِ أبعدَ منهما عني وأقربَ للخيالْ
إنّي رأيتُكِ والمحالْ
والملتقى بكِ لا يكونُ سِوى سَرابْ
ودَّعْتِني فوجدتُ خاتِمَتِي عذابْ
ما ذا وهبتِ سوى الدموعْ ؟
ما ذا أخذتُ سوى ترابْ ؟
سأعودُ وحدي للدموع ِ وللضياع ِ بلا حبيبْ
سأعودُ للمُدُن ِ الحزينةِ .... للنحيبْ
وأعيشُ عمري في انتظارْ
و إلامَ ينتظرُ الغريبْ ؟
وأُسرِّحُ النظراتِ في عمُق ِ الدروبْ
حتى يقولَ لي الغروبْ .......
أ يذوبُ عمرُكَ في انتِظارْ ؟
قدْ مرَّ يا هذا القِطارْ
فأعودُ أعتنِقُ البكاءْ
وأمدُّ كفِّي للنجوم ِ فلا نجومَ ولا سماءْ
إني خُلِقتُ لكي أموتَ بلا حبيبْ
فلِمَنْ سينتظِرُ الغريبْ ؟
أ تعودُ في العيدِ القريبْ ؟
أ غداً تعودْ ؟
إني لأَحلُمُ أنْ تعودْ
وا لهفتاهُ إلى غدي
سيكونُ أمّا مَقتلِي أو مَوْلِدي
وأتى غدي .... عيداً يلُفُّ ليَ الضبابْ
يرمي إليَّ دَمَ السِّنينَ مِن الصِّبا ومِن الشبابْ
ألعيدُ أنتَ أم العذابْ ؟
قدْ كنتُ منتظراً جوابْ
أ فلا جوابَ ولا كتابَ ولا بطاقهْ ؟(61/133)
أعلى التي أحبَبْتُها حتى البطاقة ُ لا تهونْ ؟
إنْ كان ذلكَ لا يكونْ
ماذا سيهدي الغائبونَ سوى رساله ؟
أ أكونُ أرخصَ من رساله ؟
هيَ غايتي ويلاهُ هل هذا كثيرْ ؟
هيَ غايتي ... فمتى يحاسِبُكِ الضميرْ ؟
ومتى سيذكُرُ قلبُكِ الناسي حبيبَهْ ؟
هلاّ أكونُ أنا حبيبَهْ ؟
ومِن الزقاقاتِ الحزينةِ والكثيفةِ والقريبَهْ
أنْسَلُّ كالأضواءِ من مدُنِ ِ السوادْ
أنسابُ حتى في الرقادِ إليكِ يا أغلى حبيبهْ
وأعودُ كالوادي المكلّل ِ بالدموع ِ وبالأنينْ
من عالَم ٍ هو أنتِ يا أبدي الحزينْ
إنّي سأبقى في انتظارِكِ في الطريق ِ مدى السنينْ
حتّى يُذكِّرَكِ الزمانُ وربَّما لا تذكرينْ
فأعيشُ عمري للضياعْ
إني لأَكرهُ أنْ أقولَ لكِ الوداعْ
ولَرُبَّما هذا الوداعُ هوَ الأخيرْ
واغربتاهُ ... متى يحاسِبُكِ الضميرْ ؟
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> الأيام
الأيام
رقم القصيدة : 67174
-----------------------------------
قدْ أخذْنا ما لنا منذُ الصِّغَرْ
وصَبَرْنا- كم على حكم ِ القدَرْ
كلُّ شئٍِ في (بني سَعْدٍ ) بدا
حولنا واش ٍ فقاطعْتُ البَشرْ
طلَّ في ليلٍ علينا وجهُهَا
أقسَمُوا بالله ِ قد كان القمرْ
فتَدانتْ نحونا شيئا ً وقد
ماتَ أصحابي وفارقتُ البَصَرْ
كلُّها تُعجبُ نفسي كُلُّها
من عيونٍ ناعساتٍ وحَوَرْ
فإذا لاقيْتها في غفلةٍ
بهُتَتْ خوفا ً وشوقاً وحذرْ
وافترَقنا بعدَ عامٍ فإذا
كلُّ ما قد كانَ يأساً و كدرْ
فكأني حينما فارقتُها
والليالي فارَقَتْ كلَّ سَحَرْ
ليسَ لي نجمٌ يُسَلِّيني ولا
ذهَبَ الليلُ و لا طلَّ القمَرْ
وإذا وجَّهتُ وجهي نحوها
ردَّني البُعْدُ وفقدانُ الأثرْ
يا كتاباً بِتُّ في طيّاتِهِ
دمعة ً تبْكي على طول ِ الدهَرْ
كلُّ أعوامي سوادٌ راعَني
ليسَ لي فيها من السعدِ شهَرْ
ومتى أخفيْتُ منها حَزَني
نطقَ الدمعُ بحُزني و جَهَرْ
منذُ أنْ فارَقتُها صارَ دَمِي
مِثلَ عمري حجراً فوقَ حَجَرْ
يعتريني ذكرُها في غفلَتي(61/134)
فإذا أبصَرْتُهُ غضَّ البَصَرْ
أين َ أنتِ الآنَ قد عذبَني؟
َبعْدَكِ العيشُ وقد طالَ السَّهَرْ
ظِلْتُ أنعاكِ وما من طائرٍ
حاملٍ فوقَ جناحيْهِ خبَرْ
ها أنا بِتُّ أُناجي أبداً
صورةً غابتْ بآلافِ الصُّوَرْ
هذهِ الدارُ التي كنتِ بها
حولها دارَ فؤادي و استقرْ
كلَّما ناشدْتُهُ عنكِ جرى
نهْرُ أحزاني إلى كلِّ نَهَرْ
يا غريقَ البحْرِ تُنْجيكَ يدٌ
كيفَ لو يغرقُ في البَحْرِ بَحَرْ
هذهِ أنتِ وهذا قدَرِي
أشكرُ اللهَ وحظّي و القدَرْ
وأنا في عالم ٍ أزعَجْتُهُ
ببُكائي ورواياتِ الضَّجَرْ
كَلِّميني فأنا في وحشةٍ
وطريقي فيهِ شوكٌ و حُفَرْ
أنتِ والأيامُ والدنيا على
رَمَق ِ النفسٍ وأهلي والدَّهَرْ
أضعُ الآهَ على الجُّرْحِ فلا
تنتهي الآهُ ولا الجُّرْحُ اندثرْ
هذهِ خاتِمَتي قد ظهَرَتْ
مِثلما يظهرُ في الليلِ ِ القمَرْ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> صدفة ولحن قديم
صدفة ولحن قديم
رقم القصيدة : 67175
-----------------------------------
صدفة ً كانَ تلاقينا العجيبْ
واستهَلّتْ بهجة ٌ في داخل ِ القلبِ الكئيبْ
كانَ مكتوباً علينا ...
أنْ يشقَّ الحبُّ قلبَيْنا .....
ومن ثمَّ الفراقْ
وانتهى عمري احتراقاً في احتراقْ
كان مكتوباً علينا أنْ نعيشَ العمرَ أحزاناً
بآفاق ِ السنينْ
وضياعاً ينطوي تحتَ كياني
لحطامٍ من أمانينا و للدهرِ الحزينْ
صدفةً في ذلكَ العامِ ِ التقينا
ثمَّ طار الحبُّ ُ من بينِ ِ يديْنا
كنتُ أحكي لكِ عن ناري وعن كلِّ عذابي
وتركتُ النفسَ في كفيْكِ والدنيا وأنغامَ شبابي
كلُّ َحين ٍ لي مناجاةٌ ودمعٌ ونداءْ
كلُّ َ حين ٍ لي زُحاماتٌ من الأحزانِ ِ تبكي لضياءْ
قَزَعُ الحبِّ تناءى وأنا منتظرٌ يومَ اللقاءْ
أيعودُ الزمنُ الشاردُ والحبُّ ُالقديمْ ؟
كلما حرَّكتِ الأيامُ أغصاني وأشجاني النسيمْ
قد تذكّرتُ حماماتِ الوداعْ
وارتديتُ الأبدَ الباكي قناعْ
دورةً صارتْ ليالينا وغطّاها الرمادْ(61/135)
رحلَ الصُّبحُ إلى غيرِ بلادْ
حوَّلَ الدهرُ أمانينا ضباباً و رذاذا
هذهِ طعنتُكِ العمياءُ في صدري
وهذا الجرحُ هذا
أنسيتِ العهدَ إذ كنّا معاً أم تذكرينْ ؟
وأنا أُطبِقُ أنفاسي على اللحنِ ِالحنينْ
وأنا أقرعُ بابَ الدارِ في تلكَ الليالي
وتُحَيِّيني يداكِ الخاشعاتْ
ليسَ إلاّ ونعاسُ الكلماتْ
وكثيراً كان فيما بيننا الحبُّ و أسرارُ الحياة ْ
بعدَ هذا كيف يَسْلاكِِ خيالي ؟
بعدَ هذا كيف لا أبكي على تلكَ الليالي ؟
إنّهُ حالي السَّقيمْ
حنَّ للّحن ِ القديمْ
أقبلَ الليلُ البهيمْ
هدأتْ أصواتُ كلِّ العالمينْ
وأنا صوتي الحزينْ
لم يزَلْ يهتفُ في ليل ٍ ويزدادُ الصياحْ
أينَ يا محبوبتي الأيامُ قادتكِ ودوراتُ الرياحْ ؟
هو عامٌ مرَّ من دون ِ صباحْ
هو عامٌ مُثقلٌ عامُ الرحيلْ
هو عامٌ إنّما كانَ خُرافيّاً طويلْ
فيهِ قد مَرَّتْ سرابيلٌ من الذكرى
على قلبي المقطَّعْ
لستُ أدري
لستُ أسمَعْ
آه ......... ما هذا السكونْ ؟
إنني ما زلتُ أستقصي بوديان ِ الجنونْ
أتخطّى فوقَ حبّاتِ الرمالْ
أرقبُ الليلَ وأضواءَ الهلالْ
وهدوءُ الليل ِ يَرثينا طويلاً وطويلْ
فتناسَيْنا كثيراً وتذكَّرْنا قليلْ
وتوقفنا على جسرِ الرحيلْ
غادرَ الجسرُ بنا مِليَوْنَ ميلْ
كبُرَتْ ما بيننا تلكَ المسافاتُ القريبهْ
وتقولُ الناسُ قد صرتِ إلى غيري حبيبهْ
ربَّما هذا صحيحْ
ربَّما يفعلُها حظّي القبيحْ
أنتِ يا قاتلتي الأولى ويا حُبِّي الأخيرْ
إسْمَعِيني قبلَ أنْ تُسْمِعَكِ الناسُ الكثيرْ
هيَ شكوى أتحرّاها إلى أمرٍ خطيرْ
ربّما نائمة ٌُ أنتِ وقد طارَ بدُنياكِ السريرْ
أصبحَ العالمُ غدّاراً لديكْ
وثبَ الإعصارُ من صَبّ ٍ عليكْ
هيَ شكوى فاسْمَعِيها
هيَ روحٌ فاقتليها
أتعبَتني سفنُ الماضي ودوراتُ السنينْ
ضيَّعَتْني صُوَرُ الدنيا وأجراسُ الحنينْ
صدفة ً أحسستُ أنّي في روابيها وحيدْ
صدفة ً أحسستُ أني ........
شبحُ البُعدِ وأسرارُ البعيدْ(61/136)
كنتُ أدري أنها دنيا النهاياتِ الحزينهْ
بعدما صرنا أكاذيباً وكلّ ٌ في مدينهْ
بعدما صرنا سحاباً في سماءْ
أتظنّينَ غداً فيهِ لقاءْ
مضتِ الأيامُ أسفاراً وأصبَحْنا حكايهْ
قِصَّة ُ الحُبِّ التي ما بيننا
كانَ أحلى كلِّ ما فيها النهايهْ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> الأشباح
الأشباح
رقم القصيدة : 67176
-----------------------------------
سِجْني زمانُكَ والأيامُ أغلالي
حيّاً أعيشُ وحالي حالُ تمثالِ ِ
لم أدْرِ كيفَ أُلاقي مَنْ جُنِنْتُ بهِ
وكيفَ يعرِفُ غال ٍ أنّهُ غالي
ولو يغيبُ حبيبٌ قالَ عاشِقُهُ
يا مَنْ تباعدْتَ أنتَ الآنَ في بالي
أُريدُ رؤياكَ والأيامَ غافلة ً
وكيفَ رؤياكَ والأيامُ عُذّالي
فأنتَ منبتُ روحي قبلَ منبَتِها
وأ نتَ أرضٌ وإنّي رُبْعُكَ الخالي
قد كانَ أوَّلَ أيامي تباعُدُنا
يا ليتَ كان التلاقي يومَنا التالي
كنْ والياً يا حبيباً يا سنا قمرٍ
فلي ولاية ُ أحلامٍ بلا والي
بكيتُ من ألمِ ِالدنيا وقد رَحَلَتْ
إليكَ روحي لكي تبكي على حالي
وصاحبُ العقل ِ مَن يهواهُ في زمني
وإنَّ كلَّ هوى الدنيا لذي المال ِ
وقد سكنتُ بأرضٍ غابَ ساكنُها
وطالَ بينَ تلال ِ الأرضِ ِ ترحالي
فيا حبيباً أنا في عهدهِ رجلٌ
تحتَ الضياع ِ وأنتَ الكوكبُ العالي
يا كهفَ روحي التي شتّتْ خواطرُها
متى ستجمعُ هذا المتعَبَ البالي ؟
إني أُناديكَ عن بُعدٍ فلا سُمِعَتْ
إنْ لم تصِلْكَ ولم تسْمَعْ بأقوالي
لا أستقِرُّ على ذِكرٍ فأترُكُهُ
إلاّ وكانَ لذِكري التاركَ السالي
أتيتُ ليسَ سوى الرحمنِ ِ يُمْسِكُني
ولا استدارَ خيالٌ حولَ أطلالي
وقد رماني زماني دونَ نائبةٍ
حيثُ التناسيَ والحرمانُ أضحى لي
وقد تسَنَّمتُ آمالي وجئتُ بها
وهلْ تموتُ بقربٍ منكَ آمالي ؟
لكَ التحيَّة َ من ذي قاَرَ قاطبة ً
وثمَّ خالصَ تقديري و إجلالي
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> شلال الفارق
شلال الفارق
رقم القصيدة : 67177(61/137)
-----------------------------------
ودّعيني .... ودِّعيني
إنّ حينَ الهجر ِ حانْ
نصفُ عمري ضاعَ مني
في لهيب ٍ و دُخَانْ
فدَعيني أقض ِ عمراً قد تَبَقّى من حياتي
بأمانْ
وارحميني
فأنا متّ ُ غريبا ً من زمانْ
وانتهتْ في وحشةٍ منكِ حياتي
سأُسَوّي الدمعَ أنهاراً
لأ سقي ذكرياتي
سأُناجيكِ مناجاة َ الحبيبْ
سأُناديكِ نداءً من غريبٍ لغريبْ
أنتِ شلا ّ لٌ ولكنْ من فراقْ
أنتِ يامحبوبتي .... سِحْر ُ العراقْ
أنتِ أجراسٌ تنادي للّيالي
و همومٌ لم تودّعْني ولم تتركْ خيالي
أنتِ حبّ ٌ لم يزلْ ما بين قلبي
وحبيبٌ لم يزلْ طيفا ً ببالي
فارحمي حالا ً كحالي
قد طواهُ الدهرُ مثلي
ودما ً مثلَ حميم ِ الماءِ يغلي
إنََّ ذكراكِ استحلّتْ كلَّ روحي
كلَّ عقلي
فدعي ذكراكِ تمضي لحظة ً لمّا أُصَلّي
يا هلالا ً لم يعُدْ يطلعُ فوقي
يا دما ً ما زالَ يجري في عروقي
طال َ يا نسرينُ شوقي
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> وداع في الليل
وداع في الليل
رقم القصيدة : 67178
-----------------------------------
لقد تُبْتَ يا هذا فهل عدْتَ ثا نيا؟
وهل كان ما قلناهُ ليلا ً تداعيا
حكمتَ وما أنصفتَ يا دهرُ بيننا
فأبعدتَهم عني فبوعدتَ قاضيا
وقالت ليَ الأ يامُ صِلْها تحيّة ً
ليوم ٍ تكنْ فيه ِ التحايا تناجيا
تعودينَ يوماً للديارِ ؟ فقد بكى
لكِ القلبُ وازدادَ الفؤادُ مآسِيا
شهورٌ وأعوامٌ مضتْ ووجوهُكم
دليلٌ يزيدُ التائهينَ تنائيا
ذكرتُكِ ذكرى مَنْ تولّى حبيبُهُ
فحنّتْ لهُ النفسُ التي ظلّ ناسيا
يُخَيّلُ لي أنّ التلاقي حليفُنا
فلو كدتُ أنسى , قد ذكرتُ التلاقيا
تعالي ضعي بين الجوانِح ِ خافِقاً
يبيتُ الليالي ساهرَ الليل ِ شاكِيا
أ ترضيْنَ أنْ أحيا بنفس ٍ عليلةٍ
وترضيْنَ أنْ أ قضي الزمانَ تناجِيا؟
هلُمّي فإنْ لم تستطيعي فبادري
لنا في منام ٍ واستريحي ثوانيا
وليتَ لنا عادتْ ليال ٍ قضيتُها
وصالا ً ألا عودي لنا يا لياليا(61/138)
قضى صبحُ أيامي أنينا ً وذكرُها
يُراودُني واللهِ لو كنتُ غافيا
وصارتْ لنا ذكرى و ولّى زمانُها
فياليتَ عن قلبي يُوَلِّي غراميا
وياليتَ ذي قار ٍ تدانتْ لبصرةٍ
ويا ليتَ أرجاءَ الزبير ِ انتمى ليا
يقولونَ فان ٍ كلّ ُ شئ ٍ وإنني
وجدتُ الهوى يبقى و غيرَهُ فانيا
وحيدٌ وأيامي عليّ َ طويلة ٌ
فعيْني كما كانت , ونفسي كما هيا
وأما رسومُ الدارِ خرسى كأنها
سَجَنْجَلُ أوهامي الذي ظلّ باقيا
أُنادي فما للريح ِ لا تحملُ الصدى
أيا سارقَيْ قلبي ألا تسمعانِيا؟
وقفتُ وما أحسستُ إلا ّ بواقفٍ
دنا فاستوى حتى تمثّلَ داعيا
يُسائِلُني عنها وعني بفقدِها
فقلتُ لهُ ليتَ الحبيبَ يرانيا
يقولونَ ودّعْنا الخليطَ بأسْرِهِ
وساروا بها والليلُ قد كانَ ساجيا
أعادوا لنا منْ دهرِنا ما تباعَدَتْ
أحاديثُهُ عنا , فهاجَ الأسى بيا
فوا حرّ قلبي قد حُرِمتُ لقاءَ ها
وحَلّ َ غرابُ البين ِ عنها مكانِيا
لقد أخذوها أهلَها وغدَوْا بها
على خطرٍِ يرجونَ عني تجافيا
وقد صار ماضينا زمانا ً مشرّداً
وكلُّ زمان ٍ بعدها صارَ ماضيا
وإني وحقِّ اللهِ لمّا فقدتُها
بكيتُ بباب ِ الدارِ حتى بكى ليا
ولو يُهْلِكُ الشوقُ الذي في قلوبِنا
لَمَا ظلّ مسقوماً ولا ظلّ صاحِيا
وأحبَبْتُها حُبّ َ الخليل ِ لخِلِّهِ
وما مِثْلَ عشْقي عاشِقٌ في زمانيا
ولا ذرفتْ عينٌ وناحتْ حمامة ٌ
ولا طأئرٌ إلاّ أرادَ التلاقيا
وما ذكرَ القلبُ الذي مرَّ وانقضى
من العهدِ إلاّ بَلّلَ الثوبَ باكيا
سلامٌ لها ما طالَ عمري وبعدَهُ
سيأتي سلامُ الغائبينَ قوافيا
فربّ رجاءٍ خابَ فيمَنْ رجَوتَهُ
وربّ سكوتٍ نالَ ما أنتَ راجيا
وإنكِ بدرٌ في الحياةِ ودَدْ تُهُ
ومَنْ يعْشَقْ الأقمارَ يَلْقَ اللياليا
ومَنْ طالَ فيهِ الهمّ ُ أخفى همومَهُ
ومَنْ عَرَفَ الدنيا أ قَلّ الأمانِيا
وإنّ الذي يخلو من العشق ِ قلبُهُ
كمَنْ عاشَ في الدنيا من القلبِ خالِيا
ولم يَبْقَ للأيام ِ عندي سوى الكرى(61/139)
ولم تُبْق ِعندي غيْرَ ذكراكِ باقِيا
ولي فيكِ حاجاتٌ يطولُ حديثُها
إذا قلتُها يوماً فقدْتُ المُواسِيا
ونحنُ كقول ٍ قالهُ الدّهرُ بعدَما
رَمانا كما يرمي الكلامُ المعانيا
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> صوت الوجود
صوت الوجود
رقم القصيدة : 67179
-----------------------------------
وفقدتُها
وأنا أعاني من قساوةِ ألفِ جرح ٍ أو يزيدْ
أتذكّرُ الماضي البعيدْ ...
أبكي أحنُّ إليكِ أعرفُ أنّ قربَكِ مستحيلْ
من فوقِنا ... من تحتِنا ومن الامامْ
موجٌ تكرّسَ من رحيلْ
إني أطيرُ إليكِ من ألمي
ولقد تطايرَ كالرذاذِ دَمِي
أجتاحُ أوهامي إليكِ وضجَّ من عدمي
صوتُ الوجودِ وثارَ حرماني
وذكرتُها والذكرياتُ لديّ أطولُ ماتكونْ
يا ليتَ مَن لا يعرفونْ
عرَفوا بأنكِ أنتِ عنواني
أغتالُ أوهامي وأقتلُ بعضَ وجداني
ولقد ذكرتُكِ ألفَ عام ٍ ثم عدتُ بلا جناحْ
ظلّ الغمامُ يدورُ فوقي والرياحُ هي الرياحْ
لم أدر ِ ما ذنبي أدورُ بلا مدارْ
و تُعسْعِسُ الأيامُ حتى لا سبيلَ إلى النهارْ
وفقدتُها وأنا غريبْ
والأهلُ غابوا والديارُ هناكَ تندبُ بالنحيبْ
والعمرُ ضاعَ ولا طريقَ إلى الوجودْ
لو كنتُ أقدِرُ أن أعودَ لِمَنْ افكِّرُ أن أعودْ ؟
إني أحِبُّكِ والطريقُ إلى وداعْ
أهواكِ من أزل ٍ وأعرفُ أنّ خاتِمَتي الضياعْ
البردُ والشمسُ البعيدةُ عن مداري
بعدٌ وهذا البعدُ من دستورِ حبّي واختياري
فإلى متى تتعذ ّبينْ ؟
وأنا الذي أشعَلتُ ناري
وإلى متى تتغرّبينْ ؟
وأنا الذي غادرتُ داري
ولقدْ بكيتُ لها وطالَ توجُّعي
وتزيدُ آلامي هنا وتطولُ
والهجرُ كنتُ أُريدُهُ ولقد جرى
فإذا بقلبي للقاءِ يجولُ
سأبثُّ مافي داخلي من وحشةٍ
لو كان يحمِلُهُ إليكِ رسولُ
قد طالَ بُعْدُكِ والديارُ بعيدة ٌُ
وأنا على نارِ الهوى محمولُ
وقصدتُ إنجيلَ الهوى فتلوتُهُ
وإذا لكلِّ متيّم ٍ إنجيلُ
ويطولُ صمتي والهواجسُ تستحيلُ إلى نداءْ
ألماً وحرماناً وطيفاً ليس إلا واشتهاءْ(61/140)
مرّتْ بنا الأحلامُ والزَمنُ السريعْ
لم يبقَ دونَ قبورِ أحلامي سوى الأمل ِ الصريعْ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> مناجاة
مناجاة
رقم القصيدة : 67180
-----------------------------------
رحلتِ بعيدا ً والرحيلُ طويلُ
ولي كلَّ يوم ٍ في جفاكِ رحيلُ
متى نلتقي والهجرُ طالَ زمانُهُ
وحلَّ بقربي شامتٌ و عذو لُ
فإنْ كانَ في ذي قارَ خِلٌّ نودُّهُ
لكانَ بهِ من ناظريْكِ مثيلُ
يقولونَ لي بالأمس ِ كنتِ قتيلة ً
وإني على طول ِ الغيابِ قتيلُ
تعالي لمن ماتَ الربيعُ بقلبِهِ
فمالي سواكم في العراق ِ خليلُ
لها في نواحينا الجميلةِ لوعة ٌ
وشوقٌ وفي سوق ِ الشّيوخ ِ طلولُ
وكيف على هذا الفراق ِ ألومُها
وللدهر ِ في هذا الفراق ِِِِِِِِِ سبيلُ
وما هيَ نادت للفراق ِ وعهدِهِ
ولكنّ حظي في اللقاءِ قليلُ
لعهدِكِ عودي مَنْ سقاكِ بغدرِهِ
ومَنْ حالَ فيما بيننا ويحولُ ؟
أموتُ وأحيا والديارُ بعيدة ٌ
ومالي الى تلك الديار ِ سبيلُ
اناجيكِ ممنوعا ً يموتُ بغيظِهِ
ونجوايَ في ليلي الطويل ِ تطولُ
منعْتِ تلاقينا وأنتِ كريمة ٌ
فكيفَ زماني والزمانُ بخيلُ
وإنْ تسألي عمّنْ ثوى في ديارِهِ
عزيزاً فإني في نواكِ ذليلُ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> شبحُ الهلال
شبحُ الهلال
رقم القصيدة : 67181
-----------------------------------
العيدُ أقبلَ يا امْتِثالْ
ياللثواني المسرعاتِ ويالساعاتي الطوالْ
أقْبَلْنَ كالذكرى بأشرعةِ الخيالْ
يعزِفْنَ ألحانَ السّؤالْ
هل أنتَ حين أتى الهلالْ
ناديتَ عودي يا امتثالْ ؟
تلك المحالة ُ لن تعودَ مدى الزمانْ
يا ليتني طيرٌ أطيرُ إليكِ من هذا المكانْ
حتى أُواريكِ الدموعَ ولوعة َ القلبِ الكسيرْ
حتى الطيورُ معا ً تسيرُ
وأنا الوحيدُ أسيرُ وحدي فوقَ خاطرةِ الرصيفْ
والعيدُ والأشواتُ والظلُّ الكثيفْ
أنا دونكِ الشبحُ المخيفْ
أنا دونكِ السُحُبُ الأسيرة ُ للدموع ِ وللرياحْ(61/141)
هو ذاك يبكي يا امتثالُ أتسمعينَ صدى صياحْ
سَلّمتُ نفسي للعواصفِ أينما صفقَتْ جناحْ
أنا دونكِ العدمُ الطويلْ
في كلِّ شئ ٍ فيكِ كانْ
عونٌ علَيّ مع الزمانْ
في كلِّ شئ ٍ فيك كانْ
طالَ التأمُّلُ فيهِ والمزنُ الكئيبه
تهوي وأضواءُ الحبيبه
ماوالَ يذكُرُها ظلامي
ما زلتُ أهديها سلامي
أنا في انتظاركِ لا انتظارِ العيدِ لا شبح ِ الهلالْ
عمرا ً مديدا ً يا امتثالْ
أنا يا امتثالُ وقد أموتُ هنا
لكنّ شعري لا يموتُ سَنا
كالشاطئ ِ المهجورِ كالصحراءِ في الدنيا أنا
ألقاكِ حتى في الطبيعه
عيناكِ كالأشجارِ تسكنُ فيهما نفسٌ صريعه
هي نفسُ تلك النفس ِ ليسَ لها طريقْ
أنهارُكِ الشقراءُ في أبدي الغريقْ
ترميهِ في الأوحال ِ من شبكِ الرّواحْ
هو ذاكَ يبكي يا امتثالُ أتسمعينَ صدى صياحْ
أتسمعينْ ؟
أم تذكرينَ مدى الدموع ِ وغاية َ الحرمان ِ فيه
نادت حشاشتُهُ الغريقة ُ فاسعِفيه
اسطورة ُ الموتِ الرهيبِ تموتُ فيه
خلف اللقاءاتِ العقيمه
نجمٌ هوى من عينِكِ الخضراءِ
يعزفُ لحنَ أُغنيةٍ قديمه
غابتْ نسائمُ ذكرياتي
حتى أزِمَّة ُ أمنياتي
في عالم ٍ كالريح ِكالأوهام ِفي مدن ِ الخيالْ
فالعيدُ أقبلَ يا امتثالْ
والعيدُ أدبرَ يا امتثالْ
ويلاهُ لكنْ لم تعودي
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> ساعات تحت النار
ساعات تحت النار
رقم القصيدة : 67182
-----------------------------------
متى بربِّكِ يا شقراءُ نتّفقُ
فا لعمرُ عرّجَ والساعاتُ تحترقُ
لو تعلمينَ بما أُخفيهِ من علَل ٍ
لَكانَ أجهدَكِ التعليلُ والقلَقُ
ضعفٌ ألَمَّ بنفسي في حقيقتِها
والصبرُ يحملُها والبعدُ والحُرقُ
لا قلبَ عندي ولا خِلّ ٌ يؤانِسُني
إلا العيونُ التي أبلى بها الأرقُ
إنَّ البداية َ قد كانت نهايَتَنا
وفي النهايةِ يا شقراءُ نفترقُ
كم من حبيبٍ عزمنا أن نفارقَهُ
وحاسدٍ حينما ألقاكِ يخْتَنِقُ
أهوى الظلامَ وأخشى أن يفارقَني
لأنّ وجهَكِ بدرٌ فيهِ يأتلقُ(61/142)
تبكي الكواكبُ من حُبٍّ لطلعتِها
فاجْلُسْ إلى أنْ تراها أيها الأُ فقُ
باتتْ وبتنا على بعدٍ نخاطبُها
وإنْ مَشَيْنا لبعض ٍ طالت الطرقُ
إلى متى وفيافي الهجر ِ عاذلتي
يبقى من النفس ِ ينعى هجرَكِ الرمقُ
مالي وثقتُ بدهرٍ لا أمانَ لهُ
وكنتُ في أهل ِ هذا الدهرِ لا أثقُ
قصيرة ٌ كالرياحين ِ التي نبتتْ
وفاضَ منها أريجٌ طيِّبٌ عبِقُ
هي الهناءُ وهذا الأسمُ منسَجمٌ
بمثلِها وعليها الأسمُ ينطبقُ
عهدٌُ علينا اذا مالدهرُ فرّ قَنا
تبقى القلوبُ إذا الأجسامُ تفترقُ
ستقرأُ الناسُ أوراقي وتذكرُني
ولو أموتُ سيبقى الحبرُ والورقُ
ولي بكلِّ زمان ٍ ألفُ قافلةٍ
لو متُّ تأتي لتنعاني و تنطلقُ
أُراقبُ العمرَ من حبّ ٍ لرُؤيتِها
وتستطيرُ أسىًَ روحي وتحترقُ
سحرٌ لها كلما أمعنتُ رؤيَتَهُ
وجدتُهُ عُمُقاً في عمقِهِ عُمُقُ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> اليوم الأخير
اليوم الأخير
رقم القصيدة : 67183
-----------------------------------
وأنا أُحضِرُ للتوديع ِ أنفاسي الأخيره
كنتُ أسترجعُ ما قلناهُ في اليوم ِ الأخيرْ
كانت الساعة ُ كُثْباناً من الرّمل ِ
ومن حرِّ الهجيرْ
تحتَ أضلاعي تبَدّتْ
يا لأضلاعي الكسيره
كانت الساعة ُ أياماً قضيناها وعهداً لا يعودْ
فتجاوزنا سدوداً وتخطّيْنا سدودْ
وتجاوزنا الى أقصى الحدودْ
بكلام ٍ كان في أعراصِنا ورداً ونسرينا ً
وأسرابَ طيورْ
لحظاتٌ ذوَتْ الأوراقُ فيها والزّهورْ
أتَسَنّاكِ بآهاتي وفي ساح ِ انتظارْ
كلماتٌ ليس فيها أيّ ُ معنى للنهارْ
وتذكرتُ الكلامَ المستباحْ
وترَنّمْتُ بما جاء الصباحْ
جاء كي يسألَني عنكِ وعن ذاك الحنينْ
ربما شاهدَ شيئا في عيون ِ العابرينْ
ذاك لما حمَلَ البحرُ الصواري
وأنا فيهِنّ في ظل ِّ انتظاري
تائِهٌ في كلماتْ
جئنني منكِ على شكل ِ رساله
كنّ لي ماءَ الحياة ْ
ثم مرّتْ لحظاتْ
وتجلّتْ لي عناوينُ الحقيقه
إنها كانت رساله
كتَبَتها لكِ أوهامُ صديقه(61/143)
حيثُ شجّتْ سكَراتُ الحبِّ في كنهِ العقولْ
يا لِحظِّي
وأنا أُوهمُ نفسي وأقولْ
هيَ لي تلكَ العباراتُ الحزينه
هي أحلامُ الخلودِ المُسْتبينه
أين تلكَ الهمساتُ الساكناتْ ؟
أين تلكَ الشذراتُ الناعياتْ ؟
أين تلكَ الخاطراتُ الباكياتْ ؟
وأنا صدّقتُ تلكَ النفثاتْ
نفثاتِ الصدر ِ والقلبِ الغريبْ
تحتَ أبعادِ الكلامْ
قلبِ مَنْ قد كتبتْ تلك العباراتِ الحزينه
و رمَتْها لي يدٌ ما زلتُ أهواها كثيرْ
جئتُ أسترجعُ ما قلناهُ في اليوم ِ الأخيرْ
جئتُ كي أرمي أمامَ الأعيُن ِ الخضراءِ
أحزاني وطولَ الإنتظارْ
جئتُ أرمي سُلّمَ الصبح ِ لأقدام ِ النهارْ
جئتُ ألقي أحرفَ البعدِ لآفاق ِ البدايه
هي ذي نفسُ النهايه
حَسَرَاتٌ .. عبَراتٌ تترقرقْ
كلُّنا في دورةِ الأيام ِ نعشقْ
فتعالَيْ واخلعي ثوبَ الدلالْ
لم تزلْ نفسي تغني وتنادي يا امتثالْ
لم تزلْ تُقرعُ أجراسٌ هناكْ
في المحطاتِ البعيده
ولماذا في المحطاتِ البعيده؟
إنها الاغلالُ والأيدي العتيده
وقيودٌ و كلاكِلْ
تسحقُ الأحناءَ في قلبي وتصطكّ ُ السلاسِلْ
يا لآلامي الطويله
يا لأضوائي الكليله
لم تدعْ فيها الليالي دونَ أشباهِ الضياءْ
فتعالي قبلَ أنْ يأتي المساءْ
بعدَ أنْ يأتي المساءْ
واعلمي أني سأهواكِ الى يوم ِ القيامه
لا اُبالي بلسان ِ العذل ِ أو صوتِ الملامه
فاحمِلي ياريحَ أوراقي بعيداً وبعيدْ
وانشُريها حولها قائلة ً ... ماتَ وحيدْ
ماتَ لو زرتِهِ يحيا من جديدْ
من هنا تمتدّ ُ أجناحُ السلامه
فننٌ ... أرضٌ ... رياحٌ ... وحمامه
من هنا غابتْ شموسُ الصابرينْ
من هنا مرّتْ ركابُ الراحلينْ
من هنا ارسلْتُ إخلاصي وأطلَقتُ الحمامه
واعلمي أني سأهواكِ إلى يوم ِ القيامه
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> همسات القدر
همسات القدر
رقم القصيدة : 67184
-----------------------------------
اُخفي جراحاً من ليالي الكدرْ
وصورة ً من عشَراتِ الصُورْ
جاءتْ وقد بتّ ُ الى خدِّها(61/144)
أرنو وقد طالت ثواني النظرْ
كالشمس ِ حيناً ساحرٌ نورُها
حيناً تُلاقيني بوجهِ القمرْ
نفسي تقاضتْ حبَّها وارعوى
في حبِّها جسمي وحتى البَصرْ
وكنتُ في يومٍ لها كارهاً
وناظراً لها بعيْن ٍ شزرْ
أما وأني الانَ أحبَبْتُها
حُبّاً خَلا منهُ جميعُ البشرْ
أشكو لعينيها فلم تكترثْ
وخاطري في شبكاتِ الخطرْ
أرى بعينيها اخضرارَ الشّجرْ
وفي ثناياها هديرُ البحَرْ
كأنّ أسواراً بَنَتْ بيننا
في هذهِ اللحظةِ أيدي القدَرْ
شقراءُ مِثلُ الصبح ِ في وجهِها
تسَتّرَتْ عني سِتارَ السّفَرْ
إنْ غابتْ الليلَ أبِتْ باكياً
فكيف لو غابتْ علينا الدهرْ ؟
تمشي كساعاتي اذا جئنَني
يبكينَ لي من خطَواتِ الشّهرْ
يا خافِتَ الصوتِ ألا تتقي
قتلي ؟ فانّ القتلَ لا يُغتفرْ
ماءٌ على نورٍ على وردةٍ
فيها بياضٌ من بياض ِ القمَرْ
فيها ليال ٍ من ليالي الشِّتا
ونفحة ٌ من نفحاتِ السّحَرْ
شِفاهُها وردٌ نديّ ٌ على
سحابةٍ من نفثاتِ الزّهرْ
فوجهُها سِحرٌ على رِقّةٍ
وقلبُها من صفحاتِ الصّخرْ
صوتٌ شجيّ ٌ ناعسٌ غارقٌ
حلوٌ حزينٌ فيهِ لحنُ الوَتَرْ
وحُبُّنا في العنفوان ِ الذي
تِسْعُ ليال ٍ عمْرُهُ في شهَرْ
أُفكّرُ الليلَ بميعادِنا
تأخذني طوراً وتأتي الفِكرْ
عنوانُنا الماضي وأطيافُنا
ما غاب عنها في الغيابِ الأثَرْ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> متى اللقاء
متى اللقاء
رقم القصيدة : 67185
-----------------------------------
عيني تفتِّشُ عنكِ أبوابَ المدائن ِ والكهوفْ
نفسٌ تدورُ بآخرِ الدنيا إليكِ بلا وقوفْ
وهَجٌ هيَ الكلِماتْ تُحرِقُني فتلتهبُ الحروفْ
نفسي تحنّ ُ إليكِ وا ختبأ المكانْ
حسَراتُ صدري كالعَواصِفِ ...
كالضبابِ ...
و كالدُخانْ
ليتَ النسيمَ إليكِ يحمِلُني
شوقي إليكِ يكادُ يقتلُني
أينَ الليالي قد رمتكِ وأينَ قافلة ُ اللقاءْ ؟
ليَ خاطراتٌ أ نتِ أحرفُها تطيرُ معَ الهواءْ
يا تاركي نفسي الغريبةِ كالسّحابِ
متى اللقاءْ ؟(61/145)
عمرٌ تقطّعَ في انتظارْ
فمتى يعودُ ليَ النهارْ ؟
سكتَ الحديثُ وطالَ صمتُكِ
والعيونُ الى الطريقْ
أشجارُ شارِعِنا أحاطَ بها حريقْ
والماءُ أبعدُ من لقائِكِ والحياة ُ الى انقِطاعْ
فتسارَعَتْ أُسُسُ الضياع ِ ...
إليّ واجتمَعَ الضياعْ
قد ضاعَ عمري في دموع ٍ وانتهى
وتساقطَتْ نفسي وما مِنْ مُنقِذٍ
أيكونُ للأقدارِ بيتٌ أنتِ فيهْ ؟
أودَعتُ فيهِ خواطِري وبكيْتُ مِنْ ولَهٍ عليهْ
أيكونُ يُخْدَعُ مَنْ يُحِبُّكِ أو يتيهْ ؟
فأنا أُحِبُّكِ والزمانْ
خوفٌ وأنتِ هيَ الأمانْ
والحظّ ُ قد أضحى عليّ َ وطولُ دربي
فوقعتُ بينَ الدهرِ والأيام ِ والدنيا وقلبي
لكنّ مثْلي لا يكونُ لمِثْلِها
فأنا فقيرْ
الحزنُ أموالي الكثيرة ُ والدموعُ هي الحريرْ
أسوارُ حبّي كلُّها في قبضةِ الدَم ِ والنقودْ
يا قاتِلَ الأحلام ِ قلْ لي بالسّماءِ .. متى تعودْ ؟
فأنا أتيتُ وفي يدي أملي
وسواكِ لمْ يترُكْ زمانُكِ لي
أخذ الزمانُ جميعَ ما عندي
نقضَ الزمانُ بما مضى عهدي
وأُريدُها يوماً تضيقُ بهِ المآرِبُ والدروبْ
ألَمِي تصاعَدَ للعيون ِ وفي تلاقيكِ الدواءُ
متى اللقاءُ ؟ متى اللقاءْ ؟
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> لحن المودع
لحن المودع
رقم القصيدة : 67186
-----------------------------------
لنا دمْعُ محروم ٍ ولحْنُ مُودّع ِ
الى أنْ تعودي ذاتَ يوم ٍ وترجِعي
بكى لكِ قلبي ثمّ سالتْ مَدامعي
على وجَناتي أربعاً فوقَ أربَع ِ
أصيحُ وأنفاسي تموتُ بصيْحَةٍ
وتحيا بأُخرى واللظى تحتَ أضلُعي
نعيتُكِ من قبل ِ الفراق ِ مخافة ً
فراقاً , فما زادَ الفراقُ بمرتَعي
وما ذهَبَتْ مني الحُشاشة ُ بعدكم
ولكنني أحيا بقلبٍ مُقَطّع ِ
فياخلة َالقلبِ الذي صدّعَ الهوى
اليّ تعالَيْ ساعة َ الموتِ واسرِعي
ولما بكتْ عيني وفاضتْ مدامِعي
تطلّعتُ أبعادَ الطريق ِ بمَسْمَعي
وخلّفَ في جسمي التنائي توجُّعاً
بهِ لوعة ٌ مِنْ كلِّ باكٍ ومُوجَع ِ(61/146)
هنا أنتِ في قلبي وحبُّكِ في دَمِي
وذكرُكِ في نفسي وطيفُكِ مضجعي
وإنّا معاً ما طالت الارضُ بيننا
فشخصُكِ مفقودٌ وأطيافُهُ معي
تفيضُ جراحي مِنْ دَم ٍ ذي حرارةٍ
فيا عصفة َ الأحزان ِ تيهي وودّعي
قضيناكَ يا عمرَ الفراق ِ مناحة ً
وللنفس ِ فينا مصرعٌ بعدَ مصرع ِ
غريبٌ أنا والأهلُ عني تباعدوا
وعشتُ بقلبٍ ثاكل ٍ مُتَقطِّع ِ
فوا أسفي شطّ الوصالُ وهاجَرتْ
فواصلتُ آهاتي بنوح ٍ ومَدْمَع ِ
فواللهِ عندي لوعة ٌ للقائِها
أنا الميِّتُ المقتولُ قلبي مُشَيِّعي
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> أمل
أمل
رقم القصيدة : 67187
-----------------------------------
أملٌ غابت هنا انوارُهُ
وسنا الأحلام ِ عنهنّ انقطعْ
خفتَ الشمعُ على موقدِنا
وعلى أجنحةِ الليل ِ سطعْ
وتبدّى الحبُّ ُ ناراً بدمِي
ربَّ نارٍ من دَم ٍ لا تُنْتزعْ
كيفَ لا أبكي على الذكرى دماً
ربّ شئٍ ذاهبٍ لا يُرتجعْ
وإذا غابَ هلالٌ فاصطبرْ
إنما البدرُ إذا غابَ طلعْ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> ظلال وذكرى
ظلال وذكرى
رقم القصيدة : 67188
-----------------------------------
وذكرتُ صورتَكِ الحبيبة َ وانتهيتُ الى شجونْ
ذكراكِ أوّلُ ما أكونْ
ذكراكِ آخِرُ ما أكونْ
أحسستُ بالأحلام ِ أعمدة ً رُخامْ
بيضاءُ تأتلِقُ الجوانِبُ ثمّ تقطعُ في الظلامْ ...
أميالَ أبعدَ من حنيني
رُحْماكِ ....
تحرسُني حكاياتي ويسرِقُني أنيني ...
فأجوبُ أرصِفة َ الوداع ِ اليكِ يُجهِدُني الذ ّمِيلْ
أخشى من الأيام ِ تأخذ ُكِ
أخشى من الأيام ِ تُبْعِدُ كِ
عيناكِ لؤلؤتان ِ خضراوان ِ ...
يرقصُ فيهما اللحنُ الحنونْ
وأرى بأنّ الدهرَ يُبْعِدُكِ
فأموتُ حزناً حينَ أفقِدُكِ
وأكونُ للأشواق ِ بيتاً من رمادْ
وأعيشُ عمراً لا منامَ ولا رُقادْ
هيَ من بقايا الروح ِ والأمل ِ الوحيدْ
إني أُحِسُّكِ كالندى النائي ...
وكالسّحَرِ البعيدْ
من خلفِ آلافِ الجبال ِ يدُقّ ُ صوتُكِ في فؤادي(61/147)
ويدي اليكِ أمدّ ُها من بين ِ آلافِ الأيادي
وعسى تعودُ يدي وتحمِلُ منكِ طيفاً أو كِتابْ
أتعودُ حامِلَة ً سرابْ ؟
إني أُحِبُّكِ والنهاية ُ في الجوابْ
ومتى يكونُ هو الجوابْ ؟
لو جاءَني لوضعْتُ أجزائي على ظلِّ اللقاءْ
أمسكتُ خيطاً منكِ ... أو خيطاً الى وجهِ السّماءْ
مهما وما بعُدَ الطريقُ لكِ
أبقى أمرّ ُ على الحياةِ بكِ
وتجذ ّ ُ صورتُكِ المسافاتِ الكبيرة َ من خيالي
وتعودُ مثلَ الأمس ِ تُرهِبُني و تُحْرِقُني ظلالي
والى متى يبقى الطريقُ من الضبابِ الى الضبابْ ؟
اني اُحِبُّكِ والنهاية ُ في الجوابْ
و متى يكونُ هو الجوابْ ؟
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> ساعتان مع الغروب
ساعتان مع الغروب
رقم القصيدة : 67189
-----------------------------------
وذكرتُ يا (مثلايَ) وجهكِ حينَ قابَلَني الغروبْ
أمسَكْتُ أوراقي وكادتْ مهجتي الحيرى تذوبْ
وذكرتُها والشمسُ في الأُفق ِ البعيدْ
ناديتُ يا (مثلايَ) يا وطني الفقيدْ
الطيرُ يعجزُ عن وصولِكِ والبريدْ
إني أراكِ من النساءِ وأنتِ لستِ من النساءْ
لولا يُمانعُني الحياءُ لضجّ قلبي بالبكاءْ
لم يبقَ لي الاّ الدموعْ
ليلٌ تُداعبُهُ الشموعْ
أيلومُني أحدٌ إذا سمِعَ الأنينْ ؟
واذا كتبتُ على الزمان ِ.... أنا حزينْ
قد ضاعَ مني كلّ ُ شئ ٍ ...
دارُ اللقاءاتِ الحبيبةِ والحبيبة ُ والسنينْ
وتباعَدَتْ رُسُلُ الحبيبْ
وفقدْتُ أحلى الأُمنياتِ وصرتُ في الدنيا غريبْ
لم أدْرِ من أينَ الطريقُ وأينَ أنوي الإتجاهْ
واضيعتاهُ .. ..
وطالَ في الدنيا غيابُكِ واغترابي
ومن النجوم ِ نزلتُ أبحثُ عن كتابي
في كلِّ ظالمةٍ لعلّ هناكَ ملجأَ من عذابي
فوجدتُها وكشفتُ عن عِللي
وبكيتُ من لهفي على أملي
في ساعةٍ أحسستُ بعد ضياعِها ...
أني أودّعُ ألفَ عامْ
حتى سكوتُكِ كانَ أروعَ من كلامْ
ودّعتُكِ الامس القريبَ وعشتُ في الدنيا وحيدْ
ستعودُ أحزاني اليّ وأنتِ في أمدٍ بعيدْ(61/148)
أشتاقُ أنْ أبكي أمامَكِ من همومي
رحلَ الجميعُ وأنتِ جالِسَة ٌ فقومي
عودي اليّ أنا وحيدْ
أنا الغريبُ أنا البعيدْ
عودي فقد رحلَ الجميعُ وبتّ ُ وحدي
وفقدتُ عنوانَ الوجودِ وتاهَ رُشدي
وإذا بعابرةٍ تمرّ ُ عليّ تقرعُ بابَ حزني
لاقيتها وبدأتُ أبعدُ عن خطاها
ناشدتُها مَنْ أنتِ ؟ فاحتضنتْ نداها
ناديتُ عودي يا (امتثالُ) فأنتِ أبعدُ من مداها
هيَ ساعتان ِ وبعدَها لا نلتقي
والشمسُ تجنحُ دائِماً لغيابِ
تتسارعُ الأيامُ حتى جاءني
نبأُ الفراق ِ وجفوة ُ الأحبابِ
ستطولُ بعدَكِ رحلتي وتشرّدي
وتطولُ بعدَكِ أدمُعي وعذابي
ملأ الأنينُ جوانحي وخواطري
ولقد طويتُ على الهموم ِ كتابي
هي ساعتان ِ وترحلينَ لِمَا وراءَ النائياتِ من الروابي
هي ساعتان ِ وتعرفينْ ....
أني أموتُ إذا فقدتُكِ يا حياتي
هي ساعتان ِ وتعرفينَ ...
بأنّ بُعْدَكِ قد يقودُ الى مماتي
شقراءُ أنتِ دمِي المسافرُ والحزينْ
هيَ ساعتان ِ و تعرفينْ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> رحلة الشرايين
رحلة الشرايين
رقم القصيدة : 67190
-----------------------------------
أبكيكِ مِنْ مُدُن ِ الأحزان ِ فابكيني
يا عينَ مَنْ كانَ في همّي يواسيني
قالوا نساكَ وقلنا غيرَ ما ذكروا
وكيفَ مَنْ كنتُ في ذكراهُ ناسيني
قد كانَ حينَ يطولُ البُعْدُ يقصِدُني
واليومَ ماعادَ في الأحلام ِ يأتيني
فما تَرحّلَ في أرض ٍ ولا وطن ٍ
إلاّ ترحّلَ أيضاً في شراييني
يسيرُ في النفس ِ أنفاساً أُرددها
طوالَ عمري وأنّاتي تُسَلِّيني
أنساهُ حيناً وأحياناً يُقابلُني
وهكذا الحالُ من حين ٍ الى حين ِ
كنّا قبيلَ النوى عُرْفاً نشمّ ُ بهِ
حتى تناءَى لَجَأْنا للرياحين ِ
أصبحتُ أكتمُ آهاتي لأُعلِنَها
متى وقفتُ قريباً من عناويني
فلا رجوتُ تجافي مَنْ يُجافيني
ولا رَجَوْتُ تُلاقي مَنْ يُلاقيني
التاركينَ دَمِي... دمعاً أجودُ بهِ
أنا العليلُ ولا شئٌ يُداويني
ولا تعَلّلتُ الاّ في تذكّرِكُم(61/149)
فإنْ تذكّرتُ عادَ الذِكْرُ يُبْكيني
مُكبّلٌ بسرايا الهمِّ مُتّصِلٌ
بمَنْ يُغَنّي على مَهْل ٍ ألاحيني
مُحرّقٌ أنا لا بردٌ ألُفّ ُ بهِ
جسمي وما زِلْتَ بالنيران ِ تكويني
وكانَ حظي من الاحبابِ يُقصيني
بمثلِما رَمَتْ الأيامُ يرميني
ما زلتُ أسبحُ في جَوّ ٍ وفي بلدٍ
فوقَ النجوم ِ و حظي لا يُلاقيني
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> رسالة جنون
رسالة جنون
رقم القصيدة : 67191
-----------------------------------
أطولُ الصّمْتِ أم طولُ الغِيا َبِ
أحَبّ ُ اليكَ مِنْ هذا العذابِ
نعيتُ أحِبّتي دهراً لأني
يئسْتُ من الإيابِ معَ الغِيابِ
وعمري لم يزلْ عشرينَ عاماً
وقد ولّى على صغرٍ شبابي
أجوبُ الأرضَ والوديانَ سعياً
لرؤياكم وأنتم كالسّرابِ
جلستُ ولستُ أُحرجُ من صديق ٍ
وإنْ أضحى يزيدُ عليّ ما بي
تخاطبُني الجبالُ و كنتُ طفلاً
فما لي في مخاطبةِ الرّوابي
جرى جُلّ ُ الحبائبِ في ذهابٍ
ويجري العمرُ في سُفُن ِ الذهابِ
فكم من فرصةٍ ضاعتْ لدينا
وقد مرّتْ بنا مَرَّ السِّحابِ
لقد شقّتْ نبالُ الدهرِ قلبي
فهلْ أخشى مُلادغة َ الذبابِ
شكوتُ طوالَ بُعْدِكَ عُدْ لنفسي
فقد عللتُ نفسي في اكتِئابِ
عذرتُكَ ثم عدتَ الى قتال ٍ
وبعدَ العُذرِ تنزيلُ العِقابِ
وما الدّنيا من الإدبارِ إلاّ
بمنزلةِ السطورِ من الكتابِ
فقد أصبحتَ يوماً ذا ثيابٍ
فضاجعتَ المساءَ بلا ثِيابِ
وقد عمّرتَ دارَكَ في صباح ٍ
فأمسَتْ منكَ تقبعُ بالخرابِ
إذا ما مرّ بي منكم رسولٌ
يرى لا شخصَ لي لولا خِطابي
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> نفثات الروح
نفثات الروح
رقم القصيدة : 67192
-----------------------------------
أبكي من الناس ِ لا أبكي من السّقَم ِ
ناراً وجودي بها شئٌ من العَدَم ِ
كفى بأني شبابٌ لا شبابَ لهُ
قد زارَني الشيبُ من رأسي الى قدَمي
وصارَ دهري قريباً مِنْ مُحارَبَتي
وصرتُ فيهِ كمخلوق ٍ بغير ِ فم ِ(61/150)
ما سَرّ قلبَ بعيدٍ أنتَ تُبْعِدُهُ ؟
إني ابتسَمْتُ وقلبي غيرُ مُبْتَسِم ِ
وصرتُ وحدي أُناجيكم وأذكرُكُم
وبتّ ُ أغرقُ بينَ الحِبْرِ والقلَم ِ
يا تاركينَ على النيران ِ منزِلَنا
ونائمينَ على بُعْدٍ ولم أنم ِ
لو أنّ إحدى اللواتي قد هُجِرتُ بها
خوفي عليكم فهذا الخوفُ من كرَمي
مالي أُناجيكَ محروماً غدَرتَ بهِ
وأنتَ تغرقُ في صمتٍ و في صمَم ِ
حتى جلستُ كريماً لا كريمَ لهُ
والحُرّ ُ يجلسُ أحياناً على الندَم ِ
في الناصريّةِ قلبي منذُ هجرتِنا
مثلُ السّجين ِ ودمعي صارَ مثلَ دمِي
خلتْ هواكَ دياري فيمَ أملؤُها
وناظري بعدما غبتُمْ عليهِ عُمِي
يا قمّة َ العِفّةِ البيضاءِ في زمن ٍ
فيهِ الجبالُ تظنّ ُ الظنّ َ بالقِمَم ِ
وأنتَ نجمٌ على (بغدادَ) في غسَق ٍ
وأنتَ بدرٌعلى (ذي قارَ) في الظُلَم ِ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> اتركيني
اتركيني
رقم القصيدة : 67193
-----------------------------------
اتركيني غارقاً بينَ دموعي وأنيني
وخذي ما في يدي مني ومن ثمّ دعيني
وانثري فوقَ العَفَا عمري وأوراقَ سنيني
كلّ ُ هذا كانَ مكتوباً على هذا جبيني
انني أمسيتُ مقتولاً .. فإنْ شئتِ اقتُليني
واترُكي الجُرحَ لكي ينزِفَ من يمِّ حنيني
آهِ .. ما غشّتْنيَ الدنيا ...
ولا قلبي ولا حتى عيوني
إنما خادَعَني بعضُ صفائي و يقيني
فاسأليني عن ضياع ِ العمرِ أو لا تسأليني
لستُ أبكي لكِ بل أبكي على أحلى سنيني
اتركيني .....
في عروق ِ الزمَن ِ الغادر ِ ألقيتُ حكاياتي وأُنسي
ونسيتُ الحُبّ َ مِنْ أول ِ هجرانِكِ ...
فانسي
ليسَ لي في صرحِكِ الوهميِّ والمغرور ِ كرسي
أنتِ قد أحرَقْتِ قلبي ...
وأنا في حبِّكِ المزعوم ِ قد أحرقتُ رأسي
هل سيُجْديني بكائي وأنيني والتأسِّي ؟
وكفى قلبي ضياعاً أنهُ ضيّعَ أمسي
وأُريدُ الآنَ أنْ أُصْبِحَ موجوداً وأُمسي
فاذهبي عني فإني الآنَ قد لاقيتُ نفسي
وكفى أنكِ ضيّعْتِ بأوهام ٍ وأحلام ٍ سنيني
اتركيني ...(61/151)
و دَعي النفسَ تواسيني فقد طالَ العَناءْ
فاذهبي عني فإني صرتُ أحتاجُ الجفاءْ
هل تُطيقينَ معي صبراً على هذا..
و تبكينَ اللقاءْ ؟
هو هذا كلّ ُ ما لا قيتُ من عمري الذي ...
ضاعَ هباءْ
لستُ أدري ...
كيفَ أستخرِجُ هذا الحُبّ َ من هذي الدماءْ
لو بكتْ كلّ ُ شراييني اليكِ الانَ وَجْداً و رثاءْ
لن تُناديكِ متاهاتي اذا ضجّ حنيني
اترُكيني
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> جناح الريح
جناح الريح
رقم القصيدة : 67194
-----------------------------------
الليلُ والريحُ أخفتْ من هنا سَكني
انا الغريبُ الذي يبكي الى وطن ِ
أنا البلادُ وسكّاني ضحىً رحلوا
ماذا سأصنعُ في أرضي وفي مُدُني
فيا (امتثالُ ) بما عانيتُ من علل ٍ
أأتي بواحدةٍ خوفاً من العلَن ِ
بكتْ فقلتُ .. لماذا أنتِ باكية ٌ
لاشئَ قالتْ .. ودمعٌ سالَ كالمزُن ِ
تبكي وعندي حروقٌ مثلَ لوعتِها
ضعفان ِ حتى وكادَ الدمعُ يفضحُني
عيناكِ كالعشبِ في وادٍ احاطَ بها
حصنٌ من الفضةِ البيضاءِ كاللبن ِ
وفي الخدودِ مروجٌ من نسائِمِها
مِسْكٌ بهِ كلّ َ يوم ٍ تنتشي مُدُني
شقراءُ كالشمس ِ إنّ الشمسَ قائلة ٌ
خذي العراق ِ وخلِّيني بلا وطن ِ
إنسانة ٌ أنتِ حقّاً إنما ملكٌ
ريحانة ٌ لفّها الرحمنُ في فنن ِ
تبدو شفاهُكِ ياقوتاً ومُشتعِلاً
من أينَ لي بعظيم ِ الحظِّ والثمَن ِ
خذي اللواحظَ والايامَ من شرَفي
ومَنْ تهُنْ عندَهُ الأيامُ لم يَهُن ِ
وكم أتتني الصَّبا منها تُشاورُني
ولستُ أعرِفُ ما توحيهِ في أُذُني
تقودُني الريحُ من بدوٍ الى حضرٍ
علِّي اُلاقي التي كانت تُعَلِّلُني
ويا سُلُوّاً أنا أسلوكِ من شغَفي
بمَنْ تجافتْ ولم تتركْ سوى الدِّمن ِ
لا ينسُجُ العيشُ فينا أيّ َعافِيَةٍ
ولا تطالُ المآقي أقصرَ الوسَن ِ
يا بحرُ يا مَنْ غرِقْنا في سواحِلِهِ
الى متى فيكَ أبقى أرتجي سُفُني؟
لو لم تكونوا أحبّ َ العالمينَ لنا
ما طارَ قلبي وجافى بعدَكُم بدَني(61/152)
اني اراها وباتت حيثُ لم ترَها
عيني- وباتت تراني حيثُ لم ترَني
فلا تكادُ تقيني حينَ أندُبُها
ولا أكادُ أقيها حينَ تندُبُني
وبدّلَ الدهرُ أوضاعاً وغيّرَها
غيّرتُ دهري ودهري لا يُغَيِّرُني
ولا يرى المخلصونَ الآنَ في وطني
شيئاً سوى أننا كُنّا ولم نكُن ِ
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> ناصية الأشواق
ناصية الأشواق
رقم القصيدة : 67195
-----------------------------------
عودوا فإنّا كما كنا مُحِبِّينا
ما زالَ بدرُ التصافي في ليالينا
أنتم هوانا وإياكم أجِنّتُنا
يا هاجرينا ورؤياكم أمانينا
إنْ كانَ حينُ التجافي سَرّ خاطِرَكُمْ
كنا طوالَ التجافي نحنُ آسينا
هذا كتابٌ لكم منا اذا نظرتْ
فيهِ الليالي بكتْ حزناً لِمَا فينا
لا تحسَبوا عيشَنا من بعدِكم بطراً
كنا على ذكرِكمْ إنْ نبقَ باقينا
بغدادُ ما هَدَأتْ نفسي ولا يبسَتْ
عيني ولا ضحِكتْ يوماً ليالينا
أدنو لكم وعيوني كلها ولَهٌ
بكم .. فأزدادُ شوقاً في تدانينا
كم قد بكينا وكم قد صاحَ صائِحُنا
يا قاتلينا- وكم ناحتْ قوافينا
وما برحنا وأيامُ البعادِ لنا
قد حوّلتْها بنا الدنيا سكاكينا
قفْ بي ونادِ أما في الدارِ من أحَدٍ
يا راكِبَ الحُزْن ِ أنتَ الآنَ حادينا
قفْ بي قليلاً على الأطلال ِ وابكينا
هنا التقينا وأهدينا الرّياحينا
هنا وقفنا هنا بالامس ِ واحترَقتْ
منا النفوسُ وقطّعْنا الشرايينا
هنا وضعْنا على بعض ٍ أنامِلَنا
هنا مَدَدْنا الى بعض ٍ أيادينا
وقد نعينا زماناً كانَ يجمعُنا
لمّا رأينا زمانَ الهجر ِ ناعينا
يا عنفوانَ الهوى رِفقاً بحاضِرِنا
ويا طيورَ الصِّبا عودي بماضينا
لو هبّتْ الريحُ منكم ظِلْتُ مُحَنِياً
لها كأنّ بها منكم لنا حينا
إنْ لم تزوروا نواحينا ومسْكَنَنا
زوروا النواحي التي اقصى نواحينا
قد اكفهرّتْ بساتينٌ يُزيِّنُها
زهرُ التلاقي وما عادتْ بساتينا
قل للعيون ِ التي كانت تُلاقينا
قد نابَ عنهنّ واشيها و واشينا(61/153)
كنا الملوكَ وقد كانوا رعِيّتَنا
صرنا العبيدَ وقد صاروا السلاطينا
وكيفَ نسترُ سرّاً لا ستارَ لهُ
فنتقي ويكادُ الدمعُ يُخْزينا
فاكتُبْ لناصيةِ الاشراقِ قد غربَتْ
شمسُ اللقاء ِ وشيّعْنا تلاقينا
هناكَ يفتقدُ الأحبابُ موطنَهُمْ
وها هنا موطنٌ يبكي المُحِبِّينا
كلّ ُ اجتِماع ٍ الى هجر ٍ بمَوطِنِنا
هنا وبلّغَ أدنانا أقاصينا
تُرى اتخذتُمْ سوانا مَنْ يُعَلِّلُكم
عند المساءِ وأقصيتُمْ أماسينا
يا ظبية ً تجمعُ الدنيا بناظر ِها
هلاّ سكنتِ بوادٍ غير ِ وادينا؟
أقولُها والأماني فيّ خاوية ٌ
عُودوا فإنّا كما كنا محبِّينا
وكيفَ يهدأُ في سوق الشيوخ ِ دَمِي
وفي (الهُوَيْر ِ) حبيبٌ لا يُناجينا
مرّتْ سنونَ الصِّبا هجراً ولا خبَرٌ
فمَنْ اليها لوجهِ اللهِ يهدينا؟
شعراء العراق والشام >> وحيد خيون >> مسار الكواكب
مسار الكواكب
رقم القصيدة : 67196
-----------------------------------
خذي من سنينَ العُمرِ عشراً و فوقَها
مُقابلَ يوم ٍ واحِدٍ من تقاربِ
أُخاطبُ أسرابَ الطيورِ تحيّة ً
وللعين ِ نجمٌ في مسار ِ الكواكِبِ
ويا طللاً في الحيِّ ليلاً أزورُهُ
وفي كلِّ حين ٍ عندَنا منهما نبي
إذا تحسَبينَ الحبّ َ ذنبا فإنني
لهُ فاعلٌ عَمْداً ولستُ بتائِبِ
فيا ساكِناتِ الطرْفِ حُبّاً لعَيْنِها
رضيتُ بما قدْ قادَني للمَصائِبِ
وأذكرُ يوماً في الطريق ِ وجدتُها
فمالتْ وقالتْ يا لها من عجائِبِ
وقد أبْعَدَتْ عني من الناس ِ مُقلة ً
وصدّتْ لنا منها ببعض ِ الجوانِبِ
الى انْ جلَسْنا واسْترتحَ ضميرُها
تدانتْ رُويداً حيثُ صارت بجانِبي
وقالتْ أُريدُ الآنَ منكَ قصيدة ً
وتوصِفُ فيها أعْيُني و ذوائِبي
فقلتُ لها أخشى هواكِ و إنني
غريقٌ بأيّامي و ما مِنْ مراكِبِ
ولا تجهلي قصدي فأنتِ جميلة ٌ
وعيناكِ خُضْرٌ عالياتُ المَراتِبِ
وماذا أنا ؟إنْ كانَ لي منزلٌ هنا
أشَرْتُ الى قلبٍِ وعين ٍ وحاجِبِ
فقالتْ وحقِّ اللهِ ما أنتَ عندنا(61/154)
عدُوّ ٌ و لا أدري بأنكَ صاحِبي
فقلتُ إذنْ ماذا ؟ فعادَ حياؤُها
يُراوِدُها من كلِّ حدْبٍ و جانِبِ
وراحتْ وفي يومين ِ بعدَ لِقائِنا
أتتني صباحاً في كتابٍ مُخاطِبي
تقولُ لقدْ أوحَشْتَنا مُذ هَجَرْ تَنا
وأنتَ لنا خِلّ ٌ و أغلى الحبائبِ
فلما تبادَلْنا المَحَبّة َ واستوى
هوانا , جفَتْني يا لسوءِ العواقِبِ
وتوصي لنا أنْ لا نعودَ لبعضِنا
فلسْنا الى بعض ٍ غدَوْ نا براغبِ
ومالي سوى الأطيافِ جمْعُ حبائبٍ
إذا ما نأتْ عني عيونُ الحَبائِبِ
تفرّ قَتْ الأبدانُ مِنّا سريعة ً
وفي البحْر ِ ما أدنى فراقَ القوارِبِ
وصارتْ محطاتُ الرحيل ِ ديارَنا
و دورُ تَلاقِينا غدَتْ كالخَرائِبِ
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> بين العمر.. والأماني
بين العمر.. والأماني
رقم القصيدة : 67197
-----------------------------------
إذا دارت بنا الدنيا و خانتنا أمانينا
وأحرقنا قصائدنا وأسكتنا أغانينا
ولم نعرف لنا بيتا من الأحزان يؤوينا
وصار العمر أشلاء ودمر كل ما فينا
وصار عبيرنا كأسا محطمة بأيدينا
سيبقى الحب واحتنا إذا ضاقت ليالينا
* * *
إذا دارت بنا الدنيا ولاح الصيف خفاقا
وعاد الشعر عصفورا إلى دنياي مشتاقا
وقال بأننا ذبنا.. مع الأيام أشواقا
وأن هواك في قلبي يضيء العمر إشراقا
سيبقى حبنا أبدا برغم البعد.. عملاقا
* * *
وإن دارت بنا الدنيا وأعيتنا مآسيها
وصرنا كالمنى قصصا مع العشاق ترويها
وعشنا نشتهي أملا فنسمعها.. و نرضيها
فلم تسمع.. ولم ترحم وزادت في تجافيها
ولم نعرف لنا وطنا وضاع زماننا.. فيها
وأجدب غصن أيكتنا وعاد اليأس يسقيها
عشقنا عطرها نغما فكيف يموت.. شاديها؟
* * *
و إن دارت بنا الدنيا وخانتنا.. أمانينا
وجاء الموت في صمت وكالأنقاض.. يلقينا
وفي غضب سيسألنا على أخطاء ماضينا
فقولي: ذنبنا أنا جعلنا حبنا.. دينا
سأبحث عنك في زهر ترعرع في مآقينا
وأسأل عنك في غصن سيكبر بين أيدينا
وثغرك سوف يذكرني.. إذا تاهت أغانينا(61/155)
وعطرك سوف يبعثنا ويحيي عمرنا.. فينا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> موعد بلا لقاء
موعد بلا لقاء
رقم القصيدة : 67198
-----------------------------------
ووقفت أنظر في العيون
الحائرات على بحار من دموع
والليل يفرش بالظلام طريقنا
والخوف يعبث بامتهان في الضلوع
تتبعثر الأحلام في الأعماق
تهوى فوق أشلاء الشموع
تتعثر الخطوات في قدمي
وتسألني.. الرجوع
ما زلت أمضي خلف أوهام
قضيت العمر تخدعني
على هذي الربوع
* * *
وأخذت أنظر في الطريق
وكاد يغلبني البكاء
كنا هنا بالأمس
كان الحب يحملنا بعيدا للسماء
ما أتعس الدنيا
إذا احترقت زهور العمر
في ليل الجفاء
الآن أبحث عنك في كل الوجوه
وكأنني طفل على الأحزان يوما عودوه
وكأنني شيخ يموت و بالأماني كبلوه
وكأنني طير بلا عش و عاش ليصلبوه
ووقفت أنظر في الطريق..
أترى أراك على رحيقك تعبرين؟
ووراء ظلك
تلهث الأحلام سكرى بالحنين؟
وعلى جبينك بسمة الأيام غفران السنين؟
* * *
ووقفت أنظر في الطريق
طفل وعاشقة وكهل
شاخ حزنا في الدروب
ودماء أحلام يثور أنينها بين القلوب
وهناك شيخ
في الطريق يطوف تحمله الذنوب
وصغيرة حملت كتابا بين نهديها
لتلحق بالغروب
والوقت كالضيف الثقيل
يسير مكتئب القدم
واليأس يحملني ويلقيني
بقايا.. للألم
* * *
أترى سترجع مثلما قالت
على همس الغروب؟
الشمس تشطرها السماء و خلفها
يبكي السحاب على الرحيل
والليل من خلف الضياء
يطل في خبث على وجه النخيل
والوقت كالسجان
يصفعني و يتركني
على أمل.. عليل
ستعود في همس الغروب
قلبي يذوب مع المغيب
ما أبطأ النبضات في قلب يذوب
ما أطول الأحزان لو عادت..
لتعصف بالقلوب
الليل يظهر من بعيد
ويصول خلف ردائه
وكأنه حزن.. يطارد يوم عيد
وأتى يداعبني و قال:
رجعت تحزن من جديد
الدرب أصبح خاليا
وأنا أحدق في الطريق
لا شيء غير الصمت
كل الناس يلقيها
طريق في طريق
وبقيت وحدي
أرقب الخطوات تسألني:
متى قلبي.. يفيق؟
ما زال ينظر في الطريق(61/156)
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> مع العراف
مع العراف
رقم القصيدة : 67199
-----------------------------------
لماذا صارت الأحلام أشواكا
تمزقنا بأيدينا؟!
لماذا نترك الأحزان تقهرنا
وتصفعنا.. وتلقينا؟
لماذا نقتل الأشواق
والنجوى لهيب في مآقينا؟
لماذا نكره الأحياء.. والموتى
ونكره كل ما فينا؟
كأن الأرض لم تنجب
سوى زمن يعادينا
وظل الليل بالأحزان
يسقينا.. ويسقينا
وطيف اليأس بالكلمات
يغرينا.. ويغرينا
ذهبت اليوم للعراف أسأله..
لماذا ترفع الأحزان قامتها بوادينا؟!
دنا العراف في همس
وقال: الخوف يا ولدي
أراه الآن يقتلنا ويهزمنا.. ويردينا
لأن الله يخلقنا ويطعمنا.. ويسقينا
ولا نرضى بأن نبقى له دوما مطيعينا
دعونا نطلق الكلمات ترحمنا.. تواسينا
دعونا نرفض الأشياء
مثل الناس أو نحكي مآسينا
لماذا يأكل الصبار أزهارا
رعاها.. كل ما فينا؟!
حياة الناس أغنية
وما جدوى أغانينا؟
وليل الصمت يخنقنا
ويطحننا.. ويبكينا
* * *
رعينا الحب في أرض
عشقناها.. محبينا
جعلناها سفينتنا رأيناها مراسينا
تركنا الظلم ينخرها
لتغرق بين أيدينا
وهبنا النيل قربانا
جعلنا ماءه طينا
تركنا الفقر يهزمنا
يعربد في أمانينا
وقلبي بات يسألني:
متى الأفراح تحيينا؟
متى ستضيء قريتنا؟ متى تشدو ليالينا؟
فدمعي قد غدا نارا و دربي صار سكينا
و جوع الطفل يجعلني أسائل أدمعي حينا:
لماذا الفقر يا ولدي يدم
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وتهدأ الأحزان
وتهدأ الأحزان
رقم القصيدة : 67200
-----------------------------------
إن ضاق العمر بأحزاني
أو تاه الدمع بأجفاني
أو صرت وحيدا في نفسي
وغدوت بقايا إنسان
سأعود أداعب أيكتنا
وأعود أردد ألحاني
وأعانق دربا يعرفني
وعليه ستهدأ أحزاني
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ونشقى بالأمل
ونشقى بالأمل
رقم القصيدة : 67201
-----------------------------------
ويحملني الحنين إليك طفلا
وقد سلب الزمان الصبر مني(61/157)
وألقى فوق صدرك أمنياتي
وقد شقي الفؤاد مع التمني
غرست الدرب أزهارا بعمري
فخيبت السنون اليوم ظني
وأسلمت الزمان زمام أمري
وعشت العمر بالشكوى أغني..
وكان العمر في عينيك أمنا
وضاع العمر يوم رحلت عني...
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> يأس الطريق
يأس الطريق
رقم القصيدة : 67202
-----------------------------------
سألت الطريق: لماذا تعبت؟
فقال بحزن: من السائرين
أنين الحيارى ضجيج السكارى
زحام الدموع على الراحلين
وبين الحنايا بقايا أمان
وأشلاء حب وعمر حزين
وفوق المضاجع عطر الغواني
وليل يعربد في الجائعين
وطفل تغرب بين الليالي
وضاع غريبا مع الضائعين
وشيخ جفاه زمان عقيم
تهاوت عليه رمال السنين
وليل تمزقنا راحتاه
كأنا خلقنا لكي نستكين
وزهر ترنح فوق الروابي
ومات حزينا على العاشقين
فمن ذا سيرحم دمع الطريق
وقد صار وحلا من السائرين
همست إلى الدرب: صبرا جميلا
فقال: يئست من الصابرين
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> أحزان مصر
أحزان مصر
رقم القصيدة : 67203
-----------------------------------
تركناك يا مصر بين الصقيع
تمزق فيك ليالي الشتاء
وبين العواصف جسم نحيل
يذوب وتبكي عليها لسماء
ووجهك يحنو علينا اشتياقا
يلملم عنا الأسى والشقاء
وثغرك يضحك بين الجراح
وفوق الظلام يشع الضياء
وخلف الجفون بقايا دموع
تثور فينهرها الكبرياء
وبرد الشتاء يسوق الحيارى
صفوفا لتسكن بيت العراء
* * *
يود الصغار بقايا رغيف
وكان الزمان بخيل العطاء
تركناك للفقر دهرا طويلا
وضاعت دماؤك فوق النساء
وبين الجماجم عطر الغواني
وكأس وشيخ يلوك الدماء
وما للعروبة لوم علينا
إذا ما سئمنا طبول الإخاء
* * *
رأيتك يا مصر جسما نحيلا
فأين الجمال وأين البهاء؟
وأين ثيابك عند الربيع
وأين عبيرك ملء الفضاء؟
سلبناك كل الذي تملكين
سرقنا النذور قتلنا الحياء
ظلمناك دهرا تركناك نهبا
لليل السجون وذل الغباء
* * *
فيا قبلة لم تزل في الحنايا(61/158)
تحج إليها المنى والرجاء
ويا زهرة عانقتنا رؤاها
ومنها رأينا الأسى والعزاء
ويا حب عمر عشقناه عشقا
بكل الخطايا وكل النقاء
فأنت التي إن رمانا الظلام
رأينا بثغرك فجر الضياء
فهيا لعطرك لا تهجريه
فغدا من عبيرك تصحو السماء
* * *
إلينا تعالي فأنت الحنان
إذا مات فينا زمان الوفاء
إلينا تعالي فأنت الأمان
إذا صارت الأرض للأشقياء
فيا دمعة أحرقت مقلتيا
ومنها سلكت دروب البكاء
ويا حزن عمري ويا كأس فرحي
إذا عز في العمر يوم الصفاء
سيبقى جمالك رغم الخريف
ورغم الرياح ورغم الشتاء
* * *
سنرعى أمانيك من ذا سيفدي
أمانيك يوما سوى الأوفياء؟
سنروي ربيعك رغم الصقيع
عبير الحنايا وعطر الدماء
وشعبك يا مصر درع الزمان
فلا تسألي غيره في البناء
ولا تبكي حزنا على ما وهبت
ولا تنظري حسرة للوراء
فهيا اضحكي مثلما كنت دوما
فإنك في الأرض سر البقاء
أسأنا إليك قسونا عليك
فهل تصفحين بحق السماء؟
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عندما يغفو القدر
عندما يغفو القدر
رقم القصيدة : 67204
-----------------------------------
ورجعت أذكر في الربيع عهودنا..
أيام صغناها عبيرا للزهر
والأغنيات الحالمات بسحرها
سكر الزمان بخمرها وغفا القدر
والليل يجمع في الصباح ثيابه
واللحن مشتاقا يعانقه الوتر
والعمر ما أحلاه عند صفائه
يوم بقربك كان عندي بالعمر
إني دعوت الله دعوة عاشق
ألا تفرقنا الحياة.. ولا البشر..
قالوا بأن الله يغفر في الهوى
كل الذنوب ولا يسامح من غدر
* * *
ولقد رجعت الآن أذكر عهدنا
من خان منا من تنكر.. من هجر
فوجدت قلبك كالشتاء إذا صفا
سيعود يعصف بالطيور.. وبالشجر
يوما تحملت العباد مع الجفا
ماذا سأفعل خبريني.. بالسهر؟!
* * *
ورجعت أذكر في الربيع عهودنا
وسألت مارس كيف عدت بلا زهر؟
ونظرت لليل الجحود وراعني
الليل يقطع بالظلام يد القمر
والأغنيات الحائرات توقفت..
فوق النسيم وأغمضت عين الوتر
وكأن عهد الحب كان سحابة(61/159)
عاشت سنين العمر تحلم بالمطر
من خان منا صدقيني أنني
ما زلت اسأل أين قلبك.. هل غدر؟
فلتسأليه إذا خلا لك ساعة
كيف الربيع اليوم يغتال الشجر؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> خطيئة
خطيئة
رقم القصيدة : 67205
-----------------------------------
أسقطت حبك من سنين حياتي
وصلبته شبحا على الطرقات
وجمعت أيام الفضائل كلها
فوجدت بعدي أجمل الحسنات
قد كنت في ليل الظلال خطيئة
لا الصوم يغفرها ولا صلواتي
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> المدينة تحترق
المدينة تحترق
رقم القصيدة : 67206
-----------------------------------
الدار يا أماه طفل يحترق
هذي ذئاب النار بالأحزان تسرع
خلف حلم يختنق
شرفات منزلنا الصغير
على نحيبك لم تزل
تنشق حزنا.. وألم
والدار يعصرها اللهيب
وصارت الأنفاس فيها كالعدم...
* * *
النار تسري في مدينتنا وليس لنا مجير
أكلت حدائقنا مزارعنا
وعصفوري الصغير
أكلت جوانحنا مدامعنا..
وأحرقت الغدير
النار يا أماه أحرقت الغدير!!
* * *
النار يا أمي تحوم على مشارف بيتنا
وأنا أموت على مكاني كل شيء..
صار نارا حولنا
أترى سنتركها
لتأكل بسمة الأيام والأمل الوليد؟!
النار تنهش في الدماء وفي النساء وفي الحديد
النار تسكر في الزحام
على بقايا.. من شهيد
* * *
النار يا أمي على الباب الكبير
والناس تصرخ والكبير يدوس على أشلاء الصغير
والمسجد الخالي يذوب مع المآذن يحترق
وعليه صورة طفلة
ركعت على أنفاسها
من ذا يصدق أنها..
ذهبت هناك لتختنق؟
صلواتها تبكي يتوه نحيبها بين الحريق
والمنبر المسكين في وسط الحريق
كأنه طفل.. غريق
* * *
الناس تلقي نفسها بين اللهب
وصراخ أطفال وحزن أرامل
والكل يسأل.. ما السبب؟؟
النار منا تقترب
النار يا أمي تدمر دارنا..
هذي دماء الدار تسقط
من ثنايا.. ثغرها
أكلت عيون الدار
ألقت في اللهيب بسحرها
ذبحت شجيرتنا التي
عشت الحياة بعطرها
* * *
الدار يا أماه طفل يحترق..
صدري من الدخان(61/160)
يصرخ.. كاد صدري يختنق
أماه..
النار مني تقترب
أماه إني أختنق
أماه...
أماه...
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> الجراح
الجراح
رقم القصيدة : 67207
-----------------------------------
هل من دمائك يسكر السفهاء؟
وعلى رفاتك يرقص الجهلاء؟
وعلى جبينك نام طفل جائع
وعليه تصرخ دمعة خرساء
واليأس يقتلنا بطول ظلامه
وتعربد الأحزان كيف تشاء
وقف الجمال لديك مسلوب الخطى
و تفجرت من وجنتيه دماء
وعلى ظلال الدرب حامت صرخة
الأم يأكل لحمها الجبناء
وسط الذئاب تناثرت أشلاؤها
يا ويح قلبي والأمور سواء
يا من سكرتم من رحيق دمائها
فوق التراب تشرد الأبناء
أبني العروبة لم تزل في مصرنا
رغم الجراح محبة وعطاء
* * *
لو لم تكن مصر العريقة موطني
لغرست بين ترابها وجداني
وسلكت درب الحب مثل طيورها
وغدوت زهرا في ربى بستان
وجعلت من عطر الزمان قلائدا
ونسجت بين قبابها إيماني
فمتى نعيد لمصر بسمة عمرها؟
ما أتعس الدنيا مع الأحزان
* * *
مصر الحبيبة يا رفاقي كعبة
لا تتركوها مرتع الأوثان
فالعمر ليس بضاعة مسلوبة
والعمر ليس بدرهم وغواني
الله يشهد أننا رغم الأسى
لم ننس يوما قبلة الرحمن
يا من سكرتم من رحيق دمائها
وغزوتم الدنيا بزيف لسان
عندي لكم رغم الجراح نصيحة
لا خير في مال بلا إنسان
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> السفر في الليالي المظلمة
السفر في الليالي المظلمة
رقم القصيدة : 67208
-----------------------------------
وغدا تسافر
والأماني حولنا.. حيرى تذوب
والشوق في أعماقنا يدمي جوانحنا
ويعصف بالقلوب
لم يبق شيء من ظلالك
غير أطياف ابتسامة
ظلت على وجهي تواسيه
وتدعو.. بالسلامة
* * *
وغدا سمنضي فوق أمواج الحياة..
لا نعرف المرسى
وتاهت كل أطواق النجاة
لم لم تعلمني السباحة في البحار؟
لم لم تعلمني الحياة بغير شمس.. أو نهار؟
والصبر.. يا للصبر حلم زائف..
وهم يعذبنا ومأوى.. كالدمار
وغدا تسافر
والمنى حولي تذوب(61/161)
أتراك تعرف كيف يغتال الهوى
نبض.. القلوب؟
والآن تجمع في الحقائب
عطر أيام.. الهوى
وعلى المقاعد نامت الذكرى
على صدر المنى..
ما كنت أحسب أننا يوما
سنرجع.. قبل منتصف الطريق
ومع النهاية نحمل الماضي
صغيرا.. مات منا في حريق..
وتسافر الأشواق في أوراقنا
والحب يبكي كلما اقتربت نهايتنا
ويسرع.. نحونا..
وعقارب الساعات تصمت..
قد يتوه الوقت..
قد يمضي قطار الليل
قد ننسى.. ونرجع بيتنا
الدرب أظلم حولنا..
من يا ترى سيضيء
هذا الدرب.. حبا مثلنا؟!
الدرب أقسم أن يخاصم
كل شيء.. بعدنا
وهناك في وسط الطريق شجيرة
كم ظللت بين الأماني.. عمرنا
مصباحنا المسكين ودع نبضه..
ولكم أشاع النور عطرا.. بيننا
شرفات مسكننا المسكين تحطمت..
عاشت أمانينا وذاقت كأسنا
وبراعم النوار بين دموعها
ظلت تعانقني.. وتسألني: ترى..
سنعود يوما.. بيتنا؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وتنتحر المنى
وتنتحر المنى
رقم القصيدة : 67209
-----------------------------------
ويمضي المساء على جفن درب
تركناه يوما لكأس القدر
تعربد فيه ليالي الصقيع
ووحل الشتاء وموت الزهر
وتمضي الحياة على وجنتيه
كحلم تعثر ثم انتحر
وفوق المقاعد عهد قديم
وأصداء نشوى وطيف عبر
ويبكي الطريق على الراحلين
على من مضى أو جفا أو غدر
* * *
ويمضي المساء على جفن درب
رعانا بدفء كشمس الشتاء
رأينا على شاطئيه الأمان
وحلما يداعبنا في الخفاء
وفي الدرب عشنا ربيع الأماني
سكارى نعانق فيها السماء
شدونا نشيد الهوى للحيارى
وفي الحب تحلو ليالي الغناء
رجعنا إلى الدرب بعد الرحيل
لنرثي عليه بقايا لقاء
* * *
مقاعدنا أطرقت في سكون
وقالت: رجعت لنفس الطريق
فأين لياليك صارت رمادا؟
وأين أمانيك بعد الحريق؟
وأين النسيم يهيم اشتياقا
يعانق في راحتيها الرحيق؟
على الدرب نامت بقايا زهور
وأشلاء غصن وحلم غريق
ولم يبق شيء سوى أغنيات
تساءل في الليل أين الرفيق؟
* * *
ويمضي المساء على جفن درب(61/162)
توارى مع الحزن بعد الرحيل
وكم عاش يحمل نبض الحياة
كهمس النسيم وظل النخيل
عرفناه ليلا شقي الظلام
رأيناه شمسا تناجي الأصيل
ومهما عشقنا رحيق الأماني
فعمر الأماني قليل.. قليل
* * *
لقد عشت بالحب طفلا صغيرا
رأى في هواك عطاء السنين
فأطلق في راحتيك الليالي
وما كان يدري عذاب السجين
وكان نصيبك ليلا طويلا
وكان نصيبي قلبي الحزين
وجئنا إلى الدرب يوما حيارى
ليسألنا عن زمان الحنين
عشقنا وذبنا عليه اشتياقا
وجئناه نبكي على الراحلين
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> نحن والحرمان
نحن والحرمان
رقم القصيدة : 67210
-----------------------------------
خفف دموعك عندما تلقاني
واسأل نجوم الليل عن أحزاني
أنا مصر, يا ولدي عطاء دائم
أنا غنوة عاشت بكل لسان
الآن تسأل: هل مصير دمائنا
غدر الرفاق وجفوة الخلان؟
أقسى عذاب العمر عهد خادع
أو ظلم أهل أو ضياع أماني!!
أتراك تعتب يا بني لأنهم
باعوا دماك بأبخس الأثمان
أنا يا عبير العمر يقتلني الأسى
وأذوب مثلك في لظى أشجاني
سالت دماؤك فوق صدري وارتوت
منها القناة((فكبر الهرمان))
وانساب صبح العمر بين ربوعنا
حمل الربيع معطر الألحان
هل بعد أمجاد دفعنا مهرها
صبر السنين و قسوة الحرمان؟
اليوم يجمعهم نداء ظالم
فيصير حكم الأرض للشيطان
وقفت شعوب الأرض تنظر حسرة
هلا سمعتم قصة العربان؟
شعب يموت الحب في وجدانه
لا خير في شعب بلا وجدان
قد صار يسكر من دماء وليده
والعمر فيه دراهم وغواني
عشرون عاما يا بني وهبتها
من أجل صرح راسخ البنيان
ودفعت أيام السنين رخيصة
وأذقت شعبي لوعة الحرمان
* * *
يا سادة الأحقاد مصر بشعبها
بتراثها بصلابة الإيمان
مصر العظيمة سوف تبقى دائما
فوق الخداع.. وفوق كل جبان
مصر العظيمة سوف تبقى دائما
حلم الغريب وواحة الحيران
مصر العظيمة سوف تبقى دائما
بين الورى فخرا لكل زمان
يا من تريدون الزعامة ويحكم
مصر العظيمة كعبة الأوطان(61/163)
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> بقايا امرأة
بقايا امرأة
رقم القصيدة : 67211
-----------------------------------
وقفت تحدق في الطريق
وخلف عينيها جراح اليأس
تعصف بالبريق..
وعبيرها يتوسد النسمات
محمولا كأشلاء الغريق
والشمس تترك للضياع ثيابها
ويغوص منها السحر في بحر سحيق
وعلى جدائل شعرها
جلس العذاب وراح في نوم عميق
ماتت على فمها ابتسامة عاشق
فغدت بقايا من رحيق
* * *
ودنوت منها في أسى وسألتها:
لم يا حبيبة كل أيامي وقفت على الطريق؟
ضحكت وقالت: كنت يوما..!!
هل تراك الآن تسخر
بعدما انتحر البريق؟
الآن صرت إلى الطريق
أقضي الصباح صديقة
يأتي المساء.. مع الرفيق
ما أتعس الدنيا إذا صرنا مع الأيام
شيئا في طريق
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> المقاتلون بدماء مصر
المقاتلون بدماء مصر
رقم القصيدة : 67212
-----------------------------------
ينامون فوق صدور الغواني
ويبكون بالشعر عهد الوليد
وتحت المضاجع أشلاء عمر
وأحزان أم وذكرى شهيد
وفي الكأس تبكي بقايا دماء
وأنقاض عطر وأنفاس غيد
ويلقون فوق رؤوس الصغار
ثياب الغواني وخبز العبيد
وفي كل يوم يبيعون شعرا
ويبنى على الشعر قصر جديد
يسيرون بالشعر في كل درب
وفي كل يوم مزاد فريد
تعالوا نقاتل من جوع مصر
ونلقي على الناس حلو القصيد
تعالوا نصافح آلام شعب
ونصرخ بالحزن هل من مزيد؟
تعالوا لنسكر من دمع أرض
ونغتال فيها الزمان السعيد
تعالوا نحطم أحلام مصر
وندفن فيها الصباح الوليد
تعالوا نتاجر في دمع أم
تعالوا نبيع رفات الشهيد
تعالوا لنسخر من حزن ثكلى
على راحتيها شباب شريد
تعالوا لنحرق أزهار عمر
ففي الزهر يرقد حلم جديد
تعالوا ففي مصر سوق العطاء
ومنها ربحنا وفيها المزيد
تعالوا نبيع بعطر الجواري
دموع الصغار ويأس القعيد
تعالوا لنلقى على مصر صبرا
ونغرس فيها هموما تبيد
وهيا لنكتب شعرا جديدا
فما عاد في العمر شيئا يفيد
* * *
وآه إذا الجرح أضحى رخيصا(61/164)
تباع الدماء بسعر زهيد
وتحت المضاجع أشلاء عمر
وفي الكأس تبكي دماء الشهيد
يصيحون فوق صدور الغواني
يعيدون بالشعر عهد الوليد
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> في رحاب الحب
في رحاب الحب
رقم القصيدة : 67213
-----------------------------------
جعلتك كعبة من الأرض يأتي
إليك الناس من كل البقاع
وصغت هواك للدنيا نشيدا
تراقص حالما مثل الشعاع
وكم ضمتك عيناي اشتياقا
وكم حملتك في شوق ذراعي
وكم هامت عليك ظلال قلبي
وفي عينيك كم سبحت شراعي
رجعت لكعبتي فوجدت قبرا
وزهرا حوله تلهو الأفاعي
عبدتك في الهوى زمنا طويلا
وصرت اليوم أهرب من ضياعي
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> مات الحنين
مات الحنين
رقم القصيدة : 67214
-----------------------------------
اليوم تجمعنا الليالي
بعدما.. مات الحنين
وتوارت الأحلام خوفا
بين أحزان السنين
وقضيت كل العمر أسأل عنك
طيف العاشقين
وجعلت حبك نجمة
تهدي ظلام الحائرين
ونسجت من أيامي الحيرى رداء البائسين
ونسيت أن العمر قد يمضي
ولا نجد السنين..
وبأن أحلام الليالي
بالأسى قد تستكين
ورجعت يا دنياي.. واأسفي..
لقد مات الحنين
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> الأرض والإنسان
الأرض والإنسان
رقم القصيدة : 67215
-----------------------------------
عانقت بين جفونك الأزهارا
ورأيت ليل العمر فيك نهارا
ولطالما سلك الفؤاد مدائنا
وبقيت وحدك قبلة ومزارا
كم لاحت الأيام بعدك ظلمة
فرأيت أطياف المنى أسوارا
وظللت أسكب من رحيقك أدمعي
حتى غدت بعد النوى أنهارا
يا نيل ماؤك للوجود هداية
عاشت على درب السنين منارا
ما كان حبك في دمائي رغبة
محمومة ما جئته مختارا
قدر هواك وقد بقيت بسره
إن ضقت يوما لا أطيق فرارا
* * *
يا نيل فيك من الحياة خلودها
كل الورى يفنى وأنت الباقي
في ظل ثغرك كم تبسم عمرنا
وبقيت دوما واحة العشاق
وعلى ضفافك أمنيات عذبة
وبريق عمر لاح في الأعماق
همنا عليك وفي الجوارح خمرة(61/165)
عصفت بها يوما شراع الساقي
وعلى جبينك داعبتنا أنجم
حتى أفاق العمر بالإشراق
وتنسمت خفقاتنا عهد اللقا
من راحتيك بلهفة المشتاق
* * *
وسمعت صوتك ذات يوم يشتكي
ودنوت منك تهزني أحزاني
وتلعثمت شفتاك في صمت اللقا
حتى تلاقى الماء بالشطآن
وسألتني كيف الحياة نعيشها؟
فأجبت: صار العمر طيف أماني
عشنا على أمل صغير مشرق
صلبوه من زمن على الجدران
الأرض تأكلها الهموم فأقسمت
ألا يعود الزهر للأغصان
صلبوا الربيع على المشانق فانزوت
أطياره وهوت مع الحرمان
* * *
ورأيت دمع النيل يجري في أسى
ودنا إلي وقال: أنت الجاني
علمتكم أن الحياة وديعة
فالحق عمر و الظلال ثواني
والناس ترحل كل يوم.. إنما
سيظل كل الخلد للأوطان
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> العمر يوم
العمر يوم
رقم القصيدة : 67216
-----------------------------------
العمر يوم سوف نقضيه معا
لا تتركيه يضيع في الأحزان
ما العمر يا دنياي إلا ساعة
وقد يكون العمر بضع ثواني
أترى يفيد الزهر بعد رحيله
حزن الربيع ولوعة الأغصان
فالعمر كالأزهار يوم عابر
هيا لنسكر من رحيق.. فاني
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لمزاد بلا ثمن
لمزاد بلا ثمن
رقم القصيدة : 67217
-----------------------------------
وجلست نحوي تنظرين
وقصصت أخباري
وما قد كان بعدك
من حكايات السنين
حتى إذا جاء الحديث عن الهوى..
وعن الأماني.. والحنين
أغمضت عيني كي أراك
على جناحي تحلمين
وعلى جبينك
ترقص الأحلام أشواقا لكل العاشقين..
وأعانق الأيام في عينك سرا لا يبين
ونصافح الأقدار في خوف عساها تستكين
حتى إذا جاء الزمان مزمجرا
عصف الرحيل بحبنا..
فرجعت للحن الحزين
كل الذي عشناه يوما عشت أذكره..
ترى.. هل تذكرين؟!
قالت: أنام الليل
مثل الناس في كل المدن
الحب أصبح عندنا
أن نستريح إلى رغيف أو رفيق.. أو سكن
ألا نموت على الطريق
وليس يعرفنا أحد
ألا نصير بلا وطن
زوجي اشتراني في زحام الليل
لا أدري الثمن..(61/166)
زوجي يعاشرني ولا أدري إذا
ما كان ثوب العرس أو كان الكفن
يوما سمعت أبي يقول بأنه
شيخ عريق في المحن
ركب البعير ودار في كل الفيافي
حافي القدمين تلعنه الثياب
دخل الحياة مؤخرا
ومع الخريف تراه يحلم بالشباب
والآن أصبح يملك الأرقام
يفهم في الحساب
من يومها وأنا أعيش العمر
لا أدري إذا ما كنت
أحيا.. لم أزل
ما عدت أشعر يا رفيقي بالملل
وفقدت نبض مشاعري
ورحلت عن دنيا الأمل..
* * *
ما عدت أحسب عمر أيامي
وما قد ضاع مني في سراديب الزمن
قد بعت نفسي في زحام الليل لا أدري الثمن
زمن حزين كل شيء فيه صار له ثمن
إلا الهوى.. قد صار في دنيا المزاد..
بلا ثمن
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وأشتاق فيك
وأشتاق فيك
رقم القصيدة : 67218
-----------------------------------
وأشتاق يا مصر عهد الصفاء
وأشتاق فيك عبير العمر
وأشتاق من راحتيك الحنان
إذا ما رمتني سهام القدر
وأشتاق صدرك في كل ليل
يغني الحكايا ويسجي السحر
وأشتاق عطرك رغم الخريف
تفيق الليالي ويزهو الشجر
وأشتاق من ثغرك الأمنيات
إذا الليل مزق وجه القمر
وأشتاق صوتك: قم يا بني
فما اليأس إلا قبور البشر
وأشتاق فيك.. وأشتاق فيك
وفي الشوق ضاعت سنين العمر
* * *
وألقيت رأسي على راحتيك
كنبض يحن لدفء الحنايا
شكوت إليك زحام الهموم
يعربد في العمر طيف المنايا
تعودت منك العطاء السخي
فما لجحودك يمحو العطايا؟
عتاب وشوق وصبر عقيم
على ليل دربك ماتت خطايا
لقد صرت عندك ضيفا ثقيلا
وحبك يسري هنا في دمايا
غريب وعندك قبري وبيتي
وفيك النقاء.. غدا كالخطايا
* * *
لأني تعلمت منك الحنان
أواسي الفؤاد بقرب اللقاء
سألقاك في كل يوم بقلبي
ويحملني الشوق فوق السماء
وأحلم أني سألقاك يوما
نعانق فيه المنى والضياء
وأشتاق يا مصر عهد الصفاء
لأنك للعمر سر البقاء
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وكذب الدهر
وكذب الدهر
رقم القصيدة : 67219
-----------------------------------(61/167)
وجئنا الدرب أغرابا
كما جئناه أحبابا
فلا هذي المنى صدقت
وكان الدهر كذابا
وجئت الدرب أسأله
عن الزهر الذي غابا
فقال الدرب: لا تحزن
فزهرك صار أعشابا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عشقناك يا مصر
عشقناك يا مصر
رقم القصيدة : 67220
-----------------------------------
حملناك يا مصر بين الحنايا
وبين الضلوع وفوق الجبين
عشقناك صدرا رعانا بدفء
وإن طال فينا زمان الحنين
فلا تحزني من زمان جحود
أذقناك في هموم السنين
تركنا دماءك فوق الطريق
وبين الجوانح همس حزين
عروبتنا هل ترى تنكرين؟
منحناك كل الذي تطلبين
سكبنا الدماء على راحتيك
لنحمي العرين فلا يستكين
وهبناك كل رحيق الحياة
فلم نبق شيئا فهل تذكرين؟!
فيا مصر صبرا على ما رأيت
جفاء الرفاق لشعب أمين
سيبقى نشيدك رغم الجراح
يضيء الطريق على الحائرين
سيبقى عبيرك بيت الغريب
وسيف الضعيف وحلم الحزين
سيبقى شبابك رغم الليالي
ضياء يشع على العالمين
فهيا اخلعي عنك ثوب الهموم
غدا سوف يأتي بما تحلمين...
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> في عينيك عنواني..
في عينيك عنواني..
رقم القصيدة : 67221
-----------------------------------
قالت: سوف تنساني
وتنسى أنني يوما
وهبتك نبض وجداني
وتعشق موجة أخرى
وتهجر دفء شطآني
وتجلس مثلما كنا
لتسمع بعض ألحاني
ولا تعنيك أحزاني
ويسقط كالمنى اسمي
وسوف يتوه عنواني
ترى.. ستقول يا عمري
بأنك كنت تهواني؟!
* * *
فقلت: هواك إيماني
ومغفرتي.. وعصياني
أتيتك والمنى عندي
بقايا بين أحضاني
ربيع مات طائره
على أنقاض بستان
رياح الحزن تعصرني
وتسخر بين وجداني
أحبك واحة هدأت
عليها كل أحزاني
أحبك نسمة تروي
لصمت الناس.. ألحاني
أحبك نشوة تسري
وتشعل نار بركاني
أحبك أنت يا أملا
كضوء الصبح يلقاني
أمات الحب عشاقا
وحبك أنت أحياني
ولو خيرت في وطن
لقلت هواك أوطاني
ولو أنساك يا عمري
حنايا القلب.. تنساني
إذا ما ضعت في درب
ففي عينيك.. عنواني(61/168)
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> كان لنا.. حنين
كان لنا.. حنين
رقم القصيدة : 67222
-----------------------------------
أماه.. ليتك تسمعين
لا شيء يا أمي هنا يدري حكايا.. الحائرين
كم عشت بعدك شاحب الأعماق مرتجف الجبين
والحب في الطرقات مهزوم على زمن حزين
* * *
بيني وبينك جد في عمري جديد
أحببت يا أمي.. شعرت بأن قلبي كالوليد
واليوم من عمري يساوي الآن ما قد كان
من زمني البعيد
وجهي تغير
لم يعد يخشى تجاعيد السنين
والقلب بالأمل الجديد فراشة
صارت تطوف مع الأماني تارة
وتذوب.. في دنيا الحنين
والحب يا أمي هنا
شيء غريب في دروب الحائرين
وأنا أخاف الحاسدين
قد عشت بعدك كالطيور بلا رفيق
وشدوت أحزان الحياة قصيدة..
وجعلت من شعري الصديق
قلبي تعلم في مدينتنا السكون
والناس حولي نائمون
لا شيء نعرف مالذي قد كان يوما أو يكون!!
لم يبق في الأرض الحزينة غير أشباح الجنون
* * *
أماه يوما.. قد مضيت
وكان قلبي كالزهور
وغدوت بعدك اجمع الأحلام من بين الصخور
في كل حلم كنت أفقد بعض أيامي وأغتال الشعور
حتى غدا قلبي مع الأيام شيئا.. من صخور!!
يوما جلست إليك ألتمس الأمان
قد كان صدرك كل ما عانقت في دنيا الحنان
وحكيت أحوال ويأس العمر في زمن الهوان
وضحكت يوما عندما
همست عيونك.. بالكلام
قد قلت أني سوف أشدو للهوى أحلة كلام
وبأنني سأدور في الأفاق أبحث عن حبيب
وأظل أرحل في سماء العشق كالطير الغريب
عشرون عاما
منذ أن صافحت قلبك ذات يوم في الصباح
ومضيت عنك وبين أعماق تعانقت الجراح
جربت يا أمي زمان الحب عاشرت الحنين
وسلكت درب الحزن من عمري سنين
لكن شيئا ظل في قلبي يثور.. ويستكين
حتى رأيت القلب يرقص في رياض العاشقين
وعرفت يا أمي رفيق الدرب بين السائرين
عينان يا أمي يذوب القلب في شطآنها
أمل ترنم في حياتي مثلما يأتي الربيع
ذابت جراح العمر وانتحر الصقيع..
* * *
أحببت يا أمي وصار العمر عندي كالنهار(61/169)
كم عشت أبحث بعد فرقتنا على هذا النهار
في الحزن بين الناس في الأعماق
خلف الليل في صمت البحار
ووجدتها كالنور تسبح في ظلام فانتفض النهار
* * *
ما زلت يا أمي أخاف الحزن
أن يستل سيفا في الظلام
وأرى دماء العمر
تبكي حظها وسط الزحام
فلتذكريني كلما
همست عيونك بالدعاء
ألا يعود العمر مني للوراء
ألا أرى قلبي مع الأشياء شيئا.. من شقاء
وأضيع في الزمن الحزين
وأعود أبحث عن رفيق العمر بين العاشقين
وأقول.. كان الحب يوما
كانت الأشواق
كان.....
كان لنا حنين!!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> نحن والزمان
نحن والزمان
رقم القصيدة : 67223
-----------------------------------
وفي عينيك ألقيت الأماني
وقلت الآن أصفح عن زماني
قضيت العمر أبحث عنك حلما
رأيتك من سنين في كياني
تركت القلب عندك دون خوف
وأخشى أن يموت إذا أتاني
فإن سألوك يوما عن فؤادي
وكيف يعيش مذهول الأماني؟
فقولي إن حبك كان لحنا
كحلم لاح في ليل الزمان
عشقتك ذات يوم في ضياعي..
وفي عينيك أصفح عن زماني
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> قبل أن نمضي..
قبل أن نمضي..
رقم القصيدة : 67224
-----------------------------------
وأعلم أنني يوما
سأرحل في ظلام الليل يحملني جناحان
ويلقيني رفاق العمر في صمت
تطوف عليه أحزاني
وقد أمضى على حلم
قضيت العمر يسكرني
ويلهو بين وجداني
يصير بريقه شبحا
فيلقي رأسه ألما
ويهدأ فوق شطآني
وتسألني المنى شوقا
بربك أين روضتنا
وأين عبير أيكتنا
وأين زهور أغصاني؟
وأعرف أنني يوما
سألقى الله في خجل
أداري فيه عصياني
وأرحل مثلما جئت
بلا ثوب.. وسلطان
بلا حلم يداعبني
ويتركني.. لحرماني
وأغدو طائرا أضحى
رفاتا بين جدران
وقد أشدو بلا غصن
على خفقات بركان
وقد أرتاح في صدر
على أنفاس ثعبان
ويأتي الحب في صمت
يرفرف فوق جثماني
إذا ما ضمني قبر
وصرت وحيد أشجاني
وأسلمت الردى عيني
تنام عليه أجفاني
ويأتي الحب في همس
يعانق زهر بستاني(61/170)
ويأتي الطير في شوق
ويسأل.. أين ألحاني؟!
وأعلم أنني يوما
سيغدو الصمت سجاني
حياة كأسها ملل
وحزن بعد أحزان
فلا دمع سيرجعنا
طيورا فوق أغصان
حنايا الأرض كم حملت..
عليها قد ترى زهرا
وفيها نار بركان
تمهل قبل أن تمضي
على أنفاس إنسان
فإن العمر أيام
وعطر عابر.. فاني
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وتاب القلب
وتاب القلب
رقم القصيدة : 67225
-----------------------------------
وظللت أبحث عنك بين الناس تنهرني خطايا
وسنون عمري في زحام الحزن تتركني شظايا
في كل درب من دروب الأرض من عمري.. بقايا
وعلى جدار الحزن صاح اليأس فارتعدت دمايا
ودفنت في أنقاض عمري أجمل الأحلام يبكيها صبايا
حتى رأيتك بين أعماقي وجودا.. في الحنايا
من كان يا عمري يصدق أنني
يوما أضعت العمر أبحث عن هوايا
قد كان في قلبي يعيش
وكان يسخر من خطايا؟!
* * *
لا تعجبي إن قلت إني قد رأيتك
قبل أن تأتي الحياة
وبأنني يوما عشقتك في ضمير الغيب
سرا.. لا أراه
كم تاه عقلي في دروب الحب
وانتحرت.. خطاه
كم عاش ينبش في بقايا اليأس
يسأل عن هواه
لكن قلبي كان يصمت
كان يدرك منتهاه
فلقد أحبك قبل أن تأتي الحياة
* * *
عاتبت قلبي كيف يتركني وحيدا في الدروب
كم ظل يخدعني فيحملني الضلال إلى الذنوب
قد كنت في قلبي
ولم أعرف سراديب القلوب
غني أضعت العمر معصية
وجئت الآن عندك كي أتوب
وأمام بابك جئت أحمل توبتي
لا حب غيرك.. لا ضلال.. ولا ذنوب!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وكذبت أحزاني
وكذبت أحزاني
رقم القصيدة : 67226
-----------------------------------
أحزاني تكذب يا قلبي
ما عدت أصدق أحزاني
قالت: ستسير وتتركني
وأعود لشعري عصفورا
بالحب يسافر وجداني
والدمع الحائر يتركني
والزمن الظالم ينساني
والحب يعود.. يظللني
يرعى الأحلام.. ويرعاني
لكن الحزن يطاردني
غيرت كثيرا.. عنواني
وبطاقة أسفاري شاخت
مزقها ليل الحرمان
يعرفني حزني.. يعرفني
ما أثقل حزن الإنسان(61/171)
ما أقسى أن يولد أمل
ويموت بيأس الأحزان
ما أصعب أن نرضع حلما
يوما من ثدي البركان
فالنار تطارد أحلامي
من يخنق صوت النيران؟
من يأخذ من حزني عهدا
أن يترك يوما شطآني؟
أحزاني تكذب يا قلبي
ما عدت أصدق أحزاني
فوجد لديها.. عنواني
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> في رحاب الحسين
في رحاب الحسين
رقم القصيدة : 67227
-----------------------------------
في الأفق تهفو دمعتان
والقلب يخفق بين أشلائي فتسري آهتان
وحبيبتي وسط الزحام حمامة
مهزومة الأشواق
غصن أسقطته الريح من عمر الزمان
الأرض ضاقت حولنا
ما عاد للعشاق في الدنيا مكان
القلب يحضن بين أشلائي بقايا من أمل
وهمست فيه بحسرة: ما زلت تحتضن الأمل؟!
حلم لقيط تاه منا في خريف
اليأس يلقيه على الدرب المخيف
وحبيبتي ضوء حزين خلف قضبان الظلال
وربيعها المهزوم عدل منهك الأنفاس في ليل الضلال
عمر ترنح فوق درب الحزن
حلم ينزوي خلف المحال
وحملت قلبي في سكون
والدمع نار في الجفون
الحلم مقطوع اليدين
وأنا أداري الدمعتين
همست عيون حبيبتي:
هيا لنشكو.. للحسين..
* * *
أنا في رحابك كلما ضاق الزمان
أو ضاع مني الصبر أو تاه الأمان
أترى رأيت حبيبتي؟!
جئنا إليك لنشتكي الأحزان في زمن الهوان
كل الذي نبغيه بيت يجمع الأشلاء من هذا الطريق
في كل درب تسرق الأحلام ينتحر البريق
ويضيع العمر منا في الطرقات
نسأل يا زمان الكفر والجهل العميق
بالله خبرنا متى يوما تفيق؟!
جئنا إليك لنشتكي
فوق الطريق ينام عشاق المدينة
ينبت الأبناء كالأعشاب في بئر السنين
فوق الطريق ننام بالأشواق بالعمر الحزين
وعلى دموع الدرب نفترش الأسى
ما أطول الأحزان في عمر الحيارى الضائعين
* * *
جئنا رحابك يا حسين
جئنا إليك لنشتكي أرضا
رحيق العمر فيها للغريب
تعطي الدموع لأهلها
والفرح فيها.. للغريب
وتعلم الأحباب من ثدي الأسى طعم الجحود
أن يخنق الإنسان صوت حنينه
أن يقتل النجوى وتحترق العهود
أن تصعق الأحلام آلاف السدود(61/172)
ونعيش نبكي الحظ.. نشكو دائما ظلم الوجود...
أقدارنا جاءت بنا
لا نملك التبديل في أقدارنا
نحيا.. ونعشق.. نغرس الأحلام في أرض المنى
ننسى ونهجر تعبث الأشواق بين دمائنا
ونقابل الفرح الغريب على مشارف بيتنا
ومع ابتسامة أجمل الأيام يسقط.. حلمنا
وإذا سألت الناس يوما عن حكاية عمرنا
قالوا وهمس الخوف يهدر.. عاصفا:
أقدارنا جاءت بنا
أقدارنا جاءت بنا
جئنا رحابك يا حسين
جئنا لنسأل ربنا
لم قد كتبت الحب يا ربي
إذا كان الفراق يصيح دوما.. بيننا؟
ما عاد في الدنيا مكان يجمع الأشلاء
يمنحنا الأمان.. أو المنى
جئنا إليك لنشتكي
هل نشتكي أقدارنا
أن نشتكي أوطاننا
أم نشتكي أحلامنا
أن نشتكي أيامنا
أم نشتكي...... أم نشتكي..... أم نشتكي؟...
* * *
صوت ينادي من بعيد
وحبيبتي كالنور تسأل هل ترى خبر سعيد؟
هل نجمع الأشلاء والحب الطريد
ما زلت أحلم رغم طول اليأس بالبيت الجديد
الصوت يعلو في الضريح
شيخ.. يصيح
هيا انتهى وقت الزيارة
الصوت يعلو في الضريح
هيا انتهى وقت الزيارة للضريح
الحلم بين يدي ذبيح
الحلم بين يدي ذبيح!!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لست مثل الناس
لست مثل الناس
رقم القصيدة : 67228
-----------------------------------
ليس كل الناس يا عمري
سلالات.. وطين
كلنا قد عاش حقا
بين قضبان السنين..
بيننا من جاء يوما
في لقاء.. أو حنين
بيننا من جاء ظلما
من دموع.. وأنين
إنما عيناك شيء
ليس بين العالمين..
هل ترى في الأرض شيء
ليس من ماء.. وطين؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> الحب في الزمن الحزين
الحب في الزمن الحزين
رقم القصيدة : 67229
-----------------------------------
لا تندمي..
كل الذي عشناه نار سوف يخنقها الرماد
فالحب في أعماقنا طفل غدا نلقيه.. في بحر البعاد
وغدا نصير مع الظلام حكاية
أشلاء ذكرى أو بقايا.. من سهاد
* * *
وغدا تسافر كالرياح عهودنا
ويعود للحن الحزين شراعنا(61/173)
ونعود يا عمري نبيع اليأس في دنيا الضلال
ونسامر الأحزان نلقي الحلم في قبر المحال
أيامنا في الحب كانت واحة
نهرا من الأحلام فيضا من ظلال
والحب في زمن الضياع سحابة
وسراب أيام وشيء من خيال
ولقد قضيت العمر أسبح بالخيال
حتى رأيت الحب فيك حقيقة
سرعان ما جاءت
وتاهت.. بين أمواج الرمال
* * *
وغدا أسافر من حياتك
مثلما قد جئت يوما كالغريب..
قد يسألونك في زحام العمر عن أمل حبيب
عن عاشق ألقت به الأمواج.. في ليل كئيب
وأتاك يوما مثلما
تلقي الطيور جراحها فوق الغروب
ورآك أرضا كان يحلم عندها
بربيع عمر.. لا يذوب
لا تحزني..
فالآن يرحل عن ربوعك
فارس مغلوب..
أنا لا أصدق كيف كسرنا
وفي الأعماق.. أصوات الحنين
وعلى جبين الدهر مات الحب منا.. كالجنين
قد يسألونك.. كيف مات الحب؟؟
قولي... ... جاء في زمن حزين!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> أريد الحياة!
أريد الحياة!
رقم القصيدة : 67230
-----------------------------------
ولاحت عيونك ضوءا حزينا
تهادى مع الليل خلف الفضاء
وجئت إليك كغصن عجوز
تئن على وجنتيه الدماء
عشقتك صبحا ندى الرحيق
رعيتك فجرا تقي الضياء
ويوما صحوت من الحلم طفلا
رأيتك مثل جميع النساء
تريدين سجنا وقيدا ثقيلا
وقد عشت عمري سجين الشقاء!
أخاف القيود وليل السجون
وهل بالقيود يكون العطاء..؟!
أريد الحياة ربيعا وفجرا
وحلما أعانق فيه السماء
فماذا تفيد قيود السنين
نكبل فيها المنى والرجاء؟!
ترى هل تريدين سجنا كبيرا
وفي راحتيه يموت الوفاء؟
أريد الحياة كطير طليق
يرى الشمس بيتا يرى العمر.. ماء
أريدك صبحا على كل شيء
كفانا مع الخوف ليل الشقاء!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لمن أعطي قلبي؟
لمن أعطي قلبي؟
رقم القصيدة : 67231
-----------------------------------
يا رمال الشط يوما.. خبريها
بعدما تنسى حياتي كيف لا تنساك فيها؟
بين أحضانك عطر وأمان.. أشتهيها
لم أكن يوما غريبا(61/174)
مثلما قد جئت وحدي أنشد النسيان فيها..
خبريها..
عندما تأتيك يوما خبريها..
ساعة بالقرب منها بحياتي.. أشتريها
* * *
يا نسيم البحر
هل يوما غدوت صلاة شاعر؟
سوف يأتيك الحيارى
يرجمون الخوف كي تحيا المشاعر
ربما تذكر منا بعض أنفاس وشيء من رحيق
وأماني شاحبات النبض كالطفل الغريق
لم يعد في العمر شيء غير قلب.. لا يفيق
* * *
آه يا شط الأمان
آه يا بيتا
رعانا من رياح الخوف
من بطش الزمان
فيك لاح الدهر أما
تمنح الناس الحنان
بين أحضانك يوم
فاق أعمار الزمان
كان يوما
في ليالي الصيف عشت على ضياه
عندما لاحت عيونك
خلف موج البحر طوقا للنجاة
كنت قد عشت سنينا
بين أمواج الحياة
بين عينيك ولدت
كان صوت البحر يا عمري مخاضا
فيه عانقت الحياة
* * *
عندما أحسب عمري ربما أنسى هواك
ربما أشتاق شيئا من شذاك
ربما أبكي لأني لا أراك
إنما في العمر يوم
هو عندي كل عمري
يومها أحسست أني
عشت كل العمر نجما في سماك
خبريني.. بعد هذا
كيف أعطي القلب يوما لسواك؟
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> أنت الحياة..
أنت الحياة..
رقم القصيدة : 67232
-----------------------------------
وقد يسألونك يوما.. عليا
وهل كان حبك
شيئا لديا..
فقولي بأنك أنت الحياة
وأنك صبح رعى مقلتيا
وقد عشت قبلك عمرا طويلا
فلا تحسبي الأمس عمرا.. عليا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> في زمن الليل
في زمن الليل
رقم القصيدة : 67233
-----------------------------------
ولدي..
لأن العمر ذاب كما تذوب الأمنيات
ولأن ليل اليأس يعصف بالبنين
ويستحل دم البنات
ولأن أيام الظلام طويلة
ولأن ضوء الصبح مات
أخشى عليك من السنين
وأنت يا ولدي وحيد في انتظار المعجزات
فالأرض يا ولدي تجور
وتأكل الآن.. النبات
* * *
ولدي
لأن الناس تعشق دائما لحم الصغير
ولأن ماء النهر يلتهم الغدير
ولأن دخان المدينة يذبح الآن العبير
لا تبك يوما يا بني بوجعك العذب النضير(61/175)
فلقد أضعت العمر يا ولدي.. رفيقا للشجن
وقضيت أيامي أسب الدهر ألعن في الزمن
والدمع يا ولدي طريق التائهين
الدمع يا ولدي عزاء العاجزين
* * *
ولدي
إذا ما تهت يوما
يا صغيري في الزحام
ورأيت كل الناس تقتات الكلام
ورأيت أجساما تصيح
وتشتكي فيها العظام
ورأيت في الطرقات أطفالا تئن
على بقايا.. من طعام
ورأيت أسوارا تحيطك
لا تنم.. مثل النيام
لا تبك يوما يا بني من الزحام
فلقد قضيت العمر أبكي
ثم يصفعني الظلام
ومضت سنين العمر يا ولدي.. بكاء أو كلام..
* * *
ولدي..
إذا ما جئت يوما في طريق
ورأيت كل الناس تقتل في غريق
ورأيت يا ولدي صديقا
يرتوي بدم الصديق
لا تنس يا ولدي
بأن النار تسكر بالحريق
والناس يا ولدي رماد
أو دخان.. في حريق
ولدي
لأني لم أكن يوما رفيقا للزمن
حاربته يوما وحاربني
وصرت بلا وطن
وطني هموم حرت في شطآنها
لا أعرف المرسى وضقت من الشجن
لا فرح يا ولدي هناك
ولا أمان.. ولا سكن!!
* * *
ولدي..
لأنك يا بني تعيش في عمر سعيد
وعلى ظلالك يرقص الأمل الجديد
ما زلت يا ولدي صغيرا تحضن الفرح الوليد
وغدا تحب.. وتعرف الأشواق
تسأل عن مزيد
فإذا وجدت الحب لا تحرم فؤادك ما يريد..
فالعمر يا ولدي سنين
والهوى.. يوم وحيد
فإذا رأيت الحب يسبح في خيالك
ورأيت أشواق السنين تصير ظلا من ظلالك
لا تنس يوما يا بني بأنني
غنيت شوق العاشقين
وبأنني يوما حلمت
بأن يصير الحب بيت المتعبين
لكنني يوما
رأيت الدرب أظلم حولنا
ضاع الطريق
وتاه في قلبي الحنين
فرجعت يا ولدي رمادا
في دروب السائرين
وغدوت أغنية
تحدق في عيون الناس عن حلم السنين
قد كان حلما يا بني
من قال يا ولدي بأن الليل
يهدي التائهين؟؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عتاب..
عتاب..
رقم القصيدة : 67234
-----------------------------------
وقفت أعاتب فيك الزمان
لماذا بخلت بهذا الحنان؟
عرفتك خوفا وليلا كئيبا
وفي ظلمة اليأس جاء.. الأمان
حرام حرام.. وربي حرام(61/176)
إذا جاءنا الحب بعد الأوان
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وأبحث عنك كثيرا.. كثيرا..
وأبحث عنك كثيرا.. كثيرا..
رقم القصيدة : 67235
-----------------------------------
ويرحل عنا زمان الأمان
فأشتاق من راحتيك الحنان
وأحمل قلبي كطفل جريح
يصارعه الشيب قبل الأوان
وأصبح بعدك لحنا.. عجوزا
شقي الزمان غريب المكان
وتبقين وحدك فوق الزمان
وتبقى عيونك أحلى مكان
سنين من العمر تمضي علينا
وفي الفرح ننسى حساب السنين
أعد الليالي.. ربيعا ربيعا
ويمضي الزمان ولا ترجعين
وتبقين وحدك نبضا بقلبي
ويرحل عمري ولا ترحلين
وسافرت بعدك في كل أرض
وكم كنت أشعر أني غريب
وجربت يا حب عمري كثيرا
وأسأل قلبي.. ولا يستجيب
فألقاك في كل حلم بعيد
وألقاك في كل طيف قريب
* * *
وأبحث عنك كثيرا.. كثيرا
يدور الزمان وقلبي لديك
يضيع الأمان فأبحث عنك
ويشتاق قلبي كثيرا إليك
إذا جاء صيف سألت النسيم
ترى من عبيرك هذا العبير؟
وإن طال ليل تساءل قلبي:
بربك أين ملاكي الصغير؟
وإن جاءني الحزن ضيفا ثقيلا
يعاتبني الدمع هل من رفيق؟
فأبحث عنك على كل ضوء
وعمر الحيارى ظلام سحيق
لأنك مني وأني إليك
كما يعرف الزهر طعم الرحيق
وأبحث عنك كثيرا.. كثيرا
فأنت الضياع وأنت الطريق!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> مسافر.. والشاطئ بعيد
مسافر.. والشاطئ بعيد
رقم القصيدة : 67236
-----------------------------------
وأخاف أشباح الشتاء..
وأخاف أن ألقاك يوما
في طريق.. من دماء
وعليه قصة حبنا
أشلاء ذكرى بين أكفان الوفاء
نبكي عليه ربيع عمر راحل
نبكي عليه
خطيئة الإنسان في زمن الشقاء
يغتال في الأشواق
كالمجنون.. يلتهم الدماء
ما عاد في قلبي دماء كي يبددها الطريق
والموج يا دنياي يفرح بالغريق!!
* * *
وأخاف يوما
أن أعود بلا جناح
كالطائر المكسور
تحمله الرياح.. إلى الرياح
إني تعودت الظلام
ولاح في عينيك عصفور الصباح
وأنا أخاف من الطيور
يوما تجيء مع الصباح(61/177)
يوما تسافر بعدما
تلقي الصغار.. على الجراح
* * *
وأخاف حبك عندما
يأتي الشتاء بلا رفيق
والدرب بعدك
صامت الأنفاس مرتجف الرحيق
وأظل أسأل عنك ليل اليأس أشواق الطريق
لا تجعلي الأحزان تلقيني غريبا
بين أفراح البشر
فلقد تعلمت المنى
عانقت فيك
البسمة السكرى وصافحت القدر
* * *
وأخاف حبك أن يكون النار
تلقيني بقايا من حريق
وأصير في عينيك أمواجا تطارد في غريق
أنا منك كالأحلام إن شاخت
تغيب.. ولا تفيق..
لا تعجبي إن قلت إني فارس
نسى المعارك من سنين..
ووضعت سيفي بين أحضاني
وواريت الحنين
وجلست أرقب من بعيد
حيرة الأشواق بين العاشقين
وهمست يا دنياي في القلب الذي
هدته.. أمواج السنين
وسألته: ما زلت تنبض؟
قال: ما زال الحنين!!
أترى سأرجع من رحاب الحلم
مهزوما على قلب حزين
وتسافر الأفراح من عمري
منكسة الجبين
رفقا بقلبي يا ملاكي.. إنه
نسى المعارك.. من سنين!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ومات الحب في مدينتي
ومات الحب في مدينتي
رقم القصيدة : 67237
-----------------------------------
وتعانقت أنفاسنا
وانساب دمع عاتب الأشواق بين ضلوعنا..
والليل كالسجان
يصفعنا.. ويضحك خلفنا
والصمت بيت موحش الأشباح يصرخ.. حولنا
وعلى يديك رفات طفل ضامر
قدر الزمان حبيبتي
أن يصبح المسكين جرحا.. بيننا
جئنا إليك مدينتي
جئنا لندفن حبنا
رفقا بهذا الطفل
قبر مدينتي..
أنا بعض هذا الطفل عمري.. عمره
فلديه حلم بدايتي
ولديه يأس نهايتي
رفقا بهذا الطفل قبر مدينتي
رفقا بهذا الطفل
* * *
ما زلت يا قبر المدينة
تجمع الأحباب أشلاء
وتسكر بالدموع
ونظل تلهث بين حزن العمر
نبحث عن شموع
ولديك تختنق الشموع
رفقا بدمع الناس قبر مدينتي
رفقا.. بدمع الناس
ما بين أحياء المقابر
تصرخ الأنفاس في ليل السكون
في كل جزء من شوارعها
جراح.. أو خطايا أو جنون
رفقا بدمع الناس يا زمن الجنون
* * *
القبر يضحك في خجل
وحبيبتي خلف التراب سحابة
وعيونها بحر.. شراع(61/178)
تائه النظرات ضاع مع الرياح
كالنورس الحيران
عاد ممزقا.. عند الصباح
وصغيرها المسكين خلف دمائه
وعلى يديه علامة
أنفاس أحلام.. بقايا من جراح
ونظرت للحب الصغير
لم قد رحلت وأنت عندي بالحياة
وتركتنا لزماننا
زمن.. تضاجعه الذنوب
فتحمل الأرض العصاة؟
زمن الطغاة.. زماننا.. زمن الطغاة
* * *
القبر ينظر نحونا
وتردد القبر العجوز.. للحظة
القبر في خجل يمد يديه.. يحمل طفلنا
الحب أكثر ما يموت بأرضنا
ونظرت للقبر العجوز.. سألته:
أتراك تسكر من دماء صغيرنا؟
ضحك العجوز وقال في خجل: أنا؟!
ما عدت أفرح يا صديقي بالرفاق
صارت دموع الناس عندي.. لا تطاق
في كل يوم بين أحضاني
بحار من فراق
كل الذي عندي زحام.. في زحام
ما أكثر الأحياء في هذا الزحام
عندي مكان للصغار المتعبين
وهنا.. بقايا العاشقين
وهنا الجمال
ينام مكسورا على صدر الحنين
وهناك مات العدل مشلولا..
على زمن لعين
والحب.. في هذا المكان...
وعليه مات الصبح مشنوقا..
هنا.. قتلوا الحنان
وهناك أشلاء الضمائر
بين أكفان الجحود
وعلى رفات الحب
أنقاض.. بقايا من عهود
* * *
القبر يبعث في البقايا.. حولنا
رفقا فعمر الناس عندك قبرنا
وقفت عيون حبيبتي وتساءلت:
بالله يا قبر المدينة أين طفلي..
كان منذ دقائق يجري.. هنا؟
القبر يضحك قائلا:
قد صار ضيفا.. عندنا
صرخت دموع حبيبتي
يا طفلنا.. يا طفلنا
ضحكات قبر مدينتي
تعلو.. وتعلو.. بيننا
قد صار ضيفا.. عندنا
يعلو صراخ حبيبتي:
يا حبنا.. يا حبنا
القبر يضحك قائلا:
قد صار ضيفا.. عندنا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ويخدعنا الزمن!
ويخدعنا الزمن!
رقم القصيدة : 67238
-----------------------------------
مضينا مع الدهر بعض الليالي
فجاء إلينا بثوب جديد
وأنواع عطر ونجم صغير
يداعبنا بالمنى من بعيد
وألحان عشق تذوب اشتياقا
وكأس وليل وأيام عيد
ونام الزمان على راحتينا
بريئا بريئا كطفل وليد
وقام يزمجر وحشا جسورا
ويعصف فينا بقلب حديد(61/179)
فأحرق في الثوب عطر الأماني
وألقى علينا رياحا تبيد
وقال: أنا الدهر أغفو قليلا
ولكن بطشي شديد.. شديد
فأعبث بالناس ضوءا وظلا
وساعات حزن وأنسام غيد
وأمنحهم أمنيات عذابا
يعيشون فيها حياة العبيد
وألقي بهم في ظلام كئيب
وأسخر من كل حلم عنيد
غدا في التراب يصيرون صمتا
وتمضي الليالي على ما أريد
وأمضي على كل بيت أغني
تطوف الكؤوس بوهم.. جديد
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لو أستطيع حبيبتي..
لو أستطيع حبيبتي..
رقم القصيدة : 67239
-----------------------------------
لو أستطيع حبيبتي..
لنثرت شيئا من عبيرك
بين أنياب الزمان
فلعله يوما يفيق ويمنح الناس الأمان
لو أستطيع حبيبتي
لجعلت من عينيك صبحا
في غدير من حنان
ونسجت أفراح الحياة حديقة
لا يدرك الإنسان شطآنا.. لها
وجعلت أصنام الوجود معابدا
ينساب شوق الناس.. إيمانا بها
لو أستطيع حبيبتي
لنثرت بسمتك التي
يوما غفرت بها الخطايا.. والجراح
وجمعت ليل الناس حول ضيائها
كل يدركوا معنى الصباح
لو أستطيع حبيبتي
لغرست من أغصان شعرك واحة
وجعلتها بيتا تحج لها الجموع
وجعلت ليل الأرض نبعا من شموع
ومحوت عن وجه المنى شبح الدموع
* * *
فغدا سنهزم
في جوانحنا
المخاوف.. والظنون
ونعود بالأمل الحنون..
فالحلم رغم اليأس يسبح في العيون
ما زال يسبح في العيون
ما زلت أحلم
يا رفيقة حزن أيامي وما زال الجنون
فالحلم في زمن الظلام مخاوف
وضياع أيام وشيء من جنون
لكنني ما زلت رغم الخوف
رغم اليأس رغم الحزن
أعرف من نكون..
هيا لنحلم بين أعشاب السكون
فغدا ستصبح بالربيع حديقة
ويصيح صمت الأرض.. فليحيا الجنون
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الحصار
الحصار
رقم القصيدة : 67240
-----------------------------------
آه يا وجهي المحنّى
بتراب الوطن
لم يزل يعصرك البعد ..
على أرض المنافي
ويغطّيك بعشب الشجن ..
وأغانيك انتظار
ورحيل من مدار لمدار
بعدت عنك التي تهوى ,
وقد شطّ المزار(61/180)
بعدت وجهك ودار
وحدك الآن وقد مرّ القطار
وحدك الآن ومن حولك ,
يلهون بزهر الطاولة
وحدك الآن وصمت البحر ,
ناء عن حصير العائلة
والتي ترقب لم تأت ,
وفيروز تغنّي
بوحها المقهور ,
عن جيل احتراف الحزن ,
والصمت وليل الانتظار
فمتى نخرج من هذا الحصار ؟
فمتى نخرج من هذا الحصار ؟
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الوطن في الأسر
الوطن في الأسر
رقم القصيدة : 67241
-----------------------------------
أ
التي رحلت في صمت على أرض المطار
حمّلتني فوق ما أحمل ,
من باقات زهر الانكسار
والتي ترحل لا تعرف عني
غير حزني
ب
وطني في الأسر يا سيدتي
وأنا أعرف أنّي
ليس لي أن أسأل الآن ,
متى اللقيا ..
فقد حان الرحيل
وبريدي دون عنوان
ويومي سفر ..
وحياتي تذكرة
وارتحال دائم عبر الفصول
فاسألي لي المغفرة
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> كفر عانة البعيدة
كفر عانة البعيدة
رقم القصيدة : 67242
-----------------------------------
وحين ابتعدت ,
ومالت على البحر شمس حكاياتنا
وغّيبك الليل عنّي
وأطبق أفق ثقيل الجناح
عرفت مدى اللوعة الحارقة
وكنت صغيرا على الحب ,
لكنّني
بكيت كشيخ ,
وأنت تغيمين في عربات الرحيل
ولمّا كبرت ,
رسمتك في الذاكرة ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> احتجاج شخصي
احتجاج شخصي
رقم القصيدة : 67243
-----------------------------------
-1-
وأينع وجهك هذا المساء
جميلا على صفحة الذاكرة
فغنّيت موت السنابل , جوع العصافير ,
أيقنت أنّك في لحم وقتي
وأنّك أكبر من خاطرة
-2-
تساءلت يا حبّة القلب ,
كيف تمرّ الثواني ,
ويهدر نهر الدقائق ؟
ونحن بعيدان , تعبر تيه المنافي
ولمّا تهبّ الحرائق ؟
-3-
لماذا يمرّ سحاب النهار
ةتبعد عن ناظريّ المراكب ؟
ويزحف في داخلي الليل ,
أشعل كلّ الشموع ولا
ألتقي بك .. أمضي
وأحضن بين يديّ الحقائب ؟
-4-
لئن كان هذا زمان تحت سياط الظهيرة
فكيف لمن شاخ أن يشتهي(61/181)
عناق الألى غيّبوا , في طوايا الحريق
وكيف تكون الطريق
وما بيننا يا أسيرة
ركام من اللحم , نهر دم من ضحايا ؟
وأخفيت وجهي , هو البعد يدنو
لعينيك هذي الصلاة , وهذي الأغاني الكسيرة
-5-
ألا إنّني أوجز الآن كلّ فصول الرواية
فلم يسدلوا بعد ستر الختام
ولكن أحسّ بأنّ البطل
سيخدع قبل حلول الظلام
وها أنذا يا نيام
أصيح : حذار , حذار
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> شارة المذبحة
شارة المذبحة
رقم القصيدة : 67244
-----------------------------------
أقول وبي همّ جيل
وقدّام عينيّ رفّ سنونو قتيل
ألا إنّها شارة المذبحة
وأنّ الأغاني ديباجة زائفة
وسيل الوعود كمائن للموجة الزاحفة
قرأت الكتاب من الافتتاح إلى الخاتمة
وفاجأت كلّ الشخوص بلا أقنعة
قرأت تواقيعهم في سجلّ التهاني
أنا كنت حامل أوراقهم ,
وكنت أصوغ الأغاني
وحين تجاسرت ألفيتني
خارج القوقعة
أقول وقد أيقظتني رؤى الفاجعة
يجيء زمان السقوط الأخير
ويقضى على الشوكة الجارحة
فقادتنا يجهلون علينا ,
ويريدون أن نترك الأسلحة
ألا إنّها شارة المذبحة
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> واستطلعي وجهي
واستطلعي وجهي
رقم القصيدة : 67245
-----------------------------------
أ - الطيف
بكاء عن شبّاكي وعصف رياح
وأيّ نواح
ويعبر طيفك المبلول بالمطر المدمّى ,
والحطام من السلاح
قفي .. من أين جئت ,
وكيف خلفّت الجراح ؟
يدي يبست , ندائي بحّ ,
واختنق الصباح
وأجزع إذ تجيء الريح بالخبر
..........................
............................
ترى صلبت أغانينا على بوّابة السفر ؟
قفي ,
واستطلعي وجهي المحنّى بالتراب
وما كتبت عن الذي يأتي
فما سمعوا
وها أنذا تضجّ بي البلاد ويكبر الوجع
ب- أسفي على إبراهيم
إنّي لأبكي الآن أياما ,
مضين مطرزّات الحلم , لا أبكي على عمري
أبكي على خسران ما كنّا ,
تصوّرناه يوما داني الثمر
أبكي لأنّ أصابعي ,
جمدت على الأغصان لم تقطف ,(61/182)
وكنت حسبت أنّ مواسما , معطاءة الأمطار ,
تمنح جيلنا خبزا وأورادا
وترقب فوج من يأتون من سفر
أواه لكّني , شهقت , شهقت من جزعي ,
على الميناء
وخجلت إذ تتراجع الأنهار ,
يا أسفي على إبراهيم , لو ألقاه بعد الموت ,
سوف يشيح عنّي الوجه , ينكرني
ويرفضني ..
إنّي أعود لطفلة الأمس التي
قضت الليالي
وهي ترسم بيتها في دفتر الإنشاء ..
ج - ما يحكيه الموتى
ولست يعاتب يوما ,
إذا راحت أناشيدي
تولول في بكاء خافت خائب
وإن ظلّ الغسيل على سطوح الدار مبلولا
وعقد زواجنا ملقى على الغارب
وإن عبرت طيور الحزن من
شبّاكي المفتوح , حطّت فوق أوراقي ,
بنت أعشاشها في وجهي الشاحب
ولكّني سأذكر أنّ وجه حبيبتي ,
قد كان آخر مرّة غاضب ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> حين قال سامر : لا في المواجهة الأولى
حين قال سامر : لا في المواجهة الأولى
رقم القصيدة : 67246
-----------------------------------
( أرض واسعة كخلاء
أشبه بالمسرح
يتجمّهر خلق , وإضاءة
فوضى أصوات متداخلة , خطوات المرأة
تملأ أرجاء المطرح
تتوّسط دائرة الضوء
شيء كالصمت
تتحرك , وتحدّق مذعورة ) :
امرأة - من ذا يفتح دفتر أيامي
ويواجه سفر المأساة
إني أرهب سيف التاريخ
حين يسطّر ما كنت كتبت
يا رمل الذكرى , كن طينا وتماسك
( تنفر أعناق الناس
تتلّفت في غضب نحو المرأة
إذ تلمس زيف الكلمات
والحركات المفتعلة
فتواجهها بالأيدي المرفوعة
والنظرات المحتّجة والصيحات
يخرج من بين الجمهور
سامر كالرمح نحيلا , ومضيئا بالحب
يتوّقف في دائرة النور )
سامر- إني أنشل نفسي من بئر الأخطاء
وأحاكمها وأدينك باسم سنابلنا الظمآنه
والشجر المقصوف
( أصوات تخرج من عمق الأشياء
لا يظهر من ينشد
بينا سامر يتمترس خلف الكلمات
والمرأة تخفي عينيها
بيديها )
الأغنية
الجوقة - الحب الماضي ماذا أثمر في دنيانا
ماذا أعطى ؟
هل ثمّة شيء بعد الحب ؟
كلّ الأوراق امتلأت بالكلمات
لم يبق لدينا ما نحكيه(61/183)
والآن علينا أن نفعل , أن نفعل
نحن عشقنا حتى العشق
وفتحنا الأيدي
لكن لا شيء
نفس الإحساس
نفس الحب ونفس اللحظات
إنّا ننشد أكثر من هذا
نحلم أن يتحقّق في الحب
كلّ رموز العالم
لكن ما زلنا ننتظر , فماذا بعد ؟
ماذا بعد ؟
( تخفت كلمات الأغنية
ويهزّ الغضب المتسائل أبدان الناس
أما المرأة
فتحاول أن لا تستسلم
تتمالك منها الأنفاس
تتحرك في حذر ملحوظ )
المرأة - كنت قديما أبحث عن هذا المطلق
لكن حين رأيتك
صرت لديّ المجهول ,
وصرت عروق الأشياء المفقودة
وعشقتك ,
ليس كما يعشق كلّ الناس
وحلمت بأطفال يأتون
وبفرح لم يشرق ..
سامر- معذرة يا سيدتي
لا يرحل إلاّ من يأتي
لا يكفي الحلم
الجوقة - خيمتنا تحت الدلف
جحظت عيناها
فخجلنا أن لا نبحث عن سقف
سامر- حين تغوص السكين عميقا ,
في القلب
ويصير رغيف الحب
أبعد من قمر في الصحراء
حينئذ لا يتسّع الميناء
لأنين صواري البحر ,
وأشرعة السفن الغرقى
المرأة - سامر يرسم فوق الماء
أجنحة لعصافير الأمس
ويكتب فوق الرمل
ما يرويه الليل
سامر - لا تجرحني كلماتك
أكثر مما فعلت بي
رؤية طفل كان يصيح
وبقايا جدران وسطوح
( يظهر في الظلمة
طيف لامرأة بثياب العرس
تتوسط دائرة الضوء
تبدو مكتئبة
فيباركها سامر بالحب الصامت )
سامر- إنّي أحفر فوق جذوع الأشجار
وجها محزونا
وعصافير تموت
وعيونا
تحمل كلّ ملامح ذاك الطفل
( يتلّمس بيديه ,
جديلتها المبلولة بالدم )
وسأكتب أن الأسفار
أخذتني منك ,
وأنّ الغزلان البريّة والأعشاب
وعبور الليل
أشهى من كلّ الأضواء ,
ومن مدن الغربة
( ينسحب الطيف
يتلاشى تدريجيا في الظلّ
تكبر بقع الدم
في عينيّ سامر
يهذي بكلام لا يفهم )
المرأة - ماذا حلّ بعقله ؟
سامر - من سنوات حين تلاقينا
بعد هبوب الريح الأولى
أخذتني نظرتك ,
أحاطتني كلماتك بالحب
منحتني أجمل وعد
كنت عرفتك من قبل ولكّني ,
صدّقت ..
عدت فغّنيت على أبوابك
كان غنائي يرتّد
مخنوقا داخل حنجرتي
ويموت صداه على أعتابك(61/184)
وظللت أحدّق في المرآة
منتظرا فعل جوابك
المرأة - ماذا يمكن أن تلقى ,
مرسوما في المرآة
إلاّ وجهك ,
وشحوب النظرات ؟
سامر - إنّي أعبر في تقطيب القسمات
سردابا مجهولا
وأرى باب
أتهيّأ حتى أحمل زادي
لأجوس طريق النار
المرأة - لا تفضي بشبابك للتهلكة , فتندم ..
سامر - لا يا سيدتي
لم يحدث يوما أنّ سماء
مدّت للجائع طبق غذاء
ما لم يصفع جوعه
الصدى - لم يحدث يوما أنّ سماء
مدّت للجائع طبق غذاء
ما لم يصفع جوعه
المرأة - أتشكّ بأخوتك ,
وأبناء العم ؟
سامر - لا يا سيدتي
فأنا أعرفهم جدا
فهمو من هدموا بيتي
من أكلوا لحمي
من باعوا أرضي
أعرف أنّك أنت وعشّاقك ,
أعددتم هذا الحفل
أعرف أكثر من هذا
نعرف كلّ سطور التاريخ السريّة ,
وتواقيع التجّار
الصدى - نعرف كلّ سطور التاريخ السريّة ,
وتواقيع التجّار
( المرأة تأخذ شكلا آخر
فالفستان عليها يعتم ,
بأهلّته ونجومه
تتميّع ألوانه
الأحمر والأخضر والأبيض ,
والأصفر والأسود ..
تغدو شرطيّا وهراوة )
المرأة - الشرطيّ - حاذر , حاذر
واضبط أعصابك يا سامر
الجوقة - قل كلماتك يا سامر , قلها
وليرتفع السيف
قلها ,
حتى يكتمل الصف
سامر- وجهك يا سيدتي
يتلوّن ,
يكلح ,
يصفّر ,
ويطالبني بالصمت
لكّني أختار الموت
( إعتام
فوضى , ودوي كلام )
الجوقة - سامر يصنع من ورق الذاكرة ,
رسوما للأطفال
ويشدّ خيوط الأمس
يتماسك في وجه الريح
سامر يختار الموت
صوت سامر - إنّي أؤمن أنّ المطر الخيّر
سيجيء
ويكسونا بالأعشاب
وستطلع ثانية أزهار الحنّون
ويعمّ غناء الأطفال
ويكون على الأرض
فرح غامر ..
الصدى - ويعمّ غناء الأطفال
ويكون على الأرض
فرح غامر ..
( يظهر سامر
متّجها نحو الظلّ )
سامر- فلتفتح يا سيدتي أبواب السجن
طفح الحزن
طفح الحزن
( الظلمة تفرد في بطء
أطراف ستارتها
فترة صمت )
الجوقة - الليلة لا يحلم سامر أو يتسكّع
بين رفوف الكتب الصفراء
الليلة لا يستجي لقمته ,
لا يكتب أشعار بكاء
الليلة يرسم أقمارا خضراء(61/185)
فوق الجدران
ويغّني للإنسان
الليلة يحتفل وحيدا في عرسه
يبدع موّالا ,
وأناشيد جديدة
تحمل رائحة القمح الأسمر
والأرض الظمأى
والعشب اليابس
الليلة يمنحنا سرّ الخصب ,
وبدء التكوين
( صمت
موسيقى غضب أسيان )
الجوقة متوّزعة-
أما وقد اختار
في آخر هذا الفصل
أن يرفع كلمتنا ,
ويشيل صليب النار
فلنتذكّر أنّ الليل
سيكون ثقيل الخطو عليه
فلكي لا تمتلىء كؤوس مرارتنا ,
أو تطفح
فلنهدم هذا المسرح
فلنهدم هذا المسرح
( يهدر فجأة
نهر الأصوات الغضبى
وتدّق الأجراس
في حين
تسمع في الظلمة , أصوات مقاعد
تتحّطم
إذ ينفضّ الناس )
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> بضع كلمات للحديث عن فراس
بضع كلمات للحديث عن فراس
رقم القصيدة : 67247
-----------------------------------
ينهلّ صوتك والأغاني مطفأة
والعابرون تأخروا
فالدرب ملغوم , وخلف الباب موتك
قالت لهم ريح البلاد :
ألا احذروا
فتعثّروا
والصمت شارك في سيول الدّم
أعرف أنّ تحت الظلّ , كان الآخرون ,
يدخّنون ,
ويرقبون ..
في نشرة الأخبار - مع زوجاتهم - موتي
وهم يتسامرون
ينهلّ صوتك والنساء لبسن أثواب الحداد
وأنا خبرت من الزمان المرّ هذا أسوأه
هلكت جمال قبيلتي,
لم يسأل الوالي ,
ومزّق جنده كتبي , وأنت تسألين
عن لون هذا الحزن في عينيّ , عن
شعري المشعّث عن مشاوير المساء
والحارس الليليّ أيضا , لا يكفّ عن السؤال
صمت يرافقني
شوارع ذلك البلد البعيد معي ,
وليس بهذه الطرقات من أحد
وأنا أضمّ فراس :
( آه فراس يأكل قلبنا هذا البعاد
ويعود لي حزني الجميل ,
وزهرة الحلم المهاجر والبكاء )
وتعاتبين وأنت لا تدرين ما يفري القلب
هذا شتاء آخر قد فاجأه
ينهلّ صوتك , والأغاني مطفأة
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أمور تتعلق بها خاصة
أمور تتعلق بها خاصة
رقم القصيدة : 67248
-----------------------------------
تدفق نهر أغان ,
على شفتيك فأسندت رأسي
وأغفوت حينا
على شرفة الحلم ,(61/186)
أنصتّ ..( كنت حزينا )
فتابعت أنّ المساء جميل ,
وهذا الهوى لم يدوم
فأيقظت فيّ الهموم
وكانت جدائل شعرك بين يديّ
وفوق جبيني
تراتيل حزن , وحقل سنابل
فدانيت وجهك , زخّ رصاص
على قارعات الطريق بكلّ اتجاه
وأنّت شبابيك جدراننا
تحت نار الجنود
فسبع رؤوس تشبّ بها النار ,
كانت تغنّي ليوم الخلاص
وغالوك يا مهرتي ,
ما انكسرت , ولكن آه
وآه
وآه
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الموت خلف الباب
الموت خلف الباب
رقم القصيدة : 67249
-----------------------------------
الموت خلف الباب هل تتسمعّين خطاه
أم تتزيّنين لطلعتي ,
ورضى الوصول .
بحّت ربابات المغّني ,
ما انتهى مدّ النشيد ,
ولا استحال إلى ذهول
عيني على أطفال قريتنا ,
وكيف عراهموا همّ الذبول
كبروا مع الأيام , آه , أكاد ألمحهم ,
كأنّي ما نأيت
ولا عرفت ,
مكابدات النار والدم والرحيل
عيني على صوت يجيء مبلّلا ,
بندى الحقول
مطر الحنين يسحّ دفّاقا ,
على صحراء قلبي ,
غاسلا وجعي ,
يجيء إليّ ذاك الصوت ,
وجها ناضرا وحديقة ,
يغفو على أسوارها طير المساء
ويرق هدهدة ,
فيصغي كلّ عرق فيّ مرتجفا
أعيدي آه ذاك الصوت ثانية ,
وقولي :
( يا ابن العم يا ثوبي علّيي
إن اجاك الموت لاردّه بيدي
ابن العم يا ثوبي الحريري
لاحطّك فوق جنحاني وأطيري
واهدّي فيك ع برج الخليلي )
أواه لا أدري ,
فصوتك موجع هذا المساء
لأشم عطر الجرح ,
نزف طراوة الأعشاب في نبراته ,
وصدى الأفول
" ويلي عليك "
تكسّرت أغصان حزني فيك ,
صوني الثوب ,
يا أم الذين تضّوروا
جوعا وشالوا في الضلوع ,
بنادق الحب العظيم وسافروا
في الريح فانتظري ,
قدومهمو على باب الفصول
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> ثبت العويل في سعف النخيل
ثبت العويل في سعف النخيل
رقم القصيدة : 67250
-----------------------------------
أيها الأصدقاء القدامى
سلاما
في المساء يطيب لي الخمر ,
أركض عبر حقول البكاء(61/187)
أنزوي هامد القلب , مشتعلا بالغناء
شاكرا للزمان جزيل العطاء
راسما شارة للعبور الأليم ,
أزامل برد العراء
وأجمع وردي من الطرقات ,
وما كنت أهديته للمساء
وألملم نفسي علي حرقة ,
إذ يهبّ الهواء
لاهجا باسم من غازلتني
وجاسدتها ألفة ,
وبكينا أسى وانتشاء
ها أنا في عيون التذكّر أهمي وحيدا ,
وأذبل شيئا فشيئا بلا أصدقاء
وأهزّ جذوع النخيل
فيدوّي العويل
آه , آه
يا عيون التي أمطرتني شجى
ليس من مرتجى
***
أذكر الآن أغنية
عن زمان بلون الفجيعة والانكسار
يوم أفردت أفراد طرفه
حين فقدت جوادي
وأطفأت الريح قنديل ذاك النهار
لا يد لوّحت في المطار
لا عيون التي أشعلتني حوارا ,
دون حوار
فلبست الظلال
عابثا بالحقيبة حينا ,
وحينا أعود فأفرد بين يديّ الجريدة ,
كان الحصار
نافذا مثل سهم ,
وتحتلني وحشة في القرار
لحظة ,
ورأيت المناديل للآخرين انتظار
وأنا كنت وحدي الزحام , وكنت الغبار
أستطيب التذكّر والخمر عند المساء
أيها الأصدقاء
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> في انتظار الأغنية
في انتظار الأغنية
رقم القصيدة : 67251
-----------------------------------
-1-
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
لك يا قرآن حزني
إنّني أسمع ما ينقله الأعداء ,
والعذّال عنّي
فأغضّ الطرف لليوم الذي يأتي
ولا أسقط في المنفى ,
ولا تدمع عيني
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
-2-
للثواني خطوة المثقل بالغربة والموت البطيء
آه من أين يجيء ؟
كلّ هذا الحزن يا حبّي الذي كان يضيء
بين أهلي ؟
هذه الصحراء لا تفضي لباب ,
وأنا أبحث عن أسماء من ماتوا لأنّي
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
-3-
فاغفري أيتها الحلوة لو طال سكوتي
إنّني ألمح في عينيك أحزان اليتامى ,
والثكالى ,
والبيوت
وأنا أعلم أنّ القيد قاس ,
فليكن لا بدّ من هذا ولكن لا تموتي
قبل أن يولد لحني
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
-4-
حينما أشرع في الحزن تغيب الكلمات
يستوي المنفى وأرض الوطن المأسور عندي ,(61/188)
والصدى والأغنيات
تمحي الأشياء من حولي ,
ولا يغدو سوى وجهك حيّا ,
في أغاني النائحات
أيّها الحارس ما تطلب منّي
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
-5-
تبعدين الآن في المنفى ولا يأتي القطار
ونغيبين مع الليل ولا ,
يحمل لي وجه النهار
بعض أخبارك يا سيدة القلب لماذا
تذبل الوردة ,
والعاشق ممنوع من الحب , لماذا
أحكموا هذا الحصار
بين عينيك وبيني
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
-6-
ولأيام طويلة
وأنا أحلم في عينيك مفتونا ,
بصبح وجديلة
وأنا أحلم بالعشب نديّا ,
وبشمس وطفولة
وتزوّدت بزهر الوعد يا مهرة أيامي ,
وغنّيت لأشجار تقاسي ,
في عويل الريح غصنا إثر غصن
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
-7-
كان شهرا حافلا بالياسمين
كلّ يوم كان بستانا جديدا ,
ورموزا للحنين
هذه أنت وهذا الموت حلو ,
وأنا بينكما طير سجين
صودرت كلّ الأغاني ,
والبطاقات أمامي
لم تزل بيضاء من حبر التمّني
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
-8-
لم أعد وحدي ,
فأنت الآن وشم أخضر فوق الذراع
ومعي في كلّ أسفاري ,
وفي هذا الضياع
مرّة ,
لو يصدق العمر ويعفيني ,
من البحر وتلويحة منديل الوداع
من يدي أصنع مفتاحا لأبوابك , والأبواب تنأى
أيها الحب أعنّي
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
-9-
متعبا ألقيت جسمي عند باب الحرم
وتمددت لصحو
أنّني أغرق في بركة دم
ما الذي يشبع احساسي برؤيا الموت ,
واللحظة تمتدّ كيوم ؟
آه يا أختاه , آه
كلّ من حولي قاموا للصلاه
وأنا صلّيت من أجل هوانا ركعتين
ربما يمهلني الموت قليلا فأغنّي
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أقول لشمس الظهيرة : شكرا
أقول لشمس الظهيرة : شكرا
رقم القصيدة : 67252
-----------------------------------
وحين عزفت على جرح قلبي ,
ورحت أغنّي
أشحت بوجهك عنّي
وخبأت رأسك بين الرمال
ولم يك لي حيلة ,
أن أعيد الطيور التي من يديّ تفرّ
رأيت الشوارع والأرصفة
تغادر أعلامها إذ أمرّ
كأن لم يكن بيننا معرفة
***(61/189)
أقول لشمس الظهيرة شكرا
***
( مضيت وكان لي البحر والأرض ,
كان المساء
يداعب وجهي ,
ويطلب أن لا أموت بلا ثمن ,
أو إباء ) ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أغنية مجد صغيرة , لا مرثية
أغنية مجد صغيرة , لا مرثية
رقم القصيدة : 67253
-----------------------------------
سمعتهمو يقرأون على قبرك الفاتحة
ويلغون في لهجة كاذبة
عن الصبر والفادحة
ويمضون عنك وأبقى ,
أغنّيك يا شمسي الغاربة
***
مسحت الذي كان خطّ على الشاهدة
حفرت عليها :
تنام هنا أمة غاضبة
وفي لحظة شارده
تحدّثت معك عن الحب والأرض ,
والأعين الجارحة
وعدت ولم أقرأ الفاتحه
لأنّك يا مهرتي الجامحه
رجعت معي ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> جزء من حديث ذات ليلة باردة
جزء من حديث ذات ليلة باردة
رقم القصيدة : 67254
-----------------------------------
وأنا مثل مغنّ يحمل قيثارا
يمشي في الحلم ويبكي , ويغنّي
يهبط سقف الليل
أفتتح كتاب الوحشة , أرسم فوق الجدران
أقمارا , أحرقها
وتمرّ فلول الأيام المنهزمة
مثل قطار واهن
يعبر بي مدن الذكرى
أرتعش وتسقط فوق سريري نجمة
أبحث في قاموس الأسرار
عن معنى المطر ,
وحزن الآنية المكسورة
لكنّ الكلمة
تزرعني ثانية في منطقة اللغز
ما بين الواقع والأسطورة
قال أبو حسن اللدّاوي :
( و أبو حسن اللدّاوي هذا , يعمل حمّذذالا ,
أحيانا ماسح أحذية , عامل مقهى
أحيانا يتجوّل بين الأحياء
يبيع الترمس للأولاد , ويملك صندوق عجب )
- في العاشر من أيلول الماضي
أعولت الدنيا ,
وانشقّ جدار البيت
عن شيخ كان جريحا
ووقور الحزن , مهيب الصمت
بادرني مثل الدهشة , قال :
* أنا عزّ الدين القسّام
هل تأذن لي ,
أن أقضي الليلة في بيتك ؟
- عزّ الدين القسّام !
لا أعرف أحدا يحمل هذا الإسم
* رجل من أرض الشام
لا يملك عائلة ,
لا يملك بيتا
يتجوّل في أحياء الفقراء
وكثيرا ما شاهده بعض الفلاحين
يعبر بين الأشجار
يبحث عن حبّة تين يابسة ,(61/190)
عن جرعة ماء
كان يرى بعض النسوة ,
يحملن جرارا ,
ويطفن على الآبار
فيمرّ سريعا ,
ويحاذر لقيا الأطفال
والنظر إليهم
كي لا يبكي
( وتوقف مهموما مثل حصان مجهد
ليتابع )
أعرف أنّي مجهول منسي
مجهول المولد , مجهول الموت
( ولمحت بعينيه بريقا ,
قلت ) :
- أتبكي يا شيخ ؟
* لا أملك عينين لأبكي
فأنا جئت أزور الوطن لأنظر أحبائي
وأعانقهم
لا أرثيهم
(قال أبو حسن اللدّاوي :
واحترت كثيرا في هيئته المأساوية ,
في بقع الدم المتجّمدة على الكتفين ,
وفوق الصدر
في هذي الأعشاب النامية ,
على جبهته ,
والطين العالق في قدميه
قلت له ) :
- ما الأمر؟
( أمعن بعض الوقت ,
وعدّل فوق الرأس عمامته البيضاء
فانتحبت في كفّذذيه عصافير كثيره
خيّل لي أنّ العزلة
تسكنه منذ قرون
أنّ الوحشة بيته
وكما لو أنّ بلادا واسعة ,
تحتلّ مساحة قلبه
راح يغنّي موّالا شعبيّا
عن شمس تغرب
عن وجه يشحب
عن سفن تشرع نحو المنفى
عن عشق لم أسمع مثله
يا الله
يا الله !!
بعد قليل ردّد بأسى مفجوع :
* " دار جفتنا يحقّ لنا نعاتبها
ونجيب فووس النيا ونهدم عواتبها "
( أسلم عنق الموّال لمقصلة الصمت ,
ولملم نفسه )
- هل تعمل شيئا يا شيخ ؟
* كنت قديما
- أين ؟
* في الشارع والمسجد والبريّة
عملي كان
محصورا ما بين الفقراء
يأتون إليّ صباح مساء
فأؤجّج فيهم نار الحكمة ,
والموعظة وحب الأرض
أطعمهم زاد القلب
وأقرّبهم من ملكوت الرب
أنت حزين يا شيخ
ما تحمل في قلبك ؟
منشورات سرية
ماذا ؟
أحمل تذكارات الأمس ,
مواويل الجبل وصورا للأطفال الباكين
أحمل وطنا يتوّجع
فأنا منذ قتلت
هاجرت إلى مملكة الأعشاب ,
سكنت قلوب الشجر ,
وأعراق الزعتر , قلت :
يأتي من يكسر هذا القيد
يأتي من يشعل أعراس الأرض ,
ويحترم الإنسان
لكن لم يأتوا حتى الآن
فمتى يأتون ,
متى يأتون !
- يا شيخي الطيب
أحيانا يفلت منّي المعنى
لكّني أوخذ بالصوت
والحزن الأخضر في كلماتك
كيف تقول قتلت , وها أنت أمامي ؟
* الموت رفيقي(61/191)
فلذا يسمح لي أحيانا ,
أن أتجوّل في مملكتي
وأطوف على الأحياء
- وجروحك ؟
* يجمل أن تبقى
حتى يعرفني الناس
حتى يستيقظ فيهم شيء ما
حتى لا يقعوا ثانية ,
في هاوية الأخطاء
ما تفعل لو صادفت الحرّاس ؟
الشرطة والعسكر والحرّاس
هم بعض الأعداء ,
ومن مصلحة الدولة
أن تبقى أوراقي مطوّيه
( أطفأت الوابور
وأنا لا أفهم شيئا
وسكبت له كباية شاي ساخن
قلت : تفضّل
في الخارح كان الليل وحيدا ,
إلا من صرصرة الريح ,
ورجع خطى مجهولة )
" جسمي تقّطع وجرحي طال يا مولاي
وأقلام صبري براها الهمّ يا مولاي
نهر الفرات من دمعتي فار
ودّور طاحون وخشب
ولا بارك الله في قوم يعبدون الخشب
أنت تنين ياللي من حديد وخشب
اشحال أنا من لحم ودما صابر على بلواي """"
( التمعت عينا الشيخ
وارتفعت يده تمسح عن وجهه
شيئا ما
قلت ) :
- هذا حمدان الناطور
وضعت مصلحة البلدية يدها ,
فوق مساحات من أرض القرية
واشتقّت من بيّارته اسفلتا ,
جعلت منها منتزها للسيّاح
قاوم حمدان المشروع بكل قواه ,
ولكنّ المقدور وقع
حمدان جثا فوق الأرض وقبّلها ,
رفض التعويض .. بكى
بين يديّ بيّارته ,
وهي تغادر أشجارا
وترابا
وسياجا
وحزنّا معه لكن حمدان
لم ينس , فمن ذاك اليوم
وهو يدور على الأرصفة بلا وعي ,
يذرع طرق القرية ,
يزرع قلب الليل موّاويلا حارقة ,
ويقول بأنّ له عاشقة ,
بين الصبّار ,
يطارحها الدمع إذا التقيا
والضحكة أحيانا ,
ويراها في الموّال كما يزعم ..
* أعرف حمدان الناطور ووقع الموّال
فكثيرا ما صادفني في الليل ,
ورافقني التجوال
وشربنا الشاي معا بالنّعناع
ووقفنا فوق الكرمل ,
ننتظر القادم بسلال الأفراح
وأنا أعرف حزن الشجر المقهور ,
وأنّته الصامتة , وصفرة أوراقه
إذ تهوى في وجه الريح ,
وأعرف زهو الموت وكاميرات السيّاح
أعرف حمدان الطفل ,
الولد اليافع , والشاب
الطعنة والبئر , وما فعل الأخوان
أعرف هذا الزمن الخوّان
والمدن الطالعة من الصحراء بأزياء عصريّة(61/192)
والبدو وحرّاس القصر ,
وقاتل حمدان الناطور ,
ومن شربوا الرّاح
عصر اشتعل الحرش ,
وصارت خاصرة الجبل وسادة
والريح كفن
( حين نهضت لإحضار فراش ,
كي يرتاح ..
أوقفني عند العتبة صاح :
* دهرا نمت , وحين استيقظت ,
وجدت موانيء , ومسالك تنتظر ,
وقال المذياع : انتظروا ..
وتعثّرت بخوذة جنديّ هارب ,
وبآخر ملقى ..
قلت : الطوفان , السبيّ ,
وقال المذياع :
لا تهنو ..
لكنّ القلب الملتاع
أسقمه ما أسقمه
للحزن طقوس , والأوجاع
لا ترفق بالقلب وترحمه
عاوده النوم ..
و ( يا دار ما دخلك شرّ )
- لكأنك تعنيني يا شيخ , وتحكي
عمّا كان بنفسي ,
حين الأقدار أقلّتني من بيتي ,
في اللدّ إلى قبية حتى الجلزون
والله عليم ما قاسيت من الجوع ,
ومن ذلّ السير ..
** لا أعني أحدا
غرناطة , يافا , اربد , مكّة
وارميا العربيّ والبكاء
لا في الغزو ولا في التهليل
يا مال الشام أضاعوك
كمال الأيتام أضاعوني
طال مطال البين ,
وما أحد قال
تعال
وشال الحمل ,
ولا تركوني
ناديت محبّي , همو خدعوني حزني كالبحر عظيم
لا حنطة للأطفال المغشّي عليهم
عطشان ,
صبايا الحيّ ملأن جرار الماء وغادرن ,
فمن يرويني
ناديت محبّي , همو خدعوني
- هوّن يا شيخ عليك
الدنيا ذاهبة والباقي وجه الله
والعمل الصالح
..................
* ....................
( وانسلّ خفيفا كالطيف ,
توقّف عند الباب
وتهدّل تعبا , كالغصن الملآن
فانخلع القلب من الرهبة والحزن
واستودعني اليقظة ,
والحيرة والليل وغاب )
...................
* جسمي تقطّع وجرحي طال يا مولاي
وأقلام صبري براها الهمّ يا مولاي
نهر الفرا............................
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> تعقيب على ما روي
تعقيب على ما روي
رقم القصيدة : 67255
-----------------------------------
ريح لافتة تأتي ,
- من هذا الشرق النائم-
لا للتذّرية ولا للتنقّية ,
اليوم يباع أبو ذر بمزاد علنيّ ,
ويطوّف في الصحراء وحيدا ,(61/193)
بين العربان , قبيل الصلب ولا ,
يسمع صوتا في بوق
والقسّام بلا قبر أو شاهدة ,
ممنوع أن يدخل مدن الدول العربية ,
أن يعبر دور الفقراء ,
يصادق أعشاب الأرض فما ,
عانق نافذة أو مرّ بسوق
إلاّ طورد كالسارق وهو المسروق
والقسّام وحيد في الكرمل ,
ينتشر على جسد الأرض ,
ويطلع حنّون الحزن على ساعده ,
حيفا تحضنه في البعد ,
توّسده الصدر المشقوق ..
وأبو حسن اللدّاوي ,
يشكو من رفع الأسعار ,
ويسأل مولاه القادر تبديل الحال ,
بأحسن من هذا الحال ,
وطالب بالعدل , وطالب طالب ,
ظلّ بدون حقوق ..
أمّا حمدان الناطور ,
فأعلن كذبته الأولى ,
عن رؤيته المزعومة في الموّال ,
وأيقن أنّ الموت قرآن أبديّ ,
للعاشق , إن رام مجاسدة تراب البيّارة ,
غنّى لرعود آتية , وبروق
وأنا أدركني الصبح ,
وقلبي كالبنّ المحروق..
عفوك يا وطني المشنوق
عفوك يا وطني المشنوق ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> عن الصبر وحنين الأعشاب
عن الصبر وحنين الأعشاب
رقم القصيدة : 67256
-----------------------------------
من أين يجيء الصبر
من أشجار القهر
الممتدّة ما بين
أسوار فلسطين إلى صدر البحرين
من سجن سميح القاسم ,
أم من زنزانة قاسم حداد ؟
لو أعرف من أين
لتجمّلت قليلا
وابتعت لواحدتي منديلا
وحملت لها باقة زهر
من أين يجيء الصبر
وأنا أطعن في السرّ وفي الجهر
يا صور الأحباب المنفيّين عن العين
لا يرحم هذا البين
فأنا مزدحما بالمدن المفجوعة ,
والقامات المقصوفة ,
طوّفت بلاد الله , خبرت الأصوات المتجمهرة ,
على كلّ الساحات , تعدّدت الأسماء ,
الرايات , المؤتمرات , تعبت
عرفت الوجه الآخر للأشياء
وحزنت على الوطن الغائب
فأتيت أكابد ريح الهجرة فيك إليك
أنهل من بين يديك
يا قمري الشاحب
يا ضوء عذاباتي الليلية
ما يملأني بحنين الأعشاب , ونار عذاب الفقر
وأتوّج حزني بورود اللهفة ,
وألاعب طير البحر
لكّني يا منديل حبيبي
يا صور الأحباب المنفيّين عن العين(61/194)
ضيّعت حروف السروأنا أسأل من أين
عفوك يا وطني
عفوك يا وطني
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الخداع
الخداع
رقم القصيدة : 67257
-----------------------------------
حدّثني عن ترجمان الصمت والهلاك
وقال : لا أنساك
حدّثني عن جنّة للمتّقين في غد ,
وعن مراح
وحينما طلبته ,
وصحت : يا ملاك
أسلمني للموت واستراح
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أفكر فيك وأصحو
أفكر فيك وأصحو
رقم القصيدة : 67258
-----------------------------------
-1-
أفكر فيك فتعول ريح الشمال
وما بيننا النهر والشرفة الباكية
ومنديل أمي ينادي تعال
ويحلم بالليلة التالية ..
-2-
أفكر فيك وأنت صرصي
وأنت إذا استرسل القلب في الحلم ,
سرّ عياطي
فماذا لو أنّي ذرعت إليك السجون
وصيّرت هذا الحنين
بريدا
وأفصحت بالحبّ , قايضت موتي بالياسمين ..
-3-
ولكنّني كلّما منك أدنو
وأبعث للشمس برقيّة عن أوان الوصول
أخال بأنّي هدمت الجسور ,
ونلت الذي كنت أرجو
فواخجلي منك , ماذا أقول ؟
حسبت حبال النوى بيننا لا تطول ..
-4-
وأصحو من النوم , أشرع نافذتي للهواء
أنامل النهار جارحه
هو اليوم يلبس قبعّة البارحه
ويأخذ شكل البكاء
وأنت هناك
تظلّين وعدا جميلا ,
وصفصافة عاليه ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> مرثاة العرب البائدة
مرثاة العرب البائدة
رقم القصيدة : 67259
-----------------------------------
الجرح عميق
والنسيان عصيّ والإبريق
يطفح .. والأحباب الغيّاب
طالت غيبتهم ..
وأنا أوغل في التحديق
وأسرّح نظري ,
أين قوافلهم ؟
أطلولا ما أبصر أم مدنا عربية
شيدّها الأتراك قديما
أخرج للأرض ,
فلا أصدف وجها يعرفني
لا تمتدّ يد وتصافحني
البارحة احتفل الأعداء ,
وغنّوا في الساحة
ووحيدا كنت ,
وقلبي كان كتفاحة
تذبل وتموت
واليوم أضّيع في الربع الخالي
أكتب مرثاة العرب البائدة ,
وأكمل أغنيتي ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الرؤيا الخامسة
الرؤيا الخامسة(61/195)
رقم القصيدة : 67260
-----------------------------------
إنّي لأرى الأوجه تتغّير بشرتها
تسقط قشرتها
وأراها عارية ,
لا أصباغ ولا أسماء
والمسرح يخلو ,
والنظّاره
تنكر في الفصل الثالث صورتها ..
ويهبّ من القوم فقير ,
يحلم بإعادة ترتيب الأشياء
لا يرتاد مقاهي الأرصفة العدميّة ..
لا تعرف صورته الصحف ,
ولا تتناقل عنه وكالات الأنباء
يحفر رسم حبيبته الغائبة ,
على سقف مغاره
في جبل ما
ويغنّي ...
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> طيور خضراء كثيرة
طيور خضراء كثيرة
رقم القصيدة : 67261
-----------------------------------
( أنا الطير الأخضر
بمشي وبتمخطر
مرّة أبوي ذبحتني
وأبوي أكل من لحمي
وأختي لملمت عظمي
ولمّا طلع القمر
صرت طير أخضر )
كلّ مساحات فلسطين عظام مطمورة
حين يجيء الليل , ويطلع قمر الناس ,
تصي طيورا خضراء
وتحط مغنيّة ,
عند شبابيك الأهل , ولا يصحو الوالد
( هل يعرف ما فعلته الزوجة بالإبن ,
وما كان عشاء الأمس ؟)
كل الأطفال الأحياء ,
والأموات ,
طيور خضراء
فاستيقظ يا سالم ,
يا حامد ,
يا راشد
هذا القمر من الفضّة
لكنّ الهالة من خيش
والأشياء بلا أبعاد
هل تطعمكم اربد ما ادّخرته من الجوع
هل يسمع صوتي ؟
أنا لا أتحدّث عن أسطورة
فمساحات فلسطين عظام مطمورة
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> تقاسيم
تقاسيم
رقم القصيدة : 67264
-----------------------------------
إلى كمال ناصر
لا تطلق العنان
لحزنك الجموح
فهذه الصحراء
لا ظلّ , لا أنداء
لا عشب في السطوح
فهل تطيق شرب قهوة النسيان !
يا أيهذا الورق الساقط من رزنامة النزوح
حمامة في الصدر ماتني تنوح
في سرّها لا تبوح
***
يا زهر الرمّان
لا ترتد النشيج
وخلّ في الكتمان
الوجع المكبوح , لا الخليج
يسمع مرّة ولا المحيط
يردّ هذا السوط
قرنفل المساء ذابل , وشجر الدّراق
يجفّ في الفراق
فمن ترى يعيد خضرة الأوراق !
***
يا شجر الصفصاف
قالت حبيبتي : أخاف(61/196)
أن تبعد الطريق , أن نضلّ
فأومأت لحزنها الضفاف
وارتعش الليل
على قميصها الهفهاف
أيتّها الحمامة البحريّة
والزهرة البريّة
ماذا يقول النهر والأغنية !
***
في الأسبوع الواحد
أفقد سبعة أيام كاملة وأدور
ما بين العتمة والنور
ما بين الحرّ اللافح والبرد القارس
يا سعف النخل اليابس
لا أعرف ما أنا واجد
ناديت يا كمال , ياكمال
يا وجه أمي الفقيد بين الموت والإهمال
لمن تغني " بئر زيت " حزنها يا أيّها الرجال !
***
طاردني " المطوّعون " في شوارع الدّمام
متّهما - كما يقال - بالكلام
واليقظة التي تشعّ مثل شمس الظهر
لأنّني كتبت في الجريدة
شيئا عن الصيّاد والطريدة
وعمّموا قرار وقف النشر
أيّتها الجريدة الصفراء
والحكم البليغة العرجاء
متى تهبّ النار فيك والسما تضاء
***
يا صباح التساؤلات الجريح
هل صحيح
أنّ رمل الجزيرة
قابل للحريق ؟
أنّ بيني وبين الزمان الصديق
خطوة , أنّ وهج الظهيرة
ليس إلاّ ضريح ؟
ماذا يقول في الغياب
الوطن المضّرج القباب
والأهل والزيتون والتراب
***
هرولت المينة
الشجر المقصوف في الطريق
وهذه الزينة
تشعّ بالأسى العميق
ويهرج الأقواس والأعلام
يرسم في الدمام
أيقونة حزينة
شيّعت وحدي قامتي للبحر
( وقلت للنوارس التي تهيم في نسيم بعد العصر
من أين يأتي كلّ هذا القهر !)
***
كالنجّم القطبيّ وحيد وبعيد
تشرّ بك رمال البيد
تنزف في عمّان ,
وتسقط عند مشارف صيدا
وضواحي بيروت
والعمر يفوت
يتّسع فضاء الربع الخالي
وطيور البحر تموت
وتطارد في الأرض العربيّة ! ,
ترسف في أغلال الروم
أفقك مغموم
دربك ملغوم
موتك معلوم
فليرفع الستار عن رواية العروبة
ولتكشف الأكذوبة
ولتكشف الأكذوبة
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> الحداد يليق بحيفا
الحداد يليق بحيفا
رقم القصيدة : 67265
-----------------------------------
إلى سميح القاسم
مراسيم قهرك جارية ,
وأنا أحتفي بجواد التفّتح والنار ..
في ليلك المأتميّ
وأحمل راياتي السود ,(61/197)
أولد في شهقة الموت ,
أعبر في حزنك الساحليّ
أغنّي فيمنعني الشرطيّ
تيّممت باسمك آن طويت الصحارى ..
إليك وكان الطريق
خنادق فارغة ,
أو
بنادق عاطلة ,
والرياح تصفّر في " الغور " ما من بريق
ولا من دخان اشتباك هناك ..
ولا طفلة في الفضاء الرماديّ ,
هذا زمان السكون المدوّي ..
زمان الحريق
وكان الجنود الكسالى
يفلّون في الشمس قمصانهم ..
مفرعين من الحلم والفعل ,
كان شرار الظهيرة يمتدّ نارا
وموتا مثارا
إلى الجسر ..
والنهر كان يجفّ ,
يجفّ ,
ولتفّ ..
في بردة من حداد
ويحضن صفصافة وهي تبكي ,
تغنّي للبعاد
وتسقط أوراقها
وطروادة القلب غارقة في الحصار ,
ونهب لسيل الجراد
فماذا تقول الجبال وأحراشها والوهاد ؟
وماذا يقولون , ماذا يقولون ..
ماذا ..؟
- يمدّون عمر احتضارك هذا النبيل ,
بما وهبوا من فنون الخطب
وينسون ,
ينسون حتى الغضب ..
***
مراسيم قهرك جارية ,
إنّهم يتركونك وحدك ..
في ساعة الطلق ,
يلقون باللوم - زورا - على القابلة
سمعت الرياح تغنّي :
يليق الحداد بحيفا
يليق بها كلّ سجن ومنفى
يليق الحداء بأفراسها الحمر والقافلة
بلى ..
ويليق بك الحزن والموت ,
والحالة النازفة
يليق بك الصمت والليل والعاصفة
يليق بك الفرح الياسمينيّ
في عرسك الدمويّ
يليق بك البحر والبرتقال الحييّ
فماذا تقولين لي
وماذا يحاورني النبويّ
أجيبي ..
لمتك وقع النصال عليّ
فلا تقتليني بأسلوبك العاطفيّ
ولكن بصاعقة كي أضيء
هنا دركيّ
هنا شرطيّ
هنا عسكريّ
ألا إنّهم يبتغون دمي
والقبائل تطبق حزلي ,
وتبحر في فلك الأجنبيّ
وهم يغلقون الحدود ,
يسنّون قانون طردي , وقتلي
يصادر خطوي ,
وخبزي ,
وقولي
ولكنّ ..
ما بين مركبة الرعد والريح ,
يأتيك برقي الخفيّ
وأحلم بالفقراء جيوشا ,
وكلّ الصعاليك والخارجين على الموت حزبا ,
يقاتل باسم الزهور التي تذبل
وباسم السنابل والقبّرات التي تقتل
وباسمك حتى يعود الزمان البهيّ
- لماذا أتيت ؟
* لأعرف وجهك أكثر
وأعرف نفسي(61/198)
- وماذا رأيت ؟
* طيورا محلّقة في الفضاء ,
وبيتا قديما
وبيدر
وقابلت أمّي
- وماذا ؟
* رأيت ..
- تكّلم
* أصابع كانت تطوّق خصرك ,
في رقصة الدّم
رأيتك مكسورة البال ..
في زيّك البلديّ
- وماذا فعلت ؟
* تلّويت قهرا
وقدّمت صكّ انتمائي إليك
يعاودني صوتك الآن بعد الغياب
ويدخل من كلّ أفق إليّ ..
ومن كلّ باب
يطاردني في الصحارى
يحلّ معي في الفنادق
يشاركني مقعدي ,
وسريري ,
ووجبة خبزي ,
وحزني
ويرقبني عند كلّ المفارق
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> نبيذ من المتوسط
نبيذ من المتوسط
رقم القصيدة : 67266
-----------------------------------
إلى سميح القاسم أيضا
- وقلت : أترحل ؟
قال : بلى
وكان بعينيه يحتضن الكرملا
ويكمل : أرحل أو أقتل
- ولكن إلى أين ؟
* إليها الوحيدة في البيت أمي ..
وهذا المساء الذي يقبل
ووجه التي في زمان الجراح عرفت ,
وسلّمتها للقلب ..
تسألني أين ثانية ؟
للرياح وأغصانها ,
والطيور التي حلّقت فوق كلّ الموانىء ,
واشتعلت بالحنين ..
- وما بعد ؟
* في القلب حيفا
وإني أصعد أحزانها بالغناء
وأرسم خارطة , وحدائق عنّاء , أشيّد ,
دارا ,
وحانة
تقدّم للمتعبين وللغرباء
نبيذا من المتوسط ,
أملأ قبّعتي بالزهور النديّة ,
أنثر فوق جباه الحزانى زهوري
أنادي على الراقصين :
تعالوا ,
لقد بدا العزف ..
والقاعة الآن جاهزة ,
البطاقات ؟
لن تخسروا باهظا
أيّها السادة المتعبون
فكلّ الدروب تؤدي
إلى فندق في المنافي
إلى لقمة في الصحارى ..
مفعمة بالمرار
إلى خيمة أو قطار
إلى طعنة في القرار
إلى الموت ,
إن فاتكم حفلنا ..
أيها السادة المتعبون : حذار
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> فاكهة آسيوية
فاكهة آسيوية
رقم القصيدة : 67267
-----------------------------------
ترمضني عيناك ومعرفتي بحدود كرومك
ترمضني كلماتك , برق نجومك
ترمضني أيامك تترى ..
ترمضني الذكرى ,
ورياح سهومك
تعصف وهجا
فأغنّي لغروب همومي ,(61/199)
وأغنّي لشروق همومك
وأوقّع بالحزن الأخضر فوق شبابيكك , آه
أهتف بكتاب الجوع ,
وبرد الصحراء القارس والآه :
ألهمني الرؤيا والقدرة والسير
ألهمني حبّ البحر
***
يرمضني الجوع
يرمضني برد الصحراء المشروع ,
وغير المشروع
يرمضني رجع الآه ..
ووقع خطى الليل المسموع
يرمضني , واحدتي ,
قلبي الموجوع
***
واحدتي ! كم نحن بعيدان
نتعانق والورد الذابل يفصلنا ,
والشّطآن
لكّنك تنتشرين كفطر بريّ
وتنامين بحضني مجهدة , شاردة ..
وأهالي الحيّ
يغفون وتحترق الأجراس
نام الحرّاس
والحزن هنا فاكهة يوميّة
يتداولها الناس
وأمدّ يدي فتفرّين غزالا مذعورا
وأظلّ بعيدا عنك , يظلّ المنفى
دارا موحشة ,
ويظلّ لباس
أكتب إسمك في القلب ,
وفوق الجدران المكشوفة ..
أكتب إسمك في الكرّاس ..
***
أحلم أنّا نتراشق بالماء ,
ونلعب في رمل الساحل
أحلم أنّا نعبر بين الأشجار خفافا
" نتمرجح " في الغصن المائل
أحلم أنّا نصعد جبل الكرمل ,
نجمع باقات الحنّون الأحمر والأصفر والفاتح
أحلم أنّا نركض خلف عصافير الزرع ,
بلا طائل
أحام بالسرب الغادي والسرب الرائح
أحلم وأنا أرقب في الليل الحالك ,
ميعاد قدومك
أحلم والأعداء يصوغون قرار الإبعاد
وطلقات خصومك
تبحث عنّا
أحلم ..
ليس لنا بيت في آسيا
ليكن في معلومك
أنّا نطرد من هذا العالم
ليكن في معلومك
أنّ العام القادم ..
لا يجمعنا في القدس
ليكن في معلومك
إنّي لا أرثيك ولا أبكيك الآن
ليكن في معلومك
إنّي لا أرفع مظلمة ,
لا أنشد إحسان
ليكن في معلومك
إنّي في كلّ مساء
أركض نحو تخومك
أحمل في جعبتي الخضراء
ورد الجرح , وناقوس الأوجاع
أحمل مدنا , وقرى , وقلاع
وأطيّع صلصال الغربة بغنائي الليليّ ,
أتّوج في الحفل أميرا للموت على الفقراء
فأنا عاشق أبعادك ..
أورثني أهلي
قانون النار ,
وفعل إعادة ترتيب الأشياء
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> سهام النوارس والبحر
سهام النوارس والبحر
رقم القصيدة : 67268(61/200)
-----------------------------------
ولا تكتب الآن شيئا
فمدّ الحنين المسائي ..
يوغل في الشفق البرتقاليّ ,
هذا هو البحر , والعربات الأنيقة تعبر ,
إنّ رياحك ساكنة ..
والنوارس لا تتتقن الآن فنّ العناق
ولا تكتب الآن شيئا ..
فأنت على سفر دائم
والبلاد تهاجر خلف الحدود ,
وقامات أشجارها لا تبين ,
وهذي السكاكين ..
مشرعة لرقاب الأحبّة ..
هذا هو العمر , قاطرة وحقائب ,
خاصرة ورماح
وكلّ الناس محكومة ..
بالحنين إلى البحر والعشب مهمومة ,
بالفراق
لأيّ التواريخ تنسب أوجاعها الكوكبيّة ..
أعراسها الدموية ,
ها إنّ أمطارك الداخليّة ..تهطل ..
أقمارك الموسمية .. تأفل ,
شيئا فشيئا ..
ولا تنزل الآن , لا ترحل الآن ,
تحمل أوراقها وقلائدها
والسيوف التي لم تجدها
ووحدك تشقى
لأيّ التواريخ تنسب أوجاع هذي النوارس
تجيء المراكب والجوع يبقى
تهبّ الرياح بما ..
يشتهيه الزمان المعاكس
ولا تكتب الآن شيئا ,
فأنت هنا
في موات الصحارى الوسيعة ترقى
دما سائلا فوق وجه الجدار ,
ووجها على جوعه لا يراق
تقول :
لقد لفحتنا الشموس ,
وهذي الدروب امتداد إلى الحزن والحزن ,
هذا رماد الطفولة يلبس أثوابنا ..
إنّ أهدابنا ..
بالغصون القديمة مثقلة ,
والحسّاسين تهجر أعشاشها وتجيء
تقول :
( وكانت تنقر أوراقها القبّرات الأليفة ,
عبر الحوار ) ,
لماذا تضيق الجهات ,
وتلتجيء الأغنيات ,
ولا نهتدي لمدار ؟
***
تحدّث عنها الرياح العصّية ,
ترسم وجها ..
يليق بصفصافها الفارع المستحيل
تميل على ذكرها الأمهات الغيورات ..
في ساحة الدمع ,
والعائدات من النبع ,
يروين عنها
فيخضّر عشب بعيد بعيد
ويشرع أفق ..
وتحتلّني ,
عنقا ناضجا أو هديل
أغنّي لها تارة ,
أو أنام على صدرها
طاعنا في الهموم ,
محاطا بصفّ الخصوم ,
أفتّش في ليلها عن دليل
سهام التي عربشت في حزام النبيّ المهاجر ,
ذات أصيل
لماذا يعزّ إليها الوصول ؟
سهام الرضا والمدى والسهول
سهام النتوءات والبحر والموج(61/201)
والشاطىء المستحمّ بوهج الظهيرة ,
يقرأ في سفر أيامه الذاهبة
سهام السنابل والمدن الغائبة
سهام التي لا تجيء ,
التي لا تغيب ,
التي أوغلت في دمي ..
رعشة , رعشة ,
واستوت في الحنايا
ولكنّ هذي الزوايا
تجاهر عتمتها بالزهور البعيدة ..
سائلت عنها السعاة ,
وجبت الفلاة ,
طرقت المدائن بابا فبابا
وعادت مساءلتي شجرا
وهمومي رؤى ..
وانكساري مرايا
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأترك نافذتي لرياح الخليج ..
تسفّ ترابا ترابا
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأرسم دائرة ضيقّة
لماذا أضيّعها في المساء ؟
ونكهة قهوتها في فمي
عذبة حارقة
وتأسرني بين قوسين اثنين ,
سنبلة لا تموت ..
ولا أبلغ المشنقة
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأمضي إلى موعد لا يكون ,
إلى وحشة لا تهون ,
إلى أفق واسع ..
موجع
ساطع
كالبكاء
لماذا أضيّعها في المساء ؟
سهام العصافير والضحكات
سهام المشاوير والأغنيات
سهام الكلام , الحمام الذي ..
رفّ سربا فسربا
وحرّك فيّ اشتهاء الندى ,
والحجارة
والمعجزات
لماذا أضيّعها في المساء ؟
***
ولا تكتب الآن شيئا
فأنت على سفر دائم ,
والبلاد تهاجر خلف الحدود ,
وقامات أشجارها لا تبين ,
وهذي السكاكين ,
مشرّعة لرقاب الأحبّة
من أين تبدأ ..
هذا هو الحبّ , إنّ الرياح تهبّ ..
الحريق يشبّ ,
وهذا أوان العناق
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> نقوش داكنة من رأس الناقورة
نقوش داكنة من رأس الناقورة
رقم القصيدة : 67269
-----------------------------------
إلى رشاد أبو شاور
منعزلا ووحيدا أحلم بالأمطار ,
وشعر حبيبي المبلول على الكتفين ,
سنابل جائعة ..
في فوضى الأشياء ,
وهدأة خطوتنا فوق الأسفلت وحيدين ,
ونق المطر الموسيقيّ على ..
شبّاك الشارع ذات خريف ..
أحلم بالموّال البلديّ , بأمّي
بامرأة لا تعرفني
إمرأة أبعد من هذا الليل ,
وأقرب من هدب العين ..
إذا انتحبت ينفطر القلب ,
امرأة مملكة للعطش الموّار وللرغبات المشتعلة(61/202)
مملكة للأسئلة - الدوّامة ,
والأسئلة - الفاكهة ,
امرأة لا نزلا للغرباء
امرأة لا مرآة سوداء
***
منعزلا ووحيدا أحلم ..
وطن يستيقظ من عمق الصدر ,
جراح تأخذ في نزهتها
فلماذا من شقّ في الباب تجيئين إليّ ؟
لماذا يستيقظ وطن ,
تأخذ في النزهة والتجوال جراح ,
ولماذا يخطر في البال ..
فراس القيسيّ طريدا
يذرع أرصفة وموتنىء منعزلا ووحيدا
يبحث عن مأوى , أو حب يدفئه ..؟
ولماذا من شقّ في الباب تجيئين ,
وتحتفلين معي , في هذا العرس ,
تميلين بخصرك هذا الناحل ,
هذا الجسد الضوئي , المرويّ جراحا...
وكآبات لا حصر لها ..
ثم تشيحين ولا تعترفين ؟
فأدخل في الصور السوداء حليفا للنهر ,
تتّوجني الأشجار أنيسا للبيداء ,
أنادم أصوات الآتين ,
وتلك رياح تأتيني ..
عبر نوافذ غارقة تحت الماء ,
نقوش داكنة من رأس الناقورة ,
حتى أبعد غصن في المهجر , تهجع ..
فوق سرير القلب , خريطة هذا
القمر الراجف تحتلّ دقائقي الهاربة من
الموت وتفترش الصدر..
خريطة هذا القمر الراجف ..
جارحة كالدمعة ,
ناعمة كالسيف ,
وما بين الدمعة والسيف تناثرت ,
تكاثرت ,
فأيّ رؤى تشتعل زنابق حمراء ,
وأيّ مواسم أستقبل مثقلة بالخضرة ,
أيّ يد تمتدّ الآن ,
وتمنحني رعشتها
أحضن هذا الغبش المتدّفق من عينيك ,
الغبش الفجريّ
الألق اللونيّ
رذاذ ندى القلب ..
أشيل القلب قرنفلة للموت ..
أنادي باسمك .. أصرخ في ردهات البيت ,
أراك فتقتربين ,
أراك فتبتعدين ,
فمن صادر لون الحلم , وطعم العزلة ؟
جرس لا يقرع في الصحراء
سرير لا يحمل اثنين ,
وأفق أضيق من هذي الزاوية المعتمة هنا
في القلب
مبعثرة أكواب الشاي , الكتب ..
القمصان الغامقة الزرقة , زوج حذاء
أسود , وزجاجة ماء فارغة ,
والمنفضة امتلأت بالأعقاب ,
وكابية غرف الأغراب ,
لماذا من شقّ في الباب ,
تبخّر حلمي ؟
يطلع من خلل غيوم الوحشة ,
وجه صديق ..
ينزع للدمع على صدر اليرموك ,
ويلقي بحنان ريفيّ أوجاع الأرض على(61/203)
صدر الغائبة - الحاضرة , ويحلم ينهار
أبيض , يحلم , يحلم
لكنّ الحجر القاتل لا يأتي ,
هذي المرّة من مقلاع داودي ,
( بيت أخضر ذو سقف قرميديّ ,
فوق الطاولة ينزّ دما ولظى )
هذا وجه صديقي ,
أكثر من شارة حزن يحمل ,
أكثر من دمعة فرح ينقل ,
هذا وجهك يتوهّج بارؤيا والحزن
يتناسل أطفالا موعودين بأنهار من لبن وآرائك ,
يتناسل أزهارا وثمارا ,
وأراك فتقتربين
أراك فتبتعدين ,
سهام لا تأبه بي
تنطلق من الذاكرة إلى الذاكرة ,
فينشقّ البحر ..
يضيء كنهد ,
يتلّون كالشفق الورديّ ,
يصير غزالا
يركض فيّ ..
أصافح في سفر الأمواج :
الأعشاب ,
الأسماك الجائعة ,
الأصداف الفارغة ,
السفن المبحرة ,
الطحلب ,
والحيوات الأخرى
سارا
أيتها الموجة والعزلة ,
والوطن المستيقظ والجرح ..
خذي نزهتك الآن ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أغنية الغبطة
أغنية الغبطة
رقم القصيدة : 67270
-----------------------------------
مسكون بالشجر الجبليّ الفارع ,
والنرجس والألوان
مسكون بتضاريس امرأة ,
طافحة بالرغبات ,
وجارحة كالصوّان
مسكون بالبحر المستسلم للزرقة ,
والشمس ..
ومسكون بالفقدان
من يشهدني الآن , أنقل كلماتي
بين الخضرة والحسرة ..
يتجاهل أو يتساءل :
من هذا المتدثّر بالكتمان ؟
من هذا السائر في البريّة ,
مفتونا بالعشب
ومأخوذا بالحب ,
يطوّف في الأرض بلا عنوان
من يسمعني ينكر صوتي
أو يبعث موتي
ويبارك هذا النزف اليوميّ ,
وحزن جلال الصلبان ..
هاأنذا الآن
أبدأ سفري
وأجوس وحيدا كالشعلة بين الخلجان
وأغيّر بالوردة ,
أرسم في ليل الوحدة ,
أفقا ليدي وأروح
أنتشر عصافير مجرّحة ,
وحماما دون سطوح
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> القراءة في النهر
القراءة في النهر
رقم القصيدة : 67271
-----------------------------------
ممتلئا بالرهبة والرغبة كنت , وكان البحر قميصا أزرق ,
لا رونق للأشياء , وفي الصحراء ركضت ركضت ,
وكان الأفق بعيد(61/204)
كان سريري الأرض ,
وورق النعناع يغطّيني ..
كنت أرى الأشجار جيادا ..
تتحرك , تدعوني
قلت مباركة يا سيّدة الريح السريّة ,
ماذا في البريّة ؟
إنّ الشاطىء والشارع مشتعلان ,
وإنّ القلب وحيد
قلت رسائل سارا لا تأتي في أيّ بريد
سارا صفصاف أقرأه في النهر ,
وسارا في الأسر ,
وسارا زيت سيضيء ..
لا أروي حدثا عاديا
عن شجر يذبل ,
أو وطن يرحل ,
إنّ ظلالا تمتدّ
وأمواجا ترتدّ
ووجها ليس يحدّ
يصير إلى باب ,
والباب مضاء بشهاب ,
يفضي لعشاب ,
يتفرّع منها شجر أخضر , وينابيع ,
وأطفال من فرخ ..وأجيء
سيّدتي ,
كيف انبلج هلالك من ..
فلك العتمة والصلب دليل
قدمي يتّحد بظلّك , إنّ دمي منديل
قدمي يتّحد بظلّك ,
إنّ جراحك تزفر أسيافا ونخيل
قدمي يتّحد بظلّك , سيّدتي أشهد :
هذا الموت الغامض قنديل
هذا الدفق الصحراويّ كتاب مواويل
***
لا أروي حدثا عاديا
كاشفت البحر فبان على الرمل رسوما ,
لملامح ناطقة ,
أو خارطة , لا فرق ..
عرفت الشوق ,
وهذا العرس اليوميّ ,
وأشهد :
أنّ نهارك آت ,
أنّ غدي إكليل
لا أروي حدثا عاديا
عن نرجسة الأوجاع
عن فاكهة لا اسم لها
أو وجه ضاع
ولذا أنتظر الفجر على باب يدي ..
لا تبتعدي ..
أو فابتعدي ,
حتى يتألق قربك في كلّ الأضلاع ,
ومن دون وداع ..
انتزعي قمصانك ,
آثار طعانك عن جسدي
كوني كرة لاهبة ,
وابتعدي
ابتعدي
ابتعدي
ابتعدي في الماء الطينيّ مراكب مشرعة وجدائل
وابتعدي فيّ منازل ..
وسلاسل
شفقا , أفقا , وجدول
وابتعدي رايات ومزامير ,
قماشا ونواعير ..
ابتعدي نهرا لا يقرأ ,
وجنادب لا تهدأ ,
أغنية
قافلة
عشبا في نافذة نائية ,
وابتعدي ضلعا ضلعا ..
في شجر يشتعل فتكتمل الآية
ونكون الريح ,
نكون الراية ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> إناء لأزهار سارا , زعتر لأيتامها
إناء لأزهار سارا , زعتر لأيتامها
رقم القصيدة : 67272
-----------------------------------
محمد الثاني يزف إلى سارا
1- العرس(61/205)
وينفخ في الصور , يطلع عشب من البحر ..
هذا هو الأبيض الساحليّ , المدى , والكتاب
هو الآن يأتي ويذهب ,
يغفو ويلعب ,
والسيّد النبع يلهج باسم الندى والتراب
ويحلم :
( عرسك مشتعل , وجوادك يركض ,
إنّ الطفولة تنهض ,
فاتحة للسحاب )
وينفخ في الصور , كان على شاطىء ينتهي
أمام ارتعاش الغزالة شمسا , وليلا
هو الآن يصعد تلاّ
ويأتي إلى المسرح البلديّ من الجوع والرقّ ,
يطرح أسئلة ثم يمضي , وملء يديه الرياح - الجواب
فتأخذ منه الكهوف , المسافات , والإنتظار المسائيّ ,
وجها وظلاّ
وماذا عن البصرة اليوم ؟ ( قال محمد )
كان الخريف يجيء ,
ووجهك مرتعش , لا يضيء ,
وما كان يمزح ,
في يده النصل والجرح ) ,
كانت سيول من النفط تأتي على عشب البادية
ويرسم بالأخضر المغربيّ بدايات إفريقية
وينفخ في الصور , لكّنه يسأل الآن عن هذه الموجة الغازية
عن الأبيض الساحليّ ,
عن النبتة الذاوية
لماذا تبالغ في حبّها ,
أيها السيّد المتأجّج , فهي بأصفادها لاهية !
وهم خلفك الآن ضدّ عرار الجزيرة ,
ضدّ الرؤى الفاعلة !
ويا سيّدي تمطر الآن كلّ الجهات
وتنتحر الأغنيات
حدادا على نجمة ذابلة
وأنت تواصل هذا الرحيل , وتسأل عبر الليالي الطوال
عن الحب والشمس والبرتقال
وتجدل من ساحل الموت باقة ورد ,
لأيامك الآتية
وتمتدّ إفريقية .
( آه " آسيا "
هكذا أقطف التفاح
وأرمّم محتوياتي
ما من عقار إلا وقابل للبلى
ما من أحد عرفك إلاّ وأحبك
ما من رجل أحبك إلا وقال آه
آه آسيا
البلاد تطلب أهلها ( قال الغريب )
وأنا آخذ في العدّ التصاعديّ حتى الطفولة
بلدا بلدا
ومدينة مدينة
من الخليج إلى البحر
من المشرق إلى المغرب
ومن مئذنة محدودبة إلى سنة هجرية
حفلت بأسباب القيامة
أية رعشة تسكن خاصرة الجبل
والأرملة بلا ساعد !
أية رعشة تسكن خاصرة الجبل
والأرملة بلا حنطة !
في حين
تأتي الطائرات السياحية إليها وتذهب
وأنا آخذ في العدّ التشرديّ
من اللحد إلى المهد(61/206)
أية رعشة تسكن الغريب !
الغريب أنا )
***
وينفخ في الصور , لا وجه تلقى
وتركض , ها أنت تشقى
تشقّ العنان جيادك , تدنو بلادك ,
هذا هو الأبيض الساحليّ , المدى والكتاب
وما أنت إلا المجلّل بالشوك تمشي إلى الجلجلة
وبين يديك الحراب
- إلى أين يمضي معلّم قلبي ؟
* إلى ياسمين الضحى
- وما الياسمين ؟
* بلاد مهدّدة بالخريف , محاصرة بالرغيف ,
بلاد تراوح أشجارها في دمي ,
وأسمها في فمي ,
آه أمّي ,
ولا شيء إلا كآبتها والغياب ..
هي الآن في عرسها الإشتباكي
تحلم في ثوبها الليلكيّ ,
بعمر جديد
هي الآن في عرسها
مطر من أمسها
وأرى غدها مهرجان
هي الآن في نومها
حلم من حلمها
راكض في الزمان
هي الآن في أسرها
جارة للنخيل , تهزّ , فيسّاقط الليل في حجرها
بلحا ناضحا , وأمان
هي الساح والوثبة المقبلة
وما قالت الريح للسنبلة
ولكّنّ إفريقية !
***
وقال الأسير : أسجّل موتي بعيد
وأحيا انتظاري
وألقى من الكوّة الواطئة
وشاح المراثي , وتابع :
ألقاك سيّدتي في مساء جديد
وأنت مداري
وغنّى لشمعته المطفأة :
أغنّيك أنت الطفولة
أغنّيك أنت السنابل
أغنّيك أنت النخيل وأنت الهديل وأكتب فوق المداخل
هنا شارتي وانتظاري
هنا فرحي وحديقة داري
- وما يفعل الوقت ..؟
* يدني خطاي إليها
- وماذا تقول الخطى ؟
إسألوها .. هي الآن واقفة عند حد المسافة والحلم ..
واقفة في ارتقاب انفجاري
وترصد موتي الجميل
هي الآن مهري وماء السبيل
أسجّل موتي بعيد
وهذا طعامي عشب , حصى , وأريد
لهذا المساء نبيذا ولوزا ,
ليبدأ في ليلها الساحليّ نهاري
وراح يعانق صفصافة عالية
على باب إفريقية
( سيّدة الشجى الأصيل والرحيل
تطلعين من كلّ نأمة إليّ , ومن كلّ فاصلة
حاضرة أنت في الكلمة والدمعة والسيف
حاضرة في إشعاع الصبح القادم ,
في أغاني المساء
حاضرة في المراعي ,و حاضرة في البراري الوسيعة
حاضرة في القلب
حاضرة في الغياب , في التذكّر , وفي اتساع الجرح
حاضرة في غرف الصدر ,(61/207)
و حاضرة في الشجر الأخضر
حاضرة في الأعشاب والندى والسنابل
حاضرة في الحقول والفصول
حاضرة فيّ في اليوم ىلآتي
في هذا الشفق , وهذا الأفق ,
و حاضرة في الأشياء
ليس للفراق سلطان علينا ولا للرحيل )
***
ويبدأ في عزّ عافية الموت والاشتعال
ويبدأ من ساعة الصمت والبرتقال
ومن ساحة تغلق الآن أبوابها الحجريّة , يبدأ من لغة ,
لا ترى في الحصار
سوى أفق لاهب ,
إنّه الآن ينشد إغفاءة هادئة
على صدرها الناحل العود , فوق سرير الرمال
وما كان يمشي وحيدا
ولكنّ هذا الغفاريّ يجمع أضلاعه من صحارى البلاد
مراكب جاهزا للرحيل ,
حقائب للقادم المستحيل ,
ويخرج من زمن الإضطهاد
ويعرف : صفصافة النهر لا ترتدي خوذة ,
والمرابون لا يمهلون , فهم واحدا واحدا يكشفون القناع
البنادق تنفر مزدانة بطلاء السيادة , والبصرة الآن
غافية , ليس هذا جلال الشهادة , يمشي إليها
الغفاريّ , يمشي , يفجّر لغم القفار ..
ويحلم في مهرجان التجّول والّلون ,
يحلم في لمسة دافئة
فيا ليل إفريقية !
( سلاما على أطفالنا المحاصرين
سلاما على الحجر والطريق التي مشينا
سلاما على البحر
سلاما على الأغاني
سلاما على اصطفاق الموج في الصدرين
سلاما على أيامنا التي مضت والتي تجيء
سلاما على الغابة والصحراء
سلاما على الحديقة التي زرعنا
سلاما على الذاكرة التي تحفظ لنا هذا الحب
سلاما على القلب
سلاما على الفقراء والناس المنتظرين
سلاما على تلّ الزعتر
و سلاما على أشقائه المتناثرين في مدى اللعنة والذبح )
***
وكان لنعناعة الدار يمشي ..ويزرع نرجسه فوق خوذته ..
حين دوّى المخّيم بالدبكة الدموية ..كان يزفّ لسارا
البعيدة , سارا الوحيدة , كانت وجوه الصبّيات سارا
وكان المساء الرماديّ , كان المدى الذهبيّ إناء لإزهار سارا
وكان يجمع أعضاءها من أغاني الطريدات في حلقات
المخّيم ,
كان محمد
يغّني لنعناعة الدار في يقظة ,
تصل النبع بالرمل ,
والدم بالفلّ ,
كانت جميع البيوت ..(61/208)
توّقع تهليلة الجرح ,
كانت تشكّل حلما إلى القمح ,
يوما إلى الصبح ..
كانت ..وكأن الغفاريّ يسبح في زرقة لا تموت ..
2- التهاليل
تهاليل جماعيّة : جديرا بهذا الزفاف المسائيّ ,
هذا المطاف النهائيّ ,
بين اللظى والشرار
جديرا بأن تبدأ الآن كلّ المنازل والقبّرات ,
أناشيدها القانية
وتخرج سارا من الصدر والقبر , تشرب
دمعته الصافية
ليشتعل الأفق في عرسه ,
إنّه الآن يفرد أضلاعه ويغطّي القفار
هلا , يا هلا مرحبا
" كسا دمه الأرض بالأرجوان
وأثقل بالعطر ريح الصبا "
هلا , يا هلا مرحبا
الصدى : هلا , يا هلا مرحبا
تهليلة الأم : يتحامل الجسد المعنّى , والمقاد إلى جزائر
لا شواطىء تحتوي أبدا , ولا شبّاك دار
لا أغان ها هي الأقفاص توغل في الحنايا ,
والعيون محاطة بالقيد والموت البدائيّ
المراوح في الدم العربيّ , ما آن الذهاب
ولا البداية تنتهي ..
قالت له الأشجار شيئا ما , فضجّ الأفق
بالدم والصهيل ..
كانت يداه تلّوحان وترسمان
شكلا على باب المدينة تكتبان
بالأخضر العربيّ شارته وفاتحة الدخول
هل كان يقرأ يومه الآتي ويعرف ما تقول
فرس البراري والسهول !
( صمت عربي )
تهليلة سارا : الزينة لحبيبي
والأقواس المعقودة بالحنّون الأحمر
والأصفر لاستقبال حبيبي
والريح تصفّر في قصب الوديان ,
تهلّل لقدوم حبيبي
وحبيبي يأتي من ناحية البحر بمهري
خمس زنابق في الكّفين ,
وست زنابق في الصدر
في منعطف الشارع كمنوا لحبيبي
لكنّ حبيبي واصل سيري
ها هي مركبة حبيبي
جلّلها الشفق النابع من وجنته المرفوعة ,
جملّها الأخضر والأحمر ,
جملّها الأبيض والأحمر ,
يا أخواتي
ينحسر البحر عن الوجه فيعرفه كلّ الناس
ولا يفهمه أحد ويكون حبيبي
ممهورا بالموّال النازف كان حبيبي
جاء إلى العرس حزينا وغريبا
كالموجة والشاطىء
فلتخرجن إليّ , إليّ جميعا يا أخوتي
وليبتدىء الآن زفافي الهادىء
تهليلة لنساء تل الزعتر :
هكذا تخرج من أضلاع سارا
جوقة القتلى وأزهار الحدائق(61/209)
هكذا تخضّر في شبّاك سارا
مزهريات الحرائق
هكذا تبدأ في أعراس سارا
الأناشيد المدمّاة , المشانق
نشيد أول : قال والنار على النار تفيق
هذه فاتحة الموت وناقوس الحريق
قال إنّ الصوت من هذا المحيط
كاذب .. إنّ الخليج
وطن للنفط منحاز إلى الأعداء ,
والأعداء في تفّاحة الأهل يقيمون ولا
تبدأ أنبوبة الغاز طريق
نشيد ثان : قال شبّهت الوطن
بالأمير الشارد , النهر , النبال
والخطى تركض والنخل وقال
من يدي تسّاقط الآن زهور البرتقال
وأرى سارا إلى يثرب تذهب
وأرى عشبا على جبهتها ينمو وكوكب
رقعة في جيب محمد :
كنت في بادية الشا أهشّ الروم عن صدري
أنادي الأهل , والأفق الترابي , الرصاصيّ
المدى وجهي ,
وكانت قبرّات الحزن تستلّ من القلب المداد
أيهذا الوطن الكابي الرماد
نقرأ الأشجار في مسودّة الأيام حينا
نفهم الأشجار , نهديها ندى القلب ,
فتهدينا مدى أو ياسمينا
ونرى أنّ السلام
سفن نائية أنّ الكلام
طائر فرّ فنمشي للأمام
للأمام
للأمام
للأمام
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أهي الوحشة , أم قوس قزح أم سلاسل سارا !
أهي الوحشة , أم قوس قزح أم سلاسل سارا !
رقم القصيدة : 67273
-----------------------------------
-1-
عقد قرآن على غزالة :
نهار هادىء يتدفق عذوبة
ومطر خفيف
فلماذا ازدحم بالأسئلة
هذه الفاكهة العسيرة !
يعزف البحر على ضلوع خضراء وسوداء
أناشيد منسيّة من زمن الإشتباك
وأغنية يانعة
لرجل وحيد
يعبر ساطعا كنجمة صبح
بلا عروس ولا ضوء
وعلى الأشياء ,
يوزّع عزلته ذات الثياب الرماديّة
ويزدحم بالأسئلة
مطر خفيف وأنا عازب والمساء
قابل للأغاني
ولكنّ جدتي
عقدت قراني على غزالة بريّة
وأمّي بنقائها الفطريّ
بنت بيت عرسي
أما شقيقاتي فقد نسجن ثوب الزفاف
وجمّلنه بالخطّ العربيّ
أيها المساء الكستنائيّ
أنا عازب , وغزالتي بعيدة
وأطفالي عديدون
وأريد بعد قليل :
أن أستحمّ في الصحراء
أن أسكن الرمل والندى
وأن أستبرد بالسعف العليل(61/210)
هكذا آخذ راحتي
مستندا على تراث من الورد والصقيع
وأتكلم مع سارا
-2-
انطفاءات :
في معجم البلدان
يقرأ أسماء حبيبته الحسنى
يا حادي العيس أهجت الركبان
يا والدتي قرّي عينا
أمام جلال حزني
ما رأيت مدينة وبحرا
يتخاصران بمثل هذا الهياج
ويتحاوران بلغة نافذة كالقطيعة
أمام جلال حزني
ما رأيت مدينة وبحرا
يتخاصران أو يتراشقان كاليأس
فهل للمساء دخل في ذلك !
أم أنّني السفينة المهجورة
مطر خفيف
ولم استقل بعد من وظيفة الحلم
ولا تخلّيت عن هودجي
أو حدود البادية
فأي معنى لحمامة بلا هديل
أو قمر بلا ليل
يا هلالي البعيد
ثمّة انطفاءات لا حصر لها
وعتمة في منازلي الداخلية
ثمّة مدن قابلة للرحيل والغرق
وأخرى للفوضى
وثّمة قتلى وعصافير نائحة
وسجّانون وأزهار
وقصائد وحجارة
ثمّة منازل مشلوحة
وسلال أجاص غامض
وستائر رماديّة
وقرميد فاقع الحمرة
وثّمة ما هو أقسى من الذاكرة
فأنّا أغنّي على أطراف حدائق مجاورة
لمقابر تنمو
على حساب سريري الخاص
سريري العشب
وسريري الأزهار
فأيّ الهواتف يا هلالي
تقودني الآن
وتقيّدني إلى سلاسل سارا
ومكالمة سارا
أهي الوحشة ,
أم قوس قزح لا أراه !
-3-
فضاء لقبرّة ساحلية :
شبابيك ضوء وزينة
وعقد من الأرجوان
لمن يا بنات المدينة
لمن يعقد المهرجان ؟
***
لمن يا بنات المدارس
تحلّق هذي النوارس
وتطلع في القلب عوسج
لمن يا قتيل البنفسج ؟
***
نبيّ يعتمر الأشجار
ويؤاخي الحجارة ,
يلقي بظلال القلب على الأشياء
يحلم بسواعد وأطفال يعرفون الفرح
بالحنطة , بالقرنفل الذابل , بالنرجس الجبليّ ,
يحلم بفضاء شاسع ,
بصدر قبّرة ساحليّة
من أجل يوم تمشّط الرض فيه بقبلها ..
أجساد أناس ذهبوا
وليحصى كم ضلعا فقد
وكم ضلعا أبقى
نبيّ يعتمر الأشجار
ويؤاخي الحجارة ,
يعلن أمام احتشاد العناصر
نشيده الصامت
ونبأ انتسابه المبكر إلى عائلة النهر
***
هي الريح قالت , وقال النهر جملته , النورس
الشارع , الواجهات , الخطى , السيدات الأنيقات(61/211)
قلن , بنات المدارس , والشيخ والبحر , والحرب
والسلم والموت حبّا , وزارا ..
ولكنّه قال سارا
***
أسمّي المدينة سارا
لأحضن كلّ الشوارع
وأهتف يا دار سارا
فتسلّمني للزوابع
-4-
تهليلة كنعانية :
وماذا بعد !؟
يا عزّ عيني وقلبي
يا زناك أمك الفضيّ المتأرجح تحت مظلّة عنقها
كطتئر خرافيّ
منذ أوّل امرأة كنعانية
يا زناك أمك , ويا قرطيها اللامعين
كاستدارة قمر الأسلاك
يا ملاءتي البيضاء
وجملتي المفيدة في المحيط الضار
يا رسولي إلى المحبّة ,
ويقيني بدمي
يا صغيرتي وامتدادي لمجدّ المسّرات
حيث الأشياء إلى أصولها تعود
ويتألق اسمك في الأرض
أبجدية وشمس
يا صغيرتي وعزّ عيني
أرح بال أمك - غزالة السهوب الشاردة
ونخلة الله في بادية العرب
أرح بالها
أرح
أ.........
-5-
اعتذار إلى الياسمين :
نخب دالية الليل يا ياسمين النهار
للحدائق دوما مزايا
ولي أن أطوّف حتى أموت شهيد الندى والشرار
أمس يا سيّدي الياسمين
قلت أمشي إلى البحر أستوضح الأمر عنها
فعاجلني بالسهام , وطوّقني بالحنين
فكأني أراها
طيور الظهيرة تنفضّ أجنحة من نحاس
وكأني أراها
لماذا إذن يعتريني اليباس !
باهظ حبّها
لاذع نخبها
يا دمي لا تهن
يا شباكي المحار المحار
نخب دالية الليل يا ياسمين النهار
نخب دالية الليل والانتظار
آه من بعد سارا ومن طائر الرعد ,
من صافنات الخشب
آه من أين نأتي لأطفالنا باللعب !
إنّها لا تجيء , ولكن تضيء ..
جوانح أيامنا باللهب
آه سارا .
رعاك الذي لا ينام شجى وطوافا
ولا يعرفّن التعب
نخبك الآن , نخب مدينتنا ,
نخب دالية الليل , حتى أراك ,
وحتى يطيح العنب ..
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> رسالة النبيّ في حاشية البحر
رسالة النبيّ في حاشية البحر
رقم القصيدة : 67274
-----------------------------------
-1-
إنَّها تمطر الآن ، تمطر ، تمطر ...
والعاديات يمشّطن تلا من الزعتر ،
العاديات يجرَّدن برقوق نيسان من زهره ،(61/212)
كان يمشي إلى السوق والبحر ،
كانت خطاه المدعى والصدى
كان يحكي ويحكي مع الصمت ،
كان ينزُّ على شرفة الموت ،
كان يلوَّح بالأحمر الفاقع ،
الأصفر الجازع ،
الأبيض الساطع ،
الأسود الفاجع
الليل والأشرعة
(يخرج البحر من ثوبه الأزرق هائجا : كيف نلتقي!)
-2-
لا يجيب النبيُّ المحاصر بالموج ،
لكن ينادي ، اخرجي يا عصافير جرحي ،
اخرجي يا دمائي ،
اخرجي يا سنين التشرُّد والفاقة ، اليوم يومي ،
وقاتلتي مخلب شاهر سمَّه ،
واخرجي من مسام المعمَّد بالنار والانتظار ،
اخرجي من حدودي الجديدة ،
من خيمة الانكسار ،
اخرجي نرجسا ، زعترا
اخرجي مهرة اللّه راكضة ،
من جحيم المهازل والأقنعة
(يخرج البحر من ثوبه جلجلة وذهول هائجا : سيّدي ما تقول)
-3-
والنبيُّ الطريد يواصل تغريبة اللّه في الأرض ،
تغريبة الأمهات المحاطات بالكره والبغض ،
ينثر أحزانه في البلاد زهورا ،
يمدّ جسورا ،
ويدعو إلى الماء والماء
يدعو إلى الوقت والموت ،
يدعو إلى البيت ،
يدعو إلى جبل نافر،
ويشدُّ الحزام ...
يواصل تغريبة اللّه ،
شارة بدء إلى الزوبعه
(يخرج البحر من ثوبه والسؤال صارخ في دمي : تعال)
-4-
يعقد الموج مؤتمرا داميا ،
حيث يدعو إلى السنابل والعشب والقبّرات ،
لبحث مصير النبيَّ الطريد ،
فتحتجُّ أشجاره الداميات ،
وتكتب برقية للغيوم ،
مطعَّمة بالهموم
اهطلي واغسلي كلَّ هذي البقاع ،
ولا تتركينا لريح الوداع
ولا ترحلي ،
قبل أن تشعلي ،
النار في القوقعة .
(يخرج البحر من ثوبه ويجيء سائحا في دمي المضيء)
-5-
لم يعد مستطاع الخروج متاحا ،
يشعُّ النبيُّ رؤى وجراحا
عصافيره قيّدت .
سمك البحر مرتعش لا يحوس ،
يموَّج في القاع ، من ذا يجوس ،
يجلّله الزعتر البلديًّ
تجلَّله خرقة النار والطلقات ،
يشقُّ إلى اللّه دربا
يفيض المخيَّم ، من غيره البرق ..
برق النبيَّ الطريد ، النبيَّ الوحيد ،
النبيَّ المحاصر يجرع في أوج دعوته كأسه المترّعة(61/213)
(يخرج البحر من ثوبه عاتبا مرة هادئا ، مرة غاضبا)
-6-
لم يعد للغموض مذاق ،
هي الشمس واضحة والصراط ..
هو الأفق يمتدُّ من جرحه ،
القمح من صبحه ، والعياط،
يعرّش فوق جفون الصغار ،
يرشُّ المدى بالغبار ،
يضجُّ المسا بالوضوح فيحتجُّ ،
ترتجُّ من تحته الأرض ،
من في حناياه ضلع ،
وتأتي النباتات
تأتي الزواحف
والبحر يقبل عبر فضاء النبيَّ المحاصر في الصومعة .
(يخرج الآن ، تخرج أسماكه العارية خلفه تتجوَّل في نزهة دامية)
-7-
هكذا ابتدأ الاشتعال الخرافيُّ ،
زلزلت الأرض زلزالها
يسأل البحر مالها
المدى لاسع
الردى جامع
فجأة يطلق البحر بركانه الهادر العاصف -
الآن يشهد أسماكه .. الذعر يسكنها ..
وهي ترسل أنفاسها في اللهيب الترابيَّ ،
يكتمل الحفل في حدقة البحر
حفل الجنازة والموقعة .
(صارخا ، صارخا ، ويموج
الخروج ، الخروج ، الخروج)
-8-
زعتر ودم باقة للعشاء الأخير ،
البنفسج في عروة البحر نافذة للزفاف الدراميَّ ،
واشتعل القلب شيّبا ، وعزَّ التواصل ،
إنّ الطبيعة تهمد تحت قباب الحداد ،
تسجّل صرخة أبنائها في جهاز الضلوع ،
وشهقة أسماكها في الهجير السعيريَّ ،
ينثال مدّ الغناء الجماعيّ ،
حزن النبيَّ ،
الصبايا المضيئات ،
والأمهات ،
وحزن المخيَّم والسروة الدامعة .
(هاهنا هاهنا ابتدأ المهرجان
النبيُّ الطريد وحاشية البحر يلتقيان )
-9-
اسمعي يا جراحي وعي
من قديم لدغنا ، لدغنا ، لدغنا ،
ومثَّل كلُّ الغزاة ، وكلُّ الطغاة بنا ،
لا تقولي - فتغضب فيَّ الدما - لم تكن مؤمنا
كنت أومن أنك شمسي
وأنك يومي وأمسي ،
وأنَّ صباحي الذي سوف يشرق منك سيأتي ،
اسمعي يا جراحي وعي
ليس مؤتمرا أو بيانا ،
وليس خطاب النهاية ..
بعض الضلوع ، وبعض السواعد تعزف ،
ثمّة وقت لنا فاسمعي
يا جراحي وعي
قبل أن ينصبوا في الفضاء الصليب ،
وتعلن كلُّ الاذاعات عن مصرعي
اسمعي
اسمعي
اسمعي
قالت الريح لي والشجر
لن يجيء المخلَّص إن لم تكن وحدك السيَّد المنتظر(61/214)
وحدك السيف غائصا في حنايا النهر
وحدك النخل ، والأغنيات الثمر .
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> وكأني نحلة لا عاصفة
وكأني نحلة لا عاصفة
رقم القصيدة : 67275
-----------------------------------
- أو تحلم ؟
أحلم أن أكتب شيئا ما،
عن عينين مهاجرتين إليّ أصقاع الأرض
أسافر في عمقهما
نحو بساتين بلاد أثقلها الأبناء بأوزار الغربة ،
أقرأ أسماء نباتات
وأرى في البحر عذاب البحر ،
ولكنَّي أحمل مرساة وأقول :
أراك غدا ذات نهار جبليًّ يتوزّع بالعدل ،
ولا تعلن أطيار البحر المتغرَّب عن موعد ،
أسفاري
فأروح إلى زاوية معتمة يسترها الضوء ،
يزيَّنها الأسف الغلاَّب ،
وأسأل عن كلمات للبدء ،
ولا أبدأ إلا بيدين ملوَّحتين ،
على شرفات البين ،
كطيرين وحيدين ،
تفرُّ الكلمات تفرُّ تفرُّ إلى الداخل ،
أرسم نافذة للبحر .
أطالب بالألعاب المنفيَّة عن مدن الأطفال ،
أحاول أن أملك شيئا ما ،
قبَّعة ،
أو عصفورا ،
أو تذكرة ،
في أول طائرة نحو براري الموت ،
عرفت كثيرا ولذا أصمت ،
آن لقلبي أن يبدأ بالأهداب ،
ويحمل زوَّادة أمّي السريَّة ،
في هذا الدرب الوحشيَّ ويمشي ،
يمشي ، عشَّاق الأرصفة انتشروا ..
خاصرة الوقت تميل إلى جبل من وجع الشارع ،
هل أقرأ في هذا الوجه دما وطريقا .
أين أرى وجهي الأول ،
أين سأعقد ساريتي .
قدّامي الصحراء ،
وقدّامي زهر الصحراء ،
وقدّامي الهمُّ الصحراويُّ ،
فما هذا الشارع ..
تاريخ للوحشة والسفر التائه والكلمات المرّة
هذا الشارع يتفرّع من شجر الأجساد الجوَّالة ،
يرجف وينزُّ مواجد في مملكة الأسئلة الأولى
عندي الوجد ، وعندي الوعد ،
ولكنّي بعد قليل سأجرَّع نفسي الفاقة ،
أو أقتل ،
في أوج الفرح الناريَّ المتوهَّج في صحن الشارع ،
أو في زاوية في المقهى
لا تغرف شجر الكلمات ،
ولا حزن الصبَّار الطالع في عينيَّ،
وصوتي يصرخ في بريَّة عمّان المتلألأة بفنون
الأزياء،
وجوع الفقراء،
فيا عمَّان ،(61/215)
أقلَّي من هذي الزخرفة،
صراخ البريَّة ينفذ عبر شريين العتمة ،
ويلفعني الغيم الأسود ،
صوتي والمأذنة المهدومة والطرقات وما لا أذكر ،
يسكب في آنية اللحظة هذا الحزن الفوَّار ،
أقول سلاما يا طرقات الأرض ،
سلاما يا أوراقي البيضاء السوداء ،
سلاما يا مطرا لم يسقط من سنوات في هذا المنفى
وسلاما ليديَّ المتعبتين ،
لأكواب الشاي الصفراء ،
سلاما لجلال السيدَّة الصامتة الآن أمامي
وسلاما للأشياء المجهولة ،
والأرواح المشتعلة في هذا النعش .
النعش فضاء حجري
وسنابك خيل ،
ومناجيق ،
وأبواب موصدة ،
تحبل هذه الساعات الرمليّة بحليب التين ،
وتطلع بأعاجيب مطرَّزة بالوهم الليليَّ ، فهل نتجول في هذا
القفر معا ؟
نتجوَّل في الساحات المطعونة ،
سهمين من الدهشة والرعب،
نوسَّوس في صدر الأرض ،
لتنهض أزهار وينابيع من الردم العربيَّ ،
سأهتف :
عيناك السابحتان ببحر الألوان طريق،
قبّرتان مهاجرتان بلا خارطة ،
أو مأوى
خدّاك شموس وعناقيد أجاص،
شعرك شلال من ضوء وسنابل،
عنقك قارورة شهد،
نهداك بلاد شاسعة ،
أحتاط من الرجفة إذ أحلم بالرمَّان الساطع ..
خصرك هذا الضامر بستان من صبوات طريد اللهفة ،
اقتربي حتى لا تشتعل يداي،
اقتربي حتى أتزوَّد بالنار ،
ويأخدني الرقص إلى الغابة ..
يا سنبلة تتأرجح في الريح ،
فيسندها الصدر المسكون بأزهار اللوتس والنرجس ،
ينزلها الضلع ،
يظلَّلها بالآلهة والقبلات ،
فهل نتجوَّل في هذا القفر معا،
نتواصل خارج دائرة الخوف العصريَّ
ونلجأ داليتين وراء السور ،
هنالك أعشاب ،
وحساسين ،
وموسيقى،
وهناك بكارة كلَّ الأشياء تفيق ،
فتستيقظ .. نبدأ في النقش .
ننقش فوق سرير الماء ، وأعراف الأفراس البريَّة
وجه غزالتنا القزحية ،
نقرأ في كرَّاس الأفق غموض اللون ،
فنركض ، نركض ، نركض،
مثل وعول أفزعها المطر السريُّ،
ونلقي جسدينا في ماء النهر ،
فيكشفنا القمر المتلصَّص عبر شقوق الغيم ،(61/216)
سندعو القمر إلى بوَّابتنا كي يسهر معنا
يا قمر تعال تعال لتلعب معنا
يا قمر الأعشاب الصيفيّة لا تنفعك العزلة ،
فتعال إلينا ،
سنبلَّل خدّك بالقبل الريَّانة ،
نرشق وجهك بالأزهار ،
ونلعب حول البئر ،
ثلاثة أطفال يتعرَّون أمام جلال المعبود ،
ثلاثة أطفال
وثلاث فراشات حول البئر ،
توقّع موسيقى تكوين البدء المتألق ،
في أحداق تويجات الفجر المائيَّ ،
ولكن يا قمر الأعشاب الصيفيَّة ،
لا تخطف من عينيَّ حبيبي .
هذا الإنشاد المتهدَّج بالزفرة لحبيبي
هذا الزهر المتفتَّح والتجوال الفاتن مهر لحبيبي
سأجمَّع باقات الورد لأنثرها قدَّام حبيبي
سيمرُّ حبيبي الآن ..
سألت موظفة الهاتف : أين حبيبي
غاب إذن ؟
أيَّتها الشارات الضوئيَّة هل مرَّ حبيبي !
وامتدَّ سؤالي ...
عرَّش في كلَّ الطرفات ،
امتدَّ ، دخلت زحام الناس ،
واشتعلت الوقت وحيدا في دائرة الصمت الكبريتيَّ
سأجهر هذي اللحظة ،
بهموم القصب المتوحَّد ، في الوديان ،
سأجهر بأغاني النهر ، وهمهمة الجريان ،
سأجهر برياح البقعة ناشبة ،
في شبَّابات الرعيان ،
أدور هنا وهناك أوزَّع أرغفتي
من هذا المدَّثر بغبار الصحراء على طرف العاصمة
دعوني أتوقف بالباب لديه ،
فهذا السيَّد في الغرف التنكيّة أعرفه ،
هذا السيَّد في الغرف الإسمنتيَّة أعرفه ،
أعرف هذا الجوع ، الطين ،
الأطفال المسلولين ،
فهذا المدّثر أعطاني الشارة
قبل سنين،
وأودّعني سرَّ الدعوة للماء ،
سأجهر بحديث الماء ،
سأجهر بمزاميري الخاصة حتى تسَّاقط أوراق الورد ،
فهذا عزف حرَّاق ،
يرتعش عمودي الفقريُّ له ..
تشتعل عصافير الدوح وتنقر تفاحة قلبي
أيتها الفارعة كصفصاف النهر ،
الوضاءة بعذاب الفجر ،
حضورك يسطع في أنحاء المقهى العربيَّ اليابس ،
ليس الأفق رماديا ،
الأفق دم وأوز يتقافز
وغبار من قاموس القلب ،
الأفق كتاب ، رؤيا
ليس الأفق رماديّا
ليس الأفق رماديا
ها هي عمَّان البدويّة ، عمّان المتحضَّرة ،
وعمَّان السلوان ،(61/217)
سيقتلني الكتمان ،
سيقتلني هذا اللغز الواضح ،
فتعالي من صحراء الزرقاء إليّ،
تعالي من أية ناحية في الوحدات ،
سأعزف بعض الوقت ، تعالي واستمعي لي .
من أول غابة ليمون في الكرمل ، حتى أخر منديل .
هذا منديلك ، أتيمَّم بالمنديل ،
ويحضرني وجهك ،
في زحمة هذا المقهى العابق بحرير ملابسك الوضَّاحة ،
هذا المقهى العربيَّ توزَّع لحمي فيه ،
فقاسمني الرواد تهاليل الجوع اليوميَّ،
لهذي الريح الجوَّالة غنَّيت :
لنا يوم بالفرح الريفيَّ يجيء
ولي وجهك هذا الشجريُّ يضيء ..
على قارعة الشارع ينبت زعترنا البلديُّ ،
سأفرش سجَّادة أمي تحت شبابيك خريفك ،
أتسلَّح بجراد وزروع
أهتف :
هذا ليل لا يلبث أن يذهب ،
هذا ليل لا يلبث أن يذهب ،
فليتألق اسمك تحت رماد القتلى المنسيين على
مدَّ الأعراس ،
سأرسم تحت الأقواس ،
هلالين وحيدين ،
هلالا لدموعك ، وهلالا لرجوعك ،
وأناديك ،
فآن هززت المنديل ،
رأيت سرورا وحشيّا في عينيك ،
حضنت أصابعك المشتعلات لهيبا بين ضلوع الآه
وزيتا لقناديلي
برعمت الأرض ونوَّر لوز المنفى فاستمعي لي
من أول غابة ليمون في الكرمل حتى آخر منديل
-أي الألوان تحبُّ ...؟
* الحنطيّ..
-وأيُّ
*جراح الشفق الحمراء ،
جلال الزرقة في أشجار قميص بحريًّ،
-اتفكر ...؟
*أحلم ..
-بالرقص؟
*بأسافر النورس والرقص ..
-و...
*أحلم باللبلاب على درج في الذاكرة يموج ،
سأختصر الوقت على قدح ،
وأحاور في الخمر الشفَّاف ،
تضاريس الزعتر والصفصاف ،
أقول :
مغنيك مريض بالشفقيات إلى حدَّ الروعة ،
والآنية تضيق ،
وها هو ذا
يبحث في عمان عن الأيام .
يبحث عن سيدة كان يسمَّيها أنثى النهر ،
فيا سيَّدة النهر وأنثاه ،
رأيتك في طابور الأيتام
وقرأت على تطريز ثيابك ،
تنويعا للريح الغربية أبلغ من أيَّ كلام
وقرأت على الأكمام
أشكالا تتحفّز للوثب ،
فقلت وجدتك يا أمي
ووجدت مغنيك المتوغل في الرمل ..
توضأ بالحزن العربيّ وقام .
وتزوَّد بالماء،(61/218)
بأطيار وحوريان البحر،
بغزلان الوعر،
بحنّون الساحل وقرنفله البريَّ،
وجاء
فانتظريه يشقُّ البحر إليك صباحا
وانتظريه مساء.
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> أم صلاح
أم صلاح
رقم القصيدة : 67276
-----------------------------------
في مملكة التجوال تحاورت مع الأشياء ،
أبنت المكنون
جسد الأرض اهتزَّ ، تجرَّد أوراقا
وتقصَّف في منفاي غصون
أما الزيتون
فأسرَّ إليَّ بأسباب أخرى للموت الأفضل ،
فاض جدالا وشجون
عن طفل
يتلفَّت مذعورا في البريَّة ،
ممهورا بالخضرة والظلَّ المدفون
يحمل في عينيه بروقا ووعودا بيضاء
يفرد تحت علالي الغسق المتداعي
أطراف عباءته الخضراء
ويجوس معي الساحات طويلا
يزرع صدري بالحنون
فعديني بالأسرار الأرضيَّة يا أرصفة التجوال ،
عديني بالماء
فأنا المطعون
وعديني في مملكة التجوال بأعشاب ومزامير ،
فعندي من ظمإ الأيام ،
سواحل لا تبلغها الأبصار
هموم تتسلل عبر خيوط قميص الأضلاع ،
وحيدا كالكرمل في منفاه ،
أفتش عن سنبلة تكبر في يتم طفولتها
وأفتش عن جرح يتوهَّج تحت رماد الكانون .
فلماذا لا تأتي النسبلة الوعد ؟
النسبلة امرأة لا تأتي ،
وأميرة بيتي لا تأتي إلا في آخرة الليل
سرابا أو حلما يغرق في غبش النوم
أمدُّ يدي مبتهلا نحو جديلتها
أستوعب هذا الإهمال المتعمَّد في نقلتها
يعبق جوُّ الغرفة إذ تستيقظ بالنعناع
ينبثق غناء ما في وطن الأعماق ،
وتكتمل الأغنية
والرغبة في الرقص
رقص الأيام الجافة والساعات الحجريَّة
وأميل فيسقط ما بين الوهمين ستار ..
يلمع قرطاها الفضيَّان بعيدا
في ذاكرة الملتاع .
في مملكة التجوال أراني أسترجع مفقوداتي
وألملم كلماتي
واحدة واحدة
عن أسطح عمَّان ، وعن حيطان الوحدات
أنحدر من القاع إلى الدوّار الأول والثاني والثالث
متّحدا بكشوفاتي
أعزف شكل الآتي
في أرغول فلسطين المتوزَّع تحت سقوف الغرف السفليه
في مملكة التجوال رأيت هنا أمَّ صلاح
تكنز طيَّ ملامحها الأثمار السريَّة(61/219)
فأم صلاح
امرأة كانت في عرس الأمواج تغني للبحَّارة
كانت تقرأ أسرار الريح الدوّاره
أما الآن الآن الآن
فأم صلاح
تعرف أنَّ لها قدمين مطوَّقتين
لا تملك أن تتنقَّل من مصطبة البيت ،
إلى رأس العين
لكن تعرف أيضا أن لها قلبا
لا يعترف بأسباب البين
فإذا جنَّ الليل
هبطت تتجوَّل من كل الأنحاء
لا أسأل من يعرف منكم أم صلاح
من تتصبَّب أوجاعا وحطام سلاح
من تتصبَّب أشجارا وجبالا ورياحين
من تحلم بالآتين
فأم صلاح
امرأة كانت في عرس الأمواج تغني للبحَّارة
كانت تقرأ أسرار الريح الدوّاره
وتعُّد شباك الصيد ،
تعدّ لأسماك بحيرتها أشهى الوجبات
لكن يا أم صلاح فرى كبدي ...
في هذا الجو غبار الفوسفات
الطقسّ رديء في مملكة التجوال،
رديء جدا يا أم صلاح
فأعيني جسدي المسجى - فوق حصى الاسفلت الرسميَّ-
وقيني
من نشرات الأخبار ،
ومن نظرات السيَّاح
يا أم صلاح
يا سيّدة الأيام الصعبة ،
يا سيّدة الليلك والحزن الفوّاح
يثقلني أن أتحوَّل فأرى
أنّ الناس هنا غير الناس
أنَّ أغانينا ذبلت
أنَّ أمانينا رحلت
أن ليلينا لا يسكنها الإيناس .
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> دعوة جادّة إلى الرقص
دعوة جادّة إلى الرقص
رقم القصيدة : 67277
-----------------------------------
-1-
هذا هو أنت ،
فضاء يبدأ من ذاكرة يحتلُّ مساكنها الجند،
وفنجان القهوة ليل منسرح وحدود ،
تأخذ في الضيق من الأفق إلى العنق ،
فيا من تقرأ كرّاس المدَّثر ، ما تنذر،
فالساعة تقترب من الرابعة مساء،
وجوادك لا يصهل ،
تدخل امرأة كالرمح،
ورجل كجريد النخل الظامىء،
يحتلان الزاوية أمامك ،
ترسم فوق بياض الصحن شموسا دانية ،
وصحيفتك الأسبوعية ملقاة في تعب فوق الطاولة،
الرابعة مساء ...
شجر يتسلَّل نحو الداخل ، لم تأت ..
بريد الأيام تأخر ،
أسراب نوارس بيضاء تحوَّم في أفق دام ،
لم تأت .. عرائش ليلكة،
وقميص أخضر مفتوح الصدر ،
وشال حرير، لم تأت ..
الرابعة مساء،(61/220)
ووضوح بحريًّ، يشرق عبر تضاريس الوجه،
بسيط كرغيف الخبر،
أليف كالموّال،
خططت على ورق أصفر همّا مرتعشا ..
كظلال مصابيح الشارع في ليلة ريح ،
هما كالحجر الهامس يقفز بين يديَّ رشيقا
وطفوليا،
لم تأت إلى موعدها الأول ،
في هذا اليوم الأول ،
من معزوفة ما يأتي ،
سأرنّم للحجر المعزول ترانيم البعل الغائب ،
كي أطرد وحشة هذا النهر ،
وأنهر خوفي،
وأنادي لطيورالحقل لتعزف لي
باسم سنابل صيف وهَّاج ،
كيف أحيط نسيمك بسياج،
كيف أجفّف ثوبي في وضح الشمس ،
وأخرج في عريَّ الصحراء العربيَّة ،
فإذا مرَّت مركبة الغيد،
فكيف أردُّ نوافذ صدري
كيف أحدُّ المدَّ،
وهذا الجيشان الممتدَّ..
من الطعنة حتى اللعنة ..كيف؟!
وإمّا درجت في شارع بسمان مواكبها المزدانة،
بالليلك والريحان..
سأرفع كوفية وعقال أبي في أدب مجروح،
وأشبّب في حاشية الوديان،
على مدَّ تلال الرعشة والآه:
أحلّفكن نساء مدينتنا أن تتمهلن ،
أحلّفكن بكل عزيز أن تتمهلن ،
أحلّفكن بأيام اللهفة والرجفة أن تتمهلن ،
أحلّفكن جميعا ..
بمرايا وحدتكن الموحشة بلا ضوء أن تتمهلن،
ستفتح بوّابة أضلاعي الآن،
بحربة عمَّان ،
ويخرج صوتي متَّشحا بأغاني التوت البريَّ ،
يموَّج بين فروع الأشجار الغافية ،
يراودها عن عصفور الدهشة،
أعني امرأة كالومضة،
تلتفُّ بسروال عشبيّي ،
تعبر فيفيض الشارع بالزعتر والحنطة،
تنظر فترقّ الفرس الحرادنة،
أو تهتاج الريح الغضبانة،
من منكن نساء مدينتنا تعرف هذا الظلَّ الأخضر،
تخبر امرأة النهر الليليَّة ،
امرأة الشجر المقصوف ،
وأنثى الرعد الملهوف ،
تناغمّ في خصريها وجعي وغنائي
منّ تعرفها منكن؟
فتلك عريشة صيفي،
مهرة أسفاري الدوريَّة ،
أعني بستاني الأول،
أعني من كانت تشرع نهديها في ملكوت الجمهوريَّة ،
تمنح قبلتها للريح،
وتأخذ زينتها في الأحياء الشعبيَّة ،
وخبّأت بسرَّتها ستَّة أقمار،
وقرنفلة عن عين العسس،
وهرَّبت حنيني في شكل زجاجة خمر،
وقصاصات،(61/221)
وبعثت لها في السرَّ
قبيل رحيل النهر:
تعالي يا سيّدة الشهب الورديّة،
نستأجر بيتا في الأدوار السفلي،
ونغيب معا زمنا،
ننجب فيه لشيخوختنا القادمة صبيا،
يا سيدتي أين تقود الهجرة،
نفذت أوراق السنة الميلادية،
وأنا أبحث عن تلك الظبية،
لكن سيّدتي الوردية ذهبت،
فأحلّفكن الآن ،
أحلّفكن صبايا هذا الوطن القاتل،
أن تنقلن إلى سيدتي ولعي
أن تبدأن الرقص معي .
-2-
تسَّاقط بين يديك ثمار البلوط،
ولا تتسع البريّة لصراخي
أعرف سيدتي :
هذا الاستاد المشتعل،
الفتيات المزدهيات بزركشة الأيام،
ونضرة هذا التفاح المتألق فوق تلال النرجس ،
أعبر لمساءات شوارعك الموَّاجة بالألوان..
لأعمدة الضوء الوهّاجة عبر مرايا السيقان،
الموَّارة بالغبطة،
والتشكيل الرومانتيكيَّ الفاتن،
أهبط متشحا بالأسرار العشبيّة،
وغموض التكوين النابع من شال المغرب،
في هذي العفويّة،
في موسيقى الأشياء،
ورقة هذا المطر الناعم،
أهبط مثل نبيٍّ ، أو صعلوك ,
وأعدُّ ضلوعي
خشية أن أفقد في هذي الزحمة،
وهج الكلمة،
خشية أن أفقد سارا
فلمن هذا الحفل يبث أغانيه،
لمن هذا التصريح الثوريُّ
لمن هذا البدويُّ
يروز يدي ؟
ولمن تشرع أبواب القلعة؟
فدعيني أحمل نخبك بين يديَّ،
وأذرع هذا الأستاد المشتعل ،
دعيني أشرب نخب البلجيكيَّ الطائر ،
وأعود قليلا لعذاباتي
فأنا هذا البلجيكيُّ،
أنا كوكبة القتلى الجوَّالين ،
رماد الموقد ، واللحم المشويُّ،
وليلكك النابض بمواعيد ، وأقمار خضراء،
بأسفار اللؤلؤ ،
وأغاني الحطَّابات القرويّات ،
وما نقرته الأطيار من الثمر الناضج،
عبر فصول الأرض،
أشمُّ عطاياك الآتية، وأشرع شبّاكي،
أتنفس وأوسوس،
وأحدّث عنك فينشرح الفقر ،
تهلّل قسمات الجوع نشيدا ..
فتعالي نقتسم اللقمة والنقمة ،
وتعالي مزمارا،
تلك طفولتنا السانحة لنا
تبرق عبر مرايا الطين،
دعيني أحمل نخبك بين يديَّ،
وأنفض ثوبي من تعب الاسبوع ،
سأدعوك إلى مائدة واحدة،(61/222)
وأبيح لمن يفهمني أن يفهمني،
هل نشرب شيئا من ماء اللوز،
تعالي نتناول بعض القهوة،
نرشف هذا الوقت معا
وندور على دراجتنا النارية،
ها نحن وصلنا الوحدات،
أبيح لمن يفهمني أن يفهمني،
ليس يشال الوطن على جمل حتى أرتاح،
فلي ذاكرة تلتهب بأسراب طفولتها
لي زمن مفطور القلب،
ولي صحب ، وصنوبرة،
وسنابل تحترق ،
ولي هودجها العابر في هذا النفق المعتم ،
وأغاني صبيتها اليتم ،
لي هذا البرقوق الساطع في ليل جدائلها
والبرق اللامع في بيض شمائلها
لي بعد سكاكين الأهل دم ينفر كالجدول ،
لي ساحات أخرى ،
ومناديل تلوّح ،
أيتها الشرفات الممتدَّة ما بين محيط يجرح ،
وخليج ينعم في الاعياء،
كثير هذا
ها نحن وصلنا الوحدات ،
فيا سيّد هذي الآلام ترجّل ،
يا جسدي لا ترتجف الآن ،
أمامك أكثر من جبل ، وأمامك أهلك،
خذ من هذا الهرم فواكهك الحلميَّة ،
خذ زادك ومعادك ،
زوّد أضلاعك بشميم عرار الوحدات ،
فما بعد الليلة إلا سفر يتأهب للموت أو القيد ،
وقل يا ساحات المجد ،
رعاك الفقراء ..
وظلَّل غزلانك قمر الأحراش ،
لماذا يا قمر الأحباب تطل عليَّ حزينا ..
من شبَّاك غيومك ،
تزفر في السرَّ ،
تخبىء أثَّات نجومك.
ولماذا تتستَّر سيّدتي الورديَّة ،
في هذا الاكليل الشوكيَّ،
لماذا لا تخرج في ذعر الوعل إلى الشارع ،
قبل غياب الزمن العربيَّ،
أخاف على سيدتي أن تذبل في النوم ،
أخاف على سيدتي أن تهرم في الهمّ،
ويا سيدتي أقرأ كلمات السرَّ،
على أطراف قميصك فأخاف ..
يراني الصفصاف،
يعاتب ويكاتب ريح الشرق،
وجدوله الغائب غائب،
كيف أميل على هذا العمر،
أجيبي يا سيدة الوحدات،
فهل أعقد صلحا منفردا بين جدائل أمي البيضاء،
وبين المنفى الأبديّ!
هل أتنازل عن زمني العربيّ
عن صدرأبي المشقوق بحربين ،
وعن وجه حبيبي الحنطيّ
عن خصر الأيام الموصول بعمري الدمويّ؟
هذا فخ ينصب يا سيدة الوحدات،
لعصفوري الدوريُّ
أيتها الشرفات الممتدَّة ما بين محيط يجرح،(61/223)
وخليد ينعم في الاعياء،
كثير هذا ،
وكثير يا زمني العربي
ها نحن وصلنا الوحدات،
سأتلو مزمور الأيام الملتهبة،
في هذا التجويف الصدريّ،
سأتلو من سورة هذا الطائر ما يتيسَّر لي،
من قرآن الهمَّ السريَّ،
وأعلن :
لا يملك تاريخي أطلالا لأنوح عليها ،
يملك هذا الألق المتفتّح كالنوّار ،
على شرفات منازل سارا،
فأنا موفدها العائد ،
ورسول مواجعها،
ها أنذا أتجول:
فرح في القلب،
وسكين في الشارع ، ومسدَّس ،
حلمَّ يجرأ في الإعلان عن الوقت ، ولا ييأس،
عنق يتطاول فوق ذراع الموت ، ولا يأنس،
إلا لوعول البحر ، وأسماك المتوسّط ،
في حلقات النفيّ.
فدعونا نلتحف بعشب الأرض قليلا،
في هذا الطقس القطبيّ
ودعونا نبحث في الصحراء إذن ،
عن وطن عربيّ
هذا الوطن الممتدُّ من الدمعة حتى الصفعة،
يتثاءب تحت عيون الدركيّ
فتعالي يا سيدة الوحدات،
تعالي ننسلُّ من الباب الخلفيّ
وندور على دراجتنا النارية،
إيذانا بالزمن العربيّ.
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> موت الليلك
موت الليلك
رقم القصيدة : 67278
-----------------------------------
قاتحة العام
أشعل مع فنجان القهوة سيجارتي الأولى
وأقلَّب إنجيل الأيام
فأرى :
حبَّة تفاح وزجاجة خمر
وكتاب
علية تبغ في الجيب ، سماء تدلف،
وشوارع تغتسل،
عراء تغتسل،
عراء يكتمل،
قميصا قطنيا أزرق ،
وطريقا مفتوح
هذا أول عام دونك ،
أول عام دونك،
أول عام وحدي
كيف ألخّص هذا العام وأين أروح؟
حدُّ للأفق، وزاوية للغرفة
وأحاول رسمك ، لكنَّ اسمك،
لا يسمح لي وأنا أعزف ..
لا أعرف في أيَّ مساء أو شرفة
مان الليلك
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> كسرت ضلعين وأخذت قلبي
كسرت ضلعين وأخذت قلبي
رقم القصيدة : 67279
-----------------------------------
نافذة في البال،
على قارعة الوحشة والتّجوال،
حديقتها غافية،
وأنا تحت الأسوار
يسَّاقط مطر، فيمسُّ القلب،
كما لو أنَّ منازل تغرق في الأخضر ، وأحار(61/224)
ستّا وثلاثين بنفسجة وهلالا،
أعطيت لهذي المهرة،
ثم انفلتت من صدري نحو البريَّة ،
كسرت من أضلاعي ضلعين ،
وأخذت قلبي
أيتَّها المهرة والكوكب
من فينا يتعذَّب ؟
أستيقظ : نافذة في البال ،
وأستيقظ : قمر في الموَّال ،
نهار آخر يبدأ ،
إفطار متواضع
ثم يجيء الشارع .
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> في الناس المسرَّة وعليك الصمت
في الناس المسرَّة وعليك الصمت
رقم القصيدة : 67280
-----------------------------------
في الناس المسرَّة وعليك الصمت
لا للأسرة أنت ولا للبيت
لا وقتك هذا الوقت
تنقل قدميك فلا يصلان الأرض
تشرد بين الناس غمامة
تتشكَّل سارية وحمامة
لا تملك سفرا
من قيَّد خطوك يا عبد اللّه ومن
أرساك على هاوية النهر الساكن،
أنت أم الصوت؟
فتجوَّل
نرجسة تحترق بلا شفتين
وتجوَّل
أغنية يذبلها البين
وتجوَّل
وعليك الصمت
لكن لا تتحوَّل
لا للأسرة أنت ولا للبيت
لا وقتك هذا الوقت
تنقل قدميك فلا يصلان الأرض
تشرد بين الناس غمامة
تتشكَّل سارية وحمامة
لا تملك سفرا
من قيَّد خطوك يا عبد اللّه ومن
أرساك على هاوية النهر الساكن،
أنت أم الصوت؟
فتجوَّل
نرجسة تحترق بلا شفتين
وتجوَّل
أغنية يذبلها البين
وتجوَّل
وعليك الصمت
لكن لا تتحوَّل
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> اعتقال الأبيض
اعتقال الأبيض
رقم القصيدة : 67281
-----------------------------------
صوت يعبر في الهاتف ،
هل أعددت الورد؟
-لا يا سيّدتي ..بعد
كان لنا مشوار ، وأعدَّوا الأسلاك ،
*لماذا..؟
-لا أعرف سيّدتي
فأنا مثلك في هذا اللحد
كان لنا مشوار وأعدَّوا الأشواك،
فلا عرس الآن
أخذوا الفرح الأخضر والريحان
أخذوا الأبيض منا ،
أخذوا الكلمات .
*أإلى هذا الحدّ؟!
-طبعا ..
أخذوا أيضا باقات الورد
أخذوني أمس
لا تنتظريني
لا تنتظري العرس.
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> عبد الله المزمار
عبد الله المزمار
رقم القصيدة : 67282(61/225)
-----------------------------------
شيء ما
يحدث خلف الباب،
يد تطرق ، أم أنَّ دما يتدفق ،
من صدر ما
أم أنَّ الريح السريَّة ساقت عبد اللّه إليّ
دالية أول هذا الليل وساقية ،
تصعد من أنبوب الموت الصحراويّ
أيُّ ظلال تتبدَّى الآن وراء ستار العتمة،
عبر شبابيك الحيّ
أين ترى عبد الله ..
وكيف يخبىء أو يطفىء مشعله ..
(كيف لهذا المزمار البلديّ)
أن يصمت..
أو يدخل في خوذة جنديّ
شيء ما يحدث..
شيء ما .
عبد اللّه المزمار
عبد اللّه الفلك الدوَّار
عبد اللَّه بلا عمل،
أو جار
لكنَّ وظيفته أن يقرأ هذا الخطأ المتواصل،
أن يتكامل ،
في الليل حدودا
ووجودا
ويرى ما ليس يرى . عبد اللّه التّذكار
عبدالله المتوسط ، نكهة خبز الأم،
وشاي المغرب ، والدار
عبد الله السنبلة المغتربة والآسوار
عبد الله
الطلقة والآه .
***
شيء ما
يحدث خلف الباب ،
فمن أين أجيء ، ومن أين يجيء إلينا
من هذا الظلُّ المتمدّد فينا
والساكن في الليل مآقينا
الأرض أم الشارة ،
والصدر أم الغارة ،
هذا عبد الله اذن
من يغمره الرمل العربيُّ ولا يغرق
شيء ما يحدث ..
فلعبد الله الأزرق
تتزيَّن بثياب البحر صبايا القرية ،
يهبطن إلى النهر بأسرار أغانيهنَّ القمريَّة
يتحدَّثن
فيشرق فوق أصابعهنَّ،
بنفسجة سريّة
ينفضن جدائلهنَّ الرمليَّة
يرشقن النهر الصامت ،
برماح الأضلاع
ثم يغادرن
وعبد الله الملتاع
ينسلُّ خفيفا من ماء النهر
ويستل أغنيَّة
شيء ما يحدث ..
ها هو ثانية يملأ أفق الوديان ،
ويصرخ في البريًّة
يدخل فاصلة البدء، يركَّب جملا
أو يصعد تلاَّ
ليقول قصيدته الأولى في الطرد ،
فعبد الله بلا ملكوت
عبد الله حزين كالسَّعف العربيَّ
حزين كالعرب الرحَّل ،
ووحيد ،
كالنخلة في الأندلس الغارب
مزمار منفيٌّ ، وبيوت
ذاكرة تتكاثر ، لا تتناثر وتموت .
شيء ما يحدث
ها هوذا عرس يبدأ ،
فتحطُّ عصافير الوديان ،
يجيء الرعيان بقطعان الماعز ..
والصبية يأتون ،(61/226)
الفتيات كنوَّار اللوز يجيئن ،
الأشجار تهلَّل ، والأرض تحدّث أو
تتنفس عن أقراط من برقوق.
تسطع في ثوب من تفاح ،
التفاح أغان ،
التفاح بروق
والرجل المستند على حجر بين قطيع الماعز ،
يتكشَّف عبر الشبَّابه
عن شجر مقصوف ورنين كآبه
يتكشَّف عن أفق مسكون بهواجس أعشاب ووعول
وصحارى تتدفَّق وحقول
***
شيء ما يحدث ..
ها هو ذا عرس
ها عبد الله يلوح
في الصف الثاني ، في الصف الثالث ، في الرابع
أو في صف ما
في هذا المقعد أو ذاك
في هذي القاعة ،
أو خارج هذي القاعه
ها عبد لاله يلوح ، سأصرخ
شيء ما يحدث
شيء ما
من سأنادي ، من سأنادي يا عبد الله !
يا عبد الله
يا عبد الله تعال نجمَّع هذي الأحزان ،
نعبىء قمصان الوحدة بالنافر والآسر والمتفجَّر ،
وتعال نغني
يا عبد الله تعال نغنّي
نمتدُّ إلى شجر لا يذبل،
نبدع سكنا وكمينا
عبد الله يحلُّ وحيدا في الأغصان ،
جميلا وحزينا
ينسلُّ إلى الماء يغني لامرأة يسكنها ..
تسكنه خنجر
عبد الله خطى تتواصل،
لا آنية تتكسَّر .
***
شيء ما يحدث،
وصدى لغناء يأتي من طرف الليل
فيرجف عبد الله .
سارا موّال وغزال
والقرية أعراس
فلمن يندلع رنين الأجراس
ولمن هذا الشال
يبرق في الخاطر يا سارا
ولمن هذا الخلخال !
يطلع عبد الله ، ويطلق زفرته الأولى :
لا يحضر عبر سواد الليل أليَّ سوى سارا
لا يطرق بابي الموحش في هذي البريّة ،
غير أصابع سارا
من يملك أن يختصر الساحل،
والشجر المتطاول،
في عنق قرنفلة،
أو نسمة ريح من ناحية البحر
سوى سارا..
آه سارا
لأكاد الآن أشمُّ حقول الحنطة،
والتين الجبليَّ،
وأغمض إذ تتشرَّبني أنفاس الفجر المتسرَّب
طيَّ جدائلك اليليَّة ،
تتحفَّر كلُّ مساحات الجسد وتصرخ
سارا سارا
سارا سارا
سارا سارا
سارا سارا
يا عبد الله وتشتعل الأسئلة مواكب تنثال ، مراكب
تنهال ،
على خاصرة الأرض ، وتقرع صدري-
يا عبد الله
في أيَّ مخيم
غمضت عيناك ونمت !
يا عبد الله
أو ما مت
هل غطَّتك الأوراق طويلا(61/227)