ولعل غيره ""ياسمين"" وحقدها سبب البلاء
فهي التي تضع الطلاء لها وتمسح بالذرور
وجها تطفأت النواظر فيه....
كيف هو الطلاء؟
وكيف أبدو؟
- وردة ... قمر... ضياء!
زور.. وكل الخلق زور،
والكون مين وافتراء
لو تبصر المرآة - لمحة مقلتيها - لو تراها
- لمح النيازك - ثم تغرق من جديد في عماها!
برق ويطفأ... ثم تحكم فرقها بيد، وفاها
بيد، وترسم بالطلاء على الشفاه لها شفاها
شفتاك عارية وخدك ليس خدك يا سليمه،
ماذا تخلف منك فيك سوى الجراحات القديمه؟
وتضم زهرة قلبها العطشى على ذكرى أليمه:
تلك المعابثة اللعوب... كأنها امرأة سواها!
كالجدولين تخوض ماءهما الكواكب - مقلتاها،
والشعر يلهث بالرغائب والطراوة والعبير
وبمثل أضواء الطريق نعسن في ليل مطير،
تقتات بالعسل النقي وترتدي كسل الحرير.
ليت النجوم تخر كالفحم المطفأ والسماء
ركام قار أو رماد، والعواصف والسيول
تدك راسية الجبال ولا تخلف في المدينة من بناء!
أن يعجز الإنسان عن أن يستجير من الشقاء
حتى بوهم أو برؤيا، أن عيش بلا رجاء...
أو ليس ذاك هو الجحيم؟ أليس عدلا أن يزول؟
شبع الذباب من القمامة في المدينة، والخيول
سرحن من عرباتهن إلى الحظائر والحقول،
والناس ناموا -
هذا الذي عرضته كالسلع القديمة: كالحذاء،
أو كالجرار الباليات، كأسطوانات الغناء...
هذا الذي يأبي عليها مشتر أن يشتريه
قد كان عرضا - يوم كان - ككل أعراض النساء!
كان الفضاء يضيق عن سعة، وترتخص الدماء
إن رنق النظر الأثيم عليه. كان هو الإباء
والعزة القعساء والشرف الرفيع. فشاهديه
يا أعين الظلماء، وامتلئي بغيظك وارجميه
بشواظ عارك واحتقارك يا عيون الأغبياء!
للموت جوعا، بعد موتي - ميتة الأحياء - عارا.
لا تقلقوا.. فعماي ليس مهابة لي أو وقارا.
مازلت أعرف كيف أرعش ضحكتي خلل الرداء
كالقمح لونك يا ابنة العرب،
كالفجر بين عرائش العنب
أو كالفرات، على ملامحه
دعة الثرى وضراوة الذهب.
عربية أنا: أمتى دمها(57/267)
خير الدماء... كما يقول أبي.
تجري دماء الفاتحين. فلوثوها، يا رجال
أواه من جنس الرجال... فأمس عاث بها الجنود
الزاحفون من البحار كما يفور قطيع دود
يا ليت للموتى عيونا من هباء في الهواء
ترى شقائي
إلا العفاة المفلسين.
أنا زهرة المستنقعات، أعب من وحل وطين
وأشع لون ضحى...
وذكرا بجعجعة السنين
سعالها. ذهب الشباب!!
ذهب الشباب!! فشيعيه مع السنين الأربعين
ومع الرجال العابرين حيال بابك هازئين.
وأتي المشيب يلف روحك بالكآبة والضباب،
فاستقبليه على الرصيف بلا طعام أو ثياب،
يا ليتك المصباح يخفق ضوءه القلق الحزين
في ليل مخدعك الطويل، وليت أنك تحرقين
دما يجف فتشترين
سواه: كالمصباح والزيت الذي تستأجرين.
عشرون عاما قد مضين، وشبت أنت، وما يزال
يذرذر الأضواء في مقل الرجال.
لو كنت تدخرين أجر سناه ذاك على السنين
أثريت..
ها هو ذا يضيء فأي شيء تملكين؟
ويح العراق! أكان عدلا فيه أنك تدفعين
سهاد مقتلك الضريره
ثمنا لملء يديك زيتا من منابعه الغزيره؟
كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين؟
عشرون عاما قد مضين، وأنت غرثى تأكلين
بنيك من سغب، وظمأى تشربين
حليب ثديك وهو ينزف من خياشيم الجنين!
وكزارع له البذور
وراح يقتلع الجذور
من جوعه، وأتى الربيع فما تفتحت الزهور
ولا تنفست السنابل فيه...
ليس سوى الصخور
سوى الرمال، سوى الفلاه -
خنت الحياة بغير علمك، في اكتداحك للحياه!
كم رد موتك عنك موت بنيك. إنك تقطعين
حبل الحياة لتنقضيه وتضفري حبلا سواه،
حبلا به تتعلقين على الحياة: تضاجعين
ولا ثمار سوى الدموع، وتأكلين،
وتسهرين ولا عيون، وتصرخين ولا شفاه،
وغدا. وأمس ... وألف أمس - كأنما مسح الزمان
حدود ما لك فيه من ماض وآت
ثم دار، فلا حدود
ما بين ليلك والنهار، وليس، ثم، سوى الوجود
سوى الظلام، ووطء أجساد الزبائن، والنقود،
ولا زمان، سوى الأريكة والسرير، ولا مكان!
لم تسحبين ليالى السأم المسهدة الرتيبه؟(57/268)
ما العمر؟ ما الأيام؟ عندك، ما الشهور؟ وما
السنين؟
ماتت ""رجاء"" فلا رجاء ثكلت زهرتك الحبيبه!
بالأمس كنت إذا حسبت فعمرها هي تحسبين.
كانت عزاءك في المصيبه،
وربيع قفرتك الجديبه.
كانت نقاءك في الفجور، ونسمة لك في الهجير،
وخلاصك الموعود، والغبش الكبير!
ما كان حكمه أن تجيء إلى الوجود وأن تموت؟
ألتشرب اللبن المرنق بالخطيئة واللعاب:
أو شال ما تركته في ثدييك أشداق الذئاب؟
مات الضجيج وأنت، بعد، على انتظارك
تتنصتين، فتسمعين
رنين أقفال الحديد يموت، في سأم، صداه:
الباب أوصد
ذاك ليل مر...
فانتظري سواه.
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> حفار القبور
حفار القبور
رقم القصيدة : 68107
-----------------------------------
ضوء الأصيل يغيم كالحلم الكئيب على القبور
واه كما ابتسم اليتامى أو كما بهتت شموع
في غيهب الذكرى يهوم ظلهن على دموع
والمدرج النائي تهب عليه أسراب الطيور
كالعاصفات السود كالأشباح في بيت قديم
برزت لترعب ساكنيه
من غلرفة ظلماء فيه
وتثاءب الطلل البعيد يحدق الليل البهيم
من بابه الأعمى ومن شباكه الخرب البليد
والجو يملؤه النعيب
فتردد الصحراء في يأس واعوال رتيب
أصداءه المتلاشيات
والريح تذروهن في سأم على التل البعيد
وكأن بعض الساحرات
مدت أصابعها العجاف الشاحنات الى السماء
تومي الى سرب من الغربان تلويه الرياح
في آخر الأفق المضاء
حتى تعال ثم فاض على مراقيه الفساح
فكأن ديدان القبور
فارت لتلتهم الفضاء وتشرب الضوء الغريق
وكأنما أزف النشور
فاستيقظ الموتى عطاشى يلهثون على الطريق
وتدفع السرب الثقيل
يطفو ويرسب في الأصيل
لجبا يرنق بالظلام على القبور الباليات
وظلاله السوداء تزحف كالليالي الموحشات
بين الجنادل والصخور
وعلى القبور
وتنفس الضوء الضئيل
بعد اختناق بالطيوف الراعبات وبالجثام
ثم ارتخت تلك الظلال السود وانجاب الظلام
فانجاب عن ظل طويل
يلقيه حفار القبور
كفان جامدتان أبرد من جباه الخاملين(57/269)
وكأن جولهما هواء كان في بعض اللحود
في مقلة جوفاء خاوية يهوم في ركود
كفان قاسيتان جائعتان كالذئب السجين
وفم كشق في جدار
مستوحد بين الصخور الصم من أنقاض دار
عند المساء ومقلتان تحدقان بلا بريق
وبلا دموع في الفضاء
هو ذا المساء
يدنو وأشباح النجوم تكاد تبدو والطريق
خال فلا نعش يلوح على مداه ولا عويل
الا النعيب
وتنهد الريح الطويل
وعلام تنعب هذه الغربان والكون الرحيب
باق يدور يعج بالأحياء مرضى جائعين
بيض الشعور كأعظم الأموات لكن خالدين
لا يهلكون علام تنعب ان عزرائيل مات
وغدا أموت غدا أموت
وهز حفار القبور
يمناه في وجه السماء وصاح رب أما تثور
فتبيد نسل العار تحرق بالرجوم المهلكات
أحفاد عاد باعة الدم والخطايا والدموع
يا رب ما دام الفناء
هو غاية الأحياء فأمر يهلكوا هذا المساء
سأموت من ظماء وجوع
ان لم يمت هذا المساء الى غد بعض الأيام
فابعث به قبل ااالظلام
يا رب أسبوع طويل مر كالعام الطويل
والقبر خاو يفغر الفم في انتظار في انتظار
ما زلت أحفرةه وبطمر الغبار
تتثاءب الظلماء فيه ويرشح القاع البليل
مما تعصر أعين الموتى وتنضحه الجلود
تلك الجلود الشاحبات وذلك اللحم النثير
حتى الشفاءه يمص من دمها الثرى حتى النهود
تذوي ويقطر في ارتخاء من مراضعها المغير
واها لهاتيك النواهد والمآقي والشفاه
واها لأجساد الحسان أيأكل الليل الرهيب
والدود منها ما تمناه الهوى واخيبتاه
كم جثة بيضاء لم تفتضها شفتا حبيب
هل كان عدلا أن أحن إلى السراب و لا أنال
إلا الحنين و ألف أنثى تحت أقدامي تنام
أفكلما اتقدت رغاب في الجوانح شح مال
ما زلت أسمع بالحروب فأين أين هي الحروب
أين السنابك و القذابف و الضحايا في الدروب
لأظل أدفنها فلا تسع الصحارى
فأدس في قمم التلال عظامهن و في الكهوف
فكأن قعقهة المنازل في اللظى نقر الدفوف
أو وقع أقدام العذارى
يرقص حولي لا عبات بالضصنوج و بالسيوف
نبئت عن حرب تدور لعل عزرائيل فيها(57/270)
في الليل يكدح و النهار فلن يمر على قرانا
أو بالمدينة و هي توشك أن تضيق بساكنيها
نبئت أن القاصفات هناك ما تركت مكانا
إلا وحل به الدمار فأي سوق للقبور
حتى كأن الأرض من ذهب يضاحك حافريها
حتى كأن معاصر الدم دافقات بالخمور
أواه لو أني هناك أسد باللحم النثير
جوع القبور و جوع نفسي في بلاد ليس فيها
إلا أرامل أو عذارى غاب عنهن الرجال
وافتضهن الفاتحون إلى الذماء كما يقال
مازلت أسمع بالحروب فما لأعين موقديها
لا تستقر على قرانا ليت عيني تلتقيها
و تخضهن إلى القرار و كالنيازك و الرعود
تهوي بهن على النخيل على الرجال على المهود
حتى تحدق أعين الموتى كآلاف اللآلي
من كل شبر في المدينه ثم تنظم كالعقود
في هذه الأرض الخراب فيا لأعينها و يا لي
رباه إني أقشعر أكاد أسمع في الخيال
أغنية تصف العيون
تنثال من مقهى فأنصت في الزحام و ينصتون
و كأن ما بيني و بين الآخرين من الهواء
ثدي سخي بالحليب و بالمحبة و الأخاء
يا رب أسبوع يمر و لست أسمع من غناء
إلا النعيب
و تنهد الريح الرتيب
واخيبتاه ألن أعيش بغير موت الآخرين
و الطيبات من الرغيف إلى النساء إلى البنين
هي منة الموتى علي فكيف أشفق بالأنام
فلتمطرنهم القذائف بالحديد و بالضرام
و بما تشاء من انتقام
من حميات أو جذام
نذر علي لئن تشب لازرعن من الورود
ألفا تروى بالدماء و سوف أرصف بالنقود
هذا المزار وسوف أركض في الهجير بلا حذاء
و أعد أحذية الجنود
و أخط في وحل الرصيف وقد تلطخ وقد تلطخ بالدماء
أعدادهن لأستبيح عدادهن من النهود
و سأدفن الطفل الرمي و أطرح الأم الحزينة
بين الصخور على ثراه
و لسوف أغرز بين ثدييها أصابعي اللعينة
و يكاد يحنقها لهاثي و هي تسمع في لظاه
قلبي ووسوسة النقود نقودها و اخجلتاه
أنا لست أحقر من سواي و إن قسوت فلي شفيع
أني كوحش في الفلاء
لم أقرأ الكتب الضخام و شافعي ظمأ و جوع
أو ما ترى المتحضرين
المزدهين من الحديد بما يطير و ما يذيع(57/271)
مهما ادنأت فلن أسف كما أسفوا لي شفيع
أني نويت و يفعلون و إن من يئد البنين
و الأمهات و يستحل دم الشيوخ العاجزين
لأحط من زان انتهك الغزاة و ما استباحوا
و القاتلون هم الجناه و ليس حفار القبور
و هم الذين يلونون لي البغايا بالخمور
و هم المجاعة و الحرائق و المذابح و النواح
و هم الذين سيتركون أبي وعمته الضريره
بين الخرائب ينبشان ركامهن عن العظام
أو يفحصان عن الجذور و يلهثان من الأورام
و الصخر كالمقل الضريرة
و سيوثقون بشسعر أختي قبضتي و كالظلام
و كخضة الحمى تسمرها على دمها صدور
تعلو و تهبط باللهاث كأنهن رحى تدور
يا مجرمون إلى الوراء فسوف تنتفض القبور
و تقيء موتاها و يا موتي على اسم الله ثورا
رباه عفوك إن قابيل المكبل بالحديد
في نفسي الظلماء هب وقر يعصره الملال
فالليل جاء و ما أزال
مستوحدا أرعى القبور و أنفض الدرب البعيد
و كأن يا بشرى كأن هناك في أقصى الجنوب
خطا كأذيال الظلام و لمعة كدم الغروب
لكأنه ضيف جديد
و بدا الجناز و راح يشهق و هو يدنو في ارتخاء
الأوجه المتحجرات يضيئها الشفق الكئيب
و الغمغمات الخافتات من انفعال أو رياء
و النعش يحجبه غطاء
ألوانه المترنحات كأنما اعتصر المغيب
فيها قواه و ذاب فيها كوكب واهي الضياء
حتى إذا انهال التراب و صفح القبر الجديد
و تراعش الألق الضئيل على الظهور المتعبات
حتى اضمحل و غيبتها ظلمة الأفق البعيد
كانت مصابيح السماء تذر ضوءا كالضباب
بين القبور الموحشات
و على الخرائب و الرمال و كان حفار القبور
متعثر الخطوات يأخذ دربه تحت الظلام
يرعى مصابيح المدينه و هي تخفق في اكتئاب
وز يظل يحلم بالنساء العاريات و بالخمور
و تحسست يده النقود و هيأ الفم لابتسام
حتى تلاشى في الظلام
-2- النور ينضح من نوافذ حانه عبر الطريق
و تكاد رائحة الخمور
تلقى على الضوء المشبع بالدخان و بالفتور
ظلا كألوان حيارى واهيات من حريق
ناء توهم في الدجى الضافي على وجه حزين
و تلوح أشباح عجاف(57/272)
خلف الزجاج تهيم في الضوء السرابي الغريق
و يشد حفار القبور على الزجاجة باليمين
و كمن يحاذر أو يخاف
يرنو إلى الدرب المنقط بالمصابيح الضئال
و تحركت شفتاه في بطء و غمغم في انخذال
أظننت أنك سوف تقتحم المدينه كالغزاه
كالفاتحين و تشتريها بالذي ملكت يداك
بأقل من ثمن الطلاء القرمزي على شفاه
أو في أظافر لاحقتها ذات يوم مقلتاك
سأعود لانهد تعصره يدي حتى الذهول
حتى التأوه و الأنين و صرخة الدم في العروق
و السكرة العمياء و الخدر المضعضع و الأفول
و الأذرع المتفترات يلون الضوء الخفوق
هزاتها المستسلمات و ينفح الدم و العبير
ظل لهن على السرير
الأذرع المتفترات و زهرتان على الوساد
نسجتهما كف مخضبة الأظافر زهرتان
تتفتحان على الوسادة كالشفاه و تهمسان
نغما يذوب إلى رقاد
و تألق الجيد الشهي و لفحة النفس البهير
و النور منفلتا من ال|أهداب تثقله الطيوب
قلقا كمصباح السفينه راوحته صبا لعوب
و تخافق الأظلال في دعة ووسوسة الحرير
و الحلمتان أشد فوقهما بصدري في اشتهاء
حتى أحسهما بأضلعي و أعتصر الدماء
باللحم و الدم و الحنايا منهما لا باليدين
حتى تغيبا في صدري إلى غير انتهاء
حتى تمصا من دماي و تلفظاني في ارتخاء
فوق السرير
و تشرئبا
ثم نثوي جثتين
لولا التماعات الكواكب و انعكاس من ضياء
تلقيه نافذة ووقع خطى تهاوى في عياء
يصدى له الليل العميق و حارس تعب يعود
و سنان يحلم بالفراش و زوجه تذكي السراج
و تؤجج التنور صامته و أخيلة اللهيب
تضفي عليها ما تشاء من اكتئاب و ابتهاج
ثم اضمحل الحارس المكدود و النغم الرتيب
وقع الخطى المتلاشيات كأنه الهمس المريب
ما زال يخفق من بعيد
و تململت قدمان و ارتفعت يد بعد انتظار
و هوت على الباب العتيق فأرسل الخشب البليد
صوتا كإيقاع المعاول حين إدبار النهار
بين القبور الموحشات و أطبق الصمت الثقيل
و أطل من إحدى النوافذ و هي تفتح و ارتياب
وجه حزين ثم غاب
و تحرك الباب المضعضع و هو يجهش بالعويل(57/273)
و تقول أنثى في اكتئاب
ضيف جديد ثم تفرك مقلتيها في فتور
و يظل يزحف كالكسوف يحجب الألق الضئيل
عن وجهها ظل يقيدها بحفار القبور
-4-
في زهوة الشفق الملون حيث يحترق النهار
في عودة الرعيان أشباحا يظللها الغبار
في ساعة الشوق الكئيب إلى شواطيء كالضباب
و إلى أكف مخلصات
و إلى أغان مبهمات هائمات في شعاب
أنأى من الأصداء تغشاها نجوم ساهمات
في ساعة الشفق الملون كان إنسان يثور
بين الجنادل و القبور
نفس معذبه تثور
بين الجنادل و القبور
أأظل أحلم بالنعوش و أنفض الدرب البعيد
بالنظرة الشزراء و اليأس المظلل بالرجاء
يطفو و يرسب و السماء كأنها صنم بليد
لا مأمل في مقلتيه و لا شواظ و لا رثاء
لو أنها انفجرت تقهقه بالرعود القاصفات
لو أنها انكمشت وصاحت كالذئاب العاويات
فات الأوان فخط لحدك واثو فيه إلى النشور
لو أنها انطبقت علي كأنها فم أفعوان
لو أنها اعتصرت قواي
و مات ظل الأرجوان
في آخر الأفق البعيد و لألأت قطرات نور
مما تبعثره المدينة و هي تبسم في فتور
و كأنما رضعت مصابيح المدينة مقلتاه
فسرت لهيبا في دماه و ألغمتها بالرغاب
و كأنهن على المدى المقرور آلاف الشفاه
تدعوه ظمأى لاهثات مثل أحداق الذئاب
ما زلت تحترقين من فرح و أحتراق انتظار
أنا انتهينا
يا سماء و يا قبور أما أراها
لا بد من هذا وصوب مقلتيه إلى السماء
حنقا يزمجر ثم أطرق و هو يحلم بالقاء
باب تفتح في الظلام و ضحكة و شذى ثقيل
ويدان تجتذبان أغطية السرير و ترخيان
إحدى الستائر
ثم تنطفئان في الضوء الضئيل
و تغيم أخيلة و تجلى ثم تبرز حلمتان
ويطل وجه شاحب القسمات مختلج الشفاه
و تغيم أخيلة و تحلى ثم تفتح مقلتاه
فيرى القبور
و يرى المصابيح البعيدة كالمجامر في اتقاد
و يرى الطريق إلى القبور
يكتظ بالأشباح زاحفة إليه على اتئاد
فيصيح من فرح سألقاها فإن الطريق
نعشا و إن حف النساء به و أملق حاملوه
إني سألقاها و ينهض و هو يرفع باليمين
فانوسة الصدىء العتيق(57/274)
يلقي سناه على الوجوه
و على الدثار القرمزي و في عيون القادمين
لو أنه اخترق الدثار بمقلتيه و بالضياء
لو حدث التابوت عمن فيه أو رفعت يداها
أو هبة للزعزع النكباء حاشية الغطاء
تحت النجوم الساهمات
لكاد ينكر من رآها
و تظل أنوار المدينة و هي تلمع من بعيد
و يظل حفار القبور
ينأى عن القبر الجديد
معتثر الخطوات يحلم باللقاء و بالخمرو
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الأسلحة والأطفال
الأسلحة والأطفال
رقم القصيدة : 68108
-----------------------------------
الأسلحة والأطفال
عصافير أم صبية تمرح
عليها سنا من غد يلمح
وأقدامها العاريه
محار يصلصل في ساقيه
لأذيالهم رفة الشمأل
سرت عبر حقل من السنبل
وهسهسة الخبز في يوم عيد
وغمغمة الأم باسم الوليد
تناغيه في يومه الأول
كأني أسمع خفق القلوع
وتصخاب بحاره السندباد
رأى كتره الضخم بين الضلوع
فما اختار الاه كترا وعادا
صدى عابر من وراء العصور
من الكهف والغاب والمعبد
سرى دافئا من عروق الصخور
وازميل نحاتها المجهد
يغني بأشواقه العاتيه
الينا الى القمه العاليه
الى أن يفل الردى بالحياه
وتلقاه أجيالها الآتيه
على صخرة حملتها يداه
تحاياه في بسمة في الشفاه
وفي أعين حجرت مقلتاه
عليها دموعها الجاريه
صدى رجعته الأكف الصغار
يصفقن في الشارع المشرق
كخفق الفراشات مر النهار
عليها بفانوسه الأزرق
وكم من أب آيب في المساء
الى الدار من سعيه الباكر
وقد زم من ناظريه العناء
وغشاهما بالدم الخاثر
تلقاه في الباب طفل شرود
يكركر بالضحكة الصافيه
فتنهل سمحاء ملء الوجود
وتزرع آفاقه الداجيه
نجوما وتنسيه عبء القيود
وهم في ليالي الشتاء الطوال
ربيع من الدفء والعافيه
تلم العجائز فيه الورود
ويلمحن عهد الصبا ثانيه
ويرقصن بين التلال
يرجحن أرجوحة في الخيال
بعذراء في ليلة مقمره
وفي ظل تفاحة مزهره
تنام العصافير فيها
وهم في الصباح
خطى خافقات على السلم
وأيد على أوجه النوم
يدغدغنها في مزاح(57/275)
وأغنية من أغاني الطريق
يلحن سوى لحنها الأول
وشأو من الصوت مستعجل
وهم رفقة الأم اذ تستفيق
واذ تشعل النار في الموقد
كخيط ترى فيه بدء الغد
عصافير أم صبية تمرح
أم الماء من صخرة ينضج
فيخضل عشب وتندى زهور
زهور ونور
وقبرة تصدح
وتفاحة مزهرة
لخفق العصافير فيها
صدى قبلة الأم تلقى بنيها
دعيني فما تلك بالقبرة
دعيني أقل أنه البلبل
وان الذي لاح ليس الصباح
أتلك السفين التى تعول
علىمرفا ناوحته الرياح
تلوح منهاأكف الجنود
لألف كجولييت فوق الرصيف
وداعا وداع الذي لا يعودا
وأم كما استوحشت في الخريف
وراء الدجى دوحة عاريه
وفرت عصافيرها الشاديه
عصافير أم صبية تمرح
أم الماء من صخرة ينضح
ولكن على جثة داميه
وقبرة تصدح
ولكن على خربة باليه
عصافير
بل صبية تمرح
وعمارها في يد الطاغية
وألحانها الحلوة الصافيه
تغلغل فيها نداء بعيد
حديد عتيق
رصاص
حديد
وكالظل من ياشق في الفضاء
اذا اجتاح كالمدية الماضيه
عصافير تشدو على رابيه
ترامى الى الصبية الأبرياء
نداء تنشقت فيه الدماء
حديد عتيق
حديد عتيق
رصاص فحتى كأن الهواء
رصاص وحتى كأن الطريق
حديد عتيق
وينفض كالمعول الحافر
صدى راعب من خطى التاجر
له الويل ماذا يؤيد
حديد عتيق
رصاص
حديد
لك الويل من تاجر أشأم
ومن خائض في مسيل الدم
ومن جاهل أن ما يشتريه
لدرء الطوى والردى عن بنيه
قبور يوارون فيها بنيه
حديد عتيق
رصاص000ص
حديد
حديد عتيق لموت جديد
حد00يد
لمن كل هذا الحديد
لقيد سيلوى على معصم
ونصل على حلمة أو وريد
وقفل على الباب دون العبيد
وناعورة لاغتراف الدم
رصاص
لمن كل هذا الرصاص
لأطفال كورية البائسين
وعمال مرسيليا الجائعين
وأبناء بغداد والآخرين
اذا ما أرادوا الخلاص
حديد
رصاص
رصاص
رصاص
حديد
وأصغي الى التاجر
وأصغي الى الصبية الضاحكين
وكالنصل قبل انتباه الطعين
وكالبرق ينفض في خاطري
ستار وكالجرح اذ يترف
أرى الفوهات التى تقصف
تسد المدى واللظى والدماء
وينهل كالغيث ملء الفضاء(57/276)
رصاص ونار ووجه السماء
عبوس لما اصطك فيه الحديد
حديد ونار حديد ونار
وثم ارتطام وثم انفجار
ورعد قريب ورعد بعيد
وأشلاء قتلى وأنقاض دار
حديد عتيق لغزوجديد
حديد ليندك هذا الجدار
بما خط في جانبيه الصغار
و ما استودعوا من امان كبار
سلام
كان السنا في الحروف
تخطى اليها ظلام الكهوف
بامال انسانها الاول
و ما اختط من صورة في الحجار
تحدى بها الموت فهي انتصار
و توق الى العالم الافضل
حديد
رصاص
حديد عتيق
رصاص ليخلو هذا الطريق
من الضحكة الثرة الصافيه
و خفق الخطى و الهتاف الطروب
فمن يملا الدار عند الغروب
بدفء الضحى و اخضلال السهوب
لظى الحقد في مقلة الطاغيه
و رمضاء انفاسه الباقيه
يطوفان بالدار عند الغروب
و اطلالها الباليه
حديد عتيق
نحاس عتيق
و اصداء صفارة للحريق
حديد حديد
و ام تبيع السرير العتيق
تبيع الحديد الذي امس كان
مهادا عليه التقا عاشقان
و شد نداء الحياة العميق
دراعا باخرى فما تخفقان
فيا حسرتا حين يمسى غدا
شظايا تدوي و بعض المدى
تنحى بها عن ذراع ذراع
و ينهد مهد و يخبو شعاع
امن حيث كان التقاء الشفاه
على الحب ينسجن خيط الحياه
يحوك الردا غزله الاسودا
دما او دخانا يحوك الردى
شباكا من النار حول البيوت
على صبية او صبايا تموت
و يرتد حتى حديد السرير
جناحا عليه المنايا تغير
و حتى الذي في عيون الدمى
من المعدن الزئبقي الحسير
رصاصا ابح الصدى مرزما
حديد عتيق حديد حديد
و اقدامها العاريه
محار يصلصل في ساقيه
و يعتاد بالي كرعد بعيد
ضجيج الخطى و انهيار الصخور
و خفق الفوانيس في المنجم
و ما نض من عاريات الظهور
و ما انسح في سعلة من دم
و ملء السنا من غبار الحديد
نواقيس فيها يرن السكون
و اجراس مركبة من بعيد
يخف لها صبية يلعبون
نواقيس في الفجر و اليوم عيد
و في الماء اضلال جسر جديد
و همس النواعير و الزارعون
و في كل حقل كنبض الحياه
تهز المحاريث قلب الثرى
و تبني القرى
قرى طينها من رميم الطغاه(57/277)
و تخضل حتى الصخور الضنينه
و يثمر حتى سراب الفلاه
مدينه
فاخرى فاخرى الى منتهاه
حديد حديد
و اقدامها العاريه
و خفق الفوانيس في المنجم
و اعماقه الرطبة الداجيه
كظل الردى فاغرات الفم
كبئر من الظلمة الطاميه
ستمتاح منها الوف القبور
و يهوي من الزعزع العاتيه
عمى من دجاها على كل نور
على النور من باب كوخ مضاء
ومن كوة في خيام الرعاء
ومن شرفة ظلها الياسمين
دعيني اقل انة البلبل
وان الذي لاح ليس الصباح
على النور من موقد السامرين
ومن مدرج بالسنا يغسل
على كل نور تذر الرياح
ظلال الطواغيت في المنجم
كناعورة لاغتراف الدم
تذر الرياح الرياح الرياح
أراجيح في الملعب المظلم
وخفق الفوانيس والأنجم
وخفق الخطى والأكف الصغار
وخفق الفراشات مر النهار
عليها بفانوسه المعتم
فمن يملأ الدار عند الغروب
بدفء الضحى واخضلال السهوب
رصاص حديد رصاص حديد
وآهات ثكلى وطفل شريد
ومن يفهم الأرض أن الصغار
يضيقون بالحفرة الباردة
اذا استترلوها وشط المزار
فمن يتبع الغيمة الشارده
ويلهو بلقط المحار
ويعدو على ضفة الجدول
ويسطو على العش والبلبل
ومن يتهجى طوال النهار
ومن يلثع الراء في المكتب
ومن يرتمي فوق صدر الأب
اذا عاد من كده المتعب
ومن يؤنس الأم في كل دار
أسى موجع أن يموت الصغار
أسى ذقت منه الدموع الدموع
أجاجا ومثل اللظى في الفم
وأحسست فيه اشتعال الدم
بعيني من نازفات الضلوع
عويل من القرية النائية
وشيخ ينادي فتاه الغريق
بهذا الطريق وذاك الطريق
ويسعى الى الضفة الخالية
يسائل عنه المياه
ويصرخ بالنهر يدعو فتاه
ومصاباحه الشاحب
يغني سدى زيته الناضب
محال تراه
ويحتو على الصفحة القاتمه
يحدق في لهفة عارمه
فما صادفت مقلتاه
سوى وجهه المكفهر الحزين
ترجرجه رعشة في المياه
تغمغم لا لن تراه
حديد عتيق ورعب جديد
حديد
رصاص
لأن الطغاه
يريدون ألا تتم الحياه
مداها وألا يحس العبيد
بأن الرغيف الذي يأكلون
أمر من العلقم
وأن الشراب الذي يشربون
أجاج بطعم الدم(57/278)
وأن الحياه الحياه انعتاق
وأن ينكروا ما تراه العيون
فلا بيدر في سهول العراق
ولا صبية في الضحى يلعبون
ولا همس طاحونه من بعيد
ولا يطرق الباب ساعي البريد
يبشرى ولا مترل
يضيء الدجى منه نور وحيد
سخي كما استضحك الجدول
ولا هدهدات ولا جلجل
يرن بساق الوليد
وبين الربى في رقاب الجداء
ولا وسوس الشاي فوق الصلاء
ولا قصة في ليالي الشتاء
لأن الطواغيت لا يسمعون
صداح العصافير في المغرب
كما صلصل الفضة القامرون
ولا زفة السنبل المذهب
لأن الطواغيت لا يحلمون
بغير المبيعات والأسهم
ان الطواغيت لا يسمعون
سوى رة الفلس والدرهم
لأن الطواغيت لا يبصرون
على الشاطىء الأسيوي البعيد
سوى أن سوقا يباع الحديد
وتستهلك الريح والنار فيها
تدر العطايا على فاتحيها
بأقدام أطفالنا العاريه
يمينا وبالخبز والعافيه
اذا لم نعفر جباه الطغاه
على هذه الأرجل الحافيه
وأنلم نذوب رصاص الغزاه
حروفا هي الأنجم الهاديه
فمنهن في كل دار كتاب
ينادي ففي واصدأي يا حراب
وأن لم نضو القرى الداجيه
ولم نخرس الفوهات الغضاب
ونجل المغيرين عن آسيه
فلا ذكرتنا بغير السباب
أواللعن أجيالنا الآتيه
سلام على العالم الأرحب
على الحقل والدار والمكتب
على معمل للدمى والنسيج
على العش والطائر الأزغب
على التوت وسنان فيه الأريج
ووقح المجاديف في المغرب
على زهرة في وساد العروس
على صبية في انتظار الأب
على شاعر تستحم الشموس
بعينيه يصغي الى جندب
سلام على العالم الأرحب
سلام على الكنج فاض النعيم
ورنت أغاريد في ضفتيه
قرى من سنا عاصرات عليه
عناقيد من ضوئهن العظيم
سلام على الصين والحاصدين
وصياد أسماكها الأسمر
وما أنبتت من دم الثائرين
وما افتر في البيرق الأحمر
على صبية في قراها البعاد
وفي ظل تفاحها المزهر
وما جررت في ليالي الحصاد
ثيان العذراى على البيدر
سلام لأن الربيع
يمر بودياننا كل عام
وما زال قوس الغمام
ولولا الذي كدسوا من نضار
به يستضيئون دون النهار(57/279)
تجوع الملايين عن جانبيه
وينحط في كل يوم عليه
دم من عروق الورى أو نثار
كذر الغبار
لما هزت الأمهات المهود
على هوة من ظلام اللحود
ولم تذرف الدمع عبر البحار
وعبر الصحارى نساء الجنود
ولم يرفع الزراع الأشيب
الى مقلتيه اليد الراجفه
يحدق في عتمة العاصفه
ويصغي وفي روعه القاصفه
ولم يبك صرعى بنيه الأب
جزوعا بأن يثكل الآخرين
ولا شردت نومة العاشقين
كوابيس من أعين الهالكين
وارنان صفارة تنعب
وغى فاستفاقوا ولا كوكب
ولا لمعة من سراج تبين
سوى قعقعات السلاح
وعصف الرياح
ولا ساءل الأم طفل غرير
ألا بلدة ليس فيها سماء
فلا قاذفات المنايا تغير
وى من شظايا تسد الفضاء
ولا اختض في الصرصر اللاجئون
ولألاء يافا تراه العيون
وقد حال من دونه الغاصبون
بما أشرعوا من عطاش الحراب
وما استأجروا من شهود كذاب
وما صفحوا بالردى من حصون
سلام على العالم الأرحب
على مشرق منه أو مغرب
سلام لآفون لروى عروق
شكسبير والزهر والداليه
أفق شاعر النور أن الشروق
تهدده غيمة داجيه
سعى مكبث تحتها في احتراس
لقتل النعاس
لقتل النعاس البريء
سلام لباريس روبسبيي
والوار والغابة الحالمه
وعشاقها في المساء الأخير
تذريهم قوة ظالمه
كدوامة من رياح السعير
على تونس من لظاها ظلال
وحول الرباط المدمى هدير
وفي جيرة الصين حل انخذال
بقطعانها الفظة الضارية
لك المجد يا أسيه
سلام لفينيس والكرنفال
وأضوائه الثرة الزاهيه
وهمس المحبين بين الظلال
وفي دفء قمرائه الضاحيه
عصافير أم صبية تمرح
أم الماء من صخرة ينضح
وأقدامها العاريه
مصابيح ملء الدجى تلمح
هتكنا بها مكمن الطاغيه
وظلماء أو جاره الباليه
علينا لها أنها الباقيه
وأن الدواليب في كل عيد
سترقى بها الريح جذلى تدور
ونرقى بها من ظلام العصور
الى عالم كل ما فيه نور
رصاص رصاص رصاص حديد
حديد عتيق
لكون جديد
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> شناشيل ابنة الجلبي
شناشيل ابنة الجلبي
رقم القصيدة : 68109(57/280)
-----------------------------------
و أذكر من شتاء القرية النضاح فيه النور
من خلل السحاب كأنه النغم
تسرب من ثقوب العزف ارتعشت له الظلم
و قد غنى صباحا قبل فيم اعد طفلا كنت
ابتسم
لليلي أو نهاري اثقلت اغصانه النشوى عيون الحور
و كنا جدنا الهدار يضحك او يغني في ظلال الجوسق
القصب
و فلاحيه ينتظرون غيثك يا اله و أخوتي في
غابة اللعب
يصيدون الأرانب و الفراش و أحمد الناطور
نحدق في ظلال الجوسق السمراءفي النهر
و نرفع للسحاب عيوننا سيسيل بالقطر
و أرعدت السماء فرن قاع النهر و ارتعشت ذرى السعف
وأشعلهن و مض البرق أزرق ثم أاخضر ثم تنطفئ
و فتحت السماء لغيثها المدرار بابا بعد باب
عاد منه النهر و هو ممتلئ
تكلله الفقائع عاد أخضر عاد أاسمر عص
بالأنعام و اللهف
و تحت النخل حيث تظل تمطر كل ما سعفه
تراقصت الفقائع و هي تفجر انه الرطب
تساقط في يد العذراء و هي تهز في لهفه
بجذع النخلة الفرعاء تاج و ليدك الانوار ال الذهب
سيصلب منه حب الاخرين سيبرئ الاعمى
و يبعث في قرار القبر ميتا هذه التعب
من السفر الطويل الى ظلام الموت يكسو عظمه اللحما
و يوقد قلبه الثلجي فهو بحبه يثب
و ابرقت السماء فلاح حيث تعرج النهر
و طاف معلقا من دون اس يلثم الماء
شناشيل ابنة الجلبي نور حوله الزهر
عقود ندى من اللبلاب تسطع منه بيضاءا
و اسية الجميلة كحل الاحداق منها الوجد و السهر
يا مطرا يا حلبي
عبر بنات الجلبي
يا مطرا يا شاشا
عبر بنات الباشا
يا مطرا من ذهب
تقطعت الدروب مقص هذا الهاطل المدرار
قطعها و وراها
و طوقت المعابر من جذوع النخل في الأمطار
كغرقى من سفينة سندباد كقصة خضراء ارجأها و خلاها
الى الغد أحمد الناطور وهو يدير في الغرفة
كؤوس الشاي يلمس بندقيته و يسعل ثم يعبر طرفه
الشرفه
و يخترق الظلام
و صاح يا جدي أخي الثرثار
انمكث في ضلام الجوسق المبتل ننتظر
متى يتوقف المطر
و ارعدت السماء فطار منها ثمة انفجرا
شناشيل ابنة الجلبي(57/281)
ثم تلوح في الافق
ذرى قوس السحاب و حيث كان يسارق النظر
شناشيل الجميلة لا تصيب العين الا حمرة الشفق
ثلاثون انقضت و كبرت كم حب و كم وجد
توهج في فؤادي
غير اني كلما صفقت يدا الرعد
مددت الطرف ارقب ربما ائتلق الشناشيل
فأبصرت ابنة الجلبي مقبلة الى وعدي
و لم ارها هواء كل اشواقي اباطيل
و نبت دونما ثمر و لا ورد
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ارم ذات العماد
ارم ذات العماد
رقم القصيدة : 68110
-----------------------------------
من خلل الدخان من سيكاره
من خلل الدخان
من قدح الشاي وقد نشر وهو يلتوي ازاره
ليحجب الزمان والمكان
حدثنا جد أبي فقال يا صغار
مقامرا كنت مع الزمان
نقودي الأسماك لا الفضة والنضار
والورق الشباك والوهار
وكنت ذات ليله
كأنما السماء فيها صدا وقار
أصيد في الرميله
في خورها العميق أسمع المحار
موسوسا كأنما يبوح للحصى وللقفار
بموطن اللؤلؤة الفريده
فأرهف السمع لعلي أسمع الحوار
وكان من ندى الخريففي الدجى بروده
تدب منها رعشة في جسدي فأسحب الدثار
وانفرج الغيم فلاحت نجمة وحيده
ذكرت منها نجمتي البعيده
تنام فوق سطحها وتسمع الجرار
تنضح يا وقع حوافر على الدروب
في عالم النعاس ذاك عنتر يجوب
دجى الصحارى ان حي عبلة المزار
فسرت والسماء وجهتي ولا دليل
أرقب نجمها الوحيد والشعاع
يخفت أو يؤج مانعا ومانحا وكالشراع
ترفع أو تحطه الرياح في الصراع
أسرت ألف خطوة أسرت ألف ميل
لم أدر الا أنني أمالمني السحر
الى جدار قلعة بيضاء من حجر
كأنما الأقمار منذ ألف عام
كانت له الطلاء
كأنما النجوم في المساء
سلن عليه ثم فاض حوله الظلام
وسرت حول سورها الطويل
أعد بالخطى مداه مثل سندباد
يسير حول بيضة الرخ ولا يكاد
يعود حيث ابتدأ
حتى تغيب الشمس غشى نورها سواد
حتى اذا ما رفع الطرف رأى وما رأى
حتى بلغت في الجدار موضع العماد
تقوم فيه كالدجى بوابة رهيبه
غلفها الحديد مد حولها نحيبه
أراه بالعيون لا تحسه المسامع(57/282)
وقفت عندها أدق
يا صدى أراجع
أنت من المقابر الغريبه
أحس في الصدى
برودة الردى
أشم فيه غفن الزمان والعوالم العجيبه
من ارم وعاد
وحين كل ساعدي
وملني الوقوف في الظلام
كناسك كعابد
يرفضه الاله في معبده يظل لا ينام
ولا يريد الماء والطعام
يصيح كن على الهوى مساعدي
يا رافع السماء يا موزع الغمام
جلست عند بابها كسائل ذليل
جلست أسمع الصدى كأنه العويل
يلهث خلف حائط من حجر ثقيل
كان بين دقة ودقة يمر ألف عام
وما أجاب العدم الخواء
وحين أوشك الصباح يهمس الضياء
نعست نمت واستفقت مر ألف جيل
الشمس والفلاه
والغيم والسماء
وكل ما أراه
هنالك حيث كان سورها المياه
تشع في الخليج
وقال جدنا ولج في النشيج
ولن أراها بعد ان عمري انقضى
وليس يرجع الزمان ما مضى
سوف أراها فيكم فأنتم الأريج
بعد ذبول زهرتي فان رأى ارم
واحدكم فليطرق الباب ولا ينم
ارم
في خاطري من ذكرها ألم
حلم صباي ضاع آه ضاع حين تم
وعمري انقضى
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في الليل
في الليل
رقم القصيدة : 68111
-----------------------------------
الغرفة موصدة الباب
والصمتعميق
وستائر شباكي مرخاة
رب طريق
يتنصت لي يترصد بي خلف الشباك وأثوابي
كمفزع بستان سود
أعطاها الباب المرصود
نفسا ذربها حسا فتكاد تفيق
من ذاك الموت و تهمس بي و الصمت عميق
لم يبق صديق
ليزورك في الليل الكابي
و الغرفة موصدة الباب
و لبست ثيابي في الوهم
و سريت ستلقاني امي
في تلك المقبرة الثكلى
ستقول اتقتحم الليلا
من دون رفيق
جوعان أتأأكل من زادي
خروب المقبرة الصادي
و الماء ستنهله نهلا
من صدر الارض
الا ترمي
اثوابك و البس من كفني
لم يبل عن مر الزمن
عزريل الحائك اذ يبلى
يرفوه تعال و نم عندي
اعددت فراشا في لحدي
لك يا اغلى من اشواقي
للشمس لامواه النهر
كسلى تجري
لهتاف الديك اذا دوى في الافاق
في يوم الحشر
سآخذ دربي في الوهم
و أسير فتلقاني أمي(57/283)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في انتظار رسالة
في انتظار رسالة
رقم القصيدة : 68112
-----------------------------------
و ذكرتها فبكيت من المي
كالماء يصعد من قرار الارض نز الى العيون دمي
و تحرقت قطراته المتلاحقات لتستحيل الى دموع
يخنقني فأصك اسناني لتنقذف الضلوع
موجا تحطم فوقهن و ذاب في العدم
دخان في القلب يصعد
ضباب من الروح يصعد
دخان ضباب
و انت انخطاف وراء البحار و انت انتحاب
و نوح من القلب كالمد يصعد
ودمع تجمد
و غصت به الاه في الحنجره
ذكرتك يا كل روحي و يا دفئ قلبي اذ الليل يبرد
و يا روضة تحت ضوء النجوم بقداها مزهره
و ذكرت كلتنا يهف بها و يسبح في مداها
قمر تحير كالفراشة و النجوم على النجوم
دندن كالاجراس فيها كالزنابق اذ تعوم
على المياه و فضض القمر المياها
و كأن جسمك زورق الحب المحمل بالطيوب
و الدفء وز المجداف همس في المياه يرن آها
فآها و النعاس يسيل منك على الجنوب
فينام فيه النخل تلتمع السطوح بنومهن إلى الصباح
أواه ما أحلاك نام النور فيك و نمت فيه
و الليل ماء و النباح
مثل الحصى ينداح فيه و أنت أول وارديه
هو الصيف يلثم شط العراق
بغيماته ذاب فيها القمر
و توشك تسبح بيض النجوم لولا برودة ماء النهر
و هف شراع لأضلاعه في الهواء اصطفاق
و غنى مغن وراء النخل
يغمغم يا ليل طال السهر
و طال الفراق
كأن جميع قلوب العراق
تنادي تريد انهمار المطر
و صعدت نحوك و النعاس رياح فاترات تحمل الورقا
لتمس شعرك و النهود به تموت
حينا و تلهث في النوافذ من بيوت
ألقاك في غرفاتها و أشد جسمك فار و احترقا
أني أريدك اشتهيك أمس ثغرك في رساله
طال انتظاري و هي لا تأتي و تحترق الزوارق و التخوت
في ضفه العشار تنفض و هي لاهثة ظلاله
عل الرياح حملن منك لها رسالة
لم تبخلين علي بالورقات بالحبر القليل و سحبه القلم الصموت
إني أذوب هوى أموت
و أحن منك إلى رساله(57/284)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الباب تقرعه الرياح
الباب تقرعه الرياح
رقم القصيدة : 68113
-----------------------------------
الباب ما قرعته غير الريح في الليل العميق
الباب ما قرعته كفك
أين كفك و الطريق
ناء بحار بيننا مدن صحارى من ظلام
الريح تحمل لي صدى القبلات منها كالحريق
من نخلة يعدو إلى أخرى و يزهو في الغمام
الباب ما قرعته غير الريح
آه لعل روحا في الرياح
هامت تمر على المرافيء أو محطات القطار
لتسائل الغرباء عني عن غريب أمس راح
يمشي على قدمين و هو اليوم يزحف في انكسار
هي روح أمي هزها الحب العميق
حب الأمومة فهي تبكي
آه يا ولدي البعيد عن الديار
ويلاه كيف تعود وحدك لا دليل و لا رفيق
أماه ليتك لم تغيبي خلف سور من حجار
لا باب فيه لكي أدق و لا نوافذ في الجدار
كيف انطلقت على طريق لا يعود السائرون
من ظلمة صفراء فيه كأنها غسق البحار
كيف انطلقت بلا وداع فالصغار يولولون
يتراكضنون على الطريق و يفزعون فيرجعون
و يسائلون الليل عنك و هم لعودك في انتظار
الباب تقرعه الرياح لعل روحا منك زار
هذا الغريب هو ابنك السهران يحرقه الحنين
أماه ليتك ترجعين
شبحا و كيف أخاف منه و ما امحت رغم السنين
قسمات وجهك من خيالي
أين أنت أتسمعين
صرخات قلبي و هو يذبحه الحنين إلى العراق
الباب تقرعه الرياح تهب من أبد الفراق
من ليالي السهاد
1- ليلة في لندن
كما ينسل نور خائف من فرجة الباب
إلى الظلماء في غرفة
سمعت هتافه المجروح يعبر نحوي الشرفه
ليرفع من سماوة لندن الليل المطل بلونه الكابي
على الطرقات ترقد في دثار الثلج ملتفه
و أمس سمعت في إيران صوت الديك في الفجر
و من أفق المنائر في الكويت وزرقه البحر
أهاب فرش جفني بالنعاس ( رنين أكواب
بماء البصرة الرقراق تملأ ثم تسقيني )
نداء راح ينثره المؤذن أطفيء الفانوس رف ضياؤه رفه
وبعثره الظلام
و ليلي الأواه في بيروت يحييني
لأبصر فيه وجه الموت راح يذيبه نبع من اللهفه(57/285)
تدفق من فؤاد البلبل المسكوب بين غصون لبلاب
ليال من عذاب من سنام لست أنساها
غريبا كنت حتى حين أحلم لست في جيكور
و لا بغداد أمشي في صحارى قلبي المسعور
يريد الماء فيها ماء أين الماء و هي تريه أفواها
على آفاقها الربداء ظمآى تشرب الديجور
فلا تروى أأقصى العمر في صحراء في ليل من العطش
أفتش عن عيون الماء عن إشراقه الغبش
كأعمى نال منه السكر صاح ورفرفت كفاه بين مساند الماخور
ليبحث عن رفيق أين جاري أين داري أين أواها
أميرتي التي كانت تناولني كؤوس النور
فيبصر قلبي الدنيا و يلقاها
كأن الصبح أشرق في العراق و تعبر الرؤيا
بحارا بي و تطوي ألف درب في الدجى تاها
تراجع عالم و أطل ثان عالم يحيا
على الأقمار تولد ثم تكمل ثم تندثر
و ما لبس الجديد بغير يوم العيد يدخر
ويجمع ثم ينفق ثم يضحك و هو يفتخر
بأن الله يرزق حين يرزق هكذا الدنيا
شتاء ثم صيف ليس في جيكور محتكر
و لا فيها مصارف أو جرائد ليل كوريا
يرى شفقا من النيرا
فالنيران فيها حين تستعر
تضيء لحى الشيوخ يحدثون و أعين النسوه
تحدق في الطعام و ترقب الأطفال في نشوة
أعدني يا إله الشرق و الصحراء و النخل
إلى أيامي الحلوة
إلى داري إلى غيلان ألثمه إلى أهلي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> من ليالي السهاد
من ليالي السهاد
رقم القصيدة : 68114
-----------------------------------
1- ليلة في لندن
كما ينسل نور خائف من فرجة الباب
إلى الظلماء في غرفة
سمعت هتافه المجروح يعبر نحوي الشرفه
ليرفع من سماوة لندن الليل المطل بلونه الكابي
على الطرقات ترقد في دثار الثلج ملتفه
و أمس سمعت في إيران صوت الديك في الفجر
و من أفق المنائر في الكويت وزرقه البحر
أهاب فرش جفني بالنعاس ( رنين أكواب
بماء البصرة الرقراق تملأ ثم تسقيني )
نداء راح ينثره المؤذن أطفيء الفانوس رف ضياؤه رفه
وبعثره الظلام
و ليلي الأواه في بيروت يحييني
لأبصر فيه وجه الموت راح يذيبه نبع من اللهفه(57/286)
تدفق من فؤاد البلبل المسكوب بين غصون لبلاب
ليال من عذاب من سنام لست أنساها
غريبا كنت حتى حين أحلم لست في جيكور
و لا بغداد أمشي في صحارى قلبي المسعور
يريد الماء فيها ماء أين الماء و هي تريه أفواها
على آفاقها الربداء ظمآى تشرب الديجور
فلا تروى أأقصى العمر في صحراء في ليل من العطش
أفتش عن عيون الماء عن إشراقه الغبش
كأعمى نال منه السكر صاح ورفرفت كفاه بين مساند الماخور
ليبحث عن رفيق أين جاري أين داري أين أواها
أميرتي التي كانت تناولني كؤوس النور
فيبصر قلبي الدنيا و يلقاها
كأن الصبح أشرق في العراق و تعبر الرؤيا
بحارا بي و تطوي ألف درب في الدجى تاها
تراجع عالم و أطل ثان عالم يحيا
على الأقمار تولد ثم تكمل ثم تندثر
و ما لبس الجديد بغير يوم العيد يدخر
ويجمع ثم ينفق ثم يضحك و هو يفتخر
بأن الله يرزق حين يرزق هكذا الدنيا
شتاء ثم صيف ليس في جيكور محتكر
و لا فيها مصارف أو جرائد ليل كوريا
يرى شفقا من النيرا
فالنيران فيها حين تستعر
تضيء لحى الشيوخ يحدثون و أعين النسوه
تحدق في الطعام و ترقب الأطفال في نشوة
أعدني يا إله الشرق و الصحراء و النخل
إلى أيامي الحلوة
إلى داري إلى غيلان ألثمه إلى أهلي
2- ليلة في باريس
و ذهبت فانسحب الضياء
أحسست بالليل الشتائي الحزين و بالبكاء
ينثال كالشلال من أفق تحطمه الغيوم
أحسست وخز الليل في باريس و اختنق الهواء
بالقهقهات من البغايا آه ترتعش النجوم
منها طبلور الثريا الملطخ بالدماء
في حانة لمدى السكارى في جوانبها انتضاء
لم يبق منك سوى عبير
يبكي و غير صدى الوداع إلى اللقاء
و تركت لي شفقا من الزهرات جمعها إناء
كالأنجم الزرقاء و الحمراء في أفق به حلم الصغير
أرجعن لي عمر الطفوله يا محارا في غدير
تتفارع الأقداح فيه ترن أجراس كثار
خوخ و أعناب ورمان و تمتليء الجرار
عند الغروب هو الخريف و نحن نسمر حول نار
و كمستفيق في العراء
من حلمه هو شهريار و تلمس الكف الخواء(57/287)
ذهب التراب ورن في الليل النباح أو العواء
عانقت كفك باليدين إلى اللقاء
إلى اللقاء
و ذهبت فانحب الضياء
لو صح وعدك يا صديقه
لو صح و عدك آه لانبعثت وفيقه
من قبرها و لعاد عمري في السنين إلى الوراء
تأتين أنت إلى العراق
أمد من قلبي طريقة
فامشي عليه كأنما هبطت عليه من السماء
عشتار فانفجر الربيع لها و برعمت الغصون
توت و دفلى و النخيل بطلعه عبق الهواء
و هو الأصيل و تلك دجلة
و النواتي الخفاف يرددن
يا ليتني نجم الصباح
آه لأسقط يا حبيبي إذ تنام على الغطاء
أعتل بالبرد ارتجفت فلفني برد الهواء
و هو الأصيل و أنت في جيكور تجتذب الرياح
منك العباءة فاخلعيها
ليس يدثر الضياء
يتماوج البلم النحيل بنا فتنتثر النجوم
من رفة المجداف كالأسماك تغطس أو تعوم
و يحار بين الضفتين بنا كأنا منه في أبد الزمان
زمن و لا ماض يعود له و لا غد كي يسير
إليه تنطفيء النجوم و نحن نحن العاشقان
و ذهبت فانسحب الضياء
لم يبق منك سوى عبير
يبكي و غير صدى الوداع إلى اللقاء
و تركت لي شفقا من الزهرات جمعها إناء
3- ليلة في العراق
و ألهب كل ألواح الزجاج الزرق في الظلماء
فنور غرفتي إيماض برق ثم رش مدراج الأفق
نثار من حطام الرعد فارتعشت له الأصداء
وحف على الدجى غاب من الأمطار و الأزهار و الورق
و كنت أصيح من أرقي
و من مرضي أإريد الماء
و تخنق صوتي الظمآن وهوهة الدجى و الماء
و يعول من بعيد بوق سياره
يجيء إلي عبر الماء في الحاره
يجيء إلي من أعماق بحر شمسه الخضراء
تنث على شراع السندباد أزاهر الشفق
و كنت أصيح من أرقي
ومن مرضي أريد الماء
كأني هذا الكون حيث يسوطني العطش
نواة حولها ارتجف العصير الحلوة في ثمره
و يحرقها صداها
و انتظرت سيغسل الغبشيلني شجرة
تمص الماء يقرع في مداها النسغ
و ألقى البرق أرقص ظل نافذتي على الغرفة
فذكرني بماص من حياتي كله ألم
طفولتي الشقيه و الصبي و شبابي المفجوع تضطرم
مشاعري البريئة فيه كيف يجوع آلاف من الأطفال ملتفه(57/288)
بآلاف الخروق تعربد الريح الشتائية
بها و أظل أحلم بالهوى و الشط و القمر
و تزحم كل درب من دروبي هذه الخوذ الحديدية
و تتبعني عيون الموت من زمر البنادق نز بالشرر
كواها في دروب الجوع ألهث زائغ النظر
و إذ يتمرد الإنسان في على العبودية
أثور على الشيوعية
و لكن البنادق ما تزال عيونها الغضبى
تطاردني لأني غير ربي وحده لم أتخذ ربا
و حين تنفست عند انحسار الليل عشتار
تنفض جرح تموز المدمي تغسل التربا
عن الجنبات منه و حين هد البغي ثوار
أرحت جبيني المحموم
على شباك داري أرقب الدربا
تدفق بالجبال و بالعصي يشدها العار
لتسحب أو تمزق جسم طفل ثغره المحروم
من القبلات و الغنوات و الزاد
ينادي دون صوت
آه يا أمي عرفت الجوع و الآلام و الرعبا
و لم أعرف من الدنيا سوى أيام أعياد
فتحت العين فيها من رقادي لم أجد ثوبا
جديدا أو نقودا لامعات تملأ الجيبا
لأن أبي فقيرا كان
يا لك ثورة تتأكل القلبا
فأصرخ أيها الجبناء كفوا
ثم تزحم دربي الخوذ الحديدية
و تخنق من فم التنور في داري
فألهث في دروب الجوع أطحن من حصاها ثم أعجنه
و أقذفه إلى النار
لأطعم منه زغبا يطلبون الزاد في قر العشيات الشتائية
و يمضي بالأسى عامان ثم يهدني الداء
تلاقفني الأسرة بين مستشفى و مستشفى
و يعلكني الحديد
و من دمي ملأ الأطباء
قناني وزعوني في القناني تصبغ الصيفا
دمائي و الشتاء
و ذات صبح قيل إن الشر قد دحرا
ودك معاقل الطاغوت في بغداد أبطال
فقلت سأوقد القمرا
سراجا عند بابي إنه ظفري أما قالوا
بأن الشر قد دحرا
و عدت إلى بلادي يا لنقلات إسعاف
حمان جنازتي منمددا فيها أئن رأيت ( غيلانا )
يحدق بانتظاري في السماء وغيمها السافي
و ما هو غير أسبوعين ممتلئين أحزانا
و يفجأني النذير بأن أعواما من الحرمان و إلفاقه
ترصد بي هنا في غابة الخوذ الحديدية
غريق في عباب الموج تنحب عنده الغاقة
تئن الريح في سعف النخيل عليه ترثيه(57/289)
قصائده الحزينة بين أوراق من الدفلى أو الصفصاف تبكيه
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> خلا البيت
خلا البيت
رقم القصيدة : 68115
-----------------------------------
خلا البيت لا خفقة من نعال
و لا كركرات على السلم
و أنت على الباب ريح الشمال
و ماتت على كرمه المظلم
تلاشت خطى موكب الدافنين
و من مسجد القرية المعتم
تلوى كما رف فوق السفين
شراع حزين
أذان ( هو الله باق وزال
عن الأرض إلاه ) الله أكبر
و في قبره اهتز كالبرعم
إذا الصبح نور
دفين و أصغى أنين الرمال
و تهويدة الخل ينعس و الليل أقمر
و في بيته الآن خل العويل
و نوح اليتامى و ندب النساء
لقد فتح الآن زهر الشتاء
ليملأ تنوره بالشذى و الضياء
أنار وجوها و أخفى وجوها فسال الأصيل
ينث سنابله الدافئة
و سمراء تصغي إلى الشاي فوق الصلاء
يوسوس عن خيمة في العراء
و عن عيشة هانئة
خلا البيت وانسل لون المغيب
إلى المخدع المقفر
هنا كان يطوي خيوط الدروب
صغيران تطفيء شمس الغروب
بشعرها نار فانوسها الأحمر
إذا ما ارتخت تحت ظل الهجير
جفون يرنق فيها النعاس
أفاءا إلى قصة عن أمير
تخطفه الجن حتى أتى متزلا من نحاس
تلامح شباكه عن أميره
تدلى إليه الضفيره
ليرقى إليها
خلا البيت إلا أنين يابقا
يصعدها شاطيء من حنين
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> جيكور و أشجار المدينة
جيكور و أشجار المدينة
رقم القصيدة : 68116
-----------------------------------
أشجارها دائمة الخضرة
كأنها أعمدة من رخام
لا عرى يعروها و لا صفره
و ليلها لا ينام
يطلع من أحداقه فجره
لكن في جيكور للصيف ألولنه كما للشتاء
حقل يمص الماء
أزهاره السكرى غناء الطيور
ناحلة كالصدى
أنغامه البلور
كأن فيها مدى
يجرحن قلبي فيستترفن منه النور
و تغرب الشمس و هذا المساء
أمطر في جيكور
أمطر ظلا نث صمتا مساء
غاف على جيكور
و الليل في جيكور
تهمس فيه النجوم
أنغامها تولد فيه الزهور
و تخفق الأجنحة(57/290)
في أعين الأطفال في عالم للنوم مرت غيوم
بالدرب مبيضا بنور القمر
تكاد أن تمسحه
تسرق منه الزهر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ها ها هو
ها ها هو
رقم القصيدة : 68117
-----------------------------------
تنامين أنت الآن و الليل مقمر
غانيه أنسام وراعيه مزهر
و في عالم الأحلام من كل دوحة
تلقاك معبر
و باب غفا بين الشجيرات أخضر
لقد أثمر الصمت ( الذي كان يثمر
مع الصبح بالبوقات أو نوح بائع
بتين من الذكرى و كرم يقطر
على كل شارع
فيحسو و يسكر
برفق فلا يهذي و لا يتنمر
رأيت الذي لو صدق الحلم نفسه
لمد لك الفما
و طوق خصرا منك و احتاز معصما
لقد كنت شمسه
و شاء احتراقا فيك فالقلب يصهر
فيبدو على خديك و الثغر أحمر
و في لهف يحسو و يحسو فيسكر
لقد سئم الشعر الذي كان يكتب
كما مل أعماق السماء المذنب
فأدمى و أدمعا
حروب و طوفان بيوت تدمر
و ما كان فيها من حياة تصدعا
لقد سئم الشعر الذي ليس يذكر
فأغلق للأوزان بابا وراءه
و لاح له باب من الآس أخضر
أراد دخولامنه في عالم الكرى
ليصطاد حلما عينيك يخطر
و هيهات يقدر
من النفس من ظلمائها راح ينبع
و ينثال نهر سال فانحل مئزر
من النور عن وضاء تخبو و تظهر
وفي الضفة الأخرى تحسين صوته
فما كان يسمع
كما يشعر الأعمى إذ النور يظهر
يناديك
ها هو هوه
ماء و يقطر
من السعفة النشوى
بما شربت من غيمة نثها نجوى
و أصداء أقدام إلى الله تعبر
و ناديت ها هو هوه لم ينشر الصدى
جناحيه أو يبك الهواء المثرثر
و نادى ورددا
ها هو هوه
و فتحت جفنا و هو ما زال ينظر
ينادي و يجأر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أحبيني
أحبيني
رقم القصيدة : 68118
-----------------------------------
و ما من عادتي نكران ماضي الذي كانا
و لكن كل ممن أحببت قلبك ما أحبوني
و لا عطفوا علي عشقت سبعا كن أحيانا
ترف شعورهن علي تحملني إلى الصين
سفائن من عطور نهودهن أغوص في بحر من الأوهام و الوجد(57/291)
فالتقط المحار أظن فيه الدر ثم تظلني وحدي
جدائل نخلة فرعاء
فابحث بين أكوام المحار لعل لؤلؤة ستبزغ منه كالنجمه
و إذ تدمى يداي و تترع الأظفار عنها لا يتر هناك غير الماء
و غير الطين من صدف المحار فتقطر البسمة
على ثغري دموعا من قرار القلب تنبثق
لأن جميع من أحببت قلبك ما أحبوني
و أجلسهن في شرف الخيال و تكشف الحرق
ظلالا عن ملامحهن آه فتلك باعتني بمأفون
لأجل المال ثم صحا فطلقها و خلاها
و تلك لأنها في العمر أكبر أم لأن الحسن أغراها
بأني غير كفء خلفتني كما شرب الندى ورق
و فتح برعم مثلتها و شممت رياها
و أمس رأيتها في موقف للباص تنظر
فباعدت الخطى و نأيت عنها لا أريد القرب منها
هذه الشمطاء
لها الويلات ثم عرفتها أحسبت أن الحسن ينتصر
على زمن تحطم سور بابل منه و العنقاء
رماد منه لا يذكيه بعث فهو يستعر
و تلك كأن في غمازتيها يفتح السحر
عيون الفل و اللبلاب عافتني إلى قصر و سيارة
إلى زوج تغير منه حال فهو في الحارة
فقير يقرأ الصحف القديمة عند باب الدار في استحياء
يحدثها عن الأمس الذي و لى فيأكل قلبها الضجر
و تلك و زوجها عبدا مظاهر ليلها سهر
و خمر أو قمار ثم يوصد صبحها الإفاء
عن النهر المكرر للشراع يرف تحت الشمس و الأنداء
و تلك و تلك شاعرتي التي كانت لي الدنيا و ما فيها
شربت الشعر من أحداقها و نعست في أفياء
تنشرها قصائدها علي فكل ماضيها
و كل شبابها كان انتظار لي على شط يهوم فوقه القمر
و تنعس في حماه الطير رش نعاسها المطر
فنبهها فطارت تملأ الآفاق بالأصداء ناعسة
تؤج النور مرتعشا قوادمها و تخفق في خوافيها
ظلال الليل أين أصيلنا الصيفي في جيكور
و سار بنا يوسوس زورق في مائة البلور
و أقرأ و هي تصغي و الربى و النخل و الأعناب تحلم في دواليها
تفرقت الدروب بنا نسير لغير ما رجعة
و غيبها ظلام السجن تؤنس ليلها شمعة
فتذكرني و تبكي غير أني لست أبكيها
كفرت بأمة الصحراء(57/292)
ووحي الأنبياء على ثراها في مغاور مكة أو عند واديها
و آخرهن
آه زوجتي قدري أكان الداء
ليقعدني كأني ميت سكران لولاها
و هأنا كل من أحببت قبلك ما أحبوني
و أنت لعله الإشفاق
لست لأعذر الله
إذا ما كان عطف منه لا الحب الذي خلاه يسقيني
كؤوسا من نعيم
آه هاتي الحب رويني
به نامي على صدري أنيميني
على نهديك أواها
من الحرق التي رضعت فؤادي ثمة افترست شراييني
أحبيني
لأني كل من أحببت قبلك لم يحبوني
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> يقولون تحيا
يقولون تحيا
رقم القصيدة : 68119
-----------------------------------
لا حببت لو أن في القلب بقيا
وقد لفه الليل للمشرق
يقولون ما زلت تحيا أيحيا
كسيح إذا قام أعيا
به الداء فانهار لم تخفق
على الدرب منه الخطى يا أساه
و يا بؤس عينيه مما يراه
يقولون تحيا فيبكي الفؤاد
فلو لم يكن خافقا لاستراح
كطير رمى يجر الجناح
و قد مد عبر الربى و الوهاد
بعينيه في دوحة خلف تلك الظلال
سجا عشه فيه زغب جياع
إذا حجب الغيم ضوء الهلال
يقولون هذا جناح أبينا و قد عاد بعد الصراع
بوهرة
بقطرة
من الطل حتى يطل الصباح
كطير رمي يجر الجناح
أقضي نهاري بغير الأحاديث غير المنى
و إن عسعس الليل نادى صدى في الرياح
أبي يا أبي طاف بي و انثنى
أبي يا أبي
و يجهش في قاع قلبي نواح
أبي يا أبي
أبي يا أبي في صفير القطار
أبي يا أبي في صياح الصغار
خفاف الخطى يعبرون الدروب
بلا غاية يقطفون الثمار
و لا يطعمون ابنة جائعة
و لي منزل في سهول الجنوب
إذا كنت أسعى من السابعة
إلى أوبة الطير عند الغروب
فكي أطعم الجائعين
وراء نوافذه شاخصين
إلى الدرب أين الأب المطعم )
أبي يا أبي و الدجى مظلم
و جيكور خلف الدجى و الدروب و خلف البحار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> وغدا سألقاها
وغدا سألقاها
رقم القصيدة : 68120
-----------------------------------
و غدا سألقاها
سأشدها شدا فتهمس بي
رحماك ثم تقول عيناها(57/293)
مزق نهودي ضم أواها
ردفي واطو برعشة اللهب
ظهري كأن جزيرة العرب
تسري عليه بطيب رياها
و يموج تحت يدي و يرتجف
بين التمنع و الرضا ردف
و تشب عند مفارق الشعر
نار تدغدها هو السعف
من قريتي رعشت لدى النهر
خوصاته و تلين لا تدري
أيان تنقذف
و يهيم ثغري و هو منخطف
أعمى تلمس دربه يقف
و يجس نهداها
يتراعشان جوانب الظهر
تصطك سوف تبل بالقطر
سأذوب فيها حين ألقاها
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ليلة وداع
ليلة وداع
رقم القصيدة : 68121
-----------------------------------
أوصدي الباب فدنيا لست فيها
ليس تستأهل من عيني نظرة
سوف تمضين و أبقى أي حسرة
أتمنى لك ألا تعرفيها
آه لو تدرين ما معنى ثواني في سرير من دم
ميت الساقين محموم الجبين
تأكل الظلماء عيناي و يحسوها فمي
تائها في واحة خلف جدار من سنين
و أنين
مستطار اللب بين الأنجم
في غد تمضين صفراء اليد
لا هوى أو مغنم نحو العراق
و تحسين بأسلاك الفراق
شائكات حول سهل أجرد
مدها ذاك المدى ذاك الخليج
و الصحارى و الروابي و الحدود
أي ريش من دموع أو نشيج
سوف يعطينا جناحين نرود
بهما أفق الدجى أو قبة الصبح البهيج
للتلاقي
كل ما يربط فيما بيننا محض حنين و اشتياق
ربما خالطه بعض النفاق
آه لو كنت كما كنت صريحة
لنفضنا من قرار القلب ما يحشو جروحة
ربما أبصرت بعض الحقد بعض السأم
خصلة من شعر أخرى أو بقايا نغم
زرعتها في حياتي شاعره
لست أهواها كما أهواك يا أغلى دم ساقي دمي
إنها ذكرى و لكنك غيرى ثائرة
من حياة عشتها قبل لقانا
وهوى قبل هوانا
أوصدي الباب غدا تطويك عني طائرة
غير حب سوف يبقى في دمانا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أغنية بنات الجن
أغنية بنات الجن
رقم القصيدة : 68122
-----------------------------------
شعورنا بللها المطر
و أشعل القمر
فيها فوانيس فيا قوافل الغجر
بشعرنا اهتدى
سيري إلى السحر
سيري إلى الغد
نحن بنات الجن لا ننام
نهيم في الظلام(57/294)
على ذرى التلال أو نركض في المقابر
نعشق كل عابر
نسمعه أغاني الشباب و الغرام
إن نزلت صبية فيها من البشر
و أوحشتها وحدة القبور أو دجنة الحفر
سرت أغانينا إليها تعبر التراب
تقول إن عريت فالثياب
تنسجها عناكب الشجر
و كل خيط من خيوطها يرن كالوتر
نامي إلى أن يؤذن القدر
و يحشر الموتى إلى الحساب
حبيبك الوفي مس ثغره ابتسام
فقد رأى سواك
بل رآك في قوامها الندي كالزهر
و هدبها و مقلتيها أشعل الهيام
في عينه السهر
رآك فيها فاشتهاك ليته انتظر
نلوح للطفل فراشات من الشعاع
تخفق في ذوائب الشجر
و يلمح العاشق في عيوننا الوداع
إذ يصفر القطار أو يصفق الشراع
و نحن للشاعر إن شعر
نلوح في الدخان و العقار
ننشد فلك سندباد ضل في البحر
حتى أتى جزيرة يهمس في شطآنها المحار
يهمس عن مليكة يحبها القمر
فلا يغيب عن سماء دارها النضار
فيهتف الشاعر خذنني إلى حماها
لأنني أهواها
لأنني القمر
و جن و انتحر
شعورنا بللها المطر
و يرشف القمر
منها إلى أن يقبل السحر
نركض في المقابر
نضل كل شاعر
و كل من عبر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> جيكور أمي
جيكور أمي
رقم القصيدة : 68123
-----------------------------------
تلك أمي و إن أجئها كسيحا
لأثما أزهارها و الماء فيها و الترابا
و نافضا بمقلتي أعشاشها و الغابا
تلك أطيار الغد الزرقاء و الغبراء يعبرن السطوحا
أو ينشرن في بويب الجناحين كزهرة يفتح الأفوافا
ها هنا عند الضحى كان اللقاء
و كانت الشمس على شفاهها تكسر الأطيافا
و تسفح الضياء
كيف أمشي أجوب تلك الدروب الخضر فيها و أطرق
الأبوابا
أطلب الماء فتأتيني من الفخار جره
تنضح الظل للبرود الحلو قطرة
بعد قطره
تمتد بالجرة لي يدان تنشران حول رأسي الأطيابا
هالتي تلك أم (وفيقة ) أم ( إقبال )
لم يبق لي سوى أسماء
من هوى مر كرعد في سمائي
دون ماء
كيف أمشي خطاي مزقها الداء كأني عمود
ملح يسير
أهي عامورة الغوية أو سادوم
هيهات إنها جيكور(57/295)
جنة كان الصبي فيها و ضاعت حين ضاعا
آه لو أن السنين السود قمح أو ضخور
فوق ظهري حملتهن لألقيت بحملي فنفضت جيكور
عن شجيراتها ترابا يغشيها و عانقت معزفي ملتاعا
يجهش الحب به لحنا فلحنا
و لقاء فوداعا
آه لو أن السنين الخضر عادت يوم كنا
لم نزل بعد فتيين لقبلت ثلاثا أو رباعا
و جنتي ( هالة ) و الشهر الذي نشر أمواج الظلام
في سيول من العطور التي تحمل نفسي إلى بحار عميقة
و لقبلت برعم الموت ثغرا من وفيقة
و لأوصلتك يا ( إقبال ) في ليلة رعد و رياح وقتام
حاملا فانوسي الخفاق تمتد الظلال
منه أو تقصر إذ برعش في ذاك السكون
ذلك الصمت سوى قعقعة الرعد
سوى خفق الخطى بين التلال
و حفيف الريح في ثوبك أو وهوهة الليل مشى بين
الغصون
و لعانقتك عند الباب ما أقسى الوداع
أه لكن الصبى و لى و ضاع
الصبى و الزمان لن يرجعا بعد
فقري يا ذكريات و نامي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> يا غربة الروح
يا غربة الروح
رقم القصيدة : 68124
-----------------------------------
يا غربة الروح في دنيا من الحجر
و الثلج و القار و الفولاذ و الضجر
يا غربة اروح لا شمس فأئتلق
فيها و لا أفق
يطير فيه خيالي ساعة السحر
نا تضيء الخواء البرد تحترق
فيها المسافات تدنيني بلا سفر
من نخل جيكور أجني داني الثمر
نار بلا سمر
إلا أحاديث من ماضي تندفق
كأنهن حفيف منه أخيلة
في السمع باقية تبكي بلا شجر
يا غربة الروح في دنيا من الحجر
مسدودة كل آفاقي بأبنية
سود و كانت سمائي يلهث البصر
في شطها مثل طير هده السفر
النهر و الشفق
يميل فيه شراع يرجف الألق
في خفقه و هو يحثو كلما ارتعشا
دنيا فوانيس في الشطين تحترق
فراشة بعد أخرى تنشر الغبشا
فوق الجناحين حتى يلهث النظر
الحب كان انخطاف الروح ناجاها
روح سواها له من لمسة بيد
ذخيرة من كنوز دونما عدد
الحب ليس انسحاقا في رحى الجسد
و لا عشاء وخمرا من حمياها
تلتف ساق بساق و هي خادرة
تحت الموائد تخفي نشوة البشر(57/296)
عن نشوة الله من همس و من سمر
في خيمة القمر
يا غربة الروح لا روح فتهواها
لولا الخيالات من ماضي تنسرب
كأنها النوم مغسولا به التعب
لم يترك الضجر
مني ابتساما لزوج سوف ألقاها
إن عدت من غربة المنفى هو السحر
و الحلم كالطل ميتلا به الزهر
يمس جفنين من نور و ينسكب
في الروح أفرحها حينا و أشجاها
تسللت طرقتي للباب تقترب
من وعيها و هو يغفو ثم تنسحب
و نشر الحلم أستارا فأخفاها
ورف جفناها
حتى كأن يدي
إذ تطرق الباب مست منهما واها
من دق بابي أهذا أنت يا كبدي
و ذاب من قبلتي ما خلف السهر
في عينها من نعاس فهي تزدهر
كوردة فتحت للفجر عيناها
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أم كلثوم و الذكرى
أم كلثوم و الذكرى
رقم القصيدة : 68125
-----------------------------------
و أشرب صوتها فيغوص من روحي إلى القاع
و يشعل بين أضلاعي
غناء من لسان النار يهتف سوف أنساها
و أنسى نكبتي بجفائها و تذوب أوجاعي
و أشرب صوتها فكأن ماء بويب يسقيني
و أسمع من وراء كرومه و رباه ها ها هو
ترددها الصبايا السمر من حين إلى حين
و أشرب صوتها فكأن زورق زفة و أنين مزمار
تجاوبه الدرابك يعبران الروح في شفق من النار
يلوح عليه ظل وفيقة الفرعاء أسود يزفر الآها
سحائب من عطور من لحون دون أوتار
و أشرب صوتها فيظل يرسم في خيالي صف أشجار
أغازل تحتها عذراء أواها
على أيامي الخضراء بعثرها وواراها
زواج ليت لحن العرس كان غناء حفار
و قرعا للمعاول و هي تحفر قبري المركوم منه القاع بالطين
و أذكرها و كيف ( و جسمها أبقى على جسمي
عبيرا منه دفئا غلف الأضلاع ) أنساها
أأنساها أأنسى ضحكة رعشت على لحمي
و أعصابي و كفا مسحت وجهي برياها
قساة كل من لاقيت لا زوج ولد
و لا خل و لا أب أو أخ فيزيل من همي
و لكن ما تبقى بعد من عمري و ما الأبد
بعمري
أشهر و يريحني موت فأنساها
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> كيف لم أحببك
كيف لم أحببك
رقم القصيدة : 68126(57/297)
-----------------------------------
كيف ضيعتك في زحمة أيامي الطويلة
لم أحل الثوب عن نهديك في ليلة صيف مقمرة
يا عبير التوت من طوقيهما مرغت وجهي في خميله
من شذى العذراء في نهديك
ضيعتك آه يا جميلة
إنه ذنبي الذي لن أغفره
كيف لم أحببك يا لهفة ما بعد الأوان
في فؤاد لم تكوني فيه إلا جذوة في مجمره
شعرك الأشقر شع اليوم شمشا في جنابي
يتراءى تحتها ساقاك يا للزنبق
رف من ساقيك
آه كيف ضيعتك يا سرحة خوخ مزهره
آه لو عندي بساط الريح
لو عندي الحصان الطائر
آه لو رجلاي كالأمس تطيقان المسير
لطويت الأرض بحثا عنك
لكن الجسورا
قطعتها بيننا الأقدار مات الشاعر
في و انسدت كوى الأحلام
أه يا جميله
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أسير القراصنة
أسير القراصنة
رقم القصيدة : 68127
-----------------------------------
أجنحة في دوحة تخفق
أجنحة أربعة تخفق
و أنت لا حب و لا دار
يسلمك المشرق
إلى مغيب ماتت النار
في ظله و الدرب دوار
أبوابه صامته تغلق
جيكور في عينيك أنوار
خافته تهمس
مات الصبي
لم تبق آثار
من فجره و انفرط المجلس
فالتل لا ساق و لا سامر باق و سمار
و أراهم في سفحة الموحش المهجور حفار
و تحسد الشحاذ إن لاحا
يمشي على عكازه البالي
مشلولة رجلاك مشدودة عيناك بالآل
و ألف درب دونك انداحا
يدعوك أن تقطعه في الدجى
و تقطف الأثمار عن جانبيه
و أنت لا تملك غير الشجى
و دمعة تجري اشتياقا إليه
عامان من نزع بلا موت
و أنت ما كنت سوى صوت
صوت يدوي في قلاع الرياح
يا ليتك المشا في صمت
لا عازف القيثار باسم الجراح
و أنت في سفينة القرصان
عبد أسير دون أصفاد
تقبع في خوف و إخلاد
تصغي إلى صوت الوغى و الطعان
سال الدم
اندقت رقاب و مال
ربانها العملاق
وقام ثان بعده ثم زال
فامتدت الأعناق
لأي قرصان سيأتي سواه
و أي قرصان ستعلو يداه
حينا على الأيدي
و ليأت من بعدي
من بعدي الطوفان
تسمعها تأتيك من بعد
يحملها الأعصار عبر الزمان(57/298)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> نسيم من القبر
نسيم من القبر
رقم القصيدة : 68128
-----------------------------------
نسيم الليل كالآهات من جيكور يأتيني
فيبكيني
بمب نفثته أمي فيه من وجد و أشواق
تنفس قبرها المهجور عنها قبرها الباقي
على الأيام يهمس بي تراب في شراييني
ودوزد حيث كان دمي و أعراقي
هباء من خيوط العنكبوب و أدمع الموتى
إذا ادكروا خطايا في ظلام الموت ترويني
مضى أبد و ما لمحتك عيني
ليت لي صوتا
كنفح الصور يسمع وقعه الموتى هو المرض
تفك منه جسمي وانحنت ساقي
فما أمشي و لم أهجرك إني أعشق الموتا
لأنك منه بعض أنت ماضي الذي يمض
إذا ما اربدت الآفاق في يومي فيهديني
أما رن الصدى في قبرك المنهار من دهليز مستشفى
صداي أصيح من غيبوبة التخدير أنتقض
على ومض المشارط حين سفت من دمي سفا
و من لحمي أما رن الصدى في قبرك المنهار
و كم ناديت في أيام سهدي أو ليلليه
أيا أمي تعالي فالمسي ساقي و اشفيني
يئن الثلج و الغربان تنعب من طوى فيه
و بين سريري المبتل حتى القاع بالأمطار
و قبرك تهدر الأنهار
و تصطخب البحار إلى القرار يخضها الإعصار
أما حملت إليك الريح عبر سكينة الليل
بكاء حفيدتيك من الطوى و حفيدك الجوعان
لقد جعنا و في صمت حملنا الجوع و الحرمان
و يهتك سرنا الأطفال ينتحبون من ويل
أفي الوطن الذي آواك جوع ؟ أيما أحزان
تؤرق أعين الأموات
لا ظلم و لا جور
عيونهما زجاج للنوافذ يخنق الألوان
هناك لكل ميت منزل بالصمت مستور
و لكنا هنا عصفت بنا الأقدار من ظل
إلى ظل و من شمس إلى شمس يغيب النور
على شرفات بيت ضاحكات ثم يشرق و هي أطلال
و يخفق حيث كركر أمس أطفال
صرير للجنادب هامسات إنه المقدور
تصدع برج بابل منه و انهدمت صخور السور
أما حملت إليك الريح عبر سكينة الليل
بكاء حفيدتيك من الطوى يعلو من السهل
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في المستشفى
في المستشفى
رقم القصيدة : 68129(57/299)
-----------------------------------
كمستوحد أعزل في الشتاء
و قد أوغل الليل في نصفه
أفاق فأوقظ عين الضياء
و قد خاف من حقنه
أفاق على ضربة في الجدار
هو الموت جاء
و أصغى أذاك انهيار الحجار
أم الموت يحسو كؤوس الهواء
لصوص يشقون دربا إليه
مضوا ينقبون الجدار
و ظل يعد انهيار التراب
ووقع الفؤوس على مسمعيه
يكاد يحس التماع الحراب
و حزاتها فيه يا للعذاب
و ما عنده غير محض انتظار
هو الموت عبر الجدار
كذاك انكفأت أعض الوساد
و أسلمت للمشرط القارس
قفاي المدمى بلا حارس
بغير اختياري طبيبي أراد
لقد قص مد المجس الطويل
لقد جره الآن أواه عاد
و لا شيء غير انتظار ثقيل
ألا فاخرقوا يا لصوص الجدار
فهيهات هيهات مالى فرار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سلوى
سلوى
رقم القصيدة : 68130
-----------------------------------
ظلام الليل أوتار
يدندن صوتك الوسنان فيها و هي ترجف
يرجع همسها السعف
و ترتعش النجوم على صداه يرن قيثاره
بأعماق السماء ظلام هذا الليل اوتار
و كم عبر الخليج ألي و الأنهار و الترعا
يدغدغ بيض أشرعة يهيم وراءها القمر
و ينشج بينها المطر
وأوغل في شعاب البرق يرجف كلما لمعا
ليحمل من قرارة قلبك ا لآلام و الفزعا
أشم عبيرك الليلي في نبراتك الكسلى
يناديني و يدعوني
ألى نهدين يرتعشان تحت يدي و قد حلا
عرى الأزرار من ذاك القميص و يملأ الليلا
مشاعل في زوارق في عرائش في بساتين
شذى الليمون يصرع كل ظل في دواليها
أراك على السريسر و أنت بين الليل و الفجر
يكاد النجم في الشباك و المصباح في الخدر
يمسها النعاس و أنت رنبقة حواشيها
ينبهها هتاف الديك يعبر ضفة النهر
و يهمس بي صدى سلوى
تغني كل سلوى في خيالي تكشف الأضواء عنها
و هي تبتسم
صديقة كل فحل من سدوم في يد قلم
يسطر في الجريدة انها تهوى و لا تهوى
هي امرأتان في امرأه و يسرب في دمي ضرم
و جارتنا الصببية في حرير النوم تنسرب
يشف الثوب عن نهديت طو ديين كم رجفا(57/300)
من الأحلام تحت يد تعصر بردها لهب
لها من فورة العذراء عطر يرتخي يثب
يمازج نفخ ما نفخ الحشيش يسيل مرتجفا
وألمح في سماء الصيف عبر تماوج الشجر
سماوة لندن المنهل فيها الثلج كالمطر
و نافذة تعلق في الظلام زجاجها الألق
و مدفأة وراء الليل تحترق
و أسمع من يحدث عن هوى سلوى و يرقب طلعة السحر
و أشعلت الظهيره نارها في الشارع الممتد بين حدائق
النارج و العنب
و أصدت في رحاب المترل الخالي
خطى سلوى و أرخيت الستائر يا لشلال
من الألوان و الخدر البرود
و مسها لهبي
فارعش كل عرق في صباها كل ما عصب
و يزرع ألف غاب للنخيل غناؤك المكسال
ترقرقت الجداول بينهن و أزهر الليمون
و أنسام الربيع تمر تنثر زهره في مائها السلسال
كما حمل الوجوه ألي ماء غنائك المكسال
و يحملني النعاس ألى جزائر في مدى محزون
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> متى نلتقي
متى نلتقي
رقم القصيدة : 68131
-----------------------------------
ألايأكل الرعب منا الضلوع
أذا ما نظرنا ألى ظل تينه
فلاحت لنا من ظلام قلوع
تهدهدها غمغمات حزينه
ألايأكل الرعب منا الضلوع
ألاتتحجر منا العيون
أذا لاح في الليل ظل البيوت
هزيلا كما ينسج العنكبوت
ألا تتحجر منا العيون
و يلمع فيها بريق الجنون
و بألامس كنا يذيب العناق
دما في دم
كنوز ونارسناواحتراق
يجولان في مترل مظلم
و لكن ما بيننا كان بحر
تغنيك امواحه العاتيه
سنرعاك من قلعة شد منها حديدوصخر
فما الحب هدم لجدرانك العاليه
ولكن ما بيننا كان بحر
وصحراء تنشج فيها النجوم
و لا نلتقي في دجى او صباح
تموت على رملها عاصفات الرياح
و تأكل عين الدليل التخوم
وصحراء تنشج فيها النجوم
وطارت بي الريح عبر البحار
ألى الليل و الثلج و المجهل
فصرنا الا واقع لا نحار
بألغازه فاسألي
و طارت بي الريح عبر البحار
أما من لقاء لنا في الزمان
بلى حينما تفهمين اللقاء
فيأوى ألى اللوحة المغرقان
يشدانها يرفعان الدعاء
ألانجنا يا اله الدعاء(57/301)
ألايأكل الرعب منا الضلوع
أذا ما نظرنا ألى ضل تينه
فلاحت لنا من ضلام قلوع
تهدهدها غمغمات حزينه
ألايأكل الرعب منا الضلوع
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أظل من بشر
أظل من بشر
رقم القصيدة : 68132
-----------------------------------
يا رب لو و جدت على عبدك بالرقاد
لعله ينسى
من عمره الأمسا
لعله يحلم أنه يسير دونما عصا و لا عماد
ويذرع الدروب في السحر
حتى تلوح غابة النخيل
تنوء بالثمر
بالخوخ والرمان والاعناب فيها يعصر الأصيل
رحيقه المشمس أو تألق القمر
يدخلها فيختفي تحت ذوائب الشجر
ويقطف الجنى
علق في رمانة عصاه وانثنى
يأكل أو يجمع الزهر
حتى أذا ما انطلقا
وراح يطوي الطرقا
أحس أو ذكر
بأنه بلا عصا سار وما شعر
يا رب لو جدت على عبدك بالرقاد
لأنه يذكره السهر
بأنه أقل من بشر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> القن و المجرة
القن و المجرة
رقم القصيدة : 68133
-----------------------------------
و لولا زوجتي و مزاجها الفوار لم تنهد أعصابي
و لم ترتد مثل الخيط رجلي دونما قوة
و لم ترتج فهو يسحبني إلى هوه
و لا فارقت أحبابي
و لا خلفت اودسيوس يضرب في حبي الغاب
و تقذفه البحار إلى سواها دونما مرسى
هناك تركته و طويت عنه كتابي المهجور
سأكمل سفرتي معه ستحملني إلى جيكور
سيفته و لن أنسى
بأن وراء رغو البحر قلبا هده القلق
و عينا كلما زرع الغروب حدائق الديجور
بأنجمها الصبايا شد من حملاقها الشفق
على الأفق البعيد لعل خفقا من شراع أو سنا مصباح
على اللجج الضواري لاح
فأه لو كبنلوب الحزينه زوجتي تترقب الأنسام
لعل جناح طياره
كمحراث من الفولاذ شقق بينها الأثلام
ليزره ثم أزهاره
ألا تبا لحب هذه الآلام من عقباه
كأن شفاهنا حين التقت رسمت من القبل
سريرا نمت فيه أنث منه الآه بعد الآه
و عكازا عليه مشيت ثم هويت من ثقل
كأن حجارة السور الذي ما بيننا قاما
لها من هذه القبلات طين شدها شدا(57/302)
أدهرا كان أم سبعا من النكبات أعواما
و لكن ما عليها من جناح كنت معتدا
بذهني أو شبابي
سوف أصهرا أغيرها كطين في يد الفنان
و قد غيرت لكن الذي غيرت ماذا كان
فؤادا ضيقا كاللحد كيف أوسع اللحدا
و نفسا حدها بين السرير و بين قائمة الحساب كأنها قن
من الأقنان
مداه يمد بين البيت و الحقل
حبالا قيدت قدميه و هو يردد الألحان
و لم يك يفهم الكلمات ( ليس لقطرة الطل
مكان إذ يجوع البطن يا لتلهف الظمآن
أترويه المجرة و هي بحر هكذا زعموا على الشطآن
منه تناثرت كسر الكواكب فهي كالرمل
هنالك و المحار أكل هذا يشبع الجوعان
و لكني أحن فهل أعود غدا إلى أهلي
نعم سأعود
أرجع لا إليها بل إلى غيلان
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> عكاز في الجحيم
عكاز في الجحيم
رقم القصيدة : 68134
-----------------------------------
و بقيت أدور
حول الطاحونة من ألمي
ثوارا معصوبا كالصخرة هيهات تثور
لكني أعجز عن سير ويلاه على قدمي
و سريري سجني تابوتي منفاي إلى الألم
و إلى العدم
و أقول سيأتيني يوم من بعد شهور
أو بعد سنين من السقم
أو بعد دهور
فأسير على قدمي
عكاز في يدي اليمنى
عكاز بل عكازان
تحت الإبطين يعينان
جسما من أوجاع يفنى
طللا يغشاه مسيل دم
و أسير أسير على قدمي
لو كان الدرب إلى القبر
الظلمة و الدود الفراس بألف فم
يمتد أمامي في أقصى أركان الدنيا في نحر
أو واد أظلم أو جبل عال
لسعيت إليه على رأسي أو هدبي أو ظهري
و شققت إلى سقر دربي و دحورت الأبواب السودا
و صرخت بوجه موكلها
لم تترك بابك مسدودا
و لتدع شياطين النار
تقتص من الجسد الهاري
تقتص من الجرح العاري
و لتأت صقورك تفترس العينين و تنهش القلبا
فهنا لا يشمت بي جاري
أو تهتف عاهرة مرت من نصف الليل على داري
بيت المشلول هنا أمسى لا يملك أكلا أو شربا
و سيرمون غدا بنتيه وزوجته دربا
و فتاه الطفل إذا لم يدفع مترا كم إيجار
انثرني ويك أباديدا
و افتح بابك لا تتركه أمام شقائي مسدودا(57/303)
و لتطعم جسمي للنار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> لوي مكنيس
لوي مكنيس
رقم القصيدة : 68135
-----------------------------------
أتى نعيه اليوم جاب الديار
و جاب المحيطات حتى أتاني
فلم تجر بالأدمع المقلتان
فقد غاغلت من دمي في القرار
أبي مات لم أبك حزنا عليه
و إن جن قلبي
من الهم و انهد شوقا إليه
نعته إلينا مجله
نهاة مقال حزين
نعته لنا آدميا مؤله
سماواته الشعر يصرخ بالغافلين
و أحسست بالشوق ( المدمنين
إلى جرعة من طلى ظامئين
إلى شعره
لأحرق قربان وجد و حب
فؤادي في جمرة
و لكن ديوانه
دفينا غدا بين أكداس كتب
تلص العناكب ألوانه
و يقرأه الصمت للآخرين
و من لي بإخراج كنز دفين
تهاوى عليه الحجار
كسيح أنا اليوم كالميتين
أنادي فتعوي ذئاب الصدى في القفار
كسيح
كسيح و ما من مسيح
و تقرع للصدى في الضباب
أمن بعد عشرين مثل الحراب
يمزقن جنبي مثل النضال
ارجى ادكارا لأبياته
وهل يتذكر طفل ملامح أمواته
وقد بعثرتها صروف الليالي
و بين المحبين زوجين عادا
يدحرج شاي الصباح
صحارى يضيع الصدى في دجاها الفساح
و عند المساء تقوم الجريدة
جدارا يدقانه بالأكف الوحيدة
فتضحك إذ يضربان الرياح
و ما بين زوجي و بيني خواء
فليت الصحارى و ليت الجدار
توحد ما بين زوجي و بيني ببرد الشتاء
وصمت الحجار
و يا ليتي مت إن السعيد
من اطرح العبء عن ظهره
وسار إلى قبره
ليولد في موته من جديد
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> حميد
حميد
رقم القصيدة : 68136
-----------------------------------
حميد أخي في البلاء الكبير
فقد كان مثلي كسيحا
يدب بكرسيه مستريحا
تساءلت عنه فقالوا يسير
على قدميه فقد عاد روحا
لقد مات
يا ويلنا للمصير
ينام ورجلاه مطويتان
شهوودا على الداء في قبره
إذا ما رأى الله رأي العيان
وقد سار زحفا على صدره
فأي انسحاق و أي انكسار
يشعان من عينه الضارعة
سيبكى له الله من رحمة و اعتذار
و في الساعة السابعة(57/304)
إذا ذرت الريح ورد الغروب
سأجلس في الشرفة الخالية
و من تحتي الدرب يخفق مأى يذوب
ألوف من الأرجل الماشية
إلى أي مبغى وراء الدروب
و خمارة في الدجى نائية
إلى اللغو و القهقهات الكذوب
و ألمح فيما وراء الظلال
حميدا و كرسية في الخيال
فتخنقني اللوعة الباكية
فأواه لو توقدين الشموع
لدى مسجد القرية المترب
تمد من النور خيطا تعلق فيه الدموع
و لو تضرعين مع المغرب
إلى الله يا رب رفقا بطفلي الصغير
و ابق أباه
و جنبه يا رب هذا المصير
و لكنني مت واحسرتاه
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> المعمول الحجري
المعمول الحجري
رقم القصيدة : 68137
-----------------------------------
رنين المعمول الحجري في المرتج من نبضي
يدمر في خيالي صورة الأرض
ويهدم برج بابل يقلع الأبواب يخلع كل آجره
ويحرق من جنائنها المعلقة الذي فيها
فلا ماء ولا ظل ولا زهره
وينبذني طريدا عند كهف ليس تحمي بابه صخره
لا تدمي سوادالليل نار فيه يحييني وأحييها
يا كواسر يا أسود ويا نمور ومزقي الانسان
اذ أخذته رجفة ما يبث الليل من رعب
فضحجي بالزئير وزلزلي قبره
دماغي وارث الأجيال عابر لة الأكوان
سيأكل مته داء شل من قدمي وشديدا على قلبي
كلام ذاك أصدق من نبؤة أي عراف
تريه مسالك الشهب
حمى الأسرار تطلعه على المتربص الخافي
اذا نطق الطبيب فأسكتوا العراف والفوال
رنين المعول الحجري يزحف نحو أطرافي
سأعجز بعد حين عن كتابة بيت شعر في خيالي جال
فدونك يا خيال مدى وآفاق وألف سماء
وفجر من نجومك من ملايين الشموس من الأضواء
وأشعل في دمي زلزال
لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الاعياء
خوالج كل نفسي ذكرياتي كل أحلامي
وأوهامي
وأسفح نفسي الشكلى على الورق
سيقرأها شقي بعد أعوام وأعوام
ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا
وآلى رغم وحش الداء والآلام والأرق
ورغم الفقر أن يحيا
ويا مرضي قناع الموت أنت وهل ترى لو أسفر الموت
أخاف ألا التكشير الصفراء والثقبين(57/305)
حيث امتصت العينين
جحافل من جيوش الدود يجثم حولها الصمت
تلوح لناظري ودع الدماء تسح من أنفي من الثقبين
فأين أبي وأمي أين جدي أين آبائي
لقد كتبوا أساميهم على الماء
ولست براغب حتى بخط اسمي على الماء
وداعا يا صحابي يا أحبائي
اذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراء
ولا فهو محض اسم تبد بين اسماء
وداعا يا أحبائي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في غابة الظلام
في غابة الظلام
رقم القصيدة : 68138
-----------------------------------
عيناي تحرقان غابة الظلام
بجمرتيهما اللتين منهما سقر
ويفتح السهر
مغالق الغيوب لي فلا أنام
وأسير الأرض الى قرارهاالسحيق
ألم في قبورها العظام
فطالعتني كالسراج في لظى الحريق
تكشيرة رهبية رهبية
تليحها جمجمتي الكتيبه
سخرية الالهبالأنام
عيناي من سريري الوحيد
تحدقان في المدى البعيد
الليل وحش تطعنانه مع النجوم
بخنجريهما وخنجر السحر
الليل خترير الردى العنيد
يشق خنجراهما اهابه الغشوم
لأامح العراق مرغ القمر
على ترابه البليل ضوءه الحزين
وقلتا غيلان تومضان بالحنين
يرقب من فراشه ذوائب الشجر
أمضه السهاد عذبته زحمة الفكر
أين من الطفولة السهاد والفكر
عيناه في الظلام تسريان كالسفين
بأي حقل تحلمان أيما نهر
بعودة الأب الكسيح من قرارة الضريح
أميت فيهتف المسيح
من بعد أن يزحزح الحجر
هلم يا عازر
عيناه لظى وريح
تحرق في أضالعي مضارب الغجر
أليس يكفي أيها الآله
أن الغناء غابي الحياه
فتصبغ الحياة بالقتام
تحلني بلا ردى حطام
سفينة كسيرة تطفو على المياه
هات الردى أريد أن أنام
بين قبور أهلي البعثره
وراء ليل المقبره
رصاصة الرحمة يا اله
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> رسالة
رسالة
رقم القصيدة : 68139
-----------------------------------
رسالة منك كاد القلب يلثمها
لولا الضلوع التى تثيه أن يثبا
رسالة لم الورد مشتعلا
فيها ولم يعبق النارنج ملتهبا
لكنها تحمل الطيب الذي سكرت(57/306)
روحي به ليل بتنا نرقب الشهبا
في غابة من دخان التبغ أزرعها
وغابة من عبير منك قد سربا
جاءت رسالتك الخضراء كالسعف
بل الحيا منه و الأنسام و المطر
جاءت لمرتجف
على السرير وراء الليل يحتضر
لولا هواك وبقيا فيه من أسف
أن لم يرو هواه منك فهو على الطين ينتظر
سفينة يتشهى ظلها النهر
فيها الشفاء هو الربان و القدر
فيها المغني
لكان مما عراه الداء ينتحر
جاءت تحدثني عني
عن شهقة الصيف في جيكور يحتضر
عن صوت أغربة تبكي و أصداء
تذر الظلمة الصفراء في السعف
و عن بنات لآوى خلف منعطف
تعوي فتهتف أم أين أبنائي
و تنفض الدرب عيناها و تهتف
يا محمود علوان
لا رد و لا خبر
و يا حديثك عن آلاء يلذعها
بعدي فتسأل عن بابا أما طابا
أكاد أسمعها
رغم الخليج المدوي تحت رغوته
أكاد ألثم خديها و أجمعها
في ساعدي
كأني أقرع البابا
فتفتحين
و تخفي ظلنا الستر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ليلة انتظار
ليلة انتظار
رقم القصيدة : 68140
-----------------------------------
يد القمر الندية بالشذى مرت على جرحي
يد القمر الندية مثل أعشاب الربيع لها إلى الصبح
خفوق فوق وجهي كف طفلتي الصغيرة كف آلاء
و همس حول جرحي كف الكبيرة كف غيداء
تدغدغني و نحن على السرير معا على السطح
هناك و آه من ذاك المدى النائي
لأقرب منه مجمرة الثريا و هي تلتهب
بعيد يوم فيه أمشي دون عكاز على قدمي
يئست من الشفاء يئست منه و هدني التعب
و حل الليل ما أطويه من سهر إلى سهر و من ظلم إلى ظلم
و لكن اليد النديانة الكسلى ترش سنابل القمح
على درب من الهمسات في حلم
بلا نوم يرف على جفوني ثم يحشوهن بالملح
غدا تأتين يا إقبال يا بعثي من العدم
و يا موتي و لا موت
و يا مرسى سفينتي التي عادت و لا لوح على لوح
و يا قلبي الذي إن مت أتركه على الدنيا ليبكيني
و يجأر بالرثاء على ضريحي و هو لا دمع و لا صوت
أحبيني إذا أدرجت في كفني أحبيني
ستبقى حين يبلى كل وجهي كل أضلاعي(57/307)
و تأكل قلبي الديدان تشربه إلى القاع
قصائد كنت أكتبها لأجلك في دواويني
أحبيها تحبيني
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> نفس و قبر
نفس و قبر
رقم القصيدة : 68141
-----------------------------------
نفسي من الآمال خاوية
جرداء لا ماء و لا عشب
ما أرتجيه هو المحال و ما
لا أرتجيه هو الذي يجب
قدر رمى فأصاب صادية
في الجو خرت و هي تنتحب
من ذا يعيد إلى قوادمها
أفق الصباح تضيئه السحب
صلب المسيح فأي معجزة
تأتي و أي دعاء ملهوف
ستزيح أبواب السماء له
أغلاقها حبل من الليف
هيهات يرقى للسماء به
ليهز عرش الله تخريفي
مولاي مشلول فتحدجني
عين الملاك و أي ملهوف
لا يشتكي لله محنته
إرجع لبيتك دون إبطاء
فبأي آمال أعيش إذن
و أدب حيا بين أحياء
لولا مخافة أن يعاقبني
عدل السماء لعنت آبائي
و لعنت ما نسلوا و ما ولدوا
من بائسين و من أذلاء
الدودة العمياء يلسعها
برد يقلصها و يطويها
أواه لو ترضى تبادلني
عيشي بعيش كاد يفنيها
و لو استجاب الله صرخة ذي
بلوى لصحت و خير ما فيها
موت يجيء كأنه سنة
و يمس آلامي فينهيها
كم ليلة قمراء يطفئها
ليل النجوم و دورة الشهر
محسوبة ويلاه من عمري
و هي التي ضاعت على عمري
و ثلاثة خضراء أربعة
نثرت أزهارها و ما أدري
يا ليتها بغد تعوضني
فتمر باكية على قبري
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> إقبال و الليل
إقبال و الليل
رقم القصيدة : 68142
-----------------------------------
و ما وجد ثكالي مثل وجدي إذا الدجى
تهاوين كالأمطار بالهم و السهد
أحن إلى دار بعيد مزارها
وزغب جياع يصرخون على بعد
و أشفق من صبح سيأتي و أرتجي
مجيئا يجلو من اليأس و الوجد
الليل طار و نهاري حين يقبل بالقصير
الليل طال نباح آلاف الكلاب من الغيوم
ينهل ترفعه الرياح برن في الليل الضرير
و هتاف حراس سهارى يجلسون على الغيوم
الليل و اعشاق ينتظرون فيه على سنا النجم الأخير
يا ليل ضمخك العراق(57/308)
بعبير تربته و هدأة مائه بين النخيل
إني أحسك في الكويت و أنت تثقل بالأغاني و الهديل
أغصانك الكسلى و يا ليل طويل
ناحت مطوقة بباب الطاق في قلبي نذكر بالفراق
في أي نجم مطفأ الأنوار يخفق في المجرة
ألقت بي الأقدار كالحجر الثقيل
فوق السرير كأنه التابوت لولا أنه ودم
يراق
في غرفة كالقبر في أحشاء مستشفى حوامل
بالأسة
يا ليل أين هو العراق
أين الأحبة أين أطفالي وزوجي و الرفاق
يا أم غيلان الحبيبة صوبي في الليل نظرة
نحو الخليج تصوريني أقطع الظلماء وحدي
لولاك ما رمت الحياة و لا حننت إلة الديار
حببت لي سدف الحياة مسحتها بسنا النهار
لم توصدين الباب دوني بالجواب القفار
وصل المدينة حين أطبقت الدجى و مضى النهار
و الباب أغلق فهو يسعى في الظلام بدون قصد
و خوض في الظلماء سمعي تشده
بجيكور آهات تحدرن في المد
بكاء و فلاحون جوعى صغارهم
تصبرهم عذراء تحنو على مهد
يغني أساها خافق النجم بالأسى
و تروي هواها نسمة الليل بالورد
أين الهوى مما ألاقي و الأسى مما ألاقي
يا ليتني طفل يجوع يئن في ليل العراق
أنا ميت ما زال يحتضر الحياة
و يخاف من غده المهدد بالمجاعة و الفراق
إقبال مدي لي يديك من الدجى و من الفلاه
جسي جراحي و امسحيها بالمحبة و الحنان
بك ما أفكر لا بنفسي مات حبك في ضحاه
و طوى الزمان بساط عرسط و الصبي في
العنفوان
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ليلى
ليلى
رقم القصيدة : 68143
-----------------------------------
قرب بعينيك مني دون اغضاء
و خلني أتملى طيف أهوائي
أبصرتها كادت الدنيا تفجر في
عينيك دنيا شموس ذات الاء
أبصرت ليلى فلبنان الشموخ على
عينيك يضحك أزهار لأضواء
إني سألثمها في بؤبؤيك
كمن
ليلى هواي الذي راح الزمان به
و كاد يقلت من كفي بالداء
حنانها كحنان الأم دثرني
فأذهب الداء عن قلبي و أعضائي
أختي التي عرضها عرضي و عفتها
تاج أتيه به بين الأخلاء
عرفتها فعرفت الله عن كثب
كأن في مقلتيها درب إسرائي(57/309)
ليلى هواي مناي شعري
روحي الأعز علي من روحي و آمالي و عمري
حملت ضفيرتها هواي كأنها أمواج نهر
حملته نحو مدى السماء
نحو المجرة و النجوم و نحو جيكور الجميلة
فأنا فتى أتصيد الأحلام يا لك من فراشات خضيلة
أتصيد الأشعار فيها و القوافي و الغناء
أو تذكرين لقاءنا في غرفة للداء فيها
ظل كظل الليل يخنق ساكنيها
لكننا بالشعر حولناه زرعا من ضياء
بالحب أزهر و اللقاء
ما كان أحلى حبنا العربي حبي كثير و جنون قيس
التبغ صحرائي أهيم على رفارفها الحزينة
و هناك نبني خيمتين من التأسي
ليلى مناد دعا ليلى فخف له
نشوان في جنبات القلب عربيد
كسا النداء اسمها سحرا وحببه
حتى كأن اسمها البشرى أو العيد
هل المنادون أهلوها و إخوتها
أم المنادون عشاق معاميد
إن يشركوني في ليلى فلا رجعت
جبال نجد لهم صوتا و لا البيد
ليلى تعالي نقطع الصحراء في قمراء حلوة
متماسكين يدا إلى يد من نحب
و ترن في الأبعاد غنوة
للرمل همس تحت أرجلنا بها للرمل قلب
يهتز منها أو ينام و للنخيل با أنين
و تهرعن بعد كلاب يا لغيم من نباح
هيهات يعشقه سوى غبش الصباح
فأنا و أنت نسير حتى تتعبين
ماء أريد أليس في الصحراء غير صدى و طين
و تكركر الصحراء عن ماء وراء فم الصحور
فأظل بالكفين أسقيك المياه فترتوين
أسقي صداك فترتوين
أو تذكرين لقاءنا في كل فجر
و فراقنا في كل أمسية إذا ما ذاب قرص
الشمس في البحر العتي
تأتين لي و عبير زنبقة يشق لك الطريق فأي عطر
و تودعين فتهبط الظلماء في قلبي و يطفيء نوه القمر الوضي
فكأن روحي ودعتني و استقلت عبر بحر
و أظل طول الليل أحلم بالزنابق و العبير
و حفيف ثوبك و الهدير
يعلو فيغرق ألف زنبقة و ثوب من حرير
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> على الرابية
على الرابية
رقم القصيدة : 68144
-----------------------------------
وحيدا هناك على الرابية
جلست أبث الدجى ما بيه
أعدد أيامي الذاهبات
فأبكي لأيامي الباقية
و جددت الحزن لي دمعة(57/310)
محيرة بين أهدابية
عرفت بها قصتي في الحياة
و تضليل روحي و آمالية
لها بين عيني و بين الثرى
مسيل على زجنة ذاوية
فلي مثلها سفرة في غد
و لي مثلها قصة دامية
شكوت إلى الليل جور الح
اة فارتد يشكو أذاها ليه
فقال و إني أسير و تلك
النجوم المضيئات أغلاليه
فقلت و روحي بذل الأسار
رمتها قوى الجسد العاتية
فما خفقات فؤادي سوى
رنين سلاسلها القاسية
شكوت إلى الليل جور الغرام
فأرسل آهاته الباكية
فقال و أني أحب النهار
و يعشق أطرافي الساجيه
كلانا يفتش عن إلفه
و كل تفرق في ناحية
فقلت و في القلب من حبه
نواظر تحلم بالراعية
قسيمي بما أشتكيه الدجى
فهيهات أن أشتكى ثانية
و مرت على و جنتي الصبا
مكفكفة أدمعي الجارية
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> رثاء جدتي
رثاء جدتي
رقم القصيدة : 68145
-----------------------------------
أسلمتني أيدي القضا للشحون
إذ قضى من يردني لسكوني
و رمى سهمه بقية آمالي
فخرت صريعة من عيوني
وودعت أذنه توالي أنغامي
و آبت إلى الفناء لجوني
جدتي
و هي كل ما خلف الدهر
من الحب و المنى و الظنون
و رجاء بدا فالهمني الص
فو و خفت أنواره لحنيني
قد فقدت الأم الحنون فأنس
تني مصاب الأم الرؤوم الحنون
كم تحملت في حياتك سقما
ود قلبي لو أنه يعتريني
تتلوين في مهاد المنايا
و تغيبين في عذاب الأنين
و تضجين بالدموع سجاما
و تطوفين في بحار السنين
ثم آب السفين بعد طواف
خاليا عودة الكسير المهين
تاركا في البحار عذب أغا
نيه لها بالمياه أي رنين
يا لها ليلة و قد عادت الر
وح إلى ربها و دنيا اليقين
فزعت كل مهجة لأساها وار
تمى الفكر فوق صدر الشجون
و انجلى الفجر حاملا بين
كفيه سعيرا عذابه يصليني
جاء بأخلفه نوى و بعادا
لا يرجى اللقاء فيه بحنين
رفعوا نعشها و نحن حيارى
و الدموع الغزار ملء العيون
أيها القبر كن عليها رحيما
مثلما ربت اليتامى بلين
أيها القلب هل تلام شمالي
و التي تفعل الذنوب يميني(57/311)
لا تلمني فلست قد علم الله
أرد القضاء لو يأتيني
ولم الموت و الزمان الذي
يسلب ما ترتجيه غير صنين
جدتي من أبث بعدك شكواي
طواني الأسى وقل معيني
أنت يا من فتحت قلبك
بالأمس لحبي أوصدت قبرك دوني
فقليل عي أن أذرف الدمع
و يقضي علي طول أنيني
ليتني لم أكن رأيتك من
قبل و لم ألق منك عطف حنون
آه لو لم تعوديني على العطف
و آه لو لم أكن أو تكوني
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سراج
سراج
رقم القصيدة : 68146
-----------------------------------
أراع يطويي بحار الظلام
أو سراج في غرفة المستهام
شاحب الضوء يرقب الشاعر
السهران تبكيه نائبات الغرام
خافق مثل فلبه حين يطغى
راعش مثل دمعه في انسجام
أعليه لنجمة الصبح وعد
بلقاء فبات نضو سقام
فهو نبع تحت الظلام فريد
لو روى قلب ظاميء من أوام
و هو أرجوحة الظلام و ظل
حركته أنامل الأنسام
و جناح يبيت ينتظر الفجر
خفوق بغصنه المتسامي
مر طيف من الحبيبة يهفو
للقاء المعذب المستضام
فطواه اللظى وبات دخانا
يطرق الليل نفحة من قتام
فرويدا كفى السراج اعتسافا
انه غال رائع الأحلام
بأسى الليل باحتراق الفراشات
بدمع من النفوس الظوامى
بسهاد الفتى بما بين جنبيه
بما للنجوم من آلام
رحمة أيها السراج بمن أحص
يت آهاته وراء الظلام
لا تسامره إنه شاعر ضل
بدنيا الخيال و الأوهام
أذان الصبح أن يلوح فدعه
يسعد الطرف لحظة بمنام
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> على الشاطيء
على الشاطيء
رقم القصيدة : 68147
-----------------------------------
بين رفات أحلامي التي تكسرت أجنحتها و أحرقتها نار الخيبة و بين ضباب من الأوهام من الأوهام يكتنفني ووسط سكون رهيب لا يعكره إلا أنات قلبي الجريح جلست على الشاطيء أترقب عودتك و لكن ... هيهات
على الشاطيء أحلامي
طواها الموج يا حب
و في حلكة أيامي
غذا نجم الهوى يخبو
عزاء قلبي الدامي
و ذا الفجر بأنواره
رمى الليل و أطيافه
شذا الطير بأوكاره(57/312)
و هز الورد أعطافه
و في غمرة أوهامي
و في يقظة آلامي
بكى محبوبه القلب
عزاء قلبي الدامي
و عن بعد سرى زورق
فهل فيه التي أهوى
و ذا قلبي جوى يحرق
عسى أن يجد السلوى
و من آهات أنغامي
أتتني رمية الرامي
مضى الزورق يا رب
عزاء قلبي الدامي
و في موكب أحلامي
تسير الشمس للغرب
فيشكو فلبي الظامي
إليها لوعة الحب
فيا ربه إلهامي
و يا تسبيح أيامي
لك القلب مضى يصبو
فردي بعض أحلامي
تقضي الليل فالفجر
و لكن هل أتت هند
خلا من طيفها النهر
فأين الحب و العهد
سدى قضيت أعوامي
على شطآن أوهامي
و لا صفو و لا قرب
فردي بعض أحلامي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> شهداء الحرية
شهداء الحرية
رقم القصيدة : 68148
-----------------------------------
شهيد العلا لن يسمع اللوم نادبه
و ليس يرى باكيه من قد يعاتبه
طواه الردى فالكون للمجد مأتم
مشارقه مسودة و مغاربه
فتى قاد أبناء الجهاد إلى العلا
و قد حطمت بأس العدو كتائبه
فتى همه أن يبلغ العز موطن
غدا كل باغ دون خوف يواثبه
فتى يعرف الأعداء فتكة سيفه
قد فتحت فتحا مبينا مضاربه
فتى ما جنى ذنبا سوى أنه انتضى
حساما بوجه الظلم ما لان جانبه
إذا ذكروا في جحفل الحرب يونسا
مشى الموت للأعداء حمرا سبائبه
لقد باع للعرب النفوس ثلاثة
فقروا و دمعي لا تقر غواربه
فآة على من ودع الصحب و اغتدى
على يونس فليطلق الدمع حاجبه
و آه على نسر أهيض جناحه
و كم ملأت أفق العراق عصائبه
لئن غيبوا جثمان محمود في الثرى
فما غيبوا المجد الذي هو كاسبه
و لهفي عى فهمي و ما كان خطبه
يهون و إن هانت لديه مشاربه
شهيد رأى الطغيان يغزو بلاده
فهب وقاد العزم جندا يحاربه
أيشنق من يحمي الديار بسيفه
و تغدو على كسب المعالي ركائبه
رجال أباه عاهدوا الله أنهم
مضحون حتى يرجع الحق غاصبه
أراق عبيد الإنكليز دماءهم
فيا ويلهم ممن تخاف جوالبه
أراق عبيد الإنكليز دماءهم
و لكن دون الثأر من هو طالبه
أراق ربيب الأنجليز دماءهم(57/313)
و لكن في برلين ليثا يراقبه
رشيد و يا نعم الزعيم لأمة
يعيث بها عبد الإله و صاحبه
لأنت الزعيم الحق نبهت نوما
تقاذفم دهر توالت نوائبه
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أذكريني
أذكريني
رقم القصيدة : 68149
-----------------------------------
قبس من نور قلبي مشرق في ناظريك
فهما مهد الهوى إن الهوى غاف لديك
و هما نبع المنى إن المنى في مقلتيك
كل ما يغري و يصبي هاتف في نظرتيك
فاذكريني و اذكري قلبا بكى بين يديك
شعلة من دم حبي كمنت في شفتيك
فاجعليني لفظة بينهما تحنو عليك
و لنعانق ذكريات الحب دوما أصغريك
كم نهلنا من أقداحه في وجنتيك
وصدى القبلة تخفيه جنان ذات أيك
قد محا أيامنا الدهر فهل تبقى لديك
آه لو كنت بقربي إنني أصبو إليك
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> إليك شكاتي
إليك شكاتي
رقم القصيدة : 68150
-----------------------------------
ليرك لم يخفق فؤادي و لا هفا
بجنبي فلب ضارب في التفجع
ولا ذرفت عيناي دمعا إذا جرت
بوادره طاف اشتياقي بمدمعي
فرحماك لا تستترفي دمع ناظري
فدمعي إذا ما هاجني الشوق مفزعي
يسير بأحلامي لوديان حبها
فترتد بالطيف الحبيب لمضجعي
به أذكر الحب القديم فإن نأى
تبينت في فقد الحبيبين مصرعي
ولولا خيال في الدجى منك عادني
لذاب مع الأنفاس قلب بأضلعي
فيا نفحة للحب ملء جوانحي
و يا نبأة للوحي طافت بمسمعي
إليك شكاتي فامسحي من أضالعي
سطور جوى فوق الفؤاد بأدمع
إلى أفق أحلامي ففي سرحاته
لنا موعد يحلو فخفي له معي
هناك لروحنا على الحب ملتقى
يزوقه طهر الهوى المتضوع
و ما الحب إلا يقظة بعد هجعة
فلا تجعليه صحوة المتفجع
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> يوم السفر
يوم السفر
رقم القصيدة : 68151
-----------------------------------
من لقلبي على اقدر
قضي الأمر بالسفر
آه لو أنه مضى
معهم يتبع الأثر
أترى كان ينثني
عن محبيه لو قدر
من معيبي على الغرام
إذا ضج أو زخر(57/314)
زحم القلب موجة
فعنا القلب و انقهر
أسفا زورق المنى
وسط أمواجه اندثر
أقبلت فتنة الفؤاد
و في عينها الخبر
عبرات على التراب
تهاوين في ضجر
إنها خمرة الغرام
سقينا بها الحجر
يوم أن لاح انها
لحرام على البشر
إنه يومنا الأخير
عن الفرقة انحسر
خلديه بقبلة
تصرف الهم و الكدر
لذة تنتقي و ذكرى
ستبقى مدى العمر
لن أرى جنة الهوى
لا ولن أقطف الثمر
من شفاه حوالم
برؤى اللثم كالزهر
و بعيد عن البلوغ
لقاء و إن قصر
قد جلت ساعة الوداع
شتاتا من الصور
أدمع فابتسامتان
فيأس فمصطبر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> همسك الهاني
همسك الهاني
رقم القصيدة : 68152
-----------------------------------
خيالك أضحى لابسا من فؤاديا
رداء موشى بالرؤى البيض حاليا
و كنت كذاك الطائر الخادع الذي
يراه رعاة البهم في المرج هاويا
فيعدون بين العشب و الزهر نحوه
و إن رعاة قاربوه طار جذلان شاديا
فما زال في إسفافه و انطلاقه
فلا هو بالنائي و لا كان دانيا
و ما زال يلهي راعيا عن قطيعه
و مزماره حتى يضل المساريا
و إنك قد أشغلتني صانك الهوى
عن الشعر لما أن تبعتك راضيا
و إن على مرآة شعري سحابة
لأنفاسك الولهى تغشى المرائيا
و إن رغب الروح انطلاقا أعاقه
صدى روحك الرخو الجناحين داعيا
و همسك ألهاني فما بت سامعا
لحون إله الشر أو بت واعيا
و قيثارتي ما شأنها و أناملي
بشعرك باتت عابثات لواهيا
ألا يتسنى يا ابنة الحب ساعة
لروحي أن ترقى النهود العواريا
فتلمح من عليائها أفق فتنة
يوافيه إشعاع من الحب زاهيا
سأهتف بالأشعار إما رأيته
و أستقبل الإلهام سهلا مواتيا
متى حومت في أفق ثغرك قبلة
يصعدها ثغري فقد زال ما بيا
و عدت لرب الشعر جذلان سامعا
حفيف جناحيه ينادي خياليا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أغنية السلوان
أغنية السلوان
رقم القصيدة : 68153
-----------------------------------
تباعدنا فلا حزن على ما ضاع من قرب(57/315)
و ليس الحب إلا الرحلة استلت قوى القلب
و هل يلقي انتهاء السفر الملاح في كرب
إذا ما راح يطوي اليم نحو الشاطيء الخصب
نفضنا قطرات الوصل بين الورد و العشب
إذا ما اهتزت الزهرة ألقت بالندى العذب
و أفردنا و في الإفراد بعض الخير للصب
تعيش الزهرة الفيناء في المنبسط الرحب
و تقضي وحشة الأيام بالتحديق في السحب
تنام على وسادة الشوك نائة عن الترب
و لا ترمقها عين فتنجو من أذى العطب
و إما زهرتان استوتا جنبا إلى جنب
سرت نجواهما تنسل بين العطر في السهب
فتسمعها الفراشات وراء التل و الشعب
فتضرب في الفضاء الرحب نحو المنبت الرطب
إذا ما ركض الطفل وراء فراشة السرب
فلاذت بصدور الزهر بعد الحوم و الجوب
فشأن الزهرتين القطف و الإذعان للخطب
عناق الحب فاجأه هوي المنجل الغضب
فيا للقبلة المشلولة الأصداء بالرعب
و كنا لوحتى نافذة في هيكل الحب
فلو لم نقترق لم ينقذ النور إلى القلب
و كنا كجناحي طائر في الأفق الرحب
فلولا النشر و التفريق لارتد إلى الترب
و لولا لم نبتعد لم تسم نفسانا عن الذنب
و كنا شفتي هذا القضاء مفرق الصحب
فلو ننفرج لم تضحك الأقدار من كربي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الذكرى
الذكرى
رقم القصيدة : 68154
-----------------------------------
أطللت من نافذة الذكريات
على رياض القدم الحالمات
و لي زمان عرضت لي به
أجمل حلم أبدعته الحياة
أركض في أمحائها لاهيا
مع الفراشات بمس النبات
وأسهر الليلة مع جدول
مرتعش للنسم الفاترات
يا لهفي إن وراء الربى
صوتا دعاني هو صوت الرعاة
و كيف آتيك جنان الهوى
يوما ودوني حجب مانعات
دعا صباباتي لضفاته
غدير ذكرى مائج الأمنيات
حدقت في أمواجه ساعة
مستطلعا أغواره المبهمات
أرى ظلال السحب تقبيله
مرت على جبهته في أناة
و السحب هل أنكرتها إنها
كانت نهيرا شاعري اللهاة
ملء فروع الدوح ألحانه
سكرى على قرع كؤوس الحصاو
نمنا على أعشاب ضفاته
مختلسين القبل المسكرات(57/316)
نحو الغدير العذب مدت يدي
تلمس فيه السحب العائمات
فانفجرت منها فقاعاته
في إثر أتراب لها سابقات
إني سمعت الحور في همسة
مسحورة أصداؤها عاتبات
تلك عقود الحور بعثرتها
فهل أتتك المتع الذاهبات
و صرخة الأطفال من غوره
يا أيها القاسي فجرت الكرات
ودوحة الذكرى تسلقتها
مجتذبا أغصانها المزهرات
مستقصيا ما بينها فجوة
تمر منها النسم الهائمات
أبصرت منها ذكريات الصبا
على نجيل المرج مستلقيات
و البحر يسعى دونها زافرا
فالموج آهات حطمن الصفاة
يا مرج هل تذكرني راعيا
أعبد فيك الله و الراعيات
و البحر ما كان سوى جدول
ينير في الليل سبيل الرعاة
فما دهاه اليوم حتى غدا
ملحا أجاجا بعد عذب فرات
أحقبة نضجر من طولها
و إنها طرفة عين الحياة
قالت الدوحة لا تبتئس
ستهبط المرج ففيم الشاكاة
هاك جناحين فطر وائته
و استوح فيه المتع الطارئات
و قدمت بين دموع الندى
فرعين من أغصانها المورقات
غنى الخريف الغاب ألحانه
فانتثرت أوراقه راقصات
وقبل أن أدرك ما أبتغي
ذوي جناحاي مع الذاويات
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> تنهدات
تنهدات
رقم القصيدة : 68155
-----------------------------------
سعف النخيل على الممر تهدل
و أحجب بظلك ما يراه المجتلى
من كنت أحذر أن تحجب طيفها
عن ناظري نزلت بأبعد منزل
سيان عندي اليوم قفر موحش
و ظلال روض مستطاب المنهل
فسل النسائم أن تكف عن السرى
ما للفؤاد بسيرها من مأمل
إن أقبلت بشذى الزهور و لم يكن
عطر الحبيبة فيه فلتتحول
أبدا تذكرني المروج بمن نأت
وربابة الراعي تهيج الشوق لي
في كل زاوية نظرت رأيت من
آثارها ما خلفته لمقلتي
فإذا سهوت على ثغاء قطيعها
يشكو أساه بلوعة و تذلل
قد ودعته فما شفاه وداعها
من حرقة في صدره لم ترحل
ألقت بمسمعه ثمالة شدوها
فرنا بغرب دموعها المترسل
حففت لو ودعتها بعض الأسى
و مسحت بعض دموع قلب مثقل
و الدوح عصفره الخريف ورده
كالعاشق المتحرق المتذلل
نشر الأصيل عليه عمق سكونه(57/317)
فمضى يحن لأغنيات البلبل
فكأنما الورقات مرآة له
تجلو اصفرار سمائه للمجتلي
أأروح و هو يظلني و حبيبتي
و أعوذ وحدي وهو غير مظللي
سعف النخيل سواك خان مودتي
و بقيت تحفظها لمن لا ينسلي
أشكو إليك أذى الفؤاد و إن تكن
لا ترجع الشكوى لصب مبتلى
تمضي الحبيبة و الزمان كلاهما
و أظل أندبها و تصغي أنت لي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> تحية القرية
تحية القرية
رقم القصيدة : 68156
-----------------------------------
شفني من ربوعك النضرات
فتنة تستعيدها نظراتي
في رياض النخيل يجمع فيها الفجر
شمل الضياء بعد شتات
فإذا الروض فتنة تتجلى
من صناع الأنامل المبدعات
أخذت جليها الطبيعة فيه
وبدت في غلائل عطرات
توجت بالزهور مفرقها
الجدول رب الخمائل الهامسات
و انثنت تستحث ماشطة الريح
و تبدي النجيل للماشطات
و المروج الحسان هامت عليها
حرق من تنهدات الرعاة
و العذارى بين الربى يتهادين
ندي النوار و الزهرات
و الغدير الوسنان ظلله الكرم
و اصبى امواجه الموهنات
منظر تستخف ألوانه الطير
فتزجي ألحانها الساحرات
و هدوء الحقول تلقى لديه
النفس ما ترتجيه من غايات
فهو نور يهدي سفائن فكاري
ألى ما وراء بحر الحياة
قترى المبدع المصور فيما
حولها من جنائن موثقات
في ابتسام الرياض للمد و الجزر
لطوفان عذبى النغمات
يحملان الحديث عن مرقص البحر
و حور الشواطىء اللاعبات
و عن الشط و النخيل السكارى
في الليالي القمراء و المظلمات
رنحتها الأنسام لما سقتها العطر
في أكؤس الندى المترعات
وقروط الأغداق تهتز أغراق
لفلك شوارع جاريات
صور تسجد النفوس لديها
وتضج القلوب بالصلوات
أينما دار ناظري طالعتني
فتنة تستعيدها نظراتي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> يا ليل
يا ليل
رقم القصيدة : 68157
-----------------------------------
ليت الليالي تنسي قلبي الألما
و النجم ينبئها عني بما علما
لعينيك يا ليل سر لا تبوح به
أغمضت عنه عيون الناس فانكتما(57/318)
إلا عيوني ما أغمضت ساهدها
فبتن يرقبن منك النوء و الظلما
قد اتقيت أذاها فاستثرت لها
دمعا لهت فيه عما فيك منسجما
صحبت فيك سرى الأحلام مفزعها
و عذبها فطويت الغور و الأكما
فما التقتيت بمن أهوى أتحسبها
يقظى لديك فما أهدتها حلما
و هل نعمت من الدنيا برؤيتها
أما احترقت فأفزعت النجوم أما
ألم تخنك الدراري مذ شغفن بها
و كيف وارين غرب الدمع حين هما
ترى هل الأرض مأواها و موطنها
أم السماء نمتها فهي بنت سما
من السنا و الندى و الزهر منزلها
على الثرى من ندي الغيم قد رسما
إن الأهلية شيء من أرائكها
و الفجر مرآتها ما رف مبتسما
و ساءلتك و غرب الدمع سامرها
عني فألفتك قد أوليتها صمما
فردت الطرف نحو الغيم حائرة
فارتد بارقة يجلو لها الظلما
وهزت الأفق السهران باحثة عني
وبت أهز القلب مضطرما
فما نجومك و هي النيرات سوى
آثار أقدامها تروي لك الألما
و ما أغانيك و هي الخالدات سوى
أشتات قلبي تروي حبه نغما
أما سئمت من الآهات نرسلها
نارا و قلبك من قلبي أما سئما
ضم الفؤادين لم تبق النوى بهما
ما يستطيع حياة إن هما انصرما
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> خيالك
خيالك
رقم القصيدة : 68158
-----------------------------------
لظلك لو يعلم الجدول
على العذب من مائه منزل
يمر به القلب مر الغريب
و يهفو له الحب و المأمل
بأفيائه تحلم الذكريات
و يشدو الخيال و يسترسل
وقفت حزينا لدى الضفتين
و حولي زهور المنى تذبل
وقد رف ظلك فوق المياه
وجالت بأعطافه الشمأل
ففي الموج مما رأى هزة
يحار لها الشاطيء الممحل
و سرحت عيني في مقلتين
يسدد سهميها الجدول
غرام فهل تنكرين الغرام
وحب و هل منه لي موئل
تمنيت لو كنت ريحا تمر
على ظل و لهى فلا تعذل
و يستأسر الموج إغراؤها
و ترديدها النائح المرسل
فتمضي و يمضي به للسماء
غماما بأرجائها يرفل
فأخلو بظلك بين النجوم
وقد جال فيها الدجى المسبل
ففي كل تقبيلة نجمه
تغور أو كوكب يذهل(57/319)
خيالك من أهلي الأقربين
أبر و إن كان لا يعقل
أبي منه قد جردتني النساء
و أمي طواها الردى طواها الردى المعجل
و ما لي من الدهر إلا رضاك
فرحماك فالدهر لا يعدل
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أغنية الراعي
أغنية الراعي
رقم القصيدة : 68159
-----------------------------------
دعي أغنامنا ارعى حيال المورد العذاب
و هيا نعتلي الربوة يا فاتنة القلب
فنلقى تحتنا الوديان في ليل من العشب
خيالانا به طيف من الآمال و الحب
خطايا تبعث الذكرى بقلب الورد و الزهر
سيبقى في غد منها صدى ينساب في النهر
و في الأنداء ما ذابت على وقع خطى الفجر
و في أغنية الرعيان ما بين الربى الخضر
سئمنا العالم الفاني و الناس و مرعانا
لقد سجنوا بأغلال من الأنظار نجوانا
سننشد في أمان من عيون الناس مأوانا
ضعي يدك الجميلة في يدي و لنذهب الآنا
و من أثواب قطعانك يا ريحانة العمر
نحوك شراع زورقنا و نطوي لجة العمر
نغني الموج أغنية الرعاة على الربى الخضر
لقيثار روى أنغامه عن ربه الشعرا
نؤم جزيرة منسية في بحرها النائي
طوى الموج بشطيها جناحيه بأعياء
إليها أومأ المجداف لما ضلها الرائي
و أضحى دمعه يرسم أقمارا على الماء
سنبني كوخنا تحت الغصون بجانب النبع
و نملؤه بما شئناه من زهر و من شمع
و أنغام رواها الوتر السكران بالدمع
و عطر قطفت أزهاره من ذلك الجذع
ستهوي شفتانا فيه نحو القبلة الأولى
فيصغي في صداها خافق ما زال مبتولا
إلى همس المجاديف طواها الليل تقبيلا
إلى نجوى الينابيع بروض بات مطلولا
تعالي نهجر الآثام و الناس و دنيانا
لأرض سبقتنا نحوها بالسير روحانا
هناك نرى المنى و الحب و الأحلام ترعانا
ضعي يدك الجميلة في يدي و لنذهب الآنا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> المساء الأخير
المساء الأخير
رقم القصيدة : 68160
-----------------------------------
برب الهوى يا شمس لا تتعجلي
لعلي أراها قبل ساع الترحل(57/320)
سريت فأفق الغرب يلقلك باسما
طروبا و أفق الشرق بادي التذلل
كأن السنا إذ فارق الأرض و اعتلى
رؤوس الروابي و النخيل المسبل
أحاسيس أخفاها الفؤاد وصانها
زمانا ففاضت من عيون و مقول
و صفصافة مخضوبة الرأس بالسنا
تراع بزفزاف من الريح معول
تبين كعذراء من الريف أقبلت
بجرتها من دافق الماء سلسل
نعى لي و للناس النهار ( مؤذن )
وقد كان ينعي لي قؤادي و مأملي
تمنيته لا يسمع الصوت أخرسا
تمنيت لو يهوي إلى الأرض من عل
ألا وقرت آذان من يسمعونه
بأشلاء قلب في ضلوعي مقتل
ألا نثرت من تحت أقدامه أسى
حجارة ذاك المسجد المتبتل
أطرت عصافير الربى حين غادرت
كأن بتغريد العصافير مقتلي
رأيت بها بدهر مجنح
فأبغضت أشباه العدو المنكل
كأنى به لما يمد جناحه
يمد لأكباد الورى حد فيصل
ألا ليت عمر اليوم يزداد ساعة
ليزداد عمر الوصل نظرة معجل
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> شاعر
شاعر
رقم القصيدة : 68161
-----------------------------------
كفن بالأوراق آهاته
وارتد يرثيها بآياته
واستأسرت أبياته روحه
فطاف يبكي حول أبياته
غنى ليصطاد حبيباته
فاصطاد أسماء حبيباته
إن تبك عينيه صباباته
أبكي عيونا بصباباته
ساعاته في شعره خلدت
ما باله يندب ساعاته
و هو إذا ما أن من لوعة
رجع كل الكون أناته
إن دس تحت الترب جثمانه
وكف قلب بين طياته
خلف قلبا بين أشعاره
يسمع من في الأرض دقاته
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> مقطع بلا عنوان
مقطع بلا عنوان
رقم القصيدة : 68162
-----------------------------------
و أي خير في الهوى كله
إن كنتما بالحب لا تعلمان
يا زهرتي قد مت يا زهرتي
آه على من يعشق الأقحوان
لولا التي أعطيت سحر اسمها
ما بت استوحيك سحر البيان
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> رثاء القطيع
رثاء القطيع
رقم القصيدة : 68163
-----------------------------------
لقد حدثوني بموت القطيع
فشدت على القلب كف الألم(57/321)
رأيتك تبكين بين الثرى
و تستصرخين رعاة الغنم
و حولك سرب من الراعيات
يخففن عنك الضنى و السأم
أما أرقت عين هذا التراب
دموع لها فوقه منسجم
من الأعين الحور ينبوعها
فهل تصبح اليوم تحت القدم
لقد زوقت تحت أيدي الأصيل
سفوح الروابي بظل القمم
و قد حوم النوم حول الغدير
فما بال أزهاره لم تنم
و أمواجه أخلدت للسكون
فمات على ضفتيه النغم
و كانت تغني بحجر النسيم
إذا لفها موهنا و استجم
أحزنا على ما أصاب القطيع
رفيق هواها عراها السقم
و مالك لا تملأين المروج ابتساما
فإن الربيع ابتسم
و فوق الثرى ذاب قوس السحاب
فبادت على جانبيه الظلم
رياض كما يشتهي العاشقون
و ما صور الفن منذ القدم
و نور سها شفاه الزهور
و نهر عليه الذهول ارتسم
أحزنا على ما أصاب القطيع
أليف الروابي اعتراك الألم
سأبكي وقد كنت تستضحكين
إذا الدمع من ناظري انسجم
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> حورية النهر
حورية النهر
رقم القصيدة : 68164
-----------------------------------
نفوس معذبه هائمة
تخبط في الظلمة القاتمة
أجد لها الليل أحزانها
و تذكار أيامها الباسمة
فسارت تفتش عن حبها
و تنشد لذاتها الدائمة
و أسرى بها تحت جنح الظلام
زوارق في اللجة الغائمة
إذا ما تلوث على الشاطئين
من النهر أمواجه اللاطمه
و أرسى على مائه زورق
تؤرجحه النسمة الحالمة
أطلت على النهر حورية
فأغوته بالنظرة الساهمة
فأغواره و هي أوطانها
بواك على فقدها نادمة
و أمواجه و هي أترابها
جئت تحت أقدامها لاثمه
أحورية النهر غضي العيون
و كوني بملاحة راحمه
تسيرين في زورق من ظلال
فتدفعه النسمة الناعمة
و مجدافك اخترته من ضي
اء النجوم على اللجة القاتمة
و أطربت النهر و الضفتين
أغان و قيثارة ناغمة
لقد حق أن تسحر الكائنات
وتستل آهاتها الجاثمة
فأوتارها شعرك العسجدي
و أنت الموقعة الباسمة
رأى النهر مصرع ملاحه
بعينيك أيتها الظالمة
رآك فهيأ مجدافه
و أسلم زورقه للظلام(57/322)
يثير إذا سار عزم الميا
ه فتطلق عن جانبيه السهام
طغى الموج و ارتد يطوي الظلال
فلم يبق للعين إلا القتام
فيا زورقا من ظلال تلاشى
بحورية ليس ترعى الذمام
أخلفت ملاحنا وحده
و للموج في الشاطئين احتدام
و حورية النهر ما خلفت
سوى أغنيات تثير الغرام
يجاري اختلاجاتها زورق
و موج و قلب حواه الهيام
و نهر تمازج أمواهه
و يحملها رغوة إذ تنام
و نجم يعشى الدجى ضوءه
كنبع على ثغره العشب نام
و يقتاف آثارها زورق
و ملاحه الشارد المستهام
يطالعه طيف حورية
من الموج يختال في الابتسام
فمن كل صوب سرى خالها
هناك و إن سار ألفى الظلام
أوهما يرى لا فذا صوتها
ينتهي فتعيد المياه الكلام
و لاحت له أعين مشفقات
محدقة من وراء الغمام
تنادي به ظللتك الخطوب
و قادتك نحو الردى و الحمام
و لكن أذنيه لم تسمعا
حديث السماوات حيث السلام
جرى وهو ليس له غاية
سوى أن يجدف حتى الصباح
و يقفو على الماء ضوء النجوم
و يصرع أشجانه بالنواح
لقد حطم الليل مجدافه
و هيض الشراع بعصف الرياح
وقد أطفأ الموج مصباحه
فصاح و لم يجد ذاك الصياح
تبرمت يا ليل بالبائسين
فزل و اترك الصبح يأسو الجراح
و نادى وقد مد كلتا يديه
لقد حان يا أرض عنك الرواح
فيا شاطئا كان مأوى الغريب
إذا مل طول السرى فاسترح
وداعا وداع الشقي الحزين
سيسر إلى الموت بعد الكفاح
و يا زمج الماء خدن السفين
سمير الشراع الطروب الصداح
كلانا يحن إلى تربه
فطر لي فإني مهيض الجناح
و يا أنجم الليل يا عودي
إذا القلب في الليل بالداء طاح
إذا ما خبا نوركن الوضيء
أسى و تألق نجم الصباح
فحدثنه عن فتى في الدجى
طواه العباب وحب الملاح
رأى -ويح عينيه- حورية
فجن بها ساعة ثم راح
فقد يخبر النجم عنه الرعاة
فيبكون حزنا و تبكي البطاح
و مات الشقي الحزين فعادت
تكفنه بالشراع الرياح
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> من أغاني الربيع
من أغاني الربيع
رقم القصيدة : 68165
-----------------------------------(57/323)
حلم بآفاق السرور
رسمته أجنحة الطيور
و بشائر فوق الربى
بين الخمائل في الصدور
و نسائم رقصت على
زهر الجنائن و الغدير
و فراشة قد روحت
عن زهرة الحقل النضير
تعلو و تهبط في الرياض
كأنها نغم الحبور
الفجر يبني للندى
و كنا جميلا في الزهور
فلنبن من قبلاتنا
للحب عشا في الثغور
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ظلال الحب
ظلال الحب
رقم القصيدة : 68166
-----------------------------------
والعصر مخضوب البنان
و أزهار الحقل الحسان
و الصبح يملأ بالندى
عطرا سلال الأقحوان
و البدر و هو مظله
لليل تمتلك افتناني
إن الفؤاد لفي ضلال
من هواه و في هوان
ما داخل الحب الفؤا
د فعاد بيتا للأماني
أو بات في روض و أص
بح باسما نضر المجاني
هبط النعيم و ساكنيه
فرده خلو المغاني
سل عنه أزهار الحقول
على جداولها حواني
سل زهرة التفاح ضا
حكة الأسرة و المعاني
يا زهرة التفاح هلا
تخبرين عن الجنان
يوم استفز بها الهوى
فلبين باتا يخفقان
اروي لنا نبأ ( الطريد )
فأنت راوية الزمان
أغوته ( حواء ) فمد
يديه نحو الأفعوان
ثمر يحرمه الإله
عليهما و يحللان
ذاقا فكانا ظالمين
فكيف يجزي الظالمان
وبدا الموارى منهما
فإذا هنالك سوءتان
و عليهما طفقا من الو
رق المهدل يخصفان
يا بؤس من فضح الإله
و لم يزده سوى الهوان
لم يعرف الدوح الخريف
و نزع أوراق حسان
حتى نضى ورقاته
العاشقان الآثمان
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> فجر السلام
فجر السلام
رقم القصيدة : 68167
-----------------------------------
لا شهوة الموت في أعراق جزار
تقوى عليها ولا سيل من النار
الموت أزهى سدا من أن يشابكها
وهي التي مدت الموتى بأعمار
وهي التى لمت الأحقاب واعتصرت
مما انطوى في دجاها فيض أنوار
ومست الصخر فاخضلت جوانبه
بالسيل الغض والريحان والنار
هذي اليد السمحة البيضاء كم مسحت
جرحا وكم أزهت أنفاس جبار
وأطلقت في الدجى الأعمى حمامتها
بيضاء كالمشعل الوهاج في غار(57/324)
كأنما فجرت ماء لظامئة
أو أطلعت كوكبا يأتمه الساري
سل تاجر الموت كيف اصطك من فزع
لما رآها وكم أودت بتجار
وسمرت نعش طاغوت بما شرعت
كفاه من خنجر يدمى وأظفار
أما كفاه الذي امتصت على مهل
أنيابه من دم الغرثان والعاري
وما طفا عن شفاه الطفل من لبن
أو حلمة المومس الشوهاء من عار
فانقض من كهفه الداجي ليبعثها
شعواء كالبحر ان دوى باعصار
حتى اذا امتار من أعمار مددا
واقتات مما ستحيا عمره الهاري
أهوى على ظهر لم يقض يعصره
عن سلعة تعبر سلعة الدنيا فدولار
عيون وراء المدى
تنام و ترجو الغدا
دفوق السنا باسطا
لأحلى رؤاها يدا
ستجبلها ولقعا
نقيا كذوب الندى
يكفر عما جنت
عصور طواها الردى
أيفزعها المجرمون
بما أشرعوا من مدى
كأن سياجا يقام
ليحجز عنها الغدا
و في الحقل بين الظلال
عذارى حملن السلال
لهن الهوى و الغناء
و للظالمين الغلال
فبعد الشقاء المرير
وغب الليالي الطوال
دنا موعد للحصاد
فغنينه للرجال
أيحسدهن الطغاة
على منه للخيال
على ضحكة للربيع
و أنشودة للتلال
و شيخ يرب الحفيد
بأنباء قطر بعيد
تحدى حراب الغزاة
و غيبها في الجليد
فأنبت منها سنابل
ضوء الصباح الوليد
هنالك يبني الحياة
كما شاء جيل سعيد
عمالقة بالفعال
ورواد كون جديد
و آلهة يخلقون
آلهة من عبيد
هنالك يرن السلام
كأهداب طفل ينام
و يضحط ملء الحقول
و في أغنيات الغرام
و ينبض حيث المعامل
يجرحن قلب الظلام
و في المدن الضاحيات
يندس وسط الزحام
و حيث التقت و هي ترنو
عيون الورى في وئام
برغم اللظى و الحديد
نمت زهرة للسلام
و انداح من لجة الليل التي شحبت
شدق يزيد اتساعا كلما اقتربا
كأن مقبرة طال الزمان بها
وازلزت فهي تبدي جوفها الخربا
تعلقت أعظم الموتى به ورنت
ألحظها الحور فيما يشبه الغضبا
كأنما صرت الأسنان من حنق
شيئا و سخرية منها بمن نكبا
كأن كل قتيل رغم سكرته
بالصمت يسأل أما أثكلت وأبا
وزوجة و بنين استقتلوا و أخا
من كان فيما لقينا من ردى سببا(57/325)
شدق يزيد اتساعا كلما رفعت
ستر الدجى خفقت من كوكب غربا
آلى على الأرض أن يجتث عاليها
سفلا و يصفع من يأتي بمن ذهبا
و لا يريق دما إلا و أضرمه
نارا و ذرى رمادا منه أو لهبا
تسعى به الريح في الآفاق ناسجة
للشمس من جذوة أو من دم حجبا
فالجو مقبرة كبرى معلقة
تستعرض الشمس في ذراتها الحقبا
و الأرض كالأبرص المنبوذ هرأة
داء و عانى عليه الجوع و التعبا
تكدست فوقها الأجساد ناضحة
قيحا ودوى عويل الناس و اصطخبا
من كل رافعة جيدا كأن يدا
جبارة جاذبيه الطول فانجذبا
وانمط مثل عجين الرخو مرضعها
لصق الثرى و اكفهر الوجه و انقلبا
و هي التي بالأمس كانت كما
رجى خيال للهوى الأول
يموج في مرآتها ظلها
سوسنة بيضاء في جدول
و كان نهداها إذا رنحت
ريح الصبا من ثوبها المخمل
يشف تكويراهما عن سنا
يطفو بطوقيها إلى المجتلى
كم عاشق كانت أمانيه أن
يرتشف النور على جيدها
كان يغذيها إذا قطبت
بالروح و الآمال في عيدها
يا زهرة عاشقها لم يذد
من زعزع هبت لتبديدها
لو كان يهواك ارتمي دونها
سدا و نجاك بتصعيدها
ظل لقابييل ألقى عبء ظلمته
فحما يسود البرايا حوله القلق
فحما تصدى له الباغي بمقلته
يذكيه منها لظى يخبو و يأتلق
إذا تضرم فاندك الفضاء جذى
غضبى و نش الدم الفوار و العرق
وانقض من حيث تهوى الشمس غاربة
ليل من القاصفات السود أو شفق
جن الرضيع الذي يحبو وهب على
رجليه يعدو ويلوي جسمه اعنق
من فرط ما طال و استرخى و قد صهرت
أعراقه الزرق نارا فيه تختنق
كأن كفيه مذراتا ثرى و دم
لا ما يمد ابن عام لفه الغسق
و لألأ البدر فاستدناه و انبسطت
يمناه بالشوق حتى أظلم الأفق
و أزلزت لثة الشيخ التي هرئت
من شدقه الأدرد المغفور تندلق
تنساح كاللعنه السوداء يطلقها
بعد الردى نسله المطموس و الحنق
يا ربما سرت الموتى بأن هلكوا
قذائف كعيون الجن تنطلق
شدت عليها يد عجفاء يدفعها
حقد ويقتات من أعصابها فرق
شلت يدا طالما التفت أصابعها
ثم ارتخت عن وليد بات يختنق(57/326)
و استجهضت كل أنثى و هي تعضبها
و استدفأت باللظى و المدن تحترق
و قوست من ظهور كي يطاولها
قزح يلج ارتفاعا و هي تنسحق
و تطل من أفق يفتحه
الشروق إلى الحافي
أيد تشير إلى الرقاب
المشرئبة لا تخافي
لن يفصد الجلاد عرقا
من عروقك لارتشاف
أيد تلوح بالسلام
كأن موشكه الضحايا
تكتال منهن البقاء
كأن أحضان الصبايا
أودعتها الأطفال لما
ينطفوا حذر المنايا
و لكم تناقلت المعابر
و الدروب صدى نداء
تتشابك الرغبات مثب
الغاب فيه على رجاء
هو معبر الأجيال من
خطر يهم إلى نجاء
تعوي الذئاب و ما يزال
يجيش كالدم في العروق
يند العواء و يدفع المقل
الغضاب عن الطريق
و يظل يطفئها كما
انطفأت بقايا من حريق
و يظل يخفق بالسلام
كأنما نشرت جناحا
فيه الحمامة يلطم
الظلماء فانفرطت و لاحا
من شقها الألق الحبيس
و ظل ينطف ثم ساحا
صور لنفسك في الخيال
أباك في وسط الحريق
يدعوك بالصوت الأبح
وقد تخبط كالغريق
و يمد من خلل الدخان
يديه يبحث عن طريق
و انظر لأمك و هي ترقد
في التراب على قفاها
تتجاذب العقبان ثديي
ها و يفقا ناظراها
و تلق من دمها الكلاب
و ينخر الدود الشفاها
و تمل زوجك و هي تركض
بين أشباح الجياع
شعثاء تلهث و الرياح
تصكها دون انقطاع
حملت قميصك في ذراع
و الرضيعة في ذراع
أو جثة ابنك و هي تزحف
دون رأس في الدماء
أو مرضع ابنتك الممزق
و هو يسحق بالحذاء
ورفات موتاك الرميم
وقد تناثر في الهواء
و إذا رأيت عيون جير
تك الرضية المحار
ترتج غضبى في قرارة
جدول ضحل القرار
أفلا تطاردك العيون
أما تبصك في احتقار
صور لنفسك في الخيال
أباك في ليل الشتاء
و كأنما ردت عليه صباه
أخيلة الصلاء
ما زال يقرأ و الصغار
يضاحكونك في الخفاء
و انظر لأمك وهي تنصت
أي عجب يزدهيها
عادت إلى الصوت الرتيب
إلى الغوابر من سنيها
و تمثلته فتى يجمع
ساعديه و يحتويها
و ابسط لزوجك و انتشلها
و هي تلهث في الرخام
كفا ستختم إذ تو
قع بالمداد على السلام
فرج الجراح فتوقف ال(57/327)
دم و الدموع عن انسجام
الشاطيء الضحاك و الأ
صداء و القمر الطروي
سكران يغرق في جدا
ئلها و تهمسه الطيوب
و تضمها و يطل من خلل
العيون مدى رحيب
تتنفس الأضواء فيه
كأنما سمعت غناء
حلو الرنين فراقصته
هناك أجنحة اراءى
بيضاء يتبعها الص
غار بأعين تندى أخاء
ليل العبودية النكراء صدعه
مهوى طواغيت و استبسال ثوار
حتى إذا شمر الباغي ليرأبه
شقا بأن يصهر الأجساد بالنار
هبت أعاصير تذرو ما تؤججه
في وجهه الراعب النضاح اللعار
و استيقظ الشرق عملاقا تموج على
عينيه دنيا من الأحقاد و الثار
يرمي و يرمي و يسعى نحو غايته
في لجة من دجى غضبى و أنوار
تطفو عليها الضحايا أو تغوص إلى
أعماقها بين تيار و تيار
راياته الداميات الظافرات كوى
حمراء ينشق عنها سجنه الضاري
ألقى بها السلم في وجه الطغاة ردى
و في صعيد الضحايا حمر أزهار
و حطموا أفوق الغل الذي سحبوا
كي يطرقوا منه تابوتا لجبار
حيث اشرأبت على جرف الردى أمم
شدت إلى الصخر إلا بعض أحرار
و ابتاع بالدرهم المجبول من دمها
فيض الدم الثر منها شر تجار
و استأجروها لصنع الموت منه لها
بالزاد يبقى دما فيها لجزار
أعمارها مثل بئر للدم ابتلعت
جيلا سواها بهن ابتاعه الشاري
و تطل من أفق يفتحه
الشروق إلى الحفافي
أيد تشير إلى الرقاب
المشرئبة لا تخافي
لن يفصد الجلاد عرقا
من عروقك لارتشاف
و لكم تناقلت المعابر
و الدروب صدى نداء
تتشابك الرغبات مثل
الغاب فيه على رجاء
هو معبر الأجيال
من خطر يهم إلى نجاء
ما زال يخفق بالسلام
كأنما نشرت جناحا
فيه الحمامة يلطم
الظلماء فانفطرت و لاحا
من شقها الألق الحبيس
و ظل ينعطف ثم ساحا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ذبول أزهار الدفلى
ذبول أزهار الدفلى
رقم القصيدة : 68168
-----------------------------------
لذع الأوام أزاهر الدفل
فذوت كما يذوي سنا المقل
كانت تعير النهر حمرتها
فيضيء فيه الموج كالشعل
كانت تعير النهر حلتها
فيسير في وشى من الحلل(57/328)
كم زينت بالأمس لبته
بقلائد المرجان و القبل
و اليوم أطفىء نورها و خبا
فكأنها لم تند أو تمل
و اليوم أصبح عقدها بددا
فرأيت جيد النهر في عطل
و لكم مررت بزهرة ذبلت
فبكيت حين بكيتها أملي
و سقيتها بالراحتين كما
تسقي السحابة تربة الطلل
فتراعشت في غصنها و هوت
و مضى النسيم بها على عجل
يا عين أين أزاهر الدفل
مري بجانب نهرها و سلى
لرجوت لو دامت غضارتها
وصل التي وعدت فلم تصل
قد كان وشك ذبولها أجلا
للملتقى ففجعت بالأرجل
و لكنت آمل أن أقبلها
واعب خمرة حسنها الثمل
أما و قد ذبلت فلا أمل
لي باللقاء فكيف بالقبل
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> العش المهجور
العش المهجور
رقم القصيدة : 68169
-----------------------------------
بمنحى من مراقبة العيون
و منأى عن متابعة الظنون
و في ظل النخيل حطام عش
تلفع بالأزاهر و الغصون
ترحل طائراه فبارت خلوا
عميق الحزن متصل السكون
يكاد نسيجه عشبا وزهرا
يبوح بما يسر من الأنين
يحن إلى الجداول و الروابي
و ضاكة السهول و الحزون
لقد ذهب الذي سلاه عنها
فعاد إلى التشوق و الحنين
كأن العش حين خلا و أقوى
و متا به صدى النغم الحنون
غدير جف غاربه و ماتت
أغاني موجه المرح المعين
كأن قشاشة أوتار عود
مكفنة بها جثث اللحون
و أبدل من ظعين قد تولى
بما لم يسله حب الظعين
إذا متع النهار أوت إليه
ظلال النخل ناعسة الجفون
و يطرقه شعاع النجم و هنا
و ضوء البدر حينا بعد حين
طروق الذكريات فؤاد صب
كثير الشجو منقطع الوتين
تمر به النسائم هامسات
فتنشر فيه عطر الياسمين
و توقظ في جوانبه الأغاني
عذاب الجرس فاتنة الرنين
و كم غمرته أنفاس الخزامى
قد امتزجت بدمع ندي هتون
و ربة وحشة تأوي إليه
إذا أوت الطيور إلى الوكون
ليشبهني مثل حالي
و شأن في الغرام حكى شؤون
فقلبي لا يزال قرين شجو
متى هفت القلوب إلى قرين
إذا الأحلام زرن عيون غيري
تزور العبرة الحرى عيوني
يكاد العش إن هتفت صدوح(57/329)
يبادلها غناء شج حزين
و ليل نام سامره اكتئابا
أثار له الخفي من الشجون
و أذكره ليالي ذاهبات
فغص من الكآبة بالدجون
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ثورة الأهلة
ثورة الأهلة
رقم القصيدة : 68170
-----------------------------------
أما زلت تصبو إلى قربها
رويدا فما أنت من صحبها
تخطيت سبعا من المثقلات
بما لست تدري إلى حبها
تركت الأهلة عن جانبيك
حيارى تشكى إلى ربها
أكانت سدى كل تلك السنين
و قد هدنا السير في دربها
أيطوي مداها إلى حبه
فتى ما رأيناه في ركبها
تخطيت سبعا فكم من ضحى
و كم من مساء و ليل بها
و كم نبضة من فؤاد التي
تشوقت للعطف من قلبها
أما زلت مستسلما للأنين
رويدا فعهدي بها لا تلين
و هل تسمع الشهر إن قلته
و في مسمعيها ضجيج السنين
أطلت على السبع من قبل عش
رين عاما و ما كنت إلا جنين
و أمسى و لم تدر أنت الغرام
هواها حديث الورى أجمعين
لقد نبأوها بهذا الهوى
فقالت و ما أكثر العاشقين
أما زلت في غفلة يا حزين
أحبت سواك ففيم الحنين
حرام عليها هنيء الرقاد
أتغفو و ما أنت في النائمين
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أراها غدا
أراها غدا
رقم القصيدة : 68171
-----------------------------------
أراها غدا هل أراها غدا
وأنسى النوى أم يحول الردى
فؤادي وهل في ضلوعي فؤاد
لقد كدت أنساه لولا الصدى
كأني به خاذلي ان تمر
على بعد ما بيننا من مدى
مشى العمر ما بيننا فاصلا
فمن لي بأن اسبق الموعدا
ومن لي بطي السنين الطوال
ستمضي دموعي وحبي سدى
أراها فأذكر أني القريب
وأنسى الفتى الشارد المبعدا
أراها فأنفض عنها السنين
كما تنفض الريح برد الندى
فتغدو وعمري أخو عمرها
ويستوقف المولد المولدا
أغض اذا ما بدت ناظري
فهيهات تلعم كم سهدا
ولو أنها نبئت بالغرام
غرامي لقربت المنشدا
وقالت أيعصى ندا الحب
حرمت الهوى ان عصيت الندا
سأنسى الجراحات والامنيات
سوى أن عيني تراها غدا(57/330)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> يا نهر
يا نهر
رقم القصيدة : 68172
-----------------------------------
يا نهر عاد اليك بعد شتاته
صب يفيض الشوقمن زفراته
حيران يرمق ضفتيك بلوعة
فيكاد يصرع شوقه عبراته
كم رافقتك فآنستك خطاه في
غدواته للحب أو روحاته
أفانت تذكره وتحفظ عهده
أم قد نسيت عهوده وسماته
قد أنكرته فتاته وتبعتها
وهو الذي يفديكما بحياته
ليود من شغف بمائك لو غدا
ظلا يداعب فيه جنياته
متعلقا بشراع كل سفينة
ليجاذب الملاح اغنياته
وتلوذ أنوار النجوم بصدره
وتراقص الأمواج من ضحكاته
يا نهر أين مضى الزمان بأنسه
والمترع المعسول من كاساته
وهل اهتدى الزمن الحقود فغال ما
قد أودع المفؤود في خلواته
قبلاته في ضفتيك صريعة
أفهل حفظت له صدى قبلاته
أمواجك الائي شهدن غرامه
وسمعن لوعته وبث شكاته
عبثت بهن من الليالي غدرة
وأضاعهن الجزر في سفراته
والدوح أسلم للبلى ورقاته
وثمالة القبلات في ورقاته
والريح أسامها انتظار ايابه
وأملها ترديد أغنياته
فرمت لطول عيائها مزماره
وعفا بمسمعها صدى نغماته
يا ساقي الشجرات ما لك لا ترى
الا كئيبا لج في حسراته
وتطوف ما بين الرياض أباحثا
عن غائب حجب البعاد سماته
ما للروابي أرمتك شكاتها
والمرج ألقى فيك شباباته
فسل الربى عن نورها وزهورها
والمرج عن شعرائه ورعاته
ذهبوا فما في الروض الا نائح
متفرد بدموعه وأذاته
حلو الخرير ملاذ كل معذب
ظميء الفؤاد وأنت بعض سقاته
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> والأمس شعرها شعري
والأمس شعرها شعري
رقم القصيدة : 68173
-----------------------------------
مرت فلامس شعرها شعري
فاذا الهوى بجوانحي يسري
مرت ولم أرها سوى نبأ
عذب البشائر ذاع في صدري
القلب يعرفها بمشيتها
بالظل بالأنفاس بالعطر
يا ليت شعرينا اذ اعتنقا
عقدا فما انفرطا مدى الدهر
بل ليت مسرعة الخطى وقفت
ووقفت حتى ساعة الحشر
أشكو الغرام لها فتبسم لي
وتلين ان أسمعتها شعري(57/331)
أدعوك واسمك لست أعرفه
دعوات حر ضاق بالأسر
آنست منك تطلعا ملكت
نظراته الجماح من فكري
أفغن هوى ما كان من تظرء
أم كان لهوا عاجل المر
بوحي بسرك لا بل اتئدي
أخشى الأسى ان بحت بالسر
فدعي الفؤاد يعيش مغتبطا
جذلان ما بين الرؤى الزهر
يا ليتني وقد ابتعدت مدى
قبلت ما لامست من شعري
بل ليت ما لامست منه غدا
حمراء مشرقة من الزهر
تكسين شعرك من مفاتنها
ثوبا من الألاء والنشر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> بين الروح والجسد
بين الروح والجسد
رقم القصيدة : 68174
-----------------------------------
قصة شاعرين
يستفاد من مختلف المصادر أن بين الروح والجسد ملحة للشاعر تقع في
ألف ونيف من الأبيات وكان قد أرسلها كاملة مع السيد فيصل جري
السامر وهو يستعد للدكتوراه فسلمها بمصر كما ذكر الى المرحوم الشاعر
المصري علي محمود طه المهندس ولم يعرف مصيرها بعد
وفيما يلي مائة وعشرون بيتا متها جمعت من مسودة للشاعر ومن مجموعة
اقبال التي صدرت له بعد وفاته ثم من احدى الصحف العراقية التي كانت
تصدر يومئذ
أوحى اليه الشعر من آياته
سحرا تحل به النفوس وتعقد
باتت تلحق في الأعالي روحه
نشوى وبات خياله يتصعد
واهي الكيان كأن خطبا هذه
ذاوي الشفاه لطول ما يتنهد
وهو المعطل من قوام فارع
يسبي العيون ووجنة تتورد
لم يعط من مال سوى أحلامه
وكفى بها من ثروة لا تنفد
ما زوال صرف الدهر أبقى أمه
تأسو الجراح بكفها أو تضمد
كم بات يلتمس الحنان فما رأى
طيف الحنان وفاته ما ينشد
وأحب من جاراته فتانة
ما زال صائد طرفها يتصيد
عف الغرام بحسبه من حبه
نظر يعف عن الآثام ويبعد
شاعر الشهوة
غض الاهاب تظل تبرق عينه
سحرا تلوذ به القلوب وتحتمي
جم الثراء سبى العذارى بالغنى
والحسن حتى ما يجدن لمغرم
قد كان يحسبها مثالا للتقى
والطهر والخلق الرفيع الأكرم
ما زال يروي الشعر عن شيطانه
متحلبا شرا صبيغا بالدم
وأحب غانية فهيأ سمه
سرا وخبا صارما في المبسم
المحبوبة(57/332)
حسناء تسفر عن محيا شاحب
ما زال يغلب كل طرف غالب
رمقت صباها وهي في ريعانه
بنواظر عبرى وقلب ناصب
في الريف بين نخيله المتعانق
وعلى جوانب كل نهر دافق
عسب يجاذبه النسيم ظلاله
وندى يصفق بالأريج العابق
وأزهر غيناء رف نديها
فرحا بأجنحة الفراش العاشق
شاعر الروح
حيتك أنفاس الربيع الباكر
ورعتك آلهة الهوى من شاعر
مرت ليال كنت فيها غائبا
عني فأظلمت الحياة بناظري
لم يلق شعري منك قلبا راضيا
فلقد سقته9 مآثمي حتلى ارتوى
فلتهتفن بكل نغم ساحر
مما تفيض عليك أيام النوى
أو ما تفيض عليك ساعدات اللقا
بين النخيل وعند ذاك الملتوى
شاعر الروح
أتحب صاحبتي وحبي طاهر
وهواك حب فاجر لم يشرف
نزهتها عن قول هجر قلته
كادت تغص به لهاة المعزف
شاعر الشهوة
هيهات لست بتارك هذا الهوى
لا الصد يورثني السلو ولا النوى
مالي ومالك أن تظل رفيقها
ان نلت بعد سويعة تطويقها
أهوي على تلك الشفاه فأرتوي
حينا وأرشف كيف شئت رحيقها
وأمد كفي أينما شاء الهوى
فأعود أقطف نورها وشقشقها
شاعر الروح
زورا لعمرك ما نطقت وخدعة
تأبى علي محبتي تصديقها
شاعر الشهوة
وأطوع الخصر النحيل بضمة
من ساعد ما خلته ليطيقها
شاعر الروح
لا تفجعن فؤاد باك موجع
بتصورات زوقت تزويقها
شاعر الروح
رحماك ما أبقيت لي من ملجأ
ان كنت تطمح أن تكون رفيقها
شاعر الشهوة
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ترك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا(57/333)
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي(57/334)
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> اللعنات
اللعنات
رقم القصيدة : 68175
-----------------------------------
1 الى النار
لا ترجفي يا بنان القارىء الأنا
لا انشق باب ولا صافحت شياطانا
لا ترجفي وانشري سفرا صحائفه
درب الى النار لولا هن ما كانا
أفضى الى عالم ناء الى ظلم
كانت حياة على الدنيا وأزمانا
حاك الخيال المدمى بعضها قصصا
والواقع المر انباء وألحانا
عذراء ما وطئت رجل مدراجها
كالبحر قاعا وغيب الله شطآنا
واد من النار داج لا ألم به
شيخ المعرة يستوحيه غفرانا
ولا تخطى بدانتي بابه بصر
خاض الجحيم دما يغلي ونيرانا
وادي حزانا ومظلومين تملؤه
أطياف أحيائنا الغضبى وموتانا
ضجوا لدى الله بالشكوى فرق لها
قلبا وهز النجوم الزهر غضبانا
وانثال كالغيث لو أن لظى
صوت سرى زعزعا وانشق بركانا
ويل الطغاة السكارى من عقاب غد
ان زلزل الكوكب المنكود ايذانا
فزمزم الحشد والنكباء تنشره
حينا وتطويه كف الله أحيانا
رباه لو أن في طول انتظار غد
جدوى لما أسمعتك الريح شكوانا
ما كان حتما علينا أن يعذبنا
طاغ وان يشهد الرحمن بلوانا
النار أشهى فهات النار تصهرنا
يوم الحساب ومتعنا بدنيانا
ان كان لا يدخل الجنات داخلها
الا شقيا على الأواى وغرثانا
وكان أمرك أن نرضى بما صنعوا
فاحفظ عبيدك فالشيطان مولانا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> عرب الثأر فاهتفي يا ضحايا
عرب الثأر فاهتفي يا ضحايا
رقم القصيدة : 68176
-----------------------------------
بسمت النور في ثغور الجراح
أنت قبل الصباح نجم الصباح(57/335)
كلما لحت في خيال الطواغيت
وألهت مرقد السفاح
ذاب قيد على اللظى وتراخت
قبضات على حطام السلاح
واختفت كالاظلام تنحل في النار
وجوه تحف بالأقداح
كلما لحت هلل الشعب أسوان
يبث ابتهاجه في النواح
وتحدى الطغاة بالساعد المفنول
من عامل ومن فلاح
كان في غفوة فلما ملأت
النوم في مقلتيه بالأشباح
هب غضبان يهمز الثأر بالثأر
ويمشي على لهيب الكفاح
يا عيون الجراح لولاك ما امتدت
عيون الى الستار المزاح
تبصر الظلم عاريا ةالطواغيت
كأوراق دوحة في الرياح
جرد البغي خنجرا في دجى الليل
وأهوى على الحمى المستباح
فاهتدت أمة على لمعة النصل
وقد عب من دماء الأضاحي
واستضاءت بسمة من شهيد
ومشت فوق معبر من جراح
عربد الثأر فانهضي يا ضحايا
واطرحي عنك باردات الصفاح
كلما ألهب الدجى حزن بغداد
فغصت بدمعها النضاح
وانظري هل ترين الا ثكالي
وأيامي يضربن راحا براح
وانظري ما يزال جلاك السكران
فوق الثرى طليق الجناح
واسألي قبر جعفر النارد المحزون
ما ذنب هذه الأرواح
جعفرالحق يا نشيد البطولات
تغنيه تحت ظل الصفاح
مد من قبرك المدمى بيمناك
فما زلت حامل المصباح
أنت مزقت ظلمة الليل بالنور
فلا تهن مقلة السفاح
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في يوم فلسطين
في يوم فلسطين
رقم القصيدة : 68177
-----------------------------------
يا راقصين على دم الصحراء
قد آن يوم الثورة الحمراء
تلك الشرارة بعد حين تنجلي
عن زاخر بالنار والأضواء
اليوم يحطم كل شعب ثائر
سود القيود بضحكة استهزاء
ويد يفر البغي من هزاتها
حمراء ضرجها دم الشهداء
فضت فم المستعمرين بلطمة
لا غير قاتلة ولا شلاء
واليوم يصرخ كل حر غاضب
في وجه كل مهوس الآراء
تلك الواطن أين عنها أهلها
فتروح تعرضها على الغرباء
والقدس ما للقدس يمشي فوقها
صهيون بين الدمع والأشلاء
ما هتلر السفاح أقسى مدية
يوم الوغى من هتلر الحلفاء
يا أخت يعرب لن تزالي حرة
بين الدم المسفوك والأعداء(57/336)
ثارت أهلك في دمانا تلتظي
هيهات ليس لهن من اطفاء
حتى يضم ثرى الجزيرة أهلها
أو يلبسون مطارف العلياء
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> مفضوحة لم تبق طي خفاء
مفضوحة لم تبق طي خفاء
رقم القصيدة : 68178
-----------------------------------
الاسخياء له بغير بلادهم
الباخلون بها على الضعفاء
بالقادرونعلى اغتصابك عنوة
فاليوم هب الشعب من اغفاء
يا شعب ليس القدس تشكو وحدها
هول الجراح من اليد الرعناء
ما زال جرحك وهو دام دافق
رغم انتهاء الطعنة النجلاء
والحر أبعد غاية من أن يرى
في الدمع تخفيفا من البرحاء
فالحكم للدم والسلاح المنتظى
والحرب لا للدمعة الخرساء
والنصر للشعب الذي لا ينثني
عن عزمه والصولة النكراء
أجل الطغاة بكل حد صارم
ما أن يزيل العار كالأجلاء
حتى أراك وأنت راض هانىء
حر برغم الأعين الزرقاء
وأرى الجزيرة وهي روض مونق
محمية الأبناء بالأبناء
والقدس يسكن كل حر ربعها
بالعاملين وضيئة الأنحاء
ياشعب ناد بكل ساه غافل
عما تذوق القدس من بأساء
ما أشرع الأعداء فيها حرية
الا لشل يد وسفك دماء
ما نفع جنتك التى نضرتها
والنار حول الجنة الخضراء
يا شعبي المظلوم هذا موقف
بان الوفي به من الحرباء
ما بال رهطك وهو باق وحده
لم يخش بأس القوة العمياء
عاش التحرر كل رهط غائب
الاه يوم الجد والأعياء
وغدا فداء الكادحين وجمعهم
أصحاب تلك الشارة السوداء
يا شعب هذا أنت جأش رابط
ان حان يوم الثورة الحمراء
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أعاصير
أعاصير
رقم القصيدة : 68179
-----------------------------------
أصبح الكون وهو نور ونار
أيها الظالمون أين الفرار
الأعاصير تملأ الشرق والغرب
وقد جاش حولهن الشرار
كلما حاقت المنايا باعصر
نزا فوق نعشه اعصار
فالتهاب خبا فكان التهاب
وانفجار مضى فجاء انفجار
فاعصفي يا شعوب فالكون لا يرضيه
الا أن يعصف الأحرار
واحطمي القيد فوق هام الطواغيت
وثوري فالفائز الثوار(57/337)
همسة فانتباهة فهتاف
فانتفاض فثورة وانتصار
هذه قصة الشعوب رواها
للولرى تاج قيصر المنهار
حرك الشرق عقرب الساعة الوسنى
فهبت تقول لاح النهار
فامض يا ليل ما عيون الجماهير
بعمياء أو عليها ستار
أيها الواقفون في زحمة الدنيا
وقد عصب الرؤوس الدوار
ان وقفتم فما أرى موقف التاريخ
يعتاق من خطاه انتظار
فاجعلوا في اليمين عرشا من الظلم
فما يعرف العرش اليسار
يا وجوه الجياع يا قصة أضحى
لها من مواطني أسفار
حاك أحداثها الرهبيات جلاد
زها سيفه الدميم اقتدار
أنت للجوع لاح اصفرار
وهو للتبر في يديه اصفرار
خيب المستبد لا يكتب التاريخ
ناب له ولا اظفار
انما نحن وارثو هذه الدنيا
لنا المجد كله والفخار
ان في صفرة الخريف انتفاضا
كلن من معجزاته أيار
قل لمن فض روحه الرعب واستل
السنا من عيونه الاندحار
نقل الطرف بين شرق وغرب
يحمد الطرف قلبك الستطار
تلق كأس الطغاة في كف ساقيها
حطاما تجف فيه العقار
في غد تسحق القيود ويهوي
فوق أشلاء تاجه استعمار
لألأ الصبح يا بلادي أيبقى
في حماك السفير والمستشار
ابعثي صرخة الجلاء ابعثيها
مثلما ترسل الهدير البحار
شبعك الحر ما انثنى عن نضال
لا فهيهات أن يدوم الأسار
وهو لو كان كوكبا يذرع الآفاق
ما حد من خطاه المدار
عالم الظالمين قد هدم المظلوم
ركنيه فاحتواه انهيار
فهو ان ظل واقفا كان للموت
وان سار فالمسير انتحار
موضع القيد بعد حين سيمسي
فوق انحانه الجريحات غار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> دجلة الغضبى
دجلة الغضبى
رقم القصيدة : 68180
-----------------------------------
ذوب الليل يا شعاع النهار
تلمح العين ما وراء الستار
ذوب الليل يبصر الشعب صرعاه
فما زال واقفا بانتظار
يبصر القوم بين هاو الى اللحد
وغرقان دائب في احتظار
ما غضبة المياه الحبيبات
تدفقن بعد طول الأسار
زمزم الموج في السهول النديات
مغيطا وصاح في كل دار
سائل الكوخ والربى والصجارى
كيف أرعش في يد التيار(57/338)
أيها النائمون في الضفة السكرى
على الجوع والضنى والصغار
كيف بالله كيف تغفو عيون
في حمى كل ظالم غدار
علموا دجلة الظلامات والغدر
فعادت ولا تفي عهد جار
أيها الضاربون في ظلمة الليل
الى غير منتهى أو قرار
يسرقون الخطى على ضوء نجم
يسرق الخطو في قصي المدار
كيف خلفتم الديار الحبيبات
ألا لفتة لتلك الديار
ضرب الماء ما بنى كل بان
وطوى كل مأمل بالثمار
فاشتكى صاحب القطيع من الموج
لذئب رآه أو جزار
واشتكى الحاصد المعنى الى الشيخ
فما كان منه غير ازورار
وهو بالأمس واهب القائد الغربي
زلفى اليه سيف النضار
صيغ من أضلع الجياع العريا
تحت أنظار كل جوعان عاري
وهوبالأمس من حبا لندن الشوهاء
ما شاء منه حب الفخار
وهو من يبخل الغداه على الشعب
ويلقى انتحابه بافترار
ليت لي قوة المياه فاقتض
من الشيخ للدموع الغزار
ليتني أهدم القصور وأبنيهن
بيتا لشارد في القفار
ليتني أبدل القلوب التى تغفو
على الذل بالحصى والحجار
أيها الشعب واحتماك عار
على الحر دونه كل عار
طالما قد صبرت يا شعبي المظلوم
فانهض كفاك طول اصطبار
أيها المرسل الأنين الى الآذان
يلبسن قرط الاستعمار
حق ما ترسل الأنين اليهن
اجتزازا بصارم بتار
فهي صماء حين تدعو وصغواء
اذا اهتز شارب المستشار
ضلة للنيام والثلعب الرعديد
يسطو بمخلب مستعار
رب ناج من الردى خلف الأبناء
صرعى في المائج الهدار
مثقل الظهر بالسنين الطويلات
وأشلاء بيته المنهار
لاح لي فانطلقت أزجي اليه الشعر
حران قاذفا بالشرار
أيها المبتلى وأدعو بك الشعب
وقد هم غيظه بانفجار
ذلك النهر فاض بعد احتباس
عاصفا بالسدود عصف اقتدار
نبني أي ساعة أبصر الشعب
وقد فاض بعد طول الأسار
ساحقا في اندفاعه ما أقام الظلم
في دره من الأسوار
قل لمن ثبت العروش على الماء
فقال امتلكت كل البحار
سوف تأتيك ساعة توقظ الأمواج
فيها انتفاضة الاعصار
أيها الشعب يعصب الداء عينيه
فلا تبصران ضوء النهار
الدواء الذي ترجي سيأتيك(57/339)
اسمه من حناجر الثوار
تعصف الصيحة المدماة بالتاج
على كل مفرق مستطار
يوم لا الظالم الغشوم بمنجيه
من الثائرين وشك الفرار
لا ولا القيد مستطيع حيال النار
صبرا ودونه ألف نار
الردى واالهوان خط الأذلاء
وكل الحياة للأحرار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> مأساة الميناء
مأساة الميناء
رقم القصيدة : 68181
-----------------------------------
سل الميناء لو سمع الخطابا
فروي غلة الصادي جوابا
و ابطال ( النقابة ) كيف باتوا
يذوقون المذلة و العذابا
أذنب أن يقال لنا حقوق
أبي أصحابهن لها اغتصابا
و عدل أن تجرع كل حر
يد المستعمرين قذى و صابا
حلال لابن ( لندن ) في حمانا
دم ابن الرافدين فلا عتبا
وجور أن نمد يدا إليه
و حق أن يمد لنا حرابا
جموع الكادحين و جمعتنا
مصائب ست أدركها حسابا
و حقد إن ذممت سواه حقدا
فلا ألقاه إلا مستطابا
على المستعمرين بصب نارا
و أبناء الثراء لظى مذابا
و رثناه الأبوة و هو باق
سنورثه البنين منى عذابا
و دنيا لا يغيب العدل عنها
إذا هو عن سواها كان غابا
بربك حدثيني أي جان
تصيد منك أبناء نجابا
و أمسى منك دون حمى أمين
تحد جنوده ظفرا و نابا
أطل على النقابة منه طرف
مغيظ كاد يلتهب التهابا
و أزجى مثقلين بنافثات
لهيب النار يحملن الحرابا
يذيقون المهانة كل حر
دعاه هوى النقابة فاستجابا
و ما غير المطارق من سلاح
و قد كرمت إلى الحق انتسابا
لك الفخر المخلد من جيوش
على الجمع القليل تجوز بابا
وصانك من عدوك ( مستشار )
و حسبك أن غدوت له ذنابى
رضاه بأن تريعي كل دار
تضم الكادحين و قد أصابا
فما كالكادحين له عدو
إذا استرضاه مرتزق و حابى
أبالأغلال يخنق صوت شعب
تهزأ بالحمام لقد تغابى
دع الآفاق تزخر بالضحايا
و سمع الريح يمتليء انتحابا
و غذ بنا السجون و من دمانا
فرو البيد أو فاسق السرابا
فيا غير الجلاء لك انتهاء
فإن الشعب قد هتك الحجابا
و ألوى بالطغاة فما توانى
و بالمستعمرين فما أنابا(57/340)
جموع الكادحين و جل عارا
رضانا بالهوان وخس عابا
دعاك إلى النضال شقاء شعب
تحمل من مذلته الصعابا
خذي يالثأر خصمك لا تليني
وجدي غير قاصرة طلابا
و سار لك الغد الزاهي فسيري
وزيدي من محياه اقترابا
و أصمي في جوانح كل طاغ
فؤادا كان للشر استجابا
يكاد الظامئون من الضحايا
يصيحون اجعلي دمه شرابا
تطل عليك أحداق العذارى
من الأكفان حانقة غضابا
دم الأعراض عاد بها اصفرارا
و عاد على يد الجاني خضابا
و أجسام الطغاة حجين عنا
ضياء لا نريد له احتجابا
ستنصب الأشعة من خروق
رصاص الشعب زاذ بها انصبابا
لك الغد و الحياة و للأعادي
معاول تحفرين بها الترابا
فصيحي ( بالحليف إليك عنا
فلا حلفا نريد و لا انتدابا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> صحيفة الأحرار
صحيفة الأحرار
رقم القصيدة : 68182
-----------------------------------
يا حابسين صحيفة الأحرار
هل يمنع القيد استعار النار
إن تحجبوها فهي حقد كامن
بين الضلوع و صرخة استنكار
بنت الكفاح و كل سطر خالد
عرق يفور به دم الثوار
ضم الشتات بها ( فكاوا ) يجتلي
من عين ( يعرب ) ضحكة استبشار
و ( القدس ) تشهد كل جرح أنها
برء يثير مخاوف الأشرار
لم تكب في ساح الجهاد و لا ارتضت
ذلا و لا غفلت عن استعمار
إن تحجبوها فالليالي شأنها
ألا يدوم بها سنا الأقمار
ما إن نخور فليس فينا جاهل
إن الحياة عطية الأخطار
إنا لنغمد في اللظى أقدامنا
هيهات نشكو سطوة الأحجار
واحر قلبي يا بلادي أنني
جردت فيك سوى من الأشعار
ماذا ظننت بصادق في حبه
لو كان يملك قوة الأقدار
هل كان ينفض من نضال كفه
أو كان يتركها على القيثار
و لو استطعت لكنت حزبا ثانيا
مثل التحرر صادق الآثار
أو عدت أجعل من دمائي ثورة
تجلو غشاوة هذه الأبصار
الشعب يعلم عن يقين أنها
بوق النضال و منبر الأحرار
حان الكفاح فأنزلتها طعنة
حمراء في صدر الحليف الصاري
الجو فيك لكل نسر ضيق
رحب لكل ملون المنقار
قصوا جناح النشر فيه و أطلقوا(57/341)
لليوم أجنحة الخنا و العار
و من المهازل أن أوفى صفحة
للشعب تطويها يدا غدار
ما راش جود الكادحين جناحها
حتى يراه مقص الاستعمار
أن يحجبوها فهي في أرواحنا
و ضحاه تنشرها يد التذكار
أو طاب يوم ( الخائنات ) بيومها
فالخائنات قصيرة الأعمار
إن المصاب و إن خلا من فرحة
لم يخل من عظة و من انذار
فالطاعن الصدر الأبي بسيفه
سق الستار بطعنة استهتار
فإذا العيون ترى و في أهدابها
لمح الدماء خبيثة ( الثرثار )
يجثو على فرش الحرير و دونه
جسم الطعين على التراب العاري
فالطرف يمسك بالكؤوس و رجله
بالطرس و الكغان بالدينار
لو باركته يدا ( سفير ) ساعة
باع النضال بحلفة ( استيزار )
يا من يشيد لكل حر محبسا
خوفا على كرسيه المنهار
إن الظلام إذا تناهى غيه
زاد العيون صدى إلى الأنوار
و الحابس الأبطال عن أن يزأروا
ظن الزئير قضى قتل إسار
حتى تكشف عن سراب ظنه
و انفض جوف الصمت عن إعصار
فإذا الحناجر و الزمازم تنبري
غضبى تجوز عليه عقر الدار
هيهات تغلب كل كف شأنها
لمس الحرير تدفق التيار
هيهات يصرع كل فكر ملؤه
همس الطغاة صوارخ الأنكار
ما دام بعض دم الضحية دافقا
فيها فلا ركنت إلى الأظفار
يا شعب أنت غد فإن لم يؤمنوا
بالكادحين فلست للكفار
إن الطغاة نجوم ليل ترتدي
ثوب المغيب و أنت شمس نهار
أنت اندفعت إلى العلاء و غلغلوا
في هوة لا تنتهي بقرار
لا يستوي الجيلان هذا مقبل
نحو الحياة و ذاك في إدبار
ظنونك سخرية الزمان و نهزه
للطامعين و لعبة الأغرار
حتى أبنت عن اللظى في ملمس
و كشفت في شرب عن الأكدار
أنت العباب سجا و أغفى حاجبا
خلف السجو منية البحار
أنت الزمان صفا ليهوي سيفه
بعد الصفاء على يدي جبار
إن الشعوب شكون داء واحدا
رغم التنائي و اختلاف الدار
أغلالهن مجمعات في يد
رعناء تنشرها على الأقطار
فإذا حطمت فلست وحدك حاطما
تلك القيود غنيت بالأنصار
لاوفق الأشرار في أن يخرقوا
قلب النضال بكاذب الأخبار
هل يأمن المطعون من جلاده(57/342)
إلا لقاء الصارم البتار
و الأرض ليس لها من غاسل
رجس الطغاة سوى دم الثوار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> يا أبا الأحرار
يا أبا الأحرار
رقم القصيدة : 68183
-----------------------------------
هب في الفجر هبوب العاصفات
قدر حطم أبواب الطغاة
قدر من سدة الله سعى
يزرع الزيتون في الأرض الموات
يا لها من قبضة في حدها
يكمن الموت و أسباب الحياة
حررت أعناقها من نيرها
و أنارت في الليالي المظلمات
يا كريما ما رأينا مثله
من كريم يا نجي المكرمات
لم تلح لولاك في ذاك الدجى
شمسنا أو تهو أصنام البغاة
يا أبا الأحرار يا رافعها
رابة تزهو على شط الفرات
دم لشعب عاش من تموزه
في نعيم فوق أشلاء الطغاة
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> وحي النيروز
وحي النيروز
رقم القصيدة : 68184
-----------------------------------
طيف تحدى به البارود و النار
ما حاك طاغ و ما استبناه جبار
ذكرى من الثورة الحمراء و شحها
بالنور و القانيء المسفوك آذار
مرت على القمة البيضاء صاهرة
عنها الجليد فملء السفح أنهار
في كل نهر ترى ظلا تحف به
أشباح ( كاوا ) و يزهو حوله الفار
يا شعب ( كاوا ) سل الحداد كيف هوى
صرح على الساعد المفتول ينهار
و كيف أهوت على الطاغي يد نفضت
عنها الغبار و كيف انقض ثوار
و الجاعل ( الكير ) يوم الهول مشعلة
تنصب منه على الآفاق أنوار
قف عند ( شيرين ) واهتف ربما نطقت
وحدثتك بما تشتاق أحجار
و ربما ارتجت الأصداء و انفجرت
قيثارة في يد الراعي و مزمار
و الفارس الثائر المغوار هل بقيت
من خيله الصافنات البلق آثار
تكاد تسمع في الآفاق صيحة
كأنها في سماء الحق إعصار
مرت على الظلم فاهتزت دعائمه
و جلجلت فهي للباغين انذار
و ساء مستعمرا أن يستفيق على
أصدائها جائع في الحقل منهار
و أن يهب إلى الأغلال يحطمها
شعب و تنشق عن عينه أستار
كم أيتم البغي من طفل و سار على
بيت هوى جحفل للبغي جرار
و استؤسر الجائع العريان و اغتصبت(57/343)
عذراؤه و استبيح الحقل و الدار
و شردت في صحارى الثلج أفئدة
من فوقها أعظم تدمى و أطمار
و كشر السجن عن بابيه و ارتفعت
حمر المشانق يغذوهن جزار
كيعرب مظلوم يمد يدا
إلى أخيه فما أن يهدر الثار
و المستغلان في سهل و في جبل
يدميها بالسياط الحمر غدار
سالت دماؤهما في السوط فامتزجت
فلن يفرقها بالدس أشرار
و أغمد الظلم في الصدرين مخلبه
فجمعت بالدم الجرحين أظفار
ووحد الجوع عزم الجائعين على
أن يوقدوها و ألا تخمد النار
و كدس العري أجساد العراة على
درب إلى النور قد أفضى بمن ساروا
وقرب القيد من شعبين شدهما
ووجهت من خطى الشعبين أفكار
يا فرحة العيد ما في العيد من مرح
حتى تحرر من محتاهلها الدار
يا فرحة العيد ما في العيد من مرح
حتى تحرر من محتاهلها الدار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الهديه
الهديه
رقم القصيدة : 68185
-----------------------------------
يقول المحبون ان الهدايا
طعام الهوى ذاك ما أسمع
واني لأهواك حتى لأقسو
بحبي وتدمي به الأضلع
وأهواك حتى اللقاء اشتياق
وحتى يضيق المدى الأوسع
فماذا سأهديك يوم اللقاء
وماذا سأهديك يوم النوى
أيرضيك ما يشتريه انحداري
الى حيث يأبى علي الهوى
فما المال الا دماء تباع
كعرض البغايا لدرء الطوى
سأصحو مع الفجر قبل الطيور
ولمسة كفيك في خاطري
ألم الندى حقول الربيع
وأشدو مع القبر الطائر
وأجمع من زهرها باقة
لعينك يا زهرة الشاعر
وهيهات هيهات ان الرياح
يذرين أزهاري الذابله
ويبقين في مقلتيك انكسارا
كمن يتبع الأنجم الآفله
سأهديك أغنية كنسيم
المدينة يستقبل القافله
وماذا أغنيك والحشرجات
وعصف اللظى كل ما اسمع
كأن البرايا دم في عروقي
تصدى له الخنجر المشرع
فيا قبضة من رماد الحريق
على سلم دكه المدفع
سأهديك من ساعدي الحياه
ومن قلبي الضحكة الصافية
سأهديك ما في عبوس السحاب
من النور للدوحة العاريه
سأهديك أن لا تكوني رمادا
على مدرج الزعزع العاتيه
سأهيد دنيا يرين السلام(57/344)
عليها كحشد من الأنجم
تنامين فيها وتستيقظين
بلا ريبة في الغد المبهم
ولا خوف من أن يعز الرغيف
وأن تستباحي وأن تهرمي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> يوم ارتوى الثأر
يوم ارتوى الثأر
رقم القصيدة : 68186
-----------------------------------
بشراك هذا الذلة انقشعا
وانفك عن ساعيك القيد وانقطعا
ازلزل الشر ما خلفت زاوية
يندس فيها ولا أبقيت منتجعا
يا أمة ما انهوى عن صدرها صنم
الا وأوصى لدانمنه فافترعا
من كل جازي يد بالزاد تطعمه
غلا ومن آكل الثدي الذي رضعا
هاك اسمعي الصور والموتى اذا انبعثوا
فاليوم كل سيجزى بالذي صنعا
الله أكبر ما أمهلت طاغية
الا لكي يحصد النار التى زرعا
جيل من الأعين الغضبى وقافلة
من غيظ جيلين في ميعادك اجتمعا
وانحط منها على الباغي وزمرته
ظل تخطى اليه السور والقلعا
كالسيل من حمم والنار من ظلم
والموت لو كان يحوي ذلك الفزعا
ما رعب قابيل اذ يعدو فتتبعه
عينا أخيه المسجى حيثما نزعا
شق الثرى عنه من لحظيهما شبح
أزجى عليه الدم المطلول فاتسعا
يوما بأوفى من الرعب الذي فجأت
نكبأؤه الصرصر الطاغوت فامتقعا
يوم اشتفى كل قلب كان فاجمعه
وزلزل القصر حتى مال وانصدعا
وامتد من حيث ولى باع محتجز
واسود من حوله الفولاذ والتمعا
في موقف تنفس الشحاذ ذلتها
فيه الأمير الذي من جوعها شبعا
وزمرة من لصوص كل ما جمعت
ما رد عنها قضاء الشعب أو دفعا
أنزلت بالثورة البيضاء عاليها
سفلا وعاجلت منها الرأس فاقتطعا
لم يرتو الثأر من جلاد أمته
حتى وان جندلته النار وانصرعا
فاقتض من جيفة الجلاد مجتزيا
منها عداد الضحايا من دم دفعا
هذا الذي كل ثكلى فهو مشكلها
والمستحل الضحايا ليته ارتعدا
والسارق النور من عيني أطفأه
والجاعل النوم في مهد ابنني وجعا
بالأمس كنا سبايا دون سدته
فاليوم نعطيه ما أعطى وما منعا
ما قطعته الجموع الثائرات ولا
أدمته الا بما أدمى وما قطعا
لم يكذب الجيش الا ظن شرذمة(57/345)
خالته في كل ما تبغى له تبعا
والجيش ما كان الا سور أمته
والرافع الجور عنها كلما وقعا
ان تعل وان تمس بنائبة
مسته أدهى وان نادت به سمعا
والجيش ما كان الا سر قائده
هذا الذي حرر الأعناق اذ طلعا
عبد الكريم الذي أجرى بثورته
ماء ونورا كغيم ممطر لمعا
أمسرى وبغداد تحت الليل غافية
في سجنها وسهيل بعد ما طلعا
فما تنفس أو كاد الصباح نها
الا وقد حطم الأوثان واقتلعا
في ثورة عاد منها الشعب منتصرا
والحق مزدهرا والبغي منصرعا
حتى ازدهى كل شبر في العراق ففي
مينائه اليوم نور الفجر قد سطعا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ليلة القدر
ليلة القدر
رقم القصيدة : 68187
-----------------------------------
يا ليلة تفضل الأعوام والحقبا
هيجت للقلب ذكرى فاغتدا لهبا
وكيف لا يغتدي نارا تطيح به
قلب يرى هرم الاسلام منقلبا
يرى شعائر دين الله هاربة
يسفها النوء تمضي حيثما ذهبا
أين العنان الذي تلويه عاصفة
ما فاتحين يرون الموت مطلبا
للرغو حول شدوق الخيل وسوسة
والنقع يذري لثاما قنع السحبا
من كل محتسب بالله متكل
عليه يفري ضلوع البغي ان ضربا
كأن أسيافهم في كل معمعة
جسر الى جنة الفردوس قد نصبا
يا ليلة القدر يا ظلا تلوذ به
ان مسنا جاحم الرمضاء ملتها
ذكراك في كل عام صبيحة عبرت
من عالم الغيب تدعو الفتية العربا
أقوم أحمد مضروب على يدهم
بالذل من هول ذاك الفتح واعجبا
تفرقوا شيعا في كل حاضرة
قوم يقيمون من أغلالهم نصبا
لولا بقايا من الثوار صامدة
في ظل وهران تسقي خصمها العطبا
تكون ولى فرارا من جحافلها
والرعب مما تصك الظالم ارتعبا
لقلت واضعية الاسلام في بلد
بالأمس أعلى منار الحق ثم خبا
يا ليلة القدر أعلي قدر أمتنا
شهم تعالى على الشيطين وانتصبا
عبد الكريم الذي جاد الكريم به
أقال من عثرة شعبا بما وهبا
ما كان يرغب عن أنوالر ثورته
الا الخفافيش ساءت تلك منقلبا
هووا الى قاع بئر قرار لها
مستمسكين بحبل من دم خضبا(57/346)
حبل تشد يد الشيطان أوله
ويجذب الفوضوي الخائن الذنبا
كم جيد عذراء دق الحبل أتلعه
وكم ذراع لطفل قص واجتذبا
ياليلة القدر نورا أضاء لنا
قاع السماء فأبصرنا مدى عجبا
تترل الروح رفافا بأجنحة
بيض على الكون أرخاهن أو سحبا
عطف الأمومة في عينيه متقد
وان يكن للتقاة المحسنين أبا
وللملائك تسح وزغردة
تكاد رناتها أن تذهل الشهبا
ومن دماء الضحايا في جوانبه
نار تمد اللسان المغلق الذربا
يشكو الى الله ذرى عقاربه
فأنبت زهرا من سمها أشبا
ومن هوت تقطع الأضلاع مديته
وساق ظلما الى الجلاد من هربا
ذكرى تعود كأن الغدر يبعثها
من كهف أمس الذي ولى بما كسبا
أمس الذي ان غفلنا عاد جاحمه
فاقتص ممن يحب الله والعربا
لا صلح بين الهدى والبغي لا سنة
تعمي النواظر عمن سامنا العطبا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ثورة 14 رمضان
ثورة 14 رمضان
رقم القصيدة : 68188
-----------------------------------
االف لسان جاء عندك يشكر
لأيفاء ما اسديت هيهات يقدر
بعثت حيلة من رداها و نفضت
أياديك عنها كل ما كان يوقر
جزاك الأله الخير عن أم صبية
أعدت لها البعل الذي كاد يقبر
فصار اليتامى من جداك ذوي أب
فداك الأب الفاديه در و جوهر
أسير فيكسو شارق الشمس جبهتي
فيعلو دعائي ظللت بالله تنصر
ألست الذي أحيا وقد ثار شعبه
فصاح ابتهاجا منه الله اكبر
وقام الكسيح المبتلى من فراشه
يسير على ساق يعدو ويطفر
تقحمت أو كان المنيات والسنا
يئن وآلاف الشاياطين تصفر
فما هي ألا ضربة الثأر وانجلى
ظلام من البلوى وبغداد تنظر
فمن ير بغداد التى أنت نورها
يقل عاد هارون وقد مات جعفر
ثأرت لشواف وأمطرت ناظما
بما قد روى القبر الذي كاد يطمر
وسد من التهريج أعلاه قاسم
وما كان كاسمه فهو يشطر
يحن ألى النيل الفرات ودونه
صحارى وقد قالوا لنا تلك كوثر
ألوف الضحايا سامها الخسف والأذى
غلوم ورقاع وبخش وقنبر
ولولاه ما عاد الشيوعي حاكما
كما شاء أو كان الشيوعي ينحر(57/347)
فكنت الجواب المرتجى من دعائه
وكنت لنا النور الذي فيه نبصر
فيا جيش لا نلت الأذى دونك الذي
هبطنا ألى الأعماقأذ كبان يهذر
يمن بمال الشعب أعطاه عاجزا
ومن ظلمة الداء الذي فيه ينخر
لقد جاع حتى حطم الجوع جسمه
وطورد حتى ما على المشي يقدر
لك الحمد أذ أرويت بالثأر أرضنا
فسرنا على الدرب الذي كاد يطمر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> حب وشاعر
حب وشاعر
رقم القصيدة : 68189
-----------------------------------
سالتني ذات يوم عابره
عن غرامي وفتاتي الساحره
لم تكن تعلم أني شاعر
ملهم أهوى فتون الطاهره
وحبيب لست أهوى عاتبا
أنما أهوى العيون الآسره
وقواما أهيفا جلفني
ساهما خلف روحي سادره
ووفاء لم أكن أنكره
أترى ينكر غصن طائره
سألتني والربى مزدانة
في شروق والأماني زاهره
ليتها تدرك أني ها هنا
شاعر لابد لي من شاعره
قلت يا أختاه لا لا تسالي
أنا ذاك الصب أهوى نادره
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> خطاب والهه
خطاب والهه
رقم القصيدة : 68190
-----------------------------------
أنت تدري ان في قلبي جرحي
الف آه تتترى دون بوح
أنت تدري صار مثل الليل صبحي
انت تدري ايها الجاني فنح
ودع الآلام واقبل بعض نصحي
يا عذابي خلني وحدي اضحي
دع أغاني اللواتي صغتهن
في اسار مبهم بين الدجنه
دع اماني فأني عفتهن
يا عذابي دع رؤى عاودتهن
ودع الآه فلن تجديك أنه
ثم دعني فأنا أشتات محنه
شعراء المغرب العربي >> محمد شيكي >> خديج الرؤيا
خديج الرؤيا
رقم القصيدة : 68191
-----------------------------------
ارخ رغوة غيبك في سمك شغافي
يا أنت العاكف في دير الأحزان...
سبح باسم هيولى سماء منها
يصعد جرح الريح
غسيلا، تسقط عنه الآثام...
***
هاك لهاث سنين الجمر،
تبتل حتى تصير وحيدا أوحد من وجد العاشق تهجره الأطياف ولا يبقى في قبضته غير الدكرى...
ادخل أنت الناسك في جنب الروح
قطر مزن العين، ليغسل نافدة الرؤيا..(57/348)
."هي كهف العابر نحو مدارالنسيان
أو خطأ الفصحى: تنشز عن معنى ليس يطيق
أن يتجشم وجه الحرف شظايا، بحجم الألم القابع في الغرف السوداء... "
***
الحرف شظايا نجم الله
لعله حبة سبحتك الأولى اندلقت
أشطانها في جوف الارض، ولما شاء
النهر أن يحفر للمعنى مجرى الضوء،
اندفع الصخر
انحسر الماء
هاج البحر: وكان يعد وليمته لأنين
خديج الرؤيا...
***
ادخل أنت الناسك أنته
فيك يصير الماء معبره، ويصير حلم النهر مجرته،
رمم - أنت الناسك - صورته في أبهى بهاء خليقتها
كن ولها نورانيا
واجعلني مرقاة صعودك نحو الارض
حتى أكون الظل، أو شاهدك الأوحد...
***
نواة الارض غضب
وماؤك أرحب من حجم عراء الشمس
فكيف يضيق الوصف وتزعم أنك والمعنى ضدان؟
لك وحدك كل تضاريس الارض،
وللحرف فيك معارج رحلته
لك في كل الحرف مساحته،وله الماء وكل الضوء
وكل الكلم المأثور،ولغة الحاضر والآتي
له ما قال هفيف المعنى
أو ما سكتت عنه مشيئته
له الزيغ/ له هتك حجاب الليل/
له الغوص/ له الابحار في زمن الفعل/
وحمى الفاعل والمفعول/
له الجرح برمة كلكله...
وله في عمق الماء نواة...
له وله بضحى هزات الصبح، تمور فرائصه
بشدى قنديل الروح، يعمد سقطته،
ويداوي الجرح بأريج نشيد الشهداء
حتى اداهزع الليل، وباض الجرح
على أخدود الوقت، تلوى،:ثم تضوع،
أمسكه شارعه الخلفي من
اسفين النبض الزافر خيره:
اما أن يهجر من عتبات سجيته
أو يأتيك به قيد الطقس/ان تتبتل بين الاصفاد يداه/
يكون له الوجه الموشوم بتباريك اليمن
وخشوع الموقن من هجرته...
***
رآك تسبح - أنت الناسك-
باسم لست تراه، صحت:
اني عزفت على وتر المعنى لحن شرودي في
لجج الظلمة نحو كهوف الموت، وأرخي
في ألم الليل حبال نجاتي
منك ومن ظلماتي
أفتح في الصحراء ثغورا أخرى
يتجدد فيها ماء المعنى
شعراء المغرب العربي >> محمد شيكي >> هو المعنى العاري
هو المعنى العاري
رقم القصيدة : 68192
-----------------------------------(57/349)
حين غاص في عمق الريح، توزع بين
جهات مسافته وعانق حلم
الشمس/الشجر/البحر/
الفجر/ ونياشين النصر
وكيمياء الارز
وكل شموخ السنابل/ كل عدارى لغات الارض
وسهول سهوب الممشى
من أول درب الحرف، حتى آخر قطرة ماء...
ميلاد قرنفلة تستبق الغيم الى ذات الارض، وتحيا بين
نشيد فراشات المرج:
داهمها النسيان، ولم تسقط -
لكن رماد الفينق في أمشاج مواولها،
يتشبت بالخيط الباقي من همس الومض
ولم تسقط لما جرت الخيل تجر هزيمتها...
كانت وطنا، يهتز لصولته حبو الاطفال
فيفتح مئزره حتى يسع الدنيا، ويرش
مهلا يتركب هدا اللفظ المسكون
بفاكهة التأويل،
مهلا يتناسل في النيران توهجها
ليأتيني، يصل الحرقة بالأعماق...
فانظر أنت الناسك، أي البحرين
يقودك نحو محاريب الماء؟
شعراء المغرب العربي >> محمد شيكي >> فتحة الكون
فتحة الكون
رقم القصيدة : 68193
-----------------------------------
ــ 1 - فتحة الكون:
حين أطل من فتحة الكون
كي بعبر العشب مخمل دائي
أراك دوائي، تدب على ألم الليل
في خيمة للحزانى....
هديل حمام،يرحل في قامة من غمام..
يخط بي الافق خارطة
وقافلة لبضاعة خرذل آخر
هذا المزاد...
2 نظمة الكون
يغوص بي الفج في عتمة البحر
لا أدري أين المسار
ولا يملك القلب غير ارتعاش النوايا
وبيني وبينه ركض على قدم في الزحام...
...خيط من القش يربطني بالكلام،
يرتق ثقب " الوقاحة" في نظمة الكون
حينا وحينما يرد الي شرود الطربق
تماما، كأي استدارة ظهر
كأي اسلاخة شمس
رمت بخيوط المساء على حافة سهو
يطل على مقبرة...
3- ضفة المرحلة:
هامة من غمام
تشيد قامتها على قدمي
على خطوة الشعر
في زلة الكأس
في نزوة النازحين بخف الجسارة نحو
نخيل العراق...
ونحو انبلاج الغياهب من فلوات المغارة
من قطرات المرارة
من عتمة لوجيب الغمام
تسرق مني شروق المطر
ولا وقت للمزن، ان حاصرتني بشميم التجني
- ياسيد النار - أو بعت اشتعالي
أو غللت يدي لأرسم بعض الضفاف
بمداد الرعاف(57/350)
بحجم نزيف المرايا...
***
ضفة الموت معترك للصمود
دفتان لجبن يمد كؤوس الفناء
رويدا، رويدا تأبط ظل الرجال بلا موعد
يراود عن نفسها نجمة القطب في غفلة
من وميض التحدي، يدس وعيده في صدره
يمحق نبض المسافة في غفلة الانتظار،
وفي لحظة الانفجار، يرسي الجبان عقارب
موته في ضفة المرحلة
بابه أضيق من فتحة الفج
أوهى من العنكبوت -
***
يا سيد النار
انتظرني على غصن ورد
(اذاكنت فعلا قوي النزال)
لأكفر ملء انتمائي الى وطن يعشق النحل دوما
ويلفظ ماء الخطايا...
انتظرني لأكفر ملء الهجود بكل اللغات التي ترتديك
وكل الجهات التي تشتهيك وكل العمائم ان تقتفيك
وأفتح في ساحة للوغى:
عيونا تطل على عتبات المساء
أعيد بناء المعاني، وأعلن عن مولد في العراء...
يا سيد النار،انتظرني حتى أزيح
حدود الرماد، وأفتح في القلب نافذة المستحيل
أسوى رتاج الهوى في رحيق الرجال....
ها فرحة الروض ها وردة في الربا
ها واحة من نخيل ..ها وجه عاشقة،
تستعيد طفولتها من شفاه الاصيل...
لماذا اذن - يا سيد النار-
تحجب عني زفاف الحدائق من بعضها؟
ومن ثورة الجرح،
كن مانحا لدبيب الجوانح كن ماسحا لصبيب العرق...
كن ما تشاء، لكن جبنك يا سيد النار
لن يقتل المزن الذي يزدهي بقشيب الهواء
يغرس في الافق عمق التجدد/
قل انك الان خصمي وخصم السماء
لماذا تصادر صوت البلابل تحرق صك الدعاء..؟
وتدعو انتشائي الى خمرة الليل تحت رماد الفناء....
4 - جماجم الطمي:
لنا أن نحاكم بعض جماجمنا أولا:
لماذا تصادر رقص الفراش،وتجني القرنفل من حقلنا؟
لماذا تهربه على رغوة من سديم الرؤى؟
لماذا أنا هكذا دائما هكذا
أحب جمال المعاني، وأركب طمي الجماجم
أسافر في لغوها..
وحين أغازل ومض العيون، وأدلي بدلو البياض الأنيق،
فأطمع منها بنفحة شهد
بقبلة خد
يداهمني عريها
ويحرقني جمرها؟
لماذا أنا هكذا، أشتهي فرحة العشب
- لكنها الجمجمات - تبارك فصل الجفاف،(57/351)
ولا تعصر الغيم كي يخرج العطر من نفحات المطر...؟
يا سيد النار
دعني أنازل جرحي،
أحاكم عقم السحاب
أفسر هذا الهوى الطائفي:
"..سأجلس كسرى الى جانبي،
وأدعو المعري الى رحلة في يباب السحاب
ونشدو فصولا من المارسليز...
وحين تجن الزوابع، نسبح في لجها
نبحث عن معلم للجهات بلا بوصلة..
نشد على صولة الريح من ثقب الزوبعة،
وحين يرانا الغمام، نشاغب فوق فضاء الأثير
نجرب ما اختزلته جماجمنا من هيام النظر...
نفتش بين السوانح عن مبضع، يستقيم به النبش
في زلة الكون،
"حين يرانا- شريدين في رحلة للقوافي،
نرتق بالحلم شرخ الفضاء
ونحلم أن يكشف الماء عورته للندى":
يعبس في وجهنا وجهه، وينفخ في صوره لحظة، حتى يدين له الليل، والبوم ، والقبرات..تدين ثعابينه كلها لأمره ثم نصير وليمة هذا الغضب..
يقول المعري:
" أنا لم تكن رغبتي في الحياة،
وان أبي من جنى...
أقول: " وانه خالف طقس الطبيعة،
كان يرى في الحياة الممات
وكان يرى في الممات الحياة
وكان يرى في كيمياء النبات هيولى التوحد،
كان يمنطق ما لا يمنطق، يبحث عن علة تبرر
هذا الظلام..
وعن قبلة لاتجاه الغمام
فدعني أحاول - يا سيد النار- مد خطاي..
وأعبر جسرك، نحو بريق النهى...
انتظرني، عساني أجيئك بالقطر أو بسمة للندى
لعلي - اذا أبحر الضوء في عتمات انخطافي -
تمسكت بالشمس كي يحتفي دفئها بجليد الغمام
فنأتي سويا على صهوة الصبح مزنا، ونورا
تمطى الجبال
تمطى الرمال
تمطى السنابل
والجمجمات الغبية.
شعراء المغرب العربي >> محمد شيكي >> عطش مارد
عطش مارد
رقم القصيدة : 68194
-----------------------------------
ودع مجراك وبللني بندى جثنك المائلة
نحو مدار الأرض...
فالأرض مداك ... والأرض ثراك...
وأنا الفاصلة الأخرى بينك والذكرى.
فجرني ودقا يخرج من دود رميمك
حتى يحيئك ظل العشب
وآتيك على وقع سنابك خيل لما عثرت خطواته
في دلو الموت خبا...
وآتيك على وجع تراتيل التوبة من سنوات(57/352)
كان حصارك فيها مدفوع الأجر،
تضاعف فيه القلق المشفوع
بآذان السلطة حتى ربا،
وربا الحزن،
ربا الكون
ربا دن الخمر،
تدفق يسقي مهجا لا تدري من أين يجيؤها وحش العطش المارد، يا ودقي
***
ودق يكفي، كي
أختلس الصحو من شبق الفطنة قبل المحو
أختلس المحو من ودق الرعشة قبل الصحو
فبللني، بعزيف الغيب عساني أغسل ما خلفه الموت من عطش الرؤيا
قبل رحيل الروح عن هجرتك الأقسى..
***
ودق يكفي هذا الرشح، تود جنازته أن تأوي
ملأ الأرض تغوص بهم في تيه الكون
الحائر بين سر بدايته
وبين العلة في كنه نهايته،
مسرى سفاق النور نهاك،
مسرى شعاع الضوء الفاصل بين الشمس
والكهنوت فناك،
مسراك الى ذات الذات جفاك ، فماذا يبقى اذن؟
***
عرتي أنت الماسك ناصية العقل يديك...
عرني أدوات الحفر /مهاميز النحت
على وجه الصخر /
افتح لي ما ّأغلقه الغيب ،
ولا تسأل كيف يصير دعائي معراجا نحو خرائط هذا الطوفان
لا تسأل أين تصب روافد أنهار دم عربي مسفوح بحجم البحر
لا تسأل ، هل يسع البحر صراخ طفولتنا وأنين كهولتنا وشبابا مزقه الاعصار
ولا تسأل كيف
عواصمنا سقطت ...سكتت...
كيف نوادينا يتبارى فيها الشعراء
عن أي قصائدهم كان لها السبق
الى وهج التحديث...
يا عجبي كيف يحدثني "هيمنجواي "
عن أجراس حداثته،
ثم يجيؤني ماغولا
يفترش أجساد صبايانا ،
يلقي ماء الوجه العربي الى حيتان البحر،
و لا يشبع..
عجبا أن تقرع أجراس" هولاكو " تحت سماء الصمت
بسمي غارته بأسماء السلم
ولا يخشع ...
شعراء المغرب العربي >> محمد شيكي >> محرقة النخيل
محرقة النخيل
رقم القصيدة : 68195
-----------------------------------
هي رحلة أخرى اذن...ا
بلدي طوفان أقبية غرثى ولا شيء بين يدي.
النارتحرقني
من حولي ومن تحتي ومن حول ما ملكت نجوم الليل،
هي آخر لحظة لاحتفاء العشب بالصحراء،
ها كل المدى حجر
وها هي الكلمات تخرج مرة أخرى
من معاجمها،سكرى بتلاوين المفردات:
الضد يساوي ضده، والحرف أمضى(57/353)
وثيقة النكران،
يجر حينا وسنان سباته كي لا يرى
خزي اللغات، وتارة يبكي،
يصير الآن مطية لارتكاس الصوت، بحت معانيه
لا شيء في المعنى الا رجة التأويل تأتي من وراء
الطائرات المدججة بالغضب،
وأنا هنا،
أرقب خلف محراب الصلاة جيوشهم
تأتي،
تحاصر في العراق نخيله، وصهيله ،
يدوسون الغمام ويخنقون الطفل قبل صرخته الأولى
أحرك سبابتي قبل تسليم الصلاة وأدعو الرب :
" حول إصبعي الى مهماز يفقأ عين الظلام ،
طول سجدتي حتى يقول قومي من ورائي آمين.
"وكان الصدى رملا توزع في العيون
فلا شيء يبدو في الافق غير محرقة النخيل....
ما زلت وحدي..
.وأنا رديف الموت - : أداهنه
ولا أحد يمد مخمصة احتضاري بالهواء
صار المدى غيهبا، والطائرات تمدني بالموت لا،
لا تقتلوا وجع الولادة،
اتركوا أمي تستحم بماء مخاضها، قبل الرحيل
لتنجب نخلة أخرى تغامر في اشتعال النار
أو تلد الصهيل...لا،
لا تحرقوا سعف النخيل،
هو ما تبقى من بلادي
هو زورقي نحو النجاة وملجأي نحو الفرات ،
ومخبأي وقت الحصار،
هو ما تبقى من بلاد، تحرث أرضها الطلقات ورائحة الجثت..
***
تابوت يحدثني:
" ملت قبل القصف ثم اتكأت على فخد أمي،
أحتمي بذبيب الخوف يسري في عروق دمائها،
دمعها غطى دموعي لحظة قبل الوداع.
ورمقت الكحل فوق رموشها، فرأيته
بدرا تمطاه الحريق
. يا رفيقي أين الطريق؟
تكرر القصف المخيف
/ تضمني أمي الى حليب الثدي/
اشرب ولا تكثرت،
ستعيش كي تبني دمار القصف،
كي ترسم رقصة" الميجانا" على أسوار المدرسة...
اشرب كي ينبت القسام في روح شهقتك الأخيرة،
لكنني لما التمست رحيق حليبها، سكت النهار،
وأبرق الليل الطويل بقصفه، بسط الجنود حريقهم في كل الجهات،
وأشعلوا النيران في ماء الفرات،
أسقطوا صدر أمي لتمتزج دمائي بالحليب،
ولا عجب..
بئر من البترول أغلى من حياتي لا عجب...
أين العرب؟
ما زلت وحدي، لاعرب..
وحدي يستبيحني العراف،
آتيه من باب الخروج الى الحقيقة،(57/354)
لكنه يأتي يراوغني ليدخل بيتي من نوافذها
ويغتال الحقيقة والسلام
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مأساة الحياة
مأساة الحياة
رقم القصيدة : 68196
-----------------------------------
(نسخة 1945)
أيها الراهب الذي يقطع العم
ر وحيدا في كوخه المكفهر
هات حدثني العشية عما
عند دنياك من نعيم وبشر
حدثوني عنكم فقالوا حياة
من نعيم وأنفس من نقاء
عجبا أين ما يقولون؟مالي
لا أرى غير حيرة الأشقياء
ما الذي عندكم من البشر والاف
راح ماذا يا أيتها الزاهدونا
ليس إلا عمر يمر حزينا
يتهاوى كآبة وسكونا
(نسخة 1950)
شيدوها من كل لفتة شوق
في العيون الحبيسة المحرومه
وسقوا أرضها الجديبة من بر
كان تلك العواطف المكتومه
وحموها من أن تغازلها الشم
س بألوانها ولين شذاها
وأبوا أن يلامس القمر المن
فعل الضوء في المساء دجاها
وتمنوا ألا تمر بها ري
ح عبيرية الصدى والنشيد
فشفاه الرياح تكمن فيها
قبل عذبة وذكرى خدود
وتمنوا أن يقفل الليل عيني
ه وتخبو نجومه السحرية
فعيون النجوم تغوي باهدأ
ب حريرية الرؤى القمرية
(نسخة 1965)
أيها الراهب الذي يقطع العم
ر وحيدا في في غرفة منسية
ليس يدري دفء المودة في عي
نين في قر ليلة شتوية
حدثوني عنكم فقالوا ضياء
وكؤوس من الشذى روحية
وسموا إلى الذرى الطاهرات ال
بيض فوق الرغائب البشرية
عجبا أين ما سمعت هنا شو
ونار وأعين مفتونة
وهوى قيدوه عطشان محرو
فأين السلام أين السكينة
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أنشودة الرياح
أنشودة الرياح
رقم القصيدة : 68197
-----------------------------------
-1-
أيها السادرون
ما الذي تنشدون ؟
ملء هذا المدى
في الدجى حالمون
كم رسمتم منى
أطفاتها القرون
وأغانيكمو
كم طواها السكون
***
تذرعون الذرى
تقطعون القفار
تحت سمع الدجى
وعيون النهار
تطعمون الرؤى
بالدموع الغزار
إن دون المنى
ألف ألف ستار
***
وأمانيكمو
طيف حبّ نفور
أتظّنونها
في زوايا القصور؟
دونكم فابحثوا(57/355)
في حرير السّتور
وأنا للمدى كل عمري مرور
-2-
كلّ عمري سرى
في الوجود الجميل
في الصباح الندي
والظلام الثقيل
فوق سرو الذرى
فوق حقل النخيل
أنا أمضي أنا
كلّ عمري رحيل
***
وشهدت هنا ألف
ألف جيل وجيل
ولدوا وانطوو
في التراب المهيل
ضحكوا أو بكوا
في الضحى والأصيل
ما لهم مهرب
من رقاد طويل
***
وسمعت هنا
كلّ جيل يقول:
"في يدي منبع
خالد لا يزول"
وأناشيدهم
قد طواها الذبول
ومبانيهمو
جرفتها السّيول
***
أقبلي أقبلي
يا فتاة النشيد
وابحثي بينهم
عن فؤاد سعيد
كلّ يوم لنا
منك حلم جديد
وأنا ما أنا
غير سير أبيد
***
-3-
طال تجوالها
في الفجاج الفساح
في مرور الدجى
وانطواء الصباح
في تلاشي الندى
وضياع الرياح
إن أحلامها
ملّكتها جناح
كلما ضيعت
في الدياجي رجاء
فتّحت قلبها
للشذى والضياء
إن في روحها
ودماها نداء
لإرتقاء الذرى
وبلوغ السماء
يا فتاة الرؤى
ما أحبّ الوصول
حين يمضي الأسى
والضباب يزول
غير أن السّرى
في جديب طلول
والمدى شاسع
والديار محول
ما وجدت المنى
في حمى الرهبان
عالم مغلق
قاتم الجدران
وأطلّ على
طرفك الحيران
شاطىء أخضر
مبرق الغدران
إنّه شاطىء
غامض لا يبين
واعد بالسّنا
كلّ قلب حزين
وهبطت إلى
ارضه تبحثين
أسفا إنّه
شاطيء العابثين
-4-
إنبسط يا مدى
واختفي يا حدود
إن أقدامها
شردت في الوجود
كّلما صّعدت
في الذرى والنجود
قابلتها ذرى
ومضت في صعود
***
إنها رحلة
في طريق الحياة
بحثت عن دنى
تتحدّى الممات
كلّما أبصرت
رمة في فلاة
جدّدت عزمها
بندى الأغنيات
***
يا فتاة الرؤى
والفؤاد الرهيف
خاطبتك الدنى
في الظلام الكثيف :
"أنصتي تسمعي
في السكون حفيف
وانظري تبصري
أن جدبي وريف"
***
لك قلب غفا
عن معاني الذرى
لك روح ثوى
في ضباب الكرى
لا يحسّ الندى
في جفاف الثرى
فاهبطي وابحثي
عند أهل القرى
***
ربما حرّروا
مقلة راسفه
أغمضت لا ترى
روعة العاصفه
ربما خّففوا
حرقة لاهفه
إن دنياهم
جّنة وارفه
ومضى بحثها
عن ديار النعيم(57/356)
لم يزل قلبها
في المرآقي يهيم
القصور طوت
حلمها المستديم
فانتهى سيرها
عند دير قديم
أنصتي تسمعي
في السكون حفيف
وانظري تبصري
أن جدبي وريف
لك قلب غفا
عن معاني الذرى
لك روح ثوى
في ضباب الكرى
-5-
حلم وانطوى
في الفضاء المديد
كلما أخفقت
في رجاء فريد
شيّدت في الذرى
حلمها من جديد
لا تبالي اللظى
لا تبالي الجليد
***
خيّبتها القرى
ودجاها الحزين
إنّ في أرضها
يشرا جائعين
لم تجد عندهم
غير دمع سخين
ومضت في السّرى
لا تني لا تلين
***
ثم أرست هنا
عند أهل اللحون
شعراء مشوا
في ظلال الغصون
علّ في نايهم
بعض لحن حنون
ليس فيه أسى
ليس فيه منون
***
حدّقي ها هنا
يا فتاة القصيد
إن في كونهم
رجع لحن سعيد
انظري تلمسي
في الظلام المديد
نشوة غلّفت
قلب هذا النشيد
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> على تل الرمال
على تل الرمال
رقم القصيدة : 68198
-----------------------------------
لم يزل مجلسي على تّلي الرم
ليّ يصغي إلى أناشيد أمسي
لم أزل طفلة سوى أنني قد
زدت جهلا بكنه عمري ونفسي
ليتني لم أزل كما كنت قلبا
ليس فيه إلا السّنا والنقاء
كلّ يوم أبني حياتي أحلا
ما وأنسى إذا أتاني المساء
أبدا أصرف النهار على التل
وأبني من الرمال قصورا
ليت شعري أين القصور الجميلا
ت وهل عدن ظلمة وقبورا؟
ايه تلّ الرمال ماذا ترى أب
قيت لي من مدينة الأحلام؟
أنظر الآن هل ترى في حياتي
لمحة غير نشوة الأوهام؟
ذهب الأمس لم أعد طفلة تر
قب عش العصفور كلّ صباح
لم أعد أبصر الحياة كما كن
ت رحيقا يذوب في اقداحي
لم أعد في الشتاء أرنو الى الأم
طار من مهدي الجميل الصغير
لم أعد أعشق الحمامة إن غّن
ت والهو على ضفاف الغدير
كم زهور جمعّتها لم تذر من
ها الليالي شيئا سوى الأشواك
كم تعاليل صغتها فنيت إلا
خيالا يؤود قلبي الباكي
آه يا تلّ ها أنا مثلما كن
ت فأرجع فردوسي المفقودا
أي كفّ أثيمة سلبت رم
لك هذا جماله المعبودا
كنت عرشي بالأمس يا تلّي الرم(57/357)
ليّ والآن لم تعد غير تلّ
كان شدو الطيور رجع أناشي
دي وكان النعيم يتبع ظلّي
كان هذا الوجود مملكتي الكب
رى فيا ليتني أعود إليها
ليت هذي الرمال تسترجع السح
ر وليت الربيع يحنو عليها
لم أعد أستطيع أن أحكم الزه
ر وأرعى النجوم في كل ليل
هل أنا الآن غير شاعرة حي
رى وهل غير هيكلي المضمحلّ؟
ذهب الأمس والطفولة واعتض
ت بحسّي الرهيف عن لهو أمسي
كل ما في الوجود يؤلمني الآ
ن وهذي الحياة تجرح نفسي
أين لون الزهار لم أعد الآ
ن أرى في الزهار غير البوار
كلما شمت زهرة صوّر الوه
م لعينيّ قاطف الأزهار
أين شدو الطيور ما عدت ألقى
في صفاه من يأس قلبي خلاصا
كل لحن لصادح يتلاشى
في ادّكاري الصّياد والأقفاصا
أين همس النسيم لم تعد الأن
سام تغري قلبي بحب الجمال؟
فغدا يهمس النسيم بموتي
في عميق الهوى وفوق الجبال
أين مّني مفاتن القمر السا
حر والصيف والظلام المثير؟
لم أعد أعشق الظلام غدا أر
قد تحت الظلام بين القبور
ها أنا الآن تحت ظلّ من الصف
صاف والتين مستطاب ظليل
أقطف الزهر ان رغبت وأجني الث
مر الحلو في صباحي الجميل
وغدا ترسم الظلال على قب
ري خطوطا من الجمال الكئيب
وغدا من دمي غذاؤك يا صف
صاف يا تين أيّ ثأر رهيب
ذاك دأب الحياة تسلب ما تع
طيه بخلا لا كان ما تعطيه
تتقاضى الأحياء قيمة عيش
ضمهم من شقاه أعمق تيه
هي هذي الحياة ساقية السمّ
كؤوسا يطفو عليها الرحيق
أومأت للعطاش فاغترفوا من
ها ومن ذاقها فليس يفيق
هي هذي الحياة زارعة الأش
واك لا الزهر, والدجى لا الضياء
هي نبع الآثام تستلهم الشر
ّ وتحيا في الأرض لا السماء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> آدم وحواء
آدم وحواء
رقم القصيدة : 68199
-----------------------------------
حسبها أننا دفعنا إليها
ثمن العيش حيرة ودموعا
أيّ ذنب جناه آدم حتى
نتلقى العقاب نحن جميعا؟
وليكن آدم جنى حسبه فق
دان فردوسه الجميل عقابا
حسبه يا حياة أن هبط الأر
ض ليحيا ويجرع الأوصابا(57/358)
حسبه أنه أتى الأرض مطرو
دا من الخلد مستطارا حزينا
حسبه ما رأى من الشرّ والإث
م وما ذاق من عذاب السنينا
ليت شعري ماذا يروق لعيني
ه على الأرض بعد سحر السماء
كيف ينسى جمال فردوسه المف
قود في عالم دجيّ الفضاء
كيف ينسى الأمس الجميل ليهنا
بحياة موسومة بالشقاء؟
ليس يحيا فيها سوى الآثم الجبّ
ار يا رحمتاه للضعفاء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الحرب العالمية الثانية
الحرب العالمية الثانية
رقم القصيدة : 68200
-----------------------------------
لم يكد يستفيق من حربه الأو
لى ويهنا حتى رمته الرزايا
رحمة يا حياة حسبك ما سا
ل على الأرض من دماء الضحايا
انظري الآن هل ترين سوى آ
ثار دنيا بالأمس كانت جنابا
ليس من سحرها سوى سود أحجا
ر تثير الدموع والأشجانا
أين نعماك يا بقايا القصور ال
بيض أين الأزهار والأطيار؟
هجرتك الطيور غير غراب
وجفاك الأريج والإخضرار
أين أهلوك؟ حدّثيني ماذا
يا ركام الأنقاض كان المصير؟
أين يحيون؟ أيّ كهف من الأر
ض زواهم أساه والديجور؟
أين أهلوك يا قصور أتحت الث
لج أم مزقتهم القاذفات
أسفا ضاقت الميادين بالقت
لى وما عاد يدفن الأموات
في سفوح الجبال تحت ذرى الأش
جار خلف القصور والأكواخ
ليس غير الموتى عظاما وأشلا
ء وغير اكتآبه وصراخ
يا ملاك السلام أقبل من الأج
واء واهبط على الوجود الكئيب
إبك للراقدين في وجمة المو
ت وأشرق على الظلام الرهيب
طف بهذي القرى لتلمس آها
ت الحزانى والساغبين الظماء
وارحم الصارخين في سرر الأم
راض بين الأحزان والأدواء
طف بأنقاض عالم ليس يدري
هل سيحظى بمبهجات الحياة؟
هو إن نام لحظة هبّ مذعو
را ليبكي ويرسل الآهات
ما درى حين أضرم الحرب إلا
حلم النصر والفخار العظيم
يا لقلب المسكين! ما ينفع المج
د لقلب ملوّع مصدوم
فليفق حسبه خيالا وأوها
ما ليلقى ما قد جنت كّفاه
عالم مظلم يضجّ به المر
ضى ويشكو من الطوى أبناه
جفّ زهر الرياض والورق النض(57/359)
ر و آوت إلى الجفاف الحقول
أسفا لم تدع لنا الحرب شيئا
وتلاشى الحلم الطروب الجميل
من ترى يحرث الحقول ويشدو
أغنيات المراح وقت الحصاد
أين لهو الأطفال عند البحيرا
ت وفوق الثلوج في الأعياد
أين؟ ضاع الخيال والحلم الفا
تن ضاع الجمال ضاع الرخاء
ليس إّلا دنيا من الجوع والفق
ر عليها يعذّب الأبرياء
يا قلوب الأطفال لا تخفقي الآ
ن حنينا لن يرجع الآباء
هكذا شاءت السنين فرفقا
بعيون قد عض فيها البكاء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> عيون الأموات
عيون الأموات
رقم القصيدة : 68201
-----------------------------------
يا رفات الأموات في الأرض ماذا
رسم الموت فوق هذي العيون؟
أي رعب وحسرة وشكاة
أيّ معنى من الرجاء الحزين؟
كل عينين فيها صور تب
كي وترثي للعالم المغرور
كل عينين تسخران من العي
ش وتستهزآن بالمقدور
كل عينين تنظران إلى الآفا
ق بعيدا عن كل ما في الحياة
آه يا ربّ آه لو فهم الأح
ياء ماذا في أعين الأموات
يا فتاة الخيال حسبك شدوا
برثاء الموتى وحسبك حزنا
سوف يبقى الخصام والشرّ ما عا
ش الأناسيّ والأناشيد تفنى
هكذا شاءت المقادير للعا
لم إثم وشقوة وحروب
وهي النفس تحمل الشرّ والبغ
ض فماذا يفيدها التهذيب
كم تّغنى بالسلم والحبّ والرح
مة من شاعر ومن فيلسوف
أسفا ضاعت الأغاني ولم تب
ق سوى ضّجة القتال العنيف
يا لهذا الكون المعذب في قي
د من الشر والأذى والأثام
كيف ينجو من الاسى ومتى يش
فى من الموجعات والآلام؟
كيف ينجو والطبع والقدر القا
سي يسوقانه إلى الأحزان؟
يا لقلب المسكين ليس له في
حومة الشرّ والشقاء يدان
كم أراد السموّ عن وهدة الشر
فحالت طباعه الآثمات
كم أراد النجاة من مخلب الغد
ر فعزت على مناه النجاة
ما الذي رامه المسيح لكي يج
زى بما كان ما الذي كان منه؟
أيها العالم الذي اقترف الذن
ب أما آن أن تكّفر عنه؟
أو لم يكفك الشقاء أما زل
ت مشوقا إلى حياة الدماء؟
جف نبع الدموع والدم يا كو(57/360)
ن فهلا رثيت للأشقياء؟
لذ ببرج السماء من نشوة القت
ل ألا وليختم سجلّ الرزايا
وليكن من فقدت في هذه الحر
ب ختام الذين ماتوا ضحايا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> انشودة السلام
انشودة السلام
رقم القصيدة : 68202
-----------------------------------
أيها السادرون في ظلمة الأر
ض كفاكم شقاوة وذهولا
احملوا نادمين أشلاء موتا
كم ونوحوا على القبور طويلا
ضمّخوها بالعطر لفّوا بقايا
ها بزهر الكنار والياسمين
واهتفوا حولها بأنشودة السل
م ليهنا في القبر كلّ حزين
اجمعوا الصبية الصغار ليشدوا
بلحون الصفاء والإبتسام
أنقذوا المّيتين من ضجّة الحر
ب ليستشعروا جمال السلام
فيم هذا الصراع يا أيها الأح
ياء ؟ فيم القتال؟ فيم الدماء؟
فيم راح الشّبان في زهرة العم
ر ضحايا وفيم هذا العداء؟
أهو حبّ الثراء؟ يا عجب القل
ب! وما قيمة الثراء الفاني؟
في غد رحلة فهل يدفع الأم
وات بالمال وحشة الأكفان
كل حيّ إلى القبر مغدا
ه فهل ثمّ في الممات ثراء
افتحوا هذه القبور وهاتوا
حدّثونا أين الغنى والرخاء؟
انظروا ها هنا على الشوك والرم
ل ثوى الأغنياء والمعدمونا
أيّ فرق ترى وهل غير صمت ال
موت فوق القبور والراقدينا؟
عجبا ما الذي إذن ساق هذا ال
كون للموت والأذى والدمار
فيم تحدو الشعوب أطماع غرّ
يتصبّى عينيه وهج النار
نشوة النصر؟ يا لسخرية الأل
فاظ! يا للأوهام يا للضلال
أيها الواهمون حسبكمو وه
ما وهبوا من الكرى والخيال
نحن أسرى يقودنا القدر الأع
مى إلى ليل عالم مجهول
ليس منا من يستطيع فكاكا
ليس منا غير الأسير الذليل
أبدا تأمر الليالي ونمشي
ليس يجدي تضرّع أو بكاء
ليس يخشى الممات صولة جّبا
ر وما يستثيره الضّعفاء
هكذا الموت غالب أبد الده
ر ونحن الصرعى الضعاف الحيارى
وله النصر والفخار علينا
فاندبوا ما دعوتموه انتصارا
أيها العالم المخرّب قد أس
فرت الحرب عن غلاب المنايا
شهدت هذه القبور لها بالن
صر يا رحمتا لتلك الضحايا(57/361)
ثم ماذا يا ساكني العالم المح
زون ؟ ماذا من القتال جنيتم؟
هل وصلتم إلى النجوم البعيدا
ت وهل من كفّ العذاب نجوتم؟
هل تغّلبتم على الفقر والأح
زان والسقم أّيها الواهمونا
أنجوتم من المآثم أم لم
يزل العيش فتنة ومجونا
أسفا لم تزل كما كانت الأن
فس تحيا في إثمها الأبديّ
لم تزل خمرة الضلال رجاء ال
آدميين في الوجود الشقيّ
لم تزل في الوجود أغنية الحز
ن يغّني بها الضعاف الجياع
لم تزل في الوجود مرضى حيارى
أبدا تعتريهم الأوجاع
كل شيء باق كما كان قبل ال
حرب غير الأيتام والأموات
غير ظلّ من الكآبة والحي
رة يمشي على ضفاف الحياة
هؤلاء الأيتام بالأمس كانوا
صورة البشر والمراح الجميل
تحت ظلّ الآباء يقضون عيشا
ما دروا غير صفوه المعسول
وأفاقوا من حلمهم فإذا الأق
دار حرب والكون قتل ونار
يا عيون الأطفال لا تسألي الدن
يا علام اللظى؟ وفيم الدمار؟
في سبيل المجد المزّيف هذا ال
هول لا كان مجدهم لا كانا
في سبيل النصر المموّه عاد ال
عالم الحلو في اللهيب دخانا
هؤلاء الصرعى على الصخر والشو
ك شبابا وفتية وكهولا
كيف كانوا بالأمس أية رؤيا
رسموها فلم تهشّ طويلا؟
أّيها الأشقياء في الأرض يا من
لم تمتهم قذائف النيران
عبثا تأملون أن يرجع الآ
ن أعزاؤكم إلى الأوطان
انظروا ها هم الجنود يعودو
ن فرادى مهشّمي الأعضاء
آه لولا بقية من حياة
لم يعدّوا في جملة الأحياء
عبثا يبحثون في هذه الأن
قاض عن أهلهم وعن مأواهم
عبثا يسألون ما يعلم العا
بر شيئا فيا لنار أساهم
كيف ذاقوا مرارة الخيبة السو
داء بعد الآلام والأدواء
هل نجوا من براثن الموت والأس
ر لكي يسقطوا أسارى الشقاء؟
أيّها الأشقياء يا زمر الأح
ياء في كلّ قرية وصعيد
آن ان نستعيد ماضي حبّ
هو مفتاح حلمنا المفقود
ما الذي بيننا من البغض ماذا
كان سرّ القتال والأحقاد
أّيها الناقمون نحن جميعا
شرع في أيدي الخطوب الشداد
نحن نحيا في عالم ليس يدرى
سرّه فهو غيهب مجهول(57/362)
تطلع الشمس كل يوم فما كن
ه سناها ؟ وفيم كان الأفول؟
ما الذي يطلع النجوم على الكو
ن مساء؟ ما كنه هذا الوجود؟
أيّ شيء هذا الفضاء وما سر
دجاه؟ هل خلفه من حدود؟
نحن هل نحن في الوجود سوى الجه
ل مصوغا في صورة الإنسان؟
كلّ ما في الأكوان يحكمنا ما
ذا إذن سرّ ذلك الطغيان؟
فيم نطغى؟ وكيف ننسى قوى الكو
ن وما في الوجود أضعف مّنا
ينخر الدود ما نشيد ولا تب
قي البراكين والرياح علينا
فيم نقضي حياتنا في العداوا
ت ونمضي السنين يأسا وحزنا؟
كيف ننسى أّنا نعيش حياة ال
ورد سرعان ما يموت ويفنى
لن تدوم الأيّام لن يحفظ الده
ر كيانا لكائن بشريّ
فلندع هذه الضغائن والأح
قاد ولنحي في الوداد النقيّ
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> البحث عن السعادة
البحث عن السعادة
رقم القصيدة : 68203
-----------------------------------
قد بحثنا عن السعادة لكن
ما عثرنا بكوخها المسحور
أبدا نسأل الليالي عنها
وهي سرّ الدنيا ولغز الدهور
طالما حدّثوا فؤادي عنها
في ليالي طفولتي وصبايا
طالما صوّروا لعينيّ لقيا
ها وألقوا أنباءها في رؤايا
فهي آنا ليست سوى العطر والأل
وان والأغنيات والأضواء
ليس تحيا إلا على باب قصر
شيّدته أيدي الغنى والرخاء
وهي آنا في الصوم عن متع الدن
يا وعند الزّهاد والرهبان
ليس تحيا إلا على صخر المع
بد بين الدعاء والإيمان
وهي حينا في الإثم والمتع الدن
يا وفي الشرّ والأذى والخصام
ليس تصفو إلا لقلب دنيء
لآئذ بالشرور والآثام
وهي في شرع بعضهم عند راع
يصرف العمر في سفوح الجبال
يتغنى مع القطيع إذا شا
ء تحت الشذى والظلال
وهي في شرع آخرين ابنة العز
لة والفنّ والجمال الرفيع
ليس تحيا إلا على فم غرّي
د يغني أو شاعر مطبوع
وهي حينا في الحبّ يلهمها سه
م كيوبيد قلب كلّ محبّ
ليس تحيا إلا على شفة العا
شق يشدو حياته لحن حبّ
حدّثوني عنها كثيرا ولكن
لم أجدها وقد بحثت طويلا
لم أزل أصرف الليالي بحثا
وأغّني بها الوجود الجميلا(57/363)
مرّ عمري سدى وما زلت أمشي
فوق هذي الشواطىء المحزونه
لم أجد في الرمال إلا بقايا ال
شوك! يا للأمنية المغبونه
أين اصدافك اللوامع يا شطّ
إذن أين كنزك الموعود؟
هاته رحمة بنا ,هات كنزا
هو ما يرتجيه هذا الوجود
هاته حسب رملك البارد القا
سي خداعا لنا وحسبك هزءا
يا لحلم نريد منه اقترابا
وهو ما زال أيّها الشطّ ينأى
لم تعد قصّة السعادة تغر
يني فدعني على شاطىء الآهات
عبثا أرتجي العثور على الكن
ز فلا شيء غير صمت الحياة
أين من هذه الحياة ابتساما
ت الأماني ونشوة الأفراح؟
كيف يحيا فيها السعيد وليست
غير بحر تحت الدجى والرياح
طال بحثي يا ربّ أين ترى ذا
ك السعيد الجذلان أين تراه؟
ليس حولي إلا دياجير كون
ليس يفنى بكاؤه وأساه
كل يوم ميت يسير به الأح
ياء باكين نحو دنيا الظلام
يا لأسطورة الخلود فما الخا
لد غير القبور والآلام
يا دويّ النواح في الأرض أيّا
ن يكفّ الباكون والصارخونا؟
ومتى ينتهي الشقاء متى ير
تاح كون ذاق العذاب قرونا
عالم كلّ من على وجهه يش
قى ويقضي الأيام حزنا ويأسا
جرّعته السنين حنظلها المرّ
فعاف الحياة عينا ونفسا
إيه أسطورة السعادة هاتي
حدّثيني عن سرّك المنشود
أين ألقاك؟ أين مسكنك المر
موق؟ في الأفق أم وراء الوجود؟
سرت وحدي تحت النجوم طويلا
أسأل الليل والدياجير عنك
أسفا لم أجدك في الشاطىء الصخ
ريّ حيث المياه تفتأ تبكي
حيث تبقى الأشواك والورد يذوي
تحت عين الأيّام والأقدار
حيث يفنى الصفاء والليل يأتي
بجنون الأنواء والأعصار
حيث تقضي الأغنام أيّامها غر
ثى ولا عشب في جديب المراعي
أبدا تتبع السراب وتشكو
بخل دهر مزّيف خدّاع
حيث يحيا الغراب, والبلبل المو
هوب يهوي في عشّه المضفور
ويغّني البوم البغيض على الدو
ح ويثوي القمريّ بين الصخور
حيث تبقى الغيوم في الجوّ رمزا
لحياة سوادها ليس يفنى
حيث تبقى الرياح تصفر لحنا
هو سخرّية المقادر منّا
حيث صوت الحياة يهتف بالأح
ياء : ماذا تحت الدجى تبتغونا؟(57/364)
انظروا كلّ ما على الأرض يبكي
فأفيقوا يا معشر الحالمينا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> بين قصور الأغنياء
بين قصور الأغنياء
رقم القصيدة : 68204
-----------------------------------
سرت بين القصور وحدي طويلا
أسأل العابرين أين الطروب؟
فإذا فتنة القصور ستار
خادع خلفه الأسى والشحوب
لم أجد في القصور إلا قلوبا
حائرات وعالما محزونا
ليس إلا قوم يضيقون بالأيّ
ام ضيق الجياع البائسينا
ليس ينجيهم الغنى من يد الأش
جان ليست تنجيهم الكبرياء
ليس يعفو الممات عنهم فهم حز
ن وصمت وحيرة وبكاء
كم وراء القصور من مقل تب
كي وتشكو قساوة المقدور
كم قلوب تودّ أن تبدل القص
ر بكوخ على حفاف الغدير
إن يكونوا نجوا من الجوع والفق
ر ولم يفترسهم الحرمان
فلقد طالما أحسّوا بجوع ال
روح واستعبدتهم الأحزان
إن يكونوا يقضون أيّامهم بي
ن الحرير الملوّن الجذّاب
فغدا تعبر الدهور وهم مو
تى على الشّوك والحصى والتراب
إن يكن في قصورهم من سنا الأض
واء ما يرجع الظلام ضياء
فغدا يخمد الضياء وتبقى
ظلمة الليل بكرة ومساء
ليس تنجي القصور من ربقة الحز
ن إذا طاف بالقلوب دجاه
كم غنيّ يقضي الحياة شقّيا
مغرقا في أنينه وبكاه
كل ما في هذا الوجود من الأم
وال لا يستطيع دفع الشقاء
كلّ تلك الكنوز ما غمرت قطّ
غنيا بساعة من هناء
يا طريقي مل بي العشّية ما عا
د جمل القصور يحلو لعيني
لم أجد ومضة السعادة فيها
لم أجد غير ظلّ يأس وحزن
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> عند الرهبان
عند الرهبان
رقم القصيدة : 68205
-----------------------------------
سر بنا نحو ذلك المعبد القا
ئم فوق الصخور بين الجبال
سر بنا سر بنا لعل لدى الره
بان سرّ النعيم والآمال
هؤلاء الزهّاد في القّنة البي
ضاء حيث الصفاء ملء الوجود
عّلهم يعرفون ما قد جهلنا
عن شهاب السعادة المفقود
قد سألت الرهبان عن كنزنا السّح
ريّ لكن لم ألق منهم جوابا
لم يجبني منهم سوى صوت محزو(57/365)
ن يغّني ويجرع الأوصابا
لم أجد في تلك الصوامع غير ال
أوجه الشاحبات والديجور
لم أجد غير وحشة تبعث اليأ
س وصمت كمثل صمت القبور
هؤلاء الأشباح ماذا تراهم ؟
آدميّون أم بقايا طيوف
فيم جاءوا وأية سلوى
وجدوها ما بين هذي الكهوف
في بعيد الآفاق تحت دياجي
ر وجود تمشي الكآبة فيه
حيث ما زالت الحياة كما كا
نت على عهد آدم وبنيه
حيث لا زهر لا عرائش لا أش
جار لا شيء غير هذا السكون
لا جديد فيه سوى موت حيّ
من بنيه ما بين حين وحين
أيّها الراهب الذي يقطع العم
ر وحيدا في كوخه المكفهرّ
هات حدّثني العشّية عما
عند دنياك من نعيم وبشر
حدّثوني عنكم فقالوا حياة
من نعيم وأنفس من نقاء
عجبا أين ما يقولون ؟ما لي
لا أرى غير حيرة الأشقياء
ما الذي عندكم من البشر والأف
راح؟ ماذا يا أيّها الزاهدونا؟
ليس إلا عمر يمرّ حزينا
يتهاوى كآبة وسكونا
حدّثوني عنكم فقالوا قلوب
نسجت من نقاوة وثراء
ونفوس صيغت من الزهر والعط
ر وهامت مع السّنا والّنقاء
أين هذا الذي يقولون عنكم
أيّها الراهبون؟ أين تراه؟
اسم (تاييس) لم يزل يملأ الكو
ن فأين الذي أضّلت خطاه؟
ما نسينا غواية الراهب المس
كين في حبّها, وكيف هداها!
يا له بائسا سما بابنة الإث
م إلى قمّة السماء وتاها
أيّها الراهبون لن تنبت الأز
هار والعطر والسّنا في النفوس
عبثا تهربون من مغريات ال
عيش كم في الوجود من تاييس
لن تذوقوا شهد السعادة ما دم
تم أناسيّ من تراب وماء
كتبت هذه الطبيعة للأح
ياء أن يكرعوا كؤوس الشقاء
أو تنسون أنكم لم تزالوا
مثلما كنتمو حيارى حزانى
لم تزل فتنة الوجود تنادي
كم وتهفيكم إلى ما كانا
لم تزل ذكريات أمسكم المه
جور تحيا في الأنفس المحزونه
وخيال من عالم فاتن الأل
وان ملء المشاعر المغبونه
أيها الراهبون ماذا إذن نف
ع اعتزال تشوبه الصبوات
آه عودوا إلى مصارعة الده
ر وعيشوا كما تشاء الحياة
أيها المعبد الحزين وداعا
أنت يا من لاذت به آمالي
لم أجد في حماك زهرة أحلا(57/366)
مي فيا ضيعة السّرى والكلال
لم أجد زهرة السعادة والأف
راح عند الزّهاد والراهبينا
آه ضاعت أيّام عمري وما زا
ل شراعي يطوي فراغا حزينا
عند شط الحياة ألقيت مرسى
زورقي في الضباب تحت الظلام
أرقب السائرين في الشاطىء الصخ
ريّ بين الوهاد والأكام
أين ألقاك يا سعادة ؟هاتي
حدّثيني فقد بحثت طويلا
طال تيهي فنبئيني متى يب
لغ قلبي مقرّك المجهولا
أو لم أقطع البحار إلى الره
بان والزاهدين في الصحراء
أو لم تنكر الفضيلة ألوا
نك يا لهفتاه ضاع رجائي
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مع الأشرار
مع الأشرار
رقم القصيدة : 68206
-----------------------------------
قد رقبت الأشرار حينا فلم أع
ثر لديهم على سناك الحبيب
فهم البائسون تطحنهم أي
دي الليالي بما جنوا من ذنوب
ورأيت الطغاة يحيون محزو
نين بين الأوهام والأشباح
ليس يشفيهم من الحزن واليأ
س دواء فالداء في الأرواح
فإذا أخمدوا هتافات مظلو
م فما يخمدون صوت الضمير
ذلك الراقب الإلهيّ في النف
س لسان الهدى وصوت الشعور
أبدا ساهر يراقب أقدا
ر الليالي وسطوة الأيّام
أبدا يرمق الحياة من الأع
ماق ,مستهزئا من الأعوام
فإذا حادت القلوب عن الخي
ر علا صوت ذلك الجبّار
فهو الناقم النبيل على الشرّ
وقاضي الطغاة والأشرار
كيف ينجو الأشرار من شقوة الرو
ح وصوت الضمير بالمرصاد
لا ملاذ من حاكمم يملك الرو
ح بما في كّفيه من أصفاد
عجبا أين تلتقيك حياتي؟
يا ضفاف السعادة المنشوده؟
جبت هذا الوجود أبحث لكن
لم تزالي الحقيقة المفقوده
جهلتك الدنيا فلا أحد يع
لم ما أنت واقع أم خيال؟
كّلهم يسألون عنك ولكن
لم تحدّث بسرّك الآزال
ها أنا ذي حملت قلبي على كفّ
ي وسرت الحياة أبحث عنك
أسأل العابرين هل فيهم من
قد روى قلبه المشوّق منك
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> في الريف
في الريف
رقم القصيدة : 68207
-----------------------------------
عند هذي الأكواخ شاعرتي أل(57/367)
قي المراسي تحت الفضاء الصاحي
أنظري أيّ عالم فاتن المج
لى بعيد عن ضجّة الأتراح
أنظري عّلنا بلغنا أخيرا
ذلك الشاطىء الذي نتمّنى
بعد ليل من المسير طويل
ضاع فيه عمري كلالا وحزنا
أنظري أنظري هنا العشب الأخ
ضر نشوان في سفوح الجبال
عند نبع من قنّة الجبل الأب
يض يجري تحت السّنا والظلال
الصباح الجميل قد توّج الود
يان بالضوء والجمال البهيج
ما أحبّ الحياة في هذه الجنّ
ة تحت الضياء بين المروج
ما أحبّ الصفاء يحتضن الأشج
جار والواد النضير الخصيبا
ما أرقّ الأزهار في مهدها الور
ديّ ما أعطر الربى والسهوبا
كلّ شيء في هذه الجّنة الحل
وة يوحي بأننا قد وصلنا
ها هنا شاطىء السعادة هذا
حلم قلبي فما ألذّ وأهنا
فلنطف بالعرائش الخضر فلنغ
نم صفاء الحياة بعد أساها
فلتجفّ الدموع فليمض أمس
مرّ بالقلب باكيا أوّاها
ولنعش للصفاء يفتن دنيا
نا غناء الرعاة عند الجبال
ونشيد تديره شفتا طف
ل يغّني على تلول الرمال
وقطيع الأغنام في المرج تحت الظ
لّ والفجر والندى والنسيم
وليالي الحصاد والقمر السحر
يّ والطيف والصدى والغيوم
فلنقضّ الحياة في هذه الجن
ة ناسين حادثات الحياة
ها هنا فتنة الطبيعة تنجي ال
كائن الحيّ من خيال الممات
ها هنا أستطيع أن أفهم السرّ
ففيم الأسى وفيم البكاء؟
خل خلت هذه المجالي من الأغ
نام يوما؟ وهل تعرّى الفضاء؟
ها هنا يستطيع أن يفهم القل
ب جمال الدنيا وسرّ الخلود
كل حيّ باق فإن مات غرّي
د فكم في الأعشاش من غرّيد
ها هنا كلّ زهرة تبعث العط
ر فإن تفن فالشذى غير فان
كم زهور ستنشر العطر والأل
وان من بعد في فضاء المغاني
ها هنا إن يسر أبولو بضوء الش
مس نحو المغيب كلّ مساء
فالنجوم المتلألئات جمال
شاعريّ الألوان والأضواء
ها هنا تنطق العرائش بالشع
ر وتحنو على مجاري الجداول
ها هنا تستحمّ آلهة الأن
هار في الماء تحت ظلّ الخمائل
كلّ شيء حلو فاين ترى السك
ان؟ أين الفلاّح والقطعان؟
فيم لا يملأون عالمهم له(57/368)
وا؟ وأين الآمال والألحان؟
سرت فيه وحدي وحدي أسائله عن
ساكنيه وأيّ واد حواهم؟
أيّ لحن يرّنمون إذا الشم
س أطّلت؟ وما ترى نجواهم؟
كيف يحيون في صفاء من العي
ش بعيد عن قسوة الضرّاء
أأظّلتهم السعادة بالأح
لام أم هم كسائر الأشقياء
اتراهم يرنّمون الأغاري
د ويلهون في ليالي الحصاد
تحت ضوء النجوم والقمر البا
سم بين العطور والأوراد
أتراهم أولئك البشر اللا
هون بين الجمال والأحلام؟
أتراهم كما تخّيل قلبي؟
أم تراني أمعنت في اوهامي
يا رعاة الأغنام في السفح عند الن
بع بين العرائش السّندسية
حدّثوني عن أغنياتكم الجذ
لى وعن بسمة القرى الشاعرّيه
حدّثوني عن الربيع إذا مرّ
على هذه القرى والشطوط
حدّثوني عن الحصاد ومجنى ال
زهر والبرتقال والبلّوط
حدّثوني ما لي أراكم حزانى ؟
كلّ راع في وحشة واكتآب
كلّ راع جهم الملامح لا يش
دو ولا يزدهيه سحر الغاب
أنت يا أيّها الحزين أجبني
أيّ حزن في مقلتيك أراه؟
أي قيد من المرارة واليأ
س أظلّتك يا كئيب يداه؟
كيف يشقى من في حمى هذه الجن
ة يحيا وتحت هذي السماء
كيف يشقى الراعي وبين يديه
جنة من مفاتن وضياء
أسفا قد خدعت لم تصدق الأح
لام فيما رسمن من أفراح
لم أجد عند ذلك الشاحب
الصامت إلا مرارة الأقداح
فهو عند الينبوع ينظر في الظلّ
إلى الأفق شاحبا مصدوما
ممعنا في الجمود والصمت كالمو
تى يناجي الفضاء يرعى الغيوما
لم تزل قربه على العشب النا
دي عظام لكائن مقتول
هو ذاك الراعي الصغير الذي را
ح طعاما للذئب بين الحقول
إيه راعي الأغنام يا أيّها المق
تول فوق العشب النديّ النضير
كيف مات الراعي ولم تمت الأغ
نام يا للمقدّر المسطور
يا لحكم الأقدار يا راعي الأغ
نام يا ظلم ما تريد الصروف
كيف تفنى الأشواك حارسة الزه
ر ويبقى الورد الرقيق الضعيف؟
إنها قصّة الطبيعة يا را
عي قتال وأدمع وشكاة
إن تكن قد قتلت فالثأر باق
وغدا تقتل الذئاب الرعاة
نازعتنا البقاء في هذه الأر
ض وحوش الأحراش والأطيار(57/369)
فلنا النصر مرّة ولهم أخ
رى كما تبتغي لنا الأقدار
فعزاء يا أيّها الجسد المص
روع في غمرة الكرى الأبديّ
قد بكاك الراعي الصديق وما زا
ل غريقا في حزنه الأخويّ
لم يزل جامدا على حافة النب
ع وفي مقلتيه دمع الشجون
يرقب الماء شاكيا قسوة الأق
دار مستنكرا ضلال المنون
صامتا ساهما بعيدا عن الأغ
نام حيران في ضباب الوجود
رازحا تحت وطأة الألم الطا
غي مشيحا عن الشذى والورود
كلما جفّ دمعه ذكر المق
تول والذئب فاستردّ أساه
يا لأحزانه الملحّات يا لل
هول ماذا ترى يعيد صفاه؟
السّنا والجمال؟ يا حيرة الرا
عي ويا ضيعة السنا والجمال
بعد حين ستعصف الريح بالصف
صاف والورد في سفوح الجبال
بعد حين يأتي المساء كئيبا
ويلفّ الجبال بالأحزان
ويسود السكون غير هتاف
ردّدته ضفادع الغدران
غير صوت النشيج في قرية الرا
عي تعالى تحت الدجى المنشور
غير صوت القدوم يعمله الحفّ
ار في الأرض بين صمت القبور
ثم يمضي الليل العميق إلى غي
ر رجوع وتبسم الأضواء
ويعود القمريّ يصدح جذلا
ن كأن ليس في الحياة شقاء
غير دار ماذا يعذّب أهل ال
قرية البائسين من آلام
غير دار ما خلف أكواخهم من
رعشات ولوعة وسقام
ليس يدري القمريّ لا ليس يدري
ما وراء الأكواخ من حرمان
ليس يدري أنّ الطبيعة تقسو
ليس يدري مرارة الأحزان
ليس يدري ماذا وراء بيوت الط
ين هذي من وحشة وظلام
ليس يدري ماذا يهزّ الخيام ال
سود من لهفة ومن آلام
ليس يدري القمريّ ما يحزن الف
لاح في كوخه وليس يراه
ليس يدري أنّ الأماسيّ قد تم
ضي عليه وما يغيب أساه
ليس يدري ما يفعل الجوع والحز
ن بأهل الأكواخ كلّ شتاء
حينما تغمر الثلوج ثرى المر
ج وتطغى عواصف الأجواء
حينما في حضائر القرية الحي
رى يموت القطيع موت غبين
حينما تذبل العواصف زهر ال
لوز والبرتقال والياسمين
حينما تدفن الثلوج حقول ال
قمح يا رحمتاه بالفلاّح
حينما يصرخ الجياع الحيارى
في ظلام الأكواخ كلّ صباح
أيها الصادح المغرّد فوق ال(57/370)
دّوح طر عن هذا الوجود الأليم
دع أساه يا طير لي وحدي
واحي أنت الجذلان بين الغيوم
دعه لي دع آمال قلبي تذبل
بعد بحثي الطويل في الكون عنها
دع فؤادي يعد إلى ظلمة الأح
زان واخلص يا بلبلي أنت منها
خّيبت هذه القرى حلو أحلا
مي فلا رسم للسعادة فيها
ليس يدري الراعي المعذّب مأوا
ها ولا كان مرّة من بنيها
خدعتني الأوهام ليس لدى الرا
عي رخاء الحياة ليس لديه
فهو ذاك المكدود تصهره الشم
س ويقسو الحصى على قدميه
يتمّنى أن لو تبدّل بيت الط
ين قصرا على حفاف المدينه
ويريد الحياة لهوا فلا أغ
نام تثغو ولا نفوس حزينه
يا لوهم المسكين, كم من شقيّ
في ظلال القصور كم مصدوم
ليس للمال أن يذيق فؤادا
بشرّيا معنى الرضى والنعيم
يا سفينتي ما عاد في القرية الحل
وة مرسى لنا ففيم البقاء
ليس تحت الصفصاف إلا بيوت الطّ
ين والسقم والطوى والبكاء
أقلعي أقلعي بنا قد سئمنا
صرخات الجياع في كلّ شعب
قد رأينا الدموع في كلّ عين
وشهدنا الشقاء في كلّ قلب
ما الذي يا سفين يغري بأن نب
قى إذن؟ ما الذي ترى يبقينا؟
هل وجدنا طيف السعادة هل في
هذه الأرض فرحة تغرينا؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> بين الفنانين
بين الفنانين
رقم القصيدة : 68208
-----------------------------------
انشري يا سفين أشرعة السي
ر وشّقي عباب هذي الحياة
ثم ارسي بنا على شاطىء الفنّ
وبين الأشعار والأغنيات
علّنا واجدون في ذلك الشا
طيء ظلّ السعادة المتمّنى
علهم قد ترّشفوا شهدها الس
حر حتى صاغوه شعرا وفّنا
طالما صوّروا لألحانهم ما
قد دعوه بنشوة الفنّان
طالما حدّثوا عن الأمل الحل
و وغّنوا بالنور والألوان
فلنقف عندهم إذن ولنراقب
ركب أيّامهم وكيف تمرّ
أتراها ليل ودمع حزن؟
أم تراها فجر وضحك وبشر؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مأساة الشاعر
مأساة الشاعر
رقم القصيدة : 68209
-----------------------------------
قد هبطنا في شاطىء الشعر والفن(57/371)
فماذا فيه من الأفراح؟
ها هو الشاعر الكئيب وحيدا
تحت سمع الآصال والأصباح
أبدا ساهم يراقب أيّا
م حياة لا تنقضي بلواها
لا يرى الواهمون غير ضحاها
ويعيش الفّنان تحت دجاها
يرقب الأشقياء في ظلمة العي
ش ويبكي لهم بكاء غبين
ويصوغ الألحان يرثى لبلوا
هم ويبكي على الوجود الحزين
طالما بات ساهد الطرف حيرا
ن يسرّ الظلام أحزان شاعر
لا يرى في الحياة إلا وجودا
ظّللته يد الشقاء العاصر
أبدا لا يرى سوى مسرح المأ
ساة بين الدموع والتنهيد
وستارا من الدجى يتجّلى
كلّ يوم عن مّيت ووليد
واكتئابا يمشي على صور الكو
ن جميعا ولوعة وشقاء
ودموعا تلوح في كل عيني
ن ودهرا يخادع الأحياء
ليس يلقى الحياة إلا حزين ال
قلب حيران في هموم الحياة
كلما أنّ بائس ذرف الشا
عر دمع الأسى على المأساة
وإذا أذبل الجليد زهو ال
لوز ران الأسى العميق عليه
وإذا ماتت البلابل ظمأى
جال دمع الرثاء في مقلتيه
فهو قلب قد صيغ من رّقة الزه
ر وعين قد طهّرت بالدموع
وحياة حسّاسة ليس يدري
سرّها غير شاعر مطبوع
هي عمر ظمآن تعصره العز
لة عصرا, يمرّ كالآزال
في سكون لا صوت يسمع فيه
غير صوت الصرّار تحت الليالي
غير همس الحمام في الجبل المو
حش أو لحن بلبل مهجور
وحفيف الأشجار في قبضة الر
يح وصوت الرعود في الديجور
غير همس الأشباح ملء دجى الشا
عر في ليله الطويل الجديب
يتلّقى الأشعار عنها ويحيا
أبدا في حمى الأسى والشحوب
أيها الشاعر الذي يسهر اللي
ل وحيدا مستغرقا في الجمود
محرقا روحه بخورا على حبّ
(أبولو) ووحيه المنشود
ساهدا حانيا على القلم الشا
عر يرثي الدجى ويبكي السنينا
راسما للحياة صورتها المرّ
ة بين الجياع والبائسينا
أطفىء الضوء أيّها الشاعر المت
عب وارحم فؤادك الموجوعا
كاد يخبو ضوء السراج وتأتي
ظلمات الدجى عليه جميعا
رقد العالم المعذّب تحت ال
ليل فارقد واترك بقايا النشيد
حسبك الآن ما سهرت مع الحا
رس ترثي لليلة المكدود
قد أوى الحارس الكئيب إلى الكو(57/372)
خ إلى غمضة الكرى والطيوف
فكفى يا حزين عطفا على الكو
ن ورفقا بقلبك الملهوف
عجبا كيف تسهر الشاعر المل
هم أحزان من عن الحزن ناموا
كيف ترقا مدامع الورد في الحق
ل ويبكي على أساها الحمام
آه يا شاعري المعذّب ماذا؟
أكذا تصرف الحياة غبينا؟
في سبيل الوحي السماويّ تحيا
شاحب الوجه متعبا محزونا
بعت بالشعر لهو أيّامك الظمأ
ى وعفت الحياة عينا وقلبا
ونذرت الشباب والحبّ للفن
لتحيا على الجراح محّبا
ليس يعنيك أن ترافقك الأح
زان ما دمت ملهما صدّاحا
ليس يرضيك غير تغّني
ه وإن صغته أسى ونواحا
ليس تعطي الحياة للشاعر المج
د إذا لم يذق هموم الحياة
ليس تسمو الأرواح إن لم تطهّر
ها معاني الدموع والآهات
فإذا أشحب الأسى وجنة الشا
عر أو بات ليلة أوّاها
وإذا عضّ قلبه مخلب الحز
ن وضاقت حياته بأساها
خاطبته الحياة : يا شاعري المل
هم يا ابن الشحوب والآلام
النجوم الوضاء لا تبعث السح
ر إذا لم يسدل ستار الظلام
والذي يجمع الزهور يدوس ال
الشوك يا شاعري ويمشي عليه
والذي يعشق الطبيعة لا يث
قل صمت الدجى على مسمعيه
فاحتمل ما استطعت أحزان عمر
هو لولا الأحزان ما كان شيّا
وادفن النور في جفونك ميتا
وابعث الشعر من فؤادك حّيا
غنّ هذا العذاب صف لحياة الن
اس ماذا يبكي فؤاد الشاعر
صف لهم كيف يصرف العمر حيرا
ن ويحيا على أساه العاصر
صف لهم ذلك الصراع صراع ال
فكر والقلب في ظلام الحياة
كّلما أخفت النعيم صراخ ال
قلب ضج الفكرالأبيّ العاتي
فهما في حياته نبع أحزا
ن يردّ الحياة أفقا كئيبا
وهما الثائران لا بدّ من صو
تهما وليكن دما ولهيبا
شرعة الفكر أن يغرّد بالشع
ر ويشدو وإن يكن محزونا
ومناه السموّ للعالم الأع
لى وأن يلق في الطريق المنونا
فهو أفق حرّ يريد حياة ال
عقل في معزل عن الإحساس
وسواء لديه أن يشجب الشا
عر أو أن تقسو عليه المآسي
أفليس الشحوب والألم العا
صر نبعا للشعر والألحان
أو لا تقنع الحياة من الشا
عر باللحن في حمى الحرمان؟(57/373)
فيم كان الصراع يبعثه القل
ب إذن فيم؟ فيم لا يطمئن
فيم يأبى الحياة في وحشة العز
لة والفكر فيم يمضي يئن؟
هكذا تصرخ الخواطر بالشا
عر في ليله, فإن جاء فجر
ورأى الراعي الصبيّ يسوق ال
غنم الظامئات لم يبق شعر
ومضى القلب صارخا أين حّبي؟
أين لهوي؟ وفيم أبقى أسيرا
أبدا لا أني أضّحي بأفرا
حي وأحيا ذاك الحزين الكسيرا
من بكائي تصوغ شعرك للكو
ن ومنّي المنى ومّني الحنين
من دمي هذه الملاحم فارحم
ني أنا العاشق الشجي المغبون
انطلق بي دعني أذق فرحة الحبّ
لعلي من الشقاء أفرّ
ما غناء الأشعار يا شاعري المت
عب إن كانت الحياة تمرّ؟
ليس يغني عنك النشيد إذا متّ
حزينا وليس يرويك لحن
لا تقل في غد غد ندم قا
س على ما مضى ويأس وحزن
تحت ثقل الثرى وفي وحشة المو
ت سيخبو هذا النشيد ويفنى
فإذا لحنك الذي صغته يأ
سا وحزنا للناعمين يغّني
وستنسي أنت الذي ملأ الدن
يا جمالا ومات ظمآن جهما
وسيبلى التراب ما يتبّقى
منك يا مستطار لحما وعظما
ثم ماذا ؟ غدا يقولون قد كا
ن فتى بيننا طواه الهزال؟
ما رأينا منه سوى طيف إنسا
ن فقدناه واصطفاه الخيال
سيقولون شاعر ركبته
لوثة فانزوى وعاش غريبا
أبدا يرقب الفضاء يصيد الن
جم أو يحصد الظلام الكئيبا
يرمق الزهر من بعيد وفي عي
نيه أحلام عاشق ولهان
جامدا قانعا بعذريّ حبّ
يكتفي بالعطور والألوان
أيها الشاعر السجين كفانا
غربة في حياتنا ووجوما
حسبك الآن ما خضعت لصوت
العقل وارحم شبابك المحروما
ويمرّ النهار والشاعر المغ
بون حيران بين فكّي أساه
بين همس الصوتين يحيا كئيبا
ويناجي طيوفه ومناه
فإذا جاش قلبه بمعاني ال
يأس ألقى أحزانه في النشيد
لائذا باليراع يسكب فيه
ما يعاني من العذاب الشديد
ساكبا روحه على كل بيت
ناحتا من فؤاده الألحانا
راضيا بالشحوب والسقم حبا
لأبولو مستسهلا ما كانا
كلّ بيت من شعره يتقاضا
ه شحوبا ورعشة وسقاما
فهو في لحنه يذيب صباه
ويضيع الشباب والأحلاما
ثم ماذا؟ سرعان ما يزأر الإع(57/374)
صار, والزهرة الجميلة تذوي
وإذا الضوء في الأعاليّ يخبو
وإذا النجمة الوضيئة تهوي
ويغيب الضياء في ليل قبر
ليس تبكي له سوى الأمطار
ليس يرثيه غير ذاوي صباه
وبقايا القيثار والأشعار
ذلك الشاعر الذي كان يحيا
عمره باكيا على كلّ باك
ذلك العاطف النبيل على الأح
زان ذاك الملقى على الأشواك
نبذته الأيام في قبره المو
حش تحت الرياح والظلمات
حيث لا آهة يصعّدها قل
ب ولا دمعة على المأساة
هكذا في العذاب تمضي حياة الش
اعر الملهم الرقيق وتنسى
هكذا يملأ الوجود جمالا
ويذوق الآلام كأسا فكأسا
هكذا كلّ شاعر فارحلي بي
يا سفينتي عن عالم الشعراء
ولندعهم في ذلك الشجن العا
صف بين الآهات والأدواء
ولنسر في بحر الحياة كما كنّ
ا ونلقي المرسى على كل ساحل
ربما يا سفين نلقى ضياء
يتجلّى بعد الظلام القاتل
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> عند العشاق
عند العشاق
رقم القصيدة : 68211
-----------------------------------
ربما كان في حياة المحبي
ن رجاء أو دفقة من ضياء
ربما كان عندهم ذلك الإك
سير بين الخيال والأهواء
شاطىء الحبّ أيها اللامع الخا
دع هات الحديث عن أبنائك
صف مناهم وبشرهم وأساهم
صف لنا ما اختفى وراء صفائك
صف لنا كيف يعصر العاشق الشو
ق إلى من ينام عن بلواه
كيف يلهو به الخيال فيمضي ال
ليل سهران غارقا في مناه
صف حياة الذي استبدّ به الحب
فخال الحياة جّنة سحر
ومضى فاتحا ذراعيه للنو
ر يصوغ الحياة ديوان شعر
يلثم الزهر في الحقول ويشدو
لليالي الحصاد لحن هواه
راقصا كالفراش للقمر الحل
و خليا من يأسه وأساه
راسما للغد الجميل من الأح
لام ما لا تطيقه الأقدار
سادرا في أوهامه غير دار
أن هذي الحياة هول ونار
في يديه كأس الرحيق يغني
ه على مسمع النهار ويشرب
وعلى ثغره ابتسامة مخدو
ع يغّني له الشقاء فيطرب
ثم يخبو الضياء ذات مساء
ويفيق النشوان بالأوهام
فإذا الحقل ذابل لا زهور
لا فراش لا شيء غير الظلام(57/375)
أين تلك الأحلام؟ كيف ذوى الحب؟
وأين الوجه الحبيب النضير
يا لغدر الأيام لم تحفظ العه
د لقلب جنى عليه الشعور
وتمرّ الحياة والعاشق المه
جور قلب دام ووجه شاحب
أبدا يرجع الخيال إلى الما
ضي ويبكي على الغرام الذاهب
أبدا يرمق الحياة كئيبا
من وراء الدموع والأحزان
ويراها الذئب الذي ينهش القل
ب ويقسو على الأسى الإنساني
أبدا يسأل الظلام حزينا
شارد الفكر أين ألحان قلبي
أين زهري وأين بلبلي المن
شود؟ ماذا أضاع أحلام حبّي؟
أين تلك التي سكبت عليها
من حياتي ومن فؤادي ولحني
أين تلك العيون تلهم أحلا
مي وتمحو غشاوة الحزن عنّي؟
يا لقلب المسكين تلذعه الذك
رى وتحي غرامه وأساه
هكذا قد قضى عليه كيوبي
د فماذا تفيده شكواه؟
فليجد في الخيال والشعر والذك
رى دواء لحبّه المصدوم
وليقضّ الحياة بين حقول ال
قمح والقطن تحت ضوء النجوم
وليحبّ الغيوم والفجر والنه
ر ويمضي الأيّام بين التلال
يتغّنى فيعشق الزهر موسي
قاه عند الهوى وفوق الجبال
فحياة الخيال أجمل من وا
قع حب ملفّع بالرماد
وهنا يا مصدوم حرّية الرو
ح فماذا يغريك بالأصفاد
سل كيوبيد عن شقاوة صرعا
ه وماذا يلقون من تعذيب
كيف يحيون في جحيم من الشكّ
وليل من الضنى والشحوب
إن قضت بالحرمان أيّامهم عا
شوا حزانى معذبين حيارى
يشتكون الأقدار والزمن العا
تي ويحيون أشقياء أسارى
وإذا ما تحقق الحلم العذ
ب أشاحوا عن سحره كارهينا
ويعود الضياء ليلا دجّيا
وتعود الأزهار شوكا وطينا
هكذا يخمد الغرام وتخبو
شعلة الحب والمنى والحنين
فالسعيد السعيد من دفن الحبّ
وعاش الحياة غير سجين
يا دموع العشّاق قد شبع العا
لم بؤسا فلا تزيدي أساه
قد ملأنا الكون الجميل دموعا
وشبعنا من صمته ودجاه
فانضبي أنت حسبنا شجن العي
ش وبلوى الحياة والأيام
حسب هذي الأرض الكئيبة دمع ال
بائسين الجياع والأيتام
انضبي واطردي خيال كيويب
د وحسب الغرام هذي الضحايا
لن ينال العشّاق يوما سوى أد
مع حبّ حفّت سناه المنايا(57/376)
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> قيس وليلى
قيس وليلى
رقم القصيدة : 68212
-----------------------------------
كيف مات المجنون؟ هل سعدت لي
لى؟ سلوا هذه الصحاري الحزينة
اسألوها ما حدّث الريح قيس ال
أمس ليلا وكيف عاش سنينه
ذلك الشاعر الشريد الخياليّ
صديق الظباء في الصحراء
ونجّي الرمال والوحش والبي
د وطيف الشحوب والأدواء
سحق الحبّ قلبه المرهف الغضّ
فعاش الحياة دون مقرّ
فوق تلك الرمال ينشد أشعا
ر هواه لكل هوجاء تسري
راسما فوق صفحة الرمل ما كا
ن من الشوق والأسى والحنين
لاثما كلّ موضع خطرت لي
لى عليه في ماضيات السنين
يوم كانت ترعى الشياه ويرعى
قيس أغنامه فتشدو ويشدو
وتدوّي باللحن تلك الرمال ال
سمر حيث الظباء تلهو وتعدو
يوم كانت يا لهفة الشاعر العا
شق ماذا قد أبقت الأقدار؟
نضبت فرحة الصبا وذوى الوا
دي وجفت في رحبه الأزهار
وتبقّى قبر على قدم التلّ
ذوت تحته معالم ليلى
وحنت فوقه شجيرة ورد
تخذتها الأشلاء في القبر ظلاّ
وتبقّى قيس المعذّب يبكي
ما تبقّى من عمره المصدوم
راقدا عند حافة القبر لا يف
تأ يشكو إلى الصبا والغيوم
يتمنى ليل المنايا ويدعو
ه إليه بأعذب الأسماء
ويغنّي للموت اجمل ألحا
ن هواه تحت الدجى والضياء
ثم جاء الصباح يوما وقيس
في يد الموت ذاهل مصروع
ليس تبكيه غير تنهيدة الري
ح وصوت البوم الكئيب دموع
يا قلوب العشّاق حسبك حّبا
واقبسي من مأساة قيس مثالا
هي هذي الحياة لا تمنح الأح
ياء إلا العذاب والأهوالا
خدعتنا بالحبّ والشوق والذك
رى وما خلفها سوى الأوهام
عالم سافل يضجّ من الإث
م ويحيا بين الهوى والظلام
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> في أحضان الطبيعة
في أحضان الطبيعة
رقم القصيدة : 68213
-----------------------------------
أيها الشاعرون يا عاشقي النب
ل وروح الخيال والأنغام
ابعدوا ابعدوا عن الحبّ وانجو
بأغانيكم من الآثام
اهربوا لا تدّنسوا عالم الفنّ(57/377)
بهذي العواطف الآدميّه
احفظوا للفنون معبدها السا
مي وغنوا أنغامها القدسيّه
قد نعمتم من الحياة بأحلى
ما عليها وفزتم بجناها
يعمه الآخرون في ليلها الدا
جي وأنتم تحيون تحت سناها
اقنعوا باكتآبكم واعشقوا الفنّ
وعيشوا في عزلة الأنبياء
وغدا تهتف العصور بذكرا
كم وتحيون في رحاب السماء
اقنعوا من حياتكم بهوى الفنّ
وسحر الطبيعة المعبود
واحلموا بالطيور في ظلل الأغ
صان بين التحليق والتغريد
اعشقوا الثلج في سفوح جبال ال
أرض والورد في سفوح التلال
وأصيخوا لصوت قمرّية الحق
ل تغني في داجيات الليالي
اجلسوا في ظلال صفصافة الوا
دي وأصغوا إلى خرير الماء
واستمدّوا من نغمة المطر السا
قط أحلى الإلهام والإيحاء
وتغّنوا مع الرعاة إذا مرّ
وا على الكوخ بالقطيع الجميل
وأحبوا النخيل والقمح والزه
ر وهيموا في فاتنات الحقول
شجرات الصفصاف أجمل ظلاّ
من ظلال القصور والشرفات
وغناء الرعاة أطهر لحنا
من ضجيج الأبواق والعجلات
وعبير النارنج أحلى وأندى
من غبار المدينة المتراكم
وصفاء الحقول أوقع في النف
س من القتل والأذى والمآثم
وغرام الفراش بالزهر أسمى
من صبابات عاشق بشريّ
ونسيم القرى المغازل أوفى
لعهود الهوى من الآدميّ
وحياة الراعي الخياليّ أهنأ
من حياة الغنيّ بين القصور
في سفوح التلال حيث القطيع ال
حلو يرعى على ضفاف الغدير
حيث تثغو الأغنام في عطفة المر
ج وتلهو في شاسعات المجالي
وينام الراعي المغرّد تحت السّ
رو مستسلما لأيدي الخيال
في يديه الناي الطروب يناجي
ه ويشدو على خطى الأغنام
مستمدّا من همس ساقية السف
ح لحون الشباب والأحلام
آه لو عشت في الجبال البعيدا
ت أسوق الأغنام كل صباح
وأغنّي الصفصاف والسرو أنغا
مي وأصغي إلى صفير الرياح
أعشق الكرم والعرائش والنب
ع وأحيا عمري حياة إله
كلّ يوم أمضي إلى ضّفة الوا
دي وأرنو إلى صفاء المياه
اصدقائي الثلوج والزهر والأغ
نام, والعود مؤنسي ونجّيي
ومعي في الجبال ديوان شعر(57/378)
عبقريّ لشاعر عبقريّ
أتغّنى حينا فتصغي إلى لح
ني مياه الوادي ومرتفعاته
وأناجي الكتاب حينا وقربي
هدهد شاعر صفت نغماته
وخرير من جدول معشب الضفّ
ة يجري إلى حفاف الوادي
وثغاء عذب من الغنم النش
وى وهمس من النسيم الشادي
آه لو كان لي هنالك كوخ
شاعريّ بين المروج الحزينه
في سكون القرى ووحشتها أق
ضي حياتي لا في ضجيج المدينه
ليتني من بنات تلك الجبال ال
غنّ حيث الجمال في كل ركن
ليتني ليتني وهل تبعث الأح
لام إلا الدموع في كلّ عين
قدّرت لي السنين أني هنا أق
ضي حياتي قلبا رقيقا شجيّا
في ضباب الخيال أمشي وحولي
عالم للغنى يموت ويحيا
قد أحبوا أيامهم وتمّرد
ت عليها فعشت في أحلامي
إن أكن قد ولدت في هذه الضجّ
ة فلألتجيء إلى أوهامي
ولأعش في الخيال حيث تهيم ال
روح بين المروج والقطعان
هكذا تهدأ الأماني إلى حي
ن وتخبو مرارة الأحزان
هكذا أدفن الطموح كما يد
فنه كلّ طامح بشريّ
وعيون الأقدار يضحكن مني
هازئات بضعفي الادميّ
ياعيون الأقدار لا ترمقي دم
عي ولا تهزأي بقلبي الحزين
إن يكن في دمي طوح نبيّ
فأسى اليائسين ملء عيوني
كان هذا الطموح لعنة أيّا
مي فيا ليتني عصيت هواه
كلما حّقق الزمان لقلبي
حلما صورت حياتي سواه
لست أدري ماذا سيجنيه قلبي
من شرودي في كل أفق ونجم
أبدا أرتقي النجوم وأرنو
لمجاهيل عالم مدلهّم
لست أدري شيئا أنا اليأس يا أر
ض وأنت ابتسامتي ودموعي
أنت وحيي ومنك تنبع أحلا
مي, وإن كنت في حماك الوضيع
إرفعيني إلى السماء إذا شئ
ت بوحي من سحرك الشاعريّ
وأعيدي مني إذا شئت للطي
ن فتاة تبكي على كل حيّ
أضحكيني وأطلقيني ورقاء
تغني بحسنك الفّتان
أو دعيني أبكي على أشقياء ال
أرض بين الحنين والحرمان
ضاع يا أرض فيك معنى الأماني
وتبقّى الشقاء والأكدار
وخبت في كآبة الموت أصوا
ت الأغاني واستسلم القيثار
فعلام العزاء والأمل المو
هوم في حومة الدجى المدلهمّ
ولم الأشقياء يخفون بلوا
هم ويحيون في خداع ووهم(57/379)
قد وصفت الشقاء في شعري البا
كي وصوّرت أنفس الأشقياء
وشدوت الحياة لحنا كئيبا
ليس في ليله شعاع ضياء
فأثارت كآبتي عجب النا
س وحاروا في سرّها المجهول
ما دروا أنني أنوح على مأ
ساتهم في ظلامها المسدول
أنا أبكي لكل قلب حزين
بعثرت أغنياته الأقدار
واروّي بأدمعي كلّ غصن
ظامىء جفّ زهره المعطار
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> القصر والكوخ
القصر والكوخ
رقم القصيدة : 68214
-----------------------------------
كلّ فجر أرى الرعاة يمرّو
ن فأبكي على حياة الرّعاة
في ثلوج الجبال أو لهب الشم
س يريقون مبهجات الحياة
ويمرّ القطيع بي فأرى الأغ
نام بين الذبّاح والسكّين
يا حياة افنسان لا فرحة في
ك إذا لم تصحب بدمع غبين
فكنوز الغني يجمعها الفلاّ
ح في عمره الشقي الكسير
ذلك الكادح المعّذب في القر
ية بين المحراث والناعور
كلّ صيف يسقي البساتين تحت الش
مس والقصر هاجع وسنان
فهو يلقي البذور والمترف الها
نىء يجني وتشهد الأحزان
يا ليالي الحصاد ماذا وراء ال
حقل والحاصدين من مأساة
شهد الكوخ أنه يحمل الحز
ن لتحظى القصور بالخيرات
كيف يجني الأزهار والقمح والأث
مار من لم يجرح يديه القدوم؟
ويموت الفلاح جوعا ليفترّ
لعيني رب القصور النعيم ؟
كيف هذا يا ربّ ؟ رفقا بنا رف
قا فقد غصّت الكؤوس دموعا
وطغت في الفضاء آهاتنا الحي
رى تغني رجاءنا المصروعا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> كآبة الفصول الأربعة
كآبة الفصول الأربعة
رقم القصيدة : 68215
-----------------------------------
نحن نحيا في عالم كله دم
ع وعمر يفيض يأسا وحزنا
تتشفّى عناصر الزمن القا
سي بآهاتنا وتسخر منا
في غموض الحياة نسرب كالأش
باح بين البكاء والآهات
كلّ يوم طفل جديد وميت
ودموع تبكي على المآساة
ثم ماذا ؟ في أيّ عالمنا المح
زن نلقى العزاء عمّا نقاسي؟
عند وجه الطبيعة الجهم أم عن
د فؤاد الزمان وهو القاسي
قد عبرنا نهر الحياة حيارى(57/380)
في ظلام الفصول والسنوات
وثبتنا على أسانا خريفا
وربيعا فما جمال الحياة ؟
طالما مرّ بي الخريف فأصغي
ت لصوت القمريّة المحزون
وأنا في سكون غرفتي الدج
ياء أرنو إلى وجوم الغصون
طالما في الخريف سرت إلى الحق
ل وأمعنت في وجومي وحزني
كيف لا والكآبة المرّة الخر
ساء قد رفرفت على كل غصن
والحمام الجميل قد هجر الأع
شاش سأمان من وجوم السهوب
وطيور الكنار آثرت الهج
رة والعيش في حقول الجنوب
وغصون الشجار مصفرّة الأو
راق والزهر ذابل مكفهرّ
ورياح الخريف تعبث بالأو
راق والسحب في الفضاء تمرّ
طالما سرت في المساء وفي سم
عي صوت الأوراق تحت خطايا
كلما سرت خطوة أنت الأو
راق فاستجمعت بعيد أسايا
أرمق الحقل والجداول قد جف
ت ولون الفضاء أسود غائم
وأحسّ البوم الكئيب يغنّي
من بعيد بين النخيل الواجم
وأرى النهر من بعيد كسرّ
غلّفته أيدي الخريف الكئيب
لا رعاة على شواطئه يز
جون أغنامهم قبيل الغروب
لا اخضرار يغري الحزانى بأن يس
عوا إليه ولا صفاء جميل
ليس إلا رطوبة الأرض والوح
شة والصمت والربى والنخيل
فإذا رعشة تضم فؤادي
وإذا الروح ضائق بأساه
ما أمرّ الخريف يا رب ما أو
حش أصباحه وأقسى مساه
ثم يأتي الشتاء بالثلج والأم
طار والريح في سكون الليالي
وتمرّ الأيام موحشة الخط
و بطاء الصباح والآصال
وتموت الأزهار في قبضة الثل
ج ويعرو الأشجار لون الزوال
وتغيب الأطيار في الموقد المه
جور أو في كهف وراء الجبال
ويجيء المساء بالمطر المن
هلّ يبكي على شجا الإنسان
وتظلّ الرياح تعصف بالنخ
ل وترثي لكل قلب عان
آه ما أكأب الشتاء ليالي
ه وأيامه وما أقساه
حين أخلو لنار موقدي الخام
د والقلب مغرق في أساه
لست أصغي إلا إلى ضجة الإع
صار بين النخيل والصفصاف
واصطفاق الأمواج في شاطيء النه
ر ووقع الأمطار فوق الضفاف
كل شيء في الكون حولي كئيب
في ليالي الشتاء ذات الرعود
كل شيء حولي سوى ساعتي الصمّ
اء في صمت غرفتي المعهود
ايه يا ساعتي الكئيبة يا من(57/381)
صحبتني في فرحتي وشقائي
ما الذي تبعثين في نفسي الحي
رى من الحزن في ليالي الشتاء
أبدا تخفقين في معصمي البا
رد والليل مظلم ممدود
لحظات تمرّ في ثقل السا
ع وليل معذب منكود
كم سهرت المساء أصغي إلى دق
اتك الحائرات في مسمعيا
أنت يا من أحصيت ساعات أيّا
مي وكنت الرسول منها إليّا
رحمة في الشتاء بي لا تعدّي
ما تبقّى يا ساعتي من حياتي
واتركيني أصغي إلى نغم الأم
طار فوق الحقول والربوات
اتركيني فنغمة المطر الها
مر أحلى من صوتك الجّبار
يا رسول القضاء والزمن المف
ني وصوت الأحداث والأقدار
اتركيني وحدي وإن كان ليلي
مكفهرا تحت البروق طويلا
اتركيني أصغي غلى الرعد والأم
طار يا ساعتي وكّفي العويلا
وغدا يقبل الربيع فيحلو
عقرباك المحّببان لعيني
وتعود الدّقات منك نشيدا
اتغنّى به ويصدح فنّي
الربيع الجميل فصل الطيور وال
بيض والزهر والسنّا والعطور
عندما تكتسي العرائش بالكر
م وتشدو طيورها في البكور
عندما يخرج الرعاة إلى الوا
دي بأغنامهم وتزهو الضفاف
عندما يزهر البنفسج والخّب
از والبرتقال والصفصاف
وتذوب الثلوج في القمم العل
يا فتجري السيول في كل واد
ويعود البطّ الجميل إلى الشا
طىء بين الأعشاب والأوراد
ويعود الفّلاح يخرج للحق
ل طروب الفؤاد كلّ صباح
تحت شمس الربيع يسقي جذور ال
تين والبرتقال والتفّاح
وتعود الطيور للوطن المه
جور جذلى مفتونة بالربيع
في ثنايا الأغصان تتخذ الأع
شاش تحت النور النقيّ البديع
والقماريّ تستحمّ وتلهو
بين زهر الخّباز فوق الضفاف
وتغنّي للنهر أعذب ألحا
ن الأماني في مسمع الصفصاف
وزهور السفوح تضحك للنح
ل وتحني رؤوسها للنسيم
وقطيع الأغنام يمرح والرا
عي يقضّي النهار تحت الكروم
وصبايا القرى يرحن ويغدو
ن نشاوى على ضفاف السواقي
منشدات أحلامهنّ على سم
ع الينابيع والورود الرقاق
وسماء الحياة تزخر بالوج
ي ويصحو الشعور والأحلام
أي أدونيس آه لو عشت في الأر
ض فعاش السّنا ومات الظلام(57/382)
آه لو لم يكن مقامك في عا
لمنا المكفهرّ حلما قصيرا
آه لو دمت يا أدونيس للأر
ض وأبقيت عطرك المسحورا
يا ضياع الأحلام في مسمع المو
ت وماذا تفيدنا الأحلام
ليس يبقى الربيع إلا قليلا
ثم يخبو الجمال والأوهام
مثل زهر الصحراء سرعان ما تق
تله الشمس والرياح الهوج
وتعود الواحات قفرا كما كا
نت ويذوي العشب النضير البهيج
هكذا يرحل الربيع سريعا
وتعود الحياة للأحزان
وتموت الآمال في كل قلب
وتعيش النفوس للحرمان
فكأنّ الحياة لم تبتسم إلاّ
لتلقي سوادها في رؤانا
وكأن الزهور لم تنشر الأش
ذاء إلا لكي تثير أسانا
وكأن النضارة الحلوة الجذ
لى حداء بنا لصمت القبور
وكأن الطيور ترسل لحن ال
موت في سمع كلّ حيّ غرير
يا شباب الحياة ما أنت بالخا
لد إلا خلود زهر الربيع
ليس تبقي على نضارتك الأق
دار في حومة الأسى والدموع
أسفا يا ربيع يا ورد يا عط
ر أهذا ختام كلّ جمال
أكذا يخفت الضياء ويبقى الص
مت والحزن في سكون الليالي
قصّة الحب والجمال أهذا
ما إليه تكون بعد صباها ؟
تتصدّى لها يد الزمن الما
حي فتبلى ضياءها وصداها
هكذا يا ربيع يختتم النس
يان والصمت كلّ شيء جميل
ويعيش الإنسان تعصره الذك
رى ويبكي على أساه الطويل
فغذا عضّت الكآبة قلبي
في أضاحي الربيع واشتدّ حزني
فعلى مصرع الفراشات أبكي
وذبول الوادي الشجير الأغنّ
يا معاني الزوال والعدم الرا
ئع رحماك وارفقي بصبايا
لا تطلّي عليّ من كلّ شيء
في وجودي فقد سئمت أسايا
أتركيني أر الربيع طيورا
ليس ينوي لها الأذى مغتال
ولتكن زهرة البنفسج في عي
ني خلودا لا يعتريه زوال
ودعيني أعش مع الذكريات ال
بيض في أمسي الجميل الراحل
علّ هذا يجلو أسى الصيف عن قل
بي ويحيي موات حلمي الذابل
فلقد جّفت الرياض الجميلا
ت فلا زهرة ولا أشذاء
وانطوت فرحة الربيع ومات ال
عشب في أرضها وجفّ الماء
لم تعد في العشاش قمرّية تش
ّدو وتسقي أفراخها في النهار
كيف تحيا الطيور في لهب الشم
س وتلهو تحت اللظى والنار(57/383)
لم يعد للنسيم قلب يحبّ الن
هر والمرج في ظلام الأماسي
لم يعد للأزهار لون جميل
يتجّلى لمرهفي الإحساس
كلّ شيء في الصيف ينطق بالقس
وة والشمس شعلة ولهيب
تتشكّى عريشة الكرم لكن
ليس يجدي توّسل ونحيب
آه ما أكأب الظهيرة في الصي
ف إذا لاذ جوّها بالسكون
وتلاشى في الجوّ كلّ هتاف
غير صوت الطاحونة المحزون
وبكاء الحمامة الخافت النا
ئي وصوت الغراب بين الكروم
وأزيز من نحلة تملأ القل
ب ملالا بصوتها المسؤوم
ثم ماذا ؟ ماذا ترى العين في الصي
ف إذا اقبل المساء الداجي؟
هل سوى منظر النخيل البعيدا
ت وحزن الأشجار خلف السياج
هل سوى منظر الرعاة يعودو
ن باغنامهم حيارى بطاء
بعد يوم أمضوه تحت لظى الشم
س ملالا وشقوة وعناء
هل سوى الصائدين في النهر الضح
ل يعودون في المساء الكئيب
لم يصيدوا وصاد أرواحهم حرّ
نهار مؤذ وعيش جديب
كلّ يوم يمضي النهار ولا صي
د يعزّي صيّاده الطوّافا
يا لقلب المسكين قد سئم النه
ر وعاف المياه والمجدافا
فهو عند الغروب يرجع بالزو
رق سأمان واجم الألحان
إن تغنى فبالشكاة يزجّي
ها إلى خافق الحياة الجاني
كم رأيت الصيّاد في الشارع المق
فر يمشي معذّبا مصدوما
عكست مقلتاه أحزان قلب
سئم العيش والوجود الأليما
لست أنت المحزون وحدك يا صيّ
اد في حومة الشقاء المخيف
هو سجن الحياة قد كبّلت أق
ياده السود كلّ قلب رهيف
ذاك شأن الإنسان يا اّيها الصيّ
اد يا شاكيا ظلام الرزايا
في صراع مع العناصر لا يه
دأ حتى يأوي لوادي المنايا
في سبيل الحياة يبدل أفرا
ح صباه ويستطيب أساه
فهو يجري وراء حلم كذوب
رسمته أوهامه ورؤاه
وعجيب أنّا نذوق سواد ال
عيش واليأس والملال لنحيا
أيّ عمر هذا ؟ وأيّة مأسا
ة بلونا سوادها الأبدّيا ؟
أبدا نحن في كفاح مع الأق
دار والحادثات تبلي وتفني
يتحدّى أحلامنا الواقع المرّ
ويقسو زماننا المتجنّي
ونخاف الغد الدجيّ ولا نع
لم ماذا يكون فيه المصير
يا ظلام المجهول ما أرهب التف
كير لا كان سرّك المستور(57/384)
آه لو كان في الحياة مفرّ
من شقاء الأوهام والأفكار
في شعاب الهدوء يا ليتنا نل
قي بأعباء خوفنا الجبّار
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> اسطورة نهر النسيان
اسطورة نهر النسيان
رقم القصيدة : 68216
-----------------------------------
مخلب الخوف والتشاؤم قج جرّ
ح أيامنا وأدمى صبانا
ليت نهر النسيان لم يك وهما
صوّرته أحلامنا لأسانا
ليته كان ليت أخباره حق
لننسى ما كان أو ما يكون
ونعيش الأحرار من قيد بلوا
نا ويعفو عنا الغد المجنون
يا ضفاف النسيان قد جاءك الشا
عر فلترحمي جراح أساه
إنضحيه بمائك الأسود البا
رد ولتشفقي على بلواه
فهو ذاك القلب الذي طوّقته
حادثات السنين بالأشواك
منحته الحس الرهيف وقالت :
لتكن في الحياة أوّل باك
يا ضفاف النسيان يا ليت هذا ال
موج يطغى على الوجود الحزين
يغسل الإثم والدموع ويأسو
كلّ جرح في قلبه المطعون
ألم العيش يا ضفاف قويّ
وشقاء الممات أقوى وأقسى
في ظلام الحياة نضطرب الآ
ن ونفنى عما قليل وننسى
كل عمر قصيدة كتبتها
في كتاب الحياة كفّ الزمان
وغدا يمحّي الكتاب جميعا
وتذوب الحروف في الأكفان
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> انشودة الأموات
انشودة الأموات
رقم القصيدة : 68217
-----------------------------------
لحظة الموت لحظة ليس من ره
بتها في وجودنا المرّ حامي
وسيأتي اليوم الذي نحن فيه
ذكريات في خاطر الأيّام
كلّ رسم قد غيّرته الليالي
كلّ قلب قد عاد صخرا أصّما
دفنت عمرنا السنين كأن لم
نملأ الأرض بالأناشيد يوما
ليس إلا صوت العواصف فوق ال
مدفن الصامت الرهيب الستور
وحفيف النخيل في رعشة الري
ح ونوح الأمواج بين الصخور
قد سمعنا صوت الرياح المدوّي
حين كان الوجود ملك يدينا
وعشقنا صوت النخيل وهمنا
بخرير الأمواج قلبا وعينا
وعبدنا أشّعة القمر الضا
حك في الصيف وابتسمنا إليه
وشدونا الأنغام تحت سناه
ورسمنا الأحلام بين يديه
وضحكنا مع الزمان وسرنا(57/385)
في ظلام الحياة مبتسمينا
تارة ساخرين من كل ما نل
قى وأخرى تحت الدجى باكينا
وبنينا قصورنا تحت ضوء الش
مس يوما إلى جوار القبور
وزرعنا زهورنا وتخذنا
من دماء الموتى غذاء الزهور
وضحكنا إذ الطبيعة تبكي
بالدجى والرياح والأمطار
وسخرنا والدهر غضبان جهم
ورقصنا على حفاف النار
فإذا غّنت العصافير وافترّ
ت ثغور الأزهار فوق ثرانا
وتمّشى الأحياء فوق بقايا
نا وداسوا عظامنا ودمانا
فهو ثأر الطبيعة البارد المرّ
وسخرية الزمان العاتي
وحقود الحياة لا بد للمي
ت منها في عالم الأموات
يا جموع الأحياء في الأرض هيها
ت يعود الماضي الجميل إليكم
فاغنموا ليلكم وغّنوا فمن يد
ري ؟ لعلّ الصباح يقضي عليكم
علّها الليلة الأخيرة من عم
ركم في الوجود يا أحياء
ليس منكم من يضمن الغد فاشدوا
فقريبا يضيع هذا المساء
ربما كنتم مساء غد تح
ت تراب القبور والأحجار
يتباكى عليكم البوم والغر
بان بعد الكؤوس والأوتار
وتعود القصور والزهر ملكا
لسواكم من ضاحكي الأحياء
ويظلّ القمريّ يشدو وانتم
في سكون المنيّة الخرساء
وتعود الحقول في الفجر خلوا
من أغانيكم ووقع خطاكم
ويذيب النسيان ذكر أماني
كم ويذوي الممات غصن صباكم
ويظلّ الراعي يغرّد للأش
جار والنبع في صفاء المغاني
وتنامون أنتم لا حراك
لا نشيد في قبضة الأكفان
لن تنوح الحياة إن متم أن
تم فغنّوا ولا تنوحوا عليها
فهي تلك الخلوب تبسم للأح
ياء والسمّ كامن في يديها
فانعموا في ظلال أفراحكم في
ها وروّوا الظماء قبل الممات
وامرحوا في الحقول واستنشقوا العط
ر وصوغوا فواتن النغمات
ودّعوا هذه الشوارع عند الن
هر يا أشقياء قبل الرحيل
ودّعوها فليس في القبر غير الص
مت والهمّ والظلام الطويل
وابسموا للنجوم والقمر الحل
و وغّنوا النسيم كلّ مساء
أيّ غبن أن تفقدوا كل شيء
في البلى والسكون والظلماء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مرثية للإنسان
مرثية للإنسان
رقم القصيدة : 68218(57/386)
-----------------------------------
أيّ غبن أن يذبل الكائن الحيّ
ويذوي شبابه الفينان
ثم يمضي به محّبوه جثما
نا جفته الآمال والألحان
وينيمونه على الشوك والصخ
ر وتحت التراب والأحجار
ويعودون تاركين بقايا
ه لدنيا خفيّة الأسرار
هو والوحدة المريرة والظل
مة في قبره المخيف الرهيب
تحت حكم الديدان والشوك والرم
ل وأيدي الفناء والتعذيب
وهو من كان أمس يضحك جذلا
ن ويشدو مع النسيم البليل
يجمع الزهر كلّ يوم ويلهو
عند شط الغدير بين النخيل
ذلك الميت الذي حملوه
جثّة لا تحسّ نحو القبور
كان قلبا بالأمس تملأه الرغ
بة والشوق بين عطر الزهور
كان قلبا له طموح فماذا
ترك الموت من طموح الحياة
يا لحزن المسكين لم تبق أحلا
م سوى ظلمة البلى والممات
آه يا حامليه نحو سكون ال
قبر لا تسرعوا وسيروا الهوينا
اتركوه يودّع العالم الفا
تن قبل الرحيل ظلما وغبنا
واكشفوا جسمه الغبين لضوء الش
مس والعطر فهي آخر مرّه
لن يرى بعد ذلك الضوء لن ين
شق في سجن قبره عطر زهره
لا تنوحوا عليه وليكن الشد
و ختاما لما وعت أذناه
حسبه أنه يودّع دنيا
ه إلى قبره وتفنى مناء
فاتركوا نعشه على الأرض حينا
قبل أن تقبروه تحت اللحود
ربما كان خائفا من دجى القب
ر حريصا على جمال الوجود
ربما كان راغبا في وداع ال
أرض من قبل أن يسود الظلام
قبل أن تتركوه في وحشة المو
ت وتخبو العطور والأنغام
اتركوه يراكم أنتم يا
من دفعتم به إلى الظلماء
وهو من كان أمس ملء اماني
كم فصار الغداة ملء الفناء
هكذا الآدميّ يسلمه أح
بابه للتراب والديدان
ربّ لا كانت الحياة ولا كن
ا هبطنا هذا الوجود الفاني
فيم جئنا هنا ؟ وماذا يعزّي
نا عن العالم الذي قد فقدنا
ليت حوّاء لم تذق ثمر الدو
حة ليت الشيطان لم يتجنّا
علمتنا ثمارها فكرة الشرّ
فكان الحزن العميق العاصر
وفهمنا معنى الفناؤ وأدرك
نا صراع البقاء تحت الدياجر
وهبطنا هذا الوجود لنشقى
منذ فجر الحياة حتى المغيب(57/387)
كلّنا نستغيث من شجن العي
ش فيا لليل الحزين الرهيب
يا لظلم الأحزان ما سلم الأط
فال من أسرها ولا الشّبان
كم وليد يبكي وما تعلم الأمّ
لماذا يبكي وما الأحزان
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مأساة الأطفال
مأساة الأطفال
رقم القصيدة : 68219
-----------------------------------
ودموع الأطفال تجرح لكن
ليس منها بدّ فيا للشقاء
هؤلاء الذين قد منحوا الحسّ
وما يملكون غير البكاء
منحتهم كفّ الطبيعة قلبا
بشرّيا يستشعر الآلاما
ورمتهم في كفّة القدر الغا
شم جسما لا يستطيع كلاما
فإذا ما بكوا فأدمع خرس
ربما كان خلفها الف معنى
ربما كان خلفها الألم القا
تل أو رغبة مع الريح تفنى
ربما ربما وما ينفع الظنّ
ونوح الأطفال ملء الحياة
ولدوا صارخين بين يد الأق
دار فليصرخوا ليوم الممات
علهم يدركون ما لم نقف نح
ن عليه من ظلمة الأسرار
ويرون الحياة ليلا من الشرّ
تدّلى على حفاف النار
فهم يصرخون من ألم المق
بل أو يندبون ما قد أضاعوا
أو لم يقبلوا على غيهب العا
لم حيث المحيا أسى وصراع
لم يزل في نفوسهم أثر الما
ضي النقيّ الجميل أو ذكراه
حين كانوا في عالم عبقريّ
كل حي على ثراه إله
عالم غير عالم البشر المرّ
بعيد عن الدجى والفناء
ليس فيه أسى عنيف ودمع
وقبور تلفعّت بالخفاء
ليس فيه طبيعة جهمة المر
أى تدوس الأحياء والأيّاما
ليس فيه معذّبون حيارى
وثكالى تحت الدجى ويتامى
ليس فيه شر وظلم وتعذي
ب ولا فيه مولد وممات
ليس فيه هذا النزاع على الخب
ز ولا في صفائه ماساة
يا جموع الأطفال يا مرهفي الحسّ
كفاكم تفجعا وبكاء
لم تزالوا في أوّل العمر المرّ
ولأيا ستعرفون الشقاء
لا تنوحوا على الذي قد فقدتم
من جمال ومتعة وسموّ
واصيخوا لمأتم القدر الظا
لم في عاصف الحياة المدوّي
لم تزالوا براعما لم تفتّح
ها الليالي على ظلام الحياة
فاضحكوا الآن قبلما يزأر الهو
ل وتستنير الهموم العواتي
قبلما تدلهمّ أعماركم تح
ت غيوم الشباب والأحلام(57/388)
وترون الوجود قفرا فما في
ه سوى الليل والأسى والقتام
أينما ترسلوا عيونكم الظم
أى فثّم الأهوال والأضغان
وتضيع الآمال والمثل العل
يا وتبقى الآهات والأحزان
امرحوا الآن في ظلال أب يش
قى وأم جنت عليها الحياة
فغدا تحملون أنتم هموم ال
عيش إذ ذاك تسفر المأساة
شيّدوا في الرمال أبراج أحلا
مكم وابسموا للهو الطفوله
كل طفل غدا فتى ضائع الأح
لام تحت المقادر المجهوله
وغدا تدركون ماذا أضعتم
من صفاء ومتعة ونقاء
وترون الحياة منبع شرّ
ليس منه منجى وليل شقاء
وإذا ما بنيتم أمس زهر
ذابل تحت رحمة الإعصار
وإذا كلّ رغبة كوكب خا
ب وأنتم على شفاه النار
تتشفّى بكم يد القدر القا
سي وتلقي عليكمو بالرزايا
وتبيع الشباب بالأدمع الحرّ
ى وتلهو على رفات الضحايا
فإذا كلّ ضحكة من صباكم
بعدها في شبابكم ألف عبرة
وإذا عمركم مساء حزين
ليس تجلو سوى المنّية سرّه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أحزان الشباب
أحزان الشباب
رقم القصيدة : 68220
-----------------------------------
يا هموم الشباب فين تكوني
ن أحرّ الهموم والأحزان ؟
أنت يا من يصوغك القدر الظا
لم ليلا على الوجود الفاني
فيم لا تعصرين إلا صبانا
حسبنا يا أحزان ما ذقناه
سوف يطوي شبابنا الزمن المس
رع والحلم ينطفي ويضيع
فاتركينا رحماك ننعم به الآ
ن لننسى ما في غد سيكون
قبل أن تخمد الأماني ويفنى
في الدياجي شبابنا المغبون
أينما أتجه فثمّة أحزا
ن أراها ووحشة ووجوم
كلّ شيء أراه يملأني حز
نا ويأسا من مبهجات الحياة
ومعاني الفناء ألمحها حو
لي في كل ما تراه عيوني
في دوّي الرياح في نغم الطي
ر وفي ظلمة المساء الحزين
ورأيت القبور تحت يد الري
ح وصوت الأمطار والأنواء
وإذا غنّت الحمامة في الوك
ر تبرّمت بالنشيد المثير
وإذا أقبل المساء ولفّ ال
كون بالصمت والدجى والهموم
وحملت العود الكئيب إلى الوا
دي أغنّي شعري لضوء النجوم
كم شعوب غنّت له فمحاها
وهو ما يزال في ربيع صباه(57/389)
نحن تحت الليل العميق ضيوف
وقريبا تدوسنا قدماه
أين أمضي يا ربّ أم كيف أنجو
من قيود الفناء والأيّام ؟
ضاق بي العالم الفسيح فيا لل
هول أين المفرّ من آلامي ؟
ويبيع الحياة بالمتع الحم
قاء والإثم والأذى والغرور
ويرى اللهو في الحياة أماني
ه ويدعو الخيال والشعر حمقا
ولأعش في ظلال وحدتي الخر
ساء أبكي ولا مصيخ إلّيا
لا فؤاد ابثه المي المرّ
ولا خافق يحن علّيا
وعبرت الحياة كالشبح الضل
يل في غيهب الوجود الفاني
يا ظلال الشباب فابقى إذا شئ
ت معي أو فاسرعي بالرحيل
سوف أبني إذا رحلت شبابا
لفؤادي أعيش تحت سمائه
من رحيق الخيال والشعر والأن
غام أسقي الزهور في أرجائه
فليضع عمري الحزين كما شا
ء فعندي من الشعور حياة
فإذا أدبر الشباب وآوي
ت لظلّ المشيب والأسقام
ثم ماذا ؟ من قال إنّي سأبقى
في الوجود الحزين يا آمالي
كيف أدري أنّي سألبث فيه
ربما متّ في صباي الحالي
قبل أن أسمع الحياة أناشي
د ي ويصغي سمع الوجود إليّا
ربّما .. لست أعلم الآن شيئا
فلأعش في انتظار ما سيكون
ولتجىء بعدها المنايا كما تر
جو فما في الوجود ما يغريني
لست ألقى فيه حياة أغنّي
ها فيا بؤس عمري المغبون
أو لم أرض عزلتي في ظلال الش
عر والعود والخيال الطهور
فإذا ما أتممت لحني كما أه
وى فماذا أريده من حياتي ؟
سوف ألقى الموت المحّبب روحا
شاعريا يحبّ صمت التراب
وفؤادا يرى الممات شبابا
للمنى والشعور أيّ شباب
وعزائي أنّي تركت ورائي
لحني السرمديّ ملء الوجود
لست وحدي التي تموت وما زا
لت شبابا لم تسقه الأنداء
أذبلت عمرهم يد القدر الجا
ني وكانوا نشيد هذي الحياة
يسكبون الشباب والحبّ والأح
لام لحنا مرقرق النغمات
وإذا عاصف المنايا المدوّي
يتعالى على لحون الغناء
يا يد الموت فيم كان نصيب الش
اعر الفذّ منك هذا التجنّي ؟
ألكي تكتبي الخلود لذكرا
ه على الأرض وهو غضّ يافع ؟
أم لكي تنقذيه من شجن العز
لة والفكر والأسى والمدامع ؟
فتضّمين للدجى والمنايا(57/390)
كلّ شاد في الأرض أو عبقريّ
أم ترى سنّة الوجود ترى ما
ليس يدري الأحياء أو يدركونا
وسواء على المقادير موت الش
اعر الفذّ في الصبا أو حياته
فهو جسم على الثرى بشريّ
ضيّعته أحلامه وشكاته
وإذا عاش ما يشاء فما لل
موت في عمره الطويل يدان
نبئيني أهكذا الأمر يا أق
دار أم ضللت في أفكاري
ليس تعنيه هذه الزهرة الحل
وة ما دام في يديه سواها
وهو يجني منهنّ ما هو دان
منه ما دمن في الشّذى أشباها
أكذا تتركين حكمك للصد
فة ؟ يا للشقاء والتنكيد
كلّ حيّ منا إذن ليس يدري
ما سيلقى في يومه من شقاء
فهو يحيا على شفا الألم الرا
ئع منذ الشروق حتى المغيب
كلّ يوم يقول : حان رحيلي
يا لهذا العمر الشقيّ الكئيب
حين ينجو الحيّ الشقيّ من الخو
ف ويفنى في داجيات الفناء
تاركا هذه الحياة وما في
ها من الزيف والأسى والظلام
لست وحدي التي تموت وما زا
لت شبابا لم تسقه الأنداء
تعست هذه الحياة فكم قد
مات في ميعة الصبا شعراء
أذبلت عمرهم يد القدر الجا
ني وكانوا نشيد هذي الحياة
يسكبون الشباب والحبّ والأح
لام لحنا مرقرق النغمات
ويضيعون عمرهم وصباهم ليصوغوا الحياة لحن صفاء
وإذا عاصف المنايا المدوّي
يتعالى على لحون الغناء
يا يد الموت فيم كان نصيب الش
اعر الفذّ منك هذا التجنّي ؟
فيم لا تطفئين إلا مناه ؟
وهو في ميعة الشباب الأغنّ ؟
ألكي تكتبي الخلود لذكرا
ه على الأرض وهو غضّ يافع ؟
أم لكي تنقذيه من شجن العز
لة والفكر والأسى والمدامع ؟
أم ترى تبخلين بالنغم العذ
ب على العالم الأثيم الشقيّ
فتضّمين للدجى والمنايا
كلّ شاد في الأرض أو عبقريّ
أم ترى سنّة الوجود ترى ما
ليس يدري الأحياء أو يدركونا
فهي تسري كما تشاء المقادي
ر وتصمي شبابنا المطعونا
وسواء على المقادير موت الش
اعر الفذّ في الصبا أو حياته
فهو جسم على الثرى بشريّ
ضيّعته أحلامه وشكاته
فإذا مات في صباه فما اختا
رته كفّ المنون للأكفان
وإذا عاش ما يشاء فما لل
موت في عمره الطويل يدان(57/391)
نبئيني أهكذا الأمر يا أق
دار أم ضللت في أفكاري
أترانا كالزهر يقطفه الفلاّ
ح في الفجر شاردا غير دار ؟
ليس تعنيه هذه الزهرة الحل
وة ما دام في يديه سواها
وهو يجني منهنّ ما هو دان
منه ما دمن في الشّذى أشباها
أكذا يا أقدار ؟ ما أخيب المس
عى إذن في ظلام هذا الوجود
أكذا تتركين حكمك للصد
فة ؟ يا للشقاء والتنكيد
كلّ حيّ منا إذن ليس يدري
ما سيلقى في يومه من شقاء
ربما كانت المنّية في أوّ
ل ساع النهار أو في المساء
فهو يحيا على شفا الألم الرا
ئع منذ الشروق حتى المغيب
كلّ يوم يقول : حان رحيلي
يا لهذا العمر الشقيّ الكئيب
أفليس الممات في ميعة العم
ر إذن نعمة على الأحياء
حين ينجو الحيّ الشقيّ من الخو
ف ويفنى في داجيات الفناء
تاركا هذه الحياة وما في
ها من الزيف والأسى والظلام
بين كفّ الرياح والقدر العا
تي ونوح الشيوخ والأيتام
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> آلام الشيخوخة
آلام الشيخوخة
رقم القصيدة : 68221
-----------------------------------
يا دموع الشيوخ في الأرض هيها
ت تجفّين في العيون الشقّيه
أي شيخ لا يذرف الأدمع الحرّ
ى على ما مضى ويشكو البليّه
فهو ذاك المحزون قضّى صباه
في لهيب الهموم والأحزان
ثم ذاق الشباب كأسة دمع
ما لحيّ على قذاها يدان
ثم غاب الشباب في ظلمة العم
ر ومات الأحباب والأنصار
كلّ عام يرى الأحبّاء يفنو
ن وتمحو ذكراهم الأقدار
يا لركب مشى به القدر الخا
دع تحت الرياح والظلماء
راميا في فم المنيّة فردا
منه في كلّ بكرة ومساء
يا شتاء الحياة لم يبق في الظل
مة إلا هذا الشقيّ الغبين
ذهبوا كلّهم إلى الموت إلا
ه فدّوى نحيبه المحزون
وهو ذاك المسكين أضعفه العم
ر وحلّت بجسمه الأدواء
ومضت ظلمة الحياة بعيني
ه وغابت عن وعيه الأشياء
وهو يدري أنّ الممات قريب
منه قرب الأحزان والأوجاع
كلّ يوم يكاد يلقي على العا
لم والعمر أغنيات الوداع
يا غموض الحياة من أسلم الإن
سان للحادثات والأقدار(57/392)
ذلك البائس الضعيف الذي يأ
تي ويمضي ولم يزل غير دار
فهو ما زال هائما بهوى العا
لم والعيش في ظلال الزهور
يتغّنى بحبّه رغم ما يل
قى من الحزن واحتدام الشعور
فإذا ما بدت له ساعة المو
ت ولم يبق في الحياة رجاء
رسم الحزن في محيّاه رعبا
ما رأى مثل هوله الأحياء
وأطلّت عيناه تلقى على الكو
ن تحايا الوداع والحرمان
في ذهول وروعة يملآن ال
قلب حقدا على الوجود الفاني
يا معاني الذهول في جبهة الميّ
ت , لا لن أخاف هذي المعاني
سأرى فيك بلسما ينقذ الأح
ياء مما يلقون من أحزان
سأرى في الممات خلد حياتي
حين تعفو عّني المنى والجروح
وينام المجسم الوضيع على الأر
ض وتختال في السماء الروح
عندما تخفت الأعاصير في سم
عي وأنسى الأصوات والأشياء
كلّ شيء في العالم الأحمق الجا
هل يخبو ويستحيل هباء
فإذا أمعن النشاوى بكأس ال
إثم في اللهو والصراخ الأثيم
لم يجئني من صوتهم أيّ همس
وتفّردت بالسكون المقيم
وتمرّ السنين لا ألم في
ها ولا إثم في ظلال الخلود
عالم ليس لي التغلغل فيه هل
آن فلأمض في غناء نشيدي
ولأعش في هذي الحياة مع الأح
لام تحت النهار والظلمات
أعشق الفتنة النبيلة في الور
د وفي ضجّة الرياح العواتي
وأسلّي نفسي وقلبي بمرأى ال
عابثين الأشرار والواهمينا
هؤلاء الذين يقضون ايّا
م صباهم في هذرهم سادرينا
ليس تعنيهمو الفضيلة والنب
ل وما يحزنون للأشقياء
فإذا ما رأوا حزينا معنّى
رجموه بالشوك والأقذاء
وضعاف الطيور في ظلل الأغ
صان تلقى منهم صنوف النكال
وزهور الخبّاز في رحبة الحق
ل يدوسونها فيا للضّلال
وحياة الفنّان في عالم الوح
دة والفكر عندهم كالجنون
يا لهذي المأساة يا ربّ ماذا
كتبت للأحياء كفّ السنين ؟
ولتسر هذه الحياة كما تر
جو المقادير والأسى والظلام
وليظلّ الأحياء في التيه يشقو
ن وتقسو عليهمو الأيام
ولأعش ما يشاؤه القدر الظا
لم أبكي على أسى الأحياء
هؤلاء الصرعى الظماء الحيارى
بين فكّ الآثام والأدواء(57/393)
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> بين يدي الله
بين يدي الله
رقم القصيدة : 68222
-----------------------------------
المساكين يا سماء فمدّي
لأساهم كفيك يفن الشقاء
إن يكونوا جنوا فقلبك أسمى
أو يكونوا ضلّوا فأنت السماء
ليس يعيي كفّ الألوهة أن تم
حو حزن المعذّبين الجياع
فهي نبع الحياة والخير والفنّ
وبرء الأحزان والأوجاع
جئت يا ربّ تحت ليلي الطويل ال
مرّ أبكي حزني وحزن الوجود
حين ضاقت بي الحياة وأسلم
ت قيادي لليأس والتنكيد
جئتك الآن يا إلهي ومالي
غير قلبي ونغمتي من شفيع
أنا من قد رسمت مأساة هذا ال
كون شعرا روّيته بدموعي
ها أنا قد مددت كفّيّ يا ربّ
وعودي ملقى على قدميّا
وهو لحني الأخير يا ربّ ذوّب
ت حياتي فيه وحلمي النقيّا
فإذا لم تصل سماءك ألحا
ني فعذري كياني البشريّ
وإذا ما تركتني لشقاء ال
عيش يلهو بي الدجى الأبديّ
فهو حظّي من الحياة قضته
شرعة الدهر والوجود الأبيد
كلّ حيّ لا بدّ أن يقطع العم
ر صريعا على تراب الوجود
بين فكّ الرحى يغنّي ويبكي
ويذوق الحياة بشرا وحزنا
آه لا بدّ من أسانا فماذا
نفع هذي الشكوى الحزينة منّا
فلنلذ بالإيمان فهو ختام ال
يأس والدمع والشقاء العاتي
يمسح الأعين الحزينة من أد
معها الهامرات في الظلمات
فاصرخي يا رياح في شعب العا
لم وامضي تفجّعا وعويلا
واصخبي يا بحار ما شئت في سم
عي واستصرخي الضحى والأصيلا
واطغ يا ليل بالأسى ومعاني ال
يأس في قلبي الرقيق الكئيب
لن تنال الآهات منّي بعد ال
آن حتى إن عشت فوق اللهيب
فوراء الحياة معنى عميق
ليس تفنيه سورة الأحزان
هو معنى الألوهة الخالد المر
جوّ خلف الوجود والأزمان
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الرحيل
الرحيل
رقم القصيدة : 68223
-----------------------------------
فوداعا يا كلّ ما في الوجود ال
عبقري العميق من آهات
كنت في قلبي الخياليّ مأسا
ة وأنت الغداة سرّ حياتي
سوف أهواك يا دموعي وأحزا(57/394)
ني ما عشت في الوجود الجميل
فاصحبيني إذا أنا عشت في العا
لم أو حان عن ثراه رحيلي
يا حياتي في هذه الأرض أمّا
أنت فامضي كما يشاء الزمان
انشري ذلك الشراع وسيري
وتغنّي ما شاءت الألحان
وإذا ما هبّت رياح الردى يو
ما وهزّت كفّ القضاء الشراعا
فابسمي للأمواج مغمضة العي
ن وقولي يا أغنيات وداعا
هكذا تبلغ السفينة يا شا
عرة الحزن شطهّا الأبديّا
شاطىء الموت شاطىء الوحي والأس
رار ذاك المحجّب المخفّيا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أغنية للإنسان
أغنية للإنسان
رقم القصيدة : 68224
-----------------------------------
-1-
"نظمت هذه القصيدة عام 1950"
- - -
طاش عصف الرياح والتهب البر
ق وثارت على السكون الرعود
ثورة ثورة تمزّق قلب ال
ليل والصمت بالصدى بالبريق
صرخات الإعصار أيقظت الرع
ب بقلب الطبيعة المدلهمّ
تتلوّى الأشجار ضارعة وال
مطر البارد الشتائيّ يهمي
تتلوّى كأنها روح إنسا
ن يريد الخلاص من أحزانه
كل شيء في ثورة وانفعال
كلّ شيء في ليلي المحزون
أنا حيث الآلام تطبق جنحي
ها المخيفين في الدياجير حولي
أدمع في محاجري , ولهيب
في دمي واكتآبة فوق ظلّي
في عيوني لآثار حلم جميل
كان يوما وأصبح الآن ذكرى
في جمود وقفت أرقب من نا
فذتي ثورة الدجى وجنونه
يا أعاصير من دمائي خذي النا
ر ومن حزني العميق الشديد
يا دياجير من فؤادي خذي الظل
مة إني في غيهب ممدود
كل شىء يلوح لي عدما مرّا
ولغزا مكفنّا بالشكاة
كلّ شيء تلفّه ظلمة أع
مق من أن ينيرها قطّ ضوء
ظلمة في امتدادها يخبط الأح
ياء في غفلة من الأقدار
أين نمشي ما عدت أحتمل الجه
ل متى الفجر ؟ طال بي انتظاري
ودفنت الشباب والحبّ من أج
ل طموحي ولم أزل في هيامي
حرقة الاطّلاع تصهر أحلا
مي واحساس فكري المترامي
كيف أنجو من الأحاسيس من ح
ّبي وكرهي ؟ من هدأتي ولهيبي
كيف أنجو من الأسى إن يكن حو
لي وجود مقّيد موبوء
وأكفّ الحياة تجرحني وال
لغزا عميقا خفيّا(57/395)
تتحدى الأحياء قهقهة المو
ت وتبقى الحياة ليلا دجيّا
لا صدى من غنائهم لا لهيب
من أحاسيسهم يثور ويخبو
ليس منهم إلا قبور حزينا
ت تبقّت على ضفاف الحياة
المساء الجميل حدّثني عن
هم أقاصيص كلهّا أحزان
شهد الليل أنّه مثلما كا
ن فاين الذين بالأمس كانوا ؟
كيف تحيا الأشواك , والزهر الفا
تن يذوي في قبضة الإعصار ؟
كيف تمضي إلى الفناء الأناشي
د وتبقى مرارة الأقدار ؟
في ربيع الشباب ما أعمق الجر
ح إذا كانت الحياة شبابا
الشباب الذي يسمّونه نع
مى شباب الشعور والرغبات
الشباب الكئيب حين يفيق ال
حالم القلب شاردا مستطارا
ويرى في تفجّع جثّة الما
ضي الغريق الثاوي وكيف توارى
وظلال البساطة الفجّة الحل
وة ذابت في منحنى الأيّام
والفؤاد الرقيق يصدمه الإح
ساس بالواقع الغريب الجديد
ليس يدري ماذا يحسّ لماذا
تتبقّى أعماقة في انتفاض
مثل في تمزّق واصطراع
وأحاسيس ما وعاها ماضي
رغبات كالليل غامضة الأص
داء ترغي فيما وراء الشعور
وشعور بفورة في الدم الجا
رف تبقى كناقم موتور
واندفاع إلى محان وراء ال
حسّ في المستحيل في الأعماق
كل هذا يحسّه قلبي الدا
مي بجرح الشباب والإحساس
ليتني لم أزل كما كنت قلبا
ليس فيه إلا السّنا والنقاء
كلّ يوم أبني حياتي أحلا
ما وأنسى إذا أتاني المساء
لا أحسّ المأساة حولي ولا أس
مع في الرمل ألف ألف سؤال
كالعصافير لم أحيّر أحاسيس
سي يوما بما تقول الرياح
وتمرّ الساعات بي وأنا اب
ني خفايا مدينة الأحلام
أيّ يوتوبيا فقدت وعزّ الآ
ن إدراكها على أيّامي
إيه تلّ الرمال ماذا ترى أب
قيت لي من مدينة الأحلام؟
هوذا أنت , مثلما كنت تّلاّ
شاعريا مكللا بالجمال
كنت عرشي بالأمس كنت لي الأو
لمب والآن لم تعد غير تلّ
كان في هذه الرمال وجود
شاعريّ يلفّه ألف ظل
لم أعد أبصر الحياة كما كا
نت رحيقا يذوب في أقداحي
لم أعد في الشتاء لأرتقب الأم
طار من مهدي الجميل الصغير
لم أعد أستطيع أن أحكم الزه
ر وأرعى النجوم في كلّ ليل(57/396)
لم أعد أمزج الوجود بقلبي
وأعدّ الحياة قصّة طفل
كل ما في الوجود يجرحني الآ
ن ولون الحياة يطعن نفسي
أين شعر الوجود ؟ أسفر عن شيء
طوى سرّه ذبول الرماد
النشيد القديم ضاع صداه
حين مرت به يد الأعوام
كلّ شيء ينهار إلا عنادي
وحنين الجمال في أحلامي
أيها الواقع الثقيل حناني
ك أهذي عقبى المنى والحنين ؟
رعشات الأزهار لم تعد الآ
ن نشيدا وضحكة استبشار
وغناء الطيور لم يعد ال
آن شفاء لأدمعي وخلاصا
بعض شيء فيه يذكّرني الأق
ياد والصائدين والأقفاصا
بعض شيء فيه يذكّرني الأ
موات تحت السكون والنسيان
واختلاج الأمواج في النهر ما عد
ت أراه إلا دجى مدلهّما
ومرور الأيام ما عاد يبدو
لي ربيعا ملّونا سحريّا
بعض شيء فيه يذكّرني الأ
قدار والموت والأسى الآدميا
بعض شيء فيه يلخّص لي القّص
ة في لفظتين : مهد ولحد
عدت أخشى الحياة , أفرق منها
وأراها دعابة لا تطاق
حسبها أنّنا دفعنا إليها
ثمن العيش حرقة ودموعا
أي ذنب جناه آدم حتى
نتلّقى العقاب نحن جميعا؟
ليتها لم تمسّ دوحتها قطّ
ولم تصب للجنى المسموم
ليتها لم تحسّ بالشر والخي
ر ولم تدر للتمرّد طعما
وليكن آدم وحواء قد ثا
را وداسا السماء في إصرار
أو لم يكف أن أضاعا جنان ال
خلد ؟ لم تكف سورة الإحتقار ؟
السماء التي أضاعا خلود
وهنا يحكم الردى الجبّار
هبطا في تعثر صامت الآ
هات غرقان في جمود الذهول
إيه حواء ! كيف عوقبت بالنف
ي ولولاك ما عرفنا النورا
أنت يا من بعت الخلود بأحزا
ن لياليك واشتريت الشعورا
كخطايا الربّ الذي سرق النا
ر لعّباده ونال الشقاء
آهة في الوجود تسمع يا حوّ
اء روحي حديثك المجهولا
وعلى بعد خطوتين حنا آ
دم في صمته الرهيب الحزين
شعره الأشقر الجميل تهاوى
خصلات على شحوب الجبين
بعض ذكرى من السماء غدا تم
حى بذرّية من الأشقياء
في الجبال التي تموت بها الأص
داء رجع من ماضيات القرون
شبه أقصوصة يرجّعها الوا
دي حديثا عن سيرة بشريّه
مسحتها الأيام لم تبق منها(57/397)
غير همس في الأنفس الشاعريّه
عندما كان في الوجود فتى را
ع يغنّي الرياح فوق الجبال
كان يدعى هابيل كان يسوق ال
غنم الظامئات كلّ صباح
مقلتاه حلمان بالشعر والحب
يذوبان في صفاء المراعي
شفتاه ارتعاشتان لما يب
صر من فتنة ومن إبداع
ذلك الحلم , ذلك الأبد النا
ئم هابيل في صفاه وطهره
كان يوما ينام في ظّلة الجو
ز على شط جدول نعسان
نشوة ملء روحه , روحه الظم
أى إلى كل فاتن مسحور
ليس يصغي إلا إلى همسة الما
ء وخطو القطيع قوى الصخور
في يديه سكّينه الحاقد المس
موم في مقلتيه طيف جريمه
لم تكن غير صرخة , غير تأوي
هة حزن غير اضطراب قصير
وأتت ظلمة المساء على الحق
ل وعاد القطيع من دون راع
ليس إلا قابيل يمشي رهيب ال
خطو نهب الأفكار والأوجاع
كلما قاتل الأسى عاودته
في الدجى صرخة القتيل البريء
أو لم تسمع الحقول صدى أنّ
ة هابيل حين خرّ قتيلا
أين هابيل ؟ أين وقع خطى أغ
نامه في الجبال والوديان
ليس منه إلا ضريح كئيب
شاده في العراء أول جان
أيها المستطار لن تردع الأق
دار حنى إذا بكيت طويلا
استرح أنت , نم دع القاتل الآ
ثم يسكر على نشيش الدماء
لعنات تظل تصرخ بالثأ
ر وتبقى تحزّ في الأعصاب
وتحيل الأيدي مخالب والأر
ض قبورا والناس محض ذئاب
يتمنى لو كانت الأرض لحما
ليصبّ المزيد من طعناته
وانبثاق الدماء يغريه ما لذ
ة هذي الثمالة المسمومه ؟
ذلك النبض لن ينام إلى أن
يترك الكون في الفضاء شظايا
ذلك النبض لو يحدّث عما
سال في الأرض من دماء الضحايا
عن جنون الطموح يقتات من ضوء
المآقي ويرتوي بالدماء
عن جمود الرجاء في أعين القت
لى ولون الشرود والنسيان
عن عيون كأنّ فيها فتورا
ساخرا من وجودنا المجنون
وعيون كأنها تقذف اللعنة
والموت في لظى وجنون
وعيون أخرى يضج أساها
ترمق الموت في ابتهال وذعر
والعيون التي تحدّق لا قع
ر لها لا بداية لا نهايه
والعيون التي تحقّر في صم
ت وتلك التي تلوح ذهولا
والعيون التي يغلفها الحز(57/398)
ن وتبكي شبابها المقتولا
والعيون التي تحدّق في الأر
ض كأن ليس في الوجود حياة
وعيون العدل الصريع مع ال
وات بين الدماء والأشلاء
أين أين المفرّ من هاته الأ ع
ين من لونها العميق الرهيب
إنها لا تنام لا تعرف المو
ت وتبقى في حقدها المشبوب
إنها في السماء في الأرض في كل
مكان يحسّ بالميتينا
في هدوء العروق تصرخ في اللي
ل وتعوي في كلّ قلب أصم
ليس يقوى على فظاعتها النس
يان فهي ارتجافه في الشعور
وانعصار في الروح يغلي جنونا
وسياط تنصبّ فوق الضمير
كلما أخلد الضمير إلى النو
م أفاقت من كهفها المسحور
ودعت موكب الخطايا فخفّت
من أقاصي الدجى المخيف الجديب
أين أين المنجى ؟ وكيف تنام الر
وح في ضجّة الضمير المهان ؟
أيّ نوم يذوق راحته الجلاّ د ؟
هل للذنوب من نسيان ؟
انسجيها من رجع أغنية الأم
وات من لعنة الجراح الدوامي
اجمعيها من كل عمر طوته
كفّ (آريس) وهو ما زال غضّا
من شفاه الأطفال تحلم بالمأ
وى وبالدفء في رياح الشتاء
من عيون الصبيان ترسم في الظل
ماء أحلام عودة الآباء
حيث كانت تقوم أبراج تلك ال
مدن العبقّرية المسحوره
حيث أمست تمتدّ مملكة الغر
بان والليل والمنايا السود
وأماسيه لا تمرّ كما كا
نت عليها الأوتار والأقداح
إنها الآن مسكن الرعب تأوي
لذراها الرياح والأشباح
تتهاوى أحجارها السود في صم
ت وتنهار في سكون الليالي
ذلك الحلم في عيون الصبايا ال
ناعسات الأجفان والأعمار
والشفاه العذراء أطبقها المو
ت على لحن حبّها المبتور
والجباه التي ذوت قبل أن يل
مسها إصبع الهوى المسحور
غار فيها جرح التراب عميقا
وذوت قبل أن تذوق الرحيقا
والعيون الظمآى التي تشرب الأن
جم منها وتستعير سناها
والأكفّ التي انطوت وهي ما زا
لت تحوك الطموح والأهواء
لم تزل غضّة أصابعها اللد
نة تستعصر الحصى والهواء
من ضباب الأحلام من ملمس الور
د ومن روعة الدجى الوسنان
في جنون ظلت تصفّق شوقا
لرحيق المستقبل المجهول
وأطّلت إلهة الفجر أورو(57/399)
را على المشهد المثير الرهيب
لحظة ثم أطبق الأمس جفني
ه على الحاضر المقيت الجديب
وحشاها التراب صمتا وبردا
بعد دفء الشعور والألوان
لحظة ثم مرّغت مدن الأح
لام أبراجها الضخام القباب
حيث كان الجمال يفرش ضوء الش
مس روحا وفتنة وطيوفا
أصبحت ترسل الخرائب صوت الص
مت والموت غيهبّيا مخيفا
كل شيء فيها تحوّل صمتا
ليس فيه من خلجة أو شعور
غير معنى مكبل ربما استي
قظ في رقدة الرخام الحزين
لا تعيه إلا القلوب التي تق
رأ سرّ الذهول في عينين
وتحس البغضاء ترجف كأسا
وتحسّ الجنون في شفتين
وتواريخ كاملات يغني
ها العمود الكابي لحزن الجدار
وتلال الأنقاض تروي الأقاصي
ص لسمع الظلام والأشباح
عن أغان مرّت بأعمدة الأب
هاء غرقى بالدفء والأحلام
ناعمات تغوص في رجعها الآ
هات سكرى الخطوط والأنغام
نام فيها لغز الجمال وأغفت
فتنة الحبّ والشباب اللاهي
جفّ عرق الحياة فيها وعادت
ذكريات مطموسة الألحان
وتلول الأنقاض تروي الأقاصي
ص لسمع الظلام والأشباح
عن فلول الذين عادوا من الحر
ب حطاما وحفنة من جراح
كيف عادوا يرتلون نشيد ال
موت ملء الفضاء لحنا فلحنا
كيف ألقى الحرمان ظل السنين الص
فر فوق العيون فوق الشفاه ؟
وخطاهم كأنّ وقع صداها
جرس الموت رنّ ملء الفضاء
منشدا للحياة أغنية الفو
ضى ولحن الجنائز السوداء
هذه الأعين الرمادية الأس
رار هل خلف صمتها من بريق ؟
هل حديث عن الليالي البطيئا
ت وعن ثلجها الكثيف الثقيل
عن سهاد الأحزان في أعين الحرّ
اس في الخندق الرهيب الدامي
رسب الليل فوق أهدابهم ثل
جا ومات الإحساس في الأقدام
مات في ذكرياتهم وتر الأح
ساس بالبرد والسكون العاري
يرصدون الحياة في ملل مرّ
التلوّي مسنّن الأصفاد
والجنود الذين أغفوا مع المو
تى وناموا على الثرى الثلجي
كل أحلامهم كوابيس من نا
ر وقتلى ووحشة ودويّ
من جديد يمرّ يحصد لا يب
قى على الأرض غير ذكرى وظلّ
ويطلّ السلام ذات ضحى حطّ
مه الليل والمدى المستحيل(57/400)
السلام الحزين هذا الطريد ال
تائه الخطو ما له من مقر
ذو العيون الزرقاء ينبع منها الش
عر والحبّ في صفاء وطهر
في دماء السنين تتكىء الخي
بة في مقلتيه في الشفتين
يعبر الّميتين والمدن الصمّ
اء والجدب والأسى والذهولا
اتركوه يهيم في الجدب والفو
ضى ويحصي الجراح والآهات
اتركوه مضّيعا دون مأوى
تائها في مجاهل الظلمات
ويغّني له الغراب نشيد الش
رّ والموت في اربداد المساء
أيّ قلب يؤويه ؟ كيف يعيش الض
وء في رفقة الدجى والشرور ؟
أيّ عينين تدركان صفاه
وتحسّان سرّه المكنونا ؟
هل تبقّت إلا كهوف شقيّا
ت تسمّى مآقيا وعيونا
أين يأوي السلام والحب ؟ يا لل
حرب لم تبق في الثرى إنسانا
ليس إلا قوافل من حيارى
نام في ذكرياتهم كلّ صوت
بردت في عيونهم قصة الحب
وأبقت صمتا عميقا طويلا
وخبت في جفونهم ومضة المع
نى وأبقت غشاوة وذهولا
وجنون الحياة من أجل ماذا؟
أيّ مغزى وراءها ؟ أيّ معنى ؟
الحيارى أبقت لهم قصّة الحر
ب اضطرابا ممزّقا لا يقرّ
يعبرون الأيّام أجنحة شلاّء
قصّت زوابع الأيام
ريشها فهي في الثرى تبصر التح
ليق في غطّة من الأحلام
فهم لا يرون ما يختفى خل
ف جمود الأشياء من ألوان
ربما أبصروا على الأفق النع
سان قوس الأمطار يقطر شعرا
وهم يسحبون أقدامهم فو
ق تراب الملال والبغضاء
ومآقيهم الرمادّية الجد
باء قبر الجمال والإيحاء
ولمن يشرق الجمال ؟ أللنس
يان ؟ للإحتراق ؟ للتبديد ؟
ولمن تضحك النجوم ؟ لمن تس
كب أهدابها كؤوس الضياء
ولمن هذه العذوبة في الأز
هار ؟ في نعسة الشذى النشوان ؟
في غناء الجداول العذبة الوس
نى لأرض عشبيّة الأحضان
في دموع الندى على زهرة بي
ضاء نامت على حفاف الغدير
ولمن ترسل العصافير لحن ال
حبّ والضوء والشذى كلّ فجر؟
أغناء ولا مسامع تؤوي ال
لحن والحبّ في كؤوس الشعور ؟
وجمال ولا عيون تحوك ال
حبّ منه لحلمها المسحور ؟
وورود حمراء يحترق العط
ر عليها في الجدب والنسيان
ومهاد من الشذى رخصة العش(57/401)
ب تذيع اخضرارها في الفراغ
كلّ هذا العطر المبعثر ملء الأ
رض ملء الحياة والآفاق
لم يعد يوقظ العروق التي أغ
فت عن اللون والسّنا البرّاق
الشعور العميق تدعوه وهما
وتسّمي حبّ الجمال خيالا
هذه الأنفس الممزّقة العم
ياء , هذي المدافن الجوفاء
وتبّقت فيها مقابر للشرّ
ولليأس جهمة الآفاق
عكست بعض جدبها وأساها
صرخات الفراغ ملء المآقي
ما معاني الألفاظ في صمتها ال
مسكون بالحزن والرجاء الكسير ؟
إنّهم يقطعون أرض الأسى وال
جدب حيث الجمال لا يستقرّ
حيث يبنى الفراغ عشّا رماد
ّيا ينمّي فيه الأذى والشقاء
وطيورا شوهاء حاقدة الأن
غام مملوءة الصدى بغضاء
ودعينا هنا مع النقم الّسو
داء نهب السهاد والتبريح
في دويّ الرياح موكبنا يز
حف نحو الضياء تحت الظلام
من بعيد خلف الغيوم التي تف
غر فاها في دربنا المجهول
ربما لاح بارق كشراع
أبيض الوعد في الظلام الثقيل
بعض كأس تنال حافتها البي
ضاء إغماءة الشفاه الظوامي
ذلك النبع بعد هذا السّرى العط
شان بعد الصراع بعد الجراح
ذلك النبع حيث نغمس شكوا
نا ونسقي تعطّش الأحلام
من جديد نعيش تعرفنا الري
ح وتتلو نشيدنا للغمام
وتقول الحياة أن لنا ظلاّ
لنا بعض قصّة وكيانا
إننا لم نمرّ بالعالم المّي
ت صرعى ولم نعش أمواتا
ستقول الحياة إنّا مررنا
وملآنا الحياة شعرا وفنا
أن شيئا منّا عميقا سيبقى
في سكون الوجود لحنا يغنّى
في بروق الشتاء تقتحم اللي
ل وفي عاصف الرياح المخيف
في ارتشاف الظلام للقمر الأب
يض في الصيف في سكون المساء
ستقول الحياة إنّا بحثنا
في الدياجير أشهرا وسنينا
عن رحيق مغلّف بالأساطي
ر جهلنا وعاءه المكنونا
ذلك اللغز , ذلك الحلم المح
جوب خلف الضباب أين تراه ؟
في أناشيدنا يعيش ضبابا
تائها في مدى فسيح عريض
نتغنّى به ونجهل ما كن
ه شذاه وأين يحيا ضياه ؟
أهو جنّية مجنّحة الأق
دام تحيا في عالم لا نراه ؟
من جناح الفراش ملمس خدّي
ها ومن رّقة الشذى المسحور
مقلتاها العميقتان وجود(57/402)
أزرق اللون ناعم وّضاء
من غبار النجوم جدران مأوا
ها الغريب المشيد فوق الزمان
في مكان من الوجود على با
ب رؤاه يضيع حدّ المكان
أنبتته حدائق القمر النا
ئي لتلك الجنّية البيضاء
ويداها المسحورتان تقودا
ن النجوم الشقراء عبر الفضاء
تلك جنّية السعادة في قص
ر بعيد يقوم خلف الغيوم
عنده تنتهي رغائبنا الول
هى وأشتات حلمنا المحطوم
في انفعال ندقّ أبوابه الصمّ
اء والصمت ساخر من أسانا
وهي تلك الجنّية الفظة الوح
شية القلب من بنات السعالي
ربما شيدّت اريكتها الفض
ّية النسج من حطام منانا
ربما لوّنت ملابسنا الفج
رّية اللون من لهيب دمانا
وتغّذي نيران موقدها من
كل حلم نصوغه ورجاء
هذه الرّبة النحاسّية الإح
ساس لو لان قلبها الصخريّ
لو حنا سمعها واصغى إلى رج
ع الأغاني المسوّدات الرنين
يتلّوى الحنين فيها وينساب
ب كأمواج جدول مفتون
لم تعد تعرف العذوبة فاليأ
س حشاها وازدراء
آه أصغي يا ربة الأفق المف
قود من سترك الذي لا يزاح
وانظري من ضباب قصرك من لغ
زك من صمت جوّك المجهول
أرسلي نظرة كما يعبر البر
ق إلينا من جفنك المعسول
الملايين مرسلين مع الأح
زان حلم المستقبل الموهون
مات في ذكرياتهم وتر الأح
ساس بالبرد والسكون العاري
يرصدون الحياة في ملل مرّ
التلوّي مسنّن الأصفاد
كل عينين فيهما قصة تت
لى وتروي لليل سهد الرّماد
والجنود الذين أغفوا مع المو
تى وناموا على الثرى الثلجي
كل أحلامهم كوابيس من نا
ر وقتلى ووحشة ودويّ
ثم يأتي الصباح ثانية يص
حبه الموت أسود الأنياب
من جديد يمرّ يحصد لا يب
قى على الأرض غير ذكرى وظلّ
ويطلّ السلام ذات ضحى حطّ
مه الليل والمدى المستحيل
ملء عينيه نعسة الحلم الخج
لان والصمت والرجاء الهزيل
السلام الحزين هذا الطريد ال
تائه الخطو ما له من مقر
ذو العيون الزرقاء ينبع منها الش
عر والحبّ في صفاء وطهر
ها هو الآن يستقرّ على الأر
ض غريبا ممرّغ الجنحين
في دماء السنين تتكىء الخي(57/403)
بة في مقلتيه في الشفتين
يعبر الّميتين والمدن الصمّ
اء والجدب والأسى والذهولا
باسما في مرارة ليس يدري
كيف بالأمس القديم ذبولا ؟
اتركوه يهيم في الجدب والفو
ضى ويحصي الجراح والآهات
اتركوه مضّيعا دون مأوى
تائها في مجاهل الظلمات
يتغذى بالذكريات ويأوي
لتلال الأنقاض والأشلاء
ويغّني له الغراب نشيد الش
رّ والموت في اربداد المساء
أيّ قلب يؤويه ؟ كيف يعيش الض
وء في رفقة الدجى والشرور ؟
كيف يحيا البياض في هذه الأو
عية السود في خمود الصدور ؟
أيّ عينين تدركان صفاه
وتحسّان سرّه المكنونا ؟
هل تبقّت إلا كهوف شقيّا
ت تسمّى مآقيا وعيونا
ملؤها اليأس والمرارة حينا
ملؤها الشرّ والأذى أحيانا
أين يأوي السلام والحب ؟ يا لل
حرب لم تبق في الثرى إنسانا
ليس إلا قوافل من حيارى
نام في ذكرياتهم كلّ صوت
يذرعون الحياة في حيرة الأش
باح يمشون ميّتا إثر ميت
بردت في عيونهم قصة الحب
وأبقت صمتا عميقا طويلا
وخبت في جفونهم ومضة المع
نى وأبقت غشاوة وذهولا
الحيارى لا يدركون لماذا
يملآون الوجود ضحكا وحزنا
وجنون الحياة من أجل ماذا؟
أيّ مغزى وراءها ؟ أيّ معنى ؟
الحيارى أبقت لهم قصّة الحر
ب اضطرابا ممزّقا لا يقرّ
وجحودا يكاد يكفر بالرو
ح وشكّا في كل شيء يمرّ
يعبرون الأيّام أجنحة شلاّء
قصّت زوابع الأيام
ريشها فهي في الثرى تبصر التح
ليق في غطّة من الأحلام
وانطوت في عيونهم قدرة التل
وين والخلق واصطياد المعاني
فهم لا يرون ما يختفى خل
ف جمود الأشياء من ألوان
ربما أبصروا على الأفق النع
سان قوس الأمطار يقطر شعرا
كلّ لون يذيع في خاطر الغي
م نشيدا يذوب شهدا وعطرا
وهم يسحبون أقدامهم فو
ق تراب الملال والبغضاء
ومآقيهم الرمادّية الجد
باء قبر الجمال والإيحاء
اشحبي يا غيوم وانطفأي يا
مقلة الشمس في الفضاء البعيد
ولمن يشرق الجمال ؟ أللنس
يان ؟ للإحتراق ؟ للتبديد ؟
ولمن تضحك النجوم ؟ لمن تس
كب أهدابها كؤوس الضياء
ولمن ترقص الفراشات سكرى(57/404)
بعيون البنفسج الزرقاء ؟
ولمن هذه العذوبة في الأز
هار ؟ في نعسة الشذى النشوان ؟
في غناء الجداول العذبة الوس
نى لأرض عشبيّة الأحضان
في ابتسام المروج بعد مساء
ممطر الصمت دافىء الديجور
في دموع الندى على زهرة بي
ضاء نامت على حفاف الغدير
ولمن ترسل العصافير لحن ال
حبّ والضوء والشذى كلّ فجر؟
والحفيف المفتون إن لم توّسد
ه رؤانا لمن يذوب ويسري ؟
أغناء ولا مسامع تؤوي ال
لحن والحبّ في كؤوس الشعور ؟
وجمال ولا عيون تحوك ال
حبّ منه لحلمها المسحور ؟
وينابيع تسكب السكّر الذا
ئب ماء وليس من عطشان
وورود حمراء يحترق العط
ر عليها في الجدب والنسيان
ومهاد من الشذى رخصة العش
ب تذيع اخضرارها في الفراغ
وعطور تظل تجرفها الأ م
طار في عاصف الرياح الطاغي
كلّ هذا العطر المبعثر ملء الأ
رض ملء الحياة والآفاق
لم يعد يوقظ العروق التي أغ
فت عن اللون والسّنا البرّاق
وانطوت فوق ذاتها ترقب الأي
ام مملوءة أسى وملالا
الشعور العميق تدعوه وهما
وتسّمي حبّ الجمال خيالا
هذه الأنفس الممزّقة العم
ياء , هذي المدافن الجوفاء
هدّمتها مخالب الحرب وامتصّ
ت شذاها الدماء والأشلاء
وتبّقت فيها مقابر للشرّ
ولليأس جهمة الآفاق
عكست بعض جدبها وأساها
صرخات الفراغ ملء المآقي
أين تمضي هذي الملايين في العت
مة ؟ ماذا يجرّها للمسير ؟
ما معاني الألفاظ في صمتها ال
مسكون بالحزن والرجاء الكسير ؟
إنّهم يقطعون أرض الأسى وال
جدب حيث الجمال لا يستقرّ
حيث فكّ الملال يبتلع الل
وان حيث الذكرى ظلام وشرّ
حيث يبنى الفراغ عشّا رماد
ّيا ينمّي فيه الأذى والشقاء
وطيورا شوهاء حاقدة الأن
غام مملوءة الصدى بغضاء
اشحبي يا غيوم وانطفئي يا
مقلة الشمس في الفضاء الفسيح
ودعينا هنا مع النقم الّسو
داء نهب السهاد والتبريح
في دويّ الرياح موكبنا يز
حف نحو الضياء تحت الظلام
عاثرا بالأشلاء أشلاء من ما
توا وأبقوا هياكلا من عظام
من بعيد خلف الغيوم التي تف(57/405)
غر فاها في دربنا المجهول
ربما لاح بارق كشراع
أبيض الوعد في الظلام الثقيل
بعض دفء ناد يسيل على الأف
ق وراء الوهاد والآكام
بعض كأس تنال حافتها البي
ضاء إغماءة الشفاه الظوامي
ذلك النبع بعد هذا السّرى العط
شان بعد الصراع بعد الجراح
لو لمسناه لو غسلنا به كلّ
أسانا ويأسنا الملتاح
ذلك النبع حيث نغمس شكوا
نا ونسقي تعطّش الأحلام
من جديد نعيش تعرفنا الري
ح وتتلو نشيدنا للغمام
من جديد يعود يبني لنا التا
ريخ في ظلّه الفسيح مكانا
وتقول الحياة أن لنا ظلاّ
لنا بعض قصّة وكيانا
إننا لم نمرّ بالعالم المّي
ت صرعى ولم نعش أمواتا
إن في ذكرياتنا وترا يخ
فق بالضوء إن فيها حياة
ستقول الحياة إنّا مررنا
وملآنا الحياة شعرا وفنا
أن شيئا منّا عميقا سيبقى
في سكون الوجود لحنا يغنّى
في حفيف الأوراق تسحبها الري
ح على الأرض في وجوم الخريف
في بروق الشتاء تقتحم اللي
ل وفي عاصف الرياح المخيف
في ارتشاف الظلام للقمر الأب
يض في الصيف في سكون المساء
في أغاني فلاّحتين تجوبا
ن مع الفجر دولة الأنداء
ستقول الحياة إنّا بحثنا
في الدياجير أشهرا وسنينا
عن رحيق مغلّف بالأساطي
ر جهلنا وعاءه المكنونا
نحن ندعوه بالسعادة لكن
ليس منّا من ذاقه أو رآه
ذلك اللغز , ذلك الحلم المح
جوب خلف الضباب أين تراه ؟
في أناشيدنا يعيش ضبابا
تائها في مدى فسيح عريض
في حكاياتنا يظلّ أساطي
ر ولغزا محجبا بالغموض
نتغنّى به ونجهل ما كن
ه شذاه وأين يحيا ضياه ؟
أهو جنّية مجنّحة الأق
دام تحيا في عالم لا نراه ؟
من حرير السحاب أثوابها النا
عمة النسج من خدود الزهور
من جناح الفراش ملمس خدّي
ها ومن رّقة الشذى المسحور
مقلتاها العميقتان وجود
أزرق اللون ناعم وّضاء
منهما تنبع السماء ولون ال
بحر من نعستيهما الأضواء
من غبار النجوم جدران مأوا
ها الغريب المشيد فوق الزمان
في مكان من الوجود على با
ب رؤاه يضيع حدّ المكان
وعلى رأسها جدائل بيض ال
عطر من زنبق غريب الرواء(57/406)
أنبتته حدائق القمر النا
ئي لتلك الجنّية البيضاء
ويداها المسحورتان تقودا
ن النجوم الشقراء عبر الفضاء
وتسوقان ركب أحلامنا الحو
راء نحو الضياع والإنطفاء
تلك جنّية السعادة في قص
ر بعيد يقوم خلف الغيوم
عنده تنتهي رغائبنا الول
هى وأشتات حلمنا المحطوم
وعلى سوره تصبّ أماني
نا وأشواقنا ونار صبانا
في انفعال ندقّ أبوابه الصمّ
اء والصمت ساخر من أسانا
وهي تلك الجنّية الفظة الوح
شية القلب من بنات السعالي
ربما أقتات روحها بصدى آ
هاتنا في الفراغ ملء الليالي
ربما شيدّت اريكتها الفض
ّية النسج من حطام منانا
ربما لوّنت ملابسنا الفج
رّية اللون من لهيب دمانا
وصداها ترويه من عطش السا
رين في كل قفزة ربداء
وتغّذي نيران موقدها من
كل حلم نصوغه ورجاء
هذه الرّبة النحاسّية الإح
ساس لو لان قلبها الصخريّ
لو أراقت ضياءها فوق هذي الأ
رض وافترّ وجهها الزئبقيّ
لو حنا سمعها واصغى إلى رج
ع الأغاني المسوّدات الرنين
يتلّوى الحنين فيها وينساب
ب كأمواج جدول مفتون
أرسلتها حناجر نسيت أنّ
الأغاني قد لا تكون بكاء
لم تعد تعرف العذوبة فاليأ
س حشاها وازدراء
آه أصغي يا ربة الأفق المف
قود من سترك الذي لا يزاح
ربما لم تزل حناجرنا تم
لك لحنا لم تبتلعه الجراح
وانظري من ضباب قصرك من لغ
زك من صمت جوّك المجهول
أرسلي نظرة كما يعبر البر
ق إلينا من جفنك المعسول
نحن جئنا بيأسنا بأماني
نا بأشلاء أمسنا المدفون
الملايين مرسلين مع الأح
زان حلم المستقبل الموهون
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> نداء إلى السعادة
نداء إلى السعادة
رقم القصيدة : 68225
-----------------------------------
يا ضبابا من الشذى الشفّاف
يا جمالا بلا حدود
يا رفيقا معطّرا في ضفاف
ليس يدري بها الوجود
أين تحيين في شغاف الغيوم
حيث لا يبلغ الخيال ؟
أم تجوبين في بحار النجوم
زورقا يعبد الجمال ؟
أسدلي شعرك الطويل الطريّا
وخصلات من الحرير
وأريقي اشقرارها الغيميّا(57/407)
يفرش الكون بالعبير
وأزيحي أهدابك العبقات
عن أساطير مقلتين
ملء لونيهما اندفاع حياة
وائتلافات كوكبين
يا جبينا ملوّنا بالمعاني
حجبت سحره الغيوم
يا عبيرا نشوان بالألحان
يا خدودا من النجوم
من ضباب الرؤى إلينا إلينا
قبل أن نزمع الرحيل
وابسطي ظّلك الحنون علينا
ظّلك الدافىء الجميل
نحن في ميعة الصباح سنمضي
قبل أن تفرغ الكؤوس
وركاب الديدان في كلّ أرض
لم تزل تحفر الرموس
ووراء السياج ينعق بوم
ملء عينيه أحجيات
رنّ في صوته الصدى المشؤوم
دون أن تعلم الحياة
والسكون العميق ملء الوجود
جامد يرصد الحياة
يتغذى بكل لحن سعيد
لمست عطره الشفاه
وزهور الحقول تحمل سرّا
بذرة الموت والذبول
لحظة في الصباح تقطر عطرا
ثم يمضي بها الأفول
وكؤوس الهوى المعطر تسقي
عسل الحب لحظتين
يختفي بعدها الرحيق ويبقى
في فم الكأس غصّتين
وارتعاش الظلال فوق السواقي
سوف يمضي به الشفق
والجمال الذي يظلّ المآقي
ربما غاله الأرق
والأغاريد قد يرنّ صداها
لحظات مع الصباح
وزهور المروج عمر شذاها
ليس أبقى من الرياح
نحن نحيى في عالم من ظلال
عابر نسج عنكبوت
كالعصافير في ربيع الدوالي
نتغنّى لكي نموت
فامنحينا رؤياك قبل الرحيل
يا ابنة الحبّ والخيال
لحظة عند نبعك المعسولا
نغسل اليأس بالجمال
علّّّنا من رحيق عينيك نسقي
عطش الروح والشفاه
وعلى ملتقى سواقيك نلقي
عبء ما شّجت الحياه
علّّّنا بازرقاق عينيك نبني
من جديد لنا سماء
علّّّنا باشقرار شعرك نفني
سطوة الليل والفناء
آه مدّي يديك مدّي يديك
كل شيء هنا يضيع
وانبجاس النعيم من شفتيك
كيف نبقيه للربيع ؟
وهنا تغرب النجوم وتذوي
في الدجى رقصة القمر
وكؤوس الأزهار في الحقل تهوي
هكذا يحكم القدر
في شعاب الظلام نبقى نسير
أي أوّاه تهربين ؟
قصرك الزئبقيّ أين يغور ؟
كلمّا كاد أن يبين
فيم , كالماء في رمال الصحاري ,
لحظات وتنضبين ؟
كشروق الهلال , كالأزهار
كخيالات حالمين ؟
ولماذا , أن جئت بعد العذاب ,(57/408)
يقتفي خطوك القلق ؟
فيحس الفؤاد ظلّ اكتآب
كغيوم على الأفق ؟
وذراعاك فيم بالسمّ تهمي
حينما تملأ الكؤوس ؟
كلّ كأس وفيه قطرة همّ
مازجت نشوة النفوس
كلّ لون تعيش خلف صفائه
ظلمة تأكل الجمال
كلّ حبّ يضمّ خلف انتشائه
بذرة الموت والزوال
اهبطي يا أنشودة الحالمينا
من فضاك المورّد
وامسحي مرّة صدى الظامئينا
في دجى ضائع الغد
وسنبني هنا معابد بيضا
فوق أرض من الرجاء
غسلت صدرها الفسيح العريضا
أدمع اليأس والشقاء
علّّّنا مرّة نذوق شذاك
بعد هذا الصدى الطويل
والشفاه الظمآى لشهد نداك
تلمس الكوثر الجميل
***
في غبار الحياة, في مزلق الأيّ
ام في كل معبر مسكون
رنّ هذا النشيد مختلج التر
ديد نشوان بالأسى والحنين
وشدته القرون منذ رأى الفج
ر بعيني حواء أول حزن
منذ رنّت فؤوس آدم في الصخ
ر ولم تبق فسحة للتمني
منذ مرّت قوافل البشر الأو
لى وعمر الوجود بضع سنين
عبروا يبحثون عنها عن الجنّ
ية الزئبقية التكوين
باسمها يحرثون من أجل عيني
ها أحبّوا حتى أكتآب الرحيل
ثم ماتوا وأورثوها هواها
وخفايا كيانها المستحيل
حدّثونا عنها فقالوا فتاة
غمست في الحرير شوق صباها
ليس تقوى على الحياة إذا جا
عت إلى رقّة القصور رؤاها
فهي للأغنياء تبسط من اه
دابها الناعمات ألف خميل
وعلى شعرها العبيري يقضو
ن لياليهمو كحلم جميل
ثم قالوا جنية تتبع الره
بان والزاهدين حيث أفاءوا
مثلهم تعشق السكون ويرضي
ها مكان النعيم خبز وماء
من تراتيلهم تشيّد مأوى
ظللته سكينة ديريه
من بخور الكهّان جدرانه البي
ض ومن خشعة الشموع النقيّة
وسواهم يظنّها ربّة الري
ف وبنت الذرى وأخت الوهاد
ليس يروي إحساسها غير جوّ
أثقلت عطره أغاني الحصاد
من كؤوس الأزهار حمرة خدّي
ها وتأوي إلى بيوت الفراش
وتغني لها النواعير والشم
س إذا قبّلت ذرى الأحراش
وسواهم يروي الحكايات عنها
كيف تحيى في عالم النغمات
من بكاء الأوتار تنسج أرجو
حتها الكوكبّية الرعشات
ويقولون إنّ مسكنها الأع(57/409)
لى خيالات شاعر مسحور
ظلّلت روحه جدائلها الشق
ر واسرار طرفها البلوّري
وقلوب تظنّها ربّة الحب
تصب الرحيق للعشاق
ويقولون إنهّم شهدوها
تسكب الظلّ في هجير الفراق
ورأوها تهشّ في مقلتي (قي
س ) مع الدمع والضباب الثقيل
وأحسّوا كيانها المرح الرا
قص في حزن (توبة) و (جميل)
ومئات تحسّها في شفاه ال
كأس في غمرة من الهذيان
في ضباب الجنون , في دولة الأج
ساد في عالم من الأدران
ومئات ترجو العثور عليها
في زوايا النفوس خلف دجاها
في دروب دكناء يجهد ضوء ال
قمر الطفل أن يمسّ ثراها
في خفايا مغمورة عنكبوت ال
شر ألفى فيها سريرا مريحا
وركاب (السيرين) آوت إليها
والثعابين أثقلتها فحيحا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> صلاة إلى بلاوتس (إله الذهب)
صلاة إلى بلاوتس (إله الذهب)
رقم القصيدة : 68226
-----------------------------------
من ضفاف الدجى الأخر
نحن جئناك لاهثين
واقتفينا خطى القمر
فوق أرض من الإبر
في دياجير من أنين
الصحارى رمت بنا
في متاهاتها الغلاظ
رملها في جلودنا
في حنايا جفوننا
لم يزل يسكب الشواظ
والأعاصير والرياح
تركت في جباهنا
من سكاكينها جراح
وأراقت مع النواح
ملحها في شفاهنا
كلمّا رقرق الكلال
بحّة الموت في نشيد
وحنت أذرع الرمال
فوق أجسامنا الثقال
عبئها الساحق المبيد
رنّ في أفقنا صدى
من رنين اسمك الأحب
فمضينا إلى المدى
في صراع مع الردى
باسم معبودنا الذهب
هكذا يمّموا إلى الشرق آلا
فا جياعا للمنبع المزعوم
يقطعون الأكام ترسيهم الصح
راء من حيرة ليأس أليم
ضللتهم أسطورة عن مكان
خلف بعض الجبال في حضن واد
حيث يجري نهر من التبر مسحو
ر طوت سرّه صخور الوهاد
قطرة منه تمنح الكفّ لمسا
ذهبيّ التأثير في الأشياء
و الزهور التي تحفّ بشطّيه
شظايا كواكب بيضاء
أين هذا الوادي ؟ و ضجّ فضاء الص
مت و الليل و المدى بالسؤال
أين هذا الوادي ؟ و ساروا يجرّو
ن قيودا من الرّغاب الثقال
في سكون يلوذ كلّ بسرّ(57/410)
ه ذهبي الوشاح و التنوين
حالما في الظلام بالجدول المو
عود في عاصف عميق الحنين
من خيالاته يصوغ على الأف
ق قلاعا فضّية الأبواب
و بلادا وديانها تنبت التب
ر مكان الأشجار و الأعشاب
و مكان الفراش تسرح أطيا
ر رقاق تبريّة الأبدان
و مكان القطيع تحيا وعول
مترفات فضيّة السيقان
في خفايا هذا المكان الخرافيّ
أساطير قلعة مسحوره
من تراث الإغريق شيدّها (فل
كان) سرا في أعصر مطمورة
وبناها على رواب من المع
دن منحوتة الذرى سوداء
ناعمات على مزالقها تص
قل ( فيكا) خدودها الملساء
هي برج علت حواليه أشجا
ر ضخام تمسّ أفق النجوم
ونمت في أنحائه الكوكبيا
ت أساطير عن زمان قديم
ويقولون إن جدرانها الغا
مضة اللون لآلي البحار
جمعتها عرائس الماء من أع
ماق بحر مطلسم الأسرار
ويقولون إن أبوابها المق
فلة الصمت فوق أروع سر
نزعت من جدران قصر سميرا
ميس في ليل بابل ذات عصر
و القباب الضخام من خشب الجو
ز الشذيّ المعّطر الألواح
من شعاب الهند الملفّعة الغا
بات بالذكريات و الأشباح
هذه القلعة الضبابية الشك
ل إليها يضيع خطو الساري
ليس يدري مكان سّلمها العا
لي رواة الألغاز و الأخبار
ليس يدرون كيف يبلغها سا
كنها الصامت الغريب الطباع
ذلك الأعرج البطئ الخطى يس
بقه النمل - إن مشى - و الأفاعي
ذلك العاجز الكفيف الذي يم
نح من لا يرى كنوزا ضخاما
ليس يعنيه أن يسلّمها شي
خا بخيلا أو قاتلا أو غلاما
ذلك الشيخ, كيف يصعد أين ال
باب ؟ أين السلالم السحريّه؟
أتراه -كما يقولون - يؤوي
بين جدران قصره جنيّه؟
شعرها - هكذا رووا - باركته
من قنان ( الأولمب) أيد خفيّه
فنما كالحياة ثرا غزيرا
أبدي المسيل كالأبديّه
ونما كالضياء كالبحر يمتدّ
سحيق السواد دون انتهاء
إن أرادت شدّت به القمر النا
ئي إلى الأرض أو إلى الجوزاء
ذلك الشعر ربما أرسلته
سّلما للضرير كلّ مساء
يتخطى عليه مرتعش الخط
و مراقي تلك الرّبى الملساء
أرسلي يا طويلة الشعر يا سم(57/411)
راء إحدى الجدائل المسحوره
و ارفعي الهائمين بالذهب البرّ
اق من هذه الوهاد الكسيره
أو أطلي يوما بوجهك , بالفت
نة و الصمت في مدى أحداقك
و أعيدي على الجموع أقاصي
ص عن الهالكين من عشّاقك
حدّثيهم عن ذلك الملك الغا
بر (ميداس) كيف كان مصيره؟
أين ساقته شهوة الذهب العم
ياء ماذا جنى عليه غروره
جنّ بالتبر لم يعد يعشق الأن
جم إلا إن أذكرته سناه
وازرقاق الغيوم و البحر ما عا
د مثيرا لحبه ورؤاه
واخضرار الجبال أصبح يؤذي
روحه , و الزهور لا ترويه
فهو عطشان يدفع الذهب الوهّ
اج أحلامه إلى ألف تيه
ودّ لو حوّل الخدود و أهدا
ب العيون الكحلاء تبرا نقيّا
و اشقرار الآفاق , و الشفق الخج
لان و الشوق نائما في محيّا
و الشفاه الحوّاء ينضح منها الد
فء كم ودّ لو تحوّلن سرّا
ذهبا تجمد الشفاه عليه
قبلا كالرخام يقطرن تبرا
حدّيثهم و كيف ذات مساء
كان ( ميداس ) لاهث المقلتين
يلمس الكنز في انفعال جنوني
وفي كفّه لظى شفتين
و أزاح المساء ستر دجاه
عن صبي من عالم الأطياف
في استدارات وجهه المخمليّ ال
لون إبراق منبع شفّاف
وعلى رأسه جدائل شعر
ذهبي يغار منه الفتون
و سماء في مقلتيه من الزر
قة و العمق لم تنلها عيون
" عم مساء" و أجفل الملك الشي
خ و مات البريق في عينيه
غير أصداء بحّة حشرجت و إن
طلقت صرخة على شفتيه
أيّ باب قادت خطى الوافد المج
هول؟ هل جاء من شقوق الجدار؟
أم تراه خيالة جسّدتها
فتنة الكنز و ائتلاق النضار؟
"عم مساء ميداس" من أنت ماذا
تبنغيه في قبوي المجهول؟"
و أجاب الطيف الكريم: أنا أم
لك تحقيق كلّ حلم جميل
أنا ربّ التمنيات شفاهي
تملك المستحيل و الأبعادا
في ذراعي قدرة الخلق لو شئ
ت لحولت كل حيّ جمادا
ملء كّفي الورود و الذهب الوه
اج و اللون و الشباب الطريّ
كلّ ما شئت فاقترح تهبط الأف
لاك و الأفق و السّنا الكوكبيّ
أرأيت الأغصان في قبضة الإع
صار تهتزّ وردة بعد ورده؟
أرأيت النعيم في قلب رحا
ل سنين واتاه حلم العوده ؟(57/412)
هكذا لوّن الحماس خدود ال
ملك الغرّ و هو يسمع هذا
وجثا ضارعا و صاح : " حنا ني
ك ملاكي ماذا سؤالك ماذا
أعط هذي اليد المشوقه لمسا
ذهبّيا و قوة من سحر
دع ذراعيّ لا تمسّان إلا
لتعيدا الأشياء عالم تبر
إيه ميداس, أيّها الملك الأح
مق ماذا جنيت ؟ أيّ غرور؟
أرقب الآن مطلع الفجر و أنظر
كيف عقبى خيالك المغرور
في غد تستحيل أشجارك الحيّ
ة تبرا تعافه الأنداء
و سواقي المياه تجمد صفرا
ء كصحراء جفّ فيها الماء
ودموع الندى تعود حصى صل
با و لين الورود يصبح صلدا
و رحيق الكروم يجمد كالصخ
ر و دفء الأعشاش يصبح بردا
و حرير الستائر اللدن يغدو
جامدا لا ليونة لا انثيالا
و (نهاوند) بنتك العذبة الجذ
لى ستغدو في لحظة تمثالا
هكذا تنتهي خيالاتك التب
رية الصفر للأسى الأبديّ
فاشرب الآن خمرة الندم البا
رد واسكر بحلمك الذهبيّ
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أنشودة الرهبان
أنشودة الرهبان
رقم القصيدة : 68227
-----------------------------------
نحن بالأمس تركنا صبانا
ووهبنا للسماء هوانا
ودفنا كلّ حبّ عميق
في مكان لا تعيه رؤانا
ولففنا في ذهول أبيد
كل درب قطعته خطانا
و أصرنا للسكون نشيدا
بشرّيا كان ملء منانا
لا تسلنا عن طراوة أمس
عن معاني ألف كأس و كأس
عن عيون مرحات الأماني
نثرت في عمرنا دفء شمس
عن شفاه في برودة فجر
مطري الصمت لمياء لعس
عن خدود دافئات عذاب
كخدود الورد رّقة لمس
نحن ضّيعنا روابي حلوه
ودفّنا الحبّ في كلّ ربوه
ثم تهنا في مسالك حلم
وأفقنا عند حافة هوّه
وشربنا اللون و العطر حتى
عادت الكاسات تنضح شقوه
فأتينا الدير صرعى حيارى
علّ في ديجوره بعض سلوه
هذه يا حياة مملكة الره
بان في عزلة و في اكفهرار
دفنوها وكاد ينسى رعايا
ها الحيارى حتى ضياء النهار
شّيدوها من كلّ لفتة شوق
في العيون الحبيسة المحرومه
وسقوا أرضها الجديبة من بر
كان تلك العواطف المكتومه
وحّموها من أن تغازلها الشم
س بألوانها ولين شذاها(57/413)
وأبوا أن يلامس القمر المن
فعل الضوء في المساء دجاها
وتمّنوا ألا تمرّ بها ري
ح عبيرية الصدى و النشيد
فشفاه الرياح تكمن فيها
قبل عذبة وذكرى خدود
وتّمنوا أن يقفل الليل عينيه
وتخبوا نجومه السحريّه
فعيون النجوم تغوي بأهدا
ب حريرّية الرؤى قمريّه
وهم يمقتون أن تشرب النح
لة شهد الأزهار كلّ صباح
فرحيق الورود في شرعهم خم
ر تريق السموم في الأرواح
و العطور السكرى ألم تنبع الأح
زان بعد ارتشافها و الجراح
إنها كالنبيذ تسكر تذكي
من حنين الجمال ما لا يباح
وغناء القنابر الذاهل المب
هور - في عرفهم- نداء خطايا
في ثناياه آهة كّسر الحبّ
صداها و فيه نجوى صبايا
وخدود الفجر المورّدة النا
عمة الدفء و الشذى و الرحيق
حرّموها فقد تمر على الزه
د فتصحيه من سبات عميق
و أقاموا سورا ليمنع عنهم
كل ذكرى من كلّ أمس بعيد
وأرادوه حارسا يطرد العط
ر و يحمي من النسيم البرود
و أباحوا أيّامهم ليد الصم
ت الرصاصية العروق الثقيله
و أقاموه حاكما مخلبيّ ال
حكم لاذت به المنى المقتوله
إنه الدير فيه ينتصر المو
ت وفي قبوه يعيش الآه
في خفاياه , في ممرّاته السو
د الحزينات لا يعيش الله
مسكن الصمت والكآبة والجد
ب ومأوى الرغائب المدفونه
وصراع مع العواطف تصحي
ناره أذرع الليالي اللعينه
ذلك العنكبوت ذو الأرجل الفظّ
ة هل منه مهرب أو ملاذ
إنه من دمائهم يتغذّى
وهو من قلب أمسهم أفلاذ
إنه حّبهم يعود إليهم
ينسج الذكريات والأهواء
لا تطيق الأسوار ردّ خطاه
فهو قد خالط الرؤى والدماء
وهو حينا عينان صافيتا اللو
ن كأعماق بركة صيفيّه
أو شفاه من قعر حلم بعيد
أو يد لدنة البياض شهيه
ذلك العنكبوت كم عاد وجها
عكسته للراهبين الكؤوس
إنه وجهها , أينسون ؟ هذي
ربّة الدير , هذه تاييس
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أغنية تاييس
أغنية تاييس
رقم القصيدة : 68228
-----------------------------------
من خيوط الضوء أرديت
ومن الأزهار ألواني(57/414)
الهوى المبهور في شفتي
عصرته كفّ شيطان
ولهاث الورد أغنيتي
وخفايا عالم ثان
وخدودي مخمل لدن
بقعّته حمرة خجلى
من شذاها ينبع اللون
ويرش الوردة الجذلى
وأنا اللذّة والأمن
للرياح العذبة الكسلى
وشفاهي ها هنا اللين
ورؤى صيفية لدنه
إنها إن شئت سكّين
وإذا شئت رقى فتنه
وذراعاي أفانين
فيهما النشوة واللعنه
من قديم عشق الدير
ضحكاتي و استطاب اسمي
ذكريات ما لها غور
رسخت في الدم والعظم
أأنا النقمة والشرّ
لم يضنيكم إذن رسمي ؟
راهب الأمس أننساه ؟
كيف أشعات أحاسيسه؟
ما حياة الدير ؟ ما الله ؟
إن أنا أصبحت تاييسه
وهوى في ركب من تاهوا
وهبطت الخلد قدّيسه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ذكريات الطفولة
ذكريات الطفولة
رقم القصيدة : 68229
-----------------------------------
لم يزل مجلسي على تلّي الرم
ليّ يصغي إلى أناشيد أمسي
لم أزل طفلة سوى أنني قد
زدت جهلا بكنه عمري ونفسي
ليتني لم أزل كما كنت قلبا
ليس فيه إلا السّنا والنقاء
كلّ يوم أبني حياتي أحلا
ما وأنسى إذا أتاتي المساء
في ظلال النخيل أبني قلاعا
وقصورا مشيدة في الرّمال
أسفا يا حياة أين رمالي
وقصوري ؟ وكيف ضاعت ظلالي؟
إيه تلّ الرمال ماذا ترى أب
قيت لي من مدينة الأحلام ؟
أين أبراجها العلّيات هل تا
هت وراء الزمان في اوهام ؟
ذهب المس لم أعد طفلة تر
قب عشّ العصفور كلّ صباح
لم أعد أبصر الحياة كما كا
نت رحيقا يذوب في أقداحي
لم أعد في الشتاء أرنو إلى الأم
طار من مهدي الجميل الصغير
لم أعد أعشق الحمامة ان غنّ
ت وألهو على ضفاف الغدير
كم زهور جمّعتها وعطور
سرقتها الحياة لم تبق شيّا
كم تعاليل صغتها بدّدتها
وتبقّى تذكارها في يديّا
كنت عرشي بالأمس يا تلّي الرم
لي والآن لم تعد غير تلّ
كان شدو الطيور رجع أناشي
دي وكان النعيم يتبع ظّلي
كان هذا الوجود مملكتي الكب
رى فيا ليتها تعود إليّا
ليت تل الرمال يسترجع الأس
رار والشعر والجمال الطريّا(57/415)
لم أعد أستطيع أن أحكم الزه
ر وأرعى النجوم في كلّ ليل
هل أنا الآن غير شاعرة تد
رك سرّ الكون الجديب المملّ؟
ذهب الأمس والطفولة واعتض
ت بحسّي الرهيف عن لهو أمسي
كلّ ما في الوجود يؤلمني الآ
ن وهذي الحياة تجرح نفسي
قد تجّلت لي الحقيقة طيفا
غيهّبيا في مقلتيه جنون
وتلاشى حلم الطفولة في الما
ضي ولم يبق منه إلا الحنين
أين لون الأزهار ؟ لم أعد الآ
ن أرى في الأزهار غير البوار
كلما أبصرت عيوني أزها
را تذّكرت قاطف الأزهار
أين لحن الطيور ؟ لم يعد الآ
ن اشتياقا وحرقة في فؤادي
فالغناء اللذيذ ضاع صداه
وانطوي في تذّكر الصياد
أين همس النسيم ؟ أشواقه السك
رى انطفت لم تعد تثير خيالي
فغدا يهمس النسيم بموتي
في عميق الهوى وفوق التلال
أين مني مفاتن الليل شعر
وغموض في غيهب مسحور
لم أعد أعشق الظلام غدا أه
وي عظاما تحت الظلام الكبير
ها أنا الآن تحت ظلّ من الصف
صاف والتين مستطاب ظليل
أقطف الزهر ان رغبت وأجني الث
مر الحلو في صباحي الجميل
وغدا ترسم الظلال على قب
ري خطوطا من الجمال الكئيب
وغدا من دمي غذاؤك يا صف
صاف يا تين أيّ ثأر رهيب
ذاك دأب الحياة تسلب ما تع
طيه بخلا لا كان ما تعطيه
تتقاضى الأحياء قيمة عيش
ضّمهم من شقاه أعمق تيه
هي هذي الحياة ساقية السم
كؤوسا يطفو عليها الرحيق
أومأت للعطاش فاغترفوا من
ها ومن ذاقها فليس يفيق
هي هذي الحياة زارعة الأش
واك لا الزهر والدجى لا الضياء
هي نبع الآثام تستلهم الشرّ
وتحيا في الأرض لا في السماء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> آدم وفردوسه
آدم وفردوسه
رقم القصيدة : 68230
-----------------------------------
حسبها أّننا دفعنا إليها
ثمن العيش حيرة ودموعا
أي ذنب جناه آدم حتى
نتلقى العقاب نحن جميعا؟
وليكن آدم جنى حسبه فق
دان فردوسه الجميل عقابا
أو لم يكف أّنه هبط الأر
ض ليسقى آلامها أكوابا؟
أو لم يكف أنه هبط الدن
يا طريدا من خلده الفينان
أو لم يكف أنه عرف الشرّ(57/416)
وقد كان طاهرا في الجنان ؟
ليت شعري ماذا يروق لعيني
يه هنا في انغلاق هذا الوجود؟
كيف ينسى آفاق جّنته ما
ذا يغذي حنينه للخلود ؟
كيف ينسى الأمس الطليق ليهنا
بحياة القيود والأرسان ؟
أين ذاك الحسّ الرهيف ؟ هنا سج
ن بليد مغّلف الجدران
ولماذا ينسى وهل في الثرى شيء
يعزّي عن حلمه المعسول؟
كلما لاذ بالخيال تجلى
لأساه ما كان من قابيل
أو لم تسمع الحقول صدى صر
خة هابيل حين خرّ قتيل؟ا
أو لم يشهد القطيع على الجا
ني ألم يبصر الدم المطلول؟ا
أين هابيل ؟ أين وقع خطى أغ
نامه في الحقول والوديان؟
ليس منه إلا ضريح كئيب
شاده في العراء أوّل جان
وأتت ظلمة المساء على الحق
ل وعاد القطيع من دون راع
ليس إلا قابيل يمشي رهيب ال
خطو نهب الأفكار والأوجاع
يا لأحزان آدم عندما أب
صر بابنيه قاتلا وقتيلا
أيها المستطار لن تردع الأق
دار حتى إذا بكيت طويلا
ما الذي تنفع المدامع يا آ
دم؟ هل تدفع القضاء المريرا؟
إن يكن من فقدت أول مقتو
ل على الأرض فهو ليس الأخيرا
انها لعنة تظلّ على العا
لم مسدولة الدجى مكفهرّه
كلما ذاق قطرة من نعيم
أعقبتها من الأسى ألف قطره
كلّما اسدل الستار على حر
ب أطلت حرب وجاءت رزايا
رحمة يا حياة حسبك ما سا
ل على الأرض من دماء الضحايا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> في دنيا الرهبان
في دنيا الرهبان
رقم القصيدة : 68231
-----------------------------------
سر بنا يا طريق نحو ذلك الدي
ر فقد نتلقى الرّضى والأمنا
فلعل الرهبان قد أدركوا السرّ
المعمى الخافي الذي نتمّنى
هؤلاء الزهّاد في القّنة الخض
راء حيث الحياة صمت مديد
ربما كاشفتهم الأنجم العل
يا بأسرارها وباح الخلود
مرحبا يا رهبان هل في حماكم
من حديث عن كنزنا المفقود؟
هل لمستم بريقه وشذاه ؟
هل نعمتم بظّله الممدود؟
إن في أفقكم جلالا وشعرا
وسكونا مطلسم الأستار
وصلاة لله تقطر حبا
طّهرتها يد الدموع الغزار
فلم الحزن والشحوب يطلاّ(57/417)
ن لديكم من أعين وشفاه؟
يلقيان الظلال فوق وجوه
صامتات المرأى خواء الجباه ؟
ووراء الأهداب أستار حزن
وذهول ووحشة لا تنام
إن يكن ديركم عذابا وهمّا
أيّها الراهبون فيم المقام ؟
لم أجد في الصوامع الرّثة الحي
رى علوّا ولم أجد آفاقا
إن هذا الجناح يا دير مقصو
ص فلن يستطيع قطّ انطلاقا
أثقلته رغائب ثرّة حرّ
ى تبقّت من أمسه المدفون
واشتياق إلى الطفولة والحبّ
إلى ضّمة وصدر حنان
أيّها الراهب الذي يقطع العم
ر وحيدا في غرفة منسيّه
ليس يدري دفء الموّدة في عي
نين في قرّ ليلة شتويّه
حدّثوني عنكم فقالوا قلوب
نسجت من نقاوة ونقاء
ونفوس صيغت من الضوء والعط
ر وحامت على شفاه السماء
وحكوا لي عنكم فقالوا :ضياء
وكؤوس من الشذى روحيّه
وسمو إلى الذرى الطاهرات ال
بيض فوق الرغائب البشريّه
عجبا أين ما سمعتم ؟ هنا شو
ق ونار وأعين مفتونه
وهوى قيّدوه عطشان محرو
را فأين السلام ؟أين السكينه؟
اسم (تاييس) لم يزل في شفاه ال
يتلى على الوجود اللاهي
رمز قلب ممزّق بين صوتي
ن :نداء الهوى وصوت الله
ما نسينا غواية الراهب المف
تون في حبّها وكيف هداها
يا له بائسا سما بابنة الإث
م إلى قّمة السماء وتاها
أيّها الدير يا جديبا من الحبّ
خواء من الندى والحنان
يا غريقا في الصمت والوحشة الصّ
ماء يا مقفر الرؤى والأماني
حان عن صمتك الكئيب رحيلي
فدروب الحياة خضراء حيّه
وذراع الوجود يفرش لي در
با من الخصب والظلال الثريّه
وسألقى ربي هناك بعيدا
عن دياجيك إن ربي ضياء
وطريقي يمتدّ حيث يد الل
ه جمال ورحمة وارتواء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الخطوة الأخيرة
الخطوة الأخيرة
رقم القصيدة : 68232
-----------------------------------
إشهدي أيتّها الأشجار, أنّي
لن أرى ثانية تحت الظلال
ها أنا أمضي فلا تبكي لحزني
لا يعذّبك اكتآبي وابتهالي
خطواتي , في الدجى لا تحسبيها
إنها آخر ما أخطو هنا
إنها رجع أغان لن تعيها
سوف تذوي مثلما أذوي أنا(57/418)
خطواتي , أيّ رجع محزن
آه لو أسمع الصوت الكئيبا
ليتني أفقد حسّي,ليتني
لم أشاهد ذلك الحلم الغريبا
أيّ حلم ذابل فوق الرمال
صغت فيه كل موسيقى حياتي
كلّ أحلام شبابي وخيالي
كلّ ما في خافقي من نغمات
ها أنا أرحل , يا أشجار,عنك
تحت عبء من شرودي وخشوعي
ليتني أجرؤ أن ألقي عليك
نظرة ثانية,دون دموع
لن تحسّي,في غد,وقع خطايا
فأنا ,يا أخوتي,لن أعودا
كلّ أحلامي وأضغاث رؤايا
عدن يأسا صارخا,عدن شرودا
سوف ألقي العود في الظلّ وأمضي
أيّ معنى,بعد,للعود الرقيق؟
سوف أحيا,يا سمائي,فوق أرضي
سوف أطوي النور في قلبي العميق
ووداعا, أنت يا حلم شبابي
أأنت يا من صغته خمس سنين
ها أنا أدفن,في الأرض,رغابي
وأواري أملي المرّ الحزين
الممرّات الجميلات ستبكي
فوق ذكراي ولكن لن أعودا
حسب روحي,أيّها الأشجار,منك
أنّ ذكرى رغباتي,لن تبيدا
وأنا ؟لا تجزعي,حسبك مني
إنّ ذكراك بقلبي سوف تحيا
كل جذر منك في أعماق فنّي
سوف يبقى شاعريا أبديّا
آه يا أشجار,لا,لا تذكريني
فأنا تمثال يأس بشريّ
ليس عندي غير آثار حنيني
وبقايا من شقائي الأبديّ
كنت يوما خافقا,بين الغيوم,
أسكب الأحلام في عمق حياتي
تصعد اآىلآمال بي فوق النجوم
ويصوغ الشعر أحلى رغباتي
أيّها العود,وداعا من حياتي
هبط الليل وقد حان رحيلي
إمح ما قد كان,إمسح نغماتي
إنس أنغام شقائي وذهولي
لن تعي,في الغد,أنغام أسايا
وترانيم سروري وشقائي
فانسني,ها قد نأى رجع خطايا
ها أنا أغرق,في قلب المساء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الفيضان
الفيضان
رقم القصيدة : 68233
-----------------------------------
-1-
"صوت التشاؤم"
هي ذي يا ظلام عاشقة اللي
ل تطيل التحديق تحت الدّياجي
وقفت عند شاطىء النهر تصغي
لأنين الرّياح والأمواج
وترى الليل غيهبا راعب الظلّ
على رائع من الأثباج
وتحسّ الحزن العميق لحقل
أغرقته المياه خلف السّياج
***
وقفت في الدجى تحسّ الأسى المرّ
وتبكي في مسمع الظلمات(57/419)
وترى بالخيال ما حلّ بالقر
ية والبائسين من ويلات
فجأتهم ,تحت الدجى,لجّة المو
ج فباتوا صرعى القضاء العاتي
ومضوا يضربون في ظلمة اللي
ل وما من منجى من المأساة
***
وتعالى تحت الظلام صراخ
ردّدته الرّياح للأشجار
هو صوت الأحياء,في لجّة المو
ت وصرعى الأمواج والأقدار
عبثا تضرعين,عاشقة اللي
ل لقلب الظّلام والأسرار
عبثا فالحياة سنّتها الحز
ن وحكم الآهات والدمع جار
-2-
"صوت الأمل"
سر بنا يا زورق الأمل العذ
ب وإن أسدلت ستور الظلام
وتعالى الدويّ في النهر البا
كي على مسمع القلوب الدّوامي
سر بنا لن نخاف من ضجّة المو
ج ولن نرهب العباب الطامي
نحن في الموج دفّة طالما لا
قت رياح الأقدار والأيّام
***
سر بنا حيثما يريد لنا المج
هول سر في هذا الوجود الحزين
لم تنال منّا فقد ذق
نا أساها في عمرنا المغبون
ورمتنا أحزانها فصبرنا
وغدا مغرب الأسى والشّجون
وغدا تنضب الدموع وتفنى
ضجّة الموج في عميق السكون
***
سوف تصفو الأمواج في لجّة النه
ر ويخبو الإعصار خلف التلال
وتعود النخيل تضحك للشطّ
كما كن في الليالي الخوالي
ويعود الملاح يخرج بالزو
رق نشوان ضاحك الآمال
هكذا يرجع الصفاء إلى الوا
دي ويغفو على جمال الليالي
-3-
"صوت الشاعر"
مغرق في خياله شارد العي
نين مستسلم إلى الأحلام
يذرع الضفّة الجميلة مفتو
نا بصوت الأمواج والأنسام
ويرى اللجّة الرهيبة سحرا
وينابيع فضن بالإلهام
وعلى البعد منظر النخل في النه
ر ومرأى التلال والآكام
***
هكذا الشاعر الخياليّ يقضي
يومه في الأوهام والألحان
ويرى في طغيان مائك يا نه
ر جمال الطبيعة الفتّان
فهو ذاك الطير المغرّد بالشع
ر نبيّ الخيال والألوان
تتصّباه موجة تغسل الشطّ
ونهر داو ولجّ قان
***
كلّ ما في الطبيعة الحلوة المف
تان يوحي لقلبه بالغناء
كيف لا وهو ذلك الشاعر المر
هف وابن الخيال والإيحاء
عاشق الصحو والغيوم الحزينا
ت وشادي الضياء والظلماء
ورسول السماء للعالم البا(57/420)
كي وصوت الأموات والأحياء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إلى الشاعر كيتس
إلى الشاعر كيتس
رقم القصيدة : 68234
-----------------------------------
الإشارات إلى قصيدته "Ode to a Nightingale "
- - -
حياتي وآلام روحي الحزين
وأحلامي المرّة الذاويه
وموكب أيّامي الذاهبات
وأطياف أيّامي الآتيه
تجمّعن في باقة من عبير
ثوت خلفها روحي الفانيه
وأهديتها نغما حالما
إلى روحك الحرة الباقيه
حياتي ,يا شاعري ,كلها
حياة فتاة من الحالمين
إلهّية الروح لكنها
على الأرض حفنة ماء وطين
تعذّبها صرخات الأسى
وترعشها صدمات السنين
ولولاك ما وجدت في الثرى
عزاء,ولم يحتذ بها الحنين
أناشيدك الخالدات العذاب
نشيدي وأغنيتي الهاتفه
فكم ليلة من ليالي الشتاء
دفعت بها ضجّة العاصفة
وأسمعتها النار في موقدي
وغّنيتها الظلّة الوارفه
وأيقظت في ظلّها فتنتي
ونار عواطفي الجارفه
وكم في ليالي الخريف الكئيب
وقفت أحدّق عند النهر
أصيخ إلى صوت قمريّة
سجت فوق بعض غصون الشجر
أفتش في صوتها عن شجاك
وشكواك بين الأسى والفكر
واسألها عن شباب ذوى
وظلّ صبا راقد في الحفر
أقول لها : صوّري من جديد
ظلام المساء الكئيب البعيد
وما كان من شاعري في دجاه
وآهاته وأساه المبيد
صفي حزنه عند رأس المريض
ووحشته والرجاء البديد
صفي ذلك الجسد الآدميّ
وما قال عند وداع الوجود
صفي شاعري كيف أمضى المساء
على قدمي ذلك المّيت
يصيخ إلى النغمات الحنون
ويطرق إطراقه المنصت
صفيه,كما أرعشته الحياة
أسى تحت سيف الردىالمصلت
على كفّه رأسه الشاعريّ
وحيدا إلى جانب الجثّة
وكيف تولّى المساء الحزين
على شعلة الشمعة الشاحبه؟
وهل صرخت في الظلام الرياح
كما صرخت نفسه الصاخبه؟
"هنالك حيث يموت الشباب
وتذوي أشعته الغاربه"
هنالك حيث الذهول الغريب
يودّع روح المنى الذاهبه
وتمضي الليالي إلى قبرها
وتمشي الحياة مع الموكب
أسير أنا في شعاب الوجود
أفتّش عن حلمي المتعب
تخادعني كل قمريّة(57/421)
وتعبث كا الأغاريد بي
وما زال طيفك طيّ الخفاء
تحجّبه ظلمة المغرب
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> على الجسر
على الجسر
رقم القصيدة : 68235
-----------------------------------
يا نهر لا تحفظ دموعي أو أسى قلبي المروع
أكتم - حنانك - ما تساقط في مياهك من دموعي
ذهب المساء بكلّ ما أبصرت من حزني العميق
ومحا الدجى من عمر يأسي ليلة لن تستفيق
إنس الذي أبصرته بالأمس من أحزانيه
واكتم أساي وأدمعي تحت النجوم الحانية
إنس الخطى المتعثّرات وصوتي المتهدّجا
والدمع , يخنق كلّ ألفاظي بكف من شجا
رحماك أنت الكاتم الحاني على المتأوّهين
وحنان موجك كم طوى قلبا يعذّبه الحنين
أنت الذي شهدت مياهك أدمعي وترّددي
أنت الذي سمعت ضفافك آهتي وتنهّدي
ومشيت فوق الجسر أبكي أمنياتي في سكون
وأدير وجهي , نحو موجك , عن عيون العابرين
أحزان حبّي كلّها , في شاطئيك , نفضتها
أسرار روحي كلّها , تحت الظلام نثرتها
لم أستطع , يا نهر , كتمان العواطف والشعور
من يمنع السيل القويّ من التدّفق والمسير؟
وإذا طغى الحزن العميق فمن يردّ هديره ؟
وإذا ذوى الأمل الجميل فمن يعيد عبيره ؟
عبثا أقاوم نار أحزاني فلن يخبو اللهيب
أبدا تذكّرني الحياة بروعة الماضي الحبيب
حلم إلهيّ الجمال رسمته تحت النجوم
وبنيته قصرا من الزهر المنضّر في الغيوم
وصببت فيه ,من حياتي ,صفوها ونقاءها
ونثرت فيه , من زهوري,عطرها ورواءها
وهرعت ,كالطفل النقيّ ,إلى رجائي الأوحد
فرأيت قصري الحلو أطلالا تثير تنهّدي
لا شيء يمحو ذكريات الأمس من قلبي الكئيب
لا نور ينفذ في ظلامي,لا انطفاء لّلهيب
في عمق أعماقي أعاصير يجنّ جنونها
وعلى جفوني رسم أحلام يضجّ حنينها
إيّان أنجو من ظلال الأمس,أين ترى المفر,
والليل يعكس ذكرياتي,والأغاني والشجر؟
يا نهر فلتدفن شكاياتي ومرّ شجونها
الآدميّة إن بكت فلضعفها وجنونها
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أنشودة الأبدّية
أنشودة الأبدّية(57/422)
رقم القصيدة : 68236
-----------------------------------
"إلى القيثارة الإلهية التي منحت الإنسانية أروع الألحان ,إلى تشايكوفسكي الموسيقي الروسي , ذكرى لمرور أربع وخمسين سنة على وفاته "
- - -
سأحبّ الحياة من أجل ألحا
نك يا بلبلي الحزين وأحيا
سأرى في النجوم من نور أحلا
مك ظلا مخلّدا أبديّا
***
سأناجي في الليل جنحا من الأح
زان يوما ألقى عليك ظلاله
سأحيّي في الكرم فيضا من الأس
رار أضفي يوما عليك جماله
***
وإذا ثارت العواصف في اللي
ل وراء الحقل الرهيب الدجيّ
لمست روحي المشوقة فيها
ذكريات من روحك الناريّ
***
آه يا أيّها الملاك إلى رو
حك , في الموت , حنّ روحي الحزين
أنا تلك التي حياتي على الأر
ض اكتآب ووحشة وحنين
***
آه لو كنت عشت مثلك في الما
ضي وأبصرت وجهك العلويّا
لولا رأيت الإلهام يملأ عيني
ك ضياء ووجهك الشاعريّا
***
آه لو بعت كلّ عمري بيوم
شاعريّ يراك فيه وجودي
من بعيد أرنو إلى الهيكل السا
مي وأصغي إليك يا معبودي
***
وأرى كيف يغرق الحزن مرآ
ك وتبدو أسراره في عيونك
وأحسّ ارتعاش قلبك للحس
ن وظلّ الشّرود فوق جبينك
***
وأرى كيف ترجف الوتر المس
حور كفّاك يا ملاكي النبيلا
كيف ترنو إلى الحياة وما في
ها وتستلهم الوجود الجميلا
***
وأرى كيف يغسل الدمع عيني
ك وتبكي في وحشة الإنفراد
وأرى كيف يرقص الألم الطا
هر في مقلتيك قبل الرّقاد
***
كيف يأتي الدجى عليك فترنو
في ذهول إلى ظلال الماضي
بين فك الذكرى يعذّبك الشو
ق وتبقى في رعشة وانتفاض
***
كيف تحت الدجى تهيم على وج
هك بحثا عن لحظة من هدوء
هاربا من صراخ نفسك من دن
ياك من عالم الورى الموبوء
***
هاربا هاربا تحدّق في النه
ر وما فوق مائه من جليد
تتمنّى أن يدفن الثلج بلوا
ك بعيدا عن اضطراب الوجود
***
آه يا بلبلي وقد جاءك المو
ت أخيرا وغبت عن دنيانا
أخمد الصمت والفناء أغاني
ك ولم يبق غير رجع أسانا
***
رقد الحالم الألهيّ تحت ال(57/423)
فجر جسما ميتا وروحا أصمّا
كلّ أنغامه السماويّة الظم
أى وأحلام روحه عدن حلما
***
وعلا ذلك الجبين الأثيريّ
شحوب الموت المرير القاسي
وهوى ذلك الإله السماويّ
على الأرض خامد الأنفاس
***
عبثا قبّلته آلهة الفج
ر وغّنته أعذب الأنغام
عبثا ذكّرته ربّة موسي
قاه بالذكريات والأحلام
***
أيّها الموت أيّها المارد الشرّ
ير يا لعنة الزّمان العنيد
كيف ترضى يداك أن تقتل الإل
هام ؟ ماذا تركته للوجود ؟
***
سوف تفنى يداك أنت ويبقى
ظلّ ذاك الطير الجميل الوديع
سوف تبقى نجواه تخفق فوق الأ
رض بالحبّ والجنال الرفيع
***
أيّها الحاقد الترابيّ أمّا
أنت فاحقد وعش على الأضغان
إنّه الآن فوق حقدك فوق الأ
رض , فوق الفناء والنسيان
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> بعد عام
بعد عام
رقم القصيدة : 68237
-----------------------------------
مرّ عام يا شاعري منذ أبصر
تك في ذلك الصباح الكئيب
مرّ عام لم تكتحل عيني الظم
أى برؤياك لم يخفّ قطوبي
الليالي تمرّ تتبعها الأّي
م في بطئها الممل الرتيب
وانا لهفة وشوقي يزدا
د وروحي في عاصف من لهيب
ظما للحياة يملأ إحسا
سي ونار في دمعي المسكوب
وشظايا كآبة رسمت فو
ق جبيني غلالة من شحوب
***
مرّ عام من قال ؟ هل أنا في حل
م بناه تخيّلي المصدوم ؟
أهو وهم ما خلته سنة أط
فأ أضواءها الزمان اللئيم ؟
مرّ عام ولم أقابلك , ماذا ؟
كيف أبقيت على حياتي الهموم ؟
كيف طابت لي الحياة على بع
دك عني ؟ ولم يمتني الوجوم؟
الشهيق الحزين في هداة اللي
ل , ألم يلقه إليك النسيم ؟
والشرود الذي أمات أحاسي
سي , أما حدّثتك عنه النجوم ؟
***
لم أزل أذكر الصباح الذي مرّ
ندى فوق قلبي المكسور
منذ عام في الشارع الصاخب المم
تدّ والشمس في صفاء الأثير
جمعتنا هناك الصدفة الحل
وة في غفلة من المقدور
والتقينا لم نبتسم لم أحدّث
ك بما في فؤادي المعصور
لحظة ثم أجهز الزمن القا
سي على قلب حلمي المسحور(57/424)
سرت يمنى وسرت يسرى ولم يب
ق سوى ثورتي ونار شعوري
***
ومضى العام كلّه , كلّ يوم
أتلقى الصباح بالأحلام
كلّ يوم أقول : يا قلبي الظم
آن للصحو لا تضق بالغمام
ربّما أشفقت بنا الصدف العم
ياء هذا الصباح بعد الظلام
لن يضرّ الأقدار في ليلها أن
تتلّقاك مرّة بابتسام
فتدبّ الحياة ثانية في
ك وتصحو خوامد الأنغام
ويجنّ الشعور في عمق أعما
قك حيا حرّا من الآلام
***
مرّ عام ودقت الساعة الحم
قاء عسرا واستيقظت أحزاني
الثلاثاء لم يعدك إلى أش
واق روحي الممزّق اللهفان
مرّ عام كأنه حلم مرّ
على جفن شاعر وسنان
مرّ عام لم يبق منه سوى لح
ن حزين مغرورق الألحان
ليس إلاّ ابتسامتي المرّة الظم
أى ودقات قلبي الحيران
ليس إلاّ ظلّ من الصمت واله ه
فة يبدو في جفني الظمآن
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> قلب ميت
قلب ميت
رقم القصيدة : 68238
-----------------------------------
نعم , مات قلبي , أين أحزان حبّه ؟
وأين أمانيه ؟ وأين أغانيه ؟
حرارته أضحت رمادا مهشّما
وأحلامه ذابت على صدر ماضبه
هو الآن ثلجيّ العواصف , بارد
يقضّي مع الأشباح غرّ لياليه
ويرعبه ذكر الممات وليله
فيدفن نيران الأسى في قوافيه
وكان له من قبل هيكل معبد
يغّنيه في أحلامه وصلاته
من الحبّ والأحلام صاغ رواءه
وألقى عليه أمنيات حياته
على صدره الشعريّ تمثال شاعر
تذوب معاني الروح في نظراته
يرى فيها إحساسي حياة نقية
أطلّت خفاياها على ظلماته
وكان صباح ..واستفقت فلم أجد
من المعبد الشعريّ إلا رسومه
تحطّم تمثالي الجميل على الثرى
وألقى على قلبي النقيّ همومه
ورحت إلى حبّي أمزّق زهره
وانثر أحلام الصبا ونجومه
وينضب في قلبي جمال شبابه
وينفث ليل الحزن فيه سمومه
وها أنا ذي عمري احتقار وأدمع
وفي نفسي الولهى لظى وتمرّد
أحنّ إلى حبّي الجميل وإن يكن
أشاح عن التمثال جفني المسهّد
وماذا تبقّى الآن ؟ شلو حجارة
تضيق بها نفسي , وصخر ممدد
تعلق قلبي بالنجوم وقلبه(57/425)
تمرّغ في الأوحال , والطين يشهد
هنالك , في الأمس البعيد , وليله
سأدفن تمثالي وحبّي وأدمعي
أشيّد قبرا من تمرّد خافقي
وأسقيه من بغضي له وترفّعي
أغّنيه ألحان احتقاري وثورتي
وتهزأ أضواء النجوم به معي
وأزرع فيه الشوك والسمّ واللظى
وأتركه شلوا كقلبي المروّع
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إلى عيني الحزينتين
إلى عيني الحزينتين
رقم القصيدة : 68239
-----------------------------------
عينيّ , أيّ أسى يرين عليكما
ويثير في غسق الدجى دمعيكما ؟
إني أرى خلف الجفون ضراعة
تستنطق الكون العريض المبهما
أفقان تحت الليل ألمح فيهما
قطرات ضوء يرتشفن الأنجما
الكون مبتسم فأيّة لوعة
يا مقلتيّ تلوح في جفنيكما ؟
مسكينتان , رأيتكما ما لا برى
جيل أقام على لضلال وحوّما
جهل الحقائق في الحياة , فلم يطق
عن زيفها هربا وعاش مهوّما
مسكينتان كتمتما حمم الأسى
فأبى تأوه خافقي أن تكتما
فإذا الدموع غشاوة رّفت على
جفنيكما , سيلا سخينا مفعما
ورأيتما , خلل الدموع , مفاتن ال
ماضي وطاف الشوق في أفقيكما
عبثا تصوغان التوسّل في الدجى,
قلب القضاء قضى بألا تنعما
عبثا , فيا عينيّ لا تتضرّعا
لا شيء يرجع بالجمال إليكما
حسبي وحسبكما الرضوخ لما قضى
قلب الليالي فارضخا واستسلما
كم حالم من قبلنا فقد المنى
فقضى الحياة لوحده متجّهما
يرعى الليالي مانحا ظلماتها
روحا مجنحة وقلبا ملهما
***
عينيّ , يا سرّ الطبيعة , حدّثا
ماذا وراء الكائنات رأيتما ؟
رفعت دياجير الحياة ستورها
لكما وابدت سرّها المستبهما
هاتا حديث الموت , هاتا سرّه
قد آن , يا عيني, أن تتكلما
ما شاطىء الأعراف ؟ ما ألوانه ؟
ما سرّه الخافي ؟ صفاه وترجما
في صدري الخفّاق قلب راعش
ما زال صبا بالمفاتن مغرما
لولاه , يا عينيّ , ما غنّيتما
بهوى الحياة ولا أصابكما الظما
عذرا إذا حمّلتما حزن الدنا
لولاي , يا عينيّ , ما حمّلتما
وكفى فؤادي , في الحياة , شقاوة(57/426)
أنّي جنيت , مع الحياة , عليكما
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> المقبرة الغريقة
المقبرة الغريقة
رقم القصيدة : 68240
-----------------------------------
"من ذكريات الفيضان المخيف الذي ألمّ ببغداد سنة 1946 , هذه القصيدة تسجل فيها الشاعرة اثر سماعها بقصة مقبرة غمرتها مياه النهر المتوحش في مساء عاصف"
- - -
قبر على التلّ وحيد غريب
رانت عليه ظلّة العوسج
قبر وحيد لم تنله المياه
معتصم بالقّمة الساخرة
بالأمس قد كان هنا عالم
يغمره الموت بأستاره
يهفو عليه العدم القاتم
في وجمة الصمت وأسراره
يا جثثا ما كفّنتها المنون
بغير أطباق الثرى العارية
هذي الوجوه الشاحبات الجباه
وهذه الأشلاء والأعين
يا نهر لا تقس على المّيتين
حسبك ما سبّبته من شقاء
حسبك ما شرّدت من بائسين
وارفق بسكّان الثرى الأبرياء
يا رحمة بالجثث الباردة
وليك في موجك بعض الشعور
في كلّ ركن من دجى المقبره
تسبح أجساد وتطفو عظام
والرّيح في صيحاتها المنكرة
والليل ما زال رهيب الظلام
يا للمساكين , أحتّى الممات
تلحقهم لعنة أيّامهم؟
حّتى الرقاد الهادىء الآمن
يأباهم إيّاه قلب السنين
يشهد هذا المنظر الساكن
أيّ سهاد , أي ليل حزين
وأنت يا أمواج لا تهزأي
بذلك الطافي على وجهك
لم يبق منه الدود شيئا يرى
ولم يذر منه الردى باقيا
ينسج تحت الليل ثوب الضياء
وينثر الحبّ على العالم
جذلان لا يعرف معنى الفناء
مستغرقا في نشوة الحالم
وتملأ الدنيا أناشيدها
يوما , ونثوي تحت أحجارها
ما أفظع المبدأ والمنتهى
ما أعمق الحزن الذي نحمل
وهذه المقبرة المظلمه
نهاية المسعى , فيا للشقاء
أبعد هذي الجنّة الملهمه
نسقط,فوق الشوك,صرعى الفناء
بكيتت للأموات طول المساء
وصغت من دمعي النشيد الحزين
وفي غد أرقد تحت السماء
قبرا سيبكي عنده العابرون
في ظلمة الليل العميق الرهيب
وتحت هول العاصف الأهوج
جذلان لا يعرف معنى الفناء
مستغرقا في نشوة الحالم
أهكذا تفنى أغاريدنا(57/427)
ويهزأ الموت بأزهارها
وتملأ الدنيا أناشيدها
يوما , ونثوي تحت أحجارها
ما أفظع المبدأ والمنتهى
ما أعمق الحزن الذي نحمل
ترفعنا الأحلام فوق السّها
وتهدم الأيّام ما نأمل
وهذه المقبرة المظلمه
نهاية المسعى , فيا للشقاء
أبعد هذي الجنّة الملهمه
نسقط,فوق الشوك,صرعى الفناء
بكيتت للأموات طول المساء
وصغت من دمعي النشيد الحزين
وفي غد أرقد تحت السماء
قبرا سيبكي عنده العابرون
قبر , على التلّ , وحيد غريب
رانت عليه ظلّة العوسج
في ظلمة الليل العميق الرهيب
وتحت هول العاصف الأهوج
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ليلة ممطرة
ليلة ممطرة
رقم القصيدة : 68241
-----------------------------------
الآن يا نجمي تغيب ,ولم يحن وقت الأفول ؟
الآن والليل الجميل يريق ضوءك في الحقول ؟
والزهر , تحت الليل , نشوان بمشرقك ؟
والنهر , والشطآن تضحك تحت أشجار النخيل
الآن تغرب ؟ يا لمأساة الجمال الذابل
يا نجمي المأسور في كفّ الضباب الشامل
يا فيلسوف الليل , يا سرّ الوجود الذاهل
عبثا أناشيدي إلى أضواء نجم آفل
عبثا سهرت الليل ارنو والتفجّع غالي
أتزوّد النظر الأخير إلى ضياك الشاحب
وأصوغ ألحان الرثاء على صباك الذاهب
وأحوك من دمعي الضياء لكلّ نجم غارب
رحماك يا نجمي الجميل متى نهاية ليلتي ؟
ومتى ستنقشع الغيوم وتستريح كآبتي ؟
قد شاق قلبي أن أحسّ الصمت تحت خميلتي
وتجوب عيناي الفضاء وفي يدي قيثارتي
ما زلت أنتظر السكون وليس غير صدى المطر
والريح في سمع المساء تئنّ ما بين الشجر
لا طير يمرح في الحقول ولا أريج ولا زهر
لا شىء غير صراخ رعد هاتف بأسى البشر
ومن الظلام تصاعدت آهات قمريّ الغصون
ذهبت بمكمنه الرّياح وعزّه المأوى الحنون
حيران , مرتعش الجناح , مجرح تحت الدجون
رحماك يا ربّ العواصف , حسبنا المطر الهتون
أين الفضاء الحلو , أين الصحو ؟ أين سنا النجوم ؟
من جمّع المطر الكئيب , وبثّ في الليل الغيوم ؟(57/428)
يا ريح رفقا بي ورفقا بالعرائش والكروم
رفقا بقمري المروج فقد أمضّته الهموم
قد كان في قلبي أمان يا رياح فخنتها
قد كان في هذا المساء مفاتن فمحوتها
قد كان في المرج الجميل عرائش أذبلتها
قد كان في ثبج السماء كواكب أطفأتها
وبقيت , في الليل الكئيب , أصيخ للمطر الكئيب
وعلى فمي اللحن الغريب , يصوغه قلبي الغريب
وتلوح لي خلل النوافذ ظلمة الليل الرهيب
عبثا أغذّي موقدي فالآن ينطفىء اللهيب
قد حطّم الإعصار نافذتيّ وانطفأ الضياء
والآن لا أضواء حولي غير إبراق السماء
يا ضجّة الإعصار في الآفاق , يا مطر المساء
الآن ألتمس الرقاد إلى غد فإلى اللقاء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> العودة إلى المعبد
العودة إلى المعبد
رقم القصيدة : 68242
-----------------------------------
معبدي , عادت بي الأحزان فارأف بي
عدت يا ليتك تدري بعض آلامي وما بي
عدت والقلب شريد تائه بين الضباب
يتلوّى في إسار من حنيني واكتآبي
ذهب الأمس بأوهام فؤادي ومحاها
فإذا قلبي عبد ولقد كان إلها
آه فارأف بفتاة حطّم الدهر مناها
وأفاقت ليهدّ الحزن واليأس قواها
معبدي , إفتح لقلبي الباب , قد طال وقوفي
أنا من مات ربيعي في أعاصير الخريف
جئت ألقي بين كفّيك أسى قلبي اللهيف
علني أحظى بظلّ في مجاليك وريف
عدت , يا معبد , للصمت , فلن أشدو بحبّي
لم يعد قلبي يهفو فلقد ودّعت قلبي
حسبي الآن وجومي وكآباتي حسبي
حسب روحي نار إحساسي وأهاتي ورعبي
أسفا , كيف ذوى حبّي ولحني ورجائي ؟
ليتني كنت تناسيت , فلم أرع وفائي
ليت حبّي لم يعلّمني أغاريد السماء
ليته خلّفني في الأرض بين الأشقياء
رحمة , ماذا تراني أفعل الآن بفنّي ؟
هي ذي آلهة الشعر فهل تمسح حزني ؟
هو ذا العود فهل يسعد روحي أن أغنّي ؟
رحمة بي , ما الذي قد أبقت الأحزان منّي ؟
أين أمسي , وهو أحلام وألحان ولهو ؟
أين أيامي غذ قلبي من الأشواق خلو ؟
ما الذي أبقى لي الحبّ ؟ أجسمي , وهو نضو ؟(57/429)
وفؤادي , وهو أوصال ؟ وروحي , وهو شلو ؟
إدفن الأحلام , يا قلبي الخياليّ المحطّم
واستفق من قبل أن ينطفىء الحلم فتندم
ما الذي أغراك بالحبّ ؟ ومن أوحى وألهم؟
عجبا , كيف ترى الشرّ بعينيك وتحلم ؟
إستفق من حلمك الشعريّ وايأس يا كئيب
ذبلت أغنية الحبّ وواراها المغيب
وستبقى, أيّها المحزون , في الشوق تذوب
أبدا ترجو رجوعا لهوى ليس يؤوب
ثم ماذا ؟ أي حلم ترتجي يا ابن السماء
أنت في الأرض , فلا تحلم بلقيا الأوفياء
لا تلم شاعرك الغادر وابسم للشقاء
والتجىء للعود تسعد يا حزين الشعراء
معبدي , إفتح لقلبي الباب , لا تقس عليه
ليجد عندك سلواه لينسى أمليه
يا لمحزون شقيّ مزّق الشوك يديه
ملء دنياه عبوس , فابتسم أنت إليه
عيد الإنسانية
"8/5/1945 يوم الهدنة"
في دمي لحن من الشوق جديد
والمجاليّ حواليّ نشيد
ليلتي هذي ابتسام وسعود
طاف بالأفق فغنّاه الوجود
هي يا قيثارتي لحن سعيد
هي شعر , هي وحي , هي عود
هذه الليلة للعالم عيد
وهي , يا قيثارتي , الحلم الوحيد
أين أوتارك يا عودي الحبيبا
شدّها واصدح ولا تبق كئيبا
لم تعد دنياك جمرا ولهيبا
أنت يا من عشت في الكون غريبا
نغم السلم سرى فاحي طروبا
واملأ الدنيا لحونا وطيوبا
وانس أمسا ملأ الكون خطوبا
آن للأفراح أن تمحو الكروبا
فرحة الهدنة , يا بشرى لفنّي
أأنا أحلم ؟ أم تكذب أذني ؟
أم هي الفرحة قد لاحت لعيني ؟
حلم الصادي ورؤيا المتمنّي
يا إله الشعر نحّ الصمت عّني
آن أن أنسى ضراعاتي وحزني
آن أن أحيي الأماني وأغّني
ومعي قلبي وأشعاري ولحني
أنا من غنّت دموع الأشقياء
وبكت أشعارها للأبرياء
كم صريع قبره ثلج الشتاء
ويتيم مهده شوك العراء
وصبايا كرعت سمّ القضاء
قبل أن ترشف كأسا من هناء
صغت أحزانهم لحن شقاء
هو أحزاني وحبي ووفائي
ولقد صوّرت أحلامي سنينا
وهي ما زالت سرابا . وظنونا
وإذا الرحمة تنجي الحالمينا
بالسلام الحلو , حلم المنشدينا
وصدى الوحي ولحن الشاعرينا(57/430)
لم يعد قلب المقادير ضنينا
فابسمي , شاعرتي , زهوا وفتونا
آه يا شاعرتي , غنّي الأماني
واسمعي , هذا هتاف المهرجان
فالنواقيس , على البعد , أغان
بشّرت بالفجر أحزان المساء
وصدى السلم على كلّ لسان
فاتن النغمة علويّ المعاني
إنها الفرحة , يدري المشرقان
أقبلت تأسو جراح الحدثان
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> السفينة التائهة
السفينة التائهة
رقم القصيدة : 68243
-----------------------------------
في لجّة البحر الرهيب سفينة تحت السماء
ألقت بها الأقدار في لجج المنايا والشقاء
الريح تصرخ حولها وتضجّ في ظلم الفضاء
والموج يضربها ويلقيها على شفة الفناء
سارت ولا رّبان يهديها إلى الشطّ السحيق
حيرى يخادعها الظلام فلا شعاع ولا بريق
من فوقها هول الرعود وتحتها اللجّ العميق
سارت وما تدري إلى أين المصير وما الطريق
الريح مزّقت الشراع فأين يضرب زورقي ؟
والموج أطفأ ضوء مصباحي فماذا قد بقي ؟
وغدا سينسكب الدجى في جفني المغرورق
وتسير أمواج البحور على شبابي المغرق
لا شيء يمسح أدمعي , لا حلم تلمحه عيوني
لا شاطىء ترنو إليه سفينتي , تحت الدجون
كتبت لي الأقدار أن أمشي على شوك السنين
جسما تعذّبه كآبة خافق جم الحنين
رحماك يا أيدي الكآبة ما الذي قد كان منّي ؟
ماذا جنيت لتعصري قلبي وأحلامي ولحني ؟
أبدا تمدّين الجناح على خيالاتي وفنّي
وتلوّنين مشاعري بسواد آهاتي وحزني
ويروح يصرخ تحت عبئك قلبي المتمرّد
قلبي الذي ذاق الوجود به وعذّبه الغد
قلبي الكئيب المستطار الشاعر المتنّهد
يحيا على ظمأ الحياة فأين أين المورد ؟
كم شاعر عبد الحياة وعاش يشدو بالجمال
أبدا يغرّد للطبيعة والكآبة والخيال
حتى إذا طلع الصباح على الصحاري والتلال
عثر الضياء على فتى مسجى على كثب الرمال
نّمت عليه كآبة , لم يمحها الموت الرهيب
ووشت به عينان ران عليهما اليأس المذيب
وإلى يمين رفاته قيثاره الساجي الكئيب
حفظ الوفاء لمن خبت ألحانه وذوى اللهيب(57/431)
يا ليل ,ما نفع الأسى ؟ يا بحر , ما معنى الدموع ؟
ألنوء يصخب داويا , والموج يهزا بالقلوع
أنّى تسير سفينتي الحيرى إذن ؟ أنّى الرجوع ؟
فلتمض للمجهول , ذلك وحده ما نستطيع
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الخيال والواقع
الخيال والواقع
رقم القصيدة : 68244
-----------------------------------
رحمة , لا تنزليني من سمائي
واتركيني في خيال الشعراء
أتركيني , لا تعيدي لي الظنونا
ودعيني أملأ الدنيا لحونا
وأصغ عمري جمالا وفتونا
أبدا أصدح حبّا وحنينا
لحبيبي وأنا تحت سمائي
وخيالي , من خيال الشعراء
اتركييني , أنا قد نحت طويلا
ودعيني أبصر الكون جميلا
شبع القلب دموعا وذهولا
فدعيه يقطع العمر جهولا
ويعش , مثلي في ظلّ السماء
ويشاركني خيال الشعراء
رحمة بي , رحمة , لا تحزنيني
ودعيني في خيالاتي , دعيني.
قصّة الإثم وأنباء المجون
لا تقصّيها على قلبي الحزين
ودعيه , في تعاليل السماء
ممعنا في نشوات الشعراء
أن يكن قلبي ظمآن وفيّا
لا يرى في شاعري إلا نبيّا
أو يكن يكتم حّبا شاعريّا
فهو ما زال بأوهامي يحيا
أبدا يرسم أحلام السماء
ويغني أغنيات الشعراء
قد سئمت الواقع المرّ المملا
ولقد عدت خيالا مضمحلا
فاتركيني بخيالي أتسلى ,
آه كاد اليأس يعروني , لولا
أنّني لذت بأحلام السماء
وتخّيرت خيال الشعراء
صوّري ما شئت لي الأمس وسحره
يوم كان الحبّ في كفّي زهرة
إرسمي للقلب أحلام المسرّه
ودعيني أذق الأفراح مرّه
عّلني أهبط من برج السماء
ويجافيني اكتىب الشعراء
لا تثيري ألمي , حسبك أنّي
لم أزل في معبد الحبّ أغنّي
لم يزل حلمي رؤيا متمن
كل يوم يهدم اليأس وأبني
ولقد شيّدت لي برج السماء
وخيالاتي ووهم الشعراء
لم يكن حبّي سوى حلم غريب
مده الوهم على قلبي الكئيب
أسفا , لم يبق لي غير شحوبي
واغاريدي آلت للغروب
لم يعد لي غير أحلام السماء
وخيالاتي ووهم الشعراء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> شجرة الذكرى
شجرة الذكرى(57/432)
رقم القصيدة : 68245
-----------------------------------
مررت بها في المساء الدجيّ
فألقيت رحلي في ظلّها
وحدّقت في خضر أوراقها,
وروحي الكئيبة في ليلها
فهاجت لقلبي دجى الذكريات
وأترعت لحني من ويلها
وصّيرت متّكأي ساقها
وطافت شجوني من حولها
تذكرت , والقلب في حزنه
وقوفي , في ظلّها الساحر
كأن لم تمرّ الليالي الطوال
على أمسي المبعد الدابر
وقفت أكفكف دمعي السخين
وأصرخ من ألمي الآسر
أقص على ظلّها قصّتي
وقصة شاعري الغادر
قصصت عليها الحديث الكئيب
وفي يدي الشوكة القاطعه
أمر بها , والأسى غالبي ,
على ساقها البرّة الوادعه
فيا ليدي جرحت ساقها
وجدت أزاهيرها اللامعه
كأني بذاك جرحت الحياة
وعاقبت أقدارها الخادعه
ومرّت عليّ السنين الطوال
وطالعني يومي الخالد
فأبصرت فيه أساي البعيد
يحس به قلبي الواجد
فقلت لقلبي : هيا نطف
بها , وليثر حزنك الهامد
سنسألها اليوم عن جرحها
ألم يشفه الزمن الآبد
وعدت إليها , كأن لم تمرّ
عليّ السنين وأقدارها
فؤادي ما زال مستأسرا
وروحي ما أطفئت نارها
يفيئّني ظلّها من جديد
وتحنو على القلب أزهارها
فيا نبلها , صفحت عن يدي
وما زال عند يدي ثارها
ودرت أسائل عن جرحها
أما دملته أكفّ القدر ؟
فلم أر إلاّ اخضرار الحياة
فليس عليها لجرح أثر
وأما جراح فؤادي الحزين
فما زلن يشكون طول الصدر
فيا عجبا للزمان المسيء
متى عن إساءته يعتذر ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> على وقع المطر
على وقع المطر
رقم القصيدة : 68246
-----------------------------------
أمطري , لا ترحمي طيفي في عمق الظلام
أمطري صبّي عليّ السيل , يا روح الغمام
لا تبالي أن تعيديني على الأرض حطام
وأحيليني , إذا شئت , جليدا أو رخام
اتركي ريح المساء الممطر الداجي تجنّ
ودعي الأطيار , تحت المطر القاسي , تئنّ
أغرقي الأشجار بالماء ولا يحزنك غصن
زمجري , دوّي , فلن أشكو , لن يأتيك لحن
أمطري فوقي , كما شئت , على وجهي الحزين(57/433)
لا تبالي جسدي الراعش , في كفّ الدجون
أمطري , سيلي على وجهي , أو غشّي عيوني
بللي ما شئت كّفيّ وشعري وجبيني
أغرقي , في ظلمة الليل , القبور الباليه
وألطمي , ما شئت أبواب القصر العاليه
أمطري , في الجبل النائي , وفوق الهاويه
أطفئي النيران , لا تبقي لحيّ باقيه
آه ما أرهبك الان , وقد ساد السكون
غير صوت الرّيح , في الأعماق , تدوي في جنون
لم تزل تهمي , من الأمطار , في الأرض , عيون
لم يزل قلبي حزينا , تحت أمواج الدجون
أيّها الأمطار , قد ناداك قلبي البشريّ
ذلك المغرق في الأشواق , ذاك الشاعريّ
إغسليه , أم ترى الحزن حماه الأبديّ
إنه , مثلك يا أمطار , دفّاق نقيّ
ابدا يسمع , تحت الليل , وقع القطرات
ساهما يحلم بالماضي وألغاز الممات
يسأل الأمطار : ما أنت ؟ وما سرّ الحياة ؟
وأنا , فيم وجودي ؟ فيم دمعي وشكاتي ؟
أيها الأمطار ما ماضيك ؟ من أين نبعت ؟
أابنة البحر أم السحب أم الأجواء أنت ؟
أم ترى أدمع الموتى الحزانى قد عصرت ؟
أم دموعي أنت يا أمطار في شدوي وصمتي ؟
ما أنا ؟ ما أنت يا أمطار ؟ ما ذاك الخضمّ ؟
أهو الواقع ما أسمع ؟ أم صوتك حلم ؟
أيّ شيء حولنا ؟ ليل وإعصار وغيم
ورعود وبروق وفضاء مدلهمّ
أسفا لست سوى حلم على الأرض قصير
تدفن الأحزان أيّامي ويلهو بي شعوري
لست إلا ذرة في لجّة الدهر المغير
وغدا يجرفني التيّار , والصمت مصيري
وغدا تدفعني الأرض سحابا للفضاء
ويذيب المطر الدفّاق دمعي ودمائي
ما أنا إلا بقايا مطر ,ملء السماء
ترجع الريح إلى الأرض به , ذات مساء
أمطري , دوّي , اغلبي ضجّة أحزاني ويأسي
أغرقيني , فلقد أغرقت في الآلام نفسي
إملأي كأسي أمطارا فقد أفرغت كأسي
واحجبي عني دجى أمسي فقد أبغضت أمسي
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> جزيرة الوحي
جزيرة الوحي
رقم القصيدة : 68247
-----------------------------------
خذني إلى العالم البعيد
يا زورق السحر والخلود
وسر بقلبي إلى ضفاف(57/434)
توحي إلى القلب بالقصيد
جزيرة الوحي , من بعيد ,
تلوح كالمأمل البعيد
الرمل في شطّها نديّ
يرشف من دجلة البرود
والقمر الحلو , في سماها,
أمنيّة الشاعر الوحيد
فلتسر يا زورقي بروحي
قد آن أن يستفيق عودي
وآن للشعر أن يغنّي
بالحلم الضاحك الشرود
حلمي , وقد صغته نشيدا
يهشّ , من سحره , وجودي
شاعرتي , حدّقي , فهذي
جزيرة الشعر والنشيد
لاحت , على البعد , ضفّتاها
أمنّية العالم الجديد
إن لهت المقلتان عنها
صاحت بها الأمنيات : عودي
فلتبسمي , يا ابنة الأغاني
للشاطىء الساحر المديد
ولتوقفي الزورق المعنّى
تحت شعاع السنا البديد
العود والشعر والأماني ,
شاعرتي , فاصدحي وزيدي
قد ضحك العمر واستنامت
عواصف اليأس والنكود
وانقلب اليأس بشريات
وامنيات , فأيّ عيد !
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ذات مساء
ذات مساء
رقم القصيدة : 68248
-----------------------------------
ثورة من ألم , من ذكريات
خلف نفسي , ملء إحساسي العنيف
وجموح في دمي , في خلجاتي
في ابتساماتي , في قلبي اللهيف
إن أكن أبسم كالطفل السعيد
فابتساماتي وهم وخداع
إن أكن هادئة , بين الورود
ففؤادي في جنون وصراع
أيّ ماساة تراها مقلتايا !
أيّ حزن عاصر في نظراتي
جمدت فوق شقائي شفتايا
وانحنت كفّاي تحت الرعشات
لا تسلني عن خيالاتي ولحني
فالدجى الآن بغيض في عيوني
أين ألقي بصري الباكي وحزني
إن أنا حوّلت عن كفّي عيوني
أين أرنو ؟ كلّما حوّلت عيني
طالعتني صورة الوجه اللهيف
ذلك الوجه الذي الهب فنّي
بمعاني الشعر والحبّ العنيف
أيّها الغادر , لا تنظر إليّا
قد سئمت الأمل المرّ الكذوبا
حسب أقداري ما تجني عليّا
وكفى عمري حزنا ولهيبا
فيم أبقى الآن حيرى في مكاني ؟
آه لو أرجع , لو أنسى شقائي
أدفن الأحزان في صدر الأغاني
وأناجي بالأسى صمت المساء
ليتنا لا نلتقي , ليت شقائي
ظل نارا , ظلّ شوقا وسهاد
يا دموعي , أيّ معنى لّلقاء
إن ذوى الحبّ وأبلاه البعاد(57/435)
أيّها الأقدار , ما تبغين منّا ؟
فيم قد جئت بنا هذا المكانا ؟
آه لو لم نك يا أقدار جئنا
ها هنا , لو لم تقدنا قد مانا
ما الذي أبقيت في قلبي الجريح
ليس إلا الألم المرّ الشديدا
لم يعد في جسمي الذاوي وروحي
موضع يحتمل الجرح الجديدا
أكذا تنطفىء الذكرى ؟ ويفنى
حبنا ؟ والأمل الشعريّ يخبو
أكذا تذبل آمالي حزنا
وهي أشعار وأنغام وحبّ ؟
خدّر الحزن حياتي وطواها
لم تعد تعنيني الآن الحياة
أبدا ينطق باليأس دجاها
وتغنّي في فضاها العاصفات
لم يعد من حلمي غير ظلال
من أسى مرّ على وجهي المرير
آه لا كان بكائي وخيالي
أيّها الليل , ولا كان شعوري
والتقينا , لا فؤاد يتغنّى
لا ابتسام رسمته الشفتان
لم يعد إحساسنا شعرا وفنّا
ليتنا ضعنا ومات الخافقان
لم يعد في نفسي الولهى مكان
لأسى أو فرحة أو ذكريات
أيّ معنى للمنى ؟ فات الأوان
وذوت عيناي , تحت العبرات
والتقينا في الدجى , كالغرباء
تحت جنح الصمت يطوينا الوجوم
كل شيء ضاحك تحت السماء
وأنا وحدي تذويني الهموم
هكذا يا ليل صوّرت شقائي
في نشيد من كآباتي وحزني
قصّة قد وقعت ذات مساء
وحوت روحي واحزاني ولحني
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> التماثيل
التماثيل
رقم القصيدة : 68249
-----------------------------------
"هدية إلى قائمة الأسماء الغامضة المنطفئة التي جاءت في سفر التكوين من كتاب العهد القديم"
- - -
لم تعد هذه الصحائف توحي
لي بغير الحزن العميق المذيب
فهي صوت الآن يحمله الما
ضي إلى قلبي الشجي المشبوب
فيدوّي في عمق نفسي صوت ال
عدم المرّ والفناء الكئيب
***
كيف مرت أيّامهم ليت شعري ؟
أترى أدركوا السعادة فيها ؟
أم ترى لم يكن لهم من جناها
غير كأس من سمّها رشفوها ؟
وطووا لجّة الحياة سراعا
ثم ألقوا أعباءها ونسوها
***
أسلموا للتراب والموت والظل
مة تلك القلوب دون رجاء
آه يا موت يا مقادر يا تا
ريخ رفقا بأنفس الأحياء
***
ليت كفّ النسيان قد محت الأس(57/436)
ماء من قبل ليتها لم تصنها
ليتها لم تدع على صفحات ال
كتب ظلاّ منها يحدّث عنها
تركتها سخريّة في فم الده
ر وهزءا من الحياة ومنها
***
أيّهذي الأسماء يا من تبقي
ت تماثيل ليس فيها حياة
أنت يا من بالأمس كنت شعورا
وقلوبا تشوقها النغمات
كلّ لفظ وراء أحرفه مع
نى حياة أتى عليها الممات
كل لفظ قلب مشى تحت ضوء ال
شمس يوما وملؤه الرغبات
واستحالت تلك القلوب رمادا
واستحالت أعمارها ألحانا
كلّ حيّ مشى به الأهل والأص
حاب للقبر يائسين حزانى
وتصدى للذكريات الحزينا
ت فتى شاعر يذوب حنانا
فشداها أغنيّة ظنّها تب
قي حياة الموتى وتعدو الزمانا
***
أين ألحانهم ؟ وأين أماني
عمرهم ؟ أو حقولهم وقراهم ؟
أين ما حدّثوا به الليل والفج
ر ؟ وأين ابتهاجهم وأساهم؟
أسفا شاعري ! لقد باد موتا
ك وأبقيت في الورى ذكراهم
***
ما تفيد الذكرى وقد خبت الأل
حان واستسلمت لأيدي السكون
لست أدري ماذا حوى كلّ لفظ
من معان غابت وراء السنين
لست أدري إلا أساي وحزني
لضحايا الماضي وصرعى المنون
***
وأنا يا حياة ماذا سألقى ؟ هل
سأغدو لفظا جفته المعاني؟
هل ستطويني الليالي وتلقي
فوق عمري دياجير النسيان ؟
ثم أغدو بين التماثيل تمثا
لا ؟ وأمحي من الوجود الفاني ؟
آه لا لا أريد فلترحم الأيّا
م دمعي وشقوتي واكتآبي
وليكن من لحني الحزين صدى با
ق بسمع السنين والأحقاب
رحمة لا تكن دموعي الدفوقا
ت رثاء مبكرا لشبابي
وليسجل على ضريحي ما يب
قي شبابي وإن أكن في التراب
هكذا ينتهي شعوري بحرما
ني وأنسى مأساة عمري الضائع
وأعزّى بأنّ في الكون من قل
بي بقايا من الأسى والمدامع
ويقولون : ذلك اسم فتاة
طالما غنت النجوم اللوامع
فسلام على أساها وذكرا
ها سلام على صباها الضائع
ثم أغدو بين التماثيل تمثا
لا ؟ وأمحي من الوجود الفاني ؟
آه لا لا أريد فلترحم الأيّا
م دمعي وشقوتي واكتآبي
وليكن من لحني الحزين صدى با
ق بسمع السنين والأحقاب
رحمة لا تكن دموعي الدفوقا(57/437)
ت رثاء مبكرا لشبابي
وليسجل على ضريحي ما يب
قي شبابي وإن أكن في التراب
***
هكذا ينتهي شعوري بحرما
ني وأنسى مأساة عمري الضائع
وأعزّى بأنّ في الكون من قل
بي بقايا من الأسى والمدامع
ويقولون : ذلك اسم فتاة
طالما غنت النجوم اللوامع
فسلام على أساها وذكرا
ها سلام على صباها الضائع
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> خواطر مسائية
خواطر مسائية
رقم القصيدة : 68250
-----------------------------------
إذا زحف الليل فوق السهوب
ومرّت على الأفق كفّ الغيوم
ولم يبق غير السكون الرهيب
ونام الدجى تحت جنح الوجوم
ولم يبق إلا نواح اليمام
وهمس السواقي وأنّاتها
ووقع خطى عابر في الظلام
تمرّ وتخفت أصواتها
جلست أناجي سكون المساء
وأرمق لون الظلام الحزين
وارسل أغنيتي في الفضاء
وأبكي على كلّ قلب غبين
أصيخ إلى همسات اليمام
وأسمع في الليل وقع المطر
وأّنات قمريّة في الظلام
تغنّي على البعد بين الشجر
وآهات طاحونة , من بعيد
تنوح المساء وتشكو الكلال
تمرّ على مسمعي بالنشيد
وتفتا تصدح خلف التلال
أصيخ ولا صوت غير الأنين
وأرنو ولا لون غير الدجى
غيوم وصمت وليل حزين
فلا عجب أن أحسّ الشجا
رأيت الحياة كهذا المساء
ظلام ووحشة جوّ كئيب
ويحلم أبناؤها بالضياء
وهم تحت ليل عميق رهيب
طبيعتها أبدا باكية
فصمت الدجى وأنين الرياح
وتنهيدة النسم السارية
ودمع الندى في عيون الصباح
وابصرت عند ضفاف الشقاء
جموع الحزانى وركب الجياع
تشردهم صرخات القضاء
وما أرسلوا همسات الوداع
وأصغيت لكن سمعت النشيج
يدوّي صداه على مسمعي
وراء القصور وفوق المروج
فمن يا ترى يتغنّى معي؟
سأحمل قيثارتي في غد
وأبكي على شجن العالم
وأرثي لطالعه الأنكد
على مسمع الزمن الظالم
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مدينة الحب
مدينة الحب
رقم القصيدة : 68251
-----------------------------------
في عمق صحراء الحياة,هناك فوق لظى الرمال(57/438)
حيث الرياح الداويات,مدينة بين التلال
في قلبها نهر تحيط به المفاوز والصخور
وشواطىء لا ظلّ فيها,لا خمائل,لا عطور
الماء يبدو وادعا ووراءه الألم العميق
أمواجه السمّ الزعاف وإن بدا حلو البريق
كم زورق خدعته جنيّاته ورسومه
كم حالم أودت به أمواجه وسمومه
والشاطىء الثاني يلوّح بالجمال وبالفتون
حتى إذا قاربته أبصرت إعصار المنون
لا شىء غير الشوك والأشلاء فوق صخوره
لا صوت يسمع غير ضجّة دوده ونسوره
الليل فيه مخاوف ووساوس لا تخمد
أبدا يزلزله صراخ غامض وتنّهد
يا طارق الباب المروّع عد ولا تهبط هنا
هذا الجمال سيستحيل دما وماء آسنا
هذي الشواطىء , كلّ ما فيها أسى وتحسّر
فحذار منها فالسموم معدّة والخنجر
عيناك لا تسكب بريقهما في ظلماتها
وصباك لا تدفن مناه في شقاء حياتها
وفؤادك الخفّاق صنه من قذى آثامها
ماذا رأيت من الحياة لتحتمي بظلامها؟
عد , عد إلى لهب الصحاري وانج من حمم المدينه
لا تلق قلبك في اللظى وأصخ لشاعرة حزينه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أشواق وأحزان
أشواق وأحزان
رقم القصيدة : 68252
-----------------------------------
أين منّي حرارة الأمس والحا
ضر يمشي بين الأسى والخمود؟
أسفا للماضي الإلهيّ هل ما
تت أغانيه في فؤادي الوحيد؟
آه يا شاعري لماذا تهاوي
ت بعيدا وراء أمسي البعيد؟
وأنا لم أزل صلاة لعيني
ك وإعصار لهفة وشرود
***
آه هل غاب عن ظلام حياتي
كلّ ما كان لهفة وفتونا ؟
كيف ضاع الحبّ الإلهيّ يا طا
ئري الحرّ فانفجرت ظنونا ؟
وأنا لم أزل فؤادا على الشو
ق يداري غرامه المدفونا
ليتني كنت بحت يا حلم الرو
ح وأعلنت حبّي المكنونا
***
كيف مرّت أيّامنا كيف مرت
بين فكّ الأشواق والأحزان ؟
ملء قلبي وقلبك الحبّ والشّو
ق ولكن نلوذ بالكتمان
كّلما حدّثتك عيناي بالحب
أعاقب عينيّ بالحرمان
كيف يا شاعري كتمنا ولم يع
ص كيوبيد قبلنا عاشقان ؟
***
كيف ضاعت عواطفي ؟ كيف أنسوا
ك غرامي وحيرتي ووفائي؟(57/439)
ملأوا قلبك النبيل أباطي
ل وصاغوا كواذب الأنباء
وقضيت الأيّام أذرف إحسا
سي دموعا وأستلذّ شقائي
لا لقاء غير الظنون ولا فر
حة غير الخيال والأصداء
***
أنت أنت الذي احتفظت بذكرا
ه فلم ينسها فؤادي الوفيّ
كيف غابت عن ذكرياتك أحلا
مي وشوقي وحبّي الروحيّ
شهد العود كيف علّمته حب
ك مثلي فهو المحبّ الشقيّ
شهد المعبد الكئيب لحبي
أن حبي مخلّد أبديّ
***
يا نشيدي متى ستأتيك الحا
ني فتصغي إلى هتافات حبّي؟
فيم أقضي الأيّام أكتم أشوا
قي وقد ضاق بالعواطف قلبي
ابدا نلتقي فأعرض حيرى
ولقلبي الكئيب أشواق صبّ
إنّها الكبرياء تمتلك الرو
ح فيبدو المحبّ غير محبّ
***
ضاع عمري الحزين في معبد الحز
ن وأذوته لهفتي وشكاتي
لم يزل حّبي العميق عميقا
لم تزده السنين غير ثبات
لم أزل تضحك النجوم وتبكي
وتغني على صدى آهاتي
لم أزل في الحياة ورقاءك الحي
رى وما زلت أنت حلم حياتي
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> في وادي الحياة
في وادي الحياة
رقم القصيدة : 68253
-----------------------------------
عد بي يا زورقي الكليلا
فلن نرى الشاطىء الجميلا
عد بي إلى معبدي فإنّي
سئمت يا زورقي الرحيلا
وضقت بالموج أيّ ضيق
وما شفى البحر لي غليلا
إلام يا زورقي المعنّى
نرجو إلى الشاطىء الوصولا؟
والموج من حولنا جبال
سدت على خطونا السبيلا
والأفق من حولنا غيوم
لا نجم فيه لنا دليلا
كم زورق قبلنا تولّى
ولم يزل سادرا جهولا
فعد إلى معبدي بقلبي
وحسب أيامنا ذهولا
وارجع ,كما جئت,غير دار
قد حلك الجوّ بالسحاب
وملّ مجدافك المعنّى
تقلّب الموج والعباب
ولم يزل معبدي بعيدا
خلف الدياجير والضباب
يشوقني الصمت في حماه
وفتنة الأيك والروابي
عد بي يا زورقي إليه
قد حان , يا زورقي, إيابي
ما كفكف البحر من دموعي
ولا جلا عني اكتآبي
ففيم في موجه اضطرابي؟
وأين ,يا زورقي,رغابي؟
تائهة,والحياة بحر
شاطئه مبعد سحيق
يا زورقي آه لو رجعنا
من قبل أن يخبو البريق(57/440)
انظر حواليك ,أيّ نوء
تجمد من هوله العروق
البحر , يا زورقي جنون
وموجه ثائر دفوق
وكلّ يوم له صريع
في هجعة الموت لا يفيق
وأنت في الموج والدياجي
يا زورقي في غد غريق
فعد إلى الأمس,عد إليه
قد شاقني أمسي الوريق
ماذا وراء الحياة؟ماذا؟
ايّ غموض؟وأيّ سرّ؟
وفيم جئنا؟وكيف نمضي؟
يا زورقي,بل,لأيّ بحر؟
يدفعك الموج كلّ يوم
أين ترى آخر المقرّ؟
يا زورقي طال بي ذهولي
وأغرق الوهم جوّ عمري
أسري كما ترسم المقادير
لي إلى حيث لست أدري
شريدة في دجى حياتي
سادرة في غموض دهري
فخافق شاعر , وروح
قال لها الدهر لا تقرّي
وناطها بالذرى تغنّي
وتنظم الكون بيت شعر
فخافق شاعر , وروح
قال لها الدهر لا تقرّي
وناطها بالذرى تغنّي
وتنظم الكون بيت شعر
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الغروب
الغروب
رقم القصيدة : 68254
-----------------------------------
هبط الليل وما زال مكاني
عند شطّ النهر , في الصمت العميق
شردت روحي,وغابت عن عياني
صور الحاضر والماضي السحيق
وامحي في خاطري ذكر الزمان
وتلاشت ذكر الدهر المحيق
ليس إلا الحزن يمشي في كياني
وأنا في ظلمة الليل الصديق
غرق الضوء وراء الأفق
وخلا العالم من لون الضياء
ليس إلا رمق من الشفق
حائل قد كان يمحوه الفناء
وأنا تمثال حزن محرق
وشقاء مطبق فوق شقاء
أرمق الأفق بطرف مغرق
تائه يطوى دياجير الفضاء
أيّ معنى هاج في نفسي الغروب؟
أجفلت في جسدي منه الحياة
وسرى في مسمعي همس غريب
كلّه هول ورعب وشكاة
واعتراني خاطر مشج رهيب
وتجلّى لخيالاتي الممات
ها أنا وحدي تناجيني غمومي
وكآباتي وأشباح الفناء
كلّ ما حولي مثير للوجوم
مصرع الشمس وأحزان المساء
عبثا أطرد عن نفسي همومي
عبثا أرجو شعاعا من رجاء
غرقت أحلام قلبي في الغيوم
وتلاشت مثل أحلام الضياء
أقفر العالم حولي لا نشيد
من صبي أو هتاف أو حفيف
أنا والأمواج واليأس الشديد
وانحدار الشطّ والظلّ الوريف
وحواليّ ظلام وركود(57/441)
ألقيا الحزن على حسّي الرهيف
من بعيد أبصر الراعي الحزين
يرجع الأغنام في صمت الغروب
مطرقا أتعبه ركب السنين
فقضاها في نحول وشحوب
هو والأغنام حزن وسكون
وخطى في مسمع الليل الرهيب
وأنا أرمقهم غرقى الجفون
تحت أحلام شبابي وكروبي
وبعيدا في الفضاء المدلهمّ
خفقة من جنح طير عابر
فاجأته ظلمة الليل الملمّ
وجبال من سحاب ماطر
فسرى بين دياجير وغيم
كخيال في فؤاد الشاعر
لحظة , ثم تواى في الخضمّ
بين أمواج الظلام الغامر
آه ما أرهبه الآن سكونا
لا أعي فيه سوى دّقات قلبي
صمت الكون ونام المتعبونا
وهو ما زال صدى حزن وحبّ
نظراتي لم تزل حلما حزينا
وخيالات مسائي لم تعد بي
طفقت تصعد بي أفق السنينا
وترود الكون من شرق لغرب
ونباح الكلب في الحقل البعيد
رفّ في سمعي ضئيلا مجهدا
موحشا في ظلمة الليل الوليد
غامض الوقع , غريبا كالصدى
ذا فؤاد مرهف الحسّ شريد
دفن الأمس ولم يرج الغدا
ومياه النهر تجري في شحوب
تحت أكداس الغيوم الجاثمات
وصدى طاحونة القمح الغريب
يكئب النفس بأشجى النغمات
هكذا مرّ على روحي الغريب
غامض الظلّ حزين الخطوات
فوداعا أيّها الجرف الكئيب
ووداعا يا غمار الظلمات
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> عودة الغريب
عودة الغريب
رقم القصيدة : 68255
-----------------------------------
قلبي الذابل الحزين الذي ما
ت وذابت أفراحه ومناه
قلبي الشارد المعذّب بالأح
لام ما بين دمعه وأساه
ماله الآن خافقا بندى الحب
يغنّي تحت النجوم هواه
ويصوغ المنى ويرجع للشا
طىء جذلان مرسلا نجواه
***
في غمار الماضي دفنت دموعي
وتبسّمت للغد الممراح
ظمأي لم يعد يعذّب روحي
وشرودي تحت الدجى والرّياح
ذهب البحر لم يعد ماؤه المل
ح يدوّي على مسيل جراحي
ها أنا عند منبع شاعريّ ال
سماء صاف هامت به أقداحي
***
ها أنا الآن زورق حالم المج
داف يرسو على رمال الضفاف
قلبي الشاعري ملاّحه البا
سم يشدو سرّ الوجود الخافي
شدّ ما عذّبت أغانيه الغر(57/442)
بة واشتاق فتنة الصفصاف
أبدا في عرض المياه ينادي ال
بحر يا بحر طال فيك طوافي
***
أيّها الطائف الغريب لقد عد
ت وهذي مفاتن الآجام
هي ذي الضّفة الحبيبة يا ملا
ح هذي شواهق الآكام
إنها جّنة الحياة تلاقت
عندها الذكريات بالأحلام
فاهبط الآن وانس أشباحك السّو
د وذكرى الماضي الحزين الدامي
***
يا غريب الأحلام إمسح بقايا الأ
مس والذكريات والأحزان
أصبح الأمس صرخة في حمى الما
ضي طوتها ستائر النسيان
كا أحزانه العميقات عادت
لفظة ضمّها سكون الزمان
أطفأتها الأيام فهي ظلام
ولهيب خاب وطيف فان
***
لا تثره دعه ينم أبد الده
ر وعش أنت ضاحك الأهواء
أيّها المّيت الذي نبضت في
ه معاني الحياة بعد الفناء
أيّها الظاميء الذي أبصر النب
ع قريبا بعد الصدى والشقاء
إملأ الكأس آن للظمأ المح
رق أن يرتوي بشهد الرجاء
***
ذلك المارد الحقير ثوى في
ظلمات الأمس البعيد وغارا
لن تراه الأمواج في البحر بعد الآ
ن لن يملأ النجوم احتقارا
لن يحيل الأحلام فيك دموعا ويعيد االأنغام هولا ونارا
إنه الآن مغرق في حمى المو
ج فلا تخشحقده الجبارا
***
والحياة التي تلّقتك بالزه
ر ترنّم بها تلالا وعشبا
هب لها يا ملاحقلبا من النو
روروحا كالشعر والحبّ عذبا
هب لها ما ملكت شوقا وأشعا
را وعش للجمال روحا وقلبا
صغ لها البحر كّله في نشيد
أرضعته النجوم ضوءا وحبا
***
عاد ذاك الغريب يا معبد الحبّ
فمد الجناح فوق أساه
إن يكن ضلّ قلبه أمس في البح
ر فقد كفّرت دموع صباه
علّمته عواصف الليل حبّ ال
فجر فلتلمح السّنا عيناه
ولتضع في الماضي البعيد المجاذي
ف وتلك الرياح والأمواه
***
أنسه حبّه الذي مات وامنح
قلبه الشاعري حلما جديدا
حسبه ما أشقيته أمس بالذك
رى فهبه الحياة ظلاّ رغيدا
بمعانيك قرّب النجم والسّح
ب لعينيه والصّبا والخلودا
يا شباب الحياة يا فرحة الدن
يا ويا باب نبلها المفقودا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> سياط وأصداء
سياط وأصداء(57/443)
رقم القصيدة : 68256
-----------------------------------
"كان على أرض الشارع المبللة جسد حصان , وكانت السياط ترتفع ثم تهوي فلا تسقط إلا على جرح"
- - -
ما زلت أذكر كلّ شىء من صباحي الضائع
الراقد الدامي المجرّح فوق أرض الشارع
وصدى السياط المرهقات على الجبين الضارع
يا ثورة الإحساس في نفسي علام تمزقّي
ألمي على الجسد الممزّق بعض ضعفي الأحمق
وغدا سأدفن ما تبقّى من حناني المرهق
يا ليتني عمياء لا أدري بما تجني الشرور
صّماء لا أصغي إلى وقع السياط على الظهور
يا ليت قلبي كان صخرا لا يعذّبه الشعور
يا ليتني , ماذا تفيدك , يا حياتي , ليتني؟
أحلامك النضرات باتت في قنوط محزن
لن يسمع القدر المدّمر فاصرخي أو أذعني
يا نار عاطفتي الرقيقة , يا غريبة في البشر
وقع السياط على الظهور أشدّ من وقع القدر
والحسّ في هذا الوجود جريمة لا تغتفر
لن تقتلي الشيطان في الإنسان أو تحيي الملاك
وغدا ستطويك الليالي في دياجير الهلاك
وغدا سيأسرك التراب فلا شعور ولا حراك
ما كان أثقل عبء أحلامي وآلامي وأقسى !
فامشي بنا نحو الفناء لعلّنا ننسى وننسى
وليسدل الستر المقدّس ,حسبنا غّما ويأسا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> نغمات مرتعشة
نغمات مرتعشة
رقم القصيدة : 68257
-----------------------------------
عد , لم يزل قلبي نشيدا حالما
يشدو بحّبك لحنه المفتون
عد فالكآبة أغرقت بظلامها
روحي , فليلي أدمع وشجون
عد , لا تدع نفسي يعذبها الألم
ويعض فيها خافق محزون
عد فالحياة - إذا رجعت - أشعّة
ومشاعر سحرّية وفتون
خطواتك اللاّتي تباعد رجعها
في مسمعي , تحت الظلام الشاحب
كلمتك اللاتي تلاشى وقعها
وخبت بعيدا , في السكون الراعب
بسماتك اللاتي خبت ومضاتها
في مقلتيّ , مع النهار الذاهب
ذابت جميعا , والستائر أسدلت
في مسرح الأمل الجميل الغارب
أرنو ولا شيء يروق لناظري
وأصيخ , أين ملاحني وملاحمي؟
عد , عد إلى روحي الغريب ,فادمعي(57/444)
عصفت بأفراحي وقلبي الساهم
عد يا نشيدي الشاعريّ لمسمعي
ماذا يعوض عن صداك الحالم؟
حبي الإلهيّ النقيّ ظلمته
ووفاء روحي الشاعريّ العابد
قلبي الرقيق أسأت فهم حنينه
ونشيد أحلامي وروح قصائدي
لم أدر ماذا كان , إلا رعشة
في روحي الولهى وقلبي الشارد
وخلا المكان وعدت أسأل وحشتي
عن طيفك الناسي وحبّي الخالد
ما زلت منذ ذهبت حيرى في الدجى
شهد الأسى أّني لزمت مكانيا
وهمي يصوّر لي خطاك ووقعها
فإذا أصخت صحوت من أحلاميا
لا شيء غير الرّيح تعصف في الدجى
لا شيء غير تنّهدي وبكائيا
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إقرأيني
إقرأيني
رقم القصيدة : 68258
-----------------------------------
مدخل 1
إقرئيني.. كلّما فتّشتِ في الصحراء عن قطرة ماءْ
إقرأيني.. كلّما سدّوا على العشّاق أبوابَ الرجاءْ
أنا لا أكتبُ حُزْنَ امرأةٍ واحدةٍ
إنني أكتُبُ تاريخَ النساءْ...
مدخل 2
مدخل 3
ليس عندي في الحبّ .. حبٌّ أخيرُ
في البدء كان البحرُ،
والبرُّ هو استثناءْ
في البدء كان النَهْدُ،
والسَفْحُ هو استثناءْ
في البدءِ كنتِ أنتِ..
ثم كانتِ النساءْ
مدخل 3
كلُّ أُنثى أُحِبُّ .. أوّلُ أُنثى..
ليس عندي في الحبّ .. حبٌّ أخيرُ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ماذا
ماذا
رقم القصيدة : 68259
-----------------------------------
أيُّ انقلابٍ سوف يحدُثُ في حياتي؟
لو أَعشقُ امرأةً تكونُ بمستواكِ.
أيُّ انقلابٍ سوف يحدث - لو أحبُّكِ -
في نظام الكائناتِ..
أيُّ ارتجاجٍ في ضمير الكون..
لو مرَّتْ على رأسي يداكِ...
لو مثلكُ امرأةٌ تكونُ حبيبتي..
عمّرتُ للعشاق ألفَ مدينةٍ
وبسطتُ سلطاني
على كل الممالكِ واللُغاتِ..
لو مثلكِ امرأةٌ.. تكونُ حبيبتي
ماذا سيحدث في الطبيعة من عجائبْ..
ماذا سيحدث للبحار، وللمراكبْ..
ماذا سيحدثُ للكواكبْ؟
ماذا سيحدث للحضارة..
للمدنية ، لو رأتْ عينيكِ ، أو سمعتْ خُطاكِ..
ماذا سيحدث للفتون إذا تشكّل ناهداكِ..(57/445)
ماذا سيحدثُ للثقافة كلّها؟
لو أعشقُ امرأةً تكون بمستواكِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أريدكِ أُنثى..
أريدكِ أُنثى..
رقم القصيدة : 68260
-----------------------------------
1
ولا أدّعي العلمَ في كيمياء النساءْ
ومن أين يأتي رحيقُ الأنوثَهْ
وكيف تصيرُ الظِباءُ ظباءْ
وكيفَ العصافيرُ تُتْقِنُ فنَّ الغناءْ
أريدُكِ أُنثى..
وأعرفُ أنَّ الخيارات ليست كثيرَه
فقد أستطيع اكتشافَ جزيرَهْ
وقد أستطيعُ العثورَ على لؤلؤَهْ
ولكنَّ من ثامن المعجزاتِ، اختراعَ امرأهْ..
2
وأجهلُ كيف يُركَّبُ هذا العَقَارُ الخطيرْ
وكيف الأناملُ تقطُرُ شَهْداً
وأجهلُ أيَّ بلادٍ يبيعونَ فيها الحريرْ
أريدُكِ أُنثى..
بِخطِّكِ هذا الصغيرِ.. الصغيرْ..
ونَهْدِكِ هذا المليءِ .. المضيء.. الجريء..
العزيزِ.. القديرْ..
3
أُريدُكِ أُنثى..
ولا أتدخَّلُ بين النبيذِ وبين الذَهَبْ..
ولستُ أُفَرِّقُ بين بياضِ يَدَيْكِ
ويكفي حضُوركِ كي لا يكونَ المكانْ
ويكفي مجيئُكِ كَيْ لا يجيءَ الزمانْ
وتكفي ابتسامةُ عينيكِ كي يبدأَ المهرجَانْ
فوجهُكِ تأشيرتي لدخول بلاد الحَنَانْ..
4
أُريدُكِ أُنثى
كما جاءَ في كُتُب الشِعْر منذُ أُلوفِ السِنينْ
وما جاءَ في كُتُب العِشْقِ والعاشقينْ
وما جاءَ في كُتُبِ الماءِ.. والوردِ.. والياسمينْ
وصافيةً كمياه الغمامَهْ
ما بَيْنَ نَجْدٍ.. وبين تُهَامَهْ..
5
أُريدُكِ.. مثلَ النساءِ اللواتي
نراهُنَّ في خالداتِ الصُوَرْ
ومثلَ العذارى اللواتي
نراهُنَّ فوق سُقُوف الكنائسِ
يَغْسِلنَ أثداءَهُنَّ بضَوْء القَمَرْ
أُريدُكِ أُنثى .. ليخضرَّ لونُ الشَجَرْ
أُريدُكِ أُنثى.. ولا أدَّعيكِ لِنَفْسي
6
أُريدُكِ أُنثى
لتبقَى الحياةُ على أرضنَا مُمْكِنَهْ..
وتبقى القصائدُ في عصرنا مُمْكِنَهْ..
وتبقى الكواكبُ والأزْمِنَه
وتبقى المراكبُ ، والبحرُ ، والأحرفُ الأبْجديَّهْ
فما دمتِ أُنثى فنحنُ بخيْرٍ
وما دمتِ أُنثى ..(57/446)
فليس هنالك خَوْفٌ على المدنيَّهْ
أُرِيدُكِ أُنثى
وأطواقِكِ المْعدَنِيَّهْ
وشَعْرٍ طَويلٍ وراءك يجري كذيْلِ الحِصَانْ
وحُمْرةِ ثغرٍ خفيفَهْ
ورَشَّةِ عطرٍ خفيفَهْ
ولَمْسَةِ كُحْلٍ خفيفَهْ
ونَهْدٍ أُربّيه مثل الطيور الأليفَهْ
وأمنحُهُ التاجَ والصولجانْ..
8
وهذا رَجَائي الوحيدُ إليْكِ
أُريدُكِ باسْمِ الطُفُولة أُنثى..
وباسْمِ الرُجُولة أُنثى..
وباسْمِ الأُمومة أُنثى..
وباسْمِ جميع المُغَنِّين والشعراءْ
وباسْمِ جميع الصَحَابة والأولياءْ
أُريدُكِ أنثى..
فهلْ تَقبَلينَ الرجاءْ؟
9
أُريدُكِ أُنثى اليَدَينْ
وأُنثى بصوتكِ.. أُنثى بصَمْتِكِ..
أُنثى بطهرِكِ.. أُنثى بمكرِكِ..
أُنثى بمشيتكِ الرائعَهْ
وأُنثى بسُلْطتكِ التاسعَهْ..
وأُنثى أريدكِ، من قِمَّةِ الرأسِ للقَدَمَيْنْ..
فكُوني سألتُكِ كلَّ الأُنوثةِ..
لا امرأةً بَيْنَ .. بَيْنْ..
10
أُريدُكِ أُنثى..
لأنَّ الحضارةَ أُنثى..
لأن القَصيدةَ أُنثى..
وقارورةَ العطر أُنثى..
وبيروتَ تبقى - برغم الجراحات - أُنثى..
فباسْمِ الذين يريدونَ أن يكتُبُوا الشِعْرَ.. كُوني امرأهْ..
وباسمِ الذين يريدونَ أن يصنَعوا الحُبَّ .. كُوني امرأَهْ..
وباسْمِ الذين يريدونَ أن يعرفوا اللهَ .. كُوني امرأَهْ..
أُنثى بطهرِكِ.. أُنثى بمكرِكِ..
أُنثى بمشيتكِ الرائعَهْ
وأُنثى بسُلْطتكِ التاسعَهْ..
وأُنثى أريدكِ، من قِمَّةِ الرأسِ للقَدَمَيْنْ..
فكُوني سألتُكِ كلَّ الأُنوثةِ..
لا امرأةً بَيْنَ .. بَيْنْ..
10
أُريدُكِ أُنثى..
لأنَّ الحضارةَ أُنثى..
لأن القَصيدةَ أُنثى..
وسُنْبُلةَ القمح أُنثى..
وقارورةَ العطر أُنثى..
وباريسَ - بين المدائن- أُنثى..
وبيروتَ تبقى - برغم الجراحات - أُنثى..
فباسْمِ الذين يريدونَ أن يكتُبُوا الشِعْرَ.. كُوني امرأهْ..
وباسمِ الذين يريدونَ أن يصنَعوا الحُبَّ .. كُوني امرأَهْ..
وباسْمِ الذين يريدونَ أن يعرفوا اللهَ .. كُوني امرأَهْ..(57/447)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ربّما..
ربّما..
رقم القصيدة : 68261
-----------------------------------
1
تحدثُ المُعْجِزَةُ الكبرى.. وتَنْشَقُّ السَمَا..
عن فراديسَ عجيبَهْ..
وتصيرين الحبيبَهْ..
وتصيرُ الشمسُ يا سيِّدتي
خاتماً بين يَدَيّْ..
وأرى في حُلُمي وَجْهَ النبيّْ
وأرى الجنَّةَ من نافذتي والأنجُمَا..
رُبَّما..
2
يضربُ الطوفانُ شُطآنَ حياتي
رُبَّما يجتاحني الإعصارُ في يومِ غدٍ
رُبَّما بعدَ غدٍ..
رُبَّما في أشهُرٍ أو سَنَواتِ..
فاعذُريني إِن تَرَيَّثْتُ قليلاً..
فأنا أختارُ في شكلٍ دقيقٍ كَلِماتي..
مُعجَبٌ فيكِ أنا..
غير أنَّ الحبَّ ما بلَّلَ بالدَمْع سريري..
أو رَمَى أزهارَهُ في شُرُفاتي..
3
أنا لم أَعْشَقْكِ حتى الآنَ.. لكن..
سوفَ تأتي ساعةُ الحُبِّ التي لا رَيْبَ فيها..
وسيُهديكِ كنوزاً، قَبْلُ، لم تكتشِفِيها..
ويجيءُ الوردُ في موعدِهِ..
وستنسابُ الينابيعُ، وتَخْضَرُّ الحقُولْ
واتركي الأنهارَ تجري وحدَها..
فمن الصعب على الإنسان تغييرُ الفُصُولْ..
4
رُبَّما كنتِ أرقَّ امرأةٍ..
وُجِدتْ في الكون، أو أحلى عروسْ..
ربّما كنتِ برأي الآخرينْ
قَمَرَ الأقمار، أو شَمْسَ الشموسْ
رُبَّما كنتِ جميلَهْ..
غيرَ أنَّ الحبَّ - مثلَ الشِعْر عندي-
فاعذريني ان تردَّدتُ ببَوْحي..
وتجاهلتُكِ صدراً، وقواماً، وجمالا..
إنَّ حُبِّي لكِ ما زالَ احتمالا..
فاتركي الأمرَ إلى أنْ يأذَنَ اللهُ تَعَالى...
5
إشربي القهوةَ يا سَيِّدتي..
ربّما يأتي الهوى كالمسيح المُنْتَظَرْ..
ليس عندي الآنَ ما أعلنُهُ..
فلقد يأتي.. ولا يأتي الهوى
ولقد يُلْغي مواعيدَ السَفَرْ..
ربّما أكتُبُ شعراً جيّداً..
غير أني لم أُحاولْ أبداً من قَبْلُ إِسْقَاطَ المطَرْ
انّ للحُبِّ قوانينَ فلا..
6
إشْرَبي القهوةَ يا سَيِّدتي..
وابْحَثي في صفحة الأَزْيَاءِ عن ثَوْبٍ جميلٍ..
أو سِوَارٍ مُبتَكَرْ..(57/448)
وابْحَثي في صفحة الأبراج عن عُصْفُورةٍ خضراءَ..
تأتيكِ بمكتوبٍ جديدٍ.. أو خَبَرْ..
إشْرَبي القَهْوَةَ يا سيّدتي..
فالجميلاتُ قضاءٌ وقَدَرْ..
والعيونُ الخُضْرُ والسُودُ..
قضاءٌ وقَدَرٌ..
هل أنا أهواكِ؟. لا شيءَ أكيدْ..
هل أنا مُنْشَطِرُ النَفْس إلى نَفْسَيْنِ.. لا شيءَ أكيدْْ
هل حياتي شَبَّتِ النارُ بها؟
هل ثيابي اشتعلَتْ؟ هل حروفي اشتعلتْ؟
هل دُمُوعي اشتعلتْ؟
هل أنا ضَوْءٌ سَمَاوِيٌّ.. وإنسانٌ جديدْ؟
لا تُسَمِّي ذلك الإعجابَ يا سيِّدتي حُبَّاً..
فان الحُبَّ لا يأتي إذا نحنُ أردناهُ..
ويأتي كغزالٍ شاردٍ حين يُريدْ...
8
فعلى خارطة الأشواق لا أعرفُ في أيِّ مكانٍ سأكونُ..
فلماذا تكثرينَ الأسئلة؟.
ولماذا أنت ، يا سيّدتي ، مُسْتَعْجِلَهْ.؟
أنا لا أنْكِرُ إعجابي بعينيكِ، فإعجابي بعينيكِ قديمْ..
لا ولا أَنكر تاريخي مع العطر الفَرَنْسيِّ الحميمْ
ومع النهد الذي كسَّرَ أبوابَ الحَريمْ.
غير أنّي لم أزلْ أفتقدُ الحبَّ العظيمْ..
آهِ ما أروعَ أن ينسحقَ الإنسانُ في حُبٍّ عظيمْ..
فامنحيني فُرْصةً أُخرى.. فقد
يكتبُ اللهُ عليَّ الحبَّ.. واللهُ كريمْ..
9
ما الذي يحدثُ في يومٍ ولَيْلَهْ..
رُبَّما تنمو أزاهيرُ المانُولْيَا فوق ثغري
رُبّما تأوي ملايينُ الفراشات إلى غاباتِ صدري..
رُبَّما تمنحُني عيناكِ عُمْراً فوقَ عُمْري..
مَنْ سَيَدْرِي؟
ما الذي يحدُثُ للعالم لو أنّي عَشِقْتْ..
هل يجيء الخيرُ والرِزْقُ، ويزدادُ الرخاءْ؟
هل ستزدادُ قناديلُ السماءْ..
هل سيمضي زَمَنُ القُبْح.. ويأتي الشُعَرَاءْ
ثم هل يبدأُ تاريخٌ جديدٌ للنِسَاءْ.؟
مَنْ سَيَدري...؟
10
إشْرَبي قهوتَكِ الآنَ .. ولا تَسْتَعْجليني..
فاعذُريني..
فأنا أجهلُ في أيِّ نهارٍ سوف أعْشَقْ..
ومتى يضربني البَرْقُ، وفي أي بحارٍ سوف أغرقْ
وعلى أي شِفَاهٍ سوف أرسُو..
وعلى أي صليبٍ سَأُعلَّقْ..
آهِ.. لو أعرفُ ما يحدثُ في داخل قلبي..(57/449)
إنَّ أمرَ الحبّ يا سيدتي من علم ربيّ
فاتركي الأمرَ لتقدير السَمَا..
رُبَّما ندخُلُ في مملكة العِشْقِ قريباً..
رُبَّما..
هل ستزدادُ قناديلُ السماءْ..
هل سيمضي زَمَنُ القُبْح.. ويأتي الشُعَرَاءْ
ثم هل يبدأُ تاريخٌ جديدٌ للنِسَاءْ.؟
مَنْ سَيَدري...؟
10
إشْرَبي قهوتَكِ الآنَ .. ولا تَسْتَعْجليني..
فأنا أجهلُ أوقاتَ العصافير، كما أجهلُ وقْتَ الياسمينِ..
فاعذُريني..
إن أنا قصّرتُ في التعبير عمّا يَعْتريني..
فأنا أجهلُ في أيِّ نهارٍ سوف أعْشَقْ..
ومتى يضربني البَرْقُ، وفي أي بحارٍ سوف أغرقْ
وعلى أي شِفَاهٍ سوف أرسُو..
وعلى أي صليبٍ سَأُعلَّقْ..
آهِ.. لو أعرفُ ما يحدثُ في داخل قلبي..
إنَّ أمرَ الحبّ يا سيدتي من علم ربيّ
فاتركي الأمرَ لتقدير السَمَا..
رُبَّما ندخُلُ في مملكة العِشْقِ قريباً..
رُبَّما..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> صورة خصوصية جداً من أرشيف السيدة م
صورة خصوصية جداً من أرشيف السيدة م
رقم القصيدة : 68262
-----------------------------------
1
إنّي تَعِبْتُ من التفاصيل الصغيرَهْ..
ومن الخُطُوط المستقيمةِ.. والخطوطِ المستديرَهْ...
وتَعِبْتُ من هذا النفير العسكريِّ
إلى مطَارَحَة الغرامْ
النَهْدُ.. مثلُ القائد العربيِّ يأمُرُني:
تَقَدَّمْ للأمامْ..
والفُلْلُلُ الهنديُّ في الشفتينِ يهتُفُ بي:
تقدَّمْ للأمامْ..
والأحمرُ العِنَبِيُّ فوق أصابع القَدَميْنِ.. يصرخُ بي:
تقدَّمْ للأمامْ..
إنّي رفعتُ الرايَةَ البيضاءِ ، سيّدتي ، بلا قيدٍ ولا شرطٍ،
ومفتاحُ المدينة تحت أمرِكِ..
فادْخُليها في سَلامْ..
جَسَدَي المدينةُ ..
فادخلي من أيِّ بابٍ شئتِ أيَّتُها الأميرَهْ..
وتصرّفي بجميع ما فيها .. ومَنْ فيها..
وخَلِّيني أَنَامْ..
2
كيف أُميِّزُ الألوانَ؟
وتضخّمُ الإحساسَ بالأشياءِ..
3
مايا تُغنّي - وهي تحت الدُوشِ- أغنيةً من اليونان رائعةً..
وتضحكُ دونما سببٍ..
وترضى دونما سببٍ(57/450)
مايا تناديني..
لأُعطيها مناشفَها..
وأُعطيَها خواتمَها الملوَّنةَ المثيرَهْ
وأنّها ما قاربتْ أحداً سوايا...
وأنا أصدّقُ كلَّ ما قالَ النبيذُ..
وكلَّ ما قَالَتْهُ مايا..
4
مايا على (المُوكِيتْ ) حافيةٌ..
وتطلبُ أن أساعدَها على ربط الضفيرَهْ
وأنا أواجهُ ظَهْرَها العاري..
طفلٍ ضائعٍ ما بين آلاف الهدايا..
5
والبحرُ من ذَهَبٍ .. ومن زَغَبٍ..
وحَوْلَ عَمُودِها الفَقَريِّ أكثرُ من جزيرَهْ
من يا تُرى اخترعَ القصيدةَ والنبيذَ وخَصْرَ مايا...
مايا لها إبْطانِ يخترعانِ عِطْرَهُما..
في انحناءات الشُعُورِ..
وأرسو كلَّ ثانيةٍ على أرضٍ جديدَهْ..
مايا تقولُ بأنني الذَكَرُ الوحيدُ..
وإنها الأُنثى الوحيدَهْ..
وأنا أصدّق كلَّ ما قال النبيذُ....
وكلَّ ما قالتهُ مايا...
مايا لها نَهْدَانِ شَيْطَانَانِ هَمُّهُمَا مخالفةُ الوصايا..
وماكرةٌ .. وطاهرةٌ..
وتحلو حين ترتكبُ الخَطَايا...
الحرُّ في تَمُّوزَ يجلدني على ظَهْري..
فكيف يمارسُ الانسان فنَّ الحبّ في عِزِّ الظهيرَهْ؟
والموتَ في عِزِّ الظهيرَهْ.؟
7
وتروي لي النوادرَ والحكايا..
وحاضرةً.. وغائبةً..
وواضحةً.. وغامضةً..
فَتَخْذِلُني يَدَايَا..
مايا مُبَلَّلَةٌ وطازَجةٌ كتُفَّاحِ الجبالِ..
وعند تَقَاطُع الخُلْجَان قد سَالَتْ دِمايا..
مايا تكرِّرُ أنها ما لامستْ أحداً سوايا..
وأنا أصدِّق كلَّ ما قالَ النبيذُ..
8
مايا تفتّش عن فريستها كأسماكِ البحارْ..
9
هذي شواطيءُ حضْرَمَوْتَ..
وبعدَها.. تأتي طريقُ الهِنْدِ..
إنَّ مراكبي دَاخَتْ..
وبين الطُحْلُب البحريِّ والمَرْجَانِ..
تَنْفَتِحُ احتمالاتٌ كثيرَهْ..
ماذا اعتراني؟
مايا تُناديني..
والتوابلُ..
والبَهَارْ..
هذا النبيذُ أساءَ لي جدّاً...
فَمَتى سأتّخذُ القرارْ.؟
مايا تُغنّي من مكانٍ ما..
ولا أدري على التحديد أينَ مكانُ مايا..
كانَتْ وراءَ سِتَارة الحمَّام ساطعةً كلؤلؤةٍ..
وحوَّلَها النبيذُ إلى شظايا...(57/451)
11
مايا تقولُ بأنها امرأتي..
ومالكتي..
وتحلفُ أنّها ما ضاجعتْ أحداً سوايا..
ورُبْعَ ما قالتْه مايا..
والتوابلُ..
والبَهَارْ..
هذا النبيذُ أساءَ لي جدّاً...
فَمَتى سأتّخذُ القرارْ.؟
مايا تُغنّي من مكانٍ ما..
ولا أدري على التحديد أينَ مكانُ مايا..
كانَتْ وراءَ سِتَارة الحمَّام ساطعةً كلؤلؤةٍ..
وحوَّلَها النبيذُ إلى شظايا...
11
مايا تقولُ بأنها امرأتي..
ومالكتي..
ومملكتي..
وتحلفُ أنّها ما ضاجعتْ أحداً سوايا..
وأنا أصدِقُ كلَّ ما قالَ النبيذُ..
ورُبْعَ ما قالتْه مايا..
والتوابلُ..
والبَهَارْ..
هذا النبيذُ أساءَ لي جدّاً...
وأَنْساني بداياتِ الحوارْ..
فَمَتى سأتّخذُ القرارْ.؟
10
مايا تُغنّي من مكانٍ ما..
ولا أدري على التحديد أينَ مكانُ مايا..
كانَتْ وراءَ سِتَارة الحمَّام ساطعةً كلؤلؤةٍ..
وحوَّلَها النبيذُ إلى شظايا...
11
مايا تقولُ بأنها امرأتي..
ومالكتي..
ومملكتي..
وتحلفُ أنّها ما ضاجعتْ أحداً سوايا..
وأنا أصدِقُ كلَّ ما قالَ النبيذُ..
ورُبْعَ ما قالتْه مايا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قصيدة حبّ 1980
قصيدة حبّ 1980
رقم القصيدة : 68263
-----------------------------------
1
يصبحُ دمي بنفسجيّاً..
تهجمُ كُريَّاتُ العشق على بقية الكُرَيَّاتْ
وتأكُلُها..
تهجُمُ الكِلْمةُ الأنثى على بقيّة الكلماتْ
وتطرُدُها...
ويكتشفونَ من تخطيط قلبي..
أنّهُ قلبُ عصفورْ..
أو قلبُ سَمَكَهْ..
وأن مياهَ عينيكِ الدافئهْ..
هي بيئتي الطبيعيَّهْ
والشرطُ الضروريّ لاستمرار حياتي..
2
عندما تصبحُ المكتباتْ
ويصبحُ مكتبُ البريدْ
حقلاً من النجوم.. والأزهار... والحروف المقصَّبَهْ
أَقَعُ في إشكالٍ لغويٍّ كبيرْ..
أسقُطُ من فوق حصان الكلماتْ
كرجُلٍ لم يَر الخيلَ في حياتِهْ..
ولم يَر النساءْ..
آخُذُ صِفْراً في الأدبْ
آخُذُ صِفْراً في الإلقاءْ
أرسبُ في مادّة الغَزَلْ
لأنني لم أستطع أن أقولَ بجملةٍ مُفِيدَهْ(57/452)
كم أنتِ رائعهْ
وكم أنا مُقصِّرٌ في مُذاكرة وجهك الجميلُ
وفي قراءة الجزءِ العاشرِ بعد الألفْ..
من شعركِ الطويلْ...
3
إشتغلتُ عاماً كاملاً
على قصيدةٍ تلبسينها عام 1980
إلا هدايا القلبْ
إلا أساورَ حناني...
إثْنيْ عشَرَ شهراً.. وأنا أشتغِلْ
كدودة الحرير أشتغِلْ..
مرّةً بخيطٍ ورديّْ..
ومرّةً بخيطٍ برتُقاليّْ..
حيناً بأسلاكِ الذَهَبْ
وحيناً بأسلاكِ الفضَّهْ
لأفاجئكِ بأُغنيَهْ..
تَضَعينها على كتِفَيْكِ كشالِ الكَشْمِيرْ..
ليلةَ رأس السَنهْ..
وتُثيرينَ بها مُخيّلةَ الرجال.. وغيرةَ النساءْ..
4
إثنيْ عشر شهراً..
وأنا أعملُ كصائغٍ من آسيا..
في تركيب قصيدةٍ..
تليقُ بمجد عينيكِ..
والياقوتةَ بالياقوتَهْ..
وأصنعُ منها حَبْلاً طويلاً.. طويلاً من الكلماتْ
أضعُهُ حول عُنُقكِ.. وأنا أبكي...
إثنيْ عشَرَ شهْراً
وأنا أعملُ كنسَّاجي الشامْ
وفلورنسا.. والصين.. وبلاد فارسْ..
في حياكة عباءةٍ من العِشْقْ..
لا يعرفُ مثلَها تاريخُ العباءاتْ..
ولا تاريخُ الرجالْ..
5
إثني عشر شَهْراً..
وأنا في أكاديميّة الفُنُون الجميلَهْ
أرسُمُ خيولاً بالحبرِ الصينيّْ
تشبِهُ انفلاتَ شَعْرِكْ
وأعجنُ بالسيراميك أشكالاً لولبيَّهْ
تشبهُ استدارةَ نهديْكِ..
وعلى الزجاج رسَمتْ..
صنعتُ الأصواتَ التي لها رائحهْ..
والرائحةَ التي لها صوتْ..
ورسمتُ حول خصرك ريحاً بالقلم الأخضَرْ..
حتى لا يخطر بباله أن يصبح فراشةً.. ويطيرْ
إثنيْ عشر شهراً..
وأنا أكسر اللغةَ إلى نصفينْ..
والقَمَر إلى قمرينْ..
قَمَرٍ تستلمينَهُ الآنْ..
وَقَمَرٍ تستلمينَهُ في بريد عام 1980
صنعتُ الأصواتَ التي لها رائحهْ..
والرائحةَ التي لها صوتْ..
ورسمتُ حول خصرك ريحاً بالقلم الأخضَرْ..
حتى لا يخطر بباله أن يصبح فراشةً.. ويطيرْ
إثنيْ عشر شهراً..
وأنا أكسر اللغةَ إلى نصفينْ..
والقَمَر إلى قمرينْ..
قَمَرٍ تستلمينَهُ الآنْ..
وَقَمَرٍ تستلمينَهُ في بريد عام 1980(57/453)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> سأقول لكِ أحبّكِ..
سأقول لكِ أحبّكِ..
رقم القصيدة : 68264
-----------------------------------
سَأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
حينَ تنتهي كلُّ لُغَاتِ العشق القديمَه
فلا يبقى للعُشَّاقِ شيءٌ يقولونَهُ.. أو يفعلونَهْ..
عندئذ ستبدأ مُهِمَّتي..
في تغيير حجارة هذا العالمْ..
وفي تغيير هَنْدَسَتِهْ..
شجرةً بعد شَجَرَهْ..
وكوكباً بعد كوكبْ..
وقصيدةً بعد قصيدَه..
سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
وتضيقُ المسافةُ بين عينيكِ وبين دفاتري..
ويصبحُ الهواءُ الذي تتنفَّسينه يمرُّ برئتيَّ أنا..
وتصبحُ اليدُ التي تضعينَها على مقعد السيّارة..
هي يدي أنا..
سأقولها، عندما أصبح قادراً،
على استحضار طفولتي، وخُيُولي، وعَسَاكري،
ومراكبي الورقيَّهْ..
واستعادةِ الزَمَن الأزرق معكِ على شواطيء بيروتْ..
حين كنتِ ترتعشين كسمَكةٍ بين أصابعي..
فأغطّيكِ، عندما تَنْعَسينْ،
بشَرْشَفٍ من نُجُوم الصيفْ..
3
سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
وسنابلَ القمح حتى تنضجَ.. بحاجةٍ إليكِ..
والينابيعَ حتى تتفجَّرْ..
والحضارةَ حتى تتحضَّرْ..
والعصافيرَ حتى تتعلَّمَ الطيرانْ..
والفراشات حتى تتعلَّمَ الرَسْم..
وأنا أمارسَ النُبُوَّهْ
بحاجةٍ إليكِ..
4
سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..
عندما تسقط الحدودُ نهائياً بينكِ وبين القصيدَهْ..
ويصبح النومُ على وَرَقة الكتابَهْ
ليسَ الأمرُ سَهْلاً كما تتصوَّرينْ..
خارجَ إيقاعاتِ الشِّعرْ..
ولا أن أدخلَ في حوارٍ مع جسدٍ لا أعرفُ أن أتهجَّاهْ..
كَلِمَةً كَلِمَهْ..
ومقطعاً مقطعاً...
إنني لا أعاني من عُقْدَة المثقّفينْ..
لكنَّ طبيعتي ترفضُ الأجسادَ التي لا تتكلَّمُ بذكاءْ...
والعيونَ التي لا تطرحُ الأسئلَهْ..
إن شَرْطَ الشهوَة عندي، مرتبطٌ بشَرْط الشِّعْرْ
فالمرأةُ قصيدةٌ أموتُ عندما أكتُبُها..
وأموتُ عندما أنساها..
5
سأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ"..(57/454)
عندما أبرأُ من حالة الفُصَام التي تُمزِّقُني..
وأعودُ شخصاً واحداً..
سأقُولُها، عندما تتصالحُ المدينةُ والصحراءُ في داخلي.
وترحلُ كلُّ القبائل عن شواطيء دمي..
الذي حفرهُ حكماءُ العالم الثالث فوق جَسَدي..
التي جرّبتُها على مدى ثلاثين عاماً...
فشوَّهتُ ذُكُورتي..
وأصدَرَتْ حكماً بِجَلْدِكِ ثمانينَ جَلْدَهْ..
بِتُهْمةِ الأُنوثهْ...
لذلك. لن أقولَ لكِ (أُحِبّكِ).. اليومْ..
ورُبَّما لن أَقولَها غداً..
فالأرضُ تأخذ تسعةَ شُهُورٍ لتُطْلِعَ زهْرَهْ
والليل يتعذَّبُ كثيراً.. لِيَلِدَ نَجْمَهْ..
والبشريّةُ تنتظرُ ألوفَ السنواتِ.. لتُطْلِعَ نبيَّاً..
فلماذا لا تنتظرينَ بعضَ الوقتْ..
لِتُصبِحي حبيبتي؟؟.
بِتُهْمةِ الأُنوثهْ...
لذلك. لن أقولَ لكِ (أُحِبّكِ).. اليومْ..
ورُبَّما لن أَقولَها غداً..
فالأرضُ تأخذ تسعةَ شُهُورٍ لتُطْلِعَ زهْرَهْ
والليل يتعذَّبُ كثيراً.. لِيَلِدَ نَجْمَهْ..
والبشريّةُ تنتظرُ ألوفَ السنواتِ.. لتُطْلِعَ نبيَّاً..
فلماذا لا تنتظرينَ بعضَ الوقتْ..
لِتُصبِحي حبيبتي؟؟.
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> هل تجيئين معي إلى البحر؟
هل تجيئين معي إلى البحر؟
رقم القصيدة : 68265
-----------------------------------
1
هل تهرُبين معي من الزَمَن اليابسِ إلى زَمَن الماءْ؟
فنحنُ منذُ ثلاثِ سنينْ
لم ندْخُلْ في احتمالات اللون الأزرقْ
لم نُمْسِكْ بأيدينا..
أُفُقاً..
أو حُلُماً.. أو قصيدَهْ..
لقد جعلتْنا الحربُ الأهليَّةُ حيوانيْنِ بَرِّيَيْنْ
يتكلمَّانِ دونَ شهيَّهْ..
ويتناسلانِ دونَ شهيَّهْ
ويلتصقانِ ببعضهما بصَمْغ العادات المُكْتَسَبَهْ
قهوتي التُركيّةُ عَادَةٌ مُكْتَسَبَهْ..
وحَمَّامُكِ الصَبَاحيُّ عَادَةٌ مُكْتَسَبَهْ..
ولونُ مناشِفِكِ عَادَةٌ مُكْتَسَبَهْ....
فلماذا لا تلبسينَ قُبَّعَةَ الشمسْ؟
وتأتينَ معي..
إنّني ضجرتُ من هذه العلاقة الاكاديميَّهْ(57/455)
التي أعْطَتْكِ شكلَ النساءِ المتزوجاتِ دونَ حُبّْ
وأعطتْني..
شَكْلَ القصيدة العَمُوديَّهْ...
***
2
هَشَّةٌ.. وقابلةٌ للكَسْرْ..
تَتَشَابَهُ كمنشورٍ سياسيّْ
كلُّ أنواع الكحولْ..
لها مَذَاقٌ واحدٌ.. ومفعولٌ واحدْ..
كلُّ الطُرُقاتِ إلى نهدَيْكِ
تُؤدّي إلى الانتحارْ..
فلماذا.. لا نخرجُ إلى البحرْ؟
إنَّ البحرَ لا يكرِّرُ نفسَهْ..
ولا يُعيد كتابةَ قصائِدِهِ القديمَهْ..
البحرُ.. هو التغيُّرُ والولادَهْْ..
وأنا أريدكِ أن تتغيَّري.. وأن تُغيِّريني..
أريدُ أن ألِدَكِ.. وأن تلِدِيني..
أريدُ أن تَنْقُشيني بالخَطِّ الكُوفيِّ على جِلْدكْ
كما تنقشُ المرأة العاشقةُ..
إسمَ رَجُلِها على صدرها..
قبلَ أن يذهبَ إلى الحربْ..
أريدُ أن أمشي معكِ تحت شجر الشِّعْرْ..
وأضَعَ في يَدَيْكِ الصغيرتينِ أساورَ الشِّعْرْ..
أريدُ أن أطلقَ سراحَكِ من هذه الزَنْزَانَة العربيَّهْ
التي أعطتكِ شكل النساء المتزوجات دون حُبّْ..
وأعطتني شكلَ القصيدة العَمُوديَّهْ...
3
لقد انفجرتْ بيروتُ بين أصابعي..
كَدَواةٍ بنفسجيَّهْ..
فساعديني على ترميم وجهي..
فاللغةُ قطارٌ ليليٌّ بطيءْ
ينتحر فيه المسافرونَ من شدّة الضَجَرْ
فتعاليْ نطلقِ النارَ على الأحرف الأبجديَّهْ..
ألا يُمكنني أن أُحِبَّكِ خارج المخطوطات العربيَّهْ؟
وخارجَ الفَرَمَانات العربيَّهْ..
وخارجَ أنظمة المرور العربيَّهْ..
وخارجَ الأوزان العربيَّهْ..
فَعُولُنْ مَفَاعيلُنْ فعولُنْ مفاعيلُنْ..
ألا يمكنني أن أجلس معكِ في الكافيتيريا؟
دونَ أن يجلس معنا أمرؤ القيْسْ؟
فَعُولُنْ مَفَاعيلُنْ فعولُنْ مفاعيلُنْ..
ألا يمكنني أن أدعوكِ للرقصْ؟
دون أن يرقصَ معنا البُحتريّْ..
فَعُولُنْ مَفَاعيلُنْ فعولُنْ مفاعيلُنْ..
ثمَّ.. ألا يمكنني أن أوصلكِ إلى منزلك في آخر الليل..
إلاّ بحراسة رجُلِ المُخَابرات عنترةَ العبسيّْ..
آهٍ.. كم هو مُتْعِبٌ أن أتغزَّلَ بعينيكِ..
وأنا تحتَ الحراسَهْ..(57/456)
وأتجوَّلَ في ليل شعرك.. وأنا تحت الحراسَهْ....
آهٍ.. كم هو مُتْعِبٌ..
أن أُحِبَّكِ بين فَتحَتَيْنِ..
أو هَمْزَتَيْنِ..
أو نُقْطَتَيْنْ..
فلماذا لا نرمي بأنْفُسِنا من قطار اللغَهْ.؟
ونتكلَّم لغة البحرْ؟
4
هل تجيئينَ معي إلى البحرْ؟
لنحتمي تحت عباءته الزرقاءْ.
لقد تفكَّك الزمنُ بين أصابعنا
وتفكَّكت عناصرُ عينيكِ..
فساعديني على لَمْلَمَتِكِ.. ولملمة شَعْرِكِ الذي ذَهَبَ ولم يترك لي عنوانَهْ..
فأنا أركضُ .. وهو يركض أمامي كدجاجةٍ مذبوحَهْ..
ساعديني في العثور على فمي..
فقد أخذتِ الحربُ دفاتري وخَرْبَشَاتي الطفوليَّهْ
أخذتِ الكلماتِ التي كان يمكن أن تجعلكِ أجملَ النساءْ
والكلماتِ التي كان يمكن أن تجعلني أعظمَ الشعراءْ..
هل أبوحُ لكِ بسِرٍّ صغيرْ؟
إنني أصيرُ قبيحاً عندما لا أكتُب..
وأصيرُ قبيحاً عندما لا أعشَقْ..
فساعديني على استعادة المجديْنْ..
مَجْدِ الكتابةِ.. ومَجْدِ العشقْ..
5
هل تدخلينَ معي في احتمالات اللون الأزرقْ..
واحتمالات الغَرَق والدُوارْ..
واحتمالات الوجه الآخرِ للحُبّْ..
لقد دمّرتْني العلاقةُ ذاتُ البُعْد الواحدْ
والحوارُ ذو الصوت الواحدْ..
والجِنْسُ ذو الإيقاع الواحدْ..
وتلبسينَ جلْدَ البحرْ؟
وتلبسينَ جُنوني...
لماذا لا تخلعينَ ثوبَ الغبار.. وتلبسينَ أمطاري؟..
لقد تكدَّسَ على شفاهنا شوكٌ كثيرٌ.. وضجَرٌ كثيرْ
فلماذا لا نثورُ على هذه العلاقة الأكاديميَّهْ..
التي أعْطَتْكِ شَكْلَ النساءِ المتزوجاتْ..
وأعطَتْني شكلَ القصيدة العَمُوديَّهْ!!..
لماذا لا تخلعين جلدكِ..
وتلبسينَ جلْدَ البحرْ؟
لماذا لا تخلعينَ طقْسَكِ المعتدلْ؟.
وتلبسينَ جُنوني...
لماذا لا تخلعينَ ثوبَ الغبار.. وتلبسينَ أمطاري؟..
لقد تكدَّسَ على شفاهنا شوكٌ كثيرٌ.. وضجَرٌ كثيرْ
فلماذا لا نثورُ على هذه العلاقة الأكاديميَّهْ..
التي أعْطَتْكِ شَكْلَ النساءِ المتزوجاتْ..
وأعطَتْني شكلَ القصيدة العَمُوديَّهْ!!..(57/457)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كيف؟
كيف؟
رقم القصيدة : 68266
-----------------------------------
1
كيفْ؟
أيُّ المفاتيح تفتحُ أبوابَ مملكتِك؟
أيُّ القصائد تدخلني إلى قاعة العَرْشْ؟
أي نوعٍ من النبيذْ..
أقدّمُهُ لرشوةِ حُرّاسِكْ؟
طبّقتُ عليكِ عُلُومَ الأوّلينَ والآخرينْ
وحكمةَ الفلاسفة.. وجُنُونَ المجانينْ..
لم أترُكْ كتاباً من كُتُب العشْقِ.. إلا تعاطيتُها..
ولا رياضةً هنديّةً للتغلّب على النفس..
إلا مارستُها..
فلا الأعشابُ الصينيَّةُ نفَعتْني..
ولا الطُقوسُ البوذيّةُ نفَعتْني..
ولا مؤلفاتُ العشق.. نفَعتْني..
أيّتها المرأةُ التي لم تكْتُبها الكُتُبْ..
2
التي يستعملها الرجالُ عادةً لاستمالة النساءْ
وإلى مستحضري الأرواح.. ففشلتْ..
حاولتُ أن أعاقبَكِ بالذهاب مع امرأةٍ أخرى..
فعاقبتُ نفسي..
دُلّيني على طريقةٍ أنتصرُ فيها عليكِ...
فكلّما ضربتُ نهديْكِ بالسياطْ..
تفجَّر الدمُ من جَسَدي..
3
أيّتها المرأة الموجودةُ في كلِّ شيءْ..
والقادرةُ على كُلِّ شيءْ..
لا ينفع هجرٌ ولا خيانَهْ..
كلّما دخلتُ إلى بيت امرأهْ.
خرجتِ إليَّ من وراء الستائرْ..
كلَّما مارستُ الحبَّ مع امرأةٍ أخرى..
حَبِلتِ أنتِ!!...
كلُّ الخيانات هي في مصلحتِكْ..
كلّما دخلتُ إلى بيت امرأهْ.
خرجتِ إليَّ من وراء الستائرْ..
كلَّما مارستُ الحبَّ مع امرأةٍ أخرى..
حَبِلتِ أنتِ!!...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> شيزوفرينيا
شيزوفرينيا
رقم القصيدة : 68267
-----------------------------------
1
لا أُفكّرُ في مقاومتها..
أو الاحتجاجِ عليها..
فالحبُّ الكبير هو دائماً حبٌّ صعبْ
وليس صحيحاً أنّه يأتينا على عَرَبةٍ تَجرُّها الملائِكَهْ..
وليس صحيحاً..
أنَّنا نجدُهُ مختبئاً كالقَمَر تحت شراشفنا..
أو كشامَةٍ زرقاءْ
تحت خاصرتنا اليُسْرى..
2
وكلامٌ لم يتعلَّم بعدُ.. كلَّ الكلامْ..
وذَهَباً.. وبهاراً هندياً..(57/458)
بيني وبينك، كَهَنَةٌ.. وَعَرَّافُونَ.. وفَنَاجينُ قهوةٍ لم تُفتَحْ..
وعلاماتُ حُبٍّ قادمٍ..
تُشْبِهُ علاماتِ يوم القيامَهْ
ونُبُوءاتٌ عن أنهارٍ ستفيضْ..
وكنوزٍ ستتوهّجْ..
وأطفالٍ سيذهبونَ كلَّ صباحٍ إلى مدرسة البنفسجْ...
3
بيني وبينكِ طَقْسٌ رماديٌّ يميلُ إلى المطَرْ..
وأنا أشتهيكِ تحت المَطَرْ..
وَبَعدَ المَطَرْ..
أعشابَ البراري..
بيني وبينكِ حالةٌ من الشِعْر لم أكتُبها بعدْْ..
وحالةٌ من النُبُوءة لم أُبَشِّرْ بها الناسَ بعد..
وحالةٌ من الانخطافِ..
تجعلني سيّدَ الدراويشْ..
بيني وبينكِ أسئلةٌ لا أُريدُها أن تُجابْ..
وتناقضاتٌ جميلةٌ ليس من مصلحة الحُبّ أن تنتهي..
وخصوماتٌ طفوليةٌ..
ليس من مصلحة الشِّعْر أن تُحسَمْ..
وعاداتٌ صغيرَهْ..
تتسلّقُ على رُفُوف الكُتُبْ.. وورقِ الجدرانْ..
وتترسَّبُ مع البُنّ في فناجين القهوَهْ..
4
بيني وبينكِ فضيحةٌ غيرُ مُعْلَنَهْ..
وزلازلُ مجهولةُ التوقيتْ..
وجريمة عِشْقٍ قابلةٌ للتنفيذ في أيَّة لحظَهْ..
بيني وبينكِ شوارعُ نِصفَ مضيئَهْ..
وقطاراتٌ ليليَّةٌ أسمعُ صفيرَها.. ولا أراها..
وأَهْذِي في نَوْمي..
5
بيني وبينكِ بلادٌ من العَطَشْ..
ومُنحرِفونَ شِعْرياً.. وجِنْسياً يرفضونَ أُنوثتَكِ..
كما يرفضونَ قَصَائدي..
بيني وبينكِ طغاةٌ .. ومُخْبرونَ.. ومراكزُ قوىْ..
وشركاتٌ مساهَمَةٌ لمكافحة الحُبّ، والثورة، والكتابَهْ..
بيني وبينكِ..
ونساءٌ.. يبعنَ أساورَهُنَّ..
ويقطعنَ أيديَهنَّ من أجل الشِّعْرْ..
6
بيني وبينكِ..
مجتمعٌ من الصيارفة لا يمكن اختراقُهْ..
ومجتمعٌ من البطاركَهْ..
لا يعترفُ حتى الآن بشرعيّة عينيكِ..
وفُقَهاءُ..
ومُجْتَهدونَ..
ومُفَسِّرونْ..
وشَطْبَ شعري من مناهج وزارة التربيَهْ..
بيني وبينكِ..
مجتمعٌ من الصيارفة لا يمكن اختراقُهْ..
ومجتمعٌ من البطاركَهْ..
لا يعترفُ حتى الآن بشرعيّة عينيكِ..
وفُقَهاءُ..
ومُجْتَهدونَ..
ومُفَسِّرونْ..(57/459)
قرروا بإجماع الآراء سفكَ دمي
وشَطْبَ شعري من مناهج وزارة التربيَهْ..
حتى لا تتكحَّلَ به بَنَاتُ القبيلَهْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مخطَّط لاختطاف امرأة أحبها..
مخطَّط لاختطاف امرأة أحبها..
رقم القصيدة : 68268
-----------------------------------
1
فكلُّ السنوات تبدأ بكِ..
وتنتهي فيكِ..
سأكونُ مُُضحِكاً لو فعلتُ ذلك،
لأنكِ تسكنينَ الزمنَ كلَّهْ..
وتسيطرينَ على مداخل الوقتْ..
إنَّ ولائي لكِ لم يتغيَّرْ.
كنتِ سلطانتي في العام الذي مضى..
وستبقين سلطانتي في العام الذي سيأتي..
ولا أفكّرُ في إقصائِكِ عن السُلْطَهْ..
فأنا مقتنعٌ..
بعدالة اللون الأسود في عينيكِ الواسعتينْ..
وبطريقتكِ البَدَويَّةِ في ممارسة الحُبّ..
2
ولا أجدُ ضرورةً للصراخ بنَبْرَةٍ مسرحيَّه:
فالمُسمَّى لا يحتاجُ إلى تَسْمِيَهْ
والمُؤكَّدُ لا يحتاجُ إلى تأكيدْ..
إنني لا أؤمنُ بجدوى الفنِّ الإستعراضيّْ..
ولا يعنيني أن أجعلَ قصّتنا..
مادة للعلاقات العامّهْ..
سأكونُ غبيّاً..
لو وقفتُ فوق حَجَرٍ..
أو فوقَ غيمَهْ..
وكشفتُ جميعَ أوراقي..
فهذا لا يضيفُ إلى عينيْكِ بُعْداً ثالثاً..
ولا يُضيف إلى جُنُوني دليلاً جديداً...
إنني أُفضِّلُ أن أسْتَبْقيكِ في جَسَدي
طفلاً مستحيلَ الولادَهْ..
وطعنةً سِريّة لا يشعُرُ بها أحدٌ غيري..
3
لا تبحثي عنّي ليلةَ رأسِ السَنَهْ
فلن أكونَ معكِ..
ولن أكونَ في أيِّ مكانْ
إنّني لا أشعرُ بالرغبة في الموت مشنوقاً
في أحدِ مطاعم الدرجة الأُولى..
حيثُ الحبُّ.. طَبَقٌ من الحساء البارد لا يقربُهُ أَحَدْ..
وحيثُ الأغبياءُ يوصونَ على ابتساماتهم
قَبْلَ شهرينِ من تاريخ التسليمْ..
4
لا تنتظريني في القاعات التي تنتحرُ بموسيقى الجازْ..
فليس باستطاعتي الدخولُ في هذا الفرح الكيميائيّْ
حيثُ النبيذُ هو الحاكمُ بأمرهْ..
والطبلُ.. هو سيِّدُ المتكلِّمينْ..(57/460)
فلقد شُفيتُ من الحماقات التي كانتْ تنتابني كلَّ عام
وأعلنتُ لكلِّ السيداتِ المتحفّزاتِ للرقصِ معي..
أنَّ جسدي لم يَعُدْ معروضاً للإيجارْ..
وأنَّ فمي ليس جمعيَّهْ
تُوَزِّعُ على الجميلات أكياسَ الغَزَل المُصْطَنعْ
والمجاملاتِ الفارغَهْ..
إنّني لم أعُدْ قادراً على ممارسة الكَذِب الأبيض
وتقديمِ المزيد من التنازلاتِ اللغويَّهْ..
والعاطفيَّهْْ.....
5
إقبلي اعتذاري.. يا سيدتي
فهذه ليلةُ تأميم العواطفْ
وأنا أرفضُ تأميمَ حبّي لكِ..
أرفضُ أن أتخلَّى عن أسراري الصغيرَهْ
لأجعلَكِ مُلْصَقاً على حائطْ..
فهذه ليلةُ الوجوهِ المتشابهَهْ..
والتفاهاتِ المتشابِهَهْ..
ولا تُشبهينَ إلا الشِّعْرْ..
6
لن أكونَ معكِ هذه الليلَهْ..
ولن أكونَ في أيِّ مكانْ..
فقد اشتريتُ مراكبَ ذاتَ أَشْرِعَةٍ بَنَفْسَجِيَّهْ..
وقطاراتٍ لا تتوقَّف إلاّ في محطّة عينيكِ..
وطائراتٍ من الوَرَقِ تطير بقوة الحُبِّ وحدَهْ..
واشتريتُ وَرَقاً.. وأقلاماً ملوَّنهْ
وقرَّرتُ.. أن أسهَر مع طفولتي....
ولا تُشبهينَ إلا الشِّعْرْ..
6
لن أكونَ معكِ هذه الليلَهْ..
ولن أكونَ في أيِّ مكانْ..
فقد اشتريتُ مراكبَ ذاتَ أَشْرِعَةٍ بَنَفْسَجِيَّهْ..
وقطاراتٍ لا تتوقَّف إلاّ في محطّة عينيكِ..
وطائراتٍ من الوَرَقِ تطير بقوة الحُبِّ وحدَهْ..
واشتريتُ وَرَقاً.. وأقلاماً ملوَّنهْ
وقرَّرتُ.. أن أسهَر مع طفولتي....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تكتبين الشعر.. وأوقع أنا..
تكتبين الشعر.. وأوقع أنا..
رقم القصيدة : 68269
-----------------------------------
1
ليس لي القدرةُ على تغييرك
أو على تفسيركْ..
لا تُصدّقي أنَّ رجلاً يمكنه تغييرُ امرأهْ..
وباطلةٌ دعاوى كلِّ الرجال الذين يتوهّّمونْ،
أنهمْ صنعوا المرأةَ من أَحَد أضلاعِهِمْ..
المرأةُ لا تخرجُ من ضِلْع الرَجل أبداً..
هو الذي يخرجُ من حَوْضِها..
كما تخرجُ السَمَكَةُ من حَوْض الماءْ(57/461)
وهو الذي يتفرَّعُ منها،
كما تتفرَّعُ السواقي من النَهْر..
وهو الذي يدورُ حولَ شَمْس عَيْنَيْها..
ويتصوَّرُ أنَّهُ ثابتٌ في مكانِهْ..
2
ليس لي القدرةُُ على تعليمكِ أيّ شيءْ..
فنهداكِ دائِرَتا مَعَارفْ..
وشفتاكِ هما خلاصةُ تاريخ النبيذْ
إنّكِ امرأةٌ مكتفيةٌ بذاتها
زَيْتُكِ منكِ..
وقمحُكِ منكِ..
ونارُكِ منكِ..
وصيفُكِ وشتاؤكِ..
وبَرْقُكِ ورعدُكِ..
ومَطَرُكِ وثلجُكِ..
ومَوْجُكِ وزَبَدُكِ .. كلُُّها منكِ..
ماذا أُعلّمكِ يا امرأهْ؟
مَنْ يستطيع أن يٌقْنِعَ سنجاباً بالذهاب إلى المدرسَهْ؟
مَنْ يستطيع أن يقنِعَ قِطَّاً سياميّاً بالعزف على البيانو؟...
مَنْ يستطيع أن يُقنِعَ سمكةَ القِرْشْ..
بأن تُصبحَ راهبَهْ..
3
ليس لي القدرةُ على ترويضكِ..
أو تَدْجينِكِ ..
أو تهذيبِ غرائزكِ الأُولى.
هذه مهمّةٌ مستحيلَه..
لقد جرّبتُ ذكائي معكِ..
وجرّبتُ أيضاً غَبَائي..
فلم تنفعْ معكِ هدايةٌ ولا غِوايَهْ..
خَلّيكِ بدائيةً كما أنتِ..
خَلّيكِ مِزَاجيَّةً كما أنتِ..
خَلِّيكِ هجوميَّةًً كما أنتِ..
ماذا يبقى من إفريقيا؟...
إذا أخذنا منها نُمُورَها.. وبَهَاراتِها..
ماذا يبقى من جزيرة العربْ؟
إذا أخذنا منها..
مَجْدَ النفْْطِ..
ومَجْدَ الهيل!!
4
ليس لي القدرةُ على كَسْرِ عاداتِكْ..
هكذا أنتِ منذ ثلاثين سَنَهْ
منذُ ثلاثمِئةِ سَنَهْ..
منذُ ثلاثةِ آلافِ سَنَه..
إعصارٌ محبوسٌ في زٌجاجَهْ..
جَسَدٌ يتحسَّسُ رائحةَ الرَجُل بالفِطْرَهْ..
ويهاجمه بالفِطْرَهْ..
وينتصرُ عليهِ بالفِطْرَه..
فلا تُصَدِّقي ما يقولُهُ الرجلُ عن نفسِهْ،
بأنه هو الذي يصنعُ القصائدْ..
ويصنعُ الأطفالْ..
إن المرأةَ هي التي تكتُبُ الشّعْرْ..
والرجلُ هو الذي يوقِّعُهْ..
والمرأةُ هي التي تنجبُ الأطفالْ..
والرجلُ هو الذي يُوقِّعُ في مستشفى الولادَهْ..
بأنّه أصبحَ أباً.!!
5
ليس لي القدرةُ على تغيير طبيعتِكْ..
لا كُتبي تنفعُكِ..(57/462)
ولا قَنَاعَاتي تُقْنِعُكِ..
ولا نصائحي الأبويَّةُ تفيدكْ..
أنتِ ملكةُ الفوضى، والجُنُون، وعَدَمِ الانتماءْ
فظلِّي كما أنتِ..
أنتِ شَجَرةُ الأنوثة التي تكبُرُ في العُتمَهْ..
ولا تحتاجُ إلى شمسٍ وماءْ..
أنتِ أميرةُ البحر التي أحبّتْ كلَّ الرجالْ
ولم تُحبَّ أَحَداً..
وضاجَعَتْ كلَّ الرجال.. ولم تُضَاجعْ أحداً..
أنتِ البدَويَّةُ التي ذَهَبَتْ مع كلِّ القبائلْ
وعادتْ عذراءْ..
فَظَلّي كما أنتِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى سيدة تصطنع الهدوء
إلى سيدة تصطنع الهدوء
رقم القصيدة : 68270
-----------------------------------
خُذي وَقْتَكِ، يا سيدتي العزيزَهْ
فلا أحدَ يُرغمُكِ على الإدلاء باعترافاتٍ كاذبَهْ
ولا أحدَ يُريدُ منكِ أن تفعلي الحبَّ..
تحت تأثير الخمرة.. أو المُخدِّرْ.
كما لو كنتِ تخلعينَ أحدَ أضراسِكْ..
لستِ مُضطرةً للتَبَرُّع بنِصْفِ فَمِكْ..
أو نصفِ يدِكْ..
فلا الشفاهُ قابلةٌ للقِسْمَهْ..
ولا الأنوثةُ قابلةٌ للقِسْمَهْ..
هذا هو الموقفُ يا سيّدتي..
فلا تخاطبيني وأنتِ مُضْطَجعةٌ على سريركِ الملكيّْ
فآخرُ اهتماماتي.. سَنْدُ خاصِرَةِ المَلِكاتْ..
وقراءةُ شعري..
في مجالسِ الملكاتْ..
2
خُذِي الوقْتَ الذي تستغرقُهُ اللؤلؤةُ لتتشكَّلْ.
والسُنُونوَّةُ لتصنعَ بجناحيها صيفاً..
خُذِي الوقْتَ الذي يستغرقُهُ النهدْ..
ليصبحَ حصاناً أبيضْ..
خذي الأزْمِنَةَ التي ذَهَبَتْ..
والأزْمِنَةَ التي سوف تأتي..
فالمسافةُ طويلَهْ..
بين آخر النبيذ.. وأوَّلِ الكِتابَهْ
وأنا لستُ مستعجلاً عليكِ..
أو على الشِّعْرْ..
فالعيونُ الجميلةُ غير قابلةٍ للاغتصابْ..
والكلماتُ الجميلةُ غيرُ قابلةٍ للاغتصابْ..
والذين لهمْ خبرةٌ بشؤون البحرْ..
يعرفونَ أنَّ السُفُنَ الذكيّةَ لا تستعجلُ الوصول..
وان السواحلَ هي شيخوخةُ المراكبْ..
3
خُذِي وَقْتَكِ..
أيّتُها السيّدةُ التي تصطنعُ الهدوءْ(57/463)
إنني لا أُطالبُكِ بارتجالِ العواطفْ..
فلا أحدَ يستطيع تفجيرَ ماء الينابيعْ
ولا أحدَ يستطيع رَشْوَةَ البَرق والرعدْ..
ولا أحدَ يستطيعُ إكراهَ قصيدةٍ
على النوم مع شاعرٍ لا تُريدُهْ..
4
خُذي وقْتَكِ.. أيّتها الهوائيَّةُ الأطوارْ..
يا امرأةَ التحوُّلات، والطقْسِ الذي لا يستقِرْ
أيتها المسافرةُ بين القُطبِ.. وخَطِّ الإستواءْ
بين انفجارات الشِعْر.. ورَمَادِ الكلام اليوميّْ
خُذي وَقْتَكِ..
خُذي وَقْتَكِ..
إن نارَ الحطب لا تزال في أوّلها..
ونارَ القصيدة لا تزال في أوّلِها..
وأنا لستُ مستعجلاً على انشقاق البحرْ..
وذوبان الثلوج.. على مرتفعات نهديْكْ..
إنني لا أطالبُكِ بإحراق سُفُنِكْ..
والتخلّي عن مملكتك.. وحاشيتكْ.. وامتيازاتِك الطَبَقيَّهْ..
لا أطالبُكِ بأن تركبي معي فَرَسَ الجنونْ..
فالجنونُ هو موهبةُ الفقراء وحدَهمْ..
والشعراء وحْدَهم..
وأنتِ تريدينَ أن تحتفظي بتاج الملِكاتْ..
لا بتاج الكلماتْ..
أنتِ امرأةُ العقل الذي يحسب حساباً لكلّ شيءْ
وأنا رجُلُ الشِعْر الذي لا يُقيم حساباً لأيِّ شيءْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أيتها السيدة التي استقالت من أنوثتها..
أيتها السيدة التي استقالت من أنوثتها..
رقم القصيدة : 68271
-----------------------------------
1
أيّتها السيّدةُ التي استقالتْ من أنوثتها..
ومن أمشاطها ، ومكاحلها ، وأساور يديْها .
كان اللهُ في عونِكْ ..
أيّتها السيّدة التي استقالتْ من رنين البيانُو..
ورنينِ النبيذِ الأحمرِ.. ورنينِ شَهَواتي..
كان اللهُ في عَوْني..
أيّتها السيّدة التي استقالتْ من نهديْها..
ووضعْتهما كتُفَّاحتَيْن في ثَلاجَهْ..
كان اللهُ في عون المرايا..
2
أيّتها الرصينةُ كموظّفةٍ في بنكٍ عربيٍّ مؤمَّمْ..
إبتسمي قليلاً..
ففمُكِ لا بأسَ به إذا رششتِهِ بماء الفَرَحْ..
وعيناكِ لا بأسَ بهما..
إذا كَحَّلتِهِما بقليلٍ من الحنانْ..(57/464)
إكسري الزجاجَ الذي يفصل بين صوتي وغاباتك الشاسعَهْ
بين أصابعي.. وأقاليمكِ الاستوائَّيهْ..
بين حصاني.. ومزارعكِ الطازجةِ العُشْبْ...
3
أيّتها المثقَّفةُ إلى درجة التجلُّدْ..
الأكاديميَّةُ إلى درجة القشعريرَهْ..
أيَّتها المحاصَرَهْ..
بين جدران الكَلماتِ المأثورَهْ..
وتعاليمِ حُكَماءِ الهندْ..
ولُزُوميّاتِ ما لا يلزمْ..
أنتِ مأخوذَةٌ بأبي العتاهِيَهْ
وأنا مأخوذٌ بالشُعَراءِ الصعاليكْ..
أنتِ مهتمَّةٌ بالمعتزلَهْ..
وأنا مهتمٌّ بأبي نُوَاسْ
أنتِ مُعْجَبَةٌ برقص (البَالِيهْ)
وأنا مُعْجَبٌ برقْص الدراويشْ..
أنتِ تسكنينَ مراكبَ الوَرَقْ..
وأنا أسكُنُ البحرْ..
أنتِ تسكنينَ الطمأنينَهْ..
وأنا أسكُن الإنتحارْ..
4
أيّتها السيّدةُ المضطجعةُ على رفوف الكُتُبْ..
أيّتها الضائعةُ في غبار النُصُوصْ...
إنَّ دمعي أنقى من حِبْر مخطوطاتِك...
وقراءةَ فمي... أهمُّ من جميع قراءاتِكْ...
فلماذا لا تتثقّفينَ على يدي؟
فأنا الثقافة.. أنا الثقافة.. أنا الثقافهْ..
أنا الذي أستطيعُ أن أحوّل نهدَكِ إلى حمامَهْ
وفخذَيْكِ إلى سبيكتيْ ذَهَبْ..
وفَمَكِ إلى عُشٍ للعصافيرْ..
أنا الذي أستطيع أن أجعلكِ..
مَلِكَةً .. أو جَاريَهْ..
سَمَكَةً .. أو غزالَهْ..
أو قَمَراً في باديَهْ...
5
أيّتها السيّدةُ المستنكِفةُ عن السَفَر الليليّْ..
أيّتها الخائفةُ من رائحة الرَجُلْ..
ورائحةِ المراكبْ..
أيّتها السمكةُ التي لا تريد أن تسبَحْ..
ولا تريدُ أن تغرقْ..
لماذا لا تَتَتَلْمَذِين على يدي؟..
إنني أعرف كلَّ شيء عن النساء.. والنباتات المتسلّقَهْ..
والحيواناتِ الأليفةِ.. والحيوانات المفترسَهْ...
لماذا لا تتتلمذينَ على يدي؟
إنني أعرفُ كلَّ شيءٍ عن العناصر الأربعَهْ..
أعرف كلَّ شيء عن كيمياء الأرضِ..
وكيمياء الإنسانْ..
أعرفُ التفَّاحَةَ كيف تستديرْ..
وغابات القَصَب كيف تتشابَكْ
والنِمْرَ كيفَ يقفزْ..(57/465)
ونَهْدَ المرأة كيف يبحث عن فريستِهْ..
6
أيّتها السيّدةُ التي استقالتْ من كُتُب الشعرْ..
ودخلتْ في جدول الحسابْ..
واستقالتْ من الورد.. والماء.. والعصافيرْ..
ودخلتْ في اليباسْ..
لماذا لا تستعملينَ أعشابي الطبيعيَّهْ؟.
لماذا لا تَثقينَ بمعارفي؟..
فأنا المعرفةُ..
أنا المعرفَهْ..
هل ترينَ هذه العروقَ المنفجرةَ على وجه يدي؟.
هل ترينَ هذه الشُقوقَ المفتوحةَ على ضفاف فمي؟
هل تشمّين رائحةَ الكبريتِ..
المتصاعدةَ من شراييني؟
هذه هي شهادات هَمَجيّتي.. وجُنُوني...
وهي كلّها من مرتبة الشَرَف.. كما تلاحظينْ
فهل ثَمَّةَ وظيفةٌ شاغرهْ؟...
لحدائقيٍّ.. يطلبُ عملاً في بساتين عينيْكِ؟..
7
أيّتها السيّدةُ التي تتعاملُ معي..
بميزان صَيْدليّْ..
وتلامسُ يدي، بحياد مُمرّضَهْ..
إنني لا أتحمّلُ ثيابَكِ البيضاءْ..
وأسنانَكِ البيضاءْ..
وابتسامَتَكِ البيضاءْ..
لا أتحمَّلْ كلَّ هذا التنظيمْ..
في التعبير عن غرائزي..
لا أتحمَّلُ كلَّ هذا المناخ المعقَّمْ..
والشراشِفِ المعقَّمَه..
والعواطِف المعقَّمَهْ..
لا أتحملُ أن أقف ساعاتٍ في طابور الفلاسفَهْ
لأحصَلَ منكِ على قُبْلَهْ..
كلُّ هذه الكُتُب التي تحيط بكِ.. أسماكٌ مجلَّدَهْ..
كل هذه القوارير الكبيرة والصغيرة لا تُخفِضُ حرارتي..
فارميها جميعاً.. والتجئي إلى أعشاب صدري..
كَخَرُوفٍ أبيضْ..
8
أيّتها السيّدةُ القاسيةُ كناظرة مدرسةٍ داخليَّهْ..
إعفيني من إرهابكِ الثقافيّْ..
إن الطفلَ في داخلي، يريدُ أن يلعبَ معكِ..
فلماذا لَمْلَمْتِ كُرَاتِكِ وانسحبتِ؟
قد لا أكونُ عادِلاً في لَعِبي معكِ..
ولكنَّ أطفالَ العالم كلّهم مثلي.. لا يعرفونَ العدالهْ..
قد تكون سمعتي سيئة في الشارع الذي تسكنينَهْ..
ولكنني أعِدُكِ لو قبلتِ أن تلعبي معي مرةً ثانيَهْ..
أنْ أجعلكِ تربحينْ..
فاربطي شعرَكِ بشريطٍ أزرقْ..
واضربي الكُرَةَ أنتِ..
إضربي كُرَتَينِ إذا شئتِ..(57/466)
هاجمي أنتِ.. واقتحمي أنتِ..
واخترقي جسدي أنتِ..
فليسَ مُهِمّاً أن أربح أنا..
وليسَ مُهِمّاً ما ستكتُبهُ الصحافةُ عنّي..
المهمُّ أن تعرفَ الصحافَهْ..
أن الإمبرياليّةَ قد تكونُ امرأَهْ.......
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حوار مع امرأة على مشارف الأربعين...
حوار مع امرأة على مشارف الأربعين...
رقم القصيدة : 68272
-----------------------------------
1
ما الذي أستطيع أن أفعلهُ من أَجْلِكْ؟
أيّتها السيّدة التي بيني وبينها..
أسرارٌ غيرُ قابلةٍ للنشرْ..
وذنوبٌ صغيرةٌ غيرُ قابلةٍ للغُفرانْ..
إنني أفهَمُ جيّداً خلفيّاتِ حُزْنكْ..
لكنني لا أستطيعُ أن أمنعَ أيَّ انقلابٍ ينفذهُ نَيْسَانْ..
ضدّ نهديْكِ المتمسِّكينِ بالسُلْطة..
إلى يوم القيامَه..
2
صحيحٌ أنَّ التاريخَ يعيد نفسَه..
ولكنَّ الأنوثةَ - يا سيدتي- لا تعيدُ نَفْسَها أبداً..
إنها شرارةٌ لا تقبلُ النسْخَ والتكرارْ..
هذا ما كنتُ أشرحهُ لكِ، وأنتِ في السادسةَ عشرَهْ..
يومَ كانت الشمسُ لا تغيبُ عن ممتلكاتِكْ..
وجيوشُكِ تملأ البحرَ والبرَّ..
وجَسَدكِ الياسمينيُّ.. يأمُر .. وينهى ..
ويقول للشيء : كُنْ .. فيكون....
3
كيف أستطيعُ أن أُساعدَكِ؟
أيّتها المرْأةُ التي لم تساعد نَفْسَها..
ولم تَحْفَظْ خطَّ تراجُعها..
أيّتها الطاغية الصغيرهْ..
التي سحقتْ كلَّ معارضيها..
وأعدَمت كَهَنَتَها وَعَرَّافيها..
وأغلقت الصُحُفَ.. وسحقَتْ الحرّياتْ
ورفَعَت تماثيلها في الساحات العامَّهْ..
ووضعتْ صُوَرَها على طوابع البريدْ..
هل تتذكَّرِينْ؟
كمْ كنتِ مجنونةً في السادسةَ عَشْرَهْ
وكيف كنتِ تتحدَّثينَ.. كملوك فَرَنْسا..
عن حقّكِ الالهي الذي لا يُنَاقَشْ..
في قَتْل كلِّ رَجُلٍ..
يعشقُ امرأةً غيرَكِ من نساء المملكَهْ..
وقَتْلِ كلِّ امرأةٍ..
تخرجُ مع رجلٍ يعجبكِ من رجال المملكَهْ...
4
ما الذي أستطيع أن أفعلَهْ؟
لأخفّفَ عنكِ وَجَع الهزيمَهْْ(57/467)
ومرارةَ السقوط عن العرشْْ..
أيّتها السلطانةُ التي فقدتْ سُلْطانَها
ما الذي أستطيعُ أن أفعلَهْ؟.
لأحرِّرَكِ من مُرَكَّباتِ العظمة الفارغَهْ..
وأعيد إلى عينيكِ السوداويْنِ لونَهما الطبيعي..
وإلى نهديْكِ الأحمقينْ..
شَعْبِيّتَهما الضائعَهْ!!
ما الذي أستطيعُُ أن أفعلْ؟
لأعيدَ جَسَدَكِ حليبيّاً كما كانْ
ونهدَكِ دائريّاً كما كانْ
وعِشقي لكِ.. بدائيَّاً.. همجيّاً.. إنتحاريَّاً...
كما كانْ...
في سالف الزمانْ!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نزار
نزار
رقم القصيدة : 68273
-----------------------------------
مَدْخَل
إذا تصفّحتِ بوماً يا بنفسجتي
هذا الكتابَ الذي لا يُشْبِهُ الكُتُبا
تباركي بحروفي .. كلُّ فاصلةٍ
كتبتُها عنكِ يوماً.. أصبحت أدبا..
كتبتُ بالضوء عن عينيكِ. هل أحدٌ
سوايَ بالضوء عن عينيكِ قد كتبا؟
وكُنتِ مجهولةً حتى أتيتُ أنا..
أرمي على صدركِ الأفلاكَ والشُهُبا
أنا.. أنا.. بانفعالاتي وأخيلتي
ترابُ نهديكِ قد حوّلتُهُ ذَهَبا...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أحلَى خَبَر
أحلَى خَبَر
رقم القصيدة : 68274
-----------------------------------
كتبتُ (أُحبّكِ) فوقَ جدار القَمَرْ
(أُحبّكِ جداً)
كما لا أحبّكِ يوماً بشَرْ
ألمْ تقرأيها؟
بخطّ يدي
فوق سُور القَمَرْ
وفوق كراسي الحديقةِ..
فوقَ جذوع الشَجَرْ
وفوق السنابلِ
فوق الجداولِ
فوقَ الثَمَرْ..
وفوق الكواكب تمسح عنها
غُبارَ السَفَرْ..
*
حفرتُ (أُحبّكِ) فوق عقيق السَحَرْ
حفرتُ حدودَ السماءِ
حفرتُ القَدَرْ..
ألم تُبْصريها؟
على وَرَقات الزهَرْ
على الجسر، والنهر، والمنحدرْ
على صَدَفاتِ البحار
على قَطَراتِ المطرْ
ألم تَلْمحيها؟
على كلّ غصنٍ
وكل حصاةٍ، وكلّ حجرْ
*
كتبتُ على دفتر الشمس
أحلى خبرْ..
(أُحبّكِ جداً)
فليتكِ كنتِ قرأتِ الخبرْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> صَبَاحُكِ سُكّر
صَبَاحُكِ سُكّر
رقم القصيدة : 68275(57/468)
-----------------------------------
إذا مرّ يومٌ. ولم أتذكّرْ
به أن أقولَ: صباحُكِ سُكّرْ...
ورحتُ أخطّ كطفلٍ صغير
كلاماً غريباً على وجه دفترْ
فلا تَضْجري من ذهولي وصمتي
ولا تحسبي أنّ شيئاً تغيّرْ
فحين أنا . لا أقولُ: أحبّ..
فمعناهُ أني أحبّكِ أكثرْ.
*
إذا جئتني ذات يوم بثوبٍ
كعشب البحيرات.. أخضرَ .. أخضرْ
وشَعْرُكِ ملقىً على كَتِفيكِ
كبحرٍ.. كأبعاد ليلٍ مبعثرْ..
ونهدُكِ.. تحت ارتفاف القميص
شهيّ.. شهيّ.. كطعنة خنجرْ
ورحتُ أعبّ دخاني بعمقٍ
وأرشف حبْر دَواتي وأسكرْ
فلا تنعتيني بموت الشعور
ولا تحسبي أنّ قلبي تحجّرْ
فالبوَهْم أخلقُ منكِ إلهاً
وأجعلُ نهدكِ.. قطعةَ جوهرْ
وبالوَهْم.. أزرعُ شعركِ دِفْلى
وقمحاً.. ولوزاً.. وغابات زعترْ..
*
إذا ما جلستِ طويلاً أمامي
كمملكةٍ من عبيرٍ ومرمرْ..
وأغمضتُ عن طيّباتكِ عيني
وأهملتُ شكوى القميص المعطّرْ
فلا تحسبي أنني لا أراكِ
فبعضُ المواضيع بالذهن يُبْصَرْ
ففي الظلّ يغدو لعطرك صوتٌ
وتصبح أبعادُ عينيكِ أكبر
أحبّكِ فوقَ المحبّة.. لكنْ
دعيني أراك كما أتصوّرْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> القصيدَة البحريّة
القصيدَة البحريّة
رقم القصيدة : 68276
-----------------------------------
في مرفأ عينيك الأزرقْ
أمطارٌ من ضوءٍ مسموعْ
وشموسٌ دائخةٌ.. وقلوعْ
ترسمُ رحلتها للمُطْلَقْ
*
في مرفأ عينيكِ الأزرقْ
شُبّاكٌ بحريّ مفتوحْ
وطيورٌ في الأبعاد تلوحْ
تبحثُ عن جُزُرٍ لم تُخْلَقْ..
*
في مرفأ عينيكِ الأزرقْ..
يتساقط ثلجٌ في تمّوزْ
ومراكبُ حبلى بالفيروزْ
أغرقتِ البحرَ ولم تغرقْ..
*
في مرفأ عينيكِ الأزرقْ
أركضُ كالطفل على الصَخْرِ
أستنشقُ رائحةَ البحرِ..
وأعودُ كعصفورٍ مُرْهَقْ..
*
في مرفأ عينيكِ الأزرقْ..
أحلم بالبحر وبالابحارْ
وأصيدُ ملايينَ الأقمارْ
وعُقودَ اللؤلؤ والزنبقْ
*
في مرفأ عينيكِ الأزرقْ
تتكلّمُ في الليل الأحجارْ..
في دفتر عينيكِ المُغْلقْ(57/469)
مَنْ خبّأ آلافَ الأشعارْ؟
*
لو أنّي.. لو أنّي.. بحّار
لو أحدٌ يمنحني زورقْ..
أرسيتُ قلوعي كلَّ مساءْ
في مرفأ عينيك الأزرقْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الحَسْناءُ والدّفْتر
الحَسْناءُ والدّفْتر
رقم القصيدة : 68277
-----------------------------------
قالتْ: أتسمحُ أن تُزيّنَ دفتري
بعبارة، أو بيتِ شعرٍ واحدِ..
بيتٍ أخبّئهُ بليل ضفائري
وأريحُهُ كالطفل فوق وسائدي
قُلْ ما تشاءُ، فإنّ شِعْركَ شاعري
أغلى وأروعُ من جميع قلائدي
ذاتَ المفكّرة الصغيرة.. أعذري
ما عاد ماردكِ القديمُ بماردِ
من أينَ؟ أحلى القارئات أتيتِني
أنا لستُ أكثرَ من سراجٍ خامدِ..
أشعاري الأولى. أنا أحرقتُها
ورميتُ كلّ مزاهري وموائدي..
أنتِ الربيعُ.. بدفئه وشموسه
ماذا سأصنعُ بالربيع العائدِ؟.
لا تبحثي عني خِلالَ كتابتي..
شَتّانَ ما بيني وبين قصائدي..
أنا أهدمُ الدنيا ببيتٍ شاردٍ
وأعمّرُ الدنيا ببيتٍ شاردِ..
بيدي صنعتُ جمالَ كلّ جميلةٍ
وأثرتُ نَخْوَةَ كلّ نهدٍ ناهدِ
أشعلتُ في حطب النجوم حرائقاً
وأنا أمامكِ كالجدارِ الباردِ..
كُتُبي التي أحببتِها وقرأتِها
ليستْ سوى ورقٍ.. وحبرٍ جامدِ
لا تُخدعي ببروقِها ورعُودها
فالنار ميّتةٌ بجوف مواقدي
سيفي أنا خشبٌ.. فلا تتعجّبي
إنْ لم يضمّكِ، يا جميلةُ، ساعدي.
إني أحاربُ بالحروف وبالرؤى
ومن الدخان صنعتُ كلّ مشاهدي
شيّدتُ للحبّ الأنيق معابداً
وسقطتُ مقتولاً .. أمام معابدي..
*
قَزَحيّةَ العينين.. تلك حقيقتي..
هل بعد هذا تقرأينَ قصائدي؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بعدَ العَاصِفَة
بعدَ العَاصِفَة
رقم القصيدة : 68278
-----------------------------------
أتُحبّني . بعد الذي كانا؟
إني أحبّكِ رغم ما كانا
ماضيكِ. لا أنوي إثارتَهُ
حسبي بأنّكِ ها هُنا الآنا..
تَتَبسّمينَ.. وتُمْسكين يدي
فيعود شكّي فيكِ إيمانا..
عن أمسِ . لا تتكلّمي أبداً..
وتألّقي شَعْراً.. وأجفانا(57/470)
أخطاؤكِ الصُغرى.. أمرّ بها
وأحوّلُ الأشواكَ ريحانا..
لولا المحبّةُ في جوانحه
ما أصبحَ الإنسانُ إنسانا..
*
عامٌ مضى. وبقيتِ غاليةً
لا هُنْتِ أنتِ ولا الهوى هانا..
إني أحبّكِ . كيف يمكنني؟
أن أشعلَ التاريخَ نيرانا
وبه معابدُنا، جرائدُنا،
أقداحُ قهوتِنا، زوايانا
طفليْنِ كُنّا.. في تصرّفنا
وغرورِنا، وضلالِ دعوانا
كَلماتُنا الرعْناءُ .. مضحكةٌ
ما كان أغباها.. وأغبانا
فَلَكَمْ ذهبتِ وأنتِ غاضبةٌ
ولكّمْ قسوتُ عليكِ أحيانا..
ولربّما انقطعتْ رسائلُنا
ولربّما انقطعتْ هدايانا..
مهما غَلَوْنا في عداوتنا
فالحبُّ أكبرُ من خطايانا..
*
عيناكِ نَيْسَانانِ.. كيف أنا
أغتالُ في عينيكِ نَيْسَانا؟
قدرُ علينا أن نكون معاً
يا حلوتي. رغم الذي كانا..
إنّ الحديقةَ لا خيارَ لها
إنْ أطلعتْ ورقاً وأغصانا..
هذا الهوى ضوءٌ بداخلنا
ورفيقُنا.. ورفيقُ نجوانا
طفلٌ نداريهِ ونعبُدُهُ
مهما بكى معنا.. وأبكانا..
أحزانُنا منهُ.. ونسألهُ
لو زادنا دمعاً.. وأحزانا..
*
هاتي يديْكِ.. فأنتِ زنبقتي
وحبيبتي. رغم الذي كانا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الدخول إلى هيروشيمَا
الدخول إلى هيروشيمَا
رقم القصيدة : 68279
-----------------------------------
مُبلّلٌ.. مُبلّلٌ
قلبي ، كمنديل سَفَر
كطائرٍ..
ظلّ قروناً ضائعاً تحت المطرْ..
زجاجةٌ..
تدفعها الأمواجُ في بحر القَدَرْ
سفينةٌ مثقوبةٌ
تبحثُ عن خلاصِها،
تبحثُ عن شواطئٍ لا تُنْتَظرْ..
*
قلبيَ يا صديقتي!
مدينةٌ مغلقةٌ..
يخافُ أن يزورها ضوءُ القمَرْ
يضجرُ من ثيابه فيها الضجَرْ..
أعمدةٌ مكسورةٌ
أرصفةٌ مهجورةٌ
يغمرها الثلجُ وأوراقُ الشجَرْ..
قَبْلكِ يا صغيرتي..
جاءت إلى مدينتي
جحافلُ الفُرْسِ وأفواجُ التَتَرْ
وجاءها أكثرُ من مغامرٍ..
ثم انتحَرْ..
فحاذري أن تلمسي جدرانَها
وحاذري أن تقربي أوثانها
فكلّ من لامسَها..
صار حجرْ..
*
مدينتي..
مالكِ من مدينتي؟.
فليس في ساحاتِها..(57/471)
سوى الذُباب والحُفَرْ..
وليس في حياتها
سوى رفيقٍ واحدٍ.
هو الضَجَرْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى تلميذة
إلى تلميذة
رقم القصيدة : 68280
-----------------------------------
قُلْ لي - ولو كذباً - كلاماً ناعماً
قد كادً يقتُلُني بك التمثالُ
لم تستطيعي ، بَعْدُ ، أن تَتَفهَّمي
إنِّي لأرفضُ أن أكونَ مهرجاً
فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ
كَلِماتُنا في الحُبِّ .. تقتلُ حُبَّنَا
غيبوبةُ .. وخُرافةٌ .. وخَيَالُ
بختامها يتزوَّجُ الأبطالُ
هُوَ أن تَظَلَّ على الأصابع رِعْشَةٌ
وعلى الشفاهْ المطبقات سُؤالُ
هُوَ هذه الأزماتُ تسحقُنا معاً ..
هُوَ أن نَثُورَ لأيِّ شيءٍ تافهٍ
ونُقَبِّلُ الكَفَّ التي تَغْتالُ
*
قد يُطْلِعُ الحَجَرُ الصغيرُ براعماً
إني أُحِبُّكِ من خلال كآبتي
سِراً يُمزِّقني .. وليسَ يُقالُ ..
هُوَ يأسُنا .. هُوَ شَكُّنا القتَّالُ
ونُقَبِّلُ الكَفَّ التي تَغْتالُ
*
فَلَكمْ بكى في صمتِهِ تِمْثَالُ
قد يُطْلِعُ الحَجَرُ الصغيرُ براعماً
إني أُحِبُّكِ من خلال كآبتي
وجهاً كوجه الله.. ليس يُطالُ
سِراً يُمزِّقني .. وليسَ يُقالُ ..
هُوَ يأسُنا .. هُوَ شَكُّنا القتَّالُ
هو هذه الكَفُّ التي تغتالنا
ونُقَبِّلُ الكَفَّ التي تَغْتالُ
*
لا تجرحي التمثالَ في إحْسَاسِه
فَلَكمْ بكى في صمتِهِ تِمْثَالُ
قد يُطْلِعُ الحَجَرُ الصغيرُ براعماً
وتسيلُ منهُ جداولٌ وظلالُ
إني أُحِبُّكِ من خلال كآبتي
وجهاً كوجه الله.. ليس يُطالُ
حسبي .. وحَسْبُكِ .. أن تظَلِّي دائماً
سِراً يُمزِّقني .. وليسَ يُقالُ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> يوميات قرصَان
يوميات قرصَان
رقم القصيدة : 68281
-----------------------------------
عزيزتي،
إذا رجعتُ لحظةً لنفسي
أشعر أن حبنا جريمَهْ..
وأنني مهرجٌ عجوزْ
يقذفه الجمهور بالصفير والشتيمَهْ
أشعر أني سارقٌ
يسطو على لؤلؤةٍ كريمَهْ
أشعر في قرارتي(57/472)
أن العبارات التي ألفظُها
جريمَهْ..
أن انتصاراتي التي أزعمها
ليست سوى هزيمَهْ
فما أنا
أكثر من جريدةٍ قديمَهْ..
وأنتِ مازلتِ..
تحتاجينَ للأمومَهْ..
إذا رجعتُ لحظةً لنفسي.
أدركُ يا عزيزتي
تفاهةَ انتصاري
أشعرُ أن حبّنا
تجربةُ انتحارِ..
وأننا..
ننكش كالأطفال في هياكل المحارِ..
أشعر أن ضحكتي..
نوعٌ من القمارِ..
وقبلتي..
نوعٌ من القمارِ..
أشعر أن نهدكِ المزروعَ في جواري..
كخنجرٍ مفضّضٍ..
ككوكبٍ مَداري
يشتمني..
يجلدني..
يُشعرني بعاري..
*
إذا رجعتُ لحظةً لنفسي
أشعر أن حبّنا
حماقةٌ كبيرَهْ..
وأنني حاوٍ من الحواةْ..
يُخرج من جيوبه الأرانبَ المثيرَهْ..
وأنني كتاجر الرقيقْ..
يبيع كلَّ امرأةٍ ضميرَهْ..
أشعر في قرارتي
أن يدي في يدك الصغيرهْ..
قرصنةٌ حقيرهْ..
أن يدي..
كخيط عنكبوتٍ
تلتفُّ حول الخصر والضفيرَه..
أشعر في قرارتي
أنكِ، بعدُ نعجةٌ غريرَهْ
أما أنا.. فمركبٌ عتيقٌ
يواجهُ الدقائقَ الأخيرَهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حصَان
حصَان
رقم القصيدة : 68282
-----------------------------------
حاذري أن تقعي بين يديّا
إنَّ سُمّي كلّه في شفتيّا
إنني أرفضُ أن أبقى هُنا
رِجْلَ كرسي.. وتمثالاً غبياً..
حاذري..أن ترفعي السَوْطَ.. ألمْ
تركبي قَبْلُ.. حصاناً عربيّا..
نَخْزَةٌ منكِ على خاصرتي
تجعلُ الحقدَ بصدري بربريا..
أنا شمشونُ .. اذا أوجعتني
قلتُ: يا ربي، عليها.. وعليّا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ثمن قصَائدي
ثمن قصَائدي
رقم القصيدة : 68283
-----------------------------------
"لقد أحبّتْ شاعرا"
وتمضغُ النساءُ في المدينة القديمَهْ..
قِصّتنا العظيمَهْ..
ويرفعُ الرجالُ في الهواءْ
قَبَضاتِهم.. وتُشْحَذُ الفؤوسْ..
وتُقْرع الكؤوسُ بالكؤوسْ..
كأنها .. كأنها جريمَهْ..
بأن تحبّي شاعرا...
فَرَاشي..
يا ليتَ باستطاعتي
أن لا أكونَ شاعرا..
يا ليتني..
أقدرُ أن أكونَ شيئاً آخرا(57/473)
مرابياً، أو سارقاً..
أو قاتلاً..
أو تاجراً..
يا ليتني أكونُ يا صديقتي الحزينهْ..
لصّاً على سفينَهْ..
فربّما تقبلُني المدينَهْ..
مدينةُ القصديرِ والصفيحِ، والحجَرْ.
تلكَ التي سماؤها لا تعرفُ المطرْ..
وخبزُها اليوميّ..
حقدٌ وضجَرْ..
تلكَ التي .. تطاردُ الحرفَ..
وتغتالُ القمَرْ..
يا ليتَ باستطاعتي..
يا نجمتي،
يا كرمتي،
يا غابتي،
أن لا أكون شاعرا..
لكنما الشعرُ قدَرْ..
فكيفَ، يا لؤلؤتي وراحتي..
أهربُ من ها القدَرْ؟.
*
الناسُ في بلادنا السعيدَهْ..
لا يفهمونَ الشاعرا..
يرونه مهرّجاً يحرك المشاعرا..
يَرَوْنَ قرصاناً به
يقتنصُ الكنوزَ.. والنساءَ.. والحرائرا
يرون فيه ساحرا..
يحوّل النحاسَ في دقيقةٍ
إلى ذهبْْ..
ما أصعبَ الأدبْ!
فالشعرُ لا يُقرأ في بلادنا لذاتهِ..
لجرْسِهِ..
أو عمقهِ..
أو محتوى لَفْظاتِهِ..
فكلُّ ما يهمنّا..
من شعرِ هذا الشاعرِ..
ما عَدَدُ النساءِ في حياتهِ؟
وهل لهُ صديقةٌ جديدَهْ؟
فالناسُ..
يقرأون في بلادنا القصيدَهْ..
ويذبحونَ صاحبَ القصيدَه..
أعطيتُ هذا الشرقَ من قصائدي بيادرا
علّقتُ في سمائه.. النجومَ والجواهرا
ملأتُ يا حبيبتي..
بحبّه الدفاترا..
ورغم ما كتبتُهُ..
ورغم ما نشرتُهُ
ترفضني المدينةُ الكئيبَهْ..
تلك التي سماؤها لا تعرف المطَرْ..
وخبزُها اليوميُّ.. حقدٌ وضجَرْ..
ترفضني المدينةُ الرهيبَهْ..
لأنني .. بالشِعْر يا حبيبَهْ
غيّرتُ تاريخَ القَمَرْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مرثاةُ قِطّة
مرثاةُ قِطّة
رقم القصيدة : 68284
-----------------------------------
عرفتُكِ من عامين.. ينبوعَ طيبةٍ
ووجهاً بسيطاً كان وجهي المُفَضّلا..
وعينينِ أنقى من مياه غمامةٍ
وشَعْراً طفوليّ الضفائر مُرْسَلا
وقلباً كأضواء القناديل صافياً
وحُبّاً، كأفراخ العصافير، أوّلا..
أصابعُكِ الملساءُ كانتْ مناجما
أُلملمُ عنها لؤلؤاً وقرنفلا..
وأثوابُكِ البيضاء كانت حمائماً(57/474)
ترشرش ثلجاً - حيث طارتْ- ومخملا
*
عرفتُكِ صوتاً ليس يُسْمعُ صوتُهُ
وثغراً خجولاً كان يخشى المُقبِّلا..
فأين مضتْ تلك العذوبةُ كلُّها..
وكيف مضى الماضي.. وكيف تبدَّلا؟.
توحّشتِ.. حتى صرتِ قِطّةَ شارعٍ
وكنتِ على صدري تحومين بُلبلا..
فلا وجهك الوجه الذي قد عبدتُهُ
ولا حسنك الحسن الذي كان مُنْزَلا..
وداعتُك الأولى استحالتْ رعونةً
وزينتكِ الأولى استحالتْ تبذلا..
أيمكن أن تغدو المليكةُ هكذا؟
طلاءً بدائياً.. وجفناً مكحّلا...
أيمكن أن يغتالَ حسنُكِ نفسَهُ
وأن تصبح الخمرُ الكريمةُ حنظلا..
يروّعني أن تصبحي غجريةً
تنوء يداها بالأساور والحُلى..
تجولينَ في ليل الأزقة.. هرةً
وجوديةً.. ليستْ تثير التخيّلا..
*
سلامٌ على من كُنْتِها.. يا صديقتي
فقد كنتِ أيامَ البساطةِ أجملا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المجدُ للضفائر الطويلة
المجدُ للضفائر الطويلة
رقم القصيدة : 68285
-----------------------------------
.. وكان في بغداد يا حبيبتي، في سالف الزمانْ
خليفةٌ لهُ ابنةٌ جميلَهْ..
عيونُها.
طَيْرانِ أخضرانْ..
وشَعْرها قصيدةٌ طويلَهْ..
سعى لها الملوكُ والقياصرَه..
وقدّموا مَهْراً لها..
قوافلَ العبيد والذهبْ
وقدّموا تيجانَهُم
على صحافٍ من ذهبْ..
ومن بلاد الهند جاءها أميرْ..
ومن بلاد الصين جاءها الحريرْ..
لكنما الأميرةُ الجميلَهْ
لم تقبلِ الملوكَ والقصورَ والجواهرا..
كانت تحبّ شاعرا..
يلقي على شُرفتِها
كلَّ مساءٍ وردةً جميلَهْ
وكِلْمةً جميلَهْ..
تقولُ شهرزادْ:
.. وانتقم الخليفةُ السفّاحُ من ضفائر الأميرَهْ
فقصّها..
ضفيرةً.. ضفيرَهْ..
وأعلنتْ بغدادُ - يا حبيبتي- الحدادْ
عامينِ..
أعلنتْ بغدادُ - يا حبيبتي - الحدادْ
حُزْناً على السنابل الصفراء كالذهَبْ
وجاعت البلادْ..
فلم تعُد تهتزّ في البيادرِ
سنبلةٌ واحدةٌ..
أو حبّةٌ من العنبْ..
وأعلنَ الخليفةُ الحقودْ
هذا الذي أفكاره من الخشبْ(57/475)
وقلبهُ من الخشبْ
عن ألف دينارٍ لمن يأتي برأس الشاعرِ.
وأطلقَ الجنودْ..
ليحرقوا..
جميعَ ما في القصر من ورودْ..
وكلّ ما في مُدُنِ العراقِ من ضفائرِ.
*
سيمسحُ الزمانُ، يا حبيبتي..
خليفةَ الزمانْ..
وتنتهي حياتُهُ
كأيّ بهلوانْ..
فالمجدُ .. يا أميرتي الجميلَهْ..
يا مَنْ بعينها، غفا طيرانِ أخضَرانْ
يظلّ للضفائر الطويلَهْ..
والكِلْمةِ الجميلَهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بَريدهَا الذي لا يَأتي
بَريدهَا الذي لا يَأتي
رقم القصيدة : 68286
-----------------------------------
تلكَ الخطاباتُ الكسولةُ بيننا
خيرٌ لها.. خيرٌ لها.. أن تُقْطَعَا
إنْ كانت الكلماتُ عندكِ سُخْرَةً
لا تكتبي. فالحبّ ليس تبرّعا
أنا أرفضُ الاحسانَ من يد خالقي
قد يأخذ الاحسانُ شكلاً مُفْجِعا
إني لأقرأ ما كتبتِ فلا أرى
إلاّ البرودةَ .. والصقيعَ المفْزِعا..
عفويةً كوني. وإلاّ فاسكتي
فلقد مللتُ حديثَكِ المتميّعا
*
حَجَريّةَ الإحساس .. لن تتغيّري
إني أخاطبُ ميّتاً لن يَسمعا
ما أسخفَ الأعذارَ تبتدعينها
لو كان يمكنني بها أن أقنعا
سنةٌ مضتْ. وأنا وراء ستائري
أستنظر الصيفَ الذي لن يرجعا..
كلُّ الذي عندي رسائلُ أربعٌ
بقيتْ - كما جاءت- رسائلَ أربعا.
هذا بريدٌ. أم فتاتُ عواطفٍ
إني خُدعتُ. ولن أعودَ فأُخدعا.
*
يا أكسل امرأةٍ .. تخطّ رسالةً
يا أيتها الوهمُ الذي ما أشبَعَا..
أنا من هواكِ .. ومن بريدكِ مُتْعبٌ
وأريدُ أن أنسى عذابكما معا..
لا تُتْعبي يدَكِ الرقيقةَ. إنني
أخشى على البللور أن يتوجعا..
إني أريحُكِ من عناء رسائلٍ..
كانتْ نفاقاً كلُّها.. وتصنّعا
الحرفُ في قلبي نزيفٌ دائمٌ
والحرفُ عندكِ.. ما تعدّى الإصبعا.
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تريدين..
تريدين..
رقم القصيدة : 68287
-----------------------------------
تُريدينَ مثلَ جميعِ النساءِ..
كنوزَ سليمانَ..
مثلَ جميع النساءِ
وأحواض عطرٍ
وأمشاط عاجٍ(57/476)
وسرْبَ إماءِ
تُريدينَ مَوْلى..
يُسبّح باسمك كالبَبَغاءِ
يقولُ: (أحبّكِ) عند الصباحِ
يقولُ: (أحبّكِ) عند المساءِ
ويغسلُ بالخمر رجليْكِ..
يا شهرزادَ النساءِ..
تريدينَ مثل جميع النساءِ
تريدينَ مني نجومَ السماءِ
وأطباقَ مَنٍّ..
وأطباقَ سلوى..
وخُفّينِ من زَهر الكستناءِ..
تريدينَ..
من شَنغَهَاي الحريرَ..
ومن أصفهانَ
جلودَ الفراءِ..
ولستُ نبياً من الأنبياءِ..
لألقي عصايَ..
فينشقّ بحرٌ..
ويولدُ حِجَارته من ضياءِ..
تريدينَ مثلَ جميع النساءِ..
مراوحَ ريشٍ
وكُحلاً..
وعطرا..
تريدينَ عبداً شديدَ الغباءِ
ليقرأ عند سريركِ شعرا.
تريدينَ..
في لحظتينِ اثْنَتيْنِ
بَلاطَ الرشيدِ
وإيوانَ كِسرى..
وقافلةً من عبيد وأسرى
تجرّ ذيولكِ..
يا كلْيوبترا...
ولستُ أنا..
سندبادَ الفضاءِ..
لأحضر بابلَ بين يديكِ
وأهرامَ مصرٍ..
وإيوانَ كسْرى
وليس لديّ سراجُ علاءِ
لآتيكِ بالشمسِ فوقَ إناءِ..
كما تتمنى.. جميعُ النساءِ..
وبعدُ..
أيا شهرزادَ النساءِ..
أنا عاملٌ من دمشقَ .. فقيرٌ
رغيفي أغمّسه بالدماءِ..
شعوري بسيط
وأجري بسيطٌ
وأؤمنُ بالخبز والأولياءِ..
وأحلم بالحبّ كالآخرينْ..
وزوجٍ تخيطُ ثقوبَ ردائي..
وطفلٍ ينامُ على ركبتيَّ
كعصفور حقلٍ
كزهرةِ ماءِ..
أفكر بالحب كالآخرينْ..
لأن المحبة مثل الهواءِ..
لأن المحبة شمسٌ تضيء..
على الحالمينَ وراء القصورِ..
على الكادحينَ..
على الأشقياءِ..
ومن يملكونَ سريرَ حريرٍ
ومن يملكونَ سريرَ بُكاءِ..
تريدينَ مثلَ جميع النساءِ..
تريدينَ ثامنةَ المعجزاتِ..
وليس لديَّ..
سوى كبريائي..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لا تحِبّيني
لا تحِبّيني
رقم القصيدة : 68288
-----------------------------------
هذا الهوى..
ما عادَ يُغريني!
فَلْتستريحي.. ولْترُيحيني..
إنْ كان حبّكِ.. في تقلّبهِ
ما قد رأيتُ..
فلا تُحبّيني..
حُبّي..
هو الدنيا بأجمعها
أما هواكِ. فليس يعنيني..
أحزانيَ الصغْرى.. تعانقني.(57/477)
وتزورني..
إنْ لم تزوريني.
ما همّني..
ما تشعرينَ به..
إن إفتكاري فيكِ يكفيني..
فالحبّ.
وهمٌ في خواطرنا
كالعطر، في بال البساتينِ..
عيناكِ.
من حُزْني خلقتُهُما
ما أنتِ؟
ما عيناكِ؟ من دُوني
فمُكِ الصغيرُ..
أدرتُهُ بيدي..
وزرعتُهُ أزهارَ ليمونِ..
حتى جمالُكِ.
ليس يُذْهلني
إن غابَ من حينٍ إلى حينِ..
فالشوقُ يفتحُ ألفَ نافذةٍ
خضراءَ..
عن عينيكِ تُغنْيني
لا فرقَ عندي. يا معذّبتي
أحببتِني.
أم لم تُحبّيني..
أنتِ استريحي.. من هوايَ أنا..
لكنْ سألتُكِ..
لا تُريحيني..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> يجوزُ أن تكوني
يجوزُ أن تكوني
رقم القصيدة : 68289
-----------------------------------
يجوزُ أن تكوني
واحدةً من أجمل النساءِ..
دافئةً..
كالفحم في مواقد الشتاءِ..
وَحْشيةً..
كقطةٍ تموءُ في العَراءِ..
آمرةً.. ناهيةً
كالربّ في السماءِ..
يجوز أن تكوني
سمراءَ.. إفريقيةَ العيونِ.
عنيدةً..
كالفَرَسِ الحَرُونِ..
عنيفةً..
كالنارِ، كالزلزالِ، كالجنونِ..
يجوز أن تكوني..
جميلةً، ساحقةَ الجمالِ..
مثيرةً للجلد، للأعصاب، للخيالِ..
وتُتقنين اللهوَ في مصائر الرجالِ..
يجوزُ أن تضطجعي أمامي..
عاريةً..
كالسيف في الظلام..
مليسةً كريشة النعامِ..
نهدُكِ مُهْرٌ أبيضٌ
يجري..
بلا سرجٍ ولا لجامِ..
يجوز أن تبقي هُنا..
عاماً وبعضَ عام..
فلا يثيرُ حسنُكِ المدمّرُ اهتمامي..
كأنما..
ليست هناك امرأةٌ.. أمامي..
يجوزُ أن تكوني
سلطانةَ الزمان والعصور..
وأن أكون أبلهاً.. معقّد الشعورِ..
يجوز أن تقولي
ما شئتِ عن جُبني.. وعن غروري.
وأنّني .. وأنّني..
لا أستطيعُ الحُبَّ.. كالخصيانِ في القصورِ
يجوز أن تهدّدي..
يجوز أن تعربدي..
يجوز أن تثوري..
لكن أنا..
رغمَ دموع الشمع والحريرِ..
وعُقْدة (الحريم) في ضميري.
لا أقبلُ التزويرَ في شعوري..
يجوزُ أن تكوني
شفّافةً كأدمع الربابَهْ
رقيقةً كنجمةٍ،
عميقةً كغابَهْ..
لكنني أشعر بالكآبَهْ..(57/478)
فالجنسُ - في تصوري-
حكايةُ انسجامِ..
كالنحتِ ، كالتصوير، كالكتابَهْ..
وجسمكُ النقيُّ. كالقشطةِ والرُخَامِ
لا يُحسن الكتابَهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تعوّد شَعْري عَلَيكْ
تعوّد شَعْري عَلَيكْ
رقم القصيدة : 68290
-----------------------------------
تعوَّدَ شَعْري الطويلُ عليكْ
تعوّدتُ أرخيه كلَّ مساءٍ
سنابلَ قمح على راحتيكْ
تعوّدتُ أتركه يا حبيبي..
كنجمة صيفٍ على كتفيكْ..
فكيف تَمَلّ صداقةَ شَعْري؟
وشَعْري ترَعْرعَ بين يديكْ.
ثلاثُ سنينْ..
ثلاثُ سنينْ..
تُخدّرني بالشؤون الصغيرَه..
وتصنع ثوبي كأيّ اميرَهْ..
من الأرجوانِ..
من الياسمينْ..
وتكتبُ إسمَكَ فوق الضفائرْ
وفوق المصابيح.. فوق الستائرْ
ثلاثُ سنينْ..
وأنتَ تردّد في مسمعيّا..
كلاماً حنوناً.. كلاماً شهيّا..
وتزرعُ حبّك في رئتيّا..
وها أنتَ.. بعد ثلاث سنينْ..
تبيعُ الهوى.. وتبيعُ الحنينْ
وتترك شَعْري..
شقيّاً.. شقيّا..
كطيرٍ جريحٍ.. على كتفيّا
*
حبيبي!
أخافُ اعتيادَ المرايا عليكْ..
وعطري. وزينةِ وجهي عليكْ..
أخافُ اهتمامي بشكل يديكْ..
أخافُ اعتيادَ شفاهي..
مع السنواتِ، على شفتيكْ
أخافُ أموتُ
أخافُ أذوبُ
كقطعة شمعٍ على ساعديْك..
فكيف ستنسى الحريرَ؟
وتنسى..
صلاةَ الحرير على ركْبتيكْ؟
*
لأني أحبّكَ، أصبحت أجمّلْ
وبعثرتُ شعري على كتفيَّ..
طويلاً .. طويلاً..
كما تتخيّلْ..
فكيفَ تملّ سنابلَ شعري؟
وتتركه للخريف وترحَلْ
وكنتَ تريحُ الجبينَ عليه
وتغزلُهُ باليدينِ فيُغْزَلْ..
وكيف سأخبر مِشْطي الحزينْ؟
إذا جاءني عن حنانكِ يسألْ..
أجبني. ولو مرةً يا حبيبي
إذا رُحْتَ..
ماذا بِشَعْري سأفعَلْ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلاّ مَعي
إلاّ مَعي
رقم القصيدة : 68291
-----------------------------------
ستذكرينَ دائماً أصابعي..
لو ألفَ عام عشتِ.. يا عزيزتي
ستذكرين دائماً
أصابعي..
فضاجعي من شئتِ أن تُضاجعي..(57/479)
ومارسي الحُبَّ..
على أرصفةِ الشوارعِ
نامي مع الحوذيّ، واللوطيّ،
والإسكافِ.. والمُزَارعِ..
نامي مع الملوك، واللصوص،
والنُسَّاكِ في الصوامعِ..
نامي مع النساءِ - لا فرقَ-
مع الريح، مع الزوابعِ..
فلن تكوني امرأةً..
إلاّ معي..
إلاّ معي...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> سَاعَة الصِّفر
سَاعَة الصِّفر
رقم القصيدة : 68292
-----------------------------------
أنتِ لا تُحتملينْ!!
كلُّ أطواركِ فَوْضى
كلُّ أفكاركِ طينْ..
صوتُكِ المبحوحُ وحشيّ، غريزي الرنينْ
خنجر يأكلُ من لحمي. فلاّ تسكتينْ
يا صُداعاً عاش في رأسي
سنيناً.. وسنينْ..
يا صُداعي.
كيفَ لم أقتلْكِ من خمس سنينْ؟
*
إننا .. في ساعة الصِفْر..
فما تقترحينْ؟.
أصبحتْ أعصابُنا فحماً
فما تقترحينْ؟
عُلَبُ التبغ رميناها
وأحرقنا السفينْ
وقتلنا الحبَّ في أعماقنا
وهو جنينْ..
سبعَ ساعاتٍ..
تكلَّمتِ عن الحبِّ الذي لا تعرفينْ
وأنا أمضغُ أحزاني
كعصفورٍ حزين
سبعَ ساعاتٍ..
كسنجابٍ لئيم.. تكذبينْ
وأنا أصغي إلى الصوت الذي أدمنتُهُ
خمسَ سنينْ..
ألعنُ الصوتَ الذي أدمنتُهُ
خمسَ سنينْ..
*
معطفي هاتيهِ.
ما تنتظرينْ؟
فمع الأمطار والفجر الحزينْ
أنتهي منكِ. ومني تنتهينْ
إنني أتركك الآنَ.. لزيف الزائفينْ
ونفاق المعجبينْ..
فاجعلي من بيتك الحالم مأوى التافهينْ
واخطري جاريةً بين كؤوس الشاربينْ
كيف أبقى؟
عابراً بين ألوف العابرينْ؟
كيف أرضى؟
أن تكوني في ذراعي..
وذراعي الآخرينْ.
كيفَ يا مُلكي ومُلْكَ الآخرينْ
كيف لم أقتُلْكِ
من خمس سنينْ؟.
*
أبْعِدي الوجهَ الذي أكرهُهُ..
أنتِ عندي
في عِدَادِ الميتينْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التفكير بالأصابع
التفكير بالأصابع
رقم القصيدة : 68293
-----------------------------------
ماذا يهمّكِ من أكونُ؟
حجرٌ..
كتابٌ..
غيمةٌ..
ماذا يهمُّكِ من أكونُ؟.
خلّيكِ في وهمي الجميلِ..
فسوفَ يقتلك اليقينُ..(57/480)
ماذا يهمُّك من أنا؟
ما دمتُ أحرثُ كالحصانِ
على السرير الواسعِ..
ما دمتُ أزرعُ تحت جلدِكِ
ألفَ طفلٍ رائعِ..
ما دمتُ أسكبُ في خليجك
رَغْوتي وزوابعي..
ما شأن أفكاري؟
دعيها جانباً..
إني أفكّر عادةً بأصابعي...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> النقاط على الحُروف
النقاط على الحُروف
رقم القصيدة : 68294
-----------------------------------
لا تكوني عَصَبيَّهْ!!
لنْ تثيريني بتلك الكلماتِ البربريَّهْ
ناقشيني بهدوءٍ ورويّهْ
من بنا كان غبيّاً؟
يا غبيَّهْ..
إنزعي عنكِ الثيابَ المسرحيّهْ..
وأجيبي..
من بنا كان الجبانا؟.
من هو المسؤولُ عن موتِ هوانا؟.
من بنا قد باع للثاني.. القصورَ الورقيّهْ؟
من هو القاتلُ فينا والضحيّهْ؟.
من تُرى أصبح منَّا بهلوانا..؟
بين يوم وعشيّهْ؟
*
إمْسَحي دمعَ التماسيحِ..
وكوني منطقيّهْ..
أزمةُ الشكّ التي نجتازُها
ليس تُنهيها الحلولُ العاطفيَّهْ..
أنتِ نافقتِ كثيرا...
وتجبّرتِ كثيرا..
ووضعتِ النارَ في كل الجُسُور الذهبيَّهْ
أنتِ منذ البدء ، يا سيّدتي
لم تعيشي الحبَّ يوماً.. كقضيَّهْ
دائماً. كنت على هامشِهِ..
نقطةً حائرةً في أبجديَّهْ..
قشّةً تطفو..
على وجه المياه الساحليَّهْ.
كائناً..
من غير تاريخٍ.. ومن غير هويَّهْ..
لا تكوني عَصَبيَّهْ!
كلُّ ما أرغبُ أن أسألَهُ.
من بنا كان غبيَّاً...
يا غبيَّهْ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> دمُوع شهريَار
دمُوع شهريَار
رقم القصيدة : 68295
-----------------------------------
ما قيمةُ الحوارِ؟
ما قيمةُ الحوارِ؟
ما دمتِ، يا صديقتي، قانعةً
بأنني وريثُ شهريارِ..
أذبحُ، كالدجاجِ، كلَّ ليلةٍ
ألفاً من الجواري..
أدحرجُ النهودَ كالثمارِ..
أذيبُ في الأحماض.. كلَّ امرأةٍ
تنامُ في جواري..
لا أحد يفهمني..
لا أحدٌ يفهمُ ما مأساةُ شهريارِ
حين يصير الجنْسُ في حياتنا
نوعاً من الفرارِ..
مخدّراً نشمّهُ في الليل والنهارِ..
ضريبةً ندفعُها(57/481)
بغير ما اختيارِ..
حين يصير نهدُكِ المعجونُ بالبهارِ
مقصلتي..
وصخرةَ انتحاري..
صديقتي،
مللتُ من تجارة الجواري..
مللتُ من مراكبي
مللتُ من بحاري..
لو تعرفين مرةً..
بشاعةَ الإحساسِ بالدُوارِ..
حين يعود المرءُ من حريمِهِ
منكمشاً كدودة المحارِ..
وتافهاً كذرّةِ الغبارِ..
حين الشفاهُ كلُّها..
تصير من وفرتها
كالشوك في البراري..
حين النهودُ كلُّها..
تدقّ في رتابةٍ
كساعة الجدارِ...
*
لن تفهميني أبداً..
لن تفهمي أحزانَ شهريارِ..
فحين ألفُ امرأةٍ..
ينمنَ في جواري..
أُحسّ أنْ لا أحدٌ..
ينامُ في جواري...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إمرأة من زجاج
إمرأة من زجاج
رقم القصيدة : 68296
-----------------------------------
عيناكِ.. كلُّها تحدّي
ولقد قبلتُ أنا التحدّي!!
يا أجبنَ الجبناء.. إقتربي
فرقُكِ دون رعدِ
هاتي سلاحَكِ.. واضربي
سَتَريْنَ كيف يكون ردّي..
إنْ كان حقدُكِ قطرةً
فالحقدُ كالطوفان عندي
أنا لستُ أغفر كالمسيحِ
ولن أُديرَ إليكِ خدّي
السَوْطُ.. أصبحَ في يدي
فتمزَّقي بسياط حقدي
*
يا آخر امرأةٍ.. تحاولُ
أن تسدَّ طريقَ مجدي
جدرانُ بيتكِ من زجاجٍ
فاحذري أن تستبدّي!
سنرى غداً .. سنرى غداً
من أنتِ بعد ذُبُول وردي
*
أتهدِّدينَ بحبِّك الثاني..
وزندٍ غير زندي؟
إني لأعرفُ، يا رخيصةُ،
أنَّني ما عدتُ وحدي..
هذا الذي يسعى إليكِ الآنَ...
لا أرضاهُ عَبْدي..
فليَمْضغِ النهدَ الذي
خلّفتُهُ أنقاضَ نهدِ..
يكفيه ذُلاًّ ... أنّه
قد جاءَ ماءَ البئر.. بعدي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ديك الجنّ الدِمَشقي
ديك الجنّ الدِمَشقي
رقم القصيدة : 68297
-----------------------------------
إنّي قتلتُكِ.. واسترحتُ
يا أرخصَ امرأةً عرفتُ..
أغمدتُ في نهدَيْكِ.. سِكِّيني
وفي دمكِ اغتسلتُ..
وأكلتُ من شفة الجراحِ
ومِنْ سُلافتها شربتُ..
وطعنتُ حبَّكِ في الوريدِ..
طعنتُهُ.. حتى شبعتُ
ولُفافتي بفمي.. فلا انفعلَ(57/482)
الدخانُ.. ولا انفعلتُ
ورميتُ للأسماكِ.. لحمَكِ
ولا رحمتُ.. ولا غفرتُ
لا تستغيثي.. وانزفي
فوق الوسادة كما نزفتُ
نفّذتُ فيكِ جريمتي
ومسحتُ سِكِّيني.. نمتُ..
ولقد قتلتُكِ عَشْرَ مرّاتٍ
ولكني.. فشلتُ
وظننتُ، والسكّينُ تلمعُ
في يدي، أني انتصرتُ
وحملتُ جُثتكِ الصغيرةَ
طيّ أعماقي وسرتُ
وبحثتُ عن قبر لها..
تحت الظلام فما وجدتُ
وهربتُ منكِ.. وراعني
أني إليكِ.. أنا هربتُ
في كلِّ زاويةٍ.. أراكِ
وكلِّ فاصلة كتبتُ
في الطيب، في غَيْم السجائر،
في الشراب إذا شربتُ
أنتِ القتيلةُ.. أم أنا
حتى بموتكِ.. ما استرحتُ
*
حسناءُ.. لم أقتُلْكِ أنتِ..
وإنما نفسي.. قتلتُ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> من منكما أحلى؟
من منكما أحلى؟
رقم القصيدة : 68298
-----------------------------------
شِعْري ووجهُكِ.. قطعتا ذَهَبٍ
وحمامتانِ. وزهرتا دِفْلى..
ما زلتُ محتاراً.. أمامكما..
مَنْ منكُما.. مَنْ منكُما أحلى؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قبْل.. وبَعْد
قبْل.. وبَعْد
رقم القصيدة : 68299
-----------------------------------
قصائدي قَبْلَكِ. يا حُلوتي
كانتْ كلاماً.. مثلَ كلِّ الكلامْ
وحين أحببتُكِ صار الذي
أكتبُهُ للناسِ أحلى الكلامْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أخاف
أخاف
رقم القصيدة : 68300
-----------------------------------
أخافُ أن أقولَ للتي أُحبُّها
(أُحبُّها)
فالخمرُ في جِرارِها
تخسرُ شيئاً
عندما نصبُّها..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مَاذَا سَتفعل؟
مَاذَا سَتفعل؟
رقم القصيدة : 68301
-----------------------------------
لا تُقبِّلني بعنفٍ..
زهرةُ الرُمَّانِ ليستْ تتحمّلْ..
لا تقبّلني..
فلو ذابَ فمي..
ماذا ستفعلْ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حَديثُ يَدَيْها
حَديثُ يَدَيْها
رقم القصيدة : 68302
-----------------------------------
قليلاً من الصَمْت..
يا جاهلَهْ..(57/483)
فأجملُ من كلِّ هذا الحديثْ
حديثُ يديْكِ
على الطاولَهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أوراقٌ إسْبَانيّة
أوراقٌ إسْبَانيّة
رقم القصيدة : 68304
-----------------------------------
(1)
الجسر
إسبانيا..
جسرٌ من البكاءْ..
يمتدُّ بين الأرضِ والسماءْ..
(2)
سوناتا
على صدر قيثارةٍ باكيَهْ
تموتُ..
وتولدُ إسبانيَهْ..
(3)
الفارسُ والوردة
إسبانيا..
مراوحٌ هفهافةٌ
تمشّطُ الهواءْ..
وأعينٌ سوداءُ..
لا بدءٌ لها.. ولا انتهاءْ
قُبّعةٌ تُرمى أمام شرفة الحبيبَه.
ووردةٌ رطيبَه..
تطيرُ من مقصورة النساءْ
تحملُ في أوراقها الصلاةَ والدعاءْ.
لفارسٍ من الجنوب.. أحمرِ الرداءْ.
يداعبُ الفناءْ..
وكلُّ ما يملُكهُ..
سيفٌ.. كبرياءْ..
(4)
بيتُ العصافير
بإشبيليهْ
تعلِّق كلُّ جميلَهْ
على شَعْرها وردةً قانيَهْ
تحطُّ عليها مساءً
جميعُ عصافير إسبانيَهْ
(5)
مراوحُ الاسبانيات
إذا لَمْلَمَ الصيفُ أشياءَهُ
ومات الربيعُ على الرابيَهْ
تفتّح ألفُ ربيعٍ جديدٍ
على ألف مروحةٍ زاهيَه..
(6)
اللؤلؤ الأسود
شوارعُ غرناطة في الظهيرَهْ
حقولٌ من اللؤلؤ الأسودِ..
فمِنْ مقعدي..
أرى وطني في العيون الكبيرَهْ
أرى مئذناتِ دمشقَ
مُصوَّرةً..
فوقَ كلِّ ضفيرَهْ
(7)
دونيا ماريا
تُمزِّقني.. دونيا ماريّهْ
بعَيْنينِ أوسعَ من باديَهْ
ووجهٍ عليه شموسُ بلادي
وروعةُ آفاقها الصاحيَهْ..
فأذكرُ منزلنا في دمشق
وَلثْغةَ بِرْكته الصافيَهْ
ورقْصَ الظلال بقاعاتِه
وأشجارَ ليمونه العاليَهْ
وباباً قديماً.. نقشتُ عليه
بخطّ رديء.. حكاياتيَهْ
بعينيكِ.. يا دونيا ماريَهْ
أرى وطني مرةً ثانيَهْ...
(8)
القُرط الطموح
على أُذُنيْ هذه الغانيَهْ
تأرجح قُرْطٌ رفيعْ
كما يضحكُ الضوءُ في الآنيَهْ
يمدُّ يديهِ.. ولا يستطيعْ
وصولاً.. إلى الكتِفِ العاريَهْ..
(9)
الثور
برغْمِ النزيف الذي يعتريهِ..
برغمِ السهام الدفينةِ فيهِ..
يظلُّ القتيلُ على ما به..(57/484)
أجلَّ .. وأكبرَ .. من قاتليهِ..
(10)
نزيفُ الأنبياء..
كُوريدَا...
كُوريدَا...
ويندفع الثورُ نحو الرداءْ
قوياً.. عنيداً..
ويسقُطُ في ساحة الملعب..
كأيِّ شهيدٍ..
كأيِّ نبي..
ولا يتخلى عن الكبرياءْ...
(11)
بقايا العرب
فْلامنكُو..
فْلامنكُو..
وتستيقظُ الحانةُ الغافيَهْ
على قهقهاتِ صنوج الخَشَبْ
وبحّةِ صوتٍ حزينِ..
يسيلُ كنافورةٍ من ذهبْ
وأجلسُ في زاويَهْ
ألُمُّ دموعي..
ألُمُّ بقايا العربْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حُبٌ إستثنائي.. لامرأةٍ إستثنائية
حُبٌ إستثنائي.. لامرأةٍ إستثنائية
رقم القصيدة : 68305
-----------------------------------
1
أكثرُ ما يعذّبني في حُبِّكِ..
أنني لا أستطيع أن أحبّكِ أكثرْ..
وأكثرُ ما يضايقني في حواسّي الخمسْ..
أنها بقيتْ خمساً.. لا أكثَرْ..
إنَّ امرأةً إستثنائيةً مثلكِ
تحتاجُ إلى أحاسيسَ إستثنائيَّهْ..
وأشواقٍ إستثنائيَّهْ..
ودموعٍ إستثنايَّهْ..
وديانةٍ رابعَهْ..
لها تعاليمُها ، وطقوسُها، وجنَّتُها، ونارُها.
إنَّ امرأةً إستثنائيَّةً مثلكِ..
تحتاجُ إلى كُتُبٍ تُكْتَبُ لها وحدَها..
وحزنٍ خاصٍ بها وحدَها..
وموتٍ خاصٍ بها وحدَها
وزَمَنٍ بملايين الغُرف..
تسكنُ فيه وحدها..
لكنّني واأسفاهْ..
لا أستطيع أن أعجنَ الثواني
على شكل خواتمَ أضعُها في أصابعكْ
فالسنةُ محكومةٌ بشهورها
والشهورُ محكومةٌ بأسابيعها
والأسابيعُ محكومةٌ بأيامِها
وأيّامي محكومةٌ بتعاقب الليل والنهارْ
في عينيكِ البَنَفسجيتيْنْ...
2
أكثرُ ما يعذِّبني في اللغة.. أنّها لا تكفيكِ.
وأكثرُ ما يضايقني في الكتابة أنها لا تكتُبُكِ..
أنتِ امرأةٌ صعبهْ..
كلماتي تلهثُ كالخيول على مرتفعاتكْ..
ومفرداتي لا تكفي لاجتياز مسافاتك الضوئيَّهْ..
معكِ لا توجدُ مشكلة..
إنَّ مشكلتي هي مع الأبجديَّهْ..
مع ثمانٍ وعشرين حرفاً، لا تكفيني لتغطية بوصة
واحدةٍ من مساحات أنوثتكْ..(57/485)
ولا تكفيني لإقامة صلاة شكرٍ واحدةٍ لوجهك
الجميلْ...
إنَّ ما يحزنني في علاقتي معكِ..
أنكِ امرأةٌ متعدِّدهْ..
واللغةُ واحِدهْ..
فماذا تقترحين أن أفعلْ؟
كي أتصالح مع لغتي..
وأُزيلَ هذه الغُربَهْ..
بين الخَزَفِ، وبين الأصابعْ
بين سطوحكِ المصقولهْ..
وعَرَباتي المدفونةِ في الثلجْ..
بين محيط خصركِ..
وطُموحِ مراكبي..
لاكتشاف كرويّة الأرضْ..
3
ربما كنتِ راضيةً عنِّي..
لأنني جعلتكِ كالأميرات في كُتُب الأطفالْ
ورسمتُكِ كالملائكة على سقوف الكنائس..
ولكني لستُ راضياً عن نفسي..
فقد كان بإمكاني أن أرسمكِ بطريقة أفضلْ.
وأوزّعَ الوردَ والذَهَبَ حول إليتيْكِ.. بشكلٍ أفضلْ.
ولكنَّ الوقت فاجأني.
وأنا معلَّقٌ بين النحاس.. وبين الحليبْ..
بين النعاس.. وبين البحرْ..
بين أظافر الشهوة.. ولحم المرايا..
بين الخطوط المنحنية.. والخطوط المستقيمهْ..
ربما كنتِ قانعةً، مثل كلّ النساءْ،
بأيّة قصيدة حبٍ . تُقال لكِ..
أما أنا فغير قانعٍ بقناعاتكْ..
فهناك مئاتٌ من الكلمات تطلب مقابلتي..
ولا أقابلها..
وهناك مئاتٌ من القصائدْ..
تجلس ساعات في غرفة الإنتظار..
فأعتذر لها..
إنني لا أبحث عن قصيدةٍ ما..
لإمرأةٍ ما..
ولكنني أبحث عن "قصيدتكِ" أنتِ....
4
إنني عاتبٌ على جسدي..
لأنه لم يستطع ارتداءكِ بشكل أفضلْ..
وعاتبٌ على مسامات جلدي..
لأنها لم تستطع أن تمتصَّكِ بشكل أفضلْ..
وعاتبٌ على فمي..
لأنه لم يلتقط حبّات اللؤلؤ المتناثرة على امتداد
شواطئكِ بشكلٍ أفضلْ..
وعاتبٌ على خيالي..
لأنه لم يتخيَّل كيف يمكن أن تنفجر البروق،
وأقواسُ قُزَحْ..
من نهدين لم يحتفلا بعيد ميلادهما الثامنِ عشر..
بصورة رسميَّهْ...
ولكن.. ماذا ينفع العتب الآنْ..
بعد أن أصبحتْ علاقتنا كبرتقالةٍ شاحبة،
سقطت في البحرْ..
لقد كان جسدُكِ مليئاً باحتمالات المطرْ..
وكان ميزانُ الزلازلْ
تحت سُرّتِكِ المستديرةِ كفم طفلْ..
يتنبأ باهتزاز الأرضْ..(57/486)
ويعطي علامات يوم القيامهْ..
ولكنني لم أكن ذكياً بما فيه الكفايه..
لألتقط إشاراتكْ..
ولم أكن مثقفاً بما فيه الكفايه...
لأقرأ أفكار الموج والزَبَدْ
وأسمعَ إيقاعَ دورتكِ الدمويّهْ....
5
أكثر ما يعذِّبني في تاريخي معكِ..
أنني عاملتُكِ على طريقة بيدبا الفيلسوفْ..
ولم أعاملكِ على طريقة رامبو.. وزوربا..
وفان كوخ.. وديكِ الجنّ.. وسائر المجانينْ
عاملتُك كأستاذ جامعيّْ..
يخاف أن يُحبَّ طالبته الجميلهْ..
حتى لا يخسَر شرَفَه الأكاديمي..
لهذا أشعر برغبةٍ طاغية في الإعتذار إليكِ..
عن جميع أشعار التصوُّف التي أسمعتكِ إياها..
يوم كنتِ تأتينَ إليَّ..
مليئةً كالسنبُلهْ..
وطازجةً كالسمكة الخارجة من البحرْ..
6
أعتذر إليكِ..
بالنيابة عن ابن الفارض، وجلال الدين الرومي،
ومحي الدين بن عربي..
عن كلَّ التنظيرات.. والتهويمات.. والرموز..
والأقنعة التي كنتُ أضعها على وجهي، في
غرفة الحُبّْ..
يوم كان المطلوبُ منِّي..
أن أكونَ قاطعاً كالشفرة
وهجومياً كفهدٍ إفريقيّْ..
أشعرُ برغبة في الإعتذار إليكِ..
عن غبائي الذي لا مثيلَ له..
وجبني الذي لا مثيل له..
وعن كل الحكم المأثورة..
التي كنتُ أحفظها عن ظهر قلبْ..
وتلوتُها على نهديكِ الصغيريْْنْ..
فبكيا كطفلينِ معاقبينِ.. وناما دون عشاءْ..
7
أعترفُ لكِ يا سيّدتي..
أنّكِ كنتِ امرأةً إستثنائيَّهْ
وأنَّ غبائي كان استثنائياً...
فاسمحي لي أن أتلو أمامكِ فِعْلَ الندامَهْ
عن كلِّ مواقف الحكمة التي صدرتْ عنِّي..
فقد تأكّد لي..
بعدما خسرتُ السباقْ..
وخسرتُ نقودي..
وخيولي..
أن الحكمةَ هي أسوأُ طَبَقٍ نقدِّمهُ..
لامرأةٍ نحبُّها....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> في الحُبِّ البحري..
في الحُبِّ البحري..
رقم القصيدة : 68306
-----------------------------------
مواقفي منكِ، كمواقف البحرْ..
وذاكرتي مائيّةٌ كذاكرتهْ..
لا هو يعرف أسماءَ مرافئه..
ولا أنا أتذكَّّرُ أسماءَ زائراتي(57/487)
كلُّ سمكةِ تدخل إلى مياهي الإقليمية، تذوبْ..
كلُّ امرأةٍ تستحمُّ بدمي، تذوبْ...
كل نهدٍ، يسقط كالليرة الذهبيّه..
على رمال جسدي.. يذوبْ..
فلتكُنْ لكِ حكمةُ السُفُن الفينيقيّهْ
وواقعيَّةُ المرافئ التي لا تتزوّج أحدا...
2
كلَّما شمَّ البحرُ رائحةَ جسمكِ الحليبيّْ
صَهَلَ كحصانٍ أزرقْ
وشاركتُهُ الصهيلْ..
هكذا خلقني الله...
رَجُلاً على صورة بحرْ
بحراً على صورة رجُلْ
فلا تناقشيني بمنطق زارعي العِنَب والحِنطَهْْ..
ودكاترة الطبّ النفسيّْ..
بل ناقشيني بمنطق البحرْ
حيث الأزرقُ يُلغي الأزرقْ
والأشرعةُ تُلغي الأُفُقْ..
والقبْلَةُ تُلغي الشَفَه..
والقصيدةُ تُلغي ورقةَ الكتابَهْ...
3
إحساسي بكِ متناقضٌ، كإحساس البحرْ
ففي النهار، أغمركِ بمياه حناني
وأُغطِّيكِ بالغيم الأبيض، وأجنحة الحمائمْ
وفي الليل..
أجتاحكِ كقبيلةٍ من البرابرهْ..
لا أستطيع، أيتها المرأة ، أن أكونَ بحراً محايداً..
ولا تستطيعين أن تكوني سفينةً من ورقْ..
لا أنتِ انديرا غاندي
ولا أنا مقتنعٌ بجدوى الحياد الإيجابي
ففي الحبّ.. لا تُوجد مصالحاتٌ نهائيّهْ..
بين الطوفان، وبين المدن المفتوحَهْ..
بين الصواعق، ورؤوس الشَجَرْ
بين الطعنة، وبين الجرحْ
بين أصابعي، وبين شَعْرِكْ
بين قصائد الحبّ.. وسيوفِ قُرَيشْ
بين ليبراليّة نهديكِ..
وتحالفِ أحزاب اليمينْ!!..
4
أيتُّها الخارجةُ من خرائط العَطَش والغبارْ..
تخلّصي من عاداتكِ البَرِيَّهْ..
فالعواصفُ الَبرِيَّة تعبّر عن نفسها..
بإيقاع واحدٍ.. ووتيرةٍ واحدة..
أما الحبُّ في البحر.. فمختلفٌ.. مختلفٌ ..
مختلفْ..
فهو غيرُ خاضع لجاذبيّة الأرض..
وغيرُ ملتزم بالفصول الزراعيّه..
وغيرُ ملتزم بقواعد الحبِّ العربيّْ
حيثُ أجسادُ الرجال تنفجر من التُخْمَهْ..
ونهودُ النساء تتثاءبُ من البطالهْ..
5
أدخلي بحري كسيفٍ من النحاس المصقولْ
ولا تقرأي نَشَرات الطقسْ
ونُبوءات مصلحة الأرصاد الجويَّهْ(57/488)
فهي لا تعرفُ شيئاً عن مزاج سَمَك القِرْشْ
ولا تعرفُ شيئاً عن مزاجي..
لا أريدُ أن أعطيكِ ضماناتٍ كاذبَهْ
ولا أرغب أن أشتغلَ حارساً لجواهر التاجْ
إنَّ نهديكِ لا يدخلان في حدود مسؤولياتي
فأنا لا أستطيع أن أضمنَ مستقبلهما..
كما لا يستطيعُ البَرْقُ أن يضمنَ مستقبلً غابَهْ..
6
لماذا تبحثينَ عن الثباتْْ؟
حين يكونُ بوسعنا أن نحتفظَ بعلاقاتنا البحريَّهْ
تلكَ التي تتراوحُ بين المدّ .. والجَزْرْ
بين التراجع والاقتحامْ
بين الحنان الشامل، والدمار الشاملْ..
لماذا تبحثين عن الثباتْ؟
فالسمكةُ أرقى من الشجرَهْ..
والسنجابُ .. أهمُّ من الغصنْ..
والسحابة.. أهمّ من نيويوركْ..
7
أريدكِ أن تتكلّمي لغةَ البحرْ..
أريدكِ أن تلعبي معهْ..
وتتقلَّبي على الرمل معهْ..
وتمارسي الحبَّ معهْ..
فالبحرُ هو سيِّد التعدُّد.. والإخصاب.. والتحوّلاتْ..
وأنوثتُكِ هي امتدادٌ طبيعي له..
نامي مع البحر، يا سيدتي..
فليس من مصلحتكِ أن تكوني من فصيلة الشجرْ..
ولا من مصلحتي أن أُحوّلكِ إلى جريدةٍ مقروءهْ
أو إلى ربطة عُنُقٍ معلَّقةٍ في خزانتي
منذُ أن كنتُ طالباً في الجامعهْ..
ليس من مصلحتكِ أن تتزوجيني..
ولا من مصلحتي أن أكون حاجباً على باب المحكمة
الشرعيَّهْ..
أتقاضى الرَشَواتِ من الداخلينْ
وأتقاضى اللَعَناتِ من الخارجينْ..
8
أنا بحرُكِ يا سيّدتي..
فلا تسأليني عن تفاصيل الرحلة..
ووقتِ الإقلاع والوصولْ..
كلُّ ما هو مطلوبٌ منكِ..
أن تنسيْ غرائزكِ البَرِيَّهْ..
وتُطيعي قوانينَ البحرْ..
وتخترقيني.. كسمكةٍ مجنونهْ..
تشطُرُ السفينةَ إلى نصفينْ..
والأُفُقَ إلى نصفينْ..
وحياتي إلى نصفينْْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أَقرأُ جَسدَكِ.. وأَتَثقَّف..
أَقرأُ جَسدَكِ.. وأَتَثقَّف..
رقم القصيدة : 68307
-----------------------------------
يومَ توقّف الحوارُ بين نهديكِ المغتسلينِ بالماءْ..
وبين القبائل المتقاتلة على الماءْ...(57/489)
بدأتْ عصورُ الإنحطاطْ..
أعلنتِ الغيومُ الإضرابَ عن المطرْ
لمدة خمسمئة سنهْ..
وأعلنتِ العصافيرُ الإضرابَ عن الطيرانْ
وامتنعتِ السنابل عن انجاب الأولادْ
وصار شكلُ القمر كشكل زجاجة النفطْ..
2
يومَ طردوني من القبيلَهْ..
لأني تركتُ قصيدةً على باب خيمتكْ..
وتركتُ لكِ معها وردهْ..
بدأت عصورُ الانحطاطْ..
إنّ عصور الإنحطاط ليست الجهلَ بمبادئ النحو
والصرفْ..
ولكنها الجهلُ بمبادئ الأنوثَهْ..
وشطبُ أسماءِ جميع النساء من ذاكرةِ الوطنْ..
3
آهِ يا حبيبتي..
ما هو هذا الوطن الذي يتعامل مع الحبّ..
كشرطيِّ سيرْ؟..
فيعتبر الوردةَ مؤامرةً على النظام..
ويعتبر القصيدةَ منشوراً سرياً ضدّه..
ما هو هذا الوطن المرسومُ على شكل جرادة صفراءْ..
تزحف على بطنها من المحيط إلى الخليج..
من الخليج إلى المحيطْ..
والذي يتكلّمُ في النهار كقدّيسْ..
ويدوخ في الليل على سُرَّة امرأةْ..
4
ما هو هذا الوطن؟..
الذي ألغى مادّةَ الحُبّ من مناهجه المدرسيَّهْ..
وألغى فنَّ الشعر..
وعيونَ النساءْ..
ما هو هذا الوطنْ؟
الذي يمارسُ العدوانَ على كل غمامةٍ ماطرهْ
ويفتح لكل نهدٍ ملفّاً سرّياً...
ويُنظِّمُ مع كل وردةٍ محضرَ تحقيقْ!!.
5
يا حبيبتي..
ماذا نفعلُ في هذا الوطن؟.
الذي يخاف أن يرى جسده في المرآة..
حتى لا يشتهيه..
ويخاف أن يسمع صوت امرأةٍ في التلفون..
حتى لا يُنْقَضَ وُضُوءُهْ..
ماذا نفعلُ في هذا الوطن؟
الذي يعرف كلَّ شيءٍ عن ثورة أكتوبر..
وثورةِ الزَنْجْ..
وثورةِ القرامِطَهْ..
ويتصرّف مع النساء كأنه شيخ طريقَهْ..
ماذا نفعلُ في هذا الوطن الضائعْ..
بين مؤلفات الإمام الشافعي.. ومؤلفات لينينْ..
بين الماديّة الجدليّة.. وصور (البورنو)..
بين كتب التفسير.. ومجلة (البلاي بويْ)..
بين فرقة (المعتزلة).. وفرقة (البيلتزْ)...
بين رابعة العدوية.. وبين (إيمانويلْ)...
أيتها المدهشةُ كألعاب الأطفالْ
إنني أعتبر نفسي متحضراً..
لأني أُحبّكِ..(57/490)
وأعتبر قصائدي تاريخيّةً.. لأنها عاصَرَتكِ..
كلُّ زمنٍ قبل عينيكِ هو احتمالْ
وكلُّ زمنٍ بعدهما هو شظايا..
ولا تسأليني لماذا أنا معكِ..
إنني أريدُ أن أخرجَ من تخلُّفي..
وأدخلَ في زمن الماءْ..
أريدُ أن أهربَ من جمهوريّة العَطَشْ..
وأدخلَ جمهورية المانوليا..
أريد أن أخرجَ من بداوتي..
وأجلسَ تحت الشَجَرْ..
وأغتسلَ بماء الينابيعْ.
وأتعلَّمَ أسماءَ الزهارْ..
أريد أن تعلّميني القراءةَ والكتابهْ..
فالكتابةُ على جسدكِ أوّلُ المعرفَهْ
والدخولُ إليه دخول إلى الحضارَهْ..
إن جسدكِ ليس ضدَّ الثقافَهْ..
ولكنَّه الثقافّهْ..
ومَن لا يقرأ دفاترَ جسدكِ
يبقى طولَ حياته.. أُمِيَّاً....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كلَ عام وأنتِ حبيبتي..
كلَ عام وأنتِ حبيبتي..
رقم القصيدة : 68308
-----------------------------------
1
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي..
أقولُها لكِ،
عندما تدقُّ الساعةُ منتصفَ الليلْ
وتغرقُ السنةُ الماضيةُ في مياه أحزاني
كسفينةٍ مصنوعةٍ من الورقْ..
أقولُها لكِ على طريقتي..
متجاوزاً كلَّ الطقوس الاحتفاليَّهْ
التي يمارسها العالم منذ 1975 سنة..
وكاسراً كلَّ تقاليد الفرح الكاذب
التي يتمسك بها الناس منذ 1975 سنة..
ورافضاً..
كلَّ العبارات الكلاسيكية..
التي يردّدها الرجالُ على مسامع النساءْ
منذ 1975 سنة..
2
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي..
أقولها لكِ بكل بساطه..
كما يقرأ طفلٌ صلاتَهْ قبل النومْ
وكما يقف عصفورٌ على سنبلة قمحْ..
فتزدادُ الأزاهيرُ المشغولةُ على ثوبك الأبيض..
زهرةً..
وتزداد المراكبُ المنتظرةُ في مياه عينيكِ..
مركباً..
أقولها لكِ بحرارةٍ ونَزَقْ
كما يضربُ الراقصُ الاسبانيُّ قَدَمَهُ بالأرضْ
فتتشكَّلْ ألوفُ الدوائرْ
حولَ محيط الكرة الأرضيَّهْ..
.....................................
.....................................
.....................................
3
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي..(57/491)
هذه هي الكلماتُ الأربعْ..
التي سألفُّها بشريطٍ من القَصَبْ
وأرسلها إليكِ ليلةَ رأس السنَهْ.
كلُّ البطاقات التي يبيعونها في المكتباتْ
لا تقولُ ما أريده..
وكلُّ الرسوم التي عليها..
من شموعٍ.. وأجراسٍ.. وأشجارٍ.. وكُراتِ
ثلجْ..
وأطفالٍ.. وملائكهْ..
لا تناسِبُني..
إنني لا أرتاح للبطاقات الجاهزه..
ولا للقصائد الجاهزه..
ولا للتمنيَّات التي برسم التصديرْ
فهي كلُّها مطبوعة في باريس، أو لندن،
أو أمستردام..
ومكتوبةٌ بالفرنسية، أو الانكليزية..
لتصلحَ لكلِّ المناسباتْ
وأنتِ لستِ امرأةَ المناسباتْ..
بل أنتِ المرأةُ التي أُحبّها..
أنتِ هذا الوجعُ اليوميُّ..
الذي لا يُقالُ ببطاقات المُعايَدَهْ..
ولا يُقالُ بالحُروفِ اللاتينيَّهْ...
ولا يُقالُ بالمُراسلهْ..
وإنما يُقالُ عندما تدقّ الساعةُ منتصفَ الليلْ..
وتدخلين كالسمكة إلى مياهي الدافئه..
وتستحمّين هناكْ..
ويسافرُ فمي في غاباتِ شَعْركِ الغَجَريّْ
ويَستوطنُ هناكْ..
4
لأننّي أحبّكِ..
تدخُلُ السنةُ الجديدةُ علينا..
دخولَ الملوكْ..
ولأنني أحبكِ..
أحملُ تصريحاً خاصاً من الله..
بالتجوُّل بين ملايين النجومْ..
5
لن نشتري هذا العيد شَجَرَهْ
ستكونينَ أنتِ الشَجَرَهْ
وسأُعلِّقُ عليكِ..
أمنياتي.. وصَلَواتي..
وقناديل دموعي..
6
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي..
أمنيةٌ أخافُ أن أتمناها
حتى لا أُتَّهَمَ بالطمع أو بالغرورْ
فكرةٌ أخافُ أن أُفكِّر بها..
حتى لا يسرقها الناسُ منّي..
ويزعموا أنهمْ أولُ من اخترعَ الشِعْرْ..
7
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبتي..
كلَّ عامٍ وأنتِ حبيبكِ..
أنا أعرف أنني أتمنى أكثرَ مما ينبغي..
وأحلمُ أكثرَ من الحدِّ المسموح به..
ولكن..
من له الحقُّ أن يحاسبني على أحلامي؟
من يحاسب الفقراءْ؟..
إذا حلموا أنهم جلسوا على العرشْ
لِمُدّةِ خمسِ دقائقْ؟
من يحاسب الصحراء إذا توحَّمتْ على جدول ماءْ؟
هناكَ ثلاثُ حالاتٍ يصبحُ فيها الحُلُمُ شرعياً:
حالةُ الجنونْ..(57/492)
وحالةُ الشعرْ..
وحالةُ التعرفِ على امرأة مدهشةٍ مثلكِ..
وأنا أعاني - لحسن الحظّ-
من الحالات الثلاثْ..
8
اتركي عشيرتكِ..
واتبعيني إلى مغائري الداخليَّه
اتركي قُبّعَةَ الورقْ..
وموسيقى الجيركْ..
والملابسَ التنكريَّهْ..
واجلسي معي تحت شَجَر البرقْ..
وعباءةِ الشِعْر الزرقاءْ..
سأغطّيكِ بمعطفي من مَطَر بيروتْ
وسأسقيكِ نبيذاً أحمر..
من أقبية الرهبانْ..
وسأصنعُ لكِ طبقاً إسبانياً..
من قواقع البحرْ..
إتبعيني - يا سيدتي- إلى شوارع الحلم الخلفيَّهْ..
فلسوفَ أُطلعكِ على قصائدَ لم أقرأها لأحَدْ..
وأفتحُ لكِ حقائبَ دموعي..
التي لم أفتحها لأحَدْ..
ولسوف أُحبَّكِ..
كما لا أَحبّكِ أحدْ..
9
عندما تدقُّ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ
وتفقد الكرةُ الأرضيةُ توازنها
ويبدأ الراقصون يفكِّرون بأقدامهمْ..
سأنسحبُ إلى داخل نفسي..
وأسحبكِ معي..
فأنتِ امرأةٌ لا ترتبط بالفَرَح العامْ
ولا بالزمنِ العامْ..
ولا بهذا السيرك الكبير الذي يمرُّ أمامنا..
ولا بتلك الطبول الوثنية التي تقرع حولنا..
ولا بأقنعة الورق التي لا يبقى منها في آخر الليل
سوى رجالٍ من ورق..
ونساءٍ من ورقْ..
10
آهِ.. يا سيدتي
لو كان الأمر بيدي..
إذنْ لصنعتُ سنةً لكِ وحدَكِ
تُفصّلين أيّامها كما تريدينْ..
وتسندينَ ظهركِ على أسابيعها كما تريدينْ
وتتشمَّسينْ..
وتستحمينْ..
وتركضينَ على رمال شهورها..
كما تريدينْ..
آهِ.. يا سيدتي..
لو كان الأمرُ بيدي..
لأقمتُ عاصمةً لكِ في ضاحية الوقتْ
لا تأخذ بنظام الساعات الشمسيّة والرمليَّهْ
ولا يبدأ فيها الزمنُ الحقيقيّْ
إلاّ..
عندما تأخذُ يدُكِ الصغيرةُ قيلولتها..
داخلَ يدي..
11
كلَّ عامٍ وعيناكِ أيقونتانِ بيزنطيّتانْ..
ونهداكِ طفلانِ أشقرانْ..
يتدحرجانِ على الثلجْ..
كلَّ عامٍ.. وأنا متورّطٌ بكِ..
ومُلاحقٌ بتهمةِ حبّكِ..
كما السماءُ مُتَّهمةٌ بالزُرْقَهْ
والعصافيرُ مُتَّهمةٌ بالسفرْ(57/493)
والشَفَةُ متَّهَمةٌ بالإستدارهْ...
كلَّ عامٍ وأنا مضروبٌ بزلازلكْ..
ومبللٌ بأمطاركْ..
ومحفورٌ - كالإناء الصينيّ - بتضاريس جسمكْْ
كلَّ عامٍ وأنتِ.. لا أدري ماذا أُسمّيكِ..
إختاري أنتِ أسماءكِ..
كما تختارُ النقطةُ مكانها على السطرْ
وكما يختارُ المشطُ مكانه في طيَّات الشَّعرْ..
وإلى أن تختاري إسمك الجديدْ
إسمحي لي أن أناديكِ:
"يا حبيبتي"...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى حبيبتي في رأس السنة..
إلى حبيبتي في رأس السنة..
رقم القصيدة : 68309
-----------------------------------
1
أَنقلُ حبّي لكِ من عامٍ إلى عامْ..
كما ينقل التلميذ فروضه المدرسيّة إلى دفترٍ جديدْ
أنقل صوتَكِ.. ورائحتَكِ.. ورسائلكِ..
ورقمَ هاتفكِ.. وصندوقَ بريدك..
وأعلِّقها في خزانة العام الجديدْ..
وأمنحكِ تذكرةَ إقامة دائمة في قلبي..
2
إنني أحبّكِ..
ولن أترككِ وحدكِ على ورقة 31 ديسمبر أبداً
سأحملكِ على ذراعيّ..
وأتنقَّل بكِ بين الفصول الأربعه..
ففي الشتاء، سأضع على رأسك قبّعةَ صوف حمراءْ..
كي لا تبْردي..
وفي الخريف، سأعطيكِ معطفَ المطر الوحيد
الذي أمتلكه..
كي لا تتبلَّلي..
وفي الربيع..
سأتركك تنامين على الحشائش الطازجه..
وتتناولينَ طعامَ الإفطار..
مع الجنادب والعصافير..
وفي الصيف..
سأشتري لكِ شبكةَ صيدٍ صغيره..
لتصطادي المحارَ..
وطيورَ البحر..
والأسماكَ المجهولةَ العناوينْ...
3
إنني أُحبّكِ..
ولا أريد أن أربطكِ بذاكرة الأفعال الماضيَهْ..
ولا بذاكرة القطارات المسافرهْ..
فأنتِ القطارُ الأخيرُ الذي يسافر ليلاً ونهاراً
فوق شرايين يدي..
أنتِ قطاري الأخير..
وأنا محطَّتكِ الأخيرَهْ..
4
إنني أُحبّكِ..
ولا أريد أن أربطكِ بالماء.. أو الريح
أو بالتاريخ الميلادي أو الهجري..
ولا بحركات المدّ والجزْر..
أو ساعات الخسوف والكسوفْ
لا يهمُّني ما تقوله المراصدْ..
وخطوطُ فناجين القهوَهْ..
فعيناكِ وحدهما هما النُبوءَهْ(57/494)
وهما المسؤولتانِ عن فَرح هذا العالم...
5
أُحبّكِ..
وأحبُّ أن أربطكِ بزمني.. وبطقسي..
وأجعلكِ نجمةً في مداري..
أريد أن تأخذي شكلَ الكلمةْ..
ومساحةَ الورَقه..
حتى إذا نشرتُ كتاباً.. وقرأه الناس..
عثروا عليكِ، كالوردة في داخلهْ..
أريدُ أن تأخذي شكلَ فمي..
حتى إذا تكلّمتُ..
وجدكِ الناسُ تستحمّينَ في صوتي..
أريدكِ أن تأخذي شكلَ يدي..
حتى إذا وضعتُها على الطاولة..
وجدكِ الناسُ نائمةً في جوفها..
كفراشةٍ في يد طفل..
إنني لا أحترفُ طقوسَ التهنئة..
إنني أحترفُ العشقَ..
وأحترفُكِ..
يتجوّل هو فوق جلدي..
وتتجوّلينَ أنتِ تحت جلدي..
وأما أنا..
فأحمل الشوارعَ والأرصفةَ المغسولة بالمَطَر..
على ظهري.. وأبحثُ عنكِ..
6
لماذا تتآمرين عليَّ مع المَطَرْ؟ ما دمتِ تعرفينْ..
أن كلَّ تاريخي معكِ.. مقترنٌ بسقوط المَطَرْ..
وأن الحساسيّةَ الوحيدة التي تصيبني..
عندما أشمّ رائحةَ نهديكِ..
هي حساسية المَطَرْ..
لماذا تتآمرين عليَّ ؟. ما دمتِ تعرفينْ..
أن الكتابَ الوحيد الذي أقرؤه بعدكِ..
هو كتابُ المَطَر..
7
إنني أُحبّكِ..
هذه هي المهنةُ الوحيدة التي أتقنُها..
ويحسدني عليها أصدقائي.. وأعدائي..
قَبْلَكِ.. كانتِ الشمسُ، والجبالُ، والغاباتُ..
في حالة بطالة..
واللغةُ بحالة بطالة.. والعصافيرُ بحالة بطالة...
فشكراً لأنكِ أدخلتِني المدرسَهْ..
وشكراً.. لأنكِ علَّمتني أبجديةَ العشقْ..
وشكراً .. لأنكِ قبلتِ أن تكوني حبيبتي..
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> نجم السعود
نجم السعود
رقم القصيدة : 68310
-----------------------------------
نجم السعود وفي جبينك مطلعه
أنى توجه ركب عزك يتبعه
سهلا وطئت ولو نزلت بمحمل
يوما لأمرع من نزولك بلقعه
والقوم قومك يا أمير إذا النوى
فرقة آمال العروبة تجمعه
مالوا إليك وكل قلب حبه
يحدو به شوقا إليك ويدفعه
~*~*~*~*~*~
يا ذا الأمير أمام عينك شاعر
ضمت على الشكوى المريرة أضلعه(57/495)
المسجد الأقصى أحبت تزوره
أم جئت من قبل الضياع تودعه؟
حرم تباح لكل اوكع آبق
ولكل آفاق شريد - أربعه
والطاعنون وبوركت جنباته
أبناؤه الظيم بطعن يوجعه
وغدا وما أدناه لا يبقي سوى
دمع لنا يهمي وسن نقرعه
ويقرب الأمر العظيم أسافل
عجلوا علينا بالذي نتوقعه
قوم تضل لدى السداد حصاته
ويسطر العادي عليه ويخضعه
شكوى وتحلو للمضيم شكاته
عند الأمير وان ترقرق أدمعه
سر يا أمير - ورافقتك عناية
نجم السعود وفي جبينك مطلعه
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> إلى كل متهاود
إلى كل متهاود
رقم القصيدة : 68311
-----------------------------------
يا من توله بالحبيب
هناك قد رجع الحبيب
لقد انتظرت إيابه
شوقا فها هو ذا يؤوب
في جيبه لعب الهوى
يلهو بها الصب اللعوب
لك في حقيبته نصيب
فاخر بئس النصيب
فلننتظر غدا " الكراسي "
ساكتا وغدا قريب
يا شعب يا مسكين لم
تنكب بنكبتك الشعوب
قلدت أمرك من بهم
لا يرجع الحق الغصيب
لهفى عليك ألا ترى
يا شعب حولك ما يريب
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> عيد الجامعة العربية
عيد الجامعة العربية
رقم القصيدة : 68312
-----------------------------------
عيد بأحناء الصدور بقام
من وحيه الأشعار والإلهام
حلم لقد لابت عليه نفوسنا
أجمل بأن تتحقق الأحلام
جمع الشتيت فكل قطر درة
في تاجه والوحدة النظام
فإذا تشكى النيل من آلامه
شقت مرائر دجلة الآلام
وإذا تنادى المغرب الأقصى لدى
جلى استجابت للنداء الشام
ذهبت خرافات الجدود فكلها
وطن لنا لو صحت الأفهام
~*~*~*~*~*~
حفى اللسان وجفت الأقلام
والحال حال والكلام كلام
مرت بنا الأيام لم نسلك بها
جدد الصواب ومرت الأعوام
والزورق التوهان سار محيرا
فوق الخضم دليله الأوهام
وتخاصم القواد بين مشرق
ومغرب وتقطعت أرحام
فإذا المنابر صاخبات حفل
يرغى بها التهويش والايهام
واذا الضلال له هناك سرادق
مضروبة عبدت بها الأصنام
والحر وابن الحر ليس مطية(57/496)
يمطى ويكبح أصغريه لجام
فيقول حقا ليس يخشى لومة
والحق أروع ما حوى الإسلام
~*~*~*~*~*~
مرت بنا الأيام بين تعلل
بغد فضاعت بالرؤى الأحلام
ظلنا نقول غدا غدا هل حققت
للائبين على غد أحلام
ظلنا نقول غدا يفيق ضمير من
فقد الضمير ويعدل الظلام
ظلنا نقول حبائب ضرباتهم
مقبولة ما إن لها إيلام
ظلنا نغرر بالوعود وينطلي
كذب ويفعل فعلة الإيهام
خرجوا لنا " بالسحب " من أقسامنا
يا ويلنا إن الهوى أقسام
~*~*~*~*~*~
بلفور ما بلفور ماذا وعده
لو لم يكن أفعالنا الإبرام
إنا بأيدينا جرحنا قلبنا
وبنا إلينا جاءت الآلام..
فينا عن الحب المجمع جفوة
ولنا بصحراء الخصام هيام
والخطب فرقنا قبائل جمة
والخطب عند عداتنا لمام
يا قادة إلا الذين أجلهم
عما يذم وقد عداهم ذام..
نحن الضحايا لا نريد مثوبة
وأقلها التعريف والإعلام
أوليس من دور لنا نلهى به
إلا وداع حافل وسلام
~*~*~*~*~*~
قل لا واتبعها الفعال ولا تخف
وانظر هنالك كيف تحنى الهام
إصهر بنارك غل عنقك ينصهر
فعلى الجماجم تركز الأعلام
وأقم على الأشلاء صرحك إنما
من فوقه تبنى العلا وتقام
واغصب حقوقك لا تستجدها
إن الألى سلبوا الحقوق لئام
هذي طريقك للحياة فلا تحد
قد سارها من قبلك القسام
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> في حالة غضب
في حالة غضب
رقم القصيدة : 68313
-----------------------------------
هل غير سيل من دم دافق
يروي غليل الساخط الحانق ؟
أم غير لألاء الظبا والقنا
يزيل من قلبي دجى الغاسق؟
كرهت ذا العالم هل مأبق
في عالم آخر للآبق ؟
ضاقت بي الدنيا وإني بها
أضيق, يالي من فتى ضائق؟
روحي عبء مثقل عاتقي
أيان ألقى العبء عن عاتقي؟
تغلو على الناس ولكنني
أبيعها للناس بالدافق ؟
~*~*~*~*~*~
متى أراني بت طي الثرى
يسحقني بالكلكل الساحق ؟
وأغمض العينين عن عالم
لا يعتلي فيه سوى الفاسق
يحظى به الكذاب بالمشتهى
والتعس للمخلص والصادق
الخير والخبز غدا حكرة
لبعضهم والويل للسارق(57/497)
هم أوجدوا السارق من حاجة
وقيل هذي قسمة الخالق
يا منطقا لم يروعن عاقل
العي خير منه للناطق
قد محق العدل فلا عادل
أما لأهل الأرض من ماحق؟
~*~*~*~*~*~
متى أرى الحق وأصحابه
يعلون من أدنى إلى شاهق ؟
وأبصر الشر وأربابه
يهوون من أعلى إلى ساحق
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> مخلوقة أنت فلا تكبري
مخلوقة أنت فلا تكبري
رقم القصيدة : 68314
-----------------------------------
خالتني الميت من صدها
والعائش الدهر معنى عليل
قالت قتيلي أنت قلت اعلمي
أن قد صحا الساهي وعاد القتيل
ملت إلى غيري واني امروء
إن مالت الروح فعنها أميل
قالت لم يزل فاعلا
قلت.. فهاتي عليه الدليل
مخلوقة أنت فلا تكبري
مثلك بين الناس ألف مثيل
~*~*~*~*~*~
قالت إذا رحت فلا عودة
إما تشكيت النوى والصدود
قلت ومن يخلص من قيده
أينثني يطلب ذل القيود؟
نجوت من نار فلا تحسبي
أني إلى النار حياتي أعود
قالت أتنسى ؟ قلت لم لا وقد
نسيت ميثاقي وخنت العهود
غدا أرى غيرك لي وافيا
وأبدل الحب بحب جديد
~*~*~*~*~*~
أخلصتك الود وجازيتني
بالغدر ما اظلم هذا الجزاء
وإذ بأحلامي الني شدتها
تنهار من فوقي وتغدو هباء
لكن سأبنيها فلا تشمتي
نعم ٍابنيها وأعلي البناء
مثلي كما قلت رجال ولا
يدركهم حصر, ذاك النساء
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> نجوى المحتضرة
نجوى المحتضرة
رقم القصيدة : 68315
-----------------------------------
دنا الموت مني " أبا جعفر "
وغاض الجمال, وزاغ البصر
سأقضي غدا فالوداع وداع
وداع الفراق وداع العمر
واعبر برزخ هذي الحياة
وكل عناء له مستقر
~*~*~*~*~*~
لك الله سعرت نار الجوى
بقلبي وجانبت لما استعر
فكنت أنادي الحريق الحريق
وناديت يا نار كوني أحر
وما كنت تعطف عطف العشيق
وتحنو حنو الحبيب الأبر
تعذبت في الحب من في الهوى
تذوق ما ذقت, من في البشر ؟
أهنت عزيزي وأسلمتن نفسي
إليك لترضى ألا تذكر ؟
وخالفت أهلي وعاديتهم(57/498)
وهم مثلما قد علمت الغسر
وحاذرت منك النوى والصدود
ولم يغن عني شديد الحذر
وها أنت قد بنت واحسرتاه
وغادرتني لعذاري أخر
ولم يبق منك سوى الذكريات
ولم يبق لي منك إلا صور
فها أنت في الدير تشكو
الهوى ومن ألم البعد لا تختصر
وها أنت تبكي بكاء الرضيع
فأمتص من مقلتيك العبر
وأرمي بنفسي على ساعديك
فترفق بالخصر لا ينكسر
تدغدغ نهدي يا للغرام
ويا لزمان تقضي ومر
وهاأنذا في فراش الممات
أتسمع نجوى التي تحتضر؟
~*~*~*~*~*~
عجبت لقلبي يصون العهود
ويوفي الوعود لمن قد غدر
فليتك يا قلب لما علقت
به صرعتك أيادي القدر
لقد قدتني لسبيل الفناء
ومن كان هاديه أعمى عثر
~*~*~*~*~*~
لم الذل يا ربه الكبرياء
لإذلالك النفس إحدى الكبر
ستقضين عما قريب فما
يهمك هجر الذي قد هجر
تناسيه لا يزدهيه الغرور
فيشمت قلب له كالحجر
~*~*~*~*~*~
أموت وتهوى من الغيد غيري
لهذا من الموت عندي أمر
أبعدي تهون على من تحب
لي الله غائرة تستعر
~*~*~*~*~*~
وددت لو انك بين اليدين
أضمك للصدر ضما عسر
والتف لف الأفاعي عليك
وانظر سمي فيك انتشر
ويجمعنا ميتين السرير
ويا طالما جمعتنا السرر
وتقضي ويقضين حزنا عليك
وما نال منك سواي الوطر
~*~*~*~*~*~
ولكن لماذا بل ابق إبراهيم
وخذ في هوى الغيد بعدي وذر
سأصبر باقي هذي الحياة
وأي الأحبة مثلي صبر؟
ولكن تعال وقف فوق رأسي
وقبل معين اللمى والحور
وبلل مصوح ورد الخدود
بمدمعك الساجم المنهمر
أموت أبا جعفر فالوداع
وداع الفراق وداع العمر
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> الخذلان
الخذلان
رقم القصيدة : 68316
-----------------------------------
غنني يا طيور نغمة خلد
وأنشدي القلب مسترق الأغاني
سكني قلبي الحزين فإن الصد
ر أودى من شدة الخفقان
إن من شدوك الممض لسرا
ثار في صيب دمعي الهتان
ليتني كنت طائرا يتغنى بلحون
الأسى على الأفنان
أنا طير قد قص مني جناحي
وفؤادي قد هام بالطيران
~*~*~*~*~*~(57/499)
من يقلني من عثرتي فبنفسي
زفرات يفحمن كل بيان
لهف نفسي وألف لهف على من
ضيع العمر سادرا بالأماني
قل له لا تنتهك قوة منطق
ولا شاعر رقيق المعاني
لو تقطعت الأعجاز في هذه الدنـ
ـيا تبددت ضائعا كالدخان
~*~*~*~*~*~
قد تبدت لي الحياة شقاء
وأنا في شبابي الريان
وعنتني فوادح الدهر حتى
صرت في الدهر كالأسير العاني
يرقب الموت كل مطلع صبح
ويرى النطع فوق كل مكان
عصفت صر صر الحياة بنفسي
فعفتها وهدمت لي كياني
ورمتني بين الورى أتلظى
بسعير الآلام والأحزان
من شفائي إذا السقام توالى
وضيائي إذا الظلام عراني
أنظم الشعر من عذابي فأبكي
و القوافي مذلتي وامتهاني
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> وعد بلفور
وعد بلفور
رقم القصيدة : 68317
-----------------------------------
العرب ما خضعوا لسلطة قيصر
يوما ولا هانوا أمام تجبر
لا يصبرون على أذى مهما يكن
والحران بسم الأذى لم يصبر
والترك قد كبروا وإنا معشر
كبروا فوق تكبر المتكبر
وإذا به أمر نبيته لهم
تحت الأسنة والقنا والسمهري
~*~*~*~*~*~
واتى الحليف وقام في أعتابنا
متجبرا أنا هدى المتحير
واستنصر العرب الكرام إنهم
غوث الطريد ونصره المستنصر
وإذا عتاق العرب تورى في الدجى
قدحا وتصهل تحت كل غضنفر
وإذا السيوف كأنهن كواكب
تهوى تلامع في لعجاج الأكدر
رجحت موازين الحليف ومن نكن
معه يرجح بالعظيم الأكثر
وبنت لنا أسيافنا صرحا فلم
يحفظ جميل العرب يا للمنكر
في ذمة الرحمن صرعى جدلوا
وعلى ثرى بدم الرجال معصفر
غدر الحليف وأي وعد صانه
يوما وأي ذمة لم يخفر؟
لما قضى وطرا بفضل سيوفنا
نسى اليد البيضاء ولم يتذكر
وإذا الدم المهراق لا بمراقه
جدوى ولا بنجيعه المتحدر
~*~*~*~*~*~
يا ذا الحليف سيوفنا ورماحنا
لم تنثلم فاعلم ولم تتكسر
بالأمس أبلت في عداك وفي غد
في كل قلب غادر متحجر
تغلي الصدور وليس في غليانها
إلا نذير العاصف المتفجر
ولقد تصبرنا عليك فلم نطق
منك المزيد زلات حين تصبر(57/500)
هذي البلاد عريننا وفدى لها
من نسل يعرب كل أسد هصر
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> البطل الشهيد
البطل الشهيد
رقم القصيدة : 68318
-----------------------------------
أإذا أنشدت يوفيك نشيدي
حقك الواجب يا خير شهيد
أي لفظ يسع المعنى الذي
منك استوحيه يا وحي قصيدي
لا يحيط الشعر فيما فيك من
خلق زاك ومن عزم شديد
كملت فيك المروءات فلم
يبق منها زائد للمستزيد
~*~*~*~*~*~
أيها القائد لم خلفتنا
ولمن وليت تصريف الجنود
أقفر الميدان من فرسانه
وخلا من أهله غاب الأسود
خمدت نار قد أضرمتها
لعدى كانوا لها بعض الوقود
والحمى قد ريع يا ذخر الحمى
وغدا بعدك منقوص الحدود
~*~*~*~*~*~
لم أكن قبلك ادري ما الذي
يرخص الدمع ويودي بالكبود
إن يوما قد رزئناك به
جاعل أيامنا سودا بسود
ملكت نفس الأوداء أسى
فيه وارتاحت له نفي اللدود
كل بيت لك فيه مأتم
يندب الناس به أغلى فقيد
للمناجاة صدى مرتجع
في بلاد العرب سهل ونجود
برزت فيها المصوتات ضحى
صارخات قارعات للخدود
وا حبيب الأمة قد يتمتنا
يا أبا كل فتاة ووليد
صعدوا من لوعة زفراتهم
فأذابت قاسي الصخر الصلود
جعلوا من كل صدر مسكنا
لارتفاع بك عن سكنى اللحود
كل قلب لك فيه مصحف
فيه من ذكرك قرآن الخلود
سور قد فصلت آياتها
لم تزل تتلى على الدهر الأبيد
~*~*~*~*~*~
أيها القائد هذي ميتة
طالما رجيتها منذ بعيد
مصرع الأبطال مابين الحديد
في الميادين ورفات البنود
هذه أعراسهم صخابة
نقرة الدف بها قصف الرعود
فيروون الثرى من دمهم
ويحنون به كف الصعيد
ويزفون عليهم حلل
من نجيع الحرب تزري بالبرود
هم تعاويذ الحمى يقصى بهم
عنه مكر السوء أو كيد الحسود
تحرق العاني أنفاسهم
ويذيبون بها غل القيود
وعلى أكتافهم تجنى المنى
ويشاد الصرح للعيش الحميد
~*~*~*~*~*~
يا شهيدا قد تخذنا قبسا
منه يهدينا إلى النهج السديد
مثل أنت وما أن تنتسى
لا تني ترويك أفواه الوجود
مت في الحرب شريفا لم تطق(58/1)
ربقة الأسر ولا ذل العبيد
هكذا العار مرير ورد
والردى للحر معسول الورود
وا حبيب الأمة قد أصبح
العيش من بعدك لي جد نكيد
جمد الدمع بعيني جزعا
يا لنار القلب من دمعي الجمود
فأذبت الروح أبكيك بها
بدل الدمع فسالت في نشيدي
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> حنين إلى الوطن
حنين إلى الوطن
رقم القصيدة : 68319
-----------------------------------
تلك أوطاني وهذا رسمها
في سويداء فؤادي محتفر
يتراءى لي على بهجتها
حيثما قلبت في الكون النظر
في ضياء الشمس في نور القمر
في النسيم العذب في ثغر الزهر
في خرير الجدول الصافي وفي
صخب النهر وأمواج البحر
في هتون الدمع من هول النوى
في لهيب الشوق في قلبي استعر
دقة الناقوس معنى لاسمها
واسمها ملء تسابيح السحر
~*~*~*~*~*~
فكرة قد خالطت كل الفكر
صورة قد مازجت كل الصور
هي في دنياي سر مثلما
قد غدا اسم الله سرا في السور
يا بلادي يا منى قلبي إن
تسلمي لي أنت فالدنيا هدر
لا أرى الجنة إن أدخلتها
وهي خلو منك إلا كسقر
منيتي في غربتي قبل الردى
أن أملي من مجاليك البصر
ظمئت نفسي لمغناك فهل
يطفئ الحرقة بالفؤاد القدر؟
فيصلي القلب في كعبته
وتضم الروح قدسي الحجر
وتمرين بيمناك على
جسد أضناه في البعد السهر
ويغني الطير في أشجاره
نغما يرقص أعطاف الشجر
خبر تنقله ريح الصبا
ويذيع الزهر أنسام الخبر
ويلاقي كل إلف إلفه
ويلمان الشتيت المنتثر
~*~*~*~*~*~
يا بلادي أرشفيني قطرة
كل ماء غير ما فيك كدر
ليت من ذاك الثرى لي حفنة
أتملى من شذا الترب العطر
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> دعوة إلى الجهاد
دعوة إلى الجهاد
رقم القصيدة : 68320
-----------------------------------
دعا الوطن الذبيح إلى الجهاد
فخف لفرط فرحته فؤادي
وسابق النسيم لا افتخار
أليس علي أن أفدى بلادي ؟
حملت على يدي روحي وقلبي
وما حملتها إلا عتادي
وقلت لمن يخاف من المنايا
أتفرق من مجابهة الأعادي؟(58/2)
أتقعد والحمى يرجوك عونا
وتجبن عن مصاولة الأعادي؟
فدونك خدر أمك فاقتحمه
وحسبك خسة هذا التهادي
فللأوطان أجناد شداد
يكيلون الدمار لأي عادي
يلاقون الصعاب ولا تشاكي
أشاوس في ميادين الجلاد
تراهم في الوغى أسدا غضايا
معاوينا إذا نادى المنادي
بني وطني دنا يوم الضحايا
أغر على ربا ارض الميعاد
فمن كبش الفداء سوى شباب
أبي لا يقيم على اضطهاد ؟
ومن للحرب إن هاجت لظاها
ومن إلا كم قدح الزناد؟
فسيروا للنضال الحق نارا
نصب على العدى في كل واد
فليس أحط من شعب قعيد
عن الجلى وموطنه ينادي
~*~*~*~*~*~
بني وطني أفيقوا من رقاد
فما بعد التعسف من رقاد
قفوا في وجه أي كان صفا
حديدا لا يؤول إلى انفراد
ولا تجموا إذا اربدت سماء
ولا تهنوا 'ذا ثارت بوادي
ولا تقفوا إذا الدنيا تصدت
لكم وتكاتفوا في كل نادي
إذا ضاعت فلسطين وأنتم
على قيد الحياة ففي اعتقادي
بأن بني عروبتنا استكانوا
وأخطأ سعيهم نهج الرشاد
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> بين الشرق والغرب
بين الشرق والغرب
رقم القصيدة : 68321
-----------------------------------
قومي لأنتم عبرة الأقوام
هل تنسبون ليافت أوسام ؟
~*~*~*~*~*~
أبناء عمي من نزار ويعرب
ليسو بأعراب ولا أعجام
يترسمون الغرب حتى يوشكوا
أن يعبدوه عبادة الأصنام
ماقلدوهم مبصرين وإنما
تبعوا نظامهم بغير نظام
للغرب عادات كغازات سرت
في الشرق مسرى الداء بالأجسام
لا تأمنوا المستعمرين فكم لهم
حرب تقنع وجهها بسلام
حرب على لغة البلاد وأرضها
ليست تشن بمدفع وحسام
والشعب إن سلمت له أوطانه
ولسانه لم يخش قطع الهام
~*~*~*~*~*~
لا أعرف العربي يلوي فكه
إن هم يوما فكه بكلام
إن فاه تسمع لكنه ممقوتة
من فيه سكسونية الانغام
لفظا من الفصحى وآخر نابيا
كالغاز ممزوجا بكأس مدام
~*~*~*~*~*~
لهفي على الفصحى رماها معشر
من أهلها شلت يمين الرامي
لم يهتدوا لكنوزها فإذا بهم
يرمونها بالفقر والإعدام
الدر في طي البحور مخبأ(58/3)
والتبر إن تنشده تحت رغام
لن يستعيد العرب سالف مجدهم
ولسانهم غرض لرمي سهامي
ان يرفعوا ما انقض من بنيانهم
فالضاد أول حائط ودعام
~*~*~*~*~*~
ان يزه شرقي بغير العرب من
أجداده الأتراك والأروام....
فأنا الفخور بأنني لا ينتمي
للعجم أخوالي ولا أعمامي
إن تسألوا عني الى من أنتمي
فإلى رعاة النوق والأغنام
أبغير مجد بني نزار ويعرب
يزهى عراقي ويفخر شامي ؟
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> أيام النضال
أيام النضال
رقم القصيدة : 68322
-----------------------------------
كشري ما شئت يا سود الليالي
فأبو الطيب لا يخشى العوالي
إن تقاعست عن الحرب فإني
مجرم يقعد عن شأو المعالي
غايتي ألقى المنايا عاجلا
في مجالي العلم أو ساح النضال
فابسمي يا أم عبد انه
زف للحور وولى وهي عالي
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> احملوني
احملوني
رقم القصيدة : 68323
-----------------------------------
احملوني احملوني
واحذروا أن تتركوني
وخذوني لا تخافوا
وإذا مت ادفنوني
13- نحن لم نحمل السيوف لهدر
بل لإحقاق ضائع مهدور
نحن لم نرفع المشاعل للحرق
ولكن للهدى والتنوير
نحن لم نطعن الضمير ولكن
بقنانا احتمى طعين الضمير
كان فينا نصر الضعيف المعنى
وانجبار المحطم المكسور
~*~*~*~*~*~
أمتي إن تجرؤ عليك الزعامات
فلا تيأسي ذريها وسيري
القديم الجميل ريش جناحيك
فرفي في العالمين وطيري
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> نحن المصادر والموارد
نحن المصادر والموارد
رقم القصيدة : 68324
-----------------------------------
نحن المصادر والموارد
وسلاحنا فتل السواعد
هاماتنا - للمجد يرسو
حين نبدعه - قواعد
وقلوبنا نبع المكارم
ليس ينضب والمحامد
ودماؤنا الحمراء
للحرية العليا روافد
ولنا الأيادي البيض
لا ينسى الأيادي غير جاحد
وبنا إذا تدهو الشدائد
كان تفريج الشدائد
~*~*~*~*~*~
إن اسمنا العمال لا نلهو
بلغو عن مقاصد
نقضي على حد الأسنة(58/4)
لا النمارق والوسائد
ونقابل الظلم الفري
بهمة تفري الجلامد
ونذيب في نار الجهاد
وحرها عنا الصفائد
لسنا كمن يهذي على
الأعواد بالخطب الرواعد
~*~*~*~*~*~
ومن العجائب في المصائب
فرقة والهم واحد
نقضي الحياة على خصام
بين زمام وحامد
راجت أباطيل التبجح
بيننا والفضل كاسد
والخير بات ضحية
مابين هدام ونافد
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> رثاء حمال
رثاء حمال
رقم القصيدة : 68325
-----------------------------------
قد عشت في الناس غريبا وها
قد مت بين الناس موت الغريب
والناس مذ كانوا ذوو قسوة
وليس للبائس فيهم نصيب
لو كنت في حبلك شناقهم
لولولوا حزنا وشقوا الجيوب
أو كنت من " سلك " رزاقهم
لقام عند السل ألفا خطيب
ونزهوا حبلك عن عيبه
وبللوا السل بذوب القلوب
لكنك الحمال لم يطمعوا
فيك ولم يخشوا أذاك الرهيب
رغيفك الطاهر غمسته
من عرق زاك ودمع صبيب
ما كنت سلابا أخا غصبة
بل كنت ذا حق سليب غصيب
فرحت لم يسكب عليك امرؤ
دمعا ولا قلب رفيق يلوب
ولم يودعك حبيب وقد
يهون الصعب وداع الحبيب
~*~*~*~*~*~
حبلك والسل لقد أوديا
بهيبة الموت الوقور الرهيب
وفيهما لو أنصفوا رفعة
وشاهدا أفضل, وخير وطيب
قد مر أهل الدرب لم يأبهوا
للمهمل المطروح فوق الدروب
كم قد سألت الناس ماء فلم
يجبك النزع شفيق مجيب
أو استعنت الطب لكنما
لم تملك الأجر ففر الطبيب
أو ربما أوصيت أو شئت أن
توصي فلم يسمعك حان قريب
رب صغير لك خلفته
منتظرا إياك حتى تؤوب
يرجوك للجوع الذي شفه
يا غائبا عنه وطال المغيب
~*~*~*~*~*~
إن قوافي على قحطها
تلقى بمرآك المجال الخصيب
برودك الهاديء قد هاجها
فجررت غضبى ذيول اللهيب
ياموقظ النقمة في أضلعي
بشعت في عيني الجمال العجيب
~*~*~*~*~*~
لثوبك الرث وإخلاقه
كرهت أثواب الحرير القشيب
والجسد الجامد في يبسه
كره لي الغصن الطري الرطيب
وصمتك الرائع ياموحشي
بغض لي الصوت الحنون الطروب
زهدتني بالعيش في معشر(58/5)
عار عن الرحمة خاو جديب
حياتك المأساة مثلتها
ذروتها الفصل الأخير الكئيب
وراقب الناس تفاصيلها
لكنه ما إن وعاها رقيب
يا حسرتاه قد فاتني بدؤها
وأسدلت قبلي عليها الحجوب
أولا فلو أبصرتها كلها
لكنت من وجدي وحزني أذوب
إني من الناس ولكنني
في رقتي عنهم بعيد جنيب
أبكى على الظالم من رقة
وخنجر الظالم مني شريب
فراق هذا الناس عيد فلا
تجزع وذي الراحة بعد اللغوب
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> تبسم
تبسم
رقم القصيدة : 68326
-----------------------------------
إن تجد باب الأماني مغلقا
لا تكشر أو تلم من " سكره "
إن بواب الأماني مرح
يبغض اليأس, ويخشى الكشرة
فتبسم يا عزيزي
يا عزيزي هل ترى الكشرة قد
أرجعت من فائت بعد فوات ؟
بينما البسمة أدنت قاصيا
أوما جربت سحر البسمات؟
فتبسم
إن للعيش طريقين هما
الجد في الضحك وجد في البكاء
لا تقل أجبرت في شرهما
فلك الخيرة فاختر ما تشاء
يا عزيزي
ثم ما ساءك من هذي الدنى
ما الذي رد لك الطرف كليلا؟
إن دنياك التي تصنعها
فسر الأشياء تفسيرا جميلا
وتبسم يا عزيزي
إن يكن خانك إلف في الهوى
وتذوقت مريرا غدره
فهو أعفاك وأخلى عامدا
شقة في القلب اسكن غيره
وتبسم يا عزيزي
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> حجر في كثبان الرمل
حجر في كثبان الرمل
رقم القصيدة : 68327
-----------------------------------
فيم انفرادك لا أنيس
تراه في القفر المخيف
في ربقة الوهج الحرور
وغل عاصفة عصوف
وصبرت للهوج اللوافح
في الضحى صبر الأنوف
أرضيت بالصحراء عن
ظل المنمقة الغريف
وطلبت وحدة راهب
فيها وعزلة فيلسوف
~*~*~*~*~*~
هل كنت يوما في القصور
وعفت ضافية القصور؟
وأبيت أن تبنى عليك
صروح بهتان وزور
فنجوت للصحراء من
صخب المزاهر والزمور
تعلو على نغم الأنين
ونشجة القلب الكسير
أم كنت شاهد مصرع
الأخلاق في البيت الكبير
فهربت انك في الجماد
إذن لذو أسمى شعور
هل كنت قط مجنة
من كيد باغ ظالم ؟(58/6)
وحميت هامة مبتلي
وفلقت هامة غاشم
وجثمت فوق عظامه
فصرخن تحت الجاثم
هل كنت سدا فوقه
تكبو مطايا القاحم ؟
وعلى المهامة صوة
تهدي ضلال الهائم
إن كنت ذاك بذذت
في الإحسان خلقة آدم
~*~*~*~*~*~
أنت الوحيد هنا
ومالي لا أقول أنا الوحيد
هيمان لا أدري الغداة
طريق منجاتي طريد
وإذا قعدت كما قعدت
أضر بالروح القعود
والروح يا بعض الجماد
عنى ومحملها بؤود
تأبى الجمود حصافة
منها ويأباها الجمود
قل لي: إذا لك مسلك
جدد ومطرق سديد؟
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> هكذا قسم الإله
هكذا قسم الإله
رقم القصيدة : 68328
-----------------------------------
بغى في قسمة الأرزاق ناس
وقالوا هكذا قسم الإله
وقالوا إن أحب الله عبدا
برزقته المقدرة ابتلاء
دعونا إن يكن هذا صحيحا
ير الفقراء معبودا خلاه
رأيت القلب إما ضاق صبرا
بمحبوب لحرمان سلاه
لقد وصفوا الإله بشر ظلم
بما كذبوا: تنزه في علاه
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> هل هذا كلام
هل هذا كلام
رقم القصيدة : 68329
-----------------------------------
قال الظالمون وقد تمادوا
بظلم الناس غايتنا السلام
كلما رام طرح القيد عبد
وفك قيوده غضبوا ولاموا
وقالوا أثائر يبغي اهتزاما
لعالمهم, فهل هذا كلام ؟
فإن ننظر إليهم باحتقار
وإن نحقد عليهم هل نلام؟
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> انصفني فأنا أخوك
انصفني فأنا أخوك
رقم القصيدة : 68330
-----------------------------------
أتينا للحياة فلي نصيب
كما لك أنت في الدنيا نصيب
فلم تعدو وتغصبني حقوقي
وتطلب أن يسالمك الغصيب؟
أعدلك قال أن أسعى وتجنى
وأطلب المعاش فلا أصيب؟
فانصفني ولا تجحف فإني
أخوك إذا دها الخطب العصيب
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> غريب بين الناس
غريب بين الناس
رقم القصيدة : 68331
-----------------------------------
إلى من هادم جسمي فتاتا
فجابل طينتي فمعيد سبكي
فيعبكني بهذا الناس إني(58/7)
غريب بينهم فيجيد عبكي
فإنهم رأوا ورأيت شيئا
فراحوا يضحكون ورحت أبكي
كأني من روايتهم نشاز
سها الراوي فلم يحفل بحبكي
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> النضال شيء يحب
النضال شيء يحب
رقم القصيدة : 68332
-----------------------------------
جعلت نضالي الظلم هما وديدنا
لأني به حلت لدي المعاضل
فأحببته حب الحياة لفضله
علي, ولا تنسى لدي المفاضل
فوا عجبا إن نلت غاية مطلبي
غدا فيم ألقاني أعود أناضل ؟
وإن وصلت أرضي رغابي مطيعة
فهل لسمائي عن وصالي عاضل؟
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> مشكلة القوافي
مشكلة القوافي
رقم القصيدة : 68333
-----------------------------------
أرى المعنى بقلبي جد واف
وإن انظمه يصبح غير واف
فأبحث عن بقاياه فألقى
بقاياه بأسنان القوافي
فوا عتبا تعوفت المعاني
ولم ننعب وعبت في عوافي
وأما كنت في جنان عدن
تجرر بي لصحراء السوافي
اتعشرنا القوافي في قصيد
كما عشر الحجيج علو طواف
فهل من شارع شرعا صحيحا
يوافينا الحقوق على لياف
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> العيد
العيد
رقم القصيدة : 68334
-----------------------------------
إذا رق إحساسنا في الوجود
وفاضت أحاسيسنا الشاعرة
إذا ما صهرنا قيود العبيد
بنار من القوة القاهرة
إذا ما نعمنا بلقيا المنى
وقرت رغائبنا الحائرة
'ذا كان هذا فثمة عيد
وتلك مظاهره الساحرة
وثمت بحسن وجه الحياة
فتصبح فتانة ناضرة
وتجعل دنيا زهر نابها
وإلا فموعدنا الآخرة
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> عن شعر عبد الرحيم محمود
عن شعر عبد الرحيم محمود
رقم القصيدة : 68335
-----------------------------------
خذوا ريشة الفن خطوا لها
سهول البلاد ووديانها
من العرق والعذب رووا السهول
وروض البلاد وبستانها
عن الدم خطوا رؤوس الجبال
وهام الرواسي وكثبانها
هو الغد لوحكم يا شباب
فخطوا من العزم عنوانها
غد لوحة بين أيدي الشباب(58/8)
فلا تسلموا الأمر عميانها
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> يا حياتي
يا حياتي
رقم القصيدة : 68336
-----------------------------------
انظري لي واجعلي العطف
يسل من نظراتك
واغمز يني فلقد طال
انتظاري غمزاتك
وابسمي لي يا حياتي
فالمنى في بسماتك
ودعي صدي, فما
كالصد بالعشاق فاتك
لا تناسيني فأنسى
بالهوى من ذكرياتك
~*~*~*~*~*~
افرضيني آدما أخطأت
لكني أتوب
قد تعذبت فأيان
لفردوسي أؤوب
أو ترضين لقلبي
يتقلى ويذوب؟
وشبابي بهيامي
فيك يذوي ويذوب؟
~*~*~*~*~*~
أنظري لي واتركيني
اجتلي سر الفتون
يا لعينيك ويا لي
بهما جن جنوني
فيها ما لم يكن
هاروت يدري من فنون
انظري لي واغرزي
الأهداب في قلبي الطعين
اذبحيني بلحاظ
وادفنيني في الجفون
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> لقد تهت
لقد تهت
رقم القصيدة : 68337
-----------------------------------
قد سددوا العالم في وجهه
وارحمتا للعاشق المستهام
مقطع القلب إذا لمه
عادوا فخلوه كسيرا حطام
لم يتركوا المسكين في همه
بل حملوه كل عبء الملام
يا لائمي في الحب دعني فقد
يزداد باللوم سعير الغرام
تريد أن تطفئ نار الجوى
فتفرق الصب الدموع الحسام
سلمى لقد تهت فهذي يدي
سلمى فقوديني عبر الظلام
أنت بصيص النور في ناظري
والخانق الثائر بين العظام
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> السكر مشغلي
السكر مشغلي
رقم القصيدة : 68338
-----------------------------------
قالوا سيقتلك الغرام
فقلت مالكم وقتلي
إن كنت أرضى موتي في حبي
دعوا لومي وعدلي
نشان من ريق الحبيب
وسحر ألحاظ ودل
هم يا حبيبي يبتغون
فراقنا تفديك أهلي
لقد اعتصمت بحبل حبك
فاعتصم حبا بحبلي
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> لعبة
لعبة
رقم القصيدة : 68339
-----------------------------------
لعبة تهدى للعبة
من فتى يكتم حبه
أنت لو ترضين شيئا
غيرها أعطاك قلبه
فاذكريه فهو قد أشغل
في ذكراك لبه(58/9)
قابلي الحسنى بعطف
هكذا تقضي المحبة
ربما ساءك ما قلت
فجاوبت بغضبه
إن تشائي فهو صدق
أو تشائي فهو كذبة
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> إليها
إليها
رقم القصيدة : 68340
-----------------------------------
دعيني فقد أيقظت بي كامن الأسى
وهجت جراح الحب في قلبي الدامي
غدرت وجئت الآن تستغفرينني
لنقضك عهد الحب من بعد إبرام
دعيني فلا قلبي عليك بعاطف
حنانا ولا دمعي لدى فرقه هامي
لقد ضل عقلي فيك يوما وها أنا
عرفت سبيل الحب من بعد تهيامي
ربيت على روحي, نعم وعلى دمي
ولكن سدى ضاعت بحبك أيامي
فيا ليتني من قبل صدقت عذلي
وطاوعت في بدء الملامة لوامي
بنيت وأعليت الأماني ضلة
فهدمت لي بالغدر شامخ أحلامي
طمست على قلبي فلا اسمك فوقه
يعيش ولا زهو الهوى فوقه نامي
وقلبك هذا يا لقلبك غادرا
سأسحقه ثأرا لقلبي بأقدامي
فذوقي الذي ذقت أنت ظلمتني
بحبي وآمالي وللست بظلام
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> روحي
روحي
رقم القصيدة : 68341
-----------------------------------
روحي فقد راح الذي بيننا
كالبارح السالف ما إن يعود
روحي ولا تأسي على حالتي
وانسي مواثيقي, وخوني العهود
لا تحملي من ذكر عهد الهوى
إن الهوى صعب وحملي يؤود
روحي
دمعي الذي أذللت كفكفته
أواه كم أذللت لي من دموع
وجرح هذا القلب لملمته
وأطفيء المحرق بين الضلوع
وعقلي الهائم أرجعته
ولم أكن آمل منه الرجوع
روحي
روحي فما الإشراك من مذهبي
ولست أرضى في حبيبي الشريك
أنا " أناني " ولم ارض أن
أرى على قلبك غيري مليك
أبوك لو أوليته نظرة
كرهت دنياي ودنيا أبيك
روحي
نزعت من قلبي ثبات الهوى
وتحت أقدامي لقد دسته
وخفت من قلبي ضلال الهوى
ورجعة الماضي فحطمته
إن عاد قلبي الذي قد مضى
أتيت بالنار وأشعلته
روحي
إذا تلاقينا فلا تنظري
أرى وميض الغدر في ناظريك
ولا تشيري لي ولا تومئي
وددت لو تقطع كلتا يديك
روحي فقد راح الذي بيننا
ولهفة الحب وقلبي عليك
روحي(58/10)
روحي شبابي أنت أيأسته
من أمل زاك رجاء الشباب
لا تذكري الماضي.. ماذا به
هل ذقت في حبيبك إلا العذاب؟
كتاب ماضيك مأسى كله
لا تقرئي منه بل اطوي الكتاب
روحي
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> كبرياء الحب
كبرياء الحب
رقم القصيدة : 68342
-----------------------------------
اسمعي يا من.. لقد خنت عهد الهوى
ونسيت أو تناسيت الوداد
إن قلبا بالجوى أحرقته
سوف أذروه بعيني رمادا
وخضوعا كان بي فيما مضى
سيصير الآن كبرا وعنادا
وإذا حن فؤادي للقا
فسأجتث من الصدر الفؤادا
~*~*~*~*~*~
اسمعي لا تذكري الماضي فلا
رجع الماضي ولا البارح عادا
ودعي - لا تقرئي من صفحة
قد جعلنا أبيض الماضي سوادا
لا الأزاهير تبسمن لنا
وتشادين ولا المياد عادا
وطيور الروض لا غنت ولا
ستر الليل علينا حين سادا
ولا تعانقنا غراما مرة
وتراشفنا من الريق الشهادا
اغضضي أو صعري خدك لي
وخذي غيري عشاقا جدادا
واهجريني وابعدي عني فلا
ارهب الهجر, ولا أخشى البعادا
وتناسي كيف شدنا عشنا
قد هدمنا ما بنى الحب وشادا
وسأنساك ولا أترك في
ذكرياتي لك ذكرا مستعادا
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> جفت على شفتي الأماني
جفت على شفتي الأماني
رقم القصيدة : 68343
-----------------------------------
دع عنك رائعة الأغاني
جفت على شفتي الأماني
" ارفوس " وليس بمستطيع
أن يهدهد لي جناني
أدر الكؤوس مليئة
وذر المثالث والمثاني
بل بالدنان فعاطني
لا أرتوي بسوى الدنان
هات اسقني كأسا لأنسى
فوق أرضك ما كياني
هات اسقني حتى احلق
من سمائي في العنان
وافر من شرك الزمان
ومن أحابيل المكان
أتسلق النور الشعاع
إلى كواكب لي رواني
أنا من هناك من السماء
فمن على الدنيا رماني ؟
من دنس القدس الطهور
وحط بالعف الحصان
أو فاسقني بالقبة الزرقاء
كأسك ما رواني
هو من ثرى الترب الخسيس
فما أفاد وما شفاني
وأراه لم يبعث بقلبي
بعض آمالي الفواني
أدنى من الألم القصي(58/11)
وأضاع أحلامي الدواني
~*~*~*~*~*~
هات اسقني واجعل كؤوس
الراح أهواه الحسان
فأذوقها ممزوجة
بشذا الهوى ولفى الحنان
أو فاسقينها في العيو
ن الموحيات لي المعاني
أوفي النحور البيض
تغري فوق أغصان لدان
أوفي كمام الورد ريا
أو ثغور الأقحوان
هذي أوان.. والجمال
يزيده حسن الأواني
والراح روح ليس يجلوها
سوى حسن المباني
~*~*~*~*~*~
هات اسقني واحلل
براحك عقدة زمت لساني
إني أراني إن ظمئت
إلى الطلاعي البيان
شفتي وكأسك عاشقان
عن الهوى يتحدثان
غنما من الدهر الخؤون
منى فباتا في قران
دقات قلبي والحباب
من الجوى يتشاكيان
هات اسقني لأغرق
فيه أثقل ما أعاني
جسمي وروحي في سعير
سرمد يتحرقان
يوحي إلي الكأس ما
يوحي فعزوني بثان
لتشيع في قلبي الحزين
رؤى رجاها من زمان
أطفئ صداي فإنني
جفت على شفتي الأماني
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> من شعر عبد الرحيم محمود
من شعر عبد الرحيم محمود
رقم القصيدة : 68344
-----------------------------------
روحي عبء مثقل عاتقي
إياك ألقى العبء عن عاتقي؟
تغلو على الناس ولكنني
أبيعها للناس بالدافق ؟
يا ليتني أشلاء في مهمة
مناشة الناعب والناعق
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> كان غازي
كان غازي
رقم القصيدة : 68345
-----------------------------------
كان نجما يهتدي الساري به
في دياجير الليالي الحالكات
كم قلوب رقصت خفاقة
حينما لاح, بديع الخفقات
أدخل النور على أفئدة
كن من نور الأماني مقفرات
كان نجما ثم غاب
وتوارى في التراب
لهف قلبي
نفخ الموت عليه فانطفأ
وانطوت أنواره في الظلمات
ورنت أبصارنا كيما ترى
مأفل النجم فردت غرقات
~*~*~*~*~*~
كان غصنا حمله زهر المنى
طيب النشر لذيذ النغمات
بسمت أكمامه عن أمل
قد رجوناه وعن حظ موات
غير أن الدهر هبت ريحه
تقصف الغصن وتذري الزهرات
راح والعمر شباب
والأزاهير رطاب
لهف قلبي
قد حسبنا الدهر غفلان ولم
تك في الحسبان ريح الغدرات(58/12)
هكذا إما ازدرعنا نبتة
للمنى أودى الردى بالنبتات
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> ذكرى الزمان
ذكرى الزمان
رقم القصيدة : 68346
-----------------------------------
هات من ذكرى زمان العز هات
حبب الماضي لي ما هو آت
يا زمانا كلما ذكرته
ذهبت نفسي عليه حسرات
حينما كنا غضة غض بنا
صدر أعدانا وشوكا في اللهاة
تلك أيام تقضت
هل لها من رجعات
ليتها لما تقضت
قد قضت فيها حياتي
-2-
هات حدث حين كنا لهبا
صلي المحرق فيه كل عات
حين هال الكون منا ما رأى
من إباء ومضاء وثبات
لفت الدهر زئير رائع
ورأينا ذعره باللفتات
ذاك عهد فارو عنه
ما إذا يروى يهز
هات للسامع منه
فبه مجد وعز
-3-
غضبة للحق كانت حبذا
عيشة المرء مخوف الغضبات
هبة للثأر كانت إننا
لذوو بطش شديدو الفتكات
لم نطق خسفا ولم نصبر على
عيشة الذل ولا كبر العداة
نحن أذللنا الوجودا
نحن للكبر مثل
وإذا رمت شهودا
فسل التاريخ سل
-4-
صيحة كانت فهاجت ساكنا
نفحة لله حلت بموات
أصغت الدنيا لنا وامتلأت
أذناها بدوي الزمجرات
عزت العرب وعزت دارها
تنبت الآساد فيها كالنبات
أمة ليست تهون
ولها متن أزل
أرضها غاب مصون
وحرام لا يحل
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> طريق الحياة
طريق الحياة
رقم القصيدة : 68347
-----------------------------------
قل " لا " واتبعها الفعال ولا تخف
وانظر هنالك كيف تحنى الهام
اصهر بنارك غل عنقك ينصهر
فعلى الجماجم تركز الأعلام
وأقم على الأشلاء صرحك إنما
من فوقه تبنى العلا وتقام
واغصب حقوقك قط لا تستجدها
إن الألى سلبوا الحقوق لئام
هذي طريقك للحياة فلا تحد
قد سارها من قبلك القسام
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> يا رجال القلم
يا رجال القلم
رقم القصيدة : 68348
-----------------------------------
خذوا ريشة الفن وخطوا لنا
سهول البلاد ووديانها
من الدم خطوا رؤوس الجبال
وهام الرواسي وكثبانها
من العرق العذب رووا السهول(58/13)
وروض البلاد وبستانها
هو " الغد " لوحتكم يا شباب
فخطوا من العزم عنوانها
" غد " لوحة في أيادي الشباب
فلا تسلموا الأمر عميانها
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> أنشودة التحرير
أنشودة التحرير
رقم القصيدة : 68349
-----------------------------------
إن أيامنا ابتسامة ثغر
لم يدر مثلها بثغر الدهور
نشرت ميت الأماني وأحيت
أملا عارما بقلب كسير
فرح الكون حيث لاحت على الدهـ
ـر وريعت ممردات القصور
ذاك أن الظلوم يكره فجر الحـ
ـق كيلا يزول ليل الفجور
قوم طه بين الخلائق قوم
قد أعدوا لكل أمر خطير
قوم حرية أعدهم اللـ
ـه ليتلوا رسالة التحرير
في عبيد يصب كسرى عليهم
سوطه ظالما وجام نكير
فاستجار الحق المضيع بالعر
ب فكانوا الغياث للمستجير
صرفت شدة الجوارح فيهم
في الطريق السوي تقوى الصدور
فروى عنهم الزمان حديثا
ضمخته فعالهم بالعبير
لم تكن قادسية المجد إلا
صفحات من سفر عز شهير
هي لغز الألغاز كيف يكون القـ
ـل نصرا على العديد الوفير
غير أن الإيمان بالحق والرو
ح جدير بالنصر جد جدير
واجتماع القلوب أضمن للأمـ
ـر المرجى من الشتيت النثير
عبرة ليت أنا قد قبسنا النو
ر منها في مدلهم الأمور
حين صرنا إلى الخلاف فقدنا
سربنا ضلة لسوء المصير
من جديب الصحراء أوفى علينا الخصـ
ب من فيض حق وخير
والخصيب الغني إ، تفقد الإيما
ن والروح فقير وأي فقير
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> القرآن الكريم
القرآن الكريم
رقم القصيدة : 68350
-----------------------------------
كتاب أضاء دياجي الظلم
وأهدى الأنام لأهدى أمم
وكان الرعاة رعاة الشياة
فصار الرعاة رعاة الأمم
كلام العظيم عظيم الكلام
فجل العظيم وجل الكلم
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> ذكرى الهجرة النبوية
ذكرى الهجرة النبوية
رقم القصيدة : 68351
-----------------------------------
يوم مجد فات ما أجمل ذكره
فيه لو نفطن آيات وعبره
فيه أن الحق إن حصنه(58/14)
قادر لم يستطع ذو البطل هدره
فيه أن الفعل أجدى للفتى
مم كلام ما عهدنا قط أمره
فيه أن المال والأهل إذا
لم يجودا ضحيا من اجل فكرة
فيه إن هم الفتى فليقتحم
لا يخف ضحضاح ما ينوي وغمره
شرعة علمناها المصطفى
ليتنا نمشي على شرعه إثره
فليحل السيف ما عقده
غادر بيت للأوطان غدره
ليس مثل البطش في الدنيا فكن
باطشا يرهب أهل الأرض شره
ضيع المضعوف لا ظفر له
ونجا المضعوف لو طول ظفره
ودموع الذل ما رق لها
قلب ظلم إن قلب الظلم صخرة
قوة المرء له حجته
وهي إن يظلم تقف في الناس عذره
" وأعدوا " لم يقلها ربكم
عبثا فلتحسنوا في " الذكر " نظره
لم تكن هجرة طه فرة
إنما كانت على التحقيق كره
كانقباض الليث ينوي وثبة
وانقباض الليث في الوثبة سوره
ورمى في السوح أبطالا لهم
فوق سوح الموت تمراح وخطره
وانجلى العثير عن هاماتهم
كللت بالغار من مجد وفخرة
نصروا الله فلم يخذلهمو
بل جزاهم ربهم فوزا ونصرة
فمشوا في الناس نورا وهدى
وبدوا فوق جبين الدهر غرة
ركزوا أرماحهم فوق العلا
وحدى الحادي بهم عزا وشهرة
وأتينا نحن من بعد همو
وأضعنا ما جنوا طيشا وغرة
يثغر السور علينا ونرى
ثم ر نرتق بالأفعال ثغرة
ونرى الماكر في أمجادنا
ثم لا نفسد للشقوة مكره
ونرى حد حمانا ناقصا
كل يوم شطرة من بعد شطرة
ولنا في كل يوم قالة
فأرونا فعلة في العمر مرة
لا يصون الحد إلا حدة
ويذيب القيد إلا نار ثورة
ومذاق الموت أحلى في الوغى
من حياة ضنكة في القيد مرة
ونفوس الخلق أعلاها التي
إن تعش عاشت وماتت وهي حرة
لا تقولوا ما لنا من قدرة
إن تريدوا ينخلق عزم وقدرة
إن فيكم لبقايا طيبات
لم يزل في الدم مجراها وخيره
فانهجوا نهجا قويما واعملوا
واعملوا لا تبخسوا " مثقال ذرة "
ما أضر الشعب كاليأس فإن
يئس الشعب يكون اليأس قبره
هكذا نقضي ولم تبدر لنا
غضبة في حقنا أية بدرة
ولنا ثأر على الناس وما
نام من يطلب أن يدرك ثأره
~*~*~*~*~*~
هاجر الهادي إلى رجعى فإن(58/15)
نحن هاجرنا فماذا بعد هجره؟
قد خرجنا أمس من أندلس
ودخلنا بعد في نيران حسره
وإذا نحن خرجنا في غد هل
يحن الناس للأقصى بزوره؟
لا يخاف الناس إلا ظالما
فاظلموا كونوا ذوي بأس وجسرة
ليس يحمي الحق إلا فتكة
ويعيد فينا غير قسره
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> تمور البصرة
تمور البصرة
رقم القصيدة : 68352
-----------------------------------
يقال البصرة اشتهرت بتمر
سلوا هل يملك الفقراء تمره؟
هناك على جناح العز ناس
وناس من معاوزهم بغمره
فهل أمر الزنوج له معاد
وكم شيء كرهت حمدت أمره
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> نون النسوة
نون النسوة
رقم القصيدة : 68353
-----------------------------------
يا نون يا حزين
أهكذا تهون
يعلو عليك واو
وأنت منه دون
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> يا عامل
يا عامل
رقم القصيدة : 68354
-----------------------------------
يا عامل..
هذي القصور وأنت را
فع سبكها هل هن لك ؟
والدوح أنت زرعته
من حولها هل ظللك؟
والنور من يدك الصنا
ع فما حياتك في الحلك
الحسن أنت خلقته
لكن سواك له ملك
لا تأس فالدنيا تصيـ
ر إليك إن دار الفلك
يا عامل..
الله - في الدنيا - وأنـ
ت الخالقان من العدم
أولست إن تضرب يسل
ماء من الصخر الأصم
وإذا نفحت بتربة
حيت بنفحتك الرمم
الصرح إن ترفعه ير
فع أ, تهدمه انهدم
فاعرف مكانك في
الورى واعلمه أنت به علم
يا عامل..
أطرق بمطرقك الرؤو
س إذا تمادت في عنادك
واحكم بأمرك في بلا
دك لا تغرب في بلادك
أنت الذي زرع الحيا
ة فمن شريكك في حصادك؟
يا عامل..
ألبست من نسج اليديـ
ـن الكون توشية تزين
ونسجت من عرق الجبيـ
ـن لآلئا عز الجبين
متحركا بين العلا
وبشرعك العاري السكون
ما شئت كان وكل ما
تأباه ذلا لا يكون
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> الغيث
الغيث
رقم القصيدة : 68355
-----------------------------------
إذا رق إحساسنا في الوجود(58/16)
وأضحت نفوس لنا شاعره
إذا ما صهرنا قيود العبيد
بنار من القوة القاهرة
إذا ما نعمنا بلقيا المنى
وقرت رغاب لنا حائرة
إذا كان هذا فثمة عيد
وتلك مظاهره الساحرة
وثمة يحسن وجه الحياة
فتصبح فتانة ناضرة
وتجمل دنيا زهدنا بها
وإلا فموعدنا الآخرة
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> فتى الحروب
فتى الحروب
رقم القصيدة : 68356
-----------------------------------
ففتى الحروب كما علمـ
ـت ولكن ليس حربك
لي للرجال مصارع
ومصارعي همزات هدبك
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> يا لائمي في الحب
يا لائمي في الحب
رقم القصيدة : 68357
-----------------------------------
لقد أغلقوا العالم في وجهه
وا رحمتاه للعاشق المستهام
مقطع القلب إذا لمه
عادوا فخلوه كسيرا حطام
لم يتركوا المسكين في همه
بل حملوه كل عبء الملام
يا لائمي في الحب دعني فقد
يزداد بالحب سعير الغرام
تريد أن تطفئ نار الجوى
فتغرق الصب الدموع الجسام
" سلمى " لقد تهت فهذي يدي
" سلمى " - فقوديني عبر الظلام
أنت بصيص النور في ناظري
والخافق الثائر بين العظام
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> راح الذي بيننا
راح الذي بيننا
رقم القصيدة : 68358
-----------------------------------
روحي فقد راح الذي بيننا
كالبارح السالف ما إن يعود
روحي ولا تأسي على حالتي
وانسي مواثيقي وخوني العهود
لا تحملي من عهد ذكر الهوى
إن الهوى صعب وحملي يؤود
روحي فقد راح الذي بيننا
دمعي الذي أذللت كفكفته
أواه كم أذللت لي من دموع
وجرح هذا القلب لملمته
وأطفيء المحرق بين الضلوع
وعقلي الهائم أرجعته
ولم أكن آمل منه الرجوع
روحي فقد راح الذي بيننا
روحي فما الإشراك من مذهبي
ولست أرضى في حبيبي الشريك
إني أناني ولم يرضني
أن أرى على قلبك غيري مليك
أبوك لو أوليته نظرة
كرهت دنياي ودنيا أبيك
روحي فقد راح الذي بيننا
خلعت من قلبي ثبات الهوى
وتحت أقدامي لقد دسته(58/17)
وخفت من قلبي ضلال الهدى
ورجعة الماضي فخربته
إن عاد قلبي للذي قد مضى
أتيت بالنار وأحرقته
روحي فقد راح الذي بيننا
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> يا غزالا
يا غزالا
رقم القصيدة : 68359
-----------------------------------
يا غزالا صدني ما أجملك
مبدع الأكوان ربي عدلك
فيك معنى كل حسن رائع
يدع الجنة من قد قبلك
هذه الريم فسلها هل لها
مقل حوراء تحكي مقلك
هي من جنسك طبعا إنما
كحلها ليس يضاهي كحلك
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> بيني وبين قلبي
بيني وبين قلبي
رقم القصيدة : 68360
-----------------------------------
قلت لقلبي إنها كافرة
تعبد يا قلب صليب المسيح
في حمأة شرها سادرة
تطيع من ضل وتعصي النصيح
وقلبها كالريشة الحائرة
تنأى على ريح وتدنو بريح
تبيع للسانح كالتاجرة
وتنثني تطلب بيع البريح
فقال هذي حجة قاصرة
ليس بها يشفى المعنى الجريح
بل هي عندي زهرة ناضرة
وكل ما فيها جميل مريح
لم يهتد القلب ولم يسمع
وقلت: لكن زهرة شمها
قبلك يا قلب كثير العدد
يا رب ذي وجد لقد ضمها
فارتاح بالضمة مما وجد
أولت له في صبوة جسمها
ونولت ما لم ينول أحد
حتى إذا ما أفرغت سمها
تتركه يشقى شقاء الأبد
شيطانة قد شابهت أمها
يا بئست الأم وبئس الولد
قال وإن هولت لي ذمها
" فحسن في العين ما قد تود "
لم يهتد القلب ولم يسمع
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> جيش الحبائب
جيش الحبائب
رقم القصيدة : 68361
-----------------------------------
حي الظباء الباديات كواكبا
المورثات العاشقين مصائبا
المحرقات بنارهن قلوبنا
والآخذات من اللحاظ قواضبا
والسارقات من الرياض لداتها
ورضابها وشذا الورود الساكبا
~*~*~*~*~*~
أقبلن أسرابا كأسراب المها
متقسمات للقتال كتائبا
أعددن للحرب العوان ضفائر الشـ
ـعر الجثيل لقيدنا وذوائبا
وتخذن في حرب الرجال سلاحهـ
ـن خدالجا وروادفا وحواجبا
~*~*~*~*~*~
الله أكبر قد قسمن صفوفهـ(58/18)
ـن طوالعا وأواسطا وجوانبا
ورسمن خطة كرهن وما فطـ
ـن لفرهن وما حذرن عواقبا
الله هل سمر القنا مالت وأضـ
حى القلب في تقبيلهن الراغبا
ومددت عنقي للقواضب كي تحـ
ـز ولست فيها خائفا أو راهبا
وفتحت في الهيجاء قلبي للوا
حظ مطلقات فيه سهما صائبا
~*~*~*~*~*~
رحماك ياجيش الحبائب قد رفعـ
ـت الراية البيضا وجئتك تائبا
لم تنظر العينان جندا مثل جنـ
دك من رأى جندا مها وكواعبا
أواه لولي مثل جيشك كنت أفـ
تتح البلاد مشارقا ومغاربا
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> العودة
العودة
رقم القصيدة : 68362
-----------------------------------
وأطلّ وجهك مشرقاً من خلف عام
عام طويل ظلّ في عمري يدب كألف عام
عام ظللت أجرّه خلفي وأزحف في الظلام
وعواصف ثلجية تصطكّ حولي والطريق
كانت تضيق كأنها أمل يضيق
ويضيع في تيه القتام
عام طويل ظلّ يفصلنا به بحر صموت
بحر دجت أمواجه و تجمدت ، بحر تموت
فيه الحياة و تغرق الجلجات في برد السكوت
و أنا على شط الأصم
أنا و الفراغ و ليل وهمي
أصغي لعل صدى يمر
بي ، علّ شيئاً منك ، همس ، نبأة ،
شيئاً يمر
بي منك عبر مدى السكوت
لا شيء ، إلا وطأة ثقلت و صمتٌ مستمر
عام ، و دبت بعده بعده في البحر معجزة الحياة
لم أدر كيف ، هناك رفّت بغتة فوق المياه
و هفت حمامه
زرقاء ، في طهر السماء ، هفت إلي على غمامه
و طوت جناحيها وقرت في يديه
و رنت إليه
و تنفست دفئاً و عطراً
و شممت فيها منك شيئاً هاجني وجداً و ذكرى
فمضيت ألثم ريشها
و جعلت صدري عشها
و شعرت أنك عدت ، أنك في الطريق
و اجتاحني فرح الغريق
حضنته شطآن النجاة
و أطل وجهك من بعيد
حلواً يرف على وجودي
و رأيت أحزاني تموت على تعانق راحتينا
و أضاء في فمك ابتسام
البسمة الجذلى التي أحببتها منذ التقينا
عادت تضيء كأنها قلب النهار
و تصب في نفسي فيشربها دمي
و يعبها قلبي الظمي
و نسيت آلامي الكبار
و نسيت في فرح اللقاء عذاب عام
عام طويل ظلّ في عمري يدب كألف عام(58/19)
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في الكون المسحور
في الكون المسحور
رقم القصيدة : 68363
-----------------------------------
كان نداء إلى نزهة قمرية في النهر
و في حلم من أحلام يقظتها ر؟أت نفسها
هناك
عيناي مغمضتان ترف بعمقها روحي و ترى
تنزاح أمامي الآن حدود
تنهار سدود
أسمع ، أبصر ما ليس يرى
أحيا في كون مسحور
و قرارة منتصف الليل
تنشر حولي
من عالميلا اللامنظور
أمواج عبير منهل
الأرض القفر تلاشت . ألمح في الصمت خيال ضفاف
النخل على الشط الغافي
تومي لي أذرعه الخضر
ألمح في الصمت خيال النهر جرى غيبي الاطياف
يتدفق من عمق الأزل
و هناك على شط النهر
تتغامر أضواء القمر
و تراقص في لحن غزل
أحلام النهر الهفهاف
النهر ، يلوِح لي النهر
رفات شراع تدعوني
عاشقة الهمس و تفتح لي
أبواب الغبطة و الأمل
أنا في الزورق روح طاف
في زورقه معه وحدي
و يدي راعشة غائبت
في الغاب الوحشي الجعد
الكون تجمع في عينين
روحي غارقة في نجمين
عبرت فترة
ينساب ، يرف صدى نبره
نبرة صوت حلوٍ عذب
منغوم يشربه قلبي :
ـ . ما الذي تشتفه عيناك من عيني ، ماذا تبصرين ؟
ـ . ما الذي أبصر في عينيك ، ماذا ، لست أدري
علمي المفقود ؟ دنياوات أحلامي و شعري ؟
ما الذي أبصر ؟ آفاقاً و أغواراً سحيقة
و بحاراً غرقت فيها موات عميقة
و بعينيك شموس تتحرق
و بعينك نجوم تتألق
و غموض مد كالمجهول ، كالغيب الخفي
و سحاب غط ّ في ليل شتائي دجيّ
هو من إعصار ماضيك بقايا
ذكريات دفنت فيها خطايا
و أرى ذاتي في عينيك زورق
تائه الغاية في لجّهما يطفو و يغرق
فقد الشط ، و في غمرة شبك و صراع
حطمت مجدافه الريح وألوت بالشراع
. . . . . . . . . . .
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ماذا ؟
ماذا ؟
رقم القصيدة : 68364
-----------------------------------
الحلم تفلت من عيني ، هنا عادت حولي
الغرفة تقبع و الجدران هنا و فراغ منظور
انهد الكون المسحور
منهاراً في قلب الليل(58/20)
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> هل تذكر ؟
هل تذكر ؟
رقم القصيدة : 68365
-----------------------------------
لقاؤنا و دربنا الأرحب
و شاطىء النهر
و العش في حديقة الزهر
و حارس الحديقة الطيب
و المعد الأخضر
هل تذكر ؟
لقاؤنا إذ تسبق الموعدا
خطاي تستهدف عبر المدى
ركناً هناك
على رصيف الشارع الاصاخب
و حيث ألقاك
سبقت مثلي ساعة الموعد
هناك تغدو فرحتي فرحتين
و أقطع الشارع في لمحتين
كأن في خطوي جناحين
هناك ألقاك
في قلق الأنتظار
منفعلاً مستشار
تهتف . ابطأت !
و في خطفه
يفقدنا الرصيف روحين مع الهوى طائرين
و ننثني نحو المدى الأبعد
قلباً إلى قلب ، يداً في يد
هل تذكر ؟
و نعبر الجسر و نمضي إلى
طريقنا الثاني على الشاطىء
طريقنا المنسرح الهادىء
نمشي و نمشي و ملء قلبينا
فيض هناء ما له حد
و دربنا المسحوريمتد
درب رؤوم الظل ، درب طويل
كنت أرى مثله بأحلامي
قبل اللقاء
أيام كان اللقاء
وهماً جميل
كالمستحيل
هل تذكر ؟
و تحتوينا
في قلبيها المخضوضر االحاني
هناك في حديقة الزهر
عرشة ترعى أماسينا
كأنها عشّ العصافير
و حولنا من روح نيسان
شيء خفي الا يحاء كالسحر
يومىء عبر الظلل و الانور
هناك ننأى
في عشنا المنعزل المعشب
عن حارس الحديقة الطيب
و تلتقي في نظرة ظمأى
للنبع عينانا
و في انجذاب تلتف روحانا
على عناق شغف ملتصق
لا ينتهي
و نشتهي
لو حجّرتنا ربّة الحب
و نحن فوق المقعد الأخضر
قلباً إلى قلب فلا نفترق
هل تذكر ؟
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> كلما نادتني
كلما نادتني
رقم القصيدة : 68366
-----------------------------------
كلما نادتني
يا حبيبي كلما نادتني
هاتفاً عبر المسافات : تعالي
عبقت في خاطري يا جنتي
جنّة ، و انهلّ ضوءٌ في خيالي
و بدا لي
عالم ريّان ، وردي الظلال
من شباب و فيون و غوى
أسكرت آفاقه خمر الهوى
و تعرت فيه أطياف الجمال
كلما صوتك ناداني إلى
موعد يحضنه صدر الأمان
عانقت روحي روءى أمسية(58/21)
كم تساقى الحب فيها و الحنان
عاشقان
نسيا الدنيا عليها و الزمان
ليلة فيها حصرنا العمر ، ليله
أخذت ألوانها من ألف ليله
من أساطير جواريها الحسان
كلما صوتك نادى من بعيد
دافىء الغنّة منغوم الصدى
فتح الفردوس لي محرابه
و الأماني فرشت لي مرقداً
من عبير وبدا
لي فجرٌ هلّ رطباً مسعدا
ناعم الأنفاس مفترّ الضياء
لفّنا حلماً على مهد لقاء
واحتوانا فيه دفئاً وندى
نادني من آخر الدنيا ألبّي
كل درب لك يفضي فهو دربي
يا حبيبي أنت تحيا لتنادي
يا حبيبي أنا أحيا لألبّي
صوت حبي
أنت حبّي
أنت دنيا دنيا ملء قلبي
كلما ناديتني جئت إليك
بكنوزي كلها ملك يديك
بينابيعي ، بأثماري ، بخصبي
يا حبيبي
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حتى أكون معه
حتى أكون معه
رقم القصيدة : 68367
-----------------------------------
يفتح قلب الربيع
بمنحدرات السفوح وفوق نهود التلال
ويهمي السنى ويموج
على ضحكات المروج
يعانق فيها العبير ويحضن الظلال
وتمضي جموع الحساسين في وثبات الفرح
تغني وتنفض جذلى جناح قوس قزح
وترسل ملء الفضاء
نداءً وراء نداء
إلى شرب خمر الحياة ، إلى عبّ خمر المرح
وأصد قلبي أنا
كراهبة ناسكه
وأبقى بديري هنا
وراء الدنى الضاحكه
إلى أن تدقّ يداه
على عزلتي المغلقه
إلى أن يهلّ سناه
على روحي المرهقه
فإني على موعد
ولن ، لن ألبي النداء
نداء انتفاض الحياه
نداء جمال الوجود حتى أكون معه
وإن كنت وحدي هنا
بأمسية باردة
و قد حال ما بيننا
مدى ، بل و ألف مدى
و أسفر وجه الردى
بعين له جامده
و أشرع نحوي يدا
بمنجله الأعقف
فسوف أصيح به
بملء كياني :
قفِ !
تراجع و لا تقرب
سدى ما تروم سدى
فإني على موعد
و لن ينطفي كوكبي
و لن تحتويني يداك حتى أكون معه
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> القيود الغالية
القيود الغالية
رقم القصيدة : 68368
-----------------------------------
اضيق ، اضيق بأغلال حبي
فأمضي و تمضي معي ثورتي
أحاول تحطيم تلك القيود(58/22)
و يمضي خيالي
فيخلق لي عنك قصة غدر
لكيما أبرز عنك انفصالي
و أقضيك عني بعيداً بعيد
لعلي أعانق حريتي
و أقطع ما بيننا
غير أني
أحس إذا ما انفصلنا
كأني
لُفظت وراء حدود الوجود
و يثقل قلبي
و تنقص روحي
و تصبح مبثورة رازجه
و أكره أهلي
و أكره نفسي
و تعرى الحياة و تمسي
قفاراً بغير جمال
بغير ظلال
و يصبح عيشي بغير مذاق
فلا طعم ، لا لون ، ولا رائحه
ويسألني عنك قلبي
ويصرخ في ألم في احتراق :
لماذا جننت فأقضيته؟
لماذا ؟
لماذا ؟
تراه يعود
وحين تعود
يعود الوجود
يمد ذراعين مفتوحتين
إليّ ، ويصبح قلبي خفيفاً
يغني كطير سعيدٍ
بنى عشه في ربى الجنة
وروحي التي بترت يا حبيبي
ترد بقيتها الضائعه
إليها ،
وتخضب حولي الحياه
وتبدو ملونة رائعه
وأمضي وتمضي معي فرحتي
أعانق فيك عبوديتي
وأحضن أحضن تلك القيود
حبيبي بما بيننا من عهود
بضحكة عينيك
إذا أنا ضقت بأغلال حبي
وثرت عليها وثرت عليك
فلا تعطني أنت حريتي
فقلبي قلب امرأة
من الشوق ... يعشق حتى الفناء
ويؤمن في حبه بالقيود
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> تشكّ بحبي
تشكّ بحبي
رقم القصيدة : 68369
-----------------------------------
تشكّ بحبي
وكنت مع الآخرين وحيده
بعيداً هناك
بعيداً بتلك الأقاصي البعيده
وزادي منك كتاب وصوره
تنام بصدري
وزادي منك زجاجة عطر
ينثّ بأعماق روحي عبيره
ويبعث حولي هناك
روائح دنيا هواك
وحين رجعت إليك
رجعت بكل تعطّش قلبي
لأنشر ظلّي عليك
لأعطيك حبّي
وكانت بعينيك نظرة عتب
وشكّ وريب
وقلت : نسيت هواي
عرفت هناك سواي
تمرّ دهور ولا تكتبين
ولا تسألين
ألا تعرفين
جنوني وكيف يثار
وكيف أغار
وغيرة حبي دمار ونار
ألا تعرفين ؟
تشكّ بحبي ؟
لأني حجبت رسائل قلبيى
كأنك تجهل أسباب صمتي
تغار ؟ أحبّ أحبّ تغار
ولكن لماذا ، لماذا تغار
أنت الحياه
وتعرف أنك أنت الحياه
وأنك لي منتهى مأملي
وأن اسمك الحلو ما يأتلي
يرفّ صداه
على شفتي تمتمات عباده
وهمس صلاه
وفيض سعاده(58/23)
يفيض على حاضري موجها
ويغمر مستقبلي
وها أنا بين يديك
بكل حنيني إليك
بكل تعطّش قلبي
وترتاب بعد بحبي ؟!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ساعة في الجزيرة
ساعة في الجزيرة
رقم القصيدة : 68370
-----------------------------------
بعيدان نحن هنا في الجزيره
بحضن الظهيره
ونافورة الماء تنثر فضّه
هنا يا رفيق حياتي أنا
وأنت أمامي ، أمامي هنا
وهذا المكان
يلفّ الغرام سماه وأرضه
وهذا الأمان
وهذا الرضى ، كل هذا لنا
هنا نحن ، هذي يدي في يديك
ونار الحياه
تدبّ وتسرب منك إليّ
ومنّي إليك
هنا نحن بعد الطواف البعيد
معاً نستريح ،
معاً نستزيد
هوانا الجديد
هوانا الوليد
وشمس الشتاء
حنون الضياء
تضمّ كلينا
وتحنو علينا
وتقضي إلينا
بسرٍ جديد
لذيذ ، نخبّئه في دمانا
فيذكي هوانا
ويربطنا بشعور سعيد
سيأتي الغد
ويتلوه ما بعده
ويجيء سواه
وآخر يتبع آخر
ويعبر عام
وعام
وآخر
غداً تتبدل أحلامنا
غداً تتحول أيامنا
غداً نتغيّر. .
فلا أنت من بعد أنت
ولا أنا ما كنت قبل ،
غداً نتغيّر
وقد أنتهي
بنفسك يوماً فلا من أثر
بنفسك منّي ولا من صور
كأن لم أكن عالماً تزدهي
بكونك تملك آفاقه
بكونك تلهب أشواقه
وقد تنتهي
بنفسي ،
بلى ، أنت قد تنتهي
بنفسي
وتمسي
بقايا هشيم ذرتها الرياح
بكل مهبّ
فيفرغ قلبي
ويصبح حبي
رفاتاً بقبر الزمان اندثر
وقد يا رفيق حياتي أموت أنا
أو تموت ، وأبقى أنا
لأصبح ظلاً لماضٍ طواه
زمان يدور ويطوي الحياة
وقد يا رفيق حياتي وقد
ومهما توالى ،
ومهما استجدّ
فساعتنا هذه في الجزيرة
بحضن الظهيرة
ستبقى تعيش بروحي دقيقة
وراء دقيقة
وتحيا كروحي بقلب الأبد
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> أنا والسر الضائع
أنا والسر الضائع
رقم القصيدة : 68371
-----------------------------------
ما زلت والدرب بعيد طويل
أبحث في المجهول عبر الزمان
عن ضائع أبحث ، عن سرّ
ظننته أنأى من المستحيل
ما انفك يجري خلفه عمري
وهو وراء الغيب في لا مكان(58/24)
كان دعاني صوته المفعم
والعمر فجرٌ والصّبا برعم
ولم يزل يعمر قلبي صداه
عذباً ، قوياً، فائراً كالحياة
مستغلقاً ، كأنه طلسم
ولم أزل أبحث عنه سدى
في ألف وجه من وجوه الحياة
في الليل ، في الإعصار ، في الانجم
وهو يناديني وينأى مداه
ولم أزل أبحث حتى رمى
بي اليأس في ظلامه المعتم
وسرت والايام أمشي إلى
لا غاية ، لا مأمل ، لا رجاء
وسرت شيئاً ميّت الروح لا
أبحث عن شيء،
وفي نفسي
ثلج وليل ، ووطأة اليأس
تخنق في نفسي بقايا النداء
وكان يوم ، كان صبح رطيب
فتحت عيني على ضوئه
وخلف أجفاني حلمٌ قريب :
وجه أليف ومكان غريب
تفتّحت روحي في فيئه
وثلج قلبي ذاب في دفئه
فتحت عينيّ وكان النهار
صافي المجالي ضاحك الشمس
وكان بي حسّ خفي الدبيب
توقّعٌ مستبهم ، وانتظار
مأتاهما من أين ؟
لم أدر . .
لم أدر إلا أن في صدري
يداً من الغيب مضت كفّها
تمسح عنه عتمة اليأس
ورحت ، في نفسي صفاء وفي
قلبي حنين وانجذاب خفي
وبغتة ، في لفتة عابرة
لقيته يملأ دربي سناه
لقيته ، لم أدر من ساقه
إليّ ، من وجّه نحوي خطاه
لقيته لا حلماً ، إنما
حقيقة ساطعة باهرة
عانقت فيها حين عانقتها
الله والحبّ وسرّ الحياة
يا جذل الروح ونعمى الوصول
لقيت سرّي الضائع المبهما
لقيت سرّي بغتةً بعدما
ظننته أنأى من المستحيل
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ندم
ندم
رقم القصيدة : 68372
-----------------------------------
كم يسألون
لمن ترى تنشدين
هذي الأغاني الناعمات الحنون
دافئةً مشرقة كالضياء
مثقلة بالعطاء
ومن هواك الكبير
هذا الذي تسفحين
وتبذلين
له كنوز الشعور
من ذاتك المليئة الخيّره
من روحك النضيرة المزهره
لعله أطيب إنسان
لعلّه أجدر إنسان
بكل هذا البذل ، هذا السخاء
وأخفض الطرف وأبقى على
صمتي المريب
غامضة لا أجيب
لكن صوتاً ساخراً في ألم
منبعثاً من قلب جرح الندم
ينصبّ في أغواري المبهمه
مرد ّداً في عنّة مفعمه
بالهزء ، بالضحك الحزين المرير .
لعله أطيب إنسان(58/25)
لعله أجدر إنسان
بكل هذا البذل هذا السخاء
واخجلي !
واخجلي لو أنهم يعلمون
ما أنت أو من تكون
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> هنيهة
هنيهة
رقم القصيدة : 68373
-----------------------------------
إلى رفيديا قرية الظلال الخضراء
من أيّ ينبوع خفّي بعيد
يدفق هذا السلام
يدفق في نفسي كلحن سعيد
مفضّض الانغام
هذا السلام المستفيض الطليق
من أين يفضي عليْ
من أين يهمي عليْ
يحيل روحي جوهراً من نور
معتصراً غبطه كل الدهور
هذا الصفاء العذب ، هذا الفتون
يغفو بحضن الجبال
هذا المدى يحلم حلو السكون
زمرديّ الظلال
هذا الهدوء الشاعريّ العميق
يغرّق روح المكان
يشيع فيه الحنان
ماذا ترى الطبيعة الساحره
قد ألهمت انّ هنا شاعره ؟
ناي على البعد خلال السفوح
مسلسل حلمه
تردنيّ أصداؤه محض روح
تسمو به نغمة
تربطة باللاتناهي السحيق
بالعالم الأجمل
بالمطلق الأكمل
فينتشي من خمرة المبهم
مغتبطاً مستغرقاً مفعم
هنيهة السلام لا تخطفي
ظلّك من حولي
انتظري ، لا ، لا تطيري ، قفي
ساكنة الظل
قفي ، دعيني و شعري غريق
في نعسة السكر
أدمجك في شعري
. . . . . . . .
مضيت ؟
إمضي ؟ و اغرقي في البعيد
فأنت ، أنت الآن هذا النشيد
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> لن أبيع حبه
لن أبيع حبه
رقم القصيدة : 68374
-----------------------------------
لن أبيع حبه
مهداة الى الشاعر الإيطالي
سلفاتور كوازيمودو
Salvatore Quasimodo
- - -
صدفة كالحلم حلوه
جمعتنا ههنا في هذه الأرض القصية
نحن روحان غريبان هنا
ألّفت ما بيننا
ربة الفن ، و قد طافت بنا
فإذا الروحان غنوه
سبحت في لحن ( موزارت ) و دنياه الغنية
قلت : في عينيك عمق ،
أنت حلوه
قلتها في رغبة مهموسة الجرس .
فما كنا نجلوه
و بعينيك نداء
و بأعماقي نشوه
أي نشوه
أنا أنثى فاغتفر للقلب زهوة
كلما دغدغه همسك : في عينيك عمق
أنت حلوه
أنا يا شاعر لي في وطني
وطني الغالي حبيب ينتظر
انه ابن بلادي لن أضيع
قلبه(58/26)
انه ابن بلادي لن أبيع
حبّه
بكنوز الأرض
بالأنجم زهراً
بالقمر
غير اني تعتري قلبي نشوه
حينما تطفو ظلال الحب في عينيك
أو تومض دعوه
أنا أنثى ، فاغتفر للقلب زهوه
كلما دغدغه همسك : في عينيك عمقٌ
أنت حلوه
أنت حلوه
أنت حلوه
أنت حلوه
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الأطياف السجينة
الأطياف السجينة
رقم القصيدة : 68375
-----------------------------------
مع الليل قمت ألملم أطياف
حلمٍ هنيءٍ تفيّأ هدبي
خشيت إذا الصبح مرّ عليها
تفرّ مع الصبح في كل درب
وجمعتها بأكفّ الحنان
وضمّختها برشاش العبير
وحمّمتها في ينابيع قلبي
ودفأتها بلهيب شعوري
وزنت غدائرها الناعمات
بوردٍ نما في جبال بلادي
وطوّقتها بأقاحي الروابي
وزنّرتها بغصون الوهاد
ودرت عليها وقلبي يغني
بكأسي ودنّ خموري العتيقة
خموري عصير كرومي وكانت
مخبّأة في كهوفي السحيقة
وأودعتها قفصاً دافئاً
كقلبي صاغته أيدي الجمال
تعانق في جوّه العاطفي
وضوح السنى وغموض الظلال
مشت ريشة الفن في أفقه
ودارت بلمستها الخاطفة
تلوّن انحناءه ، كل لون
يعبّر بالسر عن عاطفة
بقضبانه يستسرّ و يكمن
روح خفيّ كروح الوتر
إذا النسمات مررن عليها
حملن صدى نغم مبتكر
هناك بدنيا يموج بها الفن
والسحر ، دنيا الجمال السعيدة
هناك سجنت طيوفي الغوالي
ونمت وتحت وسادي قصيدة
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الصخرة
الصخرة
رقم القصيدة : 68376
-----------------------------------
أنظر هنا ،
الصخرة السوداء شدّت فوق صدري
بسلاسل القدر العتيّ
بسلاسل الزمن الغبيّ
انظر إليها كيف تطحن تحتها
ثمري وزهري
نحتت مع الأيام ذاتي
سحقت مع الدنيا حياتي
دعني فلن نقوى عليها
لن تفكّ قيود أسري
سأظل وحدي
في انطواء
ما دام سجّاني القضاء
دعني
سأبقى هكذا
لا نور
لا غد
لا رجاء
الصخرة السوداء ما من مهرب
ما من مفرّ
عبثاً أزحزح ثقلها عنّي
بنسياني لنفسي
كم خضت في
قلب الحياة
وضربت في
كل اتجاه
ألهو
أغني(58/27)
في ينابيع الشباب
أعط كأسي
وأعبّ في نهمٍ شديد
حتى أغيب عن الوجود
دنيا المباهج كم خدعت
بحضنها ألمي وبؤسي
فهربت من
دنيا شعوري
ورقصت في
نزق الطيور
وأنا أقهقه في جنون ، ثم من
أعماق يأسي
يرتجّ في روحي نداء
ويظلّ يرعد في الخفاء :
لن تهربي
إني هنا
لن تهربي
ما من مفرّ
ويهبّ
طيف الصخرة السوداء
ممسوخ الصور
عبثاً أزحزحها
سدى أبغي الهروب
فلا مفر
كم جست في أرض الشقاء
أشتفّ إكسير العزاء
من شقوة السجناء أمثالي
ومن أسرى القدر
فولجت ما
بين الجموع
حيث المآسي
والدموع
حيث السياط تؤزّ . تهوي
فوق قطعان البشر
فوق الظهور العارية
فوق الرقاب العانية
حيث العبيد
مسخّرون
تدافعوا زمراً
زمر
من كلّ منسق غرق
بالدمع
بالدم
بالعرق
وبقيت التمس العزاء
من الشقاء
ولا مفرّ
فالصخرة السوداء
لعنه
ولدت معي
لتظلّ محنه
بكماء
تلحقني
يتابع ظلّها خطوات عمري
انظرهنا كيف استقرت
في عتوٍ
فوق صدري
دعني
فلن نقوى عليها
لن تفكّ قيود أسري
ستظلّ روحي
في انقفال
سأظل وحدي
في نضال
وحدي
مع الألم الكبير
مع الزمان
مع القدر
وحدي
وهذي الصخرة السوداء
تطحن
لا مفر
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> انا راحل
انا راحل
رقم القصيدة : 68377
-----------------------------------
انا راحل
ارسلتها ومضيت في ركب الزمان
انا راحل
أرسلتها ، وبهتّ حيرى في مكاني
في ذهلتي ،
ووقفت أسمعها تدوّي في كياني
تخفيك ، تخلي منك أيامي
وأحلام افتتاني
أنا راحلٌ
وهوت على قلبي كساطور مسمّم
لم أبك ، كان الدمع يجمد خلف جفني
كان ملجم
وسرحت أرنو في الفراغ
سرحت في اللاشيء أحلم
حلماً بلا لون فلم أفهمه
حلماً كان مبهم
أنا راحلٌ
ومضى يردّدها فراغ الكون حولي
أصغيت ،
شيء من وجودي انهدّ
في يأسٍ وثقل
كان الصدى كالموت يسقط منه حولي
ألف ظلّ
ويدور بي
فأغوص من ظلماته
في ألف ليل
أنا راحلٌ
ووقفت يعميني غبارك في الطريق
لم أعد خلفك كنت كالمشدود في
مهوى سحيق
لم تختلج شفتاي باسمك لم أمد يدي غريق(58/28)
وظللت أرنو والصقيع يدبّ يزحف في عروقي
ومضيت لا تلوي ، تباعدك الشواسع
عن وجودي
ومضت تفرّقنا تخومٌ طافياتٌ من جليد
وبقيت في فلك ، وأنت هناك
في فلكٍ بعيد
نجمان في فلكيهما
يتخبّطان على الوجود
نجمان موهبان كم نشدا فراديس اللقاء
عبثاً
وعاد كلاهما يطفو ، يدور بلا رجاء
متغرّباً حيران ، يسفح ضوءه
عبر الخواء
والدهر والأبعاد بينهما
وجلّاد القضاء
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> دوامة الغبار
دوامة الغبار
رقم القصيدة : 68378
-----------------------------------
عامٌ قريب
كانت حياتي قبله
شبحاً يدب على جديب
متعثراً بالصخر ، بالأشواك
بالقدر الرهيب
حتى رآك
روحي تهل على كآبته
فتترعه يداك
فرحاً و اشعاعاً غريب
عامٌ قصير
سرنا معاً فيه على دربي الوعير
جنباً الى جنب ، و ملء عيوننا
دفء الشعور
و العاطفة
و إذا الحياة على صدى
خطواتنا المتآلفة
خضراء تورق في الصخور
عام و مر
و دجا غبارٌ حولنا
هاجت به ريح القدر
و تلمستك يدي و في عيني ليل معتكر
و ارتاع قلبي
رجعت إلي يدي ميبّسة الدماء
بثلج رعبي لا صوت منك و لا أثر
و وقفت وحدي
في وحشة التوهان . في يتم الغريب
وقفت وحدي
تصطك روحي في فراغ الدرب من ذعر و برد
و على فمي
إشراقةٌ ماتت . و في قلبي
تنبؤ ملهم
أني سأبقى العمر وحدي
لا تبعد
و بعثتها من غور يأسي
في الفضاء المربد
و بقيت أهتف من قرارة وحشتي :
تبعد
نا خائفة
لمبي الوحيد يحسّ ، يسمع
مدمات العاصفة
ملف الفراغ الأسود
أمسك يدي
سر بي ، غبار الأرض منعقدٌ على دنيا غدي
يعمي خطاي المجفلات على طريقي الموصد
هذا الغبار
دوّامة دارت بها حولي
أعاصير القفار
تلوي بعمري المجهد
كيف الهروب
و العاصف الجبار يسقي الدرب وحشي الهبوب
شرس الجناح يسوط أقدامي
على القفر الرهيب
و الهاوية
تصغي على البعد القريب
إلى صدى أقداميه
بين التواءات الدروب
لا تبعد !
و بقيت اصرخ من قرارة وحشتي :
لا تبعد !
فتبدّد الريح النداء مع الصدى المتدّد(58/29)
و بقيت وحدي
حيري ، أدور ، أصارع الدوامة الهوجاء
وحدي
عبر الطريق الموصد
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> هو و هي
هو و هي
رقم القصيدة : 68379
-----------------------------------
هي والمصباح والليل وأحلام هواها
هي تلك الذرّة الحيرى التي تاهت خطاها
في قفاز الزمن الجبّار ، في لامنتهاها
ذرّةٌ ضاعت فما تعرف في الكون اتجاها
هي والمصباح ، عتيق نصف موقد
شاحب الضوء من الجوع ، على الليل مسهّد
مدّ في المخدع طرفاً
راعش النظرة مجهد
كلما أنبّت على النافذة الريح تنهّد
هي والمصباح والليل رفيق الحائرين
فيلسوف الزمن الوامي تحاريب القرون
لفها تحت جناحيه برفق وسكون
واحتواها ابنة أشواق وفنّ وشجون
لم تزل غائبة تصغي الى صوت فريد
صوته النفّاذ يسترسل في نبر شديد
ضمّ سرّ الأبد الخافي ، حوى لغز الوجود
وطوى الآماد يدعوها لمجهول بعيد :
- : أنا من يناديك هل تسمعيني
أنا من رماني عليك القدر
طويت حياتك نفساً تلوب
وروحاً محيّرة تنتظر
وكنت بقلبك لم تعرفيني
سوى حلم في الضباب اغتمر
تحسبينني ظمأً في وجودك
شوقاً إلى مبهم منتظر
وكم هفّ حولك منّي عبير
وكم ضمّ حلمك منّي صور
وها أنا يا ليل ها أنا جئت
كيأناً تجسّد ، روحاً حضر
أجيبي ندائي أنا من يريدك
جسماً وروحاً ، خيالاً وشعر
أنا فافهميني ، اسمعيني ، أجيبي
حرارة صوتي بصوت أحسرّ
قرأتك يا ليل شعراً تفجّر
ناراً مدوّمة زافرة
فأدركت أيّة روح جموح
وراء أناشيدك الهادرة
تحدّيت مجتمعاً زائفاً
يمثّل اكذوبة ماكرة
فضيلته خدعة ضخمة
وتقواه شعوذة فاجرة
خرجت على الناس يا ليل نفساً
كما هي عارية سافرة
فلم تلبسيها ثياب النفاق
ولم تخدعي نفسك الطاهرة
وكنت كما أنت ، بنت الطبيعة
كنت حقيقتك الباهرة
فأحببت صدقك يا ليل في شعرك . .
الحيّ ، في روحه الفائرة
وأقبل يوم رأيتك فيه
يظلّل وجهك لون الألم
بأمواج عينيك تدنو وتبعد
أصداء لحن حزين النغم
فأحسست جذباً غريباً اليك
يشدّ كياني روحاً ودم(58/30)
ومرّ بقلبي نداء العناصر
في خطفة عبرت كالحلم
بأن المقادير قد وضعتني
أمامك .
يا ليل هذا قسم :
سيهواك قلبي ، سيهواك ما
تنفّس عرق به واضطرم
هوى سوف يرويه جيل لجيل
قصائد حب تحدّى العدم
الا فاعلمي الآن انك لي ، لي
لأنانيتي ، لهواي العرم
وقفت وارتفقت نافذةً غرقى بأنفاس القمر
وعلى أهدابها رفات حلمٍ مستمر
كامنٍ يرسب في أعماقها
جائع يقتات من أشواقها
وأطلّت والدجى المقمر غاشٍ صمته
لم يكن في قلبها ينبض إلا صوته
كانت الدنيا بعينيها نداءً يترامى
فيه من رقة انداء السماء
فيه من دفء قلوب الشعراء
وأطلّت وبعينيها مع الحلم ظلال
تتكسّر
لجواب لاهثٍ يطفو على وعي مخدّر :
خذني بعيداً ، انطلق بي على
أجنحة الأشواق ، خذني إلى
ركن من الدنيا وراء البعيد
خذني إلى ركن ٍ من الأرض
لم تنطلق في جوه الفضّيّ
هذي الظلال السود من حولي
ركن نقيّ الافق لا تحبو
للآدميين عليه ظلال
سكانة الطير وأنفاسه
النور والسلام والحبّ
ملوّن حرّ كدنيا الخيال
خذني إلى الركن من الأرض
لم يمش فيه شبح البغض
لا أعين بسمّها تنضح
فيه ولا ألسنة ٌ تجرح
هناك في الصفاء تبني لنا
يد الهوى منزلاً
مثل عشاش الطير ثرّ الغنى
ينهل من جدرانه الضوء
و العطر و الدفء
خذني بعيداً انطلق بي الى
ركن من الدنيا وراء البعيد
. . . . . . . . . .
و أتاه صوتها النابض بالشوق بنجوى حبه
ينشر الفرحة يلقي نورها في قلبه
و انثنى منفعلاً جذلان مهتزاً بأفراح هواه
ينشد الدنيا على قيثارة لحن الهوى لحن الحياة
و مضى مسترسلاً عبر صحارى
و جبال و فضاء
ضارعاً يسألها في نبرة ملهوفة هذا الرجاء :
اجلسي ليلى إلى مرآتك الآن و شعري
في يديك
اقرأيه و اشعري بي
اشعري يا ليل بالقلب الذي يصرخ :
ظمآن إليك
قلب فنان غريب
أشعري بالوهج اللافح يسري في سطوري
من شعوري
فإذا أبصرت لون الورد في خديك مرّ
من حياء و خفر
فاعلمي ان بأعماقك أغلى خمرة
بين خموري
لم أزل أنشدها منذ بعيد
خمرة يسأل عنها ألمي(58/31)
خمرة يطلبها روحي الظمي
ليل ، يا كرمتي الخضراء ، يا كنزي الوحيد
ليل ، يستحلفك القلب الشريد
بالحنان الثرّ ، بالرحمة فيك
رحمة الانثى التي في قلبك الخصب الفريد
احفضي خمرتك العذراء حتى نلتقي
احفضيها لي ، فقد أفزعت كأسي
و ستبقى أبداً فارغة
في انتظارك
أنا مهما رمت و الاقدار بي حائلة
دون مزارك
فهنا ملء شعوري ملء حسيّ
املٌ يحيا معي ، تحياه نفسي
أمل يهتف بي انك لي
يا أملي
. . . . . . . . . . .
و هنا اعتنق الروحان في سكر غريب لغريبه
هي في (جرزيم ) تقصيها النوى و هو (بطيبه )
و على حلم الفراديس البعيده
خلف أسوار السماء
و هناك
بي روء ى حلمها رفّت غلالات صباح لؤلؤيّ
و بدا عشّ على تفاحة خلف سياج ذهبيّ
عند ينبوع ضياء
طفقاً بالظن و الوهم يعبّان رحيقه
و يغيبان مع السكرة في دنيا سحيقه
. . . . . . . . . .
مرّ عامان وما زال الهوى حلماً غريب
يصل اثنين على نأي ، حبيباً بحبيب
المدى أقصاهما جسمين لا يلتقيان
والهوى ضمّهما روحين في كل مكان
. وأخيراً جمعت بينهما قوة حبّ لا تلين
قوة أقوى من البعد وجدران السجون
تحطم الأقفال و الأبوب ، تلوي القيود
تغلب السجان ، تدني نحوها كل بعيد
لم تكن لقياهما في الشطّ وهمْا ً وخيال
لم تكن لقياهما رؤيا على أفق الليال
ها هما الآن على النهر الكبير الخالد
شاعران اعتنقا واتحدا في واحد
. . . . . . .
وفي غبطة سمّرت مقلتيها
على وجهه الصارم الاسمر
وقال وفي همسه رفّه -
الهناء وهف الغرام الطري :
أحقاً سخا باللقاء الزمان
أحقاً نحن هنا جنباً لجنب !
وراح يمرّ يداً تتندّى
على خدّها بافتتان وحبّ
وعانق فيها اشتعال الشباب
وعانق فيها اضطرام الحياة
ونيسان حولهما يتنفّس
في الشطّ عطراً نموهماً شذاه
وقد سكنت في المكان الظلال
واضطجعت فوق مهد الضياء
وأغفت دروب الحدائق في الشمس
ناعمة ، وارتخت في انتشاء
وكان هنالك برعم زهرٍ
يفتّح قرّت عليه فراشه
ومدّت عليه جناحين تعرو
سكونهما رجفة وارتعاشه(58/32)
مشاهد حين استراحت عليها
عيون الحبيبين عبر الضياء
بدت لهما صورة لتفتّح
نفسيهما للهوى والهناء
............................
رجعت ترنو الى وجه فتاها
كان في الوجه الرقيق الضامر
طائف من ألم حيّ ومن حزن بعيد
قنّعته الكبرياء
في تحدٍ وإباء
وكسته قسوة الصخر العنيد
والجبين العربي المتعالي
حفرت كف النضال
فوقه قصة عمرٍ عاصفٍ جهم الظلال
جامح خشن ، جريء كالرياح
دوّمت فيه أعاصير الكفاح
قصة نارية الأحرف شعثاء السطور
يتوارى تحتها ينبوع شعر وشعور
ورأت في شعره الجعد تهاويل غريبه
غابة صامته ، غامضة الجو كئيبة
لوّحتها الريح والشمس على صحراء ( طيبة )
رآها تحدّق في وجهه
وقد رسمت مقلتاها سؤال
أحسّ به ، فمضى بانفعال
يفضّ صحائف أيّامه
وينفض عالم أحلامه
ويكشف بين يديها زوايا د
حياة متوّجه بالنضال
حياة تعمّقها التجربة
ويخصبها الفن والموهبة :
هو - : حياتي يا ليل قصة كدح
طويل أسلحه بالجلد
فلست كمن ولدوا في مهاد -
الحرير وفوق أكفّ الرغد
أتيت الحياة فقيراً ورحت
طريداً على نارها أحترق
وأركض خلف رغيفي وقوتي
وفوق جبيني الضنى والعرق
وكان لي الفنّ والشعر صوتاً
يجلجل في ثورة لا تلين
على الغاصبين حقوق الفقير
على السارقين جنى الكادحين
وفتحت عيني على أمّة
نمتني وفي عنقها ألف نير
تناضل رغم قيود الجديد
لأجل الحياة لأجل المصير
فكنت ابن جيل حبا فوق أرض
يخصّبها كل يوم شهيد
ضحايا يعبّ دماها الطغاة
ويروي بها الحاكمون العبيد
وقمت أثور مع الثائرين
لأحطم نير عبوديتي
وارخص تحت عجاج الكفاح
دمائي من أجل حريتي
وحاربت يا ليل ، حاربت من أجل
حرية الوطن العربيّ
وهذي جراحي فلسطين تعلم
كيف سقتها بكأس رويّ
سأبقى أكافح صلب الجناح
بوجه الحياة جريء القدم
وان حطمتني الحياة فحسبي
أني صمدت فلم أنهزم
حياتي قصة جيل شقيٍ
وعى ذاته فهو ما يأتلي
يكافح مثلي لأجل الخلاص
ويرنو إلى عالم أفضل
وطغى بينهما صمت عميق مفعم(58/33)
وهي في استغراقها يحتاجها موج شعور أبكم
فيه ألوان من الرحمة والعشق وتقديس البطولة
فيه إحساس العبادة
والتقت عيناهما في نظرة دامعة جذلى طويلة
حين مرّت بحنو راحتها
فوق جرح كم تمنّت لو يداه
لفتّا في ساحة الحرب ضماده
مرّ حينٌ ، رفّت بسؤال شفتاها
همسته في حياء :
هي - : والنساء ؟!
هو - : عرفت النساء وليمة لهو
أعدّت لإشباع جوع الجسد
كرعت هواهنّ خمراً رخيصاً
وأدمنتهن شراباً فسد
ولكن روحي ظلّ يحوم
بعيداً كطير أضاع ربوعه
فما كان يا ليل حبة برٍ
هنالك لديهنّ تشبع جوعه
وما زال يقطع أيامه
على ظمأ في هجير الحياة
يهيم يتيماً بفقر سحيق
المجاهل ، ليس يرى منتهاه
إلى أن طلعت على الافق روحاً
غريباً كغربته الحائرة
فكنت له الزاد والخمر والنور
والواحة الخصبة الباهرة
ورحت ، وأنت خيال بعيد
وشعر أراك بمرآة نفسي
فجسدت روحك في لوحةٍ
ولونته بشعوري وحسّي
سكبت بعينيك حزني وأسقيت
خدّيك من فرحي المفعم
وفي شفتيك صببت حنيني
وروّيت لونهما من دمي
ستأتي سنون وتمضي سنون
ونطوى مع الأعصر البائدة
ووجهك يا ليل باقٍ يرف
مدى الدهر في لوحتي الخالدة
لقد كنت أول حب نقي
لقلبي ومطهر ماضٍ ضرير
على عتبات هواك غسلت
خطاياي في ندم مستجير
وما كان يملأ غربة روحي
ويرضي هواي الكبير الطموح
سوى أن تكوني لقلبي وحبي
بكل كيانك جسماً وروح
تتمّ حياتك لحن حياتي
فقد كنت نغمته الضائعة
وان نحن متنا احتواها الدهور
أنشودةً فذةً رائعة
لقد جمع الشعر ما بيننا
ولاقى به كل روح قرينه
وكان الهوى وطناً في حماه -
الامين عرفنا الرضى والسكينة
فيا ليل عيشي معي قاسميني
حياتي ، فنحن هنا توأمان
كلانا يلجلج عبر زحام -
الوجود وحيداً غريب المكان
كان في نبرته صدق وإحساس مليء
عبّ منه قلبها دفئاً ربيعياً مضيء
واستفاضت في حديثٍ عاشق عينيهما
لغة صامتة فهمها روحاهما
فترة ، ثم طواها في جناحيه وأدناها إليه
واستكانت نفسها في راحة بين يديه(58/34)
وترامى صوتها في سمعه همساً نديّ النبرات :
هي : - أنت تحيا العمر في ملحمة صاخبة أما حياتي . .
هو - : حدثيني ليلى فما زال في عمرك شيء
ملفّع تكتمينه
ان في شعرك الجريء ظلالاً
كمنت خلفها شجون دفينة
كم تساءلت كلما حركت قلبي أصداء
شعرك المحزونة
ما الذي لفّ بالكآبة أيامك ما سرّك الذي
تطوينه
حدثيني ليلى . .
هي - : حياتي يا عباس حلم
مروّع الاشباح
حلم أطبقت عليّ به جدران سجن
داجٍ رهيب النواحي
عشت فيه مخنوقة الروح ظمأى
لندى الفجر ، للشذى ، للنور
الهواء الثقيل يكتم أنفاسي وقيدي
يغل دفق شعوري
كلما ضقت بالظلام وبالكبت تلفتّ
مثل طير مكبّل
علّ فجر الخلاص يلمح ، لا شيء سوى الليل
ليل سجني المقفل
وإذا انشقّ باب سجني أطلّت
منه عينا وحش رهب كبير
هو جلّادي اللئيم ربيب الحقد
والعنف والأذى والشرور
مستبد بالحكم ن يسكره الشّر
وتعذيب كل روح ضعيفة
كان لي من شذوذه كلّ يوم
محنةٌ سلّطت عليّ مخيفه
ولقد كنت انزوي و الأسى يطحن
نفسي الطموحة المخذولة
و وراء الجدران تصخب دنيا الأنطلاقات
و الحياة الجميلة
الحياة التي بملء اندفاعات خطاها
تسير نشوى غنيّه
لا تبالي بنا ، تسير و لا تثني خطاها
مأساتنا الفرديه . .
و تعلمت كيف تختلط الثورة و البغض
في دم المظلوم
و بأعماقي التربّص يخفيه هدوئي
في صمته المسموم
أرقب اللحظة التي كم تطلعت إليها
في شوقي المكبوح
لحظة العتق و الفرار إلى آفاق حريّتي
و دنيا طموحي
هو _ : و عرفت الهوى بسجنك ؟
هي : لم لا
و لقد كان رحمة لحياتي
أيّ سجنٍ لا يقحم الحب يا عبّاس
أبواب سوره المغلقات
كان لي الحب مهرباً أحتمي فيه
إليه أفرّ من مأساتي
كان دنيا في أفقها الرحب أسترجع حريتي
أحقّق ذاتي
يا لقلبي المؤتور كم رنّحته
نشوة الانتقام من جلادي
و أنا في مشاعر الحب غرقي
و هو خلف الأبواب بالمرصاد
أبوسع السجون خنق الأحاسيس
و قتل الحياة في الأعماق ؟
من يصد الشلال عن سيره الكاسح
عن اندفاعه الدفاق ؟(58/35)
هو - : عبثاً . . .
هي -: وانطلقت أودع شعري
خلجاتي الحرّى ونبض شعوري
وأغني الحياة أشواق روحي
من وراء الأغلال من تحت نيري
أتحدى السجان ، أسخر بالعرف
بما شادت التقاليد حولي
من جدار ضخم مضت أغنياتي
تتخطاه في تحدّ مثلي
كم فتاه رأت بشعري انتفاضات
رؤاها الحبيسة المكتومة
كان شعري مرآة كل فتاه
وأد الظلم روحها المحرومة
هو -: سوف لا تعرف المخاوف والآلام درباً
إلى حياتك ليلى
سوف تنسينها ، ستنزاح عن عمرك
تلك الأشباح ظلاً فظلاّ
فيرفّ الهناء حولك في عشّي
وتهفو روح الهوى والحنان
وتغنّين للصفاء ، لنور الفجر
للحبّ ، للرضى ، للأمان
وسنمضي معاً ، ضياؤك يهدي
خطواتي إلى طريق صعودي
وحناني يسقيك من نبعه الثرّ كحبّي
هي -: عباس
هو -: كلّ وجودي
سوف ألقيه في يديك ، حياتك ومصيري
هي -: عباس حسبك حسبي
هو -: ليلى ماذا أرى بعينيك ، دمع؟
فيم تبكين
هي -: لست أدري ، بقلبي
ندمٌ حارق أحس به يأكل قلبي
يمرّ طعم هنائي
يا حبيبي تراك تغفر لي حباً بريئاً
ثوى رفاتاً ورائي
هو -: ليل لا تحزني ، ألم تغفري لي
لن تكوني يا ليل أسمح منّي
أمس متنا فيه ومات ونحن اليوم
نحيا بعثاً جديد اللون
حبنا الحبّ ، كل حبّ سواه
كان وهماً يطوف في قلبينا
نحن كنّا من قبل نبحث عنّا
في سوانا يا ليل حتى التقينا
اضحكي ليلى ، اضحكي لي .
وأهوت
شفتاه على ندى جفنيها
في هوى تمسحان آخر ظلّ
مدّه أمسها على مقلتيها
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> أعطنا حباً
أعطنا حباً
رقم القصيدة : 68380
-----------------------------------
الاهداء
(( إلى الهاربين من القلق والضياع))
فدوى
- - -
عام 1957
-1-
انتهينا منه ، شيعناه ، لم نأسف عليه
وحمدنا ظلّه حين توارى
دون رجعة
لم نصعد زفرةً خلف خطاه
لم نرق بين يديه
دمعةً ، أو بعض دمعه
بعد أن جرّعنا من كأسه المرّ الحقود
بعد أن أوسعنا لؤماً وغدراً
وجحود
غاب عنّا وجهه الممقوت ، لا عاد لنا
كان شريراً ، أمات الشّعر فينا
والمنى(58/36)
كان شرّيراً ، وكانت
عينيه تنضح قسوة
كرع اللذّة من آلامنا
وأتى قتلاً وتمزيقاً على أحلامنا
وعلى أشلائنا نقّل خطوة
عصفت هبّاته الهوج بأشواق رؤانا
بعثرت آمالنا عبر الدروب المغلقة
أوصدت باب الغد المأمول في وجه منانا
وثنت خطواتنا المنطلقة
انتهى ، ما كان إلاّ نزوات وجنونا
كان ارهاقا وتعذيبا وهونا
وانتهينا منه ، شيعناه ، لم نأسف عليه
لم نرقرق دمعةً واحدةً بين يديه
آخر ديسمبر 1957
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> صلاة إلى العام الجديد
صلاة إلى العام الجديد
رقم القصيدة : 68381
-----------------------------------
في يدينا لك أشواق جديدة
في مآقينا تسابيح ، وألحان فريدة
سوف نزجيها قرابين غناء في يديك
يا مطلاً أملاً عذب الورود
يا غنياً بالأماني والوعود
ما الذي تحمله من أجلنا ؟
ماذا لديك!
أعطنا حباً ، فبالحب كنوز الخير فينا
تتفجّر
وأغانينا ستخضرّ على الحبّ وتزهر
وستنهلّ عطاءً
وثراءً
وخصوبة
ونعيد
أعطنا أجنحة نفتح بها أفق الصعود
ننطلق من كهفنا من عزلة -
أعطنا نوراً يشقّ الظلمات المدلهمّة
وعلى دفق سناه
ندفع الخطو إلى ذروة قمّة
نجتني منها انتصارات الحياة
أول يناير 1958
ندفع الخطو إلى ذروة قمّة
نجتني منها انتصارات الحياة
أول يناير 1958
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> أغنية البجعة
أغنية البجعة
رقم القصيدة : 68382
-----------------------------------
((يشتد غناء البجعة إذا جرحت، ومن هنا أخذت الاسم لهذه القصيدة الجريحة . . . ))
- - -
كان وهماً نحن أعطيناه شكلاً
وحياه
ثم روّيناه لوناً
وعبير
وعشقناه ، عشقنا وهمنا الغالي الغرير
وحصرنا الشوق في دنيا رؤاه
كان وهمأً عاش فينا
بعض لحظات قصيرة
فمنحناه شعوراً وخيالاً
ووهبناه ضياءً وظلالاً
ومنىً تزهو وأحلاماً كثيرة
في الليالي الممطرات الدفء شدنا حوله
معبداً أفعمه خصب الهوى شعراً وفناً
وعلى أجنحة النشوة طوفنا به
وتعبدنا لدى محرابه
وتلونا ، كم تلونا(58/37)
سور الحب لديه ، كم عزفنا
أغنيات البهجة الكبرى له
فترةً ، ثم تلاشى ذات ليله
حينا هبّت رياح
ذات عصفٍ هائج ، ذات احتياج
وتلاشى ، ما تبقّى منه إلا
بعض ذكرى مثقلة
بالجراح
بعض ذكرى منه هيأنا لها نعشاً -
وقبراً
ودفنّاها بصمتٍ
ونضحناها بعبرة
وتركنا عندها آخر زهره
عبقت عبر جواء الموت شعراً
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> نيسان
نيسان
رقم القصيدة : 68383
-----------------------------------
لقيتك أمس ، ولكن عينيّ
أنكرتاك ، فلم تعرفاك
وهل مرّ حقاً عليه هواك
تلمّست جدرانه علّ فيها
فما نبضت من غرامك ذكرى
هناك ، ولا لاح منه أثر
تصافحك ، كنت أي غريب
ورحت أمدّ إليك أصابع
وحين تعثّر اسمك في -
شفتيّ وأرسلته في صعوبة
يلوّنه ، لا صدىً ، لا عذوبة
أحقاً حببتك يوماً؟ وكيف ؟
أم كنت طيفاً بحلم عبر
وهب كنت طيفاً تعشقه
فكيف تلاشى الهوى واندثر
أما من بقايا ؟
تذكّرت . كنت رفعك يوماً
إلى قممي الشامخات المضيئة
وقد ضاع وجهك بين الزحام -
الوجوه بأفق حياتي المليئة
أما من بقايا ؟
أما من بقايا ؟
تذكّرت . كنت رفعك يوماً
إلى قممي الشامخات المضيئة
وقد ضاع وجهك بين الزحام -
الوجوه بأفق حياتي المليئة
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> إلى المغرد السجين
إلى المغرد السجين
رقم القصيدة : 68384
-----------------------------------
(( هدية إلى الصديق الشاعر كمال ناصر في محنته ))
- - -
محلّقاً رغم انغلاق الرحاب
يا طائري السجين فاصدح لنا
من خلف جدران الدجى والعذاب
غنّ ، فقضبان الحديد التي
لن تحجب الغناء عن سمعنا
يا طائري .
غنّ ، فدرب الرجاء
ما زال يمتد مشعّ الضياء
رغم انطباق الليل منحولنا
ارجعني شدوك يا طائري
إلى زمان قد طواه الزمان
أيّام كانت ظلّة الياسمين
تحضننا ، وأنت تشدو لنا
شعر المنى والزهو والعنفوان
فتقرب النجوم من أرضنا
تصغي إلى اللحن ونصغي ،
وكان
ملء اغانيك اخضرار المروج
ونضرة السفح ، وبوح الأريج(58/38)
وملئها كان هدير الرياح
وكان فيها من شموخ الجبال
في وطني ،
وعزّةٌ لا تنال
إلا مع النّصر وفوز الكفاح
يا طائري السجين اصدح لنا
رغم هوان القيد رغم الظلام
فالأفق ما زال غنيّ المنى
ينتظر الشمس وراء القتام
المجد للنور ، فلا تبتئس
والنصر للحرية الرائعة
وغدنا موطن أحلامنا
فلا تقل أحلامنا ضائعة
يا طائري ، هناك درب الرجاء
هناك يمتدّ مشعّ الضياء
رغم انطباق الليل من حولنا
يناير 1958
هناك يمتدّ مشعّ الضياء
رغم انطباق الليل من حولنا
يناير 1958
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> القصيدة الأولى
القصيدة الأولى
رقم القصيدة : 68385
-----------------------------------
(( ... و سألها : اتحبينني ؟
و رنت اليه و لم تجب ))
لا ،لا تسلني ، لن أبوح به
سيظلّ حبك سرّ أغواري
أعطيه من ذاتي ، و امنحه
ما عشت عاطفتي و إيثاري
أسقيه من عطري ، أوّسده
صدري ، أناغيه بأشعاريٍٍٍٍٍٍٍٍ
لهواك كل مواسمي امتلأت
و سخت بفيض جنىً و أزهار
لهواك آفاقي مرصعّة
يزهو السّنا في صدرها العاري
لهواك هذا الليل أسهره
نشوى ، أبيح الليل أسراري
أمضي مع الذكرى فتحملني
بجناحها للّدرب ، للدار
و اضمّ أجفاني على حلم
متوهج الأنفاس ، معطار
ها أنت ، في عينيك عاصفة
تجتاحني ، و هبوب إعصار
ها أنت بحرٌ راح يأخذني
في موجتيه أخذ جبار
ها أنت ، ها أنا ،
قصة بدأت
مكتوبة في سفر أقداري
. . . . . .
لا ، لا تسلني ، لن أبوح به
سيظلّ حبك سرّ أسراري
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> اليه بعيداً
اليه بعيداً
رقم القصيدة : 68386
-----------------------------------
غبت ؟ و لو غبت ، فما زال في
دمي عبير منك يرويني
يخصبني ، يملأ كوني غنى
يمنحني أجمل ما في الدنّى
الشعر ، و الحلم ، و دفء المنى
غبت فأيامي رؤى و انتظار
حلو على الرجاء يطويني
و حين يؤوي الليل أهل الهوى
أحضن أشواقي و أغفو على
ذكرى توافيني
ذكرى هنيهاتٍ ملاءٍ قصار
أحملها في سر تكويني(58/39)
تعود لي ، تعود لي في غدٍ
و ترجع الدرب تناديني
فأصحب الشمس إلى موعدي
أصحبها و في دمي يقظةٌ
يبعثها الحب فتعطيني
تذوقّ الحياة ، حسّ الجمال
الوهج الضاحك فوق التلال
الخضرة الريا بحضن الجبال
روائح الأرض ، ارتعاشاتها
نكهتها ، ألوانها ، كلّ ما
في الدرب من جمال
ملّون الظلال
يعود لي ، يعود لي في غدٍ
إذ ترجع الدّرب تناديني
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> اسطورة الوفاء
اسطورة الوفاء
رقم القصيدة : 68387
-----------------------------------
و تسأل : أين الوفاء ؟
أما من وفاء ؟ !
و أضحك في وجهك المتجهم
اسأل مثلك :
أين الوفاء ؟
و ماذا عن الأوفياء
و أين هواك القديم ،
و أين النساء . . .
مئات النساء اللّواتي حببْت
وكلّ امرأه
تظنك ملك يديها
وتحسب حبّك وقفا عليها
تظنّ غرامك أبقى من الشمس
أرسخ من راسيات الجبال
وتأبى تصدّق ان الوفاء
يظلّ خرافه
يظلّ خيالاً ووهْما
وإسماً لغير مسمّى
وشيئاً محال
نريد من الآخرين الوفاء
نصفّدهم نحن ، تربطهم بالرجاءْ
بحبل سراب كذوب
ببرق خلوب
و نمضي لنشرب كأساً جديد
و نمضي لنطعم لوناً جديد
لنحيا غراماً جديداً
لنعيد وجهاً جديد
و نرجع نسأل :
أين الوفاء ؟ ؟
* *
نريد من الآخرين البقاء
على عاطفة
ذوت و تلاشت
بأعماقنا و استحالت
إلى صورة زائفة
أنانية يا رفيقي تعشش فينا
تسير رغباتنا في الخفاء
و تحجبها بنقاب كثيف
نسمّيه نحن ،
وفاء !!
* *
بلى يا رفيقي
بلى ، قد يطل
هنالك ظلّ
لبعض رفات
رفات غرام تلاشى ومات
يطلّ و نجهل كيف يطلّ
فنوقد شمعه
لديه و نحضن ذكراه فتره
و نرجع من بعد نؤويه قبره
و ندفنه من جديد
و ما في المحاجر دمعه
و لا في الجوانح لوعه
و نمضي نلي النداء القوي
و كلّ اتجاه
و ننسى القديم
و نحيا الجديد
و نرجع نسأل :
أين الوفاء ؟ !
أما من وفاء ؟؟!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> يزورنا
يزورنا
رقم القصيدة : 68388
-----------------------------------
كان وعد بزياة ،(58/40)
و إذا بالبحر الميت يصخب ،
و إذا بقوس قزح يعانق
الأفق امامنا
قال ، و درب البحر تمضي بنا
يزورنا
يزورنا في الجمعة المقبلة . . .
الله ! هذا الوعد ما أجمله !
و اختجلت عبر المدى اعماق
راعشة بلمسات الفرح
و امتد قوس قزح
يلّون الآفاق
و اصطخب الموج على الساحل
اذ قال لي
يزورنا
يزورنا
و لفّني دفء و رفت منى
خضراء كالموج في قلبي
يا ربة الحب
مدّي على الدرب بساطاً حرير
و جدولاً من عبير
يحمل من أهوى إلى دارنا
يزورنا !
يا شجر النارنج في دارنا
أزهر و عطر ظلك الأخضر
و أمرع
و افرح معي
ففرحتي من السما أكبر
يزورنا في الجمعة المقبلة
و ددت لو أفرش عيني له
وددت ، كم وددت لو في يدي
مملكة الضياء ، لو في يدي
أشيد من نجومها سلماً
لدارنا
أشيده من أجله حينما
يزورنا
وددت ، كم وددت ، لكنّما
هذي أنا
ما في يدي من أجله الاّ
قصيدة جذلى
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> يوم الثلوج
يوم الثلوج
رقم القصيدة : 68389
-----------------------------------
ما زال في نفسي يوم الثلوج
أغنية بيضاء
عميقة الأصداء
أعيشها أحيا ارتعاشها
أملك لحظاتها
الله ، ما أحلاه يوم الثلوج
حين انطلقنا في مدى الدرب
نعبره جنباً إلى جنب
طبقين كناّ و انهمار الثلوج
يمسح عبر الدرب آثارنا
يطمر أسرارنا
و كنت لي يا فتنتي الكبرى
قصيدة كبرى
تنبض في أعماقي الخافية
و توقظ المشاعر الغافية
الله ، ما أغلاه يوم الثلوج
و يومها يا فتنتي ، يومها
لم نقل الكثير ، لكنّما
كان لنا كل انفعال الحياة
و كانت الحياه تبدو لنا
مليئة ، مشتهاه
تمنحنا أعطيات
تغمرا بالهبات
الله ، ما أسخاه يوم الثلوج
و يومها ، أحسستني يومها
أعانق الحياة في مجدها
وجدتني أبلغ ذرواتها
رأيتني أملك ثرواتها
و كان حسبي يومها حسبي
إن رحت أحيا منتهى حبّي
الله لو يرجع لي مرة
في عمري المقبل يوم الثلوج
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> تلك القصيدة
تلك القصيدة
رقم القصيدة : 68390(58/41)
-----------------------------------
(( الا ليتني يا هواي الحبيب
عرفتك من قبل تلك القصيدة ))
و تحضن ديوان شعري يداك
و تقرأ لي من قصيدة حب
كتبت سخافاتها في سواك
و ما كان حباً ، و لكنه
حماقة شيء توّهمه
و حين انجلى الوهم أبغضته
و أبغضت تلك القصيدة
و أنت تظلّ تؤكد لي أن
أجمل شعري تلك القصيدة
فألعن نفسي
و ألعن طيشي القديم
و غلطة امس
و ألعن تلك القصيدة
و أمضي أتفه أبياتها
و أكشف زيف انفعالتها
و ألوانها الباهتات البليده
و لكن سدى
و تظل تعيد
و تقرأ لي أنت القصيدة
و في منتهى حنقي يا حبيبي
و فورة غيظي أهب اليك
و أسعى لديوان شعري
فأنزعه من يديك
أهم بتمزيق تلك القصيدة
أودّ لو أن القصيدة تمسي
هباءً ذرته اكف الرياح
أود لو أن القصيدة شيء
يموت و يطمر في قاع رمس
و تضحك من حنقي يا حبيبي
و ثورة نفسي
و تمضي بمكر لذيذ بريء
تؤكد لي ان أجمل شعري
و ألطف شعري تلك القصيدة
و ترونو اليّ ، و أرنو إليك
و في ندمي ، ندمي و انخذالي
أروح أغمغم بين يديك :
الا ليتني يا هواي الحبيب
عرفتك من قبل تلك القصيدة
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الفدائي و الأرض
الفدائي و الأرض
رقم القصيدة : 68391
-----------------------------------
(1)
أجلس كي أكتبَ,ماذا أكتب؟
ما جدوى القول؟
يا أهلي,يا بلدي,يا شعبي
ما أحقر أن أجلس كي أكتب
في هذا اليوم
هل أحمي أهلي بالكلمة؟
هل أنقذ بلدي با لكلمة؟
كل الكلمات اليوم
ملحُ لا يروق أو يزهر
في هذا الليل...
(2)
في بهرة الذّهول و الضياع
أضاء قنديل ءالهيٌ حنايا قلبه
وشعّ في العينين وهج جمرتين
وأطبق المفكّرة
وهبّ,مازن ,الفتى الشّجاع
يحمل عبء حبّه
وكلّ همّ أرضه و شعبه
و كلّ أشتات المنى المبعثرة!!
* * *
-: ماضٍ أنا أماّه
ماضٍ مع الرفاق
لموعدي
راضٍ عن المصير
أحمله كصخرةٍ مشدودةٍ بعنقي
فمن هنا منطلقي
وكلّ ما لديّ,كل كلّ النبض
والحب والإيثار والعبادة
أبذله لأجلها,للأرض
مهراً,فما أعزّ منك يا(58/42)
أماه إلا الأرض
-: يا ولدي!
يا كبدي!-:أماه موكب الفرح
لم يأت بعد
لكنّه لا بدّ أن يجيء
يحدو خطاه المجد
-: يا ولدي!
يا ......
-: لا تحزن إذا سقطت قبل -
موعد الوصول
فدربنا طويلة شقيّة
و دون موعد الوصول ترتمي على المدى
سواحل الليل الجهنمية
نعبرها على مشاعل الدماء
لكن لن يجيء بعدنا الفرح
لابدّ من مجيئه هذا الفرح
فيتساوى لأخذ و العطاء
- :يا و لدي
اذهب!
وحوّطته أمه بسورتي قرآن
اذهب!
وعوّذته باسم الله و الفرقان
كان مازن الفتى الأمير سيد الفرسان
كان مجدها وكبرياءها و كان
عطاءها الكبير للأوطان
* * *
في خيمة الليل
وفي رحابة العراء
قامت تصلّي
ورفعت إلى السماء وجهها
وكانت السماء
تطفح بالنجوم والألغاز
. . . . . . . . .
يا يوم أسلمته للحياة
عجينةًَ صغيرةً مطيّبة
بكل ما في أرضنا من طيب
يا يوم ألقمته ثديها الخصيب
و عانقت نشوتها
واكتشفت معنى وجودها
في درّة حليب
. . . . . . . .
. . . . . . .
(يا ولدي
يا كبدي
من أجل هذا اليوم
من أجله ولدتك
من أجله أرضعتك
من أجله منحتك
دمي و كلّ النبض
وكلّ ما يمكن أن تمنحه أمومة
يا ولدي,يا غرسةً كريمة
اقتلعت من أرضها الكريمة
اذهب,فما أعزّمنك يا
بنيّ الاّ الأرض
* * *
(3)
((طوباس)) وراء الربوات
آذانٌ تتوتّر في الكلمات
وعيون هاجر منها النوم
الريح وراء حدود الصّمت
تلهث خلف النّفس الضائع
تركض في دائرة الموت!
. . . . . . . .
يا ألف هلا با لموت!
واحترق النجم الهاوي و مرق
عبر الربوات
برقاً مشتعل الصوت
زارعاً الإشعاع الحيّ على-
الربوات
في أرضٍ لن يقهرها الموت!
أبداًُ لن يقهرها الموت.
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> تاييس الجديدة
تاييس الجديدة
رقم القصيدة : 66376
-----------------------------------
روحي المقيم لديك ؟ أم شبحي ؟
لعبت برأسي نشوة الفرح !
يا حانة الأرواح ما صنعت
بالرّوح فيك صبابة القدح
ما للسماء أديمها لهب ؟
الفجر ؟ إنّ الفجر لم يلح !(58/43)
و لم البحيرة مثلما سجرت
أو فجّرت من عرق منذبح !
نار تطير ، و موكب صخب
من كلّ ساهي اللّحظ منسرح
لولا ابتسامة جارتي ، و فم
يدنو إليّ بصدر منشرح
لحسبتها روما تمور لظى
في قهقهات السّاخر الوقح
زهو تملّكني فأذهلني
و من الذهول طرائف الملح
أ أنا الغريب هنا و ملء يدي
أعطاف هذا الأغيد المرح ؟
خفقت على وجهي غدائرها
فجذبتها بذراع مجترح
لم أدر و هي تدير لي قدحي
من أين مغتبقي و مصطبحي
و شدا المغنّي ، فاحتشدت لها
كم للغناء لديّ من منح
عرضت بفاكهة محرّمة
و عرضت ، لم أنطق و لم أبح !
يا ربّ صنعك كلّه فتن
أين الفرار ، و كيف مطّرحي !
هذي الروائع ، أنت خالقها
ما بين منجرد و متّشح
تاييس لم تعبث براهبها
لكنّه أشفى على البرح
ما بين أسرار مغلّقة
و طروق باب غير منفتح
عرض الجمال له فأكبره
و رآك فيه فجنّ من فرح
أترى معاقبتي على قدر
لولاك لم يكتب و لم يتح !؟
إنّي عبدتك في جنى شفة
ويد ، و وجه مشرق الوضح
و لو استطعت ، جعلت مسبحتي
ثمر النّهود ، و جلّ في السّبح
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> خمرة نهر الرين
خمرة نهر الرين
رقم القصيدة : 66377
-----------------------------------
كنز أحلامك يا شا
عر في هذا المكان
سحر أنغامك طوّا
ف بهاتيك المغاني
فجر أيّامك رفّا
ف على هذي المحاني
أيّها الشّاعر ، هذا الرّ
ين ، فاصدح بالأغاني
كلّ حيّ و جماد ههنا
هاتف ، يدعو الحبيب المحسنا
يا أخا الرّوح ، دعا الشّوق بنا
فاسقنا من خمرة الرّين ، اسقنا
عالم الفتنة يا شا
عر ؟ أم دنيا الخيال ؟
أمروج علّقت بيـ
تن سحاب ، و جبال ؟
ضحكت بين قصور
كأساطير اللّيالي
هذه الجنّة ، فانظر
أي سحر و جمال ؟
يا حبيب الرّوح يا حلم السّنا
هذه ساعتنا ، قم غنّنا
سكر العشّاق إلاّ أنّنا
فاسقنا من خمرة الرّين ، اسقنا
ليلة فوق ضفاف الرّ
ين حلم الشّعراء
أليالي الشّرق يا شا
عر ؟ أم عرس السّماء
الدّجى سكران ، و الأنـ
ـجم بعض النّدماء(58/44)
أنصت الغاب و أصغى الـ
ـنّهر من صخر و ماء
فاسمع الآن البشير المعلنا
حانت اللّيلة ، و الفجر دنا
فاملإ الأقداح من هذا الجنى
و اسقنا من خمرة الرّين ، اسقنا
هاهم العشّاق قد هبّـ
ـوا إلى الوادي خفافا
أقبلوا كالضّوء أطيا
فا و أحلاما لطافا
ملأوا الشّاطئ همسا
و البساتين هتافا
أيّها الشاعر ! هذا الرّ
ين ! فاستوح الضّفافا
الصّبا و الحسن ، و الحبّ هنا
يا حبيبي هذه الدّنيا لنا
فاملأ الكأس على شدو المنى
و اسقنا من خمرة الرّين ، اسقنا !
يا ابنة (الار) حديث الـ
أمس ما أعذب ذكره
كان حلما أن نرى الرّ
ين و أن نشرب خمره
و شربنا فسكرنا ،
و أفقنا بعد سكره
و وقفنا لوداع ،
و افترقنا بعد نظره
أين أنت الآن ؟ أم أين أنا ؟
ضربت أيدي اللّيالي بيننا !
غير صوت طاف كالحلم بنا :
إسقنا من خمرة الرّين ، اسقنا
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> شاعر مصر
شاعر مصر
رقم القصيدة : 66378
-----------------------------------
دعوت خيالي فاستجابت خواطري
و حدّثني قلبي بأنّك زائري
عشيّة أغرى بي الدّجى كلّ صائح
و كلّ صدى في هدأة اللّيل عابر
أقول من السّاري ؟ و أنت مقاربي
و أهتف بالنّجوى و أنت مجاوري
أحسّك ملء الكون روحا و خاطرا
كأنّك مبعوث اللّيالي الغوابر
و مثّل لي سمعي فخلتها
صدى نبإ من عالم الغيب صادر
سوى خطرات من بنان رفيقة
طرقت بها بابي فهبّت سرائري
عرفتك ، لم أسمع لصوتك نبأة
و شمتك ، لم يلمح محيّاك ناظري
أرى طيف معشوق ، و أرى روح عاشق
ارى حلم أجيال ، أرى وجه شاعر
***
إليك ضفاف النّيل يا روح حافظ
فجدّد بها عهد الأنيس المسامر
و ساقط جناها من قوافيك سلسلا
رخيما كأرهام النّدى المتناثر
سرت فيه أرواح الندامى ،و صفّقت
كؤوس على ذكر الغريب المسافر
نجيّ اللّيالي القاهريّات : طف بها
خيالة ذكرى ، أو علالة ذاكر
و جز عالم الأشباح ، فاللّيل شاخص
إليك ، و أضواء النّجوم الزّواهر
و طالع سماء في معارج أفقها(58/45)
مرحت بوجدان من الشّعر طاهر
و سلسلت من أندائها و شعاعها
جنى كرمة لم تحوها كفّ عاصر
تدفق بالخمر الإلهيّ كأسها
فغرّد بالإلهام كلّ معاقر
على النّيل روحانية من صفائها
ولألاء فجر عن سنا الخلد سافر
فصافح بعينيك الدّيار فطالما
مددت على آفاقها عين طائر
و خذ في ضفاف النّهر مسراك ، و اتّبع
خطى الوحي في تلك الحقول النّواضر
حدائق فرعون بدفّاق نهرها
و جنّته ذات الجنى و الأزهار
و في شعب الوادي ، و فوق رماله
عصيّ نبيّأو تهاويل ساحر
صوامع رهبان ، محاريب سجّد
هياكل أرباب ، عروش قياصر
سرى الشّعر في باحاتها روح ناسك
و ترديد أنفاس ، و نجوى ضمائر
و همس شفاه تمثّل الرّوح عنده
و تسبح في تيه من السّحر غامر
هو الشّعر ، إيقاع الحياة و شدوها
و حلم صباها في الرّبيع المباكر
و صوت بأسرار الطّبيعة ناطق
و لكنّه روح ، و إبداع خاطر
و وثبة ذهن ، ينقص البرق طائرا
و يغزو بروج النّجم غير محاذر
فيا درّة لم يحوها تاج قيصر
و لا انتظمت إلا مفارق شاعر
تألّه فيه القلب و استكبر الحجى
على دعة من تحتها روح ثائر
إذا اعترض الجبّار ضوءك شامخا
تلقّيته كبرا ببسمة ساخر
لمست حديد القيد فانحلّ نظمه
و أطلقت أسرى من براثن آسر
و ما زدت في الأحداث إلاّ صلابة
إذا النّار نالت من كرام الجواهر
يزيّن بك الرّاعي سقيفة كوخه
فتخشع حيرى نيّرات المقاصر
أضاعوك في أرض الكنوز ، و ما دروا
بأنّك كنز ضمّ أغلى الذّخائر
و هنت على مهد الفنون ، و طالما
سموت بسلطان من الفنّ قاهر
إذا افتقد التّاريخ آثار أمّة
أشرت بما خلّدته من مآثر
سلاما ، سلاما ، شاعر النّيل : لم يزل
خيالك يغشى كل ناد و سامر
و شعرك في الأفواه إنشاد أمّة
تغنّت بماض و استعزّت بحاضر
هتفت بها حيّا ، فلا تأل خالدا
هتافك ، و انقض عنك صمت المقابر
صداك ، و إن لم ترسا الصّوت ، مالىء
سماع البوادي و القرى و الحواضر
و ذكراك نجوى البائسين ، إذ هتفت
قلوب ، و حارت أدمع في المحاجر(58/46)
يدلّ عليك القلب أنّات بائس
و نظرة محزون ، و إطراق سادر
و ما أنت إلاّ رائد من جماعة
توالوا تباعا بالنّفوس الحرائر
صحت باديات الشّرق تحت غبارهم
على شدو أقلام و لمع بواتر
و في القمم الشّماء ، من صرخاتهم
صدى الرّعد في عصر الرّياح الثّوائر
يضيئون أفق الحياة كأنّهم
على شطّها النائي منارة حائر
فيا شاعرا غنّى فرقّ لشجوه
جفاء اللّيالي ، و اعتساف المقادر
لك الدّهر ، لا ، بل عالم الحسّ و النّهى
خميلة شاد آخذ بالمشاعر
فنم في ظلال الشّرق ، و اهنأ بمضجع
نديّ بأنفاس النّبييّن عاطر
و وسّد ثراه الطّهر جنبك و انتظم
لداتك فيه ، فهو مهد العباقر
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> موت الشاعر
موت الشاعر
رقم القصيدة : 66379
-----------------------------------
شعراء الشّباب : خرّ الأيـ
ـكة شاد مخضبا بجراحه
مات في ثغره النّشيد و جفّت
خمرة الملهمين في اقداحه
ضفّة النّيل ، و هي بعض مغانيـ
ـه صحت و تسأل الرّبى عن صداحه
أين منها صداه في ذروة الفجـ
ـر و همس الأنداء حول جناحه
بوغتت في الصّباح أخرس إلاّ
جهشة الشّعر أو شجيّ نواحه
نبأ جاؤني فأسلم عقلي
لضلال هدّدته بافتضاحه
لو رماه فم القضاء بسمعي
خلته بعض لهوه و مزاحه
فلسفتك الحباة يا حامل المصبا
ح و الأفق مائج بصباحه
صف لنا صرعة الذّبال و ماذا
قد أصاب الحكيم في مصباحه
شاطئ فوق صدره بفهق المو
ج و تهوي الصّخور تحت رياحه
ضلّ في جنح ليله زورقي البا
سم يهفو الحنين ملء و شاحه
قم فقد أقبل الشّتاء و أومت
سنبلات الوادي إلى أشباحه
آله في هتافك العذب داع
ينطق الواجمات من أدواحه ؟
عبر النّهر و النّخيل إلى أن
جاء مثوى رقدت في صفّاحه ؟
حمل العهد عن قلوب الحزانى
فدعا المعولات من أرواحه
الثّلاثون لم تكن عمرك السّا
در في فتنة الصّبا و مراحه
إنّها خفقة الفؤاد ، سهد الـ
ـعين في حومه العلا و كفاحه
إنّها قصّة الصّديق ، و مأسا
ة شهيد مكلّل بنجاحه !(58/47)
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الموسيقية العمياء
الموسيقية العمياء
رقم القصيدة : 66380
-----------------------------------
إذا ما طاف بالأرض
شعاع الكوكب الفضّي
إذا ما أنت الرّيح
و جاش البرق بالومض
إذا ما فتّح الفجر
عيون النّرجس الغضّ
بكيت لزهرة تبكي
بدمع غير مرفضّ
زواها الدّهر لم تستعد
من الإشراق باللّمح
على جفنين ظمآنيـ
ـن للأنداء و الصّبح
أمهد النّور : ما للّيـ
ـل قد لفّك في جنح ؟
أضئ في خاطر الدّنيا
ووراء سناك في جرحي !
***
أري الأقدار يا حسنا
ء مثوى جرحك الدامي
أريها موضع السّهم الـ
ـذي سدّده الرّامي
أنيلي مشرق الإصبا
ح هذا الكوكب الظّامي
دعيه يرشف الأنوا
ر من ينبوعها السّامي
***
و خلّي أدمع الفجر
تقبّل مغرب الشّمس
و لا تبكي على يومك
أو تأسي على الأمس
إليك الكون فاشتفّي
جمال الكون باللّمس
خذي الأزهار في كفّيـ
ـك فالأشواك في نفسي !
***
إذا ما أقبل اللّيل
و شاع الصّمت في الوادي
خذي القيثار و استوحي
شجون سحابة الغادي
و هزّي النّجم إشفاقا
لنجم غير وقّاد
لعلّ اللّحن يستدني
شعاع الرّحمة الهادي !
***
إذا ما سقسق العصفو
ر في اعشاشه الغنّ
و شقّ الرّوض بالألحا
ن من غصن إلى غصن
أتتك خواطري الصدّا
حة الرفّافة اللّحن
تغنيك بأشعاري
و ترعى عالم الحسن !
***
إذا ما ذابت الاندا
ء فوق الورق النّضر
و صبذ العطر في الأكما
م إبريق من التبر
دعوت عرائس الأحلا
م من عالمها السّحري
تذيب اللّحن في جفنيـ
ـك و الأشجان في صدري !
***
عرفت الحبذ يا حول
ء أم مازال مجهولا ؟
ألمّا تحملي فلبا
على الأشواق مجبولا ؟
صفيه ، صفيه ، فرحانا
و محزونا ، و مخبولا !
و كيف أحسّ باللوعـ
ـة عند النّظرة الأولى ؟
***
و من آدمك المحبوب ؟
أو ما صورة الصبّ ؟
لقد الهمت و الإلها
م يا حوّاء بالقلب
هو القلب ، هو الحبّ
و ما الدّنيا لدى الحبّ ؟
سوى مكشوفة الأسرا
ر و المهتوكة الحجب !
***
سلي القيثار بين يديـ(58/48)
ـك أيّ ملاحن غنّى
و أيّ صبابة سالت
على أوتاره لحنا
حوى الآمال ، و الآ
لام ، و الفرحة ، و الحزنا
حوى الآباد ، و الأكوا
ن في لفظ و في معنى !
***
تعالى الحسن يا حسناء
عن إطراق محسور !
أيشكو اللّيل في كون
من الأنوار مغمور !
و ما جلاّه ، من سّواه
إلاّ توأم النّور ؟
و ما سمّاه إذ ناداه
غير الأعين الحور ؟
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> النّهر الظّامئ
النّهر الظّامئ
رقم القصيدة : 66381
-----------------------------------
طال انتظارك بين اليأس و الأمل
يا كعبة المجد حيّ موكب البطل
هذا المآب المرجّى شقّة قصرت
و غربة عن ثراك الطّهر لم تطل
يا لهفة القوم هل ضجّوا لرؤيته
و جدّدوا العدّ من أيّامه الأول ؟
تدفّق النّهر من أقصى منابعه
لهفان يسبق لمع البارق العجل
يثور تيّاره العاتي فيسأله :
أي الأساطير من ماضيذ خيّل لي ؟
و أيّ مضطرب في ضفّتي مشت
فيه الملايين من ساع و محتفل
أعودة الثّائر النفيذ من سفر
لا يبلغ الوهم منه مفرق السّبل ؟
بل الشّهيد المسجّى في لفائفه
ضنّوا عليه بقبر الهانئ الجذل !
ما أشبه اليوم بالأمس الذي نسلوا
فيه على صعقات الحادث الجلل
هذا الرّفات تراث المجد في وطن
لواؤه عن زكاز المجد لم يمل
أغلى الذخائر من ميراث نهضته
رفات مستشهد في الحقّ مقتتل
مشى إليك به التّاريخ فاستلمي
معاقد الغار من فرقيه و اقتبلي
حان اللّقاء فما أعددت من كلم
و ما ادخرت من الأشواق و القبل ؟
فاستشرفي النّصر و استدني مطالعه
هذا بشير الهدى و الحبّ و الأمل
عواهل النّيل أم أشباحهم عبروا
من ضفّة النهر ملء السّهل و الجبل
مروا خفاقا على الوادي كأنّهم
مواكب السّحب البيضاء في الطّفل
و في اساريرهم ذكرى ، و أعينهم
أسرار ماض على الأحقاب منسدل
يستغفرون ليوم مرّ ، ما لهم
يد به ، جلّ فرعون عن الغيل
ماكان من يسلب الموتى مضاجعهم
ربّ الصّوالج و التّيجان و الدّول
حيّوا بأرواحهم سعدا ولو ملكوا(58/49)
نبض الوتين مشوا في المشهد الحفل
***
يا صاحب الخلد كم للروح معجزة
و كم تمثّل روح الخلد في رجل
لم ينته الوحي و السّحر الحلال و لم
تخل الحياة من الرّواد و الرّسل
و من دم الشّهداء الباعثين به
جيلا من الحقّ أو دنيا من الأمل
و لم يزل لك صوت كلّما شرعوا
لهاذم البغي ثنّاها على خجل
و طاف بالمدفع الدّاوي فأخرسه
و النّار في صدره تصطكّ من وجل
لواؤك الضّخم ما زالت مواكبه
تترى و راياته حمراء كالشّعل
يمشي على قدم جبّارة هزأت
بالصّخر و الموج و النّيران و الأسل
هذا طريقك للبيت الذي ألفت
خطاك بالأمس ، فاسلكه على مهل
أنظر إليه ، فما حالت معالمه
م للزمان بما خلّدت من قبل !!
أساله اليوم جرحا لو مضت حقب
لطلّ في جنب مصر غير مندمل
قليلق أروع ما ابدعت من خطب
جلالك الأبديّ ، المفرد المثل
و عش ، كم أنت معنى في ضمائرنا
لا ينتهي وحيه يوما إلى أجل
و صورة سمحة الإشراق ملهمة
أرقّ من خطرات الشّاعر الغزل
ذاكراك في الدّهر أعمار مخلدة
حياة محتشد الأمجاد متّصل
يطالع النّاس منها أينما اتّجهوا
شعاع كوكبك الوقّاد في الأزل
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> مأساة رجل
مأساة رجل
رقم القصيدة : 66382
-----------------------------------
ماذا تركت بعالم الأحياء
و أخذت من حبذ و من بغضاء
لك بعد موتك ذكريات حيّة
جوّابة الأشباح و الأصداء
هتكت حجاب الصذمت عنك و ربما
هتكت غشاء المقلة العمياء
فرأت مخايل وادع متواضع
في صورة من رقذة و حياء
متطامن النّظرات إلا أنّها
نفّاذة لمكامن الأهواء
متفرّسات في سكينة قانص
لم يخل من حذر و فرط دهاء
شيخ أطلّ على الشّتاء ة قلبه
متوقّد كالجمرة الحمراء
مرّ الرّفاق به ، فشيّع ركبهم
و أقام فردا في المكان النّائي
و طوى الحياة كدوحة شرقية
أمست غريبة تربة و سماء
لبست جلال و حادها و ترفّعت
بالصّمت عن لغو و عن ضوضاء
لم تنزل الأطيار فئ ظلالها،
أو تبن عشّا، أو تحم بالغناء
حتّى إذا عرّى الخريف غصونها(58/50)
من وشي تلك الحلّة الخضراء
عبرت بها صدّاحة في سجعها
لغة الهوى و رطانة الغرباء
وا رحمتاه للنسر يخفق قلبه
بصبابة القمريّة البيضاء
هي لمعة القبس الأخير و قد خبا
نجم المساء و رعشة الأضواء
و توثّب الرّوح الحبيس و قد شدا
ثملا بسحر اللّيلة القمراء
و حناية الحسن الغرير إذا رمى
فشريق دمع ، أو غريق دماء
***
و مهاجر ضاقت أوطانه
و تأثّرته مخاوف الطّرداء
لم تثنه شيخوخة مكدودة
دون السذفار و لا صقيع شتاء
متطلّب حقّ الحياة لخافق
أمسى مهيض كرامة و إباء
من كان في أمس يسوس أمورهم
ضنّوا عليه بفرحة الطّلقاء
يقضون باسم المال فيه كأنّما
ضمنوا لمصر مصادر الإثراء
هلاّ قضوا لمقاصف و مصارف
مغفورة ، منهومة الأحشاء
أكلت دم الفلاح ثم تكفّلت
بحصاد حنطته و جلد الشّاء
حبّ بلوت به العذاب و مثله
مقة السياسة و هي شرّ بلاء
عصفت بأحلام الرّجال و سفّهت
رأي اللّبيب ، و منطق الحكماء
كم فوق ساحلها خطى مطموسة
كانت سبيل هداية و رجاء
و سفينة مهجورة ، محطومة
حملت لها البشرى طيور الماء
أين اللّواء ؟ و ربّه ؟ و جماعة
كانوا طليعة موكب الشّهداء
و أخو يراع في الصّفوف مدافع
بيدي حواريّ و صدر فدائي ؟
لم ينصفوا حتّى ببعض حجارة
خرساء ماثلة لعين الرائي !
و مضوا فما وجدوا كفاء صنيعهم
تمثال حبّ ، أو مثال وفاء
تأبى السّياسة غير لون طباعها
و تريد غير طبائع الأ شياء !!
قالوا : أحبّ الإنجليز و زادهم
ود الحميم و موثق القرناء
ها قد أتى اليوم الذي صاروا به
أوفى الدّعاة و أكرم الحلفاء
بتنا نغاضب من يغاضبهم و لا
نأبى رعايتهم على الضّراء
رأي أخذت به و ليس بعائب
ذمم الرّجال مآخذ الآراء
لكن سكتّ ، فقيل إنّك عاجز
عن ردّ عادية و دفع بلاء
صمت تحيّر فيه كلّ محدّث
ة الصّمت بعض خلائق الكرماء
في عالم ينسي الحليم وقاره
و يرى البنين عداوة الآباء
و ترى التّوائم فيه بين عشّية
متنافرات طبيعة ورواء
جهد الكرام به افترار مباسم
و تكلّف في القول و الإصغاء(58/51)
صور عرفت لبابها و لحاءها
فكأنّما خلقت بغير لحاء
قد كنت تخلص لي الوداد فهاكه
شعرا يصون مودّة الخلصاء
يجد الرّجال به على حسناتهم
مدحي ، و عن هنواتهم إغضائي
فاصعد لربّك فهو أعدل حاكم
و هو الكفيل برحمة و جزاء
و تلقّ من حكم الزّمان و عدله
ما شاء من نقد و من إطراء
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> صدى الوحي
صدى الوحي
رقم القصيدة : 66383
-----------------------------------
بيانك من نبع الجمال المخلّد
صدى الوحي في أسلوبه المتجدّد
سرى لحنه في كلّ قلب كأنّما
شدا الحبّ في ناي الرّبيع المغرّد
غريبا من الأسماع و هو كعهده
قديم على ثغر الزّمان المردّد
إلى جبل النّور انتهى وحيه
و ما هو إلا ملهم اليوم و الغد
فغنّ به الأجيال و اهتف بآيه
ترانيم شاد ، أو ترتيل منشد
و أرسله سمحا من قريحة شاعر
يعيش بروح الصّيدحيّ المجدّد
***
عوالم شتّى من جلال ، و روعة
حواها فؤاد الكاتب المتعبّد
ذكرت ، و للذّكرى حديث محبّب
و قد زرته ليلا ، على غير موعد
و للّيل إصغاء ، و للرّيح حوله
رفيف ،كهمس الرّوح في ظلّ معبد
و قد هدأ المصباح ، إلاّ مجاجة
من النّور ، في عيني أديب مسّهد
ترامى وراء الأفق حينا ، و تنثني
ببارقة من ذهنه المتوقّد
فحيّيه همسا ، فحيّا ، و صافحت
يداه يدي في رقّة و تودّد
و شاع جلا الصّمت بيني و بينه
فأمعن إمعان الخيال المشرّد
و أمسيت أرعاه ، فلاحت لخاطري
ملائك بالنّجوى تروح و تغتدي
تسرّ إليه القول في غير منطق
بأجنحة تهفو على غير مشهد
على صحف غرّ الحواشي كريمة
جرى قلم عفّ السذريدة واليد
نبيل ملاامي القول في كفّ كاتب
دعاه فلبّاه لأنبل مقصد
يخطّ لروحانيّةالشّرق سيره
هي الحقّ في دنيا الجمال المجرّد
تمثّلها في صورة قرشيّة
يشيع الرّضا في طيفها المتجسّد
يبثّ سناها الأرض حبّا ، و رحمة
و يطوي هداها سطوة المتمرّد
حياة نمت مجد الحياة و غيّرت
و جوه اللّيالي من وضيء و أربد
تنادي بها الراؤون ، فأعجب لما رأوا(58/52)
جلال نبي ، في تواضع مرشد
تسامى عن الدّنيا و فيها لواؤه
يطوف بسلطان العزيز المؤيّد
فما ضفّر الإكليل يوما بمفرق
و لا حلّ منه التّاج يوما بمعقد
أحبّ إليه حين يفترش الثّرى
ويأوي لجذع النّخلة المتأوّد
و يخصف نعليه ، و طوع يمينه
مصاير هذا العالم الترغّد
و يمضي إلى الهيجاء غرثان صاديا
فللّه دنيا ذلك السّاغب الصّدي
و لكنّه دين أفاء ظلاله
على ملإ من شيعة الله سجّد
عفاة ، كأن لم يملكوا قوت يومهم
و هم جبهة الملك العريض الموطّد
محوا لفظة الأرباب من كلماتهم
فما عرفوا معنى مسود و سيّد
هو المثل الأعلى و مبعوث أمة
بناها بناء المعجز المتفرّد
***
محمّد ، ما شعري إليك و ما يدي ؟
و ما الشّعر من إبداعك المتعدّد ؟
و لكنّه حوض الشّفاعة ضمّنا
على خير ميعاد و أعذب مورد
نماني إقليم نماك ، و أطلعت
سماءك شمس أطلعت فجر مولدي
فإن أشد بالمجد الذي شدت ركنه
فما هو إلاّ ركن قومي و سوددي
محمد : ما أرضيك بالشعر مدحة
فحسبك مرضاة النبيّ محمّد
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> العشاق الثلاثة
العشاق الثلاثة
رقم القصيدة : 66384
-----------------------------------
سرى القمر الوضّاح بين الكواكب
يفكّر فيما تحته من غياهب
فناداه من وادي الخليّين هاتف
بصوت محبّ في الحياة مقارب
يقول له : يا روعة الحسن و الصّبا
و أجمل أحلام اللّيالي الكواعب
أنا العاشق الوافي إذا جننّي الدّجى
و راعيك بين النّيرات الثّواقب
ألا ليتني حرّ كضوئك أرتقي
عوالمك الملأى بشتّى العجائب
و يا ليت لي كنز ابتسامتك التي
تبعثرها في الكون من غير حاسب
***
فاصغي إليه الضّوء في صفو جذلان
و أضفى على الوادي شعاع حنان
و جاس خلال السّحب و الماء و الثّرى
فلم ير في أنحائها وجه إنسان
فصاح به : يا صاحبي ضلّ ناظري
فأين ترى ألقاك أم كيف تلقاني
فأوما له إنّي هنا تحت شرفتي
وراء زجاجيها أخذت مكاني
أبى البرد أن أستقبل اللّيل قائما
و أن أنزل الوادي بحيث تراني(58/53)
و حسب الهوى من عاشق لك وامق
تزوّد عيني من سنا ضوئك الحاني !
***
فألقى عليه الضّوء نظرة حائر
و أعرض عنه بابتسامة ساخر
و قال له : يا صاحبي قد جهلتني
و يا ربّ شعر ساقه غير شاعر
أنا الموثق المكدود طالت طريقه
طريق أسير في رعاية آسر
تجاذبني طاحونة الشّمس كلّما
وقفت و تمضي بي سياط المقادر
و ما بسمتي إلا دموع من اللّظى
قد التمعت في وجه سهمان حاسر
فدع عنك يا أعجوبة الحبّ عالمي
فقبلك لم يلق الأعاجيب ناطري !
***
و أمعن في تفكيره القمر الزّاهي
فمر بارض ذات عشب و أمواه
يناجيه منها عاشق ذو ضراعة
مناجاة صوفيّ لطيف إله
بقول له : يا مشهدي كلّ ليلة
على أنّه في النّاس من غير أشباه
و ترسم لي الأشباح طيف خياله
فأدنو لضمّ أو للثم شفاه
تمنّيت لو وسّدت خدّك راحتي
و صدرك خفّاق ، و جفنك ساهي
***
فرفذ على الوادي الشّعاع طروبا
و ناداه من بين الظّلال مجيبا :
أزح هذه الأغصان عنك لعلّني
أصافح و جها ، من هواك حبيبا
فجاوبه : يا قرّة العين إنّني
قد اخترت من شطّ الغدير كثيبا
إذا أتعبت عيني السّماء تطلّعا
و خالست احظا للنّجوم مريبا
ففي صفحات الماء نهزة عاشق
يراك على بعد المزار قريبا
خلوت به ، أرعاك أو في قسامة
و أوفر من سحر الجمال نصيبا !
***
فغاض ابتسام الضّوءمن فرط حيرة
و صاح : نجييّ أنت حقّرت سيرتي
هو الكون مرآتي ، و مجلى مفاتني
و ما لغدير أن يمثّل صورتي
و ما نظر العشّاق إلاّ لعالم
يعظّم في المعشوق كلّ صغيرة
أعيذ الذي شبّهتني بجماله
أديم محيّا مثل صمّاء صخرتي
أنا الفحمة البيضاء إن جنّني الدّجى
أنا الحمّة السوداء ، رأد الظهيرة
فدع عالم الأفلاك و اقنع بلجّة
و غازل من الأسماك كلّ عزيرة !
***
و بينا يهيم الضّوء في سبحاته
و قد وعظ هذا الكونفي سخرياته
رأى شبحا في قرب نار كأنّما
يودّع طيفا غاب عن نظراته
يمدّ ذراعيه ، و يرسل صوته
بلوعة قلب في نبراته
إلى القمر السّاري محيّاه شاخص
كصاحب نسك غارق في صلاته(58/54)
فحام عليه الضوء و استمهل الخطى
و أجرى سناه الطّلق في قسماته
و صاح به : يا شيخ ما أنت قائل
تكلّم ! فإنّ اللّيل في أخرياته
***
فقال له : يا باعث الحبّ و المنى
سلمت و حيّتك العوالم و الدّنى
شفيت جوى شبخ أحبّك يافعا
و عاش بهذا الحبذ جذلان مؤمنا
و أفنيت عمري أرتقي عالي الذّرى
إلى أن بلغت اليوم مثواي ههنا
و أوقد ناري كي تراني و أنثني
لأطلق ألحاني ، و أدعوك موهنا
و قيل ضنين لا يجود بوصله
فهأنذا ألقاك يا ضوء محسنا
تساوت كلاب تنبح البدر ساريا
و نوّام ليل أنكروا آية السنا !
***
فحدّق فيه الضّوء و ارتد مغضبا
و قال له : أفنيت في سخفك الصّبا
و لمّا ترح جفنا من السّهد متعبا
و سخرية بالنّار ، أن تتفرّبا
كأنّ شعاعي في جفونك قد خبأ
و من عبث مثواك في هذه الرّبى
على حين لم تبلغ من النّور مرقبا
و ما كنت إلا ّ الواهم المترقّبا
وثالث عشّاق بهم ضقت مذهبا
و كانوا لأمثال الخليذين مضربا
فوا أسفا ، ما كنت في الدّهر مذنبا
فأجزي بنجوى من تعشّق أو صبا
و ساق على حبذي الدليل المكذّبا
سل العاصي الهاوي من الخلد هل نبا
به اللّيل لمّا آثر الأرض و اجتبى؟
أ أبصر قلبي الدّجنّة كوكبا
أضاء له الدّرب السّحيق المشعّبا
و هل في سنا غيري تملّي و شبّبا
بحواء و اهتاج اليراع المثقّبا
حويتهما روحا طريدا معذّبا
فذاب حيائي منهما ، و تصبّبا
و أورثني هذا الشّحوب ، و أعقبا
رأيت فمّا يدنو ، و وجها تخضّبا
و صدرا خفوقا فوق صدر توثّبا
غرائز فيها الغيّ و النقص ركّبا
تلمّس في ضوئي الأثام المحبّبا
فيا شيخ دع هذا الوشاح المذهّبا
تر الحمأ المسنون في الكأس ذوّبا
طفا الرّاح فيه ، و التراب ترسّبا
و إنّ كلاب الأرض أشرف مأربا
ينير لها ضوئي الظّلام لتجنبا
خطى اللصّ يستار الطّريق المحجّبا
فإن نبحت ضوئي ، تسمّعت معجبا
بأرخم لحن ، رنّ في اللّيل مطربا
تحيّة مثن بي أهلّ مرحّبا
بني آدم ، إن لم يكن آدم الأبا
رجوت لكم من عالم الرّجس مهربا(58/55)
و آثرتكم بالكلب جدّا مهذّبا
و أجمل بالإنسان أن يتكلّبا
و مال عن الأرض الشّعاع و غرّبا
و وسوس فس صدر الدّجى فتألّبا
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> المعراج
المعراج
رقم القصيدة : 66385
-----------------------------------
إلى قمة الزّمن الغابر
سمت ربّة الشّعر بالشّاعر
يشّق الأثير الصدى عابرا
و روحا مجنّحة الخاطر
مضت حرّة من وثاق الزّمان
و من قبضة الجسد الآسر
و أوفت على عالم لم يكن
غريبا على أمسها الدّابر
نمت فيه بين بنات السّديم
و شبّت مع الفلك الدائر
تلقّن سيرتها في الحياة
و تنطق بالمثل السّائر
و ترسم أسماء ما علّمت
من القلم المبدع القادر
مشاهد شتّى وعتها العقول
و غابت صواها عن النّاظر
وجود حوى الرّوح قبل الوجود
و ماض تمثّل في حاضر
تبدّي لها فانجلى شكّها
و ثابت إلى وعيها الذّاكر
و أصغت فمرّت على سمعها
رواية ميلادها الغابر
هو البعث فاستمعوا و اقرأوا
حيث السّماء عن الشّاعر !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> في السماء
في السماء
رقم القصيدة : 66386
-----------------------------------
سافو:عجيبت ! من الملك العابر !
و من ذلك الشّبح الطّائر ؟
أهلا علينا فما سلّما
و لا صافح النّاظر النّاظر
و للرّيح حولهما زفّة
كما صدح المزهر السّاحر
أفي عالم الأرض بعث جديد ؟
أم الوهم مثّله الخاطر؟
تاييس : نعم هو روح جميل الإهاب
ينيل الرّياح جناحي ملك
و ذلك هرميس يسري به
سرى النّور في سبحات الفلك
عرفناه...لا شكّ...هذا الفتى
سيسلكه الفنّ فيمن سلك
غدا تملأ الأرض ألحانه
و يبقى صداها إذا ما هلك !
بليتس : إلى الأرض ؟ فليمض هذا الشقيّ
ألا و لتفض كأسه بالشّجون
جزاء لما غضّ من أمرنا
و مرّ كأن لم تلاق العيون
أراه و لمّا يزل بيننا
أصابته لوثة أهل الفنون
لئن صحّ ما كان من أمره
فيا شقوة الأرض ممّا يكون !
تاييس:حنانك يا أخت لا تغضبي
فما اختال زهوا و لا استكبرا
لقد كفّ عينيه برق الحياة(58/56)
فمرّ بنا دون أن يبصرا
لنا مثله في غد عشية
إذا ما حللنا رحاب الثّرى
إذا كان في الأرض هذا الشّقاء
فلا كان بعث و لا قدّرا
بليتس: أرى في حديثكمعنى الرّضا
و أسمع فيه هتاف الحنان
فهلاّ ذكرت له إخوة
حديثهم ملء سمع الزّمان
أصاروا الفنون رمز الآثام
و استلهموا الشّر سحر البيان
و أغروا بحواء ما لقّنوا
و ما حذقوا من طريد الجنان !
ألم تسمعي بفتى شاعر
يحمّلها عبء أوزاره ؟
ترشّفها خمرة فانتشى
فألقمها مرّ أثماره ؟
أنالته أجمل أزهارها
فأهدي لها شرّ أزهاره ؟
إذا كنت يا أخت لم تسمعي
خذي فاقرأي بعض أشعاره..!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الحية الخالدة
الحية الخالدة
رقم القصيدة : 66387
-----------------------------------
ولفّت ذراعين كالحيّين
عليّ ، و بي نشوة لم تطر
وقد قربّت فمها من فمي
كشقّين من قبس مستعر
أشّم بأنفاسها رغبة
و يهتف بي جفنها المنكسر
تبيّنت في صدرها مصرعي
و آخرة العاشق المنتحر !!
أفي حلم أنا ؟ أم يقظة ؟
و من أنت أيّتها الخاطئة ؟
هو الحبّ ؟. لا. بل نداء الحياة
تلبّيه أجسادنا الظّامئة
يخفّ دمي لصداه الحبيب
و تدفعني القدرة الهازئة
كأنّي ببحر بعيد القرار
طوى أفقه و زوى شاطئه
أرى...ما أرى ؟ جسدا عاريا
تضجّ به الشّهوة الجائعه
أرى... ما أرى ؟ حدقي ساحر
تؤجّان بالنّظرة الرّائعه
أرى... ما أرى ؟ شفتي غادة
ترّفان بالقبلة الخادعه
تساقطني ثمرا ! ما أرى ؟
أرى حيّة الجنّة الضّائعه !
بعينيك أنت ، فلا تنكري
صفات أنوثتك الشّاهده
تمثّلت شّتى جسوم و كم
تجدّد في صور بائده
نعم أنت هنّ.. ما أرى ؟
أرى الكلّ في امرأة واحدة
لقد فنيت فيك أرواحهنّ..
و ها أنت أيتها الخالده !
لقد كنت وحي رخام يصاغ
فأصبحت لحما يثير الدّماء
و كنت فتى ساذجا لا أرى
سوى دمية صوّرت من نقاء
أنيل الثّرى قدمي عابر
يعيش بأحلامه في السّماء
فأصبحت شيئا ككلّ الرجال
و أصبحت شيئا من ككلّ النّساء !
و كنت أميرة هذي الدّمى(58/57)
و صورة حسن عزيز المنال
و كنت نموذج فنّ الجمال
أحبّك للفن لا للجمال
***
أرى فيك مالا تحدّ النّهى
كأنّك معنى وراء الخيال
فجرّدتني رجلا أشتهي
و جرّدت أنثى تشتّهي الرّجال
دعيني حوّاء أو فابعدي
دعيني إلى غايتي أنطلق
أخمر و نار.؟ لقد ضاق بي
كياني و أوشك أن أختنق
أرى .. ما أرى ؟ لهبا ؟ بل أشمّ
رائحة الجسد المحترق !
فيا لك أفعى تشهّيتها
و يا لي من أفعوان نزق
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> المرأة و الفن
المرأة و الفن
رقم القصيدة : 66388
-----------------------------------
بليتيس: كفانا فقد جنّ هذا الفتى
و جاوز حدّ الكلام المباح
نكاد نحسّ اختلاج النّجوم
و نسمع مضطربا في الرّيح
مريض الغريزة فتّاكها
حبته الطّبيعة أمضى سلاح
سقته الشّياطين يحمومها
فمجّ الرّحيق و ذمّ الصّباح
تأثم بالفنّ حتّى غوى
و ما الفنّ بالمرأة الخاظئه
هو الدّم و اللّحم ما يشتهي
هو الخمر و المتعة الطّارئه
و كم في الرّجال سعار الوحوش
إذا لمسوا الجثّة الدّافئه
فلا تذكري فنّ هذا الفتى
بل الحيوانيّة الخاسئه
رأى جسم حواء فاشتاقه
فهاجت به النّزوة المسكره
سبي روحها فاشتهى جسمها
فثارت بعزّة مستكبره
سما جسمها و تأبّى عليه
فجرّد في وجهها خنجره
وهمّ بها فالتوى قصده
فأرسل صيحته النكره
ألم ينسم الخلد من عطرها ؟
ألم يعبد الحسن في زهرها ؟
ألم يقبس النّور من فجرها ؟
ألم يسرق الفنّ من سحرها ؟
شفت غلّة الفنّ حتّى ارتوى
و إنّ دنّس الفنّ من طهرها !
و هامت على ظمأ روحها
و كم ملأوا الكأس من خمرها !
على مذبح الحبّ من قبلها
سرج يسبّح من لألأه
منار يجوب الدّجى لمحة
فتلقى السّفين به مرفأه
يبثّ الحرارة برد الشّتاء
و يلهب شعلته المطفأه
و تمشي الحياة على نوره
و ما نوره غير أعين امرأه
خطيئتها قصّة الملهمين
و إغراؤها الفرح المفتقد
بأرواحهم يرتقون الخلود
على سلّم من متاع الجسد
ولو لم تكن لهوى فنّهم
صريع الظّلام قتيل الجمد(58/58)
و ما الفنّ إلاّ سعير الحياة
و ثورتها في محيط الأبد !
لهيب إذا الرّوح مرّت به
تضاعفت الرّوح في ناره
يطيق القويّ لظى جمره
و يعشو الضّعيف بأنواره
رمت فيه حوّاء آثامها
فذابت على صمّ أحجاره
لقد قرّبت جسدا عريا
و قلبا يضنّ بأسراره
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الأصل و المثال
الأصل و المثال
رقم القصيدة : 66389
-----------------------------------
أمن صنعة الله هذا الجمال ؟
نعم ؛ و من الفنّ هذا المثال !
على معرض مرمريّ الدّمي
ترامى أشعته و الظّلال
تماثيل من جسد فاتن
تأبّى على شهوات الرّجال
حبته الطّبيعة أسرارها
و لاقى الحقيقة فيه الخيال
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> ثورة
ثورة
رقم القصيدة : 66390
-----------------------------------
سافو: لقد أخذتنا شجون الحديث
و كم في حديث الفتى من سجون
سمرنا به وجهلنا اسمه
و ما حظّه من الرفيع الفنون ؟
أمن ربّة الشعر إلهامه ؟
أم الوتر الأرفسيّ الحنون ؟
أم المرمر الغضّ يجلو به
رفيف الشّفاه و لمح العيون ؟
بليتيس: هي وحيه من سماء الأولب
وآلهة الحكمة الغابرين
فما هو بالملك المسعزّ
ولكنّه الآدميّ المهين
و ما الآدمية بنت السّماء
و لكنّها بنت ماء وطين
يريد لها الفنّ أفق النّجوم
فيقعدها جسم عبد سجين !
سافو : و ما فّنه ! ما أراه سوى
أداة مطامعه الواسعه
غدا يستغلّ غرام الحسان
سبيلا إلى الشّهرة الذائّعة
يصيب بهنّ خلود اسمه
و هنّ قرابينه الضّائعه
تمنّيت لو أطلقنا السّماء
و يا حبّذا لو بعثنا معه !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> انتقام
انتقام
رقم القصيدة : 66391
-----------------------------------
بليتس : ألا حبذا الأرض مغدى لنا
و إن بشّرتها المنايا بنا
و ما الأرض بالمنزل المستطاب
و لكنّه ثأر أترابنا
لنشرب من دم هذا الفتى
مصفّى الرّحيق بأكوابنا
و نجعل من حشرجات الرّجال
تحيّة شاد لأنخابنا
سافو : و نسلب ما رزقوا من حجى
و نهدم ما رفعوا من قباب(58/59)
و نبني لهم نصبا خالدا
يكون على الدّهر رمز العقاب
تاييس:و لكن أرى غير ما قلتما
و ما الغدر في الرّأي كلّ الصّواب !
إذا خلت الأرض من طيرهم
فمن ذا يحيّ الجمال القسيم ؟
و من يطلق الحبّ من وكره
على خطرات الغناء الرّخيم ؟
و فيم نرقّش هذا الجناح
و نصقله ببنان النّعيم ؟
طيور السّماء ! حذار الوقوع
على حطب في الثّرى أو هشيم ؟
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> دنيا النسّاء
دنيا النسّاء
رقم القصيدة : 66392
-----------------------------------
أيغريك بالحب سود اللّحي
غلاظ الشفاه . العراض الطّوال !
كأنّ الهوى صنع أيديهم
فمن غيرهم كلّ عيش محال
إذا شئت كان لنا عالم
يحوط الأنوثة فيه الجلال
حمت رقّة الجنس ربّاته
فليس بها حاجة للرّجال !
لكلّ اثنتين هوى واحد
تلاقى على سّره مهجتان
و عشّ يضمهما في المساء
و روض به الضّحى يعبثان
و في ركن خدرهما مغزل
و فوق الأريكة قيثارتان
و تحت الوسادة أقصوصة
لقلبين لم يروها عاشقان
تاييس: و ماذا ترى صنع العاشقان ؟
و ما ذكريات اللّيالي الحسان ؟
حديثك إن لم يكن بدعة
فحلم جرى في قديم الزّمان
و صيحة مخفقة في الهوى
معربدة الرّوح سكرى اللّسان
أعيذ الأنوثة هذا الهوان
و فيها الدهاء القويّ الجنان ؟
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الكيد العظيم
الكيد العظيم
رقم القصيدة : 66393
-----------------------------------
لنا الكيد إن خذلتنا القوى
أحابيل شتّى و فنّ عجاب
نلقاه عن ملكات الزّمان
أقاصيص لم يرو عنها كتاب
و قد نستعير صفاء النّمير
و قد نستمدّ صراع العباب
و قد نسحب اللّيل فوق القلوب
ونغري العيون بقوس السّحاب
نساقطهم من غواياتنا
أزاهر تندى بماء الشّباب
إذا لألأت فوق موج الشّعور
أثارت بهم ظمأ للسّراب
بألوانها الحمر جمر الغضا
و في نفحها لفحات العذاب
هو الفنّ لا ترتوي روحه
بأشهى من الأرجوان المذاب
هو الحسن فتّاننا العبقري
هو الحبّ سلطاننا القاهر
ممثلهم .. لعبة في يديه(58/60)
و مثالهم إصبع فاجر
و ألحانهم . من فحيح العروق
يصعّدها الوتر السّاخر
ورسّامهم. صنم مبصر
فأن جمعوا فهم الشّاعر !
قلوب مدلّهة بالجمال
ترى فيها معبودها الملهما
هو الرّجل القلب ، لا غيره
فأودعنه القبس المضرما
أنمن به الشّرس المستخفّ
و أيقظن فيه الفتى المغرما
إذا ما اقتحمتنّ السّياج
فقد خاضع الكون و استسلما !
سافو: و لكن حذار ! ففي طبع
ليان يسمّونه بالوداعه
و فيهم جراءة مستأسدا
تحدّى المنيّة باسم الشّجاعه
تاييس: و همت، فذلك هزل الرّجال
و فنّ أجزنا عليهم خداعه
نذيب به صلب أعصابهم
و في رقّة العود سرّ المناعه
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> شيطان شاعر
شيطان شاعر
رقم القصيدة : 66394
-----------------------------------
سافو: أطلنا الأحاديث عن عالم
ملثّمة أرضه بالخفاء
جعلناه مطمح أحلامنا
كأنّا شقينا بسكنا السّماء
طوانا على حبّه شاعر
كثير المجانة نزر الحياء
أثار الملائك في قدسها
و أوقع سحره الأبرياء
بليتيس: عجبت له كيف جاز السّماء
و غرّر بالملأ الطاّهر !
أيمرح في الكون شيطانه
بلا وازع و لا زاجر ؟
دعي الوهم سافو و لا تحقري
بليتيس معجوة الشّاعر
فما نتّقيه بحيّاتنا
إذا هو ألقى عصا السّاحر
و كانت تسمع ضجة كلما ارتفعت روح الشاعر في معارج السماء
تاييس: بليتيس هل هو ذاك الخيال
المجنّح بين حواشي الغيوم ؟
عشيّة صاح بأترابنا
و قد أخطأته قسيّ الرّجوم ؟
و قيل لنا ملك عاشق
يسرّي الهموم ببنت الكروم
يجوب السّماء إذا ما انتشى
يعربد بين خدور النّجوم
بليتيس: أعاجيب شتّى لهذا الفتى
و أعجب منها الذين تذكرين
كأنّ أحاديثه بيننا
أساطير آلهة غابرين
إذا كان الفنّ هذا الصّيال
فوا رحمتاه للجمال الغبين
وددت لو أنّي في إثره
درجت على الأرض في الدّارجين
تاييس: أتغوين بالشّعر شيطانه ؟ خياليّة أنت أم شاعره ؟
بليتيس : بل الشّعر آسره المستبدّ
فبا ليت لي روحه الآسره
و يا ليت لي وثبات الخيال
و قوة أربابه القاهره(58/61)
لصيّرته مثله في الحياة
و سخرية البعث في الآخره !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الفن الشهيد
الفن الشهيد
رقم القصيدة : 66395
-----------------------------------
تاييس : صفي لي بليتيس هذا الأمل
و ماذا ابتدعت له من حيل !
بليتيس: أدلّة هذا الفتى بالجمال
و أسمعه من رقيق الغزل
و أورثه جنّة بالرّحيق
و أحرمه رشفات القبل
إلى أن تحرّق أعصابه
و يصرعه طائف من خبل
و أحفر بعد الرّدى قبره
هناك على قمة الهاويه
و أغرس في قلبه زهرة
من الشّر رواية ناميه
سقتها سموم شرايينه
و رفّت بها روحه العاتيه
تخفّ إليها قلوب الرّجال
و ترجع بالشّوكة الدّاميه
إذا جنّها اللّيل لاحت به
كعين من اللّهب المضطرم
تثور الشّياطين من عطرها
كمجمرة السّاحر المتلثم
تضجّ البلاهة من حوله
و ينظر كالصّنم المبتسم !
تاييس: هبي الشعر أولاك من ملكه
سماء الألوهة ذات البروج
و نصّ المعاني عن جانبيك
فمنها السّرى و إليك العروج
فما تصنعين إذا ما بعثت
واحدة من بنات الزّنوج
ألم تقرئي قصّة السّامريّ
و ما صنع القوم بعد الخروج ؟
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> جنون الحياة !
جنون الحياة !
رقم القصيدة : 66396
-----------------------------------
نبا منطق الوحي في سمعهم
و خفّ عليه رنين الطّرب
و مدّوا العيون إلى فتنة
تجسّد في حيوان عجب
ترامى بأحضانه غادة
أفادها صباها شبوب اللّهب !
جنون الحياة و أهواؤها
أنوثتها و بريق الذّهب !
فأين من القوم سحر البيان
و صيحة موسى قبيل الوداع ؟
هم النّاس لا يعشقون الخيال
إذا لم يكن حافزا للطّماع
هم النّاس لا يعبدون الجمال
إذا لم يكن نهزة للمتاع
هم النّاس لا يألفون الحياة
إذا لم تكن معرضا للخداع
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> معرض الحياة
معرض الحياة
رقم القصيدة : 66397
-----------------------------------
تماثيله بعض أجسامنا
و قد صاغها العبقريّ الصّناع
و لوحاته صور العاريات(58/62)
إذا مزّق افنذ عنها القناع
أبالشّعر تغوين هذا الفتى
و همت إذن و جهلت الطّباع !
أليست له صبوة الآدميّ
و شهوة تلك الذّئاب الجياع ؟
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> فزع و عتاب
فزع و عتاب
رقم القصيدة : 66398
-----------------------------------
رجعت لنفسي فلا تغضبا
و كفّا العتاب و لا تسهبا
لقد رعتماني بهذا المزاح
و أبدعتما نبأ مغربا
سرت بي من ذكره رعدة
كأنّي لبست به الغيهبا
أتاييس ، لا كنت بنت الزّنوج
و لا شمت أمّا بهم أو أبا !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> السّحر الأسود
السّحر الأسود
رقم القصيدة : 66399
-----------------------------------
و صمت الخليقة في بعثهم
كأنّهم الحدث المنكر
و ما أخطأ الطّيف ألوانه
و لكنّه اللّهب الأحمر
أبوهم، كما زعموا ، آدم
و حواء أمّهم المعصر
لهم أعين تتملّى الجمال
و أفئدة بالهوى تشعر
لهم نارهم في أقاصي الدّجى
و أبياتهم في أعالي الكهوف
و سحر الطّبيعة في عريها
إذا هتك الفجر عنها الشّفوف
و ناي يقسّم فيه الرّبيع
و يسكب شجو المساء الهتوف
و رقص يمثّل قلب الحياة
إذا ما استخفّ بنقر الدّفوف
تفرّد فنّهم بالخفاء
و صيغ بفطرتهم و اتّسم
يعيش جديدا بأرواحهم
و إن عاش قيهم بروح القدم
لم بأس مانا و إيحاؤه
إذا اضطربت روحه بالألم
و رقّة هاواي في شدوها
إذا جاش خاطرها بالنّغم
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> رقية
رقية
رقم القصيدة : 66400
-----------------------------------
الا فليكن لك من فنّهم
سموّ اللّظى و عتوّ الجبال
إلا فليكن لك من سحرهم
فنون تعطّل سحر الخيال
ألا فليكن لك من نارهم
وشاح مؤلّهة بالجمال
إلى الأرض فانتقمي للنّساء
و كوني بها محنة الرّجال . !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> عودة
عودة
رقم القصيدة : 66401
-----------------------------------
هرميس: سلام لكنّ عذارى السّماء
................................
الحوريات : ....................(58/63)
سلام لهرميس روح الإله
هرميس : أرى ومضة الشّر في جوّكنّ
و أسمع صوتا كأنّي أراه
يلاحقني في رحاب السّماء
و يرتجّ في مسمعي صداه:
لقد فارق البشر غرّ الوجوه
و شاع الذّبول بورد الشّفاه!
الحوريات : أجل أيّها الملك المجتبى
صدقناك فاغفر عذاب الضّمير
لقد مرّ كالطير من قربنا
فتى في رعاية ربّ خطير
رآنا فأعرض عنّا و لم
يحيّي السّماء بروح قرير
تخايل عجبا بأوهامه
و أمعن في شرّه المستطير
هرميس: ظلمتنّ هذا الغلام البرئ
وقد غضّ من ناظريه الجذر
أهلّ بقلب كفرخ القطا
يرفرف تحتّ جناح القدر
رآكنّ فيه و حيّا به
فلم أدر حاجته للنّظر !
الحوريات : و كيف تكلّم قلب الفتى
و ما هو إلاّ سليل البشر ؟
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> ابن السّماء
ابن السّماء
رقم القصيدة : 66402
-----------------------------------
هرميس: هو ابن السّماء و لكنّه
من النفص تركيبه و التمام
صناع الطّبيعة، بل صنعها
فمنها دمامته و الوسام
يسّف إلى حيث لا ينتهي
و يسمو إلى قمة لا ترام
و يسقى بكأس إلهيّة
مرنّقة بالهوى و الأثام
نقيضان شتّى فما يستقرّ
على غضب منهما أو رضاء
تحدّى الحياة و آلامها
ببأس الجبابرة الأعلياء
يزيد عتوّا على نارها
و يلمع جوهره من صفاء
و ينشقّ عن نضرة قلبه
و إن طمرته ثلوج الشّتاء
هو المرح الشّارد المستهام
شرود الفراشة عند المساء
حبته الألوهة روحا يرى
و ينطق عنها بوحي السّماء
يحسّ الخيال إذا ما سرى
و يلمس ما في ضمير الخفاء
و يبتدرّ النّجم في أفقه
فيرشفه قطرة من ضياء
أرته السّماء أعاجيبها
وروّته من كلّ فنّ بديع
فضنّ بلألاء هذا الجمال
و خاف على كنزه أن يضيع
أبى أن يبدّده ناظراه
فأطبق جفنيه ما يستطيع
فإن شارفت الأرض نادت به
ففتّح عينا كعين الرّبيع
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الفنان الأول
الفنان الأول
رقم القصيدة : 66403
-----------------------------------
هنالك حيث تشبّ الحياة
و حيث الوجود جنين العدم(58/64)
و حيث الطبيعة جبّارة
تشقّ الوهاد و تبني القمم
و حيث السّعادة بنت الخيال
و لذّتها من معاني الألم
و حيث الطريدان شجّا الكؤوس
و مجّا صبابتها من قدم
رنا ، و الطّبيعة في حليها
و حواء عارية كاصّنم
فمن أين سار ة أنّى سرى
تصدّته مقبلة من أمم
هنالك أول قلب هفا
و أول صوت شدا بالنّغم
و أول أنملة صوّرت
و خطّت على اللوح قبل القلم
فما لك حواء أغويته
و أعقبته حسرات النّدم ؟
لقد كان راعيك المجتبى
فأصبح راميك المتّهم !
و لولام ماذرفت عينه
ة لا شام بارقة فابتسم
و عاش كما كان آباؤه
يغنيّ بالنجوم و يرعى الغنم !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الفنان الأعمى
الفنان الأعمى
رقم القصيدة : 66404
-----------------------------------
لأجلك يشقى بلمح العيون
و يصرع بالنّظرة العابرة
لودّ إلى الأرض لو لم يصخ
أو ارتدّ بالمقلة الحاسره
و كم من فتى عزّها سمعه
و غضّ على حذر ناظره
عصاها ، فنادت ، فلم يستمع،
فحلّت به لعنة الفاجره ؟
لع مقلتان على ما وعى
من الألق الطّهر مختومتنان
ففي عقله حركات الزّمان
مصورة و حدود المكان
و في قلبه أعين ثرّة
بها النّار طاغية العنفوان
و في كلّ خاطرة نيزك
يشقّ سناه حجاب الزّمان
إذا ما هوت ورقات الخريف
أحسّ لها وخزات السّنان
و إن سكبت زهرة دمعة
فمن قلبه انحدرت دمعتان
و من عجب شدوه للرّبيع
و قد يخطئ الطّير شدو الأوان !
و قيثارة الرّيح ما لحنها
سور الريح في جفوة أو حنان
عوالم جيّاشة بالمنى
و دنيا بأهوائها تضطرب
من اللا نهاية ألوانها
مشعشعة بالنّدى المسكب
ففيها الصّباح ، و فيها المساء ،
و بينهما الشّفق الملتهب
تطوف بها صدحات الطّروب
و تسهو بها أنّه المكتئب
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> حنان
حنان
رقم القصيدة : 66405
-----------------------------------
لك الحبّ فيما أتاحت لنا
سريرتك السّمحة الطّاهره
و من ملك مثل هذا الحديث
طمأنينة المهج الحائره
و عطفت على قلب هذا الفتى(58/65)
قلوبا على فنّه ثائره
و صوّرته ملكا ناقما
على آدميته الجائره !!
هرميس: أجل هو ذاك و لو زدتكنّ
لزدتنّ عطفا على فنّه
و ما ذنب روح نمته السّماء
إذا ضجّ في الأرض من سجنه
تعلّق مهواه فوق النّجوم
و حوّم و هنأ على كنّه
لينعم في ظلّه لحظة
و يملأ عينيه من حسنه
له ولع بخدور النّجوم
إذا ما تخلّص من طيفه
و يا ربّ ليل كوادي الخيال
إذا ما تخلّص من طيفه
و يا ربّ ليل كوادي الخيال
دعته الحقيقة من جوفه
فسار يضمّ صدور الرّباب
و يستضحك النّور سدفه
و غاب كأعجوبة في الدّجى
تحار الأساطير في وصفه !
(هرميس ينظر إلى غمائم بيضاء قريبة و كأنما يترقب شيئا عندها)
على الأرض شيطانه الحائم
و في الكون و جدانه السّاهم
مضى سابحا في عباب الأثير
كما يسبح النّظر الحالم
يدور فلا أفق ينتهي
إليه و لا كوكب هائم
و حيث هو الآن فيمن أرى
هناك سرّه جاثم !
سافو : هناك ؟
...........................
بليتيس: هناك ! كأنيّ أراه !
..........................
هرميس : .....................
نعم خلف هذا الغمام الرّقيق
إذا ما عطفتّن ناديته
عسى الآن روعه أن يفيق
ألا أيّتها الرّوح مني السّلام
و أنت بحبّ العذارى خليق
عرائس أحلامك المائلات
و ما أنا إلاّ ملاك صديق !
صمت الحوريات يبدو عليهنّ القلق و ترقبن في لهفة حديث هرميس.
هرميس: لقد طلع الفجر يا شاعري
و كادت تزول نجزم الصّباح
و حان الرّواح فودّع خباءك
و ادن أحدّثك قبل الرّواح
الشاعر : أتهتف بي أنت ؟ أم هنّ ؟أم
نذير الرّدى و القضاء المتاح
بليتيس : تراك سمعت أحاديثنا ؟
................................
الشاعر: .......................
لقد نقلتها إليّ الرّياح !
عجبت لحوريّة في السّماء
و يأخذ أهل السّماء العجب
أتحلم بالأرض مخمورة
من الدّم راقصة في اللّهب ! ؟
و تغري بي الموت . لا جانيا
و لكنّها ثورة من غضب ؟
برئت من الإثم حوريّتي
فردّي الظّنون و خلّي الريب !(58/66)
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> حواء
حواء
رقم القصيدة : 66406
-----------------------------------
أأبغض وّاء و هي التي
عرقت الحنان لها و الرّضى؟
و باع بها آدم خلده
و لو لم يكن لتمنّى القضا ؟
و رثت هواها، فرمت الحياة
و حبّب لي العالم المبغضا
أراها على الأرض طيف النّعيم
و حلم الفراديس فيما مضى !
و كانت حياتي محض اتّباع
فصارت طرائف من فنّها
و كان شبابي صمت القفار
و رجع الهواتف من جنّها
فعادت ليالي الصّبا و الهوى
أرقّ المقاطع في لحنها
و أفرغت بؤسي في حضنها
و أترعت كأسي من دنّها !
و كم ذكريات لها عذبة
أعيش عليها و أحيا بها
لها في دمي خلجات الحياة
كأنّي خلقت بأعصابها
مسامرتي حين يمضي الصّبا
و تهتف روحي بأحبابها
و تخلو بي الدّار عند الغروب
و أجلس وحدي على بابها !!
بدت شبه عابسة فانثنيت
و قد زايل الشمس لألاؤها
و خلت الحياة و ضوضاءها
تموت على الأرض أصداؤها
و كفّ عن الهمس حتّى النّسيم
و أمسك عن لعب ماؤها
و ناديت ، فالتفت لا تجيب
و لكن دعاني إغراؤها
و مرّت إزائي فتابعتها
بقبي ، و عيني إلى أمّها
رأيت مفاتنها غير تلك
و إن لم يخلّدن في جسمها
و أبصرت من حولها الكائنات
جوانح تهفو إلى ضمّها
و يحنو الصّباح على ثغرها
و قد جنّ شوقا إلى لثمها
يساءلني القلب عن أمرها
و أسأله أنا عن سرّها
و يعطفني في الهوى ضعفها
و أنسى بأنّي في أسرها
و تبدي لي الأنجم الوامقات
رفيف الأماني على ثغرها
فأحسب أنّ اهتزاز الحياة
صدى حبّها و رؤى سحرها !
لكذبتها تستحبّ الحياة
و يصفو الزّمان بتغريرها
و يأخذني الشّك في قولها
فتقنعني بأساريرها
و تعصف بي شهوة للجدال
فتسكتني بمعاذيرها
غفرت لها كلّ أخطائها
سوى دمعتين لتبريرها !
أحاول أفهمها مرّة
فأعيا بها و بتفكيرها
أمخلوقة هي ؟ أم ربّة
تسير الخلائق في نيرها ؟
و ما سحرها ؟ ألتكوينها ؟
و ما حسنها ؟ ألتصويرها ؟!
تقول الطّبيعة : بنتي ! و ما
أحسّ لها بغض تأثيرها !(58/67)
أعند الطّبيعة هذا الدلال ؟
و في دفئها مثل هذا الحنان ؟
إذ قيل لي : هاك ملك الثّرى
و دنيا الشّباب و عمر الزّمان
فما لذّتي بالذي نلته ،
و ما نشوتي برحيق الجنان
كرعشة روحي و هزّاتها
و صدري على صدرها و اليدان!
و غنّت فأسمعني صوتها
صدى الرّوح في خلجات البدن
عميقا كأنفذ ما في الحياة
و أبعد ما في قرار الزّمن
فأحسست كيف تطيش العقول
و تسهو القلوب و تصحو الفتن
و قال لها الحسن : يا ربّتي!
فقالت له : كلّ شيئ حسن !!
رآها على النّبع بعض الرّعاة
مصوّرة في إطار الغصون
فقالوا : أحلم تراه العيون ؟
أفي الغاب حوريّة ؟ من تكون ؟
و مسّ مزاهرهم روحها
فرفّت بها خالدات اللّحون
و باتت تعانق أحلامهم
و قد كان يرقص حتّى السّكون !
و لاحت بمرأى لعيني فتى
طوى البحر ليس له من قرار
تفتّح عن صدرها موجتان
و ينشقّ في الفجر عنها المحار
رآها فجنّ غرامها بها
و غنّى بها اللّيل بعد النّهار
و قالوا تعشّق جنيّة
فتى شاعر تائه فب البحار !
قضى الله أن تغوي الخالدين
وتغري بالمجد عشّاقها
لقيت على بابها الفاتحين
و غار الفتوح و أبواقها
و كلّ مدلّ عصيّ القياد
دعته الصّبابة فاشتاقها
سلا مجده الصّخم في قبلة
تذلّ و تسعد من ذاقها !
أمانيّ شتّى تمثّلن لي
بكلّ وضيء الصّبا ناعم
مبعثرة حولها في التّراب،
بقايا الدّمى في يد الحاطم
تمرّ بها و هي في ضحكها
و ما ذرفت دمعة النّادم
فيا لك من طفلة فذّة
و رحماك سيّدة العالم !
بليتيس : مخاطبة سافو :
يحاول بالشّعر إغراءنا
.............................
سافو: ...............
لنؤمن واحدة واحده
بليتيس : هو الموقف الضّنك ما يتّقيه
....................
تاييس : .........................
كما يتّقي باشق صائده
سافو : متى كان صّبا عطوف الفؤاد
و هذي قصائده الجاحده ؟
ألا ذكّريه بمثّاله
و نادي بحيّيه الخالده
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> قلوب الشعراء
قلوب الشعراء
رقم القصيدة : 66407(58/68)
-----------------------------------
الشاعر: ظلمت الفنون و أربابها
و ما كنت حوريّتي ظالمه
قلوب تلذّ بتعذيبها
غرائز عاتيه عارمه
ترنّحها سكرات الهوى
و توقظها الفتن النّائمه
صحت من خمار ملذّاتها
تعنّف أهواءها الآثمه
ألا ما لأختيك ؟ ما تبغيان ؟
أقلبي و الخنجر المنتضى ؟
خذاه ! اقتلاه ! و لا ترحماه !
فليس له بعد أن ينبضا
أذيقاه ما شئتما و اغرسا
به الشّر ملتهبا مرمضا
فلن تنبتا فيه إلاّ السّلام
و الحبّ.. و الزّهر الأبيضا !
إناء من النّور طافت به
يد الحبّ غارسة الزّنبق
تغاديه شادية في الدّجى
و راقصة في الضّحى المشرق
بأجنحة كرؤى الخالدين
لغير الصّبابة لم تخفق
و قلبي من قدح في السّماء
و نبع الآلهة يستقي !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الطّيف الآدمي
الطّيف الآدمي
رقم القصيدة : 66408
-----------------------------------
أتخشى لقانا سليل السّماء
أتحذرنا أم تخاف الضّياء ؟
الشاعر: يهم بالظهور فيحس أن له جسدا و إنه لم يعد روحا مجردا.
محدّثتي ما أحب اللّقاء
لقد حال جسمي دون اللقاء
و كنت تخّلصت من طيفه
فلفّته حولي يدّ في الخفاء
كأنّي أهذي بأضغاث حلم
أو إنّي ضللت طريق السّماء !!
تاييس : بلتيس .. سافو.. الفرار ! الفرار!
فقد لبس الرّوح طيف البشر !
أتبصره جسدا عاريا ؟
و تقربه ؟ تلك إحدى الكبر !
هرميس : على رسلكنّ فقد عاقبته
بأقوالكنّ بنات القدر
تاييس : لقد عاقبته بأشعاره
فياليته ما هذي أو شعر
الحوريات يتلفتن إلى هرميس و قد سمعن الشاعر يصرخ في خبئه:
هرميس : أتصرخ ؟ ويحك إنّ السّماء
لتأخذها صرخات الألم
من الغيم يا شاعري فالتمس
دثارك و اخصف به من أمم
و خذ من جناحيّ ما تتّقي
به السّماء عثار القدم
و أقسم ما رمت غير الحنان
و أنّي زعيم بهذا القسم
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الرجل
الرجل
رقم القصيدة : 66409
-----------------------------------
سافو : بليتيس ! تاييس !(58/69)
..........................
الحوريتان :............
ماذا؟ .....................
سافو : أنظر ..........
...........................
.......................
فثمت أعجوبة تظهر
هرميس : تعال فتى الشّعر ..
.....................
تاييس : يا للسماء !
...............................
...................
أ بالشعر أم فتى تسخر ؟
سافو : أهذا هو الآدميّ العظيم ؟
..................
بليتيس : ......................
ألا شدّ ما يخدع المنظر
تاييس : تصّورته من أحاديثه
فتى لوسامته يؤثر
هرميس : تريدينه صورة أم فتى
تهللّ فيه الحجى و ابتسم ؟
سافو : رأيت الرّجولة كلّ الجمال
هو الرّجل الفرد في المزدحم
تراه على النّبع يعلي الغطاء
و يدلي الدلاء و يسقي الغنم
و يحدو العذارى إلى دارهنّ
حييّ الخطى موسويّ القدم
هرميس : لشدّ الذي قلته يا ابنتي
كلاما توهّج منه الحنين
تعالي هنا و الثّمى جبهة
هزأت بها و هي حلم السنين !
بليتيس : تدنو من الشاعر و تلمس بيدها صدره و تمر بها على وجهه :
أمن خمل السّحب هذا الدثار ؟ و من حمإ الأرض هذا الجبين ؟
هرميس : دعي طيفه و انظري روحه
ففيها الصّبا و الجمال المبين
بليتيس : هل الرّجل الرّوح ؟
.............................
تاييس : لا . إنّه
محيّا ترقرق فيه الوسام
و عينان بالسحر تستأثران ..
.............................
سافو : .....................
خيال لعمرك هذا الكلام !
محيّا و عينان ..؟ ما في الرجال
سوى كلّ أصيد سبط القوام
ذراعاه تستدرجان الخصور
و في شفتيه حديث الغرام !
هرميس محدثا نفسه في قلق و ذهول :
تنزّهت عن شبهة عالمي
و لا رابني فيك ما أسمع
عهدت البراءة فيمن تظلّ
فمالي من ريبة أفزع ؟
و أبدعت خلقا و لكنّني
أراه إلى عبث ينزع
سبى السّحر أجمل أرواحه
فأنطقهنّ بما يخدع
أفي عالم الرّوح تفشو الظنون ؟
و ينطق روح بهذا الكلم ؟
أسائل نفسي .. أشيطانه
توسوس لي ؟ أم ملاك أثم ؟(58/70)
أم الشّك آذنني بالصراع ؟
أم حلّ بي غضب المنتقم ؟
صوت السماء : في موج من الأنغام الشجية :
بل البعث آذنهنّ الغداة
فلا تلحقهنّ و لا تتّهم
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> البعث
البعث
رقم القصيدة : 66410
-----------------------------------
هي الآدمية طافت بهنّ
و تلك غرائزها و الطّباع
غدا تدرج الرّوح في طيفها
و ما الطّيف للرّوح إلاّ قناع
سترقد في غورها الذّكريات
و توقطهنّ السّنون السّراع
و تمشي لحاضرها في الحياة
بمصباح ماض خفيّ الشّعاع
و كم نبأة كالحديث الجديد
و ما هو إلاّ القديم السماع
من الخير و الشّر إلهامها
مقادر تجري بهنّ اليراع
فدع السّماء تصاريفها
فقد أذن البعث بعد انقطاع
هرميس : مخاطبا الشاعر و قد أخذ طريقه في السماء.
وداعا صديقي...
الشاعر: في حيرة و ذهول :
إلى أين تمضي .؟
هرميس : ملوحا بيده :
إلى الملتقى ، فالوداع !
الشاعر : ملوحا بيده :
إلى الملتقى ، فالوداع !
الشاعر : ملوحا بيده و الحوريات ينظرن إليه في عطف و ابتسام:
الوداع . !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> ليالي كليوبتره
ليالي كليوبتره
رقم القصيدة : 66411
-----------------------------------
كليوبترا ! أيّ حلم
من لياليك الحسان
طاف بالموج فغنّى
و تغنّى الشاطئان
و هفا كلّ فؤاد
و شدا كلّ لسان
هذه فاتنة الدّنـ
ـيا و حسناء الزّمان
***
بعثت قي زورق مسـ
ـتلهم من كلّ فنّ
مرح المجداف يختا
ل بحوراء تغنّي
***
يا حبيبي هذه ليلة حبّي
آه لو شاركتني أفراح قلبي !
***
نبأة كالكأس دارت
بين عشّاق سكارى
سبقت كلّ جناح
في سماء النّيل طارا
تحمل القتنة و الفر
حة و الوجد المثارا
حلوة صافية اللحـ
ـن كأحلام العذارى
***
حلم عذراء دعاها
حبّها ذات مساء
فتغنّت بشراع
من خيال الشّعراء
***
يا حبيبي هذه ليلة حبّي
آه لو شاركتني أفراح قلبي !
***
و تجلّى الزورق الصا
عد نشوان يميد
يتهدّاه على المو
ج نواتيّ عبيد
المجاديف بأيديـ
ـهم هتاف و نشيد(58/71)
و مصلّون لهم في النّـ
ـهر محراب عتيد
***
سحرتهم روعة اللّيـ
ـل فهم خلق جديد
كلهم ربّ يغنّي
و إله يستعيد
***
يا حبيبي هذه ليلة حبّي
آه لو شاركتني أفراح قلبي !
***
ليلنا خمر و أشوا
ق تغنّي حولنا
و شراع سابح في النّـ
ـور يرعى ظلّنا
كان في اللّيل سكارى
و أفاقوا قبلنا
ليتهم قد عرفوا الحـ
ـبّ فباتوا مثلنا
***
كلّما غرّد كأس
شربوا الخمرة لحنا
يا حبيبي كلّ ما في الـ
ـليل روح يتغنّى
***
هات كأسي إنها ليلة حبّي
آه لو شاركتني أفراح قلبي!
***
يا ضفاف النّيل باللّـ
ـه و يا خضر الروابي
هل رأيتنّ على النهـ
ـر فتى غضّ الإهاب
أسمر الجبهة كالخمـ
ـرة في النّور المذاب
سابحا في زورق من
صنع أحلام الشّباب ؟
إن يكن مرّ و حيّا
من بعيد أو قريب
فصفيه ، و أعيدي
وصفه فهو حبيبي !
***
يا حبيبي هذه ليلة حبّي
آه لو شاركتني أفراح قلبي !
***
أنت يا من عدت بالذكـ
ـرى و أحلام اللّيالي
يا ابنة الّنهر الذي غنّـ
ـاه أرباب الخيال
و تمنّت فيه لو تسـ
ـبح ربّات الجمال
موجه الشّادي عشيق النّـ
ـور ، معبود الظّلال
***
لم يزل يروي ، و تصغي
للروايات الدّهور
و الضّفاف الخضر سكرى ،
و السذنى كأس تدور
***
حلم لتروه ليلة حبّ
فاذكريه و اسمعي أفراح قلبي !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> ميلاد زهرة
ميلاد زهرة
رقم القصيدة : 66412
-----------------------------------
يا شعراء الرّوض أين البيان ؟
أين أغاريد الهوى و الحنان ؟
قد ولدت في روضكم زهرة
يا حسنها بين الزّهور الحسان !
حلم الفراشات ، و حبّ النّدى
و خمرة النّحل و سحر الأوان
قد بشّر الأرض بها مرسل
مجنّح من نسمات الجنان
و النّور سرّ في ضمير الدّجى
و الفجر طيف لم يبن للعيان
أبصرتها تهفو على غصنها
في وحشة اللّيل و صمت المكان
بيضاء و حمراء تزهى بها
عرائس النرجس و الأقحوان
تظلّ تصغي ، و تظلّ الرّبى ،
و العشب ، و الجدول ، و الشّاطئان
و ليس منكم حولها هاتف
تسكب موسيقاه سحر البيان(58/72)
هل ملّت الخمرة أقداحكم
أم نضبت من خمرهنّ الدّنان
قوموا انظروا الظلّ على مهدها
يرقص فيه قمر الإضحيان
لو تقدر الأنسام زفّت لها
أربعة الفردوس في مهرجان
و أسمعت خفق أنفاسها
صوت البشيرات و شدو القيان
يا شعراء الرّوض كم زهرة
ميلادها من حسنات الزّمان
حسبي من الدّنيا على شدوكم
زهر و خمر ووجوه حسان
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> حانة الشعراء
حانة الشعراء
رقم القصيدة : 66413
-----------------------------------
هي حانة شتّى عجائبها
معروشة الزّهر و القصب
في ظلّة باتت تداعبها
أنفاس ليل مقمر السّحب
و زهت بمصباح جوانبها
صافي الزّجاجة راقص اللّهب
باخوس فيها و هو صاحبها
لم يخل حين افاق من عجب
قد ظنّها ، و السّحر قالبها ،
شيدت من الياقوت و الذّهب
***
إبريقه حلي من الدّرر
يزهى به قدح من الماس
و كأن ما حوليه من صور
متحركات ذات أنفاس
تركت مواضعها من الأطر
و مشت له في شبه أعراس
منهنّ عازفة على وتر
متفجّر بأرقّ إحساس
و غريرة حوراء كالقمر
تحنو على شفتيه بالكاس
***
أو تلك حانته ؟ فوا عجبا !
أم صنع أحلام و أهواء ؟
و من الخيال أهلّ و اقتربا
فينوس خارجة من الماء !
في موكب يتمثّل الطّربا
و يميل من سحر و إغراء
و بكلّ ناحية فتى وثبا
متعلقا بذراع حسناء
يتوهّجون صبابة و صبا
يتمثلون غريب أزياء
***
حمر الثّياب تخال أنّهمو
يفدون من حانوت قصّاب !
جلسوا نشاوى مثلما قدموا
يترقبون منافذ الباب
يتهامسون و همسهم نغم
يسري على رنّات أكواب
إن تسأل الخّمار قال همو
عشّاق فنّ أهل آداب
لولا دخان التّبغ خلتهمو
أنصاف آلهة و أرباب
***
من كلّ مرسل شعره حلقا
و كأنّها قطع من الحلك
غليونه يستشرف الأفقا
و يكاد يحرق قبّة الفلك
أمسى يبعثر حوله ورقا
فكأنه في وسط معترك
فإذا أتاه وحيه انطلقا
يجري اليراع بكفّ مرتبك
و يقول شعرا كيفما اتفقا
يغري ذوات الثّكل بالضحك
باخوس يروي عن غرائبهم
شتّى أحاديث و أنباء
قصص تداول عن صاحبهم(58/73)
و عن الصّبايا فتنة الرآئي
و عن الخطيئة في مذاهبهم
بدأت بآدم أم بحوّاء
و الملهمات إلى جوانبهم
يكثرن من غمو و إيماء
يعجبن من فعل الشّراب بهم
و يلذن من سأم بإغفاء
***
و تلفتّوا لما بدا شبح !
فنانة دلفت من الباب
سمراء بالأزهار تتّشح
ألقت غلالتها بإعجاب
ومشت تراقصهم فما لمحوا
إلاّ خطى روح و أعصاب
و سرى بسرّ رحيقه القدح
في صوت شاجيّ اللّحن مطراب
و شدا بجوّ الحانة الفرح
لإلهة فرّت من الغاب
***
هي رقصة و كأنّها حلم
و إذا بفينوس تمدّ يدا
الكأس فيها و هي تضطرم
قلب يهزّ نداؤه الأبدا :
زنجيّة في الفنّ تحتكم ؟
قد ضاع فنّ الخالدين سدى !
فأجابت السّمراء تبتسم :
ألفنّ روحا كان ؟ أم جسدا ؟
يا أيّها الشعراء و يحكم
اللّيل و لّى و النّهار بدا !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> سارية الفجر
سارية الفجر
رقم القصيدة : 66414
-----------------------------------
غبرت بي في صباح باكر
فتنة العين و شغل الخاطر
شعرها الأشقر فيه وردة
لونها من شهوات الشّاعر
و رشيقات الخطى في وقعها
منبئاتي بشباب ساحر
و بعينيها رؤى حائرة
بين أسرار مساء غابر
صوّرت من حاضر العيش و من
أمسها ، قصة حب عاثر
قلت ، و الفجر سنى ياقوتة
لألأت خلف السّحاب الماطر :
هذه السّاعة تسعى امرأة
حين لم يخفق جناح الطّائر !
من تراها ؟ و إلى أين ؟ و من
أيّ خدر طلعت أو سامر ؟
تقطع الإفريز من ناحيتي
كأسير هارب آسر
تتّقي الأعين أن تبصرها
و هي لا تألو التفات الحائر
لا تبالي بلل الثّوب و لا
لفحة الرد الشّفيف الثّائر
أو تبالي قدماها خاضتا
مسرب الماء الدّفوف الهامر
أنت يا سارية الفجر اسمعي
دعوة الرّوح البرئ الطّاهر
مرّ بي مثلك لم يشعرنني
غير إشفاق الحفيّ النّاصر
و أنا الشّاعر قلبي رحمة
لفريسات القضاء الجائر
إن نأت دارك يا أخت فما
بعدت دار الغريب العابر
شاطريني ذلك المأوى فما
أتقاضاك وفاء الشّاكر
غرفة آلهة الفنّ بها
تتلقّاك لقاء الظافر(58/74)
و تغنّيك نشيدا مثله
ما تغنّت لحبيب زائر
هات كفّيك و لا تضطربي !
لا تخالي ريبة في ناظري !
سوف يؤويك جدار ساخر
من أباطيل الزّمان السّاخر
سوف يحويك فراش صامت
لك فيه همسات الذّاكر
سوف يطويك يكون لم يشب
صفوه لغو محبّ غادر
و أناديك و أستدني يدا
لمست روحي و هزّت خاطري
و أحيّيك و أيتحيي فما
حقّه قبلة ربّ غافر !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> أغنية الحب
أغنية الحب
رقم القصيدة : 66415
-----------------------------------
يا رفاقي هذه السّا
عة من حلم الزّمان
إنّ هذا زمن الحـ
ـبّ فضجّوا بالأغاني
إرفعوا الأقداح ملأى
و اشربوا نخب الحسان
فالرّبيع السّمع يدعو
كم إلى أقرب حان !
***
الربيع المرح الجذ
لان يختال فخورا
إنّه الحسن الذي يمـ
ـلأ بالحبّ الصّدورا
كيف لا نقطف منه الثّـ
ـمر الحلو النّضيرا !
أنت يا أيّتها الشّمـ
ـس املأي الآفاق نورا !
***
يا رفاقي قد دعانا
زمن الحبّ فهيّا
أطلع الروض جنى الكر
مة و الزّهر النّديّا
أقطفوا الأزهار منه
و اعصروا الكرم الجنيّا
يا رفاقي قد دعانا
زمن الحبّ فهيّا !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> حديث قبلة
حديث قبلة
رقم القصيدة : 66416
-----------------------------------
تسائلني حلوة المبسم :
متى أنت فبّلتني في فمي ؟
تحدّثت عني و عن قبلة
فيا لك من كاذب ملهم !
قلت أعابثها : بل نسيت ،
و في الثّغر كانت و في المعصم
فإن تنكرينها فما حيلتي
و ها هي ذي شعلة في دمي
سلي شفتيك بما حسّتاه
من شفتي شاعر مغرم
ألم تغمضي عندها ناظريك ؟
و بالرّاحتين ألم تحتمي ؟
هبي أنذها نعمة نلتها
و من غير قصد .. فلا تندمي !
فإن شئت أرجعتها ثانيا
مضاعفة للفم المنعم
فقالت و غضذت بأهدابها :
إذا كان حقا فلا تحجم
سأغمض عينيّ كي لا أراك
و ما في صنيعك من مأثم
كأنّك في الحلم قبّلتني
فقلت و أفديك أن تحلمي !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> خمرة الشاعر
خمرة الشاعر
رقم القصيدة : 66417(58/75)
-----------------------------------
ربّتي ، ربّة أشعا
ري و حبّي و غنائي
هي حوريّة غاب
لم تبن للشعراء
و عروس من بنات
الجنّ لم تبد لرائي
مثلها لم ير صيّا
د على صفحة ماء
فتنة الشّاعر في وحـ
ـدته كلّ مساء
غنّت الأحلام في غر
فته لحن اللّقاء
و سرت ترقص حوليـ
ـه على خفق الهواء
و رفيف السّحب و الأنـ
ـجم و الشّهب الوضاء
و لغيري لم تكن تخـ
ـطر في هذا الرّواء
لا و لم ترو كهذا الـ
ـلحن في هذا الصّفاء
و ليالي الصّيف منها
كأمايسذ الشّتاء
بتّ أسقيها و تسقيـ
ـني على محض الوفاء
خمرة ما قبّلت غيـ
ـر شفاه الأنبياء
خمرة غي الغيب كانت
قطرات من ضياء
ختمت بالشّفق الور
ديّ في أصفى إناء
جبلت فخّارتاه
من صفاء و نقاء
حدّثوا عنها و ما أحـ
ـلى حديث النّدماء
قال منهنّ واحد في
غير زهو و ادّعاء
هذه الخمرة كانت
لملوك أتقياء
عصروها من جنى الر
بّات في فجر شتاء
ثم آلت لغلام
رائع جمّ الذكاء
شره النّظرة عربيـ
ـد شديد الغلواء
عشق البحر و عاف الـ
ـقصر مرفوع البناء
و مضلا يضرب في الكو
ن على غير اهتداء
عاش كالقرصان يطوي
كلّ بحر و فضاء
بشراع صنعه إحـ
ـدى أعاجيب الخفاء
غزلا يملك بالشعـ
ـر مقاليد النّساء
كلمّا هام بأنثى
أو صبا بعد اشتهاء
و شكا الكأس إليه
طول هجر و جفاء
همّ أن يشرب فارتـ
ـدّ فأغضى في حياء
ضنّ بالقطرة منها
و كذا شرع الولاء
و مضى جيل و جيل
و هو مشبوب الدّماء
ضاربا في العاصف الثّا
ئر و الرّيح الرّخاء
و أتاه القدر السّا
خر أو حكم القضاء
فدعا الرّبات و استصـ
ـرخ ، من فرط عياء
فأتته ربّة الشعـ
ـر على رغم الفناء
و حباها سرّه الخا
لد أو سرّ البقاء
هامسا و النّور في نا
ظره وشك انطفاء
لك ماستودعت أو ما
صنت في هذا الإناء
لا تذودي عنه معشو
قك يا بنت السّماء
إنّه ملاح بحر
ما له من نظراء
فيه أحيا ، و به أنـ
ـشر في البحر لوائي
***
هذه خمرة أشعا
ري و حبّي و غنائي
في قصيد محدث أو
في حديث القدماء(58/76)
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> زهراتي
زهراتي
رقم القصيدة : 66418
-----------------------------------
طال انتظاري و مضى موعدي
و أنت مثلي ترقبين المساء
كم لك عندي في الهوى من يد
يا زهراتي أنت رمز الوفاء
***
يا زهراتي ويك لا تسأمي
و لا يرعك الزّمن الدائر
لا تطرقي و ابتهجي و ابسمي
عمّا قليل يقبل الزائر
***
عما قليل سوف تلقينه
أجمل ما تصبو إليه العيون
يطرق بابي معلنا أنه
كلّ اصطبار في هواه يهون
***
أقول : هل أبطأ في خطوه
أم هل ترى أخطا ميعاده
أم ضلّلته و هو في لهوه
أرجاء حيّ قبل ما ارتاده
***
تعللي مثلي و قولي : لعلّ !
ام أنت لا تدرين سرّ الغرام
ما أنت إلا بسمات الأمل
إن خيّم الصّمت و ساد الظّلام
***
كم أخوات لك شاطرنني
فجر لقاء رائع المطلع
و كم مساء فيه سامرنني
و بتن فيه ساهرات معي !
***
يا حينها فيهنّ من زهرة
ظنّت جفوني بالكرى مثقلات
مسّت جبيني و هي في حيرة
كأنّما توقظني من سبات
***
ساهرة تخفق أوراقها
على فمي آنا و آنا يدي
كأنّ أشواقي أشواقها
أو أنّها صاحبة الموعد !
خلا بنا يا زهراتي المكان
و زايل الشّرفة ضوء القمر
أليلو ما مرّ ؟ أم ليلتان ؟
إبقي معي حتّى يلوح السّحر
***
سألتك الحبّ و عهد الوفاء
يا زهراتي لا تملّي البقاء
ما زال عندي أمل في اللّقاء
و إن مضى اليوم و حلّ المساء
***
خلف زجاج الباب طيف سرى
يدنو إلى بابي من السّلم
خفّ له قلبي و ما صوّرا
غير ذراعي شبح مبهم
***
أظلّ أرنو نحوه مرهفا
سمعي و ما يكذّبني ناظري
يا حسرتا ما لاح حتّى اختفى
و زال مثل الحلم العبر
***
و كم خطى أحسستها في دمي
أقول قد جاء و هذي خطاه
أصغي و أحصي درج السّلم
لكنّه يمضي و ينأى صداه
***
يا زهراتي كم حديث لنا
عن موعد في ليلة أو نهار
يعجب من كلّ ما حولنا
أما سئمنا بعد طول انتظار ؟
***
ناشدتك الحبّ فإن تؤثري
جدّدت أسمارك في مخدعي
فانسي مواعيد الهوى و اذكري
أيّ في الحبّ لم يخدع !(59/1)
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> طارق بن زياد في طريقه إلى الأندلس
طارق بن زياد في طريقه إلى الأندلس
رقم القصيدة : 66419
-----------------------------------
أشباح جنّ فوق صدر الماء
تهفو بأجنحة من الظّلماء ؟
أم تلك عقبان السّماء وثبن من
قنن الجبال على الخضمّ النّائي ؟
لا، بل سفين لحن تحت لواء
لمن السّفين ترى و أيّ لواء ؟
و من الفتى الجبّار تحت شراعها
متربّصا بالموج و الأنواء
يعلي بقبضته حمائل سيفه
و يضمّ تحت اللّيل فضل رداء
و ينيل ضوء النّجم عالي جبهة
من وسم إفريقية السّمراء
ذهب ببوتقة السّنى من ذوبه
مسحت محيّاه يد الصحراء
جلت فيه الصحارى سحرها
تحت النّجوم الغرّ و الأنداء
و سما بحر ما تطامن موجه
من قبل لابن الواحة العذراء
بحر أساطير الخيال شطوطه
و مسابح الإلهام و الإيحاء
و مدائن سحريّة شارفنه
بنخيلها و ضفافها الخضراء
و معابد شمّ ، و آلهة على
سفن ذواهب بينهنّ جوائي
أبطال يونان على أمواجه
من قبل لابن الواحة العذراء
يتجاذبون الغار تحت سمائه
يتناشدون ملاحم الشّعراء
ما زال يرمي الرّوم و هو سليلهم
و يديل من قرطاجة العصماء
حتّى طلعت به فكنت حديثه
عجبا ! و أيّ عجائب الأنباء
و يسائلون بك البروق لوامعا
و الموج في الإزباد و الإغراء
من علّم البدوي نشر شراعها !
و هداه للإبحار و الإرساء !
أين القفار من البحار و أين من
جنّ الجبال عرائس الدّأماء ؟
يا ابن القباب الحمر ويحك ! من رمى
بك فوق هذي اللّجة الزّرقاء
تغزو بعينيك الفضاء و خلفه
أفق من الأحلام و الأضواء
جزر منوّرة الثّغور كأنّها
قطرات ضوء حفاف إناء
و الشّرق من بعد حقيقة عالم
و الغرب من قرب خيالة رائي
ضحكت بصفحته المنى و تراقصت
أطياف هذي الجنّة الخضراء
و وثبت فوقها صخورها و تلمّست
كفّاك قلبا ثائر الأهواء
فكأنّما لك في ذراها موعد
ضربته أندلسيّة للقاء !
ووقفت و الفتيان حولك ، و انبرت
لك صيحة مرهوبة الأصداء:
هذي جزيرة إن جهلتم أمرها(59/2)
أنتم بها رهط من الغرباء
البحر خلفي و العدو إزائي
ضاع الطّريق إلى السّفين ورائي !!
... و تلفّتوا فإذا الخصمّ سحابة
حمراء مطبقة على الأرجاء
قد أحرق الرّبان كلّ سفينة
من خلفه إلاّ شراع رجاء
ألقى عليه الفجر خيط أشعة
بيضاء فوق الصّخرة الشّمّاء
و أتى النّهار و سار فيه طارق
يبني لملك الشّرق أيّ بناء
حتى إذا عبرت ليال طوّفت
أحلامه بالبحر ذات مساء
يرعى على الأفق المرصّع قرية
أعظم بها للغزو من ميناء
مدّ المساء على خلجانها
ظلاّ ، فنامت فوق صدر الماء !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> راقصة الحانة
راقصة الحانة
رقم القصيدة : 66420
-----------------------------------
سرت بين أعينهم كالخيال
تعانق آلهة في الخيال
مجرّدة حسبت أنها
من الفنّ في حرم لا ينال
فليست تحسّ اشتهاء النّفوس
و ليست تحسّ عيون الرّجال
و ليست ترى غير معبودها
على عرشه العبقريّ الجلال
دعاها الهوى عنده للمثول
و ما الفنّ إلاّ هوى و امتثال
فخفّت له شبه مسحورة
علت وجهها مسحة من خبال
و في روحها نشوة حلوة
كمهجورة منّيت بالوصال
تراها و قد طوّفت حوله
جلاها الصّبا و زهاها الدّلال
تضمّ الوشاح و تلقي به
و في خطوها عزّة و اختيال
كفارسة حضنت سيفها
و ألقت به بعد طول النّضال
تمدّ يديها و تثنيها
و ترتّد في عوج و اعتدال
كحوريّة النّبع تطوي الرّشاء
و تخذب ممتلئات السّجال
مجيّرة الطّيف في مائج
من النّور يغمرها حيت جال
تخيّل للعين فيما ترى
فراشة روض جفنها الظّلال
و زنبقة وسط بلّورة
على رفرف الشّمس عند الزّوال
تنقّل كالحلم بين الجفون
و كالبرق بين رؤوس الجبال
على إصبعي قدم ألهمت
هبوب الصّبا و وثوب الغزال
و تجري ذراعين منسابتين
كفرعين من جدول انثيال
كأنّهماحولها ترسمان
تقاطيع جسم فريد المثال
أبت تمسّاه بالرّاحتين
و يرضى الهوى ، و يريد الجمال !
و من عجب و عي مفتونة
تريك الهدى و تريك الضّلال
و تلوّى و تسهر كلهّابة
تراقص الجنوب به و الشّمال(59/3)
و تعدو كأنّ يدا خلفها
تعذّبها بسياط طوال
و تزحف رافعة و جهها
ضراعة مستغقر في ابتهال
و تسقط عانية للجبين
كقمريّة و قعت في الجبال
تبضّ ترائبها لوعة
و تخفق لا عن ضنى أو كلال
و لكّنه بعض أشواقها
و بعض الذي استودعتها اللّيال !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الشاعر
الشاعر
رقم القصيدة : 66421
-----------------------------------
عبقريّ من النّغم
رجعه الحبّ و الألم
نبعه قلب شاعر
شارف النّور في القمم
و رأى مولد الحيا
ة على شاطئ العدم
في رفيف النّدى
و حفيف من النّسم
و إطار من السّنى
حمع الكون و انتظم
و رآها و قد بدت
مثل حوريّة الحلم
هي سكرى تجرّدت
من ثياب و من عصم
و هو لاه بخدرها
ثمل بالذي غنم
تعصر الكرم راحتا
ه لها ، و هي تبتسم
فشدا أوّل الرعا
ة بشبّابة القدم
قبل أن يستعد الغنا
ء بها راعي الغنم
خطرة من شبابه
و مضى فاشتكى السّأم
و إذا الشّاعر المدلّـ
ـه يقظان لم ينم
يقطّع الدّهر وحده
ذاهلا تائه القدم
يسأل اللّيل و الكوا
كب و السّحب و الدّيم
ناح قيثاره الشّجـ
ـيّ بما رقّ و انسجم
و على خدّه جرت
عبرات من النّدم
ذوّب الحبّ قلبه
و برى جسمه السّقم
و جلا الغيب سرّه
بين عينيه و ارتسم
فجرى في نشيده
أروع الشّعر و النّغم
***
فانظروا أي شاعر
هو في الحفل بينكم
ذلك المبدع الرّوائع
في صورة الكلم
ربّة الحكمة اشتكتـ
ـه إلى ربّة القلم
نازعتها غرامه
و هو الخصم و الحكم
فاسمعوا الآن شعره
و تملّوه عن أمم
ضامر الجسم و اسمه
يسع الكون بالعظم
و قصير ، و مجده
باذخ كالضّحى أشم
ذلك الشّاعر الذي
فاز بالحبّ و اتّسم
خالد بالذي شدا
خالد بالذي نظم
ذاك ناجي و حسبه
أنّه الشّاعر العلم !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> عاشقة
عاشقة
رقم القصيدة : 66422
-----------------------------------
يا حبيب أقبل اللّيـ
ـل و ناداني الغرام
أي سرّ لمحبّ
لم يصوّره الظّلام
كلّ نجم مهجة تهـ
ـفو و عين لا تنام
و شعاع البدر معشو(59/4)
ق به جنّ الغمام
يا حبيبي كلّ عيش
ما خلا الحبّ حرام
و حرام يا حبيبي
***
يا حبيبي غنّت الفر
حة في كلّ مكان
فهنا البلبل يشدو
و هناك العاشقان
غير أنّي أشتكي الوحـ
ـشة و روحي توأمان
لا تدعيني أقطع الأ
يّام وحدي و أعاني
فحرام يا حبيبي !
***
يا حبيبي سئم اللّيـ
ـل سكوتي و اكتئابي
أنا أهواك و لكن
أنت لا تعلم مابي
لحظة بين ذراعيـ
ـك فقد طال عذابي
لحظة أمزج أنفا
سك بالقلب المذاب
و أغنّي و يغنّي
لك حبّي و شبابي
و سلام يا حبيبي
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الكرمة الأولى
الكرمة الأولى
رقم القصيدة : 66423
-----------------------------------
بالله من أنباك
باللون و الطّعم
و ما جنت كفّاك
يا غارس الكرم ؟
***
آدم أم حوّاء
أغراك بالغرس
يا شارب الصّهباء
علاّ بلا كأس ؟
***
لو شربا منها
ما نسيا العهدا
أو حدّثا عنها
ما هجرا الخلدا
***
صهباء ما كانت
من غرس إبليس
بل كرمة زانت
خلق الفراديس
***
تسمو بها الأرواح
عن عالم الإثم
شفّافة الأقداح
في رقّة الحلم
***
الكأس و القيثار
يا ربّة الحسن
يا ربّة الأشعار
غنّي بها غنّي
***
غنّي بها روحا
علوية الومض
لو أدركت نوحا
عشنا بلا أرض
***
عشنا كأحلام
في خاطر الأكوان
في عالم سام
لا يعرف الأحزان
***
هاتي اسقني هاتي
من دنّها المختوم
أنسى بها الآتي
من عمري المحتوم
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> المدينة الباسلة
المدينة الباسلة
رقم القصيدة : 66424
-----------------------------------
طلعوا جبابرة عليك و ثاروا
و وقفت أنت ، و روحك الجبّار
عصفوا ببابك فاستبيح فلم يكن
إلاّ جهنّم هاجها الإعصار
حرب إذا ذكرت وقائع يومها
شاب الحديد ، لهولها ، و النّار
لو قيل أبطال العصور فمنهمو
لحمايتك الإعظام و الإكبار
أو عاد هومير و سحر غنائه
و رأى ملاحمهم و كيف تثار
و همو حماة مدينة محصورة
دكّت على حرّاسها الأسوار
نسي الذي غنّاه في طروادة
و شدا بهم ، و ترنّم القيثار(59/5)
كم من أخيل فيهمو لكنّه
ردّ المغير به ، و فكّ حصار
لم تجر ملحمة بوصف كفاحه
لكن جرت بدمائه الأنهار
نادته من خلف الشّواطئ أمّة
هو عن حماها الذّائد المغوار
إن يسألو عنه ، ففارس حلبة
لم يخل من وثباته مضمار
أو يقرأوا تاريخه ، فصحيفة
إمضاؤه فيها على و فخار
أو يبحثوا عن قبره ، فمكانه
فيما تعرّي الرّياح و الأمطار
هو مهجة فنيت بأرض معادها
ليتّم غرس أو يطيب ثمار
هو موجة ذابت ببحر وجودها
كيما يثور بروحها التيار
في شاطئ وقف العدوّ إزاءه
يبغي العبور و دونه أشبار
ما زال يدفع عنه كلّ كتيبة
حتّى تلاشى الجحفل الجرّار
و هوى و في شفتيه بسمة ظافر
أودى ، و تمّ يكلّل مفرقيه الغار
يا ربّة الأبطال لا هان الحمى
و سلمت أنت و قومك الأحرار
أ أقول أبناء الوغى أم جنّة ؟
و أقول آلهة أم الأقدار ! ؟
يستنقذونك من براثن كاسر
ماجت به الآجام و الأغوار
متربّص السّطوات تختبئ الرّبى
و تفرّ من طرقاته الأشجار
قهر الطبيعة صيفها و شتاءها
حتّى أتاه شتاؤك القّهار
مجد المدائن و القرى ! إنّ الذي
أبدعته ، فيه العقول تحار
عجبا أأنت مدينة مسحورة
أم عالم حاطت به الأسرار ! ؟
طرق محيّرة على قدم العدوّ كأنّما
من زئبق صيغت بها الأحجار
ة منازل مشبوبة ، و كأنّها
للجنّ في وادي اللّظى أوكار
و ترى زبانية الجحيم ببابها
ضاقت بهم غرف ، و ناء جدار
يتصارعون بأذرع مخضوبة
و السّقف فوق رؤوسهم ينهار
يتنازعون بها الطّباق خرائبا
دميت على أنقاضها الأظفار
ما زلت صامدة لهم حتّى إذا
سهت العقول ، و زاغت الأبصار
و تقبّض المستقتلون ، و عربدت
أيدي الرّماة ، و عرّد البتّار
و تقوّض الحصن المنيع و لم يكن
إلاّ جدار يحتويه دمار
و قسا عليك المرجفون و حدّثوا
أن ليس تمضي ليلة و نهار
أطبقت كالنّسر المحلّق ، ما لهم
منه و لا من مخلبيه فرار
و تفرّستك قلوبهم فترنّحوا
رعبا ، و أنت الخمر و الخّمار
و خبت مدافعهم و ذاب حديدهم
و الثّلج يعجب و اللّظى موّار
***(59/6)
يا فتية الفولجا تحيّة شاعر
رقّت له في شدوه الأشعار
ملاّح وادي النّيل إلا أنه
أغرته بالتّيه السّحيق بحار
أبدا يطوّف حائرا بشراعه
يرمي به أفق و تقذف دار
إني رفعت بكم مثالا رائعا
يوما إليه في العلى و يشار
لشباب مصر و هم بناة حياتها
و حماتها أن حاقت الأخطار
و بمثل ما قدّمتمو و بذلتمو
تغلو الدّيار و ترخص الأعمار
هذي مدينتكم الدّنيا بها و بصنعكم
و تحدّث الأجيال و الأدهار
أحقيقة في الكون أم أسطورة
هذا الصّراع الخالد الجبّار ؟!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> بعد مائة عام
بعد مائة عام
رقم القصيدة : 66425
-----------------------------------
ذكرى مرور مائة عام على وفاة محمد علي الكبير
.
.
من هذه الرّوح و هذا الجبين
يضيء في مصر منار السّنين
أشعّة من بسمات المنى
و من رجاء كالصّباح المبين
و من قوى مشبوبة كاللّظى
عارمة ، لا تنثني ، لا تلين
خطّت بناء الملك ثم ارتقت
تبني له المجد الرّفيع المكين
أوّل بان أنت بعد الذي
شيّده فرعون في الأوّلين
قدّ من الصّخر تماثيله
حجارة خرساء ليست تبين
و أنت أطلعت منار الحجا
و شعلة العلم و فجر الفنون
بناء دنيا و حياة معا
عزّ به الشّعب الغبين المهين
بعثته خلقا جديدا إلى
منزلة عزّت على الطّامحين
قالوا : الحضارات ، فقلت انظروا
أين كهذا الشّعب في المحسنين
من قطنه يلبس هذا الورى
و من يديه مغزل النّاسجين
و المدفع الصّخاب من صنعه
و الحمم الحمر كرات المنون
قد ماجت الأرض براياته
و خوّضت ملء البحار السفين
و جيشه منقذ أفريقيا
و حارس الشرق القويّ الأمين
بهؤلاء السّمر جبت الثّرى
و دنت في سلطانك العالمين
و من بنيك الصّيد أبطاله
و من كإبراهيم في الفاتحين ؟
تاج البطولات على رأسه
مؤتلق و الغار فوق الجبين
***
من زخرف الوادي و أجرى به
جداول التّبر كماء معين ؟
و أخضع النّهر لسلطانه
و هو إله ساد في الأقدمين ؟
و من بنى تلك السّدود التي
تختزن السّحب و لا يمتلين ؟(59/7)
غوائث الأرض إذا أقلعت
حوامل الغيث الدّفوق الهتون
و من أتى الصحراء في دوّها
بهذه الأسوار شمّ الحصون ؟
يا عبقريّ الدّهر إنّ الذي
صنعته معجزة الصّانعين
مهندس أنت سما فنّه
و عالم أوتي علم السّنين
أدركت ما للفنّ من قوة
فدنت بالقوّة فيما تدين
***
أبيات شعر أنا بنّاؤها
آجرّها اللفظ السريّ السّمين
ريمتها بعض خطوط كما
يرسم أفق الكون للنّاظرين
يبدأ فيها الفكر لا ينتهي
و تسبح الأعين لا يلتقين
لسيّد النّيل و فاروقه
رفعتها في موكب الخالدين
مولاي ، من جدّك أنشودة
مزهرها التاريخ عذب الرّنين
ألهمها والداك المجتبي
و أنت من أبنائه الملهمين
و أنت من روحيهما آية
كآية الله إلى المرسلين
و صورة مشرقة سمحة
إطارها الحبّ و نور اليقين
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> حلم ليلة الهجرة
حلم ليلة الهجرة
رقم القصيدة : 66426
-----------------------------------
يا شرق ، ملء خاطري
سحر و ملء ناظري
أوحي ليلك القديـ
ـم أو رؤى الزّواهر ؟
يا شرق ، أيّ ليلة
رائعة الدّياجر
نجومها خلف الغما
م أعين المقادر
ترنو على جوانب السّـ
ـماء للمهاجر
تمدّ من شعاعها
نثل جناح طائر
رعيا المحبّ للحبيـ
ـب حفّ بالمخاطر
تقول ههنت السّرى
و من هنا فحاذر
يا شرق ، أيّ ليلة
بعثتها من غابر
حقيقة تلوح لي
أم ذاك حلم شاعر ؟
أرى على صحيفة الزّ
مان حدّ باتر
تكمن في فرنده
جريمة لغادر
و من بريقه تطـ
ـل ّألف عين فاجر
ملقى وراء صخرة
كانت ملاذ عابر
أوى إليها مفردا
غير أخ مناصر
و الباديات حوله
روع و همس حائر
كأنّما انسامهـ
ـنّ تمتمات ساحر
هو انتقالة الحيا
ة ، وثبة الأدهار
شدا الرعاة باسمه
في الأعصر الغوابر
و أودعوه فرحة
صوادح المزاهر
زفّوا به الحيا
ة أجمل البشائر
لحن و فيه قسوة الـ
ـعواصف الثّوائر
وفيه ثورة على الـ
ـعقائد الدّواثر
يقتحم الذّرى المنيـ
ـعة اقتحام ساخر
يهزأ بالجيوش في
ألوية القياصر
يهدم كلّ فاسد
يهزم كل جائر
و من عجيب أمره(59/8)
يبني بناء قادر
يا شرق ، سحرك القديـ
ـم مالك مشاعري
هذي الطّوالع الحسا
ن في الحلى النّواضر
المطلقات بالنّشيـ
ـد أرخم الحناجر
كأنهنّ جوقة الـ
ـهواتف الطّوائر
حيّين مولد الرّبيـ
ـع و السّني المباكر
عرئس الخيال ، هـ
ـنّ ، أو بنات خاطري
ينثرن من أكفّهـ
ـنّ ، أنضر الأزاهر
على طريق ملهم
مخلّد المآثر
يا شرق ، أيّ روعة
جلوتها لناظري
حقيقة تلوح لي
أم ذاك حلم شاعر ؟
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> ليلة عيد الميلاد
ليلة عيد الميلاد
رقم القصيدة : 66427
-----------------------------------
إسمعي أيّتها الرّو
ح! أفي الكون غناء؟
و انظري !. هل في نواحي الـ
أرض باللّيل ضياء ؟
لا تراعي أن يكن قـ
ـصّر عنك البشراء
فالنّواقيس التي حيّـ
ـتك أشجاها القضاء
الشّجر رجع صداها
و الأسى و البرحاء
و التّراتيل من البيـ
ـعة نوح و بكاء
ودّدتهنّ الثّكالى
و اليتامى الشّهداء
و المصابيح التي كا
ن بها يزهى المساء
خنقتها قبضة الشّـ
ـرّ فما فيها ذماء
صبغوها بسواد
فهي و اللّيل سواء
مأتك للنّور قام الـ
ـويل فيه و الشّقاء
تحت ليل ما له بد
ء ، و لا منه انتهاء
أيها المبعوث ، لا ضنّـ
ـت برجعاك السّماء
أنظر الأرض .. فهل في الـ
أرض حبّ و إخاء
نسي القوم و صايا
ك و ضلّوا و أساءوا !
و كما باعوك يا منـ
ـقذ بيع الأبرياء !!
ليلة الميلاد و، و الدّنـ
ـيا دموع و دماء
في ربوع كان فيها
لك بالسّلم ازدهاء
باسمه يشدو المغنّو
ن و يشدو الشّعراء
أين و لّت هذه الفر
حة؟ أم أين الصّفاء ؟
لم تصافحك من الأطـ
ـفال أحلام وضاء
رقدوا غير عيون
ريع منهنّ الفضاء
ترقب الآباء ، هل عاد
وا ؟ و هل حان اللّقاء؟
بين أيدي أمّهات ،
بتن ، و اللّيل جفاء
في طوايا النّفس يبكيـ
ـن و قد عزّ الرّجاء !
ويحهم أين تراهم،
هؤلاء الأشقياء ؟
هم وراء اللّيل أجسا
و وجوه رسم الرّعـ
ـب عليها ما يشاء
خندقوا في مأزق المو
ت و ما منه نجاء
بين موج من سعير
يتوقاه الفناء(59/9)
و جبال من ركام الثـ
ـلج يرسيها الشّتاء
و حديد طائر يحـ
ـذر مسراه الهواء
و عجيب ! فيم للمو
ت يساق التّعساء ؟
في سبيل الخبز ؟ و الخبـ
ـز اكتساب و رضاء
في سبيل الحقّ ؟ و الحقّ
لدى القوم طلاء !
في سبيل المجد ؟ و المجـ
ـد من البغي براء !
أو في الجزرة الكبـ
ـرى تنال المجد شاء ؟
طذب الباغي و للسّيـ
ـف بكفّيه مضاء
و خداع كلّ ما قا
ل ، ووةر و افتراء !!
أيّها الشّرق الذي خصّـ
ـته بالرّوح السّماء
هذه الرّوح التي شيـ
ـد بكفّيها البناء
و التي من نورها العا
لم يجلى و يضاء
يا أبا الحكمة ، لا ها
ن عليك الحكماء !
ناد أوربا فقد ينـ
ـفعها منك النّداء :
حانت السّاعة يا أخـ
ـتاأم حقّ الجزاء ؟
دنت بالقوّة حتّى
صرعتك الكبرياء
أرقصي في النّار ، أنت الـ
ـيوم للنّار غذلء
و اشربي في حانة الشيـ
ـطان ما فاض الإناء
حانة الموت فيها
من دم القتلى انتشاء
نادمي من شئت فيها ،
فالمنايا النّدماء
و ارفعي الكأس و غنّي
و على الدّنيا العفاء ؟
***
يا قويا لم يهن يو
ما عليه الضّعفاء
و ضعيفا اسمه يفـ
ـزع منه الأقوياء
و أنا المسلم لا يجـ
ـحد عندي الأنبياء
أنت في القرآن حبّ
و جمال و نقاء
عجب فديتك المثـ
ـلى ! و في القول عزاء !
ألهذا العالم الشرّ
ير ؟ قد ضاع الفداء !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> عام جديد
عام جديد
رقم القصيدة : 66428
-----------------------------------
غنّ بالهجرة غاما بعد عام
و ادع للحقّ و بشّر السّلام
و ترسّل يا صديقي نغما
و تنقّل بين أمواج و غمام
صوتك الحقّ فلا يأخذك ما
في نواحي الأرض من بغي و ذام
كن بشير الحبّ الحبّ و النّور إلى
مهج كلمي و أكباد دوامي
هجرت أوطانها و اغتربت
في مثاليّ من المبدإ سام
أنفت عيش الرّ قيق المجتبى
و أبت ذل الضّمير المستضام
يا دعاة الحقّ هذي محنة
تشغل الرّوح بمشبوب الضّرام
هذه حرب حياة أو حمام
و صراع الخير و الشّر العقام
خاضها الإسلام فردا ، و هدى(59/10)
بيراع ، و تحدّى بحسام
هجرة كانت إلى الله ، و في
خطوها مولد أحداث جسام
أخطأ الشّيطان مسراها ، فيا
ضلّة الشّيطان تلك الموامي !
آب الخيبة من غايته
و هو فوق الأرض ملعون المقام
صفحات من صراع خالد
ضمّنت كلّ فخار و وسام
لم تتح لجبّار طغى
أو لباغ فاتك السّيف عرام
بل لداع أعزل في قومه
مستباح الدّم مهدور الذّمام
زلزل العالم من أقطاره
بقوى الرّوح على القوم الطّغام
و بنى أوّل دنيا حرّة
برئت من كلّ ظلم وأثام
تسع النّاس على ألوانهم
لم تفرّق بين آري و سامي
***
حاطم الأصنام : هل منك يد
تذر الظّلم صديعا من حطام ؟
لم تطلقها حجرا أو خشبا
و يطاق اليوم أصنام الأنام !!
و عجيب صنعهم في زمن
أبصر الأعمى به و المتعامي !
آدميّون قزامى انتحلوا
منطق الآلهة الشّم العظام
و تراهم مثلما تسمعهم
صور الوهم و أحلام النّيام
بشّروا النّاس بدنيا ، ويحهم !
أيّ دنيا من دمار و حمام ؟
تسلب النّاس حجاهم و ترى
أمم الأرض قطيعا من سوام
قيل للحقّ ، و ما أعجبه
في ادّعاء لفّقوه و اتهام !
قيل للخبز ، فهل أطعمهم
حاتم الحرب سوى الموت الرّكام
سدّدي بالنّار قوسا و اصرعي
مارد الشّر بمشبوب السّهام
ضلّت الأرض بليل داهم
يحذر النّجم دجاه المترامي
دميت أعيننا في جنحه
و اشتكت حتّى خفافيش الظّلام
***
يا قلوبا ضمّها الشّرق على
مورد للحقّ و الحبّ التّوأم
و شعوبنا جمعتها أمّة
بين مصر عراق و شآم
و بطونا من بقايا طارق
في البقاع الجرد و الخضر النّوامي
ما شدا شعري بها إلاّ هفت
بالقباب البيض أو حمر الخيام
كلّ روح بهدى من حبّها
كلّ قلب بشعاع من غرام
تذكر القربى و تستندي بها
مشرق الآمال في مطلع عام
و ترجّى عودة المجد الذي
أعجز الباني ، و أعيا المتسامي
من بيوت هاشميّات البنى
عروش أمويّات الدّعام
و نتاج من نهى جبّارة
و تراث من حضارات ضخام
قل لها يا عام لا هنت و لا
كنت إلاّ مهد أحرار كرام
ذاك مجد لم ينله أهله
بالتّمني ، و التّغني ، و الكلام(59/11)
بل بآلام ، و صبر ، و ضنى
و دموع، و دم حرّ سجام
قل لها إنّ الرّحى دائرة
و اللّيالي بين كرّ و صدام
فاستعدّي لغد إنّ غدا
نهزة السّبّاق في هذا الزّحام !
و اجمعي أمرك لليوم الذي
يحمل البشرى لعشّاق السّلام !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> سمر
سمر
رقم القصيدة : 66429
-----------------------------------
بين كاتب و شاعر و خطيب
.
.
يا وحي شعري أين أنت
في أيّ زاوية ركنت ؟
هل رحت في إغماءة
أم بالمخدّر قد حقنت ؟
أم نمت ، أم نام الزّما
ن ، أم اعتقلت أم انسجنت ؟
أم خفت من قلم الرّقيـ
ـب فما أشرت و ما أبنت ؟
أم هل سقيت كزوزة
أم هل حسوت البرمننت
أم قد شربت زجاجة
من صنع بار الكونتننت ؟
أم في خزانة صالح
تركوك سهوا فاختزنت ؟
أم في البنوك لأزمة
حلّت بأهلك قد رهنت ؟
أم جندول الحبيـ
ـب إلى لياليه حننت ؟
و إلى عروس البحر همـ
ـت و في شواطئها كمنت
أم زغت يوم الانتخا
ب و لست عضو البرلمنت
لم تدر ما نال الرئيـ
ـس أزاد صوتا أم كرنت
أنكرت ضجّة معشر
لم ينصفوك و قد غبنت
أم طرت في جوّ الحليـ
ـفة منجدا أبطال كنت
يا وحي كم من غارة
شعواء فيها شننت
أم أثرت للحقّ الطّريـ
ـد ، و بالبطولة قد فتنت
فسللت سيف مدافع
عن كالماس أو كرنت ؟
يا وحي شعري ما سكو
تك في الخطوب ؟ ألا حزنت
أفقدت رشدك أم شعو
رك بالحياة ؟ إذن جننت !
عشرون يوما جاوز التّـ
ـقدير فيها ما ظننت
يا وحي شعري مذ نأ
يت و هي بياني أو وهنت
بعد القصائد كالقلا
ع مشيّدات بالسّمنت
من كلّ بيت مشرق
يزري بقصر اللابرنت
أمسيت بعدك كلّ قا
فية نطقت بها لحنت
يا وحي شعري هل أسرت
و أنت تهجم أم طعنت؟
أم غصت في لجّ البحا
ر و في مجاهلها دفنت ؟
أبكي عليك بكاء لا
مرتين قبرا في سرنت
يا وحي شعري أين أنت ؟ في أي زاوية ركنت ؟
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> إليها
إليها
رقم القصيدة : 66430
-----------------------------------
من لياليّ التي لم
يهدإ الشّوق عليها(59/12)
من أمانيّ التي كا
نت رؤى في ناظريها
من أغانيّ التي استلـ
ـهمتها من شفتيها
من دموع مازجت أد
معها بين يديها
كلّ ما قد رقّ من شعـ
ـري و ما راق لديها
و هو ما ضمّ كتاب ،
هو منها ، و إليها
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> سؤال و جواب
سؤال و جواب
رقم القصيدة : 66431
-----------------------------------
تسائلني : و هل أحببت مثلي ؟
وكم معشوقة لك أو خليلة ؟
فقلت لها و قد همّت بكأسي
إلى شفتيّ راحتها النحيله :
نسيت و ما أرى أحببت يوما
كحبّك ، لا ، و لم أعرف مثيله !
فقالت لي : جوابك لم يدع لي
إلى إظهار ما تخفيه حيله
و في عينيك أسرار حيارى
تكذّب ما تحاول أن تقوله
فقلت: أجل ، عرفت هوى الغواني
لكلّ غاية ، و لها وسيله
خبرت غرامهنّ قلى و وصلا
كثير الوعد لم يدرك قليله
قلوب قاسيات قنّعتها
وجوه شاعريات نبيله
إذا طالعنني أنسيت جرحي
و أنّ الحبّ لم يرحم قتيله
و جاذبني إلى اللّذات قلب
شقيّ ضلّ في الدنيا سبيله
و عدت كما ترين صريع كأس
أنا الظّمآن لم يطفئ غليله
فقالت : كيف تضعف ؟ قلت: و يحي
و كيف أطاع شمشون دليله؟
فقالت : ما حياتك؟ قلت : حلم
من الأشواق أوثر أن أطيله
حياتي قصّة بدأت بكأس
لها غنّيت ، و امرأة جميله !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الشوق العائد
الشوق العائد
رقم القصيدة : 66432
-----------------------------------
إهدئي يا نوازع الشّوق في قلبـ
ـي فلن تملكي لماض رجوعا
آه هيهات أن يعود و لو أفـ
ـنيت عمري تحرّقا و ولوعا
آه هيهات أن يعود و لو ذوّ
بت قلبي صبابة و دموعا
فاهدئي الآن يا لثورتك الهو
جاء جبّارة تدك الضّلوعا
***
رحمة يا نوازع الشّوق لو نا
ديت ماضيّ ما وجدت سميعا
أسدل القلب دونه ألف ستر
عبرات و مثلهنّ نجيعا
رحمة يا نوازع الشّوق لو حا
ولت بعث الهوى فلن أستطيعا
كيف يحيى زهر ذوى في إناء
بات في قبضة الحياة صديعا
***
رحمة يا نوازع الشّوق بالقلـ
ـب فما يستطيع بعد نزوعا(59/13)
إن تكوني أحببتع فدعيه
ناعما بالكرى رضيّا قنوعا
نسي الأمم أو سلا فتعالي
نجث صمتا من حوله و خشوعا
أو فكوني في حلمه الزّهر و الأنـ
ـغام و الخمر و العروس الشّموعا
***
أيّها الزّائر المعاود ما ألـ
ـقاك أحسنت بالمزار صنيعا
ما أرى في سمات وجهك إلاّ
شبحا رائعا و حلما و جيعا
يتوقّاه ناظري كأنّي
فيه ألقى آلام عمري جميعا
طال ليلي فما طويت هزيعا
منه إلا نشرت منه هزيعا
***
أيّها الشّوق خلّ عنك و دعني
و امض لا خادعا و لا مخدوعا
أين هذا الجمال أرعاه كالبر
ق خلوبا و أجتليه لموعا
أين هذا الخيال أسقاه كأسا
بيد منه فجّرت ينبوعا
أين لا أين ! ما غنائي بالذكـ
ـرى و قد أصبح الوهوب منوعا !
***
عدت يا شوق لي و عاد لياليـ
ـك و لكن وجدت قلبا صريعا
عدت من بعد لوعة أحرقته
وجفته على الرّماد ضجيعا
و ليال من الفراغ عوات
هرأته ثلوجهنّ صقيعا
عدت يا شوق ! فيم عدت ؟ ربيع الـ
ـعمر ولّى ! فهل تعيد الرّبيعا ؟!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> جزيرة العشاق
جزيرة العشاق
رقم القصيدة : 66433
-----------------------------------
ليالي الصّيف في كبر
أم الفتنة في البحر
و جنّيات بحر الرّو
م أم دنيا من السّحر
على شطّ من الأحلا
م و الأنغام و الزّهر
تنفّس جوّه عطرا
يفضّصه سنا البدر
أريج البرتقال به
و نفح العنب النّضر
أك آلهة العشّا
ق بين الموج و الصّخر
أهلّوا تحت أشرعة
تقلّ عرائس الشّعر
نشاوى الحسن و النّور
و بعض النّور كالخمر
تنهّد حين أبصرهم
محبّ موغر الصّدر
أقام الدّهر موتورا
من الحرمان و الهجر
بأنفاس تضيء الأفـ
ـق بركانيّة الجمر
قصدناه على اللّيل
و جزناه مع الفجر
فلم تغم له عين
تصيب النّجم بالذّعر
و بات الموج في فرّ
حواليه ، و في كرّ
فقالوا : قد دنا الموعـ
ـد أو آذن بالثأر
فعدنا مثلما جئنا
من العبر إلى العبر
و يمّمنا بجوف الصّخـ
ـر دهليزا من التّبر
سرى زورقنا في ما
ئه الغافي سرى السّرّ
ترامى حولنا الأضوا(59/14)
ء أطواقا من الدّرّ
فمن زرق ، إلى صفر
إلى خضر ، إلى حمر
كأنّ الشّمس حيت رأت
صبها أوّل الدّهر
زهاها العري فاستحيت
عيون النّاس في البرّ
فجاءته محجّبة
على تيّاره تسري
و نضّت من غلائلها
و ألقتها على الصّخر
و خانت عينها سنة
فنامت ، و هي لا تدري !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> إلى المودعة الجميلة
إلى المودعة الجميلة
رقم القصيدة : 66434
-----------------------------------
زهراتك الحمر التي أسلمتها
بيدي موجّعة يمين مودّع
لما وصلت إلى المصيف حملتها
كالطّفل نام على ذراع المرضع
أمشي بها فوق الرّمال كأنّني
أمشي بطيف في الظّلام مقنّع
مضموموة الورقات طيّ غلالة
و سمت بطابع ذوقك المترفّع
محجوبة كأميرة شرقيّة
قي هودج أستاره لم ترفع
حتّى إذا أويتها بعد السّرى
و خلعت عنها لبسة المتمنّع
هشّت لآنيتي و أشرق لونها
و تردّدت أنفاسها في مضجعي
و مضت تخالسني حييّ لحاظها
لا تشتكي سهرا و فرط تطلّع
هي أنت ، أطياف تعانق ناظري
و تصبّ حلو حديثها في مسمعي
هي أنت ، أطياف نعانق مهجتي
و تفرّ حين تحسّ حرقة أضلعي
أمست تعابثني و ملء شفاهها
من مغرياتك بسمة لتولّعي
و مكرت مكرم يا حبيبة و انقضى
ليلي، و أنت لديّ ساهرة معي
أرسلتها عينا عليّ رقيبة
تأتيك بالخبر العجيب الممتع
تحصي حراكي إن مشيت لشرفتي
و تعدّ خطوي إن رجعت لموضوعي
شهدت بأني مذ تركتك حائر
متفرّد بصبابتي في مخدعي !!
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> أحلام عاشقة
أحلام عاشقة
رقم القصيدة : 66435
-----------------------------------
يا للعذوبة يا حبيـ
ـبي حين أهبط للنّهر
كي أستحمّ و أنت تمـ
ـعن في مفاتني النّطر
***
لوددت لو أنّي أما
مك قد جلوت محاسني
بغلالة مبتلّة
كشفت جيع مفاتني
***
أهوى إلى الماء الهبو
ط و أشتهي أن أتبعك
و أشدّ ما اهواه منـ
ـه صعودنا و أنا معك
***
بيديّ من سمكاته
حمراء رائقة الجمال
فتعال لي أنظر إليـ
ـك ّ تعال و انظر لي تعال !(59/15)
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> امرأة و شيطان
امرأة و شيطان
رقم القصيدة : 66436
-----------------------------------
أقسمت لا يعص جبّار هواها
أبد الدّهر و إن كان إلها
لا و لا أفلت منها فاتن
قرّبته و احتوته قبضتاها
قيل عنها أنّها ساخرة
تتحدّى سطوة الجنّ سطاها
و عجوز بالصّبا موعودة
و بعمر الدّهر موعود صباها
حذقت علم الأوالي و وعت
قصص الحبّ و مأثور لغاها
قيل لا يذهب عنها كيدها
غير شيطان و لا يمحو رقاها
و رووا عنها أحاديث هوى
آثم يغرب فيها رواها
و أساطير ليال صبغت
بدماء سفكتهنّ يداها
يذكر الرّكبان عنها أنّها
سرقت من كلّ حسناء فتاها
و قتيل بين عيني زوجه
كلّ معشوق دعته فعصاها
كلما التذت وصالا من فتى
سحرته و هو في حضن هواها
و احتوته في أصيص زهرة
يسرق الأنفاس من طيب شذاها
زهرات مثّلت عشّاقها
بعيون غرقات في كراها
فإذا ما اللّيل أرخى ستره
أطلقت أشباحهم في منتداها
مهجا خفّاقة ملتاعة
و عيون ظامئات ، و شفاها
نستعيد بالأمس في لذّاتها
و لياليها ، و أشواق رؤاها
تتلوّى بينهم مشبوبة
شهوة يلتهم اللّيل لظاها
عبر الشّيطان يوما أفقها
فرأى ثمّ فنونا ما رآها
أيّ واد رائع أحجاره
تحذر الرّيح عليهنّ سراها
أيّ قصر باذخ في قمّة
تحسب الأنجم من بعض ذراها
و دروب حولها ملتفّة
كأفاع سمّرت في منحناها
و بروج لحمام زاجل
هو بالأقدار يهفو من كواها
ظنّها من عبقر ناحية
أخطأت عيناه بالأمس صواها
فهوى من حالق يرتادها
طرقات زخرف الفنّ حصاها
و رنا حيث رنا اهتاجه
منظر الزّهر الذي زان رباها
أصص من ذهب تحسبها
بعثرت فيها الدراريّ سناها
كلما مسّت يداه زهرة
عطفته لقطاف شفتاها
فجنى ما شاء حتّى لم يدع
في أصيص زهرة إلاّ جناها
و انتشى من عطرها فانتثرت
مثل حبّات من الماس يراها
عجبا ما لمست غير الثّرى !
أيّ نور شاع فيها فزهاها ؟
نظرة أو خطرة و اختلجت
فعرته هزّة مما عراها
و استحالت بين عينيه دمى
حيّة تستبق الباب خطاها(59/16)
فكّ عنها السّحر فارتدت إلى
عالم الحسّ و خفّت قدماها
و رنا الشّيطان في آثارها
سابحا في دهشة طال مداها
يا لها ! كيف استقرّت ثم فرّت !
لحظة مرّت و لكن ما وعاها !
و دنا اللّيل ، ورنت صدحة
نبّهته ، حين لا يبغي انتباها
فإذا مائدة حافلة
بالأباريق ترامى أطرافها
ملؤها الخمرة نورا و شذا
نسمت و ائتلقت فخّارتاها
و صحاف كتهاويل الرؤى
تجد الأنفس فيها مشتهاها
و إذا مقصورة من حوله
خالها تنبض بالرّوح دماها
وقفت غانية في بابها
قد تعرّت غير فضل من حلاها
يا لها من فتنة قد صوّرت
في قوام امرأة راع صبرها
طلعت في هالة من خضرة
و عيون يترقرقن مياها
ثم نادت : يا أحبائي انهضوا
و اغنموا اللّيلة حتّى منتهاها
و تلاشى الصّوت لا رجع صدى
لا ، و لا ثمّ مجيب لنداها
فعرتها رعدة ، فالتفتت ،
فرأته ، فتلقّاها و جاها
أبصرت وجها كوجه المسخ لم
يتقنّع ، شاه هذا الوجه شاها
و رأت كفّيه يندى منهما
أرج الزّهر فأجّت نظرتاها
عرفت ما اجترحته يده
أو لا يعرف من داس حماها ؟
يا لهذا المسخ ! دوّت و مشت
صيحة ينذر بالويل صداها
فانثنى الشّيطان عنها صارخا
أتراها تتحدّى ؟ من تراها ؟
فبدت في شفتيها آية
من مبين السّحر ، أو ما فمحاها
فدنت ترمقه فاختلجت
عينه ، حين أشارت بعصاها
بدّلت تلك العصا جمجمة
ريع لمّا شرعتها فاتّقاها
هي من ملكة جنّ من تصب
يخترمه بالمنايا محجراها
فتنحّى غاضيا مبتئسا
و تنحّت و الأسى يلجم فاها
و سجى بينهما الصّمت الذي
يتغشّى الأرض إن حان رداها
و التقت عيناهما فاستروحا
راحة من فبلها ما عرفاها
عرفت من هو فاستخذت له
ورأى من هي فاستحيا قواها
قال : أختاه ، اغفري لي نظرة
إشتهت كلّ جمال و اشتهاها
و اغفري لي شرّة عارمة
في دمي ، لو تأبّى ما أباها
يا لهذا الدّم ! ما عنصره ؟
كلّ ما في النّار من وقد لظاها
فأجابت : زهراتي ردّها
إن تقل حقا و لا تبغ أذاها
قال: لا أذكر إلا حلما
لحظة ضلّ بها غقلي و تاها
أهي جسم؟ أهي روح ؟ إن تكن(59/17)
لا يردّ الرّوح إلا من براها
فأحسّت هول نا يجهله
فاستحت منه و اغضى ناظراها
صاح: غفرانك لا تبتئسي
أطلبي ما شئت منّي ما خلاها
أ أنا من تتخطّى قدمي
مسبح الشّمس فيربدّ ضحاها
أ أنا من يطفئ النّجم فمي
و أردّ الأرض غرقى في دجاها
و تمسّ القمم الشّمّ يدي
فيرى منحدرا لي مرتقاها
و أجيء الأرض من محورها
فإذا بي يتدانى قطباها
و أصدّ الرّيح عن وجهتها
فتجوب الكون لا تدري اتجاها
أ أراني عاجزا عن درك ما
تتمنّى امرأة !؟ عزّت مناها !
آه ما أضعف سلطاني ، و ما
كنت إلاّ بغروري أتباهى !!
قالت : الآن سلاما زائري
و رضى نفسي إن رمت رضاها
أيّها الشّيطان ما أعظم ما
قلته ، و ما قلت لغوا أو سفاها
زهراتي تلك ، ما كنت سوى
شهوات ، جسمي الطاغي نماها
قهرتني ، و استذلّتني بها
غيرة ، ينهش قلبي عقرباها
و أنانية أنثى لم تطق
فاتنا تملكه أنثى سواها
قد صنعت الحقّ ، قد عاقبتني
فارحم المرأة في ذلّ هواها
فدنا منها ، فألفت وجهه
غر ما كان ، لقد ألفت أخاها !
قرّبت بينهما روح الأسى
فاجتبته بعد حقد و اجتباها
و استهلّت دمعة من عينها
دمعة رفّت و شفّت قطرتاها
ضمّنت كلّ عذاب و ضنى
كلّ ما في النّفس من بثّ أساها
ورآها فتندّت عينه
رحمة ، فاحتال يخفي من بكاها
و بكى الشّيطان ! يا لامرأة
أبكت الشّيطان لما أن رآها !!
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> منها
منها
رقم القصيدة : 66437
-----------------------------------
وحيدة !و يحي! بلا راحة
ما بين موج طاغيات قواه
تجري بي الفلك كأرجوحة
حيرى بأقيانوس هذي الحياه
أبحث عنه ، و سدى ما أرى
أين حبيبي ؟ أين سارت خطاه ؟
لم يهدني نجم إليه ، و لم
يبسم لي الحظّ فألقى سناه
و ليس لي من موجة برّة
تحملني في إثره كي أراه
من شاطئ الرّاحة لم يدن بي
إليه أفق لا يرى منتهاه !
هناك في الشّاطئ وا فرحتا
أعزّ إنسان صفا لي هواه
منتظرا لي ، شاخصا ، باسما
تشير بالآمال لي راحتاه
لكنهما هيهات ، كيف السّرى(59/18)
و أين من عصف الرّياح النّجاه ؟
أصار حتما أن يرى زورقي
محطّما قد مال بي جانباه ؟
و هل فضاء البحر أو غوره
مهما تناءى و ارتمت لجتاه
يكفي مداه أن توارى به
جميع آلامي ؟ أيكفي مداه ؟
***
نمت زهرة في غضون الخريف
كحلم من الماء و الخضرة
كزنبقة في زهى حلّة
ربيعيّة الوشي محمّرة
تبثّ المراعي نورا يشفّ
و يجلو الطّهارة في النّظرة
كأنّي بها قدحا مترعا
به مزج السمّ بالخمرة
لها وهج الحبّ في قبلة
على شفة شبه مفترّة
ألا أنّها هي بقيا الهوى
و آخر ما فيه من نضرة
ألا أنّها هي صهباؤه
و آخر ما فيه قطرة
تميت و تحيي فيا للحياة
و الموت إلفين في زهرة !
***
إن أنا قاومت هياج العباب
مصطرعا و الأفق داجي السّحاب
و لم تدع كفّي إلى زورقي
زمامه حرا و خضت الصّعاب
فسوف يلقيه خفيّ القضا
محطّما فوق الصّخور الصّلاب
و إنّ أقوى ساعد عاجز
أن يمسك المجداف دون اضطراب
إن عاند الأمواج فهو الذي
يحفر في اليمّ حفير التّباب
وهو الذي يسعى إلى حتفه
في هوّة مغفورة في العباب
فليلق بالمجداف من كفّه
و ليترك الموج طليق الرّغاب
و ليمض بالزورق ما يشتهي
إلى القضاء الحتم دون ارتياب
و ليبتلعه الموج في جوفه
فلا مفرّ اليوم ممّا أصاب
طال كفاحي ، و يح نفسي فما
طول كفاحي غير طول العذاب !
***
أطلّ الخريف بأعقاب ليل
دجيّ الظّلام بكيّ السّحب
و آخر ما في الرّبى زهرة
عداها من الصّيف وقد اللّهب
غدت وحدها أديم عفا
من النّور و الورقات و القشب
كحارسة الميت ليست تريم
مكانا به وقفت تضطرب
تساقط من حولها أدمعا
غصون تطالعها عن كثب
جرى الغيث ، من ورقات بها
إلى أخر شاحبات ، صبب
تحدّر مختنقا فوقها
بلا نبأة قطره المنسكب
فيا من لها زهرة الجورجين
من الزّائر الحائر المقترب ؟!
جناح لآخر ما في الفراش
من رحمة بقيت أو حدب
مضى الصّيف و انقطعت إثره
أغاريد كنّ مثار الطّرب
نأى طيرها عانيا و اختفى
غرام أتى ..و غرام ذهب..!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> ثلج و نار(59/19)
ثلج و نار
رقم القصيدة : 66438
-----------------------------------
أ أيّتها النّار هذا المساء
قسى برده فانهضي و استفيقي
أيا نار كفّاي أثلج منه
فهلا بعثت بدفء الحريق !
***
أما فيك بعدحياة تشبّ؟
أم فيك من جذوة تلهب ؟
أمقرورة أم غفى و انطوى
على نفسه اللّهب المتعب؟
***
أأجلس يا نار وحدي هنا
أراعيك و هنا و أستطلع ؟
خذي ملء شدقيك هذي الرّسائل
إن كان فيهنّ ما يشبع !
***
خذيها ! كليها ! و لا تمهلي
فمنها الوقود و منك الأجيج
و يا من لها كلمات الحوت
من الحبّ كلّ جميل بهيج !
***
أتبقين حقا على ما بها ؟
متى أنت أبقيت شيئا ؟ متى !
و ماذا أرجّي بهذا الدّعاء
و كيف تلبّين ! واحسرتا !
***
أجائعة أنت ؟ يا للشّراهة
ما عفت غبر بلى أو رماد
تشهّيت كلّ طعام ، و ما
تذوّقت شيئا كطعم المداد ؟
***
و من لي بزادك ؟ لم يطبق ما
يلوك لسانك أ بعلك
أأيّتها النّار ويك اصبري
أجئك بكلّ الذي أملك
***
بقرباني القدسي الأخير
أزاهير كنّ رقاقا لطافا
أزاهير تزهى بها باقة
ذوت نضرة و أصابت جفافا
***
ألا كم تألّقن فوق الغصون
زواهر في روعة و اتّقاد
بكفيّ هاتين جمّعتهنّ
من كلّ روض و من كلّ واد
***
فوا رحمتا أيّ عمر قصير
لهنّ ، و أيّ شباب ذوى
و أيّ حياة كحلم سرى
سرى البرق لألأ ثمّ انطوى !
***
أحقا فرغت ؟ إذن ما سعارك
لم يبق يا نار ما ينهش
أهذي القصاصة ؟ لا ! إنّني
أضمّ عليها يدا ترعش !
***
أكانت سوى قطعة غضّنت
من الورق اليابس الأصفر
مهلهلة غير مقروءة
حوت قصّة الحبّ في أسطر !
***
ضننت بها ضنّ معتزّة
و تحت الوسادة أودعتها
أقبّلها مئتي مرة
إذا جنّ شوقي أطلعتها
***
فبا للشّراهة ؟ ماذا أرى ؟
لسانك في ثورة و اهتياج
يكاد إليّ من المصطلى
بجمرك أن يتخطّى السّياج !
***
خسئت فردّيه ! ماذا يروم ؟
ألم يبق يا نار ما يطعم ؟
أهذي القصاصة ؟ يا للحريق
و يا للبلى ! شدّ ما يؤلم !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> نار و نار
نار و نار(59/20)
رقم القصيدة : 66439
-----------------------------------
حبيبة قلبي هي النّار لا
تشبّي لظاها و لا تستثيري
دعيها و لا توقظي جمرها
فما النّار أحنى من الزّمهرير
فدى راحتيك فؤاد يلذّ
له في هواك عذاب السّعير
أنيليهما دفء ثغري الحنون
و صونيهما رحمة من زفيري !
***
قسى البرد ! كيف ؟ أيقسو عليك ؟
و وا عجبا كيف يرضى المساء
و كم جئته بأرقّ الغناء
و أشرقت فيه بوحي السّماء
أ أختاه ! أيّ عذاب طغى
عليك ، و أيّ ضنى أو شقاء
ضرعت إليك فلا تسلمي
و دائعنا للرّدى و العفاء !
***
هما هنّ بعض مداد جرى
و لا هنّ أختاه بعض الورق
و لكنّهنّ شغاف الفؤاد
و ذوب السّواد و نور الحدق
و أحلام دنيا و أشواقها
لروحين بعد الضّنى و الرّهق
أفاءا إلى أيكة ينظران
جمال المساء و سحر الشّفق !
***
أحسّ بقلبك لذع الأسى
وفي و جنتيك لهيب الدّموع
و اسمع صيحة ميتقتل
يصارعه اليأس بين الضّلوع
و المح جانب المصطلى
و جوها زواها الأسى و الخشوع
محدّقة فيه ، محنيّة
عليه ، و يا للّظى كم يروع !
***
لهنّ لياليك أو ذكرياتـ
ـي جئن بأجنحة من ضياء
تسمّعن صوتك تحت الظّلام
فجبن الثّرى و طوين الفضاء
تمسّح كفذيك راحاتهنّ
على قبل من شفه ظماء
و سكبن في أذنيك الدّعاء
و في قلبك الغضّ نور الرّجاء
***
ألا يا عرائس وادي الخيال
بآلهة الرّحمة المنصفه
ألا أدفعن هذا الرّدى المشرئبّ
و أمسكن هذي اليد المضعفه
و انقذن هذا الغرام الشّهيد
فقد كادت النّار أن تلقفه
رسائل ، أنبل ما سطّرت
يد الحبّ أو ردّدته شفه !
و صنّ أزاهر ما نوّرت
بهنّ الغصون لغير الشّفاه
و لا نسمت غير روح الهوى
و لا غير أنفاسه أو شذاه
أزاهرهنّ رؤى ليلة
هي العمر أو هي كلّ الحياه
تمثّلها في الحبّ في باقة
إلهيّة جمعتها يداه
***
ألا يا عرائس وادي الخيال
ألا ابعثن روح الرّضى و السّلام
ألا احكمن بيني و بين التي
تثور بعاشقها المستهام
تفارقه و تطيل الفراق
و تسأله أين عهد الغرام
فإن قال :ضيّعته ، أسرعت(59/21)
إلى النّار توقظ فيها الضّرام
***
ألا يا عرائس هلا استمعت
لأختي ربّة هذا القصيد !
أغرّد روح بهذا الصّفاء
وردّد قلب كهذا النّشيد !
يقول: أنا الحبّ لا تلق بي
إلى النّار إنّي قويّ شديد
و ما أنا بعض رماد لها
و لا أنا بعض حطام بديد
أنا الجوهر الفرد لا ماستي
تذوب ، و لا نورها ينفذ
منحت الخلود و أعطيته
لمن يلهم الشّعر و ينشد
تخرّ العروش و تهوي الشّموس
و لي عرشي الخالد الأبّد
هو القلب أعظم ما صوّرت
يد الله ما نازعتها يد
***
ألا يا عرائس وادي الخيال
ألا قرّبي يدها قرّبي
حبيبة قلبي نسيت النّوى
و دعوى البريئة و المذنب
و أنسيت حتى كأنّ لم يكن
على الأمس ما كان أو مرّ بي !
حديث القصاصة ردّ هوى
لقلبي ، فشبّيه أو ألهبي !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> يوم الملتقى
يوم الملتقى
رقم القصيدة : 66440
-----------------------------------
هذي سماؤك أنغام و أضواء
غنّاك داود أم حيذاك سيناء
أم النّبيّون قد أزجت سفئنهم
موعودة من ليالي النّيل قمراء
أم طالعتك من السّحر القديم رؤى
يشدو بهنّ الثّرى و الرّيح و الماء
أم جاء طيبة من أربابها نبأ
أم أنّ كهّانها بالوحي قد جاؤوا
أم سار عمرو بنور الفتح فائتلقت
به زبرجدة في الشطّ خضراء
ماجت خمائل بالبشرى و أدوية
فهن فاكهة تندى و صهباء
يا مصر ، ذلك يوم الملتقى ، و على
صباحه قدم الرّسل الأجلاّء
أسرت إليك بهم روح و عاطفة
و كم إليك بسرّ الرّوح إسراء
دعا فلبّوه ، صوت من عروبتهم
كم يلبّي هتاف الأمّ أبناء
لا بل أهاب بهم يوم صنائعه
من أمرها النّاس أموات و أحياء
إن لم تصن فيه أيديهم تراثهمو
فقد تبدّد ، و الأيام أنواء
طاحت بناصية الضّعفى ، و سخرها
كما يشاء الأشدّاء الألبّاء
أحرار دهر همو المستيقظون لها
و من عفوا فهمو الموتى الأرقاء
***
بنى العروبة دار الدّهر و اختلفت
عليكمو غير شتّى و أرزاء
مضى بضائقيها الأمس و انفسحت
أمام أعينكم للمجد أجواء(59/22)
اليوم شيدوا كما شادت أبوتكم
شرقا دعائمه كالطّود شمّاء
دستوره وحدة مثلى ، و شرعته
بالحق ناطقة بالحبّ سمحاء
لكم بحاضركم من دهركم نهز
فيها لغابركم بعث و إحياء
شدّوا على العروة الوثقى سواعدكم
لا يصدعنّكمو بالخلف مشّاء
لم تنأ بغداد عن مصر ، و لا بعدت
لبنان، و المسجد الأقصى ، و شهباء
أيّ التّخوم تناءت بين أربعها
لها من الرّوح تقريب و إدناء
أرض عليها جرى تاريخنا ، و جرى
دم به كتب التّاريخ آباء
مبارك غرسه ، منه بأندلس
و القادسيّة ، و اليرموك أجناء
خوالد النّفح لم يذهب بنضرتها
حرّ ، و قرّ ، و إصباح ، و إمساء
إيه بني الشّرق ! فالأبصار شاخصة
لما تعدّون ، و الآذان إصغاء
يستطلع الشّرق مايجري به غده
يا شرق إنّ غدا هدم و إنشاء
بصيحة السّلم لا يأخذك إغراء
فللمطامع إغراء و إغواء
تفتّحت صحف الأيّام و انبعثت
أقلامها و صغت كتب و أنباء
و طأطأت أمم مقهورة ، و رنا
أنصار حقّ على الجلّى و أدّاء
مسّتهمو الحرب مسّ المرمضين بها
فما تشكو ، و لا شكّوا ، و لا راؤا
في عالم الغد ماذا قد لأعدّ لهم
و ما ترى أمم في الحرب غلباء
خطت مواثيق للإنسان و اشترعت
بناء دنيا لها الإحسان بنّاء
إنّي أخاف عليها أن تضيّعها
يد مبرّأة للسّلم بيضاء
في ساعة من خمار النّصر سامرها
لما جرى من عهود الأمس نسّاء
فقد شراعك لا تسلم أزّمته
لغير كفّك إنّ الرّيح هوجاء
يا شرق مجدك إن لم ترس صخرته
يداك أنت ، فقد أخلته أهواء
يا شرق حقّك إن لم تحم حوزته
صدور قومك لم تنقذ آراء
و الكون ملحمة كبرى جوانبها
دم ، و نار ، و إعصار ، و ظلماء
أكان عندك هذا الموت يصنعه
بكفّه آدم العاصي ، و حوّاء
من ذات أجنحة يخشى مسابحها
غول ، و نسر ، و تنّين ، و عنقاء
شأت خطاها بساط الرّيح و انطلقت
و الأرض من هولها سوداء حمراء
تعلو و تنقضّ و شك اللّمح صاعقة
يكاد منها يصيب النّجم إغماء
و زاحفات من الفولاذ قد صهرت
من ثقلهنّ لصدر الأرض أحناء
إن صعّدت فالجبال الشّم هاوية(59/23)
أو عربت فالصّخور الصّم أشلاء
لم يخل من شرها ماء و يابسة
أو تنج من غدرها غاب و صحراء
يا شرق يومك لا تخطئ سوانحه
فليس تغفر بعد اليوم أخطاء
في عهدفاروق طاب الملتقى ، و على
جنّاته لقى القرب الأحبّاء
حمى العروبة أعراقا ، و مدّ لها
خصبا لها فيه إنبات و إزكاء
و باكرتها سماء من مآثره
فيها لكلّ صنيع منه لألاء
عباقر الشّرق هم آباؤه ، و همو
ملوكه الصّيد ، و الشّم الأعزاء
يا عصبة الوحدة الكبرى و عصمتها
هذي طوالعكم جلواء غرّاء
وددت لو شدّت بالأسماء شادية
بها ربوع حبيبات و أرجاء
و ما أسمّي فتى شتّى مناقبه
إنّ المناقب للفتيان أسماء
المصطفى و حواريّوه إن ذكروا
فالشّرق منهبة ، و الغرب أصداء
و كلكم عن حمى أوطانه بطل
مستقتل قرشيّ الرّوح فداء
بالله إن جئتمو الوادي و ناسمكم
ثراه ، فهو أزاهير و أنداء
و طاف بالذكريات الأمس و استبقت
بالدّمع عين ، و بالأشواق حوباء
فاقضوا حقوق إخاء تستخير به
أخت لكم في صراع الدّهر عزلاء
طعامها من فتات العيش مسغبة
و ريّها منه إيلام و إشقاء
أحلّها ذهب الشّاري ، و حرّمها
عصر به حرّر القوم الأذلاء
حربان أثخنتاها أدمعا و دما
تنزو بها مهجة كلمى و أحشاء
هذي فلسطين أو هذي روايتها
ماذا تقولون إن لم يحسم الدّاء
تطلّعت لكمو و لهى أليس لها
على يديكم من العلات إبراء ؟
حملتمو العهد فيها أبوّتكم
إنّ البنين لحمل العهد أكفاء
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> بين الحب و الحرب
بين الحب و الحرب
رقم القصيدة : 66441
-----------------------------------
بعد خمس جئتني يا ذكرياتي
و الأماني بين موت و حياة
بعد خمس يا لها في السّنوات
حملت كلّ ذنوب الكائنات
صاح فيها زحل بالظّلمات
فطوت نجمي و سدّت طرقاتي
و رمت شملي ببين و شتات
و الصّبا نشوان و الحبّ مؤاتي
أرجعي لي بعض أحلامي ، و هاتي
صفوا أنغامي ، و ردّي صدحاتي
حدّثي ليلة خضنا الأبيضا
في سكون خفته أن ينبضا
و دجي كالسّخط من بعد الرضى(59/24)
قد دعونا نجمه أن يغمضا
جثم الرّعب عليه فنضا
لججا سودا و ظلا مقبضا
كلأذما عود ثقاب أومضا
دفع النّيل و أرغى و مضى
ينذر الرّكب فماجوا ركّضا
و ادّعى منهم خبيث عرّضا
أن نجما هتلريا مغرضا
شعّ نارا و توارى في الفضا
ذكريات كيف أقبلت إليّا ؟
كيف جزت البرّ و البحر القصيّا ؟
كيف خضت الكون لجّا دمويّا
و شولظا طاغي النّار عتيّا ؟
ذكرياتي جدّدي هذا الرويّا
و ابعثيه نغما عذبا شجيّا
ما عجيب أن تردّيه عليّا
بل عجيب أنني لا زلت حيّا
أتلقاك و كأسي في يديّا
و نشيدي ضارع في شفتيّا
طاف بي شاديك يدعوني مليّا :
أيّها الملاح حان الوقت هيّا ؟
حان أن ننشر خفّاق الشّراع
يا سفيني ويك ! هيّا ! لا تراعي
قد تدانى البحر من بعد امتناع
و غدت فينيسيا قيد ذراع
هذه الجنّة ، يا ويح الأفاعي!
نقثت في زهرها سمّ الخداع !!
ىه دعني من أحاديث الصّراع
ضاع عمري ! ويح للعمر المضّاع
فالتمس نهزة حبّ و متاع
تحت أفق صادح صافي الشّعاع
يا شراعي طف بهاتيك البقاع
و تهيّأ للقاء و وداع !
أيّها البحر ! سفيني ما عراها ؟
رنّحتها نبأة رقّ صداها
أو حقّا قربت من منتهاها
هذه المحنة و انجاب دجاها ؟
أغدا تستقبل الدّنيا مناها
حرّة تشدو بمكنون هواها ؟
و أرى حرّيّة عزّ حماها
لأم يضع عقباه من مات فداها ؟
أيها الشّرق ! تأمل !! أتراها ؟
أنت من داراتها أين سناها؟
ذدت عنها و تقدّمت خطاها
يوم قالوا : خسر الحرب فتاها !
أيّ بشرى زفّها أرخم لحن ؟
من تراه ذلك الطّيف المغنّي ؟
مسّ قلبي صوته إذ مسّ أذني
ألحبّ ، أم لسلم ، أم تمنّي ؟
يا بشير السّلم لا يذبك ظنّي
أنا ظمآن إلى الشّدو فزدني
عبرت بي الخمس في صمت و حزن
أيّ خمس بعدها تمتدّ سنّي؟
صاح قلبي إن تدعني لست منّي
إفتح الباب و نحّ القيد عنّي
آه دعني أبصر العالم دعني
قد سئمت اليوم أرضي سجني !
ما ثوائي من مكان ما ثوائي !
هو ذا الفجر فهبّوا أصدقائي !
إفتحوا نافذتي عبر الفضاء
إفتحوها لأرى لون السّماء(59/25)
في ظلال السّلم أو نور الصّفاء
حنّ قيثاري لشعري و غنائي
فانشدوني بين أمواج الضّياء
و انشدوا فوق البحيرات لقائي
لا تقوقوا كيف يشكو من بقاء
شاعر في موطن خالي الرّواء؟
قد ظلمتم دعوتي أصدقائي
و جهلتم ما حياة الشّغراء !!
يا ابنة الأيزار حيّيت ، سلاما
و غراما ، لا عتابا لا ملاما
هذه الحرب التي راعت ضراما
شبّها طاغ بواديك أقاما
ذقت الغربة و جدا و سقاما
أتراها لم تطب مصر مقاما ؟
مصر كانت لمحبّيها دواما
لم تضع عهدا و لم تخفر ذماما
فاذكري في الغد أحبابا كراما
إن ألمّت بك ذكراها لماما
و اذكري بعض لياليها القدامى
في ضفاف حملت عنك الهياما
في ضفاف كلّ ما فيها جميل
تنبت الحبّ و تنمي و تنيل
يخطر الفجر عليها و الأصيل
بين صفصاف و حور و نخيل
يد هاتور على كلّ جميل
تنشر النّوار في كلّ سبيل
و أوزيس على الشّط الظّليل
يعصر الخمر و يسقي السّلسبيل
هذه مصر ديارا و قبيل !
ألها في هذه الدّنيا مثيل ؟
عجبا لي ، و عجيب ما أقول !
كيف يدعوني غدا عنها الرّحيل ؟!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> إلى الطبيعة المصرية
إلى الطبيعة المصرية
رقم القصيدة : 66442
-----------------------------------
لم أنت أيّتها الطّبيـ
ـعة كالحزينة في بلادي؟
لولا أغاريد ترسّـ
ـل بين شادية و شادي
و خيال ثور حول سا
قية يراوح و يغادي
و قطيع ضأن في المرو
ج الخضر يضرب بالهوادي
لحسبت أنّك جنّة
مهجورة من عهد عاد
هجروك لا كنت العقـ
ـيم و لست منجبة القتاد
عجبا ماؤك دافق
و نجوم أرضك في اتّقاد
حسن يروع طرازه
و يملّ في نسق معاد
أرنو إليه و لا أحسّ
بفرحة لك في فؤادي
حسناء ساذجة الملا
مح في إطار من سواد
دمن يقال لها قرى
غرقى أباطح أو وهاد
الطين فيها و اليرا
ع أساس ركن أو عماد
يأوى لها قوم يقا
ل لهم جبابرة الجلاد
و همو ضعاف أوثروا
بشقائهم بين العباد
المكثرون الزّاد لم
يتمتعوا بوفير زاد
لهم الغراس و رعيه
و لغيرهم ثمر الحصاد(59/26)
لو منت في الغرب الصّنا
ع لكنت قبلة كلّ هادي
و افتنذ فيك الفنّ بالرّ
وح المحرّك للجماد
و تفجّر المرح الحبيـ
ـس بكل ناحية و وادي
و لقلت أبتدر الشّدا
ة غداة فخر أو تنادي
هذه الرّوائع فيك لم
تخلق لغيرك يا بلادي !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> خمرة الآلهة
خمرة الآلهة
رقم القصيدة : 66443
-----------------------------------
هاتها كأسا من الخمر التي
سكرت آلهة الفنّ بها
إسقينها و تفيأ ظلّتي
شبع الرّوح وريّ الجسد
عربد الشّاعر من لألائها
و هي كنز في ضمير الأبد
هاتها في كلّ يوم حسن
نفحة الوحي و إشراق الخيال
و أدرها نغما في أذني
فاض من بين سحاب و جبال
هاتها سحر الوجوه النّضرات
هاتها خمر الشّفاه الملهمات
و العيون الشّاعريات اللّواتي
شعشعت بالنّور آفاق حياتي
ذقتها كالحلم في ريّق عمري
قبلة عذراء من ثغر حييّ
و تسمّعت لها في كلّ فجر
و عي تنهل بإلهامي الوضيّ
هاتها جلواء يا توأم روحي
فيها أبصر للخلد الطّؤيقا
لو خلا من كرمتيها فلك نوح
أخطأ الجوديّ أو بات غريقا
ما أراها أخطأت في وهمنا
عالم الغابة أو مهد الجدود
و أراها خلقة في دمنا
يوم كنا بعض أحلام القرود
جدّنا الأعلى على كبرته
لم تشنه نظرة المنتقص
هو ما زال على فطرته
ضاحكا خلف حديد القفص
ذقها مذ كان في الغاب لعوبا
يتغذّى من ثمار الشّجر
فمضى يحلم نشوان طروبا
بحفيد في مراقي البشر
يا لها من قطرة فوق شفه
غيّرت مجرى حياة العالم
في خيال مرح أو فلسفه
أبصر الدّنيا بعيني آدم
فلسفته حين مسّت قلبه
فاشتهى الفنّ و علم المنطق
و رأته و أنارت دربه
و هو في سلّمه لم يرتق
أيّها الحالم غرّرت بنا
و كفى سكرك ما جرّ علينا
عد بنا للغاب أو هات لنا
عهدها ، أحبب به اليوم إلينا
أو ترضى بالذي ما كنت ترضى
أيّ دنيا من عذاب و شقاء
ورقيّ أهلك العالم بغضا
بين نار و حديد و دماي
شوّه العلم رؤى الكون القديم
و محا كلّ مسرّات الدّهور
أو أرض جوفها نار جحيم ؟(59/27)
و فضاء كلّ ما فيه أسير ؟
أسرة الشّمس اشتكت من ايدها
كيف لا يشكو الأسارى المرهقون
لو أطاقوا أفلتو من قيدها
فإذا هم حيث شاؤوا يشرقون
إن يكن قد أصبح البدر الوضيء
حجرا ، و النجم غازا و حديد
فسلاما أيّها الجهل البريء
و عواء أيها الكون الجديد
يا حبيبي دع حديث الفلسفات
طاب يومي فتفيأ ظلّتي
أترع الكأس و ناولني و هات
قبلة تنقذني من ضلّتي
أو فقم للغاب من غرّيدها
نسمّع الرّوح الطليق المرحا
و نعبّ الخمر من عنقودها
و اترك الدّنّ و خلّ القدحا
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> من وحي الجسد
من وحي الجسد
رقم القصيدة : 66444
-----------------------------------
كم ليلة حمراء خلت ظلامها
يد مارد سلّت خضيب حسام
و كأنّ كلّ سحابة في أفقها
شبح الخطيئة فوق عرض دامي
و كأنّ أنجمها نوافذ حانة
شرب الدّخان بها بريق الجام
و كأنّ أنوار المدينة تحتها
سرج الغواية في طريق حرام
همد الهواء بها فجهد حراكه
هبوات نار في نفيث قتام
و كأنّما اختنق الفضاء فكلّ ما
فيه صريع أو وشيك حمام
ألفيتني جسدا تسارق روحه
قبل عواصف ضرّجت بأثام
أجتاحها ة أضجّ من لذعاتها
فكأنّها بدمي نقيع سمام
و على يدي مسمورة مخمورة
ألتذّ كالمقرور حرّ ضرام
متضائل الأفكار مهدور القوى
متزايل الأهواء و الأحلام
هي من ترى ؟ هي هنّ ، هنّ جواذبي
بأنيق ثوب أو رشيق قوام
الشّاردات العائدات من الضّحى
الطّاردات وراء كلّ ظلام
هنّ اللواتي إن صحوت فأنّني
منهنّ طالب مهرب و سلام
أخمدت فوق شفاههنّ شبيبتي
و ذبحت بين عيونهنّ غرامي !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> امرأة
امرأة
رقم القصيدة : 66445
-----------------------------------
أقبلت أم أمعنت في الإعراض
إنّي بحبّك يا جميلة راضي
و الله ما أعرضت بل جنّبتني
شطط الهوى و سموت عن أغراضي
ألقاك لست أرام إلاّ فتنة
علوية الإشراق و الإيماض
كم رحت أغمض ناظري من دونها
فأراه لا يقوى على الإغماض(59/28)
و ذهبت ألتمس السلوّ و أطلقت
نفسي زمام جوادها الركّاض
يجتاز نار مفازة مشبوبة
و يخوض برد جداول و رياض
ولقيت غيرك غير أنّ حشاشتي
لم تلق غير الوقد و الإرماض
و اعتضت باللّذّات عنك فلم تجد
روحي كلذّة حلمك المعتاض
و أطلعت ثمّ عصيت، ثم وجدتني
بيديك لا عن ذلّة و تغاضي
لكن لأنّك إن خطرت تمثّلت
دنياك تسعى لي بأروع ماضي !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> نداء القلب
نداء القلب
رقم القصيدة : 66446
-----------------------------------
حبيبة قلبي نأت دارها
و لم تنأ عنّي و عن ناظري
أرى وجهها مشرقا بالجمال
يطلّ من الشّاطئ الآخر
هو النّهر يفصل ما بيننا
مدلا بتمساحه الغادر
نوسّد رملته شاخصا
إليّ و ما كنت بالخائر
إليها على رغمه فلأخص
غوارب تيّاره الثائر
إذا ما تقاذفني موجه
و سال على بدني الضّامر
مضيت كأنّي على مائه
أنيل الثّرى قدمي عابر
لقد حال سابسة ماؤه
بسلطان هذا الهوى السّاحر
و صيّرني سحر هذا الهوى
و بي قوة القادر الظّافر
ألا إنّ سلطان هذي المياه
ليعنو سلطانها القاهر
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> فاروس الثاني
فاروس الثاني
رقم القصيدة : 66447
-----------------------------------
نبأ في لحظة أو لحظتين
طاف بالدّنيا و هزّ المشرقين
نبأ ، لو كان همس الشّفتين
منذ عام ، قيل إرجاف و مين !
و تراه أمة بالضّفتين
أنّه كان جنين العلمين
موسيلني ! أين أنت اليوم؟ أين؟
حلم ؟ أم قصّة ؟ أم بين بين ؟
***
قصر فينيسيا إليك اليوم يهدي
لعنة الشّرفة في قرب و بعد
عجبا ! يا أيّهذا المتحدّي
كيف ساوك سقوط المتردّي ؟
إمبراطورك في همّ و سهد
صائحا في لياه لو كان يجدي ؟
أين فاروس ولّيت بجندي ؟
أبن ولّيت بسلطاني و مجدي ؟
***
أعتزلت الحكم ؟ أم كان فرارا
بعد أن ألفيت حوليك الدّمارا
سقت بالمجزرة الزّغب الصّغارا
بعد أن أفنيت في الحرب الكبارا
يا لهم في حومة الموت حيارى
ذهبوا قتلى و جرحى و أسارى(59/29)
يملأون الجوّ في الرّكض غبارا
و قبورا ملأوا وجه الصّحارى
***
أعلى الصّومال أم أديس أبابا
ترفع الرّاية ، أم تبني القبابا
أم على النّيل ضفافا و عبابا
لمحت عيناك للمجد سرابا
فدفعت الجيش أعلاما عجابا
ما لهذا الجيش في الصّحراء ذابا ؟
بخّرته الشّمس فارتدّ سحابا
حين ظنّ النّصر من عينيه قابا
***
يا أبا القمصان جمعا ة فرادى
أحمت قمصانك السّود البلادا ؟
لم آثرت من اللّون السّوادا ؟
لونها كان على الشّعب حدادا !
جئت بالأزياء تمثيلا معادا
أيّ شعب عزّ بالزّيّ و سادا
إنّه الرّوح شبوبا و اتّقادا
لا اصطناعا بل يقينا و اعتقادا
***
موسيليتي قف على أبواب رةما
و تأمّلها طلولا و رسوما
قف تذكّؤتها على الأمس نجوما
و تنظرها على اليوم رجوما
أضرمت حولك في الأرض التّخوما
تقتفي شيطانك الفظّ الغشوما
أو كانت تلك روما أم سدوما
يوم ذاقت بخطاياك الجحيما ؟
هي ذاقت من يد الله انتقاما
لأثام خالد عاما فعاما
يوم صبّت فوق بيروت الحماما
لم تذر شيخا و لم ترحم غلاما
من سفين يملأ البحر ضراما !
ذلك الأسطول كم ثار احتداما
أين راح اليوم ؟ هل رام السّلاما ؟
أم على الشّاطئ أغفى ثم ناما ؟
***
أيّ عدوان زريّ المظهر
بدم قان ز دمع مهدر
حين طافت بحمى الأسندر
أجنح من طيرك المستنسر
تنشر الموت بليل مقمر !
يا لمصر ! أترى لم نثأر
بيد المنتقم المستكبر ؟
أترى تذكر ؟ أم لم تذكر
***
موسيليني ! لست من أمس بعيدا
فاذكر المختار و الشّعب الشّهيدا
هو روح يملأ الشّرق نشيدا
و يناديك ، و لا يألو و عيدا :
موسيليني ! خذ بكفّيك الحديدا
و صغ القيد لساقيك عتيدا
أو فضع منك على النّصل وريدا
فدمي يخنقك اليوم طريدا !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> هزيمة الشيطان
هزيمة الشيطان
رقم القصيدة : 66448
-----------------------------------
ألا ما لهذا اللّيل تدجّى جوانبه
على شفق دام تلظّى ذوائبه! ؟
و ما ذلك الظّل المخوف بأفقه
يطلّ فترتدّ ارتياعا كوكبه ! ؟(59/30)
أ أيتها الأرض انظري ، ويك ! و اسمعي !
توثّب فيك الشرّ حمرا مخالبه
أرى فتنة يلفظها الثّرى
دخانا تغشّي الكائنات سحائبه
و أشتمّ من أنفاسها حرّ هبوة
كأنّ هجير الصّيف يلفح حاصبه
أرى قبضة الشّيطان تستلّ خنجرا
توهّج شوقا للدماء مضاربه
تسللّ يبغي مقتلا من محمد
لقد خيّب الباغي و خابت مآربه
تقدّم سليل من النّار ! ما الباب الموصد !
فماذا توقّاه ، و ماذا تجانبه
تأمّل ! فهي إلاّ فتى في فراشه
إلى النّور تهفو في الظّلام ترائبه ! ؟
يسائلك الأشياع زاغت عيونهم
و أنت حسير ضائع اللّبّ ذاهبه :
ترنا غفونا أم ترى عبرت بنا
نفاثة سحر خدّرتنا غرائبه ! ؟
و ما زال منّا كلّ أشوس قابضا
على سيفه لم تخل منه رواجبه
ترى كيف لم تبصر غريمك ساريا
و أين ترى يمضي ؟ و تمضي ركائبه ؟
تقدّم ، و جس في الدّار و هنا ؟ فما ترى ؟
لقد هجر الدّار النبيّ و صاحبه !!
يحثّان في البيداء راحلتيهما
إلى جبل يؤوي الحقيقة جانبه
فقف و تنظّر حائرا نصب غاره
تحدّاك فيه ورقه و عناكبه
لتعلم أنّ الحق روح و فكرة
يذلّ لها الطّاغي و تعنو قواضبه
فطر أيّها الشّيطان نارا و انطلق
دخانا ، فأخسر بالذي أنت كاسبه !
خسئت ! و لو لم يعصم الحٌق ربّه
طوى الأرض ليل ما تزول غياهبه
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> موكب الوداع
موكب الوداع
رقم القصيدة : 66449
-----------------------------------
هذا الرّحيق فأين كأس الشّاعر؟
قد أوحش الأحباب ليل السّامر ؟
لم يا حياة و قد أحلّك قلبه
لم تؤثريه هوى المحبّ الشّاكر !
أخليت منه يديك حين حلاهما
من ذلك الأدب الرّفيه الباهر
لو عاش زادك من غرائب فنّه
ما لا يشبّه حسنه بنظائر
و ظفرت من تمثيله و غنائه
بأدقّ مثّال و أرخم طائر
أمل محا المقدار طيف خياله
و تخطّفته يد الزّمان الجائر
و اصار فرحتنا بمقبل يومه
مأساة ميت في الشّباب الباكر
متوسّدا شوك الطّريق ، ملثّما
بجراحه مثل الشّهيد الطّاهر
ردّوا المراثي يا رفاق شبابه(59/31)
لن تطفئوا بالدمع لوعة ذاكر
هذا فتى نظم الشّباب و صاغه
و حيا تحد{ من أرقّ مشاعر
جعل الثّلاثين القصار مدى له
و الخلد غاية عمره المتقاصر
غنّوه بالشّعر الذي صدحت به
أشواقه لحن الحبيب الزّائر
غنوه بالشّعر الذي خفقت به
أنفاسه لحن الحبيب الهاجر
تلك القوافي الشّاردات حشاشة
ذابت على وتر المغنّي السّاحر
فتسمّعوا أصداءها في موكب
للموت محتشد الفواجع زاخر
مشت الطّبيعة فيه بين جداول
خرس و أدواح هناك حواسر
و لو استطاعت نضّدت أوراقها
كفنا له و النّعش غضّ ازاهر
و دعت سواجع طيرها فتألّقت
أمما تخفّ إلى وداع الشّاعر
يا ابن الخيال تساءلت عنك الذّرى
و الشّهب بين خوافق و زواهر
و شواطئ محجوبة شارفتها
فوق العواصف و الخضمّ الهادر
أيرى جناحك في السّماء كعهده
متوحشا فلق الصّباح السّاغر
أيرى شراعك في العباب كعهده
متقلّدا حلق السّحاب الماطر
هدأ الصّراع و كفّ عن غمراته
من عاش في الدّنيا بروح مغمامر
و طوى البلى إلاّ قصيدة شاعر
أبقى من المثل الشّرود السّائر
شعر تمثّل كلّ حسّ مرهف
لا رصف ألفاظ و رصّ خواطر
و دمى مفضّحة الطّلاء كأنّها
خشب المسارح موّهت بستائر
من صنع نظّامين خهد خيالهم
مسح الزّجاج من الغبار الثائر
متخلفين عن الزّمان كأنّهم
أشباح كهف أو ظلال مساحر
يا قوم إنّ الشّعر روحانية
و ذكاء قلب في توقّد خاطر
نظر الضّرير به فأدرك فوق ما
لمست يد الآيس و عين النّاظر
متعرّفا صور الخلائق سابرا
أعماق أرواح و غور سرائر
هذي عروس الزّنج ليلته التي
أومت بكفّ حلّيت بأساور
و النّجم أشواق ، فمهجة عاشق
و ذراع معتنق و وجنة عاصر
ألشّعر موسيقى الحياة موقّعا
متدفقّامن كلّ عرق فائر
عشاق بابل لو سقوا برحيقه
لم يذكروها بالرّحيق السّاكر
و تنصّتت أقداحهم لمغرد
مرح يصفّق بالبيان السّاحر
أو كان كلّم برجها بلسانه
و القوم شتّى ألسن و حناجر
لم نشك من عوج اللّسان و وحّدت
لهجات هذا العالم المتنافر !(59/32)
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> صاحب الأهرام
صاحب الأهرام
رقم القصيدة : 66450
-----------------------------------
هلّ متن بين الموت و الميلاد
إلاّ حياة مآثر و أيادي ؟
و هل استطبت على الرّفاهة و الصّبا
إلاّ نهار ضنى و ليل سهاد ؟
و كفاح أيّام و عرك شدائد
بجميل صبر أو طويل جهاد ؟
متواضعا ، نترفّعا ، ترقى الذّرى
في مثل صمت الكوكب الوقّاد
يلقى أشعّته هناك و ههنا
و يضيء في الأغوار و الأنجاد
أهرامك المثلى نتاج قرائح
خلافة موصولة الأمداد
دنيا من الفكر الطّليق و عالم
رحب الجوانب شاسع الآماد
تهدي الحيارى المدلجين كأنّها
في شاطئ الوادي منارة هادي
قم يا فتى الأهرام و انظر رفقة
ينتظّرون خطاك في الميعاد
و يسائلون بك العشيّ كدأبهم
هذا النديّ ! فأين صدر النّادي ؟
يا لهف ، ما علموا بأنّك مزمع
سفر الحياة و رحلة الآباد
يا لهف ما ظفروا كما عوّدتهم
عند الوداع بنظرة و تنادي
حين الوفاء الجمّ شيمتك التي
أسرت قلوب أحبّة و أعادي
دخلوا عليك البيت جسما ضارعا
متفرّدا ، و الموت بالمرصاد
و الفكر صحو ، و الجبين شعاعة
ألاّقة الرّوح في إيقاد
و الشّمس بين سحابتين تدجّتا
رمق يصارع حينه و يرادى
في شاطئ قاني المياه كأنّها
مصبوغة بدم النّهار الفادي
هي صورة لك و المساء مقارب
و الرّوح ركب ، و المنية حادي
و القلب في كفّ القضاء فراشة
رفافّة و العمر وشك نفاد
عجبا أيشكو قلبه من قلبه
كنز الرّضى و الخير و الإسعاد !
و تخونه الأنفاس و هو رحابة
كم نفّست عن أمّة و بلاد ؟
و إذا أتى الأجل النّفوس فلا تسل
عن صحّة الأرواح و الأجساد
أأبا بشارة لا يرعك بعاده
مصر اجتبته فلا ترع ببعاد
آثرتها بهواك ، يا لغرامها !
هي مصر مهد الموت و الميلاد
حفظت لولدك الصّنيع المجتبى
و رعت فتاة البرّ في الأولاد
و رأت نجيبك فاستفاض حنانها
لسميّه المرجوّ في الأحفاد
ذكرت بيتمك يتمه فتفجّرت
حبّا ، و قبّلت الرّجاء البادي
لبنان نازعها هواك و ما رأى(59/33)
لبنان إلاّ من ضفاف الوادي
الأرز فيه و النّخيل كلاهما
أعشاش حبّ أو خمائل شادي
أرض العروبة لا تخوم و لا صوى
ما مصر غير الشّام أو بغداد
و أخوّة بالمسجدين و جيرة
من آل طارق أو بني عبّاد
قسما بأمساء النّديّ و مجلس
متألّق بالرّفقة الأمجاد
و جمال أسحار و طيب أصائل
بالذّكريات روائح و غوادي
و محبّة للخير صفو مزاجها
مرضاة نفس أو عزاء فؤاد
ألاّ استمعت إلى رفاقك ليلة
و النّار في مهج و في أكباد
جمد المداد عللا شبا أقلامهم
فصريرها نوح و لحن حداد
وا حسرتا ! أيّ الرّثاء أصوغه
لوفاء حقّ محبّتي و ودادي ؟
أرثيك للأمم التس شاطرتها
كرب الخطوب و فرحة الأعياد
و أذعت دعوتها و جزت بصوتها
في المغربين شوامخ الأطواد
و وصلت بين قريبها و بعيدها
رحم العروبة أو عهود الضّاد
قم حدّث القرّاء عما شعته
في العالم المتنافر المتعادي
وصف الممالك و الشّعوب كما ترى
ببراعة الوصّافة النقّاد
تطوي الغمائم و الخضارم و الثّرى
و تجول بين حواضر و بوادي
بفطانة الصّحفيّ و هي بصيرة
تغزو و تفتح مغلق الأسداد
يا ربّما نبأ أثار بوقعه
ما لا تثير ملاحم الأجناد
و هدى قبيلا أو أضلّ جماعة
لسبيل غيّ او سبيل رشاد
و الهف نفسي كم تمنّيت المنى
يوم السّيوف تقرّ في الأغماد
هل كنت تبصر من حضارة عصرها
إلا نثير حجارة و رماد
إنّ السّلام الحقّ ما آثرته
و الأرض غرقى في دم و سواد
و النّاس ما زالوا كما خلّفتهم
صرعى و الهوى و فرائس الأحقاد ؟
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> في منزل ريتشارد فاجنر
في منزل ريتشارد فاجنر
رقم القصيدة : 66451
-----------------------------------
يا للطريق الضّيق الـ
ـصّاعد بين ربوتين
كأنّما خطّ على قد
ر خطى لعاشقين
ألشّجرات حوله
كأنّها أهداب عين
كعهده بصاحب الدّ
ار ظليل الجانبين
نبّأه الصّدى المرنّ
عن قدوم زائرين
في فجر يوم ماطر
شقّ حجاب ديمتين
كأنّما ينزل منـ
ـه الوحي حبّات لجين
فانتبهت خميلة
تهزّ عشّ طائرين(59/34)
و شاع في االغابة همـ
ـس من شفاه زهرتين
من الغريبان هنا ؟
و ما سراهما ، و أين ! ؟
***
ماذا قدومهما و الغيث مدرار
لا صاحب الدّار طلاّع و لا الدّار
هذي البحيرة و سنى ، حلم ليلتها
لمّا تفق منه شطئان و أغوار
و الأرض تحت سحاب الماء أخيلة
مما يصوّره عشب و نوّار
و الصّبح في مهده الشّرقيّ ما رفعت
عن ورده من نسيج الغيم أستار
حتّى الجبال فما لاحت لها قمم
و لا شدا لرعاة الضأن مزمار
فمن هما القادمان ؟ الرّيح صاغية
لوقع خطوهما و الأرض أبصار !
أعاد من زمن الأشباح سامره
فاللّيل و الغاب أشباح و أسمار ؟
أم البحيرة جنّياتها طلعت
فهبّ موج يناديها و تيّار !
أم راصدا كوكب ضلاّ سبيلهما
لمّا خبت من نجوم اللّيل أنوار
أم صاحبا سفر مال الضّنى بهما
حوتهما جنّة للفنّ معطار
أم عاشقان ترى ؟ أم زائران هما ؟
و هل مع الفجر عشّاق و زوّار !
***
و أمسك الغيث كما
لو كان يصغي مثلنا
و اعتنقت حتّى وريـ
ـقات الغصون حولنا
كأنّما تخشى النّسيـ
ـم أو تخاف الغصنا
و انبعث اللّحن الشّجيّ
من هنا و من هنا
يثور في إيقاعه
قيثارة و أرغنا
كأنّ جنّا في السّما
ء يشعلون الفتنا
كأنّ أربابا بها
يحكمون الزّمنا
يا صاحب الإيقاع ما
تعرف ما هجت بنا
ألفجر ؟ أم ثارت على الشّـ
ـمس بوارق السّنى ؟
مالك قد غنيته
هذا النّشيد المحزنا
عنّيته آلهة
أم أنت غنّيت لنا ؟
***
ما ذلك الصّوت شاجي اللّحن سحّار
يجريه نبع من الإلهام زخّار
فيه تنفّس فوق السّحب آلهة
و آدميون فوق الأرض ثوّار
و فيه تهمس أرواح و أفئدة
منهن عان ، و رحمن ، و جبّار
له مذاق ، له لون ، له أرج
خمر أباريقها شتّى و أثمار
أشتفّه و أنادي كلّ ناحية
من المغنّي وراء الغاب يا دار ؟
ألسمفونية هذي ! أم صدى حلم
كما تجاوب خلف اللّيل أطيار !
أعاد للمعزف المهجور صاحبه
فعربدت في يديه منه أوتار !
أظلّ أصغي و ما في شرفة فتحت
و لا زاح رتاج الباب ديّار
حتى الحديقة لفّت كوخ حارسها(59/35)
بصمتها ، فهنا نبت و أحجار
تواضعت بجلال الفنّ ما راتفعت
مثل البروج لها في الجوّ أسوار
تصغي إلى همسات الرّيح شيّقة
كأنّما همسات الرّيح أخبار !
***
هنيهة ثم سمعـ
ـنا هاتفا مردّدا
يقول : قم يا سجفريـ
ـد فالصّباح قد بدا
عرائس الوادي ألم
تضرب لهنّ موعدا ؟
ماذا ! قم انفض الكرى ،
و نم كما شئت غدا
و أخطر على الغابة منـ
ـضور الصّبا مخلّدا
خذ سيفك السّحري صيـ
ـغ جوهرا و عسجدا
قد لقي التنّين منـ
ـه في العشيّة الرّدى
صوت مع الّيح سرى..
.، و للسكون أخلدا
فأمسكت صاحبتي
يدي و حاطت بي يدا
تقول: لم أسنع كهـ
ـذا اللّحن أو هذا الصّدى
قلت : و لا بمثله
شاد على الدّهر شدا
***
قد باح بالنّغم الموعود قيثار
فالفجر أحلام عشّاق و أسرار
صحا يفصّل رؤياه و يعبرها
موج على الشاطئ الصخري ثرثار
و زحزحت ورق الصّفصاف حانية
على البحيرة أعشاب و أزهار
تسائل الماء: هل غنّته أو عبرت
شهب به مستحمات و أقمار ؟
يا صاحب اللّحن إنّ الغاب مصغية
فأين من سجفريد السّيف و الغار
ما زال فوق نديّ العشب مضجعه
و من يديه على الأغصان آثار
هذا النّشيد ، نشيد الحبّ ، تعزفه
له عرائس ، مثل الورد ، أبكار
بعثتهنّ من الأنغام أجنحة
هزيزهنّ مع الأفلاك دوّار
في صدر قيثارة أودعته نغما
مزاجه الماء و الإعصار و النّار
تفضي بما شئت من أسرار عالمها
فيه ليال و أيّام و أقدار
حتّى الطّبيعة من ناس و آلهة
تمازجت فهي ألحان و أشعار !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> فلسفة و خيال
فلسفة و خيال
رقم القصيدة : 66452
-----------------------------------
نهزة أهدت الخيال إلينا
و دعتنا لموعد فالتقينا
ههنا تحت ظلّة الغابة الشّجـ
ـراء سرنا ، و الفجر يحنو علينا
و قطفنا من زهرها ، و انثنينا
فجنينا تفاحها بيدينا
و مرحنا بها سحابة يوم
و بأشجارها نقشنا اسمينا
***
ههنا يا ابنة البحيرات و الأو
دية الخضر و الرّبى و الجبال
صدح الحبّ يالنّشيد فلبييـ(59/36)
ـنا نداء الهوىو صوت الخيال
وتبعنا على خطى الفجر موسيـ
ـقى من العشب و النّدى و الظّلال
و سمعنا حفيف أجنحة تهـ
ـفو بها الرّيح من كهوف اللّيالي
***
قلت لي و الحياء خدّيـ
ـك : أنار تمشي بها أم دماء ؟
ملء عينيك يا فتى الشّرق أحلا
م سكارى و صبوة و اشتهاء
و على ثغرك المشوق ابتسام
ضرّجته الأشواق و الأهواء
أو حقا دنياك زهر و خمر
و غوان فواتن و غناء ؟
***
قلت: يافتنة الصّبا حفلت دنـ
ـياك بالحبّ و المنى و الأغاني
ما أثارت حرارة الجسد المشـ
ـتاق إلاّ مرارة الحرمان
إنّ أجسادنا معابر أروا
ح إلى كلّ رائع فتّان
أنا أهوى روحيّة العالم المنـ
ـظور لكن بالجسم و الوجدان
***
ما تكون الحياة لو أنكر الأحـ
ـياء فيها طبائع الأشياء !
أنا أهواك كالفراشة صاغتـ
ـهازهور الثّرى و كفّ الضّياء
أنا أهواك فتنة صاغها المثّـ
ـال من طينة و من إغراء
أنا أهواك بدعة الخلد صيغت
من هوى آدو و حوّاء
***
أنا أهواك من أثام و طهر
حلم إغفاءتي و صحو غرامي
أنا أهواك تبدعين يقيني
من نسيج الظّنون و الأوهام
أنا أهواك دفء قلبي و ينبو
ع اشتهائي ، و شرّتي ، و عرامي
و حنانا مجسدا إن طواني الـ
ـلّيل و سّدت صدره آلامي
***
إنّني بالخيال أنتزع الرّقـ
ـة من قسوة الزّمان المرير
عجبا ! ما حقائق الكون إلاّ
لمحات الخيال و التّفكير
قبل أن تشرق النّجوم على الأر
ض أضاءت بذهن ربّ قدير
و تجلّت في حلمه بنظام
من بديع التّكوين و التّصوير
***
أطلقي نفسك السّجينة ملء الـ
ـغاب ، ملء الفضاء ، ملء العباب
و احلمي بالحياة من نغم الخلـ
ـد و خمر الهوى و زهر الشّباب
ههنا عشّنا على الشّاطئ المسـ
ـحور نبنيه من غصون الغاب
و نخطّ البستان أحلام طفل
صقلته مواهب الأرباب
***
خطرة ، ثمّ أطرقت في حياء
و أدارت في جانب الغاب عينا
و انثنت بابتسامة فدعتني
ثمّ قامت تمشي هناك الهوينا
و تلاقت عيوننا فتنادت
لي ، و جنّ الحنان في شفتينا
فاعتنقنا في قبلة قد أذابت(59/37)
جسدينا ، و مازجت روحينا
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> على حاجز السفينة
على حاجز السفينة
رقم القصيدة : 66453
-----------------------------------
حنت على حاجز السّفينه
ترنو إلى الرّغو و الزّبد
كأنّها الفتنة السّجينه
تمضي بها لجّة الأبد
نبت بها ضجّة المكان
يزينها الصّمت و الجلال
و البحر من حولها أغاني
و السّحب و الرّيح و الجبال
ساهرة وحدها تطلّ
بملتقى النّور و الظّلام
لا تسأم الصّمت أو تملّ
تهامس الشّهب و الغمام
تصغي إلى الموج و الرّياح
في معزل شاق كلّ عين
كأنّها نجمة الصّباح
مطلّة من سحابتين
هفهافة الثّوب في بياض
يكاد عن روحها يشفّ
لأيّ ذكرى و أيّ ماض
يسري بها خاطر و يهفو
و ما وراء العباب تبغي
و أيّ سرّ لها تبدّى
و أيّ لحن إليه تصغي
بروحها الحالم استبدّا
عجبت للبحر ما عراه
يودّ لو مسّ ناظريها
يتاخم النّجم في علاه
و ينثني جاثيا لديها
و هائم في الفضاء صبّ
مجنّح لا يبن طيفا
كم ودّ لو - من ضنى و حبّ
هوى على صدرها و أغفى
كم بثّ من أنّة و ألقى
بهمسة ضائع صداها
يا ويحه لا يحير نطقا
فكيف تلقي له انتباها
أنفاسه عن جواه تغني
عليلة خفقها اضطراب
كآهة في فم المغنّي
جريحة لحنها العذاب
يدنو ، و يرتدّ في حياء
يجاذب الثّوب و الشّعر
و كلّما كلّ من عياء
أثاره الوجد فاستعر
***
يضمّها راعشا و يمضي
مباعدا ، و هو ما ابتعد
كأنّه بالحنين يقضي
لبانة الرّوح و الجسد
و القمر الطّالع الصّغير
أزاح عن وجهه السّحابا
و قد جرى ضوؤه الغرير
يستشرف الأفق و العبابا
المرح العابث الطّروب
لمّا دعا بايمه الشّروق
نادت به موجة لعوب
إليّ .. يا أيّها المشوق
طال على المنتأى طروقي
و طال مسراك في السّماء
فنم على صدري الخفوق
و احلم بما شئت من هناء
و انسني وحشة اللّيالي
بقبلة منك يا حبيبي
لكنّه مرّ لا يبالي
ولجّ في صمته العجيب
مذ أبصرته انثنى و مرّا
قالت، و من دمعها مسيل:
لأنت مثل الرّجال طرّا
يا أيها الخائن الجميل(59/38)
و هبتك الغضّ من شبابي
سكران من خمر أمسياتي
فأين تمضي على العباب
من صوت حبّي و ذكرياتي
أعندها مثل فتنتي
أم أنّني افترى عليها
إذهب إليها و دع ذمامي
فديتك، اسلم على التنائي
إذبح على صدرها غرامي
و املأ لها الكأس من شقائي
واله مع الغيد و العذارى
وغنّ بالكأس و الوتر
و انقع من الغلّة الأوارا
و اقطف من اللّذة الثّمر
أبوك ، و الطّبع لا يحول ،
ورثته خلقة و خلقا
يا أيّها القلّب الملول
من قبضتي لن تنال عتقا
مطارد أنت باشتياقي
ما جبت أرضا و جزت بحرا
مقيّد أنت في وثاقي
و إن رأتك العيون حرّا
لأنت مهما كبرت طفلي
يا ابن الهوى البكر و الألم
خطاك مسبوقة بظلّي
و إن تعلقّت بالقمم
سأحفظ العهد منك دوما
و أقطع العمر في انتظارك
و سوف تأوى إليّ يوما
تبكي ، و أبكي إلى جوارك
ضراعة من عذاب أنثى
مشت على المائج الغضوب
صغا لها اللّيل و استحثّا
سواكن الرّيح للهبوب
و حدّقت في الدّجى نجوم
غيري ، تغامزن بالخبر
و غمغمت نجمة رؤوم
أما يرى ضوءه القمر ! ؟
أما يرى ذلك الصّبيّا
يؤلب البحر و الظّلاما ؟
فيا له فاتنا خليّا
يزور العشق و الغراما !
كم ليلة الف ليله
لم تروها عنه شهر زاد
و كم عناق له و قلبه
في كذبة لفظها معاد
فاستوعب الضّوء ملء حسّه
مفاتن النّاس و الطّبيعه
مردّدا في قرار نفسه
ما أبشع الغيرة الوضيعه
و ارتعش الضّوء ثم اضفى
من حوله الصّفو و السّكينه
و ابتسمت نفسه فألفى
خطاه في جانب السّفينه
فراعه ذلك الجمال
جمالها الصّامت الحزين
فشاقه الشّعر و الخيال
و هزّه الوجد و الحنين
فقال: يا روعة المساء
وفتنة اللّبّ و البصر
قد آذن اللّيل بانقضاء
وأنت موصولى السّهر
أيتّها الملكة الكسيره
أيّتها الرّبة الخجوله
أيّتها الطّفلة الكبيره
لن تبرحي عالم الطّفوله !
أعلم ما تكتمين عنّي
و إن تلثذمت بالخفاء
خمس ليال و أنت منّي
متبوعة الظّلّ باشتهائي
قد كنت أزهى بما عرفت
من فتن الحسن و الدّلال
لكنّني اللّيلة اكتشفت
أروع ما شمت من جمال(59/39)
عشقت فيك الهوى و دلّه - في زهوة الحسن و الشّباب
و ذلك الصّمت ، ما أجلّه
في عالم اللّغو و الكذاب
هاربة انت يا فتاتي
من ثورة الشكّ و الرّيب
هربت من ضجّة الحياة
فكيف من نفسك الهرب !
بها ابدئي أولا فسلّي
وردك من شوكه الأثيم
لا البعد يجدي و لا التّسلي
كطعنك الغدر في الصّميم
هنية لم يطل مداها
تروع بالصّمت و الشّحوب
لم يبلغ اللّيل منتهاها
إلاّ على روعة المغيب
و التفت الضةء للوداع
يهمس في رقّة و وجد
يا ربّة الحسن لا تراعي
فلترعك الكائنات بعدي
يا ليل ، يا موج ، يا رياح
أيّتها السّحب و الظّلال
أيّتها الغور و البطاح
أيتها الشّهب و الجبال
في الجوّ في الماء ، في الثّرى
صوني لها العهد و الوداد
ردّي على عينها الكرى
و أبعدي الفكر و السّهادا
و أنقذيها من الجوى
يا عاشقاتي على الزّمان
بكلّ ما فيك من قوى
و كلّ ما فيّ من حنان !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> اعتراف
اعتراف
رقم القصيدة : 66454
-----------------------------------
إن أكن قد شربت نخب كثير
ات و أترعت بالمدامة كأسي
و تولّعت بالحسان لأنّي
مغرم بالجمال من كلّ جنس
و توحدّت في الهوى ثم أشركـ
ـت على حالتي رجاء و يأس
و تبذّلت في غرامي فلم أحـ
ـبس على لذّة شياطين رجسي
فبروحي أعيش في عالم الفنّ
طليفا و الطّهر يملأ حسّي
تائها في بحاره لست أدري ،
لم أزجي الشّراع أو فيم أرسي
لي قلب كزهرة الحقل بيضا
ء نمتها السّماء من كلّ قبس
هو قيثارتي عليها أغنّي
و عليها وحدي أغنّي لنفسي
لي إليها في خلوتي همسات
أنطقتها بكلّ رائع جرس
***
كم شفاه بهنّ من قبلاتي
وهج النّار في عواصف خرس
و وساد جرت به عبراتي
ضحك يومي منه و إطراق أمسي
أيّهذي الخدزر ! أنوارك الحمـ
ـراء كم أشعلت ليالي أنسي
أحرقتهنّ ! آه لم يبق منهنّ
سوى ذلك الرّماد برأسي !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> البحر و القمر
البحر و القمر
رقم القصيدة : 66455
-----------------------------------(59/40)
تساءل الماء فيك و الشّجر
من أين يا كان هذه الصّور ؟
ألبحر و الحور فيه سابحة
رؤى بها بات يحلم القمر !
أطلّ و الضوء راقص غزل
دعاه قلب ، و شاقه بصر
يهمس فيما يراه فتن
آلهة هؤلاء أم بشر ؟
يقفز من لجّة إلى حجر
كأنّما مسّ روحه الضّجر
معربدا لا يريم سابحة
إلاّ و منه بثغرها أثر
من كلذ حواء مثلما خلقت
يعجب منها الحرير و الوبر
ألقته عنها رقائقا و نضت
جسما تحامى نداءه القدر
في حانة ما علت بها عمد
و لا استوى في بنائها حجر
جدرانها الماء ، و السّملء لها
سقفة ، و النّسائم و السّتر
خمّارها منشد ، و سامرها
حور تلوّى ، و فتية سكروا
لم تبق في الشّطّ منهمو قدم
قد خوّضوا في العباب و انتثروا
و شيّعوا العقل حينما شربوا
و ودّعوا القلب حيثما نظروا
و السّابحات الحسان حولهمو
كأنهنّ النّجوم و الزّهر
يزيد سيقانهنّ من بهج
لون عجيب الرّواء مبتكر
يضيء وردا و خمرة و سنى
ذوب من المغريات معتصر
تغاير الموج إذ طلعن به
و ثار من حولهنّ يشتجر
بهنّ يلتفّ مرتقى و يرى
ينشق عنهنّ فيه منحدر
منفتلات قدودهنّ كما
ينفتل الغصن آده الثّمر
ملوّحات بأذرع عجب
تحذرهنّ النّهود و الشّعر
و الضّوء فوق الخصور منهمر
و الماء تحت الصّدور مستعر
مازلن و البحر في توثّبه
يرغي كما راع قلبه خطر
قد جاوز اللّيل نصفه فمتى
تؤمّ فيه أصدافها الدّرر
فليصخب البحر و لتئنّ به
رماله ، و ليثرثر الشّجر
و لتعصف الرّيح فوق مائجه
و لينبجس من غمامه المطر
أقسمن لا ينتحين شاطئه
و إن ترامى بمائه الشّرر
حتى يرى وهو فضّة ذهب
تمازج اللّيل فيه و السّحر !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> بين الشرق و الغرب
بين الشرق و الغرب
رقم القصيدة : 66456
-----------------------------------
مسراك نور و أنسام و أنداؤ
فاخفق شراعي ، و طر ، يصدح لك الماء
يا أيها القلق الحيران كم أمل
تشدو به موجة في بحر العذراء
يحدوك بالنّغم السّكران أرغنها
في مسبح ماؤه زهر و صهباء(59/41)
أما ترى البحر يبدو في مفاتنه
لكلّ جبّ جديد فيه أجواء ؟
و فجره صائد طارت بمهجته
حوريّة في فجاج اليمّ شقراء ؟
و ليله مرقص تغشاه غانية
في مطرف أسود وشّاه لألاء ؟
شتّى مواكب من روح و آلهة
لها التّفات إلى الماضي و إصغاء
تهرّها بقديم الشّوق أشرعة
مرنّحات تغنّهن أنواء
يقودهنّ على الأمواج في مرح
ملاخ واد له بالتّيه إغراء
ما بين عينيه سال البرق مبتسما
و استضخكت قلبه مزن و هوجاء
زوته عنها السّنون السّبع و اختلفت
عليه من بعدها نعمى و بأساء
مغرّبا في ديار من عشيرته
بها الأحبّة حسّاد و أعداء
و قيل كفّته عن دنيا شوارده
بيضاء من شعرات الرّأس غرّاء
لا يا غرامي ، و هذا الفنّ ملء دمي
بالنّار و الصّبوات الحمر مشّاء
ما أفلتت من يدي غيداء عاصية
إلا و عادت إليها و هي سمحاء
و ذاك شاطئنا المسحور تزحمه
من ذكرياتك أطياف و أصداء
على الصّخور الحواني من مشارفه
ربّات وحي ، و أشواق ، و أهواء
أقمن منتظرات ، ما شكون ضنى
و قد تعاقب إصباح و إمساء
حتّى رأتني على بعد مطوّقة
مجروحة الصّوت ، و لهى اللّحن ، سجواء
همّت تغنّي فكانت نبأة و صدى
صحت لوقعهما دوح و أفياء :
عرائس الشّعر قد عاد الحبيب ، و في
عينيه سهد و تعذيب و إضناء
آب المغامر من دنيا متاعبه
أما له راحة منها و إغفاء ؟
دعيه يحلم بأنّ البحر في دعة
و الرّيح ناعمة ، و الأرض قمراء
و انها في ظلال السّلم نائمة
و أنّها جنّة للحبّ غنّاء
و قرّبي كأسه و اصغي لمزهره
يسمعك أشجى نشيد زفّه الماء
***
و قيل لبنان سحر الشرق ، فاندفعت
سفينة و هفت بالشّوق دأماء
أوحى له الشّرق أنّا من أحبّته
و أنّنا في الهوى أهل أودّاء
فقرّبتنا و شفّت عن بشاشته
به قرى كربوع الخلد شجراء
في كلّ منحدر منها و مرتفع
مسحورة النّبع ، ريّا النّبت ، جلواء
فعلّقت بمغانيه نواظرنا
و قبّلت نسمات الأرز حوباء
و استقبلتنا الطّيور في مناقرها
شدو ، و زيتونة للشّرق خضراء
ترقّص الموج إذا مسّته أجنحها(59/42)
كقلب آدم إذ مسّته حواء
في ساحل من خرافات و أخيلة
بهنّ لبنان روّاح و غدّاء
لاحت على سفحه بيروت فاتنة
صبيّة و هي مثل الدّهر شمطاء
توسّدت صخرة الآباد و التفتت
ترعى سفائن من راحوا و من جاؤوا
أتلك بيروت ؟ أم بابل صور
معلقات ، لها بالسّحر إيحاء !
شغل العباقرة الشادين من قدم
مجددين لهم في المجد أسماء
و أومأت بالهوى عاليّ فاعتنقت
من حولنا ثمّ أظلال و أضواء
قامت تنسّق من ماء و من شجر
فكلّ ناحية زهر و أجناء
كأنّما نبّئت من عشتروت لقا
فازيّنت فهي سيقان و أثداء
تقول : يا ربّة الحسن انظري و صفي:
أفوق واديك مثلى اليوم حسناء ؟
عاليّ ، رفقا بأبصار مدلّهة
لها إلى الحسن بالألباب إفضاء
عاليّ ، إنّا نشاوى من هوى و أسبى
إنّا محبّون ، يا عاليّ ، أنضاء
و حان بعد وداع من فرادسها
و قد حرت بخطى الشّمس المليساء
فاغرورقت بدموع الوجد أعيننا
و أشفقت من وجيب القلب أحناء
و سار عنها شراع حائر قلق
له إلى الغرب بالأسفار إيماء
***
يل بحر ما بك ؟ هل مسّتك عاصفة
أم استخفّك إزباد و إرغاء ؟
أشاقك الغرب أم شفّتك موجدة
لما خبت من ربوع الشّرق أسناء ؟
هذي السّماء صفاء ، و الدّجى قمر
للحسن فيه و للعشّاق ما شاؤا
يا بحر ما بك ما بي! مصر ما بعدت
ولي إليها بهذا الشّعر إسراء
عجبت و العصر حرّا كيف في يديها
هذا الحديد له حزّ و إدماء !
أقسمت لا رجعت بي فيك جارية
إن لم تجئ عن جلاء القوم أبناء
و أنّ مصر بحريّاتها ظفرت
فأهلها اليوم أحرار أعزّاء
أقسمت ، إلاّ إذا نادت بقتياها
فهبّ مستقتل عندها و فداء
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> لحن من فينا
لحن من فينا
رقم القصيدة : 66457
-----------------------------------
في اهتزاز العصب الثّا
ئر و الرّوح المعنّى
طالعته بالهناء الـ
ـلّيلة الأولى فغنّى
و رأى من حوله الأر
ض سلاما فتمنّى
ليس يدري ، أشدا من
فرح أم ناح حزنا
قلت : من أيّ بلاد ؟
قيل : لحن من فيّنا !(59/43)
يا فينّا سلسلي الأنغام سحرا
في حنايا النّفس لا جوّ المكان
أو حقّا أنت ذي ؟ أم أنت ذكرى
أم رؤى تمرح في دنيا الأغاني
و بنان هزّت الأوتار سكرى
أم شفاه لمست روح الزّمان ؟
***
يا فيّنا جدّدي الآ
ن مسرّات اللّيالي
روحك الرّاقص لم يحـ
ـفل بأرض و قتال
طربا ما زال يشدو
بين موج و جبال
بأساطير ، و أحلا
م ، و فنّ ، و خيال
هو روح النّفم الها
ئم في دنيا الجمال
***
يا فينّا هل على غا
بك للشّمل اجتماع
أم على فجرك ناي
فيه للرّاعي ابتداع
أم على أفقك من نو
ر العشيّات التماع
أم على مائك تحت الـ
ـلّيل للحبّ شراع
آه من أمس ! و ما جـ
ـرّ على النّفس الوداع !
***
يا فيّنا أسمعي الدّنيا و هاتي
قصّة الغابة و الفلس الكبير
أين الذّنوب شدو الذكريات
و صدى العشاق في اللّيل الأخير
رحلوا عنك بأحلام الحياة
غير قلب في يد الحبّ أسير !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> أندلسية
أندلسية
رقم القصيدة : 66458
-----------------------------------
حسنك النّشوان و الكأس و الرّويّه
جدّدا عهد شبابي فسكرت
حلم أيّام و ليلات وضيّه
عبرت بي في حياتي و عبرت
أنا سكران و في الكأس البقيّه
ايّ خمر من جنى الخلد عصرت
آه ، هاتي قرّبي الكأس إليه
و اسقينا أنت يا أندلسيّه
***
لا تقولي أيّ صوت ملهم
قاد روحينا ، فجئنا ، و التقينا
دمك المشبوب فيه من دمي
روح ماض بالهوى يهفو إلينا
أخت روحي ! قرّبيها من فمي
إن شربنا أو طربنا ما علينا
آه هاتيها من الحسن جنيّه
و اسقينا أنت يا أندلسيّه
***
كانت النّظرة الأولى نظرتين
ثم صارت لفظة ما بيننا
و الهوى يعجب من مغتربين
لم يقل أنت .. و لا قالت ..أنا
و سبحنا فوق واد من لجين
تحت أفق من غمام و سنى
أتملاّها سمات عربيه
و أنادي أنت يا أندلسيه
***
صحت يا للشّمس في ظلّ النغيب
تلثم الزّهر و أوراق الشّجر
خلتها بين محبّ و حبيب
قبلة عند وداع و سفر
فانثنت تنظر للوادي العجيب
صورا يذهبن في إثر صور(59/44)
و بسمعي همسة منها شجيه
و بروحي أنت يا أندلسيه
***
و نزلنا عند شط من نضار
و انتحينا خلوة بعد زحام
قلت و اللّيل بأعقاب النّهار :
ألك اللّيلة في لحن و جام ؟
ما على مغتربي أهل و دار
إن دار ها هنا كأس مدام
آه هاتيها كخديك نقيه
و اسقنيها أنت يا أندلسيّه
***
و احتوتنا بين لحن مطرب
حانة مثل أساطير الزّمان
صوّرت جدرانها بالذّهب
فتن العشق و أهواء الحسان
قالت : اشرب قلت لبيك اشربي
ملء كأسين فإنّا ظامئان
خمرة رومية أو بابلية
إسقينا أنت يا أندلسيّه
***
هتفت بي و يداها في يدي
تدفع الكأس بإغراء و عجب
أيّ قيثار شجيّ غرد
خلته ينطق عن أسرار قلبي !
قلت طفل من قديم الأبد
يمزج الألحان من خمر و حبّ
ملء كأس في يديه ذهبيه
فاسقنيها أنت يا أندلسيه
***
و مضى اللّيل و نادى بالرّواح
كلّ خال و تعايا كلّ صبّ
و خبا المصباح إلاّ كأس راح
نوره ما بين إيماض ووثب
قد تحدّى و هجه ضوء الصّباح
فبقينا حوله جنبا لجنب
نتساقاها على الفجر نديّه
و أغني أنت يا أندلسيّه
***
يا عروس الغرب يا أندلسيّه
بعدت دارك و الصيف دنا
أين أحلام اللّيالي القمريه
و البحيرات مطيفات بنا
إذكري بين الكؤوس الذّهبيّه
خانة ، يا ليتها دامت لنا
حين أدعوك صباحا و عشيه
إسقنيها أنت يا أندلسيّه
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الوردة الصفراء
الوردة الصفراء
رقم القصيدة : 66459
-----------------------------------
قالت تعتبني: أراك منعتني
من قطف هذي الوردة الصّفراء
و بسحر هذا اللّون كم غنّيتني
و هتفت بالشّقراء و الصّهباء
قلت : اغفري لي يا حبيبة نظرتي
إنّي أعيذ الحسن من أهوائي
أخشى ظنون النّاس فيك ، و أتّقي
سمة الضّنى و الغيرة الحمقاء
و أذود لون خدّيك اقطفي ما شئته
من زهرة أو كوكب وضّاء
قالت أتمنعني الذي أحببته
في نظرة لك و ادّكار وفاء
في عرضك الماضي و نبشك ما ذوى
من ذكريات شبيبة هوجاء
و بسخرياتك بي ، و بسمتك التي
تلقى بها المفضوح من إغوائي(59/45)
و شحوب و جهك إن أرقت صبابة
حيران بين قطيعة و لقاء !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> راكبة الدراجة
راكبة الدراجة
رقم القصيدة : 66460
-----------------------------------
تمهّلي فراشة الصّباح
أسرفت في الغدوّ و الرّواح
ماذا ارتياد الطّرق الفساح
و الوثب فوق العشب و الصّفّاح
بين الرّوابي الخضر و البطاح
بالشّعر المهدّل السبّاح
كالموج تحت العاصف المجتاح
و النّهد و هو مطلق السّراح
يخفق بين الصّدر و الوشاح
و السّاق خلف السّاق في كفاح
في حلقة طاغية الجماح
تدور مثل البارق اللمّاح
تودّ لو طارت مع الرّياح
و حلّقت في كبد الصّراح
بلطف هذا الجسد الممراح
و خفّة في روحك الصّداح
تكاد تغنّي الطّير عن جناح !
يا لهواء عابث مفراح
سكران ، لا من خمرة الأقداح
بل من صباك ، و الصّبا كالرّاح
يرفع طرف الثّوب في مزاح
لا يستحي من لائم و لا حي
قد أذن الفخذين بافتضاح
و نمّ عن خميلة التّفّاح
فوق كثيب الورد و الأقاحي !
أخشى على حسنهما الوضّاح
عين اشتهاء و يد اجتراح
بل صرت أخشى ثورة الأرواح
في مثل هذا الحرم المباح
وددت لو بالرّوح أو بالرّاح
صنتهما حتّى الصّباح !
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> إلى أبناء الشرق
إلى أبناء الشرق
رقم القصيدة : 66461
-----------------------------------
دعوها مني و اتركوه خيالا
فما يعرف الحقّ إلاّ النّضالا
بني الشرق ماذا وراء الرّعود
نطلّ يمينا و نرنو شمالا
و ما حكمة الصّمت في عالم
تضجّ المعالم فيه اقتتالا
زمانكمو جارح لا يعفّ
رأيت الضعيف به لا يوالى
و يومكمو نهزة العاملين
و مضيعة الخاملين الكسالى
خطا العلم فيه خطى صائد
توقّى المقادر منه الحبالا
توغّل في ملكوت الشّعاع
و صاد الكهارب فيه اغتيالا
و حزّبها فهي في بعضها
تحطّم بعضا و تلقى نكالا
رمى دولة الشّمس في أوجها
فخرّت سماء و دكّت جبالا
مدائن كانت وراء الظّنون
ترى النّجم أقرب منها منالا
كأنّ سليمان أخلى القماقم(59/46)
أو فكّ عن جنهنّ اعتقالا
و أوما إليها فطاروا بها
مدى اللّمح ثمّ تلاشت خيالا
و حتّام نشكو سواد الحظوظ
و من أفقنا كلّ فجر تلالا !
ألسنا بني الشّرق من يعرب
أصولا سمت و جباها تعالى ؟
أجئنا نسائل عطف الحليف
و نرقب منه النّدى و النوالا ؟
نصرناه بالأمس في محنة
تمادى الجبابر فيها صيالا
سبحنا إليه على لجّة
من النّار لم نذك منها ذبالا
فكيف تناسا حواريّه
غداة السّلام و أغضى مالا ؟
أردّ الحقوق لأربابها ؟
و أعفاهمو من طلاب سؤالا ؟
و رفّت على الأرض حريّة
تألّق نورا و تندى ظلالا ؟
نبيّ الحقيقة ، كم قلت لي
بربّك قل لي وزدني مقالا
رأيتك أندى و أحنى يدا
على أمم جشمّتك النّزالا
فم لك تقسو على أمّة
سقتك الوداد مصفّى زلالا
و عدت الشّعوب بحقّ المصير
فما لك تقضي و تملي ارتجالا
أتغصب من أهلها أرضهم
و تسلم للغير نهبا حلالا؟
أليست لهم أرضهم حرّة
يسودون فيها الدّهور الطوالا ؟
فلسطين مالي أرى جرحها
يسيل و يأبى الغدة اندمالا
تنازها حيرة الزّاهدين
و تنهشها شهوات تقالى
أعزّت أساتك أدواؤها ؟
هو الحقّ ! ما كان داء عضالا !
هو الحقّ إن رمتمو عالما
يشفّ صفاء و يزكو جمالا
أقيمو عليه مودّاتكم
و إلاّ فقد رمتموه محالا
فيا للبريئة ماذا جنت
فتحمل مالا يطاق احتمالا
هي الشّرق ، بل هي من قلبه
و شائج ماض تأبّى انفصالا
و تاريخ دنيا و أمجادها
بنى ركنها خالد ثمّ عالى
وعى الحقّ للمصطفى دعوة
لنصرتها و العوادي توالى
تبارى لها المسلمون احتشادا
و هبّ النّصارى إليها احتفالا
من الشّام و الأرز و الرافدين
و أقصى الجزيرة صحبا و آلا
و إفريقيا ما لإسلمها
يسام عبوديّة و احتلالا !؟
على تونس و بمرّاكش
تروح السّيوف و تغدو اختيالا
ألم تخب في الأرض نار الحروب
و يلق الطّغاة عليها و بالا ؟
ألم يتغيّر بها الحاكمون ؟
ألم تتبدّل من الحال حالا
هم العرب الصّيد لا تحسبنّ
بهم ضعة أو ضنى أو كلالا
نماهم على البأس آباؤهم
قساورة و سيوفا صقالا(59/47)
بناة الحضارة في المشرقين
درى يخشع الغرب منها جلالا
ألا أيّها الشّامخ المطمئن
رويدا فإنّ الليالي حبالى
و مالك تنسى على الأمس يوما
به كاد ملكك يلقى زوالا
فتقذف بالنّار سورية
و ترمي بلبنان حربا سجالا
شباب أميّة طوبى لكم
أقمتم لكلّ فداء مثالا
دعتكم دمشق فما استنفرت
سوى عاصف يتخطّى الجبالا
و في ذمّة المجد من شيبكم
دم فوق أروقة الحقّ سالا !
بني الشّرق كونوا لأوطانكم
قوى تتحدّى الهوى و الضّلالا
أقيمو صدوركمو للخطوب
فما شطّ طالب حقّ و غالى
فزعت لكم من وراء السّقام
و قد جلّل الشّيب راسي استعالا
و ما أن بكيت الهوى و الشّباب
و لكن ذكرت العلى و الرجالا ! !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> يوم فلسطين
يوم فلسطين
رقم القصيدة : 66462
-----------------------------------
فلسطين لا راعتك صيحة مغتال
سلمت لأجيال و عشت لأبطال
و لا عزّك الجيل المفدّى و لا خبت
لقومك نار في ذوائب أجبال
صحت باديات الشّرق تحت غبارهم
على خلجات الرّوح تربك الغالي
فورارس يستهدي أعنّة خيلهم
دم العرب الفادين و السؤدد العالي
بكلّ طرق منه صخر منضّر
و كلّ سماء جمرة ذات إشعال
غداة أذاعو أنك اليوم قسمة
لكلّ غريب دائم التّيه جوّال
قضى عمره ، جمّ المواطن - و اسمه
مواطنها - مابين حلّ و ترحال
و ما حلّ دارا فيك يوما ، و لا هفت
على قلبه ذكراك من عهد إسرال
محا الله وعدا جطّه الظام لم يكن
سوى حلم من عالم الوهم ختّال
حمته القنا كيما يكون حقيقة
فكان نذيرا من خطوب و أهوال
و فتّح بين القوم أبواب فتنة
تطلّ بأحداث و تومي بأوجال
أراد ليمحو آية الله مثلما
أراد ليمحو اللّيل نور الضّحى العالي
فيا شمس كفّي عن مدارك و اخمدي
و يا شهب غوري في دياجير آجال
و يا أرض شقّي من أديمك و ارجعي
كم كنت قبل الرّسل في ليلك الخالي
ضلالا رأوا أن يسلموا الشرق مجده
و ماهو بالغافي و ما هو بالسّالي
ألا يا ابنة الفتح الذي نوّره الثّرى
و طهّر دنيا من طغاة و ضلاّل(59/48)
و اكرم قوما فيك كانوا أذّلة
فحرّرهم من بعد رقّ و إذلال
لك الشّرق ، يا مهد القداسة و الهدى
قلوبا تلبّي في خشوع و إجلال
لك الشّرق ، يا أرض العروبة و العلى
شعوبا تفدّي فيك ميراث أجيال
و ماهو من مستعمر جاء بالهوى
و لا هو من مستثمر في قيود و أغلال
سليه ، تهج ما بين عينيك أرضه
مخالب نسر أو براثن رئبال
سليه ، يمج ما بين سمعيك أفقه
زئير أسود أو زماجر أشبال
سليه الدّم المهراق بذله غاليا
و يضرب به الحقّ أروع أمثال
***
ألا أيّها الشّادي الذي طرب الورى
بحلو حديث عن حقوق و آمال
و قال لنا : في عالم الغد جنّة
غزيرة أنهار و ريفة أظلال
سمعنا خدعنا ، و انتبهنا ، فحسبنا
لقد ملّت الأسماع قيثارك البالي
و ياأيّها الغرب المواعد لا تزد
كفى الشّرق زادا من وعود و أقوال
شبعنا و جعنا من خيال منمّق
ز منه اكتسينا ، ثم عدنا بأسمال
فلا تندب الضّعفى و تغصب حقوقهم
فتلك إذا كانت ، شريعة أدغال !!
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> من الأعماق
من الأعماق
رقم القصيدة : 66463
-----------------------------------
حيّتك في الشرق آمال و أحلام
و قبّلتك جراحات و آلام
و استقبلتك على الوادي و ضفّته
عروبة وثبت فرحى و إسلام
و حقبة من جهاد أشرقت و هفت
بها ليال من الذّكرى ة أيّام
تعانق العائد المنفيّ في بلد
حماه للحرّ إعزاز و إكرام
ديار فاروق من يلجأ لساحتها
فقد حمته من الأحداث آجام
يطيب للعربيّ المستجير بها
معاشه و يرقّ الماء و الجام
و يحطم القلم العاني بحومتها
أصفاده ، و يفكّ القيد ضرغام
يا أيّها البطل الصّنديد جئت بما
تحدثت عنه أدهار و أقوام
هزّت فلسطين أنباء يطير بها
برق على جنبات الليل بسّام
عادت لها ذكريات الأمس و انبعثت
بها صحائف من نور و أقلام
و أنفس قرشيّات يطرّبها
صوت يرنّ به رمح و صمصام
نصّت على اللّيل آذانا تغازلها
من صوتك الجهوريّ العذب أنغام
قد أقسمت لا ينال الّدار مغتصب
حتّى و إن شرقت بالنار أعلام(59/49)
في الله ، في الحقّ ، في الإسلام كلّ دم
يسيل فيها ، و جرح ليس يلتام
ظنّوك أقصيت عنها فهي نائمة
و كيف ! هل في ربوع القدس نوّام !
و تلك أطماعهم في كلّ ناحية
ألسيف منهنّ فوق الخلق قوّام
قالوا غدرت و لم أفهم لمنطقهم
حكما و لكنّما للقوم أحكام
أفي دفاعك عن أهل و عن وطن
غدر ؟ إذن فجهاد الظّلم إجرام !
قالوا هو الحقّ ما نسعى لنصرته
يا بؤسه كم هوان أهله سامو
يا شرق يا شرق لا تخدعك دعوتهم
و اقبض يدا ، فحديث الحقّ أوهام
أكان غير عيون الزّيت دافقة
من قلبك الغضّ يجريهنّ سجّام
و كان غير أنابيب يحوط بها
ضلوع صدرك قهّار و ظلاّم
قد قسّموك مطارات و ما عملوا
إلاّ لحرب لها في الكون إضرام
أكنت غير الفدى في غير تضحية
إن هم عليك بسرب للرّدى حاموا
يا شرق سل بالحسينيّ الذي صنعوا
واسمع لحفّك ، لا يخدعك هدّام
سلهم عن الشّرف الموعود كم غدروا
به ؟ كم اجترحت في السّلم آثام
و أنت أيّها الفادي عروبته
إسلم فديتك ، لا غبن و لا ذام
جهادك الحقّ مظلوما و مغتربا
و حي لكلّ فتى حرّ و إلهام
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> على النيل
على النيل
رقم القصيدة : 66464
-----------------------------------
أخي ! إن وردت النّيل قبل ورودي
فحيّ ذمامي عنده و عهودي
و قبّل ثرى فيه امتزجنا أبوّة
و نسلمه لابن لنا و حفيد
أخي ! إن أذان الفجر لبّيت صوته
سمعت لتكبيري و وقع سجودي
و ما صغت قةلا أو هتفت بآية
خلا منطقي من لفظها و قصيدي
أخي ! إن طواك الليل سهمان سادرا
نبا فيه جنبي و استحال رقودي
أخي ! إن شربت الماء صفوا فقد زكت
خمائل جنّاتي و طاب حصيدي
أخي ! إن جفاك النهر أو جفّ نبعه
مشى الموت في زهري و قصّف عودي
فكيف تلاحيني و الحاك ؟ إنّني
شهيدك في هذا .. و أنت شهيدي !
حياتك في الوادي حياتي ، فإنّما
وجودك في هذه الحياة وجودي
***
أخي ! إن نزلت الشاطئين فسلهما
متى فصلا ما بيننا بحدود ؟
رماني نذير السّوء فيك بنبأة(59/50)
فجلّل بالأحزان ليلة عيدي
و غامت سمائي بعد صفو و أخرست
مزاهر أحلامي و مات نشيدي
غداة تمنّى المستبد فراقنا
على أرض آباء لنا و جدود
و زفّ لنا زيف الأماني علالة
لعلّ بنا حبّ السّيادة يودي
أخوّتنا فوق الذي مان ة ادّعى
و ما بيننا من سيّد و مسود
إذ قال الإستقلال فاحذره ناصبا
فخاخ احتلال كادّهور أبيد
و كم قبل منّاني ، على وفر ما جنى
بحربين ، من زرعي و ضرع وليدي
فلما أتاه النّصر هاجته شرّة
فهمّ بنكراني و رام جحودي
ألا سله ، ماذا بعد سبعين حجة
أأنجز من وعد ؟ أفكّ قيودي ؟
يبدّلني قيدا بقيد كأنّه
مدى الدّهر فيها مبدئي و معيدي
أخي ! و كلانا في الإسار مكبّل
نجرّ على الأشواك ثقل حديد
إذا لم تحرّرنا من الضّيم وحدة
ذهبنا بشمل في الحياة بديد
و ما مصر و السودان إلاّ قصيّة
موحّدة في غاية و جهود
سئمنا هتاف الخادعين بعالم
جديد ، و لمّا يأتنا بجديد
و جفّت حشاشات و عدن بمائه
فلما دنا ألفت سراب وعود
و طال ارتقاب السّابغين لناره
على عاصف يرمي الدّجى بجليد
إذ يدنا لم تذك نار حياتنا
فلا ترج دفئأ من وميض رعود
إذا يدنا لم تحم نبع حياتنا
سرى ريّه سمّا بكلّ وريد
سيجريه ما شئت مطامع قومه
و يحبسه ما شاء خلف سدود
و كيف ينام المضعفون و حولهم
ظمأ نسور أو جياع أسود ؟
أخي هل شهدت النيل غضبان ثائرا
يرجّ من الشطآن كلّ مشيد !
جرى من مصبّيه شواظا لنبعه
على نفثات من دم و صديد
و جنّات نخل واجمات كواسف
و أسراب طير الفلاة شريد
لدى نبأ قد ريع من حمله الصّدى
و ضجّ له الموتى وراء لحود
جنوبك فيه و الشّمال تفزّعا
لتشتيت أهل و انقسام صعيد
أحال ضياء الصّبح حولي ظلمة
بها الحزن إلفي و الهناء فقيدي
و سعّر أنفاسي فأطلقت نارها
على الظالم الجبّار صوت و عيد
أرادك مفصوم العرى و أرادني
بهدم إخاء الجبال مشيد
ليأكلنا من بعد شلوا ممزّقا
كطير جريح في الشّباك جهيد
تحاليل شيطان الأساليب لم يدع
مجالا لشيطان بهنّ مريد
***(59/51)
على النيل يا ابن النيل أطلق شراعنا
و قل للياليه الهنيّة : عودي
و أرسل على الوادي حمائم أيكه
برنّة و لهى أو شكاه عميد
و قل : يا عروس النّبع هاتي من الجنى
و دوري علينا بالرّحيق وجودي
و هبّي عذارى النّخل فرعاء و ارقصي
بخضر أكاليل و حمر عقود
ألا يا أخي و املأ كؤوس محبّة
مقدّسة موعودة بخلود
إذا هي هانت فانع للشّمس نورها
و للقمر السّاري بروج سعود
و قل : يا سماء النيل ويحك أقلعي
و يا أرض بالشّمّ الرّواسخ ميدي
و غيضي عيون الماء ! أو تفجّري
لظّى ، و إن استطعت المزيد فزيدي !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> مصر
مصر
رقم القصيدة : 66465
-----------------------------------
هوى لك فيه كلّ ردى يحبّ
فديتك ! هل وراء الموت حبّ ؟
فديتك مصر ، كلّ فتى مشوق
إليك ، و كلّ شيخ فيك صبّ
و يحلم بالفدى طفل فطيم
و كلّ رضيعة في المهد تحبو
أراك و أينما و ليّت وجهي
أرى مهجا لوجهك تشرئبّ
و أرواحا عليك محوّمات
لها فوق الضّفاف خطى و وثب
عليها من دم الفادين غار
له بيديك تضفير و عصب
حمتك صدورها يوم التّنادي
ووقّتك اللّيالي و هي حرب
إذا رامتك عادية و شقّت
فضاءك غيلة و رماك خطب
دعت بالنّهر فهو لظى و وقد
و بالنّسمات فهي حصى و حصب
و بالشجر المنوّر غيل
و كلّ غصونه ظفر و خلب
حقائق عن يد الأيمان ترمي
صواعق و مضها ظفر و خلب
حقائق عن يد الإيمان ترمي
صواعق ومضها رجم و شهب
لها في مهجة الجبّار فتك
و في عينيه إيماض و سكب
صنائع الغانائيّات يشدو
بها شرق ، و يلقي السّمع غرب
و يبعث في الحياة على صداها
فراعين أو حواريّون عرب
أهلّوا بالصّباح فثمّ ركب
تموج به الضّفاف و ثمّ ركب
بأرواح مجنحة نشاوى
إليك بكلّ جارحة تدبّ
لقد بعثت من الأحقاب مصر
أجل بعثت ، و هبّ اليوم شعب
توحّد في الزعامة فهو فرد
و أفرد بالأمانة فهو صلب !
***
فيا لك مصر ! ما لجلال أمس
علته غبرة و طوته حجب
و ابهم فهو رجع صدى و طيف
بعيد ليس يستجليه قرب(59/52)
دوت ريّا ملامحه و حالت
مناقبه فهنّ أذى و ثلب
أكان دم الفدائيّين صدقا
و أصبح و هو بعد الأمس كذب
فيهدم ما بنى و يقال شادوا
و تصدع وحدة و يقال رأب ؟
علام إذن اريق بكلّ واد
فأورق مجدب و أنار خصب ؟
و جاد به شباب عبقريّ
و ولدان كفرخ الطّير زغب ؟
أحقّا ما يقال شيوخ جيل
على أحقادهم فيه أكبّوا
و كانوا الأمس أرسخ من جبال
إذا ما زلزلت قمم و هضب
فمالهمو وهت منهم حلوم
لها بيد الهوى دفع و جذب
أأرحام مقطّعة و ارض
تعادى فوقها أهل و صحب
و اسواق تباع بها و تشترى
ضمائر هنّ للأهواء نهب
يطوف بها النّفاق و في يديه
صحائف أفعمت زورا و كتب
يكاد اللّيل أن ينسى دجاه
إذا نشرت و يأخذ منه رعب
تعالوا يا بني قومي تعالوا
إلى حقّ و حسب الشعب حسب
هو الدستور منه جنى قطفنا
و نهر حياتنا ملآن عذب
فما للشّرب و الجانين ثاروا
عليه بعد ما طعموا و عبّوا
فأهدر مرّة و أبيح أخرى
و عيب ، و ما له عيب و ذنب
إذا ما الأكثرية فيه فازت
تحرّكت الدّسائس و هي إلب
و إن هي حوربت عنه و ذيدت
تحدّث باسمه فرد و حزب
عجائب لم تقع إلاّ بمصر
و أحداث لهن يطيش لبّ
تعالوا يا بني قومي إليه
فما في حكمه قسر و غصب
و ما هو اسطر كتبت و لكن
معان في القلوب لهنّ علب
تحررت الشّعوب فكلّ شعب
طليق و المجال اليوم رحب
و هبّت في نواحي الأرض دنيا
لحقّ يجتبى و منى تلبّ
أتلعب و الزمان يقول جدّوا
و نرقد و الحياة تصيح هبّوا ؟
فلا تقفوا بحريّات شعب
و آمال له للمجد تصبو
فما تثني خطى شعب طموح
زعازع في ظلام الليل نكب
إذا عصفت تلقّاها بصدر
وراء ضلوعه نار تشبّ
سألتكمو اليمين و حبّ مصر
ألم يخفق لكم بالحبّ قلب ؟ !
إذا عبس الزمان لمصر أومت
إلى الفاروق و هي رضى و حبّ
فقبّلها و ظلّلها هواه
و ندّى قلبها و العيش جدب
و باسمك أيها الملك المفدّى
تقشّع غمّة و يزول كرب
و باسمك لا يضام لمصر حقّ
و باسمك لا يضار بمصر شعب
و باسمك من عضال الدّاء تشفى
و باسمك كلّ داء يستطبّ(59/53)
بحقّ علاك وهو هدى و نور
و حقّ هواك و هو علا و كسب
إليك توجّهت بالرّوح مصر
و أنت لمصر بعد الله ربّ
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> لقاء و دعاء
لقاء و دعاء
رقم القصيدة : 66466
-----------------------------------
لقاؤكما قد كان حلم زماني
و عهدكما للشّرق فجر أماني
و لا عهد إلاّ للعروبة و العلى
لقلبين في كفّين يعتنقان
تحدّثني عيني ، و قد سرتما معا
حبيبان سارا ، أم هما أخوان !
و يسألني قلبي ، و قد لاح موكب
من الأحمر اللجيّ أشرق داني
على ملكي من شراع و لجّة
تطامن في صفو له و أمان
تناسمه بين العشّيات و الضّحى
سرائر من أرض الحجاز حواني
و أفئدة من أرض مصر مشوقة
شواخص في الثّغر المشوق رواني
إلى افق فيه من الرّوح هزّة
و فيه من الوحي القديم معاني
أتسأل يا قلبي و أنت بجانبي ؟
و كيف ؟ ألم تعلم من الخفقان
و أنت الذي تصغي ، و أنت الذي ترى
و تنطق منّي خاطري و لساني
و منك الذي أوحى إليّ فهزّني
و فجّر شعري من سماء بياني
أنال جلال اليوم منك ، فخلته
رؤى يقظة ؟ بل ذاك رأي عيان
هو الملك فاروق في موقف الهدى
تسير إليه الفلك دون عنان
يؤم بها ربّ الجزيرة مصره
و ما هي إلاّ فرحة و أغاني
هما عاهلا الشّرق العريق و ركنه
هما حصنه الواقي من الحدثان
هما الحبّ و الإيمان و المجد و النّدى
تمثّل في آياتها ملكان !
***
سلاما طويل العمر مصر تبثّه
بأعذاب ما رفّت به شفتان
و للنّيل أمواج يثبن صبابة
بأفراح دور فوقه و مغاني
تجلّى طرازا في لقائك مفردا
رفارف خضرا في ظلال الجنان
يحيّ بك الشّعب الحجازيّ شعبه
و فيك يحيّ القبلة الهرمان
تساءل فيهاالصّحبان و قد بدت
مخاضرها من لؤلؤ و جمان
و آفاقها مكّية النّور و الشّذى
يضئن بأقمار بهنّ حسان
جلاها المساء القاهريّ صباحة
تغاير في لألائها القمران
سعودية الإشراق تزهى بنورها
مطالع فاروقية اللّمعان
أفي مصر ؟ أم بطحاء مكة يومنا ؟
هنا وطن أم ههنا وطنان
و تلك قطوف النّيل دانية الجنى(59/54)
أم أنّ قطوفا للرياض دواني
هوى لك يا عبد العزيز أصارها
و ما اختلفت في صورة و مكان
و أنت أخو الفاروق دارك داره
على الرّحب ، و الدّاران تلتقيان
فإن تذكر الأوطان و الأهل عندها
فما مصر إلاّ موطن لك ثاني
و ما هي إلاّ أمّة عربيّة
موحّدة في فكرة و لسان
أينصت لي الضّيف العظيم هنيهة
و يسمع لي الفاروق صوت جناني ؟
يقولون نار الحرب في الغرب اخمدت
فمالي أرى الشرق سحب و دخان !
مشت بالشّتاء الجهم فوق تخومه
برعد حسام و التماع سنان
بإيران صيحات ، و في الشّام ضجة
و في القدس جمر موشك الثّوران
و في السّاحل الغربيّ من آل طارق
جريحا إباء في دم غرقان
طماعية فيه زالت قناعها
و ما سترت وجها لها ببنان
رمت عن يد قفّازها و تحفّزت
مخالب ضار أو براثن جاني
فإن قيل هذا مجلس الأمن فاسألوا
علام تضجّ الأرض بالشّنآن
و فيم دعاة السّلم طال حديثهم
على غير معنى من رضى و أمان
و أبهم حتى بان كاظّلّ طامسا
و داور حتى راغ في الدّوران
أرى اليوم مثل الأمس صورة غاصب
و إن حوّرت في صبغة و دهان
***
إليكم ملوك الشّرق كم عن مقالة
ثنائي حيائي و الوفاء دعاني
أشدت بما شدت فرادى ، و كلكم
يفاخر جيل بالذي هو باني
أناشدكم و الشّرق بين مطامع
تهدده في حوزة و كيان
فهلاّ جمعتم أمره و استعنتمو
بكلّ فتى بالطيّبات معان
أرى حلفاء الأمس لم يحلفوا به
و ما زال من خلف الوعود يعاني
و ما قرّ في ظلّ السلام بحقّه
و لا فاز من حرّية بضمان
و تلك أمانيه على عتبايهم
مطرّحة في ذلّة و هوان
أنقنع من حقّ و جامعة له
بجمع يدير الراي حول خوان ؟
و ليس لها من قوّة غير ألسن
و أقلام كتّاب و سحر بيان
و ماذا يفيد الرأي لا سيف عنده
و ماذا يصيب القول يوم طعان
على البأس فابنو ركنها و تأهّبوا
بمستقتل من حولها متفاني
تلاقي بها رايات كلّ شعوبه
و أسيافهم من صلبة ولدان
كأمواج بحر زاخر متلاطم
ينابيعه شتّى ذرى ورعان
ضمنت بكم مجد العروبة خالدا
على كرّ دهر و اختلاف زمان(59/55)
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> عودة المحارب ..
عودة المحارب ..
رقم القصيدة : 66467
-----------------------------------
اتدري الريح من ملكت زمامه
تشقّ الغرب و تطوي ظلامه ؟
هفت للشرق فاختلجت جناحا
به، و استقبلت لثما غمامه !
و قيل دنا و حوّم ، فاشرأبّت
ضفاف النيل تستهدي حيامه
و عانقه الصّباح على رباها
غضيض الطّرف لم ينفض منامه
يضيء بورده الأزليّ أفقا
تظلّله الرّعاية ة السّلامه
وواكبه على سيناء برق
بعين الملهمين رنا فشامه
تمثّل إذا تألّق ذكريات
و أمجادا مشهّرة مسامه
لمحترب من الأبطال فاد
يخاف الدّهر أن يلقي عرامه
حواريّ على كفيّه قلب
أبى غير الشّهامة و الكرامه
نحيف من شراه الخلد يحمي
تراث الشّرق أو يرعى ذمامه
كسته خشنة غير الليالي
و سلّت عزمه و جلت حسامه
أشدّ على قواضبها مراسا
و أنفذ من مضاربها همامه
أقام على الفلاة طريد ظلم
و ذيد ، فما أطاق بها مقامه
و بايع في شبيبته المنايا
فعادت منه و ادّرأت حمامه !
أحلّوا قتله و تطلّبوه
دما حرا و روحا مستهامه
تنسّي الحرب كلّ فتى هواه
و لا ينسى الكميّ بها غرامه
زئير الليث يطرب مسمعيه
و تشجيه برنّتها الحمامه
و وثب الخيل أفراس الأماني
إلى خطر تعشّقه و رامه
يصفّ البيض و السّمر العوالي
و يرقب من فم الصّبح ابتسامه
و يفرك راحتيه دما و نارا
يغنّي حبّه و يدير جامه
كذاك رأى الحياة فما اجتواها
و لا عرف الملالة و السّآمه
مفازع للرّدى إن لاح فرّت
وراء خطاه و ارتدّت أمامه !
***
أخا الهيجاء كيف شهدت حربا
يذكّر هولها يوم القيامه
و كيف رأيت بعد الحرب سلما
تملأ بالضّغينة و اللآمه
و قالوا عالم قد جمّلوه
فلم يعد الشّناعة و الدّمامه
تناثرت الممالك فيه حتّى
لتعجز أن تبين لها حطامه
متاهات تضلّ بها الليالي
و لا يدري بها فلك نظامه
فلسطين الشهيدة في دجاه
مفزّعة الخواطر مستضامه
أقام المستبدّ على حماها
فعاث بها و أفرادها طغامه
و جاء بآبق لفظته دار(59/56)
و أفّاق يحمّلها أثامه
أباح له على كيد جناها
و شاطره على خبث مدامه
و علّمه الرّماية و اجتباه
فسدّد في مقاتله سهامه !
نديم الأمس سقاه بكأس
أحسّ لهيبها و رأى ضرامه
رمى الشيطان عن فخّارتيها
و عضّ على نواجذه ندامه
ألا لا يمرح الباغون فيها
فلن ينسى لها الحقّ انتقامه
محال أن تطيب لهم حياة
عليها ، أو تدوم لهم إقامه
عروبتها على الأدهر أبقى
و أثبت من رواسخها دعامه
أتهدأ و هي في الغمرات تأسو
جريحا ؟ أو تشدّ له ضمامه ؟
و مفتيها الأمين و مفتديها
وراء تخومها يشكو هيامه ؟
فتى أحرارها ما عاب عنها
و لا منع الخيال بها لمامه
كأمس ، كعهدها ، لم بغف عينا
بليل أقسمت ألا تنامه
يؤلفها على الأحداث صفّا
جسور النفس جبّار العرامه
جهاد في العروبة و احتشاد
له التاريخ قد ألقى زمامه
***
أخا الصّبوات هل شفت الليالي
جراح القلب أو روّت أوامه ؟
حللن بسوريا بعد اغتراب
و قد كاد الجلاء يتمّ عامه
فقلت تحيّة الزّمن المعادي
لمقتل أطال به صدامه
و أشرقت الكتائب عن لواء
يد الشهداء لم تترك عصامه
لأصهب من أسود الحرب يمشي
بأصهب تمسك الدنيا لجامه
حواك جلالة فحنيت رأسا
و لم تخفض لجبّارين هامه
طريق المجد كم أثر عليه
لأهوال لقيت و كم علامه !
و كم جبل هبطت برأس واد
يعزّ الجنّ أن ترقى سنامه
حميت الغاصبين خطى إليه
فصان عراقه و حمى شآمه
بجيش من بني عدنان فاد
ترى نسرا به و ترى أسامه
يروعك خالد فيه و تلقى
عبيدة و هو في سيف و لامه
كأنّ الفاتحين من الأوالي
على أسيافهم رفعوا خيامه !
***
حماة الشرق ، كم الغرب باغ
عليه ، أذاقه بطشا و سامه
و كم أيد عليه مجرّدات
مخالب كاسر يبغي التهامه
ذئاب حول جنّته تعاوى
كأنّ بكلّ معترك زحامه
هو السيف الأصمّ إذا تغنّى
صغا متجبر و وعى كلامه
أعدّوا حدّه لصراع دهر
صريع الوهم من يرجو سلامه !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> بطل الريف
بطل الريف
رقم القصيدة : 66468
-----------------------------------(59/57)
لا السّيف قرّ و لا المحارب عادا
ويح البشير ! بأيّ سلم نادى ؟
الأرض من أجساد من قتلوا بها
تجني العذاب و تنبت الأحقادا
فاض السّحاب لها دما - مذ شيّعت
شمس النهار
رأت الحداد به على أحيائها
أتراهمو صبغوا السّماء حدادا ؟
ودّ الطّغاة بكا مطلع كوكب
لو أطفأوه و أسقطوه رمادا
و تخوّفوا و مض الشّهاب إذا هوى
و بروق كلّ غمامة تتهادى
و لو أنهم وصلوا السّماء بعلمهم
ضربوا على آفاقها الأسدادا
لولا لوامع من نهى و بصائر
تغزو كهوفا أو تؤمّ و هادا
لم يرق عقل أو ترقّ سريرة
و قضى الوجود ضلالة و فسادا
راع الطغاة شعاعه فتساءلوا
من نصعلى هذا الكوكب الوقّادا ؟
إن تجهلوا فسلوا به آباءكم
أيّام شعّ عدالة و رغادا
هل أبصروا حرّية إلاّ به
أو شيّدوا لحضارة أوتادا
حملت سناه لهم يد عربيّة
تبني الشعوب و تنسج الآبادا
هي أمّة بالأمس شادت دولة
لا تعرف العبدان و الأسيادا
جرتم عليها ظالمين بعدّكم
و عديدكم تتخايلون عتادا
و منعتموها من مواهب أرضها
ماء به تجد الحياة وزادا
في المغرب الأقصى فتى من نورها
قدخت به كفّ السّماء زنادا
سلّته سيفا كي يحرّر قومه
و يزيل عن أوطانه استعبادا
ما بالكم ضقتم به و حشدتمو
من دونه الأسياف و الأجنادا
أشعلتموها ثورة دمويّة
لا تعرفون لنارها إخمادا
حتّى إذا أوهى القتال جلادكم
و مضى أشدّ بسالة و جلادا
جئتم إليه تهادنون سيوفه
و سيوفه لم تسكن الأغمادا
و كتبتموا عهدا - بحد سيوفكم -
مزّقتموه و لم يجفّ مدادا
***
الأهل أهلك ، يا أمير ، كما ترى
و الدّار دارك فبّة و عمادا
أنى نزلت بمصر و جاراتها
جئت العروبة أمّة و بلادا
مدّت يديها ، و احتوتك بصدرها
أمّ يضمذ حنانها الأولادا
و لو استطاعت ردّ ما استودعتها
ردّت عليك المهد و الميلادا
و أتتك بالذّكر الخوالد طاقة
كأجلّ ما جمع المحبّ و الهادي
و بلوت من صلف الطّغاة و عسفهم
فيها الليالي و السنين شدادا
جعلوا البحار ، و مثلهنّ جبالها
سدّا عليك و أوسعوك بعادا(59/58)
دعهم ! فأنت سخرت من أحلامهم
و أطرتهنّ مع الرّياح بدادا
عشرين عاما ، قد حرمت عيونهم
غمض الجفون ، فما عرفن رقادا
يتلفّتون وراء كلّ جزيرة
و يسائلون الموج و الأطادا
من أيّ واد .. موجة هتفت به
و مضى ، فحمّلها السلام ، و عادا
لو أنصفوا قدروا بطولة فارس
لبلاده بدم الحشاشة جادا
نادى بأحرار الرجال فقرّبوا
مهجا تموت وراءه استشهادا
يدعو لحقّ أو لإنسانيّة
تأبى السّجون و تلعن الأصفادا
شيخ الفوارس حسب عينك أن ترى
هذي الفتوح و هذه الأمجاد
الرّيف هبّ منازلا و قبائلا
يدعو فتاه الباسل الذّوّادا
حنذ الحسام لقبضتيك ، و حمحمت
خيل تقرّب من يديك قيادا
و على الصّحارى من صداك ملاحم
تشجي النّسور و تطرب الآسادا
أوحت إلى العرب الحداء، و ألهمت
فرسانهم تحت الوغى و الإنشادا
عبد الكريم انظر حيالك هل ترى
إلا صراعا قائما و جهادا
الشّرق أجمعه لواء واحد
نظم الصفوف و هيّأ القوّادا
لم يترك السّيف الجواب لسائل
أو ينس من مترقّب ميعادا
سالت حلوق الهاتفين دما ، و ما
هزّوا لطاغية الشّعوب وسادا
فصغ البيان به ، و أنطق حدّه
يسمع إليك ، مكرّرا و معادا
كذبت مودّات الشّفاه و لم أجد
رغم العداوة كالسّيوف ودادا
***
لهجت قلوب بالذي صنعت يد
شدّت لجرح المسلمين ضمادا
حملت ندى ملك ، و نجوة أمّة
صانت بها شرفا أشمّ تلادا
و حمت عزيزا لا يقرّ ، و أمّنت
حرّا يقاسي الجور و الإبعادا
فاد من الغرّ الكماة مجاهد
تتنازع الآلام منه فؤادا
جارت عليه الحرب ثم تعقّبت
في السّلم تحت جناحه أكبادا
زغب صغار مثل أفراخ القطا
و حرائر بتن السنين سهادا
هو من رواسي المجد إلا أنّه
عصف الزمان بجانبيه فماذا
رجل رأى شرا ، ففادى قومه
و أحس عادية ، فهب ّ ، ورادى
ظلموه هواه إذ أحبّ بلاده
ما كان ذنبا أن أحبّ ففادى !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> أندونيسيا
أندونيسيا
رقم القصيدة : 66469
-----------------------------------
سحائب حمر ؟ أم سماء تضرّم ؟(59/59)
أم الشّمس يجري فوق صفحتها الدّم ؟
على مشرق الإصباح من أندونيسيا
سيوف تغنّي أو حتوف ترنّم
و فوق رباها يزحف الموت ضاحكا
على جثث منهن يروي و يطعم
فراديس شرق ذيد عنهن أهله
و هنّ لأهل الغرب نهب مقسّم
يدار بها ماء الجماجم مثلما
يدار على الشّرب الرّحيق و يسجم
و في أراضها أو أفقها صوت محنق
كأنّ صداه الغيب ، لو يتكلّم !
تميد الصحارى و الجبال لوقعه
و تشفق أنواء ، و يفرق عيلم
و ترتدّ حتّى الشّهب عن سبحاتها
فلا ثمّ آفاق ، و لا ثمّ أنجم
و فيم تضيء الشمس أو يشرق السّنى
إذا الأرض غشّاها ضلال و مأثم
و أصبح فيها المضعفون و حظّهم
من العيش ما يقضي القويّ و يبرم
أذلاّء إن ناموا ، أرقّاء إن صحوا
يباع و يشرى فيهمو و يسوّم
يسمّون ثوّار إذا ما تجهّموا
لمغتصب ، أو من عذاب تألموا !
لأيّة غنسانية ذلك الوغى ؟
و فيم أحلّوه لقوم و حرّموا ؟
رويدا بناة الكون ، ما تلك ثورة
عل الحقّ ، بل روح على الجور ينقم
و ما عي إلا منكمو رجع صيحة
على الأمس كانت كالمزامير تنغم
هو الشّرق ثارت روحه فهو لجّة
من النّار تذكيها رياح تهزّم
ينادي بعهد بين يوم و ليلة
أضيع ، و حقّ يستباح و يهضم
و حرّية موءودة ، طال شوقها
إلى النّور ، يطويها ظلام مخيّم
مكبّلة الكفّين ، مغلولة الخطى
تداس ، و يؤبى أن يبوح لها فم!
***
سلاما ، سلاما ، سيّد السّلم و الوغى
جلالك موفور ، و عهدك مكرم
و يعنو إليك الجنّ و الإنس طاعة
كأنّك فيهم سليمان تحكم
و بين يديك الأرض تلقي زمامها
و في راحتيك السّبعة الخضر تسلم
و لم تبق في الكون السّحيق رحابة
لغيرك ، أو يبعد به عنك مغنم
فما لك بالأسطول و الجيش واثبا
على أمّة عزلاء بالسّلم تحلم ؟
و تنقض مثل النسر فوق سمائها
بأجنحة تغزو النّجوم و تزحم
ألاقيت في أجوائها غير طيرها
على نسمات في الغصون تهينم ؟
و أبصرت إلاّ أمة محمد
تنازعها المكياد غصبا و ولهم
ملايين ممن كرّم الله خلقهم
يراد بهم أن يمسخوا أو يحطّموا !(59/60)
أنل هذه الدنيا رضاك ، و حسبنا
من الدّهر هذا البارق المتبسّم
سراب من الأوهام نسقى بلمعه
وطيف برؤياه نسرّ و ننعم
و دعنا بمعسول المنى و وعودها
تذق من نعيم العيش ما نتوهّم
و نبدع لهذا الكون في الوهم صورة
تمثّل منه بعض ما كنت تزعم !
فإنّا شعوب من سلالة آدم
لنا في مراقي العلم و الفن سلّم
لنا خطرة تهوي الخيال، و نظرة
طموح ، و قلب بالمحاسن مغرم
على أنّنا نبني على الحقّ و الهدى
مآثر لا تبلي و لا تتهدّم
و نرعى مواثيق الوفاء ، كما رعت
أوائلنا ، لسنا على البذل نندم !
من الصين حتّى ساحل الغرب عالم
به المسلمون الأولون تقدّموا
بنوه حضارات ضخاما ، و لم يزل
له أثر في الكون أسمى ة أضخم
نظام من الشّورى و عهد الرّضى
اياديه شتّى ، حسينات و أنعم
سل العام إن أوفى عليك هلاله
ففي ضوئه للحقّ هدي ز معلم
لعلّك إن يمسسك من نوره سنى
يلن منك قلب الحديد ملثّم
و ينبئك أنّا لا نطيق على الأذى
مقاما ، و أنّا أمة ليس تظلم
على الحقّ نجزي من جزانا بحقّنا ،
فإن لم يكن ... فالشّر بالشّر يحسم !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> ردّوا على الوادي ربيه نهاره
ردّوا على الوادي ربيه نهاره
رقم القصيدة : 66470
-----------------------------------
ردّوا على الوادي ربيه نهاره
آب الزّعيم اليوم من أسفاره
جاب البحار إليكمو حتّى إذا
نصل الدّجى ألقى عصا تسياره
هذا الذي قدر الإله حياته
لينقّل التاريخ في أدواره
الأعزل المنفي فارق قيده
ورمى بآسره و ذلّ إساره
عجبا يخاف مطارد بجزيرة
ضرب الوجود بها وراء بحاره
فيجشّم المنفى البعيد بصخرة
في مائج متلثّم بخطاره
تخشى أساطيل الغزاة عبوره
و يروع وحش البحر صمت قراره
سير من الأمجاد لم يسمع بها
حتى أتحن فكنّ من أخباره
تلك البطولة لم تكن يوما و لم
يطلع بها زمن على حضّاره
قم حدّث التاريخ غير مكذّب
يا من غدا التّاريخ من آثاره
أنت المصاول عن حماك فصف لنا
حرب الفدائيين من أنصاره1(59/61)
و الأرض كيف تصدّ عن رحمائها
و الكون كيف يضيق عن أحراره
و الغاصب السّفاح من أنيابه
يجري الدّم القاني و من أظفاره
يا من شدوتم بالسّلام رويدكم
داوود لمّا يشد في مزماره
تحت الرّماد وميض نار ، فالدّجى
و البرق ، بعض دخانه و شراره
ردّوا السلام إلى الحوادث تشهدوا
أنّ المآمن هنّ من أخطاره
حمل البشير قميصه بيمينه
و دم الجناية صارخ بيساره
هذا ضياء العدل بدّد ظلمهم
كالليل بدّده الضحى بمناره
سعد أهلّ به و سعد جاءكم
بالحق أبلج في سماء دياره
فاستقبلوه كعهدكم و تخيّروا
لجبينه العالي مضفّر غاره
قالوا نفيت ! فهل نفى عنك الهوى
طلم سقيت الأمس كأس عقاره
لا تلح من كفروا بدعوتك التي
وضحت و خلّ أذى المسيذ و داره
آثامهم فزعت بخالقهم فدع
لله حكم الله في كفّاره
و الله لو لمسوا فؤادك لا نثنوا
جزعين مما لامسوا من ناره
و محا سناه ظلام أنفسهم وما
حمّلن من ذل النّكوص و عاره
الشّعب مثل البحر إن يغصب فما
تقف السّدود الشمّ في تيّاره
و رجاله الأبطال ، و يح رجاله
لم يهدؤا و الظّلم في تهداره
خاضوا الحتوف فما انثنت عزماتهم
عن قاهر الوادي و عن جبّاره
طلعوا على حصن الظّلام فزحزحوا
أحجاره و مشوا إلى أغواره
قذفوا به غضب السّرائر فانظروا
للحصن يسقط في يدي ثوّاره
أمسى روايات الجهاد خوافق
حمر منشّرة على أسواره
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> شهيد ميسلون
شهيد ميسلون
رقم القصيدة : 66471
-----------------------------------
هبذ الكميّ على النفير الصّادح
مهلا ! فديتك ، ما الصّباح بواضح
أيّ الملاحم بين أبطال الوغى
فجئتك بالشوق الملحّ البارح
فقضيت ليلك لا هدوء و لا كرى
و وثبت في غسق الظّلام الجانح
و الشّرق من خلف الجبال غمامة
حمراء ترعش في وميض لامح
سلت حراب البرق فوق سمائه
هوجاء تنذر بالقضاء الجائح
هي صيحة الوطن الجريح و أمة
هانت على سيف المغير الطّامح
قرنت بحظّك حظّها فتماسكت
ترعى خطاك علر ربى و أباطح(59/62)
في موكب الفادين مجد أميّة
بجوانح مشبوبة و جوارح
لو قستهم بعدوّهم و سلاحه
أيقنت أنهمو فريسة جارح
الخائضون الفجر بحر مصارع
السّابحون على السّعير اللافح
النّاهضون على السّيوف و تحتها
شتّى جماجم في التّراب طرائح
الرّابضون على الحصون خرائبا
مهجا تضرّم في حطام صفائح
صرعى ولو فتّشت عن أجسادهم
ألفيت ، ما ألفيت غير جرائح
يا ميسلون شهدت أيّ رواية
دموية ، و رأيت أيّ مذابح
و وقفت مثخنة الجراح بحومة
ماجت بباغ في دمائك سابح
تتأملين دمشق يالهوانها !
ذات الجلالة تحت سيف الفاتح !
جرّت حديد قيودها و تقدّمت
شمّاء من جلاّدها المتصايح
نسيت أليم عذابها و تذكرت
في ميسلون دم الشّهيد النّازح
من هبّ في غسق الظلام يحوطها
بدراع مقتتل و صدر مكافح
و تسمّعت صوتا كان هتافه
يا للحبيب المحب لبائح !
أمّاه ! خانتني المقادر فاغفري
قدري ، و إن قلّ الفداء فسامحي !
***
فيحاء إن نصّت حواليك القرى
أعلامها فتزيّنت بمصابح
و تواكب الفرسان فيك و أقبلوا
بالغار بين عصائب و وشائح
و شدا الرعاة الملهمون و أغرقوا
أبهاء ليلك في خضمّ مفارح
أقبلت بين صفوفهم متقرّبا
بأواهري ، مترنما بمدائحي
حيث الشّهيد رنا لمطلع فجره
و رأى الغمائم في الفضاء الفاسح
و تلفّتت لك روحه فتمثلت
وجه البطولة في أرقّ ملامح
حيث الرّبى في ميسلون كأنّما
تهفو إليه بزهرها المتفاوح
و كأنما غسلته بغدادية
بدموع ملك في ثراك مراوح
اسعى إليه بكل ما جمعت يدي
و بكلّ ماضمّت غليه جوانحي
و هو الجدير بأن أحيّي باسمه
في الشرق كلّ مناضل و منافح
من كلّ حرّ ، نافض مما اقتنى
يده ، و وهّاب الحشاشة مانح
أو كلّ فاد بالحياة عشيره
لا القول في خدع الخيال السّانح
***
قل للدعاة المحسنين ظنونهم
بالغرب ماذا في السّراب لماتح ؟
لا تغرينكمو وعود محالف
يطأ الممالك بادّعاء مصالح
تمضي السنون و أنتمو من وعده
تتقبلون على ظهور أراجح
و الله لو حسر القناع لراعكم
قبر أعدّ لكم و خنجر ذابح(59/63)
من كلّ مصاص الدّماء منوّم
يدعى بمنقذ أمة و مصالح !
يا يوسف العظمات غرسك لم يضع
و جناه أخلد من نتاج قرائح
قم لحظة و انظر دمشق و قل لها
عاد الكميّ من النّفير الصّادح
و دعاك يا بنت العروبة فانهضي
و استقبلي الفجر الجديد و صافحي !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> تحية و اعتذار
تحية و اعتذار
رقم القصيدة : 66472
-----------------------------------
هنّات باسمك تحت الشّمس أحرار
يندى هواك على هامتهم غارا
دمشق ! يا بلد الأحرار ، أيّ فتى
لم يمتشق فيك سيفا أو يخض نارا
ذودا عن الوطن المعبود ، من دمه
للمجد يبنيه آطاما و أسوارا
زكت أميّة في أعراقه و جرت
دما يروّي الثّرى أو يغسل العارا
عيد الجلاء أسمّيه و أعرفه
يوم تبارك أنداء و اسحارا
جلا الشّرق ليل البغي حين جلا
عروبة فيك تلقى الأهل و الدارا
لولا مصاب دهى الوادي فشبّ به
نارا و هاج النسيم العذب إعصارا
و روّع الأمة الغلباء في رجل
شدذته قوسا و سلّت منه بتّارا
من النوابغ أعمارا إذا قصرت
مدّ النبوع لهم في الخلد أعمارا
أحرار مملكة في الرأي ما أثموا
سمّاهمو الغاصب الظّلاّما ثوّارا
ثاروا على القيد حتّى انحلّ ، و اقتحموا
على الطواغيت حصن الظّلم فانهارا
لولاه كان إليك البرق راحلتي
أطوي به الجوّ آفاقا و أقطارا
و جئت فيحاذ أزجي الشّعر مفتقدا
تحت الصفائح مقداما و مغوارا
و المفتدون ، شراه الخلد ، قل لهم
ما ينظم المدح ألحانا و أشعارا !
***
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> في عالم الذكرى
في عالم الذكرى
رقم القصيدة : 66473
-----------------------------------
ألقاك في عالم الذّكرى و تلقاني
رغم الفراق بهذا العالم الفاني
أرنو إلى وجهك الضّاحي فيشرق لي عن صفحتي مرح في الخلد جذلان
و أجتلي لمحات العبقريّة في
عينين حدّثتا عن روح فنّان
لأنت حيّ برغم الموت ، أسمعه
كعهده ، و أراه ملء وجداني
عذب البيان ، سريّ اللفظ مازجه
ما في طباعك من حسن و إحسان(59/64)
يذكي الشّيوخ بأحلام الشّباب و كم
أذكى بحكمتهم أحلام شبّان
أصغي إليك، عميق الفكر ، ملتمعا
في منطق جهوريّ الصّوت رنّان
كالغيث يلمع في الآفاق بارقه
و في الثّرى منه زهر ، فوق أفنان
عفّ الضّمير حوى الدنيا بنظرته
فلم ترعه بأشكال و ألوان
مقيّد بعريق من خلائقه
لا خوف بطش و لا زلفى لسلطان
كالنّهر يقتلع الأسداد ، منطلقا
حرّا ، و يجري حبيسا بين شطئان
يعطي الحياة لأقوام و ينشرها
شتّى روائع في خقل و بستان
تمثّل الحقّ يرمس كلّ شائبة
عنه ، و يغرق فيه كلّ بهتان
حامس القضاء و راعي العدل ، في بلد
لا يأمن العدل فيه سطوة الجاني
و رافع الصّرح لاستقلاله ، عجبا!
صنع السّماء ترى ؟ أم صنع إنسان ؟
صبري ! أحقّا طواك الموت ؟ كيف ؟ و ما
هذي المواكب و من قاص و من داني ؟
كالأمس ضجّت فهل أسمعت هاتفها
صدى هتافك في جنّات رضوان ؟
قم بشّر الحقّ و اخطب في كتائبه
يا صاحب الخلد هذا يومك الثّاني !
***
يا واهب الثورة الكبرى يفاعته
حين الشباب رؤى غيد و ألحان
و صاحب العهد لم يطرح أمانته
كهلا يصاول عن أهل و أوطان
وقف على مصر هذا القلب متّقدا
بحبّها ، من لهذا المدنف العاني
قد استبدّت به ، حتّى استبدّ به
عادي الرّدى ، و هو لا واه و لا واني
يا للشهيد صريعا ملء حومته
سيفا خضيبا و جرحا من دم قاني !
***
هذي الصحائف من مجد و من شرف
هيهات يسلمها دهر لنسيان
ذخائر الوطن الغالي يرتّلها
على مسامع أجيال و أزمان
فيها أغاني لعشّاق قد افتقدوا
أوطانهم ، و أناشيد لفرسان
أحرار مملكة أرسوا دعائمها
على أساس من الشّورى و أركان
لم يرهبوا سوط جلاّد و لا حفلوا
بسيف باغ و أصفاد سجّان
و لا أقاموا على ذلّ و إن ذهبوا
على دموع و آلام و أشجان
همو البناة و إن لم يذكروا يدهم
فيما يرى الجيل من مرفوع بنيان
لا تسألنّ الضحايا عن مآثرهم !
و سائل الأثر الباقي : من الباني ؟
***
ذكراك ما سنحت للفكر ، أو عبرت
بالقلب ، إلاّ وهاجت نار أحزان(59/65)
فزعت منها إلى الأوهام أسألها
أأربعون مضت ؟ أم مرّ عامان ؟
قد أذهل الخطب شعري عن شوارده
و أنسيت كلماتي شدو أوزاني
فجئت أجريه دمعا في يدي رجل
قد صاغه الله من حقّ و إيمان
هذا الذي باركت مصر زعامته
و قبّلت جرحها في قلبه الحاني !
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> الأمير المجاهد
الأمير المجاهد
رقم القصيدة : 66474
-----------------------------------
رزء العروبة فيك و الإسلام
رزء النّهى و فجيعة الأقلام
هو مأتم الأحرار في متوثّب
بصفوفهم مستقتل مقدام
أأنا المثاليين صوتك لم يزل
في الشّرق وحي براعة و حسام
و نداء فاد تسأل الدّنيا به
أصريع حرب أم شهيد سلام ؟
لخلاص دار و فكاك عشيرة
خضت الحياة كثيرة الآلام
و اجتزت جسر العمر بين عواصف
هوج ، و موج مزبد مترامي
و شهرتها حربا على مستعمر
متجبّر ، أو غاصب ظلاّم
تلقى ببسمتك العرسضة نارها
في موكب من ذائدين كرام
متفرّقين على البعاد منازلا
متجمّعين على هوى ووئام
كالبحر ماج في غواربه التقى
سيل الرّبى و شوامخ الأعلام
و قفوا الحياة على الجهاد و قرّبوا
دعة النّفوس و صحّة الأجسام
إرث الجدود الصّيد أنت وهبته
قلما يصاول دونه و يحامي
شباب مهدور الدّماء مجاهد
في الله عن عرب و عن إسلام
***
الشّاعر الغرّيد نازح جنّة
مسحورة الأفنان و الأكمام
أفياؤها ظلل الدّهور ، و أرزها
أعلام آلهة على آطام
قامت على جبل أشمّ سماؤه
مسرى البيان و مسبح الإلهام
تهدي إليك بكلّ مغرب كوكب
أشواق نضوى لوعة و غرام
أمّ تحنّ إلى لقاء نجيبها
و أب ، هو الوطن الشوق الظّامي
يتساءلان متى الإياب ؟ و يومه
يو مارّحيل ، و لات حين مقام
***
مرّت جنيف بخاطري فتمثّلت
صور الشّهيد كأنّهن أمامي
متوحدّا في غربة ، متوقّدا
بصبابة ، متفرّدا بسقام
شيخ يدبّ على عصاه ، و فلبه
متوثّب الآمال و الأحلام
يطوي الثمانين الوضاء مليئة
بمواكب للذّكريات ضخام
و جلائل للمأثرات مواثل
و جحافل للحادثات جسام(59/66)
هيهات ما أوهت قواه و لا ثنت
من خطوه عن غاية و مرام
هيهات ما نالت على إرهاقها
من قلبه في نضرة و وسام
هيهات ما شابي بمرّ مذافها
فيه حلاوة روحه البّسام
طلق الجبين على نديّ شمائل
كالفجر بين أشعة و غمام
***
يا ابن الأمارة نافضا من إرثها
يده لنصرة مبدإ و ذمام
حين الغنى و الجاه فتنة معشر
عن قومهم متخلفين نيام
صف كيف أبصرت الحياة و أنت في
عزّ الملوك و هيبة الحكّام
و رأيت دنيا المالكين بعالم
متخوّن ، متلوّن ، هدّام
تومي إليك قصورهمو كأنّها
عين مقرّحة و قلب دامي
و مشيت تنذر و الوغى مستعّر
و الأرض غرقى في دم و ضرام
في حومة من قاهرين تربّصوا
بالمضعفين منافذ الأيّام
عنت الشّعوب لسيفهم فتألّبوا
يتنازعون مصاير الأقوام
يأبى يراعك أن يفارق راحة
خلقت لردّ تحيّة و سلام
بيضاء ملهمة البنان مزاجها
فيض من الأضواء و الأنغام
أخذت خناق الظّلم فاستخذى لها
و ارتدّ يستر وجهه بلثام
و تعقّبته تهزّ قبضة ثائر
فإذا الحديد بها صديع حطام
و إذا الحصون الشامخات حجارة
منثورة ، و النار سحب قتام
و ذا المجاهد تحت غار جهاده
طهر اليدين مخضّب الصّمصام
روح يهزّ الشرق من أعماقه
و سنى يمزّق عنه كلّ ظلام
و يد تعانقه برغم منيّة
و فم يقبّله برغم حمام
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> مصرع سياسي
مصرع سياسي
رقم القصيدة : 66475
-----------------------------------
كم شهيد فيك مهدور الدّماء
لا تراعي ! أنت أمّ الشهداء
كلّ غال من متاع و دم
لك يا مصر ، و ما عزّ الفداء
إيه يا مصر ، خذي ما شئته
و لداعي المجد منّا ما يشاء
كيف يودي بفتى من خلقه
كلّ معنى من سماح و وفاء
كمن الغدر له ، ثمّ رمى
عن يد عسراء شعواء الرّماء
صاعدا يرقى على سلّمه
درج المجد و مرموق العلاء
دمه المسفوك حبّ و ندى
و مزاج من حياء و إباء
و رحيق عطر من نفحه
يمثل الأعداء قبل الأصدقاء
و هوى للوطن الحر الذي
خرّ في حومته بعض ذماء
لو أتاه نبأ عن قتله(59/67)
قال : وهم و أحاديث افتراء
فتنة حمراء شبّت نارها
شهوات ينتحين الأبرياء
عربدت هوجاء و استشرت قوى
و استبدّت بعقول الضّعفاء
باطل ، إن مرتّ الرّيح به
طار عن صاحبه و هو هباء
و إذا لمح النّور جرى
و تخفّى تحت جنح من مساء
لا تقولوا طائش في رأيه
إنما الرأي من الغدر براء
إنّما النّاس لهم آراؤهم
و همو الأحرار فيها الطّلقاء
و على ودّ و برّ و هدى
لهمو فيها فراق و لقاء
غير ما مسّ دما فاجهر به
و تحدّ الحاكين الأقوياء
و اذكر الأوطان لا تأخذ بما
يكتب الحقد و يمليه العداء
ليس من مصر و لا من أهلها
مزهق الأرواح أو مجرى الدّماء
***
يا زعيم الشّعب هذي محنة
فوق مايحمل طوق الزّعماء
ليست الأولى و قد كنت لها
غرضا ، منه لك الرّوح و قاء
قدّر الله ، و ما قدّره
ليس يعفى من سكان السّماء
من يكن مثلك في إيمانه
كيف أدعوه لصبر أو عزاء
إنني أرثي لمصر رجلا
مصر منا فيه أحرى بالرّثاء !
***
شعراء العراق والشام >> محمود درويش >> بيروت
بيروت
رقم القصيدة : 66476
-----------------------------------
.
بيروت من تعب ومن ذهب، وأندلس وشام .
فضّة، زبد، وصايا الأرض في ريش الحمام.
وفاة سنبلة، تشرّد نجمة بيني وبين حبيبتي بيروت .
لم أسمع دمي من قبل ينطق باسم عاشقة تنام على دمي... و تنام ...
من مطر على البحر اكتشفنا الإسم، من طعم الخريف وبرتقال
القادمين من الجنوب، كأنّنا أسلافنا نأتي إلى بيروت كي نأتي إلى
بيروت ...
من مطر بنينا كوخنا، والريح لا تجري فلا نجري، كأنّ الريح
مسمار على الصلصال، تحفر قبونا فننام مثل النمل في القبو
الصغير
كأننا كنا نغنيّ خلسة :
بيروت خيمتنا
بيروت نجمتنا
سبايا نحن في هذا الزمان الرخو
أسلمنا الغزاة إلى أهالينا
فما كدنا نعضّ الأرض حتى انقضّ حامينا
على الأعراس و الذكرى فوزّعنا أغانينا على الحرّاس
من ملك على عرش
إلى ملك على نعش
سبايا نحن في هذا الزمّان الرخو
لم نعثر على شبه نهائي سوى دمنا(59/68)
و لم نعثر على ما يجعل السلطان شعبيّا
و لم نعثر على ما يجعل السجان وديا
و لم نعثر على شيء يدلّ على هويتنا
سوى دمنا الذي يتسلّق الجدران ...
ننشد خلسة:
بيروت خيمتنا
بيروت نجمتنا
...و نافذة تطلّ على رصاص البحر
يسرقنا جميعا شارع و موشّح
بيروت شكل الظلّ
أجمل من قصيدتها و أسهل من كلام الناس
تغرينا بداية مفتوحة و بأبجديات جديدة :
بيروت خيمتنا الوحيدة
بيروت نجمتنا الوحيدة
هل تمددنا عل صفصافها لنقيس أجسادا محاها البحر عن أجسادنا
جئنا إلى بيروت من أسمائنا الأولى
نفتّش عن نهايات الجنوب و عن وعاء القلب ...
سال القلب سال ...
و هل تمدّدنا على الأطلال كي نون الشمال بقامة الأغلال؟
مال الظلّ مال عليّ، كسّرني و بعثرني
و طال الظلّ طال...
ليسرو الشجر الذي يسرو ليحملنا من الأعناق
عنقودا من القتلى بلا سبب...
و جئنا من بلاد لا بلاد لها
و جئنا من يد ألفصحى و من تعب...
خراب هذه الأرض التي تمتدّ من قصر الأمير إلى زنازننا
و من أحلامنا الأولى إلى... حطب
فأعطينا جدارا واحدا لنصيح يا بيروت!
أعطينا جدارا كي نرى أفقا و نافذة من اللهب
و أعطينا جدارا كي نعلّق فوقه سدوم
التي انقسمت إلى عشرين مملكة
لبيع النفط ...و العربي
و أعطينا جدارا واحدا
لنصيح في شبه الجزيرة :
بيروت خيمتنا الأخيرة
بيروت نجمتنا الأخيرة
أفقّ رصاصيّ تناثر في الأفق
طرقّ من الصدف المجوّف... لا طرق
و من المحيط إلى الجحيم
من الجحيم إلى الخليج
و من اليمين إلى اليمين إلى الوسط
شاهدت مشنقة فقط
شاهدت مشنقة بحبل
واحد
من أجل مليوني عنق !
بيروت! من اين الطريق إلى نوافذ قرطبة
أنا لا أهاجر مرتّين
و لا أحبّك مرتين
و لا أرى في البحر غير البحر ...
لكنيّ أحوّم حول أحلامي
و أدعو الأرض جمجمة لروحي المتعبة
و أريد أن أمشي
لأمشي
ثم أسقط في الطريق
إلى نوافذ قرطبة
بيروت شاهدة على قلبي
و أرحل عن شوارعها و عنيّ
عالقا بقصيدة لا تنتهي
و أقول ناري لا تموت ...(59/69)
على البنايات الحمام
على بقاياها السلام...
أطوي المدينة مثلما أطوي الكتاب
و أحمل الأرض الصغيرة مثل كيس من سحاب
أصحو و أبحث في ملابس جثتي عنيّ
فنضحك: نحن ما زلنا على قيد الحياة
وسائر الحكّام
شكرا للجريدة لم تقل أني سقطت هناك سهوا...
أفتح الطرق الصغيرة للهواء و خطوتي و الأصدقاء العابرين
و تاجر الخبز الخبيث، و صورة البحر الجديدة
شكرا لبيروت الضباب
شكرا لبيروت الخراب ...
تكسّرت روحي، سأرمي جثّتي لتصيبني الغزوات ثانية
و يسلمني الغزاة إلى القصيدة...
أحمل اللغة المطيعة كالسحابة
فوق أرصفة القراءة و الكتابة:
"إن هذا البحر يترك عندنا آذانه و عيونه "
و يعود نحو البحر بحريّا
...و أحمل أرض كنعان التي اختلف الغزاة على مقابرها
و ما اختلف الرواة على الذي اختلف الغزاة عليه
من حجر ستنشأ دولة الغيتو
و من حجر سننشيء دولة العشّاق
أرتجل الوداع
و تغرق المدن الصغيرة في عبارات مشابهة
و ينمو الجرح فوق الرمح أو يتناوبان عليّ
حتى ينتهي هذا النشيد...
و أهبط الدرج الذي لا ينتهي بالقبو و الأعراس
أصعد مرة أخرى على الدرج الذي لا ينتهي بقصيدة ...
أهذي قليلا كي يكون الصحو و الجلاّد...
أصرخ: أيّها الميلاد عذّبني لأصرخ أيّها الميلاد...
من أجل التداعي أمتطي درب الشآم
لعلّ لي رؤيا
و أخجل من صدى الأجراس و هو يجيئني صدأ
و أصرخ في أثينا: كيف تنهارين فينا؟
ثم أهمس في خيام البدو :
وجهي ليس حنطيّا تماما و العروق مليئة بالقمح...
أسأل آخر الإسلام :
هل في البدء كان النفط
أم في البدء كان السخط ؟
أهذي ،ربمّا أبدو غريبا عن بني قومي
فقد يفرنقع الشعراء عن لغتي قليلا
كي أنظفها من الماضي و منهم...
لم أجد جدوى من الكلمات إلا رغبة الكلمات
في تغيير صاحبها ...
وداعا للذي سنراه
للفجر الذي سيشقّنا عمّا قليل
لمدينة ستعيدنا لمدينة
لتطول رحلتنا و حكمتنا
وداعا للسيوف و للنخيل
لحماية ستطير من قلبين محروقين بالماضي
إلى سقف من القرميد ...(59/70)
هل مرّ المحارب من هنا
كقذيقة في الحرب؟
هل كسرت شظاياه كؤوس الشاي في المقهى؟
أرى مدنا من الورق المسلح بالملوك و بدلة الكاكي ؟
أرى مدنا تتوج فاتحيها
و الشرق عكس الغرب أحيانا
و شرق الغرب أحيانا
و صورته و سلعته...
أرى مدنا تتوّج فاتحيها
و تصدّر الشهداء كي تستورد الويسكي
و أحدث منجزات الجنس و التعذيب ...
هل مرّ المحارب من هنا
كقذيفة في الحرب؟
هل كسرت شظايا كؤوس الشاي في المقهى ؟
أرى مدنا تعلّق عاشقيها
فوق أغصان الحديد
و تشرّد الأسماء عند الفجر...
...عند الفجر يأتي سادن الصنم الوحيد
ماذا نودّع غير هذا السجن ؟
ماذا يخسر السجناء؟
نمشي نحو أغنية بعيدة
نمشي إلى الحرية الأولى
فنلمس فتنة الدنيا لأول مرة في العمر ...
هذا الفجر أزرق
و الهواء يرى و يؤكل مثل حبّ التين
نصعد
واحدا
و ثلاثة
مائة
و ألفا
باسم شعب نائم في هذه الساعات
عند الفجر عند الفجر، نختتم القصيدة
و نرتب الفوضى على درجات هذا الفجر
بوركت الحياة
و بورك الأحياء
فوق الأرض
لا تحت الطغاة
تحيا الحياة !
تحيا الحياة !
قمر على بعلبك
ودم على بيروت
يا حلو، من صبّك
فرسا من الياقوت!
قل لي، و من كبّك
نهرين في تابوت!
يا ليت لي قلبك
لأموت حين أموت
...من مبنى بلا معنى إلى معنى بلا مبنى".
وجدنا الحرب ...
هل بيروت نرآه لنكسرها و ندخل في الشظايا
أم مرايا نحن يكسرنا الهواء؟
تعال يا جندي حدثني عن الشرطيّ:
هل أوصلت أزهاري إلى الشبّاك ؟
هل بلّغت صمتي للذين أحبّهم و لأول الشهداء؟
هل قتلاك ماتوا من أجلي و أجل البحر ...
أم هجموا عليّ وجرّدوني من يد امرأة
تعدّ الشاي لي و النّاي للمتحاربين ؟
و هل تغيّرت الكنيسة بعدما خلعوا على المطران زيّا عسكريا؟
أم تغيّرت الفريسة ؟
هل تغيرت الكنيسة
أم تغيّرنا؟
شوارع حولنا تلتفّ
خذ بيروت من بيروت، وزّعها على المدن
النتيجة: فسحة للقبو
ضع بيروت في بيروت ،واسحبها من المدن
النتيجة: حانة للهو
...نمشي بين قنبلتين(59/71)
_هل نعتاد هذا الموت ؟
_هل تعرف القتلى جميعا؟
_أعرف العشّاق من نظراتهم
و أرى عليها القاتلات الراضيات بسحرهن و كيدهن
..و ننحني لتمر قنبلة؟
نتابع ذكريات الحرب في أيامها الأولى
_ترى، ذهبت قصيدتنا سدى
_لا... لا أظنّ
_إذن، لماذا تسبق الحرب القصيدة
_نطلب الإيقاع من حجر فلا يأتي
و للشعراء آلهة قديمة
...و تمرّ قنبلة، فندخل حانة في فندق الكومودور
_يعجبني كثيرا صمت رامبو
أو رسائله التي نطقت بها إفريقيا
_و خسرت كافافي
_لماذا
_قال لي: لا تترك الاسكندرية باحثا عن غيرها
_ووجدت كافكا تحت جلدي نائما
و ملائما لعباءة الكابوس ،و البوليس فينا
_ارفعوا عنيّ يدي
_ماذا ترى في الأفق؟
_أفقا آخرا
_هل تعرف القتلى جميعا ؟
_و الذيت سيولدون...
سيولدون
تحت الشجر
و سيولدون
تحت المطر
و سيولدون
من الحجر
و سيولدون
من الشظايا
يولدون
من المرايا
يولدون
من الزوايا
و سيولدون
من الهزائم
يولدون
من الخواتم
يولدون
من البراعم
و سيولدون
من البداية
يولدون
من الحكاية
يولدون
بلا نهاية
و سيولدون، و يكبرون، و يقتلون ،
و يولدون، و يولدون، و يولدون
فسّر ما يلي :
بيروت ( بحر -حرب - حبر - ربح )
البحر : أبيض أو رصاصيّ و في إبريل أخضر ،
أزرق، لكنه يحمرّ في كل الشهور إذا غضب
و البحر : مال على دمي
ليكون صورة من أحبّ
الحرب : تهدم مسرحيتنا لتلعب دون نص أو كتاب
و الحرب : ذاكرة البدائيين و المتحضرين
و الحرب : أولها دماء
و الحرب : آخرها هواء
و الحرب : تثقب ظلّنا لتمرّ من باب لباب
الحبر : للفصحى و للضباط و المتفرجين على أغانينا
و للمستسلمين لمنظر البحر الحزين
الحبر : نمل أسود، أو سيّد
و الحبر : برزخنا الأمين
و الربح : مشتق من الحرب التي تنتهي
منذ ارتدت أجسادنا المحراث
منذ الرحلة الأولى إلى صيد الظباء
حتى بزوغ الاشتراكيين في آسيا و في إفريقيا!
و الربح : يحكمنا
يشردنا عن الأدوات و الكلمات
يسرق لحمنا
و يبيعه
بيروت أسواق على البحر(59/72)
اقتصاد يهدم الإنتاج
كي يبني المطاعم و الفنادق ...
دولة في شارع أو شقّة
مقهى يدور كزهرة العبّاد نحو الشمس
وصف للرحيل و للجمال الحرّ
فردوس الدقائق
مقعد في ريش عصفور
جبال تنحني للبحر
بحر صاعدة نحو الجبال
غزالة مذبوحة بجناح دوريّ
و شعب لا يحب الظل
بيروت_ الشوارع في سفن
بيروت_ ميناء لتجميع المدن
دارت علينا و استدارت .أدبرت و استدبرت
هل غيمة أخرى تخون الناظرين إليك يا بيروت؟
هندسة تلائم شهوة الفئة الجديدة
طحلب الأيام بين المدّ و الجزر
النفايات التي طارت من الطبقات نحو العرش ...
هندسة التحلّل و التشكّل
واختلاط السائرين على الرصيف عشيّة الزلزال...
دارت و استدارت
هندسيّتها خطوط العالم الآتي إلى السوق الجديد
يُشترى و يباع. يعلو ثم يهبط مثل أسعار الدولار
و أونصة الذهب التي تعلو و تهبط وفق أسعار الدم الشرقيّ
لا... بيروت بوصلة المحارب...
نأخذ الأولاد نحو البحر كي يثقوا بنا...
ملك هو الملك الجديد...
وصوت فيروز الموزّع بالتساوي بين طائفتين
يرشدنا إلى ما يجعل الأعداء عائلة
و لبنان انتظار بين مرحلتين من تاريخنا الدمويّ
_هل ضاق الطريق
و من خطاك الدرب يبدأ يا رفيق ؟
_محاصر بالبحر و الكتب المقدسة
_انتهينا؟
_لا. سنصمد مثل آثار القدامى
مثل جمجمة على الأيام نصمد
كالهواء و نظرة الشهداء نصمد...
يخلطان الليل بالمتراس. ينتظران ما لا يعرفان
يخبّئان العالم العربيّ في مزق تسمّى وحدة...
يتقاسمان الليل :
_ليلى لا تصدّقني
و لكني أصدّق حلمتيها حين تنتفضان ...
أغرتني بمشيتها الرشيقة :
أيطلا ظبي ،و ساق غزالة، و جناح شحرور، وومضة شمعدان
كلّما عانقتها طلبت رصاصا طائشا
_ملك هو الملك الجديد
إلى متى نلهو بهذا الموت ؟
_لا أدري، و لكنّا سنحرس شاعرا في المهرجان
_لأيّ حزب ننتمي ؟
_حزب الدفاع عن البنوك الأجنبية واقتحام البرلمان
_إلى متى تتكاثر الأحزاب، و الطبقات قلّت يا رفيق الليل؟
_لا أدري ،(59/73)
و لكن ربما أقضي عليك، و ربما تقضي عليّ
إذا اختلفنا حول تفسير الأنوثة...
_إنها الجمر الذي يأتي من الساقين
يحرقنا
_هي الصدر الذي يتنفّس الأمواج
يغرقنا
_هي العينان حين تضيّعان بداية الدنيا
_هي العنق الذي يشرب
_هي الشفتان حين تناديان الكوكب المالح
_هي الغامض
هي الواضح
_سأقتلك.المسدّس جاهز.ملك هو الملك ،
المسدّس جاهز.
بيروت شكل الشكل
هندسة الخراب...
الأربعاء .السبت .بائعة الخواتم
حاجز التفتيش. صيّاد. غنائم
لغة و فوضى. ليلة الإثنين .
قد صعدوا السلالم
و تناولوا أرزاقهم. من ليس منّا
فهو من عرب و عاربة .سوالم
يوم الثلاثاء. الخميس. الأربعاء.
و تأبطوا تسعين جيتارا و غنّوا
حول مائدة الشواء الآدمي
قمر على بعلبك
و دم على بيروت
يا حلو، من صبّك
فرسا من الياقوت
قل لي، و من كبّك
نهرين في تابوت
يا ليت لي قلبك
لأموت حين أموت ...
...أحرقنا مراكبنا. و علّقنا كواكبنا على الأسوار.
نحن الواقفين على خطوط النار نعلن ما يلي:
بيروت تفّاحة
و القلب لا يضحك
و حصارنا واحة
في عالم يهلك
سنرقّص الساحة
و نزوج الليلك
أحرقنا مراكبنا. و علّقنا كواكبنا على الأسوار
لم نبحث عن الأجداد في شجر الخرائط
لم نسافر خارج الخبز النقيّ و ثوبنا الطينيّ
لم نرسل إلى صدف البحيرات القديمة صورة الآباء
لم نولد لتسأل: كيف تمّ الانتقال الفذّ مما ليس عضويا
إلى العضوي؟
لم نولد لتسأل ...
لم نولد لتسأل ...
قد ولدنا كيفما اتفق
انتشرنا كالنمال على الحصيرة
ثم أصبحنا خيولا تسحب العربات...
نحن الواقفين على خطوط النار
أحرقنا زوارقنا، و عانقنا بنادقنا
سنوقظ هذه الأرض التي استندت إلى دمنا
سنوقظها، و نخرج من خلاياها ضحايانا
سنغسل شعرهم بدموعنا البيضاء
نسكب فوق أيديهم حليب الروح كي يستيقظوا
و نرش فوق جفونهم أصواتنا:
قوموا ارجعوا للبيت يا أحبابنا
عودوا إلى الريح التي اقتلعت جنوب الأرض من أضلاعنا
عودوا إلى البحر الذي لا يذكر الموتى و لا الأحياء(59/74)
عودوا مرة أخرى
فلم نذهب وراء خطاكم عبثا
مراكبنا هنا احترقت
و ليس سواكم أرض ندافع عن تعرّجها و حنطتها
سندفع عنكم النسيان، نحميكم
بأسلحة صككمناها لكم من عظم أيديكم
نسيجكم بجمجمة لكم
و بركة زلقت
فليس سواكم أرضا نسمّر فوقها أقدامنا...
عودوا لنحميكم...
"و لو أنّا على حجر ذبحنا "
لن نغادر ساحة الصمت التي سوت أياديكم
سنفديها و نفديكم
مراكبنا هنا احترقت
و خيّمنا على الريح التي اختنقت هنا فيكم
و لو صعدت جيوش الأرض هذا الحائط البشريّ
لن نرتدّ عن جغرافيا دمكم.
مراكبنا هنا احترقت
و منكم... من ذراع لن تعانقنا
سنبني جسرنا فيكم
شوتنا الشمس
أدمتنا عظام صدوركم
حفت مفاصلنا منافيكم
"و لو أنّا على حجر ذبحنا"
لن نقول" نعم"
فمن دمنا إلى دمنا حدود الأرض
من دمنا إلى دمنا
سماء عيونكم و حقول أيديكم
نناديكم
فيرتدّ الصدى بلدا
نناديكم
فيرتد الصدى جسدا
من الأسمنت
نحن الواقفين على خطوط النار نعلن ما يلي:
لن تنرك الخندق
حتى يمرّ الليل
بيروت للمطلق
و عيوننا للرمل
في البدء لم نخلق
في البدء كان القول
و الآن في الخندق
ظهرت سمات الحمل
تفّاحة في البحر، إمرأة الدم المعجون بالأقواس ،
شطرنج الكلام،
بقيّة الروح ،استغاثات الندى ،
قمر تحطّم فوق مصطبة الظلام
بيروت، و الياقوت حين يصيح من وهج على ظهر الحمام
حلم سنحمله. و نحمله متى شئنا. نعلّقه على أعناقنا
بيروت زنبقة الحطام
و قبلة أولى. مديح الزنزلخت .معاطف للبحر و القتلى
سطوح للكواكب و الخيام
قصيدة الحجر. ارتطام بين قبرّتين تختبئان في صدر...
سماء مرّة جلست على حجر تفكّر ،
وردة مسموعة بيروت. صوت فاصل بين الضحية و الحسام .
ولد أطاح بكل ألواح الوصايا
و المرايا
ثم... نام ..
ثم... نام ..
ثم... نام ..
ثم... نام ..
ثم... نام ..
ثم... نام ..
ثم... نام ..
ثم... نام ..
ثم... نام ..
شعراء العراق والشام >> محمود درويش >> بيروت -2
بيروت -2
رقم القصيدة : 66477(59/75)
-----------------------------------
(الجزء الثاني من قصيدة بيروت : القصيدة كاملة موجودة بعنوان بيروت)
تم فصلها لتتوافق مع الملف الصوتي المصاحب لكل جزء.
-----------------------
.
و أهبط الدرج الذي لا ينتهي بالقبو و الأعراس
أصعد مرة أخرى على الدرج الذي لا ينتهي بقصيدة ...
أهذي قليلا كي يكون الصحو و الجلاّد...
أصرخ: أيّها الميلاد عذّبني لأصرخ أيّها الميلاد...
من أجل التداعي أمتطي درب الشآم
لعلّ لي رؤيا
و أخجل من صدى الأجراس و هو يجيئني صدأ
و أصرخ في أثينا: كيف تنهارين فينا؟
ثم أهمس في خيام البدو :
وجهي ليس حنطيّا تماما و العروق مليئة بالقمح...
أسأل آخر الإسلام :
هل في البدء كان النفط
أم في البدء كان السخط ؟
أهذي ،ربمّا أبدو غريبا عن بني قومي
فقد يفرنقع الشعراء عن لغتي قليلا
كي أنظفها من الماضي و منهم...
لم أجد جدوى من الكلمات إلا رغبة الكلمات
في تغيير صاحبها ...
وداعا للذي سنراه
للفجر الذي سيشقّنا عمّا قليل
لمدينة ستعيدنا لمدينة
لتطول رحلتنا و حكمتنا
وداعا للسيوف و للنخيل
لحماية ستطير من قلبين محروقين بالماضي
إلى سقف من القرميد ...
هل مرّ المحارب من هنا
كقذيقة في الحرب؟
هل كسرت شظاياه كؤوس الشاي في المقهى؟
أرى مدنا من الورق المسلح بالملوك و بدلة الكاكي ؟
أرى مدنا تتوج فاتحيها
و الشرق عكس الغرب أحيانا
و شرق الغرب أحيانا
و صورته و سلعته...
أرى مدنا تتوّج فاتحيها
و تصدّر الشهداء كي تستورد الويسكي
و أحدث منجزات الجنس و التعذيب ...
هل مرّ المحارب من هنا
كقذيفة في الحرب؟
هل كسرت شظايا كؤوس الشاي في المقهى ؟
أرى مدنا تعلّق عاشقيها
فوق أغصان الحديد
و تشرّد الأسماء عند الفجر...
...عند الفجر يأتي سادن الصنم الوحيد
ماذا نودّع غير هذا السجن ؟
ماذا يخسر السجناء؟
نمشي نحو أغنية بعيدة
نمشي إلى الحرية الأولى
فنلمس فتنة الدنيا لأول مرة في العمر ...
هذا الفجر أزرق(59/76)
و الهواء يرى و يؤكل مثل حبّ التين
نصعد
واحدا
و ثلاثة
مائة
و ألفا
باسم شعب نائم في هذه الساعات
عند الفجر عند الفجر، نختتم القصيدة
و نرتب الفوضى على درجات هذا الفجر
بوركت الحياة
و بورك الأحياء
فوق الأرض
لا تحت الطغاة
تحيا الحياة !
تحيا الحياة !
قمر على بعلبك
ودم على بيروت
يا حلو، من صبّك
فرسا من الياقوت!
قل لي، و من كبّك
نهرين في تابوت!
يا ليت لي قلبك
لأموت حين أموت
...من مبنى بلا معنى إلى بلا مبنى وجدنا الحرب ...
هل بيروت نرآه لنكسرها و ندخل في الشظايا
أم مرايا نحن يكسرنا الهواء؟
تعال يا جندي حدثني عن الشرطيّ:
هل أوصلت أزهاري إلى الشبّاك ؟
هل بلّغت صمتي للذين أحبّهم و لأول الشهداء؟
هل قتلاك ماتوا من أجلي و أجل البحر ...
أم هجموا عليّ وجرّدوني من يد امرأة
تعدّ الشاي لي و النّاي للمتحاربين ؟
و هل تغيّرت الكنيسة بعدما خلعوا على المطران زيّا عسكريا؟
أم تغيّرت الفريسة ؟
هل تغيرت الكنيسة
أم تغيّرنا؟
شوارع حولنا تلتفّ
خذ بيروت من بيروت، وزّعها على المدن
النتيجة: فسحة للقبو
ضع بيروت في بيروت ،واسحبها من المدن
النتيجة: حانة للهو
...نمشي بين قنبلتين
_هل نعتاد هذا الموت ؟
_هل تعرف القتلى جميعا؟
_أعرف العشّاق من نظراتهم
و أرى عليها القاتلات الراضيات بسحرهن و كيدهن
..و ننحني لتمر قنبلة؟
نتابع ذكريات الحرب في أيامها الأولى
_ترى، ذهبت قصيدتنا سدى
_لا... لا أظنّ
_إذن، لماذا تسبق الحرب القصيدة
_نطلب الإيقاع من حجر فلا يأتي
و للشعراء آلهة قديمة
...و تمرّ قنبلة، فندخل حانة في فندق الكومودور
_يعجبني كثيرا صمت رامبو
أو رسائله التي نطقت بها إفريقيا
_و خسرت كافافي
_لماذا
_قال لي: لا تترك الاسكندرية باحثا عن غيرها
_ووجدت كافكا تحت جلدي نائما
و ملائما لعباءة الكابوس ،و البوليس فينا
_ارفعوا عنيّ يدي
_ماذا ترى في الأفق؟
_أفقا آخرا
_هل تعرف القتلى جميعا ؟
_و الذيت سيولدون...
سيولدون
تحت الشجر(59/77)
و سيولدون
تحت المطر
و سيولدون
من الحجر
و سيولدون
من الشظايا
يولدون
من المرايا
يولدون
من الزوايا
و سيولدون
من الهزائم
يولدون
من الخواتم
يولدون
من البراعم
و سيولدون
من البداية
يولدون
من الحكاية
يولدون
بلا نهاية
و سيولدون، و يكبرون، و يقتلون ،
و يولدون، و يولدون، و يولدون
شعراء العراق والشام >> محمود درويش >> بيروت -3
بيروت -3
رقم القصيدة : 66478
-----------------------------------
(الجزء الثالث من قصيدة بيروت ، القصيدة كاملة موجودة بعنوان "بيروت")
تم فصلها لتتوافق مع الملف الصوتي المصاحب لكل جزء.
------------------------
.
بيروت ( بحر -حرب - حبر - ربح )
البحر : أبيض أو رصاصيّ و في إبريل أخضر ،
أزرق، لكنه يحمرّ في كل الشهور إذا غضب
و البحر : مال على دمي
ليكون صورة من أحبّ
الحرب : تهدم مسرحيتنا لتلعب دون نص أو كتاب
و الحرب : ذاكرة البدائيين و المتحضرين
و الحرب : أولها دماء
و الحرب : آخرها هواء
و الحرب : تثقب ظلّنا لتمرّ من باب لباب
الحبر : للفصحى و للضباط و المتفرجين على أغانينا
و للمستسلمين لمنظر البحر الحزين
الحبر : نمل أسود، أو سيّد
و الحبر : برزخنا الأمين
و الربح : مشتق من الحرب التي تنتهي
منذ ارتدت أجسادنا المحراث
منذ الرحلة الأولى إلى صيد الظباء
حتى بزوغ الاشتراكيين في آسيا و في إفريقيا!
و الربح : يحكمنا
يشردنا عن الأدوات و الكلمات
يسرق لحمنا
و يبيعه
بيروت أسواق على البحر
اقتصاد يهدم الإنتاج
كي يبني المطاعم و الفنادق ...
دولة في شارع أو شقّة
مقهى يدور كزهرة العبّاد نحو الشمس
وصف للرحيل و للجمال الحرّ
فردوس الدقائق
مقعد في ريش عصفور
جبال تنحني للبحر
بحر صاعدة نحو الجبال
غزالة مذبوحة بجناح دوريّ
و شعب لا يحب الظل
بيروت_ الشوارع في سفن
بيروت_ ميناء لتجميع المدن
دارت علينا و استدارت .أدبرت و استدبرت
هل غيمة أخرى تخون الناظرين إليك يا بيروت؟
هندسة تلائم شهوة الفئة الجديدة(59/78)
طحلب الأيام بين المدّ و الجزر
النفايات التي طارت من الطبقات نحو العرش ...
هندسة التحلّل و التشكّل
واختلاط السائرين على الرصيف عشيّة الزلزال...
دارت و استدارت
هندسيّتها خطوط العالم الآتي إلى السوق الجديد
يشتري و يباع. يعلو ثم يهبط مثل أسعار الدولار
و أونصة الذهب التي تعلو و تهبط وفق أسعار الدم الشرقيّ
لا... بيروت بوصلة المحارب...
نأخذ الأولاد نحو البحر كي يثقوا بنا...
ملك هو الملك الجديد...
وصوت فيروز الموزّع بالتساوي بين طائفتين
يرشدنا إلى ما يجعل الأعداء عائلة
و لبنان انتظار بين مرحلتين من تاريخنا الدمويّ
_هل ضاق الطريق
و من خطاك الدرب يبدأ يا رفيق ؟
_محاصر بالبحر و الكتب المقدسة
_انتهينا؟
_لا. سنصمد مثل آثار القدامى
مثل جمجمة على الأيام نصمد
كالهواء و نظرة الشهداء نصمد...
يخلطان الليل بالمتراس. ينتظران ما لا يعرفان
يخبّئان العالم العربيّ في مزق تسمّى وحدة...
يتقاسمان الليل :
_ليلى لا تصدّقني
و لكني أصدّق ححلمتيها حين تنتفضان ...
أغرتني بمشيتها الرشيقة :
أيطلا ظبي ،و ساق غزالة، و جناح شحرور، وومضة شمعدان
كلّما عانقتها طلبت رصاصا طائشا
_ملك هو الملك الجديد
إلى متى نلهو بهذا الموت ؟
_لا أدري، و لكنّا سنحرس شاعرا في المهرجان
_لأيّ حزب ننتمي ؟
_حزب الدفاع عن البنوك الأجنبية واقتحام البرلمان
_إلى متى تتكاثر الأحزاب، و الطبقات قلّت يا رفيق الليل؟
_لا أدري ،
و لكن ربما أقضي عليك، و ربما تقضي عليّ
إذا اختلفنا حول تفسير الأنوثة...
_إنها الجمر الذي يأتي من الساقين
يحرقنا
_هي الصدر الذي يتنفّس الأمواج
يغرقنا
_هي العينان حين تضيّعان بداية الدنيا
_هي العنق الذي يشرب
_هي الشفتان حين تناديان الكوكب المالح
_هي الغامض
هي الواضح
_سأقتلك.المسدّس جاهز.ملك هو الملك ،
المسدّس جاهز.
بيروت شكل الشكل
هندسة الخراب...
الأربعاء .السبت .بائعة الخواتم
حاجز التفتيش. صيّاد. غنائم(59/79)
لغة و فوضى. ليلة الإثنين .
قد صعدوا السلالم
و تناولوا أرزاقهم. من ليس منّا
فهو من عرب و عاربة .سوالم
يوم الثلاثاء. الخميس. الأربعاء.
و تأبطوا تسعين جيتارا و غنّوا
حول مائدة الشواء الآدمي
قمر على بعلبك
و دم على بيروت
يا حلو، من صبّك
فرسا من الياقوت
قل لي، و من كبّك
نهرين في تابوت
يا ليت لي قلبك
لأموت حين أموت ...
...أحرقنا مراكبنا. و علّقنا كواكبنا على الأسوار.
نحن الواقفين على خطوط النار نعلن ما يلي:
بيروت تفّاحة
و القلب لا يضحك
و حصارنا واحة
في عالم يهلك
سنرقّص الساحة
و نزوج الليلك
أحرقنا مراكبنا. و علّقنا كواكبنا على الأسوار
لم نبحث عن الأجداد في شجر الخرائط
لم نسافر خارج الخبز النقيّ و ثوبنا الطينيّ
لم نرسل إلى صدف البحيرات القديمة صورة الآباء
لم نولد لتسأل: كيف تمّ الانتقال الفذّ مما ليس عضويا
إلى العضوي؟
لم نولد لتسأل ...
قد ولدنا كيفما اتفق
انتشرنا كالنمال على الحصيرة
ثم أصبحنا خيولا تسحب العربات...
نحن الواقفين على خطوط النار
أحرقنا زوارقنا، و عانقنا بنادقنا
سنوقظ هذه الأرض التي استندت إلى دمنا
سنوقظها، و نخرج من خلاياها ضحايانا
سنغسل شعرهم بدموعنا البيضاء
نسكب فوق أيديهم حليب الروح كي يستيقظوا
و نرش فوق جفونهم أصواتنا:
قوموا ارجعوا للبيت يا أحبابنا
عودوا إلى الريح التي اقتلعت جنوب الأرض من أضلاعنا
عودوا إلى البحر الذي لا يذكر الموتى و لا الأحياء
عودوا مرة أخرى
فلم نذهب وراء خطاكم عبثا
مراكبنا هنا احترقت
و ليس سواكم أرض ندافع عن تعرّجها و حنطتها
سندفع عنكم النسيان، نحميكم
بأسلحة صككمناها لكم من عظم أيديكم
نسيجكم بجمجمة لكم
و بركة زلقت
فليس سواكم أرضا نسمّر فوقها أقدامنا...
عودوا لنحميكم...
"و لو أنّا على حجر ذبحنا "
لن نغادر ساحة الصمت التي سوت أياديكم
سنفديها و نفديكم
مراكبنا هنا احترقت
و خيّمنا على الريح التي اختنقت هنا فيكم
و لو صعدت جيوش الأرض هذا الحائط البشريّ(59/80)
لن نرتدّ عن جغرافيا دمكم.
مراكبنا هنا احترقت
و منكم... من ذراع لن تعانقنا
سنبني جسرنا فيكم
شوتنا الشمس
أدمتنا عظام صدوركم
حفت مفاصلنا منافيكم
"و لو أنّا على حجر ذبحنا"
لن نقول" نعم"
فمن دمنا إلى دمنا حدود الأرض
من دمنا إلى دمنا
سماء عيونكم و حقول أيديكم
نناديكم
فيرتدّ الصدى بلدا
نناديكم
فيرتد الصدى جسدا
من الأسمنت
نحن الواقفين على خطوط النار نعلن ما يلي:
لن تنرك الخندق
حتى يمرّ الليل
بيروت للمطلق
و عيوننا للرمل
في البدء لم نخلق
في البدء كان القول
و الآن في الخندق
ظهرت سمات الحمل
تفّاحة في البحر، إمرأة الدم المعجون بالأقواس ،
شطرنج الكلام،
بقيّة الروح ،استغاثات الندى ،
قمر تحطّم فوق مصطبة الظلام
بيروت، و الياقوت حين يصيح من وهج على ظهر الحمام
حلم سنحمله. و نحمله متى شئنا. نعلّقه على أعناقنا
بيروت زنبقة الحطام
و قبلة أولى. مديح الزنزلخت .معاطف للبحر و القتلى
سطوح للكواكب و الخيام
قصيدة الحجر. ارتطام بين قبرّتين تختبئان في صدر...
سماء مرّة جلست على حجر تفكّر ،
وردة مسموعة بيروت. صوت فاصل بين الضحية و الحسام .
ولد أطاح بكل ألواح الوصايا
و المرايا
ثم... نام.
ثم... نام.
شعراء الجزيرة العربية >> غازي القصيبي >> يا أبا فيصل ( رثاء الملك فهد )
يا أبا فيصل ( رثاء الملك فهد )
رقم القصيدة : 66479
-----------------------------------
لَمْ نَجدهُ... وقيل: "هذا الفِراقُ!"
فاستجارت بدمعِها الأحداقُ
كانَ ملءَ العيون فهدٌ... فما
حِجّةُ عينٍ دُموعها لا تُراقُ؟!
*
عَجبَ النعشُ من سكون المُسجَّى
وهوَ من عاش لم ينلهُ وِثاقُ
عَجبَ القبرُ... حين ضمّ الذي
ضاقت بما في إهابه الآفاقُ
عجبَ الشوطُ... والجياد قليلٌ...
كيف يهوي جَواده السبّاقُ
*
هدرت حولك الجموعُ وماجتْ
مثل بحرٍ... والتفّتِ الأعناقُ
هو يومُ الوفاءِ... حبّ بحزنٍ
نتساقاهُ... والكؤوسُ دهاقُ
وقفَ الموتُ في الطريق... ولكنْ(59/81)
زحفتْ... لا تخافُهُ... الأشواقُ
*
يا أبا فيصلٍ! عليك سلامُ الله...
ما خالجَ القلوبَ اشتياقُ!
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> هل تذكرين
هل تذكرين
رقم القصيدة : 66481
-----------------------------------
هل تذكرينا وداعينا مصافحة
أودعت فيها كريم الأصل يمناك
أو تذكرين بوادي وج وقفتنا
وقد أفاضت علينا الطهر عيناك
وحين غنت على الأغصان شادية
أنشودة الحب في ترديدها الباكي
أنت الحياة لقلب جد مكتئب
وليس يسعده بالوصل إلاك
ماذا يضيرك لو حققت أمنيتي
فيسعد القلب-من شوق-لرؤياك
ففيك للقلب أهواء مجمعة
وفي لقاءك دنيا الشاعر الشاكي
أقصى أماني لو تبدين باسمة
أستلهم الشعر من باهي محياك
دنياي نار من الهجران محرقة
إذا نأيت و روض حين ألقاك
فإن نسيت ودادا كان يجمعنا
على العفاف فقلبي ليس ينساك
والذكريات إذا ما عز قربك لي
سلوى فؤاد على الأيام يهواك
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> أراك
أراك
رقم القصيدة : 66482
-----------------------------------
أراك فما لعينك ما تراني
وأنت و صبوتي فرسا رهان
نصبت حبالتي لك فاستحالت
حبي و بقيت منطلق العنان
ولي فوق السها عزم طموح
فمن عني ثناك ومن ثناني
مضى زمن المحال فلا تمن
فقد كذبت بواديك الأماني
وها أنا في هواك أضعت عمري
مقاربة على أمل التداني
ومهما عن وصل عن شأن
لكم عني فساعاتي ثوان
ولولا الحب في الأعناق رق
ملكتك باليمين وباليماني
ولو فوق العنان تخذت مثوى
هتكت عليك أغشية العنان
دعوت الشعر فيك فما عصاني
ولان قياده بعد الحران
أتى جبريله و أسر وحيا
إلي كأنه رجع المثاني
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> طلائع خريف
طلائع خريف
رقم القصيدة : 66483
-----------------------------------
الشعر يوحيه الشباب
وخياله الزاهي العجاب
من لي به-وقد افتقد
ت لذائذي-عهد الشباب!
الشعر يوحيه الربيع
وجماله الترف البديع
من لي به ويد الخريف
تذوي أزاهير الربيع(59/82)
الشعر هزات الفؤاد
للوصل أو خوف البعاد
ودعته لما رأيـ
ـت فؤاده لبس الجماد
الشعر يبعثه الخيال
إن عز في الدنيا منال
من لي به وقد افتقد
ت دبى الحقيقة والخيال
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> حيرة
حيرة
رقم القصيدة : 66484
-----------------------------------
حارت الأشعار في ماذا تقول
شرد الفكر و قد جد الرحيل
أزمعوا بينا و شدوا رحلهم
فتوارى طيف أحلامي الجميل
وتهاوى الدمع في آثارهم
وهو كالجمر على الخد يسيل
إنها روحي أراها أدمعا
تملأ الأجفان ((و الليل يطول!
يا فؤادي)) إن يكن جد النوى
فلياليك من اليوم شكول
ليس فيهن رؤى بسامة
كل ما فيهن شكوى وذهول
ولقد أقفرت الدنيا فما
تبصر الأعين إلا ما يهول
أربع مقفرة في صمتها
وشقاء ليته عنا يزول!
وظلال يبست أغصانها
وأمان لم تزل فيك تجول
ما تراها يا فؤادي ضلة
تعبت فيها نفوس و عقول
إن تكن بالوهم تحيا بعد ما
جد منه البين فالوهم ذليل
ما ترانا سفحت أدمعنا
وكذاك الدمع للوجد رسول
نحن صرعى لفتات ورؤى
وأمان ما إليهن سبيل
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> ثورة خيال
ثورة خيال
رقم القصيدة : 66485
-----------------------------------
قلت أهواك وعن دنياك بالحب شغلت
وبودي لو تحدث إلى الدنيا بحبي وأطلت
وتأملت الذي يوحي إلى قلبي وقلت
.
هل سمعت اللحن من قلبي ينساب لقلبي
ثم يرتد فيروي لك ما قصة حبي
ويناديك إلى عش هوانا المستحب
.
هل رأت عيناك في الصحو وفي بعض السهاد
صور البعد الذي أذكى خيالي وفؤادي
وترامى بظنوني في النوى في كل واد
.
هل سمت بالوهم دنياك إلى حيث وجودي
وتوهمت على البعد رضائي وصدودي
وأنا-حيث أنا- أعبث في دنيا خلودي
.
هل أداري الألم العاصف في قلبي بصبري
أم أبوح اليوم بالسر وهل يجهل سري
لست أدري هل أبوح الآن ويحي لست أدري
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> توأم الروح
توأم الروح
رقم القصيدة : 66486(59/83)
-----------------------------------
يا توأم الروح و نور البصر
ضاقت مني الروح بهذا السفر
وغشت الوحدة عيني فما
يؤنس عيني كل هذا البشر
سوى محياك دجى حالك
فأين منه لمحة للنظر
تسعد أيامي وليلي كما
يسعد بالأنجم نضو السهر
وتذهب الوحشة عن خاطر
كم غالب الشوق وكم ذا صبر
يهواك إن غبت وإن حاضرا
يهواك في الوحدة أو في السمر
وما له إن غبت من سامر
سوى صدى أيامنا و الذكر
وما أمر الدهر إن مر بي
من غير أن يملا فراغ العمر!
أي طيوب ليس يوحى بها
إلا محيا في شباب الزهر
يا موحش النفس وفي النفس من
هواه أشتات المنى والفكر
لا أوحش الله خيالي من الحب
لا تلك الليالي الأخر
حيث صباك البرعم الغض في
أوراقه يشتاقه من عبر
يوحي إلى الدنيا أهازيجه
مبتدعا في كل قلب وتر
فيصدح الكون بأوصافه
كم صور الله و كم ذا ابتكر
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> منى غدي
منى غدي
رقم القصيدة : 66487
-----------------------------------
كم أنت والله تحسد
باللحظ والروح والقد
عيناك عينا مهاة
والشعر كالليل أسود
والثغر عقد لآل
يا ليتني فيه أنضد
إني وحيد القوافي
وأنت بالحسن أوحد
ففيم هذا التجافي
والهجر-يا حلو-و الصد
لكم سهرت الليالي
وقلت: يا نجم فاشهد
بأنني منه مضنى
وأنني فيه احسد
وأنه يتجنى
وأنني أتجلد
وكلما رمت وعدا
بهجره يتوعد
وعن خلوت بنفسي
وجدتها تتمرد
أقول, يا نفس صبرا
فبابه غير موصد
أقولها و فؤادي
على اللظى يتوقد
منى غدي أنت لكن
سيان أمسي و الغد
وأنت محراب قلبي
فحيثما كنت يسجد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> نهاية حب
نهاية حب
رقم القصيدة : 66488
-----------------------------------
هدهدت حبي في المهاد
ووأدته قبل الفطام
ميعاده يوم المعاد
يوم تعاد به العظام
أمل أضاء به الفؤاد
لما خبا ساد الظلام
الشوق عندي في ازدياد
وعلى الهوى مني السلام
عفت البلاد مع العباد
واستثقلت نفسي الكلام
قد هدني طول البعاد(59/84)
لما تركتك في الرغام
لما دفنتك يا سعاد
أسقيتني الموت الزؤام
حاربت نومي والوساد
والقلب أمسى كالحطام
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> وحي الكرنك
وحي الكرنك
رقم القصيدة : 66489
-----------------------------------
هل تذكرت الذي كان لنا بالضفتين
يوم كنا و الهوى يجتاحنا كالزهرتين
إذ بعثنا من هوانا و جوانا زفرتين
وسكبنا فوق سطح النهر منا دمعتين
.
لحظة مرت بنا يا حب من قبل الغروب
إذ تولى الشمس قبل الليل أعراض الشحوب
ورأينا الليل في أعطافه النور يذوب
فصمتنا وتناجت بالهوى خوس القلوب
.
هل تذكرت الذي كان لنا في الكرنك
حين أشهدنا على الحب نجوم الفلك
فكأني لم أمتع بشذا من حسنك
وكأني لم ألج يوما مغاني عدنك
.
كنت أبكي يا حبيبي عند لألاء التلاقي
يوم كنا نقطع الحلم بنجوى واشتياق
خائفا مستبقا في الوصل أيام الفراق
غاب هلا غاب وودي لك باق؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> لى شباب بلادي
لى شباب بلادي
رقم القصيدة : 66490
-----------------------------------
مرحى فقد وضح الصواب
وهفا إلى المجد الشباب
عجلان ينتهب الخطى
هيمان يستدني السحاب
في روحه أمل يضي
ء وفي شبيبته غلاب
قد فارق الجهل العقيـ
ـم وهش للعلم اللباب
ورنا إلى مستقبل
يرقى له متن الصعاب
قد راح يستهدي العلا
ويصارع الموج العباب
في الأرض أو في البحر أو
في الجو فوق ذرى الضباب
ذاكم لعمري عدة الـ
ـوطن الكريم المستطاب
ما المجد يطلب بالمنى
كلا ولا السمر القضاب
المجد يبنى بالعلو
م تهز عالمنا العجاب
والعلم راية كل شعـ
ـب ناهض سامي الرغاب
وعليه فلنبن الحيا
ة و لا نساوم في الثواب
ولننطلق في عزمنا
مثل انطلاقات الشهاب
كيما نرى فوق السها
كيما نمجد في المآب
هذي نصيحة مخلص
يهوى المجادة والطلاب
كرمتموني دائما
فلكم حياتي يا شباب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> نجوى
نجوى
رقم القصيدة : 66491
-----------------------------------(59/85)
يا حبيبي أين أيام الصفاء؟
يوم كنا كل صبح و مساء
في تلاق و عناق و هناء
إن رأيت البدر في كبد السماء
أو رأيت الطير يشدو بالغناء
يا حبيبي أين أيام خوال؟
يوم كنا بين سمار الليالي
ننهل الحب و نفنى في الجمال
و على النيل مواعيد الوصال
لم يدم لي غير ذكرى في خيالي
يا حبيبي هذه الدنيا لنا
فاملأ الكون بهاء و سنا
إنما سلواي ذكرى حبنا
أين يا ليلاي مني عشنا؟
لم يدم في العش إلا طيفنا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> سمراء
سمراء
رقم القصيدة : 66493
-----------------------------------
سمراء يا حلم الطفوله
يا منية النفس العليله
كيف الوصول إلى ((حما
ك)) و ليس لي في الأمر حليه
إن كان في ذليي رضا
ك فهذه روحي ذليلة
ووسيلتي قلب به
مثواك إن عزت وسيله
فلترحمي خفقانه
لك و اسمعي فيه عويله
قلب رعاك و ما ارتضى
في حبه أبدا بديله
أسعدته زمنا و روى
وصلك الشافي غليله
ما بال قلبك ضل عنـ
ــه فما اهتدى يوما سبيله
وسبيلك الذكرى إذا
ما داعبتك رؤى جميله
في ليلة نسج الغرا
م طيفها بيد نحيله
وأطال فيها سهد كل
متيم يشكو خليله
سمراء يا أمل الفؤا
د وحلمه من الطفولة
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> كنا و كان
كنا و كان
رقم القصيدة : 66494
-----------------------------------
إلى الحبيب الأول والأخير
............
ياحبيبي أين تلك الأمسيات
يوم كنا في هوانا في سبات
ياحبيبي كيف ذاك الحب مات؟
عندما دبت به روح الحياة
.
ياحبيبي ذكريات الأمس تهفو
أبدا أصحو عليهن وأغفو
كما ودعت طيفا لاح طيف
أترى قلبك بعد الهجر يصفو
.
ياحبيبي إن يكن طال جفانا
وذوى في زهرة العمر صبانا
فلنعش يا حب في ذكرى هوانا
ولنقل عن حبنا كنا و كانا
.
ليتنا يا حب نحيا فيه ساعه
نوقظ الزورق أو نزجي شراعه
ونناجي ضفتيه في ضراعه
تسعد القلب ولا تشفي التياعه
.
ياحبيبي لوعة الحب سعاده
تزهد القلب فيسمو بالزهاده
ويرى حرمانه في الحب زاده(59/86)
حين لا يبلغ في الحب مراده
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> حلم الهوى العذري
حلم الهوى العذري
رقم القصيدة : 66495
-----------------------------------
... يا ابنة البدر
وينبوع الشذا العطري
وملهمتي تسابيحي
وآياتي من الشعر
وساحرتي بعينيها
وروح كالسنا يسري
وبالبسمات من ثغر
شهي بالهوى يغري
وباللفتات من جيد
به ماء الصبا يجري
وبالوجنات فيها الضوء
يلهب لونها الخمري
فتحسب أنها شفق
تلفع هالة البدر
وداجي الليل من شعر
يهيم بها ولا تدري
... أنت ألحاني
وحلمي في الهوى العذري..
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> أصداء الماضي
أصداء الماضي
رقم القصيدة : 66496
-----------------------------------
إلى من هدم ما بنى
..............
سكن الليل وأغفى
يا نديمي كل صاح
وأنا ما زلت أشكو
من همومي وجراحي!
فأنا في الحب-يا ليـ
ــلاي- مسلوب السلاح!
يا حبيبي! وفؤادي!
هل لذكرى الأمس ماح؟
كلما حاولت-يا ليـ
ــلاي!- نسيان هواك
وليالي السهد والحيـ
ــرة من ذكرى جفاك
وظننت القلب من يأ
سي-يا ليلى-سلاك
عاودتني ذكريات
قد تفضت من صفاك
ها هو الماضي-لقلبي
ولعيني- قد تجلى
ليتني, بل ليت شعري!
أإذا عاد و هلا
أجد الآمال يقظى
والمنى أبهى وأحلى؟
فأنا, بالعطف و التحـ
ــنان, من غيري أولى
أجزاء الوصل مني
يا حبيبي! منك صد؟
وأنا الأحرى بعطف
منك ما استجداه سهد
كلما حاولت نسيا
ن غرامي, بات يبدو
فاذكريني بالذي كا
ن فقلبي بك يشدو...
إن رأيت الغصن, من شو
قي, حسبت الغصن قدك
أو رأيت الورد صبحا
خلت ذاك الورد خدك
أو طلبت الدهر إسعا
دي فإن السعد عندك
لا يطيق القلب-يا سلـ
ــواي!- بعد اليوم بعدك
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> على ضفاف النيل
على ضفاف النيل
رقم القصيدة : 66497
-----------------------------------
كلما قلت: على الذكرى سلام
هتفت بالقلب أيام خوال
لم تدم لي يا حبيبي غير ذكرى
ليت شعري هل أرى تلك المجالي؟(59/87)
قد تراءت لي على بعد المدى
ما أحيلاها إذا مرت ببالي!
يا لذكرى القلب أيام لقا
كل ما فيها نعيم لخيالي
يا حبيبي! هل نسيت الأمس لما
كنت نجمي بين سمار الليالي؟
وضفاف النيل مهوى حبنا
وعلى شطيه ساعات الوصال
حين ترنو لي بطرف ساحر
ورنت عيني بقلب غير خالي
ليتني والبعد يفري خافقي
بالذي لاقيت من ذات الجمال
أعرف الحب هنيئا طيبا
لا أجافيه لغدر أو مطال
يا حبيبي! بالذي آتاك حسنا
يأسر القلب بألوان الدلال
ارع حبي ذاكرا أيامنا
فعلى ذكراك للعهد اتكالي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> في روضة الهوى
في روضة الهوى
رقم القصيدة : 66498
-----------------------------------
قد ساءلت من أنت؟ قلت أنا الذي
قضيت عمري-مدنفا- أهواك
وأطعت عيني-في الغرام- وخافقي
أقضي الليالي السود في نجواك
أرنو إليك-على بعادك- مثلما
يرنو الحزين لساطع الأفلاك
وأبث للنجم المسهد لوعتي
يا ليتني-بعد النوى- ألقاك
ما كنت أؤمن بالعيون وفعلها
حتى دهتني في الهوى عيناك
الحسن قد ولاك حقا عرشه
فتحكمي في قلب من يهواك
قلبي كما تبغين إلف صبابة
قد مل كل خريدة إلاك
بالله يا أملي الحبيب ترفقي
إني وربك في الهوى مضناك
فرنت إلي وقد تألق لحظها
أفديه من لحظ رنا فتاك
ونضت عن الوجه الوسيم وتمتمت
يا روحه الظمأى علي رواك
وتعانق الروحان في روض الهوى
فثملت حتى غبت عن إدراكي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> أين مني؟
أين مني؟
رقم القصيدة : 66499
-----------------------------------
يا طير هيجت آلامي وأشجاني
بما تغنيه من ألحان ولهان
بي مثل ما بك من أحزان مغترب
فالكل منا وحيد ما له ثان
بعثت شكواي ألحانا مرتلة
وأنت شكواك ترجيع لألحاني
تشكو فراق رفيق كنت تألفه
أما أنا فشكاتي بعد أوطاني
أين المصيف وأيام به سلفت؟
وأين يا طير أحبابي وخلاني
أين الجبال التي تكسو أعاليها
بمذهب من كثيف السحب هتان؟
وأين مني شهار؟ أين هضبته؟(59/88)
يا حبذا فيه أفراحي وأحزاني!
وأين مني(....)؟ أين مجلسنا؟
في ظلمة الليل أرعاها وترعاني
وأين-لا أين- ساعات مفضلة
كانت-بما راح فيها- خير أزماني؟
أيام كنا وذاك الروض يجمعنا
جمع الأزاهر في ساحات نيسان
إن عز يوما على الأيام عودتها
فالحلم-يا طير-أدناها وأدناني
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> أمل يخيب
أمل يخيب
رقم القصيدة : 66500
-----------------------------------
ودعت أيام الربيع الناضر
ودفنت آمالي ووحي خواطري
ووأدت ما في القلب من ذكر الصبا
ونفضت عن ذهني خيال الشاعر
لا حب والغدر الخئون يحوطه
ولى الغرام مع الحبيب الغادر
هي وردة ظمأى وقد رويتها
-إذ قل عنها الغيث- ماء نواظري
أيقظتها بل صغتها في قالب
من نور آمالي وزين مشاعري
ومنحتها قلبا-على أترابها
قد عز- يرعاها بحب طاهر
لم أدر حين سقيتها ورعيتها
أني سأجزى بالعقوق السافر
يا قلب لا يحزنك ما ضيعته
من حبك الوافي لعهد غابر
بل لا يروعك الزمان بمكره
إن الكريم ليبتلى بالماكر
هل كان ذاك الود إلا خدعة
خلابة مبذولة من فاجر!
كم ذا بذلت صداقة ومحبة
وجنيت ما يجني فقيد بصائر
فاربأ بنفسك أن تكون معذبا
وانظر إلى الماضي بعين الساخر
فالحب ما ينأى بقصدك عن هوى
زيف كأهواء الدعي الهاجر
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> نداء
نداء
رقم القصيدة : 66501
-----------------------------------
لا الصد يشجي ولا لقياك تسعدني
فما أنا مثل ما قد كنت تعهدني
فلا البلابل تسبيني صوادحها
في مطلع النور إن غنت على فنن
ولا الزهور إذا ما الطل بللها
توحي لي الشعر أو بالحسن تفتنني
وما أنا بالذي تغريه بارقة
من الوصال ولا الهجران يهدمني
فقد نسيت من الأيام أعذبها
كما تناسيت آهات تعذبني
نسيت ما كان من حب وموجدة
شغلت عنها بما يصبو له وطني!
روحي الفداء له إن قيل تضحية
إن الشقاء بما يعليه يسعدني
لن تعرف اليأس روحي والشباب يد
إذا دهتني دواهي الدهر تسندني(59/89)
فيا بني وطني بالعلم سعدكمو
وليس في الجهل الا فادح المحن
فعرفوا الغرب ما للشرق من منن
ذودوا الغواة من الأوطان وانتبذوا
من فرق الشمل بالغايات والفتن
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> كيف الخلاص
كيف الخلاص
رقم القصيدة : 66502
-----------------------------------
يا قلب حاربك الكرى
والحب منك كما ترى
ناء يقربه الخيال
فاقنع وحسبك ما جرى
فأنا الذي ذقت العذاب
وفقدت لذات الشباب
وأضعت عمري كله
ما بين أصداء العتاب
الكون يغمره الضياء
وتزينه شمس السماء
وأنا الذي غمر الظلام
روحي وأضناها الجفاء
حالفت سهدي والأنين
وسئمت دنيا السادرين
فوأدت أيام الصبا
يا قلب بالحزن الدفين
أما الهجوع فلا هجوع
مذ أن خلت منها الربوع
إلا إذا سمح الزمان
يوما لحبي بالرجوع
أطيلي الوقوف
هو الداء يعبث في أضلعي
إذا ما نعيت فلا تفزعي
ولا تبعثي صرخة في الفضاء
ولا ترسلي مدمع الموجع
فلا بالمدامع برء الجراح
فخلي النواح ولا تجزعي
ولكن عليك بحفظ الوداد
وصوني عهود الفتى الألمعي
وعيشي مدى العمر بالذكريات
وطوفي بمغنى الهوى واخشعي
وزوري ثراي إذا ما السكون
أطل وعند الثرى فاركعي
لئن ضم جسمي ذاك الثرى
لقد ضم عهدي وحبي معي
وحطي على القبر بعض الزهور
ففي الزهر ذكرى لقا ممتع
أطيلي الوقوف على مدفني
إذا ما اعتزمت بأن ترجعي
فطيفك يخفق في خاطري
وصوتك يهتف في مسمعي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> هل تناسيت؟
هل تناسيت؟
رقم القصيدة : 66503
-----------------------------------
ليته يعرف الملل
دائم الخفق لم يزل
هده الهجر فانبرى
يقتل اليأس بالأمل
مذ وعدت اللقاء في
عاجل يسبق الأجل
هل تناسيت ليلنا
إذ دفناه في القبل؟
أم تناسيت حبنا
عندما لاح وأستهل؟
أم تجاهلت عاشقا
بالضنى جفنه أكتحل؟
أم تغاضيت عن فتى
وتسرعت؟ لم تسل
عن أمانيه في الهوى
ولياليك في الملل
إنه عارف بها
إن تجاهلت أو جهل
أنت أدرى بحاله
وهو أدرى بما حصل
كل ما فات يرتجى(59/90)
لو سلمنا من الزلل
فلنعد ولتعد بنا
سنة الحب في الأول
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> فيم التساؤل؟
فيم التساؤل؟
رقم القصيدة : 66504
-----------------------------------
حالي بمعترك الحوادث حالي
فيم السؤال ولات حين سؤال
فيم التساؤل والسؤال وقد بدا
لك ما ترى من محنتي وهزالي
أأنا الملوم لأني أنزلت آ
مالي بمواكب حسنك الخذال؟
أم كان حسن الظن مني زلة
جوزيت عنها فاجع الأهوال
لم ألق من صفح لديك وإن يكن
ذنبي إليك ومنك في إقبالي
أقبلت محتشدا إليك بمهجة
أصفى من المترقرق السلسال
فأعرتني أذن السميع معللا
أملي برقة كاذب ختال
فظننتني أضحيت أسعد عاشق
أمتعته برضى وطيب وصال
وغدوت أبسم للورى متجاهلا
عين الرقيب وقولة العذال
غردا أهز معاطف الأغصان من
نغم الغدو إليك والآصال
ما يزعج الصد المؤرق بالي
في حلو فردوس وراحة بال
يا شقوة الآمال لما أن بدت
للعين شمس وفاك وشك زوال
شيعتها بدم الجفون وكابدت
في إثرها عيناي سهد ليال
ومشى اليقين إلي بعد تشكك
في القلب هيج همسه بلبالي
ورأيت كيف خدعت فيك وطالما
خدع الظماء ببارق الأوشال
فرجعت للظماء الذي هو قاتلي
بعد الفراق وخيبة الآمال
ومن العجائب أن أجيئك عاتبا
أتراك تصغي ساعة لمقالي؟
هي منية عرضت لقلب قد سلا
عن وده لما رآك السالي
ولى من الحب الذي ولى فما
لي ناشرا منه الصحائف ما لي؟!
فلقد طويت براحتيك كتابه
ودفنت فيه سوانحي وخيالي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> لوعة
لوعة
رقم القصيدة : 66505
-----------------------------------
ألاقي من عذابك ما ألاقي
وحبك في حنايا القلب باق
وتسرف في الصدود وفي التجني
وأسرف في التياعي واشتياقي
ولو يدري فؤادك ما أعاني
وما أقاه من ألم الفراق
لما أمعنت في هذا التجافي
ولا أذللت من دمعي المراق
ولكني كتمتك هول ما بي
وما زال التجلد من خلاقي
فلو زعم العواذل بي سلوا
فكل حديثهم محض اختلاق
وما أبدي لهم غير التآسي(59/91)
وإن كانت ضلوعي في احتراق
وكم حسبوا عناني جد طلق
وقلبي جد مشدود الوثاق
واخشى أن يقال صريع شوق
يلاقي في المحبة ما يلاقي
وأغرق في ظلام الليل يأسي
فأغرق في اصطباحي واغتباقي
وأنهل من لمى ذكراك عذبا
أعل به ووهم رضاك ساق
ويبسط لي الخيال ظلال أنس
أعيش بها إلى يوم التلاقي
أعيذك أن تعين علي سقمي
معونتك الدموع على المآقي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> أنت وغيرك
أنت وغيرك
رقم القصيدة : 66506
-----------------------------------
لولا الهوى ووفاؤك المعهود
خفقت لغيرك في الفؤاد بنود
وتبسم القلب الذي رويته
ما شئت من شوق به تسهيد
حرصا عليك وأنت في أحشائه
قبس يشب هيامه ويزيد
والنار تعشق إن تغب فإذا دنت
بك فر من رمضائها الموؤود
قلب به مثواك يا من تيمت
بهواه أنفاس لها تصعيد
ولعل أنفاس الربيع تعيده
وترد سيرته منى فيعود
وإليك مرجعه وأنت بداية
لولاك لم يبعث لها ترديد
إني وربك في هواك موحد
إن كان عندك في الهوى توحيد
أشدو بذكرك والغرام يسوقني
لنهاية في الحب وهي بعيد
فاحفظ ودادي إنه أغلى الذي
يفنى فؤاد دونه ويبيد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> كان حلما
كان حلما
رقم القصيدة : 66507
-----------------------------------
كان حلما يا فؤادي حبها
وخيالا ما ألاقي من هواها
قبل هذا الشوق والوجد الذي
تركته في فؤادي مقلتاها
فإذا بي ولقاها غايتي
أجد الحب صحيح من سواها
خدعتني بالمنى معسولة
فمضت كالريح يا قلبي مناها
ذكريات الأمس ما أعذبها!
ليتها ظلت كما كنت أراها!
جنة ذات زهور غضة
عبقت طيبا كما لذ جناها
يسعد القلب إذا مرت به
ساعة الذكرى وأيام صفاها
فيغني طاردا لوعته
مبعدا عن نفسه كل سجاها
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> ردوا سهام الجفون
ردوا سهام الجفون
رقم القصيدة : 66508
-----------------------------------
ردوا سهام الجفون
عن قلبي المسكين
لا توقظوها جراحا
أغفى عليها حنيني(59/92)
ولا تعيدو عذابي
ولا تزيدوا شجوني
فقد بذلت شبابي
ضحية للعيون
أما رحمتم حطاما
ناداكم بالأنين
مروعات خطاه
بين المنى والظنون
يرجو ويخشى هواكم
ما بين حين وحين
ويبسم الثغر منه
على فؤاد حزين
فإن رأيتم عليه
مذلة المستكين
تبينوها فإني
غير الدليل المهين
وإنما هو حبي
أفضى بسري المصون
فلتسمعوه نشيدا
مجدد التلحين
في صمته ولغاه
أثارة من فتون
وفي لحاظي دليل
على أساي الدفين
كتمته وغرامي
باد كصبح مبين
يراه كل البرايا
في خفة المستهين
مخاطرا بحياة
ملأى بشتى الفنون
فإن أردتم بقائي
ردوا سهام الجفون
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> إلى ذات الوشاح
إلى ذات الوشاح
رقم القصيدة : 66509
-----------------------------------
تسائلني العواذل ما اقتراحي
وأنت على الزمان مدى اقتراحي
فإن لجوا بعذل واستطالوا
فلست بسامع تفنيد لاح
أما علموا بأني منك مضنى
وأن القلب مني غير صاحي
وأني أنهل الذكرى مداما
أعل بها مسائي أو صباحي
فهل ترك الغرام بي اقتدارا
على هجريك يا ذات الوشاح
وهل ترك المدلة من سبيل
إلى النسيان أو للحب ماح
فطيبي واهنأي فالقلب حصن
يحصنه القوي من السلاح
فإني في هواك وجدت سقمي
كما أني لقيت به ارتياحي
ففي نظراتك الحيرى عذابي
وفيها سر برءي من جراحي
وفي لقياك آمال كبار
فأنت من الدنى كأسي وراحي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> حب وشك
حب وشك
رقم القصيدة : 66510
-----------------------------------
قضيت على حبي قضيت على ودي
وانت التي قد كنت أوري بها زندي
شككت باخلاصي فعكرت صفونا
كما ارتبت في حب ترعرع في مهدي
فآثرت أن تقضي على الحب والهوى
بما جئت من شك وما شئت من بعد
تريدين مني أن أبوح بحبنا
وأبدي الذي قد كنت أخفي ولا أبدي
ولست بمن يرضى لليلاه بالخنا
ولا بانخداع بالسراب من الوعد
فلي شيمة تأبى علي خداعها
إذا ما استجاش القلب تبصرني جندي
ولي من غرامي ما يقدس حبها
ولي من وفائي ما يذكرني عهدي(59/93)
إذا ما احتواني الليل أبديت لوعتي
ويعلمها نجم رقيب على سهدي
أناجيه والآلام تفري حشاشتي
بما يعتريني من غرام ومن وجد
فلا تظلميني بالملام فإنني
كفيل بحمل العبء عبء الهوى وحدي
وفارقت مغناك الذي تعهدينه
وإن كان في مغناك يا غادتي سعدي
وأخفيت في الأحشاء نار صبابتي
وإن كان هذا موردي ظلمة اللحد
فما بعد هذا الشك حب مؤمل
ولا بعد هذا الشك في الوصل ما يجدي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> صبر ينفذ
صبر ينفذ
رقم القصيدة : 66511
-----------------------------------
أرى الصبر أوشك أن ينفذا
وأوشكت في القرب أن أبعدا
وأوشك قلبي أن يستريح
وأوشك طرفي أن يرقدا
وكدت أعايش هذا الأنام
وقد عشت بينهم مفردا
يخيل لي أنني قد أضعت
شبابي وقلبي وعمري سدى
وأن حياتي وأسبابها
خطبت بها عندكم فرقدا
تناءيتم زمنا طائلا
وبنا كما كان رجع الصدى
فإن تلتق اليوم أشباحنا
فذاك لقاء غريب المدى
تقربه اليوم دنيا الخيال
ويبعده كل حاد حدا
يذكرنا كل أمس مضى
وكل غريب به شدا
وما نحن إلا الزمان الذي
عدا في الأنام على من عدا
نصوره صورة في الضمير
ونبدي على ضعفنا ما بدا
فيحسبنا الناس أقوى على
يد الدهر مما يكيد العدى
ولكننا إن خلونا إلى
خواطرنا نستجير الردى
وإن لاح في بابكم عاذل
مررنا به ركعا سجدا
نحاذر من أن ترانا العيون
ونخشى على البؤس أن نحسدا
فعد لي حبيبي كما قد عهدت
على الدهر يا سيدي مسعدا
وخل النواح ودنيا الانين
فقد أوشك العمر أن ينفذا
ومد حبيبي إلى من براه
غرامك عطفا وأهد اليدا
أو اهزأ كما شئت بالذكريات
وأذهب في الحب كبش الفدا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> أمل المحروم
أمل المحروم
رقم القصيدة : 66512
-----------------------------------
يا صغير السن يا مرهفه
شوق نم جافيته اتلفه
إن تكن تقوى على طول النوى
فهو في بعدك ما أضعفه!
أو تكن لا تعرف الوجد الذي
لم يبنه آن أن تعرفه
فلقد أدنيته من حتفه
وسوى وصلك لن يسعفه(59/94)
أنت قلب يبذل الوعد له
فإذا استنجزه سوفه
وجبين مشرق مؤتلق
من رآه مرة أدفنه
وقوام يتهادى في الربى
فيقول البان ما أهيفه
وفم لو قال من ينعته
هو كالعناب ما عرفه
وثنايا لؤلؤ مؤتلف
ألق سبحان من ألفه
وعلى صدرك لحنا غرد
كلف الترجيع ما كلفه
وبأردافك حاد صلف
مثقل خطوك ما أصلفه!
فجميل منك بعد الظلم يا
أمل المحروم أن تنصفه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> يا ناعس الطرف
يا ناعس الطرف
رقم القصيدة : 66513
-----------------------------------
يا ناعس الطرف قد فازت أعادينا
واستبشروا بمناهم في تجافينا
وكف عنا كؤوس الصفو ساكبها
وعاد بالشجو والأحزان يسقينا
وودعتنا أماني الوصل مسرعة
حتى غدونا بمنأى عن أمانينا
واستسلمت لظلام اليأس انفسنا
إلا العلالات من ذكرى تلاقينا
وكان بالأمس شادي الورق يطربنا
لكنه إن يغني اليوم يشجينا
فقد سمعتم إلى إرجاف عاذلنا
وقد أطعتم وشايات الهوى فينا
ما كان ظني بكم يا منتهى أملي
أن الوشاة تقصيكم فتقصينا
وأن ما زعم الحساد مقتدر
أن يطمئت إليه قلبكم حينا
وأنكم تؤثرون الشك إن عرضت
به البوارق من إرعاد لاحينا
وأنكم قد صممتم عن معاذرنا
لم تسمعوها واسمعتم أهاجينا
زعمتمونا نقضنا عهدهم وغدا
لنا بغيركمو شكل يعينا
و ما عنانا سواكم في الدنى أحد
ولا غرينا به أن بات يغرينا
إنا وإياكم نجمان في فلك
يديره الحب في آفاق ماضينا
مهما اختصمنا فإن الشوق يجمعنا
أو افترقنا فإن الحب يدنينا
فما ترى اليوم من صبري ومن جلدي
فللكرامة فضل من تأسينا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> عتاب
عتاب
رقم القصيدة : 66514
-----------------------------------
لما نظرت إلي أمس مشيحة
بين الجموع بلحظك المرتاب
وجرت على شفتيك بسمة حائر
ما بين شبه رضا وشبه عتاب
أبصرت في عينيك عمري كله
وعرفت أني قد أضعت شبابي
ورأيت نفسي في الحياة وضيعها
أشكو إغترابي في ندي صحابي
وهتفت بي:من أنت؟ لما أنكرت(59/95)
عيناي شخصي وهو غض إهاب
ولقيتني ألقى الورى وكأنني
منهم على وهم ولمع سراب
وسمعت قلبي في الضلوع معاتبي
بوجيبه يا صفوة الأحباب
ولمست في الأجفان وكف مدامعي
كالجدول المترقرق المنساب
ورجعت للمحراب أنشد عزلتي
لكن خيالك كان في محرابي
أين المفر(( ومنك ثم إليك ما
أسعى)) وما بي في غرامك ما بي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> سؤال
سؤال
رقم القصيدة : 66515
-----------------------------------
كلما لاح رضاك في التداني
خلتني أني فتاك أتراني...؟
خبريني وهواك عن مكاني
.
كل ما أرجوه يا ليلاي منك
لفظة تمحو خيالاتي وشكي
.
اسكبي في مسمعي ألحان حبك
واكشفي لي لحظة مكنون قلبك
.
لا تطيلي حيرة الصب بربك
فلعل القلب أن يهنا بقربك
.
لو علمت ما ألاقي في غرامي
من سهاد واشتياق وسقام
وجوى في الصدر باق من ضرام
.
كل إلف قد تهنا وغرامه
غير قلبي لم يزل يشكو هيامه
يا ترى هل آن أن ينعم بالي
بعد ما لاقيت في تلك الليالي
من صدود وجفاء ودلال
أم ترى الأتي كأيامي الخوال؟
.
كلما لاح رضاك في التداني
خلتني أني فتاك أتراني...؟
خبريني وهواك عن مكاني
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> يا شادي البان
يا شادي البان
رقم القصيدة : 66516
-----------------------------------
يا شادي البان ما أشجاك أشجانا
إن الذي أسقاك الشوق أسقانا
كأس من الصاب والآلام مترعة
من لي بكأس إليها كنت ظمآنا
كأس من الوصل أضحى من ترشفها
قرير عين بمن يهواه نشوانا
إن أنس لا أنس يوما قلت يا أملي
متى تجود بوصل قلت لي: الآنا
أسقاني الوجد من حرى مراشفه
وما ارتويت وأضحى القلب سكرانا
حين انتهينا وطيف الحب ثالثنا
وأعين البدر من علياه ترعانا
همنا بآفاق حب لا حدود لها
وبثنا الشوق إشفاقا وتحنانا
أنساني الوصل ما لاقيت من زمني
في سالف العهد آلاما وهجرانا
يا مبعث الطهر يا أصل الجمال ألا
أرجو من الدهر إرجاع الذي كانا
لا تستمع للذي قد قال خانكم(59/96)
فإن في قوله زورا وبهتانا
مهما يزور فإني ما سلوتكمو
وكيف يسلى زمان الحب مذ كانا
وما يزال منى روحي وبغيتها
ومن يحب فؤاد عاد أسوانا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> البلبل الصامت
البلبل الصامت
رقم القصيدة : 66517
-----------------------------------
آثر الصمت بلبل الأدواح
وتولى عن روضه الممراح
وغناء الهزاز عاد بكاء
وجفا حبه لكيد اللاحي
يا أليف الشباب في أفراحي
وشريكي الصدوق في أتراحي
كيف يهوى الغناء من قد تحسى
من أسى الدهر مترع الأقداح
ودهته بما يروع العوادي
فإذا الليل عنده كالصباح
من أساه ولوعة تتلظى
تركته في عالم الأشباح
فاعذر اليوم ما ترى من ذهولي
ودع القلب مغرقا في النواح
فالحياة التي أحب وأهوى
أصبحت كالجحيم ملء جراحي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> ليلة العمر
ليلة العمر
رقم القصيدة : 66518
-----------------------------------
ليلة مرت بدهري
لم تكن من خيط عمري
إن تكن مرت سريعا
فهي ما زالت بفكري
لست أدري كيف مرت
يا حبيبي لست أدري
قد نسيت النفس فيها
وجعلت الحب خمري
كان ليلي مستنيرا
إذ أضاء الليل بدري
أسعد الأوقات عندي
عندما هدهدت صدري
طارت النفس شجاعا
سابحا في الخلد يسري
ليتها عادت سريعا
ليلة مرت بعمري
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عندما ننتظر القطار
عندما ننتظر القطار
رقم القصيدة : 66520
-----------------------------------
قالت: سأرجع ذات يوم
عندا يأتي الربيع..
و جلست أنظر نحوها
كالطفل يبكي غربة الأبوين
كالأمل الوديع
تتمزق الأيام في قلبي
و يصفعني الصقيع
كان الخريف يمد أطياف الظلال
و الشمس خلف الأفق تخنقها الروابي.. و الجبال
و نسائم الصيف العجوز
تدب حيرى.. في السماء
و أصابع الأيام تلدغنا
و يفزعنا الشتاء
و الناس خلف الباب تنتظر القطار..
و الساعة الحمقى تدق فتختفي
في الليل أطياف النهار
و اليأس فوق مقاعد الأحزان
يدعوني.. فأسرع بالفرار
* * *(59/97)
الآن قد جاء الرحيل..
و أخذت أسأل كل شيء حولنا
و نظرت للصمت الحزين
لعلني.. أجد الجواب
أترى يعود الطير من بعد اغتراب؟
و تصافحت بين الدموع عيوننا
و مددت قلبي للسماء
لم يبق شيء غير دخان
يسير على الفضاء
و نظرت للدخان شيء من بقايا يعزيني
و قد عز اللقاء..
* * *
و رجعت وحدي في الطريق
اليأس فوق مقاعد الأحزان
يدعوني إلى اللحن الحزين
و ذهبت أنت و عشت وحدي.. كالسجين
هذي سنين العمر ضاعت
و انتهى حلم السنين
قد قلت:
سوف أعود يوما عندما يأتي الربيع
و أتي الربيع و بعده كم جاء للدنيا.. ربيع
و الليل يمضي.. و النهار
في كل يوم أبعث الآمال في قلبي
فأنتظر القطار..
الناس عادت.. و الربيع أتى
و ذاق القلب يأس الانتظار
أترى نسيت حبيبتي؟
أم أن تذكرة القطار تمزقت
و طويت فيها.. قصتي؟
يا ليتني قبل الرحيل تركت عندك ساعتي
فلقد ذهبت حبيبتي
و نسيت.. ميعاد القطار..!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> بالرغم منا قد نضيع
بالرغم منا قد نضيع
رقم القصيدة : 66521
-----------------------------------
(1)
قد قال لي يوما:
إن جئت يا ولدي المدينة كالغريب
و غدوت تلعق من ثراها البؤس
في الليل الكئيب..
قد تشتهي فيها الصديق أو الحبيب
إن صرت يا ولدي غريبا في الزحام
أو صارت الدنيا امتهانا.. في امتهان
أو جئت تطلب عزة الإنسان في دنيا الهوان
إن ضاقت الدنيا عليك
فخذ همومك في يديك
و اذهب إلى قبر الحسين
و هناك ((صلّي)).. ركعتين
(2)
كانت حياتي مثل كل العاشقين..
و العمر أشواق يداعبها الحنين..
كانت هموم أبي تذوب.. بركعتين
كل الذي يبغيه في الدنيا صلاة في الحسين..
أو دعوة لله أن يرضى عليه
لكي يرى.. جد الحسين..
قد كنت مثل أبي أصلي في المساء
و أظل أقرأ في كتاب الله ألتمس الرجاء
أو أقرأ الكتب القديمة
أشواق ليلى أو رياض.. أبي العلاء
(3)
و أتيت يوما للمدينة كالغريب..
و رنين صوت أبي يهز مسامعي
وسط الضباب و في الزحام..
يهزني في مضجعي(59/98)
و مدينتي الحيرى ضباب في ضباب..
أحشاؤها حبلى بطفل
غير معروف.. الهوية
أحزانها كرماد أنثى
ربما كانت.. ضحية..
أنفاسها كالقيد يعصف بالسجين
طرقاتها.. سوداء كالليل الحزين
أشجارها صفراء و الدم في شوارعها.. يسيل
كم من دماء الناس
ينزف دون جرح.. أو طبيب
لا شيء فيك مدينتي غير الزحام
أحياؤنا.. سكنوا المقابر
قبل أن يأتي الرحيل..
هربوا إلى الموتى أرادوا الصمت.. في دنيا الكلام
ما أثقل الدنيا..
.. و كل الناس تحيا.. بالكلام!!
(4)
و هناك في درب المدينة ضاع مني.. كل شيء
أضواؤها.. الصفراء كالشبح.. المخيف
جثت من الأحياء نامت فوق أشلاء.. الرصيف..
ماتوا.. يريدون الرغيف..
شيخ ((عجوز)) يختفي خلف الضباب
و يدغدغ المسكين شيئا.. من كلام
قد كان لي مجد و أيام.. عظام
قد كان لي عقل يفجر
في صخور الأرض أنهار الضياء
لم يبق في الدنيا.. حياء..
قد قلت ما عندي فقالوا إنني
المجنون.. بين العقلاء
قالوا بأني قد عصيت الأنبياء
(5)
درب المدينة صارخ الألوان
فهنا يمين.. أو يسار قاني
و الكل يجلس فوق جسم جريمة
هي نزعة الأخلاق.. في الإنسان
أبتاه.. أيامي هنا تمضي
مع الحزن العميق
و أعيش وحدي..
قد فقدت القلب و النبض.. الرقيق
درب المدينة يا أبي درب عتيق..
تتربع الأحزان في أرجاءه
و يموت فيه الحب.. و الأمل الغريق
(6)
ماذا ستفعل يا أبي
إن جئت يوما.. دربنا
أترى ستحيا مثلنا؟!
ستموت يا أبتها حزنا.. بيننا
و ستسمع الأصوات تصرخ.. يا أبي:
يا ليتنا.. يا ليتنا.. يا ليتنا!!!
و غدوت بين الدرب ألتمس الهروب
أين المفر؟!
و العمر يسرع للغروب..
(7)
أبتاه.. لا تحزن
فقد مضت السنين
و لم أصل.. في الحسين
لو كنت يا أبتاه مثلي
لعرفت كيف يضيع منا كل شيء..
بالرغم منا.. قد نضيع
بالرغم منا.. قد نضيع
من يمنح الغرباء دفئا في الصقيع؟
من يجعل الغصن العقيم
يجيء يوما.. بالربيع؟
من ينقذ الإنسان من هذا.. القطيع؟!
(8)
أبتاه..
بالأمس عدت إلى الحسين..(59/99)
صليت فيه الركعتين..
بقيت همومي مثلما كانت
صارت همومي في المدينة
لا تذوب.. بركعتين!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لقاء الغرباء..
لقاء الغرباء..
رقم القصيدة : 66522
-----------------------------------
علمتني الأشواق منذ لقاءنا
فرأيت في عينيك أحلام العمر
و شدوت لحنا في الوفاء.. لعله
ما زال يؤنسني بأيام السهر
و غرست حبك في الفؤاد و كلما
مضت السنين أراه دوما.. يزدهر
و أمام بيتك قد وضعت حقائبي
يوما و ودعت المتاعب و السفر
و غفرت للأيام كل خطيئة
و غفرت للدنيا.. و سامحت البشر
* * *
علمتني الأشواق كيف أعيشها
و عرفت كيف تهزني أشواقي
كم داعبت عيناي كل دقيقة..
أطياف عمر باسم الإشراق
كم شدني شوق إليك لعله
ما زال يحرق بالأسى أعماقي..
أو نلتقي بعد الوفاء.. كأننا
غرباء لم نحفظ عهودا بيننا
يا من وهبتك كل شيء إنني
ما زلت بالعهد المقدس.. مؤمنا
فإذا انتهت أيامنا فتذكري
أن الذي يهواك في الدنيا.. أنا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> بقايا أمنية
بقايا أمنية
رقم القصيدة : 66523
-----------------------------------
مازال في قلبي بقايا .. أمنية
أن نلتقي يوماً ويجمعنا .. الربيع
أن تنتهي أحزاننا
أن تجمع الأقدار يوماً شملنا
فأنا ببعدك أختنق
لم يبقى في عمري سوى
أشباح ذكرى تحترق
أيامي الحائرة تذوب مع الليالي المسرعة
وتضيع أحلامي على درب السنين الضائعة
بالرغم من هذا أحبك مثلما كنا .. وأكثر
مازال في قلبي.... بقايا أمنية
أن يجمع الأحباب درب
تاه منا .. من سنين
القلب يا دنياي كم يشقى
وكم يشقى الحنين
يا دربنا الخالي لعلك تذكر أشواقنا
في ضوء القمر
قد جفت الأزهار فيك
وتبعثرت فوق أكف القدر ..
عصفورنا الحيران مات .. من السهر
قد ضاق بالأحزان بعدك .. فانتحر
بالرغم من هذا
أحبك مثلما كنا .. وأكثر
في كل يوم تكبر الأشواق في أعماقنا..
في كل يوم ننسج الأحلام من أحزاننا..
يوماَ ستجمعنا الليالي مثلما كنا ..(59/100)
فأعود أنشد للهوى ألحاني
وعلى جبينك تنتهي أحزاني..
ونعود نذكر أمسيات ماضية
وأقول في عينيك أعذب أغنية
قطع الزمان رنينها فتوقفت
وغدت بقايا أمنية
أواه يا قلبي ..
بقايا أمنية
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> قد نلتقي
قد نلتقي
رقم القصيدة : 66524
-----------------------------------
أترى يعود لنا الربيع و نلتقي
و نعيش ((مارس)) بين حلم مشرق؟
قد نلتقي يا حبي المجهول رغم وداعنا
كي نزرع الآمال تنشر ظلها..
و ستنبت الآمال بين.. دموعنا
لا تجزعي..
لا تجزعي إن كانت الأيام قد عصفت بنا
فغدا يعود لنا اللقاء
و تعود أطيار الربى
سكرى تحلق في السماء
* * *
و سترجعين لتذكري أيامنا
فلنا وليد مات حزنا بيننا
ثم انتهى..!
في كل يوم في المنام يزورني
فيثور جرح في الفؤاد يلومني
ما ذنبه المسكين مات و لم يزل
طفلا تعانقه.. الحياة
ما ذنبه المسكين مات بلا أمل..!
سنزور قبر الطفل يا أمل الحياة..
و نقيم فوق القبر أوقات الصلاة
و نعانق الأشواق بين ظلاله
و هناك نسجد في رحاب جماله
و نعود نذكر ما طوت منا السنين
و على تراب القبر سوف تضمنا أشواقنا
و هناك.. يجمعنا الحنين
فغدا سأزرع في رباه الياسمين
كي نلتقي تحت الظلال مع المنى..
و نعود مثل العاشقين..
* * *
يا طفلنا المحبوب لا تخش النوى
فغدا سيجمعنا الربيع و نلتقي..
و نراك في الثوب الجميل الأزرق..
و نراك كالعمر القديم المشرق..
إن كان صمت القبر في ليل الدجى
يضفي عليك مرارة الأموات
فسأرسل الأشعار لحنا.. هادئا
ينساب سحرا في صدى كلماتي
ما كان لي في العمر غيرك بعدما
عفت الحياة فقد جعلتك ذاتي
إن عز في هذا الربيع لقاؤنا
سنعيش ننتظر الربيع الآتي
أترى يعود لنا الربيع و نلتقي؟
قد نلتقي!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عتاب من القبر..
عتاب من القبر..
رقم القصيدة : 66525
-----------------------------------
يا أيها الطيف البعيد
في القلب شيء.. من عتاب(59/101)
ودعت أيامي و ودعني الشباب
لم يبق شيء من وجودي غير ذرات التراب
و غدوت يا دنياي وحدي لا أنام
الصمت ألحان أرددها هنا وسط الظلام
لا شيء عندي لا رفيق.. و لا كتاب
لم يبق شيء في الحنايا غير حزن.. و اكتئاب
فلقد غدوت اليوم جزءا من تراب
بالرغم من هذا أحن إلى العتاب..
* * *
أعطيتك الحب الذي يرويك من ظمأ الحياة
أعطيتك الأشواق من عمر تداعى.. في صباه
قد قلت لي يوما:
((سأظل رمزا للوفاء
فإذا تلاشى العمر يا عمري
ستجمعنا السماء))
* * *
و رحلت يوما.. للسماء
و بنيت قصرا من ظلال الحب
في قلب العراء
و أخذت أنسج من حديث الصمت
ألحانا جميلة..
و أخذت أكتب من سطور العشق
أزجالا طويلة
و دعوت للقصر الطيور
و جمعت من جفن الأزاهر
كل أنواع العطور
و فرشت أرض القصر
أثواب الأمل
و بنيت أسوارا من الأشواق
تهفو.. للقبل
و زرعت حول القصر زهر الياسمين
قد كنت دوما تعشقين الياسمين
و جمعت كل العاشقين
فتعلموا مني الوفاء
و أخذت أنتظر اللقاء..
* * *
و رأيت طيفك من بعيد..
يهفو إلى حب جديد
و سمعت همسات الهوى
تنساب في صوت الطبول..
لم خنت يا دنياي؟!
أعطيتك الحب الذي يكفيك عشرات السنين
و قضيت أيامي يداعبني الحنين..
ماذا أقول؟
ماذا أقول و حبي العملاق في قلبي.. يثور؟
قد صار لحنا ينشد الأشواق في دنيا القبور
قد عشت يا دنياي أحلم.. باللقاء
و بنيت قصرا في السماء
القصر يا عمري هنا أبقى القصور
فهواك في الدنيا غرور في غرور..
* * *
ما أحقر الدنيا و ما أغبى الحياة
فالحب في الدنيا كأثواب العراة
فإذا صعدتم للسماء..
سترون أن العمر وقت ضائع وسط الضباب..
سترون أن الناس صارت كالذئاب
سترون أن الناس ضاعت في متاهات الخداع..
سترون أن الأرض تمشي للضياع
سترون أشباح الضمائر
في الفضاء.. تمزقت
سترون آلام الضحايا
في السكون.. تراكمت
و إذا صعدتم للسماء..
سترون كل الكون في مرآتنا
سترون وجه الأرض في أحزاننا..
* * *
أما أنا
فأعيش وحدي في السماء
فيها الوفاء(59/102)
و الأرض تفتقد الوفاء
ما أجمل الأيام في دنيا السحاب..
لا غدر فيها, لا خداع, و لا ذئاب
أحلام حائرة
الموج يجذبني إلى شيء بعيد
و أنا أخاف من البحار
فيها الظلام
و لقد قضيت العمر أنتظر النهار
أترى سترجع قصة الأحزان في درب الحياة؟
فلقد سلكت الدرب ثم بلغت يوما.. منتهاه
و حملت في الأعماق قلبا عله
ما زال يسبح.. في دماه
فتركت هذا الدرب من زمن و ودعت الحنين
و نسيت جرحي.. من سنين
* * *
الموج يجذبني إلى شيء بعيد
حب جديد!
إني تعلمت الهوى و عشقته منذ الصغر
و جعلته حلم العمر
و كتبت للأزهار للدنيا
إلى كل البشر
الحب واحة عمرنا
ننسى به الآلام في ليل السفر
و تسير فوق جراحنا بين الحفر..
* * *
الموج يجذبني إلى شيء بعيد
يا شاطئ الأحلام
يوما من الأيام جئت إليك
كالطفل ألتمس الأمان
كالهارب الحيران أبحث عن مكان
كالكهل أبحث في عيون الناس
عن طيف الحنان
و على رمالك همت في أشعاري
فتراقصت بين الربا أوتاري
و رأيت أيامي بقربك تبتسم
فأخذت أحلم بالأماني المقبلة..
بيت صغير في الخلاء
حب ينير الدرب في ليل الشقاء
طفل صغير
أنشودة تنساب سكرى كالغدير
و تحطمت أحلامنا الحيرى و تاهت.. في الرمال
و رجعت منك و ليس في عمري سوى
أشباح ذكرى.. أو ظلال
و على ترابك مات قلبي و انتهى..
* * *
و الآن عدت إليك
الموج يحملني إلى حب جديد
و لقد تركت الحب من زمن بعيد
لكنني سأزور فيك
منازل الحب القديم
سأزور أحلام الصبا
تحت الرمال تبعثرت فوق الربى
قد عشت فيها و انتهت أطيافها
و رحلت عنها.. من سنين
بالرغم من هذا فقد خفقت لها
في القلب.. أوتار الحنين
فرجعت مثل العاشقين
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> أحلام حائرة
أحلام حائرة
رقم القصيدة : 66526
-----------------------------------
الموج يجذبني إلى شيء بعيد
و أنا أخاف من البحار
فيها الظلام
و لقد قضيت العمر أنتظر النهار
أترى سترجع قصة الأحزان في درب الحياة؟(59/103)
فلقد سلكت الدرب ثم بلغت يوما.. منتهاه
و حملت في الأعماق قلبا عله
ما زال يسبح.. في دماه
فتركت هذا الدرب من زمن و ودعت الحنين
و نسيت جرحي.. من سنين
* * *
الموج يجذبني إلى شيء بعيد
حب جديد!
إني تعلمت الهوى و عشقته منذ الصغر
و جعلته حلم العمر
و كتبت للأزهار للدنيا
إلى كل البشر
الحب واحة عمرنا
ننسى به الآلام في ليل السفر
و تسير فوق جراحنا بين الحفر..
* * *
الموج يجذبني إلى شيء بعيد
يا شاطئ الأحلام
يوما من الأيام جئت إليك
كالطفل ألتمس الأمان
كالهارب الحيران أبحث عن مكان
كالكهل أبحث في عيون الناس
عن طيف الحنان
و على رمالك همت في أشعاري
فتراقصت بين الربا أوتاري
و رأيت أيامي بقربك تبتسم
فأخذت أحلم بالأماني المقبلة..
بيت صغير في الخلاء
حب ينير الدرب في ليل الشقاء
طفل صغير
أنشودة تنساب سكرى كالغدير
و تحطمت أحلامنا الحيرى و تاهت.. في الرمال
و رجعت منك و ليس في عمري سوى
أشباح ذكرى.. أو ظلال
و على ترابك مات قلبي و انتهى..
* * *
و الآن عدت إليك
الموج يحملني إلى حب جديد
و لقد تركت الحب من زمن بعيد
لكنني سأزور فيك
منازل الحب القديم
سأزور أحلام الصبا
تحت الرمال تبعثرت فوق الربى
قد عشت فيها و انتهت أطيافها
و رحلت عنها.. من سنين
بالرغم من هذا فقد خفقت لها
في القلب.. أوتار الحنين
فرجعت مثل العاشقين
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وسط الزحام
وسط الزحام
رقم القصيدة : 66527
-----------------------------------
و تشدنا الأيام في وسط الزحام
فنتوه بين الناس بالأمل الغريق
و نسير نحمل جرحنا الدامي العميق...
و نظل نبحث في الزحام عن العهود الراحلة
كالطير تبحث في الشتاء عن الصغار
الليل.. و الألم الجريء و لوعة الشكوى
و طول الانتظار
* * *
و أراك في وسط الزحام
طيفا بعيدا كالضياء
و يطير قلبي من ضلوعي في النداء
عودي إلي
إني افتقدت الحب بعدك و الصديق
لا تتركيني في ضباب العمر
وحدي كالغريق..(59/104)
أمسكت بالمنديل في وسط الزحام
عودي إلي..
و سمعت صوتك من بعيد يعتذر:
لا تنتظر
كم كنت أحلم أن أعود إليك
أن أقتل الأحزان بين يديك
لكنني لا أستطيع
شبح الزحام يشدني
و رأيت قلبي في الحنايا.. يحترق
بيني و بينك خطوتان و نفترق
* * *
قد نلتقي يوما هنا رغم الزحام
و نعود نحمل من عيوني الفجر
خيطا.. من ضياء
و نعيش نحلم.. باللقاء
في كل يوم تلتقي روحانا
ستظل في دنيا الهوى ذكرانا
لو قال كل الناس شعرا
لن يكون.. كشعرنا
لو ذاب كل الناس حبا
لن يحبوا.. مثلنا
* * *
و رأيت تيار الزحام
يشدني مثل العباب
و وجدت طيفك من بعيد
يختفي بين الضباب
فرفعت منديلي ألوح في الفضاء
إلى اللقاء حبيبتي و إلى اللقاء!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> إلى مسافرة
إلى مسافرة
رقم القصيدة : 66528
-----------------------------------
و أظل وحدي أخنق الأشواق
في صدري فينقذها الحنين..
و هناك آلاف من الأميال تفصل بيننا
و هناك أقدار أرادت أن تفرق شملنا
ثم انتهى.. ما بيننا
و بقيت وحدي
أجمع الذكرى خيوطا واهية
و رأيت أيامي تضيع
و لست أعرف ما هيه
و تركت يا دنياي جرحا لن تداويه السنين
فطويت بالأعماق قلبا كان ينبض.. بالحنين
* * *
لو كنت أعلم أنني
سأذوب شوقا.. و ألم
لو كنت أعلم أنني
سأصير شيئا من عدم
لبقيت وحدي
أنشد الأشعار في دنيا.. بعيدة
و جعلت بيتك واحة
أرتاح فيها.. كل عام
و أتيت بيتك زائرا
كالناس يكفيني السلام..
* * *
ما كنت أدرك أنني
سأصير روحا حائرة
في القلب أحزان..
و في جسمي جراح غائرة
و تسافرين..
لا شيء بعدك يملأ القلب الحزين
لا حب بعدك. لا اشتياقا لا حنين..
فلقد غدوت اليوم عبدا للسنين
تنساب أيامي و تنزف كالدماء
و تضيع شيئا.. بعد شيء كالضياء..
و هناك في قلبي بقايا من وفاء
و تسافرين
و أنت كل الناس عندي و الرجاء..
قولي لمن سيجيء بعدي
هكذا كان القضاء
قدر أراد لنا اللقاء
ثم انتهى ما بيننا
و بقيت وحدي للشقاء(59/105)
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وحدي على الطريق
وحدي على الطريق
رقم القصيدة : 66529
-----------------------------------
(1)
و نظل نسلك في الحياة طريقنا..
نمضي على الدرب الطويل
لكي نصارع.. يأسنا
قد تمسح الأيام فيه دموعنا
أو تستبيح جراحنا
و نظل نمضي.. في الطريق
و أتيت يوما.. للطريق
كل الذي في القلب كان شجيرة..
تتظلل الآمال فيها.. و الزهور
و الحب في الأعماق يحملني بعيدا كالطيور
و العمر عندي لحظة
تتحطم الأسوار فيها.. و الجسور
تتجسد الأفكار فيها و الشعور
إن عاشها الإنسان يوما
ليس تعنيه الشهور..
(2)
و أتيت يوما للطريق
فيه القصور..
((تتشدق)) الكلمات في أرجائها
تتمزق الأزهار فيها و الطيور..
و غذاء كل القصر تأكله الصقور..
كم من صغار في الحديقة تنتهي..
و غذاؤها الكلمات أو بعض السطور
و طلائع الغربان تخترق السماء
لتصيح فوق مدينتي:
لا تتركوا شيئا على الطرقات للطير الصغير
لا ترحموا فيها الزهور..ة أرى صغار الطير
تسبح في سحابات البخور
قدر أراد الله أن نحيا عبيدا للصقور...
(3)
و مضيت وحدي في الطريق
و سمعت في جيبي دبيبا.. خافتا
و أصابع تلتف تلتمس الخفاء
و نظرت خلفي في اضطراب!
طفل صغير.. لا تغطيه الثياب
لم يا بني اليوم تسرق
أين أنت.. من الحساب؟!
يوما ستلقى الله..
لم ينطق المسكين قال بلهفة:
الله..
من في الأرض يخشى الله يا أبتاه؟!
الجوع يقتلني و لا أجد الرغيف
و الدرب كالليل المخيف..
(4)
و مضيت وحدي في الطريق
إيوان كسرى خلفه غصن عتيق
صوت جهير ينفجر:
الشعب مقبرة الغزاة
و كفاحنا سيظل مفخرة الحياة
و رأيت كل الناس تهتف في الطريق
و جميعهم جاءوا.. (حفاة)
و توارد الخطباء في القصر العتيق
يتهامصون.. و يهتفون لصحوة الشعب العريق
و يرتل الخطباء ما قال(الرفيق)
هيا و ثوروا ثورة الإنسان تزأر كالحريق...
هيا نحطم قلعة الأصنام في هذا الضفاف
و ترنح الخطباء في نخب الهتاف
و تصافحوا...
و نظرت خلفي في الطريق(59/106)
سيارة تجري و أخرى تنطلق..
سيارة سمراء تعوي.. تخترق
و رأيت أشباح الجميع الثائرة
وقفت بعيدا.. تنتظر
ساعاتها كسلى
و عقارب الساعات تنظر حائرة..
سيارة حمراء تمضي مثل أشلاء الرفات
لا شيء فيها غير صندوق يصيح
فلترحموا يا ساداتي القلب.. الجريح
و رفعت رأسي للسماء
ما أجمل الكلمات تسري في الفضاء..
(5)
و مضيت وحدي.. في الطريق
و شجيرة الياسمين خلف ردائها..
وقفت تطل برأسها
و أزها النوار ((تغمر)) للفراش بعينها
و تبدد الصمت الجميل..
همسات شوق في الحديقة تختفي
قبلات حب في الهواء تبخرت...
و عناق أحباب يهز مشاعري
فسفينة الأحلام مني أبحرت..
قالت له: أحلامنا
فأجاب في حزن: أراها أدبرت..
و لم الوداع و أنت عمري كله
و حصاد أيامي و همس مشاعري
و غذاء فكري و ابتهال.. محبتي
و عزاء أيامي و صفو سرائري؟
فأجابها المسكين: حبك واحتي
لكنني يا منية الأيام ضقت برحلتي
فإلى متى أحيا و فقر العمر يخنق عزتي
سأودع الأرض التي
عشت الحياة أحبها
كم كنت أحلم
أن يكون العش فيها.. و الرفيق
أن ينتهي فيها الطريق
لكنني ضيعت أيامي على أمل الانتظار
حتى توارى العمر مني
و أتيت أبحث عن قطار
يوما قضيت العمر أشرب ((قهوتي))
و أدور في الطرقات أبحث عن.. جدار
لا شيء يأوينا فكيف الحب يحيا في الدمار؟
الحب يا دنياي أن نجد الرغيف.. مع الصغار
أن نغرس الأحلام في أيدي النهار
ألا نموت بمكتب ((السمسار))
(6)
و مضيت وحدي.. في الطريق
شاب تعانق راحتاه يد القدر
يمضي كحد السيف منطلق الأمل
و تعثر المسكين في وسط الطريق
هزمته أحقاد البشر
فقد ضاق بالأحزان من طول السفر
أين البريق و أين أحلام العمر؟!
ضاعت على الطرقات في هذا الوطن
شيء من الأيام ينقصني بقايا.. من زمن
قالوا بأن الشعر أسود و السنين قليلة!
أنا عند كل الناس طفل في الحياة..
لكن ثوم العلم فيك مدينتي ثوب العراة
فمتى بياض الشعر يبلغ.. منتهاه؟؟
(7)
و مضيت وحدي.. في الطريق
جلست لتنزف في التراب دموعها(59/107)
كم من جراح العمر
تحمل هذه الخفقات
من أنت.. قالت:
نجن الذين نجيء في صمت
و نمضي في سكون
نحن الحيارى الصامتون
نحن الخريف المر نحن المتعبون
تتربع الأحزان في أعماقنا..
تتجسد الآلام في أعمارنا..
لا شيء نعلم في الحياة
و ليس تعنينا.. الحياة
فالعمر يبدأ.. ثم يبلغ منتهاه
إني قضيت العمر في هذا المكان
ما جاءني ضيف و لا عشت الزمان
لم جئت تسأل؟
لا تسل عنا فنحن التائهون
نحن الرغيف الأسود المغبون
نحن الجائعون...!!
(8)
و مضيت وحدي.. في الطريق
قد جئت أبحث عن رفيق
ضاع مني.. من سنين..
قد ضاع في هذا الطريق
لكنني
ما زلت أبحث عنه..
ما زلت أبحث عنه..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ليتني
ليتني
رقم القصيدة : 66530
-----------------------------------
ليتني ما كنت إلا
بسمة تلهو بثغرك
ليتني ما كنت إلا
راهبا في نور قدسك
أنثر الأزهار حولك
أجعل الدنيا رحيقا
يحمل الأشواق نحوك
أجعل الأيام طيفا
هادئا.. يهفو لظلك
ليتني طفل صغير
يحتمي في ظل صدرك
* * *
مع الأيام يا حبي
سأبعث للهوى الزهرا
و أبقى العمر يا دنياي
أنشده.. مع الذكرى
فأنسى أننا نحيا
كعصفورين.. و افترقا
و أنسى أننا كنا
شعاعا ضل و احترقا
و أنسى أن أيامي
غدت من بعده أرقا
* * *
سأبعث يا هواي اللحن
أنغاما.. تعزينا
و سوف أراه أشواقا
تداعبنا.. تمنينا
بأن لقاء غربتنا
غدا في البعد.. يأتينا
فإن غاب الهوى عتا
ففي الذكرى تلاقينا
* * *
إذا ما طار في الآفاق عصفوري..
و طرت بعيدة عنه
و صار العمر أوهاما
و ضاع عبيره.. منه
و عشنا العمر أغرابا..
فقد يتزوج العصفور عصفورة..
و يأتي الطير أفواجا
ليلقى الحب.. أسطورة
ترى.. هل يذكر العصفور أحبابه؟!
سيحيا القصة الأولى و لن ينسى..
و قد يشتاق أحيانا فيبعث شوقه.. همسا
سيأخذ ريشة منه
و يكتب فوقها.. اسمه
و يبعثها مع النسمة
و يسألها عن الماضي عن الذكرى عن البسمة..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> و يضيع العمر
و يضيع العمر(59/108)
رقم القصيدة : 66531
-----------------------------------
يا رفيق الدرب تاه الدرب منا في الضباب
يا فيق العمر ضاع العمر و انتحر الشباب
آه من أيامنا الحيرى توارت في التراب
آه من آمالنا الحمقى تلاشت كالسراب
* * *
يا رفيق الدرب ما أقسى الليالي.. عذبتنا
حطمت فينا الأماني.. مزقتنا
ويح أقداري لماذا جمعتنا؟!
ليتها في مطلع الأشواق كانت.. فرقتنا..
* * *
لا تسلني يا رفيقي
كيف تاه الدرب منا
نحن في الدنيا حيارى
إن رضينا.. أو أبينا
حبنا نحياه يوما..
و غدا نجهل أينا!!
* * *
لا تلمني إن جعلت العمر أوتارا تغني
أو أتيت الروض مثل النبع منساب التمني
فأنا بالشعر أحياكي أغني
هل ترى في العمر شيئا غير أيام قليلة
تتوارى في الليالي مثل أزهار الخميلة؟
لا تكن كالزهر في الطرقات يلقيه البشر
مثلما تلق الليالي عمرنا بين الحفر
فكلانا يا رفيقي من هوايات القدر
* * *
يا رفيق الدرب تاه الدرب مني
رغم هذا سأغني
فأنا بالشعر أحيا كالغدير المطمئن
إنما الشعر حياة و خلود.. و تمني
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عندما تفرقنا الأيام
عندما تفرقنا الأيام
رقم القصيدة : 66532
-----------------------------------
و رحلت عنك بلا وداع
و طويت بين ضباب أيامي حكايات قديمة
أنشودة ذابت مع الأيام أو شكوى عقيمة
و تركت أيام الضياع
كانت تمزقني فلا أجد الصديق
وحدي هناك يشدني الجرح العميق
أواه يا قلبي أضعت العمر محترق الجراح
و أخذت تحلم كل يوم.. بالصباح
فتركت أيامي تضيع مع الرياض
يوما إلى الأحزان تأخذنا و آخر.. للجراح
* * *
و رحلت عنك بلا وداع
كم كنت أحلم يا رفيقي بالمساء
كم كنت أنسج قصة العشاق ترنو للقاء..
أو همسة تنساب في الأعماق تسري كالضياء..
أو رعشة الأيدي تعانقها الحنايا.. في السماء
أو موعدا أنسى به أحزاني..
أو بسمة تهتز في وجداني
أو دمعة عند الوداع ألومها
فغدا يكون لنا اللقاء الثاني..
* * *
و رأيت حبك في فؤادي يختنق(59/109)
يهوى كما تهوى النجوم و يحترق
و رأيت أحلامي مع الشكوى.. تضيع
و شباب أيامي يذوب.. مع الصقيع
و لقد قضيت العمر أنتظر الربيع..
* * *
و رحلت عنك بلا وداع
و نسيت أحلاما تلاشت كالشعاع
حب قديم تاه منا في الضباب
أمل توارى في الليالي
أو تبعثر في التراب
عمر تبدد في العذاب
حتى الشباب
قد ضاع منا و انتهى عهد الشباب
أترى يفيد هنا العتاب؟!
أبدا ودعك من العتاب..
* * *
الآن أرحل عنك بالأمل الجريح
قد أستريح من الأسى قد أستريح
كم عشت أحلم يا رفيقي بالضياء..
و رأيت أحلامي تلاشت في الفضاء
فقتلت هذا الحب في أعماقي
و نسيت بعدك لوعة الأشواق
و غدوت أياما تفوح بسحرها
لتصير شعرا في رؤى العشاق..!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> مدينتي.. بلا عنوان
مدينتي.. بلا عنوان
رقم القصيدة : 66533
-----------------------------------
ما عاد يا دنياي وقت للهوى
ما عاد همس الحب.. في وجداني
ما عاد نبض الحب ينطق بالمنى
و كفرت بالدنيا.. و بالإنسان
فحملت أحلاما تلاشى سحرها
كرفات قلب ضاق بالأكفان
و نسيت أزهارا غرسناها معا
و جنى عليها الدهر بالحرمان
و جنيت منها الحزن كأسا ظالما
كم ذبت يا عمري من الأحزان
و حسبت أن العمر بحر هادئ
فرأيت موج البحر كالبركان
و غرقت في ألم الحياة و هدني
عبث السنين.. و حيرة الفنان
فالكأس أيام نعيش بحزنها
و العمر سجن خانق الجدران
و الناس أطياف تمر كأنها
أشباح صيف شاحب الأغصان
هم كالسكارى في الحياة و خمرهم
أمل عقيم.. أو شعار فان
و تعربد الأيام فيهم ما ترى
في العمر في الأخلاق.. في الوجدان
ما أجبن الإنسان يدفن عمره
ليعيش تحت السوط.. و السجان
و يقول حظي أن أعيش ممزقا
و أظل صوتا.. لا يراه لساني
* * *
ما عاد يا دنياي وقت للهوى
ما عاد نبض الحب.. في وجداني
الحب أن نجد الأمان مع المنى
ألا يضيع العمر في القضبان
ألا تمزقنا الحياة بخوفها
أن يشعر الإنسان.. بالإنسان
أن نجعل الأيام طيفا هادئا(59/110)
أن نغرس الأحلام كالبستان
ألا يعاني الجوع أبنائي غدا
ألا يضيق المرء.. بالحرمان
أخشى بأن يقف الزمان بحسرة
و يقول كانوا.. لعنة الإنسان
فغدا سيذكرنا الزمان بأننا
بعنا الهواء الطلق.. بالدخان
* * *
كلماتنا صارت تباع و تشترى
و بأبخس الأسعار.. بالمجان
كلماتنا يوما أضاءت دربنا
فلقد عرفنا الله في القرآن
و نساؤنا صغن الحياة رواية
كلماتها شيء.. بغير معاني
الفقر حطم في النساء حياءها
صارت تباع بأرخص الأثمان
و شبابنا جعلوا الحياة قضية
إما يمين.. أو يسار قاني
و نسوا تراب الأرض ويح عقولهم
هل بعد ((طين الأرض)) من أوطان؟
و شيوخنا بخلوا علينا بالمنى
من يا ترى يحيا.. بغير أماني؟
قالوا لنا: إن الحياة تجارب
و الويل كل الويل.. للعصيان
تركوا لنا وطنا حزينا ضائعا
تركوا الربيع ممزق الأغصان
* * *
كم قلت من يأس سأرحل علني
أجد الظلال على ربى النسيان
حتى يعود الحب يملأ مهجتي
و يشع نورا في سماء كياني
لكنني أدركت أن بدايتي
و نهايتي.. ستكون في أوطاني
و سأسأل الأيام علّ مدينتي
يوما تعرف قيمة الإنسان
فمتى شجون الليل تهجر عشنا؟
و متى الزهور تعود للأغصان؟
و متى أعود لكي أراك مدينتي
فرحى بغير اليأس.. و الأحزان؟
أترى سنرجع ذات يوم بيتنا
و نراه كالأمل الوديع.. الحاني؟
أترى سترحمني مدينتنا التي
قد صرت أجهل عندها.. عنواني؟
قد أنكرتني في الزحام و ما درت
أني يمزقني لظى.. حرماني
إني وليدك يا مدينتنا فهل
صار الجحود.. طبيعة الأوطان؟!
هل صار قتل الابن فيك محللا
أم صار حكم الأرض للشيطان؟
إني تجاوزت الحديث و إنما
حقي عليك.. سماحة الغفران
فإذا غضبت فأنت أمي فارحمي
و إذا عتبت فذاك من أحزاني
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لو عادت الأيام
لو عادت الأيام
رقم القصيدة : 66534
-----------------------------------
لو عادت الأيام
و رجعت يمنعني الحياء من الكلام
و يثور في الأعماق صوت مشاعري
و أصيح في صمتي..(59/111)
ماذا يقول الناس لو قبلتها
((هذا حرام))
و أضم في عينيك طيفك كله
كالأم تحتضن الصغير من الزحام
و أعود ألثم شعرك المنساب يسري في الظلام
و أظل أكتب في المساء قصيدة
أو أجمع الأزهار يحملها كتاب
أو أنسج الكلمات في همس العتاب
لو عادت الأيام يا دنياي
أو عاد الشباب
الآن.. قد رحل الشباب
الآن شاخ القلب كالأمل العجوز
النبض فيه يسير في بطء عجيب
كالليل.. كالقضبان كالضيف الغريب
هو ساعة كانت تسير مع السنين.. توقفت
و كأنها منذ البداية أدركت
أن المسيرة سوف يطويها الغروب
أن المدينة
سوف تنتظر المسافر في المساء
هيهات يا دنياي
من قال إن العمر يرجع للوراء؟!
الدهر أعطانا الكثير
المال و الأبناء والبيت.. الكبير
لكنني
ما زلت أشعر بالضياع
ما زلت يجذبني حنين
نحو صدر أو ذراع
فسفينتي الحيرى تسير بلا شراع
أمضي هنا وحدي و لا أدري المصير
أهفو ليوم أدفن الأحزان في صدري
و أمضي كالغدير
لو عادت الأيام
و رجعت يا دنياي كالطفل الصغير
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> و تحترق الشموع
و تحترق الشموع
رقم القصيدة : 66535
-----------------------------------
أترى ستجمعنا الليالي كي نعود.. و نفترق؟
أترى تضيء لنا الشموع و من ضياها.. نحترق؟
أخشى على الأمل الصغير بان يموت.. و يختنق
اليوم سرنا ننسج الأحلاما
و غدا سيتركنا الزمان حطاما
و أعود بعدك للطريق لعلني أجد العزاء..
و أظل أجمع من خيوط الفجر
أحلام المساء
و أعود أذكر كيف كنا نلتقي
و الدرب يرقص كالصباح المشرق
و العمر يمضي في هدوء الزئبق
شيء إليك يشدني
لم أدر ما هو.. منتهاه؟
يوما أراه نهايتي
يوما أرى فيه الحياة
آه من الجرح الذي
يوما ستؤلمني.. يداه
آه من الأمل الذي
ما زلت أحيا في صداه
و غدا سيبلغ منتهاه
* * *
الزهر يذبل في العيون
و العمر يا دنياي تأكله.. السنون
و غدا على نفس الطريق سنفترق
و دموعنا الحيرى تثور.. و تختنق
فشموعنا يوما أضاءت دربنا
و غدا مع الأشواق فيها نحترق(59/112)
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ربما أنساك
ربما أنساك
رقم القصيدة : 66536
-----------------------------------
و حملت في وسط الظلام حقيبتي..
و على الطريق تعددت أنغامي
و أخذت أنظر للطريق معاتبا..
كيف انتهت بين الأسى أيامي
شرفاتك الخضراء كم شهدت لنا
نظرات شوق صاخب الأنغام
و الآن جئتك و السنين تغيرت
و غدوت وحدي في دجى الأيام
* * *
و على الطريق هناك بعد وداعنا
رجع الفؤاد محلقا بسماك
و أتيت وحدي كنت أنت رفيقتي
بالدرب يوما كيف طال جفاك؟
و هربت من طيف الغرام تساءلت
عيناي عنك و كيف ضاع هواك؟
و على الطريق رأيت طيفا هاربا
يجري ورائي هاتفا.. كالباكي
طيف الهوا يبكي لأني قلتها
قد قلت يوما ربما أنساك!
* * *
و على الطريق هناك ضوء خافت
ينساب في حزن الزهور الباكية
فأثار في قلبي حنينا.. قد مضى
لشباب عمري للسنين الخالية
و على رصيف الدرب حامت مهجتي
سكرى تحدق في الربوع الغالية
فهنا غرسنا الحب يوما هل ترى..
حفظ التراب رحيق ذكرى بالية؟
فرأيت آثار اللقاء و لم تزل
فوق التراب دموع عين.. باكية
و على الطريق رأيت كل حكايتي
هل أترك الدرب القديم ينادي
و أسير وحدي والحياة كأنها
نغمات حزن صامت بفؤادي؟
طال الطريق و بالطريق حكاية
بدأت بفرحي.. و انتهت.. بسهادي!.
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> قلب شاعر
قلب شاعر
رقم القصيدة : 66537
-----------------------------------
و نظل تحملنا السنين
يوما إلى الأحزان تأخذنا
و آخر للحنين..
يا رب كيف خلقتنا
الحب درب البائسين
قد نستريح من العذاب
قد ندفن الأحزان في لحن يردده الهوى
أو نظرة تنساب في ذكرى.. عتاب
أو دمعة نبكي بها حلم الشباب
* * *
يا رب..
ما عاد طيف الحب يحملنا
إلى همس المشاعر
فالحب أصبح سلعة
كالخبز.. كالفستان أو مثل السجائر!
أما أنا..
فقد كنت أحمل في حنايا الروح
يوما.. قلب شاعر
الحب عندي كان أجمل ما يقال
و الشعر في عمري تلاشى.. كالظلال(59/113)
و غدوت مثل الناس أحمل كل شيء..الحب عندي.. و الصداقة.. و الوفاء..
كالخبز.. كالفستان كالأضياف في وقت المساء
و نسيت أني كنت يوما
أحمل الخفقات في قلب كبير
و بأن حبي كان في الأعماق
كالطفل الصغير
* * *
و وجدت نفسي أنتهي..
و غدت حياتي كالضباب
أسير فيها.. كالغريب
و نسيت أني كنت يوما شاعرا
و بأن حبي كان في الأعماق بحرا ثائرا
و بأنني أصبحت ذا قلب عجوز
لا شيء عندي
غير ذكرى.. أو حكايات قديمة
أو همسة مرت مع الأيام
أو شكوى.. عقيمة
أو دمعة تهتز في عيني
و يخفيها نداء.. الكبرياء
أو بسمة كانت تحلق
في حياتي.. كالضياء
ماذا أقول و أنت يا قلبي تموت
عد للحياة
يكفيك في الدنيا صفاء الروح أو همس المشاعر
لا تنس يا قلبي بأنك ذات يوم كنت.. شاعر
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> كان لي قلب
كان لي قلب
رقم القصيدة : 66538
-----------------------------------
دنياي!
أنفاس الشتاء تهزني
و يضيف صدري
من سحابات الدخان
و يخيفني شبح الزمان..
فمدينة الأحزان تقتلني..
لا شيء فيها.. لا حياة.. و لا أمان
و أنا بها شيء من الأحزان
يمضي علي العمر وحدي في السكون
يوم مع الآلام يمضي في مدينتنا و آخر.. للجنون
* * *
القلب يا دنياي يقتله الجليد
لا شيء في عمري جديد
لو كنت أرجع مرة
و أشم عطر مدينتي قبل الزفاف
كانت طهارتها تشع النور في هذي الضفاف
يا ليتني يوما أراها في ثياب حيائها
لكنها.. قتلت جنين الحب في أحشائها
و مضت تعيش حياتها بين الذئاب
و على ضفائر شعرها نام العذاب
و بجلدها الفضي أنفاس و عطر.. و اغتصاب
و زوابع الصيف الحزين
تجيء حبلى بالتراب
و مدينتي الحيرى بقايا.. من شباب
* * *
و أمام دخان المدينة
صار قلبي.. يحترق
تتعثر الأنفاس في صدري..
و صوتي يختنق
و أعود أذكر قريتي
كم كان طيف الحب يملأ مهجتي..
و أنامل الأشواق كم عزفت لشدو طفولتي..
و جدائل الصفصاف كم نظرت إلينا في الخفاء
و حياؤها الفطري يمنعها
و تجذبها حكايات اللقاء(59/114)
يا ليتني يوما أعود لقريتي..
الناس فيها كالطيور الراحلة
يمشون في صمت و ينسون السفر..
و يداعبون الليل و الأغصان.. في ضوء القمر
فيهم وفاء الطيبين المخلصين من البشر
أما أنا.. قد كان لي قلب
و ضاع على الطريق
و غدوت فيك مدينتي مثل الغريق..
و مضيت في الطرقات أحكي قصتي..
قد كان لي قلب يعيش الحب طفلا
مثله مثل البشر
قد كان لي وتر مع الأحزان ينسيني..
و حطمت الوتر
قد كان لي أمل تبعثر في الليالي.. و اندثر
قد كان لي عمر ككل الناس..
ثم مضى العمر
ماذا أقول؟؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> و عادت سفينة الأحلام
و عادت سفينة الأحلام
رقم القصيدة : 66539
-----------------------------------
عادت إلى شط الأمان سفينتي
و تراقص الموج الحنون
على حنايا.. ضفتي
كم جفت الأمواج في قلبي
و فاضت دمعتي
و مضيت أنتظر السفينة
كي تعود.. بفرحتي
و نزفت من قلبي دموع الحزن تملأ مهجتي
حتى رأيت المارد العملاق
يعبر يستعيد.. كرامتي
و تعانق الدم و المياه
على مشارف جبهتي
و بقيت شامخة مع الأيام أروي قصتي
و سمعت صوت الله يعلو في سماء مدينتي
الآن قد بدأت مسيرتكم بنور هدايتي..
* * *
اليوم عاد الموج يرقص
في الحنايا مشرقا بين الضياء
و سفينة الأحلام عادت
تحمل البشرى و تأتي بالرخاء
سأظل يا تاريخ معجزة السماء
فأنا قناة المجد يا تاريخ هدى الأشقياء
أنا أم كل الحائرين مع القدر
كم بين أحضاني رعيت الناس أكرمت البشر..
من زارني يوما يعود.. و إن تمادى في السفر
* * *
أترى سننسى من أضاءوا الدرب يوما.. و الحياة؟
فلقد أعادوا السيف للأمل الذي قطعت يداه
و لقد أعادوا النبض للقلب الذي تاهت خطاه
عبروا من اليأس العقيم إلى غد يهفو.. ضياه
و رأيت كل الأرض تهتف.. ها هموا عبروا
لكي تحيا الحياة
* * *
الآن عاد الراحلون لأرضهم
و تعانقوا بين الدموع..
كم من سنين العمر ذابت
بين خفقات الضلوع
قد علمونا اليأس يوما و الخضوع(59/115)
قد أرغمونا أن نقول ((نعم)) ترددها الجموع
و اليوم عاد الفجر يملأ بيتنا
لا تتركوه لكي يضيع..
لا تتركوا القضبان تقتلكم بنوبات الصقيع..
فلقد أعدتم بعد طول اليأس أحلام الربيع
الناس لا تخشى النهار
من قال إن النور يأتي بالدمار
الخوف دوما لا يجيء مع النهار
قد علمونا الخوف.. إذ كنا صغار
قد صنفونا في الحياة.. هنا اليمين.. هنا اليسار..
لا تتركوا الأقزام تخدعكم بفكر مستعار
أو تجعلوا الأمس الحزين يعود في ذكرى.. شعار..
لا تتركوا الليل الرهيب يعود يغتال النهار..
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> حكاياتي
حكاياتي
رقم القصيدة : 66540
-----------------------------------
تسائلُني الميحةُ كيفَ أمستْ
حكاياتي تعانقُ كلَّ أُذْنِ
فقلت: لطائفُ النسمات مرَّتْ
فوشوشها ندى الرَّوْضِ الأغَنِّ
فراقَ لها رحيقُ الهمس يسْري
إلى خلجاتنا من غير دَنِّ
فطارت تُسْكِرُ الأسماعَ نجوى
وتمتلك المشاعرَ فاطمئِنِّي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> لعام الجديد
لعام الجديد
رقم القصيدة : 66541
-----------------------------------
قالت تبسَّمْ أقبل العام الجديدْ
في راحتيهِ الحلمُ والأملُ السعيدْ
يختال نقرأ في ملامح وجههِ
صوراً تنبئنا عن الماضي البعيد
قلت: الليالي علمتني أنَّ في
آفاقها سُحُبٌ تمخَّضُ بالجليد
كم ليلةٍ بتْنا نصارع كيدَها
نتجرَّعُ الآهاتِ والحزنَ الشديدْ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> يوم الفداء
يوم الفداء
رقم القصيدة : 66542
-----------------------------------
قالت: أرى بحرَ الضغائن مُزبداً
أمواجُهُ سكرى بأفواه العدا
قلت: اطمئني لم يَعِشْ في أرضنا
فَرعون رمزاً أو يعوقُ مسوَّدا
مرفوعةٌ فوق الكواكب هامُنا
لم تنحنِ ذلاَّ ولم تبسُطْ يدا
إن أُهْرِقتْ الفداء دماؤنا
أسمى شهادة مولدٍ يومُ الفدا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> أنا أحب "لا"
أنا أحب "لا"
رقم القصيدة : 66543(59/116)
-----------------------------------
"1"
أنا ألقيتُ إلى أحضان "لا"
أمنياتي وطموحاتي الكبارْ
أرهقتني "نعمٌ" في رحلتي
حرمتني في شبابي الانتصار
أنا أهوى "لا" أهوى أمَّتي
أمتي شمَّاءُ لا ترضى الصِّغار
هي إن دمْدَمَ خطبٌ أملي
وهي نورٌ عن يميني وهي نار
* *
"2"
أنا منذُ الأمسِ لم أصحبْ معي
بين أوراقي وأثوابي "نعم"
سمةُ الذلِّ على جبهتِها
وعلى مبسمها يغفو الندم
ما سقتْني مذ تقاسمنا معاً
شرف الحبِّ سوى مُرِّ الألمْ
إنَّ في اللاءاتِ عنوانُ العلى
كوكبٌ يجتازُ هاماتِ القمَمْ
* *
"3"
قلت يا "لائي" أريني فرجاً
مضت الأيامُ غماً ديْلَ غَمْ
أنا في حبِّكِ صَبٌّ مدْنَفٌ
وانا فيه الوحيدُ المتزم
واعْترتني رعدةٌ من صرخةٍ
أطلقَتْها في إباء وشمم
أنت مفتونٌ بحسنٍ زائفٍ
وذليل النفسِ يصبو "لِنَعم"
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> رمضان
رمضان
رقم القصيدة : 66544
-----------------------------------
"1"
موكبٌ كحَّل أجفان المدى
وسقى الأنفس حُباً ونَدى
جاء يروي الأرضَ مما حملتْ
راحتاه اليُمْنَ رُشْداً وهُدَى
كبَّرتْ بشرى به في بهجةٍ
مُهَجٌ أتلفها حَرُّ الصدى
فافتداها بجناحَيْ فضلِهِ
فَلَنِعْمَ المفتدي والمفتدى
* *
"2"
موكبٌ مزَّقَ بالنور الدجى
علَّم النفسَ السُّرى مُذْ ولدا
طهَّر الأيامَ من أدرانها
مدَّ للقوم الميامين يدا
تتهادى الحبَّ صرفاً كلما
حل ضيفاً في سمانا وبدا
جاء بالقرآن شعَّت آيُهُ
رحمةً تتلى وطابتْ موردا
* *
"3"
بم تزلْ زورتُهُ الأولى لنا
في حنايانا طيوفاً وصدى
علَّمَتْنا كيف نبني أنفساً
أصبح المجدُ بها مستشهدا
ولياليها التي عطِّرها
جدولٌ يقفو خطاها منشدا
هي عنوانُ كتاب خالدٍ
جلَّ ذكراً وتسامى مَحْتِدا
* *
"4"
هذه العشرُ التي في حجْرها
هام بالفجرِ صِباها غَرِدا
كم إليها أسرعَتْ أحلامنا
تستقي الغفران فيها رَشَدا
تملأ الأفاقَ إحداها سنىً
هي لتوبة مفتاحُ النَّدى
خسِر البيعةَ في أسواقها(59/117)
من أضاع العمرَ باللَّهوِ سُدى
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> "العيد"
"العيد"
رقم القصيدة : 66545
-----------------------------------
أقبل العيدُ ومنْ شيعته
تتلقانا المنايا رصَدا
ليس فيما ملكتْ أيماننا
قوةُ تخرسُ أصواتَ الرَّدى
هل يُفيقُ العيدُ من نشوته
وهو يُسقينا الأمني حَسَدا؟
إرثُنا ينسَلُّ من أعماقنا
يا ترى من يملكُ الإرثَ غدا؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> "المنجِّم"
"المنجِّم"
رقم القصيدة : 66546
-----------------------------------
قالت غداً تصفو الحياةُ وترتدي
ثوبَ الزفاف السندسيَّ وتزدهي
قلتُ احذري شُدِّي الحزامَ فأنتِ في
سفرٍ شديد المُرتقىَ وتنبَّهي
وعدَ المنجِّمُ زوجَهُ قترقَّبَتْ
للمطمحِ الزاكي وللزمنِ البهي
هيهاتَ أن يطأ الثُّرَيَّا غارقٌ
في الوحلِ أو يرثَ السِّماكَ بكذبِهِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> "الحج"
"الحج"
رقم القصيدة : 66547
-----------------------------------
"1"
لبَّيْك يا ربَّ الحطيم وزمزمِ
يشدو بها قلبي وتعبقُ في فمي
رباه جئتُكَ والدُّعاءُ سقايتي
يروي شراييني ويغسل أعظمي
لا زاد لي إلا صحيفةُ توبةٍ
ورجاءُ ذي شغفٍ بوصلكَ مُغْرَمِ
رباه لا أحدٌ سواك يجيرني
مما أكابدُ فاعفُ عَنِّي وارحمِ
* *
"2"
ربَّاه جئتكَ طائعاً مستنجداً
تكْوي حشاشاتي مراراتُ النَّدمْ
جاوزتُ في درب الخطيئات المدى
وغرقتُ في لُججِ الندامة والألم
فأَقِلْ عِثاري إنْ كبوتُ أو اعتدى
زمنٌ تمرَّس في معادات الأممْ
واجعلْ طريقي بالصلاح ممهَّداً
وأنرْهُ بالحسناتِ ياربَّ الكرم
*
"3"
رباه جئتك تائباً مستغفراً
أشدو بآهات التضرع والخضوع
ولزمت بيتك والسكينة لي قرى
والشوق تصرخُ ناره بين الضلوع
يا من يرى من أمرنا ما لا نرى
هيهات أن تمحو خطايانا الدموع
إن لم تجد بالعفو تهلكنا السرى
لا أنجم تهب الضياء ولا شموع
*
"4"
ربَّاه أسْرِفُ في الضَّلال وتغفرُ(59/118)
وأهدُّ أبوابَ الصلاحِ وتجبرُ
كم جئتُ أحملُ مهجةً من لهفةٍ
ظمأى تكادُ من الصدى تتفطَّرُ
وعلى جفوني أمنياتٌ برَّةٌ
رفاَّفَةٌ بظلالها تتمحظرُ
أنتَ الكريمُ وسعْتَ بالحُسنى الدُّنا
ترسو بها سفنُ العبادِ وتُبحرُ
*
"5"
ربَّاه جئتُك والأشواقُ تحتدمُ
وبين أوردتي يستوطِنُ الألمُ
أتيتُ أحملُ أثواباً مهلهلةً
من الأمانيِّ لم يحفلْ بها علَمُ
أتيتُ أسعى بآثامٍ معربدةٍ
لم يحْمني نسبٌ منها ولا رحمُ
أقودُ بين ضلوعي عاشقاً ولِهاً
يموجُ فيه الأسى والحزنُ والندمُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> دعاء
دعاء
رقم القصيدة : 66548
-----------------------------------
يا ربُّ إنْ جنَّ الظلامُ تواثبتْ
أشباحُ عاقبة الضلالِ ترومُني
تسطو تروِّضني وتطفئ غُلَّتي
وتصُبُّ في أذُني العتابَ تلومُني
لكنَّ نفسي لم تزلْ أمَّارةً
بالسوء تعتنقُ المجونَ تُضيمُني
إن لمْ تصُنْها من حبائل شرِّها
ستظلُّ تسقيني الأسى وتسومُني
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> اليأس ينحت عمري
اليأس ينحت عمري
رقم القصيدة : 66549
-----------------------------------
قال الأطباءُ هذا الجُرحُ ملتهبُ
ونبضُ قلبِكَ مكدودُ الخُطا تعِبُ
على جبينِكَ تَنْعَى ألفُ نائحةٍ
وفي عيونِكَ بحرٌ للأسى لَجِبُ
فقلتُ مذ ولدتني الأمس والدتي
واليأْسُ ينحتُ من عمري ويحتطبُ
كلُّ الدروبِ إلى الأفراحِ موصدةٌ
لا المالُ مفتاحُ ما أهوى ولا النَّشَبُ
* *
2
يا أمُّ طفلُكِ مكلومٌ ومكتئب
ما مسَّ أيامَهُ لهوٌ ولا لعبُ
ساعاتُهُ لهفةٌ مصبوغةٌ بدمٍ
ودربُه جانباهُ المَطْلُ والكَذِبُ
يبيتُ يطفئُ بالتذكارِ حرقتَهُ
شجواً يعَلِّلُ قلباً مدنَفاً يجِبُ
حتى إذا الليلُ صاحَ صيحتَهُ
ولاحَ في عينِهِ الحرمانُ والنَّصَبُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> قوة المسلم
قوة المسلم
رقم القصيدة : 66550
-----------------------------------
ء
لا تخافي يا فتاتي(59/119)
إنْ طغىَ العدوانُ يوما
لا تخافي إنْ تمادى
ورمىَ نهجَك ظُلما
أنتِ أقوى منه بأساً
أنت أمْضَى منه عزْما
أنتِ بالإيمانِ أزكى
أنت بالإسلام أسمى
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> بداية الهوى
بداية الهوى
رقم القصيدة : 66551
-----------------------------------
من أينَ تبتدئُ الحكايةُ في الهوى
أمن الوصالِ أو الوعودِ أو النوى؟
أمْ من حقول الذكريات وطيبها
أمْ من تباريح الصبابةِ والجوى؟
قالت: أتسألها وأنت ربيعها؟
قد عبَّ برعمُها حنانكَ وارتوى
فأجبتُ لو يدري المحبُّ مصيرَه
ما ضل في طرقِ الغرامِ وما غوى
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> من نحن؟
من نحن؟
رقم القصيدة : 66552
-----------------------------------
يا فتاةً تمرَّغتْ في الجهالهْ
إقرئي في يدي بقايا رسالهْ
أفرغي ما بها شراباً نقياً
لا تعودي إليَّ قبل الثُّماله
علِّمي أهلَك الألى أنكروني
رسموني على البسيطةِ عاله
نحنُ قومٌ نرى المنايا سبيلاً
للبطولاتِ والعُلى والعدالَه
* *
2
لم أعِشْ دُميةً وما كنتُ آله
وأبي يُطعمُ الربيعَ وآله
أنا من أمَّةٍ نماَ الطُّهر فيها
ورعىَ النصرُ في حِماها رجالَهْ
قبَّلَتْ هامُها وصاغَتْ
حولَها أنجمُ المجرَّاتِ هاله
فوقَ بطحائها ترعرع حُبِّي
وإليها يشُدُّ شوقي رحالَه
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الرمق الأخير
الرمق الأخير
رقم القصيدة : 66553
-----------------------------------
قل ما تشاءُ فأنت مجهول المصير
ما أنت جارٌ للكرام ولا مجير
كلُّ الفضائل أنكرتْكَ وأقسمتْ
أنَّ التولوَّنَ فيكَ شرُّ مستطير
تركتْكَ قافلةُ الحياة مُمرَّغاً
تسترفدُ الحُمَّى وتستسقي الهجير
حتَّام تحلُمُ بالشباب وأنتَ في
زمَنَ الغروبِ تعيشُ بالرَّمقِ الأخير
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> التراب
التراب
رقم القصيدة : 66554
-----------------------------------
قالتْ علامَ يحِنُّ قلبُكَ للتُّرابْ(59/120)
وطموحُ غيركِ فوقَ أبراجِ السحابْ
حزموا حقائبَهمْ منًى وعزيمةً
فعَلامَ تقنَعُ بالسفوحِ وبالهضابْ
فأجبتها: سودُ النفوسِ تجاوزتْ
في سعيها حدَّ السلامةِ والصَّوابْ
وتمخَّضتْ رغباتُها عن فتنةٍ
عمْياءَ تجحدُ طهرَ والدِها الترابْ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> قاطرة من ورق
قاطرة من ورق
رقم القصيدة : 66555
-----------------------------------
يا سفيناً لعبَ الموجُ بها
ثم أهداها إلى قالٍ وقيلْ
من تُرى أبحرَ فيها قبْلَ أن
يُعْلنَ الربَّانُ ميعادَ الرحيل؟
عاشقو الوهم أحَبَُوا قِصَصاً
قرؤوها في سجلِّ المستحيل
صنعوا قاطرةً من ورقٍ
أينما مالتْ بها الريحُ تميل
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> مكة
مكة
رقم القصيدة : 66556
-----------------------------------
1
يا مهجةَ الأرضِ يا ريحانةَ العُمرُ
حبيبتي أنت في حِليِّ وفي سفري
كم بِتُّ أرسمُ أحلامي مطرَّزةً
إليك بالشوق والتذكارِ والسَّهرِ
يا خير أمِّ رعَى الرحمنُ مولدَها
ومنيةَ العاشقينِ: السَّمعِ والبَصرِ
طهورُها الحُبُ والإيمانُ حلَّتُها
وعقدُها دررُ الآياتِ والسُّوَر
* *
2
أنا سليل العُلى والسادة الغرر
أنا المناجيكِ في الظلماءِ والسَّحَرِ
أنا الذي أرضعتْني كُلُّ ثانيَةٍ
قبَّلْتُ فيها يدَيْك الحُبَّ من صِغَري
أنا الذي طَرِبَ العشاقُ من طَربي
وزاحموا الشُّهْبَ أفواجاً على أثري
حبيبتي أنتِ أزكى حُرَّةٍ حمَلَتْ
في راحتيها ضياءَ الشَّمْسِ والقمرِ
* *
3
يا ربَّةَ الخُلُقِ المحمودِ والسِّيَرِ
يا عَالمَ النور يجلُو ظلمةَ البَشَرِ
يا قلبَ أرضِ بلادِ اللهِ قاطبةً
يطُوفُ حولَك طُهْرُ الحِجْرِ والحَجَرِ
إنْ كان حُبُّ الفَتَى في عرفهِ قَدَراً
فإنَّ حُبُّكِ في عُرْفِ الهُدى قدري
لا شيءَ يملاُ أكوابي إذا فَرَغَتْ
إلاَّ رضابُ المنى من ثغركِ العَطِر
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الحلى الكريمة
الحلى الكريمة(59/121)
رقم القصيدة : 66557
-----------------------------------
قالتْ: تعلَّمْتُ عن أمي وعن أبَتي
ألاَّ أبوحَ بأسراري إلى شفَتي
وأنْ أسامِرَ في ليل الأسَى قَلَمي
وأحرفي وكراريسي ومحبَرتي
وأطفئَ الحقدَ إنْ ثارتْ بوادرُهُ
من قلب ذي علَّةٍ بالحلْم والمِقَةِ
فقلتُ: تلكَ حُلًى في عَصْرِنا نَدَرتْ
كريمةٌ كَمُلَتْ حُسْناً بلا شِيَةِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> سورة الحقد
سورة الحقد
رقم القصيدة : 66558
-----------------------------------
يا سيِّدَ الرسْل أحلامي تؤرِّقني
ودمدماتُ الأسَى والسُّهدِ تسْري بي
وسَوْرةُ الحِقْدِ بالتبشير زاحفةٌ
تغزو الخلايا لإحراقِ اليعاسيبِ
ونحنُ نغرقُ في أوحالِ فُرْقتنا
من النَّواصي هواناً للعراقيب
متى يُجَدِّدُ يومُ النصرِ زَوْرَتهُ
فقد سئمنا التَّداوي بالألاعيبِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> واستنوق الجمل
واستنوق الجمل
رقم القصيدة : 66559
-----------------------------------
طافَتْ بساحتِكَ الأوهامُ والعللُ
وأغلقَتْ دونَك الأبوابُ والسُّبُل
تصَيَّدتْكَ دعاياتٌ مُلفَّقَةٌ
وعيَّرتك الليالي: ويْكَ يا رَجُلُ
فقلتُ يا أنتِ يا حُلْماً أهيمُ به
إليه إنْ جَنَّ ليلُ اليأسِ أرتحل
هَلْ أفلسَ الفارسُ العملاقُ وانقشعتْ
أحلامُ يقظتِهِ واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> خائنة الليالي
خائنة الليالي
رقم القصيدة : 66560
-----------------------------------
علامَ تَصُبُّ في أُذُني وَقَحَكْ
وتُشْهِرُ حينَ تلقاني سِلاحَكْ؟
أتوصدُ بابَ قلبِك عن وفائي؟
وتفْتَحُ للرياح الهُوجِ ساَحَكْ؟
لقد خدَعَتْك خائنةُ الليالي
وسامَكَ من أهانَك واستباحَكْ
وغرَّنْك المطامعُ حين أوحَتْ
إليك بأنَّ في قَتْلي نجاحَك
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> في جوفه نارٌ
في جوفه نارٌ
رقم القصيدة : 66561
-----------------------------------(59/122)
يُعَكِّرُ صفوَ أحلامي حَقُودُ
يظلُّ لكلِّ ساقطةٍ يصيدُ
مساوئهُ تفشَّتْ في جُفوني
وما سلِم القريبُ ولا البعيدُ
ومن تَخِذَ الضغينةَ للمعاصي
صراطاً خانَهُ الرأيُ السَّديدُ
ومَنْ في جوفِهِ نارٌ تلظَّى
تدَفَّقَ بينَ شِدْقَيْهِ الصَّديدُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> غربةُ الموتى
غربةُ الموتى
رقم القصيدة : 66562
-----------------------------------
لا تعذليني فقَدْ بيَ الحيَلُ
واليأسُ يعبَثُ بي والحزنُ يحتَفلُ
أبيتُ أسبَحُ في ذكرى طفولتنا
والقلبُ يرقُدُ في دقَّاتِه الملَلُ
مشرَّداً في صحارَى العُمْر أذرَعُها
أبُثَّ شَكْوى النَّوى حيناً وأبتَهِلُ
أعيشُ في غُربَةِ الموتى بلا وطَنٍ
في ناظريَّ تَساوىَ السَّهْلُ والجَبَلُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الحمقاء
الحمقاء
رقم القصيدة : 66563
-----------------------------------
بيتُ المسرَّات يا ريحانتي احْتَرَقا
وفَرَّ أرْبابُهُ واستوطنوا الطُّرُقا
لا تسأليني مَن الجاني؟ فَرُبَّتَما
فتَاةُ أحلام مولاهُ الذي غَرقا
قالتْ لقدْ حَرَقَتْ بالغدْرِ سمعتَها
وجرَّع الهَمُّ عَيْنيْها الكَرَى أرقا
فقلتُ: لو أنصفَتْ صانتْ كرامَتَهَا
ولم تَبِتْ كَبِدٌ من كَيْدِها مِزَقا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> عندما تستعر الأطماع
عندما تستعر الأطماع
رقم القصيدة : 66564
-----------------------------------
1
هل تذكرينَ وقد ضاقَتْ بِنا الحِيَلُ
وأنْكَرَتْ سَعْيَنَا الأيّامُ والسُّبُلُ
لا روض يمنحُنا حضناً نلوذُ به
من الشَّقاءِ ولا أمْنٌ ولا أمَلُ
تكالَبَتْ حولَنا الأطماعُ واسْتَعرتْ
ونحن نجأرُ بالشَّكوى ونبتَهلُ
نمَدُّ أيديَنا لا الرِّيحُ تصفُعُها
فنستفيقُ ولا دفءُ ولا ظُلَلُ
**
2
قالت عهدتُك لم تحفَلْ بما فعلوا
وإنْ أحاطتْ بك الأعداءُ والعِلَلُ
ما أنت من أمَّةٍ يعلو الوضيعُ بها
ولا يحيقُ بها وهْنٌ ولا مللُ(59/123)
لا تبتَئِسْ إنْ رأيْتَ الشَّرَّ محتدماً
وعَرْبَدَتْ دَونَك الأهواءُ والنِّحَلُ
إنِّي سمعتُ العُلى تدْعوكَ مخلصةً
جَرِّدْ حسامَكَ وانهضْ أيُّها الرَّجُلُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> جُدة
جُدة
رقم القصيدة : 66565
-----------------------------------
طوبى وطوبى لعُرْسٍ أنت كوكبُهُ
وأنت رَبَّتُهُ جُهْداً ومُكْتسبا
وأنتِ للعلمِ روضٌ بالشَّذا عَبقٌ
وأنتِ للحُبِّ نَهْرٌ فاضَ وانْسكبا
وأنتِ للأرْضِ تاريخٌ وفلسفةٌ
وأنتِ أبْلغُ ممَّا قيلَ أو كُتِبا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الوشاة
الوشاة
رقم القصيدة : 66566
-----------------------------------
رَمى الوشاةُ بداءِ الحقدِ روْحاتي
وزَوَّروا قصَّةً عوراءَ عن ذاتي
وأسْرفوا في ضروبِ الزَّيفِ وابتذلوا
حتَّى خطيئاتِهم قالوا خطيئاتي
فقلتُ علَّمتموني الحُمقَ من صِغَري
وبَيْعُ قلبي لكُمْ إحدى حماقاتي
فكيف ينْبُتُ حُبُّ يستقي كذباً
وبعضُ تُرْبَتِهِ وَحْلُ الخيانات
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> آكلة الأكباد
آكلة الأكباد
رقم القصيدة : 66567
-----------------------------------
يا أمَّ آكلةُ الأكباد في شغفٍ
كُفِّي يَديْها فمَا أبْقَتْ لنا كَبِدا
لولاكِ ما حمَلَتْ سيفاً تصولُ به
وما بَنَتْ من أمانينا لها عُمَدا
طوَّافةً في شِعابِ الأرضِ عابثةً
ولا تُعيرُ أباً رُحْمى لها ولا ولَدا
تجُرُّ ذيْلَ بناتِ اللَّيْل في صَلَفٍ
وما رأيتُ لها في الصَّالحاتِ يدا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الناصحة
الناصحة
رقم القصيدة : 66568
-----------------------------------
قالتْ تشاءَمْتَ من طيْر ومِنْ صَفَر
متى غزاكَ الونَى والوهْمُ والوجَلُ
أنتَ الذي ترَك الآذانَ خاشعةً
سكْرى به وتَناجَى خَطْوَهُ المُقَلُ
فأنتَ فارسُنا في كلِّ نائِبَةٍ
تُوري مشاعرنا إنْ مسَّها الكَلَلُ
فقلت: للهِ أنتِ اليومَ منصفةٌ(59/124)
على لسانِكِ من نورِ الهُدى حُلَلُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> حوار
حوار
رقم القصيدة : 66569
-----------------------------------
يامنيتي أنسيتني ظُلْم الوَرَى
ومَحوت من عمري الليالي المُجْدِباتِ
أبصرتُ في عينيك واحَةَ فِتنةٍ
فَسَكنتُها ونَمَتْ هناكَ تطلعاتي
ألقيتُ مرساتي ببحركِ آمنا
وكتبت تاريخي الجميلَ ومُنْجزاتي
لا صوتَ يَسْبَحُ غيرُ صوتِكَ في دمي
يروي غليلي في الرَّواحِ وفي الغَداةِ
**
يا شاعري كيفَ السلُوُّ وأنتَ في
أعماق ذاكرتي تنادمُ أمنياتي
أنا لَم أقُلْ إنِّي كرهتُكَ إنَّما
أخشى إذا أخلَفْتَ ألسنةَ الوشاة
وأغارُ إنْ أبصرتُ زنبقةً على
خَدَّيكَ لاهيةً ولمْ تحمِل سِماتي
لكنني سأظلُّ شمعتَك التي
تَهديكَ إن أقبلتَ تسْألُ عن شكاتي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> من أجل عينيك
من أجل عينيك
رقم القصيدة : 66570
-----------------------------------
لا تُسْرفي في عِتابي إنني بَشَرٌ
ولا تغولي أهازيجي وتشْبيبي
كمْ أرسُمُ في وجه الدُّجَى أرَقي
والحزنُ يصفَعُني واليأسُ يلهو بي
وكم تجرَّعْتُ خُلْفَ الوعد منكِ شَجاً
وكم جَزَيْتِ تباريحي بتأنيبي
أبحرتُ في ظُلُماتِ البُعْد محتملاً
من أجل عَيْنَيْكِ تشْريقي وتغْريبي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> العام الجديد
العام الجديد
رقم القصيدة : 66571
-----------------------------------
أقبل العامُ حاملاً في يديه
توصيات الأخِ الكبيرِ إليه
قال: إني تركتُ إرثاً ورائي
تتباكى قُرى اليتامَى عليه
كم فَتى حامَ حولَه وتمنَّى
أن يُناجي بسِحرِه أصْغَرَيْهِ
زَمْجَرتْ ألسُنٌ عليه حدادٌ
فنَعى حَظَّه إلى مقلتيه
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الطريق إلى مهجتي
الطريق إلى مهجتي
رقم القصيدة : 66572
-----------------------------------
أغلقَتْ مهجتي الطريقَ إليها
أنا حرَّرتها غِناءً وفناً
فارجعي حيثما تشائين إني(59/125)
قد تبرَّأتُ منكِ شعراً ولحنا
أنتِ جَرَّعتِني المرارة صَبْرا
وأحلْتِ الضياءَ في القلب حُزْنا
لم يعُدْ في قرارة الكأسَ شيءٌ
نتَغَنَّى به ظلالاً ومَعْنى
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> دعاء
دعاء
رقم القصيدة : 66573
-----------------------------------
أحِنُّ إلى رحابكَ يا إلهي
لأطفئ من معين رضاك آهي
أتيتُ إليكَ أوْعيَتي خواءٌ
وقلبي عن دروب الخيرِ لاهِ
أزاحم للوصول بغير زادٍ
سوى خيْطٍ من الإيمان واهِ
وتوبةِ مخلصٍ ورجاء عبدٍ
تَحَصَّن بالأوامر والنواهي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الكعبة
الكعبة
رقم القصيدة : 66574
-----------------------------------
يشْرحُ الهَمْسُ صدرها والضجيج
حين يأوي إلى حماها الحجيجُ
مهبطُ الوحيِ والقداسات فيها
يتسامى السَّنا ويزْكو الأريجُ
كلَّ يومٍ لها المواكبُ تترى
أنفسٌ خُشَّعٌ وبَحْرٌ يموج
وعليها مشاعرُ الخير تَزْهو
فإذا الأرضُ والسَّماءُ مروجُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> قلامة ظفر
قلامة ظفر
رقم القصيدة : 66575
-----------------------------------
1
صدِّقيني إذا محَضْتكِ نُصحي
وأطيعي إذا أمرتُكِ أمري
أنتِ فتَّنَةٌ حملتِ لأرضي
في دروب الغرامِ نثْري وشِعري
ثم أيقنتُ أنني لستُ إلا
حُلماً عاص في دخانٍ وجمر
كلَّ يومٍ أضعتُهُ في مُجُوني
لا يساوي غداً قلامَة ظفرِ
**
2
ضحكتْ ربَّةُ الفتونِ وقالتْ
هذه في الهوى بشائر شُكْرِ
هذه صحوةُ الضمير إذا ما
رَفَض العيش في هوانٍ وأسْرِ
هذه موجةُ اليقين لتجْلو
صَدَأ القلب من شكوكٍ ووِزُرِ
فانْفُضِ الوَهْنَ عن ردائك وانهضْ
وأمضِ لا تلتفتْ لزيدٍ وعَمْرو
**
3
قلتُ: يازوجتي طلائع عامٍ
يالخطايا إلى رحابِكِ تجري
لم يزَلْ حُبُّكِ الصدوقُ معيناً
عاطفياً يشدُّ في الحرْبِ أزري
عامُنا المقبلُ الوليدُ عَبوسٌ
مُنْذِرٌ أهلَنا بزحفٍ وقَهْرِ
لا تخافي ففي الجوانجِ نُورٌ(59/126)
يملأ الصَّدْرَ من سُمُوٍّ وطُهْرِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> شرف الحب
شرف الحب
رقم القصيدة : 66576
-----------------------------------
لا تقولي خانَ لا لا لم أخُنْ لا تهْزَئي
أنا شرقيُّ الصباباتِ سليمُ المبدأِ
أطفئي نارَ التَّجافي بالتداني واهدئي
واكتبي أنشودةً للحبِّ بِكْراً واقرئي
وارسمي خطوَك أحلاماً وشوقاً وابدئي
واستظلي كرمةً تسْقيك شَهْداً واهنئي
طَهَّري ثوبَك من كلِّ أذىً لا تُرْجَئي
لّنْ تنالي شرفَ الحُبِّ إذا لم تبرئي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> شيطانة وشيطان
شيطانة وشيطان
رقم القصيدة : 66577
-----------------------------------
أيقظتِ إذْ جئتِ في الأحشاء أحْزانا
من جاءَ يُغويك في حاناتِهِ الآنا
جعلتِ للصَّخرِ أفواهاً وألسنةً
حُمْرَ المدادِ وتاريخاً وسُلطانا
تَركْتِهِ وعَصَا العصيانِ في يده
فكنت شيطانةً والصَّخْرُ شيطانا
لم تحْمِلِ الأرضُ صَخْرا مثلَ قَسْوَته
أثار عاصفةَ غضْبي وطوفانا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> جددي الأمس
جددي الأمس
رقم القصيدة : 66578
-----------------------------------
تساءلتْ وهي لا تدري بأنَّ أبي
بالأمس كان يُجيدُ العَزْفَ بالعودِ
قالتْ أترشدُني إنْ كنتَ بي ولِهاً
إلى معلِّمةَ ينْدى بها عودي
فقلت: هذي رياضُ الفَنِّ عاطرةٌ
عودي إلى منْتَدى أحلامنا عودي
وجددي الأمسَ بالتذكارِ متَّشحاً
بالشيحِ والمسكِ والكافورِ والعودِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الخاسرون
الخاسرون
رقم القصيدة : 66579
-----------------------------------
خسرتْ عُصْبَةُ الفسادِ الرِّهانا
سقطَتْ سيرةً ونهجاً وشانا
حملتْ حلمَها تضاريس وهْم
ثم عادتْ به مسَجَّى مُهانا
حسبَتْ أنَّها ستصبحُ شيئاً
وسيرخي لها الزمانُ العِنانا
أرضُنا موطنُ القداسات لا، لنْ
تمْنَحَ القاتلين فيها الأمانا(59/127)
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> المخادعون
المخادعون
رقم القصيدة : 66580
-----------------------------------
قال الألي سلبوك حَقَّكِ في الحياة تجلَّدي
إنَّا سنبنس يا مليحةُ موطناً لك في غدِ
لا تُسْرفي في سُوءِ ظَنِّكِ وانظري خُطُوَتَنا
فالصَّبر مفتاحُ النعيم وبُلْغَةُ المُتَزَوِّد
قلتُ ابشري هذي بواكير السلام كنيسةٌ
وغَداً تقام كنيسةٌ أخرى جوارَ المسجدِ
يا حلوةَ القَسَمات ليلُك مظلمٌ بشُخُوصِهِ
إنْ لَمْ تكُنْ إلاَّ المنيةُ مركباً فاستشهدي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> متى يطهر التراب؟
متى يطهر التراب؟
رقم القصيدة : 66581
-----------------------------------
إصنعي ما شئتِ لكن لن تمسي كبريائي
أنا من جيل البطولات ومن شَعْبِ الوفاءِ
يا بقايا قَرية اللؤم ويا رَمْزَ الدَّنايا
عشقَتْ منذ صباها الغضِّ قتلَ الأبرياءِ
أنتِ يا سُخريةَ الأطفالِ يا وصمَةَ عَصْري
أنتِ لوَّثْتِ ترابي حينَ أقبلتِ ومائي
سوف أجلو دَرَنَ الماء بثأرٍ يتلظَّى
وترابُ الأرضِ لنْ يطْهُرَ إلا بالدِّماءِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> أمام البيت الحرام
أمام البيت الحرام
رقم القصيدة : 66582
-----------------------------------
ربَّاهُ أقبلت الوفودُ وزادُها
تَقْوى سَقاها بالدُّموعِ وجيبُ
لَكَ رحمةٌ عظمى تظلِّلُهم بها
ولهمْ نفوسٌ خشَّعٌ وقلوبُ
وقَفوا ببابِكَ يسألونَكَ نعمةً
ورضاً وأنتَ تبَرُّهُم وتُجيبُ
ووَقَفْتُ معقودَ اللِّسان فما معي
إلا أمانٍ نُوَّمٌ وذُنُوبُ
**
2
ربَّاهُ جئتُكَ تائباً قد مسَّني
ممَّا جنيتُ ضلالةٌ ولُغُوبُ
عَظُمَتْ مواسمُك التي أعددتَها
للتائبين بها الحياةُ تطيب
ورجعتُ يا ربي إليكَ وجَعْبَتي
ملأى حكايا والجوانح حوبُ
فامنُنْ عليَّ عفوِكَ إنَّني
في ساح فضلِكَ طائعٌ ومنيب
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> عبد الملايين
عبد الملايين
رقم القصيدة : 66583(59/128)
-----------------------------------
قالتْ: أراكَ بلحنِ القَولِ تُغويني
وتسكبُ الشِّعر نبْضاً في شراييني
فكيف أطلقُ من كَفَّيْكَ أوردتي
وأستعيد شذا وَرْدي ونسريني
فقلتُ: إني امرؤٌ لمْ تُجْد ملحمتي
في أسْرِ قلبك أو تشفعْ دواويني
الحُبَّ ما عادَ وجداناً وعاطفَةً
الحُبُّ أصبَحَ عَبْداً للملايين
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> بين لواءين
بين لواءين
رقم القصيدة : 66584
-----------------------------------
يا قذى الأعْيُنِ في عصْرِ الحضارات لقد
جئتُ كيْ أطبعَ رسْمي في سجلِّ الشهداءِ
عبثاً حاول أعداء الحمى سَفْكَ دمي
فتمرَّدتُ وجردتُ شموخي وإبائي
لَمْ ينالوا من حقولي زهرةً يانعةً
عطرُها يزكو به صبحي ويفترُّ مسائي
فلِواءٌ خافقٌ بالنَّصْرِ يختال أمامي
ولواءٌ بِطموحاتي وأحلامي ورائي
**
2
أنتِ ما أبقيت يا سيَّدةَ العصرِ لنا
غيرَ أهاتِ اليتامى وأنين البؤساءِ
ما الذي خَلَّفْتِ للأطفال في عالمهم
رَضَعوا من ثَديك الموبوء ألبانَ الشَّقاءِ
أنتِ أنشأتِ قوانينَ الإبادات التي
عَجزَتْ عنها طواغيتُ الطغاةِ القدماءِ
قتلَ العَدْلَ جنونُ الحُبِّ للحُكْمِ ولَنْ
يُنْصِفَ العَدْلَ على الأرضِ سوى عَدْلِ السَّماءِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> أضغاث حلم
أضغاث حلم
رقم القصيدة : 66585
-----------------------------------
جَددي كلَّ صباحٍ
من رسوم الأمس رَسْما
ودَعي الناعينَ صَرْعى
خُشُباً عُمْياً وصُمَّا
إنَّهم أضغاثُ حُلمٍ
إنَّهم لغزٌ مُعَمَّى
سقطوا في حمأةِ العارِ
فبئس القَوْمُ قَوْما
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> يد أبيك
يد أبيك
رقم القصيدة : 66586
-----------------------------------
ترمَّلي واستعيري من أبيك يداً
كانتْ تَهيمُ بها الأرماحُ والقُضُبُ
تُلْقي الخيولُ لها طوعاً أعِنَّتَها
وتستقي ضوءَها الأقلامُ والكُتُبُ
وجاهدي تَلِدي مليونَ مكرمَةٍ(59/129)
في كلِّ ثانيةٍ يزهو بِهِنَّ أبُ
روَّادُ موكِبها صُنَّاعُ وحدتِها
صيدٌ كِرامٌ بُناةٌ للعُلى نُجُبُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> قصة الحب
قصة الحب
رقم القصيدة : 66587
-----------------------------------
من أين أبدأُ قصَّةَ الحُبِّ الذي
لم ُبْقِ لي إلا الصبابةَ والجَوىَ
حُلُماً تألَّقَ في السَّماء زرَعتُهُ
في القلب أطعمُهُ وأسقيه الهَوَى
وتركتُهُ يلهو ويمرَحُ في دمي
نشوانَ لا يدري الصُّدودَ ولا النَّوى
وأنا أرّى الدنيا مسارحَ فتْنةٍ
هو بين أجفاني تبوَّأ واستوى
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> التحدي
التحدي
رقم القصيدة : 66588
-----------------------------------
أبْصَرَتني أسرِعُ الخطوَ اشتياقا
أتحدَّى الريحَ للوَصْلِ استباقا
فأشارت بيَدَيْها عُدْ فإني
لستُ أسْطيعُ عن القيدِ فراقا
قلتُ: يا فاتنتي أتْعَبني
زمنٌ أقْسَمَ ألاَّ نتَلاقى
أعْيُنٌ تَسْهَرُ حولي رَصَداً
وأقامتْ دونَ من أهوى نطاقا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> عقدٌ
عقدٌ
رقم القصيدة : 66589
-----------------------------------
عقدٌ على صدرِ الزَّمان أضاءَ
هتفَتْ له الدنيا صَباحَ مساء
عقدٌ من الدُّرَرِ الثمينة زيَّنَتْ
جيدَ الحياةِ شهامةً ووفاءَ
الفهدُ قلَّدها وسامَ عَطائه
فَسَعَتْ تزُفُّ له الولاءَ ثَناءَ
عشرٌ مَضَتْ لكنَّها لمَّا تَزَلْ
تجلو جبينَ المكرُماتِ سناءَ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> من أنا؟
من أنا؟
رقم القصيدة : 66590
-----------------------------------
لا تسأليني مَنْ أنا
وعلامَ أمْعِنُ في البكورْ
أوْ كيفَ جئتُ إلى هنا
وركبتُ طائرةَ الغُرُورْ
لم ألقَ قلباً محسناً
وبُليتُ بالزَّمنِ العَقوُرْ
سَخِرَتْ بنا أحلامُنا
عُمْيٌ أدلَّتُنا وَعُورْ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> معنى الحب
معنى الحب
رقم القصيدة : 66591
-----------------------------------(59/130)
الحبُّ في لغةِ الصِّغارِ سنابلُ
ذهبيةٌ تَسْبي النُّهى وفَسائِلُ
والحبُّ في عُرْفِ الهُداةِ مواكبٌ
للخير تحْرُسُ صرحَهُ وتُقاتلُ
والحبُّ في صُحُف الغزاة قصائدٌ
للصيد في بحْرِ الهوى وحَبائلُ
وإذا تجرّدَتِ النُّفوسُ من التقى
فالظُّلْم عدلُ والحقيقةُ باطلُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> روض الأمنيات
روض الأمنيات
رقم القصيدة : 66592
-----------------------------------
يا نفسُ روضُ الأمنيات تبسُّما
أيامُهُ في العمرِ تسطعُ أنجُما
وموائدُ القرباتِ عابقةُ الشَّذا
تسري جلاءً للقلوبِ وبَلْسما
مُذْ رَفْرَفَتْ أعلامُهُ وحروفهُ
تنسابُ من كلماتنا ندَماً دما
لَمْ نُهدِه نصْراً ولمْ نجْعَلْ لهُ
في المجدِ والعلياءِ مِنَّا سُلَّما
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> حصاد الأيام
حصاد الأيام
رقم القصيدة : 66593
-----------------------------------
1
ضَجَّتِ الأمُّ وقالتْ إنَّ أبنائي كُسالى
فالليالي متعباتٌ من خطاياهم حُبالى
سكنَ الخلفُ حماهم وتولَّى أمرَهم
فامتطوا ظهرَ المتاهات يميناً وشمالا
خَنقوا النظرةَ في أحداقهم وانتحروا
حَصَدَتْ أيامُهُم أعمارَهمْ قيلاً وقالا
من يَرُمْ منهم وصالاً من أخٍ ذي سَعَةٍ
لعِقَ الرَّدَّ احتقاراً واحتسى الصَّدَّ نوالا
**
2
قلتُ يا أماهُ لا تأسَيْ على ما فَعَلوا
قد جثا الجهلُ عليهم وتَمَطَّى وأطالا
إنهم غرسُك إن جاد فمرحى وبَخٍ
ولبئس القومُ إن ساؤوا نساءً ورجالا
ليس في عصرِك هذا ناصحٌ يوقظُهم
إنهم قد أشْربوا الغَفْلةَ حِلاَّ وارتحالا
فانزعي عنهم يدَيْ حُبِّكِ يا مُرضعَتي
ضرَبَ اللهُ بِهِمْ للشَّرِّ في الأرضِ مثالا
**
3
ليس في منْ يهشمُ أنفَ المعتدي
رَضَعَ الإخلاصَ داباً والمروءات مجالا
كُلُّ من لاقيتُ منهم فتيةٌ عاطلةٌ
وشبابٌ يعشَقُ الإدمانَ يقتاتُ السُّعالا
كمْ خُدعْنا بجمالٍ حَضَريِّ كاذبٍ
وحملنا منه للسِّجْن جناياتٍ ثقالا(59/131)
إنَّ أبناءكِ يا أماه ضَلوا فارفعي
دعوةً صادقةَ الإحساسِ لله تعالى
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> رحلة الحرف
رحلة الحرف
رقم القصيدة : 66594
-----------------------------------
أرهقتْني رحلةُ الحرف رواحاً وغُدُوَّا
وأراها لي صديقاً وأراها لي عَدُوَّا
هي ف يالليل سميري تمنَحُ النفسَ هناءً
وإذا قَطَّب هَمُّ وجهَهُ شَعَّتْ سُلُوَّا
أنا ما بين انتصارٍ وانهزامٍ تائهٌ
تارةً أحبُو وأخرى أمتطي الأفقَ عُلُوَّا
جَرَّعتْني ذات يومٍ صفوَ أيامي شَجًا
أتناسَتْ أنَّني أسْقيتُها الحُبَّ حُنُوَّا؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> تلد الأرض العجائب
تلد الأرض العجائب
رقم القصيدة : 66595
-----------------------------------
حينما تصدأ العزيمةُ يخْبو
وهجُ الصِّدقِ في شموعِ الرَّغائبْ
وإذا عافَتِ الرِّياحَ الغوادي
لنْ تذوق الرمالُ شَهْدَ السحائب
وإذا غابَتِ الفضيلةُ عَنَّا
تلِدُ الأرضُ للحياةِ العجائب
يصرخُ الحِقْدُ في الضمائر ناراً
تتلظَّى وتشرئبُّ المصائب
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الحب في لغة العشاق
الحب في لغة العشاق
رقم القصيدة : 66596
-----------------------------------
لا تطفئي في دروب الحب مصباحي
لا تتركيني لأوهامي وأشباحي
يا سمحةَ الخلْقِ إني عاشقٌ ظمىءٌ
أتيتُ أملأ من ريَّاكِ أقداحي
الحبُّ في لُغةِ العُشَّقِ تضحيةٌ
وجَنَّةٌ من شَذَّا نادٍ وفوَّاح
والحبُّ عندَ ذوي الألبابِ فلسفةٌ
وعندَ أهلِ الغِنَى ميدانُ أرباحِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> هلال رمضان
هلال رمضان
رقم القصيدة : 66597
-----------------------------------
غداً يهِلُّ علينا البشْرُ والظَّفَرُ
ويحتفي الحجْرُ بالصُّوَّام والحجَرُ
غداً يهلُّ هِلالُ الصَّوم مؤتلقاً
في موكبٍ مشرقٍ والليلُ يعتكر
رَنَتْ إليه قلوبٌ في قرارتها
لحبِّه سكَنٌ حلوُ الرُّؤى نَضِرُ(59/132)
غداً تُؤَذِّن بالبُشرى منائرُنا
تَسْري بأخباره الآياتُ والنذر
**
2
وقفتُ بين كرام الناس أنتظرُ
ضيفاً عزيزاً بنور الله يأتزر
نغفو ونصحو على ذكرى شمائله
نكادُ نشرق بالذكرى ونَنْفَطِرُ
رأيتُهُ قبلَ عامٍ في مساجدنا
يضيء في راحَتيْهِ الشمسُ والقمرُ
يُهدي مكارمَه للناس تذْكرةً
يُصغي لها السمعُ والإحساسُ والبصَرُ
**
3
وحين مَطَّ رحالَ البَيْنِ ودَّعني
شجاعتي واعتراني الخوفُ والخَوَرُ
تلجلجتْ مهجتي بين الضلوع فما
مثلي على صفعات الذنب يقتدر
ما جئتُ أسفَحُ يا رمضانُ أدعيَتي
بل جئتُ مما جنَتْ كفَّاي أعتذرُ
صحائفي في سجلِّ الخيْرِ عاريةٌ
من الجمالِ وثوبي مسَّهُ الكِبَرُ
**
4
رمضانُ إنا مددنا للوَنى يَدَنا
وعَرْبدتْ بيننا الأحداثُ والغِيَرُ
تنكَّرتْ مُهَجٌ للحقِّ حين سَعى
إلى ميادينها الطغيانُ والبَطرُ
فلامستْ كلماتي سمعَهُ وبَدَتْ
تنسابُ من ثغرِهِ الآياتُ والسورُ
وما ثنى عطفَه بلْ قال محتسباً
يا رب يا ربُّ رُحْمى إنهم بشَرُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> انتظار
انتظار
رقم القصيدة : 66598
-----------------------------------
قالت متى تُعلِنُ الأيام فرحتَنا
وتستعير الليالي ثوبَها الحَسَنا
فقلتُ أعلامنا في الأفقِ مشرقةٌ
تخيَّرتْ في سماوات العُلى سَكنا
ونحنُ بالحبِّ نجلو وجهَ أمتنا
ونبتني من سنا إخلاصنا وطنا
لا تيأسي فعطايا أمسنا عبَرٌ
كانتْ مصابيح في الدنيا بنا ولنا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> في العشر الأواخر
في العشر الأواخر
رقم القصيدة : 66599
-----------------------------------
رمضانُ لا ترْتحِلْ فالنفس ظامئةٌ
شوقاً لبلْسَمِكَ الشافي وتعتصر
إنْ ترتحلْ تبْسُطِ الآثامُ أذْرعَها
ويأسن الصبرُ والأحلامُ تنتحر
وتسقُطُ الكلمات البيضُ ميِّتةً
ويُقبلُ العيدُ لا صحوٌ ولا مطرُ
وكيفَ نفتحُ للأفراحِ أفئدةً
موتى ووحدتُنا بالخُلْفِ تحتضر(59/133)
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> العيد
العيد
رقم القصيدة : 66600
-----------------------------------
ما الذي فيكَ ايُّها العيدُ أهدي
ونَصيبي ن الهَوى غيرُ مُجْدِ
كيفَ ألقاكَ والمشاعرُ كَلْمى
وسياطُ العذاب ينْسِجْنَ بُردي
جئتَ يا عيدُ مسرفاً في امتهاني
حاملاً في يديكَ نعْشي ولَحْدي
ألأنِّي عَبَرتُ جَسْرَ التَّحدي
شامخاً تُعْلِنُ الضَّغينةَ ضِدي؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> سراييفو
سراييفو
رقم القصيدة : 66601
-----------------------------------
قالت سراييفو أبي بالأمس كانْ
ذا صولةٍ في العالمين وصَولجانْ
وفدَتْ إليه الشهبُ تهتفُ باسمه
تُزْجي الولاء له وتُسْلِمُهُ العِنانْ
شهدتْ زفافي للعلاء وهنَّأتْ
أهلي وصَحبي بالخطوبة والقِرانْ
ما كنتُ أحسبُ أنني سأعودُ منْ
عُرسي مخضَّبةَ المحاجرِ والبَنانْ
**
2
يا زهرةً في الأرضِ حاربها الزمانْ
وازورَّ عنها بين جيرتِها المكان
هذي قصيدتُك التي سطَّرتها
في الحرب مشرقةُ الملامح للعيان
ما أنتِ أرملةٌ ولست بعاقرٍ
لم تُنبتي شوكاً ولم تلدي الجَبان
ما خان سيفُكِ في يمينك عهدَهُ
لكنَّ سيفَ العدلِ يا حسناءُ خان
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الغدر
الغدر
رقم القصيدة : 66602
-----------------------------------
حتَّام في الأوهامِ يا نفسي غريقه
تزَّاعةُ للشر مسرعةٌ طليقهْ
لا ترعوين عن التسكُّع في الدروب
وتسفحين على الرصيف دمَ الحقيقه
قالتْ عَجِبْتُ لشاعري ربِّ الحجا
حيرانَ لا يدري خطاهُ ولا طريقهْ
وينامُ نومَ المومياء وحولَهُ
يغتالُ كُلُّ أخٍ يخنجرِهِ شقيقه
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> مناجاة
مناجاة
رقم القصيدة : 66603
-----------------------------------
1
ما لنفسي إذا أضأتُ دجاها
حملتْ موقدَ الجَوى راحتاها
كلما جئتُ أسكبُ الحُبَّ نُصْحاً
عربدَتْ ساعةً وخارتْ قواها
أتُراها تَصُدُّ عَنِّي دلالاً،(59/134)
أم ملالاً، أم فريةً ما تراها؟
لستُ أدري وكيف أدري وقلْبي
غاصَ في لُجَّةِ الضَّلالِ وتاها؟
**
2
يا رسول الهُدى تمرَّدَ عصْري
وامتطي صهوةَ الغرورِ سفاها
رفعَ الجَهْلُ فيه رايةَ ضَعفي
وغزا روضتي وداسَ ثراها
نسيَ الطينُ عِفَّةَ الطُّهْرِ فيه
وارتضى كأسَهُ لماً وشِفاها
عَشِقَ الذُّلُّ والهوانَ وأمسى
بفقاعات عيْشِهِ يتباهى
**
3
يا يراعاتُ حاضري يا بقايا
عالم المُفْلسين فكراً وجاها
كيف نبْني على طريقِ الثُّريا
قبَبا تحضُنُ الليالي سناها
والونى ينخَرُ القلوبَ ويلوي
بشرايينها ويُلجِمُ فاها
وإذا زمْجرَتْ رَحَى الحَرْب ولَّتْ
ضيَّعتْ خيلها وباعتْ حماها
**
4
يا زماناً به السيوفُ استخارتْ
دفْءَ أغمادها فزالتْ شَباها
كنتُ أشدو بها شموخاً وفخْراً
وأُناجي على الدروبِ خُطاها
وهي تختالُ بالكُماةِ وتحْمي
حُرماتي سفوحَها وذُراها
الأمانيُّ في يديْها قلوبٌ
هي عنوانُ عنفوانِ صِباها
**
5
أبصرَ الطفلُ دارَهُ فنعاها
غرقتْ جنَّتي فواهاً وواها
مالأرْضي التي دَرَجْتُ عليها
قبُحَتْ منظراً ومُرَّت مياها
أين أمي التي إذا أبصَرتْني
حَضَنتني ضلوعها ويداها
ليس سودُ الوجوهِ بالخِزيِ أهلي
أمَّتي أكرمُ الأنامِ جباها
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> أين يكمن دائي
أين يكمن دائي
رقم القصيدة : 66604
-----------------------------------
قالتْ أتخلِفُ ما وعدتَ به أبي
ويطيبُ في أذنيك رجْعُ بكائي
قد كنتَ لي رمزاً أهيم بحبِّهِ
ونسجتُ من خطواتِهِ خيلائي
قلتُ الليالي أسْرجَتْ أقمارها
فعَلمْتُ منها أينَ يكمُنُ دائي
ورأيتُ حُسْنَكِ آسراً فخشيتُهُ
وصَرَعتُهُ بقصائدِ الإغراءِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> البخل والإسراف
البخل والإسراف
رقم القصيدة : 66605
-----------------------------------
قالت بخيلٌ أنت تكتنزُ النقودْ
تُعطيك ما تبْغي الحياةُ ولا تجود
ويغيظُ قلبَك جدولٌ متدفقٌ(59/135)
خيْراً وروضٌ يكتسي أزكى الورود
لا تحسبنَّ المالَ يبني أمَةً
إنْ عاش يرسُفُ في الخزائنِ بالقيود
قلتُ: إدخارُ المالِ لا تبذيرُهُ
يحْمي الشعوبَ من التخلُّفِ والجمود
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> وجه الأرض
وجه الأرض
رقم القصيدة : 66606
-----------------------------------
تساءلتِ الفلاسفةُ الكبارُ
أوجهُ الأرضِ تبْرٌ أم نُضارٌ؟
فقال الهائمون بها: لُجَيْنٌ
ويرقُدُ فوقَ جبهتِهِ الغُبارُ
وقال الكارهون لها: بقايا
نباتات وأدخِنَةٌ ونارُ
فقلت: إذا تصارعت النَّوايا
فلا رايٌ يسودُ ولا قرار
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> سؤال
سؤال
رقم القصيدة : 66607
-----------------------------------
سؤالٌ بين حنجرتي وصدري
يجلجل حانقاً فيغيظُ صَبْري
أعاتبُهُ فيصدفُ عن عتابي
ولم يرْدعْهُ تهديدي وزجْري
توجَّسَ خيفةً من سوء حالي
فماتَ ولم يُذعْ للأهلِ سِرِّي
وما أدري أيعلمُ بعضُ قومي
بما أشْقى به أم ليْسَ يدري؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> شيشان
شيشان
رقم القصيدة : 66608
-----------------------------------
1
شيشانُ سيفٌ في الوغى وسنانُ
شرُفَتْ بوهجٍ شموخكِ الأوطانُ
شيشانُ ثوبُكِ بالكفاح مطرَّزٌ
ويداكِ قلبٌ للهُدى ولِسانُ
أصْبحتِ في صُحُف العُلى أمثولةً
هتفتْ لها الأجيالُ والأزمانُ
داؤودُ قُدْوَتُهُ بطولةُ شاملٍ
مُهَجٌ بأنوارِ اليقينِ حِسانُ
**
2
ما سار فوق ثراك يا شيشانُ
لَصٌ يرومُ النَّيل منكِ جبانُ
حُرَّاسُ أمنِكِ نُخْبةٌ بصدورهمْ
عَبَقَ الفاءُ وأشرق الغيمان
الدين بين شَغافِهِمْ مستوطنٌ
والعَزْمُ في خُطُواتهم سُلْطانُ
لنْ تنحني هاماتُهمْ مهزومةً
والقائدُ الأعلى هو الرحمنُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الحج
الحج
رقم القصيدة : 66609
-----------------------------------
1
مرَّ بالأمسِ موكبٌ للضياء
ربَطَ الأرضَ نورُهُ بالسماءِ
موسمٌ للحصادِ فيه تجلَّتْ(59/136)
نفحاتٌ نديَّةٌ بالدعاء
عزماتٌ على التقى تتبارى
يتسابقنَ في دروب الوَلاء
والهتافاتُ خلْفهُنَّ وجيبٌ
هو أزكى تحِيَّةٍ وثناء
**
2
واستقل الحجيجُ عند المساء
سُفُنَ الحبِّ والمُنى والرجاءِ
في طمأنينة وشوقٍ وخوفٍ
وخشوعٍ وذلةٍ وحياءِ
وارتقى الأفقَ طيِّبَ الجرس صوتٌ
شَقَّ سمعَ الدجى وقلبَ الفضاءِ
حاملاً أدمُعَ النَّدامة زُلْفى
حالماً بالرِّضى وفيضِ العطاءِ
**
3
وفدَتْ إلى البيتِ العتيقِ قلوبُ
هَيْمى الشَّغافِ لها صدىً ووجيبُ
وفدَتْ موحِّدة المشاعر خُشَّعاً
سالتْ بها عبْرَ الحياةِ دروبُ
جاءتْ لتَبْرأ من نقائصها التي
صَدِئَتْ بها جُنَحٌ لها وذُنوبُ
من كان ضيفَ اللهِ كان عتيقهُ
وجزاؤه طوبى تَرِفُّ وطِيبُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> العام الجديد
العام الجديد
رقم القصيدة : 66610
-----------------------------------
1
أتهنئين بمولد العام الجديدْ
وعيوننا يغْشى محاجرَها الجليدْ؟
أتهنئين ولمْ تَزَلْ أسلافه
تغزو دمَانا في الوَتينَ وفي الوريد
إنْ لم تُنَبِّئْنا ملامحُ وجهه
عمَّا يخبِّئُ للحياةِ وما يريد
ستملُّ أذرعنا الوقوف وترتمي
جُثثاً ويجمد في حناجرنا القصيد
**
2
أيها العامُ الذي ودَّعَنا
كنتَ فينا شبحاً روَّعنا
كنتَ فظاًّ سيئَ الخلْقِ وما
كنتَ محمودَ النَّوايا معنا
فيكَ أضواءُ الحضارات خبَتْ
واستباحتْ حالُها أدمعنا
لم تكُنْ للعدْلِ والسِّلْمِ أخاً
هربا منك وعنَّا ظعنا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> يد الحلال
يد الحلال
رقم القصيدة : 66611
-----------------------------------
حتَّام تركُضُ خلفَ ألويةِ الضلالْ
حيرانَ ما بين الحقيقة والخيال
وتَعُبُّ من كأس تلظى نارُها
وتهُدُّ ما تبني يمينُك بالشمال
وعَبَرْتَ دربَ العُمْرِ مكدود الخطا
هيمانَ تحلُمُ بالورود وبالوصال
كيف السبيلُ إلى الخلاص وأنتَ لمْ
تبْرَحْ تُدَنِّسُ بالحرامِ يَدَ الحلال(59/137)
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> شيطان عاطفة
شيطان عاطفة
رقم القصيدة : 66612
-----------------------------------
أماه ذاب على جمر الأسى جَلَدي
أبيتُ ألهثُ بين الحُزْنِ والكَمَدِ
تناوشتني همومٌ أيقظتْ شجني
وعانقتْ أضلُعي واستوطنَتْ خَلَدي
قالتْ أعيذُكَ من شيطانِ عاطفةٍ
تُضري بقلبكَ نارَ الحقْدِ والحسَدِ
من مدَّ عينيه للدنيا بلا سنَدٍ
لمْ يَصْفُ يومٌ له في حاضرٍ وغَدِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> حنت حناياه
حنت حناياه
رقم القصيدة : 66613
-----------------------------------
سئم الأحلامَ كَذْباً ونفاقا
فامتطى الشوقَ إلى الله سباقا
ما انحنت هامتُهُ مسكنةً
واستقلَّ الشمسَ سعياً وانطلاقا
حينما حنَّتْ حناياه إلى
عَبَقِ التُربْ أبى العيشَ وضاقا
أسرجَ النَّفس إلى بارئها
قُرُباتٍ ثُمَّ زكَّاها اشتياقا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الليل داج
الليل داج
رقم القصيدة : 66614
-----------------------------------
أخي ضلَّت خُطاك ولم يصنها
تقىً يحمي بقوته كفاحكْ
ترومُ مفاتنَ الدنيا ذليلاً
وتغْسلُ في مزابلها وشاحك
رأيتك توسِمُ الأيَّام حقْداً
وتزعم أن في الفوضى رباحك
أفِقْ يا صاح إن الليل داجٍ
فلا توثقْ بظلمته سراجك
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> المرء بالشر مفتون
المرء بالشر مفتون
رقم القصيدة : 66615
-----------------------------------
يا سيد الخلق والأخلاق ما فتئتْ
رغابنا تعشقُ الفوضى وتحْتَضِنُ
تُدمي جراحاتنا في كلِّ ثانية
سود الخطايا وتُضري نارها الإحَنُ
هلْ من سبيلٍ إلى القربى ومغتسل
من الرضا باردٍ تشفى به المحنُ؟
ومنْ سيطفئُ حَرَّ الشرِّ في دمنا
والمرءُ بالشر مفتونٌ وممتحن؟
**
2
يا سيد الخلقِ إنا أمةٌ عصفتْ
بها الصراعات واستشرتْ بها الفتنُ
جفَّتْ حروفُ الأماني في حناجرنا
ومس وحدتنا الإحباطُ والوَهَنُ
كانتْ لنا في قلوب الناس أروقةٌ(59/138)
نجوبها ولنا فوق السُّهى سَكَنُ
حتى هدمْنا بأيدينا منائرنا
فلم يقمْ في الحنايا للهدى وطن
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> موطني
موطني
رقم القصيدة : 66616
-----------------------------------
لك يا موطن الوفاء انتمائي
يا شموخاً يموجُ بالكبرياء
أنتَ في ساحة البطولات نصْرٌ
تتمشى حروفهُ في دمائي
لم أجِدْ دوحةً سواك تهادتْ
في العلى طلْعها نجومُ السماء
أنتَ تاريخنا إهابكَ روحٌ
قُدُسيٌّ وموكبٌ من ضياء
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> بلاد قتلت صبراً
بلاد قتلت صبراً
رقم القصيدة : 66617
-----------------------------------
ما لأشجارك يا كابول في الساحات صَرْعى؟
ما لأطيارك في الأقفاص للأطْماعِ أسْرى؟
لمَ مَلَّتْ صوتك النفسُ وضَاقتْ بك ذرْعا؟
أين للنصر نجومٌ سطعتْ في الأفقِ زُهرا؟
رحلتْ عنك النوافير فجاء الجدْبُ يَرْعى
ما الذي أبْقَيْتِ للأجيال تاريخاً وذكرى؟
ما عهدنا الأصلَ يرْضى أنْ يعيش العُمْرَ فرعا
يا بلاداً قَتَلتْها مِحَنُ الأيامِ صبْرا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> بيضي واصفري
بيضي واصفري
رقم القصيدة : 66618
-----------------------------------
يا سُبَّةً في عصْرنا المتَحضِّرِ
يا وصْمةَ التاريخ بيضي واصفري
هذا زمانُك فاعْبثي بدروبه
واستبعدي أيَّامَه واستعمري
غوصي إلى أعماقه واستخرجي
ما شئتِ من خلجاتِهِ وتخيَّري
واستعيذي قتلَ العواطفِ والنُّهى
بيعي جواهرها الكريمة واشتري
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> حطِّم سيوفك
حطِّم سيوفك
رقم القصيدة : 66619
-----------------------------------
أتحلم بالوصول وأنتَ لمْ
تعْلمْ مكانك بين سادات الأمم؟
مضت السنون وأنتَ تسفحُ للأسى
ماء الحياة وما تكُفُّ عن النَّدَمْ
حطِّمْ سيوفَكَ قد تقادَمَ عهدُها
واستغن عن خُطَبِ الصحائف والقلمْ
قلتُ اطمئني إنني من أمَّةٍ
ترْعى البطولة والمكارمَ والشِّيمْ(59/139)
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> العيد
العيد
رقم القصيدة : 66620
-----------------------------------
أيها العيدُ يا نشيدَ القلوب
يا هتاف المدى البعيد القريبِ
أنتَ للحسنِ مهرجانٌ وروضٌ
للأماني وجدولٌ للطُيوبِ
لا تسلْني -وقد أضاعتْ يميني
ملحماتي عن الهوى- عن نصيبي
ضلَّ خطوي على الدروبِ وألقتْ
مُهجتي دلْوها لبئرٍ نضوبِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الصمت أبلغ
الصمت أبلغ
رقم القصيدة : 66621
-----------------------------------
قالت أراكَ حرَمْتني أسْمى وسامِ
أنفاسَ همْسكَ بالصبابةِ والغرامِ
وتركتني ولْهى أنادمُ وحدتي
عُشَّا تغرَّبَ عنهُ أفراخُ الحمام
فأجبتها إني كمثلك أحرُفي
آهاتُ مشتاقٍ ولهفةُ مستهام
أنتِ التي علَّمْتني في رحلتي
الصمتُ أبلغُ للرجال من الكلام
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> متى تموت الحياةُ؟
متى تموت الحياةُ؟
رقم القصيدة : 66622
-----------------------------------
قالت رجعتُ إليك أسفحُ أدمعي
نَدماً وأزرعُ بين أحشائي سهامي
أنت الذي أسقيت أوردتي الهوى
وبنيت صرحي فوقَ أجنحةِ الغمام
ما كنتُ أعرفُ قبلَ حبِّك ما الصبا
ما لذةُ النجوى وما ظمأُ الهيام
فأجبتها: إن الحياةَ الموتُ إنْ
لمْ نُسْقها ماءَ المحبة والسلام
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> عام رحل
عام رحل
رقم القصيدة : 66623
-----------------------------------
عامٌ من الحزنِ أبكى السهلَ والجبلا
وقرَّحَتْ كفُّهُ الأكبادَ والمُقَلا
لمْ يَنْجُ من كيده قلبٌ ولا رئةٌ
تقاسما إرثه: الأحزانَ والعللا
حتى سفحْنا على أعقابنا دمَنا
سفاهةً جمعَ الأوراقَ وارتحلا
ما قيمةُ المرءِ في عصرٍ يعيشُ به
إذا انحنى راسُه في عُرْسِه خجلا
**
2
عام تولى يجُرُّ الخزي والفشلا
ولمْ يلِدْ مُنْيةً تُرضي ولا أملا
أهدافُ أمتنا العُظمى لفرقتنا
تطايرت منه في آفاقها وجلا
وجاء في إثرِه عامٌ يداعبنا(59/140)
في يوم ميلاده يُهدي لنا القبلا
نخافُ إن ضيَّعَتْ أحلامنا غدنا
أن يضرب الناسُ للحمقى بنا مثلا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> إلى صاحب الفضل
إلى صاحب الفضل
رقم القصيدة : 66624
-----------------------------------
يا أيها المُرْتجى -بالمال تُنْفقه-
أوجَ السعادة في الدارين إيمانا
تركت ذكرك بين الناسِ ذا أرجٍ
وكنتَ في عين هذي الأرضِ إنسانا
كم خطوةٍ في دروب الخيْرِ شاهدةٍ
تضوع حباً وإخلاصاً وإحسانا
تزهو -إذا أينعتْ- كل الفصول بها
تجودُ بالفضْلِ غفراناً ورضوانا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> خطواتنا المنهوكة
خطواتنا المنهوكة
رقم القصيدة : 66625
-----------------------------------
لمَ تسألين وأنتِ أعلوُ بالجواب؟
أفتطمعين بأنْ أحيدَ عن الصواب؟
أنا من سلالةِ أمةٍ مبرورةٍ
في قولها في عزمها فصل الخطاب
جئنا على آثارها فإذا بنا
نسترضع الشكوى ونستجدي السراب
وتبعثرتْ خطواتنا منهوكةً
بين التشرد والتسكُّعِ والعذابْ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> داء لا مناص منه
داء لا مناص منه
رقم القصيدة : 66626
-----------------------------------
قالت إفِقْ أيها المفتونُ بالقُبلِ
كمْ قُبلةٍ جرَّعَتْكَ السُّمَ في العسل
عامٌ مضى خضَّبَ الكفين من دمنا
وغال وحدتنا بالوهن والحيل
ونحنُ في غفلةٍ عما يحاكُ لنا
نغفو على خجلٍ نصحو على وجَلِ
فقلتُ ذلك داءٌ لا مناص لنا
من قبضته فكيف البُرْءُ يا أملي؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> بين عامين
بين عامين
رقم القصيدة : 66627
-----------------------------------
قالت لقد رحل العامُ الذي بقِيَتْ
ذيوله في خطاها تسكنُ العللُ
وجاء من بعده عامٌ يروعنا
قلوبنا منه بالأحزانِ تكتحلُ
أظفارهُ شحذتها ألفُ امرأةٍ
ونحن نُطعمُه القتلى ونرتحل
فقلتُ: لا تغضبي واستبشري فرجاً
فزمْجرتْ ولمَ الخِذْلانُ يا رجل؟(59/141)
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الطين
الطين
رقم القصيدة : 66628
-----------------------------------
عجبتُ للطين يغزو عالم السحب
وكان صنو الحصى والماءِ والحطب
يسيرُ يسحبُ ذيل الكبرياء ومنْ
أثوابه تنضحُ الأدرانُ بالكذبِ
يمُدُّ للحقْدِ والبغضاءَ راحته
يُصَعِّرُ الخدَّ عن أمٍّ له وأبِ
يا طين إن لمْ تصُنْ للطين حرمته
تعشْ على الأرضِ مجهولاً بلا نسبِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> أتصدقين؟
أتصدقين؟
رقم القصيدة : 66629
-----------------------------------
أتصدقين وأنت سيدةُ الفراسة والذكاء
من قال إن السِّلْم ساد الأرض في عصرِ الفضاء؟
أتصدقين وفي مسارح جدِّهم ومجونهم
قصصٌ تمثِّل كيف يغتالُ السلامُ الأبرياء؟
ذبحوا علانيةً على الطرقاتِ خيرَ جيادنا
وتبادلوا القبلات بشرى بالهزيمة في الخفاء
سيري فإنَّ السِّلم في أعرافهم وسلوكهم
هدفٌ يجوزُ الإتجارُ به لقتلِ الأوفياء
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> غرة الميزان
غرة الميزان
رقم القصيدة : 66630
-----------------------------------
يا غرةَ الميزان يا فجراً به المجدُ أفتتنْ
يا عرس وحدتنا معطَّرةً بأطياب الوطنْ
يا موكباً حَمَلَ الحضارة نهضةً عربيةً
لم تشهد الدنيا لها أكفاء في العليا ولنْ
عبدالعزيزِ على سفائنَ عزمِهِ وجهاده
خاض الغمار إلى قِبابِ النصرِ والذكرِ الحسَنْ
يا يومَ مولدِ مهرجان شموخنا وطموحنا
ما زلت لحناً في دم الأجيال ينشدُهُ الزمنْ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> حمالة الحطب
حمالة الحطب
رقم القصيدة : 66631
-----------------------------------
يا حاملاً سلة البهتان للأدب
وناشراً عَلَمَ الشكوى بلا سببِ
حمَّلتَ نفسكَ عِبْئاً لا انتفاع به
وعُدْتَ تلهثُ من وهْنٍ ومنْ لغَبِ
السيرُ فوقَ بِحارِ الرمل مهلكةٌ
كالغوص في لُججِ الأوحال والريب
وحاملُ الحِقْدِ يطوي بين أضلعه(59/142)
ناراً يُؤججها حمَّالةُ الحطبِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> جدة
جدة
رقم القصيدة : 66632
-----------------------------------
يا جنةً تتهادى فتنةً وصبا
أهواك مقترباً أهواك مغترباً
كم استقى الفجرُ من عينيك بسمته
وكم روى الليل عن لألائك العجبا
وتمرح النسماتُ النادياتُ ضحىً
تهديك أوديةٌ أطيابها وربا
وإن دعتْكِ العلى يوماً لزورتها
بنيتِ شامخةً في هامها القببا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> ناداك ربك
ناداك ربك
رقم القصيدة : 66633
-----------------------------------
ناداك ربك للخيراتِ فابتهلي
يا نفسُ واستيقظي من غفوةِ الكسل
ويمَّمي روضةَ الإحسان إنَّ بها
نهراً من النور يجلو الهمَّ فاغتسلي
هذي ليالي الهدى تندى العطور بها
فجددي طيب أيامي بها وصلي
ولا تمُدي يداً للشرِّ طائعةً
كيلا تزيدي بها في رحلتي عللي
**
2
أتيتُ أركضُ مشتاقاً على عجلٍ
أتيتُ مشتملاً ثوْباً من الوجلِ
أتيتُ أحمِلُ أوزاري معرْبِدَةً
من شرِّ نفسي ومن جهلي ومن زللي
أتيتُ أجأرُ موثوقاً بمعصيتي
زفي يدي باقةٌ من جنةِ الأمل
لا خير في عملٍ يا ربُّ لُحْمَتُهُ
من الذنوب إذا لم تعْفُ عنه ولي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> رمضان
رمضان
رقم القصيدة : 66634
-----------------------------------
باليُمْنِ أقبلَ خَطْوُهُ الزُّهُرُ
وتشْرئبُّ إليه الأشهُرُ الأُخَرُ
أعلامهُ شُهُبٌ بالحقِّ صادعةٌ
وطيبه في حنايا الأرض منتشرُ
في يوم مقدمه دوَّتْ مشاعرنا
الله أكبر هذا المرسمُ العطِرُ
وكبَّر الناسُ أعراباً وحاضرةً
وفي جوانحها الأشواقُ تستعرُ
**
2
وحين حطَّ عصا الترحال وابتسمتْ
براحتيه ليالٍ زانها السهرُ
تسابقتْ مُهَجٌ عَطْشى مقرَّحَةٌ
من الذنوبِ إلى مولاه تعتذِرُ
فسال جدولهُ الرقراقُ فانتعشتْ
نفسٌ لغوبٌ وزال الهضمُّ والكَدَرُ
وشدَّ كلُّ فتىً للجدِّ مئْزَرَهُ
يتلو الكتابَ، يناجي الله، يعْتَمِرُ
**
3(59/143)
ومرَّتْ العشرُ بعد العشْر في خجلٍ
مما رأت أو روتْ عنا لها الصورُ
كؤوسنا بصديد الذلُّ مترعةٌ
وتسْتبدُّبنا الحمَّى فنصْطَبِرُ
واليأسُ يعبثُ في أعماقنا مرحاً
وفي الخلايا فلا يُبْقي ولا يذَرُ
كأننا لم نَكُنْ من أمَّةٍ شَرُفَتْ
بها الحياةُ وزانتْ عِقْدها السيرُ
**
4
وأعلن الضيفُ عن ميعادِ رحلته
سِرِتْ بأخبارها الآياتُ والنُّذُرُ
لعلَّه ملَّنا أوْ عافَ صُحْبَتَنا
من سوء ما حمَلَتْ أيامُهُ الغُررُ
يا ضيفُ إنا أسارى غُربةٍ عطُمَتْ
في الدين يوري لظاها الطامعُ الأشِرُ
ما لذةُ العيدِ والشكوى تنادمنا
ونظرةُ الحُبِّ في الأحداقِ تنتحِرُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> العيد ..
العيد ..
رقم القصيدة : 66635
-----------------------------------
يا عيدُ مذ جِئْتَ لا صحوٌ ولا مطرُ
فالأرضُ عابسةٌ والأفْقُ مُعْتكِرُ
وفي حناجرنا ماتت لنا قصصٌ
وأحرفٌ مسَّها التخريفُ والكِبَرُ
يا عيدُ كم في الورى لاهٍ ومُعْتكِفٍ
على الضلال فلا يدري بما يزرُ
وكيف تُفْتَحُ للأفراحِ أفئدةٌ
موتى ووحدتنا بالخلفِ تحتضرُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> سراييفو
سراييفو
رقم القصيدة : 66636
-----------------------------------
ما للزوارق خانتْها المجاديفُ
وخيَّمَتْ في حناياها الأراجيفُ
هل أنكرتْها مياهُ النهرِ أو غرِقَتْ
في اليمِ سادَتُها البُزْلُ الغطاريفُ؟
قالوا: أتعرفها؟ بالأمسِ روَّعَها
أبناء ضرَّتِها الجَوْعى الملاهيفُ
فقلتُ أعرفُها من يومِ مولدَها
هذي البطولةُ ترْويها سراييفو
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> إنجازات تربيتي
إنجازات تربيتي
رقم القصيدة : 66637
-----------------------------------
قالت فتاتي وقد أوليتُها ثقتي
غداً سيحْرثُ عزمي روضَ تجربَتي
غداً سأزرعُ أيامي مُثابرةً
وهمَّةً تستقي من نبْع معْرِفتي
هذا سلاحي طًموحٌ جامحٌ وتُقىً
وأمنياتٌ تسامتْ في مُخَيِّلَتي(59/144)
فقلتُ مِثْلُكِ عنوانٌ تتيهُ به
في جبهةِ الفخْرِ إنجازاتُ ترْبِيَتي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> إرثُ والدي
إرثُ والدي
رقم القصيدة : 66638
-----------------------------------
قالتْ نَعِمَّا أبٌ في الناسِ يا أبتي
جعلْتَ دربَ الهُدى للخَيْرِ مَرْكبتي
وكمْ حمَلْتَ إذا ما النصرُ حالفني
أزكى الهدايا وأغلاها لِتَهْنِئتي
وإنْ بعَثْتُ إلى الأحلامِ أغنيةً
أسْرَجْتَ قلبَكَ كيْ يُصْغي لأغنيتي
فقلتُ يا طفلتي ما تنعمين به
ورِثْتُهُ عن أبي الحاني ووالدتي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> حطام السنين
حطام السنين
رقم القصيدة : 66639
-----------------------------------
وقالتْ حملْتَ حطام السنينْ
وفي ناظريْكَ الأسى والأنينْ
تَضُمُّ لصدْرِكَ ما لا يُصانُ
وتسفحُ في الدربِ حُبِّي المصونْ
وكنتَ المهيْمنُ في المنْتَدى
وكنتَ المطاعَ وكنتَ الأمينْ
فقلتُ لسَعْي الفتى غايةٌ
تكونُ المرادُ وقد لا تكونْ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> زيف ومَين
زيف ومَين
رقم القصيدة : 66640
-----------------------------------
وقالتْ رجعتَ بخُفيْ حُنيْن
خَلِّي الحقيبة صِفْرَ اليدين
وكنتَ تُعَلِّلُنا بالمُنى
فأين النُّضارُ وأينَ اللُّجَيْن؟
وكنتَ تحدِّثنا عنْ غدٍ
يطيرُ بذكْرِكَ في الخافقَيْنْ
فقلتُ ألمْ تدْركي أنَّنا
بِعَصْرٍ جناحاهُ زيْفٌ ومَيْنْ؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> مأوى البجع
مأوى البجع
رقم القصيدة : 66641
-----------------------------------
وأدَتْ عيني بقايا أدمُعي
فدعي نوحكِ يا أمُّ دضعي
لم يعُدْ للدمعِ في عصْرِ الفضا
مهجةٌ تحْنو ولا أذنٌ تعي
زمنٌ أنْبتَ في رحلته
لهْفةً حَرَّى أذابتْ أضْلُعي
مُسْرِفٌ يغتالُ أحلامَ الوَرى
ويُحيلُ الرَّوْضَ مأوى البجَعِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> زيف المنى
زيف المنى
رقم القصيدة : 66642(59/145)
-----------------------------------
قيلَ صارَ الحُبُّ في عُرْف البشرْ
صَفَقاتٍ وخِداعاً للنَّظرْ
قلتُ بلْ أرْهقَهُ زَيْفُ المُنى
وتبناه أسىً حتى احْتضرْ
كانَ بالأمسِ لمَنْ هامَ به
جَنَّةً غَنَّاءَ زلاً وثَمَرْ
يا ترى هل رَبِحَ الإنسانُ في
عَصْرِه الدامي سمُواً أمْ خَسِرْ؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> زخارف القول
زخارف القول
رقم القصيدة : 66643
-----------------------------------
يا أخي غابت المروءةُ عنَّا
هَدَّ بنيانها رحيلُ الكِرامِ
قُلْ لمَنْ يشتري المَهانةَ دِرْعاً
كي تقي جِسْمَهُ سيوفَ اللِّئامِ
ليْسَ في الخوفِ للذَّليلِ حياةٌ
أنتَ ميْتٌ وإنْ تَعِشْ ألفَ عامِ
خَدَعَتْنا زخارفُ القَوْلِ حتَّى
لَمْ تَفُزْ مُقْلَةٌ بِطيبِ المَنامِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> بين اللذائذ
بين اللذائذ
رقم القصيدة : 66644
-----------------------------------
في كلِّ مُنْعطفٍ تموتُ أمُومةٌ
وأبوَّةٌ ترِدُ الحياضَ وتنتهي
ويلُ النفوسِ إذا تعلَّقَها الردى
في لهْفةِ الهيْمانِ أوْ عَلِقتْ به
تجْثو تُقّبِّل أخْمصَيْه لَعلَّها
تنجو من العيشِ الذي لا تشتهي
بعضُ النِّعاج تنامُ طاويةَ الحَشا
ورُعاتُها بينَ اللذائذِ تلتهي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> يا أرض تيهي
يا أرض تيهي
رقم القصيدة : 66645
-----------------------------------
يا أمُّ إ سقطتْ أمامَكِ أمَّةٌ
برصاصِ مأفونٍ وخِنْجرِ أبْلهِ
لا تأسفي لا تحْزني بلْ رَدِّدي
يا أرضُ تيهي بالحضارةِ وازدهي
هذا زمانٌ ساقنا قدَرٌ لكي
نتجرَّعَ الموتَ الزُّؤامَ بحِضْنِهِ
أقطابهُ شطَحَتْ بِهِمْ أحلامُهُمْ
فَرَموا بنا من عَدْلِهمْ في مَهْمَهِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> تغليف الجراح
تغليف الجراح
رقم القصيدة : 66646
-----------------------------------
عجبْتُ منكِ إذا ضلَّتْ مُحاولتي(59/146)
طرقَها تمْزحينَ اللمْزَ بالعَذلِ
وتزْرعينَ بُذورَ اليأسِ قس كبدي
لتسْلِبي من يدي إشراقةَ الأملِ
وتصبُغين مقالاتي بسُخريةٍ
وتنسبين إليها وصمةَ الفَشَلِ
فأنتِ في عالَمِ التَّزييف بارعةٌ
تُغَلِّفينَ جراحَ الذَّمِّ بالقُبَلِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> البسمات الصفر
البسمات الصفر
رقم القصيدة : 66647
-----------------------------------
قالتْ رايتُكَ تستجدي يدَ الكَسل
تنامُ مُلْتحِفاً بالهَمِّ والوَجَل
إنْ راودَتكَ المُنى يوماً لتَصْحَبها
جَرَّعْتَها غُصَصَ التسويفِ والمَلَلِ
فقلتُ تِلْكَ دعاياتٌ مُلَفَّقةٌ
أنتِ التي شوَّهَتْ من سيرتي مُثُلى
تَرَكْتِها ونيوبُ الكَيْدَ تنْهشُها
صريعةَ البَسَماتِ الصُّفْرِ والحِيَلِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الدرة النادرة
الدرة النادرة
رقم القصيدة : 66648
-----------------------------------
علامَ يا حلوتي أسْرَفْتِ لَدَدي؟
وما تورَّعْتَ أن تستأصلي دَلَدي
هل تذكرينَ صِبانا والهوى عَبِقٌ
رطْبُ الجناح رقيقُ الوشوشاتِ نَدِ؟
وكنتِ لي دُرَّةً في الحُبِّ نادرةً
تُضيءُ بالبسمةِ الغرَّاءِ فجْرَ غدي
فكيف بِعْنا بمرِّ العَيْشِ جَنَّتَنا
إلى النوى وارتضيناها يداً بِيَدِ؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> صوني عفافك
صوني عفافك
رقم القصيدة : 66649
-----------------------------------
يا مُنْيةَ العمْرِ عن درْبِ الهَوى ابتعدي
ولمْلمي ثَمَر الأوراقِ واجتهدي
وأسْرِجي العَزْمَ عنواناً لمكرُمةٍ
وإنْ تَجَهَّمَ وجهُ النَّهْرِ لا ترِدي
وقاومي قَسْوةَ الإعصار في دَعةٍ
فالصَّبْرُ حين أرومُ النَّصْرِ من عُددي
صوني عفافَكِ بالإيمانِ وانتقبي
تطْهُرْ شغافك من كَيْدٍ ومن كَمَدِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> أسيرة الشك
أسيرة الشك
رقم القصيدة : 66650
-----------------------------------
وقَفَتْ أمامي وقفةَ الرئبال(59/147)
وتطَلَّعَتْ عن يَمْنةٍ وشمالِ
وتساءلت والشكُّ ينْحَرُ قلْبًها
مالي أراكَ غَدَوْتَ عُودَ خِلالِ؟
تمْضي بكَ الساعاتُ مُثقلةَ الخُطا
ما بين آهاتٍ عَلَتْ وسُعالِ
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إنْ شَغُفْتَ بِغَيْرِنا
وأردْتَ تعْذيبي وقَتْلَ عيالي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> ألف سؤال
ألف سؤال
رقم القصيدة : 66651
-----------------------------------
فأجبتُ ذات العقْدِ والخَلْخالِ
مالي أراكِ غَدَوْتِ من عُذَّالي
لمْ يبْقِ لي شغفاً لأحلام الصِّبا
هذا المشيبُ بمَفْرقي وقَذالي
فعلامَ إنْ ألْقَيْتُ خلفي نظرةً
متحسراً تُلْقينَ ألفَ سُؤال؟
إنَّ التي أهْوى تُلَوِّنُ حاضري
حُباً وتَعْقِدُ في يَدي آمالي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> اجمل أنثى
اجمل أنثى
رقم القصيدة : 66652
-----------------------------------
دَمْعُ عينيك يَقْظَةٌ أمً سُكونُ
يتلهَّى بها الزمانُ الخؤون؟
سَفَحَتْ جَمْرَهُ مواكبُ حُزْنٍ
أجَّجَتْها لواعجٌ وشُجُنُ
أم دموعٌ عن الصَّبابات تروي
قصصَ الحبِّ سطَّرَتْها الجُفونُ؟
أنتِ في الفاتناتِ أجملُ أنثى
سَرَقتْ عُمرَها الجميلَ السِّنينُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> أنثى سجينة القلق
أنثى سجينة القلق
رقم القصيدة : 66653
-----------------------------------
صاحتِ العنقاءُ يا قومُ اركُضوا
واحملوا ضَيْعَتطُم وانطلقوا
أسكنوها ساحةً نائيةً
قبلَ أن يسْأل عنها الغَرق
ساحةٌ ما زارها القطْرُ وما
شَعَّ منها للأماني ألَقُ
إنها أنْثى تولى أمْرها
-بعد أن شاختْ قُواها- القلَق
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الصياد الخائب
الصياد الخائب
رقم القصيدة : 66654
-----------------------------------
من أينَ أقطفُ أحرفي؟
إنْ جئت أكتبُ عَنْكِ قِصَّهْ
من أين استسقي الهوى
والنبعانِ شجاً وغُصَّةْ؟
وأخافُ أن تذْوي القُوى
إن لمْ تجُدْ بالوصْلِ فُرصَهْ(59/148)
يا خيبةَ الصَّياَّدِ إنْ
فَقَدَ الشِّباكَ وباعَ شِصَّهْ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> لا رأس لا ذنبا
لا رأس لا ذنبا
رقم القصيدة : 66655
-----------------------------------
قالتْ: أراكَ شرودَ الفكْرِ مضطربا
هَلْ من حسْرةٍ في الحُبِّ أم نَصَبا
القومُ حولَكَ قد ألْقَوْا دِلاءَهُمُ
وأنتَ ما زِلْتَ في الأوهامِ مغتربا
دَعْ ما يقولونَ عضنَّا في مجالسهمْ
نوكاءَ تَسْقي بَنيها اللَّغْوَ والكذبا
واكتُبْ قصيدتكَ العصماءَ صاعقةً
لا رأس تتْرُكُهُ فيهمْ ولا ذنبا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> لا تسألي
لا تسألي
رقم القصيدة : 66656
-----------------------------------
عيثي كما شئتِ لا تأسَيْ على أحَدٍ
واستكتبي شاعرَ الحَمْقى أبا لَهَبِ
أعْطيتِ مالَ يتيم لا وَصيَّ لهُ
أنْفَقْتِهِ في نوادي الخَمْرِ واللَّعِبِ
لا تسألي عن شهاداتي ومنْ أبتي؟
وما تعلَّمْتُ عن أمي وما نَسَبي؟
أنا ابنُ حُرِّ يحاذي الشَّمسَ مَنْكِبُهُ
أنا ابنُ أنثى تُسَمَّى أمَّةَ العَرَبِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> ضمائر تُشترى
ضمائر تُشترى
رقم القصيدة : 66657
-----------------------------------
أعذارُ من جاءَ قبلي غيرُ صادقةٍ
قد لوَّثَتْها حماقاتٌ وأطماعُ
في كلِّ حرفٍ قذىً يُدمي مَحاجرنا
وغيمةٌ برقُها اللَّماعُ خَدَّاعُ
يا حلوتي إنْ دعاكِ الحُبُّ فاحْترسي
فالحُبُّ بَحْرٌ لهُ من مَوْجِهِ باعُ
هذا زمانٌ رَديءٌ في مَتاجرهِ
ضمائرٌ تُشْترى بَخْساً وتُبْتاع
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> بيتٌ ومصراع
بيتٌ ومصراع
رقم القصيدة : 66658
-----------------------------------
قالت تعَلَّمْتُ أنَّ الحبَّ مَسْبَعَةٌ
يفِرُّ منْ ذكْرِها قلبي ويرتاعُ
لها قناديلُ في الظلماءِ مُطْفَأةٌ
لها سماسرةٌ في البيد قُطَّاع
حَتَّى قصيدتها الشمطاءُ مُنْتِنَةٌ
تعافُها أعينٌ مِنَّا وأسْماعُ(59/149)
ماتتْ تفاعيلها واعتلَّ مَطْلَعُها
لمْ يَبْقَ بيتٌ بها حياً ومِصْراعُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> مهجة مضطهدة
مهجة مضطهدة
رقم القصيدة : 66659
-----------------------------------
يامن أحِبُّ يراعي غاضَ جدولُهُ
فأين أهرُبُ من صَيْفي وأبترد؟
وليسَ لي مَرْكِبٌ أغزو البحورَ به
وليس لي عُددٌ تُغني ولا عَدَدُ
وكيفَ أنْشِدُ للعُشَّاقِ أغنيةً
ومُهْجتي في سجونِ الوَجْدِ تُضطَهَدُ
يا ليتني لم أفَرِّطْ في تراث أبي
لما استهانَ به الأحفادُ والولَدُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> عناق الرمضاء
عناق الرمضاء
رقم القصيدة : 66660
-----------------------------------
قالت غداً نَطْوي فُصول رواية الموتِ الأخيرْ
وسنَرْفَعُ الأعلامَ تُعْلِنُ مولدَ النَّصرِ الكبير
والأرضُ من أفراحنا تخْتالُ في أثوابها
وتُقيمُ عُرْساً في الحِمى يُهْدي السعادة والحُبور
فأجبتها يازوجتي لا تفْرحي وتجَلَّدي
سَنَشُدُّ أمتعةَ الرحيلِ غداً ونَبْتدئُ المسير
ونعانِقُ الرَّمضاءَ والظلماء في طلَبِ العُلى
ونجَدِّدُ البحثَ السخيَّ عن الكرامةِ والضمير
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> يا وطني
يا وطني
رقم القصيدة : 66661
-----------------------------------
الناسُ حُسَّادُ المكانَ العالي
يرمونه بدسائسِ الأعمالِ
ولأنْتَ يا وطني العظيم منارةٌ
في راحتيْكَ حضارةُ الأجيالِ
لا ينْتمي لَكَ من يَخونُ ولاءَُ
إنَّ الولاءَ شهادةُ الأبطالِ
يا قِبْلةَ التاريخِ يا بلَدَ الهُدى
أقسمتُ أنَّك مضرَبُ الأمثال
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> العقوق
العقوق
رقم القصيدة : 66662
-----------------------------------
قالت أتُنْكِرُ في شَيْخوخَتي حَدَبي
عليكَ في زمنِ الإعسارِ والنَّصَب؟
رضَعْتَ ماءَ حياتي هانئاً فَرِحاً
وما سقيتُكَ غَيْرَ العِلْمِ والأدَبِ
فكيفَ تأنَفُ كِبْراً عن مُقابلتي(59/150)
إذْ صرْتَ في النَّاسِ ذا مالِ وذا نشَبِ
أبيتُ أقْرَعُ بابَ العَطْفِ شاكيةً
أُزْجي إليكَ رجاءاتي ولمْ تُجِبِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> مسكن اليائسين
مسكن اليائسين
رقم القصيدة : 66663
-----------------------------------
أوصَدوا البابَ وقالوا علَّنا
نتَّقي زَحْفَ الأعادي من هُنا
صَرَخاتُ الخوْف في أحْشائهمْ
جَعَلتْ لليَأسِ منْهمْ مَسْكَنا
كَذِبٌ لمْ يبلغوا مأمنَهم
ليْسَ بالأحلامِ تُصْطادُ المنى
أتُراهمْ جَهلوا أنَّ لَنا
فوقَ هاماتِ المَنايا مَوْطِنا؟
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> اللصوص
اللصوص
رقم القصيدة : 66664
-----------------------------------
حجبوا الأضواءَ عَنَّا حَسَدا
وأقاموها عَلَيْنا رَصَدا
سَرَقوا اللُّقْمةَ من أفْواهنا
كيْ نعيشَ العُمْرَ جوعاً وصَدى
حَمَلوا الرِّجْسَ على أكتافهم
وحَمَلْنا في المُلِمَّاتِ النَّدى
وكتبنا في سجلات المدى
أنَّنا في ساحةِ الحَرْبِ الرَّدى
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الفجر خصيمي
الفجر خصيمي
رقم القصيدة : 66665
-----------------------------------
رَضَعْنا الهوى صِرْفاً فطابتْ نفوسُنا
وأيْنَعَ في أحداقنا الحُبُّ والشِّعْرُ
تراقَصُ نشوى بالأماني شفاهنا
ويجْمَعنا روضٌ ضَحوكُ الندى بكرُ
وإنْ أسْعَفَتْ بالوصْلِ في العُمْرِ لحظةٌ
تَمُدُّ ذراعيها البشاشةُ والبِشْرُ
وليسَ خصيمي الليلَ في الحُبِّ إنّما
إذا زار عيْني الكَرَى أذَّنَ الفجْرُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> معايير النساء
معايير النساء
رقم القصيدة : 66666
-----------------------------------
قالتْ أراكَ وما أذْنَبْتُ تَهجوني
وفي النساء كثيرٌ هُنَّ مِنْ دوني
وصَفْتَني بِسِماتٍ أيقظَتْ عَتَبي
وما نظرتَ إلى وَرْدي ونِسْريني
فقلتُ لا وجهَ لي في الحُبِّ يَشْفَعُ لي
ولا دنانيرَ في جيْبي تُزَكِّيني
وللنساءِ معاييرٌ يَقسْنَ بها(59/151)
حُبُّ الرِّجالِ بلا عَقْلٍ ولا دينِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> لستُ سمساراً
لستُ سمساراً
رقم القصيدة : 66667
-----------------------------------
يا فجْرَ أيَّامي وسحرَ لياليهْ
أهواكِ غاضِبةً عليَّ وراضيهْ
أسعى بأعذاري وإنْ لَمْ أقْتَرفْ
ذَنْباً أقُصُّ عليكِ عِلَّة ما بيه
أنا لستُ سمساراً بأرْصِفَة الهَوى
منْ كلِّ دَنٍّ أحتسيه وآنيه
أنا روضُ أحلامِ الصِّبا مُتَفَتِّحاً
أنا لا أحِبُّ من الثِّيابِ العاريه
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الحديث عن الوطر
الحديث عن الوطر
رقم القصيدة : 66668
-----------------------------------
قالت: وعُودُكَ كالسَّحابِ بلا مطَرْ
أو كالصحاري لا مياهَ ولا شَجَر
كم بِتَّ تُسْقيني الغَرامَ صبابةً
مما تجودُ به حكاياتُ السَّمر
وتطايرَتْ من راحتي بيضُ المُنى
لَمْ تُبْقِ لي إلا النَّدامةَ والضَّجَر
قلتُ اصبري فالصبرُ يمْنَحُ أهْلَهُ
مهْما يَطُلْ حُلْوَ الحديثِ عنِ الوَطَر
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الدمعة المشتعلة
الدمعة المشتعلة
رقم القصيدة : 66669
-----------------------------------
قالت أرى دمعةً في عَيْنِكَ اشتعلتْ
فقلتُ بل جَمْرَةٌ من قَلْبي ارتحلتْ
دفَنْتُها زَمَناً كيلا أبوحَ بما
لقيتُ من فتنِ الدنيا وقَدْ هَزُلَتْ
تَوَسَّدَتْ أضلُعي واسْتَمْرأتْ كَبدي
وما ارْعَوَتْ من خطاياها وما وَجِلتْ
يا ليتني قَبْلَ أنْ أشْقى بصُحْبَتِها
قَضَيْتُ نَحْبي ولَمْ أحْفِلْ بما عَمِلَتْ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> مهد سكينتي
مهد سكينتي
رقم القصيدة : 66670
-----------------------------------
قالت أتَهْزأ بي وتَقْتُلُ فرحتي
وتُثيرُ أشْجاني وتَبْعَثُ شقْوَتي؟
وتَجيئُ تحمِلُ في يَدَيْكَ قصيدةً
وتقولُ بالصوتِ الرَّخيمِ حبيبتي
ما أقبحَ الإطراءَ حين تزُفُّهُ
شَفَتاكَ ناراً تسْتَقِرُّ بمهجتي(59/152)
فأجبْتُ مذ أحْبَبْتُ نهجَك في الهَوى
وظِلالُهُ وَطَني ومَهْدُ سَكِنتي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> حوار
حوار
رقم القصيدة : 66671
-----------------------------------
يا مُنْيتي أنْسَيْتِني ظُلْمَ الوَرى
ومَحَوْتِ من عُمْري الليالي المُجْدباتِ
أبصرتُ في عَيْنَيْكِ واحةَ فتْنةٍ
فسكنتُها ونمَتْ هناكَ تطلُّعاتي
ألْقَيْتُ مِرساتي ببَحْركِ آمنا
وكتَبتُ تاريخي الجميلَ ومُنْجَزاتي
لا صوتَ يسبَحُ غيرُ صوتك في دَمي
يرْوي غليلي في الرَّواحِ وفي الغداةِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> جار لا خير فيه
جار لا خير فيه
رقم القصيدة : 66672
-----------------------------------
وجارٍ في حُقوقِ الحَيِّ جارا
شكا من التَطَفُّلُ واسْتجارا
يُقِصُّ مضاجعي ليلاً ويُدْمي
مشاعرَ أسْرَتي كَمَداً نهارا
تَفُوحُ ثيابُ ملبسه غُروراً
وينضَحُ وجهُهُ حِقْداً وعارا
يهيمُ بكلِّ مُعْتَلِّ السجايا
ويصطَحِبُ الدَّناءةَ أيْنَ سارا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الفصول
الفصول
رقم القصيدة : 66673
-----------------------------------
(1)
يا روضةً سَرَقَ الربيعُ
جمالها سَحَراً وراحْ
وسَعى إليها الصَّيفُ
يَعْصِفُ بالمِراضِ وبالصِّحاحْ
لا تَحْزَني إنْ أنْشَبَتْ
أظفارَها فيكِ الجِراحْ
وتجَلَّدي فالقومَ تَمْتَدحُ
السُّرى عِنْدَ الصَّباح
**
(2)
إن قيل: إنَّكِ قد طَرَقْتِ
الوَهْنَ قولي لا جُناحْ
فالمرءُ يركُضُ لاهثاً
بينَ الخسارةِ والرَّباحْ
لم يبْقَ مذ حَلَّ الخريفُ
لنا سُلُوٌّ وانشِراحْ
وأتى الشِّتاءُ مُزَمْجِراً
قَطَع العُرى ورَمى القِداح
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> اللسان المترجم
اللسان المترجم
رقم القصيدة : 66674
-----------------------------------
أفَجْرٌ تلألأ حلوُ السَّنى؟
على قدميْكِ يَهُزُّ الشُّعورْ
أمِ الموجُ أصبَحَ في عصْرِنا
لساناً يُتَرْجِمُ عِشْقَ البُحور(59/153)
يقولونَ عنْكِ ولَمْ يُنْصِفوكِ
ولَمْ يَعْرِفوا عَنْكِ إلا القُشور
فأنتِ الجَميلةُ أنْتِ التي
وَعَتْها القُلوبُ التي في الصُدور
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> شلال نور
شلال نور
رقم القصيدة : 66675
-----------------------------------
ألَمْ يسكُبِ الرَّوْضُ أحلامَهُ
ويَهْدي إليكِ رحيقَ الزُّهُور
وتَشْدو الغُصون لُحونَ الهَوى
تُناجي الحَمامَ وتُشْجي الطُّيور
وأنتِ تَطوفينَ من حَوْله
تَمُدِّينَ أنْفاسَهُ بالعُطور
وتُلقينَ في راحَتيْهِ الضُّحى
وإنَّ أظْلَمَ اللَّيْلُ شَلال نُور
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> لِمَ أعْرَضَتْ عنكَ؟
لِمَ أعْرَضَتْ عنكَ؟
رقم القصيدة : 66676
-----------------------------------
أعْرَضَتْ عَنْكَ حين أقْبلتَ تَسْعى
لَمْ تَجدْ مَشْرَباً لَدَيكَ ومَرْعى
أغْلَقَتْ دونَكَ النَّوافذَ كَيْلا
تَتْرُكَ القَلْبَ والشرايينَ صَرْعَى
أنتَ أسرَفْتَ في المَلاحةِ حتَّى
ضاق بالموْجِ عاشقُ البَحْر ذَرْعا
مَنْ تَنَمْ راحتاهُ عَزْماً وبّذْلاً
خابَ في دَوْحَةِ البُطولاتِ فَرْعا
**
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> السلم في عرفهم
السلم في عرفهم
رقم القصيدة : 66677
-----------------------------------
قالت رأيتُ الأمس حولَ حقولنا متسللا
هَلاَّ رعَى حُرُماتِنا خُلُقاً وحَقَّ جِوارِنا
لِمَ تستبيحُ طيورُهُ آفاقَنا وقِبابَنا؟
ويثورُ من حَنَقٍ إذا دوَّى نشيدُ صِغارنا
قلتُ السَّلامُ العالميُّ بخيله ورجاله
يغزو ضمائرنا ويُحْرِقُ مُصْطَفى أفكارنا
السِّلمُ أصبحَ في سجلاتِ القُوى أنْ نَنْحَني
ونُقَبِّلَ الأقدامَ تهنئةً بِغَزْوِ ديارِنا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> السلم في عرفهم
السلم في عرفهم
رقم القصيدة : 66678
-----------------------------------
قالت رأيتُ الأمس حولَ حقولنا متسللا
هَلاَّ رعَى حُرُماتِنا خُلُقاً وحَقَّ جِوارِنا(59/154)
لِمَ تستبيحُ طيورُهُ آفاقَنا وقِبابَنا؟
ويثورُ من حَنَقٍ إذا دوَّى نشيدُ صِغارنا
قلتُ السَّلامُ العالميُّ بخيله ورجاله
يغزو ضمائرنا ويُحْرِقُ مُصْطَفى أفكارنا
السِّلمُ أصبحَ في سجلاتِ القُوى أنْ نَنْحَني
ونُقَبِّلَ الأقدامَ تهنئةً بِغَزْوِ ديارِنا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> سحر البيان
سحر البيان
رقم القصيدة : 66679
-----------------------------------
تَخَيَّركِ الفؤادُ من الحسان
وليداً لَم يذُقْ لَبَنَ الحَنانِ
رماهُ الحبُّ بينَ صَدىً وصَدٍّ
تُجَرِّعُهُ الدقائقُ والثواني
على شفتيهِ أحرفُهُ اليَتامى
مُقَرَّحةُ المخارجِ والمعاني
فإنْ أنْصَفتِهِ مما يعاني
وهَبْتِ شَغَافَهُ سِحْرَ البيانِ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الحبُّ للقلب
الحبُّ للقلب
رقم القصيدة : 66680
-----------------------------------
قالت لقد شاخَ منك العقلُ والجَسَدُ
وغابَ عن عزمِكَ الإصرارُ والجَلَدُ
واعتلَّ قلبُكَ إذْ جَفَّ الغرامُ به
فلا مُنىً حَلوةٌ يشدو بها ودَدُ
الحبُّ للقلبِ نورٌ يستضيء به
والقلبُ بالحبِّ طيرٌ هائمٌ غَرِدُ
والحبُّ أغنيةٌ في الأرْضِ حائرةٌ
ما صانَ عِفَّتَها في عصرِنا أحَدُ
**
(2)
قالتْ أرى الحُزْنَ في عينيكَ يتَّقدُ
فقلتُ ذلكَ عنوانٌ لِما أجدُ
فالناسُ حولي إمَّا غاصبٌ أشِرٌ
أو عاجزٌ في سجونِ الذلِّ مُضْطَهِدُ
الحبُّ جَرَّعَني كأساته كَمَداً
فَهَلْ يَلذُّ غرامٌ كأسُهُ كَمَدُ
وكيف أعشَقُ من تَسْعى لتَقْتُلَني
وما لمقتولِها في عُرْفِها قَوَدُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الحبُّ للقلب
الحبُّ للقلب
رقم القصيدة : 66681
-----------------------------------
قالت لقد شاخَ منك العقلُ والجَسَدُ
وغابَ عن عزمِكَ الإصرارُ والجَلَدُ
واعتلَّ قلبُكَ إذْ جَفَّ الغرامُ به
فلا مُنىً حَلوةٌ يشدو بها ودَدُ
الحبُّ للقلبِ نورٌ يستضيء به(59/155)
والقلبُ بالحبِّ طيرٌ هائمٌ غَرِدُ
والحبُّ أغنيةٌ في الأرْضِ حائرةٌ
ما صانَ عِفَّتَها في عصرِنا أحَدُ
**
(2)
قالتْ أرى الحُزْنَ في عينيكَ يتَّقدُ
فقلتُ ذلكَ عنوانٌ لِما أجدُ
فالناسُ حولي إمَّا غاصبٌ أشِرٌ
أو عاجزٌ في سجونِ الذلِّ مُضْطَهِدُ
الحبُّ جَرَّعَني كأساته كَمَداً
فَهَلْ يَلذُّ غرامٌ كأسُهُ كَمَدُ
وكيف أعشَقُ من تَسْعى لتَقْتُلَني
وما لمقتولِها في عُرْفِها قَوَدُ
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> ذكرى بدر
ذكرى بدر
رقم القصيدة : 66682
-----------------------------------
رمضانُ أرجعْ لنا بدْراً تَموجُ سَناً
تختالُ أقمارُها في أفقنا غُرَرَا
مرَّتْ سنينٌ ولم تَخْفقْ بيارقُها
نُوراً تهيمُ به سوحٌ لنا وذُرا
إنَّا حَمَلنا حنايانا لها صُحُفاً
حَتَّى نصونَ بها آثارَها الدرَرَا
كفى بنا سفَهاً أن نرْتَضي قَبَساً
يظَلُّ تحت رمَادِ الوَهْمِ منتظرا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> ميراث السلام
ميراث السلام
رقم القصيدة : 66683
-----------------------------------
يا عيدُ ما للقومِ من أثوابهم
ربحُ الحضارة بالعقوقِ تفوحُ؟
هذا يبيعُ ضميرهُ بدراهمٍ
سَفَهاً وذلك بالعطاء شحيحُ
يا عيدُ عُدْتَ ولم تزلْ أحلامُنا
مَرْضى وميراثُ السَّلامِ ذبيحُ
لَمْ يبقَ في أحداقنا عن أمْسنا
إلا صديدٌ أوْ دَمٌ مسفوح
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الحفيُّ بمن أعادي
الحفيُّ بمن أعادي
رقم القصيدة : 66684
-----------------------------------
قالتْ أخاكَ أخاكَ قلتُ لها أخي
ما عدتُ مُصْرِخَهُ وليس بمصرخي
إن جئتُه يَزْوَرُّ ثاني عطفهِ
وهو الحفي بمن أعادي والسَّخي
ويضنُّ في صَلَفٍ عليَّ بمالِهِ
ويُريقُه في راحةِ المتفسِّخِ
هذا زمانٌ أفلسَتْ أيامُهُ
فتَحَدَّثي ما شِئْتِ عنها وانسخي
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> وجه جارتنا
وجه جارتنا
رقم القصيدة : 66685(59/156)
-----------------------------------
كشفتْ جارتُنا عن وجهها
فقرأنا فيه تاريخَ الحروبْ
جبهةٌ تصرخ فيها لوحةٌ
أنَّها أمُّ الخطايا والذنوب
وفم ينتحرُ النُّورُ بهِ
ينفثُ الأضغان ما بين القلوب
أبصرتْ أطفالنا صورتَها
فتنادَوْا بئسما الوجهُ الغضوب
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> عين الحمى
عين الحمى
رقم القصيدة : 66686
-----------------------------------
شيَّدَ الموغلون في الشرِّ وكْراً
فتداعى بهم فبانوا وبانا
فئةٌ أفلستْ وضاعتْ سلوكاً
ومضتْ تلعقُ السقوطَ هوانا
حسبتْ أنَّها ستصبحُ شيئاً
وسيُرخي لها الزَّمانُ العنانا
كشفتْ سرَّها المقيتَ قلوبٌ
كنَّ عينَ الحِمى وكنَّ لسنا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> موسم البشرى
موسم البشرى
رقم القصيدة : 66687
-----------------------------------
ياربُّ هذا موسمُ البُشرى بهِ
تصفو القلوبُ وتطْهُرُ الابدانُ
تزكو بهِ الصلواتُ في جُنحِ الدُّجى
ولنورِ وجهِكَ تخشعُ الأكوانُ
زادي الدعاءُ وفي الرجاء سفينتي
وإذا ضللتُ فمرشدي رمضانُ
في ظلِّه تغفو وتهدأُ أنفسُ
مبرورةٌ صدقاتها وحِسان
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> ليلة الأمس
ليلة الأمس
رقم القصيدة : 66688
-----------------------------------
ليلةُ الأمسِ جدَّدتْ صَفو عمري
لوَّنتْ بالصباحِ بسمةَ ثغري
حملتْني على بساطٍ أنيقٍ
لرياضٍ بورْدها البضِّ تغري
أطربتْني بصوتِها وسقتني
كأسَ حبٍّ من الصبابةِ عذري
جئتُ أروي لها فصولَ غرامي
فروتْ بالفتونِ لهفةَ صدري
**
(2)
ليلة الأمسِ أيقظتْ ذكرياتي
أشعلتْ في دمي مواقدَ جَمْرِ
واستباحت مشاعري واطمأنت
ليتني لم أبُحْ بميلاد فجري
حينَ أوصدتُ دونَها بابَ قلبي
كشفتْ سرَّها العميقَ وسرِّي
سكبتْ أعيني الدموعَ حَيارى
عجباً كيف ضاقَ بالصمتِ صبري
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> بلادي
بلادي
رقم القصيدة : 66689(59/157)
-----------------------------------
يا من يُغَنِّي لها موجُ الهوى طَربا
ويرتدي شاطئاها فتنةً وسِبا
تسري نسائِمُكِ الأبكارُ ناديةً
تروي مشاعرنا من سحرِها أدبا
يا جُدَّتي أنتِ للتاريخِ ملهمةٌ
أشْعلتِ وجدانَنا بالشوقِ فالتهبا
فأنتِ أنشودةٌ تاهَ الزمانُ بها
وأنتِ أبلغُ مما قيل أو كُتبا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> الفرار
الفرار
رقم القصيدة : 66690
-----------------------------------
لِمَ أطْلَقْتَ للظلامِ العنانا
فجهلْنا دروبنا وخُطانا
الضياءُ الذي تألَّقَ عُمْراً
شيّدتْ برجهُ العظيمَ يدانا
كان ينبوعُ أمْسنا عربياً
سلسلاً يأسر المدى والزمانا
لو تحدَّى الظلامُ فجرَ جدودي
لامتطى صَهْوةَ الفرارِ جبانا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> حطب الحرب
حطب الحرب
رقم القصيدة : 66691
-----------------------------------
عيثي كما شِئتِ لا لن تبلغي الأرَبا
وجنِّدي الزيفَ والعدوانَ والرِّيبا
من حولنا خندقٌ كالشمسِ متَّقدٌ
يمورُ، نُطعِمُهُ البهتانَ والكذبا
ماضيكِ لم يبْقَ من تاريخه أثَرٌ
فما انتفاعُك من ماضٍ إذا غَرَبا
لا تُشعلي الحربَ حُمْقاً أو مراوغةً
فأنتِ أوَّل من يغدو لها حطبا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> سيماء الحضارة
سيماء الحضارة
رقم القصيدة : 66692
-----------------------------------
لا تسأليني جيئة وذهابا
من كان يُغلقُ دونَكِ الأبوابا؟
لا تسأليني أينَ إرثكِ من أبي؟
بل أين إرثي صارماً وكتابا؟
أنا في سجون الوهْمِ مثلك موثَقٌ
أهْرَقْتُ عُمري حسرةً وعذابا
الكذبُ سيماءُ الحضارة فاحذري
يا أمُّ إن عَذُبَ الحديثُ وطابا
شعراء الجزيرة العربية >> أحمد سالم باعطب >> شقيق روحي
شقيق روحي
رقم القصيدة : 66693
-----------------------------------
أتطمعُ أن تمزِّقني الحروبُ
وأن يغتال أفراحي الغروبُ
وأن تُلْقي بي الأيامُ شِلْواً
تناوشهُ الكوارثُ والكروبُ؟(59/158)
أتتركني وأنتَ شقيقُ روحي
تقاذفُني الفدافدُ والدروبُ؟
أجِبْني كيفَ خانتني الليالي؟
وكيف تجهَّمَ الوجهُ الطَّروبُ؟
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> و يبقى الحب
و يبقى الحب
رقم القصيدة : 66694
-----------------------------------
أترى أجبت على الحقائب عندما سألت:
لماذا ترحلين؟
أوراقك الحيرى تذوب من الحنين
لو كنت قد فتشت فيها لحظة
لوجدت قلبي تائه النبضات في درب السنين..
و أخذت أيامي و عطر العمر.. كيف تسافرين؟
المقعد الخالي يعاتبنا على هذا الجحود..
ما زال صوت بكائه في القلب
حين ترنح المسكين يسألني ترانا.. هل نعود!
في درجك الحيران نامت بالهموم.. قصائدي
كانت تئن وحيدة مثل الخيال الشارد
لم تهجرين قصائدي؟!
قد علمتني أننا بالحب نبني كل شيء.. خالد
قد علمتني أن حبك كان مكتوبا كساعة مولدي..
فجعلت حبك عمر أمسى حلم يومي.. وغدي
إني عبدتك في رحاب قصائدي
و الآن جئت تحطمين.. معابدي؟!
وزجاجة العطر التي قد حطمتها.. راحتاك
كم كانت تحدق في اشتياق كلما كانت.. تراك
كم عانقت أنفاسك الحيرى فأسكرها.. شذاك
كم مزقتها دمعة.. نامت عليها.. مقلتاك
واليوم يغتال التراب دماءها
و يموت عطر كان كل مناك!!
* * *
والحجرة الصغرى.. لماذا أنكرت يوما خطانا
شربت كؤوس الحب منا وارتوى فيها.. صبانا
والآن تحترق الأماني في رباها..
الحجرة الصغرى يعذبني.. بكاها
في الليل تسأل مالذي صنعت بنا يوما
لتبلغ.. منتهاها؟
* * *
الراحلون على السفينة يجمعون ظلالهم
فيتوه كل الناس في نظراتي..
و البحر يبكي كلما عبرت بنا
نسمات شوق حائر الزفرات
يا نورس الشط البعيد أحبتي
تركوا حياة.. لم تكن كحياتي
سلكوا طريق الهجر بين جوانحي
حفروا الطريق.. على مشارف ذاتي
* * *
يا قلبها..
يا من عرفت الحب يوما عندها
يا من حملت الشوق نبضا
في حنايا.. صدرها
إني سكنتك ذات يوم
كنت بيتي.. كان قلبي بيتها
كل الذي في البيت أنكرني
و صار العمر كهفا.. بعدها(59/159)
لو كنت أعرف كيف أنسى حبها؟
لو كنت أعرف كيف أطفئ نارها..
قلبي يحدثني يقول بأنها
يوما.. سترجع بيتها؟!
أترى سترجع بيتها؟
ماذا أقول.. لعلني.. و لعلها
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ويموت فينا الإنسان
ويموت فينا الإنسان
رقم القصيدة : 66695
-----------------------------------
وتركت رأسي فوق صدرك
ثم تاه العمر مني.. في الزحام
فرجعت كالطفل الصغير..
يكابد الآلام في زمن الفطام
و الليل يفلح بالصقيع رؤوسنا
ويبعثر الكلمات منا.. في الظلام
و تلعثمت شفتاك يا أمي.. وخاصمها.. الكلام
ورأيت صوتك يدخل الأعماق يسري.. في شجن
والدمع يجرح مقلتيك على بقايا.. من زمن
قد كان آخر ما سمعت مع الوداع:
الله يا ولدي يبارك خطوتك
الله يا ولدي معك
* * *
وتعانقت أصواتنا بين الدموع
والشمس تجمع في المغيب ضياءها بين الربوع..
والناس حولي يسألون جراحهم
فمتى يكون لنا اللقاء؟
وتردد الأنفاس شيئا من دعاء
ونداء صوتك بين الأعماق يهز الأرض.. يصعد للسماء:
الله يا ولدي معك..
ومضيت يا أمي غريبا في الحياة
كم ظل يجذبني الحنين إليك في وقت الصلاة..
كنا نصليها معا
* * *
أماه..
قد كان أول ما عرفت من الحياة
أن أمنح الناس السلام
لكنني أصبحت يا أمي هنا
وحدي غريبا.. في الزحام..
لا شيء يعرفني ككل الناس يقتلنا الظلام
فالناس لا تدري هنا معنى السلام
يمشون في صمت كأن الأرض ضاقت بالبشر..
والدرب يا أمي.. مليء بالحفر..
وكبرت يا أمي.. وعانقت المنى
وعرفت بعد كل ألوان الهوى..
وتحطمت نبضات قلبي ذات يوم عندما مات الهوى..
ورأيت أن الحب يقتل بعضه
فنظل نعشق.. ثم نحزن.. ثم ننسى ما مضى
و نعود نعشق مثلما كنا ليسحقنا.. الجوى
لكن حبك ظل في قلبي كيانا.. لا يرى
قد ظل في الأعماق يسري في دمي
وأحس نبض عروقه في أعظمي
أماه..
ما عدت أدري كيف ضاع الدرب مني
ما أثقل الأحزان في عمري و ما أشقى التمني..
فالحب يا أمي هنا كأس.. وغانية.. وقصر(59/160)
الحب يا أمي هنا حفل.. وراقصة.. ومهر
من يا ترى في الدرب يدرك
أن في الحب العطاء
الحب أن تجد الطيور الدفء في حضن.. المساء
الحب أن تحد النجوم الأمن في قلب السماء
الحب أن نحيا و نعشق ما نشاء..
* * *
أماه.. يا أماه
ما أحوج القلب الحزين لدعوة
كم كانت الدعوات تمنحني الأمان
قد صرت يا أمي هنا
رجلا كبيرا ذا مكان
وعرفت يا أمي كبار القوم والسلطان..
لكنني.. ما عدت أشعر أنني إنسان!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> الشاطئ الخالي
الشاطئ الخالي
رقم القصيدة : 66696
-----------------------------------
ورجعت في نفس المكان
وأخذت أرتقب الرياح تهزني
والشاطئ الخالي يضيق من الدخان
وتخيلت عيناي يوم لقاءنا
قد كان في هذا المكان
قد مر عام منذ كان لقاؤنا أو ربما عامان
إني نسيت العمر بعدك والزمان
كل الذي ما زلت أذكره لقاء حائر
وأصابع نامت عليها مهجتان
و لقاء أنفاس لعل رحيقها
ما زال يسري حائرا بين.. الرمال
والموج يسمع بعض ما نحكي و يمضي.. في دلال
كم كنت ألقي بين شعرك مهجتي
فيغيب مني العمر في هذي الظلال
والشمس يحضنها السحاب.. مودعا
لكن.. على أمل جديد باللقاء
فغدا تعود الشمس تلقي رأسها فوق السماء
لكننا يوما تعانقنا وسرنا في الظلام
والصمت ينطق في عيونك.. بالكلام
ثم افترقنا عندما اقترب المساء
وعلى جبين الليل نام الضوء وافترش السماء
ومضيت يا عمري. وقلت إلى اللقاء
* * *
ورجعت في نفس المكان
وأخذت أسأل كل يوم عنك موج البحر.. أنفاس الرمال.
أحلام أيامي ترنح طيفها
وهوت على صخر المحال..
الشاطئ الخالي تسائل في خجل
أتراك تبحث عن رفيق العمر عن طيف الأمل..
يا عاشقا عصفت به ريح الشجن
وتبعثرت أيامه الحيرى وتاهت في الزمن
لو كنت أسرعت الخطى
لوجدت من تهوى.. وفي نفس المكان..
عادت ولكن بعدما أضحى لغيرك عمرها
وهناك فوق الصخرة الزرقاء جاءت..
كي تداعب طفلها..!
غدا.. نحب
جاء الرحيل حبيبتي جاء الرحيل..
لا تنظري للشمس في أحزانها(59/161)
فغدا سيضحك ضوءها بين النخيل
ولتذكريني كل يوم عندما
يشتاق قلبك للأصيل
وستشرق الأزهار رغم دموعها
وتعود ترقص مثلما كانت على الغصن الجميل
* * *
ولتذكريني كل عام كلما
همس الربيع بشوقه نحو الزهر
أو كلما جاء المساء معذبها
كي يسكب الأحزان في ضوء القمر
عودي إلى الذكرى وكانت روضة
نثر الزمان على لياليها الزهر؟
إن كانت الشمس الحزينة قد توارى دفؤها
فغدا يعود الدفء يملأ بيتنا
والزهر سوف يعود يرقص حولنا
لا تدعي أن الهوى سيموت حزنا.. بعدنا
فالحب جاء مع الوجود وعاش عمرا.. قبلنا
وغدا نحب كما بدأنا من سنين.. حبنا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وعادت حبيبتي
وعادت حبيبتي
رقم القصيدة : 66697
-----------------------------------
يا ليل لا تعتب علي إذا رحلت مع النهار
فالنورس الحيران عاد لأرضه.. ما عاد يهفو للبحار
وأنامل الأيام يحنو نبضها
حتى دموع الأمس من فرحي.. تغار
وفمي تعانقه ابتسامات هجرن العمر حتى إنني
ما كنت أحسبها.. تحن إلى المزار
فالضوء لاح على ظلال العمر فانبثق النهار
* * *
يا ليل لا تعتب علي
فلقد نزفت رحيق عمري في يديك
وشعرت بالألم العميق يهزني في راحتيك
وشعرت أني طالما ألقيت أحزاني عليك
الآن أرحل عنك في أمل.. جديد
كم عاشت الآمال ترقص في خيالي.. من بعيد
و قضيت عمري كالصغير
يشتاق عيدا.. أي عيد
حتى رأيت القلب ينبض من جديد
لو كنت تعلم أنها مثل النهار
يوما ستلقاها معي..
سترى بأني لم أخنك و إنما
قلبي يحن.. إلى النهار
* * *
يا ليل لا تعتب علي..
قد كنت تعرف كم تعذبني خيالاتي
وتضحك.. في غباء
كم قلت لي إن الخيال جريمة الشعراء
و ظننت يوما أننا سنظل دوما.. أصدقاء
أنا زهرة عبث التراب بعطرها
ورحيق عمري تاه مثلك في الفضاء
يا ليل لا تعتب علي
أتراك تعرف لوعة الأشواق؟
و تنهد الليل الحزين و قال في ألم:
أنا يا صديقي أول العشاق
فلقد منحت الشمس عمري كله
وغرست حب الشمس في أعماقي
الشمس خانتني وراحت للقمر(59/162)
و رأيتها يوما تحدق في الغروب إليه تحلم بالسهر
قالت: عشت البدر لا تعتب
على من خان يوما أو هجر
فالحب معجزة القدر
لا ندري كيف يجئ.. أو يمضي كحلم.. منتظر
فتركتها و جعلت عمري واحة
يرتاح فيها الحائرون من البشر
العمر يوم ثم نرحل بعده
ونظل يرهقنا المسير
دعني أعيش ولو ليوم واحد
وأحب كالطفل.. الصغير
دعني أحس بأن عمري
مثل كل الناس يمضي.. كالغدير
دعني أحدق في عيون الفجر
يحملني.. إلى صبح منير
فلقد سئمت الحزن و الألم المرير
* * *
الآن لا تغضب إذا جاء الرحيل
و أترك رفاقك يعشقون الضوء في ظل النخيل
دع أغنيات الحب تملأ كل بيت
في ربى الأمل الظليل
لو كان قلبك مثل قلبي في الهوى
ما كان بعد الشمس عنك و زهدها
يغتال حبك.. للأصيل
* * *
يا ليل إن عاد الصحاب ليسألوا عني.. هنا
قل للصحاب بأنني
أصبحت أدرك.. من أنا
أنا لحظة سأعيشها
و أحس فيها من أنا؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> بقايا..
بقايا..
رقم القصيدة : 66698
-----------------------------------
الخبز.. والأطفال والضيف الثقيل..
وظلام أيام يموت ضياؤها بين النخيل..
وجوانب الطرقات ينزف جرحها
وتسيل فوق ضلوعها سحب الدماء
والجائعون على الطريق يصارعون الموت في زمن الشقاء
فالحب مات على الطريق
كما يموت.. الأشقياء
وعلى رغيف الخبز مات الحب.. وانتحر الوفاء
فالناس تبحث عن بقايا حجرة
عن ضوء صبح.. عن دواء
عن بسمة تاهت مع الأحزان و الشكوى
كأحلام المساء
آه من الدمع الذي ما عاد يمنعه.. نداء الكبرياء
ما زلت أبكي في مدينتنا وذبت من البكاء
لكنني ما زلت أنتظر الضياء
* * *
الناس صاروا في مدينتنا يبيعون الهوى..
مثل الجرائد.. و البخور
فالحب في أيامنا
أن يقتل الإنسان في الأرض الزهور
كم من زهور قد قتلناها
لتمنحنا بقايا.. من عطور
الحب أصبح لحظة
نغتال فيها روعة الإحساس فينا و الشعور..
* * *
الحب صار مقيدا بين السلاسل والحفر
قد صار مثل الناس يدميها(59/163)
رغيف العيش.. أو هم العمر
وغدت قلوب الناس شيئا.. كالحجر..
الليل فيها راسخ الأقدام فانتحر القمر..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> زمن الذئاب
زمن الذئاب
رقم القصيدة : 66699
-----------------------------------
وبعثت تعتب يا أبي..!
وغضبت مني بعدما
تاهت خطاي.. عن الحسين
أنا يا أبي في الدرب مصلوب اليدين
وزوابع الأيام تحملني و لا أدري.. لأين
والناس تعبر فوق أشلائي
ودمعي.. بين.. بين
وبعثت تعتب يا أبي
لم لا تجئ لكي ترى
كيف الضمير يموت في قلب الرجل؟
كيف الأمان يضيع أو يفنى الأمل؟
لم لا تجئ لكي ترى
أن الطريق يضيق حزنا بالبشر؟
أن الظلام اليوم يغتال القمر؟
أن الربيع يجئ.. من غير الزهر؟
لم لا تجئ لكي ترى..
الأرض تأكل زرعها؟
و الأم تقتل طفلها؟
أترى تصدق يا أبي
أن السماء الآن.. تذبح بدرها؟!
و الأرض يا أبتاه تأكل.. نفسها..
* * *
وغضبت يا أبتاه مني بعدما
تاهت خطاي عن الحسين..
أتراه عاش زماننا
أتراه ذاق.. كؤوسنا؟
هل كان في أيامه دجل.. و إذلال.. وقهر؟
هل كان في أيامه دنس يضيق.. بكل طهر؟
فبيتنا صارت مقابر للبشر
في كل مقبرة إله
يعطي.. و يمنع ما يشاء
ما أكثر العباد.. في زمن الشقاء
أبتاه لا تعتب علي..
يوما ستلقاني أصلي في الحسين
سترى دموع الحزن تحملها بقايا.. مقلتين..
فأنا أحن إلى الحسين..
ويشدني قلبي إليه فلا أرى.. قدمي تسير
القلب يا أبتاه أصبح كالضرير
أنا حائر في الدرب.. لا أدري المصير!!
* * *
أنا في المدينة يا أبي مثل السحاب..
يوما تداعبني الحياة بسحرها..
يوما.. يمزقني العذاب
ورأيت أحلام السنين كأنها
وهم جحود.. أو سراب
وعرفت أن العمر حلم زائف
فغدا يصير.. إلى التراب
زمن حزين يا أبي زمن الذئاب
* * *
أبتاه لا تغضب إذا
ما قلت شيئا.. من عتاب
أبتاه قد علمتني حب التراب
كيف الحياة أعيشها رغم الصعاب
كيف الشباب يشدني نحو السحاب
حاسبت نفسي عمرها
حتى يئست من الحساب
وضميري المسكين مات من العذاب
أبتاه..(59/164)
ما زال في قلبي عتاب
لم لم تعلمني الحياة مع الذئاب؟!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> نحن و الحب..
نحن و الحب..
رقم القصيدة : 66700
-----------------------------------
لا تنظري للأرض في دورانها
فالنبض فيها.. حائر الأنفاس
والحب يا دنياي أصبح بدعة
وغدا رفاتا.. فاقد الإحساس
و لقد عرفت الحب فيك هداية
هيا نعلم حبنا.. للناس
* * *
هيا لنغرس في الدروب زهورنا
هيا لنوقد في الظلام شموعنا
يا واحة الأيام في الزمن الشقي..
إني أحن إلى هواك كطائر
يهفو إلى العش البعيد
و غدا سيأتي بعدنا الأمل الجديد
أنا حائر بين الظلال
لا تتركيني في خريف العمر تقتلني.. الظلال
فأنا عبدت الله في عينيك يا نبع.. الجمال
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ما زلت أذكرها
ما زلت أذكرها
رقم القصيدة : 66701
-----------------------------------
ونظرت نحوك والحنين يشدني
والذكريات الحائرات.. تهزني
ودموع ماضينا تعود.. تلومني
أتراك تذكرها و تعرف صوتها
قد كان أعذب ما سمعت من الحياة..
قد كان أول خيط صبح أشرقت
في عمرك الحيران دنيا من ضياه
آه من العمر الذي يمضي بنا
ويظل تحملنا خطاه
ونعيش نحفر في الرمال عهودنا
حتى يجئ الموج.. تصرعها يداه..
* * *
أتراك لا تدرين حقا.. من أنا؟
الناس تنظر في ذهول.. نحونا
كل الذي في البيت يذكر حبنا..
أم أن طول البعد-يا دنياي- غير حالنا؟
أنا يا حبيبة كل أيامي.. و قلبي و المنى
ما زلت أشعر كل نبض كان يوما.. بيننا
ومددت قلبي في الزحام لكي يعانق.. قلبها
أنا لا أصدق أن في الأعماق شوقا.. مثل أشواقي لها
وتصافحت أشواقنا
وتعانقت خفقاتنا
كل الذي في البيت يعرف أننا
يوما وهبنا.. للوفاء حياتنا..
يسري و يفعل في الجوانح ما يشاء
يوما نزفنا في الوداع دموعنا
لو كانت الأيام تعود في صمت.. إلى الوراء
* * *
الآن تجمعنا الليالي بعدما
أخذت من الأزهار كل رحيقها..
الآن تجمعنا الليالي بعدما
سلبت من النظرات كل بريقها..(59/165)
اليوم تلقاني كما تلقى الغريب
بيني و بينك قلعة قالوا لنا..
شيئا نسميه النصيب
ونظرت حولك في ألم
ورأيت في عينيك شيئا عله
حزن.. حنين.. أو بقايا من ندم
وعلى قميصي نام منديلي على وجه القلم
هذي هداياها تحدق نحونا
منديلها كم بات يسألني
متى الأيام تجمع.. شملنا
ورأيت قلبي تائها بين الزحام
لا شيء يسمع لا حديث.. ولا سلام
أنا لا أرى شيئا أمامي غير ذكرى.. أو لقاء
رجل توقف بالزمان.. وقد بنى
قصرا كبيرا. .في الفضاء
فلتعذريني أنني.. ما زلت أنظر للوراء
* * *
و سمعت صوتك في زحام الناس
يسري.. كالضياء..
((زوجي فلان))..
((هذا فلان))..
قد كان يوما.. من أعز الأصدقاء
نظرت إلي وحدقت
هيا.. لنذهب للعشاء.
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وجئت إليك
وجئت إليك
رقم القصيدة : 66702
-----------------------------------
و جئت إليك و في راحتي جراح السنين
و أحزان عمر.. وطيف اغتراب
وبين الليالي.. بقايا أماني
تلاشت كما يتلاشى السراب
شعيرات رأسي تصارعن يوما
بياض الشيوخ و سحر الشباب
تراني أحب و قد صار عمري
ثقيلا.. ثقيلا كليل العذاب
وجئت إليك وفرحة قلبي تفوق السحاب
وبيني وبينك سد منيع
وعشرون عاما.. تجر الثياب
وجدت الأماني قلاعا توارت
وحلما تمزق بين الحراب
لقد كنت في العمر يوما جميلا
وقطرة ماء.. طواها التراب
وقد كنت لحنا توارى بقلبي
ومر على العمر مثل السحاب
بكينا-وبالحزن- بعض الليالي
فكيف سنبكي ضياع الشباب؟!
كنت من ألحاني
لا تسأليني كيف حال زماني
ماذا يعيش اليوم في وجداني
ما أنت في دنياي إلا قصة
بدأت بقلبي.. وانتهت بلساني
وشدوتها للناس لحنا خالدا
يكفيك أنك.. كنت من ألحاني
* * *
لا تسأليني عن سنين حياتي
هل عشت بعدك.. حائر الزفرات
أنا يا ابنة العشرين كهلا في الهوى
أنا فارس.. قد ضاع بالغزوات
والحب يا دنياي حلم خادع
قد ضعت فيه.. كما أضاع حياتي
* * *
لا تسأليني عن شذا أحلامي
فرحيق عمري.. ليس في أيامي(59/166)
إني جعلت العمر لحنا رائعا..
والشعر عندي أجمل الأحلام
فالعمر أيام يذوب رنينها
والشعر يبقى خالد الأنغام
* * *
إن طال عمري في الحياة فربما
أجد الأمان مع الزمان القاسي
هادنته عمرا و قلت لعله
يوما يصافحني.. ككل الناس
لم تبق لي الأيام غير شجونها
كالخمر تبكي.. من قيود الكاس
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عندما يرحل الرفاق
عندما يرحل الرفاق
رقم القصيدة : 66703
-----------------------------------
تاهت خطاي عن الطريق
لا ضوء فيه.. ولا حياة.. ولا رفيق
والبيت.. أين البيت؟!
قد صار كالأمل الغريق
و عواصف الأيام تقتلع الجوانح
بالأسى الدامي.. العميق
وتلعثمت شفتاي قلت لعلني
أخطأت.. في الليل الطريق
وسمعت صوت الليل يسري.. في شجن:
قدماك خاصمتا الطريق
رحل الرفاق أيا صديقي من زمن
* * *
يا ليل..
يا من قد جمعت على جفونك شملنا
يا من نثرت رياض دفئك حولنا
وحملت أنسام الربيع رقيقة
سكرى لترقص.. بيننا
أتراك تذكر من أنا؟
أنا صاحب البيت القديم
يوما تركت لديك حبا عاش مفتون.. المنى
و سمعت صوت الليل يسري.. في شجن
رحل الرفاق أيا صديقي من زمن
* * *
ودخلت بيتي و السنين تشدني
وروائح الماضي القديم.. تضمني
البيت يعرف خطوتي
في مدخل البيت الحزين رأيت كل حكايتي
الأرض تبتلع الزهور
وأزهار النوار في تابوتها
أطلال عطر.. أو قشور
فوق القاعد كانت الحشرات تجري.. أو تدور
والهمس يسري بينها
جمع التراب رفاقه حولي و حدق.. في غرور:
أتراك جئت لكي تحطم بيتنا
وسألته في دهشة:
أتراك تعرف من أنا؟
أنا صاحب البيت القديم
نهض التراب وقال في غضب:
شيء عجيب ما أرى..
ماذا تريد؟
كل الذي في البيت يعرف أنني
أصبحت صاحبه الجديد
وعلى جدار الصمت نامت صورتي
تاهت ملامحها مع الأيام مثل.. حكايتي..
ودموعها تنساب كالماضي وتروي قصتي..
بجوار مقعدنا رأيت جريدة
فيها مواعيد السفر..
ومتى تعود الطائرة..
وشريط أغنية لعل رنينها
قد ظل يسرع.. ثم يسرع(59/167)
خلف ذكرى.. حائرة
فتوقفت نبضاتها..
وسمعتها:
(أيها الساهر تغفو..
تذكر العهد.. و تصحو..
و إذا ما التأم جرح جد بالتذكار.. جرح
فتعلم كيف تنسى و تعلم.. كيف تمحو)
* * *
وعلى سريري ماتت الأحلام وانتهت.. المنى
يا حجرتي.. يا صورتي..
يا كل ما أحببت من هذا الوجود
يا وردتي يا أعذب الألحان في دنيا الورود
أنا صاحب البيت القديم!!
لا شيء ينطق في السكون
لا شيء يعرف.. من أكون؟!!
وسمعت صوتا يقتل الصمت الرهيب:
أنت الذي ترك الزهور..
لكي تموت من الصقيع..
كل الذي في البيت عاش و ظل يحلم بالربيع..
كل الذي في البيت مات
كل الذي في البيت مات
* * *
ومضيت نحو الصوت تنهرني الخطى..
فوجدته قلمي ينام على كتاب
ودماؤه الحيرى تئن على التراب
ومضى يحدثني بحزن.. و اكتئاب:
لم يا صديقي قد هجرتم بيتنا
وتركتم الحب الصغير يموت حزنا.. بيننا
في كل يوم كان يسأل: أين أمي؟؟ أين راح أبي؟!
تراني.. من أنا؟!
ما زلت أذكر يا رفيقي ساعة الأمس الحزين
أنا لا أصدق أن قلبك جرب الأشواق
أو ذاق الحنين
ما كنت أحسب أن مثلك قد يخون
أو أن طيف الحب في دنياك يوما.. قد يهون
* * *
أمسكت بالقلم الذي يبكي أمامي في جنون..
هيا إلي فربما نجد الطريق
هيا إلي فربما نجد الرفيق
ماذا أقول؟!
تاهت خطاي عن الطريق..!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ويمضي العمر..
ويمضي العمر..
رقم القصيدة : 66704
-----------------------------------
ويمضي العمر.. يا عمري
وأشعر أن في الأيام يوما.. سوف يجمعنا
وأن الحب رغم البعد سوف يزور مضجعنا
وأن الدهر بعد الصد سوف يعود يسمعنا
ويمسح في ظلام العمر شكوانا.. وأدمعنا
* * *
غدا ألقاك أغنية
يحن لشدوها.. قلبي
وكم سكرت حنايانا
وتاه البعد.. في القرب
فلم نعرف سوى النجوى
لنحيا الحب.. للحب
* * *
غدا يا منية الأيام تجمعنا ليالينا
سنبني للهوى بيتا و نلقي فيه ماضينا
ونكتب فيه ملحمة و نودعها أمانينا
تركت لديك أشعاري فضميها إلى صدرك(59/168)
وقولي إنها عمري وما عمري سوى عمرك
عرفت الحب أمطارا.. وزهرا في سنا ثغرك
* * *
غدا في الشط تجمعنا
ليالي الصيف والنجوى
وفوق رماله الفرحى
سننسى الحزن والشكوى
نعانق فيه أحلاما
تركناها بلا مأوى
وقد ألقاك في سفر
وقد ألقاك في غربة
كلانا عاش مشتاقا
وعاند في الهوى قلبه
* * *
ويمضي العمر يا عمري
وأشعر أن في الأيام يوما سوف يجمعنا
وأن الدهر بعد الصد سوف يعود يسمعنا
لأن هواك في قلبي سيبقى خالد المعنى
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وعشقت غيري؟
وعشقت غيري؟
رقم القصيدة : 66705
-----------------------------------
وأتيت تسأل يا حبيبي عن هوايا
هل ما يزال يعيش في قلبي ويسكن في الحنايا؟
هل ظل يكبر بين أعماقي و يسري.. في دمايا؟
الحب يا عمري.. تمزقه الخطايا
قد كنت يوما حب عمري قبل أن تهوى.. سوايا
* * *
أيامك الخضراء ذاب ربيعها
وتساقطت أزهاره في خاطري..
يا من غرست الحب بين جوانحي..
وملكت قلبي و احتويت مشاعري
لملمت بالنسيان جرحي.. بعدما
ضيعت أيامي بحلم عابر..
* * *
لو كنت تسمع صوت حبك في دمي
قد كان مثل النبض في أعماقي
كم غارت الخفقات من همساته..
كم عانقته مع المنى أشواقي
* * *
قلبي تعلم كيف يجفو.. من جفا
وسلكت درب البعد.. والنسيان
قد كان حبك في فؤادي روضة
ملأت حياتي بهجة.. وأغاني
وأتى الخريف فمات كل رحيقها
وغدا الربيع.. ممزق الأغصان
* * *
ما زال في قلبي رحيق لقاءنا
من ذاق طعم الحب.. لا ينساه..
ما عاد يحملني حنيني للهوى
لكنني أحيا.. على ذكراه
قلبي يعود إلى الطريق و لا يرى
في العمر شيئا.. غير طيف صبانا
أيام كان الدرب مثل قلوبنا..
نمضي عليه.. فلا يمل خطانا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> أنا.. وعيناك
أنا.. وعيناك
رقم القصيدة : 66706
-----------------------------------
هيا معي لنصافح الأيام نغفر للقدر
ونعانق العمر الجديد وأنت لي.. كل العمر
قد صرت في دنياي أجمل زهرة(59/169)
ولقد قضيت العمر.. أهفو للزهر
حتى رأيتك في خريف العمر عطرا ساحرا
يختال في قلبي.. حبات المطر
وعلى ظلال الحب تحملني المنى
فأكاد يا دنياي أشعر بالخطر
* * *
قلبي يصيخ مع اللقاء تمهلي
وأنا أخاف عليه بين يديك
فأضم أيامي إليك مع المنى
والقلب يخفق بالحنين إليك
آه من الزمن الذي قد خانني
قد ضاع من عمري.. بلا عينيك
* * *
لا تسأليني عن حياتي قبل أن ألقاك
إني بدأت العمر منذ لقاك
قد كان عمري في الحياة ضلالة
ورأيت كل النور بعض ضياك
لو كان عمري في الحياة خميلة
ما كنت أمنح ظلها لسواك
لو ظل شعري في الوجود بعطره
فالشعر يا دنياي بعض شذاك
إني تعبت من المسير و لا أرى
في القلب شيئا.. غير أن يهواك
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> الزمن الحزين..
الزمن الحزين..
رقم القصيدة : 66707
-----------------------------------
أتيت يا ولدي.. مع الزمن الحزين
فالعطر بالأحزان مات.. على حنايا الياسمين
أطيارنا رحلت.. و أضناها الحنين
أيامنا.. كسحابة الصيف الحزين
ودماؤنا صارت شراب العابثين
تتبعثر الأحلام في أعمارنا
تتساقط الأفراح من أيامنا
صرنا عرايا..؟!
كل من في الأرض جاء
حتى يمزق.. جرحنا
صرنا عرايا..؟!
كل من في الأرض جاء
حتى يمزق.. عرضنا..
قالوا لنا:
أنتم حصون المجد.. أنتم عزنا
قتلوا الصباح بأرضنا.. قتلوا المنى
* * *
من أجل أن يقتات أبنائي التراب؟
من أجل من نحيا عبيدا للعذاب؟
حزن.. وإذلال.. وشكوى واغتراب
يا سادتي.. قلبي يموت من العذاب
لمن العتاب؟
لمن الحساب؟
من أجل من تتغرب الأطيار في بلدي وتنتحر الزهور؟
من أجل من تتحطم الكلمات في صدري وتختنق السطور؟
من أجل من يغتالنا قدر جسور
يا سادتي.. عندي سؤال واحد
من أجل من يتمزق الغد في بلادي؟
من أجل من يجني الأسى أولادي؟
* * *
قد علموني الخوف يا ولدي
وقالوا.. إن في الخوف النجاة
إن الصلاة.. هي الصلاة
إن السؤال جريمة لا تعصي يا ولدي((الإله))
عشرون عاما يا بني دفنتها(59/170)
وكأنها شبح توارى في المساء
ضاعت سنين العمر يا ولدي هباء
والعمر علمني الكثير
أن أدفن الآهات في صدري و أمضي.. كالضرير..
ألا أفكر في المصير
قل ما بدا لك يا بني و لا تخف
فالخوف مقبرة الحياة..
من أجل صبح تشرق الأيام في أرجائه
من أجل عمر ماتت الأحلام في أحشائه
قل ما بدا لك يا بني
حتى يعود الحب يملأ بيتنا
حتى نلملم بالأمان جراحنا
لا تتركوا الغد في فؤادي يحترق
لا تجعلوا صوت الأماني يختنق
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> نسيب
نسيب
رقم القصيدة : 66708
-----------------------------------
ضامٍ وَكَوْثَرُةُ النَّسيبُ
أَيَبلُّ ظَمآناً لهيبُ؟ (1)
يحدو بِهَوْدَجِهِ الضَياعُ
ولا عشيرٌ أو حبيبُ
غَفَتِ البدورُ وأَيْقَظَتْ
شتى من العَثَرِ الدروب
مُتشابهانِ بمقلتيهِ
طلوعُ شمسٍ والمَغيبُ
يصبو لـ "ليلى في العراقِ
مريضةٌ" فهو الصَّبيبُ
شَدَّ الرِحالَ عن الفراتِ
فَشَدَّ خضرتَهُ الشحوبُ
مُتَوَهِّما أَنَ الطريقَ
إلى جنائنِهِ رحيبُ
كرَّتْ عليه الموحشاتُ
العُسْرُ تقفوها الخطوبُ
يبكي "الشمالُ" بمقلتيهِما
ويندبُ الحالَ "الجنوبُ"
أنْ يَمُدَّ يداً الى
القيثارِ ينتفضُ النحيبُ
يُشجيه صوتُ الأبعدينَ
وَيَسْتَبيهِ العندليبُ
أَضْناهُ قولُ الأقربينَ
غداةَ حاصَرَهُ الوجيبُ
دَعْ للزمانِ بني الزمانِ
فإنَّ أذرعَهُ تنوبُ
أَطْفِىءْ حريقَكَ بالرحيقِ
به سَتَنْدَملُ الندوبُ
وانْهَلْ من الينبوعِ ما
تسقيه حسناءٌ طروبُ
أَمْ قَدْ رَغِبْتَ عن "الجَواز"
وَزَمَّ مُقْلَتَكَ "الوجوبُ"؟
غابَ الشبابُ سوى حُثا
لتِهِ .. فأَقْدِمْ يا غريبُ
وَيْحي! أيمنحني الوئامَ
خَناً وتُصْبيني الذنوبُ؟
خمري إذا جُنَّ المساءُ
الحلمُ... والأجفانُ كوبُ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> نزق
نزق
رقم القصيدة : 66709
-----------------------------------
وَتَسْأَلني التي اصْطَبَحَتْ
بخمرةِ وجهِها الحَدَقُ
ولي من صبرِها الصوفيِّ مُغْتَبَقُ(59/171)
لماذا لا يَفوحُ الرَّنْدُ
إلاَّ حين يحترقُ؟
وليس يَشعُّ إلاَّ من سواد مِدادِهِ
الوَرَقُ؟
وهل لهزيعنِا غَسَقُ؟
أَمِ النَزَقُ اصطفاكَ
فأنت مُخْتلِفٌ مع البلوى
وَمُتَّفِقُ؟
***
أجلْ..
لمّا يزلْ بيْ ذلك النَزَقُ..
أرى بحراً
فَيُغْويني بهِ الغَرَقُ
ومضماراً... فأَنْطَلِقُ
وَيُغْريني الطريقُ الصَّعْبُ
مفتوناً بما قَدْ خَبّأت طُرُقُ
وأَجْنَحُ للهيبِ
بِرُغْمِ علمي أنني وَرَقُ
يُحَرِّضُني على خَدَرِ النُعاسِ السُهْدُ
والرَهَقُ
وَيُقْلِقُني -
إذا ما مَرَّ بي في غربتي
صبحٌ ولا قَلَقُ
وأنَّ الليلَ لا هَمٌّ..
ولا أَرَقُ
فَطولُ إقامةٍ
في غيرِ دار أَرومتي
حَمَقُ!
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> نتوءات
نتوءات
رقم القصيدة : 66710
-----------------------------------
1 -
لا فَرْقَ بين الموتِ والميلادْ
ما دام أَنَّ الناسَ في مدينتي
مزرعةٌ
يقطف من رؤوسها الجلاّدْ
وباسم صولجانِهِ
تُؤَبَّنُ البلادْ
لا فَرْقَ بين الموتِ والميلادْ
وها أنا
يومٌ يتيمُ الغَدِ
في حقيبتي وَهْمٌ
وفي ربابتي صمتٌ..
فما الإنشادْ
إنْ جَفَّ ماءُ "الضادِ" في حنجرتي
وحاصرتني شَهْقَةُ العويلْ؟
الليلُ في قلبي
فماذا ينفعُ القنديلْ؟
***
2 -
تَوَسَّدَ الوِجاقْ
رمادَهُ...
توسَّدَ العراقْ
مِخَدَّةَ السبيِ
فَشاصَ الخبزُ في التنورِ (1)
والضياءُ في الأحداقْ
***
-3
ما عادتِ الأقمارُ تُغري
مَقَلَ السُهادْ
متُّ غريباً
قبلَ أَنْ أعيشَ يا بغدادْ
***
4 -
كلَّ صباحٍ
أبدأُ الرِحْلَةَ في مدينةِ الأشباحْ
تقودني حافلةُ النهارِ نحو الليلِ..
أحياناً يقودني رنيمُ الليلِ
نحو شرفةِ الصباحْ
منطفيءَ العينينِ
أو
مَهَشَّمَ المصباحْ
***
(1) شاص: التمر: فَسُدَ
العين: اضطرب جفنها
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> من رماد الذاكرة
من رماد الذاكرة
رقم القصيدة : 66711
-----------------------------------
على ما يذكرُ الآباءْ(59/172)
إنَّ الارضَ كانت غير ضَيِّقَةٍ
وكان الماءُ أعذبَ
والرغيفُ أَلَذَّ
والأعشابْ
أكثرَ خضرةً...
حتى فاتناتُ الأمسِ
كُنَّ أَرَقَّ...
والخيلُ القديمةُ
لم تكن تُرْخي اللجامَ لغيرِ فارسِها...
ولا كان الجبانُ يصولُ في الميدانِ...
والأغرابْ
لا يتَحَكَّمونَ بقوتِ ذي سَغَبٍ
وَنَبْضِ رقابْ..
وَيَقْنَعُ بالقليلِ من القطيعِ الذئبُ
لا كذئابِ هذا العصرِ...
و"الخيش" و"الجُنفاصُ"
أذكرُ أنَّ أُمي حَدَّثَتْني عن بيوتٍ
دونما أبوابْ
وتقسمُ أَنَّ جاراً
قد أضاعَ شُوَيْهَةً يوماً
فَعادَتْ بعد عامٍ خَلْفَها حَمَلٌ
يقودهما فتىً سألَ المدينةَ كلَّها
عَمَّنْ أضاعَ شُوَيْهَةً يوماً...
على ما يذكر الآباءْ
كان الناسُ
لا يَتَلَفَّتون إذا مشوا في السوقِ
أَنْعَمَ من حريرِ اليومِ
او
خرجوا من المحرابْ
***
على ما سوفَ يذكر بعدنا الأبناءْ
إنَّ الأرضَ
أضيقُ من حبال الشنقِ في بغدادَ
والماءَ الفراتَ له
مذاق الصّابْ..
وانَّ الجارَ يخشى جارَهُ
وتخافُ من أجفانها الأهدابْ
***
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> مبتدأ وخبر
مبتدأ وخبر
رقم القصيدة : 66712
-----------------------------------
هادئةً "مريمُ" كالنُّعاسْ
تأتي... وكالصَّدى
يثملُ في أحداقِها النَدى
ومن زفيرِها يضوعُ الآسْ
فَيَأْرقُ المدى
مُسامِراً صوتي... ولا صدى
غيرُ رنيمِ الكاسْ
***
تجيئني "مريم" نصفَ الليلْ
شمساً...
وفي النهارْ
نجماً خُرافيّاً..
وفي الصيفِ شتاءً دافىء المطرْ
وها أنا
أبحثُ عن "مريمَ" في بريَّةِ الغربةِ
أستجدي "أبا نؤاسْ"
حثالةً من خَدَرِ الليل
وشيئاً من جنونِ الكاسْ
وأسألُ الرحمنَ صَبْرَ الرملِ والحَجَرْ
جُبْتُ سهولَ النارِ والثلجِ
ولا أَثَرْ
مَضَرَّجاً بالوَجَعِ الصوفيِّ..
بالوجدِ..
وبالضَجَرْ
أنشُّ عن وحشةِ ليلي قَمَراً
وعن مَرايا الصبحِ وجهي
وتنشُّ الريحُ عن أشرعتي الضفافَ..
أمسي؟ جَنَّةٌ..
وحاضري؟ سَقَرْ
مُبْتَدأٌ "مريمُ" في كتابِ عمري..(59/173)
وأنا الخَبَرْ
***
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> لي ما يبرر وحشتي هذا الصباح
لي ما يبرر وحشتي هذا الصباح
رقم القصيدة : 66713
-----------------------------------
"قراءة في رسائل من داخل الوطن"
------------
لي ما يُبَرِّرُ وحشتي هذا الصباحَ
كأنْ أَغضُّ الطَرْفَ عن وردِ الحديقةِ
وابتهاجِ ابني بأفْراخِ الحَمامِ
لي ما يُبَرِّرُ وحشتي هذا الصباحَ
فإنَّ أمي تشتكي صَمَماً وقد عَشِيَتْ
لماذا لا أكفُّ عن اتصالي الهاتفيِّ بها
هل يرى الأعمى من القنديلِ أكثرَ من ظلامِ؟
***
لي ما يبرر وحشتي هذا الصباحَ
فإنَّ جارَتَنا "حسيبةَ"
باعت الثورَ الهزيلَ
وقايَضَتْ ثَوْبَينِ بالمحراثِ
وابنتها - التي فُسِخَتْ خطوبتُها - اشترتْ نولاً
ولكنَّ الخِرافَ شحيحةٌ..
كادَتْ تُزَفُّ إلى ثريٍِ جاوَزَ السبعينَ
لولا أنَّ داءَ السُكّريّ أتى عليه
ولم يكن كتبَ الكتابَ
فلم تَرِثْ غيرَ العباءَةِ والسِوارِ
وَوَهْمِ بَيْتٍ من رُخامِ
***
لي ما يُبرّرُ وحشتي هذا الصباحَ
كأنْ أصيخ السَمْعَ
للماضي الذي لم يأتِ بَعْدُ
وأنْ أُعيد صياغةَ النصِّ الذي
أَهْمَلْتُهُ عامينِ
لا أدري لماذا لا أكفُّ
عن التَلَفُّتِ للوراءِ
ولا أَملُّ من التأَمُّلِ في حطامي
***
وإرسالي المزيدَ
لي ما يُبَرِّرُ وحشتي هذا الصباحَ
فإنَّ "نهلةَ" جاءها طفلٌ له رأسانِ..
"نَهْلَةُ" كانتِ القنديلَ في ليلِ الطفولةِ
ضاحَكَتْني مرةً ... فكبرتُ!
أذكر أنني - في ذاتِ وجدٍ -
قد كتبت قصيدةً عنها...
وحين قَرَأْتُها في الصَفِّ
صَفَّقَ لي المُعَلّمُ
غير أَنَّ بَقِيَّةَ الطلابِ
أَضْحَكَهُمْ هُيامي
***
من التصاويرِ الحديثةِ
لي ما يبررُ وحشتي هذا الصباحَ
يقولَ "رفعتُ" في رسالته الأخيرةِ:
إنَّ "محمود بن كاظمَ" بات - بعد العفوِ - حُرّاً
غير أَنَّ حديثَهُ يُفْضي الى رَيْبٍ بعقلٍ
فهو يُطْنِبُ في الحديثِ
عن التقدمِ للوراءِ
أو
التراجعِ للأَمامِ
***(59/174)
لي ما يُبَرِّرُ وحشتي هذا الصباح
وما سَيَذْبَحُ في رياضِ فمي
أزاهيرَ ابتسامي
فـ "حَمادةُ الحمّالُ" مات حمارُهُ
وأنا أُرَجِّحُ أنْ يكونَ "حمادةُ الحمّالُ"
قد قتل الحمارَ
تَدَبُّراً لـ "بطاقةِ التموينِ"
والسوقِ التي كسُدَتْ
وللحقلِ الذي ما عادَ يعرفُ خضرةَ الأعشابِ
كان "حمادةُ الحمّالُ" مُخْتَصّاً بنقلِ الخضرواتِ
وكان أشْهَرَ في "السماوةِ"
من وزيرِ الخارجيةِ..
غير أَنَّ حكومةَ "البطل المجاهدِ" عاقَبَتْهُ
لأنه
تَرَكَ الحمارَ يَبولُ تحتَ مِنَصَّةٍ
رُفِعَتْ عليها صورةُ "الركن المهيبْ"
و"حمادةُ الحمّالُ" يجهلُ في السياسةِ..
لم يشاركْ في انتخابِ البرلمانِ..
وحين يُسأَلُ لا يُجيبْ
ويُقالُ:
إنَّ كبير مسؤولي الحكومةِ في "السماوةِ"
كان يخطبُ في اجتماعٍ حاشدٍ
في عيدِ ميلادِ "ابنِ صبحةَ"
ثمَّ صادفَ أَنْ يَمُرَّ "حمادةُ الحمّالُ"
فاحْتَفَلَ الحمارُ
(وربما ارتبكَ الحمارُ)
فكانَ
أنْ غَطّى النهيقُ على الخطيبْ
ولذا
أُرَجِّحُ أنْ يكون "حمادةُ الحمالُ"
قد قَتَلَ الحمارَ
او الحكومةُ أَرْغَمَتْهُ
بأَمْرِ قائدِها اللبيبْ
فـ "حمادةُ الحمّالُ" مَتَّهَمٌ
بتأليب الحمارِ على الحكومةِ
و"المهيبْ"
***
لي ما يُبَرّرُ وحشتي....
بغداد تُطْنِبُ في الحديث عن الربيعِ
ونشرة الأخبارِ تُنْبِيءُ عن خريفٍ
قد يدوم بأرضِ دجلةَ ألف عامِ!
وأنا ورائي جُثَّةٌ تمشي..
ومقبرةٌ أمامي!
***
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> عشق
عشق
رقم القصيدة : 66714
-----------------------------------
عشق ...
طينُهُ في دمي...
هل أنا جدولٌ ظاميءٌ؟
أَمْ فَنَنْ؟
صوتُهُ في فمي...
هل أنا مِعْزَفٌ راعِفٌ؟
أَمْ شَجَنْ؟
يومُهُ موسمي...
هل أنا روضةٌ
كلَّما أزهرتْ
ساطَ اورادَها شوكُ رعبٍ
وَظَنْ؟
خائفٌ ... أحتمي
من لظى يقظتي
بضبابِ الوَسَنْ
هل أنا جُثَّةٌ
والحياةُ الكفَنْ؟
يا منى رَمِّمي
ما أَطاحَ الضَغَنْ
قمتُ من مأْتَمي
مؤمناً بالسَنا(59/175)
كافراً بالدُّجَنْ
لستُ بالمُغْرَمِ
إنْ تكن مقلتي
لا ترى جَفْنَها
خيمةً للوطنْ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> ضفتان ولا جسر
ضفتان ولا جسر
رقم القصيدة : 66715
-----------------------------------
في آخر تكبيرةِ فجرٍ
من شعبانْ
في عامِ الفيلِ القوميِّ
طَوَيْتُ بساطي..
قلتُ لأمي:
حفنة أيامٍ
وتعودُ حمامةُ قلبي لروابيكِ..
تعودُ الخضرةُ للأَفْنانْ
رَشَّتْ حولي ماءً عَفِناً
(كنّا نشربُ من تُرْعَةِ بستانْ)
وأنا كنتُ رَشَشْتُ يديها بالقُبُلاتِ
وحين هَمَمْتُ بلثم صغيري
صَرَخَتْ زوجي:
دَخَلَ الجندُ الحيَّ!
فَلَمْلَمْتُ بقايايَ..
وكالنَسْناسِ
قفزتُ إلى سطحِ الجيرانْ
لم يمهلْني الرعبُ طويلاً
فَتَعَكَّزْتُ ضلوعي قبل طلوعِ الشمسِ
طريداً
أبحثُ عن واحاتِ أمانْ
مَرَّ الليلُ الأولُ في قريةِ "سيِّد جبار"...
الثاني؟
في الصحراءِ..
الثالثُ؟
في "سفوانْ"
ثُمَّ توارى النخلُ... المدن الثكلى..
والخِلاّنْ
***
أقفُ الآنْ
في منعطف العمرِ غريباً
بين صديقٍ لا أعرفُهُ..
وعدوٍّ يعرفني..
حيناً تحرقني الأمطارُ
وحيناً
تُثْلِجُني النيرانْ..
أقف الآنْ
بين صديقٍ لا يعرفني
وعدوٍّ أعرفُهُ..
بينَ عبيرِ زهورِ الروحِ
وأشواكِ الجسدِ الشيطانْ
مَنْ ينقذني مني؟
فَيُوَحِّدُ ما بين يقينِ جذوري
وظنونِ الأغصانْ؟
فأنا الانْ
ضِفَتانِ ولا جسرٌ..
نصفي وحشٌ -
والآخرُ انسانْ!
***
في آخرِ تكبيرة فجرٍ من شعبانْ
من عامِ الفيلِ القوميِّ
ابتدأَ الرحلةَ رجلٌ في مُقْتَبَلِ العشقِ..
وزوجٌ .. وصغيرانْ
***
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> حلمتُ يوماً
حلمتُ يوماً
رقم القصيدة : 66716
-----------------------------------
حلمتُ يوماً أنني جناحْ
وحينما استَيْقَطْتُ
كانت السماءُ صهوةً
وَسَرْجُها الرياحْ
وكان ما بيني وبين الوطنِ المُباحْ
مشنقةٌ
تمتدُّ من سِتارةِ الليلِ
الى نافذةِ الصباحْ
***
حلمت يوماً أنني صرتُ "أبا نؤاسْ"(59/176)
وحينما هاجر من أحداقيَ النُعاسْ
رأيتُ جفني زِقَّ أحزانٍ
وجرحي كاسْ
وكان ما بيني وبين الوطنِ الجريحِ
قَيْحٌ
ودمٌ يسيل من مئذنةِ الصباحْ
وروضةٌ مذبوحةُ الأغراسْ
***
حلمتُ يوماً أنني العراقْ
وحينما فَرَكْتُ أحداقي
تَخَثَّرتْ على أجفانِها الأهدابْ
وكان ما بيني
وبين اللهِ في المحرابْ
"أبرهةُ" الجديدُ في "الكوخِ"
وفي "الرصافةِ" الذئابْ
***
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> حطام
حطام
رقم القصيدة : 66717
-----------------------------------
مُعْتَمِراً خوفي
أجوبُ المُدُنَ الصخريةَ الأشجارْ
أُخفي عن الجفافِ في عينيَّ
ما في القلبِ من أمطارْ
أَنْسَلُّ من تحتِ حُطامي..
قَمَري الطينيُّ في حقيبتي..
وفي يدي "عُكّازةٌ" عمياءْ
أبحث في بَرِيَّةِ الغربةِ عن مدينةٍ
لا يهرمُ الضياءْ
فيها...
ولا يهربُ فيها النجمُ
مذعوراً من المساءْ
....
....
معتمراً قلبي
أجوبُ الخوفَ...
أُخفي كلَّ ما ادَّخَرْتُ من مكارمِ الصحراءْ
أَنْفَخُ في رمادِ أمسي
فَلَعَلَّ جمرةً تُعيدُ للوجاقْ
مبخرةَ الدفءِ التي أطْفَأَها الفراقْ
عن خيمتي..
وناقتي...
وعن دِلال قهوتي..
ورقصةِ الفنجانِ في ملاعب الأحداقٍ
في وطنٍ -
كان يُسَمى: جَنَّةُ الأرضِ..
او
العراقْ؟
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> توغّل
توغّل
رقم القصيدة : 66718
-----------------------------------
تَوغَّلْتُ في داخلي
باحثاً في رمادِ السنينْ
عن السِّرِ في عثراتي..
وَجَدْتُ من الشكِّ دَغْلاً كثيراً
وشوكاً يُخَرِّزُ وردَ اليَقينْ
رأيتُ شَمالي لهيباً
يَحاصرُ عشبَ اليمينْ
فكنتُ الطليقَ السجينْ
سأَعْتَذرُ الانَ مني...
لأني
نَأَيْتُ بقلبي عن القانتينْ
وأني
كذبتُ عليَّ طويلا
وأَبْحَرْتُ في وَحْلِ ظني
نداماي ريحٌ
وكأسي سفينْ
وأني حَجَبْتُ عن الياسمينْ
فراشاتِ ضوءٍ
وينبوعَ شَهْدٍ
وعصفورَ طينْ
***
بعيداً تَوَغَّلْتُ في كهف ذاتي
أُفَتِّشُ عمّا أَضَعْتُ...
ذُهِلْتُ..(59/177)
وجدتُ رُفاتي
يُعيبُ عليَّ حياتي
وليلايَ تَبْرأُ من صَبَواتي
إذن؟
هاتني برهةً منكَ...
هاتِ..
لأغسْلَ عتمةَ روحي
بضوءِ الصلاةِ
***
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> تقرباً لله
تقرباً لله
رقم القصيدة : 66719
-----------------------------------
تَقَرُّباً للّهْ
أَلْعَنُ كلَّ ليلةٍ "سفّاحَ بغدادَ"
وَمَنْ والاهْ
والقادَةَ "الإماءَ"
و"الأشاوسَ" الشِياهْ
يرعونَ في زرائبِ السلطةِ
مُثْقَلينَ بالأوسمةِ الزيفِ
وما تَنْثرُهُ يَداه
يقودهم قيادةَ القطيعِ في مرعاهْ
راعي مراعي البعثِ
أو
"نَجلاهْ"
أبطالُ نصفِ الليلِ
جلاّدو العصافيرِ
لصوصُ الفَرَح الطفلِ
بُناةُ الـ "آهْ"
وقاطعوا الألسنِ في حدائقِ الغناءِ
يبتغون مرضاةَ عدوِّ اللّهْ
المُحْدِثونَ -
في ثيابهم إذا تَحَدَّثَتْ
بنادِقُ الثورةِ في محكمةِ الحياهْ
***
تَقَرُّباً للهْ
كفرتُ بالنهر الذي
يَبْرأُ من مَجراهْ
وحاكمٍ -
كرسيُّهُ مولاهْ
كفرتُ بالجِباهْ
تَخَشَّبَتْ
لِفَرْطِ ما دِيْسَتْ بـ "نَعْلِ الجاهْ"
وبالصّناديدِ "النشامى"
ما سحي أحذيةِ القائدِ
حُرّاسِ جَواريهِ
طُهاةِ العَلَفِ اليوميِّ من مَدْحٍ
و"رَدْحٍ"...
والأناشيدِ التي تُمَجِّدُ المأْساهْ
وباعةِ الشعرِ على أرصفةِ "المربدِ"
سوقِ الهَرَجِ الممتدِّ من إذاعةِ القصرِ
إلى
"بالوعةِ" النَصْرِ الذي جَناهْ
مُهَتَّكٌ...
وبالذُبابِ البشريّ هائماً
يبحث في مزابلِ السلطةِ
عن حثالةٍ من دَسَم الرفاهْ
***
تقرباً للّهْ
أبتديءُ الصلاةَ في لَعْنَتِهِم...
أَتَكْملُ الصلاهْ
من دون أَنْ تَلْعَنَ "إبليسَ"
ومَنْ سار على خُطاهْ؟
***
تقرباً للّهْ
دَفَنْتُ في قلبيَ
غرقى صَخَبِ المياهْ
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> تحولات عائشة
تحولات عائشة
رقم القصيدة : 66720
-----------------------------------
يسقطُ مذبوحاً بوردِ عشقِهِ
يسيلُ فوقَ حائطِ النورِ
دمُ الغارسِ من ضلوعِهِ بستانْ
تسكنُهُ "عائشةُ" الأزمانْ(59/178)
قصيدةً ضوئيةً..
ينهضُ من سطورِها "الحلاّجُ"
مصلوباً على الطِرسِ...
ومن وحشتِهِ
تنهض من سباتِها شقائقُ النعمانْ
ونهرُ عنفوانْ
مُبَشِّراً طفولةَ النهارِ بالسُنبلِ
والمساءَ بالنُعاسِ
والقتيلَ بالحياةْ
يُحَرِّضُ النورَ على العتمةِ
والماءَ على الجفافِ
والحُفاةْ
على لصوصِ المطرِ الأرضيِّ والطُغاةْ
مُضَرَّجاً بعشقِهِ
يصرخ في بَرِيَّةِ الوحشةِ:
"لارا" هَرِمَ الدهرُ
ولا زال فتىً سادنُ نهرِ النورْ
يحرسُ تحت جفنِهِ
بقيّةً من شَجَرِ "الخابورْ"
وطينَ "نيسابورْ"
ليعقد الأُلفةَ بين الماءِ والنيرانْ
في الوطنِ الممتدِّ من نوافذ القلبِ
الى ستائرِ الأجفانْ
ليدخلَ الانسانْ
باسم غدٍ لا يألفُ القهرَ
ولا يحكمه المنبوذُ
والأحمقُ ... والجبانْ
و"سارقُ الرغيفِ والدواءِ
والأوطان" (1)
***************
(*) تحولات عائشة: آخر اصدار شعري للشاعر البياتي وكنت قد نشرت هذه القصيدة في ملحق الاربعاء من صحيفة المدينة بتاريخ 2 ربيع الاول 1420 هـ وحين قرأها الفقيد البياتي قبل رحيله بأيام قليلة هاتفني قائلاً: انها اول قصيدة رثاء يقرأها المرثى قبل رحيله!
(1) من قصيدة التنين للبياتي
شعراء العراق والشام >> يحيى السماوي >> بي خرس
بي خرس
رقم القصيدة : 66721
-----------------------------------
لي منكَ ما للوردِ من جمرٍ
وما للنورس البحريِّ من بَرِيَّةٍ..
تَعِبَ المهاجرُ من حقيبتِهِ
الحدائقُ أوصدتْ أزهارَها عن مقلتيَّ
وأَطْفَأَتْ
ريحُ المنافي ما تَبَقّى
فوق مائدةِ اصطباري من شموعْ
في الأرض مُتَّسَعٌ لأَغراسي
ولكنَّ النخيلا
يأبى سوى ارض العراقِ له حقولا
فُكُنِ المُقيلَ .. لقد كبوتُ..
كُنِ المُقيلا..
واسْتَغْلَقَتْ ماءَ المعاني أنهرُ الكلماتِ
بي خَرَسٌ
أَعِدْ لي نبض حنجرتي
فما بَرحَ المغني -
يَسْتَجيرُ بعَزْمِ خيلِكَ أَنْ تصولا
***
مُسْتَعْطِفاً عشبَ الربيعِ
حملتُ صحرائي خريفاً موحِشاً
مولايَ أَلْجِئني اليكَ(59/179)
فربما ستعود للبستانِ خُضرتُهُ
وتَأْتَلِقُ الربوعْ
مَرَّتْ فصول العمرِ مُجْدِبَةً
أُفَتِّشُ في تُرابِ القلبِ
عن ياقوتةٍ طينيةٍ..
هل بعد صَحْنِكَ غيرُ خبزٍ من صباباتٍ
وماءٍ من دموعْ؟
***
شعراء الجزيرة العربية >> نايف صقر >> وصايف...
وصايف...
رقم القصيدة : 66722
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
العشب الأزرق سامر الشيح و القمح
عقب سْقتَه عذب السحايب بَرَدْها
و الجادل اللي طولها كنّه الرمح
كل الرّغَد و الخيزران لجسدها
هي بَسمةٍ يشقى بها الجمر و الصّبح"
و تغار قطعان النّحل من شهدها
عن ملحها ياما البحر حدّث الملح
و ياما الحرير اشتاق لعناق يدها
شيهانةٍ لا بيّنَت وجهها السمح
تذبح يا أهل شقر الحرار و هددها
قلب الوله و قلادة التيه و المدح
يستاهله عنق الجفول و نهدها
ليت الجفا زلّة و أدوّر لها دمح
و ليت الغرام جروح و انسى عددها
و أنا قتيل البرد يا وادي الطلح
كان المزون أضناك صاخب رعدها
شعراء الجزيرة العربية >> نايف صقر >> المحبه
المحبه
رقم القصيدة : 66723
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
حبيبي لا تعذر ما على صدق الحبيب جدال
رضت عنك العيون وهاك قلب فز بأعشابه
على وعدك تجيني يا حبيبي صاخب الميصال
عليك من اليدين وناسها هرجه وسبابه
هلابك وين ما يشرق نظرك الناعم القتال
هلابك وانثنى غصن الزمان وطار باسرابه
عذاريبك قليلة يا حبيبي كايد العذال
ولكنك بقلب من سكنته حارسك بابه
عيونٍ شافتك عن قرب قرب يهمها تختال
على بعض العيون وكل طير يحب مرقابه
انا اللي سلمك قلبه دلو عشق وغلاك الجال
وتليته بحبل من جفاك وضاق بأسبابه
فداك اللي تبي هاك الجمل والحمل والجمال
جلب تلك السنين وكل سوق وطيب مجلابه
يا الطف من طيوفك في عيونٍ للسهر مدهال
لجني خايفات وكل طيف احلى من ثيابه
احبك كثر ما ينسى زمانه مستريح البال
واحبك كثر ما قلب المسافر حنّ لترابه(59/180)
شبيه الشمس لو مالك مثل شمس السنين ظلال
ترى كلن يموت الا قصيدٍ يبكي احبابه
وانا ليلي قصايد او قصيدي ليل لا تحتال
هذا بعض الغلا باقصى خفوقي جاك باعشابه
شعراء الجزيرة العربية >> نايف صقر >> صحّيت جمره
صحّيت جمره
رقم القصيدة : 66724
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
كل الشوارع تمرّك يالحرير الحر
يا تل قلبي على لاماك من تالي
صحّيت جمرة .. و ذاب الشمع و السكّر
وشلون ما اتذكّرَك و تمر في بالي
في بسمتك يضحك الرّمان للمرمر
و بعد يغار الشهد من ريقها الحالي
و يحق لك يا صغير السّن تتكبّر
إلاّ على اللي يحبّك يا بعد حالي
يا كثر حبك بقلبي و الغرام أكثر
و تخيّل وش كثر أحبك و انت غربالي
يا خلطة المسك و الرّيحان و العنبر
الريح تستاذنك يالطّيب الغالي
رح وين ما تشتهي رح قد ما تقدر
أنا أول الناس في قلبك و انا التالي
و العاشق يعلم الصبّار يتصبّر
على الظما لا تغطرس و أشهب اللالي
شعراء الجزيرة العربية >> نايف صقر >> سوالف دم
سوالف دم
رقم القصيدة : 66725
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
سنين العمر صبر و سفر و الحياه مراس
من اول نفس و صراخ يبدا به المولود
بلا صاحب الطرقه تعب و الرقاد نعاس
لعينٍ سراب التيه قدّامها ممدود
رجع بي الزمان ازمان لأيامه الدّراس
مسافات و سنين و فصول و ليالٍ سود
طريقي وعر و اشباح و اقدامي الهواجاس"
زوادتي فيها نجوم الجهات سجود
من قبور رويان ثراها الي اليبّاس
وصلت لجدود احفادهم من زمان جدود
تعديتهم لطويق باقٍ معاي انفاس
عليها الصدر لا شحّ ما يلحقه منقود
وراي الظما و الجاهليه و صحرا الياس
و عمرٍ تقهقر و الزمن ينفهق و يزود
وصلت الرياض و كان لدهام ابن دواس
على آخر هزيع من الدجى و العباد رقود
و مر الصبا نسمهَ براد و سفر نسناس
رسايل عتب للطين كان و غرام نجود
صحوا بي وانا نشوان في دروبها الحرّاس
عليهم رصاص في مجاند و اشوف فرود(59/181)
دعوني بعد سلّمت للكيف و المجلاس
على ضو نارٍ و لّعت في يباس العود
يسامر سناها راعي النجر و المحماس
وصفراً يطيب لبنهّا الخاطر الملهود
بعدها السوالف عن هل الطيب و النوماس
بعضها تقاود من بعض و الصدور ورود
رواها بحسره صاحب القفل و الترباس
قصص في جثثها الذيب يشبع و يرعى الدود
على قوم((ابن غلاّب)) ((ريف النظا)) ((عفّاس))
غزاهم على وضح النقا و البرا مردود
على شان صفراً ما لها في البلاد اجناس
رباعٍبغرتها الرجا و النصر معقود
خطبها بأصايل غير هجنٍ تقول أقواس
وعيّا يبيع حبالها بالغلا مسعود
وجاهم بقومٍ يلبسون الحتوف لباس
سرايا على حافز وخف الولد و العود
واخذها بحد مفرقات المتن و الراس
و مسك حبلها و انكف بها فزعة المضهود
وابو زيد عاثوا في قطينه عيال دباس
سبو نوق ربعه و ذبحو زيد في صاهود
وصيته غصين الراك و المطرق المياّس"عذاب القلوب و كل ذي نعمةٍ محسود
لها غرة فيها بدور السنه جلاس
و من ذيل شقرا ما تمّل الطراد جعود
و خشم كما السله توسّط من النعاّس
وفمها مثل خاتم((سليمان ابن داوود))
عروس تقول ان الحرايب طرب و اعراس
تحنّا بها دم و تعطر بها بارود
تجي فالحروب بدون قلب وبدون احساس
تعزوى وجمّ الموت لعيونها مارود
نهار امس طرّت صدرها عن غلا ((محماس))
بعد صابته شلفا وشقّ نحره عبرود
وكنت اسمع الدم يتكلم وفاض الكاس
بالارواح و الارض امتلت فالكلام لحود
ومما سمعت اشعر بقلبي كمد و اعماس
من حزن فلاّح السوداني و راعي الذود
بعدها طويت عجاف الأيام و اليبّاس
على ليلةٍ تبعد عن اليوم عشر قعود
عصيٍ على التوصيف بارودها القباس
بعد ثار والمصمك خلد فالزمان خلود
ضحاها البشاير عمّت الدور و الأوناس
ونادى المنادي شاملت الدار ل((ابن سعود))
بطلها معزي راع الاجرب عريب الساس
اسد نجد الا نجد ظل الاسياد و المسيود
قبل شمسها كان الرياض النخل و الناس
سؤال على عبدالعزيز و متى بيعود
بعدها حبارى نجد من مخلب القرناس(59/182)
فمان الله البادي وهيبه يمين الجود
ذهب كن ((ابو تركي)) وكنّ الكلام نحاس
جمل كن ((ابو تركي)) وكنّ الشعر مفرود
ضحوكٍ لربعه و ان حرب للعدا عبّاس
خضوعٍ لربه في ليال الرخا و الكود
عسى زاهر الحوذان و الربل والبسباس
يهلّه سحاب في ربابه بَرَد و رعود
على قبر ((اخو نوره)) ((معزى)) صليب الراس
و يبطي مقيم و يرحم الله قبور ((العود))
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> بحار البحارين -3
بحار البحارين -3
رقم القصيدة : 66726
-----------------------------------
ماذا أعمل ...
أن أشد بذاءات العالم يزداد تألقها فوق لحاكم وأضاف قميء
عفنا كان يقوك بين القوم
وكنت تفرغ شحنتنا الثورية
يا بن الشحن السلبية
بطارية حزبك فارغة ماذا اعمل
والتفت الآخر لفتة من فاجأه الحيض وقال
تفاهمت مع السلطة تشتمها وتورطنا
أربأ أن تسمع ..ز واستعذ اللّه
فمهما قيل فأنت تعلم مثل نبي
سلمك المفتاح على الذمة بحار البحارين
وأعطاك السعفة
أعطاك طريق التبانة
أعطاك بان يصبح طفلا عند الحاجة للعب
وسيف حين يجد الجد
فأي الأشياء رأيت
وأي الأشياء ترى
لست أرى غير الدفة
هذا سفه بحري
إن معارفك الآن لغامضة جدا
وحجاب الجملة أعماك
لكن أين البصرة يا مولاي ؟
وما شأني بأبحر
إذاً ليوصلني البحر إلى البصرة
بل يوصلني البحر إلى البصرة
لا يوصلك البحر الى البصرة
بل يوصلني
لا يوصلك البحر الى البصرة
بل يوصلني البحر إلى البصرة
قلنا لا يوصلك البحر الى البصرة
احمل كل البحر وأوصل نفسي أو تأتي البصرة
إن شاء اللّه وبحكم العشق وأوصلها
فإذا أخرك الصف فماذا بعد
طير الوعد
تعال وصيحتك الممزوجة بالفجر
يا نبأ عن بحار البحارين
وما صنعت عاصفة الجزر بيه في الليل
هل ارتاب القلب المدمن
أم كان بيه ما يكفيه من الزاد وعلم البحر
وهل نسي الفردوس المفقود
وعاثت عاصفة الإفك بأمجاد طفولته
اعرف بحار البحارين
وهيهات يغادر صدر سفينته الحربية
رقطه الزمن السوء بالملح وزيت أصابعه(59/183)
صار هو اللون المألوف
لقد زعمت سفينة الأقزام ترافقه
وانكفأت حين رأته على الموجه
محتفلا بالغضب الكوني
ويستلم البرق من اللّه
والرقاة جميع الهزات الأرضية والرعد
كان يلم الأخلص من بحارة تلك الأيام
ومن في الجزر وفي الجزر الأقصى
قرءوا السنوات المطلوبة للمد
بحار البحارين بلا حد
والسفن الإيجار لها حد
قال وبين جوانبه نقطة حبر عالمة بالأنواء
كتاب البحر كتاب يتغير يا أحباب سفينتنا
والنوتي الفائق من يتنبأ قبل التغيير
وأخطاء النوتي الفائق تعني
ان النجم القطبي يغير موقعه
ورث النوتي هذا العلم المتضامن جدا عن جد
ضربت إحدى الموجات الدفة واضطرب الميزان قليلا
حدق بين الحلم وبين اليقظة هذا ليل قدري
والخشب الآكل ضرس أنياب الأمواج
فالقوا المرساة فاني آنس نارا
وأشار بإصبعه المتضخم للضوء الباهت في آخر الأفق
كان هنالك ميناء يكمن خلف الكون
وكانت في المركب ريح الأصقاع الثلجية
تمسح وجه النوتي إلا من آمن
رب النوتي قال الواقف فوق المركب
والمطر الأبيض يغسل بالطهر نبوءته
رب النوتي واحمل مصباحك بالعشرة أرواح
إن الميناء مخيف
وطريق المركب جد خطير وتكثر فيه الأ وجار
تنبيه بحار أزمن فيه البحر
وقد نبت منذ زمان الردة آثار التعذيب على فخذيه
خذ سكينك
لا تؤمن هذا الساحل
وانظر أشجار دم الأخوين تخبر أخبارا فاجعة
فالظلمة فاحشة وقد ينقلب الليل برغم إرادتنا
ويهذى يكمن في بعض الناس برغم دلالات الخير
نعذك يا سيد مركبنا
تجار الأخلاق كثيرون فعجل
نزل السيد
غاب وراء الطرقات المشبوهة يبحث عن درب المرأة
ذلك لا بد ...
في تلك اللحظات تدفقت الأشياء
ونزده الأخوين وعلق ثوب النازل في الطرقات المشبوهة
مضطرا
أحد يقتل في هذي الليلة
أو احد ينفي في هذي الليلة
محتمل أن يحصل تغير ما كنا نتوقعه
وحسبن كل حساب
إلا ان يكن الميناء هو القاتل
إلا ان يصعد هذا الميناء إلى الركب
يغري بعض البحارة ان يلقوا المرساة نهائيا(59/184)
إلا ان يصبح بعض البحارة مما كنا نأتمنهم مشتركين
اطفي فوانيس الخبرة
لا النجوم ولا القمر المعهود أضاء
فالزمر المنحط تلاقى
تتوزع .. وتنقض وتخرج ثوبك
قلبك كان يحس برودة خنجرها
تلك مؤامرة كشفت
واسر أمين البحارة كانت نارا خادعة
ان كتاب البحر كتاب يتغير يا أحباب سفينتنا
اخرج أوراقا باهتة أكل الدهر عليها
وتفحص خارطتي معتقتين فضيعتاه
قال إله الليل تظنون ظنونا خاطئة
سفن الثورة تستطيع مبحرة
فإذا وقفت يمتد إليها الميناء
أجاب السيد يا رب هو الماء
لقد دخل الماء سفينتنا
سفن الخلص لا تغرق بالماء
يقول الرب بل القلب إذا ارتاب بقدرته
والروح إذا تعبت
أرسل بحار البحارين فراسته
عجم البحر
قلب قرآن اللّه وإنجيل اللّه ورأس المال طويلا
فرأى الدب البيض والدب الأشقر والثعبان
وبعض البحارة متفقين على اللعب بلحيته
اقسم بالشعب وبالأيام الصعبة قاطبة
ليقاتلهم حتى يصلا المركب ثانية...
أو يهلك منتصرا
أبلى في الليل بلاء حسنا
قادم عقدين وبضعة أيام موحشة
وأحسن دوارا منذ شهور ينزف
والعمر تقدم بالمبحر
واختلط البر ...البحر... الغيم ... النجم ... الأم ... الليل
وألقى المتفقون القبض على قبضته
وأزبد من أزبد
أرعد من أرعد
واستحملت السلطة أنك سوف تطيع
واحضر في الليل صليبا ورفعت عليه
فما أحلاك أضفت على السكة فانوسا
اعرف أنك تبكي منفردا
أين البصرة يا رب...؟
صرخت ... أما وصلت
وسمعت ضجيجا وسخا طيلة تلك الليلة
كنت تعاني الموت
وكانوا يحتفلون
وقد سلبوا المركب والبوصلة الدرية
واعتقلوا البحارة
جاءوك صباحا بالصفقة ثانية
ثانية أنت من التعذيب بصقت عليهم
آذوك طويلا
منعوك ترى جسر الكرك الخشبي...
فما أتفههم
انزل في ظلمة قبو لا تأتمن فيه العقرب صاحبها
أنعش بالمسك وقيل
نريد بك الخير فما ألك لا تؤمن
خذ ما شئت من الميناء
أعرنا المركب والبوصلة الدرية
نوصل أموال أبي العباس السفاح
فان أمير البصرة منتظر والجامعة العربية منتظرون(59/185)
معاذ اللّه يكون الخصية في المركب
جميل يا سيد
يا سيف النظرات
جميل أنت .. بهي أنت ... عظيم أنت ..
وحين وقفت على الأرض بكل ثبات
وجميل أنت .. جميل حين بصقت على الصفقة
واستحليت ثباتك فازددت ثباتا .. ثبتك اللّه
منعوا صوتك ما أتفههم
زعما أنك مجنون ... معتوه .. صوفي وشيوعي
كيف جميعا
ما أتفههم... ما أتفههم
حملوا الميناء وبيت المال ورايتك الحمراء
ودست الباذنجان كذلك
فكيف جميعا
قال الجرد ذو الشيب المصبوغ لإخفاء الصفقة
تبقى جسدا للبوم والغربان ونبحر دونك
فاقبل قبل فوات الفرصة صفقتنا
شارك في الحل السلمي قليلا
أولد القحبة كيف قليل
نصف لواط يعني...
امتعضت روحك...
كنت كمن يجبر آت يأمل فأرا
هاج البحر وكشرت الأهوال
وكادت ريح قادرة ان تقلب كل مفاهيم البحر
وصار الدولاب يدور عليهم
والدفة توشك ان تقلب من يمسك عصمتها
ارتبكوا وحاق المكر بهم وأسروا
ألقوا المرساة نساوم هذا القذر المفزع ثانية
جهلوا مولاي مزاج البحر
وأما البوصلة الدرية فانطفأت ضاحكة
وقفوا بين يديك
وكأت العرق القطري يوسخهم
قالوا بالوحدة
لكن زادوا القطرية ذيلا قبليا
ورأيت الزبد الأبيض يذبل فوق كواهلهم
صعب الأمر عليك ..
تشوقت الى الوقفة فوق الدفة منفردا وحدك
يعلو الدولاب لعزم يديك
ووحدك تبحر في الليل وليس لديك صليب أو صنم
رايتك السعفة
والموج يقبل جأشك
فاقتربوا من قدميك وصاحوا والريح تغالبهم
بحار البحاران...
ليك الثلث من المركب
إن أوصلت حمولتنا
ويقول المالك...
يبقيك ومن شئت من النوتي في خدمته أبدا
وتفردت بهم....
أولاد الإفك يبيعونك نص سفينة عمرك
ثم يمنون عليك بان تخدم سيدهم
ابصق ثانية
هذى واللّه مكان البصق.. فابصق ..تبكي غضبا
يلعن كلا مبغي البصرة في العصر الجمهوري الجائر
قد منعوك ترى جسر الكرك الخشبي
وهذي السنوات التسع قد صهرتك من الحزن
وقالوا صوتك يخدش أخلاق الجمهورية
خافاك اللّه .. بقاؤك محض بقائك يفضحهم
ما ظل سوى حبل تحلق حول خناقك(59/186)
والقلب وراء ضباب البحر
يدخل كل الليل علامة عشق ووجود
فإذا احتد عليه الشوق سيشتعل
ولقد فتك بالبحار أريج مبالغ
وأوار الحمى ينكث روحك . والريح
ومال المركب للهوة بعد الهوة
يا سيد فانتشر روحك في الخشب الخف
إن مزاج الكون سيعتدل
*********
شعراء العراق والشام >> مظفر النواب >> بحار البحارين - 2
بحار البحارين - 2
رقم القصيدة : 66727
-----------------------------------
أطرق بحار البحارين وخبأ في الصدف الحي حكايته
فالعثة في بلد المعسكر
تفقس بين الإنسان وثوب النوم وزوجته
وتقرر صنف المولود
وأين سيكوي ختم السلطان على اليته
فإذا آمن بالحزب الحاكم فالجنة مأواه
وويل للمرق...
فالأنظمة العربية تشنقه قدام الدنيا قاطبة
تبقيه لساعات
ثمة تنسيق سري بين فنادقنا
أحد منكم لاحظ أن الصمت تكاثر..والجرذان..
وسيارات الشرطة حبل في الطرقات
بشكل لا شرعي وسخ
هذا الطقس دنيء جدا
ولذلك خبأ في الصدف الحي حكايته
وأقام على دولاب سفينته
عيناه من الحمى واحزن تألقتا بغمين كئيبين
ارسل تلك الحمى بغلاف من ورق الحزن لبيت حبيبته
جلست تغسل للحمى....
جدلت بالورد وبالزيت البارد
والنعناع جديلتها
سمع الجيران بكاء الحمى في الليل الأول من شعبان
قالوا نغلق هذا الشباك ونخلص من وجع القلب
لقد أشعث كل بنات الحي
وكون من حبات الدمع فراشة عمياء
وقمن إلى الشباك من النوم وأغلقنه
ونون النسوة ما نامت أبدا
نقطة نون النسوة مما تذرف دمعا مسحت
واتى النون هلالا فوق المرقب
كانت ريح قاسمة والمرقب شيء آن اللجة
سوف تقوم على آخرها
وعلى الدفة كان مهيضا في تلك الليلة من شعبان
يقاوم أحلاما ساطعة...يغلق عينيه
وأبواب الروح لشدتها
ويساءل أين الأرض
وأرسل قامته الغجرية بين نجوم الليل
وكان الوشم على رسغيه يكمل عقد النجم
تطول أيضا
أين تريد؟
فعنقك يمتد بأكثر مما قسم اللّه لها
قال كذلك قد خلقت
هذا منطق صوفي ...
أين تصوفت وجسد تنح لذات خضر(59/187)
أسكت...كيف تخمرت وأنت من الطين الفج
وتعشق طلع الصبح ولا يؤنسك الليل بلا جسد
تتركه في الصبح
تنوح الأغصان عليه وبالضدين يضيء
تقول: دخلت حدوثا الضوء
في العم الثالث كان الضوء المستور
وبعد...
وجاء ظلام أطفأ كل قناديلي حتى الموروثة منها
إذ ذاك تلمست طريقي
عثرت أقدامي بمن علمني...
صار هو العثرة
ضيعت من العمر طويلا كي أنهضه عبثا
فالجثة تتفسخ من أين أرادت أسندها
أعثرت بمن علمك أل...
أسفاه نعم
كيف؟
كذلك ... قال كذلك..
هذا طبع الأشياء
عند الأصوات الخارقة الإيقاع يشذ
أوحشني الدرب..
وأصبح صدري مدخرة في مطر لا ينبئ عن صحو
غرقت روحي إلا عقدة عشق آنذاك
والمركب يوشك أن يقطع رحلته
أبرق حرف من تحت الباب مهيبا
وأطل الرأس من القمر حول العينين
من الصرف ونحو الكوفة أشكال
لا الخط الثلث له هذا الحسن له
لا الكوفي ولا الرقعة أيضا
ورأيت ثياب العشق تضيق على جسدي
فتوضأت بماء الخلق...
أخذت بهذي القيثارة
دونت عقودا أربعة...
وشددت على وجع المفتاح الخامس والسابع
فاعترض النحو البصري علي
كذلك اعترض النحو الكوفي
وأجلس من لا أعرفه يعرف نحوا في الشام
دع الريح تهد هدك الهد هده إلا هدأ
نذرك كان كثير الشمع الأحمر ولآس
ومرت كل شموعك من تحت الجسر
وأبعدت كثيرا في البحر
فأين البصرة؟
آه صحيح..أين البصرة؟
البصرة بالنيات
لقد خلصت نياتي
حتى وتسلق في الليل عمق الألوان عليها
أين البصرة؟
مشتاق بوصلتي تزعم عدة بصريات
منذ شهور قلبي لا يفرح إلا بين النخل
أتسير ببوصلة؟
حين يكون لذلك فائدة
ما دخلت؟
إذا كنت بلا أمل
يا صاحب هذا الفلك المتعب أنت تسميه المركب
لا بأس عليك تفاءل ما شئت
أطلق ما ترتاح من الأسماء عليه
وصيف وبغى متفق على نفط البصرة
والمتوكل مشغول عن ذاك بشامة حسن على خصيته
فدع الرياح تهد هد هذا المركب شيئا
واسترخ فما تلك نهاية هذا العالم
مد ذراعك
فالشمس تريح الجسد المكدود
والفقراء المخلوقون من الخرف الليلي وخوف المتوكل(59/188)
بالسعف احتشدوا
ملئوا باب البصرة بالسل
وقد أطفأ برد الليل قناديل حماستهم
كان السياب مع الأطفال يحرك سعفته
انتظروك طويلا
أراهم أن السعفة تنفع...
لا بأسا بجرعة خمر تخدر لها عيناك وتذكر
ها أنت.
مصابيحك ترتعش الرعشة الحلوة للسكر
وتأخذ بكامل قوتها
ماذا ستخبرنا
أرقص قبل البدء... أريكم فرحي
ها أني أرقص...أضحك
ها أني.... أني... أني...
ثم يصير الرقص وقورا
قاومت جميع الأطراف بهذي السعفة حتى بريت
رفعت عليها الراية يا صبية....
بين السفن الخصية
تحمل سفودين عظيمين
وبفتح أحفاده البصرة فوهة النور عليك
فما أجمل العين يا رب
وعقد من القهر وأنت بهذا البحر
أما أكل الضجر المالح جنبيك؟
تمسكت بهذي السعفة
من كان له سعفته في الليل سينجو
اعتصموا بالسعف جميعا
والوحشية يا قبطان اجبنا
كيف قدرت على الوحشة
تزوي عينيك قليلا
أو قدت بها عشق الناس وداويت ظلامي
يا سيد في البحر العاصف
هل أحببت كذلك
أكثر مما في الأرض وفي اليوم الهادئ
تملك أحلى الهمزات وأحلى ميم أعرفها
أنصت أولاد الوسخ لتروك إليك
فأنت تعلم مثل نبي
فإذا أنت أتيت البصرة أنكرك الحسن البصري
وآه مما يتقلب هذا الحسن البصري
وآه مما كشفوا فخذيك وكانا مبتهجين
كثور يتفرغ للإتيان بحرب السلطة
حتى شهق الخلق وزاغ البصر
قيل معاذ اللّه فما هذا بشر
هذا مارس كل طقوس العالم بالسلطة قدام الجمهور
وألب حتى الدرجات المنحطة جدا
مولانا كان يعلم خارجا ما علمه الكهان
وسفه كل معابدنا
يا حضرة حاكمنا .
مشتبه يعشق جسر الرخ الخشبي
ولا يعشق جسر الدانوب كذلك
وارتفعت شهقات من غرب وشرق المجلس منكرة
يرتكب الكفر الأمي
يخوزق أعراض الطبقات المرموقة
يرفع خصية ثور
يهزأ قدام جمهور السادة والحرم الجمهوري
ويشتم تكيتنا
قالوا يقتل .. ينفى
يقتل .. لا تكفي هذه
لا بد يشوه بعد القتل ثلاث مرات
آه ... صرخ الوزراء الفارون
يدوس على ذيل وزير النفط
يقال ..
وزير النفط لديه ذيل يخفيه بكيس أمريكي(59/189)
ويصوت ضد الإرهاب بيه
مولانا...
يزعم أن مشايخ أبو طبي والبحرين ورأس الخيمة
يخفون ذيولا أرفع من ذيل الفأر
وحين يخرون سجودا للشاة..
تبين قليلا من تحت عباءتهم ويبشر بالخازوق
اخو زقكم .. يا ديدان
اخو زقكم ...
اسمع يا والي البصرة قال لنا يا ديدان
وقال يخو زقنا
خوزق .. خوزق..
صرخ المصنعون من الجوع وقام الخازوق الباسل
خوزق .. خوزق ...
هاتوا الملك السلس
هذا الملك يستأنس بالخازوق
وذلك حزب يتخوزق مختارا
لا إكراه ولا بطيخ بمحض إرادته
يا سيد .. فاحمل سعفتك الآن نبيا
حرك بيت العقرب تخرج مكرهة
يا حاكمنا - صاحب طائفة الخلقيين -
يوشي الجمل الربانية في الشعر بمفرده
يخجل منها المعجم
---------
يتبع ...
بحار البحرين - 3
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> سبيل الجَماهير
سبيل الجَماهير
رقم القصيدة : 66728
-----------------------------------
لو أنَّ مقاليدَ الجَماهير في يدي
سَلَكتُ بأوطاني سبيلَ التمرُّدِ
إذن عَلِمَتْ أنْ لا حياةَ لأمّةٍ
تُحاولُ أن تَحيا بغير التجدُّد
لوِ الأمرُ في كَفِّي لجهَّزتُ قوّةً
تُعوِّدُ هذا الشعبَ ما لم يُعوَّد
لو الأمرُ في كفِّي لاعلنتُ ثورةً
على كلِّ هدّام بألفَي مشيِّد
على كُلِّ رجعيٍّ بألفَي منُاهضٍ
يُرى اليوم مستاءً فيبكي على الغد
ولكننَّي اسعَى بِرجلٍ مَؤوفةٍ
ويا ربَّما اسطو ولكنْ بلا يَد
وحوليَ برّامونَ مَيْناً وكِذْبَةً
متى تَختَبرهُم لا تَرى غيرَ قُعدد
لعمرُكَ ما التجديدُ في أن يرى الفَتى
يَروحُ كما يَهوَى خليعاً ويغتَذي
ولكنَّه بالفكر حُرّاً تزَينهُ
تَجاريبُ مثل الكوكَبِ المُتَوقِّد
مشَتْ اذ نضَتْ ثَوبَ الجُمود مواطنٌ
رأت طَرْحَهُ حَتماً فلم تَتردَّد
وقَرَّتْ على ضَيْم بلادي تسومُها
من الخَسف ما شاءَتْ يدُ المتعبِّد
فيا لك من شعبٍ بَطيئاً لخيرِه ِ
مَشَى وحثيثاً للعَمَى والتبلُّد
متى يُدْعَ للاصلاح يحرِنْ جِماحُه
وان قيد في حبل الدَجالةِ يَنْقد(59/190)
زُرِ الساحةَ الغَبراء من كل منزلٍ
تجد ما يثير الهَمَّ من كلِّ مَرقد
تجد وَكرَ أوهامٍ ، وملقَى خُرافةٍ
وشَتّى شُجونٍ تَنتهي حيثُ تَبتدي
هم استسلموا فاستعبَدتْهم عوائدٌ
مَشت بِهمُ في الناس مشيَ المقيَّد
لعمْركَ في الشعب افتقارٌ لنهضةٍ
تُهيِّجُ منه كل اشأمَ أربد
فإمّا حياةٌ حرّةٌ مستقيمةٌ
تَليقُ بِشَعبٍ ذي كيان وسؤدُد
وإمّا مماتٌ ينتهَي الجهدُ عِندَهُ
فتُعذَرُ ، فاختر أيَّ ثَوْبيَك ترتدي
وإلا فلا يُرجى نهوضٌ لأمّةٍ
تقوم على هذا الأساس المهدَّد
وماذا تُرَجِّي من بلاد بشعرة
تُقاد ، وشَعب بالمضلِِّّين يَهتدى
اقول لقَومٍ يجِذبون وراءهُم
مساكين أمثالِ البَعير المعبَّد
اقاموا على الأنفاس يحتكرونها
فأيَّ سبيلٍ يَسلُلكِ المرءُ يُطردَ
وما منهمُ الا الذي إنْ صَفَتْ له
لَياليه يَبْطَر ، او تُكَدِّرْ يُعربِد
دَعوا الشعبَ للاصلاح يأخذْ طريقَه
ولا تَقِفوا للمصلحينَ بمَرْصَد
ولا تَزرعوا اشواككم في طريقه
تعوقونه .. مَن يزرعِ الشوكَ يَحصِد
أكلَّ الذي يشكُو النبيُّ محمدٌّ
تُحلُونَه باسم النبيِّ محمّد
وما هكذا كان الكتابُ منزَّلاً
ولا هكذا قالت شريعةُ لَموعد
اذا صِحتُ قلتُم لم يَحنِ بعد مَوعد
تُريدون إشباعَ البُطون لمَوعد
هدايتَك اللهمَّ للشعب حائراً
أعِنْ خُطوات الناهضين وسدِّد
نبا بلساني أن يجامِلَ أنني
أراني وإنْ جاملتُ غير مُخَلَّد
وهب أنني أخنَتْ عليَّ صراحتي
فهل عيشُ من داجَي يكون لسرمَد
فلستُ ولو أنَّ النجومَ قلائدي
أطاوع كالأعمى يمين مقلدي
ولا قائلٌ : اصبحتُ منكم ، وقد أرى
غوايَتكم او انني غير مهتدي
ولكنني ان أبصِرِ الرشد أءتمرْ
به ومتى ما احرزِ الغي أبعد
وهل انا الا شاعر يرتجونَه
لنصرة حقٍ او للطمةِ معتدي
فمالي عمداً استضيمُ مواهبِي
وأورِدُ نفساً حُرَّةً شرَ مَورد
وعندي لسانٌ لم يُخِّني بمحفِلٍ
كما سَيْف عمروٍ لم يَخنُه بمشْهَد(59/191)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> سلمى على المسرح
سلمى على المسرح
رقم القصيدة : 66729
-----------------------------------
x
العبي فالهَوى لَعِبْ
وابعثي هِزَّةَ الطَرَبْ
مثِّلي دوَرك الجميلَ
على شرعةِ الأدب
أحسني نُقلةً وان
تَعِبَت هذه الرُكَب
فعلى وَقْع خَطوِها
يتنّزى حشىً وَجَب
روِّحي هذه النفوسَ
فقد شفَّها التَعَب
إجذبيها الى الرِضا
ادفعيها عن الغَضَب
لاتغرَّنِْكِ اوجهٌ
كطِلاء من الذَهَب
وثغور تضاحَكَت
كانعكاسةِ اللَهَب
فتِّشي عن دخائلٍ
غُيِّبَت تشهدي العَجَب
كل هذا الهياج من
أجل مرآكِ والصَخَب
ضاربُ العود ما دَرى
أيَّ اوتارِه ضَرَب
اعذريِه فإنّه
بَشَرٌ مثلُنا اضطَرَب
واقبَلي القلبَ إنّه
لك من أضلُعي وَثَب
نَسَبٌ بَينَنا الهَوَى
احفظي حُرمةَ النَسَب
رب يومٍ جذبت فيهِ
لي الأنسَ فانجذَب
ولمستُ الشبابَ في
رَيعِه بعد ما ذَهَب
حبُ " سلمى " فتىً رأَى
كلَّ ما يشتهي فحَبّ
شاعرٌ بالحياة لا
يَزدهَيه سِوى الطَرَب
انتِ " سلمى " إلى الحياةِ
وأفراحها سَبَب
أنتِ " سلمى " أجَلَّ من
الفِ عبدٍ لألف رَبّ
تتخلى الهموم إذ
تتجلين والكُرَب
ولهم باسمِ أمةٍ
سحقت غاية الارب
اثقلوا ظهرهَ كما
عضَّ بالغارب القَتَب
تركوا " الجذع " للبلاد
واختصوا بالرطب
افتحي لي سَلْمى يديك
يُقَبِّلْ يديكِ صَبّ
أبعديني عن " السياسة "
والغشِ والنَصَب
ولكي نُحرق الجميع
هَلُمي الى الحَطَب
وإذا لم يكن خذي
بعضهم انهم خشب
أإلى العيش كلُّهمْ
انا وحدي الى العَطَب
انا وحدي فيهم
ترجلت والكل قد ركب
نهبَ الشعبُ كلَّه
فهنيئاً لمن نَهَب
وهنيئاً لمن غزا
وهنيئاً لمن سَلَب
وهنيئاً لمن " تنَّمرَ "
او خانَ او كَذَب
ان كل الذي ترين من
" الجاه " و " الرُتَب"
ومن " النفخ " بالزعامة
والاسم واللقَب
واصطيادٍ بحجةِ " الوطن "
الجائع الخَرِب
هو عُقبى تَقَلُّب القوم
عاش الذي انقَلَب
خسر الدّرةَ البطيء
وفاز الذي حلب(59/192)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تأبين الغراف الميت
تأبين الغراف الميت
رقم القصيدة : 66730
-----------------------------------
عُمِرَتْ ديارُ شَراذمٍ دُخّال
أسفاً عليك وأنتَ قَفرٌ خالِ
عُمِرَتْ ديار " الطارئين " ونُكِّستْ
دورٌ شَراها أهلها بالغالي
بالروح يُزهقُها الغَيورُ على الحمى
والمالُ يبذله عدوُ المال
بدت البيوتُ الخاوياتُ حزينةً
محفوفةً بالشوكِ والأدغال
وكأنما شُرفاتها مغبرَّة
أشباحُ الآمٍ وَقفْنَ حيالي
يا عابرينَ على الطريقِ تلفتوا
وتَبَصَّرُوا بتقلُّبِ الأحوال
هذي البيوتُ الموحشاتُ عِراصها
كانت تُحَطُّ بها عصا التَرْحال
نُحرَتْ هنا كُومُ النياق وأوقدَتْ
نارُ القِرى للطارق المِحلال
هذي الديارُ ديارُ كلِّ سَمَيْذَعٍ
حامٍ لحوزةِ غابهِ رِئبال
هذي الديارُ ديارُ كل مُرَحِّب
بالوافدين مُشَمِّر السربال
ولقد يُرى في نِعمةٍ محسودةٍ
هذا الذي تَرثيِه في الأسمال
هذا المشرَّدُ كان مَأمَلَ طالبٍ
ومناخَ أطلاح وخدنَ عوالي
أسفاً يهدُّ الجوع منكَ بطولةً
يامعدِنَ الأشبالِ والأبطال
يا معدِنَ النَفَرِ الذينَ تقسَّموا
لسماحةٍ ورَجاحةٍ ونِزال
ذُخِرَتْ لأيامِ السرورِ فلائلٌ
نَزلتْ على الأوطانِ شرَّ عِيال
وبنوكَ قد ذُخِروا ليومِ كريهةٍ
وضريبةٍ و مجاعةٍ وِقتال
تلك السواعدُ فعمةٌ مفتولةٌ
أرخَتْ أشاجعَها يدُ الإقلال
ولقد وَقفتُ على مَصبِّك وَقفةً
لا ينمَحي تَذكارُها من بالي
أما مسيلُ الماء فيكَ فإنه
يَبَسٌ تعاورَهُ مسيلُ رِمال
أعيا لسانَ القولِ فرطُ تَلجْلُجٍ
فيه فساعدَهُ لسانُ الحال
خالستُ موقفَ صاحبي فوجدتُه
وهو الرزينُ مهيَّج البِلبال
ولقد يعزُّ على الشُعور وأهلِهِ
مرأى البلادِ بمثل هذي الحال
وفحصتُ أطرافي فكانت كلُّها
توحي الىَّ معرّة الإهْمال
يا ساكني " الغراف " ما قدرُ الذي
يأتيكُمُ من شاعرٍ قوّال
أو أبعثُ الأملَ المريحَ اليكُمُ
أنا مثلكُمْ متصدِّعُ الآمال(59/193)
أنا مثلُكم أسلمتُ كلِّ عواطفي
لليأسِ يأخذُها بكلِّ مَجال
في ذمة التاريخِ ما جُرِّعتُمُ
من غُصَّةٍ ، في ذمة الأجيال
قد قلتُ للنَفَرِ القليلِ خِيارُهم
لو كانَ ثمةَ سامعٌ لمقالي
هاتوا من الأعمال ما يقوى على
تصديقِ بعضِ خوادِع الأقوال
أولا فانَّ الشعبَ دوّى يأسُه
اخشَوا عواقبَ يأسِه القَتّال
ما يمنعُ الساداتِ أن يتفكروا
بمصير أعبِدَةٍ لهُمْ ومَوالي
شعبٌ على شكلٍ تمشَّى حكمُهُ
أبداً برغم تخالُفِ الأشكال
وأمضُّ من قَحْط السنين بأمةٍ
مشلولةِ الأعمالِ قحطُ رجال
شعبٌ أراد به الوقيعةَ خصمُهُ
وبنوه فهو ممزَّقُ الأوصال
شُغِل الفراتُ بضيمه عن دجلة
ونسى جنوبيّ العراق شمالي
وإذا سألتَ الرفقَ كان جوابُهُم
ما للقلوبِ الموجَعاتِ ومالي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عتاب مع النفس ..
عتاب مع النفس ..
رقم القصيدة : 66731
-----------------------------------
ءعتَبْتُ وماليَ مِن مَعتبِ
على زَمَنٍ حُوَّلٍ قُلَّبِ
أُنلصِقُ بالدهر ما نجتوي
ونختصُّ نحن بما نجتبي ؟!
كأنَّ الذي جاء بالمَخْبثاتِ
غيرُ الذي جاء بالطَّيب!
وما الدهرُ إلا أخو حَيدةٍ
مُطلٌ على شرَفٍ يرتبي
يُسجّلُ معركةَ الكائناتِ
مثلِ المُسجّل في مَكتب
فما للزمانِ وكفّي إذا
قَبضتُ على حُمةَ العقرب؟!
وما للَّيالي ومغرورةٍ
تُجَشِّمُني خَطرَ المركب؟
بِنابيَ، مِن قبلِ نابِ الزمان
ومن قبل مِخلبه مِخلبي
تَفَرَّى أديميَ ، لم أحَترِس
عليه احتفاظاً ولم أحدَب!
بناءٌ أُقيمَ بجَهد الجُهود
وَسهرةِ أُمٍّ ورُعْيا أب
وأضْفَتْ عليه الدروسُ الثِقالُ
لوناً من الأدب المُعْجِب
عَدوتُ عليه فهدَّمتُه
كأن ليس لي فيه من مطلب!
يداي َ أعانت يدَ الحادثات
فَرُنِّقَ طوع يدي مشربي
أجِد وأعلمُ عِلمَ اليقين
بأني من الدهر في ملعب!
وأنّ الحياةَ حَصيدُ الممات
وان الشروقَ أخو المغرب!
وإني على قدْر ما كان
بالفُجاءاتِ مِن قَسوةٍ كان بي
بَعثْنَ البَواعثَ يَصْطَدنَني(59/194)
وأبصرتُ مَنجى فلم أهرب!
وثارتْ مُخّيلتي تَدَّعي
بأنَّ التَنزُّلَ مَرعى وبي
وأن الخيانةَ ما لا يجوزُ
وأنَّ التقلّبَ للثعلب
وأنْ ليس في الشرِّ من مغنم
يُعادِلُ ما فيه مِن مَثْلَب
ولما أُخِذْتُ بها وانثنيتْ
نزولاً على حُكمها المُرهِب
ووَطَّنْتُ نفسي ، كما تشتهي
على مَطْعمٍ خَشِنٍ أجْشَب
مشى للِمثالبِ ذو فِطنةٍ
بقوَّةِ ذي لِبد أغلب
جَسورٍ رأي أنّ مَن يَقتحمْ
يُحكَّمْ، ومن يَنكمشْ يُنْهَب
وأفرغَها من صُنوفِ الخِداعِ
والغشَّ في قالبٍ مُذْهَب
فرفَّتْ عليه رَفيفَ الأقاح
في مَنبِت نَضرٍ مُعشِب
تُسمَّى خَلائقَ محمودةً
ويُدعَ ى أبا الخُلُقِ الأطيب!
وراحَ سليماً من الموبقات
ورُحتُ كذي عاهةٍ أجرب!
ولم أدرهِها عِظَةً مُرَّةً
بأني متى أحَترِسْ أُغلَب
ولكنْ زَعمتُ بأن الزمانَ
دانٍ يُسفُّ مع الهيدَب
ويومٍ لَبستُ عليه الحياةَ
سوداء كاللَّيلة الَغْيهَب
أرى بَسمةَ الفجرِ مثلَ البُكاء
وَشدْوَ البَلابل كالمَنْعب!
وبِتُّ عكوفاً على غُمَّتي
حريصاً على المنظر المُكْرِب!
وَبعثرتُ هاجعةَ الذكريات
أُفَتّشُ عن شَبَحٍ مُرعِب!
حَملتُ همومي على مَنكِبٍ
وهمَّ سوايَ على مَنكِب
ولاشيتُ نفسيَ في الأبعدين
أُفكّرُ فيهمْ ، وفي الأقرب!
ولمَّا فَطَنتُ على حالة
تَليقُ بمنتحِرٍ مُحرِب..
نسيتُ بأني اقَترفْتُ الذنوبَ
وانصَعتُ أبحثُ عن مُذنِب!
أخذتُ بمخنَق هذا الزمان
لم يفتَكِرْ بي ولم يحسِب!
ويومٍ تَنَعَّمْتُ مِن لَذَّةٍ
متى لم أُنعَّمْ بها تذهب
ولمَّا انطوتْ مثلَ أشباهِها
وكلُّ مَسيلٍ الى مَنضَب..
تَخيَّلتُ حِرصاً بأن الزمان
عدوُّ اللُبانةِ والمأرَب
وأنّ الطبيعةَ والكائناتِ
ما يَستبينُ وما يَختبي
تألبنَ يَسلُبْني فُرصةً
من العُمْرِ إنْ تنألا تَقْرُب!
وأن الزمانَ مشى مُسرعاً
يُزاحمُ مَوكُبهُ مَوكبي !
وأن الكواكبَ طُرّاً سعُدْنَ
ولم يَشْقَ منها سوى كوكبي ّ !
وأنيَ لو كنت في غَمرةٍ
مِن الفكر أو خاطرٍ مُتعِب(59/195)
لقَلَّلَ من خَطوةِ جاهداً
كمشْيَةِ مُثْقلةٍ مُقرب!
ورُحتُ أُشبِّهُ ما فاتني
من العيش بالبارق الخُلَّب
مُغاَلطَةً ، إنّ شرَّ العَزاءِ
تعليلُ نفسك بالمُكذَب!
وإني على أن هذا المزاج
رمانيَ بالمُرهِق المُنْصِب
وكنتُ على رُغم عُقْمِ الخليِّ
أهوى حياةَ خليٍّ غبي
لأحمِلُ ، للفُرَص السانحاتِ
وللأرْيحيَّة، نفْسَ الصبي
طليقاً من التَبِعات الكثارِ
حُرَّ العقيدة والمذهب
طَموحاً وأعرفُ عُقْبى الطُموح
فلا بالدَّعِيِّ ولا المُعْجَب
تَمَتَّعْتُ في رَغدٍ مُخصِب
وهُذّبتُ في يَبَسٍ مُجدِب
و أفضَلُ من رَوَحاتِ النعيم
على النفس مَسغبَةُ المُترِب
فانْ جِئتُ بالمُوجعِ المشتكي
فقد جئتُ بالمُرقِص المُطرِب!
دَع الدهرِ يذهبْ على رِسْلهِ
وسرْ أنتَ وحدكَ في مَذهب
ولا تَحتفِل بكتاباتهِ
أرِدْ أنت ما تشتهي يُكتب !
فانْ وَجَدَتْ دَرَّةً حُلوةً
يداك ، فدُونَكَها فاحلِب
فانَّ الحماقةَ أنْ تَنثني
مع الواردينَ ولم تشرَب
تَسَلَّحْ بما اسطعتَ من حيلةٍ
إلى الذئبِ تُعزَى ، أو الأرنب
وإنْ تَرَ مَصلحةً فاصدقنَّ
وإنْ لم تَجِدْ طائلاً فاكذب!
ولا بأسَ بالشرِّ فاضرِبْ به
إذا كان لابُدَّ من مَضرَبَ
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الشاعَر: ابن الطبيعَة الشَاذ !
الشاعَر: ابن الطبيعَة الشَاذ !
رقم القصيدة : 66732
-----------------------------------
إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ
سبيل العيشِ وَعْرٌ لا يُشَقُّ
وما سهلٌ حياةُ اخي شُعورٍ
من الوجدان ينبُضُ فيه عِرق
أحلَّتْهُ وداعتُه محيطاً
حَمَتْه جوارحٌ للصيد زُرق
تفيض وضاحةً والعيشُ غِشٌ
سلاحك فيه أن يعلوك رَنْق
وتحمل ما يحلّ من الرزايا
قُواكَ وقد تخورُ لما يَدِقّ
يطُن الناسُ أنّك عُنجهُيُّ
وأنتَ وَهُم بما ظَنّوا مُحِقّ
قليلٌُّ عاذروكَ على انقباضٍ
أحب الناسِ عند الناسِ طَلْق
ووجهٍ تُقطُر الأحزانُ منه
على الخُلَطاء مَحمِلُه يشِقّ
شريكُكَ في مِزاجك من تُصافي(59/196)
له شِقٌ وطوعُ يديك شِق
وقبلاً قال ذو أدَب ظريفٍ
قِرى الأضياف قبلَ الزاد خُلْق
وعذرُك أنت آلامٌ ثِقالٌ
لهنَّ بعيشةِ الأدباء لَصق
أحقُّ الناس بالتلطيف يغدو
وكل حياتِه عَنَتٌ وزَهْق
تسير بك العواطفُ للمنايا
وعاطفةٌ تسوءُ الظُفرَ حُمق
وحتى في السكوت يُرادُ حزمٌ
وحتى في السلامِ يُرادُ حِذق
يريد الناسُ أوضاعاً كثاراً
وفيك لما يُريدُ الناسُ خَرق
خضوعُ الفرد للطبقاتِ فَرضٌ
وقاسيةٌ عقوبةُ من يَعِقّ
نسيجٌ من روابطَ محكماتٍ
شذوذُ العبقريةِ فيه فَتْق
وعندّكَ قوَّةُ التعبير عما
تُحسُّ ، وميزةُ الشُعَراء نُطْق
حياتُك أن تقولَ ولو لهاثاً
وحُكمٌ بالسكوت عليك شَنْق
فما تدري أتطلق من عنان القريحةِ
أم تُسفُّ فتُستَرَقّ
فان لم تُرضِ أوساطاً وناساً
ولم تكذِبْ وحُسْنُ الشعرِ صِدق
ولم تقلِ الشريفُ أبو المعالي
وتَعلَمُ أنه حمَقان مَذْق
ولم تمدحْ مؤامرةً وحُكما
بأنهما لميلِ الشَعب وَفق
دُفِعتَ الى الرعاع فكان شتمٌ
ورحتَ إلى القضاء فكان خَنْق
بقاءُ النوع قال لكلِّ فرد
" أُحطُّ شمائلي عَدل ورِفق "
قلوب صِحابتي غُلْفٌ ووِرْدي
لمن لم يعرف التهويش طَرْق
وصارمةٌ نواميسي وعندي
لمن لا يسحَقُ الوجدانَ سَحق
وإني لاحبٌ بالظلم سهلٌ
ومنحدِرٌ لصافي القلب زَلْق
غريبٌ عالم الشعراء تقسو
ظروفهم والسنُهم تَرِق
كبعضِ الناس هُمْ فاذا استُثيروا
فبينهم وبين الناس فَرْق
شذوذُ الناس مُختَلَق ولكنْ
شذوذُ الشاعر الفَنّان خَلْق
وإن تعجَبْ فمن لَبِقٍ أريبٍ
عليه تساويا سَطْحٌ وعُمْق
تضيق به المسالكُ وهو حُرٌّ
ويُعوِزُهُ التقلُّب وهو ذَلْق
وسرُّ الشاعرية في دِماغٍ
ذكيٍ وهو في التدبير خَرْق
تَخبَّط في بسائِطهِ وحَلَّت
على يَدهِ من الأفكار غُلْق
مشاهيرٌ وما طَلَبوا اشتهاراً
مَشَتْ بُرُدٌ بهم وأُثيرَ بَرق
ومَرموقونَ من بُعدٍ وقُربٍ
لَهمْ أُفُقٌ وللقمرين أُفْق
ومحسودونَ إن نَطَقوا وودُّوا
بشَدق منهُمُ لو خِيطَ شَدْق(59/197)
يُعينُ عليهُمُ رَشْقُ البلايا
من التنقيد والشتَمات رَشق
فاما جَنْبةُ التكريم منهم
فبابٌ بعضَ أحيان يُدَقّ
متى تُحسِن مدائحَهُمْ يَجِلّوا
كما اشتُريِتَ لحُسن اللحن وُرْق
وإلا غُودِروا هَمَلا ضَياعاً
كما بَعدَ الشرابِ يُعاف زِقّ
ورب مُضيَّع منهم هباءاً
يَشيدُ بذكرهِ غَرب وشَرق
تَزيَّنُ في الندى له دوَاةٌ
ويُعرَض في المتاحف منه رَق
فيا عجباً لمنبوذٍ كحَق
يقدَّر من بديع نَثاه عِلْق
وفي شتى البلاد يُرى ضريحٌ
عليه من نِثار الوَرد وَسق
يُجل رفات أحمدِه فرات
وتَمسح قبرَ أحمدها دمشق
ومفرق ذاك شُجَّ فلم يُعقِّب
وُروعٌ ذا وسد عليه رزق
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الى البعثة المصرَية ..
الى البعثة المصرَية ..
رقم القصيدة : 66733
-----------------------------------
رُسُلَ الثقافةِ من مُضَرْ
وَجْهُ العراق بكِم سَفَرْ
حَرَصَ القضاء عليكم
وَرَعتْكُمُ عينُ القَدَر
جئتتُمْ وهاطلةُ الغَمام
معاً ورُحْتُم والقمَر
رشَّ السماءُ طريقَكم
أيُحبُّكم حتى المطر !
في القلبِ منزلُكم وبين
السَمع منا والبَصر
نحن الحُجولُ وانتم
في كل بارزةٍ غُررّ
ليل الجزيرة لم يكنْ
لولاكمُو فيه سَحَر
يا سادتي ان العراق
جميعُه بكُمُ ازدَهَر
والمحتفونَ بكم وإنْ
كانوا ذوي كَرٍّ وفَرّ
وجميعُهُم اهلُ البلاد
ولا يُقاسُ بِما نَدَر
فأجَلُّ من زُمَرٍ تَلَقَّتْكُمْ
قد اختبأتْ زُمَر
وأجَلُّ ممن قادَهُمْ
حبُّ الظهورِ مَن استَتَر
خَفيَت ذواتٌ جَمّةٌ
وبَدَتْ لكم بعضُ الصُور
وأُزيِحَ من ظَفِروا به
ومشى اليكم من ظَفِر
ملءَ النوادي معجَبون
بفضلِكِم ملء الحَجَر
كنَّهُمْ لم يملِكوا
حقّ الجلوس على السُرُر
غيرُ المناسِب ان يَمسَّ
حريرَ سادَتنا الوَبَر
فاذا أرَدْتُم ان يُتاح
لهم بصُحبْتكم وَطَر
فضَعوا بقارعةِ الطريق
لَهُم بُيوتاً من شَعَر
وسيسُمعونَكُمُ من الترحيب
خاتَمةَ السُوَر
وَضْع العراقِ خذوه من
عذبَات أقلامِ أُخر(59/198)
ولحفظِ حُرِيّاتِهِمْ
من أن تُداسَ وتُحتَقَر
لَتُرحْ لمصرَ سُعاتُكم
ليَجئْكُمُ منها خَفَر
هم مُرهقون لانَّهمْ
لا يصدَعون لمن أَمَر
ومُضايَقون لانَّهمْ
ما في عزائِمهم خَوَر
عندي مقالٌ يستَوي
من لامَ فيه ومن عَذّر
سقَطَتْ على الأرض الثمار
وجاءَكم يمشي شَجَر
ماذا احدّثُكُمْ حديثَ
القَلب من جَمْر أحَرّ
كلُّ المسائل مُرَّةٌ
وسكوتُنا عنها أمَر
أعليكم يَخفَى وفي
كلِّ الورى ذاعَ الخَبر
لستُمْ من القوم الذينَ
يُخادَعون بما ظَهَر
حتى نغالِطكم ونزعمُ
أنَّنا فوقَ البَشر
رُسلَ الثقافة من أجلِّ
صفاتِكم بُعْدُ النَظر
ولداُتنا في كلِّ نَفع
للسياسةِ أو ضَررَ
غَطَّى علينا سادتي
وعليكُمُ جِلدُ النَمِر
وعلى السَواء لنا كما
لكُمُ يُكادُ ويُؤتمرَ
وعلى قياسٍ واحدٍ
حُفِرتْ لكم ولنا الحُفَر
انتُمْ لنا عِبرٌ وفيما
نحن فيه لكُمْ عِبَر
عن أي شيءٍ تَسألون
فكل شيء مُحتكَر
لم يخلُ دَرْب من عراقيلٍ
ولم يسَلَم مَمَرّ
وسَلُوا الخبيرَ فانني
ممن بواحدةٍ عَثَر
حتى لقد اشفقت أن
يعتاقَ رحلتَكم حَجَر
تهتاجُنا النعرات طائشةً
وينجَحُ من نَعَر
في كلِّ حَلق نغمةٌ
ولكلِّ أنملةٍ وَتَر
ويعاف من لم يرض
أصحاب النفوذِ وينتهِر
تمشى سموم المُغرِضين
بسُوحنا مشيَ الخَدَر
يتقاذَفُون عقولَنا
وقلوبَنا لَعِبَ الأُكر
ولقد نُُصفِّق للخطيب
ونحن منه على حَذَر
باسم البلاد يجل من
جرَّ البلادَ الى الخَطَر
يا سادتي : لا ينتَهي
فيضُ الشعور اذا انفَجَر
ولكي أريحَكُمُ أجيءُ
لكم بشيء مُختَصَر
إن السياسة لَم تبقِّ
على البلادِ ولم تَذَر
وبرغم ما في الرافدينِ
من المصائبِ والغِيَر
وبرغم أنا قد تزعَّمَ
عندنا حتى البَقَر
فهنا شبابٌ ناهضونَ
عقوقُهم إحدى الكُبَر
كِتَلٌ تَحَفَّزُ للحياة
يسوقهُا حادٍ اغّر
تمشي على نُور الثقافة
مشيَ موثوقِ الظَفَر
فيها الشجاعةُ من عليٍّ
والسياسةُ من عُمّر
واذا أمَرتُم ان أسامرَكم
فقد لذَّ السَمَر
عن نَهْضةٍ أدبية(59/199)
ما إن لها عنكُمْ مَفَر
لولاكُمُ ما كان للشعراء
فينا من أثَر
قبر الاديبِ الالمَعَيِّ
هنا وفي مصرَ انتَشَر
الله يُجزي من أفاد
ومن أعانَ ومن نَشَر
اني اسائلُكم وأعلَم
بالجواب المُنتَظَر
هل تَقبَلون بأن يقالَ
اديبُ مصرَ قد افتَقَر
او أنَّ " شوقي " من
حَراجة عيشِه كالمُحتَضَر
او أنَّ " حافظَ " قد هوى
فتجاوبونَ : الى سَقَر
حاشا : فتلكَ خطيئةٌ
وجَريمةٌ لا تُغتَفَر
" شوقي " يعيشُ كما يَليقُ
بمن تَفكِّر او شَعَر
وسطَ القصورِ العامراتِ
وبين فائحةِ الزَهَر
برعايةِ الوطَن الأعَزِّ
وغيرةِ الملِك الأبَر
وتحوطُ ابراهيمَ عاطفةٌ
الأمير من الصِغَر
أما هُنا فالشعر شيء
للتملُّح يُدَخَر
وعلى السواءِ اغابَ
شاعرُنا المجوِّدُ أم حَضر
سَقَطُ المتاع وجوُده
عند الضرورة يُدَّكَر
في كل زاويةٍ أديبٌ
بالخمول قد استَتَر
وقريحة حَسَدوا عليها
ما تجودُ فلم تثر
والى اللقاءِ وهمُّنا
أن الضيوف على سَفر
جَمَعَ الالهُ مصيرَنا
ومصيرَ مصرَ على قَدَر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الأوباش..
الأوباش..
رقم القصيدة : 66734
-----------------------------------
جهِلنا ما يُراد بنا فقُلنا
نواميسٌ يدبِّرها الخفاءُ
فلما أيقَظَتْنا من سُباتٍ
مكائدُ دبَّرتها الاقوياء
وليس هناكَ شكٌ في حياةٍ
تدوسُ العاجزين ولا مِراء
لجأنا للشرائعِ بالياتٍ
لتحمِينا وقد عزَّ احتماء
فكانتْ قوَّةٌ أخرى وداءُ
رَجَونا ان يكونَ به الدواء
حثيثٌ سيرُهنَّ إلى ضعيفٍ
تلقَّفُه وعنْ أشِرٍ بِطاء
تسيرُ وشأنَها حتى اذا ما
تصدَّتْ قوَّةٌ فبها التواء
وقام السيفُ يُرهِب دفَّتيها
تؤيِّدهُ ميولٌ وارتشاء
إذا لم تُرضِه منها سطورٌ
تولَّتْ محوَ ما فيها الدِّماء
فيا أضحوكةَ السيفِ المُدَّمى
تفايضَ مِن جوانبكِ الغباء
أتُصلِحُ ما الطبائعُ أفسدتَه
قوانينٌ مفسَّخةٌ هُراء
وماذا غيَّرتْ نظمٌ وهذي
حياتُكَ جُلُّ ما فيها شقاء
وما عُدِم الهناءُ بها . ولكنْ(59/200)
تُنوزِعَ فيه فاحتُكِر الهناء
ولم تتفاوتِ الطبقاتُ إلاّ
لتنحصرَ الرَّفاهةُ والنَّماء
وما اختلفت عصورٌ عن عصورٍ
نعم غطَّى على الصُوَرِ الطِّلاء
فسوقُ الرِّق لم يكسُد ولكن
تبدَّلَ فيه بيعٌ أو شِراء
وقد قمتْ على التشريعِ سوقٌ
بها احتشدتْ عبيدٌ أو إماء
ولكنْ تحت أغطيةٍ وماذا
ترى عينٌ لو انكشفَ الغِطاء
ترى أبداً رعايا أذكياءً
تسوسُهمُ رُعاةٌ أغبياء
وأحراراً رجالاً أو نساءً
تُسخِّرهم رجالٌ أو نساءٌ
فتفتقرُ المواهبُ والمزايا
وتندَحرُ العزيمةُ والفَتاء
وتخمُد جذوةٌ لولا تردِّي
نظاماتٍ لألهبها الرَّجاء
يُزهِّد في المحامدِ طالبيها
يقينٌ أنَّ عُقباها هباء
فقد تأتي الفظيعَ ولا عقابٌ
وقد تُسدى الجميلَ ولا جزاء
وتتَّفقُ المجاعةُ والمزايا
وتلتئِم المحاسنُ والعراء
وفي التاريخِ أتعابٌ كِثارٌ
مضتْ هدَراً وطار بها الهواء
وأعمالٌ مشرِّفةٌ ذويها
تولاَّها فضيَّعها الخفاء
وأُخرى جرَّ مغنمَها دنيٌّ
فسرَّته ، وصاحبُها يُساء
تكون وقاحةٌ فيود مرءٌ
لو أنَّ مكانَها كانَ الحياء
فان وُجِدَ الحياءُ سطا عليه
فسخَّرهُ أناسٌ أذكياء
مزاحمةً كأنَّ دهاءَ مرءٍ
وطِيبةَ نفسهِ ذئبٌ وشاء
وكلُّ محسِّنينَ إذا استتمّا
فخيرُهما لشرِّهما الفداء
وإن أشرَّ ما يلقى أريبٌ
وأوجعَ ما يَحار به الدَّهاء
نفوسٌ هدَّها شرفٌ ونبلٌ
وأرهقها التمنُّعُ والإِباء
وقد عاشت إلى الأوباشِ تُعزى
وماتتْ وهي مُعدَمةٌ خَلاء
وأُخرى في المخازي راكساتٌ
كأصدق ما يكونُ الأدنياء
مشتْ في الناسِ رافعةً رؤوساً
تنصِّبُها كما رُفعَ اللواء
فلا الأرضونَ قد خُسِفت بهذي
ولا هذي أغاثتها السماء
أتعرف من هم الأوباشُ " زَولا "
يُريكهم ُ كأحسنِ ما يُراء
يُريكهمُ أُناساً لم يُلَصَّقْ
بهم غدرٌ ولم يُُنكر وفاء
تطيحُ بيوتُهمِ حِفظاً لبيتٍ
يضمُّهم - وصاحبَه - الإِخاء
أتعرفُ " لانتييهِ " وما أتاهُ
من الشرفِ الذي فيه بلاء
وهل شرفٌ بلا نكَدٍ وضُرٍّ(59/201)
يُتمِّمُ خِلقةَ الشرف العناء
تولَّت " لا نتييهِ " يدُ الرزايا
وأنشبَ فيهِ مِخلَبه " القضاء "
قضاء الله قلتُ ..وإنْ تُرِدْه
قضاء حكومةٍ فهما سواء
ودَهْورهَ الوفاءُ ونعمَ عقبى
الصداقةِ أنْ يدهوركَ الوفاء!
ومنْ يذهبْ بثروتهِ ضمانٌ
لصاحبهِ فقد حسُنَ الجزاء!
وقامتْ صيحةٌ من كلِّ بابٍ
تراجَع ْ " لانتييهِ " فلا نجاء
ستعلمُ أينَ أهلُ المرءِ عنه
وإخوتُه ، إذا ذهبَ الثراء
وقد صدَقوا فانَّ يديكَ تهزا
على رجليكَ إنْ نضبَ الرخاء
وقد كذِبوا . فـ "بايارٌ " لديه
وكانَ له بـ" بايار " العزاء
وكلُّ الناسِ من قاصٍ ودانٍ
لِمن واساكَ في ضيقٍ فداء
فجاءَ يَزين موقفَه لسانٌ
كحدِّ السيفِ أرهفه المُضاء
محاماةً مشرِّفةً وليستْ
محاماةً يُرادُ بها الرِّياء :
صديقٌ ضامنٌ نجَّتْ صديقاً
ضمانتُه وقد عزَّ الأداء
وليسَ بمُنكرٍ دفعاً ولكنْ
مُقاسَطةً يحتِّمها اقتضاء
" فلانتييةٌ " له شرفٌ وجاهٌ
وأطفالٌ وأهلٌ أبرياء
ومعملُه تعيشُ بهِ مئاتٌ
سيُعوزِهُم - إذا سُدَّ - الغذاء
ولكنَّ " القضاء " أجلُّ مِن أنْ
يُصدِّقُ ما يقولُ الأصدقاء
فأصبح " لانتييه " وكلُّ ما في
يديهِ من نَثا الدُّنيا جُفاء
وبينا " لانتييه " يفيضُ بؤساً
ويطفحُ بالشقاءِ له إناء
إذا " بالعدل" يكبِسهُ ، لماذا ؟
لانَّ العدلَ يكبس من يشاء ..!
لأن " العدل " يُشغِلُه أناسٌ
همُ فوقَ " المنصَّةِ " أنبياء..!
وهبْ ذهبت ضحايا " العدل " ظُلماً
نفوسٌ من تظنِّيه بُراء
فلا لومٌ عليهِ وإنْ تلوَّثْ
سياط ٌ فوقَهم أو فارَ ماء..!
سيجلِدُهم إلى أنْ يُقنِعوه
بأنهم أناسٌ أبرياء..!
فان هلكوا وخلْفَهمُ بيوتٌ
خوتْ من بعدهم فله البقاء!
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> دمعَة على صديق
دمعَة على صديق
رقم القصيدة : 66735
-----------------------------------
حَمَلَتْ إليك رسالةَ المفجوعِ
عينٌ مرقرقةٌ بفيضِ دموعي
لاتبخَسوا قَدْرَ الدموع فانها
دفعُ الهموم تَفيضُ من يَنْبوع(59/202)
للنفس حالاتٌ يَلَذُّ لها الأسى
وترى البكاءَ كواجبٍ مشروع
وأمضَّها فقدُ الشبابِ مضرَّجاً
بدمائه من كفِ غير قريع
أأبا فلاحٍ هل سمعتَ مَنَاحَةً
وَصَلَتْ إلى أسماعِ كلِّ سميع
قد كنتَ في مندوحةٍ عن مثلِها
لولا قضاءٌ ليس بالمدفوع
أبكيكَ للطبعِ الرقيقِ وللحِجىَ
أبكي لحبلِ شبابِكَ المقطوع
أبكيك لستُ أخْصُّ خلقاً واحداً
لكنما أبكي على المجموع
جَزَعاً شقيقيه فهذا موقفٌ
يَشْقَى به من لم يكنْ بجَزوع
أن التجلُّدَ في المصاب تطبُّعٌ
والحزنُ شيءٌ في النفوس طبيعي
وإذا صدقتُ فانَّ عينَ أبيكما
قد خَبَّرَتْ عن قلبِه الصدوع
شيخوخةٌ ما كان أحوجَها إلى
شملٍ تُسَرُّ بقربِهِ مجموع
وبحَسْبِ " أحمدَ " لوعة "أنَّ ابنهُ "
" لبس الغروبَ ولم يَعُدْ لطلوع"
لو تأذنون سألتُهُ عن خاطرٍ
مُبْكٍ يَهُزُّ فؤادَ كلِّ مَروع
أعرفْتَ في ساعاتِ عُمْركَ موقِفاً
بَعَثَ الشُّجونَ كساعةِ التوديع؟
إني رأيت القولَ غيرَ مرَّفهٍ
لكن رأيتُ الصمتَ غيرَ بديع
فأتتك تُعْرِبُ عن كوامنِ لوعتي
مقطوعةٌ هي آهةُ الموجوع
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> إلى جنيف..
إلى جنيف..
رقم القصيدة : 66736
-----------------------------------
ءلُقيتَ عُقيى الجهدِ والأتعابِ
ونزلت خيرَ مَحلِةٍ وجَناب
ورَحلْتَ خير مُودَّع عن موطنٍ
حاميتَ عنه ، وأُبتَ خيرَ إياب
ودفعتَ للدار الحصينةِ أمةً
وقَفَتْ سياستُها على الأبواب
ولأنتَ خيرُ لسان صدقٍ ناطقٍ
عنها إذا صَمَتَتْ ، وخيرَ كتاب
غابَ الاسود جِنيفُ سوفَ يَدوسُها
أسدٌ تقدِّرُه أسودُ الغاب
رحْبُ الفؤادِ غداً تُجِلُّ مكانَهُ
أربابُ أفئدةٍ هناك رِحاب
وهناك سوفَ تَرى النواظرُ مالئاً
كرسيَّهُ قُطباً من الأقطاب
ملءَ العيون سماتُ أصيدَ طافحٍ
عزماً ، وملءَ السمع فصلُ خِطاب
ومَلامحٌ مشبوبة هي وحدَها
وكَفى ، دليلُ نجابةِ الأعراب
لله درُّك من خبير بارعٍ
يَزِنُ الأمورَ بحكِمةٍ وصَواب(59/203)
يُعَني بما تَلد الليالي حيطةً
ويُعِدُّ للأيام الفَ حساب
متمكِّنٌ مما يريد يَنالهُ
موفورُ جأشٍ هادئُ الأعصاب
يلتفُّ " كالدولاب " حول كوارثٍ
حَشَدت عليه تدورُ كالدولاب
وإذا الشعوبُ تفاخَرَت بدُهاتها
في فضِّ مشكلةٍ وحَلِّ صِعاب
جاء العراقَ مباهياً بسَمَيذَعٍ
بادي المَهَابة رائعٍ جَذّاب
يُرضيك طول أناتهِ فاذا التوَى
فهو القديرُ الفذُّ في الإغضاب
أملاعبَ الأرماح يومَ كريهةٍ
في السلمِ أنتِ ملاعبُ الألباب.
أعجبِتُ منكِ بهمةٍ ورويَّةٍ
وأقلُّ إعجابِ امريءٍ إعجابي
إن الذي سوّى دِماغَك خصَّة
من كل نادرةٍ بخير نِصاب
لبّاسُ أطوار يَرىَ لتقلُّبِ الايام
مُدَّخِراً سِفاطَ ثياب
يمشي إلى السر العميقِ بحيلةٍ
أخفى وألطَ من مَدَبَّ شراب
يبدو بجِلبابٍ فانْ لم تَرضَه
يَنْزَعْه مُنسلاً إلى جِلباب
قضت الظروفُ بما تُريد وغَُلِّبتْ
آراءُ مجتمِع القُوى غلاّب
وعرفتَ كيف تَرى السياسةَ خطةً
عربيةَ الأوصاف والألقاب
مشيَّتها عشراً وئيداً مشيها
باللطفِ آونةً وبالإرهاب
وكشَفتَ كلَّ صحيفة مستورةٍ
وتركتَها عُرْياً بغير نِقاب
وقتَلتَ أصناف الرجال درايةً
من مستقيمٍ في خطاهُ وكابي
ومُعارِضٍ خَدَمَ البلادَ لغايةٍ
شَرُفت وآخرَ خائنٍ كذاب
وكأنني بك إذ تقابلُ واحداً
منهم ، تريه غفلةَ المتغابي
فاذا ادّعىَ ما ليس فيه أتيَتَه
فيما تُريد، بمَحضَرٍ وكِتاب
لم تبقَ لولا فرطُ عزمِك ريبةٌ
أن العراق يسير نحو تَباب
حتى وَقفْتَ به يمدُّ لهاتهُ
تَعَباً من الأثقال والأوصاب
لا أدَّعي أنْ قد أتمَّ نموَّه
من كان أمسِ بشكلِ طِفل حاب
فلَتِلك لبستْ بالبعيد منالُها
عن كلِّ شَعب طامحٍ وثّاب
لكن أقولُ اريتَهُ مستقبَلا
لا بالعَديم سَناً ولا الخلاّب
كالشُهد أوّلَ ما تذوَّقَه فمٌ
ما زالَ بين لُهاه طعمُ الصاب
فاليوم هاهو ذا بظلِّك يحتَمِي
مثلَ احتماءِ العَين بالأهداب
ان تشكُ ما قاسيتَ من إجهادةٍ
أو تَلقَ ما لاقيت من أتعاب(59/204)
فلقد طَلَبَتَ منالَ أمرٍ لم يكُنْ
ليُنالَ إلا من رؤوس حِراب
اليومُ يومُ تَفاهمٍ بالرَغم مِن
أني أحِبُّ تَطاحُنَ الأحزاب
وسياسةٍ سلبيةٍ لو أثمَرَتْ
فيها نجحُ رغائبٍ وطِلاب
وخيانةٌ ان لا يقدِّرَ مخلِصٌ
تدعو سياستُهُ إلى الإِضراب
لكن إذا لم تَبقَ إلا مِيتة
أو أختُها فسياسةُ الإِيجاب
ما يأخذُ المصنوعُ حبلَ وريده
ما بينَ ظُفْْرِ عدوِّهِ والناب
أني هززتُكَ بالقوافي قاصداً
بكَ خدمةَ التاريخِ والآداب
لولا محيطٌ بِتُّ من نَزَعاته
وتضارب الآراءِ كالمرتاب
أطنَبتُ في غصَصٍ لديَّ كثيرةٍ
تبيانُها يدعو الى الإِطناب
لي حقُّ تمحيص الأمورِ كواحدٍ
من سائر الشعراء والكُتاب
فاذا أصبَتُ فخَصْلةٌ محمودةٌ
واذا زَلِلتُ فلستُ فاقدَ عاب
فلطالما حابَيتُ غير مصارحٍ
ولطالما صارحتُ غير مُحابي
ولكم سَكَتُ فلا مصارحةٌ ولا
تمويهةٌ ، وقبَعْتُ في أثوابي
أبغي المسائلَ محضةً ويعوُقني
عن ذلكم ، سببٌ من الأسباب
وبلاءُ كلِّ مفكِّرٍ حزبيةٌ
تُلقي على الآراء ألفَ حِجاب
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الحزبان المتآخيان ..
الحزبان المتآخيان ..
رقم القصيدة : 66737
-----------------------------------
عليكم وان طال الرجاءُ المُعوِّلُ
وفي يَدِكُمْ تحقيقُ ما يُتأمَّلُ
وأنتم أخيرٌ في ادعاءٍ ومَطْمَعٍ
وأنتم إذا عُدّ الميامينُ أوّل
وماذا ترجي أنسٌ لا يَسُرهُّا
سوى الشعبِ مسروراً وماذا تؤمّل
نفوسٌ قويماتُ المباديءِ حرّةٌ
على رَغْمِ ما تلقاه لا تتحول
وألسنَةٌ لُدُّ عن الحقّ ذُوَّدٌ
كأحسنِ ما حامى الحقيقةَ مِقْول
وأقلام كتابٍ يُريد انتقاصَها
من النَّفَرِ المأجورِ للسبّ مِغْزَل
وهل يستوي شاكي السلاح مؤيدٌ
بحقٍّ ومهتوكُ الضريبة أعزل
وأدمغةٌ جبارةٌ يُلتجى لها
اذا انتاب محذورٌ أو اعتاضُ مُشْكل
ذخيرةُ شعبٍ مستضامٍ تَحُوطُهُ
وإن لم يكنْ حِصْنٌ لديه ومَعْقِل
أهابتْ ملايينٌ تَشُدُّ اكفَّها
بافئدةٍ من قرحةٍ تتأكل(59/205)
تُناشِدُكُمْ أن تأخذوا ثأرَ أُمّةٍ
أُصيبَ لها في حبة القلبِ مَقْتل
وعندكُمُ تفويضةٌ تعرفونها
وفي يدكُمْ منها كتابٌ مُسَجَّل
تآخى الفراتيون فيه وصافحت
يَدَ الحلَّةِ الفيحاءِ بالعهد مَوْصل
وإنّا وإنْ جارت علينا كوارثٌ
يَقِلُّ التَّعَزّي عندها والتّعلُل
مضى العامُ والثاني بويلٍ وربما
اتى ثالثٌ بالويل والموتِ مقبل
لَراجونَ أن تَصحُو سماءٌ مغيمة
وينزاحَ عن أرض الفراتين قسطل
ولا بد أن ينجابَ ليلٌ وينجلي
باوضاحه يومٌ أغَرُّ مُحَجَّل
فان تسألِ الأقوامَ عنا فانّنا
على حالةٍ خرقاءَ لا تُتَحمَّل
بلادٌ تُسامُ الجورَ حكماً وأمةٌ
تُضام ودُستْورٌ مُهانٌ مُعَطَّل
أعيذكُمُ أن يَستْثيرَ اهتمامَكُمْ
دنيٌّ يداري لقمةً أو مُغَفَّل
وهلَ يرتَضي إغضابَ شَعْبٍ بأسره
وإشماتَهُ الا غويٌّ مُضلِّل
مساكين جرتها البطون لهوة
بها كلُّ ما يُصمي الغيَارَى ويُخجِل
يدٌ رَكَسَتْ للزّندِ في كلِ حطّةٍ
وأخرى من السُحْت المُحرَّم تأكل
فلا تعذلوهم في اختلاقٍ فانهُمْ
مفاليسُ من كذْبٍ ودّسٍ تَموَّلُوا
أرادوا لكم عيباً فرُدُّوا وخُيِّبوا
ولم يجدوا قولاً بكم فتقوَّلوا
حرام عليهم أن يقولوا فيصدقوا
وعار عليهم أنْ يقولوا فيفعلوا
اذا ما انبرى منكم أديبٌ محنَّكٌ
تصدى له مستسخَفُ الرأي أخطل
وأُقسِمُ لو قالوا خذوا ألفَ واحدٍ
مقابلَ فردٍ منكُمُ لم تبدّلوا
فما اسطعتَم فاسترجعوا الحكمَ منهم
فانَّهُمُ صيدٌ عليكُمْ مُحلَّل
رَأوا شرَ لو أطاقوا تحملاً
ولكنه لم يَبْقَ حتى التحّمل
وقد هان شرُّ لو أطاقوا تحملاً
ولكنه لم يَبْقَ حتى التحّمل
وظنوا بأن اللهَ والشعبَ غافلٌ
وهيهاتَ لا هذا ولاذاك يغفل
سيعرفُ قَدْرَ النّاسِ من يَستَخِفُّهُ
ويلمَسُ عُقبى الشرِ مَنْ يتوغل
فقولوا لهم تعساً فقد سُدَّ مَخْرَجٌ
يَفرُّونَ منه مثلما سُدَّ مَدْخَل
وقد جاشَ صدرُ الشعبِ يَغلى حفيظةً
عليكم كما يغلي على النار مِرجل
أروني جديداً يَفْضح الشعرُ أمرَه(59/206)
ففضحُ مساوي القوم شيءٌ مُحصَّل
فقد بدتِ النّياتُ لا سَتْردَونها
ولا حاجبٌ الا الكلامُ المرعبل
زخاريفُ قولٍ تعتليها ركاكةٌ
ويبدو عليهنّ الخنا والتبذل
اذا مسها القولُ الصحيحُ تطايَحتْ
كما مرَّ يَمشي في السنابلِ مِنْجَل
وألعاب صبيان تمرّ بمسرحٍ
يقوم عليه كلَّ يومٍ مُمثِّل
فان كان لابد الهجاءُ وسبةٌ
يحُطُّ بها قَدْرَ الفرزدقِ جَرْوَل
فبين يديكُمْ شاعرٌ تعرِفونه
بأشعاره أعداؤهُ تَتَمثَّل
تعاصيه أطرافُ الكلامِ لغيركم
وتنصبُّ مثْلَ السيل فيكم وتَسْهُل
يَرى حِطّةً أن يَحتْمي بسواكُمُ
شعورٌ وشِعرٌ ذو رُواءٍ مُسلْسَل
تَتيهُ بكم رَغمَ الأنوف وتَزْدَهي
حسانُ القوافي لا النسيجُ المهلهل
معارضة تُزْهي البلادُ وتحفِلُ
بها وُيخَّلى مَنْ سواها ويُخذَل
تُنُضِّمُها صِيدٌ كُماةٌ أشاوسٌ
يقودُهُمُ شهَمٌ يقول ويفعل
تراهم مُطاطينَ الرؤوسَ بمحفِلٍ
تَصدَّرَ فيه " الهاشميُّ " المبجل
اذا ما مشى بزّ المفارقَ مَفرِقٌ
بتاجٍ من النصرِ المبين مُكلَّل
تَرنُّ النوادي من مقالٍ يَقوله
كما رنَّ في بيتٍ يُهَدَّمُ مِعْوَل
وينقُلُهُ بعضٌ لبعضٍ تَمثُّلاً
إذا انفَضَّ عنه مَحفِلٌ عاد مَحْفِل
ولم يفضلِ الاراء إلا لأنه
يدبّرهُ رأسٌ حكيمٌ مُفَضَّل
وسيانِ قالوا خطبةً مضريةً
" لياسينَ " أو قالوا تقدمَّمَ جَحْفل
له فِكرةٌ أنكى من السيف وقعةً
وتدبيرةٌ من فَتْكةِ الموتِ أقْتَل
ورابطُ جأشٍ كالحديد وفوقَه
من الهمّ والفكْرِ المبرّحِ كَلْكل
وإنك من أن تقبلَ القومَ أفضلُ
وإنَّهمُ مِنْ أن يُدانوك أنزل
تَقَدمَّْ لها " ياسينُ " فالوضعُ محرجٌ
إذا لم تخفِّفْ منه والداء مُعْضِل
وإنك لو قابلتَ ما مُتِّعَتْ به
من الحكم بالهونِ الذي تتحمل
وما قدمتهُ من ضحايا عزيزةٍ
نتائجُها هذا البلاءُ الموكل
أسالت دماً عينيك عُقبْى كهذه
وهيّج منك الداءَ هذا المعدَّل
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بشرى جنيف
بشرى جنيف
رقم القصيدة : 66738(59/207)
-----------------------------------
مرحباً بالمتوج الغِطريفِ
حاملاً للعراق بُشرى جَنيفِ
ناهضاً بالثقيلِ من عِبء هذا
الوطن النَكدِ عابِئاً بالخفيف
رجلُ الأمَّة التي أنجبت الف
شريف من بيت هذا الشريف
واخو الوقفة الرهيبةِ والخطبة
تدوي في المحِفِلِ المرصوف
بلطيفٍ من التعابير يجري
في مَدَبٍ من الكلام لطيف
لغة الضاد في فم الملِك الفذِّ
تباهي بحسنِها الموصوف
واذا ما تفاضلوا فَضَلَ الجمعَ
بانقى مخارجٍ للحروف
وربيط الجَنانِ والميتهُ الحمراءُ
ترمي بها اكفُّ الحتُوف
ينقل الخطوَ فوقَ شِلوِ صديقٍ
او على مُخ صاحبٍ مقذوف
عالماً أنَّ خيرَ ما ركب المرءُ
إلى غاية متونَ السيوف
وطريقٍ مشى بها في سبيلِ العُرْبِ
بالشوكِ والأذى مَحفوف
داخلاً في مآزق ليس يخلو المرءُ
في مثلها من التّعنيف
بهرَ الساسةَ الدهاةَ حصيفٌ
ذائع الصيتِ بين كلِّ حصيف
لامعٌ في صفوفهمْ تقع العَينُ
عليه من دونِ مِن في الصفوف
لَمسوا منه في التصافُحِ كفاً
لم يَرَوا مثلَ وقعِها في الكفوف
خَبَّرتْ فوقَها خطوطُ السُلامياتِ
عن أيَّ ماهرٍ عِريّف
عن لطيفٍ في ساعَتيه مَهيبٍ
وأديبٍ في موقفَيه ظريف
وجَموعٍ للحالتين نسيمٍٍ
في ظروفٍ وعاصفٍ في ظُروف
وأرتْهم ملامحَ العَرب الماضينَ
سِيما هذا الطُوالِ النحيف
وجنةٌ تَنطف السرورَ عليها
مسحةُ الهادئ الغيورِ الأسيف
وجبينٌ كغُرّةً البدرَ فيه
أثرٌ للهمومِ مثلُ الكُسوف
لو اطاقَتْ فيه الغضونُ لقصَّتْ
عن عراكٍ مع الليالي ، عنيف
فهُمُ واثقونَ كلَّ وثوقٍ
أنهم واجدونَ خيرَ حَليف
لم يعُقْهُ أمرُ العراق وبُغيا
ثمرٍ للنهوض داني القُطوف
والرزايا تعِنُّ بين تليد
مُعجزٍ حلُّه وبينَ طَريف
عن أماني سورّيةٍ وقلوبٍ
من بنيها ترفُّ أيَّ رَفيف
إن في عيبة الملوك عهوداً
هو في رعيهنَّ جدُّ عفيف
عَبقاتٍ بذكر فيصلَ أيامَ
دمَشقٍ وعهدِه المعروف
ويكاد اللبيبُ يلمُسُ حباتِ
قلوبٍ على نِقاط الحُروف
لا تلُمْ سُوريا اذا بكت العهدَ(59/208)
بجَفن المولَّهِ الملهوف
إنها ذكرياتُ أمٍّ رؤوفٍ
فَجعوها بواحدٍ مخطوف
مُتعَب الذهنِ بالسياسة لا ينُسيه
أثقالَها جِمالُ المصيف
عكفتْ أنفسٌ هناك على الأفراحِ
والأنسِ بين خَمرٍ وهيف
تاركاتٍ عبءَ البلادِ ثقيلاً
لغَيور على البلاد عَطوف
من دُعاة المألوفِ ما دام فيه
مظهرٌ لائقٌ بشَعبٍ أنوف
فإذا كانَ حِطةً وجموداً
فالعدوُّ اللدودُ للمألوف
وهو بين ذين لا بِعَنودٍ
في الذي يَبتغي ولا بعَسوف
حافِظٌ حُرمةَ الأنوف فإن هيجَ
تَوَلَّتْ يداهُ رغمَ الأنوف
لا برِخوِ اليدَين في نهزه الفُرصةَ
إنْ ساعَدَتْ ولا المكتوف
آخِذٌ بالذي يعِنُّ من الأمرِ
ويخشى مَغَبَّةَ التسويف
يتركُ العُنفَ ما استطاعَ قديرٌ
أنْ يَروضَ النفوس بالتَلطيف
لا أُحابيكَ سيدي وأُراني
لستُ في حاجةٍ إلى التعريف
أنتَ قَبْلَ الجميعِ تَعرِفُ أني
في شعوري أجري على المكشوف
سيدي ليس يُنكِرُ الشعبُ ما قمتَ
بهِ نحوهُ من المعروف
والمساعي التي تَجَشَّمْتَ فيها
ألفَ هولٍ وألْفَ أمرٍ مُخيف
إن ما بين حالَتَيْهِ لَفَرقاً
مثلَ ما بين مشِيةٍ وَوُقوف
وهو يَجزيْك بالجميلِ من الفِعْلِ
جميلاً من الثناء المنيف
قدرت سَعيَك البلادُ فجاءتكَ
أُلوفاً متلُوَّة بألوف
ولأمرٍ يَدوي الفضاءُ هُتافاً
من مُحييَّك فوقَ كلِّ رَصيف
حيث غصَّت بفُرجة الناسِ بغدادُ
وغصَّت بيوتُها بالضيوف
وتبارَى الوفودُ من كل فَجٍّ
كلُّ فرد مُشفَّعٌ برديف
حاملاتٍ اليك تسليمةَ الأهلينَ
من كلّ قريةٍ أو ريف
غيرَ أنَّ البلادَ مازال فيها
أثَرٌ للشَّقاءِ غيرُ طفيف
زُمْرَةٌ ضِدُّ زمرةٍ ولفيفٌ
تَعِبُ النفسِ في انتقاصِ لفيف
وقويٌ باسم الضعافِ مجيلٌ
ظُفْرَهُ في محزِّ ألفِ ضعيف
وأكفٍ شَتَّى تدبّرُ شتّى
لُعبَةٍ من وراءِ شَتَّى سُجوف
ولأنْتَ القديرُ بالرغم مما
عِشْتَ من جَمْعِنا على التأليف
ليس هذا المريضُ أوّلَ من عُولِجَ
من دائِهِ العُضالِ فَعُوفي(59/209)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الباجة جي في نظر الخصوم..
الباجة جي في نظر الخصوم..
رقم القصيدة : 66739
-----------------------------------
كيفما صَّوْرتَها فلتكُنِ
أنا عن تصويرةِ الناسِ غني
لا أُبالي قادِحي مِن مادِحي
ليّ في الوجدان ما يُقنِعنُي
لستُ بالجامدِ : إني شاعرٌ
هزة الروح تُرى في بَدنَي
ديدني تصويرُ ما في خاطري
وأنا مُغرىً بهذا الديدنَ
أنا من أجل لِساني مُبتَلى
رغمَ احساسي - بعيش خَشِن
إنما يرفَعُ من مقطوعتي
كوُنها من خَصمِك المضطَغِن
من فتى عَرَّضَه موقفُه
منك بالأمس لشتّى المِحَن
كونُها من شاعر مُطَرَّح
وفكورٍ مُنصِفٍ مُمتَحَن
تاركاً عما قريبٍ أهلَهُ
مستجيراً بإمام اليَمَن!
فاذا لم يهوني كنت امرأً
عاملاً في منجمٍ في عدَن
إنها أروَح لي من مَوطنٍ
أنا منه في عُضال مُزْمِن
أنا أستحسِن ما ليس أرى
وأرى ما ليسَ بالمستحسَن
يا أبا عدنانَ هذي فُرصةٌ
لفؤادٍ بالأذَى محتقِن
لا أُحابيك : ولكنّي فتىً
أطلُبُ الحقَّ ولو في كفَني
يشهدُ التأريخُ واللهُ معاً
أنَّك الذُخرُ لهذا الوطن
عارفٌ أدواءَه مطَّلعٌ
بالخفايا : قاطعٌ للفتَن
فيك : لولا أمةٌ جاهلةٌ
شَبَةٌ يدينك من " موسولني "
بَطَلٌ إنْ مِحَنٌ جارتْ وما
أعوزَ الأبطالَ عند المحن
وصريحٌ لَسِنٌ في مأزِقٍ
ذي احتياجٍ لصريحٍ لَسِن
لُحتَ وضاحاً على حينَ مَشى
كلُّهم تحتَ قِناعٍ أدكن
بخُطىً جبّارةٍ واسعةٍ
وبعقلٍ راجحٍ متَّزن
يومَ كلُّ الناسِ في تمويهِهم
مِثلُ ضبٍ جاحرٍ في مَكمن
فرَغَ الدستُ الذي كنتَ به
ملءَ عينِ المرءِ ملءَ الأذُن
سَحَقَ الهوجَ المهازيلَ فتىً
لم يكن في سَحقِهم بالمَرِن
وعلى الحمقى ثقيلٌ وقعُه
مَن بِغِرٍّ أحمقٍ لا يعتنِي
وأراهم قوة لم يجدوا
مثلَها في هيكل أو وَثَن
لم يروا فيه - كما في غيرهِ
خِدْنَهم من ماجنٍ أو مُدمِن
لم يكن بالرخوِ في أخذِهُمُ
أخذَ جبارٍ ولا بالمثني
أتُراها أمِنَت جرثومةٌ(59/210)
لم تكنْ من بطشه في مأمَن
نَقَم الحسّادُ إن لم يَلحقوا
شأو مَاشٍ خَببَاً في سَنَن
قائمٍ بالأمرِ معتزٍّ به
وعلى تدبيرِه مُؤتَمَن
ولو اسطاعَت مجالاً كفُّه
قادَهُم كلَّهُمُ في عَطَن
اشهدي ياربةَ الشعر ويا
دولةَ الحقِّ عليه أمنِّي
إن عُقبى ظَفَرٍ تَلحَقُني
من طريق الدسِّ لا تُعجبني
ودنيُّ من يُعادي خصمَه
مِن طريقٍ بالحزازات دَني
أشتَهي أنّي ولو في حُلُمٍ
أُمسكُ الأمرَ لأدنى زَمَن
ولقد يُلهبُ من عاطفتي
أنَّ هذا زمنٌ لم يئِن
أودِعوني دَفَّةَ الحكم ولو
ساعةً آتِ بما لم يَكُن
أُرِكُم أينَ يكونُ المرتشي
أُرِكُم كيفَ مصيرُ الأرعَن
أُرِكم قيمةَ ألفاظٍ بها
يَلبس الكذّابُ ثوبَ الوطني
آتياً في السرِّ ما لا يَستوي
والذي يأتي به في العَلن
أُركم أنْ ليسَ لي من قيمةٍ
غيرُ ما يوجِبُه لي مَعدِني
أُركم أنَّ الذي تخشَونه
ليسَ من يَبكي عليه لوفَنى
يا أبا عدنانَ : هذا واجب الأدَبِ
المحضِ الصريح المُتقَن
إنني ألغيتُ في تسجيله
كلَّ ما في خاطري من دَرَن
ولقد تَعلَمُ ما يَلحَقُني
من أذىً من بَثِّ هذا الشَجن
غيرَ أني واجدٌ في مِثلهِ
لذَّةَ العاشق والمفتَتن
ومن العارِ على الشاعر أنْ
يحتَمي في شعرِهِ بالإِحَن
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> يدي هذه رهن..
يدي هذه رهن..
رقم القصيدة : 66740
-----------------------------------
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي
لئن لم يحكِّمْ عقلَه الشعبُ يندمِ
هتفتُ وما أنفك أهتِف صارخاً
ولو حرّموا مسِّي ولو حلَّلوا دمي
ولو فتّشوا قلبي رأوا في صميمه
خلاصةَ هذا العالمِ المتألِّم
إذا تُرك الجُمهورُ يَمضي لشأنه
ويسلُك من أهوائه كلَّ مَخْرِم
وتنتابُهُ الأهواء من كلِّ جانبٍ
وترمي به شتى المهاوي فيرتمي
وتُنْشَر فيه كلَّ يوم دِعايةٌ
ويندسُّ فيها كلُ فكر مسمِّم
وتَقضي عليه فُرقة من مسدّر
وتُنْهكُه رجعيةٌ من معمَّم
ولم تلدِ الدنيا له من مؤدِّب
يهذب من عاداته ومقوِّم(59/211)
فلا بد من عُقْبى تسوء ذوي النهى
وتَدمى بها سبابةُ المتندِّم
ولا بد أن يمشي العراقُ لعيشة
يشرَّفُ فيها أو لموت محتَّم
أقول لأوطانٍ تمشت جريئةً
يَمدُّ خطاها كلُّ أصيدَ ضيغم
وقرَّ بها مما تحاول أنها
رأت في اكتساب العزِّ أكبر مغنم
ألا شعلةٌ من هذه الروحِ تنجلى
على وطن ريانَ بالذُّل مُفْعَم
خذي كلَّ كذّاب فَسُلِّي لسانه
ومُرّي على ظُفر الدنيِّ فَقَلِّمي
ومُرِّي على هذي الهياكل أقبلت
عليها الجمْاهير الرُّعاع فحطِّمي
وإن كان لا يبقى على الحال هذه
سوى واحد من كل ألف فأنعم
فأحسنُ من هذي التماثيل ثُلّةٌ
تقوم على هذا البناء المرمَّم
فقد لعِبَت كفُّ التذبذب دورَها
به واستباحت منه كلَّ مُحرَّم
وقد ظهرت فيه المخازي جليةً
يضيق بها حتى مجالُ التكلُّم
وقد صيحَ نهباً بالبلادِ ومُزِّقت
بظفُرٍ وداسوها بخُفٍّ و مَنْسِم
وإني وإن لم يبق قول لقائل
ولم يتركِ الأقوامُ من متردمِّ
فلا بدَّ أن أُبكيكَ فيما أقصُّه
عليك من الوضع الغريب المذمَّم
ألا إن هذا الشَعبَ شعبٌ تواثَبَتََْ
عليهَ صروفُ الدهر من كل مَجْثم
مقيمٌ على البْلوى لِزاماً إذا انبرت
له نكبةٌ عظمى تَهون بأعظم
يجور عليه الحكمُ من متآمرٍ
وتمشي به الأهواءُ من متزعِّم
مساكينُ أمثالُ المطايا تسخَّرتْ
على غيرِ هدْيٍ منهمُ وتَفَهُّم
فلا الحكمُ بالحكم الصحيح المتمَّمِ
ولا الشعبُ بالشعب الرزين المعلَّم
تَحَدَّتْهُ أصنافُ الرزايا فضيَّقَت
عليه ولا تضييقَ فقر مخيِّم
فقد أُتخمت شمُّ " البُنوك " وأشرقت
بأموال نّهابٍ فصيحٍ وأعجم
تُنُوهِبْنَ من أقوات طاوٍ ضلوعَه
على الجْوع أو من دمع ثكلى وأيِّم
يُباع لتسديد الضرائب مِلْحَفٌ
وباقي رِتاج أو حصير مثلَّم
وما رفع الدُّستورُ حيفاً وإنما
أتونا به للنَّهْب ألطفَ سَلَم
ستارٌ بديعُ النسجِ حيكَ ليختفي
بها الشعبُ مقتولاً تضرَّجَ بالدم
به وجدت كفُّ المظالم مَكْمَناً
تحوم عليه أنَّةُ المتظلِّم(59/212)
نلوذ به من صَوْلة الظلم كالذي
يفرِ من الرَّمضاءِ بالنار يحتمي
بضوء الدساتير استنارت ممالكٌ
تخبَّطُ في ليل من الجْهل مظلم
وها نحن في عصر من النور نشتكي
غَوايةَ دُستور من الغِش مبهم
هنالك في قَصْرٍ أُعدت قِبابه
لتدخينِ بطّالين هوجٍ ونُوّم
تُصَبُّ على الشعب الرزايا وإنما
يَصُبُّونها فيه بشكل منظَّم
مضت هَدرَاً تلك الدماءُ ونُصِّبَتْ
ضِخامُ الكراسي فوق هَامٍ محطَّم
ولما استَتَمَّ الامرُ وارتدَّ معشَرٌ
خلاءَ اكُفٍّ من نِهاب مقسَّم
ورُدَّت على الأعقاب زَحفاً معاشرٌ
تُحاولُ عَودْاً من حِطامٍ مركَّم
بدا الشر مخلوعَ القِناع وكُشِّفَت
نوايا صدورٍ قُنِّعت بالتكتُّم
وبان لنا الوضعُ الذي ينعَتُونَه
مضيئاً بشكل العابس المتجهِّم
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> المحرقة
المحرقة
رقم القصيدة : 66741
-----------------------------------
ء
أَحاوِلُ خرقاً في الحياةِ فما أجرا
وآسَفُ أن أمضي ولم أُبقِ لي ذكرا
ويُؤلمني فرطُ افتكاري بأنَّني
سأذهبُ لا نفعاً جلبتُ ولا ضُرّا
مضتْ حِججٌ عَشْرٌ ونفسي كأنها
من الغيظ سيلٌ سُدَّ في وجهه المجرى
خيَرْتُ بها ما لو تخلَّدتُ بعدَه
لمَا ازدَدْتُ عِلماً بالحياةِ ولا خُبرا
وأبصرتُ ما أهوى على مثلهِ العمى
وأُسمعتُ ما أهوى على مثلهِ الوَقْرا
وقد أبقتِ البلوى على الوجهِ طابَعاً
وخلَّفَتِ الشحناءُ في كبِدي نَغرا
تأمَّلْ إلى عيني تجدْ خَزَراً بها
ووجهي تُشاهِدْه عن الناس مُزورّا
ألم تَرَني من فرطِ شكٍّ ورِيبةٍ
أُري الناسِ ، حتى صاحبي ، نظراً شزرا
لبستُ لباسَ الثعلبيِّينَ مُكرهاً
وغطَّيتُ نفساً إنَّما خُلقت نَسرا
ومسَّحتُ من ذيلِ الحَمامِ تملّقاً
وأنزلتُ من عَليا مكانتهِ صقرا
وعُدتُ مليء الصدَّرِ حِقداً وقُرحةً
وعادت يدي من كلِّ ما أمَّلَتْ صِفرا
أقولُ اضطراراً قد صبَرتُ على الأذى
على أنني لا أعرِفُ الحُرَّ مُضطرّا
وليس بحُرٍّ مَن إذا رامَ غايةً(59/213)
تخوَّفَ أن ترمي به مَسلكاً وعْرا
وما أنتَ بالمُعطي التمرُّدِ حقَّه
إذا كنت تخشى أن تجوعَ وأن تَعرى
وهل غيرَ هذا ترتجي من مَواطنٍ
تُريد على أوضاعها ثورةً كبرى
مشى الدهرُ نحوي مستثيراً خطوبَه
كأني بعينِ الدهر قيصرُ أو كسرى
وقد كانَ يكفي واحدٌ من صروفهِ
لقد أسرفتْ إذ أقبلتْ زُمراً تترى
مشى لي كعاداتِ المخانيثِ دارعاً
يُنازِل قِرْناً مُثخَناً حاسِراً صدرا
خليّاً من الأعوانِ لا ذُخرَ عندَه
سوى الصبرِ أوحشْ بالذي صحبَ الصَّبرا
وما كانَ ذنبي عندَه غيرَ أنني
إذا مسَّني بالخيرِ لم أُطِلِ الشكرا
ولم أتكفَّفْ باليسيرِ ولم أكنْ
كمستأنِسٍ بالقُلِّ مستكثِرٍ نَزْرا
طموحٌ يريني كلَّ شيءٍ أنالُه
وإنْ جلَّ قَدرْاً دونَ ما أبتغي قدرا
حلَبتُ كِلا شطرَيْ زماني تمعّناً
فلم أحمَدِ الشطر الذي فَضَلَ الشطرا
شرِبتُ على الحالينِ بؤسٍ ونعمةٍ
وكابدتُ في الحالينِ ما نغَّصَ السكرا
حُبيتُ بنَدمانٍ وخمرٍ فغاظني
بأنيَ لا مُلكاً حُبيتُ ولا قصرا
ولو بهما مُتّعتُ ما زلتُ ساخطاً
على الدهر إذ لم يَحْبُني حاجةً أُخرى
فما انفكَّ حتَّى استرجعَ الدهرُ حُلوَه
وحتَّى أراني أنني لم أذُق مرّا
وجوزِيتُ شرّاً عن طُموحي فها أنا
برغميَ لا خِلاًّ تخِذتُ ولا خمرا
فانْ يُشمِتِ الأقوامَ أخذي فلم أكن
بأوَّلِ مأخوذٍ على غِرَّةٍ غدرا
وإنْ تفترِسْني الآكلاتُ فبعدَ ما
وثِقتُ بها فاستلَّتِ النابَ والظُفرا
وإن تُلهبِ الشكوى قوافيَّ حُرقةً
وغيظاً فاني قادحٌ كبِداً حرّى
وكنتُ متى أغضبْ على الدَّهر أرتجلْ
مُحرَّقةَ الأبياتِ قاذفةً جمرا
كشأنِ " زيادٍ " حين أُحرجَ صدرُهُ
وضُويقَ حتى قال خُطبتَه البترا
أو المتنبّي حينَ قالَ تذمُّراً
" أفيقا خُمارُ الهمِّ بغَّضني الخمرا"
وما زلتُ ذاك المرءَ يوسِعُ دهرَه
وأوضاعَه ، والناسَ كلَّهمُ كفرا
تحولتُ من طبعٍٍ لآخرَ ضدِّه
من الشيمةِ الحسناءِ للشيمةِ النَكرا
وكنتُ وَديعاً طيب النفسِ هادئاً(59/214)
فاصبحتُ وحشاً والِغاً في دمٍ نَمرا
فلَو دَبَّر الباغونَ للكيدِ خطةً
رأوا أنَّني منهُمْ بَتدبيرِها أحرى
وَلو ملكَ قارونٍ ملكتُ دَفعتُه
على كرهِ بعض الناسِ بعضَهم أجرا
وِشجَّعتُ ما أقوى يراعةَ كاتبٍ
يُزيحُ بها عن كلِّ ذي عورةٍ سِترا
وَمجَّدتُ من بَثَّ الدعايةَ ضدَّهم
ومن قالَ في تَسخيفِ آرائهم شعرا
وِلو حُمَّ لي أنْ أحكمَ الناسَ ساعةً
وأن أتوَلى فيهُمُ النهىَ والأمرا
لمزَّقتُ وَجهاً بالخديعةِ باسِماً
ولا شيتُ ثَغراً بالضَغينةِ مُفترّا
وَقَطَّعتُ كفَّيْ من يمدُّ يمينَهُ
يَصافحني في حين تَطعنُني اليسرى
وَعاتَبتُ سراً من يضِلُّ لنفسةِ
ومن ضلَّلَ الجمهورَ أخزيتهُ جَهْرا
رأيتُ من الإِنسانِ يُطغيه عُجْبُه
من الخزي ما تأباهُ وحشيَّةٌ تَضرى
إذا أُغرِيتْ هذي بأكلِ فريسةٍ
فهذا بأنْ يلهو بتعذيبها مُغرى
أتعرفُ كم من أصيَدٍ مُمتلٍ قهرا
وكم حُرَّةٍ تشكو ومَن حولَها ، الفقرا
لينعُمَ مَن إنْ عاشَ لم يُدرَ نفعُه
وإنْ ماتَ لم يعرِف له أحدٌ قبرا
أتعرفُ ما يأتيه في السرِّ ناصبٌ
على العينِ منظاراً على الناسِ مغترّا
يُقلِّبهُ بينَ الجموعِ دلالةً
على أنه أذكى من الناس أو أثرى
وما ميَّزتْهُ عن سواه فوارقٌ
سوى أنه قد أتقنَ الرَّقصَ والزمرا
وهذا الذي إحدى يديهِ بجيبهِ
وأُخراهما تلهو بشاربه كِبرا
ولو فتَّشوا منه السَّبالينِ شاهدوا
خلالَهما العاهاتِ محشورةً حشرا
وهذا الذي رغمَ النعيم وشرخهِ
يُرى حاملاٍ وجهاً من الحقدِ مُصفرّا
وهذا الذي إنْ أعجبَ الناسَ قولهُ
مشى ليُريهمْ أنه فاتحٌ مِصرا..
وهذا الذي قد فخَّمتْه شهادةٌ
خلاصتُها أنَّ الفتى قارئٌ سطرا
ويكفيكَ منه ساعةٌ لاختباره
لتعلمَ منها أنه لم يزل غِرّا
وهَبْ أنه قد أُلهِمَ العلمَ كلَّه
وحلَّلَ حتى الجوهرَ الفردَ والذرّا
وكانَ " شكسبيرٌ " خويدمَ شعره
وكانت لُغى الأكوان تخدمُه نثرا
فهل كانَ حتماً أنني أنحني له
وتصطكُ مني الركبتانِ إذا مرّا..!(59/215)
ألمْ يدرِ هذا " الكوكب ! " الفذ أنه
كما كان حُرّاً كان كلُّ امرئٍ حرّا
ذممتُ مُقامي في العراقِ وعلَّني
متى أعتزمْ مسرايَ أن أحمَدَ المسري
لَعلي أرى شِبْراً من الغَدر خالياً
كفاني اضطهاداً أنني طالبٌ شِبْرا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> شباب يذوي !...
شباب يذوي !...
رقم القصيدة : 66742
-----------------------------------
ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ
كما ذوى الغصنُ ممنوعاً عن الماءِ
سَدَّتْ عليَّ مجاري العيشِ صافيةً
كفُّ الليالي وأجرتها بأقذاء
فمِنْ عناءِ بَلَّياتٍ نُهكتُ بها
إلى عناء . ومن داءٍ إلى داء
ستٌ وعشرونَ ما كانت خُلاصتُها
- وهي الشبابُ طريّاً - غيرَ غمَّاء
وما الحياةُ سوى حسناءَ فارِكةٍ
مخطوبةٍ من أحبَّاء وأعداء
قد تمنعُ النفسَ أكفاءً ذوي شغفٍ
ورّبما وهبتها غيرَ أكفاء
ولا يزالُ على الحالينِ صاحبُها
معذَّبَ النفسِ فيها بيِّنَ الداء
فإنْ عجِبتَ لشكوى شاعرٍ طرِبٍ
طولَ الليالي يُرى في زِيِّ بّكاء
فلستُ أجهلُ ما في العيش من نِعمٍ
انا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
ولا أحبُّ ظلامَ القبر يغمُرني
أنا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
وإنَّما أنا والدُّنيا ومحنتُها
كطالبِ الماء لمَّا غَصَّ بالماء
أُريدُها لمسرّاتٍ ، فتعكِسُها
وللهناءِ ، فَتثنيهِ لايذاء
وقد تتبَّعتُ أسلافي فما وقعتْ
عيني على غير مشغوفِ بدُنياء
فانْ أتتكَ أحاديثٌ مُزخرَفةٌ
عن الذينَ رَوَوْها أو عن الللائي
يُشوِّهونَ بها إبداعَ غانيةٍ
فتَّانهٍ لم تكنْ يوماً بشوهاء
طوراً تُصوّرُ حِرباء وآونةً
كالأفعوان . وأُخرى كالرُّتَيْلاء
فلا تصدّقْ فما في العيشِ منقصةٌ
لولا أضاليلُ غوغاءٍ ... ودهماء
ذَمَّ الحياةَ أُناسٌ لم تُواتِهُمُ
ولا دَروا غيرَ دَرَّ الإبْل والشاء
وقلَّدَتْهُمْ على العمياء جَمهرةٌ
تمشي على غير قصدٍ خبطَ عشواء
ولو بدَتْ لهمُ الدُّنيا بزيِنتها
لقابلوها بتبجيلٍ وإطراء
لم تكفِني نكباتٌ قد أُخذتُ بها(59/216)
حَتى نُكبتُ بأفكاري وآرائي
لي في الحياة أمانٍ لو جَهَرتُ بها
قُوبلتُ من سَفْسطيَّاتٍ بضوضاء
ولو أتاني بِبُرهانٍ يجادلُني
لقلتُ : أهلاً على العينين ِ مولائي
شِيدتْ قصورٌ على الأجراف جاهزةٌ
بكلِّ ما تشتهيهِ أعينُ الرائي
فيهنَّ من شهواتِ النفس أفظعُها
فيها غرائبُ أخبارٍ وأنباء
فيها اللَّذاذاتُ والأفراحُ عاصفةٌ
بنفسِ ذاكَ المُرائي عَصفَ نكباء
حتى إذا قلتَ قولاً تستبينُ به
لُطفَ الحياةِ بتصريحٍ وإيماء
هاجوا عليكَ بإقذاعٍ ومفحشةٍ
وآذنوكَ بحربٍ جِدِّ شعواء
حُرِّيةُ الفكر ما زالتْ مهدَّدةً
في " الرَّافدين " بهمَّازٍ ومشَّاء
وبالنواميسِ ما كانتْ مُفسَّرةً
إلا لِصالحِ هيئاتٍ وأسماء
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الدم يتكلم بعد عشرٍ ..
الدم يتكلم بعد عشرٍ ..
رقم القصيدة : 66743
-----------------------------------
قبل أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا
سُبَّ من جرَّ هذه الأوضاعا
سبّ من شاء أن تموت وأمثالُك
همّاً وأن تروحوا ضَياعا
سبَّ من شاء أن تعيشَ فلولٌ
حيث أهلُ البلاد تقضي جياعا
داوِني إنَّ بين جنبيَّ قلباً
يشتكي طولَ دهره أوجاعا
ليت أني مع السوائم في الأرض
شرودٌ يرعى القَتاد انتجاعا
لا ترى عينيَ الديارَ ولا تسمعُ
أذني ما لا تُّطيق استماعا
جُلْ معي جولةً تُريك احتقار
الشعب والجهلَ والشقاءَ جِماعا
تجدِ الكوخَ خالياً من حُطام
الدهر والبيتَ خاوياً يتداعى
واستمع لا تجدْ سوى نَبضاتِ القلب
دقَّت خزفَ الحساب ارتياعا
فلقد أقبلت جُباةٌ تسومُ الحيَّ
عنفاً ومهنةً واتضاعا
إنَ هذا الفلاّحَ لم يبقَ إلا َّ
العِرضُ منه ، يُجِلّه أن يباعا
بعد عشر مشت بِطاءً ثقالا
مثلَّما عاكست رياحٌ شِراعا
عرّفَتْنا الآلامَ لوناً فلونا
وأرتنا المماتَ ساعاً فساعا
اختبرنا ، إنَّا أسأنا اختباراً
واقتنعنا ، إنا أسأنا اقتناعا
وندِمنا فهل نكفّر عمَّا
قد جنينا اجتراحهً وابتداعا
لو سالنا تلك الدماءَ لقالتْ(59/217)
وهي تَغلي حماسةً واندفاعا
ملأ الله دُورَكمْ من خيالي
شبحاً مرعباً يَهُزّ النخاعا
وغدوتمْ لهول ما يعتريكمْ
تُنكرون الأبصار والأسماعا
تحسبون الورى عقاربَ خضراً
وتَرَوْن الدُّروب ملأى ضِباعا
والليال كلحاءَ لا نجمَ فيها
وتمرّ الأيام سوداً سِراعا
ليتكمْ طِرتُمُ شَعاعاً جزاءً
عن نُفوس أطرتموها شَعاعا
بالأماني جذّابةً قُدتُموها
للمنّيات فانجذبنَ انصياعا
وادعيتم مستقبلاً لو رأته
هكذا لم تضع عليه صُواعاً
ألهذا هَرقْتُموني وأضحى
ألفُ عرض وألف مُلكُ مُشاعا
أفوحدي كنتُ الشَّجاعةَ فيكمْ
أولا تملكون بعدُ شُجاعا
كلُّ هذا ولم تصونوا رُبوعاً
سِلتُ فيها ولم تُجيدوا الدفاعا
إنّ هذا المتاعَ بخساً ليأبى الله
أن تفصِدوا عليه ذراعا
قلْ لمن سِلتُ قانياً تحت
رجليهِ وأقطعته القُرى والضيِّاعا
خَبَّروني بأن عيشة قومي
لا تساوي حذاءك اللماعا
مشت الناس للأمام ارتكاضاً
ومشَيْنا إلى الوراء ارتجاعا
في سبيل الأفراد هُوجاً رِكاكاً
ذهب الشعب كلُّه إقطاعا
طعنوا في الصميم من يركُن
الشعبُ إليه ونصبَّوا القُطَّاعا
شحنوهم من خائنِ وبذئٍ
ومُريبٍ شحنَ القِطارِ المتاعا
ثمّ صبوهمُ على الوطن المنكوب
سوطاً يلتاع منه التياعا
خمَدت عبقريةٌ طالما احتيجتْ
لتُلقي على الخطوب شُعاعا
وانزوت في بُيوتها أدباءٌ
حَطَمت خِيفةَ الهوان اليراعا
ملءُ دور العراق أفئدةٌ
حَرَّى تَشكِّى من الأذى أنواعا
وجهودٌ سُحِقن في حينَ
ترجِّتْ منها البلاد انتفاعا
فكأنَّ الاحرار طرّا على هذي
النكايات أجمعوا إجماعا
اثأري أنفساً حُبسن على الضيم
وكيلي للشرّ بالصاع صاعا
واستعيني بشاعر وأديب
وأزيحي عمَّا تَرينَ القِناعا
لا يُراد الشعورُُ والقلمُ الحرّ
إذا كان خائفاً مُرتاعا
هيَّجوا النار انها أهونُ الشرّينِ
وقعاً ولا تَهيجوا الطباعا
إنَّ هذي القوى لهُنَّ اجتماعٌ
عن قريب يهدّد الاجتماعا
عصفت قوَّةُ الشعوب بأرسى
أمم الأرض فاقتُلِعن اقتلاعا(59/218)
أنهِ هذا الصراع يا دمُ بين الشعب
والظلم قد أطلت الصراعا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> سلمى ايضاً او وردة بين اشواك!
سلمى ايضاً او وردة بين اشواك!
رقم القصيدة : 66744
-----------------------------------
أسلَمي لي سَلمى وحسبي بقاكِ
إنَّ فيه بقاءَ من يَهواكِ
يستجدُّ الحياةَ للمرء مرآك
ويُحي ذكرى الشباب غِناك
جذبتني عيناكِ حتى إذا ما
الهبَتْني تحرَّكَت شفتاك
ولقد هانت الصبابةُ لو أنّى
أتتْني تَعِلةً من لُماك
وأرتْني يداكِ يبتدران الرَّقصَ
أضعافَ ما أرتْ قدَماك
تلتوي هذه كما التَبسَ الخَيْطُ
وتلتَفُّ تلكَ كالشُبّاك
تعتريني خواطرٌ فيكِ أحياناً
فأرتدُّ باديَ الإِرتباك
تتحّرى كفّاي تقليدَ كفيَّكِ
وتحكي خُطايَ وقعَ خُطاك
فانا في انقِباضةٍ وانبساطٍ
تارةً وانفراجةٍ واصطكِاك
وانتقاضٍ طَوراً كما انتقض الطائرُ
من وَقفةٍ على الأسلاك
ويراني من ليس يدري كأني
بِيَ مسٌ وقد أكونُ كذالك
أنا أهواكِ لا أريدُ جزاءً
غيرَ علمٍ بأنني أهواك
اطلُبيني بين الجموعِ على حينِ
احتشادٍ ما بينهم واشتباك
تعرفيني من دونهم بسِماتي
والتفاني وحيرتي وانهماكي
رُبَّ يومٍ فيه تصيَّدني الهمُّ
كما صيِد طائرٌ بشِراك
وكأني أرى الحياةَ بمسودِّ
زُجاج فكلُّ شيءٍ باكي
ملءَ نفسي وغرفتي يتراءى
شَبَحُ الهمَّ لي وملءَ السِكاك
لم تكن سلوةً لقلبي عمّا
أنا فيه إلا بأنّي أراك
قد شكوناكِ لا لذمٍّ ولكن
ليس يخلو الغرامُ إلا لشاكي
لي قلبٌ لو جاز نسيانهُ صدريَ
يوماً لجازَ أنْ ينساك
يتنزَّى طولَ الليالي ولا مِثلَ
تَنزيِّه إن جَرَت ذكراك
ويَرَى تارة من اليأس من لُقياكِ
مستسلماً بغَير حرَاك
أنتِ سلمى - وُليِّتِ مُلكاً فسوسيه
برفقٍ بحَق من وَلاّك
وهبَيه عهدَ اقتطاعٍ وكانتِ
لك في الحكم أُسوةٌ بسِواك
فارعَيِ القلبَ حرمةً مثلما
تَرعَيْن مُلكا - يُجْنى من الأملاك
افتحي لي بابَ السرور فقد سُدَّ
وبابُ السرور لي شفتاك(59/219)
واطرُدي هذه الهمومَ وسَلِّي
حُزن وجهي بوجهك الضحّاك
في يَديك الجميلتَينِ إذا شئتِ
ارتهاني ومن يَديَك فَكاكي
إن رأيتِ الحديثَ يمتازُ بالرقةِ
والُلطف فيكِ عمَّن عَداك
والقوافي يَلَذُّها السَمْعُ من دونِ
قوافٍ تشدو بحسن سواك
فلأني أُجِلُّ حبَّك عن أنْ
يُتَلقَّى الا بقَلبٍ ذاكي
ولأن الشعورَ يُوريهِ ابداعُكِ
وَرْيَ الزِنادِ بالإحتِكاك
ان هذا الجمالَ سَلمى غذاءُ الروُح
لولاهُ آذَنَتْ بهَلاك
وأرى مَن يلومُ فيه كمن يرشِدُ
ذا بُلغةٍ الى الإِمساك
أو كساعٍ يَسعى لتجفيف ماءِ
النَهر إشفاقةً على الأسماك
الرَعاعُ ، الرَعاعُ ؛ والجََدَل الفارغُ
اني من شَرّهم في حمِاك
ضايقتْني حتى بادراكيِ الحسنَ
نفوسٌ ضعيفةٌ الادراك
تقتضي الناس أنْ يكونوا صدى الأهواءِ
منها كما تكونُ الحواكي
قال لي صاحبي يزهِّدُني فيكِ
بهذي المُغالَطاتِ الرِكاك
لكَ فيها مُزاحِمون وما خيرُ
غَرامٍ يكونُ بالاشتراك
قُلت: اخطأتَ لا أبالي وهَبْها
وردةً في منابِتِ الأشواك
اتُراني أعافُها ثم هَبْني
أنني في عواطِفي - إشتِراكي
أنا هذا أنا - وما كنتُ يوماً
في شُعوري ونَزعتي بمَلاك
ثم إني أجَلُّ من ان أُماشي
في مذاقي جماعةً وأُحاكي
أنا أهوى ما اشتّهيه ومن لا
يرتَضيني قامَتْ عليه البَواكي
انا مذ كنتُ كنتُ ما بين نفسي
والسخافاتِ هذِه في عِراك
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> تائه في حياته!..
تائه في حياته!..
رقم القصيدة : 66745
-----------------------------------
قلَّ صبري على زمانِ ألدِّ
وخُطوبٍ ألبَسَنْنَي غيرَ بُردي
وتقاليدَ لا تطاقُ وناسٍ
لا يُجيدون غيرَ لُؤمٍ وحِقْد
آنست مَنْ معي قوافٍ حِسانٌ
سوف تبقى أُنْسَ الشجييِّن بعدي
حملتْ همَّهُمْ ورُحْتُ غريباً
عنهمُ حاملاً هموميَ وحدي
أفرَشوني شوكَ القتاد وخصُّوا
بالرياحين كلَّ جِبْسٍ ووَغْد
وزَوَوْا كلَّ ما أودُّ احتكاراً
وأتوني بكل ما لم أودّ
وأجالوا أفراسَهُمْ في مَلاهٍ(59/220)
ضربوا بينها وبيني بِسُدّ
ثم قالوا صفِ الحياةَ بلطفٍ
رغمَ أنَّ الحياةَ تجري بضدي
كيف يسطيعُ رسمَ شَكلِ المسرّاتِ
نزيلٌ في غرفة مثلِ لَحْد
تائه في حياته ليس يَدري
أيُّ بابٍ إلى السُّرورِ يُؤدّي
قد وصفتُ الشَّقاءَ أروعَ وَصفٍ
من بلاءٍ وخبرةٍ مستَمَدّ
وأرَيْتُ الناسَ الحياةَ جحيماً
قاذفاً أنْفُساً لطافاً بوقْد
فأروني رفاهةً ونعيماً
لأُريكم تصويرَ جنةِ خُلْد
صدماتُ الزمانِ تُبْقي خدوشاً
في أصَمٍّ من الجلاميدِ صَلدْ
أفتنجو من هذه الغَيرِ السودِ
خلايا دمٍ وقطعةُ جِلد
أكلتْ قلبيَ الهمومُ وهدّت
كلّ حولي واستنزفتْ كلَّ جهدي
فتراني وليس غيرُ اطِّلابٍ
لكفافٍ من المطاليبِ عندي
بدلاً من تقلُّبي في نعيمٍ
سابغ الظلِّ ذي أفانينَ رَغْد
هذه العيشةُ الرفيهةُ لا عركُ
زمانٍ ملآنَ بالنحس نَكْد
ما عسى تبلُغُ القناعةُ من نفس
طروبٍ لغيرِها مستعِد
أين من تستثيرُ طبعي بهزاتِ
التصابي منها وتقدَحُ زندي
من تشكي الغرامِ والوجدِ إني
ذو احتياج إلى غرامٍ ووجد
قد سئمتُ الجفافَ في العيش لارشفةُ
ثغرٍ ولا نعومةُ خدّ
وردةٌ من حديقةِ الشعرِ أُهديها
إلى مطعمي بقطفةِ ورد
ليس عندي أعزّ ُ منها وحسبي
أنني خيرُ ما تملكتُ أُهدي
اشتهي عُلْقةً بحبلِ غرامٍ
أوْجدِيها ولو بكاذبِ وعد
لست ادري فربّما كان نحسي
في غرامي وربّما كان سعدي
غيرَ أنيّ أُحسُّ أنَ شعوراً
تستفزينه بُقربٍ وبُعد
لا تَشِحّي ولا تجودي ولكنْ
اتركيني ما بين جَزْر ومَد
ثم قولي هاكَ الذي تبتغيه
ثم لمّا أقولُ هاتيه رُدّي
لوحةٌ مالها نظيرٌ وقوفُ العاشقِ
الصبِ بينِ أخذٍ وردْ
لا لأجلي لكنْ التّلهي
بقوافي حرّكي بعضَ وَجْدي
أَولا ترغبين أن يَتَغّنى
بمعانيكِ مُعْجَباً كلُّ فرد
رُبَّ جسمٍ يَبْلى به عبقريٌّ
لا يرى عن تَصْويرِهِ من مَردّ
حاشدِ الذهنً بالصبابةِ يأتي
من ضُروبِ البيان فيها بحشْد
وتراه عَفْوَ القريحةِ يَخْتارُ
أناشيدَ تُعْجِزُ المتصدِّي(59/221)
سَهُلَتْ فهو مثلُ سيلٍ تَجارى
في مسيلٍ دَمْثٍ يُعيد ويُبدي
يَلمِسُ الشيخُ في قوافيه بُقيا
أثَرٍ من شبابهِ المسَتَردّ
ويُعيدُ الصِبا إليه وبلقى
في مريرِ الذكْرى حلاوةَ شُهْد
فهو يُسْدي إلى الوجودِ جميلا
وهو لولا الغَرامُ ما كانُ يُسْدي
ولقد تَضْمنُ البداعةَ في الفنِّ
وتخليدهِ بضاضةُ زند
ما عرفنا دعدّيةً تتصّبى
كلَّ نَفسٍ لولا تحكُّمُ دَعْد
لا جفافُ الحجاز أضرمَ تلك الروحَ
فيها ولا خشونةُ نجد
هي إلهامةٌ يَنِزّ لها الحبُّ
على الشاعرينِ من غير قَصْد
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عريانة!..
عريانة!..
رقم القصيدة : 66746
-----------------------------------
أنتِ تدرين أنني ذو لُبانَهْ
الهوى يستثيرُ فيَّ المَجانَهْ
وقوافيَّ مثلَ حُسنك لما
تَتَعرَّينَ حرّةٌ عُريانة
وإذا الحبُّ ثار فيَّ فلا تَمْنَعُ
أيُّ احتشامة ثوَرَانه
فلماذا تُحاولين بأنْ أعلنَ
ما يُنكِرُ الورى إعلانه
ولماذا تُهيِّجِين من الشاعِر
أغفى إحساسُهُ ، بركانه
لا تقولي تجهُّمٌ وانقباضٌ
بُغَّضا منه وجهَه ولسانه
فهما ثورةٌ على الدهر منّي
كجَواد لا يرتضي مَيدانه
أنا في مجلسٍ يضمُّكِ نشوانُ
سروراً كأنني في حانه
لوتُحسيِّنَ ما أحسُّ إذا رجَّفْتِ
في الرَّقص بطنَك الخمصانه
رجفة لا تمسُّ ما بين رفْغَيْكِ
وتُبقي الصدرَ الجميلَ مكانه
والذراعَينَ كلُّ ريانةٍ فعماءَ
تََلْقى في فَعمةٍ رَيّانه
والثُدِيَّيْنِ كلُّ رُمانة فرعاءَ
تَهزا بأُختِها الرُمّانه
عاريا ظهرُك الرشيقُ تحبُ العينُ
منه اتساقَهُ واتزانه
ما به من نحافةٍ يُستَشَفُّ العظمُ
منها ولا به من سَمانه
خُصَّ بالمحض من بُلهَنَيةِ العَيشِ
وأُعطي من الصبا عنفوانه
وتراه يجيء بين ظُهور الخُرَّدِ
الغيدِ سابقاً أقرانه
إذ تميلين يَمنة ويَساراً
مثلما لاعبت صَباً خيزُرانه
عندما تبسمين فينا فتفترُُّ
الشفاهُ اللطافُ عن أقحُوانه
إذ يحار الراؤون في حُسنك الفتّانِ(59/222)
بل في ثيابك الفَتّانه
رُب جسمٍ تُطرى الملاحةُ فيه
ثم تَعدوه مُطرياً فُستانه
ما به من نقيصةٍ وكأنّ الثوب
أضحى متمماً نُقصانه
إن كفاً قاست عليك لباساً
مثلَ هذا مهّارةٌ شيطانه
عَرَفتْ كيف تَبروزين
إلى الجمهُور فيه لتخِلبي أذهانه
ضيَّقت مُلتقى نهودكِ
والكشْحَين منه وشمرَّت أردانه
وأشارت إلى اللعوبَيْن بالألباب
منا بوردةٍ مُزدانه
ليت شعري ما السرُّ في ان بدت
للعَين جَهراً أعضاؤُكِ الحُسّانه
واختفى عضْوُك الذي مازَه الله
على كل ما لديك وزانه
الذي نال حُظوةً حُرِم الانسانُ
منها خُصَّت الإنسانه
وتمنّى على الطبيعة شَكلا
هو من خير ما يكونُ فكانه
وَمَحلاً خِصبا فحلَّ بوادٍ
أنبتَ اللهُ حولَهُ ريحانه
لم يُرد من بَراه مُتعةَ نَفسٍ
ان يُغَطّى ولم يُردْ كِتمانه
ككتابٍ كشَّفت عن صفحتيهِ
ثم غطيَّت عَنوةً عُنوانه
أو غَديرٍ جمِّ المساربِ عذبٍ
حَرمَّوه وحلَّلوا شُطْئَانه
هيكلٌ من هياكِل اللهِ سُدَّ البابُ
منه وكفنَّوا صُلبانه
جسمُك الغضُ مَنطقٌ يدحَض
الحجّة لو لم تُسَتِّري بُرهانه
ملءَ عيني رأيت منكِ مع الأخرى
غرامَ البَناتِ يا فتّانه
رشفةٌ قد حُرمْتُها منك باتت
عند غيري رخيصةً مُستَهانه
أذ تلهَّتْ بمَحزِمٍ منك بُغيا النفس
من أن تستطيع منكِ احتضانه
وثنَتْ كفَّها إلى مهبِط الأشواقِ
منيّ فمَسحَّت أركانه
معها " بعتِ " خفةً ومُجونا
ومعي " بِعتِ " عفّةً ورزَانه
لو كإتيان هذه لك آتي
رجلاً لم تحبِّذي إتيانه
أتُريدين أن أقولَ لمن لم
يدر ما بينكُنَّ من إدمانه
فتيات الهوى استبحن من اللذات
ما لم يُبِحنَه فتيانه
أعروسان في مكان وعِرِّيسانِ
كلٌ منهم يُخَلَّى وشانه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> حافظ إبراهيم ..
حافظ إبراهيم ..
رقم القصيدة : 66747
-----------------------------------
نَعوا إلى الشِعرِ حُراً كان يرعاهُ
ومَنْ يَشُقُّ على الأحرارِ مَنعاهُ
أخنى الزَّمانُ على نادٍ " زها " زَمناً(59/223)
بحافِظٍ واكتسى بالحُزنِ مغناه
واستُدْرجَ الكوكَبُ الوضاءُ عن أُفُقٍ
عالي السَّنا يُحْسِرُ الأبصارَ مَرقاه
أعْززْ بأنَّا افتقَدناهُ فأعوزنا
وجهٌ طليقٌ وطَبعٌ خفَّ مجراه
وأنَّ ذاكَ الخفيفَ الروحِ يُوحشُه
بيتٌ ثقيلٌ على الأحياءِ مَثواه
ضيفٌ على رِمَمٍ شتَّى طبائعُها
ما كانَ يجمعُها حالٌ وإياه
أنَّ الذي هزَّ كلَّ الناس مَحضَرُهُ
لم يبقَ في الناس منه غيرُ ذكراه
نأت رعايَتُنا عنه وفارقَنا
فِراقَ مُحتَشمٍ فلْيَرْعَهُ الله
حوى التُرابُ لِساناً كُلُّهُ مُلَحٌ
ما كلُّ مُحتَرِفٍ للشِّرِ يُعطاه
للأريحيَّةِ مَنْشاهُ ومَصْدرُهُ
وللشَّجاوةِ والإيناسِ حَدّاه
جمُّ البَدائهِ سََهْل القولِ ريِّضُه
وطالما أعوزَ المِنطيقَ إبداه
جَلا القِراعُ الشبا منهُ ولطفَّهُ
طولُ التَّجارِبِ في الدُّنيا ونقَّاه
تخيَّر الكَلِمَ العالي فَسلَّطهُ
على القوافي فحَّلاها وحلاّه
ومَدَّها ببنَتِ الفِكرِ مُرسَلةً
تَرَسُّلَ السَّيلِ أدناهُ كأقصاه
من كلِّ مَعنىً لطيفٍ زاد رونَقَهُ
إبداعُ " حافِظَ " فيهِ فهو تيَّاه
فلو يُطيق القريضُ النُطقَ قابلةُ
بالشكرِ عن حُسن ما أسدى فأطراه
عرائسٌ من بنات الفكر حاملةٌ
مِن حافظٍ أثَراً حُلواً كسِيماه
وما الشُعورُ خيالُ المرءِ يَنْظِمهُ
لكنَّهُ قِطِعِاتٌ مِن سجاياه
أخو الحماسِ رقيقاً في مقاطعهِ
تكادُ تُلْمسُ نِيرانٌ وأمواه
وذو القوافي لِطافاً في تَسَلسُلها
ما شانَها عنَتٌ يوماً وإكراه
وابنُ السِنينَ نَقيَّاتٍ صحائفُها
أُُولاه فائضةٌ حُسناً وأُخراه
فانْ يكُنْ خُضِدت بالموتِ شوكتُهُ
أو نالَ وقعُ البِلى منهُ فعرّاه
فما تزالُ مَدى الأيامِ تُؤنسُنا
نظائرٌ مِن قوافيهِ وأشباه
شِعرٌ تُحِسُّ كأنَّ النفسَ تَعشَقُهُ
أو أنَّها اجتُذِبَتْ بالسِحر جرّاه
زانَتْ مواقِفَهُ جُنديَّةٌ كُسيَت
من الرزانهِ ما لمْ تُكْس لولاه
مشى بمصرَ فلم يَعثُر بها ورمى
مُحتلَّ مِصرَ فلم يُخطِئْهُ مَرماه(59/224)
رِيعَ القريضُ بفذٍّ كانَ يملؤهُ
مِن الجميلينِ مَبناهُ ومَعناه
يُعطي لكلِّ مَقامٍ حقَّهُ ويَرى
حقّاً لسامعهِ لابُدَّ يَرعاه
قد يُوسِعُ الأمرَ تفصيلاً يُحتَّمُه
حالٌ وقد يَكتفي عنهُ بفَحواه
وقد يجيئُ بما لم يَجْرِ في خَلَدٍ
وقد يقولُ الذي لم تهوَ إلاّه
فمٌ من الذهب الابريزِ مَنطِقُهُ
جاءتْ تُعزّي به الأشعارَ أفواه
اليومَ يبكيهِ دامي القلبِ طارَحَهُ
بِدامياتِ قوافيهِ فواساه
وضيِّقُ الصدرِ بالأيام غالطَهُ
عنِ الحياةِ وما فيها فعزّاه
حَسْبُ الزمانِ وحِسبُ الناسِ مَنقصةً
أن طالَ من حافظٍ في الشِعر شكْواه
ما للزمانِ ونفسٍ ريعَ طائُرها
ألمْ تكنْ في غِنىً عنها رزاياه
ضَحيَّةَ الموتِ هل تهوى مَعاودَةً
لِعالمٍ كنتَ قَبلاً مِن ضَحاياه
يا ابنَ الكِنانهِ والأيامُ جائزةٌ
والدهرُ مُغْرَمةٌ بالحُرِّ بَلواه
لُقِّيتَ مِن نَكَدِ الدُّنيا ومحنتها
ما كنتَ لولا إباءٌ فيكَ تُكفاه
ما لذَّةُ العيشِ جَهلُ العَيشِ مَبدؤهُ
والهمُّ واسِطهُ ، والموتُ عُقباه
يا ابنَ الكِنانهِ ماذا أنتَ مُشتَمِلٌ
عليه ممَّا سَطا مَوتٌ فغَطَّاه
سِتّونِ عاماً أرتْكَ الناسَ كُنهَهَمُ
والدهرَ جوهرَهُ والعُمْرَ مَغزاه
وبَصَّرتكَ بأطباع يَضيقُ بها
صدرُ الحليم وتأباه مَزاياه
بَدا على نَفثَاتٍ منكَ خالدةٍ
عيشُ الأباة ونُعماهُ وغُمَّاه
وخَبَّرتنا القوافي عن أخي جَلَدٍ
صُلبِ الإرادةِ يُعْيي الدهرَ مأتاه
خاضَ الزمانَ وأبلاهُ مُمارسةً
لم يَخْفَ عنه خبيٌّ مِن ثناياه
وعَنْ مصارَعةِ الدُّنيا على نَشَبٍ
الحَالُ تُوجبهُ والنفسُ تأباه
وعن مواقفَ تُدمي القلبَ غُصَّتُها
لا المالُ يَدفعُ ذِكراها ولا الجاه
وعن أذايا يّهدُّ النفسَ مَحمِلُها
ويَستثَيرُك جانيها ومَرآه
إنَّا فَقدناهُ فقْدَ العيَنِ مُقلتها
أو فقْدَ ساعٍ إلى الهيجاءِ يُمناه
ما انفَكَّ ذِكرُ الرَّدى يجري على فمه
وما أمرَّ الرَّدى ، بل ما أُحيلاه
ومَنْ تُبَرِّحْ تَكاليفُ الحياةِ به(59/225)
ويَلْمِسُ الرَّوْحَ في مَوتٍ تمنَّاه
إنّي تعشَّقتُ مِن قَبلِ المُصابِ به
بيتاً له جاء قبلَ الموتِ يَنعاه:
ودَّعتُهُ ودُموعُ العينِ فائضةٌ
والنَّفسُّ جياشةٌ والقَلب أواه
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> فيصل السعود..
فيصل السعود..
رقم القصيدة : 66748
-----------------------------------
على سَعةٍ وفي طُنَفُ الأمان
وفي حَبّات أفئدةٍ حواني
بقرب أخيهِما كرماً ولطفاً
وثائرة يُسَرُّ الرافدانِ
فتى عبد العزيز وفيكَ ما في
أبيك الشْهمِ من غُررِ المعاني
لأمرّ ما تُحس منِ انعطافٍ
عليك وما ترى من مهرجان
تأملْ في السُّهول وفي الروابي
ومختلِف الأباطحِ والمغاني
ألستَ ترى ارتياحاً وانطلاقاً
يلوح على خمائلها الحسان
وفي شتى الوُجوه ترى انبساطاً
ولو في وجه مكتئب وعاني
وذاك لأن كلَّ بني سُعودٍ
لهم فضل على قاصٍ وداني
وأنّهُمُ الملاجيءُ في الرزايا
وأنَهُمُ المطامحُ والأماني
وأنك والذي أُفِدْتَ عنه
أباك ملاذةُ الحر المُهانِ
تسوسون الرعية بالتساوي
بفرط العدْل أو فرط الحنان
فلا مثلَ الجناة يُرى بريء
ولا بَدَلَ البريء يُعافُ جاني
لكم في ذمة الأحرار دَيْنٌ
وأكرِمْ بالمدُين وبالمُدان
أبوكَ ابن السعود أبو القضايا
مشرفةً على مرّ الزمان
ولمَحُ الكوكب المُلْقي شُعاعاً
على شُعَب الجْزيرة والمَحاني
ورمزُ العبقريةِ في زمان
به للعبقرية كلُّ شأن
لها كُتِبَ الخلودُ ، وما سواها ،
برغم دعاية الداعين ، فاني
ولم أر مثلَهُ إلا قليلاً
مهِيباً في السماع وفي العِيان
كأني منه بين يَديْ هِزبَرٍ
أخي لِبَدٍ على بُعدِ المكان
أقول الشعر محتفظاً وئيداً
كأني خائفٌ من أن يراني
وقى اللهُ الحِجزَ وما يليهِ
بفضل أبيك من غُصَصِ الهوان
ومتَّعَ ذلك الشعبَ الموقَّى
بسبع سنينَ شيقةٍ سِمان
على حينَ اصطلى جيرانُ نجد
بجمر لظىً وسمّ الأفعوان
وقد رقَّت لها حتى عِداها
لكابوس بها مُلقى الجِران
أرادَتْه اضطراراً لا اختياراً(59/226)
وليس لها بدَفْعَتِه يدان
فليت الساهرين على دَماراً
فداءُ الساهرين على الكيِان
وما سِيانِ مشتملون حَزْماً
ومشتملون أحزمةَ الغواني
تُحاك له الدسائسُ تحت ليل
من الشحناء داجي الطَّيْلسان
على يد مصطلينَ بهِ غِضابٍ
على عليائه حرِدِي اللسان
وحُسّاد لذي شرف مَهيب
رَمَوْا منه بسُلٍّ واحتقان
من القوم الذين إذا استُجيشوا
ذكا لأُنوفهم أَرجُ الجِنان
مشى للناس وضّاحاً وجاءوا
إليهم تحت أقنعة القِيان
فقل لهُمُ رويداً لا يَطيشوا
ولا يَغُررْهُمُ فرطُ التواني
فبالمرصادِ صِلٌّ أرقميٌّ
شديدُ البطش مرهوبُ الجَنان
يُريهِمْ غفلةً حتى إذا ما
تمادَوْا في اللّجاجة والحِران
مشى لهم كأروعِ ما تراه
حديدَ الناب محتشدَ الدُّخان
وقال لشيخهم إن شئتَ ألّا
أراك ترفعاً أفلا تراني ؟
إذا لم تَقْوَا أن تبنى فحايد
وكن شَهمْا يقدِّرُ صنعَ باني
مَشَيْتُمْ والملوكُ إلى مجالٍ
به أحرزتُمُ قَصَبَ الرِّهان
فجاء مقامُهُمْ عنكم وضيعاً
مقام الزَج زلَّ عن السِّنان
فلا تحسَبْ بأن دعاةَ سُوءٍ
تحرَّكُ من فلانٍ أو فلان
ولا شتى زحاريفٍ ركاكٍ
ولا شتى أساليبٍ هِجان
تَحَوَّلَ عَنْكُمُ مجرى قُلوب
موجهةٍ إليكم بِاتزان
يسُرُّ الناسَ أنَّ فتىً كريماً
يُسَرَّ ، كما يعاني ما يعاني
ترفع يا سرورُ عن القوافي
فانكَ لَلْغنيُّ عنِ البيان
وَهبني كنتُ ذا حَصَرٍ عِيِيّاً
وهبني كنت منحبسَ اللسان
فما قدْرُ العواطف والنوايا
إذا احتاجت لنقْلِه تَرجَمان
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الأنانية ..
الأنانية ..
رقم القصيدة : 66749
-----------------------------------
أرى الدهر مغلوباً وغالبا
فلا تَعتِبَنْ لا يسمعُ الدهرُ عاتبا
ولا تكذبنْ ، ما في البرية راحمٌ
ولا أنت فاترُكْ رحمةً عنك جانبا
تمكّنَ ذو طَوْلٍ فأصبح حاكماً
وجنّب مدحوراٌ فأصبح راهبا
وفاتت أناساً قدرةٌ فتمسكوا
ولم يُخْلقوا أُسداً فعاشوا ثعالبا
إلى روح " مكيافيل " نفحُ تحية(59/227)
وصوبُ غمامٍ يترك القبرَ عاشبا
أبان لنا وجهَ الحقيقةِ بعد ما
أقام الورى ستراً وحاجبا
ولو رُمتُ للعَوْرات كشفاً أريتُكُمْ
من الناس حتى الأنبياءِ عجائبا
أريتكُمُ أنَّ المنافعَ صُوِّرتْ
محامدَ والحرمانَ منها معايبا
أريتكُمُ أنَّ ابنَ آدمَ ثعلبٌ
يماشيك منهوباً ويغزوك ناهبا
لحفظ " الأنانياتِ " سُنَّتْ مناهجٌ
على الخلق صَبَّتْ محنةً ومصائبا
يجرُّ سياسيُّ عليها خصومَه
ويدرك دينيُّ بهنّ المطالبا
فان تراني مستصرخاً من مُلِمَّة
على الناس إذ لم أخدعِ الناسَ صاخبا
فليس لأني ذو شعور وإنّما
أردتُ على الأيام عوناً وصاحبا
هي النفس نفسي يسقط الكلُّ عندها
إذا سَلِمتْ فليذهبِ الكونَُ عاطبا
بلى ربما أهوى سواها لأنه
يَجُرُّ إليها شهوةً ومآربا
ولو مُكِّنََتْ نفسي لأرسلتَ عاصفاً
على الناس يَذروهم وفجَّرتُ حاصبا
فلو كنت دينيّا تخذت محمداً
وعيسى وموسى حجة وركائبا
تناهبتُ أموالَ اليتامى أجوزُها
وأجمعُها باسم الديانة غاصبا
ومهدتُ لي عيشاً أنيقاً بظلها
ومتعتُ نفسي منه ثم الأقاربا
ولو كنتُ من أهل السياسة لم أَدَعْ
سناماً لمن أرتابُ فيهم وغاربا
تَخذتُ الورى بالظن أُحصي خطاهُمُ
ورُحْت لدقاتِ القلوبِ محاسبا
ولم أرَ في الاثم الفظيع اقترفتُه
سوى أنني أدّيتُ للحكم واجبا
فان لم أُطِقْ تهديمَ بيتٍ مصارحاً
أتيتُ فهدَّمتُ البيوتَ مواربا
لجأتُ إلى الدُّسْتُور في كل شدةٍ
أفسّر منه ما أراه مناسبا
وجردتُهُ سيفاً أمضَّ وقيعةً
من السيف هنديا وأمضى مضاربا
أكُمُّ به الأفواهَ حقا وباطلا
وأخْنُقُ أنفاسا به ومواهبا
أُهدّمُ فيه مجلساً ليَ لا أُريدهُ
وإن ضمَّ أحراراً غَيارىَ أطابيا
وأبني عليه مجلساً ليَ ثانيا
أضيّع " ألكاكاً " عليه رواتبا
أُحشّد فيه أصدقائي وأسرتي
كما ضمّ بيتٌ أُسرةً وصواحبا
فان لم تكن هذي لجأتُ لغيرها
أخفَ أذىً منها وألين جانبا
أُرشحُ من لم يعرفِ الشعبُ باسمه
أباعدَ عنه لفّقوا وأجانبا(59/228)
أُسخّرهم طوراً لنفسي وتارةً
أصُبّ على الأوطان منهم مصائبا
وأغريت بالتلطيف أسْحَرُ شاعراً
وأغدقت بالأموال اخْدَعُ كاتبا
فهذا يسمى الجورَ حزماً وحكمةً
وذلك يعتدُّ المخازي مناقبا
ولو كنتُ فناناً ولو كنتُ عاملاً
ولو كنتُ أُمياً ولو كنت كاسبا
ولو كنت مهما كنت فرداً فانني
لأجهَدُ في تحطيم غيريَ دائبا
ولا أعرف التاريخَ يهتاج ساخطا
عليّ ولا الوجدانَ يرتدُّ غاضبا
فما كانت الأعذار إلا لخاملٍ
وما كنت إلا طامحَ النفسِ واثبا
دعوني دعوني لا تهيجوا لواعجي
ولا تبعثوا مني شجوناً لَواهِبا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> احمد شوقي ..
احمد شوقي ..
رقم القصيدة : 66750
-----------------------------------
طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُرَرْ
وأصبحَ " شوقي " رهينَ الحُفَرْ
وأُلقِيَ ذاكَ التُّراثُ العظيمُ
لِثقلِ التّراب وضغطِ الحَجر
وجئنا نُعزّي به الحاضرين
كأنْ لم يكنْ أمسِ فيمن حضر
ولم يُنتجِ السُوَرَ الخالداتِ
من المُلحقاتِ بأمِّ السُّوَر
من اللاَّءِ يهتزُّ منها النديُّ
ويُطربُ إيقاعُهُنَّ السَّمر
برغمِ الشُعورِ يشُلُّ البِلى
لسانَكَ أو يعتريكَ الكدَر
وأن يقطعَ الموتُ ذاك النشيدَ
وأن يأكلَ الدودُ ذاكَ الوتَر
وأنَّا نعودُ بنفضِ الأكفِّ
عنكَ وأنتَ العظيمُ الخَطَر
فيا لكِ من عِبرةٍ يُستفزُّ
منها على كثرةٍ في العِبَر ..!
زمانٌ وفيٌّ بميعادهِ
فظُلماً يقالُ ليالٍ غُدُر
كما يُقْرعُ " الجَرْسُ " للناشئينَ
تأتي إلى الناس منه النُّذُر
ولكن يُريدُ الفتى أنْ يدوم
ولو دامَ سادَ عليه الضجر
ويأبى التنازعُ طولَ البقاء
وتأباهُ بُقْيا نفوسٍ أُخر
وقد يُهلكُ الناسَ فردٌ يعيشُ
حيناً فكيف إذا ما استمر!
فلّلهِ من شارعٍ لم يَعُقْهُ
حكمُ الضرورةِ أو ما ندَر
سواءٌ صليبُ الصفا والزجاجِ
كسراً بكفِّ القضا والقدَر
وبالدهرِ في الناسِ مثلُ الجُنون
فليس يُبالي بمنْ ذا عثر
وحتمٌ على الخفرِ الآنسات(59/229)
والوحش حشرجةُ المْحْتَضَر
تجيءُ إلى الصدرِ تحتَ الحرير
كجيئتها الصدرَ تحتَ الوَبر
وكلُّ الفوارقِ بينَ اللغاتِ
وبينَ الطباعِ وبينَ الأْسَر
سيُوقِفها للردى زائرٌ
ثقيلُ الورودِ بغيضُ الصَّدر
فيا صُفرةَ الموتِ إنَّ الوجوهَ
تَساوى بها صَلَفٌ أو خَفَر
تحَيْرتُ في عِشةِ الشاعرين
أتَحْلو خُلاصتُها أم تَمَرّ
فقد جارَ " شوقي " على نفسهِ
وقد يقتُلُ المرءَ جَورُ الفِكَر
على أنَّه لم يعِشْ خالداً
خلودَ الجديدَينِ لو لم يَجُر
تتبَّعْتُ آثارَ " شوقي " وقد
وقفتمْ على من يقصُّ الأثر
لقد فاتَ بالسبقِ كلَّ الجيادِ
في الشعر هذا الجوادُ الأغرّ
ترسَّلَ لم يَرْتَبِكْ خَطوُهُ
عناءً .. ولا نال منه البَهَر
" شَكِسْبيرُ " أُمَّتِهِ لم يُصِبْهُ
بالعِيِّ داءٌ ولا بالحَصَر
وإن أصدُقَنَّ " فشوفي " لهُ
عيونٌ من الشعرِ فيها حَوَر
تعرَّضه من طلاءِ البيانِ
ومن زِبْرِج اللفظ دربٌ خطِر
ولو خافَ مثلَ سِواه العُبُور
لخابَ وزلَّ .. ولكنْ عَبَر
تمشَّى لمصطلحاتِ البديع
مُندسَّةً في البيانِ النَّخِر
فأفرغها من قوافيهِ في
قوالبَ مرصوصةٍ كالزُّبُر
فجاءَتْ كأنْ تنَلْها يدٌ
خلافَ يدِ الماهرِ المقتدِر
يُذلِّلُ من شارداتِ القريضِ
ما لو سِواهُ ابتغاهُ لَفَر
ويستنزلُ الشِعَر عذبَ الرُّواءِ
كصوبِ الغمامةِ إذْ ينحدِر
يُمَيِّزهُ عن سِواه الذَّكاءُ
وطولُ الأناةِ ، وبُعدُ النظَّر
وتبدو الرجولةُ في شِعره
منزَّهةً من صعىً أو صَعر
وفي كِبَرِ النَّفْس مندوحةٌ
عن الكبرِ ، شأنُ الضعاف الكبر
ولم يتخبَّثْ بهُجْر الكلام
ولم يتصيَّدْ بماءٍ عكر
وديوانُ " شوقي " بما فيه من
صنوفِ البداعةِ روضٌ نضر
فبيتٌ يكادُ من الارِتياحِ
واللطفِ من رِقَّةٍ يُعتْصَر
وبيتُ يكادً من الاِندفاعِ
يقدحُ من جانبيهِ الشَّررَ
وبيتٌ كأنَّ " رُفائيلَ " قد
كساهُ بكفَّيْهِ إحدى الصُوَر
تُحِسُّ الطبيعةَ في طيَّةِ
تَكشَّفُ عن حُسنها المستتر
كأنَّكَ تسمعُ وقعَ النَّدى(59/230)
بتصويرهِ أو حفيفَ الشَّجر
وبيتٌ ترى " مصرَ " أسيانةً
تُناغي به مجدَها المندثر
ففي مصرعٍ يومُها المبتلى
وفي مرعٍ أمسُها المزدهر
و"فرعونُ " إذ ينطوي مُلْكُهُ
و " فرعونُ " في القبرِ إذ يَنْتَشِر
وديوانُ " شوقي " يُجِدُّ الشبابَ
لتأريخِ أُمتَّهِ المُختَصَر
ولولا المغالاةُ قلتُ : انطوى
بمنعاهُ عُنوانُها المُفَتخَر
فيا نجلَ مصرَ وفَتْ برَّةً
بذكراكَ " مصرُ " وأنتَ الأبَّر
مئاتُ الصحائفِ مسودةٌ
مُجلَّلةٌ بمئاتِ الصُور
ظهرتَ بها وجناحُ البيانِ
مهيضٌ ، وأسلوبُه مُحتقر
بقايا من الكَلِمِ الباقياتِ
تناقَلَها نفرٌ عن نفر
ولفظٌ هجينٌ ثوَتْ تحتهُ
معانٍ لِقلَّتها تًحتكر
وحسبُكَ من حالةٍ رثَّةٍ
بفرطِ الجمودِ الجمودِ لها يعتذر..!
فكنتَ وعِلَّتها كالطبيبِ
يُنْعش جسماً عراهُ الخَوَر
تُعَلِّمُها أنَّ للعبقريِّ
حكْماُ مُطاعاً إذا ما أمر
وأنَّ القوافي عِبِدَّى له
يُفَرِّقُ أشتاتَها أو يَذر
يصوغُ المعاني كما يشتهي
ويلعبُ باللفظِ لعبَ الأكر
" عُكاظُ " من الشعر تحتلّهُ
ويرعاهُ " حافظُ " حتى ازدهر
تلوذُ الوفودً بساحَيْكمُا
وتأتيهِ من كلِّ فجٍّ زُمر
تُبَجَّلُ فيه مزايا الشُعور
على حينَ في غيرهِ تًحتَقَر
وتًنسى الضغائنُ في ساحةٍ
بها كلُّ مكرُمةٍ تُدَّكر
وأنت كصمصامةٍ مُنتضىً
و " حافظُ " كالأبلقِ المشتَهَر
تمشَّى بإثْركَ في شِعره
وماتَ .. وأعقبتَهُ بالأثر
بقدْرِ اختلافِكما في النُبوغِ
كانَ اختلافُكما في العُمُر
فلا تَبعُدا إن شأنَ الزمانِ
أنْ يُعقِبَ الصفوُ منه الكَدَر
عزاءُ الكِنانة أنَّ القريضَ
تأمَّرَ دهراً بها ثمَّ فَر
بنجمينِ كانت تباهي السما
وما في السما من نجومٍ كُثُر
بشوقي وحافظَ كانت متى
تُنازلْ بمعركةٍ تَنتصِر
فها هي قد عَريتْ منهما
وها هي من وحشةٍ تَقْشَعِر
فلا تحسبنْ أنَّ طولَ البكا
يذودُ الأسى او نِثارَ الزَهر
خسرناكَ كنزاً إلى مثلِهِ
إذا أحْوَجَتْ أزمةٌ يفتقر
وما كنتَ من زمنٍ واحدٍ(59/231)
ولكنْ نِتاجَ قُرونٍ عُقُر
مضى بالعروبةِ دهرٌ ولمْ
يَلُحْ ألمعيٌّ ومرت عُصُر
وإن النُبوغَ على ما يُحيطُ
بعيشِ النوابغِ أمرٌ عَسِر
يثيرُ اهتماماً أديبٌ يجد
كما قيلَ نجمٌ جديدٌ ظهر
قرونٌ مضتْ لم يسُدِّ العراقُ
مِن المتنبي مكاناً شَغَر
ولم تتبدلْ سماءُ البلادِ
ولا حالَ منها الثَّرى والنَّهر
ولم يتغيرْ عَروضُ الخليل
ولا العُربُ قد بُدلّوا بالتَتر
ولكِنَّما تُنْتُجُ النابهينَ
من الشاعرينِ دواعٍ أُخَر
فنْ فُقدَتْ لم يشعَ الأريبُ
الا ليخبو كلمحِ البَصَر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> القرية العراقية ..
القرية العراقية ..
رقم القصيدة : 66751
-----------------------------------
رونقٌ في الثَّرى وعلى الروضةِ
لطفٌ من السَّما مسكوبُ
ما أرقَّ الأصيلَ سال بشفَّافِ
شعاعٍ منه الفضاءُ الرحيب
كلُّ شيءٍ تحت السماء بلونٍ
شفقيًّ مورَّدٍ مخضوب
وكأن الآفاقَ تَحْتَضِنُ الأرضَ
بآصالِها إطارٌ ذهيب
مَتّعِ العينَ إنَّ حُسناً تراهُ
الآنَ من بعدِ ساعةٍ منهوب
والذي يخلَعُ الأصيلُ على الأرض
بكفِّ الدُّجى أخِيذٌ سليب
منظرٌ للحقولِ إذ تُشرقُ الشمسُ
جميلٌ وإذ يَحيِنُ الغروب
ولقد هزّني مسيلُ غديرٍ
مِنْ على جانبيهِ روضٌ عشيب
يُظهِر الشيءَ ضدُّه .. وتُجارى
بسواها محاسنٌ وعيوب
وكذاكَ المرعى الخصيبُ يُحلّيه
إلى الناظرينَ مرعىً جديب
ثمَّ دبَّ المَساءُ تَقْدمُه الأطيارُ
مرعوبةً وريحٌ جَنوب
وغناءٌ يتلو غناءً ورُعيانٌ
بقُطْعانِهم تَضيقُ الدروب
يَحْبِسُ العينَ لانتشار الدياجي
في السَّما منظرٌ لطيفٌ مَهيب
شفَقٌ رائعٌ رويداً رويداً
تحتَ جُنحٍ من الظلام يذوب
وترى السُحبَ طيَّةً تِلوَ أُخرى
قد أُجيد التنسيقُ والترتيب
وتراها وشعلةً الشفقِ الأحمرِ
تبدو أثناءها وتغيب
كرَمادٍ خلاَّهُ وانزاحَ عنه
قبسٌ وسْطَ غابةٍ مشبوب
ثمَّ سدَّ الأفقَ الدُّخانُ تعالى
من بيوتٍ للنارِ فيها شُبوب
منظرٌ يبعثُ الفراهة والأنسَ لقلبِ(59/232)
الفلاّح حين يئوب
يعرفُ اللقمةَ الهنيئةَ في البيتِ
مُجدٌّ طولَ النهار دَءوب
بُرهةً ريثما انقضى سمرٌ
تقطرُ لطفاُ أطرافُه وتَطيب
واستقلَّ السريرَ أو حُزمةَ القشِّ
أريبٌ . نِضْوٌ . حريبٌ . تَريب
سكنَتْ كلُّ نأمةٍ واستقرَّتْ
واستفزَّ الأسماعَ حتَّى الدَّبيب
واحتواهمْ كالموتِ نومٌ عميق
وتغشَّاهُمُ سكونٌ رهيب
ولقد تَخرِقُ الهدوءَ شُويهاتٌ
وديكٌ يدعو وديكٌ يُجيب
أو نداءاتُ حارسٍ وهو في الأشباح
لاحتْ لعينه مستريب
أو صدَى " طَلقةٍ " يبيتُ عليها
أحدُ الجانبينِ وهو حريب
تركَ الزارعُ المَزارعَ للكلب
فأضحى خلالَهنَّ يجوب
شامخٌ كالذي يُناطُ به الحكمُ
له جَيئةٌ بها وذُهوب
كانَ جُهدُ الفلاّحِ خفَّف عنه
جَهدهُ فهو مُستكِنٌّ أديب
وهو في الميلِ غيرهُ الصبحَ وحشٌ
هائجٌ ضيِّق الفؤادِ غَضوب
فاحصٌ ظُفْرَه ونابيهِ أحلى
ما لديهِ أظفارهُ والنُيوب
إنَّه عن رِعاية الحَقلِ مسئول
على ترك أمره معتوب
وكثيراً ما سرَّه أنَّه بات
جريحاً .. ورأسًه مشجوب
ليرى السيّدُ الذي ناب عنه
أنَّ حيوانَه شُجاعٌ أريب
ولكيلا يرى مُسامحةً
يَعدِلُ منها لغيره ويُنيب
للقُريَّاتِ عالَمٌ مُستقلٌّ
هو عن عالَمٍ سواه غريب
يتساوى غروبُهم وركودُ النفس
منهم وفجرهُم والهبُوب
كطيور السماءِِِ همّهُمُ الأوحدُ
زرعٌ يرَعْونه وحبوب
يلحظون السماءَ آناً فآناً
ضحكُهم طوعُ أمرها والقُطوب
أتُرى الجوَّ هادئاً أمْ عَصوفاً
أتصوبُ السماء أمْ لا تصوب
إن يومَ الفلاّحِ مهما اكتسى حُسناً
بغير الغيومِ يومٌ عصيب
وهو بالغيمِ يخنقُ القلب والأفقَ
جميلٌ في عينه محبوب
للقُرى روعةٌ وللقرويِّين
إذا صابَ أرضهم شُؤبوب
تُبْصِرُ الكلَّ ثمَّ حتى الصَّبايا
فوقَ سِيمائهم هناءٌ وطِيب
يُفرِح البيتَ أنَّه سوف تُمسي
بقراتٌ فيه وعنزٌ حَلوب
ويرى الطفلُ أنَّ حصتَّه إذْ
يُخصبُ الوالدان ثوبٌ قشيب
أذكياءٌ .. عيونُهم تسبقُ الألسُنَ
عمَّا ترومه وتنوب
والذي يَستمدُّ من عالم القريةِ(59/233)
وَحياً وعيشةً لَلبيب
مطمئنونَ يحلُمونَ بأنَّ الخيرَ
والشرَّ كُلّهُ مكتوب
لا يطيرونَ من سرورٍ ولا حزنٍ
شَعاعاً ، لأنه محسوب
ولقد يغضَبون إذ ينزلُ الغيثُ
شحيحاً ...والأرضُ عطشى تلوب
أتُرى كانَ يعوِز اللهَ ماءٌ
لو أتتْ دِيمةٌ علينا سَكوب
ثمَّ يستفظعون إثمَ الذي قالوا
فينوونَ عندهُ أنْ يتوبوا
فإذا الشمسُ فوقهم فيقولون :
أعُقبى إنابةٍ تعذيب ؟
أفإيمانُنا بعيدٌ عنِ الخيرِ
وُكفراننا إليه قريب..!
هكذا يَرجِعُ التقىّ أمامَ
العقلِ وهو المشكِّكُ المغلوب
قلتُ إذ رِيعَ خاطري من مُحيطٍ
كلُّ ما فيه موحشٌ وكئيب
ليس عدلاً تشاؤمُ المرءِ في الدنيا
وفيها هذا المحيط الطَروب
مِلءُ عينيكَ خضرة تًستسرٌّ
النفسُ منها وتُستطار القلوب
عندَهم مثلَ غيرِهم رغباتٌ
وعليهمْ كما عليه خطوب
غير أنّ الحياةَ حيثُ
تكونُ المدنيَّاتُ جُلّها تعذيب
كلَّما استُحدثتْ ضروبُ أمانٍ
أعقبتها من البلايا ضروب
وكأنَّ السرورَ يُومِض برقاً
من خِلال الغيومِ ثمَّ يَغيب
لا ترى ثَمَّ - غيرَ أن يتركَ الحبُّ
شحوباً - وجهاً علاهُ الشحوب
ثمّ لاشيء عن سنا الشمس ممنوعٌ
ولا عن طلاقةٍ محجوب
الهواءُ الهبَّابُ ، والنورُ ،
والخضرةُ تأتي ما ليس يأتي الطبيب
ثمّ باسمِ الحصادِ في كلّ حقلٍ
تتناجى حبيبةٌ وحبيب
قال فردٌ منهمْ لأخرى وقد
هَيَّجَ نفسيهما ربيعٌ خصيب
طابَ مَنشا زروعِنا فأجابت :
إنَّ نشءاً يرعاهُ كْفءٌ يطيب
قال ما أصبرَ الحقولَ على الناسِ
فقالتْ ومثلُهنَّ القلوب
إنّ ما تفعلُ المناجلُ فيها
دونَ ما يفعلُ الشجا والوجيب
ينهضُ الزرعُ بعدَ حصدٍ وقد
يُجتثُّ من أصله فؤادٌ كئيب
يا فؤادي المكروبُ بعثرَكَ الهمُّ
كما بُعثِرَ الثرى المكروب
وعيوني هلاّ نَضبتِ .. وقد ينضبُ
من فرطِ ما يسيل القليب
عندَهم منطقٌ هنالكَ للحبِّ
جميلٌ وعندَهم أُسلوب
ولهم في الغرامِ أَكْثَر ممّّا
لسواهمْ مضايقٌ ودروب
مُلَحٌ خُصصِّتْ لهم ونِكاتٌ
ملؤهنَّ الإبداعُ والتهذيب(59/234)
ثَمَّ تحتَ الستارِ ممتَلكٌ بالحبِّ
عفواً .. ومثلُه مغصوب
إنهمْ يُذنبونَ . ثم يقولون:
محالٌ أنْ لا تكونَ ذُنوب
نحنُ نبتُ الطبيعةِ البِكرِ فينا
حسناتٌ منها .. وفينا عيوب
بنتُنا وابنُنا معاً يرقُبانِ الزرعَ
والضرعَ .. والضمير رقيب
ليس ندري ما يفعلانِ ولا نعلمُ
عمَّا زُرّتْ عليه الجيوب
ما علينا ما غابَ عنَّا فعندَ
اللهِ تُحصى مظاهرٌ وغيوب
غيرَ أنَّا ندري وكنَّا شباباً
نتصابى أنَّ الجمالَ جَذوب
والفتى ما استطاعَ مُندفِعٌ نحو
الصباباتِ .. والفتاةُ لَعوب
بالتصابي يُذكي الشبابُ ويغتُّر
كما بالرِّياح يُذكى اللهيب
ثمّ عندَ اللقاء يُعرفُ إن كان
هنلكم " نجيبةٌ ..! " أو نجيب..
إنّ بعضَ الرجال يبدو أمامَ الحبِّ
صُلباً والأكثرون يذوب
والتجاريبُ علَّمتنا بأنّ المرءَ
غِرٌّ يُقيمه التجريب
ليس بِدعاً أن نَستريبَ ولكن
نتمنىَّ ألاّ نرى ما يُريب
ليس فينا والحمدُ للهِ حتى الآنَ
بيتٌ " إناؤهُ مقلوب "
فإذا كانَ ما نخافُ فهرقُ الدّمِ
سهلٌ كما تُراقُ ذَنوب
منطقٌ للعقولِ أقربُ ممَّا
يدَّعيه أخو عَفافٍ مُريب
ولقد يرمزونَ " عنَّا " بأنَّا
كلُّ ما في محيطنا مَثلوب
فيقولون: قد تطيحُ من العارِ
بيوتٌ .. وقد تثورُ حروب
والخَناسبَََََّةٌ علينا ولكن
في القُرى كلُّ ناقصٍ مسبوب
عندنا كالفتى " الخفيفِ " لئيمٌ
وجبانٌ ، وغادرٌ ، وكذوب
يُخجِلُ الناسَ في القُرى أنَّ فرداً
من أُلاءٍ عليهمُ محسوب
إنَّه من خصائص المدنيَّاتِ
إليها شنارهُم منسوب
في القُرى يوسعوننا وصماتٍ
مُخجِلٍ أمرها " البداةَ " مَعيب
فيقولونَ : كلُّ شيءٍ صريحٍ
عندنا - عندكم خليطٌ مَشوب
شُوّشَتْ منكم وسيطتْ سِماتٌ
ولُغاتٌ ولهجةٌ وحليب
إنَّكم من نماذجِ العَربِ الساطينَ
ظُلماً عليهم تعريب..!
كجليبٍ من البضائعِ يأتيكم من
العالمينَ وجةٌ جليب
هو منكمْ كالأهلِ في كلِّ شيءٍ
وهو فينا عن كلِّ شيءٍ جنيب
إنَّكم تمدحونَ خُبثاً وعدواناً
وغدراً كأنما المرءُ ذيب(59/235)
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> صورة للخواطر!..
صورة للخواطر!..
رقم القصيدة : 66752
-----------------------------------
أنا إنْ كنت مُرهقاً في شبابي
مُثقلاً بالهموم والأوصابِ
فمتى أعرف الطلاقةَ والأنسَ
ألمَّا أكونُ تحت التراب؟
خبَّروني فانني من لُباناتي
وعيشي رهينُ أمرٍ عُجاب
أيُّ حالٍ هذي ، وما السرُّ في تكوين
خلقٍ بهذه الأعصاب
أبداً ينظرُ الحوداثَ والعالمَ
والناسَ من وراءِ ضَباب
ليس شيءٌ من التجانس في نفسٍ
نواسيَّةٍ وعيشٍ صَحابي
شمتتْ بي رجعيَّةٌ ألهبتها
فكرةٌ حرَّة بسوطِ عذاب
وشكتني مسرَّةٌ وارتياحٌ
وبكتني مُجانةٌ وتصابي
تدَّعيني لِما وراء ثيابِ البعض
نفسٌ سريعةُ الاِلتهاب
فتَراني وقد حُرِمت أُسلّي
النفس عنها بلمس تلك الثياب
فإذا لم تكنْ تعوَّضْتُ عنها
صُوراً من تخيّلاتٍ عِذاب
ولقد تخطر " المباذل " في بالي
بشكلٍ يدعو إلى الاِضطراب
أو بشكل يدعو إلى استحياء
أو بشكل يدعو إلى الاعجاب
فتُراني مفكراً هل مواتاة التراضي ..
أحلى من الاغتصاب ..؟
وهل " الفَعلةُ " التي خنتُ فيها
خَلَّتي ، والتي دعت لاجتنابي
والتي جِئتُها أُكفّر عنها
بكتابٍ أردفته بكتاب
كنت عينَ المصيب فيها ، وكانت
فَعلةٌ مثلَ تلك عينَ الصواب..؟
بشر جاش بالعواطف حتى
جذبتهُ جريمةُ الاِرتكاب
أم تُراني لبست فيها على حين
اندفاع مني لباسَ ذئاب ؟
أتُراها نتيجة الشرب أم أنيَ
ظلماً ألصقتها بالشراب ؟
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> أفروديت ...
أفروديت ...
رقم القصيدة : 66753
-----------------------------------
ءثُمَّ نادت " جالاً "
وكانت من الرقَّةِ ..
كالماءِ إذ يَهُزُّ الخَيالا
من بنَاتِ " الهنودِ "
تعرفُ ما يُرضي الغواني ..!
وما يَزِينُ الجَمالا ..!
مَنْ أتى أمسَ ..؟
خبّريني..؟
ألا تدرِينَ ..؟
كلاّ .. فلستُ أُحصي الرِّجالا..!!
أجميلٌ فلم أُمتَّعْهُ
إذ نِمْتُ عميقً ممَّا لقِيْتُ الكلالا؟(59/236)
ومتى راحَ..؟
في الصباح..؟
ألا يرجعُ ؟
ماذا أبقى ..؟
أغادَرَ شيَّا..؟
ناوليني أساوِري
فأتتْها بصُنَيَْدِيقَ .. أودعتْهُ حُليَّا
رفعتْ عندَها ذراعينِ
سُبْحانَ الذي يَخْلُقُ الجمالَ السَّويَّا!!
إنَّ نفسي " جالا " . .تَفيضُ هناء
لو توصَّلْتُ أنْ أُميتَ حبيبا
مِن أُولاءِ الذين يلقَوْن داء
فيخالُونَ أنَّ فيَّ الطَّبيبا ..!!
يجهلون انتقامةً .. واشتهاء !
فيموتونَ تحتَ سوطِ عذابي
ثُمَّ أمشي عليهمُ مِشيةَ الطاووسِ
أحْثُو وجوهَهُمْ بالترابِ ..!
هؤلاءِ أطلُبُ لا السَّاعينَ نحوي
جِسماً بغير فؤادِ ..!!
المَساكينُ ..! هُمْ بوادٍ .. ومَنْ يطْلُبُ صَرعى الحُبِّ المُميتِ بوادي ..
سَفَهاً أنْ أُريدَ مِمَّنْ أُناديه ابتياعاً ..
تعلّقاً بجمالي ..
لستُ أرضى صَيْداً كأولاءِ ..يَلْتفٌ عليهم
حتى شِراكُ نِعالي ..!!
لم تكنْ هكذا السّنونَ الخوالي
حيثُ كانَ الغرامُ شيئاً بديعاً
إذ يجيءُ الأرضَ الالهُ
يَزيدُ البَشَرِيَّاتِ حُرقَةً وَولُوعا
يا تُرى أينَ أستطيعُ اللقاء!
برجالٍ يُسخِّرونَ الرِّجالا
أيُّ غابٍ يحويهمُ .. وفراشٍ
فوقَهُ يُصبِحون أدنى مَنالا
أصلاةً يبغُونَ حتى يُثيروا ..رغباتي؟
فَلْتَصْعَدِ الصلواتُ ..!
وَهَبيهِم ينأوْنَ عن رؤيةِ الأرضِ
هَبيهِمْ شاخوا .. هَبيهِم ماتوا ..!
أفَتُردى مثلي .. ولم تُرْوَ مِمَّنْ
تتلَظَّى لأجلهِ الرَّغَباتُ .
وتمشَّتْ مهتاجةً .. يتمشَّى العُجْبُ
والحسنُ في الدماءِ غزيرا
نحوَ حَمَّامِها تَرى مِن خلال الماءِ ..فيهِ
ما يَستثيرُ الغُرورا.!
جسمَها اللدْنَ .. والغدائرَ تنسابُ
كما أرْخَتِ العذارَى سُتوراً !
وخريرُ المياهِ في السمعِ كالقُبْلةِ ..حرّانةً
تَهيجُ الشُعورا..!
عبدَتْ نفسَها .. فداعَبَتِ النَّهدينِ بالشَّعْرِ
غِبطةً وحُبُورا..!
خرَجَتْ والنهارُ تنطفئُ الشُلةُ منه
والليلُ يرخي السُدولا ..
تتهادى مُرتاحةَ البالِ ..لا تُعنى :
بأنْ لم تكن حَصاناً بَتولا !!(59/237)
ومشَتْ نحوَها تَديفُ بذَوْبِ العِطرِ " جالا "
مِن فوقها المنديلا ..
وأمرَّتْ على المحاسنِ منها من نَتاجِ " الهندِ "
المُثيرَ الميولا ..
ثُمَّ قالت غنّي : فغنَّتْ ..
وهل أبدعُ مِن وصْفِ " أفروديتَ " غناء ..؟
آيةُ الفنِّ ، والبداعةِ يَلقى عاشقُ الفنِّ عندَها
ما يشاءُ ..:
لكِ رأسٌ كدَوْرَةِ البدرِ .. غطتَّه منَ الشَّعْرِ
غَيْمةٌ سوداءُ..
يبتدي منه مُرْسَلاً " سَعَفُ النَّخْلِ " !
له عندَ أخْمَصَيْكِ انتهاءُ ..
أو كنهرٍ يجري بوادٍ
غروبُ الشمسِ أهداه ظِلَّه ..والمَساءُ
لكِ - كالبركتَيْنِ تحتَ ظِلالِ السرَّوِ ؟ رَقَّا وأوغْلا
عينانِ ..!
لك - كالزَّهْرتينِ صُبَّتْ دماءٌ مِن غزالٍ عليهما -
شَفتانِ !
لكِ كالخنجرِ المُغطَّى بذاكَ الدمِ مُخضوضِباً !
شقِيقُ لسانِ
لكِ نحرٌ كما تبلَّجَ للصُبْحِ عَمودٌ
ضَوَّى به المَشْرِقانِ
لكِ صدرٌ كسَلَّةِ الزَّهْرِ-
بالنَّهدَينِ نَطَّت فُوَيْقَهُ زَهْرتانِ !
واستقامتْ كَمِثْلِ أعمِدةِ العاجِ
الذِّراعانِ منكِ والفَخِذانِ !
لكِ تلك المُدوَّراتُ ..! حُلِيٌّ مُبْهِرٌ
صُنْعُ مُعْجِزٍ فَنَّانِ
لكِ بَطنٌ كأنَّها مُخْمَلُ الدِّيباجِ !
أو " ثوبُ " أرْقَطٍ ثُعبانِ
رُزِقَتْ " سُرَّةً " كلؤلؤةِ الغَوّاصِ
قد رُكّزَتْ على " فنجانِ " !!
لكِ - مثلَ الهِلالِ مِن خَلّل الغابةِ يبدو -
" رَفغٌ " رفيعُ مكانِ !!
وهُنا .. كَفَّتِ الوصيفةُ لا تسطيعُ قولاً
عَما يلي الرَّفْغَ منها
وانبَرتْ " أفروديتُ " تُوحي إلى " جالا "
بحُسْنِ الذي تخبَّأ عنها !
هو في الشكلِ : مِثلُ قوقَعةِ الماءِ
وفي الحُسْنِ زَهْرةُ الجُلنَّارِ!!
مُلِئتْ زُبْدَةً ، وشَهْداً ، وعطرا هو كالكَهْفِ دافئاً ، !!
كالمغارِ !
رَطِباً ! ، مَلجأُ الرّجالِ السِّفارِ
وهم سائرونَ للموتِ قَسْرا
فاتمت" جالا " :
أَجَلْ !
ومخيفٌ .. طافحُ الجَنْبَتين بؤساً وشرا
وجه " ميدوزَ " ! ساخطاً
يَلْعَنُ الناظَر في وجهه فيرتدّ صخرا!!(59/238)
من صباها ..
مشى إليها خَيالُ
يَتغذّى به الهوى والدَّلالُ
وخيالٌ في مَهْدِهِ ما يَزالُ
وخيالٌ يَدِبُّ ..
رِخواً ضئيلا
وخَيالٌ أضفتْ عليه سُدولا
واستعاضت بالصمتِ عنه بديلا
وخيالُّ أردته..
شِلْواً قتيلا
فهو خصمٌ لزهوها قتَّالُ
كلّما غرّها الصِبا والجمال
هاجَ من عيشها ادِّكاراً ذليلاً
وأحسّتْ حِمْلاً بذاك ثقيلا
ومن الذكرياتِ ....
رفّتْ ظِلالُ ..
وترامى من " الظِلالِ " عليها
ما يُثير الصِبا..
ويُكي الغراما
ويديف اللذات والآلاما
ويمَّجان :
يقظة ومناما
ويعنِّي بِثقْلها الأياما
وتَفَيّتْ " بغيمتينِ " ظلالا
يستبدان " مُكثةً " وانتقالا
فمن الشعر ما يُظِّل الغمامُ
ومن الذكريات ما يعتام
ومن الذكريات ما يستام
بسمةً ، أو كآبةً ، أو ذهولا
أو مُضِّياً على السُرى ..
أو قُفولا
ومن الذكرياتِ ما يتغنَّى
في قرار النّفوس ..
لَحنْاً فلَحنْا
ومَطافُ الخيالِ وهو المُعنّى
بانبعاث الأنغامِ ..
أُنساً وحُزْنا
يتحدّى قلباً ..
ويُرهفُ أُذنا
بصدىً كلّما تجدّد رنّا
ويعودُ الصّدى ...
فيذكي الجَنانا
ويعود الجَنانُ ..
يَبْغي بيانا
نَثَرَتْ شَعْرَها على كتَفِيَهْا
نثرةً خيرَ ما تكونُ لديها
واستدارت وَهْناً على عقبِيْها
فبدا جانبٌ ..
ولَوَّحَ ثاني
وأراتها المرآةُ لَمْحَ بيانِ
عن خَيالين..
ثَمَّ يرتجفانِ
وبقايا ظِلَّيْنِ يَصطَرِعان
ثم لَمَّتْ فُضُولَه بيديها
فَمَشَتْ لمَّةٌ على نَهدْيها
فتمشّى الضِرامُ في حَلْمَتيها
فأطلاّ ..
وثْباً من الذِروتينِ
مثلمَا صكّ عاصِرٌ حبّتينِ !
وتمطت كأفعوانٍ تلوّى
فهو يَشوي بسّمِّهِ..
وهو يُشوَى
وهو يُروى بلدغةٍ ...
وهي تُروَى:
اذ ترى جسمَها المميتَ الفظيعا
وشباباً غضّاً...
وخَلْقاً بديعا
وثماراً شهيةً ! وزُروعا
نُثِرَتْ فوقه! ..
وصدراً ونَحْرا
ومسيلاً منه تفجّر نهرا
ودماً فائراً يصبُّ سريعا
تاركاً أينما جرى يَنْبُوعا
كلُّ عِرقٍ منها ...
تفصّد خمرا
وهي تروى...
حِقداً وزهوا وغدرا(59/239)
اذ ترى :
أنَّ حُرقةً ودموعا
وعذاباً فظّاً ..
وموتاً ذريعا
وصريعاً بها يواسي صريعا
طوعَ ما تستثيرُهُ العينانِ
عندما يأمُران أو يَنْهيَانَِ
عندما يرويانِ إذ يحلُمان:
قِصَّةَ الحبِّ ...
إذ تَلُفُّ البرايا
إذ ترى فيهما دِماءَ الضحايا
بين " مُوقَيْهِما " ...
وفي " الإنسانِ "
وصباها ...
عارٍ من الذكرياتِ
ملهباتٍ جمرَ الهوى مذكياتِ
فهو قَفْرٌ من الأنيس خلاءُ
موحشاتٌ في جوه الأصداءُ
لا يلبّي للروحِ فيه نداءُ
ويُدَوّي " للكَبْتِ " فيه ..
عُواءُ !
فهي حَيرى ...
تجوبُ منه قفارا
وهي مهما جارَتْ عليه اقتسارا
وتَمَلَّتْهُ ليلَةُ والنهارا
وهي مهما اجترّت " مُنىً " وادّكارا
لم تجد فيه ...
ما يَسُرُّ العذّارى!
غيرَ لمحٍ من تِلكُمُ " الأُمسِياتٍ "
إذ ليالي الجليل ...
رمزُ الحياةِ
عطراتٌ بمَدرْجِ الفَتَياتِ
في ضفاف" البحيرة " النشوانه
ترتمي في نميرها حرّانه
كل عذراء ...
رَوْدةٍ معطافِ
يتسقطْنَ موقع الأصدافِ
وعليهنَّ من نميرٍ صافي
أيّ سترٍ مهلهلٍ ...
" كشافِ ؟!
اذ حقولُ الجليلِ مرتمياتُ
بقدوم الربيع مختفياتُ
يتضاحَكْنَ في مَدَبّ الشُعاعِ
راجفاً فوقَها ارتجافَ " اليراع "
اذ غدا الجوُّ من أريج المراعي
خدرَ حسناءَ من بنات الغرام
سابحاً ..
في العطور و " الأنغام "
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> سامراء...
سامراء...
رقم القصيدة : 66754
-----------------------------------
ودَّعتُ شرخَ صِبايَ قبلَ رحيلِهِ
ونَصَلتُ منه ولاتَ حَينَ نُصولِهِ
وَنفَضتُ كفّيَ من شبابٍ مُخلِفٍ
إيراقهُ للعين مِثلُ ذبوله
وأرى الصِّبا عَجِلاً يَمُرُّ وإنني
ساعدتُ عاجلَهُ على تعجيله
سَعُدَ الفتى متقّبلاً مِن دهره
مقسومَه بقبيحهِ وجميله
وأظُنّني قد كنتُ أرْوَحَ خاطراً
بالخطبِ لو لم أُعنَ في تأويله
لكن شُغِفْتُ بأن أُقابلَ بينه
أبداً وبين خِلافه ومثيله
وَشَغَلتُ بالي والمصيبَةُ أنني
أجني فراغَ العُمرِ مِن مشغوله !(59/240)
يأسٌ تجاوزَ حَدَّه حتى لقد
أمسيتُ أخشى الشرَّ قبلَ حُلوله
وبَلُدْتُ حتى لا ألَذُّ بمُفْرحٍ
حَّذَرَ انتكاستهِ وخوفَ عُدوله!
إيهٍ أحبَّايَ الذينَ ترعرعوا
ما بين أوضاحِ الصِّبا وحُجوله
إني وإنْ غَلبَ السلُّو صَبابتي
واعتضتُ عن نجم الهوى بأُفوله
لتَشوقُني ذكراكُمُ ويهُزُّني
طَربٌ إلى قالِ الشباب وقِيِله
أحبابَنا بين الفُرات تمتَّعوا
بالعيش بين مياهه ونخيله
وتذكَّروا كَلفَ امرئٍ متشوّقٍ
منزوفِ صبرٍ بالفراق ، قتيله
حرّانَ ، مدفونِ الميولِ ، وعنَدكم
إطفاءُ غُلَّتِه وبعثُ ميوله
حَييْتُ " سامَرّا " تحيَّةَ مُعجَبٍ
بروُاءِ مُتَّسِعِ الفِناء ظَليله
بَلدٌ تساوَى الحسنُ فيه ، فليلُهُ
كنهاره ، وضَّحاؤه كأصيله
ساجي الرياحِ كأنما حلَفَ الصَّبا
أن لا يمُرَّ عليه غيرُ عليله
طَلْقُ الضواحي كاد يُربي مُقفِرٌ
منه بنُزهتهِ على مأهوله
وكفاكَ من بلدٍ جَمالاً أنَّه
حَدِبٌ على إنعاش قلبِ نزيله
عَجَبي بزَهْوِ صُخوره وجباله
عَجَبي بمنحَدرَاته وسُهوله
بالماءِ منساباً على حَصبائه
بالشَّمسِ طالعةً وراء تُلوله
بالشاطئِ الأدنى وبَسطةِ رملِهِ
بالشاطئِ الأعلى وبَردِ مَقيله
بجماله ، والبدرُ يَملؤه سناً
بجلالهِ رهنَ الدُّجى وسُدوله
بالنهر فيَّاضَ الجوانبِ يزدهي
بالمُطْربَينِ : خريرهِ وصليله
ذي جانبْينِ ، فجانب مُتطامِنٌ
يقسو النسيمُ عليه في تقبيله
بإزاءِ آخَرَ جائشٍ متلاطمٍ
يَرغو إذا ما انصبَّ نحوَ مَسيله
فصلتهما " الجُزُرُ " اللِّطافُ نواتئاً
كلٌّ تحفَّزَ ماثلاً لعديله
وجرتْ على الماءِ القوارِبُ عُورضت
بالجري فهي كراسفٍ بكبوله
فإذا التَوت لمسيلهِ فكأنَّما
تبغي الوصولَ إليه قبلَ وصوله
وإذا نظرتَ رأيتَ ثَمَّةَ قارَباً
تَمتازُه بالضوء مِن قِنديله
أو صوتِ مِجدافٍ يُبينُ بوقعه
فوقَ الحصى عن شجوه وعويله
سادَ السكونُ على العوالم كُلَّها
وتَجلبب الوادي رِداءَ خموله
وتنبَّهتْ بين الصخورِ حَمامةٌ(59/241)
تُصغي لصوت مُطارِحٍ بهديله
وأشاعَ شجواً في الضفاف ورقَّةً
إيقاظُ نُوتيًّ بها لزميله
ولقد رأيتُ فُويقَ دجلةَ مَنظراً
الَشِعرُ لا يقوى على تحليله
شَفَقاً على الماءِ استفاضَ شُعاعُه
ذَهَباً على شُطآنه وحُقوله
حتى إذا حكَم المغيبُ بدا له
شفقٌ يُحيطُ البدرَ حين مُثوله
فتحالفَ الشفقانِ ، هذا فائرٌ
صُعُداً وهذا ذائبٌ بنزوله
ثُمَّ استوى فِضّيُّ نُورٍ عابثٍ
بالمائِجَيْنِ : مِياههِ ورموله
فاذا الشواطئُ والمساحبُ والرُّبى
والشطُّ والوادي وكلُّ فُضوله
قمراءُ ، راقصةُ الأشعَّةِ ، جُلّلت
بخفيِّ سِرٍّ رائعٍ مجهوله
والجوُّ أفرطَ في الصفاءِ فلو جرى
نَفَسٌ عليه لَبانَ في مصقوله
هذي الحياةُ لِمِثلها يحنو الفتى
حِرصاً وإشفاقاً على مأموله
وإذا أسِفتُ لمؤسِفٍ فلأنَّه
خِصْبُ الثَّرى يُشجيكَ فرطُ مُحوله
قد كانَ في خَفْضِ النَّعيم فبالغتْ
كفُّ الليالي السودِ في تحويله
بَدَتِ القصورُ الغامراتُ حزينةً
من كلّ منهوبِ الفِناءِ ذليله
كالجيشِ مهزومَ الكتائبِ فلَّه
ظَفَرٌ ورَقَّ عدوَه لفلوله
" العاشقُ " المهجورُ قُوّضَ رُكنُهُ
كالعاشق الآسي لفقدِ خليله
" والجعفريُّ " ولم يقصِّررسمُهُ
الباقي برغُم الدَّهر عن تمثيله
بادي الشحوبِ تَكادُ تقرأ لوعةً
لنعيمه المسلوبِ فوقَ طلوله
وكأنَّما هو لم يجِدْ عن " جعفرٍ "
بدلآ يُسَرُّ به ولاً عن جِيله
فُضَّتْ مَجالسُهُ به وخلَوْنَ مِن
شعر " الوليدِ بها ومن ترتيله
إن الفحُولَ السالفينَ تعهَّدوا
عصرَ القريضِ وأُعجبوا بفحوله
يتفاخرونَ بشاعرٍ فكأنَّما
تحصيلُ معنى الحُكْمِ في تحصيله !
فجزَوْهُمُ حُلوَ الكلامِ وطرَّزوا
إكليلَ ربِّ المُلْك مِن إكليله
كانوا إذا راموا السكوتَ تذكَّروا
فَضلَ المليكِ الجمَّ في تنويله
من صائنٍ للنفس غيرِ مُذيلها
شُحُاً ومُعطي المالِ غيرِ مُديله
وإذا شَدَوا فكما تغنَّى طائرٌ
أثرُ النعيمِ يَبينُ في تهليله
ولقد شجتني عَبرةٌ رَقراقةٌ(59/242)
حَيرانةٌ في العين عند دُخوله
إني سألتُ الدهرَ عن تخطيطهِ
عن سَطحه، عن عَرضه ، عن طُوله
فأجابني : هذي الخريبةُ صدرُه
والبلقعُ الخالي مَجرُّ ذيوله
وَسَلِ الرياحَ السافياتِ فانَّها
أدرى بكلِّ فروعه وأصوله
وتعلَّمَنْ أنَّ الزمانَ إذا انتحى
شُهُبَ السَّما كانت مداسَ خُيوله
مدَّت بنو العبَّاس كفَّ مُطاوِلٍ
فمشى الزمانُ لهم بكفِّ مَغوله
واجتاحَ صادقَ مُلكهِمْ لما طَغوا
بدعيِّ مُلكٍ كاذبٍ مَنحوله
وكذا السياسةُ في التقاضي عندَه
تسليمُ فاضلهِ الى مفضوله
خُلِّدْتِ سامراءُ ، لم أوصِلْكِ مِن
فَضْلٍ حَشَدتِ عليَّ غيرَ قليله
يا فرحةَ القلبِ الذي لم تتركي
أثراً لِلاعجِ همّه ودخيله
وافاكِ مُلتهِبَ الغليلِ وراح عن
مغناكِ يَحمَدُ منكِ بردَ غليله
أنعشتِهِ ونَفَيْتِ عنه هواجساً
ضايقْنَه ، وأثرتِ من تخييله
وصدقته أملاً رآكِ لِمثله
أهلاً فكنتِ ، وزدتِ في تأميله
هذا الجميلُ الغضُّ سوف يردُّه
شِعري إليكِ مُضاعفاً بجميله
ولقد غَلوتُ فكمْ يقلبي خاطرٌ
عَجزتْ مَعاني الشعر عن تمثيله
وَلطيفِ معنىً فيك ضاقَ بليدُها
بذكِّيهِ ، ودقيقُها بجَليله
ولعلَّ منقولَ الكلامِ محوَّلٌ
في عالَمٍ آتٍ إلى مَعقوله
فهُناكَ يتَّسِع التخلّصُ لامرِئٍ
من مُجمَل المعنى إلى تفصيله
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> بديعة...
بديعة...
رقم القصيدة : 66755
-----------------------------------
هُزِّي بنصفِكِ واتركي نصفا
لا تحذَري لقَوامكِ القصفا
فبحَسْبِ قدِّكِ أنْ تُسنِّدَه
هذي القلوبُ ، وإنْ شكتْ ضَعفا
أُعجبتُ منكِ بكلِّ جارحةٍ
وخصَصتُ منكِ جفونَك الوَطفا
عشررنَ طرفاً لو نُجمِّعها
ما قُسِّمتْ تقسيمَكِ الطرفا
تُرضينَ مُقترباً ومُبتعِداً
وتُخادعِينَ الصفَّ فالصفّا
أبديعةٌ ولأنتِ مُقبِلةً
تستجمعينَ اللُّطفَ والظَّرفا
ولأنتِ إنْ أدبرتِ مُبديةٌ
للعينِ أحسنَ ما ترى خَلْفا
هُزِّي لهم رِدفاً إذا رغِبوا
ودعي لنا ما جاورَ الرِّدفا(59/243)
ملءُ العيونِ هما وخيرُهما
ما يملأُ العينينِ والكفّا
وكلاهما حسنٌ وخيرُهما
ما خفَّ محمِلُه وما شفّا
هذا يرفُّ فلا نُحِسُّ بهِ
ويهزُّنا هذا إذا رَفّا
وتصوّري أنْ قد أتتْ فُرَصٌ
تقضي بخطفِ كليهما خطفا
فبدفَّتَيهِ ذاكَ يُبهضنا
في حينَ ذاكَ لرقةٍ يخفى
ونَكِلُّ عن هذا فنَطْرَحُهُ
ونُحِلُّ هذا الجيبَ والرفا
ونزورُه صبحاً فنلثِمُهُ
ونَضُمُّهُ ونَشَمُّهُ ألفا
ونَبُلُّهُ بدمِ القلوبِ ، وإنْ
عزَّتْ ، ونُنعِشُهُ إذا جفا
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> الشاعرية بين البؤس والنعيم ..
الشاعرية بين البؤس والنعيم ..
رقم القصيدة : 66756
-----------------------------------
جَهِلْتُ ، أحظُّ المرءِ بالسعي يُقْتَنَى
أم الحظُّ سرٌّ حَجَّبتْهُ المقادرُ
وهل مثلَما قالوا جدودٌ نواهضٌ
تقوم بأهليها وأخرى عواثر
فمن عجب أن يُمْنَحَ الرزقَ وادعٌ
ويُمْنَعَهُ ثَبْتُ الجَنانِ مُغامر
تفكّرتُ في هذي الحياةَ فراعنى
من الناسِ وحشٌ في التزاحُمِ كاسر
ولا فرقَ إلاّ أنَّ هذا مراوغٌ
كثيرُ مُداجاهٍ وهذا مجاهر
وقد ظنَّ قومٌ أنَّ في الشِعر حاجةً
إلى فاقةٍ تهتزُّ منها المشاعر
وأنَّ نَتاجَ الرفهِ أعْجَفُ خاملٌ
وأنَّ نَتاجَ البُؤسِ ريّانُ زاهر
كأنَّ شعوراً بالحياة وعيشة
بها يشتهى طَعْمَ الحياةِ ضرائر
وما إن يُرى فكرٌ كهذا مُزَيَّفٌ
لدى أمّةٍ للفنِّ فيها مناصر
ولا أمةٌ تحيا حياةً رفيهةً
يَجيشُ بها فيما يُصوّرُ شاعر
ولكنّهُ في أمّةٍ مستكينةٍ
طغى الذُّلُّ فيها فهو ناهٍ وآمر
وآنسها بؤسُ الأديبِ وأُعْجِبَتْ
بِشِعرٍ عليه مهجةٌ تتناثر
وللحزنِ هزّاتٌ وللأُنْسِ مِثْلُها
يُخالِفُ بعضٌ بَعْضَها ويُناصر
ومثلُ قصيدٍ جسَّدَ الحزنَ رائعاً
قصيدٌ بتجسيدِ المسراتِ زاخر
نُسَرُّ بشِعرٍ رقرق الدمعُ فوقَه
إذا عَصَرَ الذهنَ المفكّرَ عاصر
وقد فاتنا أنّ الذي نستلذُّهُ
قلوبٌ رقاقٌ ذُوِّبَتْ ومرائر
وما أحوجَ القلبَ الذكيَّ لعيشةٍ(59/244)
يَعِنُّ بها فِكْرٌ ويَسْبَحُ خاطر
ورُبَّ خصيبِ الذهنَ مَضَّتْ خَصاصةٌ
به فهو مقتولُ المواهبِ خائر
وشتّانَ فنّانٌ على الفنِّ عاكفٌ
وآخرُ في دوّامِةِ العَيْشِ حائر
وقد يطرق البؤسُ النعيمَ اعتراضة
كما مَرّ مجتازاً غريبٌ مسافر
ولكنّ بؤساً مُفْرِخاً حَطَّ ثِقْلَهُ
وألقى عصاه فهو موتٌ مخامر
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> وحي الرستمية ...
وحي الرستمية ...
رقم القصيدة : 66757
-----------------------------------
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها
إذ لم يكن ما أُرجّيهِ بميسورِ
وقد رَضِيت بكِنٍّ أستكِنُّ به
ناءٍ عن العالَمِ المنحطِّ مهجور
ورُحْتُ رغَم جحودٍ عامدٍ أشرٍ
للحظِّ أُرجِعُ حالي والمقادير
تعلةً لم يكنْ لي من تَخَيُّلِها
بُدٌّ وكم خودِعَت نفسٌ بتبرير
ما زالتِ المدُنُ النكراءُ تُوحِشُني
حتى اتُّهِمْتُ بإحساسي وتفكيري
ذَمَمْتُ منها محيطاً لا يلائمني
صعْبَ التقاليدِ مذمومَ الأساطير
حتى نزلتُ على غنّاءَ وارفةٍ
بكل مرتجف الأطيافِ مسحور
أهدَى ليَ الريفُ من ألطاف جنّتِه
عرائشاً أزعجتها وحشةُ الدور
طافت عليَّ فلم تنكِرْ مسامرتي
ولم أرُعْها بإيحاشٍ وتنفير
كأنني ، والمروجُ الخضرُ تنفَحُني
بالموحيات ، " ابنُ عمرانٍ " على الطور
تُلقي الهجيرَ بأنفاسي تُرقِّقُه
لطفاً وتكسِرُ من عُنف الأعاصير
وتستبيك بحشدٍ من روائعها
موفٍ على كلِّ منظومٍ ومنثور
وحيٌ يَجِلّ عن الألفاظ ما نشرت
طلائعُ الفجرِ فيها من تباشير
كم في الطبيعة من معنى يُضيّعُه
على القراطيس نقصٌ في التعابير
هنا الطبيعة ناجتني معبِّرةً
عن حسنها بأغاريد العصافير
وبالحفيف من الأشجار منطلقاً
عَبْر النسيم وفي نفحِ الأزاهير
ومنزلي عُشُّ صيداحٍ أقيِمَ على
خضراءَ غارقةٍ في الظل والنور
هنا الخيالُ كصافي الجوِّ منطلقٌ
صافي المُلاءَةِ ضحّاكُ الأسارير
وقد تفجَّر يُنبوعُ الجمالِ بها
عن كل معنىً بديعِ القصدِ مأثور(59/245)
حتى كأنّ عيونَ الشعر يُعوِزُها
وصفُ الدقائقِ من هذي التصاوير
فما تُلِمُّ بها إلاّ مقاربةً
ولا تحيطُ بها إلاّ بتقدير
وجدت ألْطَفَ ما كانت مخالطةً
نقَّ الضفادع في لحن الشحارير
وقد بدا الحقلُ في أبهى مظاهره
بساطَ نورٍ على الأرجاء منشور
وأرسل البدرُ طيفاً من أشعّتِه
كان الضمينَ بإنياس الدياجير
واستضحك الشط من لئلاء طلعته
كأنه قِطِعِاتٌ من قوارير
واسترقص القمرُ الروضَ الذي ضحكت
ثغورُه عن أقاحٍ فيه ممطور
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> عبادة الشر !..
عبادة الشر !..
رقم القصيدة : 66758
-----------------------------------
دعِ النُبلَ للعاجز القُعْدَدِ
وما اسطعتَ من مَغنمٍ فازْدَدِ
ولا تُخْدَعَنَّ بقولِ الضِعافِ
من الناس أنّك عَفُّ اليد
وأنك في العيش لا تقتفي
خطا الأدنياءِ ولا تقتدي
سفاسفُ تضحك من أمرها
صرامةُ ذي القوةِ الأيّد
فلا تغد طوعاً لأمثالها
متى ما تُغرَّرْ بها تَنْقَد
ولا تَبْقَ وحدَكَ في حِطّة
ومهما يكن سلّمٌ فاصعد
فانك لو كنت محضَ الاباء
ومحضَ الشهامة والسُّودَد
وأصْدَقُ في القول من هُدْهُدٍ
وأخشنُ في الحق من جلمد
وأعطيتَ في الخلق طُهرَ الغمام
وفي الفضل منزلةَ الفرقد
شريفاً تشير إليك الأكفُّ
وتُنْعَتُ بالعَلَمِ المُفْرَد
لما زاد حظُّك من عِيشة
على حظّ ذي العاهةِ المُقْعَد
إليكَ النصيحةَ من مُصْطَلٍ
بنار التجارب مُستَحْصِد
ستطلُبُها عند عضّ الخطوب
عليك بأنيابها الحرّد
رِدِ العيشَ مزدحمَ الضِفَّتَيْنِ
من الغِشّ ملتحمَ المورد
ملياً بذي قوة يَسْتقي
وذي عِفّةٍ مستضامٍ صدي
وجُلْ فيه أروغَ من ثعلبٍ
وأشجعَ من ضيغمٍ مُلْبِد
وكن رجلَ الساعةِ المجتبَى
من اليوم ما يرتجى في غد
وإلا فإنّك من منكد
من العيش تمشي إلى أنكد
ذليلاً متى تمضِ لا يُبتأسْ
عليك وإن تبقَ لا تُنْشَد
وأنت إذا لم تماش الظروفَ
على كل نقص حريبٍ ردي
إذا ما مخضتَ نفوسَ الرجالِ
من الأقربين إلى الأبعد(59/246)
وأوقفتَ نفسك للمدعين
سموّ المقاصدِ بالمرصد
تيقنتَ أن الذي يدّعون
من المجد للآن لم يُولَد
هم الناسُ لا يفضُلون الوحوشَ
بغير التحيُّلِ للمقْصِد
فلا تأتِ ساحةَ هذي الذئابِ
تُنازِلُها بفمٍ أدرد
وخذ مخلباً لك من غَدْرَةٍ
وناباً من الكِذْبِ فاستأسد
ولا تتديَّنْ بغير الرّياءِ
وغَيْرَ النفاق فلا تعبُد
وصلِّ على سائرِ الموبقاتِ
صلاةَ المُحالِفِ للمسجد
وما اسطعت فاقطع يد المُعْتَدَي
عليه وقبّلْ يدَ المُعتَدي
ومجّدْ وضيعاً بهذي الهِنات
تحدّى مكانهَ ذي المَحتِد
ونفسَك في النفع لا تبلُها
وعَقْلَكَ في الخير لا تُجهِد
يغطّي على شَرَفِ المنتَمى
ويسحق من عزّة المَوْلِد
ويقضي على مُطْرِفِ المكرُمات
ويأتي على الحَسَب المُتلد
مهارشةَ الواغلِ المدّعي
وتهويشةَ المُغْرِضِ المُفسِد
أقول لنفسي وقد عربدتْ
رجالٌ لغاياتها : عربدي
ولا تَحْسَبينيَ في مأزِقٍ
قليلَ الغَنا ضيِّقَ المَنْفْد
وهيهاتَ لا تدركين المنى
بسيرِ أخي مَهَلٍ مُقْصِد
وإنكِ إن لم تواني الحياةَ
بنفس المخُاطِرِ تُستْعْبَدي
ولا بدّ أن تقحمي مقحماً
وإلا فلا بد أن تُطْرَدي
فحِصّةُ مستحفزٍ مجرمٍ
لأشرفُ من حِصّةِ المجتدي
رأيت المغامر في موقف
به يفْتََدي نفسَهُ المفتدي
تناوَلُهُ الألْسُنُ المُقْذِعات
ويعصِفُ بالشتم منه الندى
وحيداً كذي جَرَبٍ مزدَرىً
يروح هضيماً كما يغتدي
ولم يَطُلِ العهدُ حتى انجلت
كوارثُ ما هنّ بالسرمد
فكان الأميرَ وكان الزعيمَ
وكان مثالَ الفتى السّيد
وكان المبَّجلَ عند المغيب
وكان المقَدَّمَ في المشهد
يَلَذُّ لكلِ فمٍ ذكْرُهُ
متى يجْرِ في مَحْفِلٍ يُحْمَد
وكان وأمثالُه عبرةً
على ضوئها يهتدي المهتدي
شعراء العراق والشام >> محمد مهدي الجواهري >> رابطة الآداب..
رابطة الآداب..
رقم القصيدة : 66759
-----------------------------------
نَهَضْتُمْ بها جمعيةً يُرْتَجَى بها
هدى كَتْلةٍ فيما تُحاولُ خابطَهُ(59/247)