يعاتبني و يخجلني ارتدادي ؟
أتدري أنّ خلف الطين شعبا
من الغربان يفخر بالسواد ؟
يموت توانيا و يعيش وهما
بلا سبب بلا أدنى مراد
يسير و لا يسير : يبيد عهدا
و يأكل جيفه العهد ... المباد
يبيع و يشتري بالغبن غبنا
و يجترّ الكساد إلى الكساد
و تهدي خطوة جثث كسالى
تفيق من الرقاد إلى الرقاد
تعيد تثاؤبا أو تبتديه
كأسمار العجائز في البوادي
***
" أعبد الله " كم يشقيك أنّا
ضحايا العجز أو صرعى التمادي ؟
أينبض في ثراك اشعب يوما
فتروق ربوة و يرفّ وادي
و تعتنق الأخوة و لتصافي
و يبتسم الوداد إلى الوداد
رحلت إليك أستجدي جوابا
و أستوحيك ملحمة الجهاد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> يوم المفاجأة
يوم المفاجأة
رقم القصيدة : 67557
-----------------------------------
جمال ! أيأتي ؟ أجل ! ربّما
و تستفسر الأمنيات السما
أيأتي ؟ و يرنو السؤال الكبير
يزغرد في مقلتيه الظما
فيخبره الحلم إخبار طفل
يروض على اسم أبيه الفما
***
و في أيّ حين ؟ و صاح البشير
فجاءت إليه الذرى عوّما
و أرخى عليه الضحى صحوة
و دلّى سواعده سلّما
و حيّاه شعب رأى في الشروق
جني الحلم من قبل أن يحلما
فأيّ مفاجأة باغتته ...
كما تفجأ الفرحة الأيّما ؟
فماد ربيع على ساعديه
و فجر على مقلتيه ارتمى
و لبّى الهتاف المدوّي هناك
هتافا هنا . و هنا مفعما
يلبّي و يدعو فيطغى الضجيج
و يعلو الصدى يعزف الأنجما
تثير الجماهير في جوّه
من الشوق أجنحة حوّما
و تسأل في وجهه موعدا
خصيبا و تستعجل الموسما
و تحدو غدا فوق ظنّ لاالظنون
و أوسع من أمنيات الحمى
***
جمال ! فكلّ طريق فم
يحيّي و أيد تبث الزهر
ترامت إليه القرى و الكهوف
تولّي جموع و تأتي زمر
و هزّت إليه حشود الحسان
مناديل من ضحكات القمر
ولاقته "صنعاء " لقيا الصغار
أبا عاد تحت لواء الظفر
تلامسه ببنان اليقين
و تغمس فيه ارتياب البصر
و تهمس في ضخب البشريّات
أهذا هو القائد المنتظر ؟
أرى خلف بسمته " خالدا "(55/281)
و ألمح في وجنتيه " عمر "
و تدنو إليه تناغي المنى
و تشتمّ في ناظريه الفكر
***
أهذا الذي وسعت نفسه
هوى قومه و هموم البشر ؟
أطلّ فأومى انتظار الحقول
و ماج الحصى و ارأبّ الحجر
و هنأت الربوة المنحنى
و بشرت النسمة المنحدر
و أخبر " صرواح " عنه الجبال
فأورق في كلّ نجم خبر
و أشرق في كلّ صخر مصيف
يعنقد في كلّ جوّ ثمر
***
و أعلنت زنود الربى وحده
سماويّة الأمّ طهر الأب
نمتها المروءات في " مأرب "
و أرضعها الوحي في " يثرب "
و غنى على صدرها شاعر
و صلّى على منكبيها نبي
وردّدها الشرق أغرودة
فعبّ صداها فم المغرب
***
و دارت بها الشمس من موسم
سخيّ إلى موسم أطيب
إلى أن غرتها سيول التتار
ورنّحها العاصف الأجنبي
تهاوت وراء ضجيج الفراغ
تفتّش عن أهلها الغيّب
و تبحث عن دارها في الطيوف
و تستنبيء اللّيل عن كوكب
و تحلم أجفانها بالكرى
فتخفق كالطائر المتعب
هناك جثث في اشتياق المعاد
تحدّق كالموثق المغضب
فتلحظ خلف امتداد السنين
على زرقة " النيل " وعدا صبي
تمرّ عليه خيالات " مصر "
مرور الغواني على الأعزب
رأت فمه برعما لا يبوح
و نسيان في قلبه مختبي
و كان انتظارا فحنّت إليه
حنين الوليد إلى المرضعة
و دارت نجوم و عادت نجوم
و أهدابها ترتجي مطلعة
و كانت تواعدها الأمسيات
كما تعد البيدر المزرعة
و لاقته يوما و كان اسمه
" جمالا " فلاقت صباها معه
***
هنا لاقت الوحدة ابنا يسير
فتمشي الدنا خلفه طيّعه
و مهدا صبورا سقاها النضال
فأهدت إلى المعتدي مصرعة
غذاها دم " النيل " خصب البقاء
و لقّنها الفكرة المبدعة
و علّمها من عطايا حشاه
و كفّيه أن تبذل المنفعة
و من جوّه رفرفات الحمام
و من رمله طفرة الزّوبعه
و قطّرها في خدود النجوم
صلاة و أغنية ممتعو
و أطلع للعرب أقباسها
شموسا بصحو المنى مشبعة
هناك أفقنا على وحدة
يمدّ الخلود لها أذرعة
فصارت مبادئنا في السلام
و ألوية النصر في المعمعه(55/282)
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ما بعد رحيل الشمس
ما بعد رحيل الشمس
رقم القصيدة : 67558
-----------------------------------
ما بعد رحيل الشمس
(1)
الوقت..
عين الليل يسبح في شواطئها السواد
والدرب يلبس حولنا ثوب الحداد
شيخ ينام على الرصيف
قط وفأر ميت القط يأكل في بقايا الفأر ثم يدور يرقص في عناد
والشيخ يصرخ جائعا ويصيح: يا رب العباد
هذا زمان مجاعة و الناس تسقط كالجراد
العمر
يا للعمر وقت ضائع
عام مضى.. عامان.. عشر
لست أعرف كم مضى..
فالعمر في قدم الرياح
والليل يلتهم الصباح
والجرح ينزف بالجراح
* * *
زمني
يقول الناس إني جئت في زمن حزين
وأنا أقول بأنني
قد جئت في الزمن الخطأ
ماذا يفيد صوابنا
إن صارت الدنيا و صارت الناس كالرقم الخطأ؟
خطواتنا الحيرى على هذا الطريق
تردد الأنفاس في أعماقنا
ونعيش في أوهامنا
لكننا نحيا مع الزمن الخطأ
* * *
عنوان أيامي
على المظروف أكتب اسم شارعنا القديم
ما عدت أذكر اسم شارعنا الجديد
الشارع المسكين صار حكاية..
قد غيروه.. وغيروه.. وغيروه
ما عاد يذكر اسمه
لكنني ما زلت أعرف اسم شارعنا القديم
* * *
أما أنا
قالوا بأني كنت يوما فارس العشق القديم
وبأن عمري صار بيتا
من بيوت العنكبوت
ولأنني رغم القبور.. ورغم موت الأرض
أرفض أن أموت
قالوا بأني فارس ما زال يرفض أن يموت
اليوم الأول بعد رحيل الشمس
(2)
ما زال حبك أمنيات حائرات في دمي
أشتاق كالأطفال ألهو.. ثم أشعر بالدوار
وأظل أحلم بالذي قد كان يوما..
أحمل الذكرى على صدري شعاعا..
كلما أختنق النهار
والدار يخنقها السكون
فئران حارتنا تعربد في البيوت
وسنابل الأحلام في يأس تموت
نظرت للمرآة في صمت حزين
العمر يرسم في تراب الوجه أحزان السنين
أصبحت بعدك كالعوز يردد الكلمات
يمضغها وينساها.. ويأكلها
ويدرك أن شيئا لا يقال
ما عدت أعبأ بالكلام
فالناس تعرف ما يقال
كل الذي عندي كلام لا يقال
اليوم الأول بعد المئة لرحيل الشمس
(3)(55/283)
ولدي يسألني: لماذا أنت يا أبتي حزين..
لم تبتسم من ألف عام
أترى تخاف..
الوحش يا أبتاه في النهر الكبير
قالوا بأن الوحش قد أكل الطيور
ما زال يأكل في الزهور
الوحش يأكلنا ويشرب عمرنا
ويدور في كل الشوارع يخنق الأطفال يعبث بالقبور
الوحش يشرب كل ماء النهر ثم يبول في النهر العجوز
ويعود يشرب من جديد
والنهر بئر من دموع الناس
النهر جرح غائر الأعماق
تنبت في جوانحه الجراح
والوحش يسكر بالجراح
* * *
أشتاق عطرك كلما عادت مع الليل الهموم
ولدي يقول بأنني
لم أبتسم من ألف عام
قلبي وحزن النهر والأيتام في برد الطريق
حزني عنيد لا ينام
اليوم الأول بعد الألف لرحيل الشمس
(4)
في الدرب رائحة ومنديلي قديم
تتسلل الأحزان بين جوانحي
تتزاحم الرعشات بين أصابعي..
قد مات عصفوري الصغير
قد ظل يصرخ في عيون الناس يلتمس النجاة..
سقط الصغير على جناح الدار وانسابت دماه
الريش يعبث في عيوني مثل غيمات الشتاء
ويطير بين جوانحي شبح الدماء
ويصيح في صدري البكاء
عصفورنا في الدرب مات
* * *
يمضي علينا العمر.. والحلم الجميل
ما زال في صمت يقاوم كل أحزان الرحيل
اليوم الأول بعد.. لرحيل الشمس
(5)
أصبحت لا ألقاك صرت سحابة
عبرت على عمري كما يهفو النسيم
ورجعت للحزن الطويل
ما زلت ألمح بعض عطرك بين أطياف الأصيل
يمضي الزمان بعمرنا
الخوف يسخر بالقلوب
واليأس يسخر بالمنى
والناس تسخر بالنصيب
عصفورنا قد مات
من قال إن العمر يحسب بالسنين
* * *
الليل لم يرحم رحيل الزيت من قنديلنا
أخفى شعاعا كان يحمله القمر
والشمعة الثكلى تساقط ضوءها
ثم انزوت تبكي على صدر الظلام
وأنا أحدق.. كل شيء صار بعدك صامتا
الليل والقمر الذبيح
الشمعة الحيرى ومزماري الجريح
من يأخذ الأيام والعمر الطويل
لتعود شمس مدينتي
يا شمس.. فارسك القديم..
مازال يبكي عمره بعد الرحيل
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> الرحيل
الرحيل
رقم القصيدة : 67559
-----------------------------------(55/284)
قالت:
لأن الخوف يجمعنا.. يفرقنا
يمزقنا.. يساومنا ويحرق في مضاجعنا الأمان
وأراك كهفا صامتا لا نبض فيه.. ولا كيان
وأرى عيون الناس سجنا.. واسعا
أبوابها كالمارد الجبار
يصفعنا.. ويشرب دمعنا
ماذا تقول عن الرحيل؟!
* * *
قالت:
ثيابك لم تعد تحميك من قهر الشتاء
وتمزقت أثوابنا
هذي كلاب الحي تنهش لحمنا
ثوبي تمزق هل تراه؟
صرنا عرايا في عيون الناس يصرخ عرينا
البرد والليل الطويل
العري واليأس الطويل
القهر والخوف الطويل
ماذا تقول عن الرحيل؟!
* * *
قالت:
لعلك تذكر الطفل الصغير
قد كان أجمل ما رأت عيناك في هذا الزمان
يوما أتيتك أحمل الطفل الصغير
كم كنت أحلم أن يضيء العمر في زمن ضرير
أتراك تذكر صوته
كما كان يحملنا بعيدا..
كم كان يمنحنا الأمان.. على ثرى زمن بخيل
الطفل مات من الشتاء
يوما خلعت الثوب كي أحميه..
مضيت عارية ألملم في صغيري
كل ما قد كان عندي من رجاء..
لم ينفع الثوب القديم
الطفل مات من الشتاء
والبيت أصبح خاليا
أثوابنا وتمزقت
أحلامنا وتكسرت
أيامنا وتآكلت
وصغيرنا قد مات منا في جوانحنا دماه
ماذا فعلت لكي تعيد له الحياة؟
ماذا تقول عن الرحيل؟!
* * *
قالت:
تعال الآن نهتف بين جدران السكون
قل أي شيء عن حكايتنا
عن الإنسان في زمن الجنون
اصرخ بدمعك أو جنون في الطريق
اصرخ بجرحك في زمان لا يفيق
قل أي شيء
قل إنه الطوفان يأكلنا و يطعم من بقايانا
كلاب الصيد و الغربان.. و الفئران في الزمن العقيم
قل ما تشاء عن الجحيم
ماذا تقول عن الرحيل؟!
* * *
قالت:
لأنك جئت في زمن كسيح
قد ضاع عمرك مثل عمري.. في ثرى أمل ذبيح
دعني وحالي يا رفيقي هل ترى.. يشفى جريح من جريح؟
حلمي وحلمك يا حبيبي مع ضريح
ماذا تقول عن الرحيل؟!
* * *
قالت:
سأسأل عنك أحياء المدينة في خرائبها القديمة
شرفاتها الثكلى أغانيها العقيمة
وأقول كان العمر أقصر من أمانيه العظيمة
لا تنس انك في فؤادي حيث كنت
وحيث يحملني الطريق(55/285)
سأظل أذكر أن في عينيك قافلتي.. وعاصفتي
وإيماني العميق
بأن حبك جنة كالوهم ليس لها طريق
لا تنس يوما عندما يأتي الزمان
بحلمنا العذب السعيد
فتش عن الطفل الصغير
وذكره بي..
واحمل إليه حكاية وهدية في يوم عيد..
الآن قد جاء الرحيل..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وتسقط بيننا الأيام
وتسقط بيننا الأيام
رقم القصيدة : 67560
-----------------------------------
ويمضي العام.. بعد العام.. بعد العام
وتسقط بيننا الأيام
ويصبح عمرنا سدى
ويصبح حبنا قيدا
وحلم بين أيدينا حطام
رماد أنت في عيني
بقايا من حريق ثار في دمنا ونام
ويمضي العام.. بعد العام.. بعد العام..
فلا أنت التي كنت ولا أنا فارس الأحلام
تعالي نشهد الدنيا
بأن الحب أصبح في مدينتنا حرام
وأن الصبح أصبح في مآقينا ظلام
وأن الخوف يخنق في حناجرنا الكلام
تعالي نشهد الدنيا
بأن الحب بين الناس شيء كالخطايا
وأن الشوق يهرب في الحنايا
يموت الشوق قهرا في دمايا
يصيح الخوف أغرق في خطايا
ولم تبق الليالي غير قلب
وناي صار بعضا من صبايا
تعالي لكي نلملم ما تبقى
وعمرك مثل أيامي.. بقايا
لصوص الحي قد سرقوا ثيابي
فصرنا في مدينتنا عرايا
فلا وطن يلم العمر منا
ولا أمل يلوذ به الضحايا
* * *
حرام يا زمان العرى مهلا
أيصبح كل ما فينا.. مطايا
وآه منك يا زمن تعرى
فصار السيف فينا.. للخطايا
وصرت مدينتي وكرا كبيرا
وليس مكاننا.. بين البغايا
ويمضي العام.. بعد العام.. بعد العام
وتسقط بيننا الأيام
فلا أنت التي كنت ولا أنا فارس الأحلام
وليس لنا اختيار
ما زلت أسكن في عيوني مثل حبات النهار..
أطياف عطرك بين أنفاسي رحيل.. وانتظار
ما زلت أشعر أننا عمر نهايته.. الانتحار
والحب مثل الموت يجمعنا.. يفرقنا وليس لنا اختيار
هل تنجب النيران وسط الرياح غير نار؟
* * *
ما زلت أحيا كل ما عشناه يوما
رغم أن العمر.. أيام قصار
والحب في الأعماق بركان يدمرنا
وبين يديك ما أحلى الدمار(55/286)
والشوق رغم البعد أحلام تطاردنا
ما زلنا نكابر كالصغار
فالهجر في عينيك هجر مكابر
هل تهرب الشطآن من عشق البحار؟
* * *
إن جاء يوم واسترحت من المنى
فلتخبريني.. كيف أسدلت الستار؟
فإلى متى سنظل في أوهامنا
ونظن أن الشمس ضاقت.. بالنهار؟
أدمنت حبك مثل ما أدمن في البحر.. الدوار
فلقاؤنا قدر وهل يجدي مع القدر الفرار؟
سترجع ذات يوم
رفيق العمر سافر حيث شئت
وجرب في حياتك ما أردت
سترجع ذات يوم حيث كنت
فعمرك في يدي.. والعمر أنت
* * *
رفيق العمر يا أملا توارى
ويا كأسا تنكر.. للسكارى
فأين ضياك يا صبح الحيارى؟
أضعنا العمر شوقا.. و انتظارا
وتحملني الأماني حيث كنا
فأسأل عن زمان ضاع منا
وأعجب من ترى يغنيك عنا
فهان الحب يا قلبي.. وهنا؟
* * *
أعاتب هل ترى يجدي العتاب
وقد أدمنت يا قلبي.. الغياب؟
سنين العمر ترحل كالسراب
وأسأل أين أنت ولا جواب
* * *
وسافر يا حبيبي كيف شئت
وجرب في حياتك ما أردت
سترجع ذات يوم حيث كنت
سترجع ذات يوم
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لأني أحبك
لأني أحبك
رقم القصيدة : 67561
-----------------------------------
تعالي أحبك قبل الرحيل
فما عاد في العمر غير القليل
أتينا الحياة بحلم بريء
فعربد فينا زمان بخيل
* * *
حلمن بأرض تلم الحيارى
وتؤوي الطيور و تسقي النخيل
رأينا الربيع بقايا رماد
ولاحت لنا الشمس ذكرى أصيل
حلما بنهر عشقناه خمرا
رأيناه يوما دماء تسيل
فإن أجدب العمر في راحتيا
فحبك عندي ظلال.. ونيل
وما زلت كالسيف في كبريائي
يكبل حلمي عرين ذليل
ما زلت أعرف أين الأماني
وإن كان درب الأماني طويل
* * *
تعالي ففي العمر حلم عنيد
ما زلت أحلم بالمستحيل
تعالي فما زال في الصبح ضوء
وفي الليل يضحك بدر جميل
أحبك والعمر حلم نقي
أحبك واليأس قيد ثقيل
وتبقين وحدك صبحا بعيني
إذا تاه دربي فأنت الدليل
إذا كنتن قد عشت حلمي ضياعا
وبعثرت كالضوء عمري القليل
فإني خلقت بحلم كبير..(55/287)
وهل بالدموع سنروي الغليل؟
وماذا تبقى على مقلتينا؟
شحوب الليالي وضوء هزيل؟
تعالي لنوقد في الليل نارا
ونصرخ في الصمت في المستحيل
تعالي لننسج حلما جديدا
نسميه للناس حلم الرحيل
مالذي قد مات فينا..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ما قد كان.. كان
ما قد كان.. كان
رقم القصيدة : 67562
-----------------------------------
كان ما قد كان.. مات..
كان في عينيك حلم..
خانني وسط الطريق
حين صار الموج وحشا
لم يعد يرحم أنات الغريق
كان في عينيك حلم
يعزف الألحان في عمري.. وعمرك
أغنيات للطيور..
كان سرا من خبايا الصبح حين يجيء
في ليل جسور..
بحر عينيك توارى
جف ماء البحر في صمت
وصار الآن أسماكا
تساقط جلدها بين الصخور
كيف صار اللؤلؤ المسحور
أحجارا على الطرقات حائرة
وفي هلع.. تدور؟
كيف صار الموج في عينيك شيئا.. كالرفات؟
كيف مات الطهر فينا
كيف صرنا كالأماني الساقطات؟
* * *
آه من عينيك آه
لست ادري في رباها غير عنوان
أراه الآن ينكرني
قلت يوما.. إن في عينيك شيئا لا يخون
يومها صدقت نفسي..
لم أكن اعرف شيئا
في سراديب العيون
كان في عينيك شيء لا يخون
لست ادري.. كيف خان؟
ليس يجدي الآن شيء
فالذي قد كان.. كان
احرقي الأحلام والذكرى
فما قد مات .. مات
واخرسي دمعا لقيطا
ما الذي يجدي لكي نبكي على هذا الرفات؟
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> زمان الخوف
زمان الخوف
رقم القصيدة : 67563
-----------------------------------
عمري وعمرك دمعتان..
الدمعة الفرحى لقاء يجمع الأشواق
ترقص في الجوانح فرحتان
الدعة الثكلى وداع
يخنق الأشواق.. يشطرنا فتنزف.. مهجتان
لم يا زمان الخوف تأبى أن يكون لنا مكان؟
عنوانا ليل كئيب الوجه يخدعنا
و يسرق فرحة الأيام منا.. والأمان
ونموت في فرح اللقاء كما نموت.. مع الوداع
أيامنا طفل.. كلون الصبح مخنوق الشعاع
* * *
يوم لمحتك كان موج البحر
يدفعني وحيدا بين أنياب الصخور(55/288)
تتخبط الأحلام في صدري وفي يأس تدور
والعمر يوهمني بأن الشاطئ الموعود منا يقترب
وغدا ستهدأ في جوانحنا.. الرياح
الشاطئ الموعود في عيني سراب
ظالم الأحزان يعبث بالجراح
* * *
وسمعت صوت الموج يصرخ في عناق
والخوف علمني
بأن الحب يحمل في اللقا دمع الفراق
ورأيت زورقك البعيد
يلوح من بين الزوارق.. كالضياء
وتعانقت موجاتنا
ألقيت فيك متاعبي
وهمست في نفسي: سنبدأ من جديد
كم من عجوز صار رغم العمر.. كالطفل الوليد
قد كنت من زمن عشقت البحر والإبحار
والسفر البعيد
ونسيت شطآن الأمان
ونسيت أن ارتاح يوما في.. مكان
ورأيت في عينيك شطآن الأمان
* * *
ووقفت عند الشاطئ الموعود استرضي الزمان
صافحته قبلت في عينيه حلما
عشت أحلمه وثارت دمعتان
وبكيت في فرحي وعانقت الزمان
* * *
وبدأت أبحث عن مكان
ضحك الزمان وقال في غضب:
من قال إن الشاطئ الموعود يمنحك الأمان؟
الشاطئ الموعود مثل البحر أمواج وخوف وامتهان
الشاطئ الموعود مقبرة
يفر الناس منها كلما صرخ القدر
تترنح الأعمار بين دروبها
أحلامها عرجاء
تسقط كل ما قام وتأكلها الحفر
أواه يا شط الأمان
جئنا لنبحث في حطام الناس
عن وطن يلملم شملنا
صرنا بقايا.. من حطام
جئنا عرايا
نسأل الأيام ثوبا كي نداري عرينا
صرنا حيارى في الظلام
فالشاطئ الموعود مقبرة تئن بها العظام
ماذا سنفعل..؟!
هل نترك الأيام تسقط في شواطئ حزننا؟
أيامنا في الموج أحلام نزفناها وضاعت بيننا
وجراحنا في الشاطئ الموعود
بحر من دماء الخوف يسري حولنا
والآن نبحر في مرافئ دمعنا
لا تحزني..
ما زلت ألمح في حطام الناس
أزهارا ستملأ دربنا
لا تحزني..
إن صارت الدنيا حطاما حولنا
فالصبح سوف يجيء من هذا الحطام
الصبح سوف يجيء من هذا الحطام
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وعمري .. أنت مرساه
وعمري .. أنت مرساه
رقم القصيدة : 67564
-----------------------------------
سكبتك في دمي حلما
حنايا القلب .. ترعاه
وراح القلب في فرح(55/289)
يغني سر نجواه
ويشدوا حبنا لحنا
كطير عاد مأواه
فأصبح لا يرى شيئا
سوى عينيك .. دنياه
وأمن في دجى زمن
عنيد في خطاياه
شدونا الحب للدنيا
وفي شوق حملناه
رأينا حبنا طفلا
كضوء الصبح .. عيناه
سألتك هل ترى يوما
سنهدم ما بنيناه ؟!
فقلت: العمر إبحار
وعمري أنت مرساه
تعيش العمر في قلبي
ولو ينساك.. أنساه
حبيبي.. حبنا قدر
ومهما ضاع.. نلقاه
يوما غنيتك يا وطني..
ورجعت أصافح سجاني..
وأقبل صمت القضبان
وركعت وحيدا في صمتي
والقيد يزلزل وجداني
والليل الصاخب ينهشني..
يدفعني خلف الجدران
والخوف العاصف يصفعني
والأمل اليائس يلقاني
* * *
يوما غنيتك يا وطني
وشدوتك أجمل الحاني
وجعلت زهورك مأذنتي
وجعلت ترابك.. إيماني
في سجنك عمري أنقاض
يجمعها ثوب الإنسان...
غدوت سجينا يا وطني
وكفرت بكل الأوطان
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> كانت لنا أحلام
كانت لنا أحلام
رقم القصيدة : 67565
-----------------------------------
وقلنا إننا يوما
سننسج من ظلال الحزن أحلاما تعزينا
إذا تاهت مدينتنا
وجف النهر بين ضلوع وادينا
وعاد الخوف بالأحزان يقهرنا
ويسوق عمرنا منا وبالأوهام يسقينا
* * *
وقلنا إننا يوما
سنجعل حبنا إذا احترقت مضاجعنا
ومات زماننا فينا
سنغرس في عروق الليل حلما
ليصبح نجمة سكرى ترفرف في مآقينا
* * *
وقلنا إننا يوما
سننثر حبنا عطرا
يعانق وجه قريتنا
يحطم يأس أيكتنا
يبدل ليل غربتنا
ونرقص في أغانينا
* * *
وقلنا آه كم قلنا
وكم رقصت أمانينا
وجاء الليل زنديقا
يعربد في خطاياه
وفي الطرقات يلقينا
ولاح الصبح مكسورا
يلملم في بقاياه
ويصرخ يائسا فينا
فعدنا نحمل الماضي
رفاتا بين أيدينا
وصار العمر دجالا
يزور في بضاعته
وبالكلمات يغرينا
* * *
تعالي نغرس الأحلام في أنقاض ماضينا..
تعالي نجمع الأشلاء نبعثها.. فتحيينا
تعالي فالزمان اليائس المخبول يخنقنا.. بأيدينا
ويحفر عمرنا.. قبرا
وفي الظلمات يلقينا(55/290)
تعالي كعبة الأحلام ما أشقى ليالينا
للنسج من ظلال الليل صبحا
ونبني من رماد الحلم حلما
فما قد ضاع في الأحزان-يا دنياي-يكفينا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> حبيبتي.. تغيرنا
حبيبتي.. تغيرنا
رقم القصيدة : 67566
-----------------------------------
تغير كل ما فينا.. تغيرنا
تغير لون بشرتنا
تساقط زهر روضتنا
تهاوى سحر ماضينا
تغير كل ما فينا .. تغيرنا
زمان كان يسعدنا نراه الآن يشقينا
وحب عاش في دمنا تسرب بين أيدينا
وشوق كان يحملنا فتسكرنا.. أمانينا
ولحنٌ كان يبعثنا إذا ماتت.. أغانينا
تغير كل ما فينا .. تغيرنا
* * *
وأعجب من حكايتنا تكسر نبضها فينا
كهوف الصمت تجمعنا دروب الخوف .. تلقينا
وصرت حبيبتي طيفا لشيء كان في صدري
قضينا العمر يفرحنا وعشنا العمر .. يبكينا
غدونا بعده موتى فمن يا قلب يحيينا؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عيناك أرض لا تخون..
عيناك أرض لا تخون..
رقم القصيدة : 67567
-----------------------------------
مضيت أبحث عن عيونك
خلف قضبان الحياة
وتعربد الأحزان في صدري
ضياعا لست أعرف منتهاه
وتذوب في ليل العواصف مهجتي
ويظل ما عندي سجينا في الشفاه
والأرض تخنق صوت أقدامي
فيصرخ جرحها تحت الرمال
وجدائل الأحلام تزحف خلف موج الليل
بحارا تصارعه الجبال
والشوق لؤلؤة تعانق صمت أيامي
ويسقط ضوءها خلف الظلال
عيناك بحر النور يحملني إلى
زمن نقي القلب.. مجنون الخيال
عيناك إبحار وعودة غائب
عيناك توبة عابد
وقفت تصارع وحدها شبح الظلال
ما زال في قلبي سؤال..
كيف انتهت أحلامنا؟
ما زلت أبحث عن عيونك
علني ألقاك فيها بالجواب
ما زلت رغم اليأس أعرفها وتعرفني
وتحمل في جوانحنا عتاب
لو خانت الدنيا وخان الناس
وابتعد الأصحاب
عيناك أرض لا تخون
عيناك إيمان وشك حائر
عيناك نهر من جنون
عيناك أزمان وعمر
ليس مثل الناس شيئا من سراب
عيناك آلهة وعشاق وصبر واغتراب
عيناك بيتي(55/291)
عندما ضاقت بنا الدنيا وضاق بنا العذاب
* * *
ما زلت أبحث عن عيونك بيننا أمل وليد
أنا شاطئ ألقت عليه جراحها
أنا زورق الحلم البعيد
أنا ليلة حار الزمان بسحرها
عمر الحياة يقاس بالزمن السعيد
ولتسألي عينيك أين بريقها؟
ستقول في ألم توارى.. صار شيئا من جليد
وأظل أبحث عن عيونك خلف قضبان الحياة
ويظل في قلبي سؤال حائر
إن ثار في غضب تحاصره الشفاه
كيف انتهت أحلامنا؟
قد تخنق الأقدار يوما حبنا
وتفرق الأيام قهرا شملنا
أو تعزف الأحزان لحنا
من بقايا.. جرحنا
ويمر عام.. ربما عامان
أزمان تسد طريقنا
ويظل في عينيك موطننا القديم
نلقي عليه متاعب الأسفار في زمن عقيم
عيناك موطننا القديم وإن غدت أيامنا
ليلا يطارد في ضياء
سيظل في عينيك شيء من رجاء
أن يرجع الإنسان إنسانا
يغطي العرى يغسل نفسه يوما ويرجع للنقاء
عيناك موطننا القديم
وإن غدونا كالضياع بلا وطن
فيها عشقت العمر أحزانا وأفراحا
ضياعا أو سكن
عيناك في شعري خلود
يعبر الآفاق.. يعصف بالزمن
عيناك عندي بالزمان
وقد غدوت.. بلا زمن
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وما زال عطرك
وما زال عطرك
رقم القصيدة : 67568
-----------------------------------
وإن صرت ليلا.. كئيب الظلال
فما زلت أعشق فيك النهار..
وإن مزقتني رياح الجحود..
فما زال عطرك عندي المزار
أدور بقلبي على كل بيت
ويرفض قلبي جميع الديار..
فلا الشط لملم جرح الليالي
ولا القلب هام بسحر البحار..
فما زال يعشق.. فيك النهار..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لو أننا..
لو أننا..
رقم القصيدة : 67569
-----------------------------------
لو أننا يوما نسجنا عشنا
عبر الأثير على ربى الأزهار
لو أننا يوما جعلنا عمرنا
بين الظلال كروضة الأشعار
لو أننا عدنا إلى أحلامنا
سكرى نناجيها مع الأطيار
لو أننا صرنا خمائل أسدلت
أهدابها فوق الغدير الجاري
لو أننا طفلان في أحزاننا
ننسى الحياة على صدى مزمار(55/292)
لو أن حبك عاش يسكر من دمي
ويصول كيف يشاء في أفكاري
لو أن قلبك ظل مرفأ عمرنا
نلقي عليه متاعب الأسفار
لو أننا عند المساء سحابة
ترنو إلى همس الهلال الساري
لو أننا لحن على أنغامه
نام الزمان وتاه في الأسرار
لو أننا.. لو أننا.. لو أننا..
ما أسهل الشكور من الأقدار..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> أنا والليل.. والشعر
أنا والليل.. والشعر
رقم القصيدة : 67570
-----------------------------------
ويسألني الليل أين الرفاق
وأين رحيق المنى والسنين؟
وأين النجوم تناجيك عشقا
وتسكب في راحتيك الحنين؟
وأين النسيم وقد هام شوقا
بعطر من الهمس لا يستكين؟
وأين هواك بدرب الحيارى
يتيه اختيالا على العاشقين؟
فقلت: أتسألني عن زمان
يمزق حبا أبى أن يلين؟
وساءلت دهري: أين الأماني؟
فقال: توارت مع الراحلين
ولم يبق شيء سوى أغنيات
وأطياف لحن شجي الرنين
وحدقت في الكأس: أين الرفاق؟
فقالت: تعبت من السائلين
ففي كل يوم طيور تغني
وزهر يناجي ونجم حزين
ودار تسائلني مقلتاها:
متى سيعود صفاء السنين؟
وفوق النوافذ أشلاء عطر
ينام حزينا على الياسمين
ثيابك في البيت تبكي عليك
ترى في الثياب يعيش الحنين؟!
وعطرك في كل ركن ودرب
وقد عاش بعدك مثل السجين
* * *
ويسألني الشعر: هل صرت كهلا؟
فقلت: توارى عبير الشباب
فقال بحزن: أريدك حبا
وشوقا يطير بنا للسحاب
أريدك طير على كل روض
أريدك زهرا على كل باب
أريدك خمرا بكأس الزمان
فقد يسكر الدهر فينا العذاب
أريدك لحنا شجي المعاني
ولو عشت تجري وراء السراب
أريدك لليوم دع ما تولى
ودعك من النبش بين التراب
ففي الروض زهر وعطر.. وطير
وفي الأفق تعلو الأغاني العذاب
قضيت حياتك تنعي الشباب
وترثي العهود وتبكي الصحاب
نظرت إلى الشعر: ماذا تريد؟
فقال: نعيد ليالي الشباب
فقلت: ترى هل تفيد الأماني
إذا ما ارتمت فوق صدر السراب؟
وساعة صفو سترحل عنا
ونرجع يوما لدار العذاب
وفي كل يوم سنبني قصورا(55/293)
غدا سوف نتركها للتراب..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> دائما.. أنت بقلبي
دائما.. أنت بقلبي
رقم القصيدة : 67571
-----------------------------------
قبل أن يرحل في يأس هوانا
قبل أن تنهار في خوف خطانا
قبل أن أبحث عنك بين أنقاض صبانا
خبريني.. كيف ألقاك إذا تاهت رؤانا
وانطوت أحلامنا الثكلى رمادا.. في دمانا
في زمان ماتت البسمة فيه
وغدا العمر.. هوانا؟
خبريني..
عندما يصبح بيتي في جنون الليل
أشلاء عبير
منهك الأنفاس كالطفل الصغير
كيف ألقاك إذا صارت أمانينا
دماء في غدير
نشرب الأحزان منها
تقتل الأفراح فينا والضمير؟
* * *
من سنين عشت يا عمري
أخاف من الضياع
عندما أدفن بعضي
في سحابات وداع
عندما أشعر أني
صرت أنقاض شعاع
عندما تغدو أمانينا
فتاة بين أحضان الظلام
عندما يغرق قلبي
في دموع لا تنام
عندما أصبح شيئا
كسطور ساقطات كفتات.. من كلام
ربما أبحث عنك بين أحضان كتاب
ربما ألقاك في ذكرى.. عتاب
ربما ألقاك في عمري سراب
ربما أسمع عنك من حكايات صحاب
عندما يصيح قلبي
بين خوف الناس كالأرض الخراب
ربما ألقاك في الأرض الخراب
آه يا دنياي من نفسي تذوب بين الخراب!!
سوف ألقاك ضياء
في عيون الناس يغتال الدموع
رغم كل الحزن يغتال الدموع
سوف ألقاك حياة
في زمن ميت الأنفاس ممسوخ الرفات
سوف ألاقاك عبيرا بين يأس الناس
عذب الأمنيات
دائما أنت بقلبي
رغم أن الأرض ماتت
رغم أن الحلم.. مات
ربما ألقاك يوما في دموع الكلمات!!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لا أنت أنت.. ولا الزمان هو الزمان
لا أنت أنت.. ولا الزمان هو الزمان
رقم القصيدة : 67572
-----------------------------------
أنفاسنا في الأفق حائرة..
تفتش عن مكان
جثث السنين تنام بين ضلوعنا
فأشم رائحة
لشيء مات في قلبي وتسقط دمعتان
فالعطر عطرك والمكان.. هو المكان
لكن شيئا قد تكسر بيننا
لا أنت أنت.. ولا الزمان هو الزمان
* * *
عيناك هاربتان من ثأر قديم(55/294)
في الوجه سرداب عميق..
وتلال أحلام وحلم زائف
ودموع قنديل يفتش عن بريق..
عيناك كالتمثال يروي قصة عبرت
ولا يدري الكلام
وعلى شواطئها بقايا من حطام
فالحلم سافر من سنين
والشاطئ المسكين ينتظر المسافر أن يعود
وشواطئ الزمان قد سئمت كهوف الإنتظار
الشاطئ المسكين يشعر بالدوار..
* * *
لا تسأليني..
كيف ضاع الحب منا في الطريق؟
يأتي إلينا الحب لا ندري لماذا جاء
قد يمضي ويتركنا رمادا من حريق..
فالحب أمواج.. وشطآن وأعشاب..
ورائحة تفوح من الغريق
* * *
العطر عطرك والمكان هو المكان
واللحن نفس اللحن
أسكرنا وعربد في جوانحنا
فذابت مهجتان
لكن شيئا من رحيق الأمس ضاع
حلم تراجع..! توبة فسدت! ضمير مات!
ليل في دروب اليأس يلتهم الشعاع
الحب في أعماقنا طفل تشرد كالضياع
نحيا الوداع ولم نكن
يوما نفكر في الوداع
* * *
ماذا يفيد
إذا قضينا العمر أصناما
يحاصرنا مكان
لم لا نقول أمام كل الناس ضل الراهبان؟
لم لا نقول حبيبتي قد مات فينا.. العاشقان؟
فالعطر عطرك والمكان هو المكان
لكنني..
ما عدت أشعر في ربوعك بالأمان
شيء تكسر بيننا..
لا أنت أنت ولا الزمان هو الزمان..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> كان حلما..
كان حلما..
رقم القصيدة : 67573
-----------------------------------
وتبكين حبا .. مضى عنك يوما
وسافر عنك لدنيا المحال ..
لقد كان حلما .. وهل في الحياة ..
سوى الوهم - يا طفلتي - والخيال ؟
وما العمر بأطهر الناس إلا
سحابة صيف كثيف الظلال
وتبكين حبا .. طواه الخريف
وكل الذي بيننا .. للزوال ..
فمن قال في العمر شيء يدوم
تذوب الأماني ويبقى السؤال ..
لماذا أتيت إذا كان حلمي
غداً سوف يصبح .. بعض الرمال ..؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> سيبقى نشيدي
سيبقى نشيدي
رقم القصيدة : 67574
-----------------------------------
وما زلت ألمح شيئا بعيدا
يداعب عيني.. كطيف السراب
فحينا أراه ضياء نحيلا
يصارع ليلا.. كثيف الضباب(55/295)
وحينا أراه.. صباحا عنيدا
يزمجر في الأفق خلف السحاب
ودربي طويل.. وقيدي ثقيل..
وأحمل عمرا كسيح الشباب
وما زلت أحمل نايا حزينا
تكسر مني.. على كل باب
أدور بحلمي على كل بيت
أعاتب صمتا طويلا طويلا..
أصارع حزنا كئيبا.. كئيبا
أردد لحنا بأرض خراب
وألقي بعمري على كل باب
وأغرس حلمي فيأبى التراب
ورغم القيود.. ورغم العذاب
سيبقى نشيدي على كل باب..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> الصبح حلم.. لا يجئ
الصبح حلم.. لا يجئ
رقم القصيدة : 67575
-----------------------------------
ونجئ قهرا للحياة
الناس ترحل مثلما تأتي
ويبقى السر شيئا لا نراه
لم أدر كيف أتيت من زمن بعيد
يوما سمعت أبي يقول بأنني
قد جئت في يوم سعيد
أمي تقول بأنني
أشرقت عند الفجر كالصبح الوليد
تاريخ ميلادي يقول بأنني
قد جئت في لقيا الشتاء مع الربيع
لكنني ما عدت أذكر هل ترى
قد عشت حقا في الربيع؟
* * *
من ألف عام
والزمان على مدينتنا صقيع
نهر الدموع يطارد الأحياء
يهرب بعضنا..
والبعض يسقط واقفا
والبعض يمشي في القطيع
قالوا بأنني قد ولدت
وفي مدينتنا مجاعة..
والناس تشرب من دماء الناس
إن خلت البطون
والجوع مقبرة يحاصرها الجنون..
ما زالت الأضواء ثكلى
في شوارعنا الحزينة
والدرب يسخر بالأماني المستكينة
* * *
سنواتي الأولى مضت كصباح عيد
ما زلت أذكر صوت أمي
عندما كانت تغني الليل
تحملني إلى أمل بعيد
كانت تقول بأن جوف الليل
يحمل صرخة الصبح الوليد..
وغدا سنولد من جديد
كانت تقول بأن طفل الأرض
سوف يجئ بالزمن السعيد
في صدر أمي لاحت الأيام
بستانا تطوف به الزهور
في صوتها حزن.. وأحلام وإيمان.. ونور
* * *
والعمر يرحل في سكون
أمي تغني الليل تحملني إلى الأمل البعيد
وجلست أنتظر الوليد
العشرة الأولى مضت..
فيها رأيت الحزن ينخر
قلب قريتنا العجوز
ماتت مزارعها وجف شبابها
حتى خيوط الشمس
ذابت خلف أحجار الجبل
وروافد النهر الجسور تكسرت
وغدت بقايا من أمل
* * *(55/296)
فتحت عيني ذات يوم في الصباح
ورأيت ثوب الأرض أشلاء
تبعثرها الرياح
وخشيت أصوات الرياح
كانت تحاصر بيتنا
ومضت تطارد كلبنا المسكين في ليل الشتاء
وسمعت دمع الكلب يصرخ في العراء
ورأيته يوما رفاتا في الطريق
قد كان أول ما عرفت من الصحاب
وبكيت في الكلب الوفاء
والعمر يسرع بين قضبان السنين
العشرة الأولى مضت
والصبح حلم لا يجئ..
في عامي العشرين صافحت الطريق
وجلست أشهد حيرة الإنسان في زمن الرقيق
يوما نباع وتارة
نغدو سكارى لا نفيق
ورجعت أبحث عن شعاع
فرأيت صوت الليل
يهدر في بقايا من رعاع
والشمس يخنقها الشعاع
ووقفت أسأل بعدما رحل الزمان
ونظرت للأرض التي
هربت طيور الحب منها.. والحنان
لا شيء يا أمي سوى الغربان
تصرخ في مدينتنا وتأكل خبزنا
والآن يا أماه أحسب ما تبقى في يدي..
قد ضاع أكثره وليل الأمس ينخر في غدي
ونسيت ما غنيت يوما ضاع صوت المنشد
آمنت بالإنسان عمري في زمان جاحد
كل الذي ما زلت اذكره من العمر القصير
أني قضيت العمر في سجن كبير
* * *
والعمر يا أماه يرحل في اصفرار
ما كان لي فيه.. الخيار
العشرة الأولى تضيع
عشرون عاما بعدها
خمس يمزقها الصقيع
أنا لا أصدق أنني
أمضي لدرب الأربعين
الطفل يا أماه يسرع
نحو درب الأربعين..
أتصدقين؟
ما أرخص الأعمار
في سوق السنين
ما عدت أسمع أغنيات
كالتي كنا نغنيها..
ما زلت أذكر صوتك الحاني
يغني الليل يستجدي المنى
أن تمنح الطفل الصغير
العمر والقلب السعيد
والعمر يا أمي ضنين
لكنني ما زلت احلم مثلما يوما
رأيتك تحلمين
قد قلت إن الأرض تنزف من سنين
وبأن صوت الطفل
بين ضلوعها.. يعلو
ويحمل فرحة الزمن الحزين
ما زلت يا أماه أنتظر الوليد
رغم الضياع ورغم عنواني الطريد
إني أرى عينيه خلف الليل
تبتسمان بالزمن السعيد
والأرض يعلو حملها
والناس.. تنتظر الوليد..
حبيب.. غدر
تعودت بعدك في كل شيء..
فأصبحت عندي.. خيالا عبر
غريبين كنا.. بهذا القطار
وفي البعد صرنا.. حكايا سفر..(55/297)
لأني غرستك زهرا وعطرا
صباحا يضيء.. لكل البشر..
لأني عبدتك رغم الخطايا..
وعانقت فيك سنين العمر
وغنيت حبك بين الحيارى
وسامحت فيك جفاء القدر
يعز علي.. إذا صرت شيئا
بقايا وفاء.. وذكرى وتر..
فأصبحت في القلب.. كهفا صغيرا
كتبت عليه.. ((حبيب غدر))
تعودت بعدك لا تسأليني
فقد صرت عندي نبيا.. كفر
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> إنسان.. بلا إنسان
إنسان.. بلا إنسان
رقم القصيدة : 67576
-----------------------------------
يا بحر جئتك حائر الوجدان
أشكو جفاء الدهر للإنسان
يا بحر خاصمني الزمان وأنني
ما عدت أعرف في الحياة مكاني
كم عانقتني في رمالك انجم
كم داعبت بالأمنيات لساني
كم عاش قلبي في سمائك راهبا
يشفي جراح الحب.. بالألحان
واليوم جئتك والهموم كأنها
شبح يطارد مهجتي.. وكياني
* * *
وغدوت في بحر الحياة سفينة
الموج يبعدها عن الشطآن
فالناس تشرب في الدروب دموعها
والدرب مل مرارة الأحزان
والزهر في كل الحدائق يشتكي
ظلم الربيع.. وجفوة الأغصان
والطفل في برد المدينة حائر
ما زال يبحث عن زمان حاني
ومآذن الصلوات تبكي حسرة
جهل الإمام حقيقة الإيمان
* * *
زمن يعربد في الأماني كلها
ما أتعس الدنيا بغير أماني
يا بحر أسكرني الزمان بخمره
مغشوشة عصفت بكل كياني
كم خادعتني في الظلام ظلالها
كم أمسكت عند الحديث لساني
ما كنت احسب ذات يوم أنني
سأصير إنسانا.. بلا إنسان
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ضحايا الزمان
ضحايا الزمان
رقم القصيدة : 67577
-----------------------------------
دعينا من الأمس.. كنا.. وكان..
ولا تذكري الجرح.. فات الأوان
تعالي نسامر عمرا قديما
فلا أنت خنت.. ولا القلب خان..
وقد يسألونك أين الأماني..
وأين بحار الهوى.. والحنان؟
فقولي تلاشت وصارت رمادا
لتملأ بالعطر.. هذا المكان
رسمنا عليها جراحا.. وحلما..
كتبنا عليها.. ((ضحايا الزمان))
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> أترى يفيد الحلم(55/298)
أترى يفيد الحلم
رقم القصيدة : 67578
-----------------------------------
ستجربين حبيبتي.. ستجربين
ستجربين الحب بعدي.. والحنين
وستحلمين بفارس غيري
هزيل الحلم مكسور الجبين
وسترحلين
على جناح الصبح عصفورا كموج البحر
لا يدري جراح المتعبين
وأظل في الأنقاض أجمع بعض أيامي
أدور العمر تحرقني دموع الحائرين
ما زلت أبحث في ظلام الناس
عن زمن بريء الصبح
يهدي التائهين
ما زلت أسكب
حزن أيامي دموعا
في بطون الجائعين
ما زلت أحلم بالزمان الآمن الموعود يحملنا
إلى وطن عنيد الحلم مرفوع الجبين
وغدوت أحلم ها هنا وحدي
قد كنت مثلي ذات يوم تحلمين
* * *
ما زلت أحلم أن يعود العش
يؤوي الطير في ليل الشتاء
فالعش يهجر طيره
والطير في خوف المدينة
يدفن الأحلام سرا في العراء
أترى يفيد الحلم في زمن الشقاء؟
ما زلت ألمح في ظلام الصبح شيئا كالضياء
لا تحزني من ثورتي
فلقد قضيت العمر
بحارا يفتش عن رفيق
وظننت يوما
أن في عينيك مأوى للغريق
فأتيت أبحث في ربى عينيك
عن زمن أعانق فيه سراب الأمان
زمن يعيش الحلم فيه
بغير خوف.. أو هوان
أصبحت في عينيك تذكارا
سطورا.. ضل معناها الزمان
* * *
ستجربين حبيبتي.. ستجربين
سيجيء بعدي عاشق يروي الحكايا..
ينزع الأزهار من صدر الربيع
يلقي عليك عبيرها المخنوق في ليل الصقيع
ويبيع صبحا بالغروب
ويدندن الأوهام كالزمن الكذوب
وأظل في حلمي أذوب
فالحب عندي أن يصير الصبح صبحا
يمسح الأحزان عن كل القلوب
ألا أصير حقيقة عرجاء
في زمن لعوب
وأظل رغم اليأس
أنثر حلمنا المهزوم في كل الدروب
* * *
ستجربين حبيبتي.. ستجربين
وستحلمين بفارس غيري
هزيل الحلم مكسور الجبين
مازال حلمي
رغم طول القهر مرفوع الجبين
قد كنت مثلي ذات يوم.. تحلمين
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وطني لا يسمع أحزاني
وطني لا يسمع أحزاني
رقم القصيدة : 67579
-----------------------------------
الحزن يطارد عنواني
وسألت الناس عن السلوى..(55/299)
عن شيء يهزم أحزاني
عن يوم أرقص بالدنيا
أو فرح يسكر وجداني
قالوا: أفراحك أوهام
ماتت كرحيق البستان
ودموعك بحر في وطن
لا يعرف حزن الإنسان
* * *
كانت أحلاما يا قلبي..
أن يسقط سجن مدينتنا
أنقاضا.. فوق السجان
أن تخرس أصوات حبلى
بالخوف تطارد عنواني
كانت أحلاما يا قلبي..
أن أصبح فيك مدينتنا
إنسانا.. مثل الإنسان!
* * *
صلبوا الأحلام على قلبي..
فغدو طريدا من نفسي
يأس في الليل يطاردني..
من ينقذ نفسي من يأسي..
فالخوف يطارد خطواتي
وتشد الأرض على قدمي
تستنكر موت الكلمات
والدرب الصامت يسألني
أن أنبش يوما.. عن ذاتي
تحت الأنقاض غدت شبحا
ورفاتا بين الأموات
يا ويحي.. بين الأموات!
* * *
قالوا: في بطن مدينتنا
عراف يكتب أدعية
ويلم الجرح.. ويشفيه
ويداوي الناس إذا تعبوا..
والحائر منهم يهديه
جاء العراف يعاتبني:
في قلبك شيء.. تخفيه؟!
فأجبت: دموعي أحلام
وضلال أجهل ما فيه
في جوف ظلام مدينتنا
نحي الإنسان.. و نفنيه
ويموت كثيرا وكثيرا
إن شئنا يوما نبعثه
ويعود النبض.. ونحييه
ما أسهل أن تحفر قبرا
صوتي يتآكل في نفسي
من منكم يوما.. يحميه؟
من يأخذ عمري.. عاما
من يأخذ مني.. أعواما
لأعيش بصوتي.. أياما؟
صوتي يتآكل في قلبي!!!
كانت أحلاما يا قلبي
أن يسقط سجن مدينتنا
أنقاضا فوق السجان
أن أصبح فيك مدينتنا
إنسانا.. مثل الإنسان
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> بقايا.. بقايا
بقايا.. بقايا
رقم القصيدة : 67580
-----------------------------------
لماذا أراك على كل شيء بقايا.. بقايا؟
إذا جاءني الليل ألقاك طيفا..
وينساب عطرك بين الحنايا؟
لماذا أراك على كل وجه
فأجري إليك.. وتأبى خطايا؟
وكم كنت أهرب كي لا أراك
فألقاك نبضا سرى في دمايا
فكيف النجوم هوت في التراب
وكيف العبير غدا.. كالشظايا؟
عيونك كانت لعمري صلاة..
فكيف الصلاة غدت.. كالخطايا..
* * *
لماذا أراك وملء عيوني
دموع الوداع؟
لماذا أراك وقد صرت شيئا
بعيدا.. بعيدا..(55/300)
توارى.. وضاع؟
تطوفين في العمر مثل الشعاع
أحسك نبضا
وألقاك دفئا
وأشعر بعدك.. أني الضياع
* * *
إذا ما بكيت أراك ابتسامه
وإن ضاق دربي أراك السلامة
وإن لاح في الأفق ليل طويل
تضيء عيونك.. غلف الغمامة
* * *
كأنك في الأرض كل البشر
كأنك درب بغير انتهاء
وأني خلقت لهذا السفر..
إذا كنت أهرب منك.. إليك
فقولي بربك.. أين المفر؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> بقايا.. بقايا
بقايا.. بقايا
رقم القصيدة : 67581
-----------------------------------
لماذا أراك على كل شيء بقايا.. بقايا؟
إذا جاءني الليل ألقاك طيفا..
وينساب عطرك بين الحنايا؟
لماذا أراك على كل وجه
فأجري إليك.. وتأبى خطايا؟
وكم كنت أهرب كي لا أراك
فألقاك نبضا سرى في دمايا
فكيف النجوم هوت في التراب
وكيف العبير غدا.. كالشظايا؟
عيونك كانت لعمري صلاة..
فكيف الصلاة غدت.. كالخطايا..
* * *
لماذا أراك وملء عيوني
دموع الوداع؟
لماذا أراك وقد صرت شيئا
بعيدا.. بعيدا..
توارى.. وضاع؟
تطوفين في العمر مثل الشعاع
أحسك نبضا
وألقاك دفئا
وأشعر بعدك.. أني الضياع
* * *
إذا ما بكيت أراك ابتسامه
وإن ضاق دربي أراك السلامة
وإن لاح في الأفق ليل طويل
تضيء عيونك.. غلف الغمامة
* * *
كأنك في الأرض كل البشر
كأنك درب بغير انتهاء
وأني خلقت لهذا السفر..
إذا كنت أهرب منك.. إليك
فقولي بربك.. أين المفر؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وضاعت ملامح وجهي القديم
وضاعت ملامح وجهي القديم
رقم القصيدة : 67582
-----------------------------------
نسيت ملامح وجهي القديم
ومازلت أسأل: هل من دليل؟!
أحاول أن استعيد الزمان
وأذكر وجهي..
وسمرة جلدي
شحوبي القليل
ظلال الدوائر فوق العيون
وفي الرأس يعبث بعض الجنون
نسيت تقاطيع هذا الزمان
نسيت ملامح وجهي القديم
* * *
عيوني تجمد فيها البريق
دمي كان بحرا
تعثر كالحلم بين العروق
فأصبح بئرا
دمي صار بئرا
وأيام عمري حطام غريق..(55/301)
فمي صار صمتا.. كلامي معاد
وأصبح صوتي بقايا رماد
فما عدت أنطق شيئا جديدا
كتذكار صوت أتى من بعيد
وليس به أي معنى جديد
فما عدت أسمع غير الحكايا
وأشباح خوف برأسي تدور
وتصرخ في الناس
هل من دليل؟
نسيت ملامح وجهي القديم
* * *
لأن الزمان طيور جوارح
تموت العصافير بين الجوانح
زمان يعيش بزيف الكلام
وزيف النقاء.. وزيف المدائح
حطام الوجوه على كل شيء
وبين القلوب تدور المذابح
تعلمت في الزيف ألا أبالي
تعلمت في الخوف ألا أسامح
ومأساة عمري وجه قديم
نسيت ملامحه من سنين
* * *
أطوف مع الليل وسط الشوارع
وأحمل وحدي هموم الحياة
أخاف فأجري.. وأجري أخاف
وألمح وجهي كأني أراه
وأصرخ في الناس: هل من دليل؟!
نسيت ملامح وجهي القديم
* * *
وقالوا..
وقالوا رأيناك يوما هنا
قصيدة عشق هوت.. لم تتم
رأيناك حلما بكهف صغير
وحلوك تجري.. بحار الألم
وقالوا رأيناك خلف الزمان
دموع اغتراب وذكرى ندم
وقالوا رأيناك بين الضحايا
رفات نبي مضى.. وابتسم
وقالوا سمعناك بعد الحياة
تبشر في الناس رغم العدم
وقالوا وقالوا سمعت الكثير
فأين الحقيقة فيما يقال؟
ويبقى السؤال
نسيت ملامح وجهي القديم
ومازلت أسأل.. هل من دليل؟!
* * *
مضيت أسائل نفسي كثيرا
ترى أين وجهي..؟!
وأحظرت لونا وفرشاة رسم.. ولحنا قديم
وعدت أدندن مثل الصغار
تذكر خطا
تذكرت عينا
تذكرت أنفا
تذكرت فيه البريق الحزين
وظل يداري شحوب الجبين
تجاعيد تزحف خلف السنين
تذكرت وجهي
كل الملامح, كل الخطوط
رسمت انحناءات وجهي
شعيرات رأسي على كل باب
رسمت الملامح فوق المآذن
فوق المفارق.. بين التراب
ولاحت عيوني وسط السحاب
وأصبح وجهي على كل شيء رسوما.. رسوم
وما زلت أرسم.. أرسم.. أرسم
ولكن وجهي ما عاد وجهي..
وضاعت ملامح وجهي القديم
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لأنك عشت في دمنا..
لأنك عشت في دمنا..
رقم القصيدة : 67583
-----------------------------------
حين نظرت في عينيك(55/302)
لاح الجرح.. والأشواق والذكرى
تعانقنا.. تعاتبنا
وثار الشوق في الأعماق
شلالا تفجر في جوانحنا..
فأصبح شوقنا نهرا
زمان ضاع من يدنا..
ولم نعرف له أثرا
تباعدنا.. تشردنا
فلم نعرف لنا زمنا
ولم نعرف لنا وطنا
* * *
ترى ما بالنا نبكي..
وطيف القرب يجمعنا
وما يبكيك.. يبكيني
وما يضنينك.. يضنيني
تحسست الجراح رأيت جرحا
بقلبك عاش من زمن بعيد
وآخر في عيونك ظل يدمي
يلطخ وجنتيك.. ولا يريد
وأثقل ما يراه المرء جرحا
يعل عليه.. في أيام عيد
وجرحك كل يوم كان يصحو
ويكبر ثم يكبر.. في ضلوعي
دماء الجرح تصرخ بين أعماقي
وتنزفها.. دموعي..
* * *
لأنك عشت في دمنا ولن ننساك
رغم البعد.. كنت أنيس وحدتنا
كنت أنيس وحدتنا
وكنت زمان.. عفتنا
وأعيادا تجدد في ليالي الحزن.. فرحتنا
ونهرا من ظلال الغيب يروينا.. يطهرنا
وكنت شموخ قامتنا
نسيناك!!
وكيف وأنت رغم البعد كنت غرامنا الأول
وكنت العشق في زمن نسينا فيه
طعم الحب.. والأشواق.. والنجوى
وكنت الأمن حين نصير أغرابا بلا مأوى؟!
* * *
وحين نظرت في عينيك
عاد اللحن في سمعي
يذكرني.. يحاصرني.. ويسألني
يجيب سؤاله.. دمعي
تذكرنا أغانينا
وقد عاشت على الطرقات مصلوبة..
تذكرنا أمانينا
وقد سقطت مع الأيام.. مغلوبة
تلاقينا وكل الناس قد عرفوا حكايتنا
وكل الأرض قد فرحت.. بعودتنا
لكن بيننا جرح..
فهذا الجرح في عينيك شيء لا تداريه
وجرحي.. آه من جرحي
قضيت العمر يؤلمني.. وأخفيه..
تعالي بيننا شوق طويل..
تعالي كي ألملم فيك بعضي..
أسافر ما أردت وفيك قبري..
ولا أرضي بأرض.. غير أرضي
* * *
وحين نظرت في عينيك
صاحت بيننا القدس
تعاتبنا وتسألنا..
ويصرخ خلفنا الأمس
هنا حلم نسيناه..
وعهد عاش في دمنا.. طويناه
وأحزان وأيتام
وركب ضاع مرساه
ألا والله ما بعناك يا قدس..
فلا سقطت مآذننا
ولا انحرفت أمانينا
ولا ضاقت عزائمنا..
ولا بخلت أيادينا
فنار الجرح تجمعنا..
وثوب اليأس.. يشقينا
* * *
ولن ننساك يا قدس(55/303)
ستجمعنا صلاة الفجر في صدرك
وقرآن تبسم في سنا ثغرك
وقد ننسى أمانينا..
وقد ننسى.. محبينا..
وقد ننسى طلوع الشمس في غدنا
وقد ننسى غروب الحلم من يدنا
ولن ننسى مآذننا..
ستجمعنا.. دماء قد سكبناها
وأحلام حلمناها..
وأمجاد كتبناها
وأيام أضعناها
ويجمعنا.. ويجمعنا.. ويجمعنا..
ولن ننساك.. لن ننساك.. يا قدس
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لأنك.. مني
لأنك.. مني
رقم القصيدة : 67584
-----------------------------------
تغيبين عني..
وأمضي مع العمر مثل السحاب
وأرحل في الأفق بين التمني
وأهرب منك السنين الطوال
ويوم أضيع.. ويوم أغني..
أسافر وحدي غريبا غريبا
أتوه بحلمي وأشقى بفني
يولد فينا زمان طريد
يحلف فينا الأسى.. والتجني..
ولو دمرتنا رياح الزمان
فما زال في اللحن نبض المغني
تغيبين عني..
وأعلم أن الذي غاب قلبي
وأني إليك.. لأنك مني
* * *
تغيبين عني..
وأسأل نفسي ترى ما الغياب؟
بعاد المكان.. وطول السفر!
فماذا أقول وقد صرت بعضي
أراك بقلبي.. جميع البشر
وألقاك.. كالنور مأوى الحيارى
وألحان عمر تجيء وترحل
وإن طال فينا خريف الحياة
فما زال فيك ربيع الزهر
* * *
تغيبين عني..
فأشتاق نفسي
وأهفو لقلبي على راحتيك
نتوه.. ونشتاق نغدو حيارى
وما زال بيتي.. في مقلتيك..
ويمضي بي العمر في كل درب
فأنسى همومي على شاطئيك..
وإن مزقتنا دروب الحياة
فما زلت أشعر أني إليك..
أسافر عمري وألقاك يوما
فإني خلقت وقلبي لديك..
* * *
بعيدان نحن ومهما افترقنا
فما زال في راحتيك الأمان
تغيبين عني وكم من قريب..
يغيب وإن كان ملء المكان
فلا البعد يعني غياب الوجوه
ولا الشوق يعرف.. قيد الزمان
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> على الأرض السلام
على الأرض السلام
رقم القصيدة : 67585
-----------------------------------
صرت لا أسمع صوتي
ليس عندي ما يقال..
كل ما في الأرض شيء من رمال
حينما تنهار فينا..
دهشة الأشياء ننسى
كل معنى.. للسؤال(55/304)
* * *
صرت لا أسمع صوتي..
كل ما في الكون يجري
ثم يسقط خلف سمعي
كل حزن الناس أضحى
بين حزني.. بعض دمعي
القناديل تهاوت
خلف قضبان السجون
والعصافير توارت
في سراديب الجنون..
والبريق الآن يجري
ثم ينزف في العيون..
* * *
صرت لا أعرف نفسي
أسأل الطرقات سرا:
أين بيتي؟
من أكون؟
من يدل العين يوما
عن خيوط الضوء
في هذا الطريق
بحر أحزاني عنيد
كيف أنجو بالغريق
آه من عمر بليد
ليس يعنيه السؤال
وتصلب الكلمات جهرا
فوق أنقاض المحال
* * *
من يعيد الحرف بعد الحرف للكلمات؟
ويعيد الصوت بعد الصوت للنغمات؟
من يعيد الروح في هذا الرفات؟
* * *
لا تسل شيئا ودعنا
لم يعد يجدي السؤال
لا تقل شيئا فإني
ليس عندي.. ما يقال
كن ككل الناس عاشوا
ثم ماتوا.. بالكلام
يسكنون الآن قبرا
بعد أن ضاق الزحام
أو كما قالوا قديما
قل على "الأرض السلام"
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> شيء سيبقى بيننا
شيء سيبقى بيننا
رقم القصيدة : 67586
-----------------------------------
أريحيني على صدرك
لأني متعب مثلك
دعي اسمي وعنواني وماذا كنت
سنين العمر تخنقها دروب الصمت
وجئت إليك لا أدري لماذا جئت
فخلف الباب أمطار تطاردني
شتاء قاتم الأنفاس يخنقني
وأقدام بلون الليل تسحقني
وليس لدي أحباب
ولا بيت ليؤويني من الطوفان
وجئت إليك تحملني
رياح الشك.. للإيمان
فهل أرتاح بعض الوقت في عينيك
أم أمضي مع الأحزان
وهل في الناس من يعطي
بلا ثمن.. بلا دين.. بلا ميزان؟
* * *
أريحيني على صدرك
لأني متعب مثلك
غدا نمضي كما جئنا..
وقد ننسى بريق الضوء والألوان
وقد ننسى امتهان السجن والسجان..
وقد نهفو إلى زمن بلا عنوان
وقد ننسى وقد ننسى
فلا يبقى لنا شيء لنذكره مع النسيان
ويكفي أننا يوما.. تلاقينا بلا استئذان
زمان القهر علمنا
بأن الحب سلطان بلا أوطان..
وأن ممالك العشاق أطلال
وأضرحة من الحرمان
وأن بحارنا صارت بلا شطآن..
وليس الآن يعنينا..
إذا ما طالت الأيام(55/305)
أم جنحت مع الطوفان..
فيكفي أننا يوما تمردنا على الأحزان
وعشنا العمر ساعات
فلم نقبض لها ثمنا
ولم ندفع لها دينا..
ولم نحسب مشاعرنا
ككل الناس.. في الميزان
إلى نهر فقد تمرده
لماذا استكنت..
وأرضعتنا الخوف عمرا طويلا
وعلمتنا الصمت.. والمستحيل..
وأصبحت تهرب خلف السنين
تجيء وتغدو.. كطيف هزيل
لما استكنت؟
وقد كنت فينا شموخ الليالي
وكنت عطاء الزمان البخيل
تكسرت منا وكم من زمان
على راحتيك تكسر يوما..
ليبقى شموخك فوق الزمان
فكيف ارتضيت كهوف الهوان..
لقد كنت تأتي
وتحمل شيئا حبيبا علينا
يغير طعم الزمان الرديء..
فينساب في الأفق فجر مضيء..
وتبدو السماء بثوب جديد
تعانق أرضا طواها الجفاف
فيكبر كالضوء ثدي الحياة
ويصرخ فيها نشيد البكارة
ويصدح في الصمت صوت الوليد
لقد كنت تأتي
ونشرب منك كؤوس الشموخ
فنعلو.. ونعلو..
وترفع كالشمس هامتنا
وتسري مع النور أحلامنا
فهل قيدوك.. كما قيدونا..؟!
وهل أسكتوك.. كما أسكتونا؟
* * *
دمائي منك..
ومنذ استكنت رأيت دمائي
بين العروق تميع.. تميع
وتصبح شيئا غريبا عليا
فليست دماء.. ولا هي ماء.. ولا هي طين
لقد علمونا ونحن الصغار
بأن دماءك لا تستكين
وراح الزمان.. وجاء الزمان
وسيفك فوق رقاب السنين
فكيف استكنت..
وكيف لمثلك أن يستكين
* * *
على وجنتيك بقايا هموم..
وفي مقلتيك انهيار وخوف
لماذا تخاف؟
لقد كنت يوما تخيف الملوك
فخافوا شموخك
خافوا جنونك
كان الأمان بأن يعبدوك
وراح الملوك وجاء الملوك
وما زلت أنت مليك الملوك
ولن يخلعوك..
فهل قيدوك لينهار فينا
زمان الشموخ؟
وعلمنا القيد صمت الهوان
فصرنا عبيدا.. كما استعبدوك
* * *
تعال لنحي الربيع القديم..
وطهر بمائك وجهي القبيح
وكسر قيودك.. كسر قيودي
شر البلية عمر كسيح
وهيا لنغرس عمرا جديدا
لينبت في القبح وجه جميل
فمنذ استكنت.. ومنذ استكنا
وعنوان بيتي شموخ ذليل
تعال نعيد الشموخ القديم
فلا أنت مصر.. ولا أنت نيل(55/306)
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> مرثية الطائر الحزين
مرثية الطائر الحزين
رقم القصيدة : 67587
-----------------------------------
أماه..
لا تخجلي مني أتيتك عاريا
سرقوا ثيابي.. في الطريق
أنا لم أعد طفلا
لألقي بعض عريي في يديك.. وتضحكين
أنا لم اعد طفلا
فأسبح بين أخطائي وأنت تسامحين..
لا تخجلي مني أتيتك عاريا
أخفي عن الطرقات نفسي
عن الأيام.. ما لا تعلمين
لا تخجلي مني فعريي.. بعض عريك
آه يا أماه ما أقسى زماني
صارت الأثواب من وحل.. وطين
* * *
منذ افترقنا والقطار يدور بي عاما.. فعام..
آه لو تدرين كم عصفت بأيامي محطات القطار
كم دارت الأيام يا أمي
وزيف الليل يحملنا إلى دجل النهار
أماه أتعبني الدوار
والآن جئتك والقطار يلمني بعض البقايا
وثيابنا سرقت وعدنا مثلما كنا.. عرايا
منذ افترقنا والقطار يدور بي عاما.. فعام
عشر فعشر.. ثم عشر ضائعات
ما زلت أذكر عندما انطلقت وراء الأفق
أصوات تبشر.. عاد عهد المعجزات
قالوا وقالوا يومها...
قالوا بأن القهر يقتل في النفوس عفافها
والناس تسجنها البطون
صاحت جموع الناس(فلتحيا البطون)
قالوا بأن الصبح حق لا يضيع
والأرض ملك للجميع
صاحت جموع الناس(فليحيا الجميع)
قالوا خراب الأرض في أبناءها
والله وحد بيننا في الرزق في الأنساب
في صمت القبور..
صاحت جموع الناس(فلتحيا القبور)
قالوا لنا.. قالوا الكثير
بين الحدائق كانت الأشجار تعلو
مثل ضحكات الصغار
والحلم بين ملاعب الأطفال يلهو كالنهار
* * *
سألوا علينا في القطار...
أعمارنا.. أخطاءنا..
وصلاتنا.. وصيامنا
سألوا علينا الماء كيف يكون ملمس جلدنا؟
سألوا علينا الطين كيف يكون عمق قبورنا؟
فحصوا مع الخبراء نبض عقولنا
سألوا علينا الليل كيف نهيم في أحلامنا؟
سألوا علينا الصمت كيف يكون دفء نساءنا؟
سألوا علينا.. كيف نبكي.. كيف نضحك؟
كيف نصرخ.. كيف ننسى حزننا؟
لقد استباحوا سرنا
لم يتركوا شيئا لنا..
* * *
ومضى القطار..(55/307)
يوما فيوما.. والقطار يدور بي.. عاما فعام
وإذا نطقت.. همست شيئا.. أو عطست
يقال دعك من الكلام
في كل يوم ألمح الأشلاء قبرا
تحت قضبان القطار
والبعض منا يختفي..
وإذا سألت يقال مات
وليس في الموت اختيار
صوت القطار يدور في عجلاته
وصفيره يعلو.. ويعلو.. حولنا
من مات مات.. من مات مات
من مات مات.. من مات مات
* * *
حملوا البنادق ذات يوم
خلف أستار الظلام
ورأيتهم كالنار تحرق كل أسراب الحمام
وذئابهم تعوي وأشلاء من الأشجار
و الأزهار تصرخ كالحطام..
أبراج قريتنا رأيت ترابها
يعلو.. ويعلو.. ثم يسقط في الزحام..
وسألتهم ما ذنب أسراب الحمام؟
قالوا قضاء الله لا تسأل
ولا تسمع-حقير الشأن-سفسطة العوام
ونظرت حولي في القطار
طارت عيون الناس خوفا
خلف أشلاء الحمام
وقطارنا يمضي على نفس الطريق
وصفيره يعلو.. ويعلو حولنا
من مات مات.. من مات مات
من مات مات.. من مات مات
* * *
حملوا البنادق ذات يوم
خلف أطفال صغار..
قطعوا أصابعهم وطارت في السماء ثيابهم
وهوت بقايا في التراب
يتساقط الأطفال في الأوحال
في البرك الصغيرة.. كالذباب
وسألتهم ما ذنب أطفال صغار
فأتى إلي الصوت يصرخ بالجواب
هل ينجب الذئب الحقير سوى الذئاب؟
لا تتركوا الأشجار تكبر
واقطعوها قبل أن تعلو الرقاب
وقطارنا يمضي على نفس الطريق
وصفيره يعلو.. ويعلو حولنا
من مات مات.. من مات مات
من مات مات.. من مات مات
* * *
ومضى القطار..
والعمر يدفن بعضه بعضا..
عشر حيارى ثم عشر للأسى
وختامها عشر الأماني الضائعات
العمر أصبح بين أيدينا بقايا من رفات
ونظرت حولي..
لم أجد أحدا يبادلني الكلام
فالناس ماتوا.. أو أصيبوا بالجنون
وسألت نفسي أين نحن.. ومن نكون؟
ومضيت أصرخ في القطار
الجنة الخضراء.. والفقراء والجوعى
وحلم الأمس.. صيحات البطون
الناس حولي يضحكون
ورأيت أعينهم كبركان يحاصرني
ويكبر ثم يكبر.. يحتويني
ثم يحملني الدوار..
وتداخلت في العين ألوان الصور..
النمل يعبث في ثيابي..(55/308)
والدماء تسيل من رأسي
وأفواج الذباب تحيطني
والناس حولي يضحكون
ألقيت نفسي فوق قضبان القطار
ومضيت أصرخ كيف ضاع العمر في هذا الدمار
جثث الضحايا والأماني الضائعات
على دروب الانتظار..
والجنة الخضراء.. والأحلام الجوعى
وصيحات البطون..
والناس حولي يضحكون..
ومضيت أجمع بعض أشلائي وأوقف في القطار..
ما زال يجذبني القطار..
وتجمعوا حولي وصاحوا:
ضل عن دين الفريق
خلعوا ثيابي.. أحرقوها في الطريق
ورأيت نفسي عاريا..
وأخذت أجمع بين ضحك الناس
أشلائي.. وهم يتساءلون:
قد كان يوما عاقلا..
ومضيت يا أماه أجري.. ثم أجري
ثم أصرخ في جنون
فلقد نسيت الاسم والعنوان يا أمي
تراني.. من أكون؟
سرقوا ثيابي.. أحرقوها
ثم راحوا يضحكون
ورجعت وحدي بالجنون
رجعت وحدي بالجنون
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عذرا حبيبي
عذرا حبيبي
رقم القصيدة : 67588
-----------------------------------
في كل عام كنت أحمل زهرة
مشتاقة تهفو إليك..
في كل عام كنت أقطف بعض أيامي
وأنثرها عبيرا في يديك
في كل عام كانت الأحلام بستانا
يزين مقلتي.. ومقلتيك
في كل عام كنت ترحل يا حبيبي في دمي
وتدور ثم تدور.. ثم تعود في قلبي لتسكن شاطئيك
لكن أزهار الشتاء بخيلة
بخلت على قلبي.. كما بخلت عليك
عذرا حبيبي
إن أتيت بدون أزهاري
لألقي بعض أحزاني لديك
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ويبقى السؤال
ويبقى السؤال
رقم القصيدة : 67589
-----------------------------------
سئمت الحقيقة..
لأن الحقيقة شيء ثقيل
فأصبحت أهرب للمستحيل
ظلال النهاية في كل شيء
إذا ما عشقنا نخاف الوداع
إذا ما التقينا نخاف الضياع
وحتى النجوم..
تضيء وتخشى اختناق الشعاع
هموم السفينة ترتاح يوما
وتلقي بعيدا.. بقايا الشراع
إذا ما فرحنا.. نخاف النهاية..
إذا ما انتهينا.. نخاف البداية
وما عدت أدرك أصل الحكاية
لأن الحقيقة شيء ثقيل..
* * *
سئمت الحقيقة..
نحب ونشتاق مثل الصغار
ويصحو مع الحب ضوء النهار(55/309)
ويجعلنا الحب ظلا خفيفا
وتنبض فينا عروق الحياة
وننسى مع القرب لون الخريف
ويبلغ درب الهوى.. منتهاه
ويوما نرى الحب أطلال عمر
وتصرخ فينا.. بقايا دماه
* * *
سئمت الحقيقة..
شباب يحلق بالأمنيات
يباهي به العمر كالمعجزات
ويسقط يوما كوجه غريب
يطارد عمرا من الذكريات
نقامر بالعمر.. يحلو الرهان
نريد الأماني.. فيأبى الزمان
ونحمل للظل لحنا قديما
نعيش عليه الخريف الطويل
وندرك بين رماد الأماني
بأن الحقيقة.. شيء ثقيل
* * *
سئمت الحقيقة..
تشرد قلبي زمانا طويلا
وتاه به الدرب وسط الظلام
حقيقة عمري خوف طويل
تعلمت في الخوف ألا أنام
نخاف كثيرا
عيون ينام عليها السهر
نخاف الحياة.. نخاف الممات
نخاف الأمان.. نخاف القدر
وأوهم نفسي..
بأن الحياة شيء جميل
وأن البقاء.. من المستحيل
* * *
سئمت الحقيقة..
فما زلت أعرف أن الحياة
ومهما تمادت سراب هزيل
وما زلت أعرف أن الزمان
ومهما تزين.. قبح جميل
وأعرف أني وإن طال عمري
سأنشد يوما.. حكايا الرحيل
وأعرف أني سأشتاق يوما
يضاف لأيام عمري القليل
ونغدو ترابا..
يبعثر فينا الظلام الكسيح
ونصبح كالأمس ذكرى حديث
تراتيل عشق لقلب جريح
وفي الصمت نصبح شيئا كريها
وأشلاء نبض لحلم ذبيح
وتهدأ فينا رياح الأماني
وبين الجوانح.. قد تستريح
ونغدو بقايا..
تطوف علينا فلول الذئاب
فتترك للأرض بعض البقايا
وتترك للناس بعض التراب
حقيقة عمري بعض التراب
وتلك الحقيقة.. شيء ثقيل
* * *
سئمت الحقيقة..
فما عدت أملك في الأرض شيئا
سوى أن أغني..
وأوهم نفسي بأني.. أغني
وأحفر في اليأس نهر التمني
لتسقط يوما تلال الظلام
وينساب كالصبح صوت المغني
وأوهم نفسي..
ببيت صغير لكل الحيارى
يلم البقايا.. ويأوي الطريد
رغيف من الخبز.. ساعات فرح
وشطآن آمن.. وعش سعيد
وأوهم نفسي بعمر جديد
فأبني القصور بعرض البحار..
وأعبر فيها الليالي القصار
وأوهم نفسي..
بأن الحياة قصيدة شعر
وألحان عشق.. ونجوى ظلال
وأن الزمان قصير.. قصير(55/310)
وأن البقاء محال.. محال
تعبت كثيرا من السائلين
وما زال عندي نفس السؤال
لماذا الحقيقة شيء ثقيل؟
لماذا الهروب من المستحيل؟
سئمت الحقيقة..
لأن الحقيقة شيء ثقيل
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ولا شيء بعدك
ولا شيء بعدك
رقم القصيدة : 67590
-----------------------------------
لأنك سر..
وكل حياتي مشاع.. مشاع..
ستبقين خلف كهوف الظلام
طقوسا.. ووهما
عناق سحاب.. ونجوى شعاع..
فلا أنت أرض..
ولا أنت بحر
ولا أنت لقيا..
تطوف عليها ظلال الوداع
وتبقين خلف حدود الحياة
طريقا.. وأمنا
وإن كان عمري ضياعا.. ضياع
* * *
لأنك سر
وكل حياتي مشاع مشاع..
فأرضي استبيحت..
وما عدت أملك فيها ذراع
كأني قطار
يسافر فيه جميع البشر..
فقاطرة لا تمل الدموع
وأخرى تهيم عليها الشموع
وأيام عمري غناوي السفر..
* * *
أعود إليك إذا ما سئمت
زمانا جحودا..
تكسر صوتي على راحتيه..
وبين عيونك لا امتهن..
وأشعر أن الزمان الجحود
سينجب يوما زمانا بريئا..
ونحيا زمانا.. غير الزمن
عرفت كثيرا..
وجربت في الحرب كل السيوف
وعدت مع الليل كهلا هزيلا
دماء وصمت وحزن.. وخوف
جنودي خانوا.. فأسلمت سيفي
وعدت وحيدا..
أجرجر نفسي عند الصباح
وفي القلب وكر لبعض الجراح..
وتبقين سرا
وعشا صغيرا..
إذا ما تعبت أعود إليه
فألقاك أمنا إذا عاد خوفي
يعانق خوفي.. ويحنو عليه..
ويصبح عمري مشاعا لديه
* * *
أراك ابتسامة يوم صبوح
تصارع عمرا عنيد السأم
وتأتي الهموم جموعا جموعا
تحاصر قلمي رياح الألم
فأهفو إليك..
وأسمع صوتا شجي النغم..
ويحمل قلبي بعيدا بعيدا..
فأعلو.. وأعلو..
ويضحى زماني تحت القدم
وتبقين أنت الملاذ الأخير..
ولا شيء بعدك غير العدم
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> يا زمان الحزن في بيروت
يا زمان الحزن في بيروت
رقم القصيدة : 67591
-----------------------------------
برغم الحزن والأنقاض يا بيروت
ما زلنا نناجيك
برغم الخوف والسجان والقضبان
ما زلنا نناديك(55/311)
برغم القهر والطغيان يا بيروت
ما زالت أغانيك
وكل قصائد الأحزان يا بيروت
لا تكفي لنبكيك
وكل قلائد العرفان تعجز أن تحييك
فرغم الصمت ما زالت مآذننا
تكبر في ظلام الليل..
تشدو في روابيك
وما زالت صلاة الفجر يا بيروت
تهدر في لياليك
ورغم النار والطوفان
سوف تجيء أيام تحاسبنا..
فتخلع ثوب من خدعوا
وتكشف زيف من صمتوا
وسيف الله يا بيروت رغم الصمت
سوف يظل يحميك
* * *
ويا بيروت..
يا نهرا من الأشواق
عاش العمر يروينا..
ويا جرحا سيبقى العمر.. كل العمر
يؤلمنا.. ويشقينا
ويا غرناطة الفيحاء
هل ضلت مساجدنا
وهل كفرت ليالينا؟
زمان اليأس كبلنا
وكسر حلمنا.. فينا
غدوت الآن يا بيروت بركانا
كبئر النار يحرقنا
ويسري في مآقينا
حرام أن نراك اليوم وسط النار
هل شلت أيادينا..
حرام أن نراك الآن
والطوفان يغرقنا
فلم نعرف لنا وطنا..
ولم نعرف لنا دينا
* * *
ويا بيروت..
يا كأسا من الأشواق أسكرنا
ويا وطنا على الطرقات ألقيناه
لم نعرف له ثمنا
قتلنا الصبح في عينيك..
صار الضوء أشباحا
وعمرا ضاع من يدنا
تقاسمناه أفراحا
تآمرنا..
وبعنا الله والقرآن يا بيروت
لم نخجل لما بعنا..
مساجدنا..
وأوراق من القرآن
تسبيحاتنا صمتت
وضاعت مثلما ضعنا..
تآمرنا..
خدعناهم بأوهام حكيناها
فكم سمعوا حكايا..
((سيجمع شملكم وطن))
ويرجع كل ما كانا..
رأينا الحلم في الطرقات
يا بيروت أشكالا.. وألوانا
وصار الحلم بين جوانح الأطفال إيمانا..
((سيجمع شملكم وطن))..
رأينا الحلم في الأطفال
في الأشجار في صمت
القناديل الحزينة
قرأنا الحلم في الأشعار للبسطاء
والفقراء في سوق المدينة
وأصبح حلمهم سيفا..
بأيدينا قطعناه
ومزقناه في الطرقات
لم نعرف له أثرا
وفي صمت تركناه
إله ي سكون الليل
بالحلوى صنعناه..
وعند الصبح كالكفار
في صمت.. أكلناه
وضاع الحلم يا بيروت
ضعنا.. أم أضعناه
وخلف شواطئ الدخان والطغيان
لاح الحلم يا بيروت أنقاضا
وبين مواكب الأشلاء
تاريخا.. وأمجادا.. وأعراضا(55/312)
توارى الحلم يا بيروت
* * *
وقالوا إنها بيروت تجني
ذنب ما فعلت..
وقالوا إنها ضلت
وقالوا إنها كفرت
وفيها الفحش والبهتان..
والطغيان ألوانا..
وقالوا عنك يا بيروت ما قالوا
ألا يكفيك يا بيروت
صوت الله برهانا
فهل سيضيع من عينيك
نور الله تسبيحا.. وإيمانا؟
وهل تغدو مساجدنا
أمام الناس بهتانا؟
وهل نبكي على ملك
توارى في خطايانا؟
بكينا العمر يا بيروت
عند وداع قرطبة
فهل سنعيد ما كانا؟
يهود العمر يا بيروت من يدنا
ودين الله.. ما هانا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> موتى.. بلا قبور
موتى.. بلا قبور
رقم القصيدة : 67592
-----------------------------------
كثيرون ماتوا.. بكينا عليهم
أقمنا عليهم صلاة الرحيل
وقلنا مع الناس صبرا جميلا
فهل كل صبر لدينا جميل؟
قرأنا الفواتح بين البخور
وقلنا: الحياة متاع قليل
نثرنا الفطائر فوق القبور
وفي الأفق تبكي ظلال النخيل
كثيرون ماتوا..
أهلنا عليهم تلال التراب
ولكنا لم نمت بعد لكن
لماذا يهال علينا التراب؟!
فما زلت حيا
ولكن رأسي بقايا ضريح
وما زلت أمشي
يقيد خطوي درب كسيح
وينبض قلبي
وإن كنت أحيا.. بقلب ذبيح
* * *
كثيرون ماتوا..
وما زلت انشد لحنا حزينا
أطوف به بين هذي القبور
هناك بعيدا
تغرد في الصمت بعض الطيور
حروف تعانق بعض الحروف
وتصنع سطرا
نجوم تطوف بعين السماء
وتنسج فجرا
وفي جبهة الأرض تسري دماء
وينبت في الأرض شيء غريب
عظام تقوم..
وبين الجماجم همس يدور
فما زلت أسمع همسا غريبا
وبين التراب قبور تثور
وتصحو الشواهد.. تعلو وتعلو
وتصنع تاجا..
يزين في الليل صمت القبور
وينطق شيئا..
فماذا يقول..
ماذا يقول؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> المغني الحزين
المغني الحزين
رقم القصيدة : 67593
-----------------------------------
غنائي الحزين..
ترى هل سئمتم غنائي الحزين؟
وماذا سأفعل..
قلبي حزين
زماني حزين
وجدران بيتي
تقاطيع وجهي..
بكائي وضحكي
حزين حزين؟
* * *(55/313)
أتيت إليكم..
وما كنت أعرف معنى الغناء
وغنيت فيكم.. وأصبحت منكم..
وحلقت بالحلم فوق السماء..
حملت إليكم زمانا جميلا على راحتيا
وما جئت أصرخ بالمعجزات
وما كنت فيكم رسولا نبيا
فكل الذي كان عندي غناء
وما كنت أحمل سرا خفيا
وصدقتموني..
فماذا سأفعل يا أصدقاء
إذا كان صوتي توارى بعيدا
وقد كان صوتا عنيدا قويا؟
إذا كان حلمي أضحى خيالا
يطوف ويسقط في مقلتيا؟
وصار غنائي حزينا.. حزين
* * *
لقد كنت أعرف أني غريب
وأن زماني زمان عجيب
وأني سأحفر نهرا صغيرا وأغرق فيه
وأني سأنشد لحنا جميلا
وأدرك أني أغني لنفسي
وأني سأغرس حلما كبيرا
ويرحل عني.. وأشقى بيأسي..
فماذا سأفعل يا أصدقاء؟
أتيت إليكم بلحن جريح
لأن زماني.. زمان قبيح
فجدران بيتي دمار.. وريح
وبين الجوانح قلب ذبيح
فحيح الأفاعي يحاصر بيتي
ويعبث في الصمت صوت كريه
إذا راح عمر قبيح السمات
رأينا له كل يوم شبيه
وفئران بيتي صارت أسودا
فتأكل كل طعام الصغار
وتسرق عمري.. وتعبث فيه
* * *
أنام وفي العين ثقب كبير
فأوهم نفسي بأني أنام
وأصحو وفي القلب خوف عميق
فأمضغ في الصمت بعض الكلام
أقول لنفسي كلاما كثيرا
وأسمع نفسي..
وألمح في الليل شيئا مخيفا
يطوف برأسي
ويخنق صوتي..
ويسقط في الصمت كل الكلام
* * *
فلا تسأموني
إذا جاء صوتي كنهر الدموع
فما زلت أنثر في الليل وحدي
بقايا الشموع
إذا لاح ضوء مضيت إليه
فيجري بعيدا.. ويهرب مني
وأسقط في الأرض أغفو قليلا
وأرفع رأسي.. وأفتح عيني
فيبدو مع الأفق ضوء بعيد
فأجري إليه..
وما زلت اجري.. و أجري.. وأجري..
حزين غنائي
ولكن حلمي عنيد.. عنيد
فما زلت أعرف ماذا أريد
ما زلت أعرف ماذا أريد
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> طاوعني قلبي.. في النسيان
طاوعني قلبي.. في النسيان
رقم القصيدة : 67594
-----------------------------------
عادت أيامك في خجل
تتسلل في الليل وتبكي خلف الجدران
الطفل العائد أعرفه
يندفع ويمسك في صدري(55/314)
يشعل في قلبي النيران
هدأت أيامك من زمن
ونسيتك يوما لا أدري
طاوعني قلبي.. في النسيان
عطرك ما زال على وجهي
قد عشت زمانا أذكره
وقضيت زمانا أنكره
والليلة يأتي يحملني
يجتاح حصوني.. كالبركان
اشتقتك لحظة..
عطرك قد عاد يحاصرني
أهرب.. و العطر يطاردني
وأعود إليه أطارده
يهرب في صمت الطرقات
أقترب إليه أعانقه
امرأة غيرك تحمله
يصبح كرماد الأموات
عطرك طاردني أزمانا
أهرب.. أو يهرب.. وكلانا
يجري مصلوب الخطوات
* * *
اشتقتك لحظة.. و أنا من زمن خاصمني
نبض الأشواق
فالنبض الحائر في قلبي
أصبح أحزانا تحملني
وتطوف سحابا.. في الأفاق
أحلامي صارت أشعارا
ودماء تنزف في أوراق
تنكرني حينا.. أنكرها
وتعود دموعا في الأحداق
قد كنت حزينا.. يوم نسيتك..
يوم دفنتك في الأعماق
قد رحل العمر وأنسانا
صفح العشاق..
لا أكذب إن قلت بأني
اشتقتك لحظة..
بل أكذب إن قلت بأني
ما زلت أحبك مثل الأمس
فاليأس قطار يلقينا لدروب اليأس
والليلة عدت ولا أدري لما جئت الآن
أحيانا نذكر موتانا.. و أنا كفنتك في قلبي.. في ليلة عرس
* * *
والليلة عدت
طافت أيامك في خجل
تعبث في القلب بلا استئذان
لا أكذب إن قلت بأني
اشتقتك لحظة..
لكني لا أعرف قلبي
هل يشتاقك بعد الآن؟!
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> سلوان.. لا تحزني
سلوان.. لا تحزني
رقم القصيدة : 67595
-----------------------------------
سلوان لا تحزني إن خانني الأجل
ما بين جرح وجرح ينبت الأمل
لا تحزني يا ابنتي إن ضاق بي زمني
إن الخطايا بدمع الطهر تغتسل
قد يصبح العمر أحلاما نطاردها
تجري ونجري.. وتدمينا ولا نصل
سلوان لا تسأليني عن حكايتنا
ماذا فعلنا.. وماذا ويحهم فعلوا
قد ضيعوا العمر يا للعمر لو جنحت
منا الحياة وأفتى من به خبل
عمر ثقيل بكأس الحزن جرعنا
كيف الهروب وقد تاهت بنا الحيل
* * *
الحزن في القلب في الأعماق في دمنا
يأس طويل فكيف الجرح يندمل
أيامنا لم تزل بالوهم تخدعنا(55/315)
قبر من الخوف يطوينا ونحتمل
لا تسأليني لماذا الحزن ضيعنا
ولتسألي الحزن هل ضاقت به السب
إن ضاقت الأرض بالأحلام في وطني
ما زال في الأفق ضوء الحلم يكتمل
هذي الجماجم أزهارا سيحملها
عمر جديد لمن عاشوا.. ومن رحلوا
هذي الدماء ستروي أرضنا أملا
قد يخطئ الدهر عنواني ولا أصل
* * *
إن ضاق مني زماني لن أعاتبه
هل يعشق السفح من أحلامه الجبل
سلوان يا فرحة في الأرض تحملني
في ضوء عينيك لا يأس ولا ملل
عيناك يا واحتي عمر أعانقه
إن ضاقت الأرض وانسابت بنا المقل
ضيعت عمري أغني الحب في زمن
شيئان ماتا عليه الحب والأمل
ضيعت عمري أبيع الحلم في وطن
شيئان عاشا عليه الزيف والدجل
كم راودتني بحار البعد في خجل
لا أستطيع بعادا كيف أحتمل
* * *
مازال للحب بيت في ضمائرنا
ما أجمل النار تخبو ثم تشتعل
لا تفزعي يا ابنتي ولتضحكي أبدا
كم طال ليل وعند الصبح يرتحل
ما زال في خاطري حلم يراودني
أن يرجع الصبح والأطيار والغزل
سلوان يا طفلتي لا تحزني أبدا
إن الطيور بضوء الفجر تكتحل
ما زلت طيرا يغني الحب في أمل
قد يمنح الحلم.. مالا يمنح الأجل..
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> أسافر منك.. وقلبي معك
أسافر منك.. وقلبي معك
رقم القصيدة : 67596
-----------------------------------
وعلمتنا العشق قبل الأوان
فلما كبرنا ودار الزمان
تبرأت منا.. وأصبحت تنسى
فلم نر في العشق غير الهوان
عشقانك يا نيل عمرا جميلا
عشقناك خوفا وليلا طويلا
وهبناك يوما قلوبا بريئة
فهل كان عشقك بعض الخطيئة؟!
* * *
طيورك ماتت.. ولم يبق شيء على شاطئيك
سوى الصمت والخوف والذكريات
أسافر عنك فأغدو طليقا
ويسقط قيدي
وأرجع فيك أرى العمر قبرا
ويصبح صوتي بقايا رفات..
* * *
طيورك ماتت
فلم يبق في العش غير الضحايا
رماد من الصبح.. بعض الصغار
جمعت الخفافيش في شاطئيك
ومات على العين.. ضوء النهار
ظلام طويل على ضفتيك
وكل مياهك صارت دماء
فكيف سنشرب منك الدماء..؟
* * *(55/316)
ترى من نعاتب يا نيل قل لي..
نعاتب فيك زمانا حزينا..
منحناه عمرا.. ولم يعط شيئا..
وهل ينجب الحزن غير الضياع
ترى هل نعاتب حلما طريدا..
تحطم بين صخور المحال
وأصبح حلما ذبيح الشراع..
ترى هل نعاتب صبحا بريئا
تشرد بين دروب الحياة
وأصبحا صبحا لقيط الشعاع
ترى هل نعاتب وجها قديما
توارى مع القهر خلف الظلام
فأصبح سيفا كسيح الذراع
ترى من نعاتب يا نيل قل لي..
ولم يبق في العمر إلا القليل..
حملناك في العين حبات ضوء
وبين الضلوع مواويل عشق..
وأطيار عشق تناجي الأصيل..
فإن ضاع وجهي بين الزحام
وبعثرت عمري في كل أرض..
وصرت مشاعا فأنت الدليل..
ترى من نعاتب يا نيل قل لي..
وما عاد في العمر وقت
لنعشق غيرك..
أنت الرجاء
أنعشق غيرك..؟
وكيف وعشقك فينا دماء
تعود وتغدو بغير انتهاء..
* * *
أسافر عنك
فألمح وجهك في كل شيء
فيغدو الفنارات يغدو المطارات
يغدو المقاهي..
يسد أمامي كل الطرق
وأرجع يا نيل كي أحترق
* * *
وأهرب حينا
وأصبح في الأرض طيفا هزيلا
وأصرخ في الناس أجري إليهم
وأرفع رأسي لأبدو معك
فأصبح شيئا كبيرا.. كبيرا
طويناك يا نيل بين القلوب
وفينا تعيش.. ولا نسمعك
تمزق فينا..
وتدرك أنك أشعلت نارا
وأنك تحرق في أضلعك
تعربد فينا
وتدرك أن دمانا تسيل
وليست دمانا سوى أدمعك
تركت الخفافيش يا نيل تلهو
وتعبث كالموت في مضجعك
وأصبحت تحيى بصمت القبور
وصوتي تكسر في مسمعك
قد غبت عنا زمانا طويلا
فقل لي بربك من يرجعك
فعشقك ذنب.. وهجرك ذنب
أسافر عنك.. وقلبي معك
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> سيجيء.. زمان الأحياء
سيجيء.. زمان الأحياء
رقم القصيدة : 67597
-----------------------------------
أنتزع زمانك من زمني
ينشطر العمر..
تنزف في صدري الأيام
تصبح طوفانا يغرقني..
ينشطر العالم من حولي
وجه الأيام.. بلا عينين
رأس التاريخ.. بلا قدمين
تنقسم الشمس إلى نصفين
يذوب الضوء وراء الأفق
تصير الشمس بغير شعاع
ينقسم الليل إلى لونين(55/317)
الأسود يعصر بالألوان
الأبيض يسقط حتى القاع
ويقول الناس.. دموع وداع
أنتزع زمانك من زمني
تتراجع كل الأشياء..
أذكر تاريخا.. جمعنا
أذكر تاريخا.. فرقنا
أذكر أحلاما عشناها بين الأحزان
أتلون بعدك كالأيام
في الصبح أصير بلون الليل
في الليل أصير بلا ألوان
أفقد ذاكرتي رغم الوهم..
بأني أحيا.. كالإنسان
* * *
ماذا يتبقى من قلبي
لو وزع يوما.. في جسدين
ماذا يتبقى من وجه
ينشطر أمامي.. في وجهين
نتوحد شوقا في قلب
يشطرنا البعد إلى قلبين
نتجمع زمنا في حلم
والدهر يصر على حلمين
نتلاقى كالصبح ضياءا
يشطرنا الليل إلى نصفين
* * *
كل الأشياء تفرقنا في زمن الخوف
نهرب أحيانا في دمنا
نهرب في حزن يحزننا
ما زلت أقول..
إن الأشجار و إن ذبلت
في زمن الخوف
سيعود ربيع يوقظها بين الأطلال
إن الأنهار وإن جبنت في زن الزيف
سيجيء زمانا يحييها رغم الأغلال..
ما زلت أقول..
لو ماتت كل الأشياء
سيجيء زمان يشعرنا.. أنا أحياء
وتثور قبور سئمتنا
وتصيح عليها الأشلاء
ويموت الخوف.. يموت الزيف.. يموت القهر
ويسقط كل السفهاء
لن يبقى سيف الضعفاء
* * *
سيموت الخوف وتجمعنا كل الأشياء
ذراتك تعبر أوطانا
وتدور و تبحث عن قلبي في كل مكان
ويعود رمادك.. لرمادي
يشتعل حريقا يحملنا خلف الأزمان
وأدور أدور وراء الأفق كأني نار في بركان
ألقي أيامي بين يديك هموم الرحلة.. و الأحزان
نلتئم خلايا و خلايا
نتلاقى نبضا وحنايا
تتجمع كل الذرات..
تصبح أشجارا ونخيلا
وزمان نقاء يجمعنا
وسيصرخ صمت الأموات
تنبت في الأرض خمائر ضوء.. أنهارا
وحقول أمان.. في الطرقات..
نتوحد في الكون ظلالا..
نتوحد هديا وظلالا..
نتوحد قبحا وجمالا
نتوحد حسا.. وخيالا
نتوحد في كل الأشياء..
ويموت العالم كي نبقى..
نحن الأحياء
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> مرثية حلم
مرثية حلم
رقم القصيدة : 67598
-----------------------------------
دعني وجرحي فقد خابت أمانينا
هل من زمان يعيد النبض يحيينا(55/318)
يا ساقي الحزن لا تعجب في وطني
نهر من الحزن يجري في روابينا
كم من زمان كئيب الوجه فرقنا
واليوم عدنا ونفس الجرح يدمينا
جرحي عميق خدعنا في المداوينا
لا الجرح يشفى ولا الشكوى تعزينا
كان الدواء سموما في ضمائرنا
فكيف جئنا بداء كي يداوينا
* * *
هل من طبيب يداوي جرح أمته
هل من إمام لدرب الحق يهدينا
كان الحنين إلى الماضي يؤرقنا
واليوم نبكي على الماضي ويبكينا
من يرجع العمر منكم من يبادلني
يوما بعمري ونحيي طيف ماضينا
إنا نموت فمن بالحق يبعثنا
لم يبق شيء سوى صمت يواسينا
صرنا عرايا أمام الناس يفزعنا
ليل تخفى طويلا في مآقينا
صرنا عرايا وكل الأرض قد شهدت
أنا قطعنا بأيدينا أيادينا
* * *
يوما بنينا قصور المجد شامخة
والآن نسأل عن حلم يوارينا
أين الإمام رسول الله يجمعنا
فاليأس والحزن كالبركان يلقينا
دين من النور بين الخلق جمعنا
ودين طه ورب الناس يغنينا
يا جامع الناس حول الحق قد وهنت
فينا المروءة أعيتنا مآسينا
بيروت في اليم ماتت قدسنا انتحرت
ونحن في العار نسقي وحلنا طينا
بغداد تبكي وطهران يحاصرها
بحر من الدم بات الآن يسقينا
هذي دمانا رسول الله تغرقنا
هل من زمان بنور العدل يحمينا
أي الدماء شهيد كلها حملت
في الليل يوما سهام القهر تردينا
القدس في القيد تبكي من فوارسها
دمع المنابر يشكو للمصلينا
حكامنا ضيعونا حينما اختلفوا
باعوا المآذن والقرآن والدينا
حكامنا أشعلوا النيران في غدنا
ومزقوا الصبح في أحشاء وادينا
مالي أرى الخوف فينا ساكنا أبدا
ممن نخاف ألم نعرف أعادينا؟
أعداءنا من أضاعوا السيف من يدنا
وأودعونا سجون الليل تطوينا
أعداؤنا من توارى صوتهم فزعا
والأرض تسبى وبيروت تنادينا
أعدائنا أوهمونا آه كم زعموا
وكم خدعنا بوعد عاش يشقينا
قد خدرونا بصبح كاذب زمنا..
فكيف نأمل في يأس يمنينا
* * *
أي الحكايا ستروى عارنا جلل
نحن الهوان وذل القدس يكفينا
من باعنا خبروني كلهم صمتوا
والأرض صارت مزانا للمرابينا(55/319)
هل من زمان نقي يف ضمائرنا
يحيي الشموخ الذي ولى فيحيينا
يا ساقي الحزن دعني إنني ثمل
إنا شربناه قهرا ما بأيدينا
عمري شموع على درب المنى احترقت
والعمر ذاب وصار الحلم سكينا
كم من ظلام ثقيل عاش يغرقنا
حتى انتفضنا فمزقنا دياجينا
العمر في الحلم أودعناه من زمن
والحلم ضاع ولا شيء يعزينا
كنا نرى الحق نورا في بصائرنا
والآن للزيف حصن في مآقينا
كنا إذا ما توارى الحلم عانقنا
حلم جديد يغني في روابينا
كنا إذا خاننا فرع نقطعه
وفوق أشلاءه تمضي أغانينا
كنا إذا ما استكان النور في دمنا
في الصبح ننسى ظلاما عاش يطوينا
كنا إذا اشتد فينا اليأس وانكسرت
منا السيوف ونادانا.. منادينا
عدنا إلى الله عل الله يرحمنا
والآن نخجل منه من معاصينا
الآن يرجف سيف الزور في يدنا
فكيف صارت كهوف الزيف تؤوينا
هل من زمان يعيد السيف مشتعلا
لا شيء والله غير السيف يبقينا
يا خالد السيف لا تعجب ففي زمني
باعوا المآذن والقرآن راضينا
هم من ترابك يا ابن العاص في دمنا
ثأر طويل لهيب العار يكوينا
قم يا بلال وأذن صمتنا عدم
كل الذي كان طهرا لم يعد فينا
هل من صلاح بسيف الحق يجمعنا
في القدس يوما فيحييها.. و يحيينا
هل من صلاح يداوي جرح أمته
ويطلع الصبح نارا من ليالينا
هل من صلاح الشعب هده أمل
ما زال رغم عناد الجرح يشفينا
هل من صلاح يعيد السيف في يدنا
ولتبتروها فقد شلت أيادينا
* * *
حزني عنيد وجرحي أنت يا وطني
لا شيء بعدك مهما كان.. يغنينا
إني أرى القدس في عينيك ساجدة
تبكي عليك وأنت الآن تبكينا
آه من العمر جرح عاش في دمنا
جئنا نداويه يأبى أن يداوينا
ما زال في العين طيف القدس يجمعنا
لا الحلم مات ولا الأحزان تنسينا
لا القدس عادت ولا أحلامنا هدأت
وقد نموت وتحيينا أمانينا
ما أثقل العمر.. لا حلم ولا وطن..
ولا أمان ولا سيف... ليحمينا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> دعيني.. أحبك
دعيني.. أحبك
رقم القصيدة : 67599(55/320)
-----------------------------------
دعيني أقاوم شوقي إليك
وأهرب منك ولو في الخيال
لأني أحبك وهما طويلا
وحلم بعيني بعيد المنال
دعيني أراك هداية عمري
وإن كنت في العمر بعض الضلال
دعيني أقاوم شوقي إليك
فإني كرهت أصول الرمال
نحب كثيرا ونبني قصورا
وتغدو مع البعد بعض الظلال
دعيني أراك كما شئت يوما
وإن كنت طيفا سريع الزوال
فما زلت كالحلم يبدو قريبا
وتطويه منا دروب المحال
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> العدو خلف السراب
العدو خلف السراب
رقم القصيدة : 67600
-----------------------------------
تزيد المسافات بيني وبينك
تخبو الملامح شيئا.. فشيئا
وتغدو مع البعد بعض الظلال
وبعض لأتذكر.. بعض الشجن
ويغدو اللقاء بقايا من الضوء
تبدو قليلا.. وتخبو قليلا..
وتصغر في العين
تسقط في الأفق
ترحل كالعطر
تغدو خطوطا بوجه الزمن..
فماذا سنحكي..
وكل الملامح صارت ظلالا
وكل الذي"كان" أضحى خيالا
وأصبحت أنت الزمان البعيد
أعود إليه.. فيبدو محالا
تزيد المسافات بيني وبينك يخبو البريق
ويحملني الشوق ألقي بنفسي على شاطئيك
فأرجع منك.. وبعضي حريق..
وأسأل نفسي على أي درب سألقاك يوما
وقد صار وجهك في كل درب يطوف بعيني
طريق أشد الرحال إليه.. فيهرب مني
طريق أعود غريبا عليه.. فيسأل عني..
طريق يداعبني من بعيد
فأجري إليه ويصرخ.. دعني..
على أي درب سألقاك يوما
وفي أي درب ستصرخ حزنا دماء البريء..
فأنت الزمان الذي قد يجيء
وأنت الزمان الذي لن يجيء
وأنت الصباح الذي ضاع في العين
بين الرحيل.. وبين المجيء
فحينا يسافر.. حينا يغامر
ويسقط عمري بين الرحيل.. وبين المجيء..
* * *
تزيد المسافات بيني وبينك أسكن عينيك
أبني جدارا من الحلم حولك
أحميك من يأس حلمي
وأبني قصورا على شاطئيك
لأنا نعيش زمانا كئيبا
أخبئ حلمي في مقلتيك
لأنا سقطنا على الدرب خوفا
وبعثرنا العمر خلف الفضاء
وصرنا رياحا.. و ظلا.. وعطرا
وصرنا سحابا.. يطوف السماء(55/321)
وصرنا دموعا على مكل عين
وفي كل جرح غدونا دماء
فكنا الخطيئة كنا الهداية
كنا مع اليأس.. بعض الرجاء..
* * *
وتبقى المسافات بيني وبينك سدا يبعثر أحلامنا..
لأنا نسير على غير درب
ونمشي وندرك أن الخطا قد تهاوت
وأن الطريق يجافي القدم
فما عاد في الدرب غير الألم..
فهل من زمان.. يعيد الطريق لأقدامنا
وهل من زمان يلملم بالصبح أشلاؤنا
تعبنا من العدو خلف السراب
وذقنا زمانا بأحزانا
ونمضي مع العمر حلما طويلا
وتغدو المسافات هما ثقيلا
ومازلت أمضي و أمضي إليك
وإن كان عمري يبدو قليلا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وكلانا في الصمت حزين
وكلانا في الصمت حزين
رقم القصيدة : 67601
-----------------------------------
لن أقبل صمتك بعد اليوم
لن أقبل صمتي
عمري قد ضاع على قدميك
أتأمل فيك.. وأسمع منك..
ولا تنطق..
أطلالي تصرخ بين يديك
حرك شفتيك
أنطق كي أنطق
أصرخ كي أصرخ
ما زال لساني مصلوبا بين الكلمات
عار أن تحيا مسجونا فوق الطرقات
عار أن تبقى تمثالا
وصخورا تحكي ما قد فات
عبدوك زمانا واتحدت فيك الصلوات
وغدوت مزارا للدنيا
خبرني ماذا قد يحكي صمت الأموات
* * *
ماذا في رأسك خبرني..
أزمان عبرت..
وملوك سجدت..
وعروش سقطت
وأنا مسجون في صمتك
أطلال العمر على وجهي
نفس الأطلال على وجهك
الكون تشكل من زمن
في الدنيا موتى.. أو أحياء
لكنك شيء أجهله
لا حي أنت.. ولا ميت
وكلانا في الصمت سواء
* * *
أعلن عصيانك لم أعرف لغة العصيان
فأنا إنسان يهزمني قهر الإنسان..
وأراك الحاضر والماضي
وأراك الكفر مع الإيمان
أهرب فأراك على وجهي
وأراك القيد يمزقني
وأراك القاضي.. والسجان..
* * *
أنطق كي أنطق
أصحيح أنك في يوم طفت الآفاق
وأخذت تدور على الدنيا
وأخذت تدور مع الأعماق
تبحث عن سر الأرض..
وسر الخلق..
و سر الحب
وسر الدمعة والأشواق..
وعرفت السر ولم تنطق
* * *
ماذا في قلبك خبرني..
ماذا أخفيت؟
هل كنت مليكا وطغيت..
هل كنت تقيا وعصيت(55/322)
ظلموك جهارا
صلبوك لتبقى تذكارا
قل لي من أنت..؟
دعني كي أدخل في رأسك
ويلي من صمتي.. من صمتك
سأحطم رأسك كي تنطق..
سأهجم صمتك كي أنطق..
* * *
أحجارك صوت يتوارى
يتساقط مني في الأعماق
والدمعة في قلبي نار
تشتعل حريقا في الأحداق
رجل البوليس يقيدني
والناس تصيح:
هذا المجنون
حطم تمثال أبي الهول
لم أنطق شيئا بالمرة
ماذا.. سأقول
ماذا سأقول
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> من ليالي.. الغربة
من ليالي.. الغربة
رقم القصيدة : 67602
-----------------------------------
الليلة أجلس يا قلبي خلف الأبواب
أتأمل وجهي كالأغراب
يتلون وجهي لا أدري
هل ألمح وجهي أم هذا.. وجه كذاب
مدفأتي تنكر ماضينا
والدفء سراب
تيار النور يحاورني
يهرب من عيني أحيانا
ويعود يدغدغ أعصابي
والخوف عذاب
أشعر ببرودة أيامي
مرآتي تعكس ألوانا
لون يتعثر في ألوان
والليل طويل والأحزان
وقفت تتثاءب في ملل
وتدور وتضحك في وجهي
وتقهقه تعلو ضحكاتها بين الجدران
* * *
الصمت العاصف يحملني خلف الأبواب
فأرى الأيام بلا معنى
وأرى الأشياء.. بلا أسباب
خوف وضياع في الطرقات
ما أسوأ أن تبقى حيا..
والأرض بقايا أموات
الليل يحاصر أيامي..
ويعود ويعبث في الحجرات..
فالليلة ما زلت وحيدا
أتسكع في صمتي حينا
تحملني الذكرى للنسيان
أنتشل الحاضر في ملل
أتذكر وجه الأرض.. ولون الناس
هموم الوحدة.. والسجان
* * *
سأموت وحيدا
قالت عرافة قريتنا ستموت وحيدا
قد أشعل يوما مدفأتي
فتثور النار.. وتحرقني
قد أفتح شباكي خوفا
فيجيء ظلام يغرقني
قد أفتح بابي مهموما
كي يدخل لصا يخنقني
أو يدخل حارس قريتنا
يحمل أحكاما وقضايا
يخطئ في فهم الأحكام
يطلق في صدري النيران
فيعود يلملم أشلائي
ويظل يصيح على قبري
أخطأت وربي في العنوان
* * *
الليلة أجلس يا قلبي.. والضوء شحيح
وستائر بيتي أوراق مزقها الريح
الشاشة ضوء وظلال و الوجه قبيح
الخوف يكبل أجفاني فيضيع النوم(55/323)
والبرد يزلزل أعماقي مثل البركان
أفتح شباكي في صمت..
يتسلل خوفي يغلقه
فأرى الأشباح في كل مكان
أتناثر وحدي في الأركان
* * *
الليلة عدنا أغرابا والعمر شتاء
فالشمس توارت في سأم
والبدر يجيء بغير ضياء..
أعرف عينيك وإن صرنا بعض الأشلاء
طالت أيامي أم قصرت فالأمر سواء
قد جئت وحيدا للدنيا
وسأرحل مثل الغرباء
قد أخطئ فهم الأشياء
لكني أعرف عينيك
في الحزن سأعرف عينيك
في الخوف سأعرف عينيك
في الموت سأعرف عينيك
عيناك تدور فأرصدها بين الأطياف
أحمل أيامك في صدري
بين الأنقاض.. وحين أخاف
أنثرها سطرا.. فسطورا
أرسمها زمنا.. أزمانا
قد يقسو الموج فيلقيني فوق المجداف
قد يغدو العمر بلا ضوء ويصير البحر بلا أصداف
لكني أحمل عينيك..
قالت عرافة قريتنا
أبحر ما شئت بعينيها لا تخشى الموت
تعويذة عمري عيناك
* * *
يتسلل عطرك خلف الباب
أشعر بيديك على صدري
ألمح عينيك على وجهي
أنفاسك تحضن أنفاسي والليل ظلام
الدفء يحاصر مدفأتي وتدور الناي
أغلق شباكي في صمت.. وأعود أنام
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> تمهل قليلا.. فإنك يوم
تمهل قليلا.. فإنك يوم
رقم القصيدة : 67603
-----------------------------------
تمهل قليلا فإنك يوم
ومهما أطلت وقام المزار
ستشطرنا خلف شمس الغروب
وترحل بين دموع النهار
وتترك فينا فراغا وصمتا
وتلقي بنا فوق هذا الجدار
وتشتاق كالناس ضيفا جديدا
وينهي الرواية.. صمت الستار
وتنسى قلوبا رأت فيك حلما
فهل كل حلما ضياءا... ونار
ترفق قليلا ولا تنس أني
أتيت إليك وبعضي دمار
لأني انتظرتك عمرا طويلا
فتشت عنك خبايا البحار
وغيرت لوني وأوصاف وجهي
لبست قناع المنى المستعار
وجئت إليك بخوف قديم
لألقاك قبل رحيل القطار
* * *
تمهل قليلا..
ودعني أسافر في مقلتيها
وأمحو عن القلب بعض الذنوب
لقد عشت عمرا ثقيل الخطايا
وجئت بعشي وخوفي أتوب
ظلال من الوهم قد ضيعتنا
وألقت بنا فوق أرض غريبة
على وجنتيها عناء طويل(55/324)
وبين ضلوعي جراح كئيبة
وعندي من الحب نهر كبير
تناثرت حزنا على راحتيه
ويوما صحوت رأيت الفراق
يكبل نهر الهوى من يديه
وقالوا أتى النهر حزنا عجوز
تلال من اليأس في مقلتيه
توارت على الشط كل الزهور
ومات الربيع على ضفتيه
تمهل قليلا..
سيأتي الحيارى جموعا إليك
وقد يسألونك عن عاشقين
أحبا كثيرا وماتا كثيرا
وذابا مع الشوق في دمعتين
كأنا غدونا على الأفق بحرا
يطوف الحياة بلا ضفتين
أتيناك نسعى ورغم الظلام
أضأنا الحياة على شمعتين
* * *
تمهل قليلا..
كلانا على موعد بالرحيل
وإن خدعتنا ضفاف المنى
لماذا نهاجر مثل الطيور
ونهرب من حلم في صمتنا
يطاردنا الخوف عند الممات
ويكبر كالحزن في مهدنا
لماذا نطارد من كل شيء
وننسى الأمان على أرضنا
ويحملنا اليأس خلف الحياة
فنكره كالموت أعمارنا
* * *
تمهل قليلا.. فإنك يوم
غدا في الزحام ترانا بقايا
ونسبح في الكون ذرات ضوء
وينثرنا الأفق بعض الشظايا
نحلق في الأرض روحا ونبضا
برغم الرحيل.. و قهر المنايا
أنام عبيرا على راحتيها
وتجري دماها شذى في دمايا
وأنساب دفئا على وجنتيها
وتمضي خطاها صدى في خطايا
وأشرق كالصبح فجرا عليها
واحمل في الليل بعض الحكايا
وأملأ عيني منها ضياءا
فتبحث عمري.. وتحيي صبايا
هي البدء عندي لخلق الحياة
ومهما رحلنا لها منتهايا
* * *
تمهل قليلا.. فإنك يوم
وخذ بعض عمري وأبقى لديك
ثقيل وداعك لكننا
ومهما ابتعدنا فإنا إليك
ستغدو سحابا يطوف السماء
ويسقط دمعا على وجنتيك
ويمضي القطار بنا والسفر
وننسى الحياة وننسى البشر
ويشطرنا البعد بين الدروب
وتعبث فينا رياح القدر
ونبقيك خلف حدود الزمان
ونبكيك يوما كل العمر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> قصيدة الطبيعة
قصيدة الطبيعة
رقم القصيدة : 67604
-----------------------------------
روض إذا زرته كئيبا
نفّس عن قلبك الكروبا
يعيد قلب الخليّ مغرا
و ينسى العاشق الحبيبا
إذا بكاه الغمام شقّت
من الأسى زهرة الجيوبا(55/325)
تلقى لديه الصّفا ضروبا
و لست تلقى له ضريبا
و شاه قطر الندى فأضحى
رداؤه معلما قشيبا
فمن غصون تميس تيها
و من زهور تضوع طيبا
و من طيور إذا تغنّت
عاد المعنّى بها طروبا
و نرجس كالرقيب يرنو
و ليس ما يقتضي رقيبا
و أقحوان يريك درّا
و جلّنار حكى اللّهيبا
و جدول لا يزال يجري
كأنّه يقتفي مريبا
تسمع طورا له خريرا
و تارة في الثرى دبيبا
إذا ترامى على جديب
أمسى به مربعا خصيبا
أو يتجنّى على خصيب
أعاده قاحلا جديبا
صحّ فلو جاءه عليل
لم يأت من بعده طبيبا
و كلّ معنى به جميل
يعلّم الشاعر النسيبا
أرض إذا زارها غريب
أصبح عن أرضه غريبا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لا يدرك الهرم النجوم
لا يدرك الهرم النجوم
رقم القصيدة : 67605
-----------------------------------
( قصيدة بعث بها الى صديقة الشاعر المرحوم مسعود سماحة)
-----
يا شاعرا حلو المودّة في الحضور و في الغياب
شهد ولاءك و الأنام و لاؤهم شهد وصاب
أنا إن شكوت إليك منك ، و سال في كتبي العتاب
فحكايتي كحكاية الظمآن في قفر يباب
لم يروه لمع السراب فراح يستسقي السحاب
فهمي ، فكان الخير فيه للأباطح و الهضاب
" مسعود " أهون بالمشيب فما امّحى إلا الخضاب
الكأس أجمل في النواظر إذ يرصّعها الحباب
إن شاب منك المفرقان فما أظنّ القلب شاب
لا تزعمنّ له المتاب غإنّ توبته كذاب
ما زال يخفق بالهوى ، و يفيض بالسحر العجاب
و يريك دنيا لا تحدّ ، ومن ورائك ألف باب
دنيا من اللّذات و الأفراح في دنيا عذاب
و يريك جنات الجمال و أنت في الطلل الخراب
*
أفتى القوافي الشاديات كأنّها أطيار غاب
إن قيل إنك صرت شيخا ، قل أجل شيخ الشباب
أترى إذا العنوان ضاع يضيع مضمون الكتاب
ألسيف ليس يعيبه مشي الخلوقة في القراب
و الخمر خمر في إناء من لجين أو تراب
و حياة مثلك ليس تدخل في قياس أو حساب
فغد زمانك مثل أمس و إن مضى عصر الشباب
لا يدرك الهرم النجوم و أنت في الدنيا شهاب(55/326)
و إذا يعاب على المشيب فتى فمن ذا لا يعاب
أو كان يمدح بالسواد فمن ترى مدح الغراب
*
يا نفحة من شاعر
أرج الكتاب بها وطاب
الفجر أهدى لي السنا
و الروض أهدى لي الملاب
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الناسكة
الناسكة
رقم القصيدة : 67606
-----------------------------------
أبصرت في الحبل قبيل المغيب
سنبلة في سفح ذاك الكئيب
حانية مطرقة الرأس كأنما تسجد للشمس
أو أنها تتلو صلاة المساء
***
فملت عن راهبة الحقل
وسرت لا ألوي على ضلّي
ألتقط الحب وأذريه وتارة في النار ألقيه
مستخرجا منه لجسمي غذاء
***
قد غابت الشمس وراء القمم
وسكت الطير الذي لم ينم
لكنّ ناري لم تزل ترعج ولم ازل آكل ما تنضج
يا حبذا النار ونعم الشواء
***
وأنني في مرحي والدّد
أذ صاح بي صوت بلا موعد
ما الحبّ، يا هذا، ولا السنبل ما تأكل النار وما تأكل
وأنما أسلافك الأصفياء
***
لا بشر، لا طائر ماثل
يا عجبا!نطق ولا قائل
من أين جاء الصوت؟ لا أدري لكنّما ناسكةالبرّ
قد رفعت هامتها للعلاء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> يا صاح !
يا صاح !
رقم القصيدة : 67607
-----------------------------------
يا صاح كم تفّاحة غضّة
يحملها في الرّوض غصن رطيب
ناضجة ترتجّ في جوّها
مثل ارتجاج الشّمس عند المغيب
حرّضك الوجد على قطفها
لّما غفا الواشي ونام الرّقيب
لكن لأمر أدرى به
رجعت عنّها المستريب
تقول للنفس الطّموح اقصري
ما سرقه التفّاح شأن الأريب
*
وربّ صفراء كلون الضّحى
ينقي بها أهل الكروب الكروب
دارت على الشّرب بها غادة
كأنها ظي الكناس الرّبيب
في طرفك السّاجي هيام بها
وبين أحشائك شوق مذيب
لكن لأمر أنت أدرى به
رجعت عنها رجعت المستريب
تقول للنفس الطّموح اقصري
ما غرّ با لصّهباء يوما لبيب
أياك أياك وأكوابها
أخت الخنا هذي وأم الذنوب
وكم شفاه أرجوانّية
كأنها مخضوبة باللّهيب
ساعدك الدّهر على لثمها
ورشف ما خلف اللّهيب العجيب(55/327)
لكن لأمر أنت أدرى به
رجعت عنها رجعة المستريب
تعنّف القلب على غيّة
وتعذل العين التي لا تنيب
قتلت نزعاتك في مهدها
ولم تطع في الحب حتّى الحبيب
*
والآن لّما انجاب عنك الصّبى
ولاح في المفرق ثلج المثيب
واستسلم القلب كما استسلمت
نفسك لليأس المخوف الرّهيب
أراك للحسرة تبكي كما
يبكي على النّائي الغريب الغريب
تودّ لو أنّ الصّبى عائد
هيهات قد مرّ الزّمان القشيب
*
خلّ البكا يا صاحي والأسى
اللّيل لا يقصيه عنك النّحيب
لا خير في الشّيء انقضى وقته
ما لقتيل حاجة بالطّبيب!!!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> فردوسي
فردوسي
رقم القصيدة : 67608
-----------------------------------
بنيت فردوسي وزخرفته
حتى أذاما تم ضّيعته
أجريت في أنهاره كوثرا
فذاقه الناس وما ذقته
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الطلاسم
الطلاسم
رقم القصيدة : 67609
-----------------------------------
جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنّى أنّني أدري ولكن...
لست أدري!
وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور
أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير
أم كلاّنا واتف والدّهر يجري؟
لست أدري!
ليت شعري وأنا عالم الغيب الأمين
أتراني كنت أدري أنّني فيه دفين
وبأنّي سوف أبدو وبأنّي سأكون
أم تراني كنت لا أدرك شيئا؟
لست أدري!
أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويّا
أتراني كنت محوا أم تراني كنت شيّا
ألهذا اللّغو حلّ أم سيبقى أبديّا
لست أدري... ولماذا لست أدري؟
لست أدري!
البحر:
قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا؟
هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟
أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟
ضحكت أمواجه مني وقالت:
لست أدري!(55/328)
أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكا
وهل الشّاطىء يدري أنّه جاث لديكا
وهل الأنهار تدري أنّها منك إليكا
ما الذّي الأمواج قالت حين ثارت؟
لست أدري!
أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك
أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك
أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك
فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟ ..
لست أدري!
ترسل السّحب فتسقي أرضنا والشّجرا
قد أكلناك وقلنا قد أكلنا الثّمرا
وشربناك وقلنا قد شربنا المطرا
أصواب ما زعمنا أم ضلال؟
لست أدري!
قد سألت السّحب في الآفاق هل تذكر رملك
وسألت الشّجر المورق هل يعرف فضلك
وسألت الدّر في الأعناق هل تذكر أصلك
وكأنّي خلتها قالت جميعا:
لست أدري!
برفض الموج وفي قاعك حرب لن تزولا
تخلق الأسماك لكن تخلق الحوت الأكولا
قد جمعت الموت في صدرك والعيش الجميلا
ليت شعري أنت مهد أم ضريح؟..
لست أدري!
كم فتاة مثل ليلى وفتى كأبن الملوح
أنفقا السّاعات في الشّاطىء ، تشكو وهو يشرح
كلّما حدّث أصغت وإذا قالت ترنّح
أخفيف الموج سرّ ضيّعاه؟..
لست أدري!
كم ملوك ضربوا حولك في اللّيل القبابا
طلع الصّبح ولكن لم نجد إلاّ الضّبابا
ألهم يا بحر يوما رجعة أم لا مآبا
أم هم في الرّمل ؟ قال الرّمل إني...
لست أدري!
فيك مثلي أيّها الجبّار أصداف ورمل
إنّما أنت بلا ظلّ ولي في الأرض ظلّ
إنّما أنت بلا عقل ولي ،يا بحر ، عقل
فلماذا ، يا ترى، أمضي وتبقى ؟..
لست أدري1
يا كتاب الدّهر قل لي أله قبل وبعد
أنا كالزّورق فيه وهو بحر لا يجدّ
ليس لي قصد قبل للدهر في سيري قصد
حبّذا العلم، ولكن كيف أدري؟..
لست أدري!
إنّ في صدري، يا بحر ، لأسرار عجابا
نزل السّتر عليها وأنا كنت الحجابا
ولذا أزداد بعدا كلّما أزددت اقترابا
وأراني كلّما أوشكت أدري...
لست أدري!
إنّني ،يا بحر، بحر شاطئاه شاطئاكا
الغد المجهول والأمس اللّذان اكتنفاكا
وكلانا قطرة ، يا بحر، في هذا وذاك
لا تسلني ما غد، ما أمس؟.. إني...
لست أدري!
الدير:(55/329)
قيل لي فيالدّير قوم أدركوا سرّ الحياة
غير أنّي لم أجد غير عقول آسنات
وقلوب بليت فيها المنى فهي رفات
ما أنا أعمى فهل غيري أعمى؟..
لست أدري!
قيل أدري النّاس بالأسرار سكّان الصوامع
قلت إن صحّ الذي قالوا السرّ شائع
عجبا كيف ترى الشّمس عيون في البراقع
والتي لم تتبرقع لا تراها؟..
لست أدري!
إن تك العزلة نسكا وتقى فالذّئب راهب
وعرين اللّيث دير حبّه فرض وواجب
ليت شعري أيميت النّسك أم يحيي المواهب
كيف يمحو النّسك إثما وهو إثم؟..
لست أدري!
أنني أبصرت فيّ الدّير ورودا في سياج
قنعت بعد النّدى الطّاهر بالماء الأجاج
حولها النّور الذي يحي ، وترضى بالديّاجي
أمن الحكمة قتل القلب صبرا؟..
لست أدري!
قد دخلت الدّير عند الفجر كالفجر الطّروب
وتركت الدّير عند اللّيل كاللّيل الغضوب
كان في نفسي كرب، صار في نفسي كروب
أمن الدّير أم اللّيل اكتئابي؟
لست أدري!
قد دخلت الدّير استنطق فيه الناسكينا
فإذا القوم من الحيرة مثلي باهتونا
غلب اليأس عليهم ، فهم مستسلمونا
وإذا بالباب مكتوب عليه...
لست أدري!
عجبا للنّاسك القانت وهو اللّوذعي
هجر النّاس وفيهم كلّ حسن المبدع
وغدا يبحث عنه المكان البلقع
أرأى في القفر ماء أم سرابا؟..
لست أدري!
كم تمارى ، أيّها النّاسك، في الحق الصّريح
لو أراد اللّه أن لا تشق الشّيء المليح
كان إذ سوّاك بلا عقل وروح
فالّذي تفعل إثم ... قال إني ...
لست أدري!
أيّها الهارب إنّ العار في هذا الفرار
لا صلاح في الّذي تفعل حتّى للقفار
أنت جان أيّ جان ، قاتل في غير ثار
أفيرضى اللّه عن هذا ويعفو ؟..
لست أدري!
بين المقابر:
ولقد قلت لنفسي، وأنا بين المقابر
هل رأيت الأمن والرّاحة إلاّ في الحفائر؟
فأشارت : فإذا للدّود عيث في المحاجر
ثم قالت :أيّها السّائل إني...
لست أدري!
أنظري كيف تساوى الكلّ في هذا المكان
وتلاشى في بقايا العبد ربّ الصّولجان
والتقى العشق والقالي فما يفترقان
أفبذا منتهى العدل؟ فقالت ...(55/330)
لست أدري!
إنّ يك الموت قصاصا، أيّ ذنب للطّهاره
وإذا كان ثوابا، أيّ فضل للدعاره
وإذا كان يوما وما فيه جزاء أو جساره
فلم الأسماء إثم أو صلاح؟.. لست أدري!
أيّها القبر تكلّم، واخبرني يا رمام
هل طوى أحلامك الموت وهل مات الغرام
من هو المائت من عام ومن مليون عام
أبصير الوقت في الأرماس محوا؟..
لست أدري!
إن يك الموت رقادا بعده صحو طويل
فلماذا ليس يبقى صحونا هذا الجميل؟
ولماذا المرء لا يدري متى وقت الرّحيل؟
ومتى ينكشف السّرّ فيدري؟..
لست أدري!
إن يك الموت هجوعا يملأ النّفس سلاما
وانعتاقا لا اعتقالا وابتدا لا ختاما
فلماذا أعشق النّوم ولا أهوى الحماما
ولماذا تجزع الأرواح منه؟..
لست أدري!
أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور
فحياة فخلود أم فتاء ودثور
أكلام النّاس صدق أم كلام الناس زور
أصحيح أنّ بعض الناس يدري؟..
لست أدري!
إن أكن أبعث بعد الموت جثمانا وعقلا
أترى أبعث بعضا أم ترى أبعث كلاّ
أترى أبعث طفلا أم ترى أبعث كهلا
ثمّ هل أعرف بعد الموت ذاتي؟..
لست أدري!
يا صديقي، لا تعللّني بتمزيق السّتور
بعدما أقضي فعقلي لا يبالي بالقشور
إن أكن في حالة الإدراك لا أدري مصيري
كيف أدري بعدما أفقد رشدي...
لست أدري!
القصر والكوخ:
ولقد أبصرت قصرا شاهقا عالي القباب
قلت ما شادك من شادك إلاّ للخراب
أنت جزء منه لكن لست تدري كيف غاب
وهو لا يعلم ما تحوي؛ أيدري؟..
لست أدري!
يا مثالا كان وهما قبلما شاء البناة
أنت فكر من دماغ غيّبته الظلمات
أنت أمنية قلب أكلته الحشرات
أنت بانيك الّذي شادك لا ... لا...
لست أدري!
كم قصور خالها الباني ستبقى وتدوم
ثابتات كالرّواسي خالدات كالنّجوم
سحب الدّهر عليها ذيله فهي رسوم
مالنا نبني وما نبني لهدم؟..
لست أدري!
لم أجد في القصر شيئا ليس في الكوخ المهين
أنا في هذا وهذا عبد شك ويقين
وسجين الخالدين اللّيل والصّبح المبين
هل أنا في القصر أم في الكوخ أرقى؟
لست أدري!(55/331)
ليس في الكوخ ولا في القصر من نفسي مهرب
أنّني أرجو وأخشى، إنّني أرضى وأغضب
كان ثوبي من حرير مذهب أو كان قنّب
فلماذا يتمنّى الثوب عاري؟..
لست أدري!
سائل الفجر: أعند الفجر طين ورخام؟
واسأل القصر ألا يخفيه، كالكوخ، الظّلام
واسأل الأنجم والرّيح وسل صوب الغمام
أترى الشّيء كما نحن نراه؟..
لست أدري!
الفكر:
ربّ فكر لاح في لوحة نفسي وتجلّى
خلته منّي ولكن لم يقم حتّى تولّى
مثل طيف لاح في بئر قليلا واضمحّلا
كيف وافى ولماذا فرّ منّي؟
لست أدري!
أتراه سابحا في الأرض من نفس لأخرى
رابه مني أمر فأبى أن يستقرّا
أم تراه سرّ في نفسي كما أعبر جسرا
هل رأته قبل نفسي غير نفسي؟
أم تراه بارقا حينا وتوارى
أم تراه كان مثل الطير في سجن فطارا
أم تراه انحلّ كالموجة في نفسي وغارا
فأنا أبحث عنه وهو فيها،
لست أدري!
صراع وعراك:
إنّني أشهد في نفسي صراعا وعراكا
وأرى ذاتي شيطانا وأحيانا ملاكا
هل أنا شخصان يأبى هذا مع ذاك اشتراكا
أم تراني واهما فيما أراه؟
لست أدري!
بينما قلبي يحكي في الضّحى إحدى الخمائل
فيه أزهار وأطيار تغني وجداول
أقبل العصر فأسى موحشا كالقفر قاحل
كيف صار القلب روضا ثمّ قفرا؟
لست أدري1
أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير
أين جهلي ومراحي وأنا غضّ غرير
أين أحلامي وكانت كيفما سرت تسير
كلّها ضاعت ولكن كيف ضاعت؟
لست أدري!
لي إيمان ولكن لا كأيماني ونسكي
إنّني أبكي ولكن لا كما قد كنت أبكي
وأنا أضحك أحيانا ولكن أيّ ضحك
ليت شعري ما الذي بدّل أمري؟
لست أدري!
كلّ يوم لي شأن ، كلّ حين لي شعور
هل أنا اليوم أنا منذ ليال وشهور
أم أنا عند غروب الشمس غيري في البكور
كلّما ساءلت نفسي جاوبتني:
لست أدري!
ربّ أمر كنت لّما كان عندي أتّقيه
بتّ لّما غاب عنّي وتوارى أشتهيه
ما الّذي حبّبه عندي وما بغّضنيه
أأنا الشّخص الّذي أعرض عنه؟
لست أدري!
ربّ شخص عشت معه زمناألهو وأمرح
أو مكان مرّ دهر لي مسرى ومسرح(55/332)
لاح لي في البعد أجلى منه في القرب وأوضح
كيف يبقى رسم شيء قد توارى؟
لست أدري!
ربّ بستان قضيت العمر أحمي شجره
ومنعت النّاس أن تقطف منه زهره
جاءت الأطيار في الفجر فناشت ثمره
ألأطيار السّما البستان أم لي؟
لست أدري!
رب قبح عند زيد هو حسن عند بكر
فهما ضدّان فيه وهو وهم عند عمرو
فمن الصّادق فيما يدّعيه ، ليت شعري
ولماذا ليس للحسن قياس؟
لست أدري!
قد رأيت الحسن ينسى مثلما تنسى العيوب
وطلوع الشّمس يرجى مثلما يرجى الغروب
ورأيت الشّر مثل الخير يمضي ويؤوب
فلماذا أحسب الشرّ دخيلا؟
لست أدري!
إنّ هذا الغيث يهمي حين يهمي مكرها
وزهور الأرض تفشي مجبرات عطرها
لا تطيق الأرض تخفي شوكها أو زهرها
لا تسل : أيّهما أشهى وأبهى؟
لست أدري!
قد يصير الشوك إكليلا لملك أو نبّي
ويصير الورد في عروة لص أو بغيّ
أيغار الشّوك في الحقل من الزّهر الجنّي
أم ترى يحسبه أحقر منه؟
لست أدري!
قد يقيني الخطر الشّوك الذي يجرح كفّي
ويكون السّمّ في العطر الّذي يملأ أنفي
إنّما الورد هو الأفضل في شرعي وعرفي
وهو شرع كلّه ظلم ولكن ...
لست أدري!
قد رأيت الشّهب لا تدري لماذا تشرق
ورأيت السّحب لا تدري لماذا تغدق
ورأيت الغاب لا تدري لماذا تورق
فلماذا كلّها في الجهل مثلي ؟
لست أدري!
كلّما أيقنت أني قد أمطت السّتر عني
وبلغت السّر سرّي ضحكت نفسي مني
قد وجدت اليأس والحيرة لكن لم أجدني
فهل الجهل نعيم أم جحيم؟
لست أدري!
لذة عندي أن أسمع تغريد البلابل
وحفيف الورق الأخضر أو همس الجداول
وأرى الأنجم في الظلّماء تبدو كالمشاعل
أترى منها أم اللّذة منّي...
لست أدري!
أتراني كنت يوما نغما في وتر
أم تراني كنت قبلا موجة في نهر
أم تراني كنت في إحدى النّجوم الزّهر
أم أريجا ، أم حفيفا ، أم نسما؟
لست أدري!
فيّ مثل البحر أصداف ورمل ولآل
في كالأرض مروج وسفوح وجبال
فيّ كالجو نجوم وغيوم وظلال
هل أنا بحر وأرض وسماء؟
لست أدري!(55/333)
من شرابي الشّهد والخمرة والماء الزّلال
من طعامي البقل والأثمارواللّحم الحلال
كم كيان قد تلاشى في كياني واستحال
كم كيان فيه شيء من كياني؟
لست أدري!
أأنا أفصح من عصفورة الوادي وأعذب؟
ومن الزّهرة أشهى ؟ وشذى الزّهرة أطيب؟
ومن الحيّة أدهى ؟ ومن النّملة أغرب؟
أم أنا أوضع من هذي وأدنى؟
لست أدري!
كلّها مثلي تحيا، كلّها مثلي تموت
ولها مثلي شراب ، ولها مثلي قوت
وانتباه ورقاد، وحديث وسكوت
فيما أمتاز عنها ليت شعري؟
لست أدري!
قد رأيت النّمل يسعى مثلما أسعى لرزقي
وله في العيش أوطار وحق مثل حقي
قد تساوى صمته في نظر الدّهر ونطقي
فكلانا صائر يوما إلى ما ...
لست أدري!
أنا كالصّهباء ، لكن أنا صهباي ودّني
أصلها خاف كأصلي ، سجنها طين كسجني
ويزاح الختم عنها مثلما ينشّق عني
وهي لا تفقه معناها، وإني...
لست أدري!
غلط القائل إنّ الخمر بنت الخابيه
فهي قبل الزق كانت في عروق الدّاليه
وحواها قبل رحن الكرم رحم الغاديه
إنّما من قبل هذا أين كانت؟
لست أدري!
هي في رأي فكر ، وهي في عينّي نور
وهي في صدري آمال ، فوفي قلبي شعور
وهي في جسمي دم يسري فيه ويمور
إنّما من قبل هذا كيف كانت؟
لست أدري1
أنا لا أذكر شيئا من حياتي الماضية
أنا لا أعرف شيئا من ياتي الآتيه
لي ذات غير أني لست لأدري ما هيه
فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي؟
لست أدري!
إنّني جئت وأمضي وأنا لا أعلم
أنا لغز ... وذهابي كمجيتي طلسم
والّذي أوجد هذا اللّغز لغز منهم
لا تجادل ذا الحجا من قال إنّي ...
لست أدري!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> وقال
وقال
رقم القصيدة : 67610
-----------------------------------
المرء في غفلاته وسباته
والدّهر كالرئبال في وثباته
والعمر ظلّ والزمان يجدّ في
إخفائه، والمرء في إثباته
والحرب لا تنفكّ بينهما ، ولا
ينفكّ هذا المرء في حسراته
لا تعجبوا من جهله وغروره
وتعجّبوا إن حال عن حالاته
يسعى ولا يدري إلى حيث الرّدى(55/334)
وكذا الفراش يحوم حول مماته
وتحبّب الدّنيا إليه نفسه
فيطيعها والنفس من إفاته
ويضيرها إفلاته من قيدها
وسعادة الإنسان في إفلاته
يلقى الضّراغم غير مكترث بها
فإذا سطت ضربت على سطواته
ما قاتل البطل النجيد غضنفر
إن الغضنفر من عصى شهواته
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> موت العبقري
موت العبقري
رقم القصيدة : 67611
-----------------------------------
في رثاء العلامة المرحوم سليمان البستاني
كلّ ميت مهما علا في حياتة
كلّ ثاو تحت الثرى من لداته
لا حدود ولا مقاييس في الموت
تساوى الجميع في ساحاتة
حاصد حقله الوجود ، وما الأحياء
إلاّ كشوكة ونباته
من نجا منه وهو في روحاته
إنما قد نجا إلى غدواته
ليس زرع الغصّات منه الثأر
ليس حصد اللذات من لذّاته
إنه يسلب الغواية كالرشد،
فليس التمييز من عاداته
لا تقل : ما وراؤه؟ ذاك سر
خبأته الحياة في ظلماته
ربّ قبر نمشي عليه وفيه
شهوات تربي على ذراته
كلّ ذي رغبة دنت أو تسامت
سوف يمضي يوما بلا رغباته
ليس عمر الفتى وإن طال إلاّ
ما حوته الحياة من مكرماته
يعظ النابغ الخلائق حيّا
إنما موته أجلّ عظاته
ظهر الموت للعيون جديدا
أمس في بطشه وفي فتكاته
وهو ترب الإنسان منذ استوى في الأرض حيا مشى على خطواته
ما الردى بالحديث في الناس لكن
نكتة العلم ضاعفت روعاته
فقد الخلق واحدا من بيته
وأضاع القريض خير حماته
شاعر، كان يرقض الدهر أحيانا ،
ويبكي حينا على نغماته
ذهب الساحرون والسحر باق
في عيون المهى وفي كلماته
منشىء رقّ لفظه كسجاياه
ورقّ الجمال في جنباته
توّج ((الضاد)) بالملاحة حتى
خالها القوم بعض مخترعاته
نقل الأعصر الخوالي إلينا
في كتاب ، للّه من معجزاته
فرأينا ((هومير)) ينشد فينا
شعره مثل واحد من رواته
كان في دولة السيوف وزيرا
أبمعيا، ودولة في ذاته
ما بكينا الرفات لّما بكينا
كم رفات في الأرض مثل رفاته
بل بكينا لأننا قد حرمنا
بالمنون المزيد من آياته(55/335)
راعنا أنّ يزول عنّا ، وإنّا
لم نطق أن نطيل حبل حياته
قد أردنا حمل البشائر للعلم
فكنّا لأهله من نعاته
إنّ في ((مصر)) و((الشآم)) دويّا
ما سمعنا قبل يوم وفاته
وأحسّ ((العراق)) حين أتاه
النعي طعم الرّدى بماء ((فراته))
و((بلبنان)) رجفة تتمشى
في ينابيعه وفي نسماته
فتّح الموت حين أغمض عينيه
عيون الورى على حسناته
فهو ماض له جلاله آت
من فتوحاته ومن غزواته
والفتى العبقريّ يولد إذ يولد
في مهده، ويوم مماته
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ليس السر في السنوات
ليس السر في السنوات
رقم القصيدة : 67612
-----------------------------------
قل للذي أحصى السنين مفاخرا
يا صاح ليس السرّ في السنوات
لكنه في المرء كيف يعيشها
في يقظة ، أم في عميق سبات
قم عدّ آلاف السنين على الحصى
أتعدّ شبة فضيلة لحصاة؟
خير من الفلوات ، لا حدّ لها ،
روض أغنّ يقاس بالخطوات
كن زهرة ، أو نغمة في زهرة،
فالمجد للأزهار والنغمات
تمشي الشهور على الورود ضحوكة
وتنام في الأشواك مكتئبات
وتموت ذي للعقم قبل مماتها
وتعيش تلك الدهر في ساعات
تحصى على أهل الحياة دقائق
والدهر لا يحصى على الأموات
ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ
كالبيت مهجورا وكالمومات
جعل السنين مجيدة وجميلة
ما في مطاويها من الحسنات
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> فقيد الوطنية
فقيد الوطنية
رقم القصيدة : 67613
-----------------------------------
رثى بها فقيد المنابر الطيب الذكر المغفور له مصطفى باشا كامل.
.............
بكيت ولكن بالدموع السخينة
وما نفذت حتى بكيت بمهجتي
على كامل الأخلاق والنّدب مصطفى
فقد كان زين العقل زين الفتوّة
نعاه لنا الناعي فكادت بنا الدّنى
تميد لّهول الخطب خطب المروءة
وذابت قلوب العالمين تلهّفا
وسالت دموع الحزن من كلّ مقلة
أجل قد قضى في مصر أعظم كاتب
فخلّف في الأكباد أعظم حسرة
ولو كان يفدى بالنفوس من الرّدى
جعلنا فداه كلّ نفس أبية(55/336)
فتى مات غضّ العمر لم يعرف الخنا
ولم ينطوي في نفسه حبّ ريبة
وقد كان مقداما جريئا ولم يكن
ليغي الرّدى غير النفوس الجريئة
وكان جوادا لا يضنّ بحاجة
لذلك أعطى روحه للمنّية
سلام على مصر الأسيفة بعده
فقد أودعت آماله جوف حفرة
خطيب بلاد النيل مالك ساكنا
وقد كنت تلقي خطبة إثر خطبة؟
تطاولت الأعناق حتى اشرأبّت
فهل أنت مسديها ولو بعض لفظة؟
نعم كنت لولا الموت فارج كربها
فيا للرّدى من غاشم متعنّت
تفطّرت الأكباد حزنا كأنّما
مماتك سهم حلّ في كلّ مجة
وما حزنت أم لفقد وحيدها
بأعظم من حزني عليك ولوعتي
تناديك مصر الآن يا خير راحل
ويا خير من يرجى لدفع الملّمة
عهدتك تأبى دعوة غير دعوتي
فمالك تأبى( مصطفى) كلّ دعوة؟
فقد تك ريانا فيا طول لهفتي
لقد كنت سيفي في الخطوب وجنّتي
أجل طالما دافعت عن مصر مثلما
يدافع عن مأواه نحل الخليّة
فأيقظها من رقدة بعد رقدة
وأنهضتها من كبوة تلو كبوة
وقوّيت في أبنائها الحبّ نحوها
وكنت لهم في ذاك أفضل قدوة
رفعت لواء الحقّ فوق ربوعها
فضم إليه كلّ ذي وطنيّة
لئن تك أترعت القلوب محبة
فإنّك لم تخلق لغير المحبّة
فنم آمنا وفيت قومك قسطهم
فيا طالما ناموا وأنت بيقظة
سيبقي لك التاريخ ذكرا مخلدا
فقد كنت خير الناس في خير أمّة
عليك من الرّحمن ألف تحية
ومن أرض مصر ألف ألف تحيّة
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مزح في جد
مزح في جد
رقم القصيدة : 67614
-----------------------------------
رأيت غلاما مليح الرّواء
تلوح النّباهة في مقلته
فقلت، تجنّى علينا الشتاء
وقد نفد الفحم مع كثرته
فهل من دواء لهذا البلاء
لديك؟ أجاب، اقفلوا المدرسه!
فقلت، صغير يحبّ الفضاء
ويكره ما ليس من فطرته!
وأبصرت لصّا على الزّاويه
كثير التّلفّت نحو القصور
فقلت، منازلنا خاليه
من الفحم ، والفحم نار ونور
فقال، لياليكم الدّاجيه
تزول ولكن بهدم السّجون!
فقلت، شقّي من الأشقياء
يجاهد من أجل حرّيته!
وعدت إلى رجل موسر(55/337)
له شهرة وله منزله
فقلت، سريّ كلام السّريّ
إذا وقع النّاس في مشكله
فما هو رأيك ؟ قال اقصر
مع البرد لا تنفع الولوله!
فأدركت أنّ فتى الأغنياء
ضنين يخاف على ثروته!
وأبصرت شخصا كثير الحذر
فرحت أبثّ له لوعتي
فحملق حتّى رأيت الشّرر
يطير سراعا إلى مهجتي
وصاح، هي الحرب أصل الخطر
فردّوا الحسام إلى غمده!
فقلت، عدوّ قليل الحياء
يحاذر شرّا على دولته!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عبد اللّه البستاني
عبد اللّه البستاني
رقم القصيدة : 67615
-----------------------------------
يا ميّتا فيه جمال الحياة
ما حاز منك اللحد إلاّ الرفات
أنت الفتى الباقي بآثاره
ما أنت بالمرء إذا مات مات!
وكيف يمتدّ إليك الردى
وذاتك الحسناء في ألف ذات؟
إذا اختفى في الورد لون الضحى
فالذنب ذنب الأعين الناظرات
يصوّح الزهر ويبقى الشّذى
ويذهب المرء وتبقى الصفات
يا نائما أغفى عن الترّهات
إنّي وجدت الموت في الترّهات
أإن مضى الشيء تقول انقضي
إذن، فمن أين تجيء الحياة؟
أليس دنيا الصحو دنيا الكرى
ومثل ظلّ العيش ظلّ الممات؟
تقسّم الأشياء أفهامنا
وليست النخلة إلاّ النواة
وفي الغد الأمس ولكنّنا
للجهل قلنا الدهر ماض وآت
بعض الردى فيه نجاة الفتى
وربّما كان الرّدى في النجاة
يا قرويّا عظمت نفسه
حتى ترضّتها نفوس العتاة
وحسدته الصيد في كوخه
وحسدت قريته العاصمات
تلك السجايا لم تزل بيننا
ساطعة كاالأنجم الزاهرات
وعلمك الزاخر باق لنا
ما بقيت في الأرض أمّ اللغات
في أنفس الناس وألبابهم
وفي بطون الير الخالدات
وفي تلاميذك أهل الحجى
والأدب الجم الجميل السّمات
من شاعر كالروض أشعاره
تسمع همس الحبّ فيه الفتاة
وسامر تحسب أقواله
مسروقة من مقل الغانيات
وكاتب تشرق ألفاظه
كالدّرر المختارة المنتقاة
وصحب أخلاقهم كالمنى
يروون عنك الحكم الغاليات
لم يخترمك الموت يا دوحة
باسقة قد خلّفت باسقات
يا حجّة الفصحى ودهقانها
وبحرها الطامي وشيخ الثقات(55/338)
((ألضاد)) من بعدك في مأتم
حاضرها والأعصر الغابرات
فليس في لبنان غير الأسى
وليس غير الحزن حول الفرات
فمن يعزّي جبلا واحدا
عزّى الرواسي في جميع الجهات
سلختها سبعين من أجلها
في عالم الطّرس ودنيا الدواة
ألناس من حولك في قيلهم
وأنت كالعابد وقت الصلاة
غنيت بالضاد وأسرارها
عن الغواني والطّلا والسقاة
أنت الذي ردّ إليها الصبا
إنّ الهوى يجترح المعجزات
فاختلجت أوضاعها بالمنى
وجال ماء الحسن في المفردات
ولهجت باسمك آفاقها
وردّدته في البوادي الحداة
وحنّت النوق إلى سمعه
وطربت من ذكره الصافنات
فيا شبابا يطلبون العلى
إنّ العلى للأنفس الماضيات
ويا فقيرا يتمنّى الغنى
هلاّ تمنّيت غنى المكرمات؟
ويا سراة يبذلون اللّهى
هذا فقير كان يعطي السراة!
من روحه لا فيض أمواله
إنّ هبات الروح أسمى الهبات
لا يقتضي قاصده حمده
ويشكر العافي الذي قال: هات
وإن مضى العافون عن بابه
سارت عطاياه وراء العفاة
فكان كالكوكب يمشي على
ضيائه الرّكب وذئب الفلاة
وكان كالغيث إذا ما همى
أصاب في الأرض الحصى والنبات
وكان كالينبوع يرتاده
ذو الشيم الحسنى وذو السيّئات
وكالفضاء الرّحب في حلمه
يضطرب البازي به والقطاة
يا صاحب ((البستان)) نم آمنا
فإنّ الموت زوال الشكاة
ما غاب ماء غاب تحت الثّرى
فأطلع النبت وأحيا الموات
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشباب أبو المعجزات
الشباب أبو المعجزات
رقم القصيدة : 67616
-----------------------------------
سلام عليكم رجال الوفء
وألف سلام على الوافيات
ويا فرح القلب بالناشئين
ففي هؤلاء جمال الحياة
هم الزهر في الأرض إذ لا زهور
وشهب إذ الشهب مستخفيات
إذا أنا أكبرت شأن الشباب
فإنّ الشباب أبو المعجزات
حصون البلاد وأسوارها
إذا نام حرّاسها والحماة
غد لهم وغد فيهم
فيا أمس فاخر بما هو آت
ويا حبّذا الأمهات اللواتي
يلدن النوابغ والنابغات
فكم خلدت أمة بيراع
وكم نشأت أمة في دواة
أنا شاعر أبدا تائق(55/339)
إلى الحسن في الناس والكائنات
أحبّ الزهور ، وأهوى الطيور، وأعشق ثرثرة الساقيات
ورقص الأشعة فوق الروابي،
وضحك الجداول والقهقهات
تطالع عيناي في ذا المكان
روائع فاتنه ساحرات
كأن الفضاء وفيه الطيور
بحور بها سفن سابحات
كأن الزهور ترقرق فيها
سقسط الندى أعين باكيات
ومن بلبل ساجع لمغنّ،
ومن زهرة غضة لفتاة
فما أجمل الصيف في الخلوات
وأروع آياته البينات
نضا الستر عن حسنات الوجود
وكانت كأسراره المضمرات
وأحيا رغائبنا الذابلات
فعاشت وكانت كأرض موات
ففي الأرض سحر، وفي الجوّ عطر،
فيا للكريم ، ويا للهبات
أمامكم العيش حرّ رغيد
ألا فاغنموا العيش قبل الفوات
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> وقال ينقد أحدهم
وقال ينقد أحدهم
رقم القصيدة : 67617
-----------------------------------
لما سكت حسبت أنك تاج
هيهات إنّي كالمنون أفاجي
تاللّه تطمع بالسلامة بعدما
ألقاك جهلك في يد الأمواج
إن كان داخلك الغرور فإنّه
ما انفكّ في البسطاء والسّذاج
إني أنا الأسد الهصور بسالة
ويل لقوم حاولوا إحراجي
حاولت أن تهتاجني عن مربضي
لتنال ذكرا ، خبت يا ذا الرّاجي
عار إذا أنشبت فيك مخالبي
إذ ليس من خلقي افتراس نعاج
وظننت أنّك بالغ شأوي إذا
رمت القريض فما ظفرت بحاج
إنّ القوافي كالخرائد منعة
وتفوقها في نبذ كلّ مداج
والشعر تاج لو عامت ولم تكن
مّمن يليق بحمل هذا التاج
خذها مثّقفة إذا وقعت على
جبل لأزعج أيّما إزعاج
أنا خير من قال القوافي مادحا
أنا خير من قال القوافي هاجي
قد كنت أزهد في الهجا لو لم يكن
لك يا مريض العجب، خير علاج
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لارفعن للسما احتجاجي
لارفعن للسما احتجاجي
رقم القصيدة : 67618
-----------------------------------
جاء الشّتاء جيئة المفاجي
كأنّما قد كان في الرّتاج
فجمد السائل في الزجاج
واكتست الأرض بمثل العاج
فامتنع المرعى على النّعاج
وامتنع الحبّ على الدّجاج(55/340)
وامتنع الّسير على النّواحي
ربّ جواد لاحق هملاج
معود الإلجام والإسراج
والوخد والذّميل والإهماج
أصبح مثل العرق في اختلاج
متعرجا في غير ذي انعراج
لو هاجه الرّاكب بالكرباج
لما مشى به سوى اعوجاج
لولا الجليد طار بالمهتاج
مثل البراق بفتى المعراج
وحطّه والشّمس في الأبراج
لكنّه منه على الزّجاج
وأمسك النّاس عن اللجاج
أما ترى نداءهم تناجي
كأنّما الجموع في الملاجي
على ((منى)) مواكب الحجّاج
ورغب المثري عن الدّيباج
إلى اللّباس الخشن النّساج
وكان أن جيء له يالتّاج
أعرض عنه وارم الأوداج
وانقبض النّهر عن الهياج
وكان مثل الزّاخر العجّاج
يصارع الأمواج بالأمواج
يا مسبح الإوز والدّرّاج
كيف غدوت موطىء الأحداج
ومعبر الخلق إلى الخراج
مالي والصّبح على انبلاج
أخبط كالعشواء في الدّياجي
إذا أردت السّير في منهاجي
طال عثاري فيه وانزلاجي
كأنّني أمشي على زجاج
محتذيا بالزّئبق الرّجراج
خيّل لي ، لشدّة ارتجاجي
أنّ دمي يرتج في أوشاجي
أرى الدّنى ضيّقة الفجاج
ولم تضق ، لكنّما احتياجي
إلى طريق واضح الشّجاج
أسلك فيه غير ما انزعاج
وحاجتي بالكوكب الوّهاج
كحاجة الأعمى الى سراج!
إنّ لجّ هذا القرّ في إحراجي
لأرفعنّ للسّما احتجاجي!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الغراب والبلبل
الغراب والبلبل
رقم القصيدة : 67619
-----------------------------------
قال الغراب وقد رأى كلف الورى
وهيامهم بالبلل الصدّاح
لم لا تهيم بي المسامع مثله
ما الفرق بين جناحه وجناحي؟
إني أشدّ قوى وأمضى مخلبا
فعلام نا الناس عن تمداحي؟
أمفرق الأحباب عن أحبابهم
ومكدّر اللذات والأفراح
كم في السوائل من شيبة بالطلا
فعلام ليس لها مقام الراح؟
ليس الخطوط من الجسوم وشكلها
ألسرّ كلّ في الأرواح
والصوت من نعم السماء ولم تكن
ترضى السما إلا عن الصدّاح
حكم القضاء فإن نقمت على القضا
فاضرب بعنقك مدية الجراح(55/341)
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> السر في الأرواح
السر في الأرواح
رقم القصيدة : 67620
-----------------------------------
قال الغراب وقد رأى كلف الورى
وهيامهم بالبلبل الصّدّاح
لم لا تهيم بي المسامع مثله
ما الفرق بين جناحه وجناحي؟
إني أشدّ قوى وأمضي مخلبا
فعلى م نام النّاس عن تمداحي؟
أمفرق الأحباب عن أحبابهم
ومكدّر اللّذّات واالأفراح
كم في السّوائل من شبيه للطّلا
فعلى م ليس لها مقام الرّاح؟
ليس الخطوط من الجسوم وشكلها
السرّ كلّ السرّ في الأرواح
والصّوت من نعم السّما ولم تكن
ترضى السّما إلاّ عن الصّلاح
حكم القضاء فإن نقمت على القضا
فاضرب بعنقك مدية الذبّاح!!!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الكأس الباقية
الكأس الباقية
رقم القصيدة : 67621
-----------------------------------
دمعة على جبران جبران
----------
أيّها الشاعر الذي كان يشدو
بين ضاح من الجمال وضاحك
جلل أن يصيدك القدر الأعمى
ويمشي مقصّه في جناحك
موكب الشعر تائه في فضاء
ليس فيه سوى حطيم سلاحك
والبساتين ، والبلابل فيها
تتغنّى، حزينة لرواحك
قنعت بالنواح منك فلّما
زال عاشت بذكريات نواحك
والدجى ، والنجوم تسطع فيه،
واجم حسرة على مصباحك
تلمس العين أينما لمسته
جمرات التياحنا والتياحك
قد تولّت جلالة السحر عنه
واضمحلّت مذ صار غير وشاحك
هبطت ربّة الحياة لكي تكب
خمر الجمال في أقدامك
فإذا أنت في السرير مسجّى
صامت كالطيوف في ألواحك
فتولّت مذعورة تلطم الوجة
ويبكيك، يا قتيل سماحك!
سبقتها إلآهة الموت كي تخظى
ولو باليسير من أفراحك
ويحها! ويح حبّها من أثيم
طردتنا ولم تقم في ساحك
أيبست روضك الجميل ، ولم تظفر
بغير التّراب من أدواحك
ذهب الموت بالكؤوس جميعا
غير كأس ملأتها من جراحك
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> هاتها
هاتها
رقم القصيدة : 67622
-----------------------------------
هاتها في القدح
نسمة في شبح(55/342)
هاتها فالنّفس في
حاجة للفرح
واسقنيها كوثرا
وعلّي اقترح
إن تكن قد حرّمت
فعلى المستقبح
هي في سفرتها
طلعة المفتضح
وهي في حمرتها
كخديد المستحي
وهي في شدّتها
ثورة المجترح
وهي في رقّتها
خاطرا لم يلح
أتراها شفقا
كللت بالصّبح
أم هي الوجنات قد
ذوبت في قدح؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> فاتحة
فاتحة
رقم القصيدة : 67624
-----------------------------------
يا صمت ما أحناك لو تستطيع
تلفنّي ، أو أنني أستطيع
لكن شيئا داخلي يلتظي
فيخفق الثلج ، ويظمى الربيع
يبكي ، يغنّي ، يحتذي سامعا
وهو المغنّي والصدى والسميع
يهذي فيجثو الليل في أضلعي
يشوي هزيعا ، أو يدمّي هزيع
وتطبخ الشهب رماد الضحى
وتطحن الريح عشايا الصّقيع
ويلهث الصبح كمهجورة
يحتاج نهديها خيال الضجيع
***
شيء يناغي ، داخلي يشتهي
يزقو ، يدوّي ، كالزحام الفضيع
يدعو ، كما يدعو نبيّ ، بلا
وعي ، وينجرّ انجرار الخليع
فيغتلي خلف ذبولي فتى
ويجتدي شيخ ، ويبكي رضيع
يجوع حتى الصيف ينسى الندى
ميعاده ، بهمي شهيق النجيع
ويركض الوادي ، وتحبو الربى
ويهرب المرعى ، ويعيى القطيع
ما ذلك الحمل الذي يحتسي
خفقي ، ويعصي ذا هلا أو يطيع
يشدو فترتدّ ليالي الصبا
فجرا عنيدا ، أو أصيلا وديع
وتحبل الأطياف تجني الرؤى
ويولد الآتي ويحيا الصريع
فتبتدى الأشتات في أحرفي
ولادة فرحى ، وحملا وجيع
***
هذه الحروف الضائعات المدى
ضيّعت فيها العمر ، كي لا تضيع
ولست فيما جثته تاجرا
أحسّ ما أشري وماذا أبيع
اليكها يا قارتي إنها ،
على مآسيها : عذاب بديع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مدينة الغد
مدينة الغد
رقم القصيدة : 67625
-----------------------------------
من دهور ... وأنت سحر العباره
وانتظار المنى وحلم الإشارة
كنت بنت الغيوب داهرا فنمّت
عن تجليّك حشرجات الحضاره
وتداعي عصر يموت ليحيا
أو ليفنى ، ولا يحس انتحاره
جانحاه في منتهى كل نجم(55/343)
وهواه ، في كل سوق : تجاره
باع فيه تألّه الأرض دعواه
وباعت فيه الصلاة الطهاره
أو ما تلمحينه كيف يعدو
يطحن الريح والشظايا المثاره
نمّ عن فجرك الحنون ضجيج
ذا هل يلتظي ويمتصّ ناره
عالم كالدّجاج ، يعلو ويهوي
يلقط الحب ، من بطون القذاره
ضيّع القلب ، واستحال جذوعا
وترتدي آدمية ... مستعاره
***
كل شيء وشى بميلادك الموعود
واشتمّ دفئه واخضراره
بشّرت قرية بلقياك أخرى
وحكت عنك نجمة لمناره
وهذت باسمك الرؤى فتنادت
صيحات الديوك من كل قاره
المدى يستحمّ في وعد عينيك
وينسى في شاطئيه انتظاره
وجباه الذّرى مرايا تجلّت
من ثريّات مقلتيك شراره
***
ذات يوم ، ستشرقين بلا وعد
تعيدين للهيثم النّضاره
تزرعين الحنان في كل واد
وطريق ، في كل سوق وحاره
في مدى كل شرفة ، في تمنّي
كلّ جار ، وفي هوى كل جاره
في الروابي حتى يعي كلّ تلّ
ضجر الكهف واصطبار المغاره
سوف تأتين كالنبؤات ، كالأمطار
كالصيّف ، كانثيال الغضاره
تملئين الوجود عدلا رخيّا
بعد جور مدجّج بالحقاره
تحشدين الصفاء في كل لمس
وعلى كل نظرة ، وافتراره
تلمسين المجندلين فيعيدون
تعيدين للبغايا البكاره
وتصوغين عالما الماتثمر الكثبان فيه،
ترف حتى الحجاره
وتعفّ الذئاب فيه ، وينسى
جبروت السلاح ، فيه المهاره
العشايا فيه ، عيون كسالى
واعدات ، والشمس أشهى حراره
لخطاه عبير ((نيسان)) أو أشذى
لتحديقه ، أجدّ إناره
ولألحانه ، شفاه صبايا
وعيون ، تخضّر فيها الإثاره
أي دنيا ستبدعين جناها
وصباها فوق احتمال العياره ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عائد
عائد
رقم القصيدة : 67626
-----------------------------------
من أنت ، واستبقت جوابي
لهب ، يحنّ إلي التهاب
من أنت ، عزّاف الأسى
والنار قيثار العذاب
وعلى جبينك ، قصّة
حيرى ، كديجور اليباب
وخواطر ، كهواجس الإفلاس ،
في قلق المرابي
وأنا أتدري : من أنا ؟
قل لي ، وأسكرها اضطرابي
سل تمتمات العطر : هل(55/344)
((نيسان)) يمرح في ثيابي؟
من هذه ؟ أسطورة الأحلام ،
أخيلة الشهاب
همساتها ، الخضر الرّقاق
أشفّ من ومض السراب
إني عرفتك كيف أفرح ؟
كيف أذهل عن رغابي؟
من أين أبتدىء الحديث ...؟
وغبت في صمت ارتيابي
ماذا أقول ، وهل أفتّش
عن فمي ، أو عن صوابي ؟
من أنت ، أشواق الضحى
قبل الأصيل ، على الهضاب
حلم المواسم ، والبلابل
والنسّيمات الرطاب
اغرودة الوادي ، نبوع العندليب ...
شذى الروابي
وذهول فنّان الهوى
ورؤى الصّبا وهوى التصابي
وهج الأغاني ، والصدى
حرق المعازف ، والرّباب
لا تبعدي : أرست على شطآنك
النعسى ، ركابي
فدنت تسائل من رفاقي
في الضياع ؟ ومن صحابي ..؟
هل سآءلتك مدينة
عنّي ؟ وسهّدها واكتئابي
فتقول لي : من أنت ؟
وتزدريني ، بالتغابي
أنا من مغاني شهرزاد
إلى ربى ، الصحو انتسابي
بي من ذوائب (حدّة)
عبق السماحة والغلاب
وهنا أصخت ووشوشات ( القات) تنبي باقترابي
وأظلّنا جبل ذراه
كالعمالقة الغضاب
عيناه متكأ النجوم
ودبله ، طرق الذئاب
فهفت إليّ مزارع
كمباسم الغيد الكعاب
وحنت نهود الكرم
فاسترخت للمسي واحتلابي
وسألت (ريّا) والسكون
ينثّ وهوهة الكلاب
ماذا ؟ أينكر حيّنا
خفقات خطوي وانسيابي؟
إنّا تلاقينا ... هنا ،
قبل انتظارك... واغترابي
هل تلمحين الذكريات
تهزّ اضلاع التراب؟
وطيوف مأساة الفرا،
ق تعيد نوحك وانتحابي
والأمس يرمقنا وفي ،
نظراته خجل المناب
كيف اعتنقنا للوداع
وبي من اللهفات ما بي ؟!
وهفت لا تتوجعي :
سأعود ، فارتقبي ... إيابي !
ورحلت وحدي ، والطريق
دم ، وغاب ، من حراب
فنزلت حيث دم الهوى
يجترّ ، أجنحة الذّباب
حيث البهارج والحلى
سلوى القشور عن اللّباب
فلمين ألوان الطّلاء
على الصّدوع ، على الحرب
التسليات ، بلا حساب
والملال ، بلا حساب
والجوّ محموم ، يئن
وراء جدران الضباب
كم كنت أبحث عن طلابي
حيث ضيّعني طلابي
واليوم عدت ، وعاد لي
مرح الحكاياتالعذاب
ما زلت أذكر كيف كنّا
لا ننافق ، أو نحابي(55/345)
نفضي بأسرار الغرام
إلى المهبّات الرّحاب
والريح تغزل من زهور (البن ) ، أغنية العتاب
فتهزّنا أرجوحة
من خمرة الشفق المذاب
وكما تنآئينا التقينا
نبتدي صفو الشباب
ونعيد تأريخ الصّبا
والحبّ ، من بدء الكتاب
أترين : كيف اخضوضرت
للقائنا مقل الشعاب ؟
وتلفّت الوادي إليك
وهشّ ، يسأل عن غيابي
ما دمت لي فكسو يخنا
قصر ، يعوم على السحاب
والشهب بعض نوافذي
والشمس ، شبّاكي وبابي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> امرأة الفقيد
امرأة الفقيد
رقم القصيدة : 67627
-----------------------------------
لم لا تعود ؟ وعاد كل مجاهد
يحلى (( النقيب )) أو انتفاخ ((الرائد))
ورجعت أنت ، توقعا لملمته
من نبض طيفك واخضرار مواعيدي
وعلى التصاقك باحتمالي أقلقت
عيناي مضطجع الطريق الهامد
وامتدّ فصل في انتظارك وابتدا
فصل ، تلفّح بالدخان الحاقد
وتمطّت الربوات تبصق عمرها
دمها وتحفر عن شتاء بائد
وغداة يوم ، عاد آخر موكب
فشممت خطزك في الزحام الراعد
وجمعت شخصك بنية وملا محا
من كل وجه في اللقاء الحاشد
حتى اقتربت وأمّ كلّ بيته
فتّشت عنك بلا احتمال واعد
***
من ذا رآك وأين أنت ؟ ولا صدى أو مي اليك ، ولا اجابة عائد
والي انتظار البيت ، عدت كطائر
قلق ينوء على جناح واحد
***
لا تنطقي يا شمس : غابات الدجى
يأكلن وجهي يبتلعن مراقدي
وسهدت والجدران تصغي مثلما
أصغي ، وتسعل كالجريح الساهد
والسقف يسأل وجنتيّ لمن هما ؟
ولمن فمي ؟ وغرور صدري الناهد؟
ومغازل الأمطار تعجن شارعا
لزجا حصاه من النحيع الجامد
وأنا أصيخ إلى خطاك أحسّها
تدنو ، وتبعد ، كالخيال الشارد
ويقول لي شيء ، بأنك لم تعد
فأعود من همس الرجيم المارد
***
أتعود لي ؟ من لي ؟ أتدري أنني
أدعوك إنك مقلتاي وساعدي
إني هنا أحكي لطيفك قصّتي
فيعي ، ويلهث كالذبال النافد
خلّفتني وحدي ، وخلّفني أبي
وشقيقتي ، للمأتم المتزايد
وفقدت أمّي : آه يا أمّ افتحي
عينيك ، والتفتي إليّ وشاهدي!(55/346)
وقبرت أهلي ، فالمقابر وحدها
أهلي ، ووالدتي الحنون ووالدي
وذهلت أنت أو ارتميت ضحيّة
وبقيت وحدي ، للفراغ البارد
***
أتعود لي ؟ فيعبّ ليلي ظلّه
ويصيح في الآفاق . أين فراقدي؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> اليوم الجنين
اليوم الجنين
رقم القصيدة : 67628
-----------------------------------
على الدرب والمرتع
يجود ، ولا يدّعي
يوشّي غناء الحقول
وأنشودة المصنع
ويعطي حياة .. بلا
نيوب ولا مصرع
يشد أبضّ الخصور
إلى أعطش الأذرع
ويسخو سخاء المصيف
على الطير والضّفدع
على السفح والمنحنى
على السهل والأرفع
أتشتمّ أنفاسه
طيوف الربى الهجّع
هناك رؤى مهده
نبيذيّه المنبع
حمام من الأغنيات
على جدول ممرغ
مرايا هوائية
سرابية المخدع
وغيب وراء القناع
ووعد بلا برقع
هناك انتظار يحسّ
خطاه وحلم يعي
ودفء صريع يحن
إلى لمسه المبدع
وواد يصيخ إلى
تباشيره اللّمع
فأحلم أن الجنين
وليد بلا مرضع
فألوي زنود الحنان
على خصره الطيّع
ويحبو على ساعديّ
فأرضعه أدمعي
وينأى ، فترنوا الكوى
يفتّشن عنه معي
ويرتد ، حلم مضى
ويمضي ، بلا مرجع
وتحتشد الأمسيات
على العامر البلقع
فأرجوه أن يشرئب
إلى شرفة المطلع
أمدّ له سلمّا
إلى النور من أضلعي
وأشدو لميلاده
ويصغي بلا مسمع
فأبكيه في مقطع
وألقاه في مقطع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أسمار القرية
أسمار القرية
رقم القصيدة : 67629
-----------------------------------
من صدى البيد ، والشعاب الحواشد
بالمهاوي والضاربات السواهد
من مدى الموت حين تحمرّ فيها
شهوة الدود والقبور الزوارد
من لياليه حين مس( عليا)
ليلة العرس أنه شرّ وافد
أو أتى مرشدا فأومى إليه
صاحباه أن الضحيّة راشد
من صخور جلودهن حراب
وكهوف عيونهن مواقد
حيث للريح والتلال عروق
من أفاع من سواعد
وعلى المنحنى تمدّ ((صياد))
للأذلاء حائطا من أساود
ولها حافرا حمار وتبدو
مرأة ، قد تزوجت ألف مارد(55/347)
من ركوب السّرى على كل قفر
لم ترده حتى خيالات رائد
والليالي على اكف العفاريت
نعوش ، ذوا هب وعوائد
من قوى البأس قصة تلو أخرى
تصرع الوحش قبل نهضة قاعد
من سؤال عن الحجاز وردّ
عن غلاء الكساء و((التبن)) كاسد
من خصام بين الأقارب في الوادي،
وحرب في التلّ بين الأباعد
من تثني المراتع الخضر تومي
بالأغاني للراعيات النواهد
من متاه الظنون تستجمع الأسمار،
شعث الرؤى وفوضى المشاهد
بين جدرانها ركام الحكايا
من جديد القرى وأكفان تالد
وتجاعيد الشعوذات عليها
كرفاة تقيأتها الوراقد
وعلى كل بوحها وصداها
تتنادى زواحف ورواكد
تجمع القرية الشتات فتحوي
أمسيات من عاصفات الفدافد
وسيولا من الفراغ المدوّي
أسهلت فوقها بطون الروافد
وغناء كخفق بيت من القش
تعاوت فيه الريّاح الشدائد
وبخورا وشاديا من جليد
ونداء : كم في الصلاة فوائد
يحشر السّمّر الضجيع عليها
من شظايا نعش السنين البوائد
***
يتلاقيان كلّما حشرج الطبل
وأعلى الدخان ريح الموائد
فيقصّون كيف طار ( بن علوان)
وماذا حكى ( علي بن زائد) ؟
عن مدار النجوم وهي وعيد
عن فم الغيب أو بريق المواعد
عندما تسبل الثريّا عشاء
عقدها تحبل السحاب الخرائد
وإذا الغرب واجه الصيف بالأرياح
باعت عيالها ( أمّ قائد)
ويعودون يغزلون من الرمل ،
ودود البلى ، علاوق المحامد
فيلوكون معجزات (فقيه)
يحشد الجنّ والظلام يشاهد
ومزايا قوم يصلّون في الظهر
وفي الليّل بسرقون المساجد
وحكايا تطول عن بائعات الخبز
كم في حديثهن مكايد
عن بنات القصور يقطرن طيبا
كرواب من الورود الفرايد
أو كصيف أجاد نضج العطايا
أو ربيع في البرعم الطفل واعد
شعرهن انثيال فجر خجول
ظلّه في عيونهن مراود
كلّهن استمحنهم فتأبّت
حكمة الطين فيهم أن تساعد
ويتوبون يستعذبون بالله
لأن الإناث نبع المفاسد
ويودّون لو يعود زمان
كان ثرّ الجنى عميم الموارد
ويسبّون حجة طوت الزاد
فلاك الفراغ جوع المزاود
وتناءت أسمارهم وتدانت(55/348)
مثلما تختفي الرؤى وتعاود
والتقو ليلة عجوزا توارت
في أخاديدها النجوم الخوامد
فابتدوا ثرثراتهم وأعادوا
ما ابتدوا من رواسب وزوائد
وعلى صمتهم تهيأ شيخ
مثلما تخفق الطيوف الشوارد
فحكى قصة تململ فيها
كل حرف ، كأنه قلب حاقد
وتعالى فيها النجح بالثأر
فهاجت مستنقعات العوائد
وتنادوا .. لبّيك يا عم هيّا
كلنا سائرون لا عاد واحد
انها ساعة اليهم فكرّوا
عميت عنكمو العيون الحواسد
واشرابت بيوتهم تلمح الشهب
دما في ملامح الأفق جامد
وتعايا فيها النعاس تعابي
طائر موثق الجناحين بارد
ومع الفجر ساءل السفح عنهم
جدولا ، في ترقب الفجر ساهد
فرآه يهفو ، يمد ذراعيه
ويومي لها بأهداب عابد
وارتمى يحتسي عبير خطاها
ويعاني وخز الحصى ويكابد
ودنت فالتوى على صبح ساقيها
يناغي ويجتدي ويراود
من أتته ؟ فلاحة مشطها الشّمس
عليها من الشروق قلائد
وقميص من النّدى ماج فيه
موسم ، نابض الأفانين مائد
وانثنت مثلما يميس عمود
زنبقي تشتمّ أخبار (قائد)
وعلى فجأة تلقت خطاها
من غبار الصدى ، غيوم رواعد
أي شيء جرى ؟ وتصغي وتعدو
وتداري ، نشيجها فيعاند
وترامت مناحة القرية الثكلى
كما يزخر انفجار الجلامد
ودنت من ترى ؟ أبا طفلتيها
وهو جذع من الجراحات هامد
وعجوزا تبكي وحيدا وأطفالا
كزغب الحمام يبكون والد
وجريحا يصيح أين يدايا ؟
أين رجلايا ؟ هنّ ما كنت واجد
وشقيقاته يمتن النياعا
ويهن له القلوب ضمائد
يرتمي يرتمين يجثو فينصبن
له من صدورهن وسائد
وعواء النجيع في السّاح يدوي
يذهب الحاقدون والحقد خالد
أحمق الحمق أن تصير الكرهات
تراثا ، أو يستحلن عقائد
وعلى إثر من مضواعات الأسمار
تحيا على أصول القواعد
وتباهي : أردوا صغيرين منّا
وقتلنا منهم ثلاثين ماجد
وتعيد الذي اعادت دهورا
من صدى البيد الشعاب الحواشد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> شعب على سفينة
شعب على سفينة
رقم القصيدة : 67630
-----------------------------------
كهودج من الضباب(55/349)
من الطيوف ، والسراب
تزفّه سفينة
من الضياع والتراب
ومن تخيّل الغنى
ومن تلهّف الرغاب
ومن حكايا العائدين
بالحقائب العجاب
المتخمات بالحلى
وبالعطور والثياب
وبالجيوب تحتوي
دراهما ، بلا حساب
لمّا أتوا تلفّتت
حتى القصور والقباب
حتى السهوب والقرى
حتى الكهوف والشعاب
وكل صخر عندنا
وكل شارع وباب
ورغم خوفه مضى
من غربة إلى اغتراب
حشاه ملجأ الطوى
عيناه مرفأ الذّباب
على الفراغ يبتدي
وينتهي دجى العذاب
و(مأرب) تساؤل
متى يعود ؟ وارتقاب
و(وحدة) مخاوف
وموعد على ارتياب
أينثني ؟ فينثني
الى المزارع الشباب
ومقلنا (سمارة)
جوى ( وميتم) عتاب
يعي لهاث ربوة
إلى محاجر الشهاب
تهز نهدها إلى
مسافر بلا إياب
تحطّه جزيرة
ويرتمي به عباب
مسافر أضنى السّرى
وراع غيهب الذئاب
وأفلق الحصى ، بلا
مدى ، وأجهد الهضاب
من قارة لقارة
يجوب أرحب الرحاب
وهو على عيونها
تساؤل ، بلا جواب
فينحني ويبتني
لها نواطح السحاب
يضيئها ولا يرى يشيدها، وهو الحراب
يعيش عمره على أرجوحة ، من الحراب
أيامه سفينة جنائزية الذهاب
تزفّه الى النوى كهودج من الضباب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الشهيدة
الشهيدة
رقم القصيدة : 67631
-----------------------------------
كرجوع السنى لعيني كفيف
بغتة كاخضرار نعش جفيف
وكما مدّت الحياة يديها
لغريق ، على المنيّة موفي
وكما ينثني إلى خفق شيخ
عنفوان الصّبا الطليق الخفيف
رجعت فجأة رجوع وحيد
بد شك إلى أبيه اللهيف
كابدت دربها الى العودة الجذلى
وأدمت شوط الصراع الشريف
حدّقت من ترى ومن ذا تنادي ؟
أين تمضي : إلى الفراغ المخيف؟
وأرتها خوالج الذعر وجها
بربريّا ، كباب سجن كثيف
وجذوعا ، لها وجوه ، وأذقان
وإطراقة الحمار العليف
فتنادت فيها الظنون وأصغت
لحفيف الصّدى ووهم الحفيف
وكما يرتمي على قلق السّمع
هدوء بعد الضجيج العنيف
سرّحت لمحة ، فطالعها شيء
كأيماءة السراج الضعيف
كان بعطي حياته للحيارى(55/350)
وعلى وجهه اعتذار الأسيف
فأحسّت هناك حيّا مهيضا
يتلوّى تحت الشتاء الشفيف
قرى ، بعن عمرهن على أدنى
الخصومات والهراء السخيف
واشرأبت ثقوبهن الى الريح
يسائلن : عن شميم الرغيف
فدنت تنظر الحياة عليهنّ
بقايا من الغثاء الطفيف
والدوالي هناك أشلاء قتلى
جمدت حولها ، بقايا النزيف
وتجلّت أما تجعّد فيها
عرق الصيف وارتعاش الخريف
سألتها عن اسمها فتبدّى
من أخاديدها حنان الأليف
واستدارت تقص : إن أباها
من (زبيد) وامهّا من (ثقيف)
فأعادت لها الربيع فماست
في شبابين تالد وطريف
نزلت ضيفة الحنان فكانت
لديار الضياع ، أسخى مضيف
نزلت في مواكب من شروق
وحشود من اخضرار الرّفيف
في إطار من انتظار العصافير
ومن لهفة الصباح الكفيف
وتهادت على الرّبى فتلظّى
في عروق الثلوج ،دفء الصيف
وأجادت من الفراغ وجودها
وجبالها ، من الشموخ المنيف
رجعت فانثنى اصفرار التوابيت
الى خضرة الشباب الوريف
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> إبن السبيل
إبن السبيل
رقم القصيدة : 67632
-----------------------------------
سار والدرب ركام من غباء
كل شبر فيه شيطان بدائي
كان يرتد ويمضي مثلما
تخبط الريح ، مضيقا من عناء
بين جنبيه ، جريح هارب
من يد الموت ، ومسلول فدائي
يصلب الخطو على ذعر الحصى
وعلى جذع مديد من شقاء
وعلى منعطف أو شارع
من دم الذكرى وأنقاض الرجاء
من يعي يسأله : أين أنا؟
ضاع قدامي ، كما ضاع ورائي
والى لا منتهى هذا السرى
في المتاهات ، ومن غير ابتداء
انني أخطو على شلوى وفي
وهوهات الريح ، أشتم دمائي
من يؤاويني ؟ ايصغي منزل
لو أنادي ، أو يعي أي خباء ؟
الممرات مغارات لها
وثبة الجن، وإجفال الظباء
وهناك الشهب غربان ، بلا
أعين ، تجتاز غيما لا نهائي
وهنا الشمس عجوز ، تحتسي
ظلّها ، تصبو إلى تحديق رائي
من دنا منسّي ؟ وكالطيف النوى
ونأى ، خلف خيالات التنائى
من وراء التلّ عنّت غابة
من أفاع ، وكهوف من عواء
وعيون ، كالمرايا ، لمعت(55/351)
في وجوه ، من رماد وانحناء
انه حشد ، بلا اسم وجهه
خلفه مرآه تزوير الطلاء
من يرى ؟ أي زحام ودرى
انه يرنو إلى زيف الخواء ؟
***
وبلا زاد ولا درب مضى
كالخيالات الكسيحات الظماء
تخفق الأحزان ، في أهدابه
وتناغي ، كعصافير الشتاء
ينحني، يستفسر الاطراق من
وجهه الذاوي ، وعن باب مضاء
عن يد ، صيفية اللّمس وعر شرفة
جذلى ، وعن نبض غناء
وتأنت نجمة أرسى على
جفنها طيف ، خريفيّ الرّداء
فتملاها مليّا وارتدى
جوّ عينيه ، أصيلا من صفاء
والتظى برق ، تضنّى خلفه
ألف دنيا ، من ينابيع السخاء
وبلا وعي دنا ، من كوخه
كغريق ، عاد من حلق الفناء
فأحسّ الباب يلوي حوله
ساعدي شوق ، وحضنا من بكاء
اين من يسأله ، يخبره
عن مآسيه فيحنو أو يرائي؟
وجثا ، يحنو عليه منزل
سقفه الثلج ، وجدران المساء
وكما تنجرّ أمّ ضيّعت
طفلها ، يبحث عن أدنى غذاء
يجتدي الصمت نداء أو يدا
أو فما يفترّ ، أو رجع نداء
ويداري السّهد أو يرنو الى
ظلّه ، يختال في ثوب نسائي
فتعاطيه مناه أكؤسا
من دخان ، واحتضانا من هباء
تحتسي أنفاسه أمسية
عاقر ، تمتص ألوان الهواء
هل هنا لابن سبيل الريح من
موعد ؟ أو ها هنا دفء لقاء ؟
عاد من قفر دخاني ، الى
عامر ، أقفر من ليل العراء
وغدا يبتديء الأشواط من
حيث أنهاها ، إلى غير انتهاء
يقطع التيّه ، إلى التيه ، بلا
شوق أسفار ، ولا وعد انثناء
وبلا ذكرى ، ولا سلوى رؤى
وبلا أرض ، ولا ظل سماء
عمره دوّامة من زئبق
وسهاد ، وطريق من غباء
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> صديق الرياح
صديق الرياح
رقم القصيدة : 67633
-----------------------------------
على اسم الجنيهات ، والأسلحة
يتاجر بالموت ، كي يربحه
ويشتم كفّي مرابي الحروب
فيزرع في رمله مطمحه
ذوائبه الحاضنات النّجوم
بأيدي المرابين ، كالمسحه
يمنّيه طاغ ، حساه الفجور
وجلمد في حلقه النحنحه
فيدمى وتغدو جراحاته
مناديل .. في كفّ من جرحه
وتومى له حربة الهرمزان(55/352)
بقرآن (عثمان) والمسبحه
فيهوى ، له جبة من رماد
ومن داميات الحصى أوشحه
على وجهه ، ترسب الحشرجات
وتطفو ، قبور ، بلا أضرحه
ويجتره من وراء السراب
أسىّ ، يرتدي صبغة مفرحه
فيجتاح تلاّ شواه الحريق
وتلاّ ، دخان اللّظى لوّحه
ويغتال رابية ممسيا
وتأكله ربوة ، مصبحه
وكالسّل يمتصّ زيت (الرياض)
ويرضع من دمه المذبحه
ويسقط حيث تلوح النقود
هنا أو هنا لا يعي مطرحه
طيوف الحياة على مقلتيه
عصافير دامية الأجنحه
تغب أساريره الأمسيات
وتنسى الصبحات أن تلمحه
وغاباته أن يدير الحروب
ويبتز أسواقها المريحه
وما دام فيه بقايا دم
فمن صالح الجيب أن يسفحه
يجود بأشلاته ولتكن
(لابليس) أو (آدم) المصلحه
***
وتلك عوائده الخالدات
يجوع ، ومن لحمه ، يأكل
بلا درهم كان يدمى فكيف ؟
وكنز ( المعزّ) له يبذل
أينسى عرافته أنه :
أبو الحرب أو طفلها الأول
وما زال تنجبه كل يوم
(بسوس) وأخرى به تحبل
إلى أين يسري ؟ ورد الصدى : إلى حيث لا ينثني الرّحل
وكان هناك سراج حزين
يئنّ ، ونافذة تسعلى
فاصغى الطريق إلى مسمر
كنعش ينوء بما يحمل
وقال عجوز سهى الموت عنه
على من تنوح ومن نثكل؟
رمى أمس (يحيى) أخاه (سعيدا)
وأردى ابن أختي أخي (مقبل)
فرد له جاره : لو رأيت
متارينا كيف تستقل
تمور فتغشى الجبال الجبال
ويبتلع الجندل الجندل
ويهوي الجدار على ظلّه
ويجتر أسواره المعقل
وقالت عروس صباح الزفاف
سعى قبل أن يبرد (المخمل)
ويوما حكموا أنه في (حريب)
ويوما أتى الخبر المذهل
وصاح فتى : أخبروا عن أبي
وأجهش ، حتى بكى المنزل
وولّى ربيع مرير ، وعاد
ربيع ، بمأساته مثقل
وضاع المدى وصديق الرياح
يحوم ... وعن وجهه يسأل
ويمضي به عاصف قلّب
ويأتي به عاصف حوّل
***
أما آن يا ريح أن تهدئي
ويا راكب الريح أن تتعبا
وأين ترى شاطىء الموج با
(براش) ويا نسمات الصّبا
ويا آخر الشوط : أين اللقاء ؟
ويا جدب أرجوك إن تخصبا
ويا حلم ، هل تجتلي معجزا
تحيل خطاه الحصى كهربا(55/353)
يبيد بكف ، نيوب الرياح
ويمحو بكف ، حلوق الربى
ويغرس في الذئب رفق النّعاج
ويمنح بعض القوى الأرنبا
أيأتي ؟، ويحتشد الانتظار
يمد له المهد والملعبا
ويبحث عن قدميه الشروق
ويحفر عن ثغره المغربا
وعادت كما بدأت غيمة
توشّي بوارقها الخلّبا
وتفرغ أثداءها في الرمال
وتهوي تحاول إن تشربا
و(صنعاء) ترتقب المعجزات
وتحلم بالمعجز المجتبى
وكالصيف ، شعّ انتظار جديد
على الأفق ، وامتد واعشوشب
وحدّق من كل بيت هوى
يراقب عملاقه الأغلبا
ويختار أحلى الاسامي له
وينتخب اللّقب الأعجبا
ويخلقه فارسا يمتطي
هلالا ويتشح الكوكبا
سيدنو فقد آن للسّهد أن
ينام وللنّوح أن يطربا
فعمر الرّصاص كعمر سواه
وان طال جاء لكي يذهبا
وقد يقمر الجوّ بعد اعتكار
وقد ينجل الأحمق الانجبا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> كانت وكان
كانت وكان
رقم القصيدة : 67634
-----------------------------------
كانت له ، حيث لا ظلّ ولا سعف
من النخيل الحوالي ، ناهد نصف
وكان أرغد نصفيها الذي ابتدأت
أو انمحى من صباها الياء والألف
أغرى ، وافتن ما في بعض فتنتها
طفولة ، وامتلاء مثمر هيف
كانت له بعض عام ، لا يمت إلى
ماض ولا امتدّ من اخصابه خلف
ولى ، ولا خبر يهدى اليه وفي
حقائب الريح ، من أخباره تحف
وقصة لملم التأريخ أحرفها
فاستضحك الحبر في كفيه والصحف
وغاب أول يوم عن تذكره
وفي تظنيّه من إيمان هنتف
كان الخميس أو الاثنين واحتشدت
مواقف ، تدفع الذكرى وتلتقف
في بدء تشرين ، نادته نوافذها
فحام كالطيف ، يستأني وينجرف
هل ذاك مخدعها ؟ تومى النجوم على
جبينه ، وعلى عينيه تعتكف
بل تلك غرفتها أو تلك أيهما ؟
أو هذه ، وارتدت أزياءها الغرف
وبعد يوم وليل ، جاء يسألها
عن عمها أخبروه أنه دنف
من ذا تريد ؟ وتسترخي عبارتها
فيأكل الأحرف الكسلى ويرتشف
ويدّعي أنهم قالوا : أليس لها
عمّ ويعتصر الدعوى وينتزف
ويستزيد جوابا هل هنا سكن ؟
أظن بيت فلان أهله انصرفوا(55/354)
وخانه الريق ، فاستحلت تلعثمه
واخضرّ في شفتيها العذر والأسف
ونصف (كانون) زارت بنت جارته
فأفشت الخبر الأبواب والشرف
وقالت امرأة : من تلك ؟ والتفتت
أخرى ، تكذب عينيها وتعترف
وعرفتها عجوز ، كل حرفتها
صنع الخطايا ، لوجه الله تحترف
وقصّت امرأة عنها ، لجدّتها
فصلا ، كما ذاب فوق الخضرة الصّدف
فعوّذتها وقالت: كنت أشبهها
لكن لكل طويل يا ابنتي طرف
وغمغم الشارع المهجور : من خطرت
كما تخطر تلّ مائج ترف
وحين عادت وحياها على خجل
ردّت ، وما كان يرجو ، ليتها تقف
وخلفها أقتاده وعد السّراب إلى
بيت نضيج الصّبا جدرانه الشّغف
حتى احتستسها شفاه الباب ، ولا أحد
يومي اليه ، ولا قلب له ، يجف
وظن وارتاب حتى اشتّم قصته
كلب هناك وثور كان يعتلف
وعاد من حيث لا يدري على طرق
من الذهول إلى المجهول ينقذف
فاعتاد ذكراه بيت مسّه فمها
في دربها ، وبظلّ الدار يلتحف
وقرّبت دارها من ظل ملجئه
يد تعلّم من إغداقها السّرف
وكان يصغي فتدعو غيرها ابنتها
وجارة غيرها تخفي وتنكشف
متى تبوح وهل يفضي بخطرتها
درب ، ويخبر عنها الريح منعطف ؟
وحلّ شهر رماديّ الخطى هرم
ضاعت ملامحه ، واسترخت الكتف
وفي نهايته ، جاءت تسائله
عن هرّها ... لم يزرنا ، فاتنا الشرف
فنغّمت ضحكة كسلى ، طفولتها
جذلى ، على الرقة المغتاج تنقصف
فمدّ كفا خجولا ، وانحنى فرنا
من وجهها الموعد المجهول والصلّف
وكان يرنو ، وجوع الأربعين على
ذبول خدّيّه يستجدي ويرتجف
وقال ما ليس يدري فادعت غضبا :
من خلتني ؟ قل لغيري : انني كلف
وأعرضت واستدرات : كيف شارعنا ؟
حلو .. أما ساكنوه السوء والحشف؟
(فلانه) لم تدع عرضا و(ذاك) فتى
يغوي ويكذب في ميعاده الحلف
من ذلك اليوم يوم (الهرّ) كان له
عمر ومتّجه غضّ ومنصرف
واخضر قدّامه عش تالله
على رفيف الدوالي روضة أنف
أجنت له أيها يدعو مجاعته ؟
وأي افنانها يحسو ويقتطف ؟
ومرّ عهد كعمر الحلم يرقبه
متى يعود يمنيه ويختلف ؟
وكان فيه كمولود على رغد(55/355)
أنهى رضاعته التشريد والشطف
كانت له ويقصّ الذكريات على
طيف ، يقابل عينيه وينحرف
واليوم في القرية الجوعى يضيّعه
درب ، ودرب من الأشواك يختطف
يسيح كالرّيح في الأحياء يلفظه
تيه ، ويسخر من تصويبه الهدف
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> نهاية حسناء ريفيّة
نهاية حسناء ريفيّة
رقم القصيدة : 67635
-----------------------------------
كما تذبل الدّاليات الصّبايا
ذرت في سخاء المنى والعطايا
وكالثّلج فوق احتضار الطيّور
تراخت على مقلتها العشايا
وكابن سبيل جثت وحدها
تهدّج خلف الضيّاع الشكايا
وتسعل في صدرها أمسيات
من الطين ، تبصق ذوب الحنايا
ويوما أشار أخوها القتيل :
تعالى تشهّت يديك يدايا
فناحت كبنت مليك غدت
بأيدي ( التّتار ) أذلّ السّبايا
أهاذي أنا ؟ وتعيد السؤال
وتبحث عن وجهها في المرايا
اما كان ملء قميصي الربيع ؟
فأين أنا ؟في قميصي سوايا
وفرّ سؤال خجول تلاه
سؤال ، على شفتيها تعايا
وأين الفراش الذي امتّصني
أيرئي هشيم الغصون العرايا
وذات مساء تمطىّ السكون
كباغ يهمّ بأدهى القضايا
وأقعى يهزّ الجدار
أكفّا من الشوك خرس النوايا
وفي الصبح أهدت لها جارتان
غبيا رضيّ الرّقى والسّجايا
يفضّ الكتاب ويشوي البخور
ويستلّ ما في قرار الحفايا
فتشتمّ أمس المسجّى ، يعود
وتجترّه من رماد المنايا
وتنتظر الزائرين كأم
تراقب عود بنيها الضحايا
فلا طيف حبّ يشقّ اليها
سعال الكوى أو فحيح الزّوايا
وكان يمدّ المساء النجوم
اليها معبّأة بالهدايا
وتنّئد الشمس قبل الغروب
توشي رؤاها ، بأزهى الخبايا
ويجثو الصباح مليا يرش
شبابيكها ، بأرقّ التحايا
وتحمل عن هج أسمارها
رياح الدجى هودجا من حكايا
وكانت كما يخبر الذاكرون
أبضّ الغواني ، وأطرى مزايا
وأنظر من صاحبات (السّمو)
ولكنها بنت أشقى الرعايا
تهادت من الريف عام الجراد
تعاطي المقاصير أحلى الخطايا
وفي بدء (نيسان) حثّ الخريف
اليها من الريح أمضى المطايا(55/356)
فشظّى كؤوس الهوى في يديها
وخبأ في رئتيها الشظايا
وخلّف منها بقايا الأنين
وعاد ، فأنهى بقايا البقايا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لا اكتراث
لا اكتراث
رقم القصيدة : 67636
-----------------------------------
روّية ، أو حطمّي في كفه القدحا
فلم يعد ينتشي ، أو يطعم الترحا
لا ، لم يحسّ ارتواء ، أو يجد ظمأ
أو يبتهج ، إن غدت أحلامه منحا
سدى ، تمنيّن من ماتت رغائبه
من طول ما أغتبق (القطران) واصطبحا
فعاد ، لا يرتجي ظلا ولا شجرا
ولا يراقب وعدا ، جدّ أو مزحا
إذا اشتهى اقتات شلوا من تذكره
وامتصّ ما خطّ في رمل الهوى ومحا
كالطيّف يحيا بلا شوق ، ولا حلم
ولا انتظار رجاء ، ضنّ أو سمحا
ينقّر السهد عن ميعاد أغنية
كطائر جائع ، عن سربه نزحا
وينزوي ، كضريح يستعيد صدىّ
يبكي ويهزج (لا حزنا ولا فرحا)
لا تسألي : لم يعد من تعرفين هنا
ولّى وخلّف من أنقاضه شبحا
آسي بقايا ، أو شظّي بقيتّه
للريح ، لم يدر من آسى ومن جرحا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> رائد الفراغ
رائد الفراغ
رقم القصيدة : 67637
-----------------------------------
طاو ، يريد بلا اراده
ظمآن ، يجترع اتّقاده
هيمان ، تركض فيه أشواق
الجنين ، إلى الولاده
فيفتّش الأطياف ، عن ايماء
قرط أو قلاده
عن وعد باذلة تجود
فيستزيد ألي الزّياده
لفتاتها لحنّ، تتوق اليه
أخيلة الأجاده
ويسائل الأشباح من أعصي، ومن أدنى قياده؟
من أملأ الجارات، من أشهى، يحوم بكل غاده
ويغيب في حمّى السّهاد، يعيد كارثة سعاده
وكما يقدّر يرتمي
في دفء(تقوى) أو(سعاده)
ويمد زنديه، ويهصر من يظنّ
بلا هواده
ويمور حتى يشتكي
قلق الفراش ألي الوساده
ويعود يغفو ، أو يحرّق
في ندامته ، سهاده
***
حتى أطلّت ليلة
معطأة الأيدي، جواده
منحّته من رعد المواسم
فوق أحلام الرّغاده
وعلى صبيحتها دهته
صيحة ، وأدت رقاده
ضاعف كراء البيت ، أودعته
... أتحرمني الإفاده ؟
ماذا يقول (لمدفن)(55/357)
ورث الغبارة والسّياده
ذهبت ملامح وجهه
وتجلمدت فيه البلاده
من أين يعطي من قطعت
سبيله ، وحكرت زاده
حسنا ، سأتركه ، أضفه
إلى مبانيك المشاده
وانجز يرتاد الفراغ
ويطعم الشوك ارتياده
والريح تبصقه ، وتصفع
في ملامحه بلاده
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> رائد الفراغ
رائد الفراغ
رقم القصيدة : 67638
-----------------------------------
طاو ، يريد بلا اراده
ظمآن ، يجترع اتّقاده
هيمان ، تركض فيه أشواق
الجنين ، إلى الولاده
فيفتّش الأطياف ، عن ايماء
قرط أو قلاده
عن وعد باذلة تجود
فيستزيد ألي الزّياده
لفتاتها لحنّ، تتوق اليه
أخيلة الأجاده
ويسائل الأشباح من أعصي، ومن أدنى قياده؟
من أملأ الجارات، من أشهى، يحوم بكل غاده
ويغيب في حمّى السّهاد، يعيد كارثة سعاده
وكما يقدّر يرتمي
في دفء(تقوى) أو(سعاده)
ويمد زنديه، ويهصر من يظنّ
بلا هواده
ويمور حتى يشتكي
قلق الفراش ألي الوساده
ويعود يغفو ، أو يحرّق
في ندامته ، سهاده
***
حتى أطلّت ليلة
معطأة الأيدي، جواده
منحّته من رعد المواسم
فوق أحلام الرّغاده
وعلى صبيحتها دهته
صيحة ، وأدت رقاده
ضاعف كراء البيت ، أودعته
... أتحرمني الإفاده ؟
ماذا يقول (لمدفن)
ورث الغبارة والسّياده
ذهبت ملامح وجهه
وتجلمدت فيه البلاده
من أين يعطي من قطعت
سبيله ، وحكرت زاده
حسنا ، سأتركه ، أضفه
إلى مبانيك المشاده
وانجز يرتاد الفراغ
ويطعم الشوك ارتياده
والريح تبصقه ، وتصفع
في ملامحه بلاده
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> من أين؟
من أين؟
رقم القصيدة : 67639
-----------------------------------
من أين تهمسين لي ؟
فتستعيد الأهويه
من أين ؟ إنني على
أيدي الظّنون ، ألهيه
من حيث لا أعي ولا
تدرين ، أيّ أحجيه؟!
وتهمسين لي كما
يندى اخضرار الأوديه
كما يبوح جنّه
حبلى بأسخى الأعطيه
فيشرئب منزلي
من الثّقوب المصغيه
عريان يغزل الصدى
أسرّة وأغطيه
يمد كلّه إليك
حضنه وأيديّه(55/358)
أتشعرين أنني
ألقاك ، كلّ أمسيه؟
على جفون خاطر
أو احتمال أمّنيه
يطير بي اليك من
هنا ، جناح أغنّيه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> فارس الاصطياف
فارس الاصطياف
رقم القصيدة : 67640
-----------------------------------
كان اسمه ((يحيى)) وكان يوافي
بيتا ، من الميعاد والأحلاف
وأفاء أول مرة كمحدّف
أعطى الضيّاع ، قيادة المجداف
وغداة حيّى الباب قطّب لحظة
وصفا كوجه الوارث المتلاف
وهفا إلى لقياه ، انظر مدخل
تومى روائحه ، إلى الأضياف
وأناه ثانيه ، فماس أمامه
ثوب ، كوشي الموسم الهفهاف
فكأن كل خميلة ألقت على
كتفيه أردية ، من الأفواف
ماذا وراء الثوب ؟ فجر راسب
يهوى ويستحي وفجر طاف
ورنا إلى الشباك ، يرجو فاختفت
وارتد بالوعد الجلي الخافي
وغدا إليه ، فرفّ شيء ، ظنّه
حسناء ، ترفل في ثياب زفاف
ودعى ((حسناء)) مرة فأجابه
صوت ، كساقيه من الاصداف
فاشتم اترف ربوة أجنت له
ودنا ، فغابت عن يد القطّاف
فهنا مزار من طفولات الضّحى
ومن الشذر ، وأصايل الأصياف
يمضي إليه ، على الحنين وينثني
منه على فرس من الأطياف
هي تعده ، ويرتجي ميعادها
وسدىّ يعنقد خضرة الصفصاف
فيرود كالسمسار ، متجر عمّها
ويشيد ، بالبيّاع والأصناف
ويعود قبل العصر ، يقصد جدّها
في البيت ، يطري حمقه ويصافي
ومضى يصادق عند مدخل بابها
مقهى ، وبابا كالخفير الجافي
وبلا محاولة رآها مرّة
جذلى كحقل الزنبق الرفّاف
كان المساء الغضّ عند رجوعه
حقلا ربيعيّا ، ونهر سلاف
حقا رآها كالضحى ، والبوح في
نظراته ، كالطائر الخواف
خلف الزّجاج تبرجت وأظلها
شعر ، كأهداب الغروب الصافي
كانت تغني حنذاك وتنتقي
ثوبا وترمي بالقميص الضافي
وأمام مرآة ، تعرّي نصفها
وتموج تحت المئزر الشفاف
لم لا يناديها ؟ وكيف ؟ ويختفي
عنه اسمها ، ويضيع في الاوصاف
شفقية الشفتين ، كحلى ناهد
صيفية ، ثلجية الاعطاف
وخلى الطريق ، فلم يصخ إلا إلى
أصدائها ، وعبيرها الهتاف(55/359)
ومشى يحدّق والذهول الحلو في
عينيه يبسم كالصبي الغافي
ويعيد رؤيتها ويحضن ظلها
ويمد آمالا ، بلا أطراف
ويعي ، فيتهم المنى ، ويعوده
حلم سخي الهمس والارجاف
فيشيد مملكة ، ويستولي على
أسمى الرؤوس ، وأعرض الأكتاف
ويرن مذياع فيمسي مطربا
في زحمة التصفيق والأرهاف
يشدو ، فتحتشد المسامر حوله
موّاجة الأثداء ، والأرداف
وبمدّ خطوته قيركض ((عنتر))
في صدره ويكرّ ، ((عبد مناف))
فيغير ، يطعن ، أو يجوز فلانة
وفلانة بشريعة الأسياف
فإذا اسمه ، أخباركلّ مدينة
واذا صداه مسامر الأرياف
وتلين خطوته ، فيصبح تاجرا
تكسوه ، أبهّة من الآلاف
إن النقود مفتاح كل مقاتل
ما كان اصدق حكمة الاسلاف!
من كان أوضع من (( مثنّى)) فاحتوى
مالا ، وأصبح أشرف الأشراف
سأفوق من أثروا ، وتخبر جدّتي
أن الزّمان يرقّ بعد جفاف
وتقص أمي كيف كان دعاؤها
حولي قناديلا ، تضيء مطافي
وانجر يهمس ، للطيوف ويجتلي
وعدا، من الأغداق والإسراف
ويحول الدنيا ، بلمعة خاطر
قيثارة ، موهبة العزّاف
فيعد مشروعا ، وينجز ثانيا
كالبرق ، يحمله إلى الأهداف
وغدا ، ستخبر كلّ بنت أمّها
عنه ، وتحسد أختها وتجافي
وتنافس الحلوات بنت مزاره
فيه ، وتكمنح بلا استعطاف
وإلى مدى التحليق يرفعه هوى
وهوى يخوض به مدى الاسفاف
ورنا ، بلا قصد ، فخال تحركا
يدنو كقطّاع من الاجلاف
من ذا هناك ؟ وكان يسعل حارس
ويقص ثان فرقة الألاف
وأجاب هر هرة فأجال في
وجه السكون توسم العرّاف
فاعتاده شبح عليه عباءة
شعثا ووجه كالضريح العافي
واحتج منعطف أطارت صمته
ونعاسه نقالة الإسعاف
ماذا دنا منه ؛ توثب غابة
من اذرع صخرية الاخفاف؟
ومشى كمتهم تكشرّ حوله
وحشية المنفى ووجه النافي
وأشار مصباح فانكر وجه
ويديه في ايمائه الخطاف
ورأى هواجسه على ظلّ الدجى
كدم الشهيد على يد السّياف
وأحس عمته تقول لأمه :
رجع ابن قلبك : فأمني أو خافي
وهناك أخبره التعثر أنه
يمضي ويرجع وهو طاو حاف(55/360)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> وراء الرياح
وراء الرياح
رقم القصيدة : 67641
-----------------------------------
تقولين لي : أين بيتي : مزاح ؟
من النار زاد رمادي جراح ؟
تقولين أين ؟ وبيتي صدى
من القبر ، جدرانه من نواح
وتيه وراء ضياع الضياع
وخلف الدجى ، ووراء الرياح
هناك قراري ، على اللاقرار
وفي لا غدوّ وفي لا رواح
وراء النوى ، حيث لا برعم
جنين ، ولا موعد ، من جناح
أموت ، واستولد الأغنيات
وأبذلها ، للبلى في سماح
وأحلم ، حيث الرؤى ترتمي
على غابة ، من لهاث النباح
وحيث الأفاعي ، تبيع الفحيح
وتمتص جوع الحصى في ارتياح
لماذا اجيب ؟ وتستنبتين
سؤالا ، يبرعم حلم الصباح
فأصغي ، وأسمع من لا مكان
صدى واعدا ، زنبقيّ الصدّاح
وأشتمّ صيفا خجول القطاف
تلعتم في وجنتيك وفاح
وناغى على شاطئي مقلتيك
منى رضعا ، ووعودا شحاح
أحلن رمادي حريقا صموتا
وأورقن في شفتيه فباح
لأّنا التقينا ، ولدنا الشروق
وأهدى لنا كل نجم وشاح
فماج بنا منزل من شذا
ومن أغنيات الصّبا والمداح
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> يا نجوم
يا نجوم
رقم القصيدة : 67642
-----------------------------------
لفتة ! يا نجوم إني أنادي:
من رآني ، أو من تجلّى المنادى؟
إنني يا نجوم كل مساء
ها هنا ، أبلع الشفار الحدادا
وبلا موعد ، أمدّ بنانا
من حنين ، لكل طيف تهادى
لكنوز ، من شعوذات التمني
تتبدّى ثنى ، وتخفى فرادى
أزرع السّقف والزوايا فتوحا
فتسوق الكوى إليها الجرادا
وأنادي والريح تمضي وتأتي
كالمناشير ، جيئة وارتدادا
وتقص الذي حكته مرارا
للروابي ، ولقنّته الوهادا
زتعيد الذي اعادت وتروّي
من سعال البيوت فصلا معادا
من أنادي يا ريح ؟ : من لست أدري
هل سيدنو ، أم يستزيد ابتعادا
من يراني ؟ اني هنا يا عشايا
أنفخ السقف ، أو أدراي الرقادا
ورؤى ، تستفزني وتولّى
ورؤى تزرع المساء سهادا
وهوى يعزف احتراقي ويشدو(55/361)
فاعيد الصدى ، وأحسو الرمادا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أم العرب
أم العرب
رقم القصيدة : 67643
-----------------------------------
حيث الغبار الأهوج
على الرياح ينشج
وحيث تشمخ الدمى
ويستطيل العوسج
هناك ، حيث يدّعى
على القشور البهرج
جزيرة ، تطفو على
صحو الربى ، وتدلج
مطلة ، كأنها
نعش أشمّ أبلج
تمضي به ، حنية
جرحى ، وتلّ أعرج
سمراء ، حلمها على
أيدي الرياح ، خودج
ومرود ، من الهوى
ومرتع ، مضرج
نجثو كذاهل إلى
ما لا يرى يحدج
كجائع يشتم من
حوليه لحما ينضج
تسهوى ، وظل نفسها
يخفيها ، ويزعج
فتحبل الرّؤى على
أهدابها، وتخدج
على الفراغ ، تنطفي
وللفراغ تسرج
على اصفرار وجهها
تعملق التشنج
فبعضها ، لبعضها
توحش ، مهيج
يومي إلى ركامها
ركامها المدجّج
فترجع (البسوس) في
أحشائها تهملج
ويعصر التحامها
دماءها ، ويمزج
وتنثني يهزها
تبجح ، محشرج
تقص عن جدودها
كم أخمدوا ، وأججوا
وأبدعوا ، مقابرا
وأسقطوا ، وتوّجوا
وأتخموا سوق الرّدى
وأكسدوا ، وروّجوا
وأين صال ((جرهم))
وأين جال ((جزرج))
فيشرئب ((هاشم))
من رملها ((ومذحج))
فتغزل الحياة من
ثلج البلى ، وتنسج
سل الرياح : هل لها
خلف الرؤى ، توهج
هل يستفز وجهها
إلى الضحى ، التبرج
هناك ذرّ برعم
فأوما التأرج
إلى تثير موعدا ، على
عينيه ، طيف ادعج
هناك : نبض مولد
فافصح التلجلج
وكرمة ، عيونها
أحلام انثى ، تزوج
ومنحنى ، يخضر في
حروفه ، التهدج
وواحة ، حلبى تعي :
متى ؟ وكيف تنتج ؟
فتبتدي جزيرة
أخرى أجدّ أبهج
لها طفولة ، على
ركض البزوغ ، تدرج
على امتداد حضنها
تندى الحصى ، وتهزج
وينتشي ((عرارها))
ويفرح البنفسج
فللكوى ، تلفت
وللربى تموج
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أخر جديد
أخر جديد
رقم القصيدة : 67644
-----------------------------------
مولاتي ، يا أحلى الأحلى
عندي لك ، أخبار عجلى
قالوا عن ؟((حورية)) أمتلئت
فتنا ، أغلى ما في الأغلى(55/362)
نهداها : كبر شموخهما
خدّاها ، نظرتها ، النجلا
أنّى خطرت ، لبست حقلا
من غزل ، وانتعلت حقلا !
فهنا وهناك ، لمشيتها
تأريخ ، يستهوي النحلا
أملاه يوما منطعف
والريح ، اعادت ما أملى
((وثريا)) اجنت ، وحواها
عشّ ، فاخضوضر واخضلا
وحكى عن ((مريم)جيرتها
ميعادا ، ولقاء نذلا
حتى عرّاها إخوتها
من اكفان الحسب الأعلى
وانحلت عن ((يحى)) قمر
واستهوت مطلاقا كهلا
***
لكن ، أأقصّ لغاليتي
من آخر أخباري فصلا
إني وحدي ، والبرد على
أنقاضي ، يسقط كالقتلى
أجتر الطين ، وأعزفه
وأغنّي ، للريح الشكلى
***
بالأمس ، شدا المذياع ، هنا
فشممتك ، اغنية جذلى
وكزهر الرمّان اختلجت
شفتاك ، وخفّتك الخجلى
وتناغى الطيب ، كعزّاف
ولدت قيثارته الحبلى
وكأن لقاء يحضننا
أرجو ، فتجيدين البذلا
***
واليوم ، تقمّصني قلق
مجنون، لم يعرف منهلا
فتقاذفني التّجوال كما
تستاق العاصفة الرملا
فعبرت زقاقا مأهولا
وزقاقا ، هرما منحلا
وترابا ينسج أقنعة
لوجوه لم تحمل شكلا
وطريقا سمحا أسلمني
لمضيق يلتحف الوحلا
وإلى سوق في آخره
منعطف ينشدني أهلا
وسألت هنالك ((فلفلة))
عن دارك فادّعت الجهلا
أولا تدرين ، تلقاني
عبق ، من شرفتك انهلا
وهناك جثوت ، أعبّ صدى
حيّا ، واعيد صدى ولى
وإخال الممشى يسترخي
ويلحن خطرتك الكسلى
فأصيخ ، إلى ما لا أدري
وأضم ، الهرة والطفلا
ورآني الباب ، فمد على
كتفيّ ، الخضرة والظّلاّ
وحكى لي ، كيف تلاقنا
في تلك الأمسية الكحلى
ومتى تأتين ؟ أيخبرني ؟
وتلعثم ، بالخبر الأجلى
***
والآن ، رجعت ، كما تسري
في الغاب ، القافلة العزلا
هذا ما جدّ ، ولا أدري
ماذا سيجدّ ، وما يبلى
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> خدعة
خدعة
رقم القصيدة : 67645
-----------------------------------
من تمنحين ، الضحكة الواعده
والهزة المعطاءه ، الناشده
سدى ، تمدين اليه اللظى
لن تستحرّ الكومة الخامده
قد أصبح الجوعان ، يا روحه
شبعان ، تزدان له المائده(55/363)
الجمرات ، الخضر ، في لمسه
تثلجت ، واحدة ، واحده
تساءلي : أين اختفى وجهه ؟
كيف انطقت أعرافه الواقده ؟
وفتّشي عينيه ، هل فيهما
حتى رماد الجذوة البائده
من ذا تثيرين ، كما تقتفي
صبيّة ، عصفورة شارده
يداه ، في مجناك ، لكنه
ريّان ، يحسو ، قهوة بارده
وكان لا يصحو ، ولا يرتوي
من دفء هذي الثروة الحاشده
عودي إلى ، الأمس يريه ، كما
كان اجتداء أو منى ساهده
أو حاولي أن تصبحي ، لعبة
أخرى ، ومدّي نظرة كائده
فالحلوة الأولى على نضجها
وخصبها ، كالسلعة الكاسده
فكيف ، والأخرى غدا عنده
أولى ، فيا للخدعة الخالده !
ماذا تقولين ، أكل الذي
يبني ، وتبنين ، بلا قاعده
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> صدى
صدى
رقم القصيدة : 67646
-----------------------------------
من ذا يناديني ؟ احسّ نداء
يعتادني ، فيحيلني اصداء
خلفي ، وقداّامي ، يزنبق دفئه
وينرجس اللفتات والإغراء
فأشدّ أنفاسي وأعراقي إلى
فمه ، وأغزل من شذاه رداء
من ذا ؟ ويلثمه التساؤل والمنى
يحفرن عنه الحيرة الشقراء
والباب يلثغ ، باللقاء وينطوي
في صمته ، يتحرّق استجداء
والسهد يلهث ، في الرفوف ، ويحتسي
أنفاسه ، ويجرجر الأعياء
فأقول للجدران : من ظ وتقول لي :
من ؟ والكزى تتساجل الأيماء
وتمد اذرعها اليه ، وتنحني
تصغي ، وتجمع ظلّها ، أشلاء
والليلة الكحلى ، تصيخ إلى الصدى
فتحيلها معزوفة سمراء
وتميس ، من خلف الثقوب ، كناهد
خجلى ، تريد وتحذر الإفشاء
من ذا يناديني ؟ ويدنو من يدي
حتى أهمّ بلمسه ، يتناءى
كيف استسرّ ؟ وأستحيل ترقبا
شرها ، يداري السّهد والإغفاء
حتى يعود .. أكاد أهتف باسمه
ويريبني ، فأضيّع الأسماء
من أين يدعوني ؟ وأنبش لهفتي
عن نبعه ، وأفتش الأصغاء
وأمدّ أسئلة ، يمنّي بعضها
بعضا ، ويضحك بعضها استهزاء
من أين باح ؟ أمن هناك ؟ ربما :
أم أنّه من ها هنا ، يتراءى
من حيث لا أدري ، وأدري انه
يعتادني ، فيحيلني اصداء(55/364)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أصيل القرية
أصيل القرية
رقم القصيدة : 67647
-----------------------------------
تدلّى كمزرعة من شرر
معلقة ، بذيول القمر
وحسام ، كغاب من الياسمين ،
تندّى على ظلّه واستعر
فمالت تودّعه ، ربوة
وتهتز ، كاللهب المحتضر
كحسناء عرّى العتاب الخجول ،
هواها وبالبسمات استتر
تعابثه ، وتباكى الطيور
وتستعبر الرابيات الأخر
ومدّت له القرية الهينمات
كلغو الرؤى كاصطخاب (التّتر)
وأعلت له ، جوفة من دخان
ومعزوفة ، من خوار البقر
فرفّ ، كأجنحة ، من نضّار
كأردية ، من دموع النهر
وعرّاء ، صحو المدى ، فارتدى
لهيب ذوائبه ، واتّزر
***
تهادي ، يجمع من كلّ أفق
صدى عمره ، ولهاث البشر
ويحبو كموج يمد ... يديه
إلى شاطىء من مزاح القدر
وأرسى على كتفيّ شاهق
كأرجوحة ، من ذهول الفكر
يلملم من جمرتي مقلتيه
حبالا ، يخيط شراع السّفر
ويجبل آثار أقدامه
أباريق حب ، ونجوى سهر
واغضى ، فمنادى الرواح الرعاة ،
فعادوا اثنى ، وتوالو ا زمر
وناشت خطاهم هدوء التراب
ورعش الكلا ، وسكون الحجر
ونقّر خطو القطيع الحصى
كما ينقر السقف وقع المطر
وشدّ الرعاة ، إلى الراعيات
شباب المنى ، وملاهي الصغر
وكانت (غزال) غناء الرعاة
وصيف الربى ، وشذا المنحدر
مآرزها ، من رنوّ الحقول
إليها ، ومن قبلات النّهر
وقامتها ، من عمود الصبّاح
ذوائبها ، من خيوط السّحر
***
وكانت تماشي (مثنّى صلاح)
وتقرأ في وجه (تقوى) الأثر
ولمّا دنا الحيّ ضجّت (سعاد)
أضاع (حسين) الخروف الأغر
فمن من رآه ؟ تعالوا نعد
مواشينا ، قبل تيه النظر
ولما أتمّوا ، حكت (وردة)
و(فرحان) عن كل واد خبر
فأخبر : أين ذوى مرتع ؟
وأين زكا مرتع وازدهر؟
وفي أي شعب ، تمدّ الذئاب
حلاقمها ، من وراء الحذر
***
ومرّوا كحقل ، تلم الريّاح
وريقاته ، وتميل الثّمر
كقيثار هاو ، دؤوب ، يلحّ
على وتر ، ويدمّي وتر
وأدمى الوداع ، نداء العيون
ولوّن ظلّ الغروب الخفر
***(55/365)
وحيّا فم القرية العائدين
ونادى ممرّ ، ولبّى ممر
وأخفى (عليا) مضيق طويل
ووراى (ثقى) شارع مختصر
ودارت ثوان ، فران السكون
ينوع ، بالذكريات السّمر
ففي مسمر ، ذكريات (مريم)
أباها ، وناحت كيوم انتحر
وفيمسمر بث ( سعد) أباه
شجون الزواج ، وأغضى البصر
وثرثر في كل بيت حديث
وأحزن كلّ حديث وسر
(فأم ثريا) تفوق الرجال
وتوجى أمرّ ... وأحلى الذكر
فكيف تجلّت مساء الزفاف
وفي الصبح ، مات أبوها الأبر
(وأم علي) تربّي الدّجاج
تكدح خلف ارتعاش الكبر
ترقع أسمال أطفالها
وتحسو عروق يديها ... الإبر
(وحسّان) خان غرور البنات
به ، وانتقى : أمّ إحدى عشر
وباع (رجا) اخته في ((الرياض))
بألفين ، للتاجر المعتبر
ومات (ابن سرحان) يوما وعاد
يخبر جيرانه ، عن سقر
وأصغى السكون ، إلى كل بيت
كحيران ، ينوى وينسى الوطر
وأغفى رفاق الهوى والقطيع
على موعد الملتقى ، المنتظر
وليلتهم ذكريات وحلم ...
كلمع الندى ، في اخضرار الشجر
طيوف ، كما حثّ سرب الحمام
قوادمه ، خلف سرب عبر
وكلّت رياح ،وجنّت رياح
ونجم تأنّى ، ونجم طفر
وفتّش عن قدميه الدّجى
ودبّ ، كأعمى يجوس الحفر
فأذكى هنا جمرات السهاد
وأعطى هناك الرؤى والخدر
وأفنى هزيعا وأدهى هزيعا
فعاد الأصيل المولّي سحر
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لص في منزل شاعر
لص في منزل شاعر
رقم القصيدة : 67648
-----------------------------------
شكرا ، دخلت بلا إثاره
وبلا طفور ،، أو غراره
لما أغرت خنقت في
رجليك ضوضاء الإغاره
لم تسلب الطين السكون ،
ولم ترع نوم الحجاره
كالطيف ، جئت بلا خطى
وبلا صدى ، وبلا إشاره
أرأيت هذا البيت قزما،
لا يكلفك المهاره ؟
فأتيته ، ترجو الغنائم ،
وهو أعرى من مغاره
***
ماذا وجدت سوى الفراغ
هرّة تثتم فاره
ولهاث صعلوك الحروف
يصوغ ، من دمه العباره
يطفي التوقد باللظى
ينسى المرارة ، بالمراره
لم يبق في كوب الأسى
شيئا حساه إلى القراره
***(55/366)
ماذا ؟ أتلقى عند صعلوك البيوت ،
غنى الإماره
يا لصّ ، عفوا إن رجعت
بدون ريح ، أو خساره
لم تلق إلا خيبة
ونسيت صندوق السجاره
شكرا ، أتنوى ان تشرفنا ، بتكرار الزياره! ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ذهول الذهول
ذهول الذهول
رقم القصيدة : 67649
-----------------------------------
لديه ، من أحلى الحكايا شكول
تثير فيها عنفوان الفضول
يخبرها .. يسألها .. ينتقي ..
من قصة الأشواق أشهى الفصول
وكيف ظ ينسل اليها إذا
تثاءب الباب ، وأرمى الدخول
وغاب في التفكير ، واعتاده
ظلّ دخاني ، كوجه العذول
ماذا ؟ إذا لاحت له فجأة
وأنكرته ، واحتمت بالأقول
لا ، لم يغب عن بالها ،إنه
كان لها جارا عطوفا وصول
لكن أتدري أن أشواقه
كما تكب العاصفات السيول ؟
ألا ترى ، أن اختلاجاته
أمامها شهق الحريق الأكول؟
وكان يخشى بين جيرانها
جارا ترابيّ الأماني ختول
يحمحم الشيطان في صدره
وبين فكيّه يصلّي بتول
واستنطق الباب ومدّ المنى
وهو احتراق وانتظار سئول
واستنزلتها قبضتا وهمه
فضمّها ، قبل احتمال النزول
***
من ذا ؟.. وإذ لاحت رماه الى
شموخ نديها ، الخيال العجول
وأقبلت في موكب من شذى
ملحن الخطو طروب الذبول
مفاصل الممشى على هطوها
عادت صنوجا ، واستحالت طبول
ومقلتاها ، تغزلان الرؤى
حمائما زرقا ، وصحوا كسول
كيف يناجها : ألا تنطوي
أحرفه ، تحت اصفرار الذبول؟
فينحني خجلان ، لكنّها
حسناء يرضيها اللهف الخجول
ماذا يلاقي ؟ شعلة بضّة
من الصبا ، والكبرياء الملول!
دفئا ، واشراقا ، كما يرتمي
فجر الرّبى ، فوق اخضرار السهول
يحبو على أهدابها ، موعد
طفل ، ويسترخي عليه الخمول
في أي زاه من تهاويلها ؟
يرسو ، وفي أي اخضرار يجول ؟
يذهله عن بعضها بعضها
فما الذي يغوي ظ وماذا يهول ؟
***
وعاد يحكيها لناي الهوى
ويسأل الأشباح ماذا يقول؟
هل يخبر الأشواق عنها كما
يخبر عن (جنات ) عدن رسول
وجهه ، أسئله حوّم
ظوامىء ، يمتصهنّ النحول(55/367)
يخقن كالأوراق ، يسألن عن
روائح الأنثى ، رياح القبول
***
وكان يطوى شارعا جوّه
غاب ، كثيف ، من زنود (المغول)
كالنعش ، يستلقي عليه الدّجى
وتعجن السحب عليه الوحول
وساءل الدرب الثقات الحصى
من ذلك الآتي ؟ كطيف الطّلول !
يمدّ رؤياه الى لا مدىّ
ويذرع الأوهام عرضا وطول
عهدته مرّ عشاء وفي
عينيه ، من أطياف (قيس ) فلول
وزار دارا بين جدرانها
صيف ، نبيذيّ الجنى والحقول
مضى إليها ذاهلا وانثنى
عن بابها ، وهو ذهول الذهول
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ذكريات شيخين
ذكريات شيخين
رقم القصيدة : 67650
-----------------------------------
كان يا (عمرو) هنا بيت المرّح
زنبقيّ الوعد ، صيفي المنح
الطيوف الحمر ، والخضر على
مقلتيه ، كنعاقيد البلح
أشمست فيه الليالى .. والمدى
يثريات دواليه اتّثح
كان مضيافا ، إذا ما جئته
شعّ كالفجر ، وكالورد نفح
فانمحى : يا للتلاقي بعدما
نزح الروّاد عنه ونزح!
***
يا ترى ، من أين نمشي ؟ ها هنا
قام حي ، وهنا أرسى مصع
وعهدنا منزلا قزما هنا
من ترى عملقة ، حتى طمح ؟
واستراحت ها هنا مقبرة
قرب العمران منها فاكتسح
ووراء السور ، أرسى مصنع
وهناك ، امتد سوق وانفسح
أين نحن الآن ؟ وارى عهدنا
وجههه ، وانطفأت فيه الملّح
أنكر (النهرين) وجهينا من
قبله ، أنكرنا (باب السّبح)
من يقوّينا ، وكنا زمنا
كبغال (الروم) أوخيل (جمع)
***
ها هنا نجلس ، يا (عمرو) ترى
ما اقتنى التأريخ منا واطّرح ؟
خط آثار خطانا ، زمن
بيديه وبرجليه ، مسح
فانحنى (عمرو) وقال : اذكر لنا
يا (علي) الأمس واترك ما اجترح
أمسنا ، كان كريما معدما
وزمان اليوم ، أغنى وأشح
كيف كنّا ننطوي ، خلف اللّحى
ونواري من هوانا ، ما افتضح
يوم أعلنت (روضة) برقعها
واستجدنا ما اختفى مما اتضح
أطمتنا .. وألحّت في النوى
عن يدينا ، وتشهّينا ألح
فترددنا على جار لها
نشتري التبغ ، ونطري ما امتدح
وأطلّت ذات صبح مثلما
يرتدي صحو الربى (قوس قزح)(55/368)
فارتعشنا ، وانجلت دهشتنا
ثم أومأنا اليها ، بالسّبح
فاقتفتنا ، وتركمنا للهوى
كل أمر ، وأطعنا ما اقترح
ومضى عامان ، لا ندري متى
جدّ حادي العمر ، أو أين مزح؟
كيف كنا ، قبل عشرين نعي
همسة الطيّف ، وإيماء الشبح
ونغني كالسكارى ، قبل ان
يعد العنقود اشواق القدح
ثم اصبحنا نشازا ، صوتنا
في ضجيج اليوم ،كالهمس الأبح
كلّ شيء صار ذا وجهين ، لا
شيء يدري ، أين وجهه أصح ؟
***
يا (علّي) : انظر ، ألاح المنتهى
لا انتهى المسعى ، ولا الساعي نجح !
لم تعد نهنأ ، ولا نأسى ، ذوت
خضرة الانس ، خبت نار الترح
أو خبا الحسّ الذي كنّا به
نطعم الحزن ، ونشتمّ المرح
لم يعد شيء كما نألفه
فعلام الحزن أو فيا الفرح؟!
*
دخلت (صنعاء) بابا ثانيا
ليتها تدري ، إلى اين أفتتح
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> سياح الرماد
سياح الرماد
رقم القصيدة : 67651
-----------------------------------
يريد ، ويمضي ، الى لا مراد
يخوض إلى الوعد ، موج الرماد
ويرمي سفينته للحريق
ةتنشد أهدابه : لا ارتداد
فيقذفه سفر حالم
إلى سفر ، من رؤى (شهرزاد)
وتجترّه من غيوم الصّديد
بلاد من الطيب ، في لا بلاد
يتم عليها اختلاج البروق
فتمتد عيناه ، في .. لا امتداد
فتبصقه الريح ، من كل فج
وتمضغ في مقلتيه .. العتاد
وتسأله : هل يعود الى
مصيف رباه ، ودفىء الوهاد ؟
فيسألها : هل له منزل
على شرفتيه ، انتظار المعاد
فتخبره : أن دنياه ريح
ودرّامة ، من طيوف السهاد
ضجيج فراغ ، يلوك صداه
ويوهم شدقيه ، بالازدراد
ووديانه ، في ضياع الضيّاع
وموعده ، رحلة (السّندباد)
يغازل خلف امتداد الخيال
مدى للفنون ، عليه احتشاد
سواعده ، سلّم للشموس
وأهدابه للثريّا وساد
ذوائبه ، لجج من رحيق
وأحضانه الخضر ، صيف جواد
لوافته ، من أغاني الطيوب
وأبوابه ، أذرع ، من وداد
حنون الممرّات ، جدرانه
نجوم كسالى ، تدير الرّقاد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> كلمة كل نهار(55/369)
كلمة كل نهار
رقم القصيدة : 67652
-----------------------------------
كيف اشرأب (ظفار) وانتخى (صبر)
يوم التقى الشعب ، والآمال ، والقدر
وكيف عاد (لصنعاء) العجوز ، صبا
أطرى ، وأشمس ، في ارجائها السمر
وكيف يا (نقم) المولود ، كيف همت؟
أصداؤه الخضر ، حتى أورق الحجر
وكيف أنكرت يا (صرواح) كل صدى
حتى تورّد في أهدابك الخبر
وكان يوم نشور الشعب منتظرا
وافى ، كما انهلّ في ميعاده المطر
أطلّ ، فاحتضنته كلّ رابية
وبشّر الوادي الممتد ،منحدر
وسار ، والفجر في كفيّه ألوية
ومن جراح الضحايا ، خلفه ، سحر
فهنّأت جارة أخرى ، وهنأها
جار ، وزغردت الشرفات والجدار
وها هنا غمغم التأريخ : أين أنا ؟
من قائد الزحف ، سيف الله أو عمر ؟
ماذا هنا اليوم ، يا دنيا ؟ هنا يمن
طفل ، على شفتيه يبسم الظفر
هذا النشور ، أو الميلاد ، مدّ فما
الى الأعالي ، فدلّى نهده القمر
مضى ، وكلّ طريق تحت موكبه
شدو ، وكل حصاه حوله ، وتر
***
وذات يوم ، ربيعي الضحى ، نبحت
(صنوان) عاصفة تعوي وتنفجر
من ذا أهاج رماد الأمس ، فاشتعلت
في أعين الريح ، من ذرّاته ، شرر
أهذه الحرب ، يا تأريخ ، كيف ترى
من خلف (جنات عدن) أومأت (سقر)
ومرّ عام ، جحيمي ، روائحه
دم ، بحشرجة البترول ، متّزر
ودب ثان ، خريفي المدى ، قلق
يفني ، ويفنى ، ويحيا ، وهو ينتحر
وطال كالسّهد ، حتى انهدّ في دمه
تثأبت من بقايا وجهه ، الحفر
وغاب خلف الشظايا ، فابتدت سنة
تعبّىء النار ، ثدييها وتعتصر
فأجهد الموت شدقيه وقبضته
فى تجلمد في أنيابه الضّجر
وقال كل نهار : لن تنال بد
من ثورة ، مات في ميلادها ، الخطر
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ليلة خائف
ليلة خائف
رقم القصيدة : 67653
-----------------------------------
كانت قناديل المدينة
كالشرايين ، النوازف
والجو يلهث ، كالداخن
فوق أكتاف العواصف
وهناك مذعور ، بلا
حان على الأشواك عاكف
كالطائر المجروح ، في
عش ، بأيدي الريح واجف(55/370)
السّقف ينذره ، ويصمت
أو يوسوس ، كالزّواحف
والظلّ ، يلمحه ، وفي ..
عينيه ، تحترق الهواتف
والباب ، يلغظ ، بالوعيد
وينتفي ، أعمق الرّواجف
ماذا هناك ؟ وراعه
شيء ، كلعلعة القذائف !
فأحسّ أفواج (التتار)
طوائفا ، تتلو طوائف
ورأى النوافذ أعينا
كالجمر ، مطفأة العواطف
أين المفرّ ؟ وهمّ ، واستأنى
وأحجم ، نصف تالف
فيفرّ ، وهو مسمّر
والبيت ، يهرب وهو واقف
ومضت نجوم مطفأت
وانثنت ، أخرى كواسف
فروت اليه الريح ، خفقة
معزف ونحيب عازف
وعلى اختناق لهائه
ضحّى ، بصوت غير آسف
وهنا ، تحدّى الرعب ، أو
داراه ، أو ألف المخاوف
فهمى على عينيه إغفاء ،
كأسحار المصائف
وتبنّت الأحلام ، هجمته ،
وبدّلت المواقف
فانهار قطّاع الطريق ،
وأسكت الجوّ ، العواصف
ورأى فراديسا تدلّله ،
تمدّ له ، المقاطف
وبرغمه ، عصف التيقظ ،
بالعلالات الخواطف
فأفاق ، ربع مخدّر
ثلثي صريع ، نصف خائف
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أم في رحلة
أم في رحلة
رقم القصيدة : 67654
-----------------------------------
هل هذا طفلك ؟ واقتربت
كالطفل ، تناغي ، وتنادي :
طفلي ، هل أعجب سيدتي ؟
حلو ، كهديا الأعياد
وكأوّل إحساس الأنثى
برنوّ المعجب والصّادي
ما اسم المحروس ؟ : اجب يا إبني : (نعمان) كجد الأجداد
أهلا (نعمان ) فيستحيي
ويرفرف، كالورد النادي
فتحاكي لثغته الخجلى
وتغم كالنبع الشادي
ما أروعه ؟ يا عم وما
أسخى عينيه ، بإسعادي
أولادي الأربعة ، اختلطوا
فيه ، ما أحلى أولادي
عيناه ، كعيني (عائشة)
خدّاه ، كخدّي (عبّاد)
فمه ، يفتر ، كثغر (لمى)
زنداه ، كزنده (حمّاد)
***
شكل حلو ، ما أجمله
كالطيف ، كأطيار الوادي
كالحب كدغدغة الذكرى
كالحلم ، كهمس الميعاد
أشتمّ حليبي .. في فمه
قبلاتي أنفاس بلادي
وتمدّ إلّي ملامحه
فرحي ، وعذاب الميلاد
زهوي بالحمل ، كجاراتي
صرخات المهد ، وإجهادي
وتعيد إلّي طفولته
صغري ، وطفولة أندادي
فكأني ولداتي نشدو(55/371)
أو نركض ، كالسّيل العادي
***
(نعمان ) أعاد صبا عمري
يا عمّ ، وايقظ ، إيقادي
كهوى ، كلّت أنشودته
وتلظّى ، رجع الإنشاد
خلفي ، يا عم ، نداءات
وأمامي ، سحر الأبعاد
أمضي ، وأعود ، وأطفالي
أسفاري ، أشواق معادي
لا تأسي ، يا بنتي ، إني
سافرت العمر ، بلا زاد
خضت الخمسين ، بلا ولد
يرجى ، وبلا أمل حادي
وأتى الأولاد ، بلا رزق
وبلا طرق ، وبلا هادي
فصبرنا صبر الدّرب على
أقدام الرائح ، والغادي
واستنجدنا المولى حتى
لبّانا ، أسخى انجاد
***
أتحبين ابني ؟ : كلّ ابن
في الأرض ، وكلّ الأحفاد
***
عفوا ، يا عم ، أنا أم
أولاد ، الغير كأولادي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> سفاح العمران
سفاح العمران
رقم القصيدة : 67655
-----------------------------------
يا قاتل العمران .. أخجلت
المعاول .. والمكينة
ألأنّ فمك النفوذ
وفي يديك دم الخزينة ؟
جرّحت مجتمع الأسى
وخنقت في فمه .. أنينه
وأحلت مزدحم الحياة
خرائبا ، ثكلى ، طعينه
ومضيت من هدم الى
هدم ، كعاصفة هجينه
وتنهّد الأنقاض في
كفيك ، أوراق ثمينه
وبشاعّة التّجميل في
شفتيك ، كأس أو دخينه
سل ألف بيت عطّلت
كفّاك مهنتها الضّنينه
كانت لأهليها متاجر
مثلهم ، صغرى ، أمينه
كانوا أحقّ بها ، كما
كانت يمثلهم ، قمينه
فطحنتها .. ونقيتهم
من الضّحايا المستكينه ؟
أخرجتهم كاللاجئين
بلا معين ، أو معينه
وكنستهم تحت النّهار
كطينة ، تجترّ طينه
فمشوا بلا هدف ، بلا
زاد ، سوى الذكرى المهينه
يستصرخون الله والإنسان
والشمس الحزينه
وعيون أم النور خجلى
والضحى يدمي جبينه
والريح تنسج من عصير
الوحل قصتك المشينه
من أنت ؟ : شيء ، عن بني الانسان مقطوع القرينه !
ذئب على الحمل الهزيل
تروعك الشّاة السّمينه
عيناك ، مذبحة مصوّبة ،
ومقبرة كمينه
ويداك ، زوبعتان ، تنبح في لهاثهما الضغينه
يا وار لما عن ((فأر مأرب)) خطّة الهدم اللّعينه
حتى المساجد ، رعت فيها الطّهر ، أقلقت السّكينه(55/372)
يا سارق اللّقمات من
أفواه أطفال المدينه
يا ناهب الغفوات ، من
أجفان ((صنعاء)) السّجينه
من ذا يكفّ يديك ، عن عصر الجراحات الثخينه
من ذا يلبّي ، لو دعت هذي المناحات الدّفينه
من ذا يلقّن طفرة الإعصار ، أخلاقا رزينه
نأت الشواطىء ، يا رياح
فأين من ينجي السّفينه ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ذات يوم
ذات يوم
رقم القصيدة : 67656
-----------------------------------
أفقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى إطربي
***
أتدرين ، يا شمس ماذا جرى ؟
سلبنا الدجى فجرنا المختبي !
وكان النعاس على مقلتيك
يوسوس ، كالطائر الأزغب
أتدرين ، ؟أنا سبقنا الربيع
نبشّر بالموسم الطيب ؟
وماذا ؟ : سؤال على حاجيك
تزنبق في همسك المذهب !
وسرنا حشودا تطير الدروب
بأفواج ميلادنا الأنجب
وشعبا يدوّي ك هي المعجزات
مهودي ، وسيف ((المثنّى)) أبي
غربت زمانا غروب النهار
وعدت ، يقود الضحى موكبي
***
أضأنا المدى ، قبل أن تستشف
رؤى الفجر ، أخيلة الكوكب
فولّى زمان ، كعرض البغي
وأشرق عهد ، كقلب النبّي
طلعنا ندلّي الضحى ذات يوم
ونهتف : يا شمس لا تغربي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> سيرة للأيام
سيرة للأيام
رقم القصيدة : 67657
-----------------------------------
ربمّا لا تطيق مثلي قرار
فلنسافر .. تساؤلا وادّكارا
يا صديقي الحنين .. من أين تدري ؟
كيف عاد الضحى ؟ وأين توارى؟
أتراه نهار أمس .. المولّي
عاد أشهى صبا ، واسخى انهمارا
هل رماد الضحى ، يحول رداء
للعشايا ، لكي يعود نهارا
العشايا صبح كفيف يدلّي
شوقه من رماد عينيه نارا
يسحب الظل ، والطيوف الحزانى
ويعاني شوق الطيور الأسارى
ثم يأتي .. كما مضى .. في ذهول
شفقي ، يدمى ، ويندى افترار
يا صديقي .. وهل يعي كيف أغفى
جمر أجفانه وكيف أنارا
وهل الشمس طفلة ، أو عجوز
تستعير الصبا ، وتغوي المدارا
أتراها عصرية ، أم تراها
متحفا دايرا ، يوشّي الجدارا(55/373)
ما الذي تدّعى ؟ لها كلّ يوم
مولد ، كيف ((يا فقيه بخارا)) ؟
أو ما أزوجت (وروما) جنين
و(أبو الهول) في حنايا الصحارى
أو ما أدفأت (ثبيرا) ولّما
بلد الغيب (يعربا) أو (نزارا) ؟
فليكن .. إنما الاصالات أبقى
جدّة ، والنّضار يبقى نضارا
يا صديقي .. فكيف يدعون هذا
مستعادا ، وذاك يدعى ابتكارا
ربّما لم يجدّ شيء ، ولكن
نحن نرنو ، بناظرات السكارى !
والرّبيع ، الذي نرى اليوم ، هل كان الربيع ، الذي رأينا مرارا ؟
وسنلقاه ، بعد (كانون) أملى
بالرؤى من عيون أحلى العذارى
والمصيف الذي نراه كبارا
كان ذاك الذي شهدنا صغارا
ولماذا صمتّ ، ترنو يمينا
في شرود ، وتستدير يسارا
كيف نغضي ، وللسؤالات ركض
تحت أهدابنا ، يخوض الغمارا ؟
هل تحسّ الحقول ما سر (نيسان) ؟
ومن أين عاد يهمي اخضرارا؟
كيف أصغت إليه ؟ هل ضج يا أشواك
موتي ... وبارك (الجلنّارا)
أيّ فصل من الفصول التوالي
أسكت (اليوم) واستعاد (الهزارا) ؟
أين يمضي الزمان ((هل سوف يطوي
سفره ، أو يعي ، فيشكو العثارا ؟
ربمّا ... إنما ... لماذا ننادي ؟
ويضيع الصّدى ، فنرجو القفارا
أتظن الرياح ، تدري إلى أين ؟
ومن أين ، تستهل المسارا ؟
أتراها ، تعطي الرّبى جانحيها
ذات يوم ، وتستعير الوقارا ؟
***
يا صديقي ... أنا وأنت إشتهاء
نحتسي الملح ، أو نلوك الشفارا
طال فينا جوع السؤال ، فأطعمناه (كانون) واعتصرنا الغبارا
واجتدانا ولائما عاجلات
فطحنا على النجوم الحيارى
كل ما عندنا نداء بلا ردّ
سؤال ، يتلو سؤالا ، مثارا
من دعانا ؟ ومن ننادي ؟ أصخنا
وانتظرنا ، حتى حرقنا انتظارا ؟
فلننم .. والنعاس يروي حكايانا ، ويرخي قبل الشروع الستارا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عند مجهولة
عند مجهولة
رقم القصيدة : 67658
-----------------------------------
هذه الأمسية الكسلى الغربية
مرح خاب ولذّات كثيبه
السقوف الخرس أبد لا ترى
ووراء الباب أنفاس مريبه
والزوايا أذرع مجهولة(55/374)
والكوى عينا رقيب أو رقيبه
ربما أخطأت لكن قلق
يعتريني واحتمالات قريبه
اللقاء الحلو مرّ ها هنا
وتناجى الحب دقّات رتيبه
هذه الساعات أنس خائف
ومنىّ خمرية جذلى رهيبه
أين طعم الخمر والحب هنا
ولدي الكأس ملأى والحبيبه
***
يا حنان الحلوة الفنجا إلى
اين تمضي بي لياليك العجيبه
ها هنا يا شهرزاد انطفأت
نار جدبي وابتدت نار خصيبه
***
انما من انت قولي اما
خلف برق الأنس امطار المصيبه
بالهوى من أنت يا مجهولة
دون أن ادعوها كانت مجيبه
فلتكوني من تريدين لقد
كنت مصدورا فأصبحت الطبيبه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ضائع في المدينة
ضائع في المدينة
رقم القصيدة : 67659
-----------------------------------
سوف أبكي ولن يغير دمعي
أي شيء من وضع غيري ووضعي
هل هنا أو هناك غير جذوع
غير طين يضجّ ، يعدو وبقعي
لو عبرت الطريق عربان أبكي
وأنادي ، من ذا يعي ، او يرعّي ؟
يا فتى ! يا رجال ! يا يا ، وانسى
في دويّ الفراغ صوتي وسمعي
ربما قال كاهن ، ما دهاني ؟
ومضى يستفيذ من شر صنعي
ربما استفسرت عجوز صبيا
ما شجاني ، وأين أمي وربعي
أو رمى عابر إلّي التفاتا
واختفى في لحاق بجمع
***
انما لو لمست جيب غني
في قوي قبضتيه قوتي ، ومنعي
لتلاقى الزحام حولي يدويّ
مجرم ، واحتفى بركلي وصفعي
ولصاح القضاه ما اسمي وعمري ؟
من ورائي ؟ ما أصل أصلي وفرعي ؟
ما الذي يا فلان يا بن فلان ؟
ولهو ساعة يخفضي ورفعي
وهذا المدّعي بقتلي لأني
خنت ، حاولت مكسبأ غير شرعي
وزرعت اللصوص في كل درب
وعلّي ابتلاع أشواك زرعي
فيقص القضاه أخطار أمسي
وغدي وانحراف وجهي وطبعي
عندهم من سوابقي نصف سفر
وفصول أشدّ ، عن خبث نبعي
وسأدعى تقدميا خطيرا
أو أسمى تآمريا ، ورجعي
وهنا سوف يحكمون بسجني
الف شهر ، أو يستجيدون قطعي
وسأبكي ولن يغير دمعي
أي شيء من وضع غيري ووضعي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بين أختين
بين أختين
رقم القصيدة : 67660(55/375)
-----------------------------------
أيقول الي ربما
ملخته من دعوى الشهامه
لو يجتديها هل تجود
ولو أبت يا للنّدامه
كانت مطلقّة
فهل تأبى الذلول المستهامه
لكن لماذا يشتهيها كم يلح بلا سآمه
أو ما تلوح كأختها
أو أنها أجلى قسامه
وأبضّ افنانا وأعرض مئزرا وامدّ قامه
في عنقوان السبع العشرين أمرح من غلامه
لو لم تكن أخت التي
في داره لرمى احتشامه
ايطيق لو سخرت به
حمل القطيعة والملامه
او لو حكته لأختها
لاستعجلت يوم القيامه
لكن رفيف ثمارها
يدعوه ينتظر اقتحامه
***
اترده لن تستحيل
ليؤة هذي الحمامه
أو لم تعده دلائل
منها ملونة الوسامه
***
ضحكت له يوم الخميس
وضحكة الأنثى علامه
واحسها لمحت هواه
يعين زرقاء اليمامه
أيام وعكة اختها
جاءت وطولت الإقامه
وبدت أرق من الندى
وتكلفت كذب الصرامه
وغداة زار شقيقها
كانت ارق من المدامه
حيته حين أتى وقالت
حين عاد مع السلامه
سلم على تقوى وزادت
دفء نبرتها رخامه
فنوى تصيدها غدا
او بعد ولتقم القيامه
واختار حلّته ونمّق
فوق جبهته العمامه
وأتى يغني ((يا عروس الروض )) أو يا ريم رامه
أو يشرئب كظامىء
بيديه يعتصر الغمامه
حتى دنى من دارها
حيّته آيات الفخامه
من هنا ؟ خرجوا أتدري
عاد خالي من تهامه
كيف العيال ؟ وأين أختي ؟ عند عمتها كرامه
ودعته ضحكتها فهم
وعاده خور ((النعامه))
ودنت كأجنى كرمة
تلهو بنهديها أمامه
واراد فاستحيا على
شفتيه مشروع ابتسامه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> سوف تذكرين
سوف تذكرين
رقم القصيدة : 67661
-----------------------------------
ذات يوم ستذكرين ارتجافي
بين كفسك وانهيال اعترافي
وسؤالي من ذا هنا وارتياعي
من سؤالي وخشيتي ان تخافي
واقترابي حتى شمعت وعودي
بأسى جبئتي وهزء انصرافي
وورائي ذكرى تعض يديها
وامامي طيف كوحش خرافي
من رآني من أين جئت وأمضى
كالصدا كاغتراب ريح الفيافي
أي جذلى رجعت عنها ومنها
واليها جنازتي وزفافي
والذي كان منزلي قبل حين(55/376)
جثته فاستحال منفى المنافي
***
انما سوف تذكرين وقوفي
بين كفيك أجتدي أو أصافي
ذات يوم سترحمين احترافي
بعدما ذبت واعتصرت جفافي
وتقولين كان عصفور حب
ظامئا كيف عز عنه ارتشافي
كان يأتي والجوع يشوي يديه
وعلى وجهه اصفرار القوافي
واختلاجاته تسلّي غروري
وانكساراته تحت انعطافي
كان يقتاده عبيري فيدنو
ثم يثنيه ضعفه عن قطافي
***
وتعودين تذكرين التماسي
ورجوعي وكيف كنت أوافي
وتودين لو بذلت ولكن
عند ان تجدبي وارضى عفافي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> نحن أعداؤنا
نحن أعداؤنا
رقم القصيدة : 67662
-----------------------------------
لأنا رضعنا حليب الخنوع
تقمصنا من صبانا الخضوع
فجعنا ليكتظ جلادنا
ويطفى ، وننسى بأنا نجوع
وحين شعرنا بنهش الذئاب
شددنا على الجرح نار الدموع
ورحنا نجيد سباب الدجى
ولم ندر كيف نضيء الشموع
نفور وتطفئنا تفلة
فتمتص إطفاءنا في خشوع
ولما سمعنا انفجار الشعوب
أفقنا نرى الفجر قبل طلوع
ويوما ذكرنا بأنا أناس
فثرنا ومتنا لتحيا الجموع
ولن لبسنا رداء الأباياه
وفي دمنا المتظام الهلوع
فحين انتوينا شروع المسير
حذرنا المغبات قبل الشروع
وقلنا أتى من وراء الحدود
جراد غريب فأشقى الربوع
وليس عدانا وراء الحدود
ولكن عدانا وراء الضلوع
فقد جلت الريح ذاك الجراد
فكنا جرادا وكنا الزروع
***
ومن ذا اتى بعد ؟ غاز تصول
يداه ويرنو بعيني ((يسوع))
عرفناك يا أروع الفاتحين
إلى أين ؟ ليس هنا من تروع
انلقاك يا ((عنتر )) ابن السيوف
يغير الواضي وأقوى الدروع
وكانت بروق الدم المفتدي
وعودا تعي وغيوبا تضوع
هناك انتصرنا بذرنا الربيع
ولكن جنينا شتاء القنوع
وقفنا نحوك لأبلى القبور
وجوها ، نعصر طلاء الصدوع
وليس عدانا وراء الحدود
ولكن عدانا وراء الضلوع
ترى كيف نمضي وهل خلفنا ؟
منوع وبين يدينا منوع
وأين وصلنا ؟ هنا لم تزل
نبيع المحيا ونشري الهجوع
***
فهل خلفنا شاطىء يا رياح !
أقدامنا مرفأ يا قلوع؟(55/377)
وصلنا هنا لا تطيق المضي
أماما ولا تسنطيع الرجوع
فلم يبق فينا لماض هوى
ولم يبق فينا لآت نزوع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> حماقة وسلام
حماقة وسلام
رقم القصيدة : 67663
-----------------------------------
ماذا ترى ؟ وهنا يريد ، وطاقة تمتص طاقه
وإفاقة كالسكر .. أو سكرا أمر من الأفاقه
جيلا بوثق بين مصرعه ، ومحياه.. العلاقه
ويريق الآلاف الكؤوس ، اسىّ على الكأس المراقه
تشتد فيه قوى الفتى ، وتميع في دمه الرشاقه
***
جيل التحرر والهوى ،
عبد التفاهة والأناقه
جيل التفتح والتمزق ،
والحداثة والعتاقه
حيران يغمره الشروق ،
ولا يرى أيّ ائتلاقه
ومرفّه ، للجوع في ذرات طينته ... عراقه
غضبان يبلع بعضه بعضا ، ويفخر بالصّفاقه
وسينتهي .. وجد السلاح ، وليس تنفصه الحماقه
ليت الذي دفع السلاح اليع ، علّمه اللياقه
حتى يعي من يستفز ، ومن يلاقي في طلاقه
حتى يوالي عن هدىّ يقظ ، ويكره عن لياقه
من لا تعلمه المداوة ،
فهو أجهل بالصداقه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ثكلى بلا زائر
ثكلى بلا زائر
رقم القصيدة : 67664
-----------------------------------
بنات عيسى وابنه المغرب
لبسن ألوان الربيع الصبيّ
رجعنا بعد ((النقش)) من بابنا
يركض ، يضحكن ، بلا موجب
وموكبت ((بلقيس)) من صنفها
عشرا ، وقادت رحلة الموكب
ورحن من سوق إلى شارع
على شظايا أعين العزّب
يسخرن حينا من هوى
وناره يبحثن عن معجب
يبدين أطراف الحلى عنّوة
وغفلة يسفرن ، للأجني
و((أم نشوان)) احتلت فانثنت
حسناء ، بين البكر والثيب
***
فكيف القى العيد يا والدي ؟
أقوى من النسيان ذكرى أبي
جاءت قبيل الأمس أمّي ((تقى))
في لهفة الأم ، وعنف الغبي
فاحمر من تقبيلها مدمعي
وانهد من تربيتها ، منكي
وهدّ أتني أمس ، (( وهامه))
يا بنتي ارتاحي غدا واطربي
لا تحرمي طفليك ، عبديها
لاقيمها فرّحى ، ولو ، جرّبي
نا أنت أولى مرأة فارقت
أبا ، جرى هذا ، لبنت النبي(55/378)
***
ولفنّي ليل كسول ، بلا
قلب ، بلا حلم ، بلا كوكب
وأصبح العيد فماج الصبا
من ملعب دار ، الى ملعب
وثرثر النذياع ملء المدى
يا عيد ، يا عيد ، ولم يتعب
واستنطق ((الحيمي)) فنغرافه
وصاح وابناه مع ((القعطي))
زمر وحشد ها هنا أو هنا
مدافع كالأحمق المغضب
لا ، لن أطيق اليوم أمواجه
من صخب عال الى أصخب
أغلقت باب البيت في وجهه
فانسلّ من شباكه الأشيب
هربت من تلويح كفّيه ، من
عينيه ، فانثال على سهربي
كيف يرى ((ثكلى بلا زائر )) ؟
وأين من أضوائه أختي
اليوم ((عبد الله )) يا والمدى فأين أنت اليوم ؟ تهتم بي
تجيئني قبل الضحى كي أرى
أثمار حلمي في الستى المذهب
تلتد باسمي تستجيد ابنتي
يتمتم ابني باسمك الأعذب
تقول (( كعكي)) لم تذق مثله
((كقهوتي)) في العمر لم تشرب
يعيدني تدليلك المشتهى
صبية كالطائر الازغب
زوّار جاراتي أتوا وانلنوا
وأنت لم تقبل ولم تذهب
فرحت أضني البحث فيمن مضى
أو من أتى عن وجهك الطيب
لكل بنت والد أو أخ
الا أنا ، يا ليت يدري أبي
حتى أبو ((سعدى)) أتى بعدما
غاب ثلاثين ، ولم يكتب
وعاد من ((غانا)) أخو ((زهرة))
وعم ((أروى)) عاد من ((يثرب))
أبي ، أتدري من ينادي ؟ أنا
تشتم ريح الدار كالغيّب
عمي الذي أوصيته لا تسل
عن فرخة ، في ذمة الثعلب
لو شمّ كفّي لاحتس خاتمي
لو مسّ رجلي ، لاحتوى جوربي
في آخر السبعين ، لكنه
أصبى الى اللدغ من العقرب
ومتّ أنت العضّ ، وابن البلى
كالبغل ، يا للموقف الاغرب
كيف نجا اللص ومات الذي
يستغفر الله ولم يذنب
عفوا ، فلا تدري ، ولا علم لي
كيف يعادي الموت أو يجتبي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> حلوة الأمس
حلوة الأمس
رقم القصيدة : 67665
-----------------------------------
أي شوق إليك أي اندفاعه
فلماذا جوعي قناعه
لم تكوني شهية الدفء لو لم
ترتعش في دمي اليك المحاعه
كنت يا حلوتي أظن اشتهائي
يعد ان تبذلي يزيد فظاعه
غير أني طين يثج وتطفي
ناره تقله تسمّى اضطجاعه
***(55/379)
قد تقولين سوف أنأى ويظمى
ثم يأتي وتجتدي في ضراعه
ربما أشتهيك عاما وأتهي
شوق عامين في مدى ربع ساعة
((حلوةالأمس)) ما نزالين أحلى
إنما في تصوراتي الشناعه
ما اختتمنا تمثيل دور بدأنا
منه فصلا لكن فقدنا البراعه
***
هل تخيفينني بإسعاد غيري
صدقيني اذا ادعيت المناعه
فلتخصي بما لديك فلانا
أو فلانا أو فلتكوني مشاعه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> من رحلة الطاحونة الى الميلاد الثاني
من رحلة الطاحونة الى الميلاد الثاني
رقم القصيدة : 67666
-----------------------------------
من الفجر حتى الفجر ننجرّ كالرّحى
الي أين يا مسرى ومن أين يا ضحى
أضعنا بلا قصد طريقا أضاعنا
ولاح لنا درب بدأناه فانمحى
وشوشنا تلويح برق أهاجنا
وولّى ولا ندري الى أين لوّحا
وقلنا ، كما قال المجدّون ، من غفى
عن الفوز لم يظفر ومن جدّ أفلحا
إذا لم نجد في أول الشوط راحة
فسوف نلاقي آخر الشوط أروحا
ورحنا نسقّي الرمل أمواه عمرنا
فيظمى ، ويرويه إلى أن ترنّحا
***
سرينا وسرنا نطحن الشوك والحصى
ونحسو ونقتات الغبار المجرّحا
ومن حولنا الأطلال تستنفر الدجى
وترخي على الأشباح غابا من اللحى
هنا أو هنا ، يا زحف نرتاح ساعة
تعبنا وأتعبنا المدار المسلّحا
كطاحونة نمضي ونأتي كمنحنى
يشد إلى رجليه تلاّ مجنّحا
***
فيا ذكريات التيه من جرّ قبلنا
خطاه وأمسى مثلنا حيث أصبحا
ركضنا إلى الميلاد قرنا وليلة
ولدنا فكان المهد قبرا تفتّحا
ومتنا كما يبدو ، رجعنا أجنّة
لنختار ميلادا أشقّ وأنجحا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> كاهن الحرف
كاهن الحرف
رقم القصيدة : 67667
-----------------------------------
من تغنّي هنا ؟ وتبكي على ما ؟
كل شيء لا يستحق اهتماما
القضايا التي أهاجتك أقوى
من أغانيك من نواح الأيامى
خلف هذا الجدار تشدو وتبكي
والزوايا تندى أسى وجثاما
هذه ساعة الجدار كسول
ترجع القهقرى وتنوي الأماما
والثواني تهمي صديدا وشوكا(55/380)
وستهمي وليس تدري إلى ما ؟
والحكايا رؤى سجين أقرّوا
شنقه بعد سجن عشرين عاما
والمحبّات والتلاقي رماد
والأغاني برد القبور القدامى
والصبيحات كاليتامى الحزانى
والليالي كأمهات اليتامى
عبثا تنشد الكؤوس لتسلى
مات سحر الكؤوس ، ملّ الندامى
كل حين وكل شبر زحام
من ركام الوحول يتلو زحاما
من تغنى يا ((كاهن الحرف)) ماذا ؟
هل سعال الحروف يشجي الركاما
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> حكاية سنين
حكاية سنين
رقم القصيدة : 67668
-----------------------------------
من أين أبتدىء الحكاية ؟
وأضيع في مد النهاية
وأعي نهاية دورها
فتعود من بدء البدايه
تصل الخطيئة بالخطيئة
والجناية بالجنايه
من عهد من ولدوا بلا
سبب وماتوا دون غايه
المسبلين على الذئاب
البيض اجنحة الرعايه
الناسجين عروقهم
لمواكب الطاعون رايه
من حوّلوا المستنقعات
الجائعات الى النفايه
أنصاف آلهة مطوقة
بأسلحة العنايه
ووجوههم كاللافتات
على مواخير الغوايه
كانوا ملوكا ظلّهم
حرم ورقيتهم حمايه
فلحومنا لخيولهم
مرعى وأعظمنا سقايه
وبيادر تعطيهم
حبّات أعيننا جبايه
والله والإسلام في
أبواقهم بعض الدعايه
أيام كانت للذباب
على الجراحات الوصايه
أيام كان السل يأكلنا
وليس لنا درايه
وأبي يعلمنا الضلال
ويسأل الله الهدايه
ويعيذنا ب((المصطفى))
والصالحين وكل آيه
ويقول : اعتادوا الطوى
كم عادة بدأت هوايه
ويعود يشكو والسعال
يرضّ في فمه الشكايه
من ها هنا ابتدت الروايه ، أين أين مدى الروايه ؟
***
أأقصّها ؟ بعضي يهيأني
وبعضي بزدريني
وبرغم إرهاقي أخوض مجاهل السر الكمين
وظلالها خلفي وقدّامي
كأمسية الطعّين
فأتيه فيها كالتفات الطيّف للطيّف الحزين
وأعافها فيشدّني
أرقي ويعزفني حنيني
وتزقزق الخلجات في
رأسي كعصفور سجين
ماذا يعاودني ؟ كشعوذة الرؤى ، كصدى اليقين ؟!
ويدير كأسا من دم الذكرى وحشرجة الأنين
فتهيحني ، ومناي يحفر
في حريقي عن معيني
والحرف يمزح في فمي(55/381)
والسهد يلهث في جبيني
ومدى السّرى يطفو ويرسب
في فم الوهم الضّنين
ويمد أغنية تحن
الى الصدى ، ومن الرنين
ولمن ألحن هجعة الأشباح والرعب الدفين ؟
لمواكب التاريخ يرويها الأمين عن الأمين
ولأمي اليمن العجوز
ولابني اليمن الجنين
كانت مواقع خطوه
طينا توحّل فوق طين
***
أتقول لي ، ومتى ابتدت
سخرية القدر البليد؟
والى بدايتها أعود
على هدى الحلم الشريد
منذ انحنى مغنى ((عليّة))
واستكان حمى ((الوليد))
واستولد السحب الحبالى
الف ((هارون الرشيد))
حتى امتطى ((جنكيز))
عاصفة الصواهل والحديد
وهنالك انتعل ((التتار))
معاطس الشمم العنيد
وتموكبت زمر الذّئاب
على دم الغنم البديد
فاستعجم ((الضّاد)) المبين
وراية الفتح المجيد
أين العروبة ؟ هل هنا
أنفاس ((قيس )) أو ((لبيد))
أين التماعات السيوف
ودفء رنّات القصيد ؟
لا ها هنا نار القرى
تهدى ، ولا عبق الثريد
لا مستعيد ، ولا اختيال الشدو في شفتي ((وحيد))
فتلامعت أيدي علوج ((الترك)) تومىء من بعيد
وتقول : يا ريح ابدئي صخبي ، ويا دنيا : أعيدي
ونمد تلمس من هناك
ذوائب اليمن السعيد
حيث اختلاجات الغروب
على الربى ، لفتات غيد
حيث المزارع ، وانتظار
الجوع حبّات الحصيد
حيث الصراع على السفاسف ، والزّحام على الزهيد
ومضى العبلوج اليه كالأعصار ، كالسّيل الشديد
وبرغمه أدموا إلى
((صنعاء)) بيدا بعد بيد
فتثآبت أبوابها
لزحوف ((أبرهة)) الجديد
***
وهنا انحنى ((نقم)) الصبور
وأذعنت كثبان (0ميدي))
وتهافت الأجداد ، فاتكل
المطيق على القعيد
وتخدّ روا بروائح الموتى
وعهدهم الرغيد
وكما تقلّد أمّ أمّي
لثغة الطفل الوليد
راحوا يعيدون المعاد
عن ((الحسين)) وعن ((يزيد))
عن مهر ((عنترة)) وعن
صمصامة الشيخ الزّبيدي
عن((شهرزاد)) و((باب خيبر)) و((ابن علوان)) لنجيد
وغذاؤهم زجل (( الخفنجي)) واللحوم بكل عيد
ومصيرهم حلم على
أهداب شيطان مريد
وتململوا يوما وفي
نظراتهم كل الوعيد
فمحوا دخان ((الترك))(55/382)
وارتدّوا إلي الغسق الحميدي
فتخيروا للحكم أوثانا
من الدم والجليد
أهواءهم كمسارب الحيات
في الغار المديد
أو كالمقابر ، يبتلعن
ويستزدن الى المزيد
كانوا عبيد خمولهم
والشعب عبدان العبيد
كانوا يعيرون المدى
شرعية الذبح المبيد
أو يقتلون ويخرجون
يرحمّون على الفقيد
خلف الدخان يمثلون
رواية (( اليمن)) الشهيد
***
اتقول لي ؟ وهل انطقت
في ذلك العهد النجوم ؟
دفن الغبار هواءه
فتجلمدت فيه الغيوم
وتهدج الراوي كما
يستعطف الام الفطيم
واجتّر نبرته ، وقال
وكفن الزمن السّهوم
تمشي الفصول كما يخشخش
في يد الريح الهشيم
أنّى أصخت فلا صدى
ينبي ، ولا يوحي نسيم
الاّ رفات البائدين
تقيّأتهن الجحيم
وعلى امتداد التيه يزعق
وهدهد )) ويصيح ((بوم))
وهناك كانت قرية
تجثو كما ارتكم الرميم
جوعى ويطبخها الهجير
وتحتسي دمها السّموم
نسيت مواسمها فأشتت
قبل أن تلد الكروم
تروي حكايا الثقوب
فيسعل الجوّ الكليم
ووراء تلويح الطلاء
مدينة جرحى تؤوم
تبيض من بعد كما
يتكلف الضحك اللئيم
وعلى الشوارع تنعس الذكرى ، ويصفّر الوجوم
وعلى تجاعيد الرماد
يهينم الثلج البهيم
وتغوّر السّنة العجوز
وتبدأ السنة العقيم
حتى تفجر ليلة
حدث كما قالوا : عظيم
فهوى كما زعموا ((الحرام))
وناح ((زمزم)) و((الحطيم))
***
ماذا جرى ؟ من يخلف المرحوم ؟ من أتقى وأخشى ؟
أو تحسب الجو الكفيف
محى الدجى ، أو صار أعشى ؟
ألقته غاشية الى
أخرى الى أدجى وأغشى
فجنازة ((المنصور)) أمس
غدت ((ليحي)) اليوم عرشا
فأجال سبحته وزاد
على امتداد الغش غشا
واذا بعجل ((الترك)) عاد
على الضحايا العزل وحشا
يردي ويجهر أو يحوك
مكايدا حمرا ورقشا
وعلاه (جوخ) فاختفت
أظفاره وأجاد بطشا
وعمامة كبرى تنوج
رأس طاعون موشّى
وتزينه ، للعاثرين
كما يزين الدفن نعشا
فيشق للشعب القبور
ويستحيل الشعب رفشا
وضحية تروي هوى
جلادها وتموت عطشا
ويجود للكف الذي
يعطيه تمزيقا ونهشا
ويعود يستجدي الرغيف
ويرهق التفتيش نبشا(55/383)
ماذا يقول ؟ ايرتجي ؟
مولاه ، هل يعطيه قرشا ؟
لا الجوع أنطقه وان
نم الذبول به وأفشا
أتراه لم يحنل فما
فيبوح إطراقا ورعشا
ويحس أذرعه وأرجله
أمام الريح قشا
يهوى وتبلع ما يريد
ضراعة مسخته كبشا
وجه كأقدم درهم
لم يبق فيه المسح نقشا
سنوات ((يحي)) تستقي
دمه ، ويرجوه ويخشى
***
ويدير أسئلة ، ويحذر
همسه ويعي انكساره
ويهم حقد هوانه
فتفر من دمه الجساره
ويمد عينيه كما
ترنوا الى النسور ((فاره))
فتشد نفقته الطبول
اليه أبّهة الحقاره
وغداة يوم أو مضت
من حيث لا يدري إشاره
فأطل نجم من هناك
ومن هنا لمعت شراره
حتى تنهّد ((حزيز))
وتناشد الصمت انفجاره
نبض الهدوء الميت واحمرّت على الثلج الحراره
ماذا ؟ أقمرت النوافذ والسطوح بكل حاره
وتناغمت ((صنعاء)) تسأل جارة ، وتجيب جاره
حرّية ((دستور)) صغناه
وأعلينا شعاره
((سجل مكانك )) وانبرى
التاريخ يحتضن العباره
ةاطل جوّ لم تلد
أمّ الخيالات انتظاره
وهناك أدرك ((شهرزاد))
الصبح ، فارتقبت نهاره
وانثال أسبوع ، تزف
عرائس الفجر اخضراره
وتلاه ثان لحنّت
بشراه أعراق الحجاره
حتى تبدّى ثالث
لمحت ولادته انتحاره
حشد الخريف إزاءه
همجية الريح المثاره
وتلاقت الغلوات حوليه ،
وأشعلت الأغاره
ماذا جرى يا ((شهرزاد)) ؟
تضاحكي ، يا للمراره !
عشرون يوما ، وانثنى
الماضي ، فردينا الأغاره
***
من ذا أطلّ ؟ وأجهش الميدان : ((أحمد)) و (الوشاح)
أسطورة الأشباح دق ، طبوله ساح ، وساح
يسطو ، فتعتصر الربى
يده ، ويسبقه الصّباح
ويزف أعراس الفتوح
الى مقاصره السفاح
((عوج ابن عنق )) شق أنف الشمس منكبه الوقاح
الجنّ بعض جنوده
والدّهر في يده سلاح
أو هكذا نبح الدعاة
وعمّم الفزع النباح
فاحمرّ من وهج المذابح
في ملامحه ارتياح
واغبّر بالذبح المسير
وماد بالجثث الرّواح
وسرى ، وعاد ((السندباد))
ودربه الدم ، والنّواح
خمس من السنوات لا
ليل لهن ولا صباح
يبست على السهد العيون
وأقعد الزمن الكساح(55/384)
((ناشدتك الإحساس يا أقلام ))
واختنق الصّداح
لم ينبض الوادي ولم
ينست لعصفور جناح
فتنام التاريخ والتأمت على الجمر الجراح
لكن وراء السّطح أسئلة ، يجدّ بها المزاح
أو ينطوي صوت النبي
وتدّعى فمه ((سجاح))
فدوى ((الزبيري)) الشريد
وأفشت الوعد الرياح
وتناقل الجوّ الصّدى
فزقى التهامس والطماح
ماذا تقول الريح ؟ فالغابات تومىء والبطاح
ويحدق الراعي فتخبره
مراتعه الفساح
ستكل يوما ((شهرزاد))
ويسكت السّمر المباح
***
فاذا ((الثلايا)) والبطولة
يركلان شموخ ((صاله))
فتضاءل ((الفيل)) المخدر
وارتدى جلد ((الثعاله))
وكموعد الرؤيا أراح
الجنّ ، واطرّح الجلالة
وانحط تاج ، وارتقى
تاج ، عمودا من عماله
ماذا يرى ((صبر)) ؟ وغاصت ، خلف جفنيه الدلاله
وكما تميد على شحوب السجن أروقة الملاله
مضت الليالي الخمس ، أجهل بالمصير من الجهاله
فتحسس الفيل المهيض ،
قواه ، وابتدر العجاله
وعلا الجواد ، وموّج الصمصام ، واكتسح الضّحاله
والشارع المشلول يزمر ، للبطولة
والسّفاله
وكما انتهى الشوط ايتدى
يذكى الدّم الغالي مجاله
فيمد عفريت الدخان
على أشعته ، ظلاله
ويخاف أن يلد ((الثلايا))
قبره ، ويرى احتماله
فتعسكر الاشباح في
أهداب عينيه خياله
من ذا ؟ ويتهم الصدى
وتدين يمناه شماله
فانهار ((شمشون)) وناه برأسه ، ووعى انحلاله
واستنزف الفلك المعطل
عن جناحيه البطاله
وانساق يغزل كل حين
كوكبا ، ويديرها له
ويشب نجما ، لم يعد
من نبضه الا ثماله
وهنا تلفّت موعد
في أعين القمم المشاله
وتدافع الزمن الكسيح
على جناح من علاله
وانثال كالريح العجول
يلوّن الفلك اشتعاله
وتساءلت عيناه ، من ذا
ها هنا ؟ فرأى حياله
إشراقة (( العلفى)) إطراق
((اللقية)) وانفعاله
فرمى على زنديهما الجلّى
واعباه الرساله
***
والى العشي تعاقدا
واستبطأا سير الثواني
ألسّاعة المكسال مثل الشعب ، تجهل ما تعاني
أيكون مستشفى ((الحديدة))
مولد الفجر اليماني
وعلى امتداد اليوم ضمهما(55/385)
التفرق والتداني
يتفرقان من الشكوك
وللمنى ، يتلاقيان
يتخوفان فيحجمان
ويذكران فيهزأن
هل بحت بالسّر المخيف
الى فلان أو فلان ؟
اني أحاذر من رأيت
على الطريق ومن يراني
كم طال عمر اليوم ، لم
لا يختفي قبل الأوان ؟
حتى ارتمى الشفق الغريب
على سرير الدخان
وكأن هدبي مقلتيه
شاطئان معلّقان
نظرا إليه ، يفتشان
عن الصباح ويسألان
وكما أشار ((الهندوانه))
أبديا بعض التواني
ومشى الثلاثة شارعين
من المشانق والأماني
ودعى النّفير ، فسار ((أحمد))
سير متهّم مدان
يرنو ، أيلمح حمرة ؟
كلا ، وتلمع نجمتان
فيمور داخل شخصه
شخص غريب الوجه ثاني
ويعي ضمان منجّميه
فيستريح الى الضّمان
ودنا فماج الباب وانهال
السّكون على المكان
من أين نبغته ؟ ويمّم
فجأة ، قسم الغواني
فتنادت الطّلقات فيه
كالزغاريد القوافي
وانهدّ قهّار البنادق
كالجدار الأرجواني
أترى حصاد القبر يرجع
كالرّضيع بلا لبان
وعلى يقين الدفن رد
بنبضتين من البنان
فتطلعت من كل أفق
تسأل الشهب الرواني
كيف انطفا الشهب (الثلاثة)
في ربيع العنفوان
وتراجع ((الباهوت) يحرق
بالمواجع وهو فاني
يحيى ولا يحيى يموت
ولا يموت بكل آن
فتبرجت مأساة ((واق الواق))
تغدق كالجنان
وتجول تظفر من ذوائبها
غروبا من أغاني
وتهز نهديها اعتلاجات
المحبة والحنان
فاخضر عام بالمواعد
واحتمالات العيان
وأهل عام عسجدي اللمح
صخريّ اللسان
فرمى الى حلق التراب
بقية البطل الجبان
وهنا ابتدى فصل تروّى
فيه ابداع الزمان
ماذا هنا ؟ ((سبتمبر))
اشواق آلاف الليالي
حرق العصافير الجياع
الى البيادر والغلال
بثّ المسامر والرؤى العطشى وأخيلة الخيال
خفق النوافذ وارتجافات
الرياح على التلال
وتطلّع الوادي وأسئلة
النجوم إلى الجبال
وتلهّف الكأس الطريح
الى انهدالات الدوالي
كان احتراقات الإجابة
وابتهالات السؤال
وتلفّت الآتي ، الى
آثار أقدام الأوالي
عشرين عاما قلبّا
حلبت به أمّ النضال
نسجته من شفق المقاصل والجراحات الغوالي(55/386)
حتى أطل على عقاب من أساطير المحال
في كل ريشة جانح
منه ((أبو زيد الهلالي))
في النفخة الأولى رمى
بالعرش أغوار الزوال
وأمال زوبعة الرمال
الى سراديب الرمال
يعطي المواسم والمحبة
باليمين وبالشمال
أنى مشى ، أجنى ((الوليد))
من المنى وأجدّ بالي
موج سماوي النضارة
شاطئاه من اللآلي
ماذا هنا ! ((سبتمبر))
أتقول لي ، أجلى المجالي
شيء وراء تصور الدنيا وأبعاد الجمال
فوق احتمالات الرجاء
وفوق اخصاب النوال
أتقول لي ؟ وهل انتهى
في جثة الأمس النزوع ؟
شاء الرجوع وسلّحته البيد ،فانتحر الرجوع
وزوته حفرته وأطبق فوق مرقده الهجوع
وعلا الدخان أزقة البترول ، فانتبه الصريع
واهتاج ثانية فمد
زنوده (( النيل)) الضليع
وأحاطت الخضراء من
أقوى سواعده دروع
وارتد ظل الأمس والتحم التوقع والوقوع
فتنادت النيران والتفت المصارع والجموع
وانجرّ عامان نجومهما وشمسهما النجيع
فبكل رابية إلى
لحم ابنها ظمأ وجوع
وبكل منعرج إلى
تمزيق اخوته ولوع
فهنالك انقصفت يدان
وثمة انتثرت ضلوع
وهناك خرّت فمه
وهنا هوى تلّ منبع
فلكل شبر من دم الشهداء ، تاريخ يضوع
أرأيت حيث تساقطوا
كيف ازدهى النصر المريع
حيث اغتلى الوادي ولف
((عليا)) الصمت الجزوع
رضع الدجى دمه فأشمس
قبل أن يعد الطلوع
حيث التي (( الخمري)) ذا
بالغيم واحترق الصقيع
حيث انطفى ((سند)) تدلت أنجم ، وعلت شموع
حيث ارتمى (( الكبسي )) أ و
رق منجم ، وشدى ربيع
وأعادت الأحداث
سيرتها فأرعدت الربوع
وتعطش الميدان فانفجر الضحى ودوى الهزيع
ومشت على دمها الذئاب وغاض في دمه القطيع
حتى توارى الأمس
زغردت المآتم والدموع
وهفت أغانيها ، تضجّ
((ليسلم الشرف الرفيع))
وتبوح للنصر انطلق
فمجالك الأبد اللموع
ولمرضعي ((سبتمبر))
دمهم ، لقد شب الرضيع
***
اتظن رابية تنوق
الى دم أغلى يسيل ؟
أو ما ارتوي عطش الرمال واتخم العدم الأكول ؟
يا للأسى ، كيف استطب
مماته ((اليمن )) العيل(55/387)
ورنى السؤال الى السؤال وبغتة وجم السؤول
ماذا استجد فباحت الأصداه ،
وارتجف الذهول
لبّى الدّم الغالي دم
أغلى الى الداعي عجول
من مات ؟ واستحيا السؤال وأطرق الرد الخجول
أهنا ((الزبيري)) المضرّج ؟
بل هنا شعب قتيل
وأعادت القمم الحكاية
واستعادتها السهول
من ذا انطوى ؟ علم
خيوط نسيجه الألم البتول
في كل خفق منه ((جبريل))
وفي فمه رسول
بدأ الرعيل به السرى
فكبا وسار به رعيل
وخبا وراء حنينه
جيل ، واشرق فيه جيل
وعلى الحراب أتم أشواطا ، مداها المستحيل
وعلى منى ميلاده الثاني تكاتفت الفلول
لفظ البلى غربان ((واق الواق)) وانثنت (( المغول))
فاحتز رحلته الرصاص النذل والطين العميل
فغفى وصدق الفجر في
نظراته سحر بليل
أتقول عاجله الافول ؟
فكيف أشعله الافول ؟
فعلى الجبال من اسمه
شعل مجنّحة تجول
وصدى تعنقده الربى
وهوى تسنبله الحقول
وبكل مرمى ناظر
من لمحة صحو غسيل
كيف انتهى ولخطوه
في كل ثانيه هديل
هو في النهار الذكريات
وفي الدجى الحلم الكحيل
وهنا ضحى من جرحه
وهناك من دمه أصيل
غرب الشهيد وبينه
والمنتهى الموعود ((ميل))
من ذا يكر الى مداه ؟
وقد خلا منه السبيل
فليبتهج دمه الى
أبعاد غايته وصول
أو ما رأى الشهداء كيف ؟
اخضوضرت بهم الفصول
فرشوا ((السعيدة )) بالربيع
ليهنأ الصيف البذول
ومضوا لوجهتهم ويبقى الخصب ان مضت السيول
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أنسى ان أموت
أنسى ان أموت
رقم القصيدة : 67669
-----------------------------------
تمتصّني أمواج هذا الليل في شّره صموت
وتعيد ما بدأت ... وتنوي أن تفوت ولا تفوت
فتثير أوجاعي وترّغمني على وجع السّكوت
وتقول لي : متّ أيها الذواي ... فأنسى أن أموت
***
لكنّ في صّدري دجى الموتى وأحزان البيوت
ونشيجّ أيتام ... بلا مأوى ... بلا ماء وقوت
وكآبة الغيم الشّتائي وارتجاف العنكبوت
وأسى بلا اسم ... واختناقات بلا اسم أو نعوت
***(55/388)
من ذا هنا ؟ غير ازدحام الطين يهمس أو يصوت
غير الفراغ المنحي ... يذوي ... لايصرّ على الثّبوت
وتعبّه الآحاد والأعين الملآى بأشلاء الكبوت
***
من ذا هنا ؟ غير الأسامي الصفر تصرخ في جفوت
غير انهيار الآدمية وارتفاع (البنكوت)
وحدي ألوك صدى الرياح وأرتدي عرّي الحبوت
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> صنعاء والموت والميلاد
صنعاء والموت والميلاد
رقم القصيدة : 67670
-----------------------------------
ولدت صنعاء بسبتمبر
كي تلقى الموت بنوفمبر
لكن كي تولد ثانية
في مايو ... أو في أكتوبر
في أوّل كانون الثاني
أو في الثاني من ديسمبر
ما دامت هجعتها حبلى
فولادتها لن تنأخّم
رغم الغثيان تحنّ إلى :
أوجاع الطلّق ولا تضجر
***
ينبي عن مولدها الآتي
شفق دام فجر أشقر
ميعاد كالثّلج الغافي
وطيوف كالمطر الأحمر
أشلاء تخفق كالذكرى
وتنام لتحلم بالمحشر
ورماد نهار صيفي
ودخان كالحلم الأسمر
ونداء خلف نداءات
لا تنسى (عبلة) يا (عنتر)
أسماء لا أخطار لها
تنبي عن أسماء أخطر
***
هل تدري صنعاء الصّرعى
كيف انطفأت ؟ ومتى تنشر؟
كالمشمش ماتت واقفة
لتعدّ الميلاد الأخضر
تندى وتجف لكي تندى
وترفّ ترفّ لكي تصفر
وتموت بيوم مشهور
كي تولد في يوم أشهر
ترمي أوراقا ميتة
وتلّوح بالورق الأنضر
وتظلّ تموت لكي تحيا
وتموت لكي تحيا أكثر
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> من منفى الى منفى
من منفى الى منفى
رقم القصيدة : 67671
-----------------------------------
بلادي من يدي طاغ
إلى أطغى إلى أجفى
ومن سجن إلى سجن
ومن منفى إلى منفى
ومن مستعمر باد
إلى مستعمر أخفى
ومن وحش إلى وحشين
وهي النّاقة العجفا
بلادي في كهوف الموت
لا تفى ولا تشفى
تنقّر في القبور الحرس
عن ميلادها الأصفى
وعن وعد ربيعي
وراء عيونها أغفى
عن الحلم الذي يأتي
عن الطيف الذي استخفى
فتمضي من دجى ضاف
إلى أدجى ... إلى أضفى
بلادي في ديار الغير
أو في دارها لهفى(55/389)
وحتى في أراضيها
تقاسي غربة المنفى
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> إلا أنا وبلادي
إلا أنا وبلادي
رقم القصيدة : 67672
-----------------------------------
تسلياتي كموجعاتي ، وزادي
مثل جوعي ، وهجعتي كسهادي
وكؤوسي مريرة مثل صحوي
واجتماعي بإخوتي كانفرادي
والصداقات كالعداوت تؤذي
فسواء من تصطفي أو تعادي
إن داري كغربتي في المنافي
احتراقي كذكريات رمادي
يا بلادي ! إلّي يقولون عنها :
منك ناري ولي دخان اتّقادي
ذاك حظّي لأن أمي (سعود)
وأبي (مرشد) وخالي (قمادي)
أو لأنّي أطعت أولاد جاري
ورفاقي دفاتري زمدادي
أو لأنّي دفعت عن طهر أختي
وبناتي مكر الذئاب العوادي
أو لأنّي زعمت أن لديهم
لي حقوقا من قبل حق (ابن هارون)
***
يا بلادي هذي الرّبى والسواقي
في ضلوعي تنهّدات شوادي
إنما من أنا وليس بكفي
مدفع والتراب بعض امتدادي !
ربما كنت فارسا لست أدري
قبل بدء المجال مات جوادي
العصافير في عروقي جياع
والدّوالي والقمح في كلّ وادي
في حقولي ما في سواها ولكن
باعت الأرض في شراء السماد
***
يا ندى ... يا حنان أم الدوالي
وبرغمي يجيب من لا أنادي !!
هذه كلّها بلادي ... وفيها
كل شيء ... إلاّ أنا وبلادي !!
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> صنعاء والحلم والزمان
صنعاء والحلم والزمان
رقم القصيدة : 67673
-----------------------------------
صنعاء يا أخت القبور
ثوري فأنك لم تثوري
حاولت أن تتقئي
في ليلة عّفن العصور
وأردت قبل وسائل البنيان
تشييد القصور
ونويت في تشرين أن
تلدي أعاجيب الزهور
***
فذهاك غزو مثلما
يحكون عن يوم النّشور
أيد كأيدي الأخطبوط
وأوجه مثل الصخور
فتساقطت شرفاتك النّعسا
كأعشاش الطّيور
وانصب إرهاب المغول
من البكور إلى البكور
وامتدّ من باب إلى
باب كغابات النّمور
حتى رآى ((نقم)) ذراك
تخرّ دامية الظّهور
ورأى قلوبك في الضّحى
الأعمى تفرّ من الصدور
ورأى خماءلك الظّليلة
يرتحلنّ من الجذور(55/390)
هرب الجدار من الجدار
هوى النّفور على النّفور
صنعاء من أين الطّريق
إلى الرجوع أو العبور
ماذا ترين أتسبحين ؟
أتعبرين بلا جسور ؟
هل تسفرين على الشروق ؟
أتخجلين من السّفور ؟
أتزاحمين العالم المجنون ؟
يبا بنت الحدور
شهر ، وعدت كما أتيت
بلا مكان أو شهور
تتنهّدين بلا أسى
أو تضحكين بلا سرور
***
صنعاء ماذا تشتهين ؟
أتهدئين لكي تموري
تتوهجين ولا تعين
وتنطفين بلا شعور
كم تحملين ولا ترين
وتعتبين على الدّهور
ما زال يخذلك الزمان
فتبزغين لكي تغوري
يا شمس صنعاء الكسول
أما بدّا لك أن تدوري
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بلاد في المنفى
بلاد في المنفى
رقم القصيدة : 67674
-----------------------------------
لأنّ بلادي الحبيبة
في مرتباها غريبه
لأنها وهي ملأى
بالخصب ... غير خصيبه
لأنها وهي حبلى
بالري عطشى جديبه
***
جاعت ومدت يديها
إلى الأكفّ المريبه
ثمّ ارتمت كعجوز
هن قبل بدء الشبيبه
تنسى المصير ويأتي
مصيرها في حقيبه
لأنّ دار أبيها
لها مناف رهيبه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عينة جديدة من الحزن
عينة جديدة من الحزن
رقم القصيدة : 67675
-----------------------------------
مثلما تعصر نهديها السحابه
تمطر الجدران صمتا وكآبه
يسقط الظلّ على الظلّ كما
ترتمي فوق السآمات الذبابه
يمضغ السّقف وأحداق الكوى
لغطا ميتا وأصداء مصابه
مزقا من ذكريات وهوى
وكؤوسا من جراحات مذابه
***
تبحث الأحزان في الأحزان عن
وتر باك وعن حلق ربابه
عن نعاس يملك الأحلام عن
شجن أعمق من تيه الضبابه
تسعل الأشجار ، تحسو ظلّها
تجمد الساعات من برد الرتابه
ها هنا الحزن على عادته
فلماذا اليوم للحزن غرابه ؟
ينزوي كالبوم يهمي كالدّبى
يرتخي . يمتدّ . يزداد رحابه
يلبس الأجفان . يمتصّ الرّؤى
يمتطي للعنف أسراب الدعابه
يلتوي مثل الأفاعي ، يغتلي
كالمدى العطشى ويسطو كالعصابه
يرتدي زي المرائي ... ينكفي(55/391)
عاريا كالصّخر شوكي الصلابه
***
وبلا حس يغنّي وبلا
سبب يبكي ويستبكي الحطابه
يكتب الأقدار في ثانيه
ثمّ في ثانيه يمحو الكتابه
للثواني اليوم أيد وفم
مثلما تعدو على المذعور غابه
وعيون تغزل اللّمح كما
تغزل الأشباح أنقاض الحرابه
***
من ينسيّنا مرارات العدى ؟
من يقوّينا على حمل الصحابه ؟
من يعيد الشجر للأحزان ؟ من
يمنح التسهيد أوجاع الصبابه ؟
من يردّ اللّون للألوان ؟ من
يهب الأكفان شسئا من خلابه
***
كان للمألوف لون وشذى
كان للمجهول شوق ومهابه !
من هنا ..؟ أسئلة من قبل أن
تبتدى تدري . غرابات الإجابه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> في بيتها العريق
في بيتها العريق
رقم القصيدة : 67676
-----------------------------------
من ؟ .. قلت : أنا يا غزوله
... أهلا ! بحروف مثلوله
أهلا .. ! في لهجة قائلة
تخشى أن تمسي مقتوله
ماذا تخشين ؟ .. أليت لي
بالدار صلات موصوله ؟!
أولت صديقا تعرفني
هذي الحجرات المملوله ! ؟
***
هذا الدهليز المستلقى
هذي الجدران المصقوله ...
***
إصعد ... لكن هل في فمها
أخرى ؟.. أو أذني مخلوله ؟
وصعدت كمجهول قلق
يختاز شعابا مجهوله !
ومعي صعدت ... كانت تبدو
جذل بالحسرة مكحوله !
كمؤمّرة ... من تحكمهم ...
ماتوا ، أو باتت معزولبه
في نصف العمر بعينيها
أجيال وعود ممطوله
وشظايا معركة بدأت
نصرا وارتدّت مخذوله
***
شرّفت ، وزادت ترحيبا
كزواق عروس معلوله
عندي ضيف ، ومددت يدي
لبنان كسلى مقفوله
أهلا ، فأجاب كمن يلقي
أعذارا ليست مقبوله
***
إجلس ، قالتها واقربت
تروي أخبارا معقوله
عندي الجارات ... وزوج (هدى)
وطبيب ... إني منزوله
وهنا انتزعتني قهقهة
وصدى نحنحة مغلوله
فسمعت من الغرف الأخرى
أنفاس حنايا متبوله
بوحا كالحبل المسترخي
تحت الأثواب المبلوله
نبرات نداء وجواب
كلهاث عجوز مسعوله
ضحكات ذئاب جائعة
همسات نعاج مأكوله
هل هذا البيت بعزته
أمسى أحضانا مبذوله ؟
بيت خدّاع . ربته(55/392)
من زيف الدعوى مجبوله
أيكون الحل سوى خل ...
حتى في الكأس المعسوله
لكن ... ما بال الضيف يرى
وجهي بلحاظ مذهوله
***
ما جئت أفتش عن عبث
أو عن لحظات مسلوله
ما جئت لأتزل منطقة
بنعوش سكارى مأهوله
قولي لي أنت . بلا ذوق
فلتذهب ... إنّي مشغوله
***
ما جئت إليك على أمل
أسفاري ليست مأموله
لكي جئت بلا سبب
ردّيني . لست المسؤوله
ورجعت كما أقبلت بلا
هذف كالريح المخبوله
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مدينة بلا وجه
مدينة بلا وجه
رقم القصيدة : 67677
-----------------------------------
أتدرين يا صنعاء ماذا الذي يجري
تموتين في شعب يموت ولا يدري ..
تموتين ... لكن كلّ يوم وبعدما
تموتين تستحين من موتك المزري
ويمتصّك الطاعون لا تسألينه
إلى كم .. ؟ فيستحلي المقام ويشتري
تموتين ... لكن في نرقب مولد
فتنسين أو ينساك ميعاده المغري
***
فهل تبحثين اليوم عن وجهك الذي
فثقدتيه أو عن وجهك الآخر العصري
إلى أين هل تدرين من أين ..؟ ربما
طلعت بلا وجه وغبت بلا ظهر ؟
تسيرين من قبر لقبر لتبحثي
وراء سكون الدفن عن ضحية الحشر
أتستنشقين الفجر في ظلمة بلا
هدوء .. بلا نجم .. يدل على الفجر ؟
خبا كلّ شيء فيك لا تسألينه
لماذا ..؟ ألا يعينك شيء من الأمر
وحتى الروابي فيك باعت جباهها
وما عرفت ماذا تبيع وما تشري ..!
وحتى عشايا الصيف فيك بلا رؤى
وحتى أزاهير الربيع بلا عطر
وحتى الدوالي فيك ضاع مصيفها
وحتى السواقي ضيعت منبع النهر
وحتى أغاني الحبّ مات حنينها
وحتى عيون الشعر فيك بلا شعر
أتدرين أن الشمس فوقك لا ترى
وأنّ لياليك المريضات لا تسري
سدى تنشدين الفجر في أيّ مطلع
وفي ناظريك الفجر أو ليلة القدر
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> امرأة وشاعر
امرأة وشاعر
رقم القصيدة : 67678
-----------------------------------
أتسائلين من التي
آثرت ... أو أين اشتياقي ؟
وتردّدين ألست من
أبدعت صحوي وائتلاقي ؟(55/393)
شطآن عينيّ ... اخضرار
مواسمي ... دفئي ... مذاقي
بستان وجهي ... أمسيات
جدائلي ... ضحوات ساقي
***
سميتني وهج الضّحى
قمرا يجلّ على المحاق
بوح الزنابق والورود
إلى النّسيمات الرفاق
أنسيتني بشريّتي
ونسيت بالأرض التصافي ... !
وذهبت يا أغلى مرايا
الحسن ... أو أحلى نفاق
أتعود لي ... تبكي غروبي ؟
أو تغني لانبئاقي ؟
***
لن تعدمي غيري ولن
تلقي كصدقي واختلاقي
قد كنت موثوقا إليك ...
من التي قطعت وثاقي ؟
لمّا وجدت القرب منك
أمرّ من سهر الفراق
آثرت حزن البعد عنك
على مرارات التّلاقي
***
وبدون توديع ذهبت
كما أتيت بلا اتفاق
ونسيت بيتك والطريق
... نسيت رائحة الزقاق
لم أدر من أين انطلقت
... ومن لقيت لدى انطلاقي
انسقت ... لا أدري الطريق
ولا الطريق يعي انسياقي
حتى المصابيح التي
حولي تعاني كاختناقي
كان اللّقاء بلا وجوه
والفراق بلا مآقي
***
فلتركيتي للنّوى
أظما وأمتص احتراقي
وبرغم هذا الجدب لن
أأنسى على الحلّ المراق
***
لكنّ لماذا تسألين ؟
بمن أهيم ... ومن ألاقي ؟
فلتستريحي إنّني
وحدي ، وأحزاني رفاقي
كالسندباد بلا بحار
كالغدير بلا سواقي
ورجايّ ألاّ تسألي
هل مت ... أو ما زلت باقي ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لعيني أم بلقيس
لعيني أم بلقيس
رقم القصيدة : 67679
-----------------------------------
لها أغلى حبيباتي
بداياتي ... وغاياتي
لها غزوي وإرهاقي
لها أزهى فتوحاتي
وأسفاري إلى الماضي
وإبحاري إلى الآتي
لعيني (أم بلقيس)
فتوحاتي وراياتي
وأنقاضي وأجنحتي
وأقماري وغيماتي
لها تلويح توديعي
لها أشواق أو باتي
أشرّق وهي قدّامي
أغرّب وهي مرآتي
إليها ينتهي روحي
ومنها تبتدي ذاتي
***
أغنّي ... وهي أنفاسي
وأسكت وهي إنصاتي
وأظمأ ... وهي إحراقي
وأحسو ... وهي كاساتي
أموت وحبّها موتي
وأحيا وهي مأساتي
***
تروّيني لظّى وهوى
وأشدو ظامئا : هاتي
فتقّصيي كعادتها
وأتبعها كعاداتي
وأغزل من روايحها(55/394)
مجاديفي ومرساتي
هنا وهناك مولاتي
وأسأل : أين مولاتي ؟
***
أنا فيها وأحملها
على أكتاف آهاتي
على أشواق أشواقي
على ذرّات ذرّاتي
وأذوي ... وهي تحملني
فتنمو في جراحاتي
وأسأل : أين ألقاها ؟
فتغلي في صباباتي
وترنو من أسى همسي
ومن أحزان أوقاتي
ومن صمتي كتمثال
أشكّل وجه نحّاتي
وتبدو من شدا غزلي
ومن ضحكات حلواتي
ومن نظرات جيراني
ومن لفتات جاراتي
ومن أسمار أجدادي
ومن هذيان جدتي
ومن أحلام أطفالي
ومن أطياف أمواتي
***
هنا ميلاد غاليّي
هنا تاريخها العاتي
هنا تمتدّ عارية
وراء الغيهب الشّاتي
حنّ إلى الغد الأهى
فيمضي قبل أن ياتي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> صبوة
صبوة
رقم القصيدة : 67680
-----------------------------------
دكتورة الأطفال إني هنا
من يوم ميلادي بلا مرضعه
عندي عصافير الهوى تجتدي
حنان هذي الكرمة الطيّعه
وربما استكذبتي إنما
من أين لي ... أن أحرق الأقنعه
نريني كهلا وفي داخلي :
من التصابي صبية أربعه
مجاعة الحمسين في أضلعي
طفولة أعىّ من الزوبعه
خلف اتزاني مائج صاخب
سفينة ناريّة الأشرعه
***
دكتورة الأطفال لا تبعدي
عنّي وعن مأساتي الموجعه
لقد زرعت الحب ... لكني
ما ذقت إلاّ حنظل المزرعه
عمري بلا ماض ... ومستقبلي
كأمسيات الغابة المفزعه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> يمني في بلاد الآخرين
يمني في بلاد الآخرين
رقم القصيدة : 67681
-----------------------------------
من أين أنا ؟ من يدري
أو ليست لي جنسيه؟
نسبي رايات حمر
وفتوحات ذهبيه
فلماذا تستغربي
هذي الزمر الخشبيه
يا أخوتي أصلي من
صنعاء أمّي : (دبعيه)
صنعاويّ ... حجريّ !
ما صنعاء ... ما الحجريه ؟
***
من أين أنا ؟ تشريني
بتغابيها السخريّه
عربيّ لا تعرفني ...
حتى الدّنيا العربيه
وابي ـ قالوا ـ يمنيّ
أمّي ـ قالوا ـ يمنيّه
لكن أنستي لوني
وفمي ... أيدي الهمجيه
سنوات جوعي عطشى
وقيادات تبعيّه
وغرابات لا تروى(55/395)
وغرابات مرويّه
***
يا ريح ... بلادي خلفي
ومعي مثلي منسيه
حتى أرضي يا أرضي
كأهاليها منفيّه !!
وطني أسفار تمضي
وتعود بلا أمنيه
تشريد لا بدء له
ومسافات وحشيه
حرّاس حدود يقظى
وتقانين وثنيّه
مدن لا أسماع لها
وزحامات عدميّه
أسواق كبرى أدنى
ما فيهن البشريه
وبدائيات غرقى
في الأقنعة العصريه
وعلى رغمي أستجدي
كلّ الحجريه
***
وبلاد بلادي منفى
ومتاهات أبديه
من أين أنا ؟.. مجهول
جوال دون هويّه
وبلا وطن لكني
موهوم بالوطنيه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> اعتيادان
اعتيادان
رقم القصيدة : 67682
-----------------------------------
حان لي أن أطيق عنك ابتعادا
والتهابي سيستحيل رمادا
وتجيئين تسألين كلهفى
عن غيابي ، وتدّعين السّهادا
وتقولين : أين أنت ؟ أتنسى ؟
وتعيدين لي زمانا مبادا
***
أو ما كنت أغتلي وأرجي
قطرات ، فتبذلين اتّق
نزرعين الوعود في جدب عمري
وتدسيّن في البذور الجرادا
***
كان لا بدّ أن أقول : وداعا
وبرغمي لا أستطيع ارتدادا
غير أنّي أودّ أن لا تظنّي
إني خنت أو أسأت اعتقادا
ربما تزعمين أن ابتعادي
عنك أدنى (رضية) أو (سعادا)
أو تقولين : إن جوع احتراقي
عند أخرى لاقى جنى وابترادا
اطمئي ... لديّ غير التسلّي
ما أعادي من أجله وأعادى
***
قد أنادي نداء (قيس) ولكن
كل (قيس) وكل (لبنى) المنادى
لي نصيبي من التفاهات ، لكن
لن تريبي ... أريد منها ازديادا
لم أكن (شهريار) لكن تمادت
عشرة صوّرتك لي (شهرزاد)
كان حبّي لك اعتيادا وإلفا
وسأنساك إلفة واعتيادا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> صنعاني يبحث عن صنعاء
صنعاني يبحث عن صنعاء
رقم القصيدة : 67683
-----------------------------------
هذي العمارات العوالي ضيّعن تجوالي ... مجاني
حولي كاضرحة مزوّرة بألوان اللآلي
يلمحني بنواظر الإسمنت من خلف التعالي
هذي العمارات الكبار الحرس ملأى كالحوابي
أدنو ولا حرفتي أبكي ولا يسألن : مالي(55/396)
وأقول : من أين الطريق ؟ وهنّ أغبى من سؤالي
كانت لعمّي ها هنا دار تحيط بها الدوالي
فغدت عمارة تاجر (هندي) أبوه (برتغالي)
وهناك حصن تامر كان اسمه (دار الشلالي)
وهناك دار عمالة كان اسمها (بيت العبالي)
وهنا قصور أجانب غلف كتجّار الموالي
***
هل هذه صنعا ...؟ مضت صنعا سوى كسر بوالي
خمس من السنوات أجلت وجهها الحرّ (الأزالي)
من أين يا إسمنت أمشي ؟ ضاعت الدنيا حيالي
بيت ابن أختي في (معمّر) في (الفليحي) بيت خالي
أين الطّريق إلى (معمر ) ؟ يا بناتي يا عيالي
وإلى (الفليحي) يا زحام ... ولا يعي أو لا يبالي
بالله يا أمّاه دليّني ورقّت لابتهالي
قالت : إلى (النهرين) ... قدّامي وأمضي عن شمالي
وإلى (القزالي) ثمّ أستهدي ب(صومعه) قبالي
من يعرف ... (النهرين) ؟ .. من أين الطريق إلى (القزالي)
***
من ذا هناك ؟ مسافر مثلي يعاني مثل حالي
حشد من العجلات يلهث في السياق وفي التوالي
وهناك (نصرانية) كحصان (مسعود الهلالي)
وهناك مرتزق بلا وجه ... على كتفيه (آلي)
***
اليوم (صنعا) وهي متخمة الديار بلا أهالي
يحتلّها السمسار ، والغازي ، ونصف الرأسمالي
والسّائح المشبوه ، والدّاعي ، وأصناف الجوالي
من ذا هنا ؟ (صنعا) مضت واحتلها كلّ انحلالي
***
أمّي ! أتلقين الغزاة بوجه مضياف مثالي ؟
لم لا تعادين العدى .. ؟ من لا يعادي لا يوالي
من لا يصارع ... لا نسائيّ الفؤاد ... ولا رجالي
إنّي أغالي في محبة موطني ... لم لا أغالي ؟
***
من أين أرجع ... أو أمرّ ..؟ هنا سأبحث عن مجالي
ستجدّ أيام بلا منفى وتشمس يا نضالي !
وأحبّ فجر ما يهلّ عليك من أدجى اللّيالي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> اعتراف بلا توبة
اعتراف بلا توبة
رقم القصيدة : 67684
-----------------------------------
غابت هذه القصيدة عن الدواوين
السابقة إجابة لرغبة أستاذنا الذي وجهت
إليه ... ولمّا أصبح بلا رغبة لدخوله
عالم الصمت رغبت القصيدة أن تخرج من(55/397)
مخبأيها كصورة لتحدي الصبا ...
وكصورة لأفكار بعض أساتذة الجبل
الماضي:
أن يدّع العلم فلا فرية
فالصّدق كلّ الصدق فيما ادّعى
لكنّ سرّ العلم في نفسه
كالعسل الصافي خبيث الوعا
***
يقول : شيطان وشيطانة
دعت .. قلبّى ... أو هفت إذ دعا
ولم يقل : إلف ومألوفة
تجمعا ... سبحان من جمّعا
***
لأنّني استحليت أمسية
يردّني عن درسه موجعا
إن كنت ألقى نادرا حلوة
فهو يلاقي ... دائما أربعا
أريد أنسا مثله ... أشتهى
كالناس أن أروى ... وأن أشبعا
***
يا سيدي المفضال : قالوا : ترى
تعليم مثلي قطّ لن ينفعا
أغلقت باب البيت والدرس في
وجهي ... سألقى الدرس والموضعا
يا (لطف) ... مهما لمتي لم أدع
هذا السلوك الشائن الممتعا
ولتمنع التعليم عني كما
تهوى ... فخير منك لن يمنعا
***
أبصرتي من بيتها خارجا
كالكلب ... أمشي واجفا مسرعا ؟
نعم ... جرى هذا وإن تبتغي
شهادة أقوى سل المضحعى
تقول : انّي منكسر بعدما
ألقت لديك التهمة البرقعا
فالاعترف ... لا ناويا توبة
إني ومن سميت بتنا معا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> تقرير الى عام 71 حيث كنا
تقرير الى عام 71 حيث كنا
رقم القصيدة : 67685
-----------------------------------
حيث كنّا كما أراد الإمام
كل دعوى .. منّا .. علينا .. اتهام
إنما سوف ندّعي ولتصدق
يا ((وصابان)) ولتثق يا (رجام)
غير أنّا وبعد تسع طوال
حيث كنّا مرّ عام
***
كلّما جدّ ، أنّنا قد كشفنا
أوجها دلنّا عليها اللّثام
وعرفنا من العمالات صنفا
كان أطرى ما أحدث ((العم سام))
يرتدي كلّ ساعة ألف لون
وله كلّ ساعتين نظام
***
حيث كنّا ، لكن لماذا أضعنا
في التعادي سبعا ، وفيم الحصام ؟
جرّحتنا الحروب في غير شيء
وبلا غاية دّهانا السّلام
****
الغزاة الذين يوما تلاشوا
بقوانا ، لهم علينا اقتحام
إنهم يوغلون فينا ونغضي
فلماذا ... رعناهموا حين حاموا
***
الرّكام الذي نفضناه عنّا
ذات يوم له علينا ازدحام
ونعال الغزاة وهي كثير(55/398)
فوق أعناقنا جباه وهام
***
والأباة الذين بالأمس ثاروا
أيقظوا حولنّا الذئاب وناموا
حين قلنا قاموا بثورة شعب
قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا
ربّما أحسنوا البدايات لكن ...
هل يحسّون كيف ساء الحتام ؟
مات (سبتمبر ) البشير ولكن
أمّه ناهد هواها غبلم
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مواطن بلا وطن
مواطن بلا وطن
رقم القصيدة : 67686
-----------------------------------
مواطن بلا وطن
لأنّه من اليمن
تباع أرض شعبه
وتشترى بلا ثمن
يبكي إذا سألته
من أين أنت ؟.. أنت من ؟
لأنّه من لا هنا
أو من مزائد العلن
***
مواطن كان حماه
من (قبا) إلى (عدن)
واليوم لم تعد له
مزارع ولا سكن
ولا ظلال حائط
ولا بقايا من فنن
***
بلاده سطر على
كتاب : (عبرة الزّمن)
رواية عن (أسعد)
أسطورة عن (ذي يزن)
حكاية عن هدهد
كان عميلا مؤتمن
وعن ملوك إستبوا
أو سبأوا مليون دن
الملك كان ملكهم
سواه (قعب من لبن)
***
واليوم طفل حمير
بلا أب بلا صبا
بلا مدينة ... بلا
مخابىء ... بلا ربى
يغزوه ألف هدهد
وتنثي بلا نبا
***
يكفيه أن أمه
(ريّا) وجده (سبا)
وأنّ عمّ خاله
كان يزين (يحصبا)
وأنّ خال عمه
كان يقود (أرحبا)
كانوا يضيئون الدّجى
ويعيدون الكوكبا
يدرون ما شادوا ... ولا
يدرون ماذا خرّبا
يبنون للفار العلى
ويزرعون للدنيا
يا ناسج (الإكليل) قل :
تلك الجباه من غبا
أو سمّها كواكبا
تمنعت أن تغربا
فهل لها ذرية
من الشموخ والإبا ؟
***
اليوم أرض (مأرب)
كأمها موجهه
يقودها كأمها
فار ... وسوط (أبرهو)
فما أمرّ أمسها
ويومها ما أشبهه
تبيع لون وجهها
للأوجه المموّهه
***
(تموز) في عيونها
كالعانس المولّهه
والشمس في جبينها
كاللّوحة المشوّهه
***
فيا (سهيل ) هل ترى
أسئلة مدلّهه ؟
متى يفيق ها هنا
شعب يعي تنبّهه ؟
وقبل أن يرنو إلى
شيء يرى ما أتفهه ...
فينتفي تحت الضّحى
وجوهه المنزذهه
يمضي وينسى خلفه
عاداته المسفّهه
يفى بكلّ ذرّة
من أرضه المؤلّهه
هنا يحسّ أنه(55/399)
مواطن له وطن
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أبو تمام وعروبة اليوم
أبو تمام وعروبة اليوم
رقم القصيدة : 67687
-----------------------------------
ما أصدق السيف ! إن لم ينضه الكذب
وأكذب السيف لم يصدق الغضب
بيض الصفائح أهدى حين تحملها
أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب
وأقبح النصر ... نصر الأقوياء بلا
فهم .. سوى فهم كم باعوا ... وكم كسبوا
أدهى من الجهل علم يطمئنّ إلى
أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
قالوا : هم البشر الأرقى وما أكلوا
شيئا .. كما أكلوا الإنسان أو شربوا
***
ماذا جرى ... يا أبا تمّام تسألي ؟
عفوا سأروي .. ولا تسأل .. وما السبب
يدمى السؤال حياء حين نسأله
كيف اختفت بالعدى ( حيفا) أو (النقب)
من ذا يلبي ؟ أما إصرار معتصم
كلا وأخزى من (الأقشين) ما صلبوا
اليوم عادت علوج (الوم) فاتحة
وموطن العرب المسلوب والسّلب
ماذا فعلنا ؟ غضبا كالرجال ولم
نصدق .. وقد صدق التنجيم والكتب
فأطفأت شهب (الميراج) أنجمنا
وشمسنا ... وتحدث نارها الحطب
وقاتلت دوننا الأبراق صامدة
أما الرجال فماتوا ... ثمّ أو هربوا
حكاما إن تصدوا للحمىاقتحموا
وإن تصدى له المستعمر انسحبوا
هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم
ويدّعون وثوبا قبل أن يثبوا
الحاكمون و((واشنطن)) حكومتهم
واللامعون .. وما شعّوا ولا غربوا
القاتلون نبوغ الشعب ترضية
للمعتدين وما أجدتهم القرب
لهم شموخ (المثى) ظاهرا ولهم
هوى إلى (( بابك الحرمي)) ينتسب
ماذا ترى يا (أبا تمام ) هل كذب
أحسابنا ؟ أو تناسى عرقه الذهب ؟
عروبة اليوم أخرى لا ينمّ على
وجودها اسم ولا لون ... ولا لقب
تسعون ألفا (لعمّوريّة) اتقدوا
وللمنجم قالوا : إننا الشهب
قيل : انتظار قطاف الكرم ما انتظروا
نضج العناقيد .. لكي قبلها التهبوا
واليوم تسعون مليونا وما بلغوا
نضجا .. وقد عصر الزيتون والعنب
تنسى الرؤوس العوالي نار نخوتها
إذا امتطاها إلى أسياده الذنب
***
(حبيب) وافيت من صنعاء يحملني(55/400)
نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبّي ؟
مليحة عاشقاها : السلّ والجرب
ماتت بصندوق ((وضّاح)) بلا ثمن
ولم يمت في حشاها العشق والطرب
كانت تراقب صبح البعث ... فانبعثت
في الحلم .. ثم ارتمت تغفو وترتقي
لكنها رغم بخل الغيث ما برحت
حبلى وفي بطئها ((قحطان)) أو (كرب)
وفي أمسى مقلتيها يغتلي ((يمن))
ثان كحلم الصيبا ... يناى ويقترب
***
((حبيب)) تسأل عن حالي وكيف أنا ؟
شبّابّة في شفاه الريح تنتحب
كانت بلادك (رحلا) ، ظهر (ناجية)
أما بلادي فلا ظهر ولا غيب
أرعيت كل جديب لحم راحلة
كانت رعته وماء الروض ينسكب
ورحت من سفر مضن إلى سفر
أضنى ... لأن طريق الراحة التعب
لكن أنا راحل في غير ما سفر
رحلي دمي .. وطريقي الجمر والحطب
إذا امتضيت ركابا للنوى فأنا
في داخلي ... أمتطي ناري وأغترب
قبري مأساة ميلادي على كتفي
وحولي العدم المنفوخ والصخب
((حبيب)) هذا صداك اليوم أنشده
لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب ؟
ماذا ؟ أتعجب من شيبي على صغري ؟
إني ولدت عجوزا ... كيف تعتجب؟
واليوم أذوي وطيش الفن يعزفني
والأربعون على خدي تلتهب
كذا إذا ابيضّ إيناع الحياة على
وجه الأديب أضاء الفكر والأدب
***
وأنت من شبت قبل الأربعين على
نار (الحماسة) تجلوها وتنتحب
وتجتدي كلذ لصّ مترف هبة
وأنت تعطيه شعرا فوق ما يهب
شرّقت غرّبت من (وال) إلى (ملك)
يحثك الفقر ... أو يقتادك الطلب
طوّفت حتى وصلت (الموصل) انطفأت
فيك الأماني ولم يشبع لها أرب
لكن موت المجيد الفذ بيدأه
ولادة من صباها ترضع الحقب
***
((حبيب)) ما زال في عينيك أسئلة
تبدو ... وتنسى حكاياها فتنتقب
وما زال بخلفي ألف مبكية
من رهبة البوح تستحيي وتضطرب
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا
ونحن من دمنا نحسو ونختلب
سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا
يوما ستحيل من إرعادنا السّحب ؟
ألا ترى يا (( أبا تمام )) بارقنا
( إن السماء ترجى حين تحتجب)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> نصيحة سيئة(55/401)
نصيحة سيئة
رقم القصيدة : 67688
-----------------------------------
أن تريدي سيارة واداره
فلتكوني قوّادة عن جداره
ولتعدي لكل سلطان مال
كلّ يوم زواجة مستعاره
ولتكوني عميلة ذات مكر
تشربين القلوب حتى القراره
ولتبيتي سرير كل وزير
ولتمني من انتظار الوزاره
وبهذا النشاط تمسين أعلى
من وزير ... وربما مستشاره
فسراويل الحاكمين تعاني
رغم تبريدها وثوب الحراره
***
أنت أدرى بهم فليس لديهم
غير ما تعرفين أدنى مهاره
إنما ... هل ترين هذا امتيازا ؟
مثل هذا يجربه فار وفاره
***
ليس للحاكمين أي طموح
غير تحقيق أمسيات العهاره
والتماس المساعدات لتفى
جبهة الشعب تحت نعل التجاره
واجتلاب المخطّطين صنوفا
كي تضيع البلاد في كل قاره
***
أنت أدرى بهم وليس غريبا
فالبغايا عيون حكم الدّعاره
أنت تشرينهم بدفء اللّيالي
فيبيعون في هواك الأماره
وتقودين المنتنات إليهم
فتقودينهم بأخفى إشاره
***
لا تضيقي فلم يعد ذاك سرا
إن أقوى الرياح ريح القذراه
فلتزيدي من النشاط لتبني
كالسلاطين كل شهر عماره
تلك أخزى نصيحة فاقبليها
ـ كي تفوزي ـ ولا تكوني حماره
لست إلاّ عبارة ذات وجه
لوجوه دلّت عليها العباره
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لافتة على طريق العيد العاشر
لافتة على طريق العيد العاشر
رقم القصيدة : 67689
-----------------------------------
أيها الآتي بلا وجه إلينا
لمتعد منا ولا ضيفا لدينا
غير أنّا ... يا لتزييف الهوى
نلتقي اليوم برغمي رغبتينا
سّرانا غير من كنّا كما
سوف تبدو غير من كنا رأينا
أسفا ضيعتنا ... أو ضعت من
قبضتنا يوم ضيعنا يدينا
***
قبل عشر كنت منّا ولنا
يا ترى كيف تلاقينا .. وأينا ؟
أنت لا تدري ولا ندري متى
فرّقتنا الريح .. أو أين التقينا ؟
وإلى أين مضى السير بنا
دون أن ندري .. ومن أين انثنينا
***
يوم جئنا الملتقى لم ندر من
أين جئنا وإلى أين أتينا ؟
ربما جئنا إليه مثلما
يطفر الإعصار أو سرنا الهوينا(55/402)
ربما جئنا بلا وجهين أو
ضاع وجهانا ومرأى وجهتينا
***
عبثا نسأل أطلال النى
بعد يؤس المنتهى كيف ابتدينا ؟
كيف ذقنا وجع الميلاد كم
ضحك المهد لنا أو كم بكينا
كيف ناغينا الصبا .. ماذا انتوى ؟
منهدنا المشؤوم .. أو ماذا انتوينا ؟
***
لا نعي كيف ابتدينا ... أو متى
كل ما نذكره أنّا انتهينا ؟
أنّى مهما نرتدي أسماءنا
من أعادينا ومحسوب علينا
غير أنّا كل عام نلتقي
عادة والزيف يخزي موقفينا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الفاتح الأعزل
الفاتح الأعزل
رقم القصيدة : 67690
-----------------------------------
ساه ... في مقعده المهمل
كسؤال ينسى أن يسأل
كحريق يبحث عن نار
فيه عن وقدته يذهل
كجنين في نهدي أم
لهفى تتمنى أن تحبل
***
يطفو ويقرّ كعصفور
توّاق في قفص مقفل
يستسقي كالحلم الظامي
ويحدّق كالطيف الأحول
فيشمّ خطى الفجر الآتي
في منتصف اللّيل الأليل
ويصوغ الصمت ضحى غزل
وأصيلا ورديا أكحل
ويضيع جمالا مبذولا
في الكشف عن العدم الأجمل
يشدو للزاوية الكسلى
ويصيخ إلى الركن الأكسل
ويفتش عن فمه الثاني
ويحنّ إلى فمه الأوّل
***
والأربعة الجدران إلى
عينيه تصغي ... تتأمل
ترنو كفتاة تستجدي
غزلا ... وإذا ابتسمت تخجل
***
يغلي ويمور كما يعدو
في كفّ العاصفة المشعل
مرمّي كالقبر المنسي
وإلى كلّ الدّنيا يرحل
يغزو الأقمار ولا يعيى
ويخوض البحر ولا يبتل
***
في كل راوية فنّان
من قصته الفصل الأطوّل
في كل تثبي أغنية
أنّى لهواه تتجمل
في كل كتاب عن بطل
أخبار عنه لم تنقل
***
يحيا في التاريخ الفاني
في الكثبان العطشى يخضل
يقتاد الحيل (كعنترة)
يجترّ الزق مع (الأخطل)
ويناضل (قيصر) في (روما)
(كسبرتاكوس) ولا يفشل
يطوي (الاسكندر) في يده
ويجول على كتفي (أخيل)
ويرد اليوم إلى الماضي
ويعيد الماضي مستقبل
ويلمّ الأزمنة الشتى
لحظات تعرف ما تجهل
تنشهّى (( تنوي)) تتحدّى
تستأني((تعدو)) تتخيّل
فيعفّر (ابرهة) .. يذكي(55/403)
عيني (سينا) بدم المحتل
يهمي فوق (الجولان) لظى
يرمي (بالشمر) عن المنهل
يمحو (سابجون) بإصبعه
ويمزّق (خيبر) بالمنجل
يلقي عن صهوته (كسرى)
ويقاتل في (حيفا) أعزل
يدميه القصف ولا يدمى
يرديه القتل ولا يقتل
يهفو من حلق الموت إلى
اعتاب الميلاد الأحفل
***
يجتثّ الكون ليبدأه
أسخى ويشكله أفضل
ويصوغ العالم ثانية
أو يأمره أن يتحوّل
***
مرمي يرحل من بعد
كالهول إلى البعد الأهول
في كلّ متاه يستهدي
في كلّ حريق يتغسّل
يغزو المجهول بلا وعي
ويعي لا يدري ما يفعل
فيعود يشكل ما ألغى
أو يمضي يمحو ما شكّل
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> كانوا رجالا
كانوا رجالا
رقم القصيدة : 67691
-----------------------------------
من نحن .. يا ((صرواح)) يا ((ميتم))؟
موتى ... ولكن ندّعي ... نزعم
ننجرّ ... لا نمضي ... ولا ننثني
لا نحن أيقاظ ... ولا نوّم
نغفو بلا نوم ونصحو بلا
صحو ... فلا نرنو ولا نحلم
كم تضحك الدّنيا وتبكي أسى
ونحن لا نبكي ولا نبسم
فلم يعد يضحكنا مضحك
ولم تعد آلامنا تؤلم
أضاعت الأفراح ألوانها
وفي عروق الحزن جفّ الدم
ماذا ..؟ ألفنا طعم أوجاعنا
أوّ لم نعد نشتمّ ... أو نطعم
***
أزقة البترول تمتصنا
تبصقنا للريح ... أو تهضم
والسيّد المحكوم في داره
في دارنا المستحكم الأعظم
***
بلادنا كانت ، وأبطالنا
كانوا رجالا قبل أن يحكموا
يقال : كانوا فهماء الحمى
واليوم لا ينوون أن يفهموا
ثاروا صباح القصف لكنهم
يوم انتصار الثورة استسلموا
وبعد عام غيروا لونهم
وبعد أيّام نسوا من هموا
يا موطني ... من ذا تنادي هنا ؟
أسكت ... لماذا ..؟ أنت لا تعلم
إنّ طويل العمر لا يرتضي
حيا ينادي ... أو صدى يلهم
ترون أن أنسى يمانيّني
كي يطمئن الفاتح الأغشم
***
الصمت أنجى ... حسن .. ! إنما
في نار صمتي (يمن ) مرغم
هذي بلادي ، وهنا إخوتي
أسكت ... تأدّب ... طافر مجرم
لكن لماذا ..؟ ان أهلي بنوا
هنا ديارا ، وهنا خيّموا(55/404)
في كلّ شبر تنجلي ضحوة
من خطوهم ... أو يزدهي موسم
هذي الحصى من بعض أشلائهم
من لحمهم هذي الربى الجثّم
هذا الضحى من وهج أبصارهم
ومن رواهم هذه الأنجم
ما زلت أدري أن ذا موطني
... لم لا أناديه وعندي فم ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بعد الحنين
بعد الحنين
رقم القصيدة : 67692
-----------------------------------
هل تغفرين لو أنّي
أبدي الذي حاولت أخفي ؟
سأقول شيئا تافها
يكفي الذي قد كان يكفي
ما عاد يسبقني الحنين إليك
أوّ ينجرّ خلفي
ما كان جبارا هواك
وإنما قوّاه ضعفى
واليوم لا أبكي نواك
ولا إقترابي منك يشفي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ساعة نقاش مع طالبة
ساعة نقاش مع طالبة
رقم القصيدة : 67693
-----------------------------------
ـ أهلا !.. أتريدين العنوان؟
مهلا أرجوك ... لماذا الآن ؟
لا أدري الساعة ... أين أنا
أوّ ما اسمي ... أو من أي مكان؟
في صدري تبكي أطيار
عطشى ... في جمجمتي شيطان ..
***
((شيطان أنّى أو ذكر ..؟
شيطان (الأعشى) أو (حسان) ؟ ))
ـ خفق ناريّ يعزفني
وصدى كأزاهير الرّمان
***
(هذي أعراض الشّعر كما
جرّبت ولادات الوجدان)
(تغلي كربيع مخبوء
يشتاق إلى لقيا البستان)
***
(الطّقس رديء ثلجي
أحيانا ... جمريّ أحيان)
(أخبار اليوم نفوا ، هجموا
كسروا إحدى كتفي لبنان)
***
((ألديك جديد تنشدنا ؟))
ما زال جنينا ... بل غثيان
((غدا المولود سنرقيه ))
ـ تدرين مواعيد الفنان
***
((ما مطلعها ؟.. أقفا نأسى
من ذكرى سينا والجولان))
كلّ الوطن الغالي (سينا)
وجميع مدائننا (عمان)
((موشى)) ما عاد هناك ... هنا
وهنا ألفا ((موشى ديّان))
من ذا يقتاد سفائننا ؟
يا ريح ... الموج بلا شطآن
أتعيد الريح دم القتلى
وتشبّ شرايين الميدان؟
***
أترين مقابرا يوما
تهتاج ... فتقذفنا شجعان
ننهمي أمطارا ... أو تهوي
أشلاء ... أو نمضي فرسان
((مغول ... ما دمنا نشوى
أن ينضجنا الألم الحرّان))(55/405)
((أسخى الثورات جنى ولدت
في المنفى أو خلف القضبان))
((أنسيت القهوة )) ـ فلتبرد
((بردت جدا سئم الفنجان))
***
((قل لي اقرأت مقالاتي ))
ـ في أنقى ساعات الإمعان
وقصائدك الحلوات اضحى
وغروب صيفي الأجفان
ديوان يبدو ... لا أحلى
منه إلاّ أم الديوان
((شكرا يا ... )) وارتبكت ورنا
من عينيها خبث فتّان
وتراءت كامرأة أخرى
تلهو في داخلها امرأتان
فتناست لهجتها الأولى
وتناغت كالطفل الجذلان
وتناغت النبرات على
شفتيها كالفجر النّعسان
***
((ما يدء قصيدتك الكبرى؟ ))
وأضاءت ضحكتها الفتان
ـ ما زلت أفتش عن صوتي
وفي ... في معترك الألحان
وأسائل عن وجهي عنّي
عن يومي في تيه الأزمان
عن حرف حر الوجه له
نفس غضبى وفم غضبان
((الشعر اليوم كما تدري
ألوان ... ليس لها ألوان))
((كل الأنفاس بلا عبق
كلّ الأوتار بلا عيدان))
((زمن الصاروخ قصائده
عجلى كالصاروخ العجلان))
***
((ولن تشدو ... والقصف هنا
وهنا ... والعصر بلا آذان))
((أيديه فولاذ ... فمه
طاحون ... أرجله نيران ))
((يرنو من خلف التيه كما
ترنو الحيطان إلى الحيطان))
((أقراص النّوم تبيع له
أهدابا ... وهدوءا يقظان ))
***
ما أضيعنا يا شاعرتي
في عصر الوزن بلا ميزان
في ظل الغزو بلا غزو
في عهد البيع بلا أثمان
أموازنة القوّات سوى
تجميل مناقير العدوان
***
((فلتسلم فلسفة الأيدي
ولتسقط فلسفة الأذهان))
((كلّ الأوراق بما حملت
تشتاق إلى ألفي طوفان))
****
ـ ما أتعبنا ... يا أخت ، وما
أقوى وأمرّ عدى الإنسان
((إدري إنّا لم نتغير
مهما ((عصروا لون الطغيان))
((أترى القرصان وإن لبسوا
أطرى الأشكال ... سوى القرصان
((تدري ... ما زلت لمولاتي
نعلا ... وأنا نعل السلطان))
((قل : لم نترك وثنا لكن ...
... في ؟أنفسنا أصلّ الأوثان))
((ما أضعفنا شيء إلا
ما فينا من طين الإذعان))
***
((فلأذهب ... عفوا طوّلنا ))
ـ لم تذهب لقيانا ... مجّال
((حسنا عنوانك )) ... وابتسمت
عيناها ... كعشايا (نيسان)(55/406)
ـ(صنعا) يا سلوى عنواني
بيبي : في مزدحم الأحزان
عملي : عزّاف مبتده
يبكي أو يشدو للجدران
صندوق بريدي ... معروف
برميل الحرق ... أو النسيان
***
وهدأت برغمي وانصرفت
ولبسنا الصمت على الأشجان
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> السفر إلى الأيام الخضر
السفر إلى الأيام الخضر
رقم القصيدة : 67694
-----------------------------------
إهداء
لها..
لتلك التي تفى وأخلق وجهها
وأرفع نهديها وأبدع فاها
أذوب وأقسو كي أذوب لعلّي
أوجج من تحت الثلوج صباها
وأنسج للحرف الذي يستفزّها
دمي أعينا جمريّة وشفاها
أذكر مرآسها ؛ عرق مأرب
وأنّ لها فوق الجيوب جباها
وأنّ اسمها بنت الملوك وأنّها
تبيع بأسواق الرفيق أباها
وأنّ لها طيش الفتاة وأنها
عجوز ... لعنّين تبيع هواها
***
أغني لمن ؟ . للحلوة المرّة التي
أبرعم من حزن الرماد شذاها
لصنعا التي تردي جميع ملوكها
وتهوى وتستجدي ملوك سواها
لصنعا التي تأتي وتغرب فجأة
لتأتي ويجتاز الغروب ضحاها
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> طقوس الحرف
طقوس الحرف
رقم القصيدة : 67695
-----------------------------------
هنا ، أرقّم الصدى
وأنحي كالحربشه
وكالصلاة أرتقي
وأرتمي كالدرويشه
أهمي ندّى وأرتخي
كالتربة المرشّشه
***
سحابة تزرعني
تفاحة ومشمشه
نعشا تجره الحصى
إلى الوعود المنعشه
***
مقبرة تلبسني
عباءة مزركشه
عمامة زيدية
ولحية منتقشه
***
عيشة تمدّني
للريح بيدا موحشه
جنازة هنديّة
حمامة معشّشه
***
عصفورة تحملني
صفيحة منقّشه
جزيرة ... شواطئا
سفينة مرقشه
***
حفيبة تطبخي
قضية مشوّشه
أمسية كهفيّة
صبيحة مغبّشه
بيتا ، كتابا ، شارعا
مقهى ، حكايا مدهشه
***
ألوهة تعزفني
وعدا غريب الوشوشه
دقائقا وردية
مواقفا مرتعشه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لص تحت الأمطار
لص تحت الأمطار
رقم القصيدة : 67696
-----------------------------------
اللّيل خريفي أرعن(55/407)
يهمي .. يدويّ .. يرمي .. يطعن
يستلّ حرابا ملهيّة
يستلقي كالجبل المثخن
يأتي ويعود كطاحون
أحجارا وزجاجا يطحن
يعدّو كالأدغال الغضبى
يسترخي يفغر كالمدفن
يعرّى ... يتزيّا ... يتيدىّ
أشكالا ... يبسم ... يتغضّن
في كلّ جدار يلتوّى
وبكلّ ممرّ ... يتأسّن
وبلا أسماه يتسمّى
وبلا ألوان ... يتلوّن
ويشم بأذنيه ، يرنو
قلقا كرقيب يتكهن
***
من أين أمرّ ؟ هنا وكر
ملعون ... رادته ألعن
وخصوصيات ... واقفة
تهذي كالمذياع الألكن
وتنقل براميلا تسطو
تحت الأضواء ولا تسجن
أخشابا جدّ مبروزة
بأسامي ناس تتزين
***
وهنا شبّاك يلحظني
شبح في وجهي يتمعن
شيء ... سهتزّ كعوسجة
وعلى قدميه ... يتوثن
باب يستجلي ... زاوية
تصغي ... منعطف كالمكن
قنديل يسهو كالغافي
ويعي كغبي يتفطّن
كبريء عاص يلتقّى
إعداما عن حكم معلن
***
ما هذا ؟ جمع مصطخب
يعوي أو يشدو ... يتفنّن
حفر ترتجّ روادفها
حزم من قشّ تتلحّن
طرب في ذا القصر العالي
أو عرس في هذا المسكن
***
ولماذا أحمد من يبدو
فرحا من عيشته ممتن؟
لا ... لست لئيما يؤسفني
أن يهنا غيري في مأمن
لكنّ مسرّات الهاني
توحي للعاني أن يحزن
***
حسنا ، كفّ المطر الهامي
وبدأت كدربي أتعفّن
وأخذت كأمسيّي أهمسي
أترمّد ... أدمى ... أتعجّن
***
أيسارا يا ((صنعا)) أمضي
أم أنتهج الدرب الأيمن ؟
هل هذا الأحسن أم هذا ؟
يبدو لا شيء هنا أحسن
***
فلتقدم يا (( فرحان)) بلا
خوف .. ما جدوى أن تأمن
أقدمت ... أظنّ بلا ظن
وبدون يقين أتيقّن
ومضيت مضيت .. وصلت إلى
حي ... كدخيل يتيمّن
فهنا إقطاعيّ دسم
فهنا إقطاعيّ أسمن
هذا ما أعىّ حارسه
بل هذا حارسه أخشن
***
وهناك عجوزا وارثه
تعطي ... لو عندي ما أرهن
هل أغشى منزلها ؟ . أفشى
فلعلّ فوائده أضمن
لا ، لا ... فيه جبن امرأة
وأنا لو أخنقها أجبن
***
البنك حراسته أقوى
ويقال ودائعه أثمن
لو كان الأمر حراسته
لحسبت صعوبته أمكن
البنك مغالقه أخرى
تحتاج لصوصا من ((لندن))(55/408)
كلّ الأموال مسلّحة
بفنون الإرهاب المتقّن
***
فلأرجع ، حسنا ... لا أدري
أرجوعي ... أم تيهي أغبن ؟
سيهلّ غد ... وله طرق
أتقى ... زمتاعبه أهون
وبدأت أحسّ بزوغ فتى
غيري ، من مزقي يتكوّن
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> يداها
يداها
رقم القصيدة : 67697
-----------------------------------
مثلما يبتدىء البيت المقفّى
رحلة غيميّة تبدو وتخفى
مثلما يلمس منقار السنى
سحرا أرعش عينيه وأغفى
هكذا أحسّو يديك إصبعا
إصبعا أطمع لو جاوزن ألفا
مثل عنقودين أعيّا المجنى
أيّ حبّاتها أحلى وأصفى
هذه أملى ، وأطرى أختها
تلك أشهى ، هذه للقلب أشفى
هذه أخصب نضجا إني
ضعت بين العشر لا أملك وصفا
***
حلوة تغري بأحلى ، كما
هتفت : كلي وصدت وهي لهفى
تلك أصبى ، تلك أنقى إنما
لم أفكر أن في البستان أجفى
***
أنت من أين ؟ ـ كتبظي وتر
ودنت شيئا ـ أنا من كلّ منفى
صمتت بعد سؤال قرأت
من صداه ... قصّتي حرفا فحرفا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أغنية من خشب
أغنية من خشب
رقم القصيدة : 67698
-----------------------------------
لماذا العدوّ القصي اقرب ؟
لأن القريب الحبيب اغترب
لأن الفراغ اشتهى الامتلاء
بشيء فجاء سوى المرتقب
لأنّ الملقّن واللاعبين
ونظّارة العرض هم من كتب
***
لماذا استشاط زحام الرماد ؟
تذكر أعراقه فاضطرب
لأن ((أبا لهب)) لم يمت
وكلّ الذي مات ضوء اللهب
فقام الدخان مكان الضياء
له ألف رأس وألفا ذنب
***
لأنّ الرياح اشترت أوجهها
رجالية والغبار انتخب
أضاعت ((أزل)) بنيها غدت
لكلّ دعي كأم وأب
وأقعت ، لها قلب فاشيّة
ووجه عليه سمات العرب
***
فهل تلك صنع ؟ يفرّ اسمها
أمام التحرّي ، ويعوي النّسب
وراء الستار الظفاري عيون
صليبية ، وفم مكتسب
عجوز تئنّ بعصر الجليد
وتلبس آخر ما يجتلب
لماذا الذي كان ما زال يأتي ؟
لأنّ الذي سوف يأتي ذهب
لأنّ الوجوه استحالت ظهورا
تفتّش عن لونها المغتصب(55/409)
لأنّ المغني أحبّ كثيرا
كثيرا ، ولم يدر ماذا أحب
***
لماذا تمنّى الظروف الحنين
فتغري وتعرض غير الطلب
***
تغلّ العواسج في كلّ آن
وفي كلّ عام يغلّ العنب
لماذا ، لماذا ركام يمرّ
ركام يلي دون أدنى سبب ؟!
ويستنفر الغضب الحمحمات
قليلا ، ويعتاد يعيى الغضب
ويحصى الطريق ... جدار مشى
جدار سيمشي ، جدار هرب
ولا شيء غير جدار يقوم
بوجهي ... وثان يعدّ الركب
وتحكي ـ أعاجيب من أدبروا
وجاؤوا ـ شبابيك (بئر العزب)
ولم يمض شيء يسمّى غريبا
ولم يأت شيء يسمّى عجب
لأن الصباح دجى ، والدّجى
ضحى ، ليس يدري لماذا غرب
فلا الصدق يبدو كصدق ولا
أجاد أكاذيبه من كذب
***
لماذا ؟! ويمحو السؤال
وينسى الجواب اسمه واللّقب
ويضي المغنّى يديه وفاه
وشيء يجلمد حسّ الطرب
فتمضي القوارب مقلوبة
وتأتي وينسى المحيط الصخب
ويصحو الغرام يرى أنّه
على ظهر أغنية من خشب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الغزو من الداخل
الغزو من الداخل
رقم القصيدة : 67699
-----------------------------------
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
وهل تدرين يا صنعا
من المستعمر السّري
غزاة لا أشاهدهم
وسيف الغزو في صدري
فقد يأتون تبغا في
سجائر لونّها يغري
وفي صدقات وحشي
يؤنس وجهه الصخري
وفي أهداب أنثى ، في
مناديل الهوى القهري
وفي سروال أستاذ
وتحت عمامة المقري
وفي أقراص منع الحمل
في أنبوبة الحبر
وفي حريّة الغثيان
في عبثيّة العمر
وفي عود احتلا الأمس
في تشكيله العصري
وفي قنيّنة الويسكي
وفي قارورة العطر
ويستخفون في جلدي
وينسلون من شعري
وفوق وجوههم وجهي
وتحت خيولهم ظهري
غزاة اليوم كالطاعون
يخفى وهو يستشري
يحجر مولد الآتي
يوشيّ الحاضر المزري
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
***
يمانيّون في المنفى
ومنفيّون في اليمن
جنوبيّون في (صنعا)
شماليّون في (عدن)
كالأعمام والأخوال
في الإصرار والوهن
خطى (أكتوبر) انقلبت
حزيرانيّة الكفن
ترقّى العار من بيع(55/410)
إلى بيع بلا ثمن
ومن مستعمر غاز
إلى مستعمر وطني
لماذا نحن يا مربى
ويا منفى بلا سكن
بلا حلم بلا ذكرى
بلا سلوى بلا حزن ؟
***
يمانيّون يا (أروى)
ويا (سيف بن ذي يزن)
ولكنّا برغمكما
بلا يمن بلا يمن
بلا ماض بلا آت
بلا سرّ بلا علّن
***
أيا (صنع) متى تأتين ؟
من تابوتك العفن
تسألني أتدري ؟ فات قبل مجيئه زمني
متى آتي ألا تدري
إلى أين انثنت سفني
لقد عادت من الآتي
إلى تاريخها الوثني
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
***
شعاري اليوم يا مولاي
نحن نبات إخصابك
لأن غناك اركعنا
على أقدام أحبابك
فألّهناك قلنا : الشمس
من أقباس أحسابك
فنم يا (بابك الحرمي)
على (بلقيس) يا (بابك)
ذوائبها سرير هواك
بعض ذبول أربابك
وبسم الله ـ جلّ الله ـ نحسو كأس أنخابك
***
أمير النّفط نحن يداك
نحن أحدّ أنيابك
ونحن القادة العطشى
إلى فضلات أكوابك
ومسئولون في (صنع)
وفرّاشون في بابك
ومن دمنا على دمنا
تموقع جيش إرهابك
لقد جئنا نجرّ الشّعب
في أعتاب أعتابك
ونأتي كلّما تهوى
نمسّح نعل حجابك
ونستجديك ألقابا
نتوجها بألقابك
فمرنا كيفما شاءت
نوايا ليل سردابك
نعم يا سيّد الأذناب
إنّا خير أذنابك
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> من بلادي عليها
من بلادي عليها
رقم القصيدة : 67700
-----------------------------------
قلّ لها ... قبل أن تعضّ يديها
هل غرام الذئاب يحلو لديها ؟
وهي ليست شاة ... ولكن لماذا
تتوالى هذي الهدايا إليها ؟
مقلتاها أظما من الرمل ... ماذا
يرشف المرتوون من مقلتيها
***
عشق هذا الزمان يخلع وجها
ويغطي وجها ... ويبدي وجيها
انهم عاشقون ... فليخدعوها
انّ يلاقوا أعزّ من جانبيها
تحتسي منهم الجنيهات لكن
لا ترى عشقهم يساوي الجنيها
تمتطي كفّها الهدايا ... ولكنّ
كلّ مهد لا يمتطي منكبيها
فهي أشقى من عاشقيها وأقوى
غير أنّي أخاف منها عليها(55/411)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أحزان .. وإصرار
أحزان .. وإصرار
رقم القصيدة : 67701
-----------------------------------
شوطنا فوق احتمال الاحتمال
فوق صبر الصبر ... لكن لا اتخذال
نغتلي ... نبكي ... على من سقطوا
إنما نمضي لإتمام المجال
دمنا يهمي على أوتارنا
ونغنّي للأماني بانفعال
مرة أحزاننا ... لكنها
ـ يا عذاب الصبر ـ أحزان الرجال
نبلّع الأحجار ... ندمى إنما
نعزف الأشواق ... تشدو للجمال
ندفن الأحباب ... نأسى إنما
نتحدى ... نحتذي وجه المحال
***
مذّ بدأنا الشوط .. جوهرنا الحصى
بالدم الغالي وفردسّنا الرمال
وإلى أين ... ؟ غرفنا المبتدى
والمسافات ـ كما ندري ـ طوال
وكنيسان انطلقنا في الذّرى
نسفح الطيب يمينا وشمال
نبتي لليمين النشود من
سهدنا جسرا وندعوه : تعال
***
وانزرعنا تحت أمطار الفناء
شجرا ملء المدى ... أعيّا الزوال
شجرا يحضن أعماق الثرى
ويعير الريح أطراف الظّلال
واتّقدنا في حشى الأرض هوى
وتحوّلنا حقولا ... وتلال
مشمشا .. بنا .. ورودا .. وندى
وربيعا ... ومصيفا وغلال
نحن هذي الأرض .. فيها نلتظي
وهيّ فينا عنفوان واقتتال
من روابي لحمنا هذي الربى
من ربى أعظمنا هذي الجبال
***
ليس ذا بدء التلاقي بالردى
قد عشقناه وأضنانا وصال
وانتقى من دمنا عمتّه
واتخذنا وجهه الناري نعال
نعرف الموت الذي يعرفنا
مسنّا قتلا ... ودسناه قتال
وتقحمنا الدّواهي صورا
أكلت منّا ... أكلناها نضال
موت بعض الشّعب يحيي كلّه
إنّ بعض النقص روح الاكتمال
***
ها هنا بعض النّجوم انطفأت
كي تزيد الأنجم الأخرى اشتعال
تفقد الأشجار من أغصانها
ثمّ تزداد اخضرارا واخضلال
***
إنما ... يا موت .. هل تدري متى
ترتخي فوق سرير من ملال ؟
في حنايانا سؤال ... ما له
من مجيب ... وهو يغلي في اتصال
ولماذا ينطفي أحبابنا
قبل أن يستنفد الزيت الذبال ؟
ثمّ نسى الحزن بالحزن ومن
يا ضياع الردّ ـ ينسينا السؤال ..؟(55/412)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مسافرة بلا مهمة
مسافرة بلا مهمة
رقم القصيدة : 67702
-----------------------------------
يا رؤى الليل ... يا عيون الظهيرة
هل رأيتينّ موطني والعشيرة ؟
هل رأيتينّ يحصبا أو عسيرا ؟
كان عندي هناك أهل وجيره
ودوال تشقرّ فيها اللّيالي
ويمدّ الضّحى عليها سريره
ورواب عيونهنّ شموس
وعليهنّ كلّ نجم ضفيره
وسفوح تهمي ثغاه وحبا
وحقول تروي نبوغ الحظيره
وبيوت ينسى الضيوف لديها
قلق الدار ... وانتظار المديره
***
يا رؤى يا نجوم .. أين بلادي ؟
لي بلاد كانت بشبه الجزيره
أخيّروا أنها تجلّت عروسا
وامتطت هدهدا ، وطارت أسيره
وإلى أين يا نجوم ..؟ فتومي
ما عرفنا ـ يا أخت .. بدء المسيره
من أنا يا مدى ..؟ وأنكر صوتي
ويعبّ السّفار وجه السفيره
من أشاروا علّي كانوا غباء
ليتهم موضعي وكنت المشيره
كيف أختار .. كيف ؟ ليس أمامي
غير درب ، فليس في الأمر خيره
رحلت مثلما يحثّ سراه
موكب الريح في الليالي المطيره
وارتدى (الفار) ناهديها وأنست
هجرة النحنى خطاها الأخيره
***
وروّزا : أشأمت على غير قصد
ثمّ أمست على (دمشق) أميره
قلعتني ـ يا شامـ ريح .. وريح
زرعتني هنا .. كروما عصيره
وبرعمي نزلت غير مكاني
مثلما تلتقي العظام النّثيره
***
وبلا موسم تنامت وحيّت
بالرياحين والكؤوس النضيره
(وسقت من أتى البريص إليها
بردى .. خمرة ، ونعمى وفيره)
وعلت جبهة (الحورنق) تاجا
يا (سنمّار) أيّ مثيره ؟!
وهمت كالنّجوم سعدا ونحسا
وعطايا وحشيه ومجيره
(أنت كاللّيل مدركي من أمامي
وورائي .. كل النواحي ضريرة)
***
وحكوا : أنها ثياب سواها
جمّلتها ... وأنها مستعيره
فرأوّها وصيفة عند (روما)
ورأوها في باب (كسرى) خفيره
وبعيرا لبنت (باذان) حينا
وأوانا ... تحت (النجاشي) بعيره
***
عندما أحرقت (بنجران) غزوا
كان ينوي .. صارت رماد الجزيره
أطفأت بالثقاب مدّ جحيم
أتراها ملومة أم عذيره ..؟
فتهاوت حصّى وطارت عيونا(55/413)
هربت من وجوهها مستجيره
وإلى أين ثانيا يا منافي
والإجابات كالسؤال مريره؟
نزلت (يثربا) هشيما فكانت
بالعناقيد والرفيف بشيره
فتناغى النخيل من أين جاءت
هذه الكرمة العجوز النكيره ؟
جئت يا عمّ من جذوري أرجيّ
تربة من رماد حزني قريره
***
وتجلّت في ذلك القفر دورا
وقطوفا تومي بأيد منيره
ونخيلا من السّيوف المواضي
وسيوفا من القوافي الجهيره
وارتمت في (حرى) طريقا وكهفا
ثمّ أضحت منذورة ونذيره
ومصلّى ، وخندقا ، وحصونا
ونبيا ، وسورة مستطيره
***
وليال مضت وجاءت ليال
وانقضت عسرة وجاءت عسيره
فانتضت في يد (السقيفة) (سعدا)
أكبر القوم ... للأمور الكبيره
***
يا قريش اذكري نمتنا جميعا
صحبة سمحة وقربى أثيره
فلك السبق والجبين المحلّى
وأنا الجبهة الشموخ النصيره
أنت أمّارة ... أنا ـ ثم قالوا :
سكتت قبل أن تقول ـ وزيره
دهشة البدء ضيّعت من خطاها
أولّ الدرب وهي حيرى حسيره
وجهها غاص في غبار المرايا
واسمها ضاع في الأماسي الغفيره
أين ((سعد)) قالوا : رماه عشاء
مارد من (( قبا)) يسمى ((بجيره))
وحكوا : أنها استعارت وجوها
خبأت تحتها الوجوه الكسيره
***
وإلى أين ثالثا ..؟ هل لسيري
وانثنائي مهمة بي جديره ؟
أصبح الصارم اليماني بكفّي
((مرودا)) في يدي فتاة غريره
وطغت ردّة فعادت نبيا
ونخيلا من السيوف الشهيره
***
وإلى أين رابعا ..؟ لقتال
جنّحت خيله وشبّت نفيره
من رآني خضت الفتوحات لكن
عدت منها إحدى السبايا الطريره
***
وإلى أين خامسا ... يا قوافي؟
هاجر الحبّ والروابي الحضيره
فأتت ثانيا ((دمشق)) غراما
قمريّ الجبين ، باكي السريره
***
قصر ((أم البنين )) هذا ، عليه
ـ حسيما أخيرت ـ سمات كثيره
جرّبت أعسر الفتوح خيولي
فلأجرب هذي الفتوح اليسيره
لم أجد (( روضة)) ، فأدركت أزهى،
لعبة ، حلوة ... ولكن خطيره
وعلى موعد رقت في ثوان
كتّف القصر بالهوى مستنيره
فتن فوق ما يظنّ التمنّي ،
غرفة فوق وصفها بالوثيره
لحظة والتوى السرير ضريحا(55/414)
خشيا يموت ... يطوي زفيره
إيه (( وضاح)) دونك البئر فانزل
قطعة دوان وصفها بالحقيره
ولهت ((ديد مونة)) في علاها
((وعطيل)) الهوى صريع الحفيره
هكذا أخبروا ... لأن بلادي
خنجر الآخرين وهي العقيره
***
ما الذي جدّ ؟ أعول الثأر حتى
ليس يدري قبيله ودبيره
فارتقى ((هاشم)) و((مروان)) ولى
وهي ملغية الحساب ... هجيره
من أنا ..؟ وانجلت لها من بعيد
لوز ((همدان)) كالنجوم الصغيره
ذكرت أم موطنا كان فيها
نسيت بدأه ... وتنسى مصيره
فانثنت ((هاديا)) وقالت ترابي
ـ يا كنوز الرشيد ـ أغلى ذخيره
***
حقبة ... والتوت ربى من أفاع
غادرات وهي الضحايا الغديره
توّجت ... أسقطت على غيري هدّي
وأنتقت دون رؤية أو بصيره
فانتهت فاطميّة هي (( أروى))
ظاهرا ... خلفه سجل وسيره
وتسمت ((بالقرمطي)) ولكن
أنقضها الممارسات القديره
فنفت وادّعت ... كما شاء داع
لبست وجهها ... وأخفت ضميره
وأسرّت قدسا وأبدت شعارا
خلفه ـ لو علمت ـ ألف شعيره
واستحرّت خلف ((النجاحي)) وأدمى
في رباها خيوله وحميره
***
ثمّ صارت ((مهديّة)) ((ورسولا))
نزلت واديا أضاعت شفيره
فأقامت في كلّ صقع إماما
هيأت نعشه وحاكت حريره
وتساقت دما وشوقا إليه
وهي أظما إلى المياه النّميره
***
من أتى ..؟ عاصف من الترك طاغ
فلأمزق حلوقه وهديره
إنّه يقذف السّعير المدوّي
فلأردد إلى حشاه سعيره
وأعدّت له القبور إلى أن
دفنت عهده أجدّت نظيره
***
وتراخى عهد عثير اللّيالي
وارتخت تحت ركبتيه عثيره
وبلا يقظة أفاقت ومدّت
(حزيزا) شعلة إلى (ضبر خيره)
***
وهناك انطفت وأطفت وقالوا :
خبزت للخلود أشهى فطيره
وحكوا : أنها أرادت ... ولكن
جيدها المنحنمى قد اعتاد نيره
وطوت أربعا وعشرا ، مناها
مسرعات لكن خطاها قصيره
***
ربّما تخدع البروق عيوني
ربّما تحتها غيوث غزيره
أيّ شيء أريد ؟ ما عدت أغفو
أقلق العصر مرقدي وشخيره
***
هنا أنهت الإمامات ، هبت
من أساها تقود أبهى مسيره
هلّ (أيلول) مولدا وريعا(55/415)
لم تزل تحمل الفصول عبيره
وقلاعا تثني المغيرين صرعى
وتلالا مدجّجات مغيره
***
ثم ماذا ؟ أسمت (سعيدا ) (نبيلا)
ودعت (شعلة) (هدى) أو (سميره)
غيّرت شعر جلدها وهي لمّا
تتغير ولم تغير وتيره
فرّة واجتلت قناعا يحلّي
جبهات إلى القفى مستديره
أصبحت أطوع المطايا ولكن
بالتواء الدروب ليست خبيره
***
فلأسافر كعادتي ، كلّ قفر
ذبت في نبته سكنت صفيره
ورمادي خلفي يعدّ رجوعي
يعجن الريح باحثا عن خميره
***
رحل النبع من جذوري فهيّا
يا هشيم الغصون نتبع خريره
وإلى أين ـ يا منافي ـ أخيرا ...؟
وتشظّت في كلّ منفى أجيره
هكذا ما جرى لأنّ بلادي
ثروة الآخرين ، وهي الفقيره
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> قبل الطريق
قبل الطريق
رقم القصيدة : 67703
-----------------------------------
قبل الطريق أبتدي
سيري رحيل أحرفي
أجيء قبل مولدي
بعد مدى تخلّفي
مفتّشا عن جبهتي
وعن عروق معزفي
وعن عيون مربعي
وعن نهود مصيفي
***
أصبح للربى اقفزي
وللحدائق ازحفي
وللضّفاف ابحري
وللبحار كفكفي
وللغصون سافري
وللعروق رفرفي
وللحقول حلّقي
وللمقابر اهتفي
وللعواصف ارقدي
وللحجارة اعصفي
***
أحسّها جميعها
تدوي : سئمت موقفي
مللّت طول وقفي
وملّني توقّفي
هل أبتدي تحرّكي ؟
تعلّمي أن تعرفي
وجرّبي أن ترفضي
وحاولي أن تجرفي
تغيّري وغيّري
تجدّي وفلسفي
وأحرقي ما أخرجوا
وألّفوا وألّفي
كي تولدي جديدة
قبل الولادة اتلفي
***
وأستحثّ رحلّتي
أضيع في تقصّفي
لا خطوة تدلّني
ولا طريق يقتفي
أمدّ صوتي معبرا
وأمتطي تلهّفي
وأجتلي عوالما
منفيّة وأنتفي
محمّلا جنّيّة
حبلى وجهها متحفي
جلد الرّصيف مئزري
لون الرياح معطفي
جنسيّتي غرابتي
ملكتي تطرّفي
مدينتي قصيدة
أشعلها وأنطفي
حبيبة تميتي
دقائقا وتختفي
حريقة تشربني
أشربها وأشتفي
***
أحسّ نبضّ نجمّة
على جبيني تنكفي
أغيب في تمزقي
كي يهتدي تكشّفي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الأيام الخضر
الأيام الخضر(55/416)
رقم القصيدة : 67704
-----------------------------------
يا رفاقي ... إن أحزنت أغنياتي
فالمأسي ... حياتكم وحياتي
إن همت أحرفي دما فلأنّي
يمنّي المداد ... قلبي دواتي
أمضغ القات كي أبيت حزينا
والقوافي تهمي أسّى غير قاتي
أنا أعطي ما تمنحون احترافي
فالمرارات بذركم ونباتي
غير أنّى ـ ومدية الموت عطشى
في وريدي ـ أشدو فألغي وفاتي
فإذا جئت مبكيا فلأنّي
جئتكم من مماتكم ومماتي
عاريا ... ما استعرت غير جبيني
شاحبا ... ما حملت غير سماتي
جائعا .. من صدى (ابن علوان) خبزي
ظامئا من ذبول (أروى) سقاتي
***
ربما أشتهي وأنعل خطوي
كلّ قصر يومي إليك فتاتي
أقسم الجدّ ... لو أكلنا بثدي
لقمة من يد ... أكلت بناتي
***
قد تقولون ذاتي الحسّ ... لكن
أيّ شيء أحسّ ..؟ من أين ذاتي ؟
كلّ هذا الركام جلد عظامي
فإلى أين من يديه انفلاتي ؟
يحتسي من رماد عينيه لمحي
يرتدي ظلّ ركبتيه التفاتي
تحت سكيّنة تناءى اجتماعي
وإلى شدقه تلاقي شتاتي
آخر الليل ... أولّ الصبح .. لكن
هل أحسّت نهودها أمسياتي
***
هل أداري أحلامكم فأغنّي ؟
للأزاهير واللّيالي شواتي ...
عندما يزهر الهشيم سأدعو :
يا كؤوس الشذى خذيني وهاتي
الشتاء الذي سيندى عفيفا
يبتدي موسم الورود اللواتي ...
ليس قصدي أن تيأسوا ، لحطاكم
قصة من دم الصخور العواتي
***
يا رفاقي في كلّ مكسر غصن
ـ إن توالى الندى ـ ربيع ، مواتي
يرحل النبع للرّفيف ويفنى
وهو يوصي : تسنبلي يا رفاتي
والروابي يهجسن : في ما وقوفي
هل هنا يا مدى ... سأرمي ثباتي ؟
سوف تأتي أيامنا الخضر لكن
كي ترانا نجيؤها قبل تأتي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> صنعاء .. في طائرة
صنعاء .. في طائرة
رقم القصيدة : 67705
-----------------------------------
على المقعد الراحل المستقرّ
تطيرين مثلي ... ومثلي لهيفه
ومثلي ... أنا صرت عبد العبيد
وأنت لكلّ الجواري وصيفه
كلانا تخشبنا الأمنيات
وتعصرنا الذكريات العنيفه(55/417)
فقدنا الحليفه ... مذّ باعنا
إلى كلّ سوق ... جنود الخليفه
***
أصنعا إلى أين ..؟ أمضي أعود
لأمضي ... كأني أؤدي وظيفه
ملكت المطارات والطّائرات
وأكلي (جراد) لأنّي سخيفه
ومملكتي هودج من رياح
تروح عجولا ... وتأتي خفيفه
***
أتبكين ؟ لا ... لا ومن تؤسفين
إذا أنت مقهورة أو أسيفه
وماذا سيحدث لو تصرخين
وتتّزرين الدموع الكّثيفه
سيرنو إليك الرفيق اللصيق
وينساك حين تمرّ المضيفه
ويعطيك قرصين من إسبرين
فتىّ طيب ... أو عجوز لطيفه
وقد لا يراك فتى أو عجوز
ولا يلمح الجار تلك الضعيفه
***
أتصغين ..؟ لا صوت غير الضجيج
وغير اختلاج الكؤوس المطيفه
فقد أصبحت رؤية الباكيات
لطول اعتياد المأسي أليفه
***
تخافين... ماذا ؟ على أيّ شيء
تضنّين ؟.. أصبحت أنت المخيفه
فلم يبق شيء عزيز لديك
أضعت العفاف ووجه العفيفه
على باب ((كسرى)) رميت الجبين
وأسلمت نهديك يوم (السقيفه)
وبعت أخيرا لحى (تبع)
وأهداب (أروى) وثغر (الشريفه)
***
أتعطيك (واشنطن) اليوم وجها؟
خذي .. حسنا .. جرّبي كلّ جيفه
فقد تلّفتين بهذا السّقوط
كأخبار منتحر في صحيفه
***
أصنعا ... ولكنّ متى تأنفين
يقولون قد كنت يوما منيفه
متى منك تمضين عجلى إليك ؟
ترين اخضرار الحياة النّظيفه
أمن قلب أغنية من دموع .
ستأتين ..؟ أم من حنايا قذيفه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بين المدينة والذابح
بين المدينة والذابح
رقم القصيدة : 67706
-----------------------------------
وحشة الخارج تعوي حوله
ثمّ تنفيه إلى داخله
غربة الداخل ترميه ... إلى
مائج يبحث عن ساحله
راحل منه إليه ... دربه
شارد أضيع من راحله
بعضه يسأله عن بعضه
ردّه أحير من سائله
***
باحث عن قتله يعدو على
مدية الذبح إلى قاتله
يأكل الموت بقايا عمره
ويغنّي في يدي آكله
فمه أصغر من صيحته
عبئه أكبر من حامله
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> شاعر .. ووطنه في الغربة
شاعر .. ووطنه في الغربة(55/418)
رقم القصيدة : 67707
-----------------------------------
كان صبح الخميس أو ظهر جمعه
أذهلني عني عن الوقت لوعه
دهشة الراحل الذي لم يجرب
طعم خوف النوى ولا شوق رجعه
حين نساءت إلى الصّعود فتاة
مثل أختي بنيّة الصوت ، ربعه
منذ صارت مضيفّة لقبوها
((سورنا)) واسمها الطفولّي ((شلعه))
***
إنّ عصريّة الأسامي علينا
جلد قبل على فوام ابن سبعه
هل يطرّي لون العناوين سفرا
ميّتا زوّقته آخر طبعه
***
حان أن يقلع الجناحان ... طرنا
حفنة من حصى على صدر قلعه
مقعدي كان وشوشات بلادي
وجه أرضي في أدمعي ألف شمعه
ووصلنا ... قطرت مأساة أهلي
من دم القلب دمعة بعد دمعه
***
زعموني رفعت بند التحدّي
واتخذت القتال بالحرف صنعه
فليكن ... ولأمت ثلاثين موتا
كلما خضت ستّة هاج تسعه
كلما ذقت رائعا من مماتي
رمت أقسى يدا وأعنف روعه
***
ألأنّي يا موطني ... أتجزأ
قطعا من هواك في كلّ رقعه
نعوتي مخرّبا أنت تدري
أنها لن تكون آخر خدعه
عرفوا أنهم أدينوا فسنّوا
للجواسيس تهمة الغير شرعه
عندما تفسد الظروف تسمّى
كلّ ذكرى جميلة سوء سمعه
يظلم الزهر في الظلام ويبدو
مثل أصفى العيون تحت الأشّعه
***
يا رحيلي هذي بلادي تغنّي
داخلي تغتلي تدقّ بسرعه
كنت فيها ومذ تغيبت عنها
سكنتي من أرضها كلّ بقعه
التفت في (صعده) و(العلا)
القطاعات داخلي صرن قطعه
صرت للموطن المقيم بعيدا
وطنا راحلا . أفي الأمر بدعه !؟
أحتسي موطني لظّى ، يحتسي
من فم النار جرعة إثر جرعه
في هواه العظيم أفنى ، وأفنى
والعذاب الكبير أكبر متعه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مناضل في الفراش
مناضل في الفراش
رقم القصيدة : 67708
-----------------------------------
من أنت ماذا تساوي ؟
وكلّ ما فيك خاوي
تحسّ جلدك ثلجا
مطيّنا وهو كاوي
تئنّ ، تخفي ضجيجا
أنت الصّدى وهو عاوي
***
الدّاء فيك عنيد
يقوى ولكنّ تقاوي
لا تستطيع توالي
ولا تطيق تناوي
***
وكنت تضني الدواهي
تعيي حلوق المهاوي(55/419)
تنوي قبورك لكن
تجتازها غير ناوي
تدوس هولا وتدمي
هولا عنيف المساوي
***
تلوج للقبض وهما
وتختفي في الملاوي
فمن وصيفين تأتي
إلى وصيفين تأوي
تبدو بكلّ مكان
تخفي بسحر سماوي
***
والآن تسطو عليهم
وأنت وحدك ثاوي
كسلان كالجذع تقوى
عليك أدنى الهراوى
لا تشتهي أيّ شيء
كلّ ما فيك طاو
تعبّ عشرين قرصا
وأنت كالأمس ذاوي
لا الطبّ يعرف داء
ولا الدّواء يداوي
***
كلّ القلاع اللّواتي
أقلقتها في تهاوي
فاهدأ فخطوك ماض
والدرب مصغ وراوي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> غريبان .. وكانا هما البلد
غريبان .. وكانا هما البلد
رقم القصيدة : 67709
-----------------------------------
من ذلك الوجه ...؟ يبدو أنه (جندي)
لا ... بل (يريمي) سأدعو ، جدّ مبتعد
أظنّه (مكرد القاضي) كقامته
لا .. بل (مثنى الرادعي) (مرشد الصّيّدي)
لعلّه (دبعيّ ) أصل والده
من (يافع) أمّه من سورة المسد
عرفته يمينا في تلفّته
خوف ... وعيناه تاريخ من الرمد
من خضرة القات في عينيه أسئلة
صفر تبوح كعود نصف متّقد
رأيت نخل (المكلا) في ملامحه
شمّيت عنب (الحشا) في جيده الغيد
من أين يا بني ؟ ولا يرنو وأسأله
أدنو قليلا : صباح الخير يا والدي
ضمّيته ملء صدري ... أنّه وطني
يبقى اشتياقي ... وذوبي الآن يا كبدي
***
يسعد صباحك يا عمّي أتعرفني ؟
فيك اعتنقت أنا قبّلت منك يدي
لاقيت فيك (بكيلا) (حاشدا) (عدنا)
ما كنت أحلم أن ألقى هنا بلدي
رأيت فيك بلادي كلّها اجتمعت
كيف التقى التسعة المليون في جسد
***
عرفت من أنت يا عمّي ، تلال (بنا)
(عيبان) أثقله غاب من البرد
(شمسان) تنسى الثريّا فوق لحيته
فاها وينسى ضحى رجليه في الزبد
(بينون) عريان يمشي ما عليه سوى قميصه المرمريّ البارد الأبدي
صخر من السدّ يجتاز المحيط إلى
ثان ينادي صداه : من رأى عمدي؟
***
ما اسم ابن أمي ؟ (سعيد) في (تبوك) وفي
(سيلان) (يحيى) ، وفي (غانا) (أبو سند)
***
وأنت يا عمّ ؟ في (نيجيريا)(حسن)(55/420)
وفي (الملاوي) دعّوتي (ناصر العنّدي)
***
سافرت في سنة (الرامي) هربت على
عمّي غداه قبرنا (ناجي الأسدي)
من بعد عامين من أخبار قتل أبي
خلف (اللّحيّة) في جيش بلا عدد
أيام صاحوا : قوى (الإدريسي) احتشدت
وقابلوها : بجيش غير محتشد
***
رحلت في تلك التاريخ أذكره
كأنها ساعة يا (سعد) لم تزد
صياح قالوا : (سعود؟) قبل خطبتها
حبلى . و(حيكان) لم يحبل ولم يلد
و(الدوحيّة) تهمي في مراتعنا
أغاني العار والأشواق والحسد
ودّعت أغنامي العشرين (محصنة)
حتى أعود ... وحتى اليوم لم أعد
***
من مات يا ابني ؟ من الباقي ؟ أتسألني !
فصول مأساتنا الطولى بلا عدد
ماذا جرى في السنين الست من سفري ؟
أخشى وقوع الذي ما دار في خلدي
مارست يا عمّ حرب السبع متقدا
تقودني فطنة أغنى من الوتد
كانت بلا أرجل تمشي بلا نظر
كان القتال بلا داع سوى المدد
***
وكيف كنتم تنوحون الرجال ؟ بلا
نوح نموت كما نحيا بلا رشد
فوج يموت وننساه بأربعة
فلم يعد أحد يبكي على أحد
وفوق ذلك ألقى ألف مرتزق
في اليوم يسألني ... ما لون معتقدي
بلا اعتقاد ... وهم مثلي بلا هدف
يا عمّ ... ما أرخص الإنسان في بلدي
والآن يا ابني ؟ . جواب لا حدود له اليوم أدجي لكي يخضرّ وجه غدي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أبن فلانة
أبن فلانة
رقم القصيدة : 67710
-----------------------------------
لا تسل من أنا ... فلاسمي صلات
بالتي أرضعته ذوب المهانه
كيف أحكي ... فلانا ابن فلان
ورفاقي يدعونني ابن فلانه
إن رأوني أبدو رصينا أشاروا
علّمته تلك البتول ! .. الرصانه
وإذا لا حظوا قميصي جديدا
ردّدوا : فوق ركبتيها خزانه
دخلها كلّ ليلة نصف ألف
أحسنوا الظنّ . تهمة لا إدانه
ولديها كما يقولون جيش
دربته خبيرة في المجانه
وهي سمارة لكل دعي
فوق هذا ... وللعدى قهرمانه
أعجبت سادة النقود فأعطوا
وجدوا عندها أحطّ استكانه
حسنا !.. إنها عليهم دليل
إن تخفوا دلت بأخزى إبانه(55/421)
نحن ندري ... هل أبدعوا غير هذا
وانتزاف البلاد في كلّ حانه
كان يحكي هذا ... وهذا يليه
ويداجي هذا بخبث الرزانه
ألف أم روت حكايات أمي
لبنيها فردّدوا في أمانه
***
بيتها أشهر البيوت جميعا
وله دون كلّ بيت حصانه
إني ساقط ... لأنّ لأمّي
عند أغنى الرجال أعلى مكانه
***
لا تلح لي يا اسمي ... فإني جبان
حين تبدو بفضل تلك الجبانه
***
يا التي يخبرون عنها كثيرا
اتركيني ... ودّعت دار الإهانه
صرت غيري ... رميت باسمي ورائي
وسأعتاد جدّتي بالمرانه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الهدهد السادس
الهدهد السادس
رقم القصيدة : 67711
-----------------------------------
من أين لي يا (مذ حجيه)
وتر كقصّتك الشجيّه؟
أين انطفت عيناك ؟ .. اسكت
أين جبهتك الأبيّه؟
اسكت ... أتبتدعين يوما
جبهة على طريّه؟
اسكت ... رجعت إلى التعقل
لا أريد العبقريّه
أوّ ليس فلسفة الهزيمه
أن أموت تعقليه ؟
وهل العمالة حكمة؟
وهل الشجاعة موسميّه ؟
اسكت ... ولكن لست من
أبطال تلك المسرحيّه
بعد الغروب ستبزغين
كشمسك البكر الجريّه
اسكت ... لأن الجو أحجار
حلوق بربريّه
لشعر أقوى فاعزفي
رئتيك أو موتي شقيّه
***
الصمت يعشب طحلبا
حمّى ، ذبولا ، عوسجيّه
وقرون أشباح كأبواب السجون العسكريّه
سقف من الحيّات
والأيدي وألوان المنيّه
يطفو ويركض يمتطي
عينيه يسقط كالمطيه
ماذا هذا ؟.. شيء كلا شيء
شظايا متحفيّه
الليل يبحث عن ضحى
والصبح يبحث عن عشيّه
هرب الزمان من الزمان
خوّت ثوانيه الغبيّه
من وجهه الحجري يفرّ
إلى شناعته الخفيّه
حتى الزمان بلا زمان
والمكان بلا قضيّه
***
التابعون بلا رؤوس
والملوك بلا رعيّه
والمستغلّ بلا امتياز
والفقير بلا مزيّه
***
من ذا هنا ؟ ((صنع)) بلا
صنع ، وجوه أجنبيّه
متطوعون وطيّعات
أوصياء بلا وصيّه
حزم من الشّعر المسّرح
والعيون الفوضويّه
خبراء في عقم الإدارة
وافدون بلا هويه
ومسافرون بلا وداع
واصلون بلا تحيّه(55/422)
ومؤمركون إلى العظام
لهم وجوه فارسيّه
ومؤمركات يرتدين
قميص (ليلى العامريّه)
كتل من الإسمنت لابسة جلودا آدميه
تسعون فوجا والمسافة في بدايتها القصيه
***
يا ((هدهد)) اليوم ، الحمولة
فوق طاقتك القويّه
هذي حقائبك الكبار
تمّ عن خبث الطويّه
***
هل جئت من سبإ ؟
وكيف رأيته ؟.. أضحى سبيه !
ولّى ، عليه عباءة ...
من أغنيات (الدودحيه)
سقط المتاجر ، والتجارة ، والمضحّي ، والضحيه
حتى البقاع هربن من
أسمائهن الحميريّه
***
هل للقضيّة عكسها ؟
هل للحكاية من بقيّه؟
كل الحلوق أقل من
هذي الجبال اليحصبيّه
كلّ السلاح أقلّ من
هذي الملايين العصيّه
***
(صنعاء) من أين الطريق ؟
إلى مجاليك النقيّه
وإلى بكارتك العجوز
إلى أنوثتك الشهيّه
يا زوجة السفّاح والسمسار يا وجه انتبه
سقطت لحى الفرسان
والتحت المسنّة والصبيّه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> يوم 13 حزيران 1974م
يوم 13 حزيران 1974م
رقم القصيدة : 67712
-----------------------------------
جبيته دبّابة واقفه
أهدابه ... دبّابة زاحفه
ليس له وجه ... له أوجه
ممسوحة كالعملة التالفه
ساقاه جنزيران ... أعراقه
إذاعة مبحوحة زاحفه
تلغو ... كما تسفي الرياح الحصى
تحمرّ كالجنيّة الراعفه
بعد قليل ... مئتا مرة
وعد كسكر الليلة الصائفه
وبعد عشرين احتمالا ، بدت
ولادة مكسرورة زائفه
حماسة صفراء معروقة
أنشودة مسلولة واجفه
شيء بلا لون ... بلا نكهة
ماذا تسميه ؟ اللّغى الواصفه!
***
يا عم دبابات !! .. إني أرى
ـ هذا انقلاب ـ جدّتي عارفه
نفس الذي جاء مرارا كما
تأتي وتمضي دورة العاصفه
وسوف يأتي ... ثم يأتي إلى
أن تستفيق الثورة الوارفه
***
لا يركب الشعب إلى فجره
دبّابة ... لا يمتطي قاذفه
الشعب يأتي لاهثا ، صابرا
ممتطيا أوجاعه النازفه
يأتي ... كما تأتي سيول الربى
نقيّة خلاقة جارفه
يبرعم الشّوق الحصى تحته
والشمس في أجفانه هاتفه
وتهجس الأعشاب في خطوه
هجس المجاني لليد القاطفه(55/423)
***
يا عم دبابات !! قل : لعبة
سخيفة كاللعبة السّالفه
لكن لماذا لم تثر لفتة ؟
ولا استفزت لمحة كاشفه
لأن من كانوا مضوا وانثنوا ،
طائفة ولّت بدت طائفه
المنتهى أمسى هو المبتدي ،
والصورة المخلوقة الحالفه
قد يستعير العزف غير اسمه
لكنها نفس اليد العازفه
***
دبّابة أخرى ... وأخرى ... ولا
ألقى رصيف نظرة خاطفه
لم تلتفت دار ... ولا بقعة
بدّت على أمن ولا خائفه
شيء جرى لم يستدر شارع
ولا انجلّت زاوية كاسفه
***
ماذا جرى ..؟ لم يجر شيء هنا
صنعاء لا فرحى ... ولا آسفه
القات ساه ... والمقاهي على
أكوابها محنّيه عاكفه
***
ماذا جرى ..؟ لا حسّ عما جرى
ولا لديه ومضة هادفه
ماذا يعي التاريخ ..؟ ماذا رأى ؟
ولّى بلا ذكرى ... بلا عاطفه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بين ضياعين
بين ضياعين
رقم القصيدة : 67713
-----------------------------------
كلّما عندنا يزيد ضياعا
والذي نرتجيه ينأى امتناعا
نتشهى غدا ، يزيد ابتعادا
نرجع الأمس .. لا يطيق ارتجاعا
بين يوم مضى ويوم سيأتي
نزرع الريح نبتنيها قلاعا
والذي سوف نبتنيه يولّى
هاربا ... والذي بنينا تداعى
***
تمتطي موجة إلى غير مرسى
إن وجدّنا ريحا فقدنا الشراعا
وإلينا جاء الشراة تباعا
حبلت أخصب الجيوب تباعا
لا يحسّ الذي اشرّانا لماذا
والذي باع ما درّى كيف باعا .. !
فتهاوى الذي تلقّى وأعطى
وشمخنا مستهزئين جياعا ..!
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أصيل من الحب
أصيل من الحب
رقم القصيدة : 67714
-----------------------------------
قد كان لا يصحو ولا يروى
واليوم لا يسلو ولا يهوى
ينسى ، ولكن لم يزل ذاكرا
حبيبة ، كانت له السلوى
***
وكان إن مرّ اسمها أزهرت
في قلبه الأشواق والنجوى
وانثالت الياعات من حوله
أحلام عشّاق بلا مأوى
وكانت الحلوى لطفل الهوى
والآن ... لا خلا ، ولا حلوى
***
وكان يشكو إن نأت أو دنت
لأنها تستعذب الشّكوى(55/424)
كانت لسديه الكلّ لا مثلها
لا قبلها لا بعدها حوّا
فأصبحت واحدة لا اسمها
أحلى ولا مجنونها أغوى
***
يود أن يهوى فيخبو الهوى
ويشتهي ينسى فلا يقوى
فلم يعد في حبّه كاذب الدعوى
و ليس فيه كاذب الدعوى
أصيل حبّ يستعيد الضّحى
وينطوي في الليلة العشوى
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ألوان من الصمت
ألوان من الصمت
رقم القصيدة : 67715
-----------------------------------
مثل طفل حالم يصحو ويغفو
يرسب الصّمت بعينيه ويطفو
ينطوي خلف تلوّي جلده
كعقاب ينتوي الفتك ويعفو
يهمس الإنشاد ... ينسى صوته
يتزيّا بالهوى يحنو ... ويجفو
يحتسي أنفاسه ... يراسلها
زمرا كالنّحل ترتدّ وتهفو
ينحني ... يرحل في لحيته جاثيا
ينجرّ ... يغبرّ ... ويصفو
بعضه ينسلّ منه ... بعضه
يمتطي أطراف كفّيه ويقفو
***
صرخة المذياع تدمي هجسه :
قاتلوا في (قبرص) اليوم وكفّوا
((الفيتكنج)) استحالوا شجرا
هبطوا كالجمر كالعقبان خفّوا
***
ارتدى أبطال سيجون الحصى
دخلوا الأعشاب كالأعشاب جفّوا
***
حشدت ((واشنطن)) الموت سدى
ركض الأموات أخطارا وحفّوا
أنبتت كلّ حصاه موكبا
كعفاريت الرّبى اصطفوا وصفّوا
وثبوا كالسّيل ، كالسيل انثنوا
تحت أمطار اللّظى احمروا ورفّوا
قرّر الأقطاب حلا حاسما ... للماسي
لحظة ، تابوا وعفّوا
استشفّوا إن إقلاق الأسى
يطلق الأطفال ... هذا ما استشفوا
انتهت أخبارنا فانتظروا
واستراحوا ساعة ، غنّوا وزفوا
***
يخلع الصّمت هنا ألونه
يتعب التمزيق فيها ثم يرفو.
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ثرثرات محموم
ثرثرات محموم
رقم القصيدة : 67716
-----------------------------------
كان يحكي.. يبكي .. يجيب .. ينادي
يدّعي .. يشتكي .. يصافي.. يعادي
مرحبا(سعيد) .. خذ نور عيني
اسكتي .. هات بندقي يا ( عبادي)..
غادرت عمقها البحار وجاءت
ركبت ظلّها الرمال الحوادي
***
هل تخافين أن أموت ؟ حياتي
لم تحقّق شيئا يثير افتقادي(55/425)
كنت كالآخرين ، أمشط شعري
أنتقي بزّتي ، أبيع كسادي
أشتري (ربطة) ،وأصحو بكاس
وبكاس أطفي شموع سهادي
وأوالي بلا اعتقاد وأنوي
سحق من لم يتاجروا باعتقادي
كلّ هذا عمري ... وعمر كهذا
لا يساوي ... عذاب يوم ولادي
***
اسقني يا (صلاح) .. زد .. من دعاني؟
يا عيال الكلاب : ردّوا جوادي
كيف أقضي ديني وليس ببيتي
غير بيتي ومعزف شادي
والذي كان والدي ... صار طفلي
من أداري عناده أو عنادي؟
***
ليست قامة الرياح جبيني
نسي الليل رجله في وسادي
***
زوجت بنتها بعشرين ألفا
باع (ناجي سعيد) (زيد الجرادي)
كلّ آت مضى ... أتى كل ماض
ضاع في كلّ رايح كلّ غادي
(كفى واحدا كفى اثنين) .. قالوا ،
أكلوني ... ويحذرون ازدرادي
ولأنّي مجوف مثل غيري
بعت وجهي لوجه مائي وزادي
***
اليساري رزق اليميني ... وقالوا
أجود الخبز من طحين التعادي
من سيعطي (سعدا) حساما بصيرا
ثالث الساعدين ، ذيل ، حيادي
***
ذات يوم كانت ممرات(صنعاء)
من نبيذ ومن زهور نوادي
تتهادى النجوم في كلّ درب
كالغواني . فأين ذاك التهادي ؟
سألوا من أنا ... وصرّحت باسمي
كاملا ... أنكروا بأني (مرادي)
قلت (ابّي) .. (عنسي) .. (زبيدي) أشاروا:
الريالات نسبي وبلادي
أضحكتهم كتابة اسمي ... وفورا
بيضت خضرة النّقود مدادي
***
عنده نعجة فأمسى مديرا ..!
نهد أنّى مؤهّل غير عادي
لحليب الذي يسمّى جلودا
طازجات .. أمسى سرير (ابن هادي)
قبل بدء الزواج طلّقت .. صارت
كلّ زوجاتهم .. خيول رقادي
كان يخشى أبي فسادي ويبني
يوم عرسي . رفضت .. عاش فسادي
كنت أعتادها (غزلا) .. فأضحت
(فاتنا) .. ودّع الهوى يا فؤادي
***
من زاد النجاة ... مات ليحيى
والذي لم يمت ... إلى الموت صادي
سلّحونا (شيكي) وقالوا عليكم
وعليكم .. حسب القرار القيادي
كان (يحيى) كالتيس يعدو ويثغو
و(مثنى) يلقى خطابا زيادي
وهجمنا .. متنا قليلا ... أفقنا
موتنا كان مولدا لا إرادي
ورجعنا ... وللصخور عيون
كالصبايا وللروابي أيادي
****(55/426)
إن تحت القناع والوجه وجها
يخفي تحت ظهره ... وهو بادي
صاحب الواديين ـ دون تمنّ ـ
نال ألفا ... وباع مليون وادي
***
بدء ليلي حبّ ، بدون عشاء
نصف يومي هوى ... وخبز معادي
***
هل سأعتاد وجه غيري بوجهي؟
زعموا ... ربما أخون اعتيادي
قلت لي : ان ذا (أكيدا) ولكن
أيّ شيء مؤكد يا (حمادي)؟
***
آه ... ماذا أريد ؟ أدري وأنسى
ثم أنسى ... أني نسيت مرادي
***
كان يحكي ... وفتحتا مقلتيه
مثل ثقبين ... في جدار رمادي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> في الشاطىء الثاني
في الشاطىء الثاني
رقم القصيدة : 67717
-----------------------------------
يا وجهها في الشاطىء الثاني
أسرجت للإبحار أحزاني
أشرعت يا أمواج أوردتي
وأتيت وحدي فوق أشجاني
ولما أتيت ؟ أتيت ملتمسا
فرحي وأشعاري وإنساني
***
من أين ؟ لا أرجوك لا تسلي
تدرين ... وجه الريح عنواني
لو كان لي من أين قبل هنا
قدّرت أن التّيه أنساني
من أين ثانية وثالثة
أضنيت بحث الردّ . أضناني
من قبري الجوال في جسدي
من لا متى ، من موت أزماني
***
من أخبرتني عنك ؟ لا أحد
من دلّني ..؟ عيناك ... شيطاني
قلقي حنين العمر عفرتني
في البحث عن تربيتك ألحاني
عن نبض أعراقي وعن لغني
عن منبتي من عقم أكفاني
أعليّ أفنى ها هنا عطشا
جوعا ؟ وفي كفّيك بستاني
***
حان اقترابي منك ... أين أنا ؟
الشوق أقصاني وأدناني
من أين لي يا ريح معجزة
يا موج أين رأيت ربّاني؟
يا صبحها من أين مدّ يدا
يا عطرها من أين ناداني؟
***
الشاطىء اللّهفان يدفعني
وأخاف هذا المعبر القاني
من أين يا جذلى أمدّ فمي
ويدي إلى بستانك الهاني؟
من أين ؟ أن البعد قرّبني
من أين ؟ أن القرب أقصاني
***
اليوم كان الدء يا سفري
وغدا سألقاها وتلقاني
فلتنتظرني حيث أنت غدا
يا وجهها في الشاطىء الثاني.
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بين الرجل والطريق
بين الرجل والطريق
رقم القصيدة : 67718(55/427)
-----------------------------------
كان رأسي في يدي مثل اللّفافه
وأنا أمشي . كباعات الصحافه
وأنادي : يا ممرات ، إلى أين
تنجرّ طوابير السخافه؟
يا براميل القمامات ، إلى
أين تمضين ..؟ إلى درو الثقافه
كل برميل إلى الدور ..؟ نعم
وإلى المقهى ..؟ جواسيس الخلافه
ثم ماذا ..؟ ورصيف مثقل
برصيف .. يحسب الصمت حصافه
***
ها هنا قصف ... هنا يهمي دم
ربما سمّوه توريد اللطافه
ما الذي ..؟ من أطلق النار ؟.. سدى
زادت النيران والقتلى كثافه
وزحام السّوق يشتدّ ... بلا
نظرة عجلى ... بلا أي انعطافه
لم يعد للقتل وقع ..؟ ربما
لم تعد للشارع الدّاوي رهافه
لا فضول يرتئي ... لا خبر
خيفة كالأمن ... أمن كالمخافه
***
ما الذي ؟.. موت بموت يلتقي
فوق موتي ... من رأى في ذا طرافه؟
نهض الموتى ... هوى من لم يمت
كالنعاس الموت ..؟ لا شيء خرافه
***
يا عشايا ... يا هنا ... يا ريح ... من
يشتري رأسي ، بحلقوم (الزّرافه) ؟
بين رجلي وطريقي ، جثتي
بين كّفي وفمي ، عنف المسافه
المحال الآن يبدو غيره
كذّبت (عرّافه) (الجوف) العرافه
ها هنا ألقي حطامي ..؟ حسنا
ربما تلفت عمال النظافه
ربما تسألني مكنسة ... ما أنا
أو تزدري هدي الإضافه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> زامر القفر العامر
زامر القفر العامر
رقم القصيدة : 67719
-----------------------------------
تغني ؟.. أغانيك بين الركام
عيون يفتّتهنّ الزحام
نهود تساقط مثل الحصى
جباه يمزّقها الارتطام
وأنت تغني بلا مبتدا
بلا خبر عن دنوّ الختام
ووجهك فعل له فاعلان
مضاف إلى جرّ ميم ولام
***
لهذا تغني بدون انقطاع
تثور على وجهك (ابن الحرام)
على جلدك البنكوتي ، على
سعال العشايا ، وبيع المنام
وسوف تغني إلى أن يرفّ
صداك ربيعا ويهمي حمام
لانك أشواق راع( بإب)
وأحلام فلاحة في (شبام)
وأعراس كاذبة في (حراز)
وأفراح سنبلة في (مرام)
***
لان حروفك عشبيّة
كعينيك يا بنّي الاهتمام(55/428)
تزمر للسهل كي يشرئبّ
وللسّفح كي يخلع الاحتشام
وللمنحى كي ... يمدّ يديه
ويعلي ذوائبه لليمام
وللبيدر المنطقي , كي يشعّ
ويورق في المنجل الابتام
وللشمس ، كي تجتلي أوجها
دخانية ، في مرايا الظّلام
من الحقل جئت نبيا إليه
وما جئت من (هاشم) أو (هشام)
أغانيك بوح روابي (العدين)
مناك تشهّي دوالي (رجام)
لان بقلبك صوم الحقول
تغني لتسودّ صفر الغمام
***
هواك اعتناق النّدى والغصون
لان غرامك غير الغرام
تموت أسى . كي تشيع السرور
تغني ـ وأنت القتيل ـ السلام
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> صياد البروق
صياد البروق
رقم القصيدة : 67720
-----------------------------------
وحدي ... نعم كالبحر وحدي
منّي ولي ، جزري ومدّي
وحدي وآلاف الرّبى
فوقي ... وكلّ الدهر عندي
من جلدي الخشبي أخرج
تدخل الأزمان جلدي
من لا منى , آتي ، أعود
مضيّعا قبلي وبعدي
كحقيبة ملأى ولا تدري
كباب ، لا يؤدي
مشروع أغنية ، بلا
صوت ، كتاب غير مجدي
شيء يخبئني الدّجى
في زرع سرّته ويبدي
من تشتهي ... من أنت يا جندي ؟
هل اسمي غير جندي؟
حاولت مثلك مرة ...
أبدو ذكيا ... ضاع جهدي
من أنت يا مجدي أفتدي ؟)
قال لي ك (مجدي أفتدي)
ماذا تضيف إلى الغروب
إذا وصفت اللّون وردي؟
هل أنت مثلي ؟ أكشف المكشوف
حين يغيم قصدي ؟
... مثلي ركبت ذرى المشيب ،
وما وصلت سفوح رشدي
***
أسرع ... وينجر الطريق،
وينثني ... يعمى ويهدي
قف عند حدّك حيث أنت
وهل هنا حدّ لحدي ؟
هنالك يضحكون
يوددون فم التعدي
باسمي يوشون الخيانة
يسفحون دمي . بزندي
بي يرفلون ليحفروا
بيدي في فخذيّ لحدي
***
فأموت ، لكن يغتلي
في كلّ ذرّاتي التحدي
أهوى بلا كفين ... ترفع
جبهتي ، للشمس بندّي
ماذا ؟ وأين أنا ؟ وأصعد
من قرارات التردّي
بعد اعتصار الكرم ينشدك
الرحيق : بدأت عهدي
ستصير يا هذا الذي
أدعوه قبري الآن مهدي
وأجيء من نار البروق...
يسنبل الأشواق رعدي(55/429)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مأساة حارس الملك
مأساة حارس الملك
رقم القصيدة : 67721
-----------------------------------
سيدي : هذي الروابي المنتنه
لم تعد كالأمس ، كسلى مذعنه
(نقم) يهجس ، يعلي رأسه
(صبر) يهذي ، يحدّ الألسنه
(يسلح) يومي ، يرى ميسرة
يرتئي (عيبان) ، يرنو ميمنه
لذّرى (بعدان) ألفا مقلة
رفعت ، أنفا كأعلى مئذنه
***
أقتلوهم ، واسجنوا آباءهم
واقتلوهم ، بعد تكبيل سنه
أمركم لكن ! ولكن مثلهم
سيّدي : هذي أسامي أمكنه
هم شياطين ، أنا أعرفهم
حين أسطو ، يدّعون المسكنه
(صبر) وغد ، أنا رقيته
كان خبّازا ، أحيله معجنه
(نقم) كان حصانا لأبي
إطحنوه علفا للأحصنه
قتلوا (يسلح) ألفي مرة
إسجنوا (عيبان) حتى (موسنه)
إقلعوا (بعدان) من أعراقه
إنقلوا نصف (بكيل) مقبنه)
***
أمركم لكن ! ولكن إقطعوا
رأسه ، دع عنك هذى اللكننه
عن أبي ، عن جده مملكتي ...
طلقة بنّت خيوط العنعنه
سيدي : إطلاق نار ، ربّما
ثورة ، قل تسليات محزنه
***
هاجس في صدر مولانا : أتت
من نخوّفت ، أكانت ممكنه :
آخر الهمس ، سكوت أو لظى
أول العزف المدّوي دندنه
الجهات الأربع احمرّت ، عوت
السماء الآن ، صارت مدخنه
مهرجان دمويّ ... ما الذي
شبّ عينيه ؟ ومن ذا لوّنه ؟
الشياطين الذين انفلتوا
عرفوا أدهى فنون الشيطنه
***
إمض يا جندي ومزقهم ... نعم
فرصة أخرج ، أرمي السلطنه
أشعر الثوار أنّي منهموا
سوف تبدو سيئاتي حسنه
لست من عائلة الأسياد يا
إخوتي ، إني (مثنّى محصنه)
إني سيف لمن يحملني
خادم الأسياد ، كلّ الأزمنه
***
كنت في كفّي (أبي جهل ) كما
كنت في تلك الأكفّ المؤمنه
في فمي (أرجوزتا هند) كما
في فمي (الأعراف) و(الممتحنه)
كنت في كفّي (يزيد) شعلة
في يد (السّيط) شظايا مثخنه
وتمصعبت بكفّي (مصعب)
و(المروان) حذقت المرونه
أعرف الموت(مقامات) هنا
ها هنا أشدو المنايا (الميجنه)
***
ينتضيني ، من يسمّى سيّدا
أو هجينا ، واليد المستهجنه(55/430)
إني للمعتدي ، بي يعتدي
للمضحي ، بي يفدّي موطنه
حين قلتم ثورة شعبية
جئتكم أشتياق كفا متقنه
رافضا كالشعب أن يدميني
(أخزم) ثان جديد ( الشّنشنه)
****
علّمت خطوي حماسات الذّرى
قلق الريح وفنّ المكننه
لا عيالي شكّلوا مبخله ...
ليديّا ، لا بناتي مجبنه
صرت غيري ، ولعيني موطني
صغت جرحي أنجما مستوطنه
عن مماتي : وردة تحكي ، وعن
مولدي في الموت تنبي سوسنه
***
فترة ، ارتدّ مولانا إلى ...
ألف مولى ، سلطنات (كومنه)
أيّ نفع يجتني الشعب إذا ،
مات (فرعون) اتبقى الفرعنه ؟
نفس ذاك الطبل ، أضحى ستة
إنما أخوى وأعلى طنطنه
يمّنوني ، يسّروني ، توّجوا،
من دعوها الوسط المتزنه
جاءنا المحتلّ ، في غير اسمه
لبست وجه النبي القرصنه
سادتي عفوا ! ستبدو قصتي
عندكم عاديّة ، ممتهنه
***
كنت سجانا أدقّ القيد عن
خبرة ، صرت أجيد الزنزنه
أقتل المقتول ، أدميه إلى ...
أن أرى الأسرار ، حمرا معلنه
***
قد تطورت ، على تطويرهم
وأنا نفس الأداة الموهنه
محنتي أنّي ـ كما كنت ـ لمن
هزّني ، مأساة عمري مزمنه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الخضر المغمور
الخضر المغمور
رقم القصيدة : 67722
-----------------------------------
لكي يستهلّ الصبح . من آخر السّرى
يحن إلى الأسى ، ويعمى لكي يرى
لكي لا يفيق الميتون ، ليظفروا
بموت جديد .. يبدع الصحو أغبرا
لكي ينبت الأشجار ... يمتد تربة
لكي يصبح الأشجار والخصب والثرى
لكي يستهلّ المستحيل كتابه...
يمدّ له عينيه ، حبرا ودفترا
***
لأنّ به كالنهر أشواق باذل
يعاني عناء النهر ، يجري كما جرى
يروّي سواه ، وهو أظمى من اللظى
ويهوي، لكي ترقى السفوح إلى الذّرى
لكي لا يعود القبر ميلاد ميت
لكي لا يوالي قيصر ، عهد قيصرا
لأنّ دم ((الخضراء)) فيه معلّب
يذوب ندى ، يمشي حقولا إلى القرى
لأنّ خطاه ، تنبت الورد في الصفا
وفي الرمل أضحى ، يعشق الحسن أحمرا
هنا أو هنا ينمو ، لأنّ جذوره(55/431)
بكلّ جذور الأرض ، وردية العرى
***
على أعين (الغيلان) يركض حافيا
ويجترّ من أحجار (عيبان) مئزرا
يقولون ، من شكل الفوراس شكله
نعم .. ليس تكسيا ، لمن قاد واكترى
***
له (عبلة) في كل شبر ونسمة
وما قال إنّي (عنتر) أو تعنترا
ولا كان دلال المنايا حصانه
ولا باع في سوق الدعاوي ولا اشترى
يحبّ لذات البذل ، بالقلب كلّه
يحبّ ولا يدري ، ولا غيره درى
لأنّ بع سرّ الحقول تحسّه
يشعّ ويندى ، ولا تعي كيف أزهرا
***
حكاياته ، لون وضوء ، عرفته
كشعب كبير ، وهو فرد من الورى
بسيط (كقاع الحقل) عال (كيافع)
عميق ، كما تكسو العناقيد (مسورا)
***
ومن أين ؟ من كلّ البقاع ، لانه
يجود ولا يدرون ، من أين أمطرا
يغيم ولا يدرون ، من أين ينجلي
يغيب ولا يدرون ، من أين أسفرا
وقد يعتريه الموت ، مليون مرة
ويأتي وليدا ، ناسيا كلما اعترى
تدلّ عليه الريح ، همسا إلى الضحى
وتروي عطاياه العشايا ، تفكّرا
هنالك شدا كالفجر ، أورق ها هنا
هنا رفّ كالمرعى ، هنالك أثمرا
لأنّ خطاه برعمت شهوة الحصى
لأنّ هواه ، في دم البذر أقمرا
ترى ما اسمه ؟ لا يعرف الناس ما اسمه
وسوف تسميه العصافير ، أخضرا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> المحكوم عليه
المحكوم عليه
رقم القصيدة : 67723
-----------------------------------
قيل عن (م .. ن) أضحى مهيلا
هل تحرّبت أنت ؟ ما نفع قيلا؟
... أشترى مرة أمامي كتابا
اسمه ... كيف تقهر المستحيلا
ومضى شاهرا له ، كأمير
أمويّ ... يهزّ سيفا صقيلا
راح يومي إلى الوزارات ... يحكي
لصديقين ... سوف نشفي الغليلا
***
قلت هل صار ثائرا ... وعلى من
وهو منّا ... هل يصبح الهزّ فيلا؟
ذات يوم رأيته وسط مقهى
ورآني .. أغضى ومال قليلا
كان في حلقه من الناس . يبدي
من نزاهاته شروقا بليلا
قسم الثائرين صنفين ... صنفا
منفعيّا . صنفا نقيّا أصيلا
لاح لي ، كالمريب ، لا بل تبدّى
كخطير ، يريد أمرا جليلا
***
دسّ يوما في جيبه شبه ظرف(55/432)
قرمزيّ ، لمحته مستطيلا
مرة اشترى الجريدة ... سمّى
نصفها خائنا ، ونصفا دخيلا
(كي أنمّي إمّسيتي أشتريها)
أعجب العابرين ، أرضى (خليلا)
صنّف الكاتبين ... هذا عميلا
لعميل ، وذا دعاه العميلا
كان يرنو إليه ، كلّ رصيف
مثل من يجتلي غموضا جميلا
***
سكن (الفاع) مدّة و(شعوبا)
نصف شهر وحلّ شهرا (عقيلا)
أجر الدور ، باسم بنت أخيه
وأكترى في (المطيط) بيتا نحيلا
***
وعلى الذكر ... كم لديه بيوت ..؟
تسعة ... هل تراه رقما ضئيلا ؟
ابتنى منزلين ، وهو وزير
سبعة عندما تولّى وكيلا
كان لصّا محصّنا ، إن تولّى ...
وطنّيا إذا غدا مستقيلا
يشتهي الآن منصبا ... ذاك سهل
وهو يدري إلى الوصول السبيلا
***
علّ أسياده الذين امتطوه
أنفدوه ... بل واستجادوا البديلا
لم يكن ثائرا ، على أيّ حال
إنما قد يثوّر الآن جيلا
يستفزّ الركود أيّ ضجيج
أوّل الانفجار يبدو فتيلا
***
خمسة يقبضون فورا عليه
احتياطا ... لقد ملكنا الدّليلا
سيدي ... لم نجده في أيّ شبر
ابحثوا جيدا ... بحثنا طويلا
هات (م ... خ) ثلاثين عينا
انتخب أنت ... من تراه كفيلا
لم نجده ، يقول عنه أناس
إنّه كالرياح ، يهوى الرحيلا
لم نجده ، صوت : قبضنا عليه
ألبسوه ، سوطا وقيدا ثقيلا
أنزلوه زنزانة ، أنت أدرى
يا أبا الضرب ، كيف ترعى النزيلا
***
كيف تلقى يا (م ...ن) خلاصا
ساءني أن أرى العزيز ذليلا
أنت أغلى أحبتي من زمان
كنت شهما ، وما زال نبيلا
إنّ عندي رأيا ، عسى ترتضيه
ليس من عادتي أردّ الزميلا
منزلا المدير ، أكتبه بيعا
سوف ينجيك ... هل تموت بخيلا؟
***
لم يوافق ... إضربه حتى تلاقي
نصفه ميّتا ، ونصفا عليلا
***
وهنا ضجّ حارس ، كان يصغي
ما لكم يأكل المثيل المثيلا
مثلكم كان ثائرا ، فرجعتم
نصف ميل ، فتاب وارتد ميلا
كلّ ما بينكم ... سقطّم عراة
وهوى حاملا رداء غسيلا
هل تريدون قتله ؟ مات يوما
مثلكم ... كيف تقتلون القتيلا؟(55/433)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أمام المفترق الاخير
أمام المفترق الاخير
رقم القصيدة : 67724
-----------------------------------
يا شعر ... يا تاريخ ... يا فلسفة
من أين يأتي ، قلق المعرفه؟
من أين يأتي ؟ كلّ يوم له
غرابة ... رائحة مرجفه
نألفه شيئا ... فيبدو لنا
غير الذي نعتاد ... كي نألفه
لكن له في كل يوم فم
ثان ... يد ثالثة مرهفه
حينا له كبر ... وحينا له
تواضع أغبا من العجرفه
وتارة تعلو وتهوي به
أجنحة غيمّية الرفرفه
أصمّ كالأحجار... لكنّه
يدوي ، ولا صوت له ، لا شفه
ينوي كفنّان ، بلا فكرة
يغلي ... كطيش الفكرة الملحفه
نحسّ أنّا مأسّويون
لا نملك للمأساة غير الصفه
يجترّنا الخبز ، فتقتاتنا
ـ من قبل أن نشتمّها ـ الأرغفه
نموت ألفّي مرة ... كي نرى
كلّ يد مشبوهة ، مسعفه
***
يا دور يا أسواق ، ماذا هنا
موت تغاوي ، وجهه الزّخرفه
رعب صليبيّ ، له أعين
خضر ... وأيد بضّة متلفه
***
يا فندق (الزهرا) محال تعي
قضية (المنصورة) المؤسفه
ويا (محا) ... ماذا سيبدو إذا
تقيأت أسرارها الأغلفه؟
تفنن الموت ... فأضحى له
جلد أنيق ... مدية مترفه
يمتصّ بالقتل الحريريّ كما
يحتاج ، بالوحشة المسرفه
يلمع الأوباء ، كي ترتدي
براءة أظفارها المجحفه
من أين نمشي يا طوابير ... يا
سوقا من الأنياب والهفهفه؟
من أين يا جدران ... يا خبرة
تزوّق التمويت ، والسّفسفه؟
من ها هنا ... أو من .. وتجتازنا
ـ من قبل أن نجتازها ـ الأرصفه
***
هل ننثني يا شوط ؟ هل ينثني
نهر يريد العشب ، أن يوقفه؟
هنا طريق ، لا يؤدي ... هنا
درب ... إلى الرابيه المشرفه
هذا عنيف ، وله غايه
وذا بلا قصد ، وما أعنفه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> هاتف .. وكاتب
هاتف .. وكاتب
رقم القصيدة : 67725
-----------------------------------
أكتب ... لا تتعطّل
ما أقسى ، أن أفعل
صارت كفّي ، رجلا
ما جدوى ، أن تكسل؟
لم أستولد حرفا
جدّد حرفا مهمل(55/434)
تدري ؟ للحرف صبا
يفنى ، وصبا يحبل
***
من يخرجني مني؟
البحث عن المدخل
الحفض إلى الأعلى
الرفع إلى الأسفل
التّوق إلى الأقسى
الصدّ عن الأسهل
الموت إلى الأنهى
البدء من الأء صل
***
أكتب شعرا ، فكرا
أنفاسا ، تتشكل
نمهيدا ، عنوانا
تفعيلات أفعل
إهمس شيئا ، حتى
كالقمح إلى (المنجل)
همس الأرض الوجعى
فنّ ، عند الجدول
ولخفق البذر صدى
في إبداع المشتل
***
أتراني مخنوقا ؟
إهمس ، لا تتمهّل
جرّب ، فلديك فم
وجنون يتعقّل
قتلوني ، مرات
اكتب كي لا تقتلى
بدم الموت الثاني
تمحو الموت الأوّل
حاول ... حاولت بلا جدوى ، ماذا أعمل؟
***
اشتقت كما يبدو
ماذا ؟ طفح المرجل
شهوات الحبر على
شفتيك ، دنت تسأل
تتشكّل أقباسا
أكواخا تتأمّل
مشروعا جذريا
ينسى أن يتأجّل
أطفالا أبطالا
أشجارا تتهدّل
أظمئت الآن ، ولا
تدري ، ماذا تنهل؟
استقبل ما يأتي
وتخير ، ما تقبل
آتي الماضي ، أدهى :
ماضي الآتي ، أعضل !
***
فلتكتب ، تحقيقا
عن ماضي المستقبل
عن أحجار طارت
وصقور تترجل
عن ماء ، صار دما
ودم أمسى ، محمل
من تاريخ ثان
عن أشغال تشغل
عن (صنعا) ثانية
من سربها ترحل
عن وجه (يزنيّ)
ولّى وأتى أجمل
عن معنىّ ، لا يعني
عن خجل ، لا يخجل
عن حيّ لا يحيي
عن قبر يتغزّل
عن ميت يتندّى
مولودا مستعمل
عن زاوية ولدت
ثوريّا مستعجل
***
من يعطيني لغة
أعلى ، ويدا أطول
لولي صوت أعتى
لولي حبر أقتل
اكتب عنّما تدري
تستكشف ما تجهل
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> تحت السكاكين
تحت السكاكين
رقم القصيدة : 67726
-----------------------------------
بعينيه حلم الصبايا، و في
حناياه، مقبرة مسّريحه
***
لنيسان يشدو ، وفي صدره
شتاء عنيف ... طيور جريحه
بلاد، تهم بميلادها...
بلاد تموت، وتمشي ذبيحه
بلادان ، داخله هذه
جنين، وهذي عجوز طريحه
وآت ألى مهده يشرئبّ
وماض يئن. كثكلى كسيحه
زمانان، داخله يغتلي
دجى كالأفاعي... وتندى صبيحه
ورغم صرير السّكاكين فيه(55/435)
يغنّي. يغنّي... وينسى النصيحه
فتخضرّ عافية الفن فيه
وأوجاعه وحدهنّ الصحيحه
أيا شمعة العمر ذوبي... يلحّ
فتسخو وتومي : أأبدو شحيحه؟
فيولد في قلبه كلّ يوم...
ويحمل في شفتيه ضريحه
***
يوالي ، فيرفض نصف الولاء
ويبدي العداوات، جلوى صريحه
له وجهه الفرد... لا يرتدي
وجوها تغطي الوجوه القبيحه
***
يعرّي فضائح هذا الزمان
ويعرّى ، فيبدو كأنقى فضيحه
ترى وجهها الشمس فيه كما
ترى وجهها، في المرايا المليحه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بعد سقوط المكياج
بعد سقوط المكياج
رقم القصيدة : 67727
-----------------------------------
إلى (الفا ـ ح)
غير رأسي ... إعطني رأس (جمل)
غير قلبي ... إعطني قلب (حمل)
ردّني ما شئت ... (ثورا) ، (نعجه)
كي أسميّك ... يمانيّا بطل
كي أسميّك شريفا ... أو أرى
فيك مشروع شريف محتمل
سقط المكياج ، لا جدوى بأن
تستعير الآن ، وجها مفتعل
***
كنت حسب الطقس ، تبدو ثائرا
صرت شيئا ... ما اسمه ؟ يا للخجل
ينقش البوليس ، ما حقّقته
من فتوح با (لمواسبي ) في المقل
***
با (لهرواي) با (لسكاكين) .. بما
يجهل الشيطان ... من أخزى الحبل
تقتل المقتول ، كي تحكمه ...
ولكي ترتاح ... تشوي المعتقل
هل أسميّك بهذا ناجحا ؟
إن يكن هذا نجاحا ... ما الفشل ؟
***
إنما أرجوك ، غلطني ولو
مرّة كن آدميا ... لا أقل
قل أنا الكذاب ، وامنحني على
حسّك الإنساني الشعبي ، مثل
فلقد جادلت نفسي باحثا
عن مزاياك ، فأعياني الجدل
أنت لا تقبل جهلي إنما
ليس عندي ، للخيانات غزل
***
أيّ شيء أنت ؟ يا جسر العدى
يا عميلا ، ليس يدري ما العمل
ردّني غيري ، لكي تبصرني
للذّباب الآدمي ، نهر عسل
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> سندباد يمني في التحقيق
سندباد يمني في التحقيق
رقم القصيدة : 67728
-----------------------------------
كما شئت فتّش ... أين أخفي حقائبي
أتسألني من أنت ؟ .. أعرف واجبي(55/436)
أجب ، لا تحاول، عمرك ، الاسم كاملا
ثلاثون تقريبا ... (مثنى الشواجبي)
نعم ، أين كنت الأمس ؟ كنت بمرقدي
وجمجمتي في السجن في السوق شاربي
رحلت إذن ، فيما الرحيل ؟ أظنّه
جديدا ، أنا فيه طريقي وصاحبي
إلى أين ؟ من شعب لثان بداخلي
متى سوف آتي ! حين تمضي رغائبي
جوازا سياحيا حملت ؟.. جنازة
حملت بجلدي ، فوق أيدي رواسبي
... من الضفة الأولى ، رحلت مهدّما
إلى الضفة الأخرى ، حملت خرائبي
مراء غريب لا أعيه ... و لا أنا
متى سوف تدري ؟ حين أنسى غرائبي
***
تحدّيت بالأمس الحكومة ، مجرم
رهنت لدى الخباز ، أمس جواربي
من الكاتب الأدنى إليك ؟ ذكرته
لديه كما يبدو ، كتابي وكاتب
لدى من ؟ لدى الحمار ، يكتب عنده
حسابي ، ومنهى الشهر ، يبتزّ راتبي
قرأت له شيئا ؟ كؤوسا كثيرة
وضيّعت أجفاني ، لديه وحاجبي
قرأت ـ كما يحكون عنك ـ قصائدا
مهرّبة ... بل كنت أوّل هاربي
أما كنت يوما طالبا ؟.. كنت يا أخي
وقد كان أستاذ التلاميذ ، طالبي
قرأت كتابا مرة ، صرت بعده
حمارا ، حمارا لا أدرى حجم راكبي
***
أحبّبت ؟ لا بل مت حيا ... من التي ؟
أحببت حتى لا أعي ، من حبانبي
وكم متّ مرات ؟.. كثيرا كعادتي
تموت وتحيا ؟ تلك إحدى مصائبي
***
وماذا عن الثوار ؟ حتما عرفتهم !
نعم . حاسبوا عني ، تعدّوا بجانبي
وماذا تحدثتم ؟ طلبت سجارة
أظنّ وكبريتا ... بدوا من أقاربي
شكونا غلاء الخبز ... قلنا ستنجلي
ذكرنا قليلا ... موت (سعدان ماربي)
وماذا ؟ وأنسانا الحكايات منشد
( إذا لم يسالمك الزمان فحارب)
وحين خرجتم ، أين خبّأتهم ، بلا
مغالطة ؟ خبأتهم ، في ذوائبي
لدنيا ملفّ عنك ... شكرا لأنكم
تصونون . ما أهمبلته من تجاربي
***
لقد كنت أميّا حمارا وفجأة
ظهرت أديبا ... مذ طبختم مأدبي
خذوه ... خذوني لن تزيدوا مرارتي
دعوه ... دعوني لن تزيدوا متاعبي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الآتون .. من الأزمة
الآتون .. من الأزمة
رقم القصيدة : 67729(55/437)
-----------------------------------
يا حزانى ...يا جميع الطيبين
هذه الأخبار ... من دار اليقين
قرّروا الليلة ... أن يتّجروا
بالعشايا الصفر ... بالصبح الحزين
فافتحوا أبوابكم ، واختزنوا
من شعاع الشمس ، ما يكفي سنين
وقّعوا مشروع تقنين الهوى
بالبطاقات ، لكلّ العاشقين
ما ألفتم مثلهم أن تعشقوا
خدر الدفء ، لكم عشق ثمين
***
قرّروا بيع الأماني والرؤى
في القناني ، رفعوا سعر الحنين
فتحوا بنكين للنّوم ، بنوا
مصنعا ، يطبخ جوع الكادحين
إنّكم أجدر بالسّهد الذي
يعد الفجر بوصل الثائرين
***
بدوأ تجفيف شطآن الأسى
كي يبيعوها ، كأكياس الطحين
علّبوا الأمراض ... أعلوا سعرها
كي يصير الطبّ ، سمسارا أمين
حسنا ... تجويعكم ... تعطيشكم
إنما الخوف ، على الوحش السمين
***
شيدوا للأمين ، سجنا راقيا
تستوي السكّين فيه والطعين
إنّ مجابيّة الموت على
رأيهم حقّ لكلّ العالمين
أزمة النفط ، لها ما بعدها
إنّكم في عهد ، (تجار اليمين)
فسأاسبقوهم يا حزانى ، وارفعوا
علم الإصرار ورديّ الجبين
وأحرسوا الأجواء ، منهم قبل أن
يعلنوها ، أزمة في الأوكسجين
***
إنهم أقسى وأدرى ، إنما
جرّبوا . معرفة السّر الكمين
عندما تدرون ، من بائعكم
يسقط الشّاري ، وسوق البائعين
عندما تدرون من جلادكم
يحرق الشوك ، ويندى الياسمين
عندما تأتون في صحو الضّحى
تبلع الأنقاض ، كلّ المخبرين
إنّكم آتون ، في أعينكم
قدر غاف ، وتاريخ جنين
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> في وجه الغزوة الثالثة
في وجه الغزوة الثالثة
رقم القصيدة : 67730
-----------------------------------
في وجه الغزوة الثالة
حسنا ... إنما المهمّة صعبه
فليكن ... ولنمت بكلّ محبه
يصبح الموت موطنا ... حين يمسي
وطن أنت منه ، أوحش غربه
حين تمسي من هضبة بعض صخر
وهي تنسى ، أنّ اسمها كان هضبه
فلتصلّب عظامنا الأرض ، يدري
كلّ وحش ... أنّ الفريسة صلبه
ولنكن للحمى الذي سوف يأتي(55/438)
من أخاديدنا ... جذورا وتربه
مبدعات هي الولادات ... لكن
موجعات ... حقيقة غير عذبه
***
ولماذا لا تبلع الصوت ؟.. عفوا
من توقّى إرهابهم ، زاد رهبه
كيف نستعجل الرصاص ! ونخشى
بعد هذا ، نباح كلب وكلبه
هل يردّ السيول وحل السواقي؟
هل تدمّي قوادم الريح ، ضربه ؟
أنت من موطن يريد ... ينادي
من دم القلب ، للمهمات شعب
***
اتفقنا ... ماذا هناك ؟ جدار
بل جبين ، عليه شيء كقبّه
ربّما (هرة) تلاحق (فأرا)
ربما كان طائرا خلف حبّه
إنما هل يرى التفاهات حي ؟
تلتقي أحدث الخطورات قربه
هل ترى من هناك ؟ غزوا يقوّي
قبضتيه ، يحدّ مليون حربه
يجتذي (البنكنوت) يومي إليه
وعليه من البراميل جبّه
إنّه ذلك الذي جاء يوما
وإلى اليوم ، فوقنا منه سبّه
***
قبل عام وأربعين اعتنقنا
فوق (أبهى) عناق غير الأحبه
والتقينا به (بنجران) حينا
والتقينا بقلب (جيزان) حقبّه
والتقينا على (الوديعة) يوما
والمنايا على الرؤوس مكبّه
جاء تلك البقاع ... خضنا ، هربنا
وهي تعدو وراءنا مشرئبّه
إنها بعض لحمنا ، تتلوّى
تحت رجليه ، كالخيول المخبّه
في حشاها ، منّا بذور حبالى
وجذور ورديّة النّبض خصبّه
***
ماله لا يكرّ كالأمس ؟ أضحت
بين من فوقنا ، ونعليه صحبّه
إنهم يطبخوننا ، كي يذوقوا
عندما ينضجوننا ، شرّ وجبه
خصمنا اليوم غيره الأمس طبعا
البراميل أمركت (شيخ ضبّه)
عنده اليوم قاذفات ونفط
عندنا موطن ، يرى اليوم دربه
عنده اليوم خبره الموت أعلا
عندنا الآن ، مهنة الموت لعبه
صار أغنى ، صرنا نرى باحتقار
ثروة المعتدي ، كسروال (قحبه)
صار أقوى ... فكيف تقوى عليه
وهو آت ؟ نمارس الموت رغبه
وندمّي التلال ، تغلي فيمضي
كلّ تلّ دام ، بألفين ركبه
ويجيد الحصى القتال ، ويدري
كلّ صخر ، أنّ الشجاعة دربه
يصعب الثائر المضحّي ويقوى
حين يدري ، أنّ المهمة صعبه
حسنا ... إنما المهمّة صعبه
فليكن ... ولنمت بكلّ محبه
يصبح الموت موطنا ... حين يمسي
وطن أنت منه ، أوحش غربه(55/439)
حين تمسي من هضبة بعض صخر
وهي تنسى ، أنّ اسمها كان هضبه
فلتصلّب عظامنا الأرض ، يدري
كلّ وحش ... أنّ الفريسة صلبه
ولنكن للحمى الذي سوف يأتي
من أخاديدنا ... جذورا وتربه
مبدعات هي الولادات ... لكن
موجعات ... حقيقة غير عذبه
***
ولماذا لا تبلع الصوت ؟.. عفوا
من توقّى إرهابهم ، زاد رهبه
كيف نستعجل الرصاص ! ونخشى
بعد هذا ، نباح كلب وكلبه
هل يردّ السيول وحل السواقي؟
هل تدمّي قوادم الريح ، ضربه ؟
أنت من موطن يريد ... ينادي
من دم القلب ، للمهمات شعب
***
اتفقنا ... ماذا هناك ؟ جدار
بل جبين ، عليه شيء كقبّه
ربّما (هرة) تلاحق (فأرا)
ربما كان طائرا خلف حبّه
إنما هل يرى التفاهات حي ؟
تلتقي أحدث الخطورات قربه
هل ترى من هناك ؟ غزوا يقوّي
قبضتيه ، يحدّ مليون حربه
يجتذي (البنكنوت) يومي إليه
وعليه من البراميل جبّه
إنّه ذلك الذي جاء يوما
وإلى اليوم ، فوقنا منه سبّه
***
قبل عام وأربعين اعتنقنا
فوق (أبهى) عناق غير الأحبه
والتقينا به (بنجران) حينا
والتقينا بقلب (جيزان) حقبّه
والتقينا على (الوديعة) يوما
والمنايا على الرؤوس مكبّه
جاء تلك البقاع ... خضنا ، هربنا
وهي تعدو وراءنا مشرئبّه
إنها بعض لحمنا ، تتلوّى
تحت رجليه ، كالخيول المخبّه
في حشاها ، منّا بذور حبالى
وجذور ورديّة النّبض خصبّه
***
ماله لا يكرّ كالأمس ؟ أضحت
بين من فوقنا ، ونعليه صحبّه
إنهم يطبخوننا ، كي يذوقوا
عندما ينضجوننا ، شرّ وجبه
خصمنا اليوم غيره الأمس طبعا
البراميل أمركت (شيخ ضبّه)
عنده اليوم قاذفات ونفط
عندنا موطن ، يرى اليوم دربه
عنده اليوم خبره الموت أعلا
عندنا الآن ، مهنة الموت لعبه
صار أغنى ، صرنا نرى باحتقار
ثروة المعتدي ، كسروال (قحبه)
صار أقوى ... فكيف تقوى عليه
وهو آت ؟ نمارس الموت رغبه
وندمّي التلال ، تغلي فيمضي
كلّ تلّ دام ، بألفين ركبه
ويجيد الحصى القتال ، ويدري
كلّ صخر ، أنّ الشجاعة دربه
يصعب الثائر المضحّي ويقوى(55/440)
حين يدري ، أنّ المهمة صعبه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أمسية حجرية
أمسية حجرية
رقم القصيدة : 67731
-----------------------------------
كغراب ، يرتمي فوق جراده
سقطت وجعى ، تدلّت كالوساده
كنسيج الطّحلب الصيفي نمت
أعشبت فيها ، وفي وجهي البلاده
وعلى الجدران ، والسقف ارتخت
مثل فخذي مرأة بعد الولاده
تحتسبي ، تحتسبي هادئة
مثل من صار لديه القتل عاده
ترتدي الأنقاض والشوك على
جيدها من أعين الموتى قلاده
***
كنت أذوي ، باحثا عن مطلع
كان يهذي عابر ، (فرحان غاده)
سأسميه (ظفارا ) (مذحجا)
لو أتت أنّى ، أسميّها (سعاده)
هل لها ، أو هل له مستقبل ؟
هل ولدنا نحن ، في حضن الرّغاده؟
أمنت (سيجون) (بيروت) ابتدت
ترتمي ترمي ، بلا أدنى هواده
نفس ذاك الدور (يحيى) قالها :
كيف أضحى ذابها ، كبير الحداده
***
كنت أصغي ... يا دجى : قافية
لمحة يعطي ، حكايات معاده
كان مخمور يدوّي : من أنا
إنني (عنترة) هاتوا القياده
ردّني (إبليس ) عن أبوابه
وثناني ، عن بيت العباده
***
كنت أفنى ... كان يغزو جارة
فارس يروي ، أعاجيب الإراده
بعد مضغ القّات ، ـ فيما يدّعي ـ
يغتدي (كبشا) يعبّ الشاي (ساده)
يخطف البكرين ، من برجيهما
لبطولات الهوى ـ طبعا ـ رياده
***
حارس يبتزّ ما يحرسه
ويدين الصبح (سعدا) أو (قتاده)
راح يحكي : أنه يلقى الذي
كابد (( الفاروق)) ، في عام الرّماده
يا دكاكين ... ويومي : رشوة
في عهود المال ، تزداد النّكاده
كنت أنهي الشطر ... جار يبتدي
خصمة ، أشبعت للقاضي المزاده
شاهد محترف ألبسه
حضرة القاضي ، قميصا من زهاده
يستوي في الزمن السمسار ، من
يلهم الهجو ، ومن يغري الإشاده
قال لي : من أنت ؟ نذل إنني
مثله مستعمر ، باسم السياده
***
طفل جاري كان يستسقي ... أنا
كنت أرجو ، لحظة حبلى جواده
***
من هنا ؟ كلب يهوهي ، هرّة
تتنزى ، منزل يشدو (حماده)
شارع يبكي الضحايا ، مكتب
يمنح الجاني ، وساما وشهاده(55/441)
جثث تهوي ، بلا فائدة
خنجر دام ، له كلّ الإفاده
***
زادت الأمسية الوجعى أسى
مثل غيري لم أزد ، أنت الزياده
أترى الصرعى ؟ لهم بدء ، متى ؟
ينضجون الآن ، في جوف الإباده
كنت أفنى ... لم تجب ، كنت على
زعمها ازداد ، نضجا وإجاده
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> في الغرفة الصرعى
في الغرفة الصرعى
رقم القصيدة : 67732
-----------------------------------
شيء بعيني جدار الحزن يلتمع
يبهمّ ، يخبر عن شيء ، ويمتنع
يريد يصرخ ، ينبي عن مفاجأة
لكنّه قبل بدء الصوت ، ينقطع
يغوص يبحث ، في عينيه عن فمه
تغوص عيناه فيه ، يقتفي ، يدع
عمّا يفتّش ؟ لا يدري ، يضيع هنا
يقوم يبحث عنه ، وهو مضطجع
يومي إلى السّقف ، تسترخي أنامله
تمتدّ كالدود ، كالأجراس تنزرع
***
من أين يا باب يأتي الرعب ؟ تلمحه
من أيّ زاوية ، يعشوشب الوجع
يمشي على فمه ، هذا السكون ، على
أطراف أرجله ، يهوي ويرتفع
يصفرّ كالسلّ ، يهمي من عباءته
ينحلّ كالقشّ كالأسمال يجتمع
كمومس ، باغت البوليس مرقدها
كمقبلين على أشلائهم ، رجعوا
كميتين ، يمدّون الأكفّ إلى
موت جديد يمنّي ، وهو يبتلع
***
الصمت يسقط ، كالأحجار باردة
على الزوايا ، ولا يشعرن ما يقع
تصغي إلى بعضها الجدران ، واجفه
تئنّ تحمرّ ، كالقتلى وتمتقع
في هذه الغرفة الصرعى ، أسى قلق
يطول يحزن ، من فوضى غرابته
الحزن يحزن ، من فوضى غرابته
فيها ويفزع ، من تهويشه الفزع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> وجوه دخانية في مرايا الليل
وجوه دخانية في مرايا الليل
رقم القصيدة : 67733
-----------------------------------
الدّجى يهمي ... وهذا الحزن يهمي
مطرا من سهده ، يظمى ويظمي
يتعب الليل نزيفا ... وعلى
رغمه يدمى ، وينجرّ ويدمي
يرتدي أشلاءه ، يمشي على
مقلتيه حافيا ، يهذي ويومي
يرتمي فوق شظايا جلده ...
يطبخ القبح ، بشدقيه ويرمي
***
أيها الليل ... أنادي إنّما(55/442)
هل أنادي ؟ لا ... أظنّ الصوت وهمي
إنّه صوتي ... ويبدو غيره
حين أصغي باحثا عن وجه حلمي
من أنا ؟.. أسأل شخصا داخلي :
هل أنا أنت ؟ ومن أنت ؟ وما اسمي ؟
***
أيّها الحارس تدري من أنا ؟
إشتروا نومي ... طويل ليل همي
ألأني حارس يا سيّدي ؟..
زوّجوها ثانيا ، المال يعمي
من أنا ؟.. الليل يبني للرؤى
قامة كالرّمح ، من جلدي وعظمي
لا تعي سكران ؟ تسع أعلنت
أوّل الأخبار ، ما سموه رسمسي
من أنا ؟.. صار ابن عمي تاجرا
واشترى شيخ ثريّ ، بنت عمّي
هل تنام الصبح ؟ سيارتها
عبرت قدّام عيني ، فوق لحمي
إصغ لي أرجوك ؟.. أغرى أمّها
شيّدت قصرين ، من أشلاء هدمي
***
من أنا يا تكس ؟ أفلست وما شبعوا
من من حماة الأمن يحمي ؟
من هنا ، سر ، ها هنا قف ، رخصّي
ما الذي حمّلت ، فتّش ، هات قسمي
خمسة للقات ، خمسون لهم ...
وانتهى دخلي ، وأنهى السلّ أمّي
***
عاجن الفرن ... أتدري ؟ سنة
وأنا أعجن أحزاني وغمي
من أنا ؟ كانت ترى والدتي
ذلّ بعض الناس ، تحت البعض حتمي
غبت عن قصدي ! .. رفيقي غائب
من ليال ، رأيه في الحبس (جهمي)
***
ما الذي أفعله ؟، كلّ له
شاغل ثان ، وفهم غير فهمي
داخلي يسقط في خارجه
غربتني أكبر من صوتي ، وحجمي
(نقم) يرنو بعيدا ، سيّدي
هل ترى في ضائع الأرقام ، رقمي ؟
طحت وجهي ـ لأنّي جبل ـ
خيل كسرى ، عجنته خيل نظمي
أعشبت أرمدة الأزمان في
مقلتيّ ، جلمدت شمسي ونجمي
تذهب الريح ، وتأتي وأرى
جبهتي فيها وهذا حدّ علمي
***
من هنا أسأله ، من ذا هنا ؟
غير ثوب ، فيه ما أدعوه جسمي
من أنا والليلة الجرحى على
رغمها تهمي ، كما أهمي برغمي ؟
هل كفى يا أرض غيثا ؟ لم تعد
تغسل الأمطار ، أوجاعي وعقمي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> خوف
خوف
رقم القصيدة : 67734
-----------------------------------
هذي الأكاذيب الجديده
موت له أيد ، عديده
تنبثّ أوكارا ، طوابير
عمارات ، مديده ...
تردي ... وفورا ترتدي
وجه الشهيد ، صبا الشهيده(55/443)
حلق المرثّي ، تستعير
وتحتذي ، لحم القصيده
تهمي مؤكّدة الخطوره
وهي لا تبدو ، أكيده
غير الذي تبدي ، تريد
ولا تراها ، كالمريده
يدعونها : دعما ، مساعدة
مبادرة ، حميده
وحقيبة رحالة
بين (الرشيدة) و(الرشيده)
وعدا ، موافقة ، مناورة، زيارات مفيدة
هبة بلا عوض ... قروضا ، ذات آجال ، بعيده
لكن لماذا يغدقون ؟
أشمّ رائحة المكيده
وأرى مؤامرة ، لها
شكل الأخوّة ، والعقيده
تدنو كمشفقة ، كعاشقة ، كقاتلة ، عتيده
ماذا أسميها ؟ تبلّدني ، أساميها البليده
وتزيد من أمّيتي
هذي الإذاعة ، والجريده
هذي الدراسات التي
تبدو بطولتها ، مجيده
أأخاف من كرم المساعد ؟
أمّ أخاف من (السعيده) ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> التاريخ السري .. للجدار العتيق
التاريخ السري .. للجدار العتيق
رقم القصيدة : 67735
-----------------------------------
يريد أن ينهار هذا الجدار
كي ينتهي ، من خيفة الانهيار
يريد لكن ، ينثني فجأة
عن رأية ، يحسو حليب الغبار
يهمّ أن يرثي ، جدارا هوى
يراه فورا ، صار ألفين دار
***
عجيبة يا ريح ... ماذا جرى ؟
تشابه الميلاد ، والانتحار
أختار هذا ما ترى ... من رأى
قلبي ركاما ؟ أحسن الاختيار
الانفجار المبتدي ـ عادة ـ
يعطي رمادا ، قد تسميه نار
ألم تجرب ؟ كلّهم جرّبوا
منهى التردي ، أوّل الانفجار
***
يرتدّ مدهوشا ، إلى جلده
كهارب يخشى ، سقوط الإزار
كحقل دود ، وسط رمّانة
كثوب لصّ ، خارج من حصار
يبدو كإنسان ، لأشواقه
روائح الملهى ، وشكل القطار
عليه جلد ورقيّ له
عشرون قرنا ، تقبل الاعتصار
كمدّع ، ـ موطنه عنده
على قميص العيد ـ، أحلى زرار
***
أنا هنا ، أعلى الربى قامة
يداي لا تلقى اليمين اليسار
بل ليس لي كفّ لسيف ، أما
سنان (عمرو) ذاك أمضى الشّفار
في لحية (المريخ) ، لي مكتب
نهد (الثريا) فوق بابي شعار
لكنني كالسهل ، لا سور لي
مفتّح لفتح ، والإنجرار
تصوّروا ، يوم اعتدا جيرتي(55/444)
أنعلت وجهي ، خيل حسن الجوار
أهوى التساوي ، قاطعا كلّ من
يبدو طويلا ، كي يساوي القصار
يوم اشتكت قمع الحمار ابني
أنصفت ، البست البنين الحمار
وها هنا ينهي ، لكي يبتدي
قصّ عن أصدائه ، باختصار
***
يقعي كجديين ، عادا بلا
نصر يبولان ، دم الانتصار
يشتاق لو يعدو ، كسيارة
لو يحمل البحر ، كإحدى الجرار
لو وجهه نعلا حصانين ، لو
ساقاه (مبغا) في قميص النهار
لو تصبح الأبحار بيدا ، ولو
عواصم الأصقاع ، تمسي بحار
يطير لكن ، يرتئي نعله
ترقيع رجليه ، بماء الوقار
لا شيء غير النعل ، جذر له
يلهي بهذا القشّ ، ريح القرار
***
هل متّ ؟ يبدو متّ ، لا إنها
دعاية ، زيف ، دخان مثار
(مسرور) تدري كيف اسكانهم
لا تبق حيا ، صدقت (جلّنار)
تسدّ باب الريح ، كي لا ترى
إني دخان ، من رؤى (شهريار)
الشعب ، داء الشعب تقتليه
أشفى ، ليبقى الأمن ، والازدهار
***
يهون حقد (الشمر) يا (كربلا)
لو لم يكن في كفّه (ذو القفار)
ماذا ؟ أتدعو حكمتي فرصة
للغزو ؟ قل : صححت بدء المسار
كيف ألاقي جبهة خاجي
وفي قذالي ، جبهة من شرار
لا لم أمت جدا ، أما رايتي
خفّاقة ، فوق ظهور الفرار !
حوافر المحتلّ ، في شاربي
لكنني أشبعت ، منه الدمار
لأنني جزّأته ... نصفه
سيفي ، ونصف داخلي مستشار
وها هنا ينهي ، يرى وجهه
من منكبيه ، في مرايا الفخار
غنّي (أليزا) (جوليان) اخلعي
عباءتي ، ساقي أدرها ، أدار
***
يودّ لو ما بين فخذيه
إحدى يديه ، خاتما أو سوار
جريدة ، أخبارها عن حصى
ينمو ، وعن (ديك) تعشّى (حمار)
رواية ، أبطالها عوسج
يمشي ، وأطيار تبيع المحار
رأسي سوى رأسي الذي كان لي
يا سادتي بيني ، وبيني قفار
***
بيني وبيني ، من يسمّى أنا
فوق الأنا الثاني ، أنا المستعار
وها هنا يصغي ... أقلت الذي
أعني ؟ وهل أعني ؟ هنا الابتكار
***
يودّ لو كفّاه ، أشهى صدى
لمعزف ، لو مقلتاه (هزار)
لو قلبه منديل ، _عرّافة)
لو أنفه ، مروحة الانتظار
يريد ما ليس يعي ، يبتدي(55/445)
يعي وقد فات ، أوان البذار
الموسم الوهميّ ، لأغني المنى
يعطي ـ قبيل الحرث ـ وهم الثمار
ماذا أنا ؟ شيء مسيخ بلا
عرق ، بلا شيء ، يسمّى إطار
قد كان ينمو الطفل ، واليوم لا
ينمو صغير ، كي يطول الكبار
***
يعود ينهي الكأس ، من بدئها
فيبتدي قبل الشراب الحمار
***
هل كنت أحكي ؟ مطلقا ... من حكى
في داخلي كان ينام الحوار
***
يريد أن ينهار ، خضر الضّحى
والليل كي ينهار ، هذا الجدار
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الاميرة .. وتحولات مرايا العشق
الاميرة .. وتحولات مرايا العشق
رقم القصيدة : 67736
-----------------------------------
كما ترين ، حوّلي
لوّني فمي ، عمري الوجيع
إليك يا أميرتي
قلبي يؤجّج الصقيع
ولتجعلي ، عشب دمي
بعض شوارب الربيع
ولتغزليني للربى
جدائلا من النجيع
مدائنا ، تعدو إلى
أبواب عالم مريع
حكاية ، قاتية
على مرائع القطيع
خطورة سريّة
قبل حدوثها تشيع
قصيدة بلا فم
جنسية بلا ضجيع
محبّة نضيحة
دانة ، بلا شفيع
عنقود طل في جنين
كلّ نبتة يضيع
***
ما شئت مولاتي أرى
ما تأمرين أستطيع
فلتبدعيني ، صيحة
ولادة ، موتا فظيع
بدءا بلا بداية
نبوة ، بلا تبيع ...
سيفا له ، ألفا يد
مقارعا ، بلا قريع
طفولة ، با صبا
أمومة ، بلا رضيع
مسافرا ، من نفسه
في نفس غيره يبيع
شيئا يضيع اسمه
يعي أسامي الجميع
من الرياح يشتري
كلّ الذي لها يبيع
جوعان يطعم الحصى
لحما ويأكل (الضريع)
دربا إلى ثلاثة
بابا إلى باب وسيع
كما ترين ، حوّلي
لوّني فمي ، عمري الوجيع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ليلة فارس الغبار
ليلة فارس الغبار
رقم القصيدة : 67737
-----------------------------------
ملّيت مملكة الجبين العالي
فوقعت من رأسي ، إلى سروالي
كان المساء يجرني كذبوله
وأجرّ خلف جنازتي ، أذيالي
أختال كالسلطان ، حاشيتي الحصى
تحيتي ـ بلا فخر ـ حصان الوالي
جيشي عفونات الأزقة تحتفي
حولي ، وراياتي خيوط سعالي
***(55/446)
أهلا ، وكيف الحال ؟ شكرا أدّعي
ترف الأمبر ، حصافة (اللّبرالي)
أبدو كمالي ، يعادي ماله
وأفيق أسخر ، بالفقير المالي
لكنّني أرمي ، وراي حقيقي
وأجيد تمثيل المحب السالي
في طينة الحمى ، أعيب دقائقا
عنّي وأصحو ، يرتمي أمثالي
أنسى تفاصيلي ، كبده رواية
قبل البداية ، ينتهي أبطالي
وأعود ، قدامي ورائي جبهتي
نعلي وساقي ، في مكان قذالي
عريان يلبسني أحسني
كالنعش ، كالبئر العميق الحالي
كسرير ماخور ، يجفّف بعضه
بعضا ، وينتظر النزيف التالي
هل كنت ، أين أنا ؟ أفتش لم أجد
شخصي الجديد ، ولا كياني البالي
من أين يا جدران جئت ؟ خلالها
أمشي ، وأرجلها تجوس خلالي
كان الطريق بلا يدين ، يقول
خلطت يميني ، حكمني بشمالي
لا درب غيري ، منتهاي كأولي
أنوي السؤال ، يردّ قبل سؤالي
الشمس ، تبحث عن جبين تردهي
فيه فتهوي ، ترتدي أوحالي
هل غير هذا يا طريق تقول لي ؟
أسألت ؟ يمضي يجتذي أوصالي
فأقر من فخذي إلى فخذي ، ومن
عرق إلى عرق ، أجرّ خبالي
***
فوقي سوى رأسي ، وشيء تحته
رأسي ، وفي جلدي ، عجبين ألي
شيء كسقف السجن ، ينفيني إلى
غيري ، ويرجعني إلى أسمال
***
والآن هل خرست هواتف أزمتي ؟
نامت ، وأسهرت الركام حيالي
كانت ، كوكر المخبرين عشيتي
تجري ورايا ، تهيء استقبالي
وبلا عشاء بتّ ذاك لأنني
بعد الغروب ، ليست (انبريالي)
***
أعطيت قوت الشهر ، أثمن تافه
ليصير ـ أرخص ما يكون ـ الغالي
أصبحت مكتشف التفاهة فاتحا
بعجين ثانيتين ، جدب ليالي
***
جربت قتل الوقت ، لكن ها أنا
بتّ القتيل ، وما قتلت ملالي
ماذا فعلت ؟ أردت شغل بطالتي
لكن أردت ، وما عرافت مجالي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ليالي بيروتية .. في حقائب سائح عربي
ليالي بيروتية .. في حقائب سائح عربي
رقم القصيدة : 67738
-----------------------------------
سواها ، حلوة أطرى
وهات زجاجة أخرى
وثالثة واربعة
وأنت بعادتي أدرى
***
لسؤول ملاييني
أعدوا السهرة الكبرى(55/447)
لأمّي ـ للحم الناس
من كل المدى ـ أقرى
مزاج السيّد البرميل
ضار ، يعشق الأضرى
فهاتوا الأغنج الأقوى
وهاتوا العانس الشعرى
وهاتوا الأرشق الطولى
وهاتوا الأسمن الصغرى
لأن حقائب السلطان
من حلواتنا أغرى
ومن أجسادنا أملى
فمن بجلودنا أخرى ؟
***
لأنّ بلاده جربى
بدون إرادة ، أثرى
فأمسى الوحش ، في (المبغى)
وفي المذياع ، ما أبرى
***
وكانت تلبس اللحظات
نهرا طائرا المجرى
وكان اللّيل يستلقي
كسقف الحانة السهرى
وكانت غرفتي العطشى
بأظفار الأسى شجرا
كعصفور بلا لون
يجيء الحلم والذكرى
كأشلاء من الأحجار
تكبر ، ترتدي تعرى
كشرطين يقتسمان
فخذ أجيرة سكرى
وكان السوق سيّافا
حصانا ، من حلى كسرى
وبحرا ، يمتطي مهرا
ومهرا ، يمتطي الصحرا
وللأبواب أنفاس
كسجن ، يطبخ الأسرى
وكانت أنجم تدنو
تواسي الحانة الحسرى
***
وشاب الليل ، والسلطان
في بوابة المسرى
يغوص بعمق رجليه
من اليمنى ، إلى اليسرى
ومن كبش ، إلى شاة
ومن أهنا ، إلى أسّرا
لها ترتجيه (القدس)
يرفع بيرق البشرى
من ذا هنا يقتلني ؟
ماذا هنا أقتله ؟
لا شيء غير ميت
وميت يحمله
***
الوقثت لا يمضي ولا
يأتي خوت أرجله
أقدامه رؤوسه
رؤوسه أسفله
أمامه وراءه ...
آخره أوّله
لا ينهي لغاية
لأنّ لا بدء له
***
ماذا أقول يا هنا ؟
وما الذي أعمله ؟
ماذا ؟ ومثلي ميت
هذا الذي أسأله
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> فراغ
فراغ
رقم القصيدة : 67739
-----------------------------------
ماذا هنا أفعله ؟
يشغلني أشغله
أعّطيه نار داخلي
ما عنده يبذله
يجرحني ، أحسّه
يشربني ، آكله
يمتصّني أذيبه
يحرقني ، أشعله
يذهلني عن عدمي
عن عقمه ، أذهله
***
ماذا هنا ؟ أرفضه
ماذا هنا ؟ أقبله
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الضباب .. وشمس هذا الزمان
الضباب .. وشمس هذا الزمان
رقم القصيدة : 67740
-----------------------------------
يشتهي الصمت ، أن تبوح فينسى
ينتوي أن يرقّ ، يمتد أقسى(55/448)
ينزوي خلف ركبتيه ، كحبلى
يرعش الطلق بطنها ، وهي نعسى
***
أيّ شيء تسّر يا صمت ؟ تعلو
وجهه صخرتان ، شعثا وملسا
ربما لا يحس ، أوّ ليس يدري
وهو يغلي بالحسّ ، ماذا أحسّا
***
تشرئب الثقوب ، مثل أكف
فاقدات البنان ، تشتاق لمسا
ينبس العشب ، بالسؤال كطفل
يتهجى قحط الرضاعة درسا
قبل أن يبزغ البراعيم ، ترمي
لفتات ، تخاف لمحا وهجسا
يحذر الميت رمسه ، وجنسن
قاذف وجهه ، إلى المهد رمسّا
***
ما الذي يستجدّ ؟ لا شيء يجدي
كلّ شيء ، بيع وجهيه بخسا
وجهك الداخليّ ، لعينيك منفى
وجهك الخارجي ، لرجليّك مرسى
أنت مثلي ، بيني وبيني جدار
وجدار بيني ، وبينك أجسى
أصبحت (عامر) جوادا (لروما)
وجلودا سمرا ، يخبئن (فرسا)
بعد (باذان) جاء باذان ثان
(عبدريّ) سبا (بريما) و(عنسا)
كان يسطو (جنبول) ثم توارى
وانتقى باسمه (لذبيان) (عبسا)
ما الذي يستجدّ ؟ تنوي بروق
تنهمي تنثني ، من الخوف تعسا
***
يمتطي نفسه الضباب ، ويأتي
كالمسجّى ، يلقّن الصمت همسّا
يحتوي كلّ معبر ، يتلوى
في عيون الكوى ، رؤى جدّ خرسا
***
يجتذي ساعديه ، عينيه يهوي
خاسئا يرتقي ، أحطّ وأخسى
كجدار ينهار ، فوق جدار
كغبار ، يستنزف الريح جنسا
يبتدى ، عليه جلد الصحارى
وطلاء ، تشمّ فيه ، (فرنسا)
وركام من التّلاوين ، حتى
لا يبقّي ، لأي (حرباء) لبسا
كجراد له حوافير خيل
كملاه ، من بولها تتحسا ...
***
صمت ، ما الوقت لا أرى ما أسمّي
لاالصباح ابتدا ولا الليل أمسى
لم يعد ـ يا ضباب ـ للوقت وقت
والمكان انحمى ؟ على الريح أرسى
إنني يا ضباب ، أسمع شيئا
اسمه موطني ، يغنّي ويأسى
ملء هذا الرحاب ، يمتدّ يرمي
عنه نفسا ، ويبتدي منه نفسا
ذاك وادي (عسى) نعم كان يوما
وتخطّى وادي (عسى) من تعسّى
أتراه ؟ يحمرّ ، يرنو بعيدا
ومناه تجتاز ، عينيه حدسا
ما الذي ؟ لا تحسّه ! كيف تدري ؟
ومتى كنت ؟ أنت تملك حسّا
أترى هذه العيون الدوامي
تحت رجليك ؟ سوف تنبت شمسا
شمس هذا الزمان ، من تحت تبدو(55/449)
ثم تعلو ، تفجّر الموت عرسا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الوجه السبئي وبزوغة الجديد
الوجه السبئي وبزوغة الجديد
رقم القصيدة : 67741
-----------------------------------
يقولون ، قبل النجوم ابتديت
تضيء ، وتجتاز ، ولولا ، وليت
وكنت ضحى (مارب) فاستحلت
لكلّ بعيد سراجا ، وزيت
يقولون ، كنت ، وكنت ، وكنت ،
وفي ضحوة الفجر ، أصبحت ميت
ولم يبق منك ، على ما حكوا
سوى عبرة ، أو بقايا صويت
و(نونية ) شبها (دعبل)
وأصدأ (بائية) (للكميت)
***
ولكن متى متّ ؟ كنت (بخيتا)
فصرت شعوبا ، تسمى (( بخيت))
لأنّ اسمك امتدّ فيهم ، رأوك
هناك ابتديت ، وفيك انتهيت
فأين ألاقيك هذا الزمان
وفي أيّ حقل ؟ وفي أيّ بيت ؟
ألاقيك ، أرصفة في (الرياض)
وأوراق مزرعة في (الكويت)
ومكنة في رمال الخليج
وشبت عن يديك ، وأنت أختفت
واسفلت أسواق مستعمر
أضأت مسافاتها ، وانطفيت
وروّيتها من عصير الجبين
وأنت كصحرائها ، ما ارتويت
***
فكنت هنالك ، سرّ الحضور
و(شيكا) هنا ، كلّ فصلين (كيت)
بريدا : لنا شجن ، كيف (سعد)
و(أروى) ؟ وهل طال قرنا (سبيت)
***
ولكن متى متّ ، ينبي العبير
على ساعديك ، وعن ما ابتنيت
وما دمت تبني ، وتهدي سواك
سيحكون ، منك إليك اهتديت
ومن تجربات النهايات ، جئت
وليدا ، وقبل البزوغ انتفيت
أمثل الربيع ، لبست المغيب
وأنضر من كلّ آت أتيت
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> طيف ليلي
طيف ليلي
رقم القصيدة : 67742
-----------------------------------
هزّ كفيّه ، وأرجف
لحظة ، ثم توقّف
وبلا داع ، تأتي
مثل من ينوي ، ويأسف
مثل من ـ بالخوف ـ يردي
وهو من قتلاه ، أخوف
***
مرحبا شرفت ، لكن
ما اسمه ؟ من أين شرف ؟
فجأة جاء ، كوحش
وعلى الفور ، تلطّف
غابه شمّ عبر (القات )
فأحضرّ وفوّف
وارتدى جلدا (معينبا)
وجلبانا منصّف
وتبدّى ، كنديم
كمغولي ، تصّوف
كطفيلي ، قديم
خارج من جوف مقصّف
***
كان في يمناه تابوت(55/450)
وفي يسراه معّزف
لونه من كلّ واد
شكله من كلّ متحف
وله وجه شتائيّ
وسروال مزخرف
وقوام شبه قزم
وقذال ، نصف أهيف
وفضول يملك الدّنيا
بدينار مزيف
هكذا يبدو ، ولكن
سرّ ماضيه ، مغلّف
ربما كان أميرا
أو لسمسار موظف
أو (لذي ريدان) سيفا
أو لخيل الفرس ملعف
أو حصانا لجبان
أو نبيا ، دون مصحف
***
ربما مات مرارا
ربما أبقى ، وأتلف
ربما أشتى بنيسّان
وفي كانون ، صيف
ربما للريح غنّى
ربما للصمت ، ألّف
فهو يلغو ، كغبيّ
وبرائي ، كالمثقف
مثل من يغنّي ، ويحكي
غير ما يبغي ، محرّف
***
يعرف الباب ، فيدنو و
ثم ينسى ، ما تعرّف
حلمه أكبر من عينيه
من كفّيه أعنف
يركض الشكّ بهدّبيه
ويستلقي ، كمترّف
تسعل الأشياء كالأطفال
كالفيران تزحف
وهو كالشباك ساه
وكحد السّيف مرهف
راحل وهو قعيد
طائر وهو مسلحف
بيد يومي ، بأخرى
يرعش الذقن المنتّف
***
ساعة وارتدّ ، لكن
وجهه عندي تخلف
عند ذاك الركن ، أفعى
عند هذا الركل ، رفرّف
في رؤى السقف ، تندّى
وعلى الباب ، تكشّف
ها هنا كالوعد ، أغرى
وهنا كالموت ، طوّف
ها هنا مثلي ، تشهى
وهنا مثلي ، تفلف
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الغبار والمرائي الباطنية
الغبار والمرائي الباطنية
رقم القصيدة : 67743
-----------------------------------
ها هنا الجدران ، تدمي وتفكر
وعلى أرؤوسها تمشي ، وتنظر
بعضها يزحم بعضا هاربا
بعضها يقبل كالحبل ، ويدير
بعضها يمشي ، ولا يمشي ، يرى
مثلما يستقرىء الأسوار ، مخبر
المرائي ، باطنيات هنا
تحجب الرائي ، وفي عينيه تسفر
يجهد الإبصار ، في رؤيتها
وسوى ما ينفع التقرير ، يبصر
عجبا رغم التعرّي ، تنطوي
ذاتها فيها ، وذات الغير تظهر
***
ما الذي شاهدت ، تقضي مهني
أن أرى سرّا ، فيحفى وأقدّر
المداد الأبيض السريّ بلا
أيّ سرّ .. ما الذي يبدى ويضمر؟
تبدر الأوراق ... لكن مالها
في يديك اتسخت من قبل تثمر ؟
لم يكن غير أجير ، لا تخف
إن أغبى منك ، من سوف يؤجر(55/451)
من ، إلى ، مثل ذباب يرتمي
مثل ذكرى ، لا تلاقي من تذكر
مثل أفكار أضاعت فمها
وتلاقيه ، فتنسى أن تعبّر
لا يعي الآتي ، إلى أين ومن ،
ليس يدري صادر ، من أين يصدر
***
الغبار امتد سقفا أرجلا
أعينا مثل الحصى ، تغلي وتمطر
أيديا رمليّة دوديّة
تكتب الأحلام ، والريح تفسر
***
حسنا ماذا ؟ هوى السقف : ابتدا
وابتدت بعض شقوق الأرض تقمر
ربما عاد كما كان ؟ سدى
التقى الوجه ، ومرآة المبشر
الرّفاة المكرميات التقت
بدأت من تحت جلد الموت ، تزهر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> إلى الفاتح ..
إلى الفاتح ..
رقم القصيدة : 67744
-----------------------------------
(ألا نبي)) ، لو طبعنا الشّمس يوما
وقلّدنا سيفا صفيحا
ورصّعناه بالشّهب الدّراري
لما زدناك فخرا أو مديحا
لأنّك أشجع الأبطال طرا
وأعظم قادة الدّنيا فتوحا
إذا ما مرّ ذكرك بين قوم
رأيت أشدهم عيّا فصيحا
فكم داويت سوريّا مريضا
وكم أسقيت تركيا صحيحا
وكم قد صنت في بيروت عرضا
وكم أمّنت في الشّهباء روحا
غضبت على ((الهلال)) فخرّ ذعرا
ولحت له فحاذر أن يلوحا
عصفت بهم فأمسى كلّ حصن
لخيل النّصر ميدانا فسيحا
مشت بك همّة فوق الثّريّا
فزلزلت المعاقل والصّروحا
من الوادي إلى صحراء سينا
إلى أن زرت ذيّاك الضّريحا
إلى بحر الجليل إلى دمشق
تطارد دونك التّركي القبيحا
فكان الجند كلّهم يشوعا
وكانت كلّ سوريّا ((أريحا))
فإن يكن المسيح فدى البرايا
فإنّك أنت أنقذت المسيحا!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> دودة وبلبل
دودة وبلبل
رقم القصيدة : 67745
-----------------------------------
نظرت دودة تدبّ على الأرض
إلى بلبل يطير ويصدح
فمضت تشتكي إلى الورق الساقط
في الحقل أنها لم تجنّح
فأتت نملة إليها وقالت
اقنعي واسكتي فما لك أصلح
ما تمنيت إذ تمنّيت إلا
أن تصيري طيرا يصاد ويذبح
فالزمي الارض فهي أحنى على الدود،
وخليّ الكلام فالصمت أريح(55/452)
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أنا وهي
أنا وهي
رقم القصيدة : 67746
-----------------------------------
جلست إليها والترام بنا يعدو
إلى حيث لا واش هناك ولا ضدّ
قد انتظت هذي القطارات في الثّرى
كأن الثّرى وتلك لها عقد
بلى، هي عقد بل عقود ، ألا ترى
على الأرض أسلاكا تدور فتمتدّ؟
يسير فيطوي الأرض طيا كلأنّما
دواليبة أيدي، كأنّ الثذرى يرد
فكالطو
إلاّ أنّ ذيّاك ثابت
توهّمته من سرعة السّير راكدا
وأنّ الدّنى فيمن على ظهرها تعدو
تحوم عليه المركبات كأنه
مليك وتلك المركبات له جند
تقصر عنه الرّيح إما تسابقا
فكيف تجاربه المطهّمة الجرد؟
على أنه في كفّ عبد زمامه
فيا من رأى ملكا يصرفه عبد
كأني به ، يا صاح، دار ضيافة
يغادر وفد ويقصده وفد
خلوت بمن أهوى به رغم عاذلي
ولم يك غير القرب لي ولها قصد
فسار بنا في الأرض وخدا كأنما
درى أنّ ما نبغه منه هو الوخد
فما راعني واللّه إلا وقوفه
فقد كنت أخشى أن يفاجئنا وغد
ولما انتهى من سيره وإذا بنا
على شاطىء البحر الذي ما له حد
هناك وقفنا والشّفاة صوامت
كأن بنا عيّا وليس بنا وجد
سكتنا ولكنّ العيون نواطق
أرق حديث ما العيون به تشدو
سكرنا ولا خمر ولكنّه الهوى
إذا اشتدّ في القلب امرىء ضعف الرشد
فقالت وفي أجفانها الدمع جائل
وقد عاد مصفرّا على خدّها الورد
ألا حبّذا ، يا صاحبي، الموت ههنا
إذا لم يكن من تذوّق الرّدى بدّ
فيالك من فكر مخيف وهائل
ويا لك من مرآى يرقّ له الصّلد
فقلت لها إني محب لكلّ ما
تحبين ، إن السمّ منك هو الشّهد
فقالت أمن أجلي تحنّ إلى الردى؟
دع الهزل إنّ المرء حليته الجد
فقلت لها لو كنت في الخلد راتعا
ولست معي واللّه ما سرّني الخلد
فإن لم يكن مهد إليك يضمّني
فيا حبّذا ، يا هند ، لو ضمّنا لحد
فقالت لعمر الحقّ إنك صادق
فدمت على ود ودام لك الودّ
فلو لم أكن من قبل أعشق حسنها
لهمت بها واللّه حسبي من بعد(55/453)
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> حكاية قديمة
حكاية قديمة
رقم القصيدة : 67747
-----------------------------------
وربّت أمريكيّة خلت ودّها
يدوم، ولكن ما لغانية ودّ
صبوت إلى هند فلمّا رأيتها
سلوت بها هندا وما صنعت هند
وأوحت لها عيناي أنّ صبابة
تلجلج في صدري وأحذر أن تبدو
فألقت إلى أترابها وتبسّمت
أعي سكوت الصّب أم صمته عمد؟
فقلت سلام اللّه ، قالت وبرّه
فقلت : أهزل ذلك القول أم جدّ
وأمسكت أنفاسي وأزهقت مسمعي
ففي نفسي جزر وفي مسمعي مدّ
فقالت وددنا لو عرفنا من الفتى
وما يبتغيه ؟ قلت ما يبتغي العبد؟
قتيل ولكن ثوبه كفن له
وكلّ مكان يتريح به لحد
فإن لم يكن من نظرة ترأب الحشا
فردّي عليه قلبه وبه زهد
فضرّج خدّيها احمرار كأنّما
تصاعد من قلبي إلى خدّها الوجد
وقرّبها منّي وقرّبني الهوى
إلى أن ظننّا أنّنا واحد فرد
وكهرب روحينا فلمّا تنهدت
تنهّدت حتّى كاد صدري ينهد
وكان حديث خلت أنّي حفظته
فأذهلني عنه الّذي كان من بعد
أمرت فؤادي أن يطيع فؤادها
فيبكي كما تبكي وتشدو كما تشدو
وقلت لنفسي هذه منتهى المنى
وهذا مجال الشّكر إن فاتك الحمد
فإن ترعني عنها ، وفيك بقيّة ،
فما أنت نفسي إنّما أنت لي ضدّ
ومرّت ليال والمنى تجذب المنى
وقلبي ، كما شاءت ، يلين ويشتدّ
نروح ونغدو واللّيالي كأنها
وقوف لأمر لا تروح ولا تغدو
رأى الدّهر سدّا حول قلبي وقلبها
فما زال حتّى صار بينهما السّدّ
خدعت بها والحرّ سهل خداعه
فلا طالعي يمن ولا كوكبي سعد
وكنا تعاهدنا على الموت في الهوى
فما لبثت إلاّ كما يلبث الورد
كأنّي ما ألصقت ثغري بثغرها
ولا بات زندي وهو في جيدها عقد
ولم نشتمل بالليل والحيّ نائم
ولم نستتر بالرّوض واللّيل ممتدّ
ولا هزّنا شدو الحمائم في الضّحى
ولا ضمّنا بيت ولم يحونا برد
أإن لاح في فودي القتير نكرتني
أيزهد في الصّمصام إن خلق الغمد
لئن كان لون الشّعر ما تعشقينه
فدم أبيضا مادمت يا شعري الجعد(55/454)
فلا تشمتي منّي فلست بمأمن
ولا تزهدي فيه، فليس به زهد
هو الفاتح الغازي الذي لا تردّه
عن الفاتح الغازي قلاع ولا جند
فلو كان غير الشّيب عني صرفته
ولكنّ حكم اللّه ليس له ردّ
وإن تعرضي عن مفرقي وهو أبيض
فيا طالما قبلته وهو مسودّ
شفى اللّه نفسي لا شفى اللّه نفسها
ولا غاب عن أجفانها الدّمع والسّهد
ولا قدّها غصن ولا خيزرانة
ولا خصرها غور ولا ردفها نجد
ولا وجهها شمس ولا شعرها دجى
ولا صدّها حرّ ولا وصلها برد
أحبّ إلى نفسي الرّدى من لقائها
وأجمل في عينّي من وجهها القرد
فإن تلمس الثّوب الّذي أنا لابس
قددت بكفّي الثوب من قبل ينقدّ
وإن تقرب الدّار التي أنا ساكن
هجرت مغانيها ولو أنّها الخلد
فإن كان غيري لم يزل دينه الهوى
فإني ، ولا أخشى الملامة ، مرتدّ!!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> المدخل
المدخل
رقم القصيدة : 67748
-----------------------------------
وقعت نحلة على الأقحوان
فإذا في القفير شهد
ومشت بعدها على الأغصان
دودة فالغصون جلرد
وهمي الغيث في الحقول ففيها
شجر وارف وزهر
وأصاب الرمال كي يحييها
فهما ميّت وقبر
أنا غيث ، فإن وجدتك حقلا
فأنا العشب والشجر
غير أني ، إذا لقيتك رملا،
لست شيئا حتى المطر
وأنا الأقحوان سيّان عندي
عشت يوما أو بعض يوم
لا أبالي الفناء إن كان مجدي
في فنائي أو مجد قومي
إن تغب في فراشة ألواني
فأنا زهرة تطير
وإذا انحلّ في الشعاع كيانب
فأنا في الضّحى عبير
جنّبوني الفناء في الديدان
إنه المصرع الكربه
وانعدام الأريج والألوان
واندثار لا مجد فيه
كن شعاعا يبين فيه كياني
لا ظلاما ولا رغام
ولأعش في الشعاع بضع ثوان
فهي خير من ألف عام
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الزمان
الزمان
رقم القصيدة : 67749
-----------------------------------
يمشي الزمان بمن ترقب حاجة
متثاقلا كالخائف المتردّد
حتى ليحسبه أسيرا موثقا
ويراه أبطأ من يح مقعد
ويخال حاجته التي يصبو لها(55/455)
في دارة الجوزاء أو في الفرقد
ويكون ما يرجوه زورة صاحب
ويكون أبعد ما يرجّى في غد
فإذا تولّى النفس خوف في الضحى
من واقب تحت الدجى أو معتد
طارت بها خيل الزمان ونوقه
نحو الزمان المدلهمّ الأسود
فكأنها محمولة في بارق،
أو عارض، أو عاصف في فدفد
ويكون أقصر ما يكون إذا الفتى
مدّت له الدنيا يد المتودّد
فتوسط اللذّات غير منفّر
وتوسد الأحلام غير منكّد
فإذا لذيذ العيش نغبة طائر
وإذا طويل الدهر خطرة مرود
وإذا الفتى لبس الأسى ومشى به
فكأنما قد قال للزمن اقعد
فإذا الثواني أشهر، وإذا الدقائق
أعصر ، والحزن شيء سرمدي
وإذا صباح أخي الأسى أو ليله
متجدد مع همه المتجدّد
فهو الورى وأذلّهم أنّ الورى
متعلل، أو طامع ، أو مجتد
جعلوا رغائبهم قياس زمانهم
والدهر أكبر أن يقاس بمقصد
وقلت في نفسي الرغائب والمنى
فقهرته بتجرّدي وترّهدي
يشكو الذي يشكو السهاد جفونه
أو لم يكن ذا ناظر لم يسهد
إن كان شيء للنفاد أعده
فيما انقضى ومضى وإن لم ينفد
ما أن رأيت الكحل في حدق المهى
إلاّ لمحت الدود خلف الأثمد
من ليس يضحك والصباح مورّد
لم يكتئب والصبح غير مورّد
سيّان أحلام أراها في الكرى
عندي ، وأشياء اشتملت يدي
أنا في الزمان كموجة في زاخر
أنا فيه إن يزيد وإن لم يزيد
مهما تلاطم فهو ليس بمغرقي،
أو مخرجي منه، ولا بمبدّدي
هيهات ما أرجو ولا أخشى غدا
هل أرتجي وأخاف ما لم يوجد
والأمس فيّ فكيف أحسبه انتهى
أفما رأيت الأصل في الفرع الندي؟
قبل كبعد حالة وهميّة
أمسي أنا، يومي أنا، وأنا غدي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الفيلسوف المجنح
الفيلسوف المجنح
رقم القصيدة : 67750
-----------------------------------
يا أيّها المغرّد في الضحى
أهواك إن تنشد وإن لم تنشد
الفنّ فيك سجيّة لا صنعة
والحبّ عنك كالطبيعة سرمدي
فإذا سكتّ فأنت لحن طائر
وإذا نطقت فأنت غير مقلّد
للّه درّك شاعرا لا ينتهي
من جيّد إلا صبا للأوجود(55/456)
مرح الأزهار في غنائك والشّذى
وطلاقة الغدران والفجر الندي
وكأنّ زورك فيه ألف كمنجة
وكأنّ صدرك فيه ألف مردّد
كم زهرة في السفح خادرة المنى
سكنت على يأس سكون الجلمد
غنّيتها ، فاستيقظت وترنّحت
وتألّقت كالكوكب المتوقّد
وجرى الهوى فيها وشاع بشاشة
من لم يحب فإنه لم يولد
وكأنّني بك حين تهتف قائل
للزهر : إنّ الحسن غير مخلّد
فاستنفدي في الحبّ أيام الصّبا
واسترشديه فهو أصدق مرشد
واستشهدي فيه، فمن سخر القضا
أن لا تذوقيه وأن تستشهدي!
يا فيلسوفا قد تلاقى عنده
طرب الخلّي وحرفة المتوجّد
رفع الربيع لك الأرائك في الربى
وكسا حواشيها برود زبرجد
أنت المليك له الضياء مقاصر
وتعيش عيش الناسك المتزهد
مستوفزا فوق الثرى، منتقلا
في الدّوح من غصن لغصن أملد
متزودا من كلّ حسن لمحة
شأن المحبّ الثائر المتمرّد
وإذا ظفرت بنفحة وبقطرة
فلقد ظفرت بروضو وبمورد
تشدو وتبهت حائرا مترددا
حتى كأنك حين تعطي تجتدي
فكأنما لك موطن ضيّعته
خلف الكواكب في الزمان الأبعد
وطن جميل كنت فيه سيّدا
فمضى ودام عليك همّ السيّد
طورت عنه إلى الحضيض فلم تزل
متلفتا كالخائف المتشرد
يبدو لعينك في العتيق خاليه
وتراه في ورق الغصون الميّد
صور معدّدة لغير حقيقة
كالآل لاح لمعطش في فدفد
فتهمّ أن تدنو إليه وتنئني
حتى كأنك خائف أن تهتدي
وكأنه حلم يصحّ مع الكرى
فإن انتهت من الكرى يتبدّد
كم ذا تفتّش في السفوح وفي الذّرى
عنقاء أقرب منه للمتصيّد
يا أيها الشادي المغرّد في الضحى
أهواك إن تنشد وإنلم تنشد
طوباك إنك لا تفكّر في غد
بدء الكآبة أن نفكّر في غد
إن كنت قد ضيّعت إلفك إنني
أبكي على إلفني الذي لم يوجد
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عيد النهى
عيد النهى
رقم القصيدة : 67751
-----------------------------------
في اليوبيل الذهبي لمجلة المقتطف
-------------
قل للحمائم في ضفاف الوادي
يا ليتكن على شغاف فؤادي
لترين كيف تبعثرت أحلامه(55/457)
وجرت به الآلام خيل طراد
كانت تشعّ على جوانبه المنى
فخبت وبدّل جمرها برماد
أسعدنه، فعسى يخفّ ولوعه
إنّ الشجي أحقّ بالإسعاد
ذهب الصبا وبقيت في خسراته
ليت الأسى مثل الصبا لنفاد
إنّ الشباب هو الغني فإذا مضى
وأقمت لا ينفكّ فقرك بادي
أمسيت أنظر في الحياة فلا أرى
إلا سوادا آخذا بسواد
ألقى تقابلني النجوم تخاوصت
فكأنما هي أعين الحسّاد
ما ثمّ من ذكرى إذا خطرت على
قلبي استراح سوى خيال الوادي
أفلا تزال الشمس تصبغ وجهه
بالورس آونة وبالفرصاد
أفلا يزال يذوب في أمواجه
ذهب الأصيل وفضّة الآراد؟
لهفي إذا ورد الرفاق عشيّة
وذكرت أني لست الزوّاد
وإذا الحمام شدا وصفّق موجه
أن لا أصفقّ للحمام الشادي
وإذا النخيل تطاولت أظلاله
أن لا يكون مظلّتي ووسادي
وإذا الكواكب رصّعت آفاقه
أن لا يكون لرعيهنّ سهادي
ذقت الهوى وعرفته في شطه
إن الهوى للمرء كالميلاد
لا تدرك الأكباد سرّ وجودها
حتى يجول الحبّ في الأكباد
ما عشت لم يمسس جوانحك الهوى
لم ندر ما في العيش من أمجاد
لا تبصر العين الرياض وحليها
إلاّ على ضوء الصباح الهادي
وطنان أشواق ما أكون إليهما
مصر التي أحببتها وبلادي
ومواطن الأرواح يعظم شأنها
في النفس فوق مواطن الأجساد
حرصي على حبّ ((الكنانة)) دونه
حرص السجين على بقايا الزاد
بلد الجمال خفيّة وجليّه
والفنّ من مستطرف وتلاد
عرضت مواكبها الشعوب فلم أجد
إلاّ بمصر نضارة الآباد
كم من دفين في ثراها لم يزل
كالحي ذا مقة وذا أحقاد
ومشيّد ، للناس إذ يغثونه
من كلّ أرض خشية العبّاد
عاش الجدود وأثّلوا ما أثّلوا
واليوم ينبعثون في الأحفاد
ألمسبغين على النوابغ فضلهم
كالفجر منبسطا على الأطواد
أبناء مصر الناهضين تحية
كودادكم إن لم أقل كودادي
من شاعر كلف بكم وبأرضكم
أبدا يوالي فيكم ويعادي
إن تكرموا شيخ الصحافة تكرموا
أسنى الكواكب في سماء الضاد
خلع الشباب على الكنانة مطرفا
هو كالربيع على ربى ووهاد
ما زال يقحم في الجهالة نوره(55/458)
حتى تقاصر ليلها المتمادي
بصحيفة نور العيون سوادها
وبياضها من ناصع الأجياد
ينبوع معرفة ،وهيكل حكمه،
ووعاء آداب ، وكنز رشاد
أغلى المواهب والعقول رأيتها
سكنت قصور مهارق ومداد
ذكر المجاهد في الحقيقة خالد
ويزول ربّ السيف والأجناد
لولا جبابرة القرائح لم يسر
في الأرض ذكر جبابر القوّاد
ما ذلّلت سبل المعالي أمّة
إلا بقوة مصلح أو هادي
((صرّوف)) يسألك الأنام فقل لهم
كم في حياتك ساعة استشهاد
طلع القنوط عليك من أغواره
فرددت طائره وجأشك هادي
ومضيت تستقصي الحياة وسرّها
في كلّ عاقلة وكلّ جماد
حتى لكدت تحسّ هاجسة المنى
وتبين كم في النفس من أضداد
أنت الذي أسرت به عزماته
والدرب غامضة على الروّاد
والليل آفات على أغوارها
والهول أنجاد على الأنجاد
إنّ الحقائق أنت ناشر بندها
في حين كان العلم كالإلحاد
والعقل في الشرقّي من أوهامه
كالنسر في الأوهاق والاصفاد
تشقى متى تشقى الشعوب بجهلها
وتعزّ حين تعز بالأفراد
ألساهرين الليل مثل نجومه
فكأنهم للدهر بالمرصاد
ألباذلين نفوسهم لم يسألوا
وعلى النفوس مدارع الفولاد
خفضوا جناحهم وتحت برودهم
همم الملوك وصولة المرّاد
لهم الزمان قديمه وحديثه
ما الناس في الدنيا سوى الآحاد
أنّ الأنام على اختلاف عصورهم
جعلوا لأهل العلم صدّر النادي
ما العيد للخمسين بل عيد النهى
وفنونه والخاطر الوقّاد
عيد الحصافة والصحافة كلّها
في مصر ، في بيروت، في بغداد
ما العيش بالأعوام كم من حقبة
كالمحو في عمر السواد العادي
ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ
كالقفر طال به عناء الحادي
وسوى حياة العبقريّ نقيسها
فتقاس بالآجال والآماد
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> يا بلادي
يا بلادي
رقم القصيدة : 67752
-----------------------------------
مثلما يكمن اللّظى في الرّماد
هكذا الحبّ كامن في فؤادي
لست مغرى بشادن أو شاد
أنا صبّ متيّم ببلادي
يا بلادي عليك ألف تحيّة
هو حبّ لا ينتهي والمنيّة(55/459)
لا ولا يضمحلّ والأمنيّة
كان قبلي وقبل الشّجيّه
كان من قبل في حشا الازليّه
وسيبقى ما دامت الأبديّه!
خلّياني من ذكر ليلى وهند
واصرفاني عن كل قدّ وخدّ
كلّ حسناء غير حسناء عندي
أو أرى وجدها بقومي كوجدي
لا حياء في الحبّ والوطنيّه
كلّ شيء في هذه الكائنات
من جماد وعالم ونبات
وقديم وحاضر أو آت
صائر للزوال أو للممات
غير شوقي إليك يا سوريّه
أنت ما دمت في الحياة حياتي
فإذا ما رجعت للظلمات
واستحالت جوارحي ذرّات
فلتقل كلّ ذرة من رفاتي
عاش لبنان ولتعش سوريّه
ولتقل كلّ نفحة من ندّ
ولتقل كلّ دمعة في خدّ
ولتّقل كلّ غرسة فوق لحدي
وليقل كلّ شاعر من بعدي
عاش لبنان ولتعش سوريّه
ربّ ليل سهرته للصبّاح
حائرا بين عسكر الأشباح
ليس لي مؤنس سوى مصباحي
ونداء الملاّح للملاّح
وصراخ الزّوارق اللّيليّة
تتهادى في السّير كالملكات
أو كسرب النّعام في الفلوات
مقبلات في النّهر أو رائحات
تحت ضوء الكواكب الزّاهرات
فوق ماء كالبردة اليمنيّه
تتمشّى في صفحتيه النّسائم
فترى الموج فيه مثل الأراقم
يتلوّى ،وتارة كالمعاصم
كلف الماء بالنّسيم الهائم
ليتني كنت نسمة شرقيّه
هجع النّاس كلهم في المدينه
وتولّت على ((نويورك))السّكينة
وجفوني، بغمضها، مستهينه
لا ترى غير طيف تلك الحزينه
لست أعني بها سوى سوريّه
ذاك ليل قطعته أتأمّل
رسمها الصّامت الذي ليس يعقل
وبناني مع خاطري تتنقل
بين هذا الحمى وذاك المنزل
والرّبى والخمائل السّندسيّه
ههنا رسم منزل اشتهيه
ههنا مربع أحبّ ذويه
ههنا رسم معهد كنت فيه
مع رفاقي أجرّ ذيل التّيه
في الضّحى ، في الأصيل، بعد العشيّه
كم تطلعت في الخطوط الدّقيقه
ولثمت الطّرائق المنسوقه
قنعت بالخيال نفسي المشوقه
ليت هذا الخيال كان حقيقه
فعذابي في لذّتي الوهميّه
يا رسوما قد هيّجت اشواقي
طال ، لو تعلمين، عهد الفراق
أين تلك الكؤوس ، أين السّاقي؟
أين تلك الأيّام، أين رفاقي؟
أيا أحلامي الحسان البهيّه؟(55/460)
يارسوم الرّبوع والأصحاب
بحياتي عليك بالأحباب
أخبرني فقد عرفت مصابي
أترى عائد زمان التّصابي
أم طوته عنّا الأبديّه؟
سبقتني دنيا أرادت لحافي
فأنا الآن آخر في السّباق
نصف عمري نصفي الباقي
كرثاء الأوراق للأوراق
يبس الأصل والفروع نديّه
ما تراني إذا تغنّى الشّادي
ومضى في الغناء والإنشاد
فأطار الأسى عن الأكباد
أحسب العود في يديه ينادي
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
وإذا ما جلست تحت الظّلام
أرقب البدر من وراء الغمام
رنّ في مسمعي فهزّ عظامي
شبه صوت يقول للنوّام
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
وإذو ما ذهبت في البستان
بين زهر الخزام والأقحوان
أسمع الهاتفات في الأفنان
قائلات وللكلام معان
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
وإذا ما وقفت عند الغدير
حيث تمشي الطّيور خلف الطّيور
خلت أنّ الأمواه ذات الخرير
قائلات معي لأهل الشّعور
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
ما لقومي وقد دهتها الدّواهي
بالذي يطفىء النّجوم الزّواهي
ويثير (الحماس) في الأمواه
قعدوا بين ذاهل أو لاه
أين أين الحفيظة العربيّه؟
هي أمّ لكم وأنتم بنوها
حفظت عهدكم فلا تنكروها
أنتم أهلها وأنتم ذووها
لا تعينوا بالصّمت من ظلموها
ذاك علم على النّفوس الأبيّه
كن نبيا يستنزل الإلهاما
كن مليكا يصدر الأحكاما
كن غنيا ، كن قائدا ، كن إماما
كن حياة،كن غبطة، كن سلاما
لست مني أو تعشق الحريّه!!!
شوق يروح مع الزّمان ويغتدي
والشّوق ، إن جدّدته يتجدّد
دع عنك نصحي بالتّبلّد ساعة
يا صاح، قد ذهب الأسى بتبلّدي
ما زاد في أسف الحزين وشجوه
شيء كقولك للحزين تجلّد
ما زلت أعصيه إلى أن هاجني
ذكر الحمى فعصيت كلّ منفّد
وأطار عن جفني الكرى وأطارني
عن مرقدي مشي الهموم بمرقدي
في جنح ليل مثل حظّي حالك
كالبحر ساج ... مقفر كالفدفد
أقبلت أنظر في النّجوم مصعدا
عيني بين مصوب ومصعد
أو واجف أو راجف مترجرج
أو ظافر أو حائر متردّد
يمشين في هذا الفضاء وفوقه
وكأنّما يمشين فوق الأكبد(55/461)
والبدر منبعث الشّعاع لطيفه
صاف كذهن الشّاعرالمتوقّد
ما زال ينفذ في الدّجى حتّى استوى
فيه ، فيا لك أبيضا في أسود
والشهب تلمع في الرّفيع كأنّها
أحلام أرواح الصّغار الهجّد
ينظرون عن كثب إليه خلسة
نظر الملاح إلى الغرير الأمرد
فعجبت مّمن نام ملء جفونه
والكون يشهد مثل هذا المشهد
ورأيتني فوق الغمام محلقا
في الأفق ما بين السّهاوالفرقد
فسمعت صوتا من بعيد قائلا
يا أيّها السّاري مكانك تحمد
ما دمت في الدّنيا فلا تزهد بها
فأخو الزّهادة ميت لم يلحد
لا تقنطنّ من النّجاح لعثرة
ما لا ينال اليوم يدرك في غد
كم آكل ثمرا سقاه غيره
دمه ، وكم من زارع لم يحصد
لو كان يحصد زرعه كلّ امرىء
لم تخلق الدّنيا ولم تتجدّد
بالذكر يحيا المرء بعد مماته
فانهض إلى الذكر الجميل وخلّد
فلئن ولدت ومتّ غير مخلّد
أثرا فأنت كأنّما لم تولد
حتّى م في لا شيء يقتتل الورى
إنّ الحمام على الجميع بمرصد
طاشت حلوم المالكين ، فذاهل
لا يستفيق وحائرلا يهتدى
وأفقت ، إذ قطع الكلام مكلّمي
فنظرتني فإذا أنا لم أصعد
ما للكواكب لا تنام ولا تني
قد طال سهدك يا كوكب فارقدي
كم تنظرين إلى الثّرى من حالق
ما في الثّرى لأخي الأسى من مسعد
أو تريني عندما اشتّدّ الدّجى
واشتدّ دائي نام عني عوّدي
حتّى لقد كاد القريض يعقّني
ويصون عنّي ماءه وأنا الصّدى
أمسي أهمّ به ويظلع خاطري
فكأنّما أنا ماتح من جلمد
لا تسألني لم سهدت فإنّني
لو كان في وسعي الكرى لم أسهد
صرفت يد البلوى يدي عن أمرها
ما خلت أمري قطّ يخرج من يدي
في أضلعي نار أذابت أضلعي
ومشت إلى كبدي ولّما تخمد
أخشى على الأحشاء من كتمانها
وأخاف أن أشكو فيشمت حسّدي
ومليحة لا هند من أسمائها
كلاّ، وليست كالحسان الخرّد
نشز الجواري والإماء تمردّدت
وونت فلم تنشز ولم تتمرّد
في النّفس منها ما بها من دهرها
أزكى السّلام عليك أرض الموعد
يا ليت شعري كم أقول لها انهضي
وتقول أحداث الزّمان لها اقعدي(55/462)
ليس الذي لاقته هينا إنّما
حمل الأذى هين على المتعوّد!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أنت والكأس
أنت والكأس
رقم القصيدة : 67753
-----------------------------------
أنت والكأس في يدي
فلمن أنت في غد؟
فاستشاطت لقولتي
غضبا في تمرّد
وأشاحت بوجهها
وادّعت أنّني ردي!
كاذب في صبابتي
ماذق في تودّدي
قلت: عفوا ، فإنّها
سورة من معربد
وجرى الصلح، والتقى
ثغرها ثغري الصدى
أذعن القلب طائعا
بعد ذاك التمرّد
فنعمنا هنيهة
بالولاء المجدّد
بين ماء مصفّق
وهزار مغرّد
ثمّ عادت وساوسي
فأنا في تردّد
راعها منّي السكوت
فذّمت تبلّدي
قالت: الحبّ سرمد
قلت: لا شيء سرمدي
أتحبّينني إذا
زال مجدي وسؤددي؟
فأجابت لفورها
أنت ، لا المجد،مقصدي
قلت: هل تحفظين عهدي
إذا ضاع عسجدي؟
فأجابت برقّة
أنت، ما عشت ، سيّدي
كنت كالشمس في الغنى
أم فقيرا كجدجد
حسنا... قلت ضاحكا:
يا ملاكي وفرقدي
إنّما هل يدوم لي
حبّك المشرق الندى
إن حتى الدهر قامتي
ومحا الشيب أسودي
وانطوى رونق الصّبا
مثل برق بفدفد؟
قالت : الشكّ آفة الحبّ
فانبذه تسعد
ليس حبّيك للصّبا
لست فيه بأوحد
بل لما فيك من صفات ،
ومن طيب محتد
قلت: والشكّ رائح
في صميري ومغتد:
وإذا غالني الحمام
وأصبحت في غد
جثّة لفّها الثرى
بالظلام المؤبّد
ليس فيها لصاحب
أرب أو لحسّد
وسرى الدود حولها
يتغذّى ويعتدي
ومررت الغداة بي
فمررت بجامد
ونظرت فلم تري
غير عظم مجرّد
بعثرته يد البلى
كنافايات موقد
هل تحبّينني إذن
لخلالي ومحتدي؟
ويك ! صاحت ودمعها
كجمان مبدّد
كم تظنّ الظنون بي
أيّها الزائغ اهتد
أشهد الصبح فائضا
في مروج الزبرجد
أشهد الليل لابا
طلبان التمرّد
أشهد الغيث معطيا،
أشهد الحقل يجتدي
وذوات الجناح من
باغم أو مغرّد
والأزاهير والشّذى
في وهاد وأنجد
أشهد الأرض والسما
أشهد اللّه موجدي
سوف أحيا كما ترى
الهوى والتوجّد
فأناجيك في الضحى
وهو أمراس عسجد
وأناجيك في المسا
والأصيل المورّد(55/463)
في الربى تخلع الجمال
برودا وترتدي
والسواقي لها غناء
كألحان معبد
والعصافير أقبلت
نحوها للتبرّد
أسهر الليل وحشة
بفؤاد مشدّد
وإذا نمت نمت كي
يطرق الطيف مرقدي
فيظلّ الهيام بي
ينتهي حيث يبتدي
ويحزن تنهّت
فاستجاشت تنهّدي
فاعتنقنا سويعة
مثل جفني مسهّد!
أفلت الأمس هاربا
وغد؟ ليس من غد!
صرت وحدي وليس لي
أربّ في التّوحّد
يا نديمي إلى الكؤوس ،
ويا منشد انشد
زد لي الخمر كلّما
قلت: ((يا صاحبي زد))
لا تقل أيّ موسم
ذا، فذا يوم مولدي!
أنا، ما زلت في الحياة ،
لي شبابي وسؤددي
ولجيني وعسجدي،
وخلالي ومحتدي
إنّما ((تلك)) أخلفت
قبل ليلين موعدي
لم تمت... لا ، وإنّما
أصبحت في سوى يدي!
آفة الحبّ أنّه
في قلوب وأكبد
فهو كالنار لم تدم
في هشيم لوقد
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> متى يذكر الوطن النوم
متى يذكر الوطن النوم
رقم القصيدة : 67754
-----------------------------------
جلست وقد هجع الغافلون
أنكر في أمسنا والغد
وكيف استبدّ بنا الظالمون
وجاروا على الشيخ والأمرد
فخلت اللواعج بين الجفون
وأنّ جهنم في مرقدي
وضاق الفؤاد بما يكتم
فأرسلت العين مدرارها
ذكرت الحروب وويلاتها
وما صنع السيف والمدفع
وكيف تجور على ذاتها
شعوب لها الرتبة الأرفع
وتخضب بالدم راياتها
وكانت تذمّ الذي تصنع
فباتت بما تهدم
صروح العلوم وأسرارها
نساء تجود بأولادها
على الموت، والموت لا يرحم
وجند تجود بأكبادها
على الأرض ، والأرض لا تعلم
وتغدو الطيور بأجسادها
فإن عطشت فالشراب الدم
وفي كلّ منزلة مأتم
تشقّ بها الغد أزرارها
لقد شبع الذئب والأجدل
وأقفرت الدور والأربع
فكم يقتل الجحفل
ويفتك بالأروع الأروع
ولن يرجع القتل من قتلوا
ولن يستعيد الذي ضيعوا
فبئس الألى بالوغى علموا
وبئس الألى أجّجوا نارها
أمن أجل أن يسلم الواحد
تطلّ الدماء وتفنى الألوف؟
ويزرع أولاده الولد
لتحصدهم شفرات السيوف؟
أمور يحار بها الناقد
وتدمي فؤاد اللبيب الحصيف(55/464)
فيا ليت شعري متى يفهم
معاني الحياة وأسرارها
وحوّلت طرفي إلى المشرق
كما جتمعت حول نفسي الغموم
فأسندت رأسي إلى مرفقي
وقلت ، وقد غلبتني الهموم
بربك، أيتها الأنجم
متى تضع الحرب أوزارها؟
كما يقتل الطير في الجنة
ويقتنص الظبي في السبب
كذلك يجنى على أمتي
بلا سبب وبلا موجب
فحتذام تؤخذ بالقوة
ويقتصّ منها ، ولم تذنب؟
وكم تستكين وتستسلم
وقد بلغ السيل زنارّها
وسيقت إلى النّطع سوق الغنم
مغاورها ورجال الأدب
وكل امرىء لم يمت بالخذم
فقد قتلوه بسيف السغب
فما حرّك الضيم فيها الشمم
ولا رؤية الدم فيها الغضب
تبدّلت الناس والأنجم
ولما تبدّل أطوارها
أرى الليث يدفع عن غيضته
بأنيابه وبأظفاره
ويجتمع النمل في قريته
إذا خشيء الغدر من جاره
ويخشى الهزار على وكنته
فيدفع عنها بمنقاره
فلا الكاسرات ولا الضيغم
ولا الشاة تمدح جزّارها
عجبت من الضاحك اللاعب
وأهلوه بين القنا والسيوف
يبيتون في وجل ناصب
فإن نصبوا ألجئوا للكهوف
وممن يصفقّ للضارب
وأحبابه يجرعون الحتوف
متى يذكر الوطن النّوم
كما تذكر الطير أوكارها؟
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> في الليل
في الليل
رقم القصيدة : 67755
-----------------------------------
جلست وقد هجع الغافلون
أفكر في أمسنا والغد
وكيف ، استبد بنا الظّلمون
وجاروا على الشّيخ والأمرد
فخلت اللّواعج بين الجفون،
وأنّ جهّنم في طرقدي
وضاق الفؤاد بما يكتم
فأرسلت العين مدرارها
ذكرت الحروب وويلاتها
وما صنع السّيف والمدفع
وكيف تجور على ذاتها
شعوب لها الرّتبة الأرفع
وتخضب بالدّم راياتها
وكانت تذمّ الذي تصنع
فباتت بما شيّدت تهدم
صروح العلوم وأسوارها
نساء تجود بأولادها
على الموت، والموت لا يرحم
وجند تذود بأكبادها
عن الأرض ، والأرض لا تعلم
وتغدو الطّيور بأجسادها
فإن عطشت، فالشّراب الدّم
وفي كلّ منزلة مأتم
تشقّ به الغيد أزرارها
لقد شبع الذئب والأجل
وأقفرت الدّور والأربع
فكم يقتل الجحفل الجحفل(55/465)
ويفتك بالأروع الأروع
ولن يرجع القتل من قتلوا
ولن يستعيدوا الّذي ضيّعوا
فبئس الألى بالوغى علّموا
وبئس الألى أجّجوا نارها
أمن أجل أن يسلم الواحد
تطلّ الدّماء وتفنى الألوف؟
ويزرع أولاده الوالد
لتحصدهم شفوات السّيوف؟
أمور يحار بها النّاقد
وتدمي فؤاد اللّبيب الحصيف
فيا ليت شعري ، متى نفهم
معاني الحياة وأسرارها؟
وحوّلت طرفي إلى المشرق
فلم أر غير جيال الغيوم
تحوم علىبدره المشرق
كما اجتمعت حول نفسي الغموم
فأسندت رأسي إلى مرفقب
وقلت وقد غلبتني الهموم
بربّك، أيّتها الأنجم،متى تضع الحرب أوزارها؟
كما يقتل الطير في الجنّة
ويتنص الظّي في السّبسب
كذلك يجنى على أمّتي
بلا سبب وبلا موجب
فحتأم تؤخذ بالقوّة
ويقتصّ منها ولم تذنب؟
وكم تستكيين وتستسلم
وقد بلغ السّيل زنّارها؟
وسيقت إلى النّطع سوق النّعم
مغاويرها ورجال الأدب
وكلّ امرىء لم يمت بالخذم
فقد قتلوه بسيف السّغب
فما حرّك الضّيم فيها الشمم
ولا روية الدّم فيها الغضب
تبدّلت النّاس والأنجم
ولّما تبدّل أطوارها
أرى اللّيث يدفع عن غيضته
بأنيابه وبأظفاره
ويجتمع النّمل في قريته
إذا خشي الغدر من جاره
ويخشى الهزار على وكنته
فيدفع عنها بمنقاره
فلا الكاسرات ، ولا الضّيغم
ولا الشّاة تمدح جزّارها
عجبت من الضّاحك اللاّعب
وأهلوه بين القنا والسّيوف
يبيتون في وجل ناصب
فإن أصبحوا لجأوا للكهوف
ومّمن يصفقّ للضّارب
وأحبابه يجرعون الحتوف
متى يذكر الوطن النّوم
كما تذكر الطّير أوكارها؟
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أين عصر الصبا
أين عصر الصبا
رقم القصيدة : 67756
-----------------------------------
مالي وما للرشا الأغيد
خلت من الحب ومنه يدي
نأى، فما في قربه مطمع
لا تصل الكفّ إلى الفرقد
قطّعت باليأس حيوط المنى
وقلت للسلوان _ لا تبعد
وصرت لا يطربني منشد
ولا أنا أصبو إلى منشد
أسير في الرّوضة عند الضحى
حيران كالمدلج في فدفد
أمامي الماء ولا أرتوي ،(55/466)
وحولي النور ولا أهتدي
يا ليت شعري، أين عهد الصّبا
وأين أحلام الفتى الأمرد
ولّى وولّت كخيال الكرى
يلوح في الذّهن ولم يوجد
فيا قلوب الكاشحين اكني
ويا عيون الحاسدين ارقدي
ويا شياها تتقي صولتي
قلّمت أظفاري فاستأسدي
يا سائلي عن أمس كيف انقضى
دعه وسلني، يا أخي ، عن غد
أروح للنفس وأهنا لها
أن تحسب الماضي لم يولد
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أنا و النجم
أنا و النجم
رقم القصيدة : 67757
-----------------------------------
مثلي هذا النجم في سهده
و مثله المحبوب في بعده
يختال في عرض السّما تائها
كأنّما يختال في برده
إن شئت فهو الملك في عرشه
أو شئت فهو الطفل في مهده
يرمقني شذرا كأنّي به
يحسبني أطمع في مجده
يسعى و لا يسعى إلى غاية
كمن يرى الغاية في جدّه
كأنّما يبحث عن ضائع
لا يستطيع الصبر من بعده
طال سراه و هو في حيرة
كأنّه المحزون في وجده
في جنح ليل حالك فاحم
كأنّ حظي قدّ من جلده
لا يحسد الأعمى به مبصرا
كلاهما قد ضلّ عن قصده
ساورني الهمّ و ساورته
ما أعجز الإنسان عن ردّه !
ما أعجب الدهر و أطواره
في عين من يمعن في نقده ؟
جرّبته دهرا فما راقني
من هزله شيء و لا جدّه
أكبر منه أنّني زاهد
ما زهد الزاهد في زهده
أكبر منّي ذا و أكبرت أن
يطمع ، أن أطمع في رفده
و عدّني أعجوبة في الورى
مذ رحت لا أعجب من حقده
يا ربّ خلّ كان دوني نهى
عجبت من نحسي و من سعده
و عائش يخطر فوق الثرى
أفضل منه الميت في لحده
أصبح يجبني الورد من شوكه
و بتّ أجني الشوك من ورده
أكذب إن صدّقته بعدما
عرفت منه الكذب في وعده
لا أشتكي الضرّ إذا مسّني
منه ، و لا أطرب من رغده
أعلم أن البؤس مستنفذ
و الرّغد ما لا بدّ من فقده
إذا الليالي قرّبت نازحا
و كنت مشتاقا إلى شهده
أملّك عنه النفس في قربه
خوفا من الوحشة في صدّه
و إن أر الحزن على فائت
أضرّ بي الحزن و لم يجده
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> انتم معي
انتم معي(55/467)
رقم القصيدة : 67758
-----------------------------------
في المنزل المهجور أذكركم
فأخالني في جنّة الخلد
أنتم معي في كلّ آونه
و الناس يحسب أنّني وحدي !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> سقوط بورت ارثور
سقوط بورت ارثور
رقم القصيدة : 67759
-----------------------------------
من أسود تسربلت بالحديد
و من الجنّ في رواء الجنود
ينشدون الوغى و ما ينشد
الحسناء غير المتيّم المعمود
كلّ قرم درع من الصبر
و درع مسرودة من حديد
تحته أجرد أشدّ حنينا
و اشنياقا ألى الوغى من نجيد
سابح عنده العسير يسير
و القصيّ القصيّ غير بعيد
و صبا للنجوم من قد علاه
أصبح الجوّ تحته كالصعيد
تحسب الأرض قد جرت يجرى
و تراه كأنّه في ركود
إنّما يركب الجواد جواد
و يصون الذمار غير بليد
و خميس يحكي النجوم انتظاما
عجبا من كواكب في بيد
أوقع الرّعب في قلوب الضواري
فاستكانت كأنّها في قيود
أصبحت تهجر المياه و كانت
لا ترى الماء غير ماء الوريد
خافقات أعلامه ، أرأيتم
كقلوب العشّاق عند الصدود
قاده ذلك الغضنفر ( نوجي )
و يناط الحسام بالصنديد
رجل دونه الرجال مقاما
مشبه في الأنام بيت القصيد
كلّ سيف في غير قيضة نوجي
فهو عند السيوف غير سعيد
يا يراعي سل ( بورت أرثور ) عنه
إنّ تلك الحصون خير شهود
معقل أصبحت جحافل هيتو
حوله كالعقود حول الجيد
هجموا هجمة الضراغم لمّا
حسبوها فريسة للأسود
و تعالى الضجيج للأفق حتى
كاد ذاك الضجيج بالأفق يودي
و توالى هجومهم و المنايا
ضاحكات ، فيا لها من صيود
كم جريح مضرّج بدماه
و قتيل على الثرى ممدود
و أسير إلى أسير يساقون
تباعا إلى الشقاء العتيد
أسطرهم مدافع الروس نارا
أصبحوا بعدها بغير جلود
دامت الحرب أشهرا كلّما قيل
خبت نارها ذكت من جديد
و المنايا تحوم السرايا
حومة العاشقين حول الغيد
حيث حظّ المقدام مثل سواه
و كحظّ الكبير حظّ الوليد
صبر الروس صبر أيوب للبلوى
على ذلك العدوّ العنيد(55/468)
غير أنّ االأيّام ( وستوسل )
يمني أجفانه بالهجود
فتولاهم القنوط من النصر
فردّوا أسيافهم للغمود
كان هذا للصّفر عيدا و عند
الروس ضربا من الليالي السود
قلعة صانها الزمان فلولا
كيد نوجي لبشرّت بالخلود
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الموده
الموده
رقم القصيدة : 67760
-----------------------------------
ما لهند و كلّ حسناء هند
كلّ يوم تبدو بزيّ جديد
تلبس الثوب يومها و هي تطريه ،
و تطريه عندها كلّ خوذ
فإذا جاء غيره أنكرته
فرأينا الحميد غير الحميد
أولعت نفسها بكل طرف
ليتها أولعت ببعض التليد
أصبحت تعشق المشدّ و لم أبصر
طليقا متيّما بالقيود
رحمة بالخصور أيّتها الغيد
و رفقا رفقا بتلك القدود
ما جنته الزنود حتى ينال العري
منها ، يا عاريات الزنود ؟
لهف نفسي على المعاصم تغدو
غرض الحرّ عرضة للجليد
علام الأذيال أمست طوالا
كليالي الصدود أو كالبنود ؟
لو تكون الذيول أعمار قوم
لضمنّا لهم نوال الخلود
قصرت همّها الحسان على اللهو
و يا ليت لهوها بالمفيد
ساء حال الأزواج في عصرنا هذا ،
و ساءت أحوال كلّ وليد
كلّ زوج شاك ، و كلّ صغير
دامع الطرف كاره للوجود
يظلم الدهر حين يعزو إليه
البؤس ، و البؤس كلّ أم كنود
لا رعى الله زوجة تنفق الأموال
و العمر في اقتناء البرود
ليس في اللهو و البطالة فخر
إنّما الفخر كلّ عرس كدود
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> روعة العيد
روعة العيد
رقم القصيدة : 67761
-----------------------------------
يا شاعر هذي روعة العيد
فاستجد الوحي و اهتف بالأناشيد
هذا النعيم الذي قد كنت تنشده
لا تله عنه بشيء غير موجود
محاسن الصضيف في سهل و في جبل
و نشوة الصيف حتى في الجلاميد
و لست تبصر وجها غير مؤتلق
و لست تسمع إلّا صوت غرّيد
قم حدّث الناس عن لبنان كيف نجا
من الطغاة العتاه البيض و السود
و كيف هشّت دمشق بعد محنتها
و استرجعت كلّ مسلوب و مفقود
*
فاليوم لا أجنبي يستبدّ بنا(55/469)
و يستخفّ بنا استخفاف عربيد يا أرز صفق ، و يا أبناءه ابتهجوا ،
قد أصبح السرب في أمن من السيّد
*
ما بلبل كان مسجونا فأطلقه
سحّانه ، بعد تعذيب و تنكيذ
فراح يطوي الفضاء الرحب منطلقا
إلى الربى و السواقي و الأماليد
إلى المروج يصلّي في مسارحها ،
إلى الكروم يغني للعناقيد
منّي بأسعد نفسا قد نزلت على
قومي الصناديد أبناء الصناديد
سماء لبنان بشر في ملامحهم
و فجره في ثغور الخرّد الغيد
إن تسكنوا الطود صار الطود قبلتنا
أو تهبطوا البيد لم نعشق سوى البيد
(هيوز) وقد كان قبلا ((موشّح)) .. شكوت إليه انقلاب الأمور
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مصرع القمر
مصرع القمر
رقم القصيدة : 67762
-----------------------------------
لوعة في الضلوع مثل جهنّم
تركت هذه الضلوع رمادا
بتّ مرمى للدهر بي يتعلّم
كيف يصمي القلوب و الأكبادا
كيف ينجو فؤاده أو يسلم
من تمادى به الأسى فتمادي
أنا لولا الشعور لم أتألّم
ليت هذا الفؤاد كان جمادا
كيف لا أبكي و في العين دموع
كيف لا أشكو و في القلب صدوع
قلّ في الناس من صبر مختار
****
لحظة ، ثمّ صار ضحكي و جيبا
و نشيجا ، و النوم صار سهادا
ربّ لمّا خلقت هذي الخطوبا
لم لم تخلق الحشا فولاذا
كلّما قلت قد وجدت حبيبا
طلع الموت بيننا يتهادى
صرت في هذه الحياه غريبا
ليت سهدي الطويل كان رقادا
فتجلّد أيّها القلب الجزوع
أو تدفّق كلّما شاء الولوع
عندما أو دما هدر أو نارا
****
كان بين الكرى و بيني صلح
فأراد القضاء أن نتعادى
لم أكد أخلع السّواد و أصحو
من ذهولي حتّى لبست السوادا
في فؤادي ، لو يعلم الناس ، جرح
لا يلاشي حتّى يلاشي الفؤدا
يا خليلي ، هيهات ينفع نصح
بعدما ضيّع الحزين الرشادا
أنت لا تستطيع إحياء الصريع
و أنا ، حمل الأسى لا أستطيع
ذا الذي صيّر الكدر إكدارا
****
يا ضريحا على ضفاف الوادي
جاد من أجلك الغمام البلادا
فيك أودعت ، منذ ست ، فؤادي
و برغمي أطلت عنك البعادا(55/470)
غير أنّي ، و إن عدتني العوادي
ما عدتني بالرّوح أن أرتادا
أنبتت حولك الزهور الغوادي
و اللّيالي أنبتن حولي القتادا
و ذبول الغصن في فصل الربيع
لو رآه شجر الروض المريع
جمد الماء في الشجر محتارا
****
كيف لا يتّقي الكرى أجفاني
و جفوني قد استحلن صعادا
و دموعي بلونها الأرجواني
منهل ليس يعجب الورّادا
و الذي في الضلوع من نيران
صار ثوبا و مقعدا ووسادا
كيف يقوي على الشدائد عان
أكل السقم جسمه أو كادا
فإذا ما غشى الطرف النجيع
فتذكّر أنّه القلب الصديع
كظّه الحزن فانفجر انفجارا
****
طائر كان في الربى يتغنّى
أصبح اليوم يحمل الأصفادا
غصن كان و الصبا يتثنّى
هصرته يد الردى فانآدا
نال مني الزمان ما يتمنّى
و أبى أن أنال منه مرادا
و تجنّى ما شاء أن يتجنّى
و استبدّت صروفه استبدادا
حطّم السيف و ما أبقى الدروع
و تداعى دونه السور المنيع
و أراني من العبر أطوارا
****
ما لهذي النجوم تأبى الشروقا
أتخاف الكوكب الأرصادا
فرط البين عقدها المنسوقا
أم لما بي البياض سوادا
أم فقدن كما فقدت شقيقا
فلبسن الدجى عليه حدادا
ما لعيني لا تبصر العيّوفا
و لقد كان ساطعا و قّادا
سافرا يختال في هذا الرفيع
هل أتاه نبأ الخطب الفظيع
أم رأى مصرع القمر فتوارى
****
سدّد الدهر قوسه ورماني
لم تحد مهجتي و لا السّهم حادا
هكذا أسكتت صروف الزمان
بلبلا كان نوحه إنشادا
فهو اليوم في يد السّجّان
يشتهي كل ساعة أن يصادا
فاحسبوني أدرجت في الأكفان
إن أنفتم أن تحسبوا القول بادا
ليس في هذي و لا تلك الربوع
ما يسلّي النفس عن ذاك الضّجيج
قبره ، جادك المطر مدرارا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أيّها الراعي
أيّها الراعي
رقم القصيدة : 67763
-----------------------------------
شهور العام أجمملها " ربيع "
و أبغضها إلى الدنيا " جمادى "
و خير المال ما أمسى زكاة
و خير الناس من نفع العبادا
بربّك قل لنا و خلاك ذمّ
أعيسى كان يذّخر العتادا ؟(55/471)
تنبّه أيّها الراعي تنبّه
فمن حفظ الورى حفظ العبادا
خرافك بين أشداق الضواري
و مثلك من حمى ووقى النقادا
تبدّل أمنهم رعبا و خوفا
و صارت نار أكثرهم رمادا
لقد أكل الجراد الأرض حتى
تمنّوا أنّهم صاروا جرادا
فمالك لا تجود لهم بشيء
وقد رقّ العدوّ لهم وجادا ؟
و مالك لا تجيب لهم نداء
كأنّ سواك ، لا أنت ، المنادى ؟
...
وربّت ساهر في " بعلبك "
يشاطر جفنه النجم السّهادا
يزيد الليل كربته اشتدادا
وفرط الهمّ ليلته سوادا
إذا مال النعاس بأخدعيه
ثنى الذعر الكرى عنه وذادا
به الداءان من سغب وخوف
فما ذاق الطعام و لا الرقادا
تطوف به أصيبيه صغار
كأنّ وجوههم طليت جسادا
جياع كلّما صاحوا و ناحوا
توهّم أنّ بعض الأرض مادا
إذا ما استصرخوه وضاق ذرعا
نبا عنهم و ما جهل المرادا
و لكن لم يدع بؤس اللّيالي
طريفا في يديه و لا تلادا
و لو ترك الزّمان له فؤادا
لما تركت له البلوى فؤادا
...
أتفترش الحرير و ترتديه
و يفترش الجنادل و القتادا
و يطلب من نبات الأرض قوتا
و تأبى غير لحم الطير زادا
و تهجع هانئا جذلا قريرا
و قد هجر الكرى وجفا الوسادا
عجيب أن تكون كذا ضنينا
و لم تبصر بنا إلّا جوادا
أما تخشى ذي لسان :
أمات الناس كي يحيي الجمادا
...
لذاتك همّهم نفع البرايا
و همّك أن تكيد و أن تكادا
نزلت بنا فأنزلناك سهلا
وزدناك النضار المستفادا
فكان حزاؤنا أن قمت فينا
لاتعلّمنا القطيعة و البعادا
فلمّا ثار ثائر حرّ
رجعت اليوم تمتدح الحيادا
أتدفع بالغويّ إلى التمادي
و تعجب بعد ذلك إن تمادى ؟
سكتّ فقام في الأذهان شكّ
و قلت فأصبح الشّكّ اعتقادا
تجهّمت القريض ففاض عتبا
و إن أحرجته فاض انتقادا
و لولا أن أثرت الخلف فينا
وددنا لو محضناك الودادا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> كل من عليها فان
كل من عليها فان
رقم القصيدة : 67764
-----------------------------------(55/472)
( بعث بها الى صديقه السيد فهمي يعزيه و قد فجع بموت والدته و كريمته و شقيقته في اسبوع واحد )
------------------
فديناك ، لو أنّ الردى قبل الفدى ،
بكلّ نفيس بالنفاس يفتدى
أبى الموت إلاّ ن ينالك سهمه
و ألا يرى شمل مبدّدا
فأقدم لا يبغي سواك و كلّما
درى أنّه عظيما تشدّدا
دهاك الردى لكن على حين فجأة
فتبّت يداه غادر صرح النّدى
دهاك و لم يشفق عل الصبيّة الألى
تركتهم يبكون مثنى و موحدا
فقدت و أوجدت الأسى في قلوبنا
أسى كاد لولا الدمع أن يتوقّدا
بكيناك حتى كاد يبكي لنا الصفا
و حتى بكت ممّا بكينا له العدى
و ما كاد يرقى الدمع حتى جرى به
غد عندما ، يا ليتنا لم نر غدا !
قضت طفلة تحكي الملاك طهارة
و ألحقها الموت الزؤام بمن عدا
لقد ظعنت تبغي لقاك كأنّما
ضربت لها قبل التفرّق موعدا
كأنّ لها نذرا أرادت قضاءه
كأنّك أنت الصوت جاوبه الصدى
مشت في طريق قد مشى فيه بعدها
فتاك الذي أعددت منه المهنّدا
فتى طاب أخلاقا و طاب محادا
و طاب فؤادا مثلما طاب محتدا
فتى كان مثل الغصن في عنفوانه
فللّه ذاك الغصن كيف تاوّدا
تعوّد أن يلقاك في كلّ بكرة
فكان قبيح ترك ما قد تعوّدا
فجعنا به كالبدر عند تمامه
و لم نر بدرا قبله الأرض وسّدا
فلم يبق طرف لم يسل دمعه دما
و لم يبق قلب في الملا ما تصعّدا
كوارث لو نابت جبالا شواهقا
لخرّت لها تلك الشواهق سجّدا
و لو أنّها في جلمد صار سائلا
و لو أنّها في سائل صار جلمدا
( أفهمي ) إنّ الصبر أليق بالفتى
و لا سيما من كان مثلك ( سيّدا )
فكن قدوة للصابرين فإنّما
بمثلك في دفع الملمّات يقتدى
لعمرك ما الأحزان تنفع ربّها
فيجمل بالمحزون أن يتجلّدا
فما وجد الإنسان إلا ليفقدا
و ما فقد الإنسان إلا ليوجدا
و ما أحد تنجو من الموت نفسه
و لو أنّه فوق السماكين أصعدا
فلا يحزن الباكي و لا تشمت العدا
فكل امريء ، يا صاح ، غايته الردى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> في فراش المرض
في فراش المرض(55/473)
رقم القصيدة : 67765
-----------------------------------
مرضت فأرواح الصّحاب كئيبة
بها ما بنفسي ، ليت نفسي لها فدى
ترفّ حيالي كلّما أغمض الكرى
جفوني جماعات و مثنى و موحدا
تراءى فآنا كالبدور سوافرا
و آونة مثل الجمان منضّدا
و طورا أراها حائرات كأنّها
فراقد قد ضيّعن في الأرض فرقدا
و طورا أراها جازعات كأنّما
تخاف مع الظلماء أن تتبدّدا
أحنّ إليها رائحات و عوّدا
سلام عليها رئحات و عوّدا
تهشّ إليها مقبلات جوارحي
كما طرب السّاري رأى النور فاهتدى
و ألقي إليها السّمع ما طال همسها
كذلك يسترعي الأذان الموحّدا
و يغلب نفسي الحزن رحيلها
كما تحزن الأزهار زايلها الندى
كرهت زوال اللّيل خوف زوالها
و عوّدت طرفي النوم حتى تعوّدا
و لو أنّها في الصحو تطرق مضجعي
حميت الكرى جفني و عشت مسهّدا
و لو لم تكن تعتاد منّي مثلما
خيالاتها همّت بأن تتقيّدا
فيا ليتني طيف أروح و أغتدي
و يا ليتها تستطيع أن تتقيّدا
نحلت إلى أن أنكر صورتي
و أخشى لفرط السقم أن أتنهّدا
مبيتي على الوثير ليانه
و أحسبني فوق الأسنّة و المدى
كأنّ خيوط المهد صارت عقاربا
كأن وسادي قد تحوّل جلمدا
لقد توشك الحمّى ، إذ جدّ جدّها
تقوّم من أضلاعي المتأوّدا
تصوّر لي الخيال حقيقة
و أحسب شخصا واحدا متعدّدا
لقد ضعضعتني ، و هي سر ، و لم يكن
يضعضعني صرف الزمان إذا عدا
إذا ما أنا أسندت رأسي إلى يدي
رمتني منها بالّذي يوهن اليدا
تغلغل في جسمي النحيل أوارها
فلو لم أقدّ الثوب عنه توقّدا
رأيت الذي لم يبصر الناس نائما
و طفت الدنى شرقا و غربا موسّدا
يقول النطاسي لو تبلّدت ساعة
تبلّدت لو أنّي أطيق التبلّدا
تهامس حولي العائدون ورجّموا
و عنّف بعض الجاهلين و فنّدا
فما ساءني شماتة معشر
رجوت بهم عند الشدائد مسعدا
أسأت إليهم ، بل أساؤوا فإنّني
ظننتهم شراوي خلقا و محتدا
أحبّ الضّنى قوم لأنّي ذقته
و أحببته كما يحبّ و يحسدا
وودّ أناس لو يعاجلني الردى(55/474)
كأنّي أرجو فيهم أن أخلّدا
و ما ضمنوا أن لا يموتوا و إنّما
يودّ زوال الشمس من كان أرمدا
إذا اللّيل أعياه مساجله الضحى
تمنّى لو أنّ الصبح أصبح أسودا
على أنّني والداء يأكل مهجتي
أرى العار ، كلّ العار ، أن أحسد العدى
فإنّ الذي بالجسم لا بدّ زائل
و لكنّ ما بالطبع ينفك سرمدا
لئن أجلب الغوغاء حولي و أفحشوا
فكم شتموا موسى و عيسى و أحمدا
و لا عجب أن يبغض الحرّ جاهل
متى عشق البوم الهزار المغرّدا ؟
و إنّي في كبت العداة و كيدهم
كمن يسلك الدرب القصير المعبّدا
و لكنّني أعفو و للغيظ سورة
أعلّم أعدائي المروءة و الندى
ألا ربّ غرّ خامر الشك نفسه
فلمّا رآني أبصر البحر مزبدا
فأصبح يخشاني و قد بتّ ساكتا
كما كان يخشاني وقد كنت منشدا
و يرهب إسمي أن يطيف بسمعه
كما تتّقي الدرداء حرفا مشدّدا
و من نال منه السيف و هو مجرّد
تهيّب أن يرنو إلى السيف مغمّدا
أحبّ الأبي الحر لا ودّ عنده
و أقلى الذليل النفس مهما تودّدا
و بين ضلوعي قلّب ما تمرّدت
عليه بنات الدهر إلاّ تمرّدا
و لو أنّ من أهوى أطال دلاله
تركت لمن يهواها اللّهو و الدّدا
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> حزن في ضوء القمر
حزن في ضوء القمر
رقم القصيدة : 67766
-----------------------------------
أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها
أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر
خذني إليها
قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر
فأنا متشرّد وجريح
أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده
من أعماق النوم أستيقظ
لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم
لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر
قل لحبيبتي ليلى
ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين
أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها
انني ألمح آثار أقدام على قلبي .
دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه
وأنا راقدٌ في غرفتي
أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره
من قلب السماء العاليه
أسمع وجيب لحمك العاري .
عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده
والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا(55/475)
ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح
تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ
ورياحُ البراري الموحشه
تنقلُ نواحنا
إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس
ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ
نبكي ونرتجف
وخلف أقدامنا المعقوفه
تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه ...
وافترقنا
وفي عينيكِ الباردتين
تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله
أيتها العشيقةُ المتغضّنة
ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر
أنتِ لي
هذا الحنينُ لك يا حقوده !
. .
قبل الرحيل بلحظات
ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده
عن الليل والخريف والأمم المقهوره
وتحت شمس الظهيرة الصفراء
كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ
وأترك الدمعه
تبرق كالصباح كامرأة عاريه
فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه
وقربَ الغيوم الصامتة البعيده
كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره
تندفع في نهر من الشوك
وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه
تحدقُ بي
بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .
. .
يا نظراتِ الحزن الطويله
يا بقع الدم الصغيرة أفيقي
إنني أراكِ هنا
على البيارقِ المنكَّسه
وفي ثنياتِ الثياب الحريريه
وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام
تحت سمائك الصافيه
أمضي باكياً يا وطني
أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف
والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين
كامرأتين دافئتين
كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني
إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول
تحت أظافري العطريه
يقبعُ مجدك الطاعن في السن
في عيون الأطفال
تسري دقاتُ قلبك الخائر
لن تلتقي عيوننا بعد الآن
لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه
سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده
كالسحابةِ التي لا وطن لها .
. .
وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل
أيتها الشبابيكُ الارجوانيه
انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب
عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..
جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،
أودُّ أن أموتَ ملطخاً
وعيناي مليئتان بالدموع
لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر(55/476)
فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه
في طفولتي ،
كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب
وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه
أما الآن
وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح
انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع
اشتهي جريمةً واسعه
وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،
إلى بلادٍِ بعيده ،
حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،
وفتاةٌ خلاسيه ،
تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> جنازة النسر
جنازة النسر
رقم القصيدة : 67767
-----------------------------------
أظنُّها من الوطن
هذه السحابةُ المقبلةُ كعينين مسيحيتين ،
أظنُّها من دمشق
هذه الطفلةُ المقرونةُ الحواجب
هذه العيونُ الأكثر صفاءً
من نيرانٍ زرقاءَ بين السفن .
أيها الحزن .. يا سيفيَ الطويل المجعَّد
الرصيفُ الحاملُ طفله الأشقر
يسأل عن وردةٍ أو أسير ،
عن سفينةٍ وغيمة من الوطن ...
والكلمات الحرّة تكتسحني كالطاعون
لا امرأةَ لي ولا عقيده
لا مقهى ولا شتاء
ضمني بقوة يا لبنان
أحبُّكَ أكثر من التبغِ والحدائق
أكثر من جنديٍّ عاري الفخذين
يشعلُ لفافته بين الأنقاض
ان ملايين السنين الدمويه
تقف ذليلةً أمام الحانات
كجيوشٍ حزينةٍ تجلس القرفصاء
ثمانية شهور
وأنا ألمسُ تجاعيد الأرضِ والليل
أسمع رنينَ المركبة الذليله
والثلجَ يتراكمُ على معطفي وحواجبي
فالترابُ حزين ، والألمُ يومضُ كالنسر
لا نجومَ فوق التلال
التثاؤب هو مركبتي المطهمةُ ، وترسي الصغيره
والأحلام ، كنيستي وشارعي
بها استلقي على الملكاتِ والجواري
وأسيرُ حزيناً في أواخر الليل .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> أغنية لباب توما ..
أغنية لباب توما ..
رقم القصيدة : 67768
-----------------------------------
حلوه عيونُ النساءِ في باب توما
حلوه حلوه
وهي ترنو حزينةً إلى الليل والخبز والسكارى
وجميلةٌ تلك الأكتافُ الغجريةُ على الاسّره ..
لتمنحني البكاء والشهوة يا أمي(55/477)
ليتني حصاةٌ ملونةٌ على الرصيف
أو أغنيةٌ طويلةٌ في الزقاق
هناك في تجويفٍ من الوحلِ الأملس
يذكرني بالجوع والشفاه المشرده ،
حيث الأطفالُ الصغار
يتدفقون كالملاريا
أمام الله والشوارع الدامسه
ليتني وردةٌ جوريةٌ في حديقة ما
يقطفني شاعرٌ كئيب في أواخر النهار
أو حانةٌ من الخشب الأحمر
يرتادها المطرُ والغرباء
ومن شبابيكي الملطَّخة بالخمر والذباب
تخرج الضوضاءُ الكسوله
إلى زقاقنا الذي ينتجُ الكآبةَ والعيون الخضر
حيث الأقدامُ الهزيله
ترتعُ دونما غاية في الظلام ...
أشتهي أن أكون صفصافةً خضراء قرب الكنيسه
أو صليباً من الذهب على صدر عذراء ،
تقلي السمك لحبيبها العائد من المقهى
وفي عينيها الجميلتين
ترفرفُ حمامتان من بنفسج
أشتهي أن أقبِّل طفلاً صغيراً في باب توما
ومن شفتيه الورديتين ،
تنبعثُ رائحةُ الثدي الذي أرضَعَه ،
فأنا ما زلتُ وحيداً وقاسياً
أنا غريبٌ يا أمي .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> "في المبغى"
"في المبغى"
رقم القصيدة : 67769
-----------------------------------
من قديم الزمان ،
وأنا أرضعُ التبغَ والعار
أحبُّ الخمرَ والشتائم
والشفاه التي تقبّلْ ماري
ماري التي كانت اسمها أمي
حارّة كالجرب
سمراء كيومٍ طويل غائم
أحبُّها ، أكره لحمها المشبعَ بالهمجية والعطر ،
أربضُ عند عتبتها كالغلام
وفي صدري رغبةٌ مزمنه
تشتهي ماري كجثة زرقاء
تختلج بالحلي والذكريات .
من قديم الزمان .. أنا من الشرق ..
من تلك السهول المغطاةِ بالشمسِ والمقابر
أحب التسكعَ والثيابَ الجميله
ويدي تتلمس عنقَ المرأة البارده
وبين أهدابها العمياء
ألمح دموعاً قديمةً تذكرني بالمطر
والعصافير الميتة في الربيع
كنت أرى قارةً من الصخر
تشهقُ بالألم والحرير
والأذرعِ الهائجة في الشوارع .
فأنتم يا ذوي الأحذية اللامعه
والسلاميات المحشوةِ بالإثم والخواتم
ماذا تعرفون عن ماري الصغيرةِ الحلوه
ذات الوجه الضاحك كقمرٍ من الياسمين(55/478)
ماذا تعرفون عن لحمها الذي يتجشَّأُ العطر والأصابع
حيث الشفاهُ المقروءةُ الخائفه
تنهمر عليها كالجراد
وهي ترنو إلى الطرقات الحالكه
بعد منتصف الليل
والنوافذ المفروشة بالزجاج والدم
قابعة كالحثالة في أحشاء الشرق
تأكلُ وتنام
وتموت قبلةً إثر قبله
تحلم بملاءةٍ سوداء
ونزهةٍ في شارع طويل
ممتلئٍ بالضجَّة والدفاتر والأطفال
وثغرُها الطافحُ بالسأم
يكدح طيلة الليل لتأكل ماري
الأفران مطفأةٌ في آسيا
والطيورُ الجميلة البيضاء
ترحل دونما عودة في البراري القاحله .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> المسافر
المسافر
رقم القصيدة : 67770
-----------------------------------
بلا أمل ..
وبقلبي الذي يخفقُ كوردةٍ حمراءَ صغيره
سأودِّع أشيائي الحزينةَ في ليلةٍ ما ..
بقع الحبر
وآثار الخمرة الباردة على المشمّع اللزج
وصمت الشهور الطويله
والناموس الذي يمصُّ دمي
هي أشيائي الحزينه
سأرحلُ عنها بعيداً .. بعيداً
وراء المدينة الغارقةِ في مجاري السلّ والدخان
بعيداً عن المرأة العاهره
التي تغسل ثيابي بماء النهر
وآلاف العيون في الظلمه
تحدق في ساقيها الهزيلين ،
وسعالها البارد ، يأتي ذليلاً يائساً
عبر النافذةِ المحطَّمه
والزقاقُ المتلوي كحبلٍ من جثث العبيد
سأرحلُ عنهم جميعاً بلا رأفه
وفي أعماقي أحمل لك ثورةً طاغيةً يا أبي
فيها شعبٌ يناضل بالتراب ، والحجارة والظمأ
وعدة مرايا كئيبه
تعكس ليلاً طويلاً ، وشفاهاً قارسةً عمياء
تأكل الحصى والتبن والموت
منذ مدة طويلة لم أرَ نجمةً تضيء
ولا يمامةً تصدحُ شقراء في الوادي
لم أعدْ أشربُ الشاي قرب المعصره
وعصافيرُ الجبال العذراء ،
ترنو إلى حبيبتي ليلى
وتشتهي ثغرها العميقَ كالبحر
لم أعد أجلس القرفصاء في الأزقه
حيث التسكع
والغرامُ اليائس أمام العتبات .
فأرسل لي قرميدةً حمراء من سطوحنا
وخصلةَ شعرٍ من أمي
التي تطبخ لك الحساء في ضوء القمر
حيث الصهيلُ الحزين
وأعراسُ الفجر في ليالي الحصاد(55/479)
بعْ أقراط أختي الصغيره
وأرسل لي نقوداً يا أبي
لأشتري محبره
وفتاه ألهث في حضنها كالطفل
لأحدثك عن الهجير والتثاؤب وأفخاذ النساء
عن المياهِ الراكدةِ كالبول وراء الجدران
والنهود التي يؤكل شهدُها في الظلام
فأنا أسهرُ كثيراً يا أبي
أنا لا أنام ..
حياتي ، سوادٌ وعبوديةٌ وانتظار .
فأعطني طفولتي ..
وضحكاتي القديمة على شجرةِ الكرز
وصندلي المعلَّقَ في عريشة العنب ،
لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري
لأسافرَ يا أبي .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> الشتاء الضائع
الشتاء الضائع
رقم القصيدة : 67771
-----------------------------------
بيتنا الذي كان يقطنُ على صفحةِ النهر
ومن سقفه الأصيل والزنبقُ الأحمر
هجرتُه يا ليلى
وتركتُ طفولتي القصيره
تذبلُ في الطرقات الخاويه
كسحابةٍ من الوردِ والغبار
غداً يتساقط الشتاء في قلبي
وتقفز المتنزهاتُ من الأسمالِ والضفائر الذهبيه
وأجهشُ ببكاءٍ حزين على وسادتي
وأنا أرقبُ البهجة الحبيبه
تغادرُ أشعاري إلى الأبد
والضبابُ المتعفّنُ على شاطئ البحر
يتمدَّدُ في عيني كسيلٍ من الأظافرِ الرماديه
حيثُ الرياحُ الآسنه
تزأرُ أمام المقاهي
والأذرعُ الطويلةُ ، تلوحُ خاويةً على الجانبين
يطيبُ لي كثيراً يا حبيبة ، أن أجذبَ ثديك بعنف
أن أفقد كآبتي أمام ثغرك العسلي
فأنا جارحٌ يا ليلى
منذ بدءِ الخليقةِ وأنا عاطلٌ عن العمل
أدخِنُ كثيراً
وأشتهي أقربَ النساء إليّ
ولكم طردوني من حاراتٍ كثيره
أنا وأشعاري وقمصاني الفاقعة اللون
غداً يحنُّ إليّ الأقحوان
والمطرُ المتراكمُ بين الصخور
والصنوبرةُ التي في دارنا
ستفتقدني الغرفات المسنّه
وهي تئنُّ في الصباح الباكر
حيث القطعان الذاهبةُ إلى المروج والتلال
تحنُّ إلى عينيّ الزرقاوين
فأنا رجلٌ طويلُ القامه
وفي خطواتي المفعمةِ بالبؤس والشاعريه
تكمن أجيالٌ ساقطةٌ بلهاء
مكتنزةٌ بالنعاسِ والخيبة والتوتر
فأعطوني كفايتي من النبيذ والفوضى(55/480)
وحرية التلصلصِ من شقوق الأبواب
وبنيّةً جميله
تقدم لي الورد والقهوة عند الصباح
لأركضَ كالبنفسجة الصغيرةِ بين السطور
لأطلقَ نداءاتِ العبيد
من حناجر الفولاذ .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> رجل على الرصيف
رجل على الرصيف
رقم القصيدة : 67772
-----------------------------------
نُصفُهُ نجوم
ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عاريه
ذلك الشاعرُ المنكفيءُ على نفسه كخيطٍ من الوحل
وراء كل نافذه
شاعرٌ يبكي ، وفتاةٌ ترتعش ،
قلبي يا حبيبةٌ ، فراشةٌ ذهبيه ،
تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغيرين .
. . .
كنتِ يتيمةً وذات جسدٍ فوَّار
ولأهدابك الصافيةِ ، رائحةُ البنفسجِ البرّي
عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين ،
أحلم بالغروب بين الجبال ،
والزوارقِ الراحلةِ عند المساء ،
أشعرُ أن كل كلمات العالم ، طوعَ بناني .
. . .
فهنا على الكراسي العتيقه
ذاتِ الصرير الجريح ،
حيث يلتقي المطر والحب ، والعيون العسليه
كان فمك الصغير ،
يضطرب على شفتي كقطراتِ العطر
فترتسمُ الدموعُ في عيني
وأشعر بأنني أتصاعد كرائحة الغابات الوحشيه
كهدير الأقدام الحافيةِ في يوم قائظ .
. . .
لقد كنتِ لي وطناً وحانه
وحزناً طفيفاً ، يرافقني منذ الطفوله
يومَ كان شعرك الغجري
يهيمُ في غرفتي كسحابه ..
كالصباح الذاهب إلى الحقول .
فاذهبي بعيداً يا حلقاتِ الدخان
واخفقْ يا قلبي الجريح بكثره ..
ففي حنجرتي اليوم بلبلٌ أحمرُ يودُّ الغناء
أيها الشارع الذي أعرفه ثدياً ثدياً ، وغيمة غيمه
يا أشجار الأكاسيا البيضاء
ليتني مطرٌ ذهبي
يتساقط على كل رصيفٍ وقبضةِ سوط
أو نسيمٌ مقبلٌ من غابة بعيده
لألملم عطر حبيبتي المضطجعة على سريرها
كطير استوائي حنون
ليتني أستطيع التجول
في حارات أكثرَ قذارة وضجه
أن أرتعشَ وحيداً فوق الغيوم .
. . .
لقد كانت الشمس
أكثر استدارةً ونعومة في الأيام الخوالي
والسماء الزرقاء
تتسلل من النوافذ والكوى العتيقه
كشرانقَ من الحرير(55/481)
يوم كنا نأكل ونضاجعُ ونموتُ بحرية تحت النجوم
يوم كان تاريخنا
دماً وقاراتٍ مفروشه بالجثث والمصاحف .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> تبغ وشوراع
تبغ وشوراع
رقم القصيدة : 67773
-----------------------------------
شعركِ الذي كان ينبضُ على وسادتي
كشلالٍ من العصافير
يلهو على وساداتٍ غريبه
يخونني يا ليلى
فلن أشتري له الأمشاط المذهبّه بعد الآن
سامحيني أنا فقيرٌ يا جميله
حياتي حبرٌ ومغلفاتٌ وليل بلا نجوم
شبابي باردٌ كالوحل
عتيقٌ كالطفوله
طفولتي يا ليلى .. ألا تذكرينها
كنت مهرجاً ..
أبيع البطالة والتثاؤبَ أمام الدكاكين
ألعبُ الدّحل
وآكل الخبز في الطريق
وكان أبي ، لا يحبني كثيراً ، يضربني على قفاي كالجارية
ويشتمني في السوق
وبين المنازل المتسلخةِ كأيدي الفقراء
ككل طفولتي
ضائعاً .. ضائعاً
أشتهي منضدةً وسفينة .. لأستريح
لأبعثر قلبي طعاماً على الورق
. . .
في البساتين الموحله .. كنت أنظمُ الشعر يا ليلى
وبعد الغروب
أهجر بيتي في عيون الصنوبر
يموت .. يشهق بالحبر
وأجلسُ وحيداً مع الليل والسعال الخافت داخل الأكواخ
مع سحابة من النرجس البرّي
تنفض دموعها في سلال العشبِ المتهادية
على النهر
هدية لباعة الكستناء
والعاطلين عن العمل على جسر فكتوريا .
. . .
هذا الجسرُ لم أره من شهورٍ يا ليلى
ولا أنت تنتظرينني كوردةٍ في الهجير
سامحيني .. أنا فقيرٌ وظمآن
أنا إنسانُ تبغٍ وشوارع وأسمال .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> جفاف النهر
جفاف النهر
رقم القصيدة : 67774
-----------------------------------
صاخبٌ أنا أيها الرجلُ الحريري
أسير بلا نجومٍ ولا زوارق
وحيد وذو عينين بليدتين
ولكنني حزين لأن قصائدي غدت متشابهة
وذات لحن جريح لا يتبدَّل
أريد أن أرفرفَ ، أن أتسامى
كأميرٍ أشقر الحاجبين
يطأ الحقول والبشريه ..
. . .
وطني .. أيها الجرسُ المعلَّقُ في فمي
أيها البدويُّ المُشْعثُ الشعر(55/482)
هذا الفمُ الذي يصنع الشعر واللذه
يجب أن يأكلَ يا وطني
هذه الأصابعُ النحيلة البيضاء
يجب أن ترتعش
أن تنسج حبالاً من الخبز والمطر .
. . .
لا نجومَ أمامي
الكلمةُ الحمراء الشريدة هي مخدعي وحقولي .
كنتُ أودُّ أن أكتب شيئاً
عن الاستعمارِ والتسكع
عن بلادي التي تسير كالريح نحو الوراء
ومن عيونها الزرق
تتساقط الذكرياتُ والثيابُ المهلهه
ولكنني لا أستطيع
قلبي باردٌ كنسمةٍ شماليه أمام المقهى
إن شبحَ تولستوي القميء ،
ينتصبُ أمامي كأنشوطةٍ مدلاة
ذلك العجوز المطوي كورقةِ النقد
في أعماق الروسيا .
لا أستطيع الكتابةَ ، ودمشقُ الشهيه
تضطجعُ في دفتري كفخذين عاريين .
. . .
يا صحراءَ الأغنية التي تجمع لهيب المدن
ونواحَ البواخر
لقد أقبلَ والليلُ طويلاً كسفينة من الحبر
وأنا أرتطمُ في قاع المدينه
كأنني من وطنٍ آخر
وفي غرفتي الممتلئة بصور الممثلين وأعقابِ السجائر
أحلمُ بالبطولة ، والدم ، وهتاف الجماهير
وأبكي بحرارة كما لم تبكِ امرأة من قبل
فاهبطْ يا قلبي
على سطح سفينةٍ تتأهب للرحيل
إن يدي تتلمس قبضة الخنجر
وعيناي تحلقان كطائرٍ جميلٍ فوق البحر .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> الغرباء
الغرباء
رقم القصيدة : 67775
-----------------------------------
قبورنا معتمةٌ على الرابيه
والليل يتساقطُ في الوادي
يسيرُ بين الثلوج والخنادق
وأبي يعود قتيلاً على جواده الذهبي
ومن صدره الهزيل
ينتفض سعالُ الغابات
وحفيفُ العجلات المحطّمه
والأنين التائهُ بين الصخور
ينشدُ أغنيةً جديدةً للرجل الضائع
للأطفال الشقر والقطيع الميت على الضفة الحجريه .
. . .
أيتها الجبالُ المكسوةُ بالثلوج والحجاره
أيها النهرُ الذي يرافق أبي في غربته
دعوني انطفىء كشمعةٍ أمام الريح
أتألّم كالماء حول السفينه
فالألم يبسط جناحه الخائن
والموتُ المعلقُ في خاصرة الجواد
يلج صدري كنظرةِ الفتاة المراهقه
كأنين الهواءِ القارس .(55/483)
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> الخطوات الذهبية
الخطوات الذهبية
رقم القصيدة : 67776
-----------------------------------
قابلةٌ للموتِ تلك الجباه السكَريه
قابلة لأن تنشد وتبتسم
تلك الشفاه الأكثر ليونه من العنبِ الخمري .
من رغوة النبيذ المتأججِ على خاصرة عذراء
قصتُها تبدأ الليله
أو صباحَ غد
حيث الغيومُ الشتائيةُ الحزينه
تحمل لي رائحة أهلي وسريري
والسهرات المضيئه بين أشجار الصنوبر .
. . .
آه كم أود أن أكون عبداً حقيقياً
بلا حبٍّ ولا وطن
لي ضفيرةٌ في مؤخرة الرأس
وأقراطٌ لامعةٌ في أذنيّ
أعدو وراءَ القوافل
وأسرج الجياد في الليالي الممطره
وعلى جلدي الأسود العاري
يقطرُ دهنُ الاوز الأحمر
وتنثني ركب الجواري الصغيرات
إنني أسمعُ نواحَ أشجارٍ بعيده
أرى جيوشا صفراء
تجري فوق ضلوعي .
. . .
يقولون ، إن شعركَ ذهبيٌّ ولامعٌ أيها الحزن
وكتفيك قويان ، كالأرصفه المستديره
لفّني يا حبيبي
لفني أيها الفارسُ الوثني الهزيل
إنني أكثر حركه
من زهرة الخوخ العاليه
من زورقين أخضرين في عيني طفله .
أمام المرآة أقفُ حافياً وخجولاً
أتأملُ وجهي وأصابعي
كنسرٍ رمادي تَعِس
أحلم بأهلي واخوتي
بلون عيونهم وثيابهم وجواربهم .
. . .
من رأى ياسمينةً فارعةً خلف أقدامي ؟
من رأى شريطةً حمراء بين دفاتري ؟
إنني هنا فناءٌ عميق
وذراعٌ حديديةٌ خضراء
تخبطُ أمام الدكانين
والساحات الممتلئة بالنحيب واللذّه
إنني أكثر من نجمةٍ صغيرة في الأفق
أسير بقدمين جريحتين
والفرحُ ينبضُ في مفاصلي
إنني أسيرُ على قلب أُمّه .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> جناح الكآبة
جناح الكآبة
رقم القصيدة : 67777
-----------------------------------
مخذولٌ أنا لا أهل ولا حبيبه
أتسكعُ كالضباب المتلاشي
كمدينةٍ تحترقُ في الليل
والحنين يلسع منكبيّ الهزيلين
كالرياح الجميله ، والغبار الأعمى
فالطريقُ طويله
والغابةُ تبتعدُ كالرمح .
. . .
مدّي ذراعيك يا أمي(55/484)
أيتها العجوزُ البعيدةُ ذات القميص الرمادي
دعيني ألمس حزامك المصدَّف
وأنشج بين الثديين العجوزين
لألمس طفولتي وكآبتي .
الدمعُ يتساقط
وفؤادي يختنق كأجراسٍ من الدم .
فالطفولة تتبعني كالشبح
كالساقطة المحلولة الغدائر .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> الرجل الميت
الرجل الميت
رقم القصيدة : 67778
-----------------------------------
أيتها الجسورُ المحطّمة في قلبي
أيتها الوحولُ الصافيةُ كعيون الأطفال
كنا ثلاثه
نخترق المدينةَ كالسرطان
نجلسُ بين الحقول ، ونسعلُ أمام البواخر
لا وطنَ لنا ولا سياط
نبحثُ عن جريمةٍ وامرأة تحت نور النجوم
وأقدامُنا تخبُّ في الرمال
تفتحُ مجاريرَ من الدم
نحن الشبيبة الساقطه
والرماح المكسورة خارج الوطن
من يعطينا شعبا أبكماً نضربه على قفاه كالبهائم ؟
لنسمعَ تمزُّق القمصان الجميله
وسقسقةَ الهشيم فوق البحر
لنسمعَ هذا الدويّ الهائل
لستةِ أقدام جريحة على الرصيف
حيث مئةُ عام تربضُ على شواربنا المدمَّاة
مئة عام والمطر الحزين يحشرجُ بين أقدامنا .
. . .
بلا سيوفٍ ولا أمهات
وقفنا تحت نور الكهرباء
نتثاءبُ ونبكي
ونقذف لفائفنا الطويلةَ باتجاه النجوم
نتحدثُ عن الحزن والشهوه
وخطواتِ الأسرى في عنقِ فيروز
وغيوم الوطن الجاحظه
تلتفتُ إلينا من الأعالي وتمضي ..
يا ربّ
أيها القمرُ المنهوك القوى
أيها الإلهُ المسافرُ كنهدٍ قديم
يقولون أنك في كل مكان
على عتبة المبغى ، وفي صراخِ الخيول
بين الأنهار الجميله
وتحت ورقِ الصفصاف الحزين
كن معنا في هذه العيون المهشمه
والأصابع الجرباء
أعطنا امرأه شهيه في ضوء القمر
لنبكي
لنسمعَ رحيل الأظافر وأنين الجبال
لنسمعَ صليل البنادق من ثدي امرأة .
ما من أمةٍ في التاريخ
لها هذه العجيزةُ الضاحكه
والعيونُ المليئةُ بالأجراس .
. . .
لعشرين ساقطة سمراء ، نحملُ القمصان واللفائف
نطلّ من فرجات الأبواب
ونرسل عيوننا الدامعة نحو موائد القتلى(55/485)
لعشرين غرفة مضاءةٍ بين التلال
نتكىءُ على المدافع
ونضع ذقوننا اللامعة فوق الغيوم .
ابتسمْ أيها الرجلُ الميت
أيها الغرابُ الأخضرُ العينين
بلادُك الجميلةُ ترحل
مجدك الكاذبُ ينطفئُ كنيران التبن
فتح ساقيك الجميلتي .. لنمضي ..
لنسرع إلى قبورنا وأطفالنا
المجدُ كلماتٌ من الوحل
والخبزُ طفلةٌ عاريةٌ بين الرياح .
. . .
يا قلبي الجريح الخائن
أنا مزمارُ الشتاء البارد
ووردةُ العار الكبيره
تحت ورق السنديان الحزين
وقفتُ أدخن في الظلام
وفي أظافري تبكي نواقيس الغبار
كنت أتدفقُ وأتلوى
كحبلٍ من الثريات المضيئة الجائعه
وأنا أسير وحيداً باتجاه البحر
ذلك الطفل الأزرق الجبان
مستعداً لارتكاب جريمة قتل
كي أرى أهلي جميعاً وأتحسسهم بيدي
أن أتسكعَ ليلةً واحده
في شوارعِ دمشق الحبيبه .
. . .
يا قلبي الجريح الخائن
في أظافري تبكي نواقيسُ الغبار .
هنا أريد أن أضعَ بندقيتي وحذائي
هنا أريد أن أحرقَ هشيم الحبر والضحكات
أوربا القانية تنزفُ دماً على سريري
تهرولُ في أحشائي كنسرٍ من الصقيع
لن نرى شوارع الوطن بعد اليوم
البواخرُ التي أحبها تبصقُ دماً وحضارات
البواخر التي أحبها تجذبُ سلاسلها وتمضي
كلبوةٍ تجلد في ضوء القمر
يا قلبي الجريح الخائن
ليس لنا إلا الخبز والأشعار والليل
وأنت يا آسيا الجريحه
أيتها الوردةُ اليابسةُ في قلبي
الخبز وحده يكفي
القمح الذهبيُّ التائهُ يملأُ ثدييك رصاصاً وخمرا .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> الليل والأزهار
الليل والأزهار
رقم القصيدة : 67779
-----------------------------------
كان بيتنا غاية في الاصفرار
يموتُ فيه المساء
ينام على أنين القطارات البعيده
وفي وسطه
تنوح أشجارُ الرمَّان المظلمةُ العاريه
تتكسَّر ولا تنتج أزهاراً في الربيع
حتى العصافير الحنونه
لا تغرد على شبابيكنا
ولا تقفز في باحة الدار .
وكنت أحبكِ يا ليلى
أكثر من الله والشوارع الطويله
وأتمنى أن أغمسَ شفتيك بالنبيذ(55/486)
وألتهمك كتفاحةٍ حمراء على منضده .
. . .
ولكنني لا أستطيع أن أتنهَّدَ بحريه
أن أرفرفَ بك فوق الظلام والحرير
إنهم يكرهونني يا حبيبه
ويتسربون إلى قلبي كالأظافر
عندما أريد أن أسهرَ مع قصائدي في الحانه
يريدونني أن أشهر الكلمه
أمام الليل والجباه السوداء
أن أجلد حروفي بالقملِ والغبار والجرحى
إنني لا أستطيعُ يا حبيبه
وفؤادي ينبضُ بالعيون الشهل
وبالسهرات الطويلة قرب البحر
أن أبني لهم إمبراطورية ترشحُ بالسعالِ والمشانق
أنا طائرٌ من الريف
الكلمة عندي أوزةٌ بيضاء
والأغنيةٌ بستانٌ من الفستق الأخضر
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> حريق الكلمات
حريق الكلمات
رقم القصيدة : 67780
-----------------------------------
سئمتك أيها الشعر ، أيها الجيفةُ الخالده
لبنان يحترق
يثب كفرس جريحة عند مدخلِ الصحراء
وأنا أبحثُ عن فتاة سمينه
أحتكُّ بها في الحافله
عن رجلٍ عربي الملامح ، أصرعه في مكانٍ ما .
بلادي تنهار
ترتجفُ عاريةً كأنثى الشبل
وأنا أبحث عن ركنٍ منعزل
وقرويةٍ يائسة ، أغرّر بها .
. . .
يا ربة الشعر
أيتها الداخلةُ إلى قلبي كطعنة السكين
عندما أفكر ، بأنني أتغزَّل بفتاة مجهوله
ببلادٍ خرساء
تأكلُ وتضاجعُ من أذنيها
أستطيع أن أضحك ، حتى يسيل الدم من شفتيَّ
أنا الزهرة المحاربه ،
والنسرُ الذي يضرب فريسته بلا شفقه .
. . .
أيها العرب ، يا جبالاً من الطحين واللذَّه
يا حقول الرصاص الأعمى
تريدون قصيدةً عن فلسطين ،
عن الفتحِ والدماء ؟
أنا رجلٌ غريبٌ لي نهدان من المطر
وفي عينيَّ البليدتين
أربعةُ شعوبٍ جريحة ، تبحث عن موتاها .
كنت جائعاً
وأسمع موسيقى حزينه
وأتقلب في فراشي كدودة القز
عندما اندلعتْ الشرارة الأولى .
. . .
أيتها الصحراء ... إنك تكذبين
لمن هذه القبضةُ الأرجوانيه
والزهرةُ المضمومةُ تحت الجسر ،
لمن هذه القبورُ المنكّسة تحت النجوم
هذه الرمالُ التي تعطينا
في كل عام سجناً أو قصيده ؟(55/487)
عاد البارحةَ ذلك البطل الرقيق الشفتين
ترافقه الريحُ والمدافع الحزينه
ومهمازه الطويل ، يلمع كخنجرين عاريين
أعطوه شيخاً أو ساقطه
أعطوه هذه النجوم والرمال اليهوديه .
. . .
هنا ..
في منتصف الجبين
حيث مئاتُ الكلمات تحتضر
أريد رصاصةَ الخلاص
يا إخوتي
لقد نسيت حتى ملامحكم
أيتها العيونُ المثيرة للشهوة
أيها الله ...
أربع قاراتٍ جريحة بين نهديّ
كنت أفكر بأنني سأكتسح العالم
بعيني الزرقاوين ، ونظراتي الشاعره .
. . .
لبنان .. يا امرأةً بيضاء تحت المياه
يا جبالاً من النهود والأظافر
إصرخْ أيها الأبكم
وارفعْ ذراعك عالياً
حتى ينفجر الابط ، واتبعني
أنا السفينةُ الفارغه
والريحُ المسقوفة بالأجراس
على وجوه الأمهات والسبايا
على رفات القوافي والأوزان
سأطلق نوافير العسل
سأكتب عن شجرةٍ أو حذاء
عن وردة أو غلام
ارحلْ أيها الشقاء
أيها الطفلُ الأحدبُ الجميل
أصابعي طويلة كالإبر
وعيناي فارسان جريحان
لا أشعارَ بعد اليوم
إذا صرعوك يا لبنان
وانتهت ليالي الشعر والتسكع
سأطلقُ الرصاص على حنجرتي .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> وداع الموج
وداع الموج
رقم القصيدة : 67781
-----------------------------------
في المرافئ المزدحمة ، يلهثُ الموج
في قعر السفينة يتوهجُ الخمر
وتُضاء النوافذ ،
والزبد الحريري يرنو إلى الأقدام المتعبه
ويتناثر على الحقائب الجميله
هنا بيتي ، وهناك سروتي وطفلي .
ابتعدي أيتها السفنُ الهرمه ،
يا قبوراً من الأجاص والبغايا
عودي إلى الصحراء المموجه
والقصور التي تفتح شبابيكها للسياط
. . .
إنني أتقدم في ضجة الميناء
أبحث عن محرمة زرقاء وامرأةٍ مهجورة
أرسل نحيبي الصامت
نحو الشارع القديم ، والحديقة المتشابكه
يدي تلوح للنهدين المتألقين تحت الأشجار
للأشعار الميتة في فمي .
. . .
سأبكي بحرارة
يا بيتي الجميل البارد
سأرنو إلى السقف والبحيرة والسرير
وأتلمس الخزانة والمرآة
والثياب البارده(55/488)
سأرتجفُ وحيداً عند الغروب
والموتُ يحملني في عيونه الصافيه
ويقذفني كاللفافة فوق البحر .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> سرير تحت المطر
سرير تحت المطر
رقم القصيدة : 67782
-----------------------------------
الحبُّ خطواتٌ حزينةٌ في القلب
والضجرُ خريفٌ بين النهدين
أيتها الطفلة التي تقرع أجراس الحبر في قلبي
من نافذة المقهى ألمح عينيك الجميلتين
من خلال النسيم البارد
أتحسَّسُ قبلاتكِ الأكثر صعوبةً من الصخر .
ظالمٌ أنت يا حبيبي
وعيناك سريران تحت المطر
ترفق بي أيها الالهُ الكستنائي الشعر
ضعني أغنيةً في قلبك
ونسراً حول نهديك
دعني أرى حبك الصغير
يصدحُ في الفراش
أنا الشريدُ ذو الأصابع المحرقه
والعيونُ الأكثر بلادة من المستنقع
لا تلمني إذا رأيتني صامتاً وحزيناً
فإنني أهواك أيها الصنمُ الصغير
أهوى شعرك ، وثيابك ، ورائحة زنديك الذهبيتين .
. . .
كن غاضباً أو سعيداً يا حبيبي
كن شهياً أو فاتراً ، فإنني أهواك .
يا صنوبرةً حزينة في دمي
من خلال عينيك السعيدتين
أرى قريتي ، وخطواتي الكئيبة بين الحقول
أرى سريري الفارغ
وشعري الأشقر متهدلاً على المنضده
كن شفوقاً بي أيها الملاك الوردي الصغير
سأرحلُ بعد قليل ، وحيداً ضائعاً
وخطواتي الكئيبه
تلتفت نحو السماء وتبكي .
شعراء العراق والشام >> محمد الماغوط >> القتل
القتل
رقم القصيدة : 67783
-----------------------------------
ضع قدمك الحجريةَ على قلبي يا سيدي
الجريمةُ تضرب باب القفص
والخوفُ يصدحُ كالكروان
ها هي عربةُ الطاغية تدفعها الرياح
وها نحن نتقدم
كالسيف الذي يخترقُ الجمجمه .
. . .
أيها الجرادُ المتناسلُ على رخام القصور والكنائس
أيتها السهولُ المنحدرة كمؤخرة الفرس
المأساةُ تنحني كالراهبه
والصولجان المذهَّبُ ينكسر بين الأفخاذ .
كانوا يكدحون طيلة الليل
المومساتُ وذوو الأحذية المدبَّبه
يعطرون شعورهم
ينتظرون القطار العائد من الحرب .
قطار هائل وطويل(55/489)
كنهر من الزنوج
يئن في أحشاءِ الصقيع المتراكم
على جثث القياصرة والموسيقيين
ينقل في ذيله سوقاً كاملاً
من الوحل والثياب المهلهله
ذلك الوحل الذي يغمرُ الزنزانات
والمساجد الكئيبة في الشمال
الطائرُ الذي يغني يُزجُّ في المطابخ
الساقيةُ التي تضحك بغزاره
يُربَّى فيها الدود
تتكاثرُ فيها الجراثيم
كان الدودُ يغمر المستنقعات والمدارس
خيطان رفيعة من التراب والدم
وتتسلَّق منصّاتِ العبودية المستديره
تأكل الشاي وربطات العنق ، وحديد المزاليج
من كل مكان ، الدود ينهمرُ ويتلوى كالعجين ،
القمحُ ميت بين الجبال
وفي التوابيت المستعمله كثيراً
في المواخير وساحات الإعدام
يعبئون شحنه من الأظافر المضيئه إلى الشرق
وفي السهول التي تنبع بالحنطة والديدان ...
حيث الموتى يلقون على المزابل
كانت عجلاتُ القطار أكثر حنيناً إلى الشرق ،
يلهث ويدوي ذلك العريسُ المتقدم في السن
ويخيط بذيله كالتمساح على وجه آسيا .
كانوا يعدّون لها منديلاً قانياً
في أماكنِ التعذيب
ومروحةً سميكةً من قشور اللحم في سيبريا ،
كثير من الشعراء
يشتهون الحبر في سيبريا .
. . .
البندقيةُ سريعةٌ كالجفن
والزناد الوحشي هاديءٌ أمام العينين الخضراوين
ها نحن نندفع كالذباب المسنّن
نلوِّحُ بمعاطفنا وأقدامنا
حيث المدخنةُ تتوارى في الهجير
وأسنان القطار محطّمة في الخلاء الموحش
الطفلةُ الجميلةُ تبتهل
والأسيرُ مطاردٌ على الصخر .
أنامُ وعلى وسادتي وردتان من الحبر
الخريفُ يتدحرج كالقارب الذهبي
والساعات المرعبه تلتهبُ بين العظام
يدي مغلقة على الدم
وطبقةٌ كثيفة من النواح الكئيب
تهدر بين الأجساد المتلاصقة كالرمل
مستاءةً من النداء المتعفّن في شفاه غليظه
تثير الغثيان
حيث تصطكُّ العيونُ والأرجل
وأنين متواصل في مجاري المياه
شفاه غليظة ورجال قساة
انحدروا من أكماتِ العنف والحرمان
ليلعقوا ماء الحياة عن وجوهنا
كنا رجالاً بلا شرفٍ ولا مال(55/490)
وقطعاناً بربرية تثغو مكرهة عبر المآسي
هكذا تحكي الشفاه الغليظةُ يا ليلى
أنت لا تعرفينها
ولم تشمي رائحتها القويةَ السافله
سأحدثك عنها ببساطة وصدق وارتياح
ولكن
ألاَّ تكوني خائنة يا عطورَ قلبي المسكين
فالحبر يلتهب والوصمةُ ترفرف على الجلد .
. . .
غرفتي مطفأةٌ بين الجبال
القطيع يرفع قوائمه الحافيه
والأوراق المبعثرة تنتظر عندليبها
وندلفُ وراء بعضنا إلى المغسله
كجذوع الأشجار يجب أن نكون
جواميس تتأملُ أظلافها حتى يفرقع السوط
نمشي ونحن نيام
غفاة على البلاط المكسو بالبصاق والمحارم
نرقد على بطوننا المضروبة بأسلاك الحديد
ونشرب الشاي القاحلَ في هدوءٍ لعين
وتمضي ذبابة الوجود الشقراء
تخفقُ على طرف الحنجره
كنا كنزاً عظيماً
ومناهلَ سخيه بالدهن والبغضاء
نتشاجرُ في المراحيض
ونتعانق كالعشاق .
. . .
اعطني فمك الصغير يا ليلى
اعطني الحلمةَ والمدية اننا نجثو
نتحدثُ عن أشياء تافهه
وأخرى عظيمة كالسلاسل التي تصرُّ وراء الأبواب
موصدة .. موصدة هذه الأبواب الخضراء
المنتعشة بالقذاره
مكروهة صلده
من غماماتِ الشوق الناحبة أمامها
نتثاءبُ ونتقيأُ وننظر كالدجاجِ إلى الأفق
لقد مات الحنان
وذابت الشفقة من بؤبؤ الوحشِ الانساني
القابعِ وراء الزريبه
يأكل ويأكل
وعلى الشفة السفلى المتدلية آثار مأساة تلوح
أمي وأبي والبكاء الخانق
آه ما أتعسني إلى الجحيم أيها الوطن الساكن في قلبي
منذ اجيال لم أرَ زهره .
. . .
الليالي طويله والشتاءُ كالجمر
يومٌ واحد
وهزيمةٌ واحدة للشعب الأصفر الهزيل
انني ألمس لحيتي المدبَّبه
أحلم براحة الأرض وسطوح المنازل
بفتاةٍ مراهقةٍ ألعقها بلساني
السماء زرقاء
واليد البرونزيةُ تلمس صفحة القلب
الشفاهُ الغليظةُ تفرز الأسماء الدمويه
وأنا مستلقٍ على قفاي
لا أحدَ يزورني أثرثرُ كالأرمله
عن الحرب ، والأفلام الخليعة ، ونكران الذات
والخفير المطهَّم ، يتأمل قدميَ الحافيتين
وقفتُ وراء الأسوار يا ليلى(55/491)
أتصاعد وأرتمي كأنني أجلس على نابض
وقلبي مفعمٌ بالضباب
ورائحة الأطفال الموتى
إن أعلامنا ما زالت تحترقُ في الشوارع
متهدلة في الساحات الضاربة إلى الحمره
كنت أتساقط وأحلم بعينيك الجميلتين
بقمصانك الورديه
والهجير الضائع في قبلاتكِ الأخيره
مرحباً بكِ ، بفمك الغامقِ كالجرح
بالشامة الحزينة على فتحةِ الصدر
أنا عبدٌ لك يا حبيبه
ترى كيف يبدو المطر في الحدائق ؟
ابتعدي كالنسيم يا ليلى
يجب ألا تلتقي العيون
هرم الانحطاطِ نحن نرفعه
نحن نشكُّ راية الظلم في حلقاتِ السلاسل
بالله لا تعودي
شيءٌ يمزقني أن أراهم يلمسونك بغلظه
أن يشتهوك يا ليلى
سألكمُ الحديد والجباه الدنيئه
سأصرخُ كالطفل وأصيح كالبغي
عيناكِ لي منذ الطفولة تأسرانني حتى الموت .
. . .
انطفأَ الحلم ، والصقرُ مطاردٌ في غابته
لا شيء يذكر
إننا نبتسمُ وأهدابنا قاتمةٌ كالفحم
هجعت أبكي أتوسَّل للأرض الميتة بخشوع
أوّاه لِم زرتني يا ليلى ؟
وأنت أشدُّ فتنةً من نجمة الشمال
وأحلى رواءً من عناقيد العسل
لا تكتبي شيئاً سأموتُ بعد أيام
القلبُ يخفق كالمحرمه
ولا تزال الشمس تشرق ، هكذا نتخيل
إننا لا نراها
على حافة الباب الخارجي
ساقيةٌ من العشب الصغير الأخضر
تستحمُّ في الضوء
وثمة أحذية براقة تنتقل على رؤوس الأزهار
كانت لامعة وتحمل معها رائحة الشارع ، ودور السينما
كانت تدوس بحريه
ووراء الباب الثالث
يقومُ جدارٌ من الوهم والدموع
جدار تنزلق من خلاله رائحة الشرق
الشرق الذليل الضاوي في المستنقعات
آه ، إنَّ رائحتنا كريهه
إننا من الشرق
من لك الفؤاد الضعيف البارد
إننا في قيلولةٍ مفزعةٍ يا ليلى
لقد كرهتُ العالم دفعة واحده
هذا النسيجَ الحشريَ الفتاك
وأنا أسير أمام الرؤوس المطرقة منذ شهور
والعيون المبلَّلة منذ بدء التاريخ
ماذا تثير بي ؟ لا شيء
إنني رجلٌ من الصفيح
أغنية ثقيلة حادة كالمياه الدفقه
كالصهيل المتمرد على الهضبه .
هضبة صفراء ميتة تشرق بالألم والفولاذ(55/492)
فيها أكثرُ من ألف خفقة جنونية
تنتحبُ على العتبات والنوافذ
تلتصقُ بأجنحة العصافير
لتنقل صرخةَ الأسرى وهياج الماشيه
من نافذة قصرك المهدمة ، ترينها يا ليلى
مرعبة ، سوداء في منتصف الليل
ومئات الأحضان المهجورة تدعو لفنائها
وسقوطِ هامتها
وردمها بالقشِّ والتراب والمكانس
حتى لو قدِّر للدموع الحبيسة بين الصحراء والبحر
أن تهدرَ أن تمشي على الحصى
لازالتها تلك الحشرةُ الزاحفةُ إلى القلب
بالظلم والنعاس يتلاشى كل أثر
بالأنفاس الكريهه
والأجساد المنطوية كالحلزونات
بقوى الأوباش النائمة بين المراحيض
سنبني جنينة للأطفال
وبيوتاً نظيفه ، للمتسكعين وماسحي الأحذيه .
. . .
أتى الليل في منتصف أيار
كطعنةٍ فجائية في القلب
لم نتحركْ
شفاهنا مطبقةٌ على لحن الرجولة المتقهقر
في المقصورات الداخلية ثمة عويل يختنق
ثمة بساطة مضحكة في قبضة السوط
الأنوارُ مطفأة .. لماذا ؟
القمرُ يذهب إلى حجرته
وشقائق النعمان تحترق على الاسفلت
قشٌّ يلتهبُ في الممرات
وصريرُ الحطب يئنُّ في زوايا خفيه
آلاف العيون الصفراء
تفتِّشُ بين الساعات المرعبة العاقة
عن عاهرةٍ ، اسمها الانسانية
والرؤوس البيضاء ، مليئة بالأخاديد
يا رب تشرق الشمس ، يا إلهي يطلع النجم
دعه يغني لنا إننا تعساء
عذبْنا ما استطعت
القملُ في حواجبنا
وأنت يا ليلى لا تنظري في المرآة كثيراً
أعرفك شهيةً وناضجه
كوني عاقلة وإلا قتلتك يا حبيبه .
. . .
لتشرق الشمس
لتسطع في إلية العملاق
الحدأة فوق الجبل
الغربةُ جميلةٌ ، والرياحُ الزرقاء على الوساده
كانت لها رائحة خاصه
وطعم جيفيّ حار ، دعه
ملايين الابر تسبح في اللحم .
. . .
أين كنتَ يوم الحادثه ؟
كنت ألاحقُ امرأةً في الطريق يا سيدي
طويلةً سمراء وذات عجيزة مدملجه
إنني الوحيد الذي يمرُّ في الشارع دون أن يحييه أحد
دعني لا أعرف شيئاً
اطلقْ سراحي يا سيدي أبي مات من يومين
ذاكرتي ضعيفه ، وأعصابي كالمسامير .
. . .
أنا مغرمٌ بالكسل(55/493)
بعدة نساءٍ على فراشٍ واحد
الجريمة تعدو كالمهر البري
وأنا مازلت ألعقُ الدم المتجمدَ على الشفة العليا
مالحاً كان ، من عيوني يسيل
من عيون أمي يسيل
سطّحوه على الأرض
الأشرعة تتساقط كالبلح
لقد فات الأوان
إنني على الأرض منذ أجيال
أتسكع بين الوحوش والأسنان المحطمه
أضربه على صدره إنه كالثور
سفلَه ، دعني آكل من لحمه
بشدةٍ كان الألم يتجه في ذراعي
بشدة ، بشدة ، نحن عبيد يا ليلى
كنت في تلك اللحظه
أذوق طعم الضجيج الانساني في أقسى مراحله
مئات السياط والأقدام اليابسه
انهمرتْ على جسدي اللاهث
وذراعي الممددة كالحبل
كنت لا أميّزُ أيَّ وجهٍ من تلك الوجوه
التي نصادفها في السوق والباصات والمظاهرات
وجوهٌ متعطشةٌ نشوى
على الصدر والقلب كان غزالُ الرعب يمشي
بحيرة التماسيح التي تمرُّ بمرحلة مجاعه
مجاعة تزدردُ حتى الفضيله
والشعورَ الالهي المسوَّس
لقد فقدنا حاسة الشرف
أمام الأقدام العاريةِ والثياب الممزقه
أمام السياط التي ترضعُ من لحم طفلةٍ بعمر الورد
تجلد عاريةً أمام سيدي القاضي
وعدة رجال ترشحُ من عيونهم نتانةُ الشبق
والهياجُ الجنسي
وجوه طويلة كقضبان الحديد
تركتني وحيداً في غرفة مقفلةٍ ، أمضغ دمي
وأبحث عن حقد عميق للذكرى .
النجيع ينشدُّ على طرف اللسان
والغرابُ ينهض إلى عشّه
الألمُ يتجول في شتى الأنحاء
والمغيص يرتفع كالموج حتى الهضبه
كادت تنسحب من هذا النضال الوحشي
من هذا المغيص المروع
رأسي على حافة النافوره
وماؤها الفضي يسيلُ حزينا على الجوانب
من وراء المياه والمرمر
يلوحُ شعرُ قاسيون المتطاير مع الريح
وغمامةٌ من المقاهي
والحانات المغرورقة بالسكارى
تلوح بنعومة ورفقٍ عبر السهول المطأطئة الجباه
لم يعد يورقُ الزيتون
ولم تدرْ المعاصر ، كلهم أذلاء
وأضلاعي تلتهبُ قرب البحيره
إنها تسقي الزهور ، أنا عطشان يا سيدي
في أحشاء الصحراء
أنقذني يا قمر أيار الحزين .
. . .
استيقظي أيتها المدينة المنخفضه
فتيانك مرضى ،(55/494)
نساؤك يجهضن على الأرصفه
النهد نافر كالسكين
أعطني فمك ، أيتها المتبرجةُ التي تلبس خوذه
. . .
بردى الذي ينساب كسهلٍ من الزنبق البلوري
لم يعد يضحك كما كان
لم أعد أسمع بائع الصحف الشاب
ينادي عند مواقف الباصات
الحرية منقوشةٌ على الظهر
واللجام مليءٌ بالحموضه .
ضعْ قدمك الحجريةَ على قلبي يا سيدي
الريحُ تصفر على جليد المعسكرات
وثمة رجل هزيل ، يرفع ياقته
يشرب القهوه
ويبكي كإمرأةٍ فقدت رضيعها
دعْ الهواء الغريب
يكنس أقواسَ النصر ، وشالات الشيوخ والراقصات
إنهم موتى
حاجز من الأرق والأحضان المهجوره
ينبت أمام الخرائب والثياب الحمراء
وفاه ذئابٍ القرون العائدة بلا شاراتٍ ولا أوسمه
تشقَّ طريقها على الرمال البهيجة الحاره
لا شيء يُذكر الأرض حمراء
والعصافير تكسر مناقيرها على رخام القصر .
وداعا ، وداعاً اخوتي الصغار
أنا راحلٌ وقلبي راجعٌ مع دخان القطار .
شعراء العراق والشام >> أحمد أبو سليم >> سفر أيوب
سفر أيوب
رقم القصيدة : 67784
-----------------------------------
الآنَ أُعلِنُ وَحدَتي في وَحدَتي
وَالآنَ أُعلِنُ راحِلاً
مَعْ كُلِّ أَوراقِ الخَريفِ المُستعارَةِ
مِنْ دَمِ الأَشجارِ وَالعُشبِ المُدنَّسِ بِالخُطى :
" أَنّي حَزينْ "
وَالآنَ أَبكي في قِفارِ الأَرضِ وَحدي
فَوقَ عَرشٍ مِنْ تُرابٍ كانَ لحَمي
تائهاً في عَتمةِ اللَّيلِ التي نامَتْ عَلى كَتِفي
وَأُعلِنُ عَن هُروبي في سُحاقِ الرُّوحِ مَع ماءِ الجَسَدْ000
صَحراءُ قَلبي وَالِّلسانُ مِنَ الحَجَرْ
وَالدَّمعُ بَحرٌ حائرٌ والشَّوكُ أَينَعَ في دَمي0000
تَعِبَتْ يَدايَ وَلَم تَزَلْ تَبني خِياماً مِن ضُلوعي لِلرُّسُلْ
كَم مِنْ نَبيٍّ تاهَ قَبلي وَاندَثَرْ؟
كَم مِنْ نَبيٍّ سَوفَ يَسكُنُ خَيمَتي؟
كَم مِنْ نَبيٍّ سَوفَ يمَشي حافِياً
فَوقَ الرِّماحِ لِيَشرَبَ الأَرضَ القَتيلةَ في عُروقي000
ثُمَّ يَبني مِن تُرابي قَلعَةً لِلتّائبينَ وَينتَصِرْ؟(55/495)
كَم مِنْ نَبيٍّ سَوفَ يَصرُخُ باكِياً:
أَيُّوبُ ماتْ
وَتَهدَّمَتْ أَسوارُ بَيتِ العَنكَبوتْ ؟00
أَيُّوبُ ماتَ
فَخَبِّئوا مِثلَ النَّعامِ وُجوهَكمْ بَينَ الرِّمالِ
وَبلِّلوا قُمصانَكمْ بِدِماءِ ذِئبٍ
وَارفَعوا أَعلامَكمْ فَوقَ المَدينَةِ غَيمَةً
لَن تَشرَبوا مِن ماءِ قَلبِهِ مَرَّتينْ000
أَيُّوبُ ماتْ 000
وَتَناثَرَتْ أَشلاءُ جِسمي تَحتَ أَسوارِ المَدينَةِ
وَالتَقيتُ مَلامِحي فَوقَ الصِّراطِ أَبيعُ شَيئاً مِن دَمي
وَضَفيرَةً
كَي أَشتَري رُمحاً وَقلباً يابِساً
وَوِلادَةً أُخرى
وَموتاً واضِحاً
وَذَريعَةً لِلصَّبرِ وَالنِّسيانِ وَالحُلُمِ الجَديدْ
وَأَعودُ مِن مَوتي لأَسأَلَ ما تَبقّى مِن رَمادٍ في سَريري :
أَينَ أَيُّوبُ الحَزينْ ؟00
هَل مَرَّ حُزني مِن هُنا ؟000
هَل جاءَ قَلبي مُثقَلاً بِالصَّمتِ يَشكو وَحدَتي ؟000
وَحدي أُنادي
أَشتَري وَأَبيعُ حُزناً
لِلهَواءِ
وَلِلسَّماءِ
وَلِلتُّرابِ
وَفي ثِيابي أَحمِلُ المُدُنَ القَديمَةِ شارِدَ الخُطُواتِ
أَمشي خَلفَ ظِلّي مُثقَلاً بِالذِكرياتِ
أَعُدُّ أَنفاسي وَأَحلُمُ بِالوَصايا
وَاسمِ أُمّي وَالقَمَرْ ......
وَسَحابَةٌ تَمشي وَرائي مِثلَ ظِلّي سُورَةً لِنُبوَّتي
وَحَمامَةٌ بَيضاءُ أَتعَبَها السَّفَرْ
فاستوطَنَتْ قَلبي وَنامَتْ وَهيَ تَهمِسُ لِلشَّجرْ:
أَيُّوبُ عادَ مَعَ العَصافيرِ الحَزينَةِ كَي يُغَنّي لِلمَطَرْ
أَيُّوبُ خَلفَ البابِ ماءٌ
وَانتِماءُ البَحرِ لِلمُدُنِ الغَريبَةِ
وَارتِعاشُ القَلبِ في صَدرِ الحَمامَةِ
وَاحتِراقُ الظِلِّ فَوقَ الرَّملِ وَالسِّفرُ الأَخيرْ0000
أَيُّوبُ أَشهِرْ وَجهَكَ الحِنطيِّ ماءً
مِن حُدودِ البَحرِ حَتّى نَهرِ حُزني
حَيثُ أُمّي لَم تَزَلْ تَبكي وَتسعى سَبعَةً بَينَ الشَّظايا
وَالحَمامُ مُقاتِلٌ
وَالرَّملُ خُبزٌ ، وَالقَمَرْ000
قَد صارَ سَيفاً
حَيثُ آدمُ لَم يَزَلْ
يَرثو خِيامَ اللاجِئينَ بِرُمحِهِ(55/496)
وَالخَيلُ تجَري فَوقَ أَشلاءِ الضَّحايا
في حَوافِرِها خُيوطُ الشَّمسِ تَصعَدُ مِن غُبارِ الأَرضِ لاهِثَةً
تُفَتِّشُ في رُكامِ الضُّوءِ عَن قَلبٍ مِنَ البَلّورِ
لَم يَهدَأْ
وَلَم يَصدَأْ
وَلَم يَأكُلْهُ مِلحُ البَحرِ في هذا الخَرابِ
وَنوحُ يَبني مِن عِظامِ التّائهينَ سَفينةً
وَالرُّوحُ عَطشى
وَالسَّحابُ مُهاجِرٌ
والهُدهُدُ المَغلوبُ ماتْ
وَتَوزَّعَتْ بَين القَبائلِ في سَبأ
أَشلاؤُهُ
وَدِماؤُهُ
وَقَواعِدُ البَيتِ الحَزينِ تَهَدَّمَتْ
وَتَناثَرَتْ
قِطَعاً مِنَ اللَّحمِ المُمَزَّقِ تَحتَ أَفيالِ الغُزاةِ
تَدوسُها
وَتَدوسُ جُرحاً في ثِيابٍ غادَرَتْ أَجسادَها
وَتَعَلَّقَتْ عَلمَاً مِنَ الأَحزانِ وَالذِّكرى000
أَصيحُ قُبَيلَ آذانِ الغُروبِ مُنادِياً
مِن تَحتِ أَقدامِ الحَجيجِ وَخيلِ هِرْقلَ
في زِحامِ المَوتِ فَوقَ الرَّملِ
يا أَيُّوبُ أَشهِرْ وَجهَكَ المَذبوحِ فينا
كَي نَراكَ سَحابَةً
فَتُرَدِّدُ الصَّحراءُ أَنّاتي
وَتبكيْ وَحدتي00
أَيُّوبُ يا أَيُّوبُ
أَشهِرْ وَجهَكَ المَوعودِ فينا كَي نَراكْ
وَنمَوتَ مِثلَكَ مَرَّتينْ
وَنَبيعَ مِثلَكَ ما وَرِثنا مِن ضَفائرَ مَرَّتينْ
كَي نَشتَري رُمحاً وَقلباً يابِساً
وَوِلادَةً أُخرى
وَموتاً واضِحاً
وَذَريعَةً لِلصَّبرِ وَالنِّسيانِ وَالحُلُمِ الجَديدْ
شعراء العراق والشام >> أحمد أبو سليم >> حين التقينا 000 قبل أن أهوى القمر
حين التقينا 000 قبل أن أهوى القمر
رقم القصيدة : 67785
-----------------------------------
وَكَأنَّنا كُنّا التَقينا مَرَّةً قَبلَ الوِلادَةِ
وَانفِجارِ الرُّوح فينا ها هُنا
وَتكَسَّرتْ أَمواجُ قَلبي فَوقَ صَخرِكِ دَمعَةً
تبَكي حَنيني كُلَّما رَحَلَ النَّهارُ
فَأرجَعَتني الذِّكرَيات ُ وَأوجَعتني0000
كُلَّما عادَ المَساءُ مِنَ البَعيدِ
بِلا رَسائلَ تَحتَ أَجنِحَةِ الحَمامِ(55/497)
وَأَشعَلَتْ في عَتمةِ اللَّيلِ الثَّقيلَةِ نارَها كُلُّ النُّجومْ000
وَاستَسلَمَتْ لِلَّيلِ أَنفاسي لِصَدرِكِ
وَالحَمامُ وَراءَ ظَهري قائمٌ مِثلي يُصَلّي لِلقَمَرْ
يا دَمعَتي!
كَم مَرَّة مَزَّقتُ نَفسي مِثلَ أَوراقِ الخَريفِ
لِكَي أَنامَ عَلى جَبينِكِ شامَةً
وَترَكتُ قَلبي هائماً مِثلَ السَّحابةِ وَارتَديتُكِ نَسمَةً
وَثيابَ عُرسٍ وَانصَهَرنا في المَساءِ مَعَ المَطرْ ؟0000
كَم مَرَّةً أَشعَلتِ مِن دَمعي شُموعَكِ في الدُّجى
وَتَركتِني مِثلَ الفَراشَةِ في ضِيائكِ أَحتَرِقْ
وَرَسَمتِ وَجهي بِالرَّمادِ عَلى القَمرْ ؟0000
وَرَحَلتِ؟000
لا00000
هُم أَبعَدوكِ وَراءَ أَسوارِ السُّؤالِِ
وَشَرَّدوني بَينَ حَبّاتِ المَطَرْ0000
قالوا لِكُلِّ سَحابَةٍ أَنّي حَزينٌ لَم أَزَلْ
مُنذُ الأَزَلْ
مِثلَ الطُّيورِ مُشَرَّداً
لا أَرضَ تَحضُنُني وَلا بَيتاً
وَأَنَّ اللَّيلَ عُنواني
وَأنَّ الصَّمتَ يَسكُنُني
وَأَنّي أَقرأُ الأَشعارَ لِلمَوتى
وَأَمشي فَوقَ جَمرِ النّارِ
أَبكي دونَ دَمعٍ حينَ أَسجُدُ لِلقَمَرْ
هُم أَبعَدوكِ وَراءَ أَسوارِ السُّؤالِ
وَشَرَّدوني بَينَ حَبّاتِ المَطَرْ
لكِنَّ قَلبي لَم يَزَلْ تُفّاحَةً
كَالشَّمسِ ما زالَت تُبَشِّرُ بِالنَّهارْ
وَتُضيءُ فَوقَ الصَّخرِ وَجهَكِ كُلَّما عادَ المَساءُ
حَفَرتُهُ بِأَظافِري كَي لا يُمَزِّقَهُ الزَّمَنْ
وَتُضيءُ صوتَكِ نازِفاً كَلِماتِ حُبٍّ مِن دِمائي
أُذكُريني
أُذكُريني
أُذكُريني000
شعراء العراق والشام >> أحمد أبو سليم >> هاربا من وحدتي
هاربا من وحدتي
رقم القصيدة : 67786
-----------------------------------
صَدَّقتُ نارَ القَلبِ لَمّا كانَ
عَرشُ اللهِ مَرفوعاً عَلى ماءٍ
وَكانَ الوَقتُ ماءْ000
وَالأَرضُ حُبلى
وَالسَّماءُ تُرَتِّبُ الأَسماءَ
في أُسطورَةِ التَّكوينِ مِن نارٍ وَطينْ
وَتَقِدُّ مِن ضِلعي بُذورَ النُّطفَةِ الأُولى(55/498)
وَتَعجِنُ مِن تُرابِ الأَرضِ عَرشَ المَرأَةِ الأُولى
وَتَبعَثُها
تُتَوِّجُها عَلى فَلَواتِ رُوحي
رَعشَةً
وَخَطيئَةً
أُسطورَةً أُخرى
تُعلِّمُها مِنَ الأَسماءِ أَسماءً000
جُنونَ الرَعشَةِ الأُولى
وَطَعمَ القُبلَةِ الأُولى
وُضُوحَ الرُّوحِ في جَسَدٍ
مِنَ الصِّلصالِ مَسكوناً بِقَلبٍ قُدَّ مِن نورٍ وَنارْ
يَمشي
يُضيءُ الأَرضَ
يَبحَثُ في سُكونِ اللَّيلِ عَن قَلبٍ يُرَفرِفُ ساخِناً
وَيُكَسِّرُ الصَّمتَ الَّذي ما زالَ يَجري في عُروقي آيةً
وَكأنَّهُ قَدَرٌ حَزينْ0000
وَحدي أَنا في السِرِّ أَستَرِقُ النَّظَرْ
مِن خَلفِ أَبوابِ السَّماءِ لِصَدرِها العاري
يُبَلِّلُهُ رَذاذُ الماءِ مُختَلِطاً بِدَمعي000
أَلفُ عامٍ بَينَنا
لا الصَّوتُ يَختَرِقُ الهَواءَ مُمَزِّقاً جُدرانَ حُزني في الظَّلامِ
لِكَي أُعانِقَها
وَلا أَحَدٌ يُقاسِمُني بُكاءَ القَلبِ حينَ يَنامُ مَكسوراً
عَلى حَجَرٍ وَحيداً في العَراءِ وَفي المَطَرْ
يَتَقَمَّصُ الأَسماءَ مُحتَرِقاً:
رَحيلُ الظِلِّ نحَوَ الشَّمسِ مُرتَعِشٌ
مِياهُ النَّهرِ حينَ تَلوذُ بِالأَشجارِ خائفةً
وَدوريٌّ يُلَملِمُ ما تَبَقّى مِن حُطامِ العُمرِ
كَي يَبني عَلى الأَشجارِ أَعشاشاً لِدوريٍّ صَغيرْ0000
وَالبَحرُ مِرآةُ العَذارى
والنَّدى
والرِّيحُ أُولى الأُغنِياتْ
وَالعُشبُ في جَسَدي
وَصَوتُ النّايِ- آهاتي-
أَنيني خَلفَ جُدرانِ الغُروبِ مُعَلَّقاً
ما بَينَ رُؤيايَ الَّتي خَبَّأتُها في القَلبِ يَوماً بَعدَ يَومٍ
مُنذُ صارَ القَلبُ ناراً
وَاعتَنَقتُكِ مَذهَباً في السِرِّ لي وَحدي0000
وَخوفي0000
أَلفُ عامٍ بَينَنا مَزَّّقتُها
وَتَركتُها خَلفي رَماداً بارِداً
وَأَنَرتُ مِن قَلبي شُموعي
جِئتُ أَزحَفُ عارِياً مِن كُلِّ عُمري
جِئتُ وَحدي هارِباً مِن كُلِّ أَشعاري
وَأَحلامي
إِلى عَينيكِ أَبكي000
كانَ وَجهُكِ كُلَّ ما عَتَّقتُ مِن أَمسي(55/499)
وَحُزنُكِ كانَ يَشرَبُني عَلى مَهلٍ
عَلى مَهلٍ
أُفَتِّشُ في ثَنايا الحُزنِ
عَن غَيمٍ يُظَلِّلُني مِنَ الأَحزانِ
عَن صَدرٍ يُدَفِّئُني
أُنادي كُلَّما ضاقَ المَكانُ وَأَوجَعتني الذِّكرَياتُ
وَضَجَّ صَمتُ الأَرضِ مِنّي
كُلَّما حارَ السُّؤالُ مِنَ السُّؤالِ
وَعادَ صَوتي مُطفَئاً يَشكو
أُفَتِّشُ عَنكِ بَينَ خُطايَ
فَوقَ الرَّملِ
في صَوتي
وَأَسئلَتي
وَفي خَوفي
وَحينَ أَراكِ قادِمَةً مِنَ الآتي
بِعَكسِ الرِّيحِ تَخنُقُني دُموعي0000
أَلفَ عامٍ حاوَرتني أَلفَ عامٍ
أَلفَ عامٍ قاوَمتني
أَلفَ عامٍ
وَانكَسَرتْ0000
الوَجهُ ماءٌ كَالمَرايا
وَالنَّخيلُ مُسافِرٌ سُحُباً مِنَ الأَحزانِ
في أَعماقِ عَينيها
تَمُرُّ الآنَ في جَسَدي عَلى مَهلٍ
عَلى مَهلٍ
تَفيضُ الآنَ مِن ضِلعي
تُعانِقُني
وَتُطفِئُني بماءِ القَلبِ
تحَمِلُني إِلى مِحرابِ عَينيها
أُصَلّي هائماً في الصَّمتِ
وَحدي لِلتُّرابِ وَلِلمَطَرْ000
الآنَ تَسجُدُ نارُ قَلبي لِلحَمَأْ
لِلطِّينِ أَسجُدُ عاصِياً
مُتَمَزِّقاً
لا وَجهَ لي
وَالرُّوحُ تَهذي
ألفَ عامٍ0000
ألفَ عامٍ0000
ها أَنا أَمشي وَراءَكِ مِثلَ ظِلِّ شارِدٍ
مَلعونَةٌ رُوحي
وَقلبي لَم يَزَل ناراً تُعَذِّبُني
وَتحَرِقُ ما تَبَقّى مِن حُطامِ العُمرِ
عاماً
بَعدَ عامٍ
بَعدَ عامٍ
لِلأَبَدْ
شعراء العراق والشام >> أحمد أبو سليم >> رحيل
رحيل
رقم القصيدة : 67787
-----------------------------------
طَوَيتُ قَلبي مِثلَما أَطوي ثِيابي
داكِناً كَاللَّيلِ كانَ في يَدي
خَبَّأتُ في حَقيبَتي
مَدينَةً صارَتْ بَقايا مِن خُيوطِ العَنكَبوتْ
وَسورَةَ المَنفى
وَوَجهاً مِنْ حَجَرْ
وَما تَبَقّى مِن حَكايا السِندِبادِ:
غَيمَةً كانَتْ جِداراً حَولَ عَكّا
ثَوبَ عُرسٍ بارِدٍ لَمْ يَكتَمِلْ
وَطائرُ العَنقاءِ يَهذي :
"كُلُّ شَيءٍ زائلٌ إِلاّ أنا
وَحدي هُنا أَبقى عَلى عَرشٍ مِنَ الماءِ"
وَقِنديلي(55/500)
دَليلي كُلَّما أَوغَلتُ بُعداً في دَمي000
خَبَّأتُ في حَقيبَتي مَدينَةً قَدْ أُطفِأَتْ أَنوارُها
وَعُلِّقَتْ أَجراسُها في جيدِ ذِئبٍ
كُلَّما نادى إِلى الصَّلاةِ فيها جائعٌ قالوا اكسِروهُ قَدْ صَبأْ
وَزَيِّنوا بِلَحمِهِ مَوائدَ الذِّئابِ
وَارفَعوا دِمائَهُ عَلى الأَبوابِ تَوبَةً لِكُلِّ عابِرٍ000
خَبَّأتُ نَفسي دَمعَةً
في بئرِ دَمعي وَارتَحَلتُ اسماً مَشاعاً
وَانفِجارُ البُرتُقالِ في دَمي
أَحرَقتُ خَلفي خَيمَةً نَسَجتُها مِن ثَوبِ أُمٍّ صَفَّقَتْ
وَغادَرَتني نَحوَ أَرضٍ مِن دُخانْ
أَبحَرتُ مِثلَ السَّندِبادِ تارِكاً وَجهي سُؤالاً
بَينَ أَشلاءِ المَرايا
عارِياً
وَالرِّيحُ خَلفي
مِن أَمامي
صَرصَرٌ
تَكاثَرَتْ عَلى جِراحي كَالذُّبابْ00
يا أَرضُ ما أَعطَيتِني إلاّ رَحيلي
مَركِباً ، وَغُصَّةً
يا أَرضُ ما أَعطَيتِني إلاّ شِراعاً مِن دَمي
وَالرّيحُ خَلفي
مِن أَمامي
صَرصَرٌ
وَطائرُ العَنقاءِ يَهذي:
كُلُّ شيءٍ000
كُلُّ شيءٍ000
كُلَّما أَشعَلتُ قَلبي مِن شَظايا نَجمَةٍ
تَكَسَّرَتْ عَلى ضُلوعي
أَطفَأتني غَيمَةٌ
وَغَمَّسَتْ أَحلامَها، وَخُبزَها فيما تَبَقّى مِن دَمي000
ماءٌ دَليلُ الرُّوحِ فَوقَ الماءِ
ماءْ
وَالأَرضُ تَنأى عَن جُروحِ الذّاكِرَة
أُلقي سُؤالي فَوقَ ماءِ البَحرِ عُشباً يابِساً
أُلقي شِباكي
جُثَّةً أُخرى
وَجُرحاً شَقَّ وَجهَ الماءِ وَالنِّسيانِ
وَالعَهدِ القَديمْ
كَم مَرَّةٍ آخيتُ بَينَ الماءِ وَالقَوسِ الحَزينْ
وَبَينَ كَفّي وَالحَمامْ؟؟؟؟00
وَبينَ وَردَةٍ وَمِقصَلَة ؟؟؟؟
كَم مَرَّةٍ آخيتُ بَينَ الأَنبياءِ
فَوقَ ظَهرِ الفُلكِ
وَالأَرضِ العَتيقَةْ؟؟؟؟000
وَبينَ جُرحٍ غائرٍ وَزَهرَةٍ بَيضاءَ حُبلى؟؟00
بَينَ عَكّا وَالحَياة؟؟00
كَم مَرَّةٍ000؟؟
أُلقي سُؤالي وَالصَّدى
أُصغي إِلى نَحيبِ قَلبي00
لَمْ أَجِدْ حينَ استَويتُ فَوقَ عَرشي
هُدهُداً يَمشي إِلى أَرضِ الحِجازِ(56/1)
حَيثُ أُمّي لَم تَزَلْ تَبكي هُناكَ فَوقَ قَبري
لَمْ أَجِدْ بَينَ الرَّمادِ زَهرَةً تَبكي رَحيلي
ذِكرَياتي
نَملَةً تُصغي إِلى أَوجاعِ قَلبي
تَشتَهيني أَعبُرُ الصَّحراءَ مَحمولاً عَلى خَيلٍ مِنَ الماءِ
وَلَم أَجِدْ بَقايا المِلحِ مِن دَمعي عَلى الجُدرانِ
لَم أَعثُرْ عَلى ما ظَلَّ مِنْ عُمري وَراءَ البابِ مَسكوناً
بِسِفرِ المَوتِ مِن بَعدي
وَلا ظِلاًّ أَمامَ الدّارِ مَزروعاً كَظِلِّ الشَّمسِ
يُغريني بِزَهرِ اللّوزِ كَي أَغفو عَلى مَهلٍ
كَطِفلٍ قُدَّ مِن دَمعٍ وَنارْ000
أَنا النَّبيُّ لا كَذِبْ
آخيتُ بَينَ الأَنبِياءِ فَوقَ ظَهرِ الفُلكِ وَالأَرضِ العَتيقةْ00
وَبينَ جُرحٍ غائرٍ وَزَهرَةٍ بَيضاءَ حُبلى
بَينَ عَكّا وَالحياة000
أُلقي سُؤالي
تَهرُبُ الصَّحراءُ مِنّي
كُلُّ ما خَلَّفتُ خَلفي سائرٌ إِلى زَوالْ00
وَالدُّودُ يَأكُلُ العَصا
وَالأَرضُ أَمسَتْ مِن دُخانْ
وَالرّيحُ خَلفي
مِنْ أَمامي صَرصَرٌ
تَكاثَرَتْ عَلى جِراحي كَالذُّبابْ
وَحدي أُنادي مُثقَلاً بِالمَوتِ
وَحدي
مُثقَلاً000
أَنا النَّبيُّ لا كَذِبْ00
أَنا
النَّبيُّ
لا كَذِبْ00
وَحدي أَموتُ ها هُنا
وَحدي
عَلى أَسوارِ عَكّا
مُثقَلاً
بِكُلِّ ما خَلَّفتُ خَلفي
لِ
ل
حَ
ي
ا
ة
شعراء العراق والشام >> أحمد أبو سليم >> عطش
عطش
رقم القصيدة : 67788
-----------------------------------
أَمشي إِليَّ خَلفَ ظِلٍّ هارِبٍ مِنّي
قَتيلاً في ثِيابي يَغرُسُ السِكّينَ في لَحمي
قَتيلاً في ثِيابِ القاتِلِ المَسكونِ بِالمَوتى
قَتيلاً حاضِراً أَو غائباً
لا يُتقنُ القَتلَ وَلا دَورَ الضَّحية000
أَينَ سَأمضي؟
كلُّ شَيء فَوقَ هذا الرَّملِ مِثلي سائرٌ للإحتِضارْ
أَبكي حَنيني
أُسنِدُ الذِّكرى عَلى كَفّي كَدوريٍّ جَريحٍ
تَهرُبُ الذِّكرى وَكَفّي مِن يَدي
أَبكي بِلاداً مِن وَرَقْ
لَم يَبقَ إِلاّ "بِاسمِكَ اللّهُمَّ" مِنها
وَحدَها عَلى الجِّدارِ
وَحدَها(56/2)
وَمِشنَقَةْ
وَصَدرُ أُمٍّ مِن نُحاسٍ يَرتَديني
وَالقُرادْ000
أَبكي بِلاداً مِن زُجاجٍ كُلَّما حَطَّ المَساءُ في دَمي رِحالَهُ
تَكَسَّرتْ عَلى دَمي
وَأَورَثتني كَالمَرايا أَلفَ وَجهٍ حائرٍ في كُلِّ وَجهٍ لي سُؤالْ000
أَبكي خَريفي والشِّتاءْ
سَحابَةً كانَت بِلادي فَوقَ كَفّي
دَلَّلتني مِثلَ عُصفورٍ صَغيرٍ
بَلَّلتني بِالمَطَرْ
أَسكَنتُها صَدري فَنامَتْ لِلأبَدْ
سَكنتُها ماءً
فَأَلقتْ بي إِلى نَهرٍ مِنَ الرِّمالِ لا مَجرى وَلا مَصَبّ00
لا ماءَ في الصَّحراءِ يَروي جُثَّتي
أَو زَهرَةً شَقَّتْ ضُلوعي خِلسَةً فَلَم تَجِدْ إِلاّيَ في جَنازَتي
أَمشي إِليَّ تحتَ جِلدي لا أَرى إِلا ظِلالاً مِن مَسَدْ
الظلُّ لي؟00
فَهَلْ أَنا ما زِلتُ لي؟
وَهَل أَنا ، أَنا ؟
وَهذا الرَّملُ قَبرٌ أَم بِلادْ ؟
والماءُ ماءٌ أَم تُرابْ ؟
والشَّمسُ شَمسٌ أَم سَحابْ ؟
وَهَل أَنا ، أَنا ؟
وَهذا الَّليلُ لي وَحدي أَنا ؟
هَل كُلُّ هذا الَّليلُ لي وَحدي أَنا ؟
مَنْ يَشتَري مِنّي عَذابي بِالعَذابْ؟
مَنْ يَشتري مِنّي ثِيابي
مِلحَ خُبزي
دَمعَةً صارَتْ بِلاداً أَدمَنَتني؟؟؟؟00
حِصَّتي مِن هذه الصَّحراءِ رملٌ مِن خَليجِ المَوتِ
حتّى آخِرِ الأَحلامِ فَوقَ عَرشِ غَرناطة00
أَمشي إِليَّ تائهاً
الوَقتُ - لا وَقتٌ
وَلا وَقتٌ- لِوَقتٍ
والمَكانُ رُبَّما000أَنا
وَرُبَّما0000 أَنا000
وَالقَلبُ ليسَ البوصَلةْ
قَدْ أَطفَأَتْ كُلُّ المَناراتِ الَّتي كانَت مَعي في رَحمِ أُمّي نارَها
كُلُّ العَصافيرِ الَّتي أَطلقتُها في رَحمِ أُمّي ذاتَ يومٍ
أَنكَرَتني وَاستباحَتْ جُثَّتي والذّاكِرة000
أَمشي إِليَّ حائراً
ضَيَّعتُ في كُثبانِ لَحمي بَصمَتي
ضَيَّعتُ نوناً مِن أَنايْ
وَالقلبُ ليسَ البوصَلةْ
أَمشي إِليَّ شاهِراً سَيفي ، دَمي ، والذِّكرَياتْ
الوَجهُ وَجهٌ مِن زَبَدْ
وَالماءُ دَمعي
حَيثُما وَلَّيتُ وَجهي في البِلادِ - المقصلةْ-(56/3)
رَأَيتُ وَجهي - المذبحةْ_
حَبلاً مُدَلّى مِشنَقةْ
رَأَيتُ ذِئباً مِن بَقايا الرّومِ
يَشتَهي دَمي حِبراً لِراياتِ الذِّئابْ
رَأَيتُ ظِلّي واقِفاً عَلى الجِّدارْ000
ظِلٌّ
وَلكنْ
رُبَّما
ما زالَ
خَلفَ الظلِّ
بَعضٌ مِن أَناي
شعراء العراق والشام >> أحمد أبو سليم >> هل كل شيء لم يزل لي..!؟
هل كل شيء لم يزل لي..!؟
رقم القصيدة : 67789
-----------------------------------
وَكَأَنَّ شَيئاً لَمْ يَكُنْ
بيضُ الحَمامِ ، وَهِجرَتي
وَقعُ الحَوافرِ فَوقَ ظِلّي وَاشتِعالي
وَارتِعاشُ الصَّمتِ حَولي
وَانفِصالي عَن يمَامَ البَيتِ مَسكوناً
بِعامِ الحُزنِ مَغسولاً بِدَمعي00
عارِياً مِثلَ الفَراشةِ حَولَ نارٍ
عابِراً مِثلَ السَّحابِ مُودِّعاً000
لا الوَقتُ لي
لا العيدُ عيدي00
لا حِصانٌ غاصَ في الرَّمضاءِ خَلفي00
والعَناكِبُ أَنكَرَتني00
والسَّماءُ قَريبةٌ
وَالأَرضُ تَهرُبُ مِن يَدي
لا تَركُضي خَلفَ الشَّجَرْ
وَتَذكَّريني كُلَّما اكتَمَلَ القَمَرْ
قَد صارَ بَيتي خِنجَراً في الخاصِرةْ
والحُزنُ آثاراً لأقدامي
أَمامَ البابِ عائدةً مِنَ الماضي إِلى الماضي
عَلى الجُدرانِ كانَ الدُّودُ يَقرِضُ كُلَّ ما خَبّأتُ لِلآتي:
فُتاتَ الخُبزِ
غِمدَ السَّيفِ
سَبعَ سَنابِلٍ خُضرٍ
صَهيلَ الخَيلِ عِندَ الصُّبحِ مَمزوجاً بِصَوتي
كَيفَ يَنكَسِرُ الزَّمانُ بِحَدِّ سَيفِ المُنتَصِرْ ؟
هَل كانَ عُمري كِذبَةً ؟
ما كانَ عُمري كِذبَةً
ما زالَ لي خَلفَ السَّديمِ مَلامِحٌ
تُفّاحَةٌ كالرَّحمِ تُعلِنُ مَولِدي
ما زالَ لي خَلفَ الدُّخانِ مَدينةٌ
والجِّسرُ فَوقَ النَّهرِ000
لي بَعضُ الأَماني
حِصَّتي مِن دَمعِ أُمّي
وَارتِحالي صاعِداً نحوَ السَّنا
وَالغارُ في الصَّحراءِ لي
والبَيتُ لي
لي حائطُ المبكى
وَلي جَسَدي المُضرَّجُ بالدِّماءِ وَبالحَكايا
مُنذُ أَن عادَ الحَمامُ مُطوَّقاً
حَتّى بُكاءِ البَدرِ مَذبوحاً عَلى صَدري(56/4)
بِسِتِّ زَنابِقٍ سَوداءَ مَحفوفاً وَمحمولاً عَلى جُرحي000
كَأنَّ هَزيمَتي قَدَرٌ !
كَأَنَّ عَليَّ أَن أَبقى عَلى سَفَرٍ
أَطوفُ الأَرضَ مَنبوذاً مِياهُ البَحرِ تَحمِلُني
بِلا وَجهٍ وَلا أُمٍّ وَراءَ البابِ تبَكيني!
كَأَنَّ الموتَ عُنواني!
أُعِدُّ لَهُمْ رِباطَ الخَيلِ لكنّي أَسيرُ الظِلِّ وَالمَنفى
أَلوذُ بِمَنْ ؟00
أَلوذُ بِمنْ ؟00
0000
0000
أَجيبيني00
0000
أَجيبيني00
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> اليوم أوقن أنني لن احتمل !!
اليوم أوقن أنني لن احتمل !!
رقم القصيدة : 67790
-----------------------------------
اليوم أوقن أنني لن احتمل !!
كم قاومت
حاصرتني بملامح الوجه الطفوليّ .. الرجل
لو كنت تعرف كيف ترهقني الجراحات القديمة والجديدة
ولربما استحييت لو أدركت كم أكبو على طول الطريق إليك
خطئ أنا
***
ولم يعد في القلب ما يكفى الجراح
فسرحت المراكب كلها .. وقصصت عن قلبي الجناح
فاردد على بضاعتي ..
اليوم دعنا نتفق
لا فرق عندك أن ضحكنا هكذا - كذبا -
وان وحدي بكيت!
فأنا تركت أحبتي ولديك أحباب وبيت
وأنا هجرت مدينتي واليك - يا بعضي - أتيت
وأنا هجرت مدينتي واليك - يا بعضي - أتيت
فما أنفقت لي من اجل أن نبقى؟!!
فما أنفقت لي من اجل أن نبقى؟!!
وماذا قد جنيت ؟؟!!
وأنا وهبتك مهجتي جهرا
فهل سرا نويت؟؟!!!
اليوم دعنا نتفق
اليوم دعنا نتفق
دعني أوقع عنك ميثاق الرحيل
دعني أوقع عنك ميثاق الرحيل
دعني أوقع عنك ميثاق الرحيل
مرني بشيء مستحيل
مرني بشيء مستحيل
قل لي شروطك كلها .. إلا التي فيها قضيت
قل لي شروطك كلها .. إلا التي فيها قضيت
قل لي شروطك كلها .. إلا التي فيها قضيت
إن قلت أو إن لم تقل
إن قلت أو إن لم تقل
إن قلت أو إن لم تقل
إن قلت أو إن لم تقل
أنا قد مضيت ... !!!
أنا قد مضيت ... !!!
وأنا وهبتك مهجتي جهرا
وأنا وهبتك مهجتي جهرا
وأنا وهبتك مهجتي جهرا
فهل سرا نويت؟؟!!!
اليوم دعنا نتفق(56/5)
اليوم دعنا نتفق
اليوم دعنا نتفق
دعني أوقع عنك ميثاق الرحيل
دعني أوقع عنك ميثاق الرحيل
مرني بشيء مستحيل
قل لي شروطك كلها .. إلا التي فيها قضيت
قل لي شروطك كلها .. إلا التي فيها قضيت
إن قلت أو إن لم تقل
إن قلت أو إن لم تقل
إن قلت أو إن لم تقل
أنا قد مضيت ... !!!
وأنا وهبتك مهجتي جهرا
وأنا وهبتك مهجتي جهرا
فهل سرا نويت؟؟!!!
اليوم دعنا نتفق
اليوم دعنا نتفق
دعني أوقع عنك ميثاق الرحيل
مرني بشيء مستحيل
قل لي شروطك كلها .. إلا التي فيها قضيت
إن قلت أو إن لم تقل
إن قلت أو إن لم تقل
أنا قد مضيت ... !!!
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> احتجت أن ألقاك
احتجت أن ألقاك
رقم القصيدة : 67792
-----------------------------------
وأحتجتُ أن ألقاك
بلا جناح
كان إحتياجي .. أن تجيءَ إليَّ مسبحة ً
يهز أشجاني ..ويمنحني جواز الإرتياح
كيف يا وجع القصائد في دمي
وأعيتها الجراح
وإخترت لون الإندياح
لونه .. لون الحياة
كيف يا وجع القصائد في دمي
ويح التي باعت ببخسٍ صبرَها
وأعيتها الجراح
يوم لُحتَ دليل ترحالٍ
وإخترت لون الإندياح
يغتال فيّ توجسي .. حزني
لونه .. لون الحياة
في زمانٍ .. ياربيع العمر لاح !
كيف يا وجع القصائد في دمي
والصبر منذ الآن ..غادرني وراح
ويح التي باعت ببخسٍ صبرَها
فما ربحت تجارتها
وأعيتها الجراح
ويح التي تاهت خطاها
يوم لُحتَ دليل ترحالٍ
فلونت الرؤي
وإخترت لون الإندياح
أحتاجك الفرح الذي ..
يغتال فيّ توجسي .. حزني
ويمنحني بريقاً ..
لونه .. لون الحياة
وطعمه .. طعم النجاح.
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> أواه.. يا كسلا
أواه.. يا كسلا
رقم القصيدة : 67793
-----------------------------------
يا صادحاً بضفاف النيل غنينى واذكر ديار أليف جد مفتون
* * * *
والورد يضحك والأنسام فى دعة فأين(قرطبه) فى شهر تشرين
فجئت يا كسلا الخرطوم يدفعنى عزم اكيد له الأمال تحدونى(56/6)
للفجر يطلع من توتيل مبتسماً وللأصيل اذا حياك يحيينى
ولهف نفسى الى رؤياك يظمئنى من يأتنى قطرات منك تروينى
فجئت يا كسلا الخرطوم يدفعنى عزم اكيد له الأمال تحدونى
فهزنى المى وأشتد بى سقمى وأشتقت يا حلمى للأرض والطين
للفجر يطلع من توتيل مبتسماً وللأصيل اذا حياك يحيينى
اواه يا كسلا فالشوق يزحمنى وذكرياتى بذاك الحى تعزينى
ولهف نفسى الى رؤياك يظمئنى من يأتنى قطرات منك تروينى
ما كان بعدى عن سأم ولا ملل لكن دروب المعالى تلك تدعونى
فجئت يا كسلا الخرطوم يدفعنى عزم اكيد له الأمال تحدونى
لكننى لم أجدها مثل ما عهدت اما رؤوما لفقدى قد تواسينى
فهزنى المى وأشتد بى سقمى وأشتقت يا حلمى للأرض والطين
للقاش للفاتنات الخضر يطربها فى الشط فوح أريج للبساتين
للفجر يطلع من توتيل مبتسماً وللأصيل اذا حياك يحيينى
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> تغيبين عني..!
تغيبين عني..!
رقم القصيدة : 67794
-----------------------------------
تغيبي عنى
وامضي مع العمر مثل السحاب
وارحل في الأفق بين التمني
واهرب منكى السنين الطوال
يوما أضيع ويوما أغني
أسافر وحدي غريباً
أتوه بحلمي وأشقى بفني
ويلد فينا زمانا طريد
يخلف فينا الآسي والتجني
ولو دمرتنا رياح الزمان
فمازال في اللحن نبض المغنى
تغيبي عنى
بعد المطال وطول السفر !
والقاكى كالنور مأوى الحيارى
وان طال فينا خريف الحياة
فمازال فبكى ربيع العمر
تغيبي عنى
فتشتاق نفسي
نتوه ونشتاق ونغدو حيارى
ومازال بيتي في مقلتيك
فأنسى همومي على شاطئيك
وان فرقتنا دروب الحياة
فاني خلقت وقلبي لديك
بعيدان نحن ومهما افترقنا
فمازال الأمان في راحتيك
تغيبي عنى
وكم من غريب يغيب وان ملا المكان
فلا البعد يعنى غياب الوجوه
تغيبي عنى
وكم من غريب يغيب وان ملا المكان
فلا البعد يعنى غياب الوجوه
تغيبي عنى
وكم من غريب يغيب وان ملا المكان
فلا البعد يعنى غياب الوجوه
تغيبي عنى
وكم من غريب يغيب وان ملا المكان(56/7)
فلا البعد يعنى غياب الوجوه
ولا الشوق يعرف قيد الزمان
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> عبثاً أحاول..!
عبثاً أحاول..!
رقم القصيدة : 67795
-----------------------------------
عبثا احاول ان ازور محضر الاقرار
فالتوقيع يحبط حيلتى ويردنى خجلي وقد سقط النصيف..
انا لم ارد اسقاطه لكن كفي عاندتنى
فهي في الاغلال ترفل والرفاق بلا كفوف
اما البنان فما تخضب منذ ان طالعت في الاخبار
ان الحاتم الطائى أطفأ ناره ونفي الغلام
لان بعض دخان قدرته تسبب في المجئ بضيف
ورأيت في التلفاز سيف اسامة البتار
ينصب قائما في ملعب الكرة الجديد بنقطة اقصي جنيف..
وسمعت في الرادار
كيف يساوم ابن العاص قواد التتار ويحددون له
متى ..ماذا......ويقترحون كيف...
طالعت في صحف الصباح ان صلاح الدين سوف يعود من نصف الطريق
لان خدمات الفنادق في الطريق رديئة
ولان هذا الفصل صيف....
عجبي!!!
لقد نزعوا الاساور من يدي وتشاورا بالضبط تصلح
للمحرك في مفاعلنا الجديد علي اليسار..
فاحضر لنا الفا غيرها بل زد عليها قدر ما تسطيع من قطع الغيار..
خجلي لقد سقط النصيف ولم ارد اسقاطه
لكن كفي في الحديد ولا اري غير الغبار.....
عجبي لقد اخذواالخواتم من يدي
خلعوا الخلاخل والحجول وصادروا كل العقود
سكبو علي كلب صغير كان يتبعهم
جميع العطر في قارورتى بل انهم طلبوا المزيد
هرولت صوب المخفرالعربي حافية
لكنما كفي الي عنقي ومخفرنا بعيد
ياايها الشرطي
قد خلعوا الاساور من يدي
اخذوا الخواتم والخلاخل وصادروا كل العقود
بل انهم ياسيدي
- كفي وقولي باختصار
-العقد مااوصافه?
فر القلب من صدري
وسافر كالخواطر في نداوتها
ومثل نسيمة مرت علي كل المروج
قد كان يعرف كل اسراي الصغيرة
كان يسمع اهاتى وهمساتى
يعرف موعدالاشواق في صدري
ميقات العروج..
قد كان اغلي ماملكت
اهداه لي جدي وقال: اللؤلؤ العربي حر يا ابنتى ويجئ من شط الخليج,,,
اوصاف عطري??
هل شممت عبير مسك الاستواء....(56/8)
في الغاب في الاحراش والمطر العنيف وكل سطوات الشتاء..
والرائعون السمر يفترشون هذي الارض في شمم ....
ويلتحفون اثواب السماء.....
يا ايها الشرطي اكتب ما اقول
واعد الى خواتمي
واساوري
وخلاخلي
واشتياقاتى
واحلامي واسراري
اعد للخدر حرمته وصل عزا
فوحدك من تصول حسنا
لقد دونت ماقلتيه سيدتى
نظرت بغبطة
فاذا بكل قضيتى قد دونت
عجبي!!!
فكل المخفر العربي يعرف سارقي
وضد مجهول بلاغي دونوه!!!
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> وتحترق الشموع..!
وتحترق الشموع..!
رقم القصيدة : 67796
-----------------------------------
أترى ستجمعنا الليالى كى نعود ............ ونفترق ؟
اترى تضى لنا الشموع ومن ضياها .......... نحترق ؟
اخشى على الامل الصغير بان يموت ........ ويختنق ؟
اليوم سرنا ننسج الاحلام
وغد سيتركنا الزمان حطام
واعود بعدك للطريق لعلنى اجد العزاء
واظل اجمع من خيوط الفجر احلام المساء
وأعود اذكر كيف كنا نلتقى
والدرب يرقص كالصباح المشرق
والعمر يمضى فى هدوء الزئبق
ونظرت نحوك والحنين يشدنى
والذكريات الحائرات ... تهدنى
ودموع ماضينا تعود ... تلومنى
اتراك تذكرها وتعرف صوتها
قد كان أعذب ماسمعت من الحياة
قد كان اول خيط صبح اشرقت
فى عمرى الحيران دنيا من ضياه
اٌه من العمر الذى يمضى بنا
ويظل تحملنا خطاه
ونعيش نحفر فى الرمال عهودنا
حتى يجى الموج تصرعها يداه
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> وقال نسوة
وقال نسوة
رقم القصيدة : 67797
-----------------------------------
وقالَ نسوةٌ من المدينةَ
ألم يزل كعهدهِ القديمِ في دماكِ بعدْ ؟؟
عذرتَهُنّ سيّدِي !!
أشفقتُ
ينتَظِرنَ أن أرُدْ !
وكيف لي وأنتَ في دمي
الآن بعدَ الآن قبلَ الآن
في غدٍ وبعدَ غدْ ..
وحسبما وحينما ووقتما
يكونُ بي رَمقْ ..
وبعدما وحينما وكيفما اتفَقْ !!
عذرتَهَنّ سيّدي
فما رأينَ وجهَكَ الصبيحَ
إذ يطُلُ مثل مطلعِ القَصيدْ ..(56/9)
ولا عرِفنَ حين يستريحُ ذلك البريقُ
غامضاً وآمراً يشُدُني من الوريدِ للوريدْ ..
لو أنهنَ سيّدي
وجدنَ ما وجدتُ حينما سرحتَ يومها
فأورق المكانُ حيث كنتَ جالساً
وضجّتِ الحياةُ حيث كنتَ ناظراً
وأجهشتْ سحابةٌ كانت تمرُ
في طريقها إلي البعيدْ ..
لو أنهنَ سيّدي
لقطّفتْ أناملٌ مشتْ على الخدودِ
بالكلامِ والمُلامِ والسؤالْ ..
يسألنني
وينتظرنَ أن أردْ
كيف لي وأنتَ في دمي وخاطري
وفي دفاتري
وأنتَ في الحروفِ قبلَ أن تُقالْ
بالأمسِ قد صافحتُ كفّكَ
الرحيبَ سيّدي
والعطرَ والحقولَ والظلالَ في يَدَيّ
ما تزالْ ..
عذرتَهُنَ سيّدي
فما عرِفنَ كيف أنّ صوتَكَ المَهِيبَ
حين يجيءْ
اسمعُ الحفيفَ والخريرَ
والمسُ النّسيمَ والنّدى
واصعدُ السماءَ ألفَ مرةٍ أطيرْ ..
عذرتَهُنَ ..
ليس بالإمكانِ أن يعِينَ أنّ بيننا
من العذابِ ما أُحبُهُ
وبيننا من الشُجُونِ ما يظلُ عالقاً
وقائماً وصادقاً ليومِ يُبعثون ..
وأننا برغمِ هذهِ الجراحُ
والثقوبِ والندوب آيبونْ ..
وأننا
وان تواطأَ الزمانُ ضدَ وعدِنا الجميلِ مرةً
ففي غدٍ كما نريدُهُ يكون
وأنني
بمقلتيكَ سيّديبقلبكَ الكبيرِ مثلَ حُبِنا
أردتُ أن أُقيمَ دائماً إلى الأبدْ ..
يسألنني وينتظرنَ أن أردْ ..
وما درينَ أنّ لحظةً من الصّفاءِ
قُربَ وجهِكَ الحبيبِ
بانفعالكَ الحبيبِ
تُقررُ النّدى
فيستجيبُ في ظهيرةِ النّهارْ !!
تختصرُ الزنابقُ الورودَ والعبيرَ والبحارْ ..
تطيُر بي إلى مشارفِ الحياةِ
حيث لا مدائن ورائها ولا قفارْ ..
يسألنني ألم تزلْ بخاطري
وقد مضى زمانٌ وعاقنا الزّمانْ
وما علمنَ أنّ ما أدُسُهُ بجيبهِ
السِّريُ ضد حادثاتهِ
ابتسامةٌ من البروقِ في مواسمِ المطرْ
سرقتها من وجهكَ الحبيبِ وادخرتُها
تميمةً من الجراحِ والعيونِ والخطرْ ..
يقُلنَ
كيف لم تغيّرِ الجراحُ طعمَ حُبِنا وعِطرِهِ
ولونهِ الغريبْ ..
وينتظرنَ أن أُجيبْ
وكيف لي وأنت في الأطفالِ(56/10)
والصحابِ والرفيقِ والصديقِ والحبيبْ ..
وأنت هكذا
بجانبي أمامَ ناظِرَيَّ دائماً معي
يغيبُ ظليَّ في المساءِ ولا تغيبْ ..
لا ساعةً
ولا دقيقةً
ولا مسافةَ ارتدادِ الطَّرف يا "أنا" ..!!!
فكيف أو بما
يُردنَ أن أُجيب ؟؟ !
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> اعتراف
اعتراف
رقم القصيدة : 67798
-----------------------------------
اليوم جئت لاعترف
والجرح فى الاعماق بكاء نزف
النفس بعثرها الحنين
وشفاها التذكار
والتذكار شف
وانا اجرجر هيكلاً متعثراً
نخراً ... تلف
اقتاد روحاً
هدها الترحال صوب رباك
ارهقها التوغل والاسف
واقول جئت لاعترف
يا ايها الرهق المسافر فى دماى
ويا نزيف الجرح قف
اليوم جئتك يا فؤادى اعترف
انا من سقتك الحزن الوانا
وقالت لا تخف
حبست دموعك يوم غار النصل
او غل ...
غصت العبرات
جف الحلق جف
انا من اردتك صبراً
متجلداً لا تستخف
حملتك الاشجان حتى ضجت الأشجان
من طول احتمالك ...اعترف
حملتك الاحزان حتى هدت الاحزان صبرك
اعترف
واليوم
حطمت الشجون رباك
هاجرت النوارس عنك
والشوق استخف
الحزن صادر وجهك المسود شجواً
يرتجف
وانا اتيتك اعترف
نسى المسافر اسمك المكتوب بالنسيان
اذا رحل القطار
واضاع وجهك
منذ ذاك اليوم فى ذاك النهار
ما عاد يذكر دمعك المحبوس حد الانفجار
ما عاد يذكر اذا تغالب حزنك الدامى
فيقتلك الدوار
نسى المسافر يا فؤاد
نزيف جرحك والقصيد
وما حكيت وما رويت
فلا تحار
قدرُ اراد
وهل لدى الاقدار
ينفعنا اعتذار؟؟
وشم على ساعد الغياب
كن عند ابواب الحضور
وان تشاء فلا تكن
دعنى اقبل فى سبيلك يا انا
قلباً يحاذر ان يجوب
ولان هذا الشوق بات الآن اعتى ما اخاف
رجعت ليلاً كالغريب
وحدى انا ادرى
بان الشوق حين تكون سيده
ووجهته.....عجيب
شوق يصادر هذه الدنيا
ويختصر المسافة
ويشعل الانحاء بركاناً
فيحترق اللهيب
شوق يلح ولا يحاور
يدعى الا سواه... فاستجيب
يا كل هذا القلب
يا حلماً يحصارنى نهاراً
يا صفي الروح(56/11)
يا بوابة تفضى الى غير الهروب
او ما رجوتك حينما حان الرحيل
ان اتئد
عنى تنحى......لا تطل على من كل الدروب
او ما تعاهدنا هنا
الا تلوح بمقلتيى
الا تقيم بمهجتي
الا تحدد وجهتى ....حتى اووب
فلم تساءل كل من القى
عن الوهج الغريب بمقلتيى يبدو
وعن رجلُُ غريب
ولمَ قفزت الىفمى
لما هممت بان اقول
حرفا بكل قصيدة
وقبيل كل مقاله
وبعيده كل حكاية نغماً طروب
ولمَ رايتك حينما ضحك الصغار
وحينما لاح النخيل
وحين ثار النيل
كيف طلعت فى شفق الصباح
وكنت فى شفق الغروب؟
شيء عجيبُُ يا انا
شىءُُ عجيب
توقيع انك لن تلح على
ما جفت صحائفه ولا رفع القلم
لم توفي بالعهد الجديد ولا القديم..ولم ..ولم
يا منتهى شوقي
ويا كل الجراحات التى بُرئت
ويا كل التى تهب الالم
من اى اسباب السماء هويت نحوى
مثلما النجم البعيد
فانا انتبذت من المكان قصيه
خبأت وجهى تحت وامتنعت عن القصيد
وسلكت وعر الدرب ليلاً
واهتديت بانجمٍ افلت
وغيرت الصوى طراً
واعدلت النشيد
كيف اهتديت الي كيف
وبيننا بحران يصتخبان
الآلف من الميال صحراء وغابات وبيد؟
اتراك كنت حقيبتى
ام بين أمتعتى دخلت
ام أختبأت هناك فيَّ
دماً يسافر للوريد من الوريد
عجبي اذاً
ان كنت لن انفك من قيد تكبلنى به
ان كنت امضى كى اعود
عجباً اذاً
ان كان هذا القلب قد بايعته ملكاً عليا
فباعنى رغمي
ويفعل ما يريد
انا لن اسافر مرة اخرى
لتسبقنى ويفضحنى الشرود
انا لن احاول حيلة اخرى
ومع رجل يغافل كل ضباط المطارات القصيه
والمحطات القريبة والبعيدة
عابراً متجاوزاً كل الحدود
انا لن الاحق مهرجان العيد
بعد العام هذا
إذ بغيرك لم يكون فى الكون عيد
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> بلاغ امرأة عربية
بلاغ امرأة عربية
رقم القصيدة : 67799
-----------------------------------
عبثاً احاول ان ازّور محضر الاقرار
فالتوقيع يحبط حيلتى
ويردنى خجلى وقد سقط النصيف
انا لم ارد اسقاطه
لكن كفي عاندتني
فهي في الاغلال ترفل(56/12)
والرفاق بلا كفوف
اما البنان فما تخضب
منذ ان طالعت في الاخبار
ان حاتم الطائي أطفأ ناره
ونفى الغلام
لان بعض دخان قدرته
تسبب في المجىء بضيف
ورأيت في التلفاز سيف اسامة البتار
ينصب قائماً
في ملعب الكرة الجديد بنقطة اقصى جنيف
وسمعت في الرادار
كيف يساوم بن العاص
قواد التتار يحددون له متى.. ماذا .. ويقترحون
كيف
طالعت في صحف الصباح حديثه
قالوا
صلاح الدين سوف يعود من نصف الطريق
لأن خدمات الفنادق في الطريق رديئة
ولأن هذا الفصل صيف!!
الله حين يكون كل العام صيف
الله حين يكون كل العام صيف
الله حين تساوت الاشياء في دمنا
وقررنا التصالح وفق مقتضياتنا
تباً لمن باعوا لنا الاشياء جاهزة
وكان الفصل صيف!!
خجلى
لقد سقط النصيف ولم ارد اسقاطه
لكنما كفي الى عنقي
وقدامى هنا نطع وسيف
عجبي
لقد نزعوا الاساور من يدي
وتشاوروا
بالضبط تصلح للمحرك في مفاعلنا الجديد
على اليسار
فاحضر لنا(كوهين) الفاً غيرها
بل زد عليها قدر ما تسطيع من قطع الغيار
خجلي
لقد سقط النصيف ولم ارد اسقاطه
لكن كفي في الحديد
ولا ارى غير الغبار
عجبي
لقد اخذوا الخواتم من يدي
خلعوا الخلاخل والحجول وصادروا كل العقود
سكبوا على كلب صغير كان يتبعهم
جميع العطر في قارورتي
بل انهم طلبوا المزيد
هرولت صوب المخفر العربي حافية
وقد سقط النصيف ولم ارد اسقاطه
لكنما كفي الى عنقي
ومخفرنا بعيد
يا ايها الشرطي
قد خلعوا الاساور من يدي
اخذوا الخواتم والخلاخل والحجول وصادروا كل الحجول
بل انهم يا سيدي
- كفي وقولي باختصار
- العقد ما اوصافه
العقد؟؟
فر القلب من صدرى
وسافر كالخواطر في نداوها ومثل نسيمةٍ مرت على كل
المروج
قد كان يعرف كل اسراري الصغيرة
كان يسمع كل همساتي وآهاتي
ويعرف موعد الاشواق في صدري
وميقات العروج
قد كان اغلى ما ملكت
لانه ما جاء من بيت الاناقة في حواضرهم
ولا صنعوه من تركيبهم
او علقوه على مزادات العمارات الشواهق
والبروج
لكنه(56/13)
قد كان ما اهداه لى جدي وقال
الؤلؤ العربي حر يا ابنتي
ويجىء من شط الخليج!!
الله من هذا النصيف لقد سقط
انا لم ارد اسقاطه
لكنما كفي الى عنقي ولا ادري طريقاً للخروج
وخواتمي اوصافها
يا زينة الكف التي قد صافحت كل الصحاب
تدرين موعدهم اذا مروا
وتبتئسين ان طال الغياب
يا خاتم الابهام
يا ابن المغرب العربي لا تسأل رجوتك
انني والله لا أدري الجواب
انا كم احبك خاتم الوسطي
ففيك نسائم الشام التي اهوى
واضواء القباب
الله من هذا النصيف لقد سقط
انا لم ارد اسقاطه
لكن كفي في الحديد ولا أرى غير اليباب
وخلاخلي اوصافها
يا حزن اقدامي التي صعدت حزون القدس سعداً
وانتشت عند السهول
كم في ديار العرب قد صالت
وكم ركعت وصلت عند محراب الرسول
حزني على خلخال رملة لن يجول
بلقيس اهدتنيه من سبأ ومأرب
قبل آلاف الفصول
وغداً ستسألني
فقل لي صاحبي ماذا اقول
سقط النصيف ولم ارد اسقاطه
لكن كفي في الحديد
ولست املك أي تصريح جديد بالدخول
اوصاف عطري؟؟
هل شممت عبير مسك الاستواء
في الغاب والاحراش والمطر العنيف
وكل سطوات الشتاء
والرائعون السمر
يفترشون هذي الارض في شمم
ويلتحفون اثواب السماء
جمعت عطري من دماء عروجهم
واضفت من كل الحقول الزاهيات
برغم عصف الريح والامطار والسحب
التي تأتي خواء
الله من هذا النصيف لقد سقط
انا لم ارد اسقاطه
لكن كفي في الحديد ولا أري غير الهباء
يا ايها الشرطي اكتب ما اقول
واعد اليّ خواتمي
واساوري
وخلاخلي
اعد اشتياقاتي
واحلامي واسراري
اعد للخدر حرمته
وصل عزاً
فوحدك من تصول
حسناً
لقد دونت ما قلتيه سيدتي
نظرت بغبطة
فإذا بكل قضيتي قد دونت
عجبي
فكل المخفر العربي يعرف سارقيَّ
وضد مجهول بلاغي دونوه
فأخبروني ما اقول؟؟
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> نشاز في همس السحر
نشاز في همس السحر
رقم القصيدة : 67800
-----------------------------------
وغداً تسافر كالمساء
واظل وحدي للصقيع وللشتاء(56/14)
اواه لو تدرى صديق العمر كيف غداً اكون
والناس حولي يضحكون ويمرحون
وحدي مع الأشواق أبقى والشجون
قد كنت اعرف ان يوماً ما سيأتي
فيه تمضي للبعيد
أعددت زادك بسمتي وقصائدى
كيف ابتسامتي ان رحلت
وبعد ظعنك ما القصيد؟
أواه من زمنٍ يعاندني ومن قلب عنيد
اواه منك غداً ستمضي معجلاً
واظل اقتات الآسى
كيف احتباس الدمع بعدك
عندما يأتي المسا
كيف اصطبار القلب عنك وبالحنين قد اكتسى
بل كيف يبحر قاربُُ
في اليم تاه ومارسى
تمضى غداً واظل وحدى كالغريق
تتشابه الاشياء عندي
والمرائي والطريق
قل لي بربك سيدي
من لي اذا جاء المطر
من لي اذاعبس الشتاء
او اكفهر
من لي اذا ما ضاقت الدنيا وعاندني القدر
قد كنت احمل هم أيامي
وخوفي والعناء
وأجىء تسبقني خطاي الى هنا
ولديك اترك يا صديق هواجسى ومخاوفي
اذر الشقاء
قل لي لمن آوي اذا زاد الهجير
او تاه دربي في الزحام
وحرت بعدك في المسير
تمضي غداً.. وغد يلوح
ويظل يخفق متعباً ذاك الجريح
اترى سيأتي الصبح يوماً
بعد وجهك ذا الصبيح
وغداً ستسألني القصائد عنك والليل الطويل
وغداً ستسألني المرائي عندما يأتي الاصيل
سأقول سافر كالمساء
وظللت وحدي للصقيع وللشتاء
خوفي صديق العمر ان طال السفر
خوفي اذا جاء المساء
وما اتيت مع القمر
وغاب عن وجهى القمر
خوفي اذا عاد الخريف وما رجعت مع المطر
خوفي اذا ما الشوق عربد داخلي
وبرغم اخفائي ظهر
خوفي اذا ما رحت ابحث عنك ولهى
ذات يوم يا صديق
ولم اجد لك من اثر
شعراء مصر والسودان >> روضة الحاج >> هل كان حباً يا ترى ؟
هل كان حباً يا ترى ؟
رقم القصيدة : 67801
-----------------------------------
أنا لست عاتبة عليك
لكن على الزمن الردى
انا لست غاضبة عليك
غضبى على قلب نديّ
انا لست نادمة على شى مضى
ندمى على ما قد يجي
خوفى اذا سأل القصيد
خوفى اذا هاج التذكرُ فى حشى القلب العميد
خوفى اذا ما اجفلت
خيل اشتياقى من جديد
كم كنت ارجوك الملاذ
بعتمة المطر العنيف(56/15)
كم ارهقت خيل القصيدة ترحلاً
لك فى القفار .. النار.. والقفر المخيف
كم بادكارك بان لي رغمي
باني لست الا كائن الضلع الضعيف
يا انت يا بعض اتزانى
فى مسارات التجلد
والبكاء السر
والبوح الشفيف
فاق اصطبارى
حد ما يمليه احساس التكتم والتخفى والرجاء
ومللت من دمع تعود ان يزور مع المساء
وسئمت من طيفاً يزاور
سأئلاً قلبي البقاء
وكرهت انى جيت من جنس النساء!!
وجعى على وجع النساء
انا لست غاضبة عليك
يا كل اسباب الهناءة والشقاء
غضبى على هذا الذى
يشتاق لو يلقاك يدفن وجهه
ولديك يجهش بالبكاء
انا لست نادمة على شى مضى
يا انت يا خير ابتلاء
لكنما...
او لست انت من استراح بباقة القلب الرحيم؟
او لست من لرحيله ...
باتت هويته غريب؟؟
او ليس حرفك انت اغنية؟
يرددها الصباح كأنها تعويذة
ويعيدها عند المغيب
عتبى عليك اذن
اذا هذا الزمان ابى
وان رضى الزمان
غضبى عليك
اذا استحال القلب ناراً او امان
ندمى على كل الذى سيكون
او يا انت كان
شعراء الجزيرة العربية >> إبراهيم أحمد الوافي >> ضوء الكلام ..!
ضوء الكلام ..!
رقم القصيدة : 67802
-----------------------------------
زمانٌ مضى ما احتسيتُ القصيدةَ
ما بين صوتي وصمتي
زمانٌ مضى
والسنينُ تقلُّبني بين أنثى وأنثى ..
فأفنى وتبقين أنتِ ..!
***
يدي كالضبابِ ونظَّّارتي الشمسُ
والقادمون من الليلِ بعضُ النداء ...!
أشعلي شمعةً بعد عامٍ مضى
لأرى في فمي وردتين وغصنٌا وقافيةً
من غناء ..!
أيها الأمسُ .. أيتها الأغنياتُ العذارى ...
وياأيها الشاعرُ المستضاءْ ...!
كلُُّّنا حين جئنا أنا.. كلنا من بكاء ...!
فاتركي للمساءِ القليلِ الندامى ..
وللبردِ دفءُ القُدامى
وللشعر ذاكرةَ الأصدقاء
***
ذنبُ صوتي الحقيقةُ
ذنب يدي أنها تكتبُ الآخرين امتنانًا ..وتغتابُ قلبيْ
ذنب كلُّ الذنوب التيّ فيَّ ذنبي ..!
اشعلي أي شيء هنا ..
قبلةًً
.. غفوةً
عنفوانَ القصيدةِ
أو رقصةِ الظلِّ جنبي ..!(56/16)
حدثيني قليلا عن الجنس عن قبُلات الكناري
وعن وشوشاتِ الهدوءْ ..!
حدثيني عن الشعرِ
عن طُهرِ ماءِ الوضوءْ ..!
عن الجوعِ ..عن حزنِ بغدادَ
عن صرَعاتِ الأغاني
وموضة ( عام الزيادةِ )
عن ( سهمِ ينساب)
عن قطةٍ لاتموء ..!
فإني بلا
أو على أو ..
شفا حفرةٍ من لجوء ..!
** .
لاتنامي وحيدةْ ..!
أشعلي شمعةً
واكتبيني قصيدةْ ..
شرشفي ناعمٌ
ماتبقَّى برأسي من الشَّعرِ يغوي المعاني الجديدةْ
اشعلي شمعةً
واتركيني لأكتبَ عن رقّة الليلِ في عينِ أمّي
وعن معطفِ الدفء في ( حالِ ضمّي ).!
...
اشعلي شمعة و اقرئيني جريدةْ ..!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لم أجد أحدا ...
لم أجد أحدا ...
رقم القصيدة : 67803
-----------------------------------
قالت سكتّ و ما سكتّ سدى
أعيا الكلام عليك أم نفدا ؟
إنّا عرفنا فيك ذا كرم
ما إن عرفنا فيك مقتصدا
فاطلق يراعك ينطلق خببا
واحلل لسانك يحلل العقدا
ما قيمة الإنسان معتقدا
إن لم يقل للناس ما اعتقدا ؟
و الجيش تحت البند محتشدا
إن لم يكن للحرب محتشدا ؟
و النور مستترا ؟ فقلت لها
كفّي الملامة و اقصري الفندا
ماذا يفيد الصوت مرتفعا
إن لم يكن للصوت ثمّ صدى ؟
و النور منبثقا و منتشرا
إن لم يكن للناس فيه هدى ؟
إنّ الحوادث في تتابعها
أبدلني من ضلّتي رشدا
ما خانني فكري و لا قلمي
لكن رأيت الشعر قد كسدا ...
***
كان الشّباب ، و كان لي أمل
كالبحر عمقا ، كالزمان مدى
و صحابه مثل الرّياض شذى
و صواحب كورودها عددا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا !..
***
ذهب الصّبي و مضى الهوى معه
أصبابه و الشيب قد وفدا ؟
فاليوم إن أبصرت غانية
أغضي كأنّ بمقلتي رمدا
و إذا تدار الكأس أصرفها
عنّي ، و كنت ألوم من زهدا
و إذا سمعت هتاف شادية
أمسكت عنها السمع و الكبدا
كفّنت أحلامي و قلت لها
نامي ! فإنّ الحبّ قد رقدا
وقع الخطوب عليّ أخرسني
و كذا العواصف تسكت الغردا
عمرو صديق كان يحلف لي(56/17)
إن نحت ناح و إن شدوت شدا
و إذا مشيت إلى المنون مشى
و إذا قعدت لحاجة قعدا
صدّقته ، فجعلته عضدي
و أقمت من نفسي له عضدا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا !..
***
هند ، و أحسبني إذا ذكرت
أطأ الأفاعي ، أو أجسّ مدى
كانت إلها ، كنت أعبده
و أجلّه ، و الحسن كم عبدا
كم زرتها و الحيّ منبته
و تركتها و الحيّ قد هجدا
و لكم و قفت على الغدير بها
و الريح تنسج فوقه زردا
و الأرض ترقص تحتنا طربا
و الشهب ترقص فوقنا حسدا
و لكم جلسنا في الرياض معا
لا طارئا نخشى و لا رصدا
و اللّيل فوق الأرض منسدل
و الغيم فوق البدر قد جمدا
قد كاشفتني الحبّ مقتربا
و شكت إليّ الشوق مبتعدا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ..
***
قومي ، و قد أطربتهم زمنا
ساقوا إليّ الحزن و الكمدا
هم عاهدوني إن مددت يدي
ليمدّ كلّ فتى إليّ يدا
قالوا غدا تهمي سحائبنا
فرجعت أدراجي أقول غدا
و ظننت أنّي مدرك أربي
إن غار تحت الأرض أو صعدا
فذهبت أمشي في الثرى مرحا
ما بين جلّاسي و منفردا
تيه المجاهد نال بغيته
أو تيه مسكين إذا سعدا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ...
***
هم هدّدوني حين صحت بهم
صيحاتي الشّعواء منتقدا
و رأيت في أحداقهم شررا
و رأيت في أشداقهم زبدا
و سمعت صائحهم يقول لهم
أن أقتلوه حيثما وجدا
فرجعت أحسبهم برابرة
في مهمة و أظنّني ولدا
مرّت ليال ما لها عدد
و أنا حزين باهت كمدا
أرتاع إن أبصرت واحدهم
ذعر الشويهة أبصرت أسدا
و إذا رقدت رقدت مضطربا
و إذا صحوت صحوت مرتعدا
لكنّني لمّا مددت يدي
و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ...
***
لا تذكروهم لي ، و إن سألوا
لا تذكروني عندهم أبدا
لا يملأ السربال واحدهم
و له وعود تملأ البلدا
يا ليتني ضيّعت معرفتي
من قبل أعرف منهم أحدا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الرزء الأليم
الرزء الأليم
رقم القصيدة : 67804
-----------------------------------(56/18)
( رثى بها فقيد اللغة و الأدب المرحوم الشيخ ابراهيم اليازجي )
- - - -
عدمت قلبي لم يعدم الجلدا
و نال نفسي الردى إن لم تذب كمدا
آها و لو نفعت آه أخا شجن
لم يبتع غيرها عند الأسى عضدا
آها و لو لم يكن خطب ألمّ بنا
ما سطّرتها يدي في كاغد أبدا
ألمرء مجتهد و الموت مجتهد
أن ليس يترك فوق الأرض مجتهدا
ساوى الرضيع به شاب مفرقه
و العبد سيّده و الثعلب الأسدا
قد غادر الفضل بالأحزان منفردا
من كان بالفضل دون الناس منفردا
مات ( البيان ) بموت ( اليازجّي ) فمن
لم يبك هذا بكى هذا الذي فقدا
و الله ما ولدت حواء أطهر من
هذا الفقيد فؤادا لا ولن تلدا
أين ( الضياء ) الذي زان البلاد كما
يزين البدر في جنح الدّجى الجلدا ؟
أين اليراع الذي قد كان يطربنا
صريره في أديم الطرس منتقدا ؟
و أين أين سجاياه التي حسدت
يبكي الشقيق أخا والوالد الولدا
أقسمت ما اهتز فوق الطرس لي قلم
إلاّ جعلت له دمعي البتيت مددا
و لا تخذت أخا في الدهر يؤنسني
بعد الجليل سوى الحزن الذي وجدا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الغد لنا
الغد لنا
رقم القصيدة : 67805
-----------------------------------
تبدّل قلبي من ضلالته رشدا
فلا أرب فيه لهند و لا سعدى
و لم تخب نار الوجد فيه و لا انطوت
و لكن هيامي صار بالأنفع الأجدى
و ما الزهد في شيء سوى حبّ غيره
أشدّ الورى نسكا أشدهم وجدا
أحبّ سواي العيش لهوا وراحة
و انكرته لهوا فأحببته كدّا
و ما دام في الدنيا سمو ورفعه
فما أنا من يرضى و يقنع بالأردا
...
هو الموت أن نحيا شياها وديعه
و قد صار كلّ الناس من حولنا أسدا
و أن نكتفي بالأرض نسرح فوقها
و قد ملكوا من فوقنا البرق و الرعدا
و أن ينشروا في كلّ أفق بنودهم
و أن لا نرى فوق السّماك لنا بندا
...
تأملت ماضينا المجيد الذي انقضى
فزلزل نفسي أنّه انهار و انهدا
و كيف امّحت تلك الحضارات كلّها
و صارت بلاد أنبتتها لها لحدا
و صرنا على الدنيا عيالا و طالما(56/19)
تعلّم منا أهلها البذل و الرفدا
و نحن الألى كان الحرير برودهم
على حين كان الناس ملبسهم جلدا
...
إذا الأمس لم يرجع فإنّ لنا غدا
نضيء به الدنيا و نملأها حمدا
و تلبسنا في الليل آفاقه سنا
و تنشرنا في الفجر أنسامه ندّا
فإنّ نفوس العرب كالشهب ، تنطوي
و تخفى ، و لكن ليس تبلى و لا تصدا
و مثل اللآلي لا يخيس جمالها
و إن هي لم ترصف و لم تنتظم عقدا
إذا اختلفت رأيا فما اختلفت هوى ،
أو افترقت سعيا فما افترقت قصدا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> العيون السود
العيون السود
رقم القصيدة : 67806
-----------------------------------
ليت الذي خلق العيون السودا
خلق القلوب الخافقات حديد
لولا نواعسها و لولا سحرها
ما ودّ مالك قلبه لو صيدا
عوّذ فؤادك من نبال لحاظها
أو مت كما شاء الغرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال و لم تهم
كنت امرءا خشن الطباع ، بليدا
و إذا طلبت مع الصبابة لذّة
فلقد طلبت الضائع الموجودا
يا ويح قلبي إنّه في جانبي
و أظنّه نائي المزار بعيدا
مستوفز شوقا إلى أحبابه
المرء يكره أن يعيش وحيدا
برأ الإله له الضلوع وقاية
و أرته شقوته الضلوع قيودا
فإذ هفا برق المنى و هفا له
هاجت دفائنه عليه رعودا
جشّمته صبرا فلمّا لم يطق
جشّمته التصويب و التصعيدا
لو أستطيع وقيته بطش الهوى
و لو استطاع سلا الهوى محمودا
هي نظرة عرضت فصارت في الحشا
نارا و صار لها الفؤاد وقودا
و الحبّ صوت ، فهو أنّه نائح
طورا و آونة يكون نشيدا
يهب البواغم صدّاحة
فإذا تجنّى أسكت الغرّيدا
ما لي أكلّف مهجتي كتم الأسى
إن طال عهد الجرح صار صديدا
و يلذّ نفسي أن تكون شقيّة
و يلذّ قلبي أن يكون عميدا
إن كنت تدري ما الغرام فداوني
أو لا فخلّ العذل و التفنيدا
...
يا هند قد أفنى المطال تصبّري
و فنيت حتّى ما أخاف مزيدا
ما هذه البيض التي أبصرتها
في لمّتي إلاّ اللّيالي السودا
ما شبت من كبر و لكنّ الذي
حمّلت نفسي حمّلته الفودا(56/20)
هذا الذي أبلى الشباب وردّه
خلقا وجعّد جبهتي تجعيدا
علمت عيني أن تسحّ دموعها
بالبخل علمت البخيل الجودا
و منعت قلبي أن يقرّ قراره
و لقد يكون على الخطوب جليدا
دلّهتني و حميت جفني غمضه
لا يستطاع مع الهموم هجودا
لا تعجبي أنّ الكواكب سهّد
فأنا الذي علّنتها التسهيدا
أسمعتها وصف الصبابه فانثنت
و كأنّما وطيء الحفاة صرودا
متعثّرات بالظلام كأنّما
حال الظلام أساودا و أسودا
و أنّها عرفت مكانك في الثرى
صارت زواهرها عليك عقودا
أنت التي تنسى الحوائج أهلها
و أخا البيان بيانه المعهودا
ما شمت حسنك إلاّ راعني
فوددت لو رزق الجمال خلودا
و إذا ذكرتك هزّ ذكرك أضلعي
شوقا كما هزّ انسيم بنودا
فحسبت سقط الطلّ ذوب محاجري
لو كان دمع العاشقين نضيدا
و ظننت خافقة الغصون أضالعا
و ثمارهن القانيات كبودا
و أرى خيالك كلّ طرفة ناظر
و من العجائب أن أراه جديدا
و إذا سمعت حكاية من عاشق
عرضا حسبتني الفتى المقصودا
مستيقظ و يظنّ أنّي نائم
يا هند ، قد صار الذهول جمودا
و لقد يكون لي السلوّ عن الهوى
لكنّما خلق المحبّ ودودا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الطين
الطين
رقم القصيدة : 67807
-----------------------------------
نسي الطين ساعة أنه طين
حقير فصال تيها و عربد
و كسى الخزّ جسمه فتباهى ،
و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي ،
ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير
الذي تلبس و اللؤلؤ الذي تتقلّد
أنت لا تأكل النضار إذا
جعت و لا تشرب الجمان المنضّد
أنت في البردة الموشّاة مثلي
في كسائي الرديم تشقى و تسعد
لك في عالم النهار أماني ،
وروءى و الظلام فوقك ممتد
و لقلبي كما لقلبك أحلا
م حسان فإنّه غير جلمد
...
أأماني كلّها من تراب
و أمانيك كلّها من عسجد ؟
و أمانيّ كلّها للتلاشي
و أمانيك للخلود المؤكّد !؟
لا . فهذي و تلك تأتي و تمضي
كذويها . و أيّ شيء يؤبد ؟
أيّها المزدهي . إذا مسّك ألا(56/21)
تشتكي ؟ ألا تتنهد ؟
و إذا راعك الحبيب بهجر
ودعتك الذكرى ألا تتوحّد ؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى
و في حالة المصيبة يكمد
أدموعي خلّ و دمعك شهد ؟
و بكائي ذلّ و نوحك سؤدد ؟
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه ؟
و ابتسامتك اللآلي الخرّد ؟
فلك واحد يظلّ كلينا
حار طرفي به و طرفك أرمد
قمر واحد يطلّ علينا
و على الكوخ و البناء الموطّد
إن يكن مشرقا لعينيك إنّي
لا أراه من كوّة الكوخ أسود
ألنجوم الني تراها أراها
حين تخفي و عندما تتوقّد
لست أدنى على غناك إليها
و أنا مع خصاصتي لست أبعد
...
أنت مثلي من الثرى و إليه
فلماذا ، يا صاحبي ، التيه و الصّد
كنت طفلا إذ كنت طفلا و تغدو
حين أغدو شيخا كبيرا أدرد
لست أدري من أين جئت ، و لا ما
كنت ، أو ما أكون ، يا صاح ، في غد
أفتدري ؟ إذن فخبّر و إلاّ
فلماذا تظنّ أنّك أوحد ؟
...
ألك القصر دونه الحرس الشا
كي و من حوله الجدار المشيّد
فامنع اللّيل أن يمدّ رواقا
فوقه ، و الضباب أن يتبلّد
وانظر النور كيف يدخل لا
يطلب أذنا ، فما له يطرد ؟
مرقد واحد نصيبك منه
أفتدري كم فيك للذرّ مرقد ؟
ذدتني عنه ، و العواصف تعدو
في طلابي ، و الجوّ أقتم أربد
بينما الكلب واجد مأوى
و طعاما ، و الهرّ كالكلب يرفد
فسمعت الحياة تضحك منّي
أترجى ، و منك تأبى و تجحد
...
ألك الروضة الجميلة فيها
الماء و الطير و الأزاهر و النّد ؟
فازجر الريح أن تهزّ و تلوي
شجر الروض - إنّه يتأوّد
و الجم الماء في الغدير و مره
لا يصفق إلاّ و أنت بمشهد
إنّ طير الأراك ليس يبالي
أنت أصغيت أم أنا إن غرّد
و الأزاهير ليس تسخر من فقري ،
و لا فيك للغنى تتودّد
...
ألك النهر ؟ إنّه للنسيم
الرطب درب و للعصافير مورد
و هو للشهب تستحمّ به
في الصيف ليلا كأنّها تتبرّد
تدعيه فهل بأمرك يجري
في عروق الأشجار أو يتجعّد ؟
كان من قبل أن تجيء ؛ و تمضي
و هو باق في الأرض للجزر و المد
...
ألك الحقل ؟ هذه النحل تجي
الشهد من زهرة و لا تتردّد(56/22)
و أرى للنمال ملكا كبيرا
قد بنته بالكدح فيه و بالكد
أنت في شرعها دخيل على الحقل
و لصّ جنى عليها فأفسد
لو ملكت الحقول في الأرض طرّا
لم تكن من فراشة الحقل أسعد
أجميل ؟ ما أنت أبهى من الور
دة ذات الشذى و لا أنت أجود
أم عزيز ؟ و للبعوضة من خدّيك قوت
و في يديك المهند
أم غنيّ ؟ هيهات تختال لولا
دودة القز بالحباء المبجد
أم قويّ ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك
و الليل عن جفونك يرتد
وامنع الشيب أن يلمّ بفوديك
و مر تلبث النضارة في الخد
أعليم ؟ فما الخيال الذي يطرق ليلا ؟
في أيّ دنيا يولد ؟
ما الحياة التي تبين و تخفى ؟
ما الزمان الذي يذمّ و يحمد ؟
أيّها الطين لست أنقى و أسمى
من تراب تدوس أو تتوسّد
سدت أو لم تسد فما أنت إلاّ
حيوان مسيّر مستعبد
إنّ قصرا سمكته سوف يندكّ ،
و ثوبا حبكته سوف ينقد
لايكن للخصام قلبك مأوى
إنّ قلبي للحبّ أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك و أحرى
من كساء يبلى و مال ينفد
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> شكوى
شكوى
رقم القصيدة : 67808
-----------------------------------
نسيت عهدي ، فلمّا جئتها
زعمت أنّي تناسيت العهود
وادّعت أنّي خليّ زاهد
أنا لو كنت كذا كنت سعيد
رغبت في الصدى عنّي بعدما
بتّ لا يحزنني مثل الصدود
مثلما أنكر ثغري خدّها
أنكرت فاتنتي تلك الوعود
يا شهودي عندما كنّا معا
ذكّوها ...أين أنتم يا شهود ؟
سكت البدر الذي راقبنا
وذوت في الروض هاتيك الورود
و مشيت ريخ الصبا حائرة
في المغاني حيرة الصبّ العميد
يا هواها قل متى تتركني
قال أو تصفرّ هاتيك الخدود
أنا لا أدعو عليها بالضنى
أتّقي أن يشمت القالي الحسود ....
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> إلى صديق
إلى صديق
رقم القصيدة : 67809
-----------------------------------
يا من قربت من الفؤاد
و أنت عن عيني بعيد
شوقي إليك أشدّ من
شوق السليم إلى الهجود
أهوى لقاءك مثلما
يهوى أخو الظمإ الورود
و تصدّني عنك النوى(56/23)
و أصدّ عن هذا الصدود
وردت نميقتك التي
جمعت من الدرّ النضيد
فكأنّ لفظك لؤلؤ
و كأنّما القرطاس جيد
أشكو إليك و لا يلام
إذا شكى العاني القيود
دهرا بليدا ما ينيل
وداده إلاّ بليد
و معاشرا ما فيهم
إن جئتهم غير الوعود
متفرّجين و ما التفرنج
عندهم غير الجحود
لا يعرفون من الشجاعة
غير ما عرف القرود
سيّان قالوا بالرضى
عنّي أو السخط الشديد
من ليس يصّدق في الوعود
فليس يصدّق في الوعيد
نفر إذا عدّ الرجال
عددتهم طيّ اللحود
تأبى السماح طباعهم
ما كلّ ذي مال يجود
أسخاهم بنضاره
أقسى من الحجر الصلود
جعد البنان بعرضه
يفدي اللجين من الوفود
و يخاف من أضيافه
خوف الصغير من اليهود
تعس امريء لا يستفيد
من الرجال و لا يفيد
و أرى عديم النفع ان
وجوده ضرر الوجود
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> 1914
1914
رقم القصيدة : 67810
-----------------------------------
طوي العام كما يطوي الرقيم
و هوى في لجّة الماضي البعيد
*
لم يكن ... بل كان لكن ذهبا
وانقضى حتّى كأن لم يكن
لو درى حين أتى المنقلبا
لتمنّى أنّه لم يبن
أيّ نجم شارق ما غربا
أي قلب خافق لم يسكن
جاهل من حسب الآتي يدوم
أحمق من حسب الماضي يعود
*
ما لنا يأخذ منّا الطرب
كلّما عام تلاشى واضمحل
أفرحنا أنّنا نقترب
من غد ؟ إنّ غدا فيه الأجل
عجب هذا و منه أعجب
إنّنا نفنى و لا يفنى الأمل
فكأنّا ما سمعنا بالحتوم
أو كأنّا قد نعمنا بالوجود
*
يا رعاه الله من عام خلا
فلقد كان سلاما و أمان
صافح الجحفل فيه الجحفلا
واستراح السيف فيه و السنان
ما انجلى حتى رأى النقع انجلى
و خبت نار الوغى في " البلقان "
لست أنسى نهضة الشعب النؤوم
إنّ فيها عبرة للمستفيد
*
و التقى البحران فيه بعدما
مرّت الأجيال لا يلتقيان
أصبح السّدّ الذي بينهما
ترعة يزخر فيها الأزرقان
فلتندم " آميركا ) ما التطما
ما لهذا الفتح في التاريخ ثان
و لتعيش رايتها ذات النجوم
أجمل الرايات أولى بالخلود !
*(56/24)
واعتلى الناس به متن الهواء
فهم حول الدراري يمرحون
يمخر المنضاد فيهم في الفضاء
مثلما يمخر في البحر السفين
معجزات ما أتاها الأنبياء
لا ولم يطمح إليها الأقدمون
سخّر العلم لهم حتّى الغيوم
فهم ، مثلهم ، فوق الصعيد
*
حلّق الغربيّ فوق السموات
و لبثنا نندب الرسم المحيل
فاذا ما قال أهل المكرمات
ما وجدنا ، و أبيكم ، ما نقول
لو فقهنا مثلهم معنى الحياة
ما أضعناها بكاء في الطلول
ألفت أنفسنا الضيم المقيم
مثلما يستعذب الظبي الهبيد ! .
*
أدركت غايتها كلّ الشعوب
نهض الصيني و ما زلنا نيام
عبثت فينا الرزايا و الخطوب
مثلما يعبث بالحرّ اللّئام
صودر الكاتب منّا و الخطيب
منعت ألسننا حتّى الكلام
نحن في الغفلة أصحاب الرقيم
نحن في الذّلّة إخوان اليهود
*
ليت أنّا حين مات الشّمم
لحقت أرواحنا بالغابرين
ما تمرّدنا على من ظلموا
لا ولم نفكك وثاقا عن سجين
ليس يمحو عارنا إلاّ الدّم
فالى كم نذرف الدمع السخين ؟
قام فينا ألف جبّار غشوم
غير أنّا لم يمت منّا شهيد
*
يا لقومي بلغ السيل الزبى
واستطال البغي و استشرى الفساد
فاجعلوا أقلامكم بيض الظبى
و استعيروا من دم الباغي المداد
كتب السيف ...اقرأوا ما كتبا
لا ينال المجد إلاّ بالجهاد
أي رجال الشرق أبناء القروم
لا تناموا .آفة الماء الركود!!!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> موميات
موميات
رقم القصيدة : 67811
-----------------------------------
(عرج صاحب الديوان في احدى سفراته على فندق فخم ، فلم ير إلا عجائز ، فقال : )
_ _ _
لمن يضوع العبير ؟
لمن تغنّي الطيور ؟
لمن تصفّ القناني ؟
لمن تصبّ الخمور ؟
و لا جمال أنيق
و لا شباب نضير
بل موميات عليها
أطالس و حرير
راحت تقعقع حولي
فكاد عقلي يطير
ولاذ قلبي بصدري
كأنّه عصفور
لاحت له في الأعالي
بواشق و صقور
و قال : ضويقت فاهرب !
قلت : الفرار عسير
ما لي جناح و لا لي
سيّارة أو بعير
صبرا ، فهذا بلاء
مقدّر مسطور
و رحت أسأل ربّي(56/25)
و هو اللطيف الخبير
أين الحسان الصبايا
إن كان هذا النشور ؟
ليت الحضور غياب
و الغائبين حضور
بل ليت كلّ نسيج
براقع و ستور
فقد أضرّ و آذى
عينيّ هذا السفور
***
هذي العصور الخوالي
تطوف بي و تدور
من كلّ شمطاء ولّى
شبابها و الغرور
كأنّما الفم منها
مقطّب مزرور
كيس على غير شيء
من الحلى مصرور
مأنّما هو جرح
مرّت عليه شهور
يا طالب الشهد أقصر
لم يبق إلا القفير
كأنّما الوجه منها
قد عضّه الزمهرير
كالبدر حين تراه
يعينك " الناظور "
تبدو لعينيك فيه
برازخ و بحور
و أنجد ووهاد
لكنّه مهجور !
مثل المسنّ و لكن
لا ماء فيه يمور
ما للبعوضة فيه
قوت بل التضوير
و لا يؤثّر فيه
ناب و لا أظفور
و لليدين ارتعاش
و للعظام صرير
أما العيون فغارت
و لا تزال تغور
مغاور ، بل صحارى ،
بل أكهف ، بل قبور
و الخصر ؟ عفوا و صفحا !
كانت لهنّ خصور !
***
هنّ السعالى و لكن
سعالهنّ كثير
حديتهنّ انتفاض
و ضحكهنّ هرير
و مشيتهنّ ارتباك
و تارة تقدير
يغضبن إن مال ظلّ
و إن ضدا شحرور
و إن تهادت غصون
و إن تسارى عبير
و إن تمايل عشب
و إن تماوج نور
فكلّ شيء قبيح
و كلّ شيء حقير
و كيف يفرح قلب
رجاؤه مدحور ؟
ما للرماد لهيب
ما للجليد خرير
***
من حولهنّ الأقاحي
و الورد و المنثور
وهنّ مكتئبات
كأنّهنّ صخور
لا يبتسمن لشيء
أما لهنّ ثغور ؟
بلى ، لهنّ ثغور
و إنّما لا شعور
كأنّما الحسن في الأر
ض كلّه تزوير
***
في فندق أنا أم في
جهنّم محشور ؟
و هل أنا فيه ضيف
لساعة أم أسير
يا ليتني لم أزره
و ليته مهجور
فليس يهنأ فيه
إلاّ الأصمّ الضرير
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الخطب الفادح
الخطب الفادح
رقم القصيدة : 67812
-----------------------------------
( رثى بها المغفور له الامام الحكيم الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية )
- - -
هيهات بعدك ما يفيد تصبّر
و لئن أفاد فأيّ قلب يصبر ؟
إنّ البكاء من الرجال مذمّم
إلاّ عليك فتركه لا يشكر(56/26)
لو كان لي قلب لقلت له ارعوي
إنّي بلا قلب فإنّي أزجر
لا زمت قبرك و البكاء ملازمي
و اللّيل داج و الكواكب سهّر
أبكي عليك بأدمع هطّالة
و لقد يقل لك النجيع الأحمر
ووددت من شجوي عليك و حسرتي
لو أن لحدك في فؤادي يحفر
إنّي لأعجب كيف يعلوك و حسرتي
لو ان لحدك في فؤادي يحفر
أمسيت مستترا به لكنّما
آثار جودك فوقه لا تستر
مرض الندى لمّا مرضت و كاد أن
يقضي من اليأس الملمّ المعسر
يرجوط أنّك جابر كسره
فإذا فقدت فكسره لا يجبر
و علت على تلك الوجوه سحابة
كدراء لا تصفو و لا تستمطر
كم حاولوا كتم الأسى لكنّه
قد كان يخترق الجسوم فيظهر
حامت حواليك الجموع كأنّما
تبغي وقاء الشرق مما يحذر
و الكلّ يسأل كيف حال إمامنا
ماذا رأى حكمائنا ، ما أخبروا ؟
و الداء يقوى ثم يضعف تارة
فكأنّه يبلو القلوب و يسبر
أوردته عذبا فأوردك الردى
تبّت يداه فذنبه لا يغفر
هيهات ما يثني المنيّة جحفل
عمّن تؤم و لا يفيد العسكر
رصد الردى أرواحنا حتى لقد
كدنا نعزّي المرء قبل يصور
نهوى الحياة كأنّما هي نعمة
و سوى الفواجع حبّها لا يثمر
و نظنّ ضحك الدهر فاتحة الرضى
و الدهر يهزأ بالأنام و يسخر
أفقيد أرض النيل أقسم لو درى
بالخطب أوشك ماؤه يتهسّر
و ضعوك في بطن التراب و ما عهد
ت البحر قلبك في الصفائح يذخر
ورأوا جلالك في الضريح فكلّهم
يهوى و يرجو لو مكانك يقبر
لم تخل من أسف عليك حشاشة
أبدا فيخلو من دموع محجر
آبو و ما آب العزاء إليهم
و الحزن ينظم و المدامع ينشر
و الكلّ كيف يكون حال بلادهم
من بعد ما مات الإمام يفكّر
لم يبلنا هذا الزمان بفقده
لو كان ممّن بالرزية يشعر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> و قال معاتبا
و قال معاتبا
رقم القصيدة : 67813
-----------------------------------
إن كان ذنبي دفاعي عن حقوقكم
فلست أدري وربّي كيف أعتذر
أعيذكم أن يقول الناس قد مدحوا
فما أثابوا على قول و لا شكروا(56/27)
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> التينة الحمقاء
التينة الحمقاء
رقم القصيدة : 67814
-----------------------------------
و تينة غضة الأفنان باسقة
قالت لأترابها و الصيف يحتضر
" بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني
عندي الجمال و غيري عنده النظر "
" لأحبسنّ على نفسي عوارفها
فلا يبين لها في غيرها أثر "
" كم ذا أكلّف نفسي فوق طاقتها
و ليس لي بل لغيري الفيء و الثمر "
" لذي الجناح و ذي الأظفار بي وطر
و ليس في العيش لي فيما أرى وطر "
" إنّي مفصلة ظلّي على جسدي
فلا يكون به طول و لا قصر "
و لست مثمرة إلا على ثقة
إن ليس يطرقني طير و لا بشر "
....
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه
فازّينت واكتست بالسندس الشجر
و ظلّت اتينة الحمقاء عارية
كأنّها وتد في الأرض أو حجر
و لم يطق صاحب البستان رؤيتها ،
فاجتثّها ، فهوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به
فإنّه أحمق بالحرص ينتحر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أيا نيل
أيا نيل
رقم القصيدة : 67815
-----------------------------------
وقفت ضحى في شاطيء النيل وقفة
يضنّ بها إلاّ على النيل شاعره
تهلّل حتى يبدو ضميره
و عبّس حتى كاد يشكل ظاهره
فثمّ جلال يملأ النفس هيبة
و ثمّ جلال يملأ العين باهره
فطورا أجيل الطرف في صفحاته
و طورا أجيل الطرف فيما يجاوره
و ألحظ شمس الأفق و هي مطله
تساير فيها ظلّها إذ تسايره
فأحسبها فيه تساهمني
و تحسبني فيها الغرام أشاطره
إذا هي ألقت في حواشيه نورها
رأى التبر يجري في حواشيه ناظره
أطالت به لاتحديق حتى كأنّما
تحاول منه أن تبين سرائره
فيا لهما إلفين باتا بعزل
يخامرها من حبّه ما يخامره
يروح النسيم الرّطب في جنباته
يداعبه طورا و طورا يحاوره
و تقبض من مبسوطه نفحاته
كما قبض الثوب المطرّز ناشره
فيصدف عنه و هو مقطب
كأنّ عدوّا بالنسيم يحاذرة
كأنّي به تدانت سطوره
أوائله قد شكّلت و أواخره
إذا ما جلا للناظرين رموزه(56/28)
تجلّى لهم ماضي الزمان و حاضره
أيا نيل نبئني أحاديث من مضوا
لعلّ شفاء النفس ما أنت ذاكره
حيالك صبّ بالخطوب مهدّد
جوانحه رهن الهموم و خاطره
أطاع شجونا لو أطاع فؤاده
عليها لفاضت بالنجيع محاجره
يحثّ إليّ الدهر كلّ رزيئة
على عجل حتى كأنّي واتره
و ما أنا بالعبد الذي يرهب العصا
و لكنّني حرّ تروع بوادره
أيا نيل فامنحني على الحقّ قوّة
فما سوّد الضرغام إلاّ أظافره
و هبني بأسا يسكن الدهر عنده
فقد طالما جاشت عليّ مناخره
إذا لم تكن عون الشجيّ على الأسى
فخاذله فيه سواء و ناصره
قني البأس وامنع شعبك الضّعف يتّقي
و ينصفه من حسّاده من يناكره
هو الدهر من ضدّين ذلّ و عزّة
فمن ذلّ شاكيه و من عزّ شاكره
و للقادر الماضي العزيمة حلوة
و للعاجز الواهي الشكيمة حازره
و ما للناس إلا القادرون على العلى
و ليست صنوف الطير إلاّ كواسر
ألم تره منذ استلينت قناته
تمشّت
فأرهق حتى ما يبين كلامه
و قيّد حتى ليس تسري خواطره
و لو ملكوا الأقدار استغفر الذي
له الملك يؤتيه الذي هو آثره
لما تركوا شمس النهار يزوره
سناها ، و لا زهر النجوم تسامره
يريدون أن يبقى و يذهب مجده
و كيف بقاء الشعب بادت مآثره ؟
فغورست في مصر يسدّد سهمه
إليه و قنّاص الوحوش يضافره
يلجّون في إعناته فإذا شكا
يصيحون أنّ الشعب قد ثار ثائره
لقد هزأوا لما تنّبه بعضه
فلم ذعروا لما تنبّه سائره ؟
يقولون جان لا يحلّ فكاكه
و لو أنصفوه حمل الإثم أسره
عجبت لقوم ينكرون شعوره
و هاتا مجاليه و تلك مظاهره
ألم يك في يوم القناة ثباته
دليلا على أن ليس توهى مرائره ؟
يعزّ على المصريّ أن يحمل الأذى
و حاضره يأبى الهوان و غابره
لئن تك للتاريخ و الله زينة
فما زينة التاريخ إلاّ مفاخره
رعى الله من أبنائه من يذود عن
حماه ، و من أضيافه من يظاهره
هم بعثوا فيّ الحياة جديده
فشدت أواخيه و عزّت أواصره
و هم أسمعوا الأيّام صوتا كأنّما
هو الرعد تدوي في السماء زماجره(56/29)
و هم أطلقوا أقلامهم حين أصبحت
مكبلة أقلامه و محابره
كذلك إن يعدم أخو الظلم ناصرا
فلن يعدم المظلوم حرا يناصره
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مجاهد
مجاهد
رقم القصيدة : 67816
-----------------------------------
قالوا قضى " موسى " فقلت قد انطوى
علم و أغمد صارم بتّار
فتوشّت صور المنى و تناثرت
كالزّهر بدّد شملها الإعصار
و كأنّما وتر الردى كلّ امريء
لمّا تولّى ذلك الجبّار
جزعت لمصرعه البلاد كأنّما
قد غاب عنها جحفل جرّار
و بكت " فلسطين " به قيدومها
إنّ الرزايا بالكبار كبار
لمّا نعوه نعوا إلينا سيّدا
شرفت خلائقه و طاب نجار
...
لبس الصّبا و نضاه غير مدنّس
كالنجم لم تعلق به الأوضار
و مشى المشيب برأسه فإذا به
كالحقل فيه الزهر و الأثمار
و تطاولت أعوامه ، فإذا به
كالطود فيه صلابة ووقار
ترتدّ عنه العاصفات كليلة
ويزلّ عنه العارض المدرارا
أوذي فلم يجزع ، وضيم فلم يهن
إنّ الكريم على الأذى صبّار
صقلت مكافحة الشدائد نفسه
و الروض تجلو حسنة الأمطار
فله من الشيخ الأصالة ، و الفتى
إقدامه ، إذ للفتى أوطار
يتهيّب الفجّار صدق يقينه
و برأيه يسترشد الأحرار
ما زال يزأر دون ذيّاك الحمى
كاللّيث ريع فما له استقرار
و يجشّم النفس المخاطر هادئا
كيلا تلمّ بقومه الأخطار
حتى استقرّ به الردى في حفرة
و خلا ، لغير جواده ، المضمار
فاعجب لمن ملأ المسامح ذكره
تطويه في عرض الثرى أشبار !
...
أيّار مذكور بحسن صنيعه
ولئن تولّى وانقضى أيّار
فاخدم بلادك مثل " موسى كاظم "
تسبغ عليك ثناءها الأمصار
إنّ السنين كقليلها
إن لم تزن صفحاتها الآثار
فاصرف عنانك في الشباب إلى العلى
برد الشبيبة كالجمال معار
لا تقعدنّ عن الجهاد إلى غد
فلقد يجيء غد و أنت غبار
ماذا يفيدك أن يكون لك الثرى
و لغيرك الآصال و الأسحار
من ليس يفتح للنهار جفونه
هيهات يكحل مقلتيه نهار
...
واحبب بلادك مثل " موسى كاظم "
حبّا به الإخلاص و الإيثار(56/30)
تضفر لرأسك من أزاهرها الربى
تاجا ، و تهتف باسمك الأغوار
إيّاك ترمقها بمقلة تاجر
إن اتّجارك بالمواطن عار
ودع المنافق لا تثق بعهوده
وطن المنافق فضّة و نضار
مترجرج الأخلاق ، أصدق وعده
آل ، و خير هباته الأعذار
يدنو إليك بوجهه متودّدا
و فؤاده بك هازيء سخّار
هو حين يجري مع هواه خائن
و إذا سمت أخلاقه سمسار
كم معشر خلناهم أنصارنا
فإذا هم لعداتنا أنصار
رقد العدى فتحمّسوا ، حتى إذا
جدّ الوغى ركبوا العقاب و طاروا
شرّ لمن الخصم اللّدود على الفتى
ألصاحب المتذبذب الخوّار
وحذار أشراك السياسة إنّها
بنت أبوها الزئبق الفرّار
فيها من الرقطاء ناقع سمّها
و لها نيوب الذئب و الأظفار
ترد المناهل و هي ماء سائغ
و تعود عنها و المناهل نار
ألكذب و التمويه خير صفاتها
و شعارها أن لا يدوم شعار
لا تطلبنّ من السياسة رحمة
هي حيث طلّ دم و حلّ دمار
ألصيد غيرك إن سهرت ، فإن تنم
فالصيد أنت و لحمك المختار
يا قومنا !.. إنّ العدوّ ببابكم
بئس المغير على البلاد الجار
و له بأرضكم طماعة أشعب
و رواغه ، و لكيده استمرار
لا ترقدوا عنه فليس براقد
أفتهجعون و قد طمى التيّار ؟
إنّ الطيور تذود عن أوكارها
أتكون أعقل منكم الأطيار ؟
سيروا على آثار موسى و اعملوا
إن شئتم أن لا تضيع ديار
زوروا ثراه قوّة
منه فكم أحيا الهوى التذكار
قبر يفوح الطيب من جنباته
قبر الكريم خميلة معطار
فإذا تمرّ عليه يوما نسمة
أرجت كأنّ حجارة أزهار
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> فلنعش
فلنعش
رقم القصيدة : 67817
-----------------------------------
لا تسل أين الهوى و الكوثر
سكت الشّادي وبحّ الوتر
فجأة ...وانقلب العرس إلى
مأتم ...ماذا جرى ؟ ...ما الخبر ؟
ماجت الدّار بمن فيها ، كما
ماج نهر ثائر منكدر
كلّهم مستفسر صاحبه
كلّهم يؤذيه من يستفسر
همس الموت بهم همسته
إنّ همس الموت ريح صرصر
فإذا الحيرة في أحداقهم
كيفما مالوا و أنّى نظروا(56/31)
علموا ...يا ليتهم ما علموا
أنّ دنيا من رؤى تحتضر !
و الذي أطربهم عن قدرة
بات لا يقوى و لا يقتدر
يبس الضحك على أفواههم
فهو كالسخر و إن لم يسخروا
و إذا الآسي ...يد مخذوله
و محيّا ، اليأس فيه أصفر
شاع في الدّار الأسى حتّى شكت
أرضها و طأته و الجدر
فعلى الأضواء منه فتره
و على الألوان منه أثر
و القناني صور باهته
و الأغاني عالم مندثر
ألهنا أفلت من أيديهم
و الأماني .. ؟ .. إنّها تنتحر
ذبحت أفراح في لمحة
قوّة تجني و لا تعتذر
تقلع النّبت الذي تغرسه
و الشّذا فيه ، و فيه الثمر
إعبثي ما شئت يا دنيا بنا
و تحكّم ما تشاء يا قدر
إن نكن زهرا فما أمجدنا
أو نكن شوكا فهذا الخطر
فلنعش في الأرض زهرا و ليطل
أجل الشّوك الذي لا يزهر
...
رحل الشاعر عن دار الأذى
و انقضت معه الليالي الغرر
كم حوته و حواها ملكا
دولة الروح التي لا تقهر
عاش لا ينكر إلاّ ذاته
إنّ حبّ الذات شيء منكر
شاعر ، أعجب معنى صاغه
للبرايا ... موته المبتكر
الجمال الحقّ ما يعبده
و الجمال الزّور ما لا يبصر
و الحديث الصفو ما ينشره
و الحديث السوء ما يختصر
إنّه كان " ملاكا " بشرا
فمضى عنّا الملاك البشر
و نفوس الخلق إمّا طينة
لا سنا فيها و إمّا جوهر
...
يا رفيقي ! ما بلغت المنتهى
ليست الحدّ الأخير الحفر
فاعبر النهر إلى ذاك الحمى
حيث " جبران " العميد الأكبر
" و رشيد " نغمة شادية
" و نسيب" نغم مستبشر
" و جميلب " فكرة هائمة
" و أمين " أمل مخضوضر
قل لهم إنّا غدونا بعدهم
لا حديث طيّب ، لا سمر
كسماء ليس فيها أنجم
أو كروض ليس فيه زهر
كلّنا منتظر ساعته
و المصير الحقّ ما ننتظر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لم يهدم الموت الا هيكل الطين
لم يهدم الموت الا هيكل الطين
رقم القصيدة : 67818
-----------------------------------
لم يبرح الروض فيه الماء و الزهر
و لم يزل في السماء الشمس و القمر
لكنها الآن في أذهاننا صور(56/32)
شوهاء لا القلب يهواها و لا النظر
قد انطوى حسنها لمّا انطوى الشاعر
*
قل للمغنّي الذي قد غصّ بالنغم
إنّي نظيرك قد خان الكلام فمي
و مثل ما بك بي من شدّة الألم
أما العزاء فشيء زال كالحلم
كيف السبيل إلى خمر و لا عاصر !
*
مضى الذي كان في البلوى يعزّينا
و كان يحيي ، إذا ماتت ، أمانينا
و يسكب السّحر أنغاما و يسقينا
مضى " نسيب " النبيّ المصطفى فينا
و صار جسما رميما في يد القابر
*
كم جاءنا في اللّيالي السود بالألق
و بالندى من حواشي القفر و العبق
و بالأغاني و ما من صادح لبق
و إنّما هو سحر الحبر و الورق
السحر باق و لكن قد مضى الساحر !
*
كالشمس يسترها عند المسا الغسق
و نورها في رحاب الأرض منطلق
تذوي الورود و يبقى بعدها العبق
حتى لمن قطفوا منها و من سرقوا
كم عالم غابر في عالم حاضر
*
إن كان مات " نسيب " كالملايين
من العبيد الموالي و السلاطين
فالحيّ في هذه الدنيا إلى حين
لكن نسيب إلى كلّ الأحايين
و إن نأى و سما للعالم الطاهر
*
لسوف يرجع عطرا في الرياحين
أو نسمة تتهادى في البساتين
أو بسمة في ثغور الخرّد العين
فالموت ما هدّ إلاّ هيكل الطين
لا تحزنوا فنسيب غائب حاضر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أنا و أخت المهاة و القمر
أنا و أخت المهاة و القمر
رقم القصيدة : 67819
-----------------------------------
آه من الحبّ كلّه عبر
عندي منه الدموع و السهر
وويح صرعى الغرام إنّهم
موتى ، و ما كفّنوا و لا قبروا
يمشون في الأرض ليس يأخذهم
زهو و لا في خدودهم صعر
لو ولج الناس في سرائرهم
هانت ، و ربّي ، عليهم سقر
ما خفروا دمّة ، و لا نكثوا
عهدا ، و لا مالا و لا غدروا
قد حملوا الهون غير ما سأم
لولا الهوى للهوان ما صبروا
لم يبق منّي الضّنى سوى شبح
يكاد ، لولا الرجاء ، يندثر
أمسي و سادي مشابها كبدي
كلاهما النار فيه تستعر
أكل صبّ ، يا ليل ، مضجعة
مثلي فيه القتاد و الإبر
لعلّ طيفا من هند يطرقني(56/33)
فعند هند عن شقوتي خبر
ما بال هند عليّ غاضبة
ما شاب فودي و ليس بي كبر
ما زلت غضّ الشباب لا وهن
يا هند في عزمتي و لا خور
لا درّ درّ الوشاة قد حلفوا
أن يفسدوا بيننا و قد قدروا
واها لأيّامنا ... أراجعة ؟
فانّهن الحجول و الغرر
أيّام لا الدهر قابض يده
عنّي ، و لا هند قلبها حجر
***
لم أنس ليلا سهرته معها
تحنو علينا الأفنان و الشجر
غفرت ذنب النّوى بزورتها
ذنب النوى باللقاء يغتفر
بتنا عن الراصدين يكتمنا
الأسودان : الظلام و الشعر
ثلاثة للسرور ما رقدوا
أنا و أخت المهاة و القمر
فما لهذي النجوم ساهية
ترنو إلينا كأنّها نذر ؟ ...
إن كان صبح الجبين روّعها
فإنّ ليل الشعور معتكر
أو انتظام العقود أغضبها
فإنّ درّ الكلام منتثر
و ما لتلك الغصون مطرقة
كأنّها للسلام تختصر
تبكي كأنّ الزمان أرهقها
عسرا ، و لكن دموعها الثمر
طورا على الأرض تنثني مرحا
و تارة في الفضاء تشتجر
فأجلفت هند عند رؤيتها
و قد تروع الجآذر الصور
هيفاء لو لم تلن معاطفها
عند التثنّي خشيت تنكسر
من اللّواتي - و لا شبيه لها -
يزينهنّ ادلال و الخفر
في كل عضو و كل جارحة
معنى جديد للحسن مبتكر
تبيت زهر النجوم طامعة
لو أنّها فوق نحرها درر
رخيمة الصوت إن شدت لفتت
لها الدّراري و أنصت السحر
أبثّها الوجد و هي لاهية
أذهلها الحبّ فهي تفتكر
يا هند كم ذا الأنام تعذلنا
و ما أثمنا و لا بنا وزر
فابتدرت هند و هي ضاحكة :
ماذا علينا و إن هم كثروا
فدتك نفسي لو أنّهم عقلوا
و استشعروا الحبّ مثلما عذروا
ما جحد الحبّ غير جاهله
أيجحد الشمس من له بصر ؟
ذرهم و إن أجلبوا و إن صخبوا
و لا تلمهم فما هم بشر !
سرنا الهويناء ما بنا تعب
و قد سكتنا و ما بنا حصر
لكنّ فرط الهيام أسكرنا
و قبلنا العاشقون كم سكروا
فقل لمن يكثر الظنون بنا
ما كان إلاّ الحديث و النظر
حتّى رأيت النجوم آفلة
و كاد قلب الظلام ينفطر
ودّعتها و الفؤاد مضطرب
أكفكف الدمع و هو ينهمر(56/34)
وودّعتني و من محاجرها
فوق العقيق الجمان ينحدر
قد أضحك الدهر ما بكيت له
كأنّما البين عنده وطر
كانت ليالي ما بها كدر
و الآن أمست و كلّها كدر
إن نفد الدمع من تذكّها
فجادها بعد أدمعي المطر
عسى اللّيالي تدري جنايتها
على قتيل الهوى فتعتذر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مرآة الغرب
مرآة الغرب
رقم القصيدة : 67820
-----------------------------------
سلام عليها طفلة و فتيّة
كزهر الربى البسّام باكره القطر
كعاب تلاقى الحسن و الفضل عندها
كما يلتقي في الصفحة السّطر و السطر
لها صولة الأبطال إن حمس الوغى
و فيها حياء البكر عمّا به وزر
و فيها من الشيخ الحكيم وقارة
و فيها من الخود الملاحة و الطهر
ألا إنّ حسنا لا يرافقه النّهى
و إن دام يوما لا يدوم له قدر
....
هي الروض فيه النبت و الندّ و الندى
و فيه الشوادي المطرباتك و الزهر
هي الشمس تبدو كل يوم جديدة
يروح بها ليل و يأتي بها فجر
لكلّ فتاة خدرها و سوارها
و لكنّ هذي كلّ قلب لها خدر
يريد سناها الطيّ و النشر رونقا
و يخلق حتّى المصحف الطيّ و النشر
أنيس الفتى إن غاب عنه أنيسه
و أنجمه إن غابت الأنجم الزهر
و سفر تلذّ المرء محتوياته
إذا لم يكن في البيت ناس و لا سفر
إذا رضيت فالنور في كلماتها
و إن غضبت فهي الأسنّة و الجمر
و في كلّ حرب يعقد الحقّ فوقها
أكاليل نصر يشتهي مثلها البدر
و لا غرو إن عزّت وهان خصومها
فللحقّ مهما جعجع الباطل ، النصر
فكم مرجف أغراه فيها سكوتها
فلمّا أهابت كاد يقتله الذعر
و كم كاشح غاو أراد بها الأذى
ثنى طرفه عنها و في نفسه الضرّ
لها في ربوع الشرق جيش عرمرم
و أعوانها في الغرب ليس لهم حصر
و لو كان في المرّيخ أرض و أمّة
لكان لها في أرضه عسكر مجر
لتسحب ذيول الفخر تيها فوحدها
يحقّ لها ما بين أترابها الفخر
و لا غرو إن أهدى لها الشعر وحيه
فيا طالما سارت و سار بها الشهر
و لا غرو إن صغنا لها النثر حلية(56/35)
" ففي عنق الحسناء يستحسن الدرّ "
و إن يكن الأحرار من نصرائها
فكم نصر الأحرار صاحبها الحرّ
أديب عفيف قلبه و يراعه
بغيض إليه الطيش و الفيش و الهجر
ثمان و عشر و هو يخدم قومه
ألا حبّذا تلك الثّمانيّ و العشر
ففي العسر لم يجهر بشكوى لسانه
و في اليسر لم يلعب بأعطافه الكبر
وشرّ المزايا أن يصيبك حادث
و تجهر بالشكوى و في وسعك الصّبر
أهذا كمن يمسي و يضحي معربدا
و قدّمه طبل و من خلفه زمر ؟
أهذا كمغتاب يروح و يغتدي
و في نطفة شرّ و في صمته شرّ ؟
أهذا كمفطور على الشرّ و الأذى
أحاديثه نكر و أعماله نكر ؟
أهذا كأفعى همّها نفث سمّها
و نهش الذي تلقى و لو أنّه صخر
أكمن إلى الوزر عامدا
و يضحك مختالا إذا مسّه الوزر ؟
أهذا الذي قد حارب المكر جهده
كمن شاب فوداه و ديدنه المكر ؟
إذا الدهر لم يعرف لكلّ مكانه
إذن قل لأهل الدهر قد فسد الدهر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الغدير الطموح
الغدير الطموح
رقم القصيدة : 67821
-----------------------------------
قال الغدير لنفسه
يا ليتني نهر كبير
مثل الفرات العذب أو
كالنيل ذي الفيض الغزير
تجري السفائن موقرات
فيه بالرزق الوفير
هيهات يرضى بالحقير
من المنى إلاّ الحقير
و انساب نحو النهر لا
يلوي على المرج النضير
حتى إذا ما جاءه
غلب الهدير على الخرير
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الدمعة الخرساء
الدمعة الخرساء
رقم القصيدة : 67822
-----------------------------------
سمعت عول النائحات عشية
في الحيّ يبتعث الأسى و يثير
يبكين في جنح الظلام صبيّة
إنّ البكاء على الشباب مرير
فتجهّمت و تلفّتت مرتاعة
كالظبي أيقن أنّه مأسور
و تحيّرت في مقلتيها دمعة
خرساء لا تهمي و ليس تغور
فكأنّها بطل تكنّفه العدى
بسيوفهم و حسامه مكسور
و جمت ، فأمسى كلّ شيء واجما
ألنور ، و الأظلال ، و الديجور
ألكون أجمع ذاهل لذهولها
حتى كأنّ الأرض ليس تدور
لا شيء ممّا حولنا و أمامنا(56/36)
حسن لديها و الجمال كثير
سكت الغدير كأنّما التحف الثرى
وسها النسيم كأنّه مذعور
و كأنّما الفلك المنوّر بلقع
و الأنجم الزهراء فيه قبور
كانت تمازحني و تضحك فانتهى
دور المزاح فضحكها تفكير
...
قالت وقد سلخ ابتسامتها الأسى :
صدق الذي قال
أكذا نومت و تنقضي أحلامنا
في لحظة ، و إلى التراب نصيره ؟
و تموج ديدان الثرى في أكبد
كانت تموج بها المنى و تمور
خير إذن منّا الألى لم يولدوا
و من الأنام جلامد و صخور
و من العيون مكاحل و مراود
و من الشفاه مساحيق و ذرور
و من القلوب الخافقات صبابة
قصب لوقع الريح فيه صفير !
...
و توقّفت فشعرت بعد حديثها
أن الوجود مشوّش مبتور
ألصيف ينفث حرّه من حولنا
و أنا أحسّ كأنّني مقرور
ساقت إلى قلبي الشكوك فنغّصت
ليلي ، و ليس مع الشكوك سرور
و خشيت أن يغدو مع الرّيب الهوى
كالرسم لا عطر و فيه زهور
و كدميه المثّال حسن رائع
ملء العيون و ليس ثمّ شعور
فأحببتها : لتكن لديدان الثرى
أجسامنا إنّ اجسوم قشور
لا تجزعي فالموت ليس يضيرنا
فلنا إياب بعده و نشور
إنّا سنبقى بعد أن يمضي الورى
و يزول هذا العالم المنظور
فالحبذ نور خالد متجدد
لا ينطوي إلاّ ليسطع نور
و بنو الهوى أحلامحهم ورؤاهم
لا أعين و مراشف و نحور
فإذا طوتنا الأرض عن أزهارها
و خلا الدجى منّا و فيه بدور
فسترجعين خميلة معطارة
أنا في ذراها بلبل مسحور
يشدو لها و يطير في جنباتها
فتهشّ إذ يشدو و حين يطير
أو جدولا مترقرقا مترنّما
أنا فيه موج ضاحك و خرير
أو ترجعين فراشة خطّارة
أنا في جناحيها الضحى الموشور
أو نسمة أنا همسها و حفيفها
أبدا تطوّف في البرى و تدور
تغشى الخمائل في الصباح بلبلة
و تؤوب حين تؤوب و هي عبير
أو تلتقي الكئيب ، على رضى
و قناعة ، صفصافة و غدير
تمتدّ فيه و في ثراه عروقها
و يسيل تحت فروعها و يسير
و يغوص فيه خيالها فيلفه
و يشفّ فهو المنطوي المنشور
يأوي إذا اشتدّ الهجير إليها
ألناسكان : الظبي و العصفور(56/37)
لهما سكينتها ووارف ظلّها
و الماء إن عطشا لديه و فير
أعجوبتان - زبرجد متهدل
نام تدفّق تحته البلّور
لا الصبح بينهما يحول و لا الدجى
فكلاهما بكليهما مغمور
تتعاقب الأيّام و هي نضيره
مخضرّة الأوراق ، و هو نمير
فالدهر أجمعه لديهما غبطة
و الدهر أجمعه لديه حبور
...
فتبسّمت و بدا الرضى في وجهها
إذ راقها التمثيل و الصوير
عالجتها بالوهم فهي قريرة
و لكم أفاد الموجع التخدير
ثمّ افترقنا ضاحكين إلى غد
و الشهب تهمس فوقنا و تشير
هي كالمسافر آب بعد مشقّة
و أنا كأنّي قائد منصور
لكنّني لمّا أويت لمضجعي
خشن الفراش عليّ و هو وثير
و إذا سراجي قد وهت و تلجلجت
أنفاسه فكأنّه المصدور
و أجلت طرفي في الكتاب فلاح لي
كالرسم مطموسا و فيه سطور
و شربت بنت الكرم أحسب راحتي
فيها : فطاش الظنّ و التقدير
فكأنّني فلك وهت أمراسها
و البحر يطغى حولها و يثور
سلب الفؤاد رواه و الجفن الكرى
همّ عرا ، فكلاهما موتور
حامت على روحي الشكوك كأنّها
و كأنّهن فريسة و صقور
و لقد لجأت إلى الرجاء فعقّني
أما الخيال فخائب مدحور
يا ليل أين النور ؟ إنّي تائه
مر ينبثق ، أم ليس عندك نور ؟
...
" أكذا نموت و تنقضي أحلامنا
في لحظة و إلى التراب نصير ؟ "
" خير إذن منّا الألى لم يولدوا
و من الأنام جنادل و صخور "
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> حديث موجة
حديث موجة
رقم القصيدة : 67823
-----------------------------------
عندي لكم نبأ عجيب شيّق
سأقصّه و عليكم تفسيره
إنّي رأيت البحر أخرس ساهيا
كالشيخ طال بما مضى تفكيره
فسألت نفسي حائرا متلجلجا
يا ليت شعري أين ضاع هديره ؟
" بالأمس " قالت موجة ثرثارة
و مضت ، فأكملت الحديث صخوره :
بالأمس مرّ بنا فتى من قومكم
رقّت شمائله ودقّ شعوره
مترنّح من خمرة قدسيّة
فيها الهوى و فتونه و فتوره
مترفّق في مشيه يطأ الثّرى
و كأنّما بين النجوم مسيره
يلهو بأوتار الكمنجة و الدجى
مرخيّة فوق العباب ستوره(56/38)
يهدي إلى الوطن القديم سلامه
و يناشد الوطن الذي سيزوره
فشجا الخضمّ نشيده و هتافه
فسها ، فضاع هديره وزئيره
أعرفتموه ؟ ... إنّه هذا الفتى
هذا الذي سحر الخضمّ مروره
" داود " و المزمار في نغماته ،
و " الموصليّ " و معبد و سريره
يا ضيفنا / و الأنس أنت رسوله
و بشيره ، و الفنّ أنت أميره
لو شاع في الفردوس أنّك بيننا
لمشت إلينا سافرات حوره
ذهب الربيع و جئتنا فكأنّما
جاء الربيع زهوره و طيوره
ألفن هشّ إليك في أمرائه
و تفتّحت لك دوره و قصوره
إنّ الجواهر بالجواهر أنسها
أمّا التراب فبالتراب حبوره
يا شاعر الألحان إنّي شاعر
أمسي ضئيلا عند نورك نوره
أسمى الكلام الشعر إلاّ أنّه
أسماه ما أعيا الفتى تصويره
و أحبّ أزهار الحدائق وردها
و أحبّ من ورد الرياض عبيره
أنت الفتى لك في النسيم حفيفه
و لك الغدير صفاؤه و خريره
ألقوم صاغية إليك قلوبهم
و اللّيل منصته إليك بدوره
و بهذه الأوتار سحر جائل
متململ كالوحي حان ظهوره
إن كنت لا تهتاجه و تثيره
فمن الذي يهتاجه و يثيره ؟
دغدغ بريشتك الكمنجة ينطلق
و يدبّ في أرواحنا تأثيره
وامش بنا في كلّ لحن فاتن
كالماء يجري في الغصون طهوره
أدر على الجلّاس أكواب الهوى
في راحتيك سلافه و عصيره
فيخفّ في الرجل الحليم و قاره
و يراجع الشيخ المسنّ غروره
و تنام في صدر الشّجي همومه
و يفيق في قلب الحزين سروره
هذي الجموع الآن شخص واحد
لك حكمة و كما تشاء مصيره
إن شئت طال هتافه و نشيده
أو شئت دام نواحه وزفيره
إنّا و هبناك القلوب و لم نهب
إلّا الذي لك قبلنا تدبيره !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> شاعر الشهور
شاعر الشهور
رقم القصيدة : 67824
-----------------------------------
" أيّار " ، يا شاعر الشهور
و بسمة الحبّ في الدهور
و خالق الزهر في الروابي
و خالق العطر في الزهور
و باعث الماء ذا خرير
و موجد السحر في الخرير
و غاسل الأفق و الدراري
و الأرض بالنور و العبير(56/39)
لقد كسوت الثّرى لباسا
أجمل عندي من الحرير
ما فيك قرّ و لا هجير
ذهبت بالقرّ و الهجير
فلا ثلوج على الروابي
و لا غمام على البدور
أتيت فالكون مهرجان
من اللّذاذات و الحبور
أيقظت في الأنفس الأماني
و الابتسامات في الثغور
و كدت تحيي الموتى البوالي
و تنبت العشب في الصخور
و تجعل الشوك ذا أريج
و تجعل الصخر ذا شعور
فأينما سرت صوت بشرى
و كيفما ملت طيف نور
تشكو إليك الشتاء نفسي
و ما جناه من الشرور
كم لذّع الزّمهرير جلدي
و دبّ حتى إلى ضميري
فلذت بالصوف أتّقيه
فاخترق الصوف كالحرير
و كم ليال جلست وحدي
منقبض الصدر كالأسير
يهتزّ مع أنملي كتابي
و يرجف الحبر في السطور
تعول فيها الرياح حولي
كنائحات على أمير
و الغيث يهمي بلا انقطاع ،
و الرعد مستتبع الزئير
و اللّيل محلولك الحواشي
و صامت البدء و الأخير
و الشهب مرتاعة كطير
مختبئات من الصقور
في غرفتي موقد صغير
لله من موقدي الصغير !
يكاد ينقدّ جانباه
من شدّة الغيظ لا السعير
لولا لظاه رقصت فيها
بغير دفّ على سريري
و ساعة وجهها صفيق
كأنّه وجه مستعير
أبطأ في السير عقرباها
فأبطأ الوقت في المسير
حتّى كأنّ الزمان أعمى
يمشي على الشوك في الوعور
كنّا طوينا المنى و قلنا :
ما للأماني من نشور
فلو يزور الصدور حلم
عرّج منها على قبور
لقد تولّى الشتاء عنّا
فصفّقي ، يا منى و طيري !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> قتل نفسه
قتل نفسه
رقم القصيدة : 67825
-----------------------------------
تأمّل في أمسه الدابر
فكاد يجنّ من الحاضر
أهاج التذكّر أشجانه
و كم للسعادة من ذاكر .
فتى كان أنعم من جاهل
فأصبح أتعس من شاعر
أضاع الغنى و أضاع الصحاب
و ربّ مريض بلا زائر
و يا طالما أحدقوا بالفتى
كما تحدق الجند بالظافر
فلما انقضى مجده أعرضوا
و ما الناس إلا مع القادر
و ما الناس إلا عبيد القوي
فكن ذاك أو كن بلا شاكر
أشدّ من الدهر مكرا بنوه
فويل لمن ليس بالماكر
فكن بينهم خاتلا غادرا(56/40)
و لا تشتك الغدر من غادر
تعيس تعانقه النائبات
عناق الحبائل للطائر
كثير الهموم بلا ناصر
كسير الفؤاد بلا جابر
قضى ليله ساهيا ساهرا
إلى كوكب مثله ساهر
يفتّش عن آفل في الثّرى
و ما كان في الأفق بالسافر
و تالله يجدي فتى بائسا
كلام المنجّم و الساحر
و لمّا تولّت دراري السماء
و غاب الهلال عن الناظر
بكى ، ثمّ صاح أحتّى النجوم
تصدّ عن الرجل العاثر ؟
إلى م أعاند هذا الزمان
عناد السفينة للزاجر
و أدعو و ما ثمّ من سامع ،
و أشكو ، و لكن إلى ساخر
و أرجو الوفاء و تأبى النفوس
و أنّى الولادة للعاقر
سئمت الحياة فليت الحمام
يعيد إلى أصله سائري
فتنطلق النّفس من سجنها
و يسجن تحت الثّرى ظاهري
وزاد سواد الدّجى يأسه
وقد كاد يسفر عن باهر
فشاء التخلّص من دهره
الخؤون ، و من عيشه الحازر
فأغمد في صدره مديه
أشدّ مضاء من الباتر
و كم مثله قد قضى نحبه
شهيد التّأمل في الغابر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بنت الدوالي
بنت الدوالي
رقم القصيدة : 67826
-----------------------------------
هات اسقني بالقدح الكبير
صفراء لون الذهب المصهور
كأنّها في كؤوس البلّور
شعلة نار في بقايا نور
*
عجبت للكأس التي تحويها
كيف استقرّت و الحياة فيها
لو لم يدرها بيننا ساقيها
دارت على القوم بلا مدير
*
هات اسقنيها مثل عين الديك
صافية تنهض بالصّعلوك
حتّى يرى التّيه على الملوك
و لا يبالي سطوة الأمير
*
بنت الدّوالي ضرّة الرضاب
أخت التّصافي زوجة السحاب
أنت ، و إن لام الورى شرابي
في الخالدين : القرّ و الهجير
*
أشربها بل أشرب الإكسيرا
تخلق في شاربها السّرورا
فقل لمن يحسبها غرورا
ما العيش إلاّ ساعة الغرور
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مسرح العشاق
مسرح العشاق
رقم القصيدة : 67827
-----------------------------------
من سحر من مجيري
يا ضرّة الرّشا الغرير
جسم كخصرك في النحو
ل ، و مثل جفنك في الفتور
أصبحت أضأل من هلا(56/41)
ل الشكّ في عين البصير
محق الضّنى جسدي فيت
من الهلاك على شفير
و مشى الرّدى في مهجتي
الله في النفس الأخير
جهل النّطاسي علّتي
لله من جهل الخبير
كم سامني جرع الدّوا
ء و كم جرعت من المرير
دع ، أيّها الآسي ، يدي
الحبّ يدرك بالشعور
يدري الصّبابة و الهوى
من كان في البلوى نظيري !..
***
لو تنظرين إليّ كالمي
ت المسجّى في سريري
يتهامس العوّاد حو
لي كلّما سمعوا زفيري
و أظنّهم قد أدركوا
لا أدركوا ما في ضميري
فأبيت من قلقي عليك
كأنني فوق السّعير
و أدرت طرفي في الحضو
ر لعلّ شخصك في الحضور
فارتدّ يعثر بالدمو
ع تعثّر الشيخ الضرير
قد زارني من لا أحب (م)
و أنت أولى أن تزورني
صدّقت ما قال الحوا
سد فيّ من هجر و زور
و أطعت بي حتّى العدى
و ضننت حتّى باليسير
أمّا خيالك ، يا بخيلة ،
فهو مثلك في النفور
روحي فداؤك و هي لو
تدرين تفدي بالكثير
تيهي على العاني كما
تاه الغنيّ على الفقير
أنا لا أبالي بالمصير
و أنت أدرى بالمصير
أهواك رغم معنفي
و يلذّ نفسي أن تجوري
ليس المحبّ بصادق
حتّى يكون بلا غدير
***
كم ليلة ساهرت فيها النجم
أحسبه سميري
و الشّهب أقعدها الونى
و اللّيل يمشي كالأسير
أرعى البدور و ليس لي
من حاجة عند البدور
متذكّرا زمن الصّبى
زمن الغواية و الغرور
أيّام أخطر في المجا
مع و المعاهد كالأمير
أيّام في يدي
أيّام نجمي في ظهور
لمع الفتير بلمّتي
و يل الشباب من القتير
***
لا بالغوير و لا النّقا
كلفي و لا أهل الغوير
أرض ( الجزيرة ) كيف حا
لك بعد وقع الزمهرير
نزل الشّتاء فأنت ملعب
كلّ ساقيه دبور
و تبدّلت تلك العرا
ص من النّضارة بالدّثور
أمسيت كالطّلل المحيل
و كنت كالرّوض النّضير
آها عليك و آه كيف
نأتك ربّات الخدور
المائسات عن الغصو
ن السافرات عن البدور
الذّاهبات مع النّهو
د الذاهبات مع الصدور
الحاسرات عن السوا
عد و الترائب و النحور
القاسيات على القلو
ب الجانيات على الخصور
المالكات على اللآ(56/42)
ليء في القلائد و الثغور
الضاحكات من الدّلا
ل اللّاعبات من الحبور
الآخذات قلوبنا
في زيّ طاقات الزهور
بيض نواعم كالدمى
يرفلن في حلل الحرير
مثل الحمائم في الودا
عه و الكواكب في السّفور
من كلّ ضاحكة
كأنّ بوجهها وجه البشير
أنّى أدرت الطّرف فيها
جال في قمر منير
***
يا مسرح العشّاق ، كم
لي فيك من يوم مطير
تنسى البريّة عنده
يوم الخورنق و السّدير
و لكم هبطتك و الحبيبة
فازعين من الهجير
في زورق بين الزّوا
رق كالحمامة في الطّيور
متمهّل في سيره
و الماء يسرع في المسير
و الشمس إبّان الضحى
و الجوّ صاف كالغدير
و لكم وثبنا في التلا
ل و كم ركضنا في الوعور
و لكم أصحنا للحفيف
و كم شجينا بالخرير
و لكم جلسنا في الرياض
و كم نشقنا من عبير
و لكم تبرّدنا بما
ء نهيرك الصافي النمير
طورا ننام على النبا
ت و تارة فوق الحصير
لا نتّقي عين الرّقي
ب و لا نبالي بالغيور
فكأنّها و كأنّني الأبوان
في ماضي العصور
حسدت عليّ من الإنا
ث كما حسدت من الذكور
ظنّ الأنام الظنو
ن و ما اجترحنا من نكير
قد صان بردتها الحيا
ء ، و صانني شرفي و خيري
***
و مطيّة رجراجة
لا كالمطيّة و البعير
ما تأتلي في سيرها
صخّابة لا من ثبور
تجري على أسلاكها
جرى الأراقم في الحدور
طورا ترى فوق الجسو
ر و تارة تحت الجسور
آنا على قمم و آ
نا في كهوف كالقبور
ترقى كما ترقى ( المصا
عد ) ثمّ تهبط كالصخور
فإذا علت حسب الورى
أنّا نصعّد في الأثير
و إذا هوت من حالق
هوت القلوب من الصدور
و الركب بين مصفّق
و مهلّل جذل قرير
أو خائف متطيّر
أو صارخ أو مستجير
هي في التّقلّب كالزّما
ن و إنّما هي للسرور
و مدارة في الجو
يحسبها الجهول بلا مدير
لو شئت نيل النجم منها
ما صبوت إلى عسير
مشدودة لكنّها
أجرى من الفرس المغير
زفّافة زفّ الرئا
ل تسف إسفاف النسور
و لها حفيف كالرّيا
ح و هدرة لا كالهدير
كالأرض في دورانها
و لكالمظلّة في النشور
القوم فيها جالسو
ن على مقاعد من وثبر(56/43)
و الريح تخفق حولهم
و كأنّما هم في قصور
و الجمع يهتف كلّما
مرّت على الحشد الغفير
***
و لكم تأمّلنا الجمو
ع تموج كالبحر الزّخور
يمشي الخطير مع الحق
ير كأنّما هو مع خطير
و ترى المهاة كأنّها
ليث مع اللّيث الهصور
متوافقون على التبا
ين كالقبيل أو العشير
لا يرهبون يد الخطو
ب كأنّما هم خلف سور
يمضي النهار و نحن
نحسب ما برحنا في البكور
أبقيت يا زمن الحرو
ر بمهجتي مثل الحرور
ولّت شهور كنت أر
جو أن تخلّد كالدّهور
و أنت شهور بعدها
ساعاتها مثل الشهور
ليست حياة المرء في الد
نيا سوى حلم قصير
و أرى الشباب من الحيا
ة لكاللّباب من القشور
ذهب الربيع ذهابه
و أتى الشّتاء بلا نذير
و تبدّد العشّاق مثل
تبدّد الورق النثير
رضى المهيمن عنهم
و الله يعفو عن كثير
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الأسرار
الأسرار
رقم القصيدة : 67828
-----------------------------------
يا ليتني لصّ لأسرق في الضحى
سرّ اللطافة في النسيم الساري
و أجسّ مؤتلق الجمال بإصبعي
في رزقه الأفق الجميل العاري
و يبين لي كنه المهابة في الرّبى
و السر في جذل الغدير الجاري
و السحر في الألوان و الأنغام وا
لأنداء و الأشذاء و الأزهار
و بشاشة المرج الخصيب ، ووحشة
الوادي الكئيب ، وصولة التّيار
و إذا الدجى أرخى عليّ سدوله
أدركت ما في الليل من أسرار
فلكم نظرت إلى الجمال فخلته
أدنى إلى بصري من الأشفار
فطلبته غإذا المغالق دونه
و 'ذا هنالك ألف ألف ستار
باد و يعجز خاطري إدراكه
و فتنتي بالظاهر المتواري !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> إذا
إذا
رقم القصيدة : 67829
-----------------------------------
إذا جدّفت جوزيت على التجديف بالنار
و إن أحببت عيّرت من الجاره و الجار
و إن قامرت أو راهنت في النادي أو الدار
فأنت الرجل الآثم عند الناس و الباري
...
و إن تسكر لكي تنسى هموما ذات أوقار
خسرت الدين و الدنيا و لم تربح سوى العار
...(56/44)
و إن قلت : إذن فالعيش أوزار بأوزار
و إنّ الموت أشهى لي إذا أقض أوطاري
و أسرعت إلى السيف أو السّمّ أو النار
لكي تخرج من دنيا ذووها غير أحرار
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أم القرى
أم القرى
رقم القصيدة : 67830
-----------------------------------
أبصرتها ، و الشمس عند شروقها
فرأيتها مغمورة بالنار
و رأيتها عند الغروب غريقه
في لجّة من سندس و نضار
و رأيتها تحت الدجى ، فرأيتها
في بردتين : سكينة ووقار
فتنبّهت في النفس أحلام الصبى
و غرقت في بحر من التّذكار
...
نفسي لها من جنّة خلّابة
نسجت غلائلها يد الأمطار
أنّى مشيت نشقت مسكا أزفرا
في أرضها و سمعت صوت هزار
...
ذات الجبال الشّامخات إلى العلا
يا ليت في أعلى جبالك داري
لأرى الغزالة قبل سكان الحمى
و أعانق النّسمات في الأسحار
لأرى رعاتك في المروج و في الربى
و الشّاء سارحة مع الأبقار
لأرى الطيور الواقعات على الثرى
و النحل حائمة على الأزهار
لأساجل الورقاء في تغريدها
و تهزّ روحي نفحة المزمار
لأسامر الأقمار في أفلاكها
تحت الظّلام إذا غفا سمّاري
لأراقب " الدلوار " في جريانه
و أرى خيال البدر في " الدلوار "
...
بئس المدينة إنّها سجن النّهى
و ذوي النّهى ، و جهنّم الأحرار
لا يملك الإنسان فيها نفسه
حتّى يروّعه ضجيج قطار
وجدت بها نفسي المفاسد و الأذى
في كلّ زاوية و كلّ جدار
لا يخدعنّ الناظرين برجها
تلك البروج مخابيء للعار
لو أنّ حاسد أهلها لاقى الذي
لاقيت لم يحسد سوى " بشّار "
غفرانك اللّهم ما أنا كافر
فلم تعذّب مهجتي بالنّار ؟
...
لله ما أشهى القرى و أحبّها
لفتى بعيد مطارح الأفكار
إن شئت تعرى من قيودك كلّها
فانظر إلى صدر السّماء العاري
و امش على ضوء الصّباح ، فإن خبا
فامش على ضوء الهلال السّاري
عش في الخلا تعش خليّا هانئا
كالطّير ... حرا ، كالغدير الجاري
عش في الخلاء كما تعيش طيوره
الحرّ يأبى العيش تحت ستار !
...(56/45)
شلّال " ملفرد " لا يقرّ قراره
و أنا لشوقي لا يقرّ قراري
فيه من السيف الصقيل بريقه
و له ضجيج الجحفل الجرّار
أبدا يرش صخوره بدموعه
أتراه يغسلها من الأوزار ؟
فاذا تطاير ماؤه متناثرا
أبصرت حول السفح شبه غبار
كالبحر ذي التّيار يدفع بعضه
و يصول كالضرغام ذي الأظفار
من قمّة كالنهد ، أيّ فتى رأى
نهدا يفيض بعارض مدرار ؟
فكأنّما هي منبر و كأنّه
" ميراب " بين عصائب الثوّار
من لم يشاهد ساعة و ثباته
لم يدر كيف تغطرس الجبّار
ما زلت أحسب كلّ صمت حكمة
حتّى بصرت بذلك الثرثار
أعددت ، قبل أراه ، وقفة عابر
لاه فكانت وقفة استعبار ! ..
...
يا أخت دار الخلد ؛ يا أم القرى ،
يا ربّة الغابات و الأنهار
لله يوم فيك قد قضّيته
مع عصبة من خيرة الأنصار
نمشي على تلك الهضاب ودوننا
بحر من الأغراس و الأشجار
تنساب فيه العين بين جداول
و خمائل و مسالك و ديار
آنا على جبل مكين راسخ
راس ، و آنا فوق جرف هار
تهوي الحجارة تحتنا من حالق
و نكاد أن نهوي مع الأحجار
لو كنت شاهدنا نهرول من عل
لضحكت منّا ضحكة استهتار
الريح ساكنة و نحن نظنّنا
للخوف مندفعين مع إعصار
و الأرض ثابتة و نحن نخالها
تهتزّ مع دفع النسيم السّاري
مازال يسند بعضنا بعضا كما
يتماسك الروّاد في الأسفار
ويشدّ هذا ذاك من أزراره
فيشدّني ذيّاك من أزراري
حتى رجعنا سالمين و لم نعد
لو لم يمدّ الله في الأعمار
و لقد وقفت حيال نهرك بكرة
و الطير في الركنات و الأوكار
متهيّبا فكأنّني في هيكل
و كأنّه سفر من الأسفار
ما كنت من يهوى السكوت و إنّما
عقلت لساني رهبة الأدهار
مرّ النسيم به فمرّت مقلتي
منه بأسطار على أسطار
فالقلب مشتغل بتذكاراته
و الطرف مندفع مع التيّار
حتى تجلّت فوق هاتيك الربى
شمس الصباح تلوح كالدّينار
فعلى جوانبه وشاح زبرجد
و على غراربه و شاح بهار
لو أبصرت عيناك فيه خيالها
لرأيت مرآة بغير إطار
يمّمته سحرا و أسراري معي
و رجعت في أعماقه أسراري ! ..
...(56/46)
إنّي حسدت على القرى أهل القرى
و غبطت حتّى نافخ المزمار
ليل و صبح بين إخوان الصّفا
ما كان أجمل ليلتي و نهاري !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بنت القفر
بنت القفر
رقم القصيدة : 67831
-----------------------------------
أدرها قهوة كعصير بكر
تجلّت في الكؤوس بكفّ بكر
كأنّ المسك يغلي حين تغلي
و يجري في الأواني حين تجري
تعيد إلى الضعيف قوى و تهدي
إليه غبطة و صفاء فكر
تعشّقها الشعوب فكلّ شعب
أعدّ لها الثغور و كلّ قطر
تلوّح حبّها في كلّ كوخ
و لاح حبابها في كلّ قصر
يضوع عبيرها برمال نجد
و يعبق عطرها بقصور مصر
تمشّى عنبرا في كلّ أنف
و تنزل قرقفا في كلّ ثغر
و يزري طعمها حلوا و مرا
بما في الأرض من حلو و مر
***
و سمراء إذا زارت صباحا
أحبّ إليّ من بيض و سمر
يحوك لها البخار رداء ند
و يكسوها الحباب و شاح در
كسرت الدنّ من عهد بعيد
فأمست بعد خمر الدنّ خمري
فإن حلّت قواك جيوش ضعف
و هالك عبء همّ مسبطر
عليك بقهوة رقّت وراقت
كشعرك لا يجاري أو كشعري
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ( مسعود )
( مسعود )
رقم القصيدة : 67832
-----------------------------------
- - -
شربناها على سرّ القوافي
و سرّ الشاعر السمح الأبرّ
سقانا قهوتين " بغير من "
عصير شجيرة و عصير فكر
فنحن اثنان سكران لحين
على أمن ، و سكران لدهر
فمن أمسى يهيم ببنت قصر
فإنّا هائمون ببنت قفر
إذا حضرت فذلك يوم سعد
و إن غابت فذلك يوم قهر
لها من ذاتها ستر رقيق
كما صبغ الحياء جبين بكر
إذا دارت على الجلّاس هشّوا
كأنّ كؤوسها أخبار نصر
و نرشفها فنرشف ريق خود
و ننشقها فننشق ريح عطر
و لا نخشى من الحكام حدا
و عند الله لم نوصم بوزر
فما في شربها إثم و نكر
و شرب الخمر نكر أيّ نكر
و ليست تستخفّ أخا و قار
و بنت الدنّ بالأحلام تزري
و تحفظ سرّ صاحبها مصونا
و بنت الكرم تفضح كلّ سرّ
و للصهباء أوقات ، و هذي
شراب الناس في حرّ وقرّ(56/47)
و تصلح أن يطاف بها مساء
و تحسن أن تكون شراب ظهر
فلو عرفت مزاياها الغواني
لعلّق حبّها في كلّ نحر
كأنّ حبوبها خضرا و صفرا
فصوص زمرد و شذور تبر
كأنّ الجنّ قد نفثت رؤاها
على أوراقها في ضوء فجر
ألست ترى إليها كيف تطغى
و كيف تثور إن مسّت بجمر
كأنّ نخيل مصر قد حساها
و إلاّ ما اهتزاز نخيل مصر ؟
جلوت بها من الأكدار ذهني
كما أنّي غسلت هموم صدري
و ما هي قهوة تطهى و تحسى
و لكن نفحة من روح حرّ
حوى في شعره عبث ابن هاني
وزاد عليه فلسفة المعرّي
فيا لك شاعرا لبقا لعوبا
كأنّ يراعه أنبوب سحر
يفيض سلاسة في كلّ لفظ
و يجري رقة في كلّ سطر
حوت دار " السمير " هديّتيه
و تحوي هذه الأوراق شكري
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> العاشق المخدوع
العاشق المخدوع
رقم القصيدة : 67833
-----------------------------------
أبصرتها في الخمس و العشر
فرأيت أخت الرئم و البدر
عذراء ليس الفجر والدها
و كأنّها مولودة الفجر
بسّامة في ثغرها درر
يهفو إليها الشاعر العصري
و لها قوام لو أشبّهه
بالغصن باء الغصن بالفخر
مثل الحمامة في وداعتها
و كزهرة انّسرين في الطهر
مثل الحمامة غير أنّ لها
صوت الهزار و لفتة الصقر
...
شاهدتها يوما وقد جلست
في الرّوض بين الماء و الزهر
ويد الفتى " هنري " تطوّقها
فحسدت ذاك الطّوق في الخصر
و حسدت مقلته و مسمعه
لجمالها و كلامها الدرّي
أغمضت أجفاني على مضض
و طويت أحشائي على الجمر
و خشيت أنّ الوجد يسلبني
حلمي ، و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه
باليأس آونة و بالصّبر
ثمّ انقضى عام و أعقبه
ثان و ذاك السرّ في صدري
فعجبت ، منّي كيف أذكرها
و قد انقضى حولان من عمري
خلت اللّيالي في تتابعها
تزري بها عندي فلم تزر
زادت ملاحتها فزدت بها
كلفا ، و موجدة على " هنري "
...
و سئمت داري و هي واسعة
فتركتها و خرجت في أمر
فرأيت فتيان الحمى انتظموا
كالعقد ، أو كالعسكر المجر
يتفكّهون بكلّ نادرة(56/48)
و على الوجوه علائم البشر
ساروا فأعجبني تدفّقهم
فتبعتهم أدري و لا أدري
ما بالهم ؟ و لأية وقفوا ؟
لمن البناء يلوح كالقصر
أوّاه ! هذي دار فاتنتي
من قال ما للشمس من خدر
و عرفت من " فرجين " جارتها
ما زادني ضرّا على ضرّ
قد كان هذا يوم خطبتها
يا أرض ميدي ! يا سما خرّي
و رأيت ساعدها بساعده
فوددت لو غيّبت في قبر
و شعرت أن الأرض واجفة
تحتى ، و أنّ النار في صدري
و خشيت أنّ الوجد يسلبني
حلمي و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه
اليأس آونة و بالصّبر
...
قالوا : الكنيسة خير تعزية
لمن ابتلي في الحبّ بالهجر
فنذرت أن أقضي الحياة بها
و قصدتها كيما أفي نذري
لازمتها بدرين ما التفتت
عيني إلى شمس و لا بدر
أتلو أناشيد النبيّ ضحى
و أطالع الإنجيل في العصر
حينا مع الرهبان ، آونة
وحدي ، و أحيانا مع الحبر
في الغاب فوق العشب مضطجعا
في السّفح مستندا إلى الصّخر
في غرفتي ، و الريح راكدة
بين المغارس ، و الصّبا تسري
حتى إذا ما القلب زايلة
تبريحه ، و صحوت من سكري
و سلوتها و سلوت خاطبها
و ألفت عيش الضنك و العسر
عاد القضاء إلى محاربتي
ورجعت للشكوى من الدهر
...
في ضحوة وقف النسيم بها
متردّدا في صفحة النهر
كالشاعر الباكي على طلل
أو قاريء حيران في سفر
و الشمس ساطعة و لامعة
تكسو حواشي النهر بالتبر
و الأرض حالية جوانبها
بالزّهر من قان و مصفرّ
فكأنّها بالعشب كاسية
حسناء في أثوابها الخضر
و علا هتاف الطير إذ أمنت
بأس العقاب و صوله النسر
تتلو على أهل الهوى سورا
ليست بمنظوم و لا نثر
يحنو الهزار على أليفته
و يداعب القمريّة القمري
و انساب كلّ مصفّق عذب
و اهتزّ كلّ مهفهف نضر
فتذكّرت نفسي صبابتها
ما أولع المهجور بالذّكر
أرسلت طرفي رائد فجرى
و جرى على آثاره فكري
حتى دوى صوت الرئيس بنا
فهرعت و الرهبان في إثري
و إذا بنا نلقى كنيستنا
بالوافدين تموج كالبحر
و إذا " بها " و إذا الفتى هنري
في حلّة بيضاء كالفجر
تمشي بين ذي أدب(56/49)
حلو ، و بين مليحة بكر
رفع الرئيس عليها يده
و أنا أرى و يدي على صدري
يا قلب ذب ! يا مهجتي انفطري
يا طرف فض بالأدمع الحمر
أغمضت أجفاني على مضض
و طويت أحشائي على الجمر
و خشيت أنّ الوجد يسلبني
حلمي ، و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه
باليأس آونة و بالصبر
و خرجت لا ألوي على أحد
و رضيت بعد الزّهد بالكفر
...
أشفقت من همّي على كبدي
و خشيت من دمعي على نحري
فكلفت بالصهباء أشربها
في منزلي ، في الحان ، في القفر
أبغي الشفاء من الهموم بها
فتزيدني وقرا على وقر
و تزيدني و لعا بها و هوى
و تزيدني حقدا على هنري
قال الطبيب و قد رأى سقمي :
لله من فعل الهوى العذري
ما لي بدائك يا فتى قبل
السحر محتاج إلى سحر
و مضى يقلّب كفّه أسفا
و لبثت كالمقتول في الوكر
ما أبصرت عيناي غانية
إلاّ ذكرت إلى الدمى فقري
...
و سئمت داري و هي واسعة
فتركتها و خرجت في أمر
فرأيتها في السوق واقفة
و دموعها تنهلّ كالقطر
في بردة كاللّيل حالكة
لهفي على أثوابها الحمر
فدنوت أسألها وقد جزعت
نفسي ، وزلزل حزنها ظهري
قالت : قضى هنري ! فقلت : قضى
من كاد لي كيدا و لم يدر
لا تكرهوا شرّا يصيبكم
فلربّ خير جاء من شرّ
رهفا هواها بي فقلت لها :
قد حلّ هذا الموت من أسري
قالت : و من أسري ! فقلت : إذن
لي أنت ؟ قالت : أنت ذو الأمر
فأدرت زندي حول منكبها
و لثمتها في النحر و الثّغر
و شفيت نفسي من لواعجها
و تأرت بالتصريح من سرّي
ثمّ انثنيت بها على عجل
باب الكنيسة جاعلا شطري
و هناك باركني و هنّأني
من هنّأوا قبلي الفتى هنري
...
من بعد شهر مرّ لي معها
أبصرت وضح الشيب في شعري
ما كنت أدري قبل صحبتها
أنّ المشيب يكون في شهر
فكرت في هنري و كيف قضى
فوجدت هنري واضح العذر
يا طالما قد كنت أحسده
و اليوم أحسده على القبر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أنا هو
أنا هو
رقم القصيدة : 67834
-----------------------------------
كانت قبيل العصر مركبة(56/50)
تجري بمن فيها من السّفر
ما بين منخفض و مرتفع
عال ، و بين السّهل و الوعر
و تخطّ بالعجلات سائرة
في الأرض إسطارا و لا تدري
كتبت بلا حبر و عزّ على
الأقلام حرف دون ما حبر
سيّارة في الأرض ما قتئت
كالطّير من وكر إلى وكر
تأبى و تأنف أن يلمّ بها
تعب ، و أن تشكو سوى الزّجر
حملت من الركاب كلّ فتى
حسن الرّواء و كلّ ذي قدر
يتحدّثون فذاك عن أمل
آن ، و ذا عن سالف العمر
يتحدّثون و تلك سائرة
بالقوم لا تلوي على أمر
فكأنّما ضربت لها أجلا
أن تلتقي و الشمس في خدر
حتى إذا صارت بداحية
ممدودة أطرافها صفر
سقطت من العجلات واحدة
فتحطّمت إربا على الصّخر
فتشاءم الركّاب و اضطربوا
مما ألمّ بهم من الضّر
و تفرّقوا بعد انتظامهم
بددا و كم نظم إلى نثر
و الشّمس قد سالت أشعّتها
تكسو أديم الأرض بالتّبر
و الأفق محمرّ كأنّ به
حنقا على الأيّام و الدّهر
قد كان بين الجمع ناهدة
الثديين ذات ملاحة تغري
تبكي بكاء القانطين و ما
أسخى دموع الغادة البكر
و قفت و شمس الأفق غاربة
تذري على كالورد ، كالقطر
شمسان لولا أنّ بينهما
صلة لما بكتا من الهجر
و تدير عينيها على جزع
كالظّبي ملتفتا من الذّعر
و إذا فتى كالفجر طلعته
بل ربما أربى على الفجر
وافى إليها قائلا عجبا
ممّ البكاء شقيقة البدر ؟
قالت أخاف اللّيل يدهمني
ما أوحش اظلماء في القفر !
و أشدّ ما أخشاه سفك دمي
بيد الأثيم اللّصّ ذي الغدر
" هنري " اللّعين و ما الفتى هنري
إلاّ لبن أمّ الموت لو تدري
رصد السبيل فما تمرّ به
قدم و لا النسمات إذ تسري
وا شقوتي إنّ الطريق إلى
سكني على مستحسن النكر
إنّي لأعلم إنّما قدمي
تسعى حثيثا بي " القبر
قال الفتى هيهات خوفك لن
يجديك شيئا ربّة الطهر
فتشجهي و عليّ فاتّكلي
فأنا الذي يحميك من هنري
قالت أخاف من الخؤون على
هذا الشباب الناعم النّضر
فأجابها لا تجزعي و ثقي
أنّي على ثقة من النّصر
عادت كأن لم يعرها خلل
تخد القفار سفينة البرّ(56/51)
و اللّيل معتكر يجيش كما
جاشت هموم النّفس في الصدر
فكأنّه الآمال واسعة
و البحر في مدّ و في جزر
و كأنّ أنجمه و قد سقطت
دمع الدّلال و ناصع الدّر
و البدر أسفر رغم شامخة
قد حاولت تطويه كالسّر
ألقى أشعّته فكان لها
لون اللّجين و لؤلؤ الثّغر
فكأنّه الحسناء طالعة
من خدرها أو دمية القصر
و كأنّما جنح الظّلام جنى
ذنبا فجاء البدر كالغدر
و ضحت مسالك للمطيّة قد
كانت شبيه غوامض البحر
فغدت تحاكي السّهم منطلقا
في جريها و الطيف إذ يسري
و القوم في لهو و في طرب
يتناشدون أطايب الشّعر
حتى إذا صارت بمنعرج
و قفت كمنتبه من السّكر
فترجّلت " ليزا " و صاحبها
و مشت و أعقبها على الأثر
و استأنفت تلك المطيّة ما
قد كان من كرّ و من فر
مشت المليحة و هي مطرقة
ما ثمّ من تيه و لا كبر
أنّى تتيه و قد أناخ بها
همّ و بعض الهمّ كالوقر
لم تحتسي خمرا و تحسبها
ممّا بها نشوى من الخمر
في غابة تحكي ذوائبها
في لونها و اللّف و النّشر
ضاقت ذوائبها فما انفجرت
إلاّ لسير الذّئب و النمر
كاللّيلة الليلاء ساجية
و لربّ ليل ساطع غرّ
قد حاول القمر المنير بها
ما حاول الإيمان في الكفر
تحنو على ظبي و قسورة
أرأيتم سرين في صدر ؟
صقر وورقاء ، و من عجب
أن تحتمي الورقاء بالصّقر
هذا و أعجب أنّها سلمت
منه على ما فيه من غدر
ظلّت تسير و ظلّ يتبعها
ما نمّ من إثم و لا وزر
طال الطريق و طال سيرها
لكنّ عمر اللّيل في قصر
حتّى إذا سفر الصّباح و قد
رفع الظّلام و كان كالسّتر
و الغاب أوشك أن يبوح بها
و به ، بلا حذر ، إلى النّهر
نظرت إليه بمقلة طفحت
سحرا ووجه فاض بالبشر
قالت له لم يبق من خطر
جمّ نحاذره و لا نذر
أنظر فإنّ الصّبح أوشك أن
يمحو ضياء الأنجم الزّهر
و أراه دبّ إلى الظّلام فهل
هذا دبيب الشّيب في الشّعر
و أسمع ، فأصوات الطيور علت
بين النّقا و الضال و السّدر ؟
قال الفتى أو كنت في خطر ؟
قالت له عجبا ألم تدر ؟
فأجابها ما كان في خطر(56/52)
من كان صاحبه الفتى هنري
فتقهقرت فزعا فقال لها
لا تهلعي واصغي إلى حرّ
ما كنت بالشّرير قطّ و لا
الرّجل الذي يرتاح للشّرّ
لكنّني دهر يجوز على
دهر يجوز على بني الدّهر
بل إنّني خطر على فئة
منها على خطر ذوي الضّر
قتلوا أبي ظلما فقتلهم
عدل و حسبي العدل أن يجري
لا سلم ما بيني و بينهم
لا سلم بين الهرّ و الفأر
سيرون في الموت منتقما
لا شافع في الأخذ بالثّأر
تالله ما أنساك يا أبتي
أبدا و لا أغضي على وتر
قالت لقد هيّجت لي شجنا
فإليك ما قد كان أمري
بعث المليك إلى أبي فمضى
و أخي معا توّا إلى القصر
فإذا أبي في القبر مرتهن
و إذا أخي في ربقة الأسر
يا ساعديّ بترتما ويد
الدهر الخؤون أحق بالبتر
نابي و ظفري بتّ بعدكما
وحدي بلا ناب و لا ظفر
و يلاه من جور الزّمان بنا
و الويل منه لكلّ مغترّ
و كأنّنا و الموت يرتع في
أرواحنا مرعى و مستمري
لما انتهت و إذا به دهش
حيران كالمأخوذ بالسّحر
شاء الكلام فناله خرس
كلّ البلاغة تحت ذا الحصر
و كذلك الغيداء أذهلها
ميل إلى هذا الفتى الغرّ
قالت أخي و الله
و اقتربت
و إذا به ألقى عباءته
برح الخفاء بها عن الجهر
صاحت أخي فيكتور وا طربي
روحي ، شقيقي ، مهجتي ، ذخري
و تعانقا ، فبكى فرحا
إنّ البخار نتيجة الحرّ
و تساقطت في الخدّ أدمعها
كالقطر فوق نواضر الزّهر
...
قل للألي يشكون دهرهم
لا بدّ من حلو و من مرّ
صبرا إذا جلل أصابكم
فالعسر آخره إلى اليسر
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> فنون الوصف
فنون الوصف
رقم القصيدة : 67835
-----------------------------------
كأنّي في روض أرى الماء جاريا
أمامي ، و فوقي الغيم يجهد بالنشر
توهّمته هما فقلت له انجلي
فإنّ همومي ضاق عن وسعها صدري
بربّك سر حيث الخلي فإنّني
فتى لا أرى غير المصائب في دهري
فأقشع حتّى لم أشكّ بأنّه
أصاخ إلى قولي و ما شكّ في أمري
رعى الله ذيّاك الغمام الذي رعى
عهودي و أولاني الجميل ولم يدر(56/53)
تظلّلت بالأشجار عند اختفائه
و يا ربّ ظلّ كان أجمل من قطر
جلست أبثّ الزّهر سرّا كتمته
عن الناس حتّى صرت أخفى من السّرّ
و لمّا شكوت الوجد تمايلت
كأنّ الذي أشكوه ضرب من الخمر
و أدهشها صبري فأدهشني الهوى
دهشت لأنّ الزّهر أدهشها صبري
و لمّا درت أنّي محبّ متيّم
بكت و بكائي كلّ ضاحك مفتر
عجبت لها تبكي لمّا بي و لم يكن
عجيبا على مثلي البكاء من الصخر
كأنّي بدر ، و الزهور كواكب ،
و ذا الروض أفق ضاء بالبدر و الزهر
كأنّي و قد أطلقت نفسي من العنا
مليك لي الأغصان كالعسكر المجر
فما أسعد الإنسان في ساعة المنى
و ما أجمل الأحلام في أوّل العمر ؟
و هاتفه قد أقلقتني بنوحها
فكنت كمخمور أفاق من السّكر
ترى روّعت مثلي من الدّهر بالفرا
ق ، أم بدّلت مثلي من اليسر بالعسر
بكيت و لو لم أبك مما بكت له
بكيت لمّا بي من سقام و من ضرّ
و نهر إذا والى التجعّد ماؤه
ذكرت الأفاعي إذ تلوي على الجمر
تحيط به الأشجار من كلّ جانب
كما دار حول الجيد عقد من الدّر
و قد رقمت أغصانها في أديمه
كتابا من الأوراق ، سطرا على سطر
كأنّ دنانير تساقط فوقه
و ليس دنانير سوى الورق النّضر
كأنّي به المرآة عند صفائها
تمثّل ما يدنو إليها و لا تدري
فما كان أدرى الغصن بالنظم و النثر ؟
و ما كان أدرى الماء بالطّيّ و النّشر
ذر المدح و التشبيب بالخمر و المهى
فإنّي رأيت الوصف أليق بالشعر
و ما كان نظم الشّعر دأبي و إنّما
دعاني إليه الحبّ و الحبّ ذو أمر
و لي قلم كالرّمح يهتزّ في يدي
إلى الخير يسعى و الرّماح إلى الشّر
و تفتك هاتيك الأسنّة في الحشى
و يحيي الحشى إن راح بفتك بالخير
إذا ما شدا بالطرس أذهب شدوه
هموم ذوي الشّكوى ووقر ذوي الوقر
تبختر فوق الطرس يسحب ذيله
فقالوا به كبر ، فقلت عن الكبر
لكلّ من الدنيا حبيب و ذا الذي
أشدّ به أزري و يعلو به قدري
و يبقى به ذكرى إذا غالني الرّدى
حسب الفتى ذكر يدوم إلى الحشر(56/54)
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> غرامية
غرامية
رقم القصيدة : 67836
-----------------------------------
عيناك و السّحر الذي فيهما
صيرتاني شاعرا ساحرا
علّمتني الحبّ و علّمته
بدر الدّجى ، و الغصن ، و الطاّئرا
إن غبت عم عيني و جنّ الدّجى
سألت عنك القمر الزاهرا
و أطرق الروضة عند الضحى
كما أناجي البلبل الشاعرا
و أنشق الوردة في كمّها
لأنّ فيها أرجا عاطرا
يذكّر الصبّ بذاك الشذا
هل تذكرين العاشق الذاكرا ؟
كم نائم في وكره هانيء
نبّهته من وكره باكرا ؟
أصبح مثلي تائها حائرا
لمّا رآني في الرّبى حائرا
وراح يشكو لي و أشكو له
بطش الهوى ، و الهجر ، و الهاجرا
و كوكب أسمعته زفرتي
فبات مثلي ساهيا ساهرا
زجرت حتى النوم عن مقلتي
و لم أبال اللائم الزاجرا
يا ليت أنّي مثل ثائر
كيما تقول المثل السائرا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عيناك
عيناك
رقم القصيدة : 67837
-----------------------------------
عيناك و السّحر الذي فيهما
صيّرتاني شاعراّ ساحرا
علّمتني الحبّ و علّمته
بدر الدّجى و الغصن و الطاّئرا
إن غبت عم عيني و جنّ الدّجى
سألت عنك القمر الزاهرا
و أطرق الروضة عند الضحى
كيما أناجي البلبل الشاعرا
و أنشق الوردة في كمّها
لأنّ فيها أرجا عاطرا
يذكّر الصبّ بذاك الشذا
هل تذكرين العاشق الذاكرا ؟
كم نائم في وكره هانيء
نبّهته من وكره باكرا ؟
أصبح مثلي تائها حائرا
لمّا رآني في الرّبى حائرا
وراح يشكو لي و أشكو له
بطش الهوى و الهجر و الهاجرا
و كوكب أسمعته زفرتي
فبات مثلي ساهيا ساهرا
زجرت حتى النوم عن مقلتي
و لم أبال اللائم الزاجرا
يا ليت أنّي مثل ثائر
كيما تقول المثل السائرا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشاعر
الشاعر
رقم القصيدة : 67838
-----------------------------------
قالت وصفت لنا الرحيق و كوكبها
و صريعها و مديرها و العاصرا
و الحقل و الفلّاح فيه سائرا(56/55)
عند المسا يرعى القطيع السائرا
ووقفت عند البحر يهدر موجه
فرجعت بالألفاظ بحرا هادرا
صوّرت في القرطاس حتى الخاطرا
فخلبتنا و سحرت حتى الساحرا
و أريتنا في كلّ قفر روضة
و أريتنا في كلّ روض طائرا
لكن إذا سأل امروء عنك امرءا
أبصرت محتارا يخاطب حائرا
من أنت يا هذا ؟ فقلت لها : أنا
كالكهرباء أرى خفيّا ظاهرا
قالت : لعمرك زدت نفسي ضلّة
ما كان ضرّك لو وصفت الشاعرا ؟
...
فأجبتها : هو من يسئل نفسه
عن نفسه في صبحه و مسائه
و العين سرّ سهادها و رقادها
و القلب سرّ قنوطه و رجائه
فيحار بين مجيئه و ذهابه
و يحار بين أمامه وورائه
و يرى أفول النجم قبل أفوله
و يرى فناء الشيء قبل فنائه
و يسير في الرّوض الأغنّ فلا ترى
عيناه غير الشوك في أرجائه
إن نام لم ترقد هواجس روحه
و إذا استفاق رأيته كالتائه
ما إن يبالي ضحكنا و بكاءنا
و يخيفنا في ضحكه و بكائه
كالنار يلتهم العواطف عقله
فيميتها و يموت في صحرائه
...
قالت : أتعرف من وصفت ؟ فقلت : من ؟
قالت : وصفت الفيلسوف الكافرا
يا شاعر الدنيا و فيك حصافة
ما كان ضرّك لو وصفت الشاعرا ؟
...
فقلت : هو امروء يهوى العقارا
كما يهوى مغازلة العذارى
إذا فرغت من الرّاح الدنان
توهّم أتنّما فرغ الزّمان
يعاقرها على ضوء الدّراري
فإن غربت ، على ضوء النّهار
و يحسب مهرجان النّاس مأتم
بلا خمر ، و جنّتهم جهنّم
ملول لا يدوم على ولاء
و لكن لا يدوم على عداء
أخو لبّ و لكن لا إرادة
وذو زهد و لكن بالزهاده
يميل إلى الدّعابة و المزاح
و لو بين الأسنّة و الصّفاح
و يوشك أن يقهقه في الجنازة
و يرقص كالعواصف في المفازه
إذا بصرت به عين الأديب
فقد وقعت على رجل مريب
يعنّفه الصّحاب فلا ينيب
و يزجره المشيب فلا يتوب
فقالت : جئت بالكم البديع
و لكن ما وصفت سوى " الخليع "
...
و خفت إعراضها عنّي فقلت : إذن
هو الذي أبدا يبكي من الزمن
كأنّما ليس في الدنيا سواه فتى
معرّض لخطوب الدّهر و المحن(56/56)
يشكو السّقام و ما في جسمه مرض
و السّهد و هو قريب العهد بالوسن
و الهجر ، و هو بمرأى من أحبّته
و الأسر ، و هو طليق الروح و البدن
و لا يرى حسنا في الأرض يألفه
أو يشتهيه و كم في الأرض من حسن
ينوح في الرّوض و الأشجار مورقه
كما ينوح على الأطلال و الدمن
فقاطعتني : و قالت : قد بعدت بنا
ما ذي الصفات الشاعر الفطن
...
قلت : مهلا إذا ضللت و عذرا
ربّما أخطأ الحكيم و ضلّا
هو من ترسم الجمال يداه
فنراه في الطرس أشهى و أحلى
لوذعيّ الفؤاد يلعب بالأل
باب لعبا إن شاء أن يتسلى
و يرينا ما ليس يبقى سيبقى
و يرينا ما ليس يبلى سبيلي
يطبع الشّهب للأنام نقودا
و هو يشكو الإملاق كيف تولّى
أفما ذا من تبتغين و أبغي
و صفه ؟ قالت المليحة : كلا ! ..
...
يا هذه إنّي عييت بوصفه
و عجزت عن إدراك مكنوناته
لا تستطيع الخمر سر صفاتها
و الروض وصف زهوره و بناته
هو من نراه سائرا فوق الثرى
و كأنّ فوق فؤاده خطواته
إن ناح فالأرواح في عبراته
و إذا شذا فالحبّ في نغماته
يبكي مع النائي على أوطانه
و يشارك المحزون في عبراته
و تغيّر الأيام قلب فتاته
و يظلّ ذا كلف بقلب فتاته
هو من يعيش لغيره و يظنّه
من ليس يفهمه يعيش لذاته !!!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> في القطار
في القطار
رقم القصيدة : 67839
-----------------------------------
سرى يطوي بنا الأميال طيّا
كما تطوي السّجلّ أو الإزارا
فلم ندر وجنح اللّيل داج
أبرقا ما ركبنا أم قطارا
بنا و به حنين و اشتياق
و لولا ذان ما سرنا و سارا
و لكنّا و سعنا الشّوق ذرعا
و ضاق به فصعّده بخارا
و سمّينا الذي يخفيه وجدا
و سمّينا الذي يخفيه نارا
غفا صحبي و بعضهم تغافى
و لم أذق الكرى إلاّ غرارا
جلست أراقب الجوزاء وحدي
كما قد يرقب السّاري المنارا
يسير بنا القطار و نحن نرجو
لو اختصر الطّريق بنا اختصارا
و أقسم لو أحدّثه بما بي
لحلّق في الفضاء بنا و طارا
إلى البلد الأمين إلى كرام(56/57)
يراعون المودّة و الجوارا
إلى المزداد ودّهم لدينا
إذا زدنا صفاتهم اختبارا
إذا سترت نحبّتها قلوب
فحبّي لا أطيق له استتارا
فيا إخواننا في كلّ أمر
أصيخوا كي أخاطبكم جهارا
طويناها سباسب شاسعات
تسير الواخدات بها حيارى
و لولا أن تسير بنا إليكم
و كائبنا مشيناها اختيارا
لننقل من " نويورك " لكم تحايا
تحاكي في لطافتها العقارا
و ننقل عنكم أخبار صدق
تحاكي النّدّ في الرّوض انتشارا
سمعنا بالهزار و نحن قوم
كما نهوى الغنا نهوى الهزار
لديكم كوكب و بنا ظلام
و أنتم تكرهون لنا العثارا
جعلنا رسمه في كلّ ناد
و صيّرنا القلوب له إطارا
أجل ، هذا الذي نبغيه منكم
و نرجو لا اللّجين و لا النّضار
أتيناكم على ظمأ لأنّا
عرفنا فيكم السّحب الغزارا
و أنتم معشر طابوا نفوسا
و أخلاقا كما كرموا نجارا
بفيتم في سلام و اغتباط
تضيء وجوهكم هذي الدّيارا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> معركة شمولبو
معركة شمولبو
رقم القصيدة : 67840
-----------------------------------
دبّت و قد أرخى الظّلام ستارا
و لطالما كتم الدّجى الأسرارا
سفن هي الأطواد لولا سيرها
أعهدتم جبلا مشى أو سارا ؟
كالطّير أسرابا و لكن إن عدت
تنت الرّياح و تسبق الأطيارا
مثل الكواكب في النّظام و إنّها
لكما الكواكب تبعث الأنوارا
هي كالمدائن غير أنّ نزيلها
أبدا بها يتوقّع الأخطارا
و أظنّها فقدت حبيبا أو أخا
و لذلك ارتدّت السواد شعارا
تغشى المياه لعلّ ما في قلبها
يطفى ، فتزداد الضّلوع أوارا
و تميد حتّى لا يشكّ بأنّها
سكرى و لم تذق السّفين عقارا
و تسرّ إن رأت الثّغور كأنّها
المقرور أبصر بعد جهد نارا
و بوارج قد سيّرت كالجحفل
الجرّار تحمل جحفلا جرّارا
حملت أناسا كالقرود ، و جوههم
صفراء يحكي لونها الدّينارا
فطس الأنوف ، قصيرة قاماتهم
هيهات لا تتجاوز الأشبارا
قد قادها ( طوغو ) فقاد ذلولة
تهوى الصّعاب و تعشق الأسفارا
في قبله نار و في أحشائها(56/58)
مثل الذي في نفسه قد ثارا
ما زال يدفعها البخار فترتمي
كالسّهم أطلق في الفضاء فسارا
طورا ترها في السّحاب و تارة
في القاع يوشك جرمها يتوارى
حتى دنت من ثغر شمولبو الذي
جمع الألى لم يعرفوا ما صارا
نفر من الرّوس الذين سمعت عن
أفعالهم فيما مضى الأخبارا
من كلّ مغوار إذا زار الوغى
زار الحمام الفارس المغوارا
ما كان غير ( الفارياج ) لديهم
و سفينة أخرى أخفّ دثارا
قال العدوّ لهم ، و قد داناهم ،
و كفى بما وافى به إنذارا
" أمّا القتال فتلحقون بمن مضوا
أو تحسنون فتؤخذون أسارى "
كان الجواب قذائفا نارية
تهوى الورود و تكره الإصدارا
مثل الرّجوم إذا هوت لكنّها
لا تعرف الأخيار و الأشرارا
و أقلّها خطبا فكيف أشدّها
لو نالت الجبل الأشمّ انهارا
حفّت بهم سفن العداوة و أحدقت
حتى لدكت إخالها أسوارا
ما بين بارجة و طرّاد إلى
نسّافة و الكلّ يقذف نارا
ملأ دخانها و ذكاء
احتجبت ، و ما برح النّهار نهارا
و الجوّ أظلم و اكفهرّ أديمه
حتى على السّماء ستارا
و البحر خضّب بالدّماء و أصبحت
أمواجه و هي اللّجين نضارا
ذا و القنابل لم تزل منهلّة
منها تحاكي الصّيّب المدرارا
و المركبان " الفارياج " و أختها
في هبوة لا يعرفان قرارا
'حداهما ظفرت بها مقذوفة
فكأنّ صاعقة أصابت دارا
فهوت بمن فيها ، و قد فتحت لها
الأمواج صدرا يكتم الأسرارا
هبطت وزاد هبوطها المتقاتل
ين على مداومة الوغى إصرارا
لكنّما الأخرى أصيب بالأذى
حتى غدت لا تملك التسيارا
فرأى الفتى ربّانها أن يفتدي
الجند الكرام من الممات فرارا
قد فرّ بعضهم و لكن جلّهم
طلبوا الفرار من الفرار خيارا
أودوا بها نسفا ، و ماتوا عندها
غرقا ، و يأبى الباسلون العارا
هذي حكايتهم أسطرها لكم
لا درهما أبغى و لا دينارا
فلئن أفادتكم فخير جاء من
شرّ ، و إلاّ فلتكن تذكارا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الذئاب الخاطفة
الذئاب الخاطفة
رقم القصيدة : 67841(56/59)
-----------------------------------
ما بالهم نقضوا العهود جهارا
و تعمّدوا الإيذاء و الإضرارا ؟
و استأسدوا لمّا رأوا ليث الشّرى
عاف الزئير و قلّم الأظفارا
داروا به و الشّر في أحداقهم
ذا يدّعي حقّا و ذلك ثارا
لؤم لعمر أبيك لم ير مثله
التاريخ منذ استقرأ الأخبارا
و خيانة ما جاءها القوم الألى
تخذوا مع الوحش القفار ديارا
أمسى يحرّض عاهل الألمان عن
أمسى يحرّض في الخفا البلغارا
أمعاشر الإفرنج ليس شهامة
ما تفعلون إذا أمنتم عارا
أمن المروءة أن يساء جوارنا
في حين أنّا لا نسيء جوارا ؟
أمن المروءة أن يطأطيء تاجه
ملك ليملك في الثرى أشبارا ؟
ألبغي مرتعه وخيم فاعلموا
و الظلم يعقب للظلوم دمارا
إن تحرجوا الرئبال في عرينه
يذر السّكوت و يركب الأخطارا
و كما علّمتم ذلك الجيش الذي
يأبى و يأنف أن يرى خوّارا
فالويل للدنيا إذا نفض الكرى
و الويل للأيّام إمّا ثارا
إنّي أرى ليلا يخيّم فوقنا
لا ينجلي حتّى يشبّ النارا
فحذار ثمّ حذار من يوم به
يجري النجيع على الثرى أنهارا
يوم تباع به النفوس رخيصة
يوم يقصّر هوله الأعمارا
يوم يكون به الجميع عساكرا
و الكلّ يدخل في الوغى مختارا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> باخرة الإغاثة
باخرة الإغاثة
رقم القصيدة : 67842
-----------------------------------
سيري تراعيك النّجوم السّاهرة
ليلا ، و عين الشّمس عند الهاجره
فلأنت عند الشّرق أجمل باخره
تجري إليه بها المياه الزّجرة
يا ليت أنّي فيك أو إيّاك
سيري تداعب فوقك الرّيح العلم
و الطف البحر الخضمّ إذا احتدم
بوركت باخرة و بورك من علم
فيك الخلاص لساكني تلك الأكم
يا ليت أنّي فيك أو إيّاك
في الشرق أحباب على جمر الغضا
نقم الزّمان عليهم بعد الرضى
هجروا الكرى و تطلّعوا نحو الفضا
يتوقّعونك كلّما بوق أضا
سيري فإنّ الحرب في مسراك
بيروت ... يا بنت البخار الجارية
فإذا سئلت من البقايا الباقية
قولي إنّ الحياة الهانية(56/60)
لم تنسا سكّان تلك النّاحية
أمّا الدّليل ، فحسبنا إيّاك ! .
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشاعر و الأمة
الشاعر و الأمة
رقم القصيدة : 67843
-----------------------------------
خير ما يكتبه ذو مرقم
قصة فيها لقوم تذكره
...
كان في ماضي اللّيالي أمّة
خلع العزّ عليها حبره
يجد النّازل في أكفانها
أوجها ضاحكة مستبشرة
و يسير الطرف من أرباضها
في مغان حاليات نضره
لم يقس شعب إلى أمجادها
مجده الباذج إلاّ استصغره
همّها في العلم تعلي شأنه
بينها ، و الجهل تمحو أثره
ما تغيب الشمس إلاّ أطلعت
للورى محمده أو مأثره
فتمنّى الصّبح تغدو شمسه
و تمنّى اللّيل تغدو قمره
و مشى الدّهر إليها طائعا
فمشت تائهة مفتخره
...
كان فيها ملك ذو فطنة
حازم يصفح عند المقدره
بعشق الأمر الذي تعشقه
فاذا ما استنكرته استنكره
بلغت في عهده مرتبة
لم تنلها أمّة أو جمهرة
فاذا أعطت ضعيفا موثقا
أشفقت أعداؤه أن تخفره
و إذا حاربها طاغية
كانت الظاّفرة المنتصره
مات عنها ، فأقامت ملكا
طائش الرأي كثير الثّرثره
حوله عصبة سوء ، كلّما
جاء إدّا أقبلت معتذره
حسّنت في عينيه آثامه
و إليه نفسه المستكبره
و تمادى القوم في غفلتهم
فتمادى في الملاهي المنكره
زحزح الأمّة عن مركزها
و طوى رايتها المنتشره
و رأت فيها اللّيالي مقتلا
فرمتها فأصابت مدبره
فهوت عن عرشها منعفره
مثلما ترمي بسهم قبّره
...
كان فيها شاعر مشتهر
ذو قواف بينها مشتهره
كلّما هزّت يداه وترا
هزّ من كلّ فؤاد وتره
تعس الحظّ ، و هل من
شاعر في أمّة محتضره ؟
يقرأ النّاظر في مقلته
ثورة طاهرة مستتره
ما يراه النّاس إلاّ واقفا
في مغاني قومه المندثر
حائرا كالريّح في أطلالها
باكيا و السّحب المنهمره
و هي في أهوائها لاهية
و كذلك الأمة المستهتره
ما رأت مهجته المنفطره
لا ولا أدمعه المنحدرة
فشكاه الشّعر مما سامه
و شكاه اللّيل ممّا سهره
ثمّ لمّا عبث اليأس
مزّق الطّرس وشجّ المحبره
...(56/61)
مرّ يوما فرأى أشباحا
جلسوا يبكون عند المقبرة
قال ما لكم ؟ ... ما خطبكم
أيّ كنز في الثرى أو جوهره ؟
و من الثاوي الذي تبكونه
قيصر أم تبّه ، أم عنترة ؟
قال شيخ منهم محدوب
و دموع اليأس تغشى بصره
إنّ من نبكيه لو أبصره
قيصر أبصر فيه قيصره
كيف يا جاهل لا تعرفه
وحداة العيس تروي خبره ؟
هو ملك كان فينا و مضى
فمضت أيّامنا المزدهرة
و لبثنا بعده في ظلم
داجيات فوقنا معتكره
و الذي كان بنا " معرفة "
لصروف الدّهر أمسى " نكره "
فانتهى التّاج إلى معتسف
لم يزل بالتّاج حتى نثّره
كلّ ما تصبو إليه نفسه
معصر أو خمرة معتصره
مستهين باللّيالي و بنا
مستعين بالطّغام الفجره
كلّما جاء إليه خائن
واشيا قرّبه و استوزره
فإذا جاء إليه ناصح
شكّ في نيّته فانتهره
مستبد باذل في لحظة
ما ادّخرناه له و ادّخره
يهب المرء و ما يملكه
و على الموهوب أن بستغفره
هزأ الشّاعر منهم قائلا :
بلّغ السّوس أصول الشّجره
رحمة الله على أسلافكم
إنّهم كانوا تقاة بررة
رحمة الله عليهم إنّهم
لم يكونوا أمّة منشطره
إنّ من تبكون يا سادتي
كالذي تشكون فيكم بطره
إنّما بأس الألى قد سلفوا
قتل النّهمة فيه و الشّرة
فاحبسوا الأدمع في آماقكم
و اتركوا هذي العظام النّخره
لو فعلتم فعل أجدادكم
ما قضى الظالم منكم وطره
ما لكم تشكون من محتكم
رضتم ألسنكم أن تشكره ؟
و جعلتم منكم عسكره
و حلفتم أن تطيعوا عسكره ؟
كيف لا يبغى و يطغى آمر
يتّقي أشجعكم أن ينظره ؟
ما استحال الهرّ ليثا إنّما
أسد الآجام صارت هرره
و إذا اللّيث وهت أظفاره
أنشب السّنور فيه ظفره !!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أيلول الشاعر
أيلول الشاعر
رقم القصيدة : 67844
-----------------------------------
ألحسن حولك في الوهاد و في الذرى
فانظر ، ألست ترى الجمال كما أرى ؟
" أيلول " يمشي في الحقول و في الربى
و الأرض في أيلول أحسن منظرا
شهر يوزّع في الطبيعة فنّه
شجرا يصفّق أو سنا متفجّرا(56/62)
فالنور سحر دافق ، و الماء شعر
رائق ، و العطر أنفاس الثرى
لا تحسب الأنهار ماء راقصا
هذي أغانيه استحالت أنهرا
وانظر إلى الأشجار تخلع أخضرا
عنها ، و تلبس أحمرا أو أصفرا
تعرى و تكسى في أوان واحد
و الفنّ في ما ترتديه و في العرا
فكأنّما نار هناك خفيّة
تنحلّ حين تهمّ أن تستشعرا
و تذوب أصباغا كألوان الضحى
و تموج ألحانا و تسرى عنبرا
صور و أطياف تلوح خفيفة
و كأنّها صور نراها في الكرى
لله من " أيلول " شهر ساحر
سبق الشّهور و إن أتى متأخّرا
من ذا يدبّج أو يحوك كوشيه
أو من يصوّر مثلما قد صوّرا ؟
لمست أصابعه السّماء فوجهها
ضاح ، و مرّ على التراب فنوّرا
ردّ الجلال إلى الحياة وردّني
من أرض نيويورك إلى أمّ القرى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لوس انجيلوس
لوس انجيلوس
رقم القصيدة : 67845
-----------------------------------
أنا لست في دنيا الخال و لا الكرى
و كأنّني فيها لروعة ما أرى
يا قوم هل هذي حقائق أم رؤى
و أنا ؟ أصاح أم شربت مخدّرا ؟
لا تعجبوا من دهشتي و تحيّري
و تعجّبوا إن لم أكن متحيرا
كيف التفتّ رأيت آية شاعر
لبق تعمّد أن يجيد ليبهرا
مسحت بإصبعها الحياة جفونه
فرأى المحاسن ، فانتقى و تخيّرا
ما " لوس انجلوس " سوى أنشودة
الله غنّاها فجنّ لها الورى
خلع الزّمان شبابه في أرضها
فهو اخضرار في السفوح و في الذرى
أخذت من المدن العواصم مجدها
و جلالها ، و حوت حلاوات القرى
هي واحة للمتعبين ، و جنّة
للعاشقين ، و ملعب لذوي الثرى
كفّنت في نيويورك أحلام الصبا
و طويتها ، و حسبتها لن تنشرا
لكنّني لمّا لمحت زهورها
شاهدت أحلامي تطلّ من الثرى
تتنفّس الهضبات في رأد الضّحى
تبرا ، و في الآصال مسكا أذفرا
فالسّحر في ضحك النّدى مترقرقا
كالسّحر في رقص الضّياء معطّرا
قل للألى و صفوا الجنان و أطنبوا
ليست جنان الخلد أعجب منظرا
كلّ الفصول هنا ربيع ضاحك
فإذا ترى شهرا رأيت الأشهرا
إن كنت تجهل ما حكايات الهوى(56/63)
فاتنصت لوشوشة النّسيم إذا سرى
وانظر إلى الغبراء تنبت سندسا
و تأمّل الغدران تجري كوثرا
و اشرب بعينيك الجمال فإنّه
خمر بغير يد الهوى لن تعصرا
حاولت وصف جمالها فكأنّني
ولد بأنمله يحوش الأبحرا
و استنجدت روحي الخيال فخانني ،
و كبا جواد فصاحتي و تعثّرا
أدركت تقصيري وضعفي عندما
أبصرت ما صنع الإله وصورا
إنّي شهدت الحسن غير مزيّف
بئس الجمال مزيفا و مزوّرا
أحببت حتّى الشوك في صحرائها
و عشقت حتى نخلها المتكبّرا
أللابس الورق اليبيس تنسكا
و المشخرّ إلى السماء تجبّرا
هو آدم الأشجار أدركه الحيا
لمّا تبدّى عرية فتسترا
إبن الصحارى قد تحضّر و ارتقى
يا حسنة متبديا متحضرا
و قفت ترقبه ليلة
مثل حظّ الأدباء الشّعرا
تكتم الظّلماء من لألأها
أيّ بدر في الظلام استترا ؟
أرسلت نحو لفتة
أذكرت تلك الدّراري القمرا
و إذا بالبدر قد مزّق عن
وجهه برقعه ثمّ انبرى
فأضاء الجوّ و الأرض معا
نوره الفضّيّ لمّا ظهرا
فرنت عن فاتر و ابتسمت
عن نظيم قد أكنّ الدّررا
ثمّ يا حبيبي مرحبا
لا رآك الطّرف إلاّ نيّرا
قف قليلا أو كثيرا معسى
نورك الباهر يجلو البصرا
إن تغب فالصّبح عندي كالدّجى
و الدّجى إن جئت بالصّبح ازدرى
لم تحبّ السّير ليلا فإذا
ذرّ قرن الشّمس عانقت الكرى ؟
أتخاف الشمس أم أنت كذا
تعشق اللّيل و تهوى السهرا ؟
ثمّ ناجت نفسها قائلة
أترى أبلغ منه وطرا ؟
ليت لي أجنحة بل ليتني
نجمة أتبعه أنّى سرى
و همّ البعض فقالوا درهم
ما أرى الدّرهم إلاّ حجرا
و لقد أضحكتي زعمهم
أنّه يشبه في الحجم الثّرى
زعموا ما زعموا لكنّما
هو عندي لعبة لا تشترى
و بدت غياض البرتقال فأشبهت
جلباب خوذ بالنضار مزرّرا
من فوقها انتشر الضذياء ملاءه
من فوقه جوّ صفا و تبلورا
و كأنّما تلك القصور على الربى
عقد لغانية هوى و تبعثرا
لمّا تراءت من بعيد خلتها
سفنا ، و خلت الأرض بحرا أخضرا
نفض الصّباح سناه في جدرانها
و أتى الدّجى فرأى مناثر للسرى(56/64)
متألّقات كابتسامات الرّضى
تنسيك رؤيتها الزّمان الأعسرا
أنا شاعر ما لاح طيف ملاحة
إلاّ و هلّل للجمال و كبّرا
وزعت نفسي في النفوس محبّة
لا شاكيا ألما و لا متضجّرا
و مشيت في الدنيا بقلب يابس
حتّى لقيت أحبّتي فاخضوضرا
قد كنت أحسبني كيابا ضائعا
فإذا أنا شخص يعيش مكرّرا
فكأنّي ماء الغمام إذا انطوى
في الأرض ردّته نباتا مثمرال
ما أكرم الأشجار في هذا الحمى
فيها لقاصدها البشاشة و القرى
تقري الفقير على خصاصة حالة
كرما ، كما تقري الغنيّ لموسرا
ألبذل ديدنها سواء جئتها
متقدّما أم جئتها متأخّرا
فكأنّها منكم تعلّمت الندى
كما تغيث الناس إن خطب عرا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> طبيبي الخاص
طبيبي الخاص
رقم القصيدة : 67846
-----------------------------------
بتّ أرعى في الظلام الأنجما
ليس للعشّاق حظّ في الكرى
صرعتني نظرة حتى لقد
كدت أن أحسد من لا يبصر
نظرة قد أورثت قلبي الكمد
ما بلاء القلب إلاّ النّظر
لا رعاك الله يا يوم الأحد
لا ولا حيّاك عنّي المطر
أنت من أطلعت هاتيك الدّمى
سافرات فتنة للشّعرا
همت فيمن حسنت صورتها
مثلما قد حسنت منها الخصال
أخجلت شمس الضحى طلعتها
و استحى من لحظها لحظ الغزال
كلّ ما فيها جميل يشتهى
ما بها عيب سوى فرط الجمال
لو رآها لائمي فيها لمّا
لامني في حبّها بل عذارا
ذات حسن خدّها كالورد في
لونه و الطيّب في نكهته
زهرة لكنّها لم تقطف
و جمال الزّهر في روضتيه
درّة ما خرجت من صدف
ترخص الدّرّ على قيمته
بضّة الخدّين و النّهدين ما
سفرت إلاّ رأيت القمرا
ذات شعر مسبل كالأفعوان
يتهادى فوق ردف كالكثيب
و قوام لو رآه الغصن بان
خجلا من ذلك الغصن الرّطيب
كاد لولا ما به من عنفوان
يقف الورق به و العندليب
و جفون أشبهتني سقما
كمن السّحر بها و استترا
تبعث الحبّ إلى الخليّ
و هو لا يدري و لا يستشعر
و الهوى في بدئه عذب شهيّ
كلّ شيء بعده محتقر
كلّ من لا يعرف الحبّ شقيّ(56/65)
لا يرى في دهره ما يشكر
يصرف العمر و لكن سأما
عبثا يطلب أن لا يضجرا
لم أكن أعرف ما معنى الهنا
قبل أن أعرف ما معنى الغرام
يضحك النّاس سرورا و أنا
عابس حتى كأنّي في خصام
عجبوا منّي و قالوا علنا
قد رأينا الصّخر في زيّ الأنام
أوشكوا أن يحسبوني صنما
لو رأوا الأصنام تخفي كدرا
لم أزل في ربقة اليأس إلى
أن أعاد الحبّ لي بعض الرّجا
كنت قبل الحبّ أسري في ظلا
م و لا ألقى لنفسي مخرجا
فجلاه الحبّ عنّي فانجلى
مثلما يجلو سنا الشمس الدّجى
بات قلبي بالأماني مفعما
و هو قبلا كان منها مقفرا
روّعتني بالنّوى بعد اللّقاء
و كذا الدّنيا دنو و افتراق
غضب الدّهر على كأس الصّفاء
مذ رآها فأبى ألاّ تراق
و لو أنّ الدّهر يدري بالشّقاء
ساعد الصبّ على نيل التلاق
لم أجد لي مشبها تحت السما
في شقائي ، لا ولا فوق الثّرى
و أبي لو أن ما بي بالجبال
أصبحت تهتزّ من مرّ النسيم
فاعذروني إن أكن مثل الخيال
و اعذلوني إن أكن غير سقيم
إنّ دائي جاء من صاد ودال
و دواء القلب في ضاد و ميم
بات صبري مثل جسمي عدما
إنّما يصبر من قد قدرا
ربّ ليل عادني فيه السّهاد
و نأى عن مقلتي طيب الكرى
هاجت الذّكرى شجونا في الفؤاد
فبكى طرفي عقيقا أحمرا
نبّه الأهل بكائي و العباد
فأتوا يستطلعون الخبرا
قلت داء في الفؤاد استحكما
كاد قلبي منه أن ينفطرا
صدّقوا ما قلته ثمّ مضى
واحد منهم يستدعي الطبيب
سار و الكلّ على جمر الغضا
و أنا بين أنين و نجيب
لم يكن إلاّ كبرق و مضا
و إذا ( الدكتور ) من مهدي قريب
قال للجمهور ماذا الاجتماع
أخرجوا أو زدتموه خطرا
خرج الكلّ فأمست غرفتي
مثل قلب الطفل أو جيب الأديب
فدنا يسألني عن علّتي
و أنا أسمع لكن لا أجيب
فنضا الثّوب فأبصرت التي
كاد جسمي في هواها أن يغيب
خلعت عنها لباس الحكما
فرأت عيناي بدرا نيّرا
و اعترتني دهشة لكنّها
دهشة ممزوجة بالفرح
كدت أن أخرج عن طزر النّهى
ربّ سكر لم يكن من قدح
يا لها من ساعة لو أنّها(56/66)
بقيت كالدّهر لم تستقبح
عانقتني و أنا أبكي دما
و هي تبكي لبكائي دررا
و جعلنا بعد أن طال العناق
تتناجى بأحاديث القلوب
بينما نحن على هذا الوفاق
قرع الباب فأوشكنا نذوب
فأشارت لي قد حان الفراق
فاقطعنا وارتدّت ثوب الطبيب
أقبل القوم فقالت كلّ ما
كان يشكو منه عنه قد سرى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بائعة الورد
بائعة الورد
رقم القصيدة : 67847
-----------------------------------
من الفرنسيس قيد العين صورتها
عذراء قد ملئت أجفانها حورا
كأنّما و هبتها الشّمس صفحتها
وجها و حاكت لها أسلاكها شعرا
يد المنيّة طاحت غبّ مولدها
بأمّها ، و أبوها مات منتحرا
في قرية من قرى باريس ما صغرت
عن الفتاة و لكن همّها كبرا
و النّفس تعشق في الأهلين موطنها
و ليس تعشقه يحويهم حفرا
و تعظم الأرض في عينيك محترما
و ليس تعظم في عينيك محتقرا
فغادرتها و ما في نفسها أثر
منها و لا تركت في أهلها أثرا
إلى التي تفتن الدّنيا محاسنها
و حسن من سكنوها يفتن البشرا
إلى التي تجمع الأضداد دارتها
و يحرس الأمن في أرجائها الخطرا
إذا رآها تقيّ ظنّها " عدنا "
و إن رآها شقيّ ظنّها " سقرا "
تودّ شمس الضّحى لو أنّها فلك
و الأفق لو طلعت في أوجه قمرا
و الغرب لو كان عودا في منابرها
و الشّرق لو كان في جدرانها حجرا
في كلّ قلب هوى كأنّ له
في أهلها صاحبا ، في أرضها وطرا
( باريس ) أعجوبة الدّنيا و جنّتها
وربّة الحسن مطروقا و مبتكرا
...
حلّت عليها فلم تنكر زخارفها
فطالما أبصرت أشباهها صورا
و لا خلائق أهليها وزيّهم
فطالما قرأت أخلاقهم سيرا
و إنّما أنكرت في الأرض وحدها
كذلك الطّير إما فارق الوكرا
يتيمة مالها أم تلوذ بها
و لا أب إن دعته نحوها حضرا
غريبة يقتفيها البؤس كيف مشت
ما عزّ في أرض " باريس " من افتقرا
مرّت عليها ليال و هي في شغل
عن سالف الهمّ بالهمّ الذي ظهرا
حتّى إذا عضّها ناب الطّوى نفرت
تستنزل الرّزق فيها الفرد و النّفرا(56/67)
تجني اللّجين الباذلوه لها
من كفّها الرود منظوما و منتثرا
لا تتّقي الله فيه و هو في يدها
و تتّقي فيه فوق الوجنة النّظرا
تغار حتّى من الأرواح سارية
فلو تمرّ قبول أطرقت خفرا
أذالت الورد قانية و أصفره
كيما تصون الذي في خدّها نضرا
حمته عن كلّ طرف فاسق غزل
لو استطاعت حمته الوهم و الفكرا
تضاحك لا زهرا و لا لعبا
و تجحد الفقر لا كبرا و لا أشرا
فإن خلت هاجت الذكرى لواعجها
فاستنفدت طرفها الدمع الذي اذّخرا
...
تعلّقته فتى كالغصن قامته
حلو اللّسان أغرّ الوجه مزدهرا
وهام فيها تريه الشمس غرّتها
و الفجر مرتصفا في ثغرها دررا
إذا دنا رغبت لا يفارقها
و إن نأى أصبحت تشتاق لو ذكرا
تغالب الوجد فيه و هو مقترب
و تهجر الغمض فيه كلّما هجرا
كانت توقّى الهوى إذ لا يخامرها
فأصبحت تتوقّى في الهوى الحذرا
قد عرّضت نفسها للحبّ واهية
فنال الهوى الجبّار مقتدرا
و الحبّ كاللّص لا يدريك موعده
لكنّه قلّما ، كالسّارق ، استترا
...
و ليلة من ليالي الصّيف مقمرة
لا تسأم العين فيها الأنجم الزهرا
تلاقيا فشكاها الوجد فاضطربت
ثمّ استمرّ فباتت كالذي سحرا
شكا فحرّك بالشّكوى عواطفها
كما تحرّك كفّ العازف الوترا
وزاد حتّى تمنّت كلّ جارحة
لو أصبحت مسمعا أو أصبحت بصرا
ران الهيام على الصّبّين فاعتنقا
لا يملكان النّهى وردا و لا صدرا
" كان ما كان ممّا لست أذكره "
تكفي الإشارة أهل الفطنة الخبرا
...
هامت به و هي لا تدري لشقوتها
بأنّها قد أحبّت أرقما ذكرا
رأته خشفا فأدنته فراء بها
شاة فأنشب فيها نابه نمرا
ما زال يؤمن فيها غير مكترث
بالعاذلين فلمّا آمنت كفرا
جنى عليها الذي تخشى ، و قاطعها
كأنّما قد جنت ما ليس مغتفرا
كانت و كان يرى في خدّها صعرا
عنه فباتت ترى في خدّه صعرا
فكلّما استعطفته ازور محتدما
و كلّما ابتسمت في وجهه كشرا
قال النّفار و " فرجيني " على مضض
تجرّع الأنقعين : الصّاب و الصّبرا
...
قالت ، و قد زارها يوما ، معرّضة(56/68)
متى ، لعمرك ، يجني الغارس الثّمرا ؟
كم ذا الصّدود ، و لا ذنب جنته يدي
أرجو بك الصّفو لا أرجو بك الكدرا
تركتني لا أذوق الماء من ولهي
كما تركت جفوني لا تذوق كرى
أشفق عليّ و لا تنس وعودك لي
فإنّ ما بي لو بالصّخر لانفطرا
أطالت العتب ترجو أن يرقّ لها
فؤاده فأطال الصّمت مختصرا
و أحرجته لأنّ الهمّ أحرجها
و كلّما أحرجته راغ معتذرا
و ضاق ذرعا بما يخفى لها
إلى م ألزم فيك العيّ و الحصرا
أهواك صاحبة ... أمّا اقترانك بي
فليس يخطر في بالي و لا خطرا
أهوى رضاك و لكن إن سعيت له
أغضبت نفسي و الدّيّان و البشرا
عنيت مالي من قلبين في جسدي
و ليس قلبي إلى قسمين منشطرا
تطالبني فؤادي و هو مرتهن
في كفّ غيرك ، رمت المطلب العسرا
يكفيك أنّي فيك خنت إمرأتي !
و لم يخن قلبها عهدي و لا خفرا
قد كان طيشا هيامي فيك بل نزفا
و كان حبّك ضعفا بل خورا
قالت متى صرت بعلا ؟ قال من أمد
لا أحسب العمر إلاّه و إن قصرا
يا هول ما أبصرت يا هول ما سمعت
كادت تكذّب فيه السّمع و البصرا
لولا بقيّة صبر في جوانبها
طارت له نفسها من وقعة شذرا
يا للخيانة ! صاحت و هي هائجة
كما تهيّج ليث بابنه و ترا
الآن أيقنت أنّي كنت واهمة
و أنّ ما كلّ برق يصحب المطرا
و هبت قلبك غيري و هو ملك يدي
ما خفت شرعا و لا باليت مزدجرا
ليست شرائع هذي الأرض عادلة
كان الضّعيف و لا ينفكّ محتقرا
قد كنت أخشى يد الأقدار تصدعنا
و كان أجدر أن أخشاك لا القدرا
و صلتني مثل الشمس الأفق ناصعة
و عفتني مثل جنح اللّيل معتكرا
كما تعاف السّراة الثّوب قد بليت
خيوطه و الرّواة المورد القذرا
خفت الأقاويل بي قد نام قائلها
هلّا خشيت انتقامي و هو قد سهرا
يا سالبي عفّتي من قبل تهجرني
أردد عليّ عفافي واردد الطّهرا
هيهات ما من عفّتي عوض
لاح الرّشاد و بان الغيّ وانحسرا ...
...
و أقبلت نحوه تغلي مراجلها
كأنّها بركان ثار و انفجرا
في صدرها النّار ، نار الحقد ، مضرمة(56/69)
لكنّما مقلتاها تقذف الشّررا
و أبصر النّصل تخفيه أناملها
فراح يركض نحو الباب منذعرا
لكنّها عاجلته غير وانية
بطعنة فجّرت في صدره نهرا
فخرّ في الأرض جسما لا حراك به
لكنّ " فرجين " ماتت قبلما احتضرا
جنّت من الرّعب و الأحزان فانتحرت
ما حبّت الموت لكن خافت الوضرا
...
كانت قبيل الرّدى منسيّة فغدت
بعد الحمام حديث القوم و السّمرا
تتلو الفتاة عظات في حكايتها
كما يطالع فيها النّاشيء العبرا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> قطرة الطلّ
قطرة الطلّ
رقم القصيدة : 67848
-----------------------------------
إن تر زهرة ورد فوقها للطلّ قطره
فتأمّلها كلغر غامض تجهل سرّه
و لتكن عينك كفا و ليكن لمسك نظره
ليست الحمراء جمره ، لا و لا البيضاء درّه
***
ربّ روح مثل روحي عافت الدنيا المضرّه
فارتقت في الجوّ تبغي منزلا فوق المجرّه
علّها تحيا قليلا في الفضاء الحرّ حرّه
ذرفتها مقلة الظلماء عند الفجر قطره
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الكنار الصامت
الكنار الصامت
رقم القصيدة : 67849
-----------------------------------
نسي الكنار نشيده
فتعال كي ننسى الكنار
و ليقذفنّ به الملال
من القصور إلى القفار
و لترمينّ بريشه
للأرض عاصفة النفار
و لنستعض عنه بطير
من لجين أو نضار
لا ، لا ، فإن سكت الكنا
ر فلم يزل ذاك الكنار
أو كان فارقه الصدا
ح فلم يفارقه الوقار
صمت الكنار ، و إن قسا ،
خير من النغم المعار
صبرا فسوف يعود لل
تغريد إن عاد النهار
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> إليك عنّي
إليك عنّي
رقم القصيدة : 67850
-----------------------------------
كم تستثير بي الصبابة و الهوى
عنّي إليك ، فإنّ قلبي من حجر
مالي و للحسناء أغري مهجتي
بوصلها ، و الشيب قد و خط الشعر ؟
كم " بالجزيرة " لو يتاح لي الهوى
من غادة تحكي بطلعتها القمر ؟
و لكم بها من جدول و حديقة
من صنعه الرحمن لا صنع البشر(56/70)
فيها اللّواتي إن رمت ألحاظها
شلّت يد الرامي و قطّعت الوتر
قد كان لي في كلّ خوذ مطمع
و لكلّ رائعة المحاسن بي وتر
أيّام شعري كالدّجى محلولك ،
أيّام عيشي لا يخالطه كدر
***
ذرني و أشجاني و جسمي ، و الضّنى ،
و يدي ، و أقلامي ، و طرفي ، و السهر
أأبيت ألهو و الهموم تحيط بي
و أنام عن قومي ، و قومي في خطر
صوت المصفّق موعد ما بيننا
ماذا أقول لهم إذا الديك استحر ؟
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ما زال في الأرض حبّا
ما زال في الأرض حبّا
رقم القصيدة : 67854
-----------------------------------
أيّ خطب دها فبات المهجر
مثل حقل مرّت عليه صرصر
ضربت عقد زهرة فتبعثر
و مشت فوق عشبه فتنكر
بعد أن كان عبهريا نديّا
*
قد سمعنا ، يا ليتنا لم نسمع
نبأ زعزع القلوب و ضعضع
فجزعنا ، و حقنا أن نجزع
لفراق الفتى الأديب الألمع
وذرفنا دمعا سخينا سخيّا
*
قد بكينا كما بكى لبنان
و حنّتنا كأرزه الأحزان
ليس بعد الأمين ثمّ مكان
غير مستوحش و لا إنسان
ذو وفاء لم يبك ذاك الوفيّا
*
ألمهيّ قد غاب تحت الرغام
إنّما لم يغب عن الأفهام
فهو باق فينا مدى الأيّام
فعليه تحيتي و سلامي
عاش حرّا ، و مات حرّا أبيّا
*
لم يعفّر جبينه في التراب
لم يوارب في موقف ، لم يحارب
لم يبع قومه من الأغراب
لم يسر في سوى طريق الصواب
لم يكن خائنا و لا إمعيّا
*
عاش في الأرض مثل زهر البنفسج
كلّما زاد فركه يتأرّج
و كنجم في برجه يتوهّج
لا يبالي أحبّه من أدلج
أم أحبّ اللّيل البهيم الدجيّا
*
فابسمي فوق قبره ، يا نجوم
و ترنّم من حوله ، يا نسيم
فالدّفين الذي هناك يقيم
بطل مصلح وروح كريم
و لسان تخاله نبويّا
*
و تنصّت إذا رأيت الأقاحي
جاثيات في هيكل الأرواح
قائلات بلهجة النصّاح
أيّها النّاس ، بعض هذا النذواح
" فأمين " ما زال في الأرض حيّا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> التمثال
التمثال
رقم القصيدة : 67855
-----------------------------------(56/71)
من المرمر المسنون صاغوا مثاله
و طافوا به من كلّ ناحية زمر
و قالوا - صنعناه لتخليد رسمه ،
فقلت - ألا يفنى كما فنى الأثر ؟
و قالوا - نصبناه اعترافا بفضله ،
فقلت إذن من يعرف الفضل للحجر ؟
و قالوا - غنيّ كان يسخو بماله
فقلت لهم هل كان أسخى من المطر ؟
و قالوا - قويّ عاش يحمي ذمارنا
فقلت لهم كان أقوى من القدر ؟
أكان غنيّا أو قويّا فإنّه
بمالكم استغنى و قوتكم ظفر
فلم يتعشّقكم و لا همتم به
كما خلتم لكنه النّفع و الضرر
و لم ترفعوا التّمثال للبأس و النّدى
و لكن لضعف في نفوسكم استتر
فلستم تحبّون الغنيّ إذا افتقر
و لستم تحبّون القويّ إذا اندحر
رأيتكم لا تعرجون بروضة
إذا لم يكن في الروض فيء و لا ثمر
و لا تعقلون الشاة إلاّ لتسمنوا ،
و لا تقتنون الخيل إلاّ على السفر
إذا كان حبّ الفضل للفضل شأنكم
و لم تخطئوا في الحسن و السّمع و البصر
فما بالكم تكرموا اللّيل و الضّحى
و لم تنصبوا التّمثال للشمس و لاقمر ؟(56/72)
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بلاء أم نعمة
بلاء أم نعمة
رقم القصيدة : 67856
-----------------------------------
أحبّ معانقة النّرجس
لعينيك يا ابنة كولمبس
و أهوى الشّقيق و لثم العقيق
لخدّك و الثغر الألعس
أعندك إن غبت عن ناظري
مشيت من الصّبح في حندس
و أنّ الظّلام على هوله
إذا جئت حال إلى مشمس
و في الصدر قلبا و لا كالقلوب
متى شئت يسعد أو يتعس
وددت الإفاضة قبل اللّقاء
فلمّا لقيتك لم أنبس
وبتّ و إيّاك في معزل
كأنّي و إيّاك في مجلس
و لو أنّ ما بي بالطّود دكّ
و بالأسد الورد لم يفرس
هممت فأنكرني مقولي
و شاء الغرام فلم أهجس
كأنّي لست أمير الكلام
و لا صاحب المنطق الأنفس
جلالك ؛ و لالّيل في صمته
فلا غرو أن رحت كالأخرس
...
و مرّت بنا ساعة خلتنا
خلعنا الجسوم عن الأنفس
و أنّا من الرّوض في جنّة
و أنا من العشب في سندس
كذاك الهوى في النفوس
كفعل المدامة في الأرؤس
تنبّه فيها و فيّ الهوى
فلو نعس النجم لم ننعس
و كلّ فؤاد شديد العرام
إذا رضته بالهوى يسلس
فمالت فطوّقها ساعدي
منعّمة بضّة الملمس
و إنّ العفاف لفي بردها
و إنّ الإباء لفي معطسي
و قلت و كفّي في كفّها
ألا صرّحي لي أو فاهمسي
بلاء هو الحبّ أم نعمة
أجابت : تجلّد و لا تيأس
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أما أنا ...
أما أنا ...
رقم القصيدة : 67857
-----------------------------------
لا تنثني في الرّوض أغصان الشّجر
حتّى تدغدغها النّسائم في السّحر
و أنا كذلك لا يفارقني الضّجر
حتّى تداعب لمّتي بيديها
***
الشّمس تلقى في الصّباح حبالها
و تبيت تنظر في الغدير خيالها
أمّا أنا فإذا وقفت حيالها
أبصرت نور الشمس في خدّيها
***
الطّود يقرأ في السّماء الصّافيه
سفرا ، جميل متنه و الحاشيه
أمّا أنا فإذا فقدت كتابيه
أتلو كتاب الحبّ في عينيها
***
الطّير إن عطشت ولجّ بها الظّما
هبطت إلى الأنهار من علو السّما
أمّا أنا فإذا ظمئت فإنّما(57/1)
ظمأي الشديد إلى لمى شفتيها
***
الندّ يطلبه الخلائق في الرّبى
بين الورود و في نسيمات الصّبا
أمّا أنا فألذّ من نشر الكبا
عندي ، الذي قد فاح من نهديها
***
الرّاح تصرف ذا العناء عن العنا
و تطير بالصّعلوك في جوّ المنى
قيرى الكوكب تحته ، أمّا أنا
فتظلّ أفكاري تحوم عليها
***
فيها و منها ذلّتي و سقامي
و بها غرامي ، القاتلي ؛ و هيامي
أشتاقها في يقظتي و منامي
و أطول شوق المستهام إليها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الحاجة إلى الخرس
الحاجة إلى الخرس
رقم القصيدة : 67858
-----------------------------------
ما كان أحوجني يوما إلى أذن
صمّاء إلاّ عن المحبوب ذي الأنس
كي لا يصدّع رأسي صوت نائحة
و لا تقطّع قلبي أنّه التّعس
و لا يمرّر نفسي الأدعياء و لا
ذمّ الأفاضل من ذي خسّة شرس
أقول هذا عسى حرّ يقول معي
ما كان أحوج بعض النّاس للخرس
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> سبيل التوحيد
سبيل التوحيد
رقم القصيدة : 67859
-----------------------------------
ما كان أحوج سوريّا إلى بطل
يردّ بالسّيف عنها كلّ مفترس
و لا يزال بها و السّيف في يده
حتّى يطهّرها من كلّ ذي دنس
و يجعل الحبّ دين القاطنين بها
دين يقرّب بين " البنت " و القدس
حتى أرى ضارب النّاقوس يطربه
صوت الأذين ، و هذا رنّة الجرس
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لو أستطيع
لو أستطيع
رقم القصيدة : 67860
-----------------------------------
لو أستطيع سكبت رو
حي خمرة في كاسها
حتى إذا حال النوى
بيني و بين كناسها
و تجاهلت أو أنكرت
أمري لدى دلّاسها
أطللت من أجفانها
و جريت مع أنفاسها !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الاشباح الثلاثة
الاشباح الثلاثة
رقم القصيدة : 67861
-----------------------------------
روأني النوم وما برحا
حتى طأطأت له رأسي
أطبقت جفوني فانفتحا
باب الرؤيا والوسواس
أبصرت كأني في موضع
ما فيه غير الأرواح(57/2)
فوقفت بعيدا أتطلّلع
فلمحت ثلاثة أشباح
ولد يتهادى في العشر
وفتّى في برد العشرينا
والثالث شيخ في طمر
ذو جسم يحكي العرجونا
وإذا بالأول يقترب
مني كالطائر في الوثب
فشعرت كأني أضطرب
وكأن خطاه على قلبي
يا نفسي ما هذا الفرق؟
لا رمح معه ولا نبل
ولماذا الخشية والقلق
والخلق أحبهم الطفل
وإذا بالطفل يخاطبني
بكلام لا يتكلّفه
ويمازحني، ويداعبني،
فكأني شخص يعرفه
((ما بالك منكمشا كمدا؟
قم نلعب في فيّ الشجر
ونهزّ الأغصن والعمدا
ونذود الطير عن الثمر
أو نصنع خيلا من قصب
أو طيّارات من ورق
ومدّى وسوفا من خشب
ونجول ونركض في الطرق
أو نأتي بالفحم القاتم
ونصوّر فوق الأبواب
تنّينا في بحر عائم
أو ليثا يخطر في غاب
أو كلبا يعدو ، أو حملا
يرعى ، أو نهرا، أو هضبه
أو ديكا ينقد، أو رجلا
يمشي ، أو مهرا، أو عربه
أو نجبل ماء وترابا
ونشيد بيوتا وقبابا
أو نجعل منه أنصابا
أو نصنع حلوى وكبابا))
مثّلت الطفل ودنياه
فأحبّت نفسي دنياه
ووددت لو أني إيّاه
بل خلت كأني إيّاه
فضحكت ولجّ بي الضحك
حتى استلقيت على ظهري
فاستيقظ في الولد الشك
فتوقف يعجب من أمري
ويقول: أيا هذا قدكا
فوحقك ذا الطيش الأكبر
ما تضحك مني بل منكا
إيّاك أنا لو تتذكر!
وتوارى عني واحتجبا
كالموجة في عرض النهر
فتضايق قلبي واضطربا
وارتجّت روحي في صدري
2
وإذا الشبح الثاني أقبل
يترّنح مثل المخمور
ألليل على الدنيا مسدل
وعليه وشاح من نور
معصوب المقلة والدرب
وعر وكثير الآفات
كسفين ليس لها ربّ
تجري في بحر الظلمات
ماذا في الأفق ؟فقد وقفا
يتأمل فيه ويبتسم
هل لاح له وجه عرفا
أم هزّ جوارحه نغم؟
أم أبصر آلهة الحب
تدعوه إليها إيماء
لا شيء في الأقف الرحب
وكأن هناك أشياء
ألطير تغني للزهر
ويظنّ الطير تساجله
والزهر ترحّب بالفجر
ويظنّ الزهر تغازله
ونظرت إليه في البّر
يتمنّى لو خاض البحرا
ونظرت إليه في البحر
يتمنى لو بلغ البرّا
يتأفّف من بطء الدهر
والدهر يسير به وثبا(57/3)
وينام ليحلم بالفجر
والفجر يضيء له الدربا
ويسائل عن كأس الخمر
ويائله عنها الناس
في الليل ، وفي وضح الفجر
والخمرة فيه والكأس
فصيرت ولازمت الصمتا
حتى دانى الظلّ الظلّ
فأشرت إليه: من أنتا ؟
فأجاب: أنا ذاك الطفل
ومضى كالظلّ إذا انتقلا
وأنا أرجو لو لم يمض
فأعدت لنفسي ما ارتجلا
متعجّب بعضي من بعضي
3
ألشمس تزلّ عن الأفق
كالروح المحتضر الساجي
غمرتها أمواج الغسق
فتوارت خلف الأمواج
والغيم الأسود يحتشد
طبقا في الجوّ على طبق
والليل يطول ويطّرد
والأرض كسار في نفق
وإذا شيخ في صحراء
كالزورق في عرض البحر
إعياه الصلح مع الماء
وأضاع الدرب إلى البّر
يمشي في الأرض على مهل
وعلى حذر، لكن يمشي
كالشاة تساق إلى القتل
بعصا جبّار ذي بطش
يا شيخ... لماذا لا تقف؟
دميت رجلاك من الركض
فأجاب بصوت يرتجف
ألأرض تسير على الأرض!
يا شيخ... رويدا فالبد
سيضيء الدرب فتستهدي
فأجاب: ويتلوه الفجر
لكن سيضيء لمن بعدي
أيلذّ لغصن منكسر
عرّته الريح من الورق
أن يبصر في ضوء القمر
ما كان عليه على الطرق؟
ما لذّة ميت في الرمس
بالزّهر الفوّاح العطر
نور لا يشرق في النفس
كغباء في إذن الحجر
ما استخفت عني الأفلاك
والشهب، بل استخفى حبّي
لم تملأ دربي الأشواك
إنّ الأشواك لفي قلبي
يا شيخ: شجاني ما قلتا
وزرعت بنفسي آلامك
من أنت؟ أجاب: أنا أنتا
أنا ذاتك تمشي قدّامك
كم أبحث بين الأجرام
عني وأنقّب في الأرض
أحلامي تطمر أحلامي
بعضي مدفون في بعضي
لم أبصر ذاتي بالأمس
في لوح زجاج أو ماء
بل لاحت نفسي في نفسي
فهي الورئيّة والرائي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> يا نفس
يا نفس
رقم القصيدة : 67862
-----------------------------------
يا نفس لو كنت ترين الشؤون
كما يراها سائر الناس
لما رماني بعضهم بالجنون
ولم أجد في الناس من باس
بالأمس مرّ الوكب الأكبر
فيه الفتى الراكب والناعل
وأقبلت غيد الحمى تخطر
يهتفن: عاد البطل الباسل
ما لك يا هذه لا تهتفين(57/4)
لصاحب الدولة والباس؟
فقلت لي ضاحكة تسخرين:
ويلك ! هذا قاتل الناس!
ومجلس دارت به الأكؤس
فشرب القوم ولم تشربي
وامتلأت بالطرب الأنفس
وأنت في صمتك لم تطربي
كأنّما غيّبك الحندس
أو تاهت اللذّات في سبسب
ما لك يا هذه لا تضحكين
للحبب الضاحك في الكاس؟
قالت : نهاني أنّ موج السنين
سيغمر الأقداح والحاسي!
وسرت في الروضة شاع الجمال
فيها، وشاع الحبّ بين الطيور
ألطلّ فيها كدموع الدلال
والشوك فيها كحديث الغرور
مشيت في أرجائها كالخيال
يطوف في الظلماء بين القبور
كأنّما لا ورد في الياسمين
كأنّما لا عطر في الآس
ويحك! لا في عزلتي تطربين
ولا إذا كنت مع الناس
كان زمان كنت تستأنسين
بكلّ وهم خادع كالسراب
حتى إذا أسفر وجه اليقين
رأيته كالوهم شيئا كذاب
دنيا الورى ليل وصبح مبين
وليس في دنياك إلاّ الضباب
ما لاحت الأشجار للناظرين
إلاّ رأيت شبح الفاس!
ولا سمعت الكاس ذات الرنين
إلا سمعت حطمة الكاس!
مسخت في عينّي لوت النهار
لّما لمحت الليل بالمرصد
ومات في إذنّي لحن الهزار
لّما سبقت الصمت للمنشد
فررت باللّذات قبل الفرار
فضاع يومي حائرا في غدي
خالفت مقياس الورى أجمعين
فكيف يرضون بمقياسي؟
ما برح الناس كما تعلمين
ولم أزل فردا من الناس
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لم يبق غير الكأس
لم يبق غير الكأس
رقم القصيدة : 67863
-----------------------------------
لم يبق ما يسليك غير الكأس
فاشرب، ودع للناس ما للناس!
ذهب الشباب على الشجون تبثّها
لأخ مؤاس أو لغير مؤاس
وعلى الحياة تحار في أطوارها
وتحار في تعليل كلّ نطاسي
ثم استفقت وليس في روض المنى
إلاّ الصباب وغير شوك الياس
وجلراح نفس ينظر الآسي لها
فيعود محتاجا لآخر آس
ألحسّ مجلبة الكآبة والأسى
قم ننطلق من عالم الإحساس
وأرى السعادة لا وصول لعرشها
إلاّ بأجنحة من الوسواس
فكأنّما هي صورة زيتيّة
للشط فيه مراكب ومراسي
تبدو لعينيك السفائن عوّما
وتكاد تسمع رعشة الأمراس(57/5)
لكن إذا أدنتها ولمستها
لم تلق غير الصبغ والقرطاس
دنيا مزّيفة ودهر ماذق
ما في انفلاتك منهما من باس
إنّ اللذاذات التي ضيّعتها
رجعت إليك عصارة في الكاس
فاصبغ رؤاك بها تعد ذهبيّة
عطريّة الألوان والأنفاس
واخلق لنفسك بالمدامة جنّة
في الأربع المجورة الأدراس
ألحبّ فيها بلبل وخميلة
وندّى وأضواء على الأغراس
للقصر يخلقه خيالك روعة
كالقصر من جذور ومن آساس
يا أيها الساقي أدر كاساتها
كمشاعل الرهبان في الأغلاس
وانس الهموم فليس يسعد ذاكر
واسق النجوم فإنها جلاّسي
واصرع بها عقل النديم ولبّه
ما نغّص الحاسي كعقل الحاسي
واهجر أحاديث السياسة والألى
يتعلّقون بحبل كلّ سياسي
إني نبذت ثمارها مذ ذقتها
ووجدت طعم الغدر في أضراسي
وغسلت منها راحتي فغسلتها
من سائر الأوضار والأدناس
وتركتها لاثنين: غرّ ساذج
ومشعوذ كذبذب دّساس
يرضى لوطنه يصير مواطنا
وتصير أمتّه إلى أجناس
ويبيعها بدراهم معدودة
ولو انها جاءت من الخنّاس
ما للمنافق من ضمير رادع
أيّ الضمير لحيّة الأجراس؟
ولربّ قائلة تعاتبني على
صمتي وبعض القول حزّ مواسي:
إثنان ما لاقيت أقسى منهما
صمت الدجى والشاعر الحسّاس
فأحبتها: أقسى وأهول منهما
في مسمعي هذا التعاب القاسي
لم تعلمي، والخير أن لا تعلمي،
كم في السكوت فواجعا ومآسي
قالت: أظنك قد نسيت . فقلت: لا
ما كنت بالناسي ولا المتناسي
لكنّ جرحا كلّما عالجته
غمر القنوط جوارحي وحواسي
ولو انه في الرأس كنت ضمدته
لكنّه في القلب لا في الراس
إنّ الألى قد كنت أرمى دونهم
غلّوا يديّ وحطّموا أقواسي
واستبدلوا سيفي الجراز بأسيف
خشب وباعوا عسجدي بنحاس
والطلّ غير الماس ، إلا أنهم
خدعوا برقرقة النّدى عن ماسي
وإذا حسبت الروض تغني صورة
عنه فذلك منتهى اللإفلاس
أسد الرّخام وإن حكى في شكله
شكل الغضنفر ليس بالفرّاس
قد كان لي حلم جميل مونق
فأضعته لّما أضعت نعاسي
فكّرت في ما نحن فيه كأمّة
وضربت أخماسي إللى أسداسي(57/6)
فرجعت أخيب ما يكون مؤمّل
راج وأخسر ما يكون الخاسي
نرجو الخلاص بغاشم من غاشم
لا ينقذ النخّاس من نخّاس
ونقيس ما بين الثّريا والثرى
وأمورنا تجري بغير قياس
نغشى بلاد الناس في طلب العلى
وبلادنا متروكة للناس
نكاد نفترش الثرى وبأرضنا
للأجنبّي موائد وكراسي
وتلوح هاجرها على نسيانه
واللائم الناسين أوّل ناسي
ونبيت نفخر بالصورام والقنا
ورقابنا ممدودة للفاس
كم صيحة للدهر في آذاننا
مرّت كما مرّت على أرماس
تفنيك أوجههم وحسن خلاقهم
عن كلّ ورد في الروض وآس
أنا بينهم أسد وجدت عرينتي
أنا بينهم ظبي وجدت كناسي
وطني أحبّ إلّي من كلّ الدّنى
وأعزّ ناس في البرية ناسي
فلتحي سوريا التي نحيا لها
وليحي لبنان الأشم الراس
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الخمر والدنيا
الخمر والدنيا
رقم القصيدة : 67864
-----------------------------------
يشرب بنت الكرم بعض الناس
لكربة في النفس أو وسواس
وبعضهم لأنه قد ظفرا
وبعضهم لأنه قد خسرا
وبعضهم لأنهفي فرح
وبعضهم لأنه في ترح
وبعضهم كي يتردّ الأمسا
وبعضهم يجرعها كي ينسى
وبعضهم ليستفيد قوّة
وبعضهم لسورة الفتوّة
وبعضهم كيما يحلّ مشكله
وبعضهم لأنه لا شغل له
وبعضهم عن رغبة وعن هوى
وبعضهم لعلّه يرضي السّوى
وبعضهم من حبّه للبائع
وبعضهم نكاية للمانع
وبعضهم يشربها أحيانا
وبعضهم في أيّ وقت كانا
وبعضهم مع صحبة في الدار
وبعضهم في حانة الخمّار
وبعضهم مع زمرة الندمان
وبعضهم في وحدة الرهبان
وبعضهم في الصيف ذي الرمضاء
وبعضهم في زنم الشتاء
وبعضهم عند انجياب الظلمه
وبعضهم عند طلوع النجمه
وبعضهم يذمّها استهجانا
وبعضهم يمدّحها استحسانا
لكنّهم كلّهم يحسوها
ألمادحوها والمقبّحوها
فما وجدت في زماني رجلا
وقلت: هل تحبّها ؟ فقال: لا
وسرّ هذا أنها كالدنيا
تؤذي ولكت مع أذاها تهوى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ضيف ثقيل
ضيف ثقيل
رقم القصيدة : 67865(57/7)
-----------------------------------
أقصّ عليكم ما جرى لي بالأمس
فلي قصص تجلو الهموم عن النفس
إذا فلت قال الدهر أحسنت يا فتى
ولو كان ذا حس لغاب عن الحسّ
فدونكم هذا الحديث فإنّه
ألذّ وأشهى من معاقرة الكأس
جلست إلى طرسي وقد عسعس الدّجى
أسطّر ما توحيه نفسي في طرسي
وليس سوى نور ضئيل بجانبي
يلوح ويخفى كالرّجاء لدى اليأس
وكالنّقع في جوف الدواة أو الدّجى
وكالهندواني بين أنملي الخمس
فصاحة قس أودعت في لسانه
وحكة لقمان ، ويحسب في الخرس
ضعيف الخطى،بادي التحول كأنما
يشدّ إلى قيد، يشدّ إلى حبس
أقلّبه فوق الطروس وإنما
أقلّب فوق الطرس سعدي أو نحسي
فنّبهني طرق على باب غرفتي
وصوت ضعيف وهو أقرب للهمس
نهضت ولكن مثلما ينهض الذي
به نشوة ، أو من يفيق من المسّ
ولما فتحت الباب أبصرت راهبا
ولو كنت طفلا قلت غول من الإنس
فأزعجني مرآة حتى كأنما
رسول الرّدى قد جاء ينعى لي نفسي
فقلت وقاني اللّه شرّك ما الذي
أتى بك، يا مشؤوم ، في ساعة الأنس
أجاب كفيت السوء جئتك طالبا
مديحك لي بين الأعارب والفرس
فقلت وحقّ الشعر مدحك واجب
ومثلي يقضيه على العين والرأس
خبرت بني الدنيا وفتّشت فيهم
فلم تر عيني قطّ أثقل من قسّ
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ذكرى وعبدة
ذكرى وعبدة
رقم القصيدة : 67866
-----------------------------------
عاطيتهافي الكأس مثل رضابها
تسري إلى القلب الجبان فيشجع
يطفو الحباب على أديم كؤوسها
فكأنّ تبرأ باللّجين يرصّع
وكأنما تلك الكؤوس نواظر
تبكي، وهاتيك الفواقع أدمع
مشمولة تغري بصفرتها البخيل
بها فيطمع بالنّضار وتطمع
شمطاء إلاّ أنها محجوبة ،
عذراء إلاّ أنها لا تمنع
ما زلت أسقيها إلى أن أخضعت
منها فؤادا للهوى لا يخضع
فعلت بها مثل الذي فعلت بنا
ألحاظها ، إنّ اللّحاظ لتصرع
لما انتشت ومضى الخفاء لشأنه
باحت إلّي بما تكنّ الأضلع
برح الحياء وأعلنت أسرارها
إنّ الحياء لكلّ خود برقع(57/8)
فعلت أني قد خدعت بحبّها
زمنا، وكنت أظنني لا أخدع
ما كنت أعلم قبل أن أسكرتها
أنّ الفؤاد بحبّ غيري مولع
فتركتها نشوى تغالب أمرها
والأمر بعد وقوعه لا يدفع
ورجعت عنها واثقا من أنّ ما
قد كان حبّي لها لا يرجع
لبكيت لو أن البكاء أفادني
وندمت لو أنّ الندامة تنفع
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> من أنا
من أنا
رقم القصيدة : 67867
-----------------------------------
أنا ، من أنا يا ترى في الوجود؟
وما هو شأني، وما موضعي؟
أنا قطرة لمعت في الضحى
قليلا على ضفّة المشرع
سيأتي عليها المساء فتغدو
كأن لم ترقرق ولم تلمع
أنا نغمة وقّعتها الحياة
لمن قد يعي ولمن لا يعي
سيمشي عليها السكوت فتمسي
كأن لم تمرّ على مسمع
أنا شيخ راكض مسرع
مع الزمن الراكض المسرع
سيرخى عليه الستار ويخفي
كأن لم يجدّ ولم يهطع
أنا موجة دفعتها الحياة
إلى أوسع فإلى أوسع
ستنحلّ في الشطّ عمّا قليل
كأن لم تدّفع ولم تدفع
فيا قلب لا تغترر بالشباب ،
ويا نفس بالخلد لا تطمعي
فإنّ الكهولة تمضي كما
تولّى الشباب ولم يرجع
ولكنّ فيها جمالا بديعا
وفيها حنين إلى الأبدع
ومن لا يرى الحسن في ما يراه
فما هو بالرجل الألمعي
بني وطني من أنا في الوجود
وما هو شأني وما موضعي؟
أنا أنتم إن ضحكتم لأمر
ضحكت ، وأدمعكم أدمعي
ومطرب أرواحكم مطربي
وموجع أكبادكم موجعي
أما نحن من مصدر واحد؟
ألسنا جميعا إلى موجع؟
رفعتم مقامي وأعليتموه
لما قد صنعت ولم أصنع
أحقّ بإكرامكم طائر
يغرّد في الرّوض والبلقع
وأولى به كوكب طالع
على سهّد وعلى هجّع
أنا واحد منكم ، يا نجوم
بلادي ، متى تسطعوا أسطع
فمن قام يمدحني بينكم
فقد تمدح الكفّ بالإصبع
وما الغيث غير الخضمّ، وليس
الغدير سوى السحب الهمّع
فلولاكم لم أكن بالخطيب
ولا الشاعر الساحر المبدع
أنا الآن في سكرة لا أعي
فيا ليتني دائما لا أعي
فذي ليلة بجميع الزمان
إذا كان في الدهر من أجمع
فيا أيّها الليل باللّه قف ،(57/9)
ويا لأيّها الصبح لا تطلع
إذا كنت قد بنت عن مربعي
فإنّي وجدت بكم مربعي
يمينا سأحمل في أضلعي
هواكم ما بقيت أضلعي
وأشكركم بلسان النسائم
والروض والجدول المترع
فلا عذر للطير إمّا رلأى
جمال الربيع ولم يسجع
إذا لم أكن معكم في غد
فإنّي سأمضي وأنتم معي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لو
لو
رقم القصيدة : 67868
-----------------------------------
لو أنني، يا هند، بدر السما
نزلت من أفقي إلى مخدعك
وصرت عقدا لك أو خاتما
في جيدك النصع أو إصبعك
أو بلبل الروض، ما لذّ لي
الانشاد إن لم يكن في مسمعك
ولو أكون الأرج الذاكي
لما هجرت الروض لولاك
وما حواني غير مغناك
ولم أفح حتى تكوني معي
فيك وفي الورد سرّ الصبا
وفي الصبا سرّ الهوى والجمال
فإن تريني واجما باهتا
حيالها أخشى عليها الزّوال
فإنني شاهدت طيف الردى
ينسلّ كالسارق بين الظلال
ولاح لي في الورق النامي
منطرحا في الأرض قدّامي
أشباح آمالي وأحلامي
أحلام من؟ أحلام مضناك
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ليتهم عرفوه!
ليتهم عرفوه!
رقم القصيدة : 67869
-----------------------------------
رثى بها صديقه يعقوب روفائيل صاحب مجلة الأخلاق.
- - -
يا نفس قد ذهب الرفيق الألمعي
فتجلّدي لفراقه أو فاجزعي
هذي النهاية ، لا نهاية غيرها،
للحي إن يسرع وإن لم يسرع
للموت من ملك البسيطة كلّها
أو حاز من دنياه بضعة أذرع
فازرع طريقك بالورود وبالسنا
لا يحصد الإنسان إن لم يزرع
واعمل لكي تمضي وتبقى رقة
في مبسم ، أو نغمة في مسمع
أو صورة مثل الربيع جميلة
في خاطر أو ناظر مستمتع
يا صحب يعقوب ، ويا عشراءه
من منكمو أبكي ولا يبكي معي
إنّا تساوينا فبين ضلوعكم
نار ومثل سعيرها في أضلعي
لبنان، هذا من روضك زهرة
ذهبت كأن في الأرض لم تتضوّع
لبنان هذا من سمائك كوكب
غرّبته حتى انطوى في بلقع
لبنان هذا من مروجك قطعة
فيه بشاشة كلّ مرج ممرع
قل للبنفسج في سفوحك والرّبى(57/10)
ولّي شبيهك في الوداعة فاخشع
وأمر طيورك أن تنوح على فتى
قد كان يهواها وإن لم تسجع
قد عاش مثلك للمروءة والعلى
متعفّفا كالزاهد المتورّع
مترفّعا في قوله وفعاله
عمّن غوى وهوى ولم يترفّع
كم حرّضته النفس في نزواتها
ليكون صاحب حيلة أو مطمع
فأجابها: يا نفس لا تتوّرطي
صدأ النفوس هي المطامع فاقتعي
ليس المحارب في الوغى بأشدّ بأسا
من محارب نفسه أو أشحع
يا صاحبي أضنيت جسمك فاسترح
وأطلت ، يا يعقوب، سهدك فاهجع
حدّثت قومك حقبة فتسمّعوا
والآن دور حديثهم فتسّع
هجروا الكلام إلى الدموع لأنّهم
وجدوا البلاغة كلّها في الأدمع
كيف التفتّ وسرت لا ألقى سوى
متوجع يشكو إلى متوجّع
حتى الألى نفشوا عليك سمومهم
حزّ الأسى أكبادهم كالمبضع
عرفوا مكانك بعد ما فارقتهم
يا ليتهم عرفوه قبل المصرع
ولكم تمنّوا لو تعود إليهم
أنت الشباب إذا مضى لم يرجع
حنّوا إلى أرج الأزاهر بعدما
عبثت بها أيدي الرياح الأربع
واستعذبوا الماء المسلسل بعدما
نضب الغدير وجفّ ماء المشرع
يا لوعة الأحباب حين تساءلوا
عنه وعادوا بالجواب الموجع
إن الذي قد كان معكم قد مضى
من موضع أدنى لأرفع موضع
من عالم متكلّف متصنّع
تشقى نفوس فيه لم تتصنّع
للعالم الأسمى الطهور ، ومن مجاورة
الأنام إلى جوار المبدع
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ليالي بوسطن
ليالي بوسطن
رقم القصيدة : 67870
-----------------------------------
إن أغب، يا صحب، عن ذاك الحمى
لم أزل معكم كما أنتم معي
فإذا الأنجم شعّت في السما
قلت هذي أنت في مجمع
وإذا الشادي بلحن رنّما
خلته أصواتكم في مسمعي
آه لو يغني خيال عن عيان
كان كالمنهل رسم المنهل
ولعاش المرء في دنيا الأماني .
يقطع الدنيا ولم ينتقل
وسلونا عن مكان بمكان
ولألغني آخر عن أوّل
ولنابت عن نجوم نيّرات
صور مطبوعة في الورق
واكتفينا بخرير الساقيات
في الدّجى عن مائها المندفق
يا ليالي ((بوسطن)) هل ترجعين
فأرى صحبي الكرام البرره؟(57/11)
ويزول الهمّ عن قلبي الحزين
بالوجوه المشرقات النضره
إنه يسألني في كلّ حين
أين تلك الجنّة المحتضره؟
ذهبت، يا قلب ، إلا ذكريات
كبروق ضحكت في الغسق
تأنس العين بها في الظلمات
وهي تفنى في رحاب الأفق
يا ليالي بوسطن ليت الحياة
عدلت فينا فلم نتفرق
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> العنقاء
العنقاء
رقم القصيدة : 67871
-----------------------------------
أنا ليست بالحسناء أول مولع
هي مطمع الدنيا كما هي مطمعي
فاقصص علّي إذا عرفت حديثها
واسكن إذا حدّثت عنها واخشع
ألمحتها في صورة ؟أشهدتها
في حالة؟ أرايتها في موضع؟
إني لذو نفس تهيم وإنها
لجميلة فوق الجمال الأبدع
ويزيد في شوقي إليها أنها
كالصّوت لم يسفر ولم يتقنّع
فتّشت جيب الفجر عنها والدّجى
ومددت حتى للكواكب إصبعي
فاذا هما متحيران كالاهما
في عاشق متحير متضعضع
وإذا النجوم لعلمها أو جهلها
مترجرجات في الفضاء الأوسع
رقصت أشعتها على سطح الدجى
وعلى رجاء فيّ غير مشعشع
والبحر... كم سائلته فتضاحكت
أمواجه من صوتي المتقطّع
فرجعت مرتعش الخواطر والمنى
كحمامة محمولة في زعزع
وكأنّ أشباح الدهور تألبت
في الشطّ تضحك كلّها من مرجعي
ولكم دخلت إلى القصور مفتشا
عنها ، وعجت بدراسات الأربع
إن لاح طيف قلت: يا عين انظري،
أو رنّ صوت قلت: يا أذن اسمعي
فإذا الذي في القصر مثلي حائر
وإذا الذي في القفر مثلي لا يعي
قالوا: تورّع ، إنها محجوبة
إلاّ عن المتزهّد المتورّع
فوأدت أفراحي وطلّلقت المنى
ونسخت آيات الهوى من أضلعي
وحطمت أقداحي ولما أرتو
وعففت عن زتدي ولما أشبع
وحسبتني أدنو إليها مسرعا
فوجدت أني قد دنوت لمصرعي
ما كان أجهل نصّحي وأضلّني
لما أطعتهم ولم أتمنّع
فكأنني البستان جرّد نفسه
من زهرة المتنوّع المتضوّع
ليحس نور الشمس في ذرّاته
ويقابل النسمات غير مقنّع
فمشى عليه من الخريف سرادق
كالليل خيّم في المكان البلقع
وكأنني العصفور عرّى جسمه(57/12)
من ريشه المتناسق المتلمّع
ليخفّ محمله، فخرّ إلى الثرى
وسطا عليه النمل غير مروّع
وهجعت أحسب أنها بنت الروءى
فصحوت أسخر بالنيام الهجّع
ليست حبورا كلها دنيا الكرى
كم مؤلم فيها بجانب مفزع
تخفي أمانّي الفتى كهمومه
عنه ، وتحجب ذاته في برقع
ولربما التبست حوادث يومه
بالغابر الماضي وبالمتوقّع
يا حبّذا شطط الخيال وإنما
تمحي مشاهده كأن لم تطبع
لما حلمت بها حلمت بزهرة
لا تجتنىء، وبنجمة لم تطلع
ثم انتبهت فلم أجد في مخدعي
إلا ضلالي والفراش ومخدعي
من كان يشرب من جداول وهمه
قطع الحياة بغلة لم تنقع
ذهب الربيع فلم تكن في الجدول
الشادي، ولا الروض الأغنّ الممرع
وأتى الشتاء فلم تكن في غيمه
الباكي، ولا في رعده المتفجع
ولمحت وامضة البروق فخلتها
فيها، فلم تك في البروق اللمّع
صفرت يدي منها وبي طيش الفتى
وأضلني عنها ذكاء الألمعي
حتى إذا نشر القنوط ضبابه
فوقي ، فغيّبني وغيّب موضعي
وتقطّعت أمراس آمالي بها
وهي التي من قبل لم تتقطّع
عصر الأسى روحي فسالت أدمعا
فلمحتها ولمستها في أدمعي
وعلمت حين العلم لا يجدي الفتى
أنّ التي ضيّعتها كانت معي!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> رسم سياسي
رسم سياسي
رقم القصيدة : 67872
-----------------------------------
وقال يصف رسما سياسيا رآه في ((جريدة النيل)) الأسبوعية
- - -
رسم تعلّم منه ناظري الولعا
كأنّ طرفي قلبي فيه وضعا
يمثل البيض حول الصّين قد وقفوا
وذاك الدّب في (منشوريا)رتعا
مشى به نحوها في نفسه أمل
وراح يمشي إلى ما بعدها جشعا
كالنّار تأكل أكلا ما يصادفها
والسيل يجرف ما يلقاه مندفعا
فقام (بالصّفر) داع من حليفتهم
مليكة الهند أن هبّوا فقد طبعا
قالت أحذركم من يخادعكم
فطالما خدع الإنسان فانخدعا
إني محضتكم نصح الصّديق عسى
خيرا يفيدكم فالنّصح كم نفعا
وغير منتفع بالنصح غير فتى
إذا تحدّث ذو عقل صغى ووعى
سارت إليهم فتاة وانثنت رجلا
وما رأى أحد هذا ولا سمعا(57/13)
حتّى إذا ما رأيت منشوريا اختنقت
بالقوم ضيقا وخرق الشّرّ متّسعا
كادت تطير سرورا بالنّجاح وقد
كادت على الهند تقضي قبل ذا جزعا
نبّئت أنّ الوغى في الصين دائرة
فما لها صادفت في النيل مرتبعا؟
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> تعالي
تعالي
رقم القصيدة : 67873
-----------------------------------
تعالي نتعاطاها كلون التبر أو أسطع
ونسقي النرجس الواشي بقايا الراح في الكاس
فلا يعرف من نحن ولا يبصر ما نصنع
ولا ينقل عند الصّبح نجوانا إلى الناس
تعالي نسرق اللذات ما ساعفنا الدهر
وما دمنا وما دامت لنا في العيش آمال
فإن مرّ بنا الفجر وما أوقظنا الفجر
فما يوقظنا علم، ولا يوقظنا مال
تعالي نطلق الروحين من سجن التقاليد
فهذي زهرة الوادي تذيع العطر في الوادي
وهذا الطير تياه فخور بالأغاريد
فمن ذا عنّف الزهرة أو من وبّخ الشادي؟
أراد الّه أن نعشق لما أوجد الحسنا
وألقى الحبّ في قلبك إذ ألقاه في قلبي
مشيئته... وما كانت مشيئته بلا معنى
فإن أحببت ما ذنبك أو أحببت ما ذنبي؟
دعي اللاحي وما صنّف والقالي وبهتانه
أللجدول أن يجري وللزهرة أن تعبق،
وللأطيار أن تشتاق أيارا وألوانه،
وما للقلب ، وهو القلب، أن يهوى وأن يعشق؟
تعالي ، إنّ ربّ الحب يدعونا إلى الغاب
لكي يمزجنا كالماء والخمرة في كاس
وبغدو النور جلبابك في الغاب وجلبابي
فكم نصغي إلى الناس ونعصي خالق الناس
يريد الحبّ أن نضحك فلنضحك مع الفجر
وأن نركض فلنركض مع الجدول والنهر
وأن نهتف فلنهتف مع البلبل والقمري
فمن يعلم بعد اليوم ما يحدث أو يجري ؟
تعالي ، قبلما تسكت في الروض الشحارير
ويذوي الحور والصفصاف والنرجس والآس
تعالي ، قبلما تطمر أحلامي الأعاصير
فنستيقظ لا فجر، ولاخمر، ولا كاس
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الابريق
الابريق
رقم القصيدة : 67874
-----------------------------------
ألا أيها الابريق ما لك والصلّف
فما أنت بلّور ولا أنت من صدف(57/14)
وما أت إلاّ كالأباريق كلّها
تراب مهين قد ترقّى إلى خزف
أرى لك أنفا شامخا غير أنه
تلفّع أثواب الغبار وما أنف
ومسّته لأيدي الأدنياء فما شكا
ومصّته أفواه الطّغام فما وجف
وفيك اعتزاز ليس للديك مثله
ولست بذي ريش تضاعف كالزغف
ولا لك صوت مثله يصدع الدجى
وتهتف فيه الذكريات إذا هتف
وأنصت أستوحيه شيئا يقوله
كما يسكت الزّوار في معرض التّحف
وبعد ثوان خلت أني سمعته
يثرثر مثل الشيخ أدركه الخرف
فقال:(( سقيت الناس)) ، قلت له: أجل
سقيتهم ماء السحاب الذي وكف
ودمع السواقي والعيون الذي جرى،
وماء الينابيع الذي قد صفا وشف
فقال: ليذكر فضلي الماء وليشد
بمدحي، ألم حمله؟ قلت: لك الشرف!
فقال: ألم أحفظه؟ قلت: ظلمته
فلولاه لم تنقل، ولولاك ما وقف!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الكرنفال
الكرنفال
رقم القصيدة : 67875
-----------------------------------
أمست ثيابي وكلّها خرق
تشبه روضا ألوانه فرق
من أزرق كالسماء جاوره
أحمر قان كأنّه الشّفق
وأبيض ناصع، وأسود فاحم
، فذاك الضّحى وذا الغسق
كأنّ قوس السّحاب بات على
جسمي رداء، وما أنا الأفق
برد عجيب قد خاطه لبق
فليس بدعا إن حازه لبق
لما تنكرت لم يعد صحبي
يدرون أني الصديق إن رمقوا
لذاك لم يشفقوا على جسدي
من الرّمايا ولو دروا شفقوا
مررت بالحانقين فابتسموا
لما رأوني وكلّهم قلق
لو علموا أنني عدوّهم
أوشك يقضي عليهم الفرق
أرخى الدّجى ذيله ورحت أجرّ
الذيل عجبا وغيري النزق
والجمع حولي يضجّ مبتهجا
كأنّه السيل حين يندفق
تألّبوا كالغمام واتّصلوا
بعض ببعض كأنهم حلق
وانتشروا والدروب واسعة
كالأنجم الزّهر حين تنبثق
أطلقت نفسي من القيود إلى
أن صرت كالسّهم حين ينطلق
وبت والقوم كلّما اجتمعوا
رميتهم (بالبذور) فافترقوا
أسخر منهم لأنمهم سخروا
مني، اختلفا ونحن نتّفق
والحرب بيني وبينهم نشبت
حرب، ولكن سهامها الورق
فلا رماح هناك مشرعة،
ولا سيوف هناك تمتشق(57/15)
لم أخش غير الحسان ناظرة
أشدّ فعلا من الظّبى الحدق
هذا هو الكرنفال فاستبقوا
إليه فهو السرور يختلق
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ضرة جلق
ضرة جلق
رقم القصيدة : 67876
-----------------------------------
ألقاها في حفلة التكريمية التي أقامتها له الجالية في مونتريال.
- - -
لا تقلقي يوم النوى أو فاقلقي
يا نفس كلّ تجمّع لتفرّق
أللّه قدّر أن تمسّ يد الأسى
لأرواحنا كيما ترقّ وترتقي
أوفى على الشهب الدّجى فتألقت
لولا اعتكار الليل لم تتألق
والفحم ليس يضيء إن لم يضطرم
والّد ليس يضوع إن لم يحرق
لا أضرب الأمثال مدحا للنوى
ليت الفراق ويومه لم يخلق
ما في الوداع سوى تعلثم ألسن
وذهول أرواح وهمّ مطبق
عنّفت قلبي حين طال خفوقه
فأجاب: بل لمني إذا لم أخفق
أنا طائر قد كان يمرح في الربى
وعلى ضفاف الجدول المترقرق
فطوى القضاء مروجه وفضاء
ليزجّ في قفص الحديد الضيّق
لا، بل أنا ملك صحوت فلم أجد
عرشي ، ولا تاجي، ولا إستبرقي
هانت معاذيري وضاعت حكمتي
لما سمعت حكاية القلب الشقي
لوّ تعدل الدنيا لم ينتثر
شمل نظمناه ولم نتفرّق
للّه مونتريالكم ذات الحلى
ومدينة الطود الأشمّ الأبلق
كم وقفة لي عند شاطىء نهرها
لا أستقي منه، وروحي تستقي
متعلما منه التواضع والنّدى
والصفح عن عبث الجهول الأحمق
أعطى الحقول حياتها ومضى كأن
لم يعطها شيئا ولم يتصدّق
من كان لا يدري فيقظة زرعها
من فضل هذا الهاجع المستغرق
ضيّعت عند الواعظين سعادتي
ووجدتها في واعظ لم ينطق
ملء المدائن والقرى آلاؤه
وهباته ، ويعيش عيش المملق
لولاه لم يخضرّ قاع مجدب
لولاكم شجر المنى لم يورق
عرضت محاسنها الحياة عليكم
فأخذتم بأحبّها والأليق
أنا منكم في روضة معطارة
من مونق فيها اللحاظ لونق
ألعطر يعبق من جميع ورودها
ما أن مررت بزهرة لم تعبق
للّه مونتريالكم وجلالها
هي رومة الصغرى وضرّة جلّق
رقّت علّي نجومها وتواضعت
حتى لكدت أحسّها في مفرقي(57/16)
فكأنما هي أنتم وكأنما
أرواحكم من نورها المتدفق
رجع الشباب إلّي حين هبطتها
واليوم أخرج من شبابي الريق
سأطير عنها في غد بحشاشة
مكلومة ، ويناظر مغرورق
ويغيب عنّي طودها وقبابها
وقصورها خلف الفضاء الأزرق
وتظلّ صورتها تلوح لخاطري
بعض الرؤى سلوى وإن لم تصدق
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لما ...
لما ...
رقم القصيدة : 67877
-----------------------------------
عجبا لمن أمسى وكلّ فخاره
بنضارة المخبوء في الصندوق
ماذا يقول إذا اللصوص مضوا به
وأقام بعد نضارة المسروق؟
إن يرفع المال الكريم فإنه
للنذل مثل الحبل للمشنوق
لّما صديقي صار من أهل الغنى
أيقنت أني قد أضعت صديقي!..
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> وداع وشكوى
وداع وشكوى
رقم القصيدة : 67878
-----------------------------------
أزفّ الرّحيل وحان أن نتفرّقا
فإلى اللّقا يا صاحبّي إلى اللّقا
إن تبكيا فلقد بكيت من الأسى
حتى لكدت بأدمعي أن أغرقا
وتسعّرت عند الوداع أضالعي
نارا خشيت بحرّها أن أحرقا
ما زلت أخشى البين قبل وقوعه
حتى غدوت وليس لي أن أفرقا
يوم النوى ، للّه ما أقسى النّوى
لولا النّوى ما أبغضت نفسي البقا
رحنا حيارى صامتين كأنّما
للهول نحذر عنده أن ننطقا
أكبادنا خفّاقة وعيوننا
لا تستطيع ، من البكا، أن ترمقا
نتجاذب النظرات وهي ضعيفة
ونغالب الأنفاس كيلا تزهقا
لو لم نعلّل باللقاء نفوسنا
كادت مع العبرات أن تتدّفقا
يا صاحبي تصبّرا فلربّما
عدنا وعاد الشّمل أبهى رونقا
إن كانت الأيّام لم ترفق بنا
فمن النّهى بنفوسنا أن نرفقا
أنّ الذي قدر القطيعة والنّوى
في وسعه أن يجمع المتفرّقا!..
ولقد ركبت البحر يزأر هائجا
كالليث فارق شبله بل أحنفا
والنفس جازعة ولست ألومها
فالبحر أعظم ما يخاف ويتّقى
فلقد شهدت به حكيما عاقلا
ولقد رأيت به جهولا أخرقا
مستوفز ما شاء أن يلهو بنا
مترّفق ما شاء أن يتفرّقا
تتنازع الأمواج فيه بعضها(57/17)
بعضا على جهل تنازعنا البقا
بينا يراها الطّرف سورا قائما
فاذا بها حالت فصارت خندقا
والفلك جارية تشقّ عبابه
شقّا، كما تفري رداء أخلقا
تعلو فنحسبها تؤمّ بنا النّسما
ونظنّ. أنّا راكبون محلّقا
حتّى إذا هبطت بنا في لجّة
أيقنت أنّ الموت فينا أحدقا
والأفق قد غطّى الضباب أديمه
فكأنّما غشي المداد المهرفا
لا الشّمس تسطع في الصّباح ، ولا نرى
إمّا استطال اللّيل؛ بدرا مشرقا
عشرون يوما أو تزيد قضيتها
كيف التفتّ رأيت ماء مغدقا
(نيويورك) يا بنت البخار، بنا اقصدي
فلعلّنا بالغرب ننسى المشرقا
وطن أردناه على حبّ العلى
فأبى سوى أن يستكين إلىالشّقا
كالعبد يخشى ، بعدما أفنى الصبى
يلهو به ساداته ، أن يعتقا
أو كلّما جاء الزمان بمصلح
في أهله قالوا. طغى وتزندقا؟
فكأنما لم يكنه ما قد جنوا
وكأنما لم يكفهم أن أخفقا
هذا جزاء ذوي النّهى في أمّة
أخذ الجمود على بينها موثقا
وطن يضيق الحرّ ذرعا عنده
وتراه بالأحرار ذرعا أضيقا
ما إن رأيت به أديبا موسرا
فيما رأيت، ولا جهولا مملقا
مشت الجهالة فيه تسحب ذيلها
تيها، وراح العلم يمشي مطرقا
أمسى وأمسى أهله في حالة
لو أنها تعرو الجماد لأشفقا
شعب كما شاء التخاذل والهوى
متفرّق ويكاد أن يتمزّقا
لا يرتضي دين الآله موفّقا
بين القلوب ويرتضيه مفرقا
كلّف بأصحاب التعبّد والتّقى
والشرّ ما بين التعبّد والتّقى
مستضعف، إن لم يصب متملقا
يوما تملّق أن يرى متملقا
لم يعتقد بالّلم وهو حقائق
لكنّه اعتقد التمائم والرّقى!
ولربما كره الجمود وإنما
صعب على الانسان أن يتخلّقا!..
وحكومة ما إن تزحزح أحمقا
عن رأسها حتّى تولّي أحنقا
راحت تناصبنا العداء كأنما
جئنا فريّا أو ركبنا موبقا
وأبت سوى إرهقنا فكأنما
كلّ العدالة عندها أن ترهقا
بينا الأحباب يعبثون بها كما
عبث الصّبا سحرا بأغصان النّقا
(بغداد) في خطر ( ومصر) رهينة
وغدا تنال يد المطامع (جلّقا)
ضعفت قوائمها ولما ترعوي
عن غيّها حتى تزول وتمحقا(57/18)
قيل اعشقوها قلت: لم يبق لنا
معها قلوب كي نحبّ ونعشقا
إن لم تكن ذات البنين شفيقة
هيهات تلقى من بينها مشفقا
أصبحت حيث النّفس لا تخشى أذى
أبدا وحيث الفكر يغدو مطلقا
نفسي اخلدي ودعي الحنين فإنما
جهل بعيد اليوم أن نتشوّقا
هذي هي ((الدّنيا الجديدة)) فانظري
فيها ضياء العلم كيف تألّقا
إني ضمنت لك الحياة شهيّة
في أهلها والعيش أزهر مونقا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عام 1910
عام 1910
رقم القصيدة : 67879
-----------------------------------
أني سكتّ وما عدمت المنطقا
لولا أخوك سبقت فيك الأسبقا
وهززت أوتار القلوب بصامت
يشتاق كلّ مهذب أن ينطقا
فبعث في أفواههم مثل الطلى
ونفشت في أسماعهم شبة الرقى
وألنت قاسي الشعر حتى يبتغي
وشددت منه اللين حتى يتّقي
وجلوت للأبصار كلّ خريدة
عصماء تحسدها النجوم تألّقا
تبدو فتترك كلّ قلب شيّق
خلوا ، وتترك كلّ خال شيّقا
ولى أخوك فما أمضى النوى
ولقد قدمت فما هششت إلى اللقا
أقبلت والدنيا إلّي بغيضة
هلاّ سبقت إلّي أسباب الشّقا؟!
حنقت بلا سبب علّي وإنّه
سبب جدير عنده أن أحنقا
علقت أخي كفّ المنون وكدت أن
أسعى على آثاره لولا التّقى
ما أشفقت نفسي علّي وإنما
أشفقت أن أبكي الصديق المشفقا
ودّعته كالبدر عند تمامه
والبدر ليس بآمن أن يمحقا
ولقد رجوت له البقاء وإنما
يدنو الحمام لمن يحبّ له البقا
أصبحت مثل النسر قصّ جناحه
فهوى ، ولو سلم الجناح محلّقا
تائي الرجاء فلا أسير موثق
أرجو الفكاك ، ولست حرا مطلقا
ولقد لبست من السّواد شعائرا
حتى خضبت من الحداد المفرقا
وزجرت عيني أن تسرّ بمنظر
ومنعت قلبي بعده أن يخفقا
لا أظلم الأيام فيما قد جنت
لا تأمن الأيام أن تتفرّقا
كن كيف شئت فلست لأسكن للمنى
بعد الحبيب ، ولست أحذر موبقا
علم نسيت سعوده بنحوسه
قد يحجب الليل الهلال المشرقا
لم أنس طاغية الملوك وقد هوى
عن عرشه وأسيره لما ارتقى
والشاه منخلع الحشاشة واجف(57/19)
أرأيت شاها قطّ أصبح بيدقا؟
ما زال يحتقر الظبى حتّى غدا
لا تذكر الأسياف حتى يصغا
بتنا إذا التركّي ضجّ مهلاّ
عبث الهوى بالفارسيّ فصفّقا
ذكرى تحرّك كلّ قلب ساكن
حتّى ليعشق بعدما أن يعشقا
فيم على النيل النحوس ولم يكن
دون الخليج ولا الفرات تدفّقا
إن لم أذّذ عن أرض مصر موفقا
أودى بآمالي الزمان موفقا
ما بآلها تشكو زوال بهائها
وهي التي كانت تزين المشرقا
قد أخلقت كفّ السياسة عهدها
إنّ السياسة لا تراعي موثقا
كذبوا على مصر وصدّق قولهم
والشرّ إن يجد الكذوب مصدّقا
وأبو علينا أننا لا ننتهي
من مأزق حتى نصادف
سلكوا بنا في كلّ ضيّق
حتّى قنطا أن يصيبوا ضيّقا
منعوا الصحافة أن تبثّ شكاتنا
منعوا الكواكب تبين وتشرقا
لو أنصفوا رفعوا القيود فإنّما
يشكو الأسير إما أرهقا
وسعوا إلى سلب القناة فأخفقوا
سعيا، وشاء اللّه أن لا تخفقا
عرض الحساب المستشار ولم يكن
لولا السياسة حاسبا ومدّققا
أيكون غاضبنا ويزعم أنّه
أمسى علينا محسنا متصدّقا
أبني الكنانة لستم أبناءها
حتى تقوا مصر البلاء المطبقا
إن تحفظوها تحفظوا في نسلكم
ذكرا يخلّد في الليالي رونقا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الفراشة المحتضرة
الفراشة المحتضرة
رقم القصيدة : 67880
-----------------------------------
لو كان لي غير قلبي عند مرآك
لما أضاف إلى بلواه بلواك
فيم ارتجاجم هل في الجوّ زلزلة
أم أنت هاربة من وجه فتّاك؟
وكم تدروين حول البيت حائرة
بنت الربى ليس مأوى الناس مأواك
قالوا فراشة حقل لا غناء بها
ما افقر الناس في عيني وأغناك!
سماء غاوية، أطوار شاعرة،
على زهادة عبّاد ونسّاك
طغراء مملكة وشّى حواشيها
من ذوّب الشمس ألوانا ووشّاك
رأيت أحلام أهل الحبّ كلّهم
لّما مثلت أمامي عند شبّاكي
من نائمين على ذلّ وتربة
ومن تجار وأشراف وأملاك
وقصّ شكواك قلبي قصة عجبا
من قبل أن سمعت أذناي شكواك
أليس فيك من العشّاق حيرتهم؟
فكيف لا يفهم العشّاق نجواك؟(57/20)
حلمت أن زمان الصّيف منصرم
ويلاه! حقّقت الأيام رؤياك
فقد نعاه إليك الفجر ترتعشا
وليس منعاه إلاّ بعض منعاك
فالزهر في الحقل أشلاء مبعثرة
والطير؟.. لا طائر إلاّ جناحاك
مدّ النهار إليه كفّ مختلس
وفتّح الليل فيه سفّاك
شاء القضاء بأن يشقى فجرّده
من الحلّي وأن تشقي قأبقاك
لم يبق غيرك شيء من محاسنه
ولا من العابدين الحسن إلاّك
تزوّد الناس منه الأنس وانصرفوا
وما نزوّد إلاّ اليأس جفناك
يا روضة في سماء الروض طائرة
وطائرا كالأقاحي ذا شذّى ذاك
مضى مع الصّيف عهد كنت لاهية
على بساط من الأحلام ضحّاك
تمسين عند مجاري الماء نائمة
وللأزاهر والأعشاب مغداك
فكلّما سمعت أذناك ساقيه
حثثت للسفح من شوق مطاياك
وكلّما نوّرت في السفح زنبقة
صفّفت من طرب واهتّز عطفا
فما رشفت سوى عطر ولا انفتحت
إلا على الحسن المحبوب عيناك
وكم لثمت شفاه الورد هائمة
وكم مسحت دموع النرجس الباكي
وكم ترجّحت في مهد الضياء على
توقيع لحن الصبا أو رجعه الحاكي
وكم ركضت فأغريت الصغار ضحى
بالركض في الحقل ملهاهم وملهاك
منّوا بأسرهم إياك أنفسهم
فأصبحوا بتمنّيهم أساراك
جروا قصارهم حتى إذا تعبوا
وقفت ساخرة منهم قصاراك
لولا جناحاك لم تسلم طريدتهم ،
قد نجّياك، ولكن أين منجاك؟
ها أنت كالحقل في نزع وحشرجة
وهت قواك كما استرخى جناحاك
أصبحت للبؤس في مغناك تائهة
كأنه لم يكن بالأمس مغناك
فراشة الحقل ... في روحي كآبته
مما عراه ومما قد تولاّك
أحببته وهو دار تلعبين بها
وسوف تهواه نفسي وهو مثواك
قد بات قلبي في دنيا مشوّشة
منذ التفت إلى آثار دنياك
لا يستقرّ بها إلاّ على وجل
كالطير بين أحابيل وأشراك
خلت أرائك كانت أمس آهلة
غنّاء ، فاليوم لا شاد ولا شاك
أرض خلاء وجوّ غير ذي ألق
بلى، هناك ضباب فوق أشواك
كيف اعتذارك إن قال الآله غدا:
هل الفراشة كانت من ضحاياك؟
يا نغمة تتلاشى كلّما بعدت
إن غبت عن مسمعي ما غاب معناك
ما أقدر اللّه أن يحييك ثانية(57/21)
مع الربيع كما من قبل سوّاك
فيرجع الحقل يزهو في غلائله
وترجعين وأغشاه فألقاك
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> روحي فداك
روحي فداك
رقم القصيدة : 67881
-----------------------------------
لما رأيت الورد في خدّيك
وشقائق النعمان في شفتيك
وعلى جبينك مثل قطرات النّدى
والنرجس الوسنان في عينيك
ونشقت من فوديك ندّا عاطرا
لما مشت كفّاك في فوديك
ورأيت رأسك بالأقاح متّوجا
والفلّ طاقات على نهديك
وسمعت حولك همس نسمات الصّبا
عند الصباح تهزّ من عطفيك
أيقنت أنك جنة خلابة
فحننت من بعد المشيب إليك
ولذاك قد صبّرت قلبي نحلة
يا جنّتي يحوم عليك
روحي فداؤك إنها لو لم تكن
في راحتك هوت على قدميك...
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> يا جنتي
يا جنتي
رقم القصيدة : 67882
-----------------------------------
ما رأيت الورد في خدّيك
وشقائق النعمان في شفتيك
ونشقت من فوديك ندّا عاطرا
لّما مشت كفّاك في فوديك
ورأيت رأسك بالأقاح متّوجا
والفلّ طاقات على نهديك
وسمعت حولك همس أرواح الصبا
عند الصباح تهنزّ من عطفيك
أيقنت أنّك جنة خلاّبة
فحننت من بعد المشيب إليك
ولذاك قد صبّرت قلبي نحلة
يا جنّتي كيما يحوم عليك
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> هدية العيد
هدية العيد
رقم القصيدة : 67883
-----------------------------------
أيّ شيء في العيد أهدي إليك
يا ملاكي، وكلّ شيء لديك؟
أسوار؟ أم دملجا من نضار؟
لا أحبّ القيود في معصميك
أم خمورا ؟ وليس في الأرض خمر
كالتي تسكبين من لحظيك
أم ورودا؟ والورد أجمله عندي
الذي قد نشقت من خدّيك
أم عقيقا كمهجتي يتلظى؟
والعقيق الثمين في شفتيك
ليس عندي شيء أعزّ من الروح
وروحي مرهونة في يديك
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أخت البلجيك
أخت البلجيك
رقم القصيدة : 67884
-----------------------------------
يا لوعة حار النّطاسي فيك
كم يشتكي غيري وكم أخفيك(57/22)
إن بحت بالشكوى فغاية مجهد
لم تبقى لي كبدا فأستبقيك
أجناية الطّرف الكحيل على الحشا
اللّه حسبي في الدّم المسفوك
ما في الشّرائع لا ولا في أهلها
من يستحلّ الأخذ من جانيك
يا هذه كم تشحدين غراره
أو ما خشيت حدّه يؤذيك
يا أخت ظبي القاع لو أعطيته
لحظيك صاد الصّاديه أخوك
روحي فدى عينيك مهما جارتا
في مهجتي وأبي فداء أبيك
رمتا فكلّ مصمّم ومقوّم
ناب وكلّ مسرّد وحبيك
اللّه في قتلى جفونك إنّهم
ظلموا نفوسهم وما ظلموك
إن تبصريني أتّقي فتكاتها
فلقد أصول على القنا المشبوك
كم تجحدين دمي وقد أبصرته
وردا على خدّيك غير مشوك
ردّي حياتي إنّها في نظرة
أو زورة أو رشفة من فيك
لو تنظرين إلى قتيلك في الدّجى
يرعى كواكبه ويسترعيك
واللّيل من همّ الصّباح وضوئه
حيران حيرة عاشق مهتوك
لعجبت من زور الوشاة وإفكهم
ومن الذي قاسيت في حبيك
حولي إذا أرخى الظّلام سجوفه
ليلان: ليل دجى وليل شكوك
تمتدّ فيه بي الكآبة والأسى
مثل امتداد الحرف بالتّحريك
مالي إذا شئت السّلوّ عن الهوى
وقدرت أن أسلوك لا أسلوك
فكّي إساري إنّ خلفي إمّة
مضنوكة في عالم مضنوك
وأحبّة سدّ القنوط عليهم
والخوف كلّ معبّد مسلوك
لا تسأليني كيف أصبح حالهم
إني أخاف حديثهم يشجيك
باتوا برغمهم كما شاء العدى
لا حزنهم واه ولا بركيك
لا يملكون سوى التّحسّر إنّه
جهد الضّعيف الواجد المفلوك
تترقرق العبرات فوق خدودهم
يا من رأى دررا بغير سلوك
أخذ العزيز الذّلّ من أطراقه
والجوع يأخذ مهجة الصّعلوك
قل للمبذّر في الملاهى ماله
ماذا تركت لذي الأسى المتروك
أيلبيت يشرب من معين دموعه
وتبيت تحسوها كعين الدّيك؟
ويروح في أطماره وتميس في
ثوب لأيام الهناء محوك
إن كنت تأبى تشاركه سوى
نعمى الحياة فأنت غير شريك
يا ضرة البلجيك في أحزانها
تبكيك حتّى أمّة البلجيك
حملت ما يعيي الشّواهق حمله
يا ليت ما حملت في شانيك
سلّ البغاة عليك حمر سيوفهم
لا أنت جانية ولا أهلوك
جنّ القضاء فغال حسنك قبحه(57/23)
وأذلّ أبناء الطّغام بنيك
لا أشتكي الدّنيا ولا أحداثها
هذي مشيئة ذي المشيئة فيك
لو أملك الأقدار أو تصريفها
لأمرتها فجرت بما يرضيك
ولو انّها تدري وتعقل لانثنت
ترمي بأسهمها الّذي يرميك
إن يفتديك أخو الغنى بنضاره
فبدرهمي وبمهجتي أفديك
ومنازل البؤساء أولى بالنّدى
ولأنت أولاها بمال ذويك
يا أمّة في الغرب ينعم شطرها
رفقا بشطر بائس منهوك
جادت عليكم ، قلبما كنتم، بكم
جودا ببعض العسجد المسبوك!!!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> سقوط ارضروم
سقوط ارضروم
رقم القصيدة : 67885
-----------------------------------
أعد حديثك عندي أيّها الرّجل
وقل كما قالت الأنباء والرّسل
قد هاج ما نقل الرّاوون بي طربا
ما لأجمل الرّسل في عيني وما نقلوا
فاجمع رواياتهم واملأ بها أذني
حتى تراني كأنّي شارب ثمل
دع زخرف القول فيما أنت ناقله
إنّ المليحة لا يزري بها العطل
فكلّ سمع إذا قلت ((السّلاف)) فم
وكلّ قول، إليهم ينتهي ، عسل
لا تسقني الرّاح إلاّ عند ذكرهم
أو ذكر قائدهم أو ذكر ما فعلوا
هم المساميح يحي الأرض جودهم
إذا تنكّب عنها العراض الهطل
هم المصابيح تستهدي العيون بها
إذا كفهرّ الدّجى واحتارت المقل
هم الغزاة بنو الصّيد الغزاة، بهم
وبطشهم بالأعادي، يضرب المثل
قوم يبيت الضّعيف المستجير بهم
من حوله الجند والعسّالة الذّبل
فما يلم بمن صافاقهم ألم
ولا يدوم لمن عاداهم أمل
تدري العلوج إذا هزّوا صوار مهم
أيّ الدّماء بها في الأرض تنهمل
أيطلب التّرك أن تعلو
أهلّتهم... ... ... ...
((وللغرندق)) رأي مثل صارمه
يزلّ عن صفحتيه الحادث الجلل
المقبل الصّدر، والأبطال ناكصة
تحت العجاجة لا يبدو لها قبل
والباسم الثّغر ، والأشلاء طائرة
عن جانبيه وحرّ الطّعن متّصل
سعد السّعود على السّؤال طالعه
لكنّه في ميادين الوغى زحل
في كلّ سيف سوى بتّاره فلل
وكلّ رأي سوى آرائه زلل!
يا ابن الملوك الألى قد شاد واحدهم
ما لم تشيّده أملاك ولا دول(57/24)
وقائد الجيش ما للريح منفرج
فيه ، ولكن لها من حولها زجل
موهّم الترك لّما حان حينهم
أن الألى وتروا آباءهم غفلوا
حتّى طلعت من ((القوقاس)) في لجب
تضيق عنه فجاج الأرض والسّبل
فأدركوا أنّهم ناموا على غرر
وأنّك البدر في الأفلاك تنتقل
يا يوم صبّحتهم والنّقع معتكر
كأنّه اللّيل فوق الأرض منسدل
ليل يسير على ضوء السّيوف به
ويهتدي بالصّليل الفارس البطل
بكلّ أروع ما في قلبه خور
عند الصّدام ، ولا في زنده شلل
وكلّ منجرد في سرجه أسد
في كفّه خذم، في حدّه الأجل
وكلّ راعفة بالموت هادرة
كأنّها الشّاعر المطبوع يرتحل
سوداء تقذف من فوهاتها حمما
هي الصّواعق إلاّ أنّها شعل
لا تحفظ الدّرع منها جسم لا بسها
ولا ينجي الحصون الصّخر والرّمل
فالبيض تأخذ منهم كيفما انفتلت
والذّعر يمعن فيهم كيفما انفتلوا
وكلّما وصلوا ما انبتّ باغتهم
ليث يقطع بالفصّال ما وصلوا
فأسلموا(( أرضروما)) لا طواعية
لو كان في وسعهم إمساكها بخلوا
كم حوّطوها وكم شادوا الحصون بها
حتّى طلعت فلا حصن ولا رجل
وفرّ قائدهم لّما عرضت له
كما يفرّ أمام القشعم الحجل
ومن يشكّ بأنّ الوعل منهزم
إذا التقى الأسد الضّرغام والوعل؟
لم يقصر الزّمح عن إدراك مهجته
لكت حمى صدره وقع الظّبى ، الكفل
تعلّم الرّكض حتّى ليس تلحقه
هوج الرّياح ولا خيل ولا إبل
يخال من رعبة الأطواد راكضة
معه وما ركضت قدّامه القلل
ويحسب الأرض قد مادت مناكبها
كذاك يمسخ عبن الخائف الوجل
وبات((أنور)) في ((يلديز)) مختبئا
لأمّه وأبيه الشّكل والهبل
يطير، إن صرّت الأبواب ، طائره
ويصرخ ((الغوث))لا إمّا وسوس القفل
في جفنه أرق ، في نفسه فرق
في جسمه سقم، في عقله دخل
في وجهه صفرة حار الطّبيب بها
ما يصنع الطّبّ فيمن داؤه الخبل؟
لم يبق فيه دم كيما يجمعه
في وجهه ، عند ذكر الخيبة ، الخجل
يطوف في القصر لا يلوي على أحد
كأنّه ناسك في القفر معتزل
لا بهجة الملك تنسيه هواجسه
ولا تروح عنه الأعين النّجل(57/25)
يزيد وحشته إعراض عوّده
وينكأ الجرح في أحشائه العذل
إذا تمثّل جيش التّرك مندحرا
ضاقت به، مثلما ضاقت بذا، الحيل
يا كاشف الضّرّ عمن طال صبرهم
على النّوائب ، لا مرّت بك العلل
أطلقتهم من قيود الظّلم فانطلقوا
وكلّهم ألسن تدعو وتبتهل
لو كان ينشر ميتا غير بارئه
نشرت، بعد الرّدى ، أرواح من قتلوا
بغى عليهم علوج التّرك بغيهم
لم يشحذوا للوغى سيفا ولا صقلوا
خانوهم وأذاعوا أنّهم نفر
خانوا البلاد بما قالوا وما عملوا
يا للطّغام ! ويا بهتان ما زعموا
متى أساء إلى المخلب الحمل؟
أجدّكم ، كلّما جوّ خلا، ((أسد))
وجدّكم ، كلّما شبت، وغى، ((ثعل))؟
قد جاء من يمنع الضّعفى ويرغمكم
إن تحملوا عنهم النّير الذي حملوا
أمّنت (( أرمينيا)) مّما تحاذره
فلن تعيث بها الأوغاد والسّفل
ظنّوك في شغل حتّى دهتهم
فأصبحوا ولهم عن ظنّهم شغل
مزّقت جمعهم تمزيق مقتدر
على المهنّد ، بعد اللّه، يتّكلى
فهم شراذم حيرى لا نظام لها
كأنّهم نور الآفاق أو همل
ألسنتهم ثوب عار لا تطهّره
نار الجحيم ولو في حرّها اغتسلوا
((جاويد)) فوق فراش الذّلّ مضطجع
و((طلعت)) برداء الخوف مشتمل
أتستقر جنوب في مضاجعها
وفي مضاجعها الأرزاء والغيل؟
وتعرف الأمن أرواح تروّعها
ثلاثة : أنت والنّيران والأسل؟
لو لم تقاتلهم بالجيش قاتلهم
جيش بغير سلاح إسمه الوهل
أجريت خوف المنايا في عروقهم
فلن يعيش لهم نسل إذا نسلوا
قد مات كهلهم من قبل ميتته
وشاخ ناشئهم من قبل يكتهل
وقد ظفرت بهم والرّأس مشتعل
كما ظفرت بهم والعمر مقتبل
فتح تهلّت الدّنيا به فرحا
فكلّ ربع، خلا ((أستانة)) جذل
الشّعب مبتهج، والعرش مغتبط
وروح جدّك في الفردوس تحتفل!..
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> في يوبيل شكيب ارسلان
في يوبيل شكيب ارسلان
رقم القصيدة : 67886
-----------------------------------
امنحيني، يا نجوم، الألقا
وهبيني، يا زهور ، العبقا
أبعث الشعر إلى الدنيا هوى
وضياء وغناء شيّقا(57/26)
فإذا خامر نفسا طربت
وإذا يروى لباك صفّقا
فمن الشعر لقوم حكمة
ومن الشعر لأقوام رقى
أنا لا أستعذب الشعر إذا
لم أجده روضة أو أفقا
حبّذا ليلتنا من ليلة
يكرم الأحرار حرّا لبقا
شاعر ما أن جرى في حلبة
أبدا إلاّ وكان الأسبقا
كاتب، لا بل سحاب هتن،
كم روى الأرواح خمرا وسقى
قل لمن حاول أن يلحقه
إنّ هذا عارض لن يلحقا
قلم يهمي على أمّته
رحمة إذ تمطر الدنيا شقا
وإذا ما أوذيت أو ظلمت
أمطر الدنيا شواظا محرقا
ودوت زععقاته كابن الشّرى
ريع في عرّيسه أو ضويقا
هو للحقّ إلى أن ينجلي
وعلى الباطل حتى يزهقا
أنفق العمر على خدمتها
آه ما أغلى الذي قد أنفقا
قل لمن أرجف كي يقلقه
في حماه 'نه لن يقلقا
ولمن حاول أن يغضبه
إنه أعلى وأسمى خلقا
أأمير تتقيه دولة
يتوقى كاشحا مختلفا؟
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عبد الحميد بعد اعلان الدستور
عبد الحميد بعد اعلان الدستور
رقم القصيدة : 67887
-----------------------------------
أبا الشعب إطلع من حجابك يلتقي
بطرفك مثل العارض
جماهير لا يحصى اليراع عديدها
هي الرمل إلا أنه لم ينسق
هو الشعب قد وافاك كالبحر زاخرا
وكالجيش يقفو فيلق إثر فيلق
تطلّع تجده حول قصرك واقفا
يحدّق تحديق المحبّ لوفّق
لقد لبسته الأرض حليا كأنهما
أياديك فيه لم تزل ذات رونق
وألقت عليه الشمس نظرة عاشق
غيور تلقّاها بنظرة مشفق
يهش لمرآك الوسيم وإنّما
يهش لمرآى الكوكب المتألّق
ويعشق منك البأس والحلم والنّدى
كذاك من ينظر إلى الحسن يعشق
يكاد به يرقى إليك اشتياقه
فيا عجبا بحر إلى البدر يرتقي
تفرّق عنك المفسدون وطالما
رموا الشعب بالتفريق خوف التفرّق
وكم أقلقوا في الأرض ثمّ تراجعوا
يقولون شعب مقلق أيّ مقلق
وكم زوّروا عنه الأراجيف وادّعوا
وأيّدهم ذيّاكم الزاهد التقي
لمن يرفع الشكوى؟ وقد وقفوا له
على الباب بالمرصاد فاسأله ينطق
وأما ولا واش ولا متجسس
فقد جاء يسعى سعي جذلان شيّق(57/27)
يطارحك الحبّ الذي أنت أهله
وحسبك منه الحبّ غير مزوّق
وها جيشك الطامي يضجّ مكبرا
بما نال من عهد لديك وموثق
يطأطىء إجلالا لشخصك أرؤسا
يطأطىء إجلالا لها كلّ مفرق
لهام متى تنذر به الدهر يصعق
وإن يتعرّض للحوادث تفرّق
يفاخر بالسّلم الجيوش وإنّه
لأضربها بالسيف في كلّ مأزق
وأشجعها قلبا وأكرمها يدا
إذا قال لم يتّرك مجالا لأحمق
ألا أيها الجيش العظيم ترّفقا
ملكت قلوب الناس بالعرف فاعتق
ويا أيها الملك المقيم(بيلدز)
أرى كلّ قلب سدّة لك فارتق
ألا حبّذا الأجناد غوثا لخائف
ويا حبّذا الأحرار وردا لمستق
ويا حبّذا عيد الجلوس فإنّه
أجلّ الذي ولّى وأجمل ما بقي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشعر والشعراء
الشعر والشعراء
رقم القصيدة : 67888
-----------------------------------
بعيشك هل جزيت عن القوافي
بغير ( أجدت) أو (لافضّ فوك)؟
جزاوّك من كريم أو بخيل
رقيقا كان شعرك أو ركيكا
كلام ليس يغني عنك شيئا
إذا لم يقتل الآمان فيكا
وربتما يمنّ عليك قوم
كأنك قد غدوت بهم مليكا
إذا أرسلت قافية شرودا
فقد أيقظت في الناس الشكوكا
وقد تبلى بأحمق يدعيها
فإن تغضب لذلك يدعيكا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> حكمة المتنبي
حكمة المتنبي
رقم القصيدة : 67889
-----------------------------------
جلست أناجي روح أحمد في الدجى
وللهّم حولي كالظلام سدول
أفكر في الدنيا وأبحث في الورى
وعيني ما بين النجوم تجول
طويلا ، إلى أن نال من خاطري الونى
وران على طرفي الكليل ذبول
فأطرقت أمشي كتابه
بطرفي ، فألفيت السطور تقول
((سوى وجع الحسّاد داو فإنه
إذا حلّ في قلب فليس يحول))
((فل تطمعن من حاسد في مودة
وأن كنت تبديها له وتنيل))
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> حكاية حال
حكاية حال
رقم القصيدة : 67890
-----------------------------------
هجرت القوافي ما بنفسي ملالة
سواي ، إذا اشتدّ الزّمان، ملول(57/28)
ولكن عدتني أن لأقول حوادث
إذا نزلت بالطود كاد يزول
وبغّضني الأشعار أنّ دعاتها
كثير ، وأنّ الصّادقين قليل
وأنّ الفتى في ذي الرّبوع عقاره
وأمواله والباقيات فضول
سكتّ سكوت الطّير في الرّوض بعدما
ذوى الرّوض واجتاح النّبات ذبول
فما هزّني إلاّ حديث سمعته
عن الغيد كالغيد الحسان جميل
فما أنا في هذي الحكاية شاعر
ولكن كما قال الرّواة أقول
فتّى من سراة النّاس، كلّ جدوده
سريّ، كريم النّبعتين، نبيل
قضى في ابتناء المكرمات زمانه
ينال ويرجوه السّوى فينيل
فدكّ مباني غزّه الدّهر بغتة
وقلّم منه الظّفر فهو كليل
هوى مثلما يهوي إلى الأرض كوكب
كذاك اللّيالي بالأنام تدول
وكان له الدّهر بطش وصولة
فأعوزه، عند البلاء، خليل
تفرّق عنه صحبه فكأنّما
به مرض ، أعيا الأساة ، وبيل
وأنكره من كان يحلف باسمه
كما ينكر الدّين القديم عميل
فأصبح مثل الفلك في البحر ضائعا
يميل مع الأمواج حيث تميل
يكاد يمدّ الكفّ لولا بقيّة
من الصّبر في ذاك الرّداء تجول
زوى نفسه كي لا يرى النّاس ضرّه
فيشمت قال أو يسرّ عذول
بدار... أناخ البؤس فيها ركابه
وجرّت عليها للخراب ذبول
مهدّمة الجدران مثل ضلوعه
بها اليأس ضمت والسّقام يحول
إذ ما تجلّى البدر في الأفق طالعا
رعاه ، إلى أن يعتريه أفول
حبال الأماني عند قوم شعاعه
ولكنّه في مقلتيه نصول
فيا عجبا حتّى النّجوم تضّلّه
وفي نورها للمدلحين دليل
وهل تهتدي بالبدر عين قريحة
عليها من الدّمع السّجين سدول؟
غفا الناس، واستولت عليهم سكينة،
فما باله استولى عليه ذهول؟
تأمّل في أحزانه وشقائه
فهان عليه العيش وهو جميل
فمدّ إلى السّكين كفا نقيّة
أبت أن يراها تستغيث بخيل
وقرّبها من صدره ثمّ هزّها
وكاد بها نحو الفؤاد يميل
وإذ شيح يستعجل الخطو نحوه
وصوت لطيف في الظّلام يقول:
رويدك، فالضّنك الذي أنت حامل
متى زال هذا اللّيل سوف يزول
نعم؛ هي إحدى محسنات نسائنا
ألا إنّ أجر المحسنات جزيل(57/29)
أبت نفسها أن يكحل النّوم جفنها
وجفن المعنّى بالسّهاد كحيل
وأن تتولّى الابتسامات ثغرها
وفي الحي مكلوم الفؤاد عليل
فألقت إليه صرّة وتراجعت
وفي وجهها نور السّرور يجول
فلم تتناقل صنعها ألسن الورى
ولا قرعت في الخافقين طبول
لا أحسنت كي تعلن الصّحف إسمها
فتعلم جارات لها وقبيل
كذا فليواس البائسين ذوو الغنى
وإني لهم بالصّالحات كفيل
فإن القصور الشّاهقات إذا خلت
من البّر والإحسان فهي طلول
وخير دموع الباكيات هي التي
متى دمع البائسين تسيل!
ألا إن شعبا لا تعزّ نساؤه
وإن طار فوق الفرقدين ، ذليل
وكلّ نهار لا يكنّ شموسه
فذلك ليل حالك وطويل
وكلّ سرور غيرهنّ كآبة
وكلّ نشاط غيرهنّ خمول
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> رثاء
رثاء
رقم القصيدة : 67891
-----------------------------------
أوى فنور الفرقدين ضئيل
وعلى المنازل رهبة وذهول
خلق الأسى في قلب من جهل الأسى
قول المخبر:مات رافائيل
فمن الجوى بين الضّلوع صواعق
وعلى الخدود من الدّموع سيول
قال الّذي وجد الأسى فوق البكا
وبكى الّذي لا يستطيع يقول
يا مؤنس الأموات في أرماسها
في الأرض بعدك وحشة وخمول
لا الشّمس سافرة ولا وجه الثّرى
حال، ولا ظلّ الحياة ظليل
ما زال هذا الكون بعدك مثله
لكنّ نور الباصرات كليل
نبراسّنا في ليل كلّ ملمّة
اللّيل بعدك حالك وطويل
هبني بيانك ، إنّ عقلي ذاهل
ساه وغرب براعتي مفلول
قدفتّ في عضد القريض وهدّه
هول المصاب، فعقده محلول
مالي أرى الدّنيا كأنّي لا أرى
أحدا كأن العالمين فضول
أبكي إذا مرّ الغناء بمسمعي
فكأنّ شدو الشّاديات عويل
نفسي التي عللّتني بلقائه
اليوم لا أمل ولا تعليل
ذوبي فإنّ العلم ماد عماده
والدّين أغمد سيفه المسلول
هذا مقام لا التّفجّع سبّة
فيه ولا الصّبر الجميل جميل
ما كنت أدري قبل طار نعيّه
أنّ النّفوس من العيون تسيل
ما أحمق الإنسان يسكن للمنى
والموت يخطر حوله ويجول
يهوى الحياة كأنّما هو خالد(57/30)
أبدا ويعلم أنّه سيزول
ومن العجائب أن تحنّ إلى غد
وغد، وما يأتي به ، مجهول
لا تركننّ إلى الحياة فإنّها
دنيا هلوك للرّجال قتول
سكت الّذي راض الكلام وقاده
حتى كأن لسانه مكبول
يا قائل الخطب الحسان كأنّها
لجمالها ، الإلهام والتّنزيل
إن كان ذ1اك الوجه حجّبه الثّرى
للنّجم في كبد السّماء أقول
ليس الحمام بناقد لكنّما
قدر العظيم على العظيم دليل
نم تحرس الأملاك قبرك إنّه
فيه الوقار وحوله التّبجيل
فلكم قطعت اللّيل خاف نجمه
متهجّدا، والسّاهرون قليل
مستنزلا عفو الإله عن الورى
حتى كأنّك وحدك المسئول
تبغى اللّذاذات النّفوس وتشتهي
واللّه ما تبغيه والإنجيل
لولا مدارس شدتها وكنائس
ما كان إلاّ الجهل والتّعطيل
أنفقت عمرك في الإله مجاهدا
أجر المجاهد في الآله جزيل
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> المرأة والمرآة
المرأة والمرآة
رقم القصيدة : 67892
-----------------------------------
أقامت لدى مرآتها تتأمّل
على غفلة مّمن يلوم ويعدل
وبين يديها كلّما ينبغي لمن
يصوّر أشباح الورى ويمثّل
من الغيد تقلي كلّ ذات ملاحة
كما بات يقلي صاحب المال مرمل
تغار إذا ما قيل تلك مليحة
يطيب بها للعاشقين التغزّل
فتحمرّ غيظا ثمّ تحمرّ غيرة
كأنّ بها حّمى تجيء وتقفل
وتضمر حقدا للمحدّث لو درى
به ذلك المسكين ما كاد يهزل
أثار عليه حقدها غير عامد
وحقد الغواني صارم لا يفلل
فلو وجدت يوما على الدّهر غادة
لأوشك من غلوائه يتحوّل
فتاة هي الطاووس عجبا وذيلها ،
ولم يك ذيلا ، شعرها المتهدّل
سعت لاحتكار الحسن فيها بأسره
وكم حاولت حسناء ما لا يؤمّل
وتجهل أنّ الحسن ليس بدائم
وإن هو إلاّ زهرة سوف تذبل
وأنّ حكيم القوم يأنف أن يرى
أسير طلاء بعد حين سينصل
وكلّ فتّى يرضى بوجه منمّق
من الناعمات البيض فهو مغفّل
إذا كان حسن الوجه يدعى فضيلة
فإنّ جمال النّفس أسمى وأفضل
ولكنّما أسماء بالغيد تقتدي
وكلّ الغواني فعل أسماء تفعل(57/31)
فلو أمنت سخط الرّجال وأيقنت
بسخط الغواني أوشكت تترّجل
قد اتخذت مرآتها مرشدا لها
إذا عنّ أمر أو تعرّض مشكل
وما ثمّ من أمر عويص وإنّما
ضعيف النّهى في وهمه السهل معضل
تكتّم عمّن يعقل الأمر سرّها
ولكنّها تفشيه ما ليس يعقل
فلو كانت المرآة تحفظ ظلّها
رأيت بعينيك الذي كنت تجهل
وزاد بها حبّ التبّرج أنّه
حبيبّ إلى فتيان ذا العصر أوّل
ألمّوا به حتى لقد أشبهوا الدّمى
فما فاتهم،واللّه ، إلا التكحّل
فتى العصر أضحى في تطّريه حجة
تقاتلنا فيها النساء فتقتل
إذا ابتذلت حسناء ثمّ عذلتها
تولّت وقالت كلّكم متبذّل
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عصر الشبيبة
عصر الشبيبة
رقم القصيدة : 67893
-----------------------------------
القصيدة التي ألقاها الشاعر في حفلة
التكريمية التي أقامها له صديقه السيد مالك الدرماني في فندق
روزقلت بكالفورنيا.
- - -
يا ليتما رجع الزمان الأول
زمن الشباب الضاحك المتهلل
عهد ترحلت البشاشة إذ مضى
وأتى الأسى فأقام لا يترّحل
ولّى الصبا وتبددت أحلامه
أودى به وبها قضاء حوّل
حصدت أنامله المنى فتساقطت
صرعى ، كما حصد السنابل منجل
فالروح قيثار وهت وتقطعت
أوتاره، والقلب قفر ممحل
والشيب يضحك برقه في لّمتي
هذي الضواحك ، يا فؤادي، أنصل
أشتاق عصرك، يا شبيبة ، مثلما
يشتاق للماء النمير الأبل
إذ كانت الدنيا بعيني هيكلا
فيه إلاهات الجمال ترتل
من كلّ حسناء كأنّ حديثها
السلوى أو الوحي الطهور المزل
وأنا وصحي لا نفكر في غد
فكأنّ ليس غد ولا مستقبل
نلهو ونلعب لا نبالي ضمّنا
كوخ حقير أم حوانا منزل
نتوهّم الدنيا لفرط غرورنا
كملت بنا وبغيرنا لا تكمل
ونخال أن البدر يطلع في الدجى
كيما يسامرنا فلا نتململ
ونظنّ أنّ الروض ينشر عطره
من أجلنا ، ولنا يغنّي البلبل
فكأنّما الأزهار سرب كواعب
وكأنما هو شاعر يتغزّل
في كلّ منظور نراه ملاحة
وسعادة في كلّ ما نتخيّل
لا شيء يزعج في الحياة نفوسنا(57/32)
لا طارىء ، لا عارض، لا مشكل
فكأننا في عالم غير الذي
تتزاحم الأيدي به والأرجل
وكأننا رهط الكواكب في الفضا
مهما جرى في الأرض لا تتزلزل
ألناس في طلب المعاش وهمّنا
كأس مشعشة وطرف أكحل
كم عنّفونا في الهوى واسترسلوا
لو انهم عزفوا الهوى لم يعذلوا
ولو انهم ذاقوا كما ذّقنا الرؤى
شبعت نفوسهم وإن لم يأكلوا
زعموا تبذّلنا ولم يتبذلوا ،
إنّ الحقيقة كلّنا متبذّل
حرموا لذاذات الهيام وفاتنا
درك الحطام ، فأينا هو أجهل؟
إني تأملت الأنام فراعني
كيف الحياة بهم تجدّ وتهزل
لا يضبطون مع الصّروف قيادهم
إلا كما ضبط المياه المنخل
بينا الفتى ملء النواظر والنّهى
فإذا به رقم خفي مهمل
يا صاحبي، والعمر ظل زائل ،
إنّ كنت تأمل فيه أو لا تأمل
ألذكر أثمن ما اقتنيت وتقتني
ولحبّ أنفس ما بذلت وتبذل
قيل اغتنى زيد فليتك مثله
أنا مثله، إن لم أقل ، أنا أفضل
ألشمس لي وله ، ولألاء الضحى
والنّيرات، ومثلما المنسوّل
أما النّضار فإنه ، يا صاحبي
عرض يزول وسلعة تنقّل
ما دمت في صحبي ودام وفاؤهم
فأنا الغنّي الحقّ لا المتموّل
أنا لست أعدل بالمناجم واحدا
وأبيع من عقلوا بما لا يعقل
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ريح الشمال
ريح الشمال
رقم القصيدة : 67894
-----------------------------------
سألت: وقد مرّت الشمأل
تنوح وآونه تعول
إلى أيما غاية تركضين ؟
ألا مستقر ؟ ألا موئل؟
وكم تعولين، وكم تصرخين،
كعصفورة راعها الأجدل؟
لقد طرح الغصن أوراقه
من الذعر ، واضطرب الجدول
وضلّ الطريق ألى عشه
فهام على وجهه البلبل
وغطى السّهى وجهه بالغمام
كما يتزوى الخائف الأعزل
وكادت تخرّ الهضاب
وتركض قدّامك الأجبل
أبنت الفضاء أضاق الفضاء
فأنت ألى غيره أميل؟
أغاظك أنّ الدجى لا يزول
وأن الكواكب لا تأقل؟
أتبكين آمالك الضائعات ؟
هل الريح مثل الورى تأمل؟
أيعدو وراءك جيش كثيف؟
أمثلك يرهبه الجحفل؟
وما فيك عضو ولا مفصل
فتقطع أوصلك الأنصل(57/33)
فجاوبني عاتف في الظلام:
غلطت فما هذه الشمأل
ولكنها أنفس الغابرين
تجوس الديار ولا تنزل
فقلت: أينهض من القبور
وفوقهم الترب والجندل؟
أجاب الصدى ضاحكا ساخرا
إلى كم تحار، وكم تسال؟
وترفع عينيك نحو السماء
وليست تبالي ولا تحفل؟
من البحر تصعدي هذي الغيوث
وتهطل في البحر إذ تهطل
وفي الجوّ إن خفيت نسمة
وفي الأرض إن نضب المنهل
لقد كان في أمس ما قبله
وفي غده يومك المقبل
عجبت لباك على أوّل
وفي الآخر النائح الأول
هم في الشراب الذي نحستي
وهم في الطعام الذي نأكل
وهم في الهواء الذي حولنا
وفي ما نقول وما نفعل
فمن حسب العيش دنيا وأخرى
فذا رجل عقله أحول
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> هملت
هملت
رقم القصيدة : 67895
-----------------------------------
يا نبأ سرّ به مسمعي
حتى تمنّى ؟أنّه النّاقل
أنعيش في المنى مثلما
يحيي الجديب الواكف الهاطل
عرفت منه أنّ ذاك الحمى
بالصيّد من فتياننا آهل
عصابة كالعقد في ((أكرن))
يعتزّ فيها الفضل والفاضل
من كلّ مقدام رجيح النّهى
كالسّيف إذ يصقله الصّاقل
البدر من أزراره طالع
والغيث من راحته هامل
وكلّ طلق الوجه موفوره
في بردتيه سيّد مائل
شيهة الشّرق ؛ انعمي واسلمي
كي تسلم الآمال والآمل
بكم وبالرّاقين أمثالكم
يفتخر العالم والعمل
بعثتم ((هملت)) من رمسه
((فهملت)) بينكم مائل
تمشي ويمشي الطّيف في إثره
كلاهما مّما به ذاهل
لا يضحك السّامع من هزله
كم عظة جاء بها الهازل
رواية يظهر فيها لكم
كيف يداجي الصّادق الخاتل
وتنكث المرآة ميثاقها
وكيف يجزي المجرم القاتل
وإنّما الانسان أخلاقه
لا يستوي النّاقص والكامل
والنّفس كالمرآة إن أهملت
يعلو عليها الصّدأ الآكل
والنّاس أدوار، فذا صاعد
يراود الشّهب وذا نازل
والدّهر حالات ، فيقوم به
نحس، ويوم سعده كامل
فمثلوا الجهل وأضراره
حتّى يعادي جهله الجاهل
ومثّلوا الفضل وآياته
كي يستزيد الرّجل الفاضل
وصوّروا المجد بلألائه(57/34)
عسى يفيق الهاجع الغافل
ويرجع الشّرق إلى أوجه
كما يعود القمر الآفل
وانبوا إلى الآتين من بعدكم
يبن لمن يخلفه القابل
ما دمتم للحق أنصاره
هيهات أن ينتصر الباطل
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لمن الديار؟
لمن الديار؟
رقم القصيدة : 67896
-----------------------------------
لمن الدّيار تنوح فيها الشمأل
ما مات أهلوها ولم يترّحلوا
ماذا عراها، ما دها سكّانها
يا ليت شعري كيلوا أم قتلوا؟
مثّلتها فتمثّلت في خاطري
دمنا لغير الفكر لا تتمثّل
تمشي الصّبا منها برسم دارس
لا ركز فيه كأنّما هي هوجل
وإذا تأمّل زائر آثارها
شخصت إليه كأنّها تتأمّل
أصبحت أندب أسدها وظباءها
ولطالما أبصرتني أتعزّل
أيّام أمطر في الحمى متهللا
وأرى الدّيار كأنّها تنهلّل
وأروح في ظلّ الشّباب وأغتدي
جذلان لا أشكو ولا أتعلّل
إذ كلّ طير صادح مترنم
إذ كلّ غصن يانع متهدّل
والأرض كاسية رداء أخضرا
فكأنّها ديباجة أو مخمل
يجري بها، فوق الجمان من الحصى
بين الزّبرجد والعقيق ، الجدول
والزّهر في الجّنّات فيّاح الشّذا
بندى الصّباح متوّج ومكلّل
والشّمس مشرقة يلوح شعاعها
خلل الغصون، كما تلوح الأنصل
والظّلّ ممدود على جنباتها
والماء مغمور به المخضوضل
للّه كيف تبدّلت آياتها
من كان يحسب أنّها تتبدّل؟..
زحف الجراد بقّضّه وقضيضه
سير الغمام إذا زفته الشمأل
حجب السّماء عن النّواظر والثّرى
فكأنّه اللّيل البهيم الأليل
من كلّ طيّار أرقّ جناحه
لفح الحرور وطول ما ينتقل
عجل إلى غاياته مستوفز
أبدا يشدّ العجز منه الكلكل
خشن الاهاب كأنّه في جوشن
وكأنّما في كلّ عضو منجل
وكأنّما حلق الدّروع عيونه
وكأنّهنّ شواخصا تتخيّل
مصقولة صقل الزّجاج يخالها
في معزل عن جسمه ، المستقيل
ومن العجائب مع صفاء أديمها
ما إن ترفّ كأنّما هي جندل
ضيف أخف على الهواء من الهوا
لكنّه في الأرض منها أثقل
ملأ المسارح والمطارح والرّبى
فإذا خطت فعليه تخطو الأرجل(57/35)
حصد الّذي زرع الشّيوخ لنسلهم
وقضى على القطّان أن يتحوّلوا
ما ثمّ من فنن إلى اوراقه
يأوي ؛إذا اشتد الهجير ، البلبل
وإذا القضاء رمى البلاد ببؤسه
جف السّحاب بها رجف المنهل
وقع الّذي كنّا نخاف وقوعه
فعللى المنازل وحشة لا ترحل
أشتاق لو أدري بحالة أهلها
فإذا عرفت وددت أني أجهل
لم تبق أرجال الدّبى في أرضهم
ما يستظلّ به ولا ما يؤكل
أمست سماوهم بغير كواكب
ولقد تكون كأنّها لا تأفل
يمشون في نور الضّحى وكأّنهم
في جنح ليل حالك لا ينصل
فإذا اضمحك النّور واعتكر الدّجى
فالخوف يعلو بالصّدور ويسفل
يتوسّلون إلى الظّلوم وطالما
كان الظّلّوم إليهم يتوسّل
أمسى الدّخيل كأنّه ربّ الحمى
وابن البلاد كأنّه متطفّل
يفضي، فهذا في السّجون مغيب
رهن، وهذا بالحديد مكبّل
ويرى الجمال كأنّما هو لايرى
ويرى العيوب كأنّما هو أحول
حال أشدّ على النّفوس من الرّدى
الصّاب شهد عندها والحنطل
مالي أنوح على البلاد كأنّما
في كلّ أرض لي أخ أو منزل
يا ليت كفا أضرمت هذي الوغى
يبست أناملها وشلّ المفصل
تتحوّل الأفلاك عن دورانها
والشّرّ في الإنسان لا يتحوّل
ما زال حتّى هاجها من هاجها
حربا يشيب لها الرّضيع المحول
فالشّرق مر تعد الفرائض جازع
والغرب من وقعاتها متزلزل
والأرض بالجرد الصّواهل والقنا
ملأى تجيش كما تجيش المرجل
والطّود آفات تلوح وتختفي
والسّهل أرصاد تجيء وتقفل
والجوّ بالنّقع المثار ملثّم
والبحر بالسّفن الدّوارع مثقل
في كل منفرج الجوانب جحفل
لجبّ ينازعه عليه جحفل
مات الحنان فكلّ شيء قاتل
وهما القضاء فكلّ عضو مقتل
فمعقّر بثيابه متكفّن
ومجرح بدمائه متسربل
كم ناكص عن مأزق خوف الرّدى
طلع الرّدى من خلفه يتصلصل
شقي الجميع بها وعزّ ثلاثة
ذئب الفلاة ونسرها والأجدل
حامت على الأشلاء في ساخاتها
فرقا تعلّ من الدّماء وتنهل
لهفي على الآباء كيف تطوحوا
لهفي على الشّبان كيف تجندلوا
حرب جناها كلّ عات غاشم
وجنى مرارتها الضّعيف الأعزل(57/36)
ما للضّعيف مع القوي مكانة
إنّ القويّ هو الأحبّ الأفضل
تتّنصل السّواس من تبعاتها
إنّ البريء الذّيل لا يتنصّل
قد كان قتل النّفس شرّ جريمة
واليوم يقتل كلّ من لا يقتل
والمالكون على الخلائق ، عدلهم
جور، فكيف إذا هم لم يعدلو
كتبوا بمسفوك النّجيع نعوتهم
قول الملوك لهم : جنود بسّل
يا شرّ آفات الزّمان المنقضي
لا جاءنا فيك الزّمان المقبل
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الفتى الافضل
الفتى الافضل
رقم القصيدة : 67897
-----------------------------------
(معربة)
- - -
مضى زمن كان فيه الفتى
يباهي بما قومه أثّلوا
ويرفعه في عيون الأنام
ويخفض من قدره المنزل
فلا تقعدن عن طلاب العلى
وتعذل بلادك إذ تعذل
فإنّ الخلائق حتى عداك
متى ما سبقتهم هلّلوا
فثابر بجدّ على نيلها
فليس يخيب الذي يعمل
وكن رجلا ناهضا ينتمي
إلى نفسه عندما يسأل
فلست الثياب التي ترتدي
ولست الأسامي التي تحمل
ولست البلاد التي أنبتتك
ولكنّما أنت ما تفعل
إذا كنت من وطن خامل
وفزت فأنت الفتى الأفضل
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> 1916
1916
رقم القصيدة : 67898
-----------------------------------
كم ، قبل هذا الجيل، ولّى جيل
هيهات ، ليس إلى البقاء سبيل
ضحك الشّباب من الكهول فإغرقوا
واستيقظوا، فإذا الشّباب كهول
نأتي ونمضي والزّمان مخلّد
الصّبح صبح والأصيل أصيل
حرّ وقرّ يبلسان جسومنا
ليت الزّمان ، كما نحول، يحول
إنّ التّحول في الجماد تقلّص
في الحي موت؛ في النّبات ذبول
قف بالمقابر صامتا متأملا
كم غاب فيها صامت وسؤول
وسل الكواكب كم رأت من قبلنا
أمما، وكم شهد النّجوم قبيل
تتبدّل الدّنيا تبدّل أهلها
واللّه ليس لأمره تبديل
يا طالعا لفت العيون طلوعه
بعد الطّلوع ، وإن جهلت ، أفول
عطفا ورفقا بالقلوب فإنما
حقد القلوب على أخيك طويل
أنظر فوجه الأرض أغير شاحب
واسمع ! فأضوات الرّياح عويل
ومن الحديد صواعق ، ومن العجاج(57/37)
غمائم، ومن الدّماء سهول
ما كنت أعلم قبلما حمس الوغى
أنّ الضّواري والأنام شكول
يا أرض أوربّا ويا أبناءها
في عنق من هذا الدّم المطلول؟
في كلّ يوم منكم أو عنكم
نبأ تجيء به الرّواة مهول
مزّقتم أقسامكم وعهودكم
ولقد تكون كأنّها التّنزيل
وبعثتم الأطماع فهي جحافل
من خلفهن جحافل وخيول
ونشرتم الأحقاد فهي مدافع
وقذائف وأسنّة ونصول
لو لم تكن أضغانكم أسيافكم
أمسى بها، مّما تسام، فلول
علّمتم((عزريل)) في هذي الوغى
ما كان يجهل علمه عزريل
إن كان هذا ما يسمى عندكم
علما، فأين الجهل والتّضليل
إن كان هذا ما يسمى عندكم
دنيا فأين الكفر والتّعطيل
عودا إلى عصر البداوة ، إنّه
عصر جميل أن يقال جميل
قابيل، يا جدّ الورى ، نم هانئا
كلّ امرىء في ثوبه قابيل
لا تفخروا بعقولكم ونتاجها
كانت لكم، قبل القتال ، عقول
لا أنتم أنتم ولا أرباضكم
تلك التي فيها الهناء يقيل
لا تطلبوا بالمرهفات ذحولكم
في نيلها بالمرهفات ذحول
إنّ الأنام على اختلاف لغاتهم
وصفاتهم ، لو تذكرون ، قبيل
يا عامنا! هل فيك ثّمة مطمع
بالسّلم هذا الشقاء يطول
مرّت عليها حجتّان ولم تزل
تتلو الفصول مشاهد وفصول
لم يعشق النّاس الفناء وإنّما
فوق البصائر والعقول سدول
أنا إن بسمت ، وقد رأيتك مقبلا
فكما يهشّ لعائديه عليل
وإذا سكنت إلى الهموم فمثلما
رضي القيود الموثق المكبول
لا يستوي الرّجلان ، هذا قلبه
خال وهذا قلبه ( لجهول)
لا يخدعنّ العارفون نفوسهم
إنّ المخادع نفسه لجهول
في الشّرق قوم لم يسلّوا صارما
والسّيف فوق رؤوسهم مسلول
جهلوا ولم تجهل نفوسهم الأسى
أشقى الأنام العارف المجهول
أكبادهم مقروحة كجفونهم
وزفيرهم بأنينهم موصول
أمّا الرّجاء، وطالما عاشوا به
فالدّمع يشهد أنّه مقتول
واليأس موت غير أن صريعه
يبقى، وأمّا نفسه فتزول
ربّاه، قد بلغ الشّقاء أشدّه
رحماك إنّ الرّاجعين قليل
في اللّه والوطن العزيز عصابة
نكبوا ، فذا عان وذاك قتيل(57/38)
لو لم يمت شمم النّفوس بموتهم
ثار الشآم ، لموتهم ، والنّيل
يا نازحين عن الشآم تذكروا
من في الشّآم وما يليه نزول
همّ الممالك في الجهاد ، وهمّكم
قال تسير به الطّروس وقيل
هبّوا؛ اعملوا لبلادكم ولنسلكم
بئس الحياة سكينة وخمول
لا تقبطوا الأيدي فهذا يومكم
شرّ الورى جعد البنان بخيل
وعد الاله المحسنين ببرّه
وكما علمتم ، وعده تنويل
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بنت سورية
بنت سورية
رقم القصيدة : 67899
-----------------------------------
ليس يدري الهم غير المبتلي
طال جنح اللّيل أو لم يطل
ما لهذا النّجم مثلي في الثّرى
طائر النّوم شديد الوجل
أتراه يتّقي طارئة
أم به أني غريب المنزل؟
كلّما طالعت خطبا جللا
جاءني الدّهر بخطب جلل
أشتكى اللّيل ولو ودعتّه
بتّ من همّي بليل أليل
يا بنات الأفق ما للصّبّ من
مسعد في النّاس ؛ هل فيكنّ لي؟
لا عرفتنّ الرّزايا إنّها
شيّبت رأسي ولم أكتهل
سهدت سهدي الدّراري إنّما
شدّ ما بين المعنّى والخلي
ليت شعري ما الذي أعجبها
فهي لا تنفكّ ترنو من عل
أنا لا أغطبها خالدة
ولقد أحسدها لم تعقل
كلّما راجعت أحلام الصبى
قلت يا ليت الصبى لم يزل!..
أيّها القلب الذي في أضلعي
إنّما اللّذّة جهلا فاجهل
تجمل((الرّقة)) في العضب فإن
كنت تهواها فكن كالمنصل
هي في الغيد الغواني قوة
وهي ضعف في الفؤادالرّجل
لا يغرّ الحسن ذا الحسن فقد
يصرع البلبل صوت البلبل
تقتل الشاة ولا ذنب لها
هي ، لولا ضعفها ، لم تقتل
إن نكن في الوحش كن الثّرى
أو تكن في الطّير كن كالأجدل
أو تكن في النّاس كن أفواهم
ليست العياء حظّ الوكّل!
ما لقومي لا وهى حبلهم
قنعوا من دوهرهم بالوشل
أنا من أمرهم في شغل
وهم عن أمرهم في شغل
كلّما فكرت في حاضرنا
عافني اليأس عن المستقبل
نحن في الجهل عبيد للهوى
ومع العلم عبيد الدّول
نعشق الشّمس ونخشى حرّها
ما صعدنا وهي لما تنزل
قد مشى الغرب على هام السّهى
ومشينا في الحضيض الأفسل(57/39)
سجّل العار علينا معشر
سجّلوا المرأة بين الهمل
فهي إمّا سلعة حاملة
سلعا أو آلة في معمل
أرسلوا تزرع الأرض خطا
وتباري كلّ بيت مثل
تتهاداها الموامي والرّبى
فهي كالدّينار بين الأنمل
لا تبالي القيظ يشوي حرّه
لا، ولا تحذر برد الشّمأل
ولها في كلّ باب وقفة
كأمرىء القيس حيال الطلل
تتّقي قول ((اغربي)) خشيتها
قوله القائل ((يا هذي ادخلي))
فهي كالعصفور وافى صاديا
فرأى الصيّاد عند المنهل
كامنا ، فانصاع يدنيه الظّما
ثمّ يقصيه اتّقاء الأجل
ولكم طافت به آملة
وانثنت تقطع خيط الأمل
ولكم مدّت إلى الرفد يدا
خلقت في مثلها للقبل
ما بها ؟ لا كان شرا ما بها
ما لها من أمرها في خبل؟
سائلوها أو سلوا عن حالها،
إن جهلتم، كلّ طفل محول
في سبيل المال أو عشّاقه
تكدح المرأة كدح الابل
ما تراها وهي لا حول لها
تحت عبء فادح كالجبل
شدّت الأمراس في ساعدها
من رأى الأمراس حول الجدول؟
جشّمةها كلّ أمر معضل
وهي لم تخلق لغير المنزل
فإذا فارقت الدّار ضحى
لم تعد إلاّ قبيل الطفل
ألفت ما عوّدوها مثلما
تألف الظّبية طعم الحنظل!
بنت سوريّا التي أبكي بها
همّة اللّيث وروح الحمل
ما أطاعوا فيك أحكام النّهى
لا ولا قول الكتاب المنزل
قد أضاعوك وما ضيّعتهم
فإضاعوا كلّ أم مشبل
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> هديتي إلى مدارس الشعب بالاسكندرية
هديتي إلى مدارس الشعب بالاسكندرية
رقم القصيدة : 67900
-----------------------------------
ما للهموم الطارقات ومالي
أسهرنني ورقدن عن أوجالي
أمسين ملء جوانحي ما نابني
خطب ولا خطر الغرام ببالي
أهوى وقد عبث المشيب بمفرقي
ليس الغواية للكبير البالي
ما ثم داء يستطار له الكرى
ما ثم غير كآبة وملال
أرعى الشواقب في الظّلام كأنها
زهر الحدائق أو نثير لآلي
وكأنّما شوك القتاد بمضجعي
وكأنّ حشو وسادتي بلبالي
حتى إذا عكفت علّي وساوسي
ونبا الفراش نزعت للتّجوال
فخرجت كالمنشور بعد مماته(57/40)
وركبت متن اللّيل غير مبال
وذهبت أخترق المسالك مدلجا
وكأنما أطلقت من أغلال
أسعى وما غاية أسعى لها
سعيي إلى أمل من الآمال
فاستوقفتني ضجة في حانة
حبست مقاعدها على الجهّال
حلموا على الصّهباء يرتشفونها
كالطّير حول مصفّق سلسال
في غفلة العذّال في غسق الدّجى
إنّ السعادة غفلة العذّال
نهب الكؤوس عقولهم ونضارهم
نهب المدير الخادع الختّال
أمسى يسوق إليهم آجالهم
وحتوفهم في صورة الجريال
شرّ الشراب الخمر يصبح صبّها
قيد الضّنى ويبيت رهن خبال
يا سالب الأرواح بعض ترفّق
يكفيك أنّك سالب الأموال
لا تدفعنّ تلك النفوس إلى الرّدى
إنّ النفوس وإن صغرن غوالي
وإذا بمخمور يتيه معربدا
خبل به ما ذاك تيه دلال
حيران مضطرب الخطى فكأنما
قد راح يمشي فوق جمر صال
متخمّط في سيره، متأوّد
كالغصن بين صبا وبين شمال
عقد الشراب لسانه ولقد يرى
طلقا وفك مجامع الأوصال
فكبا كما يكبوا الجواد على الثّرى
شدّت عليه فوادح الأثقال
وتقدّم الشّرطي يمشي نحوه
مشي الفخور بنفسه المختال
متلفتّا عن جانبيه كعاشق
متلفّت حذر الرقيب القالي
ورأيته وبنانه في جيبه
فعلمت سرّ تلفّت المحتال
لا تعجبوا مما أحدثكم به
كم تحت ذاك الثّوب من نشّال
ثمّ انثنى متبسّما وإذا فتى
غضّ الإرهاب ممزّق السّربال
وافى فحرّكه فألقى جثة
همدت فأجفل أيّما إجفال
وحتى عليه يضمّه ودموعه
تنهلّ مثل العارض الهطّال
وأتى ذويه نعيه فتألّبوا
والغيد تعول أيّما إعوال
أرخصن ماء الجفن ثمّ أذلته
ولقد يكون الدّمع غير مذال
ولقد شهدت صغاره في حيرة
من أمرهم، لهفي على الأشبال
لا يفقهون الحزن غير تأوّه
ما الحزن غير تأوه الأطفال
ما كنت أعلم قبلما حفوا به
أنّ الشقيّ الجدّ ربّ عيال
أسفي عليه مضرّجا لم تمتشق
يده الحسام ولم يسر لقتال
أودى ضحية جهله كم بائس
أودى شهيد الجهل والاهمال
فرجعت مصدوع الفؤاد أبثكم
شجوي وأندب حاله العمّال
باتوا من الأرزاء بين مخالب
من دونهن مخالب الرئبال(57/41)
خطران من جهل وفقر ماالردى
غير اجتماع الجهل ولاقلال
فخذوا بناصرهم فإنّ حياتهم
في مأزق حرج من الأهوال
ما أجدر الّجهلاء أن يتعلّموا
فالعلم مصدر هيبة وجلال
فاسعوا لنشر العلم فيهم إنّما
فضل الغمام يبين في الامحال
إنّ الجهول إذا تعلّم واهتدى
بثّ الهدى في صحبه والآل
يا قوم إن لم تسعفوا فقراءكم
فلم ادّخاركم إذن للمال
هلاّ رضيتم بالمحامد قنية
إنّ المحامد قنية المفضال
أو لستم أبناء من سارت بهم
في المكرمات روائع الأمثال
جودا فغير الحمد غير ملّد
ما المال إنّ المال طيف خيال
هيهات ما يبقى ولو عدد الحصى
أنّى يدوم وربه لزوال
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الكأسان
الكأسان
رقم القصيدة : 67901
-----------------------------------
كان على خوان ربّ المال
كأسان : من خمر ومن زلال
هاتيك في الحمرة مثل العندم
وتلك في بياضها كالدّرهم
فقالت السّلاقة الثّرثاره
عندي حديث فاسمعي يا جاره
أنا التي تخضع لي الرّؤوس
أنا التي يعبدني المجوس
كم قائد أضحكت منه جنده
وسيّد حكمت فيه عبده!
وملك أسقطت عنه التّاجا
وساكن هيجنه فهاجا
وزوجة علّمتها الخيانه
ووالد أنسيته الأمانه
وحدث خدعته فانخدعا
حتّى إذا شبّ عضّ الإصبعا
إنّ الغنى والصّيت والذّكاء
متى أرد صيّرتها هباء
فسمع الماء فهاج غضبا
وقال: مهلا ، بلغ السّيل الزّبى
إن تفخري، يا جارتي، بالشّرّ
فإنّ بالفعل الجميل فخري
أنا الذي تغسل بي الكلوم
ويرتوي الظّامىء والمحموم
يحبّني المالك والمملوك
والسيّد المطاع والصّعلوك
حيث أكون جاريا يكون
الورد والأقاح والنّسرين
إنّ المروج الخضر لا يحييها
غير وجودي حولها وفيها
كم سرت في الوادي وفي الغدير
على شبيه الدّر والكافور
وجلس العشّاق حولي في السّحر
عللى بساط العشب في ضوء القمر
كم اشتهوا، إذ سمعوا خريري،
لو أنّني أسير في الصّدور
أنا الذي لولاه مات النّاس
والطّير والأسماك والأغراس
يا خمر كم ذا تدّعين الفضلا
وبالمياه تقتلين قتلا(57/42)
وأمّك الكرمة يا صهباء
ما وجدت في الأرض لولا الماء!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> المجنون
المجنون
رقم القصيدة : 67902
-----------------------------------
أطار عني النوم صوت في الدجى
كأنه دمدمة الشّلال
يصرخ، والريح تردّد الصدى
في أذن الفضاء والتلال
يا ليل هنيهة قبالي
تر البرايا وأر الليالي
أنا الشادي ، أنا الباكي،
أنا العاري، أنا الكاسي
أنا الخمرة والدنّ،
أنا الساقي، أنا الحاسي
خلعت ثوبا لم تفصّله يدي
وهمت في الوادي بلا سريال
وخلتني انطلقت من سلاسلي
وخلصت ذاتي من الأوحال
فلم أزل أرسف في أغلالي
ولم أزل في حندس المحال
فما أبكي من الغربة
عن جار وعن خدن
فقد يرجع جيراني
وتبقى غربتي عني
عرفت في النهار كل مقبل
ومدبر، وما عرفت حالي
واستترت عني السهول والربى
تحت الدجى ، والبحر ذو الأهوال
لكنما لم تستتر_ آمالي
عني ولا نقصي ولا كمالي
ولا ضعفي، ولا عزمي ،
ولا قبحي، ولا حسني
فكم أهرب من نفسي
وما لي مهرب مني
فقلت من هذا ؟ فقال صحبي
موسوس يهذي من الخيال
يأوي إلى الأدغال في نهاره
كأنه جزء من الأدغال
وفي الدجى له صراخ عال
كأنه والليل في نضال
كأن الليل يوثقه
بأغالا وأمراس
ويضرب جسمه العاري
بسوط الظالم القاسي
ما أن رآه أحد إلاّ رآه
شاخص الطرف إلى الأعالي
كأنما يرقب ركبا صاعدا
أو هابطا وليس غير الآل
كأنما يخشى على الهلال
وسائر الشهب من الزوال
فصاح الصوت : ما أرجوه
في نفسي وما أحذر
فهما رحب الأفق
فنفسي الأفق الأكبر
ليس جلال الليل ما أدهشني
وإنما أدهشني جلالي
ولا جمال الشهب ما حيّرني
وإنما حيّرني جمالي
إن كان بي شوق إلى وصال
فإنّما شوقي إلى خيالي
توشّحت الضحى والليل
في أنسي وفي حزني
فما زاد الدجى خوفي
ولا زاد الضحى أمني
لم هاجر الناس فأصناف الورى
من السلاطين إلى الموالي
إلى ذوي العلم ، إلى أهل الغنى
من واصل وهاجر وسال
وحاضر وسابق وتال
في قبضتي ((اليمنى)) بلا جدال
تلاقى الأحمق الجاهل(57/43)
والعالم في كفي
ومن كان له إلف
ومن كان بلا إلف
وفي يدي ((الشمال)) أشكال المنى
وصور اليقين والضلال
وكلّ ما لعاقل أو جاهل
من لذة أو ألم قتّال
وسائر الأمور والأحوال
وكلّ شيء قال شخص : ذا لي
وكان الليل قد أزمع
أن يحدو مطاياه
فساد الصمت في الوادي
كأن الموت يغشاه
فسرت والفجر دليلي باحثا
في الغاب والسفوح والتلال
فلم أجد غير صريع هامد
منطرح في جانب الشّلال
((لا شيء)) في قبضته الشمال
وليس في اليمنى سوى ((صلصال))
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> تأملات
تأملات
رقم القصيدة : 67903
-----------------------------------
ليت الذي خلق الحياة جميلة
لم يسدل الأستار فوق جمالها
بل ليته سلب العقول فلم يكن
أحد يعلّل نفسه بمنالها
للّه كم تغري الفتى بوصالها
وتضنّ حتى في الكرى بوصالها
تدنيه من أبوابها بيمينها
وتردّه عن خدرها بشمالها
كم قلت هذا الأمر بعض صوابها
فوجدته بالخير بعض محالها
ولكم خدعت بآلها وذمته
ورجعت أظمأ ما أكون لآلها
قد كنت أحسبني أمنت ضلالها
فإذا الذي خمّنت كلّ ضلالها
إنّ النفوس تغرّها آمالها
وتظلّ عاكفة على آمالها
حتى رأيت الشمس تلقي نورها
في الأرض فوق سهولها وجبالها
ورأيت أحقر ما بناه عنكب
متلففا ومطوّقا بحبالها
مثل الفصور العاليات قبابها
ألشامخات على الذّرى بقلالها
فعلمت أنّ النفس تخطر في الحلى
والوشى مثل النفس في أسمالها
ليست حياتك غير ما صوّرتها
أنت الحياة بصمتها ومقالها
ولقد نظرت إلى الحمائم في الربى
فعجبت من حال الأنام وحمالها
للشوك حظّ الورد من تغريدها
وسريكه من بعد إعرالها
تشدو وصائدها يمدّ لها الردى
فاعجب لمحسنه إلى مغنالها
فغبطتها في أمنها وسلامها
ووددت لو أعطيت راحة بالها
وجعلت مذهبها لنفسي مذهبا
ونسجت أخلاقي على منوالها
من لجّ في ضيمي تركت سماءه
تبكي علّي بشمسها وهلالها
وهجرت روضته فأصبح وردها
لليأس كالأشواك في أذغالها
وزجرت نفسي أن تميل كنفسه(57/44)
عن كوثر الدنيا إلى أوحالها
نسيانك الجاني المسيء فضيلة
وخمود نارجدّ في إشعالها
فاربأ بنفسك والحياة قصيرة
أن تجعل الأضغا ن من أحمالها
زمن الشباب رحلت غير مذّمم
وتركت للحسرات قلبي الوالها
دّبت عقاربها إليه تنوشه
ورمت بقاياه إلى أصلالها
لم يبق من لذّاته ألاّ الرؤى
ومن الصبابة غير طيف خيالها
ومن الكؤوس سوى صدى رنّاتها
والراح غير خمارها وخيالها
يا جنّة عوجلت عن أثمارها
ولذاذة عربت من سربالها
ما عليها شيء سوى اضمحلالها
والذنب للأقدار في اضمحلالها
ومليحة في وجهها ألق الضحى
والسحر والصهباء
قالت: أينسى النازحون بلادهم ؟
ما هاج حزن القلب غير سؤالها
الأرض ، سوريّا، أحبّ ربوعها
عندي ، ولبنان أعزّ جبالها
والناس أكرمهم علّي عشيرها
روحي الفداء لرهطها ولآلها!
والشهب أسطعها التي في أفقها
ليس الجلال الحقّ غير جلالها
وأحبّ غيث ما همى في أرضها
حتى الحيا الباكي على أطلالها
مرح الصّبا الجذلان في أسحارها
ومنى الصّبا الولهان في آصالها
إني لأعرف ريحها من غيرها
بنوافح الأشذاء في أذيالها
تلك المنازل كم خطرت بساحها
في ظلّ ضيغمها وعطف غزالها
وشذوت مع أطيارها ، وسهرت مع
أقمارها، ورقصت مع شلاّلها
وسجدت للإلهام مع صفصافها
وضحكت للأحلام مع وزّالها
وملأت عقلي حديث شيوخها
وأخذت شعري من لغى أطفالها
تشتاق عيني قبل يغمضها الردى
لو أنها اكتحلت ولو برمالها
مرّت بي الأعوام تقفو بعضها
وثب القطا تعدو إلى آجالها
وتعاقبت صور الجمال فلم يدم
في خاطري منها سوى تمثالها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ابن الليل
ابن الليل
رقم القصيدة : 67904
-----------------------------------
أشرف البدر على الغابة في إحدى اليالي
فرأى الثعلب يمشي خلة بين الدوالي
كلما لاح خيال ، خاف من ذاك الخيال
واقشعرّا
ورأى ليثا مسورا واقفا عند الغدير
كلما استشعر حسا ملاّ الوادي زئير
فإذا بالماء يجري خائفا عند الصخور
مكفهرّا(57/45)
ورأى البدر ابن آوى يتهادى في الفضاء
كمليك حوله الشهب جنود وإما
قال: لو كنت رفيق البدر ، أو بدر السماء
أو خياله
عشت حرا جيرتي الشهب ولي الظلماء مركب
لآمنا، ألعب بالبرق وطورا بي يلعب
لا أبالي سطوة الراعي ولا الكلب المجرّب
وصياله
غير أن الليث لما أبصر البدر الضحوكا
قال: يا ابن اليل مهما أشتهى لا أشتهيكا
أنت وضّاح ولكن قاحل لا صيد فيكا
أو حيالك
لك هذا الأفق ، لكن هو أيضا للكواكب
إنما لو كنت ليثا ذا نيوب ومخالب
لم تعث في وجهك الوضّاح ألحاظ الثعالب
صن جمالك
عبد من أغاني الزنوج في أميركا
فوق الجميّزة سنجاب
والأرنب تمرح في الحقل
وأنا صيّاد وثّاب
لكن الصيد على مثلي
محظور إذ أنّي عبد
والديك الأبيض في القنّ
يختال كيوسف في الحسن
وأنا أتمنّى لو أنّي
أصطاد الديك ولكنّي
لا أقدر إذ أنّي عبد
وفتاتي في تلك الدار
سوداء الطلعة كالقار
سيجيء ويأخذها جاري
يا ويحي من هذا العار
أفلا يكفي أنّي عبد؟
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> في السفينة
في السفينة
رقم القصيدة : 67905
-----------------------------------
تسير بنا عجل
وإن شاءت على مهل
وتسعى سعي مشتاق
بلا قلب ولا عقل
وتمشي في عباب الماء
مشي الصّل في الرّمل
فما تعبس للحزن
ولا تضحك للسهل
أبت تعرف الشّكوى
من التّرحال والحلّ
فطورا في قرار اليمّ
للغامض تستجلي
وآونة تناجيها
دراري الأفق بالوصل
وأحيانا تواني سيرها
ساكنة الظّلّ
وللموج حواليها
زئير اللّيث ذي الشّبل
ركبناها ونار الشّوق
في أحشائها تغلي
فيا للّه حتّى السّفن
مثلي ما لها مسل
فلا تعجب إذا أعجب
من أطوارها مثلي
فما أعرف مركوبا
سوى الأفراس والإبل
وما أعلم قبل الآن
أنّ الطّود ناق لي
تركنا ((غادة الشّرق))
إلى ((لبنان))ذي الفضل
فمن وطن إلى وطن
ومن أهل إلى أهل
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مداعبة
مداعبة
رقم القصيدة : 67906
-----------------------------------
نبّئت أنك تعشق التمثيلا(57/46)
عشقا يمثّل في حشاك فصولا
وتكاد من فرط الصبابة والجوى
أن تهجر المشروب والمأكولا
عللّت نفسك بالمحال فأصبحت
في غمرة وغدوت أنت عليلا
والنفس تقنع بالقيل فحبّذا
لو أنت صيّرت القيل السولا
تأبى المراسح أن تنيلك ودّها
إنّ المراسح لا تحبّ ثقيلا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> تلك المنازل
تلك المنازل
رقم القصيدة : 67907
-----------------------------------
تلك المنازل ... كيف حال مقيمها
إنّا قنعنا بعدها ....برسومها
تمشي على صور الطيور لحاظنا
نشوى ، كمن يصغى إلى ترنيمها
و نكاد نعشق في الأزاهير الدمى
أزهارها ، و نحسّ نفخ شميمها
نشتاقها ، في بؤسنا و نعيمنا
و نحبّها ، في بؤسها و نعيمها
لولا الخيال يعين أنفسنا لمّا
سكنت ، و لم يهدأ صراخ كلومها
و لكان شهد الأرض في أفواهنا
و هو اللّذيذ أمرّ من زقّمها
يا حاملا في نفسه و حديثه
أحلام أرزتها و لطف نسيمها
حدّث بنيها شيخهم و فتاهمو
عن ليث غابتها و ظبي صريمها
خبّرهم أنّ الكواكب لم تزل
تحنو على العشّاق بين كرومها
ما زال بلبلها يغنّي للربى
و السّحر تنفثه لواحظ ريمها
و الريح تلتقط الشّذى و تذيعه
من شيحها طورا و من قيصومها
و هضابها يلبسن عسجد شمسها
حينا ، و أحيانا لجين نجومها
و الفجر يرقص في السهول و في الذرى
متمهّلا فتهشّ بعد وجوهما
إن بدّلت منها التخوم فإنّها
ما بدّلت و الله غير تخومها
حدّثهم عن ليلها و نجومها
و عن الهوى في ليلها و نجومها
و عن الشّطوط الحالمات بعوده
للغائبين ، و رجعة لنعيمها
و عن الروابي الشاخصات إلى السما
ألعالقات رؤوسها بغيومها
فكأنّها سحب هوت من حالق
ورست على وجه الثّرى بهمومها
و عن الحياة جميلها و قبيحها ،
و عن النفوس صحيحها و سقيمها
و عن الألى ملكوا فلم يتورّعوا
عن سلب أعزلها و ظلم يتيمها
و عن الثعابين التي في أرضها ،
و عن الذئاب العصل خلف تخومها
ألجاهليّة ، آه من أصنامها
بوركت ، يا من جدّ في تحطيمها(57/47)
و الطائفيّة أنت أوّل معول
في سورها ، ثابرعلى تهديمها
حتّى تعود وواحد أقنومها
و يحلّ روح الله في أقنومها
قل للشبيبة أن تبين وجودها
و تعزّ أنفسها بهون جسومها
كم ذا تشعّ و لا تضيء علومها
سرج الظلام إذن جليل علومها
يا واحد منها يحمّل نفسه
آلام عانيها وليل سليمها
إن أكرمتك نفوسنا في ليلة
فلكم قضيت العمر في تكريمها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ستعود دنيانا أحب وأجملا
ستعود دنيانا أحب وأجملا
رقم القصيدة : 67908
-----------------------------------
أنس حين مشت إلّي
لما رأتني باسما متهللا
قالت_ أتطرب والمنايا حوّم
في الأرض كيف رمت أصابت مقتلا؟
أنظر ، فقد خلت البيوت من الشباب
ولا جمال لمنزل منهم خلا
فسألتها _ أو ليس من أجمل العلى
وهنائنا خاضوا الوغى ؟ قالت _ بلى
يا هذه ، أإذا بكيت لبعدهم
يتبسمون ؟ أجابت الحسناء_ لا
كفّي الملام إذن فما أنا جاهل
ما تعلمين، وكيف لي أن أجهلا
لكن بعثت الفكر في آثارهم
في البحر ، في الأجواء ، في عرض الفلا
فرأيت نور المجد فوق بنودهم
ورأيتهم يمشون من نصرإلى...
سدّوا على الباغي المسالك كلّها
فالموت إن ولى وإن هو أقبلا
فإذا شممت اليوم رائحة الدماء
وطالعت عيناك آثار البلى
فاستبشري ، فغدا إذا التقع انجلى
ستعود دنيانا أحبّ وأجملا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> قنبلة الفناء
قنبلة الفناء
رقم القصيدة : 67909
-----------------------------------
إذا سحقت أرضنا القنبلة
كما يسحق الحجر الخردله
وقوّض مفعولها الراسيات
فصارت غبارا له جلجه
ودبّ الفنا في ذوات الجناح
وغلغل في النّبت فاستاصله
وفي الماشيات وفي الزاحفات
عليها إلى آخر السلسه
فلا زهر يأرج في روضة
ولا ديك يصدح في مزبله
وضاع الزمان ومقياسه
وأشبه آخره أوله
ولم يبق حيّ على سطحها
وأصبح عزريل لا شغل له
فذلك خطب يهول النفوس
تصوره قبل أن تحمله
ولكنّ أمرا يعزي الجميع
إذا سحقت أرضنا القنبلة(57/48)
فلن يدع الموت حيا
يلوم سواه على هذه المقتله!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> فتح اورشليم
فتح اورشليم
رقم القصيدة : 67910
-----------------------------------
للّه ما أحلى البشير وقوله
سقط الهلال إلى الحضيض ودالا
بشرى نسينا كلّ شيء قبلها
النّاس والدّولات والأجيالا
ردّت على الشّيخ المسنّ شبابه
وعلى الحزين اليائس الآمالا
وعلى الصّديق صديقه ، وعليهما
أبويهما؛ وعلى الأب الأطفالا
لو سلوم الخلق الّذي وافى بها
بذلوا له الأرواح والأموالا
من مبلغ الأبطال عني أنّني
أهوى القروم الصّيد والأبطالا
بالأمس قطّعت الجزيرة قيدها
ورمت بوجه الغاشم الأغلالا
واليوم ودّعت المظالم أختها
ومشيت تجر ذبولها إدلالا
أبنات أورشليم ضمّخن الثّرى
بالطّيب واملأن الدّروب جمالا
حتّى يمرّ الفاتحون فإنّهم
كشوا الأذى عنكنّ والإذلالا
فاخلعن أثواب الكآبة والأسى
وألبسن من نور الضّحى سربالا
وانفخن بالبسمات كلّ سيمذع
خاض العجاج ووجهه يتلالا
هذا مجال للفتى أن يزدهي
فيه ، وللحسناء أن تختالا
يا قائد الصّيد الغطارفة الألى
تحنى الرؤوس ، لذكرهم ، إخلالا
ظنّ المغول جنودهم تحميهم
والقرد يحسنه أبوه غزالا
فتألّبوا وتهدّدوا وتوّعدوا
حتّى طلعت فأجفلوا إجفالا
ذعر الطّيور سطا عليهم باشق
وبنات آوى أبصرت رئبالا
كم حجفل بعثوا إليك مع الدّجى
لاقاه جيشك ، والصّباح ، فزالا
طاردتهم فوق الجبال وتحتها
كالليث يطرد دونه الأوعالا
فملأت هاتيك الأباطح والرّبى
بجسومهم وملأتهم أهوالا
وحميت إلاّ السّهد عن أجفانهم
ومنعت إلاّ عنهم الأوجالا
ساقوا إليك مثنهم وألوفهم
فرقا وسقت إليهم الآجالا
وصنعت من أسيافهم ودروعهم
لرقابهم وزنودهم أغلالا
لو لم تساقطهم إليك جبالهم
عند الضحى زلزلتها زلزالا
إن يأمنوا وجدوا المنايا يمنة
أو يأسروا وجدوا الجيوش شمالا
وشكت خيولك في اليادين الوجى
فجعلت أرؤسهم لهنّ نعالا
ورأوك قد عرّضت صدرك للظّبى(57/49)
عند الحصون فعرّضوا الأكفالا
هنّئت بالنّصر المبين فإنه
نصر يعزّ على سواك منالا
هذي القلوب نسجتها لك أحرفا
لو أستطيع صنعتها تمثالا
أرضيت موسى والمسيح وأحمدا
والنّاس أجمع والإله تعالى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> كتابي
كتابي
رقم القصيدة : 67911
-----------------------------------
وسائلة: أيّ المذاهب مذهبي
وهل كان فرعا في الديانات أم أصلا
وأيّ نبيّ مرسل أقتدي به
وأيّ كتاب منزل عندي الأغلى؟
فقلت لها : لا يقتني المرء مذهبا،
وإن جلّ ، إلاّ كان في عنقه غلاّ
فما مذهب الإنسان إلاّ زجاجة
تقيّده خمرا وتضبطه خلاّ
فإن كان قبحا لم يبدّله لونها
جمالا، ولا نبلا إذا لم يكن نبلا
أنا آدميّ كان يحسب أنه
هو الكائن الأسمى وشرعته الفضلى
وأنّ له الدنيا التي هو بعضها
وأنّ له الأخرى إذا صام أو صلّى
أمنّ على الصّادي إذا ما سقيته
وألزمه شكري، ولست أنا الوبلا
وأزهى إذا أطمعت جوعان لقمة
كأني خلقت الحبّ والحقل والحقلا
تتلمذت لإنسان في الدّهر حقبة
فلّقتني غيّا، وعلّمني جهلا
نهاني عن قتل النّفوس وعندما
رأى غرّة منّي تعلّم بي القتلا!
وذّم إلّي الرقّ ثم استرقّني
وصوّر ظلما فيه تمجيده عدلا
وكاد يريني الإثم في كلّ ما أرى
وكلّ نظام غير ما سنّ مختلا
فصار الورى عندي عدوّا وصاحبا
وأنقسم صنفين علياء أو سفلى
وصرت أرى بغضا ، وصرت أرى هوى،
وصرت أرى عبدا ، وصرت أرى مولى
ويا ربّ شرّ خلته الخير كلّه
ويا ربّ خير خلته نكبة جلّى
إلى أن رأيت النجم يطلع في الدجى
لذي مقلة حسرى وذي مقلة جذل
وشاهدت كيف النهر يبذل ماءه
فلا يبتغي شكرا ولا يدّعي فضلا
وكيف يزين الطلّ وردا وعوسجا
وكيف يروّي العارض الوعر والسهلا
وكيف تغذّي الأرض ألأم نبتها
وأقبحه شكلا كأحسنه شكلا
فأصبح رأبي في الحياة كرأيها
وأصبحت لي دين سوى مذهبي قبلا
وصار نبيّ كلّ ما يطلق العقلا
وصار كتابي الكون لا صحف تتلى
فديني كدين الرّوض يعبق بالشذى(57/50)
ولو لم يكن فيه سوى اللص منسلا
فليست تخوم المالكيه تخومه
وإنّ له إن يعلموا غيرهم أهلا
فكم هشّ للأنسام والنور والندى
وآوى إليه الطير والذرّ والنملا
وكم بعثته للحياة من البلى
قريحة فنّان فأورق واخضلاّ
وأصبح يجلى ((طيفه)) في قصيدة
وفي رقعة أو لوحة ((وهو)) لا يجلى
وديني الذي اختار الغدير لنفسه
ويا حسن ما اختار اغدير وما أحلى!
تجيء إليه الطير عطشى فترتوي
وإن وردنه الإبل لم يزجر الإبلا
ويغتسل الذئب الأثيم بمسائه
فلا إثم ذا يمحي ، ولا طهر ذا يبلى!
وديني كدين الشّهب تبدو لعاشق
وقال، وفيها ما يحبّ وما يقلى
فما استترت كيما يضلّ مسافر
ولا بزغت كي يستنير الذي ضلاّ
وليس لها أن تمنع الناس ضوءها
ولو فتلوا منه لتكبيلها حبلا
وديني كدين الغيث إن سحّ لم يبل
أروى الأقاحي أم سقى الشوك والدّفلى
فلم يتخّير في الفضاء مسيره،
ولم ينهمر جودا ، ولم ينحبس بخلا
وإن لم أكن كالروض والنجم والحيا
فحسبي اعتقادي أنّ خطّتها المثلى
يرى النحل غيري اذ يرى النحل حائما
وأبصر قرص الشهد اذ أبصر النحلا
وألمح واحات من النخل في النوى
اذا حرف الإعصار من واحتي النخلا
وان أشرب الصهباء أعلم أنني
شربت بشاشات الزمان الذي ولّى
وما همسته الريح في أذن الثرى
وما ذرفت في الليل نجمته الشكلى
وغصّات من ماتوا على اليأس في الهوى
فيا شاربيها هل لمحتم دم القتلى؟
وان مرّ طفل رأيت به الورى
من المثل الأدنى الى المثل الأعلى
فيا لك دنيا حسنها بعض قبحها
ويالك كونا قد حوى بعضه الكلاّ
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشباب والحب
الشباب والحب
رقم القصيدة : 67912
-----------------------------------
الشباب والحب
بكيت الصّبا من قبل أن يذهب
فيا ليت شعري ما تقول اذا ولّى؟
وهّمته يبقى اذا أنت صنته
عن الشفة الحمراء والمقلة الكحلا
وخلت الهوى جهلا فلم يكن الهدى
أخيرا سوى ا؟لأمر الذي خلته جهلا
خشيت عليه أن يطوحه الهوى(57/51)
فألقاك هذا الخوف في الهوّة السفلى
أتلجم ماء النهر عن جريانه
مخاقة أن يفنى؟ اذن ، فاشرب الوحلا
سبيلى الصّبا مهما حرصت على الصبا
فدعه يذوق الحبّ من قبل أن يبلى
فما ديمة صبّت على الصخر ماءها
فما أنبتت زهرا ولا أطلعت بقلا
بأضيع من برد الشباب على امرىء
اذا استطعمته النفس أطعمها العذلا
فلا تك مثل الأقحوانة راعها
من الحقل أنّ تجنى فلم تكن الحقلا
وأعجبها الوادي فلاذت بقاعه
فجاء عليها السيل في الليل واستتلى
فما عانقت نور الكواكب في الدّجى
ولا لثمت فجرا ولا رشفت طلاّ
وزالت فلم يستشعر النور والندى
على فقدها غما كأن لم تكن قبلا
ولا تك كالصدّاح اذ خال أنه
اذا اذدخر الألحان أكسبها نبلا
فضنّ بها والشمس تنثر تبرها
وفضّتها والأرض ضاحكة جذلى
فلّما مضى نور الربيع عن الربى
ودبّ الى أزهارها الموت منسلاّ
تحفّز كي يشدو فلم يلق حوله
سوى الورق الهاوي كأحلامه القتلى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> فلسفة الحياة
فلسفة الحياة
رقم القصيدة : 67913
-----------------------------------
أيّهذا الشّاكي وما بك داء
كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟
انّ شرّ الجناة في الأرض نفس
تتوقّى، قبل الرّحيل ، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود ، وتعمى
أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل
من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا
ليس أشقى مّمن يرى العيش مرا
ويظنّ اللّذات فيه فضولا
أحكم النّاس في الحياة أناس
عللّوها فأحسنوا التّعليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه
لا تخف أن يزول حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك همّ
قصّر البحث فيه كيلا يطولا
أدركت كنهها طيور الرّوابي
فمن العار أن تظل جهولا
ما تراها_ والحقل ملك سواها
تخذت فيه مسرحا ومقيلا
تتغنّى، والصّقر قد ملك الجوّ
عليها ، ولصائدون السّبيلا
تتغنّى، وقد رأيت بعضها يؤخذ
حيّا والبعض يقضي قتيلا
تتغنّى ، وعمرها بعض عام
أفتبكي وقد تعيش طويلا؟(57/52)
فهي فوق الغصون في الفجر تتلو
سور الوجد والهوى ترتيلا
وهي طورا على الثرى واقعات
تلقط الحبّ أو تجرّ الذيولا
كلّما أمسك الغصون سكون
صفّقت الغصون حتى تميلا
فاذا ذهّب الأصيل الرّوابي
وقفت فوقها تناجي الأصيلا
فأطلب اللّهو مثلما تطلب الأطيار
عند الهجير ظلاّ ظليلا
وتعلّم حبّ الطلّيعة منها
واترك القال للورى والقيلا
فالذي يتّقي العواذل يلقى
كلّ حين في كلّ شخص عذولا
أنت للأرض أولا وأخيرا
كنت ملكا أو كنت عبدا ذليلا
لا خلود تحت السّماء لحيّ
فلماذا تراود المستحيلا ؟..
كلّ نجم إلى الأقوال ولكنّ
آفة النّجم أن يخاف الأقولا
غاية الورد في الرّياض ذبول
كن حكيما واسبق إليه الذبولا
وإذا ما وجدت في الأرض ظلاّ
فتفيّأ به إلى أن يحولا
وتوقّع ، إذا السّماء اكفهرّت
مطرا في السّهول
قل لقوم يستنزفون المآقي
هل شفيتم مع البكاء غليلا؟
ما أتينا إلى الحياة لنشقى
فأريحوا ، أهل العقول، العقولا
كلّ من يجمع الهموم عليه
أخذته الهموم أخذا وبيلا
كن هزارا في عشّه يتغنّى
ومع الكبل لا يبالي الكبولا
لا غرابا يطارد الدّود في الأرض
ويوما في اللّيل يبكي الطّلولا
كن غديرا يسير في الأرض رقراقا
فيسقي من جانبيه الحقولا
تستحم النّجوم فيه ويلقى
كلّ شخص وكلّ شيء مثيلا
لا وعاء يقيّد الماء حتى
تستحل المياه فيه وحولا
كن مع الفجر نسمة توسع الأزهار
شمّا وتارة تقبيلا
لا سموما من السّوافي اللّواتي
تملأ الأرض في الظّلام عويلا
ومع اللّيل كوكبا يؤنس الغابات
والنّهر والرّبى والسّهولا
لا دجى يكره العوالم والنّاس
فيلقي على الجميع سدولا
أيّهذا الشّاكي وما بك داء
كن جميلا تر الوجود جميلا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> وردة وأميل
وردة وأميل
رقم القصيدة : 67914
-----------------------------------
يا ليتما خلق الزمان أميلا
إني أراه كالشّباب جميلا
ولّى، فودّعت السماء بهاءها
من بعده ،هوى النّهار عليلا
جنحت ذكاء إلى الغروب كأنما(57/53)
تبغي رقادا أو تريد مقيلا
وتناثرت قطع السحاب كأنها
الجيش الملّهام إذا انثنى مفلولا
هذا وقد بسط السكون جناحه
والليل أمسى ستره مسدولا
قد بات كلّ مسهّد طوع الرّقاد،
وكلّ جفن بالكرى مكحولا
إلا مهفهفة بها نزل الهوى
ضعيفا ولكن لا يريد رحيلا
غيداء قد وصلت ذوائبها الثّرى
أني لأحسد ذلك الموصولا
تحكي المدامة رقة وقساوة
تحكي المهاة لواحظا وتليلا
ماء الحياء يجول في وجناتها
فكأنّ في تلك الكؤوس شمولا
والخدّ أبهج ما يكون موردا
والطرف أفتن ما يكون كحيلا
نظرت وربّ منية من نظرة
قد كان عنها ربّها مشغولا
فهوت وربّ هوى تنال به تامنى
وهوى ينال به الحمام نبيلا
والحبّ مصدره العيون وربّما
تخذ السماع إلى القلوب سيلا
فإذا عشقت فلا تلم أحدا سوى
عينيك ، إنّ من العيون قتولا
ودّت وقد نال الذّبول خدودها
لو أن في الشّوق المقيم ذبولا
وإذا تملّكت الصّبابة في امرىء
لم بجد عذل العاذلين فتيلا
سمعت دويا في الظّلام فهرولت
مذعورا بعد الوقوف طويلا
وأنين مختضر يقول قتلتني
ثكلتك أمّك لم أنل مأمولا
تعدو وتجذبها روادفها إلى
خلف فتجهد خضرها المتبولا
فكأنّ في ذاك الوشاح متّيما
وكأنّ في ذاك الإزار عذولا
تخذت من اللّيل المخّيم صاحبا
ومن الأنين إلى الأنين دليلا
تبغي الوّقوف على حقيقة أمره ،
تبغي حليلا لا تراه جليلا
وتدير في تلك البنان مسدّسا
تركت قذائفه السهام فضولا
في طرفه كمن الهلاك فلو رنا
طرف الزّمان إليه عاد كليلا
قد أسكنت أكر الرّصاص جفونه
فكأنّ أكبادا تجنّ غليلا
يحمي الضعيف من القوي وربّما
قتل الجبان به الفتى البهلولا
ومن الأسى لم تعرف الحسنار هل
قطعت ذراعا في السّرى أم ميلا
حتى إذا رأيت المراد وما رأت
إلا خيالا واقفا مجهولا
حسبته قاتل من تحبّ وأيقنت
أنّ الذي علقت به المقتولا
فدنت وأطلقت المسدّس نحو من
بصرت به عرضا فخرّ قتيلا
صرعت فتى صرع الرّقيب وجندلت
أسدا يخرّ له الهزير ذليلا
كالبدر حسنا ، كالغمام سماحة،(57/54)
كالغصن غضّا، كالحسام صقيلا
ثبت الجنان قويّة، عف الإزارنقيّه ،
ما خان قطّ خليلا
هذا هو الدّنف الذي أرضى الهوى
فيها، وأغضب كاشحا وعذولا
ما نال بعد جهاده إلا الرّدى
والبدر يكسيه المسير أفولا
لم تعلم الحسناء أنّ قتيلها
من لم تر أبدا سواء جميلا
عرفت وذلك عندما طلع الضّحى
ورأت عيانا نعشه محمولا
لم يبلغوا القبر المعدّ لدفتيه
إلا وقد بلغ الرّدى العطبولا
يا صاحبي إن جزت في قبريهما
فاتل السّلام عليهما ترتيلا
من شاعر ما حرّك الغصن الهوا
إلا تذّكر وردة وإميلا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> كم تشتكي
كم تشتكي
رقم القصيدة : 67915
-----------------------------------
( قالها في مهرجان بردجفيل)
- - -
كم تشتكي و تقول إنّك معدم
و الأرض ملكك و السماو الأنجم ؟
و لك الحقول وزهرها و أريجها
و نسيمها و البلبل المترنّم
و الماء حولك فضّة رقراقة
و الشمس فوقك عسجد يتضرّم
و النور يبني في السّفوح و في الذّرى
دورا مزخرفة و حينا يهدم
فكأنّه الفنّا عابثا
آياته قدّام من يتعلّم
و كأنّه لصفائه و سنائه
تعوم به الطّيور الحوّم
هشّت لك الدّنيا فما لك واجما ؟
و تبسّمت فعلام لا تتبسّم
إن كنت مكتئبا لعزّ قد مضى
هيهات يرجعه إليك تندّم
أو كنت تشفق من حلول مصيبة
هيهات يمنع أن تحلّ تجهّم
أو كنت جاوزت الشّباب فلا تقل
شاخ الزّمان فإنّه لا يهرم
أنظر فما تطلّ من الثّرى
صور تكاد لحسنها تتكلّم
ما بين أشجار كأنّ غصونها
أيد تصفّق تارة و تسلّم
و عيون ماء دافقات في الثّرى
تشفي السقيم كأنّما هي زمزم
و مسارح فقتن النسيم جمالها
فسرى يدندن تارة و يهمهم
فكأنّه صبّ بباب حبيبة
متوسّل ، مستعطف ، مسترحم
و الجدول الجذلان يضحك لاهيا
و النرجس الولهان مغف يحلم
و على الصعيد ملاءه من سندس
و على الهضاب لكلّ حسن ميسم
فهنا مكان بالأريج معطّر
و هناك طود بالشّعاع مهمّم
صور و أيات تفيض بشاشة
حتّى كأنّ الله فيها يبسم
فامش بعقلك فوقها متفهّما(57/55)
إنّ الملاحة ملك من يتفهّم
أتزور روحك جنّة فتفوقها
كيما تزورك بالظنون جهنّم ؟
و ترى الحقيقة هيكلا متجسّدا
فتعافها لوساوس تتوهّم
يا من يحنّ إلى غد في يومه
قد بعث ما تدري بما لا تعلم
...
قم بادر اللّذّات فواتها
ما كلّ يوم مثل هذا موسم
واشراب بسرّ حصن سرّ شبابه
وارو أحاديث المروءة عنهم
المعرضين عن الخنا ، فإذا علا
صوت يقول : " إلى المكارم " أقدموا
الفاعلين الخير لا لطماعة
في مغنم ، إنّ الجميل المغنّم
أنت الغنيّ إذا ظفرت بصاحب
منهم و عندك للعواطف منجم
رفعوا لديهم لواء عاليا
و لهم لواء في العروبة معلم
إن حاز بعض النّاس سهما في العلى
فلهم ضروب لا تعدّ و أسهم
لا فضل لي إن رحت أعلن فضلهم
بقصائدي ، إنّ الضحى لا يكتم
لكنّني أخشى مقالة قائل
هذا الذي يثني عليهم منهم
أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم
لا تقبح الدّنيا و فيها أنت
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بين الكأس و الطاس
بين الكأس و الطاس
رقم القصيدة : 67916
-----------------------------------
حمل الشّمس إلينا قمر
في سماء نحن فيها أنجم
شادن حكّمه الحسن بنا
و سوى الحسن بنا لا يحكم
أسبل الشّعر فيا عيني اسهري
إنّه ليل طويل مظلم
و احذري يا مهجتي منه فما
ذلك الأسود إلاّ أرقم
كاد أن يشبه جسمي خضرة
إنّما رقّته بي سقم
يتلظّى الخال في وجنته
أرأيتم كيف يصلى المغرم ؟
صنم في خدّه النّار و في
كفّه ضرّتها تضرم
بنت كرم لم يهم فيها سوى
كلّ صبّ هام فيه الكرم
حبست في دنّها من قدم
ما لها ذنب و لكن ظلموا
حرّموها حينما خافوا عليه
ما سواهم فاسقني ما حرّموا
أنّها سرّ فشا بين الورى
و إذا السّر فشا لا يكتم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الماهدون في المهجر
الماهدون في المهجر
رقم القصيدة : 67917
-----------------------------------
ألا و بعون لو أنّها تتكلّم
لروت لنا قصص للعظام عنكم
و لحدّثتنا عن أعشاشكم
طرتم بأجنحة المنى إذ طرتم(57/56)
يوم الفراق كظمتم آلامكم
و أخفّ من ألم الفراق جهنّم
و بكى الأحبّة حولكم و جفونكم
تعصى البكا ؛ حزن الجبابر أبكم
أيد تودّع موطنا و عشيرة
و مطامح خلف البحار تسلّم
ضاقت على أحلامهم تلك القرى
فاخترتم الدنيا الوساع لتحلموا
و غزوتم الآفاق لا زاد لكم
إلاّ الصّبا المتوثّب المتضرّم
كاللّيث ليس سلاح في السّرى
مخالبه التي لا تلثم
تتخيّلون البحر شقّ لتعبروا
و انداح بين الشّاطئين لتسلموا
و الدّرّ مخبوءا لكم في قاعة
كي تخرجوه و تغنموا ما شئتم
و الموج 'ذ يطغى و يهدر حولكم
جوقا لطرد همومكم يترنّم
و إذا النجموم تألّقت تحت الدجى
خلتم لأجلكم تضيء الأنجم
و حسبتم شمّ الجبال سلالما
نصبت لكم كي تصعدوا فصعدتم
و الشمس منجم عسجد متكشّف
لذوي الطموح و أنتم أنتم هم
و لكم تلثّمت الحقائق بالرؤى
كالأرض يغشاها السراب الموهم
لتطلّ من أرواحنا أشواقها
فنطوف حول خدورها و نحوّم
لم تقنعوا كالخاملين بأنّكم
لكم شراب في الحياة و مطعم
لو أن تكون حياتكم كحياتهم
عبثا يموت به الوقار و يعدم
و تأففا في اللّيل و هو منوّر
و تبرّماا في الصّبح و هو تبسّم
لو أن يكون ترثكم كتراثهم
قصر عفا أو هيكل متردّم
و حديث أسلاف قد التحفوا الفنا
فهم سواء فقي القياس و جرهم
من يقترب من أمس يبعد عن غد
و يعش مع الموتى و يصبح منهم !
و كرهتم أن تنقضي أيامكم
شكوى لمن يرثي و من لا يرحم
أو أن يبيت على احضيض مقامكم
و الدود يزحف فوقه و الأرقم
فنفرتم كالنحل ، ما من زهرة
فيها جنى ، إلاّ و فيها مغنم
في كلّ شطّ مارد ، في كلّ طود
قشعم ، في كلّ واد ضيغم
المجد مطلبكم و أنتم سهّد
و المجد حلمكم و أنتم نوّم
لا شيء صعب عندكم حتى الردى
ألصعب عند نفوسكم أن تحجموا
يا بضعة من أمّة
هي أمّة
فيكم جميع صفاتها و خلالها
و الروض يحويه عطورا قمقم
إنّ الألى الجهاد عليكم
علكوا مداركهم و لم يستطعموا ...
طلبوا السلامة في القعود ففاقهم
درك الثراء و بعد ذا لم يسلموا(57/57)
هؤلاء دود القزّ أحسن منهم
و أجلّ في نظر الحياة و أفهم !
قالوا كهول قد تصرّم عصرهم
ليت الشّباب من الكهول تعلّموا !
إن لم تشيدوا كالأوائل " تدمرا "
أو " بعلبك ّ " فإنّكم لم تهدموا
و لكم غد و جماله و بهاؤه
و لكم من الأمس النفيس القيّم
***
حدثت نفسي و القطار يخبّ بي
عجلان يخترق الدذجى و يدمدم
فسألها مستفهما ، لربما
سأل العليم سواه عمّا يعلم
ما أحسن الأيّام ؟ قالت : يومكم !
و النّاس ؟ فابتدرت و قالت : أنتم
و الدور ؟ قالت : دوركم . و المال ؟
قالت : إنّ أحسنه الذي أنفقتم
و الحسن ؟ قالت : كلّ ما أحببتم
و الأرض ؟ قالت : أينما استوطنتم
ما كان أكمل يومكم و أتمّه
لو لم يكن في مهد عيسى مأتم
و كذا الحياة ، قديمها وحديثها ،
ذكرى نسرّ بها و ذكرى تؤلم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أقوى من الشيب و الهرم
أقوى من الشيب و الهرم
رقم القصيدة : 67918
-----------------------------------
ما زلت أحسب الحبّ زايلني
حتّى نظرت إليها و هي تبتسم
فاهتزّ قلبي كما تهتزّ نابته
في القفر مرّ عليها النّور و النذسم
يا حبّها لا تخف شيبا و لا هرما
فليس يقوى عليك الشيب و الهرم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الى الشبان المتفرّجين
الى الشبان المتفرّجين
رقم القصيدة : 67919
-----------------------------------
يا أيّها الشّرق انظر إلى
القوم الذين شددت أزرك فيهم
ما زلت تكلأهم بطرف ساهر
يحيي الظلام و هم هجود نوّم
و الغرب يرنو خافا
أجدادهم و يودّ لو لم ينعموا
حتى إذا طرّت شواربهم و بات
من الشباب لهم طراز معلم
خرجوا عليك و أنت لا تدري و هم
لا يشعرون و لو دروا لتندّموا
يا طالما مثلوا لديك كأنّهم
أذد الشّرى فنسيت أنّك تحلم
ورجوت ما يرجوه كلّ أب لدى
أبنائه / أنّ العقوق مذمّم
و لطالما شدت القصور من المنى
خاب الرّجاء و ساء ما تتوهّم
ألهتهم الدّنيا فهذا بالطّلى
صبّ و هذا بالحسان متيّم
و الخمر فاتكة بناعم(57/58)
ترف يكاد من النّسائم يسقم
قد أصبحوا وقفا على شهواتهم
يستسلمون لها و لا تستسلم
لم يفهموا معنى الحياة و كنهها
إنّ البليّة أنّهم لم يفهموا
فليقلعوا عن غيّهم إنّي أرى
خور الشيوخ بهم و لمّا يهرموا
قد قلّدوا الغربيّ في آفاقه
تقليده الشّرقيّ فيما يعصم
فتنتهم لغة الأعاجم إنّما
لغة الأعاجم منهم تتبرّم
أمسى الذي تهدى إليه لآليء
و كأنّما هو بالحجارة يرجم
لا تعذل الشعراء إن بخلوا به
إنّ القريض على الغبيّ محرّم
بتنا و بات الشّرق يمشي القهقرى
مع ذاك نحسب أنّنا نتقدّم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أيّها القلم
أيّها القلم
رقم القصيدة : 67920
-----------------------------------
ماذا جنيت عليهم ، أّها القلم
و الله ما فيك إلاّ النّصح و الحكم
إنّي ليحزنني أن يسجنوك وهم
لولاك في الأرض لم تثبت لهم قدم
خلقت حرّرا كموج البحر مندفعا
فما القيود و ما الأصفاد و اللّجم ؟
إن يحسبوا الطائر المحكّى في القفص
فليس يحبس منه الصوت و النّغم
الله في أمّة جار الزمان بها
يفنى الزمان و لا يفنى لها ألم
كأنّما خصّها بالذّلّ بارئها
أو أقسم الدهر لا يعلو لها علم
مهضومة الحقّ لا ذنب جنته سوى
أنّ الحقوق لديها ليس تنهضم
مرّت عليها سنون كلّها نقم
ما كان أسعدها لو أنّها نعم ؟
عدّوا شكايتها ظلما و ما ظلمت
و إنّما ظلموها بالذي زعموا
ما ضرّهم أنّها باتت تسائلهم
أين المواثيق ، أين العهد و القسم ؟
أما كفى أنّ في آذانهم صمما
حتّى أرادوا بأن ينتابها الصّمم ؟
كأنّما سئموا أن لا يزال بها
روح على الدّه لم يظفر بها السّأم
فقيّدوها لعلّ القيد يكتها
و عزّ أن يسكت المظلوم لو علموا
و أرهقوا الصّحف و الأقلام في زمن
يكاد يعبد فيه الطرس و القلم
أن يمنعوا الصحف فينا بثّ لوعتنا
فكلّنا صحف في مصر ترتسم
إنّا لقوم لنا مجد سنذكره
ما دام فينا لسان ناطق و فم
كيف السبيل إلى سلوان رفعتنا
و هي التي تتمنّى بعضها الأمم ؟(57/59)
يأبى لنا العزّ أن نرضى المذلّة في
عصر رأينا به العبدان تحترم
للموت أجمل من عيش على مضض
إنّ الحياة بلا حريّة عدم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أنفس العشّاق
أنفس العشّاق
رقم القصيدة : 67921
-----------------------------------
بالأمس بادرني صديق حائر يستفهم
أجهنّم نار ؟ كما زعم الهداة و علّموا ؟
أم زمهرير قارس قاس و كون مظلم ؟
فأحببته ، ما الزمهرير و ما اللّظى المتضرّم
بجهنّم ! .. لكنّما أن لا تحبّ جهنّم
يا صاحبي ، إنّ الخواء هو العذاب الأعظم
القلب إلاّ بالمحبّة منزل متردّم
هي للجراحة مرهم ، و هي للسعادة سلّم
هي في النجوم تألّق ، هي في الحياة ترنّم
هي أنفس العشّاق في غسق الدّجى تتبسّم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عباد الذّهب
عباد الذّهب
رقم القصيدة : 67922
-----------------------------------
ما ساء نفسي من الدنيا سوى نفر
لا خير فيهم و لكن شرّهم عمم
ماتت ضمائرهم فيهم أنانية
فليس تنشر حتى تنشر الرّمم
ساءت خلائقهم أو لا خلاق لهم
إلا الشّراهة و الإيثار و النّهم
إذا رأوا صورة الدينار بارزة
خرّوا سجودا إلى الأذقان كلّهم
قد أقسموا أنّهم لا يشركون به
بئس الإله و بئس القوم و القسم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أبو غازي
أبو غازي
رقم القصيدة : 67923
-----------------------------------
أبو ازي السلام عليك منّا
و عفوا أيّها الملك الهمام
فما ضاق الكلام بنا ، و لكن
وجدنا الحزن أرخصه الكلام
و خطبك لا يفيه دمع باك
فموتك من بني العرب يبكي الغمام
و نحن أحقّ أن نبكي و نرثى
فموتك من بني العرب انتقام
خبا نبراسنا ، و اللّيل داج ،
و كنت حسامنا ، فنبا الحسام !
كأنّك قد وترت الموت قدما
وهابك في كنانتك السّهام
فدبّ إليك مثل اللّصّ ليلا
و كان الموت ليس له ذمام
طوى الدنيا نعيّك في ثوان
فريع البيت و البلد الحرام
و " دجلة " كالطّين له أنين
و في " بردى " التياع و اضطرام(57/60)
ورحنا بين مصعوق وساه
كمن صرعت عقولهم المدام
كأنّ الأرض قد قد مادت و فضّت
عن الموتى الصفائح و الرّجام
فمن للبيض و الجرد المذاكي ؟
و " فيصل " بات يحويه الرّغام
و من للحقّ ينشره لواء
به للنّاس هدي و اعتصام
توارى المجد في كفن و لحد
و غابت في التراب منّى عظام
مضى وحديثه في الناس باق
كعمر الشّمس ليس له انصرام
فيا جدثا حواه لست قبرا
و لكن أنت في الدنيا وسام
***
حياتك " يا أبا غازي " حياة
كفصل الصّيف : زهر و ابتسام
وقد تحصى الكواكب و الأقا
حي و لا تحصى أياديك الجسام
مددت إلى منى العرب الغوافي
يدا ، فتفتّقت عنها الكمام
و أمسى بندهم و له خفوق
و أمسى عقدهم و له نظام
و كم أسقمت جسمك كي يصحّوا
و حالفت السّهاد و هم نيام
و كم جازيت عن شرّ بخير
و كم جازاك بالغدر الأنام
خذلت فما عتبت على صديق
و لم تحنق وقد كثر الملام
و كم قد فزت في حرب و سلم
فلم يلعب بعطفيك العرام
خلائق من له عرق كريم
و خطّة من له قلب عصام
خذوا الخلق الرفيع من الصحا
ري ، فإنّ النفس يفسدها الزحام
و كم فقدت جلالتها قصور
و لم تفقد مروءتها الخيام
***
و قالوا اندك عرشك في دمشق
كأنّ العرش أخشاب تقام
و كيف تهدّ سدّتك العوالي
و لم يسلبكها الموت الزؤام ؟
فما كان انتصارهم علاء
و لا كان انكسارك فيه ذام
إذا لم تنصر الأرواح ملكا
فأحسن ما حوى جثث وهام
و ما زالت لك الأرواح فيها
و ما زالت عشيرتك الشآم
تصفّق لاسمك الأمواه فيها
و يهتف في خمائلها الحمام
و بذكر أهلها تلك السجايا
فيشرق من تذكّرها الظلام
و ليس أحبّ من حرّ مؤاس
إلى شعب يساء و يستضام
***
فقل للساخطين على اللّيالي
و من سكنوا على يأس و ناموا
سينحسر الضباب عن الروابي
و يبدو الورد فيها فيها و الخزام
و يصفو جوّنا بعد انكدار
و يسقى أرضنا المطر الرّهام
و نرجع أمّة ترجى و تخشى
و إن كره الزعانف و الطّغا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مصر و الشام
مصر و الشام
رقم القصيدة : 67925(57/61)
-----------------------------------
البلبل السجين يا ربّ بلا سناء
كأنّما بدره يتيم
مشى به اليأس في الرّخاء
كأنّه النار و الهشيم
*
ليت الدّجى رقّ للمحبّ
أو ليت لي مهجة حجر
أقضّ هذا الفراش جنبي
كأنّ في مضجعي الإبر
هل بك يا نجم مثل كربي ؟
أم أنت من طبعك السّهر ؟
سهرت شوقا إلى ذكاء ؟
أم عندك المقعد المقيم ؟
أبكي و تصغي إلى البكاء
يا ربّ ! هل تعشق النجوم ؟
*
قد نال فرط السّهاد منّي
و اشتاق طرفي إلى الهجوع
و قرّح الجفن ماء جفني
في الحبّ ما فاض من دموعي
و شاب رأسي من التّجنّي
ياليت ذا الشّيب في الولوع
لعلّ في سلوتي شفائي
هيهات . داء الهوى قديم
ما يحسب الناس في ردائي ؟
في بردتي هيكل رميم !
*
قد طال يا ليل فيك صبري
و أشبهت ساعك القرونا
فقل لهذي النجوم تسري
أو إسأل الصّبح أن يبينا
و إن تشأ أن تكون قبري
فكن كما شئت أن تكونا
في سكون إلى البلاء
قد يألف العلّة السّقيم
من كان في قبضة الهواء
هان على نفسه النّسيم !
*
قرّب بين الضّنى و جسمي
ما أبعد النّوم عن جفوني
يا ليل فيك الرّقاد خصمي
يا ليل ما فيك من معين
سوى شج همّه كهمّي
ينشد و اللّيل في سكون !
أيمرح البوم في الخلاء
و تمسك البلبل الهموم ؟
هذا ضلال من القضاء
فلا تلمني إذا ألوم
*
سا سيّد المنشدين طرّا
و صاحب المنطق المبين
لو كنت بوما أو كنت نسرا
ما بتّ في أسرك المهين
خلقت لما خلقت ، حرّا
فزجّك الحسن في السّجون
و أطلق البوم في الفضاء
زعم الورى أنّه دميم
و أنّه غير ذي رواء
و لا له صوت الرّخيم !
*
تيّمك الروض فيه حتّى
تخذت باحاته مقاما
رأيت فيه النعيم بحتا
و لم تر عنده الأناما
مدّوا الأحابيل فيه شتّى
أقلّها يجلب الحماما
لو كنت كالبوم في الجفاء
ما صادك المنظر الوسيم
أصبحت تبكي من الشّقاء
ليضحك الآسر المضيم !
*
و المرء وحش فإن ترقّى
أصبح شرا من الوحوش
فخفه حرّا و خفه رقّا
و خفه ملكا على العروش
فالشرّ في الناس كان خلقا
و أيّ طير بغير ريش ؟(57/62)
ما قام فيهم أخو وفاء
يحفظ عهدا و لا رحيم
فكلّ مستضعف مرائي
و كلّ ذي قوّة غشوم !
*
إن كان للوحش من نيوب
فالناس أنيابهم حديد
ما كان ، و الله ، للحروب
لولا بنو آدم وجود
لو امّحى عالم الخطوب
لقام منهم لها معيد
قد نسبوا الظلم للسماء
و كلّهم جائر ظلوم
لم يخل منه أخو الثّراء
و لا الفتى البائس العديم
*
أعجب ما في بني التراب
قتالهم فوقه عليه
قد صيّر و الأرض كالكتاب
و انحشروا بين دفّتيه
و استعجلوا الموت بالعذاب
و كلّهم صائر إليه
ما خاب داع إلى العداء
و لم يفز ناصح حكيم
ما رغب الناس في الفناء
لكنّما ضاعت الحلوم !!
*
لو لم يك الظلم في الطّبائع
ما استنصر العاجز العداله
لو عدلت فيهم الشرائع
ما استحدثوا للقتال آله
عجبت للقاتل المدافع
جزاؤه الموت لا محاله
لكنّما سافكو الدماء
يوم الوغى قادة قروم
و هكذا المجرم الدائي
في عرفهم فاتح عظيم !
*
أقبح من هذه الضّلاله
أن يحكم الواحد الألوفا
و يدّعي الفضل و النّباله
من يسلب العامل الرّغيفا
يا قوم ما هذه الجهالة
قد حان أن تنصفوا الضّعيفا
فراقبوا ذمّة الإخاء
و لتنس أحقادها الخصوم !
لا تتبعوا سنّة البقاء
فإنّها سنّة ظلوم !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> تلك المنازل
تلك المنازل
رقم القصيدة : 67926
-----------------------------------
تلك المنازل ... كيف حال مقيمها
إنّا قنعنا بعدها ....برسومها
تمشي على صور الطيور لحاظنا
نشوى ، كمن يصغى إلى ترنيمها
و نكاد نعشق في الأزاهير الدمى
أزهارها ، و نحسّ نفخ شميمها
نشتاقها ، في بؤسنا و نعيمنا
و نحبّها ، في بؤسها و نعيمها
لولا الخيال يعين أنفسنا لمّا
سكنت ، و لم يهدأ صراخ كلومها
و لكان شهد الأرض في أفواهنا
و هو اللّذيذ أمرّ من زقّمها
يا حاملا في نفسه و حديثه
أحلام أرزتها و لطف نسيمها
حدّث بنيها شيخهم و فتاهمو
عن ليث غابتها و ظبي صريمها
خبّرهم أنّ الكواكب لم تزل
تحنو على العشّاق بين كرومها(57/63)
ما زال بلبلها يغنّي للربى
و السّحر تنفثه لواحظ ريمها
و الريح تلتقط الشّذى و تذيعه
من شيحها طورا و من قيصومها
و هضابها يلبسن عسجد شمسها
حينا ، و أحيانا لجين نجومها
و الفجر يرقص في السهول و في الذرى
متمهّلا فتهشّ بعد وجوهما
إن بدّلت منها التخوم فإنّها ما
بدّلت و الله غير تخومها
حدّثهم عن ليلها و نجومها
و عن الهوى في ليلها و نجومها
و عن الشّطوط الحالمات بعوده
للغائبين ، و رجعة لنعيمها
و عن الروابي الشاخصات إلى السما
ألعالقات رؤوسها بغيومها
فكأنّها سحب هوت من حالق
ورست على وجه الثّرى بهمومها
و عن الحياة جميلها و قبيحها ،
و عن النفوس صحيحها و سقيمها
و عن الألى ملكوا فلم يتورّعوا
عن سلب أعزلها و ظلم يتيمها
و عن الثعابين التي في أرضها ،
و عن الذئاب العصل خلف تخومها
ألجاهليّة ، آه من أصنامها
بوركت ، يا من جدّ في تحطيمها
و الطائفيّة أنت أوّل معول
في سورها ، ثابرعلى تهديمها
حتّى تعود وواحد أقنومها
و يحلّ روح الله في أقنومها
قل للشبيبة أن تبين وجودها
و تعزّ أنفسها بهون جسومها
كم ذا تشعّ و لا تضيء علومها
سرج الظلام إذن جليل علومها
يا واحد منها يحمّل نفسه
آلام عانيها وليل سليمها
إن أكرمتك نفوسنا في ليلة
فلكم قضيت العمر في تكريمها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> تحيّة الدستور العثماني
تحيّة الدستور العثماني
رقم القصيدة : 67927
-----------------------------------
إلى حيث ألقت يا يا زمان المظالم
و لا عدت يا عهد الشّقا المتقادم
ذهبت فلا باك و أنّي بكى العمى
كفيف رأى الأضواء ملء العوالم ؟
و ما عجبت أن ليس في القوم نادب
و لكن عجيب أن أرى غير باسم
نزلت على الشّرقيّ فانحطّ شأنه
و قد كان غصّ الفخر غضّ المكارم
ففرقّت حتّى ليس غير مفرّق
و خاصمت حتّى ليس غير التخاصم
أقمت فخلّى أهله و بلاده
إلى كلّ فجّ من خصيب و قاحم
نأى كاظما للغيظ خوف شماتة
و لم يطلب الإنصاف خفيّة لائم(57/64)
و لو شاء لم يختر سوى الشرّ مركبا
فقد كانت الأحقاد ملء الحيازم
صحبناك لا خوفا ثلاثين حجّة
و لكنّها الدّنيا و ضعف العزائم
و ما ذاك عن حب فما فيك شيمة
تحبّ و لسنا من غواة المآثم
فكنت و كان الجهل أحسن خلّة
لنا و نجاة الحقّ إحدى الغنائم
و كنت و ما فينا غير ناقم
عليك ، و لا ذو سلطة سلطة غير غاشم
ثلاثون عاما و النّوائب فوقنا
مخيمة مثل الغيوم القوائم
فلا ااالعلم مرموق و لا الحقّ نافذ
و لا حرمة ترعى لغير الدراهم
و ما تمّ غير البغي و الظلم و الأذى
فقبّحت من عصر كثير السخائم
فاغرب شقيت الدهر غير مودّع
من القوم إلاّ بالظّبى و الصوارم
فوالله ما ترضى قيودك أمّة
من الناس إلاّ أصبحت في البهائم
و يا أيّها الدستور أهلا و مرحبا
( على الطائر الميمون يا خير قادم )
طلعت علينا كوكبا غير آفل
على حين أنّ الشّرق مقلة هائم
فقرّت عيون قبل كانت حسيرة
و جادت سرورا بالدموع السواجم
وضجّ الورى و الشرق و الغرب ضجّة
أفاق لها مستيقظا كلّ نائم
أهبت ففرّ الظلم بالأرض هاربا
و نكّس خزيا رأسه كلّ ظالم
و فاضت على ثغر الحزين ابتسامة
تخبر أنّ الحزن ليس بدائم
و أطلقت الأقلام بعد اعتقالها
فأسمعت الأكوان سجع الحمائم
و لم يبق عان لم يفكّ إسارة
و لم يبق جان لم يفز بالمراحم
و كنّا نرى الأحزان ضربة لازب
فصرنا نرى الأفراح ضربة لازم
توهّم قوم أنّما الشّرق واهم
و أنّك يا دستور أضغاث حالم
ورجّم قوم أنّما تلك خدعة
فعدنا بربّ الناس من كلّ راجم
تجلّيت فاسودّت وجوه و أسفرت
وجوه ، و أمسى غانما كلّ غارم
و ما عدت حتىّ كاد يشتجر القنا
لأجلك و الخطى أعدل حاكم
و أوشك أن يهتزّ في كلّ ساعد
لكلّ أبيّ كلّ سيف و صارم
أبى الجيش إلاّ أن تكون مؤبدا
و تأبى سوى تأييد جيش سالم
فبوركتما من ساعد و مهنّد
برغم خؤون مارق متشائم
و لا برح الأحرار يشدو بذكرهم
بنو الشرق فخرا في القرى و العوام
رجال لهم زيّ الرّجال و إنّما
جسومهم فيها نفوس ضراغم(57/65)
هم قيّدونا بالعوارف و النّدى
وهم أطلقونا من عقال المغارم
فلم يبق فينا حاكم غير عادل
و لم يبق فينا عادل غير حاكم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> البلبل السجين
البلبل السجين
رقم القصيدة : 67928
-----------------------------------
يا ربّ بلا سناء
كأنّما بدره يتيم
مشى به اليأس في الرّخاء
كأنّه النار و الهشيم
*
ليت الدّجى رقّ للمحبّ
أو ليت لي مهجة حجر
أقضّ هذا الفراش جنبي
كأنّ في مضجعي الإبر
هل بك يا نجم مثل كربي ؟
أم أنت من طبعك السّهر ؟
سهرت شوقا إلى ذكاء ؟
أم عندك المقعد المقيم ؟
أبكي و تصغي إلى البكاء
يا ربّ ! هل تعشق النجوم ؟
*
قد نال فرط السّهاد منّي
و اشتاق طرفي إلى الهجوع
و قرّح الجفن ماء جفني
في الحبّ ما فاض من دموعي
و شاب رأسي من التّجنّي
ياليت ذا الشّيب في الولوع
لعلّ في سلوتي شفائي
هيهات . داء الهوى قديم
ما يحسب الناس في ردائي ؟
في بردتي هيكل رميم !
*
قد طال يا ليل فيك صبري
و أشبهت ساعك القرونا
فقل لهذي النجوم تسري
أو إسأل الصّبح أن يبينا
و إن تشأ أن تكون قبري
فكن كما شئت أن تكونا
في سكون إلى البلاء
قد يألف العلّة السّقيم
من كان في قبضة الهواء
هان على نفسه النّسيم !
*
قرّب بين الضّنى و جسمي
ما أبعد النّوم عن جفوني
يا ليل فيك الرّقاد خصمي
يا ليل ما فيك من معين
سوى شج همّه كهمّي
ينشد و اللّيل في سكون !
أيمرح البوم في الخلاء
و تمسك البلبل الهموم ؟
هذا ضلال من القضاء
فلا تلمني إذا ألوم
*
سا سيّد المنشدين طرّا
و صاحب المنطق المبين
لو كنت بوما أو كنت نسرا
ما بتّ في أسرك المهين
خلقت لما خلقت ، حرّا
فزجّك الحسن في السّجون
و أطلق البوم في الفضاء
زعم الورى أنّه دميم
و أنّه غير ذي رواء
و لا له صوت الرّخيم !
*
تيّمك الروض فيه حتّى
تخذت باحاته مقاما
رأيت فيه النعيم بحتا
و لم تر عنده الأناما
مدّوا الأحابيل فيه شتّى
أقلّها يجلب الحماما
لو كنت كالبوم في الجفاء(57/66)
ما صادك المنظر الوسيم
أصبحت تبكي من الشّقاء
ليضحك الآسر المضيم !
*
و المرء وحش فإن ترقّى
أصبح شرا من الوحوش
فخفه حرّا و خفه رقّا
و خفه ملكا على العروش
فالشرّ في الناس كان خلقا
و أيّ طير بغير ريش ؟
ما قام فيهم أخو وفاء
يحفظ عهدا و لا رحيم
فكلّ مستضعف مرائي
و كلّ ذي قوّة غشوم !
*
إن كان للوحش من نيوب
فالناس أنيابهم حديد
ما كان ، و الله ، للحروب
لولا بنو آدم وجود
لو امّحى عالم الخطوب
لقام منهم لها معيد
قد نسبوا الظلم للسماء
و كلّهم جائر ظلوم
لم يخل منه أخو الثّراء
و لا الفتى البائس العديم
*
أعجب ما في بني التراب
قتالهم فوقه عليه
قد صيّر و الأرض كالكتاب
و انحشروا بين دفّتيه
و استعجلوا الموت بالعذاب
و كلّهم صائر إليه
ما خاب داع إلى العداء
و لم يفز ناصح حكيم
ما رغب الناس في الفناء
لكنّما ضاعت الحلوم !!
*
لو لم يك الظلم في الطّبائع
ما استنصر العاجز العداله
لو عدلت فيهم الشرائع
ما استحدثوا للقتال آله
عجبت للقاتل المدافع
جزاؤه الموت لا محاله
لكنّما سافكو الدماء
يوم الوغى قادة قروم
و هكذا المجرم الدائي
في عرفهم فاتح عظيم !
*
أقبح من هذه الضّلاله
أن يحكم الواحد الألوفا
و يدّعي الفضل و النّباله
من يسلب العامل الرّغيفا
يا قوم ما هذه الجهالة
قد حان أن تنصفوا الضّعيفا
فراقبوا ذمّة الإخاء
و لتنس أحقادها الخصوم !
لا تتبعوا سنّة البقاء
فإنّها سنّة ظلوم !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> فتنة 13 أبريل
فتنة 13 أبريل
رقم القصيدة : 67929
-----------------------------------
بورك الصمصام من حكم
بين محكوم و محتكم
إنّني بعت اليراع به
لا أبيع السيّف بالقلم
صاح إنّ العزّ ممتنع
نيله إلاّ على الخدم
إنّما الضرغام سوّده
تابه المرهوب في البهم
لو يسمّى السيّف ثانية
بات يدعى منقذ الأمم
فله في الغرب مأثرة
مثلما في الترك و العجم
ضيف سالونيك مالك في
سجنها ضيف سوى السأم
ذاك ضيف غير محتشم(57/67)
إن تحاول طرده يقم
قد خلت يلديز منك و ما
ذكرها يخليك من ألم
زلت عنها و هي باقية
عظة للخلق كلّهم
إن تكن تبغي الرجوع لها
ذاك مقضيّ لدى الحلم
مرتع الغيد الأوانس بل
مربع الواشين و التهم
خبّرينا إنّ فيك لنا
حكمة تعلو على الحكم
خبّرينا كيف عاقبة
البغي ، هل كانت سوى ندم ؟
جرت ( يا عبد الحميد ) بنا
غيرأنّ الجور لم يدم
كنت كالأيام ماقصدت
بالرزايا غير ذي شمم
ظلت تقري الحوت من جثث
أوشكت تبليه بالتخم
نعم للبحر تطرحها
يا لها في البرّ من نقم
و لكم حللت من حرم
و لكم أفسدت من ذمم ؟
لم تراع قطّ ذا صلة
لا و لم تشفق على رحم
راعك الدستور منتصرا
فأثرت الجند ( بالعمم )
كاد يلقى منك مصرعه
و هو لم يبلغ إلى الحلم
ربّ ليل بتّ ترقبه
رقبة السّرحان للغنم
و نهار كدت فيه له
غير خاش كيد منتقم
أحسبت القومخ غفلوا
و نسوا ما كان في القدم ؟
أم ظننت الشّعب حنّ إلى
إمرأة الخصيان و الخدم ؟
أم حسبت الجيش مبتعدا
و هو أدنى من يد لفم ؟
لم يطق صبرا على مضض
فأتى يسعى على قدم
علم من خلفه علم
و كمّي يقتفيه كمّي
حاط يلديزا فكان لها
كسوار غير منفصم
ورأت عيناك غضبته
فبكت خوف الرّدى بدم
شلّ منك التاج مهتضما
من يعاد الشعب يهتضم
بتّ لا جيش و لا علم
يا صريح الجيش و العلم
و فشى ما كنت تضمره
فعرفنا ناقص القسم
كنت مسلوب الكرى حذرا
و لقد أعطيته فنم
ودع الدّنيا و بهجتها
ما أرى الحسناء للهرم
لست من طرسي و لا قلمي
إن كبا في حلبه قلمي
قل لمن راموا مساجلتي
ليس غيري تاجر الكلم
يا رشاد الملك تهنئة
بالذي أوتيت من نعم
إن تكن ذاك السجين فيا
ربّ عان غير مجترم
أنت كالصدّيق أسكنه
فضله في السجن من قدم
كن لهاذا الشعب يوسفه
ينج من عدم و من عدم
لست ترضى أن يقال كبا
دون شعب هام بالصّنم
أنت للشورى نعوّذها
بك من عات و من نهم
فتقلّد سيف جدّك عث
مان جدّ البيض و الخدم
و تولّ الملك من أمم
و بجبل الله فاعتصم
قد شفى مرآك مقتله
من عمى ، و الأذن من صمم(57/68)
دمت يا خير الملوك له
غير ما همّ و لا سقم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> صاحب القلم
صاحب القلم
رقم القصيدة : 67930
-----------------------------------
أشقى البريّة نفسا صاحب الهمم
و أتعس الخلق حظّا صاحب القلم
عاف الزّمان بني الدنيا و قيّده
و الطير يحبس منها جيّد النغم
و حكّمت يده الأقلام في دمه
فلم تصنه و لم يعدل إلى حكم
فيا له عاشقا طاب الحمام له
إن المحبّ لمجنون فلا تلم
لكلّ ذي همّة في دهره أمل
و كلّ ذي أمل في الدهر ذو ألم
ويل اللّيالي لقد قلّدنني ذربا
أدنى إلى مهجتي من مهجة الخصم
ما حدّثتني نفسي أن أحطّمه
إلاّ خشيت ععلى نفسي من الندم
فكلّما قلت زهدي طارد كلفي
رجعت و الوجد فيه طارد سأمي
يأبى الشّقاء الذي يدعونه أدبا
أن يضحك الطرس إلاّ إن سفكت دمي
لقد صحبت شبابي و اليراع معا
أودى شبابي ... فهل أبقي على قلم
كأنّما الشعرات البيض طالعة
في مفرقي ، أنجم أشرقن في الظلم
تضاحك الشيب في رأسي فعرّض بي
ذو الشّيب عند الغواني موضع التهم
فكلّ بيضاء عند الغيد فاحمة
و كلّ بيضاء عندي ثغر مبتسم
قل للتي ضحكت من لمّتي عجبا
هل كان ثمّ شباب غير منصرف
أصبحت أنحل من طيف ، و أحير من
ضيف ، و أسهر من راع على غنم
و ليلة بتّ أجني من كوكبها
عقدا كأنّي أنال الشّهب من أمم
لا ذاق جفني الكرى تنال يدي
ما لا يفوز به غيري من الحلم
ليس الوقوف على الأطلال من خلقي
و لا البكاء على ما فات من شيمي
لكنّ ( مصرا ) ، و ما نفسي بناسبه
مليكة الشّرق ذات النيل و الهرم
صرفت شطر الصّبا فيها فما خشيت
نفسي العثار ؛ و لا نفسي من الوصم
في فتنة كالنّجوم الزهر أوجههم
ما فيهم غير مطبوع على الكرم
لا يقبضون مع اللّاواء أيديهم
و قلّما جاد ذو وفر مع الأزم
حسبي من الوجد همّ ما يخامرني
إلاّ و أشرقني بالبادر الشيم
في ذمّة الغرب مشتاق ينازعه
شوق إلى مهبط الآيات و الحكم
نا تغرب الشمس إلاّ أدمعي شفق
تنسى العيون لديه حمرة العنم(57/69)
و ما سرت نسمات نحوها سحرا
إلاّ وددت لو أنّي كنت في النّسم
ما حال تلك المغاني بعد عاشقها
فانّني بعدها للهمّ و السّقم
جاد الكنانة عنّي وابل غدق
و إن يك النّيل يغنيها عن الديّم
الشرق تاج ، و مصر منه درّته
و الشرق جيش ، و مصر حامل العلم
هيهات تطرّف فيها عين زائرها
بغير ذي أدب أو غير ذي شمم
أحنى على الحرّ من أمّ على ولد
فالحرّ في مصر كالورقاء في الحرك
ما زلت و الدهر تنبو عن يدي يده
حتّى نبت ضلّة عن أرضها قدمي
أصبحت في معشر تقذي العيون بهم
شرّ من الدّاء في الأحشاء و التّخم
ما عزّ قدر الأديب الحرّ بينهم
إلاّ كما عزّ قدر الحيّ في الرّمم
من كلّ فظّ يريك القرد محتشما
و يضحك القرد منه غير محتشم
إذا بصرت به لا فاته كدر
رأيت أسمج خلق الله كلّهم
من الأعاب لكن أنشده
جواهر الشّعر ألقاه من العجم
ما إن تحرّكه همّا و لا طربا
كأنّما أنا أتلوها على صنم
لا عيب في منطقي لكن به صمم
إنّ الصوادح خرس عند ذي الصّمم
حجبت عن كلّ معدوم النّهى درري
إنّي أضنّ على الأنعام بالنعم
قوم أرى الجهل فيهم لا يزال فتى
في عنفوان الصّبا و العلم كالهرم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> نقد
نقد
رقم القصيدة : 67931
-----------------------------------
سكت خوفا و قلت الصفح من خلقي
و نمت جبنا و قلت الحلم من شيمي
و إنّما أنت و الأقوام قد علموا
لولا خمولك لم تسكت و لم تنم
لم تمتنع أنفه لكن قد امتنعت
عليك أشباه ما قد صاغه قلمي
حاولت وجدان عيب لي فكنت كمن
يحاول الماء في البركان ذي الضّرم
فقلت للقوم فيما قلت تخدعهم
لقد هجاني و بعض الهجوم كالوصم
ألذمّ عار و لكن ذمّ ذي كرم
و الحمد لله لم نذمم أخا كرم
سأحبسنّ لساني عنك شمم
وحرمة لأهيل الودّ و الذمم
قوم لعمر أبي لو كان سفك دمي
و لا مغالاة يرضيهم سفكت دمي
إنّي أجلهم عن أن يغيّرهم
كلام ذي حسد أول متّهم
ما العجر أقعدني لما كففت يدي
لكن لأجلهم نهنهت من كلمي(57/70)
و لو أشاء ملأت الأرض قاطبة
قوافيا و أفضاء الرّحب بالحكم
و لست أعجب ا، لم تشتك ألما
إنّ الجمادات لا تشكو من الألم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ثقيل
ثقيل
رقم القصيدة : 67932
-----------------------------------
و ثقيل أنّه برد كانو
ن قليل الحياء جمّ الكلام
ليس يدري بأنّه ليس يدري
إنّ بعض الأنام كالأنعام
يتمنى ، يابعد ما يتمنّى
لو جرى ذكره على الأقدام
و الذي أطمع اللّئيم و أغراه
بسبّ الكرام حلم الكرا
و الذي صيّر الكريم حليما
كرهه أن يعدّ صنو الطّغام
منع البوم أن يصاد و يرمى
كونه غير صالح للطعام
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بين مدّ و جزر
بين مدّ و جزر
رقم القصيدة : 67933
-----------------------------------
سيّرت في فجر الحياة سفيتني
و اخترت " قلبي " أن يكون إمامي
فجّرت على الأمواج قصرا من رؤى
ملء الفضا ، ملء المدى المترامي
و أقلّ منها البحر حين أقلّها
دنيا من الأضواء و الأنغام
و مشى الخيال على الحياة بسحره
فإذا الهوى في الماء و الأنسام
و إذا الرّمال أزاهر فوّاحة
و الشّطّ هيكل شاعر رسّام
و إذا العباب ملاعب و مراقص
و إذا أنا من صبوة لغرام
أتلقّف اللّذّات غير محاذر
و أعبّ في الزلاّت و الآثام
لا أكتفي و أخاف أكتفي
فكأنّما في الاكتفاء حمامي
و كأنّ هدبي أن تطول ضلالتي
و كأنّ ربّي أن يدوم أوامي
مرّت بي الأعوام تتلو بعضها
و أنا كأنّي لست في الأعوام
كالموج ضحكي ، كالضّياء ترنّحي ،
كالفجر زهوي ، كالخضمّ عرامي
حتى إذا هتف المشيب بلمّتي
ودنت يد الماحي إلى أحلامي
صرخ " الحجى " بي ساخطا متهكّما :
" هذا الغنيّ شرّى من الإعدام "
" أسلمتني للقلب و هو مضلّل
فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" يا صاحبي أطلقني من سجن الرؤى
أنا تائه ! أنا جائع ! أنا ظامي !"
و أراد " عقلي " أن يقود سفيتني
للشطّ في بحر الحياة الطامي
فطويت أعلام الهوى و هجرتها
و نسيت حتّى أنّها أعلامي !(57/71)
و حسبت آلامي انتهت لمّا انتهى
فإذا النهاية أعظم الآلام
و إذا الطريق مخاوف ووساوس
و إذا أنا من هبوة لقتام
أبغي الثراء و لم يكن من مطلبي ،
و أرى الجمال بناظر متعام
و أشيّد مثل الناس مجدا زائفا
و أشدّ حول الروح ثوب رغام
فإذا أنا ، و الأرض ملكي و السما ،
قد صرت عبد الناس ، عبد حطامي
فتضايق القلب السجين و قال لي :
" يا أيّها الجاني قتلت هيامي ! "
" ألقفر بالأحلام روض ضاحك
فإذا تلاشت فالرياض مومي "
" أين العيون تذيبني حركاتها
و تموت في سكناتها آلامي "
" و أطلّ من أهدابهاا السكرى على
ظلّ ، و أنداء ، وزهر نام "
" لمّا عصاني أن أشبّ ضرامها
أعيا عليها أن تشبّ ضرامي "
" ألخمر ملء الجام لكن قد مضى
شوقى إلى الخمر التي في الجام "
" أسلمتني " للعقل " و هو مضلّل
فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" أنظر ، ألست تراك في أوهامه
أشقى و أتعس منك في أوهامي ؟ "
" ألمال ! من ذا يشتريه كلّه
منّي بليل صبابة و غرام ؟ "
" يا صاحبي أطلقني من سجن النهى
أنا تائه ! أنا جائه ! أنا ظامي "
***
لا تسألوني اليوم عن قيثارتي
قيثارتي خشب بلا أنغام !
يا شاعرا غنّي فردّ لي الصّبا
فإذا مواكبه تسير أمامي
إنّا التقينا في الشباب و في الهوى
في حومتين
و سنلتقي و إن افترقنا في غد
في حبّ لبنان و حبّ الشام
و ستلتقي روحي وروحك بعدما
تفنى الهياكل في الإله السامي
أهلا بذي الأدب الصراح المصطفى ،
بالفاتح الرّوحيّ ، بالمقدام
بالشاعر الغرّيد في ألحانه
عبق الربيع و نضرة الأكمام
هو إن ذكرت الشعر من أمرئه
و إذا ذكرت المجد فهو عصامي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أنا أمام الذين هاموا
أنا أمام الذين هاموا
رقم القصيدة : 67934
-----------------------------------
لمني إذا حلّت عن عهودي
و لا تلمني على هيامي
ما كنت أخشى من المنايا
فكيف أخشى من الملام ؟
قد نزل الحبّ في فؤادي
ضيفا ، و لكن على الدوام
فبات قلبي له طعاما
وبتّ أنأى عن الطعام(57/72)
أعدى غرامي النجوم حتّى
أسهرها في الدجى غرامي
لو تعرف الشمس ما للهوى لم
تبن لطرف من السّقام
أصاب سهم الفراق قلبي
و أخطأت قلبه سهامي
و كان خوفي من التنائي
خوف كفيف من ( التّرام )
إن فراق الحبيب عندي
أشدّ وقعا من الحمام
لو يبعد البعد عن حبيبي
ما عنّ يوما لمستهام
أنا إمام الذين هاموا
و أيّ قوم بلا إمام
فليس قبلي و ليس بعدي
و لا ورائي ولا أمامي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ابتسم
ابتسم
رقم القصيدة : 67935
-----------------------------------
قال : " السماء كئيبة ! " و تجهّما
قلت : ابتسم يكفي التجهّم في السما !
قال : الصذبا ولّى ! فقلت له : ابتسم
لن يرجع ال|أسف الصّبا المتصرّما !
قال : التي كانت سمائي في الهوى
صارت لنفسي في الغرام جهنّما
خانت عهودي بعدما ملّكتها
قلبي ، فكيف أطيق أن أتبسّما ؟
قلت : ابتسم واطرب فلو قارنتها
قضّيت عمرك كلّه متألّما !
قال : التّجارة في صراع هائل
مثل المسافر كاد يقتله الظما
أو غادة مسلولة محتاجه
لدم ، و تنفث ، كلّما لهثت ، دما !
قلت : ابتسم ما أنت جالب دائها
و شفائها ، فإذا ابتسمت فربّما ...
أيكون غيرك مجرما ، و تبيت في
وجل كأنّك أنت صرت المجرما ؟
***
قال : العدتى حولي علت صياحهم
أأسرّ و الأعداء حولي في الحمى ؟
قلت : ابتسم ، لم يطلبوك بذمّهم
لو لم تكن منهم أجلّ و أعظما !
***
قال : المواسم قد بدت أعلامها
و تعرّضت لي في الملابس و الدمى
و عليّ للأإحباب فرض لازم
لكنّ كفّي ليس تملك درهما
قلت : ابتسم ، يكفيك أنّك لم تزل
حيّا ، و لست من الأحبّة معدما !
***
قال : اللّيالي جرّعتني علقما
قلت : ابتسم و لئن جرعت العلقما
فلعلّ غيرك إن رآك مرنّما
طرح الكآبة جانبا و ترنّما
أتراك تغنّم بالتّبرّم درهما
أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
يا صاح ، لا خطر على شفتيك أن
تتثلّما ، و الوجه أن يتحطّما
فاضحك فإنّ الشهب تضحك و الدجى
متلاطم ، و لذا يحبّ الأنجما !(57/73)
قال : البشاشة ليس تسعد كائنا
يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت : ابتسم ما دام بينك و الردى
شبر ، فإنّك بعد لن تتبسّما !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> كن بلسما
كن بلسما
رقم القصيدة : 67936
-----------------------------------
كن بلمسا إن صار دهرك أرقما
و حلاوة إن صارر غيرك علقما
إنّ الحياة حبّتك كلّ كنوزها
لا تبخلنّ على الحياة ببعض ما ...
أحسن و إن لم تجر ختى بالثنا
أيّ الجزاء الغيث يبغى إن همّى ؟
من ذا يكافيء زهرة فوّاحة
أو من يثيب البلبل المترنّما ؟
عدّ الكرام المحسنين و قسهم
بهما تجد هذين منهم أكرما
يا صاح خذ علم المحبّة عنهما
إنّي وجدت الحبّ علما قيّما
لو لم تفح هذي ، وهذا ما شدا ،
عاشت مذمّمة و عاش مذمّما
فاعمل لإسعاد السّوى و هنائهم
إن شئت تسعد في الحياة و تنعما
أيقظ شعورك بالمحبّة إن غفا
لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
أحبب فيغدو الكوخ كونا نيّرا
وابغض فيمسي الكونن سجنا مظلما
ما الكأس لولا الخمر غير زجاجة
و المرء لولا الحبّ إلاّ أعظما
كره الدجى فاسودّ إلاّ شهبه
بقيت لتضحك منه كيف تجهّما
لو تعشق البيداء أصبح رملها
زهرا ، وصار سرابها الخدّاع ما
لو لم يكن في الأرض إلاّ مبغض
لترنّمت بوجوده و تيرّما
لاح الجمال لذي نهى فأحبه
ورآه ذو جهل فظنّ ورجّما
لا تطلبنّ محبّة من جاهل
ألمرء ليس يحبّ حتى يفهما
وارفق بأبناء الغباء كأنّهم
مرضى ، فإنّ الجهل شيء كالعمى
و إله بورد الروض عن أشواكه
وانس العقارب إن رأيت الأنجما
***
يا من أتانا بالسلام مبشرا
هشّ الحمى لمّا دخلت إلى الحمى
و صفوك بالتقوى و قالوا جهبذ
علاّمة ، ولقد وجدتك مثلما
لفظ أرقّ من النسيم إذا سرى
سحرا ، و حلو كالكرى إن هوّما
و إذا نطقت ففي الجوارح نشوة
هي نشوة الروح ارتوت بعد الظما
و إذا كتبت ففي الطروس حدائق
وشّى حواشيها اليراع و نمنما
و إذا وقفت على المنابر أوشكت
أخشابها للزهو أن تتكلّما
إن كنت قد أخطاك سربال الغنى(57/74)
عاش ابن مريم لييس يملك درهما
و أحبّ حتّى من أحبّ هلاكه
و أعان حتى من أساء و أجرما
نام الرعاة عن الخراف و لم تنم
فإليك نشكو الهاجعين النوّما
عبدوا الإله لمغنم يرجونه
و عبدت ربّك لست تطلب مغنا
كم روّعوا بجهنّم أرواحنا
فتألّمت من قبل أن تتألّما !
زعموا الإله أعدّها لعذابنا
حاشا ، وربّك رحمة ،أن يظلما
ما كان من أمرل الورى أن يرحموا
أعداءهم إلاّ أرقّ و أرحما
ليست جهنّم غير فكرة تاجر
الله لم يخلق لنا إلاّ السما
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الى الصديق
الى الصديق
رقم القصيدة : 67937
-----------------------------------
ما عزّ من لم يصحب الخذما
فأحطم دواتك، واكسر القلما
وارحم صباك الغضّ ، إنّهم
لا يحملون وتحمل الألما
كم ذا تناديهم وقد هجعوا
أحسبت أنّك تسمع الرّمما
ما قام في آذانهم صمم
وكأنّ في آذانهم صمما
القوم حاجتهم إلى همم
أو أنت مّمن يخلق الهمما؟
تاللّه لو كنت ((ابن ساعدة))
أدبا ((وحاتم طيء)) كرما
وبذذت ((جالينوس)) حكمته
والعلم ((رسططا ليس)) والشّيما
وسبقت ((كولمبوس)) مكتشفا
وشأوت ((آديسون)) معتزما
فسلبت هذا البحر لؤلؤه
وحبوتهم إيّاه منتظما
وكشفت أسرار الوجود لهم
وجعلت كلّ مبعّد أمما
ما كنت فيهم غير متّهم
إني وجدت الحرّ متّهما
هانوا على الدّنيا فلا نعما
عرفتهم الدّنيا ولا نقما
فكأنّما في غيرها خلقوا
وكأنّما قد آثروا العدما
أو ما تراهم، كلّما انتسبوا
نصلوا فلا عربا ولا عجنا
ليسوا ذوي خطر وقد زعموا
والغرب ذو خطلر وما زعما
متخاذلين على جهالتهم
إنّ القويّ يهون منقسما
فالبحر يعظم وهو مجتمع
وتراه أهون ما يرى ديما
والسّور ما ينفكّ ممتنعا
فإذا يناكر بعضه نهدما
والشّعب ليس بناهض أبدا
ما دام فيه الخلف محتكما
يا للأديب وما يكابده
في أمّة كلّ لا تشبه الأمما
إن باح لم تسلم كرامته
والإثم كلّ إن كتما
يبكي فتضحك منه لاهية
والجهل إن يبك الحجى ابتسما
جاءت وما شعر الوجود بها(57/75)
ولسوف تمضي وهو ما علما
ضعفت فلا عجب إذا اهتضمت
اللّيث، لولا بأسه، اهتضما
فلقد رأيت الكون ، سنّته
كالبحر يأكل حوته البلما
لا يرحم المقدام ذا خور
أو يرحم الضّرغامه الغنما؟
يا صاحبي ، وهواك يجذبني
حتّى لأحسب بيننا رحما
ما ضرّنا ، والودّ ملتئم
أن لا يكون الشّمل ملتئما
النّاس تقرأ ما تسطّره
حبرا ، ويقرأه أخوك دما
فاستبق نفسا ، غير مرجعها
عضّ الأناسل بعدما ندما
ما أنت مبدلهم خلائقهم
حتّى تكون الأرض وهي سما
زارتك لم تهتك معانيها
غرّاء يهتك نورها الظّلما
سبقت يدي فيها هواجسهم
ونطقت لما استصحبوا البكما
فإذا تقاس إلى روائعهم
كانت روائعهم لها خدما
كالرّاح لم أر قبل سامعها
سكران جدّ السّكر، محتشما
يخد القفار بها أخو لجب
ينسي القفار الأنيق الرسما
أقبسته شوقي فأضلعه
كأضالعي مملوءة ضرما
إنّ الكواكب في منازلها
لو شئت لاستنزلتها كلما
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بلادي
بلادي
رقم القصيدة : 67938
-----------------------------------
تركت النّجم مثلك مستهاما
فإن تسه سها أو نمت ناما
بنفسك لوعة لو في الغوادي
لصارت كلّ ماطرة جهاما
وفيك صبابة لو في جماد
لأشبه دمعك الجاري انسجاما
هوى بك في العظام له دبيب
أشابك وهو لم يبرح غلاما
يظنّ اللّيل يحوي فيك شخا
وما يحوي الدّجى ألاّ عظاما
نفيت الغمض عن جفنيك يأتي
كأنّك واصل فيه الملاما
أتأرق ثمّ ترجو الطّيف يأتي
شكاك الطّيف لو ملك الكلاما
شجتك النّائحات بجنح ليل
فبت تساجل النّوح الحماما
لكدت تعلّم الطّير القوافي
وكدت تعلّم اللّيل الغراما
إذا ذكر الشّآم بكيت وجدا
وما تنفك تذّكر الشّآما
وكنت سلونه إلاّ قليلا
وكنت هجرته إلاّ لماما
رويدك أيّها اللاّحي رويدا
لك الويلات ليت سواك لاما
أأرقد والخطوب تطوف حولي
وأقعد بعدما الثقلان قاما
ويشقى موطني وأنام عنه
إذا من يدفع الخطر الجساما؟
بلادي! لا عرا شرّ بلادي
ولا بلغ العدى منها مراما
لبست اللّيل إشفاقا عليها(57/76)
وإن شاءت لبست لها القتاما
وقفت لها البراع أذبّ عنها
فإن يكهم وقفت لها الحساما
سقى قطر الشّآم القطر عني
وحيا أهله الصّيد الكراما
دوت صياحهم في كلّ صقع
فكادت تنشر الموتى الرماما
وتطبع في المحيّا الجهم بشرا
وتغلق في فم الشّكلى ابتساما
فحوّلت القنوط إلى رجاء
وصيّرت الونى فينا اعتزاما
غدونا كلّما ذكروا طربنا
كأن بنا المعتّقة المداما
ولم أر كالضّمير الحرّ فخرا
ولم أر كالضّمير العبد ذاما
إذا غاب الذّليل النّفس عني
نظرت إلى الذي حمل الوساما
إذا جاب الكلام علّي عارا
هجرت النّطق أحسبه حراما
وأجفوا القصر يلزمني هوانا
وأهوى العزّ يلزمني الحماما
رجال التّرك ما نبغي انتقاضا
لعمركم ولا نبغي انتقاما
ولكنّا نطالبكم بحقّ
ونكره من يريد لنا اهتضاما
حملنا نير ظلمكم قرونا
فأبلاها وأبلانا وداما
رعيتم أرضنا فتركتموها
إذا وقع الجراد رعى الرّغاما
فبات الذّئب يشكوكم عواء
وبات الظّبي يشكوكم بغاما
جريتم (بالهلال) إلى محاق
ولولا جهلكم بلغ التّماما
وكنتم كلّما زدنا ليانا
لنسير غوركم زدتم عراما
فما راقيتم فينا جوارا
ولا حفظت لنا يدكم ذماما
أثرتم بيننا الأحقاد حتّى
ليقتل بعضنا بعضا خصاما
وشاء اللّه كيدكم فبتنا
كمثل الماء والخمر التئاما
فجهلا تبعثون الرّسل فينا
نديف لنا مع الأري السّماما
سنرمقهم إذا طلعوا علينا
كأنّا نرمق الدّاء العقاما
فإنّ عرى سددناها وثاقا
نموت ولا نطيق لها انفصاما
خف التّركي يحلف بالمثاني
وخفه كلّما صلّى وصاما
ومن يستنزل الأتراك خيرا
كمن يستقبس الماء الضّراما
هم نزعوا لواء الملك منّا
ونازعنا طغامهم الطّعاما
وقالوا: نحن للإسلام سور
وإنّ بنا الخلاقة (والإماما)
فهل في دين أحمد أن يجوروا
وهل في دين أحمد أن نضاما؟
إلى كم يحصرون الحكم فيهم
وكم ذا يبتغون بنا احتكاما
ألسنا نحن أكثرهم رجالا
إذا عدوا وأرفعهم مقاما
إذا طلعت ذكاء فليس تخفى
ولو حاكوا الظّلام لها لثاما
مخوّفنا المثقّفة العوالي(57/77)
لقد هدّدت بالجمر النّعاما
سنوقدها تعير الشّمس نارا
ويعيي أمرها الجيش اللّهاما
وعلم المرء أنّ الموت آت
يهون عنده الموت الزّؤاما
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الضفادع والنجوم
الضفادع والنجوم
رقم القصيدة : 67939
-----------------------------------
صاحت الضفدع لما شاهدت
حولها في الماء أظلال النجوم
يا رفاقي يا جنودي احتشدوا
عبر الأعداء في الليل التخوم
فاطردهم ، واطردوا الليل معا
إنه مثلهم باغ أثيم
زعقة سار صداها في الدجى
فإذا الشطّ شخوص وحسوم
في أديم الماء من أصواتها
رعدة الحمى ، وفي الليل وجوم
مزّق الفجر جلابيب الدّجى
ومح من صفحة الأرض الرسوم
فمشت في سربها مختالة
كمليك ظافر بين قروم
ثم قالت: لكم البشرى ولي
قد نجونا الآن من كيد عظيم
نحن لو لم نقهر الشّهب التي
هاجتنا لأذاقتنا الحتوم
وأقامت بعدنا من أرضنا
في نعيم لم يجده في الغيوم
أيها التاريخ سجّل أننا
أمة قد غلبت حتى النجوم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> كمنجة الشوا
كمنجة الشوا
رقم القصيدة : 67940
-----------------------------------
كمنجة ((الشوّا)) عليك السلام
بهيكل الوحي وعرش الغرام
فيك التفت أرواح أهل الهوى
نجوى وشكوى وبكا وابتسام
وأودعت فيك الصّبا همسها
وخبّأ الأسرار فيك الظلام
وذاب فيك الحبّ ذوب الندى
في مبسم الورد وجفن الخزام
ردّي إلينا اليوم دنيا الرؤى
فإنّنا نشقى بدنيا الحطام
أجنحة الأشواق مقصوصة
أو موثقات، والأماني رمام
قد انقضى العمر وأرواحنا
مفطومة بالحرص ، بئس الفطام
ننأى عن الحسن ونشتاقه
ونهجر الماء ونشكو الأوام
ويبعث الحقل إلينا الشّذى
ونحن لا ننشق إلاّ الرّغام
نسير والأضواء من حولنا
كأنّنا في هبوة أو قتام
والماء يجري حولنا كوثرا
ونحن نستسقي السحاب الجهام
ونسهر الليل لغير الهوى
ما تنفع اليقظة والقلب نام؟
حتى نسينا كيف لون الضحى
ولم نعد نذكر سجع الحمام
خير من اليقظة عندي الكرى(57/78)
إن كانت الغبطة بنت المنام
خلنا الهوى ترجع أيّامه
لم يرجع الحبّ ولا المال دام
فيا فتى ((الشهباء)) يا شاعرا ،
قد رفع الفنّ لأسمى مقام
رجعت بالسحر وكان انطوى
وجئتنا بالوحي في غير جام
هذا عصير الوحي في آلة
خرساء يجري فتنا للأنام
فإن تجدنا حولها عكّفا
فالمنهل العذب كثير الزّحام
فدغدغ الأوتار لا تكترث
أنّ تذهب الفتنة بالاحتشام
سعادة الأنفس في نشوة
من صورة أو نغم أو مدام
وقل لمن يحذر أن يشتكي
ويحبس الدمع لئلاّ يلام
إسمع فهذا وتر نائح
وانظر فهذا خشب مستهام
نيويورك يا ذات البروج التي
سمت وطالت كي تمس الغمام
لن تبلغي واللّه باب السما
إلاّ بأوتار كنار الشآم
فاصغي إلى ألحانه لحظة
تحتقري كلّ صنوف الكلام
وتدركي أنّ قصور المنى
تبقى ةتنهدّ قصور الرّجام
فرّحي معنا به واهتفي:
هذا أمير الفنّ، هذا الإمام
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشاعر والكأس
الشاعر والكأس
رقم القصيدة : 67941
-----------------------------------
بات والكأس في الظلام
في حديث ولا كلام
هي في صمتها تضيء
وهو في صمته يضام
شاعر أنفق الصّبا
من غرام إلى غرام
ذاهل النفس بالرؤى
عن حطام وذي حطام
وعن الفقر والغنى ،
وعن الحرب والسلام
بالشفاه التي طفا
بين أهدابها الأوام
بالغواني تطيعه
والغواني لها احتكام
بالشّذى وهو فائح،
والشذى وهو بالكمام
بالسحاب الذي يسحّ
وبالخادع الجهام
بالأغاريد ، والبلابل،
والنور، والخزام
حوله الكون في وغى
وهو والكون في وئام
ما له الآن وحده
ساكن العرق كالنيام
ساهر غير أنه
خادر الروح والعظام
صامت مثل كتبه
وكدنيا بلا أنام
أترى عضّه الطوى؟
لا، ففي بيته طعام
لم تزل كأسه لديه
وفي كأسه مدام
وله تضحك البروق
ويبكي الحبا السجام
وله ترتعي الكواكب
في مسرح الظّلام
وله تلبس الرّبى
برد النور والغمام
وله يعبق الشّذى ،
وله تعصر المدام
وله يلمع النّدى ،
وله يسجع الحمام
وله الغادة المليحة
والفارس الهمام(57/79)
كلّها ، كلّها له
وعلى غيره حرام
وهو ساه كأنما
بسواها له مرام
وجهه غير وجهه
أم على وجهه لشام
كالتماثيل حوله
من نحاس ومن رخام
لا اكتئاب ولا رضّى
لا بكاء ولا ابتسام
ليله ما أمرّها
ليلة اليأس ألف عام
بقي الحسن إنما
مات في الشاعر الهيام
فإذا الكون عنده
جدث كلّه رمام
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أفاتحة أم ختام
أفاتحة أم ختام
رقم القصيدة : 67942
-----------------------------------
قالها في رثاء الاسقف
عمانوئيل أبو حطب
ما وعظ الإنسان مثل الحمام
فليتّعظ بالصّمت أهل الكلام
أفصح من كلّ فصيح بنا
هذا الذي أعياه ردّ السلام
إنّي أراه وهو صمته
أروع من جيش كبير لهام
نامت جفون سهرت للعلى
من قبل أن ينجاب جنح الظلام
وسكن الوّثاب في صدره
من قبل أن يدرك كلّ المرام
يا لهفة القوم على كوكب
لاح قليلا واختفى في الغمام
ولهفة الدّين على سيّد
كان يرّجى في الخطوب الجسام
وصاحب قد كان في صحبه
كالروض فيه أرج وابتسام
ما غاب عنّا وكأنّي به
يفصله عن صحبه ألف عام
من الذي يطفىء من بعده
في المهج الحرّى ذكي الضرام؟
من الذي يمسح دمع الأسى
وماسح الأدمع تحت الرغام؟
يا نائما مستغرقا في الكرى
خطبك قد أقلق حتى النيام
خبّر، فإنّ القوم في حيرة
هل الرّدى فاتحه أم ختام
وهل صحيح أنّ كلّ المنى
يطحنها صرف الرّدى كالعظام ؟
وهل حقيق أنّ أهل العلى
والفضل بعد الموت مثل الطغام؟
أم بعد هذا يقظة حلوة
ينسى بها المرء الشقا والسّقام؟
ويصبح النابه في مأمن
من عنت المال وعيث الحسام؟
وتستوي الحالات في حالة
لا حيف فيها، لا أذى ، لا انتقام؟
خبّر، وحدّث، كلّنا حائر
ذو الجهل منّا والأريب الهمام
لأيّما أمر يعيش الورى ؟
لأيّما أمر يموت الأنام؟
وأين دار ليس فيها شقا
إن لمتكن هاتيك دار السلام؟
نم آمنا، فالمرء بعد الردى
كالفكر ، لا يزرى به ، لا يضام
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أمة تقنى وأنتم تلعبون
أمة تقنى وأنتم تلعبون(57/80)
رقم القصيدة : 67943
-----------------------------------
أعلى عيني من الدّمع غشاء
أم على الشّمس حجاب من غمام
غامض نور الطّرف أم غارت ذكاء
لست أدري غير أني في ظلام
ما لنفسي لا تبالي الطّربا
أين ذاك الزّهو ، أين الكلف؟
عجبا ماذا دهاها عجبا
فهي لا تشكو ولا تستعطف
ليتها ما عرفت ذاك النّبا
فالسّعيد العيش من لا يعرف
لا ابتسام الغيد، لا رقص الطّلاء
يتصبّاها ولا شدو الحمام
بالكرى عني وبي عنه جفاء
أنا وحدي... أم كذا كلّ الأنام؟
لاأرى لي من همومي مهربا
فهي في هذا وذيّاك الطّريق
في الرّبى فوق الرّبى تحت الرّبى
في الفضاء الرّحب في الرّوض الأنيق
في اهتزاز الغصن في نفح الصّبا
في انسجام الغيث في لمح البروق
كلّما أومض برق أو أضاء
بتّ أشكو في الدّجى وقع السّهام
في ابتسام الفجر للمرضى شفاء
وابتسام الفجر فيه لي سقام
تعتريني هزّة كالكهربا
كلّما حنّ مشوق لمشوق
علّمت عيني السّهاد الكوكبا
وفؤادي علّم البرق الخفوق
ما دعوت الدّمع إلاّ انسكبا
يا دموعي أنت لي أوفى صديق
لم أر كاليأس يغري بالبكاء
لا ولا كالدمع يفشي المستهام
فاستعينوا بالبكا يا تعساء
كلّما اشتدت بكم تار الهيام
خلت قلبي بالأسى منفردا
وأنا وحدي صريع المحن
وتوهّمت الأسى لن يجدا
سكنا في غير قلبي المثخن
وظننت الدّهر مهما حقدا
سوف لا يفجعني في وطني
فإذا تلك المغاني في شقاء
وإذا كلّ فؤاد في ضرام
ذهبت كلّ ظنوني في الهواء
وتوّلت مثل أضغاث المنام
لا تأمني إن أنا لمت القضا
ولم الدّهر الّذي أخنى علّي
لم تدع فيّ اللّيالي غرضا
والضّنى لم يبق مني غير في
لا تسلني: أيّ خطب عرضا
في الحشا وجد وفي المقول عيّ
قلّ غربي سالب السّيف المضاء
والشّذى الزّهرة والعقد النّظام
وإذا ما غلب اليأس الرّجاء
هانت الشّكوى ولم يجد الكلام
بصرت لكن مثلما شاء الكمد
شاعرا من مقلتي أرتجل
صدّ ما كان بنفسي عنه صد
وتجافاني الكلام المرسل
عقد الحزن لساني فانعقد(57/81)
أيّ سيف ما اعتراه الفلل؟
بي هموم كلّما لاح الضّياء
ضربت فوق عيوني بلثام
وشجون كلّما جنّ المساء
قطعت بين جفوني والمنام
لا أرى غير خيالات تسير
مهطعات عن يساري واليمين
فوق أرض من دماء وسعير
في فضاء من هموم وشجون
عجبا ... أين ابتسامات الثّغور
ما لقومي كلّهم باك حزين
كلّ ما أسمع نوح وبكاء
كلّ ما أبصر ((صرعى ورمام))
زلزلت زلزالها هذي السّماء
أم ترى فضّت عن الموتى الرّجام
وقع الأمر الّذي لا يدفع
وجنى الجاني على تلك الرّبوع
واحتواها نهم لا يشبع
فاحتوى سكّانها خوف وجوع
فهي إمّا دمنة أو بلقع
وهم إمّا قتيل أو صريع
إن شكت قالت على الدّنيا السّلام
عبث الإنسان فيها والقضاء
آه من جور اللّيالي والطّغام
ربّ طفل طاهر ما أثما
مات موت الآثم المجرم
كان مّمن يرتجي لو سلما
للعلى لكنّه لم يسلم
كوكب ما كاد يبدو في السّما
طالعا حتّى اختفى كالحلم
غاض مثال الماء في الأرض العراء
ما عهدت البدر مثواه الرّغام
هكذا أودت به ريح الشّتاء
زهرة لم تنفتح عنها الكمام
ربّ شيخ أقعدته الحادثات
ومشى ((الأبيض)) في لّمته
وثناه الضّعف عن حمل القناة
وعن السّابق في حلبته
كان من قبل حلول الكارثات
آمنا كالنّسر في وكنته
لاهيا يذكر أيّام الصّباء
ولياليه وفي الثّغر ابتسام
حكم العاني عليه بالفناء
وأبى المقدور إلاّ أن يضام
وفتى كالغصن ريّان نضير
تحلم الخود به إذ تحلم
وتراه للهوى بين البدور
فتراه فوقّهنّ الأنجم
ألمعيّ الذّهن والقلب الكبير
ملك في بردتيه ضيغم
بات لا يقوى على حمل الرداء
منكباه وهو في العشرين عام
ما به عجز ولا داء عياء
غير أنّ الجوع قد هدّ العظام
وصغار مثل أفراخ القطا
يتضاغون من الجوع الشّديد
وهنت أعصابهم لما سطا
والطّوى يوهن عزمات الأسود
أرأيت العقد إمّا انفرطا
هكذا دمعهم فوق الخدود
زهقت أرواحهم في شكل ماء
للأسى ، للّه ما أقسى الحمام
يا رعى اللّه نفوس الشّهداء
وسقى أحداثهم صوب الغمام
أيّها الجالون عن ذاك الحمى(57/82)
إنّ في ذاك الحمى ما تعلمون
ضيم في أحراره واهتضما
ووقفتم من بعيد تنظرون
لا؛ ومن شاء لنا أن ننعما
ما كذا يجزي الأب البّر البنون
كلكم يا قوم في البلوى سواء
لا أرى في الرّزء لبنانا وشام
في ربى لبنان قومي الأصفياء
وبأرض الشّام أحبابي الكرام
اللّيالي غاديات رائحه
بالدّواهي وأراكم تضحكون
ما اتّعظتم بالسّنين البارحه
لا ولا أنتم غدا متّعظون
يا لهول الخطب!.. يا للفادحه
أمة تفنى وأنتم تلعبون
فادفنوا أضغانكم يا زعماء
يبعث اللّه من القبر الوئام
وابسطوا أيديكم يا أغنياء
أبغض السّحب إلى الصّادي الجهام
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> صوت من سورية
صوت من سورية
رقم القصيدة : 67944
-----------------------------------
صوت من سوريا الجميلة
صوتك لالعذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة
لا عب مثل النسيم
*
يا أخا الورقاء
فالغنا شعر السماء
فهو في الغصن تئنّ
وهو في النجم بهاء
صوت سوريا الجميلة
صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة
لاعب مثل النسيم
*
غنّنا حتّى نميلا
مثل أغصان الأراك
كم بنا صبا عليلا
لا يداويه سواك ؟
صوت سوريا الجميلة
صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة
لاعب مثل النسيم
*
أيّها المحزون هيّا
واسمع اليوم الكنار
ساجعا سجعا شجيّا
ذاكرا تلك الديار
صوت سوريا الجميلة
صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة
لاعب مثل النسيم
*
ليتنا كنّا طيورا
حول عين أو غدير
نرشف الماء نميرا
نلقط الحبّ النثير
صوت سوريا الجميلة
صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة
لاعب مثل النسيم
*
موطن نهوى سهوله
مثلما نهوى رباه
الصّبا فيه عليله
تتداوى بنداه
*
كم بدا البدر ضحوكا
راقصا فوق الكروم
واستوى اللّيل ممليكا
لابسا تاج النّجوم
صوت سوريا الجميلة
صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة
لاعب مثل النسيم
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> البدر الآفل
البدر الآفل
رقم القصيدة : 67945
-----------------------------------(57/83)
أبعدك يعرف الصّبر الحزين
وقد طاحت بهجته المنون ؟
رمتك يد الزمان بشرّ سهم
فلمّا أن قضيت بكى الخؤون
رماك و أنت حبّه كلّ قلب
شريف ، فالقلوب له رنين
و لم يك للزمان عليك ثار
و لم يك في خلالك ما يشين
و لكن كنت ذا خلق رضيّ
على خلق لغيرك لا يكون
و كنت تحيط علما بالخفايا
و تمنع أن تحيط بك الظنون
كأنّك قد قتلت الدّهر بحثا
فعندك سرّه الخافي مبين
حكيت البدر في عمر و لكن
ذكاؤك لا تكوّنه قرون
عجيب أن تعيش بنا الأماني
و أنّا للأماني نستكين
و ما أرواحنا إلاّ أسارى
و ما أجسادنا إلاّ سجون
و ما الكون مثل الكون فان
كما تفنى الدّيار كذا القطين
لقد علقتك أسباب المنايا
وفيّا لا يخان و لا يخون
أيدري النعش أيّ فتى يواري
و هذا القبر أيّ فتى يصون ؟
فتى جمعت ضروب الحسن فيه
و كانت فيه للحسنى فنون
فبعض صفاته ليث و بدر
و بعض خلاله شمم و لين
أمارات الشّباب عليه تبدو
و في أثوابه كهل رزين
ألا لا يشمت الأعداء منّا
فكلّ فتى بمصرعه رهين
...
أيا نور العيون بعدت عنّا
و لمّا تمتليء منك العيون
و عاجلك الحمام فلم تودّع
و بنت و لم يودّعك القرين
و ما عفت الوداع قلى و لكن
أردت و لم يرد دهر ضنين
فيا لهفي لأمّك حين يدوّي
نعيّك بعد ما طال السّكون
و لهف شقيقك النّائي بعيدا
إذا ما جاءه الخبر اليقين
ستبكيك الكواكب في الدّياجي
كما تبكيك في الرّوض الغصون
و يبكي أخوة قد غبت عنهم
و أمّ ثاكل و أب حزين
فما تندى لنا أبدا ضلوع
عليك ، و ما تجفّ لنا شؤون
قد ازدانت بك الفتيان طفلا
كما يزدان بالتّاج الجبين
ذهبت بزينه الدّنيا جميعا
فما في الدهر بعدك ما يزين
و كنت لنا الرجاء فلا رجاء
و كنت لنا المعين فلا معين
أبعدك ، يا أخي ، أبغي عزاء
إذا شلّت يساري و اليمين ؟
يهون الرزء إلاّ عند مثلي
بمثلك فهو رزء لا يهون
عليك تقطّع الحسرات نفسي
و فيك أطاعني الدّمع الحرون
فملء جوانحي حزن مذيب
و ملء محاجري دمع سخين
و ما أبقى المصاب على فؤادي(57/84)
فأزعم أنّه دام طغين
يذود الدمع عين عيني كراها
و تأبى أن تفارقه الجفون
لقد طال السّهاد و طال ليلي
فلا أدري الرّقاد متى يكون
كأنّ الصبح قد لبس الدّياجي
عليك أسى لذلك ما يبين
جزاك الله عنّا كلّ خير
و جاد ضريحك الغيث الهتون
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> يا جارتي
يا جارتي
رقم القصيدة : 67946
-----------------------------------
قالت لجارتها يوما تسائلها
عنّي ، و في طرفها الوسنان أشجان
ما بال الفتى في الدّار معتزلا
كما توحّد نسّاك و رهبان
يأتي المساء عليه و هو مكتئب
و يرجع اللّيل عنه و هو حيران
يمرّ بالقرب منّا لا يكلّمنا
و للحديث مجال ، و هو ملسان
و إن نكلّمه لا يفقه مقالتنا
إلاّ كما يفقه التّسبيح سكران
إذا تبسّم ، لا تبدو نواجده
و إن بكى ، فله نزع و إرنان
كأنّما كلّ عضو فيه بركان
فلا ابتسام ذوات الغنج يطربه
و لا ابنه الحان تصيبه و لا الحان
أماله أمل حلو يلذّ به
كما تلذّ بمرأى النّور أجفان
أماله جيرة في الأرض يألفهم
يا جارتي ، كان لي أهل و جيران
فنبّت الحرب ما بيني و بينهم
كما تقطّع أمراس و خيطان
فاليوم كلّ الذي في مهجتي ألم
و كلّ ما حولهم بؤس و أحزان
و كان لي أمل إذا كان لي وطن
فيه لنفسي لبانات و خلّان
فجرّدته اللّيالي من محاسنه
كما يعرّى من الأشجار بستان
فلا المغاني التي أشتاق رؤيتها
تلك المغاني ، و لا السّكان سكّان
لو المروءة تدري أيّ فاجعة
بالشام ، ناح عليها الإنس و الجان
و لو يبثّ بنو لوعتهم
لاهتزّت الأرض لمّا اهتزّ لبنان
قالت : شكوت الذي بالخلق كلّهم
و ما كذبتك إنّ الحرب طوفان
تساوت الناس في البلوى ، فقلت لها
هيهات ، ما هان قوم مثلما هانوا
أمن يموت و لا ستر يظلّله
كمن عليه أكاليل و تيجان ؟
قالت ، و يا ويح نفسي من مقالتها
كفكف دموعك ، بعض الحزن أهوان
لو كان قومك أهلا للحياة لما
ماتوا و في أرضهم ترك و ألمان
و كلّ من لا يرى في الذّلّ منقصة
لا يستحقّ بأن يبكيه إنسان(57/85)
كفّي ملامك يا حسناء و اتّئدي
فإنّ مدح ذوي العدوان عدوان
و أنت من أمّة تأبى خلائقها
أن يقتل الطّير في الأقفاص سجّان
و إنّ قومي طيور غير كاسرة
سطت عليها شواهين و عقبان
لا تحسبي أنّني أبكي لمصرعهم
فكلّنا للرّدى شيب و شبّان
لكن بكيت من الباغي يعذّبهم
و هم شيوخ و أطفال و نسوان
ورحت أشكو إليها و هي ساهية
لكنّما قلبها الخفّاق يقظان
حتّى انتهيت فصاحت و هي مجهشة
يا ليت ما قلته زور و بهتان
بل ليتني لم أسائل جارتنا
بل ليت قلبي إذ ساءلت صوّان
ياليت شعري و هذي الحرب قائمة
هل تنجلي و لنا في الشّام إخوان ؟
و هل تعود إلى لبنان بهجته
و هل أعود و في لبنان نيسان ؟
فأسمع الطير تشدو في خمائله
و أبصر الحقل فيه الشّيخ و البان ؟
بني بلادي ، و لا أدعو بخيلكم
غير البخيل له قلب ووجدان
بني بلادي ، و لا أدعو جبانكم
ما للجبان و لا لي فيه إيمان
بني بلادي ، و كم أدعو ...! أليس لكم
كسائر الخلق أكباد و آذان ؟
لا تضحكوا و بأرض الشّام نائحة
و لا تناموا و في لبنان سهران !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> امتنان
امتنان
رقم القصيدة : 67947
-----------------------------------
ما لقلبي يلجّ في الخفقان
لا أنا عاشق و لا أنا جان
أبتغي أن أقول شيءا فيعصاني
لساني ، و السحر تحت لساني
أنا كالطائر الذي اندفق السحر
عليه فغصّ بالألحان
أو كفلك في البحر أوفى عليها
عارض بعد عارض هتّان
غلبتني عواطف الصّحب حتّى
صرت في حاجة إلى ترجمان
أين في موكب القريض لوائي
قد طواه بيانهم و طواني
أيّها المادحون خمري رويدا
منكم الخمرة التي في دناني
من أنا ؟ ما صنعت ؟ كي تعصبوا بالتاج
رأسي و أيّ شأن شأني ؟
لا افتخار لنحلة حقلا
فعادت من زهرة بالمجّاني
أنا من روضكم قطفت أزاهيري ،
و من بحركم غرفت جماني
إن أكن فرقدا فأنتم سمائي
أو هزارا فأنتم بستاني
أيّ بدع إن أخرج الحقل للناس
صنوف النبات في نيسان ؟
ليس لي من قصائدي غير أوزان ،(57/86)
و ليست أصيلة أوزاني
أصدق الشعر في الحياة و فيكم
ليس غير الأظلال في ديواني
...
ما هو الشعر ؟ . إنّني ما رأيت
اثنين إلاّ وفيه يختصمان
قال قوم " وحيّ ينزّله الله
" و قوم " نفث من الشيطان "
ضلّ هذا وذا ، فما حفز الانسان
شيء للشعر كالإنسان
يعشق المرء ذاته في سواه
و يحبّ " الإنسان " في الأكوان
أنا من أجله بنيت قصوري
و فرشت الدروب بالرّيحان
أنا من أجله سكبت خموري
وشددت الأوتار في عيداني
أنا من أجله رجعت من الروضة
في راحتيّ بالألوان
و استعرت التهليل من جدول
الوادي ، و ضحك الرضى من الغدران
و من الشمس في الأئل
و الإصباح ذوب اللّجين و العقيان
و حملت الجلال من أرض ( سوريا )
إليه و السحر من لبنان )
نحن أهل الخيال أسعد خلق
الله في حالة الحرمان
كم زهدنا بثروة من نضار
قنعنا بثروة من أماني
وانطوينا موكب من ضياء
و سطعنا في غمرة من دخان
نتراءى على الصعيد صعاليك
و لكن أرواحنا في العنان
إن ظمئنا وعزّ أن نرد الماء
روانا تصوّر الغدران
و إذا غابت النجوم اهتدينا
بالرؤى ، بالرجاء ، بالإيمان
لا يعدّ الورى علينا اللّيالي
نحن قوم نعيش في الأزمان
...
ردّ عنّي الكؤوس ، يا أيّها السّاقي ،
فروحي نشوى بخمر المعاني
بالقوافي ( جداولا ) من وفاء
و الأغاني ( خمائلا ) من حنان
زهد الناس حين دارت عليهم
بالتي في كؤوسهم و القناني
...
أيّها اللّيل أنت أبهى من الفجر
و إن كنت أسود الطيلسان
بالوجوه الزهراء ، بالأنفس السمحاء ،
من يعرب و من غسّان
بملوك البيان ، بالأدب الرائع ،
بالمنشدين ، بالألحان
بالغواني ، فديتهنّ ، فأسمي الشعر
و الفنّ في الحياة الغواني
هذه الشمس هل رأى الناس
وجها مثلما في البهاء و اللّمعان
تتجلّى لنا على اليسر و العسر
و نمشي في نورها الفتّان
قد نسينا شعاعها و سناها
عندما أشرقت وجوه الحسان
قسّم الدهر - أنت ، يا ليل ، شطر
من حياتي ، و العسر شطر ثان
أنت عصر مستجمع في سويعات ،
ودنيا رحيبة في مكان(57/87)
قد تلاقت فيك القلوب على الحبّ
تلاقي الأجفان بالأجفان
لا تقولوا دقائق و ثوان
ذاهيات فالعمر هذي الثّواني
...
أنا ما عشت سوف أذكر بالشّكر
جميل الرّفاق و الأخوان
و إذا متّ في غد فسيأتيكم
ثنائي من ظلمة الأكفان
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ذكرى
ذكرى
رقم القصيدة : 67948
-----------------------------------
إنّي امرؤ لا شيء يطرب روحه
و يهزّها كالزهر و الألحان
أللّحن من قمريّة أو منشد
و الزهر في حقل و في بستان
هذا يحرّك بي دفين صبابتي
و يهزّ ذاك مشاعري و كياني
يهوى الملاحة ناظري صورا ترى
و أحبّها في مسمعيّ أغاني
و أحبّها نورا جميلا صافيا
متألّقا في النفس و الوجدان
و أحبّها سحرا يرفّ مع النّدى
و يموج في الألوان كالألوان
و أحبّها ذكرى تطيف بخاطري
لأخ هويت ، و غادة تهواني
أو مجلس للحبّ في ظلّ الصبا
إنّ الحياة جميعها هذان
أو في خيال منازل أشتاقها
كم من جمال في خيال مكان
و لقد نظرت إليكم فكأنّما
أنا في الربيع و في ربى لبنان
أصغي إلى النسمات تروي للربى
ما قالت الأشجار للغدران
و إلى السّواقي و هي تنشد للصبا
و الحبّ ، في الفتيات و الفتيان
و إلى الأزاهر كلّما مرّت بها
عذراء ذات ملاحة و بيان
متهامسات : ما نظنّ ( فلانة )
أحدا بها أولى من ( ابن فلان)
يا ليت ينثرنا الغرام عليها
من قبل ينثرنا الخريف الجاني "
ألفت مجاورة الأنام فأصبحت
و كأنّها شيء من الإنسان
فإذا نظرت إليها متأمّلا
شاهدت حولك وحدة الأكوان
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> معركة بورغاس
معركة بورغاس
رقم القصيدة : 67949
-----------------------------------
هذي الوغى مشبوبة النيران
مشدودة الأسباب والأقران
شابت مفارقها وكانت طفلة
عذراء منذ دقائق وثوان
طوى السّلام فليس ينشر بعدها
أو يبعث الملحود في الأكفان
شقوا الطّروس وحطّموا أقلامكم
أليوم يوم شواجر المرّان
هانت على الصّمصام كلّ يراعة
ما لليراعة في الحروب يدان(57/88)
يا صاحبي ليس الوغى من مذهبي
هاتيك وسوسة من الشّيطان
فالنّاس إخوان وليس من النّهى
أن يفتك الإخوان بالإخوان
لو تعقل الأجناد أنّ ملوكها
أعداؤها انقلبت على التيجان
قوم إذا شاؤوا الصّعود لمطلب
تخذوا مراقيهم من الأديان
أو إن كرهت الحرب كنت يراعة
وإذا قتلت أخاك غير جبان؟
إن كان قتل النّفس غير محرم
ما الفرق بين المرء والحيوان؟
الحرب مجلبة الشّقاوة للورى
والحرب يعشقها بنو الإنسان
لمن الخميس خوافق راياته
متماسك الأجزاء كالبنيان
متألب كاللّيل جنّ سواده
مستوفز كالقدر في الغيان
متدّفق كالسّيل في الغدرا
متدفّع كالعاصف المرتان
تتنزلزل الأطواد من صدماته
وتظّل منه الأرض في رجفان
عجلان يكتسح البلاد وأهلها
إنّ الشّقىّ العاجز المتواني
في كلّ سرج ضيغم متحفّز
في كفّه ماضي الشّباة يمان
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> البغضاء
البغضاء
رقم القصيدة : 67950
-----------------------------------
لا تبغض ((الرّوس)) لكن لا تحبّهم
فحربنا حرب أقران لأقران
ولا ((الفرنسيس)) ما هم بالعداة لنا
لكنّهم غير أصحاب وإخوان
إنّا نبادلهم والنّع منسدل
لكنّهم بطعن ونيرانا بنيران
وذي بيارقنا في ((الفوج)) خافقة
وجيشنا ظافر في كلّ ميدان
قلوبنا ليس فيها غير موجدة
ذو الشّيب فيها وفحم الشّعز سيّان
نهوى ونحن جموع لا عداد لها
كواحد وكذا نقلى كإنسان
عدوّنا واحد؛ الكلّ يعرفه
ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
تردّنا عنه أمواج يلوذ بها
سميكة كالنّجيع اليابس القاني
أرى به، وهو في الطّوفان مختبىء
طوفان غيظ توارى خلف طوفان
قد أصبح الماء يحميه ويمنعه
الويل للماء منّا إنّه جان
قفوا أمام القضاء العدل كلكم
وليحلفنّ يمينا كل ألماني
غليظة كالحديد الصّلب ، صارمة
كالموت ، تبقّى لأزهار وأزان
أن نبغض البغض لا تبلى مرائره
ولا يقاس ولا يحصى بميزان
وان نردّده في كلّ ناحية
وأن نكرّره تكرير ألحان
وأن نعلّم منّا كلّ ذي كبد(57/89)
أن يبغض القوم في سرّ وإعلان
بغضا إلى نسلينا بالإرث منتقلا
إلى بنيهم ومن جيل إلى ثاني
عدوّنا واحد، الكلّ يعرفه
ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
إنكلترا!!
ألا اسمعوا أيّها الألمان واعتبروا
فأنتم أهللا ألباب وأذهان
... في حقل جلس الوّاد كلّم
كمحكم العقد أو مرصوص بنيان
وقام واحدهم والكأس في يده
كأنّها قبس أو عين غضبان
فقال: يا قوم ((هذا سرّ يومكم))
ألا اشربوا ؛ إنّ اليوم سرّان
مقالة فعلت في الجمع فعلتها
فأصبحوا وكأنّ الواحد اثنان
ما ضربة السّيف من ذي مرّة بطل
ومستطير اللّظى من قلب صوّان
ولا السّفينة في التّيار جارية
ولا الشهاب هوى في إثر شيطان
أمضى وأنفذ منها وهي خارجة
من فيه كالسّهم من أحشاء مرتان
فضاء من كان في الكأس التي ارتفعت
ومن يريد ويعني القائل العاني؟
إنكلترا!!
بني بريطانيا نادوا جموعكم
واستصرخوا الخلق من إنس ومن جان
وابنوا المعاقل والأسوار من ذهب
واستأجروا الجند من بيض وعبادن
مروا أساطيلكم في البحر ترصدنا
وترصد البحر من موج وحيتان
تاللّه لا ذي ولا هذي تردّ يدا
إذا رمت دكت البنيان والباني
لا نبغض الرّوس لكن لا نحبّهم
فحربنا حرب أقران لأقران
ولا الفرنسيس ، ما هم بالعداة لنا
لكنّهم غير أصحاب وإخوان
إنّا نبادلهم والنّقع منسدل
طعنا بطعن ونيرانا بنيران
نأتي ويأتون والهيجاء قائمة
بكل ماض وفتّاك وطعّان
لكنّما في غد يرخي السّلام على
هذي الوغى وعليهم سترنسيان
ويمّحي كلّ بغض غير بغضكم
فإنّه آمن من كلّ نقصان
حقد القلوب عليكم لا يزول وإن
زلتم وزلنا وزال العالم الفاني
في الأرض بغضكم والماء مثلهما
والبغض في الحرّ مثل البغض في العاني
الكوخ يبغضكم والقصر يبغضكم
وكلّ ذي مهجة منّا ووجدان
نهوى ونحن جموع لا عداد لها
كواحد وكذا نقلى كأنسان
عدوّنا واحد؛ الكلّ يعرفه
ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
إنكلترا!!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> في سبيل الاصلاح
في سبيل الاصلاح(57/90)
رقم القصيدة : 67951
-----------------------------------
حيّا الصّبا عني ربى لبنان
حيث الهوى ومراتع الغزلان
ورعى المهيمن ساكنيه فإنّهم
في خير أرض خيرة السكّان
قوم صفت أخلاقهم ووجوههم
فالحسن مجموع إلى الإحسان
لهم الأيادي البيض والشّيم التي
لو مثلت كانت عقود جمان
شيم الكرام قصائد في الكون غرّ ،
وهى في شيم الكرام معان
قوم إذا زار الغريب بلادهم
جعلوه منهم في أجل مكان
إن خفت شرّ طوارق الحدثان فاقصدهم،
تخفك طوارق الحدثان
لو أنّ في كيوان دار إقلتي
لهجرت كيوانا إلى لبنان
قيّدت قلبي في هواه فلم أعد
أهوى السّوى إذ ليس لي قلبان
والحبّ تجمل في الشبيبة والصّبى
كجمال زهر الرّوض في نيسان
هو جنّة الخلد التي منّى بها
رسل الهدى قدما بني الإنسان
خلت الدّهور ولا يزال كأنّما
بالأمس شادته يد الرحمن
يا ساكنيه تحية من نازح
إن التحيّة لهي جهد العاني
أصبحتم فوق الممالك رقعة
لولا وجود معاشر(الغربان)
قوم قد اتخذوا الديانة بينكم
شركا لصيد الأصفر الرّتان
فتظاهر بالزّهد حتى أوشكت
تخفى دخائلهم على اليقظان
وتفنّنوا بالمكر حتى أصبحوا
وغبّيهم أدهى من الشيطان
ضربوا على الشّعب الرّسوم شراهة
حسب التعيس ضرائب السّلطان
كفروا بنعمته التي أسداهم
ورموه بالإحاد والكفران
ولقد تفانوا في انتهاك حقوقه
وهو المحبّ رضاهم المتفاني
حتّى حسبنا أنه ينحطّ عن
كسل ، ولم قطّ بالكسلان
لكنّه يسعى ويذهب سعيه
للقّس والشّماس والمطران
لولا احترامي مذهبا عرفوا به
لكشفت مستوارتهم ببيان
فتنّهبوا إن كنتم في غفلة
فالدّهر بالمرصاد للغفلان
إنّ الأبالس حين أعيا أمركم
جاءتكم في صورة الرّهبان
فحذرا من أن تخدعوا بلباسهم
فهم الضّواري في لباس الضّان
من يتبع العميان حبّا بالهدى
لا يأمننّ تعثّر العميان
**
فجعل قوم يلومونه على ذلك فقال:
- - -
إن كان لي ذنب وهم غفرانه
آثرت أن أبقى بلا غفران
أو كنت في النيران حيث لديهم
منها النجاة رضيت بالنيران(57/91)
أشهى إلى من الذّل الرّدى
لا يرتضي بالذّل غير جبان
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> زهرة اقحوان
زهرة اقحوان
رقم القصيدة : 67952
-----------------------------------
كلن في صدري سرّ كامن كالأفعوان
أتوقّاه وأخشى أن يراه من يراني
وإذا لاح أمامي عقل الذعر لساني
فكأني عند بحر هائج أو بركان
لم أخفه غير أني خفت أبناء الزمان
ولكم فان نظيري خاف قلبي بطش فان
***
لم يسع سري فؤادي، لم تسع المعاني
فقصدت الغاب وحدي والدّجى ملقى الجران
ودفنت السرّ فيه مثلما يدفنّ جان
ورأى الليل قتلي فبكاه وبكاني
إنّ للّيل دموعا لا تراها مقلتان
كنت حتى مع ضميري أمس في حلرب عوان
فانقضى عهد التجافي وأتى عهد التداني
خدّرت روحي فأمسى شأن جلّ الخلق شأني
لا أرى في خمر معنّى ، ولكم فيها معاني
فكأني آله العاصر أو إحدى الأواني
لم يعد قلبي كالبرق شديد الخفقان
لم تعد نفسي كالنجمة ذات اللمعان
بتّ لا أبكي لمظلوم ولا حر مهان
لا ولا أحفل بالباكي ولو ذو صولجان
صرت كالصخر سواء هادم عندي وبان
***
يا لآمالي الغوالي ! يا لأحلامي الحسان!
طوت الغابة سري فانطوت معه الأماني
ضاع لما ضاع شيء من كياني بل كياني
في صباح مستطير كمصباح المهرجان
لبست فيه الروابي حلة من أرجوان
وتبدّى الغاب من أوراقه في طيلسان
ساقني روح خفي نحو ذيّاك المكان
فإذا بالسرّ أضحى زهرة من أقحوان
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الفردوس الضائع
الفردوس الضائع
رقم القصيدة : 67953
-----------------------------------
ما زال يمشي في الأمو بفكره
حتّى تمشّى النّوم في الأجفان
وكما يرى الوسنان راء كأنّه
في النّعش ميت هامد الجثمان
وعلى جوانب نعشه صفّان
من جند ((ألبرت)) الرّفيع الشّان
يبكونه لا شامتين بموته
ليس الشّماتة عادة الشجعان
ورأى حواليه جماهير الورى
تستعلرض الملحود في الأكفان
وكأنّما كره اختلاط رفاته
في الأرض بالضّعفاء والعبدان(57/92)
أو أنّ مرأى الحشد أقلق روحه
في جسمه فهفا إلى الطّيران
ومن العجائب في كرى أنّ الفتى
يغدو به وكأنّه شخصان
...
أمّ السّماء وقد توهّم أنّه
لا شكّ والجها بلا استئذان
ما زال يرقى صاعدا حتى انتهى
حيث الغناء مثالث ومثاني
فرمى بناظره فأبصر بابها
فمشى إليه مشية العجلان
وأقام يفرعه فأقبل ((بطرس))
ذو الأمر في الفردوس والسّلطان
وأدار فيه لحظه فإذا به
ضيف، ولكن ليس كالضّيفان
ما جاءنا بك؟ صاح ((بطرس)) غاضبا
يا شرّ إنسان على الإنسان
إذهب فما لك في السّما من موضع
يا أيّها الرّجل الأثيم الجاني
ثمّ انثنى للباب يحكم سدّه
والضّيف لم ينبس ببنت لسان
ما ذي الفظاظة ؟ قال((وليم)) وانثنى
لليأس كالمصفود في الأقرا
وبمثل لمح الطّرف أسرع هابطا
نحو الجحيم يقول ذاك مكاني
هيهات يحرم من جهنّم عائد
من جانب الفرّدوس بالحرمان
حتّى إذا ما صار دون رتاجها
سميع ((الزّعيم)) يصيح بالأعوان
أبني جهنّم أوصدوا أبوابكم
واستعصموا كالطّير بالأوكان
كونوا على حذر ففي هذا الضّحى
يأتي إلينا قيصر الألمان
إن كنتم لم تعلرفوه فإنّه
رجل بلا قلب ولا وجدان
أخشى على أخلاقكم إن زاركم
وهي الحسان تصير غير حسان
إيّاكم أن تسمحوا بدخوله
فدخوله خطر على السّكان
أمري لكم أصدرته فخذوا به
وحذار ثمّ حذار من عصياني
ماذا تراني؟ صاح ((وليم)) باكيا
حتّى الأبالس لا تحبّ تراني
ابليس ، يا شيخ الزّبانية الألى
كانوا لأخداني من الأخدان
رحماك بي ،فاللّيل قاس برده
والهول يملأ ناظري وجناني
بجهنّم، بالسّاكني حجراتها
بمواقد النّيران ، بالنّيران
وبكلّ شيطان مريد ماكر
وبكلّ تابع مارد شيطان
مر ينفتح باب الجحيم فإنّني
قد كاد يجمد للصقيع لساني
يا ليت شعري أين أذهب بعدما
سدّ السّبيل وأوصد البابان
مر لي بزاوية أزجّ بمهجتي
فيها، وإن تك من حميم آن
هلاّ قبلت تضرّعي؟ فأجابه
إبليس، وهو يروع كالسّرحان
لو كنت أعلم ما سكتّ فلا تزد
لا أرى للحيران في الحيران(57/93)
عبثا تحاول أن تصادف عندنا
نزلا، فهذا ليس بالإمكان
لا تذكرنّ ليّ الحنان وما جرى
مجراه، إني قد قتلت حناني
لا يدخلنّ جهنّما ذو مطمع
بالمجد أو بالأصفر الرّنّان
إن كنت تشتاق الإقامة في اللّظى
فالنّار والكبريت كلّ مكان
فاجمعهما واصنع لنفسك منهما
ولمن تحبّهم جحيما ثاني
وهنا تقهقر ((وليم)) ثمّ اختفى
ما بين ليل حالك ودخان
فأفاق مذعورا يقلّب طرفه
للرّعب في الأبواب والحيطان
ويقول لا أنساك يا حلمي ولو
نسجت علّي عناكب النّسيان
ما راعني أنّي طردت من السّما
أنا قانط من رحمة الدّيّان
لكنّ طردي من جهنّم، إنّه
ما دار في خلدي ولا حسباني
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشجاع
الشجاع
رقم القصيدة : 67954
-----------------------------------
لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم،
ويرضى بتاففهات الأماني
إنّ حيّا يهاب أن يلمس النور
كميت في ظلمة الأكفان
وحياة أمدّ فيها التوقّي
لا توازي في المجد بضع ثوان
ألشجاع الشجاع عندي من أمسى
يغنّي والدمع في الأجفان
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الحرب العظمى
الحرب العظمى
رقم القصيدة : 67955
-----------------------------------
لو استطيع كتبت بالنّيران
فلقد عييت بكم وعيّ بياني
ولكدت استحي القريض وأتّقي
أن يستريب يراعتي وجناني
أمسى يعاصيني لما جشّمته
فيكم وكنت وكان طوع بناني
يشكو إلّي وأشتكي إعراضكم
اللّه في عان يلوذ بعان
عاهدته أن لا أثير شجونه
أو يستير كوامن الأشجان
يا طالما استبكيته فبكى لكم
لولا الرّجاء بكيته وبكاني
كم ليلة أحيتها متململا
طرفي وطرف النّجم ملتقيان
تحنو على قلمي يميني والدّجى
حان على فتيات والفتيان
أجلو عرائسه لكم وأزفها
ما بين بكر كاعب وعوان
متألما فيكم وفي أبنائكم
وهم وأنتم نائمو الأحزان
ما غال نومي حبّ معسول اللّمى
ممنوعه، لكن هوى الأوطان
أنفقت أيّام الشّباب عليكم
في ذّمة المضي الشّباب الفاني
كم تسألوني أن أعيد زمانه(57/94)
يا قوم ، مرّ زمانه وزماني
هان اليراع على البواتر والقنا
ما تصنع الأقلام بالمرّان
ليس الكلام بنافع أو تغتدي
حمر المضارب خلف كلّ لسان
والشّعب ليس بمدرك آماله
حتّى يسير على النّجيع القاني!..
***صلّ الحديد وشّمرت عن ساقها
وتنكّر الإخوان للإخوان
فالخيل غاضبة على أرسانها
والبيض غاضبة على الأجفان
والموت من قدّامهم وورائهم
والهول كلّ ثنيّة ومكان
بسطت جناحيها ومدّت ظلّها
فإذا جناحا السّلم مقصوصان
تغشى مواكبها ثلاث غياهب
من قسطل ودجنّة ودخان
ويردّ عنها كلّ خائض لّجة
سيلان: من ماء ومن نيران
أنّى التفتّ رأيت رأسا طائرا
أو مهجة مطعونة بسنان
يمشي الرّدى في إثر كلّ قذيفة
فكأنّما تقتاده بعنان
فالجوّ مّما من أرواحهم
لا تستبين نجومه عينان
والنّهر مّما سال من مهجاتهم
يجري على أرض من المرجان
والأرض حمراء الأديم كأنّها
خدّ الييّة أو خضيب بنان
كم من مبيح للضّيوف طعامه
أمسى طعام الأجدال الغرثان
ومقاتل ناش الكتيبة، ناشه
ظفر العقاب ومخلب السّرحان
ومخلّق بين المجرّة والسّها
صعد الحمام إليه في الطيران
ومشيّد وقف الزّمان حياله
متحيّرا بجماله الفتّان
أخنى على ذكر ((الخورنق)) ذكره
وسما على ((الحمراء)) و((الإيوان))
وقضى العصور النّاس في تشييده
أودت به مقذفة وثوان
ومدينة زهراء آمنة الحمى
هدمت منازلها على السّكان
خرست بلابلها الشّوادي في الضّحى
وعلا صياح البوم والغربان
وتعطلّت جنّانها وقصورها
ولقد تكون بغبطة وأمان
حرب أذلّ بها التّمدّن أهله
وجنى الشّيوخ بها على الشّبان
سحق القويّ بها الضّعيف وداسه
ومشى على أرض من الأبدان
بئس الوغى يجني الجنود حتوفهم
في ساحها والفجر للتيجان
ماأقبح الإنسان يقتل جاره
ويقول هذي سنّة العمران
بلي الزّمان وأنت مثلك قبله
يا شرعة قد سنّها الجدّان
فالقاتل الآلاف غاز فاتح
والقاتل الجاني أثيم جان
لا حقّ إلاّ تؤيّده الظّبى
ما دام حبّ الظّلم في الإنسان
لو خيّر الضّعفاء لاختاروا الرّدى(57/95)
لكنّ عيش الأكثرين أماني
ما بال قومي نائمين عن العلى
ولقد تنبّه للعلى الثّقلان
تبّاع أحمد والمسيح ، هوادة
ما للعهد أن يتنكّر الأخوان
اللّه ربّ الشّرعتين وربّكم
فإلى متى الدّين تختصمان
مهما يكن من فارق فكلاكما
ينمى إلى قحطان أو غسّان
فخذوا بأسباب الوفاق وطهّروا
أكبادكم من لوثة الأضغان
في ما يحيق بارضكم ونفوسكم
شغل لمشتغل عن الأديان
نمتم وقد سهر الأعادي حولكم
وسكنتم والأرض في جيشان
لا رأي يجمعكم إذا اختلف القنا
وتلاقت الفرسان بالفرسان
لا رأية لكم يدافع دونها
مردالعوارض، والحتوف دواني
لا ذنب للأقدرا في إذلالكم
هذا جزاء الغافل المتواني
لو لم يعزّ الجهل بين ربوعكم
ما هان جمعكم على الحدثان
المرء ، قيمته المعارف والنّهى
ما نفع باصرة بلا إنسان
ما بالكم لا تغضبون لمجدكم
غضبات ملطوم الجبين مهان
أو لستم كالنّاس أهل حفائظ
أم أنتم لستم من الحيوان؟
أبناؤكم ، لهفي على أبنائكم
يلهو بهم أبناء جنكيز خان
النّازعون الملك من أيديكم
العابثون بكم وبالقرآن
أو كلّما طلعت عليهم أزمة
هاجوا ضغائنكم على الصّلبان
لا تخدعنّكم لسّياسة إنّها
شتّى الوجوه كثيرة الألوان
لو تعقلون عملتم لخلاصكم
من دولة القينات والخصيان
عارعلى نسل الملوك بني العلى
أن _ يستذلّهم بنو الرّعيان
ثوروا عليهم واطلبوا استقلالكم
ونشبّهوا بالصّرب واليونان
مذا يروع نفوسكم ، ما فيكم
وكلّ ولا التّرك غير جبان
وهبوهم الرّومان في غلوائهم
أفما غلبتم أمّة الرّومان
ما الموت ما أعيا النّطاسي ردّه
موت الذّليل وعيشه سيّان
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> العبد المتنكر
العبد المتنكر
رقم القصيدة : 67956
-----------------------------------
زعم المؤدّب أنّ عيرا ساءه
أن لا يسار به إلى الميدان
فمضى فقصرت القواطع ذيله
وسطت مواضيها على الآذان
حتى إذا جاء المروض واعتلى
متنيه راب الفارس الكشحان
لكنه ما زال غير مصدّق
حتى راب صوت كصوت الجان(57/96)
فاستل صارمه فطاح برأسه
ورمى بجثته إلى الغربان
ما دام يصحب كلّ حي صوته
هيهات يخفي العير جلد حصان
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> وقائلة
وقائلة
رقم القصيدة : 67957
-----------------------------------
وقائلة: هجرت الشعر حتى
تغنّى بالسخافات المغنّي
أتى زمن الربيع وأنت لاه
وقد ولّى ولم تهتف بلحن
ونفسك كالصّدى في قاع بئر
ومثل الفجر ملتحفا بدجن
فما لك ليس يستهويك حسن
وأنت لمرء تعشق كلّ حسن؟
أتسكت والشباب عليك ضاف
وحولك للهوى جنّلت عدن؟
ركود الماء يورثه فسادا!
فقلت لها : استكيني واطمئني
فما حطمت يد الأيام روحي
وإن حطمت أباريقي ودنّي
ولم أعقد على خوف لساني
ولا ضنّا على الدنيا بفنّي
ولكنّي امرؤ للناس ضحكي
ولي وحدي تباريحي وحزني
إذا أشكو إلى خدن همومي
وفي وسعي السكوت ظلمت خدني
وتأبى كبريائي أن يراني
فتى مغرورقا بالدمع جفني
فأستر عبرتي عنه نئلا
يضيق بها وإن هي أحرقتني
ويبكي صاحبي فإخال أني
أنا الجاني وإن لم يتّهمني
فأمسح أدمعا في مقلتيه
وإن حكت اللهب ، وإن كوتني
لأني كلما رفّهت عنه
طربت كأنني رفّهت عنّي
كذلك كان شأني بين قومي
وهذا بين كلّ الناس شأني
أقول لكلّ نوّاح رويدا
فإنّ الحزن لا يغني ، ويضني
وجدت الدمع بالأحرار يزري
فليت الدمع لم يخلق بجفن!
...
سبيل العز أن تبني وتعلي
فلا تقنع بأنّ سواك يبني
ولا تك عالة في عنق جدّ
رميم العظم أو عبئا على ابن
فمن يغرس لكي يجني سواه
يعش ، ويموت من يحيا ليجني!
...
ألائمتي اتركيني في سكوني
ولومي من يضجّ بغير طحن
إذا صار السماع بلا قياس
فلا عجب إذا سكت المغني
أنا ولئن سكتّ وقال غيري
وجعجع صاب الصوت الأرنّ
إذا أنا لم أجد حقلا مريعا
خلقت الحقل في روحي وذهني
فكادت تملأ الأثمار كفّي
ويعيق بالشّذى الفوّاح ردني
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أخت ليلى
أخت ليلى
رقم القصيدة : 67958
-----------------------------------(57/97)
ولقد علقت من الحسان مليحة
تحكي الهلال بحاجب وجبين
كلفت بها ودون وصولها
وصل المنون وثمّ ليث عرين
حسناء أضحى كلّ حسن دونها
ولذاك عشّاق المحاسن دوني
قد روّعت حتى لتخشى بردها
من أن يبوح بسرّها المكنون
وتريبها أنفاسها ويخفيها
عند اللقاء تنهّد المحزون
هجرت فكلّ دقيقة من هجرها
عندي تعدّ بأشهر وسنين
يا هذه لا تجحدي حقي فقد
أصليت قلبي بالنّوى فصليني
أطلقت دمعا كان قلب مقيّدا
وسجنت قلبا كان غير سجين
أشبهت (ليلى العامرية) فاكتمي
خبر الذي قد صار (كالمجنون)
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عش للجمال
عش للجمال
رقم القصيدة : 67959
-----------------------------------
عش للجمال تراه العين مؤتلقا
في أنجم الليل أو زهر البساتين
وفي الرّبى نصبت كفّ الأصيل بها
سرادقا من نضار للرياحين
وفي الجبال إذا طاف المساء بها
ولفّها بسرابيل الرّهابين
وفي السواقي لها كالطفل ثرثرة
وفي البروق لهاضحك المجانين
وفيابتسامات ((أيار)) وروعتها
فإن تولّى ، في أجفان(( تشرين))
لا حين للحسن ، لا حدّ يقاس به
وإنّما نحن أهل الحدّ والحين
فكم تماوج في سربال غانية
وكم تألق في أسمال مسكين
وكم أحسّ به أعمى فجنّ له
وحوله ألف راء غير مفتون
عش للجمال تراه ههنا وهنا
وعش له سرّ جدّ مكنون
خير وأفضل ممن لا حنين لهم
إلى الجمال ، تماثيل من الطين
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ((ميامي فلوريدا))
((ميامي فلوريدا))
رقم القصيدة : 67960
-----------------------------------
ألقاها في المأدبة التي أقامها النادي السوري اللبناني
الاميركي في ميامي فلوريدا تكريما له.
- - -
ما طائر كان في بيداء موحشة
فساقه قدر نحو البساتين
فبات تسعده فيها بلابلها
حينا ، ويسعدها بعض الأحايين
مني بأسعد حظا مذ نزلت بكم
يا معشر السادة الغرّ الميامين
فررت من برد كانون فقابلني
في أرضكم بالأقاحي شهر كانون
أنسام ((أيار)) تسري في أصائلها(57/98)
وفي عشياتها أنفاس ((تشرين))
توزّع السحر شطرا في مغارسها
ولآخر في لحاظ الخرّد العين
كلّ الشتاء ربيع في شواطئها
وكلّ أيامها عيد الشعانين
لكن ميامي وإن جلّت مفاتنها
لولا وجودكم ليست لتغريني
إني لأشهد دنيا من عواطفكم
أحبّ عندي من دنيا الرياحين
وكلما سمعت نجواكم أذني
ظننت أني في دنيا تلاحين
شيء ، يوم الرّوع ، أجمل عنده
من أن يرى والقرن يصطرعان
يا ربذ معركة تراكم نقعها
حتى اختفى في ظلّها الجيشان
باتت صقال الهند في أفيائها
كالبرف يسطع من خلا دخان
والخيل طائرة على أرسانها
تهوى لو انعتقت من الأرسان
دوت المدافع كالرّعود قواصفا
نطق الحديد فعيّ كلّ لسان
ترمي بأشباه الرّجوم تخالها
حمراء قد صيغت من المرجان
ما إن تطيش وإن نأت إغراضها
ولكم تطيش قذائف البركان
صخّابة تذر الحصون بلاقعا
وتدكّها دكّا إلى الأركان
تنقضّ والفرسان في آثارها
تنقضذ مثل كواسر العقبان
هي وقعة ضجّت لها الدّنيا كما
ضجّت وضجّ النّاس في ((سيدان))
مشت المنايا حاسرات عندها
تتطلب الأرواح في الأبدان
فعلى أديم الجو ثوب أسود
وعلى أديم الأرض ثوب قان
وإذا نظرت إلى الجسوم على الثّرى
أبصرت كثبانا على كثبان
لّما رأوا(بورغاس) ضرّة مكدن
حملوا عليها حملة اليابان
وقد انجلت فإذا الهلال منكس
علم طوته راية الصّلبان
رجحت قواهم أيّما رجحان
فيها وشال التّرك في الميزان
نفروا لكالحمر التي روعتها
بابن الشّرى المتجهّم الغضبان
وقلوبهم قد أسرعت ضرباتها
وتظنّها وقفت عن الخفقان
متلفّتين إلى الوراء باعين
تتخيل الأعداء في الأجفان
يتلمّسون من المنيّة مهربا
هيهات إنّ الموت كلّ مكان
واللّه ما ينجون من أشراكه
ولو استعاروا أرجل الغزلان
أسلابهم للظّافرين غنيمة
وجسومهم للحاجل الغرثان
إن يأمنوا وقع الأسنّة والظّبى
فالذّعر طاعنهم بشّر سنان
ما أنس لا أنسى عصابة خرّد
في اللّه مسعاهنّ والإحسان
عفن الوثير إلى وسائد فضّة
ونزحن عن أهل وعن أوطان(57/99)
ووقفن أنفسهنّ في الدنيا على
تأمين ملتاع ونصرة عان
يحملن ألوية السّلام إلى الألى
حملوا لواء الشّر والعدوان
كم من جريح بالنّجيع مخضّب
في الأرض لا يحنو عليه حان
ما راعة طيف المنيّة مثلما
راعت حشاه فرقة الخّلان
فله، إذا ذكر الدّيار واهله،
آه الغريب وأنّه الشّكلان
نفّسن من برجائه، وأسونه
وأعضنه من خوفه بأمان
ما حبّب الجنّات عندي أنّها
مثوى سلام، مستقرّ حسان
لولا حنان الغابيات وعطفها
ما كانت الدّنيا سوى أحزان
من مسمع الأيام عنّي نبأة
يرتاع منها كلّ ذي وجدان
إنّ الألى جبنوا أمام عدلتهم
شجعوا على الأطفال والنّسوان
وصوارما قد أغمدت يوم الوغى
شهرت على الأضياف والقطّان
أكذا يجازي الآمنون بدورهم
أو هكذا قد جاء في القرآن؟
أخنى على الأتراك دهر حول
أخنى على يونان والرّومان
وطوى محاسن ((يلدز))قدر طوى
ربّ السّدير وصاحب الإيوان
فاليوم لا أستانة
تزهو ولا السّلطان بالسّلطان
دارت دوائره عليها مثلما
دارت دوائره على ((طهران))
أمنبّهي الأضغان كيف هجمتم
لّما تنّبه نائم الأضغان
وحكومة الأشباح ويحك ما الّذي
خالفت فيه عصبة الفتيان
قالوا: لنا الملك العريض وجاهه
كذبوا فإنّ الملك للرّحمن
ما بال قومي كلّما استصرختهم
وضعوا أصابعهم على الآذان
أبناء سوريّا الفتاة تضافروا
وخذوا مثالتكم عن البلقان
ما التّرك أهل أن يسودوا فيكم
أو تحك الآساد بالظّلمان
هم ألبسوا الشّرقي ثوب غضاضة
وسقوه كأسي ذلّة وهوان
فإذا جرى ذكر الشّعوب بموضع
شمخت، وطأطأ رأسه العثماني! ..
لكن ميامي وإن جلّت مفاتنها
لولا وجودكم ليست لتغريني
إني لأشهد دنيا من عواطفكم
أحبّ عندي من دنيا الرياحين
وكلّما سمعت نجواكم أذني
ظننت أني في دنيا تلاحين
لأنتم النور لي والنور منطمس
وأنتم الماء إذ لا ماء يرويني
أحيبتكم حبّ إنسان لإخوته
إذ ليس بينكم فوقي ولا دوني
إن كان فيكم قوي لا يقاهرني
أو كان فيكم ضعيف لا يداجيني
قل لامرىء مثل قارون بثروته(57/100)
إني امرؤ بصحابي فوق قارون
من يكتسب صاحبا تبق مودته
فهو الغنّي به لا ذو الملايين
فاختر صحابك وانظر في اختارهم
إلى الطبائع قبل اللون والدين
ليس الوداد الذي يبق إلى أبد
مثل الوداد الذي يبقى إلى حين
والمرء في هذه الدنيا عواطفه
إن تندرس فهو بيت غير مسكون
لوفاتني كلّ ما في الأرض من ذهب
ولم تفتني فإني غير مغبون
لو القوافي تؤاتيني شكرتكم
كما أريد ، ولكن لا تؤاتيني
لا يمدح الورد إنسان يقول له
يا ورد إنك ذو عطر وتلوين
فاستنطقوا القلب عني فهو يخبركم
فالحبّ والقلب مكنون بمكنون
لولا المحبة صار الكون أجمعه
طوبى الأفاعي وفردوس السراحين
إني سأحفظ في قلبي جميلكم
وسوف أذكره في العسر واللي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> شبح
شبح
رقم القصيدة : 67961
-----------------------------------
رسالة من لبنان الى ابنائه المهاجرين قالها في حفلة
بأبي خيال لاح لي متلفّفا
بعياءة من عهد فخر الدين
يمشي على مهل ويرسل طرفه
في حيرة المستوحش المحزون
من أنت يا شبحا كئيبا صامتا؟
قل لي فإنّك قد أثرت شجوني
أخيال خصم أتّقي نزواته؟
أم أنت ، يا هذا، خيال خدين؟
فأجابني مترفّقا متحبّبا
فسمعت صوت أب أبرّ حنون
...
يا شاعري قل للألى هجروني
أنا ما نسيتكم فلا تنسوني
ما بالكم طوّلتم حبل النوى
يا ليت هذا الحبل غير متين
قد طفتم الدنيا فهل شاهدتم
جبلا عليه مهابني وسكوني؟
أوردتم كمناهلي ؟ أنشقتم
كأزاهري في الحسن والتلوين؟
ولقد تظلّلتم بأشجار فهل
رفّت غصون فوقكم كغصوني؟
وسمعتم شتّى الطيور صوادحا
أسمعتم أشجى من الحسّون؟
هل أنبتت كالأرز غيري بقعة
في مجده وجلاله الميمون؟
أرأيتم في ما رأيتم فتنة
كالبدر حين يطلّ من صنّين؟
أو كالغزالة وهي تنقض تبرها
عند الغيب على ذرى حرمون؟
مرّت قرون وانطوت وكأنني
لمحاسني كوّنت منذ سنين
أبليتها وبقيت ، إلاّ أنّني
للشوق كاد غيابكم يبليني
...
لبنان! لا تعذل بنيك إذا هم
ركبوا إلى العلياء كلّ سقين(57/101)
لم يهجروك ملالة لكنّهم
خلقوا لصيد اللؤلوّ المكنون
ورثوا اقتحام البحر عن فينقيا
أمّ الثقافة مصدر التمدين
لّما ولدتهم نسورا حلّقوا
لا يقنعون من العلى بالدون
والنسر لا يرضى السجون وإن تكن
ذهبا، فكيف محاسن من طين؟
ألأرض للحشرات تزحف فوقها
والجوّ البازي وللشاهين
فأجابني والدمع ملء جفونه
كم ذا تسلّيني ولا تسليني؟
أنا كالعرين اليوم غاب أسوده
وتفرّقوا عنه لكلّ عرين
ألأرمنّي على سفوحي والربى
يبني الحصون لنفسه بحصوني
وبنو يهوذا ينصبون خيامهم
في ظلّ أوديتي وفوق حزوني
وبنّي عنّي غافلون كأنّني
قد صرت في الأشياء غير ثمين
أنتم ديون لي على آميركا
ومن المروءة أن تردّ ديوني
أو ليس من سخر القضاء وهزته
أن يأخذ المثرى من المسكين؟
عودوا فإنّ المال لا يغنيكم
عنّي، ولا هو عنكم يغنيي
...فشجيت مّما قاله لكنّني
لّما رأيتكم نسيت شجوني
لبنان فيكم ماثل إن كنتم
في مصر أو في الهند أو في الصين
إن بنتم عنه فما زال الهوى
يدنيكم منه كما يدنيني
وحراككم لعلائه وسكونكم
وإلى ثراه حنينكم وحنيني
لو أمست الدنيا لغيري كلّها
ورباه لي ما كنت بالمغبون
أنا في حمالكم طائر مترنّم
بين الأقاح الغضّ والنسرين
أنتم بنو وطني وأنتم إخوني
وأنا امرؤ دين المحبّة ديني
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أبي
أبي
رقم القصيدة : 67962
-----------------------------------
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني
وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
أبي! خانني فيك الرّدى فتقوضت
مقاصير أحلامي كبيت من التّين
وكانت رياضي حاليات ضواحكا
فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني
وكانت دناني بالسرور مليئة
فطاحت يد عمياء بالخمر والدّنّ
فليس سوى طعم المنّية في فمي،
وليس سوى صوت النوادب في أذني
ولا حسن في ناظري وقلّما
فتحتهما من قبل إلاّ على حسن
وما صور الأشياء ، بعدك غيرها
ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن
على منكي تبر الضحى وعقيقه
وقلبي في نار ، وعيناي في دجن(57/102)
أبحث الأسى دمعي وأنهيته دمي
وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن
فمستنكر كيف استحالت بشاشتي
كمستنكر في عاصف رعشة الغضن
يقول المعزّي ليس يحدي البكا الفتى
وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني
شخصت بروحي حائرا متطلعا
إلى ما وراء البحر أأدنو وأستدني
كذات جناح أدرك السيل عشّها
فطارت على روع تحوم على الوكن
فواها لو اني في القوم عندما
نظلرت إلى العوّاد تسألهم عنّي
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها
فكنت مع الباكين في ساعة الدفن
لعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها
وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدي كان أنك لي أب
وأكبر فخري كان قولك: ذا إبني!
أقول : لي اني... كي أبرّد لو عتي
فيزداد شجوي كلّما قلت : لو أني!
أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى؟
أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن!
أبي! وإذا ما قلتها فكأنني
أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني
لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى
فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟
خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا
ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن
فذهن كنجم الصّيف في أول الدجى
ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن
وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة
كأرض بلا مناء وصوت بلا لحن
فما بك من ضرّ لنفسك وحدها
وضحكك والإيناس للبحار والخدن
جريء على الباغي، عيوف عن الخنا،
سريع إلى الداعي ، كريم بلا منّ
وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر
لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ
فما استشعر المصغي إليك ملالة
ولا قلت إلاّ قال من طرب : زدني
برغمك فارقت الربوع ىوإذا
على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن
طريق مشى فيها الملايين قبلنا
من المليك السامي عبده إلى عبده الفنّ
نظنّ لنا الدنيا وما في رحابها
وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن
تروح وتغدو حرّة في عبابه
كما يتهادى ساكن السجن في السجن
وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى
فشالت وكانت جعجعات بلا طحن
فأصدق أهل الأرض معلرفة به
كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ
فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده
وذاك كهذا ليس منه على أمن(57/103)
فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض
على كثرة التفصيل في الشّرح والمتن
أيا رمز لبنان جلالا وهيبة
وحصن الوفاء المحصن في ذلك الحصن
ضريحك مهما يستسرّ وبلذة
أقمت بها تبني المحامد ما تبني
أحبّ من الأبراج طالت قبابها
وأجمل في عينيّ من أجمل المدن
علىذلك القبر السلام فذكره
أريج بهنفسي عن العطر تستغني
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لا أنت ولا أنا
لا أنت ولا أنا
رقم القصيدة : 67963
-----------------------------------
قلت: السعادة في المنى فرددنني
وزعمت أنّ المرء آفته المنى
ورأيت في ظلّ الغنى تمثالها
ورأيت أنت البؤس في ظلّ الغنى
ما لي أقول بأنها قد تقتني
فتقول أنت بأنها لا تقتني؟
وأقول إن خلقت فقد خلقت لنا ،
فتقول إن خلقت فلم تخلق لنا؟
وأقول إني مؤمن بوجودها
فتقول ما أحراك أن لا تؤمنا؟
وأقول سر سوف يعلن في غد
فتقول لا سرّ هناك ولا هنا؟
يا صاحبي، هذا حوار باطل
لا أنت أدركت الصواب ولا أنا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> قف يا قطار
قف يا قطار
رقم القصيدة : 67964
-----------------------------------
ألقاها في المأدبة الكبرى التي أقامتها مؤسسسة وطنية في مدينة كانتون،
أوهايو
- - -
منذ افترقنا لم أذق وسنا
للّه ما صنع الفراق بنا
قل للخليّين الهناء لكم
ألحبّ قد خلق العذاب لنا
لم أنس قولتها التي ملأت
نفسي أسى وجوانحي شجنا
ماذا جنينا كي تفارقنا
أمللتنا وسئمت صحبتنا
فأجبتها بلسان معتذر
لم تجني أنت ولا مللت أنا
لكن رأيت الماء منطلقا
ريا، فإن هو لم يسر أجنا
والسيف إن طال الثواء به
يصدأ ويصيح حدّه خشنا
والسحب إن وقفت وما هطلت
لم ترو أودية ولا قتنا
إنّ الحياة مع الجمود قذى
ومع الحواك بشاشة وهنا
لا تعذليني فالقرى أربي
حيث الحياة رغائب ومنى
حيث النجوم تلوح سافرة
لم تلتحف سترا ولا كفنا
والفجر ملء جيوبه أرج
والطير يملأ شدوها الوكنا
وعلى الرّبى الأظلال راقصة
ويد النسيم تداعب الغصنا(57/104)
وبح المدائن إنّ ساكنها
كالميت لم يطمر ولا دفنا
كم رحت أستسقي سحائبها
فهمت ولكن محنة وضنى
ولكم سهرت فلم أجد قمرا
ولكم شدوت فلم أجد أذنا
لو كان يألف بلبل غرد
قفصا ، أحبّ الشاعر المدنا
كره الورى طول المقام بها
فاستنبطوا العجلات والسفنا
ولقد ظفرت بمركب لجب
فخرجت أطوي السهل والحزنا
والشوق يدفعه ويدفعني
حتى بلغت المنزل الحسنا
...
قف، يا قطار ، على ربوعهم
إنّ الأحبة، يا قطار... هنا
هذي منازلهم تهشّ لنا
أخطأت ... بل هذي منازلنا
ما حلّ منهم موضعا أحد
إلا وصار لكلّنا وطنا
((سورية)) في ((كانتن)) نغم
عذب ،(( ولبنان)) شذى وسنا
وإذا الحياة طوت محاسنها
عني ، وصار نعيمها محنا
مثّلتهم في خاطري ، فإذا
دنياي فيها للسرور دنى
يا قوم هذا اليوم يومكمو
من ينتهزه ينل رضى وثنا
فلتنبسط أيديكمو كرما
ألسحب أنفعها الذي هتنا
أنا لاأرى مثل البخيل فتى
يضوى ويهزل كلما سمن
من لا يشيد بماله أثرا
أو يستفيد بماله مننا
ويعيش مثل العنكبوت يعش
في الناس مذموما وممتهنا
فابنوا وشيدوا تكرموا رجلا
كم قد سعى من أجلكم وبنى
وطن وأهل لا ئذون بكم
أفتخذلون الأهل والوطنا؟
((قطنا)) بنوك اليوم قد نهضوا
فتمجدي بينك يا ((قطنا))
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> وطن النجوم
وطن النجوم
رقم القصيدة : 67965
-----------------------------------
وطن النجوم ... أنا هنا
حدّق ... أتذكر من أنا ؟
ألمحت في الماضي البيعيد
فتى غريرا أرعنا ؟
جذلان يمرح في حقولك
كالنسيم مدندنا
ألمقتني المملوك ملعبة
و غير المقتنى !
يتسلّق الأشجار لا ضجرا
يحسّ و لا ونى
و يعةد بالأعصان يبريها
سيوفا أو قنا
و يخوض في وحل الشّتا
متهلّلا متيمّنا
لا يتّقي شرّ العيون
و لا يخاف الألسنا
و لكم تشيطن كي يقول
الناس عنه " تشيطنا "
*
أنا ذلك الولد الذي
دنياه كانت ههنا !
أنا من مياهك قطرة
فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرّة
ماجت مواكب من منى
أنا من طيورك بلبل(57/105)
غنّى بمجدك فاغتنى
حمل الطّلاقة و البشاشة
من ربوعك للدّنى
كم عانقت روحي رباك
وصفّقت في المنحنى ؟
للأرز يهزأ بالرياح
و بالدهور و بالفنا
للبحر ينشره بنوك
حضارة و تمدّنا
لليل فيك مصلّيا
للصبح فيك مؤذّنا
للشمس تبطيء في وداع
ذراك كيلا تحزنا
للبدر في نيسان يكحّل
بالضّياء الأعينا
فيذوب في حدق المهى
سحرا لطيفا ليّنا
للحقل يرتجل الرّوائع
زنبقا أو سوسنا
للعشب أثقله النّدى ،
للغصن أثقله الجنى
عاش الجمال متشرّدا
في الأرض ينشد مسكنا
حتّى انكشفت له فألقى
رحلة و توطّنا
واستعرض الفنّ الجبال
فكنت أنت الأحسنا
لله سرّ فيك ، يا
لبنان ، لم يعلن لنا
خلق النجوم و خاف أن
تغوي العقول و تفتنا
فأعار أرزك مجده
و جلاله كي نؤمنا
زعموا سلوتك ... ليتهم
نسبوا إليّ الممكنا
فالمرء قد ينسى المسيء
المفترى ، و المحسنا
و الخمر ، و الحسناء ، و الوتر
المرنّح ، و الغنا
و مرارة الفقر المذلّ
بلى ، و لذّات الغنى
لكنّه مهما سلا
هيهات يسلو الموطنا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> فلسطين
فلسطين
رقم القصيدة : 67966
-----------------------------------
ديار السّلام ، و أرض الهنا
يشقّ على الكلّ أن تحزنا
فخطب فلسطين خطب العلى
و ما كان رزء العلى هيّنا
سهرنا له فكأنّ السيوف
تحزّ بأكباد ههنا
و كيف يزور الكرى أعينا
ترى حولها للرّدى أعينا ؟
و كيف تطيب الحياة لقوم
تسدّ عليهم دروب المنى ؟
بلادهم عرضة للضّياع
و أمّتهم عرضة للفنا
يريد اليهود بأن يصلبوها
و تأبى فلسطين أن تذعنا
و تأبى المرؤة في أهلها
و تأبى السّيوف ، و تأبى القنا
أأرض الخيال و آياته
و ذات الجلال ، و ذات السنا
تصير لغوغائهم مسرحا
و تغدو لشذّاذهم مكمنا ؟
بفسي " أردنّها " السلسبيل
و من جاوروا ذلك الأردنا
لقد دافعوا أمس دون الحمى
فكانت حروبهم حربنا
و جادوا بكلّ الذي عندهم
و نحن سنبذل ما عندنا
فقل لليهود و أشياعهم
لقد خدعتكم بروق المنى
ألا ليت " بلفور " أعطاكم(57/106)
بلادا له لا بلادا لنا
" فلندن " أرحب من قدسنا
و أنتم أحبّ إلى " لندنا "
ومنّاكم وطنا في النجوم
فلا عربيّ بتلك الدنى
أيسلب قومكم رشدهم
و يدعوه قومكم محسنا ؟
و يدفع للموت بالأبرياء
و يحسبه معشر ديّنا ؟
و يا عجبا لكم توغرون
على العرب " التامز و الهندسنا "
و ترمونهم بقبيح الكلام
و كانوا أحقّ بضافي الثنا
و كلّ خطيئاتهم أنّهم
يقولون : لا تسرفوا بيتنا
فليست فلسطين أرضا مشاعا
فتعطى لمن شاء أن يسكنا
فإن تطلبوها بسمر القنا
نردّكم بطوال القنا
ففي العربيّ صفات الأنام
سوى أن يخاف و أن يجبنا
و إن تحجلوا بيننا بالخداع
فلن تخدعوا رجلا مؤمنا
و إن تهجروها فذلك أولى
فإنّ " فلسطين " ملك لنا
و كانت لأجدادنا قبلنا
و تبقى لأحفادنا بعدنا
و إنّ لكم بسواها غنى
و ليس لنا بسواها غنى
فلا تحسبوها لكم موطنا
فلم تك يوما لكم موطنا
و ليس الذي نبتغيه محالا
و ليس الذي رمتم ممكنا
نصحناكم فارعووا و انبذوا
" بلفور " ذيّالك الأرعنا
و إمّا أبيتم فأوصيكم
بأن تحملوا معكم الأكفنا
فإنّا سنجعل من أرضها
لنا وطنا و لكم مدفنا !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الأنسان و الدّين
الأنسان و الدّين
رقم القصيدة : 67967
-----------------------------------
إنّي عرفت من الإنسان ما كانا
فلست أحمد بعد اليوم إنسانا
بلوته و هو مشتدّ القوى أسدا
صعب المراس و عند الضّعف ثعبانا
تعود الشّرّ حتّى لو نبت يده
عنه إلى الخير سهوا بات حسرانا
خفه قديرا و خفه لا اقتدار له
فالظّلم و الغدر إمّا عزّ أو هانا
ألقتيل ذنب شنيع غير مغتفر
و القتل يغفره الإنسان أحيانا
أحلّ قتل نفوس السائمات له
و الطيّر و القتل قتل حيثما كانا
أذاق ذئب الفلا من غدره طرفا
فلا يزال مدى الأيام يقظانا
و نفّر الطير حتّى ما تلمّ به
إلاّ كما اعتادت الأحلام و سنانا
سروره في بكاء الأكثرين له
و حزنه أن ترى عيناه جذلانا
كأنّما المجد ربّ ليس يعطفه
إلاّ إذا قدّم الأرواح قربانا(57/107)
هو الذي سلب الدّنيا بشاشتها
وراح يملأها همّا و أحزانا
لا تصطفيه و إن أثقلته منّنا
يعدو عليك و إن أولاك شكرانا
قالوا ترّقى سليل الطّين قلت لهم
ألآن تمّ شقاء العالم الآنا
إنّ الحديد إذا ما لان صار مدى
فكن على حذر منه إذا لانا
و المرء وحش و لكن حسن صورته
أنسى بلاياه من سمّاه إنسانا
قد حارب الدّين خوفا من زواجره
كأنّ بين الورى و الدّين عدوانا
ورام يهدم ما الرحمن شيّده
و ليس ما شيّد الرّحمن بنيانا
إنّي ليأخذني من أمره عجب
أكلّما زاد علما زاد كفرانا ؟
و كلّما انقادت الدّنيا و صار له
زمامها انقاد للآثام طغيانا ؟
يرجو الكمال من الدّنيا و كيف له
نيل الكمال من الدّنيا و ما دانا ؟
إذا ارتدى المرء ما في الأرض من برد
و عاف للدّين بردا عاد عريانا
هو الحياة التي ما غادرت جسدا
إلاّ اغتدى الميت أحيامنه وجدانا
و هو الضّياء الذي يمحو الظّلام فمن
لا يهتدي بسناه ظلّ حيرانا
و المنهل الرائق العذب الورود فمن
لا يسقي منه دام الدّهر عطشانا
ليس المبذّر من يقلي دراهمه
إنّ المبذّر من للدّين ما صانا
ليس الكفيف الذي أمسى بلا بصر
إنّي أرى من ذوي الأبصار عميانا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الفاتحة
الفاتحة
رقم القصيدة : 67968
-----------------------------------
يا رفيقي ... أنا لولا أنت ما وقّعت لحنا
كنت في سرّي لما كنت وحدي أتغنّى
ألبس الروض حلاه أنّه يوما سيجنى
هذه أصداء روحي ، فلتكن روحك أذنا
إن تجد حسنا فخذه واطّرح ما ليس حسنا
إنّ بعض القول فنّ فاجعل الإصغاء فنّا
تك كالحقل يردّ الكيل للزراع طنّا
ربّ غيم صار لمّا لمسته الريح مزنا
ربّما كنت غنيّا غير أنّي بك أغنى
ما لصوت أغلقت من دونه الأسماع معنى
كلّ نور غير نور مرّ بالأعين وسنى
يا رفيقي ، أنت راعيت فجري صار أسنى
و إذا طفت بكرمي زدته خصبا و أمنا
قد سكبت الخمر كي تشرب ، فاشرب مطمئنّا
زاسق من شئت كريما لا تخف أن تتجنى(57/108)
كلّما أفرغت كأسي زدت في كأسي دنّا
فهي بالإنفاق تبقى
و هي بالإمساك تفنى
...
لست منّي إن حسبت الشّعر ألفاظا ووزنا
خالفت دربك دربي وانقضى ما كان منّا
فانطلق عنّي لئلّا تقتني همّا و حزنا
واتّخذ غيري رفيقا و سوى دنياي مغنى
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> وداع
وداع
رقم القصيدة : 67969
-----------------------------------
ذهب الربيع ففي الخمائل وحشة
مثل الكآبة من فراقك فينا
لو دمت لم تحزن عليه قلوبنا
و لئن أضعنا الورد و النّسرينا
فلقد وجدنا في خلالك زهرة
المفترّ و الماء الذي يروينا
و نسيمة السّاري كأنفاس الرّضى
و شعاعه يغشى المروج فتونا
حزت المحاسن في الربيع و فقته
إذ ليس عندك عوسج يدمينا
***
يا أشهرا مرّت سراعا كالمنى
لو أستطيع جعلتكنّ سنينا
و أمرت أن يقف الزمان عن السّرى
كيلا نمرّ بساعة تبكينا
و نمدّ أيدينا فترجع لم تصب
و تعود فوق قوبنا أيدينا
خوفا عليها أن تساقط حسرة
أو أن تفيض لواعجا و شجونا
قد كنت خلت الدّهر حطّم قوسه
حتّى رأيت سهامه تصمينا
فكأنّما قد ساءه و أمضّه
أنّا تمتّعنا بقربك حينا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مستشفى تل شيحا
مستشفى تل شيحا
رقم القصيدة : 67970
-----------------------------------
أباعثة المطايا من حديد
كأسراب القطا للعالمينا
ركائب في فجاج الأرض تسري
تقلّ الذاهبين الأيبينا
تقصّ على المدائن و القرايا
حكاية قومك المستنبطينا
و كيف العقل يخلق من زريّ
مهين لا زريّ و لا مهينا
و ينفخ في الجماد قوى وحسّا
فيركش تارة و يطير حينا
و يهتف بالقصائد و الأغاني
و قد ذهب الردى بالمنشدينا
لقد حسدتك أمّ الفنّ " روما "
كما حسدتك ضرّتها " أثينا "
فمجدك فوق مجدها علاء
و حسنك فوق حسنها فتونا
نزلنا في حماك فقرّبينا
و باركنا ثراك قباركينا
فما لطماعة بنضار " فورد "
و فضّته إليك اليوم جينا
فما هو في سماحته " كمعن "
و ليست نوقه للذابحينا
و لكن فيك إخوان هوينا(57/109)
لأجلهم جميع الساكنينا
أحبّونا كأنّهم ذوونا
و أنسونا بلطفهم ذوينا
و عاهدناهم إذ عاهدونا
فلم ننكث و لا نكثوا يمينا
إذا غضبوا على الدنيا غضبنا
و إن رضوا على الدنيا رضينا
دعاهم للعلى و الخير داع
من " الوادي " فلبّوا أجمعينا
أيخذل " جارة الوادي " بنوها ؟
معاذ الله هذا لن يكونا
فما لاقيت " زحليّا " جبانا
و لا لاقيت " زحليّا " ضنينا
تأمّل كيف أضحى " تلّ شيحا "
يحاكي في الجلالة " طورسينا "
فعن هذا تحدذرت الوصايا
و في هذا وجدنا المحسنينا
على جنباته و على ذراه
جمال يبهر المتأمّلينا
فلم مثله للخير دنيا
و لم أر مثله فتحا مبينا
فيا أشبال " لبنان " المفدّى
و يا إخواننا و بني أبينا
ترنّح عصركم فخرا و هشّت
لصنعكم عظام المائتينا
تبارى الناس في طلب المعالي
فكنتم في المجال السابقينا
بنى الأهرام " فرعون " فدامت
لتخبر كيف كان الظالمونا
و كم أشقى الجموع الفرد منهم
و كم طمس الألوف لكي يبينا
وشدتم معهدا في " تلّ شيحا "
سيبقى ملجأ للبائسينا
يطلّ الفجر مبتسما عليه
و يرجع مطمئنّا مستكينا
و يمضي يملأ الوادي ثناء
عليكم ، و الأباطح و الحزونا
أرى غيثين يستبقان جودا
هما مطر السّما و الغائثونا
لئن حجب الغمام الشّمس عنّا
فلم يطمس ضياء الله فينا
و لم يستر سبيل الخير عنكم
و لم يقبض أكفّ الباذلينا
وجدت المرء حبّ الخير فيه
فإن يفقده صار المرء طينا
تكمّش في الحقول الشوك بخلا
فذلّ و عاش مكتئبا حزينا
و أسنى الورد ، إذ أعطى شذاه
مكانته فكن في الواهبينا
سألت الشعر أن يثني عليكم
فقالت لي القوافي : قد عيينا
سيجزيهم عم البؤساء ربّ
يكافيء بالجميل المحسنينا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشاعر
الشاعر
رقم القصيدة : 67971
-----------------------------------
عندما أبدع هذا
الكون ربّ العالمينا
و رأى كلّ الذي
فيه جميلا و ثمينا
خلق الشاعر
كي يخلق للناس عيونا
تبصر الحسن
و تهواه حراكا و سكونا
وزمانا ، و مكانا ،(57/110)
و شخوصا و شؤونا
فارتقى الخلق
و كانوا قبله لا يرتقونا
واستمر الحسن في
الدنيا و دام الحبّ فينا
*
إنّه روح كريم لبس
الطين المهينا
و نبيّ بهر الخلق
و ما أعلن دينا
يلمح النّجم خفيّا
و يرى العطر دفينا
و يرينا الطّهر حتّى
في النّجاة الآثمينا
و يحسّ الفرح الأسمى
جريحا أو طعينا
كلّما شاعت دماه
أملا في البائسينا
*
من سواه فيه
وقار الناسكينا
من سواه عابد
فيه جنون الثائرينا
من سواه عانق
الله يقينا لا ظنونا
من ترى إلاّه يحيا
نغمات و لحونا
من ترى إلاّه يفني ذاته
في الآخرينا
*
لو أبى الله علينا
و هليه أن يكونا
عادت الأرض و هادا
شاحبات و حزونا
ترتدي الوحشة و الهول
ضبابا و دجونا
و أقاحيها هشيما
لا أريجا و فتونا
و سواقيها سرابا
هازئا بالظامئينا
و شواديها دمى
خرساء تؤذي الناظرينا
و استفاق الجدول الحالم
غيظا و جنونا
و استوى النهر على
وجه الثرى جرحا ثخينا
وانطوت دنيا الرؤى فيها
و مات الحالمونا
*
أي و ربّي لو مضى
الشاعر عنّا لشقينا
و لعشنا بعده في
غصص لا ينتهينا
ولأمسى الله مثل
الناس مغموما حزينا !
*
زعموا ولّى و لن يرجع
ويح الجاهلينا
لم يمت من كان لله
خليلا و خدينا
عاش حينا و سيحيا
بعدما غاب قرونا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ماء و طين
ماء و طين
رقم القصيدة : 67972
-----------------------------------
سألتني و قد رجعت إليها
و على مفرقي غبار السنينا :
أيّ شيء وجدت في الأرض بعدي ؟
قلت : إنّي وجدت ماء و طينا
جمع الحسن و الدمامة و الإق
دام و الخوف و النهى و الجنونا
و الرجاء الذي يصير به الفد
فد روضا ، و شوكه نسرينا
و القنوط الذي يعرّي من الأو
راق في نشوة الربيع الغصونا
ووجدت الهوى كما كان قدما
ثقة تارة ، و طورا ظنونا
و شبابا سكران من خمرة الوهم
يخال المحال أمرا يقينا
فإذا شاخت الرؤى و تلاشت
وصحا بات جزمه تخمينا
لا يزال الإيمان نوعا من
الرّهبة ، و الحسن للغرور خدينا(57/111)
لا يزال الغنيّ يختال في الأر
ض و إن كان جاهلا مأفونا
كلّ من قد لقيت مثلك ، يا نف
سي ، في ما تبدين أو تخفينا
فانظري مرّة إليك مليّا
تبصري الأوّلين و الآخرينا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> العميان
العميان
رقم القصيدة : 67973
-----------------------------------
كم خفضنا الجناح للجاهلينا
و عذرناهم فما عذرونا
خبّروهم ، يا أيّها العاقلونا
إنّما نحن معشر الشعراء
يتجلّى سرّ النبوّة فينا
*
ذكّروهم ، فربّ خير كبير
فعلته الهداة بالتّذكير
إنّما الناس من تراب و نور
فبنو النّور يعبدون النورا
و بنو الطين يعبدون الطينا
*
قيل عنّا قصورنا من هباء
تتلاشى في ضحوة و مساء
أو سطور بالماء فوق الماء
لوسكنتم قصورنا بعض ساعة
لنسيم شهوركم و السنينا
*
لو دخلتم هياكل الإلهام
و سرحتم في عالم الأحلام
و اجتليتم سرّ الخيال السّامي
و عرفتم كما عرفنا الله
لخررتم أمامنا ساجدينا
*
قد سقتنا الحياة كاسا دهاقا
حسنت نكهة ، و طابت مذاقا
و سقينا ممّا شربنا الرّفاقا
فتركناهم حيارى سكارى
يتمنّون أنّهم لا يعونا
*
همّكم في الكؤوس و الأكواب
آه لو كان همّكم في الشّراب
لطرحتم ! عنّكم قيود التّراب
و شعرتم بلذّة أو عذاب
هذه الخمر ليتكم تشربونا
*
أتقولون إنّه مجنون !
أتقولون أنّه مفتون !
أتقولون شاعر مسكين !
كم مليك ، كم قائد ، كم وزير
ودّ لو كان شاعرا مسكينا ؟
*
عاش " ملتن " فلم يكن مذكورا
و هوميروس " كالشّيخ " كان ضريرا
و لقد مات " ابن برد " فقيرا
أرأيتم كما رأى العميان ؟
أفلستم بنورهم تهتدونا ؟
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ابنة الفجر
ابنة الفجر
رقم القصيدة : 67974
-----------------------------------
أنا أن أغمض الحمام جفوني
ودودي صوت مصرعي في المدينة
و تمشي في الأرض دارا فدارا
فسمعت دويّه ورنينه
لا تصيحي واحسرتاه لئلّا
يدرك السّامعون ما تضمرينه
و إذا زرتني و أبصرت وجهي
قد محا الموت شكّه و يقينه(57/112)
و رأيت الصّحاب جاثين حولي
يندبون الفتى الذي تعرفينه
و تعال العويل حولك ممّن
مارسوه و أصبحوا يحسنونه
لا تشقي على ثوبك حزنا
لا و لا تذرفي الدموع السخينه
غالبي اليأس و أجلسي عد نعشي
بسكون ، إنّي أحبّ السّكينه
إنّ للصمت في المآتم معنى
تتعزّى به النّفوس الحزينة
و لقول العذّال عنك (بخيل )
هو خير من قولهم ( مسكينة )
و إذا خفت أن يثور بك الوجد
فتبدو أسرارنا المكنونه
فارجعي و اسكبي دموعك سرّا
و امسحي باليدين ما تسكبينه
***
يا ابنة الفجر من أحبّك ميّت
و لأنت بمثل هذا مهينه
زايل النور مقلتيه و غابت
تحت أجفانه المعني المبينه
فأصيخي ! هل تسمعين خفوقا
كنت قبلا في صدره تسمعينه ؟
وانظري ثمّ فكّري كيف أمسى
ليس يدري عدوّه من و خدينه
ساكتا لا يقول شيئا و لا يس
مع شيئا و ليس يبصر دونه
لا يبالي أأدعوه الثريا
أم رموه في حمأة مسنونه
و إذا الحارسان ناما عياء
و رأيت أصحابه يتركونه
فتعالى و قبّلي شفتيه
و يديه و شعره و جبينه
قبل أن يسدل الحجاب عليه
و يوارى عنك فلا تبصرينه
واحذري أن نراك عين رقيب
و لئن كان رجل ما تحذرينه
فاذا ما أمنت لا تتركيه
قبلما يفتح الصّباح جفونه
***
و إذا السّاعة الرّهيبة حانت
و أريت حرّاسه يحملونه
و سمعت النّاقوس يقرع حزنا
فيردّ الوادي عليه أنينه
زوّدي الرّاحل الذي مات وجدا
بالذي زوّد الغريق السينة
نظرة تعلم السماوات منها
أنّه مات عن فتاة أمينه
***
طوت الأرض من طوى الأرض حيّا
و علاه من كان بالأمس دونه
و اختفى في التراب وجه صبيح
و فؤاد حرّ و نفس مصونه
و إذا ما وقفت عند السّواقي
و ذكرت وقوفه و سكونه
حيث أقسمت أن تدومي على العه
د و آلى بأنّه لن يخونه
حيث علّمته القريض فأمسى
يتغنّى كي تسمعي تلحينه
فاذكريه مع البروق السّواري
واندبيه مع الغيوث الهتونه
و إذا ما مشيت في الروض يوما
ووطأت سهوله و حزونه
و ذكرت مواقف الوجد فيه
عندما كنت بالهوى تغرينه
حيث علّمته الفتون فأضحى(57/113)
يحسب الأرض كلّها مفتونه
حيث وسّدته يمينك حتّى
كاد ينسى شماله و يمينه
حيث كنت و كان يسقيك طورا
من هواه و تارة تسقينه
حتّى حاك الربيع للروض ثوبا
كان أحلى لديه لو ترتدينه
فالثمي كلّ زهرة فيه إنّي
كنت أهوى زهوره و غصونه
ثمّ قولي للطير : مات حبيبي !
فلماذا يا طير لا تبكينه !
***
و إذا ما جلست وحدك في اللّي
ل و هاجت بك الشّجون الدّفينه
و رأيت الغيوم تركض نحو الغر
ب ركضا كأنّها مجنونه
و لحظت من الكواكب صدا
و نفارا و في النسيم خشونه
فغضبت على اللّيالي البواقي
و حننت إلى اللّيالي الثّمينه
فاهجري المخدع الجميل وزوري
ذلك القبر ثمّ حيّي قطينه
وانثري الورد حوله و عليه
واغرسي عند قلبه ياسمينه
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> كلوا و اشربوا
كلوا و اشربوا
رقم القصيدة : 67975
-----------------------------------
كلوا و اشربوا أيّها الأغنياء
و إن ملأ السكك الجائعون
و لا تلبسوا الخزّ إلاّ جديدا
و إن لبس الخرق البائسون
و حوطوا قصوركم بالرجال ،
و حوّطوا رجالكم بالحصون
فلا ضحايا الطّوى
و لا يبصرون الذي تصنعون
و إن ساءكم في الوجود
و أزعجكم أنّهم يولون
مرّوا فتصول الجنود عليهم
تعلّمهم فتك المنون
فهم معتدون ، و هم مجرمون
و هم مقلقون ، و هم ثائرون
و تلك العصيّ لتلك الرؤوس
و تلك الحراب لتلك البطون
و تلك السّجون لمن شدّتموها
إذا تزجّوهم في السّجون ؟
كلوا للظبي حلق عاماتهم
فإنّ الملوك كذا يفعلون
إذا الجند لم يحرسوكم و أنتم
سراة البلاد فمن يحرسون ؟
و إن هم لم يقتلوا الأشقياء
فيا ليت شعري من يقتلون ؟
و لا يحزننّكم موتهم
فإنّهم للردى يولدون
و قولوا كذا قد أراد الإله
و إن قدّر الله شيئا يكون
و يا فقراء لماذا التشكّي ؟
ألا تستحون ؟ ألا تخجلون ؟
دعوا الأغنياء و لذّاتهم
فهم مثل لذّاتهم زائلون
سيمسون في " سقر " خالدين
و تمسون في جنّة تنعمون
فلا تعطشون ، و لا تسغبون ،
و لا يرتوون ، و لا يشبعون(57/114)
لكم وحدكم ملكوت السّماء
فما بالكم لستم تقنعون ؟
فلا تحزنوا أنّكم ساهرون
فسوف تنامون ملء الجفون
ستتّكئون مع الأنبياء
تظلّلكم وارفات الغصون
يضوع السّنا بالشّذى
و تجري الطّلا أنهرا و عيون
و تسقيكم الخمر حور حسان
كما يشتهين ، كما تشتهون
كذا وعد الله أهل التقى
و أنتم هم ، أيّها ، المتعبون
ألا تؤمنون بقول الكتاب ؟
فويل لكم إنّكم كافرون !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> إلى الله راجعون
إلى الله راجعون
رقم القصيدة : 67976
-----------------------------------
بيني و بين العيون سرّ
الله في السّرّ و العيون
إذا عصت فكرتي القوافي
أوحت لنفسي بها الجفون
***
هات اسقني الخمر جهرا
و لا تبال بما يكون
إن كان خير أو كان شرّ
إنّا إلى الله راجعون !!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> المساء
المساء
رقم القصيدة : 67977
-----------------------------------
أسحب تركض في الفضاء الرّحب ركض الخائفين
و الشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
و البحر ساج صامت فيه خشوع الزاهدين
لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد
سلمى ... بماذا تفكّرين ؟
سلمى ... بماذا تحلمين ؟
*
أرأيت أحلام الطفوله تختفي خلف التّخوم ؟
أم أبصرت عيناك أشباح الكهوله في الغيوم ؟
أم خفت أن يأتي الدّجى الجاني و لا تأتي النجوم ؟
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنّما
أظلالها في ناظريم
تنمّ ، يا سلمى ، عليك
إنّي أراك كسائح في القفر ضلّ عن الطّريق
يهوى البروق وضوءها ، و يخاف تخدعه البروق
بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام
لا يستطيع الانتصار
و لا يطيق الانكسار
*
هذي الهواجس لم تكن مرسومه في مقلتيك
فلقد رأيتك في الضّحى و رأيته في وجنتيك
لكن وجدتك في المساء وضعت رأسك في يديك
و جلست في عينيك ألغاز ، و في النّفس اكتئاب
مثل اكتئاب العاشقين
سلمى ... بماذا تفكّرين ؟
*
بالأرض كيف هوت عروش النّور عن هضباتها ؟(57/115)
أم بالمروج الخضر ساد الصّمت في جنباتها ؟
أم بالعصافير التي تعدو إلى و كناتها ؟
أم بالمسا ؟ إنّ المسا يخفي المدائن كالقرى
و الكوخ كالقصر المكين
و الشّوك مثل الياسمين
*
لا فرق عند اللّيل بين النهر و المستنقع
يخفي ابتسامات الطروب كأدمع المتوجّع
إنّ الجمال يغيب مثل القبح تحت البّرقع
لكن لماذا جزعين على النهار و للدّجى
أحلامه و رغائبه
و سماؤه و كواكبه ؟
*
إن كان قد ستر البلاد سهولها ووعورها
لم يسلب الزهر الأريج و لا المياه خريرها
كلّا ، و لا منع النّسائم في الفضاء مسيرها
ما زال في الورق الحفيف و في الصّبا أنفاسها
و العندليب صداحه
لا ظفره و جناحه
*
فاصغي إلى صوت الجداول جاريات في السّفوح
واستنشقي الأزهار في الجنّات ما دامت تفوح
و تمتّعي بالشّهب في الأفلاك ما دامت تلوح
من قبل أن يأتي زمان كالضّباب أو الدّخان
لا تبصرين به الغدير
و لا يلذّ لك الخرير
*
لتكن حياتك كلّها أملا جميلا طيّبا
و لتملإ الأحلام نفسك في الكهولة و الصّبى
مثل الكواكب في السماء و كالأزاهر في الرّبى
ليكن بأمر الحبّ قلبك عالما في ذاته
أزهاره لا تذبل
و نجومه لا تأفل
*
مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات
إنّ التأمّل في الحياة يزيد أوجاع الحياة
فدعى الكآبة و الأسى و استرجعي مرح الفتاه
قد كان وجهك في الضّحى مثل الضّحى متهلّلا
فيه البشاشة و البهاء
ليكن كذلك في المساء
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> مقلتان
مقلتان
رقم القصيدة : 67978
-----------------------------------
رأيت في عينيك سحر الهوى
مندفقا كالنور من نجمتين
فبتّ لا أقوى على دفعه
من ردّ عنه عارضا باليدين
يا جنّة الحبّ و دنيا المنى
ما خلتني ألقاك في مقلتين
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الشاعر و الملك الجائر
الشاعر و الملك الجائر
رقم القصيدة : 67979
-----------------------------------
1
أمر السلطان بالشاعر يوما فأتاه(57/116)
في كساء حائل الصّبغة واه جانباه
و حذاء أوشكت تفلت منه قدماه
قال : صف جاهي ، ففي وصفك لي للشعر جاه
إنّ لي القصر الذي لا تبلغ الطير ذراه
و لي الروض الذي يعبق بالمسك ثراه
و لي الجبش الذي ترشح بالموت ظباه
و لي الغابات و الشمذ الرواسي و المياه
و لي الناس ... و بؤس الناس منّي و الرفاه
إنّ هذا الكون ملكي ، أنا في الكون إله !
2
ضحك الشاعر ممّا سمعته أذناه
و تمنّى إنّ يداجي فعصته شفتاه
قال: إنّي لا أرى كما أنت تراه
إنّ ملكي قد طوى ملكك عنّي و محاه
***
ألقصر ينبيء عن مهارة شاعر
لبق ، و يخبر بعده عنّكا
هو الألى يدرون كنه جماله
فإذا مضوا فكأنّه دكّا
ستزول أنت و لا يزول جلاله
كالفلك تبقى ، إن خلت ، فلكا
***
و الرّوض ؟ إنّ الروض صنعه شاعر
سمح ، طروب ، رائق ، جزل
وشّى حواشيه وزيّن أرضه
بروائع الألوان و الظلّ
لفراشة تحيا له ، و لنحلة
تحيا به ، و لشاعر مثلي !
و لديمة تذري عليه دموعها
كيما تقيه غوائل المحل
و لبلبل غرد يساجل بلبلا
غردا ، و للنسمات و الطلّ
فإذا مضى زمن الربيع أضعته
و أقام في قلبي و في عقلي !
***
و الجيش معقود لواؤك فوقه
ما دمت تكسوه و تطعمه
للخبز طاعته و حسن ولائه
هو " لاته " الكبرى و " برهمه "
فإذا يجوع بظلّ عرشك ليلة
فهو الذي بيديه يحطّمه
لك منه أسيفه ، و لكن في غد
لسواك أسيفه و أسهمه
أتراه سار إلى الوغى متعلّلا
لولا الذي الشعراء تنظمه ؟
و إذا ترنّم هل بغير قصيدة
من شاعر مثلي ترنّمه ؟
***
و البحر ، قد ظفرت يداك بدرّه
و حصاه ، لكن هل ملكت هديره ؟
هو للدجى يلقي عليه خشوعه
و الصّبح يسكب ، و هو يضحك ، نوره
أمرجت أنت مياهه ؟ أصبغت أن
ت رماله ؟ أجبلت أنت صخوره
هو للرياح تهزّه و تثيره
و الشهب تسمع في الظلام زئيره
للطير هائمة به مفتونة
لا للذين يروّعون طيوره
للشاعر المفتون يخلق لاهيا
من موجة حورا و يعشق حوره
و لمن فيه رمز كيانه
و لمن يجيد لغيره تصويره
يا من يصيد الدرّ من أعماقه(57/117)
أخذت يداك من الجليل حقيره
لا تدّعيه ... فليس يملك ، إنّه
كالرّوض جهدك أن تشمّ عبيره
***
و مررت بالجبل الأشمّ فما زوى
عنّي محاسنه و لست أميرا
و مررت أنت فما رأيت صخوره
ضحكت و لا رقصت لديك حبورا
و لقد نقلت لنملة ما تدّعي
فتعجّبت ، ممّا حكيت ، كثيرا
قالت : صديقك ما يكون ؟ أقشعما
أو أرقما ؟ أم ضيغما هيصورا ؟
أيحوك مثل العنكبوت بيوته
حوكا ؟ و يبني كالنسور و كورا ؟
هل يملأ الأعوار تبرا كالضّحى
و يردّ كالغيث الموات نضيرا ؟
أيلفّ كاللّيل الأباطح و الرّبى
و المنزل المعمور و المهجورا ؟
فأجبتها : كلّا ! فقالت : سمّه
في غير خوف " كائنا مغرورا ! "
3
فاحتدم السّلطان أيّ احتدام
و لاح حبّ البطش في مقلتيه
وصاح بالجلّاد : هات الحسام !
فأسرع الجلّاد يسعى إليه
فقال: دحرج رأس هذا الغلام
فرأسه عبء على منكبيه
***
قد طبع السّيف لحزّ الرّقاب
و هذه رقبة ثرثار
أقتله ...و اطرح جسمه للكلاب
و لتذهب الروح إلى النّار
***
سمعا و طوعا ، سيّدي !.. و انتضى
عضبا يموج الموت في شفرتيه
و لم يكن إلاّ كبرق أضا
حتّى أطار الرأس عن منكبيه
فسقط الشاعر معرورضا
يخدّش الأرض بكلتا يديه
كأنّما يبحث عن رأسه
فاستضحك السلطان من سجدته
ثمّ استوى يهمس في نفسه
" ذو جنّة " أمسى بلا جنّته
***
أجل ، هكذا هلك الشاعر
كما يهلك الآثم المذنب
فما غضّ في روضة طائر
و لم ينطفيء في السّما كوكب
و لا جزع الشّجر الناضر
و لا اكتأب المطرب
و كوفيء عن قتله القاتل
بمال جزيل وخدّ أسيل
فقال له خلقه السّافل :
ألا ليت لي كلّ يوم قتيل !
4
في ليلة طامسة الأنجم
تسلّل الموت إلى القصر
بين حراب الجند و الأسهم
و الأسيف الهنديّة الحمر
إلى سرير الملك الأعظم
إلى أمير البرّ و البحر !!
ففارق الدنيا و لمّا تزل
فيها خمور و أغاريد
فلم يمد حزنا عليه الجبل
و لا ذوى في الرّوض أملود
5
في حومة الموت و ظلّ البلى
قد التقى السّلطان و الشاعر
هذا بلا مجد ، و هذا بلا(57/118)
ذلّ ، فلا باغ و لا ثائر
عانقت الأسمال تلك الحلى
واصطحب المقهور و القاهر
*
لا يجزع الشاعر أن يقتلا
ليس وراء القبر سيف و رمح
و لا يبالي ذاك أن يعذلا
سيّان عند الميّت ذمّ و مدح
6
و توالت الأجيال تطّرد
جيل يغيب و آخر يفد
أخنت على القصر المنيف فلا
الجدران قائمة و لا العمد
و مشت على الجيش الكثيف فلا
خيل مسوّمة و لا زرد
ذهبت بمن صلحوا و من فسدوا
و مضت بمن تعسوا و من سعدوا
و بمن أذاب الحبّ مهجته
و بمن تأكّل قلبه الحسد
و طوت ملوكا ما لهم عدد
فكأنّهم في الأرض ما وجدوا
و الشاعر المقتول باقية
أقواله فكأنّها الأبد
ألشيخ يلمس في جوانبها
صور الهوى و الحكمة الوله
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> في قلبك الله
في قلبك الله
رقم القصيدة : 67980
-----------------------------------
مرّت ليال و قلبي حائر قلق
كالفلك في النهر هاج النوء مجراه
أو كالمسافر في قفر على ظمإ
أضنى المسير مطاياه و أضناه
لاأدرك الأمر أهواه و أطلبه ،
و أبلغ الأمر نفسي ليس تهواه
عجبت من قائل إنّي نسيتكم
من كان في القلب كيف القلب ينساه ؟
إن كنت بالأمس لم أهبط مربعكم
فالطير يقعد موثوقا جناه
فلا يقرّبه شوق إلى نهر
و ليس تنقله في الرّوض عيناه
و ليس يشكو و لا يبكي مخافة أن
تؤذي مسامع من يهوى شكاواه
إنّي لأعجب منّا كيف تخدعنا
عن الحقائق أمثال و أشباه
إذا بنى رجل قصرا وزخرفه
سقنا إليه التهاني و امتدحناه
و ما بنى قصره إلاّ ليحجب عن
أبصارنا في زواياه خطاياه
و نمدح المرء من خزّ ملابسه
و ذلك الخزّ لم تنسجه كفّاه
و إن أتانا أخو مال يكاثرنا
بالتّبر تيها رجوناه و خفناه
و قد يكون نضار في خزائنه
دما سفكناه أو جهدا بذلناه
لا تحسب المجد ما عيناك أبصرتا
أو ما ملكت هو السلطان و الجاه
ألمال مولاك ما أمسكته طمعا
فانفقه في الخير تصبح أنت مولاه
ما دام قلبك فيه رحمة لأخ
عان ، فأنت امرؤ في قلبك الله(57/119)
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الإله الثرثار
الإله الثرثار
رقم القصيدة : 67981
-----------------------------------
زعم المرء أنّما ربّ
كم يلوك الكلام هذا الإله
يلفظ البحر و هو ملح أجاج
لؤلؤا يبهر العيون سناه
ما ادّعى الدّرّ أنّه صورة البح
ر و لا قال : إنّني إيّاه
لا ولا قال كلّ شيء إلى المح
و و ما خصّ بالخلود سواه
إن تكن للخلود ذاتك في الد
نيا ، فما ذا الأمر الذي تهواه
و إذا صرت غير شخصك في الأ
خرى فهذا الفنا الذي تخشاه
في التراب الذي تدوس عليه
ألف دنيا و عالم لا تراه
أنت جزء من الكيان و فيه
كثراه ، كنبته ، كحصاه
كالورود التي تحبّ شذاها
و البعوض الذي تخاف أذاه
ما لحيّ بالموت عنه انفصال
إنّ دنياه هذه أخراه
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> رأي الأكثريّة
رأي الأكثريّة
رقم القصيدة : 67982
-----------------------------------
لمّا سألت عن الحقيقة قيل لي
ألحقّ ما اتّفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضّحى
و الهند ساجدة هناك لديه
نرضى بحكم الأكثريّة مثلما
يرضى الوليد الظّلم من أبويه
إمّا لغنم يرتجيه منهما
أو خيفة من أن يساء إليه
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> ليل الأشواق
ليل الأشواق
رقم القصيدة : 67983
-----------------------------------
ربّ ليل نجومخه ضاحكات
مثل أحلام غادة في صباحها
لمست إصبع السكينه أشوا
في فهبّت مذعورة من كراها
كطيور في الأسر تبغي انعتاقا
قبل أن يفسد الإسار لغاها
أبق النوم ، فانطلقت إلى النّهر
بنفس كادت تسيل دماها
و معي صاحب رقيق الحواشي
تجد النّفس في رؤاه رؤاها
إن دجت ليلة أراك ضحاها
أو ذوت زهرة أراك شذاها
...
قال : ما أجمل الكواكب ! ما
أحلى سناها ! فقلت : ما أحلاها !
قال : لا شوق ، لا صبابة لولا
ها ! فتمتمت قائلا : لولاها !
قال : هل تشتهي الوصول إليها ؟
قلت : إنّي لا أشتهي إلاّها !
...
كان طرفي يجول في العالم الأ(57/120)
على وروحي تجول في مغناها
و جليسي يظنّ في الشهب قصدي
و أنا أحسب الجليس عناها
قال : و النهر كم طوى من صبابا
ت ! فأطرقت أستشفّ المياها
فإذا النهر فيه رعشة روحي
حين يدوّي فيها صدى ذكراها
قال : و اللّيل ... قلت : حسبك إعنا
ت لنفسي ، و حسب نفسي دجاها
فانقطعنا عن الكلام و بتنا
كلّ نفس لذاتها نجواها
...
خلت أنّي إذا بعدت سأنسا
ها و يطوي الزّمان سفر هواها
و توهّمت أنّني سوف ألقى
ألف ليلى و ألف هند سواها
فإذا الحبّ كالفضاء ، و قلبي
طائر في الفضاء ضلّ وتاها
قد نشقت الأزهار في كلّ أرض
يا شذاهنّ لست مثل شذاها !
كيف أنسى و أينما سرت في الد
نيا أراني أسير في دنياها
و إذا ما لمحت في الأرض حسنا
فكأنّي لمحتها إيّاها
و إذا داعب النسيم ردائي
قلت : قد علّمته هذا يداها !
هي أدنى من الأماني إلى قل
بي ، و قلبي يصيح : ما أقصاها !
لست أشكو النّوى ملالا و لكن
طرب الرّوح أن تذيع جواها
قال قوم : إنّ المحبّة إثم !
ويح بعض النفوس ما أغباها
إنّ نفسا لم يشرق الحبّ فيها
هي نفس لم تدر ما معناها
خوّفوني جهنّما و لظاها
أيّ شيء جهنّم و لظاها ؟
ليس عند الإله نار لذي حبّ ،
و نار الإنسان لا أخشاها !
أنا بالحبّ قد وصلت إلى نفسي ،
و بالحبّ قد عرفت الله !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> أم القرى
أم القرى
رقم القصيدة : 67984
-----------------------------------
هذه " ملفرد " قد لاحت رباها
فانس ، يا قلب اللّيالي و أذاها
واشهد الفنّ سفوحا و ذرى
و الهوى الصافي أريجا و مياها
ههنا أودعت أحلام الصبا
أفما تلمح نورا في ثراها ؟
أتلقى الوحي عن بلبلها
و هو و لهان يغني لرباها
و تحسّ الوحي روحي هابطا
من سماها في ضحاها و مساها
ذهبت عشرون في فرقتها
ليتها فيها انقضت لا في سواها
كم جلسنا تحت صفصافتها
أشتكي وجدي و تشكو لي هواها
و السّواقي استترت إلاّ غناها
و الرّوابي هجعت إلاّ شذاها
و الصدى في الغاب لم ننبس معا(57/121)
نسبة إلاّ وعاها و حكاها
نتناجى ويدي في يدها
فإذا لاح خيال نتلاهى
أنا دنيا من شباب و هوى
و هي كالروضة قد تمت حلاها
أحسن الأيّام في العصر انقضت
آه لو ينشرها من قد طواها
صرت في نيويورك طيفا شاردا
مع طيوف حائرات في سراها
طرحت عنها رؤاها و مضت
ننشد المجد الذي فيه شقاها
كنعاج عميت أبصارها
ووهت في طلب العشب قواها
كلّما جدّت لكي تدركه
وجدته صار في الأرض وراها !
أين في نفسي رؤى تسعدها ؟
سرقت نيويورك من نفسي رؤاها
في يدي أمري و لا أملكه
و معي ذاتي و أخشى أن أراها !
هذه " أمّ القرى " قف في حماها
تسترح نفسي من بعض جواها
ههنا الإنسان يلقى ذاته
ههنا لا يحجب المال الإلها
لا تقل لي جئتها عارية
فقرها عندي جميل كغناها
لم يزل للصيف فيها عبق
و سماء الصيف ما زالت سماها
لا يزال الحبّ في شلالها
و بواديها حديثا وانتباها
لم يجردها الشتا من وشيها
بل كساها روعة فوق بهاها
فهي في ديباجة من صبغه
ما رآها أحد إلاّ اشتهاها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> اسألوها
اسألوها
رقم القصيدة : 67985
-----------------------------------
اسألوها ، أو فاسألوا مضناها
أيّ شيء قالت له عيناها ؟
فهو في نشوة و ما ذاق خمرا
نشوة الحبّ هذه إيّاها
ذاهل الطرف شارد الفكر ،
لا يلمح حسنا في الأرض إلاّ رآها
ألسواقي لكي تحدّث عنها
و الأقاحي لكي تذيع شذاها
و حفيف النسيم في مسمع
الأوراق نجوى تبثّها شفتاها
يحسب الفجر قبسه من سناها
و نجوم السماء بعض حلاها
و كذلك الهوى إذا حلّ في الأرواح
سارت في موكب من رؤاها
كان ينهى عن الهوى نفسه الظمأى
فأمسى يلوم من ينهاها
لمس الحبّ قلبه فهو نار
تتلظّى و يستلذّ لظاها !
كلّ نفس لم يشرق الحبّ فيها
هي نفس لم تدر ما معناها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> حكاية حال
حكاية حال
رقم القصيدة : 67986
-----------------------------------
ألحشد ملء الدّار لكن
لم ير أحدا سواها
فتّانة خلّابة(57/122)
كالياسمينه في شذاها
أوفى عليها و هي تخطر
كالفراشة فاشتهاها
شكت الصّبابة مقلتا
ه فجاوبته مقلتاها
حتّى إذا ما اختار كلّ " م "
فتى رفيقته اصطفاها
و رأت به من تبتغي
و كما رأته كذا رآها
و تقدّما للرّقص يقرأ
ناظريه ناظراها
متلاصقي الجسمين
يسند ساعديه ساعداها
و تكاد لولا الخوف تلمس
و جنتيه و جنتاها
متدافعين كموجتين ،
خطاه تتبعها خطاها
يمشي فتمشي و هي
تحسبه يسير على حشاها
هي في لئام كالدّجى
محلو لك و كذا فتاها
لكنّما الألحاظ تخترق
السّتور و ما وراها
فاض الغرام فقال آه
و قالت الحسناء آها
فانسل من أصحابه
سرّا ، و أغضت جارتاها
و مشى بها في روضة
قد نام عنها حارساها
حتّى إذا أمنّا الورى
و شكا الهوى و شكت هواها
طارت ببرقعها و بر
قعه على عجل يداها
كيما تقبّل ثغره
و يقبّل المعشوق فاها
فرأى المتيّم بنته
ورأت مليحتنا أباها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الصيف
الصيف
رقم القصيدة : 67987
-----------------------------------
عاد للأرض مع الصيف صباها
فهي كالخود التي تمّت حلاها
صور من خضرة في نضره
ما رآها أحد إلاّ اشتهاها
ذهب الشمس على آفاقها
و سواد اللّيل مسك في ثراها
و نسيم في أشجارها
و شوشات يطرب النهر صداها
و السّواقي فتن راقصة
ضحكها شدو و تهليل بكاها
و الأقاحي صور خلّابة
و أغاني الطير شعر لا يضاهى
إنّها الجنة لامريء
هو فيها و قليلا ما يراها
أيّها المعرض عن أزهارها
لك لو تعلم ، يا هذا ، شذاها
أيّها النائم عن أنجمها
خلق الله لعينيك سناها
أيّها الكابح عن لذّاتها
نفسه ، هيهات لن تعطى سواها
لا تؤجّل لغد ، ليس غد
غير يوم كالّذي ضاع و تاها
و إذا لم تبصر النفس المنى
في الضحى كيف تراها في مساها
هذه الجنّة فاسرح في رباها
و اشهد السّحر زهورا و مياها
و استمع للشّعر من بلبلها
فهو الشعر الذي ليس يضاهى
...
ما أحيلى الصيف ما أكرمه
ملأ الدنيا رخاء ورفاها
عندما ردّ إلى الأرض الصّبا(57/123)
ردّ أحلامي التي الدهر طواها
كنت أشكو مثلما تشكو الضّنى
فشفى آلام نفسي وشفاها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> جرجي زيدان
جرجي زيدان
رقم القصيدة : 67988
-----------------------------------
ثكل الشّرق فتاه
ليتني كنت فداه
ليتني كنت أصمّا
عندما النّاعي نعاه
قد نعى النّاعون "
زيدانا " إلى البدر سناه
و إلى التاريخ و العلم
أباه و أخاه !
...
سرى نعيه في الدمع في كلّ محجر
كأنّ قلوب الناس خلف المحاجر
و للطير في اجنان إرنان ثاكل
و للماء أنّت الغريب المسافر
و للنجم ، و هو النجم ، مشية ظالع
و للأرض ، و هي الأرض ، وقفة حائر
و ما كاهن فيه الأسى غير كامن
و لا ظاهر فيه الأسى غير ظاهر
و هي " البرق " ممّا حملوه فلم يطق
يحدّثنا عنه بغير الأشائر
فيا خبرا ألقى الفجيعة بيننا
لأنت علينا اليوم أشأم طائر
و يا ناقل الأنباء يجهل كنهها
كرهناك حتّى قادما بالبشائر
أقام الأسى بين العزاء و مهجتي
و باعد ما بين القريض و خاطري
فأمسيت لا أدري أستر من الدّجى
على الشّمس أم ضيّعت أسود ناظري
و بات فؤادي يتّقي نزواته
كما يتّقي العصفور بأس الكواسر
كأنّ بقلبي شاعرا ينظّم الأسى
كأنّي مدمعي كلّ ناثر
ألا ليت شعري بعدما طار نعيه
أفي أرض مصر نائم غير ساهر
و هل في سماء النّيل غير دياجر
و هل في مياه النيل غير مجامر
و هل في ضفاف النيل بين نخليه
مغرّدة أو آنس غير نافر
بم سمر الإخوان في كلّ ليلة
و صاحبهم في اللّحد غير مسامر
لبّيكعليه المسلمون فإنّهم
أضاعوا به محبّي العصور الدّوائر
و تبك النّصارى فخرها و عميدها
فما بعده من حجّة لمفاخر
فما جادت الدنيا عليهم بمثله
و غير يسير أن تجود بآخر
أيا جبل العلم الذي ماد هاويا
عزيز علينا أن ترى في الحفائر
عليك يودّ الغرب لو كان مشرقا
و فيك يحبّ الحيّ أهل المقابر
و يغبط تبر الأرض فيك ترابها
و يحسد ماء الجفن ماء المحابر
و ما عادة خفض الرّجال رؤوسها
و لكنّما في الأرض كنز الجواهر(57/124)
لتفخر على الشّهب و الحصى
ففيها هلال العلم شمس المحاضر
شأوت الأوالي جامعا و مؤلّفا
وزدت بأن أحرزت فضل الأواخر
تخيّر أحداث اللّيالي كبارنا
كأنّ المنايا صبّة بالأكابر
و نضحك للآمال ضحكة وامق
فيضحك منّا الدّهر ضحكة ساخر
رضينا بأن الغزاة بلادنا
و نمنا و ما نامت عيون المعاشر
لها كلّ يوم حكم جائر
وإقدام موتور و فتكة ثائر
على أنّها من غير مذنب
و تأخذ بالأوتار من غير واتر
فيا ويح هذا الشوق كيف اغتباطه
و أمضى مواضيه مليل الأظافر ؟
...
جلل في مصر لكن
في العراقين صداه
ماد لبنان و ماد
الشّام لمّا سمعاه
كاد أن يخذل فيه
كلّ طود منكباه
أيّها الرّاحل عنّا
بلّغ الحزن مداه
قد بكاك الأفق حتّى
فرقداه و سهاه
يا خليليّ أعينا
من عصاه مسعداه
خانت النّفس قواها
خانت البين قواه
قد مضى من تتمنّى
كلّ عين أن تراه
فتمنّى كلّ قبر
حين أودى لو حواه
مات " زيدان "
أبو التاريخ فليحي فتاه !
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عزّ الورود
عزّ الورود
رقم القصيدة : 67989
-----------------------------------
عز الورود.. وطال فيك أوام
وأرقت وحدي..والأنام نيام
ورد الجميع ومن سناك تزودوا
وطردت عن نبع السنى وأقاموا
ومنعت حتى أن أحوم..ولم أكد
وتقطعت نفسي عليك ..وحاموا
قصدوك وامتدحوا ودوني اغلقت
أبواب مدحك..فالحروف عقام
أدنوا فأذكرما جنيت فأنثني
خجلا تضيق بحملي الأقدام
أمن الحضيض أريد لمسا للذرى
جل المقام.. فلا يطال مقام
وزري يكبلني..ويخرسني الأسى
فيموت في طرف اللسان.. كلام
يممت نحوك يا حبيب الله في
شوق..تقض مضاجعي الآثام
أرجوالوصول فليل عمري غابة
أشواكها.. الأوزار.. والآلام
يا من ولدت فأشرقت بربوعنا
نفحات نورك..وانجلى الإظلام
أأعود ظمئآنا وغيري يرتوي
أيرد عن حوض النبي ..هيام
كيف الدخول إلى رحاب المصطفى
والنفس حيرى والذنوب جسام
أو كلما حاولت إلمام به
أزف البلاء فيصعب الإلمام
ماذا أقول وألف ألف قصيدة(57/125)
عصماء قبلي.. سطرت أقلام
مدحوك ما بلغوا برغم ولائهم
أسوار مجدك فالدنو لمام
ودنوت مذهولا..أسيرا لا أرى
حيران يلجم شعري الإحجام
وتمزقت نفسي كطفل حائر
قد عاقه عمن يحب ..زحام
حتى وقفت أمام قبرك باكيا
فتدفق الإحساس ..والإلهام
وتوالت الصور المضيئة كالرؤى
وطوى الفؤاد سكينة وسلام
يا ملءروحي..وهج حبك في دمي
قبس يضيء سريرتي..وزمام
أنت الحبيب وأنت من أروى لنا
حتى أضاء قلوبنا..الإسلام
حوربت لم تخضع ولم تخشى العدى
من يحمه الرحمن كيف يضام
وملأت هذا الكون نورا فأختفت
زصور الظلام..وقوضت أصنام
الحزن يملأ يا حبيب جوارحي
فالمسلمون عن الطريق تعاموا
والذل خيم فالنفوس كئيبة
وعلى الكبار تطاول الأقزام
الحزن..أصبح خبزنا فمساؤنا
شجن ..وطعم صباحناأسقام
واليأس ألقى ظله بنفوسنا
فكأن وجه النيرين.. ظلام
أنى اتجهت ففي العيون غشاوة
وعلىالقلوب من الظلام ركام
الكرب أرقنا وسهد ليلنا
من مهده الأشواك كيف ينام
يا طيبة الخيرات ذل المسلمون
ولا مجير وضيعت ..أحلام
يغضون ان سلب الغريب ديارهم
وعلى القريب شذى التراب حرام
باتوا أسارى حيرة..وتمزقا
فكأنهم بين الورى..أغنام
ناموا فنام الذل فوق جفونهم
لاغرو..ضاع الحزم والإقدام
يا هادي الثقلين هل من دعوة
تدعي..بها يستيقظ النوام
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لبنان
لبنان
رقم القصيدة : 67990
-----------------------------------
إثنان أعيا الدهر أن يبليهما
لبنان و لأمل الذي لذويه
نشتاقه و الصيف فوق هضابه
و نحبّه و الثلج في واديه
و إذا تمدّ له ذكاء حبالها
بقلائد العقيان تستغويه
و إذا تنقّطه السماء عشيّة
بالأنجم الزهراء تسترضيه
و إذا الصّبايا في الحقول كزهرها
يضحكن ضحكا لا تكلّف فيه
هنّ اللّواتي قد خلقن لي الهوى
و سقيتني السحر الذي أسقيه
هذا الذي صان الشّباب من البلى
و أبى على الأيّام أن تطويه
...
و لربّما جبل أشبّهه به
مسترسلا مع روعة التشبيه
فأقول يحكيه ، و أعلم أنّه(57/126)
مهما سما هيهات أن يحكيه
يا لذّة مكذوبة يلهو بها
قلبي و يعرف أنّها تؤذيه
إنّي أذكّره بذيّاك الحمى
و جماله و إخالني أنسيه
و إذا الحقائق أحرجت صدر الفتى
ألقى مقالده إلى التمويه
وطني ستبقى الأرض عندي كلّها
حتّى أعوذ إليه أرض التيه
سألوه الجمال فقال : هذا هيكلي
و الشعر قال : بنيت عرشي فيه
الأرض تستجدّي الخضمّ مياهه
و كنوزه و البحر يستجديه
يمسي و يصبح و هو منطرح على
أقدامه طمعا بما يحويه
أعطاه بعض وقاره حتّى إذا
استجداه ثانية سخا ببنيه
لبنان صن كنز العزائم واقتصد
أخشى مع الإسراف أن تفنيه
...
غيري يراه سياسة وطوائفا
و يظلّ يزعم أنّه رائيه
و يروح من إشفاقه يبكي له
لبنان أنت أحقّ أن تبكيه
لا يسفر الحسن النزيه لناظر
ما دام منه الطّرف غير نزيه
...
قل للألى رفعوا التخوم
ضيّقتم الدّنيا على أهليه
و لمن يقولون الفرنج حماته
الله قبل سيوفهم حاميه
...
يا صاحبي ، يهنيك أنّك في غد
ستعانق الأحباب في ناديه
و تلذّ بالأرواح تعبق بالشّذى
و تهزّك الأنغام من شاديه
إن حدّثوك عن النعيم فأطنبوا
فاشتقته لا تنس أنّك فيه !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> يا قائد القوم
يا قائد القوم
رقم القصيدة : 67991
-----------------------------------
يا أيّها الشعر أسعفني فأرثيه
و يا دموع أعينيني فأبكيه
بحثت لي عن معزّ يوم مصرعه
فلم أجد غير محزون أعزّيه
و ما سألت امرءا فيما تفجّعه
إلاّ و جاوب - " إنّي من محبّيه "
كأنّما كلّ إنسان أضاع أخا
أو انطوت فجأة دنيا أمانيه
فذا أساه لهيب في أضالعه
و ذا أساه دموع في مآقيه
فهل درى أيّ سهم في قلوب رمى
لما نعاه إلى الأسماع ناعيه ؟
***
يا شاعر الحسن هذا الروض قد طلعت
فيه الرياحين و افترّت أقاحيه
و شاع " أيّار " عطرا في جوانبه
و نضرة و اخضرارا في روابيه
فأين شعرك يسري من نسائمه ؟
و أين سحرك يجري في سواقيه ؟
هجرته فامّحت منه بشاشته
مات الهوى فيه لمّا مات شادية(57/127)
أغنى عن الدّرّ في القيعان مختبئا
درّ يساقطه الحدّدا من فيه
و كان للسحر تأثيره فأبطله
بالسحر يجري حلالا في قوافيه
بلاغة " المتنبّي " في مدائحه ،
و دمع " خنساء صخر " في مراثيه
لا يعذّب الشعر إلاّ حين ينظمه ،
أو حين ينشده ، أو حين يرونه
و يا طبيبا يداوي الناس مع علل
داء الأسى اليوم فيهم من يداويه ؟
أمسى الذي كان يشجينا و يطربنا
لا شيء يطربه ، لا شيء يشجيه
لقد تساوى لديه شدو ساجعة
و صوت نائحة في الحيّ تبكيه
صارت لياليه نوما غير منقطع
و لم تكن هكذا قبلا لياليه
قد كان نبراسنا في المعضلات إذا
ما ليلها جنّ واربدّت نواصيه
فمن لنا في غد إن أزمة عرضت
و ليس فينا أخو حزم يضاهيه
من للحزين يواسيه و يسعده
و للمريض يداويه فيشفيه
يا قائد القوم إن تسأل فإنّهم
باتوا حيارى كإسرائيل في التيه
لمّا رأوك مسجّى بينهم علموا
ما العيش غير أخاييل و تمويه
يا رزق ، قلبي عليك اليوم منفطر
و كلّ قلب كقلبي في تشطّيه
لم يحو نعشك جسما لا حراك به
بل أنت آمالنا موضوعة فيه
غدا يواريك عن أبصارنا جدث
لكنّ فضلك لا شيء يواريه
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الكمنجة المحطّة
الكمنجة المحطّة
رقم القصيدة : 67992
-----------------------------------
شاهدتها كالميّت في اكفانه
فوجئت إلاّ عبرة أذريها
مهجورة كسفينة منبوذة
في الشّطّ غاب وراءه ماضيها
نسجت عليها خيوطها
و كسى الغبار غلالة تكسوها
أقوت و باتت كالمسامع بعدها
لا شيء يطربها و لا يشجيها
و كأنّها ، في صمتها ، مشدوهة
أن لا ترى بهتافها مشدوها
لاحسّ في أوتارها ، لا شوق في
أضلاعها ، لا حسن في باقيها
فارزح بحزنك ، يا حزين ، فإنّها
لا تنشر الشّكوى و لا تطويها
و إذا انفضى عهد التعلّل بالمنى
فالنّفس يشفقيها الذي يرديها
***
لله عهد مرّ لي ظلّها
أبكى عليه و تارة أبكيها
كانت كأنّ ضاوعها موصوله
بأضالعي و سرائري في فيها
كم مرّة حامت غرابيب الأسى
لتقيت من قلبي الجريح بنيها(57/128)
فإذا الأغاريد اللّطيفة دونها
سور يصون حشاشتي و يقيها
كم هزّني الشّدو الرخيم فساقطت
نفسي همومما أوشكت تبليها
فإذا أنا مثل البنفسجية التي
ذبلت فباكرها النّدى يحييها
و لكم سمعت خفوق أجنحة المنى
و حفيفها في نغمة توحيها
فسكرت حتّى ما أوعى سكر امريء
بالخمر أترع كأسه ساقيها
ورأيتني من جنّة سحريّة
لا يرتوي من حسنها رائيها
و لمحت أحلام الشّباب مواكبا
تتلاى أمامي و الهوى حاديها
سرّ السعادة في الرّوءى إنّ الرءوى
لا كفّ تثبتها و لا تمحوها
و لكم سمعت دبيب أشباح الأسى
عند المسا في أنّه تزجيها
فذكرت ثمّ محاسنا الثرى
غابت و شوّهها البلى تشويها
فإذا أنا كالسنديانه شوشت
أغصانه الريح التي تلويها
أو كالسفينة في الضباب طريقها
ضلّت ، و غابت أنجم تهديدها
شهد الدّجى و الفجر أنّي جازع
لسكونها جزع الغدير أخيها
ما أن سمعت أنينه و نشيجه
إلاّ و يعرو النفس ما يعروها
روّى الثرى ، يا ليت روحي في الثرى
أو في النبات لعلّة يرويها
***
يا صاحبيّ ، و في حنايا أضلعي
همّ يكظّ الروح بل يدميها
إنّ التي نقلت حكايات الهوى
لم يبق غير حكاية ترويها
كمدينة دكّ القضاء صروحها
دكّا و كفّن بالسكوت ذويها
نعيت فريع الفجر و ارتعش الدّجى
ما كان أهونها على ناعيها
لا تعجبا في الغاب من نوح الصّبا
و عويلها ، إنّ الصّبا ترثيها
لو تسمعان نجّيها متمشّيا
كالسّحر في الأرواح يستهويها
لعلتما أنّ القضاء اغتالها
كيلا تبوح بكلّ سرّ فيها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> " من اشتهى الخمر فليزرع دواليها "
" من اشتهى الخمر فليزرع دواليها "
رقم القصيدة : 67993
-----------------------------------
خذ ما استطعت من الدنيا و أهليها
لكن تعلّم قلبلا كيف تعطيها
كم وردة طيبها حتّى لسارقها
لا دمنه خبثها حتّى لساقيها
أكان في الكون نور تستضيء به
لو السماء طوت عنّا دراريها ظ
أو كان في الأرض أزهار لها أرج
لو كانتا الأرض لا تبدي أقاحيها ؟(57/129)
إن الطيور الدمى سيّان في نظري
و الورق إن حبست هذي أ؟غانيها
إن كانت النفس لا تبدو محاسنها
في اليسر صار غناها من مخازيها
***
يا عابد المال قل لي هل وجدت به
روحا تؤانسك أو روحا تؤاسيها
حتّى م ، يا صاح ، تخفيه و تطمره
كأنّما هو سوءات تواريها ؟
و تحرم النفس لذات لها خلقت
و لم تصاحبك ، يا هذا ، لتؤذيها
أنظر إلى الماء إنّ البذل شيمته
يأتي الحقول فيرويها و يحميها
فما تعكّر إلاّ و هوم منحبس
و النفس كالماء تحكيه و يحكيها
ألسجن للماء يؤذيه و يفسده
و السجن للنفس يؤذيها و يضنيها
و انظر إلى النار إنّ الفتك عادتها
لكنّ عادتها الشنعاء ترديها
تفني القرى و المغاني ضاحكة
لجهلها أنّ ما تفنيه يفنيها
أرسلت قولي تمثيلا و تشبيها
لعلّ في القول تذكيرا و تنبيها
لا شيء يدرك في الدنيا بلا تعب
من اشتهى الخمر فليزرع دواليهال
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الغابة المفقودة
الغابة المفقودة
رقم القصيدة : 67994
-----------------------------------
يا لهفة النفس على غاية
كنت وهندا نلتقي فيها
أنا كما شاء الهوى و الصّبا
و هي كما شاءت أمانيها
تكاد من لطف معانيها
يشربها خاطر راثيها
آمنت بالله و آياته
أليس أنّ الله باريها ظ
...
نباغت الأزهار عند الضّحى
متّكئات في نواحيها
ألوى على الزّنبق نسرينها
و التفّ عاريها بكاسيها
و اختجلت في الشّمس ألوانها
كأنّها تذكر ماضيها
تآلفت ، فالماء من حولها
يرقص و الطير تغنّيها
من لقّن الطير أناشيدها ؟
و علّم الزهر تآخيها ؟
يا هند هذي معجزات الهوى
و إنّها فينا كما فيها
لا تستحي الزهر بإعلانها
فما لنا نحنت نواريها ؟
و تهتف الطير بها في الربى
فما لنا نحن نعمّها ظ
لله في الغابة أيّمنا
ما عابها إلاّ تلاشيها
طورا علينا ظلّ أدواحها
و تارة عطف دواليها
و تارة نلهو بأعنابها
و تارة نحصى أقاحيها
تسكت إذ نشكو شحاريرها
كأنّما التغريد يؤدّيها
و إن تضاحكا سمعنا الصدى
يضحك معنا في أقاصيها(57/130)
و إن مشينا فوق كئبانها
لاحت فشاقتنا أدانيها
و فوقنا الأغصان معقودة
ذوائب طال تدلّيها
إذا هززها عن غرّة
ألقت من الذعر لآليها
نسير من كهف إلى جدول
نكتشف الأرض و نطويها
و النور عطر في تعاريجها
و العطر نور في حواشيها
و تختبي هند فأشتاقها
و أختبي عنها فأغريها
كم أوهمتني الخوف من طارىء
تشجي بذا نفسي فتشجيها
فرحت أعدو نحوها مشفقا
فكان ما حاذرت تمويها !
فاعجب لأطواري و أطوارها
تعبت منّي و أجاريها !
...
ألله لو دام زمان الهوى
و دام من هند تجنّيها
لا غابتي اليوم كعهدي بها
و لا التي أحببتها فيها
و لا تلال كهنود الدمى
و لا سفوح كتراقيها
و لا الندى درّ على عشبلها
و لا الأقاحي في روابيها
و لا الضّحى يلقى على أرضها
شبّاك تبر من أعاليها
أهبطني أمس إلى حضنها
شوقي إلى سجع قماريها
فلم تخمّشني بأوراقها
و لم تهلّل لي سواقيها
قد بدّل الإنسان أطوارها
و اغتصب الطيّر مآويها
وفتّ بالبارود جلمودها
واتثّ بالفأس دواليها
و شاد من أحجارها قرية
سكّانها الناس و أهلوها
...
يا لهفة النّفس على غابة
كنت و هندا نلتقي فيها
جنّة أحلامي و أحلامها
ودار حبّي و تصابيها
نبكي من اليأس على شوكها
و كان يدميني و يدميها
كانت تغطّينا بأوراقها
فصارت الدّور تغطّيها !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> يا أنشودتي انطلقي
يا أنشودتي انطلقي
رقم القصيدة : 67995
-----------------------------------
أنشودة في ضميري كم أواريها
و ما شقائي إلاّ أن أغنّيها
ولّى الشتاء و نفسي في كآبتها
و استضحك الصّيف إلاّ في نواحيها
كأنّها زهرة في الظّلّ ثابته
لانور يغمرها ، لا ماء يسقيها
كأنّها الحرب في قلبي زلالها
و بعض أهلي أقوام تعانيها
حكاية أتقلّى حين أسمعها
و يأكل الحزن قلبي حين أرويها
وا رحمتاه لأوربا فما فتكت
أفعى بأفعى كأهليها بأهليها
لم يبق غير الضواري في خلائقها
و من حضارتها إلاّ مخازيها
كانت تعدّ الدواهي في مصانعها(57/131)
لغيرها ، فأصابتها دواهيها
و كلّ طابخ سمّ سوف يأكله
و كلّ حافر بئر واقع فيها
لو دام أيمانا لم تنطلق سقر
بدورها و الأفاعي في مغانيها
لكن أكبّت على الآلات تعبّدها
و تستعين بها من دون باريها
فصار مالكها عبدا لسلطتها
و صار كلّ لاضعيف من أضاحيها
وصارأنسانها للحلب آونة
و الذّبح ، مثل المواشي في مراعيها
يا نفس سرّي ، و يا أنشودتي انطلقي
من علّم الصمت ، إنّ الصمت يؤذيها
أيشرق الأفق لم يطلق كواكبه
و تجمل الأرض لم تخرج أقاحيها
أليوم يوم القوافي تهفين بها
لا يشرب النالس خمرا لم تصبّيها
هذا هو العيد قد لاحت مواكبه
يا قلب هلّل لها ، يا شعر حيّيها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> لقاء و فراق
لقاء و فراق
رقم القصيدة : 67996
-----------------------------------
صبرا على هجرنا إن كان يرضيها
غير المليحة مملول تجنّيها
فالوصل أجمله ما كان بعد نوى
و الشمس بعد الدّجى أشهى لرائيها
أسلمت للسّهد طرفي و الضّنى بدني
إنّ الصبابة لا يرجى تلاقيها
إنّ النساء إذا أمرضن نفس فتى
فليس غير تدانيهنّ يشفيها
فاحذر من الحبّ إنّ الريح خفيت
لولا غرام عظيم مختف فيهعا
يمضي الصفاء و يبقى بعده أثر
في النفس يؤلمها طورا و يشجيها
مرّت ليال بنا كان أجملها
تمّت فما شانها إلاّ تلاشيها
تلك اللّيالي أرجو تذكّرها
خوف العناء و لا أخشى تناسيها
أصبو إليها و أصبو كلّما ذكرن
عندي اشتياقا إلى مصر و أهليها
أرض سماء سواها دونها شرفا
فلا سماء و لا أرض تحاكيها
رقّت حواشيها و اخضرّ جانبها
و أجمل الأرض ما رقت حواشيها
كأنّ أهرامها الأطواد باذخة
هذي إلى جنبها الأخرى تساميها
و نيلها العذب ما أحلى مناظره
و الشّمس تكسوه تبرا في تواريها
كأنّها كعبة حجّ الأنام لها
لولا التقى قلت فيها جلّ بانيها
و ما أحيلى الجواري الماخرات به
تقلّ من أإرضه أحلى جواريها
من كلّ الوجه يغرينا تبسّمها
إن نجتديها ، و يثنينا تثنيها
و ناهد حجبت عن كلّ ذي بصر(57/132)
حشاشتي خدرها و القلب ناديها
فقي كلّ جارحة منّي لها أثر
" و الدار صاحبها أدرى بما فيها "
و في الكواكب جزء من محاسنها
و في الجآذر جزء من معانيها
يمّميتها و نجوم الأفق تلحظني
في السير شذرا كأنّي من أعاديها
كادت تساقط غيظا عندما علمت
أنّي أؤم التي بالنفس أفديها
أسرى إليها و جنح اللّيل مضطرب
كأنّه مشفق أن لا ألاقيها
و الشوق يدفعني و الخوف يدفعني
هذا إليها و هذا عن مغانيها
أطوي الدّياجي و تطويني على جزع
تخشى افتضاحي و أخشى الصّبح يطويهعا
فما بلغت مغاني من شغف بها
إلاّ وقد بلغت نفسي تراقيها
هناك ألقيت رحلي و انتحيت إلى
خود يرى الدّمية الحسناء رائيها
بيض ترائبها سود ذوابيها
زجّ حواجبها كحل مآقيها
نهودها من ثنايا الثوب بارزة
كأنّها تشتكي ممّا بولريها
و الثوب قد ضاق عن إخفائها فنبا
عنها فيا ليتني برد لأحميها
و تحت ذلك خصر يستقلّ به
دعص ترجرج حتّى كاد يلفيها
قامت تصافحني و الرّدف يمنعها
و الوجد يدفعها و القدّ يثنيها
دهشت حتّى كأنّي قطّ لم أرها
و كدت و الله أنسى أن أحيّيها
باتت تكلّمني منها لواحظها
بما تكنّ و أجفاني تناجيها
حتّى بدا الفجر و اعتلّت نسائمه
و كاد ينشر أسراري و يفشيها
بكت دموعا و أبكتني الدموع دما
ورحت أكتم أشياء و تبديها
كأنّها شعرت في بعدنال أبدا
فأكثرت من وداعي عند واديها
فما تعزّت بأن الدّهر يجمعنا
يوما و لا فرحت أنّي أمنيها
تقول و الدمع مثل الطلّ منتثر
على خدود خشيت الدّمع يدميها
و الهف نفسي على أنس بلا كدر
ترى تنال من الدنيا أمانيها ؟
فقلت صبرا على كيد الزمان لنا
فكلّ حافر بئر واقع فيها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> فلوريدا
فلوريدا
رقم القصيدة : 67997
-----------------------------------
يا جنّة قبلما حلّت بها قدمي
أحببتها قصّة و اشتقت زاويها
كانت لها صورة في النفس حائرة
مثل القصيدة لم تنسج قوافيها
وددت لو أنّها تمّت فيبصرها
غيري ، و تسكره مثلي معانيها(57/133)
و كيف تكمل في ذهني و لم أرها
و ما لصورتها شيء يحاكيها ؟
و أيّما نغمة أدّى عذوبتها
كلام راو و لا شاد يغنّيها
أأنشق العطر لم أهبط خمائلها ؟
و أشرب السحر لم أسمع قماريها ؟
و تصعد النفس منّي للسماء و لا
حبال نور تدلّت من دراريها ؟
كانت سعادة نفسي في تصوّرها
و النفس يسعدها و هم و يشقيها
بالوهم توجد دنيا لا وجود لها
و تنطوي عنك دنيا أنت رائيها
فكم ظمئت و في روحي جداولها
و كم رويت و غيري في سواقيها
قد كنت من قبل مثل الناس كلّهم
أقول إنّ إله الكون باريها
حتّى نظرت إليها في جلالتها
فصار كلّ يقيني أنّه فيها !
لمّا رأيت الجمال الحقّ أدركني
زهد بكلّ جمال كان تمويها
كأنّما الحور مرّت في شواطئها
في ليلة طفلة رقّت حواشيها
ففي الرمال سناء من تضاحكها
و في المياه أريج من أغانيها
أتيتها بشباب ضاع أكثره
و غيّبته اللّيالي في مطاويها
فاسترجع الحبّ قلبي فهو مغتبط
و عادت الروح خضراء أمانيها
*
سئلت ما راق نفسي من محاسنها ؟
فقلت للناس : باديها و خافيها
و ما حببت من الأشجار ؟ قلت لهم :
إنّي افتتنت بكاسيها و عاريها
و ما هويت من الأزهار ؟ قلت لهم :
ألحبّ عندي لناميها و ذاويها
قالوا : و ما تتمنّى ؟ قلت مبتدرا :
يا ليتني طائر أو زهرة فيها
فربّ أنشودة من بلبل غرد
حوت حكاية حبّ خفت أحكيها
وربّ روح كروحي في بنفسجة
و سنى أطلّت على روحي تناجيها
وربّ قطره ماء لا غناء بها
شاهدت مصرع دنيا في تلاشيها
كلّ الذي لاح في أرضها حسن
و أحسن الكلّ في عيني أهاليها
إلاّ ذوو السحن السوداء واعجبا
أجنّة و ذباب في نواحيها ؟
إنّي ليكبت روحي أن ألاحظهم
بمقلة أبصرت فيها غوانيها
دع المساويء في الدنيا فما برحت
فيها محاسن تنسينا مساويها
كم حاول اللّيل أن يطوي كواكبه
فكان ينشرها من حيث يطويها
واذكر أكارم قوم عنصرهم
و أشبهوا بسجاياهم أقاحيها
بني بلادي ! و فيكم من خمائلها
جمالها و التّسامي من روابيها
تسلّت النفس عن أحبابها بكم(57/134)
لولاكم لم يكن شيء يسلّيها
أكرمتموني فشكرا غير منقطع
دوام شكرك للنعماء يبقيها
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> هي
هي
رقم القصيدة : 67998
-----------------------------------
أروي لكم عن شاعر ساحر
حكاية يحمد راويها
قال : دعا أصحابه سيّد
في ليلة رقّت حواشيها
فانتظمت في قصره عصبة
كريمة لا واغل فيها
من نبلاء الشّعب ساداتها
و خيرة الغيد غوانيها
حتّى إذا ما جلسوا كلّهم
و طاف بالأكواب ساقيها
قام أمير القصر في مفّه
كأس أعارنه معانيها
و قال : يا صحب على ذكركم
أملأها حبّا و أحسوها
و ذكر من قلبي عبد لها
و مهجتي إحدى جواريها
حبيبتي " لمياء " سميتها
و لم أكن قبلا أسمّيها
فشربوا كلّهم سرّها
و هتفوا كلّهم تيها
فأجزل الشّكر لأصحابه
الشكر للنعمة يبقيها
و صاح بالساقي علينا بها
فطاف بالأكواب ساقيها
و قال للأضياف : سمعا ! فلي
كلمة ، ألعدل يمليها
ما أنا وحدي الصبّ فيكم ، و لا
كلّ العذارى من أناجيها
فكل ّ نفس مثل نفسي لها
في هذه الدنيا أمانيها
و كلّ لب مثل قلبي له
حسناء ترجوه و يرجوها
يا صحب ، من كانت به صبوة
يعلنها الآن و يبديها
فنهضوا ثانية كلّهم
ورفعوا الكاسات تنويها
كلّهم يشرب سرّ التي
يهوى من الغيد و يطريها
...
و كان في الشّرب فتى باسل
طلعته تسحر رائيها
شارك في أوّل أقداحهم
و لم يشاركهم بثانيها
و أنت ؟ قال الصحب و استضحكوا
هل لك حسناء نحيّيها ؟
قال : أجل ، أشرب سرّ التي
بالروح تفديني و أفديها
صورتها في القلب مطبوعة
لا شيء حتّى الموت يمحوها
لا تترّضاني رياء ، و لا
تلثمني كذبا و تمويها
يضيع مالي و يزول الصّبي
و حبّها باق و حبّيها
قد وهبتني روحها كلّها
و لم تخف أنّي أضحّيها
سرّ التي غادة بينكم
مهما سمعت في الحبّ تحكيها
فأجفلوا منه كمن حيّة
نهاشة قد عزّ راقيها
و قالت الغادات : أفّ له ،
قد شوّه المجلس تشويها
لو ظلّ فيما بيننا صامتا
لم تسمع الآذان مكروها
و قلقل الفتيان أسيافهم(57/135)
فأوشكت تبدو حواشيها
و تعتع الشّادي بألحانه
و ماجت الدّار بمن فيها
و قال قوم : خبلته الطلا!
و قال قوم : صار معتوها !
فصاح ربّ الدّار : يا سيّدي
و صفتها ، لم لا تسمّيها
أتخجل باسم من تهوى ؟
أحسناء بغير اسم ؟
فأطرق غير مكترث
و تمتم خاشعا ... أمّي !!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> حنة مشتاق
حنة مشتاق
رقم القصيدة : 67999
-----------------------------------
ألا أيّها الباكي فديتك باكيا
علام و فيما تستحثّ المآقيا ؟
رويدك ما أرضى لك الحزن خلّة
و هيهات أن أرضاك بالحزن راضيا
يعنّفني من كنت أدعوه صاحبا
فما انفكّ حتّى يتّ أدعوه لاحيا
دعوت لربّي أن دعاني لائم
و لم أعصه أن لا يجيب دعائيا
لقد أرخص العذّال عندي قولهم
إذا همّت العيان أرخصت غاليا
أأمنع ماء ما يروي أخا صدى
و قد كنت لا أحمي المناهل صاديا
عليّ و البكا و النوح ضربه لازب
و إنذي لأبكي أنّني لست باكيا
و كيف ارتياحي بعد هند و بيننا
مهامه لا تلقى بها الريح هاديا ؟
يظلّ بها السرحان يعوي من الطوى
نهارا ، و يطوي ليلة الخوف طاويا
لقد كنت أخشى أن يفرّق بيننا
فأصبحت أخشى اليوم أن لا تلاقيا
فيا من لقلب لا تنام همومه
و يا من لعين لا تنام اللّياليا
رأيت اللّيالي ما تزال تروعني
بأحداثها ، ما للّيالي و ما ليا
و ام يبق عند الدهر خطب أخافه
فكيف اعتذار الدّهر إن رحت شاكيا
إذا لم تكن لي آسيا أو مؤاسيا
فلا تك لوّاما وذرني و ما بيا
فإنّي رأيت اللّوم يذكي صبابتي
كذاك عهدت الزّند بالقدح واريا
ألا حبّذا من سالف العيش ما مضى
و يا حبّذا لو كان يرجع ثانيا
زمان كقلب الطّفل صاف و كالمنى
لذيذ ، و لكن كان كالحلم فانيا
أحنّ إليه في العشيّ و في الضحى
حنين جاءه الشّوق داعيا
و أذكره ذكرى العجوز شبابها
و أبكي لدى ذكراه أحمر قانيا
و لولا أمور في الفؤاد أسرّها
جعلت عليه الدهر وقفا لسانيا
خليليّ أعوام السرور دقائق
و أيّامه كادت تكون ثوانيا(57/136)
و أجمل أيّام الفتى زمن الصبى
و خير الصّبا ما كان في الحبّ ناميا
رعى الله أيّامي التي قد أضعتها
فكنت كأنّي قد أضعت فؤاديا
ليالي لا هند تصدّق واشيا
و لا هي تخشى أن أصدّق واشيا
و يا طالما بتنا و لا ثالث لنا
سوى الرّاح ندنيها فتدني الأمانيا
و دار حديث الحبّ بيني و بينها
فطورا مناجاة و طورا تشاكيا
ألم تر أنّني قد نظمت حديثها
لآليء غنّاها الرواة قوافيا ؟
تولّى زمان اللّهو كالطيف في الكرى
فلست تراني بعده الدهر لاهيا
شئمت لذاذات الحياة جميعها
و لو رضيت هند سئمت شبابيا
سلام على هند و إن فات مسمعي
سلام التي أهدي إليها سلاميا
ترى عندها أنّي على العهد ثابت
و إن يك هذا البين أوهى عظاميا
فوالله ما أخشى الحمام على النّوى
و لكنّني خلودي نائيا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> دموع و تنهّدات
دموع و تنهّدات
رقم القصيدة : 68000
-----------------------------------
ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا
أصاب سلوا أو أصاب الأمانيا
أجنّ الأسى حتّى إذا ضاق بالأسى
تدفّق من عينيّ أحمر قانيا
تهيج بي الذكرى البروق ضواحكا
و تغري بي الوجد الطيور شواديا
فأبكي لما بي من جوى و صبابة
و أبكي إذا أبصرت في لأرض باكيا
فلا تحسباني أذرف الدّمع عادة
و لا تحسباني أنشد الشعر لاهيا
و لكنّها نفسي إذا جاش جأشها
و فاض عليها الهمّ فاضت قوافيا
يشقّ على خدع فؤاده
و إن خادع الدنيا و داجى المداجيا
طلبت على البلوى معينا ففاتني
يؤاسيك من يحتاج فيك مؤاسيا
و من لم تضرّسه الخطوب بنابها
يظنّ شكايات النفوس تشاكيا
رميت من الدنيا بما لو قليله
رميت به الأيّام صارت لياليا
فلا يشتك غيراي البؤوس فإنّني
ضمنت الرزايا و احتكرت العواديا
تمرّ اللّيالي ليلة إثر ليلة
و أحزان قلبي باقيات كما هيا
ولو أنّ ما بي الخمر أو بارد اللّمى
سلوت ، و لكن أمّتي و بلاديا
إذا خطرت من جانب الشّرق نفحة
طربت فألقى منكباي ردائيا
أحنّ إلى تلك المغاني و أهلها(57/137)
و أشتاق من يشتاق تلك المغانيا
و ما سرّني أنّ الملاهي كثيرة
و في الشّرق قوم يجهلون الملاهيا
إذا مثّلوا و النوم يأخذ مقلتي
بأهدابها أمسيت و سنان صاحبا
و كيف اغتباط المرء لا أهل حوله
و لا هو من يستعذب الصّفو نائيا
***
تبدّلت الدنيا من السّلم بالوغى
و صار بنوها العاقلون ضواريا
فما تنبت الغبراء غير مصائب
و ما تمطر الأفلاك إلاّ دواهيا
وناكر حتّى اللّيل زهر نجومه
و ما الخضمّ المنشآت الجواريا
و بات سبيل كان يسري به الفتى
بلا حارس ، يمشي به الجيش خاشيا
تقطّعت الأسباب بيني و بينهم
فليس لهم نحوي وصول و لا ليا
و كان لنا في الكتب عون على الأسى
و في ( البرق ) ما يدني المدى المتراميا
فلم تأمن الأسرار في ( السّلك ) سارقا
و لم تأمن الأخباتر في الطرس ماحيا
إذا قيل هذا مخبر ملت نحوه
بسمعي و لو كان المحدّث واشيا
و تعلم نفسي أنّه غير عالم
و لكنّني أستدفع اليأس راجيا
سرى الشّكّ ما نصدّق راويا
و طال فبتنا ما نكذّب راويا
أقضي نهاري طائر النفس حائرا
و أقطع ليلي كاسف البال ساهيا
فما هم بأموات فنبكي عليهم
ولاهم بأحياء فنرجو التّلاقيا
***
كأنّي بهم أخرجوا من بيوتهم
حفاة عراة جائعين صواديا
كأنّي بالغوغاء ثارت عليهم
و بالجند تعطي الثائرين المواضيا
كأنّي بهم أعمل السّيف فيهم
كأنّ الدم القاني يسيل سواقيا
كأنّي بالدّور الحسان خرائب
كأنّي بالجنّات صارت فيافيا
مشاهد لاحت لي فهزّت فرائصي
كما ذعر الملسوع راء الأفاعيا
فبتّ كأنّ السّهم بين أضالعي
كأنّي أقلّ الشّاهقات الرّواسيا
و لو أجنبي لاتّقينا سهامه
و لكنّما الإخوان صاروا أعاديا
أطاعوا طغاة الترك فينا و طالما
عصا فيهم التركي و فينا النواهيا
و كم راغ ما بين المسيح و أحمد
و حارب " بالسوري " أخاه " اليمانيا "
فإن ينس " حورانا " فتاه و جاره
فأنّ ربى حوران لم تنس ( ساميا )
ألا ليت من باعوا على الغبن ودّنا
من الترك باعوا ذلك الودّ غاليا(57/138)
و يا ليت من باع البلاد و أهلها
" بفلكين " لم يخت لها البؤس شاريا
***
فيا أمّة قد طال عهد سباتها
متى يكشف الإصباح عنك الدّياجيا
إلى كم تودّين البقاء لمعشر
بقاؤهم يدني إليك التّلاشيا
ثلاثة أجيال تقضّت و أنتم
تسامون منهم ما تسام المواشيا
أم آن يسترجع التاج أهله
و يسترجع التاج المهابة ثانيا
من كان ( جنكيز ) " لقحطان " سيّدا
فيسمى بنو هذا لذاك مواليا ؟
***
و يا عقلاء العرب هذا زمانكم
فكونوا لمن ضلّ المحجّة ، هاديا
إذا عذر الأعمى الروى في ضلاله
فلا يعذرون النّاظر المتعاميا
أرى ظلمات مطبقات حوالكم
فإن تطلعوا فيها رأيت الدّراريا
غدا ينشر التاريخ حديثه
و يتلو الذي يتلوه ما كان خافيا
فإن شئتم أمسى عليكم محامدا
و إن شئتم أمسى عليكم مساويا
***
و يا أيّها الجالون بلادكم
تناديكم لو تسمعون مناديا
لقد عقّدت فيها الخطوب عجاجة
وساق عليها جبشه الجوع غازيا
و بات ذووكم يجهلون مصيرهم
كأنّهم ماء أضاع المجاريا
من العار أن يغشى الرقاد جفونكم
على حين يغشى الدمع تلك المآقيا
من العار أين يكسو الحرير جسومكم
و لم تبق منهم شدّة الضّنك كاسيا
من العار أن يبقى عليكم جمودكم
وقد بلغت تلك النفوس التراقيا
إذا المال لم ينفقه في الخير ربّه
رآه عليه العالمون مخازيا
إذا المرء لم يسع لخير بلاده
يكن كالذي في ضرّها بات ساعيا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> اليتيم
اليتيم
رقم القصيدة : 68001
-----------------------------------
خبّروني ماذا رأيتم ؟ أطفالا
يتامى أم موكبا علويّا ؟
كزهور الربيع عرفا زكيّا
و نجوم الربيه نورا سنيا
و الفراشات وثبة و سكونا
و العصافير بل ألذّ نجيّا
'نّني كلّما تأمّلت طفلا
خلت أنّي أرى ملاكا سويا
قل لمن يبصر الضّباب كثيفا
إن ّ تحت الضّباب فجرا نقيّا
أليتيم الذي يلوح زريّا
ليس شيئا لو تعلمون زريّا
إنّه غرسة ستطلع يوما
ثمرا طيّبا وزهرا جنيّا
ربّما كان أودع الله فيه(57/139)
فيلسوف ، أو شاعرا ، أو نبيّا
لم يكن كلّ عبقريّ يتيما
إنّما كان اليتيم صبيّا
ليس يدري ، لكنّه سوف يدري
أنّ ربّ الأيتام ما زال حيّا
عندما يصبح الصغير فتيّا
عندما يلبس الشباب حليّا
كلّ نجم يكون من قبل أن
يبدو سديما عن العيون خفيّا
إن يك الموت قد مضى بأبيه
ما مضى بالشّعور فيم وفيّا
و شقاء يولّد الرفق فينا
لهو الخير بالشّقاء تريّا
لا تقولوا من أمّه ؟ من أبوه ؟
فأبوه و أمّه سوريّا
فأعينوه كي يعيش و ينمو
ناعم البال في الحياة رضيّا
ربّ ذهن مثل النهار منير
صار بالبؤس كالظّلام دجيّا
كم أثيم في السجن لو أدركته
رحمة الله كان حرّا سريّا
حاربوا البؤس صغيرا
قبل أن يستبدّ فيهم قويّا
كلّهم الجريح الملّقى
فلنكن كلّنا الفتى " السّامريّا "
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عصر الرشيد
عصر الرشيد
رقم القصيدة : 68002
-----------------------------------
كم بين طيّات الخالية
عظة لأبناء الدهور الآتية
عبر اللّيالي كاللّيالي جمّة
لكنّما النزر القلوب الواعية
الدّهر يفنينا و نحسب أنّه
يفني بنا أيّمه و لياليه
فاذا مشى فينا الفناء فراعنا
خلق الخيال لنا الحياة الثانية
إنّ الحياة قصيدة ، أبياتها
أعمارنا ، و الموت فيها القافية
كم تعشق الدنيا و تنكر صدّها
أنسيت أنّ الخلف طبع الغانية ؟
و تودّ لو يبقى عليك نعيمها
أجهلت أنذ عيك ردّ العارية ؟
خلذ الغرور بما لديك فإنّما
دنياك زائلة و نفسك فانية
إنّ الألى وطئت نعالهم السّهى
و طئت جبالهم نعال الماشية
لو أنّ حيّا خالد فوق الثّرى
ما مات " هرون " و زال " معاوية "
أو كان عزّ دائما ما أصبحت
" بغداد " في عدد الطلول البالية
أخنت عليها ، فدروها
خرب تعاودها الرياح السّافية
يأوى إليها البوم غير مروّع
من كلّ نعّاب أحمّ الخافيه
نزل القضاء فما حماها سورها
ولطالما ردّ الجيوش الغازية
و اجتاح مجتاح العروش ملوكها
فكأنهم أعجاز نخل خاوية
أين القصور الشاهقات و أهلها(57/140)
باد الجميع ، فما لهم من باقية
درست معالمها و غيّرها البلى
و لقد ترى حلل المحاسن كاسية
أيّام لا دوح المعارف ذابل
ذاو ، و لا دور الصّناعة خالية
أيّام لا لغة " الكتاب " غريبة
فيها و لا همم الأعارب وانية
أيّام كان العلم يغبط أهله
أهل الثراء ، ذوو البرود الضافية
أيّام كان لكلّ حسن شاعر
كلف به و لكلّ شعر راويه
أيّام " دجلة " مطمئن هاديء
جذلان يهزأ بالبحور الطامية
" النيل " خادمه الأمين ، و عبده
" نهر الفرات " و كلّ عين " جارية "
تهوى الكواكب أنّها حصباؤه
أو أنّها شجر عليه حانيه
و تودّ كلّ سحابة مرّت به
لو أنّه سحب عليها هامية
و ترى الغزاله طيفها عند الضحى
في سطحه فتبيت عطشى راوية
أيّام كان الشرق مرهوب
يكسو الجلال سهوله و روابيه
أيّام تحسها العواصم مثلما
حسد العواطل أختهنّ الحالية
و لطالما كانت تعزّ بعزّها
" مصر " و يحمي ذكرها " أنطاكيه "
***
أيّام " هرون " يدير شؤونها
يا عصر ط هرون " عليك سلاميه
ملك أدال من الجهالة علمه
و أذلّ صارمه الملوك العاتيه
ز مشت تطوّف في البلاد هباته
تغشى حواضرها و تغشى البادية
ملأ البلاد عوارفا و معارفا
و الأرض عدلا و النفوس رفاهيه
فتحضّر البادون في أيّاه
و استأنست حتّى الوحوش الضارية
و تسربلت " بغداد " ثوب مهابة
ليست تراه أو " تراه " ثانيه
هاتيك أيّام تلاشت مثلما
تمحو من الرقّ الحروف الماحية
لم يبق إلاّ ذكرها يا حسنها
ذكرى تهشّ لها العظام الباليه
لو أنّ هذا الدهر سفر كنت يا
عصر الحضارة متنه و الحاشية
عصر لئن جاء البشير بعودة
فلأخلعنّ على البشير شبابيه !..
***
إيه " أبا المأمون " ذكرك آبد
في الأرض مثل الشامخات الراسيه
باق على مرّ العصور بقاءها
و كذاك ذكر ذوي النفوس السامية
إن لم يكن لك مثال بيننا
فلأنّ روحك كلّ حين دانيه
هي في الخمائل زهرة فيّاحة
هي في الكواكب شمسها المتلالية
إنّي لأعجب كيف متّ و في الروي
حيّ و كيف طوتك هذي الطاوية(57/141)
و من الزمان يهدّ ما شيّدته
ويح الزمان أما تهيّب بانيه ؟
تشكو إليك اليوم نفسي شجوها
فلأنت مفزع كلّ نفس شاكية
أتراك تعلم أنّ دارك بدّلت
من صوت " إسحق " بصوت النّاعية ؟
أتراك تعلم أنّ ما أثلته
قد ضيّعته الأنفس المتلاهية ؟
يا ويح هذا الشرق بعدك إنّه
للضعف بات على شفير الهاوية
ما كان يقنع بالنجوم وسائدا
و اليوم يقنع أهله بالعافية !
مسترسلون إلى الذهول كأنّما
سحروا أو اصطر عوا ببنت الخابية
مستسلمون إلى الفضاء كأنّما
أخذوا و لمّا يؤخذوا بالغاشية
ألمجد إدراك النفيس ، و عندهم
ما المجد إلاّ شادن أو شادية
يهوى الحياة الناس طوع نفوسهم
و هم يريدون الحياة كما هيه
صغرت نفوسهم فبات عزيزهم
يخشى الجبان كما يخاف الطاغية
حملوا المغارم ساكتين كأنّما
كبرت على أحناكهم لا الناهية
لم تسمع الدنيا بقوم قبلهم
ماتوا و ما برحوا الديار الفانية
الله لو حرصوا على أمجادهم
فتلك عنوان الشعوب الراقية
ملك " العلوج " أمورهم و متاعهم
حتّى سوامهم و حتّى الآنية
وا خجلة العربيّ من أجداده
صارت عبيدهم الطغاة موالية !..
***
أبني الغطارفة الجبابرة الألى
و طئوا " اللّوار " و دوّخوا " إسبانية "
من حولكم و أمامكم تاريخهم
فاستخبروه فذاك أصدق راويه
قادوا الجيوش فكلّ سهل ضيّق
ورموا المعاقل فهي أرض داحيه
و سطوا فأسقطت العروش ملوكها
رعبا و أجفلت الصروح العالية
و مشوا على هام النجوم فلم تزل
في اللّيل من وجل تحدّق ساهية
وردت خيولهم المجرّة شزّبا
و الشهب من حول المجرّة صادية
أعطاهم صرف الزمان زمامه
أمنوا و ما أمن الزمان دواهيه
لا أستفزّكم لمثل فتوحهم
لكن إلى حفظ البقايا الباقية
أتذلّ آناف الملوك جدودكم
و تسومكم خسفا رعاة الماشية ؟
كم تصبرون على الهوان كأنّكم
في غبطة و الذّلّ نار حامية
يا للرجال ! أما علمتم أنّكم
إن لم تثوروا ، أمّة متلاشية ؟
***
" دار السّلام " تحيّة من شاعر
حسدت مدامعه عليك قوافية
فأراق ماء شؤونه و لو أنّه(57/142)
في الغاديات أراق ماء الغادية
لو كل مجدك مستردا بالبكا
قطرت محاجره الدماء القانية
فعليك تذهب كلّ نفس حسرة
و لمثل خطبك تستعار الباكية !!
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> انّ الحياة قصيدة
انّ الحياة قصيدة
رقم القصيدة : 68003
-----------------------------------
ما للقبور كأنّما لا ساكن
فيها ، و قد حوت العصور الماضية
طوت الملايين الكثيرة قبلنا ،
و لسوف تطوينا و تبقى خالية
أين المها و عيونها و فتونها ؟
أين الجبابر و الملوك العاتية ؟
زالوا من الدنيا كأن لم يولدوا ،
سحقتهم كفّ القضاء القاسية
إنّ الحياة قصيدة أعمارنا
أبياتها ، و الموت فيها قافية
متّع لحظك في النجوم و حسنها
فلسوف تمضي و الكواكب باقية
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الأسطورة الأزليّة
الأسطورة الأزليّة
رقم القصيدة : 68004
-----------------------------------
كان زمان ، لم يكن كائنا
و حالة ، ما برحت باقية
ملّ بنو الإنسان أطوارهم
و برموا بالسقم و العافية
فاستصرخوا خالقهم و اشتهوا
لو أنّه كوّنهم ثانية
و بلغت أصواتهم عرشه
في ليلة مقمرة صافية
فقال ، إنّي فاعل ما اشتهوا
لعلّ فيه حكمة خافية
و شاهدوه هابطا من عل
فاحتشدوا في السّهل و الرّابيه
من القرى القانعة الطاوية
و المدن الجامحة الغادية
تألّبوا من كلّ صوب كما
تجتمع الأمطار في الساقيه
يسابق الصّعلوك ربّ الغنى
و الأبله الباقعة الداهية
و يدفع الشّيخ التوى عوده
وصار مثل الرمّة البالية
فتى مضى الفجر و لمّا نزل
روعته في وجهه باقية
و تزحم الحسناء ممكورة
خلذابة كالروضة الحالية
دميمة تشبه في قبحها
مدينة مهجورة عافية
فقال ربّ العرش : ما خطبكم :
مابالكم صرخاتكم عالية ؟
هل أصبحت أرضكم عاقرا ،
أم غارت الأنجك في هاوية ؟
أم أقلع الماء فلا جدول ،
و ماتت الطير فلا شادية ؟
أم فقدت أعينكم نورها ،
أم غشيت أرواحكم غاشية ؟
أين الهوى ، إن لم يكن قد قضى
فكل جرح واجد آسية
الفتى :(57/143)
قال الفتى : يا ربّ إنّ الصّبا
مصدر أحزاني و آلامي
ألبستنيه مونقا بعدما
أبلاه أخوالي و أعمامي
و صار في مذهبهم عصره
فترة زلاّت و آثام
فاختلفت حالي و حالاتهم
كأنّني في غير أقوامي
وصرت كالجدول في فدفد
أو شاعر ما بين أصنام
و الأخضر المورق في يابس
أو مثل صاح بين نوّام
دنياهم دنياي ، لكنّما
أعلامهم ليست كأعلامي
عندهم الروضة أشجارها
و الروض عندي الزهر النامي
و الطير لحم ودم عندهم
و ليس عندي غير أنغام
سكري بها أو بالندى و الشذى
و سكرهم بالخمر في الجام
يسخر قلبي بلياليهم
و يسخر الدهر بأيّامي
كأنّني جئت لتبكيتهم
كأنّما جاؤوا لإيلامي
عبء على نفسي هذا الصّبا
ألجائش المستوفز الطامي
يزرع حولي زهرات المنى
و شوكها في قلبي الدامي
فان ؛ له كلّ فان هوى
فان ، و لا ينجو من الذام
خذه ، و خذ قلبي و أحلامي
فإنّني أشقى بأحلامي
ومر يمرّ الدهر في لحظة
كالطيف أو كالبرق قدّمي
وازرع نجوم في لمّتي
فينجلي حندس أوهامي
الشبح :
وجاء شيخ حائر واجف
مشتعل اللّمّة بالي الإهاب
كأنّما زلزلة تحته
لما به رعشة واضطراب
فصاح : يا ربّاه خذ حكمتي
واردد على عبدك عصر الشباب
إنّ أماني الروح أزهارها
و إنّ روحي اليوم قفر يباب
تلك الأماني ، على كذبها ،
لم تكن اللّذّة فيها كذّاب
زالت و ما زالت ؛ و إنّ الشّقا
أن تطمس الآي و يبقى الكتاب
و تسلب السرحة أرواقها
و لم تزل أعراقها في التراب
كنت غنيّا في زمان الصّبا
و كنت صفر الكفّ ، صفر الوطاب
صحوت من جهلي فأبصرتني
كأنّني سفينة في العباب
قيل لها ، في البحر كلّ المنى
فلم تجد فب البحر إلاّ الضّباب
نأت عن الشّطّ و لم تقترب
شبرا من السرّ الذي في الحجاب
و لو ترجّى أو به لاشتفت
لكنّما عزّ عليها الإياب
مر تقف الأيّام عن سيرها
فإنّها تركض مثل السّحاب
وضع أمامي ، لا ورائي ، المنى
وطوّل الدرب ، وزد في الصّعاب
ما لذّتي بالماء أروى به
بل لذّتي بالعدو خلف السّراب
الحسناء :
و قالت الحسناء : يا خالقي(57/144)
و هبتني الحسن فأشقيتني
وجهي سنّي مشرق ، و إنّما
مرعى عيون الخلق وجهي السني
حظّي منه حظّ ورد الربى
من عطره الفوّاح و السوسن
و مثل حظّ السرو من فيئه
و الطير من تغريدها المتقن
و مثل حظّ النجم من نوره
في الحندس المعتكر الأدجن
للقائل الفيء ، و السامع
التغريد ، و الزهرة للمجتني
و النور للمدلج و المجتلي ،
و الدرّ للغائص و المقتني
كم ريبة دبّت إلى مضجعي
مع الجمال الرائع الممكن
إن عشقت نفسي فويل لها
و الويل لي إن رجل حبّني
السمّ و الشوك و جمر الغضا
أهون من كاشحة الألسن
كم تقتفيني نظرات الخنا
ويلي من خائنة الأعين
لم يبق في روحي من موضع
يت ربّ لم يخدش و لم يطعن
إنّ الغنى في الوجه لي آفة
فليت أنّي دمية ليتني ...
الجارية :
و سكتت ؛ فصاحت الجارية
باكية من بؤسها شاكية :
ذنبي إلى هذا الورى خلقتي
فهل أنا المجرمة الجانية ؟
إن أخطأ الخزّاف في جبله ال
طين فأيّ ذنب للآنية ؟
أليس من يسخر بي يزذري
بالقوّة الموجدة البارية ؟
لو كنت حسناء بلغت العلى
فللجمال الرتبة العالية
فبات من أسجد قدّامه
صاغرة يسجد قدّمية
فإنّني في ملإ ظالم
أحكامه جائرة قاسية
ليس لذّات القبح من غافر
وفيه من يغفر للزّانية
نفسي جزء منك ، يا خالقي
و إنّها عاقلة راقية
أليس ظلما ، و هي بنت العلى ،
إن تك بالقبح إذن كاسية ؟
فليكن الحسن رداء لها
ترفل به ، أو فلتكن عارية
الفقير
و أقبل الصّعلوك مسترحما
في مقلتيه شبح اليأس
يصرخ يا ربّاه حتّى متى
تحكّم الموسر في نفسي ؟
و تضع التاج على رأسه
و تضع الشوك على رأسي ؟
و يشرب اللّذّات من كأسه
و أشرب الفصّات من كأسي
و تنجلي الأنجم في ليله
ضاحكة كالغيد في عرس
و يتوارى في نهري السنا
أو يتبدّى حانق الشّمس
يا ربّ لا تنقله عن أنسه
و إنّما إلى الأنس
فإن تشأ أن لا يذوق الهنا
قلبي فجرّدني من الحسّ
لو لم يكن غيري في غبطة
ما شعرت روحي بالبؤس
الغني :
و قال ذو الثّروة : ما أشتهي
لا أشتهي أنّي ذو ثروة(57/145)
أنفقت أيّامي على جمعها
و خلتني أدركت أمنيتي
فاستعبدتني في زمان الصبا
و أوقرت بالهمّ شيخوختي
قد ملكتني قبلما حزتها
و ملكتني و هي في حوزتي
كنحلة أمسكها شهدها
من الجناحين فلم تفلت
حسبتها تكسبني قوّة
فافترست قوّتها قوّتي
جنت على نفسي و أحلامها
جناية الشوك على الوردة
ينمو فتذوي فهي علّيقه
يحذرها الطائف بالروضة
من قائل عنّي لمن خالني
أمرح من دنياي في جنّة :
لا تنظر الأضواء في حجرتي
وانظر إلى الظلماء في مهجتي
و لا يغرّنّك قصري فما
قصري سوى سجن لحرّيّتي
أنّي في الصرح الرفيع الذرى
كطائر ، في قفص ، ميّت
كم في عباب البحر من سابح
قد مات ظمآنا إلى قطرة
موت الطوى شرّ و لكنّما
أفظع منه الموت بالتّخمة
إن سهر العاشق من لوعة
أو سهر المحزون من كربه
فالشوق كالحزن له آخر
و ينقضي في آخر المدّة
أمّا أنا فقلقي دائم
ما دمت في مالي و في فضّتي
و الخوف من كارثة لم تقع
أمصّ من كارثة حلّت
كم من فقير مرّ بي ضاحكا
كأنّما يسخر من غصّتي
رأيته بالأمس من كوّتي
فخلتني أنظر من هوّة
و كنت كالحوت رأى موجة
ضاحكة ترقص كالطفله
أو حيّة تدبّ في منجم
ترنو إلى فراشة حرّه
قد اختفت ذاتي في بردتي
فما يرى الخلق سوى بردتي
فهم إذا ما سلّموا سلّموا
على خيوط البرد و الحلّة
ربّاه أطلق من عقال الغنى
روحي ، فإنّي منه في محنه
وانزع من الدينار من قبضتي
صلابة الدينار من سحنتي
و حوّل المال إلى راحة
و حوّل القصر إلى خيمة
للأبله
و صرخ الأبله مستفسرا
ما القصد من خلقي كذا و المراد ؟
ألم يكن يكمل هذا الورى
إلاّ أوجدتني في فساد
لي صورة النّاس و حاجاتهم
من مطعم أو مشرب أو رقاد
لكنّ لبّي غير ألبابهم
فإنّه مكتنف بالسواد
يعجزني إدراك ما أدركوا
كأنّ عقلي فحمة أو رماد
إن كنت إنسانا فلم يا ترى
لست بادراكي كباقي العباد ؟
أولم أكن منهم فمرني أكن
جرادة أو أرنبا أو جواد
فالندّ لا يعدم مع ندّه
ذريعة للسلم أو للجهاد
لا تسخر النّملة من نملة(57/146)
و ليس يزري بالقراد القراد
أم أنت كالحقل على رغمه
ينمو مع الحنطة فيه القتاد
للأديب :
وجاء بعد المستريب
الألمعي العبقريّ اللّبيب
فقال : إنّي تائه حائر
أنا غريب في مكان غريب
أبحث عن نفسي فلا أهتدي
و ليس يهديني إليها أريب
أنا عليم حيث لا عالم
أنا لبيب عند غير اللّبيب
لو أنّني كنت بلا فطنه
سرت و لم تكثر أمامي الدروب
و كان عقلي كعقول الورى
و كان قلبي مثل باقي القلوب
و ثار عندي كالنجوم الورى
فلا عدوّ فيهم أو حبيب
ولم أر في ضحكهم و البكا
شيئا سوى الضّحك و غير النّحيب
و لم أسائل كوكبا طالعا
ما لك تبدو ، و لماذا تغيب
و لم أقف في الروض عند الضحى
يذهلني لون و شكل و طيب
و لم أقل ما كنت من قبلما
كنت ، و لا ما في سجلّ الغيوب
ما العقل ، يا ربّ ، سوى محنة
لولاه لم تكتب عليّ الذنوب
الخاتمة :
لمّا وعى الله شكايا الورى
قال لهم : كونوا كما تشتهون
فاستبشر الشيخ و سرّ الفتى
و الكاعب الحسناء و الحيزبون
...
لكنّهم لمّا اضمحلّ الدجى
لم يجدوا غير الذي كانا
...
هم حدّدوا القبح فكان الجمال
و عرّفوا الخير فكان الطلاح
و ليس من نقص و لا من كمال
فالشوك في التحقيق مثل الأقاح
...
و ذرّة الرمل ككلّ الجبال
و كالذي عزّ الذي هانا
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> بلادي
بلادي
رقم القصيدة : 68005
-----------------------------------
إنّي مررت على الرياض الحالية
و سمعت أنغام الطيور الشادية
فطربت ، لكن لم يحبّ فؤادية
كطيور أرضي أو زهور بلادي
و سربت ماء النيل شيخ الأنهر
فكأنّني قد ذقت ماء الكوثر
نهر تبارك من قديم الأعصر
عذب ، و لكن لا كماء بلادي
و قرأت أوصاف المروءة في السير
فظننتها شيئا تلاشى و اندثر
أو أنّها كالغول ليس لها أثر
فإذا المروءة في رجال بلادي
ورسمت صورة في خاطري
للحسن ، إنّ الحسن ربّ الشاعر
و ذهبت أنشدها فأعيا خاطري
حتّى إلى بنات بلادي
قالوا : أليس الحسن في كلّ الدنى
فعلى م لم تمدح سواها موطنا(57/147)
فأجبتهم إنّي أحبّ الأحسنا
أبدا ، و أحسن ما رأيت بلادي
قالوا : رأيناها فلم نر طيّبا
و لّى صباها و الجمال مع الصّبا
فأجبتهم : لتكن بلادي سبسبا
قفرا ، فلست أحبّ غير بلادي
قالوا : تأمّل أيّ حال حالها
صدع القضاء صروحها فأمالها
ستموت ... إنّ الدهر شاء زوالها
أتموت ؟ كلّا ، لن تموت بلادي
هي كالغدير إذا أتى فصل الشتا
فقد الخرير و صار يحكي الميتا
أو كالهزار حبسته ... لكن متى
يعد الربيع يعد إلى الإنشاد
ألكوكب الوضّاح يبقى كوكبا
و لئن تستّر بالدجى و تنقّبا
ليس الضباب بسالب حسن الرّبى
و البؤس لا يمحو جمال بلادي
لا عزّ إلاّ بالشباب الراقي
ألناهض العزمات و الأخلاق
ألثائر المتفجّر الدفّاق
لولاه لم تشمخ جبال بلادي
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الحرّيّة
الحرّيّة
رقم القصيدة : 68006
-----------------------------------
فتنته محاسن الحرّيّة
لا سليمى و لا جمال سميّه
هي أمنية الجميع و لكن
أرهقته الطبيعة البشريّة
و عجيب أن يخلق المرء حرّا
ثمّ يأبى لنفسه الحرّيّة
غادة ما عرفت قلبا خليّا
من هواها حتّى القلوب الخليّة
غرست في فؤاده الحبّ طفلا
فنما الحبّ و الفؤاد سويّه
ثمّ لمّا فشى الغرام و ذاعت
عنهما في الورى أمور خفيّة
حجبوها يسلو و لكن
كان قيسا و كانت العامريّة
بات يشكو النّوى الشّقيّ و تشكو
مانعيها من أن تراه الشّقيّة
مستهام قضى زمانا طويلا
في عناء من القيود القويّة
و عليه من الزمان رقيب
عاشق للسيادة الوهميّة
و لكلّ مطامع و أماني
يبذل النفس دونها للمنيّة
و يراها لديه أشرف شيء
و هي أدنى من الأكور الدنيّة
زعموا أنّه المليك المفدّى
بالرعايا من شرّ كلّ بليّة
إنّما تفتدي الرعيّة ملكا
باذلا نفسه فدى للرعيّة
ظلم القوم من توهّمه القوم
نصيرا للأمّة الروسيّة
و إذا أحرج الضّعاف قويّ
نسيت ضعفها النفوس الأبيّة
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> خير شيء
خير شيء
رقم القصيدة : 68007(57/148)
-----------------------------------
ذهبت مسائلا عن خير شيء
لأعرف كنه أخلاق البريّه
فقالت لي الكنيسة خير شيء
هو الزهد الذي يمحو الخطيّه
و قالت لي الشريعة : خير شيء
شمول العدل أبناء الرّعيّه
و قال الشهرة ، الجنديّ خير
و إن كانت تقود إلى المنيّة
و قال أخو الحصافة : خير شيء
هو الحقّ المبين بلا مريّة
و قال أخو الجهالة : خير شيء
سرور النفس في الدنيا الدّنيّة
و قال لي الفتى وصل الصّبايا
و قالت لي الهوى البنت الصبيّه
و لمّا أن خلوت سألت نفسي
لأعرف رأيها في ذي القضيّح
فقالت لا أرى خيرا و أبقى
من الإحسان للنفس الشّقيّة
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الخلود
الخلود
رقم القصيدة : 68008
-----------------------------------
غلط القائل إنّا خالدون
كلّنا بعد الرّدى هيّ بن بيّ
*
لو عرفنا ما الذي قبل الوجود
لعرفنا نا الذي بعد الفناء
نحن لو كنّا " كما قالوا " نعود
لم تخف أنفسنا ريب القضاء
إنّما القول بأنّا للخلود
فكرة أوجدها حبّ البقاء
نعشق البقيا لأنّا زائلون
و الأماني حيّة في كلّ حيّ
*
زعموا الأرواح تبقى سرمدا
خدعونا ... نحن و الشّمع سواء
يلبث النور بها متّقدا
فإذا ما احترقت باد الضياء
أين كان النور ؟ أنّي وجدا ؟
كيف ولّى عندما زال البناء ؟
شمعتي فيها لطلّاب اليقين
آيه تدفع عنهم كلّ غيّ
*
ليست الروح سوى هذا الجسد
معه جاءت ومعه ترجع
لم تكن موجودة قبل وجد
و لهذا حين يمضي تتبع
فمن الزور الموشّى و الفند
قولنا : الأرواح ليست تصرع
تلبث الأفياء ما دام الغصون
فإذا ما ذهبت لم يبق في
*
لو تكون الروح ما لا يضمحل
ما جزعنا كلّما جسم همد
لو تكون الروح جسما مستقل
لرآها من يرى هذا الجسد
كلّ ما في الأرض من عين و ظل
سوف ينحلّ كما انحلّ الزبد
و لئن صحّ بأنّا منشرون
جاز أن يعقب ذاك النّشر طيّ
*
ليت من قالوا بأنّا كالزهور
خبّرونا أين تمضي الرائحه ؟
أترى تبقى كألحان الدهور ؟
أم تلاشى مثل صوت النائحه ؟(57/149)
ليت شعري أيّ خلد للبذور
بعد أن تلقى بنار لافحة ؟
قل لمن يخبط في ليل الظنون
ليس بعد الموت للظّاميء ري
*
مثلما يذهب لون الورقه
عندما تيبس في الأرض الأصول
مثلما يفقد نور الحدقه
حين أقضي .. هكذا نفسي تزول
كتلاشي الشمعة المحترقة
تتلاشى بين ضحك و عويل
أنا بعد الموت شيئا لا أكون
حيث أنّي لم أكن من قبل شيء !
*
إيه أبناء الثّرى نسل القرود
علّلوا أنفسكم بالترّهات
ألبسوا في صحوكم ثوب الجمود
واحلموا في نومكم بالمعجزات
فسيأتي زمن غير بعيد
تتهادى بينكم فيه أيّاه !!
و يحلّ الله في ماء وطين
فيراه الشّيخ و الشاب الأحيّ !
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> الكريم
الكريم
رقم القصيدة : 68009
-----------------------------------
قالوا : ألا تصف الكريم لنا ؟ فقلت على البديه :
إنّ الكريم لكالربيع ، تحبّه للحسن فيه
و تهشّ عند لقائه ، و يغيب عنك فتشتهيه
لا يرضي أبدا لصاحبه الذي لا يرتضيه
و إذا اللّيالي ساعفته لا يدلّ و لا يتيه
و تراه يبسم هازئا في غمرة الخطب الكريه
و إذا تحرّق حاسدوه بكى ورقّ لحاسديه
كالورد ينفح بالشّذى حتّى أنوف السارقيه
شعراء العراق والشام >> إيليا أبو ماضي >> عروس الجمال
عروس الجمال
رقم القصيدة : 68010
-----------------------------------
إذا أطلّ البدر من خدره
فإنّما يطلع كي تنظريه
و إن ذدا البلبل في وكره
فإنّما يشدو لكي تسمعيه
و إن يفح عطر زهور الربى
فإنّما يعبق كي تنشقيه
يا ليتني البدر الذي تنظرين !
يا ليتني الطير الذي تسمعين !
+يا ليتني العطر الذي تنشقين !
أوّاه ! لو تصدّق يا ليتني !
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> اقداح و احلام
اقداح و احلام
رقم القصيدة : 68011
-----------------------------------
أنا ما أزال و في يدي قدحي
ياليل أين تفرق الشرب
ما زلت اشربها و اشربها
حتى ترنح افقك الرحب
الشرق عفر بالضباب فما
يبدو فاين سناك يا غرب؟
ما للنجوم غرقن ، من سأم(57/150)
في ضوئهن و كاد الشهب ؟
أنا ما ازال و في يدي قدحي
ياليل اين تفرق الشرب ؟
الحان بالشهوات مصطخب
حتى يكاد بهن ينهار
و كأن مصاحبيه من ضرج
كفان مدهما لي العار
كفان ؟!بل ثغران قد صبغا
بدم تدفق منه تيار
كأسان ملؤهما طلى عصرت
من مهجتين رماهما الحب
آو مخلبان عليهما مزق
حمراء تزعم انها قلب
يا ليل ، اين تطوف بي قدمي ؟
في اي منعطف من الظلم
تلك الطريق أكاد أعرفها
بالامس عتم طيفها حلمي
هي غمد خنجرك الرهيب ، و قد
جردته و مسحت عنه دمي
تلك الطريق على جوانبها
تتمزق الخطوات او تكبو
تتثاءب الاجساد جائعة
فيها كما يتثاءب الذئب
حسناء يلهب عريها ظمأي
فاكاد اشرب ذلك العليا
و أكاد احطمه ، فتحطمني
عينان جائعتان كالدنيا
غرست يد الحمى على فمها
زهرا بلا شجر فلا سقيا
ان فتحته بحرها شفة
ظماى يعربد فوقها ندب
رقص اللهيب على كمائمه
و مشى الطلاء يهزه الوثب
عين يرنح هدبها نفسي
وفم يقطع همسه الداء
ويد على كتفي مجلجلة
و اخجلتاه اتلك حواء
لا كنت آدمها و لا لفحت
فردوسي الخمري صحراء
صوت النعاسيرن في افقي
فتذوب ناعسة له السحب
و انثال ، من سهري على سهري
ينبوعه المتثائب الرطب
يا نوم بين جوانحي امل
لم ادر ، قبلك انه امل
مثل الفراشة بات يحبسها
دوح بذائب طله خضل
لولا خفوق جناحها غفلت
بيض الازاهر عنه و المقل
انا من ظلالك بين اودية
عذراء كل مهادها عشب
هام الضباب على رفارفها
طل الوشاح ... كنجمة تخبو
ماذا اره ؟!اطيفها مسحت
عنه التراب انامل الغسق
هو يا فؤادي غيرها ، رفة
هو من دمائك انت من حرقي
هو ما نحن اليه بادلني
حبي و فتح بالسنا افقي
فاذا لثمت فغير خادعة
باتت لكل مخادع تصبو
افكان سورا قام بينهما
بين الخيانه و الهوى _ هدب ؟
خفقت ذوائبها على شفتي
و سنى فأسكر عطرها نفسي
نهر من الاطياب ارشفني
ريحا تريب مجابر الغلس
فكان ناديا ضمخته يدا
آذار غرد ليلة العرس
فغفا و ما زالت ملاحنة
ملء الفضاء يعيدها الحب
او ان سوسنة يراقصها(57/151)
رجع الغناء بشعرها تربو
يا جسم طيفك ، انت يا شبحا
من ذكرياتي يا هوى خدعا
لعناتي الحنقيات ما برجت
تعتاد خدرك و الظلام معا
خفقت باجنحة الغراب على
عينيك تنشر حولك الفزعا
الصبح ، صبحك ، ضحك شامته
و الليل ليلتك مضجع ينبو
و اذا هلكت غدا ، فلا تجدي
قبرا و كزق صدرك الذئب ؟
و البوم يملاعشته نتفا
من شعرك المتعفر النخر
و يعود ثغرك للذباب لقي
و يداك مثقلتان بالحجز
لا تدفعان أذاه عن شفة
بالامس اخرس لغوها و ترى
و ليسق من دمك الخبث غدا
دوح تعشش فوقه الغرب
تأوي الصلال الى جوانبه
غرثي و يعوي تحته الكلب
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أهواء
أهواء
رقم القصيدة : 68012
-----------------------------------
أطلي على طرفي الدامع
خيالا من الكوكب الساطع
ظلا من الأغصن الحالمات
على ضفة الجدول الوادع
و طوفي أناشيد في خاطري
يناغين من حبّي الضائع
يفجّرن من قلبي المستفيض
و يقطرن في قلبي السامع
******
لعينيك للكوكبين اللذين
يصبان في ناظريّ الضياء
لنبعين، كالدهر، لا ينضبان
و لا يسقيان الحيارى الظماء
لعينيك ينثال بالأغنيات
فؤاد أطال انثيال الدماء
يودّ، إذا ما دعاك اللسان
على البعد لو ذاب فيه النداء
******
يطول انتظاري، لعلي أراك
لعلي، ألاقيك بين البشر
سألقاك. لا بد لي أن أراك
و إن كان بالناظر المحتضر
فديت التي صوّرتها مناي
و ظل الكرى في هجير السهر
أطلي على من حباك الحياة
فأصبحت حسناء ملء النظر!
******
اطلي فتاة هواي و الخيال
على ناظر الرؤى عالق
بعشرين من ريقات السنين
عبرن المدرات في خافقي
بعشرين كلاّ وهبت الربيع
و ما فيه من عمري العاشق
فما ظل إلا الربيع صغير
أخبّيه للموعد الرائق
******
سأروي على مسمعيك الغداة
أحاديث سمّيتهن الهوى
و أنباء قلب غريق السراب
شقيّ التداني ، كئيب النوى
أصيخي .. فهذي فتاة الحقول
و هذا غرام هناك انطوى
اتدرين عن ربة الراعيات ؟
عن الريف ؟ عما يكون الجوى
******(57/152)
هو الريف هل تبصرين النخيل ؟
و هذي أغانيه هل تسمعين
و ذاك الفتى شاعر في صباه
و تلك التي علمته الحنين
هي الفنّ من نبعت المستطاب
هي الحبّ من مستقاه الحزين
رآها تغني وراء القطيع
كـ( بنلوب ) تستمهل العاشقين
******
فما كان غير التقاء الفؤادين
في خفقة منهما عاتية
و ما كان غير افترار الشفاة
بما يشبه البسمة الحانية
و كان الهوى ، ثم كان اللقاء
لقاء الحبيبين في ناحية
فما قال : أهواك ، حتى ترامى
عياء على ضفة الساقية
******
و أوفى على العاشقين الشتاء
و يوم دجا في ضحاه السحاب
خلا الغاب ما فيه إلا النّخيل
و إلا العصافير فهو ارتقاب
و بين الحبيبين في جانبيه
من السّعف في كل ممشى حجاب
فما كان إلا وميض أضاء
ذرى النخل و انحل غيم و ذاب
******
ويا سدرة الغاب كيف استجارا
بأفنانك الناطفات المياه
رآها وقد بلّ من ثوبها
حيا زخ فاستقبلتها يداه
على الجدع يستدفئان الصدور
على موعد كل آه بآه
سلي الجدع كيف التصاق الصدور
بهزّاتها، و ابتعاد الشفاه ؟
******
أشاهدت يا غاب رقص الضياء
على قطرة بين اهدابها ؟
ترى أهي تبكي بدمع السماء
أساها و أحزان أترابها ؟
ولكنّها كل نور الحقول
و دفء الشذى بين اعشابها
وأفراح كلّ العصافير فيها
و كلّ الفراشات في غابها
******
وذاك الخصام الذي لو يفدّي
لفديت ساعته بالوئام
أفدّيه من أجل يوم ترفّ
يد فيه أو لفتة بالسلام
ومن أجل عينين لا تستطيعان
ان تنظرا دون ظل ابتسام
تذوب له قسوة في الأسارير
كالصحو ينحل عنه الغمام
******
خصاماً و لما نعلّ الكؤوس ؟
أحطّمتها قبل أن نسكرا ؟
خصاماً ، و ما زال بعض الربيع
نديّاً على الصيف مخضوضرا ؟
خصاماً ؟ فهل تمنعين العيون
إذا لألأ النّور أن تنظرا؟
و هل توقفين انعكاس الخيال
من النهر، أن يملك المعبرا ؟
******
أغاني شبابتي تستبيك
و تدنيك مني، ففيم الجفاء ؟
كأن قوى ساحر تستبدّ
بأقدامك البيض، عند المساء
و يفضي بك الدّرب حيث استدار،
إلى موعدي بين ظلّ وماء(57/153)
على الشطّ، بين ارتجاف القلوع
وهمس النخيل، و صمت السماء
******
و حجبت خدّيك عن ناظري
بكفيك حينا و بالمروحات
سأشدو و أشدو فما تصنعين
اذا احمر خدّاك للأغنيات ؟
و أرخيت كفيك مبهورتين
و أصغيت، واخضل حتى الموات
إلى أن يموت الشعاع الاخير
على الشرق، والحب، والأمنيات
******
و هيهات، إن الهوى لن يموت
و لكنّ بعض الهوى يأفل
كما تأفل الأنجم الساهرات
كما يغرب الناظر المسبل،
كما تستجمّ البحار الفساح
ملّيا، كما يرقد الجدول
كنوم اللظى، كانطواء الجناح
كما يصمت الناي و الشمأل !
******
أعام مضى و الهوى ما يزال
كما كان، لا يعتريه الفتور
أهذا هو الصيف يوفي علينا
فناقااه ثانية، كالزهور
و لكنهمن زهور الخلود
فلا اظمأت ريّهنّ الحرور
و لا نال من لونهمن الشتاء
و لا استترفت عطرهن الدهور
أغانيّ و الغاب قفر الوكون
حبيس النسائم تحت الدوالي
ترى ماؤه، لاتّقاد الهجير
حريقا بما فوقه من ظلال
وفوق التعاشيب، حيث الغصون
ينئون بافيائهن الثقال
لها مضجع هدهدته العطور
أأبصرت كيف اضطجاع الجمال؟
******
أأمسيت استحضر الذكرات
و ما كان بالامس كل الحياة؟
أضاعت حياتي ؟ أغاب الغرام
أماتت على الاغنيات الشفاه؟
أنمسي، ومازال غاب النخيل
خضيلا وما زال فيه الرعاه،
حديثا على موقد لسامرين :
أحبّا، وخابا فوا حسرتاه؟
******
أناديك لو تسمعين النداء
و أدعوك أدعوك! يا للجنون
إذا رن في مسمعيك الغداة
من المهد صوت الرضيع الحنون
و نادى بك الزوّج أن ترضعيه
ونادى صدى أخفتته السنون
فما نفعها صرخة من لهيب
أدوّي بها ؟ من عساني أكون؟
******
أعفّرت من كبرياء النداء؟
و أرجعت آمادي القهقرى؟
نسيت التي صورتها مناي
و ناديت انثى ككل الورى ؟
و اعرضت عن مسمع في السماء
إلى مسمع في تراب القرى !
أتصغي فتاة الهوى و الخيال
و أدعو فتاة الهوى و الثرى؟
******
وودعت سجواء بين الحقول
و دنيا عن الشر في معزل
و خلفت في كل ركن خصيل
من الريف ذكرى هوى أول(57/154)
قصاصات أوراقي الهامسات
بشعري على ضفه الجدول
وجذعا كتبت اسمها الحلو فيه
ونايا يغني مع الشمأل
******
فمن هذه المسترق القلوب
صبى ملؤها روحة الطافره
أما كنت ودعت تلك العيون
الظليلات و الخصله النافرة؟
كأني ترشفت قبل الغداة
سنى هذه النظرة الآسرة !
أما كان في الريف شيء كهذا ؟
اما تشبة الربة الغابرة؟!
******
مشى العمر ما بيننا فاصلا
فمن لي بأن أسبق الموعد ؟
و لكنه الحبّ منه الزمان
ثوان و مما احتواه المدى
أراها فانفض عنها السنين
كما تنفض الريح برد الندى
فتغدو و عمري أخو عمرها
و يستوقف المولد المولدا
******
و هل تسمع الشعر إن قلته
و في مسمعيها ضجيج السنين
أطلت على السبع من قبل عشر
ين عاما و ما كنت الا جنين ؟
و أمسى و لم تدر أنت الغرام
هواها حديث الورى أجمعين
لقد نبّأوها بهذا الهوى
فقالت : و ما أكثر العاشقين ؟!
******
أمن قلبه انثان هذا النشيد
إليها، إلى الذئبة الضاريه ؟
و لو لم يكن فيه طعم الدماء
ما استشعرت رنة القافية
و ما زالت تسبيه غمّازتان
تبوحان بالبسمة الخافية
و ما زالتا تذكران الخيال
بما كان في الأعصر الخالية
******
و بالحب و الغادة المستبد
صباها به ، يلعبان الورق
و كيف استكان الإله الصغير
فألقى سهام الهوى و الحنق
رهان، رمى فيه غمّازتيه
وورد الخدود، ونور الحدق
لك الله ، كيف اقتحمت القرون
و لم يخب في وجنتيك الألق ؟
******
كأن ابتسامتها و الربيع
شقيقتان ، لولا ذبول الزهر
أآذار ينثر تلك الورود
على ثغرها ؟ أم شعاع القمر ؟
ففي ثغرها افترّ كل الزمان
و ما عمر آذار إلا شهر
و بالروح فديت تلك الشفاه
و ان أذكروني بكاس القدر !
******
أطلي على طرفي الدامع
خيالا من الكوكب الساطع
و ظلا من الأغصن الحالمات
على ضفة الجدول الوادع
و طوفي أناشيد في خاطري
يناغين من حبي الضائع
يفجرن من قلبي المستفيض
و يقطرن في قلبي السامع
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في السوق القديم
في السوق القديم(57/155)
رقم القصيدة : 68013
-----------------------------------
-1-
الليل و السوق القديم
خفتت به الاصوات إلا غمغمات العابرين
و خطى الغريب و ما تثبت الريح من نغم حزين
في ذلك الليل البهيم
الليل ، و السوق القديم ، و غمغمات العابرين
و النور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب
مثل الضباب على الطريق
من كل حانوت عتيق
بين الوجوة الشاحبات كأنه نغم يذوب
في ذلك السوق القديم
-2-
كم طاف قبلي من غريب
في ذلك السوق الكئيب
فرأى و أغمض مقلتيه و غاب في الليل البهيم
و ارتج في حلق الدخان خيال نافذه تضاء
و الريح تعبث بالدخان
الريح تعبث بالدخان
الريح تعبث في فتور و اكتئاب بالدخان
و صدى غناء
ناء يذكر بالليالي المقمرات و بالنخيل
و أنا الغريب .. أظل أسمعه و احلم بالرحيل
في ذلك السوق القديم
-3-
و تناثر الضوء الضئيل على البضائع كالغبار
يرمي الظلال على الظلال كأنها اللحن الرتيب
و يرتق ألوان المغيب الباردات على الجدار
بين الرفوف الرازحات كأنها سحب المغيب
الكوب يحلم بالشراب و بالشفاة
ويد تلونها الظهيرة و السراج أو النجوم
و لربما بردت عليه و حشرجت فيه الحياة
في ليلة ظلماء باردة الكواكب و الرياح
في مخدع سهر السراج به و أطفأه الصباح
-4-
ورأيت من خلل الدخان مشاهد الغد كالظلال
تلك المناديل الحيارى و هي تؤمئ بالوداع
أو تشرب الدمع الثقيل ، و ما تزال
تطفو و ترسب في خيالي - هوم العطر المضاع
فيها و خصبها الدم الجاري
لون الدجى و توقد النار
يجلو الأريكة ثم تخفيها الظلال الراعشات
يخبو و يسطع ثم يحتجب
ودم يغمغم و هو يقطر ثم يقطر : مات ...مات
-5-
الليل و السوق القديم و غمغمات العابرين
و خطى الغريب
و أنت أيتها الشموع ستوقدين
في المخدع المجهول في الليل الذي لن تعرفيه
تلقين ضوءك في ارتخاء مثل امساء الخريف
حقل تموج به السنابل تحت أضواء الغروب
تتجمع الغرباء فيه
تلقين ضوءك في ارتخاء مثل امساء الخريف
في ليلة قمراء سكرى بالأغاني في الجنوب(57/156)
نقر [الداربك] من بعيد
يتهامس السعف الثقيل به و يصمت من جديد
-6-
قد كان قلبي مثلكن و كان يحلم باللهيب
حتى أتاح له الزمان يداً ووجها في الظلال
نار الهوى ويد الحبيب
ما زال يحترق الحياه و مان عام بعد عام
يمضي ووجه بعد وجه مثلما غاب الشراع
بعد الشراع و كان يحلم في سكون في سكون
بالصدر و الفم و العيون
و الحب ظلله الخلود فلا لقاء و لا وداع
لكنه الحلم الطويل
بين التمطي و التثاؤب تحت أفياء النخيل
-7-
بالأمس كان و كان ثم خبا و أنساه الملال
و اليأس حتى كيف يحلم بالضياء فلا حنين
يغشى دجاه و لا اكتئاب و لا بكاء و لا أنين
الصيف يحتضن الشتاء و يذهبان و ما يزال
كالمنزل المهجور تعوي في جوانبه الرياح
كالسلم المنهار لا ترقاه في الليل الكئيب
قدم و لا قدم ستهبطه إذا التمع الصباح
ما زال قلبي في المغيب
ما زال قلبي في المغيب فلا أصيل و لا مساء
حتى أتيت هي و الضياء
-8-
ما زال لي منها سوى أنا التقينا منذ عام
عند المساء و طوقتني تحت أضواء الطريق
ثم ارتخت عني يداها و هي تهمس و الظلام
يحبو و تنطفئ المصابيح الحزانى و الطريق
أتسير وحدك في الظلام
أتسير و الأشباح تعترض السبيل بلا رفيق
فأجبتها و الذئب يعوى من بعيد من بعيد
أنا سوف أمضي باحثا عنها سألقاها هناك
عند السراب و سوف أبني مخدعين لنا هناك
قالت ورجع ما تبوح به الصدى أنا من تريد
أنا من تريد فاين تمضي ؟ فيم تضرب في القفار
مثل الشريد أنا الحبيبة كنت منك على انتظار
أنا من تريد و قبلتني ثم قالت و الدموع
في مقلتيها غير أنك لن ترى حلم الشباب
بيتا على التل البعيد يكاد يخفيه الضباب
لولا الأغاني و هي تعلو نصف وسنى و الشموع
تلقى الضياء من النوافذ في ارتخاء في ارتخاء
أنا من تريد و سوف تبقى لا ثواء و لا رحيل
حب إذا أعطى الكثير فسوف يبخل بالقليل
لا يأس فيه و لا رجاء
-10-
أنا أيها النائي القريب
لك أنت وحدك غير أنى لن أكون
لك أنت أسمعها و أسمعهم و رائي يلعنون(57/157)
هذا الغرام أكاد أسمع أيها الحلم الحبيب
لعنات امي و هي تبكي أيها الرجل الغريب
إني لغيرك بيد أنك سوف تبقى لن تسير
قدماك سمرتا فما تتحركان و مقلتاك
لا تبصران سوى طريقي أيها العبد السير
أنا سوف أمضي فاتركيني : سوف ألقاها هناك
عند السراب
فطوقتني و هي تهمس : لن تسير
-11-
أنا من تريد فأين تمضي بين أحداق الذئاب
تتلمس الدرب البعيد
فصرخت : سوف أسير ما دام الحنين إلى السراب
في قلبي الظامي دعيني أسلك الدرب البعيد
حتى أراها في انتظاري : ليس أحداق الذئاب
أقسى على من الشموع
في ليلة العرس التي تترقبين و لا الظلام
و الريح و الأشباح أقسى منك أنت أو الأنام
أنا سوف أمضي فارتخت عني يداها و الظلام
يطغي ...
و لكني وقفت و ملء عيني الدموع
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> اللقاء الأخير
اللقاء الأخير
رقم القصيدة : 68014
-----------------------------------
و التف حولك ساعداي و مال جيدك في اشتهاء
كالزهرة الوسني فما أحسست إلا و الشفاة
فوق الشفاة و للمساء
عطر يضوع فتسكرين به و أسكر من شذاه
في الجيد و الفم و الذراع
فأغيب في أفق بعيد مثلما ذاب الشراع
في أرجوان الشاطيء النائي و أوغل في مداه
شفتاك في شفتي عالقتان و النجم الضئيل
يلقى سناه على بقايا راعشات من عناق
ثم ارتخت عني يداك و أكبق الصمت الثقيل
يا نشوة عبرى و إعفاء على ظل الفراق
حلواَ كإغماء الفراشة من ذهول و انتشاء
دوما إلى غير انتهاء
يا همسة فوق الشفاة
ذابت فكانت شبه آه
يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات
رانت كما سكن الجناح وقد تناءى في الفضاء
غرقي إلى غير انتهاء
مثل النجوم الآفلات
لا لن تراني لن أعود
هيهات لكن الوعود
تبقى تلح فخف أنت و سوف آتي في الخيال
يوما إذا ما جئت أنت و ربما سال الضياء
فوق الوجوه الضاحكات و قد نسيت و ما يزال
بين الأرائك موضع خال يحدق في غباء
هذا الفراغ أما تحس به يحدق في وجوم
هذا الفراغ أنا الفراغ فخف أنت لكي يدوم(57/158)
هذا هو اليوم الاخير
واححسرتاه أتصدقين ألن تخف إلى لقاء
هذا هو اليوم الأخير فليته دون انتهاء
ليت الكواكب لا تسير
و الساعة العجلى تنام على الزمان فلا تفيق
خلفتني وحدي أسير إلى السراب بلا رفيق
يا للعذاب أما بوسعك أن تقولي يعجزون
عنا فماذا يصنعون
لو أنني حان اللقاء
فاقتادني نجم المساء
في غمرة لا أستفيق
ألا و أنت خصري تحت أضواء الطريق
ليل و نافذة تضاء تقول إنك تسهرين
أني أحسك تهمسين
في ذلك الصمت المميت ألن تخف إلى لقاء
ليل و نافذة تضاء
تغشى رؤاي و أنت فيها ثم ينحل الشعاع
في ظلمة الليل العميق
و يلوح ظلك من بعيد و هو يومئ بالوداع
و أظل وحدي في الطريق
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أساطير
أساطير
رقم القصيدة : 68015
-----------------------------------
أساطير من حشرجات الزمان
نسيج اليد البالية
رواها ظلام نم الهاوية
و غنى بها ميتان
أساطير كالبيد ماج سراب
عليها و شقت بقايا شهاب
و أبصرت فيها بريق النضار
يلاقي سدى من ظلال الرغيف
و أبصرتني و الستار الكثيف
يواريك عني فضاع انتظار
و خابت منى و انتهى عاشقان
أساطير مثل المدى القاسيات
تلاوينها من دم البائسين
فكم أومضت في عيون الطغاة
بما حملت من غبار السنين
يقولون : وحي السماء
فلو يسمع الأنبياء
لما قهقهت ظلمة الهاوية
بأسطورة بالية
تجر القرون
بمركبة من لظى في جنون
لظى كالجنون
و هذا الغرام اللجوج
أيريد من لمسة باردة
على اصبع من خيال الثلوج
و أسطورة بائدة
و عرافة أطلقت في الرمال
بقايا سؤال
وعينين تستطلعان الغيوب
و تستشرقان الدروب
فكان ابتهال و كانت صلاة
تغفر وجه الآله
وتحنو عليه انطباق الشفاة
تعالي فما زال نجم المساء
يذيب السنا في النهار الغريق
و يغشى سكون الطريق
بلونين من ومضة و اطفاء
وهمس الهولء الثقيل
بدفء الشذى و اكتئاب الغروب
يذكرني بالرحيل
شراع خلال التحايا يذوب
و كف تلوح يا للعذاب
تعالي فما زال لون السحاب
حزينا .. يذكرني بالرحيل(57/159)
رحيل
تعالي تعالي نذيب الزمان
وساعة في عناق طويل
و نصبح بالأرجوان شراعا و راء المدى
و ننسى الغدا
على صدرك الدافئ العاطر
كتهويمة الشاعر
تعالي فملء الفضاء
صدى هامس باللقاء
يوسوس دون انتهاء
على مقلتيك انتظار بعيد
وشيء يؤيد
ظلال
يغمغم في جانبيها سؤال
و شوق حزين
يريد اعتصار السراب
و تمزيق أسطورة الأولين
فيا للعذاب
جناحان خلف الحجاب
شراع
و غمغمة بالوداع
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> إتبعيني
إتبعيني
رقم القصيدة : 68016
-----------------------------------
أتبعيني
فالضحى رانت به الذكرى على شط بعيد
حالم الأغوار بالنجم الوحيد
و شراع يتوارى و اتبعيني
همسة في الزرقة الوسنى و ظل
من جناح يضمحل
في بقايا ناعسات من سكون
في بقايا من سكون
في سكون !
**
هذه الأغوار يغشاها خيال
هذه الأغوار لا يسبرها إلا ملال
تعكس الأمواج في شبه انطفاء
لونه المهجور في الشط الكئيب
في صباح و مساء
و أساطير سكارى ... في دروب
في دروب أطفأ الماضي مدمها
و طواها
فاتبعيني .. إتبعيني
**
اتبعيني ... ها هي الشطآن يعلوها ذهول
ناصل الألوان كالحلم القديم
عادت الذكرى به ساج كأشباح نجوم
نسي الصبح سناها و الأفول
في سهاد ناعس بين جفون
في وجوم الشاطيء الخالي كعينيك انتظار
و ظلال تصبغ الريح و ليل و نهار
صفحة زرقاء تجلو في برود
و ابتسام غامض ظل الزمان
للفراغ المتعب البالي على الشط الوحيد
إتبعيني في غد يأتي سوانا عاشقان
في غد حتى و إن لم تتبعني
يعكس الموج على الشط الحزين
و الفراغ المتعب المخنوق أشباح السنين
**
أمس جاء الموعد الخاوي و راحا
يطرق الباب على الماضي على اليأس عليا
كنت وحدي أرقب الساعة تقتات الصباحا
و هي ترنو مثل عين القاتل القاسي إليا أمس في الأمس الذي لا تذكرينه
ضوأ الشطآن مصباح كئيب في سفينته
و اختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا
و تناءت في ارتخاء و توان
غمغمات مجهدات و أغاني
و تلاشت تتبع الضوء الضئيلا(57/160)
أقبلي الآن ففي الأمس الذي لا تذكرينه
ضوأ الشطآن مصباح كئيب في سفينته
و اختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> رنة تتمزق
رنة تتمزق
رقم القصيدة : 68017
-----------------------------------
الداء يثلج و يطفيء الغد ... في خيالي
و يشل أنفاسي و يطلقها كأنفاس الذبال
تهتز في رئتين يرقص فيهما شبح الزوال
مشدودتين الى ظلام القبر بالدّم و السعال ..
**
و احسرتا ؟! كذا أموت ؟ كما يجف ندى الصباح ؟
ما كاد يلمع بين أفواف الزنابق و الأقاحي
فتضوع أنفاس الربيع تهز أفياء الدوالي
حتى تلاشى في الهواء كأنه خفق الجناح !
**
كم ليلة ناديت باسمك أيها الموت الرهيب
وودت لا طلع الشروق علي إن مال الغروب
بالأمس كنت أرى دجاك أحب من خفقات آل
راقصن آمال الظماء ... فبلها الدم و اللهيب !
**
بالأمس كنت أصيح : خذني في الظلام إلى ذراعك
و أعبر بي الأحقاب يطويهن ظل من شراعك
خذني إلى كهف تهوم حوله ريح الشمال
نام الزمان على الزمان به و ذابا في شعاعك
**
كان الهوى وهما يعذبني الحنين إلى لقائه
ساءلت عنه الأمنيات وبت أحلم بارتمائه
زهراَ و نوراَ في فراغ من شكاة و ابتهال ..
في ظلمة بين الأضالع تشرئب إلى ضيائه
**
و اليوم حببت الحياة إلى و ابتسم الزمان
في ثغرها و طفا على أهدابها الغد و الحنان
سمراء تلتفت النخيل المساهمات إلى الرمال
في لونها و تفر ورقاء و يأرج أقحوان
**
شع الهوى في ناظريها فاحتوانب و احتواها
و ارتاح صدري و هو يخفق باللحون على شذاها
فغفوت استرق الرؤى و الشاعرية من رؤاها
و أغيب في الدفء المعطر كالغمامة في نداها
**
عينان سوداوات أصفى من ؟أماسي اللقاء
و أحب من نجم الصباح إلى المراعي و الرعاء
تتلألأ عن الرجا كليلة تخفي دجاها
فجراَ يلون بالندى درب الربيع و بالضياء
**
سمراء يا نجما تألق في مسائي أبغضيني
و اقسي علي و لا ترقى للشكاة و عذبيني
خلي احتقار في العيون و قطبي تلك الشفاها(57/161)
فالداء في صدري تحفز لافتراسك في عيوني !
**
يا موت يارب المخاوف و الدياميس الضريرة
اليوم تأتي ؟! من دعاك ؟ و من أدراك أن تزوره ؟
أنا ما دعوتك أيها القاسي فتحرمني هواها
دعني أعيش على ابتسامتها و ان كانت قصيرة
**
لا ! سوف أحيى سوف أشقى سوف تمهلني طويلا
لن تطفيء المصباح لكن سوف تحرقه فتيلا
في ليلة في ليلتين سيلتقي آها فآها
حتى يفيض سني النهار فيغرق النور الضئيلا !!
**
يا للنهاية حين تسدل هذه الرئة الأكيل
بين السعال على الدماء فيختم الفصل الطويل
و الحفرة السوداء تفغر بانطفاء النور فاها
إني أخاف أخاف من شبح تخبئه الفصول !!
**
و غدا إذا ارتجف الشتاء على ابتسامات الربيع
وانحل كالظل الهزيل و ذاب كاللحن السريع
و تفتحت بين السنابل و هي تحلم بالقطيع
و الناي زنبقة مددت يدي إليها في خشوع
**
و هويت أنشقها فتصعد كلما صعد العبير
من صدري المهدوم حشرجة فتحرق العطور
تحت الشفاه الراعشات و يطفأ الحقل النضير
شيئا فشيئا .. في عيوني ثم ينقلب الأسير !!
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سوف أمضي
سوف أمضي
رقم القصيدة : 68018
-----------------------------------
سوف أمضي أسمع الريح تناديني بعيدا
في ظلام الغابة اللفاء و الدربق الطويل
يتمطي و الذئب يعوي و الأفول
يسرق النجم كما تسرق روحي مقلتاك
فاتركي أقطعلا اللليل وحيدا
سوف أمضي فهي ما زالت هناك
في انتظاري
**
سوةف أمضي لا هدير لاالسيل صخبا رهيبا
يغرق الوادي و لا الأشباح تلقيها القبور
في طريقي تسأل اللليل إلى أين أسير
كل هذا ليس يثنيني فعودي و اتركيني
ودعيني أقطع اللليل غريبا
إنها ترنو إلى الأفق الحزين
في انتظاري
**
سوف أمضي حولي عينيك لا ترني إليا
إن سحرا فيهما يأبى على رجحلي مسيرا
إن سرا فيهما يستوقف القلب الكسيرا
و ارفعي عني ذراعيك ... فما جدوى العناق
إن يكن لا يبعث الأشواق فيا ؟
اتركيني هعا هو الفجر تبدى و رفاقي
في انتظاري(57/162)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> هوى واحد
هوى واحد
رقم القصيدة : 68019
-----------------------------------
على مقلتيك ارتشف النجوم
وعانقت آمالي الآيبة
وسابقت حتى جناح الخيال
بروحي إلى روحك الواثبة
أطلت فكانت سناً ذائباً
بعينيك في بسمة ذائبة
*
أأنت التي رددتها مناي
أناشيد تحت ضياء القمر
تغني بها في ليالي الربيع
فتحلم أزهاره بالمطر
ويمضي صداها يهز الضياء
ويغفو على الزورق المنتظر
*
خذي الكأس بلي صداك العميق
بما ارتج في قاعها من شراب
خذي الكأس لا
جف ذاك الرحيق
و إلا صدى هامس في القرار
ألا ليتني ما سقيت التراب
*
خذي الكأس إني زرعت الكروم
على قبر ذاك الهوى الخاسر
فأعراقها تستعيد الشراب
وتشتفه من يد العاصر
خذي الكأس اني نسيت الزمان
فما في حياتي سوى حاضر
*
وكان انتظار لهذا الهوى
جلوسي على الشاطيء المقفر
وإرسال طرفي يجوب العباب
ويرتد عن أفقه الأسمر
إلى أن أهل الشراع الضحوك
وقالت لك الأمنيات : أنظري
*
أأنكرت حتى هواك اللجوج
وقلبي وأشواقك العارمة
وضللت في وهدة الكبرياء
صداها .. فيا لك من ظالمة
تجنيت حتى حسبت النعاس
ذبولا على الزهرة النائمة
*
أتنسين تحت التماع النجوم
خطانا وأنفاسنا الواجفة
وكيف احتضنا صدى في القلوب
تغني به القبلة الراجفة
صدى لج احتراق الشفاة
وما زال في غيهب العاطفة
*
ورانت على الأعين الوامقات
ظلال من القبلة النائية
تنادي بها رغبة في الشفاة
ويمنعها الشك .. والواشية
فترتج عن ضغطة في اليدين
جكعنا بها الدهر في ثانية
*
شقيقة روحي ألا تذكرين
نداء سيبقى يجوب السنين
وهمس من الأنجم الحالمات
يهز التماعاتها بالرنين
تسلل من فجوة في الستار
إليك وقال ألا تذكرين
*
تعالي فما زال في مقلتي
سنا ماج فيه اتقاد الفؤاد
كما لاح في الجدول المطمئن
خيال اللظى والنجوم البعاد
فلا تزعمي أن هذا جليد
ولا تزعمي أن هذا رماد؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> لن نفترق
لن نفترق(57/163)
رقم القصيدة : 68020
-----------------------------------
هبت تغمغم : سوف نفترق
روح على شفتيك تخترق
صوت كأن ضرام صاعقة
ينداح فيه ... وقلبي الأفق
ضاق الفضاء وغام في بصري
ضوء النجوم وحطم الألق
فعلى جفوني الشاحبات وفي
دمعي شظايا منه أو مزق
فيم الفراق ؟ أليس يجمعنا
حب نظل عليه نعتنق ؟
حب ترقرق في الوعود سنا
منه ورف على الخطى عبق
*
أختاه، صمتك ملؤه الريب ؟
فيما الفراق ؟ أما له سبب ؟
الحزن في عينيك مرتجف
واليأس في شفتيك يضطرب
ويداك باردتان : مثل غدي
وعلى جبينك خاطر شجب
ما زال سرك لا تجنحه
آه مأججة : ولا يثب
حتى ضجرت به وأسأمه
طول الثواء وآده التعب
إني أخاف عليك وأختلجت
شفة إلى القبلات تلتهب
*
ثم إنثنيت مهيضة الجلد
تتنهدين وتعصرين يدي
وترددين وأنت ذاهلة
إني أخاف عليك حزن غد
فتكاد نتتثرالنجوم أسى
في جوهن كذائب البرد
لا تتركي لا تتركي لغدي
تعكير يومي ما يكون غدي
وإذا ابتسمت اليوم من فرح
فلتعبسن ملامح الأبد
ما كان عمري قبل موعدنا
إلا السنين تدب في جسد
*
أختاه لذّ على الهوى ألمي
فاستمتعي بهواك وابتسمي
هاتي اللهيب فلست أرهبه
ما كان حبك أول الحمم
ما زلت محترقا تلقفني
نار من الأوهام كالظلم
سوداء لا نور يضيء بها
جذلان يرقص عاري الفدم
هاتي لهيبك إن فيه سناً
يهدي خطاي ولو إلى العدم
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سراب
سراب
رقم القصيدة : 68021
-----------------------------------
بقايا في القافلة
تنير لها نجمة آفله
طريق الفناء
وتؤنسها بالغناء
شفاة ظماء
تهاويل مرسومة في السراب
تمزّق عنها النقاب
على نظرة ذاهلة
وشوق يذيب الحدود
*
ظلال على صفحة باردة
تحركها قبضة ماردة
وتدفعها غنوة باكية
إلى الهاوية .
ظلال على سلم من لهيب
رمى في الفراغ الرهيب
مراتبة البالية
وأرخى على الهاوية
قناع الوجود
سنمضي .. ويبقى السراب
وظل الشفاه الظماء
يهوم خلف النقاب
وتمشي الظلال البطاء
على وقع أقدامك العارية(57/164)
إلى ظلمة الهاوية
وننسى على قمة السلم
هوانا .. فلا تحلمي
بأنا نعود !
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> .وداع.
.وداع.
رقم القصيدة : 68022
-----------------------------------
اريقي على ساعدي الدموع
و شدي على صدري المتعب
فهيهات ألا أجوب الظلام
بعيدا إلى ذلك الغيهب
فلا تهمسي / غاب نجم السماء
ففي الليل أكثر من كوكب
**
وهل كان حلم بغير انتهاء
و هل كان لحن بلا آخر ؟
لكي تحسبي أن هذا الغرام
أبيد الرؤى ... خالد الحاضر
و أنا سنبقى نعد السنين
مواعيد في ظله الدائر ؟
**
على مقلتيك ارتماء عميق
و ذكرى مساء تقول ارجع!
نداء بعيد الصدى كالنجوم
يراها حبيبان في مخدع !
يكاد اشتياقي يهز الحجاب
و تومي ذراعي : هيا معي!!
**
سأمضي ... فلا تحلمي بالإياب
على وقع اقدامي النائية
و لا تتبعيني إذا ما التفت
ورائي إلى الشمعة الخابية
يرنحها في يديك النحيب
فتهتز من خلفك الرابية
**
ستنسين هذا الجبين الحزين
كما انحلت الغيمة الشاردة
و غابت كحلم وراء التلال
بعيداً.. سوى قطرة جامدة
ستنثرها الريح عما قليل
و تشربها التربة الباردة
**
ورب اكتئاب يسيل الغروب
على صمته الشاحب الساهم
وأغنية في سكون الطريق
تلاشت على هدأة العالم
أثارا صدى تهمس الذكريات
إذا ماانتهى همسة الحالم
**
غداً.. حين يبلى وراء الزجاج
كتا عليه اسمي الذابل
و تنفض كفاك عنه الغبار
و يخلو بك المخدع القاحل
سيلقاك و جهي خلال السطور
كما يسطع الكوكب الآفل
**
إذا ما قرأن اللقاء الاخير
تمنيت, في غفلة هاربة ,
لو استرجعت قبضتاك السنين
لو استرجعت ليلة ذاهبة!
و لكن شيئاً حواه الجدار
تحدى أمانيك الكاذبة
**
تلفت عن غير قصد هناك
فأبصرت.. بالانتحار الخيال!
حروفا من النار..ماذا تقول ؟
لقد مر ركب السنين الثقال
و قد باح تقويمهن الحزين
بأن اللقاء المرجى..محال!!
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> لا تزيديه لوعة
لا تزيديه لوعة
رقم القصيدة : 68023(57/165)
-----------------------------------
لا تزيديه لوعة فهو يلقاك
لينسى لديك بعض اكتئابه
قربي مقلتيك من وجهه الذاوي
تري في الشحوب سر انتحابه
و انظري في غصونه صرخة اليأس
أشباح غابر لا من شبابه :
لهفة تسرق الخطى بين حفنيه
و حلم يموت في أهدابه
**
و اسمعيه إذا اشتكى ساعة البين
و خاف الرحيل- يقوم اللقاء
و احجبي ناظريه, في صدرك المعطار
وعن ذاك الرصيف المضاء
عن شراع يراه في الوهم ينساب
وموج يحسه في المساء :
الوداع الحزين!! شذى ذراعيك
عليه على الأسى والشقاء
**
حدثي حديثيه عن ذلك الكوخ
وراء النخيل بين الروابي
حلم أيامه الطوال الكئيبات
فلا تحرميه حلم الشباب
أوهميه بأنه سوف يلقاك
على النهر تحت ستر الضباب
وأضيئي الشموع في ذلك الكوخ
وإن كان كله من سراب
**
كلما ضج شاكيا في ذراعيك
انتهاء الهوى صرخت انتهارا
فارتمي أين يرتمي صدره الجـ
ـاش حزناً وحيرة وانتظارا ؟
اغضبي وادفعيه عن صدرك
القاسي وأرخي على هواه الستارا
أوصدي الباب خلفه.. واتركيه
مثلما كان.. للدجى والصحارى !
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> عينان زرقاوان
عينان زرقاوان
رقم القصيدة : 68024
-----------------------------------
عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير
أرنو فينساب الخيال و ينصب القلب الكسير
و أغيب في نغم يذوب.. و في غمائم من عبير
بيضاء مكسال التلوي تستفيق على خرير
ناء.. يموت و قد تثاءب كوكب الليل الأخير
يمضي على مهل و أسمع همستين.. وأستدير
فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير
حسناء يا ظل الربيع, مللت أشباح الشتاء
سوداً تطل من النوافذ كلما عبس المساء
حسناء.. ما جدوى شبابي إن تقضى بالشقاء
عيناك.. يا للكوكبين الحالمين بلا انتهاء..
لولاهما ما كنت أعلم أن أضواء الرجاء
زرقاء ساجية.. و أن النور من صنع النساء
هي نظرة من مقلتيك و بسمة تعد اللقاء
و يضيء يومي عن غدي, وتفر أشباح الشتاء
**
عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال(57/166)
ساج تلثم باليكون فلا حفبف و لا انثيال
إلا صدى واه يسيل على قياثر في الخيال
إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال..
في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال,
وغفا الزمان.. فلا صباح ..و لا مساء و لا زوال!
أني أضيع مع الضباب سوى بقايا من سؤال:
عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال!
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في ليالي الخريف
في ليالي الخريف
رقم القصيدة : 68025
-----------------------------------
في ليالي الخريف الحزين
حين يطغى علي الحنين
كالضباب الثقيل
في زوايا الطريق
في زوايا الطريق الطويل
حين أخلو و هذا السكون العميق
توقد الذكريات
بابتساماتك الشاحبات
كل أضواء ذاك الطريق البعيد
حيث كان اللقاء
في سكون المساء
هل يعود الهوى من جديد ؟
عاهديني إذا عاد .. يا للعذاب
عاهديني و مرت بقايا رياح
بالوريقات في حيرة و اكتئاب
ثم تهوي حيال السراج الحزين
انتهينا.. أما تذكرين؟
انتهينا.. و جاء الصباح
يسكب النور فوق ارتخاء الشفاه
و انحلال العناق الطويل
أين آلام الرحيل؟
أين لا لست أنساك و احسرتاه؟
**
في ليالي الخريف
حين أصغي و لا شيء غير الحفيف
ناحلاً كانتحاب السجين
خاف أن يوقظ النائمين
فانتحى في الظلام
يرقب الأنم النائيات
حجبتها بقايا غمام
فاستبدت به الذكريات
الغناء البعيد البعيد
في ليالي الحصاد
أوجه النسوة الجائعات
ثم يعلو رنين الحديد
يسلب البائس الرقاد !
في ليالي الخريف
حين أصغي و قد مات حتى الحفيف
و الهواء -
تعزف الأمسيات البعاد
في اكتئاب يثير البكاء
شهرزاد
في خيالي فيطغى علي الحنين
أين كنا؟! أما تذكرين
أين كنا ؟! أما تذكرين المساء؟!
**
في ليالي الخريف الطوال
آه لو تعلمين
كيف يطغى علي الأسى و الملال؟!
في ضلوعي ظلام القبور السجين
في ضلوعي يصبح الردى
بالتراب الذي كان أمي: غدا
سوف يأتي فلا تقلقي بالنحيب
عالم الموت حيث السكون الرهيب!
سوف أمضي كما جئت واحسرتاه
سوف أمضي و ما زال تحت السماء(57/167)
مستبدون يستنزفون الدماء
سوف أمضي و تبقى عيون الطغاة
تستمد البريق
من جذى كل بيت حريق
و التماع الحراب
في الصحارى و من أعين الجائعين
سوف أمضي و تبقى فيا للعذاب!
سوف تحيين بعدي ، و تستمتعين
بالهوى من جديد
سوف أنسى و تنسين إلاّ صدى
من نشيد
في شفاه الضحايا -وإلا الردى
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أغنية قديمة
أغنية قديمة
رقم القصيدة : 68026
-----------------------------------
-1-
في المقهى المزدحم النائي, في ذات مساء
و عيوني تنظر في تعب,
في الأوجه و الأيدي و الأرجل و الخشب :
و الساعة تهزأ بالصخب
و تدق- سمعت ظلال غناء
أشباح غناء
تتنهد في الحاني, و تدور كإعصار
بال مصدور
ينتفس في كهف هار
في الظلمة منذ عصور
**
-2-
أغنية حب أصداء
تنأى و تذوب و ترتجف
كشراع ناء يجلو صورته الماء
في نصف اللليل.. لدى شاطيء إحدى الجزر
و أنا أصغي.. و فؤادي يعصره الأسف:
لم يسقط ظل يد القدر
بين القلبين ؟! لم أنتزع الزمن القاسي
من بين يدي و أنفاسي
يمناك ؟ و كيف تركتك تبتعدين كما
تتلاشى الغنوة في سمعي نغما نغما؟!
**
-3-
آه ما أقدم هذا التسجيل الباكي
و الصوت قديم
الصوت قديم
ما زال يولول في الحاكي
الصوت هنا باق أما ذات الصوت:
القلب الذائب إنشاداً
و الوجه الساهم كالأحلام فقد عادا
شبحا في مملكة الموت-
لا شيء- هنالك في العدم
و أنا أصغي و غداً سأنام عن النغم!
أصغيت فمثل إصغائي
لي وجه مغنيه كالزهرة حسناء
يتماوج في نبرات الغنوة كالظل
في نهر تقلقه الأنسام
في آخر ساعات الليل
يصحو و ينام
أأثور ؟ أأصرخ بالأيام و هل يجدي ؟
إنا سنموت
و سننسى في قاع اللحد ؟
حباً يحيا معنا و يموت !
**
-4-
ذرات غبار
تهتز و ترقص في سأم
في الجو الجائش بالنغم
ذرات غبار!
الحسناء المعشوقة مثل العشاق
ذرات غبار!
كم جاء على الموتى و الصوت هنا با-
ليل نهار!!
هل ضاقت مثلي بالزمن
تقويماً خط على كفن
ذرات غبار ؟!؟(57/168)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ستار
ستار
رقم القصيدة : 68027
-----------------------------------
-1-
عيناك و النور الضئيل من الشموع الخابيات
و الكأس و اللليل المطل من النوافذ بالنجوم
يبحثن في عيني عن قلب و عن حب قديم
عن حاضر خاو و ماض في ضباب الذكريات
ينأى و يصغر ثم يفنى إنه الصمت العميق
و الباب توصده وراءك في الظلام يدا صديق !
**
-2-
كالشاطيء المهجور قلبي لا وميض و لا شراع
في ليلة ظلماء بل فضاءها المطر الثقيل -
لا صرخة اللقيا تطيف به و لا صمت الرحيل
يمناك و النور الضئيل أكان ذاك هو الوداع ؟!
باب و ظل يدين تفترقان- ثم هوى الستار
ووقفت أنظر في الظلام و سرت أنت إلى النهار
**
-3-
في ناظريك الحالمين رأيت أشباح الدموع
أنأى من النجم البعيد تمر في ضوء الشموع
و اليأس مد على شفاهك و هي تهمس في اكتئاب
ظلاً- كما تلقي جبال نائيات من جليد
أطيافهن على غدير تحت أستار الضباب
لا تسألي ماذا تريد ؟ فلست أملك ما أريد!
**
-4-
باب و ظل يدين تفترقان- ليتك تعلمين
أن الشموع سينطفين, و أن أمطار الشتاء
بيني و بينك سوف تهوي كالستار فتصرخين
الريح تعول عند بابي لست أسمع من نداء
إلا بقايا من حديث رددته الذكريات
و سنان هوّم كالسحابه في خيالي ثم مات !
**
-5-
أنا سوف أمضي سوف أنأى سوف يصبح كالجماد
قلب قضيت الليل باحثة على الضوء الضئيل
على ظله في مقلتي فما رأيت سوى رماد!!
أنا سوف أمضي ربما أنسى إذا سال الأصيل
بالصمت أنك في انتظاري ترقبين و ترقبين
أو ربما طافت بي الذكرى فلم تذك الحنين
**
-6-
الزورق النائي و أنات المجاديف الطوال
تدنو على مهل و تدنو في انخفاض و ارتفاع
حتى إذا امتدت يداك إلي في شبه ابتهال
و همست ها هو ذا يعود! رجعت فارغة الذّراع
وأفقت في الظلماء حيرى لا ترين سوى النجوم
ترنو إليك من النوافذ في وجوم.. في وجوم !
**
-7-
قد لا أؤوب إليك إلا في الخيال وقد أؤوب(57/169)
لا أملس في قلبي و لا في مقلتي هوى قديم:
كفان ترتجفان حول الموقد الخابي.. و كوب
تتراقص الأشباح فيه.. و تنظرين إلى النجوم
حذر البكاء.. و كيف أنت تهز قلبك في ارتخاء
عاد الشتاء..
فتهمسين: و سوف يرجع في الشتاء
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سجين
سجين
رقم القصيدة : 68028
-----------------------------------
ذراعا أبي تلقيان الظلال
على روحي المستهام الغريب
ذراعا أبي و السراج الحزين
يطاردني في ارتعاش رتيب
وحفت بي الأوجه الجائعات
حيارى فيا للجدار الرهيب
ذراعا أبي تلقيان الظلال
على روحي المستهام الغريب
**
و طال انتظاري كأن الزمان
تلاشى فلم يبق إلا الانتظار
و عيناي ملء الشمال البعيد
فيا ليتني أستطيع الفرار
و أنتِ التقاء الثرى بالسماء
على الآل في نائيات القفار
و طال انتظاري كأن الزمان
تلاشى فلم يبق إلا الانتظار!
**
أألقاك؟ تأتي على النجوم
و تمضي و ما غير هذا السؤال
تغنيه في مسمعي الرياح
و تلقيه في ناظري الظلال
و ترنو على جرسه الأمنيات
إلى ذكريات الهوى في ابنتها
أألقاك تأتي على النجوم
و تمضي و ما غير هذا السؤال
**
أصيخي! أما تسمعين الرنين
تدوي به الساعة القاسية ؟؟
أصيخي فهذا صليل القيود
و قهقهة الموت في الهاويه!
زمان .. زمان يهز النداء
فؤادي فأدعوك يا نائية
أصيخي أما تسمعين الرنين
تدوي به الساعة القاسية!؟
**
أما تبصرين الدخان الثقيل
يجر الخطى من فم الموقد
تلوى فأبصرت فيه الظهور
وقد قوستها عصا السيد
و أبصرت فيه الحجاب الكثيف
على جبهة العالم المجهد
أما تبصرين الدخان الثقيل
يجر الخطى من فم الموقد
**
و لا بد من ساعة من مكان
لروحين ما زالتا في ارتقاب
سألقاك أين الزمان الثقيل
إذا ما التقينا و أين العذاب؟!
سينهار على مقلتيك الجدار
و تفنى ذراعا أبي كالضباب
و لا بد من ساعة من مكان
لروحين ما زالتا في ارتقاب!
**
و كيف التلاقي و بين المنى
و إدراكهن الدخان الثقيل؟
تموج الأساطير في جانبيه(57/170)
و يحبو على صدره المستحيل
و نحن الغريقان في لجه
سننسى الهوى فيه عما قليل
و كيف التلاقي و بين المنى
و إدراكهن الدخان الثقيل
**
لينهد هذا الجدار الرهيب
و تندك حتى ذراعا أبي
أحاطت بي الأعين الجائعات
مرايا من النار في غيهب
إذا أستطعب مهرباً مقلتاي
تصدى خيالان في مهربي
فأبصرت ظلين لي في الجدار
أو استوقغني ذراعا أبي
**
سابقى وراء الجدار البغيض
وعيناي لا تبرحان الطريق
أعد الليالي خلال الكرى
وارعى نجوم الظلام العميق
فلا تيأسي- أن تمر السنون
و يطفين في وجنتيك البريق
سأبقى وراء الجدار القديم
وعينان لا تبرحان الطريق
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ذكرى لقاء
ذكرى لقاء
رقم القصيدة : 68029
-----------------------------------
قد انتصف الليل فاطو الكتاب
عن الريح و الشمعة الخابية
فعيناك لا تقرآن السطور
و لكنها العلة الواهيه
فأنت ترى مقلتيها هناك
و ذكرى من الليلة الماضيه
فتطوي على ركبتيك الكتاب
و ترنو إلى الأنجم النائيه
**
هنا أنت بين الضياء الضئيل
و بين الدجى في الفضاء الرحيب
و كم من مصابيح تفنى هناك
تنير الثرى و الفراغ الرهيب
**
مصابيح كانت تذوب
و تنحل في شعرها:س
خطانا و لون الغروب
و ما ضاع من عطرها
و تلقي على ذكريات الشتاء
ستاراً من الأدمع الراجفة
فتخبو مصابيحهن البعاد
بطيئاً كما تبرد العاطفة
كما افترقت يوم حان الرحيل
يد صافحتها يد واجفة
كرجع الخطى في الطريق البعيد
كما انحلت الرغبة الخائفة
**
وتصغي و لا شيء إلا السكون
و إلا خطى الحارس المتعب
وإلا ارتعاش الضياء الضئيل
و خفق الظلال على المكتب
**
و أسفارك البالية
كأشباح موتى تسير
حياري إلى الهاوية
وحلم أدكار قصير
**
و تنساب مثل الشراع الكئيب
وراء الدجى روحك الشاردة
ترى وجهها كالتماع النجوم
و تطويه عنك اليد الماردة
إلى أن يذوب الضباب الثقيل
و تنهار ألوانه الجامدة
فها أنت ذا تستعيد اللقاء
كما عادت الجثة الباردة
**(57/171)
و تمتد يمناك نحو الكتاب
كمن ينشد السلوة الضائعة
فتبكي مع العبقري المريض
و قد خاطب النجمه الساطعة
**
تمنيت يا كوكب
ثباتا كهذا أنام
على صدرها في الظلام
وافني كما تغرب
و يغشى رؤاك الضياء القديم
بطيئاً كما سارت القافلة
ترى الباب مثل انعكاس المغيب
على صفحة الجدول الناحلة
و يغشى رؤاك الضياء القديم
ينير لك الغرفة الآفلة
و يغشى رؤاك الضياء القديم
فيا لانتفاضتك الهائلة!
**
ترى الباب ألقى عليه الأصيل
ظلالاً من الكرمة العارية
فما كان غير اعتناق طويل
عصرنا به القوة الباقية
**
و ألقيت عبء السنين
و رأسي على صدرها
فشدت عليه اليمين
و أدنته من ثغرها
**
و أيقنت أن الحياة الحياة
بغير الهوى قصة فاترة
و إني بغير التي ألهبت
خيالي بأنفاسها العاطرة
شريد يشق ازدحام الرجال
و تخنقه الأعين الساخرة
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> نهاية
نهاية
رقم القصيدة : 68030
-----------------------------------
-1-
أضيئي لغيري فكل الدروب
سواء على المقلة الشاردة
سأمضي إلى مجهل لا أؤوب
فإن عادت الجثة البارده
فألقي على الأعين الخاويات
طيب السماء
لعل الرؤى الخابيات
إذا مس أطرافهن الضياء
يخبرن عن ذلك المجهل:
عن الريح و الغاب و الجدول
أضيئي لها يا نجوم !
**
-2-
سأهواك حتى نداء بعيد
تلاشت على قهقهات الزمان
بقاياه في ظلمة في مكان
و ظل الصدى في خيالي يعيد
سأهواك حتى سأهوى نواح
كما أعولت في الظلام الرياح
سأهواك حتى سـ.... يا للصدى
أصيخي إلى الساعة النائية
سأهواك حتى بقايا رنين
تحدين دقاتها العاتية
تحدين حتى الغدا
سأهواك ما أكذب العاشقين !
سأهوا نعم تصدقين
**
-3-
ظلام و تحت الظلام المخيف
ذراعان تستقبلان الفضاء
أبعد اصفرار الخريف
تريدين ألا يجيء الشتاء؟
لقاء و أين الهوى يا لقاء؟!
عويل من القرية النائية
وشيح ينادى فتاة الغريق
بهذا الطريق و ذلك الطريق
و يمشي إلى الضفة الخالية
يسائل عنه المياه
و يصرخ بالنهر يدعو فتاه(57/172)
و مصباحه الشاحب
يغني سدى زيته الناضب
محال يراه
و يحنو على الصفحة القاتمة
يحدق في لهفة عارمه
فما صادفت مقلتاه
سوى وجهه المكفهر الحزين
ترجرجه رعشة في المياه
تغمغم لا لن تراه
**
-4-
أحقا نسيت اللقاء الأخير
أحقا نسيت اللقاء ... ؟
أكان الهوى حلم صيف قصير
خبا في جليد الشتاء
خبا في جليد
و ظل الصدى في خيالي يعيد
خبا في جليد خبا في جليد
و يا رب حلم يهيل الزمان
عليه الرؤى و السنين الثقال
فتمضي و يبقى شحوب الهلال
يلون بالأرجوان
شحوب النجوم وصمت القمر
ويومض في كل حلم جديد
شحوب الهلال و ظل الشجر
وطيف الشراع البعيد ؟
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في القرية الظلماء
في القرية الظلماء
رقم القصيدة : 68031
-----------------------------------
-1-
الكوكب الوسنان يطفيء ناره خلف التلال
و الجدول الهدار يسبره الظلام
إلا وميضاً لا يزال
يطفو و يرسب مثل عين لا تنام
ألقى به النجم البعيد
يا قلب ما لك لست تهدأ ساعة؟ ماذا تريد؟
النجم غاب و سوف يشرق من جديد بعد حين
و الجدول الهدار هينم ثم نام
أما الغرام دع التشوق يا فؤادي و الحنين!
**
-2-
أأظل أذكرها و تنساني ؟
وأبيت في شبه احتضار و هي تنعم بالرقاد ؟
في ناظريها المسبلين على الرؤى أما فؤادي
فيظل يهمس في ضلوعي
باسم التي خانت هواي يظل يهمس في خشوع
أني سأغفو بعد حين سوف أحلم في البحار:
هاتيك أضواء المرافيء و هي تلمع من بعيد
تلك المرافيء في انتظار
تتحرق الأضواء فيها مثل أصداء تبيد
**
-3-
القرية الظلماء خاوية المعابرة و الدروب
تتجاوب الأصداء فيها مثل أيام الخريف
جوفاء في بطء تذوب
واستيقظ الموتى هناك على التلال على التلال
الريح تعول في الحقول و ينصتون إلى الحفيف
يتطلعون إلى الهلال
في آخر الليل الثقيل و يرجعون إلى القبور
يتساءلون متى النشور!!
و الآن تقرع في المدينة ساعة البرج الوحيد
لكني في القرية الظلماء في الغاب البعيد
**
-4-(57/173)
دعها تحب سواي تقضي في ذراعيه النهار
و تراه في الأحلام يعبس أو يحدث عن هواه
فغداً سيهوى ساعداه
مثل الجليد على خطوط باهتات في إطار
و على الرفوف الشاحبات رسائل
عادت تلف على نسيج العنكبوت بها الوعود
و الريح تهمس لن يعود
ويلون المرآة ظل من سراج ذابل
و حياله امرأة تحدق في كتاب
بال و تبسم في اكتئاب
**
-5-
الكوكب الوسنان يطفيء ناره خلف التلال
و الجدول الهدار يسبره الظلام
إلا وميضاً لا يزال
يطفو و يرسب مثل عين لا تنام
ألقى به النجم البعيد
يا قلب مالك فب إكتئاب لست تعرف ما تريد؟!
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> هل كان حبا
هل كان حبا
رقم القصيدة : 68032
-----------------------------------
هل تسمين ألقى هياماً؟
أم جنونا بالأماني؟ أم غراما ؟
ما يكون الحب؟ نوحاً و ابتساما؟
أم خفوق الأضلع الحرى إذا حان التلاقي
بين عينينا فاطرقت فراراً باشتياقي
عن سماء ليس تسقيني إذا ما؟
جئتها مستسقياً ألا أواما
**
العيوم الحور لو أصبحن ظلاً في شرابي
جفت الأقداح في أيدي صحابي
دون أن يحضين حتى بالحباب
هيئي يا كأس من حافاتك السكرى مكانا
تتلاقى فيه يوما شفتانا
في خفوق و التهاب
و ابتعاد شاع في آفاقه ظل اقتراب
**
كم تمنى قلبي المكلوم لو لم تستجيبي
من بعيد للهوى أو من قريب
آه لو لم تعرفي قبل التلاقي من حبيب
أي ثغر مسّ هاتيك الشّفاها
ساكبا شكواه آها ثم آها ؟
غير أني جاهل معنى سؤالي عن هواها ؟
أهو شيء من هواها يا هواها ؟
**
أحسد الضوء الطروبا
موشكاً مما يلاقي ان يذوبا
في رباط أوسع الشّعر التثاما
السماء البكر من الوانه آنا و آنا
لا ينيل الطرف إلا أرجوانا
ليت قلبي لمحة من ذلك الضوء السجين
أهو حبّ كل هذا خبريني
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في أخريات الربيع
في أخريات الربيع
رقم القصيدة : 68033
-----------------------------------
يا ضياء الحقول ياغنوة الفلاح في الساجيات من أسحاره(57/174)
أقبلي فالربيع ما زال في الوادي فبلي صداك قبل احتضاره
لا تصيب العيون إلا بقاياه و غير الشرود من آثاره
دوحة عند جدول تنفض الأفياء عنها و ترمي في قراره
و على كل ملعب زهرة غيناء فرت إليه من أياره
**
في المساء الكئيب و المعبر المهجور و العابسات من أحجاره
مصغيات تكاد من شدّه الإصغاء أن توهم المدى بانفجاره
أرمق الدرب كلنا هبّت الريح وحف العتيق من أشجاره
كلما أذهل الربى نوح فلاح يبث النجوم شكوى نهاره
صاح يا ليل فاستفاق الصدى الغافي على السفح و الذي في جواره
فإذا كل ربوة رجع يا ليل و نام الصدى على قيثاره
أين منهن خفق أقدامك البيضاء بين الحشيش فوق اخضراره
مثل نجمين أفلتا من مدارين فجال الضياء في غير داره
أو فراشين أبيضين استفاقا يسرقان الرحيق من خماره!!
**
أنت في كل ظلمة موعد و سنان ما زال يومه في انتظاره
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ديوان شعر
ديوان شعر
رقم القصيدة : 68034
-----------------------------------
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
أنفاسي الحرى تهيم على
صفحاته و الحب و الأمل
و ستلقي أنفاسهن بها
و ترف في جنباته القبل
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
**
و إذا رأين النّوح و الشكوى -
كل تقول من التي يهوي ؟
و سترتمي نظراتهنّ على الصفحات
بين سطوره نشوى
و لسوف ترتج النهود أسى
و يثيرها ما فيه من نجوى
ولربّما قرأته فاتنتي فمضت تقول : من التي يهوى ؟
**
ديوان شعري رب عذراء
أذكرتها بحبيبها النائي
فتحسست شفة مقبّلة
و شتيت أنفاس و أصداء
فطوتك فوق نهودها بيد
و استرسلت في شبه إغفاء
ديوان شعري ربّ عذراء
أذكرتها بحبيبها النائي
**
يا ليتني أصبحت ديواني
لأفرّ من صدر إلى ثان
قد بت م حسد أقول له :
يا ليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوس و لي ثمالتها
و لك الخلود و إنّني فان؟
يا ليتني أصبحت ديواني
لأفر من صدر إلى ثاني
**
سأبيت في نوح و تسهيد
و تبيت تحت وسائد الغيد(57/175)
أو لست مني إنني نكد
ما بال حظّك غير منكود ؟
زاحمت قلبي في محبته
و خرجت منها غير معمود
أأبيت في نوح و تسهيد
و تبيت تحت وسائد الغيد؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> نهر العذارى
نهر العذارى
رقم القصيدة : 68035
-----------------------------------
يا نهر لولا منحاك و ما يشابك من فروع
ما كانت البسمات في عيني تطفأ بالدموع
**
حجبت بالشأو البعيد تسد بابيه الظلال
وجهاً تلاقي في محياه الوداعة و الجمال
مرآتك الخضراء منذ جلوتها تحت السماء
ما لاح فيها مثل ذاك الوجه في ذاك الصفاء
**
إن أوقد الليل العميق نجومه في جانبيك
لّماحة الأضواء تغمر بالأشعة ضفتيك
**
ناشدت ألحاظ الكواكب و هي تخترق الظلام
الا ينمن و إن تشهّين الكرى حتى تنام:
**
أنتن أسعد ما أظل الكون يا زهر النجوم
أنتن أبصرتنّ ذاك الوجه في الليل البهيم!
**
حتى إذا ما رنح النجم الأخير سنا الصباح
فانقضّ تحت القبة الزرقاء مقصوص الجناح
**
أصبحت فوق المعبر المهجور أرقب منحناك
فأبوح بالشكوى و تسكت عن شكاتي ضفتاك
**
الفتنة السمراء تسرقها مياهك بعد حين:
الشعر و العينين و الثغر المنضّر و الجبين
**
فإذا الهجيرة أطلقتها زرقة الأفق البعيد
فالظلّ مقصوص الجناح يفرّ من عود لعود
**
سارت إليك بطيئة الخطوات ذابلة الشّفاه
جاءتك ظمأى بالبنان الرخص تغترف المياه
**
كم عدت مخمور الفؤاد بموعد المدّ القريب
جذلان أقتحم الظهيرة بالتطلع و الوثوب
**
التوت فوق الشاطيء الغربي و السّعف الصموت
لا يجهلان تنهّداتي و هي بينهما تموت
**
و الغاب ساعتي الحبيبة من ظلال عقرباها
كم أنبآني أن طرفي بعد حين قد يراها
**
و اليوم يسقي مدّك العاتي أواخر كل جزر
لا ذاك يجلوها و لا هذا بما أرجوه يجري
* *
و اليوم إن سكر الخرير و عاد يحتضن الجرارا !
لم ألق عذرائي فكيف الصّبر يا نهر العذارى ؟!
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> شباك و فيقة
شباك و فيقة
رقم القصيدة : 68036(57/176)
-----------------------------------
1
شبّاك و فيقة بالقريه
نشوان يطلّ على الساحه
كجليل تنتظر المشيه
ويسوع و ينشر ألواحه
ايكار يمسّح بالشمس
ريشات النسر و ينطلق
ايكار تلقّفه الأفق
و رماه إلى اللجج الرمس
شبّاك وفيقة يا شجره
تتنفس في الغبش الصاحي
الأعين عندك منتظره
**
تترقب زهرة تفاح
و بويب نشيد
و الريح تعيد
أنغام الماء على السّعف
**
ووفيقة تنظر في أسف
من قاع القبر و تنتظر:
سيمر فيهمسه النّهر
ظلاً يتماوج كالجرس
في ضحوة عيد
ويهفّ كحبات النّفس
و الريح تعيد
أنغام الماء ( هو المطر )
و الشمس تكركر في السعف
شباك يضحك في الألق؟
أم باب يفتح في السور
فتفر بأجنحة العبق
روح تتلهف للنور ؟
**
يا صخرة معراج القلب
يا صور الألفة و الحبّ
يا درباً يصعد للرب
لولاك لما ضحكت للأنسام القرية
في الريح عبير
من طوق النهر يهدهدنا و يغنينا
عوليس مع الأمواج يسير
والريح تذكره بجزائر منسية:
شبنا يا ريح فخلّينا
**
العالم يفتح شبّاكة
من ذاك الشباك الأزرق
يتوحد يجعل أشواكه
أزهاراً في دعة تعبق
**
شباك مثلك في لبنات
شباك مثلك في الهند
و فتاة تحلم في اليابان
كوفيقة تحلم في اللّحد
بالبرق الأخضر و الرعد
**
شباك وفيقة في القريه
نشوان يطل على الساحه
كجليل تحلم بالمشيه
و يسوع
و يحرق ألواحه
شباك وفيقة
2
أطلي فشّباكك الأزرق
سماء تجوع
تبينته من خلال الدموع
كأني بي أرتجف الزورق
إذا انشق عن وجهك الأسمر
كما انشق عن عشتروت المحار
و سارت من الرغو في مئزر
ففي الشاطئين اخضرار
و في المرفأ المغلق
تصلّي البحار
كأني طائر بحر غريب
طوى البحر عند المغيب
و طاف بشبّاكك الأزرق
يريد التجاء إليه
من الليل يربدّ عن جانبيه
فلم تفتحي
ولو كان ما بيننا محض باب
لألقيت نفسي لديك
و حدقت في ناظريك
هو الموت و العالم الأسفل
هو المستحيل الذي يذهل
تمثّلت عينيك يا حفرتين
تطلان سخراً على العالم
على ضفة الموت بوّابتين
تلوحان للقادم
و شبّاكك الأزرق(57/177)
على ظلمة مطبق
تبدّي كحبل يدّ الحياه
إلى الموت كيلا تموت
شفاهك عندي ألذّ الشفاه
و بيتك عندي أحبّ البيوت
و ماضيك من حاضري أجمل
هو المستحيل الذي يذهل
هو الكامل المنتهي لا يريد
و لا يشتهي أنه الأكمل
ففي خاطري منه ظل مديد
و في حاضري منه مستقبل
* *
ترى جاءك الطائر الزنبقي
فحلقت في ذات فجر معه
و ألقى نعاس الصباح النقي
على حسك المشتكى برقعة
و فتحت عينيك عند الأصيل
على مدرج أخضر
و كان انكسار الشعاع الدليل
إلى التل و المنزل المرمر
هناك المساء اخضرار نحيل
من التوت و الظل و الساقيه
و في الباب مدّ الأمير الجميل
ذراعيه يستقيل الآتيه :
أميرتي الغالية
لقد طال منذ الشتاء انتظاري
ففيم التأني وفيم الصدود ؟
* *
و هيهات أن ترجهي من سفار
و هل ميّت من سفار يعود ؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> حدائق وفيقة
حدائق وفيقة
رقم القصيدة : 68037
-----------------------------------
لوفيقة
في ظلام العالم السفليّ حقل
فيه مما يزرع الموتى حديقة
يلتقي في جوها صبح و ليل
و خيال و حقيقة
تنعكس الأنهار فيها و هي تجرى
مثقلات بالظلال
كسلال من ثمار كدوال
سرّحت دون حبال
كل نهر
شرفة خضراء في دنيا سحيقة
ووفيقة
تتمطى في سرير من شعاع القمر
زنبقي أخضر
في شحوب دامع فيه ابتسام
مثل أفق من ضياء و ظلام
و خيال و حقيقة
أي عطر من عطور الثلج و انِ
صعّدته الشفتان
بين أفياء الحديقة
يا وفيقة ؟
و الحمام الأسود
يا له شلال نور منطفي
يا له نهر ثمار مثلها لم يقطف
يا له نافورةً من قبر تموز المدمّي تصعد
و الأزاهير الطوال الشاحبات الناعسة
في فتور عصّرت أفريقيا فيه شذاذ
ونداها
تعزف النايات في أظلالها السكرى عذارى لا نراها
روّحت عنها غصون هامسة
وفيقة
لم تزل تثقل جيكور رؤاها
آه لو روّى نخيلات الحديقة
من بويب كركرات لو سقاها
منه ماء المد في صبح الخريف
لم تزل ترقب بابا عند أطراف الحديقة
ترهف السمع إلى كل حفيف(57/178)
ويحها ترجو و لا ترجو و تبكيها مناها
لو أتاها
لو أطال المكث في دنياه عاما بعد عام
دون أن يهبط في سلّم ثلج و ظلام
ووفيقة
تبعث الأشذاء في أعماقها ذكرى طويله
لعشيش بين أوراق الخميله
فيه من بيضاته الرزق اتقاد أخضر
أي أمواج من الذكرى رفيقة
كلما رفّ جناح أسمر
فوقها والتم صدر لامعات فيه ريشات جميله
أشعل الجوّ الخريفيّ الحنان
واستعاد الضمّة الأولى و حواء الزمان
تسأل الأموات من جيكور عن أخبارها
عن بباها الربد عن أنهارها
آه و الموتى صموت كالظلام
أعرضوا عنها و مروا في سلام
و هي كالبرعم تلتف على أسرارها
و الحديقة
سقسق الليل عليها في اكتئاب
مثل نافورة عطر و شراب
و خيال و حقيقة
بين نهديك ارتعاش يا وفيقة
فيه برد الموت باك
و اشرأبّت شفتاك
تهمسان العطر في ليل الحديقة
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أم البروق
أم البروق
رقم القصيدة : 68038
-----------------------------------
رأيت قوافل الأحياء ترحل عن مغانيها
تطاردها وراء الليل أشباح الفوانيس
سمعت نشيج باكيها
و صرخة طفلها و ثغاء صاد مواشيها
وفي وهج الظهيرة صارخا يا حادي العيس
على ألم مغنيها
و لكن لم أر الأموات يطردهن حفار
من الحفر العتاق و يترع الأطفان عنها أو يغطيها
و لكن لم أر الأموات قبل ثراك يجليها
مجون مدينة و غناء راقصة و خمّار
يقول رفيقي السكران دعها تأكل الموتى
مدينتا لتكبر تحضن الأحياء تسقينا
شرابا من حدائق برسفون تعلّنا حتى
تدور جماجم الأموات من سكر مشى فينا
مدينتنا منازلنا رحى و دروبها نار
لهامن لحمنا المعروك خبز فهو يكفيها
علام تمد للأموات أيديها و تختار
تلوك ضلوعها و تقيئها للريح تسفيها
تسلّل ظلها الناريّ من سجن و مستشفى
ومن مبغى و من خمارة من كل ما فيها
و سار على سلالم نومنا زحفا
ليهبط في سكينة روحنا ألما فيبكيها
و كانت إذ يطلّ الفجر تأتيك العصافير
تساقط كالثمار على القبور تنقّر الصمتا
فتحلم أعين الموتى(57/179)
بكركرة الضياء و بالتلال يرشّها النور
و تسمع ضجة الأطفال أمّ ثلاثة ضاعوا
يتامى في رحبا الأرض إن عطشوا و إن جاعوا
فلا ساق و لا من مطعم في الكوخ ظلو و اعتلى النعش
رؤوس ألقوم و الاكتاف ..أفئدة و أسماع
و لا عين ترى الأمّ التي منها خلا العشّ
و في الليل
إذا ما ذرذر الأنوار في أبد من الظلمة
ودبّت طفلة الكفّين عارية الخطى نسمة
تلمّ من المدينة كالمحار و كالحصى من شاطيء رمل
نثار غنائها و بكائها لم تترك العتمة
سوى زبد من الأضواء منثور
يذوب على القبور كأنه اللبنات في سور
يباعد عالم الأموات عن دنيا من الذلّ
من الأغلال و البوقات و الآهات و الزّحمة
و أوقدت المدينة نارها في ظلّة الموت
تقلّع أعين الأموات ثم تدسّ في الحفر
بذور شقائق النعمان تزرع حبة الصمت
لتثمر بالرنين من النقود و ضجّة السفر
و قهقهة البغايا و السكارى في ملاهيها
و عصّرت الدفين من النهود بكل أيديها
تمزّقهن بالعجلات و الرقصات و الزمر
و تركلهنّ كالأكر
تفجرها الرياح على المدارج في حواشيها
و حيث تلاشت الرعشات و و الأشواق و الوجد
و عاد الحب ملمس دودة و أنين أعصار
تثاءبت المدينة عن هوى كتوقد النار
تموت بحرها ورمادها و دخانها الهاري
و يا لغة على الأموات أخفى مندجى الغابة
ترددها المقاهي ذلك الدلال جاء يريد أتعابه
إذا سمعوك رن كأنه الجرس الجديد يرن في السحر
صدى من غمغمات الريف حول مواقد السمر
إذا ما هزت الأنسام مهد السنبل الغافي
و سال أنين مجداف
كأن الزورق الأسيان منه يسيل في حلم
عصرت يديّ من ألم
فأين زوارق العشاق من سيارة تعدو
ببنت هوى ؟ و أين موائد الخمار من سهل يمد موائد القمر ؟
على أمواتك المتناثرين بكل منحدر
سلام جال فيه الدمع و الآهات و الوجد
على المتبدلات لحودهم و الغاديات قبورهم طرقا
و طيب رقادهم أرقا
يحنّ إلى النشور و يحسب العجلات في الدرب
و يرقب موعد الربّ
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> دار جدي
دار جدي(57/180)
رقم القصيدة : 68039
-----------------------------------
مطفأة هي النوافذ الكثار
و باب جدّي موصد و بيته انتظار
و أطرق الباب فمن يجيب يفتح ؟
تجيبني الطفولة الشباب منذ صار
تجيبني الجرار جف ماؤها فليس تنضح
بويب غير أنها تذرذر الغبار
مطفأة هي الشموس فيه و النجوم
الحقب الثلاث منذ أن خفقت للحياة
في بيت جدي ازدحمن فيه كالغيوم
تختصر البحارفي خدودهن و المياه
فنحن لا نلم بالردى من القبور
فاوجه العجائز
أفصح في الحديث عن مناجل العصور
من القبور فيه و الجنائز
و حين تقفز البيوت من بناتها
و ساكينها من أغانيها و من شكاتها
نحس كيف يسحق الزمان إذ يدور
**
أأشتهيك يا حجارة الجدار يا بلاط يا حديد يا طلاء
أأشتهي التقاءكن مثلما انتهى إلي فيه ؟
أم الصّبا صباي و الطفولة اللعوب و الهناء
وهل بكيت أن تضعضع البناء
و أقفر الفناء أم بكيت ساكنيه ؟
أم أنني رأيت في خرابك الفناء
محدقا إليّ منك من دمي
مكشرا من الحجار ؟ آه أيّ برعم
يربّ فيك ؟ برعم الردى غدا أموت
و لن يظل من قواي ما يظل من خرائب البيوت
لا أنشق الضياء لا أعضعض الهواء
لا أعصر النهار أو يمصّني المساء
**
كأنّ مقلتي بل كأنني انبعثت ( أورفيوس )
تمصّه الخرائب الهوى إلى الجحيم
فيلتقي بمقلتيه ، يلتقي بها بيورديس
أة يا عروس
يا توأم الشباب يا زنبقة النعيم
طريقة ابتناه بالحنين و الغناء
براعم الخلود فتحت له مغالق الفناء
و بالغناء يا صباي يا عظام يا رميم
كسوتك الرواء و الضياء
طفولتي صباي أين أين كلّ ذاك ؟
أين حياة لا يحد من طريقها الطويل سور
كشر عن بوّابة كأعين الشباك
تفضي إلى القبور
و الكون بالحياة ينبض : المياه و الصخور
وذرة الغبار و النمال و الحديد
و كل لحن كل موسم جديد
الحرث و البذار و الزهور
وكل ضاحك فمن فؤاده و كل ناطق فمن فؤاده
وكا نائح فمن فؤاده و الأرض لا تدور
و الشمس إذ تغيب تستريح كالصغير في رقاده
و المرء لا يموت إن لم يفترسه في الظلام يب(57/181)
أو يختطفه مارد و المرء لا يشيب
( فهكذا الشيوخ منذ يولدون
الشعر الأبيض و العصي و الذوقون )
**
و في ليالي الصيف حين ينعس القمر
و تذبل النجوم في أوائل السحر
أفيق أجمع الندى من الشجر
في قدح ليقتل السعال و الهزال
و في المساء كنت أستحمّ بالنجوم
عيناي تلقطانهن نجمة فنجمة وراكب الهلال
سفينة كأن سندباد في ارتحال
شراعي الغيوم
و مرفأي المحال
و أبصر الله على هيئة نخلة كتاج نخلة يبيضّ
في الظلام
أحسه يقول : يا بني يا غلام
و هبتك الحياة و الحنان و النجوم
وهبتها لمقلتيك و المطر
للقدمين الغصّتين فاشرب الحياة
وعبّها يحبّك الإله
أهكذا السنون تذهب
أهكذا الحياة تنضب ؟
أحس أنني أذوب أتعب
أموت كالشجر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> حنين في روما
حنين في روما
رقم القصيدة : 68040
-----------------------------------
يتثاءب جسمك في خلدي
فتجنّ عروقي
عريان تزلّق في أبد
تنهيه الرعشة فهي شروق
في ليل الشهوة كل دمي
يتحرق يلهث ينفجر
و يقبّل تغرك ألف فم
في جسمي تنبتها سقر
و أحنّ أتوق
و أحس عبيرك في نفسي
ينهد يدندن كالجرس
ووليمة جسمك يا واها
ما أشهاها
يافجر الصيف إذا بردا
يا دفء شتائي يا قبلا أتمناها
أحيا منها و أموت بها و أضم الأمس
أمسّ غدا
و تعود اللحظة لي أبدا
ما أنأى بيتك ما أنأى عينك
بحار
و جبال دم زمن جمدا
ليعود مدى و أجنّ أثار
فأحسّ عبيرك في نفسي
ينهد يدندن كالجرس
ما أسعدها ما أشقاها ؟
أرضي آسية العريانة
أنا في روما أبكيها و أعيش بذاركها
ألأنك فيها أهواها
من جوع صغارك يا وطني أشبعت الغرب و غربانه
صحراء من الدم تعوي ترجف مقرورة
و مربط خيل مهجورة
و منازل تلهث أوها
و مقابر ينشج موتاها
و أحسّ عبيرك في نفسي
ينهد يدندن كالجرس
لو شئت لطيفك أوربا
وطنا لحملت معي زادي
و عبرت مرافئها و طويت شوارعها دربا دربا
أسقيه الشمس و أطعمه قبلا و براعم أوراد
لكنك أثبت في الشرق
سأعود فأقطع سلّمنا وثبا(57/182)
لأضمّك يا أبد الشوق
يانور المرفأ يهدي القلب إذا تاها
ياقصة عنتر إذ تروى حول التنور فأحياها
سأحسّ عبيرك في نفسي
ينثال و يقرع كالجرس
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الأم و الطفلة الضائعة
الأم و الطفلة الضائعة
رقم القصيدة : 68041
-----------------------------------
قفي لا تغربي ياشمس ما يأتي مع الليل
سوى الموتى فمن ذا يرجع الغائب للأهل
إذا ما سدّت الظلماء
دروبا أثمرت بالبيت بعد تطاول المحل ؟
و إن اللليبل ترجف أكبد الأطفال من أشباحه السوداء
من الشهب اللوامح فيه مما لاذ بالظلّ
من الهمسات و الأصداء
شعاعك مثل خيط للابرنث يشدّه الحب
إلى قلب ابنتي من بات داري من جراحاتي
و آهاتي
مضى أزل من الأعوام آلاف من الأقمار و القلب
يعد خوافق الأنسام يحسب أنجم الليل
يعد حقائب الأطفال يبكي كلما عادوا
من الكتاب و الحقل
و يا مصباح قلبي يا عزائي في الملمات
مني روحي ، ابنتي عودي إليّ فها هو الزاد
و هذا الماء جوعي ؟ هاك من لحمي
طعاما آه عطشى أنت يا أمي
فعبّي من دمي ماء و عودي كلهم عادوا
كأنك برسفون تخطّفتها قبضة الوحش
و كانت أمها الولهى أقل ضنى و أوهاما
من الأم التي لم تدر أين مضيت
في نعش
على جبل ؟ بكيت ؟ ضحكت ؟ هبّ الوحش أم ناما
وحين تموت نار الليل حين يعسعس الوسن
على الأجفان حين يفتش القصّاص في النار
ليلمح من سفينة سندباد ذوائب الصاري
و يخفت صوته لوهن
يجن دمي إليك يحن يعصرني أسى ضار
مضت عشر من السنوات عشرة أدهر سود
مضى أزل من السنوات منذ وقفت في الباب
أنادي لا يرد علي إلا الريح في الغاب
تمزق صيحتي و تعيدها و الدرب مسدود
بما تنفس الظلماء من سمر و أعناب
و أنت كما يذوب النور في دوّامة الليل
كأنك قطرة الطلّ
تشرّبها التراب أكاد من فرق و أوصاب
أسائل كل ما في الليل من شبح و من ظل
أسائل كل ما طفل
أأبصرت ابنتي ؟ أرأيتها ؟ أسمعت ممشاها ؟
و حين أسير في الزحمة
أصغّر كل وجه في خيالي كان جفناها(57/183)
كغمغمة الشروق على الجداول تشرب الظلمة
و كان جبينها و أراك في أبد من الناس
موزّعة فآة لو أراك و أنت ملتمة
و أنت الآن في سحر الشباب عصيرة القاسي
يغلغل في عروقك ينهش النهدين و الثغرا
و ينشر حولك العطرا
فيحلم قلبك المسكين بين النور و العتمة
بشيء لو تجسد كان فيه الموت و النشوة
و أذكر أن هذا العالم المنكود تملأ كأسه الشقوه
و فيه الجوع و الآلام فيه الفقر و الداء
أأنت فقيرة تتضرع الأجيال في عينيك فهي فم
يريد الزاد يبحث عنه و الطرقات ظلماء
أحدّق في وجوه السائلات أحالها السقم
و لوّنها الطوى فأراك فيها أبصر الأيدي
تمدّ أحسّ أن يدي يدي معهن تعرض زرقة البرد
على الأبصار و هي كأنهمن أدارها صنم
تجّمد في مدى عينيه أدعية و سال دم
فأصرخ في سبيل الله تخنق صوتي الدمعة
بخيط الملح و الماء
و أنت على فمي لوعة
وفي قلبي وضوء شع ثم خبا بلا رجعة
و خلّفني أفتش عنه بين دجى و أصداء
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> النبؤة الزائفة
النبؤة الزائفة
رقم القصيدة : 68042
-----------------------------------
و كانت تجمع في خاطري
خيوط ضبابيّة قاتمة
نهايتها في المدى عائمة
و أعراقها السود في ناظري
ودارت خيوط ولفت سواها
فعانقهن أفقا
ووسوسن غيما على الريح ملقى
تجمع من كل صوب ، و رعدا و برقا
لقد أغضب الآثمون الإلها
و حق العقاب
يا أفراس الله استبقي
يا خيلا من نار و سحاب
من وقع سنابك الرعد
و البرق الأزرق في الأفق
و صهيلك صور لظى و عذاب
الوعد لقد أزف الوعد
فيا قبضة الله يا عاصفات
و يا قاصفات و يا صاعقة
ألا زلزلي ما بناه الطغاة
بنيرانك الماحقة
وتلتمّ في خاطري
خيوط السحاب
و تلقى الأفق الدائر
وراء القباب
و أحسست أن الغيوم انتظار
و أن انتظاراً يشد التراب
و أصدى بماذا
بصوت انفجار
على الشطّ واد وزمّ الشرار
و رقعت بالنظرة الشامته
ثقوب الكوى الصامته
سيندكّ سور ستنصبّ نار
و كان انتظار
و جّمعت الأرض أطباقها(57/184)
سيندكّ سور ستنصبّ نار
و عصرت السحب أعراقها
فبلّ الثرى عاصف ممطر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> مدينة السراب
مدينة السراب
رقم القصيدة : 68043
-----------------------------------
عبرت أوربا إلى أسيه
وما انطوى النهار
كأنما الجبال و البحار
ربى و أطراف من الساقية
يطرفها الصغار
بين شروق الشمس و الغروب
تعانق الشمال و الجنوب
ونامت المروج قي القفار
و أنت يا ضجيعتي كأنك الكواكب البعيدة
كأنّ بيننا من الكرى جدار
تضمّك اليدان تعصران جثة بليدة
كأنني معانق دمي على حجار
في منزل لصوصة الرياح و الهجير و الغيوم
مساؤه السكون و النجوم
وصيحة انتظار
ترامت السنون بيننا : دما و نار
أمدّها جسور
فتستحيل سور
و أنت في القرار من بحارك العميقة
أغوص لا أمسّها تصكّني الصخور
تقطّع العروق في يدي أستغيث آه يا وفيقة
يا أقرب الورى إليّ أنت يا رفيقة
للدود و الظلام
عشر سنين سرتها إليك ياضجيعة تنام
معي وراء سورها تنام في سرير ذاتها
و ما انتهى السّفار
إليك يا مدينة السراب يا ردى حياتها
عبرت أوربا إلى آسيه
و ما انطوى النهار
و أنت يا ضجيعتي ، مدينة نائية
مسدود أبوابها و خلفها وفقت في انتظار
**
نبوءة و رؤيا
نبوءتك المريرة عذّبتني مزقت روحي
نبوءتك الرهيبة أيها العراف تبكيني
رأيت مسالك الأفلاك تهرعبالملايين
قرأت خواطر الريح
ووسوسة الظلام كأن حقلا بات ينتحب
ستنطفيء الحياة و رحت ترسم موعد القدر
إذا حدجتني الشهب
هتفت بها غدا سنموت فانهمري على البشر
لأهون أن أموت لديك وحدي دون حشرجة و لا أنّه من القدر المرّوع يجرف الأحياء بالآلاف
ولكني أصيخ إلى النهار فأسمع العراف
يهدّد سوف يهلك من عليها سوف تلتهب
وتسرب في دمي جنّه
و حين رقدت أمس رأيت في ظلموت أحلامي
رؤى تتلاحق الأنفاس منها ثم تنقطع
أفقت و ما تزال تضيء في خلدي و تندلع
كما يتفجر البركان في ظلمات ليل دون انسام
بلا قمر و أن يك في المحاق أكاد أقتلع(57/185)
أكاد أمزق الدم في عروقي بارتعاد روحي الحيرى
أكاد أعانق القبرا
أرى أفقا و ليلا يطبقان على من شرفه
و لي و لزوجتي في الصمت عند حدودها وقفة
نحدق في السماء و نمنع الطفلين من نظر
إلى ما في دجاها الراعب المأخوذ من سقر
تطفّأت الكواكب و هي تسقط فيه كالشرر
تطفّأ تحت ذيل الريح و هي تسفّه سفا
كأنّ عصا تسوق مواكب الأفلاك في الصحراء من ظلم
ويلهث تحتنا الآجرّ يزحف تحتنا زحفا
تضعضع فهو يمسك نفسة ويئن من ألم
ليهوي حين يغفل حين يعجز ثم ينهار
دجى نثرت بها نار
بني إليك صدري فيه فادفن وجهك الطفلا
بنيّ صه أقصّ عليك أية قصّة عندي ؟
تفجرت الفقاعة و انتهى أبّد إلى حدّ
علام أتيت للدنيا
ليدرك عمرك الليلا
لتحيا أربع السنوات ثم لتبصر الساعة
تقوم و لست تدرك ما تراه ؟ تريد أن تحيا
و تجهل أن موتك فيه بعثك أن للدنيا
نهاية سلّم يفضي إلى أبد من الملكوت
قلبك ؟ آه .. من راعه ؟
بكاؤك و ارتعابك فيهما لله أحراج
و باسمها اسائله الحساب : اتصرع الأطفال
لتشهد لوعة الآباء ؟ تسعد قلبك الآمال
تخيب
يكاد يهوي من صراخي عنده التاج
و يهدم عرشه و يخرّ تطفأ حوله الآباد و الآزال
ويقطر لابن آدم ألما و ينفطر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ذهبت
ذهبت
رقم القصيدة : 68044
-----------------------------------
ذهبت فاستحال بعدك النهار
كأنه الغروب
كأنما سحبت من خيوطه النّضار
و ظلّل المدار انكسار
و مثلها انكسرت غام في خيالي الجنوب
ينوء بالخريف
تعرب الكروم و الجداول انطفأن و الحفيف
يموت في ذرى النخيل و الدروب
بصمتها انتظار
كحل عينيك سواد نار
تشب من قلبك من براعم النهود
يهتف بي إذا نظرت : أنت في استعار
يا أيها البركان من ورود
أواه لو أشدّ عينيك إلى النهار
إلى غد فوق دمي يحوم
أي سماء أشعلتها رعشة النجوم
و أثقل الظلام فيها من ندى المطر
نظرت من قرارها إليّ كالغيوم
تكن في اربدادها الزهر
يا نظرة تخطفتني ريحها السموم(57/186)
إلى الضفاف الخضر من نهر
غرقت فيه أشعليني أطفئي اللهيب
يا نظرة يشد قلبي بالسما وتر
يعزف مرّها عليه غنوة القمر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> يا نهر
يا نهر
رقم القصيدة : 68045
-----------------------------------
يا نهر عادت إليك من أبد اللحود و من خواء الهالكين
راعيك في الزمن البعيد يسرح البصر الحزين
في ضفتيك و يسأل الأشجار عندك عن هواه
أوراقها سقطت و عادت ثم أذبلها الخريف
و تبدلت عشرين مره
هيهات يسمه إذ توسوس في الدجى أصداء آه
بالأمس أطلقها لديك ترن في جرس الحفيف
كم قبلة عادت دوائر في مياهك مستسرة
دنياه كانت أمس فيك فهل تعود إلى الحياه
ليود من شغف بمائك لو غدا
ظلا يداعب فيه جنيّاته
متعلقا بشراع كل سفينة
ليجاذب الملاح أغنيّاته
وتلوذ أنوار النجوم بصدره
و تراقص الأمواج من ضحكاته
ما أخيب الموتى إذا رجعوا إلى الدنيا القديمة
و تلصصوا يتطلعون كما تطلع من كوى دار شريد
و رأى ثمار الجمر سار عصيرها دفئا و جال عبيرها المهدود
ما أخيب الموتى تكاد موتهم الهزيمة
شيئا أمرّ من الحياة
ما أخيب الموتى تغير كل شيء كل باق
مما أطلّ على الحياة لانهم كانوا كواه
أم مات ما عرفوه إذ ماتوا فليس سوى رؤاه ؟
فتكبدوا ألم الفراق
ألم التغريب مرتين فيا ضفاف النهر يا أمواجه و محاره
ماذا تبقى فيك من أمس الهوى ؟
الدوح أسلم للبلى ورقاته
و هي التي سمعت لديك حواره
و هي التي أودعت فيها في الضحى
قبلاتنا وطويت فيها ناره
إتى ذويت مع الظلام كما ذوى
ياليت لي شفة قتلثم أو يدا فتمسّ ماءك
إني لأكثر من غريب غربة و أشد حيره
لم يبق فيك سوى الزمان و ليس ما فيك قطره
من ماء أمس كأن فجرك عاد قبل غد مساءك
و كأن ضفتك الحبيبة ضفّة الأبد البعيد
يا نهر أن وردتك " هالة " و الربيع الطلق في نسيانه
و لى صباها فهي ترجف الكهولة و هي تحلم بالورود
في حين أثقلها الجليد كأن نبعا في اللحود
تمتص منه عروقها دمها فقل لم ينس عهدك(57/187)
و هو في أكفانه
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> المعبد الغريق
المعبد الغريق
رقم القصيدة : 68047
-----------------------------------
خيول الريح تصهل و المرافىء يلمس الغرب
صواريها بشمس من دم و نوافذ الحانة
تراقص من وراء خصاصها سرج و جمع نفسه الشّرب
بخيط من خيوط الخوف مشدودا إلى قنينة و يمدّ آذانه
إلى المتلاطم الهدّار عند نوافذ الحانه
و حدّث و هو يهمس جاحظ العينين مرتعدا
يعبّ الخمر شيخ عن دجى ضاف و أدغال
تلامح وسطها قمر البحيرة يلثم العمّدا
يمسّ الباب من جنبات ذاك المعبد الخالي
طواه الماء في غلس البحيرة بين أحراش مبعثرة و أدغال
هنالك قبل ألف حين مج لظاه من سقر
فم يفتّح البركان عنه فتنفض الحمّى
قرارة كل ما في الواد من حجر على حجر
تفجّر باللظى رحم البحيرة ينثر الأسماك و الدم مرغيا سمّا
وقر عليه كلكل معبد عصفت به الحمّى
تطفّأ في المباخر جمرها و توهج الذّهب
ولاح الدرّ و الياقوت أثمار من النور
نجوما في سماء تزحف دونما السّحب
تمرغ فوقها التمساح ثم طفا على السّور
ليحرس كنزه الأبدي حتى عن يد الظلماء و النور
و أرسى الأخطبوط فنار موت يرصد البابا
سجا في عينه الصوراء صبح كان في الأزل
تهزّأ بالزمان يمرّ ليل بعد ليل و هو ما غابا
ففيم غرور هذا الهالك الإنسان هذا الحاضر المشدود بالأرجل ؟
أعمّر ألف عام ؟ ليته شهد الخلائق و هي تعبر شرفة الأول
ألا يا ليته شهد السلاحف تستحق الدّنيا
قياصرها و يمنع درعها ما صوّب الزمن
إليها من سهام الموت
لكنّ الذي يحيا
بقلب يعبر الآباد يكسر حدّه الوهن
فيصمت عمره أزل يمس حدوده أبد من الأكوان في دنيا
هنالك ألف كنز من كنوز العالم الغرقي
ستشبع ألف طفل جائع و تقيل آلافا من الداء
و تنقذ ألف شعّب من يد الجلاّد لو ترقى
إلى فلك الضمير
أكل هذا المال في دنيا الأرقاء
و لا يتحررون ؟ و كيف و هو يصفّد الأعناق
يربطها إلى الداء
كأن الماء في ثبج البحيرة يمنع الزّمنا(57/188)
فلا يتقحم الأغوار لا يخطو إلى الغرف
كأن على رتاح الباب طلّسما فلا وسنا
ولكن يقظة أبد و لا موت يحدّ حدود ذاك الحاضر الترف
كأن تهجّد الكهّان نبع في ضمير الماء يدفق منه الغرف
إذن ما عاد من سفر إلى أهله عوليس
إذن فشراعه الخفاق يزرع فائر الأمواج
بما حسب الشهور وعدّ حتى هدّه البؤس
فيا عوليس شاب فتاك مبسم زوجك الوهّاج
غدا حطبا ففيم تعود تفري نحو أهلك أضلع الامواج
هلم فماء شيني في انتظارك يحبس الأنفاس
فما جرحته نقرة طائر أو عطرته أنامل النّسم
هلم فانّ وحشا فيه يحلم فيك دون الناس
و يخشى أن تفجّر عينه الحمراء بالظلم
و أن كنوزه العذراء تسأل عن شراعك خافق النسم
أما فجعتك في طروادة الآهات من جرحي
و محتضرين
يا لدم أريق فلطّخ الجدران
وردّ ترابها الظمآن طينا ردّه جرحا
كبيرا واحدا جرحا تفتح في حشا الإنسان
ليصرخ بالسماء
فيا لصوت ردّدته نوافذ الحجرات و الجدران
لأجل فجور أنثى و اتّقاد متوّج بالثار
تخصب من دم المهجات حتى سلّم الأفن
وحل بلا أوان يومنا و تساوت الأعمار
كزرع منه ساوى منجل
وهناك في الشفق
تنوح نساءنا المترمّلات يولول الأطفال عند مدارج الأفق
هلم فقد شهدت كما شهدت دما و أشلاءا
تفجّر في بلادي قمقم ملأته بالنار
دهور الجوع و الحرمان
أي خليفة قاءا ؟
رأينا أنّ أفئدة التتار و أذؤب الغار
أرقّ من الرعاع القالعين نواظر الأطفال و الشاوين بالنار
شفاه الحلمة العذراء
يا نهرا من الحقد
تدفّق بالخناجر و العصي بأعين غضبى
نجوما في سماء شدها قابيل بالزند
فليتك حين هزّ الموصل الأعصار ( دربا
و لا بيتا و لا قبرا نجا فيها ) شهدت الأعين الغضبى
و ليتك في قطار مر حين تنفس السحر
فقصّ على سرير السكة الممدود أمراسا
تعلق في نهايتينّ جسم يحصد النّظر
عليه الجرح بعد الجرح بعد الجرح أكداسا
ليهوي جسم حفصة لابسا فوق النجيع دما
و أمراسا
و فيم نخاف في ثبج البحيرة أو حفافيها
كواسج ضاريات أو تماسيح التظت لهبا(57/189)
نواجذها الحديدة فيم تخشى كل ما فيها
فإن عقارب الرقّاع يضمر سمّها العطبا
وتزرع في الجسوم أزاهر الدم و الجراح بلا دم لهبا
هلم نشقّ في الباهنج حقل الماء بالمجذاف
ز ننثر أنجم الظلماء نسقطها إلى القاع
حصى ما ميزته العين فيروزه الرفّاف
و لؤلؤة المنقّط بالظلام
سنرعب الراعي
فيهرع بالخراف إلى الحظيرة خوف أن يغرقن في القاع
هلم فليل آسية البعيد مداه يدعونا
بصوت من نعاس من ردى من سجع كهان
هلمّ فما يزال الدهر بين أيدينا
لنطو دجاه قبل طلوع شمس دون ألوان
تبدد عالم الأحلام تخفت إذ يرن التبر فيها
سجع كهان
**
يجول التبر فيها مثل وحش يأكل الموتى
و يشرب من دم الأحياء يسرق زاد أطفال
ليتقد اللظى في عينه ليعيره صوتا
يحطّم صوت كل الأنبياء هناك
يا لرنين أغلال
و يا لصدى من الساعات بالأكفان مسّ رؤوس أطفال
وفلّ عناق كل العاشقين و دسّ في القبلة
مدى من حشرجات الموت ردّ أصابع الأيدي
أشاجع غاب عنها لحمها و ستائر الكله
يحوّلها صفائح تحتها جثث بلا جلد
هلمّ فبعد ما لمح المجوس الكوكب الوهّاج تبسط نحوه الأيدي
و لا ملأت حراء و صبحة الآلات و السّور
هلمّ فما يزال زيوس يصبح قمّة الجبل
بخمرته و يرسل ألف نسر نز من أحداقها الشرر
لتخطف من يدير الخمر يحمل أكؤس الصهباء و العسل
هلمّ نزور آلهة البحيرة
ثم نرفعها لتسكن قمّة الجبل
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أفياء جيكور
أفياء جيكور
رقم القصيدة : 68048
-----------------------------------
نافورة من ظلال من أزاهير
و من عصافير
جيكور جيكور يا حفلا من النور
يا جدولا من فراشات نطاردها
في الليل في عالم الأحلام و القمر
ينشرن أجنحة أندى من المطر
في أول الصيف
يا باب الأساطير
يا باب ميلادنا الموصول بالرحم
من أين جئناك من أي المقادير
من أيما ظلم
و أي أزمنة في الليل سرناها
حتى أتيناك أقبلنا من العدم
أم من حياة نسيناها
جيكور مسّي جبيني فهو ملتهب
مسّيه بالسّعف
و السنبل الترف(57/190)
مديّ على الظلال السمر تنسحب
ليلاً فتخفي هجيري في حناياها
**
ظل من النخل أفياء من الشّجر
أندى من السّحر
في شاطيء نام فيه الماء و السّحب
ظل كأهداب طفل هدّه اللعب
نافورة ماؤها ضوء من القمر
أودّ لو كان في عينيّ ينسرب
حتى أحسّ ارتعاش الحلم ينبع من روحي و ينسكب
نافورة من ظلال من أزاهير
و من عصافير
**
جيكور ماذا ؟ أنمشي نحن في الزمن
أم أنه الماشي
و نحن فيه وقوف
أين أوله
و أين آخره
هل مر أطوله
أم مرّ أقصره الممتد في الشجن
أم نحن سيان نمشي بين أحراش
كانت حياة سوانا في الدياجير
هل أنّ جيكور كانت قبل جيكور
في خاطر الله في نبع من النور
جيكور مدي غشاء الظلّ و الزهر
سدي به باب أفكاري لأنساها
و أثقلي من غصون النوم بالثمر
بالخوخ و التين و الأعناب عارية من قشرها الخصر
ردي إليّ الذي ضيّعت من عمري
أيّام لهوى و ركضي خلف أفراس
تعدو من القصص الريفي و السّمر
ردي أبا زيد لم يصحب من الناس
خلاّ على السفر
إلاّ و ما عاد
ردي السندباد و بقد ألقته في جزر
يرتادها الرخ ريح ذات أمراس
جيكور لمى عظامي و انفضي كفني
من طينه و اغسلي بالجدول الجاري
قلبي الذي كان شباكا على النار
لولاك يا وطني
لولاك يا جنتي الخضراء يا داري
لم تلق أوتاري
ريحا فتنقل آهاتي و أشعاري
لولاك ما كان وجه الله من قدري
**
أفياء جيكور نبع سال في بالي
أبلّ منها صدى روحي
في ظلّها أشتهي اللقيا و أحلم بالأسفار و الرّيح
و البحر تقدح أحداق الكواسج في صخابه العالي
كأنها كسر من أنجم سقطت
كأنها سرج الموتى تقلبها أيدي العرائس من حال
أفياء جيكور أهواها
كأنها انسرحت من قبرها البالي
من قبر أمي التي صارت أضالعها التعبي و عيناها
من أرض جيكور ترعاني و أرعاها
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الشاعر الرجيم
الشاعر الرجيم
رقم القصيدة : 68049
-----------------------------------
حملت للنزال سيفك الصديء
يهتز في يد تكاد تحرق السماء
من دمها المتقد المضيء(57/191)
تريد أن تمزق الهواء
وتجمع النساء
في امرأة شفاهها دم على جليد
و جسمها المخاتل البليد
أفعى إذا مشت وسادة على الفراش
لا تريد
أن تفتح الكوى ليدخل الضيّاء
كي لا تحسّ أنها خواء
و يرفع الشّرق أمام عينيك الستور
توشك أن تعانق الجمال عند سدّة الإله
تكاد أن تراه
يهفّ وسط غيمة من عبق و نور
تراه في حلمه نهد توقد النجوم
بحمرة لها
؟أريته يقوم
من قبره تحمله سحابة الدّخان
ينام تحت ظلّها الفقير و الشريد
فهو أمير حوله الكؤوس و القيان
و بيته العتيد
جزيرة من جزر المرجان
كأن بحرا غاسلا لسبوس بالأجاج
تشربه روحك من صدى إلى القرار
كأن سافو أورثتك من العروق نار
و أنت لا تضم غير حلمك الأبيد
كمن يضم طيفه المطلّ من زجاج
حرقة نرسيس و تنتلوس و الثمار
كأن أفريقية الفاترة الكسول
( أنهارها العراض و الطبول
وغابها الثقيل بالظلال و المطر
وقيظها الندى و القمر )
تكورت في امرأة خليعة العذار
رضعت منها السمّ و اللهيب
قطرت فيها سمّك الغريب
كأنّها سحابة الدخان و الخدر
أقمت منها بين عالم تشده نوابض النضار
و بين عالم من الخيال و الفكر
من نشوة جدار
تقبع خلف ظله فلا ينالك البشر
دخلت من كتابك الأثيم
حديقة الدم التي تؤج بالزّهر
شربت من حروفه سلافة الجحيم
كأنّها أثداء ذئبة على القفار
حليبها سعار
وفيئها نعيم
غرقت فيه صكّني العباب
يقذفني من شاطيء لشاطيء قديم
حملت من قراره محارة العذاب
حملتها إليك
فمدّ لي يديك
وزحزح الصخور و التراب
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> لأني غريب
لأني غريب
رقم القصيدة : 68050
-----------------------------------
لأنّي غريب
لأنّ العراق الحبيب
بعيد و أني هنا في اشتياق
إليه إليها أنادي : عراق
فيرجع لي من ندائي نحيب
تفجر عنه الصدى
أحسّ بأني عبرت المدى
إلى عالم من ردى لا يجيب
ندائي
و إمّا هززت الغصون
فما يتساقط غير الردى
حجار
حجار و ما من ثمار
و حتى العيون
حجار و حتى الهواء الرطيب(57/192)
حجار يندّيه بعض الدم
حجار ندائي و صخر فمي
و رجلاي ريح تجوب القفار
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ابن الشهيد
ابن الشهيد
رقم القصيدة : 68051
-----------------------------------
و تراجع الطوفان لملم كل أذيال المياه
و تكشف قمم التلال سفوحها و قرى السهول
أكواخها و بيوتها خرب تناثر في فلاه
عركت نيوب الماء كل سقوفها و مشى الذبول
فيما يحيط بهن من شجر فآه
آه على بلدي عراقي : أثمر الدم في الحقول
حسكا و خلف جرحة التتري ندبا في ثراه
يا للقبور كأن عاليها سفلا و غار إلى الظلام
مثل البذور تنام ظلم الثمار و لا تفيق
يتنفس الأحياء فيها كل وسوسة الرغام
حتى يموتوا في دجاها مثلما اختنق الغريق
جثث هنا ودم هناك
وفي بيوت النمل مد من الجفون
سقف يقرمده النجيع و في الزوايا
صفر العظام من الحنايا
ماذا تخلف في العراق سوى الكآبه و الجنون
أرأيت أرملة الشهيد
الوزج مد عليه من ترب لحافا ثم نام
متمددا بأشد ما تجد العظام
من فسحة سكنت يداه على الأضالع
و العيون
تغفو إلى أبد الإله إلى القيامة في سلام
رمت الرداء العسكري و نشرته على الوصيد
لثمته فانتفض القماش يرد برد الموت
برد المظلمات من القبور
يا فكرها عجبا ثقبت بنارك الأبد البعيد
يا فكر شاعرة يفتش عن قواف للقصيد
ماذا وجدت وراء أمسي و عبر يومّك من دهور
الثأر يصرخ كل عرق كل باب
في الدار يا لفم تفتّح كالجحيم من الصخور
من كل ردن في الرداء من النوافذ و الستور
من عيني ابنك يا شهيد تسائلان بلا جواب
عنك الأسرة و الدروب و تسألان عن المصير
مذ ألبسته الأم ثوبك في معاركك الأثير
و يداه في الردنين ضائعتان و الصدر الصغير
في صدرك الأبوي عاصفة تغلف بالسحاب
ورنا إلى المرآة
أبصرت فيه شخصك في الثياب
أبني كان أبوك نبعا من لهيب من حديد
سوراً من الدم و الرعود
ورماه بالأجل العميل فخر واها كالشهاب
لكن لمحا منه شع وفض اختام الحدود
و أضاء وجه الفوضوي ينز بالدم و الصديد(57/193)
و كأن في أفق العروبة منه خيطا من رغاب
و تنفس الغد في اليتيم و مد في عينيه شمسه
فرأى القبور يهب موتاهن فوجا بعد فوج
أكفانها هرئت
و لكن الذي فيها يضم إليه أمسه
ويصيح يا للثار يا للثار
يصدى كل فج
و ترنّ أقيبة المساجد و المآذن بالنداء
و ينام طفلك و هو يحلم بالمقابر و الدماء
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> فرار عام 1953
فرار عام 1953
رقم القصيدة : 68052
-----------------------------------
في ليلة كانت شرايينها
فحما و كانت أرضها من لحود
يأكل من أقدامنا طينها
تسعى إلى الماء
إلى شراع مزقته الرعود
فوق سفين دون أضواء
في الضفة الأخرى يكاد العراق
يومىء ؟ يا أهلا بأبنائي
لكننا واحسرتا لن نعود
أواه لو سيكارة في فمي
لو غنوة لو ضمة لو عناق
لسعّفة خضراء أو برعم
في أرضي السكرى برؤيا غد
إنا مع الصبح على موعد
رغم الدجى يا عراق
ريف وراء الشطّ بين النخيل
يغفو على حلم طويل طويل
تثاءبت فيه ظلال تسيل
كالماء بين الماء و العشب
يا ليت لي فيه
قبرا على إحدى روابيه
يا ليتني ما زلت في لعبي
في ريف جيكور الذي لا يميل
عنه الربيع الأبيض الأخضر
السّهل يندى و الرّبى تزهر
ويطفيء الأحلام ي مقلتي
كأنها منفضة للرماد
همس كشوك مسّ من جبهتي
ينذر بالسارين فوق الجياد
( سنابك الخيل مسامير نار
تدق تابوت الدجى و النهار :
ناعورة تحرس كرم الحدود
أثقل طين الخوف ما للفرار
من قدم تدمى و مدّ السّدود
أمن بلادي هارب ؟ أيّ عار
و ارتعش الماء و سار السّفين
و هبّت الريح من الغرب
تحمل لي دربي
تحمل من قبرها ذرّ طين
تحمل جيكور إلى قلبي
يا ريح يا ريح
توهّجت فيك مصابيح
من ليل جيكور أضاءت ظلمة السفين
لأبصر الأعين كالشّهب
تلتم حولي لأراها تلين
و أنجم الشطّ زهور كبار
أوشكت أن أبصر سيقانها
تمتد في الماء تمس القرار
لملم فجر الصيف ألوانها
كأنها أوجه حور تحار
فيها تباريح الهوى و الحياء
كأنّها زنبق نار و ماء(57/194)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> جيكور شابت
جيكور شابت
رقم القصيدة : 68053
-----------------------------------
ما نفضت الندى عن ذرى العشب فيها
ما لثمت الضباب الذي يحتويها
جئتها و الضّحى يزرع الشمس في كل حقل و سطع
مثل أعواد قمح
فر قلبي إليها كطير إلى عشّه في الغروب
هل تراه استعاد الذي مر من عمره كل جرح
و ابتسام ؟
أبعد انطفاء اللهيب
يستطيع الرماد اتّقادا ؟ و من ؟أين ؟ من أيّ جمرة ؟
يا صباي الذي كان للكون عطرا و زهوا و تيها
كان يومي كعام تعد المسرّة
فيه نبضا لقلبي تفجّر منها على كلّ زهرة
كانت الأرض تلقى صباحا لأوّل مرّه
كان قابيلها بذرة مستسرة
كان للأرض قلب أحسّ به في الدروب
في البساتين في كل نهر يروّي بنيها
آه جيكور جيكور
ما للضحى كالأصيل
يسحب النّور مثل الجناح الكليل ؟
ما لأكواخك المقفرات الكئيبة
يحبس الظل فيها نحيبه ؟
أين أين الصبايا يوسوسن بين النخيل
عن هوى كالتماع النجوم الغريبة
أو يجرّرن أذيالهن التي لونتهن أقمار صيف
أو شموس خريفيّة عند شط ظليل و الشفاه ابتسامات حب و خوف
عجائز أو في القبور
عجائز يغزلن حول الصّلاء
و يروين عبر الكرى و الفتور
أقاصيص عن جنة في بيوت خواء
لأحفادهنّ اليتامى
و جيكور شابت وولى صباها
و أمسى هواها
رمادا إذا ما
تأوّهن هزّته ريح
أثارته حتى ارتمى في صداها
هباءا و ذرّا تضيق الصدور
به عن مداها
أين جيكور
جيكور ديوان شعري
موعد بي ألواح نعشي و قبري
كركرات المياه التي كسّر الشمس منها ارتجاف
و الأنين الذي منه كنا نخاف
صاعدا مثل مدّ تتر القبور
عنه و الشمس تمتصّ من كل نهر
و درابك في الأرض تنقرهنّ البذور
و هي تنشقّ في كل فجر
ذكريات كما يترك الصوت من ميّت
في خيال رنينه
مثل ناي تشظّى و أبقى أنينه
ايه جيكور عندي سؤال أما تسمعينه
هل ترى أنت في ذكرياتي دفينة
أم ترى أنت قبر لها ؟ فابعثيها
و ابعثيني
وهيهات ما للصّبى من رجوع
إن ماضيّ قبري و إني قبر ماضي(57/195)
موت يمدّ الحياة الحزينة
أم حياة تمدّ الرّدى بالدموع
ما نفضت الندى عن ذرى العشب فيها
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> احتراق
احتراق
رقم القصيدة : 68054
-----------------------------------
و حتى حين أصهر جسمك الحجريّ في ناري
و أنزع من يديك الثلج تبقى بين عينينا
صحارى من ثلوج تنهك الساري
كأنك تنظرين إليّ من سدم و أقمار
كأنّا منذ كنّا في انتظار ما تلاقينا
و لكن انتظار الحبّ لقيا أين لقيانا ؟
تمزق جسمك العاري
تمزق تحت سقف الليل نهدك بين أظفاري
تمزق كل شيء من لهيبي غير أستار
تحجّب فيك ما أهواه
كأني أشرب الدم منك ملحا ظلّ عطشانا
من استسقاه أين هواك ؟ أين فؤادك العاري ؟
أسد عليك باب الليل ثم أعانق البابا
فألثم فيه ظلي ذكرياتي بعض أسراري
و أبحث عنك في ناري
فلا ألقاك لا ألقى رمادك في اللظى الواري
سأقدف كل نفسي في لظاها كل ما غابا
و ما حضرا
أريدك فاقتليني كي أحسّك
واقتلي الحجرا
بفيض دم بنار منك و احترقي بلا نار ؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سهر
سهر
رقم القصيدة : 68055
-----------------------------------
سهرت فكل شيء ساهر قدماي و المصباح
و أوراقي
أنا الماضي الذي سدوا عليه الباب فالألواح
غدي و الحاضر الباقي
أنا الغد في ضمير الليل مد الليل ألف جناح
عليه فطار لما طار بالظلماء و الشهب
أصخت السمع و الظلماء حولي بوق سيارة
يبث إلى البغي رسالة الحبّ
و يومى للسكارى أن تعالوا ألف خمّارة
تكشر تفرج الساقين تقطع نومة الدرب
بوهوهة النيون
أصخت و الظلماء صفارة
و خطوة حارس
فذكرت نهر القرية المكسال
يسيل لكي يعيش لكي يموت يمصه الجزر
فيعرى جرفه الطيني حتى يقبل الفجر
فيحمل في سناه المد يحمل زورقا يختال
بصياد يعد شباكه و يرود في الماء
مسارب كل ناعسة من الأسماك خضراء
ذكرت مقابر الأطفال
تلوذ بكل سفح نام فيها دون أثداء
و لا قمط صغار من حصاد الجوع و الداء(57/196)
لقد رضعوا من الثدي الذي لم تبله الأجيال
و ناموا في حمى الأم التي لا يستوي الأطفال
و لا الأشياء إلا في حماها في حمى ترب و ظلماء
سهرت الليل في بيروت لا بين المواخير
(كهوف العالم المتحضّسر المغسول بالنور )
هنا يتوكأون على العظام ليصعدوا أفقا من النشوة
لينحدروا إلى فجوة
تثاءب ظلها و أصيلها بين الدياجير
و بين منابع الأضواء
تثاءب ظلّها و أصيلها بين العقارب و السنانير
و بين المسرج الظلماء
و الممتد حتى الله في القدس و في سيناء
سهرت يرن صور الموت في أذنّي كالزلزال
تهدم حائط الأجيال
و كاد يغور إذ لمسته كفي ألف نوح زال
و ألف زليخة صيّرت كحل عيونها ظلمة
أنا الباقي بقاء الله أكتب باسمه الآجال
و ما لسواه عند مطارق الآجال من حرمة
هنا في كل موت ألف موت كان في الضمّة
و في القبلات في الأقداح
تدور الأسطوانه و هو فيها لمعة الضوء
يوسوس في تهدّج صوتها فيخادع الأرواح
و يلمس جبهة الملاّح في النّوء
سهرت لأني أدري
بأني لن أقبّل ذات يوم وجنة الفجر
سيقبل مطلقا في كل عشّ نغمة و جناح
و سوف أكون في قبري
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الوصية
الوصية
رقم القصيدة : 68056
-----------------------------------
من مرضي
من السرير الأبيض
من جاري انهار على فراشه وحشرجا
يمصّ من زجاجة أنفاسه المصفّره
من حلمي الذي يمدّ لي طريق المقبرة
و القمر الريض و الدجى
أكتبها وصيّة لزوجتي المنتظرة
و طفلي الصارخ في رقاده أبي أبي
تلم في حروفها من عمري المعذّب
لو أنّ عوليس و قد عاد ألى دياره
صاحت به الآلهة الحاقدة المدمّرة
أن ينشر الشراع أن يضل في بحاره
دون يقين أن يعود في غد لداره
ما خضّه النذير و الهواجس
كما تخضّ نفسي الهواجس المبعثرة
اليوم ما على الضمير من حياء حارس
أخاف من ضبابة صفراء
تنبع من دمائي
تلفني فما أرى على المدى سواها
أكاد من ذلك لا أراها
يقص جسمي الذليل مبضع
كأنه يقص طينة بدون ماء(57/197)
و لا أحس غير هبة من النسيم ترفه
من طرف الستائر الضبّاب
ليقطر الظلام لست أسمع
سوى رعود رنّ في اليباب
منها صدى و ذاب في الهواء
أخاف من ضبابة صفراء
أخاف أن أزلق من غيبوبة التخدير
إلى بحار ما لها من مرسى
و ما استطاع سندباد حين أمسى
فيهن أن يعود للعود و للشراب و الزهور
صباحها ظلام
و ليلها من صخرة سوداء
من ظل غيبوبتي المسجور
إلى دجى الحمام
ليس سوى انتقالة الهواء
من رئة تغفو إلى الفضاء
أخاف أن أحس بالمبضع حين يجرح
فأستغيث صامت النّداء
أصيح لا يرد لي عوائي
سوى دم من الوريد ينضح
و كيف لو أفقت من رقادي المخدّر
على صدى الصور على القيامة الصغيرة
يحمل كل ميّت ضميرة
يشعّ خلف الكفن المدثر
يسوق عزرائيل من جموعنا الصّفر إلى جزيرة
قاحلة يقهقه الجليد فيها
يصفر الهواء في عظامنا ويبكي
ماذا لو أن الموت ليس بعده من صحوه
فهو ظلام عدم ما فيه من حسّ و لا شعور
أكل ذاك الأنس تلك الشقوه
و الطمع الحافر في الضمير
و الأمل الخالق من توثّب الصغير
ألف أبي زيد تفور الرغوة
من خيلة الحمراء كالهجير
أكلّها لهذه النهاية
ترى الحمام للحياة غاية ؟
إقبال يا زوجتي الحبيبة
لا تعذليني ما المنايا بيدي
ولست لو نجوت بالمخلّد
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أبا و أما و ارحمي نحيبه
وعلميه أن يذبل القلب لليتيم و الفقير
و علميه
ظلمة النعاس
أهدابها تمس من عيوبي الغريبة
في البلد الغريب في سريري
فترفع اللهيب عن ضميري
لا تحزني إن مت أي باس
أن يحطم الناي و يبقى لحنه حتى غدي
لا تبعدي
لا تبعدي
لا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> رحل النهار
رحل النهار
رقم القصيدة : 68057
-----------------------------------
رحل النهار
ها إنه انطفأت ذبالته على أفق توهّج دون نار
و جليت تنظرين عودة سندباد من السّفار
و البحر يصرخ من ورائك بالعواصف و الرعود
هو لن يعود
أو ما علمت بأنه أسرته آلهة البحار
في قلعة سوداء في جزر من الدم و المحار
هو لن يعود(57/198)
رحل النهار
فلترحلي هو لن يعود
الأفق غابات من السحب الثقيلة و الرعود
الموت من أثمارهنّ و بعض أرمدة النهار
الموت من أمطارهنّ وبعض أرمدة النهار
الخوف من ألوانهنّ وبعض أرمدة النهار
رحل النهار
رحل النهار
و كأنّ معصمك اليسار
و كأنّ ساعدك اليسار وراء ساعته فنار
في شاطيء للموت يحلم بالسفين على انتظار
رحل النهار
هيهات أن يقف الزمان تمر حتى باللحود
خطى الزمان و بالحجارة
رحل النهار و لن يعود
الأفق غابات من السحب الثقيلة و الرعود
الموت من أثمارهنّ و بعض أرمدة النهار
الموت من أمطارهنّ و بعض أرمدة النهار
الخوف من ألوانهنّ و بعض أرمدة النهال
رحل النهار
رحل النهار
خصلات شعرك لم يصنعها سندباد من الدمار
سربت أجاج الماء حتى شاب أشقرها و غار
و سائل الحب الكثار
مبتلة منطمس بها ألق الوعود
و جلست تنظرين هائمة الخواطر في دوار
سيعود لا غرق السفين من المحيط إلى القرار
سيعود لا حجزته صارخة العواصف في إسار
يا سندباد أما تعود ؟
كاد الشباب يزول تنطفيء الزنابق في الخدود
فمتى تعود
أواه مدّ يديك بين القلب عالمه الجديد
بهما و يحطم عالم الدم و الأظافر و السعار
بيني و لو لهنية دنياه
أه متى تعود
أترى ستعرف ما سيعرف ما سيعرف كلما انطفأ النار
صمت الأصابع من بروق الغيب في ظلم الوجود ؟
دعني لآخذ قبضتيك كماء ثلج في انهمار
من حيثما وجّهت طرفي ماء ثلج في انهمار
في راحتيّ يسيل في قلبي يصبّ إلى قرار
يا طالما بهما حلمت كزهرتين على غدير
تتفتحان على متاهة عزلتي
رحل النهار
و البحر متسع و خاو لا غناء سوى الهدير
وما يبين سوى شراع رنحته العاصفات و ما يطير
إلا فؤادك فوق سطح الماء يخفق في انتظار
رحل النهار
فلترحلي رحل النهار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> هدير البحر و الأشواق
هدير البحر و الأشواق
رقم القصيدة : 68058
-----------------------------------
هدير البحر يفتل من دمائي من شراييني(57/199)
حبال سفينة بيضاء ينعس فوقها القمر
و يرعش ظلّها السحر
و من شباكي المفتوح تهمس بي و تأتيني
سماء الصيف خلّف طيفه في صحوها المطر
و نحن نسير و الدنيا تسير و تقرع الأبواب
فتوقظ من رؤاه القلب ذاك عدوك الزمن
تدور رحاه كم ستظلّ تخفق ؟ ها هم الأصحاب
تراب منه تمتليء الدروب و تشرب الدمن
يودّ القلب لو حطمته لو حطمت خفقاته شفتيك
و الكتفين و الصدرا
و لو ذرّتك من زفراتي الحرى
رياح الوجد و الحرمان و الهفي على عينيك
ليتهما تمران
بدمع أو بإشفاق على صحراء حرماني
لينبت في مداها الزهر ليتهما تمرّان
بما نسج التأمل من غيوم فيهما حيرى
بما نسج التفرد من نجوم فيهما سكرى
على عمري الذي عراه من زهراته الداء
يود القلب لو حطمته لو حطمت خفقاته شفتيك
و الكتفين و الصدرا
ولو عرّاك لو ذرّاك لو أكلتك أشواقي
و لو أصبحت خفقا أو دما فيه أو سرّا
فإن أحببتك الحب الذي أقسى من الموت
و أعنف من لظى البركان و الحب الذي يأتي
إليّ كأنّ نفخ الصور فيه فكل ذر الميتين دم و أحياء
فذاك لأنك النور الذي عرى دجى الأعمى
و أنت صباي عاد إليّ أختا عاد أو أمّا
و أنت حبيبتي أفديك أفدي خفق جفنيك
و ما نفضا من السحب
وافدي خفق نهديك
على قلبي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> نداء الموت
نداء الموت
رقم القصيدة : 68059
-----------------------------------
يمدّون أعناقهم من ألوف القبور يصيحون بي
أن تعال
نداء يشق العروق يهزّ المشاش يبعثر قلبي رمادا
أصيل هنا مشعل في الظلال
تعال اشتعل فيه حتى الزوال
جدودي و آبائي الأولون سراب على حد جفني تهادي
وبي جذوة من حريق الحياة تريد المحال
وغيلان يدعو أبي سر فإني على الدرب ماش أريد
الصّباح
و تدعو من القبر أمّي بنيّ احتضنّي فبر الردى في عروقي
فدفّ عظامي بما قد كسوت ذراعيك و الصدر و احم
الجراح
جراحي بقلبك أو مقلتيك و لا تحرفن الخطى عن طريقي
و لا شيء إلا إلى الموت يدعو و يصرخ فيما يزول(57/200)
خريف شتاء أصيل أفول
وباق هو الليل بعد انطفاء البروق
و باق هو الموت أبقى و أخلد من كل ما في الحياه
فيا قبرها أفتح ذراعيك
إني لآت بلا ضجّة دون آه
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ربيع الجزائر
ربيع الجزائر
رقم القصيدة : 68060
-----------------------------------
سلاما بلاد اللظى و الخراب
و مأوى اليتامى و أرض القبور
أتى الغيث و انحلّ عقد السحاب
فروى ثرى جائعا للبذور
و ذاب الجناح الحديد
على حمرة الفجر تغسل في كل ركن بقايا شهيد
و تبحث عن ظامئات الجذور
و ما عاد صبحك نارا تقعقع غضبي و تزرع ليلا
و أشلاء قتلى
و تنفث قابيل في كلّ نار يسفّ الصديد
و أصبحت في هدأة تسمعين نافورة من هتاف
لديك يبشّر أن الدّجى قد تولى
و صبحت تستقبلين الصباح المطلاّ
بتكبيرة من ألوف المآذن كانت تخاف
فتأوي إلى عاريات الجبال
تبرقع أصداءها بالرمال
بماذا ستستقبلين الربيع ؟
ببقيا من الأعظم البالية
لها شعلة رشّت الدالية
تعير العناقيد لون النجيع
وفي جانبي كل درب حزين
عيون تحدّق تحت الثرى
تحدق في عورة العاجزين
لو تستطيع الكلام
لصبّت على الظالمين
حميما من اللعنات من العار من كل غيظ دفين
ربيعك يمضغ قيح السلام
بيوتك تبقى طوال المساء
مفتّحة فيك أبوابها
لعل المجاهد بعد انطفاء اللهيب و بعد النوى و العناء
يعود إلى الدار يدفن تحت الغطاء
جراحا يفرّ إليه الصغار ترفرف أثوابها
يصيحون بابا فيفطر قلب المساء
و ماذا حملت لنا من هديّة
غدا ضاحكا أطلعته الدماء
و كم دارة في أقاصي الدروب القصيّة
مفتحة الباب تقرعه الريح في آخر الليل قرعا
فتخرج أو الصغار
و مصباحها في يد أرعش الوجد منها
يرود الدجى ما أنار
سوى الدرب قفر المدى و هي تصغى و ترهف سمعا
و ما تحمل الريح إلا نباح الكلاب البعيد
فتخفت مصباحها من جديد
و لما استرحنا بكينا الرفاق
هماس لأنبييس عبر القرون
وها أنت تدمع فيك العيون
و تبكين قتلاك
نامت وغى فاستفاق(57/201)
بك الحزن عاد اليتامى يتامى
ردى عاد ما ظنّ يوما فراق
سلاما بلاد الثكالى بلاد الأيامى
سلاما
سلاما
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> خذيني
خذيني
رقم القصيدة : 68061
-----------------------------------
خذيني أطر في أعالي السماء
صدى غنوة كركرات سحابة
خذيني فإن صخور الكآبة
تشد بروحي إلى قاع بحر بعيد القرار
خذيني أك في دجاكي الضياء
و لا تتركيني لليل القفار
إذا شئت أن لا تكوني لناري
وقودا فكوني حريقا
إذا شئت أن تتخلصي من إساري
فلا تتركيني طليقا
خذيني إلى صدرك المثقل
بهمّ السنين
خذيني فإني حزين
و لا تتركيني على الدرب وحدي أسير إلى المجهل
وكانت دروبي خيوط اشتياق
ووجد وحب
إلى منزل في العراق
تضيء نوافذ ليل قلبي
إلى زوجة كان فيها هنائي
و كانت سمائي
كواكبها ترسم الدرب دربي
وهبت عليها رياح سموم
تبعثر خيطان تلك الدروب البعيدة
فعادت جذى كل تلك النجوم
صلبت عليها و عادت مسامير نعش
و عادت دروبي دربا إذا جئت أمشي
رماني إليك كوزن يقود القصيدة
فوا لهف قلبي عليك
ودرب رماني إليك
أما تعلمين بأني تشهّيتك البارحة
أشم رداءك حتى كأني
سجين يعود إلى داره يتنشّق جدارنها
هنا صدرها قلبها كان يخفق كان التمني
يدغدغه يشعل الشوق فيه إلى غيمة رائحة
لأرض الحبيب ستنضح أركانها
بذوب نداها
تشتهيك البارحة
فقيلت ردن الرداء هنا ساعداها
هنا إبطها يا لكهف الخيال
و مرفأ ثغري إذا لا جرفته رياح ابتهال
وحرجة مد شوق ملح وقد حار فيه السؤال
تحبيني أنت ؟ هل تخجلين ؟
أم استترفت شوقك الكبرياء
فلم يبق إلا ابتسام الرثاء ؟
أترثين لي أم ترى تشفقين
على قلبك انهدّ تحت الصليب المعلّق في صخرة الكبرياء
نباح الكلاب المبعثر في وشوشات النخيل
ينبه في قلبي الذكريات العتاق
و يررتبط دقات قلبي بأرض العراق
لأسمع بابا فيطفأ حبي و تبرد نار الغليل
و أعدوا على الدرب سدت خطاي عليه
نوافذ بيتي تجمّدت فيها الضياء
تغربت عنه و عدت إليه(57/202)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> حامل الخرز الملون
حامل الخرز الملون
رقم القصيدة : 68062
-----------------------------------
ماذا حملت لها سوى الخرز الملّون و الضباب
ما خضت في ظلمات بحر أو فتحت كوى الصخور
و الريح ما خطفت قلوعك و السحاب
ما بل ثوبك ما حملت لها سوى الدم و العذاب
في سجنها هي خلف السور
في سجنها هي و هو من ألم و فقر و اغتراب
عشر من السنوات مرت و هي تجلس في ارتقاب
أطفالها المتوثبون مع الصباح
صمتوا و كفّوا عن مراح
زجرتهم لتحسّ وقع خطاك برعمت الزهور
و أتى الربيع و ما أتيت و جاء صيف ثم راح
ماذا يعيقك في سواحل نائيات ؟ في قصور
قفر يعيش الغول فيها كلما رمت الرياح
بحطام صارية تحفّز ؟ ما يعيقك عن الرجوع ؟
لم تبق للغد من دموع
في مقلتيها لا و لم يبق ابتسام للقاء
ستعود حين تعود بالخرز الملوّن و الهباء
ستضم منها طيف أمس فلا يجيبك في الضلوع
منها سوى دمك المفجّع و الخواء
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سفر أيوب
سفر أيوب
رقم القصيدة : 68063
-----------------------------------
-1-
لك الحمد مهما استطال البلاء
و مهما استبد الألم
لك الحمد أن الرزايا عطاء
و أن المصيبات بعض الكرم
ألم تعطني أنت هذا الظلام
و أعطيتني أنت هذا السّّحر
فهل تشكر الأرض قطر المطر
و تغضب إن لم يجدها الغمام
شهور طوال و هذي الجراح
تمزّق جنبيّ مثل المدى
و لا يهدأ الداء عند الصباح
و لا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
و لكن أيوب إن صاح صاح
لك الحمد أن الرزايا ندى
و إن الجراح هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيب
هداياك مقبولةهاتها
أشدّ جراحي و أهتف بالعائدين
ألا فانظروا و احسدوني فهي هدايا حبيبي
و إن مسّت النار حرّ الجبين
توهّمتها قبلة منك مجبولة من لهيب
جميل هو السهد أرعى سماك
بعينيّ حتى تغيب النجوم
و يلمس شبّاك دراي سناك
جميل هو الليل أصداء بوم
و أبواق سيارة من بعيد(57/203)
و آهات مرضى و أمّ تعيد
أساطير آبائها للوليد
و غابات ليل السّهاد الغيوم
تحجّب وجه السماء
و تجلوه تحت القمر
و إن صاح أيّوب كان النداء
لك الحمد يا راميا بالقدر
و يا كاتبا بعد ذاك الشّفاه
-2-
من خلل الثلج الذي تنثّه السماء
من خلل الضباب و المطر
ألمح عينيك تشعّان بلا انتهاء
شعاع كوكب يغيب ساعة السّحر
و تقطران الدمع في سكون
كأنّ أهدابها غصون
تنطف بالندى مع الصباح في الشتاء
من خلل الدّخان و المداخن الضخام
تمجّ من مغار قابيل على الدروب و الشّجر
ذرا من النجيع و الضّرام
أسمع غيلان يناديك من الظلام
من نومه اليتيم في خرائب الضجر
سمعت كيف دق بابنا القدر
فارتعشت على ارتجاف قرعة ضلوع
ورقت دموع
فاختلس المسافر الوداع و انحدر
**
و قبلة بين فمي و خافقي تحار
كأنها التائه في القفار
كأنها الطائر إذ خرب عشه الرياح و المطر
لم يحوها خد لغيلان و لا جبين
ووجه غيلان الذي غاب عن المطار
و أنت إذ وقفت في المدى تلوّحين
**
إقبال إن في دمي لوجهك انتظار
و في يدي دم إليك شدّة الحنين
ليتك تقبلين
من خلل الثلج الذي تنثّه السماء
من خلل الضباب و المطر
-3-
بعيدا عنك في جيكور عن بيتي و أطفالي
تشدّ مخالب الصّوان و الأسفلت و الضّجر
على قلبي تمزّق ما تبقّى فيه من وتر
يدندن يا سكون الليل يا أنشودة المطر
تشد مخالب المال
على بطني الذي ما مرّ فيه الزاد من دهر
عيون الجوع و الوحدة
نجومي في دجى صارعت بين وحوشه برده
و إن البرد أفظع لا كأنّ الجوع أفظع لا فإنّ الداء
يشلّ خطاي يربطها إلى دوّامة القدر
و لولا الداء صارعت الطوى و البرد و الظلماء
بعيدا عنك أشعر أنني قد ضعت في الزحمة
و بين نواجد الفولاذ تمضغ أضلعي لقمة
يمر بي الورى متراكضين كأن على سفر
فهل أستوقف الخطوات ؟ أصرخ أيها الإنسان
أخي يا أنت يا قابيل خذ بيدي على الغمّة
أعني خفّف الآلام عني و اطرد الأحزان
و أين سواك من أدعوه بين مقابر الحجر
**(57/204)
و لولا الداء ما فارقت دراي يا سنا داري
و أحلى ما لقيت على خريف العمر من ثمر
هنا لا طير في الأغصان تشدو غير أطيار
من الفولاذ تهدر أو تحمحم دونما خوف من المطر
و لا أزهار إلا خلف واجهة زجاجّية
يراح إلى المقابر و السجون بهنّ و المستشفيات
ألا ألا يا بائع الزهر
أعندك زهرة حيّة
أعندك زهرة مما يربّ القلب من حبّ و أهواء
أعندك وردة حمراء سقّتها شموس إستوائيّة
أأصرخ في شوارع لندن الصّماء هاتوا لي أحبائي
و لو أنى صرخت فمن يجيب صراخ منتحر
تمرّ عليه طول الليل آلاف من القطر ؟
-4-
يا ربّ أيوب قد أعيا به الداء
في غربة دونما مال و لا سكن
يدعوك في الدّجن
يدعوك في ظلموت الموت أعباء
ناد الفؤاد بها فارحمه إن هتفا
يا منجيا فلك نوح مزّق السّدفا
عني أعدني إلى داري إلى وطني
**
أطفال أيّوب من يرعاهم الآنا
ضاعوا ضياع اليتامى في دجى شات
يا رب أرجع على أيوب ما كانا
جيكور و الشمس و الأطفال راكضة بين الخيلات
و زوجة تتمرّى و هي تبتسم
أو ترقب الباب تعدو كلّما قرعا
لعله رجعا
مشاءة دون عكّاز به القدم
**
في لندن الليل موّت نزعه السّهر
و البرد و الضّجر
و غربة في سواد القلب سوداء
يا ربّ يا ليت أنّي لي إلى وطني
عود لتلثمني بالشمس أجواء
منها تنفّست روحي طينها بدّني
و ماؤها الدم في الأعراق ينحدر
يا ليتني بي من في تربها قبروا
**
لأنه منك حلو عندي المرض
حاشا فلست على ما شئت أعترض
و المال ؟ رزق سيأتي منه موفور
هيهات أن يذكر الموتى وقد نهضوا
من رقدة الموت كم مص الدماء بها دود ومدّْ بساط
الثلج ديجور
إني سأشفى سأنسى كلّ ما جرحا
قلبي و عرّى عظامي فهي راعشة و الليل مقرور
و سوف أمشي إلى جيكور ذات ضحى
**
-5-
نازلا نازلا من صحارى السماء
من عصور جليديّة من قبور
نام فيها الهواء
أيها الثلج يا حشرجات الدهور
و انتحاب المساكين في كل كهف يغور
في جبال السنين
كن لهيبا على أوجه العابرين
قنّع الخوف فيها بلون الرجاء
**(57/205)
أيّها الثلج رحماك إني غريب
في بلاد من البرد و الجوع سكرى
ان لي منزلا في العراق الحبيب
صبيتي فيه تعلك صخرا
آه لولاك يا داء ما عفت داري
ما تركت الزهور التي فتحت في جداري
و العصافير في ركن بيتي لهن اختصام
مر يوم فشهر فعام
**
و الزمان ارتماء بدون انتهاء
تزفر الأرض عنه و تبكي السماء
رب هل لي إلى منزلي من رجوع
كم أمد الذراع و أهدم سقف الضلوع
لا أمسّ المدى أو أصيب الزمانا
فهو شيء على الروح يسعى هباء و ظلمه
ليت عصر النبوّات لم يطو حلمه
وشت المعجزات الحواشي فكانت و كنا
**
ليتني العازر انفضّ عنه الحمام
يسلك الدرب عند الغروب
يتمهّل لا يقرع الباب من ذا يؤوب
من سراديب للموت عبر الظلام
لن تصدّق أنّي ستهوي يداها
عن رتاج و تصفرّ لي وجنتاها
ثم تركض مذعورة تشدّ بخيط الدروب
نحو قبري و تطويه حتى تمسّ الضريح الحطام
**
إيه إقبال لا تيأسي من رجوعي
هاتفا قبل أن أقرع الباب عادا
عازر من بلاد الدجى و الدموع
سورها كان ملحا نجيعا رمادا
قبليني على جبهة صكّها الموت صكّا أليما
حدّقي في عيون شهدن الردى و المعادا
عدت لن أبرح الدار حتى لو أنّ النجوما
دحرجت سلّما من ضياء و قالت
تخطّ السديما
-6-
خيال الجسد العاري
يطلّ عليّ محمولا على موج من النار
من المدفأة الحمراء ذاك الرحم الضاري
**
لكل تقلب من موجها خفق من القلب
تدحرج عرّي النهدان بان الجيد و الساق
تدحرج لي على الجنب
تدحرج ثم صكّ أضالعي و تثار أعراق
ويطفر للجبين دم و يعروني
دوار منه تصطكّ النواجذ خوف بحّار
يطلّ فيبصر التيّار يزفر مثل تنين
و يصرخ آدم المدفون فيّ رضيت بالعار
بطردي من جنان الخلد اركض إثر حوّاء
أريدك يا سرابا في خيالي ليس يسقيني
أريدك ثم تطوى موجة و تطير أشلاءا
فقاعات من النيران من شوق و تذكار
**
و جاء الجسد العاري
خيالا جاء محمولا على موج من النار
من المدفأة الحمراء ذاك الرحم الضاري
**
يميل عليّ كيف أشاء أعصره كما أهوى
و لا يقوى(57/206)
على رفضي على تهديم عرش من لظى وار
أتوّج فوقه الآمال راعشة القوى شهوى
بحار بيننا ليلان من مدن و أمطار
و إنّك منك أقرب أنت بعض دمي
خيالي أنت أمنيات عمري كل أمنيّة
بعاطفتي تحرّك لا عواطفك الأنانّية
علام مددت بحرا بيننا دنيا جليديّة
أعانق في دجاها جسمك العاري
يطلّ عليّ محمولا على موج من النار
ممن المدفأة الحمراء من وهمي و أفكاري
-7-
البرد و هسهسة النار
و رماد المدفأة الرّمل
تطويه قوافل أفكاري
أنا وحدي يأكلني الليل
**
و يخب المركب إلى داري
برق يتلامح في الآفاق يعرّيها
و يذرّيها
كرماد المبخرة الثكلى
في مقبرة تهب الليلا
ألوان الموت و آهات الموتى فيها
**
يا ليل لكم طال الدّرب
تعب الركب
و عراقي شط و سمّاري
ناموا و بقيت و لا زاد
عندي و ظمئت و لا ماء ظمى القلب
لا سقيا غير شظيات البرق الواري
يا أغصان الليل انهمري ثمرا إذ يؤكل يزداد
السلة منه سأملأها حتى إن عدت إلى داري
فرح الأطفال به هتفوا بابا
يا برق أما تخبو
فيغيب الدرب و لا يبدو
كم منه على الساري بعد
**
البرد وهسهسة النار
و رماد المدفأة الرمل
تطويه قوافل أفكاري
أنا وحدي يأكلني الليل
-8-
ذكرتك يا لميعة و الدجى ثلج و أمطار
و لندن مات فيها الليل مات تنفس النور
رأيت شبيهة لك شعرها ظلم و أنهار
و عيناها كينبوعين في غاب من الحور
مرييضا كنت تثقل كاهلي و الظّهر أحجار
أحن لريف جيكور
و أحلم بالعراق وراء باب سدّت الظلماء
بابا منه و البحر المزجر قام كالسور
على دربي
و في قلبي
و ساوس مظلمات غابت الأشياء
وراء حجابهن وجف فيها منبع النور
ذكرت الطلعة السمراء
ذكرت يديك ترتجفان من فرق و من برد
تنز به صحارى للفراق تسوطها الأنواء
ذكرت شحوب وجهك حين زمر بوق سيّارة
ليؤذن بالوداع ذكرت لذع الدمع في خدّي
ورعشة خافقي و أنين روحي يملأ الحارة
بأصداء المقابر و الدجى ثلج و أمطار
-9-
بالعضل المفتول و السواعد المجدولة
هرقل صارع الردى في غارة المحجّب
بظلمة من طحلب(57/207)
و قام تموز بجرح فاغر مخضّب
يصك ( موت ) صكّة محجّبا ذيوله
و خطوة الجليد بالشقيق و الزنابق
**
و انخطف الموت علي كانخطاف الباشق
على العصافير أحال ظهري
عمود ملح أو عمود جمر
أحرّك الأطراف لا تطيعني مشلولة
مات الدم الفوّار فيها أطفي الشباب
و امتدّ نحو القبر درب باب
من خشب الصليب فالمسيح
مات و في الطوفان ضلّ نوح
و أغضيت نواظري الذليله
لعلّها تعتاد من دجاها
على دجى غطاؤها الضريح
**
أي سلاح ؟ آه أيّ ساعد ؟
أيّة أزهار تمدّ فاها
لتأكل الموت ؟ و أيّ ناصر مساعد ؟
سللت من قصائدي
سيفا كأن البرق حدّاد رمى أصوله
وصبّ مقبضا له و شفره
بالشّعر بالمبرق بالمجلجل المدوّي
رميت وجه يهوي نحوي
كأنه الستار في رواية هزيلة
رميت وجه الموت ألف مرّه
إذا أطلّ وجهه البغيض
كأنه السيرين يسعى جسمي المريض
نحو ذراعيه بلا تردد
فأنتضي من سيفي المجرد
و يقطر الشّعر و لا يغيض
لأنني مريض
أودّع الحياة أو أشدّ بالحياة
بخيطة الموروث عن أموات
لم يدفع الشّعر مناياهم وقد
جاءت إليهم غيلة
-10-
يا غيمة في أوّل الصباح
تعربد الرياح
من حولها تنتف من خيوطها تطير
بها إلى سماوة تجوع للحرير
سينطوي الجناح
ستنتف الرياح ريشة مع الغروب
يا غيمة ما أمطرت تذوب
**
فأبرقي و أرعدي و أرسلي المطر
و مزقي ذوائب الشجر
و أغرقي السهوب
و أحرقي الثمر
سترجحنّ بعدك السنابل الثقال بالحبوب
و تقطف الورود و الأقاح
صبيّة يؤج في وجنتها الجنوب
و أنت ذرة من الدماء و الجراح
و أنت يا شاعر واديك أما تؤوب
من سفر يطول في البطاح
تراقص النّهر
و تلثم المطر
أما سمعت هاتف الرواح
خام وزنبيل من التراب
و آخر العم ردى و يطلع القمر
فأبرق ارعد أرسل المطر
قصائد احتوى مداها دارة العمر
يا غيمة في أول الصباح
يا شاعرا يهم بالرواح
وودع القمر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> منزل الأقنام في جيكور
منزل الأقنام في جيكور
رقم القصيدة : 68064
-----------------------------------(57/208)
خرائب فانزع الأبواب عنها تغد أطلالا ،
خوال قد تصك الريح نافذة فتشرعها الي الصّبح
تطل عليك منها عين يوم دائب النوح .
وسلّمها المحطّم ، مثل برج داثر ، مالا
يئن اذا أتته الريح تصده الى السطح ،
سفين تعرك الأمواج ألواحه
**
وتملأ رحبة الباحه
ذوائب سدرة غبراء تزحمها العصافير
تعد خطى الزمان بسقسقات ،والمناقير
كأفواه من الديدان تأكل جثّة الصمت
وتملأ عالم الموت
بهسهسة الرثاء فتفزع الأشباح تحسب أنه النور
سيشرق فهي تمسك بالظلال و تهجر الساحة
إلى الغرف الدجيّة و هي توقظ ربّة البيت
لقد طلع الصباح و حين يبكي طفلها الشّبح
تهدهد و تنشد يا خيول الموت في ألواحه
تعالي و احمليني هذه الصحراء لا فرح
يرف بها و لا أمن و لا حب و لا راحة
**
ألا يا منزل الأقنان كم من ساعد مفتول
رأيت و من خطى يهتز منها صخرك الهاري
و كم أغنية خضراء طارت في الضحى المغسول
بالشمس الخريفيّة
تحدّث عن هوى عاري
كماء الجدول الرقراق كم شوق و أمنّية
و كم ألم طويت و كم سقيت بمدمع جاري
و كم مهد تهزهز فيك كم موت و ميلاد
و نار أوقدت في ليلة القر الشتائية
يدندن حولها القصّاص يحكي أن جنّيه
فيرتجف الشيوخ و يصمت الأطفال في دهش
و إخلاد كأن زئير آلاف الأسود يرنّ في واد
وقد ضلوا حيارى فيه ثمّ ترنّ أغنية
أتى قمر الزمان و دندن القصّاص جنيّه
وبؤسهم المرير الجوع و الأخزان و السّقم
وطفل مات لما جفّ در ماتت المعزى
و جاعت أمّه فالثدّي لا لبن و لا لحم
سمعت صراخها و الليل ينظر نجمة غمرا
وولولة الأب المفجوع يخنق صوته الألم
**
و لو خيّررت أبدلت الذي ألقى بما ذاقوا
ممضّ ما أعاني شلّ ظهر و انحنت ساق
على العكّاز أسعى عاثر الخطوات مرتجفا
غريب نار الليل ما واساه من أحد
بلا مال بلا أمل يقطّع قلبه أسفا
ألست الراكض ألعداء في الأمس الذي سلفا
أأمكث في ديار الثلج ثم أموت من كمد
و من جوع و من داء و أرزاء ؟
أأمكث أو أعود إلى بلادي ؟ آه يا بلدي(57/209)
و ما أمل العليل لديك شح المال ثم رمته بالداء
سهام في يد الأقدار ترمي كلّ من عطفا
على المرضى وشدّ ضلوع الجائعين بصدره الواهي
و كفكف أدمع الباكين يغسلها بما و كفا
من العبرات في عينيه إلا رحمة الله ؟
**
ألا يا منزل الأقنان سقتك الحيا سحب
تروي قبري الظمآن
تلثمة و تنتحب
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> وصية من محتضر
وصية من محتضر
رقم القصيدة : 68065
-----------------------------------
يا صمت يا صمت المقابر في شوارعها الحزينه
أعوي أصيح أصيح في لهف فأسمع في السكينه
ما تنثر الظلماء من ثلج وقار
تصدي عليه خطى وحيدات و تبتلع المدينة
أصداءهن كأن وحشا من حديد من حجار
سف الحياة فلا حياة من المساء إلى النهار
أين العراق ؟ و أين شمس ضحاه تحملها سفينة
في ماء دجلة أو بويب ؟ و أين أصداء الغناء
خفقت كأجنحة الحمام على السنابل و النخيل
من كل بيت في العراء
من كل رابية تدثرها أزاهير السهول
إن مت يا وطني ففبر في مقابرك الكئيبة
أقصى مناي و أن سلمت فإن كوخا في الحقول
هو ما أريد من الحياة فدى صحاراك الرحيبة
أرباض لندن و الدروب و لا أصابتك المصيبة
**
أنا قد أموت غدا فإنّ الداء يقرض غير وان
حبلا يشدّ إلى الحياة حطام جسم مثل دار
نخرت جوانبها الرياح و سقفها سيل القطار
يا إخوتي المتناثرين من الجنوب إلى الشمال
بين المعابر و السهول و بين عالية الجبال
أبناء شعبي في قراه و في مدائنه الحبيبة
لا تكفروا نعم العراق
خير البلاد سكنتموها بين خضراء و ماء
الشمس نور الله تغمرها بصيف أو شتاء
لا تبتغوا عنها سواها
هي جنة فحذار من أفعى تدب على ثراها
أنا ميت لا يكذب الموتى و أكفر بالمعاني
إن كان غير القلب منبعها
فيا ألق النهار
أغمر بعسجدك العراق فإنّ من طين العراق
جسدي و من ماء العراق
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الشاهدة
الشاهدة
رقم القصيدة : 68066
-----------------------------------
يا قارئا كتابي(57/210)
ابك على شبابي
شاهدة بين القبور تبكي
تستوقف العابر يا صحابي
غضوا الخطى و لتصمتواإن القرون تحكى
في جملة خطت على التراب
من نام في القبر ودود القبر
يسأل لا ينطق بالجواب
سيان عنده ائتلاق الفجر
و ظلمة الليل بلا ثياب
بلا طعام لا هوى لا حقد
أفقر أهل الفقر
فيه و أغنى الأغنياء تعدو
في قبره الجرذان و هو غاف
نام من الديدان في لحاف
**
لي نومة مع التراب في غد
صباحها أول ليل الأبد
يمر بي الشيوخ و الشبان
يثرثرون يدها فوق يدي
و عينها وينفث الدخان
رب فتى مورّد
يقرأ من شعري على الصحاب
يقرأ في كتابي
قصيدة خضراء عن جيكور
غافية تحت غصون النور
تحلم بالسحاب
مرّ على قبري فقال قبر
و أين من هذا الرميم الشعر
يدفق بالعواطف
كهبّة العواصف القواصف
مر على قبري فكاد الصّخر
يصرخ تحتي نام هذا الشاعر
صاحب هذه القوافي يسمع
ما قلتموه فالعيون تدمع
في عالم لا يرجع المسافر
منه و لا للنوم فيه آخر
رفقا به دعوة في رقدته
تؤنسه الديوان في وحدته
كان له قلب و كان أمس
حتى إذا استنزف من مدته
توسد الترابا
لا تقرأوا الكتابا
ثمّ تغيب الشمس
**
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أسمعه يبكي
أسمعه يبكي
رقم القصيدة : 68067
-----------------------------------
أسمعه يبكي يناديني
في ليلي المستوحد القارس
يدعو أبي كيف تخلّيني
وحدي بلا حارس
غيلان لم أهجرك عن قصد
الداء يا غيلان أقصاني
إني لأبكي مثلما أنت تبكي في الدجى وحدي
ويستثير الليل أحزاني
فكلما مرّ نهار و جاء
ليل من البرد
ألفيتني أحسب ما ظلّ في جيبي من النقد
أيشتري هذا القليل الشفاء ؟
سأطرق الباب على الموت في دهليز مستشفى
في البرد و الظلماء و الصمت
سأطرق الباب على الموت
في برهة طال انتظاري بها في معبر من دماء
و أرسل الطرفا
فلا أرى إلا الدجى و الخواء
يا ويلتي إن يفتح الباب
فأبصر الأموات من فرجته
يدعونني مالك ترتاب
بالموت ؟في هجعته
ما يعدل الدنيا و ما فيها
دفء نعاس خدر و ارتخاء(57/211)
أوشك أن أعبر في برزخ من جامدات الدماء
تمتدّ نحوي كفّها كف أمي بين أهليها
لا مال في الموت و لا فيه داء
ثم تسدّ الباب كفّ الطبيب
تجرح في جسمي
و هاتفا باسمي
أسمع صوتا ناعسا قد أجيب
فيهزم الموت على صوتى
وربما استسلمت للموت
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> درم
درم
رقم القصيدة : 68068
-----------------------------------
درم
بنفسي مما عزاني برم
فمدي ذراعيك و لتحضنيني
إلى هوة من ظلام العدم
فما قيمة العمر أقضيه أمشي
بعكازة في دروب الهرم
أهذا شبابي ؟ و أين الشباب
ألا حب ل لا زهو لا عنفوان
أهذا مشيبي حصدت السراب
إذا كان معنى المشيب الهوان
أعقبى المشيب الأسى و الندم
أما من شبابي الذي مرّ ذكرى
أما منه مال و بقيا شمم
أكان الذي منه خلفت شعرا
و بيتا وراء الرياح انهدم
درم
تمنيّت لو متّ بين الثلوج
على جدول جمّدته النّسم
فروحي تجوب المروج
و تأوي إلى رمّه في الظّلم
و من أين للروح هذا البقاء
فناء فناء
سوى قصّة قد تثير السّأم
يردّدها سامر في الشتاء
لقد خطّ شعرا له من هباء
و كانت له زوجة و ابن عم
و طفلان لا لا نسيت ابنتان
وطفل و يخبو لديه الضّرم
فيغفو على المسند السامر
و تفتح بوّابة من دخان
عليها الدجى حائر
يبعثر أنجمة من خلال الضباب
أهذا هو الشاعر
حديث ينيم الصحاب
إذا مات أو عاش فهو الألم
درم
بنفسي مما عراني برم
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> قصيدة من درم
قصيدة من درم
رقم القصيدة : 68069
-----------------------------------
من درم أكتبها قصيدة
كالنجم في آفاقه البعيدة
لا يبعث الدفء و لا ينير
يلمحه الصغير
فيبسط الكفّ له يشير
يقطر في أحلامه السعيدة
يعلق بالضباب
كنغفة السراب
تضلل القوافل الشريدة
**
اليأس يوحيها أو الملال
كأنّها في الظلمة الظّلال
تعمق الظلمة حين تنشر
أظلّ ما يقال
في نفس شاعر يموت عمره يبعثر
و يقبر
يمشي على عكازة و يعثر
أيامه إلى رداه سفر
و عيشه انسلال(57/212)
عبر جدار الموت ما يزال
شاء الرّدى حاول أن يريده
لكن وحشا ضاريا يزمجر
في كهفه وحيّة من بابل التليده
يطير نحو الموت منه شرر
تفحّ في وجه الردى و تصفر
فيكتب القصيدة
يريد أن يجدّد البقاء أ يعيده
أن يهدي القوافل الشريدة
فلا تتيه في صحارى العدم
بقبره في درم
**
من درم أكتبها قصيدة
كالنجم ضلّ في سديم العدم
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> قالوا لأيوب
قالوا لأيوب
رقم القصيدة : 68070
-----------------------------------
قالوا لأيوب جفاك الآله
فقال لا يجفو
من شدّ بالإيمان لا قبضتاه
ترخى و لا أجفانه تغفو
قالوا له و الداء من ذا رماه
في جسمك الواهي و من ثبّته
قال هو التفكير عما جناه
قابيل و الشاري سدى جنّته
سيهزم الداء غدا أغفو
ثمّ تفيق العين من غفوة
فأسحب الساق إلى خلوة
أسأل فيها الله أن يعفو
عكّازتي في الماء أرميها
و أطرق الباب على أهلي
إن فتحوا الباب فيا ويلي
من صرخة من فرحة مست حوافيها
دوامة الحزن و أأيوب ذاك
أم أن أمنيّه
يقذفها قلبي فألفيها
ماثلة في ناظري حيّة
غيلان يا غيلان عانق اباك
ياربّ لا شكوى و لا من عتاب
ألست أنت الصانع الجسما
فمن يلوم الزارع التمّا
من حوله الزرع فشاء الخراب
لزهرة و الماء للثانية
هيهات تشكو نفسي الراضية
إني لأدري أن يوم الشفاء
يلمح في الغيب
سيترع الأحزان من قلبي
و يترع الدراء فأرمي الدواء
أرمي العصا أعدو إلى دارنا و أقطف الأزهار في دربي
ألم منها باقة ناضرة
أرفعها للزوجة الصابرة
و بينها ما ظلّ من قلبي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> الليلة الأخيرة
الليلة الأخيرة
رقم القصيدة : 68071
-----------------------------------
و في صباح يا مدينة الضباب
و الشمس أمنيّة مصدورة تدير رأسها الثقيل
من خلل السحاب
سيحمل المسافر العليل
ما ترك الداء له من جسمه المذاب
و يهجر الدخان و الحديد
و يهجر الأسفلت و الحجر
لعله يلمح في درام من نهر(57/213)
يلمح وجه الله فيها وجهه الجديد
في عالم النقود و الخمور و السّهر
**
ربّ صباح بعد شهر بعد ما الطبيب
يراه من يعلم ماذا خبّأ القدر
سيحمل الحقيبة المليئة
بألف ألف رائع عجيب
بالحلى و الحجر
باللّعب الخبيئة
يفجأ غيلان بها يا طول ما انتظر
يا طول ما بكى و نام تملأ الدموع
برنّة الأجراس أو بصيحة الذئاب
عوالم الحلم له و تنشر القلوع
يجوب فيها سندباد عالم الخطر
هنالك فارس النحاس يرقب العباب
و يشرع السهم ليرمي كل من عبر
**
أن يكتب الله لي العود إلى العراق
فسوف ألثم الثرى أعانق الشجر
أصيح بالبشر
يا أرج الجنّة يا إخوة يا رفاق
ألحسن البصري جاب أرض واق واق
ولندن الحديد و الصّخر
فما رأى أحسن عيشا منه في العراق
ما أطول الليل و أقسى مدية السّهر
صديئة تحزّ عينيّ إلى السّحر
**
و زوجتي لا تطفيء السراج قد يعود
في ظلمة الليل من السّفر
و تشعل النيران في موقدنا برود
هو المساء و هو يهوى الدفء و السّمر
**
و تنطفيء مدفأتي فأضرم اللهيب
و أذكر العراق ليت القمر الحبيب
من أفق العراق يرتمي عليّ آه يا قمر
أما لثمت وجه غيلان ؟ أنا الغريب
يكفيه لو لثمت غيلان ؟ أن انتثر
منك ضياء عبر شبّاك الأب الكئيب
ومسّ منه الثّغر و الشّعر
أحسّ منه أنّ غيلان ( شذى و طيب
من كفّه الليّنة انتشر (
عابث شعري صاح آه جاء
أبي و عاد من مدينة الحجر
وشدّ بالرداء
ما أطول الليل و أقسى مدينة السّهر
و مدينة النوم بلا قمر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> القصيدة و العنقاء
القصيدة و العنقاء
رقم القصيدة : 68072
-----------------------------------
جنازتي في الغرفة الجديدة
تهتف بي أن أكتب القصيدة
فأكتب
ما في دمي و أشطب
حتى تلين الفكرة العنيدة
و غرفتي الجديدة
واسعة أوسع لي من قبري
إذا اعتراني تعب
من يقظة فالنوم منها أعذب
ينبع حتى من عيون الصّخر
حتى من المدفأة الوحيدة
تقوم في الزاوية البعيدة
**
و ترفع الجنازة اليابسة المهدّمه(57/214)
من رأسها ترنو إلى الجدران
و السفق و المرآه و القناني
ما للزوايا مظلمة
كأنهنّ الأرض للأنسان
تريد أن تحطّمه
بالمال و الخمور و الغواني
و الكذب في القلب و في اللسان
تريد أن تعيده
للغاية البليده
وصفحة المرآة ما لها تطلّ خاوية
ما أثمرت بغانية
بالشفة المرجان
تنيرها كالشفق العينان
و بالهنود العرية
كهذه المرآه
ستصبح الأرض بلا حياة
و في الليالي الداجية
في ذلك السكون فيه
إلا الرياح العاوية
سيفرغ الله من الأموات
و يسحب الموت و يغفو فيه
مثل دثار الليالي الشاتيه
**
و هكذا الشاعر حين يكتب القصيدة
فلا يراها بالخلود تنبض
سيهدم الذي بنى يقوّض
أحجارها ثم يملّ الصمت السكون
و حين تأتي فكرة جديدة
يسحبها مثلّ دثار يحجب العيونا
فلا ترى إن شاء أن يكونا
فليهدم الماضي فالأشياء ليس تنهض
إلا على رمادها المحترق
منتثرا في الأفق
وتولد القصيدة
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> هرم المغني
هرم المغني
رقم القصيدة : 68073
-----------------------------------
بالأمس كنت إذا كتبت قصيدة فرح الدم
فأغمغم
و أهيم ما بين الجداول و الأزاهير و النخيل
أشدو بها أترنّم
زاد لروحي منذ سقسقة الصباح إلى الأصيل
زاد و لكن عنه قد صدفت تجوع و لا تريد
ما ينعش الآمال فيها
هي حشرجات الروح أكتبها قصائد لا أفيد
منها سوى الهزء المرير على ملامح قارئيها
**
هرم المغنّي هدّ منه الداء فارتبك الغناء
بالأمس كان إذا ترنّم يسمك اللّيل الطروب
بنجومه المترنحات فلا تخر على الدروب
و اليوم يهتف ألف آه لا يهز من المساء
سعف النخيل و لا يرجح زورق العرس المحلّى
بعيون أرام و دفلى
و درابك ارتعدت حناجرها فأرعدت الهواء
**
هرم المغني فاسموه ذلك تسعدوه
و لتوهموه بأن من أبد شباب من لحون
و موى ترقرق مقلتاه له و ينفح منه فوه
هو مائت أفتبخلون
عليه حتى بالحطام من الأزاهير و الغصون
أصغوا إليه لتسمعوه
يرثي الشباب و لا كلام سوى نشيج بالعيون
سلم على إذا مررت(57/215)
أتى و سلّم صدّقوه
هرم المغنّي فارحموه
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> قصيدة إلى العراق الثائر
قصيدة إلى العراق الثائر
رقم القصيدة : 68074
-----------------------------------
عملاء قاسم يطلقون النار آه على الربيع
سيذوب ما جمعوه من مال حرام كالجليد
ليعود ماء منه تطفح كل ساقية يعيد
ألق الحياة إلى الغصون اليابسات فتستعيد
ما لص منها في الشتاء القاسمي فلا يضيع
يا للعراق
يا للعراق أكاد ألمح عبر زاخرة البحار
في كل منعطف و درب أو طريق أو زقاق
عبر الموانئ و الدروب
فيه الوجوه الضاحكات تقول قد هرب التتار
و الله عاد إلى الجوامع بعد أن طلع النهار
طلع النهار فلا غروب
يا حفصة ابتسمي فثغرك زهرة بين السهوب
أخذت من العملاء ثأرك كف شعبي حين ثار
فهوى إلى سقر عدو الشعب فانطلقت قلوب
كانت تخاف فلا تحن إلى أخ عبر الحدود
كانت على مهل تذوب
كانت إذا مال الغروب
رفعت إلى الله الدعاء ألا أغثنا من ثمود
من ذلك المجنون يعشق كل أحمر فالدماء
تجري و ألسنة اللهيب تمد يعجبه الدمار
أحرقه بالنيران تهبط كالجحيم من السماء
و اصرعه صرعا بالرّصاص فإنّه شبح الوباء
**
هرع الطبيب إليّ آه لعلّه عرف الدواء
للداء في جسدي فجاء
هرع الطبيب إليّ و هو يقول ماذا في العراق
الجيش ثار و مات قاسم أيّ بشرى بالشّفاء
و لكدت من فرحي أقوم أسير أعدو دون داء
مرحى له أي انطلاق
مرحى لجيش الأمة العربية انتزع الوثاق
يا أخوتي بالله بالدم بالعروبة بالرجاء
هبّوا فقد صرع الطغاة و بدّد الليل الضياء
فلتحرسوها ثورة عربيّة صعق الرّفاق
منها وخر الظالمون
لأن تموز استفاق
من بعد ما سرق العميل سناه فانبعث العراق
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> غريب على الخليج
غريب على الخليج
رقم القصيدة : 68075
-----------------------------------
الريح تلهث بالهجيرة كالجثام، على الأصيل
و على القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل(57/216)
زحم الخليج بهنّ مكتدحون جوّابو بحار
من كل حاف نصف عاري
و على الرمال ، على الخليج
جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج
و يهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج
أعلي من العبّاب يهدر رغوه و من الضجيج"
صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى : عراق
كالمدّ يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي عراق
و الموج يعول بي عراق ، عراق ، ليس سوى عراق
البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون
و البحر دونك يا عراق
بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانه
هي دورة الأفلاك في عمري، تكوّر لي زمانه
في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه
هي وجه أمي في الظلام
وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهمّ مع الغروب
فاكتظّ بالأشباح تخطف كلّ طفل لا يؤوب
من الدروب
وهي المفليّة العجوز وما توشوش عن حزام
وكيف شقّ القبر عنه أمام عفراء الجميلة
فاحتازها .. إلا جديله
زهراء أنت .. أتذكرين
تنّورنا الوهّاج تزحمه أكف المصطلين ؟
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداء كنا قانعين
بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء
حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه
كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانه ؟
ان كان هذا كلّ ما يبقى فأين هو العزاء ؟
أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه
يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء
و الليل أطبق ، فلتشعّا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يديّ .. هو اللقاء
شوق يخضّ دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كلّ دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأبّ من الظلام إلى الولاده
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون(57/217)
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحسّ أن على الوساده
من ليلك الصيفي طلاّ فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيّبات خطاي و المدن الغريبة
غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجرّ في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
تحت الشموس الأجنبيه
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديّه
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب
بين العيون الأجنبيه
بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيّه)
و الموت أهون من خطّيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبيه
قطرات ماء ..معدنيّه
فلتنطفئ ، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود
بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود
ليت السفائن لا تقاظي راكبيها من سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكنّ و استزيد ،
ما زلت أنقض ، يا نقود ، بكنّ من مدد اغترابي
ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي
في الضفّة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود
متى أعود ، متى أعود ؟
أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب
كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب
و أزيح بالثؤباء بقيا من نعاسي كالحجاب
من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين
عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشكّ في يقين
ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-
ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟
اليوم _ و اندفق السرور عليّ يفجأني- أعود
واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود(57/218)
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدّخر النقود
و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود
به الكرام ، على الطعام ؟
لبكينّ على العراق
فما لديك سوى الدموع
وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> مرحى غيلان
مرحى غيلان
رقم القصيدة : 68076
-----------------------------------
بابا بابا
ينساب صوتك في الظلام إليّ كالمطر الغضير
ينساب من خلل النعاس و أنت ترقد في السرير
من أي رؤيا جاء ؟ أي سماوة ؟ أي انطلاق
و أظل أسبح في رشاش منه أسبح في عبير
فكأن أودية العراق
فتحت نوافذ من رؤاك على سهادي كلّ واد
وهبته عشتار الأزاهر و الثمار كأنّ روحي
في تربة الظلماء حبة حنطة و صداك ماء
أعلنت بعثي يا سماء
هذا خلودي في الحياة تكنّ معناه الدماء
بابا كأنّ يد المسيح
فيها كأن جماجم الموتى تبرعم في الضريح
تموز عاد بكل سنبلة تعابث كل ريح
بابا بابا
أنا في قرار بويب أرقد في فراش من رماله
من طينه المعطور و الدم من عروقي في زلاله
ينثال كي يهب الحياة لكل أعراق النخيل
أنا بعل أخطر في الجليل
على المياه أنث في الورقات روحي و الثمار
و الماء يهمس بالخرير يصل حولي بالمحار
و أنا بويب أذوب في فرحي و أرقد في قراراي
بابا بابا
يا سلم الأنغام أيّة رغبة هي في قرارك
سيزيف يرفعها فتسقط للحضيض مع انهيارك
يا سلم الدم و الزمان من المياه إلى السماء
غيلان يصعد فيه نحوي من تراب أبي و جدي
و يداه تلتمسان ثم يدي و تحتضنان خدّي
فأرى ابتدائي في اتنهائي
بابا بابا
جيكور من شفتيك تولد من دمائك في دمائي
فتحيل أعمدة المدينة
أشجار توت في الربيع و من شوارعها الحزينة
تتفجر الأنهار أسمع من شوارعها الحزينة
ورق البراعم و هو يكبر أو يمص ندى الصباح
و النسغ في الشجرات يهمس و السنابل في الرياح
تعد الرّحى بطعامهنّ
كأنّ أوردة السماء
تتنفّس الدم في عروقي و الكواكب في دمائي
يا ظلي الممتد حين أموت يا ميلاد عمري من جديد(57/219)
الأرض ( يا قفصا من الدم و الأظافر و الحديد
حيث المسيح يظل ليس يموت أو يحيا كظلّ
كيد بلا عصب كهيكل ميت كضحى الجليد
النور و الظلماء فيه متاهتان بلا حدود
عشتار فيها دون بعل
و الموت يركض في شوارعها و يهتف يا نيام
هبوا فقد ولد الظلام
و أنا المسيح أنا السلام
و النار تصرخ يا ورود تفتحي ولد الربيع
و أنا الفرات و يا شموع
رشي ضريح البعل بالدم و الهباب و بالشحوب
و الشمس تعمل في الدروب
بردانة أنا و السماء تنوء بالسحب الجليد
بابا بابا
من أيّ شيء شمس جاء دفؤك أي نجم في السماء
ينسلّ للقفص الحديد فيورق الغد في دمائي ؟
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> غارسيا لوركا
غارسيا لوركا
رقم القصيدة : 68078
-----------------------------------
في قلبه تنّور
النار فيه تطعم الجياع
و الماء من جحيمه يفور
طوفانه يطهّر الأرض من الشرور
و مقلتاه تنسجان من لظى شراع
تجمهان من مغازل المطر
خيوطه و من عيون تقدح الشرر
و من ثدي الأمهات ساعة الرضاع
و من مدى تسبل منها الثمر
و من مدى للقابلات تقطع السرر
و من مدى الغزاة و هي تمضغ الشعاع
شراعه الندي كالقمر
شراعه القوي كالحجر
شراعه السريع مثل لمحة البصر
شراعة الأخضر كالربيع
الأحمر الخضيب من نجيع
كأنه زورق طفل مزّق الكتاب
يملأ مما فيه بالزوارق النهر
كأنه شراع كولمبس في العباب
كأنه القدر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> تعتيم
تعتيم
رقم القصيدة : 68079
-----------------------------------
حين يذرّ النّور
يلقى به التنور
عن وجهك الظلماء
و يهمس الديجور
آهاته السمراء
على محيّاك
تهجس عيناك
بكل حزن الدهور
وكل أعيادها
أفراح ميلادها
و غمغمات النذور
وزهرها و الخمور
ألنور و الظلماء
أسطورة منحوتة في الصخور
كم ذاد بالنار
من أسد ضاري
وكم أخاف النمور
إنسان تلك العصور
بالنور و النار
فأطفئي مصباحنا أطفئيه
و لنطفيء التنور
و ندفن الخبز فيه
كي لا تعيد الصخور(57/220)
أسطورة للنار ظلت تدور
حتى غدا أول ما فيها
آخر ما فينا و ليل القبور
أول ما فيها
و لنبق في الديجور
كي لا ترانا نمور
تجوس في الظلماء
لترحم الأحياء
من غابة في السماء
بالصخر و النار
و تسبيح القبور
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> المخبر
المخبر
رقم القصيدة : 68080
-----------------------------------
أنا ما تشاء أنا الحقير
صبّاغ أحذية الغزاة و بائع الدم و الضمير
للظالمين أنا الغراب
يقتات من جثث الفراخ أنا الدمار أنا الخراب
شفة البغيّ أعفّ من قلبي و أجنحة الذباب
أنقى و أدفأ من يدي كما تشاء أنا الحقير
لكن لي من مقلتي إذا تتبعتا خطاك
و تقرتا قسمات وجهك و ارتعاشك إبرتين
ستنسجان لك الشراك
و حواشي الكفن الملطخ بالدماء و جمرتين
تروعان رؤاك إن لم تحرقاك
و تحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة
فتندّ آهتك المديده
و تقول أصبح لا يراني بيد أن دمي يراك
إني أحسّك في الهواء و في عيون القارئين
لم يقرأون لأن تونس تستفيق على النضال
و لأن ثوار الجزائر ينسجون من الرمال
و من العواصف و السيول و من لهاث الجائعين
كفن الطغاة ؟ و ما تزال قذائف المتطوعين
يصفرن في غسق القنال
لم يقرأون و ينظرون إليّ حينا بعد حين
كالشامتين ؟
سيعلمون من الذي هو في ضلال
و لأيّنا صدأ القيود لأينا صدأ القيود
لأيّنا
نهض الحقير
و سأقتفيه فما يفرّ سأقتفيه إلى السعير
أنا ما تشاء أنا اللئيم أنا الغبيّ أنا الحقود
لكنّما أنا ما أريد أنا القويّ أنا القدير
أنا حامل الأغلال في نفسي أقيد من أشاء
بمثلهنّ من الحديد و أستبيح من الخدود
ومن الجباه أعزهن أنا المصير أنا القضاء
الحقد كالتنور في إذا تلهّب بالوقود
الحبر و القرطاس أطفأ في وجوه الأمّهات
تنورهنّ و أوقف الدم عن ثدي المرضعات
في البدء كان يطيف بي شبح يقال له الضمير
أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير
شبح تنفّس ثمّ مات
و اللص عاد هو الخفير
في البدء لم أك في الصراع سوى أجير(57/221)
كالبائعات حليبهنّ كما تؤجّر للبكاء
و لندب موتى غير موتاهنّ في الهند النساء
قد أمعن الباكي على مضض فعاد هو البكاء
الخوف و الدم و الصغّار فأي شيء أرتجيه
فعلى يديّ دم و في أذنيّ وهوهة الدماء
و بمقلتيّ دم و للدم في فمي طعم كريه
أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير
و انس الجريمة بالجريمة و الضحية بالضحايا
لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه و تستطير
لفرط رعبك أو لفرط أساك و احتضن الخطايا
بأشدّ ما وسع احتضان تنج من وخز الخطايا
قوتي و قوت بني لحم آدمي أو عظام
فليحقدن علي كالحمم المستعرّة الأنام
كي لا يكونوا إخوة لي آنذاك و لا أكون
و ريث قابيل اللعين سيسألون
عن القتيل فلا أقول
أأنا الموكل و يلكم بأخي فإن المخبرين
بالآخرين موكّلون
سحقا لهذا الكون أجمع و ليحلّ به الدمار
مالي و مالي و ما للناس لست ابا لكل الجائعين
و أريد أو أروى و أشيع من طوى كالآخرين
فليترلوا بي ما استطاعوا من سباب و احتقار
لي حفنة القمح التي بيدي و دانية السنين
خمس و أكثر و أو أقل هي الربيع من الحياه
فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة
روح النماء و بالبيادر و انتصار الكادحين
فليحملوا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع
إني سأحيا رجاء و لا اشتياق و لا نزوع
لا شيء غير الرعب و القلق الممض على المصير
ساء المصير
ربّاه إن الموت أهون من ترقّبه المرير
ساء المصير
لم كنت أحقر ما يكون عليه إنسان حقير
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> عرس في القرية
عرس في القرية
رقم القصيدة : 68081
-----------------------------------
مثلما تنفض الريح ذرّ النضار
عن جناح الفراشة مات النهار
النهار الطويل
فاحصدوا يا رفاقي فلم يبق إلاّ القليل
كان نقر الدّرابك منذ الأصيل
تيساقط مثل الثمار
من رياح تهوم بين النخيل
يتساقط مثل الدموع
أو كمثل الشرار
إنها ليلة العرس بعد انتظار
مات حب قديم و مات النهار
مثلما تطفيء الريح ضوء الشموع
الشموع الشموع(57/222)
مثل حقل من القمح عند المساء
من ثغور العذارى تعبّ الهواء
حين يرقصن حول العروس
منشدات نوار اهنئي يا نوار
حلوة أنت مثل الندى يا عروس
يا رفاقي سترنوا إلينا نوار
من عل في احتقار
زهدتها بنا حفنه من نضار
خاتم أو سوار و قصر مشيد
من عظام العبيد
و هي يا رب من هؤلاء العبيد
و لو أنا و آباءنا الأولين
قد كدحنا طوال السنين
و ادخرنا على جوع أطفالنا الجائعين
ما اكتسبناه في كدنا من نقود
ما اشترينا لها خاتما أو سوار
خاتم ضم في ماسة الأزرق
من رفات الضحايا مئات اللحود
اشتراها به الصيرفيّ الشقي
مثلما تنثر الريح عند الأصيل
زهرة الجلنّار
أقفر الريف لمّا تولّت نوار
بالصبابات يا حاملات الجرار
رحن و اسألنها يا نوار
هل تصيرين للأجنبي الدخيل
للذي لا تكادين أن تعرفيه
يا ابنة الريف لم تنصفيه
كم فتى من بنيه
كان أولى بأن تعشقيه
إنهم يعرفونك منذ الصغر
مثلما يعرفون القمر
مثلما يعرفون حفيف النخيل
و ضفاف النهر
و المطر
و الهوى يا نوار
احصدوا يا رفاقي فإن المغيب
طاف بين الروابي يرش اللهيب
من أباريق مجبولة من نضار
و الزغاريد تصدى بها كل دار
أوقد القصر أضواءه الأربعين
فاتبعوني إليها مع الرائحين
اتركوني أغني أمام العريس
و أراقص ظلي كقرد سجين
و أمثّل دو المحب التعيس
ضاحكا من جراحات قلبي الحزين
من هواي المضاع
من قلوب الجياع
حين تهوي و من ذلة الكادحين
سوف آكل حتى ينزّ الدم
من عيوني فما زال عندي فم
كل ما عندنا نحن هذا الفم
كان وهما هوانا فان القلوب
و الصبابات وقف على الأغنياء
لا عتاب فلو لم نكن أغبياء
ما رضينا بهذا و نحن الشعوب
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> مرئية الآلهة
مرئية الآلهة
رقم القصيدة : 68082
-----------------------------------
بلينا و ما تبلى النجوم الطوالع
و يبقى اليتامى بعدنا و المصانع
وبقى كرب الجالب الكرب كالصدى
يغص المنادى بالردى وهو راجع
كأن الأميبي توأم وهو توأم(57/223)
لها فهو في منجى من الموت قابع
و لكنه الفرد الذي يزحف الورى
إلى حيث ترمي مقلتيه المطامع
أعنقاء من صحراء مجد تقحّمت
بها مغرب الشمس البعيد الزعازع
أم انسل من أهرام فرعون هاجع
وقته انتقاص الدود منه المباضع
و من ليس يحيا لن يرى و هو مالك
فلو كان يحيا ما عدته الفواجع
و ما كان إلا اسما كرب ابن مثله
به يدمغ اثنان الورى و البضائع
و لكنه اسم بالأسامي يغتذي
تهجاه زفار اللظى و المدافع
تمنيت أني آله لا يصيبها
كلال و لا وقت بها مرّ ضائع
لها من دماء الناس قوت و خلفها
من المال عن أن ينفذ القوت مانع
و ما تخطىء الآلات من الجمع تارة
و في الطرح إن يخطىء من الناس جامع
و لا عاقبتها عصبة من ورائها
علينا عقاب برئوا منه واقع
ألا كم رفعنا من إله و كم هوى
إله و أضحى ثالث و هو رابع
فما جاوزنا صورة منه خطها
على غفلة منا مجيع و جائع
و ما كان معبودا سوى ما نخافة
و نرجوه أو ما خيلته الطبائع
فتموز مثل اللات و الرعد ما رمى
بغير الذي تطوى عليه الأضالع
و كم أله التمر التهامي معشر
لما ليس يحيا دونه الناس راكع
فلما شكا بعد الأثافي قدرها
وضنت على الشدق الحفي المراضع
كفى كل ثغر كان يدعوه جوعه
إله أحاطته المدى و الأصابع
دمى هذه الخمر التي تشربونها
و لحمي هو الخبز الذي نال جائع
و لما تشظى قلب نرسيس و أنثى
يلم الشظايا شار وبائع
و غذّى بها القلب الذي حين ذاقها
نما فيه نابا كوسج فهو قاطع
هوى كل عال من إله و سافل
إلى حيث ما م راحل ثم راجع
و أفضى إلى العرس السديمي معدن
بما امتاح من أحدق ميدوز لا مع
هو الشمس إلا أن في زمهريره
من الموت ظلا حجّبته البراقع
جزى أمه الأرض التي من عروقها
ربا و اغتذى في جوفها و هو هاجع
بشر الذي يجزى به شر من عذا
و أروى و يجزاه العدو المنازع
فأدمى بنيها وارتعى من بناتها
حقولا ترجى فهي شوه بلاقع
كقابيل يغتال الأشقاء راكل
كأوديب للخبز الإلهي صافع
و هذا الإله الأملس الفظ ما جلا(57/224)
لنرسيس يجثو عنده و هو خاشع
سوى وجه نرسيس الرخامي شابه
شحوب يهوذي التلاوين ناقع
و أوفى من الأرباب جيل يئمّه
على قمّة الأولمب ربّ مخادع
ترى فحم إذ يلقاه يلقاه راجفا
و فولاذ من تلماح عينيه مائع
و يا عهد كنّا كابن حلاّج واحدا
مع الله إن ضاع الورى فهو ضائع
أكلّ الرّجال الجوف أن يملأوا به
خواء الحشا هذا الإله المضارع
فعاد الفقير الروح من ليس كاسيا
به ظاهرا منّا فحل التنازع
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> من رؤيا فوكاي
من رؤيا فوكاي
رقم القصيدة : 68083
-----------------------------------
1- هياي كونغاي كونغاي
ما زال ناقوس أبيك يقلق المساء
بأفجع الرثاء
هياي كونغاي كونغاي
فيفرقع الصغار في الدروب
و تخفق القلوب
و تغلق الدّور ببكّين و شنغهاي
من رجع كونغاي كونغاي
فلتحرقي و طفلك الوليد
ليجمع الحديد بالحديد
و الفحم و النحاس بالنضار
و العالم القديم بالجديد
آلهة الحديد و النحاس و الدّمار
أبوك رائد المحيط نام في القرار
من مقلتيه لؤلؤ يبيعه التجار
و حظك الدموع و المحار
و عاصف عات من الرصاص و الحديد
و ذلك المجلجل المرن من بعيد
لمن لمن يدق كونغاي كونغاي
أهم بالرحيل غي غرناطة الغجر
فاحضرت الرياح و الغدير و القمر
أم سمر المسيح بالصليب فانتصر
و أنبتت دماؤه الورود في الصخر
أم أنها دماء كونغاي
و رغم أن العالم استسر و اندثر
ما زال طائر الحديد يذرع السماء
و في قرارة المحيط يعقد القرى
أهداب طفلك اليتيم حيث لا غناء
إلا صراح البابيون زادك الثرى
فازحف على الأربع فالحضيض و العلاء
سيان و الحياة كالفنار
سيان جنكير و كونغاي
هابيل قابيل و بابل كشنغهاي
وليست الفضّة كالحديد
هياي كونغاي كونغاي
الصين حقل شاي
و سوق شنغهاي
يعجّ بالمزارعين قبل كل عيد
هياي كونغاي كونغاي
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> تسديد الحساب
تسديد الحساب
رقم القصيدة : 68084
-----------------------------------
2-(57/225)
تلك الرواسي كم انحطّ النهار على
أقصى ذراها و كم مرّت بها الظلم
فما فرحن بآلاف الشموس و لا
من ألف نجم تردى مسّها ألم
صماء بكماء لم تأخذ و لا وهبت
و لا ترصدها موت و لا هرم
لو أدع الله إياها أمانته
لنالهنّ على إستيداعها ندم
و لاقتسمن مع الأحياء ما دفعت
من جزية لا توفى حين تقتسم
عن كل قهقهة من صرخة ثمن
و ما استجد دم إلا وضاع دم
و ما تحمل آلام المخاض و لم
يقرب من النور إلا الفكر و الرحم
و إن يكن أسعد الأحياء أكملها
فإنما هو أشقاهن لا جرم
قابيل باق و ان صارت حجارته
سيفا و إن عاد نارا سيفه الخدم
ورد هابيل ما قضاة بارئه
عن خلقه ثم ردت باسمه الأمم
و اليوم في حين وفى الدين غارمة
إلا بقايا و كادت تخلص الذّمم
و كاد يرجع للدنيا بشاشتها
ما قربته الضحايا و هي تبتسم
مشى على الأرض خلق عاش في دمه
من وحشها في المخاض الأول الضرم
خلق تراءى ليحيى ساعة افترست
عينيه رؤيا لها من هؤلاء فم
لو يقبض النور بالأيدي لسورة
دون الورى و لتعمم العالم الظلم
ريان عطشان لا يروي بلا فرح
جذلان باد عليه الجوع و البشم
كأنه و هو ماض في غوايته
من نفسه اقتص فهو الماء و الحمم
تفجر الضحك المسلوب من رئة
منخوبة بعد أخرى هدها السقم
عن ضحكة أطلقوها فهي صاعقة
أصابهم و الورى من رجعها صمم
و استترفوا متعة الأحياء ما دفعوا
عنها و لا غارما ما استترفوا رحموا
ثم استزادوا فإن لم يذهبوا دية
أو يقصروا عن طماح يرجح العدم
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> حقائق كالخيال
حقائق كالخيال
رقم القصيدة : 68085
-----------------------------------
3-
ماذا تريد العيون السود من رجل
قد حاش زهر الخطايا حين لاقاها
زهرا على جسمي المحموم أقطفه
في باقة من جراح بتّ أصلاها
هذا الربيع الذي تهدي شقائقه
ريح المنايا إلى قلبي بريّاها
أزهار تموز ما أرعى أسلمه
في عتمة العالم السفلى أياها
أم صل حواء بالتفاح كافأني
و هو الذي أمس بالتفاح أغواها(57/226)
ماذا تريد العيون السود ؟ إن لها
ما لست أنساه منها حين أنساها
ما بالهن استعضن البوم أوعية
عن أوجه الغيد حتى ضاع معناها
أين المناقير من لعس مراشفها
ربي ؟ و أين ابتسام كان يغشاها
من هذه الخربة الظلماء محدقة
بي أعين البوم من أجداث موتاها
قفراء منغير ثكلى شف مئزرها
عن وهج فانوسها الكابي و أخفاها
تسعى كما اصطاد في ليل يراعته
طفل وطارت و قد ألوى جناحاها
محنية تتفرى كل شاهدة
من كل قبر كما لو كان طفلاها
في كل قبر يذوقان الردى دية
عمن يؤاوي و عن أحياء دنياها
نادتهما فانبرى يزقو لصيحتها
من حيث رد الصدى بوم و ناداها
أماه إنا هنا ريح بنا عصفت
لم ندر أيم أنهينا بعد لقياها
و انشق منخلفها قبر ليبلعها
و احتازها و اشرأبت منه كفّاها
يختص فانوسها التمام بينهما
و الريح خرساء تعبى غير ها ها ها
و يلم سازاك كيف اندك حائطه
حتى تعرى لي السهل الذي حجبا
سهل يكن الصلال الرقط أجهضه
عاد من المحل حتى يفرغ العطبا
و انبحت التربة العجفاء من عطش
عم أشدق فاغرات تنبح السحبا
و لاشمس كالأطلس المسعور تنهشه
و الريح تصليه من تنورها لهبا
الريح لا ليست الريح التي ركضت
بيضاء سوداء رقطاء القفا عجبا
عنقاء في مسعر الجوزاء أعينها
و الصخرة يرفص من أظلافها شهبا
تلك الزرافات في السهل العقيم لها
مرعى روى من سراب ينبت السّغبا
ما روعتها سوى ضوضاء خشخشة
في كف أبرص يعدو خلفها خببا
تخفيه عنها ضمادات و يظهر
ما نز من قيحه الدامي و ما شخبا
نادى و كفاه تختضان و احربا
فاستعبر العاصف المصدور واحربا
ماء اسق يا ماء تلهاث مقاطعة
منزوعة من لسان يشبه الخشبا
حتى استجاب السحاب الجون فانعقدت
في الجو حباته الغبراء فاحتجبا
و انهل لا عن ندى صاف و لا مطر
بل عن دم من ثدي مزقت حلبا
أو عن مشاش من الأحداق فقأها
سيخ لجنكيز دام ينفث اللهبا
ماء اسق يا ماء و الغيث الرهيب كلى
مفرية سحت الآجال و الكربا
لم يبق من مر تو أو ظاميء بفم
أو دون و من ماء الردى شربا(57/227)
ويل لسازاك ماذا ينوي بدمي
من نيّة فهو يستصفي و يمتار
تلك الزجاجات أشلاء مجزأة
مني دمي مختز فيهن موار
لم تثن سازاك عن شحذ لمدينة
آهات مرضى و لا ألهاء زوار
إني لدار بأني حين يشرعها
ران إليها فملدوغ فمنهار
هل تبتغي شفرتاها غير آنية
فيها دمي راجف و الداء و العار
ما كنت يوما و لا المرضى سوى عرض
في أعين سازاك يجبي منه إيجار
ست و عشرون أعداد على سرر
أما الأصحاء و المرضى فأصفار
فالرقم عشرون لا يسقى سوى لبن
و الرقم عشر نعاه اليوم محرار
و اليوم لم يبق ما اعطيه عن مرض
إلا دعائي و قولي نعمت الدار
فليلق سازاك من يسمى ثمانية
غيري و يستوف أجر القبر حفار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> قافلة الضياع
قافلة الضياع
رقم القصيدة : 68086
-----------------------------------
أرأيت قافلة الضّياع ؟ أما رأيت النزحين
الحاملين على الكواهل من مجاعات السنين
آثام كل الخاطئين
النازفين بلا دماء
السائرين إلى وراء
كي يدفنوا هابيل و هو على الصليب ركام طين
قابيل أين أخوك أين أخوك
جمعت السماء
آمادها لتصيح كورت النجوم إلى نداء
قابيل أين أخوك
يرقد في خيام اللاجئين
السل يوهن ساعديه و جئته أنا بالدواء
و الجوع لعنه آدم الأولى و إرث الهالكين
ساواه و الحيوان ثم رماه أسفل سافلين
و رفعته أنا بالرغيف من الحضيض إلى العلاء
الليل يجهض و السفائن مثقلات بالغزاه
بالفاتحين من اليهود
يلقين في حيفا مراسيهن كابوس تراه
تحت التراب محاجر الموتى فتجحظ في اللحود
الليل يجهض فالصباح م الحرائق في ضحاه
الليل يجهض فالحياه
شيء ترجح لا يموت و لا يعيش بلا حدود
شيء تفتح جانباه على المقابر و المهود
شيء يقول هنا الحدود
هذا لكل اللاجئين و كل هذا لليهود
النار تصرخ في المزارع و المنازل و الدروب
في كل منعطف تصيح أنا النضار أنا النضار
من كل سنبلة تصيح و من نوافذ كل دار
أنا عجل سيناء الإله أنا الضمير أنا الشعوب
أنا النضار(57/228)
النار تتبعنا كأن مدى اللصوص و كل قطاع الطريق
يلهثن فيها بالوباء كأن السنه الكلاب
تلتز منها كالمبارد و هي تحفر في الجدار النور باب
تتصبب الظلماء كالطوفان منه فلا تراب
ليعاد منه الخلق و انجف المسيح مع العباب
كان المسيح بجنبه الدامي و مئزره العتيق
يسد ما حفرته ألسنة الكلاب
فاجتاحه الطوفان حتى ليس يترف منه جنب أو جبين
إلا دجى كالطين تبنى منه دور اللاجئين
النار تركض كالخيول وراءنا أهم المغول
على ظهور الصافنات و هل سألت الغابرين
أروضوا أمس الخيول
أم نحن بدء الناس كل تراثنا أنصاب طين
النار تصهل من ورائي و القذائف لا تنام
عيونها و أبي على ظهري و في رحمي جنين
عريان دون فم و لا بصر تكور في الظلام
في بركة الدم و هو يفرك أنفه بيد و كالجرس الصغير
يرن ملء دمي صداه تكاد تومض كل روحي بالسلام
حتى أكاد أراه في غبش الدماء المستنير
عريان دون فم كأفقر ما يكون بلا عظام
و بلا أب و بدون حيفا دون ذكرى كالظلام
أسريت أعبر تحت أجنحة الحديد به الزمان
من الحقول إلى المراعي فالكهوف
و الأرض تطمس من وراء ظهورنا كالأبجدية
ألدور فيها و الدوالي شاخصات كالحروف
فكأن أمس غد يلوح و ليس بينهما مكان
لم يخرجونا من قرانا و حدهنّ و لا من المدن الرخيّة
لكنهم قد أخرجونا من صعيد الآدميّه
فاليومم تمتليء الكهوف بنا و نعوي جائعين
و نموت فيها لا نخلف للصغار على الصخور
سوى هباب ما نقشنا فيه من أسد طعين
و نموت فيها لا نخلف بعدنا حتى قبور
ماذا نحط على شواهدها أ كانوا لاجئين
أليوم تمتليء الكهوف بنا تظلل بالخيام
و بالصفيح و قد تغلهن لالآجر دور
و النور كالتابوت فيها ليس فيه سوى ظلام
بين الكهوف و بين حيفا من ظلام ألف عام أو يزيد
بين الكهوف و بين أمس هناك بئر لا قرار
لها كهاوية الجحيم تلز فاها دون نار
تتعلق الأحداث فيها كالجلامد في جدار
لحدا على لحد أزيح الطين عنها و الحجار
من يدفن الموتى و قد كشفوا و ماتوا من جديد
من يدفن الموتى(57/229)
ليولد تحت ضخرة كل شاهدة و ليد
من يدفن الموتى لئلا يزحموا باب الحياة
على أكف القابلات
من يدفن الموتى لنعرف أننا بشر جديد
في كل شهر من شهور الجوع يومىء يوم عيد
فنخف نحمل من تذاكرنا صليب اللاجئين
يا مكتبا للغوث في سيناء هب للتائهين
مناو سلوى من شعير و المشيمة للجنين
و اجعل له المطّاط سره
وارزقه ثديا من زجاج واحش بالأدريج صدره
و بأيما لغمة نقول فيستجيب الآخرون
و نورث الدم للصغار
أعلمت حين نقول دار أو سماء أي دار
أو سماء تخطران على العيون
هيهات ليس للاجئين و اللاجئات من قرار
أو ديار
إلا مرابع كان فيها أمس معنى أن نكون
سنظل نضرب كالمجوس نجس ميلاد النهار
كم ليلة ظلماء كالرحم انتظرنا في دجاها
نتلمس الدم في جوانبها و نعصر من قواها
شع الوميض على رتاح سمائها مفتاح نار
حتى حسبنا أن باب الصبح يفرج ثم غار
و غادر الحرس الحدود
و اختصّ رعد في مقابر صمتها يعد القفار
ثم امحل إلى غبار بين أحذية الجنود
ألليل أجهض ناره الحمى و ديمته انتحاب الضائعين
أليل أجهض ليس فيه سوى مجوس اللاجئين
ألنار تركض كالخيول وراءنا أهم المغول
على ظهورها الصافنات ؟ و هل سألت الغابرين
أروضوا أمس الخيول
أم نحن بدء الناس كل تراثتا أنصاب طين
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> يوم الطغاة الأخير
يوم الطغاة الأخير
رقم القصيدة : 68087
-----------------------------------
إلى الملتقى و انطوى الموعد
و ظل الغد
غد الثائرين القريب
يدا بيد من غمار اللهيب
سنرقى إلى القمة العالية
و شعرك حقل حباه المغيب
أزاهير القانية
نرى الشمس تنأى وراء التلال
و بين الظلال
قد رف مثل الجناح الكسير
على كومة منحطام القيود
على عالم بائد لن يعود
سناها الأخير
تقولين لي هل رأيت النجوم
أأبصرتها قبل هذا المساء
لها مثل هذا السّنا و النّقاء
تقولين لي هل رأيت النجوم
و كم أشرقت قبل هذا المساء
على عالم لطخته الدماء
دماء المساكين و الأبرياء(57/230)
تقولين لي هل رأيت النجوم
تطل على أرضنا و هي حرّه
لأول مرّة
نعم أمس حين التفتّ إليك
تراءين كالهجس في مقلتيك
و إذ يستضيء المدى بالحريق
فيندكّ سجن و يجلى طريق
و يذكي بأطيافه الدافئة
محيّاك باللهفة الهانئة
تقولين نحن ابتداء الطريق
و نحن الذين اعتصرنا الحياة
من الصّخر تدمى عليه الجباه
و يمتص ريّ الشفاه
من الموت في موحشات السجون
من البؤس من خاويات البطون
لأجيالها الآتية
لنا الكوكب الطالع
و صبح الغد الساطع
وآصاله الزاهيه
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> إلى جميلة بو حيرد
إلى جميلة بو حيرد
رقم القصيدة : 68088
-----------------------------------
لا تسمعيها إن أصواتنا
تخزى بها الريح التي تنقل
باب علينا من دم مقفل
و نحن في ظلمائنا نسأل
من مات ؟ م يبكيه ؟ من يقتل
من يصلب الخبز الذي نأكل
نخشى إذا وارايت أمواتنا
أن يفزع الأحياء ما يبصرون
إذ يقفر الكهف الذي يأهلون
إن عربد الوحش الذي يطعمون
من أكبد الموتى فمن يبذل
يا أختنا المشبوحة الباكية
أطرافك الدامية
يقطرن في قلبي و يبكين فيه
يا من حملت الموت عن رافعيه
من ظلمة الطين التي تحتويه
إلى سماوات الدم الوارية
حيث التقى الإنسان و الله و الأموات و الأحياء في شهقة
في رعشة للضربة القاضية
الأرض أم الزهر و الماء و الأسماك و الحيوان و السنبل
لم تبل في إرهابها الأول
من خضة الميلاد ما تحملين
ترتج قيعان المحيطات من أعماقها ينسح فيها حنين
و الصخر منشد بأعصابه حتى يراها في انتظار الجنين
الأرض ؟ أم أنت التي تصرخين
في صمتك المكتظّ بالآخرين
في ذلك الموت المخاض المحب المبغض المنفتح المقفل
و نحن أم أنت التي تولدين
أسخى من الميلاد ما تبذلين
و الموت أقسى منه من كل ما عاناه أجيال من الهالكين
أنّ الذي من دونه الجلجلة
و السوط و السّجان و المقصله
أن الذي يفيدك أتفتدين
غير الذي آذه بالنار أو بالعار و الماء الذي تشربين
عبء من الآجال ما أثقله(57/231)
كم حاول الجلاد أن يترله
كم ودّ أن تلقيه إذ تعجزين
مشبوحة الأطراف فوق الصليب
مشبوحة العينين عبر الظلام
يأتيك من وهران يا للزحام
حشد مشع باشتعال المغيب
يأتيك كل الناس كل الأنام
يرجون مما تبذلين الطعام
و الأمن و النعماء و العافية
و أنت مثل الدوحة العارية
لم يبق منك البغي إلا الجذور
الموت واه دونها و النشور
فيها و تجري دونك الساقية
ما شب في وهران من برعم
أو أزهرت في أطلس عوسجه
إلا ودبت في مسيل الدم
نمنه منعشة مبهجة
توحي بأن الأرض ظلت تدور
طاحونة للقاتل المجرم
تستحق منه واهن الأعظم
و أن ألوان الأذي و العذاب
ذخر لنا نجلوه يوم الحساب
نسقي به الباغين نروي التراب
من لفحة أن الهوى و الشباب
لم يذهبا أن البعاد اقتراب
أن من الدمع الذي تسكبين
أسلحة في أذرع الثائرين
جاء زمان كان فيه البشر
يفدون من أبنائهم للحجر
يا رب عطشى نحن هات المطر
رو العطاشى منه روّ الشجر
و جاء حين عاد فيه البشر
يفدون بالأنعام ما تحبس السماء في أعماقها من قدر
و جاء عصر سار فيه الإله
عريان يدمي كي يروّي الحياه
و اليوم و لى محفل الآلهه
اليوم يفدي ثائر بالدماء
الشيب و الشبان يفدي النساء
يفدي زروع الحقل يفدي النماء
يفدي دموع الأيّم الوالهة
بالأمس دوى في ثرى يثرب
صوت قوي من فقير نبي
ألوى ببغي الصخر لم يضرب
و حطم التيجان أي انطلاق
في مصر في سوريّة في العراق
في أرضك الخضراء كان انعتاق
بالأمس و ارى قومك الآلهة
عشتار أم الخصب و الحب و الاحسان تلك الربّة الوالهة
لم تعط ما أعطيت لم ترو بالأمطار ما روّيت قلب الفقير
لم يعرف الحقد الذي يعرفون
و الحسد الآكل حتى العيون
نحن بنو الفقر الذي يزعمون
في كل عصر أنهم وارثوه
قابيل فينا ما تهاوى أخوه
من ضربة الحقد التي يضربون
يوم ابتدأنا كان عبء السماء
ملقى على أطلس
يزحمه بالمنكب الأملس
ثم ارتقى إيفل تم البناء
فانحط ذاك العبء حينا عليه
ثم انطلقنا نحن من جانبيه(57/232)
حتى حملنا عبئها كل ما فيها من الأبراج و الأنجم
يا أختنا المشبوحة الباكية
أطرافك الدامية
يقطرن في قلبي و يبكين فيه
لم يلق ما تلقين أنت المسيح
أنت التي تفدين جرح الجريح
أنت التي تعطين لا قبض ريح
يا أختنا يا أمّ أطفالنا
يا سقف أعمالنا
يا ذروة تعلو لأبطالنا
ما حزّ سوط البغي في ساعديك
إلا و في غيبوبة الأنبياء
أحسست أن السوط أن الدماء
أنّ الدجى أن الضحايا هباء
من أجل طفل ضاحكته السماء
فرحان في أرضه
و بعضه فرحان من بعضه
أحسسته يحبو على راحتيك
سمعته يضحك في مسمعيك
يهتف يا جميلة
يا أختى النبيلة
يا أختي القتيلة
لك الغد الزاهي كما تشتهين
و أنت إذ أحسست إذ تسمعين
تعلو بك الآلام فوق التراب
فوق الذرى فوق انعقاد السحاب
تعلين حتى محفل الآلهة
كالربة الواهلة
كالنسمة التائهة
لا تسمعيها إنّ أصواتنا
تخزى بها الريح التي تنقل
باب علينا من دم مقفل
و نحن نحصي ثم أمواتنا
الله لولا أنت يا فادية
ما أثمرت أغصاننا العارية
أو زنبقت أشعارنا القافية
إنا هنا في هوة داجية
ما طاف لولا مقلتاك الشعاع
يوما بها نحن العراة الجياع
لا تسمعي ما لفقوا ما يذاع
ما زينوا ما خط ذاك اليراع
إنا هنا كوم من الأعظم
لم يبق فينا من مسيل الدم
شيء نروي منه قلب الحياة
إنا هو الموت حفاة عراة
لا تسمعيها إن أصواتنا
تخزى بها الريح التي تنقل
باب علينا من دم مقفل
و نحن في ظلمائنا نسأل
من مات ؟ من يبكيه ؟ من يقتل ؟
يا نفحة من عالم الآلهة
هبّت على أقدامنا التائهة
لا تمسحيها من شواظ الدماء
إنا سنمضي في طريق الفناء
و لترفعي اوراس حتى السماء
حتى تروى من مسيل الدماء
أعراق كل الناس كل الصخور
حتى نمسّ الله
حتى نثور
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> رسالة من مقبرة
رسالة من مقبرة
رقم القصيدة : 68089
-----------------------------------
من قاع قبري أصيح
حتى تئن القبور
من رجع صوتي و هو رمل و ريح
من عالم في حفرتي يستريح(57/233)
مركومة في جانبيه القصور
و فيه ما في سواه
إلا دبيب الحياه
حتى الأغاني فيه حتى الزّهور
و الشمس إلا أنها لا تدور
و الدّود نخار بها في ضريح
من عالم قي قاع قبري أصيح
لا تيأسوا من مولد أو نشورا
النور من طين هنا أو زجاج
قفل على باب سور
النور في قبري دجى دون نور
النور في شباك داري زجاج
كم حدّقت بي خلفه من عيون
سوداء العار
يجرحن بالأهدالب أسراري
فاليوم داري لم تعد داري
و النور في شبّاك داري ظنون
تمتص أغواري
و عند بابي يصرخ الجائعون
في خبزك اليومي دفء الدّماء
فاملأ لنا في كل يوم و عاء
من لحمك الحي الذي نشتهيه
فنكهة الشمس فيه
و فيه طعم الهواء
و عند بابي يصرخ الأشقياء
أعصر لنا من مقلتيك الضياء
فأننا مظلمون
و عند بابي يصرخ المخبرون
و عر هو المرقى إلى الجلجلة
و الصخر يا سيزيف ما أثقله
سيزيف إن الصخرة الآخرون
لكنّ أصواتا كقرع الطبول
تنهلّ في رمسي
من عالم الشمس
هذي خطى الأحياء بين الحقول
في جانب القبر الذي نحن فيه
أصداؤها الخضراء
تنهلّ في داري
أوراق أزهار
من عالم الشمس الذي نشتهيه
أصداؤها البيضاء
يصدعن من حولي جليد الهواء
أصداؤها الحمراء
تنهل في داري
شلال أنوار
فالنور في شبّاك داري دماء
ينضحن من حيث التقى بالصخور
في فوهة القبر المغطاه سور
هذا مخاض الأرض لا تيأسي
بشراك يا أجداث حان النشور
بشراك في وهران أصداء صور
سيزيف ألقى عنه العبء الدّهور
و استقبل الشمس على الأطلس
آه لوهران التي لا تثور
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> في المغرب العربي
في المغرب العربي
رقم القصيدة : 68090
-----------------------------------
قرأت اسمي على صخرة
هنا في وحشة الصحراء
على آجرّه حمراء
على قبر فكيف يحس إنسان يرى قبره
يراه و إنه ليحار فيه
أحيّ هو أم ميت ؟ فما يكفيه
أن يرى ظلا له على الرمال
كمئذنة معفّرة
كمقبرة
كمجد زال
كمئذنة تردد فوقها اسم الله
و خطّ اسم الله فيها
و كان محمد نقشا على آجرّة خضراء(57/234)
يزهو في أعاليها
فأمشي تأكل الغبراء
و النيران من معناه
و يركله الغزاة بلا حذاء
بلا قدم
و تترف منه دون دم
جراح دونما ألم
فقد مات
و متنا فيه من موتى و من أحياء
فنحن جميعنا أموات
و أنا و محمد و الله
و هذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة
عليها يكتب اسم محمد و الله
على كسرة مبعثرة
من الآجرّ و الفخّار
فيا قبر الإله على النهار
ظل لألف حربة و فيل
و لون أبرهة
و ما عكسته منه يد الدليل
و الكعبة المخزونة المشوّهة
قرأت اسمي على صخرة
على قبرين بينهما مدى أجيال
يجعل هذه الحفرة
تضم اثنين جد أبي و محض رمال
و محض نثارة سوداء منه استترلا قبره
و إياي أبنه في موته و المضغة الصلصال
و كان يطوف من جدّي
مع المدّ
هتاف يملأ الشطآن يا ودياننا ثوري
و يا هذا الدم الباقي على الأجيال
يا إرث الجماهير
تشظّ الآن و اسحق هذه الأغلال
و كالزلزال
هزّ النير أو فاسحقه و اسحقنا مع النير
و كان إلهنا يختال
بين عصائب الأبطال
من زند إلى زند
و من بند إلى بند
إله الكعبة الجبّار
تدرع أمس في ذي قار
بدرح من دم النعمان في حافاتها آثار
إله محمد و إله آبائي من العرب
تراءى في جبال الريف يحمل راية الثوّار
و في يافا رآه القوم يبكي في بقايا دار
و أبصرناه يهبط أرضنا يوما من السحب
جريحا كان في أحيائنا يمشي و يستجدي
فلم نضمد له جرحا
و لا ضحّى
له بغير الخبز و الأنعام من عبد
و أصوات المصلين إرتعاش من مراثيه
إذا سجدوا يترّ دم
فيسرع بالضماد فم
بأيات يغضّ الجرح منها خير ما فيه
تداوي خوفنا من علمنا أنا سنحييه
إذا ما هلل الثوار منا نحن نفديه
أغار من الظلام على قرارنا
فأحرقهن سرب من جراد
كأن مياه دجله حيث و لى
تنم عليه بالدم و المداد
أليس هو الذي فجأ الحبالى
قضاه فما ولدن سوى رماد
و أنعل بالأهلة في بقايا
مآذنها سنابك من جواد
و جاء الشام يسحب في ثراها
خطى أسدين جاعا في الفؤاد
فأطعم أجوع الأسدين عيسى
وبل صداه من ماء العماد
و عضّ نبيّ مكه فالصحارى(57/235)
كل الشرق ينفر للجهاد
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> مرثية جيكور
مرثية جيكور
رقم القصيدة : 68091
-----------------------------------
يا صليب المسيح ألقاك ظلا فوق جيكور طائر من حديد
يا لظل كظلمة القبر في اللون و كالقبر في ابتلاع الخدود
و التهام العيون من كل عذراء بيت لحم الولود
مرّ عجلان بالقبور العواري من صليب على النصارى شهيد
فاكتسب منه بالصليب الذي ما كان إلا رمزا الهلاك الأبيد
لا رجاء لها بأن يبعث الموتى و لا مأمل لها بالخلود
ويل جيكور ؟ أين أيامها الخضر و ليلات صيفها المفقود
و العشاء السخي في ليلة العرس و تقبيلة العروس الودود
و انتظار له على الباب
محمود تأخرت يا أبا محمود
ناد محمود
ثم يوفي على الجمع بمنديل عرسه المعقود
نقطته الدماء يشهدن للخدر بعذراء يا لها من شهود
لا على العقم و الردى بل على الميلاد و البعث و الشباب الجديد
أي صوت يصيح محمود محمود تأخرت كالنواح البعيد
أين محمود ليس محمود في الدار و لا الحقل
يا أبا محمود
ناد محمود كاد أن يهتف الديك و ما زال جمهنا في الوصيد
قل له يبرز الدماء فأنا في انتظار لها و شوق مبيد
ذر نجم الصباح محمود محمود أأقبلت بالدم المنشود
أي جرح يتر منه الدم الموار في باب دارك المرصود
إنه منك منك هذا الدم الثر و من جانب العروس القديد
الصليب الصليب إنا رأيناه و قد مر كالخيال الشرود
قد رأيناه في الصباح و في الليل سمعنا كقعقعات الرعود
أهو هذا الذي يريدون ؟ أشلاء و أنقاض منزل مهدود
أفما قامت الحضارات في الأرض كعنقاء من رماد اللحود
لا و لم افرح العقول على المجهول يسبرن فيه غور الوجوه
أو يشقّ العباب قلع يصك الريح صكا إلى البعيد البعيد
أو يلمّ النسيم عقدا من النور و يذروه باقة من ورود
ساحر فجر المدى عن مدى ملآن باللحن مترع بالنشيد
أو تدّق الأجراس يا أرض يا بشراك بالحبّ و المسيح الوليد
لا و لم يختم الزجاج على كل هرقل من العقار الأكيد(57/236)
بخنق الموت كلما همّ بالناس و يجتاح كاسرات الأسود
لا و لا قيس بعدما لفه الليل من الأرض و احتوى من حدود
بالذي قاس حافة الساعة القوراء في قرصها ذراعا حديد
أو يفض الظلام ألا لكي تندّك جيكور بالسلاح الجديد
كي يراها على اتساع المدى و الشأو من ليس طرفه بالحديد
من وراء المحيط و الليل و الغابات و البيد و الذرى و السدود
أين من شال جين أطمار كلثوم ؟ و أن الغضا من الأركيد
فيم أسرى صحاب جين المغاوير إلى زوج كلثوم المنكود ؟
أنت جيكور كل جيكور أحداق العذارى و باسلات الزنود
و الرؤوس التي حثا فوقهنّ الدهر ما في رحاه من تنكيد
صرّد القمح من نثار لها اللون و لم تحظ بالرغيف الوئيد
فهي صحراء تزفر الملح آهات و شكوى لمائها المؤود
خورس
شيخ اسم الله ترللا
قد شاب ترلّ ترلّ ترار و ما هلّ
ترلل العيد ترللا
ترللا عرّس حمادي
زغردن ترلّ ترللا
الثوب من الريز ترلّلا
و النقش صناعة بغداد
إنها الريح فاملئي الريح يا جيكور بالضحك أو نثار الورود
فقطب الصمت حيث كانت أغانيك و حيث العبير نتن الصديد
جاء قرن و راح و المدن في ضوضاء و ما زلن من حساب النقود
ضاع صوت الضعاف فيها و آهات النبيين و ابتهال الطريد
و استحال الفضاء من ضجة الآلات فيها و من لهاث العبيد
غير هذا الفضاء شيئا لغير الآدميين ربما للقرود
ربما للذئاب و الدود و الآذنى من الدود في الحضيض البليد
ظلّ ذاك الضجيج كالجيفة الحبلى بما ليس غير عقم الولود
ثمة التمّ في كرات من النار فألقى عليك صمت اللحود
لا عليك السلام يا عصر تعبان بن عيسى و هنت بين العهود
ها هو الآن فحمة تنخر الديدان فيها فتلظي من جديد
ذلك الكائن الخرافيّ في جيكور هومير شعبه المكدود
جالس القرفصاء في شمس آذار و عيناه في بلاط الرشيد
يمضغ التبغ و التواريخ و الأحلام بالشدق و الخيال الوئيد
ما تزال البسوس محمومة الخيل لديه و ما خبا من يزيد
نار عينين ألقتاها على الشمر ظلالا مذبحات الوريد(57/237)
كلما لز شمره الخيل أو عرى أوزيده التحام الجنود
شد راحا و أطلق المغزل الدراء يدحوه للمدار الجديد
و انتهى من حديثه الضخم عن ضخم منالغزل و انتهى من قعود
نصف عريان يسحب الطرف عن صدر تعرى و عن قميص فقيد
غير بقيا على فم دق حتى عن فم العنكبوت في رأس عود
مغزل ينقض الذي حاكه النول و جهد أضاع شتى جهود
فهو كد و ليس بالكد أردى قبله اثنين و أدعى بالمزيد
حاضر غير حاضر منه للماضي فناء و للغد الموعود
لا عليك السلام يا عصر تعبان بي عيسى و هنت بين العهود
أنت أيتمت كل روح من الماضي و سودت آله من حديد
تسكب السم و اللظى لا حليب الأم أو رحمة الأب المفقود
سلم في الحضيض أعلاه مرقاه انخفاض و إن بدا كالعصود
حدقت منه في الورى مقلتا فوكاي تستشرقان أيام هود
و المسيح المبيع بخسا بما لو بيع لحما لناء عن تسديد
حدّقي حيث شئت يا عين فوكاي المدمّاه من مداك المديد
فهي سوق تباع فيها لحوم الآدميين دون سلخ الجلود
كل أفريقيا و آسيه السمراء ما بين زنجها و الهنود
و اشتري لحم كلّ من نطق الضاد تجار تبيعه لليهود
هكذا قد أسف من نفسه الإنسان و انهار مانهيار العمود
فهو يسعى و حلمه الخبز و الأسمال و النعل و اعتصار النهود
و الذي حارت البرية فيه بالتآويل كائن ذو نقود
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> تموز جيكور
تموز جيكور
رقم القصيدة : 68092
-----------------------------------
-1- ناب الخنزير يشقّ يدي
و يغوص لظاه إلى كبدي
و دمي يتدفق ينساب
لم يغد شقائق أو قمحا
لكنّ ملحا
عشتار و تخفق أثواب
و ترف حيالي أعشاب
من نعل يخفق كالبرق
كالبرق الخلب ينساب
لو يومض في عرقي
نور فيصيء لي الدنيا
لو أنهض لو أحيا
لو أسقي آه لو أسقي
لو أن عروقي أعناب
و تقبل ثغري عشتار
فكأن على فمها ظلمة
تنثال علي و تنطبق
فيموت بعيني الألق
أنا و الهتمة
-2- جيكور ستولد جيكور
النور سيورق و النور
جيكور ستولد من جرحي
من غصة موتي من ناري
سيفيض البيدر بالقمح(57/238)
و الجرن سيضحط للصبح
و القرية دارا عن دار
تتماوج أنغاما حلوة
و الشيخ ينام على الربوه
و النخل يوسوس أسراري
جيكور ستولد لكنّي
لن أخرج فيها من سجني
في ليل الطين الممدود
لن ينبض قلبي كاللحن
في الأوتار
لن يخفق فيه سوى الدود
-3-
هيهات أتولد جيكور
إلا من خضة ميلادي ؟
هيهات أينبثق النور
و دمائي في الوادي ؟
أيسقسق فيها عصفور
و لساني كومة أعواد ؟
و الحقل مت يلد القمحا
و الورد و جرحي مغفور
و عظامي ناضحة ملحا
لا شيء سوى العدم العدم
و الموت هو الموت الباقي
يا ليل أظلّ مسيل دمي
و لتعد تربا أعراقي
هيهات أتولد جيكور
من حقد الخنزير المدثّر بالليل
و القبلة برعمة القتل
و الغيمة رمل منثور
يا جيكور
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> جيكور و المدينة
جيكور و المدينة
رقم القصيدة : 68093
-----------------------------------
و تلتفّ حولي دروب المدينة
حبالا من الطين يمضغن قلبي
و يعطين عن جمرة فيه طينة
حبالا من النار يجلدن عرى الحقول الحزينة
و يحرقن جيكور في قاع روحي
و يزرعن فيها رماد الضغينة
دروب تقول الأساطير عنها
على موقد نام ما عاد منها
و لا عاد من ضفة الموت سار
كأن الصدى و السكينة
جناحا أبي الهول فيها جناحان من ضخرة في ثراها دفينة
ومن يرجع الله يوما إليها
و في الليل فردوسها المستعاد
إذا عرّش الصخر فيها غصونه
ورصّ المصابيح تفاح نار
و مد الحوانيت أوراق تينه
فمن يشعل الحبّ في كل در و في كلّ مقهى و في كل دار
و من يرجع المخلب الآدميّ يدا يمسح الطفل فيها جبينه
و تخضل من لمسها من ألوهية القلب فيها عروق الحجار
و بين الضّحى و انتصاف النهار
إذا سبّحت باسم ربّ المدينة
بصوت العصافير في سدرة يخلق الله منها قلوب صغار
رحى معدن في أكفّ التجار
لها ما لأسماك جيكور من لمعة و اسمها من معان كثار
فمن يسمع الروح ؟ من يبسط الظل في لافح من هجير النضار
و من يهتدي في بحار الجليد إليها فلا يستبيح السفينة(57/239)
و جيكور من غلق الدور فيها و جاء ابنها يطرق
الباب دونه
و من حول الدرب عنها فمن حيث دار اشرأبت إليه المدينة
و جيكور خضراء مس الأصيل ذرى النخل فيها
بشمس حزينة
يمدّ الكرى لي طريقا إليها
من القلب يمتدّ عبر الدهاليز عبر الدجى و القلاع الحصينة
و قد نام في بابل الراقصون
و نام الحديد الذي يشحذونه
و غشى على أعين الخازنين لهاث النّضار الذي يحرسونه
حصاد المجاعات في جنتيها
رحى من لظى مر دربي عليها
و كرم من عساليجه العاقرات شرايين تموز عبر المدينة
شرايين في كل دار و سجن و مقهى
و سجن و بار و في كل ملهى
و في كل مستشفيات المجانين
في كل مبغى لعشتار
يطلعن أزهارهن الهجينة
مصابيح لم يسرج الزيت فيها و تمسسه نار
و في كل مقهى و سجن و مبغى و دار
دمي ذلك الماء هل تشربونه
و لحمي هو الخبز لو تأكلونه
و تموز تبكيه لاة الحزينة
ترفع بالنواح صوتها مع السّحر
ترفع بالنواح صوتها كما تنهّد الشجر
تقول يا قطار يا قدر
قتلت إذ قتلته الربيع و المطر
و تنشر ( الزمان ) و ( الحوادث ) الخبر
و لاة تيسغيث بالمضمّد الحفر
أن يرجع ابنها يديه مقلتيه أيما أثر
و ترسل النواح يا سنابل القمر
دم ابني الزجاج في عروقه انفجر
فكهرباء دارنا أصابت الحجر
و صكه الجدار خضه رماه لمحة البصر
أراد أن ينير أن يبدد الظلام فانحدر
و ترسل النواح
ثم يصمت الوتر
و جيكور خضراء
مسّ الأصيل
ذرى النخل فيها
بشمس حزينة
و دربي إليها كومض البروق
بدا و اختفى ثم عاد الضياء فأذكاه حتى أنار المدينة
و عرى يدي من وراء الضماد كأن الجراحات فيها حروق
و جيكور من دونها قام سور
و بوابه
و احتوتها سكينة
فمن يخترق السور من يفتح الباب يدمي على كل قفل يمينه
و يمناي لا مخلب للصراع فأسعى بها في دروب المدينة
و لا قبضة لابتعاث الحياة من الطين
لكنها محض طينه
و جيكور من دونها قام السور
و بوابه
واحتوتها سكينة
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> العودة لجيكور
العودة لجيكور(57/240)
رقم القصيدة : 68094
-----------------------------------
على جواد الحلم الأشهب
أسريت عبر التلال
أهرب منها من ذراها الطوال
من سوقها المكتظ بالبائعين
من صبحها المتعب
من ليلها النابح و العابرين
من نورها الغيهب
من ربها المغسول بالخمر
من عارها المخبوء بالزهر
من موتها الساري على النهر
يمشي على أمواجه الغافية
أواه لو يستيقظ الماء فيه
لو كانت العذراء من وارديه
لو أن شمس المغرب الداميه
تبتل في شطيه أو تشرق
لو أن أغصان الدجى تورق
أو يوصد الماخور عن داخليه
-2-
على جواد الحلم الأشهب
و تحت شمس المشرق الأخضر
في صيف جيكور السخي الثرى
أسريت أطوي دربي النائي
بين الندى و الزهر و الماء
أبحث في الآفاق عن كوكب
عن مولد للروح تحت السماء
عن منبع يروي لهيب الظماء
عن منزل للسائح المتعب
-3-
جيكو جيكور أين الخبز و الماء
الليل وافى و قد نام الأدلاّء
و الركب سهران من جوع و من عطش
و الريح صر و كل الأفق أصداء
بيداء ما في مداها ما يبين به
درب لنا و سماء الليل عمياء
جيكور مدّي لنا بابا فندخله
أو سامرينا بنجم فيه أضواء
-4-
من الذي يسمع أشعاري
فان صمت الموت في داري
و الليل في ناري
من الذي يحمل عبء الصليب
في ذلك الليل الطويل الرهيب
من الذي يبكي و من يستجيب
للجائع العاري
من ينزل المصلوب عن لوحه
من يطرد العقبان عن جرحه
من يرفع الظلماء عن صبحه
و يبدل الأشواك بالغار
أواه يا جيكور لو تسمعين
أواه يا جيكور لو توجدين
لو تنجبين الروح لو تجهضين
كي يبصر الساري
نجما يضيء الليل للتائهين
-5-
نزع و لا موت
نطق و لا صوت
طلق و لا ميلاد
من يصلب الشاعر في بغداد
من يشتري كفيه أو مقلتيه
من يجعل الأكليل شوكا عليه
جيكور يا جيكور
شدّت خيوط النور
أرجوحة الصبح
فألمي للطيور
و النمل من جرحي
هذا طعامي أيها الجائعون
هذي دموعي أيها البائسون
هذا دعائي أيها العابدون
أن يقذف البركان نيرانه
أن يرسل الفرات طوفانه
كي نشرق الظلمة
كي نعرف الرحمة(57/241)
جيكور يا جيكور
شدت خيوط النور
أرجوحة الصبح
فألمي للطيور
و النمل من جرحي
-6-
هذا حرائي حاكت العنكبوت
خيطا إلى بابه
يهدي إلي الناس إني أموت
و النور في غابه
يلقي دنانير الزمان البخيل
من شرفات في سعفات النخيل
جيكور يا جيكور خلّ و ماء
ينساب من قلبي
من جرحي الواري
من كل أغواري
أواه يا شعبي
جيكور يا جيكور هل تسمعين
فلتفتح الأبواب للفاتحين
و لتجمعي أطفالك اللاعبين
في ساحة القرية هذا العشاء
هذا حصاد السنين
الماء خمر و الخوابي غذاء
هذا ربيع الوباء
-7-
أقوى من الأسوار هذا الجواد
أقوى جواد الحلم الأشهب
لأن الحديد المغتذي بالحداد
و انخذل الموكب
جيكور ماضيك عاد
................................
هذا صياح الديك ذاب الرقاد
و عدت من معراجي الأكبر
الشمس أم السنبل الأخضر
خلف المباني رغيف
لكنها في الرصيف
أغلى من الجوهر
و الحبّ هل تسمعين
هذا الهتاف العنيف
مذا علينا إن عبد اللطيف
يدري بأنّا ما الذي تحذرين
و انخطفت روحي وصاح القطار
ورقرقت في مقلتيّ الدموع
سحابة تحملني ثم سار
يا شمس أيامي أما من رجوع
...........................
جيكور نامي في ظلام السنين
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> رؤيا في عام 1956
رؤيا في عام 1956
رقم القصيدة : 68095
-----------------------------------
حطت الرؤيا على عينيّ صقرا من لهيب
إنها تنقضّ تجتثّ السواد
تقطع الأعصاب تمتص القذى من كل
جفن فالمغيب
عاد منها توأما للصبح أنهار المداد
ليس تطفي غلة الرؤيا صحارى من نحيب 0
من حجور تلفظ الأشلاء هل جاء المعاد
أهو بعث أهو موت أهي نار أم رماد
أيها الصقر الالهي الغريب
أيها المنقض من أولمب في صمت المساء
رافعا روحي لأطباق السماء
رافعا روحي غنيميدا جريحا
صالبا عيني تموزا مسيحا
أيها الصقر الإلهي ترفّق
إن روحي تتمزق
إنها عادت هشيما يوم أن أمسيت ريحا
في غيمة الرؤيا
يوم بلا ميعاد
جنكيز هل يحيا
جنكيز في بغداد
عين بلا أجفان(57/242)
تمتد من روحي
شدق بلا أسنان
ينداح في الريح
يعوي أناالأنسان
-2-
يا جوادا راكضا يعدو على جسم الطريح
ياجوادا ساحقا عينيّ بالصخر السنابك
رابطا بالأربع الأرجل قلبي
فإذا بالنبض نقر للدرابك
و إذا بالنار دربي
سحّت الرؤيا ضياء من لظاها
صابغا ما تبصر العين القريح
مازجا بالشيء ظلّه
خالطا فيها يهوذا بالمسيح
مدخلا في اليوم ليلة
بانيا في عروة المهد الضّريح
الدماء
الدماء
الدماء
وحّدت بالمجرمين الأبرياء
نصبت في شدقيي الذئبة كرّسي القضاء
ماذا جنى شعبي
حلت به اللعنه
من زاده المحنه
رحماك يا ربي
من مائه الديدان
من لبسه الأكفان
من طيره الغربان
ينقرن في قلبي
و اليوم في بيدري
لم يبق من حبي
شيء هنا حبتان
فأمطري أمطري
و إن يكون نيران
و أثمري أثمري
و إن يكن ثعبان
-3-
ما الذي يبدو على الأشجار حولي من ظلال
منجل يجتثّ أعراق الدوالي
قاطعا أعراق تموز الدفينه
و على القنب أشلاء حزينة
رأس طفل سابح في دمه
نهد أم تنقر الديدان فيه في سكينة
أي آه من دم في فمه
ما الذي ينطف من حلمته من لحمه
يا حبال الفنب التقي كحيات السعير
و اخنقي روحي و خلي الطفل و الأم الحزينة
يا حبالا تسحب الموتى إلى قبر كبير
جفنة قد هيّأوها للوليمه
يا حبالا تسحب الأحياء من شيخ كبير
من فتاة أو عجوز من ضلوع حطموها
علقت فيها تميمة
من صدور مزّقوها
زرعوا فيها بذورا من رصاص من حديد
ما الذي تثمر هتيك البذور
غير أحجار القبور
غير تفاح الصديد
-4-
تموز هذا أتيس
هذا و هذا الربيع
يا خبزنا يا أتيس
أنبت لنا الحب و أحي اليبيس
إلتأم الحفل و جاء الجميع
يقدّمون النذور
يحيون كل الطقوس
و يبذرون البذور
سيقان كل الشجر
ضارعة و النفوس
عطشى تريد المطر
شدوا على كل ساق
يا رب تمثالك
فلتسق كل العراق
فلتسق فلاحيك عمالك
شدوا على كل ساق
أواه ما شدّوا
أواه ما سمروا
أغصان زيتوننا أثقلها الورد
ورد الدم الأحمر
شدوا على كل ساق
يارب تمثالك
فاسمع صلاة الرفاق
و لترع فلاحيك عمالك(57/243)
تمثالك البعل
تمثالك الطفل
تمثالك العذراء
تمثالك الجانون و الأبرياء
تمثالك الأمّ الشمالية
لأنها ليست شيوعية
يقطع نهداها
تسمل عيناها
تصل صلبا فوق زيتونة
تهزها الريح الجنوبية
تمثالك الآلاف مجنونه
من رعبها تمثالك الأحمر
كأنه الشقيق إذ يزهر
-5-
عشتار على ساق الشجرة
صلبوها دقوا مسمارا
في بيت الميلاد -الرّحم
عشتار بحفصة مستتره
تدعي لتسوق الأمطارا
تدعي لتساق إلى العدم
عشتار العذراء الشقراء مسيل الدم
صلّوا هذا طقس المطر
صلّوا هذا عصر الحجر
صلوا بل أصلوها نارا
تموز تجسّد مسمارا
من حفصة يخرج و الشجرة
النهد الأعذر فاض ليطعم كل فم
خبز الألم
الأقة صاح القصّاب
من هذا اللحم بفلسين
إقطع من لحم النهدين
اللحم لنا و الأثواب
ستكون لمس السكينه
من آثار دم الأطفال
من آثار دم المسكّينه
فتلحي زنود العمال
في قلبي دمدم زلزال
فجنائن بابل تندثر
في قلبي يصرخ أطفال
في قلبي يختنق القمر
الظلمة تعبس في قلبي
و الجور رصاص
و الريح تهب على شعبي
و الريح رصاص
أواه لقد هجم التتر
فالصبح رصاص
و الليل رصاص
-6-
الرؤيا تلمح كالقلع
في بحر يزبد غضبانا
طور للأغوار و أحيانا
يعلو فنراه و في سمعي
أصداء تصمت أو تعلو
و بياني يغمض أو يجلو
أي حشد من وجوه كالحات
من أكفّ كالتراب
نبتها الآجرّ و الفولاذ كالأرض اليباب
أي حشد من ذئاب
يطعمون الجو ريح المعمل
أي نعش أي شكوى أي دمع من نساء ثاكلات
أي جمع من عذارى نادبات
أي موت مثكل
يا لعشتاراتنا يبكين تموز القتيل
العازر قام من النعش
شخنوب العازر قد بعثا
حيا يتقافز أو يمشي
كم ظلّ هناك و كم مكثا
أترى عاما أم عامين
أم دامت ميتته ساعة
شخنوب العامل من راعه
فتنكر للدينارين
و تواثب يركض مذعورا
الموت الزائف خاتمة
لحياة زائفة مثله
و البعث الزائف عاقبة
للموت الزائف من قبله
-7-
و لفني الظلام في المساء
فامتصت الدماء
صحراء نومي تنبت الزهر
فإنما الدماء
توأم المطر(57/244)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> قاريء الدم
قاريء الدم
رقم القصيدة : 68096
-----------------------------------
أنا أيها الطاغوت مقتحم الرتاج على الغيوب
أبصرت يومك و هو يأزف
هذه سحب الغروب
يتوهج الدم في حفافيها و تنثر في الدروب
شفق البنفسج و الورود و لون أردية الضحايا
فتشع أعمدة عوابس و الرصيف من الصبايا
و النسوة المتهامسات كحقل قمح و السطوح
كأن بابل أودعتها من جنائنها بقايا
لو أن غرسا كان بشر و أسمع من يصيح
هو ذا يساق إلى الحساب كأن أعراق المغيب
قطعت فصاح كأن صوتا على لظى حملته ريح
من كل أودية الجحيم هواه
إني شهدت سواك ينسفه اختناق للصدور
بغيظها وسمعت قفقفة الضحايا في القبور
و دم الحوامل و هو تشربه الأجنحة في دجاها
فسمعت وقع خطاك خائرة تجر إلى السعير
حطام جسمك و السعير مدى تراها
تحتز من قصبات صدرك ثأر كل دم العصور
إني أكلت مع الضحايا في صحاف من دماء
و شربت ما ترك الفم المسلول منه على الوعاء
و شمعت ما سلخ الجذام من الجلود على ردائي
و نشقت ماء جوارب السجناء في نفس الهواء
فشممت فيه دخان دارك و احتراق بنيك فيها
و شواء لحم بنيك لولا أن شيمة محرقيها
ألا يذوق الأبرياء جزاء غير الأبرياء
إني شببت مع الجياع مع الملايين الفقيرة
فعرفت أسرارا كثيرة
كل اختلاجات القلوب و كل ألوان الدعاء
إغضاءة المقل الضريره
يتطلع الدم في ظلام جفونهنّ إلى الضياء
و الحاملات نذورهن إلى قبور الأولياء
ألموقدات شموعهن تلق ألسنها الكثيرة
كسر الرغيف و يعتصرن دم الثدي إلى الدماء
و تأوه المستنقعات وزفة البرديّ فيها
و طنين أجنحة البعوض كأن غرقي ساكنيها
يتنفسون من القرار و يضرعون إلى السماء
أن ينجو الأطفال من غرق وحمّى في الهواء
و ملالة الأكواخ تشرب كل أمطار الشتاء
حتى تغص بها فللقصب النقيع بكل ماء
شهقات محتضر يغر و إن تقيأ بالدواء
و تنهد الأشجار عطشى يابسات في الظهيرة
تنكسر الورقات فيها و المناقير الصغيرة(57/245)
فكأن مقبرة الهجيرة
تمتص من رحم الحياة لتسفي الموتى عصيره
أنا قاريء الدم لا تراه و أنت أنت المست بيح
أفلست تجرؤ أن تحدق فيه علك تستريح
من ازدياد دم تذر على جفونك منه نار
لزج يسل مع الرقاد كأن بؤبؤك الذبيح
قابيل حدق في دماء أخيه أمس
و أنت يأخذك الدوار
من رؤية الدم و هو ينزف ثم يركد فالغبار
من تحته كفم الرضيع له اختلاج و افترار
أتخاف أن تطأ النبؤة مقلتيك هو الدمار
أتخاف منها أن تفرّ كأن سرب قطا يثار
فأنت مع هلع تخض إلى المشاش هو الدمار
إني خبرت الجوع يعصر من دمي و يمصّ مائي
و عرفت ما قلق الطريد يكاد كل فم ورائي
يعوي ب ها هو ذا و توشك كل عين ألتقيها
أن يومض اسمي في قرارتها و جهلي بالدروب
و لست أسأل عابريها عن بعيد عن قريب
من منتهاها و اكتئابي و الحنين مع الغروب
و توقع المتعقبين خطاي أحسست في صداها
وقع الخطى و أكاد ألتفت التفاتة مستريب
ألا تشد يد على كتفي و أوشك أن أرها
أعرفت ذاك ؟ فسوف تعرف منه دنيا في مداها
تصطف أعمدة عوابس ثم تسمع من يصيح
هوو ذا يساق إلى الحساب كأنما اطرحت رداها
جثت القبور كأن صوتا من لظى حملته ريح
من كل أدوية الجحيم هوا..ه
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> ثعلب الموت
ثعلب الموت
رقم القصيدة : 68097
-----------------------------------
كم يمضّ الفؤاد أن يصبح الإنسان صيدا لررمية الصياد
مثل أيّ الظباء أيّ العصافير ضعيفا
قابعا في ارتعادة الخوف يختضّ ارتياعا لأن ظلا مخفيا
يرتمي ثمّ يرتمي في اتّئاد
ثعلب الموت فارس الموت عزرائيل يدنو و يشحذ
النصل . أه
منه آه يصكّ أسنانه الجوعى و يرنو مهددا يا إلهي
ليت أن الحياة كانت فناء
قبل هذا الفناء هذي النهاية
ليت هذا الختام كان ابتداء
واعذاباه إذ ترى أعين الأطفال هذا المهدد المستبيحا
صابغا بالدماء كفّيه في عينيه نار و بين فكيه نار
كم تلوّت أكفّهم و استجاروا
و هو يدنو كأنه احتثّ ريحا
مستبيحا
مستبيحا مهدّدا مستبيحا(57/246)
من رآها دجاجة الريف إذ يمسي عليها المساء في بستانه
حين ينسل نحوها الثعلب الفرّاس يا للصريف من أسنانه
و هي تختص شلّها الرعب أبقاها بحيث الردى
كأنّ الدروب
استلّها مارد كأنّ النيوبا
سور بغداد موصد الباب لا منجى لديه و لا خلاص ينال
هكذا نحن حينما يقبل الصياد عزريل
رجفة فاغتيال
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> المبغى
المبغى
رقم القصيدة : 68098
-----------------------------------
بغداد مبغى كبير
احظ المغنّية
كساعة تتكّ في الجدار
في غرفة الجلوس في محطّة القطار
يا جثة على الثرى مستلقية
الدود فيها موجة من اللهيب و الحرير
بغداد كابوس ( ردي فاسد
يجرعه الراقد
ساعاته الأيام أيامه الأعوام و العام نير
العام جرح ناغر في الضمير )
عيون المها بين الرصافة و الجسر
ثقوب رصاص رقشت صفحة البدر
و يسكب البدر على بغداد
من ثقبي العينين شلالا من الرماد
الدور دار واحدة
و تعصر الدروب كالخيوط كلّها
في قبضة ماردة
تمطّها تشلّها
تحيلها دربا إلى الهجير
و أوجه الحسان كلهنّ وجه ناهده
حبيبتي التي لعابها عسل
صغيرتي التي أردافها جبل
و صدرها قلل
و نحن في بغداد من طين
يعجنه الخزّاف تمثالا
دنيا كأحلام المجانين
و نحن ألوان على لجها المرتجّ أشلاء و أوصالا
بالأمس كان العيد عيد الزهور
الزاد تحثوه الربى و الخمور
و الرقص و الأغنيات
و الحب و الكركرات
ثم انتهى إلا بقايا طيور
تلتقط الحبّ و إلاّ دماء
مما نماه الحقل طير وشاء
و غير أطفال يطوفون أور
العيد من قال انتهى عيدنا
فلتملأ الدنيا أناشيدنا
فالأرض ما زالت بعيد تدور
بالأمس كان العيد عيد الزهور
و اليوم ما نفعل
نزرع أم نقتل
أهذه بغداد
أم أن عاموره
عادت فكان المعاد
موتا و لكنني في رنّة الأصفاد
أحسست ماذا صوت ناعوره
أم صيحة النّسغ الذي في الجذور
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> النهر و الموت
النهر و الموت
رقم القصيدة : 68099
-----------------------------------(57/247)
بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قرار البحر
الاء في الجرار و الغروب في الشجر
و تنضح الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
بويب يا بويب
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
أود لو عدت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النّذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرّة التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
و يملأ السّلال
بالماء و الأسماك و الزهر
أود لو أخوض فيك أتبع القمر
و أسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر
و السمك الساهر هل ينام في السّحر
و هذه النجوم هل تظل في انتظار
تطعم بالحرير آلافا من الإبر
و أنت يا بويب
أود لو عرفت فيك ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه و الشّجر
ما تنضح النجوم و القمر
و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
فالموت عالم غريب يفتن الصّغار
و بابه الخفي كان فيك يا بويب
عشرون قد مضين كالدّهور كل عام
و اليوم حين يطبق الظلام
و أستقرّ في السرير دون أن أنام
و أرهف الضمير دوحة إلى السّحر
مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
أحسّ بالدّماء و الدموع كالمطر
ينضحهنّ العالم الحزين
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصة يشق ثلجها الزّؤام
أعماق صدري كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحين
أشدّ قبضتيّ ثم اصفح القدر
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
و أبعث الحياة إن موتى انتصار
لأحمل العبء مع البشر
و أبعث الحياة إن موتى انتصار
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> المسيح بعد الصلب
المسيح بعد الصلب
رقم القصيدة : 68100
-----------------------------------
بعدما أنزلوني سمعت الرياح
في نواح طويل تسف النخيل
و الخطى و هي تنأى إذن فالجراح
و الصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل
لم تمتني و أنصتّ كان العويل
يعبر السهل بيني و بين المدينة(57/248)
مثل حبل يشدّ السفينة
و هي تهوي إلى القاع كان النواح
مثل خيط من النور بين الصباح
و الدجى في سماء الشتاء الحزينة
ثم تغفو على ما تحسّ المدينة
حينما يزهر التوت و البرتقال
حيت تمتدّ جيكور حتى حدود الخيال
حين تخضرّ عشبا يغنّي شذاها
و الشموس التي أرضعتها سناها
حين يخضرّ حتى دجاها
يلمس الدفء قلبي فيجرى دمي في ثراها
قلبي الشمس إذ تنبض الشمس نورا
قلبي الأرض تنبض قمحا وزهرا و ماء نميرا
قلبي الماء قلبي هو السنبل
موته البعث يحيا بمن يأكل
في العجين الذي يستدير
ويدحى كنهد صغير كثدي الحياه
متّ بالنار أحرقت ظلماء طيني فظلّ الإله
كنت بدءا و في البدء كان الفقير
متّ كي يؤكل الخبز باسمي لكني يزرعوني مع الموسم
كم حياة سأحيا ففي كل حفرة
صرت مستقبلا صرت بذره
ذرت جيلا من الناس في كل قلب دمي
قطرة منه أو بعض قطرة
هكذا عدت فاصفرّ لما رآني يهوذا
فقد كنت سره
كأن ظلا قد اسود مني و تمثال فكره
جمّدت فيه و استلّت الروح منها
خاف أن تفضح الموت في ماء عينيه
عيناه صخرة
راح فيها يواري عن الناس قبره
خاف من دفنها من محال عليه فخبّر عنها
أنت أم ذاك ظلي قد أبيضّ وارفضّ نورا
أنت من عالم الموت تسعى هو الموت مرّه
هكذا قال آباؤنا هكذا علمونا فهل كان زورا
ذاك ما ظنّ لما رآني و قالته نظرة
قدم تعدو قدم قدم
القبر يكاد بوقع خطايا ينهدم
أترى جاءوا من غيرهم
قدم قدم قدم
ألقيت الصخر على صدري
أو ما صلبوني أمس فها أنا في قبري
فليأتوا إني في قبري
من يدري أني من يدري
ورفاق يهوذا من سيصدق ما زعموا
قدم قدم
ها أنا الأن عريان في قبري المظلم
كنت بالأمس ألتف كالظن كالبرعم
تحت أكفاني الثلج يخضل زهر الدم
كنت كالظل بين الدجى و النهار
ثم فجرت نفسي كنوزا فعرّيتها كالثمار
حين فصلت جيبي قماطا و كمّي دثار
حين دفأت يوما بلحمي عظام الصغار
حين عريت جرحي و ضمدت حرجا سواه
حطم السور بيني و بين الإله
فاجأ الجند حتى جراحي و دقات قلبي(57/249)
فاجأوا كل ما ليس موتا و إن كان في مقبرة
فاجأوني كما فاجأ النخلة المثمرة
سرب من الطير في قرية مقفرة
أعين البندقيات يأكلن دربي
شرع تحلم النار فيها بصلبي
إن تكن من حديد و نار فأحداق شعبي
من ضياء السماوات من ذكريات و حب ّ
تحمل العبء عني فيندى صليبي فما أصغر
ذلك الموت موتي و ما أكبره
بعد أن سمّروني و ألقيت عينيّ نحو المدينة
كدت لا أعرف السهل و السور و المقبرة
كان شيء مدى ما ترى العين
كالغابة المزهرة
كان في كلّ مرمى صليب و أم حزينة
قدس الربّ
هذا مخاض المدينة
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> مدينة السندباد
مدينة السندباد
رقم القصيدة : 68101
-----------------------------------
جوعان في القبر بلا غذاء
عريان في الثلج بلا رداء
صرخت في الشتاء
أقضّ يا مطر
مضاجع العظام و الثلوج و الهباء
مضاجع الحجر
و أنبت البذور و لتفتح الزّهر
و أحرق البيادر العقيم بالبروق
و فجّر العروق
و أثقل الشجر
و جئت يا مطر
تفجّرت تنثك السماء و الغيوم
و شقّق الصخر
و فاض من هباك الفرات و اعتكر
و هبّت القبور هزّ موتها و قام
و صاحت العظام
تبارك الأله واهب الدّم المطر
فآه يا مطر
نودّ لو ننام من جديد
نودّ لو نموت من جديد
فنومنا براعم انتباه
و موتنا يخبّيء الحياه
نود لو أعادنا الإله
إلى ضمير غيبة الملبّد العميق
نود لو سعى بنا الطريق
إلى الوراء حيث بدؤه البعيد
من أيقظ العازر من رقاده الطويل
ليعرف الصباح و الأصيل
و الصيف و الشتاء
لكي يجوع أو يحسّ جمرة الصدى
و يحذر الردى
و يحسب الدقائق الثّقال و السّراع
و يمدح الرعاع
و يسفك الدماء
من الذي أعادنا أعاد ما نخاف
من الإله في ربوعنا
تعيش ناره على شموعنا
يعيش حقده على دموعنا
-2-
أهذا أدونيس هذا الحواء
و هذا الشحوب و هذا الجفاف
أهذا أودنيس أين الضياء
و أين القطاف
مناجل لا تحصد
أزاهر لا تعقد
مزارع سوداء من غير ماء
أهذا انتظار السنين الطويله
أهذا صراخ الرجوله(57/250)
أهذا أنين النساء
أودنيس يا لاندحار البطوله
لقد حطم الموت فيك الرجاء
و أقبلت بالنظرة الزائغة
و بالقبضة الفارغة
بقبضة تهدّد
و منجل لا يحصد
سوى العظام و الدم
اليوم و الغد
متى سيولد
متى سنولد
-3-
الموت في الشوارع
و العقم في المزارع
و كلذ ما نحبّه يموت
الماء قيّدوه في البيوت
و ألهث الجداول الجفاف
هم التتار أقبلوا ففي المدى رعاف
و شمسنا دم و زادنا دم على الصّحاف
محمد اليتيم أحرقوه فالمساء
يضيء من حريقه و فارت الدماء
من قدميه من يديه من عيونه
و أحرق الإله في جفونه
محمّد النبيّ في حراء قيّدوه
فسمّر النهار حيث سمّروه
غدا سيصلب المسيح في العراق
ستأكل الكلاب من دم البراق
-4-
يا أيها الربيع
يا أيها الربيع ما الذي دهاك
جئت بلا مطر
جئت بلا زهر
جئت بلا ثمر
و كان منتهاك مثل مبتداك
يلفه النجيع
و أقبل الصيف علينا أسود الغيوم
نهاره هموم
و ليله نسهر فيه نحسب النجوم
حتى إذا السنابل
نضحن للحصاد
و غنت المناجل
و غطت البيادر الوهاد
خيّل للجياع أنّ ربّه الزّهر
عشتار قد أعادت الأسير للبشر
و كللت جبينه الغضير بالثمر
خيّل للجياع أنّ كاهل المسيح
أزاح عن مدفنه الحجر
فسار يبعث الحياة في الضّريح
و يبريء الأبرص أو يجدّد البصر
من الذي أطلق من عقالها الذئاب
من الذي سقى من السّراب
و خبأ الوباء في المطر
الموت في البيوت يولد
يولد قابيل لكي ينتزع الحياة
من رحم الأرض و من منابع المياه
فيظلم الغد
و تجهض النساء في المجازر
و يرقص اللهيب في البيادر
و يهلك المسيح قبل العازر
دعوه يرقد
دعوه فالمسيح ما دعاه
ما تبتغون لحمه المقدّد
يباع في مدينة الخطاه
مدينة الحبال و الدماء و الخمور
مدينة الرصاص و الصخور
أمس أزيح من مداها فارس النّحاس
أمس أزيح فارس الحجر
فران في سمائها النعاس
و رنق الضجر
و جال في الدروب فارس من البشر
يقتل النساء
و يصبغ المهود بالدماء
و يلعن القضاء و القدر
-5-
كأن بابل اغلقديمة المسوّرة
تعود من جديد(57/251)
قبابها الطوال من حديد
يدق فيها جرس كأنّ مقبره
تئن فيه و السماء ساح مجزره
جنانها المعلقات زرعها الرؤوس
تجرها قواطع الفؤوس
و تنقر الغربان من عيونها
و تغرب الشموس
وراء شعرها الخصيب في غصونها
أهذه مدينتي ؟ أهذه الطلول
خطّ عليها عاشت الحياة
من دم قتلاها فلا إله
فيها و لا ماء و لا حقول
أهذه مدينتي ؟ خناجر التتر
تغمد فوق بابها و تلهث الفلاه
حول دروبها و لا تزورها القمر
أهذه مدينتي أهذه الحفر
و هذه العظام
يطلّ من بيوتها الظلام
و تصبغ الدماء بالقتام
لكي تضيع لا يراها قاطع الأثر
أهذه مدينتي جريحة القباب
فيها يهوذا أحمر الثياب
يسلّط الكلاب
على مهود إخوتي الصغار و البيوت
تأكل من لحومهم و في القرى تموت
عشتار عطشى ليس في جبينها زهر
و في يديها سلة ثمار حجر
ترجم كل زوجة به و للنخيل
في شطّها عويل
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> أنشودة المطر
أنشودة المطر
رقم القصيدة : 68102
-----------------------------------
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء .. كالأقمار في نهر
يرجّه المجداف وهنا ساعة السّحر
كأنما تنبض في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه و ارتعاشة الخريف
و الموت و الميلاد و الظلام و الضياء
فتستفيق ملء روحي رعشة البكاء
.كنشوة الطفل إذا خاف من القمر
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
.. وقطرة فقطرة تذوب في المطر
وكركر الأطفال في عرائش الكروم
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر
مطر
مطر
تثاءب المساء و الغيوم ما تزال
تسح ما تسحّ من دموعها الثقال
كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه - التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لج ّفي السؤال
قالوا له : " بعد غد تعود" -
لابد أن تعود
و إن تهامس الرفاق أنّها هناك
في جانب التلّ تنام نومة اللحود
تسفّ من ترابها و تشرب المطر(57/252)
كأن صيادا حزينا يجمع الشّباك
ويلعن المياه و القدر
و ينثر الغناء حيث يأفل القمر
المطر
المطر
أتعلمين أيّ حزن يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع؟
بلا انتهاء_ كالدّم المراق، كالجياع
كالحبّ كالأطفال كالموتى - هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحل العراق بالنجوم و المحار
كأنها تهمّ بالبروق
فيسحب الليل عليها من دم دثار
أصيح بالخيلج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الرّدى
فيرجع الصدى
كأنه النشيج
يا خليج"
" يا واهب المحار و الردى
أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
و يخزن البروق في السهول و الجبال
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرّجال
لم تترك الرياح من ثمود
في الواد من اثر
أكاد اسمع النخيل يشرب المطر
و اسمع القرى تئن و المهاجرين
يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع
عواصف الخليج و الرعود منشدين
مطر
مطر
مطر
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان و الجراد
و تطحن الشّوان و الحجر
رحى تدور في الحقول ... حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم اعتللنا - خوف أن نلام - بالمطر
مطر
مطر
و منذ أن كنا صغارا، كانت السماء
تغيم في الشتاء
و يهطل المطر
وكل عام - حين يعشب الثرى- نجوع
ما مرّ عام و العراق ليس فيه جوع
مطر
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنّة الزّهر
و كل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على ف الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
مطر
مطر
مطر
. سيعشب العراق بالمطر
أصيح بالخليج يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
كأنّه النشيج
يا خليج
يا واهب المحار و الردى
وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال رغوه الاجاج و المحار
و ما تبقى من عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج و القرار(57/253)
و في العراق ألف أفعى تشرب الرّحيق
من زهرة يربها الرفات بالنّدى
و اسمع الصدى
يرنّ في الخليج
مطر"
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنّة الزّهر
وكل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حُلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
ويهطل المطر
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> سوبروس في بابل
سوبروس في بابل
رقم القصيدة : 68103
-----------------------------------
ليعو سربروس في الدروب
في بابل الحزينة المهدمة
و يملأ الفضاء زمزمه
يمزق الصغار بالنيوب يقضم العظام
و يشرب القلوب
عيناه نيزكان في الظلام
و شدقه الرهيب موجتان من مدى
تخبيء الردى
أشداقه الرهيبة الثلاثة احتراق
يؤجّ في العراق
ليعو سربروس في الدروب
و ينبش التراب عن إلهنا الدفين
تموزنا الطعين
يأكله يمص عينيه إلى القرار
يقصم صلبه القوي يحطم الجرار
بين يديه ينثر الورود و الشقيق
أواه لو يفيق
إلهنا الفتيّ لو يبرعم الحقول
لو ينثر البيادر النضار في السهو
لو ينتضي الحسام لو يفجر الرعود و البرق و المطر
و يطلق السيول من يديه آه لو يؤوب
لحافنا التراب فوقه من القمر
دم و من نهود نسوة العراق طين
و نحن إذ نبضّ من مغاور السنين
نرى العراق يسأل الصغار في قراره
ما القمح ما الثمر
ما الماء ما المهود ما الإله ما البشر
فكل مانراه
دم يتر أو حبال فيه أو حفر
أكانت الحياه
أحب أن تعاش و الصغار آمنين
أكانت الحقول تزهر
أكانت السماء تمطر
أكانت النساء و الرجال مؤمنين
بأنّ في السماء قوة تدبر
تحسّ تسمع الشكاة تبصر
ترقّ ترحم الضّعاف تغفرالذنوب
أكانت القلوب
أرق و النفوس بالصفاء تقطر
و أقبل إلهة الحصاد
رفيقة الزهور و المياه و الطيوب
عشتار ربّة الشمال و الجنوب
تسير في السهول و الوهاد
تسير في الدروب
تلفظ منها لحم تموز إذا انتثر
تلمه في سله كأنه الثمر
لكنّ سربروس بابل الجحيم(57/254)
يحب في الدروب خلفها و يركض
يمزق النعال في أقدامها يعضعض
سيقانها اللدان ينهش اليدين أو يمزّق الرداء
يلوث الوشاح بالدم القديم
يمزج الدم الجديد بالعواء
ليعو سوبروس في الدروب
لينهش الألهة الحزينة الألهة المروّعة
فأن من دمائها ستخضب الحبوب
سينبت الاله فالشرائح الموزّعة
تجمعت تململت سيولد الضياء
من رحم ينزّ بالدماء
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> مدينة بلا مطر
مدينة بلا مطر
رقم القصيدة : 68104
-----------------------------------
مدينتنا تؤرّق ليلها نار بلا لهب
تحمّ دروبها و الدّور ثم تزول حمّاها
و يصبغها الغروب بكل ما حملته من سحب
فتوشك أن تطير شراره و يهب موتاها
صحا من نومه الطينيّ تحت عرائش العنب
صحا تموز عاد لبابل الخضراء يرعاها
و توشك أن تدق طبول بابل ثم يغشاها
صفير الريح في أبراجها و أنين مرضاها
و في غرفات عشتار
تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار
و يرتفع الدعاء كأن كل حناجر القصب
من المستنقعات تصيح
لاهثة من التعب
تؤوب إله الدم خبز بابل شمس آذار
و نحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار
لنسأل عن هداياها
جياع نحن و اأسفاه فارغتان كفّاها
و قاسيتان عيناها
و باردتان كالذهب
سحائب مرعدات مبرقات دون إمطار
قضينا العام بعد العام بعد العام نرعاها
وريح تشبه الإعصار لا مرّت كإعصار
و لا هدأت ننام و نستفيق و نحن نخشاها
فيا أربابنا المتطلعين بغير ما رحمه
عيونكم الحجار نحسّها تنداح في العتمة
لترجمنا بلا نقمة
تدور كأنهن رحى بطيئات تلوك جفوننا
حتى ألناها
عيونكم الحجار كأنّها لبنان أسوار
بأيدينا بما لا تفعل الأيدي بنيناها
عذارانا حزاني ذاهلات حول عشتار
يغيض الماء شيئا بعد شيء من محيّاها
و غصنا بعد غصن تذبل الكرمة
بطيء موتنا المنسلّ بين النور و الظلمة
له الويلات من أسد نكابد شدقه الأدرد
أنار البرق في عينيه أم من شعله المعبد
أفي عينيه مبخرتان أوجرتا لعشتار
أنافذتان من ملكوت ذات العالم الأسود(57/255)
هنالك حيث يحمل كل عام جرحة الناريّ
جرح العالم الدوار فاديه
و منقذه الذي في كل عام من هناك يعود بالازهار
و الأمطار تجرحنا يداه لنستفيق على أياديه
و لكن مرّت الأعوام كثرا ما حسبناه
بلا مطر و لو قطرة
و لا زهرة و لو زهرة
بلا ثمر كأنّ نخيلنا الجرداء أنصاب أقمناها
لنذبل تحتها و نموت
سيدنا جفانا آه يا قبره
أما في قاعك الطيني من جرّة
أما فيها بقايا من دماء الرب أو بذره
حدائقه الصغيرة أمس حعنا فافترسناها
سرقنا من بيوت النمل من أجرانها دخنا و شوفانا
و أوشابا زرعناها
فوفّينا و ما وفى لنا نذره
و سار صغار بابل يحملون سلال صبّار
و فاكهة من الفخّار قربانا لعشتار
و يشعل خاطف البرق
بظل من ظلال الماء و الخضراء و النار
و جوههم المدوّرة الصغيرة و هي تستسقي
فيوشك أن يفتّح و هي تومض حقل نوار
ورفّ كأنّ ألف فراشة نثرت على الأفق
نشيدهم الصغير
قبور إخوتنا تنادينا
و تبحث عنك أيدينا
ل؟أن الخوف ملء قلوبنا و رياح آذار
تهز مهودنا فنخاف و الأصوات تدعونا
جياع نحن مرتجفون في الظلمة
و نبحث عن يد في الليل تطعمنا تغطّينا
نشد عيوننا المتلفتات بزندها العاري
و نبحث عنك في الظلماء عن ثديين عن حلمة
فيا من صدرها الأفق الكبير و ذديها الخيمة
سمعت نشيجنا و رأيت كيف نومت فاسقينا
نموت و أنت واأسفاه قاسية بلا رحمة
فيا آباءنا من يفتدينا من سيحيينا
و من سيمةت يولم لحمه فينا
و أبرقت السماء كأن زنبقة من النار
تفتح فوق بابل نفسها و أضاء وادينا
و غلغل في قراره أرضنا
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> بور سعيد
بور سعيد
رقم القصيدة : 68105
-----------------------------------
يا حاصد النار من أشلاء قتلاننا
منك الضحايا و إن كانوا ضحايانا
كم من ردى في حياة و انخذال ردى
في ميته و انتصار جاء خذلانا
إنّ العيون التي طفّأت أنجمها
عجلنّ بالشمس أن تختار دنيانا
و امتد كالنور في أعماق تربتنا
عرس لنا من دم و اخضلّ موتانا(57/256)
فازّلزلي يا بقايا كاد أولنا
يبقي عليها من الأصنام لولانا
نحن الذين اقتلعنا من أسافلها
لاة و عزّى و أعليناه أنسانا
حييت بورت سعيد من مسيل دم
لولا افتداء لما يغليه ماهانا
عاناك في الليّل داج من جحافلها
نورا من الله أعماها و نيرانا
ما عاد ليل قد استخفى بأقنعة
من أوجه الناس لولا أنت عريانا
ليل تعيد الكعوف السود آنية
فيها وفكا لموتاها و صوّانا
من بعض ما فيه من ظلماء ما عرفت
باسم لها فهي قبل اسم إذا كانا
حييت من قلعة ما آد كاهلها
عبء السماوات الا خفّ ايمانا
أمسكتها أن يميد الظالمون بها
دينا لنا وانتصارات وعنوانا
يا مرفأ النور ما أرجعت وادعة
من غير زاد ولا آويت قرصانا
ولا تلفظت من مرساك معتديا
الا مدمى ذليل الهام خزيانا
جمعت من شط صور لمح أحرفها
واخترت من بابل واحتزت مروانا
والنيل ساق العذارى من عرائسه
للخصب في موكب الفادين قربانا
فالويل لو كان للعادين ما قدروا
لانهدّ من حاضر ماض فأخزانا
فلا ابتنى هرما بان ولالبست
تيجانها في انتظار الروح موتانا
ولا تفجّر في ذي قار فتيتها
ولا تنفست الصحراء قرآنا
حييت موتى وأحياء وأبنية
مستشهدات أو استعصين أركانا
والنار والباذرون النار كم زرعوا
من كل ثكلى لعزرائيل بستانا
من كلّ وجه لطفل فيه زنبقة
تدمى وتلتم فيه الريح غربانا
الجوّ مما يلزّون الحديد به
قاع الجحيم التظى وانصبّ طوفانا
سقّاك من كل غيم فيه أحرزه
جوف الثرى واشتهته النار أزمانا
كأس الرّصاص التى غنى بتوأمها
سقراط وابتل منها جرح وهرانا
من أيّما رئة من أي قيثثارة
تنهلّ أشعاري
من غابة النار
أم من عويل الصبايا بين أحجار
منها تتر المياه السود و اللبن المشويّ كالقار
من أي أحداق طفل فيك تغتصب
من أي خبز و ماء فيك ما صلبوا
من أيّما شرفة من أيّما دار
تنهلّ أشعاري
كالثار
كالنور في رايات ثوّار
من مائك السهران أوتاري
أم برجك الهاري
يبكي دما من جرح بحّار
أطفالك الموتى على المرفأ
يبكون في الريح الشمالية(57/257)
و النور من مصباحه المطفأ
قد غار كالمديه
في صدري العاري
أطفالط الأموات عار الحديد
في عرسه الدامي و ذل الرصاص
مالوا بملك شقاء العبيد
و استترلوا أربابه للقصاص
في ساحة النار
يبكون في الريح الشمالية
أسرى على السّفن الصليبية
و الريح كالمدية
تجتثّ أظفاري
يبكون في داري
بالقشّ و الطين سدّوا كوّة القمر
و الريح في الشجر
قد كمّموا فاها
كي لا تصيح اخبئوا عن أعين الغجر
أطفالكم فهي ما ترتدّ أحداها
إلا و حال الذي تلقى إلى حجر
الريح قيثاري
قد كمّموا فاها
هاويك أعلى من الطاغوت فانتصبي
ماذلّ غير الصفا للنار و الخشب
حيّيت من قلعة شقّ الفضاء بها
أس لها في صدور الفتية العرب
الطين فيها دم منا و جندلها
من عزمة و الحديد الصاد من غضب
أنت السماوات و الأرض التي خلقت
في عشرة تحسب الأيام بالحقب
و الصخر فيك استمد الروح إذ لمست
عقم الجمادات فيه إصبع اللّهب
في كل أنقاض دار من صفاه يد
جبّارة تصفح العادين كالشعب
ما انهد إلا و أعلى في ضمائرنا
سدّا من الثار أعيى حيلة النوب
و الماء حتى زلال الماء فيك مدى
من فضة الله توهي جحفل الذهب
ما بل للجحفل المأجور غلته
حتى جبى قدر ماء من دم سرب
أملى على كل شيء فيك جوهرة
حلف لجيشين ذي قربى و ذي أرب
إن الحديد الذي صنت الحياة به
غير الحديد الذي وافاك بالعطب
و الخير في بندقيات قذائفها
حتف المغيرين و الميلاد في قضب
لكنه الشر في خبز حقائبه
عون لأعدائك الجوعى و في قرب
ليت المسيح الذي داجى بشرعته
من باع مثواه راء فيك عن كثب
خرس نواقيسك الثكلى و دامية
فيك الأناجيل و الموتى بلا صلب
و الحابس الماء عن جرحاك حملها
عبء الصليبيين من حمّى و من خشب
و استنطق الأم ثكلى أين جيرتها
من فتية لاصطياد العسكر اللجب
فالتم في مقلتيها و هي تنظره
كل المخاضات و التسهيد و النصب
كأنما استودعتها كل والدة
آجال كل الذراري طيلة الحقب
فاختارت الموت معلوكا مراضعها
معروكة في رحى تترى من الرّكب(57/258)
تفدي بما يستبيح الجند من دمها
و النار أعراض كل الخرد العرب
أبناء جنكيز في روح و إن بعدوا
في نسبة رب قربى دون منتسب
شر اللصوص إذا عف التتار فما
عفوا عن الريش و الأمال و اللّعب
فلتنفخ الصّور في أفريقيا أمم
بالأمس قد أنزلوها أسفل الرّتب
و لتسمعنّ الزنوج البيض صيحتها :
إنا إلى الله أدنى منك في نسب
حييت فالوحش أوهى فيك مخلبه
يا غابة النار قد أثمرت بالغلب
من أي عبء على روحي و مسما
من أعين في صليب تحت أسواري
تأتيك أشعاري
حمراء خضراء من جرح و من غار
خضراء من راية حمراء من نار
خضراء كالماء في فردوسك الجاري
يا ليت أوتاري
خضراء حمراء من قلبي و من ثاري
يا ليت أبواب قلبي منك تلتهب
يا ليتها فقل ليتها خشب
أو خرب الجند قلبي فهي تنتحب
في كل إعصار
سود كما اسودّت الأموات أنهاري
فالطين فيها فم يمتصّ أسفاري
و الريح في داري
سوداء ما رفّ منها بالّلظى عصب
لا تسألي بعد عنها إنها عشب
أعواده السود غذى عجله الذهب
منها فخبأت في عينيّ قيثاري
كوني لأشعاري
وحيا و شدّي ببأس منك أوتاري
يا مرفأ النور كن مرسى لأفكاري
يا مرفأ النار
الهبت أغواري
بالثار
مزّقت عنها سود أستار
فانهلت الشمس على داري
كم من دفين كل ماء القنال
في مده العاتي و في جزره
يلقى على صدره
عبئا من الظلماء كان القتال
من أجل أن يرتاح في قبره
ما كان إلاّ من دموع الرجال
و النسوة الباكين في قعره
هذا الذي بين العبابين سال
كالليل هذا الماء فوق القبور
كالنار كالإعصار كالداء
تختضّ في ليل الخليج الصدور
و الشمس تحسو كل ماء الصدور
في عالم لم تمش فيه العصور
من ملتقى للماء بالماء
كالليل هذا الماء ند الحياة
الموت و الميلاد بوّابتاه
في قاعة الموتى قد استبدلوا
بالنبض ما يرغي به المرجل
في موقرات من سفين الغزاه
بالموت مما يصنع المعمل
حتى إذا ما رش عار العتاه
بالدمع من عينيه و النار
من قالبه المورق بالغار
أنسانك العملاق ظلّ الإله
ظل الملايين التي مقلتاه(57/259)
عنها ترى ما في خيال تراه
هذا الذي أعصابها في قواه
أحيي دم الموتى فخرّ الطغاة
فليحرس الأحياء باب الحياة
غاص المغيرون عن واديك و انحسروا
فالأرض تدمى بقتلاها و تزدهر
و ازدارك الموت لا ملسا ملامحه
بيضا كما تهلك الأنعام و الشجر
حاشاك فالموت توري فيك حدّته
طعم الدم الحيّ ما يرقى به البشر
أخفاه عنك التزام فيك و اشتباك يد
في مثلها فهو حيث اجتازه البصر
حتى إذا ارتد و استبشعت صورته
أدركت أي انتصار ذلك الظّفر
أدركت أن الضحايا رد كاثرها
فيك الأقل المضحي أنها كثر
من سدد النار في أيديك يوردها
كيد المغيرين منه الظنّ و النظر
و احتاز في قليه الأحقاب يزرعها
في جانب منه و استبسالك الثمر
و استنفر الشرق حتى كاد ميته
يسعى أهذا صلاح الدين أم عمر
هذا الذي حدثتنا عنه أنفسنا
في كل دهياء نبلوها و ننتظر
هذا الذي كل عن سحق لبذرته
بالخيل و الذابلات الروم و التتر
يا أمة تصنع الأقدار من دمها
لا تيأسي أن سيف الدولة القدر
أعطى لكل انتصار فيك جدته
فاخضل واخضلت الآيات و السّور
في مسجد أم مشاء بأمته
فيه المصلين حتى كبّر الحجر
و استشرف الساح ناء عنه يحمله
ما بين جنبيه رام فيه منتصر
عين لسيناء ترقى كل رابية
فيها و عين النيل تنحدر
أو تنفض الأفق حتى ضاء من لهب
حملاقها فهي ممّا راء تستعر
جاؤوك جاء الصليبيون قاصفة
تنقض في أثر أخرى فاللظى مطر
في كل فانوس موتى من قذائفها
نور له اختضّت الأبعاد و العصر
فالشرق عار مدى عينيه منبسط
كالراحة الدور و الأكواخ و الحفر
يكاد يبصر ما أبقاه مكتدح
في جبهة و اغتذى من مقلة سهر
إيماضة البرق ألا أنها حقب
تطوى و مستقبل يبنى و يدّخر
المجد لله و الإنسان أن يدا
تحيي و قلبا يداوي منها أثر
يا قلعة النور تدمي كل نافذة
فيها و تلظى و لا تستلم الحجر
أحسست بالذل أن يلقاك دون دمي
شعري و أني بما ضحّيت أنتصر
لكنها باقة أسعى أليك بها
حمراء يخضل فيها من دمي زهر(57/260)
شعراء العراق والشام >> بدر شاكر السياب >> المومس العمياء
المومس العمياء
رقم القصيدة : 68106
-----------------------------------
الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه
والعابرون، إلى القرارة... مثل أغنية حزينه.
وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق،
كعيون ""ميدوزا""، تحجر كل قلب الضغينه،
وكأنها نذر تبشر أهل ""بابل"" بالحريق
من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف
من أي وجر للذئاب؟
من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟
""قابيل"" أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف
وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء
ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء
عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينة،
والليل زاد لها عماها.
والعابرون:
الأضلع المتقوّسات على المخاوف والظنون،
والأعين التعبى تفتش عن خيال في سواها
وتعد آنية تلألأ في حوانيت الخمور:
موتى تخاف من النشور
قالوا سنهرب، ثم لاذوا بالقبور من القبور!
أحفاد ""أوديب"" الضرير ووارثوه المبصورن.
جوكست أرملة كأمس، وباب ""طيبة"" ما يزال
يلقي ""أبو الهول"" الرهيب عليه، من رعب ظلال
والموت يلهث في سؤال
باق كما كان السؤال، ومات معناه القديم
من طول ما اهترأ الجواب على الشفاه.
وما الجواب؟
""أنا"" قال بعض العابرين...
وانسلّت الأضواء من باب تثاءب كالجحيم
يبحثن في النيران عن قطرات ماء... عن رشاش.
لا تنقلن خطاك فالمبغى ""علائي"" الأديم:
أبناؤك الصرعى تراب تحت نعلك مستباح،
يتضاحكون ويعولون.
أو يهمسون بما جناه أب يبرّؤه الصباح
مما جناه، ويتبعون صدى خطاك إلى السكون
الحارس المكدود يعبر متعبات،
النون في أحداقهن يرف كالطير السجين،
وعلى الشفاه أو الجبين
تترنح البسمات والأصباغ ثكلى، باكيات،
متعثرات بالعيون وبالخطى والقهقهات،
أوصال جندي قتيل كللوها بالزهور،
وكأنها درج إلى الشهوات، تزحمه الثغور
حتى تهدم أو يكاد. سوى بقايا من صخور.
جيف تستّر بالطلاء، يكاد ينكر من رآها(57/261)
أن الطفولة فجّرتها ذات يوم بالضياء
كالجدول الثرثار - أو أن الصباح رأى خطاها
في غير هذا الغار تضحك للنسائم والسماء،
ويكاد ينكر أن شقا لاح من خلل الطلاء
قد كان - حتى قبل أعوام من الدم والخطيئة -
ثغرا يكركر، أو يثرثر بالأقاصيص البريئه
لأب يعود بما استطاع من الهدايا في المساء:
لأب يقبل وجه طفلته الندي أو الجبين
أو ساعدين كفرختين من الحمائم في النقاء.
ما كان يعلم أن ألف فم كبئر دون ماء
ستمص من ذاك المحيا كل ماء للحياء
حتى يجف على العظام - وأن عارا كالوباء
يصم الجباه فليس تغسل منه إلا بالدماء
سيحل من ذاك الجبين به ويلحق بالبنين -
والساعدين الأبيضين، كما تنور في السهول
تفاحة عذراء، سوف يطوقان مع السنين
كالحيتين، خصور آلاف الرجال المتعبين
الخارجين خروج آدم، من نعيم في الحقول
تفاحة الدم والرغيف وجرعتان من الكحول
والحية الرقطاء ظل من سياط الظالمين
أتريد من هذا الحطام الآدمي المستباح
دفء الربيع وفرحة الحمل الغرير مع الصباح
ودواء ما تلقاه من سأم وذل واكتداح
المال، شيطان المدينه
إبر تسل بها خيوط من وشائع في الحنايا
وتظل تنسج، بينهن وبين حشد العابرين،
شيئا كبيت العنكبوت يخضه الحقد الدفين:
حقد سيعصف بالرجال
والأخريات، النائمات هناك في كنف الرجال
والساهرات على المهود وفي بيوت الأقربين
حول الصلاء بلا اطراح للثياب ولا اغتسال
في الزمهرير، ودون عد لليالى والسنين!
ويمر عملاق يبيع الطير، معطفه الطويل
حيران تصطفق الرياح بجانبيه، وقبضتاه
تتراوحان: فللرداء يد وللعبء الثقيل
يد، وأعناق الطيور مرنحات من خطاه
تدمي كأثداء العجائز يوم قطعها الغزاه
خطواته العجلي، وصرخته الطويلة ""يا طيور
هذي الطيور، فمن يقول تعال...""
أفزعها صداه
وتحسسته كأن باصرة تهم ولا تدور
في الراحتين وفي الأنامل وهي تعثر بالطيور،
وتوسلته: ""فدى لعينك - خلني. بيدي أراها"".
ويكاد يهتك ما يغلف ناظريها من عماها(57/262)
قلب تحرق في المحاجر واشرأب يريد نور!
وتمس أجنحة مرقطة فتنشرها يداها،
وتظل تذكر - وهي تمسحهن - أجنحة سواها
كانت تراها وهي تخفق... ملء عينيها تراها:
سرب من البط المهاجر، يستحث إلى الجنوب
أعناقه الجذلى... تكاد تزيد من صمت الغروب
صيحاته المتقطعات، وتضمحل على السهوب
بين الضباب، ويهمس البريد بالرجع الكئيب
ويرج وشوشة السكون
طلق... فيصمت كل شيء... ثم يلغط في جنون.
هي بطة فلم انتفضت؟ وما عساها أن تكون؟
ولعل صائدها أبوك، فإن يكن فستشبعون.
وتخف راكضة حيال النهر كي تلقى أباها:
هو خلف ذاك التل يحصد. سوف يغضب إن رآها.
مر النهار ولم تعنه... وليس من عون سواها
وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها.
يا ذكريات علام جئت على العمى وعلى السهاد؟
لا تمهليها فالعذاب بأن تمري في اتئاد.
قصي عليها كيف مات وقد تضرّج بالدماء
هو والسنابل والمساء -
وعيون فلاحين ترتجف المذلّة في كواها
والغمغمات: ""رآه يسرق""... ""واختلاجات الشفاه
يخزين ميتها، فتصرخ يا إلهي، يا إلهي
لو أن غير ""الشيخ""، وانكفأت تشد على القتيل
شفتين تنتقمان منه أسى وحبا والتياعا
وكأن وسوسة السنابل والجداول والنخيل
أصداء موتى يهمسون رآه يسرق في الحقول
حيث البيادر تفصد الموتى فتزداد اتساعا
وتحس بالدم وهو ينزف من مكان في عماها
كالماء من خشب السفينة، والصديد من القبور،
وبأدمع من مقلتيها كالنمال على الصخور
أو مثل حبات الرمال مبعثرات في عماها
يهوين منه إلى قرارة قلبها آها فآها.
ومن الملوم وتلك أقدار كتبن على الجبين؟
حتم عليها أن تعيش بعرضها، وعلى سواها
من هؤلاء البائسات وشاء رب العالمين
ألا يكون سوى أبيها - بين آلاف - أباها
وقضى عليه بأن يجوع
والقمح ينضج في الحقول من الصباح إلى المساء
وبأن يلص فيقتلوه... (وتشرأب إلى السماء
كالمستغيثة وهي تبكي في الظلام بلا دموع)
والله - عز الله - شاء
أن تقذف المدن البعيدة والبحار إلى العراق(57/263)
آلاف آلاف الجنود ليستبيحوا، في زقاق
دون الأزقة أجمعين
ذاك اسم جارتها الجديد، فليتها كانت تراها
هل تستحق اسما كهذا: ياسمين وياسمين؟
يا ليت حمالا تزوجها يعود مع المساء
لكن بائسة سواها حدثتها منذ حين
عن بيتها وعن ابنتيها، وهي تشهق بالبكاء
كالغيمة السوداء تنذر بالمجاعة والرزايا،
أزراره المتألقات على مغالق كل باب
مقل الذئاب الجائعات ترود غابا بعد غاب
وخطاه مطرقة تسمر، في الظلام، على البغايا
أبوابهن، إلى الصباح - فلا تجاهر بالخطايا
ويظل يخفرهن من شبع وينثر في الرياح
أغنية تصف السنابل والأزاهر والصبايا،
وتظل تنتظر الصباح وساعديه مع الصباح
تصغى - وتحتضن ابنتيها في الظلام - إلى النباح
وإلى الريح تئن كالموتى وتعول كالسبايا
وتجمع الأشباح من حفر الخرائب والكهوف
ومن المقابر والصحاري بالمئات وبالألوف..
فتقف من فزع وتحجب مقلتيها بالغطاء،
ويعود والغبش الحزين يرش بالطل المضاء
سعف النخيل... يعود من سهر يئن ومن عياء
- كالغيمة اعتصرت قواها في القفار، وترتجيها
عبر التلال قوي تجوع - لكي ينام إلى المساء:
عيش أشقّ من المنيّة، وانتصار كالفناء
وطوى يعب من الدماء وسمّ أفعى في الدماء
وعيون زان يشتهيها، كالجحيم يشعّ فيها
سخر وشوق واحتقار، لاحقتها كالوباء
والمال يهمس أشتريك وأشتريك فيشتريها
يا ليتها إذن انتهى أجل بها فطوى أساها!
لو أستطيع قتلت نفسي.. همسة خنقت صداها
أخرى توسوس: والجحيم؟ أتبصرين على لظاها؟
وإذا اكفهر وضاق لحدك، ثم ضاق، إلى القرار
حتى تفجر من أصابعك الحليب رشاش نار
وتساءل المكان فيم قتلت نفسك يا أثيمه؟
وتخطفاك إلى السعير تكفرين عن الجريمه.
أفتصرخين أبي فينفض راحتيه من الغبار
ويخف نحوك وهو يهتف قد أتيتك يا سليمه؟
حتى اسمها فقدته واستترت بآخر مستعار
هي - منذ أن عميت - ""صباح""...
فأي سخرية مريره!
أين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار
وبلا كواكب أو شموع أو كوى وبدون نار؟(57/264)
أو بعد ذلك ترهبين لقاء ربك أو سعيره؟
القبر أهون من دجاك دجى وأرفق، يا ضريره
يا مستباحة كالفريسة في عراء يا أسيره
تتلفتين إلى الدروب ولا سبيل إلى الفرار؟
وتحس بالأسف الكظيم لنفسها: لم تستباح؟
ألهر نام على الأريكة قربها... لم تستباح؟
شبعان أغفى، وهي جائعة تلم من الرياح
أصداء قهقهة السكارى في الأزقة، والنباح
وتعد وقع خطى هنا وهناك: ها هو
هو ذا يجيء - وتشرئبّ، وكاد يلمس ... ثم راح
وتدقّ في أحد المنازل ساعة... لم تستباح؟
الوقت آذن بانتهاء والزبائن يرحلون.
كالدرب تذرعه القوافل والكلاب إلى الصباح؟
الجوع ينخر في حشاها، والسكارى يرحلون،
مروا عليها في المساء وفي العشية ينسجون
حلما لها هي والمنون:
عصبات مهجتها سداه وكل عوق في العيون،
والآن عادوا ينقضون -
خيطا فخيطا من قرارة قلبها ومن الجراح -
ما ليس بالحلم الذي نسجوا ما لا يدركون ...
شيئا هو الحلم الذي نسجوا وما لا يعرفون،
هو منه أكثر: كالحفيف من الخمائل والرياح،
والشعر من وزن وقافية ومعنى، والصباح -
من شمسه الوضاء... وانصرفواسكارى يضحكون!
ستعيش للثأر الرهيب
والداء في دمها وفي فمها. ستنفث من رداها
في كل عرق من عروق رجالها شبحا من الدم واللهيب
شبحا تخطف مقلتيها أمس، من رجل أتاها
سترده هي للرجال، بأنهم قتلوا أباها
وتلقفوها يعبثون بها وما رحموا صباها،
لم يبتغوها للزواج لأنها امرأة فقيره،
واستدرجوها بالوعود لأنها كانت غريره،
وتهامس المتقولون فثار أبناء العشيره
متعطشين - على المفارق والدروب - إلى دماها.
وكأن موجة حقدها ورؤى أساها.
كانت تقرب من بصيرة لبها صورا علاها
صدأ المدينة وهي ترقد في القرارة من عماها:
كل الرجال؟ وأهل قريتها؟ أليسوا طيبين؟
كانوا جياعا - مثلها هي أو أبيها - بائسين،
هم مثلها - وهم الرجال - ومثل آلاف البغايا
بالخبز والأطمار يؤتجرون، والجسد المهين
هو كل ما يتملكون، هم الخطاة بلا خطايا
ليس الذين تغصبوها من سلالة هؤلاء:(57/265)
كانوا مقطبة الجباه من الصخور
ثمتص من فزع الضحايا زهوها ومن الدماء
متطلعين إلى البرايا كالصواعق من علاء!
وتحس، في دمها، كآبة كل أمطار الشتاء
من خفق أقدام السكارى، كالأسير وراء سور
يصغي إلى قرع الطبول يموت في الشفق المضاء.
هي والبغايا خلف سور، والسكارى خلف سور،
دميت أصابعهن: تحفر والحجارة لا تلين،
والسور يمضغهن ثم يقيئهن ركام طين:
وطلول مقبرة تضم رفات ""هابيل"" الجنين!
سور كهذان حدثوها عنه في قصص الطفوله:
""يأجوج"" يغرز فيه، من حنق أظافره الطويله
ويعض جندله الأصم، وكف ""مأجوج"" الثقيله
تهوي، كأعنف ما تكون على جلامده الضخام.
والسور باق لا يثل... وسوف يبقي ألف عام،
الطفل شاب وسورها هي ما يزال كما رآه
من قبل يأجوج البرايا توأم هو للسعير!
لص الحجارة من منازل في السهول وفي الجبال
يتواثب الأطفال في غرفاتها ويكركرون...
والأمهات يلدن والآباء للغد يبسمون،
لم يبق من حجر عليها فهي ريح أو خيال.
وأدار من خطم البلاد رحى، وساط من البطون
ما ترتعيه رحاه من لحم الأجنة والعظام،
وكشاطئين من النجوم على خليج من ظلام
يتحرقان ولا لقاء ويخمدان سوى ركام -
شق الرجال عن النساء سلالتين من الأنام
تتلاقيان مع الظلام وتفصلان مع الشروق:
لو يقطعون الليل بحثا والنهار - على سواها
في حسنها هي؟ في غضارة ناهديها أو صباها
وبسعرها هي ؟ أي شيء غير هذا يبتغون؟
عمياء أنت وحظك المنكود أعمى يا سليمه.
وتلوب أغنية قديمه
في نفسها وصدى يوشوش: يا سليمه، سليمه
نامت عيون الناس. آه... فمن لقلبي كي ينيمه؟
ويل الرجال الأغبياء، وويلها هي، من عماها!
لم أصبحوا يتجنبون لقاءها؟
عيونها، فيخلفوها وحدها إذ يعلمون
بأنها عمياء؟ فيم يكابرون ومقلتاها
أدري وتعرف أي شيء في البغايا يشتهون
بنظرة قمراء تغصبها من الروح الكسيره
لترش أفئدة الرجال بها، وكانوا يلهثون
في وجهها المأجور، أبخرة الخمور، ويصرخون
كالرعد في ليل الشتاء(57/266)